الجمع والفرق = كتاب الفروق

والد إمام الحرمين الجويني

الجمع والفرق أبو محمد عبد الله بن يوسف الجويني المتوفى سنه 438 هـ تحقيق ودراسة عبد الرحمن بن سلامة بن عبد الله المزيني الأستاذ المساعد بقسم الفقه بكلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم الجزء الأول كتاب الفروق هذا الكتاب عبارة عن رسالة علمية نال صاحبها بموجبها مرتبة الشرف الأولي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية دار الجيل

دار الجيل للنشر والطباعة والتوزيع جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولي 2004 م - 1424 هـ بيروت: البوشرية - شارع الفردوس - ص. ب: 8737 (11) - برقيا دار جيلاب هاتف: 689950 - 686651 - 689952/ فاكس: 689953 (009611) Email: [email protected] Website: www.daraljil.com القاهرة: هاتف: 5865659/ فاكس: 5870852 (00202) تونس: هاتف: 71922644/ فاكس: 71923634 (00216)

[مقدمة التحقيق]

" الباب الأول" ترجمة للمؤلف - وفيها مباحث اسمه ونسبه: هو الإمام أبو محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله من يوسف بن محمد بن حيويه الطائي السنبسي الجويني عربي الأصل حدث عن نفسه فقال: أنا من سنبس قبيلة من العرب. ميلاده: لقد بخلت علينا كتب التراجم في ذكر ميلاده أو الإشارة إليه فلم أعثر علي شي من ذلك فيما اطلعت عليه من الكتب. بلده: بلده هي جوين: بضم الجيم وفتح الواو وسكون الياء. وهي: كورة جليلة نزهة علي طريق القوافل من بسطام إلي نيسابور تسميها أهل خراسان "كويان " فعربت فقيل جوين حدودها متصلة بحدود بيهق من جهة القبلة وبحدود جاجرم من جهة الشمال وهي في أول هذه الكورة من جهة الغرب. وهي تشتمل علي (189) قرية, وجميع قراها متصلة كل واحدة بالأخرى وهي كورة مستطيلة بين جبلين في فضاء رحب، وبينها وبين نيسابور عشرة فراسخ، وسميت جوين بهذا الاسم نسبه إلي أحد أمرائها.

وهي بلدة مشهورة بعلمائها الأجلاء وينسب إليها كثير من الأئمة والعلماء غير أبي محمد منهم: 1) أبو عمران موسي بن عباس بن محمد الجويني، أحد الرحالين، ومن أعيان الرحالة في طلب الحديث، مات بجوين سنه (323 هـ). 2) هارون بن محمد بن موسي الجويني، ويكني أبا موسي، كان فقيهاً، أدبياً. 3) قال الحاكم: سمع قبل العشرة والثلاثمائة، وكان إذا ورد نيسابور تهتز مشايخنا لوروده. 4) يوسف بن عبد الله الجويني، والد أبي محمد، الأديب بجوين. 5) أبو الحسن علي بن يوسف الجويني المعروف بشيخ الحجاز، وهو أخو أبي محمد، وسيأتي ذكره، مات سنة (463 هـ). 6) إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني وسأفرد له ترجمة عند الكلام علي تلاميذ المؤلف. بيئته ونشأته: نشأ الشيخ أبو محمد في بيت علم وأدب، فكان والده أدبياً مرموقاً في جوين فقرأ عليه الأدب حتى صار إماماً فيه. ومن جانب آخر كان أخوه أبو الحسن علي بن يوسف الجويني المعروف بشيخ الحجاز، كان لطيفاً ظريفاَ فاضلاَ مشتغلاَ بالعلم والحديث، صنف كتاباَ في علوم الصوفية مرتباً مبوباً سماه " كتاب السلوه " هذا هو البيت الذي نشأ فيه الشيخ أبو

محمد، ومنه خرج ليكب علي دراسة العلوم الدينية حتى كان له المعرفة التامة بالفقه والأصول والتفسير. الحالة العلمية فيعصره: مما لاشك فيه أن الإنسان يتأثر ببيئته وبالجو الذي يحبط به، ولما كانت الحالة العلمية في عصر المؤلف أكثر الحالات تأثيراَ في حياته ومنهجه الفكري كان من الواجب أن نتحدث عن الحركة العلمية في هذا العصر، وقد عاش المؤلف رحمه الله في نهاية القرن الرابع وبداية الخامس ويعتبر هذا العصر من أزهي عصور العلم والثقافة وأكثر العصور إنتاجاَ للعلم والعلماء، ففي هذا العصر نبع كثير من العلماء في شتي الفنون وأثروا المكتبات في مختلف العلوم والفنون، وكان خلف هذه النهضة العلمية أسباب نذكر منها: أولاً: تشجيع الخلفاء والأمراء للعلماء: لقد برز في هذه الفترة من الخلفاء من يحب العلم وأهله، فالقادر بالله كان من سادات العلماء، تفقه وصنف ومن مصنفاتهم كتاب الأصول، فيه فضل الصحابة رضي الله عنهم وتكفير المعتزلة فكان يقرأ في كل جمعة ويحضره الناس. وكذلك القائم بأمر الله كان عالماً له عناية بالأدب ومعرفة حسنة بالكتابة. "وكان عضد الدولة يحب العلم والعلماء ويجري الرسوم للفقهاء والأدباء والقراء فرغب الناس في العلم وكان يتشاغل بالعلم ويؤثر مجالسة الأدباء علي منادمة الأمراء". فزهت بغداد في عصر هؤلاء وأصبحت منتجعاً للعلماء والأدباء.

وكان الوزير ابن عباد وزير مؤيد الدولة من العلم والفضيلة والإحسان إلي العلماء والفقراء علي جانب عظيم فكان يبعث في كل سنة إلي بغداد بخمسة آلاف دينار لتصرف علي أهل العلم. فهؤلاء عرفوا قيمة العلم والعلماء فشجعوا العلماء وشاركوهم نشاطاتهم العلمية فكان ذلك سبب ازدهار العلم ونبوغ العلماء. ثانياً: انتشار المدارس: لقد أنشئت في هذا العصر المدارس في العراق ونيسابور وغيرها لتقوم بنشر التعليم وإحياء العلوم، ومن أهم هذه المدارس: 1) مدرسة ابن فورك المتوفي سنة (406 هـ) بناها في نيسابور فأحيا الله به أنواعاً من العلوم. 2) مدرسة أبي بكر البستي المتوفي سنة (429 هـ) بناها لأهل العلم علي باب داره ووقف عليها جملة من ماله. 3) أنشأ الوزير نظام الملك المدارس في بغداد ونيسابور وغيرها. ثالثاً: دور الكتب: انتشرت في هذا العصر دور الكتب فكانت منتجع العلماء والباحثين ومن أشهرها: 1) دار الكتب في خراسان الذي أنشأها الأمير نوح الساماني صاحب خراسان، وكانت عديمة المثل فيها من كل فن ثم احترقت بعد ذلك.

2) دار العلم في بغداد أنشأها سابور بن أزد شير وزير بهاء الدولة وحمل إليها كتب العلم من كل فن وسماها دار العلم وكان فيها أكثر من عشرة آلاف مجلد وبقيت سبعين سنة إلي أن احترقت سنة (450 هـ). 3) دار العلم ودار الحكمة أنشأها جلال الملك بن عمار في طرابلس وجهزها بمائة ألف مجلد فنشرت العلوم والآداب. رحلاته وطلبه العلم: أدرك الشيخ أبو محمد أن العلم ليس له موطن فعزم علي الرحيل لطلب العلم فكان مقصده أولاً إلي نيسابور، واجتهد في التفقه علي أبي الطيب الصعلوكي ثم ارتحل إلي مرو قاصداً القفال المروزي فاشتغل عليه بمرو ولازمه واستفاد منه وانتفع به وأتقن عليه المذهب والخلاف وقرأ طريقته وأحكمها، فلما تخرج عاد إلي نيسابور سنه (407 هـ) وقعد للتدريس والفتوى، ومجلس المناظرة. ثم خرج إلي الحج مع أبي القاسم القشيري والشيخ أحمد البيهقي فسمع معهم الحديث ببغداد، والحجاز، من مشايخ عصره. صفاته ومنزلته: كان أبو محمد الجويني علي درجة رفيعة من الأخلاق والصفات الحميدة جعلت له مكانة عالية ومنزلة كبيرة بين العلماء حتى لقب بركن الإسلام.

وكان لفرط الديانة مهيباً، لا يجري بين يديه إلا الجد والكلام، أما في علم أو زهد وتحريض علي التحصيل. وكان حريصاً علي طلب العلم شغوفاً به حتى أنه كان يدعو في دعاء القنوت بقوله: اللهم لا تعقنا عن العلم بعائق ولا تمنعنا عنه بمانع. فاستجاب الله لدعائه حتى صار إمام عصره وأوحد زمانه علماً، وكان رحمه الله يقعد للتدريس والفتوى وتعليم الخاص والعام وكان ماهراً في إلقاء الدروس. أما زهده وروعه فقد بلغ في ذلك درجة رفيعة. قال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني: لو كان الشيخ أبو محمد في بني إسرائيل لنقل إلينا شمائله ولا فتخروا به ومن ورعه أنه ما كان يستند في داره المملوكة له إلي الجدار المشترك بينه وبين جيرانه، ولا يدق فيه وتداً، وأنه كان يحتاط في أداء الزكاة، حتي كان يؤدي في سنة واحده مرتين، حذراً من نسيان النية أو دفعها إلي غير المستحق. ومن ورعه أيضاً أنه كان حريصاً علي أن يكتسب من عمل يده، وأن لا يأكل ولا يطعم أهله وأولاده ما لا فيه شبهة. وقد ذكر عنه أنه كان في ابتداء أمره يعمل ناسخاً بالأجرة حتى اجتمع له شي فاشترى جارية صالحة ووطئها فلما وضعت إمام الحرمين وأوصاها أن لا ترضعه من غيرها فأرضعته يوماً مرضعة لجيرانهم، فلما علم بذلك أنكر ذلك، واجتهد في تقييئه حتى تقيأها وقال: هذه الجارية ليست ملكاً لنا، وليس لها أن تتصرف في لبنها، وأصحابها لم يأذنوا في ذلك، فانظر إلي هذا الشخص العجيب الذي يحاسب نفسه علي الصغيرة قبل الكبيرة.

مشايخه: لقد استقى الشيخ أبو محمد العلم من فحول العلماء الذين كان لهم مكانة علمية كبيرة في عصره، ولا شك أن لدراسة شيوخه الذين أخذ منهم العلم أهمية بالغة حيث إنها تظهر لنا الينابيع التي أخذ منها وأثرت في تكوين شخصيته العلمية، ولم يقتصر الشيخ أبو محمد علي فن دون فن بل كان يأخذ من علماء الأدب واللغة كما يأخذ من علماء الحديث والفقه والتفسير. وإليك أشهر مشايخه الذين أخذ عنهم: أولاً: مشايخه في الأدب: والده أبو يعقوب يوسف بن عبد الله الجويني، كان أدبيا مرموقاَ بجوين، قرأ عليه الشيخ أبو محمد الأدب. ولم أعثر علي ترجمة وافية لوالد الشيخ أبي محمد رغم البحث والاستقصاء في كتب الأدب والتراجم. ثانياَ: مشايخه في الحديث: 1) أبو بكر القفال سمع منه الشيخ أبو محمد وعليه تفقه وسأترجم له عند الكلام علي مشايخه في الفقه 2) الشيخ العالم مسند خراسان، أبو نعيم، عبد الملك بن الحسن بن محمد بن إسحق بن الأزهر الأزهري الاسفرايني. حدث عن خال أبيه أبي عوانة بكتابه " المسند الصحيح" سمعه بقراءة والده الحافظ. كان أبو نعيم رجلاَ صالحاً ثقة، حضر إلي نيسابور في آخر عمره. 3) أبو بكر أحمد بن محمد بن عبدوس النسوي، محدث مرو، حدث عن علي ابن أبي العقب، وبكير بن الحسن الحداد وطائفة.

حدث عنه الشيخ أبو محمد، والحسن بن القاسم المروزي، ومحمد بن الحسن الفقيه المروزي. مات بعد الأربعمائة. 4) الشيخ العالم المسند، أبو عبد الله، محمد بن الفضل بن نظيف المصري الفراء، مسند الديار المصرية، ولد سنة (341 هـ) في صفر. وسمع من أبي الفوارس أحمد بن محمد السندي الصابوني، والعباس بن محمد ابن نصر الرافقي، وأحمد بن الحسن بن إسحاق بن عتبه الرازي وغيرهم. وحدث عنه: أبو جعفر أحمد بن محمد كاكو، وأبو القاسم سعد بن علي الزنجاني، وأبو بكر البيهقي وأبو القاسم القشيري وآخرون. قال في منتخب السياق: وسمع منه الشيخ أبو محمد بمكة. ومات ابن نظيف سنة (431 هـ) وعمره (90) سنة وشهرين. 5) أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش بن علي بن داود، الزيادي، كان إمام المحدثين والفقهاء بنيسابور في زمانه، وإماماً في العربية والأدب. ولد سنة (317 هـ). روي الحديث عن أبي بكر القطان، وأبي عبيد الله الصفار وأبي حامد بن بلال وغيرهم. وروي عنه أبو القاسم بن عليك، والحاكم أبو عبد الله وأبو بكر البيهقي وغيرهم. وسمع منه الشيخ أبو محمدـ، مات سنة (400 هـ) وقيل سنة (410 هـ). 6) الشيخ العالم المعدل، المسند، أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن

بشران، الأموي البغدادي، ولد سنة (328 هـ)، كان تام المرؤة، ظاهر الديانة، صدوقاً ثابتاً. سمع من أبي جعفر بن البختري، وعلي بن محمد المصري، وإسماعيل الصفار، وغيرهم. وحدث عنه: البيهقي والحسن بن البناء وأبو الفضل عبد الله بن زكري الدقاق وغيرهم. وسمع منه الشيخ أبو محمد. مات سنة (415 هـ). 7) عدنان بن محمد الضبي. ثالثاً: شيوخه في الفقه: 1) أبو يعقوب، يوسف بن محمد الأبيوردي، أحد الأئمة ومن صدور أهل خراسان، علماً وتوقد ذكاء. من تلامذة الشيخ أبي طاهر الزيادي/ ومن أقران القفال. ومن تصانيفه كتاب: "المسائل في الفقه" تفزع إليه الفقهاء وتنافس فيه العلماء. قال السبكي: (توفي في حدود الأربعمائة إن لم يكن بعدها فقبلها بقليل). وهو أول من تفقه عليه الشيخ أبو محمد بجوين. 2) أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان الصعلوكي الحنفي: من بني حنيفة، مفتي نيسابور، وابن مفتيها، كان فقيهاً أدبياً، جمع رئاسة الدين والدنيا، تفقه على والده، وسمع من أبي العباس الأصم، وأبي على الرفاء وغيرهم، وحدث عنه الحاكم وهو أكبر منه، وأبو بكر البيهقي وآخرون. درس واجتمع إليه الخلق في اليوم الخامس من وفاة أبيه سنة (369 هـ) وتخرج به جماعات من الفقهاء بنيسابور وسائر مدن خراسان وتصدى للفتوى والقضاء والتدريس، مات سنة (404 هـ) وقيل غير ذلك.

3) عبد الله بن أحمد بن عبد الله المروزي، أبو بكر المعروف بالقفال شيخ الخراسانيين، كان من أعظم محاسن خراسان، إماماً كبيراً وبحراً عميقاً، عظيم المحل، كبير الشأن، كان في ابتداء أمره يعمل الأقفال، وبرع في صناعتها، فلما أتى عليه ثلاثون سنة اشتغل بالفقه حتى صار وحيد زمانه فقهاً، وحفظاً، تفقه على الشيخ أبي زيد المروزي، سمع منه، ومن الخليل بن أحمد القاضي، وجماعة، وحدث وأملي. ويعتبر القفال المروزي شيخ طريقة خراسان وحامل لوائها وإليه المرجع وعليه المعول، وله من التصانيف شرح "التلخيص" و "الفروع" وله فتاوى معروفة باسمه. تلاميذه: كان للمكانة العلمية التي احتلها الشيخ أبو محمد والصفات الحميدة التي اتصف بها أثر كبير في التفاف طلبة العلم حول حلقاته، ولقد أنجبت حلقاته علماء أجلاء نذكر منهم: 1) ابنة إمام الحرمين: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني، إمام الأئمة في زمانه، وأعجوبة عصره، ولد سنة (419 هـ) وقرأ الفقه على والده، والأصول على أبي القاسم الإسكاف. وسمع الحديث من والده ومن أبي حسان محمد المزكي، وأبي سعد عبد الرحمن بن حمدان النضروي وغيرهم. توفي والده وله نحو عشرين سنة، فأقعده الأئمة في مكانه للتدريس، مات (478 هـ) وله من العمر تسع وخمسون سنة، وكان له أربعة تلميذ. وله من التصانيف "النهاية" في الفقه، لم يصنف في المذهب مثله، و"والشامل" في أصول الدين، و"البرهان" في أصول الفقه وقد طبع، و"الإرشاد" في أصول الدين و "التلخيص" مختصر "التقريب والإرشاد في أصول الفقه" و"الورقات" في أصول الفقه وقد طبع، و"غيات الأمم"، وقد طبع.

2) محمد بن القاسم بن حبيب بن عبدوس، أبو بكر يعرف بالصفار وهو جد الفقهاء المعروفين في نيسابور بالصفارين، كان إماماً، فاضلاً، ديناً، خيراً، محمود الطريقة مكثراً من الحديث والإملاء استخلفه أبو محمد الجويني في حلقته لما حج، مات سنة (468 هـ). 3) عبد الله بن علي بن محمد بن علي، أبو القاسم البحاثي القاضي من عيون الفقهاء، وأرباب الفتوى، حافظ للمذهب، ومن بيت العلم والحديث بناحية زوزن. 4) القاضي أبو منصور، محمد بن شادان الطوسي، كان إماماً في الأصول والفقه، تولى قضاء ميافارقين وأخذ عنه جماعة منهم، الشاشي صاحب "الحلية". 5) عبد الكريم بن يونس بن محمد بن منصور، أبو الفضل الأزجاهي، نسبة إلى "أزجاه" إحدى قرى خابران، من خراسان، إمام فاضل ورع متقن، حافظ لمذهب الشافعي، متصرف فيه، وسمع الحديث وأملى. مات سنة (486 هـ). 6) إسماعيل بن أحمد النوقاني "وفي السبكي النوكاني" الطريثيثي له شرح "عيون المسائل" للفارسي، علقة عن الشيخ أبن محمد الجويني بنيسابور في مجلدة واحدة. 7) علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب، أبو الحسن الباخرزي، وباخرز:

ناحية من نواحي نيسابور. كان رأساً في الكتابة والإنشاء والشعر والفضل والحائز القصب في نظمه ونثره، وكان في شبابه مشتغلاً بالفقه، ثم شرع في فن الكتابة فغلب أدبه على فقه فاشتهر بالأدب. وعمل الشعر وصنف كتاب "دمية القصر وعصرة أهل العصر" وهو ذيل على كتاب "يتيمة الدهر" للثعالبي، وتنقلت به الأحوال إلى أن قتل سنة (467 هـ). 8) علي بن محمد بن إسماعيل العراقي، أبو الحسن، طلب الفقه وسمع الحديث بأماكن كثيرة، وأملي مدة طويلة، وتولى القضاء بطوس ومات بها سنة (498 هـ) عن أربع وثمانين سنة. 9) ناصر بن أحمد بن محمد بن العباس، أبو نصر الطوسي، كان فقيهاً، فاضلاً، أدبياً، جمع الكثير من العلوم، سمع وحدث مات سنة (468 هـ). 10) يحيي بن علي بن محمد الحمدوني الكشميهني، أبو القاسم كان فقيهاً، مدرساً، وروعاً متقناً، سمع الحديث من خلائق، كثيرين، في أقاليم متعددة، وحدث، وأملي بمرو عدة مجالس مات سنة (499 هـ)، وكان مولده سنة (398 هـ). 11) محمد بن محمد بن جعفر، الإمام، أبو سعيد الناصحي، والنيسابوري، أحد أعلام الأئمة علماً، وروعاً، سمع الحديث من أبي طاهر الزيادي، وعبد الله ابن يوسف بن ماموية. وكان زاهداً وروعاً. مات كهلاً، سنة (455 هـ). 12) حمد بن محمد بن العباس بن محمد بن موسى، يتصل نسبة بالزبير بن

العوام، أبو عبد الله الزبيري، سمع الحديث الكثير، وسافر في طلبه إلى خراسان، ولقي الأئمة وناظرهم وولي قضاء طبرستان، واسترباذ، وروى عنه أبو القاسم السمرقندي وغيره، مات سنة (474 هـ). 13) سهل بن إبراهيم المسجدي. 14) علي بن أحمد المديني. مؤلفاته: يعتبر الشيخ أبو محمد الجويني من المقلين في التأليف، بالرغم من العزارة العلمية التي يتمته بها في الفقه والتفسير واللغة والأدب، وقد قال بعض الخراسانيين (الأئمة بخراسان ثلاثة مكثر محقق، ومقل محقق، ومكثر غير محقق، فأما المكثر المحقق فالشيخ أبو علي السنجي، وأما المقل المحقق فالشيخ أبو محمد الجويني، والمكثر غير المحقق فالفقيه ناصر العمري المروزي). وإليك ما عثرت عليه من مؤلفاته: 1) "الجمع والفرق" وهو موضوع البحث. 2) "التفسير الكبير" ويشتمل هذا التفسير على عشرة أنواع من العلوم في كل آية. 3) "السلسلة" ذكره المؤلف رحمه الله في هذا الكتاب، وسماه المؤلف بذلك الاسم لأنه يبني فيه مسألة على مسألة ثم يبني المبني عليها على أخرى ويكرر ذلك في بعض المسائل، وقد نقل الرافعي عنه موضعاً مما طال فيه البناء فلما أكمله

تلطف معه في القول فقال وهذه سلسلة طولها الشيخ. وقد اختصره شمس الدين بن القماح المتوفي سنة (741 هـ) والكتاب مخطوط له نسخة في مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة برقم (186 ف) ونسخة بمكتبة طوبقبوسراي بتركيا رقم (4287). 4) "التبصرة" وقد ذكره النووي وقال: "أعلم أن للشيخ أبي محمد الجويني - رحمه الله - كتاب "التبصرة في الوسوسة" وهو كتاب نافع كثير النفائس وسأنقل منه مقاصد إن شاء الله" وهو مجلد لطيف غالبه في العبادات وفي تسهيل أمور قد يحصل منها الوسوسة، والكتاب مخطوط الأصل في مكتبة عارف حكمت بالمدينة رقم (45) فقه شافعي، ولدي منه نسخة. 5) "التذكرة" وهو مصنف في الفقه. 6) "شرح الرسالة" والكتاب شرح لرسالة الشافعي في أصول الفقه. 7) "مختصر المختصر" وهو تلخيص لمختصر المزني، وسماه صاحب هداية العارفين (المعتصر في مختصر المختصر)، تولاه العلماء بالشرح والتعليق، وممن شرحه عثمان بن محمد بن أحمد، أبو عمرو المصعبي المتوفي في حدود (550 هـ) شرحه في مجلدين وقال في خطبته: "أنه نازل عن حد التطويل مترق عن درجة الاختصار والتقليل وسميته شرح مختصر الجويني لأني جريت على ترتيب مختصر الشيخ أبي محمد فصلاً فصلاً وزدت ما لم يستغن الفقيه عن معرفته فمن تأمله عرف صرف همتي إليه، وبذل جهدي فيه".

وممن صنف عليه أيضاً عوض بن أحمد، أبو خلف الشرواني ويقال: الشيرازي، صنف جزءاً ضخماً على المختصر وسماه "المعتبر في تعليل مسائل المختصر" ذكر في آخره أنه فرغ في تصنيفه في ربيع الآخر سنة (544 هـ). 8) "تقرير المختصر" وقد ذكره المؤلف - رحمه الله - في هذا الكتاب. 9) "الوجيز" وهو مصنف في العبادات ذكره النووي ونقل عنه. 10) "مختصر" في موقف الإمام والمأموم. 11) "شرح عيون المسائل" وقد اشتبه في نسبة هذا الكتاب للمؤلف ذكر ذلك السبكي وقال: (ووقفت على "شرح كتاب" عيون المسائل" التي صنفها أبو بكر الفارسي، ذكر كاتبه، وهو إسماعيل بن أحمد النوكاني الطريثيثي، أنه علقه عن الشيخ أبي محمد الجويني، لكني رأيت الروياني ينقل في "البحر" أشياء جمة عن "شرح عيون المسائل" للقفال، أخذها بألفاظها في هذا الشرح وربما أتت على سطور كثيرة، كما قال في "البحر" في انعقاد النكاح بالمكاتبة، أن القفال قال في "شرح عيون المسائل" فذكر اسطراً كثيرة، هي بعبارتها موجودة في هذا الشرج ومثل هذا كثير، فتحيرت، لأن وجدان هذا الأصل بخط المعلق نفسه يعين أنه كلام الشيخ أبي محمد، ونقل الروياني يقتضي أنه كلام القفال، ولعل الشيخ أبا محمد أملاه عن شيخه القفال ليجتمع هذان الأمران وإلا فكيف السبيل إلى الجمع؟). وعلى هذا يكون الكتاب للقفال وليس للجويني. 12) "المحيط": كان الشيخ أبو محمد قد شرع تأليف هذا الكتاب وعزم على عدم التقيد بالمذهب وأنه يقف على موارد الأحاديث ولا يعدوها ويتجنب جانب العصبية للمذاهب فوقع إلى الحافظ أبي بكر البهيقي منه ثلاثة أجزاء، فانتقد عليه أوهاماً حديثية، وبين أن رغبته عن هذه الأحاديث التي أوردها الشيخ أبو محمد إنما

هي لعلل فيها، يعرفها من يتقن صناعة المحدثين. كما يحثه على نقل كلام الشافعي باللفظ، وقد ضمن البيهقي الرسالة مواضع من كتاب "المحيط" انتقدها. فلما وصلت الرسالة إلى الشيخ أبي محمد قال: هذا بركة العلم، ودعا للبيهقي، وترك إتمام التصنيف فرضي الله عنهما، لم يكن قصدهما غير الحق والنصيحة للمسلمين. وقد أورد النووي - رحمه الله - نقلاً عن هذا الكتاب في كتابه "المجموع"، وكذلك الأسنوي في "التمهيد" في تخريج الفروع على الأصول. مرضه ووفاته: مرض الشيخ أبو محمد الجويني سبعة عشر يوماً، ثم أدركته المنية فتوفي بنيسابور - وهو في حد الكهولة - في ذي القعدة سنة (438 هـ) وقيل سنة (434 هـ)، والأول هو الأشهر، واحترقت قلوب أهل السنة عليه. قال الشيخ أبو صالح المؤذن: مرضي الشيخ أبو محمد الجويني سبعة عشر يوماً، وأوصاني أن أتولى غسله وتجهيزه، فلما توفي غسلته، فلما لففته في الكفن رأيت يده اليمنى إلى الإبط زهراء منيرة من غير سوء، وهي تتلألأ تلألؤ القمر، فتحيرت وقلت في نفسي هذه بركات فتاويه. قال السبكي: ومن شعره يرثي بعض أصدقائه، ولم أسمع له غيرهما رحمه الله تعالى: رأيت العلم بكاء حزيناً ونادى الفضل وأحزناً وبوسى سألتهما بذاك فقيل أودى أبو سهل محمد بن موسى

"الباب الثاني" في دراسة الكتاب

"الباب الثاني" في دراسة الكتاب - وفيه مباحث تعريف علم الفروق: الفرق لغة ضد الجمع. يقال: فرقت بين الشيء فرقاً: فصلت أبعاضه، وفرقت بين الحق والباطل: فصلت أيضاً. وفرق بعضهم بين فرق بالتخفيف وفرق بالتشديد قال الفيومي: قال ابن الأعرابي: فرقت بين الكلامين فافترقا مخفف، وفرقت بين العبدين، فتفرقا مثقل، فجعل المخفف في المعاني والمثقل في الأعيان، والذي حكاه غيره أنهما بمعنى التثقيل مبالغة. واصطلاحاً: هو الفن الذي يبحث في المسائل المشتبه صورة، المختلفة حكماً ودليلاً وعلة. نشأة علم الفروق: نشأت الفروق مع نشأة كل علم أو فن، والفقه الإسلامي علم مثل بقية العلوم لوحظت الفروق في وضع أحكامه منذ نشأته لأنه العلم الذي يمكن التمييز به بين الفروع المتشابهة تصويراً المختلفة حكماً لمدرك خاص يقتضي ذلك التفريق. وفي قول عمر رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري: "أعرف الأمثال والأشباه ثم قس الأمور عندك فاعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق" إشارة إلى أن من النظائر ما يخالف نظائره في الحكم لمدرك خاص به واختلاف الأئمة المجتهدين في كثير من

أهم المؤلفات في علم الفروق

المسائل أساس ملاحظة الفروق الدقيقة والمعاني المؤثرة التي أدت إلى الحكم الذي وصل إليه المجتهد. أهم المؤلفات في علم الفروق: كانت الفروق الفقهية في بادئ الأمر تذكر في ثنايا كتب الفروع وقد يطلق وعلى بعض مؤلفات الفروع اسم الفروق كما كتاب (الفروق في فروع الشافعية) لأبي محمد بن علي الحكيم الترمذي، وكتاب (الفروق) لأبي العباس أحمد بن عمر بن سريج وهو يشتمل على أجوبة عن أسئلة متعلقة بمختصر المزني. وللأسنوي "كافي المحتاج إلى شرح المنهاج" أطلق عليه اسم الفروق. هكذا كانت الفروق في بادئ الأمر ثم بعد ذلك نشطت حركة التأليف في هذا الفن وأخذ الفقهاء يفردونه بالتأليف ويولونه عناية خاصة والبعض منهم يجعل قسماً مستقلاً في كتابه خاصاً في الفروق. وسأذكر هنا أشهر الكتب التي ألفت في هذا الفن والتي استفدت من معظمها في التوثيق وقد رتبتها حسب ترتيب المذاهب الفقهية. أولاً: المذهب الحنفي: 1) الفروق لأبي الفضل محمد بن صالح بن محمد الكرابيسي السمرقندي (ت 322 هـ) مخطوط بدار الكتب المصرية (رقم 1923). فقه حنفي، ومصور في مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة برقم (42) فقه عام. 2) الفروق لجمال الدين أبي المظفر أسعد بن محمد الحسين الكرابيسي

ثانيا: المذهب المالكي

النيسابوري (ت 570 هـ)، رتبه مؤلفه على أبواب الفقه وقد يذكر في المسألتين المتشابهتين أكثر من فرق، والكتاب طبع بتحقيق الدكتور/ محمد طموم، وطبعته وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت. 3) تلقيح العقول في فروق المنقول لأحمد بن عبد الله المحبوبي، الحنفي (ت 630 هـ) مخطوط بدار الكتب رقم (982) فقه حنفي ونسخة أخرى بالسليمانية رقم (2308) فقه حنفي. 4) الأشباه والنظائر لابن نجيم المصري الحنفي (ت 970 هـ) جعل قسماً من كتابه خاصاً بفن الفروق. والكتاب مطبوع متداول. ثانياً: المذهب المالكي: 1) الفروق لأبي العباس أحمد بن إدريس القرافي (ت 684 هـ) والكتاب يبحث في الفروق بين القواعد الفقيه وقد يفرق أحياناً بين مسألتين متشابهتين. والكتاب مطبوع ومتداول. 2) أصول الأحكام في تمييز الفتاوي عن الأحكام للقرافي أيضاً. والكتاب مطبوع بتحقيق عبد الفتاح أبو غده. 3) النكت والفروق لأبي عبد الحق بن محمد بن هارون القرشي الصقلي، (ت 466 هـ) ومنه نسخة مصورة في مركز البحث العلمي برقم (243). ثالثاً: المذهب الشافعي: 1) الجمع والفرق: لأبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني. وهو موضوع التحقيق. 2) المعاياة: لأبي العباس أحمد بن محمد الجرجاني الشافعي (ت 482 هـ)

رابعا: المذهب الحنبلي

ويشتهر الكتاب "بالفروق" رتبة مؤلفه على أبواب الفقه، والكتاب مخطوط بدار الكتب برقم (915) فقه شافعي. 3) مطالع الدقائق في تحرير الجوامع والفوارق، لأبي محمد عبد الرحمن بن الحسن الأسنوي (ت 772 هـ) والكتاب محقق حققه نصر فريد محمد. 4) الليث العابس في صدمات المجالس، لإسماعيل بن معلي المحلي الشافعي، والكتاب مخطوط توجد منه نسخة مصورة في مركز البحث العلمي برقم (101) أصول. 5) الاستغناء في الفرق والاستثناء لأبي بكر محمد بن سليمان البكري والكتاب محقق قام بتحقيقه الشيخ سعود الثبيتي، ونال به درجة الدكتوراه من جامعة أم القرى. 6) الأشباه والنظائر للسيوطي والكتاب في القواعد الفقهية وجعل قسماً منه خاصاً بالفروق وهو مطبوع متداول. رابعاً: المذهب الحنبلي: 1) الفروق: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله السامري الحنبلي المعروف بابن سنيية (ت 616 هـ) والكتاب محقق في جامعة الإمام. حققه محمد بن إبراهيم اليحبي. 2) إيضاح الدلائل في الفروق بين المسائل: لأبي محمد عبد الرحمن بن تقي الدين أبو بكر بن عبد الله الزريراني البغدادي، مخطوط توجد له نسخة مصورة في مركز البحث العلمي برقم (344) فقه عام. 3) الفصول في الفروق: لأبي العباس نجم الدين أحمد بن محمد بن خلف بن راجح المقدسي الحنبلي (ت 638 هـ). مناهج المؤلفين في عرض الفروق: بعد أن ذكرنا الكتب التي ألفت في هذا الفن نجد أن من المناسب ذكر منهجهم في التأليف فالمطلع على كتب الفروق يجد أنها منقسمة إلى قسمين رئيسين:

اسم الكتاب

الأول: قسم ألف للفرق بين القواعد الفقهية، وعلى هذه الطريقة سار القرافي في كتابه الفروق، حيث يذكر الفرق بين القواعد الفقهية وقد يفرق بين المسائل أحياناً، قال في مقدمة كتاب الفروق (وجعلت مبادئ المباحث في القواعد بذكر الفروق والسؤال عنها بين فرعين أو قاعدتين فإن وقع السؤال عن الفرق بين الفرعين فبيانه بذكر قاعدة أو قاعدتين يحصل بهما الفرق وهما المقصودتان وذكر الفرق وسيلة لتحصيلهما). وعلى هذا المنهج سار في كتابه أصول الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام. القسم الثاني: الكتب المؤلفة للفرق بين المسائل الفقهية الفرعية. ويمكن تقسيمها إلى قسمين: الأول: الكتب التي تبحث في الفروق بين المسائل الفقهية الفرعية، وفي هذه الكتب يذكر المؤلف في كل بحث مسألتين متشابهتين وأحياناً أكثر من مسألتين. ثم يفرق بينهما وقد يذكر أكثر من فرق، أما ترتيب الكتب فهو على أبواب الفقه فيذكر مثلاً كتاب الطهارة ثم الصلاة وهكذا. وقد سار على هذا المنهج أبو محمد الجويني والكرابيسي والجرجاني في مؤلفاتهم آنفة الذكر. الثاني: الكتب التي ذكرت الفروق فيها ضمن فنون أخرى كالذين ألفوا في الأشباه والنظائر فإنهم ضمنوا كتبهم أقساماً خاصة بالفروق، كالسيوطي وابن نجيم فأنهم ألفوا في القواعد الفقهية وضمنوها فروقاً فقهية. وكالذين ألفوا في الاستثناء كالبكري في كتابه الاستغناء في الفرق والاستثناء فإنه بعد ما يذكر القاعدة الفقهية ويتكلم عنها ويستثني منها مسائل يعددها ثم يذكر الفرق إن كان هناك فرق. اسم الكتاب: لم يذكر المؤلف رحمه الله عنوان كتابه في المقدمة، ولقد وجدت في بعض النسخ

التي عثرت عليها عنواناً للكتاب وهي نسخة (ب)، (ج)، (د) وقد ذكر أن أسمه (الجمع والفرق)، جاء في الورقة الأولى من نسخة (ب) عنوان: (كتاب الجمع والفرق) للإمام أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني المتوفي سنة (438 هـ) وهو والد إمام الحرمين. وقال الناسخ في نهاية نسخة (ج): (تم كتاب الجمع والفرق) وقال في نهاية الجزء الثاني من نسخة (د) تم "الجزء الثاني من الجمع والفرق). وقد ذكرت معظم الكتب التي ترجمت للشيخ أبي محمد أن اسم الكتاب هو (الفروق). ولقد تحيرت في بادئ الأمر في الصحيح من الاسمين وأيهما الذي أطلقه المؤلف على هذا الكتاب، ولكن رأيت الكتب التي نقلت عن الكتاب تذكره باسم "الفروق" ويعتبر النووي رحمه الله من المكثرين من النقل عن هذا الكتاب في كتابه المجموع فقد ذكره بأكثر من (21) ... موضعاً في كتاب الطهارة فقط، جميعها بلفظ (الفروق) وإليك نماذج من نقولات النووي. قال في المجموع: 2/ 68 "وأما حمل الصندوق وفيه المصحف فاتفقوا على تحريمه. قال أبو محمد الجويني في الفروق وكذا يحرم تحريكه من مكان إلى مكان"، وقال في 1/ 164: "وقد نقل الشيخ أبو محمد الجويني في كتابه الفروق نص الشافعي رحمه الله على أن الجماعات إذا اغتسلوا في القلتينم لا يصير مستعملاً"، وكذا الزركشي فإنه نقل عن هذا الكتاب أكثر من نقل قال في كتابه المنثور في القواعد 1/ 100، قال الشيخ أبو محمد في الفروق إن المذهب المنصوص في رواية المزني والربيع فيما إذا بقي من الوقت مقدار تكبيرة فيحرم بالصلاة فيها كان له القصر. وممن نقل أيضاً من هذا الكتاب السيوطي في الأشباه والنظائر/ 116/ قال: (وقال الشيخ أبو محمد، في الفروق: من دخل عليه وقت الصلاة، ومعه ما يكفيه لطهارته، وهناك من يحتاجه للطهارة، لم يجز له الإيثار). وبعد النظر الدقيق فيما سبق، رأيت - فيما اعتقد - أن اسم الكتاب الصحيح هو " الجمع والفرق" وذلك لما هو ثابت بوضوح في نسخ ب، جـ، د. وما حصل عند النووي وغيره أثناء النقل عن الكتاب وإطلاق اسم "الفروق" عليه إنما هو من قبيل تغليب موضوع الكتاب على اسمه، حيث أن موضوع الكتاب كله في الفروق، وقد وقع مثل هذا لبعض

نسبة الكتاب للمؤلف

العلماء السابقين، وعلى سبيل المثال نذكر كتاب "إيضاح المشكل من أحكام الخنثى المشكل" للإمام جمال الدين عبد الرحيم الأسنوي، حيث عرف عند العلماء باسم "أحكام الحنثى"، لاشتماله على أحكام الخنثى. وهذا مما جعلني أقطع - فيما أعلم - بأن اسم الكتاب هو "الجمع والفرق" مع اشتهاره عند العلماء باسم "الفروق" والله أعلم .. نسبة الكتاب للمؤلف: لعل ما مضى من البحث في اسم الكتاب لا يدع مجالاً للشك في أن هذا الكتاب لأبي الجويني خصوصاً وأن جميع كتب التراجم التي اطلعت عليها نسبته إليه. سبب تأليف الكتاب: أشار المؤلف - رحمه الله - إلى الباعث له على تأليف هذا الكتاب فقال - في مقدمة الكتاب-: فإن مسائل الشرع ربما تتشابه صورها، وتختلف أحكامها لعل أوجبت اختلاف الأحكام، ولا يستغنى أهل التحقيق عن الإطلاع على تلك العلل التي أوجبت افتراق ما افترق منها، واجتماع ما اجتمع منها، وكنا رأينا لبعض مشايخنا المتقدمين مجموعاً في هذا الباب غير أنه كان مشتملاً على مسائل معدودة قليلة، ولا يكاد يحصل مقصود هذا الباب بالزيادة على ما جمع المتقدمون. قيمة الكتاب ومنزلته بين كتب الفروق: يعتبر كتاب الفروق للجويني أحسن كتاب ألف في هذا الفن قال عنه الزركشي في معرض كلامه عن أنواع الفقه ... "النوع الثاني: معرفة الجمع والفرق ومن أحسن ما صنف فيه كتاب الشيخ أبي محمد الجويني".

مصادر المؤلف

وقال عنه الأسنوي إنه مجلد ضخم عظيم الفائدة: وتتجلى قيمة الكتاب وأهميته فيما يلي: 1) شموله لجميع أبواب الفقه. 2) ضمنه مؤلفه عدداً كبيراً من نصوص الشافعي وأقواله الجديدة والقديمة مما جعل لهذا الكتاب أثراً كبيراً في حفظ هذه النصوص. 3) كثرة الفروع الفقهية ودقتها فقد جمع فيه مؤلفه رحمه الله فروعاً كثيرة ودقيقة قد لا توجد في غير هذا الكتاب. 4) يعتبر هذا الكتاب أوفي كتاب في ذكر الفروق فقد ذكر مؤلفه ما يزيد على مائتين وألف فرق. 5) ومما يزيد في قيمة الكتاب وأهميته أن مؤلفه يعتبر من محققي المذهب الشافعي. مصادر المؤلف: أشار المؤلف رحمه الله في المقدمة إلى المصدر الأساسي الذي اعتمد عليه في تأليف هذا الكتاب وهذا المصدر هو "مختصر المزني" الذي اختصره من علم الشافعي رحمه الله ويعتبر كتاب "مختصر المزني" أحد الكتب الخمسة المشهورة بين الشافعية والتي يتداولونها كثيراً وهي سائرة في كل الأمصار كما ذكره النووي. ولم يقتصر أبو محمد الجويني على هذا الكتاب بل أخذ ينقل من غيره ويروي عن رواة كتب الشافعي، وعن مشايخه، وعن علماء المذهب، فنقل عن "مختصر المزني الكبير" الذي قال عنه ابن النديم إنه متروك. ونقل عن الإملاء وهو من كتب الشافعي الجديدة.

منهج المؤلف في هذا الكتاب

وروى بكثرة عن الربيع بن سليمان المرادي وبقلة عن البويطي وحرملة وموسى ابن أبي الجارود. ونقل عن أبي بكر القفال، وابن سريج، وأبي العباس الطبري، صاحب كتاب "التلخيص" وأي وأبي بكر الفارسي مصنف كتاب "عيون المسائل" ... وأبي القاسم الأنماطي، وأبي إسحاق المروزي. منهج المؤلف في هذا الكتاب: بدأ المؤلف كتابه بمقدمة بين فيها الباعث له على تصنيف هذا الكتاب ثم بين أنواع المسائل التي يلتمس الفرق منها ثم بين صفة الفرق، وبعد ذلك افتتح الكتاب بمسائل وفروق في أصول الفقه، وبعد المقدمة رتب المؤلف كتابه على أبواب الفقه فبدأ بكتاب الطهارة ثم الصلاة ... الخ. وقد عنون لكل مجموعة من المسائل في كتاب الطهارة والصلاة بالعنوان التي تندرج تحته فذكر كتاب الطهارة ثم ذكر تحت هذا العنوان مسائل في الطهارة ثم ذكر عنوان مسائل نواقض الوضوء، ثم مسائل التيمم، ثم مسائل المريض، ثم مسائل التحري، ثم مسائل المسح على الخفين، ثم مسائل المستحاضة. ثم أتبع كتاب الطهارة بكتاب الصلاة ثم الزكاة وهكذا .. الخ. فذكر تحت هذا العنوان مسائل خاصة في إدراك الصلاة وحكم القضاء، ثم ذكر عنوان مسائل الآذان، ثم مسائل الاجتهاد في القبلة، ثم مسائل الصلاة، ثم مسائل ستر العورة، ثم مسائل القصر، ثم مسائل الزحام، ثم مسائل صلاة العيدين، ثم مسائل الخسوف، ثم مسائل الجنائز، ثم مسائل اجتماع القرابات. وطريقته في عرض المسائل أن يذكر مسألتين مختلفتين في الحكم مشتبهتين في الصورة ثم يذكر الفرق بينهما. وقد يكون الفرق بينهما فرق جمع وقد يكون فرق فصل وتباين، وقد يكون فرقاً مستنداً إلى ظاهر كتاب أو ظاهر سنة. وقد يذكر أكثر من فرق وتصل أحياناً إلى ثلاثة فروق، وقد يستخرج بعد ذكر الفرق قاعدة فقهية. ويلاحظ أن المؤلف - رحمه الله - أحياناً يكرر المسألة في أكثر من موضع عند

مصطلحات الكتاب الفقهية

الحاجة إلى إيجاد فرق بينها وبين مسألة أخرى. وقد يذكر مسألة من كتاب الصلاة في كتاب الطهارة وقد يعكس. وكثيراً ما يذكر نصوص الشافعي ويبين الراوي لها فيقول مثلاً: روى الربيع أو روى المزني عن الشافعي، وقد لا يبين الراوي فبعد ما يذكر المسألة يقول والمسألة منصوصة وأحياناً ينص على أن هذا القول جديد وهذا قديم، ونجده كثيراً ما يناقش أقوال المزني ورواياته ويغلطه أحياناً. أما من جهة الخلاف داخل المذهب فإنه غالباً يذكر الأوجه والطرق وأصحابها ثم يرجح ما يرى أنه الراجح، وأحياناً يقطع القول في المسألة مع أن المسألة فيها خلاف إشارة إلى أن هذا القول هو المختار عنده. وقد يفترض المؤلف السؤال فيقول: فإن قيل كذا أو فإن قيل ما الفروق؟ فيجيب عليه وهذا الأسلوب فيه إثارة لاهتمام القارئ لما يأتي بعده وإشباع رغبته في السؤال. وقد أبدع المؤلف ورحمه الله في هذا الكتاب بإيجاد الفرق وجمع الفرع فجمع من الفروق والفروع الدقيقة ما لا نجدها في غير هذا الكتاب وصدق حينما قال في تقديمه للكتاب، "ثم نعطف عليها الفروع على ترتيب مختصر المزني - رحمه الله - كتاباً بعد كتاب ونلتقط الأهم والأغمض على حسب ما يساعدنا عليه التوفيق". "مصطلحات الكتاب الفقهية": استعمل أبو محمد الجويني في هذا الكتاب المصطلحات الفقهية الخاصة بالمذهب الشافعي كالقديم، والجديد، والنص، كما أنه لم يغفل المصطلحات الدالة على درجة الخلاف كالأصح، والأظهر، والصحيح، والأشبه وغير ذلك. غير أن المؤلف - رحمه الله - لم يكن له اصطلاح خاص به كما هو الحال عند بعض المتأخرين، كالنووي - الذي له قصب السبق في هذا المجال كما ذكره الشربيني - وكالبيضاوي الذي شارك النووي في هذا السبق، فإن لكل واحد

منهما اصطلاحاً خاصاً به. فالنووي - رحمه الله - قد التزام بتخصيص الأصح أو الصحيح للوجه أو الوجوه، والأظهر للقول المختار من أقوال الشافعي. وعلى العكس منه البيضاوي فإنه التزم بتخصيص الأصح للقول المختار والأظهر للوجه المرجح. أما المؤلف - رحمه الله - فلم يخصص لفظاً معيناً للدلالة على الوجه أو القول، فنراه يطلق الأصح على الأوجه وعلى الأقوال، قال في صفحة (65): (وأما المتيمم إذا مسح بعض ساعده بالغبار الذي على كفه، ثم رفع هذا الكف على الساعد، ثم أعادة الكف إلى الساعد فمسح بقيته كان التيمم صحيحاً على أصح الوجهين). وقال في صفحة (468): (ونجاسة الخمر زائلة بعد المبالغة والاستقصاء في غسله وإن بقيت رائحته على أصح القولين في الخمر). ففي المسألة الأولى أطلق الأصح على الأوجه وفي المسألة الثانية أطلق الأصح على قول الشافعي - رحمه الله -، ونجده في موضع آخر قد جمع بين الأظهر والأصح، فقال في صفحة (487): (مسألة وهي أن الرجل إذا تيمم للظهر وفرغ منها جاز له أن ينتقل على أثرها، وإذا دخل وقت العصر فأراد أن ينتقل بذلك التيمم جاز له أن يفعل .. وهذا الذي ذكرناه في التيمم أظهر المذهبين وأصحهما). فأطلق الأصح والأظهر على الوجه. فهذه الأمثلة تدل على أن المؤلف - رحمه الله - لم يكن له اصطلاح معين في هذا الكتاب. ولما استعمل المؤلف - رحمه الله - هذه الألفاظ مع ما استعمله من المصطلحات الخاصة في الفقه الشافعي كان من الواجب أن أبي للمطلع المراد منها. وإليك شرح أهم المصطلحات الفقهية الواردة في الكتاب. 1) الجديد والقديم: كان الشافعي - رحمه الله - ينشد الحق أينما كان لا يتعصب لقوله بل هدفه الوصول إلى الحق أينما وجد ولهذا صح عنه أنه قال: (إذا وجدتم

في كتابي خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولوا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعوا قولي)، وروي عنه أنه قال: (إذا صح الحديث خلاف قولي فاعملوا بالحديث واتركوا قولي أو قال فهو مذهبي). لذلك كان للشافعي - رحمه الله - في كثير من المسائل أكثر من قول نتيجة لتغير اجتهاده لسبب من أسباب الترجيح، وقد يكون القولان قديمين، وقد يكونان جديدين، أو يكون أحدهما جديداً والآخر قديماً. قال النووي - رحمه الله -: (ثم قد يكون القولان قديمين، وقد يكونان جديدين، أو قديماً وجديداً، وقد يقولهما في وقت، وقد يقولهما في وقتين، وقد يرجح أحدهما وقد لا يرجح. والقديم: هو ما قاله الشافعي بالعراق أو قبل انتقاله إلى مصر وأشهر رواته أحمد بن حنبل، والزعفراني، والكرابيسي، وأبو ثور، وقد رجع الشافعي - رحمه الله - عن القديم وقال: لا أجعل في حل من رواه عني. أما الجديد: فهو ما قاله بمصر تصنيفاً أو إفتاء، وأشهر رواته البويطي، والمزني، والربيع المرادي، والربيع الجيزي، وحرملة. والجديد هو الصحيح وعليه العمل والفتوى، إلا في مسائل استثناها أصحاب الشافعي، فالعمل فيها على القديم واختلفوا في عددها، فقال بعضهم: هي ثلاث مسائل، وقال آخرون: أربع عشرة مسألة، وقال بعضهم: سبع عشرة مسألة، وقال بعضهم: هي عشرة مسألة، وأوصلها بعضهم إلى نيف وثلاثين مسألة. قال النووي - رحمه الله - (وإنما أطلقوا - أي فقهاء الشافعية - أن القديم مرجوع عنه ولا عمل عليه لكون غالبه كذلك). 2) النص: هو ما نص عليه الشافعي في أحد كتبه. سمي بذلك لأنه مرفوع إلى الأمام، أو أنه مرفوع القدر لتنصيص الإمام عليه، ويكون مقابله وجه ضعيف

أو قول مخرج. فإذا قال المؤلف - رحمه الله - (والمنصوص عليه)، أو المسألة منصوصة فمعناه أن الشافعي رحمه الله - نص على هذا. 3) الوجوه: هي آراء أصحاب الشافعي المنتسبين إلى مذهبه يخرجونها على أصوله ويستنبطونها من قواعده وقد يجتهدون في بعضها. 4) الطرق: تطلق على اختلاف الأصحاب في حكاية المذهب فيقول بعضهم مثلاً في المسألة قولان أو وجهان، ويقول الآخر لا يجوز قولاً واحداً أو وجهاً واحداً، أو يقول أحدهما في المسألة تفصيل، ويقول الآخر فيها خلاف مطلق. 5) التخريج: وقد أوضح الرافعي كيفيته فقال: (إذا ورد نصان عن صاحب المذهب مختلفان في صورتين متشابهتين ولم يظهر بينهما ما يصلح فارقاً، فالأصحاب يخرجون نصه في كل واحدة من الصورتين في الصورة الأخرى، لاشتراكهما في المعنى فيحصل في كل واحدة من الصورتين قولان منصوص ومخرج، المنصوص في هذه هو المخرج في تلك والمنصوص في تلك هو المخرج في هذه فيقولون: فيهما قولان بالنقل والتخريج. أي نقل المنصوص في هذه الصورة إلى تلك وخرج فيها وكذلك بالعكس ويجوز أن يراد بالنقل الرواية ويكون المعنى في كل واحدة من الصورتين قول منقول أي مروي عنه وآخر مخرج، ثم الغالب في مثل ذلك عدم إطباق الأصحاب على هذا التصرف بل ينقسمون إلى فريقين منهم من يقول به ومنهم من يأبى ويستخرج فارقاً بين الصورتين يستند إليه افتراق النصين). أ. هـ. 6) المذهب: هو الراجح من الأقوال أو الأوجه، فحينما يقول المؤلف - رحمه الله - وهو المذهب يريد أنه هو المختار والراجح عنده. 7) الأصح: عند المؤلف - رحمه الله - هو الرأي الراجح - أي ما هو أكثر صحة

نسخ الكتاب

من غيره - سواء كان هذا الرأي قولاً للشافعي، أو وجهاً من وجوه الأصحاب، وهذا يعني أن مقابله صحيح غير أن ذلك أقوى منه. 8) الصحيح: عند المؤلف - رحمه الله - هو القول، أو الوجه الراجح من بين الأقوال أو الأوجه، ويكون في مقابله رأي ضعيف، أو فاسد. 9) الأظهر: عند المؤلف - رحمه الله - هو القول أو الوجه الراجح الذي يزيد ظهوراً على القول أو الوجه الآخر، ومقابله الظاهر الذي يشاركه في الظهور، لكن الأظهر أشد منه ظهوراً في الرجحان. 10) الظاهر: عند المؤلف - رحمه الله - هو القول أو الوجه الراجح الذي يكون في مقابله قول أو وجه غريب. 11) الأشهر: هو القول، أو الوجه الذي زادت شهرته على الآخر وذلك لشهرة ناقله. 12) المشهورة أو المشهور: هو القول أو الوجه الذي اشتهر، بحيث يكون في مقابله رأي غريب. 13) الأشبه: أي الحكم الأقوى شبهاً بالعلة. وهو يستعمل فيما لو كان للمسألة حكمان مبنيان على قياسين لكن العلة في أحدهما أقوى. نسخ الكتاب: لقد عثرت على خمس نسخ للكتاب جميعها نواقص إلا واحدة كاملة فاعتبرتها الأصل، وإليك وصف هذه النسخ:

/ صورة النسخة الخطية/

/صورة النسخة الخطية/

النسخة الأولى

النسخة الأولى: وهي موجودة في مكتبة ترخان بتركيا برقم (146) أصول فقه. عدد أوراقها (307) ورقة وعدد أسطرها (25) سطراً. والناسخ ابن عبد الله القوي بن محمد الأسنوي، وقد خطت في القرن الثامن، ولا يوجد عليها عنوان الكتاب. وتمتاز هذه النسخة بأنها شاملة للكتاب لذلك جعلتها الأصل ورمزت إليها بالحرف/ أ. وقد وجدت فيها سقطاً قد يصل أحياناً إلى ثلاثة أسطر. النسخة الثانية: وهي موجودة في دار الكتب الوطنية بمصر برقم (1504) فقه شافعي. وعدد أوراقها (332) ورقة وعدد أسطرها (19) سطراً وجد في أولها عنوان الكتاب، ولا يوجد عليها اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ، وهي ناقصة الأول والآخر. تبدأ بقول المؤلف. وأما تكليف استعمال التراب في التعفير فمعناه معقول، وذلك في مسألة رقم (14) وتنتهي بقوله: "فأما الأحبال فيتبعه" ورمزت لها بحرف /ب. ويوجد في هذه النسخة سقط وخلط وتصحيف والصور الآتية تبين الخلط الموجود فيها. النسخة الثالثة: وتوجد في مكتبة شستربتي بإيرلندا تحت رقم (4613). وعدد أوراقها (211) ورقة وعدد أسطرها (25) سطراً. والناسخ أحمد بن محمد بن عبد العزيز الراوي النسيبي، وفيها نقص كتاب الطهارة بأكمله وقليل من كتاب الصلاة تبدأ بقول المؤلف: "جمعتهم استغنى عن الآذان" وذلك في مسألة رقم (11) وتنتهي بنهاية الكتاب.

النسخة الرابعة

جاء في آخرها: "تم كتاب الجمع والفرق بتوفيق الله وعونه والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً، وكتبه الفقير إلى رحمة ربه الغني عمن سواه أحمد بن محمد بن عبد العزيز الراوي الشهير بالنسيبي. وكان الفراغ من نسخة خامس عشر المحرم سنة (786 هـ) ست وثمانين وسبعمائة. وتأتي هذه النسخة في الدرجة الثانية من جهة الصحة وقد رمزت لها بحرف/ جـ. النسخة الرابعة: وهي موجودة في المكتبة الأزهرية بمصر تحت رمق (890) فقه شافعي. وهي ناقصة الأول والآخر تبدأ بقول المؤلف: بفرقة أخرى وانتظر قائماً. وذلك في مسألة رقم (183). وتنتهي بقول: "واستحالة الدعوى في الأخرى". وعدد أوراقها (195) ورقة وعدد أسطرها (15) سطراً. وقد وجد عليها عنوان الكتاب ولم يوجد اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ، وجاء في آخرها "تم الجزء الثاني من الجمع والفرق والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين. يتلوه الجزء الثالث إن شاء الله كتاب الإقرار". ويبدو لي أن هذه النسخة أقدم وأصح نسخة موجودة للكتاب وقد رمزت لها بحرف/ د. النسخة الخامسة: وقد عثرت عليها في المكتبة الأزهرية برقم (81) فقه شافعي. هذا وقد تبين لي بعد البحث والتدقيق أنها منقولة عن النسخة الثانية والتي رمزت لها بالحرف/ ب. وعلى هذا أسقطتها من بين النسخ.

[مقدمة المؤلف]

بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل أفضل صلاة على سيدنا محمد وآله وسلم كذلك صلاة دائمة بدوامك. الحمد لله حمداً يتعرض حامده لمزيد آلائه، ويحتوي إخلاف نعمائه، والصلاة والسلام على المصطفي محمد وآله. أما بعد ... فإن مسائل الشرع ربما تتشابه صورها، وتختلف أحكامها، لعلل أوجبت اختلاف الأحكام، ولا يستغني أهل التحقيق عن الإطلاع على تلك العلل التي أوجبت افتراق ما افترق منها، واجتماع ما اجتمع منها، فجمعنا في هذا الكتاب بمشيئة الله تعالى وحسن توفيقه مسائل وفروقاً بعضها أغمض من بعض، وكنا رأينا لبعض مشايخنا المتقدمين مجموعاً في هذا الباب، غير أنه كان مشتملاً على مسائل معدودة قليلة، ولا يكاد يحصل مقصود هذا الباب إلا بالزيادة على ما جمع المتقدمون، غير أن لما وجدناه قدرة تبركنا، واقتدينا، وتأسينا، وبنينا على أساس من تعميم تشييد أساسه.

فصل في تقسيم منازل الفروق

فصل في تقسيم منازل الفروق تعلم أن المسائل التي تلتمس الفرق منها مقسمة ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يصادف مسألتين لم يختلف المذهب فيهما، ولا في واحدة منهما، والصورة متشابهة، والحكمان مختلفان، ولابد من فرق بينهما، ولا سبيل إلى تخريج جواب إحداهما من الأخرى. مثاله: أن الصلاة لا تصح بنية متقدمة حتى تكون النية مقترنة بأولها، ويصح الصوم، وإن كانت نيته متقدمة على الصوم بزمان. والفرق بينهما: التمكن من ضم النية إلى أول الصلاة، والعجز الظاهر عن ضم النية إلى أول الصوم، ونظائر هذا القسم أكثر من أن تحصى. والقسم الثاني: أن تجتمع مسألتان، والشافعي - رضي الله عنه - قطع قوله بجواب واحد في

إحداهما، وعلق قوله في الأخرى، وامتنع أصحابنا من تخريج قول في المسألة التي قطع قوله بجواب فيها، فمست الحاجة إلى فرق بين المسألتين، فعلم أن ذلك لمعنى أوجب قطع القول في إحداهما، وتعليق القول في الأخرى. مثال هذا: أن الشافعي - رضي الله عنه - ذكر قولين في الأجير المشترك إذا تلفت العين في يده. أحد القولين: أنه ضامن. والثاني: أنه بريء عن الضمائن، وإذا استأجر رجل أجيراً، ليعمل في حانوته، فتلف الشيء على يده، فقد قطع القول بأنه غير ضامن، وكلاهما أجير. الفرق بينهما: أن الأجير المشترك ينفرد باليد على ما أخذ العوض في مقابلة عمله في، فجاز تضمينه عنه تلف العين، أما الأجير في الحانوت (1 - ب) فهو غير منفرد باليد، بل اليد لصاحب الحانوت على ما في الحانوت، فتلف الشيء في يد الأجير، كتلف العبد في يده سيده بالفصد،.

والحجامة إذا سرت الجراحة، فلا يضمن الفصاد. والقسم الثالث: تجتمع مسألتان ذكر مشايخنا وجهين في إحداهما، وقطعوا القول في الأخرى. فهذا القسم ينقسم قسمين:- أحدهما: أن يقوى كل واحد من الوجهين، فيكون الكلام في هذا القسم كالكلام في القسم الثاني قبله. والقسم الآخر: أن يضعف أحد الوجهين، بدليل المسألة التي لم يختلفوا فيها، فيتعذر الفرق الواضح، فاشتغل في مثل هذا الموضع بتزيف أضعف الوجهين، وإسقاطه، ولا تشتغل بالتماس الفرق فيتعذر، ولا بتخريج الوجهين في المسألة المجمع عليها. وفي هذا القسم يكثر التعسف والتخريجات المستضعفة، وصرف العناية إلى إسقاط بعض الوجوه الضعيفة أولى من التعسف والولوع باستكثار الوجوه، وتخريجها وإذا انتهينا إلى أمثلة هذا القسم ذكرناها، ومهدنا هذه الطريقة فيها إن شاء الله.

فصل في صفة الفرق

فصل في صفة الفرق أعلم أن الفرق بين مسألتين ينقسم قسمين: أحدهما فرق مستند إلى ظاهر كتاب أو ظاهر سنة، فيستغنى في مثل هذا الموضع عن طلب الفرق من طريق المعنى. فإن طلبناه فوجدناه كان زيادة بيان وإن فقدناه استغنيا عنه. مثاله: أن المخبارة محظورة، والمساقاة جائزة، فإذا طالبك خصم بالفرق فرقت بينهما بالظاهر، كما فعل الشافعي- رضي الله عنه- فقلت: نهى النبي- صلى الله عليه وسلم- عن المخابرة، ووردت السنة في أهل

خيبر بالمساقاة، فلا ترد سنة بسنة، ولا يسوغ الجمع في مثل هذا الموضع. ويمكن أن يقال: لما جازت الإجازة على الأراضي لم تدع الضرورة إلى المخابرة، ولما انسد سبيل الإجارة على الأشجار، والكرم دعت الضرورة إلى المساقاة، فصارت كالمضاربة. والقسم الثاني في صفة الفرق: أن يفرق بين المسألتين بمعنى من المعاني، ثم هذا القسم ينقسم قسمين: أحدهما: أن يكون ذلك الفرق فرق فصل وتباين. والثاني: أن يكون ذلك الفرق فرق جمع لا فرق فصل.

مثال فرق الفصل: ما قاله الشافعي- رضي الله عنه- إن الحج يدخل على العمرة قولاً واحداً قبل افتتاح طواف العمرة والعمرة لا تدخل على الحج في أحد القولين. والفرق بينهما: أن المحرم بالحج قد التزم الطواف والسعي مع الوقوف وغيره، وليس في العمرة إلا الطواف والسعي فإدخال العمرة على الحج لا يفيد التزام عمل لم يلزمه بإحرامه السابق، وإذا سبق/ (2 - 1) الإحرام بالعمرة ثم أدخل الحج عليها فقد التزم بإحرامه بالحج زيادة لم يلتزمها بإحرام العمرة، كالوقوف، والرمي، وغيرهما. ومثال فرق الجمع: ما قال: الشافعي- رضي الله عنه- إن الإحرام بالحج جائز في الحرم قولاً واحداً، وهل يجوز الإحرام بالعمرة في الحرم؟ على قولين: والفرق بينهما: أن من أحرم بالحج في الحرم فلابد له من الخروج إلى الحل للوقوف بعرفة. وعرفة هي من الحل، فيجتمع في نسكه الحل والحرم جمعاً. فكذلك المعتمر وجب أن يجتمع في عمرته الحل والحرم، ولو جوزنا له الإحرام في الحرم لم يجتمع في نسكه الحرم والحل، لأن ما بعد الإحرام بالعمرة طواف العمرة

وسعيها وهما فعلان واقعان في الحرم. وهذا فرق جمع، لأنا أوجبنا اجتماع الحل والحرم في النسكين جميعاً. ونفتتح الكتاب- إن شاء الله- بفروق في مسائل قليلة معدودة في أصول الفقه، ثم نعطف عليها الفروع على ترتيب مختصر أبي إبراهيم المزني- رحمه الله- كتاباً بعد كتاب، ونلتقط الأهم والأغمض على حسب ما يساعد عليه التوفيق. والله الموفق، وهو المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وبالله التوفيق.

باب في أصول الفقه

باب في أصول الفقه مسألة (1): الفرق بين النسخ، والتخصيص: النسخ: إذا ورد على الحكم، حكمنا بأن الله تعالى أراد التحريم إلى أن ورد التحليل، فرفع حكم التحريم بالتحليل. وكان في سابق إرادته أنه يقدم الحكم الأول ويبقيه زماناً، ثم يرفعه بالحكم الثاني. وأما التخصيص: إذا ورد على العموم فقد بان لنا أن الله تعالى أراد باللفظ العام في أصل مورده بعض مسمياته، ولم يرد جميعها. ولو قد أراد في الأصل جمعها، ثم خصص بعضها كان نسخاً. مسألة (2): النفي في النكرة يعم، والإثبات في النكرة يخص ولا يعم: والفرق بينهما: فرق جمع على الحقيقة. وبيان هذا: أن الرجل إذا قال رأيت رجلاً، فقد أخبر عن رؤيته رجلاً واحداً. فلو حملنا لفظه على أكثر من واحد كنا قد استفدنا من لفظه ما لم يوضع اللفظ له، وإذا قال: لم أر رجلاً، فقد نفي رؤيته لا في رجل بعينه فاقتضى نفي الرؤية على العموم. وإذا حكمت بأنه رأي رجلاً ولم ير غيره صار مكذباً في قوله: لم أر رجلاً.

مسألة (3)

مسألة (3): الاستثناء في الشرع- وإن كان منفصلاُ- فهو صحيح ثابت الحكم، كالاستثناء المتصل. وأما في الأقارير فالاستثناء المتصل مقبول، والاستثناء المنفصل مردود. والفرق بينهما: أن حكم العموم في الشرع إذا ثبت واستيقن/ (2 - ب) جاز لصاحب الشرع رفع جميعه بالنسخ، أو رفع بعضه بالنسخ بعد زمان، وإذا جاز رفع الجميع بعد زمان جاز التخصيص بالاستثناء المنفصل وإن طال الزمان. وأما من أقر لغيره بألف فمعلوم أنه لو أراد الرجوع ورفع ما ثبت بالإقرار، أو رفع بعضه بعد الاستقرار لم يجد سبيلاً إليه، فكذلك لا يجد سبيلاً إلى الاستثناء

مسألة (4)

المنفصل، وأما إذا اتصلت عبارته فمعلوم أن الرجل يعبر عن الخمسة تارة بأن يقول: خمسة، وتارة بأن يقول: عشرة إلا خمسة. مسألة (4): إذا اتفق أهل العصر الثالث على حكم حادثة حدثت لهم لم يجز لأهل العصر الرابع مخالفتهم، وكذلك إذا اتفق أهل العصر الثاني على حكم حادثة حدثت لهم لم يجز لأهل العصر الثالث خلافهم، وبمثله لو سبق خلاف الصحابة وصدر عنهم قولان في مسألة، فاتفق أهل العصر الثاني على الإعراض عن أحد القولين وهجروه، وأقبلوا على القول الثاني جاز لأهل العصر الثالث على الصحيح من المذهب مخالفة أهل العصر الثاني وإحياء ما أماتوه وإماتة ما أحيوه. والفرق بينهما: أن المسألة إذا حدثت لهم ولم تحدث قبلهم لم يتعلق بها حق عصر سابق بإجماع أو بخلاف، فاعتبرنا أهل العصر الثاني، وإجماع كل عصر إجماع. وأما إذا سبق خلاف أهل العصر الأول فقد تعلق بتلك المسألة حق العصر

مسألة (5)

السابق، والمذهب لا يموت بموت معتقده، والأقاويل لا تندرس بانقراض أربابها، فلهذا بقيت تلك المسألة في جملة مسائل الخلاف. وللمجتهدين اختيار ما أوجب اجتهادهم اختياره من القولين السابقين. مسألة (5): قول الصحابي إذا ورد مورد الفتوى لم يكن إجماعاً وإن استفاض وسكت الباقون، وإذا ورد مورد الحكم واستفاض كان إجماعاً. ومن أصحابنا من قال بالضد من ذلك ولكل فريق فرق.

وأما من قدم الحكم على الفتوى ففرقه: أن الحاكم إذا قصد تنفيذ الحكم فقد قصد تفويت الأمر وأشرف الدم على الإراقة والفرج على الإباحة. فلو كان عند صحابي دليل أوجب مخالفته لما استخار أن يسكت، بخلاف المفتي فليس يفوت، وإنما هو مخبر، وربما يعمل المستفتي بفتواه وربما لا يعمل. والساكت عن ذكر ما عنده معذور. أما من قدم الفتوى على الحكم، ففرقه: أن القاضي مهيب بالولاية، محتشم محترم، وليس من الأدب إظهار مشاققته ومخالفته، ما دام للعذر وجه. فلعل الساكت سكت عن إظهار الخلاف،/ (3 - أ) لهذه الحشمة، وهذه الصفة غير موجودة في المفتي، فإذا أفتى وسكت الباقون دل ظاهر سكوتهم على الموافقة. وذهب فريق ثالث من أصحابنا إلى التسوية بين الفتوى والحكم بأن قال: القول إذا انتشر واستفاض وسكتوا كان إجماعاً، والفتوى والحكم سواء، لأنهم كانوا يتعرضون، ويعترضون ولا يحتشمون عن تبليغ الشرع، وإظهار دلائله. والله أعلم بالصواب.

كتاب الطهارة

1 - كتاب الطهارة مسألة (1): روى الربيع بن سليمان المرادي عن الشافعي - رضي الله عنه - أنه قال: إذا اختلط الزعفران اليسير بالماء والزعفران مستهلك فيه. جاز أن يتوضأ به. ولو اختلط اليسير من الزعفران بالتراب والزعفران مستهلك فيه لم يجز التيمم

مسألة (2)

به. والفرق بينهما: أن اليسير من الزعفران إذا اختلط بالماء - والماء على أوصافه - فأكثر ما فيه أن يلتصق عند الغسل جزء من الزعفران بجزء من الوجه فيتبعه من الماء ما يزعجه ويغسل محله، فيصير جميع الوجه مغسولًا بالماء المطلق، وأما إذا اختلط بالتراب شيء من الزعفران أو ما يشبهه فإذا استعمل المتيمم ذلك التراب في وجهه فالتصق الزعفران ببعض الوجه لازمه ولم يتبعه ما يزعجه ويرفعه، إذ التراب لا يجري جري الماء، وسنةُ التيمم الاقتصار عل مسحة واحدة ولا يتيقن أنه مسح جميع وجهه بالتراب، فلهذا افترقت المسألتان. مسألة (2): الماء إذا كان ناقصًا قلتين مجتمعًا في مستنقع فاغتسل فيه رجل

عن الجنابة، ثم أراد غيره أن يغتسل فيه، لم يجز اغتسال الثاني. ولو أن جماعة تيمموا من مكان واحد يضربون أيديهم عليه متناوبين صح تيممهم. والفرق بينهما ها هنا فرق جمع، وذلك أن الماء قد صار مستعملًا باغتسال المغتسل الأول - والمستعمل لا يصلح للاستعمال، فلهذا لم يصح غسل الثاني، وأما إذا تيمم رجل ضرب يده على بقعة من الأرض فعلق بيده الغبار فهذا الغبار هو المستعمل دون ما بقي في تلك البقعة من الغبار، وكذلك الثاني يستعمل طبقة

مسألة (3)

ثانية من التراب سوى الطبقة الأولى، فوزان هذا من الماء: أن يغترف الأول غرفة، ثم يغترف الثاني غرفة، ووزان الماء المستعمل من التراب ت أن يتيمم رجل فيمسح وجهه، ويديه فيضرب رجل يديه/ (3 - ب) على وجه المتيمم والوجه مغبر بتراب التيمم، فلا يصح تيمم الثاني، لأنه استعمل التراب المستعمل. مسألة (3): من هذا الجنس في التراب - اعلم أن الرجل إذا أراد التيمم وعلى رأسه غبار التراب فضرب بيده عليه فتيمم صح تيممه، ولو كان على ساعده غبار فضرب يده عليه فمسح به وجهه لم يصح تيممه. والفرق بينهما: أن اليد محل فرض التيمم كما أن الوجه هو محل فرضه فإذا نقل الغبار عن اليد إلى الوجه كان كما لو نقله عن الجبهة إلى الذقن أو عن الخد إلى الجبهة. وأما الرأس فليس هو محل فرض التيمم فنقل الغبار عنه إلى عضو التيمم كنقله عن ثوب أو عن أرض إليه.

مسألة (4)

مسألة (4): إذا وقع في الماء دهن الياسمين، أو ما شاكله من الأدهان الطيبة. فتغيرت رائحة الماء فالماء طهور، كما كان فلا يضره هذا التغير. فإن وقع فيه زعفران، أو عصفر، أو ما شاكلهما فتغيرت الرائحة فليس بطهور، ولا يصح التطهر به. والفرق بينهما: ما أوجزه الشافعي - رضي الله عنه - حيث قال: (ليس مخلوطًا بالدهن والطيب)، ومراده بهذا أن أجزاء الزعفران تمازج أجزاء الماء ويخالطها. فإذا تغيرت الرائحة كان ذلك التغيير تغير مخالطة لا تغير مجاورة. وأما الدهن المطيب إذا انصب في الماء فلا تكاد أجزاؤه تمتزج بأجزاء الماء، ولكنه يعلوه ويكون كالمجاور له - وإن كانت الملاقاة موجودة -، والشيء إذا جاور

مسألة (5)

الماء فتغيرت رائحته بقي الماء طهور، ولهذا قال الشافعي رحمه الله: ((إذا كان على شط الغدير جيفة. والريح تضربه وتضرب الماء فتغيرت رائحة الماء من غير ملاقاة ومخالطة كان الماء طاهرًا، ولو سلب التغير بالمجاور الطاهر صفة التطهير لسلب التغير بالمجاور النجس صفة الطهارة. وإذا ثبت ذلك في الأدهان فكذلك العنبر والعود. ومن أصحابنا من ألحق هذا الكافور، لأنه يبقى في الماء زمانًا طويلًا لا ينماع، وإن تغير الماء به كان تغيره عن مجاورة. مسألة (5): فصل بعض مشايخنا بين الملح الجبلي إذا وقع في الماء فتغير به، وبين

مسألة (6)

الملح المائي، فقال يجوز التطهر بالتغير بالمائي، ولا يجوز التطهر بالمتغير بالجبلي. والفرق بينهما: أن الملح المائي ماء في الأصل ينعقد ملحًا، ولو أن الملح المنعقد عن الماء ذاب في مملحة، ثم انعقد، ثم ذاب على حسب ما يتصور في أودية الملح/ (4 - أ) - فذائبه ماء طهور، وإن كان منعقده ملحًا، فلهذا قلنا: إنه إذا وقع في الماء مثل هذا الملح فذاب فيه جاز التطهر به، ويجب على هذا القياس أن يقال: إذا أذيب الملح المائي حتى صار ماء عاد في الحكم ماء. وأما الجبلي فليس بماء في الأصل ولكنه يخلق على تلك الصفة، وامتزاجه بالماء كامتزاج الزعفران سواء. فإن قال قائل: إن الملح الجبلي ماء انعقد. وما من ملح إلا والماء أصله. قلنا: ليس الأمر على هذه الجملة فإنا شاهدنا جبلًا من الملح شامخًا نعلم في الظاهر أنه مخلوق عل تلك الصفة كما خلقت حجارة سائر الجبال، وشاهدنا ذلك الجبل ينبجس ماء ملحًا يسيل في أسفله ثم ينعقد ذلك الماء ملحًا فأحدهما: ملح جبلي، والآخر ملح مائي. وسوى بعض مشايخنا بين الملحين وحكم بأنه إذا امتزج بالماء سلب التطهير. مسألة (6): الماء المستعمل في الغسلة الرابعة إذا غسل الرجل وجهه أربع مرات،

فالماء طهور وليس بمستعمل في الحكم، والماء المستعمل في تجديد

الوضوء مستعمل في الحكم عند بعض مشايخنا. والفرق بينهما: أن ماء الغسلة الرابعة غير مستعمل في فرض، ولا في مأمور به لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما زاد الوضوء عن ثلاث، ولا فرق بين أن يكون مستعملًا في الوجه وبين أن يكون مستعملًا في ثوب. وأما ماء التجديد فهو مستعمل في مأمور به وإن لم يكن مستعملًا في فرض قال

مسألة (7)

النبي - صلى الله عليه وسلم - ((جددوا الوضوء يجدد لكم الثواب)) فصار كالمستعمل في الفرض. مسألة (7): من توضأ، ثم قرأ من المصحف أو سجد للتلاوة، نم جدد الوضوء، فماء التجديد مستعمل لا يجوز لغيره أن يتوضأ به. ولو توضأ ثم قرأ القرآن عن ظهر القلب، ثم جدد الوضوء فماء التجديد طهور على الأصح الصحيح من المذهب. والفرق بينهما: أن من قرأ من الصحف أو سجد للتلاوة فقد استعمل وضوءه في ما لا يحل مباشرته إلا على الطهارة فصار كما لو أدى فريضة، ومن أدى بوضوئه فريضة دخل عليه وقت التجديد فإذا جدد الوضوء صار الماء مستعملًا في عبادًة مأمور بها فلا يجوز استعماله ثانيًا. وأما من توضأ ثم لم يستعمل ذلك الوضوء إلا في تلاوة القرآن عن ظهر القلب فوقت التجديد لم يدخل عليه، لأنه لم يباشر بذلك الوضوء ما لم يحل مباشرته للمحدث، فلم يصر ذلك الماء مستعملًا في عبادة

مسألة (8)

مأمور بها - وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوضوء قبل الصلاة ومراد/ (4 - ب) الخبر هذه المسألة وهي مسألة التجديد. مسألة (8): غسالة المغتسل للجمعة طاهر طهور إذا كان قد توضأ قبل الاغتسال، وغسالة المغتسل من غسل الميت خلاف ذلك. والفرق بينهما: أن المغتسل للجمعة مندوب إلى الغسل للتنظيف وإزالة الروائح الكريهة، فتنظيفه بدنه كتنظيف ثوب طاهر، ولو غسل في الماء ثوب طاهر لم يلبسه صفة التطهير ولم يندب إلى الغسل لأجل الحدث ولرتبة الحدث. ألا ترى أن المتوضئ يوم الجمعة مندوب إلى الغسل كما أن الحدث مندوب إليه. وأما غسل غاسل الميت ففيه رتبة الحدث. والظاهر من الخبر الوارد عن أي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن مس الميت كالحدث. قال - صلى الله عليه وسلم - ((من غسل ميتًا فليغتسل ومن مسه مفضيًا إليه فليتوضأ)). فشابه من هذا الوجه مس الفرج، ولولا ضعف في

مسألة (9)

إسناد هذا الخبر لأوجبنا هذا الغسل هكذا قال الشافعي- رضي الله عنه. فلهذا قلنا ينبغي أن يتجنب غسالة غاسل الميت وإن كانت طاهرة، لأنها غسالة غسل أمر به لمعنى شاكل الأحداث. مسألة (9): تجديد الوضوء إذا صادف وقت التجديد فغسالته غير مطهرة عند بعض مشايخنا عل نحو ما قلناه. وغسالة غسل الجمعة، والعيد، والإحرام، ودخول الكعبة بخلاف ذلك. والفرق بينهما: أن غسل الجمعةَ لا يستند إلى حدث وإنما ندب المرء إليه للتنظيف. وأما التجديد فإنه يستند إلى أصل الحدث، لأن الوضوء الأول لرفع الحدث، والثاني لتجديد رفع الحدث، ولهذا يختص ويتعلق بأعضاء الحدث.

مسألة (10)

مسألة (10): الماء الجاري إذا كان غير متراد فوقعت فيه نجاسة حكمية جاز استعمال ذلك الماء بكل حال والاغتراف من كل موضع وإذا كان مترادًا في موضع من النهر اعتبرنا مقدار التراد فإن بلغ قلتين فلا حكم للنجاسة، وإن تقاصر عن القلتين فهو نجس. والفرق بين الجاريين أن الماء إذا انتهى في النهر إلى مكان يتراد بعضه فيه إلى بعض صار بالتراب يشبه الماء الراكد بعضه يتراد إلى بعض. والماء الراكد قابل للنجاسة إذا كان دون القلتين والدليل على أنه في حكم الماء الراكد أن الحفرة إذا كانت مستنقعة الماء يدخلها ولا يخرج منها، فما فيها راكد وإن كان اباري متصلًا بها، وكذلك العين من الماء إلى لها منابع ينبع منها ويتجمع ويتراد ثم ينفصل عنها فهو والمجتمع في العين راكد في الحكم للتراد الموجود فيه، وكذلك المستنقع الواسع الذي يدخله الماء من جانب ويخرج من جانب غير أن الداخل/ (5 - أ) يحول فيه وينعطف زمانًا فقد حكم الدخول عن حكم الخروج، وإنما يتحقق له صفة الجري إذا كان الداخل يجري عل سنن من مدخله في المستنقع إلى مخرجه. مسألة (11): الماء الجاري إذا جرى ببعض النجاسة المستجسدة فما تحت النجاسة الجارية من الماء الجاري طاهر، كما أن ما فوقها طاهر. وإذا كانت

مسألة (12)

النجاسة واقفة في الساقية والماء يلقاها وينحدر عنها من غير تراد، فما فوقها طاهر وما تحتها مما جاوزها نجس إلا أن يحصل بين النجاسة وبين موضع الاغتراف مقدار قلتين، وقال بعض مشايخنا إن جميع ما جاوزها نجس وإن كثر وتباعد حتى مستنقع من النجس في حوض قدر قلتين فتأخذ بالتراد حكم الاعتضاد والكثرة، فيصير ما في الحوض طاهرًا وما انفصل عنه غير طاهر. والفرق ين النجاسة الجارية والواقفة أنها إذا كانت تجري بجري الماء فالأجزاء التي لم تبلغها هذه النجاسة أجزاء طاهرة من الماء، لأما ما لقيت نجاسة، وما لقيتها نجاسة. وأما إذا كانت النجاسة واقفة فقد لقيتها أجزاء الماء المجاور لها فصارت نجسة بملاقاتها وإذا حدثت فيه النجاسة فلا بد من سبب لزوالها وارتفاعها. مسألة (12): غسالة الحدث إذا انفصلت عن عضو إلى الإناء، ثم أعيدت إلى عضو آخر لم يجز ولم يرتفع بها حدث العفو الآخر.

مسألة (13)

وأما المتيمم إذا مسح بعض ساعده بالغبار الذي على كفه، ثم رفع هذا الكف عن الساعد، ثم أعاد الكف إلى الساعد فمسح بقيته كان التيمم صحيحًا على أصح الوجهين. والفرق بينهما: فرق جمع وذلك أن المستعمل في بعض الساعد من الغبار غير ما يستعمله في بقيته والغبار على ذلك طبقات لطيفة، كما آن الغبار على وجه الأرض طبقات لطيفة. وأما غسالة الحدث إذا انفصلت عن العضو ثم أعيدت بالماء المستعمل في العضو الثاني فهو بعينه نفس الماء المستعمل في العضو الأول. فإن قيل: للماء طبقات أيضًا كما للتراب طبقات. قلنا: إذا انفصلت الغسالة فقد امتزجت، الطبقات المستعملة بغير المستعملة وكثر الامتزاج، وإذا مازج المستعمل غير المستعمل وكثر المزاج منع التطهير. وأما في التيمم بالغبار المستعمل في بعض الساعد قد علق بمحلة ولا يمتزج ببقية الغبار على الكف. مسألة (13): إذا ولغ الكلب في إناء وفيه ماء قليل فغسل الإناء سبعا فأصابت

قطرة من الغسلة السادسة/ (5 - ب) ثوبًا وصار معفرًا في السابعة وجب غسل ذلك الثوب مرتين ووجب تعفيره. وإذا أصابت قطرة من الغسلة السابعًة والتعفير في السادسة وجب غسل الثوب مرة واحدة ولم يجب تعفيره، وإنما كان كذلك، لأن الإناء قبل الغسلة السادسة موصوف بأنه يجب غسله مرتين ويجب تعفيره، فالغسالة المتطايرة عن الغسلة السادسة حكمها حكم الإناء قبيل الغسلة السادسة فثبت للثوب مثل هذا الحكم. وأما إذا أصابت القطرة من الغسلة السابعة وتعفيره في السادسة فحكم الإناء قبل السابعة وجوب غسله مرة من غير تعفير، فثبت مثل هذا الحكم للثوب وهذه الطريقة على مذهب من يقول: حكم الماء بعد غسل المحل كحكم المحل قبل ذلك

الغسل، وهي طريقة أبي القاسم الأنماطي ومن سلك هذه الطريقة حكم بنجاسة غسالة النجاسات. ومن أصحابنا من قال: حكم الماء بعد الغسل حكم المحل بعد ذلك الغسل، وعلى هذا يدل نص الشافعي - رضي الله عنه - والبلل الباقي في المحل محكوم بطهارته وكذلك البلل المنفصل، فعلى هذه الطريقة إذا تطايرت القطرة من الغسلة السادسة إلى ثوب وجب غسله مرة واحدة، وإن تطايرت من الغسلة السابعة لم يجب غسل الثوب. وفرق ما بين الغسلتين ما ذكرنا أن الإناء بعد الغلة السادسة مغسول مرة وهى السابعة حتى يطهر والثوب كذلك وليس الإناء بعد السابعة مغسولًا بل هو محكوم بطهارته فالثوب كذلك وعلى هذا حكم التعفير فإذا أصاب الثوب قطرة من غسلة وقد سبق التعفير قبل تلك الغسلة لم يجب تعفير ذلك الثوب على الطريقتين جميعًا .. وإن أراد التعفير بعد الغسلة المتطايرة إلى الثوب وجب تعفير ذلك الثوب على الطريقتين جميعًا.

مسألة (14)

وإن أصاب الثوب قطرة من غسلة التعفير ففي تعفير الثوب وجهان مبنيان على هاتين الطريقتين. مسألة (14): أمر الله تعالى بالتراب في التيمم فلم يقم غيره مقامه بحال. وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتراب في تعفير الإناء المولوغ فيه.

فقام الصابون ونظائره مقام التراب عل أحد القولين عند عدم التراب، وقال بعض أصحابنا عند الوجود قولان أيضًا. والفرق بينهما: أن التراب في التيمم ووجوب استعماله غير معقول المعنى والتيمم بدل الوضوء، والوضوء غير معقول المعنى وإنما يمكن إلحاق الشيء (6 - أ). بالشيء إذا كان المعنى معقولًا. وأما تكليف استعمال التراب في التعفير فمعناه معقول وهو مظاهرة الماء ومعاونته وإمداده بما يزيده [قوة] في الإزالة (فكل ما) عمل في هذا المعنى عمل التراب قام مقامه. [كآلات الدباغ قامت مقام الشب ...........................................

مسألة (15)

والقرظ [المنصوص] عليهما لما كان المعنى معقولًا. ومثال هذا مسألة أخرى وهي أن الأحجار في رمي الجمار لا بدل لها وغيرها لا يقوم مقامها. [والأحجار في الاستنجاء] لها بدل ويقوم غيرها مقامها، لأن معنى الاستنجاء معقول وهو تخفيف عين النجاسة عن [المحل]، وذلك يحصل بكل عين طاهرة منشفة لا حرمة لها، ومعنى رمى الجمار غير معقول. مسألة (15): للجنب العبور في المسجد قبل الغسل، ولكن لو اغتسل بنية العبور واستباحته جاز له أداء المكتوبة بذلك الغسل الذي هو في حق العبور تطوع. ولو اغتسل الجنب يوم العيد ونيته غسل العيد لم يرتفع حدثه ولم يجز له أداء المكتوبة ولا فعل التطوع.

مسألة (16)

والفرق بينهما: أن الغسل للعبور والغسل للعيد وإن كانا سواء في منزلة الندب والتطوع، فالغسل للعبور مندوب، إليه لمكان حدث الجنابة واستندت نيته إلى الحدث فأفادت رفعه إذ لا يحصل مقصود هذا التطوع وحقيقة هذا الندب إلا برفعه وإذا ارتفع الحدث صلى ما شاء. وليس الندب إلى غسل العيد لكان الحدث حتى تتضمن نيته رفع الحدث ولو كان غسل العيد راجعًا إلى أصل الحدث لكان التطهر عن الحدث غير مندوب إلى الغسل للعيد. ومن أصحابنا من [يسوي ويمنع] في المسألتين عن فعل المكتوبة بذلك الغسل وليس بصحيح والمذهب الأول. مسألة (16): الجنب إذا اغتسل وتصور له أنه عمم، بدنه، ثم أعاد الغسل يعد كمال الغسل الأول بفرائضه وسننه، ثم بان له أنه كان أغفل لمعة من الغسل الأول فعليه غسل تلك اللمعة ولا يجزئه الغسل المعاد في حق اللمعة المتروكة، ولو أنه أغفل لمعة من الغسل في الغسلة الأولى ثم صب الماء عل بدنه ثانيًا وثالثًا لتكميل الغسل [أجزأه غسل تلك اللمعة] في المرة الثانية على أحد الوجهين، (وكذلك لو غسل وجهه في الوضوء وأغفل لمعة ثم غسل المرة الثانية فأتى عل تلك اللمعة تمت طهارته عل أحد الوجهين) / (6 - ب).

مسألة (17)

والفرق بين (الغسل المعاد وبين الغسلة الثانية) أن الغسلة الثانية من جملة الطهارة الأولى ومقتضى نيته في الابتداء أن لا ينتقل إلى الغسلة الثانية حتى يستكمل الغسلة الأولى فإذا ترك من الغسلة الأولى لمعة وانتقل إلى الثانية حسبنا في الثانية غسل تلك اللمعة من الأولى على مقتضى سابق إلية، فتمت الأولى وبقى النقص في الثانية فصحت صلاته. وآما الغسل المعاد فلا يتصل بأصل نيته ولا أصل له في الشرع فلا يستفيد بفعله ما أغفله في الغسل الأول. مسألة (17): ومثاله: وأقرب منه مسألة أخرى: وهو أن الرجل لو توضأ ثلاثًا ثلاثًا فنسي مسح رأسه في المرة الأولى (و) مسحه في المرة الثانية والثالثة وعنده أنه قد أتى بالمسحة الأولى حين مسح رأسه فلم يمسحه إلا على نية الثانية والثالثة أجزأته الطهارة، وعلى أحد الوجهين، ولو فرغ من الوضوء وقد نسي مسح رأسه وهو لا يعلم ثم جدد الوضوء في زمان التجديد ومسح برأسه ثم تذكر أن الطهارة الأولى كانت غير مشتملة على مسح الرأس فليس له أن يصل حتى يمسح برأسه ويغسل (قدميه) وعليه إعادة ما صلى بهاتين الطهارتين.

مسألة (18)

والفرق (ما) أشرنا إليه أنه إذا مسح برأسه وعنده أنها المسحة الثانية تركنا ما عنده وحسبناها من حساب المسحة الأولى، لأن مقتضى النية السابقة أن لا ينتقل إلى الثانية ما لم يفرغ من الأولى. وأما التجديد فهو طهارة أخرى لم يقصد بها ما قصد بالأولى من رفع الحدث فلا يرتفع ما عن عضو من الأعضاء حدث. مسألة (18): إذا نوى الطهارة عن [البول] ثم تذكر أن حدثه الملامسة أجزأته الطهارة. ولو أعتق نسمة ونوى كفارة القتل ثم تذكر أن الواجب عليه كفارة الظهار (فعليه كفارة الظهار) وقد عتق العبد.

مسألة (19)

والفرق بينهما من وجهين: أحدهما: أن الطهارة مقصودة لفعل (مستقبل) وهو الصلاة وقد اندرج تحت نيته قصد استباحة الصلاة فصارت مباحة له وإن أخطأ من حدث إلى حدث. والمقصود من الكفارة تكفير الذنب الماضي، (فإذا) علق نيته بذنب لم يوجد منه لم ينفعه ذلك في تكفير ذنب موجود. والفرق الثاني: أن الطهارة الواجبة عن الحدث متعلقة بأعيان الأعضاء لا بالذمة، فإذا أوقع الأفعال في الأعضاء على نية العبادة لم يضره ما خطر بباله من الغلط، ولا يتصور طهارة تكون دينًا/ (7 - أ) في الذمة. وأما الكفارة فإنها دين ثابت في الذمة، والعتق ينصرف إلى ما سوى الدين وهو التطوع فإذا [أضاف و] أخطأ لم يقصد إبراء ذمته عن الدين التعلق ما فلم يبرأ بها وعتق العبد محسوب عن التطوع. ولو أنه أطلق نية الكفارة أجزأته، لأن مطلقها يتضمن قصد إبراء الذمة. مسألة (19): المستحاضة إذا نوت رفع الحدث واقتصرت على ذلك لم تتم طهارتها حتى تنوي استباحة الصلاة مع رفع الحدث، ولو اقتصرت على نية

استباحة الصلاة أجزاها ذلك. والماسح على الخف إذا اقتصر عل نية رفع الحدث أجزأته طهارته. والفرق بينهما: أن المستحاضة إذا اقتصرت على نية الرفع انصرفت نيتها إلى الحدث السابق الموجود [و] لم تنصرف إلى الحدث اللاحق المتجدد، فيحتاج إلى أن تضم؛ إلى نية رفع الحدث نية الاستباحة ليكون الرفع للحدث (السابق والاستباحة للحدث) اللاحق، وإنما جاز لها الاقتصار على نيةٌ الاستباحة، لأنها بمعناها تتضمن رفع الحدث السابق ومنع حكم الحدث اللاحق. وأما ماسح الخف فطهارته على أكثر أعضائه رافعة للحدث، وألحق حكم القدمين بحكم سائر الأعضاء، وليس يتجدد عليهما حدث، وإنما الحدث هو الأول، وقد تطهر عن الحدث الأول على جميع الأعضاء والله أعلم.

مسألة (20)

مسألة (20): الرجل [. . .] إذا كان على ذقنه شعر كثيف، ولم يكن على [الفكين] شعر، وكان على عارضيه شعر كثيف [والفك]: هو ما بين الذقن والعارض، فقد قال الشافعي رضي الله عنه: (إنه لا يلزمه في الوضوء إيصال الماء إلى بشرة ذقنه). وقال بعض أصحابنا: إنه يلزمه إيصال الماء إلى بشرة العارضين.

مسألة (21)

والفرق بينهما: أن شعر العارض وإن كان واقعًا يين بياضين مغسولين أحدهما بياض الخد والثاني البياض المتصل بالأذن فالغالب أنه لا يكثر غسل العارض وان كثر ذلك على رجل بنينا الحكم على (الغالب) وألزمنا، إيصال الماء إلى البشرة وأما كثرة شعر الذقن فلبى بنادر بل الغالب كثرته فلم يلزمه إيصال الماء إلى البشرة، وعلل بعض أصحابنا وجوب إيصال الماء إلى بشرة (العارض)، والشارب والحاجب بأنه بين بياضين مغسولين، والمسألة الني حكيناها عن الشافعي رحمه الله - تدل عل فساد هذا التعليل، لأن شعر الذقن حيث صورنا أنه واقع بين بياضين مغسولين وليس يجب إيصال الماء إلى البشرة المستترة بشعر الذقن بعد كثافته. مسألة (21): قال الشافعي -رضي الله عنه-: إذا سقطت جلدة من عضده على ذراعه فلصقت كانت كالذراع/ (7 - ب) ولو تجافي منهما شيء لم يجزه إلا غسل ما نحت ما تجافي وغسل الذي فوقه إذا كان بعضه لاصقًا ببعض، ولو سقطت جلدة من ذراعه آو كفه فصارت متدلية غسلها. هذا لفظه. فقد أوجب الشافعي -رضي الله عنه- غسل ما تدلى عن العضد إلى الذراع

وإن كان أصل ذلك المتدلي في غير محل الفرض. وقال الشافعي- رضي الله عنه. ((من قطع أغصان شجرة في الحرم فإنما هي تبع لأصلها ولا أنظر إلى فرعها فإن كانت في محل لم يجزها وإن كانت في حرم جزاها حلالًا كان أو محرمًا)) فاعتبر في الشجرة أصل منبتها فإن كان الأصل في الحل فهي من أشجار الحل وإن كان الأصل في الحرم فهي من أشجار الحرم. والفرق بينهما: أن الجلدة الني نبت أصلها في الذراع ثم تدلت والتصقت بالساعد أوجب الالتصاق إلحاقها بحكم الساعد، لأنها إذا التصقت ببشرة الساعد فكأنها جزء وزيادة طبقة من الساعد كيف وقد سترت بعض محل

الفرض من الساعد فنزلت بنفسها منزلة ما سترت منها. وأما الشجرة التي أصل نباتها في الحل وانتشرت أغصانها في الحرم فتلك الأغصان معتبرة بأصلها إذ ليس [لها] في الحرم أصل نبات ولا التصاق بشجرة نابتة في الحرم. فوزان مسألة الشجرة أن تكون هذه الجلدة متدلية من العضد إلى الساعد غير ملتصقة ولا يجب حينئذ غسلها ومنزلتها منزلة الذؤابة تدلت من الرأس، إلا أنها لما كانت نابتة على العضد والعضد هو محل استحباب الغسل لتطويل الغرة فالمستحب غسل التدليه. ووزان الجلدة اللاصقة بالساعد وأصلها في العضد من الشجرة أن تدخل أغصان شجرة الحل في الحرم فتتصل بأغصان شجرة نباتها في الحرم اتصال خلقة ونبات وربما التصق أغصان بعض الأشجار بشجرة أخرى تعارضها فتصير بحيث تشرب من مائها وتنمو بنمائها كأنهما شجرة واحدة لا تنفصل إحداهما عن الأخرى إلا بالقطع، فإذا صارت هذه الصفة التحق حكمها بحكم أشجار الحرم فيما أخذ بهذه الصفة.

مسألة (22)

مسألة (22): قد حكم الشافعي -رضي الله عنه - في هذه الجلدة المتدلية من العضد إلى الساعد إذا كان بعضها ملتصقًا وبعضها متجافيًا بأن يغسل ما تحت المتجافي وما فوقه في حد الساعد منها. وأما ما فوق حد الساعد فمفهوم كلام الشافعي - رضي الله عنه - أنه لا يجب غسلها ولا غسل جهة من (جهاتها). الفرق بين الموضعين أن ما كان منها في حد الساعد فملتصقة مغسول للالتصاق وكذلك منفصلة، لكونه/ (8 - 1) في محل الفرض بالتصاق الملتصق، وأما ما فوق الساعد والمرفق مما هو في حد العضد فإنه غير داخل في محل الفرض (و)، متجافية وغير متجافية سواء ومثال ذلك من شجرة، الحل إذا تصور (كان) مثله في

مسألة (23)

الحكم وصورته أن يكون أصل الشجرة في الحل ودخل بعض أغصانها في الحرم والتصقت شجرة حرمية مثل هذا الالتصاق الذي صوره الشافعي - رحمه الله - في الجلدة فالمقدار المتصل من شجرة الحرم في الحكم وكذلك المنفصل الذي هو داخل في حد الحرم وأما المنفصل الذي هو في حد الحل فحكمه حكم أصله الذي هو في الحل وأما حكم الطائر الواقع على أغصان الشجرة فالاعتبار بموقعه لا بأصل الشجرة وإن كان موقع الطائر خارج الحرم حل للحلال، رميه واصطياده وإن كان أصل تلك الشجرة في الحرم. وإن كان موقع الطائر من الغصن في الحرم لم يحل التعرض لذلك الطائر وإن كان أصل نبات الشجرة في الحل لأن الاعتبار بجسم الطائر [حيثما] كان فيحترم في الحرم واقعًا وطائرًا ولا يحترم في الحل. مسألة (23): شعر الذؤابة إذا طال واسترسل حتى جاوز (حد) الرأس خرج عن حكم الرأس فلا يجوز إيقاع فرض المسح على أطرافه. وأما شعر الوجه إذا استرسل وجاوز الذقن فهو في أصح القولين من

مسألة (24)

الوجه، ويجب إمرار الماء على ظاهره كما يجب ذلك في المحاذي لذقنه الذي لم يجاوز حد الذقن. والفرق بينهما: أن شعر اللحية حين ينبت وحين يطول ويسترسل لا يزايله اسم الوجه في أصل اللغة إذا كان منبته في الوجه وقد حكينا عن الشافعي - رضي الله عنه - أن جلدة لو تدلت وسقطت عن الكف وجب غسلها وإنما أوجبنا غسلها، لأنها من جملة اليد وإن كانت كالخلقة الزائدة فكذلك شعر الوجه. وأما شعر الرأس إذا ألم بالمنكب فاسم الرأس لا ينطلق عليه في حقيقة اللسان وكيف ينطلق واشتقاق الرأس عندهم من قولهم: ترأس الشيء إذا ارتفع وعلا، ومنه: الرئيس والرئاسة. مسألة (24): شعر الرأس إذا طال ونزل إلى المنكب فإيقاع فرض المسح على ما بقي منه في حد الرأس جائز، ولا يجوز إيقاعه على ما جاوز حد الرأس.

مسألة (25)

والفرق بين الموضعين: أن ما بقي منه في حد الرأس فما تحته محل الفرض، لأنه من منابت شعر الرأس فلا فرق بين المسح عليه وبين المسح على الشعر القصير النابت تحته من حد الرأس وأما ما جاوز منابت شعر الرأس فما/ (8 - ب) تحته من حساب الرقبة لا من حساب الرأس، فلا يجوز المسح عليه، كما لا يجوز المسح على ما تحته، وكذلك الشعر المسترسل من الرأس الذي يحاذي البياض فوق الأذن ووراء الأذن: قال صاحب الكتاب رحمه الله - سمعت بعض من سلف من أصحاب أبي حنيفة يقول: يجوز المسح على الشعر المحاذي للبياض الذي فوق الأذن، ومنع جوازه على نفس ذلك البياض وهذه مناقضة ظاهرة. مسألة (25): قال الشافعي - رضي الله عنه -: (ولو جمع شعره فعقده في وسط رأسه فمسح ذلك الموضع وكان الذي مسح منه الشعر على منابت الرأس وقد يزايل عن منبته لم يجزه المسح على الشعر حتى يمسح على الشعر في موضع منبته وتقع الطهارة عليه كما تقع على الرأس نفسه). (وقال أيضًا: "لا يجزئه إلا أن يمسح على الرأس نفسه أ) وعلى الشعر الذي هو على نفس الرأس لا تساقط عن الرأس". هذا لفظ الشافعي - رضي الله عنه -

في رواية الربيع، وغيره خرج عن هذا الكلام (فقال):إن الشعر إذا طال فتمايل وسقط واسترسل حتى جاوز حد الرأس وإذا رددته بالتضفير والتعقيص إلى حد الرأس ثم أوقعت المسح على شعر مردود إلى حد الرأس وليس كالشعر الطويل المتمايل الذي إذا جذبته لم يخرج عن حد الرأس فإن المسح عليه جائز وأطرافه وأصله سواء. والفرق بينهما: أن (هذا) الشعر الطويل الذي لا يجاوز الرأس إذا جذبته باقٍ في حد الرأس غير أنه لما طال مال فلو منعنا المسح عليه امتنع المسح على كل شعر طويل من شعر الرأس وذلك محال. وأما الشعر المردود (بالتضفير) إلى

مسألة (26)

حد الرأس فهو أشبه شيء بالعمامة لأنه بنفسه كان قد جاوز الحد ورددته إلى الرأس، فلا يجوز المسح عليه، وكذلك تقول لو طال الشعر ولكنه شعر جعد يبقى بنفسه على حد الرأس من غير (تضفير) فلا يجوز المسح على أطرافه التي لو جذبتها فارقت حد الرأس من جانب من جوانب الرأس وإذا تدلت عن أطرافه فمسحت منه مكانًا لا يخرج عن حد الرأس إذا جذبته جاز المسح عليه وأجزأت الطهارة. مسألة (26): إذا بل الرجل يده ببلل يسير ثم وضعها على رأسه ورفعها فذلك ليس بمسح، ولا يجزئ عند أبي بكر القفال رحمه الله. ولو كان على يد بلل (كثير) فوضع يده على رأسه ورفعها أجزأه المسح.

مسألة (27)

والفرق بينهما: أن البلل/ (9 - أ). إذا كثر جرى على الرأس من مكان إلى مكان، فإن كان جريًا قريبًا قام جري الماء مقام إمرار اليد عليه، ألا ترى أن غسل الرأس يقوم مقام المسح وإن لم يمسح رأسه. وأما إذا قل البلل بحيث لا يجري فلم يوجد منه إمرار اليد من مكان إلى مكان حتى يسمى مسحًا، ولم يوجد جري الماء من مكان إلى مكان حتى يقوم مقام المسح حكمًا، فلهذا لم يصح مسحه. وإذا ثبتت هذه المسألة في مسح الرأس وجب أن يكون مسح الخف كذلك، وأما مسح المتيمم فهو كذلك، لأنه إذا وضع اليد المغبرة على الوجه ولم ينقل الغبار من مكان إلى مكان حتى يسمى مسحًا لم يصح تيممه بحال. مسألة (27): إذا غسل الرجل وجهه وكان شعر ذقنه كثيفًا وأمر الماء على (ظاهر) شعر ذقنه دون باطنه ثم تمرط شعر الوجه أو حلق فليس

عليه إعادة الغسل، ولو نزع الخف الممسوح لزمه إعادة الغسل أو استئناف الوضوء. والفرق بينهما: أن الخف نزل منزلة البدل في عامة أحكامه وإن كان مشبهًا بالأصل في بعض أحكامه فإذا ظهر الأصل انتقض حكم البدل كالماء إذا صار موجودًا انتقض حكم التيمم. وأما شعر الذقن إذا تكاثف (بخلاف الخف) فقد أخذ حكم الأصل بنفسه فصار كالبشرة إذا غسلت ثم انقشرت بسلخ، أو جراحة. فإن قال قائل: فما الفرق بينهما هذا أخذ حكم الأصل وهو حادث لم يكن موجودًا والخف لم يأخذ حكم الأصل. قلنا: لأن الشعر إذا نبت صار من أصل الخلقة (بخلاف الخف فإنه ملبوس، يرتفق به) في بعض الحالات فثبت رخصة على حسب الحاجة.

مسألة (28)

ولهذا فصلنا [بين] مدة المسافر ومدة المقيم لافتراقهما في ضرورة ارتفاقهما. فإذا ثبت حكم هذه المسألة فحكم شعر الرأس كحكم شعر الوجه فمتى (ما) مسح على شعر الرأس وهو طويل بحيث (أنه لم) ينزل بلل المسح إلى فروة الرأس ثم حلق شعره لم يضر طهارته. مسألة (28): غير أن شعر الرأس وشعر الذقن مفترقان في مسألة أخرى وهو أن الذقن إذا كان عليه شعر قليل خفيف فلابد من إيصال الماء إلى البشرة، وليس شعر الرأس كذلك فإن الرأس إذا كان عليه شعر قليل وبعضه لا شعر عليه فعمد إلى الشعر [فمسح] على أطرافه كان جائزًا، لأنه مأمور بمسح بعض الرأس لا بالتعميم، واسم بعض الرأس ثابت لشعر الرأس والواجب في الوجه تعميمه بالغسل.

مسألة (29)

مسألة (29): شعر الذقن إذا كثف قام مقام بشرة الذقن في الوضوء. وشعر العنفقة (وإن كثف) لا يقوم مقام بشرة/ (9 - ب) العنفقة في أصح الوجهين. والفرق بينهما: أن كثرة الشعر على الذقن ليس هو من النوادر، وأما كثرة شعر

مسألة (30)

العنفقة فهو من النوادر لأن الغالب أن لا يستر شعر العنفقة ما حواليها من البياض فلهذا فصلنا بينهما والله أعلم بالصواب. مسألة (30): المحدث إذا جلس على شط النهر فاغتسل بنية رفع الحدث من غير مراعاة الترتيب لم يحصل له الوضوء، ولو انغمس في الماء حتى غمره الماء وهو محدث فنوى الوضوء تحت الماء حصل له الوضوء، لا يجوز على المذهب غيره. والفرق بينهما: أن المنغمس تحت الماء إذا نوى الوضوء نواه والماء متصل بجميع

مسألة (31)

أعضاء الوضوء فأمكننا أن نحكم بحصول الترتيب فنقول: حسبنا له غسل الوجه أولًا، ثم غسل اليد، ثم مسح الرأس، ثم غسل القدمين، وملاقاة الماء بدنه قبل أن نحكم بحصول غسل وجهه، ومع حصول غسل وجهه ملاقاة غير محسوبة، [وأما] إذا جلس على شط النهر فبدأ بأسافل بدنه ثم بالأعلى فالترتيب غير حاصل، وملاقاة الماء أعضاءه غير مستدامة حتى يستنبط حصول الترتيب من دوام الملاقاة. مسألة (31): إذا استعان رجل برجال في الوضوء ووقعت أفعالهم في أعضائه معًا من غير تقدم وتأخر لم يصح وضوؤه، والمنغمس المغمور بالماء إذا نوى الوضوء صح وضوؤه. والفرق بينهما: أن المنغمس إذا نوى الوضوء أمكننا بأن نحكم بحصول غسل وجهه (ويكفي ملاقاة الماء بدنه ساعة حكمنا بحصول غسل وجه) ثم نحسب ليديه الملاقاة الأخرى وكذلك رأسه مع بدنه وكذلك رجلاه مع رأسه. وأما إذا غسل الجماعة أعضاءه معًا فمعقول أنا حكمنا بحصول غسل وجهه ثم أنا نجد بعد ذلك ورود الماء على يديه، وإنما ورد عليهما الماء حين ورد على الوجه ولو حسبنا تلك الملاقاة غسلًا ليديه لم يحصل الترتيب فإن التعقيب من ضرورة الترتيب فتفهم.

مسألة (32)

مسألة (32): الكافر إذا اغتسل عن الجنابة ثم أسلم قال أبو بكر الفارسي:- مصنف كتاب العيون - أجزأه غسله. ولو توضأ في حال كفره ثم أسلم لم يصح وضوؤه، وخالفه كثير من أصحابنا وقالوا: لا يصح غسله ولا وضوؤه.

مسألة (33)

والفرق عند أبي بكر الفارسي بين الغسل والوضوء أن الغسل يضام الكفر فثبت له (حكم) في بعض المواضع وما وجدنا وضوءًا يضام الكفر فيثبت له حكم. والدليل على أن الغسل يضام الكفر في بضع المواضع أن الذمية تحت المسلم إذا طهرت عن الحيض/ (10 - أ) أو عن النفاس لم يحل للزوج مباشرتها حتى تغتسل، وإذا اغتسلت حل للزوج المباشرة، فهذا من أحكام الغسل، وهذا الفرق مسلم لا بأس به لأنا وإن قلنا إنها إذا أسلمت فعليها تجديد الغسل خلافًا له فقد أعطينا هذا الغسل في الكفر حكمًا حيث جعلناه سبب إباحة المواقعة. مسألة (33): إذا توضأ المسلم ثم اتد ثم عاد إلى الإسلام في الحال فالوضوء بحاله لم يبطل بارتداده. ولو أن المسلم تيمم ثم ارتد ثم عاود الإسلام فتيممه باطل على أحد الوجهين.

والفرق بينهما: أن الردة زمانها مما ينافي فعل الصلاة ومن حكم التيمم أن يستباح به الصلاة مع بقاء الحدث. [ولو تيمم الرجل للمكتوبة] في زمان لا يستبيح فعلها وهو قبل الزوال لم يصح تيممه. فكذلك إذا اعترض مثل هذا الزمان على المتيمم لم يبق حكم تيممه. وأما الوضوء فليس من شرطه عند وجوده زمان فعل الصلاة (وليس) من شرط بقاء حكمه بقاء زمان الصلاة، والجمع بين الوضوء والتيمم أقيس لأن

مسألة (34)

الطهارة إنما تبطل بالحدث والتيمم يبطل بالحدث، وبرؤية الماء، ومسح الخف يبطل بنزع الخف، فأما تبديل الدين فليس (هو) من جملة الأحداث ولا هو من المعاني الملحقة بالأحداث. مسألة (34): الجنب إذا نوى بالغسل رفع الحدث الأصغر حصل له الوضوء وارتفع الحدث عن أعضاء الوضوء حتى أنه لو اقتصر بعد ذلك على (غسل) ما سواها أجزأه وتم غسله. ولو أن غير الجنب اغتسل وعمم البدن من غير ترتيب ينوي بذلك الوضوء لم يحصل له الوضوء. والفرق بينهما: أن فرض الغسل يتعلق بجميع بدن الجنب فإذا نوى أعضاء الوضوء فكأنه نوى بعض الغسل. والجنابة تسقط الترتيب. وأما إذا نوى المحدث الغسل والتعميم فلا فائدة فإذا نوى مع التعميم رفع الحدث الأصغر من غير مراعاة الترتيب لم يحصل له من الطهارة سوى غسل الوجه وما رتب بعده.

مسألة (35)

مسألة (35): الأحداث إذا توالت فتوضأ ونوى رفع أولها ارتفعت الأحداث كلها، وإذا نوى رفع آخرها فهو محدث، هذه طريقة بعض أصحابنا. والفرق بينهما: أن رفع الحدث الأول لا يتحقق في القصد مع بقاء الأحداث التي بعده، والحدث الأول هو المعترض على الطهارة السابقة بالنقض دون سائر الأحداث، وليس الحدث الأخير كذلك، فإذا نوى رفع الحدث الأخير فكأنه نوى رد نفسه إلى حالته التي كانت بعد الحدث الأول/ (10 - ب) وإذا نوى رفع الحدث الأول فقد نوى رد نفسه إلى حالته التي كانت قبل الحدث الأول، ومن أصحابنا من سوى بينهما وقال: إنه يرتفع جميع الأحداث بقصده رفع بعضها، ومنهم من قال: لا يرتفع إلا بقصد رفع جميعها. مسألة (36): إذا توضأ فغسل وجهه مرة (ويديه) مرة، ومسح برأسه وغسل رجليه كذلك مرة مرة، ثم عاد فغسل وجهه ثانية ويديه ثانية إلى آخرها، ثم

مسألة (37)

فعل كذلك مرة ثالثة لم يجز: ولو أنه تمضمض مرة، ثم استنشق أخرى ثم تمضمض ثانية، ثم استنشق ثانية، وكذلك الثالثة كان جائزًا في أحد الوجهين. والفرق بينهما: أن الوجه مع اليدين عضوان (متباينان) متباعدان ينفصل حكم أحدهما عن الثاني، والسنة أن يفرغ من سنة أحدهما ثم ينتقل إلى الثاني، وأما الفم والأنف فهما في تقاربهما وتماثلهما في حكميهما كالعضو الواحد فجاز أن يوضيهما معًا، كما يجوز (مثل) ذلك في يديه أو رجليه، لأنهما (عضو) واحد في الحكم وإن كانا عضوين في الصورة، ولمثل هذا المعنى جاز مسح الأذنين معًا والله أعلم بالصواب. مسألة (37): إذا كانت اليد مقطوعة من فوق المرفق فالمستحب (له) أن يمس موضعها الماء وإن سقط الفرض بفقد محله. والمجنون إذا أفاق فليس

عليه قضاء إتباع المكتوبات كما ليس عليه (قضاء) المكتوبات. والفرق بينهما: أن تطويل الغرة في حال بقاء اليد سنة مقصودة في محل مخصوص. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن أمتي يبعثون يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل". وإذا قطعت اليد من فوق المرفق سقط الفرض عنه بفقد محله وبقي محل السنة فبقيت السنة، كيف وقد قال

الشافعي - رحمه الله - فيمن لا شعر على رأسه: ("يستحب له - (يعني بالحج) - إمرار الموسى على رأسه". ولا محل للحلق، وهذا النص يقتضي أن اليد لو كانت مقطوعة من أصل المنكب كان المستحب أن يمس الماء أصلها. وأما السنن مع المكتوبات فإنها أتباعها، فإذا سقط المتبوع سقط التابع، وقد قال الشافعي - رضي الله عنه - (في قول له) إذا فات وقت المكتوبة وبقيت عليه السنة ودخل وقت مكتوبة أخرى فصلاها وأراد أن يقضي على إثرها السنة الفائتة لم يستحب له ذلك، لأن تلك السنة كانت تبع مكتوبة ولا ينبغي أن تصير تبع مكتوبة أخرى وليس (كذلك) غسل العضو بمعنى

مسألة (38)

التبعية. مسألة (38): إذا نوى الوضوء فغسل وجهه فنفد ماؤه، أو انصب فطلب أو خاف شيئًا/ (11 - أ) فهرب، فأراد البناء على الوضوء استغنى عن تجديد النية حين يريد البناء. ولو أنه فرق الوضوء من غير عذر حتى تطاول الزمان ثم أراد البناء - في قوله الجديد - يحتاج إلى تجديد النية لبقية أعضائه في أحد الوجهين. والفرق بينهما: أن الوضوء إذا تفرق لعذر فحكمه مع التفرق حكم المجموع

مسألة (39)

المتوالي، ولهذا جوز الشافعي - رحمه الله - في القديم الوضوء المفرق بالعذر، وإن كان في القديم يبطل الوضوء المفرق، وأما إذا تفرق من غير عذر فذلك التفريق على جهة العمد كالتوهين سابق النية وإذا عاود للبقية للبنا كلفناه استئناف النية (الموهنة). مسألة (39): إذا نوى الوضوء وفعل بعضه ثم فرقه زمنًا طويلًا ثم عاوده كلفناه في أحد الوجهين استئناف النية، ولم نكلفه في الوجه الثاني. ولو دخل المسجد فنوى الاعتكاف للتطوع ثم خرج لعذر طال زمانه ثم عاود المسجد فعليه تجديد النية وجهًا واحدًا. والفرق بينهما: أن أفعال الوضوء محصورة أحاطت بها النية الأولى وليس مثل هذا الحصر موجودًا في الاعتكاف، حتى أنه لو نوى اعتكاف عشرة أيام وحصرها

مسألة (40)

بالنية فخرج فتطاول الزمان ثم عاود كن في تجديد النية وجهان كالوضوء سواء. مسألة (40): الجنب إذا غسل جميع بدنه إلا قدميه فأحدث فعليه الوضوء ويلزمه مراعاة الترتيب في الوجه واليدين والرأس، ولا يلزمه الترتيب في القدمين مع سائر الأعضاء على أصح الوجهين، حتى إنه لو أراد أن يغسل قدميه ثم يغسل وجهه كان جائزًا. والفرق بينهما: أن حكم الجنابة كان باقيًا في القدمين حين أحدث ومن حكم الجنابة إسقاط الترتيب فأوجب الحدث الحادث حكم الترتيب في الأعضاء التي زايلها حكم الجنابة قبل الحدث وهي الوجه (واليدان) والرأس ولم يؤثر الحدث الحادث في القدمين بإيجاب الترتيب لبقاء الجنابة عليهما. ولو كانت المسألة بحالها فغسل عن الجنابة جميع بدنه إلا يديه وأحدث فلا ترتيب عليه في اليدين ولزمه الترتيب في الوجه والرأس والقدمين وعلى هذا قياس الباب.

مسألة (41)

مسألة (41): إذا رأى على ثوبه الذي لا يلبسه غيره أثر المذي بيقين لزمه الوضوء على الترتيب، وإن شك في الأثر فلم يعلم أنه أثر المذي أو أثر المني لزمه الوضوء (أيضًا، ولا يلزمه الغسل) ولا يلزمه الترتيب (في هذا الوضوء) على الصحيح. والفرق بين الوضوءين: أن من تيقن المذي تيقن أن (الواجب): عليه الطهارة الصغرى، ومن شرط/ (11 - ب) صحة الطهارة الصغرى الترتيب، وأما إذا شك في

صفة الأثر فلم يتيقن أنه مذي أو مني فألزمناه الطهارة بسبب ذلك الأثر ولم نتيقن حدثًا سواه فهذه الطهارة مشكوك فيها أهي الطهارة الصغرى (أم الطهارة الكبرى) ومن حكم الطهارة الكبرى سقوط الترتيب. فإن قال قائل: كيف يتصور إلزام بعض الكبرى وهي طهارة لا تتبعض؟. قلنا: لسنا نقطع القول بأنها بعض الكبرى وكيف نقطع ولسنا على يقين من صفة الأثر، ولكن لو تيقنا أنه مني لزمه تعميم البدن ولو تيقنا أنه مذي لزمه طهارة الأعضاء الأربع فألزمناه اليقين وهو تطهير أعضاء الوضوء وأسقطنا الشك (ولذلك لا يلزمه غسل الرأس) ولو قلنا إنه يلزمه الترتيب وهو من حكم الوضوء (لكنا قد) قطعنا القول بأن الواجب هي الطهارة الصغرى فكما سقط عنه غسل الرأس والظهر والبطن ولزمه غسل الوجه، فكذلك سقط عنه ترتيب الوضوء (و) لزمه صورة الوضوء.

مسألة (42)

(- -) مسألة (42): الخنثى المشكل إذا أولج ذكره مع بقاء الإشكال في دبر رجل فليس على الرجل بالإيلاج طهارة، وإذا نزع لزمه الوضوء، ولم يلزم الخنثى وضوء بالإيلاج ولا بالإخراج. والفرق بينهما: في الرجل بين الإيلاج والإخراج أن الخنثى مع بقاء الإشكال إذا أولج لم يعلم أن فرجًا غاب في الفرج إذا لم يكن ملفوفًا حصلت الملامسة بالإيلاج. وأما إذا خرج فخروج الشيء من فرج الرجل يلزمه الوضوء سواء كان الخارج فرجًا (أو غير فرج) ولهذا قال بعض مشايخنا: المتصبع - والإصبع

مسألة (43)

ملفوفة - في الصلاة لو نزع الإصبع بطلت الصلاة ببطلان الطهارة، ولو دام على تلك الحالة لم تبطل صلاته. مسألة (43): ذكرنا أن الخنثى لا (تلتزمه) الطهارة بالإيلاج ولا بالإخراج. وأن الرجل (يلزمه) بالإخراج طهارة. والفرق بينهما: أن هذا العضو من الخنثى إذا لم يكن فرجًا بيقين فلقد أولجه (و) لم يستيقن استعمال فرج بالإيلاج، ولا ملامسة تعترض على الطهارة، وأما الرجل فقد تيقنا أن خارجًا خرج من دبره فلابد من إيجاب الطهارة عليه. مسألة (44): وهذا الرجل الذي لزمته الطهارة بإخراج الخنثى المشكل ذكره من دبره لا يلزمه الترتيب في الوضوء على أحد الوجهين، بخلاف الوضوء في غير هذا الموضع والفرق بين الوضوء الواجب بهذا الصنع وبين الوضوء الواجب بالبول أو الريح أن هذا العضو من الخنثى يحتمل أن يكون ذكرًا بأن يكون الخنثى رجلًا ولو تيقنا ذلك لألزمناه الغسل ولأسقطنا

مسألة (45)

الترتيب فلما لم نتيقن أخذنا بالأقل فأوجبنا وهو الوضوء وأسقطنا الشك وهو تعميم البدن والترتيب من جملة الشك لاحتمال وجوب الغسل عليه وأما إذا تيقن أن حدثه بول فقد تيقن أن الواجب عليه هو الطهارة الصغرى بشرائطها / (12 - أ) ومن شرائطها الترتيب. مسألة (45): المحدث ممنوع من حمل المصحف وهو في صندوقه المصنوع له المختص به، وقد نص الشافعي - رحمة الله عليه -، على أن الحمال المحدث لو حمل عدلًا من المتاع وفيه مصحف كان غير آثم. الفرق بين الموضعين: أن الحمال إذا حمل أمكن صرف قصده إلى حمل المتاع ونقله ولا يتحقق منه هتك حرمة المصحف، ولا يمكن في [حمل] صندوق المصحف صرف قصده إلى غيره فتحقق (منه) قصد هتك الحرمة فصار عاصيًا آثمًا. مسألة (46): صندوق المصحف إذا كان موضوعًا والمصحف فيه فليس للمحدث أن يحركه من مكان إلى مكان، كما أنه ليس له حمله، فإن مسه بيده ولم

مسألة (47)

يحركه ولم يحمله من مكان إلى مكان جاز في أحد الوجهين، ولا يجوز له مس الجلد وجهًا واحدًا. والفرق بينهما: أن الجلد بالتجليد صار جزءًا من المصحف وإن لم يكن عليه قرآن مكتوب، ومعلوم أنه لو مس الحاشية صار عاصيًا وليس على الحاشية قرآن مكتوب. وأما الصندوق فهو منفصل عن المصحف، والمصحف منفصل عنه، فلهذا جاز له في أحد الوجهين مس الصندوق والخريطة والأولى في الورع أن لا يمسه. مسألة (47): المحدث إذا حمل لوح الصبيان وعليه قرآن مكتوب كان عاصيًا. ولو حمل دينارًا أو درهمًا وعليهما قرآن مكتوب كان

جائزًا. الفرق بينهما: أن اللوح إذا كتب عليه قرآن فإنما يكتب عليه للتلاوة والدراسة فشابه المصحف، ومعلوم أن حمل الورقة الواحدة المنفصلة عن المصحف معصية من المحدث كالمعصية من حمل المصحف، وأما الدينار فإنما كتب عليه القرآن على جهة التبرك لا للدراسة والتلاوة ولا يشبه المصحف ولا أبعاض المصحف ولهذا (المعنى) جوزنا للمحدث أن يتعمم بعمامة على ظاهرها آية مكتوبة، وأن يحمل كتابًا وفيه آية أو آيات مكتوبة على جهة التضمين [للمراسلة] وجاز حمل الكتب التي فيها مناظرات وآيات من القرآن مكتوبة على جهة الاحتجاج.

مسألة (48)

مسألة (48): المعلمة إذا أصابتها جنابة لم يجز لها التعليم والتلقين [ما لم تغتسل]، وإذا أصابها الحيض جاز لها التلقين بمقدار الحاجة.

مسألة (49)

الفرق بينهما: أن الجنابة إذا أصابتها أمكنها إزالتها في الحال بالغسل، فالمنع من التعليم في حالة الجنابة لا يقطعها عن التعليم، وأما الحيض فيطول زمانه فلو منعناها التلقين إلي أن تنقضي أيام الحيض قطعناها عن التعليم في كل شهر أياماّ طويلة، والأمر إذا ضاق/ (12 - ب) اتسع. مسألة (49): إذا انسد سبيل الحدث وانفتح له سبيل تحت المعدة فخرج منه الخارج بعينه انتقضت الطهارة.

مسألة (50)

ولو كان السبيل المنفتح فوق المعدة لم تنتقض الطهارة بالعين الخارجة منه علي أحد القولين. الفرق بينهما: أن السبيل المنفتح إذا كان تحت المعدة لم يخرج الخارج منه إلا بعد الاستحالة في المعدة والنزول عنها فكأنما خرج من الفرج المعتاد، وأما إذا خرج من سبيل فوق المعدة فلا يشبه الخارج من الفرج، لأنه ليس بنازل عن المعدة، وإنما يصعد فيخرج فصار كما لو تقيأ والطهارة لا تبطل بالقيء فكذلك بهذا الخارج. مسألة (50): إذا كان السبيل المعتاد غير منسد وانفتح سبيل آخر فوق المعدة فخرج منه النجو لم تنتقض الطهارة، وإن كان هذا السبيل تحت المعدة انتقضت الطهارة بخروج الخارج منه على أحد القولين.

مسألة (51)

الفرق بينهما: أن السبيل إذا كان تحت المعدة لم يخرج منه (الخارج) إلا نازلاَ عن المعدة فخروجه منه كخروجه من الفرج، وأما فوق المعدة فهو كالقيء سواء. مسألة (51):] السبيل المنفتح [إذا خرج منه الخارج وحكمنا ببقاء الطهارة مع خروجه لزمه غسل] ذلك [المكان بالماء، وإذا خرج الخارج بعينه من الفرج كفاه الاستنجاء بالأحجار. الفرق بينهما: أن السبيل إذا لم يأخذ حكم الفرج في نقض الوضوء فلا فرق بين ما يخرج منه وبين دم الحجامة والفصادة، وأما الفرج فسبيل للنجاسة

مسألة (52)

الناقضة للطهارة المتكررة وهي نجاسة] تعم بها [البلوى فلا نكلفه الغسل بالماء فتعظم المشقة] في ذلك [. مسألة (52): السبيل المنفتح إذا خرج منه الخارج وحكمنا بنقض الوضوء فهل يجزئه الاستنجاء بالأحجار فعلي قولين، بخلاف الفرج العتاد. الفرق بينهما: أن النجو إذا خرج من المخرج فالخارج والسبيل معتاد، فلو كلفناه الغسل شققنا عليه، فأما السبيل المنفتح فنادر- وإن كان الخارج معتاداّ-

مسألة (53)

فصار كما لو كان الخارج نادراّ والسبيل معتاداّ، والسبيل معتاداّ، وهو مثل الدم يخرج من الفرج فيكون علي قولين: أحدهما: أن الأحجار تكفيه. والثاني: أن الماء شرط. مسألة (53): الريح إذا خرجت فلا استنجاء عليه. وإذا خرجت نواة أو حصاة أو كان به زحير فخرج منه النجو كالبعر يابساّ ولم يتلوث سبيل النجو بشي من النجاسة لزمه الاستنجاء علي أحد الوجهين، واختيار المزني/ (13 - أ) - رحمه الله-أنه لا يلزمه الاستنجاء.

الفرق بينهما: أن النواة (والحصاة) إذا خرجت فهي عين لا تخرج في الغالب إلا نجسة منجسة، وفي الاستنجاء معنى الاستبراء ومعنى العبادة، ولهذا قلنا إنه إذا أنقي مكان النجو الحجر الأول لزمه الثاني والثالث، كما يجب الاعتداد بالقرء الثاني والثالث وإن حصلت البراءة في الظاهر بالقرء الواحد] وأما الريح إذا خرجت فإنها لا تخرج منجسة بحال [حتى تفتقر إلي الاستبراء بالاستنجاء.

مسألة (54)

(--) مسألة (54): إذا قضى حاجته ولم يبرح مكانه حتى استطاب بالأحجار صحت الاستطابة (بالأحجار)، ولو قام (ثم) قعد فليس له الاستطابة بالأحجار، وإن مشى فهو أبعد من الجواز. الفرق بين من قام و (بين) من لم يقم أنه إذا لم يقم لم ينجس مكان (من) فرجه إلا بخروج النجاسة، وكل مكان صار نجساّ بخروج النجاسة جاز إزالة عين النجاسة عن ذلك المكان بالأحجار في رخصة الاستنجاء، وأما إذا قام ثم قعد فمعلوم أن الآليتين] إذا [انضمتا بالقيام، أو بالمشي واحتكتا التصقت النجاسة بمواضع كانت طاهرة من قبل قيامه، وما كانت نجسة بخروج النجاسة، فكل مكان] تعدت النجاسة إليه بالقيام أو المشي لا بخروج النجاسة [وجب إزالة النجاسة] عن ذلك المكان [بالماء دون غيره، حتى لو قام متفاحجاّ بحيث لا تحتك الأليتان أو استيقن أن النجاسة لم تبرح مكانها ولم تنتقل]

مسألة (55)

[بحركته] فوجود قيامه كعدمه. مسألة (55): إذا قضى حاجته ثم تيمم ثم استنجى لم يجزه، ولو قضى حاجته ثم توضأ ثم استنجى من غير مس الفرج كان جائزاّ، والمسألتان منصوصتان في رواية الربيع بن سليمان رحمه الله. وأسهل فرق بينهما: أن الوضوء أقوى والتيمم أضعف. والفرق الآخر [بينهما]: أن المتيمم إذا فرغ من تيممه فلزمه طلب الماء بطل تيممه ألا ترى أنه لو فرغ فرأي (راكباّ) مقبلاّ أو سراباّ وظنه ما يلزمه قصده (بطل تيممه) سواء وجد الماء أو لم يجده فإذا قدم هذا الرجل التيمم علي الاستنجاء فرغ من التيمم وقد وجب عليه طلب الماء للنجاسة التي هي سبب وجوب التيمم، ومثل هذا لا يتصور في الوضوء. فإن قال قائل: أليس يكفيه الأحجار في الاستنجاء؟

قلنا: بلى ولكن الواجب في الشريعة ينقسم قسمين: أحدهما: واجب متعين. والثاني: واجب متمثل. فالمتعين كعتق الرقبة علي الموسر في كفارة الظهار. والمتمثل كعتق الرقبة علي الموسر في كفارة اليمين. وكلاهما موصوف بالوجوب، فكذلك إذا قضى الرجل حاجته وجب عليه الاستنجاء بالماء أو بالأحجار وجوباّ/ (13 - ب) متمثلاّ، والمتيمم إذا وجب عليه طلب الماء لحكم النجاسة الخارجة بطل تيممه. فإن قال قائل: أرأيت لو فرغ من التيمم وعلي ظهره نجاسة أيبطل تيممه بوجوب طلب الماء لإزالة (هذه) النجاسة؟ قلنا: ليست هذه النجاسة (كنجاسة) النجو، لأن نجاسة النجو هي التي تعلق بها وجوب الوضوء أو وجوب التيمم، ولمكانها أحكام مخصوصة ليست كغيرها. ألا ترى أنه إذا فرغ من التيمم لم يجز له الشروع في الصلاة ما لم

مسألة (56)

يستنج، وبشرع في الصلاة مع النجاسة التي علي ظهره وإن كنا نأمره في بعض المواضع بقضاء تلك الصلاة. مسألة (56): ليس في الماء عدد إذا استطاب (به)، والعدد واجب في الأحجار إذا استطاب بها. الفرق بينهما: أن الأحجار لا تزيل النجاسة إزالة تطهير ولكنها تزيل العين] مع بقاء الأثر [. ومثل هذه المنزلة منزلة العدد في الاستبراء. ألا ترى أن الحيضة الواحدة وإن دلت علي براءة الرحم فالعدة لا تنقضي بها حتى تعتد ثلاثة قروء. وأما الماء إذا استعمل في الاستنجاء فهو يقين الطهارة، وحقيقة الإزالة والبراءة،

مسألة (57)

ولا يشترط فيه العدد، كالمعتدة بالحمل متى ما وضعت انقضت عدتها لحصول يقين البراءة. مسألة (57): الصحراء والبنيان مختلفان في حكم الاستقبال والاستدبار عند قضاء الحاجة، فلا يجوز في الصحراء استقبال القبلة واستدبارها ويجوز ذلك في

..................................................................................

................................................................................

البنيان، ولا فرق في الاستقبال في الصلاة بين الصحراء والبنيان. وإنما كان كذلك، لأن استقبال القبلة (للصلاة) شرط للتوجه، ولا بد في الصلاة من التوجه إلي جهة واحدة، والله تعالي عين الكعبة للصلاة بعد نسخ القبلة الأولى وهذا اليقين للتوجه موجود في الأحوال كلها، فلا يمكن الفرق في حكمه بين مكان ومكان، وبين البنيان والصحراء. وأما النهي عن الاستقبال والاستدبار عند قضاء الحاجة فإنما قصد به رسول الله-صلي الله عليه وسلم - احترام القبلة وتعظيمها ومراعاة حرمتها، وإذا تستر الإنسان عنها بجدار فقد حصل التعظيم والاحترام، لأن] أقصى ما [في تعظيمها أن يجعلها كشخص حاضر محترم، فإذا أراد الرجل احترام ذلك الشخص عند قضاء الحاجة

حصل الاحترام بأن يجعل بينه وبينه حاجزاّ وسترة كاملة ولا يعقل ها هنا من شرط الاحترام ألا يستقبل القبلة وراء الجدار مكان ذلك الشخص وهذا معنى قول عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- حين أناخ راحلته/ (14 - أ) فقعد وراءها يبول مستقبل القبلة فقيل له في ذلك فقال: "إذا لم يكن بينك وبينها حائل" وإذا جلس في الصحراء والقبلة في تقدير الشخص الحاضر المحترم لم يحصل الاحترام، والتعظيم مع الاستقبال والاستدبار. وقد ذكر الشافعي - رضي الله عنه-في الفرق بين الصحراء والبنيان معنيين، وفي كل واحد منهما تحقيق ما قلناه. أحدهما: أن الصحراء لا تكاد تخلو عن المصلين من الملائكة والجن والإنس فإذا استقبل الرجل القبلة بفرجه عند قضاء الحاجة أو استدبر قابل من خلفه من المصلين، وإذا تيامن أو تياسر لم تحصل هذه المقابلة فأما المراحيض فلا

مسألة (58)

تتخذها الملائكة مصلى ولا غير الملائكة سواء استقبل أو استدبر فهذا المعني مأمون (في البنيان). المعني الثاني: أن الرجل ربما يتعذر عليه أن يبني لقضاء الحاجة مكاناّ فيتوقى في بنيانه الاستقبال والاستدبار لضرورة التوجه وإذا جلس في الصحراء لم يتعذر عليه الانحراف. مسألة (58): الأرض إذا بيل عليها ثم ضربتها الشمس فجفت فقد قال الشافعي-رضي الله عنه- في بعض كتبه: يجوز الصلاة عليها ولا يجوز التيمم بترابها. الفرق بين الحكمين: أن الرجل إذا صلى عليها لاقى ببدنه وثيابه الوجه الأعلى الذي (ظهر) فيه تأثير الشمس ونظافة اليابس " وزكاة الأرض يبسها"علي لسان النبي-صلي الله عليه وسلم- إن صح الخبر، وإذا أراد التيمم فلا بد من ضرب اليد على وجه الأرض بقوة حتى تغوص الأصابع في التراب لإثارة الغبار فإذا فعل ذلك

وصلت يده إلي الطبقة السفلى التي لم تؤثر فيها الشمس (بالملاقاة). وفي المسألة قول آخر: أن التيمم جائز وهذا تخريج، فأما المنصوص فهو الأول، والنص في رواية حرملة والمشهور ما نص عليه في الجديد أن الطهارة للأرض النجسة لا تحصل إلا بالماء، ولو أن الأرض التي بيل عليها جفت بهبوب الرياح فالمنصوص في رواية حرملة أنها (كما) لو جفت بالشمس. وقال في الإملاء: لا يجوز الاستنجاء بحجر قد استنجي به مرة إلا أن يكون قد ألقي ذلك الحجر في موضع كان ضاحياً للشمس فجف فيجوز الاستنجاء به مرة أخرى، فخرج أصحابنا في كل واحد من النصين قولاّ في النص الثاني فهذا كله تصرف علي مذهبه القديم فأما مذهبه الجديد فهو أن الماء متعين لإزالة النجاسات وتطهير المحل عنها.

مسألة (59)

(14 - ب) مسألة (59): الرجل إذا استنجى بالأحجار فوضع الحجر علي الصفحة اليمنى فأمره إلي الصفحة اليسرى / مسحاّ من غير تدوير الحجر لم يصح استنجاؤه، وإذا أخذ في المسح وفي التدوير معاّ إلي الصفحة الثانية كان الاستنجاء صحيحاّ. الفرق بينهما (من) وجهين: أحدهما: أنه إذا مسح مسحاّ من غير تدوير] نقل النجاسة بالحجر من محلها إلي مكان طاهر وراء المسربة [فنجس ذلك المكان] بالنقل ومن فعل هذا أفسد علي نفسه الاستنجاء [فلا يستغني عن الماء كما قلنا فيمن تغوط ثم قام فمشى ثم جلس فلم يجد بدأ من الغسل بالماء ومتى ما أخذ في التدوير مع المسح وتلطف في الفعل كان أمناّ من النقل. والفرق الثاني: أنه إذا ترك التدوير فقد أزال الجزء الأول من عين النجاسة بجزء طاهر من الحجر، فأما الجزء الثاني من النجاسة فقد أزاله بجزء نجس من الحجر وهو الجزء الأول وإذا أخذ في التدوير مع المسح أزال الجزء الأول من النجاسة بالطرف الأول من الحجر والجزء الثاني من النجاسة بالجزء الثاني من الطاهر من

مسألة (60)

الحجر، وكذلك الجزء الثالث بالجزء الثالث حتى ينتهي الحجر مع انتهاء (المسربة). مسألة (60): إذا أخذ الحجر بيمينه والذكر بيساره ثم أمر الذكر علي الحجر واليمين ساكنة فلا بأس بذلك، وإن أمر الحجر علي الذكر بيمينه سكنت يساره أولم تسكن فقد خالف السنة. الفرق بين الصورتين: أنه إذا حرك يمينه فأمر الحجر علي الذكر انتسب فعل الاستنجاء إلي اليمين، وقد نهى النبي - صلي الله عليه وسلم - الاستنجاء باليمين، (وأما) إذا كانت اليمين ساكنة فالفعل لا ينسب إلي اليمين مع السكون وإنما ينسب إلى اليسار، لأن اليسرى هي المتحركة بالفعل. والذي يوضح هذا أن رجلاّ لو] أمسك [بيده حديدة وبين يديه رجل واقف فجاء ثالث فدفع الواقف علي الحديدة ومسك الحديدة لا يحرك يده ففعل القتل منسوب إلي الدافع دون ممسك الحديدة.

مسألة (61)

وكذلك لو أمسك رجل سكيناّ فحكت شاة حلقومها علي السكين فانقطع الحلقوم والمريء وممسك السكين لم يحرك يده فالشاة ميتة; لأن فعل الذبح غير منسوب إلى ذلك الرجل. مسألة (61): الاستنجاء بالحممة غير جائز، ويجوز الاستنجاء بالمقابس. والمسألتان منصوصتان. والحممة: هي الفحم، والمقابس: هي الخشب التي لفحتها النار ولم تحرقها إحراقاّ كاملاّ. الفرق بين المسألتين: أن الحممة عند الاعتماد عليها تتناثر ولا تبقي (قوتها) لتقلع النجاسة وتنشفها وترفعها من محلها وأما المقابس فقد بقيت متانتها وقوتها، والاعتماد عليها ممكن فلا يتعذر تحصيل المقصود من التجفيف/ و (التنشيف). (15 - أ)

مسألة (62)

مسألة (62): الاستنجاء بالتراب جائز إذا أخذ منه كفًا (فاستنجى به) , ولو أخذ كفًا من الحممة [فاستنجى به لم يجز, نص عليه. والفرق بينهما: أنه إذا أخذ كفًا من التراب المنضد] بعضه على بعض فتحامل به, مسحًا على محل النجو أزال عين النجاسة, لأن أجزاء التراب يعتمد بعضها بعضًا فيقرب من مشابهة المدر. وأما أجزاء الحممة في الكف فإنها لا تنضد كتنضد التراب ولا يحصل منها الاعتماد الذي يحصل في التراب وبقوة الاعتماد يتأتى المقصود من رفع (عين) النجاسة.

مسألة (63)

مسألة (63): إذا قضى حاجته فتطايرت قطرة من نجاسة [النجو] إلى ظاهر الألية أجزأه غسل تلك الفطرة واستعمال الأحجار على المسربة, ويمثله لو امتد خط من النجاسة حتى اتصل بظاهر الألية لم يجزه إلا غسل جميع الفرج وباطن الألية وظاهرها. والفرق بين الحالتين: أن النجاسة إذا امتدت خطًا إلى ظاهر الألية وبعضها متصل ببعض, فإذا غسل ما على ظاهر الألية اتصل تلك الماء بالنجاسة التي في باطن الألية (فصار ذلك) الماء نجسًا بملاقاة النجاسة, ونجاسة ذلك الماء النجاسة [أصلية] سوى نجاسة النجو, ولو أن المتغوط قطر قطرة من ماء نجس على نجاسة النجو قبل الاستنجاء, ثم

مسألة (64)

أراد الاستنجاء بالأحجار لم يجزه له الاستنجاء بها, فكذلك ها هنا وأما القطرة المتطايرة إلى ظاهر الألية فهي منقطعة عن النجاسة التي في باطن الألية فإذا غسل القطرة لم يتصل (ذلك) الماء بنجاسة تتعدى إلى البلل فكأن القطرة لم تكن وإنما بقيت نجاسة مكان النجو فله الاستنجاء بالأحجار. مسألة (64): نهى النبي- صلى الله عليه وسلم- عن الاستنجاء بالعظم فإن فعل آثم ولم يحصل له الاستنجاء, ونهى عن الاستنجاء باليمين, فإن فعل حصل له الاستنجاء وإن خالف السنة. ولفظ الشافعي - رضي الله عنه- في الفرق بينهما: "أن اليمين أداة, والنهي عنها أدب, والاستنجاء طهارة والعظم ليس بنظيف".

مسألة (65)

وأخطأ المزني - رحمه الله- في نقل هذه اللفظة فقال: العظم ليس بطاهر. ومعقول أن (من) العظام ما يكون طاهرًا ومنها ما يكون نجسًا, ولفظ الشافعي- رضي الله عنه- النظافة, ومراده بقوله: "العظم ليس بنظيف" [أنه] لا يكاد ينفك عن دسومة وزهومة, ولا يحصل التنشيف المقصود بعيم فيها دسومة, فهذا المعنى في عين العظم لا في استعماله فلهذا, لا يجزئه الاستنجاء. [وأما إذا استعمل بيمينه فاستنجى بالحجر فليس في عين الحجر معنى يفسد الاستنجاء]. وإنما خالف السنة في استعمال يمينه فصار تاركًا للأدب ووقع الاستنجاء موقعه. مسألة (65): روى الربيع والمزني جميعًا عن الشافعي - رحمهم الله- أن الاستنجاء

بجلد ذكي مأكول اللحم جائز بعد الدباغ وغير جائز قبل/ (15 - ب) الدباغ. والفرق بين الحالتين: أن الجلد قبل الدباغ لا يخلو هن الدسومة والزهومة, وكذلك قال الشافعي- رحمه الله: هو أشبه شيء بالعظم فلا يجوز الاستنجاء (به). وأما إذا دبغ فمعلوم أن الدباغ ينشف تلك الدسومة ويجفف الجلد فيصير مفارقًا للعظك, ويحصل به تجفيف النجاسة عن محلها وينشفها. وأما رواية أبي يعقوب البويطي عن الشافعي- رحمهما الله- في أن الاستنجاء جائز بهذا الجلد قبل الدباغ وبعده. ورواية (حرملة بن

يحيى) التجيبي, عن الشافعي- رضي الله عنه- أن الاستنجاء بهذا الجلد غير جائز لا قبل الدباغ ولا بعده. فألحقه في رواية البويطي بسائر الأعيان الطاهرة المنشفة غير المحترمة (وألحقه) في رواية حرملة بالمطعومات المحترمة, لأن هذا الجلد مطعوم في حالات شتى, ألا ترى أنه على الرؤوس والأكارع مطعوم, وكذلك على المسموط, وكذلك على الشواء في بعض البلدان. والله أعلم بالصواب.

مسألة (66)

مسائل نواقض الوضوء مسألة (66): قال الشافعي- رضي الله عنه-: لمس الشعر غير ناقض للطهارة وقال في كتاب الطلاق: إذا قال شعرك طالق وقع. فألحق الشعر بالجلد في الطلاق ولم يلحقه بالجلد في الطهارة. والفرق بينهما: أن نقض الطهارة بالملامسة لمراعاة معنى الشهوة في ملامسة محل اللذة, وهذا المعنى لا يحصل بلمس الشعر, لأن العقلاء لا يقصدون اللذة بملامسة الشعر وإنما يستحسنونه للنظر إليه. وأما وقوع الطلاق فهو (مبنى) على أصل آخر وهو أن الرجل متى (ما) وجه الطلاق على جزء من بدنها متصلاً بها اتصال (خلقة لا اتصال) إلصاق (وحيلة) شاع الطلاق وسرى, والشعر موصوف بهذه الصفة.

مسألة (67)

ومعنى آخر: هو أن الشعر مستباح بعد النكاح فالرفع يلاقيه فيتعدى عنه إلى جميعها كسائر أجزائها وأعضائها. ونص المسألتين في رواية الربيع- رحمه الله- وأما المزني- رحمه الله- فقد نقل مسألة الطلاق دون (مسألة) الطهارة. مسألة (67): ذكر في رواية الربيع أن شعر العارض إذا طال حتى خرج عن حد الوجه فترك إمرار (الماء) على ما خرج عن حد الوجه نحو الأذنين لم يجزئه, ولو ترك إمرار الماء على شعره الذي نبت على الذقن وجاوز حد الوجه أجزأه في أحد القولين. وهو اختيار المزني رحمه الله. والفرق بينهما: أن شعر العارض واقع بين بياضين من الوجه أحدهما: (بياض) -/ (16 - أ) الخد. والآخر: بياض الخط بين العارض والأذن. (وإذا كان هذان البياضان) مغسولين وهما محيطان بشعر العارض فلابد من غسل شعر

مسألة (68)

العارض, ولهذه النكتة أوجبنا إيصال الماء إلى البشرة (المستترة) بشعر العارض مع كثافته. وأما شعر الذقن فليس هو بين بياضين من الوجه, لأن ما تحت الذقن ليس هو من جملة الوجه (ولهذه) النكتة قلنا: إذا تكاثف شعر الذقن لم يجب إيصال الماء إلى البشرة المستترة (به). مسألة (68): الممسوس فرجه لا تنتقض طهارته, وتنتقض طهارة الملموسة والملموس في أحد القولين. والفرق بينهما: من وجهين: أحدهما باللفظ, والأخر بالمعنى. فأما اللفظ: فهو أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال:"من مس الفرج الوضوء".

وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا مس أحدكم فرجه فليتوضأ" وقال- صلى الله عليه وسلم- في رواية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:" ويل للذين يمسون فروجهم ولا يتوضؤون" ولفظ المس يقتضي تخصيص (شخص) بحكمه ولا يقتضي المشاركة, بخلاف لفظ المفاعلة, وقد ورد الكتاب بلفظ الملامسة, وغالب باب المفاعلة على المشاركة في المعنى والحكم.

مسألة (69)

وأما الفرق من جهة المعنى فهو أنا نعتبر في الملامسة وجود اللذة وقصد الشهوة في بعض المواضع, وهذا غير معتبر في مس الفرج والدليل على الجانبين أنا لا ننقض الوضوء بملس شعرها وإن كان الشعر من جملتها, لأن قصده اللذة, (و) لا يتصور ولا يتحقق في هذا اللمس, والدليل على الجانب الثاني: أن الرجل إذا مس فرج غيره انتقض وضوء الماس, ولا تحصل له الشهوة لمس فرج غيره, وإنما تحصل الشهوة للملموس, فلهذا قلنا إنه ينتقض وضوء الملموس واللامس؛ لأنهما يشتركان في لذة اللمس وينتقض وضوء الماس لهكته الحرمة (بمس) هذا العضو ولا ينتفض وضوء (الملموس). مسألة (69): إذا مس ذكر ميت انتقض الوضوء, وإذا مس ذكرًا مقطوعًا أبين عن محله لم ينتقض الوضوء على الصحيح من المذهب,

مسألة (70)

والفرق بينهما: وغن كانا ميتين جميعًا: أن بدن الميت بجملته محترم, ويعتبر في مس الفرج نوع حرمة, ولهذا قال الشافعي- رضي الله عنه- لا ينتقض الوضوء بمس فرج بهيمة لأنه لا حرمة لها ولا تعبد عليها. وأما العضو المبان عن الجملة فلا ينزل في الحرمة منزلة الجملة المحترمة, ولو نزل منزلتها لغسلنا يد السارق إذا قطعت ولصلينا عليها. فإن قيل: ألستم تصلون على اليد إذا وجدت من المقتول وكذلك الرجل وسائر الأعضاء. قلنا: ليس معنى الصلاة/ (16 - ب) عليها بمعنى إفرادها وتخصيصها, ولكنا نصلي على بدن المقتول كله بالنية وبعضه حاضر وبعضه غائب, ولو كان له غائبًا جاز الصلاة على الغائب والشرط أن يتيقن (وفاة الجملة). ليصلي على البعض الموجود. مسألة (70): الصغيرة التي لا يشتهي مثلها خلاف العجوز الهم في انتقاض

مسألة (71)

(الوضوء) باللمس فينتقض بلمس العجوز, ولا ينتقض بلمس الصغيرة على (الصحيح من) المذهب. والفرق بيتهما: أن الصغيرة ليست في الحال محلاً للشهوة ولا محلاً (للوطء) , ولم يسبق لها حالة في هذين المعنيين. وأما العجوز فإنها في الحال (هي) محل للوطء وإن كان (بحيث) لا يشتهيها الناس غالبًا, ويستحيل أن تكون محلا (للوطء) ثم لا ينتقض الوضوء بلمسها, وقد تكون الشابة شوهاء قبيحة معيبة بأنواع العيوب والأمراض وذلك (مما لا يمنع) (من نقض) الوضوء بلمسها والله أعلم بالصواب. مسألة (71): إذا نام الرجل في الصلاة راكعًا وساجدًا فقد قال الشافعي- رضي الله عنه- في الجديد: (إنه تبطل طهارته) , وقال في القديم: (إنه لا

مسألة (72)

تبطل مهارته). فعلى قوله القديم: لو نام خارج الصلاة في هيئة راكع أو صورة ساجد بطلت طهارته على أحد الوجهين. والفرق بين أن يكون (النوم) في الصلاة وبين أن يكون خارج الصلاة (أن عقد الصلاة عصمة) في بعض المعترضات (له أثر). ألا ترى أن المتيمم إذا وجد الماء قبل عقد الصلاة بطل تيممه, ولو عقد الصلاة ثم وجد الماء لم يبطل تيممه, ووجود الماء في الحالين عارض واحد على تيمم واحد. مسألة (72): إذا نام قاعدًا غير زائل عن مستوى الجلوس لم تبطل طهارته. ولو سكر وهو جالس أو أغمي عليه وهو جالس بطلت طهارته. والفرق بينهما: أنه إذا نام لم يؤثر النوم في أصل الخطاب وللإغماء تأثير في أصل الخطاب, ألا ترى (أن) النائم إذا استيقظ كان عليه قضاء الصلوات التي مضى وقتها في حالة (النوم) وإن كان غير آثم, والمعمى عليه إذا أفاق لم يلزمه (قضاء) الصلوات التي مضى جميع أوقاتها وإنما يلزمه قضاء صلاة أدرك وقتها

الخاص أو الوقت المشترك. فإن قال قائل: إن كان الإغماء يسقط قضاء الصلوات فالسكر لا يسقط قضاءها فهلا سويتم بين السكر وبين النوم في حكم نقض الوضوء. قلنا: السكر في إزالة العقل نظير الإغماء وإنما افترق السكران, (و) المغمى عليه في قضاء الصلاة للتغليظ على السكران بسبب العصيان (والتخفيف عن المغمى عليه لعدم العصيان) , ولهذا قلنا لو تناول البنج أو ما أشبهه عامدًا فزال عقله كان حكمه/ (17 - أ) , حكم السكران في وجوب (قضاء) الصلوات عليه, وأما النوم فلا يشبه السكر ولا الإغماء في سلب العقل وإزالته, ألا ترى أن النائم إذا أحس بضجة أو تألم بضربة استيقظ والسكران والمغمى عليه ربما نقطع

مسألة (73)

عنهما بعض أعضائهما ولا يحسان بذلك في حالتهما. (فعرفنا) أن تأثير النوم في العقل دوم تأثير السكر والإغماء. مسألة (73): المستلقي على القفا إذا نام بطلت طهارته, (والمستوى جالسًا إذا نام لم تبطل طهارته). والفرق بينهما: أن النائم قاعدًا معتمدًا على أسفله والغالب من حالته إن لا يكون الوكاء مستطلقًا, والنبي- صلى الله عليه وسلم- اعتبر هذه الصفة وهي: أن تأنيه حالة (يستطلق الوكاء فيها) غالبًا.

مسألة (74)

وأما إذا نام مستلقيًا على القفا فلا اعتماد له على أسفله , وغالب حياته خروج الحدث منه, ومثل هذه الحالة في حكم حالة الحدث وإن لم يكن عين الحدث, وهذا الكلام في الحالة التي ينطلق عليها اسم النوم ويتحقق فيها صفة النائم , (فأما) السنة والنعسة فسواء وجدت في حالة القيام أو في حالة الاضطجاع أو (الاستلقاء) فلا تبطل بها الطهارة (ولهذا قال الشافعي- رضي الله عنه:- "لا تبطل الطهارة) بحديث النفس حتى يتيقن الرؤيا (وإن شك فلم يعلم أكان ما اعترض له رؤيا [أو حديث] نفس) (فلا) يترك يقين الطهارة بالشك". مسألة (74): إذا مس الرجل قبل الخنثى المشكل ولم يمسه ذكره لم تنتقض طهارته, والمرأة إذا مست قبل الخنثى المشكل (انتقضت) طهارتها. والفرق بينهما: أن الرجل إذا مس من الخنثى المشكل (هذه الثقبة) احتمل أن تكون ثقبة على بدن رجل, وإذا مس الرجل جراحة من بدن رجل لم ينتقض

مسألة (75)

وضوؤه ويحتمل أم تكون الخنثى امرأة فتنتقض طهارة الرجل) غير أن يقين الطهارة لا تترك بالشك لقول النبي- صلى الله عليه وسلم- (إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو في الصلاة فينفخ بين أليتيه فيخيل إليه أنه أحدث فلا ينصرفن حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) , وأما المرأة إذا مست من الخنثى هذه الثقبة فإنما تبطل طهارتها لأنها مست فرج امرأة إن كان الخنثى أنثى, وإن كان (الخنثى) ذكرًا فقد لمست هذه المرأة بشرة رجل فانتقضت طهارتها في الحالتين جميعًا. مسألة (75): الرجل إذا مس ذكر الخنثى المشكل بطلت طهارته, والمرأة إذا مست ذكر الخنثى المشكل لم تبطل طهارتها. والفرق بينهما: أن المرأة إذا مست من المشكل ذكره احتمل أن تكون المرأة ماسة خلقة زائدة على بدن امرأة وإن كان في أحد الاحتمالين بقاء للطهارة وفي الاحتمال الثاني نقض الطهارة لم تنتقض الطهارة.

مسألة (76)

وأما الرجل إذا مس ذكر الخنثى المشكل فقد مس ذكر الرجل أو لمس عضوًا زائدًا على بدن امرأة وأيهما كان لابد من نقض الطهارة/. (17 - ب) وأما طهارة الخنثى فلا تبطل في واحدة من (هاتين) المسألتين؛ لأنه بين أن يكون ممسوس الفرج وبين أن يكون امرأة ملموسة من جهة رجل أو رجلاً ملموسًا من جهة امرأة والأصل يقين الطهارة فلا يزول (اليقين) بالشك. مسألة (76): المشكلان إذا مس أحدهما ذكر الثاني, والثاني مس من قبل الآخر لم تنتقض طهارة واحد منهما, وكذلك إذا مس كل واحد منهما ذكر الآخر (أ) ومس كل واحد منهما قبل الآخر. وإذا لم تنتقض الطهارة في المسألة (الأولى) من هذه المسائل الثلاث ففي الثانية والثالثة أبعد. وإذا مس أحدهما من الثاني فرجيه جميعًا أو مس من نفسه الفرجين جميعًا بطلت طهارة الماس.

والفرق بين هذه المسألة وبين (المسألة) الأولى أنه إذا مس الفرجين من نفسه أو من صاحبه فقد تيقنا أنه مس فرجًا ناقضًا للطهارة- وإن كان غير متعين- فزال يقين الطهارة بيقين الحدث. وأما إذا وضع أحدهما يده على ذكر صاحبه (وصاحبه) وضع يده على قبله فما من واحد منهما إلا ويقين طهارته معلوم وحدثه الشك لأن المكان الذي وضع يده عليه من صاحبه يحتمل أن يكون فرجًا, ويحتمل أن يكون غير فرج. فإن قال قائل: إما أن يكونا رجلين فليطل طهارة ماس الذكر, وإما أن يكونا امرأتين فتبطل طهارة ماس القبل, وإما أن يكون أحدهما رجلاً والآخر امرأة, فإن كان ماس الذكر رجلاً وماس القبل امرأة فقد بطلت طهارتهما, إما بالمس أو باللمس وإن كان ماس القبل رجلاً وماس الذكر امرأة فكذلك فلابد للحكم بنقض إحدى الطهارتين أو بنقضهما جميعًا. قلنا: لا نحكم بنقض طهارة واحد منهما, لأنا نقطع حكم كل واحد منهما عن صاحبه فنحكم لهذا على الانفراد (ولذلك على الانفراد فنقول): إن الذي مس الذكر من الثاني يحتمل أن يكون امرأة مست عضوًا زائدًا على بدن امرأة ومست تلك المراة قبله فلا تنقض طهارة ماس الذكر لهذا الاحتمال, ثم لا يلزمنا إذا جعلناه في حق نفسه ذكرًا بالاحتمال لعصمة طهارته أن نجعله

مسألة (77)

ذكرًا في حق الثاني, بل إذا جئنا إلى الثاني استأنفنا له حكم نفسه فقلنا: إنه مس من الثاني قبله فيحتمل أن يكون رجلين وهذا الرجل مس من ذلك الرجل ثقبة زائدة على بدنه وذلك الرجل مس ذكر هذا الماس فلم تنتقض طهارة واحد منهما. وهذه المسألة أغمض مسائل الخنثى المشكل في مس الفرج. مسألة (77): إذا توضأ الرجل وصلى الصبح ثم أحدث (ضحوة) فتوضأ وصلى صلاة الظهر ثم استيقن/ أنه مس فرجه قبل افتتاح إحدى (18 - أ) الصلاتين وشك في عين الصلاة وجب عليه قضاء الصلاتين جميعًا. ولو أن الخنثى المشكل توضأ لصلاة الصبح ثم مس ذكره صلاها ثم أحدث (ضحوة) فتوضأ ومس قبله ثم صلى الظهر فليس عليه قضاء واحدة من الصلاتين وإن كان يتيقن أنه صلى إحداها بعد مس الفرج. والفرق بين المسألتين: أن الرجل قد تيقن أنه صلى إحداهما محدث فكانت باطلة وإذا علم بطلان إحدى الصلاتين وأشكلت الباطلة وجب عليه قضاؤهما. ولهذا قلنا: إنه إذا نسى صلاة من خمس صلوات وأشكلت عينها لزمه قضاء الخمس, وأما الخنثى إذا مس ذكره ثم قام فصلى الصبح لم نحكم عليه بالحدث, وكذلك إذا مس قبله في الوضوء الثاني ثم أراد القيام إلى الظهر لم نحكم عليه بالحدث وقطعنا حكم إحدى (الصلاتين) عن الأخرى كما قطعنا في المسألة

مسألة (78)

السابقة حكم (إحدى) المشكلين عن الثاني. ألا ترى أن هذا الخنثى لو استفتانًا في جواز القيام إلى الصلاة الثانية بعد مس الفرج الثاني أفتيناه بجواز الافتتاح. ولو أن الرجل استفتانًا قبل الشروع في صلاة الظهر فقال: إني مسست الفرج ولا أتيقن أني مسسته في الوضوء الأول أو في الوضوء الثاني لم نأذن له في افتتاح الظهر, فكيف نأذن له ولو صلاها أمرناه (بقضائهما) جميعًا, ولكن نأمره بتجديد الطهارة لصلاة الظهر لنية الحدث, وقد قال الشافعي- رضي الله عنه- في المسافر إذا كان معه إناءان أحدهما نجس فتوضأ ببعض أحدهما مجتهدًا وصلى ثم تغير اجتهاده إلى الإناء الثاني عند الصلاة الثانية لم يكن له أن يتوضأ وإن فعل لزمه قضاء الصلاتين جميعًا. مسألة (78): المرأة إذا صارت ثيبًا فبرز بالافتضاض من فرجها ما لم يكن (بارزًا) زمان البكارة وجب عليها في الغسل إيصال الماء إلى ذلك المكان,

مسألة (79)

وكذلك في الاستنجاء , ولا يجب في الغسل إيصال الماء إلى باطن الأنف ولا إلى باطن الفم. والفرق بين الموضعين: أن الفم والأنف عضوان خلقا باطنين وبقيت صفة خلقتهما عن الأصل, ولا يجب في الغسل إيصال الماء إلى (البواطن). ألا ترى أن إيصال الماء إلى باطن العينين في الغسل غير واجب. وأما (المكان) الذي برز بالافتضاض فقد كان في أصل الخلقة باطنًا غير أنه صار بالافتضاض ملحقًا بالظواهر, وإيصال الماء إلى الظواهر فرض في الغسل. ثم أعلم أنا لا نكلفها من الاستقصاء في استعمال الماء ما يؤدي إلى مجاوزة الظاهر ومداخلة الباطن وإنما نكلفها الاقتصار على (ما برز) وظهر (للأبصار) في بعض أحوالها وحركاتها. مسألة (79):/ (18 - ب) باطن الفم ملحق بباطن البدن في حكم الغسل فلا يجب إيصال الماء إليه, وليس (هو) ملحقًا بالبواطن في حكم الصوم ولهذا لا يفسد (الصوم) بالمضمضة. والفرق بينهما: أن (الباطن) المعتبر في حكم الصوم أبطن من الباطن المعتبر

في حكم الطهارات. ألا ترى أن مكان المبالغة من أقصى الحلق لا يجب إيصال الماء إليه في شيء من الطهارت, وحكمه فيها حكم الباطن, ثم حكمه في الصوم حكم الظاهر حتى إنه لو تمضمض فبالغ في الغرغرة ولم يسبق (الماء) إلى الجوف لم يفصد صومه, والله تعالى أمر في الصوم بالإمساك عن إيصال الطعام والشراب إلى المواضع المجوفة الذي يغتني البدن بحصول الطعام والشراب فيها, وهذا المعنى لا يتحقق في الفم والأنف وإنما يتحقق بوصول الواصل إلى جوف الرأس, وحد الباطن من الصدر والحلق والبطن لا فرق فيها بين السعوط والوجور والحقنة, ثم ألحقنا بهذا الأصل الجراحات إذا وصلت الحديدة إلى المكان المجوف, فأما بناء الطهارات فهو على إيصال الماء إلى ظواهر البدن, وليس باطن العين والفم والأنف من جملة الظواهر.

مسألة (80)

مسألة (80): الذقن إذا استتر بالشعر الكثيف وجب إيصال الماء في الغسل إلى البشرة الذقن, ولا يجب إيصاله إلى باطن (الفم والأنف) وكلاهما في الحال باطن. والفرق بينهما: أن الذقن كان ظاهرًا فصار مستترًا بالشعر فاستصحبنا في الطهارة الكبرى حكم الأصل, لأنها طهارة (مبنية) على الاستقصاء, وأما باطن الفم والأنف فلم يزل باطنًا ولم يثبت به حكم الظاهر. فإن قال قائل: (أرأيت لو) (نبت) على عضو من الأعضاء سلعة ثم التصقت بالبشرة أو التصقت أصبعان وما كانتا في الأصل ملتصقين أفيجب فتق الرتيق من الأصابع ورفع السلعة (الملتصقة) بالقطع؟. قلنا: لا يجب ذلك. والفرق بينه وبين شعر الذقن: أن إيصال الماء إلى البشرة ممكن متيسر من غير حرج (لا) إيلام, ولا تيسير ذلك في الأصابع الملتصقة إلا بالإيلام, فسقط حكم الأصل وكفي إفاضة الماء على الظاهر.

مسألة (81)

مسألة (81): إذا انشق الجلد واللحم بجراحة وانفتح فمها وانقطع دمها وأمكن إيصال الماء إلى باطنها الذي أدركته المشاهدة وجب إيصال الماء إليها في الغسل, وفي الوضوء (إن) كانت على أعضاء الوضوء, بخلاف الفم والأنف. والفرق بينهما: أن الفم والأنف باقيان على الاستبطان الأول وإنما يفتح الرجل فاه لنوع أرب, وأما محل هذه الجراحة (فقد كانت في الأصل باطنًا فصارت من بعده ظاهرًا فأشبه مكان الافتضاض, وقد حكينا عن الشافعي- رحمه الله- أنه أوجب إيصال الماء إلى ما برز بالافتضاض/. (19 - أ) ثم إن كان للجراحة في اللحم غور فلا يلزمه مجاوزة ما ظهر منها بالماء إلى ما بطن كما لا يلزم المرأة ذلك في فرجها بعد الافتضاض, وإذا اندملت الجراحة والتأمت سقط ذلك الفرض كما لو عادت البكارة بعد الافتضاض, وربما تعود إذا لم يبالغ في الإزالة, وأما إذا كان في باطن الجراحة دم ويتعذر إزالته ويخشى زيادة سرايتها إلى (العضو) أو إلى النفس فلا يلزمه إيصال الماء

إلى باطنها ويلزمه (قضاء الصلوات إذا اندملت عند الشافعي رضي الله عنه, ولا يلزمه) قضاؤها عند المزني رحمه الله.

مسألة (82)

مسائل التيمم مسألة (82): على المتيمم في الضربة الثانية تفريق الأصابع, وأما الضربة الأولى فليس ذلك عليه, وكان أبو بكر (القفال) المروزي يقول ليس له تفريق الأصابع في الضربة الأولى, وكان يغلط المزني رحمه الله في نقل التفريق عن الشافعي- رحمه الله- في الضربة الأولى.

مسألة (83)

والفرق بين الضربتين: أنه يأخذ الغبار بالضربة الأولى (لوجهه) ولا فائدة في الغبار الذي يلصق ما بين أصابعه حتى يكلفه تفريقها, وأما الضربة الثانية (فالقصد) منها أخذ الغبار لليدين, وما بين الأصابع من جملة اليدين, وتخليلها فرض, فلهذا ألزمناه تفريقها في الضربة الثانية ليعلق الغبار (بها) فيتم التخليل. مسألة (83): إذا وقف الرجل في مهب الريح حتى (سفت) (الريح) التراب على وجهه ويديه ثم مسحهما لم يصح تيممه. وإذا وقف الجنب تحت المطر حتى غسله المطر ونوى الغسل صح غسله. والمسألتان منصوصتان.

والفرق بينهما: أن قصد التراب لنقله إلى الأعضاء فرض يختص التيمم به وهو معنى قوله تعالى: [{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} ثم قال تعالى في المائدة] {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وأَيْدِيكُمْ}. (وقول تعالى) منه (للتبعيض) المقصود بالنقل والاستعمال فلا بد من فعله في النقل (والاستعمال) , وإذا وقف (في الريح) لم يحصل منه هذا الفعل. وأما إذا أراد الغسل فالمأخوذ عليه أن يسمى غسلاً واغتسالاً وإطهارًا, ومعاني هذه الألفاظ يتحقق ويتكامل بالمطر إذا وقع عليه (وبماء الميزاب إذا انصب عليه أو بجري الماء جرى عليه)؛ فلهذا افترقت المسألتان.

مسألة (84)

وقال بعض مشايخنا: فرائض التيمم ستة: طلب الماء، وقصد التراب، ونية التيمم، ومسح الوجه، ومسح اليدين، والترتيب فقد (جعل) قصد التراب ونية التيمم فرضين متباينين وهذا لا يوجد في الوضوء والغسل، وإنما يحب فيهما النية وغسل الأعضاء بفرائضها وشرائطها. مسألة (84): إذا أمر/ (19 - ب) غيره فوضاه صح وضوؤه ولو أمر غيره فيممه لم يصح تيممه عند بعض أصحابنا ممن اقتبس العلم وأخذه عن أبي العباس بن سريج- رحمه الله - ومن أصحابنا من صحح التيمم. والفرق بين المسألتين عند القاتل (الأول) الأصل (المتقدم) وهو أن نقل التراب فرض، ومثل هذا الفرض غير موجود في الوضوء، ولهذا فصل الشافعي-

مسألة (85)

رحمه الله- بين الواقف للمطر والواقف للغبار وإذا أمر غيره فيممه لم يحصل من المتيم حقيقة النقل إلى المحل، وأما إذا كان المتيمم مقطوع اليدين فاستعان بغيره فمسح وجهه فلا خلاف بين أصحابنا في صحة تيممه لعجزه عن النقل بنفسه، وقد نص الشافعي -رحمه الله- على ما قلناه في المقطوع يده وتخصيصه المقطوع دليل مفهومه على أن غير المقطوع بخلافه. مسألة (85): المتيمم إذا عفر وجهه في التراب، وعفر يديه، ولم ينقل التراب إلى الأعضاء نقلاً، لم يصح تيممه عند من لم يصحح التيم في المسألة قبلها، وأما في الماء فلا فرق بين نقله إلى البدن وبين نقل البدن إليه. والفرق بينهما: مثل الفرق السابق في المسألة قبلها.

مسألة (86)

مسألة (86): التيمم والوضوء سواء في الحكم التفريق [فإذا (جوزنا تفريق الوضوء) جوزنا تفريق التيمم، وإذا منعنا التفريق في الوضوء منعنا التفريق] في التيمم، فاعتبرنا في التيمم مقدار الزمان الذي يعتبره في الوضوء والترتيب الواجب في التيمم كوجوبه في الوضوء. وأما الجنب إذا تيمم لزمه الترتيب، وإذا اغتسل فلا ترتيب (في الغسل). والفرق بينهما: أن الغسل فرض متعلق بجميع البدن تستوي فيه لأعضاء كلها، فلا معنى لإيجاب الترتيب. وأما التيمم إن كان عن الجنابة- فإنه يختص بعضوين، من أعضاء

الطهارة، فوجب الترتيب في العضوين كما وجب الترتيب في أعضاء الوضوء، وإنما يظهر حكم الترتيب مع اختلاف المحل وتباينه وتعدده، (و) أما إذا اتحد المحل ولم يتعدد فلا وجه لتقدير الترتيب وتحقيقه. ألا ترى أن العضو (الواحد) من أعضاء الوضوء إذا أردت غسله لم يظهر في (أبعاضه) حكم الترتيب وفائدته ومثاله: أن الركوع الواحد لا يظهر فيه الترتيب وكذلك السجود، وإذا اجتمع الركوع والسجود ظهر فيهما حكم الترتيب وفائدته. فإن قال قائل: أليس الشوط الواحد من أشواط الطواف يظهر فيه حكم الترتيب؟. قلنا: لأن الشوط الواحد يشتمل على خطوات وحركات وانتقالات من أمكنة إلى أمكنة، فإذا لزمه/ (20 - أ) أن يطوف بجانب الباب أولاً وأن يجعل الكعبة عن يساره، فلم يفعل وجعلها على يمينه (فطاف) أولاً بين ركن (الحجر) وبين الركن اليماني صار في التقدير بمنزلة ما لو بدأ في الوضوء بغسل اليدين قبل غسل الوجه، ونزل الشوط من أوله إلى آخره بمنزلة الوضوء بجمع أفعاله من أولها إلى آخرها.

مسألة (87)

وأما الشوط الثاني (فهو) تكرير مثل الشوط الأول، وليس الترتيب بين الشوط والشوط، وإنما الترتيب بين أبعاض الشوط الواحد وإذا عرفت هذا في أشواط الطواف، فكذلك أشواط السعر مثله. مسألة (87): لا ترتيب في اليمنى واليسرى قي التيمم ولا في الوضوء، وإنما الترتيب في الوجه واليدين، وبين عضوين مختلفين. والفرق بين الموضعين: أن اليدين وإن كانتا في الصورة (عضوين) فهما في الحكم عضو واحد، وكذلك القدمان، والدليل على هذا أن الماسح على الخفين متى ما نزع أحدهما بطل طهارة قدميه جميعاً وصار كأنه نزعهما معاً، وكذلك نقول: لو غسل رجلاً واحدة ومسح على خف الرجل الأخرى لم يجز تبعيضهما كما لا يجوز تبعيض القدم الواحد.

مسألة (88)

مسألة (88): إذا كان على الرجل صلاة ظهر فائتة فأخطأ في النية ونوى قضاء العصر ثم تذكر لم تجز صلاته وإن كانت (الصلاتان) في الركعات والهيئات على صفة واحدة. وإذ نسي المسافر الجنابة فتيمم للحدث الأصغر ثم تذكر أجزأ التيمم، وهي المسألة التي قال الربيع: (أخشى أن يغلط فيها على الشافعي - رحمه الله - فيظن أن التيمم لا يجزئ). وذكر المزني علة في التيمم فقال: (لأنه لو كان ذاكراً للجناية لم يكن عليه إلا التيمم)، وهذه العلة باطلة من حيث المعنى بالصلاتين، لأن الرجل لو كان ذاكراً لصلاة الظهر لم يكن عليه أكثر مما فعل وهي الركعات الأربع. وعلة المسألة: أن الجنب إذا تيمم (فالواجب) عليه أن ينوي بتيممه ما ينوي الحدث وهو استباحة الصلاة، لأن التراب لا يرفع الحدث، فلا فرق بين الحدثين إذا كانا لا يرتفعان بالتراب، واتفاق النيتين يغني عن تعيين الحدث. وأما

مسألة (89)

من كان عليه ظهر فائتة فلا بد (له) من التعيين في النية إذا أراد أن ينوي، فمتى ما نوى للعصر فقد نوى غير الصلاة التي (هي) عليه، وهذا المتيمم قد نوى ما عليه، فان كان اللفظ الذي ذكره المزني في التعليل لفظ الشافعي - رحمه الله- فهذا مراده بذلك اللفظ، وبهذه العبارة يستقيم الفرق. مسألة (89): من هذا الباب: المصلى إذا نوى الاقتداء بزيد فاستبان له إمامة (عمرو) فصلاته باطلة. ولو أن الإمام نوى إمامة الرجال فصلى النساء خلفه دون/ الرجال (صحت) صلاتهن معه. والفرق بينهما: أن المأمول لا تصح صلاته ما لم ينو الاقتداء بشخص صالح لإمامته ثم فإذا نوى الاقتداء بزيد ثم علم أن إمامه (عمرو فهو) مقيد بغير إمامه فلا إمام له، والمصلي إذا انتظر في ركوعه وسجوده أفعال من هو غير مقتد به بطلت صلاته.

ولهذا قلنا: إنه إذا لم ينو الاقتداء بالإمام مع التكبيرة الأولى ثم انتظر ركوع الإمام ليتابعه في الفعل بطلت صلاته وإن كانت قد انعقدت صحيحة؛ (لأنه) غير مقتد بالإمام عقداً ونية ولا يحوز أن (ينتظر) أفعاله ليقتدي به فعلاً. وأما الإمام في نية الإمامة فليس كذلك؛ لأنه لو لم ينو الإمامة واقتصر على نية صلاة نفسه ونوى الناس الاقتداء به صحت صلاة الناس وحصلت لهم فضيلة الجماعة (بنية الاقتداء ولم يحصل للإمام فضيلة الجماعة بل) حصلت له صلاة المنفردة؛ لأنه لم ينو الجماعة "وإنما الأعمال بالنيات" ثم فأكثر ما في إمامة هذا الإمام أنه يكون كمن لم ينو الإمامة، ومن لم ينو الإمامة فاقتدى به رجال أو نساء صحت صلاتهم.

مسألة (90)

مسألة (90): المتيم إذا وجد الماء بطل تيممه، والماسح على الخف إذا نزع الخف لم تبطل عليه طهارة الوجه واليدين والرأس في أحد القولين، وإنما تبطل طهارة الرجلين، (وفي) القول الثاني: إنه تبطل جميع طهارته. والفرق بين الوضعين في أحد القولين: أن التيمم لا يرفع الحدث عن شيء من الأعضاء وإنما تستباح به الصلاة، فإذا وجد الماء انقضى زمان الاستباحة بالتراب في جميع أعضائه، فلزمه رفع الحدث عن جميعها لما

(تمكن) من (رافع) الحدث وهو الماء. وأما الماسح على الخف فقد ارتفع حدثه عن الوجه واليدين والرأس وبقي حكم الحدث على القدمين من بعض الوجوه، فإذا نزع الخفين لم تبطل (سوى) (طهارة) القدمين لبقاء حكم الحدث عليهما ولولا أن الحدث (قد) ارتفع عن الأعضاء الثلاثة لما جاز له أداه المكتوبات الكثيرة بالوضوء الواحد، ولولا بقاء حكم الحدث على القدمين لما تقدرت مدة المسح بيوم وليلة في الحضر وثلاثة أيام في السفر، فصارت القدمان كجميع البدن في التيمم. فإن قال قائل: كيف يستقيم تبعيض الطهارة الواحدة فيفسد بعضها ويصح

مسألة (91)

بعضها فيجب أن يكون هذا محالاً في أفعال الطهارة كما (يكون) محالاً في ركعات الصلاة؟ قلنا: إذا مسح على الخفين فقد (تباينت) أعضاؤه في صفة طهارتها فصار بعضها مغسولاً (وبعضها ممسوحاً) والمسوح منها وهو الرأس صار مباشراً بالمسح وبقيت القدمان غير (مغسولتين) وكان المسح على الحائل دونهما تخفيفاً ورخصة مع بقاء حكم حدثهما، فصارت الطهارة الواحدة- اختلاف أحكامها - في حكم الطهارتين، وعلى هذه الطريقة يكون كل عضو منقطعاً في حكمه عن العضو الثاني، حتى أنه لو فرق النية على أعضائه تفريقاً كان جائزاً بخلاف ركعات الصلاة الواحدة، فصارت الطهارة الواحدة كالصلاة المتعددة. مسألة (91): المتيمم إذا فرع ضن تيممه ثم رأى غديراً على شطه سبع أو عدو يخافه على نفسه أو ماله لو قصده (لم يبطل) تيممه وإن تيقن رؤية الماء، ولو أنه فرغ من تيممه فرأى سراباً بقيعة يحسبه ماء فقصده

فإذا هو سراب بطل تيممه وإن لم يجد ماء. والفرق بينهما: أن للذي رأى الماء الممنوع (والذي) رأى السراب وإن (كانا) عادمين فهما (بيقين) (مفترقان) في وجوب القصد؛ لأن الذي رأى الماء والسبع معاً لم يلزمه قصده فبقي على أصل تيممه (وأما الذي لاح السراب له) وظنه ماء (فقد وجب عليه قصده للطلب) و (المتيمم) متى (ما) لزمه بعد الفرع فرض الطلب بطل تيممه. فوزانه من مسألة الغدير أن يرى الغدير ولا يرى السبع فلزمه قصد الغدير، فإذا قصده فاقترب منه فوجد عند (الغدير) سبعاً انصرف وتممه (باطل)، لأنه التزم فرض الطلب، ولهذا قال: الشافعي -رضي الله عنه-: إذا فرعا المتيمم من تيممه

مسألة (92)

فطلع (عليه) ركب يرجو معهم ماء (بطل عليه التيمم). فدل ذلك على الأصل الذي مهدناه، ولو أن المتيمم وجد بعد التيمم ماء قليلاً مستغرقاً لسد حاجته وشدة عطشه، كان وجوده كعدمه، لأنه لا يلزمه (قصده للطهارة)، وكذلك لو رأى بعد التيمم ماء مودعاً استوى وجوده وعدمه. مسألة (92): المتيمم إذا رأى الماء قبل الشروع في الصلاة بطل تيممه، ولو رآه بعد الشروع في الصلاة لم تبطل. والفرق بينهما: أن المتيم إذا افتتح الصلاة فقد صار تيممه مستعملاً في بعض (الفرض) الذي تيمم له، وإنما يتحقق استعماله في ذلك البعض إذا حكمت له بصحة الصلاة، لأن الصلاة إذا بطل بعضها بطلت كلها، فصار حكم ذلك البعض المنعزل حكم صلاة منعزلة قبل رؤية الماء وأما إذا رأى الماء قبل الافتتاح فتيممه ما صار مستعملاً في شيء من الفرض حتى تمكن من الأصل، وقدر

مسألة (93)

على رفع الحدث، فلزمه رفعه ولم يجز له الافتتاح محدثاً مع القدرة على التطهير عن الحدوث برفعه وإزالته. فرق آخر: أن (المتيمم) ما لم يشرع في المكتوبة فوجوب الطلب ثابتاً عليه (ثبوتاً) موهوماً، ألا ترى أنه إذا رأى ركباً أو سراباً يتراءى له ماء فقصده واجب عليه، فإذا رأى الماء في هذه الحالة فكأنه رآه قبل/. التيمم لأن الحالتين سواء في افتراض الطلب وأما إذا افتتح المكتوبة فقد سقط عنه بافتتاحها فرض الطلب بدليل استحالة افتتاحها مع بقاء فرض الطلب عليه، فلهذا لم تبطل المكتوبة برؤية الماء في أثنائها. مسألة (93): المتيمم إذا وجد الماء في خلال الصلاة بني عليها مع التمكن من إكمال الطهارة. والمستحاضة إذا انقطعت علتها في أثناء الصلاة لم يجز لها البناء. (و) المسألتان منصوصتان، وجعلهما أبو العباس بن سريج - رحمه الله - بالنقل والتخريج على قولين والمشهور قطع القول في المسألتين على موافقة النصين.

والفرق بينهما: أن الحدث الذي تيمم (له المتيمم) ما ازداد وما تجدد، ولكنه مستدام على صفته الأولى، فإذا وجد ماء بعد الافتتاح لم يلزمه استعماله في حق تلك المكتوبة. وأما المستحاضة فقد تجدد عليها بعد الوضوء حدث حادث، وهو الدم الذي سال منها وهي لم تتطهر للحدث (الحادث لأن الطهارة لا تسبق الحدث، وإنما تطهرت للحدث السابق والحدث المقارن بحالة وهو (الحدث) اللاحق، فإذا (استيقنت) في حال الصلاة الشفاء من تلك العلة والتمكن من الطهارة لزمها (الاستئناف). والفرق الآخر: أن المستحاضة مستصحبة للنجاسة على ثفرها ولجامها للضرورة الداعية إلى الاستحفاظ، فإذا زالت الضرورة زالت الرخصة، ولا تتصور هذه المسألة المنصوصة إلا في هذه المنزلة، لأنها لو شرعت في الصلاة (فلم ينجس) فيها بعد فراغها من طهارتها لجامها وثفرها

مسألة (94)

لم (تنقطع) صلاتها بحال، وأما التيمم فليس عل بدنه نجاسة ولكنه مستصحب للحدث الذي تطهر له، فوزان المستحاضة وبها نجاسة أن يكون على بدن المتيمم نجاسة غير معفو عنها فإذا وجد الماء في خلال الصلاة لم يحز له البناء على الصلاة لأجل النجاسة لا لأجل الحدث. مسألة (94): المتيمم المتنقل بالصلاة إذا رأى الماء فسلم عن ركعتين لم يجز له افتتاح ركعتين حتى يتوضأ ولو شرع المتيمم في النافلة عن نية ركعتين فوجد الماء في خلالها فجعلها أربعاً كان جائزاً على أحد الوجهين. الفرق بين المسألتين: أنه إذا (رأى) الماء فسلم عن ركعتين فقد صار متحللاً عن التحريمة الأولى فليس له أن يشرع في تحريمة ثانية ما لم يتوض. أما في المسألة للثانية فانه ما صار متحللاً عن التحريمة الأولى؛ لأن

مسألة (95)

الركعة الثالثة والرابعة (لا بد) لهما من تحريم (وتحريمهما) تحريم الأولى والثانية. وكذلك لا بد للأولى والثانية من تحليل وتحليلها تحليل الثالثة والرابعة، فصارت (الأربع) (صلاة واحدة) غير (أنها) لم تكن محصورة/، العدد في الابتداء فجاز في خلالها الزيادة في النية ووجب أن يقال على القياس: لو شرع المسافر في الظهر متيمماً بنية للقصر فوجد الماء في الروعة الأولى أو في الثانية ونوى الإتمام صحت له الأربع بالتيمم، لأنها صلاة واحدة عقدها بنيتين فصارت أربعاً بسبب من الأسباب. مسألة (95): المتيم إذا رأى الماء في المكتوبة بني عليها، ولو أنه رأى الماء ورعف تعذر البناء وإن قلنا للراعف البناء إذا غسل النجاسة وهو قوله القديم فيحتاج إلى فرقين في موضعين فرق بين (المتيمم الراعف) وبين غير الراعف، ونحتاج إلى فرق آخر بين المتوضئ إذا

رعف جاز له البناء (على قوله القديم وبين المتيم إذا رعف ورأى الماء لم يجز له البناء) والمسألة منصوصة. فأما الفرق بين المتيممين الراعف وغير الراعف فهو ما سبق بيانه أن المتيم إذا تيمم للحدث السابق المستدام ولم يتجدد (شيء) حادث حتى رأى الماء في حال الصلاة لم يتجدد عليه وجوب طهارة، وأما المتيمم (الثاني) وهو الذي رعف في حال الصلاة (فقد تجدد عليه أمر حادث) وهو النجاسة التي (أحوجت) إلى الغسل فصار كمتيمم (كان) على بدنه نجاسة غير معفو عنها فرأى الماء في خلال الصلاة لم يحز (له) البناء عليها. وهي النكتة التي بها فرقنا بين المتيم والمستحاضة إذا انقطع دمها في خلال الصلاة. وأما الفرق بين المتوضئ (الراعف) وبين المتيمم الراعف أنه إذا كان في أول صلاته متوضئاً فرعف (لم يبطل) وضوؤه برعافه ولم تبطل صلاته بغسل النجاسة عن بدنه على القول القديم فكان له البناء عليها، وأما المتيم إذا رعف فخرج لإزالة النجاسة فقد لزمه التطهير بالماء في خلال الصلاة عن النجاسة

مسألة (96)

(فيلزمه) (التطهر) عن الحدث (السابق) وكل متيم لزمه (التطهر) عن الحدث السابق لم يجز له البناء لأنه يستحيل فعل صلاة واحدة بعضها بالتيمم وبعضها بالوضوء، كما استحال عدة واحدة بعضها بالشهور وبعضها بالأقراء وكما استحالت كفارة واحدة بعضها بالعتق وبعضها بالصيام (أو الإطعام) فعلى قياس هذا الأصل يحب أن يقل إذا شرع الماسح على الخف في الصلاة فتخرق خفه أو انقضت مدة مسحه فخرج وتوضأ أو غسل قدميه لزمه استئناف (الصلاة) - وإن قلنا بالقول القديم - جمع لأن أول صلاته كان مع الحدث (الباقي) على القدمين- فلا يجوز أن يبني على ذلك الأول آخر/ صلاته وقد تباينت (الطهارتان) واختلفنا في الصفة. مسألة (96): المتيمم إذا فرع من التيمم ثم وجد الماء قبل الشروع في الصلاة وتمكن من الاستعمال بطل التيمم لوجود الأصل. والصغيرة المعدة بالشهور إذا فرغت وانقضت ثلاثة أشهر ثم حاضت لم تبطل العدة ولم يلزمها استئنافها وإن (وجد) الأصل.

مسألة (97)

والفرق بينهما: أن المتيم مستديم (للحدث) مستريح للصلاة بالتيمم ما دام عاجزاً عن استعمال الماء، فإذا تيمم ثم وجد الماء قبل الشروع فقد تمكن من الأصل في زمان بقاء وجوب الطلب، فلزمه الرجوع إلى الأصل. وأما المعتدة فالمقصود من عدتها العبادة والبراءة، وقد حصل المقصودان بتمامهما، ولم يبق عليها بعد الشهور طلب الأصل، فاستوى (حالها) قبل النكاح وبعد (النكاح). وأما إذا شرع المتيم في الصلاة ثم وجد الماء فحالته وحالة الممتدة الفارغة (سواء). مسألة (97): الحدث ورؤية الماء قبل الشروع في الصلاة (سواء)، وليس سواء بعد الشروع فيه. والفرق بين الحالتين: أنه قبل الشروع باقٍ في زمان بقاء (وجوب) الطلب على بعض الأحوال، فصار وجود الماء في هذه الحالة كالحدث في إبطال التيمم،

وليست رؤية الماء من جملة الأحداث، وأما بعد الشروع قزمان الطلب ماض منقض، فإذا وجد الماء وهو في الصلاة لم (يجب) عليه قصده، وإذا لم يكن وجوده حدثا بعينه لم تبطل طهارته ولا صلاته. فرق آخر: رؤية الماء (في خلال الصلاة) (معنى) (...) اعترض على دوام العقد، ودوام العقد في عامة الأصول أولى من ابتدائه، ولهذا بقي النكاح مع اعتراض العدة (عليه)، ولم ينعقد العقد مع اقتران العدة به. فإن قال قائل: فهلا قلتم في الحدث بمثل هذا الفرق. قلنا: لأن الحدث متى وجد بعينه استحال بقاء الطهارة معه، وأما رؤية الماء فلا تبطل التيمم، كما لو رأى الماء وعلى شطه سبع أو عدو (أو كان) يحتاج (إليه) لعطش، أو وجده يباع بأكثر من ثمنه، فوجود الماء كونه في الصلاة كوجود الماء مع كونه ممنوعاً، لأن إبطال ما فعل من الصلاة ممنوع بالشرع.

مسألة (98)

مسألة (98): المعتدة بالشهور إذا حاضت قبل (تمامها) لزمها الانتقال إلي الأقراء. والمصلي بالتيمم إذا وجد الماء (قبل تمام الصلاة) لم يلزمه استئنافها. والفرق بينهما: أن المعتدة ما فرغت من البدل حتى ظفرت بالأصل، وأما المتيم فقد ارتقى عن هذه الدرجة إلى درجة أخرى فتلبس بالعقد المقصود وهو عقد الصلاة فوزان/ المتيم الشارع وزان المعدة الفارغة شارعة كانت في (النكاح) أو غير شارعة. ووزان المعدة إذا حاضت في بقية الشهور وزان المتيم إذا رأى الماء قبل الفراغ من التيمم. فرق آخر: عند بعض أصحابنا: وهو أن المعتدة إذا حاضت حسبنا لها ما مضى من الشهور قرءاً وألزمناها قرءين آخرين وليس يؤدي للانتقال بها إلى إبطال ما مضى من العدة. ولو كلفنا المصلي وقد وجد الماء أن ينتقل إلى الماء أبطلنا عليه ما حكمنا بصحته من أول عبادته وليس لذلك وجه.

مسألة (99)

مسألة (99): إذا انخرق خف الماسح في خلال الصلاة بطلت صلاته، والمتيمم إذا رأى الماء في خلال الصلاة لم تبطل صلاته. والفرق بينهما: (.) عند أبي إسحق المروزي وجود التقصير من أحدهما (..) وعدم التقصير من الآخر وذلك أن الخف لا يكاد ينخرق في الصلاة ما لم يكن مشرفاً على التخرق قبل الافتتاح فإذا ترك الطالعة والتعهد كان التقصير منه، هذا غالب الحال فإذا تصور نادر من النوادر ألحقنا النادر بالغالب. وأما المتيم فقد جد واجتهد في طلب الماء ولم يقصره فوزان الماسح من التيمم متيمم نسي الماء في رحله (وافتتح الصلاة بالتيمم) ثم ذكر أن في رحله ماء بطلت صلاته لتقصيره في الطلب. فرق آخر: وهو أن المسح مع ظهور القدم غير جائز في موضع من المواضع وكذلك الأخمص وجميع محل الفرض من الرجلين، وقد يتصور بقاء

مسألة (100)

التيمم مع وجود الماء في مواضع على ما صورنا؛ فلهذا افترقا في الحكم. وأما وجود الثوب في خلال الصلاة والمصلى عريان (فذلك) ملحق بوجود الماء فلا يلزمه الاستئناف غير أنه (يتمكن) من الستر (في الحال) فيستتر ويبني، وإن كان الثوب بعيداً منه بطلت صلاته. الفرق بين (التيمم) وبين الثوب في هذا الموضع: أن المتيمم أقام بدلاً مقام الأصل على حسب الطاقة والوسع والعريان ما أقام بدلاً مقام الستر فكان كمن كان على بدنه نجاسة وقد افتتح الصلاة فإذا وجد الماء في خلالها كان ممنوعاً من البناء. مسألة (100): لا يجوز الجمع بين صلاتين مكتوبتين بتيمم واحد، ويجوز الجمع بين مكتوبة ومنذورة، وكذلك بين منذورتين- وإن كانت المنذورة مفروضة بالنذر-.

والفرق بينهما: أن العبادة الواجبة بالنذر لا تبلغ درجة العبادة (الواجبة) بأصل الشرع، لأن النذر في الأصل/ (23 - ب) هو تبرع بالالتزام فهو واجب مستند إلى (التبرع)، والواجب (بأصل) الشرع غير مستند إلى التبرع، (و) لما عجزنا عن إلحاقها بالمفروضة لهذه النكتة ولم نجد منزلة بين المنزلتين وجب إلحاقها بالنوافل في هذا الحكم، (وللمتيمم) أن يفعل بالتيمم الواحد فرضاً ونفلاً فكان له أن يفعل (به) فرضاً ونذراً، ومن أصحابنا من ألحق المنذور في هذا الحكم بالمفروضة (و) على حسب هذا الاختلاف اختلفوا في أداء المنذورة قاعة مع القدرة على القيام، وأصل هذا الاختلاف ما اختلف فيه قول الشافعي - رضي الله عنه - أن الملتزم بمطلق النذر هل يلتحق بواجب الشرع أم (لا)؟. فعلى قولين

مسألة (101)

(ذكرناهما) في كتاب السلسلة. مسألة (101): المنصوص للشافعي - رضي الله عنه- أن صلاة الجنازة كصلاة النافلة في الجمع (بينها). وبين المكتوبة بالتيمم الواحد، وإن كانت صلاة الجنازة من فروض الكفايات، والنصوص عليه أيضاً أن صلاة الجنازة على الراحلة غير جائزة، فألحقها الشافعي - رحمه الله- في هذا الموضع بالفرائض.

مسألة (102)

الفرق بين المسألتين: أن للرجل إذا صلى صلاة الجنازة (على للراحلة فقد ترك القيام فيها وهو عمادها، لأنها خالية عن الركوع والسجود، فإذا جوزنا فعلها على الراحلة لزمنا أن نجوز (ترك) استقبال القبلة فيؤدي إلى الإجحاف بالعبادة، فلهذا لم يلحقها بالنوافل في هذا الحكم. أما في الجمع (بينها) وبين المكتوبة بالتيمم الواحد فليس كذلك، لأنه يأتي بها على كمالها قياماً واستقبالاً، وليست منزلتها منزلة فرائض الأعيان، وليس بين المنزلتين منزلة فألحقت بالنوافل. ومن أصحابنا من اشتغل بالتخريج فقال: لا يحوز الجمع (بينها) وبين المكتوبة بالتيمم الواحد ولم يشتغل (بالتخريج) في الجانب الثاني، (ولم) يجوز فعلها على الراحلة للنكتة التي ذكرنا. وقال بعض أصحابنا: (إنها) إذا تعينت صلاة الجنازة على الشخص لم يحز فعلها على الراحلة، وإذا لم تتعين فجائز. مسألة (102): يحوز الجمع بين المكتوبة والنوافل بالتيمم الواحد سواء تنفل قبلها أو بعدها وأكثر نصوص الشافعي - رحمه الله- في رواية أبي يعقوب

مسألة (103)

البويطي ورواية غيره تأخير النفل عن المكتوبة. ومن نسي (صلاة من) صلوات يوم وليلة فأراد القضاء بالتيمم لم يحز قضاء الخمس بتيمم واحد في (أحد) الوجهين، وإن كانت الواحدة منها فريضة والأربع نوافل. الفرق بين المسألتين: أن الذي نسي صلاة من خمس صلوات فواجب عليه فعل كل واحدة منها حتى أنه لو اقتصر منها على أربع لم يحكم ببراءة ذمته، ولو نوى في واحدة منها النفل لم يجز/ (24 - أ) حتى ينوي الفريضة في جميعها، فالتحقت بالفرائض من هذا الوجه، وهذا الوصف مفقود فيما (إذا) كانت نافلة بيقين، والاختلاف في هذه المسألة يضاهى الاختلاف في المسألتين قبلها. مسألة (103): من نسي صلاتين مختلفتين من يومين وليلتين فأراد قضاهما فعليه أن يتيمم ويصلي الصبح والظهر والعصر والمغرب بذلك التيمم الواحد، ثم عليه أن يعيد تيمماً ثانياً فيصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء فيتيقن سقوط الفرضين.

ولو نسي صلاتين متفقتين من يومين وليلتين لم يحز له أن يقتصر على مثل هذا الفعل، ولكن إما أن يتيم فيصلي خمس صلوات (عند كل من يجعل كل واحدة منهما) كمكتوبة، ثم يعيد التيمم فيصلي خمس صلوات فتسقط الفريضتان بعشر صلوات، وإما (أن يتيم) (ويصلي) الصبح ثم (يتيمم) (ويصلي الصبح) ثم كذلك ويفعل في الظهر حتى (أنه) (يصلي مكتوبتين) بتيممين، وإن أراد أن يصلى مثنى مثنى، وإن شاء تيمم فيصلي [صبحاً وظهراً، (ثم) يتيم ويصلي ظهراً وعصراً، ثم يتيم ويصلي] عصراً ومغرباً، ثم يتيم ويصلي مغرباً وعشاء، ثم يتيم ويصلي عشاء وصبحاً. والفرق بين الصلاتين المختلفتين وبين المتفقتين: أنهما إذا كانتا مختلفتين فصلى بالتيمم الأول الصبح والظهر والعصر والغرب تيقناً (أن مكتوبة من)

مسألة (104)

المكتوبتين دخلت في هذه الأربع، وإذا أعاد التيمم وأعاد الظهر والعصر والمغرب والعشاء دخلت المكتوبة الثانية في هذه الجملة الثانية. وأما إذا كانتا متفقتين فاقتصر على مثل هذا الفعل لم يخرج عن الفرضين، لأنه ربما يكون عليه صبحان، وهذا الرجل ما صلى الصبح إلا مرة، (وكذلك) العشاء الآخرة، فلم يجد بدأ من سلوك (طريقة) أخرى من الطرق التي قلناها. مسألة (104): المسافر إذا تيمم للظهر قبل زوال للشمس (فزالت الشمس لم يجز له فعل الظهر بذلك التيمم. ولو تيمم قبل الزوال لقضاء ظهر "نسيه") فزالت الشمس قبل القضاء فأراد (أن) يصلي ظهر يومه بذلك التيمم صح له أداؤها على أصح الوجهين.

والفرق بين المسألتين: أنه إذا تيمم قبل الزوال (لظهر يومه لم يصح تيممه في حق تلك الظهر وإذا تيمم) لقضاء فائتة فقد صح تيممه في حق تلك الفائتة، حتى أنه لو قضاها عقيب فراغه من تيممه صح قضاؤها فلم تتعين تلك الفائتة لاستعمال تيممه فيها، فإذا دخل وقت الظهر قبل قضاء الفائتة كان موصوفًا بأنه متيمم تيممًا صالحًا لفريضة واحدة فكان صالحًا لكل فريضة. ولو أن رجلًا تيمم لطواف الفرض (والماء معدوم، ثم أراد أن يؤدي بذلك التيمم فريضة) جاز له ذلك، لأن (الشرط) (صحة)، تيممه/ (24 - ب) لفريضة، وليس من الشرط تعين الفريضة المكتوبة لذلك التيمم. ولو أن رجلًا تيمم لقضاء عصر فائتة، ثم أراد قضاء مغرب فائتة بذلك التيمم جاز له ذلك. ولو زالت الشمس فتيمم لظهر يومه فلم يصلها حتى تذكر فائتة ما كان تذكرها جاز له قضاء الفائتة التي ذكرها (بذلك التيمم)، ومعلوم أن وقت هذه الفائتة إنما دخل عليها الذكر، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من نسي صلاة أو

مسألة (105)

نام عنها (فليصلها) إذا ذكرها، فإن ذلك وقتها لا وقت لها غيره. والله أعلم. مسألة (105): المسافر إذا تيمم (في) وقت الظهر للظهر، ثم لم يصلها حتى دخل وقت العصر، كان له قضاء الظهر في وقت العصر بذلك التيمم. ولو أنه صل الظهر في وقتها بذلك التيمم فدخل وقت العصر فأراد أن يفعل سنة الظهر في وقت العصر (بذلك التيمم) لم يجز له على أحد الوجهين. الفرق بينهما: أنه إذا صلى الظهر في وقتها بذلك التيمم جاز له فعل إتباعها ما دام وقت المتبوع باقيًا، فإذا خرج وقت المتبوع خرج وقت التابع، فإذا لم يصل بذلك التيمم ظهر الوقت حتى دخل وقت العصر كان له أن يؤديها؛ لأن التيمم قد صح لمكتوبة وله فعل مكتوبة به، وعلى هذا الأصل إذا قضى الظهر في وقت العصر وأراد أن يقضي سنة الظهر المقضية في وقت العصر جاز له ذلك؛ لأن الصلاة المفروضة وقعت في هذا الوقت فما، يفعل من سننها يكون تبعًا لها لا تبعًا للعصر.

وعلى هذا الأصل يجب أن يقال: من نسي صلاة العشاء فتذكرها في وقت الظهر قضاها وقضى الوتر قولًا واحدًا، وإنما القولان في قضاء الوتر إذا فعل العشاء في وقتها ونسي الوتر فتذكرها في وقت الظهر، والنكتة التي قلناها، هي الفاصلة وهي: أن العشاء إذا صارت مفعولة في وقت الظهر صارت، الوتر تبعًا لها لا للظهر، وإذا وقعت العشاء في وقتها وأفرد الوتر بالقضاء في وقت الظهر (شبيه)، بإتباع الظهر.

مسألة (106)

مسائل المريض مسألة (106): المريض الجريح إذا تيمم لخوف ضرر الماء فصلى فليس عليه قضاء تلك الصلاة إذا اندمل. والمسافر الجب إذا تيمم لخوف برد الماء والبرد شديد فصل كان عليه قضاء تلك الصلاة في أحد القولين. والفرق بين المسألتين: أن عذر المريض من الأعذار العامة في الوقوع، والقضاء يسقط بالعذر العام. وأما الضرورة التي تصورت لهذا المسافر فهي ضرورة (نادرة) غير دائمة، لأنه لا يكاد يعجز عن نار يسخن الماء، أو عن ثوب يدفئ بدنه فيغسل عضوًا ثم يدفئه ثم يغسل عضوًا فيدفئه حتى يأتي على جميع بدنه، ومن النوادر أن/ (25 - أ) لا يجد هذا القدر من الثياب، وهذه النكتة تدور في مسائل هذا الباب فيسقط القضاء بالعذر (العام)، وكذلك بالعذر النادر الدائم

كالاستحاضة وسلس البول، ولا يسقط القضاء بالعذر النادر غير (الدائم)، وإنما فصلنا بين النادرين، لأنا لو كلفنا المستحاضة عند زوال العلة قضاء صلوات الاستحاخة (لعظم) عليها قضاء صلوات دهر طويل، فصار النادر الدائم كالعذر العام، وأما النادر الذي لا يطول زمانه (فلا) تشتد المشقة فيه على صاحبه في قضاء الصلوات القليلة العدد، ولهذا قلنا: (إنه) إذا صلى (المسايف) غير مستقبل القبلة (صحت صلاته في الملحمة ولا قضاء عليه)، ولو أن مصليًا أجبر وأكرم على الاستدبار في خلال صلاته فصرف وجهه عن القبلة بطلت صلاته وهذا مستدبر وذلك مستدبر غير أن أحدهما (معذور بعذر

مسألة (107)

عام، والثاني معذور بالعذر النادر الذي لا يدوم. وكذلك لو صلى المريض فأومأ بالركوع والسجود للعجز لم يلزمه قضاء تلك الصلوات، ولو صلى (الصحيح) فمنعه مانع عن الركوع والسجود جبرًا أو كرهًا فأومأ (بهما) فعليه قضاء تلك الصلوات، لأن المرض عذر عام، والإكراه على ترك الركوع والسجود عذر (نادر) غير دائم. وهذا الذي شرحناه وقررناه هو أصل الشافعي رضي الله عنه. وأما المزني رحمه الله فإنه أسقط القضاء ببعض الأعذار النادرة التي لا دوام لها، وناقض في بعضها، إذ لا خلاف فيما قلناه من (وجوب القضاء) على من صرف وجهه عن القبلة في خلال المكتوبة، وكذلك لا خلاف في وجوب القضاء على من ضبطه رجل فحال بينه وبين إتمام الركوع والسجود. مسألة (107): (المنصوص) عن الشافعي - رحمة الله عليه - في مريض لم يخش من الماء إلا إبطاء البرء أنه ممنوع عن التيمم وعليه استعمال الماء. ونص على أن المريض إذا خاف من (استعمال) الضنى جاز له

التيمم، ونص في مسألة الضنى على قول آخر كما لو خاف إبطاء البرء. والفرق بين الخافتين: أن المريض إذا خاف الضنى كان خوفه أظهر وأشد لأن الضنى متى لازم وتحقق أفضى به قليلا قليلًا إلى الخوف (الشديد) وهو خوف الهلاك، فصار المجروح يخاف من استعمال الماء سراية قليلة ولا أمن عاقبة تلك السراية، فيجوز له التيمم مخافة (أن يتوالى) عليه أمر السراية إلى الهلاك. وأما إذا خشي إبطاء البرء/ (25 - ب) فهو آمن من الهلاك، مستيقن أن استعمال الماء (لا يوقعه) في مرض يتزايد عليه، فلا يكاد يتضرر بتراخي اندماله يومًا أو يومين، فإذا خلا العذر بطلت الرخصة. وقد ألحق الشافعي - رحمه الله - خوف الشين بخوف إبطاء البرء لا بخوف الضنى.

مسألة (108)

مسألة (108): المريض المسافر إذا أراد استباحة الرخص المباحة جاز ذلك من غير خوف التلف. والجريح إذا أراد التيمم مع وجود الماء لم يجز له التيمم إلا عند خوف التلف، أو خوف الضنى الذي يخشى أن يتداعى إلى التلف. والفرق بين الحالتين: أن التيمم إنما أبيح للجرح والمريض على جهة الضرورة لا على جهة الرخصة. وأما ما أبيح للمسافر من المسح عل الخف وسائر الرخص فإنما أبيحت رخصة وتخفيفًا لا ضرورة، فكل ما علق (إباحته) بالضرورة اشترطنا في إباحته حقيقة الضرورة. ألا ترى أن أكل الميتة لما علق بالضرورة لم يجز تعاطيها إلا عند شدة الضرورة، وأصل التيمم أنه طهارة ضرورة (لا طهارة رخصة، و)

مسألة (109)

المسح على الخف طهارة رخصة لا طهارة ضرورة، والفطر (بعذر المرض) حكم رخصة لا حكم ضرورة، فلا يشترط خوف التلف بل يباح الفطر لخوف الضرورة. مسألة (109): المسافر إذا صلى صلوات في حال عدم الماء بالتراب فليس عليه قضاؤها عند وجود الماء. ولو أن قرية غار ماؤها أو انهارت قناتها فتيمم أهلها وصلوا ثم ظفروا بالماء فعليهم قضاء الصلاة على أصل الشافعي - رحمه الله - دون أصل المزني. والفرق بين الحالتين: (ما تقدم بيانه) أن (العذر) النادر إذا كان غير دائم لم يسقط قضاء الصلاة، وإذا كان نادرًا دائمًا أو عذرًا عامًا سقط به القضاء وعدم الماء في الأسفار هو من الأعذار العامة، وعدم الماء في القرى هو من الأعذار النادرة التي لا دوام لها، إذ لا بقاء لهم ولا مقام لهم إلا على ماء مقيم، فلهذا افترقت (الحالتان)

مسألة (110)

مسألة (110): إذا وجد المسافر من الماء ما يكفي بعض بدنه وهو جنب يلزمه استعمال ذلك الماء، ثم التيمم على الوجه واليدين بدل عما لم يغسله على أحد القولين. والقاتل والمظاهر، والمجامع في رمضان، إذا وجدوا بعض الرقبة كان وجود البعض كالعدم. والفرق بينهما: أن واجد بعض الرقبة (غير) واجد للرقبة وقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ .... فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} أي فمن لم يجد رقبة. وأما هذا المسافر فإنه قد وجد بعض الماء فدخل تحت قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاء} هذا فرق من جهة الظاهر. وفرق (ثانٍ) من جهة المعنى: أن (التيمم) على الوجه واليدين ينوب عن

جميع البدن وهو في الجنابة، وتارة عن بعض البدن وهو في الطهارة الصغرى،/ (26 - أ) فجعلنا تيممه في هذه المسألة نائبًا عما لم يغسله دون ما غسله، فلم يجتمع الأصل والبدل في حق العضو الواحد. وأما صيام شهرين في الكفارة فإنه ينوب عن جميع الرقبة في جميع الأحوال ولا يتصور أن ينوب عن بعض الرقبة تارة وعن جميعها أخرى، فلو كلفناه إعتاق بعض الرقبة وصيام شهرين لاجتمع الأصل والبدل في المحل الواحد وذلك محال. فرق ثالث: أنا لو كلفناه إعتاق بعض الرقبة عن ظهاره وصوم شهرين متتابعين لم يتعلق بهذا العتق فائدة في الحال ولا في المآل، وإذا كلفنا غسل بعض البدن مع التيمم ثم وجد في المستقبل ماء كفاه غسل ما ليس بمعسول في حق الصلاة المستأنفة. فإن قيل: ليس يتصور في الكفارة مثل هذا البناء بأن يعتق بعض الرقبة ثم يملك الباقي في المستقبل فيعتقه، وقد قال الشافعي - رحمة الله عليه -: لو أعتق عبدين عن ظهارين نصفًا عن واحد ونصفًا عن واحد كان جائزًا. قلنا: البناء عل هذا العتق في هذا الموضع لا يفيد إلا بإبطال فائدة الصوم لأنه إذا ملك بعض الباقي فأعتقه عن هذه الكفارة تم العتق عنها فصار

مسألة (111)

صوم الشهرين لغوًا في حق هذه الكفارة ولم يسبق كفارة أخرى فيصرف، فائدة الصوم إليها. وأما في هذه المسألة ففائدة التيمم السابق موجودة في حق الصلاة السابقة وفائدة غسل بعض البدن حاصلة للصلاتين الماضية والمستقبلة، فهذا من الفرق الظاهر بينهما والشافعي - رحمه الله - وإن جوز تبعيض الرقبتين في الكفارتين فلم يجز إلغاء شيء من الكفارة المفعولة في موضع من المواضع. مسألة (111): المسافر المحدث إذا وجد من الماء ما يكفي الوجه واليدين ومسح الرأس لم يجز له تقديم التيمم على استعمال الماء في هذه الأعضاء الثلاثة، بل يلزمه أن يغسل وجهه ويديه ويمسح برأسها، ثم يتيمم على الوجه واليدين بدل القدمين. والمريض إذا كان على يديه جراحة أعجزته عن غسلها أو غسل بعضها فعليه أن يغسل وجهه ثم يغسل قدميه ولا يجوز له تأخير التيمم إلى الفراغ من الوضوء.

مسألة (112)

والفرق بينهما: أن تيمم المسافر لعدم الماء، فلا يدخل وقت تيممه ما لم يتحقق العدم، وإنما يتحقق العدم باستعمال الماء الموجود في الأعضاء الثلاثة. وأما المريض فليس تيممه لعدم الماء، وإنما تيمم للعجز عن استعماله، فإذا انتهى إلى غسل اليدين فعجز، عن غسل بعضها لم يجز له الانتقال إلى مسح الرأس ما لم يتيمم، لأن جميع تيممه إتمام غسل يديه، والترتيب فرض فما لم (26 - ب) يفرغ من طهارة يديه لم يجز له الانتقال إلى مسح الرأس، وتمام طهارة يديه إنما يحصل بالتيمم مع غسل المقدور عليه. مسألة (112): مقدار الاسم يجزئ في الرأس، والصحيح من المذهب أن مقدار الاسم لا يجزئ في مسح الجبائر بل الواجب تعميمها بالمسح. الفرق بينهما: أن مسح الرأس من جملة الأصول وليس فيه معنى الإبدال، ولا معنى الرخص والضرورات.

مسألة (113)

وأما مسح الجبائر ففيه معنى الضرورة فأشبه طهارة الضرورة وهي التيمم، والمسح في التيمم مسح تعميم لا مسح تبعيض. بهذا باين مسح الخف؛ لأنه مسح رخصة لا مسح ضرورة، وتبطل الرخصة بتكليف التعميم إذا أراد مسح الخفين، ولو كان مسح الخف مسح ضرورة لم يخير بين الآمرين بين النزع والغسل وبين المسح. مسألة (113): نص الشافعي - رضي الله عنه - في رواية الربيع على أن المسافر إذا تيمم وصلى ثم وجد بئرًا ومعه الدلو والرشاء فليس عليه قضاء تلك الصلاة. ونص في رواية المزني والربيع جميعًا على أن المتيمم إذا فرغ من الصلاة في السفر ثم تذكر الماء في رحله كان عليه قضاء الصلاة. وفي مسألة البئر رواية أخرى عن الشافعي - رحمة الله عليه - رواها حرملة خلاف رواية الربيع، حتى إنه ادعى بعض أصحابنا قولين في مسألة البئر

وادعى بعضهم حالين، ولم يختلف المذهب في الناسي أن القضاء واجب عليه. والفرق بينهما: أن الناسي منسوب إلى التفريط الظاهر، والتقصير الفاحش، ووجه تفريطه أنه قد كلف الطلب قبل التيمم، وإذا أراد الاشتغال بالطلب فعليه تأمل رحله أو تفتيشه، والطلب من رفقته وفي طريقه، فإذا تذكر بعد الصلاة أن الماء في رحله ظهر تقصيره في طلبه، وربما تكون الإداوة المشتملة على الماء في عنقه. أما آبار البوادي فغير محصورة، وربما يجتهد في الطلب ولا يعثر على البئر منها إلا بسابق علم، فلا يكاد ينسب إلى تفريط، حتى أنه إن تحققت له صفة التفريط ألزمناه القضاء مثل: أن يكون له علم سابق بها

مسألة (114)

وبمكانها وبالمرحلة التي فيها فإذا نسيها لم يعذر وقد علمها ولو تصور في الرجل انتفاء التفريط لسقط عنه القضاء، وربما يتصور أن يعلم الرجل خلو رحله وسواده عن الماء ولم يعلم أن صديقًا له دس في رحله ماء هدية وميزه فلا يلزم القضاء في مثل هذه الحالة. مسألة (114): المسافر إذا تيقن مكان الماء ووجوده/ (27 - أ) على الجادة التي هو سالكها جاز له التيمم في الوقت. ولو كان نازلًا في مرحلة وعلى يمينها ويسارها ماء يعتاده أهل تلك المرحلة بقطع مسافة لم يجز له التيمم، وإن كانت المسافتان سواء.

والفرق بينهما: أن الماء إذا كان عل الجادة وهو غير نازل في منزل فالمكان الذي أراد التيمم فيه مكان من جملة السفر ومسافته في جميع الأحكام، ولا يزال المسافر على يقين من وجود الماء أمامه بعد مسافة يقطعها حتى يقبل إليه، فلهذا جوزنا له التيمم في هذه الصورة. وإذا كان نازلًا في مرحلة وهي دار المقام لمكانها فحكم هذا المسافر في الماء والتراب هناك حكم المستوطنين، ويجوز أن يثبت للمسافر في المرحلة بعض أحكام المقيمين وإن كانت لا تثبت له جميع أحكامهم. ألا ترى أن الشافعي - رضي الله عنه - قال: المسافر إذا كان يصلي على راحلته صلاة النافلة فصلى ركعة ثم انتهى إلي قرية، فإن كان يريد النزول بتلك القرية لزمه أن يزل عن الراحلة، ويصل الركعة الثانية إلى القبلة، وإن كان يريد الاجتياز بتلك الركعة القرية كان له أن يكمل الركعتين على الراحلة. في أصل المسألة قول آخر للشافعي -رضي الله عنه- وهو: إن المسافر إذا تيقن وجود الماء في آخر وقت الصلاة لم يجز له التيمم في أول الوقت، والأصح والأشهر القول الأول الذي قلناه

مسألة (115)

واحتج الشافعي - رحمة الله عليه - للقول الأول: ((أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أقبل من الجرف، فلما انتهى إلى مربد النعم دخل وقت العصر، فيتمم فصلى، فقيل له: تيمم وجدران المدينة تنظر إليك؟ فقال: أو أحيا حتى أدخل المدينة؟ ثم دخلها والشمس مرتفعة، فلم يقض صلاة العصر. ومعلوم أنه حين (تيمم) كان على يقين من وجود الماء في آخر الوقت. مسألة (115): إذا كان المسافر على رجاء من وجود الماء في آخر الوقت فالتيمم جائز في أول الوقت، وهو الأفضل تأخير الصلاة إلى آخر الوقت رجاء وجود الماء في أحد القولين.

مسألة (116)

بخلاف الوضوء فإن المستحب تعجيل الصلاة (بالوضوء) في أول الوقت، واختار المزني - رحمه الله - التسوية في فضل التعجيل. وذكر مشايخنا وجه الفرق بين الطهارتين فقالوا: إن التيمم مبيح لفعل الصلاة مع استدامة الحدث للضرورة الداعية إلى الاستدامة، فإن كان لا يرجو التمكن من رفع الحدث بتفويت فضيلة أول الوقت كان الأولى أن يقصد رفع الحدث، لأن بقاء/ (27 - ب) الحدث يؤثر في المنع من الصلاة في غير هذه المنزلة، وإذا دخل وقت الصلاة فجميع الوقت سواء في جواز الفعل من غير منع وامتناع؛ فلهذا استحببنا تأخير التيمم رجاء وجود الماء. مسألة (116): المسافر إذا أخر الصلاة طمعًا في وجود الماء وشارف؛ آخر الوقت لم يجز له إخراج الصلاة عن الوقت وعليه التيمم والصلاة.

مسألة (117)

وأما المقيم إذا تعذر عليه تحميل الماء مع يقين وجود (الماء) في البلد فلا يجوز له أن يصل بالتيمم وإن خاف خروج الوقت الفرق بينهما: أن المقيم هو واجد للماء بلا ريبة، وإنما بقي اغترافه واستعمال، وهذا ليس بعذر في الانتقال إلى التيمم. وأما المسافر فهو في أول الوقت غير واجد للماء، ولا يحيط علمًا بوجوده، وإنما (يرجو) ما (يرجو) المسافر من بئر يلقاها أو غدير يرد إليه، فلو منعنا المسافر التيمم بمثل هذا الرجاء (ما) جاز للمسافر أن يتيمم (في أول الوقت) للمكتوبة. مسألة (117): أداء المكتوية في أول الوقت منفردًا أفضل من (تأخيرها) رجاء الجماعة إلى آخر الوقت، وتأخير (المكتوبة إلى آخر الوقت رجاء وجود الماء أفضل من) أدائها بالتيمم أول الوقت على أحد القولين. الفرق بينهما: أن ابتغاء الجماعة فضيلة فوق الكمال؛ لأن (صلاة)

(المنفرد) صلاة كاملة. (وللجماعة فضيلة زائدة) وفضيلة أول الوقت (فوق) فضيلة الجماعة، قال النبي - عليه السلام - لما سئل عن أفضل الأعمال قال: ((الصلاة لأول وقتها))، وأما تأخير المسافر لرجاء الماء فلطلب الكمال في الأصل، لأن التيمم محدث، وصلاة المتوضئ أكمل من صلاة المتيمم لما كانت إحدى الطهارتين أكمل من الطهارة الأخرى، وقد قال- صلى الله عليه وسلم - في فضل أول الوقت: ما (ما هو) خير له عن أهله وماله، غير أنا إذا وجدنا في (الطهارة) نقصًا (آثرنا) كمال الطهارة على فضيلة أول الوقت في أحد القولين.

مسألة (118)

وأما (في) القول الثاني فيراعي فضيلة أول الوقت، لأن التيمم إذا صار تامًا شرائطه فهو طهارة كاملة. والصلاة به كاملة. مسألة (118): المسافر إذا دخل عليه وقت المكتوبة ومعه ما يكفي طهارته ليس له أن يهب ذلك الماء لمن يتطهر به، ولو أراد أن يهبه المتطهر قبل أن يدخل وقت المكتوبة عليه جازت الهبة مع مقارنة الوقت، كما يجوز عل بعد من الوقت. والفرق ين الحالتين: أن الوقت إذا دخل افترض عليه طهارة نفسه لأداء فرضه ومعه الماء فصار مستغرقا لضرورته فإذا أراد الإيثار لم يجز له الإيثار إلا أن يكون المستوهب أشد حاجة من الواهب/ (8 - أ) بأن يكون خائفا على مهجته. فأما قبل دخول الوقت فالفرض غير متوجه عل هذا الواهب، والماء ملكه فإن شاء استبقاه لحاجته، وإن شاء صرفه إلى جهة الهبة أو غيرها من الجهات، ولا خلاف بين العلماء أن الرجل إذا أجنب أو أحدث لم يجب عليه الغسل ولا الوضوء حتى يدخل عليه وقت الصلاة بالزمان أو بالفعل، ومعنى الفعل: أن يقصد قضاء فائتة أو فعل نافلة.

مسألة (119)

مسألة (119): إذا دخل وقت الصلاة (فصب) ماء الطهارة الواحدة، (ولم يكن له ماء) غيره وصلى بالتيمم كان عليه قضاء الصلاة في أحد القولين، ولو صبه قبل دخول الوقت وصلى بالتيمم لم يكن عليه قضاء ما صلى بالتيمم. والفرق مثل ما مضى في مسألة الهبة. مسألة (120): إذا دخل الوقت فوهب ماء الطهارة فصلى بالتيمم والماء قائم في يد الموهوب له باقٍ كان على الواهب قضاء ما صلى بالتيمم قولًا واحدًا، وإن استهلكه الموهوب (له) ثم تيمم الواهب وصلى لم يلزمه القضاء في أحد القولين. والفرق بين الحالتين: أن عين الماء إذا كانت باقية في يد الموهوب له فكأنها

مسألة (121)

باقية في يد الواهب، لأن (هذه) الهبة ممنوعة بالشرع فإذا كانت ممنوعة بالشرع كان وجودها كعدمها، وإذا صار الماء مستهلكًا ثم تيمم فالعين عند التيمم معدومة فسقط القضاء عنه إذن كان فوات العين ليس من جهته. مسألة (121): إذا وهب المسافر ماء الوضوء الثاني واستبقى ماء وضوء واحد كان له ذلك، ثم لا يلزمه قضاء ما صلى بالتيمم عند انقضاء هذا الوضوء بخلاف الوضوء الواحد إذا وهبه في الوقت وكذلك الصب. والفرق بينهما: أن ماء (الوضوء) الثاني لم (يتفرض) عليه في الحال استعماله فإتلافه كصب الماء قبل الوقت، فأما الوضوء الواحد فقد افترض عليه استعماله لما دخل عليه وقت المكتوبة. ثم اعلم أنا (إن) كلفناه في هذه المسائل قضاء الصلوات بسبب هبة الماء وصبه فالصحيح أن (لا نكلفه) أكثر من قضاء مكتوبة واحدة وهي مكتوبة الوقت، لأن الفرض تأكد عليه في وقتها ولم يتعلق بذلك الماء حق المكتوبة

مسألة (122)

المنتظرة، ومن أصحابنا من أوجب عليه قضاء صلوات كان يمكنه أداؤها بالوضوء الواحد إذا توضأ. مسألة (122): المضطر في حال المخمصة إن أراد الإيثار بما معه من الماء أو (من) الطعام لاستحياء مهجة أخرى كان له الإيثار وإن خاف فوات، مهجته، ومن دخل عليه وقت المكتوبة ومعه ماء (طهارة) واحدة/ (28 - ب) وغيره مثله في الحاجة إلى الطهارة لم يجز له الإيثار. والفرق بينهما: أن الحق في الطهارة والصلاة حق الله تعالى، ولا يسوغ في هذا الموضع العتق، والتقديم، والإيثار، والحق في حالة المخمصة حقه في نفسه، وقد (علم) أن المهجتين على شرف الإتلاف إلا واحدًا يستدرك بذلك الطعام فحسن إيثاره (.....) على نفسه. ويقوي هذا الفرق مسألة المدافعة وهي: الرجل إذا قصد قتل غيره ظلمًا

والمقصود يقدر على الدفع غير أنه يعلم أن الاشتغال بالدفع ربما يكون (سبب)، قتل القاصد، كان للمقصود الاستسلام، وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - لمحمد بن مسلمة: ((كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل)).

مسألة (123)

وقد اختلف (نص) الشافعي - رحمة الله عليه - في وجوب الدفع حيث يعلم الدافع أن الدفع يأتي على المدفوع، (فإن الدفع بسبب تلف) المظلوم، ولهذه المسألة موضع مخصوص سيأتي. مسألة (123): إذا أجنب، المسافر (وتيمم)، وصلى بذلك التيمم فريضة، (وأحدث) ثم وجد من الماء ما يكفي وضوؤه، توضأ به، فإذا أراد أن يصل فريضة معلومة تيمم مرة أخرى. وإذا أراد أن يصلي نافلة فليس عليه تيمم آخر. والفرق بينهما: أنه إذا أحدث وتوضأ فذلك الحدث لم يبطل ذلك التيمم في حق الجنابة غير أنه قد صلى بذلك التيمم مكتوبة، فإذا (أراد) فعل مكتوبة أخرى كان عليه (تجديد التيمم وإذا أراد فعل نافلة فلا يلزمه) تجديد تيمم، لأن الجمع بين (المكتوبة) والنوافل جائز بالتيمم الواحد، والمسألة مسطورة لابن سريج. وإنما ألزمناه استعمال هذا الماء في أعضاء وضوئه (على) مذهب من قال:

مسألة (124)

للحدث تأثير في الجنابة، حتى أوجب مراعاة الترتيب في الأعضاء في خلال الغسل. فأما من قال: ليس للحدث تأثير في الجنابة فليس عليه استعمال هذا الماء إذا قلنا: إنه (من) وجد من الماء ما لا يكفيه (لم) يلزمه) استعماله، فإذا قلنا: يلزمه) استعمال القليل من الماء كان عليه استعماله في أي عضو من أعضائه (شاء). مسألة (124): المسافر إذا أعوزه الماء فابتدر إلى (بئر) وكان مع غيره دلو

ورشاء وهم جماعة (لو تناوبوا) الاستقاء بعارية الدلو والرشاء خرج الوقت، وجب مراعاة الوقت وأداء الصلاة بالتيمم. وقد قال الشافعي - رحمه الله - لو أن جماعة من العراة دخل عليهم وقت الصلاة ومع واحد منهم ثوب (لو) يتناوبوه للصلاة فيه خرج الوقت على بعضهم وجب عليهم ستر العورة بذلك الثوب وإن خافوا/ (29 - أ) خروج الوقت. والفرق بينهما: أن المسافر إذا عجز عن الوصول إلى الماء لعدم الدلو والرشاء أقام البدل مقام الأصل وهو التيمم فصار عجزه عن الدلو والرشاء (كعجزه) عن

الماء، والمسافر العاجز عن الماء، مأمور بالتيمم، وأما العريان فلا بدل له في الأصل الذي عجز عنه وهو ستر العورة. فألزمناه أن يصبر إلى أن تنتهي إليه نوبة الثوب فيصلي والعورة مستورة. وقد قال الشافعي - رحمه الله - (لو أن جماعة كانوا في سفينة ودخل عليهم وقت الصلاة، ولم يجدوا موضعًا للقيام إلا موضعًا واحدًا يتناوبونه، فمن خاف منهم فوت الوقت لو انتظر ذلك صلى قاعدًا، فيحتاج إلى فرق (آخر) بين هذه المسألة ومسألة العريان. والفرق بينهما: مثل ما سبق: أن القاعد أقام القعود مقام القيام، والعريان ما أقام شيئًا مقام السترة، ومعقول أن المريض إذا عجز عن القيام كان قعوده. وفرق آخر: وهو أن صلاة النفل لا تجوز ولا تصح والعورة مكشوفة مع القدرة على (الستر)، وتصح النافلة قاعدًا مع القدرة على القيام، فعرفت أن حكم الستر أغلظ، فلذلك أمر الشافعي - رضي الله عنه - بانتظار الثوب مع مخافة خروج الوقت.

مسألة (125)

مسألة (125): الأرض إذا أصابتها نجاسة فصب عليها ذنوبًا من ماء وترك الماء على حالته فنحكم بطهارة الأرض. والثوب إذا أصابه نجاسة فغسل وتركت الغسالة ولم يعصر لم نحكم بطهارته في أحد الوجهين. والفرق بينهما: (أن الأرض إذا صب عليها الماء لم يبق ذلك الماء على وجه الأرض بل تنشفه الأرض فيبقى وجه الأرض خاليًا عن تلك الغسالة، فيكون ذلك نظير العصر) في الثوب حتى لو لم تكن تلك البقعة منتشفة بل كانت

مسألة (126)

حجارة صلبة لم يحكم بطهارتها ما لم تنفصل غسالتها، فأما إذا غسل الثوب وترك عصره فبقيت فيه الغسالة (فالماء المزيل لم يفارق محل النجاسة المزالة)، فلذلك لم يحكم بطهارة الثوب، حتى لو علق الثوب تعليقًا ولم يعصره فانحدرت الغسالة وفارقت الثوب كان (كانتشاف) الأرض. مسألة (126): إذا غسل الثوب عن النجاسة (وعصره) فالغسالة المنفصلة في القول المنصوص طاهرة ما لم تتغير، وفي القول المخرج نجسة. فأما ما بقي في الثوب من تلك الغسلة فهو طاهر وإن كان الباقي بعض المنفصل. والفرق بين (الماء) / المنفصل والمتصل: ضرورة الغسل من طريق الحكم ولا وجه للفرق (من طريق الصورة والمشاهدة)؛ لأن الماء واحد بقي بعضه في المحل وزايله بعضه فكيف يتبعض في حكم النجاسة والطهارة ومعنى الضرورة. أما لو كلفناه في غسل الثوب النجس استخراج جميع الغسالة حتى لا يبقى منها شيء تعذر هذا المراد، فرجعنا إلى العرف والعادة في كيفية الغسل ومقدار

مسألة (127)

العصر، وحكمنا للبللين بحكمين مختلفين، ولهذه النكتة فصلنا على أحد المذهبين بين غسل الأرض عن الخمر، وبين غسلها عن البول، فحكمنا بالطهارة مع بقاء رائحة الخمر، (ولم نحكم بالطهارة مع بقاء رائحة البول) قولًا واحدًا، لتعذر إزالة رائحة الخمر، وتيسر إزالة رائحة البول. مسألة (127): إذا انفصلت (الغسالة) وهي غير متغيرة وقد صار المحل بها طاهرًا فهي طاهرة في منصوص الشافعي رضي الله عنه. ولو انفصلت الغسالة (وهي غير طاهرة والمحل غير طاهر) فالغسالة المنفصلة نجسة [وإن كانت (غير) متغيرة]. والفرق (بينهما: أعني) بين الغسالتين - وإن كانتا (غير) متغيرتين - أن النجاسة إذا زالت أمكن أن ينسب حصول النجاسة إلى المزيل فيقال: زالت عن المحل إلى المزيل غير أن المزيل لما لم يتغير بقي على الطهارة.

مسألة (128)

فأما إذا (بقيت) النجاسة على المحل فالمزيل منفصل عن محل نجاسة والمنفصل عن النجاسة نجس، كما أن المنفصل النجس لا ينفصل إلا عن محل نجس، فهذان جاء عير (متغير) وقد حكم بنجاسته، (وذلك غير مستبعد كالماء القليل إذا وردت عليه نجاسة) والماء لم يتغير بها. مسألة (128): النجاسة إذا وردت على الماء القليل صار نجسًا، راكدًا كان أو جاريًا نص عليه الشافعي رحمه الله. وإذا ورد الماء القليل على النجاسة للغسل والإزالة لم نحكم بنجاسة الماء عند الملاقاة ولا عند الانفصال إذا انفصل غير متغير وقد طهر المحل (إلا) في تخريج أبي القاسم الأنماطي. والفرق بين ورود الماء على النجاسة وبين ورود النجاسة على الماء في هاتين المسألتين: ما قدمنا ذكره في صورة الغسل والإزالة، فإنا لو أعطينا الماء

المصبوب على النجاسة حكم النجاسة بالملاقاة تعذر إزالة النجاسة والماء القليل كالماء الكثير إذا (وردت) عليه نجاسة ومعلوم أن الماء الكثير إذا ورد عليه نجاسة لا ينجس إلا بالتغير، فكذلك الماء القليل إذا ورد على النجاسة لا ينجس إلا بالتغير، وإنما سوينا بينهما بضرورة الطهارات، وذلك أنا لو قلنا في الماء الكثير إذا وردت عليه نجاسة صار نجسًا من غير (تغير) الماء كان (بقاء) ماء الغدران/ (30 - أ) والبحار والمصانع الكبار والصغار على النجاسة، فدعت الضرورة إلى تعليق نجاستها (بالتغير) كما دعتنا الضرورة في (الماء) القليل (الوارد) على المحل النجس إلى تعليق نجاسته (بالتغير)

مسألة (129)

مسألة (129): الماء إذا كان (دون) القلتين فوقع (فيه) نجاسة (متجسدة) فصب عليها الماء فبلغ قلتين حكمنا بطهارة الماء، ولكن وجه (استعماله) غمس الثوب (فيه) والانغماس فيه. وإن كانت النجاسة غير (متجسدة) فالمستعمل بالخيار إن شاء اغترف، واستعمل، وإن شاء غمس فيه وانغمس. والفرق بين المسألتين: أن النجاسة إذا كانت (متجسدة) فمتى ما اغترف نزل الماء (متقاصرًا) عن القلتين وعين النجاسة فيه، ولهذا المعنى قال الشافعي - رحمه الله - في مثل هذا الماء: "إذا كان بئر واستقيت دلوًا، وبقيت النجاسة في البئر، فظاهر الدلو نجس، وما في باطن الدلو طاهر، (وماء البئر الباقي نجس) بما بقي فيه من النجاسة القائمة، ولو أن النجاسة بقيت في

مسألة (130)

الدلو فباطن الدلو نجس مع ما فيه، وبقية الماء في البئر طاهرة، وإذا كانت النجاسة حكمية (فالانغماس) والاغتراف سواء؛ (لأن الماء طاهر) بالغ حد الكثرة، وليس فيه عين النجاسة وقد قال الشافعي - رحمه الله-: (لو وقعت في الماء القليل نجاسة ليست بقائمة نجسته، فإن صب على ماء أو صب الماء عليه (حتى صار الجميع خمس قرب معًا) فهو طاهر، وإن فرقا بعد ذلك لم ينجسا إلا بنجاسة تحدث فيهما). فنص على (النجاسة) غير القائمة لما أراد أن يذكر تفريع القولين فأفاد بمفهوم كلامه (أن) النجاسة لو كانت قائمة فغرفت من الجملة غرفة واحدة حكمت بطهارة الغرفة الحالية عن عين النجاسة، وحكم بنجاسة الغرفة المشتملة على عين النجاسة. مسألة (130): إذا كان في الغدير أو في البئر قدر قلتين، وفيه نجاسة قائمة،

فاغترف المغترف وغمس الدلو حتى غمره الماء، ثم انتزعه، كان ما في الدلو طاهرًا، وما في البئر نجساً إذا بقيت النجاسة في البئر. ولو أن المغترف لم يغمس الدلو ولكن وقع الدلو على وجه الماء كان ما في الدلو نجسًا (إذا انصب ما فيه انصباب انحدار). والفرق بين الغمس وبين ترك الغمس: أن المغترف (منها) غمس الدلو حتى صار مغمورًا (بالماء) (ثم بنزحه ونزعه انفصل ما في البئر عن ما في الدلو وجميع ما به دفعة واحدة). وأما إذا ترك الغمس وانحدر/ في الدلو بعض (ما في البئر)، فما بقي فهو ناقص عن القلتين، وعين النجاسة في ذلك الباقي فصار نجسًا، ثم لما انحدر في الدلو من البئر شيء آخر بعد التحدر الأول صار المنحدر الأول نجسًا بالمنحدر الثاني فصار (جميعه) نجسًا، وإنما اشترطنا الغمس لأن الدلو إذا صار مغموسًا فأجزاء جميع الماء متصلة، وإذا لم ينغمس صار ما في الدلو منقطعًا عن الباقي الذي

مسألة (131)

في البئر ولو أن الدلو وقع على وجه الماء (معترضًا) فدخله شيء من الماء، ولم ينقل أسفل الدلو ولم يستغل، وما صار (أسفلها) منخفضًا من أعلاها حتى وقع الدلو عن وجه الماء كان ما في الدلو طاهرًا. (وحكم) هذه المسألة حكم غمس الدلو، لاشتراك المسألتين في العلة وهو: أن ما في الدلو ماء في البئر لم يزل متصل الأجزاء إلى وقت الاغتراف. مسألة (131): الجنب إذا وجد في مستنقع دون القلتين من الماء فنوى الغسل ونزل (فيه) حتى غمره الماء لم يطهر عن الجنابة. ولو أنه أنزل (ثم نوى الغسل عن طهر الجنابة). والفرق بين الحالتين: أنه إذا قدم النية وعلقها بأول النزول صار الماء مستعملًا بملاقاة القدمين، فلا يصلح لإزالة الجنابة عن سائر البدن. وأما إذا أخر النية فالماء بنزوله ما صار مستعملًا ولهذا لو خرج ولم ينو أن

مسألة (132)

الماء طاهر طهور، فإذا نوى وهو مغمور بالماء غسل الماء جميع بدنه فصار طاهرًا عن الجنابة. مسألة (132): الجماعة من الناس إذا اغتسلوا في القلتين من الماء عن الجنابة صح غسلهم معًا أو على التوالي. ولو كان الماء دون القلتين فاغتسل فيه رجل ثم اغتسل فيه غيره لم يصح غسل الثاني. والفرق بين المسألتين: أن القلتين قد بلغ حد الكثرة. ألا ترى أن النجاسة لو وقعت فيه لم تمنع استعماله. فبدن الحدث إذا لاقاه لم يمنع استعماله. أما دون القلتين فهو في حد القلة، ولهذا لو وقعت فيه نجاسة صار حرامًا، فإذا صار مستعملًا في بدن (امتنع) استعماله في البدن الثاني. وقد نص الشافعي - رحمه الله - (على) هذه المسألة، ولا شك أن مراده بجواز الاستعمال بعد الاستعمال ما دامت أوصاف الماء باقية، وأما إذا تغير لونه أو طعمه، أو رائحته فلا يرفع حدثًا بعد ذلك، لأنا نعلم أن ذلك التغير بالأوساخ التي كانت (على) الأبدان خالطته فغيرته، فصار كما لو غيره شيء طاهر من الطاهرات، كالدقيق، والعصفر والزعفران، وما أشبه ذلك.

مسألة (133)

مسألة (133): (الماء) إذا كان دون القلتين واغتسل فيه رجلان معًا والنية مؤخرة صح غسلهما. ولو تعاقبا/ (31 - أ) والمسألة بحالها صح غسل الأول دون الثاني. والفرق بينهما: أنهما إذا اغتسلا معًا كان البدنان كأعضاء البدن الواحد (فصار الماء مستعملًا فيهما) فصارا طاهرين. وإذا تعاقبا صار الماء مستعملًا في بدن الأول ولم يجز للثاني أن يستعمله وهو مستعمل. مسألة (134): الماء إذا كان (دون) قلتين فنزل رجلان حتى صارا مغمورين ثم نوى أحدهما غسل الجنابة قبل أن ينوي الآخر، ثم نوى الآخر، طهر الأول السابق (بالنية) دون الثاني. ولو كان قلتين صارا طاهرين. الفرق بينهما: (أنه) إذا سبق (أحدهما) بالنية لم يختص بالاستعمال ما التصق ببدنه من (أجزاء) الماء دون سائر الأجزاء وحكم البدن في هذا الموضع في الملاقاة حكم النجاسة، والنجاسة إذا لاقت فالالتصاق موجود مع بعض

مسألة (135)

الماء غير أن حكم التحريم شائع في الماء كله، ولو أنهما تعاقبا في النزول طهر الأول دون الثاني، وكذلك إذا نزلا معًا ولكنهما تعاقبا في النية، ولو أنهما تعاقبا في القلتين (صارا) طاهرين، فكذلك إذا تعاقبا في النيتين. مسألة (135): قال الشافعي - رحمة الله عليه -: "الماء إذا كان واقفًا وفيه نجاسة واقفة، فمن أراد الاغتراف فليتباعد عن النجاسة مقدار قلتين ثم يغترف ما وراء القلتين". وقال أيضًا: "في الماء الجاري والنجاسة فيه (جارية) له أن يغترف مما تحتها وفوقها على القرب منها". والفرق بين الماءين: أن الماء الراكد متصل الأجزاء في الترادف والتدافع والاعتضاد، فالنجاسة الواقفة فيه منتشرة الحكم في الجوانب، ثم لابد من مراعاة حد ونهاية ولا سبيل إلى هذا الحد بالقياس فرجعنا إلى حديث النبي - عليه

السلام - حيث قال: "إذا بلغ الماء قلتين لا يحمل نجسًا". وأما إذا كان يجري جريًا قويًا فعين النجاسة الجارية غير متصلة بما كان أسفل منها، ولا هي متصلة بما كان فوقها. فإن قال قائل: كيف راعى الشافعي - رحمة الله عليه - قدر القلتين بين النجاسة وبين موضع الاغتراف ولم يعتبر في العمق حساب القلتين، وربما تكون النجاسة في بحر عميق. فلو تباعد (عن) العين مقدار ظفر وحسب ما (بينه) وبين النجاسة إلى قرار البحر بلغ قلالًا كثيرة، وإن كان العمق (أقل) من ذلك المقدار فكيف وجه (الاعتبار)؟. قلنا: وجب أن يعتبر استواء الأضلاع من الجوانب الأربع إن أمكن وإن تعذر ذلك اعتبرت ما أمكن اعتباره من بعض الجوانب، فإن كانت النجاسة في بحر فتباعد عنها بقدر ذراع ..... / (31 - ب) لم يحسب من العمق إلا قدر ذراع، وكذلك عن اليمين والشمال، فإذا لم يبلغ هذا القدر فالتباعد بذراع وزيادة ثم اعتبرت

مثل ذلك (القدر) في العمق (و) في الجوانب، وإن كانت النجاسة في غدير لا قعر له (فتباعدت) ذراعين لم تجد في العمق إلا شبرًا فزد في التباعد في اليمين والشمال حتى تعلم أنك قد تركت بينك وبين الجيفة قلتين (من الماء) فصاعدًا، فليكن الاغتراف مما وراء القلتين، وكذلك إن كانت النجاسة واقفة في ساقية متضايقة الحافات تباعدت في طولها (حتى) تركت بينك وبينها هذا القدر. وكان الإمام أبو بكر القفال (رحمه الله يقول): سألت عن تفسير هذا الحد مشايخي الذين أخذت العلم منهم فما أجابني واحد منهم بجواب مقنع، وهذا الذي ذكرته تفسير اجتهدته فمن كان عنده شيء أبين من هذا فذكره استفدناه. وقال أيضًا رحمه الله: "واعلم أن هذا القول الذي حكيناه عن الشافعي - رحمة الله عليه - في التباعد بمقدار قلتين هو قوله الجديد الذي رواه الربيع عنه، وأما قوله القديم فهو ما قدمناه في بعض المسائل المتقدمة حيث ما ذكرنا مسألة الدلو والبئر وهو: أن الاغتراف جائز حيث شئت إذا كان الماء قلتين. والقول الجديد أسهل على الناس من القول القديم".

مسألة (136)

مسألة (136): قال الشافعي - رحمه الله -: "ولعاب الدواب وعرقها طاهر قياسًا على بني آدم" وفي بعض الروايات لفظ أتم من هذا قال: "ولعاب الدواب وعرقها سواء قياسًا على بني آدم وأراد بالدواب: الجنسين جميعًا ما كان طاهر العين وما كان نجس العين، فكل حيوان كانت عينه طاهرة كان لعابه طاهرًا وعرقه كلعابه، وكل حيوان كانت عينه نجسة كان لعابه نجسًا، وعرقه (نجس) كلعابه، (وقياس) الجنسين قياس على بني آدم، لأن عرقهم ملحق بلعابهم في الطهارة. ومقتضى هذا القياس أن يكون ألبان هذه الحيوانات التي حكمنا بطهارة أعيانها طاهرة مثل لبن الآدميات، ولكن قال مشايخنا: ألبان السباع نجسة، وكذلك كل حيوان طاهر الذات لا يؤكل لحمه إلا ألبان الآدميات فإنها طاهرة، (وإن استوى) الجنسان (في تحريم أكل اللحم). والفرق بين الجنسين: أن تحريم لحم الآدميين والآدميات تحريم تكريم واحترام وتخصيص، لا تحريم (استخباث) واستقذار، وليس في إباحة ألبان الآدميات (تضييع)

الحرمة، ووضعها، وتركها، بل في إباحتها وإباحة شربها سر الحرمة/ (32 - أ). وأما سائر الحيوانات التي لا تؤكل فتحريم لحمها ليس لتكريمها، ولكن لاستقذارها واستخباثها فصار ألبانها تبعًا للحومها. وأما ما كان من طائر له بيض فحكم البيض حكم اللحم يحرم إذا كان اللحم حرامًا ويحل إذا كان اللحم حلالًا كما قلنا في ألبانها. فإن قيل: عرق ما لا يؤكل لحمه ولعابه (هو) عصارة لحمه كما أن لبنه عصارة لحمه، وقد حكمتهم بطهارة لعاب الحمير والسباع، وعرقها، وحكمتم بنجاسة ألبانها فما الفرق؟ قلنا: اللعاب والعرق يخالفان اللبن في صفة أصولهما، وكيفية وجودهما، لأن العرق (يترشح) عن البدن ترشحًا، وليس له مستقر معلوم (وكذلك

اللعاب ليس له مستقر معلوم)، وإنما يترشح (ويجتمع) في الفم، وقد حكمنا بطهارة العين التي (يترشح) عنها هذا القليل، فاستحال أن (نحكم) بنجاسة (البلل) المترشح مع الحكم بطهارة الجملة التي (يترشح) عنها. وأما اللبن في الباطن فليس يحصل على جهة الترشح لكن له في الباطن مجتمع (معلوم)، ومستقر يستقر فيه، وما كان من هذا الجنس في الباطن فهو محكوم بنجاسته، كالمرارة بما فيها، والمثانة، والمعدة، إلا ما استثناه نص الشريعة. فخالفنا في طريق القياس وهو لبن ما يؤكل لحمه قال الله تعالى: {مِن

مسألة (137)

بَيْنِ فَرْثٍ ودَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ}، وذكر ذلك في (الأنعام) خاصة فقال: {وإنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَة}. فرق آخر بين لعاب الحمير وألبانها (و) هو أن الضرورة (تدعو) إلى الحكم بطهارة لعابها وعرقها، إذ لا يجد الناس بدًا من ركوبها (ومقاربتها)، وفي الحكم بنجاسة عرقها ولعابها إدخال الضرورة والمشقة الظاهرة على الناس، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنه ركب حمارًا معروريًا) فصار هذا دليلًا ظاهرًا (في الحكم بطهارة عرقها)، وهذه الضرورة لا تتصور ولا تتحقق في ألبانها. مسألة (137): إذا كان في الإناء خمر، أو بول، أو غيرهما من النجاسات فكانت

تلك النجاسة يسيرة، فصب في ذلك الإناء ماء للغسل كثيرًا بحيث غمر النجاسة وغلبها وأزال أوصافها، حكمنا بطهارة الماء والإناء وإن لم يبلغ قلتين. ولو كان (هذا) القدر من الماء في الإناء فورد عليه قطرة نجاسة حكمنا بنجاسة الماء والإناء، تغير أو لم يتغير. هكذا ذكره أبو العباس بن سريج. والفرق بين الحالتين: افتراق (الواردين)؛ لأن الماء ورد على النجاسة في أحد المسألتين وذلك طريق / (32 - ب) الإزالات، والنجاسة وردت على الماء في المسألة الأخرى، ولهذا حكمنا في الثوب النجس بحكم الطهارة إذا صب عليه الماء القليل (للغسل). ولكن إنما يستقيم هذا الجواب الذي ذكره ابن سريج على مذهب من يقول: لو ترك العصارة في الثوب حكم بطهارته. وهذا الجواب إنما يستقيم على (ما) قال الشافعي - رحمه الله - في غسالة النجاسة إنها طاهرة (إذا طهر) المحل ولم يتغير، وأما إذا صب الرجل الماء في

الإناء الطاهر، ثم غمس فيه ثوبًا نجسًا بقصد غسله وتطهيره عن النجاسة، فقد قال بعض أصحابنا بنجاسة الماء، لأنه ترك عادة الغسل وأورد النجاسة على الماء، وعادة الغسل (إيراد) الماء على النجاسة، ولو أنه لم يغمس الثوب في الإناء ولكنه أمسكه على رأس الإناء، ثم أخذ الماء بيده فصبه على الثوب (وهو يسيل) في الإناء (كان متسايل الماء والثوب طاهرين). هكذا قاله أبو العباس بن سريج رحمه الله. وكذلك لو كانت يده نجسة فلو (أخذ ماء) فأفاض من الإناء بيده الطاهرة على يده النجسة وكان الماء يسيل في الإناء (كان متسايل الماء واليد طاهرين). هذا كله إذا كان يسيل عن الثوب النجس واليد النجسة غير متغير (بلون) ولا طعم ولا رائحة وكان الثوب كذلك، ولو سال الماء من الثوب واليد وهو متغير كان الثوب بحاله نجسًا، وكذلك الماء والإناء نجسان.

قال أبو العباس رحمه الله: ولو كانت المسألة بحالها فغسل هذا الثوب الذي سال منه الماء متغيرًا غسله ثانية يعني بماء آخر سوى الذي في الإناء ثم عصره فسال ماؤه غير متغير فقد طهر الثوب، والماء طاهر إلا أنه مستعمل فإن عصر على الماء الأول واجتمعا في الإناء فظهرت الرائحة أو اللون أو الطعم عليهما فهما نجسان، وإن لم يظهر نظرت: فإن كان الماءان اجتمعا دون القلتين وكان الماء الأول بحيث يغيب أجزاؤه في الماء الثاني فهما طاهران وحكمهما (حكم المستعمل الثاني، أو كانت) أجزاء الثاني فيه فهما نجسان، ولا يطهران أبدًا إلا بما تغيب أجزاؤهما فيه (أو بما يبلغ مقدارهما) قلتين. وإنما فصل أبو العباس - رحمه الله - بين الحالتين؛ (لأن النجاسة الأولى إذا غاب أجزاؤها) في أجزاء الطاهر الوارد عليه صار الحكم للطاهر الغالب، وإذا غاب أجزاء الطاهر في أجزاء النجس صار الحكم للنجس. قال صاحب الكتاب رحمه الله: غير أن ما ذكره مشكل من وجه وهو: أن الماء الثاني الذي طهر الثوب مستعمل وإن كان غير متغير - والماء المستعمل في النجاسة/ (33 - أ) والحدث والمائعات له حكم الطهارة وليس له حكم التطهير، فإذا ورد على الماء الأول استحال الحكم بطهارتهما - وإن دخل أجزاء الأول في أجزاء الثاني - إلا أن يقول قائل: إن حكم الماء (النجس إذا بلغ قلتين) أخذ حكم

مسألة (138)

التطهير واندفعت (عنه النجاسة) ما لم يتغير بها ولا يثبت هذا الحكم للمائعات فجاز أن يصير دخول الأجزاء في الأجزاء بالغلبة (وتثبت الطهارة وإن لم يكن يثبت التطهير). ومن سلك هذه الطريقة لزمه المصير إلى مذهب مالك - رحمه الله - حيث قال: "إذا وردت النجاسة على القليل من الماء لم أحكم بنجاسته ما لم يتغير (بها) ". مسألة (138): إذا كان مع الرجل مقدار من الماء يكفي وضوءين إلا بعض أعضائه فكمله ببعض المائعات، فكفي وضوءين، ولم يتغير وصفه بذلك المائع صحت صلاته بالوضوءين جميعًا. ولو كان معه (ما لا يكفي) وضوءًا واحدًا (حتى كمل) الوضوء ببعض المائعات لم تصح صلاته بذلك الوضوء.

والفرق بينهما: أنه إذا كان لا يكفي وضوءًا واحدًا فصب فيه مائعًا (وقد توضأ به) فقد تيقن أنه غسل بعض أعضائه بالمائع، وشرط الوضوء الماء المطلق. وأما إذا كان الماء يكفي وضوءًا واحدًا وبعض الوضوء الثاني فكملهما وضوءين فلا يمكنك أن تحكم في عضو من أعضائه أنه صار مغسولًا بالمائع لا في الوضوء الأول ولا في الوضوء الثاني، وإن تيقنت في الجملة بالاختلاط بالمائع، فصار كالقطرات اليسيرة من المائع إذا تقطرت في الماء أو كالقطرات اليسيرة من الماء المستعمل في اليدين إذا تطايرت إلى الماء.

مسألة (139)

مسائل التحري مسألة (139): روي الربيع (عن الشافعي رحمه الله) أنه قال في الأعمى: "إذا أشكل عليه الماءان ومعه بصير يصدقه وسعه أن يتبعه وكذلك (في) القبلة. وإن لم يكن معه بصير فإنه يتأخى على الأغلب وعلى أكثر ما يقدر عليه فيتوضأ، وليس له أن يتأخى القبلة، فإن فعل أعاد". هذا لفظه. وذكر بعض مشايخنا قولًا آخر: إنه لا يتأخى في الأواني كما لا تيأخى في القبلة ومن قال بظاهر النص فالفرق عنده بين القبلة وبين الأواني أن الدلائل التي يتوصل بها إلى معرفة الإناء النجس (مشتركة الاستدراك) بين البصير والأعمى (لأن من) الدلائل شم الرائحة و (غيرها)، (ومنها) أن يتأمل

حال الإناء المخمر هل سقط خماره بولوغ الكلب فيه أو بقي مخمرًا، وقد يمس الأعمى طرف الإناء فيجد عليه بللًا ولا/ يجد ذلك على أطراف الإناء الثاني وقد علمهما مملؤين، فإذا (جسهما) بعد اجتياز الكلب بهما فوجد أحدهما ممتلئًا والآخر غير ممتلئ غلب على ظنه بمثل (هذه) الأمارات ترجيح أحد الإناءين على الثاني، وتكفي الغلبة على الظن بنوع أمارة، واليقين غير مشروط. وأما دلائل القبلة فإنها تستدرك بحاسة البصر وذلك مثل الكواكب ومطالعها ومغاربها، والشمس، والقمر، والجبال، والأعمى عاجز عن استدراكها لفقد حاسة البصر، فلم يكن له إلى الاجتهاد سبيل. فإن قال قائل: أليست الرياح في مهابها من دلائل القبلة؟ وهي (تدرك) بالاستنشاق والشم كما يفعل أصحاب السفن. قلنا: هذا الدليل مما يتعذر استدراكه، لأن الرياح التي تدل على القبلة هي الأربع المعلومة وقل ما تهب واحدة منها صافية عن مخالطة النكباء، وما

مسألة (140)

من ريحين إلا وبينهما نكباء، وأصحاب السفن لا يكادون يهتدون تمام (الاهتداء) إذا لم يجدوا سوى الرياح أمارة أخرى من الكواكب والجبال أو ما شاكلهما. مسألة (140): يجتهد الأعمى (في) أوقات الصلوات، وليس له الاجتهاد في القبلة كما حكيناه عن الشافعي رضي الله عنه. والفرق بينهما: مثل ما مضى أنه لا يدرك دلائل القبلة (مع فقد البصر، وأما دلائل الوقت فمنها ما يستوي فيه البصير والأعمى)، ألا ترى أن الرجل إذا أكب على عمل يعمله يعتاده ويعرف مقدار عمله كل يوم ما بين طلوع الفجر إلى الزوال فلا يكاد يخفي عليه مفارقة الزوال وإن لم يطالع الشمس والظل وذلك مثل أوراق يكتبها (أو قرآن يكتبه)؛ فلهذا شرعنا للأعمى أن يجتهد في وقت الصلاة دون القبلة. مسألة (141): المسافر إذا كان معه إناءان حكم بنجاسة أحدهما وأشكل العين فتحرى واجتهد وبان له بالاجتهاد طهارة أحدهما ونجاسة الآخر،

فقد قال الشافعي - رحمه الله -: "أرق النجس على الأغلب عنده وتوضأ بالطاهر". (هذا) لفظ المزني رحمه الله. ولفظ الربيع - رحمه الله - قريب منه، قال الشافعي - رضي الله عنه -: "يتأخى ويريق أحدهما على الأغلب (عنده) ويتوضأ بالطاهر عنده". فإن أراقه وتوضأ بالثاني وصلى ثم أدى اجتهاده إلى أن الطاهر ما أراقه من غير يقين فليس عليه إعادة ما صلى بعد ذلك بالتيمم. ولو أن رجلًا صب الماء في الوقت وتيمم وصلى (أعاد) الصلاة في أحد القولين. والفرق بينهما: أن المجتهد مأمور بالإراقة على قضية الاجتهاد الأول مخافة الاختلاط والالتباس، فإذا امتثل الأمر فأراق لم يجز أن تصير هذه الإراقة/ (34 - أ) سببًا للإعادة؛ لأنها ليست عدوانًا منه (ولا تقصيرًا) وإنما (نوع) احتراز واحتياط، فإن إمساك الماء النجس مما لا وجه له إلا في حالة ضرورة الشرب.

مسألة (142)

وأما من تعمد إراقة الماء بعد دخول وقت الصلاة لمحض ذلك الفعل (منه)، تقصيرًا وعدوانًا في حق العبادة، فجاز التغليظ عليه بالإعادة. مسألة (142): قال الشافعي رضي الله عنه -: (إذا) اجتهد الرجل في (الإناءين) وأحدهما نجس فتوضأ بأحدهما وصلى ثم لما دخل (في) وقت الصلاة الثانية كان عنده أن الطاهر هو الثاني وأن النجس (هو) ما استعمله لم يكن له أن يتوضأ (بواحد) منهما، ويتيمم، ويعيد كل صلاة صلاه بتيمم". ثم قال في التعليل: "لأن معه ماءً مستيقنًا وليس كالقبلة فإنه يتأخاها في موضع (ثم يراها في) غيره". وذكر الشافعي - رضي الله عنه - الفرق بينهما فقال: "لأنه ليس من ناحية إلا وهي قبلة لقوم"، ومعنى هذا الكلام معنى (قول أمير المؤمنين)

عمر (بن الخطاب) - رضي الله عه - حيث قال: "ما بين المشرق والمغرب قبلة". قيل: أراد (بهذا) أن من كان بالمدينة فجعل المشرق على يساره والمغرب على يمينه فجميع ما بين المشرق والمغرب قبلة (له)؛ لأن الكعبة (في) تلك الجهة فالأمر واسع في الاستقبال ولم يتوسع الأمر في استعمال الماء النجس هذا التوسع. وقيل: (إن) مراد الشافعي - رضي الله عنه - بهذا الكلام (أن كل) جهة من الجهات الأربع مستقبل قوم في الصلاة، فصارت الجهات كلها قبلة وهذا التوسع مفقود في الماء. ومن (التوسع) في القبلة أن (المتنفل) في السفر يستقبل طريقه راكبًا وماشيًا وطريقه قبلة له، (والمفترض) في حالة الملحمة كالمتنقل المسافر في هذا

مسألة (143)

الحكم، ولفظ الشافعي - رحمة الله عليه - (أقرب إلى المعنى الثاني والثالث منه (إلى) قول عمر، لأن الشافعي رضي الله عنه) قال في لفظه: "ما من ناحية إلا وهي قبلة القوم" ولم يخصص بلدة مخصوصة ولا قومًا دون قوم. مسألة (143): أعلم أن المسألة التي حكيناها عن الشافعي رحمه الله في الفرق بينهما وبين القبلة مصورة في الرجل استعمل بالاجتهاد بعض الإناء واستبقى بعضه، والدليل على أنها مصورة في هذا الموضع تعليله حيث قال: "ويعيد كل صلاة صلاها بتيمم، لأن معه ماءً متيقنًا" "وإن لم يبق من الأول شيء لم يكن معه ماء مستيقن"، لأن الصورة ليست في بيان اليقين وإنما هي في بيان الاجتهاد. ألا تراه أنه قال في أول/ (34 - ب) المسألة: "ثم أراد أن يتوضأ ثانيًا فكان الأغلب عنده أن الثاني الذي تركه هو الطاهر" ولم يقل: وكان اليقين عنده ذلك. وإذا ثبت صورة المسألة فلو أنه كان مضطرًا إلى حفظ الماء للشرب كان الحكم في الإعادة خلاف ذلك، ولا إعادة عليه، لأن الرجل لو كان معه ماء طاهر

بيقين، وهو محتاج إليه لسقيه، لم يلزمه إعادة ما صلى بالتيمم، فعرفت أن الشافعي - رحمه الله - ما صورها في المضطر وإنما صورها في غيره. ولو أن غير المضطر - والمسألة بحالها - قطر قطرة من أحد الإناءين (في الثاني) وتيمم وصلى فعليه الإعادة، ولو قطر من كل واحد منهما قطرة في الآخر (فتسقط) عنه الإعادة. والفرق بينهما: أنه إذا قطر من أحدهما في الثاني احتمل أن يكون قد قطر في الطاهر في النجس، وإذا قطر من كل واحد منهما قطرة في الثاني. (تيقناً أن كل واحد منهما صار نجساً) فسقط عن القضاء في المستقبل. ولو أن رجلاً دخل عليه وقت الصلاة ومعه ماء فصب عليه نجاسة كان كما لو صب الماء، ولزمه القضاء في أحد القولين. والفرق بين الرجلين: أن أحدهما مختار قصد العدوان بتنجيس مائه، والثاني: غير مختار مطلقاً، لأنه اجتهد للصلاة الأولى، واستفرغ (مجهوده)، ثم التبس الأمر عليه عند الصلاة الثانية، فإذا رام مخلصاً عن وجوب القضاء بنوع حيلة كان له السبيل إليه.

مسألة (144)

مسألة (144): إذا دخل وقت الصلاة الثانية في مسألة الشافعي - رضي الله عنه - فكانت البقية الباقية في الإناء دون ما يكفي الوضوء لم يلزمه قضاء ما صلى بالتيمم في أحد القولين. وإنما يلزمه إذا كانت بحيث تكفي الوضوء. والفرق بينهما: بناء المسألة على حكم من وجد من الماء ما لا يكفيه، وفيه قولان، فإذا قلنا بوجوب الاستعمال أوجبنا القضاء ها هنا، وإذا أسقطنا الاستعمال أسقطنا القضاء ها هنا. مسألة (145): إذا كان أحد الإناءين نجساً، فأراد الرجل الاجتهاد فأخبره مخبر فقال: هذا هو النجس، والمجتهد يعلم جنس النجاسة، جاز له تصديقه (إذا كان ثقة عنده).

وإذا كان المجتهد (غير) عالم بجنس النجاسة، فقال له رجل: هذا نجس، وهذا طاهر، واقتصر على هذا القدر، لم يجز له المصير إلى مطلق قوله. والفرق بينهما: أن الناس مختلفون في بعض الأعيان فينجسها قوم، ولا ينجسها قوم، فإذا قال: هذا نجس ولم يذكر جنس النجاسة، احتمل أن يكون نجساً (عنده) غير نجس عند غيره، وذلك مما يتعلق بالعقائد والمذاهب، وليس طريقة طريق الروايات. وأما إذا علم من أراد/ (36 - أ) (الوضوء بأحد الإناءين) جنس النجاسة الواقعة (35 - أ) في أحد الإناءين، وأشكل عليه في التعيين، فله أن يعتمد خبر الصادق؛ لأن طريقه طريق الروايات حينئذ لا طريق العقائد ومن روى وهو صدوق (ثقة) فالطريق إلى روايته أصل (ممهد) في الشرع، وقد قال الشافعي - رضي الله عنه -: إذا أراد الرجل الاجتهاد في القبلة وأخبره مخبر بأن نجم كذا كان في موضع كذا قبل ظهور الغيم، وعلم المجتهد أن ذلك النجم إذا كان في ذلك الموضع دل على موضع القبلة من جهة مخصوصة، كان له الرجوع إلى قوله بتصديقه.

مسألة (146)

مسألة (146): إذا أشكل النجس من الإناءين، ومعه إناء ثالث طاهر بيقين، أو كان تحته نهر أو بحر، فله الاجتهاد في الإناءين على الصحيح من المذهب. ومن كان معايناً للكعبة أو متمكناً من المعاينة لزمه العلم على اليقين ولم يجز له الاجتهاد، وذلك مثل أن يكون (بمكة) في بعض دورها، وكذلك إذا كان بالمدينة، لأن مصلى (النبي) - صلى الله عليه وسلم - الذي واجهه واستقبله نص مستيقن لا يجوز الخطأ فيه والغلط. والفرق بين القبلة والأواني: أن الرجل إذا طلب الكعبة (بالاجتهاد مع التمكن من المعاينة اتفق محل النص ومحل الاجتهاد وهو الكعبة) بعينها (وإذا كان

النص) مقدوراً عليه وهو بعينه مطلوب بالاجتهاد كان محالاً، لأن النص يغني عن التحري والاستدلال. أما أحد الإناءين إذا أشكل وأراد الاجتهاد مع وجود الإناء (الثالث) فالنص بمعزل عن محل الاجتهاد، لأن النص هو الإناء الثالث، ومحل الاجتهاد (الإناءان) فلا يضره التمكن من الثالث، ولا يمنعه الاجتهاد في الإناءين. وقد قال الشافعي - رحمه الله عليه- مثل هذا المعنى في المناكحات: "وذلك أن رجلاً لو تيقن محرماً له في بلدة بنسب أو لبن أو صهر وأشكل عليه عينها فتحرى واجتهد فتزوج امرأة من نساء تلك البلد، كان النكاح صحيحاً، وإن كان له في نساء (سائر البلدان) مندوحة". وكان القفال يفصل في هذه المسألة بين أن (تختلط) المرأة المحرمة بنساء محصورات العدد من سكة صغيرة، وبين أن تكون مختلطة بنساء بلدة كبيرة، فيفتي بالتحريم إذا اختلطت بالعدد القليل، وإذا اختلطت (بالعدد الكثير) يفتي بالإباحة.

(قال) وجدت في بعض روايات المختصر من كلام الشافعي - رحمة الله عليه - ما يدل على أنها وإن كانت مختلطة بالمحصورات فنكاح واحدة منهن جائز بالاجتهاد مع الكراهة. وقد ذكرنا ذلك/ (35 - ب) في موضعه في كتاب تقرير المختصر. وذكر بعض مشايخنا فرقاً آخر فقال: إن الماء ملك ومال يتمول، وفي الإعراض عن الاجتهاد معنى الانتفاع بعين المال، ولا يجوز أن يفوت عليه منفعة مال مع الإمكان بوجود مال غيره، (ولا يوجد) مثل هذا المعنى في القبلة، والمسألة التي ذكرناها في الإناءين ومعه إناء ثالث لو تصورت في الثوبين ومعه ثوب ثالث فالجواب كذلك. وكذلك لو كان معه ثوبان أحدهما نجس والآخر مشكل، ومعه ما يقدر على غسل أحد الثوبين، فالجواب كذلك. وكذلك لو كان معه (إناءان من ماء) أحدهما مستعمل، والآخر (غير مستعمل)، (فهو كما لو كان أحد الإناءين نجساً والآخر طاهراً) ومعه

مسألة (147)

ماء ثالث متيقن، لأنه غير عاجز أن يتوضأ بأحدهما ثم يتوضأ بالثاني، ينوي في كل واحد من الوضوءين رفع الحدث. فهذه المسائل في مقابلة القبلة كالمسألة الواحدة، والفرق بينهما ما بيَّناه. مسألة (147): إذا كان أحد الإناءين نجساً والآخر طاهراً فانصب أحدهما قبل الاجتهاد، فقد قال (بعض) أصحابنا: ليس عليه الاجتهاد في الإناء الثاني، بل له استعماله من غير اجتهاد، وإليه ذهب أبو العباس بن سريج رحمه الله. وليس كما لو لم (ينصب واحد) منهما. والفرق بينهما: أنه إذا لم ينصب واحد منهما فهما عينان تيقن نجاسة أحدهما وإذا تيقن النجاسة في عين والطهارة في أخرى لم يجد بداً من التمييز بنوع

مسألة (148)

من الترجيح والتغليب حتى يعدل من أحدهما إلى الثاني. وأما إذا انصب أحدهما وبقي الثاني فليس في الثاني تيقن نجاسة إذ يحتمل أن تكون النجاسة في المنصب، فهذا الثاني (ماء) مشكوك في طهارته غير متيقن نجاسته، وأصل الماء على الطهارة، ولا يجوز أن يمنعه عن استعماله بالشك الواقع في طهارته. ومن أصحابنا من ألزمه الاجتهاد، لأنه على يقين من نجاسة أحدهما إما الثاني وإما المنصب، ولا يعجز بعد الانصباب عن الاجتهاد فيلزمه المصير إليه. مسألة (148): إذا كان أحد الإناءين ماء والثاني ماء الورد وأشكل العين، فالصحيح من المذهب أنه ممنوع من التحري، بخلاف الإناءين إذا كان أحدهما نجساً. والفرق بينهما: أن ماء الورد ليس له الأصل في التطهير حتى يبني حكمه على ذلك الأصل، وللماء أصل في الطهارة والتطهير، فلا (يعجز) عن رده إلى

مسألة (149)

أصله، وترجيح الأصل (بسائر) القرائن والدلائل، حتى أن من أصحابنا من قال: إنه يجوز التحري بالغلبة على القلب من غير طلب دليل بعينه ولا يكاد يحصل الغلبة إلا باستصحاب/ (36 - أ) الأصل، ولفظ الشافعي- رضي الله عنه - دليل على (أن) مراعاة الأصل لابد منها حيث قال: ولو كان في السفر ومعه إناءان يستيقن أن أحدهما طاهر والآخر نجس قال: "يتأخى ويريق أحدهما على الأغلب ويتوضأ بالطاهر عنده، لأن (الطهارة) ممكنة على (الأصل أي) أصل الماء". وإذا ثبتت هذه المسألة فكذلك الاجتهاد في النساء والماء والبول. مسألة (149): إذا قال الرجل: كان لي اليوم طهارة وحدث، ولا أدري أيهما السابق، أمرناه بتقديم الوهم على هاتين الحالتين.

فإن قال: قدمت (وهمي) على الحالتين فتذكرت أني كنت قبل هاتين الحالتين متطهراً أمرناه الآن بأن يتطهر فإن صلى ولم يتطهر فالصلاة باطلة. وإن أخبر عن السابقة فقال: كنت محدثاً قبل هاتين الحالتين بيقين، جوزنا له أن يصلي، وحكمنا بأنه على الطهارة، والمستحب له التجديد. والفرق بين الحالتين: أنه متى ما قدم الوهم فتذكر أنه كان متطهراً قبل هاتين الحالتين، فقد تيقنا أن الحدث المشكوك في زمانه (بعد) طهارته وشككنا في الطهارة الثانية (التي كانت قبل الحدث أو بعد الحدث)، ومتى تقينا (حدثه) وشككنا في طهارته بعد الحدث وجدت أم فقدت، فالأصل أنه (محدث) ممنوع من الصلاة إلى أن (يتيقن) الطهارة.

وأما إذا قال كنت قبل الحالتين محدثاً بيقين، فقد تيقنا أن هذا (الرجل) رفع حدثاً بالطهارة المشكوك في زمانها، وشككنا في الحدث هل صار موجوداً بعد الطهارة أو حصل (قبلها) على أثر الحدث الأول فارتفع بتلك الطهارة، وصورته رجل تيقن الطهارة وشك في الحدث وكان أبو بكر (القفال) رحمه الله يقول: هذه المسألة مسطورة لأبي العباس الطبري صاحب كتاب التلخيص استنبطها من طريقة سيدنا أبي العباس بن سريج - رحمه الله - في الجمع بين حديث بسرة وحديث

طلق في مس الذكر، ففرع عليها هذه المسألة، وجملة ما قاله ابن سريج أن حديث (طلق) يحتل أن يكون قبل (حديثها) ويحتمل أن يكون بعد حديثنا، ومعلوم أن مس الفرج في ابتداء الأمر (ما) كان ناقضاً للوضوء إلى أن بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد تيقنا أن حديث بسرة ناسخ للعادة السابقة، ويحتمل أن يكون حديث طلق سابقاً (موافقاً) لتلك العادة، فإذا ثبت هذا (اليقين) لم يجز لنا أن ندعي نسخ حديث بسرة بحديث يحتمل أن يكون مورده/ (36 - ب) قبله ويحتمل أن يكون بعده، إذ النسخ لا يجوز (بالمحتمل) ويجوز

مسألة (150)

بالمتيقن، فعلى هذا إذا تيقن الرجل حدثه المرفوع بالطهارة المشكوك في زمانها استيقنا له حكم الطهارة، ولم يبطلها بالحدث المشكوك في زمانه. مسألة (150): إذا أشكل إناء من خمس (أوان) لم يتعين النجس منها، ثم اجتهد (خمسة) نفر في تلك الأواني، وتوضأ كل واحد منهم بواحد منها، ثم أرادوا عقد الجماعة فتقدم واحد منهم جاز لهم ذلك. ولو أن خمسة نفر كانوا جالسين في مجلس فناموا غير زائلين عن مستوى الجلوس، وظهر بينهم صوت حدث، واستيقظوا ولم يعلموا كان لكل واحد منهم أن يصلي مجتهداً من غير تجديد وضوء، وإذا أرادوا عقد الجماعة وتقديم واحد منهم لم يجز لهم ذلك (على أحد الوجهين). والفرق بينهما: أن الاجتهاد في الأواني ممكن متيسر بطلب أمارات النجاسة (وآثارها وشأن المتحري طلب النجاسة). فأما الطهارة فلا تطلب، فلما تيسر ذلك في الأواني جاز لهم الاجتهاد وتقديم بعضهم في الاقتداء، أما الأشخاص الرجال إذا سمع (فيما)

بينهم صوت حدث (فيتعذر) الاجتهاد (منهم لغمض الدلائل وخفاء الأمارات (وإنما يجوز الاجتهاد) إذا لاحت الأمارات فصارت (ظاهرة) بينة. وقد قال الشافعي- رحمه الله -: إذا أحرم الرجل ثم نسى فلم يعلم أنه أحرم بالحج أو بالعمرة فقد صار قارناً (- -) وحال بينه وبين التحري النكتة التي بيناها أن دلائل التحري في ذلك الموضع خفية غير ظاهرة. وله قول آخر في القديم: إنه يجتهد إذا شك في الإحرام. (فمن) قال في الإحرام بالقول القديم قال ها هنا يجول (له) التحري في أشخاص الأئمة. ولو كانت (مسألة) الأواني بحالها فاجتهدوا فقدموا رجلاً من الخمسة فصلى بالأربعة (صلاة) الصبح، ثم قدموا منهم ثانياً فصلى بهم صلاة الظهر، ثم قدموا ثالثاً فصلى بهم صلاة العصر، ثم قدموا للمغرب رابعاً، وللعشاء خامساً، فيجب على إمام العشاء قضاء المغرب وليس عليه قضاء

سائر الصلوات. الفرق في حقه بين المغرب وسائر الصلوات: أنه لما اقتدى في الصبح (بواحد) منهم فكأنه حصر الإناء النجس واستعماله في غير ذلك (الإمام) (وفي غير نفسه) فلما صلى الظهر خلف الثاني فكأنه بالاجتهاد حصر النجاسة في الاثنين الباقيين، فلما صلى العصر خلف الثالث لم يبق لتعيين النجاسة سوى الرابع، فإذا صلى المغرب خلفه فقد صلاها خلف من يصلي بنجاسة وعدم الطهارة/ وأما العشاء الآخرة فقد صلى وهو إمام فيها، وهو بالاجتهاد (إذا) أخرج نفسه عن محل توهم النجاسة، ولهذه النكتة قلنا: (إنه) يجب على إمام المغرب (وإمام) الصبح وإمام الظهر وإمام العصر قضاء صلاة العشاء، لأنهم صلوها خلف من حصروا فيه النجاسة وعينوه لها وعينوها له.

مسألة (151)

مسائل المسح على الخفين مسألة (151): إذا توضأ ومسح على الجبائر ولبس الخف ثم أحدث جاز له المسح على الخف. والمسافر إذا تيمم عند أعواز الماء ولبس الخف ثم أحدث لم يجز له المسح على الخف في أحد القولين، وكذلك المستحاضة إذا توضأت ولبست الخف فهي كالمتيمم. والفرق بين طهارة الجبائر وبين وضوء (المستحاضة) وتيمم المسافر: أنه إذا مسح الجبائر كانت طهارته (رافعة) للحدث ولم يتجدد بعد رفع الحدث حدث حادث، ولهذا جاز له أن يجمع بين مكتوبات بوضوء واحد ولم تتقدر

مسألة (152)

مدة هذه الطهارة بزمان في حضر ولا سفر، وأما المستحاضة فالحدث يتجدد عليها بعد وضوئها، وأما المتيمم فحدثه مستدام وإنما أبيحت له الصلاة بالتراب، ولهذا لا يجوز لهما الجمع بين مكتوبتين بطهارتهما لضعفهما وقصورهما، وشرط لبس الخف لاستباحة (المسح)، طهارة تامة تتقدم على اللبس. مسألة (152): (المقيم) إذا توضأ ولبس الخف على طهارة كاملة ثم أحدث ثم سافر قبل أن ينقضي يوم وليلة بعد حدثه كان له مسح (مسافر) ثلاثة أيام، إلا عند المزني - رحمه الله - فإنه اعتبر وجود الحدث في الحضر بوجود المسح في الحضر. والشافعي - رحمه الله - فصل بينهما وقال: (إذا مسح في الحضر ثم سافر مسح مسح مقيم، وإذا أحدث في الحضر ومسح في السفر مسح مسح مسافر).

مسألة (153)

والفرق بينهما: أن المسح إذا وجد في الحضر فقد وجد أول العبادة مقيداً بالحضر، فصار (كالتكبيرة إذا وجدت) في الحضر، ثم (اعترض) السفر على الصلاة كانت الصلاة صلاة حضر لا صلاة سفر. وأما إذا أحدث في احضر ثم لم يمسح حتى صار مسافراً فإنما يقيد بالحضر وقت العبادة لا نفس العبادة، ودخول وقت العبادة في الحضر لا تجعلها عبادة حضر إذا افتتحت في السفر. ألا ترى أن المقيم إذا دخل عليه وقت الصلاة فابتدأ بالسفر فسافر ثم صلى في آخر/الوقت. جاز له قصر تلك الصلاة؛ لأن أولها في السفر (وإن دخل وقتها في الحضر، فكذلك أول مسحه في السفر) وإن دخل وقت المسح بالحدث في الحضر. مسألة (153): المسافر إذا شك في عدد الصلوات التي صلاها بالمسح يعيد بالأكثر في حساب المسح وبالأقل في حساب أداء الصلاة.

مسألة (154)

والفرق بينهما فرق جمع، وهو: أن الواجب (أن يأخذ) في كلا الأصلين باليقين، واليقين (في) وجوب الصلاة عليه، ولا يخرج عن واجبها مع الشك في أدائها، فكذلك الأصل بقاء الحدث على القدمين وإنما أبيح له المسح على الخفين (بشرط) (بقاء) المدة فإذا شك في المدة فالأصل يقين الحدث. مسألة (154): إذا شك المسافر أهو في اليوم الثالث أو الرابع فمسح وصلى، ثم تذكر في اليوم الثالث أن يوم الشك هو اليوم، (وأنه الآن في اليوم الثالث)، صلى اليوم بالمسح وأعاد صلاة (الأمس). والفرق بين يومه وأمسه: أنه في يومه على يقين من بقاء مدة المسح، فصلاته فيه بالمسح صحيحة، وكان أمس شاكاً يتوهم أنه اليوم الرابع أو الثالث من غير استيقان، فكانت صلاته مع الشك باطلة وإن استيقن من بعد أن وقت المسح قائم. ومعقول أن رجلاً لو ظن أن وقت الصلاة قد دخل، فأحرم بالمكتوبة مجتهداً معتمداً بعض الأدلة، فبان أنه صلى في الوقت، كانت صلاته صحيحة، ولو

مسألة (155)

شك في دخول الوقت فأحرم مع الشك ((فبان) بعد إحرامه أنه) صادف الوقت كانت صلاته باطلة، للشك المقترن بالتحريمة، فكذلك هذه المسألة. مسألة (155): قال الشافعي - رحمه الله -: "إذا توضأ فغسل إحدى قدميه وأدخلها في الخف، ثم غسل الأخرى وأدخلها (في) الخف لم يجز له المسح. ولو أنه نزع الخف الأول الملبوس قبل كمال الطهارة، ثم أعاد لبسه، جاز له المسح". والفرق بين المسألتين هو: أنه إذا نزع وأعاد صار هذا الخف (المنزوع) - وهو الملبوس أولاً - ملبوساً بعد تمام الطهارة، وأما الخف الآخر فما لبسه حين لبسه الأول، والطهارة كاملة، فصار الخفان ملبوسين بعد كمال الطهارة، وإذا لم يوجد النزع فالإعادة في الملبوس الأول لم يوجد هذا المعنى، وبقي أحد الخفين ملبوساً قبل تمام الطهارة فلا يستبيح المسح.

مسألة (156)

مسألة (156): إذا أحدث الرجل وبعض قدمه في ساق الخف ثم استكمل لبس (الخف) لم يجز له المسح. ولو أن الماسح على الخف نزع (بعض) قدمه إلى الساق، لم يبطل المسح (بعد) هذا النزع. والفرق بينهما فرق جمع: وهو أن مراعاة/الأصل السابق في كل واحدة من المسألتين المنصوصتين بالأصل، والأصل قبل اللبس عدم اللبس، فإذا أحدث

مسألة (157)

والقدم في الساق حصل الحدث قبل (حصول) اللبس، (فحصل اللبس) على غير الطهارة. (والأصل) في الماسح على الخف اللبس السابق على الطهارة، فإذا أخرج بعض القدم إلى الساق، والبعض في موضع القدم من الخف لم يبطل المسح بهذا القدر من النزع، لأن الأصل استدامة اللبس. ولو أن رجلاً قال: والله لا أدخل (هذه) الدار لم يحنث بإدخال أحد القدمين. ولو حلف والله لا أخرج من هذه الدار فأخرج أحد القدمين لم يحنث، لهذا الأصل الذي مهدناه لاستصحاب الأصل السابق في الحالتين جميعاً. مسألة (157): إذا لبس فوق الخف جرموقاً ضعيفاً لا يحتمل متابعة المشي (عليه) لم يجز له المسح على الجرموقين قولاً واحداً.

وإذا لبس جرموقاً قويًا فوق الخف يمكن متابعة المشي (عليه) جاز له المسح (عليه أي) على الجرموقين في أحد القولين. والفرق بينهما: أن الجرموق إذا كان ضعيفاً لم تكن عينه عين الملبوس الصالح للمشي؛ لأنه (لا) يحتمل المشي على الدوام والاستكثار، وشرط الممسوح بعينه أن يكون في وصف الخف، فما منزلته فوق هذا الخف إلا منزلة (جورب) ملبوس فوق الخف، أو منزلة لفافة ملفوفة على الخف. ألا ترى أن مثل هذا الجرموق لو صار ملبوساً تحت الخف صار المسح على الخف قولاً واحداً، وكان (كالجورب) واللفافة. وأما إذا كان الجرموق قوياً فوق الخف الصحيح، فهذا الجرموق بعينه قائم مقام الخف في وصفه، فيثبت له حكمه في مسحه. وبيان جملة المذهب في محل القولين أن (كل) ملبوس لو لبسه تحت الخف جاز له المسح على الخف فإذا لبسه فوق

مسألة (158)

الخف لم يجز له المسح على ذلك الملبوس وكل ملبوس لو لبسه منفرداً جاز (له) المسح عليه فإذا لبسه فوق الخف كان مسألة القولين. هذا (حد) المذهب وبيانه. مسألة (158): الخف الملبوس تحت الجرموق القوي إذا كان مخرقاً جاز (المسح) على الجرموق قولاً واحداً، وإنما القولان في ملبوسين صحيحين قويين (لا ظهر) ظاهر بينهما. والفرق بينهما: أن الخف تحت الجرموق إذا كان مخرقاً كان موصوفاً بأنه لو كان ملبوساً وحده لم يجز المسح عليه كالجورب واللفافة، فهذه منزلة تحت الجرموق فالجرموق (كأنه) الخف الأول، فأما إذا كان الخف/صحيحاً تحت الجرموق فالخف ملبوس صالح للمسح ولا يجوز في أحد القولين أن يمسح إلا عليه دون ما علا منه وكذلك لا يجوز المسح على هذا الخف المخروق ولو لبسه فوق هذا الجرموق.

مسألة (159)

مسألة (159): إذا لبس الخف على طهارة فأحدث ومسح عليه ثم لبس الجرموق فوقه ثم أحدث فأراد المسح على الجرموق لم يجز له المسح قولاً واحداً عند كثير من أصحابنا. وإذا لبس الجرموق قبل المسح على الخف جاز له المسح على الجرموق في أحد القولين.

والفرق بينهما: أنَّا إذا جوزنا المسح على الجرموق فإنما نجوزه إذا جعلناه كالملبوس الواحد، وكالخف المشتمل على طاقات متلاصقة، ويلحق الجرموق ببعض طاقات الخف أو بظهارته، ويجعل الخف كالبطانة، فمتى ما مسح على الخف ثبت أصلا في نفسه للمسح، ولا يمكنه أن يجعله كطاقة من طاقات الخف، فلهذا فرقنا بين المسألتين. ومن أصحابنا من قال: "إنما يجوز المسح على الجرموق، لأنا نجعل الخف تحت الجرموق بمنزلة اللفافة". فمن سلك هذه (الطريقة) لم يمكنه أن يجعل الممسوح بمنزلة اللفافة. ومن أصحابنا من قال: "إذا جوزنا المسح على الجرموقين نزلنا الخف منزلة

مسألة (160)

القدم تحت الخف". فمن سلك هذه الطريقة ونزل (الخف) الممسوح منزلة القدم المغسول جوز المسح على الجرموق وإن لبسه بعد مسح الخف، (كما) يجوز المسح على الخف الملبوس بعد غسل القدمين. مسألة (160): الماسح على الخف إذا نزع الخف عقيب المسح قبل أن تجف أعضاء الوضوء فعليه استئناف الوضوء، وإن جوزنا تفريق الوضوء. ومن فرق وضوءه (هذا المقدار) من التفريق لم يكن تفريقاً، وكان البناء عليه جائزاً قولاً واحداً. والفرق بينهما: أن الماسح إذا نزع الخف بطلت طهارته في القدمين، والطهارة إذا بطل بعضها بطل جميعها، فلهذا استوى تباعد الزمان وتقاربه. وأما من فرق (الوضوء) تفريقاً فإنه لم يبطل عليه شيء مما فعل من الطهارة، ولكن بقي بعض طهارته، فإذا طول الزمان دخل في أحد

القولين، وإذا كان الزمان قصيراً بحيث لا تجف الأعضاء التي غسلت فلا يدخل في أحد القولين، ومن أصحابنا من بني القولين فيمن نزع الخفين على القولين في تفريق الوضوء. قال صاحب الكتاب رحمه الله: هذا البناء لا يصح للعلة التي قلناها، ولو استقام البناء لاستوت المسألتان عند تقارب الزمان، وليسا بمستويتين، إذا البناء على الوضوء جائز مع تقارب الزمان (قولاً واحداً، وفي نزع الخف (مع) تقارب الزمان) قولان:

مسألة (161)

أحدهما: أنه يلزمه استئناف الوضوء. والثاني: / (39 - أ) (أنه) يكفيه غسل القدمين. مسألة (161): إذا لبس الخفين ولبس فوق أحدهما جرموقاً ثم أراد المسح على جرموق وخف لم جز له ذلك. ولو كان ماسحاً على جرموقين فنزع أحدهما فحكم المسح مستدام على جرموق وخف. والفرق بين الابتداء والانتهاء: أن الطهارة في (الانتهاء) موجودة كاملة وتحتاج إلى استدامتها والأمر في الاستدامة أقوى بدليل (أن) استدامة النكاح مع اعتراض العدة والردة جائز وأما الابتداء فالأمر فيه أضعف بدليل امتناع (ابتداء) النكاح مع اقتران العدة والردة، وإنما نحتاج إلى الفرق على مذهب

مسألة (162)

من يجعل الخف أصلاً والجرموق بدلاً، (كما كان في) القدم أصلاً والخف بدلاً، وأما من جعل الجرموق كالظهارة والخف كالبطانة فذلك جائز في الابتداء والانتهاء. مسألة (162): إذا اقتصر على مسح أسفل الخف دون أعلاه (لم يجز). ولو اقتصر على مسح الأعلى دون الأسفل كان جائزاً. ولا وجه للفرق بينهما من جهة القياس، وإنما افترقت المسألتان في السنة والأثر. فأما السنة: ففعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه مسح على ظهر القدم واقتصر عليه. وأما الأثر فهو ما روى عن علي - كرم الله وجهه - أنه قال: " (إنه) لو كان الدين بالقياس لكان باطن الخف أولى من ظاهره".

أراد بذلك أن باطنه هو الذي يلي الأرض والقذى والقذر. وقد حكي المزني عن الشافعي - رحمه الله - هاتين المسألتين على هذا الوجه، فغلطه بعض مشايخنا وقالوا: إنما نص الشافعي - رضي الله عنه - على قوله لو مسح ظاهر الخف وترك الباطن أجزأه، فلعل المزني - رحمه الله - استنبطه من هذه المسألة وعكسها على الضد وأضاف المسألتين إلى الشافعين رحمه الله. والغلط من هذا القائل لا من المزني، وذلك أن المزني قال في المختصر الكبير: وحفظي عن الشافعي - رضي الله عنه - أنه قال: "فإن مسح على الباطن وترك الظاهر أعاد". فقد روى هذه المسألة حفظاً، فليست باستنباط، ومثل هذا في رواية أبي يعقوب البويطي، ورواية موسى بن أبي الجارود عن الشافعي رحمة الله عليه.

مسألة (163)

مسألة (163): غسل (يوم) الجمعة قبل طلوع الفجر غير محسوب. ونص في رواية أبي يعقوب (البويطي) على قولين في غسل العيد قبل طلوع الفجر أحدهما: أنه محسوب، والثاني: أنه غير محسوب. وذكر مشايخنا فرقين: أحدهما: قرب (زمان) صلاة العيد؛ لأنها بعد طلوع الشمس وبعد (صلاة) الجمعة، فتعود (...) الروائح الكريهة مع تباعد الزمان. والفرق الثاني: أن أهل العوالي كانوا ينزلون إلى المدينة لصلاة العيد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصليها عقيب طلوع الشمس (فلو تكلفوا الغسل بعد الفجر في منازلهم) ثم قصدوا الصلاة لما أدركوا، فلو كلفناهم في الطريق

مسألة (164)

الاغتسال بعد طلوع الفجر شق (عليهم)، وكذلك أهل السواد في كل بلدة هكذا، ذكره أبو إسحق المروزي وغيره. مسألة (164): الجنب إذا نوى غسل الجمعة يوم الجمعة أو غسل العيد يوم العيد لم يطهر من الجنابة. ولو اغتسل يوم الجمعة بنية الجنابة دون (نية) غسل الجمعة حصل له (غسل) الجمعة والجنابة جميعاً عند بعض أصحابنا. وهو الصحيح. والفرق بينهما: أن المقصود من غسل (الجمعة) نوع نظافة، وذلك يحصل

مسألة (165)

بغسل الجنابة، كما في تحية المسجد بافتتاح المكتوبة عند دخول المسجد (، وهكذا يحصل بأداء الحج المفروض وطوافه عند لقاء الكعبة. والمقصود من غسل الجنابة رفع الحدث لا النظافة فلا يتضمن نية غسل الجمعة معنى رفع الحدث. مسألة (165): الجنب إذا نوى غسل الجنابة والجمعة والعيد حصل له جميع ذلك بالفعل الواحد. والمسبوق إذا صادف إمامه راكعاً فكبر ونوى بالتكبيرة الواحدة تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع لم تنعقد الصلاة. والفرق بينهما: أن أفعال الصلاة وما اشتملت عليه غير مبنية على التداخل والاندراج. وأما الطهارة فإنها قابلة للاندراج والتداخل. ألا ترى أن الأحداث إذا توالت ارتفعت بالوضوء الواحد، ولو أن هذا لم ينو (الجميع، ونوى) تكبيرة

الافتتاح، وترك تكبيرة الركوع صحت صلاته، وإنما الفساد من جهة نية الجمع.

مسألة (166)

مسائل المستحاضة مسألة (166): المستحاضة المميزة إذا رأت خمسة أيام (في أول الشهر) حمرة قانية وأحد عشر يوماً سواداً (وباقي الشهر صفرة)

فحيضها أيام الأسود. ولو كان (حيضها) أيام الأسود عشرة كان حيضها خمسة عشر. والفرق بينهما: أن السواد إذا كان أحد عشر يوماً ومعها خمسة حمرة قانية لم نجد سبيلاً إلى أن (نجعلها حيضاً جميعاً) وهما ستة عشر يوماً، فلم نجد بداً من ترجيح أحدهما على الثاني، والحمرة (وإن) كانت قانية فالسواد أقوى منها. وأما إذا (كان) السواد عشرة أيام والحمرة خمسة فالجمع بينهما ممكن، والحمرة القانية من الدماء القوية التي إذا أمكن الجمع (بينها) (في مسائل التمييز وجب الجمع بينهما). وعلى هذا الأصل: لو رأت المميزة خمسة في أول الشهر سواداً، ثم خمسة صفرة، ثم ستة أيام دماً أحمر، فحيضها الخمسة/ الأولى، لأن الستة بعضها قد جاوز الخمسة عشر.

مسألة (167)

ولو كانت الحمرة خمسة جعلنا السواد والحمرة حيضاً، وكان في الصفرة قولان بأصل التلفيق: أحدهما: أنه حيض. والثاني أنها ليست بحيض. مسألة (167): الدم المشرق الأصفر الرقيق بين السوادين إذا تقاصرت مدته عن خمسة عشر يوماً أمرنا المستحاضة بالعمل على العادة السابقة المعلومة. وإذا لم تتقاصر مدته عن خمسة عشر يوماً كلفناها بالعمل على التمييز. الفرق بين الحالتين: أن ذلك الدم الرقيق الأصفر (حيض) في الحكم، والسوادان إنما يكونان حيضاً إذا فصل بينهما طهر كامل (أما إذا لم يفصل بينهما طهر كامل) فلا سبيل إلى التمييز، ولهذا قلنا: (إنه) إذا كان الدم الأسود

مسألة (168)

ناقصاً عن يوم وليلة، (أو كان) زائداً على خمسة عشر يوماً فلا سبيل إلى التمييز، والواجب عليها مراعاة حكم (العادة). مسألة (168): المعتادة إذا كانت ترى في أول الشهر خمسة أيام حيضاً وباقي الشهر طهراً فاتصل دمها في شهر من الشهور واستمر إلى أول الشهر الثاني، (ثم رأت خمسة أيام من أول الشهر الثاني) طهراً، ثم عاود الدم واستمر بها أبداً. فقد قال بعض مشايخنا: (لا حيض) لها في الشهر الذي رأت الطهر خمسة أيام في أوله. وهو اختيار الشيخ أبي إسحق المروزي. ومثله لو لم تر (...) طهراً كانت خمسة أيام من أول الشهر حيضاً لها بإجماع. والفرق بين الحالتين: أنها إذا رأت دماً دائماً مستمراً (أمكننا) أن نجعل أيامها المعلومة المعتادة حيضاً وما بعدها طهراً كما كانت تفعل قبل ذلك.

وأما إذا صادفت أيامها المعلومة أيام النقاء فلا حيض لها في ذلك الشهر، وهي مشتغلة بطلب أيامها (حتى) (تجدها، فإذا) وجدتها في الشهر الثالث (قعدت) عن الصلاة (فيها)، ثم على مذهب هذا القائل زاد طهرها وصار خمسة وخمسين يوماً، فنجعل دورها في مستقبل الزمان ستين يوماً خمسة حيض وخمسة وخمسون طهراً، لأنه الصحيح من المذهب. وعليه فرع المحققون من مشايخنا أن العادة تثبت بمرة واحدة في الزيادة والنقصان، والتقدم والتأخر، والحيض والطهر. ومن أصحابنا من قال: إنها إذا فقدت (الدم) في أيامها المعتادة من الشهر الثاني ورأت يوم السادس من ذلك الشهر (دماً) واستمر واتصل فأول حيضها في ذلك الشهر اليوم السادس، وزاد (في) طهرها خمسة أيام، فصار الطهر ثلاثين يوماً، فصار الدور خمسة وثلاثين يوماً خمسة حيض وثلاثون طهراً، ثم خمسة حيض وثلاثون طهراً.

مسألة (169)

مسألة (169): المعتادة إذا كانت تحيض في شهر ثلاثة وفي شهر خمسة وفي/ (40 - ب) شهر سبعة، ثم تعود عليها الثلاثة ثم الخمسة ثم السبعة، (فإذا استحيضت دارت عليها أقراؤها كما كانت دائرة إذا كانت حافظة. ولو أنها كانت قبل العلة تحيض ثلاثة وخمسة ثم سبعة) وأحياناً تتقدم السبعة على الخمسة، وأحياناً تقع الثلاثة بين السبعة والخمسة على غير انتظام، (فاستحيضت) رددناها إلى الأيام التي تحيضها قبل شهر الاستحاضة. والفرق بين الحالتين: أنها إذا لم تستقم عليها أيامها (الأولى) حتى (استحيضت) لم يكن بعضها أولى من بعض بالأخذ على مثالها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة - رضي الله عنها -: "فلتنظر عدد (الليالي والأيام) التي كانت تحيض من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتدع الصلاة".

مسألة (170)

وأما إذا كانت الثلاثة والخمسة والسبعة دائرة عليها دوراً غير مختلف، فهي (في) أدوارها الثلاثة كالعادة الواحدة في الاستقامة والثبوت، فجعلناها عادة لها ثابتة تعمل عليها وتأخذ بها. مسألة (170): المبتدأة على القول المشهور مردودة في الحيض إلى اقله وهو يوم وليلة، وفي الطهر إلى أغلبه وهو ثلاثة وعشرون يوماً (أو أربعة وعشرون يوما). والفرق بينهما: أن النقصان من أيام الحيض إلزام وإيجاب للصلاة، فالزمان إذا تردد بين إسقاط الصلاة وإيجابها فالأصل الوجوب والإيجاب. ولهذا (قلنا) إذا شك في انقضاء مدة (مسح) الخف وجب الأخذ بالأكثر، وإذا شك فيما صلى من عدد الصلوات وجب الأخذ بالأقل. (وإذا أخذنا في الطهر بالأغلب دون الأقل) زدنا عليها أيام الصلاة.

فإن قال قائل: فقد أعدتم عليها الحيض يوم الخامس والعشرين أو اليوم الرابع والعشرين وفي ذلك تقديم إسقاط الصلاة. قلنا: إذا أخذنا في حيضها بالأقل حيضناها في أول الشهر يوماً وليلة وحكمنا لها بالطهر أربعة وعشرين يوماً، فلابد (من) أن نحكم بتمام دورها، (ومتى ما تم دورها) عاد إلى أوله، وعلى أن من أصحابنا من قال (على) هذا القول: إذا أمرناها بالقعود يوماً وليلة من أول الشهر حكمنا لها بالطهر في بقية الشهر وجعلنا لها في كل شهر دوراً، وكلام الشافعي - رحمه الله - في بعض كتبه يدل على هذا. وإنما ذكرنا طريق الفرق على مشهور النص، دون ما رواه أبو يعقوب البويطي. وفي روايته: أنها إذا ردت في الحيض إلى أقله ردت في الطهر إلى أقله، فيكون لها في (كل) ستة عشر يوماً دوراً يشتمل على حيض وطهر.

مسألة (171)

مسألة (171): المتحيرة إذا كان عليها طواف (مفروض) فطافت عقيب طلوع الشمس في أول يوم من الشهر وأمهلت/ (41 - أ) نفسها خمسة عشر يوماً وطافت مرة أخرى، فإن كان بين الطوافين خمسة عشر يوماً ففرض الطواف في ذمتها كما كان، وإن كان زمان أحد الطوافين مع زمان المهلة خمسة عشر يوماً أجزأها أحد الطوافين. والفرق بينهما: أن الزمان المتخلل، إذا كان تمام خمسة عشر يوماً أمكن أن تكون (هذه) الخمسة عشر (يوماً) زمان طهرها، و (أن) يكون طهرها غير زائد على خمسة عشر يوماً، فيكون الطواف الأول في خاتمة حيض، والثاني في فاتحة حيض. وإذا كان زمان أحد الطوافين مع المهلة المتخللة خمسة عشر يوماً، فأحد الطوافين في الطهر لا محالة، لأن الطهر لا ينقص عن خمسة عشر يوماً، والحيض لا يزيد عن خمسة عشر يوماً، فإن كان الأول في الحيض فالثاني في الطهر، وإن كان

الثاني في الحيض فالأول في الطهر، ويحتمل أن (يكونا) جميعاً في الطهر، ولا يحتمل أن يكونا جميعاً في الحيض. (فإن قال قائل: أليس) يحتمل أن يقع (بعض) أشواط الطواف الأول في الحيض وبعضها في الطهر؟ فكذلك يحتمل (في) الطواف الثاني مثل هذا التبعيض، فيكون حكم الشافعي رحمه الله (بأن أحد الطوافين صحيح (غير صحيح). قلنا: الشافعي - رحمه الله - (صور) هذه المسألة في متحيرة تعلم أن الزمان الذي عينته للطواف لم يكن قط زمان ابتداء الحيض ولا زمان انقطاع فيما سبق من دورها، والدليل على هذا أن الشافعي - رضي الله عنه - جمع في رواية الربيع بين مسألة الطواف وبين مسألة الصوم فقال: " (وإن كان عليها) صوم يوم صامت يوماً وأمهلت نفسها أربعة (عشر يوماً) ثم صامت يوماً آخر. والمسألة في الصوم أوضح وأظهر، فلو صورها في امرأة يحتمل أن يكون أول حيضها في خلال النهار لما كان يشكل على الشافعي - رحمه الله - (أن

حيضها) ربما يلقاها في نصف النهار الأول من يومي الصوم (وينقطع في النصف من اليوم الثاني) إذا تم خمسة عشر يوماً، فيعرفنا أنه صورها في امرأة تعرف أن الليل زمان انقطاع دمها. وأما إذا لم تحفظ من ذلك شيئاً (ولم يعرف) فلا يحصل لها صوم يوم إلا بصيام ثلاثة أيام، ولا طواف فرض إلا بأن تطوف ثلاث مرات. ومن أصحابنا من جرى على (ظاهر) كلام الشافعي - رضي الله عنه - وقال: يكفيها من صوم يومين يوم، ومن طواف يومين طواف بكل حال. ومن سلك هذه الطريقة جرى في بعض مسائل المتحيرة على نوع من التخفيف. ومن التخفيف أنَّا حكمنا بصحة صلواتها الخمس إذا اغتسلت لكل مكتوبة، لأنه قد يحتمل أن ينقطع دمها قبل غروب الشمس بركعة بعد فراغها من العصر، فيلزمها لولا التخفيف كل يوم قضاء الظهر والعصر، (وكذلك) هذا الاحتمال في المغرب والعشاء، وكذلك أيضاً (في) الصبح. حتى أن من مشايخنا من ألزمها ذلك وأوجب عليها قضاء المكتوبات

مسألة (172)

الخمس، وأوجب عليها قضاء اثنين وثلاثين يوماً إذا صامت (شهر) رمضان. وإن كانت طاهراً نص الشافعي - رحمه الله - أن الواجب عليها (قضاء) شهر، وأنها إذا اغتسلت لكل مكتوبة أجزأتها المكتوبات. مسألة (172): (المتحيرة) (إذا أضلت) ستة في (عشرة) فالخامس والسادس حيض بيقين، وإذا أضلت خمسة في عشرة (لم يكن لها حيض) بيقين.

مسألة (173)

والفرق بينهما: أن الخمسة من العشرة إذا قدمتها أو أخرتها لم تتداخل الأيام المتقدمة ولا الأيام المتأخرة، بل يحتمل أن تكون الخمسة الأولى حيضاً، ويحتمل أن تكون الخمسة الثانية، ويحتمل أن يكون بعضها من هذه الخمسة وبعضها من الخمسة الأخرى، وأما إذا تداخلت فلابد من أن نجعل زمان التداخل يقين الحيض، وما قبله فليس فيه وجوب غسل، وما بعده ففيه وجوب الغسل، ويتصور أن ينقطع الحيض بعده. مسألة (173): زوج المتحيرة ممنوع من وطئها أبداً، وإن قالت كنت أخلط شهراً (بشهر) يوماً بيوم حل لها جماعها يوم الخامس عشر ويوم السادس عشر. والفرق بينهما: (أنها) إذا لم تحفظ الخلط فما من زمان يأتي عليها إلا ويحتمل أن يكون ذلك الزمان (زمان) حيض، ولا يحل (الوطء) في مثل هذا الزمان. وأما إذا حفظت الشهر بالشهر يوماً بيوم فقد تيقنت أنها يوم الخامس عشر والسادس عشر طاهر، لأنها تيقنت أنها يوم الثلاثين واليوم الأول من كل شهر حائض بيقين. مسألة (174): المستحاضة ومن به سلس البول إذا عصب والعصابة نظيفة

مسألة (175)

فتوضأ وصلى فدخل وقت الثانية (ولم تبرح العصابة محلها) لم يلزم تبديلها، وأحببنا غسلها، في أحد الوجهين. وإن كانت العصبة قد زالت عن محلها بعض المزايلة وجب تبديلها والتنظيف. والفرق بينهما: أنها إذا زالت عن محلها تعدت النجاسة، عن محل الضرورة إلى غيرها، وإذا لم تزل لم تكن النجاسة متعدية. ونظير هذا ما قلنا في الاستنجاء، ويجب أن يقال: إذا كانت المزايلة (يسيرة) بحيث لا يمكن الاحتراز عنها عفي عنها، كما يعفي عن الانتشار اليسير الذي لا يمكن/ (42 - ب) الاحتراز عنه. مسألة (175): (المرأة) إذا ضربها الطلق فسال منها الدم قبل خروج

الولد لم يثبت لها حكم النفاس. وإذا ولدت ولداً ثم ولداً من حمل واحد فالمذهب الصحيح أن الدم بين الولدين دم نفاس. والفرق بينهما: أن الدم الأول لم يتقدمه ولادة، والدم الثاني وإن كان بعده ولادة فقبله ولادة، ومن أصحابنا من حسب ابتداء النفاس من الولد الثاني التي فرغت الرحم منه، ومن حسب ابتداءه من الولد الأول حسب انتهاءه من الولد الأول أيضاً، وربما حسب هذا القائل انتهاءه من الولد الثاني. فإن حُسب ابتداؤه من الأول، فإن قال قائل: مدة النفاس لا تزيد على ستين

يوماً عند الشافعي - رضي الله عنه -، فكيف زاد هذا النفاس على ستين يوماً؟. قلنا: إنما لا تزيد مدة النفاس على ستين يوماً (إذا كان ابتداؤه وانتهاؤه) محسوباً من ولد واحد، وأما (إذا) كان ابتداؤه محسوباً من ولد وانتهاؤه محسوباً من ولد فهو نفاس (داخل على نفاس) (يجوز أن يزيد على مدة النفاس الواحد)، كالعدة إذا دخلت على العدة جاز أن تصير أربعة أقراء أو خمسة أقراء إذا لم يزد (ما) بين الولدين على ستين يوماً (وأما إذا زاد على ستين يوماً) انفصل (أحد) النفاسين على الثاني. انتهى كتاب الطهارة ويليه كتاب الصلاة

كتاب الصلاة

2 - كتاب الصلاة مسألة (1): إذا أدرك الرجل من (أول) وقت الصلاة زمن تحريمة أو زمان ركعة، ثم اعترض عليه الإغماء أو الجنون، واستغرق العارض الوقت الباقي وامتد زمانه ثم أفاق، فالمذهب أنه لا يلزمه القضاء لتلك الصلاة. وأما إذا أفاق وقد بقي من آخر النهار زمن تحريمة أو زمان ركعة فيلزمه قضاء العصر، وفي الظهر قولان.

مسألة (2)

والفرق بين أول الوقت وآخره أن من أدرك من أول الوقت هذا القدر فمعلوم أنه لو افتتح الصلاة في هذا الزمان لم يتمكن من البناء والإتمام، ولزوم العبادات (وافتراض) أدائها] أو قضائها [بحسب الإمكان. ألا ترى أن الرجل إذا وجد الاستطاعة بأن ورث مالاً ثم لم يبق ذلك المال إلى أن يحج الناس في ذلك العام، أو لم يعش (ذلك) الرجل إلى هذه الغاية، أو لم يبق عقله عليه إلى هذا الغاية ثم مات في العام (الثاني) لقي الله تعالى ولا حج عليه، وكذلك من أفطر في رمضان بعذر ودام ذلك العذر حتى مات في شوال لقي الله تعالى ولا صيام عليه، ولا يطعم من تركته، وإنما يطعم إذا تمكن من القضاء (وفرط) فيه بتأخيره. وأما إذا أدرك من آخر الوقت زماناً/ فمعقول أنه لو شرع في المكتوبة فخرج الوقت أمكنه البناء (على تلك الصلاة حتى يكملها، فلهذا ألزمناه قضاءها). مسألة (2): إذا أفاق عن الإغماء وقد بقي من آخر النهار مقدار ركعة فقد قال الشافعي - رضي الله عنه -: "يصلي العصر"، ولو بقي مقدار تحريمة فقد قال

مسألة (3)

الشافعي - رحمة الله عليه -: "يعيد العصر"، فاستعمل لفظة الإعادة حيث بقي قدر تحريمة، ولفظ الصلاة حيث بقي ركعة، وغلط المزني فوضع لفظ الإعادة فيمن أدرك ركعة، ولفظة الصلاة فيمن أدرك تحريمة. وهذا خطأ، والمذهب ما نص عليه الشافعي رحمه الله. والفرق بين المسألتين: أنه إذا أدرك زمان ركعة فالركعة لو فعلت في ذلك الوقت كانت مشتملة على معظم أفعال الصلاة (الواحدة) وهي التحريمة، والقيام، والقراءة، والركوع، والاعتدال، والسجدتان، والاعتدال بينهما، فجاز أن يسمى مؤدياً بإدراك هذا القدر من الزمان. وأما إذا أدرك مقدار تكبيرة واحدة فذلك الزمان لا يتسع لهذه الأفعال (التي هي معظم) الصلاة، فلهذا افترقت المسألتان في القضاء والأداء. مسألة (3): من أدرك من الجمعة ما دون الركعة لم يكن مدركاً للجمعة، وإنما

يدركها إذا أدرك ركعة كاملة. ومن أدرك زمان التحريمة بعد الإفاقة من الجنون والإغماء قبل غروب الشمس كان مدركاً للصلاة، ملتزماً فعلها. والفرق بين الإدراكين: أن إدراك الجمعة (إدراك) يتضمن إسقاط ركعتين سواء قلنا إن الجمعة ظهر مقصورة أو قلنا هي صلاة أخرى، والإدراك لا يفيد الإسقاط واشتراط كمال (في) ذلك الإدراك. ألا ترى أن المسبوق إذا أدرك الإمام ساجداً لم يكن للركعة مدركاً، لأنه (أدرك إدراكاً) ناقصًا فلا يسقط به ما فات من فرض تلك الركعة، وإذا أدركه راكعاً كان مدركاً للركعة وسقط عنه ما فات منها، لأن الإدراك يتصف بنوع كمال حين أدرك (معظم) الركعة.

مسألة (4)

وأما من أفاق في آخر النهار وأدرك منه زماناً فإدراكه إدراك إلزام والتزام، لأنه يلزم قضاء الصلاة، فسوينا فيه بين الزمانين الطويل والقصير. ألا ترى أن المسافر إذا أدرك شيئاً من صلاة (الإمام) المقيم لزمه الإتمام، لأنه (إدراك) إلزام والتزام فيستوي فيه القليل والكثير. مسألة (4): إذا دخل وقت الصلاة على المكلف (فأخر) الفعل إلى آخر الوقت (واخرمته المنية) في أثناء الوقت لقي الله تعالى ولا صلاة عليه مع كونه متمكناً من أدائها قبل موته. ومن وجد استطاعة/ (43 - أ) الحج فأخر الفعل (حتى مات) لقي الله تعالى وفرض

الحج عليه، ويجب أن يحج من ماله (عنه). والفرق بين المسألتين: أن الصلاة إذا دخل وقتها فوقتها محصور الأول والآخر، وإذا استفتانا في التأخير أطلقنا له الفتوى في جواز تأخيرها إلى آخر الوقت، وإن كانت الفضيلة في التقديم والتعجيل، والإذن في التأخير غير مقيد بشرط السلامة، فاستحال (التأثيم) والعصيان مع الإذن المطلق ابتداء. وأما المستطيع إذا أراد التأخير أطلقنا له التأخير بشرط سلامة العاقبة وأداء الحج قبل الموت فإذا سبق الموت (ومات قبل الفعل) حكمنا باللزوم، وحكم كثير من أصحابنا بالتأثيم. فإن قال قائل: لأي معنى فصلتم بين الحج والصلاة (في إطلاق إذن التأخير) وتقييده؟

مسألة (5)

قلنا: إنما فصلنا (بينهما)، لأن آخر وقت الصلاة معلوم قريب من أوله، وربما يدخل أول الوقت (والمكلف) مدفوع إلى شغل لو قطعناه (عنه) وكلفناه التعجيل (أدخلنا) المشقة الشديدة على أكثر الناس، ولو قيدنا إذن التأخير بشرط السلامة مع تكرر الصلاة واشتغال الناس في الأوقات لم تندفع عنهم هذه المشقة مع مخافة العصيان واللزوم. وأما الحج إذا وجب فزمان (جواز) تأخيره أوسع وأطول، لأن العمر من أوله إلى آخره هو وقت فعله، وإذا تطاول زمان التأخير كان خوف الفوات أظهر وأبين، وآخر العمر غير معلوم في الموضعين، فلهذا قيدنا إذن التأخير إلى الزمان الطويل بشرط السلامة وحصول الفعل. ومن أصحابنا من اختار التسوية بين المسألتين، وظاهر المذهب طريق الفرق. مسألة (5): (إذا) أدرك المفيق أو المرأة الحائض زمان ركعة أو تكبيرة فقد اشترط الشافعي - رحمه الله - في قوله القديم إدراك زمان الطهارة مع هذا الزمان (حتى تلزمه الصلاة، ولم يشترط في قوله القديم إدراك الزمان) ستر العورة.

والفرق بينهما: أن ستر العورة ليس هو من الواجبات المختصة بالصلاة في شرائطها، لأن سترها فرض قبلها وبعدها وفي الخلاء والملأ، وأما الطهارة فإنها من الشرائط المختصة بالصلاة فهي كسائر الشرائط المختصة. وفرق آخر: وهو أن العريان في بعض المواضع يصلي وتصح صلاته ولا يلزمن قضاؤها، والمحدث لا يتصور منه أن يصلي صلاة مجزئة لا يلزمه قضاؤها. هذا الفرق على قوله القديم، فأما قوله الجديد فهما/ سواء ولا يشترط إدراك زمان الطهارة كما لا يشترط زمان ستر العورة والله أعلم. (43 - ب)

مسألة (6)

مسائل الأذان مسألة (6): إذا ارتد المؤذن في خلال الأذان ثم عاد إلى الإسلام ولم يتطاول الزمان كان له البناء على الأذان على الصحيح من المذهب. وإذا ارتد في خلال الطواف حاجاً أو معتمراً ثم عاد إلى الإسلام لم يجز له البناء على الطواف. الفرق بينهما: أن ارتداده في خلال طوافه يعترض على إحرامه كما يعترض على إسلامه، وشرط الطواف من أوله إلى آخره بقاء الإحرام الصحيح، فإذا انصرم الإحرام بالردة بطل الطواف كما ينصرم إحرام الصلاة بالارتداد في خلالها فبطل الركوع والسجود. وأما كلمات الأذان فلا يجمعها تحريم فإذا ارتد كان ارتداده معترضاً على إسلامه، وكان ما سبق من كلمات أذانه كما سبق (من سائر) طاعاته وأقواله وأفعاله، وإذا عاد المرتد إلى الإسلام فأعماله باقية لا يحبطها الارتداد مع العود على أصل

مسألة (7)

الشافعي - رحمه الله -، غير أن من شرط الأذان (التقارب والاتصال، ولهذا قلنا: إنه إذا تقارب الزمان) وأسرع العود إلى الإسلام كان له البناء على أذانه، فأما إذا تطاول الزمان فليس له البناء، وكذلك إذا قطع أذانه (بكلام) أو فعل حتى طال الزمان، امتنع البناء إلا على قول من قال: إنه يجوز البناء على الصلاة وإن تخللها (الحدث)، فطال الزمان وهو قول الشافعي رحمه الله. مسألة (7): أذان المرأة غير محسوب للرجال، وأذان الصبي محسوب إذا أسمع النواحي. والفرق بينهما: أن جنس (الأذان) غير مشروع لجنس النساء فليست من أهله (وإذا أذنت للرجال) (جعلنا وجود أذانها كعدمه. وأما الصبي فهو من

مسألة (8)

جنس الرجال) وإن لم يبلغ مبلغ التكليف، فإذا حصل الإسماع بصوته حصل مقصود الأذان (ممن) هو من أهله في جنسه. ومعلوم أن الصبي يصلح للإمامة في المكتوبات والنوافل لهذا المعنى. مسألة (8): أذان السكران محسوب إذا أتقن منه الإتيان به (منظوماً) على (ترتيبه) وللسكرات تارات. وأما المجنون فأذانه غير محسوب بحال. والفرق بينهما: أن السكران في حال سكره وهو مكلف، والمجنون (حال) جنونه غير مكلف، والدليل على أن التكليف متوجه على السكران قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} والواو واو

مسألة (9)

الحال، والنهي تكليف كما أن الأمر تكليف، والصحيح من المذهب وقوع طلاقه، / (44 - أ) ولزوم ظهاره، وصحة عقوده، ولم يختلف نصه في صحة ردته وصحة قذفه وإن اختلف نصه في ظهاره (وطلاقه). ومن أصحابنا من جعل أذانه كأذان المجنون وليس بمستقيم. مسألة (9): إذا ترك الترتيب في كلمات الأذان لم يكن محسوباً، ولو تركه في

كلمات التشهد كان محسوباً. نص عليه صاحب التلخيص، وصوبه أبو بكر القفال رحمة الله عليهما، ولم يلحقوا كلمات التشهد بآيات الفاتحة. والفرق بينهما وبين الأذان: أن المقصود من كلمات التشهد الإتيان بما فيها من الثناء والتسليم والشهادة، وهذا المقصود يحصل (مع ترك الترتيب كما يحصل) مع الترتيب. وأما الأذان فالمقصود منه مع ذكر الله تعالى إسماع الغائبين وتنبيههم على دخول الوقت، ولا يكاد يحصل هذا (المقصود) مع ترك الترتيب؛ (لأن) الغالب إذا سمع رجلاً يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله"، ثم يعطف عليه "الله أكبر" لم يعلم أنه أذان أو ذكر لله تعالى سوى الأذان، ولهذه النكتة لم يجوِّز بعض أصحابنا أن يبني شخص على أذان شخص وجوَّز أن يبني رجل على

خطبة رجل، لأن الأصوات إذا اختلفت في الأذان اختلط الأمر على السامعين والتبس عليهم، والالتباس في الخطبة مأمون. فإن قال قائل: كيف (منعتم) تنكيس كلمات الأذان وكيف أوجبتم ترتيبها وقد قال الشافعي - رحمه الله -: "إذا كان بعض أذانه قبل الزوال وبعضه بعد الزوال يبني على أذانه في الوقت". وإذا بني على الأذان حيث صور الشافعي رضي الله عنه صار منكساً. قلنا: مراد الشافعي رحمه الله أن يحتسب في الوقت قوله (في آخر الأذان) "الله أكبر (الله أكبر) فيصل بهما" فيقول: "الله أكبر الله أكبر" مرتين وليس مراده أن يحتسب قوله: "حي على الصلاة، حي على الفلاح"، ولا أن يحتسب قوله (في) خاتمة الأذان لا إله إلا الله، "ثم قوله بين التكبيرتين "لا إله إلا الله" قطع يسير وكلام قليل، ولو أن المؤذن في خلال أذانه أتى بهذا القدر من كلام الآدميين لم ينقطع أذانه، فكذلك ها هنا لا ينقطع الأذان بهذا المقدار.

مسألة (10)

مسألة (10): المكتوبة الواقعة في وقتها (من) سنتها الأذان والإقامة إلا في موضع واحد وهو: أن يجمع الحاج بمزدلفة بين المغرب والعشاء فلا يؤذن للعشاء، وكذلك كل مسافر جمع بين مكتوبتين في وقت الثانية منهما. والفرق بينهما: أن العشاء (إذا جمعت) / (44 - ب) مع المغرب بمزدلفة في وقت العشاء فشرط فعلها تقريب الثانية من الأولى وضمها إليها، فلهذا لا يجوز أن يتخلل بينهما زمان متطاول، والإقامة لا محالة سنَّة، فإذا أذن وأقام امتد الزمان وتطاول. وفرق آخر وهو: أن (الأذان) والإقامة للصلاة الأولى إذا جمعتهم استغنى عن الأذان والإسماع للصلاة الثانية فكأنهم مجتمعون على صلاة واحدة.

فإن قال قائل: فما باه لا يترك الإقامة للصلاة الثانية. (قلنا: لأن الإقامة) للتنبيه (على) استفتاح مكتوبة، ولو (قام) الإمام وافتتح الصلاة الثانية من غير إقامة لم يعرف القوم أنه ثابت (على) نية الجمع، فإن شروعه في الإقامة شروع في المكتوبة. ثم اعلم أن الذي قلناه من طريقة المذهب هو المشهور الذي نص عليه الشافعي رحمه الله في عامة كتبه، سوى ما نص عليه في "الإملاء" أن الأذان للمكتوبة في أولها إنما يكون مسنوناً عند رجاء الجماعة. وهذا قول مستغرب، والمذهب الصحيح أن الجماعة سواء كانت مرجوة أو غير مرجوة فالإقامة (مسنونة) مع الأذان إذا وقعت المكتوبة في وقتها. وعلى هذا الأصل الذي ذكرناه قلنا: إنه إذا قدم الحاج العصر إلى الظهر فجمعهما عقيب الزوال لم يؤذن للعصر وإن كانت أداء لا قضاءً (إما

مسألة (11)

لقرب) الصلاة من الصلاة، وإما (للاستغناء) بالجمع الأول عن استئناف الجمع، فلهذا أذن للظهر لما كان هذان المعنيان غير موجودين. مسألة (11): الجمع بين الصلاتين إذا كان على جهة التأخير إلى وقت الصلاة الثانية فالسنَّة أن لا يؤذن لواحدة من الصلاتين في أشهر القولين، وإذا كان الجمع بينهما في وقت الصلاة الأولى فليؤذن للأولى، وهو في الحالتين ينوي (الأداء) في الصلاتين ولا ينوي القضاء. والفرق بينهما: أنه إذا أوقعهما في وقت الثانية فالصلاة الأولى في غير وقتها المشهور المعتاد لها بالشرع وإن كان مؤديا، وإذا (أوقعهما) في وقت الأولى كانت الصلاة الأولى واقعة في وقتها المعتاد لها بالشرع.

وأيضاً (فإنه) متى (ما) أذن للصلاة الأولى في وقت الثانية اجتمع الناس (لأذانه، فإذا صادفوهم يريدون) (الشروع في صلاة) فرغ منها السامعون لهذا الأذان قالوا لهم كيف (جمعتمونا) بأذانكم لمكتوبة فرغنا منها في وقتها بأذانها وإقامتها؟ (وإذا وقعتا) في وقت الأولى (منهما) فأذن للأولى فاجتمع الناس صلوا الأولى (ثم من أراد) / (45 - ب) أن يجمع (ممن له) الجمع (جمع) وضم الثانية إلى الأولى، ومن لم يكن له الجمع انصرف فارغاً من مكتوبة الوقت.

مسألة (12)

مسائل الاجتهاد في القبلة مسألة (12): الواجب على الأعمى تقليد البصير في القبلة وتصح صلاته إذا قلده. وأما البصير العالم بدلائل القبلة إذا التبست واشتبهت عليه الدلائل، قلد عالماً لم يلتبس عليه الأمر، وعليه قضاء الصلاة على الصحيح من المذهب، وإن كان كالأعمى في جواز التقليد لأداء الفريضة في الحال. الفرق بينهما: أن البصير إذا (التبست) عليه الدلائل فقد (منع) آلة التهدي، فكانت حالته هذه من نوادر المعاذير التي (لا) تبقى زماناً طويلاً، والقضاء لا يسقط بمثل هذا العذر. وأما الأعمى (فتقليده) لفقد آلة الاجتهاد والعجز المتيقن، (وأنه لا يقدر)

قط على حالة أفضل من هذه الحالة، فلهذا فرقنا بينهما. وقد اختار المزني - رحمه الله - التسوية بين المسألتين فقال في المختصر الكبير: "لا فرق بين من جهل الخط فلم يحسن (قراءته) وبين الأعمى، فكذلك لا فرق بين الأعمى وبين (من) عميت عليه الدلائل". (يقال) له: من عميت عليه الدلائل (يهتدي) إليها في الحالة الثانية وإن عجز عنها في هذه الحالة. وأما الأعمى فشأنه التقليد أبداً لفقد حاسة البصر، فكيف يستويان؟. ولو جاز ما قاله المزني لجاز تنزيل العالم منزلة الجاهل في كل مسألة التبست عليه (في حال) وقوعها وحدوثها، فيؤدي إلى مذهب من جوز للعالم تقليد العالم، وهذا المذهب في الأصول (بعيد عن أصول مذهب الشافعي رحمة الله عليه).

مسألة (13)

فإن احتج علينا المزني، بقول الشافعي رضي الله عنه: "وإن كان الغيم، وخفيت عليه الدلائل فهو كالأعمى). قلنا: معنى قوله "هو كالأعمى" أنه مثله في وجوب (التقليد) (لأداء حق) الوقت إذ لا يجد سبيلاً (إلى عين القبلة)، وما أراد به كالأعمى في سقوط القضاء. مسألة (13): إذا اختلف اجتهاد الإمام والمأموم في التيامن والتياسر والجهة جهة واحدة كان (كالاختلاف) بينهما في الجهتين فلا يجوز الاقتداء، وليس التيامن والتياسر كالجهتين في إبطال الصلاة (عند) الخطأ، فإن من (أخطأ) الشرق إلى الغرب كان عليه قضاء الصلاة في أحد القولين، ومن كان (خطؤه) بالانحراف في الجهة الواحدة لم يلزمه القضاء.

مسألة (14)

والفرق بين المسألتين: أن الواجب في الاقتداء نهاية الموافقة (واحتساب) / (45 - ب) المخالفة في المكان والأفعال والأركان فإذا كان وجه الإمام منحرفاً إلى (يمين ووجه) المأموم إلى يسار لم يصح الاقتداء مع المخالفة الموجودة. فأما المنفرد إذا صلى ركعة أو ركعتين ثم بان له أنه منحرف (بتيامن) أو تياسر مع كونه مقابلاً لجهة القبلة كان له البناء على صلاته مع المصير إلى الاجتهاد الثاني ولم يلزمه قضاء ما فعل، بخلاف الجهتين المختلفتين فإنه لا يكاد الخطأ يصير يقيناً في الجهة الواحدة كما يصير يقيناً في الجهتين المختلفتين، ولهذه النكتة يقول: (إذا بان له) في خلال المكتوبة الخطأ بالتيامن (أو التياسر) جاز له البناء، وإذا بان ذلك في جهتين مختلفتين لزمه الاستئناف على المذهب المشهور. مسألة (14): (إذا) اجتهد في الوقت فأخطأ لزمه القضاء.

وإذا اجتهد في القبلة فأخطأ فعلى قولين. والفرق بينهما: أن الدلائل التي يستدل بها على الوقت مجمع عليها غير مجتهد فيها، والغفلة عنها مع (ظهورها) كالغفلة (عن) الإجماع، فإذا ظهر للحاكم أنه خالف الإجماع بالاجتهاد نقض الحكم على نفسه، وكذلك إذا بان (له) أنه خالف النص أو القياس الجلي. وأما ما يستدل به على القبلة في مواضع الخبرة مع البعد عن الكعبة فأكثرها أو جميعها دلائل (اجتهاد) (بالاجتهاد)، والغفلة عنها لو (أوجبت) القضاء لوجب على الحاكم نقض الاجتهاد بالاجتهاد. فإن قال قائل: "مطالع الشمس ومغاربها (دلائل القبلة قطعاً لا اجتهاداً، وكذلك" مطالع الكواكب ومغاربها) وهي (بأعيانها) دلائل (مواقيت الصلاة)، فكيف يصح الفرق بينهما؟

مسألة (15)

قلنا: دلائل المواقيت غير محصورة المطالع والمغارب، والغالب أن الناس مع تواري الشمس والقمر بالسحاب يستدركون مواقيت الصلاة بالأفعال التي يباشرونها، ولهذا جوزنا للأعمى الاجتهاد في المواقيت. وأما القبلة فإنها تستدرك بالمطالع والمغارب، وأحياناً تتوارى الكواكب وتحتجب، والغالب أن الالتباس إنما يقع في مثل هذه الحالة، فتحتاج إلى الاستدلال على كيفية (سيرها ومواضعها)، فصار أصل الدليل مجتهداً فيه. وفرق آخر: أن المجتهد في الوقت قادر على الاستبراء بالتأخير ليتيقن دخول الوقت، ولا يضره التأخير، وإذا استعجل ثم بان (له) أنه صلى قبل الوقت فقد أتى من جهة نفسه. وأما المجتهد في القبلة فلابد له من تعيين جهة وتمييزها عن سائر الجهات، فليس (ينسب إلى تقصير وتفريط). مسألة (15): إذا أشكلت/ (46 - ب) القبلة فصلى المكتوبة الواحدة أربع مرات (إلى أربع جهات لم يسقط عنه الفرض).

وإذا نسي صلاة من أربع صلوات) (أو خمس صلوات) وأعاد الخمس سقط عنه الفرض. والفرق بينهما: أن (شرط) سقوط (فرض) المكتوبة (توطين) النفس (بالاجتهاد على القبلة) التي يستقبلها وهي من شرائط الصلاة وأركانها، فإذا صلى إلى جهة مرتاباً بها لم يمكنه أن ينوي القبلة في تلك الجهة، فما من مكتوبة صلاها إلا وهو يشك في أدائها إلى القبلة، فلهذا لم يسقط الفرض. وإذا نسي صلاة من خمس صلوات فأعادها ونوى في كل واحدة منها أنها فريضة صحت نيته كانت فريضة أو لم تكن، لأنه ليس عليه أكثر من نية الفريضة، (ولا تكفي نية القبلة) مع الشك فيها. فرق ثان: أنه إذا نسي (صلاة) من خمس صلوات فلم يتذكرها (لم)

يكن له أمارة منصوبة يشاهدها ويعاينها فيستدل بها على نفس المنسية، فلم يجد سبيلاً سوى إعادتها ليستيقن أن المنسية صارت معادة في جملتها. وأما القبلة فعليها أمارات منصوبة يعاينها ويتسدل بها، (فلا يجوز تركها) وتكرير فعل الصلاة الواحدة إلى الجهات المختلفة، ولهذا يقول: لو أن رجلاً شك في ثوبين وعلم أن أحدهما نجس فصلى في واحد منهما ثم أعادها في الثاني، أو فعل مثل ذلك (في) الإناءين وأحدهما نجس بقيت المكتوبة في ذمته حتى يعيدها بالاجتهاد. فرق ثالث: (أن) الصلاة إلى جهة لا يعرفها جهة (القبلة) ممنوعة، (والنافلة) والفريضة في ذلك سواء إلا في حال السفر متنقلاً وفي الملحمة مفترضاً (ومتنفلا)، فلم يجز له أن يصلي إلى أربع جهات تخميناً من غير اجتهاد ولا طلب دليل، فيكون مصلياً إلى حيث لا يجوز له استقباله للصلاة.

مسألة (16)

وأما المتنفل بزيادة صلوات ابتداء (فليس بممنوع)، فيجوز له أن يتخذ ذلك سبيلاً إلى إبراء ذمته عن المكتوبة ليستيقن الأداء. ولهذه النكتة قلنا: إذا (كان) أحد الإناءين نجساً لم يجز له أن يصلي مرتين (بوضوءين)، وعكسه، لو كان أحد الإناءين مستعملاً جاز له أن يصلي مرتين (بوضوءين) على أحد الوجهين. مسألة (16): إذا صلى أربع صلوات إلى أربع جهات باجتهادات مختلفة (صحت) وأجزأت، ولم يكن عليه قضاء واحدة منها، وإن تيقن أنه قد صلى ثلاثاً منها إلى غير القبلة.

(46 - ب) وإذا صلى/ أربع صلوات ثم تذكر أنه صلى واحدة منها بماء نجس (أو إلى) غير القبلة ولم يتعين له وجب عليه قضاء جميعها. الفرق بينهما: أنه في المسألة الأولى صلى (كل) مكتوبة باجتهاد سابق تام توجه عليه الأمر به، وتنفيذ حكمه، والمضي على موجبه، (ثم) لم ينكشف له يقين ينقض به الاجتهاد، وإنما لاح له (اجتهاد) سوى الاجتهاد الأول، ولا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد، (ولهذا) قضى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الكلالة بقضايا مختلفة، ولم ينقض بعضها ببعض. وأما في المسألة الثانية: فقد انكشف له يقين الخطأ إما باستعمال الماء النجس، وإما باستدبار القبلة، ويقين الخطأ يوجب ترك الاجتهاد، والأصل أن

الصلاة وجبت عليه فإذا تيقن فساد واحدة منها صار شاكاً في إبراء ذمته عن جميعها، والذمة لا تبرأ بالشك. (فإن قال قائل): هذا (المعنى) موجود في المسألة الأخرى (لأنه على) يقين من فعل ثلاث صلوات إلى غير القبلة، وإن لم تتعين (له) تلك الصلوات. قلنا: الواجب عليه (في) كل واحدة منها ما قد (تكلف) وأدى، وقد تساوت الاجتهادات وليس بعضها أولى من بعض، فصارت كالأحكام المتعددة في القضية الواحدة، والحق عند الله تعالى منها واحد، ولكن (لما) تساوت في (الاجتهاد) (فليس) بعضها أولى من بعض، وقد تيقنا في الماء النجس وخطأ القبلة يقين ترك أمر الله تعالى في واحد منها، غير أنها لم تتعين، فصار لك كمن نسى صلاة من خمس صلوات، فإنه يلزمه (قضاء) جميعها.

مسألة (17)

مسائل الصلاة مسألة (17): الغلام إذا بلغ في خلال الصلاة فأكملها أجزأته ولا قضاء عليه، وهذا مراد الشافعي بقوله: "لا يتبين لي أن عليه الإعادة"، أي: يستحب له الإعادة وليست (بواجبة). وقال المزني رحمه الله بإيجاب القضاء. (فلما احتج الشافعي رضي الله عنه على إسقاط القضاء) بصوم رمضان فقال: "إذا أصبح صائماً فبلغ في خلال النهار تم صومه ولا قضاء عليه" ذكر المزني الفرق بين الصلاة والصوم.

ونحن على مذهب الشافعي رضي الله عنه نحتاج إلى فرق بين الصلاة و"الحج) في موضع مخصوص. (فأما فرق) المزني رحمه بين الصلاة" والصوم (فهو) أنه قال كلاماً معناه: إن الغلام (لو بلغ في آخر النهار) وهو غير صائم فابتدأ (الصوم) عقيب بلوغه أعجزه الليل (عن) البناء على الصوم للإتمام، فلهذا قلنا: إنه إذا ابتدأ الصوم مع الفجر قبل البلوغ فبلغ قبل آخر النهار أجزأه صوم/ (47 - أ) ذلك اليوم. وأما الصلاة فليست كالصوم، لأنه لو افتتحها عقيب البلوغ في آخر الوقت أمكنه البناء عليها وإن فا الوقت، لأن فوات الوقت لا يقطع الصلاة ما عدا الجمعة، وغروب الشمس قاطع (للصوم) مناف له.

واعترض أصحابنا عليه بأن قالوا: (إنه) إذا بلغ مفطراً وقد بقي من النهار بقية أمكنه قضاء يوم مكانه في شهر آخر، وإن كان لا يمكنه إتمام يوم (يبتدئ به) (من وقت بلوغه)، فكان ينبغي أن يلزمه ما أمكنه وهو قضاء يوم متى شاء. وأما الفرق بين الصلاة والحج في موضع مخصوص وهو إذا بلغ بعد طلوع الفجر من يوم النحر أن يقال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الحج عرفة فمن وقف بعرفة من ليل أو نهار فقد تم حجه"، فجعل الوقوف بعرفة جميع الحج، فعرفنا أن أفعال الحج مختلفة، فمنها ما هو معظم الحج، ومنها ما هو دونه، (فإذا فات) المعظم ثم بلغ والفجر طالع يوم النحر (لم ينتفع) بالبلوغ.

وأما أركان الصلاة (فبخلاف) أركان الحج، ولا يجوز أن يقال في شيء منها هذا معظم الصلاة، وما فعل منها قبل خروج الوقت فقد فعله بالأمر الذي هو مأخوذ به (مجبور) على (امتثاله) بالضرب والتأديب كما (أمر) النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "مروهم (بالصلاة) وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر". ولهذا (قلنا) لو (اتفق) بلوغ الغلام بعرفة، أو بلغ ليلة النحر بمزدلفة، فعاود عرفة في بقية من الليل فقد أدرك الحج. فإن قال قائل: (فهلا) فصلتم بين ما قبل (الوقوف) وبين ما بعد (الوقوف) في إفساد الحج (بالجماع) وقد قلتم: إن جامع قبل الوقوف فسد وكذلك بعده. قلنا: إن العلة في إفساد العبادة غير العلة في إدراكها وفواتها، فإفسادها

مسألة (18)

(با) لاعتراض على مطلق عقدها، وفواتها بفوات معظمها (وإدراكها بإدراك معظمها). ألا ترى أن من أدرك دون الركعة من الجمعة لم يكن مدركاً لها، وإذا أدرك ركعة منها كاملة فقد أدركها، وما كان مفسداً لها فسواء وجد في أولها أو في آخرها فإنه يفسد، فلهذا قلنا: يفسد الحج بالجماع بعد الوقوف، لأنه صادف عقداً تاماً لم (يخل) بشيء منه وهذه علة الإفساد. فأما الإدراك والفوات فهو بإدراك المعظم وفواته، ولهذا حكمنا بصحة حج المراهق إذا بلغ بعرفة وفواته إذا بلغ بمنى يوم النحر. مسألة (18): (المأموم) إذا ترك نية الاقتداء فصلاته باطلة، والإمام إذا ترك نية الإمامة فصلاته صحيحة، وهو إمام مغبون،/ (47 - ب) لقومه فضيلة

مسألة (19)

الجماعة، وليس له فضلها، وإنما الأعمال بالنيات. والفرق بين الإمام والمأموم: أن أفعال المأموم متعلقة بأفعال الإمام في حق المتابعة وشرطها، فإذا ترك نية القدوة انعقدت صلاته (على جهة) الانفراد، فإذا انتظر ركوع الإمام ليقتدي به بطلت المنعقدة بانتظار متابعة من لم يقتد به في نيته، بخلاف الإمام فإنه لا يبني أفعاله على فعل غيره، بل غيره يبني أفعاله على فعله، فلا يؤثر ترك نية الإمامة في (أصل صحة صلاته)، وإنما أثر في سقوط فضيلة الجماعة. مسألة (19): أول التكبيرة إذا عرى عن عين النية لم تنعقد الصلاة، وإذا عرى آخر التكبيرة عن (عين) النية صحت الصلاة إذا لم

ينسها واستصحب ذكرها، "ولو نسي ذكرها بعد الفراغ من التكبيرة لم يضره إذا استصحب حكمها". والفرق (بين أول التكبيرة وآخرها): أنه إذا نوى مع (أول) التكبيرة لم يمض عليه شيء من (أجزاء) الصلاة قبل النية، بل صارت النية (مقرونة على حسب الطاقة بأول العبادة فجاز أن لا تكون بعينها) (مقرونة) بالجزء الثاني والثالث. وأما إذا نوى في آخر التكبيرة دون أولها (فقد) مضى بعض الصلاة عارياً عن النية. (فإن قال قائل): فمقتضى هذه النكتة أن يوجبوا كمال النية قبل

إنشاء التكبيرة حتى لا يوجد (جزء) من التكبيرة إلا مترتباً على نية تامة فإنه متى (ما) قرن أول النية بأول التكبيرة مضى الجزء الأول من التكبيرة غير مقترن بالنية الكاملة. قلنا: النية هي من أركان الصلاة، وأركانها لا تنفصل ولا تتقدم ولا تتأخر، بل توصف بأنها في الصلاة، فإذا أنشأ التكبيرة بلسانه وأنشأ (النية) بقلبه فقد أوقعها (في صلاته) ولو أمكنه ضم كمال النية إلى أول (جزء) لكلفناه، (ولكن الله تعالى لا يكلف) نفساً إلا وسعها، ولهذه النكتة فصلنا بين زمان التكبيرة وبين ما بعد التكبيرة، فأوجبنا في حالة التكبيرة استصحاب ذكرها؛ لأن ذلك مما يطاق ولا مشقة فيه، ثم ألزمناه بعد التكبيرة استصحاب حكمها، إذ لو كلفناه في جميع (الصلاة) استصحاب ذكر النية تعاظمت المشقة واشتد الأمر والله أعلم.

مسألة (20)

مسألة (20): إذا كبر فلابد أن ينوي (فريضة الله تعالى) وينوي عين المكتوبة التي شرع فيها يؤديها أو يقضيها إن (كانت) قضاء، وينوي الاقتداء إن صلاها في جماعة فيقول بقلبه (نويت أداء صلاة الظهر) فريضة الله تعالى، وإن كان مأموماً زاد نية الاقتداء. فلو أنه شك في خلال صلاته هل نوى تعيين الصلاة أو ترك نية/ (48 - أ) التعيين؟ نظرت: فإن لم يتذكر حتى فعل في حالة الشك ركناً من أركان الصلاة، أو جلس في التشهد الأول بتردده في الشك، فلما قام تذكر، حكمنا ببطلان صلاته. ولو أنه تذكر قبل أن يفعل ركناً من أركان الصلاة (و) مضى عليها وأكملها فلا قضاء عليه.

ولو أن المسافر (شك هل) نوى (مع التكبيرة الأولى) قصر المكتوبة (أو الإتمام) ثم تذكر في الحال أنه نوى القصر بطل القصر وعليه إتمامها. والفرق (بينهما): أن من نسي التعيين ثم تذكر قبل فعل ركن كان زمان شكه غير محسوب من صلاته، وقد يقتل المصلي في الصلاة حية أو عقرباً أو يخطو (خطوة) أو خطوتين فيكون ذلك فعلاً قليلاً غير محسوب من الصلاة (فلا) يعترض به على الصلاة بالإبطال، بخلاف المسافر إذا شك في نية القصر فلابد (من) أن يحسب زمان شكه من أصل الصلاة؛ (لأنه) مصرف معلوم وأصل الصلاة أربع ركعات وإذا صار بعض أجزاء الصلاة محسوباً من حساب الأصل لم تتبعض تلك الصلاة الواحدة بين القصر (والإتمام، لأن

مسألة (21)

الجزء الواحد إذا صار محسوباً على حساب الأصل) والإتمام وجب أن تفعل جميع الصلاة على ذلك الحساب. والمسألتان منصوصتان للشافعي رضي الله عنه. مسألة (21): قال الشافعي رحمه الله لو قال: "أكبر الله" لم تنعقد الصلاة، ولو قال عند التحليل: "عليكم السلام" صح التحليل. وأشار إلى الفرق بأن قال: "إن قوله أكبر الله ليس تكبيراً؛ لأنه (لا) يعطي (معنى) التكبير بحال، بخلاف كلمة السلام فإن فيها على العبارتين معنى التسليم، ولهذا لو دخل على قوم فقال: عليك السلام كان مسلماً، ولو قال: السلام عليكم، (فقالوا: السلام عليك) كان جواباً، لأن معنى الكلمة (واحد) في الحالات كلها، (والألف من قوله أكبر للتفضيل) وإذا تقدمت كلمة التفضيل وحرف التفضيل على الاسم المفضل بطل معنى التفضيل، ولهذا لو قلت (زيد) أفضل من عمرو كان مفهوماً، ولو قلت: أفضل زيد من عمرو (كان) لغواً من الكلام.

مسألة (22)

مسألة (22): الرجل إذا كرر تكبيرة الافتتاح. نظرت: فإن (كان) مضى على الشفع فالصلاة باطلة، وإن مضى على الوتر فالصلاة صحيحة. والفرق بينهما: (أنه) (إذا) كبر ونوى انعقدت صلاته فإذا (كرر) وكبر ونوى انحلت صلاته المنعقدة بالتكبيرة الثانية، فإن افتتاح الصلاة في خلالها يتضمن خروجاً (مما) كان (فيه) فإذا مضى على التكبيرة الثانية مضى على صلاة باطلة وإذا كبر الثالثة انعقدت (بها) الصلاة مرة ثانية، لأنه خرج بالثانية ودخل بالثالثة، فإذا مضى بها على الصلاة/ (48 - ب) كانت صحيحة، وكذلك الرابعة والخامسة تبطل بالشفع وتنعقد بالوتر. مسألة (23): التكبيرة الثانية من (التكبيرتين) (المكررتين) للافتتاح تتضمن فسخ العقد الأول ولا تتضمن انعقاد الثاني، وإذا تبايع

الرجلان بيعاً وقبض المشتري السلعة (ثم باع السلعة) من البائع، فالصحيح من المذهب أن البيع الثاني (تضمن) إلزام العقد الأول وانعقاد العقد الثاني، وقام اللفظ الواحد مقام لفظين. والفرق بينهما: أن البيع (الأول) يصير (منبرماً) بعلامة بينهما تدل على الإجازة (فإذا) أقبلا على (العقد) (الثاني) تضمن إقبالهما رضا بالعقد الأول، فحكمنا بأن البيع الأول صار منبرماً قبل العقد الثاني، ثم (ترتب) البيع الثاني على عقد منبرم. بخلاف الإقبال على (التكبيرة) الثانية (فإنها لا تتضمن) حل العقد الأول، لأن الحل (يحصل) بنية العقد. ألا ترى أنه لو كبر التكبيرة الثانية ولم ينو عقد التحريم لم تبطل (صلاته) بالتكبيرة ولو تكررت

التكبيرة (الثانية) فإنا لا نحكم بإبطال الصلاة الأولى إلا بلفظ التكبير مع النية (و) لم يكن اللفظ الواحد صالحاً للإبطال والعقد جميعاً. وفرق آخر: أن إبرام البيع الأول لا ينافي إنشاء عقد البيع الثاني (بل البيع الثاني) (يترتب) على إبرام الأول ويتفرع عليه، ولهذا لا ينعقد (إلا بعد) القبض، فإذا حكمنا بصحة (البيعين) لم يكن اللفظ الواحد (متضمناً) (للعقدين)، وأما التكبيرة الثانية لو جعلناها للحل والعقد جميعاً صارت متضمنة للمعنيين (المتضادين). وعلى هذا المعنى الثاني وجب أن يقال: إنه إذا وهب الوالد

مسألة (24)

الولد الثاني ما وهبه من قبل الولد الأول وسلم إليه لم يتضمن اللفظ الواحد فسخ الهبة الأولى وإنشاء الهبة الثانية، وأما إذا كانت الهبة غير مسلمة فإنها تبطل حينئذ، لأن العقد ما أفاد فائدة. ونصوص الشافعي رضي الله عنه في الوصايا تدل على هذا فإنه صحح الوصية الثانية بالعين وجعلها رجوعاً عن (الأولى)، (إذا تضمن اللفظ الرجوع)، وكذلك (أيضاً) جعل هبة الثواب في المرض مع التسليم رجوعاً عن الوصية. مسألة (24): إذا كبر الرجل عند الافتتاح تكبيرتين متعاقبتين وعلم أنه نوى الصلاة مع (إحداهما)، ولكن (لم) نعلم أنه نوى مع الأولى أو مع الثانية

(ينظر فيه: فإن) (تيقن) أن أحدهما عارية عن قصد الابتداء يقينا، وإنما تمحضت ذكراً باللسان فالصلاة صحيحة، وإن لم تتجرد كل (واحدة) منهما عن قصد الإنشاء فالصلاة باطلة. والفرق بين الحالتين: أنه إذا تجردت إحداهما عن قصد الابتداء بيقين فلا يخلو/ (49 - ب) من أحد أمرين: إما أن تكون النية مع الأولى (أو مع) الثانية. (فإن كانت النية مع الأولى فالثانية) ذكر الله تعالى في خلال الصلاة بالتكبير، ومعلوم أن التهليل (والتكبير) وسائر الأذكار (المحضة) لا تبطل الصلاة، وإن كان (تيقن) (أنه نوى) مع الثانية فالأول ذكر متقدم على الصلاة لا يضرها ولا ينفعها، وأما إذا كانت (له) (نية) مع كل تكبيرة

مسألة (25)

قصد الابتداء فإن (لم يزد) (بنيته) على هذا القصد فالصلاة باطلة، (لأن قصد الابتداء في أثناء الصلاة) يتضمن نية (الخروج) منها لا محالة. مسألة (25): تكبيرة المأموم للافتتاح إذا قارنت تكبيرة الإمام أو بعضها لم تنعقد صلاة المأموم. نص عليه الشافعي - رحمه الله -، وليست كالركوع والسجود وسائر الأذكار فإنها لو قارنت فعل الإمام لم تبطل صلاة المأموم بالمقارنة، (وإن كان كمال الفضل في الاقتفاء والمتابعة). الفرق بين التكبيرة الأولى وبين سائر الأذكار: (أن) الاقتداء لا يتصور

مسألة (26)

ما لم يكن إمام، (و) الإمام لا يصير إماماً (ما) لم يفرغ من التكبير، فإذا ابتدأ المأموم بالتكبير، (وصلاة الإمام) غير منعقدة بعد، فقد مضى (بعض) صلاة المأموم ولا إمام له. وإذا كبر مقارناً للركوع (أو السجود) (فقد) صار مقتدياً به فوصل فعله بفعله مقارناً فله إمام صحيح الإمامة يوافقه، ويفعل أفعال الصلاة معه، فتصح صلاته كما (تصح) إذا وقف معه غير متقدم ولا متأخر والله أعلم. مسألة (26): المصلي إذا ترك ترتيب فاتحة الكتاب ناسياً لا تصح صلاته، ولو ترك الموالاة في الفاتحة ناسياً صحت الصلاة، (وإن كان)

(الترتيب والموالاة سواء (في) كونهما ركنين، ولهذا لو تعمد ترك) الترتيب أو ترك الموالاة بطلت صلاته. (وإنا فصلنا في النسيان بين الترتيب) والموالاة، لأنا وجدنا أركان الصلاة بهذه الصفة. (ألا ترى أن الرجل) إذا قدم السجود على الركوع (ناسياً) (لم تصح) صلاته، ولم يكن معذوراً بالنسيان في ترك الترتيب، ولو أنه رتب الأفعال في الركعة (الأولى) ثم نسي منها سجدة وقام إلى الثانية وصلاها وسجد فيها ألحقنا سجود الركعة الثانية بالركعة الأولى، وصححنا الصلاة مع فقد الموالاة.

مسألة (27)

(فإن قال قائل: لأي) معنى فصلتم في الأفعال والفاتحة جميعاً بين الموالاة والترتيب؟ قلنا: لأنه إذا ترك الترتيب فقد وضع الفعل في غير محله، ولا يمكن الاعتداد به إلا في موضعه بعد ما وجب الترتيب بالإجماع. فأما (إذا) ترك الموالاة فقد رتب الأفعال ووقع كل فعل موضعه غير أنه يخلل (بينها) على/ (49 - ب) جهة النسيان أفعالاً تجبر له غير محسوبة من الصلاة لا تبطل الصلاة (بها (و) بوجودها، كما لا تبطل الصلاة) بخطوة يخطوها أو حية (يقتلها) أو غير ذلك. والمسألتان في الترتيب والموالاة منصوصتان (...) في رواية الربيع رحمه الله. مسألة (27): إذا صلى قبل أن يتعلم القرآن فكرر ذكراً من أذكار الله تعالى بدل الفاتحة بمقدار الفاتحة في حروفها صحت الصلاة، ولو حفظ آية من الفاتحة فكررها بمقدار الفاتحة وهو يحسن شيئاً من الأذكار فظاهر كلام

الشافعي - رحمه الله - (أن) صلاته باطلة، (بل الواجب عليه) أن يقرأ تلك الآية ثم يذكر الله تعالى بدل الآيات الست (إن كان يحفظ الآية الأولى). وإن كان يحفظ الآية الثانية فليذكر الله تعالى قبلها بقدر الآية (الأولى)، ثم يقرأ الثانية التي يحفظها، ثم يذكر الله تعالى بعدها بقدر خمس آيات. وإن كان يحفظ الآية السابعة ذكر الله تعالى (قبلها) بقدر ست آيات ثم يقرأ تلك الآية. والفرق بين تكرير الآية الواحدة وبين تكرار الذكر: أن الرجل إذا لم يحفظ الفاتحة لم يكن شيئًا من الذكر (معينًا لنفسه) حتى يكون بعض الأذكار أصلًا وبعضها بدلًا، فسواء لزم كلمة واحدة يكررها أو كلمات مختلفة من الأذكار.

وأما إذا حفظ آية فهي أصل بنفسها متعين، وسائر الآيات التي لا يحفظها (لها) بدل مشروع على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو التسبيح والتهليل والتحميد، وأفترض البدل في نفسه كما افترض الأصل في نفسه، فإذا اقتصر على تكرير تلك الآية ترك أحد الفرضين، ثم قال الشافعي - رحمه الله - في هذه المسألة: (و) واجب بعد قراءة تلك الآية (أن يعدد) الأذكار بمقدار: ست (أو يكرر) تلك الآية (ست) مرات".

مسألة (28)

مسألة (28): إذا قرأ الرجل فاتحة الكتاب وترك حرفًا (أو) ترك تشديدة من حروف مشددة فصلاته غير صحيحة. ولو أنه لم يحفظ فاتحةُ الكتاب، وحفظ سبع آيات من سورة أخرى قصارًا (فقرأها) فقد قال بعض أصحابنا صحت صلاته، وإن كانت حروف تلك الآيات قاصرة عن حروف الفاتحة، ولفظ الشافعي - رحمه الله - في المسألة (قصارًا كن أو طوالًا. والفرق: أنه إذا حفظ الفاتحة (تعلقت) صحة صلاته بها (وبتلاوتها) فإذا ترك منها حرفًا كان كمن ترك ركنًا. وأما إذا عجز عن تلاوتها (فالفرض يتعلق بالبدل، ولا يتنكر أن (ينزل) درجة البدل عن درجة الأصل) كما (نزلت) درجة التيمم عن درجة الوضوء.

ومن أصحابنا من قال: (إنه يلزمه) مراعاة مقابلة الحروف فيلزمه في الآية (الأولى) من الفاتحة (مقابلتها) بأية حروفها (كعدد) حروفها (أو أكثر)، (50 - أ) وكذلك في/ (50 - أ) الثانية، و (في) كل آية منها، حتى لو قرأ على مقابلة (الآيات) الست (ست) آيات قصيرة قليلة الحروف ثم قابل الآية السابعة بآية طويلة تقابل حروفها حروف جميع الفاتحة لم تصح صلاته. ومن سلك هذه الطريقة أول كلام الشافعي رضي الله عنه على جواز الزيادة فقال: معنى قوله: ((قصارًا كن أو طوالًا)، أنه يجوز مقابلتها (بآيات) طويلة، وما يزيد في طول (الآية) الأولى لا يقطع الموالاة فإن (الجنس) واحد. والله أعلم.

مسألة (29)

مسألة (29): إذا قرأ الفاتحة مرتين عامدًا في الركعة الواحدة لم تبطل صلاته، ولو ركع (ركوعين متواليين) عمدًا بطلت صلاته. والفرق بينهما: أن (التنقل) في الصلاة بقراءة القرآن لا يعترض على الصلاة بل قراءة السورة نفل فيها مسنون، فالمرة الثانية له نفل قراءة، ولو تنفل عامدًا بركوع يزيده أو بسجود (.....) بطلت صلاته، فلهذا افترقنا. فرق آخر: (أنه) لو وضع الركوع من الصلاة غير موضعه (عمدًا) بطلت صلاته، مثل: أن يركع بعد السجود أو بين السجدتين، ولو وضع قراءة

مسألة (30)

القرآن في غير موضعه لم تبطل صلاته، مثل: أن يقرأ القرآن في الركوع أو في السجود أو بين الركوع والسجود، فالصلاة صحيحة مع وضعه (التلاوة) في غير موضعها، ولهذا روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: نهاني النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لبس القسي وخاتم الذهب وأن أقرأ راكعًا أو ساجدًا. مسألة (30): (لو) قرأ الفاتحة في أثنائها كلمة من سورة أخرى لم يجز (له) ذلك، فإن زاد وطول عامدًا بطلت صلاته، (إذا) ركع قبل إتمام الفاتحة قصرًا على سائر (السور)، وهكذا لو أكمل الفاتحة على غير موالاة وركع بطلت صلاته حتى يستأنفها (على) الموالاة.

مسألة (31)

ولو أنه في خلال الفاتحة نبه إمامه (بتسبيحة)، أو قال: ((آمين)) حين ختم (إمامه) الفاتحة، أو سجد للتلاوة مع الإمام في خلالها لم تنقطع الموالاة بذلك على الصحيح من المذهب. والفرق بينهما: (أنه) بالتأمين وسجود التلاوة والتسبيح يقصد (به) مراعاة حق الإمام والاقتداء بالمتابعة وغيرها، وهذا مما لا يعترض على الصلاة. (وأما خلط) الفاتحة بسورة أخرى على جهة العمد فذلك ترك لشرط الفاتحة من غير عذر دعاه إليه، فلا تصح صلاته حتى يأتي بتلاوة الفاتحة على وجهها وشرطها. مسألة (31): إذا أدرك المسبوق ركوع الإمام من الركعة الثانية وقد نسي الإمام (50 - ب) سجدة من الركعة الأولى لم يكن مدركًا لتلك الركعة، (ولو) أدرك ركوع الركعة الثالثة كان مدركًا للركعة. الفرق بينهما: أن الإمام إذا نسي سجدة عن الركعة (الأولى) فأعمال الركعة

مسألة (32)

الثانية غير محسوبة له، وإذا كانت غير محسوبة لم يكن المسبوق بإدراك ركوعها مدركًا (لها). وأما أفعال الركعة الثالثة فإنما محسوبة للإمام، لأن الركعة (الثانية) صارت لغوًا سوى سجودها، فتمت الأولى، وكانت الثالثة محسوبة ثانية، فلهذا حسبنا للمسبوق ركوعها إذا أدركها (وصحت له كما صحت للإمام). مسألة (32): إذا أدرك المسبوق قيام الركعة الثانية وقد نسي الإمام سجدة من الأولى قرأ الفاتحة وركع مع الإمام كان مدركًا ركعة وكانت محسوبة (له)، وإن لم تكن محسوبة لإمامه. ولو أدرك ركوعها (لم تحتسب) له، بخلاف الثالثة، وبخلاف الركعة الثانية إذا لم (ينس) الإمام شيئًا من الأولى، (وبخلاف) الركعة (الأولى) فإنه يستوي فيها إدراك قيامها وإدراك ركوعها. والفرق بينهما: أن كل ركعة كانت (غير) محسوبة للإمام فالإمام بتلك

الركعة لا يسقط عن المأموم شيئًا، لأنها ليست من صلاة الإمام، فإذا أدرك المأموم قيامها فقرأ لنفسه استغنى عن إسقاط الإمام عنه، (وإذا أدرك ركوعها لم يكن مستغنيًا عن إسقاط الإمام عنه) (والإمام) لا يسقط (عنه) شيئًا، والركعة في حكم الإمام لغو. وأما إذا كانت الركعة محسوبة في حق الإمام فإدراك ركوعها كإدراك قيامها، لأن الإمام يسقط ما عن المأموم قيامها وفرض قراءتها. وعلى هذا الأصل قلنا: إنه إذا كان الإمام جنبًا أو محدثًا، والمأموم لا يعلم، فأدرك مع الإمام ركوع ركعة لم يكن مدركًا لتلك الركعة ولو أدرك قيامها كان مدركًا لها. وعلى هذا الأصل (أيضًا) قلنا: (إنه) إذا سها الإمام فقام إلى خامسة، فدخل رجل فصلاها معه غير عالم بأنها خامسة كان مدركًا ركعة إلا أن يدرك ركوعها ولا يدرك قيامها فلا يكون مدركًا، وهذا أصل مستقيم وقياس (مستمر).

مسألة (33)

مسألة (33): إذا نسي المصلي تسبيحات الركوع فعاود (و) ركع ثانيًا فقد قال الشافعي رضي الله عنه: ((إن أدرك المسبوق الركوع الثاني لم يكن مدركًا للركعة)). وقال الربيع رحمه الله: في المسألة قول آخر وهو: أن صلاة الإمام باطلة. وقال عامة أصحابنا: إنها ليست على قولين، ولكن أحد النصين في العالم والثاني في الجاهل، وإنما افترقا، لأنه إذا كان عالمًا فلا عذر له بعد الاعتدال في (51 - أ) ترك فرض الاعتدال والعود إلى/ (51 - أ) الركوع لاستدراك سنة نسيها. وأما إذا (كان) جاهلًا فجهله عذره ما دام على الجهل. ألا ترى أن الرجل إذا قام عن الركعة الثانية وفي التشهد الأول واعتدل، ثم عاد عالمًا بطلت صلاته، وإن عاد جاهلًا لم تبطل صلاته. وشرط الجهل في نظائر هذه المسائل أن يكون

جاهلًا بجواز العود وتحريمه، فيكون ظانًا أن ذلك هو الشرع، وأما إذا علم أن العود غير جائز ولم يعلم أنه يبطل الصلاة، فعاد بطلت صلاته، لعوده مع علمه بتحريم العود، وليس من الشرط أن يعلم الحكم في الفساد والصحة، وكذلك من علم تحريم الزنا فزنى لزمه الحد، وإن (كان جاهلا بأن الزنا يوجب الحد. وأما إذا) كان جاهلًا بتحريم الزنا لحداثة عهده بالإسلام وحلف سقط عنه الحد كذلك فعل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه

مسألة (34)

مسألة (34): قد حكم الشافعي رحمه الله بأن العائد إلى الركوع لأجل التسبيح تبطل صلاته وأراد بذلك العالم، ولو أن رجلًا زاد في صلاته هذا القدر من الأفعال عامدًا لم تبطل صلاته، مثل: أن (ينحني) لضرب حية أو عقرب من غير استدبار قبلة، وكذلك (أيضًا) لو خطا خطوتين أو ضرب ضربتين. والفرق بينهما: أنه إذا عاد فركع فقد قصد (إلحاق هذا الفعل بأصل الصلاة، وأصل الصلاة لا يحتمل) إلحاق ركوع بها، كما لا تحتمل إسقاط ركوع منها، وعلى هذا (القصد) كان عوده مع علمه، فلهذا بطلت صلاته، وأما من عاد لقتل حية أو عقرب أو خطا خطوة أو تعاطي شيئًا ولم تدخل أفعاله في حد الكثرة فصلاته لا تبطل، (لأنه) لم يقصد إلحاق هذه الأفعال بأصل الصلاة وإنما فعلها على معنى إلغائها، والصلاة تحتمل هذا القدر من الأفعال اللاغية (وقد أمر) النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتل الأسودين في الصلاة،

مسألة (35)

وخطا (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وهو في الصلاة فتقدم ثم تأخر، واستفتحت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها باب الحجرة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها يصلي فخطا وفتح. مسألة (35): الإمام إذا اعتدل عن الركوع ثم نسي أنه ركع (لزمه أن يركع، فإذا ركع) (فدخل) ما رجل فركع معه وليس ذلك الرجل على بصيرة مما وقع له صحت صلاته، ولو كان على بصيرة فركع معه لم تصح صلاته. الفرق بينهما: أنه إذا لم يكن على بصيرة فالفرض عليه الأخذ بالظاهر والبناء عليه وليس عليه علم الباطن و (لا) الإحاطة (به)، وأما إذا علم ما وقع للإمام/ (51 - ب) لم يجز له (أن يتابع) في الغلط والخطأ مع العلم، ولهذا (قلنا): (51 - ب)

إنه إذا (قام) الإمام إلى خامسة فتابعه بعض القوم عالمين بأنها خامسة بطلت صلاتهم، ولو كانوا جاهلين لم تبطل صلاتهم. فإن قال قائل: أرأيت هذا الذي ركع مع الإمام ركوعه الثاني مسبوق على غير بصيرة أيكون مدركًا للركعة (حيث لم تبطل صلاة الإمام؟. قلنا: لا يكون مدركًا للركعة) وإن كانت صلاته صحيحة، وليس هذا كما (لو أغفل) الإمام حرفًا من فاتحة (الكتاب) فتذكره (في الركوع) فعاد معتدلًا للإتيان بذلك الحرف ثم عاد راكعًا، فيكون المسبوق المدرك لذلك الركوع (الثاني) مدركًا للركعة. والفرق بينهما: أنه إذا ركع ركوعين لعذر ترك الحرف فركوعه المحسوب هو الثاني، فيكون المسبوق بإدراكه مدركًا للركعة، وإذا لم يكن (له) هذا العذر فركع ركوعين متواليين فالأول هو الركوع المحسوب والثاني زيادة فلا المسبوق (إدراك) الثاني مدركًا للركعة، ولهذا نقول: لو أدرك رجل من

مسألة (36)

صلاة (الكسوف) أو الخسوف الركوع الثاني (لم يكن مدركًا للركعة، ولو أدرك الركوع الأول) كان مدركًا لها، لأن الأول أصل والثاني زيادة. مسألة (36): إذا صلى قاعدا فرضًا، للعجز عن القيام فوجد قدرة (على) القيام عند الركوع فنهض عن القعود إلى الركوع لم تصح صلاته ولو نهض فاعتدل ثم ركع (لصحت) صلاته. والفرق بين القيامين: أنه إذا قام إلى الركوع فاقتصر عليه ترك فرض قيام مع القدرة عليه، وهو الاعتدال الذي (عنه ينزل) إلى الركوع وذلك القدر (فرض) من القيام وهذا أوانه، كما أن قيام القراءة فرض وقد مضى أوانه، وأما إذا اعتدل ثم ركع فقد أدى فريضة الوقت بقدر الطاقة والوسع فصحت صلاته. مسألة (37): إذا رفع رأسه عن الركوع، فاعتدل، فخر ساقطًا على وجهه كان

ذلك سجودًا محسوبًا، ولو أنه سقط على جنبه واعتمد على الأرض بجبهته بقصد القيام لم يحسب ذلك سجودًا. والفرق بينهما: أنه إذا رفع رأسه عن الركوع، واعتدل فقد دخل عليه وقت السجود، فإذا سقط من الاعتدال (على الجبهة) حصل منه الفعل الواجب بصورته وصفته في أوانه والوقت متعين له، ولم يتغير قصده إلى غير السجود، ولكن إنما يكون هذا السجود سجودًا محسوبًا إذا ترك جبهته على الأرض بعد الخرور على قصد السجود وأما إذا سقط (على) الجنب واعتمد (على) الجبهة وقصد أن يتحامل بها على الأرض للنهوض فقد غير النية، وقصد غير السجود فلا يحتسب (له) ذلك سجودًا. ومثال هذا ما (نقول) / (52 - أ) في الطواف، لو أن رجلا استلم الحجر

وأراد إنشاء الشوط فدفع دفعا بقوة ورمي به إلى خطوات كانت تلك الخطوات محسوبة من الطواف، لأن القصد لم يتغير ولو أن رجلًا، (كان عليه فرض الطواف) مشى من الحجر الأسود إلى محاذاة الميزاب (في حاجة)، ثم أراد (أن تحتسب تلك الخطوات) من الشوط الأول كان ذلك غير محسوب (له) ولو أن رجلًا رفع رأسه من الركوع واعتدل فرأى حية فنزل يضربها لم يجز له أن يجد حتى يعتدل، ثم يجد فيقصد السجود (وكذلك لو وجد المريض خفه) (في الركوع)، قاعدًا لم يجز (له) أن يسجد عن قعود ولزمه القيام، ثم يقصد السجود عن قيامه، ولسنا نشترط حين (يسجد)، أن يجدد قصد السجود، ولكن إما أن يوجد (منه) قصد الجود، وإما أن يبقى على النية الأولى (ونظم أفعال الصلاة)، ولا

يجدد نية أخرى، ولا يحدث قصد (نية) أخرى فتكون أفعاله محسوبة، وأما إذا لم يبق على النية الأولى ولم يقصد الفعل الواجب من السجود والركوع، وأحدث قصدًا لم يحسب ذلك الفعل الذي باشره مع القصد المستحدث، وإن كانت صورته صورة الواجب وقد قال الشافعي - رضي الله عنه-: ((ولو نوى وتوضأ ثم عزبت نيته أجزأته نية واحدة ما لم يحدث نية أن يتبرد أو يتنظف بالماء فيعيد ما كان غسله للتبرد، أو التنظف))، فلم يحتسب له صورة الغسل إذا نوى البرد، وجعل الغسل محسوبًا حيث لا نية (له) وقد عزبت نية الطهارة. فعرفت أنه ليس يشترط لكل عضو تجديد نية وإحداث قصد، ولكن إما أن يستصحب حكم النية السابقة بأن يمضي بها على أفعال العبادة وإن نسبها، وأما أن يستصحب ذكرها فيستحق زيادة الثواب، (وإما إذا أحدث نية غير نية العبادة فذلك الفعل لا ينصرف إلى حساب العبادة)، ولهذا لو أن رجلًا بقى عليه من الوضوء غسل قدميه فزلت (قدماه) في النهر لم يحسب ذلك من وضوئه

مسألة (38)

(لا) لاشتراط تجديد (قصد ونية)، ولكن لاشتراط حصول الفعل، جهة المباشرة، وهكذا لو فرغ من غسل يديه وانتهى (إلى مسح الرأس والمطر يسقط على رأسه، ويجري لم يحسب ذلك مسحا حتى يكون (له) قصد) مسح الرأس (بالتبرز) للمطر، وكذلك أيضًا ما يقع عل خفه من المطر، فإن غسل الخف يقوم مقام مسحه، لكنه لو فرغ من مسح الرأس ولم يمسح خفه (فمشى) ناسيًا لطهارته قاصدًا للمشي أو خاض الماء (أو لم يكن لابس خف)، وفي الطهارة فخاص الماء عل قصد المشي، ثم تذكر أن عليه غسل القدمين لم يحتسب وصول الماء إلى قدميه غسلًا ملحقًا بالوضوء. مسألة (38): المأموم إذا رفع/ (52 - ب) رأسه من السجود قبل الإمام لموت سمعه وظن أنه (رفع) الإمام، ثم بان له الخطأ كان

مسألة (39)

عليه أن يعود فيضع جبهته على الأرض، ليكون رفعه بعد رفع الإمام، فإن قصد العود فرفع الإمام رأسه فارتفع مع الإمام، ولم يضع جبهته كان جائزًا، ولو أنه رفع جبهته، ليتفل نخامة، فقصد العود (للوضع) فرفع الإمام رأسه لم يجز له متابعته في الارتفاع، بل يلزمه أن يضع جبهته ثم يرفع. والفرق بين المسألتين: أنه في المسألة الأول رفع رأسه على قصد الرفع من السجود بما سمع من ذلك الصوت، فلم يلزمه رفع ثانٍ، وأما إذا رفع جبهته ليتفل نخامه فهذا (الرفع) (رفع) في الصورة (وليس) برفع في الحكم، لأنه لم يقصد رفع الرأس عن السجود فيلزمه أن يعود فيضع جبهته، ثم يقصد رفعه مقتديًا (بإمامه). مسألة (39): المصلي إذا طول زمان الاعتدال عن الركوع، أو زمان الاعتدال عن السجود حتى (...) تفاحش، وخرج عن الحد المعتاد بطلت صلاته في

أصح الوجهين. ولو طول سجوده أو ركوعه لم يضره، وإن تفاحش الزمان. والفرق بينهما: أن الاعتدال بين الركوع، والسجود، وبين السجدتين هو من الأركان القصيرة (التي لم يرد في الشرع تطويلها) إلا في صلاة مخصوصة، وهي صلاة الكسوف، وأما الركوع والسجود فهما من الأركان الطويلة، فإذا طول الركن القصير لم يحسب ذلك التطويل من الصلاة إذا زاد على الحد المشروع فيه،

ومن زاد في صلاته فعلًا كثيرًا لا يمكن احتسابه من (أصل) الصلاة (بطلت به الصلاة، وما زاد من الأركان الطويلة فليس ذلك بزيادة ولكنه من أصل صلاته) إلا (أن) يتعذر صرفه (إلى) أصل صلاته فحينئذ يحكم بإبطالها. مثل أن يطول قيامه وقصده بالتطويل انتظار (رجل)، فإذا تفاحش زمان الانتظار حتى دخل في حد الفعل الكثير (الذي) لا تحتمله الصلاة ومحض قصده الانتظار بطلت صلاته، وأما إذا لم يتمحض (للانتظار) قصده (فذلك) التطويل مصروف إلى أصل الصلاة، فلا تبطل الصلاة به، ويبقى الكلام في استحباب ترك المعاودة، وإذا أحس الإمام بداخل في الركوع

فطوله على قصد (الانتظار) فإن الشافعي - رحمه الله - لم يحكم بإبطال صلاته، وجعل في الجواز قولين، وإذا صلى في الحضر الخوف فانتظر أربع طوايف أربع مرات فقد قال الشافعي - رضي الله عنه-: " (صحت صلاة الطائفة الأولى) " والثانية وفي صلاة الإمام قولان أحدهما: أنها باطلة، وكذلك صلاة من علم (من الطائفة) الثالثة والرابعة فاقتدى به، مع العلم. و (القول) الثاني: إن صلاته صحيحة (وإنما بطلت صلاته) بسبب الانتظار (الثالث) (إذا) (لم ترد) به السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فعرفت/ (53 - أ) أن تطويل القيام للانتظار (إذا لم يقصد به) إلا لأجله (سبب) لإبطال

مسألة (40)

الصلاة، وإنما لم يبطلها بالقول الثاني لاقتضاء حالة الخوف قياس الزيادة على الأصل. مسألة (40): ما بعد التكبيرة الأولى من أفعال الصلاة وأذكارها فالسنة أن يقتفي المأموم فيها أثر الإمام، وليس من السنة أن (يقترن) فعله بفعله من أوله إلى آخره. وكان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا رفعوا من الركوع لا يسجدون حتى يضع النبي - صلى الله عليه وسلم - جبهته على الأرض، ثم كانوا يتبعونه فيسجدون قبل رفعه، (وكذلك تجب) المتابعة في الصلاة إلا في شيء واحد فإنه (السنة) فيه اقتران قول المأموم بقول الإمام، وهو التأمين في الصلاة الجهرية، فينبغي أن يجتهد المأموم ويتحرى حتى يبتدئ التأمين مع ابتداء الإمام. وإنما اختص التأمين من بين سائر الأفعال والأذكار بهذا الحكم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا: آمين؛ فإن

الإمام يقولها والملائكة تقولها فمن وافق (تأمينه) تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه". (فأوجب) النبي - صلى الله عليه وسلم- بهذا اللفظ المقارنة وأمر بها ولم يأمر (بالمعاقبة)، وأخبرها أن الملائكة (تؤمن مع تأمين الإمام والقوم مأمورون بتحري موافقة الملائكة)، فإذا صبروا حتى يفرغ الإمام من التأمين (ثم أمنوا) (كان تأمينهم) بعد فراغ الملائكة من التأمين، وقد روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه كان يختار مد الألف من آمين ليكون أبلغ في طلب موافقة الملائكة، (وقد قال) بعض مشايخنا في قوله ربنا لك الحمد بمثل هذه الطريقة فإذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فينبغي أن يكون المأمون مع الإمام مشتغلين بقول

مسألة (41)

ربنا لك الحمد في حالة واحدة، وهو مقتضى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (حيث قال): "وإذا" قال: سمع الله لمن حمده (فقولوا: ربنا لك الحمد، " (ويقولوا: معه سمع الله لمن حمده) " (ليمكنهم) أن يقولوا ربنا لك الحمد، فيحصل لجميعهم تقديم الدعاء (بسماع) (حمد) الحامدين، ثم يشتغل جميعهم في حالة واحدة بالحمد (لله). مسألة (41): سنة المأموم أن (يسر) بتكبيرة الافتتاح وبجميع أذكار الصلاة سوى التأمين في الصلوات الجهرية (فإنه

يجهر بها) وإنما فرقنا بين التأمين وبين سائر الأذكار للسنة، والمعنى. أما السنة فما روي عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يجهرون بالتأمين حتى يكون للمسجد ضجة، وروي حتى يرتج المسجد بالتأمين، ولم يفعلوا ذلك في شيء من (سائر) الأذكار، وأما المعنى/ (53 - ب) (فإنا وجدنا) الإمام يجهر بالقرآن وبالتكبيرات التي يقصد بها تنبيه القوم، وكذلك أيضًا (يجهر) بقوله سمع الله لمن حمده، بخلاف سائر الأذكار فإنه لا يجهر بها ولا بشيء منها سوى التأمين، وليس يقصد بالتأمين التنبيه والإعلام، وليس من القرآن حتى يكون جهره به من (هيئة) التلاوة، فعرفنا أن

مسألة (42)

التأمين في حق الإمام (باين) جنسه من الدعوات والأذكار، فكذلك أيضًا باين جنسه في حق المأموم (فأمرناه بالجهر به مع الإمام على أثر آخر الفاتحة) والدعاء الذي فيها، فيكون اتفاقهم على وصف التأمين أبلغ (في) رجاء الاستجابة، وقد جرت عادة المسلمين بتأمين القوم على دعاء الإمام جهرًا حيث لا يؤمن الإمام، (فحيث) يؤمن الإمام جهرًا أولى (وأجزى) (غير أن صوت جهر المأموم ينبغي أن يكون دون صوت جهر الإمام بالتلاوة)، ولهذا روي عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجهر بالتأمين فيسمع (الصف) (الأول) ثم يسمع بعضهم بعضًا". مسألة (42): من خافت بالقراءة وبالغ في المخافتة حتى أنه لم يسمع نفسه لم تصح صلاته، وإذا سمع نفسه صحت صلاته، ويستوي في ذلك الإمام والمأموم والمنفرد.

مسألة (43)

والفرق بين الحالتين: أنه إذا لم يسمع نفسه ولم يكن لقراءته (جرس) صوت لم ينطلق اسم القراءة على ما فعل من تحريك (شفتيه، ولهاته ولسانه) (وأما إن كان) له صوت وإن خفي انطلق عليه اسم التلاوة والذكر. (والمسألة) منصوصة للشافعي - رحمة الله عليه - والشرط أن (يقرأ) فإذا لم يقرأ يكن مصليًا، وعلى هذا الأصل لو حرك لسانه، وشفتيه (بالطلاق) أو بالنكاح أو بعقد من العقود، (بحيث إنه) لا صوت يظهر له مع تحريك اللسان لم يقع طلاقه ولم ينعقد نكاحه وعقوده، حتى يوجد منه ما ينطلق عليه اسم اللفظ واسم القول والنطق به بحيث أنه يسمع نفسه، وإن قرأ الفاتحة وله في بعضها صوت وليس له في بعضها صوت لم يحتسب (ما لا) صوت له فيه، (حتى) يرجع ويكمل تلاوته على شرط الترتيب (فيها). مسألة (43): نص الشافعي - رضي الله عنه - على أن الترتيب في التشهد ليس بمفروض (فقال): "ولو لم يزد رجل في التشهد على أن يقول

التحيات لله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وصلى الله (على) رسول الله صلى الله عليه وسلم. كرهت ذلك ولم أر عليه الإعادة. ومراده بالكراهة الاقتصار على (الأقل) دون الترتيب. ولو أن رجلًا ترك ترتيب الفاتحة لم تصح صلاته. والفرق بينهما: أن (نظم) القراءة على (ما نزل) عليه من (علامة إعجازه)، ومع ذلك/ (54 - أ) تختلف معانيه وتختل فوائده (بتغير) نظمه (وترك) ترتيبه بتقديمه وتأخيره، فوجب تلاوته على حسب (ما رتبه) الله تعالى لرسوله على لسان جبريل - صلوات الله عليهما -، فلهذا قلنا: إنه (لا تصح) الصلاة (مع تنكيس) الفاتحة وتنكيس بعض آياتها (أو بعض) كلماتها، وله الاستدراك ما دام في الركعة

مسألة (44)

(بالاستئناف) والترتيب، فإذا تعمد الركوع ولم يستدرك بطلت صلاته، (وأما ألفاظ) التشهد على سياقها فليست من الكلام المعجز الذي يرام استبقاء إعجازه بمراعاة ترتيبه، فإذا ذكر كل كلمة من فصول التشهد على سياقها صح التشهد، وإن غير (كلماته) (تعييرًا) يفسد المعنى لم يصح التشهد. مثل أن يفصل بين قوله: التحيات، وبين قوله: لله، بالشهادتين. مسألة (44): (يجب) على الساجد وضع الأعضاء السبعة في السجود (وهي) الجبهة (واليدان، والركبتان، والقدمان) (ويجب)

كشف الجبهة قولًا واحدًا، (وكشف الكفين في أحد القولين، ولا يجب كشف القدمين ولا كشف الركبتين قولًا واحدًا). والفرق بين هذه (الأعضاء) في الكشف. أما الركبتان فإنهما متصلتان (با) لعورة وفي كشفهما مع ذلك (تكليف) المشقة، (وأما) القدمان ففي كثير من الأحوال (يكونان مستورين) بالخفين أو بالجوربين فلا يخلو (تكليف) كشفهما أيضًا عن المشقة الظاهرة، (وليس) (في) كشف الكفين مشقة، لأن الغالب (في العادة) من الإنسان كشف (اليدين) في الصلاة (وفي غيرها) (فصارت) اليدان في هذا الحكم بالجبهة أشبه (منهما) بالركبتين والقدمين.

مسألة (45)

مسألة (45): كشف بعض الجبهة يكفي في السجود، ولا يكفي في الإحرام كشف بعد الرأس، بل يجب على الرجل (كشف) جميع الرأس، وعلى المرأة كشف جميع الوجه. والفرق بين الكشفين: أن الإحرام في عضو الإحرام يقتضي مخالفة العادة، فلو اقتصرنا على كشف بعض الرأس لم يحصل مقصود الإحرام، لأن الرجل كثيرًا (ما يكشف رأسه) والغالب أنه لا يكشف جميعه ولا يخليه عن عمامة (أو رداء) أو ما أشبههما، فإذ كشف جميعه تم مقصود الإحرام، وإذا غطى بعضه لم يحصل مخالفة العادة (فالتزم) الفدية، وأما الساجد فإنما وجب عليه الكشف (للوضع) حتى يتكامل في الوضع خضوعه لربه تعالى، (ومعلوم أن وضع) جميع الجبهة على الأرض ليس بواجب عليه، وإنما يجب عليه (وضع) بعضها. (والدليل على (أن) هذا الكشف معلق بالوضع) أنه لو كشف (بعض) جبهة وغطى بعضها ووضع على الأرض الموضع (المستور)

مسألة (46)

منها بالعصابة/ (54/ ب) ولم يضع (الموضع) المكشوف لم تصح صلاته مع قدرته على وضع الموضع المكشوف، وإذا عرفت ذلك في الجبهة فكذلك (.....) حكم اليدين (إذا) أوجبنا (كشفهما) فلا يجوز له أن يضع غير ما كشف ويكشف غير ما وضع، ولكن يلزمه في كل واحد من الكفين كشفه أو كشف بعضه كالجبهة، ويجب وضع المكان المكشوف، فيسقط الفرض عنه بذلك المقدار ولا تقوم إحدى اليدين مقام الأخرى (في الوضع) ولا في الكشف، (بل يجب) عليه وضعهما وكشفهما جميعًا. مسألة (46): سنة أصابع اليدين في جميع الصلاة (تفريجها) من غير تفاحش عند الرفع وعند الوضع إلا في موضع مخصوص وهو (في) السجود، فإن الشافعي - رضي الله عنه - قال في الإملاء: يضم أصابعهما ويضم

الإبهام (إليها) (ويوجهها) نحو القبلة. والفرق (بينهما): في مثل هذا الموضع لا يتوصل إليه بالمعنى، وإنما يتوصل إليه بالسنة، وقد روي الشافعي - رحمة الله عليه - بإسناده في الإملا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك، وكذلك مما لا يتوصل إلى الفرق فيه إلا بالسنة التورك في أحد التشهدين وهو التشهد الثاني، والافتراض في التشهد الأول (فليس ذلك مما يدل عليه القياس، وإن كان بعض أصحابنا ذكر الاستنفار للقيام في التشهد الأول)، والاستقرار للسلام في التشهد الثاني، فليس هذا من الفرق المقنع، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - خالف بينهما (فحدث بالمغايرة) سنة. والمخالفة

مسألة (47)

بينهما رواية أبي حميد الساعدي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم. مسألة (47): المسبوق بركعتين من الظهر يقضيهما بفاتحة الكتاب وسورة، وكذلك إذا كان مسبوقًا بركعة من المغرب قضاها بفاتحة الكتاب وسورة،

وغير المسبوق لا يقرأ فيها السورة على المشهور من المنصوص، (وكذلك الإمام والمنفرد)، كذلك نص الشافعي - رحمة الله عليه-، فحمل بعض أصحابنا كلامه على أنه جوابًا منه على القول الذي يقول يقرأ المأموم وغير المأموم السورة مع الفاتحة في كل ركعة، وهذه طريقة (غير) مستقيمة، لأن الشافعي - رضي الله عنه - (ذكر هذه المسألة) في باب صفة الصلاة، وقد نص (أيضًا) في ذلك الباب على أن السورة غير (مسنونة) في الركعتين الأخيرتين، ولكن (الفرق) بين المسبوق وغير المسبوق: أن المسبوق إذا دخل فأدرك ركعتين من الظهر فصلاهما مع الإمام (. . .) بفاتحة الكتاب دون السورة، وكذلك إمامه أيضًا لا يقرأ السورة فيهما حتى يتحمل بقراءته عن المأموم قراءتهما أول صلاة المأموم، (والسورة) مشروعة في أول الصلاة فصارت مقضية في آخر الصلاة (لما فاتته) في أولها، وأما غير المسبوق فقد أدرك مع (الإمام) أول

الصلاة وإمامه (قرأ) السورة في أولها فيتحملها عن المأموم، وظن المزني - رحمه الله - أن الشافعي - رضي الله عنه - حالف/ (55 - أ) (بهذه) المسألة أصله المهد: أن ما أدرك المأموم فهو أول صلاته، وهذا الظن (لا يصح منه) وما يناقض قول الشافعي - رحمة الله عليه - في ذلك، ولكنه أمر بقراءة السورة على جهة القضاء، فعلى هذا لو أدرك الرجل ركعتين من الظهر وكان إمامه بطيء القراءة (فيتمكن) المأموم من قراءة السورة مع الفاتحة (في الركعتين) فقرأ السورة فيهما استغنى عن قراءة السورة في الركعتين المقضيتين، وإن أدرك ركعة من الظهر ولم يقدر على قراءة السورة فقام ليقضي (قراءة) السورة في الثانية والثالثة (أما في الثانية فللثانية) (وأما في الثالثة (فللأولى) على جهة القضاء، وأما في الرابعة فلا يقرأ السورة، وعلى هذا تفريع هذه المسألة.

مسألة (48)

مسألة (48): قال الشافعي - رضي الله عنه - المستحب أن يقرأ الإمام (في صلاة الجمعة) في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب، وسورة الجمعة، وفي الثانية (بفاتحة) الكتاب وسورة المنافقين، وإنما قال ذلك، لأن أبا هريرة - رضي الله عنه - فعل ذلك حين كان أميرًا (على المدينة) فقيل له: قرأت (كما كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقرأ)، فقال: بل قرأت كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - (يقرأ)، ثم قال الشافعي - رضي الله عنه -: فإن نسي فلم يقرأ (في الأولى) سورة الجمعة قضاها في الركعة الثانية، ولو أن رجلًا ترك الرمل في الأشواط الثلاثة من (الطواف) (لم

يقض الرمل فيما بقي من الأشواط). نص عليه الشافعي - رحمة الله عليه -. والفرق بين المسألتين: أن المشي (في الأشواط) الأربعة مسنون، كما أن الرمل مسنون في الأشواط الثلاثة، فإذا أراد (قضاء) الرمل في ثلاثة أشواط من الأربعة لم يمكنه القضاء إلا بترك (سنتها) (- وهو) المشي - لقضاء سنة أخرى، ولهذا جعل الرمل الفائت (هيئة) غير مقتضية ولا مجبورة بدم، (ويمكنه) في الركعة الثانية (قضاء) السورة (المنسية مع الإتيان بالسورة (المسنونة) في الركعة الثانية، لأن (الموالاة) بين السورتين في الركعة الواحدة سنة مشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال (ابن مسعود) رضي الله عنه: إني

مسألة (49)

لأحفظ القرانين التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقرن بينهما) (يعني) في الركعة الواحدة من المفصل (وآل) حاميم. مسألة (49): سنة المنفرد بالصلاة الجهرية (الجهر) بالقراءة، فإن قرأ في الركعتين (الأوليين) من العشاء فاتحة الكتاب جهرًا ونسي السورة، ثم تذكرها في الركعتين (الآخريين) فعليه قضاء السورة (ويسر) (بها) في القضاء ولا يجهر، وإن كان يجهر بها إذا قرأها في محلها، وإنما افترق الأداء والقضاء، لأنها عند القضاء وقعت في محل الاسترار، والجهر والإسرار يختلف باختلاف المحل. ألا/ ترى أن (55 - ب)

مسألة (50)

صلاة خسوف القمر صلاة جهرية لوقوعها في زمان الجهر وهو الليل، وصلاة كسوف الشمس صلاة أسرار لوقوعها في زمان الإسرار وهو النهار، وفيه علة أخرى وهو أنه في الركعة الثالثة والرابعة (يسر) (بقراءة الفاتحة) فلا يحسن أن يجهر بقراءة السورة فيتبعض حكم الركعة الواحدة في الجهر والإسرار، ولا سبيل إلى الجهر بالفاتحة (فتصير) تبعًا للسورة في (الهيئة)، وذلك محال. مسألة (50): المسبوق بركعة من الظهر أو بثلاث ركعات يقوم إذا سلم إمامه (ساكتًا) بلا تكبير، وإذا كان مسبوقًا بركعتين (قام) مكبرًا عند فراغ إمامه. والفرق بينهما: أن المسبوق بركعة واحدة (قد كبر) للرفع من السجود حين رفع رأسه في آخرة الإمام فاستقبله (تشهد) الإمام على جهة المتابعة،

مسألة (51)

وليس (ذلك) التشهد من أصل صلاة المأموم، فإذا انتهى تشهد الإمام بقي (على) المأموم القيام عن السجود على الحقيقة وقد كبر للرفع عن السجود، وأما إذا أدلك ركعتين فالتشهد الأخير للإمام هو التشهد الأول للمأموم، فإذا سلم إمامه فقام كان قائمًا عن تشهده الأول، وسنة من قام عن التشهد الأول التكبير. مسألة (51): تكبير الرفع عن السجود الأول مقرون بأول الرفع يمده مدًا حتى يستوى جالسًا، وأما السجود الثاني فقد اختلف أصحابنا (فيه على ثلاثة أوجه: فقال (بعض أصحابنا): إن تكبيرة الرفع لا تقترن بأول الرفع، ولكن إذا استوى جالسًا للاستراحة ثم أراد أن ينهض ابتداء التكبير، وكذلك الركعة الثالثة في غير المغرب. والفرق بين السجدتين: أن السجدة الثانية تستتبع جلسة الاستراحة فلو رفع مكبرًا فاستوى جالسًا نهض عن الجلوس ساكتًا، إذا ليس بهذا النهوض

مسألة (52)

تكبيرة أخرى، ولو قلنا: إنه يمد التكبيرة مدًا من حين رفع جبهته إلى أن يعتدل قائمًا تفاحش المد، وأما السجدة (الأولى) فهذا المعنى (مفقود فيها) ومن أصحابنا من اختار ضم التكبير إلى الرفع، والقيام من الجلوس ساكتًا، واختار بعضهم (تطويل) التكبير ومدها من وقت رفع الجبهة إلى الاعتدال قائمًا، والذي نص عليه الشافعي - رحمة الله عليه - في كتاب صلاة العيدين دليل على أنه يبتدئ التكبيرة عند القيام من جلسة الاستراحة لا عند رفع الرأس، وذلك أنه قال: "يكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة (.......) القيام من الجلوس". (فأضافها إلى القيام وابتداؤها في ظاهر لفظه من الجلوس) لا من السجود. مسألة (52): قال بعض مشايخنا الغريق إذا صلى على اللوح بالإيماء إلى غير القبلة فلا إعادة عليه، والمريض إذا صلى بالإيماء إلى غير القبلة حيث لا/ (56 - أ) يجد من يوجهه إلى القبلة أعاد.

(والفرق بين المسألتين): أن المريض في الغالب (......) يجد من يوجهه إلى القبلة فإذا اتفق العدم كان ذلك من الأعذار النادرة التي لا تدوم، بخلاف الغريق المتمسك باللوح فإنه لا يجد من يوجهه نحو القبلة وعساه لا يتمكن من التوجه إليها والرياح والأمواج تصفقه. وزعم هذا القائل أن نص الشافعي - رحمه الله - في المريض الإعادة، وفي الغريق سقوط الإعادة، ثم ذكر الفرق. (قال صاحب الكتاب رحمه الله) وهذا الفرق الذي ذكره لا بأس به لو استقامت الحكاية غير أن الحكاية عن الشافعي - رحمه الله - غير مستقيمة، وإنما قال الشافعي - رضي الله عنه -: في الرجل الغريق يتعلق بعود قال: " (يصلي) (يومئ) إيماء فما صلى إلى القبلة أجزاه وما صلى إلى غير القبلة في تلك الحالة أعاد، كالمريض ويصلي كيف أمكنه إلى القبلة". هذا لفظه ونصه في رواية الربيع رحمه الله، فسوى بين الغريق والمريض (وأوجب) عليهما القضاء فيما صليا بالإيماء إلى غير القبلة، ولم يوجب عليهما القضاء فيما صليا إلى القبلة، ولكن يحتاج إلى الفرق بين الغريق وبين (المسايف) الخائف الموميء بصلاة راكبًا أو راجلًا مستقبلًا (إلى) القبلة ومستدبرًا

(تصح) صلاته ولا يلزمه القضاء، ولا تصح صلاة الغريق إلى غير القبلة وكلاهما (خائفان). الفرق بينهما: أن العذر في المسايفة من المعاذير العامة وليس (هو) من المعاذير النادرة، والعذر (....) العام يسقط القضاء إذا قام بحق الأداء على قدر الوسع والطاقة مع تمام الطهارة عن الحدث والنجاسة، (وأما الغريق فعذره) نادر وهو مع ندوره غير دائم (وكذلك أيضًا عذر المريض في عدم توجهه إلى القبلة عذر نادر غير دائم) فاستقام (الفرق) واستمر على الأصل الممهد في المعاذير، وعلى ذلك بنينا (أيضًا) فروع الطهارة والصلاة، (أما إذا صلى) الغريق إلى القبلة (بالإيماء فهو كما لو صلى المريض بالإيماء إلى القبلة) لا إعادة عليه.

مسألة (53)

مسألة (53): قال بعض أصحابنا: من تعمد ترك ركن من أركان الصلاة بطلت صلاته إلا في ركنين أحدهما: قيام الفاتحة (إذا) دخل مسبوقًا والإمام في الركوع. والثاني: قراءة الفاتحة، ومن سلك هذه الطريقة فصل بينهما وبين سائر (الأركان) بأن قال: إذا صادف الإمام راكعًا (لم) يتمكن من الإتيان بالفاتحة وقيامها إلا بعد ترك الركوع ومن أدرك الركوع فقد أدرك معظم الركعة ومن أدرك (معظم) الركعة فيلزمه الاشتغال بما أدرك من معظمها، (لأنه) لو اشتغل بالقيام لما كان مدركًا/ (56 - ب) للركعة، (وكذلك) فعل (أبو بكرة) رضي الله عنه حين دخل فصادف رسول الله صلى الله عليه وسلم راكعًا فكبر وركع وأدرك الركعة ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم

(ولا يوجد) مع سائر (الأركان) هذا العذر، وهو خوف فوات المعظم، (ولهذا المريض) إذا عجز عن بعض (الأفعال أي): أفعال الصلاة سقطت عنه بالعجز ولزمه الإتيان بما يقدر عليه وتمكن منه فكذلك يلزم المسبوق (ما تمكن) منه مع مراعاة الاقتداء من غير أن يتخلف عن الإمام، ولا يمكنه ذلك إلا بترك الفاتحة وقيامها (لمتابعة) الإمام في ركوعه. (فإن قال قائل): لو كان سقوط القراءة عن المسبوق لهذا المعنى لكان الحاضر في المسجد القادر على المبادرة إلى الاقتداء في ابتداء الركعة إذا قصد وأخر حتى ركع إمامه، لا يجزئه حينئذ أن يكبر ويركع مع الإمام، وقد أجمعنا على أن ذلك يجزئه. قلنا: إذا ثبت الأصل في إسقاط هذين الركنين عن المأموم بعذر

(الاقتداء) جاز أن (يستوي) المعذور (والمقصر). ألا ترى أن الاقتداء بالإمام في صلاة الجمعة لما كان سببًا (لإسقاط) ركعتين (لم) تفترق الحال (بين) معذور تراخي وأبطأ فأدرك الركعة الثانية وبين حاضر يلعب على باب المسجد (تباطأ) حتى فاتته (الركعة) الأولى فأدرك الركعة الثانية، وكلاهما مدرك لصلاة الجمعة. (قال صاحب الكتاب رحمة الله عليه): أعلم أن هذه الطريقة أحسن وأقوم من عبارة من يقول (يتحمل) الإمام عن المأموم المسبوق القراءة وقيام القراءة، لأن التحمل في الأركان محال على أصل

مسألة (54)

الشافعي، وإنما يقع التحمل في بعض السنن والهيئات هي سجود السهو، وسجود القرآن، والجهر بالقراءة، والتشهد في الثانية إذا فاتته ركعة، وقراءة السورة في الصلاة الجهرية، والقنوت فهذا مما يتحمله الإمام عن المأموم (وهي ستة أشياء). مسألة (54): إذا شك الإمام في عدد الركعات (فنبهه) القوم بالتسبيح وفي عددهم كثرة جاز له تقليدهم، (وإن كانوا شرذمة قليلين لم يجز له تقليدهم) ولزمه البناء على الأقل، ثم يجب عل من تيقن من

مسألة (55)

المأمومين الزيادة أن (لا يتابعه في الزيادة) ومن كان كالإمام تابع الإمام، وإنما فصلنا بين العددين، لأن العدد إذا كثر غلب على قلب الإمام أنهم مع كثرتهم يستحيل أن يجتمعوا على الغلط في تلك الحالة، فيلزمه ترك اجتهاده للعلم المستفاد (منهم) مع كثرتهم فإنه أقوى وأولى من اجتهاده، كما تقول في الدليلين (الشرعيين) إذا تقابلا وجب ترك أضعفهما لأقواهما، وأما (إذا) (قل) عددهم فلا يستحيل غلطهم، و (قد) قال بعض أصحابنا بالتسوية/ (57 - أ) بين العددين في جواز التقليد، والمذهب الصحيح ما قدمناه من الفرق بينهما، ثم إن العدد الكثير في هذه المسألة غير (مقدر) توفيقًا إذ ليس في المسألة نص خبر، وكان بعض مشايخنا يستحب القول بالأربعين تقريبًا (لا تحديدًا). مسألة (55): إذا دخل المسبوق فصادف الإمام والناس جالسين في التشهد الأول فاقتدى (به) فأحدث الإمام واستخلفه جاز استخلافه،

ولو (أن رجلًا) دخل والناس قيام في الركعة الثانية (أو) في الأولى أو في غيرهما لم يجز استخلافه عند بعض مشايخنا، (وهو) جائز عند بعضهم. الفرق بينهما (عند من لم يجوز): أنه إذا دخل فعاين الإمام جالسًا ثم عاينه قائمًا إلى الركعة الثالثة (. . .) (وعلم أنها الركعة الثالثة للإمام) فيمكنه مراعاة ترتيب الصلاة في حق القوم (فيركع ركعتين ويتشهد وهو التشهد الأول وكان (للقوم)) ثانيًا، فإذا انتهى إلى السلام قام ولا يقوم عند قوله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، لأنه لهم بمنزلة الإمام (الأول)، وأما إذا دخل فصادف الناس قيامًا فكبر فرعف الإمام (فاستخلف من لم يعلم) أن تلك

الركعة أولى أم ثانية أم ثالثة أم رابعة (فلا يجد) حينئذ (بدًا) من الاستعانة والتقليد والالتفات والاجتهاد والشك في أثناء الصلاة، وذلك مما يضر (الصلاة)، ومن قال من أصحابنا (إنه) يجوز (استخلافه) فاستخلفه فإنه يأمره إذا رفع رأسه من السجدة الثانية أن يلاحظ القوم شزرًا ليرى (صنيعهم) (أيقومون) أو يقعدون، وعلى القوم (معونته) فإن رآهم يقومون قام معهم وإن مكثوا جلوسًا جلس معهم (وعلم) أنها ركعة تشهد، ثم إذا تشهد وانتهى إلى قوله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد نظر بمؤخر عينه فإن قصدوا القيام على أنه التشهد الأول (وقام) وقد استغنى عن (التنبيه) (بعد ذلك)، فإن لم يقصدوا القيام وقصدوا تطويل التشهد

مسألة (56)

والسلام علم إمامهم أنها الركعة الأخيرة فينتهي بهم إلى السلام ولا يسلم، بل يقوم (لبقية) صلاته (ويتحلل) القوم بالسلام منفردين، وإن صار واحد منهم في السلام (خليفة) فسلم بهم ليكون سلامهم جماعة فذلك واسع لهم (وفي الجملة) يكره للإمام استخلاف مثل هذا الخليفة. مسألة (56): قال الشافعي - رضي الله عنه - في المسافر المتنفل بالصلاة إذا غلبته دابته فولي طريقه قفاه إلى غير القبلة، فإن رجع مكانه بني على صلاته، وإن (تمادى) ساهيًا ثم ذكر مضى وسجد للسهو، وإن ثبت

وهو يمكنه أن يرجع ذاكرًا (أنه) في صلاة ولم ينحرف فسدت صلاته، وإن كان (خطؤه) إلى جهة القبلة أو تعمد أجزأه. هذا نصه/ (57 - ب) فقد فصل بين أن يرجع في الحال إلى الجادة، وبين أن يتمادى ساهيًا ثم ينتبه فيرجع، فأمره في إحدى الحالتين (بسجود) السهو ولم يأمره (به) في الحالة الثانية. والفرق بينهما: أنه إذا تنبه سريعًا فانحرف إلى طريقة قل ذلك العمل ولم يتفاحش زمان العدول عن الطريق، وأما إذا تطاول ثم تنبه فقد تطاول عليه زمان السهو (في الصلاة) وكثرة الخطوات والحركات، (وعلى) هذا بنينا أفعال السهو في الصلاة فأمرنا بالجبران عند كثرتها (ولم نأمر به) عند قلتها، وفصل الشافعي - رضي الله عنه - في هذه المسألة بين أن يعلم عدول دابته فيرجع فتصح صلاته، وبين أن لا يرجع فتبطل صلاته.

والفرق بينهما: أنا قد جعلنا طريقه التي سلكها قائمة مقام القبلة فإذا عدلت به دابته (ثم علم وأصر وثبت على تعسف دابته) فمنزلته منزلة من ترك القبلة عامدًا، فلهذا بطلت صلاته، وأما إذا رجع إلى الطريق فصلاته لا تبطل، لأن العدول لم يكن من فعله، وقد عاد إلى طريقه. واستفدنا من هذه المسألة المنصوصة مسألة أخرى وهي: أن المصلي إذا صرف وجهه عن القبلة وهو غير مختار ولكن ترك في الحال فعاود الاستقبال ولم يتطاول زمان الاستدبار لم تبطل صلاته، وفصل الشافعي - رحمه الله - في هذه المسألة بين أن تنحرف دابته متعسفة إلى جهة الكعبة فصحح صلاته، وبين أن تنحرف إلى غير جهة الكعبة فلم يصحح صلاته إذا ثبت (.....) عالمًا ولم يرجع. والفرق بين الحالتين: أنه إذا (انحرفت) دابته (عن الجادة التي يستقبلها إلى جهة القبلة) فقد زادته خيرًا، لأن المسافر المتنقل متى ما ترك قبلة الطريق

مسألة (57)

واستقبل الكعبة (كان له ذلك)، ولهذا قلنا: (إنه) إذا أمكنه في ابتداء النافلة أن يصرف وجه الدابة إلى الكعبة فليفتتحها إلى الكعبة، وإن تعذر عليه ذلك بأن كان بعيره على قطار جاز له الافتتاح إلى غير الكعبة، وفصل الشافعي رحمه الله - في هذه المسألة بين أن يتعمد هذا المسافر التعسف فصحح صلاته، وبين أن (لا) يتعمد فأبطل صلاته بالإصرار على التعسف بعد التنبيه. والفرق بينهما: أن الدابة إذا عدلت فتنبه ولم يردها وقصد الطريق فكأنه ترك القبلة عامدًا، لأن الطريق كالقبلة له، فأما إذا تعمد المسافر التعسف فقد اتخذ تلك الجهة طريقًا فصلاته إلى تلك الجهة صلاة مسافر (إلى جهة) مقصودة، فلهذا افترقت (الحالتان). مسألة (57): قال الشافعي - رحمة الله عليه -: إذا ارتد الرجل ثم غلب على عقله

في ردته (بمرض) أو غيره قضى الصلاة كما يقضيها في أيام عقله، وقال في غير المرتد: إذا جن أو أغمي عليه من غير معصية أدخلها على نفسه فلا قضاء عليه إذا أفاق. والفرق/ (58 - ب) بين المجنونين: (أنه إذا ارتد فقد ارتكب) أعظم المعاصي بتبديل الإسلام، وإسقاط الصلاة عن المجانين إنما هو نوع تخفيف في الشرع، والمرتد ليس من أهل التخفيف وإنما هو من أهل العقوبة والتشديد والتغليظ، وأما المجنون غير المرتد فيستحق التخفيف، ولهذا (قلنا): إنه إذا أدخل المعصية على نفسه لزمه القضاء، لأنه غير مستوجب رخصة (و) تخفيفًا (مع ما) ارتكب من العصيان بإزالة عقله فإن قصد إزالة العقل من الكبائر، ولهذا قال الشافعي - رضي الله عنه - يحل ما حرم من ميتة (و) دم ولحم الخنزير (وكل ما) حرم (مما لا يغير) العقل للمضطر، وأما ما غير العقل فلا يجوز بحال. وقال أيضًا: في المضطر يجد ما فيه ميتة أو نجاسة غيرها قال:

مسألة (58)

يشربه ما لم يكن (ذلك) (شيئًا مسكرًا). وقال أيضًا: إذا مرض (الرجل فقال له أهل الطب: (قلما) يبرأ أحد من هذا المرض) إلا بأكل كذا (أو شربه) (أو قالوا إن أعجل ما يبرئك أكل كذا أو شربه) فله أكله وشربه ما لم يكن خمرًا مسكرًا أو شيئًا محرمًا يذهب العقل، فإن إذهاب العقل محرم بكل حال. وقال أيضًا: الأبوال كلها نجسة محرمة وليس للمضطر شرب الخمر، لأنها تعطش وتجيع (ولا يشرب لدواء) لأنها تذهب العقل وتمنع من الفرائض وتؤدي إلى إتيان المحارم. مسألة (58): فرع (بعض) أصحابنا (عن) المسألة التي (حكاها الشافعي) - رضي الله عنه - في المرتد إذا جن، فقال: إذا سكر الرجل ثم جن وامتد الزمان (به) ثم أفاق فعليه قضاء صلوات أيام الجنون (كما يقضي صلوات يوم السكر، فقاس هذا القائل الجنون) (إذا دخل على عصيان السكر فتطاول زمانه على الجنون) إذا دخل على

مسألة (59)

عصيان الارتداد، وخالفه غيره من أصحابنا، وقالوا: ليس على السكران إذا جن فأفاق قضاء صلوات أيام الجنون، وإنما عليه قضاء (صلوات) زمان السكر. والفرق بين المسألتين: أن المرتد إذا جن بقي في أيام جنونه مرتدًا والارتداد معصيته التي استحق (بها تغليظًا)، وأما السكران إذا جن فإنه لا يبقى في زمانه جنونه سكرانًا، والسكر معصية، ولا يبقى (السكر) إلا زمانًا معلومًا في عرفة وعادته. فهذا هو الفرق بينهما. مسألة (59): (المرأة إذا ارتدت) ومضى زمان ثم أسلمت فليس عليها قضاء الصلوات (في) أيام حيضها في زمان ردتها، وإذا (جنت) أو جن الرجل المرتد فقد أوجب الشافعي - رحمة الله عليه - عند إفاقته قضاء صلوات أيام الجنون.

مسألة (60)

والفرق بين المسألتين: إن إسقاط القضاء (عن المجنون)، إنما هو على جهة التخفيف (والمرتد غير مستوجب) للتخفيف وأما إسقاط الصلاة عن الحائض فليس ذلك على جهة التخفيف والرخصة فاستوى حيضها في زمان ردتها وفي زمان إسلامها فيفهم. مسألة (60): الرجل إذا شك في فائتة فقضاها شاكًا في فواتها ثم/ (58 - ب) استيقن الفوات كان عليه (القضاء) مرة ثانية، ولو أن رجلًا قام إلى خامسة ساهيًا فصلاها ثم تذكر أنه نسي سجدة من الرابعة صحت صلاته، والمسألتان منصوصتان، وإنما فصلنا بينهما، لأنه حين قضى الفائتة قضاها وهو لا يعلم أنها واجبة عليه (أو غير واجبة)، والنية إنما تنم وتصح في الواجبات بعد اعتقاد الوجوب، وأما إذا لم يعتقد وجوب ما يفعله من الصلاة فيستحيل أن (ينصرف) فعله إلى الجواب لتبرأ ذمته عنه، وأما الركعة الخامسة التي قام إليها فقد فعلها على اعتقاد

مسألة (61)

وجوبها من غير (تمريض) وتعليق في النية فلما فرغ منها تذكر أنها (كانت) (غير واجبة) وأن السجدة كانت متروكة من الركعة الأولى أو من الرابعة، فإذا (فعلها) وهو يعتقد في كل فعل من أركانها وجوب ذلك الفعل (عليه) أجزأه من جملتها ما كان عليه ولغا منها ما كان زائدًا. مسألة (61): المريض إذا صلى بعض صلاته قاعدًا فوجد خفة في أثناء فاتحة الكتاب لزمه القيام، (ولا يجوز له أن) يقرأ في طريقه إلى القيام شيئًا من بقية الفاتحة، فإن قرأن لم يحتسب له ما قرأه، وأما الصحيح إذا صلى قائمًا فاعترضت (علة مانعة) في أثناء الفاتحة فأراد القعود للعجز فقرأ بعض بقية الفاتحة في طريقه للقعود (كان) ما قرأه في الطريق محسوبًا. الفرق بينهما: أنه إذا وجد خفة للقيام وأمكنه أن يقوم لزمه أن يقرأ ما بقي

مسألة (62)

منها قائمًا، وهو (في) طريقه إلى القيام غير قائم فقراءته في الطريق (غير) محسوبة له، وأما القائم إذا (أحوجه) الضعف إلى القعود جاز له (تلاوة) بقيتها قاعدًا فجاز له تلاوتها في طريقه إلى القعود، فإن طريقه إلى القعود أقرب إلى القيام من نفس القعود. مسألة (62): المصلى إذا عزبت نيته بعد صحة عقده صحت صلاته مع عزوب النية، حتى (أنه) لو تكلم في صلاته ناسيًا لم تبطل صلاته، ولو أنه حدث نفسه المضي على صلاته (.....) أم يخرج منها بطلت صلاته، وإن لم يتمم نية الخروج. نص عليه الشافعي رحمه الله. الفرق بينهما: أن من عزبت نيته وهو يمضي على أفعاله فهو مستصحب (مقتضى) نيته السابقة مستديم حكمها ماضٍ على موجبها بما يفعل من أفعالة المتوالية المرتبة، وأما إذا (حدث) نفسه المضي عليها أم يقطعها فهو (في) هذه الحالة تارك موجب النية السابقة إذ ليس من مقتضاها استئناف

مسألة (63)

و (الروية) والترديد، وإذا انقطعت النية في شيء من الصلاة بطلت أفعالها بانقطاع ما هو نظامها ورابطها وهو عقد التحريم. مسألة (63): المصلي إذا/ (59 - أ) نوى الخروج من الصلاة بطلت صلاته، وإن كان مستمرًا ببدنه وأركانه على أفعالها وصورة أركانها ولم يرتكب شيئًا من محظوراتها، وأما الصائم إذا نوى الخروج من (الصيام) ولم يأكل ولم يرتكب من محظوراته شيئًا فالمذهب أن (صومه) صحيح. والفرق بينهما: أن الصلاة عبادة لها عقد وحل وعقدها هو التحريم وهو رابطة أركانها، (فإذا) نوى الخروج منها انقطعت رابطة أركانها فبطلت الأفعال ببطلان الإحرام، وإن لم يتكلم ولم يرتكب المحظورات، وأما (الصيام) فليس له تحريم، وإنما هو نية وإمساك والنية قد حصلت في وقتها والإمساك مستدام في زمانه، (فإذا نوى) الخروج (وهو) بالفعل (غير) خارج

مسألة (64)

(فنية) الخروج لغو، وهو باق في العبادة على حسب ما شرع فيها إلى أن يرتكب بعض محظوراتها. مسألة (64): إذا نوى المصلي الخروج من الصلاة بطلت (صلاته)، ولو أنه نوى قبل الشروع في الصلاة أنه لو (لقي) فلانًا في صلاته خرج من صلاته فلقي فلانًا في خلال الصلاة، فالمذهب أن الصلاة لا تبطل. الفرق بينهما: (أنه في المسألة الأولى) اعترض في خلال صلاته بنية الخروج على نية الشروع، وهما نيتان متنافيتان فاستحال الاعتداد بالعبادة مع التنافي (في) العقد، وأما إذا نوى أنه إذا شرع في الصلاة فلقي فلانًا (فلم يحدث عند

لقائه) نية الخروج، فإنه ل يعترض (على نية الشروع نية منافية لها، وما سبق من النية منفصل عن العبادة متقدم عليها ليس منها، فلا يعترض) عليها، فلا (تفسد) صلاته (ما لم يخرج أو) ما لم يحدث عند لقاء فلان نية الخروج منها.

مسألة (65)

مسائل ستر العورة مسألة (65): الواجب على المصلي أن يستر عورته إذا قدر (عليه) من الأعلى ومن الجوانب، وليس (بواجب) (عليه) سترها (من الأسفل)، حتى أنه لو صلى في قميص واحد (مزرور) على طرف سطح وعورته بارزة ظاهرة (لمن) ينظر (إليها) من الأرض كانت صلاته صحيحة، ولو صلى وقد ستر عورته من أسفلها وأزرار قميصه غير مشدودة أو نطق أزراره (على سرته) كانت صلاته باطلة، خفت لحيته أو

كثفت، وأما الخف (فالواجب) عليه (أن) يستر قدميه (من) الأسفل والجواب لا من الأعلى، حتى (أنه) لو كان ساق الخف واسعًا بحيث يرى ظهر قدميه من ينظر في ساق خفه فله المسح عليه، إذا لم يكن مخرق الأسفل والجوانب إلى الكعبين. والفرق بينهما: المشقة وذلك أنا لو كلفنا الناس بستر العورة من/ (59 - ب) الأسفل حتى لا يتمكن أحد من النظر إذا تكلف النظر من (الجانب) الأسفل كان ذلك متعذرًا لاسيما إذا صلى الرجل في الإزار والرداء على عادة السلف، ومثله لو كلفناهم في الخف الستر من الجانب الأعلى وهو مدخل القدمين أدى إلى

مسألة (66)

المشقة ولا مشقة في ستر القدم من الجوانب (والأسفل)، فلهذا فصلنا بين (السترين). مسألة (66): إذا اقتدى رجل بمصلوب والمقتدي مستقبل القبلة والمصلوب مستدير لها وكان وجه المأموم إلى وجه (الإمام) صح (اقتداؤه) تخريجًا من الشيخ أبي بكر القفال - رحمه الله -، ومثله (لو اختلف اجتهاد رجلين في القبلة) فاقتدى أحدهم بالثاني مع اختلاف (جهتيهما) كان الاقتداء ممنوعًا، وكانت صلاة المقتدي باطلة. والفرق بينهما: أن المصلوب يعلم أن جهته وجهة المقتدي جهة واحدة ونيته في الاستقبال على (تلك) الجهة وإن عجز عن مقابلته لجهة (القبلة)

للعذر، فلما اتفقا على الجهة الواحدة (في القصد) صح الاقتداء مع عجز الإمام (في المشاهدة) عن الموافقة في صورة المقابلة للقبلة، وأما إذا (اجتهدا، واختلف) بهما الاجتهاد فالمقتدي يعتقد أن الإمام غالط في الاجتهاد والاستقبال للجهة التي استقبلها، فلا يستقيم تصويبه وتخطئته في حالة واحدة، ومن ضرورة الاقتداء (به) تصويبه. فعلى هذا لو تنفل مسافر راكبًا ووجهه إلى المشرق (و) على دابته (راكب) (.....) (ملصق) (ظهره) بظهره اختلاف (وجهيهما)، (لاتفاق) قصدهما، كما قلنا في الاقتداء (بالمصلوب).

مسألة (67)

مسألة (67): إذا صلى رجلان وأحدهما واقف بجنب الثاني، فلما فرغا (قال) كل واحد منهما كنت نويت إمامة صاحبي صحت صلاتهما، ولو قال كل واحد منهما كنت نويت الاقتداء بصاحبي بطلت صلاتهما. والفرق بينهما: أن كل واحد منهما إذا قال نويت الاقتداء فقد اقتدى كل واحد منهما (بمن لم يكن إمامًا له) وانتظر ركوعه وسجوده، ومثل هذا الانتظار يبطل الصلاة، ولهذا قال بعض أصحابنا: (إنه) لو اقتدى رجل برجل وبان (أن) المقتدى (به) كان مقتديًا برجل فصلاة المقتدي بالمقتدي باطلة، لهذه العلة (وهي) أنه اقتدى بغير إمام، وأما إذا قال كل واحد منهما نويت الإمامة فصلاتهما صحيحة، لأن كل واحد منهما رتب صلاته على ترتيب صلاة نفسه وليس ينتظر فيها أفعال غيره، فلهذا صحت صلاة الإمام وإن لم ينو الإمامة، ولم تصح صلاة المأموم إذا لم ينو الائتمام، و (لهذا) لو أن كل واحد من هذين الرجلين شك فلم يعلم أكان في صلاته/ (60 - أ) إمامًا أو مأمومًا،

مسألة (68)

فصلاتهما جميعًا باطلة، للأصل الذي قدمناه (أنه) انتظر فعل غيره ولم يعلم هل كان ذلك الانتظار مباحًا (له) أم لا. مسألة (68): إذا اقتدى جماعة بإمام إلى جهة واحدة فتغير اجتهاد الإمام في خلال صلاته (فانحرف) متيامنًا يسيرًا أو متياسرًا لم يجز للقوم البقاء على نية الاقتداء إذا لم يظهر لهم من تغير الاجتهاد ما ظهر للإمام، ثم قال الشافعي - رضي الله عنه - يبنون على صلاتهم منفردين، وصار كما لو رعف إمامهم ففارقهم، ولو أن بعض المأمومين تغير اجتهاده ولم يتغير اجتهاد الإمام، فقد قال الشافعي - رحمه الله -: من أجاز للمأموم إذا خرج من صلاة الإمام (أن) يبني عليها أجاز له البناء ها هنا، ومن لم يجوز البناء لمن خرج (من صلاة) الإمام أوجب ها هنا عليه الاستئناف، (ثم) قال: (ولا أحسب) فرقًا بين

المسألتين. (فقال) بعض أصحابنا: قد قصد إلحاق (المسألة) الأولى بالمسألة الثانية، وهذا غير صحيح ولا وجه للتخريج في المسألة الأولى، لأن الإمام إذا أحدث فانصرف وبقي القوم بغير إمام صحت صلاة القوم، بل إنما قصد بذلك تضعيف أحد القولين في المسألة الثانية وتصحيح القول الذي يقول (فيه): صحت صلاة من تغير اجتهاده وفارق إمامه، ومن قال لم تصح صلاته وصحت صلاة الإمام (والمأموم) في المسألة الأولى، ففرقه واضح وهو أن المأموم إذا التزم متابعة إمامه لم يجز له مخالفته، والمأموم (في المسألة الأولى) ما خالف الإمام لكن الإمام خالف المأموم. (وإن قال قائل): إذا لم يساعده المأموم على ما بدا له من الاجتهاد الجديد فقد خالفه. قلنا: المأموم في ابتداء العقد لم يلتزم متابعة الإمام إلى هذه الجهة الثانية، وإنما التزم متابعته إلى الجهة الأولى التي هي جهة اتفاق الاجتهادين هذا جواب السؤال. رجعنا إلى الفرق. فأما في المسألة الثانية فالإمام باقٍ على الجهة الأولى التي قد التزم المأموم (متابعته عليها) في استقبالها، فإذا تغير اجتهاده ففارقه فهذه

مسألة (69)

مخالفة المأموم إمامه، غير أنه لما كان معذورًا بما حصل من اجتهاده الثاني جوزنا له البناء في القول الثاني. مسألة (69): إذا أحرم الرجل بالصلاة منفردًا فصلى ركعة، ثم (أنه) أراد أن يعلق صلاته على صلاة إمام والإمام في الركعة الأولى لم يجز (له)، وإن كان الإمام في الركعة الثانية أو هما في (الركعة) الأولى جاز له في أحد القولين. الفرق بينهما: أنه يتغير ترتيب صلاته عند اختلاف الركعتين ولا يتغير الترتيب

عند اتفاق (الركعتين). ومن أصحابنا/ (60 - ب) من عمم القول ومنع من الاقتداء بعد الشروع على صفة (الانفراد)، فلا يتصور على طريقة هذا القائل أن يكون في ابتداء صلاته منفردًا وفي آخرها مقتديًا، بخلاف المسبوق يكون في أول صلاته مقتديًا وفي آخرها منفردًا. والفرق بينهما: أن المقتدي إذا صار في آخر صلاته منفردًا فقد التزم ما كان غير ملتزم له من سجود السهو وقراءة السورة وسائر أحكام المنفردين، (وإذا كان أول صلاته منفردًا التزم أحكام المنفردين) فإذا أراد الشروع في الجماعة (أراد) أن يسقط عن نفسه بعض ما قد التزم، لأن الإمام يتحمل عن المأموم (سجود) سهوه وقراءة السورة، والأشياء المعدودة التي عددناها قبل ذلك. (قال صاحب الكتاب رحمه الله) وهذه النكتة وإن كانت واضحة (وهي اعتماد) بعض مشايخنا ففيها نوع إشكال، (وهو ما روي عن أبي بكر الصديق) - رضي الله عنه - وأرضاه (في قصتين مشهورتين). أحداهما (في) حديث (بني عمرو) بن

مسألة (70)

عوف، والأخرى في مرض النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه في ابتداء صلاته ملتزمًا، ما يلتزمه المنفرد، لأن الإمام حامل غير محمول عنه، ثم لما صار مقتديًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - صار محمولًا عنه بعدما لم يكن محمولًا عنه. مسألة (70): إذا اقتدى رجل بإمام في صلاة الظهر والمأموم لا يعلم أن الإمام قارئ أو أمي (صحت صلاته)، ولو اقتدى (به) في صلاة المغرب

مسألة (71)

أو العشاء فلم يجهر الإمام بالقراءة فعلى المأموم القارئ إعادة الصلاة إذا قلنا (إنه) لا تصح صلاة القارئ خلف الأمي. والمسألتان منصوصتان. والفرق بينهما: (أنه إذا صلى خلفه صلاة الظهر اعتمد ظاهر عادات الناس في اختيار الإمام والاعتماد على من يصلح للإمامة فصحت صلاته على الظاهر بهذا الظاهر)، " (أما) إذا صلى خلفه صلاة المغرب فلم يسمع جهره (بالقراءة) في جميعها فالظاهر أنه غير قارئ وزال ذلك الظاهر بهذا الظاهر" فلم يكن صلاته (معتمدًا) أصلًا (.....) يجوز الاعتماد عليه. مسألة (71): إذا كبر المسبوق فهوى راكعًا فحصل بعض تكبيره في حال ركوعه انعقدت صلاته نفلًا، وكذلك (أيضًا) إذا كبر قاعدًا (للمكتوبة)

مسألة (72)

مع القدرة على القيام، ومن كان في مكتوبة فغير النية إلى النافلة بطلت صلاته في أصح القولين. والفرق بينهما: أن من غير نيته فقد اعترض بالتغيير على نية صحيحة وفريضة منعقدة، والاعتراض على نية الصلاة بعد انعقادها (يكون) قطعها لها فلا سبيل بعد قطعها إلى الشروع في صلاة أخرى إلا بأن يستحدث لها تحريمًا مستأنفًا، وأما في المسألتين (الأخرتين) فابتدأ (نية) ليس تصلح إلا للنفل، لأن التكبير في غير حالة القيام لا يصلح للفرض (فتلغو) نية الفرض ويبقى نية منفردة فتنعقد نافلة ابتداء، وليس (ذلك) / (62 - أ) باعتراض على عقد منعقد، فهذا هو الفرق بين الأصلين. مسألة (72): من ترك نية التعيين عند الشروع لم تصح مكتوبته، ولو ترك (نية) التعيين (عند الخروج صحت مكتوبته وإن اقتصر) على نية

مسألة (73)

الخروج المطلق. والفرق بينهما: (أنه) في الابتداء يتنوع شروعه فلابد من التعيين للتمييز، وأما في الانتهاء فلا يتنوع خروجه بعدما تعين شروعه (غير أنه (لو) عين عند الخروج عين المكتوبة) التي هو فيها (عامدًا) بطلت صلاته، لأنه نوى الخروج منها قبل تمامها بالسلام، والسلام (هو) من أركانها، وإن أخطأ فنوى الخروج من الظهر ثم تذكر أنه في العصر لم تبطل صلاته و (إن) كان عليه أن يسجد سجدتين، وصار السلام لغوًا وعليه أن يسلم مرة أخرى على الشرط. مسألة (73): النية المقرونة بالتحريم تغني عن إعادة النية وتجديدها مع

مسألة (74)

(سائر) أركان الصلاة، (إلا في التسليم فإن الواجب) عند كثير من أصحابنا أن ينوي مع التسليم التحلل عن الصلاة. (والفرق بينهما أي: بين السلام) وسائر الأركان أن التسليم (هو) خطاب الآدميين وخطاب الآدميين، ينافي صحة الصلاة، فإذا أطلقه إطلاقًا ولم يضم (إليه) نية التحلل (انصرف مطلقة إلى أصل جنسه فبطلت الصلاة، لخطاب الآدميين، وإذا نوى معه التحلل) فقد صرفه بالنية عن أصل جنسه إلى جهة العبادة، (ولهذا) صحت العبادة. مسألة (74): إذا سها المصلي فجلس في الركعة الأولى على قصد التشهد ثم تذكر بعدما طالت الجلسة التزم سجود السهو، (سواء) افتتح التشهد أو

لم يفتتحه، (وإن) كانت الجلسة قصيرة نظرت: فإن افتتح التشهد ثم تذكر فقام التزم سجود السهر وإن لم يفتتح التشهد لم يلتزم سجود السهو. والفرق بين الحالتين: أنه إذا لم يفتتح شيئاً من التشهد فقام كانت جلسة قصيرة من جملة الأفعال القليلة لا تقتضي جبراناً، وإذا افتتح التشهد حصل نوعان من السهو أحدهما: الفعل، والثاني القول (فالتحقا) بالأفعال الطويلة التي تقتضى الجبران (و) مثال هذا أن المصلي لو سكت في خلال الفاتحة سكتة طويلة صارت قاطعة للفاتحة ولزمه أن يستأنف التلاوة، ولو سكت سكتة قصيرة نظرت فيها: فإن قرأ في تلك السكتة كلمة من سورة أخرى التحقت بالسكتة الطويلة في وجوب استئناف الفاتحة وإن لم يقرأ في

مسألة (75)

السكتة القصيرة شيئاً لم يلزمه استئناف (قراءتها). مسألة (75): (إذا نسي المصلي) سجدة من المفروضة، (ثم) ظن في آخر السجدة أنها جلسة الاستراحة فقام كانت (سجدته) الأولى من الركعة (الثانية) مضمونة إلى الركعة الأولى وحصل له (منهما) ركعة واحدة، ولو أنه رفع رأسه من السجدة الأولى يظن أنها السجدة الثانية/ وأن الجلسة جلسة الاستراحة، وكذا (لو) وقع له (السهو) في كل ركعة لم يحصل له (من) جميع الصلاة صلى أربع ركعات إلا ركعة

(بسجدة) فإن تذكر وهو (جالس) في التشهد الأخير سجد سجدة ليتم (من) أربع ركعات ركعة (ثم يصلي) معها ثلاث. والفرق بينهما: أنه إذا جلس في عقيب (السجدة الأولى) من الركعة الأولى ذاكراً للسجدة الثانية حصلت له الجلسة المفروضة بنية الجلسة (المفروضة) وبقي عليه سجدة فلما سجد في الركعة الثانية سجدة انضمت (هذه السجدة الأولى من الثانية) إلى الركعة الأولى فحصل له من الركعتين ركعة، (وكذلك) يحصل من الثالثة والرابعة ركعة (إذا سها فيهما) كسهوه في الأولى والثانية. وأما إذا رفع رأسه من الركعة الأولى (من السجدة الأولى) وهو يعتقد أنها السجدة الثانية (فجلسته) تكون على نية جلسة الاستراحة، وهي جلسة مسنونة

والمسنونة لا تقوم مقام المفروضة ألا ترى أن المصلي لو نسي سجدة من صلب الصلاة ثم سجد للتلاوة أو للسهو لم تقم السجدة المسنونة مقام السجدة المفروضة فلهذا لم يحصل له من الركعة الثانية والثالثة والرابعة شيء لأن عليه جلسة مفروضة لم يأت بها على شرطها فلما جلس للتشهد الثاني كانت تلك الجلسة (مفعولة) على نية الفرض فحصل له بها الجلسة الواجبة عليه عقيب السجدة الأولى من الركعة (الأولى) ثم فلهذا أمرناه أن يسجد في الركعة (الرابعة) (بعد) التشهد والتذكر سجدة (لتلحق) (من الرابعة) (بالأولى) فيحصل له من أربع ركعات ركعة واحدة فيقوم ويضيف إليها ثلاث ركعات. (فإن) قال قائل هذا الذي قلته خلاف ما نص عليه الشافعي - رضي الله عنه - لأنه قال: "وإن ذكر في (الركعة) الرابعة أنه (نسي) سجدة من كل ركعة فإن الأولى صحيحة إلا سجدة وعمله في الثانية كلا عمل، (فلما سجد فيها) سجدة كانت (من) حكم الأولى فتمت الأولى وبطلت الثانية وكانت الثالثة

(ثانية فلما قام في الثالثة) قبل أن يتم الثانية التي كانت (عنده) ثالثة كان عمله كلا عمل، فلما سجد فيها سجدة كانت هذه السجدة (مضافة) إلى الركعة للثانية فتمت (له) (الثانية) وبطلت الثالثة التي كانت عنده رابعة، ثم يقوم (فيأتي بركعتين) ويجد للسهو بعد التشهد وقبل السلام" فقد حكم الشافعي - رضي الله عنه - بتحصيل ركعتين كاملتين من أربع ركعات إذا نسي من كل ركعة سجدة، وأنت حصلت له من (الأربع) ركعة واحدة (بسجدة) واحدة. قلنا كلام الشافعي - رضي الله عنه - بظاهره دليل على (أن) صورة المسألة فيمن جلس الجلسة المفروضة بين السجدتين، (ثم سها) في آخر تلك الجلسة فظنها جلسة الاستراحة (فقام). (و) الدليل (على) (أن صورة المسألة في/ (62 - أ) هذه الصورة) قوله: وإن ذكر

مسألة (76)

(في) الرابعة أنه نسي سجدة من كل ركعة، فدل على أنه لم يترك من كل ركعة إلا سجدة واحدة. مسألة (76): إذا شك المصلي هل ترك مأموراً (به) من المسنونات المجبورة بالسهو (أو لم) يتركه فعليه سجود السهو) (وهي أربعة) الجلسة للتشهد الأول، وقراءة التشهد الأول، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك التشهد، والقنوات أما إذا شك هل ارتكب منهياً عنه مما يجبر (بسجود السهو (أو لم يرتكب) فليس عليه سجود السهو). الفرق بينهما: أنه إذا شك في فعل (المأمور به أو تركه) (.....) فالأصل عدم فعله، فلهذا أمرناه بسجود السهو، فأما إذا شك في ارتكاب

مسألة (77)

منهي عنه فالأصل عدم الارتكاب (فلا نأمره) بسجود السهو ما لم يتيقن أنه ارتكبه، فعادت المسألتان على الحقيقة إلى أصل واحد هو أن اليقين لا يترك بالشك. مسألة (77): إذا نسى الجلوس للتشهد الأول (فقصد) القيام (فتذكر) قبل أن يدخل في حد الركوع فعاد فقعد فليس عليه سجود السهو، (ولو دخل في حد الركوع ثم تذكر وقعد سجد للسهو. الفرق بينهما: أنه إذا تذكر قبل حد الركوع فالزيادة من الأفعال القليلة، وإذا تذكر وقد ارتفع إلى حد الركوع فقد زاد ما يشبه ركناً من أركان الصلاة، فخرج من حد القلة إلى الكثرة. مسألة (78): إذا ارتفع من (نسى) التشهد الأول إلى حد الركوع فتذكر فعليه أن يرجع فيجلس، ولو ارتفع (عن) حد الركوع إنهم حيث لو مد يده ما نالت راحتاه ركبتيه فعليه أن يمضي في الثالثة وليس له

الرجوع. الفرق بينهما: أنه إذا انتهى إلى هذه النهاية فلم تنل راحتاه ركبتيه فقد دخل في حد القيام (وإن لن تعتدل) القامة، ولو كان من أول صلاته (إلى آخر) (صلاته) على هذه الصورة (صحت) صلاته، والقيام في الثالثة فريضة ولا وجه لترك الفريضة والعود إلى سنة قد نسيها. فإن قال قائل: (أليس) يقطع القيام لسجود التلاوة؟ قلنا: ذلك السجود في ذلك القيام (من سنة ذلك القيام) فإن قال قائل: أرأيت لو شرع من المكتوبة في (تلاوة) الفاتحة ثم قطعه ورجع إل الاستعاذة (أتبطل) صلاته كما (تبطل) (صلاة العائد

مسألة (79)

من قيام الثالثة إلى التشهد الأول)؟ قلنا: تبطل تلاوة الفاتحة، فأما الصلاة فلا تبطل ما دام زمان تلاوتها باقياً وهو قيام تلك الركعة. مسألة (79): إذا سها المأموم فترك التشهد الأول وإمامه قاعد فعليه العود، بخلاف الإمام (و) المنفرد. والفرق بينهما: / (62 - ب) أن المأموم إذا رجع رجع إلى فرض وهو متابعة إمامه، وأما الإمام والمنفرد (لو رجعا رجعا) عن فرض إلى نفل فلهذا (لم) يجز. مسألة (80): إذا قام الإمام ونسي التشهد (الأول) (ثم تذكر) بعد الاعتدال فعاد وجلس عالماً (بأن العود) غير جائز غير أنه جلس (غافلاً) في (سرعة) الحركة ناسياً لعلم المسألة لزمه القيام، فإن لم يقم لم يجز للمأموم متابعته، (ولو علم المأموم أنه رجع جاهلاً

مسألة (81)

(لا) غافلاً (جاز له متابعته). والفرق بينهما: أنه إذا كان عالماً فرجع غافلاً ثم علم وهو جالس أنه بجلوسه مخالف للشرع فإذا تمادى ني المخالفة بطلت صلاته، وبطلت أيضاً صلاة المقتدي به إذا كان المقتدي به عالما بحاله. وأما إذا رجع (جاهلاً) فجلس وثبت جالساً فجهله عذر والمأموم يعلم أن صلاته غير باطلة فلا يبطل اقتداؤه. مسألة (81): إذا شك المصلى في سجدة الصلب (أهي الأولى أم الثانية) (بني) على الأقل وزاد سجدة، ثم سجد لهذا السهو، ولو أنه سجد للسهو فشك أهي السجدة الأولى أم الثانية بني على الأقل وسجد أخرى، (ولا يسجد) لهذا السهو. والفرق بينهما: أنا لو كلفناه سجود السهود (في سجود السهو لم يأمن

أن يتكرر عليه السهو ثانياً (وثالثاً) ويتسلسل، وإنما أخرنا سجود السهو إلى آخر الصلاة ليتداخل أنواع السهو وهذا آخر الصلاة، ولو كلفناه لتكرر السهو تكرر الجبران هدمنا ذلك الأصل، وهي المسألة التي سأل عنها أبو يوسف الخليل (بن أحمد) (حيث) قال له الخليل: من (يتحرى) في صنيعه تهدى في سائر الصنايع. فقال له أبو يوسف: إنك في العربية متبحر (فأسألك) عن مسألة من الفقه، فقال: سل. (فسأله) "عن هذه المسألة

مسألة (82)

أيسجد للسهو (في سجود السهو)؟ فقال: لا. فأصاب في الفتوى، فسأله" عن العلة فقال: لأن التصغير لا يصغر فأصاب في التعليل. مسألة (82): من خرج من صلاة إمامه بعذر وانفرد بالنية (فسه) إمامه، وقد فارقه لم يلتزم سجود السهو لسهو الإمام، ولو سها الإمام في الركعة (الأولى ثم دخل مسبوقه في الركعة) الثانية فاقتدى به ثم فارقه بالنية لزمه سجود. السهو لسهو (الإمام). والفرق بينهما: أنه إذا سبقت مفارقته سهو الإمام لم يتفق له مع الإمام (في) المتابعة ساعة وعلى الإمام في تلك الساعة سجود السهو. وأما في المسألة الثانية فقد اتفق له مع الإمام ساعة وعلى الإمام سجود السهو فالتزم السجود الذي التزمه الإمام، وإن كان قد فارقه وانفرد بالسلام. مسألة (83): الإمام إذا ترك التشهد الأول فقام واعدل جاز للمأموم متابعته في القيام وإذا ترك الإمام الساهي سجود السهو وسلم كان على المأموم أن

يسجد سجدتي السهو إلا على أصل المزني رحمه الله. والفرق بين المسألتين: أن/ (63 - أ) الإمام إذا قام إلى الركعة الثالثة ساهياً فهذا الزمان زمان بقاء متابعته، ومتابعته مفروضة فلا يحوز للمأموم ترك المتابعة المفروضة للجلوس المسنون، وأما إذا سلم الإمام الساهي وترك سجود السهو فعلى المأموم أن يسجد سجدتين، لأن زمان (.....) متابعة الإمام قد انقطع بالسلام، وسجود السهو ليس يتوجه على المأموم (لسجود) لإمام وإنما يتوجه عليه لسهوه ساعة (سهوه) ولا عذر للمأموم في تركه وإن تركه إمامه. فإن قال قائل: متابعة الإمام في التسليم فريضة كما افترضت عليه المتابعة في سائر الأركان فإذا اشتغل هذا (المأموم) بسجدتي السهو ترك متابعة الإمام في السلام لسنة يأتي بها، ومثل هذا ممنوع. قلنا: يحتمل أن يقال: إنه يبقى على نية متابعته وإن لم يكن على صورة المتابعة للعذر العارض، كما نقول في الطائفة الثانية إنها تصلي صلاة الخوف وإمامها جالس للتشهد وهي قائمة تصلي ركعة على نية الاقتداء ويلتحق بالإمام في التشهد، ويحتمل (أن يأمره بقطع) نية المتابعة

مسألة (84)

بخروج الإمام عن الصلاة مع بقاء شيء منها والمأموم يصير منفردا (مرة) لمفارقته الإمام ومرة لمفارقة الإمام إياه، كما لو رعف الإمام فخرج، أو تغيرت نيته أو اجتهاده في القبلة فانحرف، أو كان مسافرا اقتدى به مقيم فقصر الإمام وسلم أو صلى رجل الظهر خلف من يصلي الصبح أو ما أشبهه. مسألة (84): (من) نقل إلى القيام تسبيحات الركوع (أو السجود) لم يسجد للسهو ومن نقل إلى الركوع (أو السجود) قراءة شيء من

مسألة (85)

القرآن سجد للسهو. الفرق بينهما: أن جنس قراءة القرآن (هو) من الأركان ومحله القيام، فإذا قرأ في الركوع فقد نقل ركناً من محله إلى غير محله، بخلاف التسبيحات فإنها ليست من جملة الأركان فلا يستعظم الأمر في نقلها، كما يستعظم في نقل القراءة، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القراءة في الركوع والسجود، وقال صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن الحكم إن صلاتنا هذه تكبير وتسبيح وتهليل. مسألة (85): إذا رفع رأسه من الركوع فقرأ القرآن ساهياً، (فقد) قال الشافعي - رحمه الله- عليه سجود السهو، ولو أنه قرأ القرآن في التشهد الأول

مسألة (86)

ساهياً لم يكن عليه سجود السهو. والفرق بينهما: أن القومة بين الركوع والسجود من الأركان (القصيرة) وليست من الأركان الطويلة، فماذا طولها بالتلاوة (لزمه الجبران) (وكذلك) أيضاً في الجلسة بين السجدتين إذا قرأ فيها/ (63 - ب) القرآن فطولها وأما جلسة التشهد الأول فليست من الأفعال القصيرة ومن أصحابنا من ذكر علة أخرى فيمن قرأ بين (الركوع) والسجود فقال إنا أمره الشافعي رضي الله عنه بسجود السهو لأنه نقل ركناً من محله إذ غير محله ثم فرع هذا القائل على تعليله (فلا مناقضة). مسألة (86): (جبرانات) الصلاة متداخلة، (جبرانات) الإحرام غير متداخلة على المشهور من مذهب الشافعي رحمه الله.

والفرق بينهما: أن المقصود من سجود السهو (ما بينه) رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو ترغيم الشيطان وذلك يحصل بسجدتين في آخر الصلاة. وأما (جبرانات) الإحرام فالمقصود (منها) جبر الهتك فإن كان الهتك من جنس الاستمتاع فله بكل ارتكاب هتك فيلزمه لكل هتك جبر، ولا يتصور وجوب الجبران مع عدم الهتك بأن يكون ناسياً. (للتطيب واللبس، وإن كان الهتك من جنس الاستهلاكات، فالفرق بينهما أظهر لأنها غرامات كإتلاف الأموال (والغرامات تتكرر وتتعدد ولا تتداخل)، ولهذا سوينا في الاستهلاكات بين الناسي والعامد.

مسألة (87)

فرق آخر: سجود السهو زيادة فعل في الصلاة والصلاة تصان عن الزيادة كما تصان عن النقص (فلو سجدنا لكل) سهو سجدتين كثرت الأفعال الزائدة وأما الإحرام فلا يضره سائر الأفعال وإن اختيرت الأجناس. فان قال قائل: فلم يسجد سجدات كثيرة للتلاوة؟. قلنا: تلك السجدات معلقة على التلاوة والتلاوة من أركان الصلاة وأفعالها، و (لهذا) لا يؤخر سجود التلاوة إلى آخر الصلاة، ويؤخر سجود السهو إلى آخر الصلاة. مسألة (87): المصلي إذا تنحنح فاتحاً شفتيه حتى ظهر (منه) حرفان من حروف التهجي بطلت صلاته، إذا لم يكن بسعال مغلوباً، ولو (أنه) ضم شفتيه فتنحنح لم تبطل صلاته. الفرق بينهما: أنه إذا كان مفتوح الشفتين فما ظهر من الحرفين فصاعدا كلام مؤلف من خطاب الآدميين، وأما إذا ضم شفتيه فتنحنح فليس ذلك من جنس الكلام، إذ لا يعرف للعرب (ولا لغير العرب) كلام مع ضم الشفتين،

مسألة (88)

وعلى هذا الأصل فصلنا بين أن ينفخ في صلاته مع ضم الشفتين ورفعهما، وبين أن يرسل نفسه بين شفتيه نافخاً، فتبطل صلاته بنفخ فيه التقاء الشفتين ورفعهما، ولا تبطل بالنفخ (المرسل)، لأن أحدهما (هو) من جنس الكلام، والآخر (ليس هو) من جنس (الكلام، وإنما هو من جنس) النفس. مسألة (88): سجود السهو قبل السلام والتشهد (قبل السجود) يغنى عن التشهد الثاني، فإن نسي السجدتين وسلم فتذكرهما على القرب سجدهما، ثم لا يغني التشهد الأول وعليه أن يتشهد مرة/ (64 - أ) أخرى ثم يسلم، لأنه (لما) سلم ولم يسجد (للسهو)

فصار التشهد الأول محترماً (منقضياً) بالسلام وخرجت السجدتان من الصلاة، (فإذا سجدهما) فلا بد من إلحاقهما بالصلاة، ووجه إلحاقهما (بالصلاة) أن يتشهد على إثرهما، (لأنهما) (إذا كانتا) (وراء السلام (و) لم يكن على إثرهما تشهد كانتا) مشتبهتين (بسجود الشكر أو) بسجود التلاوة خارج الصلاة، وإذا كانتا قبل السلام فكونهما بين التشهد والسلام سبب إلحاقهما بأفعال الصلاة. فهذا هو الفرق بين المسألتين، وقال الشافعي - رحمة الله- عليه:- " إذا كانت (سجدتا) السهو بعد السلام تشهد لهما وإذا (كانتا) قبل السلام أجزأه التشهد الأول". قال بعض أصحابنا

هذا قول الشافعي رضي الله عنه في جواز إخراج السجدتين عن الصلاة مثل مذهب أهل العراق. ومن أصحابنا (من قال): أراد التفريع على مذهب غيره، كما قال في كتاب الحج: "إذا تزوج محرمة أو اشترى أمة محرمة فليس له تحليلها. ومعلوم أن نكاح المحرمة تفريع (منه) على مذهب غيره، لأنه لا يصح نكاح المحرمة على مذهبه، ويحتمل أن يكون مراد الشافعي - رضي الله عنه - (بالمسألة) المنصوصة هذه المسألة التي ذكرناها. فإن قال قائل: إذا كانت (السجدتان) خارج الصلاة في هده المسألة فهلا قلتم (إذا) تذكر بعد السلام أن يبدأ فيتشهد ثم يسجد ويسلم، ليكون سجود السهو بعد التشهد (عل قياس) مذهبكم. قلنا: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم- حديثان في سجود السهو. أحدهما: أنه (......)

مسألة (89)

يسجد قبل السلام ففي هذا الحديث تقديم التشهد على السجود، والثاني: أنه صلي الله عليه وسلم سجد للسهو بعد السلام. ففي هذا تشهدان. أحدهما: قبل السلام (الأول)، والثاني: بعد السلام والسجدتين (ثم) يستعقب السلام الثاني، فلا يجوز أن يخترع طريقة ثالثة سوى هاتين الطريقتين. مسألة (89): إذا نسي (سجدتي) السهو فتذكرهما بعد السلام على قرب فاستقبل القبلة ليسجدهما على حسب ما أمرناه في المسألة الأولى، فسجد فأحدث

مسألة (90)

بطلت صلاته، وفي غير هذه المسألة إذا أحدث بعد التسليمة الأولى لم تبطل وإن كانت التسليمة الثانية باقية عليه. والفرق بينهما: أنه إذا سلم التسليمة الأولى ولم يكن عليه سجود السهو فقد تم تخلله فلم يضره الحدث بعد تمام التحلل، (فأما) إذا نسي سجدتي السهو ثم تذكر فأقبل على السجود فقد (لغى) التحلل وكأنه لم يكن. ألا ترى أنه إذا نسي من صلاته ركعة فسلم ثم تذكر والزمان قريب كان له أن يبني على صلاته، ولولا أن التحلل الأول في الحكم (كالمفقود) لما/ (64 - ب) (تأتى) (له) إلحاق الركعة المنسية بأصل الصلاة. مسألة (90): إذا اقتدى بشخص ثم بان له أنه (كان) يهودياً أو نصرانياً أو

مجوسياً كان عليه قضاء الصلاة، وإن بأن أنه كان زنديقاً أو دهرياً فالصحيح من المذهب أنه لا يلزمه القضاء وإنما فرقناه بين الكافرين، لأن اليهودي والنصراني والمجوسي لا يكتم كفره ولا يستسره بل يظهره مفتخراً به فالمسلم المقتدي به منسوب إلى للتقصير في الاقتداء مع ظهور آثار كفره، فصار كالمقتدي بالمرأة (أو بالمجنون) وأما الزنادقة والدهرية فإنهم يكتمون كفرهم مبالغين في الكتمان وليس لهم في دار الإسلام غبار يستدل به على كفرهم فلا ينسب المقتدي بواحد منهم (إلى) التفريط فصار كالمقتدي (بإمام جنب) غير عالم بجنابته فلا يلزمه

مسألة (91)

قضاء صلاته، هذا مذهب الشافعي - رضي الله عنه - وأما المزني - رحمه الله - فإنه قال: القياس يقتضي (أن كل مصل) خلف جنب أو امرأة (أو مجنون) أو كافر (إنه لا) قضاء عليه، وهذا الذي ذكره المزني، خلاف مذهب الشافعي رضي الله عنه، وخلاف مذهب عامة الفقهاء ولعله أراد بذلك (التنبيه) على طريق القياس لا الاعتقاد، هذا التأويل أحسن من أن يصير منسوباً إلى مخالفة العلماء. مسألة (91): من صلى الجمعة خلف إمام ثم بان (له) أن الإمام كان جنباً (أو محدثاً) فجمعة المقتدي غير صحيحة على الصحيح من المذهب، ولو

مسألة (92)

صلى مكتوبة سوى الجمعة ثم بان (له) حدث الإمام صحت المكتوبة للقوم. الفرق بينهما: أن (الجمعة) مبنية على شرائط بمشروطة في سائر المكتوبات. منها أن الإمام والجماعة شرط (فيها) فشرط الإمام (أن يكون صالحاً للإمامة. ومنها دار الإقامة)، والعدد المخصوص بالأوصاف المخصوصة. وعلى هذه الطريقة الصحيحة لا تصح الجمعة خلف الإمام المتنقل ولا خلف المراهق بخلاف سائر الصلوات فإنها تصح خلف المراهق (والمتنفل). مسألة (92): إذا أصاب الثوب (من) دم بعض الحيوانات قدر دم البراغيث لم

تصح الصلاة (فيه) ولو كان ذلك من دم بثرة قطرت على البدن صحت الصلاة. والفرق بين الدمين: أن دم البثور مما يتعذر الاحتراز عنه وقل ما يخلو الإنسان عن حكة أو بثرة وذلك مثل دم البراغيث في تعذر التوقي منه. أما إذا تطاير إلى الثوب من دم سائر الحيوانات فالاحتراز عنه غير متعذر، (ولهذا عفي عن دم البراغيث على البدن، ثم اختلف أصحابنا) في التعليل. فمنهم من اعتمد القلة. ومنهم من اعتمد تعذر لاحتراز، (هذا أصح

وهو الذي اعتمدناه في الفرق). والدليل على أن هذه العلة أصح على المذهب أن الشافعي رضي الله عنه قال حيث ذكر هذه/ (65 - أ) المسألة: "ولو صلى رجل وفي ثوبه نجاسة من دم أو قيح وكان قليلاً مثل دم البراغيث (وما يتعافاه) الناس (لم يعد) ثم قال: وإن كان كثيراً أو قليل بول أو عذرة أو خمر (وما كان في معنى ذلك) أعاد في الوقت وغير الوقت" فذكر القليل في (أول) المسألة وآخرها، ولكن سوى بين الكثير من الدم وبين القليل من البول ومنع الصلاة معهما، ولو اعتمد لقلة لما منع الصلاة مع قليل البول وأما إذا كان على ثوبه من دم البراغيث (أو من دم البثور) ما يكثر ويتفاحش في العادة، فظاهر كلام الشافعي رضي الله عنه أنه غير معفو عنه. فإن قال قائل: ربما يكثر البراغيث في بعض للبلاد بحيث لا يمكن الاحتراز عن كثير دمائها. قلنا: الاعتبار بالغالب وليس الاعتبار بالنوادر، (فإن) صارت العادة غالبة في بعض البلدان بحيث يتعذر الاحتراز عنه في غالب

مسألة (93)

الأحوال لا في نوادرها حكمنا بصحة الصلاة، لأن العلة المعتمدة هي تعذر الاحتراز. ومن اعتمد القلة والكثرة (أمر) بالإعادة. مسألة (93): النجاسة إذا وقعت على الثوب الواحد وأشكل (عليه) محلها وجب غسل الثوب كله ولا يجوز التحري، وإنما يجوز التحري في الثوبين والإنائين إذا صار أحدهما (نجساً) وأشكل الطاهر من النجس. والفرق بين الواحد والاثنين: أن الثياب في الأصل على الطهارة، فإذا صار ثوب من ثوبين (نجساً) وبقي الثاني (طاهراً) أمكن في كل واحد عنهما أن يبني الحكم (فيه) على الأصل السابق إلى أن يثبت عنده أمارات حلول النجاسة، وهذه حقيقة التحري ولهذا لا يجوز التحري فيما لم يكن له أصل في الطهارة ليقين النجاسة، وأما الثوب الواحد إذا حلت به نجاسة فقد عجز في هذا الثوب عن رده إلى الأصل ليقين (النجاسة: فإن قال قائل: ما من جزء من أجزاء هذا الثوب)

الواحد إلا وأصله على الطهارة (فهلا) نزلتم أجزاء الثوب الواحد منزلة أعداد الثياب، ولهذا لو شك في بقعتين من الأرض وعلم نجاسة إحداهما فإنه يتحرى فيهما مع اتصال إحداهما بالأخرى. قلنا: لا سبيل إلى تفصيل أجزاء الثوب في الحكم، لأنه إذا غسل جزءاً من الثوب أدى اجتهاده إلى نجاسته، ثم (إذا) لبسه كان مستصحباً لجميع الأجزاء مع تساويهما في الاحتمال بعد زوال يقين الأصل، بخلاف الثوبين يدع أحدهما ويصلي في الثاني غير مستصحب (لمحل) الشك، (وبخلاف) بقاع الأرض فإنه إذا ميزها بالاجتهاد فصلى على إحدى البقعتين كان منفصلاً عن البقعة الثانية غير مستصحب لها ولا (هو) متصل بها/ (65 - ب)، فمنزلتها منزلة الثوب (المنفصل) عن الثوب الثاني، وعلى هذا الأصل قلنا إنه إذا (حلف) رجل على عين واحدة بالطلاق أنها كذا، وحلف

مسألة (94)

غيره أنها غير ما قاله الأول وأشكل الأمر والتبس البيان لم يحرم على (واحد) منهما زوجته, لأن الأصل بقاء النكاح, بخلاف ما لو (حنث) الرجل الواحد في العين (الواحدة) يقينًا وأشكل (...) محل حنثه (بين) زوجتين أو بين زوجته في الطلاق ومملوكته في الإعتاق, حكمنا عليه بالتحريم وإن أشكل محل التحريم. مسألة (94): النجاسة إذا أصابت ثوبًا وأشكل محلها (فغسله) بتعميمه دفعة واحدة (طهر) , أما إذا غسل نصفه في مركن ثم استخرج النصف المغسول ثم غسل النصف الثاني فلا يطهر بمثل هذا الغسل, وأبعد صاحب الإفصاح حيث قال: يطهر بذلك.

والفرق بين أن يغسله كله دفعة واحدة وبين أن يغسل نصفه ثم نصفًا: (أنه) إذا عمه في الماء دفعة واحدة تيقن أن الماء (أتى على محل) النجاسة فأزالها؛ لأن التعميم يقين, أما إذا غسل نصفًا ثم نصفًا فمن المحتمل أن تكون النجاسة حيث انتهى الغسل (الأول) (من النصف الأول) بحيث صار بعض النجاسة مغسولاً وبعضها باقيًا فما انحدر من الغسالة هن النجاسة المتبعضة غسالة نجسة, فيصير النصف المغسول كله نجسًا بعد غسله, ثم لما اشتغل بغصل النصف (الثاني) اتصلت الغسالة بالنصف الأول النجس فينحدر ويتردد في النصف المغصول أجزاء فيصير الثوب كله نجسًا (بمثل هذا الغسل). ومن (التشبيه) البعيد ما قاله صاحب الإفصاح: إنه كالسمن الجامد والماء يتردد بعد الاتصال من أحد النصفين (إلى النصف الثاني)؟ (فشبيهه السمن) الذائب إذا

مسألة (95)

ماتت فيه فأرة, فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإراقته. مسألة (95): قال الشافعي- رضي الله عنه-: (أصل) الأبوال وما خرج من (مخرج) حي (مما يؤكل لحمه أو لا يؤكل) (لحمه) , فكل ذلك نجس إلا ما دلت عليه السنة من الرش على بول الصبي. هكذا نقله المزني واخطأ فيما حكاه, وإنما قال الشافعي- رضي الله عنه- فكل ذلك نجس يغسل, ثم استثنى من الغسل لا من النجاسة, (فقال): إلا ما دلت عليه السنة من الرش على بول الصبي ما لم يأكل الطعام, ثم قال ولا يتبين لي فرق بينه وبين بول الصبية. (وأما فرقه) بين من أكل الطعام وبين من

لم يأكل (الطعام) فالسنة, والمعنى أما السنة (فهي ما روى) في حديث أم قيس بنت محصن والصبي الذي جاءت به إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- للتحنيك فبال في حجر النبي- صلى الله عليه وسلم- فرش عليه الماء ولم/ (66 - أ) يغسله ولم يفعل ذلك في بول الصبيان بعدما أكلوا الطعام. والفرق بينهما من حيث المعنى أن حكم بوله حين لم يأكل الطعام أخف, وإزالة النجاسة على مراتب كما أن النجاسة على مراتب. وأما الفرق بين الصبي والصبية فقد أشار (...) الشافعي رضي الله عنه بالإعراض عنه, وقال: ليس يتبين لي وأمر بالرش فيهما (جميعًا) , فكأنه (علم) ما وري فيه من

مذهب علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أن بول الصبي يرش (عليه الماء) وبول الصبية (يغسل) , ويتعذر الفرق بينهما من طريق القياس لأن أكثر ما فيها (أنها) في الحالة الثانية محل دم الحيض وهذا لا يوجب فرقًا, (لأنها حين تصير) محل الحيض لا يغلظ حكم بولها على (حكم) بول الرجل (فالتوهم) , أبعد غير أنه قد روى فيه حديث مرفوع إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- قال:"يغسل بول الصبية ويرش على بول الصبي" فإن صح الحديث وجب الفرق (بينهما)

بالسنة, وقد قال بعض أصحابنا إن باطن فرج المرأة نجس فلا يبعد اعتماد هذا الأصل في الفرق بين بول الصبي والصبية, ولا يظن أن الرش إنما هو الاقتصار على اليسير من الماء, إنما الرش (هو) مكاثرة البول بالماء حتى تصير أجزاؤه بأجزاء الماء (مغلوبة) من غير أن يرجع إلى تقدير (بعدد) أو حصر, ولهذا قال الشافعي- رضي الله عنه- في بعض المواضع: (يصب على البول للغسل سبعة أضعافه. وما قصد بذلك تقديرًا, (وإنما قصده المغالبة والتقريب). فإن قال قائل: فما الفرق بين (الرش) والغسل (إذا اشترطنا في الرش من المكاثرة ما يشترط في الغسل)؟. قلنا: الفرق بينهما من وجهين.

مسألة (96)

أحدهما: أن الماء في الغسل (أكثر) , وإن اشترطنا المكاثرة في الرش لأن جري الماء شرط في الغسل. والثاني: أنا لا نشترط مع الرش عصر الثوب ونشترطه مع الغسل في (أحد) الوجهين. مسألة (96): إذا غسل الثوب عن البول حتى زال الطعم واللون وبقيت الرائحة فالنجاسة (في الحكم) باقية ما دامت الرائحة (باقية) , (ولو أنه غسل الدم وبقي الأثر) بعد الإمعان والاستقصاء حكمنا بزوال النجاسة. والفرق بينهما: أن لون الدم إذا استجسد وتطاول الزمان عليه لا يكاد يزول. وأما رائحة البول فإنها لا تكاد تبقى, فلهذا قلنا: تبقى (النجاسة أي) نجاسة البول ما دامت الرائحة باقية, ولم نقل ذلك في لون الدم, وقد روى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت في أثر دم الحيض: "كنا

مسألة (97)

(نلطخه) بالزعفران ونصلى فيه". ويستحب ما قالته عائشة من كتمان الأثر. مسألة (97): نجاسة البول باقية ما دامت رائحته باقية/ (66 - ب) , (وإن غسل). ونجاسة الخمر زائلة بعد المبالغة والاستقصاء في غسله, وإن بقيت رائحته (على أصح القولين في الخمر). والفرق بينهما: ما أشرنا إليه و (هو) أن رائحة الخمر لا تكاد تذهب بعدما (ثبتت) إلا بزمان متطاول, وإزالة النجاسة على ما يمكن ويتيسر , وربما (توضع) الخمر في بيت (وهي) في وعائها ثم (نرفع فيبقى) (ذكاء) رائحتها في ذلك (البيت) مع الإحاطة بأن عينها غير

مسألة (98)

باقية (في البيت). ولو تصور مثل ذلك في البول أو في نجاسة من النجاسات ألحقنا حكمها بحكم الخمر, لهذا الاعتبار. مسألة (98): فصل بعض مشايخنا بين أن يصلي الرجل وفي يده طرف حبل, والطرف الآخر على عنق كلب, فأفسد الصلاة, وبين أن يكون الطرف الثاني على (الساجور) والساجور في عنق الكلب, فصحح الصلاة. وسوى (بعضهم في الإبطال وسوى) بعضهم في التصحيح. وطريقة الفرق بينهما واضحة وهو: أن الطرف الثاني إذا كان على عنق الكلب (كان) متصلاً بالنجاسة وفي يده طرف الحبل المتصل بها, فلهذا حكمنا بفساد صلاته. وأما إذا كان الطرف الثاني على (الساجور) بحيث لا يلاقي (بدن الكلب) شيء منه فالحبل غير

مسألة (99)

متصل بالنجاسة, ولا شيء منه متصل بها, وليس الكلب بمحمول حتى تبطل الصلاة بعلة الحمل, ولكنه حبوان مختار ومثل هذه المسألة مسألة السفينة (إذا كانت) مشحونة سمادًا وأحد طرفي الحبل مشدود في السفينة والطرف الثاني في يد المصلي (أو مشدود) على وسطه, فالتفصيل فيها مثل التفصيل في مسألة الكلب. مسألة (99): إذا صلى الرجل وفي كمه قارورة مصمومة فيها نجاسة فالمذهب أن الصلاة باطلة, وقد قال الشافعي - رضي الله عنه-: "لو أحميت حديدة ثم صب عليها سم نجس فقيل قد شربته الحديدة طهرت بالماء". الفرق بين المسألتين: أن الحديدة إذا شربت نجاسة بالسقي كما صوره الشافعي - رضي الله عنه- صارت تلك النجاسة (تشبه نجاسة الخلقة) التي لا سبيل إلى إزالتها, (ولهذا لو وضع رجل) على رأسه دهنًا نجسًا فشربه رأسه كفاه أن

مسألة (100)

يغسل (ظاهر) رأسه, لأن النجاسة لما بطنت صارت كالنجاسة الباطنة, وأما القارورة المصمومة المشتملة على النجاسة فباطنها (هو) في حكم (ظاهر) , إذا ليس يتعذر إزالة النجاسة عن باطنها, (ولهذا لا يسوى) لين نجاسة نصيب باطن الفم أو باطن الأنف, وبين النجاسة في الجوف, (لهذه) النكته. ولفظ الشافعي- رضي الله عته-/ في تعليل مسألة الحديدة (67 - أ) (المسمومة) يكشف ما قلناه, ولفظه أنه قال: "طهرت بالماء والطهارة إنما جعلت على ما يظهر ليس على الأجواف". وهذا التعليل يقتضي (أن رجلاً) (لو طبع سيفًا من زبرة) (حديد) وبعض جهاتها نجس فصار محل النجاسة باطنًا بالطبع والضرب حتى لا يتوصل إلى ذلك الباطن أن الصلاة تصح معه. والله أعلم. مسألة (100): إذا ولغ في الإناء عدد (كلاب) فغسل سبعًا (مع) التعفير

كما يغسل عن ولوغ الكلب الواحد أجزأ, والأبوال إذا كثرت على المكان الواحد لم يكف في إزالتها (الماء) (الذي) تزال به نجاسة ((البول الواحد. والفرق بينهما: أن نجاسة (الولوغ))) حكيمة فإزالتها لا تكون بالمكاثرة والمبالغة, ولكن بما مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حكم إزالتها, حيث قال فيما رواه أبو هريرة "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعًا. "وأما إزالة نجاسة البول (فطريقها) طريق المبالغة والمكاثرة, ولهذا اكتفينا في بعض المواضع بالرش لقلة النجاسة, والأبوال إذا

مسألة (101)

كثرت فهي أعيان النجاسة, ولا يتأتى إزالة الأجزاء الكثيرة (فيما يتأتى) به إزالة الأجزاء القليلة, ولهذا قال الشافعي- رحمه الله عليه-: " (وإن) (بال) اثنان لم يطهره إلا دلوان". وما أراد بذلك تقديرًا بالعدد, وإنما أراد (بذلك) الأصل الذي أشرنا إليه وهو الزيادة في المزيل عند (وجود) الزيادة في المزال. مسألة (101): البول إذا أصاب بقعة من الأرض أو الخمر أو ما أشبههما من المائعات النجسة طهرت (تلك) البقعة بذنوب من ماء, كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولو اختلط الروث والرميم النجس بأجزاء التراب لم ينفع صب الماء على تلك البقعة وإن كثر الماء. والفرق بين النجاستين:

(أن المائعة إذا صارت مغمورة) بالماء فشربته الأرض (وانتشفته) مع الغسالة وانحدرت الغسالة (وغاصت) النجاسة في طبقات الأرض فبقي وجهها (طاهرًا). وأما أجزاء الرميم (أو الروث) فإن الماء لا يغوص (في) تلك الأجزاء ولا يفنيها, بل تبقى على وجه الأرض وتصير الغسالة نجسة بملاقاتها فتزداد النجاسة بمثل هذه الإزالة ولا تطهر البقعة إلا برفع الأجزاء (كلها) (عن) وجه الأرض, ثم إن كانت يوم حلت بالبقعة رطبة وجب صب الماء (عليها) لإزالة حكم النجاسة وإن كانت يابسة يوم حلت بالبقعة فقد طهرت لما رفعت ولا حاجة (بنا) إلى الغسل, وكذلك الثوب إذا علقت به نجاسة يابسة ثم سقطت بالانتفاض (والنفض) فكأنها لم تكن, وهو معنى قول

مسألة (102)

أم سلمة لرسول الله/ (67 - ب) صلى الله عليه وسلم , (حيث) قالت: يا رسول الله إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي على المكان (القذر) , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يطهره ما بعده". مسألة (102): إذا صلى الرجل واضعًا (قدمه) على نجاسة فصلاته باطلة, (ولو أن النجاسة كانت) على محاذاة صدره في السجود أو على محاذاة عينه من غير مماسة, فالصحيح من المذهب أن صلاته صحيحة. والفرق بين الحالتين: أن النجاسة إذا كانت موطوءة كانت متصلة به وكان بعض (بدنه) متصلاً بها وصارت كالمحمولة. وأما إذا كانت على محاذاة

مسألة (103)

صدره (ولم) يسقط عليها يديه ولا ثيابه فهي (...) غير متصلة به فصارت كما لو كانت على (طرف) بساط وهو يصلي على طرف آخر. ولفظ الشافعي رحمة الله عليه في كتاب الصلاة مع هذا (الوجه) , حيث قال: "ولم يسقط عليه ثيابه (اجزأه) " فاعتبر سقوط الثياب ومن قال بالوجه الآخر (يعلق بأول اللفظ) , حيث قال: "والبساط (كالأرض) (إن صلى) في موضع منه طاهر والباقي نجس ولم يسقط عليه ثيابه (أجزأه) ". (فاشترط في الموضع الذي يصلي عليه وينسب إليه أن يكون طاهرًا). مسألة (103): إذا صلى على بساط وموضع قدميه ومصلاه (طاهر) وعلى يمين

البساط أو (على) يساره نجاسة أجزأته الصلاة, ولو كان على رأسه (عمامة) أجد (طرفيها) (على رأسه) , والطرف الثاني بعيد منه على الأرض, أو في يد إنسان وهو نجس فصلاته باطلة. والفرق بينهما: أن المنسوب إليه وإلى استعماله من البساط موضع الوقوف (وموطئ) القدمين ما لابد منه للجلوس والسجود وهذه المواضع كلها طاهرة قلا يضره نجاسة سائر الأطراف. وأما العمامة فمنسوبة إليه على وجه (اللبس) والاستعمال والحمل؛ لأنه حاملها وهي محمولة, وربما يلبس (الرجل) ثوبًا طويل الأذيال والأكمام (بحيث) يجر ذيله فيشترط من طهارة الأذيال الطويلة البعيدة (عنه) (مثل) (ما يشترط من) طهارة الجنب والصدر وغيره.

مسألة (104)

مسألة (104): الكافر الجنب لو دخل مسجدًا بإذن مسلم فلا بأس, ((ومقامه)) وعبوره سواء في الإباحة, والمسلم ((الجنب لو دخل مسجدًا دخول مقام لا دخول عبور صار عاصيًا لله تعالى)). والفرق بينهما: أن المسلم)) اعتقد الإسلام والتزم الأحكام فلزمه تعظيم المسجد واحترامه ومن تعظيمه ألا يقيم فيه وهو جنب. وأما الكافر فهو غير ملتزم (تعظيم) (المسجد) لما كان غير معتقد لدين الإسلام, (وقد) روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر بثمامة بن أثال أن يربط على سارية من سواري المسجد, وأنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف في المسجد وهم

كفار. فإن قال قائل: أقبلوا (وافدين) للإسلام وكانوا مسلمين حين أنزلهم قلنا: أقبلوا لهذا القصد, ولكنهم كفار إلى أن قبلوا شرائع/ (68 - أ) الإسلام, والدليل على هذا ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه) لما عرض عليهم الإسلام قبلوا الصوم وامتنعوا عن قبول الصلاة, فقالوا على شرط (أن لا نجبي التحية) هيئة السجود, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا خير في الدين لا صلاة فيه" , فقبلوا الصلاة واشترطوا أن يمهلهم سنة (في كسر) أصنامهم فلم يمهلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا: لا نكسرها بأيدينا, فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يكفيكم غيركم (كسرها) ". فثبت أنهم كفار حتى مضت (عليهم) أيام فتم

إسلامهم, فكتب لهم رسول اله صلى الله عليه وسلم عهدهم. ولفظ الشافعي رضي الله عنه (نص) (فيما) قلناه من الفرق, لأنه قال: "ولا بأس أن يبيت المشرك في (...) كل مسجد إلا المسجد الحرام", (فلم) يفصل بين أن يكون جنبًا وبين (أن) لا يكون جنبًا. وأما المرأة الحائض (فممنوعة من دخول) (المسجد) سواء كانت مسلمة أو ذمية, لأن معنى المنع (هو) خرف التلويث مع تغليظ حكم الحيض, والمسلمة والكافرة في ذلك سواء. وأما الحرم ومساجده فلا يجوز أن يدخلها مشرك عابرًا ولا مقيمًا بعد نزوله قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}. واختيار المزني رحمه الله (التسوية) في جواز المقام

بين المسلم الجنب وبيم الكافر الجنب وذلك مستبعد مع ما ذكرنا من الفرق (بينهما). فإن قال قائل: أليس الصحيح أن الكفار مخاطبون بالفروع كالمسلمين فيجب (أن لا يفصل) بين كافر ومسلم في تعظيم حق المساجد؟ ((قلنا: التعظيم ينشأ (ويتصور) عن أصل عقيدة (و) الكافر غير معتقد, سواء)) قلنا إنهم مخاطبون (بفروع الدين) أو غير مخاطبين, وفائدة (توجيه) الخطاب عليهم زيادة عقوبتهم في الآخرة. فأما في الدنيا فلا

مسألة (105)

(يتوجه) عليهم قضاء العبادات إذا أسلموا, والمستحب (في جملة) تعظيم المساجد عن المشركين. مسألة (105): لأهل الذمة نزول المساكن الموقوفة على (المجتازين) مع المسلمين مستغنين عن الاستئذان, وليس لهم دخول المسجد إلا بإذن (بعض) المسلمين, والأولى أن لا (يدخلوها) , فإن دخلوها بإذن من المراهقين (فيعزروا). الفرق بين المساجد والرباطات: أن المساجد مختصة المنافع بالصلاة والاعتكاف وما أشبههما, ولهذا يكره جلوس الحاكم فيها للقضاء, ويكره (أيضًا) إنشاد (الضالة) , و (يكره) أن يذكر فيها مع (الله) أحدًا. قال الله

مسألة (106)

تعالى: {وأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}. وأما الرباطات فإنها موقوفة من المجتازين وقف عموم لا وقف خصوص والصدقة على أهل الذمة من الصدقة, والثواب عليها/ مأمول, وإن كنا لا نجوز وضع الصدقاات (68 - ب) المفروضات فيهم, وهذا من التطوع والتطوع خلاف الفرض, (ولهذا فرقنا) بين وجود الإذن وعدمه, لأنه ما من مسلم إلا وله حق في المساجد والارتفاق بمرافقتها المخصوصة (المحصورة) , فإذا أذن (لذمي في الدخول فقد صار الإذن عن بعض من له الحق, فإذا لم يوجد إذن) من أحد (كان بمنزلة) من دخل دارًا مشتركة من غير إذن أحد من الشركاء, ولو دخلها بإذن الواحد منهم كان ذلك الدخول جائزًا, ولم يكن من جملة الغصب (المذموم). مسألة (106): من اعتاد صلاة الضحى ثم نسيها أو اشتغل عنها قضاها

أبدًا, ومن نسى الوتر حتى صلى فريضة الصبح أو نسي ركعتي الفجر حتى صلى فريضة الظهر لم يفض هاتين الفائتين في أصح القولين. والفرق بين الجنسين: أن الوتر تبع (لمكتوبة) العشاء وركعتا الفجر (تبع) لمكتوبة الصبح, فإذا نسي التبع حتى فات وقت الصلاة المتبوعة (...) ودخل وقت (صلاة) أخرى ثم تذكر لم نأمره بالقضاء, (لأنه) لو قضاها صيرها في الصورة (والحقيقة) تبعًا للمكتوبة (الثانية). وأما صلاة الضحى فليست تابعة لشيء من المكتوبات, فمتى قضاها لم ينقل تابعًا من متبوع إلى متبوع. فإن قال قائل: فإذا (كانت) ركعتا الفجر تبعًا للصبح فلم (لا) يجوز (قصد تأخيرها) إلى الفراغ من الصبح؟ وإذا جاز تقديمها على الفريضة فلم لا يجوز تقديم الوتر

على العشاء والآخرة)؟ قلنا: معنى التبعية موجود في التقديم والتأخير جميعًا وأتباع الأميز أتباع له تقدموا أو تأخروا, (و) الوقت بعد مكتوبة الصبح (وقت الكراهة والنهي) , فلم يجز قصد تأخير الركعتين إلى ذلك الوقت إلا أن (يفتن) , فيجوز فعلها بعد الفراغ من الفرض. وأما الوتر فإنه موتر لصلاة الليل ويدخل وقت صلاة الليل بالفراغ من العتمة, ولهذا قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "صلاة الليل مثنى مثنى, فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر (له) ما قد صلى". وظن المزني رحمه اله أن الشافعي رضي الله عنه أنزل درجة الوتر عن درجة الضحى ونظائرها فاعترض (و) قال: إن الشافعي رحمه الله جعل الوتر وركعتي الفجر آكد (من سائر) التطوعات, حتى أنه قال: من ترك واحدة منهما كان أسوأ حالاً ممن ترك (جميع النوافل). فكيف لم يأمر بقضاء الوتر

وركعتي الفجر وأمر بقضاء الضحى ونظائرها إذا أغفلها؟ (قلنا:) (هذه) غفلة من المزني, وإنما راعى الشافعي- رحمه الله- في هذا القول نكتة التبعية لا من ظنه المزني من (توهين) شأن التوتر. وعلى هذا الأصل لو نسي السنة الراتبة المشروعة للظهر (ولم يتذكرها) حتى فرغ من مكتوبة أخرى (لا نأمره) بقضائها, كما لا/ (69 - أ) (نأمره) بقضاء الوتر. فإن قال قائل (فهلا) منعتم على هذا القول قضاء الوتر بعد طلوع الفجر الصادق (و) قبل أداء مكتوبة الصبح, فإن هذا الزمان (زمان) تابع لصلاة الصبح وهو ركعتا الفجر , والشافعي رحمه الله عليه إنما حد فوات الوتر بأن يصلي الصبح, وفوات ركعتي الفجر بأن يصلي الظهر. قلنا: الشافعي رحمه الله اعتبر في هذه حقيقة التبعية وصورتها لا حكمها, والزمان المتقدم على (فعل) المكتوبة التي دخل وقتها ليس بتابع من حيث

مسألة (107)

الصورة, وإنما صار نابعًا من حيث المعنى (والمتقدمون على الأميز أتباع في المعنى) , والمتأخرون أتباع لمن تقدم من حيث الصورة والمعنى. ويقوى هذا العذر. مسألة (107): وهي أن الرجل إذا تيمم للظهر وفرغ منه جاز (له) أن يتنفل على أثره , (و) إذا دخل وقت العصر فأراد أن يتنفل بذلك التيمم جاز له أن يفعل , وصار ما قبل فريضة العصر من وقتها ملحقًا بوقت الظهر, فكذلك في قضاء الوتر (و) قضاء ركعتي الفجر. وهذا الذي ذكرناه في التيمم أظهر المذهبين وأصحهما, ولو قلنا غير ذلك نحونا نحو مذهب أهل العراق, حيث أبطلوا (بخروج) وقت المكتوبة الطهارة, وذلك على أصل الشافعي- رحمه الله- (بعيد).

والذي يؤكد ما قلناه المسألة المنصوصة في كتاب البويطي (وهي) قوله: " (فإن) نوى (بتيممه) مكتوبة مفردة فلا يجوز له أن يصلي بذلك نافلة قبل المكتوبة ويجزيه أن يصلي بعدها" ففرق (بين) ما قبل المكتوبة, وبين ما بعدها, ثم قال" فإن نوى بتيممه المكتوبة والنافلة أجزأه أن يصلي النافلة قبل فعل المكتوبة وبعدها" فإن قال قائل: وما الفرق بين المسألتين المنصوصتين في رواية البويطي؟. قلنا: والفرق بينهما: إن الرجل إذا قصد فعل المكتوبة بالتيمم فالنافلة ما صارت أصلاً في قصد فليس له فعل النافلة أمامها حتى يدخل (وقت) التوابع صورة وحكمًا. وأما إذا نوى بتيممه النافلة والمكتوبة جميعًا (فقد) صارت النافلة أصلاً ف قصد التيمم, كما صارت المكتوبة أصلاً, والوجهان اللذان أشرنا إليهما في التنفل بالتيمم (الذي) كان للظهر في وقت العصر يجب أن يكونا (فيمن) قصد الفريضة بالتيمم. فأما من قصد الفريضة والنافلة

مسألة (108)

وفرغ من الفريضة ودخل وقت الفريضة الثانية قله (التنفل) بذلك التيمم زجهًا واحدًا. مسألة (108): روى الربيع رحمه الله عن الشافعي رضي الله عنه أنه أن المستحاضة إذا تطهرت, وافتتحت صلاتها فانقطع دمها في أثناء صلاتها تبطل صلاتها, وعليها الاستئناف, وروى الربيع والمزني رحمهما الله عن الشافعي رضي الله/ (69 - ب) عنه (أنه قال): "وإن صلت (أمة) ركعة مكشوفة الرأس ثم أعتقت فعليها أن (تستتر) إن كان الثوب قريبًا (منها) وتبني على صلاتها", ثم قال المزني رحمه الله: "وكذلك المصلي عريانًا لا يجد ثوبًا, (ثم يجده) في أثناء الصلاة, والمصلى خائفًا, ثم يأمن والمصلي مريضًا يومئ, ثم يصح أو يصلي ولا يحسن أم القرآن , ثم يحسن أن ما مضى جائز على ما كلف وما بقي على ما كلف, ((وهو معنى (كلام) الشافعي)) رضي الله عنه".

(والفرق بين المستحاضة وبين هؤلاء): أن المستحاضة بعدما فرغت عن طهارتها تجدد عليها حدث لم تتطهر له (وهو انقطاع دمها) , وإنما أبحنا لها الصلاة (مع خروج دمها) , لضرورة العلة وشدة الحاجة, فإذا انقطعت العلة (وتيقنت) المرأة (انقطاع دمها) , بما يتصور به اليقين من حالة (أحست بها, أو تطاول) زمان لم يجز (لها) (أن تبني وتمضي) (و) الضرورة زائلة والحالة متغيرة حتى تتطهر للحدث الحادث وتغسل عن نفسها نجاسة تجددت بين الطهارة وبين زوال العلة. وأما (الأمة) إذا أعتقت في خلال صلاتها فتقنعت (بقناع قريب) منها فليس معها في باقي صلاتها (أثر من العري) السابق فيمنعها صحة البناء, ولكنها حالة قد

انقضت واستعقبت أكمل منها، وكذلك المسائل التي ذكرها المزني رحمه الله. (فإن قال قائل): يلزمكم على هذا أن تبطلوا صلاة المتيمم بوجود الماء، لأنه مستصحب أثر الحالة السابقة وهو حدثة (إذ) التراب لا يرفع الحدث، قلنا: المتيمم غير مستصحب مانعاً عن الصلاة كما كانت المستحاضة مستصحبة، ولم يتجدد (على) المتيمم حدث بعد تيممه كما تجدد على المستحاضة، ولو تصورت المستحاضة بصورة المتيمم كان لها البناء، وذلك مثل أن (تغسل) الدم (وتكمل) الوضوء ولا يسيل منها دم مع (الوضوء) (فتشرع) في الصلاة فيتبين لها بطول الزمان (و) عدم معاودة الدم، (أن) (....) الدم قد انقطع (فلها) إكمال الصلاة، وليس عليها الاستئناف، لأنها بعدما تطهرت لم يتجدد عليها حدث ولم تصر حاملة (نجاسة) من أول صلاتها إلى آخرها.

مسألة (109)

مسألة (109): نص الشافعي رحمة الله عليه على أن الإنبات بلوغ في أولاد المشركين، (لا يختلف مذهبه في ذلك)، واختلف مذهبه في أولاد المسلمين إذا أنبتوا. والفرق بينهما: على أحد المذهبين أن ميلاد أولاد المسلمين مما يتيسر الإحاطة (به وإقامة البينة عليه، وميلاد أولاد الكفار لا يتيسر الإحاطة به)، وشهادتهم غير مقبولة، ولا سبيل في غالب الحال إلى إقامة البينة على الميلاد، والإنبات علامة ظاهرة دالة (على البلوغ)، (ولهذا، روي) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لما حاصر بني قريظة ثم استنزلهم على حكم سعد بن معاذ رصي الله عنه فحكم فيهم بقتل/ (70 - أ) (مقاتليهم) وسبي ذراريهم

مسألة (110)

أمر النبي - صلى الله عليه وسلم بالكشف (فقتل) (كل) من أنبت الشعر تحت ثيابه واسترق كل من لم ينبت. فحعل الشافعي رضي الله عنه الإنبات فيهم عين البلوغ على أحد القولين، (فعلي هذا القول) لا يفصل بينهم وبين أولاد المسلمين كالاحتلام، والحيض، وجعله في القول (الثاني) أمارة تدل على البلوغ للعجز عن علم الميلاد، ولم يجعله على هذا القول في أولاد المسلمين أمارة (البلوغ. مسألة (110): المشهور من المذهب أن الاحتلام في النساء كالاحتلام في الرجال ومن أصحابنا من لم يجعل الاحتلام في النساء بلوغا. ومن قال بها المذهب فصل بين الرجال والنساء بأن قال: إن البلوغ معلق بالأمارات الجلية الزاهرة التي لا يختلف في وجودها ويستغني عن الاجتهاد

الكثير في أعيانها (عند) أوانها، وذلك هو الحيض في النساء (والاحتلام في الرجال. وأما الاحتلام في النساء) فذلك مما يستبعد وجوده ويندر وقوعه وتخفي أوصافة عند وجوده، فيتعذر تعليق البلوغ به. والدليل على أنه (مستبعد: أن المرأة التي سألت (.....) النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حكم (احتلام) النساء، لما سألت (عن) ذلك استبعدت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - السؤال، وقالت: فضحت النساء فضحك (الله)، وهل (تختلم) المرأة قط؟. إلى أن عرفها النبي - صلى الله عليه وسلم - (فقال): "إن ذلك (قد) يتصور (فقال: تريث) يمينك (مم الشبه) (إذن)؟. إذا سبق (ماء) الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أعمامه، وإذا سبق ماء المرأة

ماء الرجل نزع الولد إلى أخواله". ومن قال بالوجه الآخر يعتمد هذا الخبر ويقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أثبت للنساء ما أثبت للرجال من الماء، (فوجب) أن ثبت في ماء النساء من حكم البلوغ ما ثبت للماء في الرجال. ومن قال بالوجه الآخر انفصل عن هذا (بأن) قال: حكم الأصل المعتاد (يباين) حكم المستبعد النادر. ألا ترى أن اللبن لما كان معتادًا في النساء دون الرجال تعلق بألبانهن حرمة الرضاع، وربما ينزل للرجال لبن وقد سمعنا بذلك، ثم أن الرجل لو أرضع بلبنه، كما ترضع المرأة لم يتعلق (بذلك) من حرمة الرضاع ما يتعلق (برضاع) النساء.

مسألة (111)

مسألة (111): قال الشافعي - رضي الله عن- -: "يجوز أن يوتر بركعة ليس قبلها شيء. هذا هو المذهب أن الرجل إذا صلى مكتوبة العشاء وصلى بعدها ركعة واحدة سميناها وتراً، (ولهذا روي) عن (سعد) بن أبي وقاص أنه فعل ذلك فأنكر عليه بعض الناس. فقال له سعد: "أتعلمني الصلاة وقد سافرت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا". وقال بعض أصحابنا: إن الوتر غير مسنون لمن لم يزد (على) المكتوبة (72 - ب) ولكن (إذا زاد) عليها/ (فتجهد) بشيء من الصلاة كان (ما

يصلي من الركعة الواحدة وتراً. والفرق بين من (يتهجد) وبين من لا (يتهجد): أن (المتهجد) يصلي (شفعا) (و) ما رزق الله تعالي، فإذا فعل ذلك توجهت (عليه) سنة الإيتار، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من قام الليل فليجعل آخر صلاته وتراً". وأما من لم (يتهجد) فليس له شفع يحتاج أن يصيره وتراً، و (لهذا) (لما) قام الأعرابي يستفيد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعليم الوتر، قال - صلى الله عليه وسلم -: "أجلس فإنه ليس لك ولا لأحد من قومك". ولو

(كانت) الركعة الواحدة عقيب المكتوبة وتراً على الحقيقة لاستوى في حق الوتر (الأعراب) الذين لا يحفظون القرآن (ولا يتهجدون)، وسائر (المسلمين) الذين هم جفظة (يتهجدون). (فإن قال قائل:) الصلاة العشاء في نفسها شفه والركعة الواحدة نوترها. قلنا: ما جعلت هذه الركعة (وتراً للمكتوبات)، وإنما جعلت (وتراً لصلاة) الليل. والدليل على ذلك، ما روي ابن عمر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة الليل مثنة مثنى فإذا خشى أحدكم الصبح صلى ركعة يوتر له ما (قد) صلى". وقوله - صلى الله عليه وسلم - مثنى مثنى صفة صلاة الليل لا صفة صلاة العشاء. جواب ثان: إن ركعات صلاة الفرض (التي) تصلي في الليل (... .) وتر في نفسها وهي سبع ركعات المغرب والعشاء، (وإن جعل) المغرب وتر (النهار) فاستغنينا عن إبتار الركعات لمفروضة المفعولة ليلاً، وإنما يحتاج إلى

مسألة (112)

إيتار النوافل. (وهذان) الوجهان في الجواز، فإما الأفضل والأولي فغير ذلك. قال المزني - رحمه الله -: قلت للشافعي - رحمه الله - في كتاب اختلافه عن مالك - رحمة الله عليه - " أيجوز أن يوتر بواحدة ليس قبلها شيء؟. قال: نعم. والذي اختار ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي إحدى (عشرة) ركعة يوتر فيها بواحدة. مسألة (112): القارئ إذا صلى خلف الأمي فصلاة القارئ باطلة في أصح القولين. ولو صلى المتطهر خلف الجنب كانت صلاة المتطهر صحيحة. وأختار المزني رحمة الله عليه في القارئ (... .) صحة صلاته، واحتج بمسألة الجنب ورجح بأن الطهارة (ما) وضعت على الجنب والقراءة قد وضعت عن الأمي، وزاد استيضاحاً (بالتصوير) في الجنب العالم بجنابته تصح خلفه صلاة المتطهر الجاهل بصلاة إمامه، وإمامه (عاص) بترك التطهر، والأمي غير عاص بترك

القراءة. فيقال له الفرق بين المسألتين/ إن الأمي ناقص نقصاً عائداً إلى أصل الخلقة مؤثرا فيما يتعلق بشرائط الصلاة وهي القراءة، وليس في بدن الجنب والمحدث نقصان خلقة (له تأثير) في شرائط الصلاة، ومشهور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (افتتح) الصلاة وهو جنب ثم تذكر، فخرج واغتسل وعاد وصلى بهم، فلم يكن (ذلك) نقصاً فيه ولا معني (للتصوير) في/ (71 - أ) الإمام العالم إذا كان المأمون جاهلاً، ولا يقع بذلك ترجيح، والذي يوضح الفرق بينهما: أن القارئ مع العلم بحال الأمي يقتدي به عند من صوب اقتداءة به، والمتطهر لا

يقتدي بالجنب مع العلم بجنابته, فكيف تستوي المسألتان؟ والذي (يترجح أنه). الفرق بينهما: أن القراءة من جنس ما يجري فيه التحميل, وليست الطهارة كذلك. والدليل على (أن) التحمل (يجري في القراءة) أن السورة إذا قرأها الإمام سقطت قراءاتها عن المأموم, ولهذا قال- صلي الله عليه وسلم-: ((إذا كنتم خلفي فلا تقرأوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة (إلا) بها)). وذهب بعض أصحاب أبي العباس (الملكي) وهو ابن سريج (إلى) أن الإمام يتحمل عن المأموم فاتحة الكتاب إذا أدركه راكعا وإن كان أميا لا يتصور منه التحمل. وعلى هذه الطريقة جرى أهل العراق فقالوا: تنعقد صلاة القارئ خلف الأمي, حتى (أنه) إذا انتهى (الإمام) إلى

مسألة (113)

زمان القراءة فعجز عنها وعن التحميل بطلت صلاته, وصلاة القارئ المقتدي به. (ونحن لا نبطل صلاة الإمام بحال, وإنما نبطل صلاة المقتدي).ولا يتوقف في إبطالها على زمان القراءة, لما ذكرناه من وجود علة نقصان الخلقة (مع التحرية). مسألة (113): صلاة القائم (خلف القاعد) المعذور بالقعود في المكتوبة صحيحة. وصلاة القارئ خلف الأمي باطلة. وهذه المسألة أيضا مما احتج بها المزني. الفرق بين المسألتين: أن القعود (للمريض العاجز) لا يصير نقصا في بدن الإمام يرجع إلى الصلاة فيؤثر في شرائطها, وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا والناس خلفه, ولم يكن ذلك نقصا فيه ولا في إمامته, وصحت صلاة القائمين

مسألة (114)

وإمامهم قاعد. قال المزني- رحمه الله عليه-: ((فقد القيام اشد من فقد القراءة)). وهذا بالعكس أولى, لان المتنفل يصلي قاعدا مع القدرة على القيام ولا بد له من القراءة إذا قدر عليها. مسألة (114): حكي المزني رحمة الله عليه عن الشافعي- رضي الله عنه- انه قال: تصح صلاة الطائفة الثانية في الخوف مع (إمام) نسى سجدة من الأولى. قال المزني رحمة الله عليه: وقد بطلت هذه الركعة الثانية على الإمام وأجزأتهم (عنده) , وصلاة الأمي غير باطلة, فكيف تكون صلاة القارئ خلف من صحت صلاته باطلة؟. فيقال (له): والفرق بينهما: أن الإمام الذي نسى سجدة من الركعة الأولى لم يكن نسيانه عائدا إلى أصل الخلقة, وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم- ((إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني)). ثم اعلم أن عبارة المزني فيما حكاه ليست بمستقيمة, وهي قوله: ((وقد بطلت هذه الركعة (الثانية) (على) الإمام)). فلا نقول

مسألة (115)

إنها بطلت, ولكن نقول كما قال الشافعي- رضي الله عنه-: ((إنها عمل كلا/ (71 - ب) عمل)) , لأنا لو قلنا بطل شيء من الصلاة لزمنا أن نقول: (إنها بطلت) جميع الصلاة, وهكذا نقول: في (كل مصل زاد في صلاته) عملا (يلغوا ذلك) العمل (وهو) غير محسوب, ولا وجه لإطلاق عبارة الإبطال, لأن التحريمة في تلك الساعة مستدامة, (ولو بطلت التحريمة) لبطلت الصلاة. مسألة (115): الإمام إذا تعمد ترك فاتحة الكتاب مع القدرة على القراءة في الظهر (أو العصر) , وقرأها المأموم ولم يعلم ما فعله إمامه فصلاة المأموم صحيحة, هكذا حكاه المزني عن الشافعي رضي الله عنه, واحتج بذلك على صحة صلاة القارئ خلف الأمي ورجح بأن هذا ليس بأكثر ممن تعمد ترك ((القراءة, فيقال له (الفرق بينهما: أنه) إذا تعمد إمامه

مسألة (116)

ترك)) القراءة لم يرجع (ذلك) إلى نقص فيه, وإنما هو عصيان منه وتهاون بالعبادة. وأما كونه أميا (فهو نقص) فيه عائد إلى أصل خلقته, والنقص في الخلقة إذا اختص بما يؤثر في الصلاة (أثر) في المنع (من) صحة الإمامة (إلا أن يكون) المقتدي مساويا للإمام في ذلك النقص, ولهذا جوزنا صلاة النساء خلف المرأة, وخلف الخنثى, (ولم نجوز صلاة الرجال خلفهما). مسألة (116): الخنثى إذا بان (أنه) ذكر صح صلاة الرجال خلفه بعد البيان. ولو صلوا قبل البيان, ثم بان أنه رجل أو صلى الخنثى قبل البيان خلف امرأة, ثم بان أنه امرأة, فالصلاتان باطلتان على اصح القولين. وإحدى المسالتين منصوصة, وهي صلاة الخنثى خلف المرأة,

(والأخرى تخريج من بعض مشايخنا, وهي صلاة الرجل خلف الخنثى). والفرق بينهما: واضح وهو أنه حين صلى خلف من بقى فيه أشكال صلى جاهلا بأن إمامه صالح للإمامة (أو) غير صالح, وإنما بان له وصفه بعد العبادة وكان في حال الاقتداء على تخمين (من الاحتمالات) , والصلاة لا تحتمل مثل هذا التشكيك والتردد, (ولهذا المصلى) (إذا) شك في خلال صلاته (أهو) على طهارة. أو محدث فمضى عليه حتى فعل ركنا من أركانها ثم تذكر أنه على الطهارة بطلت صلاته. وأما إذا بانت حالته ثم اقتدى الرجل به فليس في إمامته سوى

مسألة (117)

زيادة خلقه فيه, وهو صالح للإمامة حين كبر خلفه. مسألة (117): إذا صلى في دار على يمين المسجد أو يساره وبابها مفتوح, والصف الواقف في الصحن (هو) متصل بالمسجد صحت (صلاة) (من) كان واقفا في هذا الصف, الذي بعضه في المسجد, وبعضه في الدار, (و) صحت أيضا صلاة (من هو) (من) خلفهم في (صحن) الدار على قرب, وبطلت صلاة من تقدم على (هذا) الصف في صحن الدار وإن لم يكن موقفه متقدما على موقف الإمام في المسجد. والفرق بين المتقدم والمتأخر: أن من وقف خلف هذا الصف فموقفه متصل بهذا الصف حسب اتصال الصفين المتواليين, ومن هو في الصف متصل بمن

هو/ (72 - أ) في المسجد, فلهذا صحت صلاتهم. وأما من تقدم على الصف (فهو) غير موصوف بالاتصال بأحد ممن هو في صحن الدار, ولا ممن هو في المسجد, فلهذا بطلت صلاته. فإن قال قائل: التقدم لا يمنع الاتصال. (ألا ترى أن) الإمام متقدم على القوم وهو متصل بهم. قلنا: القوم متصلون بالإمام ولا يوصف الإمام (بأنه) متصل بالقوم, وكذلك من هو خلف الصف متصل بالصف, ومن تقدم فهو غير متصل (ولا احد) ممن هو في الدار متصل (به) , لأنه ليس بإمام لهم. ولو كانت المسألة بحالها فصلى رجل في الدار واقفا في بيت من بيوتها ينظر إلى هذا الصف, ويشاهد ركوعهم وسجودهم (فصلاته باطلة). والفرق بينه (وبين) الواقف (خلف) (الصف على قدر ذراعين أو ثلاثة: أن الواقف في الصحن وبينه وبين) الصف (على) قدر ذراعين أو ثلاثة تقريبا (هو) متصل بذلك الصف على عادة اتصال (الصفوف). وأما

الواقف في البيت فهو منقطع (بمكانه) عن المسجد وعن المصلين (الواقفين) في المسجد, ولا بد من الاجتماع مع الإمام والاتصال بالجماعة في المكان, كما لا بد من المتابعة والاتصال في الأفعال, ولولا ذلك لبطل الاجتماع في الجماعات, ولجاز (أن يصلي) الإمام في المحراب في الجامع والناس يصلون في مساكنهم وخاناتهم وأسواقهم ومدارسهم من غير اتصال الصفوف على وجه من وجوه (الاتصال). ولو كانت المسألة بحالها وكان صحن الدار واسعا, ودخل صف المسجد في صحن (الدار) , فوقف خلف هذا الصف (صف) في الصحن وبين الصفين مائتي ذراع أو ثلاثمائه (ذراع) , فالقياس يقتضي أن صلاة الصف الثاني صحيحة, لأن الشافعي- رضي الله عنه- (لم يجعل) هذا القدر من المسافة قاطعا في الصحارى والشوارع, فكذلك في الصحن الواسع, بخلاف بيوت الدار فإن الأبنية إذا اختلفت انقطع بعضها عن بعض في الحكم إلا (في) المسجد الواحد (بأبنيته المختلفة) فإنها جميعا في حكم المتصل, وإن

مسألة (118)

كانت مساجد متداخلة وجماعتها واحدة فهي كالبقعة الواحدة. مسألة (118): الدار إذا كانت خلف المسجد وبابها في المسجد مفتوح فوقف في الدار صف (خلف) الباب, ولم يكن في آخر المسجد صف, (فصلاة) الواقفين في الدار باطلة, وإن كان في آخر المسجد صف, فقد اختلف مشايخنا في (صلاة) الواقفين في الدار خلف بابها, والباب مفتوح ينظر بعضهم إلى بعض. فمنهم من قال تصح صلاته, وقاس على المسألة السابقة المنصوصة وهي إذا كانت الدار على اليمين أو (على) اليسار. ومنهم من أبطل صلاتهم. وفصل بين المسألتين: بأن قال الاتصال على اليمين أو على اليسار اتصال المناكب, وذلك أبلغ من اتصال الصفوف المتوالية, لأن الصفين إذا تواليا فبينهما لا محالة مسافة, وان قربت وأحد الصفين في الدار وحكمها/ (72 - ب) خلاف حكم المسجد الذي وقف (فيه) الصف الثاني. وهاتان المسألتان اللتان ذكرناهما على يمين المسجد وخلفه لو تصورتا على السطح واتصل سطح الدار, بسطح المسجد كان

مسألة (119)

(حكمهما) كما قلناه في (الأرض). مسألة (119): إذا اجتمع في الدار معيرها ومستعيرها, فالمذهب أن المعير أولى بالإمامة من المستعير, وإذا اجتمع فيها مالكها ومستأجرها فالمستأجر أولى بالإمامة. والفرق بين المستعير والمستأجر: أن المستأجر مالك للمنافع (التي استأجرها ملكا تاما؛ ولهذا يتصرف في المنافع) بعقد الإجاره (وبالإعاره فنزل فيها) منزلة المالك, والصلاة فيها من الانتفاع بمنافعها فمالك منافعها أولى بالتقدم من مالك رقبتها. وأما المستعير (فإنما) أبيح له الانتفاع بمنافعها وليس هو كالمالك؛ ولهذا (...) لو أراد الإجارة أو الإعارة لم يكن له شيء من ذلك. فإن قال قائل: أليس (قد) قال الشافعي- رحمه الله- فإن أعار رجلا

بيتا وكان يغلقه دونه فسرق (منه) رب البيت يقطع, فنزل المستعير منزلة المستأجر, ونزل المعير منزلة الأجنبي ومنزلة المكري, فدل على انه جعل المستعير مالكا للمنافع. قلنا: المستعير ليس بمالك (و) لكن صارت الدار بالعارية على عادة العارية محرزا, كما صارت الدار (المكتراة) حرزا (للمكتري) فليس للمعير هتك حرزه, كما ليس (ذلك) للأجانب. وقال (بعضهم أي) بعض أصحابنا) (في) السرقة: إنما يقطع به المالك إذا دخل (الدار) العارية على غير قصد (الاسترجاع). أما إذا قصدها ونيته الاسترجاع, فلا قطع عليه. ومن أصحابنا من اوجب القطع في الحالتين, وقال إن الاسترجاع عادة, وليس الاقتحام من تلك العادة. ومن أصحابنا من سوى (بين) المستعير وبين المستأجر في الإمامة, واتفقوا أن

العبد والسيد إذا اجتمعا في دار (للسيد) سكناها (للعبد) فالسيد بالإمامة أولى, لأن العبد غير موصوف بالملك, واتفقوا (على) أن السلطان أولى من جميعهم (إذا اجتمع معهم) , (ولهذا) قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يتقدم الرجل في بيت رجل إلا بإذنه ولا في ولاية سلطان إلا بأمره)).

مسألة (120)

مسائل القصر مسألة (120): المسافر إذا نوى مع التكبيرة الأولى قصر الصلاة كان له القصر, وان كبر ثم نوى لم يكن له القصر. الفرق بينهما: انه إذا نوى مع التكبيرة انعقد التكبير وهو (جزء) من أجزاء الصلاة على قصد القصر فترتب جميع الصلاة على (هذا) الأصل. وأما إذا فرغ من تكبيرة الإحرام ثم نوى القصر فالجزء الأول من الصلاة انعقد على حساب (الأربع) , لأن أصل الصلاة أربع ركعات في الحضر والسفر, (والتحريم (73 - أ) المطلق) ينصرف إلى الأربع إلا أن ينوى/ القصر (فيه) فينعقد (...) على الرخصة لا على حساب الأربع, ومتى (ما) انعقد جزء من الصلاة على حساب الأربع لزمه الإتمام, لان الصلاة الواحدة لا تتبعض بين الإتمام والقصر, ولهذا قلنا انه إذا اعترض الشك في خلال المكتوبة (أنوى)

مسألة (121)

القصر (أم ترك) النية ثم تذكر على القرب أنه نوى القصر لم يكن (له) القصر, لأن زمان الارتياب محسوب من حساب الأربع. مسألة (121): المسافر إذا تذكر (في سفره) فائتة (فقضاها في) ذلك السفر جاز له قصرها على القول القديم, وإن تذكر فائتة سفر آخر فالصحيح أنه ممنوع من قصرها. الفرق (بينهما): أنه إذا تذكر فائتة سفر سابق (في) سفر لاحق فهما سفران يتخللهما زمان مقام, ولو أراد في ذلك المقام (قضاء) تلك الفائتة مقصورة فالمذهب أنه ممنوع من قصرها, وكذلك إذا ذكرها في سفر (يعقب) ذلك المقام. وأما إذا تذكر فائتة (السفر من ذلك) السفر بعينه

مسألة (122)

فزمان المقام لم يتخلل في هذا الموضع حتى يؤثر في المنع من القصر. وأما مذهبه الجديد فهو أن القصر لا يجري في القضاء, وإنما يتصور في الأداء, حتى أنه قال: ((إنما رخص له في القصر ما دام وقت الصلاة قائما فإذا زال وقتها ذهبت الرخصة)). مسألة (122): (المسافر إذا اقتدى بمقيم لزمه الإتمام, فإن بان أن ذلك الإمام المقيم كان جنبا. نظر): (فإن كان اقتدى به المسافر) معتقدا أنه مقيم فعلى المسافر الإتمام, وإن انكشفت جنابة الإمام, وإن اعتقد أنه مسافر فاقتدى به ثم بان أنه مقيم جنب فليس على المسافر الإتمام, ولا تجد مسافرا مقتديا بمقيم وله القصر إلا في هذه المسألة. والفرق بين الحالتين: أنه إذا اعتقد كون إمامه مقيما فقد نوى تعليق صلاته بصلاة مقيم (فالتزم) بهذا القصد إتمام الصلاة. وأما إذا اعتقد أن إمامه مسافر فأقتدي به ثم بان أنه كان مقيما جنبا (فإنما لم يلزمه الإتمام, لأن صلاته لم تتعلق بصلاة مقيم) , (لا) ظاهرا, ولا باطنا, أما في الظاهر فإنه قصد

مسألة (123)

الاقتداء بمسافر (يرى اثر سفر لما رأى عليه) من بعض العلامات. أما في الباطن فإن إمامه جنب, وصلاة المقتدي في الباطن لا تتعلق (بصلاة الإمام) الجنب والإمام المحدث, فلهذا افترقت الحالتان. مسألة (123): (إذا جهل المسافر) أن يكون له القصر فأتم فصلاته تامة, ولو قصر (جاهلا) فعليه الإعادة. والمسالتان (منصوصتان). والفرق بينهما: أنه إذا جهل جواز القصر فقد اعتقد صحة الإتمام ووجوبه, والأصل (وجوب) الأربع فإذا صلى صحت صلاته على الأصل. وأما إذا قصر جاهلا بجواز القصر فقد تحلل عن الثانية غير معتقد جواز التحلل, ولا يصح التحلل على مثل هذه العقيدة, وإذا بطل/ (73 - ب) (التحليل) بطل التحريم. مسألة (124): (إذا أتم) المسافر جاهلا بجواز القصر (صح إتمامه) , كما

مسألة (125)

حكينا (نصا). وقال بعض مشايخنا (إنه) إن أتم (جاهلا بجواز الإتمام) فالصلاة باطلة. والفرق بينهما: أن الجهل إذا عاد إلى القصر فقد مضى في أفعال الصلاة على الأصل (فصحت له الصلاة). (أما إذا قام إلى الثالثة) جاهلا بجواز الإتمام, فأفعاله في الثالثة والرابعة غير مترتبة على عقيدة صحيحة في صحتها وجوازها, ومن زاد في صلاته أفعالا كثيرة (يفعلها) على العمياء لا على علم واعتقاد بطلت صلاته بها. مسألة (125): قال الشافعي رضي الله عنه: ((يصلي الرجل النافلة على الدابة حيث توجهت به (دابته) فيما وقع عله (اسم) السفر, وأما القصر فلا يقع في سفر اقل من يومين وذلك ستة (وأربعون) ميلا

بالهاشمي. ((هذه رواية الربيع رحمه الله وقد روى البويطي رحمه الله عن الشافعي رحمه الله: ((أن فعل النافلة على الراحلة لا يجوز إلا في سفر يجوز فيه القصر)). والرواية الأولى هي المشهورة, وهي رواية الربيع. والفرق بينهما: أن التنفل على الراحلة ترخص يرجع إلى هيئات الصلاة دون ركعاتها, ولهذا المقيم السليم لو أراد أن يتنفل قاعدا مع القدرة على القيام (كان) جائزا, وإذا أراد أن يتنفل (راكبا) في السفر القصير كان جائزا, ولو (منعناه) ذلك لم نأمن (من) أن يعرض (في سفره)

عن (فعل) النوافل إذ لا حرج على المسافر في ترك النوافل. وأما المكتوبة إذا قصرت فقد ترك (شطرها) , وليس ذلك راجعا إلى هيئاتها والمكتوبات (مع ذلك) محصورة فلا يجوز قصرها إلا في سفر تتكامل فيه المشقة, والمشقة إنما تتم في السفر التام, وذلك ستة (وأربعون) ميلا بالهاشمي, وألحق الشافعي رضي الله عنه التيمم (بالتنفل) فجوزه (في) السفر القصير, ((ولم تختلف) الرواية عنه في ذلك, ثم لا قضاء عليه إذا (أدى) المكتوبة بالتيمم في السفر القصير)) واعتمد في ذلك ظاهر القرآن, وما روى عن ابن عمر رضي الله عنه: ((انه اقبل من (الجرف) فلما انتهى إلى (المربد) دخل عليه وقت العصر فتيمم وصلى)). (وما بين الجرف

مسألة (126)

والمربد) من الأسفار القصيرة. مسألة (126): قال الشافعي رضي الله عنه: إذا خرج من مكة (إلى المدينة) فنزل بعسفان فخاف فنوى الخروج إلى غير المدينة ليقيم أو يرتاد خيرًا منه، فعليه الإتمام بعسفان، (وإن كانت نيته إلى مسيرة يومين) من عسفان، قصر (في) مسافته وإلا لم يقصر. والفرق بينهما: (أنه) إذا خاف أن يمضي على نيته الأولى فنوى قصد بلدة أخرى انقطع السفر الأول فلزمه الإتمام بعسفان، وإذا استدام النية الأولى استدام حكمها فقصر بعسفان. ألا ترى أن الشافعي رضي الله عنه جعله (مبتدئًا) سفرًا إذا خرج من عسفان (. . .) إلى المقصد الثاني أو إلى

مسألة (127)

مكة (راجعًا) فاعتبر أن (تكون) هذه المسافة (مسافة) القصر/ (74 - أ)، ((حتى أجاز له القصر ولو أنه جعله يقطع النية كالمقيم (لا يجوز) له القصر)) إذا قصد من عسفان بلده على مرحة، لأن ما بين مكة وعسفان مرحلتان كاملتان، (فحصل) لك (من) هذه أن كل ما بين مكة وعسفان مرحلتان كاملتان، (فحصل) لك (من) هذا أن كل مسافر قطع (نية) السفر الأول (وندم) فالمكان الذي هو مكان (الندامة) والقطع كوطنه، فإذا أنشأ منه حركة اعتبرت فيها تمام المسافة لإثبات حكم السفر الطويل. مسألة (127): قال الشافعي رضي الله عنه: إذا أزمع المسافر إقامة أربعة أيام في موضع من البحر أتم الصلاة، وإن لم يزمع (فحبسته) الريح يومين أو ثلاثة فله القصر، وإن حبسه الريح حتى تجاوز أربعًا أتم وإن لم يزمع

مقامًا، ولو سافر من مكانه فردته الريح (إليه) قصر ما لم ينفع مقام أربع أو يجاوز أربعًا (فيتم)، (ومالك) السفينة والغريب فيها واحد (وأحب) له الإتمام، وكذلك أجراؤه، ولا عبرة بسير البحر والبر والخيل والرجعة والنفلة، وإنما العبرة بالمسافة، فإذا كانت على بعد لو كان (في) البر قصر فيه جاز له القصر، وإن لم يكن أوشك فيه أتم. ففضل الشافعي رضي الله عنه بين من أقام في البحر فجاوز أربعة أيام ولا نية له في المقام، فمنعه القصر، وبين من ردته الريح إلى ذلك المكان، فجوز له القصر وإن جاوز أربعة أيام مع استحباب الإتمام. والفرق بينهما: (أنه إذا ردته الريح) فهو في صورة مسافر على نية مسافر. وأما إذا أقام على موضع واحد حتى جاوز أربعًا فليس (....) (هو)

مسألة (128)

على صورة مسافر، وإن كان على نية مسافر، هذا الجواب فيما (إذا) جاوز الأربع هو المشهور من جواب الشافعي - رحمة الله عليه - في هذه المسألة ونظائرها. مسألة (128): قال الشافعي رضي الله عنه: البدوي إذا انتجع بلدًا من مسيرة يومين فله القصر، وإن نوى أنه متى تخصب نزل (يرعى) فليس له القصر حتى ينوي بلوغه بكل حال. الفرق بينهما: أنه إذا نوى أن يرعى متى صادف خصبًا فنيته على السفر التام غير مجزومة و (شرط) جواز القصر أن (لا) يكون في النية تمريض، ومراد الشافعي رضي الله عنه من قوله: نزل فرعي أن ينوي النزول للرعي فوق ثلاثة أيام. (وأما إذا نوى أن ينزل فيرعى يومين أو ثلاثة أيام) (فنزوله) كأيام اجتيازه نية وفعلًا.

قال الشافعي رضي الله عنه: لو نوى أن ينتجع إلى مسيرة يومين ونوى أن يرعى في موضع من الطريق ما أحتمله الرعي لم يكن له القصر، ولو نوى (الرعي) يومًا أو يومين قصر ما لم يقم أربعًا أو ينوي مقام الأربع. والفرق بين أن ينوي يومين أو ثلاثة، وبين أن ينوي ما أحتمله الرعي: أنه إذا نوى ما أحتمله (الرعي) فربما (يحتمله) الرعي خمسة أيام./ (74 - ب) فإن قال قائل: ترك اليقين لا يجوز بالشك، وقد نوى (ما يحتمله) الرعي ولا يدري (أيحتمل) (الرعي) أربعة أيام (أو يومين)، فكيف منعه الشافعي رحمه الله القصر؟. قلنا: لو جوزنا له القصر لتركنا اليقين بالشك، وذلك أن الأصل (هو) وجوب أربع ركعات فلا يستباح القصر (إلا بيقين) سفر كامل نية وفعلًا، فإذا نوى المقام ما أحتمله الرعي فربما يحتمله (الرعي) خمسة أيام فهو في

مسألة (129)

الحال على شك من وجود (علة) جواز القصر وعلى يقين من وجوب أربع ركعات، فلو قصر ترك يقينًا بشك، وقد قال الشافعي رحمه الله: إذا شام البدوي برقًا فانتجعه وهو (سائر) يتبع مواقع القطر، فإن استيقن أن ذلك على مسيرة يومين قصر، وإن شك لم يقصر. مسألة (129): المسافرون إذا اقتدوا بمسافر فأحدث الإمام وانصرف ولم يعلم المسافرون صفة نيته مع التحريم لزمهم الإتمام، ولو لم يحدث ولم ينصرف ولكن سلم عن ركعتين (كان للمسافرين أن يسلموا عن ركعتين) مع جهلهم بصفة نيته. والفرق بين الحالتين: أنه إذا أحدث فانصرف لم يوجد من جهته دلالة تدل [على وجود نية القصر منه (في) ابتداء صلاته. وأما إذا تحلل عن ركعتين فتحلله دلالة] على وجود نية القصر منه في الابتداء. فإن قال قائل: فالمأموم مرتاب في وجود نية القصر من الإمام قبل السلام،

ومن اقتدى (بإمام) والمقتدى لا يعلم صفته فالمقتدي ممنوع عن القصر، كما لو شك في إمامه (أمقيم) هو (أم) مسافر ثم بان أن إمامه مسافر لم يجز للمأموم القصر، (وهي) منصوصة أيضًا. قلنا: لا يكلف المأموم ما ليس (في) وسعه، وإنما (نكلفه) ما في وسعه فإذا اقتدي بمن لا يعلم أمسافر هو أم مقيم لزمه الإتمام (وإن) كان الإمام مسافرًا، إذ كان في وسعه أن يتأمل حال إمامه ويستدل بأمارات السفر والمقام (على صفة المقام والسفر)، (إذ لا) يقتدي به مع الارتياب في حاله. وأما إذا تيقن أن إمامه في سفر بأن يكون رفيقه حاجًا أو غازيًا أو تاجرًا فظاهر حاله معلوم (له)، فإذا اقتدي به ونوى القصر كان (.....) (ذلك) غاية ما

يحيط (به) علمه، ولا سبيل له إلى أن يطلع على (ضمير) الإمام فأمرناه بعد (نية) القصر مراعاة فعل إمامه فإذا قصر إمامه قصر معه وعلم أنهما متفقان في النية والفعل وإن أتم (إمامه) لغت نية القصر من المأموم، لأنه مقتد بمتم والمقتدي بالمتم كالمقتدي بالمقيم. (فإن قال قائل): أفيجوز على هذا للمأموم أن ينوي في القصر نية معلقة فيقول نويت القصر إن قصر الأمام أو الإتمام/ (75 - أ) إن أتم الإمام؟. قلنا: يجوز مثل هذه النية، (لأنه) لو جزم نية القصر خلف هذا الإمام المسافر كانت نيته المجزومة راجعة في المعنى إلى النية المعلقة. ونظير هذا ما قاله الشافعي - رضي الله عنه - في كتاب الزكاة: "ولو أخرج عشرة دراهم فقال

مسألة (130)

هذه عن مالي الغائب إن كان سالمًا، وإن لم يكن سالمًا فنافلة أجزأه عنه، لأن إعطاء عن الغائب هكذا وإن لم يقله". مسألة (130): المسافر إذا (ابتدأ) السفر ففارق العمران وقد بقي من الوقت بقية فأحرم هل له القصر؟. اختلف (فيه) أصحابنا على أربعة أوجه: منهم من قال يجوز له القصر إذا أحرم وقد بقي من الوقت (قدر ركعتين. ومنهم من قال يجوز له القصر إذا أحرم وقد بقي من الوقت (قدر ركعتين. ومنهم من قال الشرط أن يكون قد بقي من الوقت قدر) أربع ركعات. ومنهم من قال: إن بقي من الوقت قدر ركعة واحدة كان له القصر. ومنهم من قال: إذا بقي من الوقت مقدار تحريمة فأحرم في الوقت كان له (أن) يقصر، وهذا المذهب هو الأشبه بأصل - الشافعي - في آخر (وقت) الصلاة قصر وإن كان بعد الوقت لم يقصر. هذا لفظه. وقال في رواية الربيع: (إنه) إذا نسي صلاة في سفر فذكرها في حضر صلى صلاة

حضر، ولو ذكرها (بعد فواتها في السفر (و) كان نسيها في الحضر صلى صلاة (حضر)، ولو ذكرها] وقد بقي عليه من وقتها شيء صلى صلاة سفر إن شاء، فقوله: وقد بقي من وقتها شيء عام في مقدار البقية، فعلمنا بالنص أن الصحيح من مذهبه جواز القصر إذا أوقع التحريمة في الوقت. فإن قال قائل: هذا الإدراك إدراك إسقاط لا إدراك إلزام فهلا اشترطتم إدراك ركعة كاملة، كما يشترطون في الجمعة إدراك ركعة كاملة، (لأنه) إدراك إسقاط لا إدراك إلزام، بخلاف إدراك [المسافر بعض صلاة المقيم، (و) بخلاف إدراك] الحائض بعضًا من آخر النهار طاهرًا (لما كان من جنس) (إدراك) الإلزام. (قلنا): (يقال: و) الفرق بين إدراك الجمعة وإدراك المسافر بعض الوقت: أن المسافر إذا أدرك (جزءًا) من الوقت مقدار ما أحرم ونوى القصر

مسألة (131)

(فقد) حصل له استباحة الرخصة بتمامها في الوقت، لأن استباحة الرخصة في القصر (هو نية القصر) مع التكبير والنية قد تمت في الوقت. فأما فعل القصر فهو موجب هذه النية. ألا ترى أنه إذا نوى القصر مع التكبيرة الأولى استغنى عن نية القصر مع التسليم، (ولو ترك نية القصر مع التكبيرة الأولى لم تنعقد نية القصر مع التسليم). وإذا ثبت أن (جميع)، (الرخص تحت النية والنية واقعة في الوقت فكأنه أوقع جميع) العبادة في الوقت. وأما الإسقاط في الجمعة فهو متعلق بإدراك أفعال (الإمام) فإذا أدرك (تشهد) الإمام لم يكن مدركًا بالتشهد أفعال صلاة الجمعة حتى يدرك مع/ الإمام أفعال ركعة كاملة. مسألة (131): الجمع بين الصلاتين لا يجوز إلا في سفر تام يجوز فيه القصر على

أحد القولين. والقول الثاني: إن الجمع جائز في السفر القصير، ولا يجوز القصر في سفر طويل. والفرق بين الجمع والقصر على أحد (القولين): إن الرجل (إذا) قصر فقد اقتصر على (شطر) العبادة وأسقط (شطرها)، ولا يجوز ذلك إلا في عذر واضح، وهو أن يكون السفر كاملًا بحيث يجوز له فيه القصر، وأما إذا (جمع) بين الصلاتين فقد جاء بركعات العبادتين على الكمال، ولكنه (أوقعهما) (في) وقت إحداهما، وهذا الترخص أهون. ألا ترى أن المقيمين في بعض الأعذار يجمعون بين الصلاتين، وهو في عذر المطر وإن كانوا لا يجمعون في

المرض، وقد جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (بالمدينة) بين الصلاتين من غير خوف ولا سفر. قال مالك - رحمه الله -: (أرى) ذلك في مطر. وما زال الناس في عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عصرنا هذا يجمعون بعرفة بين الظهر والعصر في وقت الظهر وبين المغرب والعشاء في وقت العشاء بمزدلفة، ولا يفصلون في تلك الرخصة (....) بين الغرباء والمكيين (والعرفيين)، ومعقول (ومعلوم) أن سفر المكي إلى عرفة سفر قصير، وكذلك العرفي فإن قريته

مسألة (132)

ملاصقة للموقف. فإن قال قائل: أهل مكة يقصرون بعرفة، كما يجمعون فجوزوا القصر في السفر القصير احتجاجًا بهم، (كما جوزتم الجمع) في السفر القصير. قلنا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إمامًا بعرفة فقصر، وسفره (سفر) طويل، وكذلك يفعل كل إمام مسافر يرد عليهم. فأما إذا كان الإمام مكيًا أو مقيمًا بمكة فخرج إلى عرفة ناسكًا فليس له القصر في الصلاة، لأن سفره سفر قصير. مسألة (132): (المسافر) إذا أراد الجمع بين الصلاتين لعذر السفر، فهو بالخيار إن شاء أخر الظهر إلى وقت العصر، وإن شاء قدم العصر إلى وقت الظهر. فأما المقيمون إذا أرادوا الجمع بين الصلاتين لعذر المطر

مسألة (133)

فلهم تقديم العصر إلى وقت الظهر، (وليس لهم تأخير الظهر إلى وقت العصر) في أحد القولين. والفرق بين العذرين: أنه إذا كان مسافرًا فنوى تأخير الظهر إلى وقت العصر علم أن وقت العصر يدخل عليه وهو مسافر بظاهر حاله، ولكنه قطع السفر بقصده، وإذا لم ينو مقامًا دخل وقت العصر وعذر الجمع قائم كما كان في وقت الظهر قائمًا. فأم إذا أخروا الظهر إلى وقت العصر في المطر فمن الجائز المحتمل أن يدخل وقت العصر والسماء مصحية والسحاب منقشع والمطر منقطع، فإذا جمعوا بين (الصلاتين) في وقت العصر جمعوا والعذر مفقود، ولهذا جوزنا لهم في المطر/ (75 - أ) التقديم، ولم نجز لهم التأخير. مسألة (133): إذ دخل وقت الظهر على المسافر (ولم يصل) ولم يخطر بباله نية (الترخيص) بالتأخير حتى دخل وقت العصر صار عاصيًا لله تعالى. وإن خطر بباله فنوى (الترخيص) بتأخير الظهر إلى وقت العصر لم يكن عاصيًا.

مسألة (134)

والفرق بين الحالتين: أن الصلاة إذا دخل وقتها وجب على المكلف فعلها، ولكن أبيح له تأخيرها على جهة الرخصة بشرط وهو: أن يقصد بتخلية الوقت رخصة التأخير، فإذا تغافل عن القصد والنية حتى دخل وقت الوجوب وانقضى من غير فعل فقد ترك واجبًا (إلى) غير شيء، وإذا نوى أن يترخص بتأخيرها كانت تلك النية عذرًا له ولم يكن حينئذٍ غافلًا عن فرض الوقت ولا ساهيًا (فلم يصر) عاصيًا. مسألة (134): قال الشافعي - رضي الله عنه -: ليس للمقيم في المطر أن يجمع بين الصلاتين حتى ينوي (الجمع) (مع) التكبيرة الأولى (من الصلاة الأولى). وقال في السفر: لو نوى (الجمع) قبل أن يسلم ويخرج من الصلاة (الأولى) كان (له) الجمع. فمن أصحابنا من جعل المسألتين على قولين، وهي طريقة المزني، (.....) وغيره. ومن

مسألة (135)

أصحابنا من سلك (طريقة الفرق) ووجه (الفرق) بين المسألتين: أن السفر عذر فيشترط بقاؤه ودوامه من أول الصلاة الأولى إلى آخر الصلاة الثانية، فلم يضره (ألا ينوي) إلا في أثناء الصلاة الأولى، لأن كل ساعة من الصلاة الأولى (لو) نوى فيها فتلك (الساعة) كساعة التكبير (في اشتراط) وجود العذر المبيح (للجمع)، بخلاف الجمع في المطر، لأن المطر إذا كان موجودًا عند الشروع في الصلاة (الأولى) (لم) يضرهم أن يصير منقطعًا في أثنائها، فإذا نوى رخصة (الجمع) في أثنائها فقد حصلت النية في زمان لا يشترط فيه وجود عذر الرخصة، فلا تصح فيه نية الرخصة. مسألة (135): قال الشافعي - رحمة الله عليه -: إذا صلى (إحداهما) ثم انقطع المطر، لم يكن له أن يجمع الأخرى إليها، وإن صلى الأولى والسماء تمطر ثم (أنه) (ابتدأ) الأخرى والسماء تمطر ثم انقطع (المطر)، فإنه يبني على صلاته.

مسألة (136)

وهذا النص يقتضي أن المسافر إذا قدم العصر إلى الظهر فجمع بينهما، ونوى المقام بعدما شرع في العصر أتمها أربعًا وأجزأته، وإن كانت واقعة في وقت الظهر، ولو (أنه) أراد قصرها فليس له القصر، فهذه (عصر صح) فيها رخصة الجمع ولم يجز فيها رخصة القصر. والفرق بينهما: ما قلناه: إن رخصة الجمع قد تتصور مع المقام، وذلك في المطر ولا يتصور مع المقام رخصة القصر، ودرجة القصر فوق درجة الجمع. مسألة (136): قال الشافعي - رضي الله عنه -: لو صلى الظهر (وابتدأها) في غير مطر ثم مطر الناس لم يجمع إليها العصر حتى يبتدئ الأولى مع/ (76 - ب) المطر، ويبتدئ الثانية أيضًا مع المطر، وإن سكنت السماء (بين) ذلك، فقد اشترط الشافعي - رضي الله عنه - وجود المطر عند ابتداء الثانية، ولم يشترط في خلالها. والفرق بين الحالتين: أن حالة التكبيرة (هي) حالة قصد الجمع (ونية

مسألة (137)

الجمع)، والشرط (وجود) العذر في هذه الحالة، وهذا المعنى غير موجود في أثنائها، لأنه لا ينوي في أثنائها الجمع، واشترط أيضًا وجود المطر عند الشروع في الثانية، ولم يشترطه في أثنائها، ولا في أثناء الأولى. والفرق بينهما: (إنه) عند الشروع في الثانية يقصد تحقيق الجمع بالفعل، لأن الجمع هو ضم (الأخيرة) إلى الأولى، وحقيقة الضم (هو) تقريب أول الأخيرة من آخر الأولى دون أن (يتخللهما) زمان متطاول قاطع، ومعنى قول الشافعي - رضي الله عنه -: حتى يبتدئ الثانية. يعني حتى يختم الأولى ويبتدئ الثانية، فإذا وجد المطر في هذا الوقت جاز الجمع، وإن فقد لم يجز. وأما (سكون) السماء وانقطاع المطر في أثناء الأولى أو في أثناء الثانية فليس بمانع؛ لأن هذين الزمانين ليسا زمان الجمع. مسألة (137): الإمام إذا كان مسافرًا فرعف رعافًا غالبًا فانصرف واستخلف مقيمًا، وجب على المسافرين - المأمومين - إتمام الصلاة لما صار إمامهم

مقيمًا، ولا يجب الإتمام على هذا الإمام الراعف (إذا انصرف) (ولم يقتد)، ولو أنه لما بدأ به اليسير من الرعاف انصرف وقدم مقيمًا

مسألة (138)

(وصار مأمومًا) وغلبه الرعاف فخرج وغسل (الدم) (واستأنف)، (فعليه) إتمام تلك الصلاة. والفرق بين الحالتين: أنه في المسألة الأولى لم يأتم بمقيم، وفي المسألة الثانية صار مقتديًا بمقيم ما بين ابتداء الرعاف إلى أن غلبه الدم، وتعليق المسافر (صلاته) بصلاة المقيم لحظة (واحدة) (يوجب) عليه التزام الإتمام، وهذا التفصيل في مسألة الرعاف مذكور عن (أبي غانم) الملقي في مجلس أبي العباس بن سريج. مسألة (138): المقيم بنيسابور إذا سافر إلى قصر الريح، وهو على مرحلة

على أن يقضي وطرًا (في) يوم أو يومين وينصرف إلى نيسابور، لم يجز له أن يقصر ذاهبًا ولا راجعًا، وكذلك أيضًا إذا قصد أن يسافر من نيسابور إلى قصر الريح وينصرف من قصر الريح مجتازًا نيسابور إلى جرجان، لم يكن له أن يقصر ذاهبًا إلى قصر الريح ولا راجعًا إلى نيسابور، (وإن) كان مجتازًا بها حتى يفارقها إلى طريق جرجان. ومثله لو كان غريبًا (وحل بنيسابور) فنوى مقام أربعة أيام عن قصد سفر منها إلى قصر الريح على أن يرجع إلى نيسابور مجتازًا إلى جرجان، (ولم) ينو (مقام) أربعة أيام بقصر الريح ولا بنيسابور جاز له أن يقصر ذاهبًا إلى قصر الريح/ وراجعًا إلى نيسابور. والفرق بينهما: أن المقيم بنيسابور وهي دار مقام إذا قصد (منها) قصر الريج فذلك سفر قصير، وإذا عاد من القصر فوجهه إلى وطنه ومن دخل

بلدة (فقطنها) (فهو) في تلك البلدة مقيم، ما لم يفارقها فلا يستبيح القصر. وأما الغريب إذا فارق (نيسابور) إلى قصر الريح من جانب المشرق على أن ينصرف إلى نيسابور ويقصد إلى جرجان في جانب المغرب، (فالبلدة) والقرية في حقه على صفة واحدة، وقد قال الشافعي - رضي الله عنه-: من حج من (أهل) مكة أتم الصلاة (بمنى) وعرفات، وكذلك أهل عرفة (ومنى) ومن قارب مكة (ممن) كان سفره دون يومين. فأما الغريب يحج من حيث يقصر منه (الصلاة) فيجمع مقام أربع بمكة ثم (يخرج) لقضاء نسكه، ولا يريد (....) مقامًا بمكة، (فإذا رجع) فإنه يقصر حتى يخرج من مكة (و) حتى يعود إلى منزلة، وإن كان (يريد) إذا قضى نسكه مقامًا بمكة

أتم (بمنى) وعرفة ومكة حتى يخرج مسافرًا ثم يقصر، وهذا الذي ذكره الشافعي - رحمة الله عليه - (هو) مأخوذ من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه دخل مكة (في) (اليوم الرابع) من ذي الحجة وقصر الصلاة بها يوم الخامس والسادس والسابع ثم خرج منها يوم الثامن ثم قصر الصلاة (بمنى) يوم الثامن وبعرفة يوم التاسع وبمزدلفة (....) (ليلة) العاشر (وبمنى) يوم العاشر والحادي عشر والثاني عشر، لأنه لم ينو بمكة ولا (بمنى) (....) (بعد) قضاء نسكه (مقام) أربعة أيام، وكان (النبي - صلى الله عليه وسلم) المقام حرامًا عليه وعلى كافة المهاجرين، (ولهذا) قال - صلى الله عليه وسلم-: "لا يقيم مهاجر (بمكة) بعد قضاء

مسألة (139)

نسكه فوق ثلاثة أيام". مسألة (139): قال الشافعي - رضي الله عنه - في رجل خرج يريد لقاء رجل أو طلب عبدًا أو ضالة ببلد على مسيرة يومين أو ثلاثة، ونيته أن يرجع إن لقي الحاجة دون ذلك، قال: (يتم إذا سافر على ذلك. وقال في رجل قدم بلدًا، فقال): إن لقيت فلانًا أقمت أربعًا وإلا مضيت، قال: يقصر ما لم يلق فلانًا أو يجاوز أربعًا فيتم، فإن لقي فلانًا أو جاوز أربعًا فبدا له أن لا يقيم، قال: لا يقصر حتى يبتدئ سفرًا. وهاتان المسألتان (راجعتان) (بفرق) الجمع إلى أصل واحد، وذلك أن الذي نوى أن يرجع متى لقي فلانًا فالأصل أنه كان مقيمًا فلا يصير مسافرًا (حتى يصدر) منه نية في السفر (صحيحة)، والنية (المعلقة) لا تكون

مسألة (140)

نية كاملة، فلهذا دام له حكم المقام والإتمام. وأما من دخل البلد فالأصل أنه مسافر (فيجوز) له استدامة/ (77 - ب) القصر إلى أن يعترض المقام على السفر، وإذا دخل بلدًا فنوى المقام إن لقي فلانًا فالأصل أنه مسافر ما لم يلق فلانًا أو يجمع مكثًا، فلهذا استباح القصر كما (كان) يستبيحه من قبل. مسألة (140): العاصر بسفره لا يستبيح مسح المسافر. ونص الشافعي - رضي الله عنه - (مع ذلك على أنه يستبيح في ذلك السفر مسح المقيمين، وهذا الذي قاله الشافعي - رضي الله عنه -) (لا فرق فيه بين) السفر الطويل (والسفر) القصير، وإنما فصل بين مسح المسافر وبين مسح المقيم، لأن مدة مسح المقيم رخصة كل مقيم، والمقيم مع عصيانه في دار المقام يستبيح المسح يومًا وليلة، وكذلك المسافر إذا كان عاصيًا بسفره. وأما مسح ثلاثة أيام فإن ذلك من الرخص المتعلقة بالسفر دون الحضر ومذهب الشافعي - رضي الله عنه - أن من كان عاصيًا بسفره

مسألة (141)

(فإنه) لا يستبيح شيئًا من رخص المسافرين، (ولهذا لو أصابه) جراحة في سفره فأحوجته إلى التيمم فتيمم وصلى. فمن أصحابنا من قال عليه قضاء الصلوات التي صلاها بالتيمم، لأن المعصية سبب هذا (الترخص). ومنهم من قال ليس عليه قضاؤها، لأنه لو صار مقيمًا وهذه حالته فهذه طهارته، و (لها) نظائر. مسألة (141): إذا جمع المسافر في وقت (الظهر بينها وبين العصر ثم بان له فساد الظهر كانت العصر باطلة، ولو اتفق مثل ذلك في وقت العصر) (كانت العصر) صحيحة. والمسألتان منصوصتان. والفرق بين الحالتين: أن الرجل إذا جمع في وقت الظهر بين الظهر والعصر لم يدخل وقت العصر إلا بالفراغ من فعل الظهر. ألا ترى أنه لو (كان) في حالة الجمع (أراد) أن يقدم العصر على الظهر (في وقت الظهر) لم يجز له ذلك، فإذا بان له فساد الظهر بان أنه صلى العصر ووقتها لم يدخل، فلهذا

مسألة (142)

كانت باطلة. وأما إذا جمع بينهما في وقت العصر (فالعصر) واقعة في (أصل) وقتها، (وليس) يتوقف دخول وقتها على الفراغ من الظهر فإذا صلاهما ثم بان فساد الظهر عليه قضاؤها، والعصر صحيحة، ولهذه النكتة شرطنا عليه (أنه) إذا جمع بينهما في وقت الظهر أن يوالي، كما شرطنا عليه أن يرتب، [فلا يجوز أن يفرق بين الصلاتين بزمان متطاول (كما لا يجوز أن يقدم العصر على الظهر، وإذا أوقعهما في وقت العصر)] ثم أتبعها الظهر كانتا صحيحتين (و) كان جامعًا بين الصلاتين، فكذلك هذا التفريع، وهذا الفرق في المغرب (في وقت المغرب) أو في وقت العشاء. مسألة (142): إذا افتتح الرجل صلاة على نية أنها ظهر فائته إن كانت عليه ظهر فائتة، ثم تذكر أن الظهر الفائتة كانت عليه فهذه الصلاة غير مجزئة وعليه قضاء الظهر (التي) تذكرها، ولو قام رجل إلى الركعة الخامسة على أنها رابعة ثم تذكر أنها خامسة، وأنه كان نسي سجدة من

الرابعة صحت صلاته/ (78 - أ) وحسبنا سجدته من الخامسة مكان سجدته التي نسيها من الرابعة. والمسألتان منصوصتان للشافعي رضي الله عنه. ط والفرق بينهما: أنه (.....) قضى الفائتة بنية ممرضة معلقة، ووجه تمريضها أنه عقد النية على جهة (التمييل) بين الجوازين، (وليس يعلم أن الظهر فائتة أو غير فائتة، والعبادة لا تقع موقع) (الجواز) والأجزاء ما (....) دامت النية بهذه الصفة حتى (تكون) النية مجزومة بالوجوب. وأما من قام إلى الخامسة (فاعتقاده) حين يصليها (مقطوع) بوجوبها ولزومها (من غير قربة) (و) من غير (تمييل) وتردد، وإنما بان له أنها خامسة بعد فراغه منها (فأجزأته) (ما لم يكن) في نيته حين فعلها تعليق وتمريض.

مسألة (143)

مسألة (143): إذا (رفع) الرجل رأسه من الركوع فذكر الله تعالى ساهيًا فليس عليه لهذا (السهو) سجود السهو، ولو أنه رفع رأسه من الركوع فقرأ القرآن ساهيًا فعليه سجود السهو. والمسألتان منصوصتان. والفرق بينهما: (أنه) إذا ذكر الله تعالى ولم يقرأ القرآن فقد وضع الذكر ساهيًا موضعه، لأن هذه (الحالة) (حالة) ذكر (الله تعالى). ألا ترى أنه يقول في هذه الحالة: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ملئ السموات و (ملء) الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، وهذا من الذكر غير أنه لما سها شغل الزمان بذكر آخر سوى الذكر المشروع في هذه الحالة. وأما إذا قرأ قرآنًا فقد شغل (هذا) الزمان بفرض مشروع في زمان سواه، فإن (قراءة) القرآن مشروعة في حالة القيام وذلك قبل الركوع، وعلى هذا التعليل لو قرأ التشهد في حال القيام، (وقرأ) القرآن في جلسة التشهد كان عليه سجود

السهو. ومن أصحابنا من علل هذه المسألة المنصوصة بعلة أخرى فقال: إنما أمره الشافعي - رضي الله عنه - بسجود (السهو)، لأنه لما قرأ القرآن طول (قومة قصيرة)، ولا يجوز تطويل الأركان القصيرة، وفرع على هذا التعليل، فقال: إذا قرأ التشهد (في حالة) القيام ساهيًا أو قرأ القرآن في حالة الركوع أو حالة التشهد لم يكن عليه سجود السهو، لأن القيام والركوع من الأركان الطويلة. (قال: صاحب الكتاب رحمه الله): هذا التعليل خلاف نص الشافعي - رضي الله عنه -، (لأنه) حيث نص على هذه المسألة قال: إذا رفع رأسه من الركوع فقرأ سجد للسهو وإن قصر قيامه، فلم (يجعل) تطويل الركن (علة) سجود السهو. ألا ترى أنه (.....) أمر (بسجود) (السهو) مع قصر القيام.

مسألة (144)

مسألة (144): إذا تلفظ المصلي في صلاته بالأعجمية (وأراد بها) القراءة (لم يضره)، وإن أراد بها (كلامًا) بطلت صلاته./ (78 - ب) والمسألتان مصنوصتان. والفرق بينهما: أنه إذا أراد بها قراءة فقصده قصد ما هو مشروع في الصلاة (مجانس) لها وإن لم (تكن) تلك العبادة التي عبر بها من جنس المشروع. [وأما إذا قصد كلامًا (فقصده) قصد ما هو (غير) مشروع،] بل هو (من) محظورات العبادة، ولهذا بطلت العبادة، وهذا اللفظ الذي ذكره الشافعي - رضي الله عنه - ربما يوهم جواز التلفظ بالعجمية في الصلاة مكان القراءة، وما أراد الشافعي - رضي الله عنه - هذا المراد، فإن المصلي إذا ذكر في صلاته شيئًا من كلام العجم عامدًا بطلت صلاته، وإن كان ذلك ذكر الله تعالى إلا في (حالة) مخصوصة (وهي): أن لا يحسن الصلاة بالعربية

مسألة (145)

لقرب عهده بالإسلام فيصلي ويذكر الله تعالى بلغته إلى أن يتعلم العربية المفروضة (عليه)، فإذا تعلمها لم يجز له بعد ذلك أن يصلي بالعجمية، فمراد الشافعي - رضي الله عنه - بالمسألة المنصوصة أن المصلي القادر على العربية إذا سبقته كلمة عجمية في أثناء القراءة وقصده القراءة لم تبطل صلاته، وإن كان قصده في تلك الحالة قصد الكلام على جهة الابتداء بطلت صلاته، ويحتمل أن يقال: صور الشافعي - رضي الله عنه - المسألتين في العاجز عن القراءة إذا تلفظ بالعجمية على قصد القراءة بدلًا عنها لا تبطل صلاته، وأن كان قصده قصد الكلام والعبارة تلك العبارة بعينها بطلت صلاته. مسألة (145): إذا نوى الرجل إمامة رجل فبان أن المأموم رجل غير الرجل الذي نواه الإمام فصلاتهما صحيحة، ولو نوى المأموم الاقتداء برجل فبان أن الإمام غيره فصلاة المأموم باطلة، والمسألتان منصوصتان. والفرق بينهما: ظاهر وذلك: أن الإمام مستغن عن نية (الإمامة)، لأنه مقتد (به)، وليس هو مقتديًا بغيره فصلاته في أفعالها إلى

مسألة (146)

اختياره. وأما المأموم فإنه لابد له من نية الاقتداء، وأفعاله متعلقة بأفعال الإمام وعليه متابعته بعد الاقتداء (به)، فإذا نوى أن يقتدي بشخص فبان له أن الإمام غير ذلك الشخص، كان مأمومًا لا إمام له، وكان في أفعاله منتظرًا أفعال شخص لا يجوز له انتظار أفعاله، فهذا هو الفرق بينهما، ولو أن (المأموم) أطلق نية الاقتداء ولم يعين أجزأه، والاحتياط في ذلك. فهذا مما لو عينه فأخطأ فيه (ضره)، ولو أطلق ولم يشتغل بالتعيين كان جائزًا. مسألة (146): قال الشافعي - رحمة الله عليه: "إذا ائتموا برجل لا يعرفونه وشكوا في أمره فأقام الصلاة أجزأت عنهم، وهو مسلم في الظاهر حتى يعلموا أنه ليس بمسلم، ولو علموا بشركة ولم يعلموا إسلامه لم يصلوا خلفه، فإن صلوا ثم علموا أنه أسلم أعادوا إذا كان الأغلب أن/ (79 - أ) إسلامه لا يخفي عليهم". وقد فصل الشافعي - رحمة الله عليه - بين من لم يعلم

منه شرك (وبين من علم منه شرك) وإن كان (. . .) ذلك الشرك قد زال وارتفع. الفرق بينهما: أن الشرك إذا لم يكن معلومًا منه (بسابق) (علم) فالظاهر (فيمن يتقدم للإمامة في دار الإسلام أنه مسلم، وبناء الأحكام على الظاهر) (علة) الصحة والجواز. وأما إذا سبق العلم بارتداد موجود منه فهذا العلم أصل ثابت يجب بناء الحكم عليه إلى أن يعلم (تبدله) بما يضاده، فمن اقتدى به لم يصح الشافعي - رضي الله عنه - بين أن لا يخفي إسلامه الحادث بعد (الارتداد) غالبًا وبين أن يخفي، فقال: أعادوا إذا كان الأغلب أن إسلامه لا يخفي عليهم، وإنما فصل (بين) هاتين الحالتين، لأن رجوعه إلى الإسلام إذا كان في الغالب لا يخفي على المأموم فالمأموم مقصر (مع سبق)

مسألة (147)

علمه بردته في الاقتداء به قبل إحاطة علمه بحقيقة عوده عن الردة إلى الإسلام، وذلك مثل أن يكونا معًا مجتمعين في (بلد) واحد لا يكاد يخفي على أحدهما أحوال الثاني إذا (تبدلت) (واختلفت). فأما إذا كان الغالب أن يخفي على المأموم (حال الإمام) في العود إلى الإسلام والانتقال من صفة إلى صفة فصلاة المأموم صحيحة حينئذ، لأنه غير مفرط في البناء على الظاهر من أحوال الأئمة، وذلك مثل أن يكونا (متفرقين) في البلاد لا يطلع كل واحد منهما على اختلاف أحوال صاحبه. مسألة (147): إذا أحرم الإمام فقرأ أو لم يقرأ إلا أنه لم يركع حتى ذكر أنه على غير طهارة، فقد قال الشافعي - رضي الله عنه -: إن قرب (مخرجه) (ووضوؤه) أو غسله (وفقوا) حتى يرجع ويستأنف (ويتمون) كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن بعد ذلك صلوا فرادى والفرق بينهما: أن الزمان إذا كان قريبًا بحيث لا يزيد على زمان انتظار

مسألة (148)

الصحابة كان (في) ذلك (عين) القدوة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، [لأنه ذكر بعد إحرامه بالصلاة أنه جنب فأشار إليهم (كما أنتم) ودخل حجرته واغتسل (وخرج) وصلى بهم، وكان باب الحجرة في المسجد. وأما إذا تباعدت المسافرة وتطاول الزمان فقد خرج اقتداؤهم عن حد القدوة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -] ولو جرينا على قضية القياس لما جوزنا للمصلي أن يتنظر غير المصلي،/ (79 - أ) فإن الانتظار (محظور بين) (المقتدي و) المقتدي به، ولكن لما وردت سنة النبي - صلى الله عليه وسلم- في المقدار المأثور تركنا القياس في ذلك المقدار، ورددنا ما جاوز ذلك المقدار (إلى أصل القياس). مسألة (148): (.....) إذا خالف المأموم أفعال إمامه في المتابعة مخالفة متفاحشة بطلت صلاته، ولو أن الإمام بعد الإحرام تذكر الحدث

مسألة (149)

فأمرهم بانتظاره، وخرج والمسافة قريبة فلم ينظروه (وصلوا فرادى) أجزأتهم صلاتهم. والفرق بينهما: أن الإمام (في حالة خروجه) ليس بإمام لهم فلا يلزمهم أمره في حق المتابعة، وإنما تتصور حقيقة المتابعة إذا كان الإمام مع القوم والقوم مع الإمام، ولهذا قال الشافعي - رضي الله عنه - في الإمام إذا ذكر أنه على غير (طهارة): لو (أمرهم) أن ينتظروه فخالفوه وصلوا فرادي أو بإمام أجزأتهم. مسألة (149): إذا أحرم الإمام وأحرم القوم (معه) ثم تذكر الإمام أنه نوى الظهر والصلاة صلاة العصر (مخطئًا)، فإن سلم تسليمة خفية وكبر تكبيرة خفية ولم يرفع يديه ونوى صلاة العصر ومضى عليها مع القوم صحت صلاة القوم، ولو أنه أظهر بالتسليم أو يرفع اليد (ما وقع

له من الخلل ومضى القوم) على إحرامهم الأول كانت صلاة القوم باطلة. والفرق بينهما: أنه إذا أخفي (خلل) نيته وتحلله وشروعه كان إحرام القوم في الظاهر (منعقدًا) على حكم الاقتداء ولم يضرهم ما خفي عليهم من حال إمامهم، (ولهذا كبر المسلمون) خلف النبي - صلى الله عليه وسلم- ولم يضرهم حدثه (وهم) لا يعلمون ذلك، وانعقدت صلاتهم على جملة الجماعة لا على جملة الانفراد. وأما إذا أظهر لهم ما حدث (له) وخطر ببالهم (خلل) إحرامهم فسدت صلاتهم، (وأقل) ما يخطر ببال أحدهم أن يقول في نفسه: أأقطع الصلاة أم أمضي عليها؟. وكل مصلٍ حدث نفسه بمثل هذا بطلت صلاته، (وقد نص) الشافعي - رضي الله عنه - على هذا (وذكرناها) فيما مضى من مسائل (هذا) الكتاب، وإن كان فيهم فقيه عالم بهذه المسألة

مسألة (150)

فأظهر الإمام (ما حدث) له من الخلل فلم يقدح ذلك في نيته (وعزيمته) على (المضي) في صلاته، حتى (جدد) الإمام تكبيره فمضى ذلك الفقيه مع الإمام على الصلاة مقتديًا به صحت (صلاته). ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أظهر حالته وأمرهم باستدامة حالتهم فاستداموها فلم يضرهم، ولم تبطل صلاتهم (بخروج) رسول الله صلى الله عليه وسلم. مسألة (150): الإمام إذا استخلف من / (80 - أ) فاتته ركعة، فلما فرغ من صلاة الإمام سلم ساهيًا، ثم تذكر فقام لم يكن على القوم أن يسجدوا لهذا السهو الذي وقع للإمام، وإن كانوا يسجدون لغيره من أنواع سهوه الذي يقع له قبل هذه، النهاية. والفرق بينهما: (أن هذه الخليفة إذا انتهى) إلى هذا الموضع انتهت إمامته، وإذا سلم صار كالمنفرد فلم يلزمهم أن (يسجدوا)

للسهو، ألا ترى أنه (لو) قام بدل هذا السلام لم يكن عليهم القيام (وإن كان) عليهم السلام، فسلام الإمام (الموضوع) موضع القيام موجود في حالة انتهاء الائتمام. والمسألة منصوصة للشافعي - رضي الله عنه - أمر الإمام بسجود السهو (لسلامه)، ولم يأمر القوم بأن يسجدوا لسهوه. ولو كانت المسألة بحالها وسلم هذا الخليفة عامدًا بطلت صلاته، ولم تفسد صلاتهم، لأن صلاتهم قد تمت وبقي عليهم التحلل، فإن شاؤا قدموا منهم واحدًا فسلم (بهم)، وإن شاؤا سلموا لأنفسهم. والمسألة منصوصة. ولو كانت المسألة بحالها، ولكن قام الخليفة إلى (ركعته) الباقية من غير (أن يسلم) (فسها) القوم فقاموا معه ساهين، ثم ذكروا قبل الركوع أو بعده أو

بعد ما سجدوا في تلك الركعة رجعوا إلى التشهد وفارقوه ثم سجدوا للسهو، لأنهم قوم انتهت (إمامة إمامهم فلم يجز لهم) متابعته في خامستهم التي هي رابعته، فلما سهوا واقتدوا (كانوا) في حكم المنفردين إذا سهوا، (و) لم يكونوا (كالمقتدين يسهون) خلف إمامهم، فلا يسجدون لذلك السهو (ولا يتحمله) عنهم. ولو كان هذا الإمام في هذه الحالة يتحمل هذا السهو عن القوم، لكان القوم (يلتزمون بسلامه) ساهيًا سجود السهو لسهوه إذا فارقوه وفارقهم فتأمل، وقد قال الشافعي - رضي الله عنه - (في) هذه المسألة الأخيرة: ومن فعل ذلك منهم عامدًا بطلت صلاته، لأنه خرج من الفريضة إلى نافلة قبل التسليم، ولا خروج من صلاة (إلا بسلام). وإنما قصد بهذا الكلام أبا حنيفة، حيث قال: يجوز في مثل هذه الحالة خلط النافلة بالفريضة من غير تسليم ولا تحريم.

مسألة (151)

مسألة (151): الأصم الأعمى الذي (لا يسمع ولا يرى) يجوز أن يكون إمامًا ولا يجوز أن يكون مأمومًا إلا بشرط أن يكون إلى جنبه من يثق به من أهل البصر أو السمع، هكذا نص الشافعي - رضي الله عنه -، لأنه (إذا) كان إمامًا (كان) مختارًا متبوعًا لا تابعًا لغيره فلا يضره العمى والصمم (وأما إذا كان) مأمومًا فلا يجد بدًا من حاسة السمع (أو حاسة البصر)، ليستدرك صوت الإمام بسمعه أو يعاين حركته/ (80 - ب) ببصره (فيقتدي به)، فإذا (فقد هاتين) الحاستين (وكان بجنبه من له إحدى هاتين الحاستين)، ينبهه لوقت الركوع والسجود فيركع ويسجد بتنبيهه، وكذلك إمام بصير (ومأموم) بصير أصم في ظلمة، فإذا وقت المأموم بجنب الإمام ينبهه الإمام بالحركة على وقت

مسألة (152)

الحركة صح اقتداؤه به، (وقد) قال الشافعي - رضي الله عنه - في آخر هذه المسألة: ومتى رأى الإمام أو سمعه (أو رأى) من صلى بصلاته أو سمعه أجزأته صلاته، وأراد بذلك جواز تقليد المترجم إذا رفع صوته بالتكبير، و (قد) قال أبو العباس بن سريج - رحمه الله:- هذا مما لا أعرف فيه خلافًا. مسألة (152): قال الشافعي - رحمه الله -: إذا صلى أمام الإمام، أو كان بعض الصف أقرب إلى القبلة من الإمام في غير مكة (لم يجز). (وأما إذا كانوا) بمكة وبعضهم أقرب إلى القبلة من الإمام من غير جهة الإمام صحت صلاتهم. والفرق (بينهما): أن الذي (اقترب) من الكعبة بمكة (وكان) أقرب إليها من الإمام والجهتان مختلفتان لم يكن (متقدمًا) [على الإمام، وإن كان

مسألة (153)

إلى الكعبة (أقرب)، وكيف يكون متقدمًا] ووجهه يقابل وجهه أو هو يقابل بيمينه أو يساره؟ (وإنما) يتحقق (التقدم) (بأن) يكونوا (في) جهة واحدة ثم يتقدم المأموم على الإمام فتبطل صلاة المأموم، وإن كان عند الكعبة. نص عليه الشافعي - رضي الله عنه، والمستحب بمكة أيضًا أن يتحرى القوم مواقفهم، (ويجتهدوا) أن يكونوا (أبعد) عن الكعبة من الإمام، وذلك أحسن، فإن لم يفعلوا فالحكم فيه ما قلناه. مسألة (153): قال الشافعي - رضي الله عنه -: "إذا شك المأموم (أهو إلى الكعبة أقرب)، أم (.....) الإمام لم يعد حتى يستيقن". (ولهذه) المسألة حالتان: إحداهما: أن يأتي المأموم من وراء الإمام.

مسألة (154)

(والأخرى): أن يأتي من أمام الإمام فإن أتى من ورائه، فالجواب (عنه) ما قال الشافعي رضي الله عنه، وإن (أتى) من قدامه فالجواب بخلافه (وصلاته) باطلة. والفرق بينهما ظاهر وهو: أنه إذا أتى من ورائه فالأصل أنه من وراء الإمام إلى أن يتيقن أنه قد تقدم عليه في الوقوف. وأما إذا أتى من قدامه فالأصل أنه أمام الإمام إلى أن يتيقن أنه (مشى) حتى حاذى الإمام أو تأخر عن موقف الإمام. مسألة (154): القرية إذا كانت بعيدة عن المصر بحيث (أنه) (لا يبلغها) النداء فلا جمعة عليهم (بالمصر)، وإن كانت في وهده لولاها لبلغهم (النداء) لزمتهم الجمعة بالمصر، وإن كانوا لا يسمعون النداء. والفرق بين الموضعين: أن النداء (إنما) لا يبلغ هؤلاء لانخفاض مكانهم لا لبعدهم، ولهذا من كان على مثل مسافتهم/ ولم يكن في مثل هذه الوهدة

مسألة (155)

(كان) بمحل سماع النداء والاعتبار بإمكان السماع (لا بعين السماع)، فأما من (كان) لا يسمع النداء (لبعد قريتهم) فلو كلفناهم حضور (المصر) (مع مثل هذه) المسافة عظمت المشقة عليهم، (وللمشقة عليهم جعلنا سماع النداء حدًا في وجوب الحضور). مسألة (155): المذهب الصحيح أن صلاة الجمعة، وصلاة العيد (مفترقتان) في عامة (أحكامهما)، فلو أقاموا (صلاة) الجمعة في مصلى العيد على ظاهر البلد كانت باطلة، وإذا أقاموها (فيما بين العمران من القرية)، كانت صحيحة في أي مكان (صلوها) من القرية وإنما فرقنا بينهما، لأن الجمعة مختصة بدار المقام، وبذلك وردت السنة في

فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وخلفائه - رضي الله عنهم - والمسلمين ولهذا لم تصح الجمعة بعرفة إذا وقعت يوم عرفة، ولا (بمنى)، ولا تجب على المسافر، ولا يصح عقدها (من المسافرين)، ولا (تصح) في قرية متفرقة المنازل حتى تكون متصلة، ولا تصح لأهل النجعة في بواديهم وعلى مياههم، وإنما تعقد في دار مقام (بسنة دار المقام) في غرف الأبنية، ويجوز إقامة صلاة العيد في هذه المواضع والحضر والسفر فيها سواء، ولا يشترط فيها العدد المخصوص (والجماعة والإمام)،

مسألة (156)

ويشترط في الجمعة هذه الشرائط. مسألة (156): الغريب إذا دخل بلدًا من البلدان ونوى المقام (بها أربعة) أيام فصاعدًا صار في حكم المقيمين حتى (تلزمه) الجمعة، وإن تأخر عنها عصى بتركها كما يعصي الواحد (من) أهل البلد، ولو أن العدد المشروط في الجمعة لم يتكامل فأكمل بهذا الغريب المقيم لم تنعقد الجمعة، ولو نوى المقام عشرين سنة إذا كانت نيته (معلقة) بنجاح حاجته على أن يخرج متى نجحت، ولا فرق بين أن يتيقن أن تلك الحاجة (لا ترتفع) إلا بعد سنين وبين أن يرجو ارتفاعها كل يوم. والفرق بينه وبين (البلدي: أن) البلدي (مستوطن) بهذه البلدة استيطانًا مطلقًا من غير تقييد بوقت (و) زمان. وبمثل هذا الشخص تنعقد (به)

الجمعة وتصح الصلاة. وأما إذا نوى مقام سنين ونيته بعد (انقضائها) مفارقة تلك البلد، فليس (هو) بمستوطن مطلقًا وموطنه غير هذه البلدة، وإنما أقام لعلة الحاجة المقصودة، فأشبه المسافرين من هذا الوجه. فإن قال قائل: فلم أوجبت الجمعة عليه والجمعة لا تجب على المسافر؟. قلنا: (الجمعة) إنما لا تجب على المسافر، لأنه مشغول بشغل السفر، وذلك يشغله ويمنعه عن الجمعة وعن حضورها/ (80 - ب) وإذا كان على نية المقام مدة متطاولة فليس عليه شغل المسافرين، فلهذا أوجبنا عليه (حضور) الجمعة وإن لم نجعله ممن تنعقد به الجمعة، ولا نجد شخصًا يجب عليه) حضور الجمعة وإذا حضرها لم تنعقد به إلا هذا الشخص، وقد يوجد شخص تنعقد به الجمعة ولا يلزمه حضورها وهو المريض إذا تكلف المشقة (وحضرها).

مسألة (157)

مسألة (157): إذا شك الناس وهم في صلاة الجمعة هل دخلت وقت العصر أو لم يدخل، والباقي عليهم (قليل من الصلاة) فتحللوا وأكملوها مع ذلك الشك حكمنا بصحتها، ولو اعترض الشك (وهم في الركعة الأولى) بطلت الجمعة، فإما أن يكملوها ظهرًا أربعًا، وإما (أن) يستأنفوها. والفرق بين الحالتين: أنهم إذا شكوا (في آخر الصلاة) فتحللوا قبل أن ينقلب ذلك الشك يقينًا كانوا مستمسكين بيقين الوقت، (واليقين) لا يترك بالشك، كما لو شكوا في خروج الوقت فشرعوا مع الشك لم تنعقد الصلاة، وإن بان (من) بعد أنهم افتتحوها في الوقت. وأما إذا اعترض الشك وهم في أوائل الصلاة فمعلوم أن هذا الشك قبل الفراغ يصير يقينًا في خروج الوقت، وشرط الجمعة وقوع جميعها في الوقت، وشرط الجمعة وقوع جميعها في الوقت، بخلاف سائر الصلوات.

مسألة (158)

مسألة (158): الجمعة والحج سواء في أنهما لا يعقدان قبل دخول الوقت، ولا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهر الحج، كما لا يصح عقد الجمعة قبل دخول وقتها، ويستويان (أيضًا) في (أن) الحج في عام لا يفعل بإحرام في عام قبله، والجمعة لا تفعل في يوم بإحرام في يوم آخر قبله، وتفترق (العبادتان) (في منزلة) ثالثة وهي: أن بعض أفعال الحج لو حصلت في وقت الحج وتأخر الطواف إلى شهر أو إلى شهرين أو أكثر (لم يضر) تمام الحج وصحته، ولو خرج شيء من صلاة الجمعة (عن) وقتها ولو (......) سجدة واحدة (أو التسليمة) الأولى لم تصح صلاة الجمعة. والفرق بينهما: في هذه المنزلة أن الجمعة (من) أولها إلى آخرها متساوية

مسألة (159)

الأركان في الإدراك والفوات، وليس بعضها مباينًا لبعض، وليس الحج كذلك، لأن الوقوف في الحج هو معظم أركانه وبه يتعلق فواته وإدراكه. قال النبي - صلى الله عليه وسلم 0 "الحج عرفة فمن وقف بعرفة من ليل أو نهار فقد تم حجة (وقضى) تفثه". وإذا أدرك الوقوف في زمانه صار في تقدير من أدرك جميع الجمعة في وقتها. مسألة (159): إذا (انفض) القوم عن الإمام في الركعة الثانية وبقي وحده جاز له في القول القديم أن يبني عليها ركعة أخرى، وأجزاته الجمعة، ولو انفضوا في الركعة الأولى فبقي وحده لم تصح الجمعة. والفرق بين الحالتين: أنه إذا أدرك الإمام مع القوم ركعة فقد حصل (شطر) / (82 - أ) الجمعة بشرائطه فجاز أن تعقد بشرائطها (في الشطر)

مسألة (160)

الثاني، (ولم يوجد) هذا المعنى إذا انفضوا في الركعة الأولى. ألا ترى أن المأموم إذا أدرك مع الإمام [(ركعة) صحت له الجمعة وإن انفرد بركعة، وإن لم يدرك مع الإمام] كمال ركعة لم يكن مدركًا (لها) ولا جمعة (له) قوله الجديد الصحيح فهو أن الجمعة لا تصح للإمام حتى يكون معه أربعون رجلًا (بوصف الجمعة من ابتدائها إلى انتهائها). مسألة (160): المسبوق إذا أدرك ركعة من الجمعة وانفرد بالأخرى في الوقت أجزأته الجمعة، ولو (أنه) انفرد بالأخرى، ولكن خرج الوقت (لم تجزه الجمعة، وليس فوات الوقت) (كفوات) العدد.

والفرق بينهما: أن العبادة إذا كانت مؤقتة بزمان على جهة الاختصاص (ففوات) ذلك (الوقت) (يمنع) صحتها (وإجزاءها). ألا ترى أن الوقوف بعرفة لما اختص بزمان مخصوص كان فوات ذلك الزمان (سبب) فوات العبادة، وقد ذكرنا أن جميع (الوقوف) يجري مجرى جزء من الجمعة وكل جزء من الجمعة يجري مجرى (الوقوف). وأما حكم العدد فيجوز أن يستتبع بعضهم فيه بعضًا، وقد أدرك هذا المسبوق مع العدد الكامل ركعة فصار تابعًا (لهم) في الركعة الثانية فصحت جمعته، ولا يستتبع بعضهم بعضًا في الوقت، لأن جميعهم في الوقت أصل، ويجوز أن يكون بعضهم تبعًا لبعض في

الحضور، وقد يحضر أربعون للاستماع ويستتبعون المتخلفين، كما يستتبع (المقيمين المسافرون)، وكما يستتبع الأحرار العبيد والنساء الصبيان.

مسألة (161)

مسائل الزحام مسألة (161): إذا ركع مع الإمام في الركعة الأولى ومنعه الزحام أن يسجد معه حتى قام الإمام إلى الثانية (ثم تمكن) من السجود سجد معه وقام والتحق به، ولو أنه لم يتمكن من السجود حتى ركع الإمام في الركعة الثانية فالصحيح من القولين (أنه) لا يسجد (للأولى)، وأن يتابعه في ركوع الركعة الثانية، ويكون مدركًا ركعة من الجمعة. الفرق بين المسألتين: أن الإمام إذا ركع في الثانية قبل سجود المزحوم في الأولى فقد تباعد الفصل وتفاحش التقدم والتأخر، فلو كلفناه السجود كان متابعًا في صورة مخالف، لبعد ما بينهما. وأما إذا وجد مكان (السجود) والإمام قائم فهذا المقدار من التأخر والتخلف غير متفاحش. ألا ترى أن أصحاب رسول الله - صلى الله/ عليه وسلم - تخلفوا عنه بعسفان في الصلاة هذا المقدار من التخلف، لأنهم حرسوا بعد ما رفعوا رؤوسهم من الركوع

مسألة (162)

إلى أن فرغ من السجدتين وقام، ثم سجدوا والتحقوا به. مسألة (162): لو أن غير المزحوم تخلف عن الإمام بسجدتين بطلت صلاته، بخلاف المزحوم. والفرق بينهما: (هو) أن (الزحام) عذر، وبالعذر تخلف أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بمقدار سجدتين. (وأما غير) حال العذر (فما استخاروا) (أن يتخلفوا) عنه، ولم يجز لهم إلا المتابعة الاقتداء في كل فعل، ولو تأخر

مسألة (163)

عن الإمام بركن واحد لم تبطل صلاته (بذلك)، لأن هذا المقدار من المخالفة اليسيرة معفو عنه. مسألة (163): إذا كان بين يدي المزحوم ساجد وموقفها من الأرض سواء، لم نأمره أن يسجد على ظهره، ولو كان بين يدي المزحوم أرض منخفضة وعليها ساجد جاز للمزحوم أن يسجد على ظهر ذلك الساجد، ولو أنه لم يسجد ورفع الإمام رأسه إلى القيام بطلت (صلاة) المزحوم. والفرق بين الحالتين: أن الساجد بين يديه إذا كان [على مثل موقفه لم يكن الساجد على ظهره في صورة (ساجد)، وإذا كان] مكانه أخفض من مكانه (تصور) (بصوره) ساجدًا، لأن الساجد من تعالت أسافله وسفلت أعاليه، ثم لا يضر أن (تكون) جبهته على نشز) من الأرض بعد وجود هذه الصفة التي قلناها، وقد نص الشافعي - رحمة الله عليه - على هذه المسألة

مسألة (164)

التي ذكرناها في السجود على الظهر، ونص أيضًا على أنه لو سجد على (نشز) من الأرض كان جائزًا. ومراده بالجواز ما قلناه من الصورة المخصوصة. وهو أن (. . .) يكون متنكسًا. مسألة (164): إذا ركع (مع) الإمام في الركعة الأولى وعجز عن السجود معه (و) عن الركوع في الركعة الثانية فسجد معه في الركعة الثانية، كان مدركًا ركعة مع الإمام، ولكنه (لا يكون) مدركًا ركعة من الجمعة، ولو أنه قدر على الركوع في الركعة الثانية بعد العجز عن السجود (فركع) وصلى معه الثانية كان مدركًا ركعة من الجمعة. والفرق بين الإدراكين: أنه في المسألة الأولى أدرك ركعة ملفقة بعضها من الأولى وهو الركوع، وبعضها من الثانية وهو السجود. وأما في المسألة

الثانية فقد أدرك ركعة كاملة على نظمها لأنا ألغينا الركوع الأول وحسبنا له الركوع الثاني، وهو نص الشافعي - رحمة الله عليه -، فكانت ركعة غير ملفقة. ولو أنه أدرك من الركعة (الأولى) ركوعها وعجز عن سجودها/ (83 - أ) فركع (مع) الإمام الثانية، ولم (يمكنه أن) يسجد معه [حتى سلم الإمام لم يكن مدركاً ركعة من الجمعة، (ولو أمكنه أن يسجد عنه] قبل السلام كان مدركاً ركعة من الجمعة)، وهي منصوصة (أيضاً). والفرق بينهما: (أنه) إذا لم يمكنه السجود مع الإمام حتى سلم الإمام (ثم) سجد فهذا مأموم حصل له مع الإمام ركعة (بركوع) بغير سجودها، (ولا اقتداء) بعد السلام، فإذا لم يسلم الإمام حتى سجد السجدتين فقد حصل (له) الركوع والسجود مع الإمام قبل انقضاء الاقتداء، ولا يضره ذلك المقدار

مسألة (165)

من التخلف مع عذر الازدحام، (كما ذكرنا في صلاة عسفان، وفي أمثالها من الزحام). مسألة (165): إذا زحم الرجل عن السجود (في) الركعة الأولى حتى قام الإمام (وركع) في الثانية، فنوى هذا المزحوم مفارقة الإمام واشتغل بالسجدتين (للركعة الأولى)، لم يصح ظهره بهذه التحريمة على الصحيح من المذهب. ولو أن رجلاً مريضاً فصلى الظهر في داره قبل فوات الجمعة كان ظهره صحيحاً. والفرق بينهما: أن المريض معذور بالتقاعد عن الجمعة. ألا ترى أنا جوزنا له أن يعقد صلاة الظهر وهو على يقين من عدم فوات (الجمعة)، وأما هذا المزحوم عن السجود في الركعة الأولى فليس (.....) هو [(بعاجز عن) الركوع مع الإمام في الركعة الثانية، ولهذا لو ركع معه فيها (كان)] مدركاً

مسألة (166)

للجمعة، فإذا فارق الإمام بالنية إلى الظهر كان في صورة من تمكن من الجمعة فتركها من غير عذر وصلى الظهر قبل فواتها فيكون ظهره باطلاً. مسألة (166): المزحوم عن سجدتي الركعة الأولى إذا قدر على السجود والإمام قائم فسجد وقام فركع الإمام قبل أن يفتتح الفاتحة، لزمه أن يقرأ الفاتحة، وليس (هذا) كمسبوق دخل وصادف الإمام في الركوع فكبر معه كان له أن يركع ويترك قراءة الفاتحة. والفرق بينهما: أن هذا المزحوم في صلاة الإمام من أولها إلى هذه النهاية هو ملتزم متابعة الإمام (فيما فرغ منه الإمام كما التزام السجود للأولى) مقتفياً أثره وأما المسبوق فإنما علق صلاته بصلاة الإمام بعد ما مضى من تلك الركعة زمان القراءة (وقيام القراءة) فلم يلزمه إلا متابعة الإمام فيما صادفه (فيه) وهو الركوع.

مسألة (167)

مسألة (167): إذا دخل رجل والإمام راكع في الثانية من الجمعة فكبر فسمع صوت (رفع) الإمام وهو في الانخفاض. نظرت: فإن تيقن أنه (دخل) في حد الركوع قبل ارتفاع الإمام عن حده فقد أدركها، وإن تيقن أن الإمام/ (83 - ب) ارتفع عن حد الركوع قبل دخول (المأموم) في حده لم يكن مدركاً، والصحيح (أنه) يصليها ظهراً، وإن نوى الجمعة حين كبر، و'ذا شك فلم يعلم أكان رفع الإمام بعد دخوله في حد (الركوع) أو قبل دخوله في حده فقد نص الشافعي - رضي الله عنه - (على) أنه (غير) مدرك لتلك الركعة مع هذا الشك، (وقد ذكرنا أنهم إذا شكوا في وقت الجمعة وهم في التشهد فسلموا مع الشك) كانت الجمعة صحيحة. والفرق بين المسألتين: فرق الجمع وهو أن يقال (الأصل) أنهم في وقت

مسألة (168)

صلاة الجمعة ما لم يتيقنوا انقضاء وقتها، و (قد) تحللوا بالسلام قبل تيقن انقضاء الوقت. فأما هذا المسبوق فالأصل أنه غير مدرك ركوع الإمام، وأنه غير منته إلى حد الركوع، (وأنه) غير مؤد فرض ذلك الركوع وفرض تلك الركعة، فكان الواجب (عليه) استدامة (هذه الأصول)، ولم يجز لنا في حكمه ترك اليقين بالشك. مسألة (168): إذا دخل رجل يوم الجمعة والإمام في الصلاة فكبر واقتدى (به) فأحدث الإمام فاستخلفه صلى الناس خلف الخليفة (صلاة الجمعة)، إذا كان هذا الاستخلاف في الركعة الأولى، ولو أنه دخل فأحدث الإمام فاستخلفه فابتداء الصلاة وهو خليفة صلى الناس خلفه (صلاة) الظهر [كما يصلى (هو) لنفسه صلاة الظهر]. والفرق بين الحالتين: أنه إذا أحرم خلف الإمام فقد ثبت له في الجمعة حكم الاقتداء وشرع مع الإمام في العقد قبل حدث الإمام، فإذا استخلفه قام مقامه

مسألة (169)

وأجزأتهم الجمعة خلفه. فأما إذا قدمه قبل تعليق صلاته بصلاة الإمام فحكم صلاة الإمام لم تثبت له حتى يبني خلافته ونيابته على أصل صلاته، فلم يجز له ولا للقوم أن يصلوا صلاة الجمعة. والمسألتان منصوصتان، ولفظ الشافعي رحمه الله فيهما قوله: "وإن أحدث في صلاة الجمعة فتقدم رجل بأمره أو بغير أمره، وقد كان دخل الإمام قبل حدثه فإنه يصلي بهم ركعتين وإن لم يكن أدرك معه (التكبيرة) صلاها ظهراً، لأنه صار (مبتدئاً). مسألة (169): إذا دخل رجل يوم الجمعة والصفوف (متزاحمة) (فتخطى) رقابهم أو رقاب بعضهم خالف السنة. وإن كان في صف قريب (منه) ثلمة غير مسدودة، قال الشافعي - رضي الله عنه -: "إن وصل إليها بأن (يتخطى) (واحداً أو اثنين) قلا بأس، وإن كان أكثر من ذلك كره له أن (يتخطى) ". وإنما فصلنا بين أن يرى فرجة وبين

مسألة (170)

أن لا يرى، لأن السنة وردت بسد الفرجة، وقد وعد رسول الله - صلى/ (84 - أ) الله عليه وسلم - المثوبة العظيمة على سدها، فإذا قصر (84 - أ) (بعض) السابقين في ذلك لم يأثم هذا الرجل بأن (يتخطى) (ليسد)، وإنما فصلنا بين أن (يتخطى) واحداً أو اثنين وبين أن (يتخطى) خلقاً كثيراً، لأن الأذى (يكثر) عند كثرة الخلق، ويقل عند قلة الخلق. مسألة (170): قال الشافعي - رحمة الله عليه -: لا أحب التخطي إلا أن يكون لا يجد السبيل إلى مصلى يصلي فيه الجمعة (إلا بأن يتخطى). وإنما فصلنا بين هذه الحالة وبين غيرها، لأن هذا المكلف في هذه الحالة لا يتوصل (إلى) أداء الواجب إلا بالتخطي، وفي غير هذا الموضع يمكنه من غير التخطي أداء الواجب، ولا رخصة في ترك الواجب مخافة الأذى اليسير، ويكره للقوم منعه في مثل هذا الموضع، ولا يكره لهم (منعه) في غير ذلك.

مسألة (171)

مسألة (171): إذا حدث الإمام في خلال الصلاة خرج وتوضأ واستأنف. هذا نصه في الجديد. وقال في القديم: فإن خطب الإمام فأحدث (...) توضأ ثم رجع فأتم. والفرق بين الخطبة والصلاة: أن الخطبة ليس لها تحريم ينقطع بالحدث (والصلاة لها تحريم ينقطع بالحدث) الحادث، ولو استأنف الخطبة كانت أكمل (وبالصلاة) أشبه، وقد قال الشافعي - رضي الله عنه - في مسألة الحدث: إذا (توضأ) ورجع (أتم) ما مضى من خطبته. فظاهر هذا الكلام يقتضي استئنافاً (وإن) كان الإتمام بظاهره يقتضي البناء، وقال

مسألة (172)

أيضاً: وإن (نزل) عن المنبر بعد ما تكلم استأنف الخطبة. وقال أيضاً: إن خطب الإمام ثم أغمى عليه أو عزل فأراد الوالي الخطبة (ابتدائها) وصلاها جمعة. (وأما إذا قلنا) في الصلاة: إنه يجوز البناء فالخطبة أولى بالجواز، لما بيناه من وجود التحريم في الصلاة وعدمه في الخطبة. مسألة (172): قال الشافعي - رضي الله عنه - في (المعتق) بعضه إذا لزمته الكفارة وهو واجد للمال: فعليه (أن) يكفر بالمال. فألحقه الشافعي - رحمه الله - بالأحرار. وقال في كتاب الجمعة: "إذا أعتق بعض العبد وكانت الجمعة في يومه الذي كسبه فيه لنفسه لم أرخص له في ترك الجمعة وإن تركها لم يقل إنه يحرج كما يحرج الحر". والفرق بينهما: أن الكفارة (عبادة) في الأصل مالية، وهو مالك

بنصفه الحر نصيبه في كسبه (بمهاياة) أو غير مهاياة ملكاً كاملاً، فالتحق بالأحرار إذا (قدروا) على المال، وأما الجمعة فإنها عبادة بدنية محضة، فلا يلتحق (84 - ب) فيها بالأخرار ما لم تتكامل فيه الحرية كالحج، ولهذا لم يتوجه على بدنه/ (84 - ب) حدود الأحرار وإنما يلزمه حدود العبيد، وأما الاستحباب فهو ما قاله الشافعي - رضي الله عنه -: لا يرخص له في ترك الجمعة. وقد قال أيضاً: (وأحب) للعبيد إذا أذن لهم أن يجمعوا و (للعجائز) (وللغلمان)، ولا أعلم منهم أحداً (يجرح) بترك الجمعة بحال، وإنما يفصل بين العبد وبين المعتق بعضه (لقوله رحمه الله): في العبد: "أحب أن يجمع". وقال في المعتق البعض: "لا أرخص له في ترك الجمعة". لمكان الحرية في بعضه، وإنما فصل بين أن

مسألة (173)

يوافق الجمعة (....) يومه وبين (أن يوافق) يوم السيد في المهايأة، لأنه (في) يوم سيده (هو) مستغرق المنافع لحقه، وأما (في) يومه فهو فارغ (يكتسب لنفسه)، فأوجب هذا الفرق أنه إذا لم يكن بينهما مهايأة كان كالعبد القن في يوم الجمعة، لأن حق سيده واجب عليه في كل يوم. مسألة (173): قال الشافعي - رضي الله عنه -: "إذا أقيمت الجمعة ثم خطب رجل بطائفة وصلى بهم الجمعة ثانياً فذكر وهو في الصلاة أن عليه ظهراً فوصلها (ظهراً) (فأحب) إلى أن (يبتدئ)، وليس كالمسافر ينوي القصر ثم (يتم). ثم أشار إلى الفرق (بينهما)، وهو: أن المسافر مخير بين القصر والإتمام ابتداء وانتهاء. فإذا نوى القصر ثم نوى الإتمام.

مسألة (174)

(بنى) عليه، (ولا نأمره) باستئنافها. وأما (من) عقد الصلاة بنية الجمعة بعد فراغ الناس من الجمعة فقد نوى القصر (بما ليس) له وشرع فيها، والواجب عليه الظهر، فلهذا أمرناه بالاستئناف وما ذكره الشافعي - رضي الله عنه - من استحباب الاستئناف فهو على (القول) الذي يقول: إن الجمعة ظهر مقصورة، حتى أنه إذا خرج الوقت وهم في الجمعة جاز لهم بناء الظهر. وأما إذا قلنا بالقول الثاني وهو: أن الجمعة والظهر صلاتان متباينتان، فالاستئناف في مسألتنا يكون على جهة الوجوب لا على جهة الاستحباب. مسألة (174): قال الشافعي - رحمه الله عليه -: "إذا خطب الإمام وكبر ثم أحدث فقدم رجلاً [كبر معه (ولم يدرك الخطبة) فصلى ركعة ثم أحدث فقدم (رجلا)] أدركها معه صلى ثانية وأجزأتهم الجمعة، (وإن

لم يكن ركع) معه إلا أنه كبر معه صلى بهم ركعة ثم (تشهد) ثم قدم من أدرك أول الصلاة فسلم بهم (وقضى) لنفسه (ثلاثاً). والفرق بين المسألتين: أن خليفة الخليفة (في) المسألة الأولى قد صلى ركعة من الجمعة مع الخليفة (الأول)، فكأنه صلاها مع الإمام فصحت (الجمعة له) كما صحت للناش، وأما في المسألة الثانية فإن خليفة الخليفة لم يدرك من الجمعة ركعة (مع الإمام ولا مع خليفته حتى صار أمام نفسه، ولا يكون الإمام بإدراك القوم (في) ركعة مدرك ركعة (من الجمعة] [كما يكون المأموم بإدراك الإمام (والقوم) في (...) ركعة (مدرك ركعة) من/ (85 - أ) الجمعة]. ولو كانت المسألة بحالها (وهي): أن الخليفة الثاني لم يكن أدرك الركعة الأولى فدخل مسبوق فاقتدى به في الركعة الثانية التي هي الركعة الأولى لهذا الإمام كان هذا المسبوق مدركاً ركعة من الجمعة فيضيف إليها أخرى، وإن كان إمامه (وهو) الخليفة الثاني يصليها ظهراً لنفسه.

مسألة (175)

والفرق بين الشخصين: أن الإمام من هذين الرجلين لم يدرك ركعة من الجمعة مع الإمام ولا مع من قام مقام الإمام، لأنه علق صلاته على صلاة (الخليفة) بعد فوات ركعة، وأما هذا المأموم فإنه أدرك ركعة من الجعة مع شخص قام مقام الإمام الأول. ألا ترى أن هذا الخليفة (يجلس) للتشهد في ركعته الأولى، لأنها ثانية الإمام ويراعي ترتيبه، فهو في حق غيره قام مقام الإمام وفي حق نفسه لا يكون كغيره، (لأنه إمام نفسه)، ولهذه النكتة أمرنا القوم أن يصلوا خلفه الجمعة، وإن كان هو يصلي لنفسه ظهراً. مسألة (175): قال بعض مشايخنا (إنه) إذا صلى المراهق الظهر يوم الجمعة ثم بلغ والجمعة غير فائتة يلزمه حضورها. (وإذا صلى العبد الظهر ثم اعتق لم يلزمه حضورها). والفرق بينهما: أن العبد (هو) من أهل الفرض فكان الفرض [لازماً

مسألة (176)

(له)] حين أداة فلم يلزمه أداء الفرض مرة ثانية، وألحق المسافر بالعبد إذا صلى الظهر ثم صار مقيماً والجمعة غير فائتة. (قال صاحب الكتاب رحمة الله عليه) وهذا الذي (ذكره) بعيداً على أصل الشافعي - رضي الله عنه -، (قد خالفه عامة الأصحاب في ذلك)، وقالوا: إنه ليس على المراهق إذا بلغ حضور الجمعة كما ليس على العبد ذلك، لأن المراهق إذا بلغ حضور الجمعة كما ليس على العبد ذلك، لأن المراهق أدى حين صلى (فريضة مثله، ولهذا) قال الشافعي - رضي الله عنه -: إذا فرغ الغلام المراهق من الصلاة في أول الوقت ثم بلغ في آخره فليس عليه إعادتها إلا استحباباً، وكذلك إذا بلع في خلالها فليس عليه استئنافها إلا استحباباً. مسألة (176): الإمام إذا صلى الجمعة (ثلاثاً) ساهياً فأدرك رجل معه الركعة الثالثة كان مدركاً ركعة من الظهر، ولو قال هذا (الإمام): قد نسيت (سجدة) (لست) أدرى (من الركعة الأولى هي، أو من الثانية)

مسألة (177)

كان الجواب كذلك، وأما إذا قال: الإمام (أحطت) علماً أن السجدة المنسية هي سجدة من الركعة الأولى كان هذا المسبوق مدركاً (بالثالثة) ركعة من الجمعة. والفرق بينهما: أن الإمام (إذا نسى من الأول سجدة) فالركعة الثانية لغو، وعمله فيها (كلا) عمل، فلما قام إلى الثالثة كانت للإمام/ (85 - ب) ثانية، فالمسبوق بإدراك الثالثة يكون مدركاً، ركعة من الجمعة، وأما إذا لم يكن ترك سجدة (فالثالثة ركعة زائدة فليست من الجمعة وإن كان ترك سجدة)، ولا يدري كيف تركها احتمل أن يكون تركها من الثانية (فلا يحسب) للإمام من الثالثة غير سجدة، (والمسبوق) لا يدرك (الجمعة بإدراك) ركعة لا يحسب منها للإمام سوى سجدة. مسألة (177): قال الشافعي رحمة الله عليه في كتاب الجمعة: "ومن صلى من الذين لا جمعة عليهم قبل الإمام أجزأه، ولا أحب لمن ترك الجمعة بالعذر أن يصلي حتى (يتأخى انصراف) الإمام (ثم يصلوا) جماعة.

وقال بعض مشايخنا: (إنه) يستحب للعبد تأخير الظهر حتى يفرغ الإمام من الجمعة. (وأما المرأة فالمستحب لها تعجيل الظهر في أول الوقت). والفرق بينهما: أن العبد إذا زال رقه صار من أهل (فرض الجمعة) وهو في كل ساعة (يرجو) زوال رقه فاستحببنا له تأخير الظهر إلى أن تفوت الجمعة). وأما المرأة فلا (ترجو) زوال صفتها حتى يستحب لها من التأخير ما يستحب للعبد. ومن أصحابنا من سوى بين الفريقين من استحباب التأخير، والأكثرون على هذا، وإن كان الفرق بينهما واضحاً. وأما صحة الصلاة المعجلة قبل فوات الجمعة فالعبد والمرأة في ذلك سواء، ولكن من تخلف من أهل فرض الجمعة ولا عذر له فصلى الظهر قبل فوات الجمعة فظهره باطل في أصح القولين، لأن مأمور بالجمعة حين عقد

مسألة (178)

الظهر (أمر) فرض، لا (أمر) تخيير. فأما المعذورون فإنهم غير مأمورين بإقامة الجمعة، وإن كانت تقوم لهم مقام الظهر إذا حضروها وأقاموها. مسألة (178): المتطوع إذا أم الناس في صلاة الجمعة لم تصح لهم الجمعة (خلفه) في أحد القولين. والعبد أو المسافر إذا عقد أحدهما الجمعة فالجمعة للناس صحيحة مجزئة. نص عليه الشافعي رضي الله عنه، (وإن كان العبد متطوعاً بحضور الجمعة ولم يكن من أهل فرضها). والفرق بينهما: أن العبد إذا عقد الصلاة افترضت عليه وتأدت فريضة (وقته) (بها) فكانت جمعة القول خلف العبد (فريضة) (خلف) فريضة، وجمعة (خلف) جمعة. وإن كانوا (مقتدين) بمن لا يتوجه عليه أصل (فرض) الجمعة.

مسألة (179)

وأما المتطوع فصلاته التي شرع فيها لا تصير فريضة عليه بشروعه فيها، وهو مخير بين (إتمامها) والخروج منها قبل إتمامها، والجمعة مبنية على نهاية التمام والكمال في شرائطها، بخلاف سائر الصلوات المفروضة التي حكمنا بصحتها خلف المتنفل وخلف المراهق، والمنصوص عليه للشافعي - رحمه الله عليه- في الجمعة أنها لا تصح خلف المراهق وهو ظاهر المذهب. مسألة (179): لا تنعقد جمعتان في بلدة وإن/ (86 - أ) (عظمت). هكذا قاله الشافعي - رحمه الله-، ودخل الشافعي مدينة السلام وشاهدهم يعقدون الجمعة في مواضع شتى وما أنكر عليهم،

فذكر أصحابنا في الفرق عظم البلد (وكثرة) أهلها وتباعد أطرافها. (قال صاحب الكتاب رحمه الله): وهذا الفرق خلاف النص، لأن الشافعي - رحمه الله - حيث ذكر هذه المسألة قال: "لا يجمع في مصر وإن عظم وكثرت مساجده إلا في مسجد واحد". وأصح ما قيل في الفرق بين تلك البلدة وبين سائر البلاد أنها كانت في القديم قرى متفرقة الأبنية اشتملت كل قرية على جامع، فلما اتصلت الأبنية في زمان الخلفاء (من) بني العباس، وصارت في صورة البلدة الواحدة (تركت)

مسألة (180)

على ما كانت في القديم عليه، وهكذا (نقول) إذا تصور مثل تلك الصورة. وهذه طريقة أحسن من اعتبار النهر القاطع، لأنهم يعقدون الجمعة في الجانب الشرقي في موضعين، وفي الجانب الغربي في ثلاثة مواضع أو أربعة. مسألة (180): الخطبة في كونها مفروضة كصلاة الجمعة في (الفرضية)، غير أن (على) الصحيح من المذهب يعتبر عقد الصلاة في السابقة والمسبوقة من الجمعتين، ولا يعتبر افتتاح الخطبة. والفرق بين أول الخطبة وأول الصلاة (....): أن أول الخطبة ليس بعقد معقود، والتنافي إنما يحصل بين (العقدين)، كالنكاحين إذا (عقدا) على المرأة الواحدة في الحالة الواحدة، وأول التكبير أول عقد الجمعة.

مسألة (181)

واعتبر بعض أصحابنا السبق بأول الخطبة، وليس (هذا) (بصحيح)، للفرق الذي قلناه، ولا يعتبر التسليم في السبق بحال. مسألة (181): إذا (سبقت) إحدى (الجمعتين) ولا سلطان في واحدة منهما صحت الأولى وبطلت الثانية. وإن كان السلطان في إحداهما فالجمعة (للطائفة) التي فيها السلطان، وإن كانت مسبوقة في أحد القولين. الفرق بينهما: أنا لو قلنا غير ذلك أدى (إلى) التفويت على السلطان (والمشاقة). فإن قال (قائل): أليس الشافعي - رضي الله عنه - لا يشترط

مسألة (182)

السلطان في صحة الجمعة؟ قلنا: (ليس بشرط) إلا أن (يكون) في ذلك مشافقة السلطان، ويستحب لهذا المعنى استئذان السلطان في ابتداء عقد الجمعة (في القرى)، مراعاة للحشمة، وإن استبدوا ولم يستأذنوا فأراد السلطان تعزيزهم كان له ذلك، لهذا الأصل (الذي قلناه). مسألة (182): الإمام إذا صلى صلاة الخوف بإحدى الطائفتين والصلاة/ (86 - ب) صلاة المغرب، فقد قال الشافعي - رحمة الله -: "إن انتظر الطائفة الثانية جالساً في الركعة الثانية فجائز، وإن انتظر قائماً في الركعة الثالثة فحسن، ففصل بين المحلين (فاستجاز) أحدهما واستحسن الثاني. والفرق بينهما: إنه إذا انتظرهم قائماً في الركعة الثالثة احتاج إلى تطويل

القراءة، وتطويل القراءة ثابت في (صلوات) كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، (وإذا انتظرهم جالساً احتاج إلى تطويل التشهد. "ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ذكر معلوم محفوظ في تطويل التشهد". (والفرق الثاني: إنه إذا) انتظرهم جالساً في الثانية افتقرت الطائفة الأولى إلى اجتهاد في تحري وقت المفارقة، لأن الإمام يستسر بالتشهد ولا يعرفون أنه انتهى إلى وقت المفارقة وهو قوله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد أو لم ينته، (وأما) إذا قام شاهدوا قيامه ففارقوه بالنية مستغنين عن التحري. والفرق الثالث: إنه إذا كان قائماً حتى أقبلت الطائفة (الثانية) كانت الطائفة

مسألة (183)

الثانية مستغنية عن انتظار قيامه للاقتداء به وإن اقتدت به وهو قاعد فلا بد لهم من القعود، وفي ذلك زيادة تطويل وصلاة الخوف مبنية على التخفيف والاختصار ما أمكن. مسألة (183): كل صلاة يصليها الإمام في الخوف بطائفتين فشطرها مع الطائفة الأولى " (وشطرها) مع الطائفة الثانية، إلا صلاة المغرب فإنه يصلي ركعتين منها بالطائفة الأولى" (...) وركعة با (لطائفة) الثانية، وليس (له) غير ذلك. فإن صلى ركعة بالأولى وركعتين بالثانية فقد (أساء وظلم فيها) والصلاة صحيحة له ولهم، وإنما قلنا ذلك، لأن إذا صلى بالأولى ركعة وفارقته وجاءت الطائفة الثانية فاقتدأت به فلابد للإمام من الجلوس في ثانيته وهي الأولى

مسألة (184)

للطائفة الثانية. (وهذا) تشهد قد زاده (في الصلاة للطائفة) الثانية، وليس التطويل موضع صلاة الخوف. (فإن قال قائل): هذا المعنى موجود منه إذا صلى ركعتين بالطائفة الأولى، لأن الطائفة الثانية إذا أقبلت جلس الإمام بها في ثانيته وهي الأولى لهم. قلنا: الإمام يجلس في ثانيته للتشهد والقوم لا يجلسون بل يقومون لقضاء الركعتين حتى (يلحقوا) الإمام في تشهده الأخير، فيتشهدون ويسلمون معه. مسألة (184): الإمام إذا صلى في الحضر صلاة الظهر (والحالة حالة الخوف) وفرق الناس أربع فرق فصلى بفرقة ركعة وانتظر قائماً، ثم بفرقة أخرى ركعة وانتظر جالساً، ثم بفرقة أخرى/ (ركعة) وانتظر قائماً في الركعة الثالثة، ثم بفرقة (أخرى) (ركعة) وانتظر في الرابعة. نظرت في كيفية انتظاره الثالث: فإن جعله انتظاراً (مستأنفاً)، (بطلت

صلاته في أحد القولين، وإن لم يجعله انتظاراً مستأنفاً)، ولكنه طول الانتظار الثاني بزيادة تطويل ولم تبطل صلاته بذلك التطويل، وإنما تبطل بالانتظار الرابع، وهذا أصح الوجهين على هذا القول. والفرق بين الانتظار جالساً في الثانية و (بين) الانتظار (قائماً) في (الثالثة) أنه إذا طول جلسة التشهد الأول فهذا الفعل أوله مباح واستدامته (شبيهة) بأوله ولا ينزل منزلة (ابتداء) الانتظار. وأما إذا (انتظرهم) قائماً في الثالثة فهذا الانتظار من أوله إلى آخره ممنوع، (إذ لم) يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من انتظارين. والاستدامة مختلفة في مسائل (فهي) في بعضها تجري مجرى الابتداء، ولا تجري في بعضها

مسألة (185)

مجراه، ولهذا المحرم لا يبتدئ [(التطيب) بعد الشروع في الإحرام ويستديم ويستصحب (عين)] الطيب الذي يطيب به قبل الإحرام ولا يفتدي. مسألة (185): قال الشافعي - رحمه الله عليه -: "إذا صلى (ركعة على الأرض) (آمناً) (فخاف) واشتد الخوف (فركب) استأنف الصلاة، ولو صلى (ركعة) على ظهر الفرس خائفاً فأمن ونزل بني على صلاته.

وفصل بينهما فقال: "لأن عمل النزول خفيف والركوب أكثر من النزول". (وقال) المزني - رحمه الله -: "ربما يكون (ركوب) الفارس أخف من نزول غير الفارس، وهذا الذي قاله المزني غير قادح في الفرق الذي ذكره الشافعي - رضي الله عنه - إذا صورت المسألتين في فارس واحد كما صور الشافعي - رحمه الله - لا في فارسين، غير أن الذي حكاه المزني عن الشافعي رحمه الله مشكل على مذهبه ولا يستقيم (على قياس أصوله، وكيف يستقيم). وصلاة الخوف لا تبطل بكثرة الأعمال والحركات المتوالية التي لا يستغني المصلي عنها. بل قال الشافعي رحمة الله عليه في الإملاء: "ولو صلوا في الأرض آمنين ركعة فلحقهم الطلب فركبوا أتموا صلاتهم". وقال أيضاً في موضع آخر: "ولو صلى على فرسه بعض الصلاة ثم أمن ونزل حول وجهه إلى القبلة وصلى

(باقي صلاته) وإن استدبر القبلة عالماً بطلت صلاته، وإن سقط عن فرسه أو صرفت الريح وجهة عن القبلة (استقبل القبلة و) وأتم صلاته. ولو صلى على الأرض بعض صلاته ثم ركب وهو غير محتاج إلى الركوب استأنف الصلاة". فأمر الراكب في خلال صلاته (أن) يستأنف إلا في حالة مخصوصة (87 - ب) وهي حالة الاستغناء عن الركوب، فبان/ (87 - ب) بما ذكرنه غلط المزني في (الحكاية). وتكلف بعض أصحابنا - (بعد) تصويب المزني - فرقاً آخر فقال: (إذا) افتتح الصلاة راكباً فنزل التزام ما لم يكن ملتزماً (له) فلزمه وجاز له البناء، وأما إذا افتتح الصلاة على الأرض مستقبلاً ثم ركب فقد قصد أن يسقط عن نفسه بعض ما التزمه وهو الاستقبال وتمام (الركوع والسجود)، فلا يجد سبيلاً إلى إسقاط ما التزم. (قال صاحب الكتاب): وهذا ضعيف، لأن حالة [الخوف عاذرة في ترك

ما (يعذر الإنسان) (به)، والأولي الطعن في رواية المزني فيما حكاه (عن) الشافعي -رحمه الله-] كما ذكرناه. والله أعلم.

مسألة (186)

مسائل صلاة العيدين مسألة (186): إذا شهد شاهدان يوم الثلاثين من رمضان على (روية) الهلال ليلة الثلاثين وصحت عدالتهما قبل الزوال، فقد قال الشافعي -رحمه الله-: ((على الإمام والناس أن يصلوا صلاة العيد، ولو صحت عدالتهما بعد الزوال لم يصلوا في هذا اليوم". الفرق بين الحالتين: أن العدالة إذا صحت قبل الزوال فالوقت وست صلاة العيد، (وقد ثبت أن اليوم يوم العيد. وأما إذا صحت بعد الزوال فقد فاتت صلاة العيد) (وتفرق) الناس لحوائجهم، والعيد (هو) شعار في الإسلام، فلا وجه لإقامة (الصلاة) (....) والناس متفرقون والجماعة (قليلة). مسألة (187): إذا شهد شاهدان يوم الثلاثين وصحت عدالتهما بعد الزوال ففي

مسألة (188)

قضاء صلاة العيد (من الغد) قولان. ولو صحت عدالتهما بعد طلوع الشمس يوما لحادي والثلاثيين صلينا صلاة العيد قولاً واحداً. والفرق بين الصورتين: أن العدالة إذا صحت يوم الثلاث سن فقد ثبت في هذا اليوم أنه يوم لبعيد وذلك قبل القضاء بالاستكمال وإذا تراخت (صحة) عدالتهما إلي طلوع الشمس يوم الحادي والثلاثين فقد دخلنا بحكم (الاستكمال في) وقت (صلاة) العيد قبل ثبوت العدالة، فلا وجه لنقض هذا الحكم فصار كما لو خرجنا يوم الحادي والثلاثين لصلاة العيد فجاء شاهدان وشهد بأنا رأينا الهلال (ليلة الثلاثين) وأن العيد كان بالأمس فلا يلتفت إليهما ولا إلي شهادتهما، لأنا حكمنا بالاستكمال أن هذا (اليوم) يوم عيد. مسألة (188): إذا شهد شاهدان بعد غروب الشمس يوم الثلاثين أنا رأينا الهلال ليلة أمس لم يقبل قولهما، وصلنا من الغد صلاة العيد قولاً واحد، ولو شهدا قبل الغروب الشمس (ثم) صحت عدالتهما ما بين

مسألة (189)

(أداء) الشهادة وبين طلوع الشمس في اليوم الحادي والثلاثين كان في قضاء صلاة العيد/ (88 - أ) قولان. والفرق بين المسألتين: أنهما إذا شهدا بعد غروب الشمس فقد شهدا (بعد) ما مضي حكم الاستكمال (بأن الغد) يوم العيد فلا ينقض الحكم المتبرم بعد تمامه. وأما إذا شهدا قبل غروب الشمس فقد ثبت بشهادتهما حكم الداء قبل الاستكمال بالغروب، والعدالة متى (ما) ثبتت استندت إلي وقت الداء فصار في التقدير كأنهما شهدا يوم الثلاثين بعد الزوال، (وعدالتهما) معلومة. مسألة (189): إذا حكمنا بأن صلاة العيد تقضي، فقد قال الشافعي- رضي الله عنه: "تقضي صبيحة الحادي والثلاثين، ولم يأمر (بقضائها) بعد الزوال يوم الثلاثين.

مسألة (190)

ففصل بعض أصحابنا بين الوقتين فقال: إذا قضيت صبيحة يوم الحادي والثلاثين اجتمع الناس لها فاستجمعت الصلاة (صفتها)، وهي أن تكون بصفة الجماعة شعيرة من شعائر الإسلام، ولو صلينا يوم الثلاثين عقيب الزوال لم (تحصل) هذه الصفة، لتفرق الناس في حوائجهم حني لو كانوا غير متفرقين مثل أن (يسكنوا) قلعة مشتملة عليهم، فقد قال الشافعي - رضي الله عنه: "يقضونها عقيب الزوال". وذلك لوجود المعني الذي اعتمدتاه. مسألة (190): حكي المزني عن الشافعي-رضي الله عنه- أنه (لا يأمر) بقضاء صرة العيد إذا تأخر قضاؤها إلي يوم الثاني والثلاثين، واختار المزني (لنفسه) (ترك قضائها) أصلا، واستشهد بهذه

المسألة فقال: لو جاز قضاؤها غداً وهو يوم الحادي والثلاثين لجاز قضاؤها بعد غد وبعد شهر، لأن ضحي يوم بعد شهر (مثل ضحى) الغد (من العيد. فمن أصحابنا من سلم هذه المسألة واشتغل بالفرق (فقال: الفرق) بين الحادي والثلاثين والثاني والثلاثين: أن الغلط في الهلال (إنما) يتصور بيوم، ولا يكاد يتصور الغلط بأكثر من ذلك. (قال صاحب الكتاب رحمه الله): اعلم أن المسألة (التي) استشهد بها المزني وقبلها أصحابنا (هي) غلط منه علي الشافعي - رحمة الله - وذلك أ، الشافعي- رضي الله عنه- قال في كتاب صلاة العيدين:"وأحب إذا ذكر فيه شأ وإن لم يكن ثابتا أن يعمل [من الغد وبعد الغد" فهذا نصه، والعجب أن المزني حكي هذا النص في كتاب العيدين ثم نسيه في كتاب الصيام، فحكي أن الشافعي (قال: وأحب أن يصلي العيد] من الغد)

واقتصر على هذا القدر ثم أخذ يستشهد فيقول: لو جاز أن يقضي لجاز في يومه، وإذا لم يجز القضاء في أقرب الوقت إليه كان (فيما بعد) أبعد، ثم قال: لو كان (ضحي) غد مثل ضحي اليوم لزم ذلك في ضحي يوم بعد شهر، لأنه مثل ضحي اليوم، فيقال (له): (إذا نص) الشافعي- رضي الله عنه- أنها (تقضي) في الغد وبعد الغد فقد استحب قضاءها/ (88 - ب) أبداً فكيف وقع هذا الغلط؟

مسألة (191)

مسائل الخسوف مسألة (191): قال الشافعي-رضي الله عنه- (في) الخسوف والعيد إذا اجتمعا وخاف فوت العيد: صلاها وخفف ثم خرج (منها) إلي صلاة الخسوف ثم يخطب للعيد وللخسوف، ولا يضره أن يخطب

بعد الزوال لهما. (وإن كان) في وقت الجمعة بدأ بصلاة الخسوف وخفف فقرأ في كل ركعة بأم القرآن، وقل هو الله أحد، وما (أشبهها) ثم يخطب للجمعة ويذكر فيها الخسوف ثم يصلي الجمعة. (فأمر بجمع) الخسوف والعيد في الخطبة فقال: يخطب لهما، (ولم يأمر) بذلك في الجمعة والخسوف، ولكن قال: يخطب للجمعة ويذكر فيها الخسوف. والفرق بينهما: (أن حطبه العيد) وخطبة الخسوف خطبتان (مسنونتان) يجوز تركهما وترك كل واحدة منهما، (فلهذا) يجوز أن ينويهما ويقصدهما قصداً واحداً.

مسألة (192)

فأما خطبة الجمعة فإنها مفروضة (و) لا يجوز أن يقصد خطبة الجمعة وخطبة الخسوف (معاً)، ولكن يقصد أولاً الفرض قصداً محضاً ليتأدى الفرض ثم لا يضره أن يذكر في تلك الخطبة المفروضة [فصلاً من الخسوف كما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (في خطبة الجمعة] فصلاً من الاستسقاء، (لما) استدعاه بعض المسلمين أن يستسقي في خلال (خطبته). مسألة (192): من قضي صلاة فائتة من صلوات أيام التشريق (فيها) يكبر خلفها، وإن فاتت قبل أيام التشريق فقضاها (في) أيام

مسألة (193)

التشريق، (فالصحيح من المذهب) أنه يكبر خلفها، وإن فاتت (من) صلوات أيام التشريق (فقضاها بعد انقضاء أيام التشريق) لم يكبر خلفها. والفرق: أن الفائتة المقضية في أيام التشريق هي مقضية (في) أيام التكبير، وإن كانت فاتت قبل أيام (التشريق)، والفائتة الأخرى مقضيه بعد انقضاء أيام التشريق (إن كان أصل) فواتها في أيام التكبير، (فكان) الاعتبار بحالة القضاء لا بحالة أداء الفائت. مسألة (193): (الشمس إذا غربت) قبل صلاة الخسوف فاتت الصلاة، وإن غربت خاسفة، وكذلك الشمس إذا طلعت قبل صلاة خسوف القمر فاتت صلاة خسوف القمر.

وإن غاب القمر في جنح الليل خاسفا لم تفت صلاة الخسوف والسنة إقامتها، وكذلك أيضاً لا تفوت صلاة خسوف القمر بطلوع الفجر الصادق، في أحد القولين. الفرق بين غروب القمر في الليل وبين غروب الشمس: أمن الشمس سلطان قط، وإنما هو زمان سلطان القمر (فلا) وجه لإقامة صلاة خسوف الشمس. وأما إذا غاب القمر في (جنح) (الليل) (فما) بعد مغيبه زمان سلطان/ (أ-89) القمر في بعض (الليالي)، وكذلك ما بعد طلوع الفجر

مسألة (194)

(الصادق) زمان ضياء القمر في ليالي التمام، فكانت إقامة الصلاة (مسنونة) في ذلك الوقت. مسألة (194): صلاة العيد إذا فاتت مقضية، وصلاة الخسوف إذا فاتت لا تقضى. الفرق بينهما: أن صلاة العيد مؤقتة بوقت من جهة الزمان كما كانت المكتوبات مؤقتة، وليس فيها إحالة فريضة من صفة إلى صفة، فإذا فاتت قضيت كما تقضى المكتوبات وسائر السنن المؤكدة، بخلاف صلاة الخسوف فإنها معلقة بوجود الخسوف لا بوقت من جهة الزمان تضرعاً إلى الله وفزعاً إليه عند ظهور تلك الآية، وإذا انجلت فقد انقضت الآية وانتهت (العلة ففعل تلك الصلاة بعد زوال) العلة وضع الشي في غير موضعه، وإنما طولها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مسألة (195)

ليشتغل بها ما دامت العلة قائمة، فكان ذلك إيضاحاً لما قلنا من الفرق. مسألة (195): من فرغ من صلاة الخسوف فصادف بعض الخسوف باقياً فأراد أن يستأنف صلاة أخرى فليس له ذلك عند بعض أصحابنا، وصلاة الاستسقاء بعد صلاة) الاستسقاء مسنونة ولا يضر أن يكرر مراراً. الفرق بينهما: أن صلاة الخسوف لا تفعل بعدما (تجلت) الشمس، وصلاة الاستسقاء يجوز أن تفعل (بعد) وقوع المطر استزادة من الله تعالى. ومن قال أصحابنا بالوجه الثاني (اعتمد بقاء بعض العلة) (وهو) الخسوف الباقي، ولكن لم يثبت عن النبي إلا التطويل دون (تكرار)

مسألة (196)

الصلاة، وفي الخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- (انصرف) وقد (تجلت) الشمس. وما روس من زيادة عدد الركوع على اثنين في الركعة الواحدة، (فإنما) كان كذلك، أمراعاة هذا المعنى، وهو قصد البقاء مع بقاء الخسوف، ليجري الفراغ منها مع كمال التجلي. مسألة (196): من أدرك (....) الركوع الأول من الركعة كان مدركاً للركعة من صلاة الخسوف، ومن أدرك الركوع الثاني لم يكن مدركاً لتلك الركعة على الصحيح من المذهب. الفرق بينهما: أن الركوع الأول هو الأصل، لأنه هو الذي (يتعقب) القيام الأول. وأما الثاني مع ما قبله من القيام (فهو زيادة) [وزيدت في تلك الصلاة؛ ولهذا قال الشافعي- رضي الله عنه- ((لو رفع الإمام رأسه] من الركوع- في غير صلاة الخسوف - ثم تذكر أنه نسي التسبيح في الركوع فعاد راكعاً فأدركه / (89 - ب) رجل في الركوع الثاني لم يكن مدركاً لتلك الركعة)). ومن قال بالوجه الثاني فمن دليلة أن الإمام لو زاد في الصلاة ركعة خامسة

فدخل مسبوق فصلاها معه كان مدركاً للركعة، (ولكن) من احتج بهذه الحجة اشترط أن يدرك هذا المسبوق مقدار قراءة الفاتحة من القيام الثاني في الخسوف ثم يركع مع الإمام ليكون مدركاً للركعة، كما نقول في إدراك الخامسة فإن المسبوق إذا لم يدرك من الخامسة غير الركوع لم يكن مدركاً للركعة. وقد قال بعض أصحابنا: (إنه) إذا أدرك المسبوق الركوع الثاني من الركعة الأولي في الخسوف قام إذا سلم الإمام وقضى ركعة بركوع واحد وسجدتين. (قال صاحب الكتاب): وهذا تخريج غير مستقيم، ولا وجه له بحال، لأن هذا المسبوق (لا يخلو) إما أن يكون مدركاً لتلك الركعة الأولى بإدراك (الركوع) (الثاني)، أو لا يكون مدركاً، فإن كان مدركاً (لها) فيسلم مع الإمام، وإن لم يكن مدركاً (لها) فعليه قضاء ركعة كاملة، وكمال الركعة في هذه الصلاة (بركوعين) ولا تنصف الواحدة في الفوات ولا في الإدراك.

مسألة (197)

مسألة (197): (لا) يزاد السجود في صلاة الخسوف علي سجدتين، وتجوز الزيادة علي ركوعين في أحد القولين. والفرق بينهما: بالنسبة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد في عدد الركوع وما زاد في عدد السجود، "وروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم زاد في عدد الركوع وما زاد في عد السجود،"وروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركع في (كل) ركعة ثلاث ركعات، وروي خمس ركعات، وروي أكثر من ذلك" ولم ينقل أنه

زاد في السجود في الركعة الواحدة علي سجدتين، وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الصلاة أفضل؟ فقال: "طول القنوت". (والمراد طول القيام)، فإذا زاد في عدد الركوع فقد زاد في مقدار القيام، وإذا زاد في عدد السجود فقد زاد في الجلوس والقيام في الصلاة أفضل من القعود، وأيضا فإنه إذا (زاد) في عدد الركوع (جعل) القيام بين الركوعين محل قراءة القرآن وتطويل هذه الصلاة بالقرآن (....) من سنة هذه الصلاة، وإذا زاد في السجود لم يكن بين السجدتين قراءة قرآن فهذا أيضا من الفرق بينهما.

مسألة (198)

مسألة (198): المريض إذا صلي قاعداً للعجز عن القيام لم يكن عليه قضاء تلك الصلاة، والخائف (من المشركين) إذا صلي قاعداً مخافة أن يراه العدو عند قيامه كان عليه قضاء تلك الصلاة نص عليه الشافعي رضي الله عنه. الفرق بينهما: أن هذا / (90 - أ) العذر للخائف من النوادر التي لا بقاء لها، لأن (العدو) لا يكاد يثبت في ذلك المكان الواحد علي حالة واحدة، وقضاء الصلاة حيث يسقط، إنما يسقط بالأعذار العامة أو (بالأعذار) النادرة الدائمة، والمرض (هو) من الإعذار العامة. مسألة (199): (الإمام إذا صلي) صلاة الجمعة وفي البلد (خوف) فخطب بطائفة وصلي بهم ركعة ثم فارقته تلك الطائفة، وجاءت الطائفة الثانية فصلت معه الركعة الثانية لم تصح الجمعة علي هذه الصفة، بخلاف سائر الصلوات، وقد نص عليه الشافعي رضي الله عنه. والفرق بينهما وبين سائر الصلوات: أن سماع الخطبة من شرطها ثم [أن

مسألة (200)

(من)] شرطها [أن يبقي مع الإمام من أولها إلي لآخرها أربعون رجلا] ممن يسمع الخطبة، فإذا فارقوه في الركعة الثانية لم تصح له الجمعة بالطائفة الثانية. مسألة (200): الجمعة صلاة لا يجوز تركها مع الأمن والتمكن بحال، وذكر الشافعي رحمه الله حالة مخصوصة فقال: "إذا لم يمكنه صلاة الجمعة في الخوف فصلي ظهراً أربعا ثم حدث لأمن [لم يجب عليه (ولا عليهم) الإعادة]. وإنما (لم) يوجب عليهم إٌقامة الجمعة في هذه الحالة، لأن (أول) الوقت دخل عليهم (والجمعة) غير لازمة فأقاموا فرض الوقت ظهراً للعجز فلم تلزمهم الجمعة عند زوال العجز، كالمريض إذا صلي (صلاة) الظهر في منزله ثم برأ فإن شاء

حضر الجمعة وإن شاء لم يحضرها، ثم قال الشافعي -رحمه الله- " (ووجب) على (من لم يصل) معه (إن) كانوا أربعين أن يقدموا رجلًا يصلي بهم الجمعة فإن صلوا ظهرًا كرهت وأجزأتهم (صلاتهم) " وهذا مشكل على المذهب، لأنهم إذا لم يصلوا ظهرًا حتى صادفوا أمنًا وسعة (في) الوقت كان فرضهم الجمعة، ومنزلتهم منزلة الجريح إذا اندمل (جرحه) قبل (أن يصلي) الظهر (أو العبد) إذا عتق أو المسافر إذا أقام، فكيف لا يلزمهم إقامة الجمعة؟ وإزالة هذه الأشكال أن يقال:] إن الشافعي -رضي الله عنه- (صور) [هذه المسألة حيث يكون الإمام في الطائفة الأولى (الذين) صلوا الظهر في أول (الوقت)

مسألة (201)

وهذه الطائفة (الثانية) (خالية) عن الإمام والسلطان، وإن لم يكن من شرط (صحة) الجمعة عند الشافعي -رحمه الله- (فإنه) من شرط كمالها، ولهذا قلنا (إنه) لا يستحب إقامة الجمعة في بلدة (أو قرية) إلا بإذن الإمام، ولهذا قال الشافعي -رحمه الله- في أحد القولين: " (إنهم) إذا صلوا في بلدة جمعتين والإمام في] المسبوقة بطلت صلاة السابقة وصحت صلاة [المسبوقة". ثم / (90 - ب) إن الطائفة الثانية صلوا ظهرًا غير تاركين حضور جمعة تقام في (البلد) فلم يكونوا بمنزلة المتخلفين عن الجمعة بغير عذر، (ولو كانوا) كذلك لكانت الظهر باطلة في أشهر القولين. مسألة (201): إذا شرع الناس في صلاة الخسوف فتجلت الشمس قبل كمالها

أكملوها، وركعوا في كل ركعة ركوعين، ولو (تجوزوا) في القراءة كان حسنًا، ولو (أرادوا) ابتداء الصلاة بعد التجلي لم يجز ذلك (لهم). والفرق بينهما: أن الاستدامة تباين الابتداء. ألا ترى أن من ابتدأ العصر بعد غروب الشمس كان قاضيًا لها، ومن استدامها بعدما صلى ركعة قبل الغروب كان مؤديًا ولم يكن قاضيًا. نص عليه الشافعي -رضي الله عنه- وصلاة الخسوف لا تقضي، فلو افتتحوها بعد التجلي كانت قضاء، وإذا استداموها لم يكن قضاء. (وعلى) هذا الأصل جاز استدامة بقية (إحرام) الحج إلى المحرم وسائر الشهور التي ليست بمحل ابتداء الإحرام بالحج. وأما الجمعة

مسألة (202)

فابتداؤها واستدامتها سواء، ولابد من وقوع (جميعها) في الوقت، ولا يتصور قضاؤها بحال. مسألة (202): إذا مات وفي ذمته دين، وله عبد في رقبته (جناية) كان حق الجناية مقدمًا. والفرق بينهما: أن حق الجناية (متعلق) بهذه العين، بخلاف الدين فإنه متعلق بذمته، (وله) (تعلق بالعين) إذا مات دون (تعلق) الجناية بالرقبة إذ (لا) يزيد (درجة) تعلق الدين (بالتركة) بعد الموت على درجة تعلق الدين بالرهن، ومعلوم أن الرهن لو سبق وتعلق به الدين ثم جنى العبد المرهون قدمنا حق الجناية على حق الرهن.

مسألة (203)

مسألة (203): إذا مات المملوك فعلى السيد الكفن، وإذا ماتت الزوجة فليس على الزوج كفنها عند الأكثر من أصحابنا. والفرق بينهما: أن المملوك إذا مات غير مالك (لمال) (فكان) مالكه أولى الناس (بواجبه) (بعد موته)، وقد امتد الملك إلى الموت. وأما الزوجة (فإنها إذا) كانت حرة ماتت مالكة (غذ هي) أهل للملك، وقد انقضى الاستمتاع الذي (هو) في مقابلة الكسوة والنفقة، وإن كانت مملوكة فمالكها أولى بها وبتكفينها، لأن حق الملك فيها غير

مسألة (204)

مدفوع ولا (هو) مقطوع بحق نكاح. ومن أصحابنا من أوجب على الزوج كفنها، واستشهد باستبقاء أثر النكاح بعد الموت (في الغسل والصلاة) والميراث، واستشهد (بالمملوك) ووجوب كفنه على المالك. مسألة (204): السقط إذا اختلج، ولم يستهل (لم يصل) عليه في أصح القولين، وإذا استهل وجبت الصلاة عليه.

والفرق (بينهما): أن الاستهلال، (دليل يقين) الحياة، وأما / (91 - أ) الاختلاج فلا يدل على يقين الحياة، لأن الميت ربما (يتشنج) (.......) بعض أعضائه بعد موته فيضطرب. ويشاهد فيه الحركة بالاختلاج، والسبب ذلك التشنج، ومن لم يخرج من بطن أمه حيًا بيقين لم يثبت له أحكام الأحياء، ثم حكم كل سقط خرج ميتًا أن يغسل (ميتًا) والخرقة التي (.....) تواريه لفافة (تكفيه)، وإنما (نأمر) بتمام سنة الكفن (عند وجود يقين الحياة).

مسألة (205)

مسألة (205): (المرتث) إذا أكل الطعام، وعاش بعد المعركة (مدة)، ثم مات من (الجراحة) كان في الغسل والصلاة عليه كسائر الموتى. وإذا انقضت المعركة (وهو) حي، غير أنه لم يأكل ولم يتطاول (به الزمان حتى مات من جراحة المعركة لم يغسل ولا يصلى عليه، وحكمه حكم المقتول في المعركة. والفرق بينهما: أنه (إذا) أكل الطعام وطال زمان حياته ثم مات لم تكن حالته (تشبه من) استشهد في المعركة، لأنه عاش بعد المعركة عيشًا طويلًا.

وأما من لم (يكن) يأكل ولم يتطاول به الزمان فهو قريب المشابهة بمن قتل في المعركة، لتقاصر (زمان) حياته وامتناعه عن الأكل والشرب، (بسبب) ما ناله من الجراحة، ومشهور أن (عبد الله بن) أبي بكر -رضي الله عنه- كان مع النبي صلي الله عليه وسلم في غزوة الطائف فأصابه سهم، ثم ماطلته الجراحة فعاش حتى مات رسول الله -صلي الله عليه وسلم- ثم مات بعد موته (بسراية) تلك الجراحة فغسل وصلي عليه. وروي أن معركة أحد انقضت وانصرف المشركون، وجماعة من أصحاب النبي -صلي الله عليه وسلم- مجروحون (وبهم رمق)، وجماعة منهم كانوا قد (أجهز) عليهم

مسألة (206)

ثم مات المجروحون، فكانت سنة النبي -صلي الله عليه وسلم- في الفريقين واحدة، لم يغسلهم ولم يصل عليهم. مسألة (206): لو دخل كافر دار الإسلام فاغتال مسلمًا فقتله غسلنا ذلك المسلم وصلينا عليه، (ولو كان) مقتول كافر. (ولو قتله كافر) في معركة لم نغسله ولم نصل عليه. والفرق بينهما: أن أحدهما مقتول في حال اشتغال (المسلمين) بما يحول بينه وبين غسله والصلاة عليه، وهي المعركة القائمة فلم يلزمهم فيه حق الغسل والصلاة حين مات، ثم (لما) (لم) يلزمهم في أول

حالته لم يلزمهم من بعد وإن صاروا فارغين. وأما الثاني حين قتل فمثل هذه الحالة لم تكن موجودة (في) ساعة قتله، وأيضًا فإن المقتول في المعركة نال أعظم درجات الشهادة، والثاني (وغن) كان شهيدًا فدرجته دون درجته، و (كان) عمر بن الخطاب (رضي الله عنه شهيدًا)، وكذلك عثمان وعلي رضي الله عنهم (ولم تكن) شهادتهم في المعركة، فغسلوا وصلي / (91 - ب) عليهم. وأيضًا فإن الصلاة والغسل في الأصل شريعة مشروعة والقياس يقتضي أن لا يترك (ما كان) مشروعًا إلا بدليل يوجب تركه. وقد روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه لم يغسل شهداء أحد ولم يصل عليهم، (فخرجوا) وأمثالهم عن أصل الغسل والصلاة (بدليل) السنة (وبقي) من لم يثبت فيه سنة على الأصل، والشافعي -رحمة الله عليه- أشار إلى هذا

مسألة (207)

(الأصل) واعتمد عليه في تفصيل حكم الشهداء. مسألة (207): (المسلم) إذا ارتد إليه سيفه في المعركة فقتل نفسه كان شهيدًا، ولا يتقاصر في درجة الشهادة عن قتله المشركين في المعركة، غير أن مقتول المشركين لا يغسل ولا يصلى عليه. وأما الذي قتله سلاحه فإنه يغسل ويصلى عليه عند كثير من أصحابنا. الفرق بينهما: أن مقتول المشركين هو الذي وردت السنة عن النبي صلي الله عليه وسلم بترك (غسله) وترك الصلاة (عليه) دون من قتل نفسه، (فلهذا فرقنا) بينهما وإن كانا سواء في شغل المعركة وشهادة المعركة. ولا يبعد قول من قال بالتسوية بينهما، لما روي أن عامر بن الأكوع كان مع النبي - صلي الله عليه وسلم - في طريقه

إلى خيبر، فسمع رسول الله -صلي الله عليه وسلم- (صوته) يرتجز ويقول: لا هم لولا الله ما اهتدينا (ولا تصدقنا ولا صلينا) فأنزلن سكينة علينا (وثبت الأقدام إن لاقينا) ] إن (الأولى قد) [بغوا علينا إذا أرادوا فتنة (أبينا) فقال رسول الله -صلي الله عليه وسلم- من هذا؟ فقالوا: عامر بن الأكوع فدعا له بالمغفرة فقال: عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (لو أمتعتنا) بعامر (يا رسول الله)، وإنما قال عمر ذلك، لأن النبي -صلي الله عليه وسلم- ما دعا لإنسان بالمغفرة إلا قتل شهيدًا إلا ما شاء الله. فلما التقى (اليهود والمسلمون) بخيبر بارز عامر ابن الأكوع رجلًا، وكان في سيف عامر قصرًا فارتد إليه سيفه فأصاب

(ركبته) فمات فقال بعض المسلمين: أحبط عمله (قتل) نفسه فاغتم لذلك أخوه (سلمة) بن الأكوع، فجاء إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فأخبره بما قاله بعض المسلمين، فقال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: "كذب إنه (لجاهد) مجاهد، وفي بعض الروايات له أجر شهادتين". وما نقل في شيء من المغازي أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم- خصه بالغسل والصلاة من بين سائر الشهداء، ولو فعل ذلك لما أغفل أصحاب المغازي نقل الفعل المخصوص فإنه أولى/ (92 - أ) (......) بالنقل من الفعل المعتاد المشهور. وأما من مات في المعركة حتف أنفه، أو وطئته دابة من دواب المسلمين، أو من دواب المشركين، أو (تردى) في بئر حالة (القتال) فمات. فهذه المسائل ونظائرها مما اضطرب فيه بعض مشايخنا، (والأصح أن يعتمد فيها)

مسألة (208)

موارد الأخبار، لما ذكرناه من الفرق (فمن) لم يرد فيه خبر أو أثر (استبقيت) له فرض الغسل والصلاة مع (التمكن)، واستثنيت (......) من استثناء الخبر والأثر. مسألة (208): "من قتل دون ماله فهو شهيد"، ولكنه يغسل ويصلى عليه، وقال الشافعي -رضي الله عنه- في أحد قوليه: (إنه) لا يغسل العادل إذا قتل في معركة (قتال أهل البغي) ولا يصلى عليه. والفرق بينهما: أن أحدهما مقتول في المعركة فشابه (ذلك) المسلم المقتول في معركة المشركين.

وأما الثاني فإنه غير مقتول في معركة، وكذلك (نقول): لو قتل باغ عادلا (غيلة) في غير معركة (غسل وصلي عليه)، (وقد روي) أن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- وصى (بأن) لا يغسل ولا يصلى عليه، وكان مقتولا في معركة البغي، وفيه قال -صلي الله عليه وسلم-: "عمار تقتله الفئة الباغية". وهذا أثر ورد في العادل المقتول في المعركة، (والاعتماد) في ذلك على الأثر، وربما يترجح الأثر (على القياس). وأما الباغي إذا صار مقتولا في المعركة (أو في غيرها) فإنه يغسل ويصلى

مسألة (209)

عليه، ولا يلحق بالمشركين، وإن كان قد بغي على الغمام العادل، كقطاع الطريق وسائر المتمردين. مسألة (209): الجنابة وزهوق (الروح) على الشهادة (إذا اجتمعا على الشخص لم يغسل) (......) وجوبا (ولا استحبابا). والجنابة إذا وجدت في حالة (الحيض) استحببنا (لها أن تغتسل)، وإن كنا لا نوجب عليها الغسل ما لم ينقطع الحيض، وعلة الاستحباب في هذه المسألة أنها إذا أرادت ذكر الله تعالى فالأحسن (أن لا تكون) جنبا، ومن أباح لها قراءة القرآن ظهرت (فائدة) الغسل ظهورا واضحا على أصله. وأما الشهيد المستشهد في حالة الجنابة فلا فائدة في غسله (عن)

الجنابة، وفي ذلك (إزالة) (دم الشهداء) الذي أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم باستصحابه في قوله: "زملوهم (بكلومهم) ودمائهم فإنهم يبعثون يوم القيامة وأدواجهم تشخب دما اللون لون الدم والريح ريح مسك". وثابت عن النبي صلي الله عليه وسلم (أنه قال) يوم أحد: ما بال حنظلة فإني رأيت الملائكة تنزل عليه بإبريق وطشت فقالت امرأته: إنه كان جنبا فسمع الهائعة (فلم يصبر حتى يغتسل). (فكان) ذلك أصلا في كل جنب قتل في / (92 - ب) المعركة فدل على أنه لا يغسل كما لم يغسل رسول الله صلي الله عليه وسلم حنظلة.

مسألة (210)

(مسائل اجتماع القرابات) مسألة (210): الأخ للأب والأم، والأخ للأب سواء في ولاية النكاح على قوله القديم، (وذو) القرابتين منهما (هو أولى) على قوله الجديد، (وما اختلف قوله في الصلاة على الأخت أنه أولى) من الأخ للأب. والفرق بين الحقين: أن المقصود (.......) من الصلاة على الجنازة (هو) الدعاء والترحم عليه والتضرع إلى الله تعالى لأجله، (فمن)

مسألة (211)

كانت وشائج القرابة (فيه) أكثر كان إخلاصه في الدعاء أبلغ. وأما النكاح فالمقصود من ولايته دفع العار عن النسب، والنسب إلى الآباء، (والأخوان في الشفقة على نسب الأب سواء)، فلهذا استويا على أحد القولين في منزلة الولاية، وكذلك الكلام (في العم لأب وأم والعم لأب). مسألة (211): موقف الغمام من الرجل (الميت) إذا أراد الصلاة (عليه) (حذاء رأسه) مما يلي الصدر، وموقفه من المرأة عند عجيزتها مما يلي الخاصرة. والفرق بينهما: (بالسنة)، وهو ما روي (عن) أنس بن

مالك رضي الله عنه (أنه) صلى بالبصرة على جنازة رجل فوقف حذاء رأسه، وأتى بجنازة أخرى فقيل له: هذه فلانة بنت (فلان) فوقف حذاء وسطها فقال (العلاء بن زياد): خالفت الموقف يا أبا حمزة فقال (أنس): هكذا السنة والأولى الاعتماد على السنة، وقد قيل في ذلك (إنه) سترة (لما هو أهم) في (الستر) من بدنها ببدن الإمام إذا وقف (بينها) وبين الناس.

مسألة (212)

مسألة (212): إذا اجتمع جنازة الرجل والمرأة وضعت جنازة الرجل يين يدي الإمام، وجنازة المرأة بين يدي جنازة الرجل. وإذا دفن الرجل والمرأة (في قبر واحد) كان الرجل مقدمًا والمرأة مؤخرة. والفرق بينهما: أن (المقصود عند الصلاة عل الجنازتين دعاء الإمام والناس)، (فالأفضل منهما أولى بالقرب من الإمام والناس) والمقصود (عند) الوضع في القبر، التقريب من القبلة ومقابلتها لشخص الميت فأفضلهما أقربهما إلى القبلة، وأما صفوف الصلاة خلف الإمام فالاعتبار (فيها) كالاعتبار في وضع الجنائز أمام الإمام فالصف الأول للرجال، والثاني للصبيان، والثالث (للخنائي)، والرابع للنساء. مسألة (213): الصلاة على القبر مشروعة، ..........

بخلاف قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - (فإنه لا تجوز الصلاة عليه. الفرق بينهما: أن الصلاة على قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (تشبه) التقرب إليه وقصد تعظيمه بالصلاة فلو فعل السلف ذلك لتبعهم الخلف وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لعن الله اليهود والصارى اتخذوا قبور (أنبيائهم) ساجدًا، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم لا تجعل قبري (وثنا) يعبد)). وما شاع في الناس عبادة الأصنام إلا (عن) مثل هذا الأصل. كان السلف فيما تقدم يصورون صورًا على صور الصالحين الذين ماتوا فيهم على (صور) الأنبياء من (93 - أ)

مسألة (214)

الحجارة وغيرها يتذكرون بالنظر إلى صورهم ويترحمون عليهم، وكانوا يجتمعون لتلك (الصور)، وكانوا (يؤمون لها) مثل السجود، والأولاد ينظرون الآباء فلما تطاولت عليهم الدهور ظن خلفهم أن سلفهم كانوا يعبدون تك الصور فاتخذوها معبودة (وهذا المعنى مأمون في الصلاة على قبور سائر المسلمين). مسألة (214): من لم يدرك الصلاة عل جنازة ميت ولكنه كان يوم (موت الميت) بالغافلة أن يصلي على قبره ولو بعد حين.

أما من كان مراهقًا يوم موته ثم بلغ وأراد أن يصلي عل قبره فليس له ذلك. والفرق بينهما: أن البالغ يوم موته (هو) خاطب بغرض الصلاة عليه فرض كفاية، فإذا فاتته الصلاة على جنازته احتسبت منه الصلاة على قبره. وأما من لم يكن يومئذ مخاطبًا بالصلاة، وإنما صار مخاطبًا من بعد فهو بالصلاة على قبره بعد صلاة الناس على جنازته (كالمتطوع)، [وليس هذا كالذي (يصلي) مع البالغين] على الجنازة، لأنه كالتبع لهم. وهذا الحد (أحسن) وأولى ممن حد بشهر (أو بثلاثة) أيام.

مسألة (215)

ومن حد ببقاء العظام (في القبر) فلا بأس بمذهبه، لأن (جواز) النبش محدود (به). مسألة (215): لا يجوز نبش القبر ما دامت العظام (فيه)) باقية، (وأما إذا) صار رميمًا وتناثرت جاز النبش، لضرورة المكان إذا ضاق بالناس. (والفرق بينهما): أن العظام ما دامت فيه فتلك البقعة مستغرقة المنفعة بتلك العظام الباقية، (وأما إذا) صارت بالية كالتراب صارت البقعة (في صورة المنفعة) الخالية، ولهذا النازل إذا نزل بيتًا من رباط موقوف، فأراد غيره النزول عليه (لم يكن له ذلك)، ما دام

مسألة (216)

البيت مستغرق المنفعة (بنزوله فيه)، فإذا رحل (عنه) وخلا البيت كان لغيره أن ينزل فيه. مسألة (216): تجوز الصلاة على الغائب إذا بعدت المسافة، ولا تجوز إذا قربت المسافة بحيث لا يتعذر (حضور) الجنازة في العرف والعادة. الفرق بينهما: أن الأصل معاينة الجنازة ومشاهدتها عند الصلاة عليها إلا ما استثنته السنة، والسنة ثابتة عن النبي- صلى الله عليه وسلم - في المسافة البعيدة دون القريبة، [وذلك ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى على ملك الحبشة]. وبين المدينة

(وبين) الحبشة مسيرة شهر. وأجاز بعض أصحابنا ذلك مع قرب المسافة، وذلك مستبعد.

مسألة (217)

(......) مسألة (217): استقبال القبلة بالميت في اللحد أو يلقى على يده اليمني، ويوضع تحت خده لبنة إن لم يكن حفر اللحد تجريف يغني عن اللبنة، ويكون وجهه إلى القبلة. وأما عند زهوق الروح (فالسنة) المروية في الاستقبال (أن يلقى) الميت على ظهره ووجهه في مقابلة القبلة.

الفرق/ (93 - ب) بينهما بالسنة المروية والعادة المعهودة يين المسلمين (هو ما قلناه)، (وأما المعنى) فلا يكاد يتضح (الفرق) بين (الاستقبالين) إلا بأن يقال: إن زمان البقاء في اللجد (مستقبلًا) (أمد وأطول) والأولى (به) أبلغ الحالتين في الاستقبال، وتلك الحالة أبلغ، لأنه يكون بجميع بدنه مستقبلًا القبلة فلا يكاد يستلقي على ظهره وجدار مقدم اللحد يمنعه أن ينكب على وجهه فيبقى مستقبلًا (القبلة) إلى أن يبلى. والدليل على أن هذه الحالة أبلغ في الاستقبال ما قاله الشافعي - رحمه الله تعالى - في رواية البويطي: ((أن المريض العاجز (عن) القعود يصلي على شقه الأيمن مستقبل القبلة كالميت في اللحد، فإن لم يقدر على ذلك (صلى) مستلقيًا على ظهره (كما يلقى الميت على ظهره)

مسألة (218)

قبل غسله)). فقد رتب الشافعي - رحمه الله - إحدى الحالتين على الأخرى، وجعل الاضطجاع على الأيمن أبلغ في الاستقبال من الاستلقاء. مسألة (218): الرجل إذا مات وخلف مملوكة (له) لم يكن لها غسله، وإن خلف أم ولد (له) كان لها (أن تغسله) على الصحيح من المذهب والفرق بينهما: أن أم الولد (كانت) (و) فراشًا له وقد استقر لها) بالاستيلاء حكم الفراش، ولهذا جوزنا للسيد غسلها إذا ماتت قبله، وكما جوزنا للزوج غسل الزوجة إذا ماتت، وجوزنا لها غسله.

مسألة (219)

وأما الأمة فحكم الفراش غير مستقر لها، (ولهذا) ينتقل الملك بالموت في (رقبتها) إلى الوارث، ولا فرق بينهما وبين أمة الأجانب، فلهذا (منعناها) غسله. مسألة (219): قال الشافعي رحمه الله: ((إذا دفن الميت ولم يصل (عليه) ولم يغسل فإن كان في اللحد قبل أن يهال (عليه التراب) أخرج وغسل وصلي عليه إلا أن يخاف تغيره، فإن كان قد أهيل (عليه) التراب لم ينبش وصلي عليه في القبر. والفرق بينهما: من وجهين): أحدهما: قلة المشقة وكثرتها. والثاني: أن

مسألة (220)

التراب إذا (أهيل) (عليه) فاستخراجه بعد ذلك نبش على الحقيقة، والنبش ممنوع (منه)، وأمام، قبل الإهالة فليس بحقيقة نبش. وقد فصل بعض أصحابنا بين الغسل والكفن فقال: إذا دفن بغير كفن لم ينبش، لأن الأرض كفن له بعد المواراة وإن دفن من غير غسل [نبش (وغسل)]. وقال بعض أصحابنا: إذا (أريد) الصلاة عليه وهو في اللحد قبل إهالة التراب (عليه) رفعت لبنة (مما) يقابل وجهه حتى يظهر بعضه. وهذه التخريجات كلها خلاف النص، فإن نص الشافعي - رحمة الله عليه - (على) ما حكيناه، وهو الصحيح. مسألة (220): أب الأم جد لا حق له في (إرث) (ولا

قصاص، ولا ولاية (إنكاح) ولا حق له في حد. (وله حق يستحقه) بالقرابة ًفي غسل الميت وفي الصلاة عليه وهو أولى من بعض/ (94 - أ) القرابات الذين هم أبعد (منه). (والفرق بينهما: أن) المقصود من الصلاة على الميت التحنن والرأفة والشفقة للجهد في الدعاء، وذلك منوط (يقرب القرابة) وهذا موجود فيه وإن (لم) توجد فيه علة الولايات ومعاني (التعصيب) ولهذا المعنى ألحقناه (بالجد أبي الأب) في وجوب النفقة، وسقوط القود، والعتق بالملك وما أشبهه.

مسألة (221)

مسألة (221): للمسلم غسل قريبه المشرك وتكفينه، وتشييعه، ودفنه، وليس له الصلاة عليه. الفرق بينهما: أن الصلاة للدعاء والاستغفار وليس الكافر أهلًا لذلك، (ولهذا) قال الشافعي: (و) يعزى المسلم بموت قريبه المشرك، (ويدعي) المسلم بالصبر والأجر، (ولا يدعي) للمشرك بالمغفرة. وأما الغسل والتكفين فليس (ذلك) كالاستغفار، ولكنه تنظيف لبدنه (وستره)، (ومعقول أنه في حال حياته لو احتاج) إلى تنظيف وكسوة ومسكن لكنا نوجب على أبيه الغني أن يقوم له بهذه الكفاية؛ لأن النفقة تجب بين الوالدين والمولودين مع اختلاف الدين، كما يجب مع اتفاق

مسألة (222)

الدين. وثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنه) لما مات عمه أبو طالب (أنه) قال لعلي رضي الله عنه حين قال له: مات عمك (ذلك) الضال (فقال: ((اذهب) فغسله وكفنه وادفنه، ولا تحدث أمرًا حتى تأتيني. فذهب ففعل (ذلك) وعاد فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اغتسل. مسألة (222): الغلام البالغ إذا مات غسله الرجال دون النساء، والخنثى المشكل إذا مات بالغًا فاختيار (بعض) مشايخنا (أنه) إن غسلته امرأة كان جائزًا، وإن غسله رجل كان جائزًا. والفرق بينهما: أن (الخنثى) المشكل بعد بلوغه لا يتعين أنه رجل،

مسألة (223)

ونحن نجوز للنساء قبل بلوغه غسله، فاستدمنا هذه الحالة بعد البلوغ يقينًا، (ولا نتركه) بالشك. ومن أصحابنا من قال ت: يشترى له من بيت المال تغسله. مسألة (223): وصايا الميت مؤخرة عن الديون، ومؤنة جهازه مقدمة على الديون من غير سرف ولا تقتير. (والفرق بينهما): أن ما كان (من) مؤنة دفنه فذلك (هو) من حاجته، ومنزلته منزلة ما ينفقه في مرضه (على نفسه) مما اشتراه بثمن مثله، وذلك كله من رأس ماله مقدمًا عل وصاياه وديون غرمائه، (وكذلك) مؤنة الكفن والدفن. وأما ما أوصى (به)، من تبرعاته فذلك شيء يحكم فيه متبرعًا باختياره من غير حاجة دعته إليه ولا ضرورة وقضاء

مسألة (224)

الدين فرض (و) ضرورة فكانت (مقدمة) على الوصايا. (94 - ب) مسألة (224): [(من) الأحياء على الأموات] سبب/ (94 - ب) زيادة في عذابهم إذا كان ذلك بأمر منهم وبوصية. وأما إذا ناحوا وبكوا بالعويل، (ولم تتقدم منهم وصية)، (بذلك) فلا يكون سببًا الأموات. والفرق بينهما: أنم إذا لم (يأمروا) بذلك ففعله الأحياء لم ينسب فعلهم إلى سبب من الأموات. (وأما إذا) فعلوا ذلك بوصيتهم انتسب ذلك إلى معنى موجود منهم، ولهذا فصلنا بين الحج والعتق عن الميت بإذنه أو بغير إذنه، ولذلك

ألزمنا الأحياء بتنفيذ وصايا (الأموات)، وقال بعض أصحابنا لا يبعد أن يراد في (عذاب) الميت ببكاء أهله وإن لم توجد من جهته وصية لما بينه وبينهم من علائق النسب والسبب، ولهذا روي أن خالد بن الوليد - رضي الله عنه - أشرف على النزع فندبه بعض أهله في تلك الحالة فقال: واكهفاه (واجبلاه) وأسداه، وكان يغشى عليه ويفيق، (فلما) أفاق (قال: ((لم تندبوني بشيء إلا خوفت به، وقيل في أنت هكذا (و) أنت هكذا)) والصحيح أن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه المسألة محمول على (هذا)

التأويل، وهو أن يوصي بذلك كما كانوا يفعلون في الجاهلية، [ولهذا قال: النبي - صلى الله عليه وسلم - (إن الكافر يعذب ببكاء أهله عليه). [فأما لفظ عمر - رضي الله عنه - حيث روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه]] (فقد) قالت عائشة - رضي الله عنها -[لأبي رواه محمد بن إسماعيل (البخاري) (بإسناده) عن

هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها] (أنها) ما قالت: وهل عمر، (وإنما) قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: وإنه ليعذب بخطيئته وذنبه، وإن أهله ليبكون عليه).

((تم بحمد الله كتاب الصلاة)) ((والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات)).

الجمع والفرق أبو محمد عبد الله بن يوسف الجويني المتوفى سنة 438 هـ تحقيق ودراسة عبد الرحمن بن سلامة بن عبد الله المزيني الأستاذ المساعد بقسم الفقه بكلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم الجزء الثاني دار الجيل

دار الجيل للنشر والطباعة والتوزيع جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 2004 م - 1424 هـ بيروت: البوشرية - شارع الفردوس - ص. ب: 8737 (11) - برقياً دار جيلاب هاتف: 689950 - 689951 - 689952/ فاكس: 689953 (009611) E.mail:[email protected]. Website:www.daraljil.com القاهرة: هاتف: 5865659/ فاكس: 5870852 (00202) تونس: هاتف: 71922644/ فاكس: 71923634 (00216)

[مقدمة التحقيق للمجلد الثاني]

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله رب العالمين وبه نستعين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. وبعد ... فإن فن الجمع والفرق من أهم علوم الفقه حتى قيل: الفقه جمع وفرق. به يمكن التمييز بين الفروع المتشابهة تصويراً، المختلفة حكماً لمدرك خاص يقتضي ذلك التفريق، واختلاف الأئمة المجتهدين في كثير من المسائل أساس ملاحظة الفروق الدقيقة، والمعاني المؤثرة التي أدت إلى الحكم الذي وصل إليه المجتهد. وقد نشأ هذا العلم مع نشأة الفقه، وكان الفقهاء - رحمهم الله - يذكرون الفروق في ثنايا كتب الفروع، ثم أولوه عناية خاصة فأفردوه بالتأليف ومن أحسن وأشمل ما ألف في ذلك كتاب "الجمع والفرق "موضوع التحقيق، قال عن الزركشي في معرض كلامه عن أنواع الفقه: "النوع الثاني: معرفة الجمع والفرق، ومن أحسن ما صنف فيه كتاب الشيخ أبي محمد الجويني ". وتتجلي قيمة الكتاب وأهميته فيما يلي: 1 - شموله لجميع أبواب الفقه.

خمس نسخ، إليك وصفا لها

2 - غزارة المادة العلمية الموجودة في هذا الكتاب، وتنوعها، فقد اشتمل على الفروع، والفروق، والقواعد الفقهية، والقواعد الأصولية. 3 - ضمنه مؤلفه عدداً كبيراً من نصوص الشافعي، وأقواله الجديدة والقديمة، مما جعل لهذا الكتاب أثراً كبيراً في حفظ هذه النصوص. 4 - كثرة الفروع ودقتها، فقد جمع مؤلفه فروعاً كثيرة ودقيقة، قد لا توجد في غير ذا الكتاب. 5 - يعتبر هذا الكتاب أوفي كتاب في ذكر الفروق، فقد ذكر مؤلفه ما يزيد على مائتين والف فرق. 6 - ذكره الخلاف - أحياناً - بين الإمام الشافعي والإمام أبي حنيفة والإمام مالك، مع ذكر الأدلة عند الحاجة إلى ذلك. 7 - مما يزيد في أهمية الكتاب أن مؤلفه من متقدمي الشافعية، ومن محققي المذهب الشافعي. وقد استعنت بالله في تحقيق الكتاب، معتمداً على خمس نسخ، إليك وصفاً لها: النسخة الأولى: توجد في مكتبة ترخان بتركيا برقم (146) أصول فقه. عدد أوراقها (307) ورقة. وعدد أسطرها (25) سطراً. نسخها عبد الله بن عبد القوي بن محمد الأسنوي في القرن الثامن، ولا يوجد عليها عنوان الكتاب. وتمتاز هذه النسخة بأنها شاملة للكتاب، لذلك نسخت الكتاب عليها ورمزت لها بحرف/ أ. ويوجد في هذه النسخة خلط وسقط يصل أحياناً إلى عدة مسائل، والصور التالية تبين الخلط الموجود فيها.

/صورة من مخطوطة/

/

النسخة الثانية

النسخة الثانية: وقد عثرت عليها في المكتبة الأزهرية بمصر برقم (81) فقه الشافعي. وعدد أوراقها (233) ورقة. وعدد أسطرها (22) سطر. وجد في أولها جزء من عنوان الكتاب ولا يوجد عليها اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ، عليها ختم تمليك وهي ناقصة الأول والآخر. تبدأ بقول المؤلف - رحمه الله - وأما تكليف استعمال التراب في التعفير فمعناه معقول، وذلك في مسألة رقم (14) من كتاب الطهارة، وتنتهي بقوله: "فأما الأحبال فيتبعه في مسألة رقم (235) من كتاب الرهن. وقد رمزت لها بحرف/ هـ. والذي ظهر لي بعد البحث والتدقيق أن نسخة/ ب ناقلة عن نسخة/ هـ، وكدت أن أسقط/ ب من المقابلة، ولكن لما كان خطها من أحسن النسخ وأوضحها آثرت إثباتها. النسخة الثالثة: وهي موجودة في دار الكتب المصرية برقم (1504) فقه الشافعي. وعدد أوراقها (332). وعدد أسطرها (19) سطراً. وجد في أولها عنوان الكتاب، ولا يوجد عليها اسم الناسخ، ولا تاريخ النسخ، عليها ختم تمليك، وهي ناقصة الأول والآخر، وتبدأ وتنتهي بما بدأت وانتهت به النسخة السابقة. ورمزت لها بحرف/ ب. ويوجد في هذه النسخة خلط، فنجده يذكر مسائل الزكاة ثم تجده في منتصف السطر يأتي بكلام من كتاب الصيام والصور الآتية تبين ذلك.

النسخة الرابعة

النسخة الرابعة: وهي موجودة في المكتبة الأزهرية بمصر تحت رقم (890) فقه شافعي. ناقصة الأول والآخر، تبدأ بقول المؤلف بفرقه أخرى وانتظر قائماً في مسألة رقم (184) من كتاب الصلاة، وتنتهي بقوله: واستحال الدعوى في الأخرى في مسألة رقم (292) من كتاب الزكاة. عدد أوراقها (195) ورقة. وعدد أسطرها (15) سطراً. وقد وجد عليها عنوان الكتاب، ولم يوجد اسم الناسخ، ولا تاريخ النسخ. جاء في آخرها: "تم الجزء الثاني من الجمع والفرق والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين، يتلوه الجزء الثالث إن شاء الله كتاب الإقرار ". ويبدو لي أن هذه النسخة أقدم نسخة للكتاب وتأتي في الدرجة الثانية من حيث الصحة، وقد رمزت لها بحرف/ د. النسخة الخامسة: وتوجد في مكتبة شستربتي بأيرلندا تحت رقم (4613)، ولها صورة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بنفس الرقم. عدد أوراقها (211) ورقة. وعدد أسطرها (25) سطراً. والناسخ أحمد بن محمد بن عبد العزيز الراوي النسيبي. وفيها نقص كتاب الطهارة بأكمله، وقليل من كتاب الصلاة تبدأ بقول المؤلف "جمعتهم استغنى عن الآذان وذلك في مسألة رقم (11) من كتاب الصلاة وتنتهي بنهاية الكتاب. جاء في آخرها: تم كتاب الجمع والفرق بتوفيق الله وعونه والحمد لله رب

منهجي في التحقيق

العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً، وكتبه الفقير إلى رحمة ربه الغني عمن سواه أحمد بن محمد بن عبد العزيز الراوي الشير بالنسيبي، وكان الفراغ من نسخه خامس عشر المحرم سنة (786 هـ) ست وثمانين وسبعمائة. وتعتبر هذه أصح نسخة للكتاب، وقد رمزت لها بحرف/ جـ. منهجي في التحقيق: اتبعت في تحقيق الكتاب الخطوات التالية: 1 - نسخت الكتاب على نسخة/ أ، وقابلت النسخ الأربع عليها، وأثبت النص الصحيح، أو الأصح، وأشرت إلى الفروق في الحاشية، وقد أغفلت الفروق البسيطة مثل الاختلاف في ألفاظ الدعاء والترحم وسقوط النقط دون الإشارة إلى ذلك في الحاشية. 2 - كتبت النص بالرسم الحديث مع تصحيح الأخطاء الإملائية دون الإشارة إلى ذلك في الهامش. 3 - حاولت إخراج النص الصحيح للكتاب، كما كتب المؤلف قدر الجهد والطاقة، وذلك بالمقارنة بين النسخ الأربع، واختيار النص الصحيح، أو الأصح، دون الاعتماد على نسخة معينة أخذاً بمنهج النص المختار. وقد عانيت في سبيل ذلك مشقة بالغة، نظراً لعدم وجود نسخة صحيحة للكتاب لخط المؤلف، أو أجازها، فجميع النسخ التي اعتمدت عليها كثيرة السقط والتصحيف والتحريف، وخاصة في النصف الثاني من الكتاب حين انتهى الموجود من نسخة/ ب، هـ، د، إضافة إلى غموض المسائل التي يذكرها المؤلف - رحمه الله - مما جعل فهم النص أمراً صعب المنال. وهذه الظاهرة لازمت الكتاب من أوله إلى آخره، حتى أنها أصبحت منهج المؤلف - رحمه الله - في هذا الكتاب وقد أشار إلى ذلك في المقدمة فقال: "ونفتتح الكتاب - إن شاء الله - بفروق ومسائل قليلة معدودة في أصول الفقه، ثم نعطف عليها الفروع على ترتيب مختصر أبي إبراهيم المزني -

رحمه الله - كتاباً بعد كتاب، ونلتقط الأهم والأغمض على حسب ما يساعدنا عليه التوفيق .... ". وقد تغلبت - بفضل الله - على ما واجهني من إشكالات النص بالآتي: أ) الرجوع إلى كتب اللغة، فقد لازمتها ملازمتي لكتب الفقه. ب) الرجوع إلى المصادر الأصلية التي استقى منها المؤلف كتابه، كمختصر المزني، والأم. ج) الرجوع إلى شروح كتاب مختصر المزني المصدر الأصلي للكتاب، كشرح الطبري، وبحر المذهب، ونهاية المطلب، والحاوي، والتهذيب، وكلها مخطوطة ما عدا أجزاء من كتاب الحاوي، وقد حاولت جاهداً أن أحصل على نسخة من كل كتاب بالرغم من تعدد أجزاء تلك الكتب وتناثرها في مكتبات العالم، وقد تيسر لي ولله الحمد الكثير من ذلك. د) الرجوع إلى الكتب التي نقلت عن المؤلف - رحمه الله - وخاصة كتاب نهاية المطلب لإمام الحرمين ابن المؤلف. هـ) الرجوع إلى كتاب السلسلة للمؤلف رحمه الله. و) كثير ما يعرض لي سقط في العبارة فأجد نفسي مضطراً إلى التصرف باستكمال الناقص بحرف أو كلمة أو كلمتين، وربما أكثر حسب ما يقتضيه السياق، مستعيناً بذلك بمصادر المؤلف، وكتب المذهب الناقلة عن المؤلف مشيراً إلى ذلك في الهامش، ولم أسلك هذا المسلك إلا في أضيق الحدود، وعند تعذر استقامة العبارة باللفظ الموجود في المخطوط. أما إذا كانت العبارة محتملة فأبقيها بصورتها، ولو كان الاحتمال بعيداً. 4 - وثقت النصوص التي نقلها المؤلف - رحمه الله - من الكتب المنقولة منها ولقد أكثر المؤلف - رحمه الله - النقل عن الشافعي - رحمه الله - فأودع في كتابه كثيراً

من أقوال الشافعي القديمة والجديدة، ومما أخذ على المؤلف - رحمه الله - أنه كان ينتقل كثيراً من هذه الأقوال بالمعنى، مما جعل الإمام البيهقي - رحمه الله - يستدرك علي ذلك ويرسل إليه رسالة يحثه فيها على نقل كلام الشافعي باللفظ، إضافة إلى أن المؤلف - رحمه الله - لا يشير إلى الكتاب الذي ينقل منه في كثير من نقوله، بل يطلق ويقول: قال الشافعي مثلاً كذا وكذا، فلا أدري أي مظن هذا القول هل هو في الأم، أم بمختصر المزني، أم بمختصر البويطي، أم بالرسالة، أم بأحكام القرآن، أم بكتب الشافعي القديمة المفقودة؟ ولا شك أن توثيق هذه الأقوال أخذ مني الوقت والجهد الكبيرين حتى أني أقرأ الأم ومختصر المزني المرة والمرتين، وأمضي الساعات، بل الأيام في سبيل الحصول عن نقل واحد فقط، بل ربما رجعت إلى مختصر البويطي - وهو كتاب مخطوط ضمنه مؤلفه نصوص الشافعي - لأجل الحصول على ذلك النص مستأنساً في هذا كله بالكتب التي شرحت المصدر الأصلي للكتاب، التي سبقت الإشارة إليها، فإذا أعياني البحث رجعت إلى الكتب التي وافقت المؤلف في النقل، فإن لم أجد رجعت إلى كتب المذهب، ووثقتها منها، وكنت حريصاً على التوثيق من الكتب القديمة - وإن كانت مخطوطة - ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. 5 - قمت بتوثيق المسائل الفقهية من كتب المذاهب المختلفة، مع ذكر أقوال الأئمة، والاستدلال لما يحتاج إلى ذلك. هذا في بعض المسائل، وفي البعض الآخر اكتفيت بالتوثيق والربط من المذهب الشافعي فلم أترك فرغاً من الفروع على كثرتها ودقتها وتناثرها في كتب المذهب إلا وثقتها من الكتب المطبوعة أو المخطوطة ولم يفتني إلا ما تعذر العثور عليه. 6 - استخرجت القواعد والضوابط الفقهية، ووثقتها من كتب القواعد مع إرجاع بعض الفروع إلى القواعد الفقهية التي تندرج هذه الفروع تحتها.

7 - استخرجت القواعد الأصولية ووثقتها من كتب الأصول. 8 - قمت بالتعليق والاستدلال لما يحتاج إلى تعليق، أو استدلال. 9 - شرحت المفردات الغريبة في النص. 10 - خرجت الآيات القرآنية ورسمتها حسب الرسم القرآني. 11 - خرجت الأحاديث والآثار الواردة في النص. 12 - ترجمت للأعلام المذكورة في النص ماعدا الخلفاء الأربعة، فلم أترجن لهم لشهرتهم. 13 - عرفت بالأماكن والبلدان الواردة في النص. 14 - عرفت بالنقود، والمكاييل، والأوزان الواردة في النص. 15 - ذكرت المصطلحات الفقهية الواردة في الكتاب. 16 - وضعت فهارس شاملة للكتاب، وتشمل ما يلي: 1 - فهرس للآيات القرآنية. 2 - فهرس للأحاديث النبوية. 3 - فهرس للآثار. 4 - فهرس للأعلام. 5 - فهرس للكلمات اللغوية. 6 - فهرس للأماكن والبلدان. 7 - فهرس النقود. 8 - فهرس المكاييل والموازين. 9 - فهرس القواعد والضوابط الفقهية. 10 - فهرس القواعد الأصولية. 11 - فهرس الإجماعات. 12 - فهرس المراجع.

13 - فهرس الموضوعات الواردة في الكتاب. 14 - فهرس الفهارس. هذا ما قمت به من جهد في خدمة هذا الكتاب، فإن أكن أصبت فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، وإن كانت الأخرى فعذري في ذلك أني بشر، ويعلم الله أني قد استفرغت غاية جهدي وبذلت قصارى ما أستطيع في سبيل خدمة هذا الكتاب، وحسبي أني قدمت بعض الشيء لهذا الكتاب على وجه الخصوص وللفقه الإسلامي - بتحقيق هذا الكتاب - على وجه العموم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. المحقق عبد الرحمن بن سلامه بن عبد البر المزيني

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة مسألة (1): من ملك خمساً وعشرين من الإبل، فإن لم يكن فيها ابنة مخاض جاز أن يؤخذ منه ابن لبون، وإن كان واجداً لقيمة ابنة مخاض. ومن وجد ثمن الماء لم يجز له التيمم ما دام يقدر على شراء الماء، وكذلك الرقبة في الكفارة، وكذلك من وجد طول حرة فهو كمن تحته حرة في تحريم نكاح الأمة. والفرق بينهما: أن الماء أصل والتراب بدل. ومعنى البدل في التراب

حقيقة، وكذلك الصوم مع الرقبة؛ ولهذا لا يتصور إلا عند تمام الضرورة وأما ابن اللبون، فإنه وإن كان لا يؤخذ إذا وجد في ماله ابنة مخاض فليس يتمحض بدلاً. [وكيف يكون بدلاً محضاً] والجنس جنس واحد، وإنما تغيرت صفة من الصفات. وما وجدنا في شيء من زكاة الحيوانات ذكراً كان بدلاً عن أنثى، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على الحالتين، فأمر في حالة وجود ابنة مخاض بأخذها، وقال - صلى الله عليه وسلم - في الحالة الثانية: "فإن لم يكن فابن لبون

ذكر "وتعلم أنه لم يرد [بقوله: فإن لم يكن أن يعدم ابنة المخاض في ذلك الإقليم فإن ذلك مستبعد، وتعلم أنه لم يرد] بهذا الكلام عدم عينها وعدم ثمنها؛ لأن من ملك خمساً وعشرين من الإبل كان مالكاً لقيمة بنت مخاض فحاصل معنى/ /95/ أكلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن لم يكن في ماله ابنة مخاض فابن لبون ذكر مع وجود ثمن ابنة مخاض. واللفظ في الماء والتراب قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} فاقتضى ذلك طلباً، وبذل الثمن فيه من الطلب، وكذلك اللفظ في الكفارة. فأما اللفظ في الطول فهو أبين؛ لأن الله تعالى قال: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا}

مسألة (2)

وتفسير الطول مقدرة المال بعينه، فحصل الفرق بينهما من جهة المعنى، ومن جهة اللفظ؛ ولهذا يجوز للابس الخف المسح عليه مع التمكن من غسل الرجلين إذا نزعهما، وهذا مما لا يدخل في باب الإبدال، ولكن درجته دون درجة التيمم وسائر الإبدال؛ بدليل أنه لا يتيمم مع التمكن من الماء، ويمسح على خفيه، مع التمكن من غسل الرجلين، فبان لنا اختلاف مراتب الأصول والإبدال. مسألة (2): إذا ملك الرجل مائتين من الإبل وعلم الساعي أن خمس بنات لبون خير للمساكين، فأخذ أربع حقاق، كان المأخوذ بجملته غصباً، وإن تخيل له حين اجتهد أن خمس بنات لبون [خير من أربع حقاق فأخذ خمس بنات لبون] كان المأخوذ زكاة.

والفرق بينهما: أنه إذا عدل إلى الأدنى على بصيرة ففعله منه جور وظلم باشره على علم، والمأخوذ ظلماً مغصوب. وأما إذا ظن عند الاجتهاد فاخذ على حسب اجتهاده، فإن المأخوذ مصروف إلى جهة الاجتهاد، [وليس على المجتهد تعيين ما عند الله، وإنما عليه ما أداه اجتهاده] إليه. ألا ترى أن الحاكم إذا أبرم حكماً من غير اجتهاد وجب نقضه بالاجتهاد، إذا أمضاه بالاجتهاد لم يجز له نقض الاجتهاد بالاجتهاد.

مسألة (3)

مسائل القيم في الزكوات والكفارات مسألة (3): لا مدخل للقيم والأبدال في الزكوات والكفارات، ولو أن الساعي أخذ خمس بنات لبون من مائتين من الإبل وعلم رب المال أنه لو أخذ الحقاق لكان خيراً لأهل السهمان، وتيقن أن مقدار التفاوت خمسون درهماً، أو مائة درهم [وجب على رب المال أن يتصدق بمائة درهم] على أهل السهمان وتكون تلك المائة زكاة الإبل على جهة القيمة. والفرق بين هذه الحالة وبين سائر الأحوال: وجود الضرورة وعدمها، وذلك

أنا لو كلفناه [صرف هذه الدراهم القليلة إلى الإبل للمجانسة لم نجد بها بعيراً. فأما شركة في بعير فإيجابها وأداؤها يتضمن] ضرر المشاركة بين رب المال وبين أهل السهمان، فلا يستبعد أن يكون للأبدال مدخل عند حقيقة الضرورة؛ ولهذا لو ملك خمساً وعشرين من الإبل كلها ثنايا ولم يجد فيا ابنة مخاض، ولا وجدها بالثمن ولم تطب نفسه بأن يتبرع بواحد منها وتعذر عليه ابن لبون رجعنا إلى/ (95/ ب) القيمة. وكذلك إذا ملك خمساً وعشرين مهازيل من الإبل ولم يجد ابنة مخاض تقاربها في اللؤم

مسألة (4)

والهزال ولم تطب نفسه بشراء بنت مخاض سمينة جاز له العدول إلى القيمة؛ لما تحقق من الضرورة. مسألة (4): نص الشافعي - رحمه الله عليه - على أن تفريق الفريضة غير جائز، وتفريقها أن يجب على الرجل في المائتين من الإبل أربع حقاق أو خمس بنات لبون، والفريضتان موجودتان، فيأخذ الساعي حقتين وبنتي لبون ونصفاً، فهذا هو التفريق، وهو ممنوع. ومثله لو ملك مائتين من الإبل فأخطأ الساعي وأخذ أربع حقاق وكانت غبطة المساكين في بنات اللبون والتفاوت مائتا درهم،

ورب المال يجد بمائتي درهم ابنة لبون، لزمه أن يشتريها فيؤديها فيحصل فرض المائتين مؤدى على جهة التفريق بعضه من الحقاق، وبعضه من بنات اللبون. والفرق بين هذه الحالة وبين سائر الأحوال: أن اجتهاد الساعي في هذ الحالة أدى إلى الحقاق وليس في وسع رب المال معارضة اجتهاده، ثم علم رب المال أصل ما فيه الغبطة وما هو الفرض، فلزمه الخروج عن عهدة التفاوت بأداء البقية من جنس الأصل لا من جنس ما أخذ الساعي، وهذا المعنى مفقود في سائر الأحوال. ومن أصحابنا من أمر رب المال بمراعاة الجنس الواحد وصرف التفاوت إلى الحقة حتى يصير مع ما أخذه الساعي زكاة لجميع ماله على غير جهة التفريق، كما نقول في المفارقة إنها لا تجوز. وتفسير المفارقة أن يجد في المائتين من الإبل أربع حقاق، [ولا يجد بنات

مسألة (5)

اللبون، فيفارق الحقاق الموجودة]، ونكلفه شراء بنات اللبون، فلا يجوز ذلك. ثم ربما يأتي حالة مخصوصة فنبيح للساعي في تلك الحالة مفارقة الفريضة، وذلك مثل أن تكون الحقاق مريضة والمال صحيح، وليس فيها ابنة لبون، فيجب على رب المال أن يشتري بنات اللبون، وذلك تكليف المفارقة، ولكن للضرورة. مسألة (5): من وجبت عليه حقة وليست في ماله جاز للساعي أن يرتقي إلى الجذعة بشرط غرامة الجبران، وهو شاتان، أو عشرون درهماً، والاختيار لرب المال إذا كان معطياً للجبران.

مسألة (6)

ومثله لو وجبت عليه جذعة ولم تكن في ماله فارتقى إلى درجة الثنية بالجبران لم يجز في أشبه الوجهين بالسنة، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سن الجبران في الانتقال من سن الصدقة إلى سن الصدقة. وأما الثنابا فليست من أسنان الصدقات حتى نأخذها بالجبران، فيقال لرب المال: إما أن تشتري الجذعة فتؤديها، وإما أن تنزل إلى الحقة بجبران، وإما أن تصعد إلى/ الثنية وترضى بغير جبران. مسألة (6): من ملك ستاً وثلاثين من الإبل، ولم يكن في ماله بنت لبون، ولا حقه، فصعد إلى الجذعة، فأعطاها، واسترجع أربع شياة، أو أربعين

درهماً، كانت مقبولة منه، وكذلك لو نزل من الجذعة عند عدمها إلى ابنة لبون، وأعطي معها أربع شياة، أو أربعين درهماً، كان جائزاً. ومثله لو ملك مائتين من الإبل ولم يكن فيها حقاق، ولا بنات لبون، فقال الساعي: اخترت أربع حقاق، ونزلت إلى أربع بنات مخاض لأخذها مع ستة عشر شاة، أو مائة وستين درهماً، فليس له ذلك، وكذلك لو اختار خمس بنات لبون ثم صعد إلى خمس جذاع ليأخذها على أن يرد عشرين شاة أو مائتي درهم فليس له ذلك. والفرق بين المسألتين: أنه إذا ملك ستاً وثلاثين فصعد بسنين، أو ملك ستاً وأربعين، فنزل بسنين لم يكن على طريقه سن واجبة في ماله فيستقبله فنمنعه

أن يتخطاها إلى سن دونها, أو إلى سن فوقها؛ فلهذا جاز له الصعود بسنين أو النزول يسنين, وكذلك بثلاثة أسنان مثل أن ينزل في إحدى وستين عن الجذعة إلى ابنة مخاض, أو يصعد قي خمس وعشرين من ابنة مخاض إلى الجذعة. فأما إذا ملك مائتين من الإبل فاختار أربع حقاق, ثم نزل إلى بنات المخاض, فعلى طريقة سن واجبة في ماله وهي: بنات اللبون يريد أن يتخطاها, فكان ينبغي أن يختارها إذا أراد النزول, فينزل عنها إلى بنات المخاض, وكذلك إذا اختار خمس بنات لبون, ثم صعد إلى الجذاع تلقاه على طريقة سن واجبة في ماله وهي: الحقاق, فكان يتبغي أن يختارها إذا أراد الصعود, [ثم صعد عنها إلى الجذاع.

ومن أصحابنا من يسوي يسن المسألتين] فجوز النزول, والصعود على العموم بسنين, ويحتج بظاهر كلام الشافعي - رضي الله عنه - حيث قال في كتاب الزكاة: "وكذلك إن كانت أعلى بسنين, أو أسفل, فالخيار بين أربع شياة, أو أربعين درهمًا" ولم يفصل, والأصح ما قدمناه من الفرق الذي أوضحناه, وكلام الشافعي - رحمه الله - محمول على مسألة ست وثلاثين, أو ست وأربعين على المائتين من الإبل. فإن قال قائل: فقد عطف الشافعي - رحمة الله عليه - هذا الكلام على مسألة المائتين من الإبل وعلى فروعها. قلنا: بلى! ولكن استأنف - لما ذكر هذه المسألة - لفظة دالة على أنها راجعة إلى ما دون المائتين, فقال: والخيار في الشاتين/ (96 - ب) والعشرين درهمًا إلى

مسألة (7)

الذي يعطي ذلك, والجبران شاتين في المائتين إلا بالتكلف, وإنما يتصور في ست وثلاثين, أو ست وأربعين. مسألة (7): إذا نزل الساعي بدرجة أو ارتقى بدرجة, ثم أخذ في الجبران شاة وعشرة دراهم, أو أعطى شاة وعشرة دراهم, لم يجز, ولو أنه نزل بسنين, أو صعد بسنين, فأخذ شاتين وعشرين درهمًا, [أو أعكى شاتين, وعشرين درهمًا] كان ذلك جائزًا. والفرق بين الصورتين: أن النزول إذا كان بسن واحد, فالشاتان والعشرون درهمًا جبران واحد. والجبران الواحد لا يحتمل التبعيض كما لا

مسألة (8)

تحتمل الكفارة الواحدة التبعيض, مثل أن يحنث في يمينه فيطعم خمسة مساكين وبكسو خمسة, فلا يجوز حتى يطعم عشرة أو يكسو عشرة. وأما إذا نزل بسنين, أو صعد بسنين, فهما جبرانان, ومنزلتهما منزلة كفارتين, ولو أنه حنث في يمينيين, فأطعم عشرة, وكسا عشرة لم بكن له ذلك تبعيضًا, [وكذلك إذا أعطي شاتين وعشرين درهمًا لم يكن ذلك تبعيضًا]. مسألة (8): إذا ملك الرجل إبلاً كثيرة بعضها صحاح, وبعضها مراض, فجميع زكاتها صحاح, حتى لو ملك ألفًا من الإبل, وفيه واحدة صحيحة, وما سواها مريضة, فجميع زكاتها صحاح فليشتر وليؤد, ثم لا نكلفه شراء الكرام من الصحاح, بل نقنع باللئام القليلة القيمة

مسألة (9)

بشرط أن تكون صحيحة, ولو كانت الإبل كلها مراضًا أخذنا جميع زكاتها مراضًا. والفرق بين الحالتين: أن الواحدة إذا كانت فيها صحيحة فقسط تلك الواحدة من الزكاة يجب أن يكون صحيحًا, فلا نجد حيواناً بعضه صحيح وبعضه مريض, فلابد من أن يكون جميع الزكاة صحيحًا؛ لأن من أدى إبلاً معدودة عن ألف من الإبل لم يكن بعير من ماله إلا وزكاة ذلك البعير شائعة في جميع الإبل التي أعطاها. وأما إذا كانت كلها مراضًا فمجانسة ماله فأخذ بالأخذ ممكنة فنأخذ المريض من المراض, كما نأخذ اللئيم من الئام والكريم من الكرام. مسألة (9): إذا ملك الرجل خمسًا من الإبل مراضًا مهازيل قليلة القيمة,

فأعطى بعيرًا منها مكان الشاة الواجبة أخذناه, ولو ملك خمسًا سليمة عن العيوب, فأعطى منها بعيرًا نظرت, فإن كانت قيمته أقل من قيمة الشاة طالبناه بشاة, ولا يشترط هذا الشرط في الخمس المهازيل. والفرق بينهما: أنها إذا كانت صحاحًا, فأعطى منها بعيرًا [كانت صورته مورة متبرع, وأدنى درجة المتبرع أن لا يتقاصر عن درجة الواجب, والواجب عليه شاة, فأما إذا كانت مهازيل, فأعطى منها بعيرًا] فالحالة حالة ضرورة لا حالة تبرع, والعدول إلى الشاة عن البعير,

مسألة (10)

لخوف الإجحاف, والفرار من ضرر/ (97/أ) الشركة, فإذا أعطى بعيرًا من جنس ماله أجزأه, وإن كان قليل القيمة. ولا يبعد عن القياس التسوية بين المسألتين في الإجزاء, غير أن الفرق بينهما في المذهب منصوص على ما حكيناه. مسألة (10): إذا ملك أربعين شاة إناثًا أو ذكورًا وإناثًا, ففريضتها أنثى, ولو أدى عن خمس من الإبل شاة ذكرًا أجزأه في أحد الوجهين. والفرق بينهما: أن الشاة في الأربعين مأخوذة من جنسها, فيجب أن تكون وصفها, والحال إناث فيجب أن تكون الزكاة أنثى. وأما إذا كان بعضها ذكورًا وبعضها إناثًا, فهما صنفان لا يتبعضان

مسألة (11)

للفريضة, كما قلنا في الصحيحة, والمريضة. وأما الشاة المأخوذة من الخمس فإنها وإن كانت أصلاً فهي مأخوذة في صورة بدل؛ لأنها مأخوذة من غير الجنس, فجاز أن لا نشترط فيها صفة الأنوثة, كما اشترطنا في المسألة الأولى. مسألة (11): الموضحة وإن اتسعت, واستوعبت أكثر الرأس,

فأرشها خمس من الإبل لا تزيد. وأما الإبل إذا زادت عن النصاب فالزكاة متعلقة بالنصاب, غير متعلقة بما زاد عليه من الوقص في أحد القولين, وأرش الموضحة متعلق بأصل الموضحة, وبما زاد على الأصل. والفرق بينهما: أن ما زاد على أصل الموضحة فأصلها مقدار اسمها فتلك الزيادة جناية, كما أن الأصل جناية, ولا يجوز أن يعري شيء من الجناية عن

مسألة (12)

الأرش؛ فلهذا قلنا: إن الخمس من الإبل متعلقة بجميع الموضحة. وأما ما زاد على النصاب في الزكاة فمال قليل لم يبلغ النصاب الثاني ولا يستبعد أن يعري بعض المال عن الزكاة لمعنى القلة, كما يعرى الوقص الأول عن الزكاة إلى أن يبلغ مبلغ الوجوب. ونصاب السرقة مع الزيادة عليه نظير أرش الموضحة, لا نظير الزكاة؛ إذ لا يجوز أن يعرى عن القطع ما فوق النصاب في مراعاة معنى الردع, والزجر, ويشابه الزكاة من وجه وهو: أن القليل من المال يتصور فيه السرقة العارية عن القطع. مسألة (12): الحول إذا حال على تسع من الإبل, ولم يتفق إمكان الأداء حتى

تلف منها خمس, فلا زكاة عليه في الباقي, ولو تلف منها أربع ففي الباقي الزكاة, وفي المقدار الواجب عليه قولان: أحدهما: أن مقدار الواجب خمسة أتساع شاة. [والثاني: أن الواجب عليه شاة] كاملة. والقولان مبنيان على أن الزكاة تنحصر في النصاب دون الوقص, أو تجب في النصاب والوقص جميعًا, فعلى قولين, فإذا قلنا: تجب الزكاة في النصاب والوقص جميعًا أوجبنا خمسة أتساع شاة؛ لأن الشاة حين وجبت وجيت في التسع فلما تلف أربعة قبل الإمكان/ (97 - ب) سقط نصيبها [من الزكاة وهي أربعة

أتساع شاة, وإنما سقط نصيبها] لأن إمكان الأداء شرط من شرائط الضمان لا يختلف المذهب فيه. وإذا قلنا: إنه تختص الزكاة في النصاب دون الوقص أوجبنا شاة كاملة، لأنه استبقى نصابًا كاملاً, والوقص كأنه لم يكن. والفرق بين أن يبقى خمسة فنوجب الزكاة, وبين أن يبقى أربعة فلا نوجب الزكاة: أن وجوب الزكاة بالحول, والإمكان, وقد تصور إمكان الأداء في إحدى المسألتين وهو مالك لنصاب كامل, ولم يكن في المسألة الثانية مالكًا نصابًا كاملاً. وإذا قلنا بالقول الثاني في أصل المسألة وهو أن إمكان الأداء ليس هو من شرائط الوجوب, فالزكاة واجبة في المسألتين جميعًا, ولكن إذا بقيت خمسة

مسألة (13)

ففي مقدارها قولان, كما ذكرناه, وإذا بقيت أربعة ففي مقدارها أيضًا قولان. أحدهما: أن الواجب أربعة أخماس شاة. والثاني: أن الواجب أربعة أتساع شاة, [بناء على القولين في الوقص. فإذا حكمنا بالبسط فأربعة أتساع شاة] , وإذا حكمنا بالحصر فأربعة أخماس شاة. مسألة (13): إذا حال الحول على الماشية, فمضى شهر, فنتجت, ومضى شهر آخر, ثم أمكنه الأداء, فوجوب الزكاة في السخال منتظر في الحول الثاني دون هذا الحول. وكذلك لو نتجت عقيب حول الأمهات بلحظة, فلا زكاة في النتاج لهذا العام الماضي, وإنما تجب فيها الزكاة إذا مضى

عام بنتاجها، سواء قلنا: تجب الزكاة بالحول أو بالحول والإمكان. فإن قال قائل: ما الفرق بين الحكمين بين إيجاب الزكاة في الأمهات وبين إيجابها في النتاج, وقد قلتم: بإيجاب الزكاة في الأمهات, [بعد وجود النتاج عند الإمكان ولم توجبوا الزكاة في السخال بوجوبها في الأمهات]؛ ولهذا لو نتجت قبل حول الأمهات ولو بلحظة كان حولها مبنيًا على حول الأمهات, فيجب أيضًا أن يكون حولها في هذه المسألة مبنيًا على حول أمهاتها, حتى تؤخذ الزكاة من الأصول والفروع جميعًا؟

مسألة (14)

قلنا: والفرق بينهما: أنا إذا أوجبنا الزكاة بالإمكان في الأمهات أوجبناها على وجه الاستناد والتبين, فقلنا: بان لنا: أن الزكاة وجبت فيها [بخاتمة الحول, فما حصل بعد] الحول من نتاج لم يشرك الأصول في وجوب زكاة هذا الحول, ولا نقول بابتداء الإيجاب عند وجود الإمكان. ألا ترى أنا لا نختزل من حساب الحول الثاني المدة المتخللة بين خاتمة الحول الأول وبين الوجوب. وأما إذا نتجت قبل تمام حول الأمهات فقد نتجت قبل زمان وجوب زكاة أصولها, فلم تجب الزكاة في الأمهات إلا مع وجوبها في الفروع, فصارت الفروع تبعًا للأصول. مسألة (14): إذا وجبت زكاة الأموال الباطنة, والظاهرة, على القول

الذي يلحقها بالباطنة في / (98/أ) جواز مباشرة الأداء, فحضره بعض أهل السهمان, فتمكن من الدفع, فلم يدفع حتى تلف المال, فيجب عليه ضمان الزكاة. ومثله لو كان عند الرجل وديعة, فحضره بعض الوكلاء الذين وكلهم المودع بالاسترجاع, فلم يذهب الوديعة [إليهم, وصاحب الوديعة فوض خيار الرد إلى المودع, فمنع, فتلفت الوديعة]، لم يكن عليه ضمانها. الفرق بينهما: فرق جمع, ومتى استوت الصورتان استوت المسألتان في

الجواب, وإذا افترقت الصورتان اختلف الجواب في المسألتين. وبيان هذا: أن الله جعل أداء الزكاة عزيمة, وجعل الأمر بإخراجها أمر حتم, لا أمر تخيير, فكان له أن يمنع المسكين الأول. بشرط السلامة, والدفع إلى المسكين الثاني, والثالث, أو العاشر, فإذا تلف المال ولم تسلم العاقبة وجب عليه الضمان. ونظير هذا من الوديعة أن يأمره صاحبها أمر عزيمة, ولكن يخيره في أعيان الوكلاء ليردها على من شاء منهم, فإن كانت المسألة بهذه الصورة, فمنعها بعض الوكلاء, ثم لم تسلم العاقبة وجب عليه الضمان. ولو أن صاحب الوديعة خير حافظها في إمساكها, أو ردها, فقال: أذنت لك في ردها على ما شئت من هؤلاء الوكلاء, فطلبها بعضهم,

مسألة (15)

فمنع فتلفت, فلا ضمان عليه؛ لأن الأمر بالرد غير عزيمة. فخالفت هذه الصورة لحكمها الزكاة؛ [لأن هذه الصورة لا تتصور في الزكاة]، ولا يكون الأمر فيها أمر تخيير, وإنما يكون الأمر فيها أمر حتم وعزيمة. مسألة (15): إذا ملك الرجل أربعين من البقر وكانت ذكورًا, كلفناه شراء أنثى للزكاة. ولو ملك ستًا وثلاثين من الإبل وكانت ذكورًا, أخذنا منها ذكرًا. والفرق بينهما: أن زكاة البقر تميزت صفتها عند اختلاف مراتبها بالذكورة والأنوثة في أصل الواجب. ألا ترى أنا نأخذ من ثلاثين ذكرًا، ومن أربعين أنثى, فلو أخذنا من أربعين

ذكرًا ذكرًا كنا سوينا في صفة المأخوذ ذكورة وأنوثة بين العدد القليل وبين العدد الكثير. فأما الإبل فلا يختلف أصل زكاة مراتبها بالذكورة والأنوثة [لبن العدد القليل والعدد الكثير] , وإنما تختلف بالسن؛ ولهذا نوجب في خمس وعشرين, أنثى وهي: ابنة مخاص, وكذلك نوجب في كل ست وثلاثين, أنثى وهي: ابنة لبون, غير أنها أعلى سنًا بسنة واحدة, وأما ابن لبون عند عدم بنت مخاض, [فليس أصل الواجب. ألا ترى أنا لا ننتقل إليه مع وجود بنت مخاض]. ولقد أكثر أصحابنا في هذه المسألة, والصحيح هذه الطريقة.

مسألة (16)

مسألة (16): الحيوان الذكر لا يجزئ في الزكاة والماشية إناثًا إلا في موضع مخصوص ورد النص/ (98/ب) فيه وهو: في ثلاثين من البقر. ويجوز التضحية بالحيوان الذكر, كما يجوز بالأنثى, بل التضحية بالذكر أحب إلينا إلا أن تكون الأنثى لم تلد قط فحينئذ آثر الشافعي - رضي الله عنه - الأنثى على الذكر. والفرق بينهما: أن المقصود من الزكاة الدر والنسل, ولهذا لا يجوز أن

مسألة (17)

يذبح, فيتصدق باللحم على نية الزكاة, بخلاف الأضحية فإن المقصود منها اللحم, وهذا المعنى موجود في الحيوان الذكر. والشرط في الأضحية هو إراقة الدم؛ لهذا لا يجوز أن يتصدق باللحم من حيوان أريق دمه على غير قصد الأضحية. مسألة (17): إذا ابتاع رجل أربعين شاة, فمضى أربعة أشهر, فابتاع أربعين شاة, فمضى أربعة أشهر, فابتاع أربعين شاة ثالثة, فمضى أربعة أشهر وجب في الأربعين الأولى شاة كاملة, فإذا أداها من غير هذه الأعيان, فمضى أربعة أشهر أخرى وجب في الأربعين الثانية نصف شاة, فإذا أدى, كما أدى الأولى, ثم مضى أربعة أشهر أخرى

وجب في الأربعين الثالثة ثلث شاة, [ثم استوت بعد ذلك في مقادير الزكاة, فمتى ما مضت أربعة أشهر وجب في الأربعين منها ثلث شاة] [حتى يجب في جميعها شاة] كاملة في أوقات مختلفة على حسب أحوالها المختلفة. والفرق بين الأربعين الأولى, وبين الثانية: أن الأربعين الأولى انفردت في ملكه من الأربعين الثانية أربعة أشهر, فثبت لها حكم الانفراد, [في هذه المدة, فزكاتها زكاة الإنفراد] , وهي شاة كاملة, وأما الأربعون الثانية فإنها من أول زمان دخولها في ملكه مختلطة بالأربعين الأولى. ومن ملك ثمانين من الغنم حولا فحصة الأربعين منها نصف شاة, ولهذا أوجبنا في الأربعين

الثانية بحولها نصف شاة. وأما الأربعون الثالثة فإنها من أول ملكه إياها كانت مختلطة بثمانين شاة. ومن ملك مائة وعشرين شاة حولاً فحصة الأربعين منها ثلث شاة, ثم في الحول الثالث جميعها سواء في حكم الاختلاط مع اختلاف الأحوال, فأوجبنا في كل أربعين ثلث شاة. ولو أنه أخرج الشاة الأولى من أعيان الأربعين الأولى, ثم حال الحول على الأربعين الثانية لم يجب فيها نصف شاة؛ لأنها مختلطة بتسع وثلاثين, ولكن يجب فيها أربعون جزءًا من تسعة وتسعين جزءًا من شاة. فإن قال قائل: فهلا أفردتم كل أربعين منها بفرضها, كما أفرتموها بحولها, وإذا أبتم ضم بعضها إلى بعض في الحول فهلا أثبتم ضم بعضها إلى بعض في قدر الزكاة, وما الفرق بين العدد والامد؟ قلنا: الفرق بينهما: أن العدد إذا انضم إلى العدد كثر الأول بالثاني, والثاني

مسألة (18)

بالأول, وأخذ جميع/ (99/أ) المال صفة الكثرة, فصارا في العدد مالاً واحدًا, فأوجبنا فيه زكاة واحدة مقسومة على جميعها. وأما الحول فليس هو كذلك؛ لأن ما مضى من الشهور لا يعود, فيمضي على الفائدة المستفادة, والانتفاع بالفائدة خمسة أشهر, وخمسة أشهر لا تقوم مقام الانتفاع به سنة كاملة؛ فلهذا قلنا: بترك البناء في الحول, ولولا أن السخال أبعاض الأصول, ونماؤها أحد أسباب وجوب الزكاة في الأصول, لما بنينا حولها على حول أمهاتها. مسألة (18): إذا ملك الرجل خمسًا وعشرين من الإبل منها عشرة مهرية,

وعشرة أرحبية, وخمسة مجيدية, فقد قال الشافعي - رحمه الله عليه -: في زكاتها قولان: أحدهما: مراعاة الأغلب, وأخذ جميع الزكاة على حسابه. والقول الثاني: إنه يؤخذ من كل جنس بقسطه. وقال فيمن ملك دراهم مختلفة: أو دنانير مختلفة: يؤخذ من كل جنس بقسطه قولاً واحدًا. وقال في أنواع الثمار يشتمل عليها البستان الواحد: يؤخذ جميع زكاتها من الوسط قولاً واحدًا. والفرق بين الإبل, والدراهم: أن الدراهم وإن كثرت أنواعها فليس يتعذر إخراج الزكاة من كل نوع منها؛ لأنها تحتمل التبعيض والتكسير والتمييز من غير شرر شركة, وخوف مساهمة, وهذا المعنى مفقود في الحيوان؛ فلهذا قلنا في الحيوان على أحد القولين: يؤخذ بحساب الأغلب. والفرق بين الإبل والثمار: أن أنواع الثمار أكثر من أنواع الإبل, فلو

مسألة (19)

قلنا - في الثمار -: يتقسط الواجب على كل منها بإنفراده, لتعذر ذلك وشق ما لا يتعذر في الإبل مع قلة أنواعها. وسمعت بعض مشائخي يقول: كنت بالمدينة فدخل علي بعض أصدقائي, فقال: كنت عند الأمير فتذكروا أنواع تمر المدينة فبلغ أنواع الأسود ستين نوعًا, ثم قالوا: وأنواع الأحمر يبلغ هذا المبلغ, وهذا هو الفرق بين الثمار والدراهم, حيث جوزنا أخذ جميع زكاة الثمار من الوسط, ولم نجز ذلك في أنواع الفضة. مسألة (19): من ملك أربعين شاة, عشرين بنيسابور, وعشرين بالري,

فهو في الزكاة بالخيار, إن شاء تصدق بالشاة الواجبة على المستحقين [بنيسابور, وإن شاء تصدق بها على المستحقين] بالري. ولو ملك الأربعين كلها بالري لم يجز له, أن ينقل صدقتها إلى بلدة أخرى في أحد القولين. واختلف مشايخنا في الفرق: فقال بعضهم: الفرق بينهما: أن من ملك عشرين بالري وعشرين بنيسابور, فما من واحدة من البلدتين إلا وله بها مال؛ فلهذا جاز له أن / (99/ب) يتصدق في أي البلدتين شاء.

وأما إذا كان جميع ماله بالري, فقد تعلق حق مساكين تلك البلدة بماله من حيث المجاورة والمشاهدة؛ فلهذا لا يجوز له نقل صدقة ذلك المال, ولا شيء منها إلى بلدة أخرى. ومن قال بهذا الفرق فرع على هذا فقال: من ملك مائتين من الغنم, مائة ببلدة, [ومائة بلدة أخرى] , فالواجب علي شاتان, وهو بالخيار إن شاء تصدق بالشاتين في هذه البلدة, وإن شاء ففي البلدة الأخرى, وإن شاء فشاة في هذه البلدة, وشاة في هذه البلدة. وقال بعض أصحابنا. بل الفرق بين المسألتين: أنه إذا ملك أربعين, عشرين منها في بلدة, وعشرين في بلدة أخرى, فلو كلفناه أن يؤدي في كل بلدة زكاة

مسألة (20)

المال الذي بها أدى إلى التبعيض, والشركة, وذلك ضرر وضرورة؛ فلهذا جوزنا له أن يؤدي بنيسابور [زكاة المال الذي هو له بالري مع المال الذي له بنيسابور]. وأما إذا كان جميع ماله ببلدة واحدة, فلا ضرورة تدعوه إلى نقل الصدقة إلى بلدة أخرى. ومن قال بهذا الفرق فرع على هذا فقال: إذا ملك مائتي شاة, مائة في بلدة, ومائة في بلدة أخرى, لم يجز له أن يتصدق بالشاتين في إحدى البلدتين، ولكن يلزمه قسم شاة في بلدة, وقسم الشاة الأخرى في بلدة أخرى؛ لأنه أمن من ضرورة الشركة وضرر التبعيض. مسألة (20): إذا صادف الساعي نصابًا من المال لزكاتي, أو أكثر في

يد رجل ؤرمن المسلمين, فطالبه بالزكاة، فقال: إنها وديعة عندي, أو قال إنها ملكي غير أن الحول لم يحل عليها, أو قال: إني بعتها في أثناء الحول, ثم اشتريتها, فلا زكاة علي استحلف, فإن حلف سقطت المطالبة, وإن نكل فالمذهب الصحيح أنه لا يقضي عليه بالنكول, ولا تؤخذ منه الزكاة. ولو أنه قال: المال مالي والحول حائل, ولكني قد أديت الزكاة, استحلف, فإن نكل عن اليمين قضي عليه بالزكاة.

مسألة (21)

الفرق بين هذه المسألة، وبين المسائل الثلاث: أنه في هذه المسألة معترف بوجوب الزكاة، ويدعي أداءها، وقد اتهمه الساعي، فإذا استخلف فنكل، فالأصل وجوبها باعترافه بها، وتأكد هذا الأصل بنكوله، فصار مطالباً بالزكاة. وأما في المسائل الثلاث فهو مُدعي عليه؛ لأنه غير معترف بوجوب الزكاة، والأصل براءة ذمته، ومجرد نكوله لا يوجب مطالبته بالزكاة. مسألة (21): القضاء بالنكول ممنوع عند الشافعي -رضي الله عنه - إلا في هذه

المسألة التي ذكرناها. والفرق بينهما وبين من يدعي على رجل بمال، فيجحد، وينكل عن اليمين: أن لذي يدعى عليه المال، لما نكل عن / (100/أ) اليمين أمكننا ردها على المدعى؛ لأنه متعين، فرددناها عليه، وقضينا له بيمينه بعد نكول خصمه، لا بمجرد النكول. وأما في هذه المسألة، فالمدعي غير متعين؛ لأن الحق لأهل السهمان، والساعي وكيلهم، والأيمان لا تتوجه على الوكلاء

مسألة (22)

والأمناء، وقد اعترف الرجل في الأصل بالوجوب، وانضم النكول من جهته إلى الاعتراف، حتى قال بعض مشايخنا: لو كان الرجل بقرية محصورة المساكين، وقلنا: لا يجوز نقل الزكاة، فنكل رب المال عن اليمين رددنا اليمين على أهل السهمان في جميع هذه المسائل؛ لأنهم مستحقون متعين. وقال هذا القائل: لو منعهم رجل زكاة ماله، فماتوا في خلال الحول، وجاء ورثتهم وجب الدفع، أي دفع تلك الزكاة إلى ورثتهم؛ لتعينهم في الاستحقاق، عند خاتمة الحول. مسألة (22): إذا ملك الرجل أربعين شاة، فحال الحول عليها،

فلم يخرج زكاتها، فحال عليها حول ثان، ولم تزد شيئاً. [اختلف قول الشافعي -رضي الله عنه - في ذلك، فقال في أحد القولين: يجب] علية شاة واحدة، وفي القول الثاني: يجب عليه ثلاث شياة.

..........................................................................

ولو أنه ملك أربعين شاة، فحال عليها الحول، فنتجت سخلة، ولم يؤد الزكاة، فحال الحول الثاني، فنتجت سخلة ثانية، ثم حال الحول الثالث، فيجب عليه ثلاث شياه قولاً واحداً. والفرق بينهما: أن الأربعين إذا لم تنتج، فحال عليها الحول الأول صارت شاة واحدة ملكاً للفقراء، أو كالمستحق لهم على اختلاف عبارة مشايخنا، فما حال الحول الثاني على ملك نصاب كامل، فلا يجب عليه زكاة السنة الثانية، والثالثة إلا أن نقول بإيجاب الزكاة في الذمة، فحينئذ لا ينقص النصاب بتمام الأحوال فتتكرر زكاتها، وهو القول الثاني. وأما إذا نتجت سخلة، ثم نتجت أخرى، فقد حال الحول الأول

مسألة (23)

على نصاب كامل، [ثم لما زادت واحدة حال الحول الثاني أيضاً على نصاب كامل]، سواء قلنا: بوجوب الزكاة في العين، أو في الذمة على جهة الاستحقاق، أو على جهة الملك؛ ولهذا تكررت الزكاة عليه بتكرر الأحوال؛ لآن الشرط في هذه المسألة اتصال نتاج السخلة بخاتمة الحول؛ ولهذا إذا تخلل بين خاتمة الحول، وبين نتاج السلخة زمان ممتد ففي احتساب ذلك الزمان من الحول الثاني قولان مبنيان علي القولين في وجوب الزكاة في الذمة، أو في العين. مسألة (23): إذا ملك الرجل تسعا وثلاثين شاة، فخالطه رجل بشاه - وهما

من أهل الزكاة - وجبت الزكاة عليهما في الأربعين. وإذا ملك أربعين شاة، فحال عليها الحول، ولم يؤد زكاتها، ولم يؤد زكاتها، ولم تزد، ولم تنقص، ثم حال الحول الثاني، لم نوجب / (100/ب) علي القول [الذي يقول الزكاة تجب في] العين زكاة ثانية، إن قلنا: ملك المساكين فيها شاة مختلطة بتسعة وثلاثين. والفرق بينهما: أن المساكين، وأهل السهمان ملاك غير متغنين، والخلطة إنما تعتبر حكم الزكاة إذا كان الخليط متعيناً، وكان من أهل

مسألة (24)

الزكاة مسألة (24): إذا ملك الرجل خمسا من الإبل، وحال عليها ثلاثة أحوال، ولم يؤد زكاتها، وقلنا بقول العين، فمن أصحابنا من أوجب عليه ثلاث شياة، وهو الصحيح. وإذا ملك أربعين شاة، فحال عليها ثلاثة أحوال، وقلنا بقول العين،

أوجبنا فيها شاة واحدة. والفرق بينهما: أن الأربعين من الغنم إذا وجبت الزكاة فيها كانت زكاتها من جنسها، فأمكنا أن نقول - علي قول العين، وطريقة الاستحقاق: ملك أهل السهمان منها شاة، فنقص النصاب، ولهذا سقطت زكاة الحول الثاني والثالث. وأما الخمس من الإبل، فليست زكاتها من جنسها، فإذا حال الحول الأول لم يمكنا أن نحكم لأهل السهمان من عينها بالتملك، وإن قلنا بقول العين، وإنما ملكوا املكوا في ذمة صاحبها، فبقي النصاب كاملاً مرصداً؛ لوجوب زكاة الحول الثاني والثالث. ومن أصحابنا من يقول: ملكوا في أعيان الخمس ما بلغ مقدار

مسألة (25)

الزكاة، فمن سلك هذه الطريقة سوي بين الأربعين شاة، وبين الخمس من الإبل في القولين المبنيين علي الذمة والعين. مسألة (25): الماشية إذا غضبت، أو ضلت أحولاً، ثم رجعت إلي صاحبها، ففي زكاة الأحوال الماضية قولان: ولو أن السلعة المرصدة للتجارة كسدت، وبارت، وبقيت في يد صاحبها مدة معلومة، فعليه زكاتها مع عدم نمائها، وكذلك - أيضا - ما كنز

مسألة (26)

من الذهب والفضة، وهو عارف بمكانه الذي دفنه فيه. والفرق بين المالين - وإن استويا في عدم النماء: أن الحيلولة مستيقنة بالضلال والغصب، وليس يكفي مجرد الملك في إيجاب الزكاة دون القرائن. وأما السلعة الكاسدة، والأموال المدفونة، فمالكها غير ممنوع عنها، ولا محول دونها، عير أنها قليلة النماء في بعض الأوقات؛ لمعني في السوق، وللإعراض عم التجارة، فلا يصير ذلك علة في إسقاط الزكاة. مسألة (26): إذا ارتد المسلم فحال الحول بعد الارتداد، وحكمنا بزوال ملكه - وهو أحد الأقاويل - فلا زكاة عليه لهذا الحول الذي كانت خاتمته في الردة.

وأما نفقة زوجاته المنكوحات قبل الردة إذا كان قد دخل بهن فهي متعلقة بماله الذي زال ملكه عنه، واستحق استيفاؤها منه علي الصحيح من المذهب. والفرق بين الزكاة، والنفقة / (101/أ) - علي هذا القول: - أن النكاح سابق، ومن مقتضي النكاح وجوب النفقة، وليس انعقاد [النكاح علي مال، بخلاف الزكاة، فإن انعقاد] الحول علي ملك النصاب يوجب

مسألة (27)

الزكاة، وقد زوال الملك قبل كمال الحول، فانقطع الحول بزوال الملك، فلم نجد سبيلاً إلي إيجاب الزكاة فوزان النفقة زكاة سبق وجوبها في زمان الإسلام، فلا تسقط بالارتداد العارض؛ لأن حق أهل الفئة ما تعلق بمال المرتد حين تعلق إلا وهو الله مشغول بحق سابق، فوجب تقديم ذلك الحق؛ ولهذا قال الشافعي - رحمة الله عليه: إذا استرق الحربي، وغنم ماله معه وعليه ديون للمسلمين، وللمعاهدين، استوفيت تلك الديون من ماله المغنوم، ثم يكون ما فضل [من ماله علي قضاء ديون] غنيمة الغانمين. مسألة (27): إذا غرس الرجل نواة مملوكة له في أرض غيره، فنبتت نخلة،

فالنخلة ملك لمالك النواة، لا ملم مالك الأرض، وكذلك إذا وضع رجل بيضة له تحت دجاجة لغيره، فاحتضنتها، فالفرخ ملك مالك البيضة لا ملك مالك الدجاجة، وكذلك كل بذر، وزرع. وإذا تزوج عبد رجل مملوكة رجل، أو زنا حر بمملوكة، أو عبد زنا بها، فالولد ملك لمالك الأمة. والفرق بينهما: أن النواة هي التي انشقت بعينها عن النخلة، فنتبت منها

وخرجت من عينها، [وكذلك البيضة إذا انفقأت عن الفرخ]، وكذلك الحبة إذا انفلقت بالزرع؛ فلهذا كانت لمالك الأصل. وأما الجارية إذا حبلت، فنعلم يقيناً أن حصول الولد من مائة في رحمها متصل بها اتصال الخلقة. فأما الماء من جانب الفحول، فإنما ينسب إلي الفحول من طريق الحكم، لا من طريق اليقين، والمشاهدة، كاليقين، والمشاهدة في جانب الأمهات؛ فلهذا حكمتا بأن الأولاد من جميع الحيوانات تكون ملك مالك الأمهات لا ملك مالك الفحول.

مسألة (28)

مسألة (28): الولد في الرق والحرية تبع للأم إلا في مسألتين. أحدهما: أن الرجل إذا استولد جاريته، كان الولد تبعاً للأب في الحرية. والثانية: أن الأمة إذا نكحت وغرت زوجها بالحرية، فإن الولد حر، وإن كانت الأمة مملوكة، وإنما كان ذلك كذلك، لأن الجارية المستولدة ملك مستولد، فيستحيل فطرة الولد علي الرق، والمعني المنافي للرق مقترن بالفطرة، ولا نقول خلق عبداً، ثم صار حراً؛ ولهذا لا يثبت الولاء علي هذا الولد. وأما إذا كان في عقد النكاح غرور فإنما شرع الخاطب في

مسألة (29)

العقد على شرط في الولد، فله شرطه، كما شرطه، بخلاف سائر المسائل، فإن الولد في الرق تبع للأمن كما أنه في الملك تبع (101/ب) للأم. مسألة (29): المتولد من الغنم، والصبا حيوان، لا زكاة فيه، سواء كان الفحل من الوحش، أو كانت الأنثى من الوحش. والصيد المتولد من بين مايكل لحمه ومالا يؤكل لحمه حرام أكله، فإذا قتله المحرم، فعليه جزاؤه، سواء كان المأكول اللحم أنثي، أو فحلاً،

مسألة (30)

فهو ملحق بالمأكول، وإنما فصلنا بين الزكاة، فأسقطناها، وبين الفدية، فأوجبتاها؛ لأن الإحرام مبني علي التغليظ، بخلاف الزكاة فإنها غير مبنية علي التغليظ، ولا خلاف أن الأنثى إذا كانت من الظباء، فلا زكاة في المتولد منها؛ ولهذا لو ملك ماشية فأسامها في أكثر الحول، ثم علفها مدة لها مئونة تظهر سقطت زكاتهن فعرفت أن حكم الزكاة أخف، فلابد من أن يتمخض الحيوان نعماً حني تجب فيه الزكاة. مسألة (30): المتولد من الفرس، وغير الفرس وغير الفرس، غير ملحق بالفرس في

استحقاق السهم، إذا قال عليه، سواء كان الفحل من الخيل، أو الأنثى. وأما في الملك والحرية والرق، فقد أتبعنا الولد الأم، وإنما اعتبرنا هذا الحيوان - وهو البغل - بنفسه؛ لأن المقصود من الجهاد مفقود فيه، وهو الطلب والهرب، والكر والفر، ولا ينفع الفحل، أو الأنثى إذا لم يوجد في نفس الحيوان مقصود الجهاد؛ ولهذا قال الشافعي - رحمه الله: لوكأن الفرس صرعا، أو رازحا، وحطما لم يستحق به السهم فكيف يستحق بالبغل؟ وأما المعني في الرق والحرية فالاتصال بالأصل، والنزول منزلة الأعضاء في بعض الأحكام علي ما بيناه.

مسألة (31)

وأما في الإسلام [فالولد يتبع أي الوالدين أسلم، وذلك لاستعلاء الإسلام]. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه". وأما النسب والكفاءة، فالاعتبار فيهما بالآباء؛ لأن الناس لا ينسبون إلى أمهاتهم، وإنما ينسبون إلى الآباء بالتعصيب. مسألة (31): إذا ملك الرجل أربعين شاة ستة أشهر، ثم باع منها عشرين

من رجل بأعيانها وسلمها إليه تسليم مثلها، فلا زكاة على واحد منهما إلا أن تختلط الأربعون بعد البيع والتسليم سنة كاملة. ولو باع منها عشرين شاة شائعة، فمضت ستة أشهر بعد البيع، وجب في العشرين الباقية نصف شاة. والفرق بينهما: أنه لما باع نصفها على صفة الشيوع لم تنقطع الخلطة القديمة، والعشرون الباقية في ملكه موصوفة بأنها لم تزل طول الحول مختلطة بعشرين، أما في أول الحول فبعشرين من ملك البائع، وأما في آخر الحول فبعشرين من ملك المشتري. وأما إذا باع عشرين منها بأعيانها وميز وسلم، فهذا التمييز والتسليم قاطع

للخلطة القديمة، وملك كل واحد منهما دون النصاب، فما لم يختلط الملكان بعد حولًا كاملًا لا تجب الزكاة على واحد منهما. فإن قال قائل: الخلطة المعلومة هي الخلطة التي تثبت بين شخصين، فأما اختلاط ملك الرجل بملك نفسه، فذلك لا يعلم خلطة، فكيف أوجبتم الزكاة في العشرين الباقية بحول خلطة،/ بعضه مع ملك نفسه، وبعضه مع ملك غيره؟ قلنا: الخلطة بين الشريكين حيث تثبت إنما تثبت لشبهة ملكيهما بملك المالك الواحد. ألا ترى أن الرجلين إذا ملكا معًا مائتي شاة، وشاة أوجبنا عليهما ثلاث شياة، تشبيها بالمالك الواحد، ولو انفردا بملكيهما وهما سواء في الملك أوجبنا عليهما شاتين، وكذلك أيضًا أوجبنا في

مسألة (32)

مائة وعشرين شاة لثلاثة خلطاء بالسوية شاة واحدة، ولو انفردوا بأموالهم أوجبنا عليهم ثلاث شياة، ولكن إذا اجتمعوا جعلناهم كالمالك الواحد، فإثبات حكم الخلطة للمالك الواحد أولى وأحرى من إثباته للمشبهين بالمالك الواحد. مسألة (32): إذا ملك الرجل عشرين شاة مختلطة بعشرين لرجل آخر، فمضى ستة أشهر، فجاء ثالث وخلط أربعين، أو عشرين بهذه الأربعين، ثم ميز أحد المتقدمين ملكه، فمضت ستة أشهر وجب على المتقدم الثاني نصف شاة. ومثله لو سبق التمييز قبل خلطة الثالث لم يجب على مالك العشرين الذي خالطه الثالث زكاة إلا بمضي سنة كاملة من وقت هذه الخلطة الحادثة.

مسألة (33)

والفرق بين المسألتين: في المالكين خالط الثالث أحدهما، كالفرق في المالك الواحد باع نصف ملكه بعد ستة أشهر، وملكه نصاب واحد، وهي المسألة المذكورة قبل هذه المسألة، المنصوصة للشافعي رحمة الله عليه. مسألة (33): الرجل إذا ملك أربعين شاة منفردة، وملك رجل آخر أربعين أخرى منفردة، ومضى على كل واحد منهما شهر، ثم خلطا ملكيهما وتبايعا، فمضى من وقت الخلطة والتبايع حول، فعليهما شاة، نصفها على هذا ونصفها على هذا. ولو تخالطا ولم يتبايعا، فمضى أحد عشر شهرًا من وقت الخلطة وجب على كل واحد منهما شاة كاملة، ثم يستأنف بينهما حكم الخلطة.

للحول الثاني، فإذا مضى الحول الثاني وجب على كل واحد منهما نصف شاة. والفرق بين المتبايعين، وبين غير المتبايعين: أنهما إذا تبايعا وهما على حالة الخلطة تجدد الملك لكل واحد منهما، وتجدد الحول، فإذا مضى حول من وقت التبايع فكله حول خلطة، والزكاة زكاة خلطة. فأما إذا لم يتبايعا، فقد ثبت لكل واحد منهما حكم الانفراد شهرًا ثم اختلطت الماشيتان، فلا يثبت بينهما بهذا الحول حكم الخلطة، ولكنهما إذا أخرجا لهذا الحول شاتين ثبت بينهما للحول الثاني حكم الخلطة. والمسألتان منصوصتان معًا في رواية الربيع - رحمه الله - وحكي المزني - رحمة الله عليه - إحدى المسألتين، وما حكي مسألة التبايع.

مسألة (34)

مسألة (34): إذا ملك رجلان ثمانين شاة مجتمعة في مكان واحد، ستون منها لأحدهما، وعشرون/ (102/ ب) للثاني، فعليهما شاة واحدة، ثلاثة أرباعها على صاحب الستين، وربعها على صاحب العشرين. ولو كانت المسألة بحالها غير أن صاحب الستين خلط من الستين عشرين بملك صاحبه، وكانت الأربعون غائبة عن هذه الأربعين، فقد قال الشافعي - رحمة الله عليه - في رواية المزني مثل ذلك: عليهما شاة ثلاثة أرباعها على صاحب الأربعين الغائبة، وربعها على الذي له العشرون؛ وعلل فقال: لأني أضم مال كل رجل إلى ماله. وهذا جواب صادر على القول الذي يقول: إن الخلطة [خلطة ملك، لا على القول الثاني الذي يقول: الخلطة] خلطة عين.

وأما إذا قلنا: إن الخلطة خلطة عين، فالواجب على صاحب الستين خمسة أسداس ونصف سدس شاة، بخلاف ما لو كانت الثمانون مجتمعة في مكان واحد. والفرق بينهما: أنها إذا كانت مجتمعة في مكان واحد، [فالخلطة ثابتة في جميعها، ففيها شاة] مقسومة على عدد ملكيهما، ولأحدهما ثلاثة أرباع المال

فعليه ثلاثة أرباع الزكاة، [وللثاني ربع المال، فعليه ربع الزكاة]. وأما إذا ثبتت الخلطة في أربعين، عشرون منها لأحدهما، وعشرون منها للثاني، ولأحدهما أربعون غائبة، وقلنا لا تثبت الخلطة بحكمها إلا للأربعين الحاضرة، فعلى صاحب العشرين الحاضرة نصف شاة، وعلى صاحب الأربعين الغائبة في جميع ملكه ما قلناه، وهو خمسة أسداس ونصف سدس شاة، والعلة في ذلك أن جميع ماله لو كان مختلطًا بمال خليطه لوجب عليه ثلاثة أرباع شاة وثلث ماله مختلط، فيأخذ ثلث ثلاثة أرباع شاة وهو ربع شاة، ولو كان جميع ماله منفردًا، [لوجب عليه شاة كاملة. ووجدنا ثلثي ماله منفردًا] فأوجبنا للمنفرد ثلثي شاة، ثم طلبنا عددًا

نأخذ منه الثلثين والربع، وذلك أثنا عشر. فالثلثان منها ثمانية والربع منها ثلاثة، وذلك خمسة أسداس ونصف سدس. ومن أصحابنا من يقطع حكم المال الغائب في ملك مالكه عن ماله الحاضر، وذلك بعيد جدًا؛ لأن ملك المال الواحد لا يجوز أن يقطع بعضه عن بعض في الحكم فالصحيح ما قدمناه من الجواب. ومعنى قولنا: إن الخلطة خلطة ملك: أن أحد الخليطين إذا ثبت له مع شخص حكم الخلطة في بعض ملكه تعدى ذلك الحكم إلى ملكه الغائب من جنسه فانضم [بعضه إلى بعض في] حكم الاختلاط، كما انضم بعضه إلى بعض في الحكم، أي حكم النصاب واستكماله. ومعنى قولنا: إن الخلطة خلطة عين: أن حكمها لا يتعدى الأعيان المختلطة التي تجتمع في الفحولة، والحوض، والمراح، والمسرح، فهذا تفسير القولين.

مسألة (35)

مسألة (35): إذا ملك الرجل عشرًا من الإبل، فخلطها بعشرين لرجل فحال حول الخلطة، وجب عليهما ابنة مخاض، ثلثها على صاحب العشرة، وثلثاها على صاحب العشرين/. ولو أنه خلط خمسًا منها بعشرين لرجل، وخمسًا بعشرين لرجل آخر وجب على صاحب العشرة خمس حقة، وعلى كل واحد من خليطيه أربعة أخماس بنت مخاض. وإنما كان ذلك كذلك في هذه المسألة؛ لأن صاحب العشرة خليط الأربعين من الإبل وله عشر والواجب في تلك الخمسين حقة وله خمسها فعليه خمسها. وأما صاحب العشرين فإنه خليط الخمس من العشرة التي هي لهذا الرجل وليس خليطًا مع الخمس الأخرى، والواجب

في الخمس والعشرين ابنة مخاض، [وله أربعة أخماس الجملة، فعليه أربعة أخماس الواجب]. فإن قال قائل: قد جعلت هذه العشرة في حق مالكها مجتمعة حتى أوجبت عليه خمس حقة، فجعلت الخمسين، كأنها في مكان واحد، فهلا جعلت هذه العشرة بعينها في حق صاحب العشرين كالمجتمعة حتى توجب على صاحب العشرين ثلثي ابنة مخاض. قلنا: إنما جعلنا العشرة في حق صاحبها مجتمعه، لأن ملكه عليها ملك واحد، فلا وجه لتفريق الملك الواحد، ولو جعلناها في حق صاحب العشرين كالمجتمعة لزمنا أن نجعل صاحب العشرين خليطًا لصاحب العشرين الأخرى؛ لأنه خليط صاحب العشرة بالخمسة التي خالطت ماله، ولا سبيل إلى أن نجعل صاحب العشرين خليط خليطه مع افتراق العشرين عن العشرين. ومثال هذا ما قاله الشافعي - رضي الله عنه - في نخلتين تهاميتين مضمومتين في

مسألة (36)

النصاب جدت إحداهما، ثم أطلعت نخلة نجدية لذلك المالك، لم يجز لنا ضم النخلة النجدية المطلعة إلى التهامية الباقية؛ لأنا لو ضممناها إليها لزمنا ضمها عل التهامية المحدودة ولا نجد إلى ذلك سبيلًا. وهذا الجواب الذي ذكرناه على قولنا: إن الخلطة خلطة عين. وفي المسألة جواب غير هذا، لكن الصحيح المعتمد عليه ما ذكرناه وهو شرط كتابنا. مسألة (36): إذا اقترض الساعي للمساكين حين علم بهم فاقة

وخلة، فتلف عين القرض في يده من غير تفريط من جهته، فعليه ضمانه من خالص ماله، دون بيت المال. وإذا استقرض ولي اليتيم لليتيم نظرًا ومصلحة، فتلف عين القرض في يده من غير تفريط، وجب عليه الضمان في مال اليتيم، دون مال القيم. والمسألتان منصوصتان. والفرق بينهما: ما أشار إليه الشافعي - رحمة الله عليه -: بأن ولي اليتيم مستقرض لمن لا يلي بنفسه وهو: اليتيم، وإنما يتصرف عليه وله قيم منصوب بالشرع من جهة الأب، أو من جهة الحاكم، فإذا تلف

عين القرض في يده من غير تقصير منه، كان ضمان ذلك في مال الطفل؛ لأن القرض وقع له. وأما إذا استقرض الساعي للمساكين، فقد استقرض لجماعة فيهم أهل رشد يلي بنفسه/ [وإن كان فيهم من لا يلي بنفسه]، فالشرط سلامة العاقبة، [وصرف القرض إلى مصالحهم] حتى يجوز له قضاؤه من الصدقات. فإن قال قائل: أرأيت لو استقرض لشخص بعينه، وذلك الشخص ممن لا يلي بنفسه؛ لصغر، أو جنون، فتلف في يده. قلنا: ذلك على قسمين. أحدهما: أن يستقرض له على وجه التخصيص متصرفًا في مصالحه. والثاني: أن يرى فاقته وحاجته ويستقرض له، بسبب ما رأي من حاله، لا على جهة تعيينه وتخصيصه، فإن كان القرض على

مسألة (37)

الصورة الأولى، فالضمان في مال ذلك الشخص، وإن كان القرض على الصورة الثانية، فالضمان في مال الساعي، كما أجاب الشافعي - رضي الله عنه -. مسألة (37): إذا عجل الرجل زكاة ماله بشرط أن يسترجعها إن تلف ماله قبل الحول، فتلف ماله، ووجد عين الزكاة المعجلة ناقصة في يد المسكين بعوز أو كسر استرد العين ناقصة، وليس له طلب

الأرش. ولو كانت العين تالفة كان له أن يغرمه قيمتها يوم أقبضها إياه. فإن قال قائل: فما الفرق بين الجملة والبعض وقد جعلت الجملة مضمونة والبعض غير مضمون؟ قلنا: الفرق بينهما: أن الجملة مدفوعة إليه على حكم الزكاة المعجلة، فإذا خرجت عن حساب الزكاة وهي تالفة فقيمتها تقوم مقامها. وأما إذا كانت قائمة وفيها نقص فاسترد عينها، فليست يده يد ضمان حتى يضمن أبعاضها، ويجوز أن تكون الجملة مضمونة حيث لا تكون الأبعاض مضمونة. ألا ترى أن المبيع إذا تلف في يدي المشتري ووجد البائع بالثمن عيبًا جاز له رد الثمن، واسترد جميع قيمة المبيع.

مسألة (38)

ومثله لو كان المبيع قائمًا في يدي المشتري، وفي عينه نقص استرد العين ناقصة، ولم يكن على المشترى غرامة النقصان. مسألة (38): إذا باع أربعين شاة، والزكاة واجبة فيها، غير مؤداة، فالبيع في مقدار الزكاة باطل، وفيما عدا ذلك قولان: أحدهما: أن البيع باطل. والثاني: أن البيع صحيح. فإذا صححنا البيع، فالرهن أولى بالتصحيح، وإذا أبطلنا البيع، ففي الرهن قولان

مسألة (39)

والفرق بين الرهن والبيع: أن الرهن معنى واحد لمعنى واحد لا يتوزع، كما يتوزع الثمن على المثمن، والثمن إذا توزع، فوقعت فيه جهالة، أوجبت الجهالة إبطال البيع، وقد تحققت الجهالة؛ لأن المشتري وضع جميع الثمن على مقابلة جميع المثمن، وقد صارت واحدة منهما مستحقة للمساكين، وليس ينقسم على رؤوسها، وإنما ينقسم الثمن على قيمتها. مسألة (39): إذا باع أربعين شاة، والزكاة فيها، ففيما عدا مقدار الزكاة ما ذكرناه، فإذا حكمنا بتصحيح البيع، ففي الثمار أولى إذا باعها قبل إخراج الزكاة منها، وإذا أبطلنا البيع في الماشية، ففي الثمار قولان.

مسألة (40)

والفرق بينهما: أن الثمن إذا قابل الثمار في التوزيع/ (104/ أ) علمنا يقينًا أن تسعة أعشار الثمن في مقابلة تسعة أعشار السلعة، والعشر من الثمن ساقط على أصح القولين في مقابلة العشر المستحق للمساكين، فهذا بيع معلوم بمعلوم، وليست الماشية كذلك؛ لأن الواحدة المستحقة من الأربعين غير معلومة الجزئية من الجملة في أصل العقد، وإنما تصير معلومة بعد التقسيط، ثم طريق العلم به التقويم، والاجتهاد؛ فلهذا افترقت المسألتان. مسألة (40): قال الشافعي - رضي الله عنه - في باب النية في إخراج الزكاة: "ولو أخرج عشرة دراهم، وقال: إن كان مال الغائب سالمًا فهذه من زكاته، أو نافلة فكان ماله سالمًا، لم يجزئه، لأنه لم يقصد بالنية قصد فرض خالص، وإنما جعلها مشتركة بين فرض ونافلة. ولو قال عن مالي الغائب إن كان سالمًا [وإن لم يكن سالمًا] فنافلة أجزأته عنه؛ لأن إعطاءه عن الغائب هكذا، وإن لم يقله".

مسألة (41)

فقد فصل الشافعي - رضي الله عنه - بين المسألتين بفصل واضح غير أن من اعتمد لفظه في الفرق كان على خطأ، ومن اعتمد معنى لفظه كان على صواب. وبيان هذا أنه لو قال عند الإخراج: إن كان مالي الغائب سالمًا فهذه زكاته، أو نافلة، ومراده أو نافلة: إن لم يكن المال سالمًا أجزأته الفريضة إذا علم سلامة المال، وإنما لا تقع الزكاة موقعها إذا قصد توزيع النية مع بقاء المال الغائب. وأما إذا علق توزيع النية بتوزيع حال المال الغائب، فالمسألة الأولى في الأجزاء كالمسألة الثانية. مسألة (41): إذا امتنع الرجل عن أداء زكاة ماله الظاهر، فتولى الإمام إخراجها من ماله عند امتناعه، سقطت الزكاة عنه حكمًا، ولا تسقط عنه

مسألة (42)

ورعًا، فيما بينه وبين الله تعالى. وليس، كقيم اليتيم ينوي زكاة اليتيم حين يؤديها، فيبلغ اليتيم، فلا يلزمه أن يؤديها ثانيًا. والفرق بينهما: أن اليتيم حين أدى عنه القيم لم يكن بنفسه من أهل النية، فقامت نية القيم مقام نيته ظاهرًا وباطنًا، وأما إذا كان من أهل النية بنفسه، فامتنع عن الأداء، فقام السلطان مقامه في الأداء، والنية كانت نية السلطان؛ لتعيين جهة الأخذ، حتى يخرج أخذ السلطان عن حد الغصب، فأما صفة القربة إلى الله - تعالى - فموقوفة على وجود قصد القربة من صاحب المال، ولم يوجد هذا القصد، فبقيت الزكاة عليه فيما بينه وبين الله تعالى. مسألة (42): العوامل من الإبل والبقر إذا كانت سائمة، ومالكها لا يعلفها بحال، فالزكاة واجبة فيها، وإن نقص نماؤها بالعمل، وليست كالذهب

والفضة المصوغين حلية مباحة للاستعمال، فتسقط الزكاة عنها في أحد القولين. والفرق بينهما: أن/ (104 - ب) العوامل السائمة باقية على أصل صفة النماء، لأنها تتناسل، كما تتناسل غير العوامل، وقلة النماء غير مؤثر إذا كان الجنس من الأموال النامية، وربما تكون الماشية كلها ذكورًا سائمة، فتجب الزكاة فيها، كوجوبها في الإناث النامية؛ لأنها من جنس النامية، ومؤونة العلف ساقطة، فإذا اجتمع في هذه العوامل، وصفان سقوط المؤونة، ووجود النماء، والانتفاع بها على وجه الاستعمال يستحيل أن يؤثر في إسقاط الزكاة، بخلاف الذهب والفضة إذا صارا مستعملين للحلية المباحة، فليس في

مسألة (43)

نمائهما مطمع بحال؛ فلهذا استحال إيجاب الزكاة فيهما مع إباحة استعمالها، واحترام صنعتها. مسألة (43): إذا بادل ماشية بماشية وحال الحول من وقت المبادلة، ثم اطلع على عيب بعد أداء الزكاة من مال آخر كان له رد الجملة بالعيب. وإن قلنا: ملك المساكين شاة ثم زال عنها ملكهم ببدلها. وبمثله لو باع بعضها، ثم اشترى ما باع ثم اطلع على عيب قديم بها لم يكن له الرد بالعيب إلا أن ترد عليه بالعيب فيرد المردود. والفرق بين الردين: أن أحدهما زوال ملك بغير اختياره، لأن الزكاة

مسألة (44)

إذا وجبت لم يكن وجوبها على جهة الاختيار من المالك، والعود كذلك؛ لأنه إذا أدى الزكاة من مال آخر له لم يكن الأداء عقد معاوضة، وإنما هو إسقاط فرض عن الذمة. وأما البيع والشراء فهو تصرف على جهة الاختيار، وبهذا فارق الرد؛ لأن المشتري الثاني إذا رد السلعة بالعيب على المشتري الأول، رجع الملك إليه بسبب العيب من غير اختياره، فكان له أن يرد المردود عليه. مسألة (44): إذا تزوج امرأة وأصدقها أربعين شاة بأعيانها، فحال عليها الحول، فأدت زكاتها من غيرها، ثم طلقها زوجها قبل المسيس رجع عليها بنصفها كما لو طلقها قبل حول الزكاة. وإن قلنا زال ملكها عن قدر الزكاة إلى المساكين، ثم عاد الملك بالأداء إليها.

ومثله لو باعت المرأة صداقها، ثم عاد الملك إليها، ثم طلقها زوجها قبل المسيس، ففي الرجوع إلى العين قولان. والفرق بين المسألتين: ما أشرنا إليه من زوال الملك بالاختيار في حالة، [وبغير الاختيار في حالة] أخرى. وأما إذا أخرجت زكاتها من عينها فصارت تسعًا وثلاثين ثم طلقها زوجها قبل المسيس، فعلى قولين. أحدهما: أن حق الزوج محصور في الباقي، فيأخذ من التسع والثلاثين تمام نصف الأربعين. والثاني: أنه يأخذ نصف التسع والثلاثين ويطالبها بنصف قيمة الشاة التي أخرجتها في الزكاة.

مسألة (45)

مسألة (45): إذا كان لرجل نخلتان تهاميتان، ونخلة نجدية، فبسقت التهاميتان فأطلعتا وبدأ الزهو فيهما، ثم اطلعت/ (105 - ب) النجدية والتهاميتان غير مجدودتين صارت النجدية مضمومة في حكم النصاب إلى التهاميتين، [ووجبت الزكاة في الجميع. وبمثله لو أزهت التهاميتان] وسبقت إحداهما بالإدراك، فجدت قبل إطلاع النجدية، ثم أطلعت النجدية بقيت هذه النجدية مفردة في الاعتبار، فإن بلغت بنفسها خمسة أوسق ففيها الزكاة، وإن نقصت عن ذلك

فلا زكاة فيها، ولا تضم إليها التهامية الباقية، كما ضممت في المسألة الأولى إلى التهاميتين. والفرق بين المسألتين: أن التهاميتين في المسألة الأولى كانتا جميعًا غير مجدودتين حين أطلعت النجدية فاستقام لنا ضم النجدية إلى التهاميتين، فضممنا وجعلنا جميع نخله كالنخلة الواحدة. وأما المسألة الثانية فلا سبيل إلى الضم؛ لأن التهامية الأولى كانت مجددة حين أطلعت النجدية، فلا يمكن ضم النجدية إلى التهامية المجدودة؛ لأن الحد المعتبر في الضم اجتماع النخلتين في الإطلاع من الثانية قبل جداد الأولى، ولم نجد سبيلًا إلى أن نضمها إلى التهامية الباقية؛ لأنا لو ضممناها إليها للزمنا ضمها إلى

المضمومة إليها وهي التهامية المجدودة. [وذلك محال، فلذلك فصلنا بين المسألتين].

مسألة (46)

مسائل الثمار مسألة (46): الخارص إذا خرص البستان، وخلى بينه وبين المالك، ثم عاد فادعى رب البستان عليه متفاحشًا فوق ما يقع بين الكيلين لم يقبل قوله ولم تسمع دعواه، مثل أن يقل خرصتها خمسين وسقًا فخرجت ثلاثين وسقًا. ولو أدعى غلطًا قد يقع مثله بين الكيلين كانت دعواه مسموعة إذا كان أمينًا على أحد الوجهين. والفرق بين المسألتين: أن الغلط المدعى إذا كان مستنكرًا مستكثرًا، والخارص حاذق في الصنعة كان في الظاهر كذبًا صراحًا، ومثل هذه المقالة غير مسموعة على الأمناء. وأما إذا أدعى ما يحتمل فليس بمستبعد، فإن الخرص نوع من اجتهاد، والمجتهد ربما يخطئ، وربما يصيب، ومثل هذا الغلط قد يقع بين الكيلين، ومعنى

مسألة (47)

الكيلين: أن الكيال الواحد ربما يكيل ثمرة خمسين وسقًا، ثم يعيد فيها الكيل، فيفضل فضل. أو يظهر نقص، والكيال واحد، والمكيال واحد. مسألة (47): مقدار الغلط الذي يقع مثله بين الكيلين محطوط عن رب البستان من حساب الخرص في أصح الوجهين، كما ذكرناه ولو أن رجلًا باع من رجل تمرًا، وكاله عليه للتسليم، فباعه المشتري، فكاله ثانيًا، فظهر نقص، لم يؤمر البائع الأول بجبران ذلك النقص وجهًا واحدًا. والفرق بينهما: أن الكيل منصوص في نفسه غير مجتهد فيه، وقد باع الكائل الأول [وكال كيل مثله، فخرج عن عهدة التسليم في بيعه، ثم

كال الكائل الثاني، كما كال الكائل الأول]، فلا يتوجه على الأول ضمان وعهدة، وربما كان النقص بإبلاغ/ (105 - ب) في الكيل الثاني لا بقصور في الكيل الأول، ولا يوضع الاجتهاد في مقابلة النص؛ ولهذا قلنا: لو كال البائع، الثاني، فظهر بين الكيلين زيادة لم يكن للبائع الأول استرجاع تلك الزيادة، إذ ليس له أن يقول: هذه الزيادة فضلت في الكيل الأول، ولا للثاني أن يقول: لعلها لقصور في الكيل الثاني. وأما الخرص فليس بنص، فإذا أدعى رب البستان تفاوتًا [محتملًا وهو معروف بصدق اللهجة والأمانة، فذلك المقدار محطوط] عنه. والأصل براءة الذمة عما وقع النزاع في وجوبه.

مسألة (48)

مسألة (48): إذا استهلك رب البستان جميع رطب البستان بعد الخرص ضمن مكيلة خرصه تمرًا. وإن استهلكه قبل الخرص ضمن للمساكين عشر الزكاة رطبًا، إن كان للرطب مثل، وإن لم يكن له مثل ضمن القيمة. الفرق بين المسألتين: أن الثمرة إذا صارت مخروصة عليه في أوان الخرص، وذلك حين يبدو الزهو وهو وقت وجوب الزكاة، ووقت جواز إطلاق البيع صار حق المساكين مضمونًا في ذمة المالك تمرًا، على القول المشهور، وهو أن الخرص تضمين، لا عبرة مجردة،

مسألة (49)

وإذا استهلك الجميع كان مستهلك شيء استقرضه، وقد استقر في ذمته بدل قرضه. وأما إذا استهلكها قبل الخرص، فقد استهلكها قبل التضمين، فمنزلته في حق المساكين منزلة من أتلف عليهم رطبًا لهم، فيلزمه ضمان الرطب بمثله، أو قيمته إن لم يوجد له مثل. مسألة (49): اقتصر الشافعي - رضي الله عنه - في إلحاق الأنساب على القائف الواحد، ولم يشترط عددًا، واعتمد في ذلك على حديث عائشة - رضي الله عنها: "أنها قالت: دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعرف السرور في وجهه، فقال: ألم تري إلى مجزز المدلجي نظر إلى

أسامة، وزيد عليهما قطيفة، قد غطيا رؤوسهما، وبدت أقدامهما،

فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض. واختلف قوله في الخارص، فقال - في كتاب الزكاة - وفي كل أحب أن يكون خارصان. وقد ميل يجوز خارص واحد، كما يجوز حاكم واحد، واحتج بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث مع ابن رواحة غيره. الفرق بينهما - من جهة المعنى -: أن القائف في صورة القائس يلحق فرعًا بأصل، ويطلب الأشباه بينهما، كما يطلب المفتي والحاكم وجوه المشابهات بين

مسألة (50)

الأصل والفرع، ويكفي الحاكم الواحد، والمفتي الواحد، فكذلك يكفي القائف الواحد. وأما الخارص فإنه يتأمل من العين الواحدة مقدارها، فأشبه من هذا الوجه المقوم ولابد في التقويم من مقومين، لما فيهما من مشابهة الشهود يشهدون على أحوال السوق. وأما اشتراط العدد في القسام، ففيه أيضًا خلاف على المذهب وتفصيل، وإذا كان في مال/ طفل، أو مجنون، فالصحيح من المذهب أنه لا يقتصر على قاسم واحد. مسألة (50): الزكاة إذا وجبت في الثمرة، فقاسم الساعي رب البستان، وأخذ

العشر من الرطب قبل أن يصير تمرًا، لم يجز، ولا تسقط الزكاة عنه. وإن كانت الثمرة ثمرة لا تصير تمرًا، لعاهة أصابتها، فقاسمن وأخذ العشر من رطبها، كان ذلك جائزًا مع كراهة ذكرها الشافعي - رحمة الله عليه -. والفرق بين المسألتين: أن الثمرة إذا كانت لا تصير تمرًا، لآفة، فنهايتها هذه النهاية، وليس لها وراء هذه الغاية غاية أخرى منتظرة للكمال.

وأما الرطب الذي يصير تمرًا إذا تركته، فنهايته الإدراك، [والإدراك منتظر فيه، والمقاسمة على المشهور من القولين بيع، ولا يجوز بيع الرطب بالرطب]، فلا تجوز المقاسمة، وهذه الثمرة التي لا ينتظر

أن تصير تمرًا، كالتمر اليابس في الحكم. حتى قال بعض مشايخنا: يجوز بيع بعضها ببعض، فجاز أخذ زكاتها مقاسمة.

مسألة (51)

مسائل زكاة التجارة مسألة (51): قال الشافعي - رضي الله عنه: إذا اتجر في مائتي درهم فصارت ثلاثمائة قبل الحول، ثم حال عليها الحول زكى المائتين لحولها، والمائة التي زادت؛ لحولها، ولا يضم ما ربح إليها. وقال أيضًا: إذا ملك مائتي درهم ستة أشهر، ثم اشترى بها عرضًا للتجارة، فحال عليها الحول، والعرض في يده، وجب تقويم العرض بزيادته أو نقصه، وأخذ الزكاة من جميع قيمته. والفرق بين المسألتين: أن الدراهم إذا نضت سلعتها في خلال الحول، [فصارت دراهم، فالربح الحاصل في خلال الحول] من جنس الأصل،

مسألة (52)

وليس بحاصل من غير الدراهم، إنما صرفها في غيرها، ثم باع ما صرفها فيه. وأما المسألة الثانية: فالزكاة قد تحولت في العرض نفسه لما نوى التجارة، فصار العرض كالدراهم، فحسب عليها؛ لحولها بالغة ما بلغت، فإذا نض ثمن العرض بعد الحول وجب أخذ الزكاة من جميعه قل أو كثر. وهذا الجواب الذي أجاب به الشافعي - رحمه الله - في المسألة الأولى، جواب على أحد القولين، وله قول آخر: أنه يبني حول الربح على حول الأصل. مسألة (52): سلعة التجارة إذا نضت في أثناء الحول، وصارت كنقد الأصل، ففي بناء حول الربح على حول الأصل قولان، ولم يختلف قوله في بناء حول السخال على حول الأمهات.

مسألة (53)

الفرق بينهما: أن السخال أجزاء الأمهات، ومن أعيانها حدثت وتولدت، [فجعلناها تبعًا لها في حولها. وأما ما حصل من ربح الدراهم]، فليس بحادث من عين الأصل، ولا متولد منها، ولكن صرفها في غيرها، ثم باع ما صرفها فيه كما قال الشافعي - رضي الله عنه/ (106 - ب) - وهذه عبارته - فاستأنفنا بالربح حولًا من وقت ما نضت السلعة. مسألة (53): نصاب الماشية إذا نقض في أثناء الحول، أو في أحد طرفيه انقطع الحول، ولا تجب الزكاة حتى يعود النصاب كاملًا، ويمضي على كماله حول كامل. وأما التجارة فقد اشترط الشافعي - رحمة الله عليه - في آخر حولها تمام نصابها.

واختلف أصحابنا في حكم أول الحول، وأوسطه [فاشترط بعضهم النصاب، كما اشترط في الماشية]، واشترط بعضهم النصاب في الطرفين، ولم يشترط في الوسط. والفرق بين الماشية والتجارة: أن الشراء يختلف في سلع التجارات، فلا يزال التاجر يشتري ويبادل ويبيع، فلو كلفناه في كل سلعة مراعاة نصابها في قيمتها من أول الحول إلى آخره تعذر الحساب عليه واشتدت المشقة، واحتاج إلى مراعاته على الدوام إما بنفسه، وإما بأعوانه، وفي ذلك قطعة عن التجارة، والتزام المؤونة الكثيرة لمن ينوب عنه في الحساب فاقتصرنا على اعتبار آخر الحول.

مسألة (54)

وأما المواشي إذا نقص بعضها بموت أو افتراس سبع، أو بسبب من الأسباب فانتقص النصاب، فلا يكاد يخفي ذلك، ولا يتعذر استئناف الحول من بعد كمال النصاب؛ فلهذا فرقنا بين الجنسين. مسألة (54): إذا اشترى سلعة للتجارة بمائتي درهم ملكها منذ ستة أشهر، فحول السلعة من وقت ما ملك المائتين لا من وقت ما اشترى السلعة. ولو كانت الدراهم التي ملكها منذ ستة أشهر مائة درهم، فصرفها في سلعة تساوي مائتي درهم، فحول السلعة من وقت شرائها، لا من وقت ملك المائة، وكذلك لو كانت قيمة السلعة دون النصاب يوم اشتراها على الصحيح من المذهب. والفرق بينهما: أن المائتين كانت جارية في الحول من يوم ملكها، ولم ينقطع الحول بصرفها في السلعة، فاعتبرنا أول الحول من يوم ملك الدراهم. وأما المائة فإنها لم تكن جارية في حول، ولو بقيت أعوامًا لم تجب الزكاة فيها، فلما

مسألة (55)

اشترى بها سلعة للتجارة انعقد حول التجارة من يوم [شراء السلعة، ثم من اعتبر في طرفي الحول كما النصاب اشترط أن تكون السلعة يوم] شرائها نصابًا، ومن اشترط نصاب التجارة في [آخر الحول اشترط في] آخر الحول أن تبلغ قيمتها مائتي درهم. مسألة (55): إذا اشترى سلعة بمائتي درهم أو بعشرين دينارًا، فحال حول التجارة قومت بالأصل ووجب الأداء من الأصل، فإن كان الشراء بالدنانير لم يجز التقويم بالدراهم، ولا أداء الزكاة منها، [وإن كان الشراء بالدراهم لم يجز التقويم بالدنانير ولا أداء الزكاة منها] ولا يرجع إلى نقد البلد. وأما إذا اشترى السلعة/ (107 - ب) بمائة درهم، وحكمنا بانعقاد الحول من وقت

مسألة (56)

الشراء، فحال الحول، فالتقويم يكون بنقد البلد، فإن كان نقد البلد دنانير لم يجز التقويم بالدراهم. هذا هو المشهور الصحيح. والفرق بين المسألتين: أن السلعة إذا كانت مشتراة بنصاب كامل من الذهب أو الفضة، فحولها محسوب من وقت ما ملك الأصل، [فوجب تقويمها بالأصل وأداء زكاتها من جنس الأصل. وأما إذا كانت مشتراة بما دون النصاب، فحولها غير محسوب من وقت ما] ملك الأصل، [فوجب تقويمها بالأصل]]، وإنما يحسب من وقت الشراء للتجارة؛ فلهذا رجعنا إلى نقد التجارة في البلد فاعتبرنا به التقويم والأداء. مسألة (56): إذا ملك مائة درهم وخمسة دنانير، وهذه الدنانير تساوي مائة درهم، لم تلزمه الزكاة.

ولو اشترى بمائة درهم سلعة، ثم باعها في أثناء الحول بخمسة دنانير، فحال الحول وفي يده مائة درهم، وهذه الدنانير الخمسة، وهي تساوي مائة درهم وجبت عليه الزكاة. والفرق بينهما: أن الدنانير الخمسة في المسألة الأولى هي أصل بنفسها، كما أن الدراهم أصل، واستكمال أحد النقدين بالثاني ليس بمذهب للشافعي، [وإنما هو مذهب أبي حنيفة - رضي الله عنهما-]. وأما الدنانير الخمسة في المسألة الثانية فإنها فرع، وليست بأصل بنفسها. ألا ترى أن الحول لو حال عليها وهي تساوي مائتي درهم وجبت الزكاة فيها؛ لأنها مع السلعة التي صرفت فيها من فروع الدراهم السابقة، ولو حال الحول وفي يده مائة درهم، وثوب للتجارة يساوي مائة درهم، ضممنا السلعة إلى

مسألة (57)

الدراهم؛ لأن قيمة السلعة معتبرة، لا عينها، فكذلك قيمة هذه الدنانير الخمسة معتبرة، وعينها غير معتبرة، وامتناع الاستكمال إنما يكون في أعيان النُصب، لا في قيمة الأعيان. مسألة (57): قال الشافعي - رضي الله عنه -: لو اشترى عرضًا لغير تجارة، فهو كما لو ملك بغير شراء. يعني: لا زكاة عليه، ثم قال: فإن نوى به تجارة، فلا شيء عليه، ولم يقل استحب أن يؤدي الزكاة. وقال: لو اشترى شيئًا للتجارة، ثم نوى به القنية لم يكن عليه زكاة، وأحب أن لو فعل. والفرق بين المسألتين: أنه إذا اشترى سلعة لغير تجارة، ثم نوى بها التجارة

لم ينعقد عليها الحول لا بالشراء، ولا بعقد النية؛ لأن السلعة إنما تصير مرصدة للتجارة إذا اقترنت النية بالشراء، وكذلك إذا ملك شيئًا بإرث، أو بجهة سوى الشراء فلا يصير مرصدًا للتجارة، وإن انضمت نية التجارة [إلى أول التملك؛ فلهذا لم يقل استحب له أداء الزكاة. أما إذا [اشتراها بنية التجارة]، فقد انعقد الحول عليها/ (107 - ب) وجرت في حول الزكاة مدة، ثم صرفها إلى القنية فاستحببنا له أداء الزكاة؛ لجريانها مدة في حول الزكاة، والسلعة في المسألة الأخرى ما جرت في حول الزكاة قط، فلهذا فصل الشافعي - رضي الله عنه - بينهما في الاستحباب.

مسألة (58)

مسألة (58): قال الشافعي - رحمه الله -: إذا نوى علف السائمة لم ينقطع حول السوم حتى يعلفها. ولو اشترى شيئًا للتجارة، ثم نوى القنية انقطع حول التجارة. والفرق بينهما: أن السائمة إذا صارت معلوفة سقطت زكاتها؛ لمعنى، هو التزام مؤونة العلف، وتلك المؤونة تستغرق النماء، والزكاة تجب في الأموال النامية، وهذا المعنى لا يوجد في سائمة نوى علفها ولم يعلفها، لأنه لا يلتزم بالنية المجردة مؤونة. وأما سلعة التجارة فإنها صارت مال الزكاة بأن اشتراها للتجارة وأرصدها للنماء، فإذا نوى بها القنية انحرفت عن جهة النماء [إذ لا نماء مع القنية، فصارت النية المجردة قاطعة للنماء] قائمة مقام العلف، [لا مقام نية العلف، ونية العلف من غير وجود العلف]، كالنية في إيجاد نية القنية، لا كوجود عين القنية. مسألة (59): إذا تزوج امرأة، وأصدقها مائة دينار، ولم يدخل بها، فحال الحول ألزمناها إخراج الزكاة عن جميع الصداق.

ولو أكرى دارًا بمائة دينار أربعة أحوال، فحال الحول لم يلزمه إخراج الزكاة عن جميع المائة، وإنما يلزمه إخراج الزكاة عن خمسة وعشرين دينارًا، ثم كذلك في الحول الثاني، والثالث، والرابع إذا كانت مدة الكراء أربع سنين، كما صور الشافعي رحمه الله. الفرق بينهما: أن ملك الزوج بنفس العقد يتكامل على البضع، فيتكامل ملكها على المهر. فأما المكتري، فلا يتكامل ملكه على المنافع إلا بالاستيفاء، فإذا مضت سنة بان لها كمال ملكه على منافع تلك السنة، فألزمناه زكاة الربع،

فإذا مضت السنة الثانية بان لنا كمال الملك على منافع السنتين، فألزمناه زكاة خمسين دينارًا للسنتين إلا قدر ما أدى في السنة الأولى، فإذا مضت السنة الثالثة بان استقرار ملك المكتري على خمسة وسبعين دينارًا، فلزمه زكاة خمسة وسبعين دينارًا لثلاث سنين إلا قدر ما أدى في السنتين الماضيتين، فإذا مضت السنة الرابعة بان استقرار ملكه على مائة دينار، فيلزمه زكاة مائة دينار لأربع سنين إلا قدر ما أدى في السنين الثلاث. والمسألة مصورة في الأداء من مال آخر. فأما إذا أدى زكاة السنة الأولى من هذه الدنانير، فلا نقول في السنة الثانية يلزمه زكاة خمسين [دينارًا إلا قدر ما أدى، ولكن نقول يلزمه زكاة خمسين] دينارًا

مسألة (60)

لسنتين غير نصف وثمن، ويحط عنه ما أدى. فإن قال قائل: أليست الدار إذ انهدمت وجب رد الكراء لما بقي، كما لو طلقها قبل المسيس، فترد نصف الصداق؟ قلنا بلى! ولكن إذا انهدمت الدار تداعى ذلك إلى خلل في أصل الملك، وانبرامه إذ المنافع ينبرم العقد عليها بالاستيفاء، فأما [بضع المرأة، فبالعقد يتكامل عليه منفعة كمال الملك، ومن المحال أن يتم ملك البضع بالاستيفاء]؛ لأن استيفاء البضع محال إلا بعد تقدم كمال الملك. مسألة (60): اختلف قول الشافعي - رضي الله عنه - في المال الضال، فأوجب فيه

الزكاة على أحد القولين، وأسقطها على القول الثاني. وإذا ضلت دراهم، أو دنانير، فوجدها رجل، فعرفها حولًا، ولم يتملكها في الحول الثاني، بل أقام على تعريفها، فالزكاة واجبة/ (108 - ا) فيها للحول الأول إذا أوجبنا الزكاة في المال الضال، غير واجبة في الحول الثاني. والفرق بين الحولين: أن ملكه في السنة الأولى مستقر ثابت غير مشرف على الزوال؛ لأن الملتقط لو أراد التملك في الحول الأول لم يكن له التملك، فإذا دخل الحول الثاني أشرف الملك على الزوال. ألا ترى أن الملتقط متى أراد التملك [كان له التملك]، وكمال

مسألة (61)

الملك في حق الزكاة شرط وجوب الزكاة. وعلى هذا الأصل قلنا: الحاكم إذا جعل مال الغريم لغرمائه حيث وجدوه قبل تمام حول المال سقطت الزكاة عنه، وإن قلنا بإيجاب الزكاة مع الدين؛ لأنهم صاروا متسلطين على ملكه وأشرف ملكه على الزوال، ولو لم يسلطهم على أخذ ماله حتى حال الحول أوجبنا الزكاة في العين - وإن كان في ذمته دين يستغرق ماله - على أحد القولين. مسألة (61): اختلف قول الشافعي - رحمه الله - فيمن في يده

مائتا درهم وعليه مثلها، فأوجب الزكاة في أحد القولين، وأسقطها في القول الثاني. فإذا حكمنا بأن الدين الذي في ذمته يمنع وجوب الزكاة في الدراهم التي قد يده حيث لا يملك مالًا سوى المائتين، فإذا ملك عقارًا سوى المائتين، فعلى هذا القول في سقوط الزكاة عن المائتين: وجهان.

الفرق بين الحالتين: أنه إذا لم يملك سوى المائتين، وعليه مثلها، فكأنها متعينة لما في ذمته، فاستحال إيجاب الزكاة فيها. وأما إذا ملك عقارًا سواها، فليست عين المائتين متعينة، ولا هي كالمتعينة؛ لأن له مالًا سواها، لاسيما بغير جنس ماله كان له أن يأخذ قدر حقه عند التعذر، كما لو ظفر بجنس ماله على أصح القولين. ولو كان في ذمته مائتا درهم، [وفي يده أربعون شاة، فإذا قلنا، متى كان في يده مائتا درهم]، وفي ذمته مثلها يلزمه الزكاة في العين، فهاهنا أولى، وإذا أسقطنا [الزكاة مع المجانسة]، فهاهنا

وجهان. [الفرق بين المسألتين: أن الزكاة في وجوبها أقرب إلى الجنس منها إلى غير الجنس، فإذا أوجبنا الزكاة في الدراهم، والدين دراهم ولم تشتغل العين بجنسها من العين [حتى يمتنع وجوب الزكاة فيها فالجنس الآخر وهو الماشية أبعد من أن تصير مشغولًا بدين الدراهم] حتى يمتنع وجوب الزكاة فيها. ولو كان في ذمته أربعون شاة، وفي يده مثلها أو في ذمته خمسة أوسق تمرًا وأثمرت نخيله مثلها، فإذا أوجبنا الزكاة في / (108 - ب) مائتي درهم وفي

ذمته مثلها. فها هنا أولى، وإذا أسقطنا فها هنا وجهان]. الفرق بينهما: أن الرجل إذا كان في ذمته مائتا درهم، وفي يده مثلها وجبت الزكاة فيما في ذمته على صاحب الدين، وإذا أوجبنا الزكاة في العين فكأنا أوجبنا [زكاتين بسبب اليسار الواحد، إذ لا يسار له فيما في يده إذا أوجبنا الزكاة على غريمه. وأما إذا كان [في يده أربعون] شاة وفي ذمته مثلها، فلا زكاة على ما في ذمته، فإن شرط وجوب الزكاة في الماشية كونها سائمة، ولا تتصور هذه الحالة في دين الماشية، وشرط وجوب الزكاة في الثمار عين إثمار النخل،

مسألة (62)

والسوم والإثمار والاستثمار مما لا يتصور في الذمة، فلهذا أوجبنا الزكاة في الأربعين التي في يده إذ ليس يؤدي إلى إيجاب زكاتين بسبب اليسار الواحد. مسألة (62): إذا ملك رجل مائة درهم وله في ذمة رجل مثلها، فصاعدًا، فحال الحول، والدين متعذر الاستيفاء لم يلزمه إخراج الزكاة عن المائة إلا على قول من قال بإيجاب الزكاة في الدين المتعذر، والمال المجحود، وإنما نوجب الزكاة على هذا القول في هذه المائة بحصتها، لأنا حكمنا لهذا

الرجل بنصاب وجبت فيه الزكاة، وإذا قلنا بالقول الأول لم نجعل الدين المتعذر] نازلا منزلة ملك الزكاة، فكأنه لم يملك إلا هذه المائة التي في يده، وهذه فائدة من فوائد إيجاب الزكاة في الدين المتعذر [] قبل استيفائه. ومن فوائده أيضًا أنه لو لم يملك سوى الدين المتعذر [، وقلنا لا زكاة في ذلك الدين، فلا زكاة فيما يستوفي منه، وإن استوفي منه نصابًا حتى يمضي عليه بعد الاستيفاء حول. وإذا حكمنا بإيجاب الزكاة في الدين، فاستوفي منه بعد الحول درهما لزمه أن يخرج منه بحصته، وقد قال الشافعي -رضي الله عنه-: "إذا كان في يده أقل من خمس أواق، وما يتم به خمس أواق دينًا له، أو

مسألة (63)

غائبًا عنه أحضر الحاضرة وانتظر الغائبة، فإن اقتضاها أدى ربع عشرها وما زاد ولو قيراط، فبحسابه"، وهذا جواب منه على القول الذي يقول: بأن الزكاة تجب في الدين وإن كان على مفلس، وجواب على القول الذي يقول: إن إمكان الأداء هو من شرط الوجوب؛ فلذلك لم يلزمه الشافعي -رحمة الله عليه- إخراج الزكاة من المائة التي في يده عاجلة، وإذا حكمنا بأن إمكان الأداء شرط في الضمان أوجبنا الزكاة في هذا الدين، وألزمناه أن يخرج الزكاة من المائة التي / (109 - ب) في يده بقسطها، وكذلك من كل درهم يستوفيه، كما ذكرنا في أول المسألة. مسألة (63): قال الشافعي -رحمه الله في رواية الربيع-: لو باع رجل ثمرة لم

يبد الصلاح فيها بغير شرط القطع، فالبيع باطل، فإن بدا فيها الصلاح في يد ذلك المشتري، فالزكاة على البائع، لأن ملكه لم يزل عن شيء منها؛ ولهذا لو استهلكها المشتري، فعلى البائع أن يخرج مثل عشرها تمرًا. وهذا جواب منه على القول الذي يقول: إن الحرص تضمين، لا على قول العبرة، ثم قال: ولو أفلس البائع، ولم يكن له مال أخذ المشتري بقيمة ما أتلف من تلك الثمرة. وإنما فصل في المضمون بين الحالتين، لأن البائع. يضمن حق المساكين في الثمرة المستهلكة بعد] الخرص، أو بعد إمكان الخرص (على مذهب من ألحق زمان إمكان الخرص) بوجود الخرص [، في تضمين

الثمرة، فلما ضمن للمساكين حقهم الواجب، وحقهم الثمر الذي ورد مقدرًا، وإنما يعدل إلى القيمة عند الضرورة في المسائل المخصوصة. وأما المشتري فإنما يضمن للبائع ضمان الاستهلاك، وقد استهلك ثمرة ما صارت تمرًا، ولا مثل لها، وهذا اللفظ من الشافعي -رحمه الله- نص على أن مثل هذه الثمرة لا تعد من ذوات الأمثال، ثم إن الشافعي -رحمه الله- قال -بعد ما ذكر مسألة التفليس-: ويغرم للمساكين قيمة العشر. وتفسير ذلك مثل إن كان قيمة الثمرة التي أتلفها مائة درهم، وقيمة عشرها عشرة دراهم، وكان قيمة التمر الواجب في الزكاة عشرون درهما فيؤخذ منه عشرة دراهم، وهو قيمة عشر ما أتلف، وهو حق المساكين من عين المتلف،

فيشتري بها تمرًا، ويتصدق به، فيبقى عشرة لتمام الزكاة فيضارب الإمام سائر الغرماء بالباقي في التسعين الباقية فإن بقي من الزكاة بقية، وضاق المال عنها، فهي في ذمة البائع يتبع بها إذا أيسر. فإن قال قائل: وما الفرق بين دين المساكين، ودين سائر الغرماء؟ ولم أوجب الشافعي -رحمه الله- تقديم حق المساكين؟ قلنا: يقال الفرق بينهما: إن حق المساكين متعلق بعين الثمرة سواء قلنا: إن الزكاة تجب في العين، أو في الذمة، وحق سائر الغرماء في محض الذمة، فإذا قدمنا المساكين بعشر العين صاروا في باقي حقهم، كسائر الغرماء، ويجوز أن يقدم غريم ببعض العين، ثم يضارب سائر الغرماء في باقي الدين. ألا ترى أن رجلًا لو كان عليه ديون لغرماء، فغصب هذا المديون عبدًا لغريم من هؤلاء الغرماء، فجاء غاصب ثان، فغصب من الغاصب ذلك العبد المغصوب، فغرم الغاصب الأول للغاصب الثاني قيمة ذلك

مسألة (64)

العبد واجتمع عليه الغرماء كان الغريم الذي هو / (109 - ب) مالك العبد المغصوب مقدمًا بتلك القيمة؛ لأنها قيمة ملكه، ثم يضارب سائر الغرماء، في سائر أمواله، فلهذا صار المساكين مقدمين بعين ملكهم عند وجوده، وبقدر قيمته عند عدمه، ثم يضاربون سائر الغرماء في سائر ماله. مسألة (64): إذا باع رجل ثمرة شجرة قبل بدو الزهو بشرط القطع، فعلى المبتاع القطع وفاء بالشرط، فإن لم يتفق القطع حتى بدا الزهو فقد تعلق بها حق المساكين، والمنصوص للشافعي -رحمه الله- أن البيع لا ينفسخ، ولكن إن رضي البائع والمشتري بترك الثمرة على الشجرة] فلذلك لهما والزكاة واجبة على المشتري، وإن قال البائع: لا

أرضى بترك الثمرة على الشجرة [فله أن يفسخ العقد مخافة الضرر ينال الشجرة. فإن ترك العقد على حاله فالزكاة على المشتري وإن فسخ البائع العقد فالقياس أن تكون الزكاة على المشتري. وقد قال بعض أصحابنا: إن الزكاة على البائع. فإن قال قائل: الملك في المسألتين للمشتري عند الزهو وهو الزمان المعتبر في وجوب زكاة الثمار. فما الفرق بين المسألتين؟ قلنا: الفرق بينهما: أن البائع في المسألة الأولى لما رضي ببقاء الملك للمشتري ابتداء وانتهاء بقي الاستقرار، وكانت الزكاة مستقرة عليها. وأما إذا اختار البائع فسخ البيع فقد بان لنا أن الملك ما كان مستقرا للمشتري، وشرط الزكاة كمال الملك، فصار الملك في التقدير كأنه لم يزل مضافا إلى البائع.

ولو كانت المسألة بحالها غير أن البائع قال: رضيت ببقاء الثمرة على النخيل وتركت حقي في الشرط وإن أضر بقاؤها بالنخيل، وقال المشتري: أنا لا أرضى بتبقيتها. فأصح القولين: أن البيع لا ينفسخ، وتترك الثمرة على الشجرة، وتجب زكاتها على لمشتري. فإن قال قائل: إذا رضي المشتري بالتبقية وامتنع البائع فسختم العقد، وإذا امتنع المشتري ورضي البائع بالتبقية لم تفسخوه فما الفرق؟ قلنا: الفرق بينهما: أن البائع هو الذي اشترط القطع على المشتري مخافة أن تمتص الثمار ماء الأشجار، وفي ذلك ضرر عليها في المستقبل، فإذا رضي البائع بترك حقه والتزم الضرر في شجرة لم يكن للمشتري أن يفسخ العقد والنظر كله له، والاعتبار بالغرض الخفي المستبعد في الحصرم والبلح. وأما إذا رضي المشتري ولم يرض البائع، فلا بد من فسخ البيع للوفاء بشرطه الصحيح الذي شرطه، ولولا اشتراطه ذلك في أصل العقد لبطل العقد.

مسألة (65)

مسائل زكاة المعدن مسألة (65): بيع تراب المعدن وفيه فضة، أو ذهب باطل، ولا فرق بين مقابلته بما فيه الربا، أو بما لا ربا فيه. والمعاملة على لدراهم المغشوشة بما لا ربا فيه صحيحة عند عامة مشايخنا. فإن قال قائل: في الدراهم المغشوشة مقصود، وغير مقصود، والمقصود مجهول مثل تراب المعدن، فما الفرق بينهما؟

قلنا: الفرق بينهما: أن الدراهم إذا ضربت على سكة معلومة /صارت على صفتها مقصودة في المعاملة. ألا ترى أنها هي المقصودة في الأسواق، وفي تقويم المستهلكات وإليها تنصرف العقود المطلقة. وأما في تراب المعدن، فهو المقصود، وهو مجهول المقدار، فابتياعه نوع سحت، ومخاطرة، كالمقامرة. وقد قال بعض أصحابنا: بإبطال المعاملة على أعيان الدراهم المغشوشة، وفي ذلك قطع المعاملة، لأن من لم يجوز المعاملة على أعيانها احتال، فعامل على الذمة، وهذه حيلة لا تنفع، لأن

مسألة (66)

النقد إذا كان في البلد بالدراهم المغشوشة، وكان واحدا، ولم يكن في البلد نقود شتى انصرف العقد المطلق إلى نقد البلد، فصارت معاملة متعلقة بتلك الدراهم المغشوشة. مسألة (66): حافز المعدن إذا أعرض عنه، فمضت أيام، ثم أقبل على العمل لم يضم النيل المستفاد بعد الإقبال على العمل] إلى النيل المستفاد قبل الإعراض. ولو صار المعدن حاقدا، فتخللت [أيام من غير نيل، ثم عاد النيل، ضم ما عاد إلى ما قد استفاد من قبل.

والفرق بين الحالتين: أن انقطاع النيل إذا كان بحقد المعدن والحافز مقبل على العمل كان سبب الكسب متصلا، فصار كاتصال التجارة، واتصال السوم، وربما يربح التاجر، وربما يخسر. وأما إذا أعرض، فقد انقضى فعله السابق بالإعراض، ولم تكن الفائدة الحاصلة في يده نصابا حينئذ، فإذا عاد إلى العمل، فكأنه رجل ابتدأ الحفر، فوجب أن يعتبر ما يستفيد بعد الابتداء على الانفراد منقطعا عما سبق؛ ولهذا قال الشافعي -رضي الله عنه- في مقاعد الأسواق: إذا اعتاد رجل بقعة منها ثم أعرض عنها، واعتادها غيره، ثم بدا للأول معاودتها كان الثاني بها أولى.

مسألة (67)

ولو كان تعطيل الأول بغير إعراض، ولكن بعارض مرض فبرأ كان أولى بمعاودة تلك البقعة، كما قال الشافعي -رحمه الله- أيضًا في حافر المعدن إذا ترك العمل، فإن تركه؛ لتعذر أداة، أو هرب عبد له ضم النيل الثاني إلى النيل الأول، بخلاف ما لو تركه إعراضًا. مسألة (67): العبد المأذون له في التجارة إذا وجد ركازًا في المنزل الذي أسكنه السيد إياه، فالسيد أولى بأن يقبل قوله إذا اختلفا. ولو وجد المكتري ركازًا في الدار المكتراة، فاختلف المالك والمكتري، فالقول قول المكتري. والفرق بينهما: أن المكتري مالك منافع الدار واليد فيها يده ما دامت مدة الكراء

باقية. وأما العبد المأذون له في التجارة إذا أسكنه السيد دارًا، وليست مما اكتسبها بالتجارة، فاليد على تلك الدار للسيد، وإن كانت الدار مما اكتسبها العبد المأذون وجب أن يكون الحكم بخلافه / (110 - ب).

مسألة (68)

مسائل صدقة الفطر مسألة (68): صدقة الفطر عند الشافعي - رحمه الله - معلقة بالنفقة وهي عمادها وعلتها، فإذا ملك الرجل نصف عبد، وملك غيره نصفه الثاني وجب على كل واحد منهما نصف صاع. وإن كان نصفه حرًا ووافق ليلة الفطر في المهاياة نوبة العبد فجميع نفقته في ذلك اليوم عليه، وعليه نصف صدقته وعلى مالك نصفه النصف

الآخر. فهذا جميع نفقته على المملوك، والصدقة على المالك. والفرق بين المسألتين: أن العبد إذا كان نصفه لزيد، ونصفه لعمرو فوجوب نفقة النصف على كل واحد منهما بحق الملك، والنفقة إذا وجبت بحق الملك في المماليك استتبعت صدقة الفطر. وأما في المسألة الثانية: فنفقة ذلك النصف المملوك إنما وجبت على العبد في يوم العيد على سبيل المعاوضة. ومعنى المعاوضة: أن المهايأة لما جرت بينهما يومًا بيوم التزم السيد يوم السبت جميع نفقة العبد والتزم العبد يوم

مسألة (69)

الأحد جميع نفقة نفسه. والأصل أن نفقة الرقيق على السيد، ونفقة الحر على الحر، فما التزم العبد يوم الأحد من نفقة نصفه المملوك فهو في المعاوضة على مقابلة ما التزم السيد من نفقة نصفه الحر يوم السبت، فعادت هذه المسألة إلى قياس الأصل وهو أن الصدقة تابعة للنفقة. مسألة (69): إذا أوجبنا زكاة المال المغصوب، والضال، فصدقة الفطر عن العبد المغصوب والآبق أولى بالوجوب، وإذا أسقطنا زكاة المال المغصوب والضال، ففي صدقة الفطر قولان. والفرق بينهما: أن زكاة المال المغصوب تعتمد النماء، والنماء إنما يحصل بالتصرف، والتصرف إنما يحصل بالتمكين، ويتعذر التمكن مع الحيلولة.

مسألة (70)

وأما صدقة الفطر فإنها تعتمد تمام الملك على الرقبة والغصب والإباق غير مؤثرين في الملك بزوال ولا بتوهين؛ فلهذا فصلنا بينهما. مسألة (70): الابن إذا ملك قوت يوم العيد وهو فقير غير كسوب فإن أكله، فليس على الأب صدقة فطره. وإن تصدق به عن فطرته، فعلى الأب نفقة يومه. والفرق بينهما: أنه إذا أكله سد به رمقه في ذلك اليوم، فسقطت نفقته عن أبيه، وإذا سقطت عنه نفقته سقطت عنه فطرته؛ لأنها تتبع النفقة.

وأما إذا تصدق بتلك الحنطة عن فطرته، فقد بقي في ذلك اليوم فقيرًا محتاجًا إلى ما يسد به جوعته، فوجبت نفقته على أبيه الغني. فإن قال قائل: قد فصلتم ها هنا بين النفقة، والصدقة. قلنا: ما فصلنا بينهما، ولكن نعتبر وقت الوجوب وهو وقت غروب الشمس ليلة العيد في أصح القولين، فمن كانت نفقته في هذا الوقت واجبة / (111/ أ) على شخص كانت فطرته واجبة على ذلك الشخص، وهذا الابن كان غنيًا بمقدار نفقته، فما حكمنا بوجوب فطرته على غيره، فلما صرف فطرته إلى المستحقين لم يجز تجويعه، فمنزلته منزلة غني بأموال كثيرة، أصبح يوم العيد، فأخرج فطرة نفسه، فانتهبت سائر أمواله، فبقي محتاجًا إلى النفقة

مسألة (71)

أوجبنا نفقته على الحميم الغني، ولم نوجب صدقته؛ لأن فطرته قد صارت مؤداة، فلا يتجدد وجوبها بعد أدائها إلى مستحقها. مسألة (71): إذا فضل عن قوته بعض صاع، فقد قال بعض أصحابنا: [لا يجب عليه أن يتصدق به، والصحيح] أنه يلزمه أن يتصدق به، فيصير متبعضًا، ولا يتصور أن تتبعض الكفارة في اليمين.

والفرق بينهما: أن الصاع قد يتبعض عند تبعض الملك، [والملك قد يتبعض] ألا ترى أن العبد إذا كان مشتركًا بين شريكين، أو بين جماعة يجب على كل واحد منهم أن يخرج من الصاع بمقدار ما يملك من الرقبة ولا يتصور مثل ذلك في الكفارة، فإن تصورت كفارة مشابهة لصدقة الفطر في التبعيض ألحقناها بصدقة الفطر، وذلك مثل: جزاء الصيد يتصور وجوب بعضه بنتف الصيد، أو جرحه، فإذا وجب عليه جزاء صيد جاز أن يجعل بعضه من النعم، وبعضه من الطعام، ثم إذا جاز إخراج بعض الصاع في أصح الوجهين، فإذا ففضل صاعان عن القوت فأخرج صاعًا عن نفسه وهو

الواجب وكان أبوه في مؤونته، وابنه، وله زوجة. فمن أصحابنا من قال: يخرج ذلك الصاع عن ثلاثتهم. ومن أصحابنا من قال: بجب إخراجه عن واحد منهم؛ [لأنه قادر على أن لا يتبعض الصاع، ثم إذا ألزمناه إخراجه عن واحد منهم]، فقال بعض أصحابنا: ذلك الواحد في نفسه إلى اختياره؛ لأن نفقة جميعهم واجبة عليها. ومن أصحابنا من أوجب عليه مراعاة الترتيب. ومنهم من قدم الابن على الأب واحتج بأن نفقة الابن ربما تصير دينا باستدانة الأم عند الغيبة على الطفل، ويتعذر مثل ذلك التصوير في نفقة الأب. ومنهم من قال: الأب أولى بالتقديم للتعظيم والتوقير. وأما الزوجة فمقدمة على الأب والابن؛ لأن نفقتها لزمت بمعنى المعاوضة، وما وجبت

مسألة (72)

بالمعاوضة آكد. مسألة (72): إذا زوج الرجل أمته رجلًا حرًا فأعسر الزوج بنفقتها وجب على سيدها إخراج صدقة الفطر عنها وأما الحرة إذا أعسر زوجها، فلا يجب عليها أن تخرج الصدقة عن نفسها، والمستحب لها الإخراج.

والفرق بين المسألتين: أن الحرة تكون بعقد النكاح مسلمة إلى زوجها يسكنها حيث شاء، وسلطانه عليها كامل، فصدقتها واجبة عليه، فإذا أعسر لم يجز أن تعود الصدقة، فتجب عليها، بخلاف الأمة/ (111/ب) إذا زوجها السيد فسلطان السيد لا ينقطع عنها من جميع الوجوه. ألا أترى أن له عليها حق الاستخدام، كما كان من قبل، وإنما حرم عليم الاستمتاع، فأن كان الزوج معسرًا وتعذر إيجاب الصدقة عليه بسبب الإعسار لم يتعذر إيجاب الصدقة على السيد؛ لما استبقينا عليها .. من سلطان الملك. فإن قال قائل: فهلا أوجبتم على سيدها نفقتها في هذه الحالة. قلنا: إما لما وجدت سبيلًا إلى عود نفقتها بأن تفسخ النكاح للإعسار بالنفقة، فلم تفسخ لم تعد النفقة حتى تفسخ، وإنما فصلنا بين أن تفسخ وبين أن لا تفسخ لمعنيين:

مسألة (73)

أحدهما: أنها إذا فسخت عاد البضع وحق الاستمتاع إلى السيد، وإذا لم تفسخ لم يعد البضع إلى السيد. والثاني: أنها إذا لم تفسخ، فلنفقتها سبيل في الوجوب سوى ملك اليمين، وهو سبيل النكاح، وإذا فسخت انقضت تلك الجهة، وانسد ذلك السبيل، وعادت النفقة إلى جهة ملك اليمين. مسألة (73): إذا طلق الرجل امرأته، فأبانها بخلع، أو باستكمال عدد الطلاق وكانت حبلى وجبت النفقة، ولم تجب الصدقة للفطر، بخلاف ما لو كانت رجعية فيجب عليه نفقتها، وصدقة الفطر عنها رد والفرق بينها: أنها إذا كانت رجعية فنفقتها على مقابلة سلطانه عليها،

وله سلطان الرجعة إن شاء ينفرد بها رضيت أو سخطت، فصارت في صورة الزوجة. وأما البائنة فليس للزوج عليها سلطان ونفقتها ليست بواجبة لها، وإنما تجب تلك النفقة بسبب الحمل، ولهذا لو كانت حائلًا لكانت نفقتها غير واجبة. فإن قال قائل: فهلا أوجبتم صدقة الفطر عن الحمل، كما أوجبتم النفقة للحمل. قلنا: لأنا نشترط في الشخص الذي نوجب عليه صدقة الفطر أوصافًا يصير بها من أهل الطهرة، والحمل في البطن ليس هو من أهل الطهرة؛ ولهذا لم يثبت له شيء من أحكام الدنيا ثبوت كمال واستقرار قبل الانفصال، ثم إذا وجدنا في الشخص أوصاف الطهرة عللنا للتحمل بالنفقة،

فقلنا طريق التحمل طريق النفقة، والشرط أن يكون الشخص من أهل الطهرة والتحمل من أهل القدرة ونفقة المتحمل عنه واجبة على المتحمل، فصدقت الفطر حينئذٍ على المتحمل، ولهذا قلنا: إذا كان العبد كافرًا والسيد مسلمًا لم يجب عليه أن يخرج عنه صدقة الفطر؛ لأن السيد وإن كان من أهل التحمل وكانت النفقة واجبة، فالعبد ليس من أهل الطهرة؛ ولهذا قلنا: إذا كان العبد مسلمًا والسيد كافرًا لم يجب على السيد أن يؤدي صدقت الفطر عن ذلك العبد في المشهور من المذهب؛ لأن العبد وإن كان من أهل/ (112/أ) الطهرة، فالسيد ليس من أهل الطهرة. [ألا ترى أنه في نفسه ليس من أهل الطهرة].

مسألة (74)

مسألة (74): إذا عجز الزوج بالإعسار عن صدقة فطر زوجته وهي موسرة، فالواجب عليها أداؤها عن نفسها في أحد القولين، وتأمرها بالآباء احتياطًا واستحبابًا، وورعًا على القول الثاني. وأما القاتل خطأ إذا أعسرت عاقلته بالدية فلا يجب عليه أداء الدية وإن كان موسرًا، سواء قلنا: يلاقيه وجوب الدية، أو قلنا: يلاقي ابتداء الوجوب العاقلة. الفرق بينهما: أن الصدقة إذا وجبت عليها وجبت على جهة العبادة لله تعالى طعمة للمساكين، وطهرة لها من اللغو والرفث، كما قال - صلى الله عليه وسلم -. وقد يتصور بنشوزها، وعدم النكاح بينها وبين الزوج وجوب صدقتها

على نفسها، وكذلك نفقتها، فإذا تعذر إضافتها إلى الزوج، وإحالتها عليه، فليس يستحيل وجوبها عليها. وأما الدية فإما بأصل الشرع تقع مضمونة عن القاتل محمولة عنه، [إما بأن تكون مضروبة على العاقلة الخاصة]، وإما بأن تكون مضروبة على العاقلة العامة. ألا ترى أنه لا يتصور مطالبة القاتل بالدية إذا كان القتل خطأ ثابتًا بالبينة، وهذا المعنى، وهو أن العاقلة العامة موجودة أبدًا وهم المسلمون، وإنما يتعذر الاستيفاء منهم في بعض الحالات، وذلك عند عدم المال في بيت المال. فمنزلتهم منزلة زوج موسر ممتنع عن أداء الصدقة التي وجبت عليه بسبب النكاح، فلا يجب على الزوجة أداؤها عن نفسها مع يسار الزوج، وامتناعه، وتعذر الاستيفاء من جهته والله أعلم.

كتاب الصيام

كتاب الصيام مسألة (75): قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل)) فلو حصل التبييت من حائض، ثم انقطع حيضها قبل طلوع الفجر نظر فإن كانت تعلم أن حيضها سينقطع

قبل طلوع الفجر بما علمت من عادة سابقة لها صح لها صوم ذلك اليوم، وإن لم تعلم لاختلاف عادتها لم يصح الصوم إلا أن تجدد نية بعد انقطاع الحيض. والفرق بين المسألتين: أنها إذا كانت غير عالمة بزمان الانقطاع فنيتها ممرضة معلقة؛ لأنها نوت وهي حين نوت لا تدري أن ذلك اليوم، يوم صوم لها، أو ليس بيوم صوم، [فليس لنيتها أصل تستند إليه وتعتمده].

مسألة (76)

وأما إذا كانت عادتها معلومة [بانقطاع حيضها قبل الفجر]، فلنيتها أصل يستند إليه وهي عالمة في الظاهر بأن حيضها سينقطع، فتصح النية ويصح الصوم. مسألة (76): إذا نوى الرجل ليلة الشك أن يصوم غدًا على أنه إن كان من رمضان كان/ (112/ب) صائمًا من رمضان، وإن كان من شعبان كان صائمًا نفلًا، فاستبان، أنه من رمضان لم يكن صائمًا وعليه قضاء ذلك اليوم، ولو صام يوم الثلاثين من رمضان بمثل هذه النية أجزأه الصوم. الفرق بينهما: بمثل ما تقدم في المسألة المسابقة وهو: أن ليلة الثلاثين

مسألة (77)

من رمضان إذا نوى استندت نيته إلى أصل متيقن وهو: أنه في رمضان، وإنما الشك في خروج الشهر، فوجب البناء عل اليقين، وأما الليلة الأولى فنيته فيها لم تصادف أصلًا يستند إليه، لأن الأصل أنهم في شعبان وأن الصوم لم يجب. واليقين لا يترك بالشك. مسألة (77): لو جزم الرجل بالنية وقطعها ليلة الشك على أن يصوم غدًا من رمضان، فإن كان هذا الرجل عالمًا بالحساب فاعتمده أو سمع قول ثقة يخبر عن الهلال، فوثق به أجزأه صوم ذلك اليوم وإذا حضر الشهود من الغد وشهدوا أنه من رمضان

وكانت نيته لا تستند إلى مثل ما قلناه لم يصح صومه لأن قطع النية. والفرق ببن الحالتين: أنه إذا اعتمد على الحساب فقد اعتمد إمارة، وإذا اعتمد قول أمين، فكذلك. وأما إذا لم يعتمد أصلًا، فتقدير نيته المجزومة تقدير النية المعلقة، والفرض لا يجزئ بمثل تلك النية. واعلم أنا لا نعتمد مجرد الحساب في إيجاب الصوم، وإنما نعتمد الرؤية، أو الاستكمال، كما أمر صاحب الشرع - صلى الله عليه وسلم -.

ولكن إذا شهد الشهود يوم الشك على أنهم رأوا الهلال ليلة ذلك اليوم انتفع بالحساب من علمه وأسندت النية إليه ليلًا. وأما إذا لم شهد الشهود، وقال المنجمون: إن الحساب يدل على أن غدًا من رمضان، فلا نأخذ بقولهم، ولا نعد الغد من رمضان، ولكن تستكمل العدة ثلاثة يومًا من شعبان. [فإن قال قائل: فما معنى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإن غم عليكم، فاقدروا له)) قلنا: معناه فاحسبوا ثلاثين يومًا] من شعبان.

مسألة (78)

والدليل على ذلك ما روى مسلم بن الحجاج القشيري - في الكتاب الصحيح - بإسناده من هذا الخبر: ((فإن غم عليكم)) فاقدروا له ثلاثين يومًا. مسألة (78): إذا طلع الفجر والرجل مخالط أهله فلم يشتغل إلا بنزع الفرج صح صوم ذلك اليوم قال: أبو العباس بن سريج، وأبو

سعيد الاصطخري وأبو إسحاق المروزي - رحمة الله عليهم -: إن الشافعي - رضي الله عنه - صور هذه المسألة فيمن كان عل سطح يراقب الفجر. أما إذا كان في بيت يأكل، فأخبر بطلوع الفجر فترك الأكل، أو كان مجامعًا فنزع عن الجماع، فصومه باطل لمضي زمان عليه من النهار وهو: ما بين طلوع الفجر إلى سماعه/ (113 /أ). ولو أن رجلًا كان مخالطًا لامرأته فأنشأ الإحرام [بالحج، ونزع الفرج من الفرج فحجه فاسد على الصحيح من المذهب.

مسألة (79)

والفرق بين الحج والصوم: أن إنشاء الإحرام] كان إليه وكان في وسعه أن لا ينشئه وهو مجامع فإذا فعل فقد وضع الإحرام في غير موضعه قاصدًا مختارًا فحكمنا بفساده. وأما طلوع الفجر فليس إليه، ولكنه مغيب عنه، والجماع مباح في الليل، فإذا أقدم عليه في زمان إباحته ولم يستدمه مع زمان الحظر لم يجعل ترك الفعل، كالفعل. وقد نص الشافعي - رحمه الله - على تأثيم من دخل أرضًا غاصبًا ثم قال: فإذا قصد الخروج منها لم يكم غاصبًا بخروجه، لأنه تارك للغصب. مسألة (79): الصائم إذا جامع ناسيًا [لم يفسد صومه. والمحرم إذا جامع ناسيًا] فسد حجه على أحد القولين.

ومن أصحابنا من ألحق الصوم بالحج تخريجًا، وذلك خلاف النص الذي حكاه المزني عن الشافعي في كتاب الصيام. والفرق بين العبادتين: أن الحج في محظوراته مشتمل على قسمين. أحدهما: الاستمتاع، والثاني: الاستهلاك. فالاستمتاع، كاللبس، والطيب. والاستهلاك، كتقليم الأظافر والحلق، وقتل الصيد وسوى الشافعي - رضي الله عنه - في مشهور نصه بين الناسي والعامد في الاستهلاكات، بخلاف الاستمتاعات، وألحق الجماع في أحد القولين

مسألة (80)

بالاستهلاكات، فسوى فيه بين الناسي والعامد إلا في المأثم. فأما الصوم، فلا تنقسم محظوراته: استمتاعاً واستهلاكًا حتى يشتغل بالفرق بين القسمين، فاعتبرنا، محظورات الصوم اعتبارًا واحدًا -[ولم يختلف المذهب في الأكل ناسيًا بأنه لا يفسد، فألحقنا به الجماع، كما] قال الشافعي - رحمه الله - في المجامع إن كان ناسيًا، فلا قضاء عليه، للخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أكل الناسي. مسألة (80): إذا نوى الصوم ليلًا، فأغمي عليه قبل طلوع الفجر، وامتد

مسألة (81)

الإغماء إلى غروب الشمس لم يصح صوم ذلك اليوم ولو كان مكان هذا الإغماء نومًا مستغرقًا جميع نهاره أجزأه صومه. والفرق بينهما: أن النوم لا يؤثر في الخطاب تأثر الإغماء فيه. ألا ترى أن المغمى عليه إذا أفاق عن إغماء استغرق وقت الصلاة لم يلزمه عن قضاؤها، ولو كان مكان هذا الإغماء نومًا لزمه القضاء. فألحقنا الإغماء بالجنون، ولم نلحق النوم به. مسألة (81): إذا أصبح يوم الشك فأكل، أو شرب، ثم جاءت البينة فشهدت على الهلال لزمه الإمساك في بقية نهاره.

مسألة (82)

وإذا رجع المسافر إلى وطنه وقد أفطر قبل/ (113/ب) دخوله البلد لم يلزمه الإمساك في بقية نهاره. والفرق بينهما: أن المسافر إذا أفطر وهو على بصيرة من صفة فطره وإباحته إذ لا خلاف أن المسافر إذا قارب البلد وتيقن أنه سيدخله قبل غروب الشمس حل له الفطر قبل الدخول؛ فلهذا لم يلزمه الإمساك في بقية نهاره. وأما من أفطر يوم الشك ففطره على غير بصيرة، لأنه كان لا يعلم أن ذلك اليوم من رمضان، أو من شعبان، فإذا بان له لزمه الإمساك. مسألة (82): المسافر في رمضان إذا أصبح صائمًا فجامع على قصد الفطر لم يلتزم شيئًا، وإن لم يقصد بالجماع الفطر التزم كفارة

الجماع. والفرق بين الحالتين: أنه إذا قصد بالجماع الفطر فقد قصد رخصة مباحة وله الترخص [بهذا الفعل، كما له الترخص] بالأكل. وأما إذا لم يقصد الرخصة فقد صادف جماعه صوم رمضان في شهر رمضان فتمخض هتكًا من غير شبهة، ومثل هذا الجماع جميع الكفارة. فإن قال قائل: السفر المبيح للفطر شبهة ظاهرة في إسقاط ما يسقط بالشبهة. قلنا: إن المسافر إذا صام انصرف صومه إلى الفرض بالنية كصوم المقيم وإن كان له رخصة الفطر، وإذا لم يقصد الجماع الرخصة ورد الجماع على صوم رمضان في شهر رمضان. ألا ترى أن هذا الجماع بعينه لو حصل من السافر ناسيًا لم يفسد به

صومه، وكان كما لو حصل من المقيم ناسيًا فكذلك إذا كانا عامدين.

كتاب الاعتكاف

كتاب الاعتكاف مسألة (83): قال الشافعي - رضي الله عنه - المعتكف إذا ارتد، ثم أسلم بنى على اعتكافه، وإن سكر، ثم أفاق استأنف الاعتكاف. فمن أصحابنا من فصل بينهما بطول زمان السكر وقصر زمان الارتداد إذا أسمح العود، حتى أنه إذا أصر على الردة مقدار زمان السكر استوت المسألتان. وعن أصحابنا من اعتذر بأن السكران يخرج من المسجد لإقامة الحد عليه، والمرتد إذا رجع لا حد عليه. وكان أبو بكر القفال - رضي الله عنه - يقول: صورة المسألة: أن

مسألة (84)

الارتداد في اعتكاف لم يجب فيه التتابع. وفائدة قول الشافعي - رضي الله عنه -: بني على الاعتكاف: أن الردة لا تحبط ما فعل من اعتكافه. وصورة مسألة السكر: في الاعتكاف التتابع، [فلو كانت مسألة الردة في الاعتكاف المتتابع] لبطل الاعتكاف بالارتداد: لأن الخروج من أصل الدين أبلغ من الخروج من المسجد، ولو فارق المسجد بخطوة والاعتكاف متتابع أبطلنا عليه الاعتكاف. فكيف لا نبطله بالارتداد؟ مسألة (84): إذا نذر الرجل اعتكاف عشرة أيام/ (114 /أ)، فدخل عليه آخر رمضان، فأراد إيقاع النذر في العشر الأواخر، فدخل المسجد قبل غروب الشمس من ليلة الحادي والعشرين، فلاقاه أول

ليلة الحادي والعشرين وهو في المسجد غير أن الشهر خرج لتسعة وعشرين لزمه مصابرة المسجد يوم العيد فإن خرج بطل اعتكافه. ومثله لو نذر فقال: لله علي اعتكاف العشر الأواخر من هذا الشهر، فدخل قبيل ليلة الحادي والعشرين، فخرج الشهر تسعة وعشرين يومًا تم رص الوفاء بالنذر. والفرق بينهما: أن النذر إذا كان في الذمة فلا بد من عشرة أيام متتابعة، كما نذر، ولا يخرج عنها بتسعة أيام.

مسألة (85)

وأما المسألة الثانية فنذره فيها متعلق بآخر الشهر وعبارة العشر في العرف والعادة هي عبارة عن بقية الشهر إن خرج ثلاثين فعشرًا وإلا فتسعًا؛ فلهذا فصلنا بينهما. مسألة (85): إذا خرج المعتكف؛ لأداء الشهادة انقطع التتابع، فإذا عاد استأنف، ويلزمه إذا دعي للشهادة. وإذا خرج لعذر المرض فعاد بني ولم يستأنف. والفرق بينهما: أن تحمل الشهادة باختياره، والمرض ليس باختياره وليس ببعيد، أن يحضره الحاكم فيصغي إلى شهادته، وما كان يعجز عن الاستثناء بعد علمه بتحمل الشهادة. والله أعلم.

كتاب الحج

كتاب الحج مسألة (86): استطاعة المباشرة واستطاعة الاستتابة سواء إلا في مسألتين: إحداهما: أن الرجل إذا لم يقدر على الحج بزاملة ولم يجد كراء محمل لم يلزمه الحج، والمعضوب إذا وجد كراء زاملة لزمه الاستتابة. والمسألة الأخرى: الرجل إذا وجد نفقة الذهاب، ولم يجد نفقة الرجوع إلى أهله لم يلزمه الحج، والمعضوب إذا وجد نفقة أجير لذهابه لزمه الاستتابة وإن لم يجد نفقة إيابه.

مسألة (87)

والفرق بينهما: أن المعضوب في المسألتين لا يكاد يعدم أجيراً قوياً على الحج بزاملة، راضياً بنفقة الذهاب، غير طالب لنفقة الإياب. ولو كلفناه مباشرة الحج بزاملة عظمت المشقة عليه، ومشقة عدم نفقة الإياب أعظم، لأنه يبقى في بلاد الغربة. مسألة (87): إذا عرض الابن ماله على أبيه المعضوب ليستنيب به من يحج عنه كان الأب مخيراً، إن شاء قبل، وإن شاء رد. وإذا عرض الابن عليه نفسه ليحج عنه وينفق من مال نفسه وجب عليه الحج. والفرق بينهما: أن الابن لا يكاد يسمح بماله لأبيه إلا بمنة عظيمة، والمنة في حج عنه بنفسه وماله في يده دون هذه المنة، ولهذه النكتة فصلنا بين هبة الماء في السفر، وبين هبة ثمن الماء.

مسألة (88)

مسألة (88): إذا أخر الرجل الصلاة عن أول/ (114/ب) الوقت فأخترمته المنية قبل آخر الوقت لقي الله تعالى وهو غير عاص. وإذا أخر الحج عن عام الاستطاعة، فمات قبل الفعل في عام آخر لقي الله عاصياً. والتأخير مباح له في المسألتين. الفرق بينهما: في حكم المعصية: أن وقت الصلاة إذا دخل فأخر ذلك الوقت معلوم، والزمان محصور، فإذا أخر على بصيرة من الزمان الذي يجوز له التأخير إليه لم يأثم، وإن كان لا يعلم آخر العمر. وأما إذا أخر الحج عن السنة الأولى، فليس يعرف وقتاً محصوراً، فيمد التأخير إلى ذلك الوقت. ونظير هذا من الحالتين ما نقول في الحد والتعزير، وذلك أن الإمام إذا قطع بعض يد السارق، فمات قبل استكمال القطع، فلا

ضمان عليه؛ لأن المنتهى المقصود في القطع كان معلوماً محدوداً مقدراً، والإقدام على القطع مباح له ول استكماله، ولو استكمله، فمات المقطوع، فلا شيء عليه. وأما التعزير، فهو بخلاف الحد؛ لأنه مجتهد فيه وليس فيه من الحصر والتقدير والتحديد ما في الحدود، فإذا صار سبب التلف صار سبب الضمان. وهذه الطريقة أصح من طريقة من اشتغل بالتخريج من الصلاة في الحج ومن الحج في الصلاة. ثم أعلم بأنا إذا حكما بعصيانه في الحج قلنا: إنه عاص من أول سنة

الاستطاعة إلى آخر العمر. وقال بعض أصحابنا: إنما يعصيه في السنة الأخيرة من العمر ويفصل بينها، وبين ما قبلها من السنين بأنه لو حج في هذه السنة الأخيرة لم نحكم عليه بالتأثيم في شيء من الزمان الماضي، فصارت هذه السنة - الأخيرة - متعينة للتعصية والتأثيم. ومن قال بالتسوية قال: ما من سنة من السنين الماضية إلا وهي موصوفة بمثل هذه الصفة، وهو أنه لو حج فيها لسقطت عنه الفريضة.

مسألة (89)

مسألة (89): إذا أحرم الرجل بالحج في رمضان انعقد إحرامه عمرة، وإن قصد حجاً، فيتحلل بأعمال العمرة وتجزئه عن عمرة الإسلام. ولو أحرم بالحج في شوال ففاته الحج تحلل بأعمال العمرة، ولا تجزئه عن عمرة الإسلام. الفرق بين المسألتين: أنه إذا أحرم بالحج في رمضان لم ينعقد حجه وانعقد أول إحرامه عمرة، وإذا انعقد أوله على صفة تحلل عما انعقد، فانصرف إحرامه إلى عمرة الإسلام إذا كان صرورة في العمرة.

وأما إذا أحرم بالحج في شوال فقد انعقد إحرامه حجاً؛ لما شرع فيه بنية الحج، والزمان قابل للإحرام بالحج. ومن المحال أن يدخل في حج في زمان قابل له ويخرج عن عمرة. فإن قال قائل: فما باله يعتمر إذا فاته الحج؟ قلنا: ليس هو معتمر، ولكنه يفعل ما يفعل المعتمر؛ لأن التحلل/ (115/أ) عن الإحرام عند لقاء الكعبة يكون بالطواف والسعي. وهذا معنى قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لمن فاته الحج: اصنع ما يصنع المعتمر، ولم يقل: إنك معتمر. فإن قال قائل: أليس إذا افتتح صلاة مكتوبة، ثم صرف النية إلى نافلة

صارت نافلة. فهذا شخص دخل في مكتوبة وخرج عن نافلة، فلا يستبعد أن يدخل في حج، ويخرج عن عمرة. قلنا: المذهب مختلف في هذه المسألة، فأحد القولين: أنه إذا صرف النية إلى النافلة بطلت الصلاة، فعلى هذا لا يحتاج إلى الفرق. والقول الثاني: أن صلاته صارت نافلة. والفرق - على هذا القول - بين الحج والصلاة ظاهر وهو: أن الحج أشد [وجوباً، وأكد ثبوتاً] من الصلاة؛ [بدليل: أنه تتكرر الكفارة بتكرر المفسد له. ولو شرع فيه ظناً بأن عليه الحج، فبان أنه لا حج عليه لم يجز له أن

يخرج منه]، ولو أفسده بالجماع لم يخرج منه، [ونفله وفرضه سواء في جميع أحكامه وموجباته]، [بخلاف الصلاة فإنها أخف حالاً من الحج؛ فلهذا جاز له أن يفتتح بصلاة الفرض، ثم يصرف النية إلى النفل. (والحج ألزم من الصلاة. ألا ترى أنه لو أفسده بالجماع لم يخرج منه]، ويخرج من الصلاة بالإفساد، وكذلك يخرج من الفرض إلى النفل) لما كان أصل نيته مشتملاً على أصل الصلاة وعلى فريضتها [فإذا عدل عن الوصف] بقي على أصل الصلاة وهو النفل، [بخلاف الإحرام بالحج فإنه] لا يجد سبيلاً إلى الخروج عن أصل الإحرام، ولا عن وصفه؛ لتأكد لزومه.

فإن قال قائل: إن كان [الحج على ما ذكرتم من التأكد واللزوم وكان] هذا الطواف والسعي بعد الفوات فعلاً يفعل على حكم إحرام الحج، لا على حكم العمرة، فما باله لا يرمي الجمار، ولا يبيت بمزدلفة، ولا بمنى؟ فلما لم يفعل هذه الأفعال دل على أن طوافه وسعيه عن عمرة. قلنا: أما المبيت بمزدلفة، فلو كان وقته باقياً ما كان الحج فائتاً؛ لأن ليلة النحر إلى طلوع الفجر هو زمان الوقوف بعرفة، وأما زمان الرمي والمبيت بمنى فقد قال المزني - رحمة الله عليه -: إنه يأتي بهما وإن فاته الحج.

فيستغني عن الفرق على مذهب المزني بين الجمار والمبيت بمنى وبين الطواف والسعي. وأما على أصل الشافعي - رحمه الله - فإنا لا نأمره [برمي الجمار، ولا بالمبيت بمنى، وإنما نأمره] بالطواف والسعي. والفرق [بين الرمي والمبيت، وبين الطواف والسعي]: أن الرمي والمبيت من توابع الوقوف بعرفة، فإذا فات المتبوع - وهو الوقوف بعرفة - فات التابع، بخلاف الطواف، والسعي، فإنه من ضرورة التحلل، وليسا من توابع الوقوف؛ فلهذا افترقا.

فإن قال قائل: أليس لا يصح الطواف إلا بعد الوقوف؟ فلنا: بلى، ولكن ليس هو/ من توابعه، وإنما هو فرض مقصود بنفسه، (115/ ب) والاستتباع والتبعية غير كم الترتيب. ألا ترى أن السجود لا يحتسب إلا بعد الركوع، وليس هو من توابعه، بل ولحق الترتيب. فإن قال قائل: إن كان الرمي سقط بسقوط المتبوع، فهلا أسقطتم غسل العضد إذا كانت اليد مقطوعة من فوق المرفق. قلنا: غسل العضد ومقصود بنفسه؛ ولهذا لو بدأ به قبل غسل المرفق

مسألة (90)

والساعد جاز، وذلك لتطويل الغرة، كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -. مسألة (90): من كانت قريته قريبة بين الميقات ومكة، فأراد إنشاء الإحرام لم يجز له مجاوزة عمرانها الذي يلي مكة، فإن جاوزه ثم أحرم ولم يعاودها فعليه دم الإساءة، كمن يجاوز الميقات غير محرم قاصداً للنسك، ثم يحرم ولا يعاود. وأما المكي إذا أراد إنشاء الإحرام فجاوز عمران مكة [قاصداً لعرفة،

ثم أحرم بالحج ولم يعاود مكة] فليس عليه دم الإساءة على أصح القولين. والفرق بين الفريقين: أن الرم المحيط بمكة يتبع مكة، كالبقعة الواحدة في أحكام شتى. منها تحريم الصيد، ومنها أن جميعها محل لنحر الهدايا، وحلق الشعر في الحج والعمرة، وهذا معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر ". فما دام في الحرم فكأنه في جوف مكة، وإذا جاوز الحرم إلى الحل، ثم أحرم، ولم يعاود الحرم كانت منزلته بمنزلة من جاوز عمران قريته التي بين الميقات وبين مكة، ثم أحرم ولم يعاودها.

مسألة (91)

مسألة (91): من كانت قريته بين مكة والميقات، فأراد الإحرام، فالأفضل أن يأتي أعلا قريته وهو الجانب الأبعد عن مكة، ثم يحرم. وأما المكي إذا أراد الإحرام بالحج، والخروج إلى عرفة، فليس [الأفضل أن يأتي الجانب الأبعد من عرفة، بل] الأفضل أن يحرم من عند الكعبة في أحد القولين، وفي القول الثاني يحرم من جوف داره. الفرق بين القريتين: أنه إذا كان بمكة، فهو في أفضل البقاع وأشرفها، فإذا أراد الإحرام تقابلت له فضيلتان. إحداهما: فضيلة كثرة الخطوات بأن يحضر الجانب الأبعد عن عرفة، وهو الجانب الذي يلي

التنعيم. والفضيلة الأخرى: فضيلة مكان الإحرام، فكان الأولى أن يختار فضيلة المكان على فضيلة كثرة الخطوات. ألا ترى أن الشافعي قال فيمن أراد الطواف بالبيت: أن الدنو من البيت أفضل من التباعد وإن كانت خطوات المتباعد أكثر من خطوات من اقترب من الكعبة. وأما إذا سكن قرية أخرى، فقد تعينت له فضيلة كثرة الخطوات، وليس يقابلها فضيلة أخرى، فكلفناه إذا أراد زيادة الفضيلة حضور الجانب الأبعد. فإن قال قائل: فلم أمرتم المكي في القول الثاني بأن/ يحرم (116/ أ)

مسألة (92)

من جوف داره، فهلا أمرتموه. بالقول الثاني: بإتيان الجانب الأبعد؛ لكثرة الخطوات. قلنا: إنما أمرناه بذلك؛ لأن جوف داره أقرب إلى الكعبة من الجانب الأبعد، وراعينا مع ذلك لفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: من تمام حج الرجل، وعمرته أن يحرم بهما من دويرة أهله. مسألة (92): الإحرام بالحج جائز في جوف مكة، وفي الإحرام بالعمرة قولان: أحدهما: أنها كالحج. والثاني: أن الواجب الخروج إلى الحل لإحرام العمرة.

الفرق بينهما: فرق جمع وهو أن يقال: إن من شرط النسك أن يجتمع فيه الحل والحرم قياساً على الحج. ومن ضرورة الحج الوقوف بعرفة وعرفة من الحل ليست من الحرم، ثم يطوف ويسعى وذلك في الحرم، فلا يضره أن يكون الإحرام بالحج في جوف الحرم. وأما العمرة فأعمالها الإحرام، والطواف، والسعي وموضع الطواف والسعي جوف الحرم، فإن جوزنا الإحرام بها في الحرم لم يقع شيء منها في الحل. وبيان المذهب: أنا إذا حكمنا بجواز الإحرام بالعمرة في الحرم، فلا تفريع عليه، وإذا حكمنا بأن يشترط في الإحرام بها الحل، فقد قال الشافعي - رضي الله عنه - على هذا القول: لو أحرم بالعمرة في الحرم وطاف وسعى وحلق وجامع فسدت عمرته وعليه دم شاة للحلاق، وعليه دم بدنة للجماع، وعليه أن يخرج إلى الحل، ثم يدخل للعمرة التي أفسدها

مسألة (93)

فيطوف ويسعى ويتحلل عنها بالحلاق، ثم عليه قضاء تلك العمرة. مسألة (93): إذا كان الشخص ممن يجن، ويفيق، فخرج به قيمه إلى الحج، وأنفق عليه من ماله الذي هو قيم فيه، فقارب الميقات، فصادف إفاقته فأحرم وفعل أفعال الحج مفيقاً أجزأه الحج عن حجة الإسلام، وعلى القيم أن يغرم - من ماله - ما بين نفقة المقام ونفقة السفر. ولو كان الشخص سفيهاً مبذراً ونصب القاضي له قيماً، فخرج به حاجاً لم يكن على القيم أن يغرم شيئاً. والفرق بينهما: أن الذي يجن ويفيق لا يلزمه الحج وإنما يلزمه الحج إذا استطاع بالمال والعقل الثابت ما بين خروج القافلة من بلده إلى وقت فراغهم من الحج،

مسألة (94)

فخروج القيم به تبرع وإن رزقه الله تعالى أداء الحج مترتباً على ذلك التبرع. وما افترض عليه الحج إلا حين قارب الميقات مفيقاً؛ ولهذا لا يلزم القيم غرامة نفقة أيام مباشرة المناسك. وأما السفيه فهو كغير السفيه في وجوب الحج عليه إذا كان موسراً؛ لأن تبذيره والسفه الذي فيه لا يسقط عنه خطاب الحج، فخروج القيم به خروج في/ (116/ ب) فرض عليه؛ فلهذا لا يغرم القيم شيئاً مسألة (94): إذا خرجت القافلة، وتخلف رجل مستطيع، فأحصرت القافلة في ذلك العام، فانصرفت ومات ذلك رجل المستطيع المتخلف، وكان هذا العام أول أعوام الاستطاعة لقي الله تعالى ولا حج عليه، وليس على ورثته الحج عنه من تركته. ولو أن القافلة لم تحصر، ولكن

مسألة (95)

أحصر هذا المستطيع حصراً خاصاً، فمات قبل العام الثاني، فقد قال الشافعي - رحمه الله -: يحج عنه من تركته. والفرق بينهما: أن القافلة إذا لم تحصر، فالطريق مسلوكة والحج ممكن والاعتبار بكافة الناس لا بالشخص الواحد، والحصر الخاص، وإذا وجد الحصر العام كان الحج في ذلك العام غير ممكن، والطريق غير مسلوكة. وفي الحصر الخاص قول آخر: أنه ملحق بالحصر العام. مسألة (95): ساكن الجزيرة في وسط البحر غير مخاطب بفرض الحج على أحد القولين.

وإن ركب البحر لغرض, فتوسط اللجة حتى صار ما بينه وبين [البر مثل ما بينه وبين] الجزيرة: لزمه الحج عند بعض أصحابنا. الفرق بين الحالتين: أنه ما دام في جزيرته: فجميع ما بينه وبين البر مكان الخوف, وذلك الخوف ليس من الخوف الخفي؛ لأن فزع البحر على المهجة والمال أظهر من أن يوصف. وأما إذا ركب البحر فتوسطه: فمعقول أنه إن قصد الوطن: كان على خوف وإن قصد البر الذي يلي مكة: كان على ذلك الخوف فاستوت

مسألة (96)

الجهتان. فرجوعه إلى الوطن بعد إمكان الخروج إلى مكة كرجوعه من البر إلى البحر, والجزيرة مع الاستطاعة. مسألة (96): إذا اعتمر الرجل عن نفسه في شوال أو في ذي القعدة أو العشر الأول من ذي الحجة, ثم حج عن نفسه في ذلك العام بإحرام من جوف مكة ولم يكن من حاضري المسجد الحرام, فهذا هو المتمتع بعينة, وإن اعتمر عن نفسه وحج بالإجارة عن غيره, أو حج عن

نفسه واعتمر عن غيره, أو اعتمر عن زيد وحج عن عمرو, لم يكن متمتعًا في أحد القولين. والفرق [بين وقوع النسكين عن شخص واحد وبين] وقوعهما عن شخصين في حكم التمتع: أن المتمتع: هو من يجمع بين عمرته وحجته جمعًا صحيحًا كاملاً مع استباحة الاستمتاع بين النسكين, خلاف القارن, ولهذا شرطنا أن يجمع في العام الواحد بين حجة وعمرة, وشرطنا [أن يأتي بالعمرة في أشهر الحج؛ ليكون ذلك نوعًا من الجمع,

مسألة (97)

وشرطنا في المصرف] ما أمكن من الجمع, فإذا فعل النسكين عن شخص واحد فقد اجتمعا في [المصرف, كما اجتمعا في العام, وإذا (117/أ) تفرق بها المصرف, فانصرفت] العمرة إلى شخص والحجة / إلى شخص لم تتكامل له صفة المتمتعين, كما لو أوقع الحج في عام والعمرة في عام. مسألة (97): إذا أحرم بالعمرة في رمضان, ومر على الميقات في رمضان وطاف وسعى في شوال لم يصر متمتعًا بهذه العمرة إلى الحج. ولو أحرم في رمضان بعمرة, ومر على الميقات في شوال كان متمتعًا,

هذا تخريج أبي العباس بن سريج واختياره رحمة الله عليه. والفرق بين المسألتين: أنه إذا مر على الميقات في شوال صار في تقدير من أحرم في شوال؛ لأن الميقات محل افتتاح النسك, وإن جاز تقديم الإحرام عليه. ألا ترى أن من أراد النسك وجاوز الميقات غير محرم لزمه دم الإساءة, فجعلناه في تقدير من أحرم حين مر على الميقات. [فأما إذا اجتمع في رمضان إحرامه ومروره على الميقات] , فلا سبيل إلى تشبيهه بمن أحرم في شوال. [وشرط عمرة المتمتع على المنصوص الصحيح أن تقع جميع عمرته في شوال] , أو ما بعده قبل الشروع في الحج.

مسألة (98)

مسألة (98): المتمتع إذا تحلل عن عمرة التمتع فأراق دم التمتع قبل الشروع في الحج وقع الموقع. ولو كان معسرًا فصام ثلاثة أيام بين العمرة والحج لم يحتسب صيامه. والفرق بينهما: أن النحر يشبه التكفير بالمال, والصوم من عبادات الأبدان وهي لا تتقدم على مواقيتها, كالصلاة, وعبادة الأموال يجوز أن تتقدم على مواقيتها, كالزكاة, ولهذا جوزنا تقديم الكفارة بالمال على الحنث بعد اليمين, ولم نجوز في التكفير بالصوم. ووقت وجوب دم التمتع هو زمان الشروع في [الحج, والعمرة أحد سببي الوجوب, وقد تم ذلك

مسألة (99)

السبب, كما أن اليمين] أحد السببين في وجوب الكفارة, وكذلك أيضًا: النصاب في الزكاة؛ ولهذا لم نجوز تقديم إراقة دم التمتع قبل الفراغ من العمرة, كما لم نجوز تقديم الزكاة على النصاب, وتقديم الكفارة على اليمين. مسألة (99): الحائض ممنوعة من الطواف, كما تكون ممنوعة عن الصلاة, فإذا أرادت الوداع وهي حائض وقفت على باب

المسجد وودعت. فإن انقطع دمها بعدما جاوزت عمران مكة لم يلزمها العود لطواف الوداع. ولو أن رجلاً نفر بلا وداع لزمه العود من مسافة لا تقصر فيها الصلاة. والفقر بينهما: أن المرأة كانت ممنوعة بالشرع حين قصدت الوادع, فلو ألزمناها الصبر لانتظار الطهر لشق عليها الأمر, وربما لا يحتبس عنها دمها. وقد تركت طواف الوداع حين تركته بإذن من جهة الشرع. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أخبر/ (117/ب) بحيض صفية: عقري

حلقي أحابستنا هي؟. قيل يا رسول الله: إنها قد أفاضت قبل أن حاضت, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فلا إذًا فتنفر بلا وداع. وأما الرجل إذا فارق مكة من غير طواف مع التمكن من الطواف, فلا عذر له في ترك هذه السنة فلهذا ألزمناه بأن يعود من المسافة القريبة وهي ما دون مرحلتين, ولا نكلفه العود من مرحلتين, ولكن نأمره بدم.

مسألة (100)

والفرق بينهما: أنه إذا عاد من المرحلتين اقتضى هذا السفر التام عند انصرافه وداعًا ثانيًا, فلا يتمكن من قضاء الوداع الأول؛ لأن شرط طواف الوداع أن يتعقبه الخروج, فإذا تعقبه طواف آخر خرج الأول عن صفة الوداع. وأما إذا عاد من مسافة قريبة, فهذا العود لا يقتضي عند الانصراف وداعًا جديدًا سوى الوداع الأول الذي كان عليه, فتركه, فيمكنه أن يقضي ما ترك. مسألة (100): إذا انتصف الرجل بين ميقاتين. أحدهما على يمينه. والثاني على شماله, وهما سواء في القرب من الطريق التي يسلكها إلا أن أحد الميقاتين أقرب إلى مكة, والثاني أبعد من مكة لزمه الإحرام حين حاذى أبعدهما من مكة.

وبمثله لو كان أبعدهما من مكة أبعد من طريقه التي يسلكها, وأقربهما إلى مكة أقرب إلى الطريق لم يلزمه الإحرام عند محاذاة الأبعد, والمستحب له الإحرام. والفرق بينهما: أن الميقاتين إذا كانا سواء في القرب من الطريق, فمتى حاذي الأول ميقاتًا ليس على طريقه ميقات أقرب منه إليه, فلم يكن له ميقات أولى منه, فوجب الإحرام عند محاذاته, فصارت منزلته منزلة من مر على ذي الحليفة وقصده النسك لزمه الإحرام منها, وإن كانت الجحفة

على طريقه وهي ميقات أهل الشام؛ لأنه انتهى إلى أقرب الميقاتين وهو على عزيمة النسك, فلا يجوز له تأخير الإحرام. وأما إذا كان أبعد الميقاتين عن مكة أبعد عن الطريق, فالميقات الذي يحاذيه أولاً بميقات له, وإنما ميقاته الأقرب إلى الطريق. ألا ترى أن من جاء من جادة الشام, فإنه يحاذي ميقات أهل المدينة وهو ذو الحليفة قبل أن يرد على ميقات الشام وهون الجحفة, فلا يلزمه الإحرام عند محاذاة ذي الحليفة, وإنما استحببنا له الإحرام؛ لأنه متعسف وكلا الميقاتين منحرف عن طريقه, فإذا حاذى الأول, فقد حاذى ميقاتًا من المواقيت/ (118 - أ) , فالأحسن أن لا يجاوز محاذاته إلا بإحرام.

مسألة (101)

مسألة (101): إذا أشكل على المحرم, فلم يعرف أأ حرم بالحج, أو بالعمرة, أو بهما؟ فقد قال الشافعي - رضي الله عنه - في الجديد: "هو قارن". ومعنى قوله: "هو قارن" أي إذا صير نفسه قارنًا, وقد تمكن من ذلك, فيقول - بعدما شك -: لبيك بحجة وعمرة, ويمضي على القرآن. وليس كمن شك في الأواني, أو في جهات القبلة, فيجتهد فيها ويتحرى. والفرق بينهما: أن المجتهد في الأواني والجهات لا يكاد يعدم أمارة إذا اشتغل بطلب الدلالة. وأما هذا الشخص, فليس له أمارة منصوبة يراجعها, فيتأملها, فلما تعذر عليه الاستدلال والتحري: كلفناه اليقين, كالمرتاب في عدد الركعات لا يتحرى ولا يجتهد, ولكن يبني على اليقين. ثم كيفية البناء على اليقين [في الصلاة الأخذ بالأقل, والبناء عليها. وكيفية

البناء على اليقين] في النسك أن يصير نفسه قارنًا, [إذ لا يأمن أن يكون إحرامه في الأصل قرآنًا]. ثم إذا مضى هذا الرجل على القرآن أجزأه الحج عن حجة الإسلام, ولا تجزئه العمرة عن عمرة الإسلام [في أحد القولين. والفرق بينهما: أن الحج يدخل على العمرة ما لم يفتتح طواف العمرة, والعمرة لا تدخل على الحج في أحد القولين] , إذا لا نأمن أن يكون إحرامه

مسألة (102)

في الأصل حجًا, فلا تدخل عليه العمرة والأصل بقاء عمرة الإسلام في ذمته, فلا تسقط بالشك, وإنما وقع الحج موقعه؛ لأنه لا يخلو من أحوال ثلاثة. إما أن يكون في الأصل حاجًا فيصح حجة الإسلام وكذا إن كان قارنًا. وإما أن يكون معتمرًا, فلما أهل بالحج أدخل الحج على العمرة فأجزأه. مسألة (102): إذا حكمنا بأن العمرة تدخل على الحج. دخلت عليه قبل الوقوف, ولم تدخل عليه بعد الوقوف. هذا هو الأصح. الفرق بين الحالتين: أن الوقوف إذا تقدم, فقد تقدم معظم الحج. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الحج عرفة".

ولهذا قلنا: إن الحج يفوت بفوات الوقوف, وكذلك عمرة القارن تفوت بفوات الوقوف, وإن كانت العمرة لا تفوت, ولا يتصور فواتها في غير هذا الموضع, وإذا أدخل العمرة على الحج قبل الوقوف لم يسبق من أفعال الحج شيء سوى الإحرام, فكان الزمان صالحًا لإدخال العمرة على الحج. والمذهب لا يختلف أن الحج لا يدخل على العمرة بعد استلام الركن الأسود, لافتتاح طواف العمرة, ويدخل عليها قبل الاستلام. والفرق بين الحالتين: أن الاستلام هو أول أسباب التحلل [عن الإحرام فإذا اشتغل بأسباب التحلل] استحال أن يشتغل بابتداء الإحرام, فيكون ذلك متنافيًا متناقضًا. ولو أدخل حجة على عمرة فاسدة لم يدخل عليها عند بعض أصحابنا,

مسألة (103)

بخلاف العمرة الصحيحة يدخل عليها الحج. والفرق بينهما: أن الصحيحة كاملة الإحرام والفاسدة غير كاملة الإحرام/. (118/ب) وكيف يكون إحرامها كاملاً وقد أفسده! ومعلوم أن الإحرام إذا انحل منه شيء لم يجز إدخال نسك عليه, كالحاج إذا رمى جمرة العقبة, أو كالمعتمر إذا افتتح الطواف. وكذلك - أيضًا - إذا أفسد الإحرام نزل الفساد منزلة الوهاء والانحلال ببعض أسباب التحلل في إدخال النسك على النسك, وإن لم ينزل منزلته في جميع الأحكام. مسألة (103): قال الشافعي - رضي الله عنه -: "من أحرم, ثم نسي ما أحرم به, فهو قارن" ومراده بهذا التصوير: أن يعترض هذا النسيان عقيب

الإحرام, قبل أن يقف بعرفة, وقبل أن يطوف. ومعنى قوله فهو قارن: ما بيناه أن يصير نفسه قارنًا, فيقول لبيك بعمرة وحجة معًا. ولو أن رجلاً طاف حول الكعبة عقيب الإحرام, وسعى بين الصفا والمروة, ثم اعترضه مثل هذا الشك, فلم يعلم بماذا أحرم, فقد قال بعض مشايخنا في هذه الصورة: نأمره بالحلاق, والإهلال بالحج, قم نأمره بدم, ولو أراق دمين كان أولى. والمسألة المنصوصة, وهذا الفرع المسطور يفترقان في مواضع: منها: أن الشافعي - رحمه الله - أمره بالقرآن, ولم نأمره في هذه المسألة بالقرآن.

ومنها: أن الشافعي - رحمه الله - ما أمره بالحلاق قبل الإهلال بالحج والعمرة, وأمرناه في هذه المسألة بالحلاق. ومنها: أن الحج في مسألة الشافعي - رضي الله عنه - يجزئه عن حجة الإسلام, [وفي العمرة قولان. وأما في الفرع, فالعمرة لا تجزيه عن عمرة الإسلام] قولاً واحدًا. [ومنها أنا لا نأمره في المسألة المنصوصة إلا بدم واحد] , ونأمره في المسألة الثانية بدمين. أحدهما: على جهة الوجوب. والثاني: على جهة الندب. [فأما المسألة الأولى, وهي أن الشافعي - رحمه الله عليه -: أمره بالقرآن ولم نأمره بالقرآن في المسألة الثانية]. والفرق بينهما: أن هذا الرجل الذي شك بعد الطواف والسعي يحتمل أم يكون في الأصل حاجًا, والحاج إذا دخل مكة, فطاف وسعى لم يجز له بعد ذلك أن

يدخل العمرة على الحج عند كثير من أصحابنا؛ لأن هذا السعي محسوب له ركنًا من أركان الحج. ألا تراه قد اسغنى به عن إعادة السعي بعد الوقوف عقيب طواف الإفاضة, وإذا فعل ركنًا من أركان الحج استحال أن يدخل العمرة على الحج, ليصير قارنًا؛ لأن القارن على أصل الشافعي - رحمه الله - هو الذي يكون طوافه وسعيه جميعًا عن النسكين, وقد سبق السعي على هذا الاحتمال محسوبًا عن الحج وحده, فتعذر إدخال العمرة على الحج. فأما في المسألة المنصوصة للشافعي - رحمه الله - فإنه لم يعمل شيئا من الأعمال سوى الإحرام, فإذا شك فقال: لبيك بعمرة وحجة معًا, حكمنا بقرانه؛ لأنه [إن كان في الأصل قارنًا, فقد كرر إحرام قرانه,] وإن

كان في الأصل معتمرًا, فقد أدخل الحج على العمرة قبل طواف العمرة والحج قبل طواف العمرة يدخل على العمرة قولاً واحدًا. وإن كان في الأصل محرمًا بحج دخلت العمرة على الحج؛ لأنه لم يعمل من أعمال الحج شيئًا, وجواب الشافعي - رحمه الله - في هذه المسألة صادر على هذا القول وهو: أن العمرة تدخل على الحج. فإن قال قائل: أليس يحتمل في المسألة التي ليست بمنصوصة أن يكون هذا الرجل في الأصل محرمًا بقران؟ قلنا: لا ينكر هذا الاحتمال, ولكن يحتمل غيره, والبناء على اليقين شرطه: حصول اليقين من غير تقابل الاحتمالات, فمن المحتمل [أن يكون في (الأصل قارنًا, ومن المحتمل أن يكون) معتمرًا, وقد يحتمل] أن يكون محرمًا بحج مفرد, فإذا تعذر أن يصير قارنًا على وجه من وجوه

الاحتمالات لم نأمره بالقران، ولم يحصل له القران، وقد تعذر في بعض الاحتمالات ذلك, وهو توهمه في الأصل محرمًا بحج مفرد, ولم يتعذر ذلك في المسألة المنصوصة. واعلم أن وزان القران في المناسك وزان البناء على أقل الركعات في الصلاة عند اعتراض الشك, وشرط الصلاة الأخذ باليقين, فكذلك شرط النسك الأخذ باليقين. وأما المسألة الثانية أن الشافعي - رحمه الله - لم يأمره بالحلاق وأمرناه في هذا الفرع بالحلاق. والفرق بين المسألتين في هذا الحكم: أن الشك في مسألة الشافعي - رحمه الله - اعترض قبل أن يفعل من الأفعال ما يتصور عقيبه حلاق في النسك, وأما في الفرع, فقد عمل من الأعمال ما يتصور عقبيه حلاق في أحد النسكين وهو العمرة؛ لأن المعتمر يحلق إذا فرغ من الطواف والسعي,] وقد فرغ هذا الرجل من الطواف والسعي]. فإن قال قائل: كيف يستجيز الحلاق وقد يحتمل أن يكون حاجًا في الأصل أو

قارنًا؟ ولو علم يقينًا أنه في/ (119/أ) الأصل حاجًا أو قارنًا, لم يجز له الحلاق في هذا الوقت، وإنما يجوز له الحلاق في احتمال واحد من الاحتمالات الثلاثة وهو: أن يكون معتمرًا والحلاق جناية على النسك إذا صادف غير أوانه, وقد أبحتم له ذلك. قلنا: إن إباحة الحلاق في هذا الموضع مع احتمال تحريمه ضرورة متعينة لابد منها, ولولا الضرورة لما أذن له في الحلاق. ومعقول أن المحرم لو اضطره الصداع والمرض إلى الحلاق: جاز له استباحته بدم يضمنه, كذلك هاهنا يجوز له استباحته؛ لضرورة هي أشد من ضرورة المرض.

فإن قيل: وما تلك الضرورة؟ قلنا: قد شك هذا الرجل في أصل إحرامه, ولا نجد بدًا من سلوك سبيل التحلل, ليخرج مما لزمه بالإحرام خروجًا متيقنًا, ولا يمكننا قطع القول بأنه معتمر ليلحق ويختم عمرته إذا يحتمل أن يكون حاجًا أو قارنًا. ولا يمكننا قطع القول بأنه حاج ليبقى على إحرامه إلى أن يقف بعرفة, ولعله لم يحرم بالحج, وإنما ينتفع بالوقوف بعرفة إذا سبق منه الإحرام بالحج. ولو قلنا: عليك الآن أن تحرم بالحج احتمل أن يكون معتمرًا لم يحلق, فلا يدخل الحج على العمرة بعد الطواف والسعي, ولا يستيقن قرانه في الأصل, فصار مضطرًا إلى فعل أعمال النسكين, ليتحلل بيقين, ولا يمكنه ذلك إلا بإحرام الحج, فيشرع فيه بيقين, فأبحنا له الحلاق, فإذا حلق

وأحرم بالحج قلنا: إن كنت معتمرًا في الأصل فأنت الآن متمتع, والحلاق صادف زمانه وحصل له النسكان, وإن كانت في الأصل مفردًا, فطوافك وسعيك قبل وقوفك فإن شئت حسبت سعيك من الركن وحلاقك صادف غير أوانه, ولكن حملتك الضرورة عليه, وإن كنت قارنًا في الأصل, فكذلك حكم حكم طوافك وسعيك وحلاقك. واعلم أن من أصحابنا من جوز إدخال العمرة على الحج ما لم يقف بعرفة/. (118/أ) فعلى هذا القول لم يفت زمان إدخال العمرة على الحج وإن طاف وسعى, ولكن فات زمان إدخال الحج على العمرة, ولا يعرف أكان هذا الرجل في الأصل حاجًا, أو معتمرًا, أو قارنًا, فكذلك تحققت الضرورة. وقد قال بعض مشايخنا: إذا استفتاتا هذا الشاك الفارغ من الطواف والعمرة, واستأذننا في الحلاق لم نأذن له وسكتنا عنه, ولكنه إن حلق من غير استئذان أمرناه بالإهلال بالحج والفراغ منه, كما ذكرنا. وذكروا لهذه المسألة أشباهًا وأمثالاً جواب الفقهاء فيها التوقف عن الجواب.

منها: أنهم قالوا: لو التقت دابتان متقابلتان في مضيق من الطريق على عقبة, ولا سبيل إلى الاجتياز إلا بإتلاف إحدى الدابتين لم نأذن لواحد من المالكين في المعالجة بالإتلاف, ولكن إذا عجل أحدهما ورمى بدابة الآخر حتى يجد مجازًا حكمنا عليه بالضمان, ولا بأس بهذه الطريقة الثانية في مثل هذا المثال. وأما في مسألة الإحرام فالطريقة الأولى أصح؛ لما ذكرناه: أن المحرم يستبيح الحلاق إذا دعته الضرورة إليه. وأما المسألة الثالثة وهي أن العمرة في أصح القولين أجزأته عن عمرة الإسلام, وما أجزأته في الفرع. والفرق بين المسألتين في هذا الحكم: أن الشاك في مسألة الشافعي - رضي الله عنه - أهل بالقران قبل أن يعمل من أعمال الحج ما يمنع دخول العمرة عليه,

فحكمنا بإجزاء غمرته؛ لأنه إن كان في الأصل محرمًا بحج مفرد, فقد دخلت العمرة على الحج, فأجزأته العمرة, وإن كان في الأصل محرمًا بقران, أو بعمرة [مفردة فأولى وأحرى. وأما في الفرع, فيحتمل أن يكون في الأصل] محرمًا بحج, والحاج إذا طاف وسعى, ثم أدخل العمرة على الحج لم تدخل عليه؛ فلهذا الاحتمال ما أجزأته العمرة وإن كان يحتمل غيره, والذمة المشغولة بالعمرة الواجبة لا تبرأ بالشك. ومن أصحابنا من قال: إن الحاج غير ممنوع عن إدخال العمرة على الحج ما لم يقف بعرفة, فحكم بأن عمرة هذا الرجل في الفرع تجزئه عن عمرة الإسلام - أيضًا - كالجواب في المسألة المنصوصة؛ لأنه إن كان في الأصل معتمرًا, أو قارنًا أجزأته العمرة, وإن كان حاجًا, فهذا السعي قبل الوقوف

لا يمنع دخول العمرة على الحج على القول بدخول العمرة على الحج, وعليه التفريع. وأما المسألة الرابعة: وهي أنا ى نأمره في المسألة المنصوصة إلا بدم واحد, ونأمره في الفرع بدمين. أحدهما: واجب. والثاني: مستحب. والفرق - في ذلك - بين النسكين -: أن هذا الشاك صير نفسه في مسألة الشافعي - رحمة الله عليه - قارنًا ولا يلزم القارن أكثر من دم واحد, فألزمناه إياه واقتصرنا عليه. فأما في المسألة الثانية, فيحتمل أن يكون في الأصل قارنًا, ولو توهمناه قارنًا كان حلاقه جناية/ (118/ب) على النسك موجبة دمًا, وقد التزم دمًا بأصل القرا, فاجتمع عليه دمان. فإن قيل: فهلا أوجبتم الدمين جميعًا. قلنا: لاحتمالين آخرين سوى هذا الاحتمال.

مسألة (104)

أحدهما: أن يكون معتمرًا وقد خرج عن العمرة, فحلق في وقت الحلق. والثاني: أن يكون حاجًا في الأصل, ويكون إهلاله بالحج بعد الحلاق تكريرًا للإحرام بالحج. ولا يتوجه عليه في تقدير هذين الاحتمالين أكثر من دم واحد؛ فلذلك لم نوجب دمين, وأوجبنا دمًا واحدًا وهو اليقين, وأمرناه في الورع, والاحتياط بالدم الثاني. مسألة (104): المتمتع بالعمرة إلى الحج إذا فرغ من النسكين, ثم تذكر أنه كان في أحد الطوافين محدثًا, وشك فلم يعلم أن الحدث كان في طواف العمرة, أو في طواف الحج [أمرناه بإعادة طواف الحج] على الطهارة, ثم نظرنا فإن كان تمتع بالنساء بين النسكين لم يجزه الحج عن حجة الإسلام, [وإن لم يتمتع بينهما أجزأه عن حجة الإسلام].

والفرق بين الحالتين: أنه إذا تمتع بالنساء احتمل أن يكون حدثه في طواف العمرة وأنه لم يكن خارجًا منها حين ظن أنه خارج منها ففسدت العمرة بالجماع, فلما أهل بالحج كان مدخلاً حجًا على عمرة فاسدة. وأصحابنا في ذلك فريقان. منهم من يقول: لا تدخل الحجة على العمرة الفاسدة, وإنما تدخل على العمرة الصحيحة, فلا حج له عند هؤلاء. وفريق يقولون: تدخل الحجة على العمرة الفاسدة, وتصير الحجة فاسدة, فلا يحصل له الحج صحيحًا عند الفريق الثاني.

وأما إذا كان لم يتمتع بين النسكين فالحج يجزئه عن حجة الإسلام؛ لأنه إن كان محدثاً في طواف عمرته، فقد أدخل الحج علي العمرة الصحيحة. قبل أن يعمل من أعمالها شيئاً فصار قارناً./ (119/ب) وإن كان حدثه في طواف حجه فقد أعاد طواف الحج علي الطهارة، سبقت العمرة صحيحة وكان متمتعاً. فإن قال قائل: من أدخل حجاً علي عمرة فاسدة لزمه قضاء الحج، للإفساد عند من يحكم بالدخول. فهلا ألزمتموه في هذه المسألة -[أيضاً - قضاء الحج إذا كان فارغ من حجة الإسلام. قلنا: إنما لم نلزمه في هذه المسألة قضاء الحج؛ لتقابل احتمالين: أحدهما: أن يكون حدثه في طواف عمرته، فتفسد العمرة

بجماعه، وتفسد لحجة بدخولها علي العمرة الفاسدة، فيلزمه قضاء الحج. والاحتمال الثاني: أن يكون حدثه في طواف حجه، فتكون العمرة صحيحة ويكون الحج أيضاً صحيحاً، والأيل براءة ذمته عن قضاء الحج، فلا يترك ألبقين بالشك. وأما إذا تيقن أنه في عمرة فاسدة، فأدخل الحج عليها، فقد تيقن فساد حجة والتزام قضائه، فتركنا اليقين باليقين. ولهذه النكتة قلنا في مسألتنا هذه: لا يلزمه قضاء عمرة وإن احتمل أن يكون حدثه في طواف العمرة وأن تفسد العمرة بالجماع؛ لأن هذا الاحتمال مقابل الاحتمال الثاني وهو: أن يكون الحدث في طواف الحج، فتكون العمرة صحيحة، والأصل براءة ذمته عن النظام قضاء العمرة، وبمثل [هذه النكتة قلنا: إن كان هذا الرجل ضرورة في العمرة وقد جامع بين النسكين، فعليه عمرة الإسلام، لاحتمال أن يكون حدثه في طواف]

[العمرة وأن تكون العمرة فاسدة، وإن كانت تحتمل الصحة بأن يكون حجته في طواف] الحج، فالذمة المشغولة بيقين لا تبرأ بالشك، ولهذا قلنا: لا تلزمه البدنة يقيناً، وإنما تلزمه استحباباً، إذ يحتمل ما قلناه من الاحتمالين المتقابلين. وأما دم الشاة فلازم، والورع أنه إن لم يجامع فعليه دم شاتين، وإن جامع فالورع أن عليه بدنة ودم شاتين.

مسألة (105)

مسألة (105): المحرم إذا أعمي عليه، فسقاه بعض الرفقة دواء فيه طيب [أو أطعمه طعاماً فيه طيب]، وجبت الفدية في مال ذلك الأجنبي الذي سقاه، أو أطعمه. ولو سقاه من كان منصوباً في أمره، فقد قال الشافعي - رحمه الله - في رواية الربيع: الفدية علي المداوي. فمن أصحابنا من قرأها بكسر الواو علي معني الفاعل، ومنهم من قرأها بفتح الواو علي معني المفعول. فإذا أوجبنا فدية الطيب في مال المنصوب صار كالأجنبي، واستعينا عن الفرق. وإن أوجبناها في مال المحرم فالفرق بين الأجنبي وبين المنصوب: أن الأجنبي بمعزل عن مراعاة مصالحه، بخلاف القيم فإنه إنما نصب للقيام بمرافقة فإذا رأى باجتهاده

مسألة (106)

إرفاقه بالطيب صار كما لوكأن المحرم مفيقا، وعلم مصلحته في تعاطي دواء مطيب تعاطاه بضمان الفدية، ولمثل هذه النكتة فصل الشافعي - رضي الله عنه - بين / (120/أ) الولي إذا أركب الطفلين دابتين فاصطدمتا، وبين الأجنبي، فأوجب الضمان علي الأجنبي، دون الولي. مسألة (106): الطائف إذا اقترب في بعض أشواط طوافه من الحجر الأسود، فاستلمه، وقبله، فزحزح الناس قدميه عن مكانهما، فمضي علي طوافه، فطوافه لا يجزئه في أصح القولين. ولو لم يزحزح قدماه حتى عاد إلي استواء القامة، ثم مضي بعد اعتداله صح طوافه قولاً واحداً.

الفرق بين المسألتين: أنه إذا دنا للاستلام فقبل، فرأسه ساعة التقبيل في جوف الكعبة ورجلاه خارجتان في تمايله للتقبيل، وهذه العلة ظاهرة؛ وهي: أن المشركين حين أعادوا في الجاهلية بناء الكعبة مؤبنوها على كمال قواعد إبراهيم -عليه السلام - بل تركوا بعض أساس الجدار من الخارج، وهو أزير البيت وشاذروانه، والحجر الأسود مركب في الركن، فإذا أدخل رأسه كان رأسه في جوف الجدار وجوف الجدار من جوف الكعبة، فإذا زحزحت قدماه خطوة، أو بعض

مسألة (107)

خطوة، ثم رجع رأسه إلى اعتدال قامته، فبعض بدنه في بعض طوافه في البيت، لا بالبيت، وشرط صحة الطواف: أن يكون حول جميع الكعبة بجميع البدن. فأما إذا استلم متمكناً، وقدماه على مكان واحد إلى أن فرغ من تقبيل الحجر، واعتدلت القامة، فقد خرج رأسه من الكعبة، ثم مضى وبني، فحصل طوافه من أوله إلى آخره بجميع بدنه حول جميع الكعبة. [وعلى هذا الأصل قلنا: لو كان يطوف، ويمشي على محل مشي الطائف قريباً من الجدار، فأدخل يده، فمسح الجدار، وهو يمشي، لم يصح طوافه في أصح القولين؛ لأنه لم يطف بجميع بدنه] حول الكعبة. مسألة (107): إذا أراد أن يبتدئ الطواف، فقصد الحجر الأسود، فالاحتياط أن يقصده، فيمشي إليه من جانب الصفا. فإن لم يفعل، فقصده،

فمشى إليه من جانب باب الكعبة حتى حاذاه بشق صدره الأيسر فقبله وتحامل على يمينه، فمضى لم يصح طوافه في أصح القولين. ولو قصد الحجر من جانب الصفا، أو مابين ركن الحجر والركن اليماني صح طوافه. والفرق بين المسألتين: أنه إذا قصد الحجر من جانب الباب حتى حاذاه بشق صدره الأيسر، ثم مشى عن يمينه فإنه بمكان الحجر من البيت بجميع البدن، وإنما طاف ببعض بدنه. وشرط [صحة الطوف أن يطوف حول البيت] بجميع بدنه. وإذا جاء من جانب الصفا، أو من جانب الركن اليماني فقد مر بجميع بدنه على محاذاة الحجر، فتم طوافه. ولو

تصورت/ (120/ب) الصلاة بمثل هذه الصورة وهو: أن يحاذي الكعبة ببعض بدنه لا بجميعه مثل: أن يقف عند الحجر، فيقابله بشق صدره الأيمن ويبقى شقه الأيسر غير محاذ ٍلشيء من جملة البيت لم تصح صلاته في أصح القولين. ولا يختلف القول فيمن وقف في الكعبة وقابل العتبة - وهي مرتفعة بمقدار الشبر - أن صلاته صحيحة، وهو في حكم من قابل القبلة بجميع بدنه.

مسألة (108)

مسألة (108): لو صلى رجل عن رجل تطوعاً أو مكتوبة، بأمره أو بغير أمره، في حال حياته، أو بعد موته، فالصلاة باطلة، ولو صلى ركعتي الطواف عمن عنه صحت النيابة، وانصرفت الركعتان إليه، وقد قال الشافعي -رحمه الله -: تصلى ركعتا الطواف عن الصبي إذا لم يطقهما، وكذلك عن الميت والشيخ الكبير، ولا يقضي عن واحد منهم صلاة مكتوبة. والفرق بينهما: أن ركعتي الطواف من جملة الحج، والحج، والحج قابل للنيابة، بخلاف سائر الصلوات فإنها غير قابلة للنيابة، واستشهد الشافعي -رضي الله عنه - لهذا الفرق فقال: ألا ترى أن الحائض تقضي ركعتي الطواف ولا تقضي المكتوبة؛ لأن ذلك عمل من أعمال الحج.

مسألة (109)

مسألة (109): المرأة المتحيرة إذا طافت بغسل طواف فليس عليها أن تعيد الغسل لركعتي الطواف، وإن أوجبتاهما، وإن أرادت أن تجمع بالغسل الواحد بين طواف مفروض وبين صلاة منذورة لم يكن لها ذلك. والفرق بينهما: أن ركعتي الطواف صلاة جعلت تبعاً للطواف، فلا يخلو

طوافها من أحد أمرين. إما أن يكون صحيحاً؛ لانقطاع حيضها قبله، وصحة غسلها له، وإما أن يكون باطلاً؛ لوقوع جميعه، أو بعضه في زمان حيضها. فإن انقطع دمها قبل الطواف، فاغتسلت، وطافت ولم يعاودها حيض وانقطاع بين الطوافين والركعتين فالسنة إلصاق الركعتين بالطواف. وإن كان بعض طوافها واقعاً في الحيض فطوافها باطل، وإذا بطل الطواف لم تجب ركعتا الطواف، بخلاف الصلاة المنذرة فإنها ليست في وجوبها تبعاً لغيرها. وقال بعض أصحابنا في المتحيرة والمسألة بحالها إذا أعادت الطواف [الثاني بعد خمسة عشر يوماً حتى يحسب لها من] الطوافين واحد فاغتسلت، وطافت

مسألة (110)

فلتغتسل لركعتي الطواف الثاني، بخلاف ركعتي الطواف الأول. والنكتة فيه أنها ربما طافت طوافها الأول في آخر طهرها، فيصح الطواف، [فلما فرغت حاضت عقيب الطواف] قبل الركعتين، فلم يصح منهما فعل الركعتين. والطواف الثاني [ربما وقع في آخر الحيض فإذا اغتسلت للركعتين]، وصحت الركعتان عقيب الطواف الثاني كانتا محسوبتين/ (121/أ) للطواف الأول، وذلك نوع من الاحتياط في أحوال المتحيرة. مسألة (110): الغريب إذا دخل مكة محرماً، فطاف وسعى، فالرمل مسنون في ثلاثة أشواط من طوافه وهي الثلاثة الأولى، فإن طاف ولم يسع، أو

طاف حول الكعبة طائف غير محرم، فالرمل [غير مسنون له. وإنما فصلنا بين الطوافين في حق الرمل]؛ لأن الرمل غير موجود قياساً، لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دخل مكة سنة سبع لقضاء عمرة الحديبية وهو المشركون بالغدر وهم على متون الجبال رمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورمل أصحابه مرايأة للمشركين وإظهاراً للجلادة.

مسألة (111)

فمن أصحابنا من قال: كان ذلك الطواف طواف قادم محرم، فالرمل مسنون لكل قادم محرم سعى عقيب طوافه، أو لم يسع. ومن أصحابنا من قال: إنما رمل؛ لكون طوافه معقباً بالسعي فيصير الطواف، كالسعي في سرعة بعض المشي، فخرج عن هذا أن من طاف من غير إحرام فلا رمل، لأنه غير قادم ولاسعا، ومن كان محرماً بحج، أو عمرة، فهو قادم قربت مسافته، أو بعدت، فإن سعى عقيب [طوافه: رمل في طوافه قولاً واحداً. وإن لم يسع ولم يرد سعياً عقيب] الطواف: ففي الرمل قولان: أحدهما: أنه مسنون، والثاني: أنه غير مسنون. مسألة (111): الطائف إذا قطع الطواف لما أقيمت الصلاة المكتوبة

فصلاها، ثم عاد بنى على طواف قولاً واحداً. ولو قطع الطواف لغير هذا العذر، فعلى قولين: أحدهما: أنه يستأنف. والثاني: أنه يبني. والفرق: أن المكتوبة إذا أقيمت حيل بينه وبين الطواف شرعاً وعادة. أما الشرع فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (([إذا أقيمت الصلاة] فلا صلاة إلا المكتوبة))، فيجب قطع الطواف، كما يجب ترك كل صلاة.

مسألة (112)

وأما العادة الجارية فهي أن الإمام إذا افتتح المكتوبة إلى الكعبة عند مقام إبراهيم الخليل - عليه السلام - منع الناس عن الطواف منعاً عنيفاً، فلا يجدون إلى الطواف سبيلاً. فأما قطعه لسائر المعاذير فإنما هو قطع اختيار، وأيضاً فإن الرجل القائم في المكتوبة إذا قرأ آية سجدة، فسجد ثم عاود القيام لم يعد سجوده قطعاً للقيام؛ لأنه من حق تلاوته، فكذلك لا يعد فعل المكتوبة قطعاً للطواف؛ لأنه مراعاة لحق الكعبة. مسألة (112): الرجل يصير محرماً بمجرد نية الإحرام من غير قرينة على المنصوص المشهور من المذاهب. ولو نوى في بعير أو بقرة أو شاة

تملكها أنه جعلها هدياً ما صار هدياً بمجرد النية، حتى يقول: جعلته هدياً. والفرق بينهما: أنه إذا أراد التقرب إلى الله تعالى بالهدي، فقد قصد إزالة ملكه عن/ (122/ب) ذلك الحيوان إلى الله تعالى. والأملاك لا تزول بمجرد النية في موضع من المواضع. ألا ترى أن العتق لا يحصل بالنية حتى يكون معها لفظ، وكذلك الوقف، وكذلك الوقف، وكذلك إزالة الأملاك علي غير جهة القربة. فأما الإحرام فإنما هو التزام عبادة علي جهة الشروع فيها، ويجوز أن يحصل هذا المقصود من غير لفظ.

ألا ترى أن الصائم يقتصر علي مجرد النية فيصير شارعاً في الصوم، والإحرام مشابه للصيانة من وجوه، وإن كان مشابها للصلاة من بعض الوجوه. وأما إذا وجدت نية الهدي وانضم إلي النية تقليد أو إشعار من غير أن يتلفظ بلفظ ففيه قولان: أحدهما: يصير هديا. ولو اقتصر علي مجرد لم يصب هديا|. والفرق بينهما: أن الإشعار عادة الهدايا، والعادة تنزل اللفظ [في مواضع

مسألة (113)

شتى. فنزلناها منزلة اللفظ، بخلاف ما إذا تجردن النية بها، ما يحصل بها وبقرينتها. مسألة (113): المحرم إذا ترك تلبيد الشعر ولم ينذر حلاقا أغناه التقصير. وإن حصل منه التلبيد لزمه الحلق علي أحد الوجهين، ولم يجز له الاقتصار على التقصير. وصفة التلبيد هو أن يعقص شعرة ويضربه بالخطمي والغسول.

والفرق بين الملبد وغير الملبد: أن عادة المحرمين إذا لبدوا أن يحلقوا، بخلاف ما إذا لم يلبدوا، فمنهم من يحلق، ومنهم من يقصر، ولو نذر الحلاق لزمه الحلاق لأنه أكمل من التقصير فإذا لبد قامت العادة المعتادة مقام العبادة في النذر، فلزمه الحلق، بخلاف ما إذا لم يوجد منه التلبيد، لم يوجد منه، نذر حلاق، ولا ما يقوم مقام النذر؛ [فلهذا فرقا بينهما]، وإنما جعلنا الحلاق أفضل من التقصير؛ لأن الله تعالى قدم ذكر المحلقين على ذكر المقصرين؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حلق في العمرة والحج ولم

مسألة (114)

يقتصر على التقصير. مسألة (114): إذا رمى الرجل سبع حصيات إلى جمرة العقبة يوم النحر، فلما أراد الرمي يوم القر مضى إلى تلك الجمرة، وأخذ منها تلك الحصيات بأعيانها ورمى إليها كانت محسوبة مع الكراهة. ولو أنه صبيحة يوم النحر رمى إلى العقبة بأربع حصيات، ثم أخذ منها ثلاثًا بأعيانها ورماها إليها فاستكمل سبعًا لم تحسب له هذه الثلاث حتى يرمي

إليها بثلاث حصيات غير المرمية. وإنما فصلنا ين المسألتين: لأن هذه الجمرة في يوم النحر تعينت للرمي وعلى كل رجل أن يرمي إليها بسبع حصيات، وكل حصاة من السبع مقصودة بنفسها إلى فرض النسك، فإذا/ (123/أ) رمى إليها بأربع حصيات، فقد أدى يبتلك الأربع فرض الجمرة المتعينة في اليوم المتعين، فصارت تلك الأربع متعينة لأداء النسك بها فإذا أخذ منها ثلاثًا، ورماها كان بمنزلة من غسل وجهه بماء، ثم أخذ تلك الغسالة بعينها فغسل بها يده فلا تجزئه؛ لأنه قد أدى به الفرض مرة. هذا هو تعليل الشافعي - رحمه الله - في كتاب الطهارة.

فأما إذا دخل يوم القر، فرمى إلى الجمرة الأولى، ثم إلى الثانية، ثم أخذ من جمرة العقبة حصيات أمسه فرمى بها إليها، فإنما حكمنا بالإجزاء؛ لأن فرض أمسه لما صار مؤدى بها انقضى زمان ذلك الفرض وجاء زمان فرض أخر، وليس [للرمي تأثير في أعيان الأحجار؛ لأن التغير عليها بالاستعمال محال، وليس] التغير بمحال على الماء إذا كان قليلًا، وربما يتغير الماء بالاستعمال في المحل الطاهر تغيرًا يمنع استعماله، فمنزلة الأحجار منزلة الماء الذي لا يؤثر التغير فيه، وهو الماء الكثير، فكان هذا القياس يقتضي التسوية بين المسألتين في الجواز، ولكن لما اتفقت

مسألة (115)

الجمرة والزمان منعنا تكرير الرمي في الحصاة الواحدة، [ولو جوزنا ذلك لكان يتأتى لكل رجل أن يؤدي جميع فريضة الرمي بالحصاة الواحدة] فيرميها، ثم يأخذها، ثم يرميها، والفرض المعدود المقدر في الشرع يراعى تقديره على حسب ما ورد به الشرع. هذا غاية ما يمكن [من الفرق بين الحجارة وبين الماء. وما لا يمكن] من التحقيق، فذلك، لمعنى وهو: أن رمي الجمار في الأصل وتقديره بالسبع غير معقول المعنى، وكذلك، تخصيص الأعضاء المخصوصة [بالوضوء، وكذلك - أيضًا - تخصيص الماء]. والتصرف في المعنى إذا كان الأصل بهذه الصفة لا يستمر استمراره في سائر الأصول. مسألة (115): إذا رمى الرجل في يوم من أيام التشريق بسبع حصيات إلى الجمرة الأولى، ثم التقطها ورمى بها إلى الجمرة الثانية كانت

مسألة (116)

محسوبة له ولو رمى إلى الجمرة الأولى ببعضها، ثم التقط ما رمى وأكل السبع بها لم يجزه. وإنما فصلنا بينهما؛ لأن الجمرة إذا تبدلت تبدل الحكم وإن كان الرامي واحدًا، فأما إذا كانت الجمرة واحدة والرامي واحد والوقت واحد فلا سبيل مع اتفاق هذه الأصول إلى إسقاط الفرض فيؤدي إلى ما ذكرناه من إبطال حكم العدد في المعدود، ولو جاز ذلك في أعيان الأحجار لجاز ذلك في أعيان الجمرات حتى يرمي إلى الجمرة الأولى في كل يوم إحدى وعشرين حصاة ويترك الجمرة الوسطى والجمرة القصوى وهذا محال. مسألة (116): إذا رمى رجل إلى جمرة من الجمرات الثلاث بسبع حصيات في يوم من الأيام، فجاء رجل ثانٍ، والتقط تلك الحصيات بأعيانها/ (123/ب) من

تلك الجمرة [ورماها إليها في ذلك اليوم بعينه والجمرة تلك الجمرة] بعينها أجزأته مع الكراهة. ومثله لو أن الرامي رمى بعض الحصيات ثم التقطها، ورماها إليها لم تحتسب له. والفرق بينهما: أن الرامي إذا تبدل، فرمى بتلك الحصيات كان موصوفًا حين يرميها إنه لم يؤد بها قبل ذلك فرضًا، بخلاف ما إذا تعين الرجل الأول فإنه يكون موصوفًا بأنه قد أدى بها فرضا. أي فرض ذلك

مسألة (117)

اليوم بعينه إلى تلك الجمرة بعينها، فرجعت حقيقة مسائل الرمي إلى أصل واحد وهو: أن التبدل شرط الأجزاء، ثم التبدل ينقسم ثلاثة أقسام: أحدها: تبدل اليوم. والثاني؛ تبدل الرامي، والثالث: تبدل الجمرة. فمتى ما وجد من أنواع التبدل واحدًا، تأدت الفريضتان بالحصاة الواحدة وإذا لم يوجد مع من هذه الأنواع لم يتأد بالحصاة الواحدة فريضتان. مسألة (117): إذا ترك الرجل يوم النفر حصاة من جمرة العقبة وفارق منى، فيجب عليه مد واحد من حنطة. فإن ترك يومئذ حصاة، واحدة من الجمرة الوسطى، واستكمل حصيات الجمرة القصوى، فعليه دم شاة.

والفرق بينهما: أنه إذا ترك امن الجمرة القصوى، وهي جمرة العقبة حصاة واحدة، ثم فارق منى لم يبق] عليه من النسك سوى تلك الحصاة الواحدة، وموجب الحصاة الواحدة مد من طعام. وأما إذا ترك من الجمرة الوسطى حصاة ورمى إلى الجمرة القصوى بسبع، فقد ترك ثمان حصيات وفي ثلاث حصيات دم، والواجب في الثمان هو الواجب في الثلاث، وائما حكمنا بأنه ترك ثمان حصيات؛ لأنه ترك حصاة من الجمرة الوسطى، وإذا تركها من الوسطى لم يحسب له شيء مما رمى إلى القصوى؛ لأن الترتيب فرض في الجمرات أيام الرمي والمذهب لا يختلف فيه، وإنما اختلف المذهب في مراعاة ترتيب الأيام عند

تداخلها. فأحد القولين: أن الترتيب غير واجب في القضاء، فعلى هذا لو ترك رمي يوم القر، ورمي يوم النفر الأول إلى كل جمرة بأربع عشرة حصاة أجزأه. والقول الثاني: أن الترتيب في الأيام فرض، فعلى هذا لو رمى إلى الجمرة الأولى يوم النفر الأول بأربع عشرة حصاة لم يحسب له منها إلا سبع وهن حق أمسه لهذه الجمرة، ثم يلزمه أن يرمي سبعًا إلى الوسطى، ثم سبعا إلى العليا، ثم يرجع إلى السفلى، وهي الأولى الأقرب إلى المشرق، فيرمي إلها بسبع، ثم إلى الثانية بسبع، ثم إلى الثالثة بسبع.

مسألة (118)

مسألة (118): إذا ترك الرجل جمار يوم القر فله قضاؤه في يوم النفر على أحد القولين. وأما إذا ترك جمار يوم النحر فليس له قضاؤه في يوم القر ولا بعده عند كثير من أصحابنا - ومنهم من سوى وجعل في الجميع قولين. والفرق بينهما عند من سلك طريق الفرق: أن رمي يوم القر ورمي يوم الفر متماثلان في جميع الوجوه. ألا ترى أنهما في مقدار الحصيات واحد، وكذلك في عدد الجمرات، [وكذلك في وقت الرمي وهو ما بعد الزوال] وكذلك استوى رمي هذين اليومين في وقوعهما [وراء التحللين. فأما رمي يوم النحر ورمي سائر الأيام فإنهما] متباينان في جميع هذه المعاني؛

لأن سنة وقته بعد طلوع الشمس، ولو رمى بعد نصف الليل أجزأه قبل طلوع الفجر من يوم النحر. ولا يلزمه أن يرمي إلا إلى جمرة العقبة، ولا يزيد على سبع حصيات، وبه يقع التحلل عن الإحرام، فلما تباينا من هذه الوجوه كلها تباينا في التداخل. ومن سلك هذه الطريقة أفرد جمار يوم النحر الدم إذا تركه ولم يدخله تحت سائر الأيام، فقال: إذا ترك الجمار كلها حتى انقضت الأيام فعليه دم لجمار يوم النحر، وفي جمار سائر الأيام قولان: أحدهما أن عليه دمًا واحدًا. والثاني: أن عليه لكل يوم دمًا بناء على القضاء، فمن جعلها كاليوم الواحد، وجوز قضاء بعضها في بعض اقتصر على الدم الواحد، ومن أفرد كل يوم بنفسه ولم يجوز أن يقضي

مسألة (119)

فيه رمي أمه أفرد كل يوم بدم. مسألة (119): إذا رمى إلى الجمرة الأولى بسبع، وفرغ وقف بينها وبين الجمرة الثانية يدعو بمقدار سورة البقرة. وكذلك إذا رمى إلى الجمرة الثانية عدل إلى جانب اليسار، لمكان الأكمة، بينها وبين العقبة ودعا بمقدار سورة البقرة. وإذا رمى إلى الجمرة الثالثة، فلينصرف إلى رحله من غير وقوف ودعاء. والفرق في هذه المواضع بالسنة، ولا سبيل للقياس البتة، كذلك

مسألة (120)

فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعساه رام بذلك تيسرًا وتخفيفًا وتسهيلًا. مسألة (120): إذا رمى بحصاة فوقعت على بعير، فانتفض البعير، فوقعت الحصاة في الجمرة أجزأته. ولو وقعت على ثوب رجل فانتفض فوقعت على الجمرة لم تجزه. والفرق بينهما: أن فعل الرجل إذا نفض ثوبه منسوب إليه، ولا ينسب إلى البعير رمي، فلما انتسب الرمي إلى من نفض ثوبه لم يمكن نسبته إلى الرامي؛ ولهذا قال الشافعي - رحمه الله -: لو

مسألة (121)

رمى بحصاة، فوقعت على محمل، ثم استنت فوقعت على الجمرة أجزأتة. مسألة (121): الرامي إذا نفض إزاره بالحصاة، فوقعت في الجمرة أجزأته ولو أرسل إزاره إرسالًا فانحدرت الحصاة إلى الجمرة لم تكن/ (124/ب) محسوبة. والفرق بينهما: أن النفض من جنس الرمي، ولا فرق بين أن يرمي الحصاة إلى الجمرة بيده [وبين أن يضعها في ثوبه، ثم يفض ثوبه إلى الجمرة] وبين أن يضعها على وتر قوس أو في مقلاع فيرمي بها، فكل ذلك رمي فأما إذا

مسألة (122)

أرسل إزاره، فاسترسلت الحصاة، فنزلت إلى الجمرة، فهذا وضع ووقوع لا رمي، ولو أن الرجل أتى إلى الجمرة، والحصاة معه فوضعها عليها لم يكن راميًا ولم تكن الحصاة محسوبة. مسألة (122): إذا رمى الرجل بحصاتين معًا فوقعت إحداهما على الجمرة، ثم الأخرى حسبناهما واحدة. ولو رمى حصاة، ثم أسرع، فأتبعها أخرى، فوقعتا في الجمرة معًا حسبناهما حصاتين. والفرق بين المسألتين: أنه إذا رماهما معا، ففعله في الرمي فعل واحد فلا فائدة في تعدد الوقوع والرمي مجموع، فأما إذا تعدد الرمي، فلا يصير وقوعهما معًا، بعدما ترتب فعل على فعل في الرمي، ومعقول أنه لو

مسألة (123)

رمى سبع حصيات دفعة واحدة فإنما محسوبة حصاة واحدة في نص الشافعي - رحمه الله - ولم يفصل في نصه بين أن تقع عل الجمرة معا وبين أن تقع مرتبة متعاقبة. مسألة (123): إذا رمى إلى الجمرة بحصاة واحدة كبيرة، ثم أخذها، وكسرها، فرمى منها إلى تلك الجمرة في ذلك اليوم ست حصيات لم تحسب الست ولو رمى بسبع حصيات دفعة واحدة إلى جمرة واحدة حسب له حصاة واحدة أخذ منها ستًا ورماها إلى تلك الجمرة في ذلك اليوم، فالقياس يقتضي أنها محسوبة. والفرق بين المسألتين: أنه إذا رمى إليها بالحصاة الكبيرة حسبت كلها لا

مسألة (124)

بعضها، وهي حصاة واحدة، فإذا كسرها فأبعاضها أبعاض الحصاة المحسوبة، بخلاف ما إذا رمى بسبع حصيات حسبنا له واحدة، وليست بواحدة، فإذا أخذ منها ستًا ورماها بها، فالواحدة التي لم يأس تكفي في الاحتساب الأول، ولم نجعل السبع واحدة محسوبة، ولكن حسبنا منها واحدة، ولم نحتسب ما سواها. فإن قيل: تلك الواحدة غير متعينة. قلنا: صارت متعينة لما التقط ستًا وأعاد رميها. مسألة (124): إذا حلق المحرم ثلاث شعرات معًا فعليه دم ولو حلق شعرات كثيرة في أوقات متباينة ففي كل شعرة مد.

مسألة (125)

والفرق بين المسألتين: أنه إذا حلق ثلاث شعرات في وقت واحد، فقد أكمل جناية الحلق في حالة واحدة إذ لا فرق بين حلق جميع الرأس وبين حلق ثلاث شعرات، بخلاف ما إذا فرق الأفعال فكل فعل جناية منقطعة عن الجناية السابقة، والجناية اللاحقة. وإذا انفردت الجناية (125/أ) بنفسها انفردت بجبرانها، كالجناية على الأبدان إذا اندملت. مسألة (125): أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في يوم النحر: الرمي، والحلق، والنحر، والطواف، والمستحب، والأفضل في الترتيب ترتيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه رمى، ثم نحر، ثم حلق، ثم طاف، فلو قدم الناسك على الرمي

الطواف والنحر فلا حرج عليه، ولو قدم عليه الحلاق لم يجز ذلك في أحد القولين. والفرق بينهما: أن الطواف والنحر من جملة المناسك المحضة كما أن الرمي من جملة المناسك، ولا يجب مراعاة الترتيب في مناسك ذلك اليوم. [وأما الحلاق فمحظور نسك يستباح في ذلك اليوم] ولا يستباح إلا بعد التحلل الأول وهو الرمي، فإذا قدم الحلاق عل الرمي صادف صلب الإحرام المطلق وتمخض جناية توجب فدية، وصارت منزلته قبل الرمي منزلة

التقليم، أو لبس المخيط قبل الرمي. ولو ارتكب من ذلك شيئًا التزم دمًا. فأما إذا حكمنا في الحلاق بالقول الثاني وهو: أنه من جملة المناسك صارت منزلته منزلة الرمي والطواف، ولا ترتيب في شيء منها على جهة اللزوم، فإن شاء قدم الحلق على الرمي وإن شاء أخره، ولا يتعلق بالنحر، تحلل وإنما يتعلق التحلل بالرمي والحلاق والطواف فأما السعي فربما يكون في ذلك اليوم وربما لا يكون؛ لأن الحاج إذا اتسع له الوقت، فدخل مكة، فطاف وسعى قبل الوقوف لم يلزمه إعادة السعي عقيب الطواف يوم النحر [وإن لم يسبق منه سعي لزمه السعي عقيب الطواف يوم النحر] فإذا جعلنا الحلاق من

مسألة (126)

جملة المناسك وجعلنا أسباب التحلل ثلاثة فالخروج الأول يقع باثنين منها، وذلك نصفها، وإذا لم نجعل الحلاق نسكا: جعلنا أساب التحلل اثنين الرمي والطواف ويكون الخروج الأول بأحدهما وهو النصف. والتحلل الثاني يقع أبدًا بالنصف الثاني. مسألة (126): قال بعض مشايخنا: من دخل مكة بغير إحرام فليس عليه قضاء الإحرام إلا أن يصير حطابًا، فإذا صار من الحطابين بمكة فعليه قضاء ذلك الإحرام. [والفرق: أنه إذا لم يصر حطابًا، فمتى ما خرج لقضاء الإحرام] المتروك

مسألة (127)

التزم بالدخول المستأنف إحراما مستأنفًا، فلا يتصور منه قضاء ذلك الإحرام الأول، بخلاف ما إذا صار من الحطابين، فخرج لم يلتزم إحرامًا لدخول مكة، فتمكن من قضاء ذلك الإحرام المتروك، واعترض بعض مشايخنا على هذه الطريقة، فقال: إما ليست بمستقيمة؛ لأن هذا الرجل لا/ (125 /ب) يخلو في الأصل من أحد احتمالين: إما أن يكون قضاء هذا الإحرام فرضًا حمليه، وإما أن لا يكون قضاؤه فرضًا عليه. فإن كان فرضًا في الأصل فهو في ذمته يكل حال إلى أن يتصور قضاؤه، وإن لم يكن فرضًا في الأصل استحال أن يصير فرضًا عليه في الحالة الثانية بأن يصير حطابًا، وطريقة هذا المعترض أصح وأسد إن شاء الله. مسألة (127): إذا قال الرجل في وصيته ادفعوا من ثلثي خمسين دينارًا إلى فلان؛

ليحج فلان حجة لنفسه، ومات الموصي، فطلب صاحب الوصية وصيته ولم يرد الحج وجب دفع الوصية إليه. ومثله لو قال في وصيته: ادفعوا إليه مائة دينار، ليحج عني، وكان أجرة مثله خمسين دينارًا، فقال ادفعوا إلى خمسين دينارًا وهو قدر المحاباة، فإنها وصية منه لي وادفعوا خمسين دينارًا إلى أجير؛ ليحج عنه لم يستحق من المائة شيئًا. والفرق بينهما: أن الوصية في المسألة الأولى وقعت له وهى غير معلقة بعقد؛ لأنه أوصى بتمليكه، ثم ذكر جهة يتخير ذلك الرجل فيها فإن شاء صرف الوصية إليها وإن شاء لم يصرف، بخلاف، المسألة الثانية [فإنه إنما وصى الموصي بمحاباته بخمسين دينارًا على شرط عقد يقبله، ويلزمه حكمه، ويقوم بموجبه]،

مسألة (128)

فإذا امتنع عن قبول ذلك العقد والتزام حكمه سقطت الوصية بإسقاطه، وكذلك القول في البيع مثل أن يقول الرجل في مرض موته بعت منك هذا العبد بمائتي درهم وهو يساوي ثلاثمائة، ويموت الموصي البائع، فيقول المشتري: إن المحاباة وصية لى، فسلموا إلي من ماله ذلك المقدار ولا أريد البيع لم يستحق تلك المحاباة إلا بثبوته على البيع. مسألة (128): المحرم إذا رمى بسهم من الحل فاخترق سهمه الحرم، ثم جاوز إلى الحل فأصاب صيدًا، فقتله فعليه جزاؤه وكذلك - أيضًا - الحلال فإن المحرم، والحلال في حرمة الحرم سواء. ولو أن الحلال أرسل كلبه من الحل فتحامل على الصيد، فتحصن الصيد في الحرم، فدخل الكلب الحرم، وخرج إلى الحل، وقتل ذلك

الصيد، فليس عل الحلال جزاؤه. والفرق بين الكلب والسهم: أن الكلب مختار فربما يرسله مرسله إلى جهة، فيميل إلى جهة أخرى إذا مال الصيد إليها؛ فلهذا [لم يلزم الحلال جزاؤه]، بخلاف السهم، فلا اختيار له وكان في وسع الرامي أن يتجاوز بسهمه عن سمت الحرم إلى الحل فإذا لم يفعل، فكأنه قصد الحرم بالرمي. وفي مسألة الرمي قول آخر: لا ضمان عليه.

مسألة (129)

والقولان في الرمي بيان على من/ (126 /أ) جرح شخصًا في حالة الضمان، ثم اعترضت حالة أخرى تنافي الضمان، ثم ارتفعت تلك الحالة المعترضة وحدثت حالة ثالثة - وذلك مثل الذمي يجرحه جارح، ثم ينقض العهد ويصير حربيًا والجراحة تسري، ثم يعود إلى الذمية، ففيها قولان: أحدهما: أن الحالة العارضة تؤثر في مقدار الضمان. [فعلى هذا أثرت الحالة العارضة في إيجاب الضمان]. والثاني: أنها لا تؤثر في مقدار الضمان، فعل هذا لا تؤثر الحالة العارضة في إيجاب الضمان. مسألة (129): المحرم إذا قتل ظبيهً فعليه شاة. ولو جني عليها جناية ينقص عشرها، فقد قال الشافعي - رحمه الله -:

((عليه ثمن عشر شاة)). ولم يوجب عليه عشر شاة قال المزني: ((عشر شاة] أولى بأصله)). والفرق بينهما: - على أصل الشافعي - رحمه الله -: أنا إذا قابلنا ظبية بشاة تيسرت المقابلة. [وإذا قابلنا العشر بالعشر تعذرت القابلة] لأنه ربما يحتاج أن يشتري عشر شاة على الشيوع، وفي الشيوع، والشركة ضرورة، وجزاء الصيد يقتضي الترفيه، والتخفيف؛ ولهذا أوجبنا في خمس من الإبل شاة ولم نوجب جزءًا من بعير، ثم لما كثرت الإبل، وصارت ضرورة الشركة

مسألة (130)

مأمونة عدلنا إلى المجانسة، فأوجبنا فيها من جنسها، وأيضًا فإنا لو قابلنا العشر بالعشر للزمنا مقابلة العضو بالعضو حتى إذا جني على الرجل لزمنا أن نوجب عليه مقابلتها الرجل، ثم لا يتصور أن يشتري من شاة رجلًا، وهي حية، وهذا شرط الجزاء في الصيد. مسألة (130): الصيد الذي لا مثل له من جهة الخلقة مثل الطيور التي هي أصغر من الحمام إذا قتله الحرم وجبت عليه قيمته، واعتبار القيمة في مكان الإتلاف لا بمكة والصيد الذي له مثل من جهة الخلقة إذا أردنا العدول إلى الإطعام قوما مثله بمكة لا في موضع الإتلاف. والفرق بينهما: أن الصيد إذا لم يكن له مثل لم نوجب، إلا قيمته مصروفة إلى

مسألة (131)

الطعام؛ ليطعم، أو يقابل كل مد بصوم يوم، وقيمة المتلف تعتبر في محل الإتلاف. فأما الصيد الذي له مثل إذا قتله، فالواجب عليه مثله بمكة لمساكينها. فإذا أراد العدول إلى تقويم المثل للإطعام، أو للصيام وجب مراعاة قيمة المثل في مكان استحقاق المثل، ومكان استحقاقه مكة؛ فلهذا اعتبرنا القيمة بها. مسألة (131): المحرم إذا خصي صيدًا وجب عليه قيمة ما نقص. ولو فدى ظبيًا، أو ظبية بخصي من الغنم أجزأه

الفداء. وإنما كان كذلك؛ لأن لحم الخصيان من الحيوانات أسمن من لحم الفحول والرغبة فيه أكثر، فلا يعد ذلك - فيه - نقصاً؛ ولهذا قلنا: يجوز في الضحايا والهدايا الخصي من الغنم. بخلاف/ (126/ب) ما إذا جني على صيد بخصيه، فذلك جرح ونقص وجناية منه على تلك الصيد والجنايات على الصيد مضمونة بكل حال. وهذه النكتة تقتضي جواز مقابلة الفحل من الصيود بالخصي من الغنم؛ لأن الشافعي - رضي الله عنه - لا يشترط مقابلة الذكورة بالذكورة والأنوثة بالأنوثة شرطاً لازماً، ولكنه قال: "يفدي الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى ويفدي بالإناث أحب إلي "، ثم قال مشايخنا - في تفسير هذه المسألة -: أراد الأنثى

التي لم تلد، فإن لحمها أطيب، وأما التي ولدت، فلحم الذكر أطيب منها. فإن قال قائل: الخصاء في الحيوانات غير موضوع موضع الجنايات، ولكنه نوع استصلاح، وقد قلتم: لا جزاء ولا غرامة على من قطع بعض الأغصان من شجرة حرمية استصلاحاً وتشذبياً. فهلا قلتم: بسقوط جزاء الصيد على من خصي فحلاً من الصيود. قلنا: الخصاء في الحيوانات المملوكة للناس نوع مصلحة في بعض

مسألة (132)

الأحوال، وتلك المصلحة راجعة إلى تدبير الملك، فأما إذا خصي الصيد، فليس هذا الفحل مصلحة للصيد حتى يصير معذوراً بقصد تلك المصلحة فتمخض جناية. ووزان تشذيب أغصان الحرم تقليم حوافر الصيد إذا طالت حوافره، وتعينت المصلحة في تقليمها فإذا فعله المحرم على جهة المصلحة لم يلزم بذلك جزاء؛ لأن ذلك لا يعد نقصاً وجناية؛ ولهذا لم نجعل تقليم الأظافر مانعاً من الرد بالعيب في البيع، وألحقنا به ختان الغلام وخفض الأمة. مسألة (132): السمين من الصيد مضمون بالسمين من النعم.

والحامل من الصيد غير مضمون بالحامل من النعم. والفرق بينهما: أن الحمل في الصيد زيادة صفة، والجنين في بطنها صيد آخر، والمقصود من الجزاء الذبح؛ لإيصال اللحم إلى المساكين، ولحم الحامل في الصفة دون لحم الحائل وفضيلة الحامل من النعم تتبين في النتاج والدر والنسل، وليس ذلك من مقاصد جزاء الصيد. والوجه مقابلتها بغير الحامل، فإذا لم يسقط الجنين لم يفرد الجنين بالضمان ما دام مستكناً.

مسألة (133)

وذكر الشافعي - رضي الله عنه - في بعض كتبه - تقوم الحامل من الصيد إذا جني عليه المحرم، وتصرف القيمة إلى الإطعام. وفيه إشكال؛ لأن ما كان له مثل، فالواجب تقويم المثل، لا تقويم الصيد، ولكنه لما لم يقابل الحامل من الصيد بالحامل من النعم للنقص في الحامل، ولم يجد بذا من تضمين الجنين رأي تقويم الحامل، وفي تقويم الحامل تقويم الجنين. وللمسألة أطراف وأصول/ (127/أ) ليست من شرط كتابنا هذا. ... . مسألة (133): الحلال إذا دخل الحرم بصيد صاده في الحل كان له ذبحه في الحرم. ولو خرج إلى الحل بصيد صاده في الحرم لم يكن له ذبحه، ويلزمه إرساله.

والفرق بين المسألتين: - فرق جمع وهو -: أن الواجب يعتبر حال القبض على الصيد في الأصل، فإذا صاد صيداً في الحرم كان قبضه عليه قبض عدوان، ولزمه إرساله؛ ليخرج عن ذلك العدوان، فخروجه إلى الحل لا يوجب تغيير حكم الصيد، كما أن المحرم لو صاد في الإحرام، ثم تحلل والصيد في يده لزمه بعد التحلل إرساله، [كما لزمه قبل التحلل إرساله]، وإذا صاد الحلال في الحل، فاستيلاء يده على الصيد استيلاء مأذون فيه بأصل الشرع استفاد به كمال الملك، ودخول الحرم لا يوجب زوال ملكه، ولا يحصل لعين ذلك الصيد حرمة تمنع الذبح بعد تقدم حقه في. وضرب الشافعي - رضي الله عنه - لهذا مثلاً فقال: الحربي إذا سبي في بلاد [الحرب، ثم نقل إلى بلاد] الإسلام قبل استرقاقه جاز استرقاقه في بلاد الإسلام، بخلاف أهل الذمة الذين ثبتت لهم حرمة الذمة بالدار،

فلا يجوز لنا استرقاقهم. والفرق بين الفريقين: ما أشرنا إليه أن الذمي اعتصم في الدار بحرمة الذمة، فلا يجوز لنا اغتياله، والاعتراض على ذمته، وأما الحربي، فقد حازته يد السبي في دار لا حرمة لها، وهي دار الحرب فإذا أدخلناه دار الإسلام على الحرية لم يستعصم بحرمة الدار عن ذل الاسترقاق، وكذلك الصيد. وعلى هذا الأصل دل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو ما روي أن أبا عمير كان معه نغير يلعب به، وذلك بالمدينة، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

مسألة (134)

يقول له: "يا أبا عمير ما فعل النغير ". ولا يجوز ابتداء الاصطياد بالمدينة، [فعرفنا أن ذلك الطائر كان قد صيد في الحل، ثم نقل إلى الحرم]، فاستجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقريره في الوثاق ولم يأمر بإرساله، ولو حرم ذبح هذا الصيد في الحرم لوجب إرساله، ولحرم إمساكه، والخبر دليل على جواز الإمساك والحبس. مسألة (134): الطائر إذا وقع على غصن شجرة حرمية أصلها في الحرم، وأغصانها في الحل جاز للحلال أن يصطاده إذا كان موقف الصائد في الحل ولا يجوز لأحد كسر ذلك الغصن. ولو كان أصل الشجرة في الحل، وأغصانها في الحرم، فوقع الطائر على تلك

الأغصان لم يجز رمي ذلك الطائر سواء كان ذلك الرامي في الحل، أو في الحرم، ويجوز كسر أغصان تلك الشجرة. والفرق بينهما: أن الطائر إذا وقع/ (127/ب) على غصن في الحرم، فهو في هواء الحرم، والطائر معتبر بنفسه فإذا أحاط الحرم به ثبتت له حرمته، وليست حرمته بموقعه حتى يعتبر أصل ذلك الغصن. وهواء الحرم إلى السماء حرم في حكم الصيد، وكذلك أيضاً أرض الحرم حرم إلى الثرى، فأما الشجر

فمنبتها مستتبع أغصانها؛ لأن المنبت أصلها. فإن قال قائل: أرأيت لو أن شجرة كانت على طرف الحرم ومنبتها في الحل فانتشرت عروقها [في أرض الحرم، فنبتت شجرة أخرى من بعض عروقها] في الحرم، فهل تكون هذه الشجرة المتفرعة من أشجار الحرم؟ قلنا: هذه الشجرة النابتة في الحرم إذا قويت واستعلت، فانتشرت لها في الحرم عروق صارت حرمية، وإن كان سبب نباتها من تلك العروق، فصارت كما لو أخذ بعض عروق تلك الشجرة من الحل، فغرست في الحرم، فتكون من الحرم؛ لأن أصل منبتها فيه. فإن قيل: أرأيت لو كانت شجرة في دار رجل، فانتشرت عروقها في دار جاره، فنبتت فيها شجرة أخرى فلمن تكون تلك الشجرة؟ قلنا: تلك الشجرة لمن كانت الأولى له، وبكونها موصفة بأن أصلها في

مسألة (135)

دار الجار [لا يخرجها عن أن تكون ملكاً لمن تفرعت عن ملكه]، فإن فروع الملك لمن كانت له أصول الملك، فالنخلة ملك مالك النواة، والفرخ ملك مالك البيضة، والزرع ملك مالك البذر، فأما أجنة الحيوانات، فهي ملك مالك الأنثى دون مالك الفحل. مسألة (135): صيد الحرم إذا وقف على طرف الحرم، فكان بعض بدنه فيه، وبعضه في الحل فكأنه واقف في الحرم. وأما صيد الحل [إذا قارن طرف الحرم، فكان بعض بدنه فيه

وبعض بدنه في الحل]، فكأنه واقف في الحل حتى يدخل الحرم بجميع بدنه، فإن صاد حلال هذا الصيد بشرط أن لا يدخل سهمه الحرم، ولا حبائله، ولا جوارحه فلا حرج. ومثال هذا ما نقول فيمن حلف لا يدخل الحرم، أو حلف لا يخرج من الحرم: فلا يصير الحرمي بخروج بعض البدن خارجاً، ولا من كان في الحل يصير بدخول بعض البدن داخلاً.

مسألة (136)

والورع في الاجتناب؛ لأن الجناية على بعضه الذي في الحل جناية على جميع البدن. والحرم عصمة للصيد. مسألة (136): إخراج الحجارة من الحرم مكروه، وسواء في ذلك مكة وجميع ما حواليها من الحرم. ولو اشترى برمة مكية فأخرجها، فغير مكروه. والفرق بينهما: ما قاله الشافعي - رحمة الله عليه -: أن برام مكة منقولة إلى الحرم، وليس أصل حجارتها فيه، ولو أن رجلاً استصحب من الحل/ (128/ أ) حجارة، فأدخلها الحرم، ثم استصحبها لما خرج، فلا حرج

مسألة (137)

عليه. مسألة (137): نقل ماء زمزم إلى البلاد مباح، بخلاف أحجار الحرم، وأشجاره. والفرق بينهما: أن الماء يستخلف بذلك، فرق الشافعي - رضي الله عنه - ثم احتج بأن رسول الله - صلى الله علي وسلم - استهدى عام الحديبية من سهيل بن عمرو

مسألة (138)

ماء زمزم. وكانت عائشة - رضي الله عنها - تنقل ماء زمزم في القوارير. مسألة (138): المحرم إذا دل على الصيد أساء بالدلالة، ولا ضمان عليه، والمودع إذا دل على الوديعة، فتلفت بدلالته، فعليه ضمانها. والفرق بينهما: أن المحرم مأمور بالكف عن أذى الصيد وغير

مسألة (139)

مأمور بحفظه، ألا تراه لو مر بصيد مشرف على التلف ولو شاء لتلافاه، فليس عليه تلافيه، ولا ضمان عليه فيه. وأما المودع فهو ضامن للحفظ، وناقض الحفظ بالدلالة فالتزم الضمان لذلك. ومنزلة المحرم في الصيد منزلة غير المودع إذا دل على الوديعة، فتلفت فلا ضمان عليه. مسألة (139): إذا نتف المحرم ريش صيد وانفلت، ثم صادفه ميتاً فالمستحب أن يفديه، كذلك قال الشافعي - رحمه الله -: والفداء غير واجب عليه. ولو جرحه ثم انفلت ثم صادفه بعد ذلك ميتاً وتلك الجراحة دامية سواء كانت كبيرة أو صغيرة فعليه جزاء الصيد.

والفرق بينهما: أن النتف وإن كان سبب الإيلام فليس بظاهر في إسناد الموت إليه بخلاف الجرح فإنه سبب ظاهر لإسناد الموت إليه. ألا ترى أن رجلاً لو جرح رجلاً، فمات المجروح بعد سنين والجراحة دامية نسب القتل إلى تلك الجراحة، فإن بلغ النتف من الطائر مبلغ التمريض بحيث قال أهل النظر: إنه أمرضه فاتصل ذلك الفعل بموته ألحقنا النتف بالجرح، كما لو ضرب رجل رجلاً بالسوط، أو الخشب من غير جرح، ولكن تألم، فمرض، فاتصل ذلك السبب بالموت أضيف إليه. ألا ترى أن من ضرب بطن حبلى، فأجهضت،

مسألة (140)

فتلف الجنين مضاف إلى الضارب. مسألة (140): المحرم إذا جرح صيداً ثم أخذه، ليتعهده، ويسقيه، فاتفق تلفه في يده، فعليه ضمان جزائه. ولو جرحه حلال، فأخذه محرم؛ ليتعهده، فتلف في يده، فلا ضمان عليه في أحد القولين. والفرق بين المسألتين: أن المحرم إذا كان هو الجارح، فأخذه للتعهد لا يبرئه عن ضمان الجرح، وإنما يبرئه عنه الإندمال. وأما إذا كان الجارح غيره، فأخذه؛ للتعهد لا يتمخض عدواناً وإنما قصد به صلاحاً، فلا يضمن. وعلى هذا القول لا يضمن من غصب

مسألة (141)

المغصوب على قصد رده إلى مالكه حين يغصبه من يد غاصبه. ويضمن على القول الثاني. مسألة (141): قال الشافعي - رحمه الله عليه: إذا قبل الحجر عالماً بأن/ طيباً (128/ ب) عليه رطباً فعلق بشفتيه وهو محرم فعليه الفدية. وقال أيضاً: لو غسل المحرم عن ثوبه طيباً فمسه بيده حالة غسله فلا فدية عليه. والفرق بينهما: أن قصده قصد الإزالة عند الغسل، لا قصد التطيب، وهذه طريقة الإزالة. ومعلوم أن المصلي إذا وقعت على ثوبه نجاسة يابسة، فلابد أن يأخذها ليرمي بها وإذا

فعل لم تبطل صلاته بالأخذ والرمي. فإن قيل: المستلم قصد تقبيل الحجر وما قصد التطيب، كما لم يقصد الغاسل التطيب. قلنا: المستلم يعلم أنه إذا قبل يتعلق به الطيب؛ لأنه رطب. وبه غنية عن تقبيله. فإذا فعل التزم الضمان بذلك. والضرورة في غسل الثوب قد تحققت، فأحوجت إلى الإزالة بالغسل. حتى قال الشافعي - رحمه الله -: لو وجد ماءً قليلاً، وكان محدثاً صرف الماء القليل إلى إزالة الطيب، وتيمم للصلاة، كما قال - في إزالة النجاسة [وإزالة الحدث إذا اجتمعا والماء

مسألة (142)

قليل: - أن إزالة النجاسة بالماء] مقدمة على إزالة الحدث؛ لأنه لا بدل؛ لأحدهما، والثاني له بدل. مسألة (142): قال الشافعي -رحمه الله -: المسيء بمحاورة الميقات يعود ما لم يطف ويسقط عنه الدم بالعود، لبى ثانياً إذا مر على الميقات محرماً. ولو طاف، ثم عاد لم يسقط عنه دم الإساءة. الفرق بينهما: أن الطواف من جملة الأعمال التي يتحلل بها المعتمر والحاج، ومراعاة حق الميقات من حق الدخول في الإحرام، فإذا طاف، ثم عاد، فكأنه قصد الدخول في حالة الخروج، وذلك محال في التصوير والتحقيق. فأما إذا عاد قبل الطواف، فهو بعد في حال الدخول، فيحسن منه استكمال الميقات بمراعاة السنة في الدخول. فإن دخل مكة، ولم يفتتح الطواف حتى عاد. فمن أصحابنا من قال

مسألة (143)

استقر عليه دم الإساءة، ولا يسقط بالعود؛ لأنه دخل المكان المقصود ومنهم من قال: يسقط بالعود؛ لأنه دخل المكان المقصود. ومنهم من قال: يسقط إذا عاد قيل الطواف. ومثل هذا الخلاف: خلاف أصحابنا، فمن ترك رمي يوم النفر الأول وفارق مني إلي الأبطح، ثم عاد إلي مني ليرمي، فمنهم من قال: استقر الدم عليه بالمفارقة السابقة، فلا يسقط عنه بالمعاودة. ومنهم من قال: يسقط بالعود. مسألة (143): قال الشافعي -رحمة الله - لو أهل يوم النفر الأول بعمرة ثم نفر فالإهلال باطل ولا شيء عليه. ولو نفر، ثم أهل، فالإهلال صحيح، وعليه إتمام العمرة.

مسألة (144)

والفرق بينهما: أن المحرم وإن كان يوم النفر خالياً عن علائق الإحرام بما سبق من التحللين، فهو معكوف على نسك بإتمامه وهو الرمي، والمبيت، وهما من تمام الحج، فلا تنعقد له العمرة ما لم/ (129/أ) يكمل فراغه من الحج، فإذا نفر فقد تعجل في يومين والله تعالى أذن له في ذلك، فصار خارجاً عن الحج، وعن توابعه، فيصح منه الشروع في العمرة. ولا يتصور حلال يحرم بالعمرة في وقت تنعقد عمرة إلا في هذه المسألة. مسألة (144): تحلل المفرد لا يتعلق بالهدي، وكذلك تحلل القارن

والمتمتع. وأما المحصر فتحلله يتعلق بالهدي. الفرق بينهما: أن المفرد تمكن من الأركان وإكمال الإحرام، وكذلك القارن والمتمتع، وإنما الهدي تطوعاً، وللمقارن والمتمتع جبراناً لربح أحد السفرين فاستحال أن يتعلق بهذه الدماء حكم التحلل، كما يستحيل أن يتعلق بجزاء الصيد، وفدية الأذى، ودم الإساءة حكم التحلل، بخلاف المحصر فإنه غير متمكن من أركان نسكه ويريد أن يتحلل عن إحرامه ليستبيح محظورات النسك فنزل الدم بالشرع منزلة الرمي، وسائر أسباب التحلل. ثم اعلم أن قول الشافعي - رحمه الله - في الحلاق مختلف. فأحد القولين: أنه ليس من المناسك، فعلى هذا القول ينحصر تحلل المحصر في النحر حني لو نحر دم الإحصار فانجلى الإحصار قبل الحلاق كان له أن ينصرف إلى

مسألة (145)

وطنه، وعلى هذا القول للحاج إذا رمى أن يقلم ويلبس المخيط قبل أن يحلق، وله أن يترك الحلاق أصلاً. والقول الثاني: أن الحلاق من النسك، فعلى هذا القول لو أراق المحصر دم الإحصار ولم يحلق حتى انجلى الحصر وجب عليه أن يمضي على إحرامه؛ لأنه غير متحلل منه، وليس للحاج على هذا القول أن يقلم، أو يلبس مخصيا قبل الحلاق، وليس له ترك الحلاق. مسألة (145): استحب الشافعي -رضي الله عنه - في دماء يسوقها المحصر ليبعث بها إلى الحرم؛ ليكون نحرها فيه، ولم يقل بهذا الاستحباب في نفس دم الإحصار. والفرق بينهما: أن المحصر لو تكلفت بعث دم الإحصار إلى الحرم لزمه مصابرة

مسألة (146)

الإحرام إلى وقت بلوغه، ونحره، وفي ذلك مشقة ظاهرة واعتراض على الرخصة، وموضوع الرخصة التخفيف، والتسهيل، فلا يجوز عكس موضوعها. فأما سائر الدماء التي يلتزمها بسبب الارتكاب، فتحلله غير متعلق بها، ولا تبطل علة الرخصة بتأخير إراقتها، فصار كالمتمكن من سوق الهدي إلى الحرم على وجه وهو غير متمكن على وجه، فخيرناه في بعثه بها، أو نحرها حيث أحصر، كما ينحر دم الإحصار. مسألة (146): إذا ساق المحرم هدياً واجباً نحره، وعطب في الطريق، فله أن يأكل منه ولرفقته الأكل. وأما هدي التطوع إذا عطب / (129/ب) منه في الطريق، فليس له أن يأكل

منه، ولا أحد ممن شاهده، وعليه أن ينحره، ويغمس نعله في دمه، فيضرب به صفحته، ويخلي بينه وبين الناس. الفرق بين [الهدي المفروض إذا عطب، وبين الهدي المتطوع به]: أن الهدي المفروض إذا عطب مضموناً يبدله، فجاز له أن يأكل منه بعد التزام البدل. فأما هدي التطوع فلا بدل فيه، ولو جوزنا له، والمشاهدين أن يأكلوا منه

مسألة (147)

لم نأمن على هدايا التطوع قصد الإتلاف. مسألة (147): قال الشافعي - رحمه الله - في العدو الذي هو سبب الحصر: [لو أعطى الناس أماناً وهو موثوق به بغير جعل، فقد زال الحصر]، وإن كان بجعل، فالحصر غير زائل قل ذلك الجعل، أو كثر. والفرق بينهما: أنهم إذا طلبوا جعلاً يبذله لهم، فبذله لهم يسبب استحكام أطماعهم، ثم ربما يستزيدون في سائر الأعوام فيصير البذل في الابتداء سبب انسداد المسالك في الانتهاء، فأما إذا لم يطلبوا جعلاً، وعقدوا أماناً، فقد زال الخوف زوالاً مطلقاً، وفي زوال الخوف زوال الحصر. مسألة (148): يجب إعطاء ثمن الماء، لتحصيله مع القدرة على الثمن، وكذلك الرقبة في الكفارة، ولا يجب بذل مال على جهة الخفارة

مسألة (149)

للتوصل إلى الحج. والفرق بينهما: ما بيناه في المسألة المذكورة قبلها. مسألة (149): قال الشافعي -رضي الله عنه - لو طاف لا ينوي فرضه وعليه فرض الطواف انصرف إليه. ولو طاف بعض الطواف فأغمي عليه فحمل وطيف به لم يحسب له ما حصل في زمان الإغماء. فإن قيل: قصد الفرض مفقود في المسألتين، فما الفرق؟ قلنا: الفرق بينهما: أن المغمى عليه لا تتصور منه

نية الفعل ولا قصد الفعل، فلا يحتسب له ما حصل من فعل غيره به بعد الإغماء، وأما إذا طاف وليست له نية الفرض فله قصد الفعل الذي يفعله وقد سبقت نية مغنية عن إعادتها، فإذا حصل الفعل عن قصد ترتب على تلك النية؛ والدليل على أن قصد الفعل معتبر وهو عين النية: أن رجلاً لو دخل المسجد الحرام من باب الصفا، وقصده أن يزور إنساناً في جانب الندوة، فلما فرغ من زيارته بدا له أن يطوف لزمه أن يرجع وراءه إلى الحجر، فيستلمه، ويفتتح الطواف ولا تحتسب له هذه الخطوات التي خطاها على قصد زيارة فلان؛

والدليل على أن الإغماء إذا طرأ سلب القصد عن حكم العبادة: أن الصائم في رمضان لو أنشأ ليلاً، وتممها، ثم أغمي عليه قبيل طلوع الفجر ودام ذلك الإغماء إلى غروب الشمس لم يحتسب له صوم ذلك اليوم، ولو/ (130/ أ) كان في بعض نهاره مفيقاً كان ذلك اليوم محسوباً من الصوم؛ لأنه في ساعة الإفاقة من أهل قصد الصوم، وإن لم يجدد نية الصوم في ذلك الوقت.

مسألة (150)

مسألة (150): الطواف وراء السقايات صحيح، وخارج المسجد باطل، والمسألتان منصوصتان. والفرق بينهما: إتباع الأثر مع مراعاة نوع من القرب، فإذا خرج من المسجد خالف فعل المسلمين في الطواف وبعد عن الكعبة إلى مكان يباين المسجد بحكمة، فلو جوزنا في هذا المكان، الطواف لزمنا أن نجوزه على جبال مكة، ثم يلزمنا ذلك، فيمن طاف على فرسخين أو مائة فرسخ، فكان ما قلنا حداً لا نجد أولى منه.

مسألة (151)

فإن قيل: لو راعينا عادة السلف لزمنا أن نمنع الطواف وراء السقايات؛ لأنهم كانوا لا يوالون يطوفون بين البيت والمقام. قلنا: هذا عند قلة الزحام، فأما إذا ازدحم الناس وكثر الطائفون: انتشرت حاشيتهم إلى ما وراء المقام. مسألة (151): قال الشافعي - رضي الله عنه -: إذا مات المحرم المتمتع في الحج بعد أيام مضت على الإحرام، وكان معسراً وجب أن يتصدق عنه بثلاثة أمداد على ثلاثة مساكين. ولو شرع في الحج متمتعاً معسراً، فمات، فلا شيء عليه ولا يجب أن يتصدق عنه. والفرق بينهما: أنه إذا مات عقيب الإحرام لم يتمكن من صوم التمتع بعد

مسألة (152)

وجوبه؛ لأن وجوبه بشروعه في الحج عاجزاً عن الدم، فصار كمريض أفطر رمضان، ومات في غرة شوال لقي الله - تعالى - ولا صوم عليه، فأما إذا عاش بعد الإحرام أياماً، فقد تمكن وما صام، فصار كمن أفطر رمضان، وعاش شوال، ولم يقض حتى مات، فلا بد من التصدق عنه. مسألة (152): الأجير إذا فاته الحج بخطأ الطريق، أو بخطأ العدد، فقد قال الشافعي: - رضي الله عنه -: عليه أن يرد الأجر بتمامه. ولو فاته الحج بالإحصار بعد الإحرام رد الأجر إلا ما بين الإحرام والإحصار بالتوزيع على أجرة المثل.

مسألة (153)

والفرق بينهما: أن الفوات بالخطأ تقصير وتفريط منه، وليس الفوات بالإحصار كذلك؛ ولهذا المعنى أوجبنا القضاء على المتطوع بالحج إذا فاته الحج بخطأ العدد، أو خطأ الطريق. ولم نوجب القضاء عليه إذا كان الفوات بالإحصار. مسألة (153): قال الشافعي - رضي الله عنه - فيمن أصاب بقرة ركوبا فألقت ما في بطنها حياً، فمات - قال: يفدي الأم ببقرة والوالد ببقرة مولودة، وهكذا كل ذات حمل من الدواب، ولو خرج ميتاً

وماتت أمه قوم مخاضا بمثلها من النعم وقوم ثمن ذلك المثل من النعم طعاماً والطعام صياماً. وإنما فصل بين الحالتين؛ لأن الولد إذا/ (130 - ب) خرج ميتا لم يخرج على صفة يفرد مثلها بالضمان، فرجع إلى تقويم الأم مخاضا. وإذا خرج الولد حياً، ثم مات أمكن إفراده بالضمان، والاعتبار، ثم لما قوم الماخض بمثلها من النعم رأى صرف قيمة مثله إلى الطعام والطعام إلى الصيام، وقال الشافعي - رضي الله عنه - إذا وجب بدنه ذات جنين جزاء عن نعامه، ثم ولدت، فمات ولدها لا يغرمه، وكذلك لو ابتاعها ومعها ولدها، فمات لم يغرمه، ثم قال: ولو كانت النعامة ذات جنين

كان فيها بدنه ذات جنين، وكذلك كل صيد ذات جنين. فهذا كله نص في مقابله الحامل بالحامل وهو القياس المستمر المستقيم على المماثلة المعتبرة من طريق الخلقة. وقال الشافعي -رضي الله عنه -: إذا ضرب بطن أمه مرهونة، فألقت جنيناً أخذ بأرش الجنين، فإن نقصها نقصاً له قيمة بلا جرح يكون له أرش يبقى أثره، فلا شيء على الجاني سوى أرش الجنين؛ لأن الحكم له، وإن نقص من جرح له عقل، أو حكومة ضمن الجاني ذلك مع أرش الجنين، فكان رهناً معها، وعقل الجنين لمالكها؛ لأنه لا يدخل في الرهن، ثم قال: ولو جني على أنثى من البهائم مرهونة، فألقت جنيناً ميتاً قال: يضمن ما

نقصتها عن قيمتها تقوم يوم جني عايشها ويوم ألقت جنيناً فنقصت، ثم يغرم الجاني ما نقصها ويكون مرهوناً معها؛ لأن هذا يخالف جنين الأمة. ومراده بالمخالفة أن جنين الأمة مضمون وإن خرج ميتاً، كجنين الحرة، فأما جنين البهائم، فغير مضمون إذا خرج ميتا، فوجب تقويم الأم حاملاً على الجاني قبيل الجناية، كما قومنا الصيد حاملاً على المحرم قبيل الجناية في أحد النصين. وقال الشافعي - رضي الله عنه -: لو جني على أنثى من البهائم، فألقت جنيناً حياً، ثم مات مكانه، ففيها قولان: أحدهما: أن عليه قيمة الجنين حين سقط؛ لأنه جان عليه، ولا يضمن إن كان إلقاؤه نقص أمه شيئاً أكثر من قيمة الجنين [إلا أن يكون جرحاً، فيضمن مع قيمة الجنين] والقول الثاني: أن عليه الأكثر من قيمة الجنين وما نقص أمه.

كتاب البيوع

كتاب البيوع مسألة (154): المذهب أن من باع شيئاً لم يره، فبيعه باطل، ومن اشترى شيئاً لم يره، ففيه قولان. والفرق بين البيع والشراء: أن من أشترى شيئاً لم يره، فمن ضرورة البيع إذا صححناه خيار الرؤية، ولو جوزنا للبائع بيع ما لم يره لزمنا إذا رآه أن نسيت له خيار الرؤية؛ وجانب البائع بعيد عن مثل هذا الخيار. ألا ترى أن المشتري لو اشترى سلعة يتوهما سليمة من العيوب، ثم اطلع على عيب كان له الرد بذلك العيب، ولو باع رجل / (131/أ) سلعة يتوهم معيبة - لذلك حابى في ثمنها - فاستبان أنها غير معيبة، فلا خيار له في

مسألة (155)

الفسخ. ولما اختلف عثمان وطلحة -رضي الله عنهما - فقال عثمان: لي الخيار؛ لأني بعت ما لم أره، وقال طلحة: لي خيار؛ لأني اشتريت ما لم أره ترافعاً إلى جبير بن مطعم، فقضى بالخيار لطلحة، فثبت أن الخيار في جانب المشترى. مسألة (155): إذا اشترى ما لم يره ورآه البائع، وحكمنا بجواز البيع، ثبت

له خيار المجلس ما لم يتفرقا؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "البيعان كل واحد منهما علي صاحبه بالخيار مالم يتفرقا". وإذا رأي السلعة ثبت له خيار الرؤية. فإذا افترقا عن المجلس، فللمشتري قبل الرؤية خيار عند طائفة من أصحابنا، ثم قالوا: إن أجاز قبل الرؤية فالإجازة غير لازمة، وإن فسخ، فالفسخ لازم. والفرق بينهما: أن الإجازة الصادرة عنه تقتضي العقد، وفائدته، لا تقتضي

الخيار، والفسخ يقتضي الخيار، وإنما ثبت خيار الرؤية، وخيار المجلس، وخيار الشرط؛ للفسخ، لا للإجازة؛ لأن العقد يغني في الإجازة عن سبب سواه، ولا يستبعد أن يفسخ الرجل، فيلزم، ويجيز، فلا يلزم. ألا تري أن من اشتري عبداً فأبق من يد البائع ثبت له خيار الفسخ، فإن لزم، وإن أجاز لم يلزم، حتى لو بدا له أن يفسخ بعد قوله أجزت كان له الفسخ، ولو بدا له أن يجيز بعد قوله فسخت لم يكن له ذلك. وكذلك لو اكتري أرضاً، فغضب من يد المكتري، أو من يد المكري، أو علاها الماء المانع من الزراعة: هو بالخيار فإن شاء فسخ، فيلزم فسخه وإن أجاز، فله الفسخ بعد الإجازة ما دامت هذه العلة القائمة.

مسألة (156)

مسألة (156): إذا اشتري ثوباً مطوياً، فنظر إلي ظاهره، ولم ينشره جاز البيع علي قول خيار الرؤية. ولو استخرج بعض عمامة من صوانها ونشر مقدار ما استخرج ونظر إليه ولم ينظر إلي ما بقي في الصوان، فالمذهب الصحيح قطع القول بإبطال البيع. والفرق: أن الثوب إذا كان مطوياً، فجميعه في حكم الغائب، فإذا جوزنا البيع بأماكننا أن نجري علي موجبه، فنقبت له الخيار، فإن شاء فسخ في كله، وإن شاء أجاز في كله. فأما إذا اشتري بعدما رأي نصفه منشوراً،

فنظره إلى هذا النصف ألحق هذا النصف ببيع الحاضر، وما لم يره من العمامة، فالبيع فيه بيع غائب, فإن قال بعد رؤية الباقي: اخترت الفسخ في ذلك الباقي تعذر تنفيذ العقد وتبغيض الحكم. فإن قائل: أليس لو اشتري/ (131/ب) نف اسطوانة من طين كان البيع جائزاً، فهلاً جوزتم البيع في النفس الذي رآه إذا اختار فسخ البيع في النصف الذي لم يره. قلنا: الفرق بين الثوب والاسطوانة: أن الثوب إذا قطع لتسليم بعضه، فالقطع ضرر ونقصان وخسران، وهذا المعني المفقود في طين الاسطوانة إذا

مسألة (157)

فصل بعضها عن بعض؛ ولذلك قلنا: إذا اشتري ذراعاً من كرباس قبل القطع بطل البيع، وكذلك ذراعاً من خشبة، للنكتة التي ذكرناها. مسألة (157): المبيع في يد المشتري مضمون بالثمن إذا كان البيع صحيحا إلا في مسألة واحدة وهي: إذا قبضه في زمان الخيار، وحكمنا بأ، الملك للبائع.

وإنما فصلنا بين هذه المسألة، وبين غيرها من المسائل، لأن المشتري إذا قبض المبيع في هذه الحالة: قبض ما لم يملك ويده ضمان. ألا تري أن الشراء لوكأن فاسداً، فقيض السلعة، فتلفت كان عليه ضمانها بحق المعرضة، حتى أن من أصحابنا من يوجب في لبيع الفاسد أكثر القيمتين، كضمان الغضب، وكذلك نقول في هذه المسألة. فأما في سائر البيوع، فالمشتري مالك لما استولت عليه يده لسابق عقده، فإذا تلف المبيع في يده تلف مضموناً بالثمن، وكذلك لو قبض في

مسألة (158)

زمان الخيار علي القول الذي يقول: إن الملك له. ولو أن المشتري أودعها البائع، فتلفت في يده كانت يد البائع بمنزلة يد المشتري، وكذلك كل كودع ومودع. مسألة (158): إذا قال الرجل لعبده: متى ما بعتك، فبيعك مفسوخ، ثم باعه كان البيع منعقداً لا ينفسخ بسابق لفظه. ولو قال: متى ما بعتك، فأنت حر، فباعه انعقد البيع، ثم انفسخ وارتد العبد إلي مالكه، وعتق بسابق لفظه.

والفرق: أن العتق الفسخ الصريح لا يقبل التعليق. فأما العتق فإنه قابل للتعليق، [ثم يندرج تحته مالا يقبل التعليق]، وهو الفسخ. ومثاله ما نقول في الحربي إذا أسلم، وتحته عشر نسوة، وكان قد دخل بهن، فقال: كلمنا أسلمت ولا في الخامسة، ولو قال: قاما أسلمت واحدة منكن، فهي طالق صح تعليق الصلاة؛ لأن الطلاق يصح تعليقه، بخلاف الفسخ. ولو قال كلما أسلمت واحدة، [فقد أمسكتا لم يصح هذا التعليق؛ لأن الإمساك كالفسخ في منافاة التعليق، وإذا قال: كلما أسلمت واحدة]

مسألة (159)

منكن، فهي طالق، فمن ضرورة الطلاق أن يتقدمه الإمساك غير أن الطلاق لما قبل العليق: اندرج تحته الإمساك الذي لا يقبل التعليق، ولا يزال المزني -رحمه الله - يحتج بهذه المسألة على أن الملك في زمان الخيار للبائع، ويقول: لو كان الملك للمشتري لما نفذ عتقك البائع في ملك المشتري، وهذا من الحجج البعيدة، لأنا نحكم بانفساخ البيع ورجوع الملك إلى البائع، ثم نحكم بنفوذ عتقه/ (132/ أ) في ملك نفسه لا بنفوذ عتقه في ملك غيره. مسألة (159): قال الشافعي -رحمه الله عليه -: ((إذا مات أحد المتبايعين في المجلس قام وارثه في الخيار مقامه، فجعل خيار المجلس موروثاً، كما جعل خيار الشرط موروثاً)). وقال في كتاب المكاتب: ((إذا اشترى المكاتب شيئاً، فمات في المجلس وجب البيع)).

فظاهر هذا الكلام أنه قطع خيار المجلس بموته. فقال بعض أصحابنا: والفرق بين المسألتين: أن الحر موروث والعبد غير موروث ((والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم))، فإذا مات تعذر نقل الخيار إلى سيده؛ لأنه لا يرثه؛ فلذلك حكم بانبرام البيع. وهذا الفرق واضح في نفسه غير أن الشافعي -رحمه الله - ذكر في كتاب

الكتابة مع هذه المسألة مسألة تقتضي فساد هذا الفرق، وهي: أنه قال: ((لو اشترى المكاتب شيئاً بشرط الخيار ثلاثة أيام، فمات في مدة الخيار قام سيده مقامه))، فنزل السيد منزلة الوارث، فلأجل هذه المسألة ادعى بعض أصحابنا قولين في توارث خيار المجلس: أحدهما: أنه موروث. الثاني: أنه غير موروث. [ولم يختلف القول في خيار الشرط إنه موروث]. والفرق بين الخيارين: أن خيار المجلس يبطل بالافتراق. والموت من أبلغ أنواع الفراق. فإن قيل: أرأيت لو حمل أحدهما مكرهاً عن ذلك المجلس حتى صارا مفترقين، أليس لا يبطل الخيار بمثل هذا الافتراق؟ [قلنا: من أبطل الخيار بالموت أبطله بمثل هذا الافتراق].

مسألة (160)

ومن أصحابنا من يقطع القول بأن خيار المجلس موروث مثل خيار الشرط، ويسوى فيه بين الحر والمكاتب وبين الموت والإكراه. ولا يستغني هذا القائل عن تأويل المسألة المنصوصة في خيار مجلس المكاتب، فيتأولها، فيقول: مقصود الشافعي التنبيه على أن موت المكاتب وإن أوجب [انفساخ ألكتابه، فلا يوجب انفساخ ذلك] البيع. ولم يرد بقوله: وجب البيع إلزامه، وإنما أراد دفع الفسخ عنه. مسألة (160): البائع إذا وطئ الجارية المبيعة في زمان الخيار كان وطؤه اختياراً للفسخ. [وإن وطأها المشتري كان وطؤه

اختياراً] للإجازة. وإذا قال الرجل لامرأتيه: إحداكما طالق، أو قال لأمتيه: إحداكما حرة، ثم وطئ واحدة منهما لم يكن وطؤه اختياراً لإمساك الموطوءة وحصر الطلاق والعتاق في الثانية. والفرق بين المسألتين: أنه إذا قال: إحداكما طالق ولم يعين بقلبه واحدة منهما - وهذه صورة مسألة الفرق - لم يتكامل لفظ الطلاق حتى يوجد ما يكلمه، ووقوع الطلاق والعتاق بالألفاظ دون الأفعال، فلم يقم وطؤه إياهما مقام العلة والقرينة التي توقف تمام لفظه على وجودها.

فأما في مسألة البيع، فالوطء صالح للفسخ وإن كان من جنس الفعل؛ لأن الفسوخ ربما تتعلق بالأفعال. ألا ترى أن وطء/ (132/ب) الابن زوجة أبيه بالشبهة يتضمن فسخ نكاح الأب، وكذلك إذا وطئ الأب زوجة ابنه، وإذا جاز ذلك في الفسخ جاز في الإجازة التي تحصل من غير لفظ بانقضاء مدة الخيار مع استدامة السكوت. ومذهب المزني التسوية بين المسألتين في الاختيار، فيقول: إذا وطئ إحدى المنكوحتين أو الأمتين كان وطؤه اختياراً، كما يكون في البيع اختياراً للفسخ. فأما إذا قال: إحداكما طالق وعين بقلبه مع اللفظ واحدة منهما فالوطء لا يكون اختياراً في هذه الصورة.

مسألة (161)

الفرق بينهما وبين الصورة السابقة: أنه إذا عين بقلبه واحدة فالاختيار مقترن بلفظ الطلاق، وهو مستغن في المستقبل عن الاختيار، وإنما يحتاج إلى الاختيار عما نوى، والوطء لا يكون اختياراً [وإن جاز أن يكون اختياراً] وإذا لم يتعين بقلبه مع لفظه توقف الطلاق في وقوعه على اختياره، ولهذه النكتة قلنا: إذا عين بقلبه مع لفظه وقع الطلاق عقيب [لفظه، وإذا لم يعين بقلبه وقع الطلاق عقيب] التعيين على أحد الوجهين. وإذا أوقعنا الطلاق عند البيان والتعيين استأنف العدة يومئذ. وإذا أوقعنا الطلاق عقيب قوله إحداكما طالق، استأنف العدة يومئذ. وإذا أوقعنا الطلاق عقيب قوله إحداكما طالق، فالصحيح من المذهب أن عدتها محسوبة من ذلك الوقت. مسألة (161): إذا باع بهيمة، فحملت بعد البيع، ونتجت قبل التسليم لم

يكن للبائع حبس النتاج لاستيفاء الثمن. ولو باعها، والجنين في بطنها، فنتجت كان للبائع حبس النتاج مع الأم لاستيفاء الثمن على أحد القولين. الفرق بينهما: أن الجنين إذا كان موجوداً عند العقد: كان بعض البيع - عند من قسط الثمن - على الأم، والجنين، وللبائع حبس جميع المبيع. فأما إذا اعترض الحمل بعد البيع، فليس شيء من ثمن على مقابلة هذا الولد، وإنما ملكه المشتري بملك الأم لا بالعقد على الأم. والبائع يحبس المعقود عليه للاستيفاء ولا يحبس غيره. وإذا لم يجعل للحمل الموجود عند البيع قسطاً من الثمن صار كالحمل العارض بعد البيع، ولم يجز للبائع حبسه، وإن

مسألة (162)

تلفت الأم وجب تسليم الولد إلى المشتري، وإن وجد المشتري بالأم عيباً ردها واستخلص الولد. على هذا القول. وهذا كله من فوائد التقسيط على الحمل. مسألة (162): خيار الشرط لا يبطل بالتسليم. وحق الحبس يبطل بالتسليم. والفرق: أن البائع بعد البيع يستحق حبس العين، لاستيفاء الثمن، فإذا سلم العين إلى المشتري دلنا ظاهر تسليمه على إبطاله حق نفسه في العين، فإذا رضي فأبطل حقه لم يعد ذلك الحق. ومنزلته منزلة المرتهن يرد الرهن على الراهن، فيبطل حقه بالرد ولا يعود في العين. فأما التسليم/ (133/أ) في زمان الخيار، فلا يدل ظاهره على الرضي بالإجازة.

ألا ترى أن من باع سلعة، وهي في يد المشتري جاز أن يشترط خيار ثلاثة، والمبيع في يد المبتاع، فاستدامة الخيار مع يد المشتري، كابتدائه مع يده. فإن قيل: أرأيت لو باع سلعة، وهي في يد المشتري، أفيكون للبائع انتزاعها من يده؛ ليحبسها إلي أن يستوفي الثمن؟ قلنا: المنصوص للشافعي - رضي الله عنه - أنها صارت مقبوضة بنفس البيع، فعلي هذا ليس للبائع انتزاعها، وحبسها، لاستفاء الثمن، والمنصوص في الهبة كذلك، والمنصوص في الرهن خلاف ذلك، وسنذكر الفرق في كتاب الرهن.

مسألة (163)

مسائل الربا مسألة (163): إذا طبخ عصيراً، فصار دبس امتنع بيع بعضه ببعض. وإذا طبخ شهداً، فصار عسلاً لم يمتنع بيع بعضه ببعض. الفرق: أن الطبخ في الشهد أيسر تأثيراً من الطبخ في العصير؛ لأن هذا الطبخ، لتمييز العسل، واستخلاص خلاصته عما مازجه من الشمع، وذلك لا يستدعي طبخاً مفرطاً، وهو قريب من طبخ الزبد لتمييز السمن، وكل مطبوخ كان بهذه الصفة، فهو كغير المطبوخ في مراعاة المماثلة. فأما إذا طبخ عصيراً، فصار دبساً، فهذا الطبخ طبخ عنيف بالغ

الأثر في نقصان أجزاء المطبوخ، وربما يرجع مائة جزء بهذا الطبخ إلي ثلاثين جزءاً، أو عشرين، أو أقل من ذلك، وإذا تناهي الطبخ هذه النهاية اختلف تأثيرا النار في أجزاء هذا المطبوخ، فربما تأخذ النار من بعض أكثر مما تأخذ من بعض، والمماثلة المجهولة كالمفاضلة المعلومة. فإن قيل: أرأيت لو أغلي عصيراً واحداً في مرجل حتى انتهي غليانه وصار دبساً غليظا متيناً، أفيجوز بيع بعضه ببعض؟

مسألة (164)

قلنا: لا يجوز، كما لا يجوز إذا طبخا في مرجلين. فإن قيل: كيف يختلف تأثير النار في المرجل الواحد؟ قلنا: اختلاف تأثير النار في المرجل الواحد ظاهر، وذلك أن ما يلي أسفل المرجل، وجوانبه إذا انتشرت النار في جوانبه أكثر احتراقاً مما في وسطه، ومما كأم بعيداً عن النار. ألا ترى أنك إذا رفعته، ومضى عليه زمان انعقد بعضه، وبقي بعضه سائلاً غير منعقد. واختلاف في هذا الوصف لاختلافه في الطبخ. مسألة (164): إذا باع التمر بالتمر متماثلاً، فالبيع

جائز. وإن كان النوى فيه. وربما يكون المطعوم من الجنبين متفاضلاً؛ لغلظ النوى في أحدهما ودقته في الثاني، أو لكثرة المستجم في أحد التمرين وقلته في الآخر. ولو باع الشهد قبل استخراج الشمع فالبيع باطل، وإذا استخرج منهما الشمع/ (133/ب) جاز بيع العسل بالعسل، وإذا نزع النوى من التمر لم يجز بيع بعضه ببعض.

والفرق بين المسألتين الأولتين: أن التمر إنما يستبقى ويدخر بالنوى وفي انتزاع النوى منه إشرافه على فساد؛ فلذلك جوزنا بيع بعضه ببعض مع التفاوت في النوى. فأما العسل فليس من ضرورة استبقائه واستصلاحه استبقاء الشمع معه، وربما يكون بقاء الشمع فيه سبب فساده إذا تطاول الزمان عليه. والفرق بين المسألتين الأخيرتين: أن التمر إذا صار منزوع النوى خرج عن حد المكيل ولا يجوز بيع التمر بالتمر إلا كيلاً بكيل، وما دام النوى فيه، فالكيل يحصره، ويتنضد فيه تنضد مثله، وأما العسل بعد استخراج الشمع منه، فمكيل وموزون، كما كان قبل ذلك

مسألة (165)

موزوناً، وربما كان مكيلاً أيضاً إذا كان ذائباً، وتسارع الفساد إلي التمر المنزوع النوى ترجيح للفرق وإيضاحه. مسألة (165): بيع اللبن الحليب باللبن الحليب جائز، كالمحيض بالمخيض صافيين عن شوب الماء. وبيع الرطب بالرطب باطل حتى يصير تمراً بتمر. الفرق: أن الحليب إذا بيع بالحليب كيلاً بكيل لم يحدث فيه بعد ذلك

حادث حالة تؤثر في نقصان ما سبق من الكيل، أو الوزن تغيرت حالته، أو لم تتغير. والرطب إذا امتدت عليه الأيام حدثت فيه حالة مؤثرة في الكيل السابق، وهو معني قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أينقض الرطب إذا يبس؟ " فنظر إلي المتعقب؛ واهذ لم يجوز بيع الرطب بالتمر. فإن قال قائل: فقد جوزتم بيع التمر الحديث بمثله، وبالعتيق،

مسألة (166)

وإذا امتد الزمان علي الحديث حدثت فيه حالة مؤثرة في الكيل السابق. قلنا: ذلك يسير لا يعبأ بمثله. والجواب الثاني وهو جواب الشافعي - رحمه الله - أن التمر الحديث إذا رفع عن الجرين في الزمان المعتاد فإنه لا يزداد ضموراً في المستقبل وإنما ينتقص وزنه وهو مكيل. فنقصان وزنه مع عدم ضموره غير مؤثر في كلية السابق. هذا هو الفرق بينهما. مسألة (166): إذا باع ديناراً هروبا بدينار هروي، فالبيع باطل

وفي كل واحد منهما فضة.

وإذا باع ديناراً هروبا بدرهم، أو بدراهم، فالبيع جائز وإن كان في كل جانب فضة مجهولة أو متفاضلة. والفرق بينهما: أن الدينار إذا صار مقابلاً بالدينار، فالذهب هو المقصود في كل جانب، ومماثلة الذهب مجهولة بسبب مخالطة الفضة، فأما إذا قوبل الدينار بالدرهم، فالمقصود مقابلة الذهب الذي في الدينار بالفضة، وهما جنسان مختلفان لا تعتبر المماثلة بينهما، ولا يعبأ بالفضة اليسيرة المختلطة بالدينار. ومثال/ (134/أ) هذا: أن رجلاً لو باع حنطة بشعير وفي الحنطة حبات شعير، أوفي الشعير حبات حنطة فأنه لا يضر؛ لأن المتقابلين في العقد جنسان مختلفان. وإذا باع حنطة بحنطة وفي كل واحد منهما شعير ظاهر بحيث أنه

مسألة (167)

يأخذ من الكيل مكاناً، فالبيع باطل؛ لأن المتقابلين في العقد جنس واحد. مسألة (167): إذا باع مائة دينار مروان ية يمه كل دينار عشرون درهماً بمائة دينار مكروهة قيمة كل دينار فالبيع جائز. ولو باع مائة دينار خمسة عشر درهماً، فالبيع باطل. والفرق بين المسألتين: أنه إذا قابل المائة المروانية بالمائة المكروهة فقد

باع الذهب بالذهب مثلاً بمثل، وإذا باع المائة المكروهة والمائة المروانية بالمائتين من الوسط فقد باع الذهب بالذهب متفاضلاً. وبيان التفاضل في أحدي المسألتين، والتماثل في المسألة الثانية: أن الصفقة إذا اشتملت من أحد الجانبين علي شيئين مختلفين فما في الجانب الثاني يتوزع عليهما بمقدار القيمة. ألا تري أن من باع شقصا، وسيفاً بألف درهم، فقام الشفيع فطلب الشفعة أخذ الشقص بثلثي الثمن إن كان قيمة الشقص مثلي قيمة السيف، أو بثلث الثمن إن كان قيمة السيف مثلي قيمة الشقص، فإذا تقرر هذا الأصل رجعنا إلي مسألتنا فقلنا: إذا قابل مائتي دينار من ضرب وسط قيمة كل دينار [خمسة عشر درهماً بمائتي دينار. مائة مروانية قيمة كل دينار]

[عشرون، ومائة مكروهة قيمة كل دينار] عشرة دراهم: فمعقول أن المائة المروانية هي الثلثان من مال هذا الجانب فيقابلها الثلثان من مال ذلك الجانب توزيعًا بالقيمة كالشقص والسيف. والثلثان من مال ذلك الجانب مائة وثلاثة وثلاثون دينارًا وثلث وقد باع مائة بمائة وثلاثة وثلاثين وثلث، وباع المائة المكروهة، وهي بالقيمة ثلث مال هذا الجانب بثلث مال الجانب الثاني وهو ستة وستون دينارًا وثلثان. فأما إذا قابل مائة ردية بمائة جيدة، فإذا اشتغلت بالتوزيع وجدت كل جزء من المائة الجيدة على مقابلة مثله من المائة الردية. النصف على مقابلة النصف، والثلث على مقابلة الثلث. إذ يستحيل أن يشغل جزءًا من المبيع إلا مثل ذلك الجزء من الثمن،

مسألة (168)

وأن يقف على مقابلة نصف إلا نصف، وعلى مقابلة سدس إلا سدس، ولو وقف على مقابلة نصف [ثلثان: لوقف الثلث الباقي/ (134 - ب) على مقابلة نصف] النصف الثاني ولصار الربع بالعراء عن المقابلة. وإذا عرفت ذلك في هذه الصورة فكذلك إذا باع مدًا رديًا بمد جيد [فالبيع جائز كيف ما كانت القيمتان، وإذا باع مدين جيدين بمد جيد] وبمد رديء فالبيع باطل. مسألة (168): إذا باع مخيضًا بزبد، فالبيع [جائز، وإن كان في الزبد مخيض.

مسألة (169)

وإذا باع زبدًا بزبد، فالبيع] باطل، بسبب المخيض في الجانبين. والفرق بين المسألتين: أنه إذا باع مخيضًا بزبد، فالمخيض الذي في الزبد بمعزل عن المقابلة، والقصد، وإنما المقصود الزبد. ولو باع خلاصة السمن بالمخيض كان البيع جائزًا من غير مراعاة المماثلة؛ لأنهما جنسان مختلفان، كبيع الدراهم بالدنانير، والحنطة بالشعير، وربما لا تخلو الحنطة عن مخالطة الشعير. فأما إذا قابل الزبد بالزبد، فالخلاصة مقصودة من كل جانب، وهي مجهولة المماثلة بسبب المخالطة، والجهل بالمماثلة، كالعلم بالمفاضلة، فهو كبيع الدراهم المغشوشة بمثلها. مسألة (169): إذا باع شاة لبون بمثلها، وفي الضرع من الجانبين لبن،

فالبيع باطل، واللبن المستكن في الضرع مؤثر في العقد، كالمنفصل المحلوب، فكأنه باع شاة، وقدحًا من لبن بمثلهما. ولم يجعل الشافعي - رضي الله عنه - الولد في البطن، كالمنفصل في الاستتباع، وسائر الأحكام، وأشار إلى الفرق بينهما، فقال: الولد لا يُقدر على استخراجه، ويقدر على استخراج اللبن، ثم شبه اللبن في الضرع بلب الجوز في الجوز، ولب اللوز في اللوز إذا أبيعا في قشريهما. فإن قال قائل: فهلا جوزتم بيع اللبن في الضرع دون الشاة. قلنا: لأنه غير مشاهد، وشرط بيع العين المشاهدة، والمعاينة؛ ولذلك لم نجوز بيع لب الجوز في الجوز حتى يبيع الجوز معه، واستشهد الشافعي - رحمه الله - على ما قصد بأن قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل

مسألة (170)

للبن التصرية بدلًا، فقسط عليه، وأفرده، ولم يوجد مثل ذلك في الولد. مسألة (170): التمر بالتمر، كالحنطة بالحنطة في جواز البيع عند وجود المماثلة، فإذا تغيرت الحنطة لم يجز بيع شيء منها بشيء من ذلك الجنس. وإذا تغير التمر، فصار خلًا لم يمتنع جواز بيع بعضه

ببعض، إذا ضبطت المماثلة، ولم تصر مجهولة بمخالطة الماء. ولو باع خل الرطب بخل الرطب كان ذلك جائزًا، وكذلك خل [العنب بخل العنب. فلخل الزبيب حالة جواز البيع، (ولخل العنب حالة جواز البيع) بعضه ببعض، وكذلك] الرطب والتمر. أما السويق بالسويق، والدقيق بالدقيق، والخبز بالخبز، والعجين

بالعجين، فالبيع ممنوع في جميع هذه الأحوال دون حالة واحدة. والفرق بينهما: أن المال إذا كان/ (135/ أ) من أموال الربا والجنس واحد، فشرط جواز البيع التمكن من المماثلة بمعيار مشروع في حالة مخصوصة وهي حالة إمكان الادخار وكمال المنافع. فإن وجد بعض هذه الأوصاف دون بعض، فلا سبيل إلى البيع. خرج من هذا: أن العصير إذا قوبل بالعصير؛ فهما مالان مستجمعان لهذه الأوصاف: الادخار، وكمال المنفعة، والتمكن من الاعتبار بالمعيار المشروع، وكذلك خل الرطب بخل

الرطب ولا ماء فيهما. فأما الحنطة إذا طحنت، فليس لها بعد هذه الحالة حالة ادخار، وإن أمكن الوزن في الخبز، فإن الوزن فيه موقوف، والعجين بالعجين أبعد عن الادخار، وكذلك السويق بالسويق وهو أسرع فسادًا من الدقيق؛ ولذلك نجوز بيع الحنطة المبلولة بالحنطة الجافة، [وكذلك المقلية بالمقلية، أو بالنيئة الجافة].

وجرينا في هذا الفرق على نصوص الشافعي في كتبه الجديدة المشهورة، دون ما حكي المزني في بعض نوادر حكاياته من جواز بيع الكعك اليابس المدقوق بمثله، والتفريع إنما يكون على النصوص الظاهرة المشهورة.

مسألة (171)

مسألة (171): الحنطتان إذا تقابلتا وإحداهما مسوسة، والأخرى سليمة، فالبيع باطل. ولو كانت إحداهما فوق الأخرى في الرزانة، والأخرى ضامرة دقيقة قليلة الريع، فالبيع جائز. والفرق بينهما: أن المسوسة مسلوبة اللباب، فلا تحصل المماثلة بينهما، وتكون المفاضلة مستيقنة. [فأما الضامرة، فلبابها فيها وإن كانت أقل ريعًا. والمقصور] امتلاء المكيال في مقابلة المكيال. ألا ترى أن الشافعي - رحمه الله - قد قال: إذا باع حنظة بحنطة وفي إحداهما قليل تراب دقيق، أو قليل تبن، فذلك لا يضر البيع،

مسألة (172)

وإنما يضر البيع إذا كثر، فأخذ ذلك المخالط مكانًا من المكيال ثم قال الشافعي - رحمه الله -: فأما في الوزن، فلا خير في مثل هذا. والفرق بين الكيل والوزن: أن الوزن أبلغ في الحصر والضبط من الكيل، فإذا باع موزونًا بموزون، وفي أحدهما خلط وإن كان قليلًا أوجب فساد البيع، وليس في المكيل بالمكيل هذا الحصر، وهذا التضييق. مسألة (172): إذا باع دراهم بدراهم معينة بمعينة، ثم وجد بما قبض عيبًا، أو ببعضه فلا سبيل له إلى الرد، والاستبدال. وإذا باع دراهم موصوفة بدراهم موصوفة، وتقابضا، ثم وجد

أحدهما بما قبض عيبًا كان له الرد، والاستبدال. والمسألتان منصوصتان. والفرق بينهما: أن الدراهم إذا كانت موصوفة، فالمستحق في الذمة فإذا عين في المجلس، وسلم، فوجد القابض عيبًا في أحد الجانبين كان له رده واستبداله، ولم يكن ذلك نقلًا للعقد عن محل إلى محل، ولكن كان ذلك منه طلبًا للمستحق. ألا ترى أن مشتري السلم إذا قبض/ (135/ ب) المسلم، فصادفه معيبًا كان له رده، وطلب بدله، وإن كان السلم لا يقبل البدل، لأنه بالرد يطلب أصل حقه لا بدل المردود، فأما إذا باع عينًا بعين، ثم قصد الاستبدال، فقد قصد نقل العقد من عين إلى عين، وهذا ممنوع.

مسألة (173)

فإن قال قائل: أرأيت لو باع دينارًا بعشرين درهمًا، ولم يفترقا حتى تزايدا في الدراهم عشرة، أليس يجوز هذا النقل؟. قلنا: هذا تعدية، وليس بنقل، لأن العشرين المذكورة داخلة تحت العقد، وما صارت خارجة عنه، ولكن أحلق بها زيادة تعدي العقد إليها، والعقد إذا صح، وقوي جاز أن يتعدى، فأما الاستبدال، فهو إخراج العين الأولى من العقد، وإدخال عين أخرى في العقد بدل الأولى. مسألة (173): إذا باع دراهم موصوفة بدراهم موصوفة، وتقابضا، وتفرقا، ثم وجد أحدهما عيبًا بالمقبوض، أو ببعضه، ففي الاستبدال قولان: وما داما في المجلس، فالاستبدال جائز قولًا واحدًا في هذه الصورة. والفرق بينهما: أنهما بعد التفرق إذا تبادلا اعترضا على القبض السابق

مسألة (174)

في أحد القولين، وصيراه، كالمفقود، وقد تفرقا، فبطل الصرف بالتفرق قبل القبض، لو جاز الاستبدال، فلذلك امتنع الاستبدال، فأما ما داما في المجلس فزمان القبض غير فائت، فإذا رد، واستبدل، فهذا القبض أول قبض، وما قبله، كأن لم يكن. مسألة (174): قال الشافعي - رحمة الله عليه -: "إذا اشترى شيئًا إلى مخرج الحاج أو إلى مرجع الحاج، فإن كان ذلك بمكة كان جائزًا، وإن كان بغير مكة كان باطلًا". وإنما قال ذلك؛ لأن هذا الأجل في تلك البلدة أجل معلوم، كما نص عليه. وقال لو باع إلى الصدر كان جائزًا؛ لأن ذلك اليوم عندهم

مسألة (175)

معلوم، وذلك في سائر البلاد مجهول. ونظير هذا ما قال أصحابنا: لو باع إلى العطاء جاز من وجه: وبطل من وجه. فإن أراد خروج العطاء، فجائز، وإن أراد وصول العطاء فباطل؛ لأن وقت الخروج واحد، ويختلف وقت الوصول. ثم اعلم أن مبنى هذه المسائل على عادة مستقيمة، فإن اختلفت العادة، واضطربت في بعض الأزمنة التحقت مكة بسائر البلدان، والتحق خروج العطاء بوصول العطاء. مسألة (175): قال الشافعي - رحمه الله - في بيع مال الربا بعضه ببعض: ما

كان منه مكيلًا على عهد رسول صلى الله عليه وسلم فتماثله بالكيل ولا يجوز الوزن. وقال في السلم: لو أسلم وزنًا فيما كان أصله كيلا، أو كيلًا فيما كان أصله وزنًا كان جائزًا. والفرق/ بين الأصلين: أن ذكر الكيل، وذكر الوزن في [باب السلم لإعلام المعقود عليه، وإحاطة العلم به في] حق العقد، وحق التسليم، فإذا ذكر الكيل فيما يحصره [الكيل، أو الوزن فيما يحصره] الوزن حصل هذان النوعان من العلم. فأما بيع بعض مال الربا ببعض، فليس يكفي فيه العلم بالمعقود عليه [حتى يكون معه يقين المماثلة المشروطة من الجانبين ولفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم] في بيع

القمح بالقمح قوله: "كيلًا بكيل". فلو بعنا صاعًا بصاع وزنًا بوزن احتمل أن يكونا متفاضلين في الكيل مع تساويهما في الوزن؛ لأن إحدى الحنطتين ربما تكون أثقل وزنًا، وأكثر ريعًا من الحنطة الأخرى. فأما الأموال التي لم تتحقق عندنا أنها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مكيلة، أو موزونة، فهي مختلفة. منها: ما له أصل مقدر بكيل، أو وزن، فالأصح أن يعتبر في فرعه مقدار أصله، وذلك مثل: العصير، ودهن السمسم ومنها: ما ليس له أصل مقدر، فمن أصحابنا من اعتبر فيه الوزن؛ لأنه أحصر، ومنهم من جوز فيه الوزن، والكيل جميعًا، وذلك مثل الألبان، وما شاكلها.

مسألة (176)

مسألة (176): بيع اللحم غير المخلع بمثله باطل حتى يكونا مخلعين. وبيع التمر بالتمر منزوعي النوى باطل حتى يكونا مع النوى. والفرق بينهما، فرق جمع وهو: أن مال الربا إنما يجوز بيع بعضه ببعض وهو في حال، كحال الادخار، والتمر إذا صار منزوع النوى، فقد فارق هذه الحالة، وصار معرضًا لتسارع الفساد إليه، كالحنطة إذا طحنت لم يجز بيع دقيقها بالدقيق، ولا يكون للتمر المنزوع النوى معيار بالكيل، وهو مكيل، ولا يجوز رده إلى الوزن. فأما اللحم، فما دام عظمه فيه، فهو على شرف الفساد، وإذا

مسألة (177)

أراد الناس ادخاره زمانًا طويلًا استخرجوا منه العظم، فهو مستخرج العظم، كالتمر مع النوى، والتمر مستخرج النوى، كاللحم مع العظم. مسألة (177): بيع اللحم الرطب الطري بمثله باطل حتى يكون مقددًا يابسًا. وبيع العنب الذي لا يصير منه زبيبًا بمثله جائز وزنًا بوزن عند كثير من أصحابنا. والفرق بينهما هو: أن هذا العنب إذا لم تكن له في المستقبل حالة منتظرة للادخار فوق هذه الحالة، فهذه الحالة هي النهاية وصار، كاللبن الحليب باللبن الحليب، فأما اللحم الرطب، فله حالة منتظرة في الادخار فوق هذه الحالة، وهي: حالة اليبس. فإن تصور في

مسألة (178)

اللحمان ما لا [ييبس بتجفيفه وتقديده/ (136/ ب) لادخاره التحق ذلك بالعنب الذي لا] ييبس بتجفيفه. مسألة (178): كان الشيخ الإمام أبو بكر القفال - رحمه الله - يقول: اللحم، والكرش، والألية، والأمعاء، وجميع أجزاء الحيوان في الربا جنس واحد، فلا يجوز بيع اللحم بالشحم متفاضلًا، [ولا بيع الشحم بالكرش متفاضلًا]، وإن كان في الأيمان برها، وحنثها مختلف. فلو قال: والله لا آكل لحمًا، فأكل شحمًا، أو لا آكل شحمًا فأكل كرشًا لم يحنث. والفرق بين الأصلين: أن الأيمان مخصوصة بمراعاة عرف الأسامي،

وحكمها معلق بالألفاظ، والشحم لا يسمى لحمًا، والكرش لا يسمى شحمًا. فأما مراعاة المماثلة في باب الربا، فغير مبنية على محض الأسامي، ولكن يراعى فيها معنى المجانسة، وربما تتفرع الفروع عن الجنس الواحد ويكون حكم الجنس شاملًا لتلك الفروع. ألا ترى أن الخبز مفارق للحنطة في الاسم والصفة، ولا يجوز بيع الحنطة بخبز الحنطة، وكذلك العجين، والسويق، وكذلك أيضًا لا يجوز بيع العنب بعصيره، ولا بيع السمسم بدهنه، والأسامي مختلفة. ولو قال: والله لا آكل تمرًا، فأكل رطبًا، أو والله لا آكل رطبًا فأكل تمرًا، لم يحنث في المسألتين. وإذا باع التمر بالرطب باع

مسألة (179)

الشيء بجنسه، والبيع باطل عند الشافعي - رحمه الله -: وكذلك أجزاء الحيوان وإن اختلف صفتها، ومنفعتها، فحمك جنس اللحم جامع لها، كما أن شحم الظهر، والجنب من اللحم جنس واحد في بيع اللحم باللحم. مسألة (179): نصوص الشافعي - رحمه الله - متفقة على أن ألبان الحيوانات أصناف مختلفة، فيجوز بيع لبن الإبل بلبن الغنم متفاضلًا، فأما المهرية، والمجيدية، فكالماعزة، والضأنية، وذلك جنس واحد.

واختلف نصه في اللحمان: فجعلها أصنافًا مختلفة في أحد القولين، كالألبان، وجعلها في القول الآخر صنفًا واحدًا. والفرق بينهما على هذا القول: أن الربا يثبت في الألبان قبل مزايلتها أصولها، [وأصولها مختلفة فالألبان مختلفة؛ والدليل على ثبوت الربا فيها قبل مزايلتها أصولها] ما قال الشافعي - رحمه الله - باع شاة لبونًا في ضرعها لبن بلبن فالبيع باطل. وأما الربا في اللحم، فلا يثبت قبل مفارقة الأصل، وإنما يثبت الربا فيه حين يسمى بهذا الاسم، فجميع اللحمان سواء في هذا الإسم

مسألة (180)

الأخص عند اجتماعها في الربا، فصارت من هذا الوجه، كأنواع الجنس الواحد. مسألة (180): إذا باع شاة، واشترط لبنها، فالبيع جائز، وإن باعها بشرط حملها فالبيع باطل. والفرق: أن اللبن إذا اجتمع في الضرع لم يخف وجوده وحصوله، وقد أفرده رسول الله - صلى الله عليه وسلم/ (137/ أ) بعوض في الشاة المصراة، ومثل ذلك لا يتصور في الحمل؛ لأنا وإن جعلنا للحمل قسطًا من الثمن، فلا سبيل إلى إفراده بثمن

يقابله، وهو في البطن، وربما يكون معلومًا، وربما لا يكون معلومًا، والتسليم ممكن في اللبن، وهو في الضرع، حتى أن من أهل العلم من جوز بيع ما في الضرع إذا حلب بعضه، فنظر المشتري إلى النموذج، والصحيح أن حشو الجبة في هذه المسألة، كاللبن في الضرع إذا ذكر في البيع بلفظ الشرط. وفصل بعض أصحابنا بين أن يقول: اشتريتها على أنها حامل، وبين أن

مسألة (181)

يبيعها بحملها، والصحيح أنهما سواء في الجواز، والمنع. مسألة (181): بيع الجوز في القشرين باطل إذا كان يابسًا، وجائز إذا كان رطبًا. والفرق بين الحالتين: ضرورة الناس، وحاجتهم إلى استبقاء رطوبة اللب بالقشرين في أيام مخصوصة، وأما إذا جاء زمان رفعها وادخارها، فليس من ضرورة العادة رفعها في القشرين، وعلى هذا بيع اللوز، والفول رطبًا ويابسًا.

مسألة (182)

مسألة (182): إذا اشترى ثوبًا بدراهم مغشوشة بعضها نقرة، وبعضها نحاس، فالبيع جائز، وإن كان مقدار النقرة مجهولًا. ولو اشترى تراب المعدن بثوب فالبيع باطل. والفرق بينهما من وجهين: أحدهما: أن أكثر دراهم البلدان في عامة الأحوال لا تكاد تخلو من الغش، ولو أبطلنا البيع بأعيانها انسد سبيل البيع؛ لأن غاية ما يمكن تكليف إرسال [الثمن على الذمة، والمرسل على الذمة] ينصرف إلى نقد البلد، فإذا كان النقد من جنس المغشوش لم يكن الإرسال في الذمة

خلاصًا، وحيلة في الفرار من الغش، ولا ضرورة تدعو إلى جواز بيع تراب المعدن قبل استخراج ما فيه من الفضة. والوجه الثاني من الفرق: أن مقدار الفضة في الدراهم المغشوشة معلوم في البلدان على حسب اختلافها، لا يكادون يجهلون ما في العشر من الفضة وما فيها من الغش وإن بقيت جهالة، فهي جهالة يسيرة، وذلك لا يضر في عقد لا ربا فيه. ألا ترى أن الرجل إذا اشترى حنطة خالطها تراب كثير بدراهم، فالبيع جائز؛ لأن العقد لا ربا فيه، ولو باع حنطة بحنطة، وفيهما، أو في أحدهما تراب كثير، أو قصل، أو زوان، فالبيع باطل، وأما إذا اشترى تراب المعدن، فليس للفضة المختلطة به مقدار معلوم في العادة، كالمقدار المعلوم في نقود البلدان.

مسألة (183)

مسائل القبض مسألة (183): المشتري إذا أجر المبيع قبل القبض، فقد قال بعض أصحابنا: تجوز الإجارة، بخلاف البيع. وأما تزويج الجارية قبل القبض، فالقول في تجويز النكاح/ (137/ ب) أقوى من القول في تجويز الإجارة. وأما هبة السلعة المشتراة قبل القبض، فقد نص الشافعي على جوازها وصحتها.

وإنما جوزنا الإجارة والتزويج، ولم نجوز البيع الثاني؛ لأن البيع الثاني يوجب على المشتري الضمان الذي لم ينتقل عن البائع إليه، فيستحيل أن تكون تلك السلعة مضمونة على المشتري غير خارجة عن ضمان البائع، فأما إذا أجرها، فإنما تدخل بالإجارة في ضمان منافعها، وليست منافعها في ضمان بائعها؛ لأن العاقد إنما يضمن بعقده ما ورد عليه عقد، والبيع وارد على الرقبة، وكذلك هذا المعنى في التزويج، فأما عقد الهبة، فلا يقتضي على الواهب ضمانًا، [كما يقتضي البيع ضمانًا]؛ فلهذا جازت الهبة، ثم يتضمن القبض الواحد حكم قبضين صدر عن إذن.

مسألة (184)

مسألة (184): العين المغصوبة والعين المبيعة سواء في الضمان، وإن باع مالك العين العين المغصوبة قبل قبضها من غاصبها كان البيع جائزًا، إذا تاب الغاصب من الغصب وعرضها على المالك. ولو باع المتباع العين التي ابتاعها قبل قبضها من بائعها، فالبيع باطل. والفرق بين المسألتين: أن المبيع مضمون على البائع العقد، والمغصوب مضمون على الغاصب باليد، والمضمون باليد يجوز أن يصير مضمونًا بالعقد،

مسألة (185)

وأما المضمون بالعقد، فلا يتوالى عليه ضمان عقد ثانٍ قبل انقضاء ضمان العقد الأول. وعلى هذا الأصل قلنا: إذا باعت المرأة صداقها قبل القبض من زوجها صح بيعها على القول الذي يقول إن الصداق مضمون على الزوج باليد، وإذا جعلناه مضمونًا بالعقد سوينا بينه، وبين المبيع قبل القبض. مسألة (185): إذا كان لرجل على رجل سلم فطالبه به، فأحاله بذلك السلم على غريم له عليه قرض فالحواله باطلة. ولو كان له عليه قرض فطالبه به، فأحاله على قرض له فالحوالة صحيحة.

والفرق بينهما: أن الحوالة تتضمن معنى البيع، ولا يجوز بيع [السلم قبل القبض، ويجوز بيع] القرض قبل قبضه. فأما من قال: إن الحوالة استيفاء فإنه لا يمنع

من تجويز الحوالة، ولكن من جوز هذه الحوالة لزمه على معنى الاستيفاء أن يجوز حوالة القرض على السلم وحوالة السلم على السلم وذلك مستبعد. فإن قال قائل: السلم دين لازم في الذمة، وكذلك القرض فلأي علة جاز بيع القرض الذي في الذمة، ولم يجز بيع السلم الذي في الذمة؟ قلنا: لأن السلم دين غير مستقر في ذمة من عليه السلم، فأما القرض فإنه مستقر ونهاية الرتبة في الدين الاستقرار مع الثبوت، فأما الثبوت من غير استقرار، فليس يكفي. فإن قيل: وما الدليل على استقرار القرض، وعدم استقرار السلم؟ قلنا: الدليل عليه أن السلم إذا تحقق/ (138/ ب) عدمه وانقطع فلم يوجد لم يجز تقويمه ووجب فسخ العقد والرجوع إلى رأس المال،

فأما القرض إذا انقطع، فالمرجع فيه إلى تقويمه، فإن كان القرض دراهم، فانقطعت الدراهم قومناها بالذهب، وإن كان القرض ذهبًا فانقطع قومنا الذهب بالفضة، فهذا دليل الاستقرار. فإن قيل: وما الذي أوجب أن يكون القرض مستقرًا في الذمة والسلم غير مستقر في الذمة؟ قلنا: لأن المسلم فيه مضمون على البائع بالعقد السابق وما كان مضمونًا بالبيع، فبقاء ضمانه ببقاء البيع وبقاء البيع بوجود حقيقة القبض، ألا ترى أن بيع العين قبل القبض بيع غير مستقر وغير منبرم ما دامت العين في يد البائع، ومتى ما تلفت عنده انفسخ بيعه، فكذلك المسلم ما دام في الذمة مبيع غير مقبوض، فإذا تحقق تلفه بعدمه وانقطاعه انفسخ عقده، أو صار على شرف الانفساخ، فلا يتصف قط بأنه مستقر في الذمة.

مسألة (186)

وأما المضمون بالقرض فعلة ضمانه القبض، والقبض إذا تحقق وجوده لم ينتقض، ألا ترى أن المشتري إذا قبض السلعة تقرر عليه الضمان، ولا يتصور في ذلك الضمان انفساخ وانتقاض؛ لأنه معلق بالقبض. فهذا فرق ما بين المضمون بالعقد والمضمون بالقبض. مسألة (186): قال أبو العباس بن سريج: إذا اشترى رجل عبدًا، ثم قطع المشتري يده وهو في يد البائع وجب أن يغرم قطع اليد في هذا الموضع، كما نعتبر جراح البهائم.

وإذا جنى رجل على عبد رجل، فقطع يده اعتبرنا تلك الجراحة، كما نعتبر الجراحة على الأحرار، فنوجب نصف قيمته، ولا نوجب ما نقص. فنقول في المبيع: إن نقص بقطع اليد ثلث قيمته، فقد قبض ثلث المبيع. والفرق بين المسألتين: أن الجناية إذا اعتبرت، كاعتبار جناية الأحرار استمر ذلك الاعتبار، واستقام، فأوجبنا في إحدى يديه نصف قيمته، وفي يديه جميع قيمته، ولو قتل بعد قطع اليدين أوجبنا على قاتلة قيمته مقطوع اليدين. وفي هذا باين الحر؛ لأن الحر لا تنقص بالجناية ديته، كما تنقص بالجناية على العبد قيمته.

مسألة (187)

فأما في المبيع إذا جني عليه المشتري، فلو اعتبرنا تلك الجناية، كاعتبار جناية الأحرار تناقض، ولم يستمر وبيانه: أنا إذا أوجبنا بقطع إحدى يديه تقرير نصف قيمته؛ لقبض نصفه؛ لزمنا أن نقول بقطع اليد الأخرى بتقرير جميع ثمنه؛ لقبض جميعه، فيقتضي أن يكون العبد بعد قطع اليدين غير مضمون على البائع، وهذا محال، فإذا اعتبرنا ما نقص لم يؤد إلى هذه الاستحالة/؛ لأن الباقي ما دام حيًا يبقى له قيمة وإن قلت. مسألة (187): إذا باع رجل ثوبًا من رجل بثمن مرسل في الذمة، أو بثمن معين، فلهما الافتراق قبل القبض. ولو باع منه ثوبًا بدين كان له في ذمته، وعين الثوب، وصحت المعاوضة، فلا يجوز لهما أن يفترقا قبل قبض الثوب، فإن افترقا قبل القبض بطل العقد، كما يبطل الصرف، والسلم بالتفرق قبل القبض، وهذا الجواب منصوص

للشافعي - رحمه الله -: والفرق بين المسألتين: أنه إذا باع ثوبًا معينًا في الذمة، فهو بيع عين بدين، وإن كان الثمن معينًا، فهو بيع عين بعين، وهذان نوعان من البيوع لا يتوقف انبرامهما على القبض. فأما إذا كان الثمن دينًا سابقًا مستقرًا في الذمة، فمالك ذلك الدين إذا اعتاض فيه ثوبًا، فقد باع دينًا، فيجب أن يبيعه بعين، لا بدين، فإذا باعه بعين، وافترقا عن ذلك المجلس قبل القبض صارت العين شبيهة الدين، ولا يجوز بيع دين بدين. فإن قيل كيف صارت العين شبيهة الدين، وهي معينة؟

قلنا: العين المعينة إذا لم يستقر العقد عليها بالقبض فإنها لا تأخذ على الحقيقة حكم الأعيان. ألا ترى أن الدنانير إذا قوبلت في الصرف بالدنانير، أو بالدراهم، فالتعيين فيها عند الشافعي، كالتعيين في الثياب، وسائر العروض. ألا ترى أن الإبدال والاستبدال ممنوعان بعد التعيين، ولكن لما توقف صحة الصرف، وانبرامه على القبض لم يكتف بالتعيين حتى يحصل قبض، فإذا افترقا عن غير قبض صار صرفهما على العين بالعين، كصرفهما على الوصف بالوصف، وكذلك إذا بيع الدين بعين لم يستقر العقد عليها بالقبض قبل الافتراق صار، كما لو باع ذلك الدين بدين، وافترقا. ولو أنه قال: بعت الدين الذي في ذمتك من الدراهم بدنانير

صفتها كذا وكذا، ولكن لم يفترقا حتى تعينت الدنانير بالقبض كان ذلك بيع دين بعين، وكما صار الموصوف في العقد، كالعين بالقبض قبل الافتراق، فكذلك صار المعين في العقد، كالموصوف بفوات القبض قبل الافتراق.

مسألة (188)

مسائل الثمار مسألة (188): إذا باع ثمرة من الثمرة المتلاحقة، كالرمان، والتين، والأعناب، والبطيخ، والباذنجان، وما جانسها دون الشجرة، فبرزت ثمرة واختلطت البارزة الحادثة بالمبيعة قبل القبض، فهي صورة القولين. أحدهما: أن البيع قد انفسخ. والثاني: أنه غير منفسخ إن تصالحا، فإن تشاجرا فسخ البيع بينهما. ولو باع شجرة من هذه الأشجار، واستبقى ثمرتها، فبزت ثمرة حادثة، واختلطت بالثمرة الأولى، وتعذر التمييز، فبيع/ (139/ أ) الشجرة لا ينفسخ، ولكنهما يتداعيان، فيتقاسمان الثمرة.

والفرق: أن الثمرة في المسألة الأولى هي المبيعة فإذا برزت الحادثة اختلط المبيع بغير المبيع، وتعذر التمييز، وذلك قبل القبض، فحكمنا بفساد العقد؛ لتعذر التسليم، فأما في المسألة الثانية فالمبيع غير مختلط؛ لأن الشجرة هي المبيعة، فأما ما استبقى من ثمرتها، فملك للبائع غير مبيع اختلط بملك المشتري، وهي الثمرة الحادثة التي برزت بعد البيع. وقد غلط المزني في نقل المسألة الثانية عن الشافعي - رحمه الله - فنقل القولين في مسألة بيع الشجرة، وإنما نص الشافعي على القولين في بيع الثمرة.

مسألة (189)

مسألة (189): إذا باع الرجل شجرة من النخيل، وعليها ثمرة مؤبرة بقيت له الثمرة، واستغنى عن اشتراط قطعها وإن كانت غير مزهية. ولو كانت غير مؤبرة، فباع الشجرة، واستثنى الثمرة لم تدخل في البيع، ولكن نص الشافعي - رحمه الله - على أنه لا يستغنى في هذه الثمرة التي استثناها عن اشتراط القطع. والفرق بين الثمرتين: أنها إذا كانت مؤبرة، فبيعه المطلق لا يزيل ملك البائع عنها، [وإذا كانت غير مؤبرة، فالبيع المطلق يزيل ملك البائع

عنها]، وتدخل في العقد، فإذا تلفظ بلفظ البيع قبل أن يتلفظ بلفظ الاستثناء صار ملكه فيها على شرف الزوال، ألا تراه لو سكت عن الاستثناء صارت الثمرة تبعًا للشجرة، فإذا استثنى فكأنه ابتدأ شراء ثمرة لم يبد صلاحها، ومن اشترى ثمرة لم يبد صلاحها، فلابد من شرط القطع في العقد، وقد أخذ الاستثناء شبه العقد. وخرج بعض أصحابنا في الاستثناء قولًا آخر، ثم بنوا المسألة على أصول ذكرناها في كتاب السلسلة.

مسألة (190)

مسائل الرد بالعيب مسألة (190): قال أبو إسحاق المروزي - رحمه الله -: إذا اشترى رجل سلعة لرجلين فوجدا بها عيبًا، فليس لأحدهما التفرد بالرد. وإذا باع رجل سلعة رجلين من رجل فأراد المشتري رد نصيب أحدهما بالعيب كان له التفرد بالرد. وسوى غيره من أصحابنا بين المسألتين. والصحيح ما أختار من طريق الفرق. والفرق بين المسألتين: أن عهدة العقد لوكيل المشتريين ألزم منها لوكيل البائعين؛ والدليل على هذا أن وكيل البائعين لو خالف المنصوص من الثمن،

مسألة (191)

فباع بما دونه، فعقده باطل، ولو خالف وكيل المشتريين، فاشترى لهما بما فوق المنصوص، فالعقد صحيح لازم إياه، والملك حاصل له، والثمن واجب عليه، فلما كان وكيل المشتريين أخص بالعهدة من وكيل البائعين، صار في تقدير المشتري لنفسه، ومن اشترى لنفسه شيئًا، ثم أراد رد بعضه بالعيب لم يكن له التبعيض. وليس يشبه وكيل البائعين، من باع ملك نفسه، لما ذكرناه من العهدة. مسألة (191): إذا اشترى/ (139/ ب) رجل سلعة فباعها، ثم استقال البيع، واستردها،

فاطلع على عيب قديم بها لم يكن له ردها على من ابتاعها منه. ولو ردها بالعيب على المقيل، فله ذلك إذا جعلنا الإقالة بيعًا، ثم للمقيل أن يردها على المستقيل بحق ابتياعه إياها منه، فإذا رجعت إليه كان له ردها على البائع الأول.

مسألة (192)

والفرق بين المسألتين: أنه إذا استقال البيع، فرجعت إليه بالإقالة، فقد رجعت إليه باختياره، وكان متخلصًا من عهدتها لولا الاستقالة فلم يكن له ردها على البائع الأول، وهذا الملك الحادث غير الملك الذي استفاده من البائع بالبيع. فأما إذا ردها على المقيل بالعيب، [فارتدت عليه من جهة المقيل بذلك العيب]، فهذا الملك الأخير حصل له من غير اختياره، وإنما رجعت إليه بالعيب، فكان له ردها على الأصل بالعيب. ألا ترى أن السلعة المعيبة لو تناسختها عشرون يدًا، ولم يطلعوا على العيب، ثم اطلع المشتري الأخير، فردها على من اشتراها منه كان له أن يردها على الثالث، وللثالث أن يردها على الرابع حتى ترجع إلى الأول. مسألة (192): إذا اشترى رجل لرجلين سلعة، فخرجت معيبة، فرضي

أحدهما بها، وأراد الثاني أن يرد، فقد ذكرنا طريقة أبي إسحاق المروزي، أنه ممنوع عن الرد منفردًا، وقال بعض أصحابنا: له الرد. وإذا اشترى رجل سلعة، فلم يطلع على العيب حتى مات، وخلف ابنين، فاطلعا على عيبها، فأراد أحدهما الرد، ولم يساعده أخوه لم يكن له الرد، ولا خلاف في ذلك بين مشايخنا. والفرق بين المسألتين: أن الرجل إذا مات، وخلف ابنين، فالملك الحاصل لهما حصل من جهة الميراث لا من جهة الشراء، والملك بالشراء حصل لأبيهما، ولو أراد الأب في حال حياته أن يرد نصفها بالعيب ويمسك نصفها لم يكن له ذلك، فجميع الورثة يقومون مقامه وينزلون في حق الرد بالعيب منزلته.

فأما وكيل المشتريين حين اشترى فإن الملك بأصل العقد حصل للمشترين نصف لهذا, ونصف لذاك, فصار كل واحد منهما بأصل العقد مالكًا للنصف, فإذا رده, فقد رد بالعيب جميع ما اشترى, وما اشترى أحد الابنين شيئًا. فإن قال قائل: أليس ذكر أبو العباس بن سريج أن الوكيل بالشراء يملك, ثم ينتقل عنه الملك إلى موكله؟ فعلى هذا, لا فرق بين المسألتين؛ لأن الملك حصل للوكيل,] ثم انتقل إلى الموكلين, كما حصل الملك للأب [، ثم انتقل إلى الوارثين.

مسألة (193)

قلنا: هذا الذي حكي عن ابن سريج] احتمال يذكره, وليس يقطع به مذهب, ومثل هذا كثير لابن سريج [يخوض في مسألة ويذكر وجوه الاحتمالات على حسب عادة المصنفين, لا على معنى إضافتها إلى مذهب الشافعي -رحمه الله -. على أن الفرق بين المسألتين - مع هذا - واضح, وذلك أن الموكلين يملكان ما يملكان بالشراء؛ بدليل أن الوكيل بعد العقد لم يحدث عقدًا آخر ينتقل به الملك إلى الموكلين, وإذا ملكا شقصين بالشراء, فرد كل واحد منهما أو رد واحد منهما, فقد رد جميع ما ملك بالشراء, وهذا المعنى مفقود في الوارثين؛ لأنهما ما ملكا بالشراء شيئًا وإنما ملك أبوهما. مسألة (193): إذا اشترى رجل سلعة, فمات عن ابنين, فاطلعا على العيب, وامتنع أحدهما عن الرد تعذر الرد على الثاني, ولكن إن أراد الرجوع

بالأرش في حصته كان له ذلك. ونص الشافعي -رحمه الله - أن رجلًا لو اشترى سلعة, فباع نصفها, وفات المبيع من يده بالتسليم إلى المشتري, ثم اطلع على العيب تعذر عليه رد النصف الثاني, وإن أراد الرجوع بالأرش, فلا أرش له. والفرق بين المسألتين: أن أحد الابنين إنما تعذر عليه الرد بامتناع أخيه عن مساعدته في الرد, لا بتفريط من جهته, فأما من باع بعض ما ابتاع, فقد تعذر عليه رد الباقي بتفريط من جهته؛ لأنه هو البائع, ولو تأملها حق التأمل, أو توقف في بيعها, لتمكن من ردها, فإذا لم يفعل, فقد أتى بتفريط من جهة نفسه.

مسألة (194)

فإن قال قائل: أليس الرجوع بالأرش عند حقيقة اليأس من الرد, ولم يتحقق اليأس من الرد في مسألة الابنين, لأن الأخ الممتنع ربما يساعده, ويرضى البائع برده بعد امتناعه, وربما يملك أحد الأخوين نصيب الثاني؟ قلنا: هذه طريقة لبعض أصحابنا, وفيها ضعف ظاهر, وذلك أن الرد إذا تعذر في الحال, فلا بد من وصول صاحب الحق إلى حقه بالجهات الثانية, وهي جهة الأرش, فإذا كلفناه الانتظار الطويل للموهوم الذي عساه يتصور, وعساه لا يتصور تفاحش الضرر عليه, والرد بالعيب والرجوع بالأرش لرفع الظلامة, والضرر. مسألة (194): إذا اشترى رجل من رجل دابة, فنعلها, ثم اطلع على عيب فيها فأراد الرد, فامتنع البائع عن قبول النعل كان مجبورًا على

القبول, ولا يجبر شخص على قبول ملك شخص تبرعًا إلا في هذا الموضع, وما يتفرع عنه, وإنما فارقت هذه الحالة سائر الأحوال؛ لأنا لو كلفنا المشتري قلع النعل؛ ليرد الدابة, كما ابتاعها تعيبت حوافرها بقلعة, ويكون ذلك عيبًا حادثًا يمنع الرد بالعيب القديم, وهذا المعنى مفقود في سائر التبرعات. وكذلك لو اشترى ثمرة, فتلاحقت, واختلطت ورضي البائع بترك حقه, وقلنا: لا ينفسخ البيع بالاختلاط, ولكن ينفسخ بالمشاحة, فلا يفسخ في هذا الموضع, ويجبر المشتري على أخذ الثمرة كلها.

مسألة (195)

فإن قال: لا تطيب نفسي بأن آخذ ملك البائع إلا ما اشتريت منه. قلنا: إنك مجبور مع كراهة نفسك على قبول ملكه فإنك بالامتناع تروح فسخ عقده. ثم لو أراد صاحب] النعل أن يطلب قيمة نعله لم يكن له طلبها, وكذلك صاحب [الثمرة لأنا أجبرنا خصمه على قبول هذا الملك لاستبقاء العقد, فيستحيل مطالبته بالعوض من غير مراضاة حصلت على المعاوضة. مسألة (195): إذا اشترى جوزًا, فكسره, فصادفه فاسد الجوف, ففي الرد - بالعيب - بعد الكسر قولان. ولو اشترى بطيخًا, فقطعه, فوجد جوفه فاسدًا بمرارة, أو حموضة, فليس له الرد قولًا واحدًا, ولو قطع بطيخًا فوجده مدودًا رده. والفرق بين قطع البطيخ المر وكسر الجوز العفن: أن فساد جوف الجوز

إنما يطلع عليه بالكسر ولا يتوصل إليه يقينًا بسبيل غيره, فصار كالنشر في الثوب المطوي. فأما البطيخ المر, فلا تتعذر معرفة مرارة جوفه بغرز حديدة فيه وذوق طعمه مع الاستغناء عن قطعة, فإذا قطعه صار, كالثوب إذا قطعه المشتري, ثم اطلع على عيبه لم يكن له رده؛ ولذلك قلنا: إذا وجد البطيخ مدودًا بعد قطعه كان, كالجوز العفن في جواز الرد؛ لأن وجود الدود في جوفه ليس مما يعرف بالغرز, وإنما يعرف بالقطع؛ ولذلك قلنا: لو اشترى الرانج, فرضضه, فاطلع على عيب لم يكن له رده؛ لأنه

مسألة (196)

يتوصل إلى معرفة عيب باطنه من غير ترضيض, وتلك القشرة إذا كانت غير مرضضة كانت صالحة لمنافع شتى, فإذا صارت مرضضة] لم تصلح لها, ولهذه النكتة نقول في بيض النعامة إذا صارت مرضضة [لم يكن للمشتري الرد, بخلاف بيض الدجاجة. مسألة (196): إذا باع عبدًا مرهونًا فالبيع باطل قولًا واحدًا. وإذا باع عبدًا جانيًا جناية مالية, ففي جواز بيعه قولان منصوصان: فإن قال قائل: تعلق الجناية بالرقبة أقوى, وأبلغ من تعلق الرهن؛ بدليل العبد المرهون إذا جني جناية مالية بيع في الجناية وأبطل الرهن, فكيف جوزتم بيع الجاني, ولم تجوزوا بيع المرهون.

قلنا: الفرق بينهما: أن الجناية إذا تعلقت برقبة العبد, تعلقت بغير اختيار السيد, فلا يكون السيد بالبيع معترضًا على تصرف سبق منه, فأما المرهون إذا باعه سيده, فهو بهذا البيع معترض على عقد لازم سبق منه, والمالك إذا عقد عقدين متناقضين والأول لازم كان الثاني مدفوعًا بالأول, ولا يكون الأول مدفوعًا بالثاني. الفرق الآخر: أن العبد إذا جني, فالسيد مخير في الفداء, والفداء قد يكون بلفظ صريح, وقد يكون بكناية, فإذا باعه فكأنه ضمن فداه؛ ولذلك قال الشافعي - رحمه الله -: "ولو باع عبده وقد جني, ففيها قولان: أحدهما: إن البيع جائز, كما يكون العتق/ (141 - أ) جائزًا, وعلى السيد الأقل من قيمته, أو أرش

مسألة (197)

جنايته"، فجعل بيعه فداء منه له. مسألة (197): إذا باع رجل عبدًا, فباعه المشتري من ثالث, فمات في يده, فاطلع على عيب به, فرجع بالأرش على البائع الثاني كان لبائع الثاني أن يرجع به على البائع الأول. ولو كانت المسألة بحالها غير أن العبد تعيب في يد المشتري الثاني بعيب حادث, فمنعه الرد بالعيب القديم, فرجع بالارش على البائع الثاني لم يكن للثاني أن يرجع به على البائع الأول. والفرق بينهما: أنه إذا مات انقضى حكم الرد وتعين طلب الأرش, فإذا

مسألة (198)

طولب به البائع الثاني كان له مطالبة البائع الأول به. وأما إذا حدث به عيب حادث, فطولب البائع الثاني بالأرش, فابتدر وغرم لم يرجع به؛ لأنه كان قادرًا على أن يأخذه مع العيبين, فيعرضه على البائع الأول, فلعله يرضى به معيبًا بالعيبين جميعًا, فإذا لم يفعل, وغرم الأرش لم يكن له أن يرجع به. مسألة (198): إذا اشترى رجل جارية, فوجد بينه, وبينها حرمة رضاع, فأراد ردها على البائع لم يكن له ردها. ويمثله لو صادفها في عدة زوج, أو في عدة وطء بشبهة] فأراد الرد كان له الرد.

الفرق بين المسألتين: أنه إذا صادفها معتدة, فهي محرمة الوطء [عليه, وعلى جميع الناس إلى زمان معلوم, وذلك عيب يوجب نقصانًا من الثمن ظاهرًا؛ لأن الوطء من جملة مقاصد الجواري. وأما إذا صادفها محرمة بالرضاع, فتلك الحرمة مختصة به, وهذا لا يوجب نقص القيمة, وإنما يثبت الرد بما يعد عيبًا ينقص القيمة نقصانًا بينًا؛ ولذلك قال الشافعي - رضي الله عنه -: إذا وطء الأب جارية ابنه, ولم تحبل لم يغرم قيمتها وإن حرم عليه وطأها, وإنما يغرم إذا أحبلها. وقال الشافعي - رحمه الله -: "لو أرضعت امرأة رجل بلبنه أمته الصغيرة, فحرمتها عليه لم تغرم شيئًا", ولذلك قلنا: لو اشترى رجل جارية رضيعة, فاسترضعها أم البائع, فأرضعتها, ثم اطلع على عيب قديم

كان له ردها به, ولم يكن للبائع أن يقول: حرمتها علي, فلا تردها بالعيب.

مسألة (199)

مسائل اختلاف المتبايعين مسألة (199): إذا اختلف المتبايعان, فقال البائع: بعت منك العبد بألفين من دينك الذي علي, وقال المشتري: إنما اشتريته بألف, فليس بينهما تحالف. ولو قال: بعت العبد منك بألفين, وأطلق, وقال المشتري: بل اشتريته بألف تحالفا, ولا فرق في المسألتين بين أن تكون السلعة فائتة وبين أن تكون باقية. والفرق بينهما: أن البائع إذا قال: بعته بألفين من دينك الذي علي, فقد أقر بأنه قبض جميع الثمن الذي يدعيه؛ لأن من باع سلعة من غريمه بدينه الذي يستحقه عليه صار الثمن بنفس العقد مقبوضًا, وقبضه براءة ذمته عن مقدار ثمن سلعته, فصار كما لو قال: بعت العبد منك بألفين, وقد قبضت الألفين,

مسألة (200)

وقال المشتري: إنما اشتريته بألف, فلا تحالف بينهما. وأما إذا أطلق البائع الألفين, وكذبه المشتري, فالدعوى المطلقة لا تتضمن إقرارًا بالقبض, وهما مختلفان في الثمن, فلا بد من التحالف. مسألة (200): إذ كان لرجل على دين, فباع ذلك الدين] بعين, وقبضها قبل التفرق, فالمذهب المشهور أن البيع صحيح. ولو باع ذلك الدين من غير [من هو في ذمته كان البيع باطلًا. والفرق بين المسألتين: أنه إذا باع الدين ممن عليه الدين كان نفس البيع متضمنًا تسليم المبيع وهو براءة ذمته عن الدين الذي قد باعه منه, فأما إذا باعه من غيره, فنفس البيع لا يتضمن براءة ذمة ذلك الغريم؛ لأن ذمته إنما

مسألة (201)

تبرأ بالقضاء, أو بالإبراء, والبيع من غيره ليس بإبراء, وذلك الدين مضمون] في ذمته وهو ضامنه في المعاوضة السابقة, فلا يجوز أن يصير الثاني ضامنًا له بحق [هذه المعاوضة, فيتوالى ضمانان من جنس واحد في حالة واحدة على مال واحد؛ فلذلك افترقت المسألتان. مسألة (201): إذا اختلف المتبايعان, فقال أحدهما: بعته منك بشرط الخيار, وأنكر الأخر الخيار تحالفًا وترادًا. ولو اختلفا في ذكر العيب, فقال البائع: اشتريته على أنه معيب] وقال المشتري: ما اشتريته على أنه معيب [، فلا تحالف بينهما, والقول قول المشتري. والفرق بينهما: أنهما إذا اختلفا في الخيار, فقد تصور الاختلاف بينهما على

وجه لو اقترن بالعقد حالة العقد بطل ولم ينعقد, وذلك أن البائع لو قال: بعته, منك بألف على أن لي الخيار ثلاثة أيام, فقال] المشتري: اشتريته منك بما قلت على أن لا خيار لك لم ينعقد [البيع بينهما, فإذا اختلفا في الانتهاء مثل هذا الاختلاف تحالفا, وصار كاختلافهما في مقدار الثمن يتحالفان؛ لهذه العلة؛ لأن البائع لو قال: بعتك هذا العبد بألفين, فقال المشتري: اشتريته بألف لم ينعقد البيع بينهما, فإذا اختلفا مثل هذا الاختلاف تعذر إمضاء العقد بينهما, فوجب التحالف. فأما المسألة الأخرى, فليست كذلك؛ لأنهما لو اختلفا في الابتداء, فقال البائع: بعته منك بكذا وكذا على أنه معيب,] وقال المشتري: اشتريته منك بهذا

مسألة (202)

الثمن على أنه غير معيب [انعقد العقد بينهما بكل حال, سواء كان معيبًا, أو سليمًا عن العيوب, فإذا وقع بينهما مثل هذا الاختلاف في الانتهاء لم يضر ولم نوجب التحالف. مسألة (202): المنصوص عليه للشافعي -رضي الله عنه - أن المتبايعين إذا تحالفا, وفرغا لم ينفسخ البيع/ (142/ أ) بينهما, وكان متوقفًا إلى أن يقول القاضي للبائع: أترضى بما قال المشتري؟ فإن لم يرض قال للمشتري: أترضى بما قال البائع؟ فإن لم يرض فسخ البيع بينهما, وإن رضي أحدهما بما قال الثاني أمضى بينهما ذلك العقد, فأما انفساخ البيع بنسف التحالف, فتحريج بعض أصحابنا, وليس بمنصوص. وإذا لاعن الرجل امرأته, ففرغ من اللعان, وقعت الفرقة بفراغه, ولا يتوقف على لعانها, ولا على تفريق القاضي بينهما.

مسألة (203)

والفرق بينهما: أن المتبايعين إذا تحالفا احتمل بعد التحالف تراضيهما, واتفاقهما على رأي أحدهما, وإن اشتدت في التحالف خصومتهما, وإنما يفسخ الحاكم العقد إذا تحقق اليأس من استدامته بينهما, فأما في اللعان فإن الزوج إذا رضي بأن يعير نفسه, وفراشة بالقذف, ثم زاد على ذلك المرافعة, ثم ذكر أربع شهادات بالله أنها زانية, ثم ختمها بالخامسة, وهي ذكر اللعنة عقل العقلاء أن الوصلة بينهما صارت مأيوسًا منها حقيقة للفضيحة الحاصلة, والمقصود من النكاح هذه الوصلة, وما فيها من حسن العشرة, والنكاح بين هذين الشخصين بعد اللعان لو انعقد لم تتوفر عليه مقاصده في الحال, ولا في المآل, وقد قال من فوض الفرقة إلى القاضي: يلزمه التفريق, ولو تراضى الزوجان بالصحبة بعد اللعان لم ينفعهما تراضيهما. مسألة (203): إذا اختلف الزوجان, فقالت المرأة: لا أسلم نفسي إليك ما لم تسلم مهري إلى, وقال الزوج: لا أسلم المهر ما لم

تسلمي إلي نفسك, فالمرأة غير مجبورة على التسليم بحال, ولكن إما أن يجبر الزوج, وإما أن يعدل المهر. وإذا اختلف البائع, والمشتري مثل هذا الاختلاف جاز إجبار البائع على تسليم السلعة قبل قبض الثمن. والفرق بين المرأة والبائع - وهي بمنزلة البائع -: أن البائع إذا أجبر على تسليم السلعة, فسلمها, فالتسليم لا يتضمن هلاكها, فأما تسليم المرأة بضعها.

فإنه يتضمن هلاك البضع؛ لأن تسليمها يمكن الزوج من إصابتها, ولا يجوز إجبارها على ابتداء التفويت قبل وصول المهر إليها.

مسألة (204)

مسائل المرابحة مسألة (204): إذا باع رجل سلعة مرابحة, فقال في العقد: بعتها منك بما قامت على في عقدها: على كل عشرة ربح درهم, وكان قد اشتراها بمائة, وأنفق عليها عشرين للغسل والطراز والقصارة وغير ذلك, لزم البيع بينهما بمائة وعشرة دارهم. ] ولو كانت المسألة بحالها, فقال: بعتها منك بما قامت: على كل عشره ربح درهم [، فقال: اشتريت, لزم البيع بينهما بمائة واثنين وثلاثين. والفرق: أنه إذا ذكر العقد فقال: بما قامت علي في العقد كان

مسألة (205)

الظاهر من هذه اللفظ أنه أراد الثمن دون المؤن, والثمن مائة وعلى كل عشرة ربح درهم, فهي واجبة عليه بمائة وعشرة. فأما إذا لم يذكر العقد, واقتصر على قوله بما قامت علي, فهذا اللفظ لفظ عام شامل ينطلق على الثمن, والمؤن التي استنفقها, وجملتها مائة وعشرون, وربح الجملتين اثنا عشر, فلذلك ألزمناه السلعة بمائة واثنين وثلاثين. مسألة (205): إذا باع رجل سلعة بثمن مجهول, ولم يتفرقا حتى صيراه معلومًا, فالبيع باطل. ولو اشترى سلعة, ثم باعها مرابحة, والمشتري غير عالم بأصل الثمن فقد قال

بعض أصحابنا: إن لم يتفرقا عن المجلس حتى صيرا ذلك الثمن معلومًا كان البيع صحيحًا. الفرق: أن المرابحة عقد مبني على عقد يترتب حكمه عليه, والثمن معلوم في العقد الأول, والجهالة مأمونة, والتأمل غير متعذر, فإذا لم يتفرقا حتى صار معلومًا, فكأنما ذكرا مقداره في أصل العقد, فأما في غير المرابحة, فالعقد ابتداء وليس ببناء, وشرط صحة التلفظ به إعلام العوضين من الجانبين, وليس ها هنا أصل سابق في العلم يمكن الرجوع إليه. فإن قال قائل: أليس الشافعي - رحمه الله - جعل مجلس العقد, كحالة

مسألة (206)

العقد؟ فهلا جعلتم إعلام الثمن في مجلس العقد نظير إعلامه في حالة العقد. قلنا: الشافعي - رحمة الله عليه - جعل مجلس العقد إذا سبق العقد,] كحالة العقد, وأما إذا لم يسبق [عقد صحيح بشرائطه, فليس لذلك العقد مجلس. وفي هذا الأصل غلط بعض أصحابنا في التفريع, فقال: إذا باع سلعة بمائة درهم وزق خمر, ثم لم يتفرقا حتى حذفا ما ذكرا من الخمر كان البيع صحيحًا؛ لأن مجلس العقد, كحال العقد, وهذا محال؛ لأن هذا العقد ليس بعقد من أوله, وإذا لم يثبت له حكم العقد لم يثبت له مجلس العقد. مسألة (206): إذا اشترى رجل سلعة, وباعها, فحط البائع الأول بعض الثمن

عن المشتري الأول لم يجبر المشتري الأول في الحط عن الثاني. ولو كان بيعه مع الثاني مرابحة, أو توليه, أو شركة لزمه أن يحط عن الثاني ما حط عنه. والفرق: ما ذكرنا في المسألة السابقة أن المرابحة عقد مبني على عقد يترتب عليه حكمه, فإذا ثبت في الأول حط تعدى إلى الثاني. فأما إذا لم تكن مرابحة, ولا تولية, ولا شركة, فالبيع الثاني مبتدأ غير مبني, فلا يتصل حكم أحد العقدين بالثاني.

مسألة (207)

مسائل البيوع الفاسدة مسألة (207): إذا باع رجل عبدًا, ثم ادعى بعد البيع أنه كان أعتقه لم تقبل دعواه. ولو بيع عليه في دين بقضاء القاضي, ثم ادعى أنه كان أعتقه فدعواه مسموعة والبيع باطل. والفرق: أن العبد إذا بيع عليه, فهو بدعوى العتق] لا يكذب نفسه؛ لأن القاضي هو الذي باشر البيع, فأما إذا باعه بنفسه, ثم ادعى العتق السابق, فهو بدعوى العتق [السابق يكذب نفسه بنفسه, ولو جاء

بشاهدين يشهدان على لفظ العتق السابق فشهادتهما مردودة؛ لأنه لما كذب نفسه بالبيع السابق فقد كذب بينته, والخصم إذا كذب البينة فالبينة ساقطة. وقد قال الشافعي - رحمه الله -: "لو باع رجل سلعة مرابحة وذكر أنه اشتراها بتسعين, ثم رجع من بعد وقال: كنت أشتريها بمائة لم يسمع منه, وإن أقام بينة على ذلك لم تسمع بينته". وعلى هذا قال بعض مشايخنا: "إذا زوجت البكر تزويج إجبار فادعت بعد ذلك رضاعًا بينها وبين زوجها تسمع دعواها, والثيب إذا

زوجت فادعت رضاعها بينها وبين زوجها فدعواها غير مسموعة". والفرق بينهما: أن البكر لم تستأذن فلم تتضمن دعواها تكذيب نفسها,] وأما الثيب فقد استؤذنت فأذنت فتتضمن دعواها تكذيب نفسها [. وعلى هذا يفصل بين البائع إذا ادعى أن ما باع كان وقفًا, وبين وارثه إذا ادعى ذلك والوارث من الأرباب, فلا تسمع بينة المرث؛ لأنه كذب نفسه بنفسه, وتسمع البينة من الوارث, ويبطل

مسألة (208)

البيع, ويرجع المشتري بالثمن على تركه البائع إن كان خلف تركه. مسألة (208): بيع الصوف على ظهر الغنم باطل. وبيع الزرع على أن يقطعه جائز, وكذلك يجوز بيع قوائم الشجرة, وأغصانها من غير شرط القطع. والفرق بين الصوف, وبين القوائم, والزرع: أنه إذا اشترى الصوف, ثم أراد أن يجزه من أصل الظهر لم يكن له ذلك, وكذلك إذا أراد أن يحلقه حلقًا؛ لأن ذلك يؤدي إلى تعذيب الحيوان لغير مأكله, وقد

مسألة (209)

نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تعذيب الحيوان إلا لمأكله. وإن ألزمنا المشتري جز البعض، واستبقاء البعض كان مجهولًا، ولا يجوز بيع المجهول. فأما إذا اشترى الأغصان، أو الزرع، فحقه أن يقطعه عن وجه الأرض، وحقه في القوائم، والأغصان أن يقطع جميع ما يسمى غصنًا، وهذا ممكن غير متعذر، فيكون العقد عاريًا عن الجهالة. مسألة (209): إذا بايع الرجل أعمى، أو كان البائع أعمى، والمبيع عين من الأعيان، فالبيع باطل. ولو باع رجل عبده الأعمى من نفسه بمال معلوم، أو كاتبه، فالبيع صحيح والكتابة صحيحة.

والفرق بينهما: أن العبد إذا اشترى نفسه، أو قبل الكتابة على نفسه/ (143/ ب)، فقد قبل العقد على ما هو غير مجهول [عنده؛ لأن الإنسان لا يجهل نفسه وإن كان أعمى، فأما إذا اشترى ثوبًا، والمشتري أعمى، فالمعقود عليه مجهول] عند العاقد، وشرط البيع علم المتعاقدين جميعًا بالمعقود عليه عند العقد. ولهذا المعنى فصلنا بين شراء العين، وبين عقد السلم في حق الأعمى، فقلنا: إذا اشترى عينًا، فالعقد باطل، وإذا اشترى سلمًا، فالعقد صحيح. الفرق بينهما: أن العلم بالسلم طريقه طريق الأوصاف، والأعمى يستدرك العلم بالوصف، كما يستدركه البصير، فأما العلم المستفاد بالمعاينة، فلا يحصل ذلك للأعمى مع فقد حاسة البصر.

وفصل المزني في السلم بين الأعمى، والأكمه، فقال: إنما يصح السلم من الأعمى الذي كان في الأصل بصيرًا، فعاين الأشياء، وعرفها، وعرف أوصافها، ثم اعترض العمى، ولا يصح من الأكمه، وهو الذي خلق أعمى، وفصل بينهما؛ بأن الأكمه إذا لم ير الأشياء قط لم يعرفها وإن وصف له وصفها، وادعى أن الشافعي - رحمه الله - أراد هذا المراد، وهذا الفرق. وساعده بعض أصحابنا، وخالفه بعضهم، وقال من خالفه: إنا صادفنا جماعة من العميان الذين خلقوا عميانًا يستقصون أوصاف الأعيان [متتابعين فيها غير غالطين فيما يستقصون من أوصافها، فعرفنا أنهم إذا سمعوا أوصاف الأعيان]، وعقلوها، وضبطوها صارت معلومة عندهم.

ثم لابد في سلم الأعمى من بصير عند التسلم، والتسليم؛ لأن الأعمى لا يعرف العين بحال. فإن قال قائل: ما الفرق بين اللون، وبين الطعم، وقد قلتم إذا نظر البصير إلى خل فرأى لونه جاز أن يشتريه من غير أن يذوقه، وإذا ذاقه الأعمى، فعرف طعمه لم يجز له شراؤه، وطعمه معظم مقصودة، وكذلك ما أشبه الخل مما له طعم؟ قلنا: الفرق بينهما: أن الأعمى وإن ذاق الطعم، فالمعاينة مفقودة من جهته، وعلم الأعيان بالمعاينة. ألا ترى أن البصير لو شم المسك في بيت مظلم - والمقصود منه رائحته - فاشتراه من غير معاينة لم يجز ذلك العقد في قول، وجاز في

مسألة (210)

قول، وثبت له خيار الرؤية. ولو شاهد المسك، ولكنه أخشم لا يشم رائحته، فاشتراه، صح الشراء، ولا خيار له فيه، فعرفت أن الشم، والذوق، واللمس حواس لا تأثير له في العلم المشروط لصحة البيع، وإنما التأثير للمعاينة. مسألة (210): القيم إذا دفع دراهم إلى الطفل، ليقضي دينًا كان ذلك الطفل، فأوصلها إلى الغريم صح ذلك القضاء. ولو أن الصبي - بغير إذن القيم - قضي دينه لم يصح القضاء. والفرق بين الحالتين: أن تعيين الدراهم المصروفة إلى قضاء الدين حق

مسألة (211)

للقيم، وإذا أراد/ (144/ أ) الصبي التعيين لم يصح ذلك منه، وإذا عين القيم، وسلمها إلى طفل صح التعيين من جهة من إليه التعيين، ووصلت العين المعينة إلى يدي مستحقها. فإن قال قائل: يد الصبي لا تصلح للقبض، والإقباض، كما أن الصبي لا يصلح للتعيين، والتمييز، فما بالكم جعلتم يده في التسليم وإسقاط الضمان، كيد البالغ، ولم تجعلوا تمييزه، وتعيينه، كتعيين البالغ؟ قلنا: إن يد الصبي في هذه المسألة يد مفقودة الحكم، ونحن ما صححنا قضاء الدين لإلحاق يده بيد البالغ، ولكن لو ميز القيم دراهم لدين فلان، فسمع فلان بالتمييز، فجاء بنفسه، وأخذ تلك الدراهم من غير دفع، وإقباض وقعت الموقع، وصار الدين مقضيًا، وحصلت براءة الذمة، فتسليم الصبي لا ينزل عن هذه الدرجة التي صورناها. مسألة (211): إذا باع رجل سلعة من مراهق بثمن معلوم، فالبيع باطل،

وإن استهلكها ذلك المراهق، فليس لصاحب السلعة مطالبته بقيمتها، ولا بثمنها. ولو أن رجلًا أودع مراهقًا وديعة، فاستهلكها، فالمذهب الصحيح أن له تغريم المراهق. والفرق بين المسألتين: أنه إذا أودعه، فقد استحفظه، وإذا استحفظه لم يسلطه على استهلاك العين، ومعقول أن صاحب المال لو رأى مراهقًا يتلف ماله، فسكت كان له تغريمه، ولم يكن سكوته رضي منه بذلك الاستهلاك، فكيف يكون إيداعه، واستحفاظه رضي بالاستهلاك؟ فأما إذا بايعه، وسلم السلعة إليه، فقد سلطه على استهلاكها، لأن كل من باع سلعة من إنسان، وسلمها إليه علم أن ذلك المشتري إنما اشتراها، ليستمتع

بها استمتاع مثله بمثلها، وإذا تحقق التسليط على الاستهلاك استحال التغريم، ولو أن رجلًا باع سلعة من سفيه محجور عليه، فأتلفها لم يكن له عليه عوضها، لا في الحال، ولا في المآل، فمنزلة المراهق في هذا الاستهلاك مثل منزلة السفيه والله أعلم بالصواب.

كتاب السلم

كتاب السلم مسألة (212): إذا باع رجل عبدًا وكان حاضرًا، فصار بعد البيع آبقًا، فالبيع لا يبطل، غير أن المشتري بالخيار، فإن شاء فسخ البيع، وإن شاء أجازه وانتظر عود العبد الآبق. وإذا أسلم في شيء إلى وقت معلوم، فدخل وقت المحل والمسلم فيه منقطع مفقود بطل السلم في أحد القولين، والقول الثاني: إنه كالعبد الآبق، فإن شاء أجاز وانتظر وجود المسلم فيه في العام القابل، وإن شاء فسخ واسترد المال.

والفرق بين العبد والمسلم: أن العبد إذا كان حاضرًا حين استقر العقد عليه كان موصوفًا بأنه مقدور عليه وعلى/ (144/ ب) تسليمه عند محله ومحله عقيب العقد، ومن باع عينًا مقدورًا على تسليمها عند محلها صح البيع، فإذا أبق تراخى فعل التسليم، فلم يبطل البيع ما دام العبد حيًا؛ لعدم فوات التسليم على الحقيقة. فأما إذا أسلم في طعام وجعل محله زمانًا معلومًا، [فأول زمان التسليم ذلك الزمان المعلوم]، فإذا حان ذلك الزمان وهو منقطع صار في تقدير من باع عبدًا آبقًا إباقًا مقترنًا بالبيع، ومثل هذا البيع باطل.

مسألة (213)

ولذلك فصلنا بين من يؤجر دارًا مغصوبة، فيبطل العقد، وبين من يؤجرها غير مغصوبة فيعترض الغصب، وكذلك الغصب المقترن بعقد الكراء يمنع صحته، والمعترض لا ينافي صحته، ولكن يثبت خيار فسخه. مسألة (213): إذا باع عينًا بيعًا حالًا، لا أجل في ثمنه جاز إطلاق العقد من غير تقييد بالحلول، ثم يكون مطلقه حالًا. فأما إذا أسلم، وأطلق إطلاقًا، فقد قال بعض أصحابنا: إن السلم باطل

حتى يقيده بالحلول، وبعضهم خالفه في ذلك، واستشهد القائل الأول بلفظ الشافعي - رحمه الله - في كتاب السلم حيث قال: "وقال: في كل واحد حدًا وأجلًا معلومًا، أو قال: حالًا"، فاشترط في السلم الحال أن يقول: حالًا. والفرق بين العين والسلم: أن العادة الغالبة في السلم الجاري بين الناس الآجال، والسلم الحال وإن كان جائزًا، فهو غير معتاد، فإذا أطلق السلم تقيد بالعادة، ثم الآجال تختلف، فتطول وتقصر، فصار في التقدير، كأنه ذكر أجلًا من الآجال غير معلوم. ومثال: أن يبيع بنقد مطلق، فيقول: بعت منك هذا الثوب بألف درهم، وفي البلد نقود مختلفة، فالبيع باطل، وهو في تقدير من قال: بعته منك بنقد من النقود. فأما بيوع الأعيان، فليس الغالب عليها التأجيل، بل العادات فيها متقابلة، ولعل عادة الحلول أغلب، وأكثر، فإذا باع، وأطلق البيع تعين؛

مسألة (214)

لحلول الثمن المحل المعتاد في العين الحالة، وهو الزمان الذي يعقب العقد. مسألة (214): إذا باع عينًا، والبائع والمشتري عالمان بها، ولا يعلمها في السوق غيرهما، فالبيع جائز، ولا يضر اختصاصهما بالعلم، ومثل ذلك في السلم غير جائز، حتى يكون في البلد رجلان عدلان، فصاعدًا يعرفان من وصف ذلك الشيء المسلم فيه ما يعرف المتعاقدان. والفرق بينهما: أن العين إذا بيعت بعد المعاينة والإحاطة بها تيسر تسليمها، فإذا سلمها انقطعت الخصومة بينهما، ولا يتصور في المستقبل جهالة وخصومة في التسليم، والتسليم للخروج من العهدة، فأما إذا أسلم في شيء وذكر أوصافه، ولا يعلم ذلك الشيء بتلك الأوصاف سوى المتعاقدين فالخصومة عند/ (145/ أ) التسليم غير مأمونة.

مسألة (215)

ألا ترى أن السلم إذا حل، فجاء البائع بذلك الشيء، وقال: هذا الشيء بهذه الصفات هو ما أسلمت فيه، وقال المشتري: ليس هذا الشيء بمستجمع لأوصاف العقد، كان القول فيه قول المشتري، فإذا لم يكن في البلد سواهما عدلان يعرفان وصفه؛ لتقطع الخصومة بشهادتهما تحققت الجهالة عند التسليم، وكانت جهالة مستندة إلى أصل العقد المنعقد بينهما، فلذلك اشترط الشافعي - رحمه الله - علم غيرها نصًا في كتاب السلم. مسألة (215): إذا أسلم في عبد وجارية معًا، واقتصر على أكثر أوصافهما المشروطة في السلم حكمنا بصحة العقد. ولو قال: على أن يكون الغلام ولد هذه الجارية الموصوفة، فالسلم باطل.

مسألة (216)

والفرق: أنه إذا اشترط أن يكون الغلام ولد تلك الجارية على الأوصاف المذكورة، فالغالب تعذر الوجود، والسلم في العزيز الوجود باطل، حتى يكون عام الوجود. [ألا ترى أنه إذا أسلم في شيء، وجعل محله زمانًا يحتمل أن يكون موجودًا فيه، ويحتمل أن يكون مفقودًا، وليس الغالب الوجود] كان السلم باطلًا. وإذا لم يشترط أن يكون الوصيف ولد الوصيفة لم يكن عزيز الوجود؛ لأن العبيد والإماء موجودون غالبًا. مسألة (216): إذا اشترط في السلم أجود الطعام، فالسلم باطل. وإذا اشترط أردأه، فالسلم جائز على أحد القولين

مسألة (217)

والفرق بينهما: أنه إذا اشترط أجوده، فأتاه بطعام جيد كان له أن يمتنع عن القبول، ويطلب أجود من ذلك الجيد على مقتضى شرطه في عقده، ثم لا يعلم للجودة غاية حتى تنقطع بينهما الخصومة بتلك الغاية. وأما إذا اشترط الأردى [فأتاه بطاعم رديء، فليس للمسلم أن يقول أريد أردى] من هذا بعدما تبرع البائع، وأعطاه أجود الرديئين، فيتيسر في هذه الصورة قطع الخصومة بينهما، فلهذا افترقا. مسألة (217): إذا باع عينًا بدراهم إلى آجال صح البيع وطولب في الآجال بمقادير الثمن. ولو أسلم دراهم في حنطة إلى آجال ففي السلم قولان منصوصان: أحدهما: أنه صحيح، والثاني: أنه باطل.

والفرق: أن السلم ربما يتيسر في المحل الأول بعض قسطه فيسلمه ويتعذر الباقي، وإذا تعذر انفسخ العقد، أو تخير في الفسخ، فلا يجد بدًا من توزيع رأس المال، فيؤدي إلى الجهالة المستندة إلى أصل العقد، فأما بيع العين فلا ينفسخ، وإن تعذر تسليم بعض الثمن في بعض الآجال المذكورة فلا يؤدي إلى هذا الفساد. فإن قال قائل:/ (145/ ب) ولم يبطل السلم بهذا العارض ولا يبطل بيع العين، وما الفرق بينهما؟ قلنا: الفرق بينهما: ما سبق بيانه أن السلم غير مستقر في الذمة، والثمن في بيع العين مستقر في الذمة، وقد ذكرنا دليل الاستقرار. وعلى هذا الأصل قلنا: لو باع رجل عبدًا بمائة دينار وألف درهم إلى أجل

مسألة (218)

واحد فالبيع صحيح، ولو أسلم دنانير في حنطة وشعير إلى أجل واحد ففي السلم قولان. والفرق في هذه المسألة مثل الفرق الذي ذكرناه في الشيء الواحد إلى الآجال، وذلك أن الحنطة ربما توجد وينقطع الشعير، أو يوجد الشعير وتنقطع الحنطة. مسألة (218): إذا اشترى رجل ثوبًا بعينه، فقبضه، فصادفه معيبًا، فرده على معنى الاستبدال به لم يجز ذلك له، ولكن له إما فسخ العقد وإما الإجازة. ولو أسلم في ثوب، فطالبه عند المحل فسلم إليه ثوبًا على وصف عقده، وشرطه، فوجد به عيبًا، فرده لم ينفسخ العقد، وله مطالبته بثوب غير معيب. والفرق: أن استحقاق الثوب في السلم يعتمد الوصف، ولا يعتمد العين، فإذا انكشف الثوب المقبوض معيبًا استبان أن حقه في ثوب غيره،

مسألة (219)

وذلك الثوب المستحق موصوف في ذمته غير معين، فهو بالاستبدال غير ناقل عقده من عين إلى عين. فأما إذا اشترى عينًا فأراد الاستبدال بها فإنه ناقل عقده من ثوب إلى ثوب، والعين إذا تعينت في العقد، فلا سبيل إلى تبديلها، والمجلس، وما وراء المجلس في ذلك سواء. مسألة (219): امتنع الشافعي - رحمه الله - عن وقف العقود في أكثر كتبه الجديدة، وقال بوقفها في القديم، وفي بعض كتبه الجديدة.

فأما وقف القبض، فجائز، ومعنى وقف القبض: أن يقبض الرجل المسلم معيبًا وذلك دون وصفه، فيكون ذلك، القبض موقوفًا على رضاه وسخطه، فإن رضي به معيبًا حكمنا بأنه حقه لسابق عقده، وإن لم يرض به فرده كان له مطالبته بالسلم. والفرق بين القبض وبين العقد: أن الأملاك تنتقل من مالك إلى مالك بالعقد، فإذا كان في أصله وقف - والأصل بقاء الملك للمالك الأول - لم يصلح ذلك اللفظ الضعيف بما تضمنه من الوقف لإزالة الملك. فأما القبض، فليس بموضوع لنقل الملك، ولكنه استيفاء ما سبق من الملك المستحق، فجاز أن يكون متوقفًا على سخطه ورضاه في المستقبل.

وإذا رده كان الرد عند بعض أصحابنا نقضًا للقبض، كنقض بيع العين برد المعيب، وقال/ بعض أصحابنا: رد السلم بالعيب رفع القبض وإعدامه لا نقضه. فمن جعله إعدامًا ورفعًا [من الأصل لم يوجب على البائع استبراء الجارية المردودة في السلم بالعيب، ومن جعله نقضًا، لا رفعًا أوجب على البائع الاستبراء، ومن جعله إعدامًا ورفعًا] لم يجوز الاستبدال [في الصرف (على الموصوف، ومن جعله نقضًا جوز الاستبدال) في الصرف على] الموصوف.

مسألة (220)

مسألة (220): إذا اشترى رجل عبدين، وقبضهما، فمات أحدهما في يده، وكان بالثاني عيب، فأراد استدراك عهدة العيب، فسبيله أن يغرم قيمة الميت، ويرد الثاني، ويستر الثمن، وهذا أحد القولين "فإذا اختلفا في قيمة العبد الميت، فالقول قول المشتري". والقول الثاني - في أصل المسألة -: أنه يرد العبد الثاني، ويسترد حصته من الثمن، ولا تعرف حصته ما لم تعرف قيمة

الميت، فإن اختلفا في قيمته، ففي المسألة قولان: أحدهما إن القول قول البائع. والفرق - على هذا القول -: أنهما إذا اختلفا، وحكمنا على المشتري برد العبد القائم مع قيمة التالف، فهو للعبد غارم، والقول في مقدار القيمة قول الغارم أبدا. ألا ترى أن الغاصب، والمالك إذا اختلفا في قيمة المغصوب التالف، فالقول قول الغاصب؛ لأنه غارم، والأصل براءة ذمته، فأما إذا جعلنا

مسألة (221)

له رد القائم بحصته من الثمن، فليس بغارم لقيمة العبد التالف، ولكن إنما نتعرف قيمته؛ لنهتدي إلى التقسيط، والتوزيع، والأصل أن ملك البائع مستقر على الثمن بالقبض؛ ولا ينقض ملكه في شيء منه بقول المشتري ولكن ينقض بالبينة، وإلا فالقول قول البائع مع يمينه. مسألة (221): إذا باع عبدين بثمن معلوم، فتلف أحدهما قبل القبض استبقينا البيع على العبد الثاني على أصح القولين، والصحيح أن البيع إنما يستبقى عليه بما يخصه من الثمن، لا بجميع الثمن. فإن قال قائل: إذا استبقيتم البيع عليه بحصته من الثمن صار أصل البيع في التقدير، كأنه قال: بعت منك هذا العبد بما يخصه من عشرة آلاف درهم إذا وزعت على قيمته، وعلى قيمة هذا العبد الثاني، [ولو قال هكذا، كان البيع باطلًا، فما الفرق؟

قلنا: الفرق أنه إذا قال: بعت منك هذا العبد بما يخصه من عشرة آلاف درهم موزعة على قيمته وعلى قيمة العبد الثاني]، فذلك العبد الثاني غير داخل في العقد/ (146/ ب)، وإنما ورد العقد على هذا العبد المنفرد بثمن مجهول في أصل العقد سيصير معلومًا من بعد، ومثل هذه الجهالة تبطل العقد، فأما إذا باعهما بشعرة آلاف، فقد ورد العقد عليهما بثمن واحد معلوم، فحكمنا بصحة العقد، ثم لما تلف أحدهما [مست حاجتنا إلى التوزيع؛ لفسخ العقد في أحدهما]، والجهالة عند الفسخ لا تضر، وإنما تضر الجهالة عند العقد.

مسألة (222)

فرق آخر: أن الجهالة في المسألة الأولى، وهي مسألة الإبطال جهالة مقصودة مقرونة بالعقد مشروطة، واشتراط الجهالة مبطل. وأما في المسألة الثانية فإنها جهالة تصورت بالشرع، لا بالشرط. ألا ترى أن رجلًا لو باع سلعة، واستثنى المشتري من الثمن المعلوم حصة أرش العيب مع الجهالة بالحصة كان البيع باطلًا، وإذا أطلق العقد استحق، أن يسترد من أصل الثمن عند فوات السلعة حصة الأرش، ولكنها جهالة ثبتت بالشرع، لا بالشرط. مسألة (222): إذا أسلم في ديباج لم يصح عقده حتى يذكر اللون مع ما يذكره من سائر الأوصاف. وإذا أسلم في فرس، فقد نص الشافعي - رحمه الله - على أنه لو لم يذكر

اللون كان جائزًا، والمستحب أن يذكره وأن يذكر الشيات، فإن أغفل فأتاه بهيمًا كان عليه قبوله. والفرق بينهما: أن الأوصاف المقصودة من الخيل قوائمها، وكرمها وصلابتها في الجري، العدو، وصبرها على الإعياء، فأما ألوانها، وإن كانت تقصد، فليست من معظم المقصود. وأما الديباج، فمن معظم مقصوده لونه، وأكثر ما تختلف فيه الأغراض ألوان الديباج، فلذلك اشترطنا فيها ذكر اللون، ولم نشترط ذلك في الخيل، وما أشبه الخيل.

فإن قال قائل: الشعر في الجواري من معظم المقصود، وقد قال الشافعي - رحمه الله -: "إذا أسلف في العبيد والإماء وصف السن واللون والجنس، وحلاها بالجعودة، والسبوطة، [ولو ترك التحلية جاز"، فكيف جوز ترك التحلية بذكر الجعودة، والسبوطة]؟ قلنا: إذا ذكر الشعر وسلامته، فالجعودة والسبوطة مما تختلف فيه أغراض الناس اختلافًا متقاربًا غير متباين، ومن كان من الاختلاف بهذه الصفة فذلك غير قادح، وأما الألوان في الجواري، والعبيد، والثياب، فتفاوت الأغراض فيها متفاحش؛ يدلك على ذلك: بُعد ما بين النوبي والتركي في الأغراض، وقرب ما بين الشعر الجعد، والشعر السبط إذا كانا في الأصل سليمين.

فإن قال قائل: أليس قد قال الشافعي: لو اشتراها على أنها جعدة، فوجدها سبطة لم يلزمها؛ لأن الجعودة أكثر ثمنًا؟ قلنا: بلى قد نص الشافعي على هذا، ولكن قد قال/ (147/ ب) بعض أصحابنا: لو اشتراها على أنها سبطة، فوجدها جعدة، فله الرد، واتفقوا على أنه لو اشترى عبدًان واشترط أنه كاتب فأخلف الشرط، ولكن وجد فيه منفعة فوق المنفعة المفقودة كان له الرد؛ لما وجد من الخلف، فالشافعي - رحمه الله - أشار بما ذكر من كثر القيمة، ن وقلتها إلى الغرض

مسألة (223)

المقصود في أعيان المتبايعين، لا إلى عين القيمة، حيث نقل تارة، وتكثر أخرى. مسألة (223): قال الشافعي رحمه الله في رواية الربيع: لو أسلم في ذات در أنها لبون، ففيها قولان: أحدهما أنه جائز، والثاني: أن اللبن يتميز منه، فلا يجوز، كالحمل، وهذا أشبه القولين. ولم يختلف قوله في السلم في الحامل أنه باطل. والفرق بينهما: أن الوجود في اللبون على أوصاف السلم أعم، وأظهر، فأما وجود الحامل مستجمعًا لسائر الأوصاف، فذلك يعز، والسلم يبطل إذا كان المسلم فيه مما يعز وجوده، ويتعذر تسليمه. مسألة (224): قال الشافعي - رحمه الله - في رواية الربيع: لو أسلم في لبيس

من الثياب كان باطلًا. وقد نص في مواضع [على جواز السلم في الثياب المختلفة الألوان، التي لا يستغنى في ضبطها، ووصفها] عن الاستقصاء والجهد البليغ. والفرق بين اللبيس، وغيره من الثياب: أن كونه لبيسًا وصف لا نهاية له، وتختلف صفته، وقيمته باختلاف هذا الوصف، وأكثر ما يمكن ذكره في إعلام هذا الوصف أن يذكر زمان اللبس، فيقول: لبيس شهر، ولبيس سنة، ولو قال ذلك بقيت الجهالة أيضًا لاختلاف الناس في اللبس، وأما سائر الأوصاف في الثياب، فلا يتعذر ذكر نهايتها؛ ولذلك قال الشافعي - رحمه الله - في بعض المواضع: لا يجوز السلم في الرديء، ولا يجوز السلم في

مسألة (225)

اللحم المشوي، واللحم الأعجف، وما جانس ذلك. مسألة (225): قال الشافعي - رحمه الله - في كتاب البيوع من رواية الربيع، إذا تغيب الرجل الذي عليه الدين، حتى يحط عنه صاحبه شيئًا، فحط ما حد له، ثم يقول: إنما حططت؛ للتغيب، قال: لا يرجع، فيما حط، وليس هذا من معاني الإكراه. والفرق بين الإكراه، والتغيب: أن الإكراه خوف حاصل على النفس، أو على المال إن ألحقنا المال بالنفس في الإكراه، فإذا حط؛ لذلك الخوف لم يصح ذلك الحط؛ لأنه محض إكراه لا يشوبه الاختيار. فأما إذا تغيب الغريم فالإكراه بذلك غير متحقق؛ لأنه قد يظهر بعد التغيب،

مسألة (226)

فيتصور الاستعداء، والإعداء عليه، وقد يتصور ذلك في الحال؛ لأن القاضي يتجسس، ويعدى على المتغيب، كما يعدى على غير المتغيب. مسألة (226): قال الشافعي - رحمه الله في آخر هذه المسألة: - ولو قال: إن ظهر فقد وضعت عنه كذا، فظهر لم يلزمه؛ لأنها عطية مخاطرة. أي لم يلزمه ذلك الحط، ولم يصح لما فيه من التعليق. ولو قال لمكاتبه: إن فعلت كذا فأنت حر عتق إذا فعله المكاتب، لم يختلف مذهبه في ذلك، وفي ذلك تعليق إبراء؛ لأن المكاتب لا يعتق إلا بالإبراء.

والفرق بين المسألتين: أنه إذا قال: إن ظهر فقد وضعت عنه كذا، فقد قصد عين الإبراء بالمخاطرة والغرر، والإبراء لا يقبل الغرر، والخطر، والجهالة فأما/ (147/ ب) إذا علق عتق مكاتبه، فالعتق من جنس ما يقبل الغرر، والخطر والجهالة، فجاز أن يندرج تحته ما لا يقبل الغرر. ومثاله: أن الإمساك لا يقبل الغرر والخطر في نكاح المشركات، حتى لو قال: كلما أسلمت واحدة، فقد أمسكتها لم يكن ذلك إمساكًا. ولو قال: كلما أسلمت واحدة، فقد طلقتها كان هذا التعليق صحيحًا؛ لأن من ضرورة الطلاق أن يندرج تحته الإمساك.

مسألة (227)

مسألة (227): قال الشافعي - رحمه الله - إذا دفع إلى رجل كتابًا فيه ذكر الشراء، أو البيع باسمه، فختم عليه لم يكن ختمه إقرارًا، وقال في كتاب الطلاق: "ولو كتب بطلاقها كان طلاقًا". والفرق: أن المقصود من الكتاب، والكتابة الإفهام، كما أن المقصود من المخاطبة الإفهام، والغائب يُفهم الغائب بالكتاب، كما أن الحاضر يُفهم الحاضر بالخطاب، فصارت مكاتبته في حال الغيبة مع البينة قائمة مقام المخاطبة. فأما ختم الرجل الكتاب، فليس يقصد منه الإفهام، وإنما يقصد

منه إحراز الكتاب ومنع الناظرين عن النظر فيه، فلا يمكننا أن نجعل هذا القدر من الفعل إقرارًا، ولا شيئًا منه قائمًا مقام العبارة - قال الشافعي - رحمه الله - في هذه المسألة: - وإنما جعل السكوت قائمًا مقام النطق في البكر.

كتاب الرهن

كتاب الرهن مسألة (228): عقد الرهن قبل الإقباض من العقود الجائزة، ولا يبطل بموت أحد المتعاقدين، ولا بموتهما جميعًا، فأما عقد الوكالة، والجعالة وما أشبههما فإنه يبطل بالموت. والفرق: أن الوكالة عقد جائز لا ينتهي إلى اللزوم ولا يعقد له،

وأما عقد الرهن فإنه يعقد حيث يعقد لقصد اللزوم والإلزام، غير أنه يتوقف وجود صفة اللزوم على معنى متوقع في الثاني وهو القبض والإقباض، والعقد الموصوف بهذه الصفة لا يبطل بالموت. ألا ترى أن البيع إذا تضمن شرط الخيار، فهو غير لازم ما دام الخيار قائمًا، ولكنه لما كان معقودًا لمقصود اللزوم لم يبطل بالموت ولا بالجنون ولا بالإغماء، فكذلك الرهن. فإن قال قائل: إن عقد الهبة عقد يقصد به اللزوم ويتوقف الانبرام على القبض، وقد قلتم إذا وهب لوارث شيئًا في صحته فمرض مرض موته قبل تسليمه إليه بطلت هبته، ولو كان سلمه في حال صحته لأنبرمت بالتسليم، وما ضره اعتراض مرض الموت، فما الفرق؟

قلنا: قد حكمت الشريعة بأن الوصية لا تجوز لوارث، وإذا وهب في حال صحته، ثم سلم في حال مرضه - والتمليك في الهبة بالتسليم - فكأنه أوصى له بما ملكه في مرض الموت. وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - قد نحل عائشة جداد عشرين وسقًا، فمرض أبو بكر قبل الإقباض والقبض، فقال لها: وددت/ (148/ ب) أنك كنت قد حزتيه، وهو اليوم مالك ومال أخويك وأختيك، فقالت: عائشة أما أختي فلانة فقد عرفتها، فمن أختي الأخرى؟ فقال: إن فلانة حامل وما أراها إلا تلد جارية،

فولدت جارية. فدل حديث أبي بكر على أن مرض الموت إذا اعترض على الهبة للوارث قبل الحيازة بطلت الهبة، فأما عقد الرهن، فلا يتضمن هذا المعنى، وأقصى إشكاله أن يكون المرتهن وارثًا فيمرض المورث الراهن ويموت قبل الإقباض، فلا يضر عقد الرهن؛ لأنه لا ينقلب وصيه له. فإن قال قائل: إن عقد البيع بعد الإيجاب وقبل القبول في حد الجواز، [كما أن الرهن بعد الإيجاب وقبل القبول في حد الجواز]، وموت أحد المتبايعين بين طرفي العقد مبطل للطرف الموجود، فهلا كان

مسألة (229)

الموت مبطلًا للرهن إذا لم يكن مقبوضًا. قلنا: أحد طرفي العقد بعض العقد، وبعض العقد لا يأخذ حكم العقد، فأما إذا استقل بطرفيه وتكامل فيه الإيجاب والقبول فقد تحقق له اسم العقد، واستتبع حقيقة الاسم حقيقة الحكم؛ فلذلك قلنا: إن خيار الشرط في البيع موروث وخيار القبول غير موروث. مسألة (229): قال الشافعي - رحمه الله -: ولو رهنه وديعة له في يده وأذن له بقبضه، فجاءت عليه مدة يمكنه فيها أن يقبضه، فهو قبض؛ لأن قبضه وديعة غير قبضه رهنًا. ثم قال: ولو كان في المسجد والوديعة في بيته لم يكن قبضًا حتى يصير إلى منزله وهي فيه. ففصل بين المسألتين، فجعل القبض في المسألة الأولى حاصلًا بانقضاء

زمان إمكان القبض، وإن لم يرجع إلى بيته، ولم ينقل الوديعة من مكان إلى مكان، واشترط في المسألة الثانية أن يرجع إلى منزله، ولم يقتصر على مضي الزمان. فقال بعض مشايخنا: مراد الشافعي - رحمه الله - بالمسألة الأولى رهن العقار، أو رهن ما يوضع تحت قفل، أو ختم، أو يغلق عليه باب، فيعلم المرتهن - وإن كان في المسجد - أن تلك الوديعة باقية في منزله حيث وضعها وشاهدها، فيستغني بمضي زمان الإمكان عن الرجوع واستئناف المشاهدة، وأما المسألة الثانية: فمصورة في عبد، أو دابة؛ لأن الحيوان يتردد، فينتقل ويتحول من مكن إلى مكان، فلا تبعد غيبته عن منزل المرتهن بعدما فارق المرتهن الوطن. ثم إن الشافعي - رحمه الله - أكمل الهبة بنفس العقد، إذا كان الشيء

مسألة (230)

الموهوب وديعة عند الموهوب له، ولم يكمل الرهن بنفس العقد، ولكن اشترط قبضًا جديدًا من جهة المرتهن المؤتمن. والفرق: أن الرهن محض أمانة وردت/ (148/ ب) على أمانة، فلا يتضمن إزالة الملك، فأما عقد الهبة فإنه موضوع لإزالة الملك، [وإن كان يتوقف ذلك على القبض، فإذا حصل القبض زال الملك] عقيب القبض في المشهور من القولين، ويستند زواله في القول الثاني إلى العقد السابق إذا تصور فيه القبض، فكان أقوى أثرًا من الرهن، وشاكل البيع من هذا الوجه، ولو كانت السلعة وديعة عند مشتريها، فالمنصوص أن العقد بنفسه يغني عن القبض والإقباض. مسألة (230): إذا تقدم الرهن، وأنبرم بالقبض، ثم جني ذلك العبد المرهون جناية مالية كانت الجناية مقدمة على الرهن.

وإن كانا حقين لآدميين، فيباع العبد في أرش الجناية. والفرق بين حق المرتهن، وحق الجناية: أن الرهن متعلق بمحلين: أحدهما: ذمة الراهن، والثاني: عين الرهن، ولو كان الرهن غير موجود كانت الذمة محلًا كاملًا مستغنيًا عن المحل الثاني. وأما أرش الجناية، فليس كذلك؛ لأنه مختص بمحل واحد، وهو رقبة العبد، وليس له تعلق في أصل الجناية بذمة السيد؛ لأن السيد ما لم يضمن بالفداء لم تشتغل ذمته بأرش الجناية، فكانت الجناية أخص بالرقبة من دين المرتهن؛ فلذلك صار الأرش مقدمًا على حق المرتهن. ثم إذا اجتمع هذان الحقان، ووجب تقديم الجناية نظرت إلى السيد فإن فداه، والتزم أرش الجناية، أو اصطلحا على شيء، أو

مسألة (231)

أبرأه رب الجناية عن حقه من الأرش كان الرهن باقيًا بحاله؛ لأن الاعتراض على الرهن بالجناية لحق المجني عليه، فإذا وصل إليه حقه من غير الرقبة، أو رضي الإبراء استحال أن يكون الرهن باطلًا؛ لأن نفس الجناية لا تتضمن فسخ الرهن، ولا إبطال الدين. مسألة (231): إذا تقدمت الجناية المالية من المملوك وتعلقت برقبته، ثم رهنه سيده، فقد نص الشافعي - رحمه الله - على أن الرهن باطل، ثم أبلغ في الجواب فقال: الرهن مفسوخ، وإن أبطل رب الجناية حقه، يعني بعد عقد الرهن، ثم زاد تأكيدًا آخر فقال: ولو كانت الجناية تساوي دينارًا والعبد يساوي ألفًا، هذا لفظه في كتاب الرهن. وقال في كتاب البيوع: "ولو باع عبدًا، وقد جني، ففيها

قولان: أحدهما: أن البيع جائز، كما يكون العتق جائزًا، وعلى السيد الأقل من قيمته، أو أرش جنايته، والثاني: أن البيع مفسوخ من قبل أن الجناية في عنقه كالرهن، فيرد البيع ويباع، فيعطى رب الجناية جنايته، وبهذا أقول، إلا أن يتطوع السيد بدفع الجناية، أو قيمة العبد إن كانت جنايته أكثر، كما يكون هذا في الرهن". فحصل له قولان في جواز بيع الجاني،/ (149/ ب) وقطع القول بإبطال الرهن إذا ورد عليه. والفرق بينهما: أن البيع في صحته يستدعي أن يلاقي ملك البائع، وأن

يكون ذلك الملك ملكًا كاملًا، وأن لا ينافي المالك عقدًا بعقد، ولا يضاد تصرفًا لازمًا، بتصرف لازم، والجناية إذا تعقلت برقبة العبد لم تزل ملك المالك عن الرقبة، ولم يضعف الملك، ولكن السيد مخير بين أن يفديه، فيستبقي عليه ملكه الكامل، وبين أن يرضى بزوال ملكه، فيباع في جنايته، ولم يتقدم منه عقد لازم وتصرف حتى يصير بيعه إياه مناقضًا لذلك التصرف السابق؛ لأن تعلق الجناية برقبته على غير اختيار منه، وهو إذا باع عبده لم يقصد ببيعه إياه وصول المشتري إلى قيمة ذلك العبد، وإنما قصد إدخاله في ملك المشتري، ويستحيل أن يقصد بالبيع قيمة المبيع، بل إنما يقصد به عينه، وعينه كما ذكرنا ملك بائعه، والملك فارغ عن عهدة عقد من جهته، بخلاف بيع المرهون. فأما إذا رهن العبد الجاني، فالمقصود من رهنه وصول المرتهن إلى

مسألة (232)

قيمته بعد محل حقه وتعذر الاستيفاء من جهة سيده، والجناية إذا تعلقت بالرقبة أوجبت حق المجني عليه في قيمته أيضًا، ألا تراه يستحق أن يباع في حقه، [كما يستحق المرتهن أن يباع في حقه]. فلما استويا كان المتقدم منهما مقدمًا على المتأخر، ومعلوم أن الرهن لو ورد على المرهون كان الرهن الثاني باطلًا؛ لهذه النكتة، فإذا ورد الرهن على الجاني كان أولى بالإبطال، والدليل على أنه أولى بالإبطال: أن المرهون بعد صحة رهنه إذا جني جناية مالية كانت الجناية مبطلة للرهن بعد لزوم الرهن، فإذا ورد الرهن على الجناية استحال تصحيح الرهن. مسألة (232): إذا تقدم الرهن التام على المال الذي هو من جنس أموال الزكاة، ثم حال الحول عليه، فقد قال الشافعي - رحمه الله -: "وجبت فيها الصدقة، فإن كانت إبلًا فريضتها الغنم بيع منها، فاشتريت صدقتها وكان ما

بقي رهنً". فقدم حق الزكاة وأوجبه في المرهون، وإن كان عقد الرهن سابقًا على الحول. وقال في باب الدين مع الصدقة: "وكل مال رهن، فحال عليه الحول أخرج منه الزكاة قبل الدين"، ثم قال المزني: "قد قال في كتاب اختلاف ابن أبي ليلى: إذا كانت له مائتا درهم وعليه مثلها فلا زكاة عليه، والأول من قوله مشهور"، فحصل له قولان في منع وجوب الزكاة بالدين، والمشهور

من القولين ما قاله المزني: إن الدين لا يمنع وجوب الزكاة، وإن الزكاة مقدمة على الرهن. والفرق بين الحقين على هذا القول: أن الراهن علق حق المرتهن مختارًا بعين/ (149/ ب) الرهن بعد تعلقه بذمته، فاستغنى بذمته عن الرهن، فأما وجوب الزكاة، فبخلاف وجوب الدين، وتعلقها آكد من تعلقه؛ الدليل على ذلك: أن الزكاة لا تستغني قط عن مال تتعلق به، [والدين يستغني عن رهن يتعلق به]. ثم من العلماء من قال: الزكاة تتعلق بالعين مع تعقلها بالذمة، ومنهم من

مسألة (233)

قال: إنها تتعلق بالذمة مع تعلقها بالعين، فكانوا مجمعين على أن العين غير خالية عن الحق، واتفقوا على أن الزكاة إذا وجبت، فتلف المال قبل إمكان الأداء سقطت الزكاة، ولا يوجد هذا الوصف في الرهن على أصل الشافعي - رحمه الله -، فلذلك قدمنا الزكاة وأوجبناها في الين المرهونة، وصال حق الزكاة من هذا الوجه قريبًا من حق الجناية المالية في رقبة العبد؛ لأن الأرش يعتمد الرقبة وإذا تلفت الرقبة قبل الفداء والأداء سقط أرش الجناية، كما تسقط الزكاة بتلف المال. مسألة (233): قال الشافعي - رحمه الله -: ولو رهنه ماشية وجبت فيها الزكاة أخذت منها وما بقي فرهن.

وقال في كتاب الرهن: ولو رهن عبدًا قد صارت في عنقه جناية على آدمي، أو في مال، فالرهن مفسوخ. والفرق بين تعلق الزكاة برقبة المال، وبين تعلق الجناية بالرقبة من وجهين: أحدهما: أن الزكاة وإن تعلقت بالعين، فلها تعلق بالذمة على القولين جميعًا، على قول العين، وعلى قول [الذمة؛ لأن القولين عند تحقيقهما في تغليب (العين على الذمة، أو تغليب) الذمة على] العين، فأما أرش الجناية، فليس له تعلق بالذمة قبل الفداء، وإنما يتعلق بالرقبة، فهو أخص بالعين من الزكاة. والفرق الثاني: أن تعلق الأرش بالرقبة، وتعلق الرهن بها متقاربان في المعنى، وذلك: أن تأدية حق المجني عليه من قيمة الرهن، وتأدية حق المرتهن - أيضًا - من القيمة، فلما تجانسا، وتقاربا من هذا الوجه قلنا: لا سبيل إلى تصحيح

الرهن بعد تقدم الجناية، فأما تعلق الزكاة بالمال، وتعلق الرهن به، فإنهما متباينان غير متفقين؛ لأن الزكاة لا تعتمد القيمة. فإن قال قائل: إنما يفتقر إلى هذا الفرق لو لم يبطل الشافعي الرهن في مقدار الزكاة، [فأما إذا أبطل الرهن في مقدار الزكاة] بقوله: أخذت منها الزكاة، وحكم بصحة الرهن في الباقي، فقد اتفق جوابه في الجناية والزكاة على إبطال الرهن، فلا حاجة إلى الفرق. الجواب: أن الشافعي - رحمه الله - لم يقطع القول بإبطال الرهن في مقدار الزكاة، ولكن حكم بأن الزكاة إذا أخذت من تلك الجملة، فالباقي رهن. والدليل على هذا لفظه وهو قوله: "ولو رهنه ماشية وجبت فيها الزكاة أخذت منها وما بقي فرهن". وقوله "أخذت منها" بإجماع من

أصحابنا راجع إلى حالة دون حالة، وهي: إذا كان المالك معسرًا لم يقدر على/ (150/ أ) أداء الزكاة من مال آخر، فتعين الأخذ من ذلك المال. ألا ترى أن الشافعي - رحمه الله - قد قال نصًا في باب المبادلة بالماشية والصداق منها: "ولو حال الحول عليها، ثم بادل بها، أو باعها ففيها قولان. أحدهما: أن مبتاعها بالخيار بين أن يرد البيع بنقص الصدقة، أو يجيز البيع، فمن قال بهذا قال: فإن أعطى رب المال البائع المصدق ما وجب عليه فيها من ماشية غيرها، فلا خيار للمبتاع؛ لأنه لم ينقص من البيع شيء.

فقد أجاب في هذه المسألة: أن الزكاة إذا أخرجت من مال [آخر بقيت الجملة المبيعة بتمامها تحت البيع، فعرفت بذلك أنه إذا رهن أربعين شاة والزكاة واجبة في الجملة، فأدى الزكاة من مال] آخر بقيت الجملة بتمامها مرهونة، ولا يكون وجوب الزكاة مانعًا [ورود الرهن، ويكون وجوب الجناية مانعًا] وردو الرهن على عين العبد الجاني؛ فلذلك احتجنا إلى الفرق. نكتة أعلم أن هذا الجواب الذي أجاب به في المسألة التي حكيناها من رهن المال الذي فيه الزكاة وبيع المال إنما أجاب في ذلك على القول الذي يقول: وجوب الزكاة لا يزيل ملك المالك عن شيء، فأما إذا قلنا بالقول الثاني وهو: أن الزكاة إذا وجبت زال ملك المالك بوجوبها عن مقدار الزكاة، فعلى هذا القول لا يصح الرهن، ولا البيع في ذلك المقدار المستحق بالزكاة.

مسألة (234)

والدليل على هذا لفظتان منصوصتان، أحدهما ما قال الشافعي في باب المبادلة من ذكر القول الثاني في المسألة التي حكينا أحد قوليه فيها، ولفظه: "والقول الثاني: أن البيع فاسد؛ لأنه باع ما يملك وما لا يملك، فلا يجوز إلا أن يجددا بيعًا مستأنفًا"، واللفظ الثاني ما قال في باب رهن الماشية: "ولو باعه بيعًا على أن يرهنه ماشية وجبت فيها الزكاة كان له فسخ البيع، كمن رهن شيئًا له، وشيئًا ليس له". مسألة (234): إذا رهن رجل مالًا، وأكمل الرهن بالقبض، ثم مات الراهن، ولم يخلف مالًا سوى العين المرهونة، فقد قال بعض مشايخنا: إن مؤنة دفنه من الكفن، وغيره مقدمة على حق المرتهن، فيباع بعض الرهن في جهازه وما بقي، فرهن.

وقال هذا القائل أيضًا: لو كان له عبد قد جني جناية مالية مستغرقة للرقبة. فمات، ولم يخلف غيره شيئًا كان جهازه مقدمًا على حق الجناية. والفرق بين حق الجهاز، وبين الحقين الآخرين: أنه إذا مات عن ملك غير زائل، فلابد من قضاء حق البدن، وحق البدن غسله، وستره بالكفن، والدفن، وهذا الحق لا يتصور أن يثبت في ذمة قط/، وكل واحد من الحقين موصوف بأنه ربما يتصور في الذمة. ألا ترى أن السيد إذا قتل العبد الجاني، أو أعتقه انتقل الأرش إلى ذمته، كما ينتقل بالفداء، وأما حق المرتهن، فلا يخفي تعلقه بالذمة، فصار حق الجهاز أخص بالعين من هذا الوجه؛ ولهذه النكتة قدمنا حق الجناية على حق

مسألة (235)

المرتهن، فقلنا: إن الجناية أخص بالعين، ثم لم ننظر في الرهن، والجناية إلى التقدم، والتأخر، فقلنا: إن الرهن المتقدم يبطل بالجناية المتأخرة؛ لزيادة درجة الجناية على درجة الرهن؛ فلذلك يقدم الجهاز، وإن وجب متأخرًا على الرهن، والجناية وإن تقدم وجوبهما. مسألة (235): إذا رهن جارية، فوطئها، ثم سلمها فبان أنها كانت حبلت بالوطء فقد نص الشافعي - رحمه الله - على أن الرهن يبطل. ونص على أنه لو وطئها بعد القبض، فحبلت، فالرهن لا يبطل على أحد القولين في المعسر، وإن كان موسرًا، فقوله الصحيح: أنه يبطل وتؤخذ منه القيمة، فتكون رهنًا مكانها.

والفرق بين الحالتين: أن الرهن قبل القبض في حد الجواز لا في حد اللزوم، وإن كان لا يبطل بموت الراهن ولا بموت المرتهن، فأما إذا اتصل به القبض فقد دخل في حد اللزوم، وإلزام العقد جاء من جهته بالإقباض فيستحيل أن يتصور فسخه من جهته بالاعتراض. والعتق في هذه المسألة يجري مجرى الإحبال، غير أن من أصحابنا من جعل الإحبال [بعد القبض أقوى من الإعتاق، ومنهم من جعل

الإعتاق أقوى من الإحبال]، وكل واحدة من الطريقتين موجودة في ألفاظ المختصر، ولكل فريق فرق. فأما من رجح الإعتاق على الإحبال - وهو اختيار المزني - فإنه يقول: الإعتاق تنجيز عاجل، فأما الإحبال فيتبعه حرية، وينتظر حقيقتها بموت السيد إن تقدم موته على موتها، فالعتق العاجل أقوى من [العتق الآجل. وأما الطريق الثاني: ففرقهم أن الاستيلاد فعل والإعتاق قول، والفعل أقوى من] القول، ألا ترى أن المجنون والسفيه إذا أعتقا لغي عتقهما، وإذا أحبلا ثبت حكم الاستيلاد، وكذلك المريض إذا أحبل في مرض الموت صح استيلاده وإن كان ماله مستغرقًا بالديون، وإذا أعتق في هذه الحالة كان عتقه مردودًا.

مسألة (236)

مسألة (236): وإذا رهن رجلان عبدًا مشتركًا بينهما بدين كان عليهما لرجل -سواء كان الدين من الشركة، أو لم يكن- فقضي أحدهما نصيبه من الدين كان له فك نصيبه من الرهن. ولو كانت المسألة بحالها غير أنهما وكلا وكيلا حتى رهن ذلك العبد المشترك، ثم قضي أحدهما نصيبه من الدين لم يكن له فك نصيبه من لرهن على أحد القولين. والفرق بين الصورتين: أن الوكيل إذا باشر العقد، فالعاقد من كل /جانب واحد، وإذا اتحد العاقد استحال التبعيض، وصار كالرجل إذا رهن عبدًا خالصًا بدين عليه لم يكن له فك بعضه بقضاء البعض. والاعتبار بالمتعاقدين إذا باشرا عقد الرهن بأنفسهما، فعبارة العقد في الأصل متبعضة؛ لأن كل واحد منهما منفرد بعبارته. ألا ترى أن رجلين لو باعا من رجل عبدًا مشتركًا بينهما وباشرا بأنفسهما بيعهما، ثم بان أن نصيب أحدهما مستحق لم يخرج على تفريق الصفقة،

مسألة (237)

ولكن صح في نصيب أحدهما، وبطل في نصيب الثاني، ومثله لو وكل أحدهما صاحبه، أو وكلا جميعًا رجلًا، فباع العبد كله صفقة واحدة بطل البيع في النصف المستحق، واختلف القول في النصف الثاني بناء على قول تفريق الصفقة؛ ولهذه النكتة قال بعض أصحابنا: إذا اشترى] شيئًا من وكيل البائعين لم يجز تفريق الصفقة في الرد بالعيب، وإذا اشترى [من البائعين بمباشرتهما جاز التبعيض، وكذلك في جانب المشتري. مسألة (237): إذا اقر الراهن أنه سلم الرهن إلى المرتهن، ثم قال: أخطأت] بالإقرار في التسليم قبل ذلك منه فيما يحتمل.

ولو قال: رهنته كذا وكذا، ثم قال: أخطأت [في الإقرار بالرهن لم يقبل قوله. والفرق بينهما: أن التسليم يكون مرة حكمًا، ومرة مشاهدة، فتسليم المشاهدة: أن يرهن ثوبًا، فيسلمه إلى مرتهنه يدًا بيد، والتسليم من جهة الحكم: هو أن يرهن أرضًا أو دارًا غائبة، ثم يقول: سلمتها إليك، فيمضي من الزمان ما يتصور فيه إمكان التسليم، فيكون ذلك قبضًا من جهة الحكم. وأما عقد الرهن، فلا يتصور إلا بلفظ مخصوص، فإذا أقر، فقال: رهنت من فلان، فالظاهر من هذا الإقرار أنه باشر العقد. ألا ترى أن الرجل لو قال: والله لا أراهن رجع ذلك إلى المباشرة، ومن أقر بأنه باشر عقدًا، ثم كذب نفسه كان قوله الأول مقبولا وقوله الثاني مردودًا. فأما التسليم الذي يتصور فيه مرة مشاهدة ومرة حكمًا، فليس من ظاهر

مسألة (238)

الإقرار به أحدهما دون الثاني، فإذا قال: مرادي بقولي سلمت إليه التسليم بالقول، وكانت الدار غائبة، وظننت أن القول تسليم، لم يكن مكذبًا قوله الأول بقوله الآخر، وكان مفسرًا له، ولكن يتوجه يمين بالله أن إقراره السابق بالتسليم ما كان إقرارا على هذا التأويل، وإنما توجهت اليمين على الخصم دون الراهن؛ لأن الراهن قد يقدم ظاهر إقراره، وذلك الظاهر حجة لخصمه، وإن كان يحتمل معنيين، واليمين في الخصومات موضوعة مع الظاهر في جانب من كان الظاهر معه / (151/ ب). مسألة (238): إذا زنا رجل بجارية، فأحبلها، وولدت، وماتت في الولادة، فلا شيء عليه. ولو أصابها بشبهة، فحبلت، وولدت، وماتت في الولادة،

فعليه مع العقر قيمة الجارية، وقيمة الولد. وإنما افترقت المسألتان في قيمة الولد؛ لأن الولد إذا كان من الزنا لم ينسب إلى الزاني، فلم تنسب الجناية إليه، وإذا كان من وطئ الشبهة انتسب الولد إلى الواطئ، فانتسبت الجناية إليه. وقد قال الشافعي -رحمه الله- في الراهن إذا وطئ الجارية المرهونة، فأحبلها، فولدت: "بيعت دون ولدها"، جوابًا منه على القول الذي يقول: إنها لا تصير أم ولد له، ثم قال: "وإن ماتت من ذلك، فعليه قيمتها تكون رهنًا، أو قصاصًا، فجعل موتها في

الطلق كقتل الراهن إياها، فأوجب عليه القيمة تكون رهنًا مكانها. فإن قال قائل: إن الجناية بالوطء، قد انتهت، واستقرت، والوطء لا سراية له، فكيف جعل الشافعي -رحمه الله- الولادة مرتبة على الوطء في استبقاء حكم الجناية؟. أرأيت لو رمى رجل صيدًا، فأصابه سهمه، أو معراضه، فأوجعه، فنفر بسبب ذلك الإيجاع فتردى على إنسان، فقتله، أفيجب ضمانه على رامي الصيد؟. قلنا: لا يجب عليه ضمانه، وذلك أن الرامي قد انتهى، وللحيوان في عدوه، ونفوره نوع قصد؛ ولذلك قلنا: إذا فتح باب القفص، فوقف الطائر وقفة، ثم طار لم يكن على الفاتح ضمان، فأما إذا أحبل الجارية، فنفس الإحبال بظاهره من جنس الجناية حكمًا.

مسألة (239)

ألا ترى أن أحد الشريكين إذا أحبل الجارية المشتركة ألزمناه قيمة نصيب الشريك، كما يلزم المتلف، ثم إن الجارية ما زالت بعد الحبل باقية في أثر ذلك الفعل، يتزايد عليها الألم، كما تتزايد سراية الجناية حتى أفضي بها إلى التلف، فلذلك أوجبنا الضمان على الراهن حيث أوجبناه على الجاني، وإن أسقطناه في بعض المواضع لعلة أوجبت إسقاطه. مسألة (239): إذا أذن المرتهن للراهن في بيع الرهن إذنًا مطلقًا، فباعه، وذلك قبل المحل، فالرهن مفسوخ، وإن كان عند المحل، فالرهن غير مفسوخ. والفرق ظاهر، وهو أن بيعه قبل المحل غير معتاد لحق المرتهن، فظاهر إذنه في البيع يتضمن الرضا بترك حقه من الرهن، فلذلك جعلناه فسخًا، وكان

مسألة (240)

للراهن الاستبداد بالثمن، فأما إذا كان ذلك عند المحل، فالعادة غير هذه العادة، وهو أن بيعه يكون للمرتهن في حقه إذا لم يقبض الراهن حقه من غيره، فصار الأذن المطلق كالأذن العقيد بعادة الحالة. مسألة (240): إذا أذن المرتهن للراهن في بيع الرهن، فلم يبعه حتى قال: رجعت عن / (152/ أ) الإذن كان الرهن بحاله، فإن باعه بعد الرجوع، فالبيع باطل. ولو قال الرجل لزوجته: إن خرجت بغير إذني فأنت طالق، فأذن، ثم قال: رجعت عما قلت من الإذن نظرنا: فإن كانت خرجت ولم تعلم رجوعه عن الإذن، فالمذهب أن الطلاق غير واقع، وخرج بعض أصحابنا في المسألة قولا ثانيًا: إن الطلاق واقع، والأقيس على مذهب الشافعي أنه غير واقع؛ لأن الشافعي -رحمه الله- قال: الوكيل ينعزل بعزل الموكل سواء بلغه الخبر، أو لم يبلغه.

والقول الآخر تخريج خرجه بعض مشايخنا من كتاب القسم والنشوز حيث قال الشافعي: "إذا وهبت إحدى المرأتين ليلتها من الأخرى، ثم رجعت عن الهبة، ولم يعلم الزوج برجوعها حتى مضت ليالي، ثم علم فليس على الزوج أن يقضيها تلك الليالي". ومسألة الإذن في الرهن مثل مسألة الوكالة، ومسألة الأيمان. والفرق بين هذه المسألة، وبين مسألة القسم: أن حقها في القسم من جنس النفقة والسكنى والكسوة، والنفقة ألزم هذه الحقوق وأكدها، ولو أن الناشزة التي سقطت نفقتها بنشوزها أعرضت عن النشوز في نفسها، ولم تخبر زوجها بأنها رجعت إلى طاعتها له لم تعد نفقتها؛ لأن الأصل سقوطها إلى أن يعلم الزوج بذلك، فتعود نفقتها، وليس ذلك من جنس الإذن والتوكيل، ولكنه من جنس ترك الحق وإسقاطه.

مسألة (241)

وأما مسائل الإذن والتوكيل، فليس فيها إسقاط أمر، ولكن أمره بشيء فانطلق ليفعله ولم يتصل به خبر رفع الأمر عنه، فكان ذلك الأول باقيًا عليه ما لم يتصل به الثاني، وصار هذا كأوامر الله تعالى. فإن قيل: أوامر الله -تعالى- فرض. قلنا: بلى، ولكن مع كونها فرض ترتفع بالنسخ. مسألة (241): قال الشافعي -رحمة الله عليه-: المرتهن إذا أذن للراهن في بيع الرهن بشرط فاسد وهو: أن يدفع الثمن إليه قصاصًا من حقه قبل محل دينه، فذهب فباعه فالبيع باطل. ولو أن رجلا دفع ثوبا إلى رجل وقال: بعه على أن أجرتك عشر ثمنه، فهذا الشرط فاسد، فإن باعه كان البيع صحيحًا. والفرق بين المسألتين: أن الراهن إذا استأذن للبيع، فأذن له المرتهن على هذا

مسألة (242)

الشرط كان أصل الإذن باطلا؛ لأنه شرط في صلب الإذن شرطا باطلا، فإذا بطل أصل الإذن -ولا بد من الإذن لصحة البيع- بطل البيع الذي رتب على ذلك الإذن الباطل. فأما في المسألة الأخرى، فليس في أصل الإذن فساد، وإنما الفساد في الأجرة المضمونة له بالميعاد، وهو الجهالة في الأجرة، ففسد عقل الإجارة، وبقي الإذن صحيحًا، فصح البيع المرتب على المرتب على الإذن الصحيح، وبقي الفساد في الإجارة / (152/ ب)، فرجعنا إلى أجرة المثل، فأوجبناها للأجير على من استأجره. مسألة (242): إذا رهن رجل عبدا مرتدا كان الرهن صحيحا، فإن تاب

حصل مقصود المرتهن، وإن لم يتب، وقتل نظر: فغن كان المرتهن جاهلا كان له فسخ البيع المعقود عليه بشرط هذا الرهن، وإن كان عالما لم يكن له فسخه. ولو رهن عبدا وجب عليه القتل في المحاربة، ولم يتب قبل الظفر به كان رهنه باطلا. والفرق: أن المرتد إذا تاب حقن دمه، فحياته غير مأيوس منها، بخلاف المحارب فإنه إذا تاب لا يحقن دمه بالتوبة في أشهر القولين، ولا يرجو حقن دمه بوجه من الوجوه بعدما تحتم قتله.

مسألة (243)

فأما القاتل عمدًا فإذا قلنا: موجبه القتل، أو المال، فرهنه باطل؛ لأن المال على هذا القول مستنده الوجوب بالاختيار، وإذا قلنا: موجبه القتل كان الرهن جائزا، كما يكون رهن المرتد جائزا. مسألة (243): المرتهن وسائر الغرماء في حال حياة الراهن لا يحلفون لاستيفاء

ديون الراهن، لا مع الشاهد ولا مع نكول الخصم، فأما بعد موته إذا نكل الوارث عن اليمين مع شاهده فإنهم يحلفون على أحد القولين. والفرق بين الحالتين: أنه ما دام حيًا، فهو متعين لليمين واليمين متعينة له، وإذا

مسألة (244)

حلف، فهو المستحق بيمينه دون غيره، فلا تقوم يمين غريمه مقام يمينه، فأما إذا مات، فنفس الموت أوجب للغريم حقًا في تركته، كما أوجب للوارث حقًا، وصارت حقوق الغرماء محصورة في مقدار التركة، فإذا كانت وافية توفرت عليهم حقوقهم، وإن كانت غير وافية لم تتوفر عليهم حقوقهم من جهة أخرى، وهذا الحصر والانحصار، غير موجود في حال حياته إذا الذمة باقية، فصارت التركة وإن كانت ملك الورثة كأنها مملوكة للغرماء، فإذا حلفوا فكأنما يحلفون في خالص حقوقهم. ومن أصحابنا من سوى بين الحالتين حالة الحياة وحالة الممات، ولا وجه للتسوية مع النص، والنص ما ذكر الشافعي -رحمه الله- في توجيه أحد القولين بعد الوفاة حيث قال: "أحد القولين: أنهم لا يحلفون بعد وفاته، كما لا يحلفون في حال حياته"، فيستحيل التخريج في حال الحياة مع نصه على هذا التعليل. مسألة (244): إذا رهن جارية حبلى، فحل الحق قبل أن تضع ذلك الحمل

بيعت في الدين حاملًا قولا واحدا، ولو رهنها حايلا، فحملت، فهل تباع حبلى؟ فعلى قولين، وكذا لو رهنها حاملا فوضعت قبل محل الدين فهل يباع الولد معها؟ فعلى قولين، ولم يختلف القول في الحبل العارض بعد قبض الرهن إذا انفصل قبل المحل أنه بمعزل / (153/ ب) عن الرهن لا يباع في الدين. فاتفق قوله في المسألتين من الأربع وحصل له قولان في المسألتين الأخريين.

والنكتة الفاصلة بينهما: أنه إذا عقد العقد عليها وبها حبل، فالحبل صفة لها، والعقد يتناولها موصوفة بتلك الصفة، ألا ترى أن من باع جارية حاملا دخل الولد في البيع إجماعا -وإن كان في تقسيط الثمن خلاف- فكذلك ولد الرهن الموجود عند العقد وجب أن يدخل في العقد، وما دخل في العقد فصار رهنا وجب أن يدخل في حق البيع عند محل الدين، فإذا ثبت أن عقد الرهن مشتمل عليه كاشتماله على الأم بيعت حبلى إذا حل الدين قبل الوضع، وبيعت مع الولد إذا انفصل الولد قبل محل الدين. وأما إذا كنت حايلا، ثم صارت حاملا، أو حل الحق عليها وهي حامل، لم يجز على هذه النكتة بيعها حاملا؛ لأن عقد الرهن ورد عليها وهي حابل، وإنما حدوث الحمل بعد العقد والقبض. والنكتة الثانية: أن المقصود من الرهن معتبر في الحالة] الثانية أكثر من اعتباره في الحالة [الأولى؛ لأن القصد بيع عين الرهن عند محل الدين إذا تعذر

استيفاؤه؛ ليصل المستحق من عينه إلى دينه إذا تعذر دينه من غيره، فعلى هذه النكتة يعتبر صفة الرهن عند المحل، ويغلب اعتبار هذا الطرف الأول. وأما إذا كانت حايلا بيعت حايلا، وإن كانت يوم الرهن حاملا، ولا يباع معها ولدها المنفصل. وإذا كانت حايلا يوم العقد حاملا يوم البيع بيعت حاملا تغليبا لهذا الطرف، وكذلك إذا كانت حاملا في الطرفين بحمل واحد بعناها تغليبا للطرف الأخير، لا للطرف الأول، ولا جمعا بين اعتبار الطرفين. فإن قال قائل: إنما استحق بيع الرهن بعقد الرهن، فهلا اعتبرتم حالة العقد. قلنا: ما استحق البيع] بعقد الرهن، ولكن استحق البيع [في المحل بحلول الدين، وتعذر الاستيفاء من جهة الراهن، وصارت العين المرهونة بعقد

مسألة (245)

الرهن مرصدة لهذا الاستحقاق بالحلول، والتعذر، فما وجب بيع الرهن إلا يوم المحل، وهي يومئذ حامل، فاعتبرنا ذلك اليوم، كالجارية الجانية، وقد قال الشافعي -رحمه الله في الجانية إذا كانت حاملا-: "بيعت حاملا ولم ينتظر بها الوضع وصرف قيمتها إلى الجناية"، وقال في الجانية إذا كان معها ولد صغير: "بيعت مع الولد في الجناية / (153/ ب) ولم يفرق بينهما"، ثم قال: "يوزع الثمن المقبوض على قيمة الجارية وقيمة الولد، ويصرف ما خص الجارية إلى جهة الجناية، وما خص الولد يصرف غلى المالك، ولا يصرف إلى الجناية". مسألة (245): إذا استعار رجل عبدا ليستخدمه، أو ثوبا ليلبسه، فتلفت العارية في يد المستعير، فعليه الضمان، ولو استعار عبدا ليرهنه فرهنه فتلف العبد، فليس على المستعير ضمانه، ولو بيع في الدين لتعذر قضاء الدين فعلى المستعير ضمانه.

والفرق بين العاريتين: أن من استعار عبدا ليستخدمه حصل في] يده من غير استحقاق، وقصده أن ينتفع بعينه، ثم يرده، فأما إذا استعاره ليرهنه، فالعبد في [يد المرتهن من جهة الصورة، وفي يد السيد من جهة الحكم؛ لأن السيد يستخدمه ويؤاجره، والمستعير لا يستخدمه ولا يؤاجره بخلاف سائر العواري.

والفرق بين أن يموت، فلا يضمنه المستعير، وبين أن يباع في الدين فيضمنه المستعير: أنه إذا بيع في الدين فهو طائفة من مال المعير صارت مصروفة إلى قضاء دين الغريم, والضامن إذا قضى دين الضمان رجع به على الأصل وإذا مات العبد حتف أنفه لم تصرف عينه إلى قضاء دينه. فإن قيل: الراهن استعارة فرهنه وبيع بغير اختياره. ومن قضى دين غيره بغير أمره [فلا رجوع عليه حتى يكون القضاء بأمره] , فكيف يرجع المعير على المستعير إذا باع القاضي هذا الرهن في هذا الدين؟. وما الفرق بين النوعين من القضاء؟. قلنا: الفرق بينهما: أن من قضى دين غيره بغير أذنه فقد تمخض تبرعه ولم يوجد من جهة من عليه الدين استنابة لينسب الفعل إليه باستنابته فأما في هذه المسألة فقد استعار ليرهن، ثم حقق

المقصود فرهن، ثم أبرم الرهن فأقبض، ومعلوم أن الرهن يباع عند المحل في حالة من الأحوال, فهذه المقدمات قامت منه مقام الإذن في القضاء والرضا به؛ فلذلك كان لصاحب العبد أن يرجع عليه, والذي نص عليه الشافعي في مواضع من كتاب الرهن واختار التفريغ عليه هذا النص الذي ذكرناه وفرعنا عليه

مسألة (246)

مسألة (246): من أعار إنسانا عبدا ثم بدا له الاسترجاع، فله الاسترجاع. وأما إذا أعاره، ليرهنه, ثم بدا له أن يسترجعه، فليس له ذلك على ما قطع القول به في مواضع شتى. والفرق: أن القصد من هذه العارية الرقبة دون المنفعة. ألا ترى أنه أعاره، ليرهنه، وحق المرتهن لا يتعلق بمنافع الرهن, فإن المنافع للراهن، وإنما يتعلق حقه بالرقبة، لتباع فيصرف الثمن إليه، فيسد العبد بالإعارة راهن لا معير، والراهن لا يرجع في الرهن بعد التسليم. فأما سائر العواري، فالمقصود منها منفعة تحصل (154/أ) للمستعير من غير عقد يتعلق بالرقبة، وتلك المنفعة مستباحة بعقد إباحة، لا بعقد استحقاق, فمتى أراد الاسترجاع كان له الاسترجاع.

مسألة (247)

مسألة (247): إذا باع نخلة غير مؤبرة مطلقا، فالثمرة داخلة في البيع قولا واحدا، وفي الرهن قولان: أحداهما: أن الثمرة داخلة في الرهن، كدخولها في البيع. والثاني: أنها لا تدخل في الرهن إلا بالتنصيص عليها. والفرق ظاهر: وهو قوة البيع، وضعف الرهن في المقابلة، إذا البيع يزيل الأملاك، والرهن لا يزيلها، ولا يتوقف لزوم البيع على القبض, ويتوقف لزوم الرهن على القبض، فإذا حكمنا بأن الثمرة [تدخل في الرهن، فالحمل أولى، وإذا حكمنا بأن الثمرة] لا تدخل في الرهن، ففي الحمل قولان إذا وضعته قبل المحل. والفرق أن الحمل في البطن لا يفرد، ولا يقصد بالعقد ولا بالاستثناء عن العقد وأما الثمرة فإنها تفرد, وتقصد بالعقد ويصح استثناؤها، حتى

مسألة (248)

أن الشافعي جعل استثناءها بالاستبقاء، كاستيثاق العقد, حتى أنه اشترط فيه القطع على ما ذكرناه في كتاب البيع. مسألة (248): إذا أنبرم الرهن على العبد، ثم أراد بيعه، ووضع ثمنه، رهنا مكانه بذلك الدين لم يجز, ولا يبقى الرهن الأول بحكمه إلا على العين الأولى، وهي عين العبد. وإن جني العبد جناية تستغرق نصف رقبته، ولو بيع النصف لم يشتر بنصف ثمنه لو بيع الكل جاز بيع الكل ليوضع ما فضل عن الجناية مكان العين رهنا. وإنما كان كذلك، لأنه إذا جني جناية تحيط بنصفه, فبيع نصفه إتلاف

مسألة (249)

حق الراهن، والمرتهن، وفي ذلك حقيقة الضرورة، وإذا أراد - بلا ضرورة - بيعه لحبس ثمنه، فهذا محض النقل من غير ضرورة أوجبت نقلا، ولا وجه لنقل العقد عن المحل الأول إلى غير ذلك المحل. فإذا قيل النصف الثاني من العبد الجاني بمعزل عن الجناية، فأي ضرورة أوجبت بيعه ونقل العقد عنه إلى عوضه؟. قلنا: لما أوجبت الجناية بيع النصف، وفي إفراد النصف بالبيع نقصان قيمة النصف, صار هذا النقصان منسوبا إلى الجناية الحاصلة، ولا فرق بين أن يحصل بالجناية تلف، وبين أن يحصل نقص، ولو حصل بالجناية تلف صارت قيمة العبد مرهونة مقام العبد، فكذلك إذا حصل بالجناية نقص صارت القيمة مرهونة مقام العين في نقل العقد إليه. مسألة (249): العبد الرهون إذا قتل في يد المرتهن سرى حكم الرهن إلى قيمته المأخوذة من القاتل، فتكون القيمة محبوسة عند المرتهن, كما كانت/

العين محبوسة، فإن أراد الراهن تبديل تلك القيمة بمثلها من الدراهم، فليس له التبديل، ولا للمرتهن، وكذلك العبد المبيع إذا قتل في يد البائع قبل التسليم، فليس للمشتري تبديل تلك القيمة، ولا للبائع. فأما إذا قبض المشتري العبد، فقتل في يده، فاستوفي القيمة من القاتل, فوجد البائع بالثمن عيبا، فرده فالمشتري بالخيار: إن شاء رد على البائع القيمة التي أخذها من الجاني، وإن شاء أمسك تلك القيمة، ورد عليها بدلها. والفرق: أن المرهون مادام في يدي المرتهن، فحق الحبس متعلق بعينه، وكذلك المبيع قبل القبض، وليس هذا الحبس بحق الملك وكيف يكون بحق الملك, والملك للمشتري، والراهن دون البائع، والمرتهن وإنما هو حق حبس استحقه بالعقد، فإذا وردت الجناية على العين المحبوسة، فالقيمة المأخوذة

من الجاني تنزل منزلة العين، فيسري العقد إليها على معنى تعلق الحبس بها، لا على معنى أنها هي المرهونة، أو هي المبيعة، إذا لو كانت هي المبيعة، وهي ألف، وقد اشترى العبد بألفين لكان عين الربا، هذا في جانب الحبس في الرهن، والبيع. فأما جانب المشتري القابض، فليس كذلك، لأنه إذا قبض ما اشترى كان هذا القبض قبض ملك، وضمان العقد قد انتقل بأوله، وانقضى حكمه، فيده بعد ذلك يد المالك على ملكه يتصرف فيه كيف شاء، فكذلك في قيمته، فإذا قتل العبد المبيع في يده، فقبض قيمته لم تتعين تلك القيمة عند الرد بالعيب، لأنها في هذا الوقت، كقيمة الأملاك التي ليست بمبيعه. والذي يدل على هذا أن قيمة هذا العبد يوم قتل لو كانت خمسمائة وكانت قيمته يوم قبضه من البائع ألف درهم, أو كانت قيمته يوم القبض خمسمائة، ويوم القتل ألفا اعتبرنا قيمته يوم القبض, لأنه زمان انتقال الضمان، ولم نعتبر قيمته يوم القتل، لأنه زمان اعتبار الملك. فأما المحبوس على حكم الرهن, فسواء

مسألة (250)

كانت قيمته يوم القتل أكبر, أو أقل من قيمته يوم العقد، فهي محبوسة بحكم العقد. مسألة (250): إذا رهن الرجل عبدين عبدا عند رجل، وعبدا عند رجل آخر فجني أحدهما على الثاني، فأراد السيد أان يعفو عن القصاص على مال يأخذه من رقبة الجاني، فله ذلك. ولو رهنهما عند رجل واحد كل واحد منهما بمائة دينار، فجني أحدهما على الثاني، فأراد أن يعفو عن القصاص على مال، فليس له ذلك، ولكن له القصاص إن أراد, والفرق بينهما: أنهما إذا كانا مرهونين عند رجل واحد بدينين متماثلين، فجني أحدهما على الثاني (55/أ)، فلا فائدة في العفو على المال، لأن العبد الجاني القاتل مرهون عند ذلك المرتهن بعينه، والمقتول كان مرهونا عنده, وكان ما تعلق بالمقتول من الدين مثل ما تعلق بالقاتل، فأي فائدة في نقل العبد الباقي عن رهن دين إلى دين مثله، ومستحق الدينين واحد؟.

مسألة (251)

فأما إذا كان مرهونين عند شخصين، فجني أحدهما على الآخر, فقتله فللسيد والمرتهن غرض صحيح في العفو على المال، وهو إبطال الرهن في العبد القاتل؛ ليبقى دين مرتهنه بلا رهن، ويصير رهنا عند المرتهن الثاني بدينه الذي كان العبد المقتول مرهونا به, ولولا هذا, لما جوزنا للسيد أن يعفو على مال، لأن السيد لا يستحق في رقبة عبده دينا، هذا معنى قول الشافعي: "ما أخذ من الجناية يكون مرهونا عند المرتهن بدينه, ولولا ذلك لما أجزت أن يأخذ السيد من رقبة عبده حقا". مسألة (251): إذا رهن عبدين عند رجل واحد أحدهما بحنطة، والثاني بدنانير, فجني أحدهما على القاني، فقتله فقد قال الشافعي - رحمه الله: " الجناية هدر" ثم قال مشايخنا - رحمهم الله: أراد الشافعي بذلك صورة مخصوصة وهي: إذا كان الحقان متماثلين في قدر القيمة.

فأما إذا كانا متفاضلين في الكثرة, والدين الذي كان متعلقا برقبة [القاتل أقل, فا للسيد إذا عفا عن القصاص أن يطلب أرش الجناية من رقبة] العبد الجاني, حتى ينقل رقبته إلى أكثر الدينين, فتصير مرهونة به بعد ما كانت مرهونة بالدين القليل. كما كانت له فائدة في نقل العبد الجاني عن يد أحد المرتهنين إلى يد المرتهن الثاني في المسألة المذكورة قبل هذه المسألة. فحصلت لك ثلاث مسائل في المرتهن الواحد إذا قتل أحد العبدين المرهونين العبد الآخر, إحداها: إذا تساوى الدينان في المقدار عند التقويم, فتكون الجناية فيها هدرا, والثانية إذا تفاضل الدينان, ولكن كان العبد المقتول مرهونا بأكثر الدينين, فالجناية هدر في هذه الصورة أيضا. والثالثة: أن يكون العبد المقتول مرهونا بأقل الدينين, والقاتل مرهونا

مسألة (252)

بأكثرهما, ففي هذه الصورة الثالثة لا تصير الجناية هدرا, أو تلتحق هذه المسألة بمسألة المرتهنين. مسألة (252): العبد المرهون إذا جني على سيده فأراد القصاص, فله القصاص, وأن أراد العفو على مال فلا سبيل له إلى المال. فأما إذا جني العبد المرهون على ابن السيد, فقطع يده, فجاء أخر فأجهز عليه, وورثه أبوه كان له أن يطلب أرش (155/ ب) يد الابن من رقبة عبده المرهون على أحد القولين اللذين خرجهما أبو العباس بن سريج رحمه الله.

والفرق بينهما: أن العبد إذا جني على سيده, فعفا على مال, فلو أوجبنا المال كان دينا مبتدئا أوجبناه للسيد على مملوكه, ومن المحال إيجاب أول الدين على العبد لسيده؛ فلذلك أهدرناه. فأما إذا جني على ابن السيد, فأرش الجناية يوم وجبت وجبت للابن, ثم انتقل بالميراث مستداما في هذه المسألة خلاف الابتداء؛ ولذلك قلنا - في أحد القولين -: لو جني عبد رجل على رجل آخر جناية مالية, فاشترى المجني عليه ذلك العبد الجاني لم يسقط لك الأرش عن رقبته وإن تجدد ملكه عليها؛ لأنه دين مستدام, ثم فائدة استدامته أن يتبعه بعد العتق به, ولا تظهرله فائدة مادام رقيقا له. وعلى هذا الأصل نقول: لو اشترت الحرة زوجها المملوك بعد المسيس

مسألة (253)

بقي مهرها عليه مستداما للمطالبة به يوم العتق, ولا يجوز أن يثبت لها دين مبتدأ بعدما صارت الرقبة ملكا لها. مسألة (253): العبد المرهون إذا جني على ابن السيد, فمات الابن من غير تلك الجناية, فقد ذكرنا أن السيد يستحق ذلك الدين المستدام في رقبة عبده, فيستفيد بذلك فكها من رهنه. ولو جني على ابنه, فمات بتلك الجناية, وقلنا: إن الدية تجب في أول زمان وجوبها للوارث, صارت الجناية هدرا. والفرق: أن الابن إذا مات من غير تلك الجناية كان أرش تلك الجناية مستقرا مستداما قبل موته, فانتقل إلى السيد, فأما إذا مات الابن بتلك الجناية, فإذا أوجبنا أرشها - وهو دية الابن كان ابتداء

مسألة (254)

إيجابها إيجاب دين للسيد في رقبة عبده وذلك محال. فأما إذا قلنا: إن الدية تجب للمقتول أولا, ثم تنتقل إلى الوارث, فالمسألتان حينئذ سواء, ولا تصير الجناية هدرا في واحدة منهما. مسألة (254): قال الشافعي - رحمه الله:. لو باع شيئا, فتشارطا في البيع كون المبيع رهنا بثمنه إلى وقت استيفائه, فالبيعبهذا الشرط باطل. ولو أنهما تشارطا أن يكون المبيع محبوسا بثمنه إلى وقت استيفائه كان البيع صحيحا عند من لا يجبر البائع على البداية بالتسليم. والفرق بين المسألتين: أنه إذا قال: بعت هذه السلعة منك على أن تكون محبوسة عندي بثمنها, فقد اشترط في العقد مقتضى العقد, لأن نفس

البيع يقتضي حبس المبيع إلى وقت الاستيفا, [كما يقتضي الرهن حبس المرهون إلى وقت الاستيفاء]. فأما إذا اشترط في البيع أن يكون المبيع رهنا بثمنه, فقد اشترط شرطا يضاد (156/ أ) موضوع العقد, فبطل به العقد, ووجه التضاد: إن عقد البيع لا يتضمن استحقاق الحبس. ومما يوضح وجه المضادة: أن المبيع المحبوس بالثمن إذا تلف في يد البائع سقط الثمن عن ذمة المشتري, وكان تلف المبيع من ملك البائع, وأما المرهون إذا تلف في يد المرتهن, فالدين لا يسقط عن ذمة الراهن, ويكون تلفه من ملك الراهن, لا من ملك المرتهن, فثبت أنه لو صار مبيعا, ومرهونا معا في حالة واحدة؛ لأدى إلى ما ذكرنا من التضاد, والتنافي, وذلك محال.

مسألة (255)

مسألة (255): إذا استعار عبدا, فرهنه, وجعلناها عارية لازمة على جهة الضمان كان للمعير أن يجبر المستعير عند محل الدين على قضاء دينه, لافتكاك عبده, ولو ضمن رجل دينا عن رجل لم يكن للضامن إجبار المضمون عنه على قضاء الدين. والفرق بين المسألتين: أن الضامن ضمن الدين المضمون في الذمة, والذمة واسعة, فليس يتضرر بشيء, غير أنه ربما يغرم, فيكون له حينئذ أن يرجع على الأصل بما غرم. فأما في المسألة الأخرى, فقد أغلق رقبة عبده, وانسد عليه سبيل التصرف في تلك الرقبة بعد إغلاقها, وفي تأخير قضاء الدين تأخير افتكاكه, وخدمته عند سيده, وذلك ضرر فوق ضرر الضمان؛ فلذلك افترق الضمان في الذمة, والضمان في عين العبد.

مسألة (256)

مسألة (256): إذا قال المضمون له: أمهلت المضمون عنه لم يكن للضامن إبطال المهلة, وإجباره على استيفاء الدين, وإن قال مرتهن العبد المستعار: أمهلت الغريم كان لسيد العبد إبطال المهلة, وإجبار الراهن على قضاء الحق. والفرق: ما مضى أن رقبة عبده متعلقة بالرهن, ففي المهلة زيادة ضرر يتوجه عليه, وهذا المعنى مفقود في مسألة الضمان؛ فلذلك افترقت المسألتان. مسألة (257): إذا اختلف الرجلان في عين واحدة, فقال كل واحد منهما: رهنيها فلان فارتهنتها منه وقبضتها, وادعى كل واحد منهما أن رهنه وقبضه كان قبل رهن صاحبه وقبضه, وصدق الراهن غير صاحب اليد, فقد قال الشافعي - رحمه الله في أحد القولين:. إن تصديقه أقوى, وأولى من صاحب اليد, فينزع الرهن من يده

ويسلم إلى من صدقه الراهن, فلم يجعل اليد دليلا على الرهن, وقد جعل اليد في كتاب الدعاوى دليلا على الملك. والفرق: أن المالك يتصرف بيد الملك تصرف المالكين, فيهدم ويبني وينتفع بأنواع من المنافع فيستدل بتلك الأنواع على أن يده يد مالك؛ لأن غير المالك لا يستجيز تلك التصرفات المختلفة, والشريعة لا تأذن فيها إلا لمالك. فأما يد المرتهن, فلا/ (156/ ب) تدل على الملك؛ لأن المرتهن لا يتسلط على الانتفاع بأنواع المنافع, ولا يهدم ولا يبني, فمن نظر إلى يده لم يعلم أن تلك اليد يد وديعة, أو يد رهن, ومجرد اليد لا تدل على جهة الملك, ولولا طول

مسألة (258)

الزمان, والتصرفات المختلفة لما جاز للشهود أن يشهدوا على الملك بمشاهدة اليد. فإن قال قائل: أليس قد قال الشافعي - رحمه الله في كتاب اللقيط -: لا يجوز للشاهد أن يشهد على أن هذا الصغير ملك لفلان إلا أن يكون رأى أمته تلده في ملكه؟. قلنا: بلى, قد نص الشافعي على هذه المسألة, وهو القول الثاني من أحد قوليه في دلالة اليد على الملك, ولكن نص في كتاب الشهادات على أن الشاهد يشهد على ملك الرجل الدار بأن يراه يسكن ويتصرف. ولا بد من الفرق بين الرهن والملك؛ لأنا إذا حكمنا بأن اليد دليل الملك, فعلى هذا القول في الرهن قولان, والفرق ما ذكرناه. مسألة (258): إذا اختلف المرتهنان, فقال كل واحد منهما: أنا السابق بالقبض, وشاهدنا الرهن في يد أحدهما, فهو أولى. فإن قال صاحب اليد تقدم لكل واحد منا قبض واحد وأنا السابق بالقبض, انتزعنا الرهن من يده وسلمناه إلى الثاني.

مسألة (259)

والفرق: أن صاحب اليد إذا قال: حصل لكل واحد منا قبض واحد, [وأنا السابق, فقد كذب نفسه بنفسه؛ لأنا نشاهد الرهن في يده, فكيف حصل لكل واحد منهما قبض واحد] , والشيء في يده عند المخاصمة, فأما في المسألة الأولى, فليس في كلام صاحب اليد هذا الاعتراف؛ لأنه قال: أنا السابق بالقبض, ولم يتعرف بقبض الثاني, فكانت يده الموجودة في الحال أولى من دعوى الثاني. مسألة (259): قال الشافعي - رحمه الله - في الرهن إذا وضعاه على يدي عدل" صار لازما بقبض العدل"، ثم قرع على ذلك مسائل العدل في البيع والرد, وغير ذلك. وقال في كتاب الاستبراء: "إذا تبايعا جارية بيعا, مطلقا, ثم تراضيا على تعديلها عند ثقة, فماتت في يد الثقة انفسخ البيع, وإن عميت, فللمشتري خيار الرد بالعيب", فلم يجعل قبض العدل سبباً للزوم

مسألة (260)

والانبرام, كما جعله في الرهن سببا للانبرام. والفرق: أن الراهن والمرتهن إذا تصادقا, وتراضيا على التعديل, فقبضه العدل كان مقصود جميعهم من ذلك الفعل القبض الذي يقصد به انبرام العقد, وإلزامه, وأقاموا يد العدل في هذا المعنى مقام يد المرتهن, فتحقق الانبرام, ولزوم العقد. فأما مسألة الاستبراء, فمقصود جميعهم تأخير قبض المشتري واستبراء (157/ أ) / الأمة, لا القبض الذي ينبرم به البيع, فلذلك، استبقى الشافعي - رحمه الله - في تلك الجارية ضمان البائع, ولم يحولها إلى ضمان المشتري إلا بأن يقبضها المشتري قبل تعديلها. مسألة (260): قال الشافعي - رحمه الله -: " ولو دفع إليه حقا وقال: رهنتك هو بما فيه, فقبضه المرتهن, ورضي كان الحق رهنا, وما فيه خارج عن الرهن إن كان فيه شيء؛ لجهل المرتهن, بما فيه, وأما الخريطة, فلا

مسألة (261)

يجوز الرهن فيها إلا بأن يقول: دون ما فيها, ويجوز في الحق؛ لأن الظاهر من الحق أن له قيمة, والظاهر من الخريطة أن لا قيمة لها". ومعنى هذا الفرق الذي ذكره الشافعي - رحمه الله:. أن الحق إذا كان له قيمة غالبا, فقال: رهنتك الحق بما فيه - وكان ما فيه مجهولا عند المرتهن - صح الرهن في الحق, ولا يصح مثله في الخريطة إلا بتقييد, وهو أن يقول: رهنتك هذه الخريطة دون ما فيها؛ لأن الخريطة إذا لم يكن فيها شيء لم يكن لها في الغالب قيمة مقصودة, والمقصود ما فيها دونها, وإذا أشار إليها فكأنه يقول: رهنتك ما فيها وذلك شيء مجهول, فبطل حتى يقول: رهنتك هذه الخريطة دون ما فيها, فيصبح الرهن فيها, ولا حاجة إلى هذا التقييد في الحق وهو ذو قيمة. فإن قال قائل: قد جمع فيها بين مجهول, ومعلوم, والرهن في المجهول باطل, فكيف يصح في الحق؟. قلنا: أجاب الشافعي في الحق على جواز تبعيض الصفقة, فلهذا صح الرهن في الحق وإن أبطله فيما فيه. مسألة (261): قال الشافعي - رحمه الله -: " إذا اشترط المرتهن من منافع الرهن شيئا, فالشرط باطل"

وكذلك قال: لو أسلفه ألفا على أن يرهنه بها رهنا, وشرط المرتهن لنفسه منفعة الرهن, فالشرط باطل, لأن ذلك زيادة في السلف ولو كان اشترى منه على هذا الشرط, فالبائع بالخيار في فسخ البيع, أو إثباته, والرهن, ويبطل الشرط", وقال في كتاب البيوع: " لو اشترى جارية على أن لا يبيعها, فالبيع فاسد"، فأبطل البيع بالشرط الباطل, ولم يبطله بالشرط الباطل في الرهن, ولكن أثبت فيه الخيار". والفرق بين المسألتين: أن من باع جارية, واشترط على المشتري شرطا باطلا, فقد حصل ذلك الشرط في صلب البيع, والبيع بالشرط الفاسد باطل. فأما ما ذكر في كتاب الرهن, فهو شرط مشروط في عقد مقرون بعقد البيع, وهو عقد الرهن, فلم يكن في صلب البيع, فحكم بإبطال ذلك الشرط, [وذلك الرهن الذي يضم ذلك الشرط [, ولم يحكم بإبطال البيع.

كتاب التفليس

كتاب التفليس مسألة (262): إذا اشترى رجل عبدا ولم يوف ثمنه للبائع, فباعه وقبض ثمنه, أو قتل, فقبض قيمته, ثم حجر عليه القاضي بديون غرمائه, فقال بائع العبد: أنا أولى بعوض العبد, كما أكون أولى بعين العبد, فليس له ذلك ولكن له أسوة الغرماء. ولو كان المبيع شقصا فيه شفعة, فلم يسمع الشفيع, ولم يقم بطلب الشفعة حتى حجر القاضي على المشتري, ثم حضر الشفيع وحضر البائع, فقد قال بعض أصحابنا: الشفيع أولى, وقال بعضهم: البائع أولى,

[فمن جعل الشفيع أولى سلم الشقص إليه, وقبض الثمن منه, ومن جعل البائع أولى] فالثمن بين سائر الغرماء. والفرق بين المسألتين: أن الثمن في المسألة الأولى مقبوض في حال الإطلاق وعدم الحجز باختيار من المشتري, وتصرف منه, وليس ذلك الثمن عين مال البائع, فكان البائع أسوة الغرماء فيه. وأما المسألة الثانية: فالحجز فيها سابق محيط بالمفلس قبل حصول الثمن عن عين الشقص, ولولا استحقاق الشفيع بالعقد؛ لصار البائع أولى بالعين, فكان أولى بعوضها, وقد قال أبو العباس بن سريج: إذا أوصى رجل لرجل بعبد, فقتل العبد كانت قيمته للموصى له

بالعبد, وكذلك في هذه المسألة. ومن أصحابنا من جعل البائع أسوة الغرماء في الثمن المقبوض من الشفيع, والأصح الأول. نكتة: قال - رحمه الله:. أعلم أنا لا نستغني عن فرق بين الوصية وبين مسألة التفليس؛ لأنا جعلنا الموصى له بالعبد أولى بقيمته, فقطعنا القول به, وسلكنا في مسألة التفليس غير هذه الطريقة. والفرق: أن الموصى له بالعبد قد تعلق حقه بعينه على الاختصاص ولم يتعلق بغيرها, فإذا تلفت العين تعلق حقه بقيمتها, كما تتعلق الجناية برقبة العبد, فتتعلق بقيمته عند إتلاف عينه. فأما في مسألة التفليس, فالحق غير مختص بعين المبيع, بل له محل آخر وهو ذمة المفلس التي رضي بها من قبل, فهذا من الفرق بينهما.

ثم نحتاج إلى فرق آخر في الشفعة بين التفليس وبين مسألة الصداق, وذلك: أن الرجل إذا تزوج امرأة فأصدقها شقص شفعة, ثم طلقها قبل الدخول وقبل قيام الشفيع, فجاء الشفيع يطلب الشفعة, وجاء الزوج يطلب نصف الشقص الذي استحقه بالطلاق فقد قال أبو إسحاق المروزي: الزوج أولى من الشفيع, وقد جعلنا الشفيع أولى من البائع في مسألة التفليس. والفرق: أن الزوج إذا طلق استحق نصف الصداق بنفس الطلاق من غير واسطة, أو اختيار بل يرتد إليه ملكه عقيب طلاقه, وهذا حق (158/ أ) يثبت له بمقتضى النكاح وإن لم يتحقق إلا بالطلاق. فأما المشتري المفلس إذا حجر عليه القاضي, فملك البائع لا يرتد إليه إلا بالاختيار, ألا ترى أنه مخير بين أن يرجع إلى عين ملكه, وبين أن يصير

مسألة (263)

أسوة الغرماء؛ ولذلك قال الشافعي - رحمه الله -: "ولو أن المفلس أبر النخيل قبل اختيار البائع كانت الثمرة للمفلس" ومن [أصحابنا من سوى بين المسألتين, وجعلهما على وجهين, أحدهما: أن الشفيع أولى في المسألتين, والثاني: أن غير الشفيع أولى فيهما] جميعا. والأصح ما قدمنا من طريق الفرق. مسألة (263): إذا اختلف البائع, والمشتري بعد الحجر, والتفليس في ثمرة نخلة, فقال المشتري المفلس: كان التأبير قبل الفسخ] سابقا على التأبير والثمرة لي, فالقول قول المفلس؛ لأن الأصل بقاء ملكه, فإن قال غريم من

الغريمين: صدق البائع, فقد قال الشافعي - رحمه الله:" لا أجعل لهذا الغريم من الثمرة شيئا, وأجعلها لغريم سواه", ثم يقال للغريم المصدق: إما أن تقبض من حقك ما يعرض عليك من الثمرة، وإما أن يطلق عنه الحجر, ولا يجبر على الإبراء. ولو أن المكاتب أتى سيده بمال, فقال سيده: لا أقبضه, فإنه من حرام, قيل له: إما أن تبرئه, وإما أن تأخذ المال. والفرق: أن المكاتب على شرف الرق بالعجز, فإذا جاء بمال, وظاهر يده موجودة أجبر السيد على أخذه؛ ليعتق بالدفع, أو على إبرائه, ليعتق بالإبراء, وهذا المعنى غير موجود في المفلس إذا أطلق عنه الحجر؛ لأن التضييق إنما حصل بالحجر, فإذا رضي الغريم بإطلاق الحجر عنه صار في سعة

مسألة (264)

ومندوحة منه, فلا يجوز إجباره على إبراء الذمة, وأجبره بعض مشايخنا على الإبراء, وليس بصحيح. مسألة (264): إذا باع عبدين بألفين وقيمتهما سواء, فقبض ألفًا, ثم حجر على المشتري, ومات أحد العبدين في يده, فقال الشافعي - رحمة الله -: في المسألة قولان: أحدهما: أن البائع إن شاء أخذ العبد بحصته من الثمن وهو ما بقي, وذلك على جهة الحصر. والثاني: أن يأخذ نصف ثمن هذا العبد بنصف ما بقي له من الدين, وهو

قول الشيوع. [ولو كانت الحالة غير حالة التفليس لم يختلف قوله في الشيوع] عند التوزيع والتقسيط,. والفرق: أن الذمة في هذه الحالة متغيرة بالحجر, وقد قال الشافعي - رحمه الله -: تحل الديون بالحجر والتفليس, كما تحل بالموت, فإذا وجد أحد العبدين - (158/ب) وذلك/عين ماله - كان حقه محصورًا فيه ليأخذه بالباقي من الحق, ومن قال بهذا جرى على هذه الطريقة في حالة الموت, وحالة الموت بذلك أولى؛ لأن الدين يحل بالموت, وفي حلوله بالحجر قولان.

مسألة (265)

فأما إذا لم تكن الحالة حالة الحجر, فالذمة معمورة, والدين فيها مستقر, وحالة المطالبة بالثمن, وحالة المعاوضة السابقة سواء, فلا يجوز أن نجعل الحق الشائع محصورًا, ولكن يبقى شائعًا, كما كان في الأصل شائعًا. مسألة (265): قال الشافعي - رحمه الله -: إذا اشترى رجل شيئًا بشرط الخيار, فحجر القاضي على المشتري بديون غرمائه, وأراد الإجازة, والغبطة في الفسخ, أو أراد الفسخ, والغبطة في الإجازة, فله ذلك, وليس للغرماء منعه. وقال في المريض إذا اطلع على عيب السلعة, فلم يردها, ومات من ذلك المرض: "كان للورثة اعتبار العيب من الثلث". والفرق بين المسألتين: أن المريض لو أراد أن يسترجع الثمن بالفسخ؛ لدفع الضرر, أو أراد الرجوع بالأرش كان له ذلك, وقال ابن سريج: له المصالحة

عن أرش العيب على مال, فإذا تصدى له عين المال, فأعرض، وحابى كانت محاباته معتبرة من الثلث, كسائر أنواع المحاباة. فأما في مسألة الخيار, فالعقد سابق موجود في زمان الصحة, وعدم الحجر, ولو حابى في ذلك الوقت كانت المحاباة لازمة نافذة, ولم يكن للغرماء - لعلة الحجر الحادث - الاعتراض, فتصرفه في زمن الخيار ليس ببيع مستحدث, وإنما هو إتمام تصرف سابق, ونفس الخيار ليس بمال. ألا ترى أنه لا يعتاض عنه بحال, وما أجرينا الميراث فيه لأنه مال, ولكن؛ لأنه حق مال, والميراث يجري في بعض الحقوق المالية, كما يجري في

مسألة (266)

نفس المال. مسألة (266): إذا اشترى فسيلاً, فتطاول عليه الزمان يسقيه, ويتعاهده, فصار شجرة مستعلية, فحجر عليه القاضي في ثمن الفسيل وديون سائر الغرماء, فليس للمشتري في زيادة الفسيل عين مال, فإن شاء البائع رجع إلى عينه, فأخذها زائدة, وإن شاء ضارب الغرماء بالثمن. وكذلك الحكم في عبد صغير اشتراه, فصار كبيرًا, وإن زادت قيمته, أو اشترى مهرة, فصارت فرسًا, هذه حكاية المزني عن الشافعي رحمه الله. فأما إذا كان المبيع حنطة, أو ثوبًا فصبغه, أو قصره ففيها

قولان: أحدهما: كذلك, وهو أنها آثار وليست بأعيان, والثاني: أن/ (159/أ) حكمها حكم الأعيان, فعلى البائع إذا أخذ عين ماله أن يعطي أجرة/ الطحن؛ لأنه زائد على ماله, وللغرماء زيادة القصارة والصبغ, وإن قصره بدرهم, فزاد خمسة دراهم كان القصار فيه شريكًا بدرهم, والغرماء شركاء بأربعة, وبيع لهم. والفرق بين الجنسين: أن سقي الفسيل وتربيته وتغذية الغلام الصغير من الأفعال التي لا يصح عقد الإجارة على أعيانها؛ لأن رجلاً لو أراد أن يستأجر أجيرًا؛ لتسمين عبد, أو تربية شجرة, أو تسمين دابة كانت الإجارة فاسدة, وكيف تصح هذه المعاني مع العلف والسقي والإطعام, فربما تحصل, وربما لا تحصل.

وأما الطحن والصبغ والقصارة فإنها أفعال ينعقد عقد الإجارة [على أعيانها, ويتمكن القصار من عين القصارة, وكذلك الصباغ والطحان] , فصارت الأجرة المعلومة زيادة ثانية معلومة تلتحق بأعيان الأموال؛ فلذلك افترق الجنسان. نكتة أخرى: اعلم أن هذين القولين في الزيادة التي حصلت بفعل الصباغ والقصار والطحان, فأما عين الزعفران, أو العصفر أو ما شاكلهما مما يستعمل في الثوب, فذلك عين مال قولاً واحدًا, وقد قال الشافعي - رحمه الله في الغاصب -: إذا صبغ الثوب يصبغ من ملكه غير مغصوب, فلذلك الصبغ عين مال الغاصب في عين الثوب.

مسألة (267)

مسألة (267): الغريم إذا فسخ البيع بسبب تفليس الغريم لم يتصور مع الفسخ مضاربة الغرماء إلا في مسألة واحدة وهي: إذا أسلم دراهم في حنطة, فصار البائع مفلسًا, وتعذر تسليم الحنطة وانقطعت, ورأس مال السلم تالف في يد البائع, فللمشتري الفسخ بسبب الانقطاع, ثم إذا فسخ ورأس المال تالف صار رأس المال دينًا له في ذمته, فضارب الغرماء به. وإنما فارقت هذه المسألة سائر المسائل؛ لأن الفسخ في مسائل التفليس يكون بسبب الحجر, والعجز عن استكمال الثمن, وعين المبيع قائمة, فإذا فسخ العقد رجع إلى عين المبيع. فأما في هذه المسألة فالعين تالفة, وهي رأس المال, وجاز له الفسخ مع تلف تلك العين؛ لتعذر حقه من المسلم فيه, فإذا فسخ, ثم لم يجد عين رأس المال, فلا حيلة سوى المضاربة. ثم اعلم أن هذه المسألة تباين سائر مسائل التفليس من وجه آخر وهو: أن الغريم متى ضارب الغرماء بدينه, وبان ما يخصه لزمه أخذ حصته من الدراهم, أو من الدنانير, فأما في السلم إذا رضي بأجازة العقد ولم يفسخه, فأنه يضارب الغرماء بقيمة الحنطة, إذ لا تستقيم المضاربة وحسابها إلا بأحد النقدين, ثم إذا/ (159/ب)

مسألة (268)

بان نصيبه من قيمة الحنطة لم تدفع إليه القيمة, ولكن يشتري له بما خصه حنطة على شرط سلمه وتسلم إليه وباقي حقه في ذمته. وإنما فارقت هذه المسألة نظائرها؛ لأنه إذا اختار إجازة البيع كان حقه الحنطة التي في الذمة دون رأس المال, وإذا استحق الحنطة - ولا تكون المضاربة إلا بالدراهم, أو الدنانير - كان ما وصل إليه في انتهاء الحساب الحنطة المستحقة بالعقد, وأما غيره من الغرماء, فخقهم الأثمان المذكورة في تنوع الأعيان التي لم يجدوها, أو وجدوها, واختاروا إجازة البيع فيها؛ فلهذا, وصلت إليهم الدراهم التي حصلت المضاربة بها, وإن كان لبعضهم عليه قرض حنطة, أو كان أتلف على إنسان حنطة, فالكلام في القرض, وبدل المتلف مثل الكلام في السلم إذا أجازه مستحقه. مسألة (268): المحجور عليه بالفلس إذا أوصي له بمال كان بالخيار في قبول الوصية وردها, وإن كان الحجر محيطًا به, والحاجة ماسة إلى المال.

مسألة (269)

ولو أوصي للسفيه المحجور عليه بمال, فلا خيار لقيمه في الرد, ولكن يجب عليها قبولها. والفرق: أن قيم السفيه منصوب النظر, وليس من النظر رد الوصية التي تصدت للقبول, فلابد له من مراعاة النظر, فأما المفلس, فليس الحجر عليه؛ للنظر له, وإنما الحجر عليه؛ لأجل غرائمه, وهو غير مجبور على اكتساب مال, ولكنه مخير إن شاء اكتسب وإن شاء لم يكتسب؛ فلهذا خيرناه, فإن قبل هذه الوصية قسمناها على غرمائه, وإنما ردها فليس للقاضي قبولها ولا إجبار المفلس على القبول. مسألة (269): المحجور عليه بالفلس إذا فني ماله المعلوم, وأطلق عنه الحجر فاستدان دينًا, وجدد القاضي له حجرًا, فاجتمع الغرماء الأولون يطلبون بقايا ديونهم, والغرماء المتأخرون الذين بم يكن لهم عليه دين في زمان الحجر الأول, فجميعهم شركاء في الأموال

الموجودة في يده, وإن كان حصولهها بسبب الاستدانة بعد الإطلاق. ولو ظهر له مال مكتوم كان ملكًا لو في زمان الحجر الأول, ولكن لم يظهر إلا في زمان الحجر الثاني, فالغرماء الأولون مخصوصون بذلك المال, لا يشاركهم فيه الآخرون, [وإن شارك الأولون الآخرين في المال الثاني]. والفرق بين المالين: أن المال الثاني مال اكتسبه في زمان الإطلاق باستدانة, ومعاملة, وأسباب مختلفة, فإذا / (160/أ) أحدث القاضي له حجرًا كان ذلك الحجر لحق جميع الغرماء, والأولون غرماؤه ببقايا ديونهم, والآخرون غرماؤه بجميع ديونهم, فلم يكن بعضهم أولى من بعض بالأموال الموجودة في يده.

فأما المال المكتوم الذي ظهر في الحجر الثاني فإن الحجر الأول كان محبطًا به, فلما تراءى للقاضي فناء ماله أطلق الحجر عنه على معنى الفناء, ولم ينطلق الحجر عن المكتوم [الذي ظهر في زمان الحجر الثاني] , وصحت تصرفاته؛ لأن الإطلاق في الظاهر إذن في التصرف, فليس للغرماء المتأخرين في ذلك المال حق, كما لم يكن لهم في ذلك الحجر السابق حق, فلذلك انفرد به المتقدمون دون المتأخرين.

كتاب الحجر

كتاب الحجر مسألة (270) القيم إذا قال: أنفقت على الصغير من ماله مقدارًا غير مستبعد كان قوله مقبولاً, فإن صار متهمًا استحلف. ولو قال القيم: رددت على الغلام ماله لما بلغ رشيدًا, وأنكر الغلام, لم يقبل قول القيم, وطولب بالبينة. والفرق: أنه إذا قال: أنفقت عليه, فقد ادعى صرف المال إلى جهة أمر بصرفه إليها؛ لأنه مأمور بالانفاق عليه على وجه المعروف ما دامت ولايته قائمة, وبقاء ولايته ببقاء الصغر, فإذا بلغ رشيدًا انتهى زمان الولاية, والأصل أن المال غير مردود على الغلام, فالقول قول الغلام إذا ادعى أنه لم يرد أنه لم يرد عليه ماله, وقد

مسألة (271)

يتعذر عليه الإشهاد في كل نفقة قليلة أو كثيرة ينفقها عليه على مرور الأيام, ولا يتعذر عليه امتثال أمر الله سبحانه بالإشهاد على دفع المال إليه, قال الله تعالى: {فَإذَا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} , فأمر بالإشهاد لما كان القيم غير مؤتمن من جهة الطفل ولهذه النكتة فارقت هذه المسألة جميع الودائع؛ لأن المودع إذا قال: رددت الوديعة على صاحبها, وأنكر صاحبها كان القول قول المودع؛ لأنه مؤتمن من جهته. وإذا اختلف المؤتمن والأمين في رد الأمانة على المؤتمن فالقول قول الأمين. وأما الصبي, فليس هو المؤتمن للقيم, ولكنه من جهة الشرع مؤتمن في حقه, وصيرناه في مقدار النفقة, كالمؤتمن من جهة الصبي, لا من جهة غيره. مسألة (271): إذا كان مال الطفل في يد القاضي, فإذا بلغ الغلام, فقال: دفعت ماله إليه لما رأيته رشيدًا, وأنكر الغلام ينظر, فإن كان القاضي على ولايته, فقوله/ (160/ب) مقبول, ولا يمين عليه.

وإن كان معزولاً لم يقبل قوله إلا ببينة. الفرق بين الحالتين: أنه ما دام على ولايته, فقوله من جنس حكمه الذي يمضيه. ألا ترى أنه إذا علم شيئًا قضى بعلمه, فيما يجوز القضاء فيه بالعلم. فأما إذا صار معزولاً, فلا يكون قوله في هذا الوقت من جنس الحكم إذ لا ولاية له, ولا حكم له. ألا ترى لو كان عليم شيئًا, فهو عند غيره شاهد في معلومه, لا يستغني عن

مسألة (272)

شاهد آخر ينضم إليه حتى يمكن القضاء بذلك المعلوم. مسألة (272): الغلام إذا بلغ بخيلاً ضنينًا بالمال غير أنه فاسق, فالحجر عليه لا يطلق عنه, ولا يدفع إليه ماله حتى يستجمع كمال الرشد, والرشد ما فسره عبد الله بن عباس - رضي الله عنه -: الصلاح في الدين, والإصلاح في المال.

ولو أن رجلاً كان عدلاً في دينه مصلحًا لماله, فاعترض الفسق عليه غير أنه مصلح لماله ضنين به لم يستحدث عليه حجر. والمسألتان سواء في تبذير المال, غير أنا نستبقي به الحجر, ولا نستحدث به الحجر. والفرق بين المسألتين من وجهين, أحدهما: فرق جمع وهو أنا في الحالين نستديم مع الفسق الأصل السابق, [ومعلوم أن الأصل السابق] في الرجل البالغ عدم الحجر. فإن قيل: فهلا جريتم على هذه الطريقة في التبذير, وقد سويتم فيه بين المسألتين.

قلنا: لأن التبذير عين استهلاك المال, وأما الفسق, فربما يكون سببًا في الاستهلاك, ففصلنا بين عين الشيء وبين سببه. الفرق الثاني: أن الصبي إذا بلغ فاسقًا مصلحًا للمال فإصلاحه لماله غير موثوق به مع فسقه في عنفوانه شبابه, وزمان حداثة سنه وقرب عهده بصغره وقله تجاربه, فربما يتخيل لنا أنه حافظ للمال, ولا يكون حافظًا له ما دام مشتغلاً بالفسق ومعاشرة الفساق, وأما الرجل البالغ الكثير التجارب البصير بمنفعة المال, فالغالب أنه مع ما يتعاطى مع الفسق يشفق على المال, ولا يخدع عنه. والذي يوضح هذا, كثرة الفساق الذين يحفظون أموالهم من الرجال الذين طعنوا في السن, وجربوا الأمور, وهذا في الأحداث بخلافه؛ لأنك قلما تجد غلامًا بخيلاً قريب العهد بالبلوغ يقبل على الفسق, ويدمن عليه, ثم يبقى مع ذلك ماله؛ فلذلك فصلنا بينهما/ (161/أ).

كتاب الصلح

كتاب الصلح مسألة (273): إذا ادعى رجل دينًا على رجل, فجحد, فجاء ثالث واعترف, وصالح عن المنكر على مال صحت المصالحة, ولم يختلف مشايخنا في صحتها. ولو أن المدعي ادعى عينًا في يدي رجل فجحد, فجاء ثالث واعترف, ثم صالح عن المنكر على مال لم تصح عند كثير من مشايخنا. والفرق بين المسألتين: أن الصلح إذا كان عن دين, فحقيقة تلك المصالحة افتداء الذمة, ومن أراد أن يفتدي ذمة مديون كان له الافتداء، ولا حاجة به إلى استئذان صاحب الذمة, ولا مراجعته, وكذلك من أراد أن يفتدي مأسورًا, أو يبذل للزوج مالاً على مخالعة زوجته كان مستغنيًا عن استئذان الزوجة,

مسألة (274)

والأسير, فاكتفينا باعتراف الثالث في صحة المصالحة عن الدين. فأما إذا كان الدعوى عينًا, فمعنى المصالحة عن العين: المعاوضة عليها, وصاحب اليد منكر, واليد في الظاهر له, فكيف تصح المعاوضة على هذه الحالة؟. قال بعض مشايخنا: إن قال هذا الثالث لمدعي العين: أني متمكن من قبض تلك العين, وإزالة يد صاحب اليد حكمنا بصحة المصالحة, كما نحكم بصحة بيع المغصوب من الغاصب, وإن كانت العين غائبة عن البائع؛ لتمكن المشتري من القبض. مسألة (274): إذا ادعى أخوان دارًا في يد رجل ميراثًا عن أبيهما, فصدق

مسألة (275)

صاحب اليد أحدهما, وكذب الثاني, فاصطلح المصدق والمصدق على مال شاركه فيه أخوه مشاطرة بينهما. وبمثله لو ادعياها ملكًا لا من جهة الإرث, والمسألة بحالها لم يشاركه, ولم يشاطره. والفرق: أنهما إذا ادعيا إرثًا فقد ادعيا ملكًا مسندًا إلى الأب ينزل عنه إليهما, ولا يتصور في شيء منه الاختصار, إذ ما من جزء من الميراث إلا وحق جميع الورثة فيه. فأما إذا ادعيا ملكًا من جهة بيع, أو هبة, أو من جهة أخرى سوى الميراث, فليس من ضرورة ذلك الملك اشتراكهما في أجزائه, بحيث لا يتصور انفراد أحدهما بسبب دون الثاني؛ فلذلك فصلنا بين المسألتين. مسألة (275): الجاران المتلاصقان إذا انهدم الجدار بين داريهما فأرادا قسمة

أرض الجدار على تصنيف طوله أرض الجدار على تنصيف طوله جاز الإجبار بالقرعة على مثل هذه القسمة. وإن أرادا تنصيف عرض/ (161/ب) أرض الجدار لم تجز مثل هذه القسمة إلا على التراضي, ولا مدخل للقرعة فيها, ولو كان الجدار قائمًا فأرادا قسمة الجدار, فالجواب كذلك. والفرق بين القسمتين: أنهما إذا أرادا تنصيف الطول انتفع كل واحد منهما بالنصف الذي يخصه, وأمكنه وضع جذوع داره عليه في مقدار ما هو نصيبه منه, وإن أراد تمكين جاره من موضع الجذوع على الوجه الذي يليه من

مسألة (276)

حصته ليمكنه الجار من وضع جذوعه على ما يليه من نصيب الجار كان لهما ذلك, فيصير كل واحد منهما مرتفقًا بجميع الجدار؛ فلذلك قلنا: إذا دعا أحدهما صاحبه إلى مثل هذه القسمة أجبر الآخر على الإجابة. فأما تنصيف العرض, فلا سبيل فيه إلى الجبر والقرعة لأنا لو أقرعنا بينهما لم نأمن أن يخرج لأحدهما سهم النصف الذي يلي دار صاحبه, فلا يقدر واحد منهما على وضع الجذوع والانتفاع بالجدار وتتعطل فوائده بينهما؛ فلذلك فصلنا بين الصورتين. مسألة (276): الخان إذا كان مشتركًا بين جماعة بعضهم يملك الغرف ولا يملك بيوت السفل, وبعضهم يملك بيوت السفل, والمرتقي إلى الغرف في صحن الخان, فاختلفوا في العرصة, فادعاها أصحاب الغرف وادعاها أصحاب السفل, فاليد للفريقين.

ولو كان المرتقى في دهليز الخان, فاختلفوا في عرصة وسط الخان, فالصحيح أن اليد لأصحاب السفل. والفرق: أن المرتقي إذا كان في وسط الخان كانت العرصة مسلك أحاب الغرف يستطرقونها، ويخترقونها للارتقاء إلى ملكهم, كما ينتفع أصحاب السفل بها دخولاً, وخروجًا, وجلوسًا, وإذا استووا واشتركوا في الانتفاع استووا, واشتركوا في اليد, وإذا استووا في اليد حلفوا جميعًا وكانت بينهم, كالمتساكنين دارًا واحدة إذا ادعاها كل واحد منهما تحالفًا إذا تداعيا. فأما إذا كان الدرج في الدهليز, فأصحاب العلو يرتقون إليها من الدهليز, فلا سبيل لهم, ولا طريق لهم في عرصة الخان, ولا يد لهم عليها, وإنما اليد لهم على الدهليز إلى مكان الدرج.

ألا ترى أن أصحاب السفل, والعلو لو اختلفوا في عين الدرج كان القول قول أصحاب الغرف؛ لأنهم هم المنتفعون به. فإن قيل: إن أصحاب الغرف يستطيبون بهواء العرضة وذلك ضرب من المنفعة, كما أن الاستطراق منفعة. قلنا: هذه المنفعة لا/ (162/أ) تعد من جملة منافع العرصة, ولا يثبت بمثلها يد. ألا ترى أن أصحاب السفل لو كانوا ينتفعون بالدرج بأن يضعوا تحته مرجلاً لئلا تقع الشمس على مائه, أو بأن يطبخوا تحته قدرًا, ثم اختلفوا في الدرج, كان القول قول صاحب الغرف, ولم نجعل لهذه المنفعة الخفية أثرًا في اليد, وكذلك - أيضًا - منفعة الاستضاءة. ولو أن رجلاً كان يلوذ بظل جدار دار وجل كل يوم, وينتفع به ما لم يكن ذلك

مسألة (277)

دليل اليد, وكذلك إذا استضاء الجار بضياء الكوة [في دار الجار لم تثبت يده بذلك على دار الجار, فإن أراد الجار سد الكوة] لم يكن له ذلك, إذا كان فتح الكوة في الأصل بالحق والعدل, وكذلك لو أراد أصحاب السفل أن بينوا في عرصة الخان من الأبنية الرفيعة المشيدة ما ينفع الغرف ضياء العرصة, فلصاحب الغرف منعهم من ذلك. مسألة (277): الأرض إذا كانت مشتركة بين شريكين وفيها زرع مشترك بينهما, فصالح أحدهما صاحبه عن نصيبه من الزرع, وهو يقل أخضر على دراهم كان الصلح باطلاً. ولو صالحه عن نصيبه من الزرع على نصيب صاحبه من الأرض كانت

المصالحة صحيحة. والفرق بينهما: أن الصلح إذا وقع على نصيب من الزرع, فشرط صحة الصلح اشتراط القطع, والقطع متعذر من شيوع المبيع في غير المبيع, وصلح المعاوضة بيع يشترط فيه ما يشترط في البيع؛ فلذلك بطل الصلح في المسألة الأولى. فأما في المسألة الثانية, فإنما صح الصلح فيها؛ لأن قطع جميع الزرع مما تضمنه هذا العقد, أما نصفه وهو النصف المبيع, فلشرط القطع, وأما نصفه الثاني, فلتفريغ الأرض المبيعة, فقطع جميع الزرع ممكن, ولا يمكن قطع نصفه مشاعًا. واعلم أن هذا الفرق الذي ذكره بعض مشايخنا إنما يصح ويستقيم إذا

مسألة (278)

رضي بائع نصف أرضه بتعجيل قطع زرعه, فإن باع أرضًا تحت زرعه وحكمنا بصحة بيعه, كان له تبقية الزرع إلى وقت الحصاد, وكذلك من باع شجرة, واستبقى الثمرة المذهية ألزمنا مشتري الشجرة تبقية الثمرة إلى زمان جذاذها في العرف والعادة. مسألة (278): إذا انتشرت أغصان الشجرة المستعلية, فدخلت دار الجار, فاصطلحا على دراهم معلومة؛ لتبقيتها في هواء داره, فالصلح باطل, وسواء كانت الأغصان واقعة على جدار الجار, أو لم تكن واقعة عليه. ولو اصطلحا على جناح أشرعه/ (162/ب) الجار في دار الجار ووضع على الجدار المملوك للجار أصل الجناح كان الصلح على الدراهم المعلومة

صحيحًا, وكذلك أيضًا وضع الجذوع فالصلح - والعوض معلوم - جائز. والفرق: أن أغصان الشجرة إن كانت غير واقعة على الجدار, فالمصالحة تكون على الهواء المجرد, والهواء لا يقبل البيع منفردًا, فلا يقبل الصلح, والصلح بيع, وإنما يدخل الهواء في البيوع على وجه البيع إذا صارت الدار مبيعة, وكذلك أفنية الدور وكذلك الشرب من الأودية, وجميع ما هو من حقوق الأملاك.

وإن كانت الأغصان باركة على الجدار واقعة عليه, فلا تصح المصالحة لعلة أخرى وهي: أنها ما دامت رطبة, فهي تتزايد, ولا تبقى على حالتها الأولى, فلا يخلو هذا الصلح عن الجهالة, ولو أن رجلاً وضع بالصلح بناء على جدار رجل لم يجز حتى يكون سمك البناء ووزنه معلومًا, إذ الجدار لا يحتمل ما تحتمله الأرض. فأما إذا اصطلحا على مال معلوم, لإشراع جناح مركزه على جدار الجار, فالصلح وارد على عين الجدار, لا على عين هواء الدار, وعين الجدار ملك قابل للبيع، ثم الهواء تبع, وخشب الجناح لا يزداد ثقلاً على مرور الزمان. فوزانها غصن يابس واقع على الجدار نعلم أنه لا يزداد ثقلاً, فيجوز الصلح حينئذ, كما جاز في الجناح.

كتاب الحوالة

كتاب الحوالة مسألة (279): بيع الدين بالدين باطل إذا باع الدين الذي على زيد يدين لزيد على عمرو مستعملًا لفظ البيع, وكذلك لو قال لزيد: بعت منك الحنطة المستقرضة التي في ذمتك بمائة درهم دينًا عليك أن البيع باطلًا. وإذا أحال من عليه الدين غريمه على غريم له عليه مثل ذلك الدين كانت الحوالة صحيحة إذا استعملا لفظ الحوالة, وهي على الحقيقة بيع الدين بالدين. والفرق بين الحوالة والبيع: أن لفظ الحوالة موضوع لمعنى مخصوص, وهو

تحويل المطالبة من محل إلى محل, وإن كانت تتضمن مشابهة المعاوضة, فهي أصل بنفسها, والبيع أصل بنفسه, فإذا استعمل لفظ البيع استدعى هذا اللفظ شرائط البيوع, ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الكالئ بالكالئ, بخلاف الحوالة فإنها جعلت في الشريعة رفقًا للناس, فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على ملي فليتبع".

مسألة (280)

ومثال هذا قرض الدراهم, والدنانير فإنه على الحقيقة بيع الدراهم بالدراهم, ولو تلفظ بلفظ البيع كان صرفًا, وكان القبض في المجلس شرطًا, فإذا عدلا إلى لفظ/ (163/أ) القرض الذي ورد رفقًا في الشرع جوزنا فيه ما لا يجوز في البيع,] فكذلك إذا عدلا إلى لفظ الحوالة التي وردت - رفقًا - في الشرع جوزنا في ما لا يجوز في البيع [؛ فلهذا افترقا. مسألة (280): إذا اشترى رجل عبدًا بألف درهم, وقبض العبد, ثم أحال المشتري البائع بالألف على غريم له عليه ألف درهم, فقيل الحوالة, فوجد المشتري بالعبد عيبًا, فرده, فللمزني -رحمه الله - قولان في إبطال الحوالة لما انفسخ البيع.

ولو كانت المسألة بحالها غير أن البائع أحال على المشتري غريمًا له, ثم تصادق البائع, والمشتري أن العبد كان حر الأصل, أو وجد به المشتري عيبًا, فرده, فالحوالة باقية بحالها لم يختلف فيها قول المزني. والفرق بين المسألتين: أن الحوالة في المسألة الأولى حق للبائع؛ لأنه هو المحتال, فإذا خرج العبد معيبًا, وصار مردودًا سقط الثمن الذي تعلق الحوالة به, فبطلت الحوالة في أحد القولين. فأما المسألة الثانية, فقد ثبت فيها حق الحوالة الثالث سوى المتبايعين, فلا يجوز الاعتراض على حق الثالث بتراد البائع والمشتري, وتصادقهما على حرية العبد, إلا أن يعترف المحتال بالحرية, فيصير بنفسه معترضًا على حق نفسه.

مسألة (281)

مسألة (281): إذا كان لرجل دين على رجل, فأمر غيره بقبضه, وللمأمور على الآمر دين, ثم اختلف الآمر والمأمور, فقال الآمر: كنت وكيلي وقبضت لي, وقال المأمور: بل كنت محتالًا, وقبضت ما قبضت لنفسي, فالقول قول الآمر, لا قول المأمور. ولو قال المأمور: كنت وكيلًا قابضًا لك, وقال الآمر: بل كنت محتالًا قابضًا لنفسك, فالقول قول المأمور. والفرق: أن المأمور في المسألة الأولى يدعي على الآمر عقدًا وهو عقد الحوالة, وقد أنكر ذلك العقد, فالقول قول المنكر, وكذلك كل شخص توجهت عليه دعوى عقد, فالقول قوله مع يمينه أنه يم يعقد ذلك العقد. فأما في المسألة الثانية, فالآمر يدعي على المأمور عقد الحوالة, وقبولها والمأمور منكر, فالقول قول المنكر مع يمينه. فإن قيل: إن الوكالة عقد, كما أن الحوالة عقد, فهلا راعيتم جانبها في التداعي كما راعيتم جانب الحوالة.

قلنا: نهاية الوكالة أمر بالقبض, وقبول لذلك الأمر وهما متصادقان على هذا القدر؛ فلذلك لا يراعى جانب الوكالة, وإنما اختلفا في صفة ذلك الأمر/ (163/ ب) أكان على جهة الحوالة, أو كان على جهة الوكالة. هذا كله إذا لم يتصادقا على جريان لفظ الحوالة] بينهما, فأما إذا تصادقا على جريان هذا اللفظ كانت حوالة [، لأن الألفاظ موضوعة لمعانيها, وقد ذكر المزني هاتين المسألتين بلفظ الحوالة, ومراده أنهما استعملا هذه اللفظة عند التداعي, ولم يتصادقا على جريان هذه اللفظة بينهما في ابتداء الأمر.

كتاب الضمان

كتاب الضمان مسألة (282): إذا ضمن رجل عن المكاتب نجوم الكتابة, فالضمان باطل, هذا ما نص عليه الشافعي رحمه الله. ولو جني المكاتب على رجل, أو التزم دين معاملة من جهة رجل, فضمن ضامن ذلك الدين عنه, فالضمان صحيح. والفرق بينهما: أن نجوم الكتابة غير مستقرة في الذمة, ولا ينتظر لها زمان استقرار؛ لأن الكتابة عقد جائز من جانب المكاتب متى شاء فسخها, وليس هذا كالثمن في زمن الخيار؛ لأنه وإن لم يكن لازمًا مستقرًا في تلك الأيام, فلزومه واستقراره منتظر بانقضاء أيام الخيار, وعقد البيع من جنس العقود

مسألة (283)

اللازمة, ولزومه شامل للطرفين, فلما كان مال الكتابة غير مستقر بحال لم يصح ضمانه من ضامن؟ فأما الديون التي وجبت على المكاتب بالمعاملة, أو بالجناية فإنها لازمة في الحال وفي المآل. ألا ترى أن المكاتب لو عجز انفسخت الكتابة, وسقطت نجوم الكتابة ولم تسقط هذه الديون, ولكن إن كان في يده بقية من المال عند العجز قضينا تلك الديون منها, وإلا استكسبناه في أيام رقه وقضينا تلك الديون من كسبه, فإن اتفق عتقه قبل قضائها, أو قضاء بعضها كان للغرماء أن يتبعوا ذمته إلى أن يستوفوا منه تلك الديون بكاملها, فهذا دليل استقرارها. مسألة (283): قال الشافعي - رحمه الله - في كتاب الإقرار: "إذا شهد شاهدان على رجل أنه أعتق عبده, فردت شهادتهما, ثم اشترياه, فإن صدقهما البائع رد الثمن, وكان له الولاء, وإن كذبهما عتق بإقرارهما والولاء موقوف, فإن مات العبد, وترك مالًا كان موقوفًا حتى يصدقهما, فيرد الثمن إليهما, والولاء له دونهما".

وقال في كتاب الضمان: "لو أقام رجل البينة أنه باع من هذا الرجل, ومن رجل غائب عبدًا, وقبضاه منه بألف درهم, وكل واحد منهما كفيل ضامن لذلك عن صاحبه, قضي عليه, وعلى الغائب بذلك, وغرم الحاضر جميع الثمن, ورجع بالنصف على الغائب". وموضع الحاجة إلى الفرق أنه في مسألة الإقرار قبل إقرار الشاهدين على أنفسهما, وإن لم يقبل على غيرهما, فحكم بحرية العبد إذا اشترياه. وأما في مسألة الضمان فلم يؤاخذه بإقرار على نفسه؛ لأن الحاضر جحد وقال للخصم: ليس لك على شيء ولا على الغائب, وما ضمنت لك, قم لما قامت البينة على أنه ملتزم, وأن كل واحد منهما كفيل ضامن عن صاحبه, وغرم الحاضر جميع المال, جعل الشافعي - رحمه الله - له الرجوع على الغائب بما غرم من حصته بالضمان, بعد إقراره بأن الضمان لم يكن, ودعواه أن البينة كاذبة. والفرق بين المسألتين: أن الشاهدين في كتاب الإقرار شهدا ابتداء بحرية العبد, وما قصدا بتلك الشهادة مدافعة في خصومة, وإنما قصدا إخبارًا عن عتق ثبت عندهما, فكان قولهما مقبولًا على أنفسهما ...

فإن قالا بعد ذلك: نسينا, أو أخطأنا لم يكن هذا الكلام مقبولًا منهما في رد العتق, كيف! وللعتق في مثل هذا الموضع علة وسلطان مخصوص, وإن كان العتق, وغير العتق في ذلك سواء. فأما مسألة الضمان, فإن الحاضر الجاحد قصد بجحوده دفع الخصومة عن نفسه, وعن الغائب, فلما عجز عن مقصوده بإقامة البينة إنقاذ للحكم ونزل عن المقالة السابقة, ورجع على الشريك الغائب بما شهدت البينة أنه ضمنه عنه. ومثال هذا: ما نقول في رجل اشترى من رجل عبدًا, فجاء ثالث وادعى أن العبد مغصوب منه, فجحد المشتري وهو صاحب اليد, وقال: هذا ملكي, وفي يدي اشتريته من فلان, وكان ملكًا له حين باعه مني, فجاء المدعي بشاهدين يشهدان أن العبد مغصوب, فانتزع الحاكم العبد من يده ورده على المغصوب

منه, كان للمشتري أن يرجع على البائع بالثمن, فإن قال البائع: أنت في خلال خصومتك أقررت بأني بعته منك وهو ملك لي, فكيف تكذب نفسك بنفسك؟ وكيف تطالبني بثمن أقررت بأنه ملكي؟ كان للمشتري أن يجيب البائع فيقول: إن الخصومة لما حدثت, وتوجهت الدعوى علي اجتهدت في دفع الدعوى عنك, وعن نفسي بما قلت, أو ظننت أن العبد ملك لك على ظاهر اليد, فلما بان لي صدق الشاهدين رجعت عليك بالثمن لاسترجعه منك, كذلك في مسألة الضمان. والذي يوضح هذا الفرق - وهو كالفرق الثاني: أن الشاهدين ما علما أنه أعتق العبد استدلالًا؛ لأن العتق إنما يستدرك بسماع لفظ يقينًا, فلا عذر لهما في مقتضى شهادتهما بعدما دخل العبد في ملكهما على ظاهر الحكم, فأما في هذا المسألة فالحاضر والغائب شريكان في مقتضى البينة المقبولة, ومقتضاه وجوب المال وصحة الضمان؛ لأن قضاء القاضي نافذ على الحاضر,

والغائب جميعًا عند من يجوز القضاء على الغائب, وعند من لا يجوز القضاء على الغائب, وهذا القضاء يعتمد جحود هذا الخصم؛ لأن تقدم الإنكار شرط في سماع الشهادة وتنفيذ القضاء,] فلا يجوز أن يتضمن الجحود نقض القضاء, والجحود ركن القضاء [, ومن جملة القضاء رجوع الحاضر على الغائب. وقد قال بعض أصحابنا - في مسألة الضمان: إنها مصورة في وكيل خاصم عن هذا الحاضر, لا في مباشرة الحاضر للخصام, فلا يكون إقرار الوكيل مقبولًا على موكله, فأما إذا باشر, فليس له الرجوع على الغائب, ومنهم من قال: كأنه باشر بنفسه الخصومة, فلما توجهت الدعوى عليه سكت, فجعل القاضي سكوته جوابًا في سماع البينة, ولا يصير سكوته إقرارًا منه بتكذيب الخصم والبينة؛ فلذلك ثبت له الرجوع على الغائب. والطريقة الأولى هي المبينة.

مسألة (284)

مسألة (284): إذا ضمن رجل مالًا في فداء أسير, وبذل ذلك المال لم يكن له أن يرجع على الأسير إلا أن يكون قد فداه بإذنه. ولو أن رجلًا رأى مضطرًا في مخمصة مشرفًا على التلف, فأوجره من ملكه طعامًا, فاستحيا به مهجته, كان لصاحب الطعام أن يرجع على ذلك المضطر بقيمة الطعام. والفرق بين المسألتين: أن فداء الأسير ليس بواجب على الفادي وإنما هو متبرع, فإذا لم يسبق إذن من جهة الأسير لم يكن له أن يرجع عليه بما أدى عنه. فأما مسألة المخمصة, فليست كذلك؛ لأن صاحب الطعام مأمور شرعًا أمر حتم باستحياء مهجته.

ألا ترى أنه لو امتنع, كان للمضطر مواثبته, ومهاجرته, ومكابرته على ذلك الطعام؛ ليسد رمقه به على شرط القيمة, فإذا أوجره صاحب الطعام, ولم يرض بأن يكون متبرعًا بل ادعى أنه أوجره على شرط الضمان كان له أن يرجع عليه فيطالبه؛ ولهذه النكتة قلنا: إذا قتل رجل عمدًا, فعفا الولي من غير رضا القاتل, كان له مطالبته بالدية؛ لأنه استحيا مهجته بالعوض/ (165/ ب).

كتاب الشركة

كتاب الشركة مسألة (285): هذه مسألة فيها فروق وأطراف, فسقناها على وجهها بتوفيق الله تعالى, قال المزني - رحمه الله -: "وإذا كان العبد بين رجلين, فأمر أحدهما صاحبه ببيعه, فباعه من رجل بألف درهم, فأقر الشريك الذي لم يبع أن البائع قد قبض الثمن,] وأنكر ذلك البائع, وادعاه المشتري, كان المشتري بريئًا من نصف الثمن [وهو حصة المقر, ويأخذ البائع نصف الثمن من المشتري ويسلم له, ويحلف لشريكه ما قبض ما ادعى, فإن نكل حلف صاحبه واستحق الدعوى. وإنما بريء من نصيب الموكل؛ لأنه معترف بأن المشتري بريء من جميع الثمن بدفعه إلى البائع الذي هو وكيل في أحد النصفين ومباشر بيع ملكه في النصف الثاني, ولكن إذا كان البائع ينكر ما يقول الموكل, والمشتري يدعي أنه دفع الثمن كله إلى البائع, فقول المشتري غير مقبول على البائع في نصيب نفسه.

والفرق بين النصيبين: أن صاحب النصيب الثاني هو الموكل معترف ببراءة ذمة المشتري عنه؛ لدفعه بزعمه إلى وكيله في قبضه, فأما نصيب البائع من الثمن, فقول الموكل غير مقبول منه على الوكيل, ووكيل البائع غير معترف بأنه قبض شيئًا, أو استناب في القبض نائبًا, والبيع بالتصادق موجود, والثمن واجب, فعلى المشتري إقامة البينة على القضاء, وإذا عجز حلف البائع الوكيل أنه لم يستوف وقضى له على المشتري بنصف الثمن وهو خمسمائة درهم, فإذا استوفاها, فجاء الموكل وادعى عليه حقه, فالقول قول الوكيل أنه لم يقبض من المشتري سوى هذه الخمسمائة درهم, فإما أن يحلف وإما أن ينكل, فإن حلف في هذه الخصومة يمينًا ثانية سلمت له الخمسمائة التي أخذها, وإن نكل عن اليمين ردت اليمين على الخصم وهو الموكل, فإن نكل سقطت دعواه, وإن حلف قضي له بحقه على الوكيل, وكذلك لو خاصم الموكل قبل أن يخاصم الوكيل المشتري كان الوكيل مستحلفًا بدعوى الموكل, فإن حلف أو نكل, فحكمه ما ذكرناه.

هذا كله إذا حلف الوكيل مع المشتري أنه لم يقبض] منه شيئًا. فأما إذا عرضت اليمين على الوكيل البائع أنه لم يقبض [، فنكل, فإن اليمين ترد على المشتري, فإما أن يحلف وإما أن ينكل, فإن حلف: بريء من جميع الثمن, أما من نصف الموكل, فبإقرار الموكل أن وكيله قبضه, وأما من نصف الوكيل/ (165 - ب) البائع, فبالنكول واليمين المردودة. فلو قال الموكل للوكيل الناكل: أليس إنك لو لم تنكل لاستوفيت باليمين مالًا؟ فإذا نكلت فقد أتلفت بنكولك على شيئًا, فلي تغريمك!! فهذا محال؛ لأن الوكيل يقول: إنما نكلت في حقي, لا في حقك؛ لأن اليمين لا تتوجه علي إلا في نصيبي, فإن شئت حلفت وإن شئت نكلت, وأنت على رأس خصومتك فيما تدعي علي من قبض جميع نصيبك, وأما أمين, فإذا حلفت سقط عني دعواك, وإن نكلت كان لك أن تغرمني جميع ما تدعي. وإذا حلف الوكيل, وغرم المشتري] خمسمائة لم يكن للمشتري أن يقول للموكل: وكيلك غرمني [خمسمائة درهم زيادة عن الألف وأنت عالم وأنتما

شريكان, فاغرم لي ذلك بحكم إقرارك وتصديقك إياي؛ لأن الموكل يقول: هذه الخمسمائة ظلم من الوكيل بعد الألف, وما أتاك الظلم من جهتي, وإنما ظلمك غيري, فارجع على من ظلمك, لا على غيره. ثم قال المزني - رحمه الله -: ولو كان الشريك الذي باعه هو الذي أقر بأن شريكه الذي لم يبع قبض من المشتري] جميع الثمن, وأنكر ذلك الذي لم يبع, وادعى ذلك المشتري [, فإن المشتري يبرأ من نصف الثمن بإقرار البائع أن شريكه قد قبض؛ لأنه في ذلك أمين, ويرجع البائع على المشتري بالنصف الباقي, فيشاركه فيه صاحبه؛ لأنه لا يصدق على حصة من الشركة تسلم له, إنما يصدق في أن لا يضمن شيئًا لصاحبه, فأما أن يكون في يديه بعض مال بينهما, فيدعي على شريكه مقاسمة يملك بها هذا البعض خاصة, فلا يجوز, ويحلف لشريكه, فإن نكل حلف شريكه واستحق دعواه", هذا كلام المزني. واعلم أن المشتري في هذه المسألة لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون عالمًا بأن العبد كان مشتركًا بينهما, وإما أن يكون عنده أن العبد كله لمن باشر البيع, أو عنده أن العبد كله لمن لم يباشر البيع.

فإن قال: كان عندي أن العبد لمن لم يباشر البيع, وأن المباشر وكيل؛ فلذلك دفعت جميع الثمن إلى من ظننته مالكًا, توجهت عليه خصومتان: إحداهما: من جهة من باشر البيع, فيدعي عليه ثمن نصيبه ويطالبه به؛ لأنه معترف بالشراء جاحد لما وجب عليه له, وكل من اشترى من إنسان شيئًا, ثم قال: لا يلزمني دفع الثمن إليك؛ لأنك بايعتني على ملك غيرك, لا على ملكك, فقوله لغو ودعواه محال, وللبائع مطالبته بالثمن, ولا تسمع اليمين من المشتري مع اعترافه بالشراء منه. فإذا طالبه الوكيل, واستوفي منه خمسمائة كان للموكل مطالبة الوكيل بنصف الخمسمائة لا بجميعها, بخلاف المسألة السابقة, وإنما كان كذلك؛ لأن الموكل معترف بأن الوكيل لم يقبض سوى هذه الخمسمائة, والوكيل يدعي استخلاصها مع اعترافه بأنها من ثمن عبد مشترك, والمال المشترك يكون شائعًا بين الشريكين لا يختص أحدهما بشيء منه دون الثاني.

ألا ترى أن أحد الشريكين لو ادعى على الشريك الثاني مقاسمة فقال: ملكت واستخلصت بالمقاسمة هذا العبد الذي في يدي, وجحد شريكه ما قال, جعلنا العبد بينهما مشتركًا؛ لأنه معترف بأنه من أصل مال الشركة. وأما في المسألة السابقة فإن الموكل كان يدعي على الوكيل أنك استوفيت جميع الثمن, فإذا ادعى استيفاء الجميع, فقد ادعى لنفسه في يده تمام خمسمائة؛ فلذلك غرمناه عند النكول واليمين جميع الخمسمائة يدفعها إلى الموكل, والأخرى خصومة المالك يستحلفه بنصيبه. ولو أقر هذا المشتري, فقال: علمت أن العبد كان كله لمن باشر البيع, فقد اعترف للمباشر بما يدعي عليه؛ لأنه لا يجوز له أن يدفع ثمن ملكه إلى غيره, فإن ادعى عليه إذنه, فالقول قوله مع يمينه أنه لم يأذن له, وكان له أن يغرمه نصيبه من الثمن, وليس له أن يطالبه بالنصيب الثاني؛ لأنه معترف بأن الموكل قد قبض حقه وحق غيره.

فأما إذا قال المشتري علمت وتيقنت أن العبد بينهما نصفين, ووفرت الألف على الموكل بغير إذن, والموكل منكر, والبائع مقر مصدق للمشتري, فللبائع مطالبة المشتري بنصف الثمن, وليس له مطالبته بالنصف الثاني. والفرق بين النصفين: أن هذا البائع إذا صدق المشتري, فقد اعترف بأنه قد وفر على الموكل حق الموكل توفيرًا مبرئًا؛ لأن المشتري يبرأ عن حق الموكل بدفع الثمن إليه, علم الوكيل, أو لم يعلم أذن أو لم يأذن. وأما النصف الثاني, فهو ملك هذا البائع الذي باشر العقد, فليس للمشتري دفع حقه إلى غيره بغير إذنه؛ فلذلك كان للبائع مطالبة المشتري بأحد النصفين وهو نصيب نفسه, ولم يكن له مطالبته بالنصف الثاني وهو نصيب موكله. واعلم أن البائع في قبض هذا النصف الذي هو نصيبه مستغن عن اليمين, بخلاف المسألة السابقة؛ لأن المشتري معترف بوجوب جميع الثمن

عليه, ويزعم أنه دفع النصيبين إلى الموكل مع إقراره بأن البائع لم يأذن له؛ فلذلك غرم البائع نصف الثمن من غير يمين تتوجه على البائع. فأما الموكل فإنه بين خيرتين في الخصومة, إن شاء بدأ بالمشتري, وإن شاء بدأ بالبائع, فإن بدأ بالمشتري ادعى عليه خمسمائة درهم وهو مقدار نصيبه من الثمن, ولا يستغني الموكل عن اليمين بخلاف البائع؛ لأن المشتري يدعي على الموكل أنك قبضت مني ألف درهم؛ فلذلك يحتاج إلى اليمين بالله بأني لم أقبض حقي منك, فإذا حلف استحق خمسمائة درهم تسلم له إذا قبضها, وهذه الخمسمائة بزعم البائع ظلم, ثم للمشتري أن يدعي على الموكل خمسمائة, وهي الزيادة على حقه, فالقول قول الموكل مع يمينه أنه لم يقبضها منه, فإن نكل حلف المشتري وأغرمه. وإن كان النكول ورد اليمين بعد يمين الموكل لاستحقاق الخمسمائة درهم قبل استيفائها: توجه لكل واحد منهما على صاحبه خمسمائة درهم, فإما أن

نقول: صار المال بالمال قصاصًا؛ لتماثلهما, وإما أن نقول: إذا صيراهما قصاصًا صارا قصاصًا؛ لتعلق حق كل واحد منهما بماله إبراءً واستيفاءً, وإما أن نقول: إذا قال أحدهما صيرت هذا قصاصًا بذاك اكتفينا به؛ لأن معنى القصاص لا يتحقق في نصيب أحدهما إلا بتحققه في نصيب الثاني, وإما أن نقول: لابد من إحضار أحد المالين؛ ليخرج عن الدين بالدين, وكذلك هذه الأقاويل الأربعة في كل دينين موصوفين بالتساوي في اللزوم, والجنس, هذا إذا ابتدأ الموكل بالمشتري في الخصومة. فإما إن اختار أن يبدأ بالخصومة بالوكيل, والوكيل قد استوفي خمسمائة درهم من المشتري, فيكون القول قول الموكل أنه لم يستوف شيئًا من المشتري, فإذا حلف شاطر البائع في الخمسمائة التي قبضها البائع من المشتري, ولا يأخذها بجملتها منه, وإنما حكمنا بالمشاطرة؛ لأن البائع معترف بأن تلك الخمسمائة مقبوضة من ثمن العبد المشترك, ولكنه يدعي استخلاصها بما ذكر البائع أن الموكل قد استوفي حقه, فقبل قول البائع على نفسه ولم يقبل قوله على غيره, ولزمه تسليم نصف/ (167/ب) ما قبض إلى الشريك وهو الموكل وليس يدعي الموكل على البائع أنه قبض من المشتري أكثر من هذه الخمسمائة فلذلك اقتصر على شطرها.

فصل: قال المزني في لفظ هذه المسألة: يبرأ المشتري من نصيب الموكل بإقرار البائع أن شريكه قد قض؛ لأنه في ذلك أمين, فغلطه عامة أصحابنا, وقالوا: إن إقرار الوكيل غير مقبول على الموكل على أصل الشافعي, وإنما يقبل عند أبي حنيفة رحمه الله. واحتج أبو العباس بن سريج بفصل المشاطرة الذي ذكره المزني في التفريع, فقال: لو كان إقرار الوكيل مقبولًا على الموكل, كما أطلق المازني؛ لما كان للموكل مشاطرة الوكيل في النصف الذي قبضه, وهذا الاحتجاج لازم عند مشايخنا. وقال بعض أصحابنا: لعل المزني أراد بقوله: "يبرأ من نصف الثمن": أن البائع لو أراد مطالبة المشتري بنصف الموكل بعد إقراره بأن الموكل قبض الألف لم يكن له مطالبته, فتكون هذه البراءة راجعة إلى جانب الوكالة, وقيام

الوكيل بالطلب, لا إلى جانب الموكل, وعلى هذا جميع مسائل الوكالة, فمتى ما أقر الوكيل بما يتضمن عزله عن الوكالة كان إقرار الوكيل مقبولًا على نفسه في إبطال وكالته وإن لم يكن مقبولًا على غيره.

كتاب الوكالة

كتاب الوكالة مسألة (286): إذا وكل وكيلًا باستيفاء دين من غريم, فقبل الوكالة, وادعى أنه قد استوفي, وقال الموكل:] ما استوفيت, فالقول قول الموكل. ولو وكل وكيلًا ببيع عبد واستيفاء ثمنه, فادعى الوكيل أنه باع واستوفي, فقال الموكل [: ما استوفيت وسلمت العبد, فالقول قول الوكيل. والفرق بين المسألتين: أنهما إذا اختلفا في المسألة الأولى فالموكل ليس يدعى على وكيله عدوانًا, وجناية, بل يدعي بقاء دينه في ذمة غريمه؛ فلذلك جعلنا القول قول الموكل. فأما في المسألة الثانية, فالموكل يدعي على الوكيل عدوانًا وجناية؛ لأن كل

مسألة (287)

وكيل باع سلعة وسلمها قبل استيفاء ثمنها صار متعديًا بما فعل, والأصل أن الوكيل أمين؛ فلذلك جعلنا القول قول الوكيل لاستبقاء صفة الأمانة. مسألة (287): الموكل بالإقرار إذا أقر لم يلزمه بإقراره شيء, والموكل/ (167 - ب) بالإبراء إذا أبرأ صح إبراؤه. والفرق: أن الإبراء إسقاط الدين عن ذمة الغريم, وللوكالة مدخل في الإسقاط, كما لها مدخل في الاستيفاء والإبقاء. فأما الإقرار فإنما هو إخبار عن وجوب سابق, وإخبار الوكيل مترتب على توكيل الموكل, شبه الرواية, وبالرواية لا يثبت الدين في ذمة شخص, وإنما يثبت في الظاهر بالشهادة, وقد ذكرنا أن إقرار

مسألة (288)

الوكيل غير مقبول على موكله في الاستيفاء والإبرار والصلح, فكيف يقبل عليه في الإيجاب؟ وهذه طريقة أخرى في التعليل. مسألة (288): التوكيل بالإبراء لا يكون إبراء, والتوكيل بالإقرار يكون إقرارًا على أحد الوجهين. والفرق بين الأصلين: أن الموكل إذا قال: وكلتك بإبراء فلان, فقد أمره بالإسقاط, ولم يسقط بعد, والأمر بالإسقاط لا يتضمن الإسقاط فلذلك وقف السقوط على إسقاط الوكيل. فأما إذا وكله بالإقرار, فقد تضمن هذا التوكيل من الموكل إخباره عن اشتغال ذمته بذلك الحق, والإخبار هو الإقرار؛ فلذلك جعلنا توكيله بالإقرار إقرارًا. مسألة (289): الوكيل إذا ادعى على موكله أني قبضت ثمن عبدك بإذنك, ودفعته إليك, وجحد الموكل القبض, فالقول قول الوكيل في الابتداء.

مسألة (290)

ولو أن المشتري رد العبد بالعيب, وطلب الثمن, فالقول قول الموكل في الانتهاء أني ما قبضت الثمن. والفرق بين الحالتين: أن الوكيل في الابتداء أمين, والموكل يدعي عليه شيئًا خلاف الأمانة, فالقول قول الأمين مع يمينه بينه وبين المؤتمن. فأما في الانتهاء فحقيقة الدعوى من جهة المشتري, والأصل أن البائع لم يقبض الثمن, فالقول قوه مع يمينه أنه لم يقبضه. مسألة (290): وكيل الوكيل المأذون له في التوكيل لا ينعزل بعزل الوكيل على أصل الشافعي دون أصل المزني - رحمه الله عليهما - , وينعزل الوكيل الأول بعزل من وكله إذا عزله. والفرق بينهما: أن الوكيل الأول وكيل من جهة الموكل, فإذا جاء العزل من جهة الموكل, فلابد من الانعزال, وكذلك ينعزل - أيضًا - بإغماء موكله وجنونه.

مسألة (291)

فأما وكيل الوكيل,] فإنه على الحقيقة وكيل الموكل الأول, لا وكيل الوكيل [, فلا ينعزل إلا بعزل الموكل الأول, أو بإغمائه أو جنونه. وهذا إذا لم يقل الوكيل عند التوكيل: وكلتك عن نفسي, فأما إذا قال: وكلتك عن نفسي - وهو مأذون في التوكيل عن نفسه - فوكيل الوكيل حينئذ وكيل الوكيل, لا وكيل الموكل الأول. مسألة (291): الشخص الواحد لا يجوز أن يكون وكيلًا في البيع والشراء من الطرفين, ونص الشافعي - رحمه الله -: على أن الشخص الواحد يجوز أن يكون في الخلع وكيلًا من الطرفين. والفرق بين الأصلين: أن عقد البيع يتضمن العهدة من الجانبين, ولا يجوز

أن يصير الشخص الواحد ملتزمًا للعهدة] من الجانبين, فلا يجوز أن يصير الشخص الواحد ملتزمًا للعهدة [من جانب البائع, ومن جانب المشتري بولاية الوكالة, فيصير طالبًا مطالبًا, مستزيدًا مستنقصًا, مسلمًا متسلمًا, رادًا بالعيب, مردودًا عليه, وإنما يستقيم ذلك في الآباء والأجداد بقوة ولا يتهم. فأما الخلع, فليس كذلك؛] لأن العهدة إنما تتصور في المخالعة من جانب المرأة, لا من جانب الزوج [, إذ جانب الزوج جانب الطلاق, وجانب المرأة جانب المال, والتزام الوكيل عهدة جانب موافق للأصول, إنما الأشكال في التزام عهدة الجانبين؛ ولهذه النكتة جوزنا أن يتوكل العبد من جانب الزوج في الخلع بغير إذن السيد, ولا يجوز مثل ذلك في البيع؛ لما فيه من العهدة. وقد تأول بعض أصحابنا المسألة المنصوصة في الخلع, فقالوا: مراد الشافعي - رحمه الله -: أن يقبل الوكالة من الطرفين, ثم يخاطب بالخلع من

مسألة (292)

شاء من الزوجين, ولم يرد أنه يباشر الطرفين بنفسه. غير أن ظاهر النص ما حكيناه. مسألة (292): إذا اعترف رجل, فقال: أنت وكيل فلان في استيفاء دينه مني, ولكن لا أدفعه إليك كان له أن لا يدفع. ولو أقر رجل, فقال: لهذا الحمل علي مال كان لأبية - وقد مات أبوه - لزمه الدفع إليه عند انفصاله, ودفعه إليه: دفعة إلى قيمة. والفرق بين المسألتين: أن الموكل بالاستيفاء, ربما يجحد التوكيل,] فيكون القول قوله مع يمينه أني ما وكلته بالاستيفاء [, فيحلف ويغرم الغريم دينه

مسألة (293)

ثانية؛ ولهذه المخافة كان للغريم الامتناع عن الدفع إلى الوكيل وإن صدقه في الوكالة. فأما في مسألة الميت, والوارث, فليس كذلك, وذلك أن الميت لا يتصور منه أن يعود, فيطالبه ثانية, فهو آمن من تضعيف الغرامة عليه. فإن قال قائل: ربما لا يكون ميتًا ويكون الإخبار عن موته كذبًا. قلنا: إن كان كذلك, فهذا المعترف أتى من قبل نفسه؛ لأنه هو الذي أقر بأنه مات, فلزمه دفع المال إلى وارثه. مسألة (293): الوكيل بالشراء إذا اطلع على عيب فأراد الرد, فقال البائع: إن موكلك قد رضي بهذه السلعة معيبة, واحتمل ما قال البائع: لم يكن للوكيل الرد إلا بعد أن يحلف الوكيل بالله: لا أعلم أن موكلي رضي بهذا العيب. فأما عامل القراض إذا أراد الرد وادعى البائع مثل هذه الدعوى, فغير

مسموعة, ولا يمين على العامل, سواء قلنا: إن العامل يملك الربح قبل المفاصلة, أو قلنا: لا يملك الربح إلا بعد المفاصلة. والفرق بينهما: أن عامل القراض يستحق في المال حقًا؛ لأنه - على أحد القولين - مالك لنصيبه من الربح بالظهور. وعلى القول الثاني يملك إن تملك؛ لأنه متى شاء طلب القسمة, فإذا امتاز الربح تحقق حقه من الملك في نصيبه, فكان الرد بالعيب حقًا له لا يعتبر فيه رضاء صاحب المال وسخطه. ألا ترى أن رب المال لو كان حاضرًا, فاطلع على هذا العيب, فقال: رضيت به كان للعامل مخالفته ومراغمته بردها. وأما الوكيل, فليس له في الملك حق لا في الحال ولا في المآل, وإنما الحق

للموكل, ولو رضي الموكل بالسلعة معيبة لم يكن للوكيل ردها, فإذا احتمل أن يكون راضيًا توجهت اليمين على الوكيل. فإن قال قائل: أليس قد قال الشافعي - رحمه الله -: "وإن كله بشراء سلعة, فأصاب بها عيبًا كان له الرد بالعيب, وليس له أن يحلفه ما رضي به الآمر؟ ". الجواب: أن مشايخنا قالوا في تفسير هذه المسألة: إنما أراد الشافعي - رحمه الله - بذلك أن يدعي البائع هذه الدعوى في زمان غير محتمل, مثل: أن يعقد العقد والموكل غائب وليست له رؤية سابقة, فيدعي البائع رضي الموكل بالعيب, فتعلم استحالة الدعوى, فلا تتوجه اليمين على الوكيل, وإذا تخلل زمان توجهت اليمين عليه. والفرق بين الحالتين: احتمال الدعوى في أحدهما, واستحالة الدعوى في الأخرى.

كتاب الإقرار

كتاب الإقرار مسألة (294): قال الشافعي - رحمه الله -: "إذا قال: لفلان على أكثر مما في يد فلان, فنظرنا فوجدنا ما في يد فلان عشرة دراهم, ففسر المقر إقراره فقال: أردت درهمًا واحدًا, كان تفسيره مقبولًا, فإن صار متهمًا, فالقول قوله مع يمينه". وقال في كتاب المكاتب: "لو قال: ضعوا عن مكاتبي أكثر ما عليه, وجب أن يوضع عنه من الألف التي عليه خمسمائة وزيادة". فصرف الشافعي - رحمه الله - لفظ الكثرة في كتاب الكتابة إلى العدد, ولم يصرفه في الإقرار إلى العدد, مع وجود الإشارة في كل واحدة من المسألتين. والفرق: أنه إذا قال: لفلان على أكثر مما في يد فلان احتمل هذا الإقرار معنى العدد, واحتمل معنى الملك والغصب, كأنه يقول: ما في يد فلان غصب, وما على فلان ملك. ويحسن في هذا المعنى قول القائل: درهم واحد من الحل, والملك المملوك أكثر من ألف درهم من المغصوب الحرام, والأصل براءة الذمة, فلا

مسألة (295)

يشتغل بالشك, وكذلك لو أقام رجل شاهدين على رجل بألف درهم, فقال المدعى عليه: علي لفلان أكثر مما شهد الشاهدان به, ثم فسر الإقرار المجمل بدرهم واحد, كان تفسيره مقبولًا؛ لأنه قد يريد بهذا الإقرار أن الشاهدين شهدا زورًا, وأن الألف غير واجبه علي في الباطن, فالدرهم الواحد الواجب أكثر من ألف درهم غير واجبة. فأما مسألة الكتابة, فليست كذلك؛ لأن قوله: ضعوا على مكاتبي أكثر ما عليه إقرار بظاهر اللفظ أن الكتابة صحيحة, وأن ذلك المال واجب عليه, فلا يمكن صرف لفظ الكثرة إلا إلى العدد في المقدار, فإن قول القائل: علي كذا وعلى فلان كذا ظاهر في حقيقة اللزوم, وكيف وقد استعمل لفظ الوضع مع لفظ الكثرة, فصارا ظاهرين مقترنين منصرفين إلى العدد, وقد يكون في يد فلان غصب, كما يكون في يده ملك؛ فلذلك فصلنا بينهما. مسألة (295): إذا أقر الرجل فقال: لفلان علي ألف ودرهم رجعنا في تفسير الألف إليه, وإذا قال: لفلان علي خمسة وخمسين درهمًا لم نرجع في تفسير الخمسة إليه وجعلناها دراهم.

والفرق بين المسألتين من وجهين: أحدهما: أنه إذا قال: خمسة وخمسون درهمًا, فقد فسر الأكثر من العددين, وأيهم الأقل, فجاز أن يكون الأكثر مستتبعًا للأقل, فأما إذا قال: ألف ودرهم, فقد أجمل أكثر العددين وفسر أقلهما, فلا يجوز أن نستتبع القليل الكثير, ومن اعتمد في الفرق هذه الطريقة لم يتناقض في التفريع. والفرق الثاني: أنه إذا قال: خمسة وخمسون درهمًا, فقد ذكر الدرهم على وجه التفسير, ومن ذكر لفظين, أو ألفاظًا مبهمة وعقبهما بالتفسير, فالظاهر رجوع التفسير إلى جميعها. والدليل على أنه ذكر الدراهم للتفسير, ولم يذكر الدراهم مع الألف على وجه التفسير دليلان اثنان: أحدهما: أنه قال: خمسة وخمسون درهمًا فنصب الدرهم, وهذا النصب في الإعراب نصب التفسير, وإذا قال: ألف ودرهم فقد رفع الدرهم/ (169 - ب) , ولا يكون الرفع للتفسير؛ والدليل الثاني: أنه إذا قال: خمسة وخمسون درهمًا لم يلتزم بذكر الدرهم زيادة عدد, وإنما التزم العدد المذكور, فكان ذكر الدرهم تفسير ذلك العدد, وإذا قال: ألف ودرهم, فقد التزم بذكر الدرهم درهمًا زائدًا على الألف لم يلتزمه بلفظ الألف؛ فلذلك فصلنا بين المسألتين.

مسألة (296)

مسألة (296): إذا قال الرجل: غصبت هذا الثوب من فلان, وملكه لفلان ألزمناه تسليم الثوب للأول, ولا نغرمه للثاني شيئًا. ولو قال: غصبت] من فلان, لا بل من فلان ألزمناه تسليم الثوب إلى الأول بالإقرار, وهل يغرم للمذكور [ثانيًا قيمة الثوب؟ فعلى قولين: أحدهما: أنه لا يغرم له شيئًا, ولا حاجة إلى الفرق, والثاني: أنه يغرم له قيمة الثوب. والفرق بين المسألتين: أن قوله: غصبت هذا الثوب من فلان لا بل من فلان إقرار بالغصب منهما, فوجب بمقتضى الإقرار الأول تسليم العين إلى من ذكره أولًا, والتزام قيمة الثوب للمذكور ثانيًا. فأما إذا قال: غصبت الثوب من فلان وملكها لفلان, فهو غير معترف بالغصب من المذكور ثانيًا حتى يغرم له قيمة العين, وربما يغصب الرجل من زيد عينًا, وملكها لعمرو, ويلزمه ردها على زيد, ولا يجوز ردها على عمرو, مثل أن تكون العين معيبة وباعها زيد وقد حبسها لاستيفاء الثمن, أو تكون مرهونة عند زيد.

مسألة (297)

وأصل الأقارير ما قال الشافعي - رحمه الله -: أن نعتبر اليقين ولا نستعمل الظن. مسألة (297): إذا امتنع المديون عن قضاء الدين إلا بحضرة شاهدين كان له الامتناع, وإن كان معترفًا بالدين. وإذا امتنع المودع عن رد الوديعة إلا بحضرة شاهدين مع إقراره بالوديعة, فليس له الامتناع, والتأخير على أحد الوجهين. والفرق بين المسألتين: أن المديون إذا ادعى قضاء الدين لم يقبل قوله إلا بالبينة,] إذ الأصل وجوب الدين, فله الامتناع إلى أن يظفر بالبينة [فيقضي الدين بمحضرهم, فيأمن تضعيف الغرامة. وأما المودع إذا ادعى رد الوقيعة, فالقول قوله مع يمينه؛ لأنه مؤتمن, فلما

مسألة (298)

استغنى باليمين عن البينة لم يكن له تأخير الرد؛ لعذر البينة. ومن قال بالوجه الآخر اعتذر عن هذه النكتة بفصل وهو: أنه قال: إن الرجل ربما يلتزم الأموال, ويفتدي عن يمين هو فيها صادق؛ فلذلك جاز للمودع تأخير الرد إلى أن يظفر بالبينة؛ ليسقط اليمين عن نفسه. مسألة (298): العبد المأذون له في التجارة إذا أقر لرجل بمال وأطلق الإقرار كان ذلك الإقرار مقبولًا/ (170 - أ) في المال الذي في يده لسيده. ولو قيد الإقرار بالجناية فقال: أتلفت له مالًا لم يقبل إقراره فيما في يده من مال سيده. والفرق: أن السيد قد أذن له في التجارة وما أذن له في الجناية, فإذا قيد الإقرار بالجناية, فقد أضافه إلى غير محل الإذن, فلم يتعلق بمال التجارة, وتعلق بالذمة يتبع به إذا عتق. فأما إذا أطلق, فقال: لفلان على ألف درهم, فإقراره المطلق مقبول مصروف إلى جهة التجارة؛ لأن الإذن السابق ألحقه في التزام الأثمان بالأحرار, فألحقنا إقراره المطلق بإقرار الأحرار, والاحتياط الاستفصال والاستفسار؛ لأنك

مسألة (299)

إذا سألته, فربما يضيف إقراره المطلق عند التفسير إلى جناية, وربما يضيفه إلى تجارة. مسألة (299): إذا أقر العبد, فقال: اشتريت من فلان ثوبًا قيمته ألفان وأبليته وأتلفته والسيد يكذبه والعبد محجور عليه فقوله غير مقبول في رقبته, فإذا عتق كان لصاحب الثوب مطالبته بالألفين, وإن زاد ذلك على قيمته التي كانت يوم الإقرار والإتلاف. ولو أقر العبد بأنه أتلف ثوبًا لفلان من غير بيع, وقيمته ألفان والسيد يكذبه, فلا سبيل على رقبته مادام رقيقًا, فإذا عتق تبعه صاحب الثوب - في أحد الوجهين - بأقل المالين من قيمة الثوب, أو قيمة العبد يوم الإتلاف. والفرق بين المسألتين: أن من بايعه في أيام رقه, فقد عامله على ذمته, لا على رقبته. ألا ترى أن دين المعاملة لا يتعلق برقبته بحال, وإذا عامله على ذمته, فالذمة واسعة غير مقدرة بقيمة الرقبة, فأما إذا جني على مال رجل, فأتلفه, فجنايته متعلقة برقبته.

مسألة (300)

ألا ترى أن رقبة المماليك تباع في الجنايات بخلاف المعاملات, فإذا عتق غرم قيمة رقبته التي هي محل الجناية, ولا يغرم أكثر منها إذا زاد أرش الجناية على القيمة, كما لا يغرم السيد في فداء مملوكه إذا فداه أكثر من قيمته, وإن كان أرش الجناية أقل لم يلتزم أكثر من أرشها. وهذا الطريقة التي سلكناها من الفرق هي الطريقة السديدة المستقيمة في المسألتين, وهي أصح من طريقة التسوية بينهما. مسألة (300): إذا أقر العبد بسرقة وأشار إلى عين مال وقال: هي المسروقة والسيد يكذبه, ويدعي لنفسه ملك تلك العين, فقول المملوك غير مقبول. ولو ادعى العبد - والمسألة بحالها - أنه أتلف السرقة التي سرقها قبل قوله في رقبته على أحد القولين؛ ليباع في غرم السرقة, مع تكذيب السيد إلا أن يفديه. والفرق بين المسألتين: أن الأموال التي في يد المملوك هي في يد سيده, فلا فرق بين أن يشير إلى ثوب, ولابسه سيده, فيقول: هذا الثوب لفلان, وبين أن يشير إلى ثوب, ولابسه العبد, فكلاهما في يد السيد, فلا يقبل فيه قول العبد, فأما إذا قال: سرقت ثوبًا وأتلفته, فليس يشير إلى عين مال في يدي سيده.

مسألة (301)

فإن قيل: إذا قبلت قوله في رقبته ورقبته مال لسيده, فقد قبلت قوله فيما في يدي سيده. قلنا: إقراره بالسرقة مقبول في حكم القطع إجماعًا, وإن كان القطع ضررًا بمال السيد, وإقراره إقرار واحد, فلا وجه لتبعيضه, ولا وجه لقول من قال: إن قول العبد هل يقبل في ذمته أم لا؟ فعلى قولين, وإنما استضعفنا هذه الطريقة؛ لأن أقارير المملوك مقبولة في ذمته؛ ليتبع بها أيام حريته, وإنما القولان في الموضع الذي صورناه, ورقبته وإن كانت ملك السيد, وفي يده, فهي أخص بسرقته, وبغرامتها, كما تكون أخص بغرم الجنايات من سائر الأموال التي هي في يد السيد. مسألة (301): قال الشافعي - رحمه الله -: "ولو قال رجل: لفلان علي ألف فأتاه بالألف, فقال: هذه الألف التي أقررت لك بها كانت لك عندي وديعة, وقال: بل هذه وديعة, وتلك أخرى, فالقول قول المقر مع يمينه؛ لأن

من أودع شيئًا, فجائز أن يقول: لفلان عندي ولفلان علي؛ لأنه عليه ما لم يهلك, وقد يودع, فيتعدى, فيكون عليه دينًا, فلا ألزمه إلا اليقين". وقال الشافعي - رحمه الله - في هذا الكتاب أيضًا: "ولو قال: له علي ألف درهم وديعة, فكما قال؛ لأنه وصل, ولو سكت, ثم قال من بعد: وديعة وقد هلكت لم يقبل قوله؛ لأنه حين أقر ضمن, ثم ادعى الخروج فلا يصدق". والفرق بين المسألتين: أنه في المسألة الأولى تلفظ بلفظ له ظاهر في الضمان, ويحتمل أنه تلفظ به لوجوب الرد, كما قال الشافعي رحمه الله, فإذا ردها, وفسر إقراره بها, فقد فعل ما حسب صرف لفظ إقراره إليه؛ لأنه من كان عنده وديعة, فجائز أن يقول: عندي, وجائز أن يقول: علي بمعنى وجوب الرد عليه, وإذا احتمل اللفظ معنيين رجعنا إلى صاحب اللفظ, والأصل براءة ذمته عن الضمان. فأما إذا قال: لفلان علي ألف درهم وسكت, ثم فسر بالوديعة تفسيرًا منفصلًا, ثم ادعى تلف الوديعة فإنه لم يفعل فعلًا يمكن صرف لفظ إقراره إليه, فاستبقينا/ (171/ أ) ظاهر إقراره للتضمين, والتغريم, ولو جاز تصديقه, وإسقاط الغرامة عنه, لجاز في كل إقرار مطلق مثل هذا, فيكون طريقًا إلى إبطال الأقارير, إذ لا يعجز المقر بعد تقدم إقراره المطلق عن

مسألة (302)

تفسيره بالوديعة, ثم لا يعجز عن دعوى تلف الوديعة - من غير أن يرد شيئًا - لتحقيق قوله بفعله. مسألة (302): المريض إذا أقر لغريم بألف, ثم أقر لغريم آخر بألف, ومات وتركته ألف قسم بين الغريمين, وكذلك لو كان أحد الإقرارين في الصحة والآخر في المرض لم يقدم أحدهما على الآخر, ونزلا في التركة منزلة واحدة. وإذا مات وخلف ألفًا - ووراثة ابنه - فجاء رجل فقال: كان لي على أبيك دين ألف, فقال: صدقت, فجاء غريم آخر فقال: كان لي على أبيك دين ألف, فقال: صدقت فالتركة كلها مسلمة للغريم الأول, وليس للغريم الثاني مقاسمته ومشاركته. والفرق بين المسألتين: أن المريض إذا أقر فإقراره لا يتعلق بعين المال؛ لأن ذمته باقية, والأقارير إذا لاقت الذمة استوت في الوجوب, فلما مات تعلق جميع ديونه بتركته في وقت واحد فاستووا في القسمة, ولم يكن بعضهم أولى من بعض. فأما إذا صدرت الأقارير من جهة الوارث فلذلك الإقرار غير متعلق بذمة

الوارث، بل ذمته بمعزل, ولا مطالبة عليه إذا لم يخلف أبوه تركة, وإنما يرجع إقراره إلى غين المال, فلما حضر الأول وادعى, فأقر له الوارث تعلق إقراره بالعين, فصارت مشغولة بالدين, فلما أقر الثاني لم يرجع ذلك الإقرار إلى تلك العين, كالعين المرهونة إذا رهنت مرة ثانية لم يصح الرهن الثاني. وعلى هذا الأصل قلنا: لو جاء الغريمان معًا وادعيا ألفين, فقال الابن: صدقتما, جعلنا الألف بينهما؛ لأنه علق حقهما بعين التركة في حالة واحدة. ولو أن رجلًا قال للوارث: أوصي لي أبوك بثلث ماله, فقال: صدقت, ثم جاء الثاني فقال: كان لي على أبيك دين ألف, فقال: صدقت, دفعنا الثلث بكماله إلى صاحب الوصية, وما فضل عن الثلث إلى صاحب الدين, وإن كان يبقى من الدين بقية, فتصير الوصية مقدمة على الدين, للسبق في تعلق الحق بالعين, ولو قال صاحب الدين أولًا: لي على أبيك دين ألف, فقال: صدقت] والتركة ألف - ثم قال صاحب الوصية: أوصى لي أبوك بثلث ماله, فقال: صدقت [، لم يعط صاحب الوصية شيئًا, وصار الدين مستغرقًا لجميع

مسألة (303)

التركة, ولو ادعيا معًا فقال: صدقتما بلفظة واحدة, فالألف بينهما على أربعة أسهم, يضرب صاحب الدين بجميع الألف, وصاحب الوصية بثلث الألف, كما لو خلف أبوه عبدًا فقال رجل للوارث: نصف هذا العبد لي, وقال رجل آخر: جميع هذا العبد لي, فقال: صدقتما - بلفظة واحدة - كان العبد مقسومًا بينهما على ثلاثة أسهم, سهمان لمدعي الجميع وسهم لمدعي النصف, كقسمة العول في الفرائض والوصايا. مسألة (303): الإقرار المطلق بالدراهم غير منصرف إلى نقد البلد, والبيع المطلق مصروف إلى نقد البلد. والفرق بينهما: أن المعاملات في عادة البلد تنصرف إلى نقد أهلها, وليس في العادة أن يتعامل أهل بلدة على نقد بلدة أخرى, فإن فعلوا ذلك أحيانًا, فهو نادر, والنوادر غير معتبرة. فأما الأقارير فإنها إخبار عن أسباب سابقة, ومن المحتمل أن يتلف الرجل وهو بنيسابور على آخر دنانير هروية, أو دراهم

مسألة (304)

مكية, فإذا أقر, وأطلق, ثم فسر, وأضافه إلى نقد بلد بعيد سوى بلده يجب أن يكون تفسيره مقبولًا. ألا ترى أن رجلًا لو قال: اشتريت هذا العبد منك بثوب وأطلق كان باطلًا, وإذا قال: لفلان علي ثوب كان الإقرار صحيحًا مقبولًا, والمرجع في التفسير إليه, فعرفنا أن موضع الأقارير المطلقة خلاف موضع المعاملات المطلقة, والمزني -رحمه الله - مال إلى التسوية بين المسألتين, وصرف الإقرار المطلق إلى نقد البلد, كالبيع, والفرق ما ذكرناه. مسألة (304): قال الشافعي -رحمه الله -: "لو أقر, فقال: لفلان علي درهم, فدرهم, ثم قال: أردت درهمًا واحدًا, فهو درهم".

ولو قال في الطلاق: "أنت طالق, فطالق طلقت اثنتين". والفرق بين المسألتين: أنه إذا قال: لفلان على درهم, فهذا إخبار وليس ابتداء إيجاب, وإذا قال: فدرهم تردد اللفظ الثاني بين ابتداء الإقرار وإعادته, فغلبنا الإعادة إذا لم يحتمل ابتداء إيجاب, وصار كما لو قال: لفلان علي درهم, أو لفلان علي درهم درهم لا يلزمه إلا درهم واحد. وأما الطلاق, فله إنشاء] إيقاعه, وليس بمخبر عن شيء, فانصرفت اللفظة الثاني إلى إنشاء [إيقاع, كما انصرف اللفظة الأولى إلى إيقاع الطلقة الأولى. والذي يدل على صحة هذا الفرق: أن الرجل لو قال لامرأته يوم السبت: أنت

مسألة (305)

طالق, ثم قال لها يوم الأحد: أنت طالق, ثم ادعى أنه أراد باللفظين طلاقًا واحدًا لم تسمع دعواه, وحكم بوقوع طلقتين, ولو أقر يوم السبت بدرهم لرجل, ثم أقر له يوم الأحد بدرهم, ثم قال: أردت بالدرهمين الدرهم الواحد, كانت دعواه مسموعة, وكان/ (172 - أ) القول قوله مع يمينه, وقد يقول الرجل: لفلان علي درهم, فدرهم لازم إذن, فيكون مراده التحقيق والتأكيد, ولا يريد بذلك استئناف إقرار. مسألة (305): قال الشافعي - رحمه الله -: "لو قال: له علي دراهم, ثم قال: هي قص أو زيف لم يصدق - يعني إذا كان مفصولًا - ثم قال: ولو قال من سكة كذا وكذا صدق مع يمينه, كان أدني الدراهم أو أوسطها, أو جائزة بغير ذلك البلد أو غير جائزة, كما لو قال: له علي ثوب أعطي ثوب أقر له به وإن كان لا يلبسه أهل بلده".

وشرح هذا الكلام وبيانه: أن الرجل إذا قال: لفلان علي درهم, ثم ادعى نقصان الوزن مثل أن يقول: قندهارية أو خوارزمية نظر, فإن وصل هذا التفسير باللفظ كان مقبولًا منه؛ لأنه كلام واحد موصول, وإن فصله عن اللفظ بزمان يقع فيه الفصل لم يقبل منه التفسير ولزمته الدراهم وافية الوزن, فأما إذا قال بعد انقضاء الإقرار من] سكة كذا - وكانت دون سكة بلده - كان هذا التفسير مقبولًا منه, سواء كان موصولًا, أو مفصولًا, ويلزمه أن يعطيه دراهم من تلك [السكة تامة الوزن غير مغشوشة. والفرق بين المسألتين: أنه إذا أطلق الإقرار فقال: لفلان علي ألف درهم فالمعقول أن هذا الإطلاق وزن الإسلام وهي الدرهم الهرقلية التي هي وزن سبعة, ومعنى قولنا: وزن سبعة: أن تزن العشرة فيها سبعة مثاقيل بمثقال مكة, فإذا

قال بعد تطاول الزمان: أردت ألف درهم بوزن خوارزم كان راجعًا عن بعض إقراره والرجوع غير مقبول, ولو أنه استثنى استثناء مفصولًا لم يكن مقبولًا؛ لأنه يشبه الرجوع, فكذلك التفسير بهذا الورق نظير الرجوع عن الإقرار فاستحال أن يكون مقبولًا. فأما إذا فسر الإقرار المطلق بسكة بلدة أخرى سوى بلدته التي هو بها وجاء بها وافية الوزن فقد أقر بألف وسلم ألفًا كاملة, والإقرار المطلق لا يتقيد بنقد البلد, كما يتقيد البيع المطلق بنقد البلد - وقد ذكرنا الفرق بين هاتين المسألتين - واستشهد الشافعي - رحمه الله - بأن قال: "لو أقر بثوب عنده لفلان, ثم جاء بثوب لا يلبسه أهل بلده كان التفسير مقبولًا". فإن قال قائل: الدراهم خلاف الثوب, والواجب في الدراهم مراعاة نقد البلد, ألا تراه لو قال: بعت منك هذا العبد بثوب كان البيع باطلًا, ولو قال: بعت منك هذا العبد بألف درهم كان البيع صحيحًا منصرفًا إلى نقد البلد. قلنا: البيع المطلق إنما ينصرف إلى نقد البلد لعاداتهم في معاملاتهم/ (172/ب) على

مسألة (306)

ذلك النقد الواحد, وليس ذلك من ضرورة الأقارير, فلذلك افترقا في الإطلاق. مسألة (306): إذا قال الرجل لامرأتيه: "إحداكما طالق ثلاثًا ومات قبل البيان وقفنا لهما ميراث امرأة"، هذا جواب الشافعي رحمه الله. وقال الشافعي - رحمه الله -: "لو قال الرجل عند وفاته لثلاثة أولاد لأمته: أحد هؤلاء ولدي - ولم يبين وله ابن معروف - قال: يقرع بينهم, فمن خرج سهمه عتق, ولم يثبت له نسب, ولا ميراث, وأم الولد تعتق بأحد الثلاثة"، ولم يذكر الشافعي - رحمه الله - في هذه المسألة وقف ميراث. فقال المزني: وجب أن يوقف ميراث ابن؛ لأن تيقنا بإقراره أن فيهم ابنًا غير أنا جهلنا عينه, كالمرأتين إذا طلق إحداهما ثلاثًا ولم يعين ومات. فمن أصحابنا من ساعده واستغنى عن الفرق, ومن أصحابنا من جرى على ظاهر كلام الشافعي.

وفرق بين المسألتين: بأن قال: إذا قال لامرأتيه: إحداكما طالق ولم يبين حتى مات, فقد تيقنا أن كل واحدة منهما كانت زوجة له, وشككنا في ارتفاع النكاح, فاستصحبنا الأصل السابق إلى أن نجد أصلًا يرفع ذلك الأصل؛ فلذلك وقفنا ميراث امرأة, وإنما اقتصرنا على وقف ميراث امرأة؛ لأن ميراث المرأة الواحدة وميراث الأربع سواء في المقدار ربعًا أو ثمنًا, فأما في مسألة الجارية, فالأصل عدم النسب, ولم يتعين بهذا الإقرار واحد منهم؛ ولذلك لم يقف لهم شيئًا من الميراث حتى يثبت نسب كل واحد بيقين, والله أعلم.

كتاب العارية

كتاب العارية مسألة (307): إذا اختلف راكب الدابة وصاحبها, فقال الراكب: أعرتنيها, وقال رب الدابة: أكريتكها, ففي المسألة قولان منصوصان: أحدهما: إن القول قول الراكب, نص عليه في كتاب العارية, والثاني: إن القول قول المالك, نص عليه في كتاب المزارعة. ونص الشافعي -رحمه الله - على أن رجلًا لو غسل ثوبًا لرجل, ثم قال الغسال: استأجرتني لغسله, فعليك الأجرة, وقال صاحب الثوب: ما استأجرتك لغسل ثوبي, فالقول قول صاحب الثوب مع يمينه ولا تلزمه الأجرة. والفرق: أن الغسال معترف بأنه بنفسه أتلف منافع نفسه غير أنه ادعى عقد إجارة, والأصل عدم العقد وبراءة ذمة صاحب الثوب, فجعلنا القول قوله مع يمينه, وضاعت منافع الغسال فلم يستحق أجره.

مسألة (308)

فأما إذا قال المالك:] أكريتك هذه الدابة, وقال الراكب: أعرتنيها, فالمالك [هو الذي ادعى العقد على الراكب, حيث قال: أكريتها مني وهو جاحد, فلم يقبل قول مالك الدابة على راكبها. فإن قيل: إذا لم يقبل قول المالك على الراكب, فيما ادعى عليه من عقد الكراء, فلا يقبل قول الراكب على المالك في الإعارة. قلنا: مالك الدابة معترف بأنه قد ركب بإذنه لكنه يدعي في الإذن جهة المعاوضة, والخصم جاحد, فالقول قول الخصم في إسقاط العوض. مسألة (308): إذا أعار رجل رجلًا أرضًا على أن يبني عليها بناء وشرط فقال: أعرتكها للبناء سنة على أن تقلع بناءك إذا انقضت السنة, ثم كلفه القلع قبل انقضاء السنة غرم ما نقص بالقلع, وإن كلفه القلع بعد انقضاء السنة لم يغرم. وبمثله لو قال: أعرتك هذه الأرض سنة للبناء, واقتصر على هذا اللفظ, ثم كلفه القلع فعليه أن يغرم ما نقص بالقلع بكل حال, سواء كلفه القلع بعد انقضاء السنة, أو قبل انقضائها.

والفرق بين المسألتين: أنه إذا قال: أعرتكها سنة - ولم يزد على هذه العبارة - تقيد لفظه المطلق بالعادة, والعادة في البناء التأييد, فليس في إعارته ما يخالف هذه العادة, فإذا كلفه خلاف العادة التزم له ما نقص القلع, فأما إذا قال: أعرتكها على أن تقلع عند انقضاء السنة, فقد قبل اللفظ بما ناقض العادة, فالتزمنا مقتضى اللفظ, وقلنا: اقلع بناءك ولا غرم لك. فإن قال قائل: ففائدة التأقيت بالسنة تكليف القلع بعد انقضائها, فهلا كان مجرد التأقيت مناقضًا للعادة, كشرط القلع؟ قلنا: العادة المتيقنة لا تنتفي بلفظ محتمل متمثل, والتأقيت بالسنة لفظ متمثل, يحتمل أن يريد به تكليف القلع, ويحتمل أن يريد به الأجرة بعد السنة المتيقنة, ويتحمل أن يريد به بيعها منه بعد انقضاء السنة, فلما احتمل معاني صار التأقيت والإطلاق بمنزلة واحدة في استيفاء حكم العادة المعتادة, ولو أطلق ولم يقيد بوقت, فمتى ما كلفه القلع كان عليه أن يغرم ما نقص بالقلع للعرف الجاري والعادة المعهودة في تخلية الأبنية. وإذا تقررت هذه المسألة في الأرض, والبناء, فكذلك هي في كل عارية مؤبدة مثل: عارية الجدار لوضع الجذوع, أو لفتح الكوة, أو عارية النهر لإجراء الماء, فأما العارية في الأرض للزرع, فليست للتأييد فإن أعاره أرضًا ليزرع وذكر

مسألة (309)

مدة فانقضت, والزرع بقل نظر, فإن كان ذلك التقصير من المستعير بتأخير الزراعة كان لصاحب الأرض أن يكلفه قلع الزرع وتسليم الأرض, ولا يغرم نقصان القلع, وإن لم يكن من الزارع تقصير بتأخير كان زرعه محترمًا لا يجوز قلعه, ولكن يلزم المستعير للمدة الزائدة أجر مثل الأرض؛ لأنها خارجة عن مدة الإذن, وأما العارية للفسل, فعلى ضربين, إن كان فسيلًا يبقى] ويخلد في العرف, فهي كالبناء, وإن كان فسيلًا يبقى [مدة, ثم ينقل للبيع, ولسائر الأغراض كان حكم هذه الفسل حكم الزرع. مسألة (309): العارية والغصب سواء في أصل الضمان, وليسا سواء في

صفة الضمان, فإن الغاصب يضمن قيمة المغصوب أقصى ما كان قيمته من وقت الغصب إلى وقت التلف. فأما المستعير فإنه يضمن قيمة العارية معتبرة بيوم القبض, وفيها قول آخر: إنها كالغصب, وليس بصحيح. الفرق بينهما: أن المستعير وإن كان ضامنًا باليد, فلا عدوان منه؛ لأنه استأذن, فانتفع. وأما الغاضب, فقد تحقق العدوان منه بالغصب السابق, والعين المغصوبة حين ارتفعت قيمتها كانت في يده, ويده في تلك الحالة موصوفة بالعدوان المستدام, كما كانت موصوفة بالعدوان المبتدأ, فغلظنا عليه الغرامة؛ ولهذه النكتة يفصل بين ولد الغصب وولد العارية. والذي يوضح هذا الفرق: أن المستعير إذا استعمل العارية حتى تلفت بالاستعمال جزاءَا, فجزاءًا, فلم يبق منها شيء, فلا ضمان عليه, كالثوب يبلى وتنسحق أجزاؤه, وكالسيف والسكين تنسحق أجزاؤهما قليلًا قليلًا.

مسألة (310)

بالاستعمال، وكذلك نعل الدابة، ونعل الخف إذا لم يبق منه شيء، فلا ضمان عليه، وهذا معنى قول مشايخنا: إن أجزاء العارية غير مضمونة، وذلك كله للإذن السابق والتسليط على المنافع. مسألة (310): إذا بان أن العارية كانت مستحقة فالأجزاء التالفة بالاستعمال مضمونة، كما لو تلفت من غير انتفاع كانت مضمونة. ولو تلفت الوديعة عند المُودع، [ثم بان أنها كانت مستحقة كان المُودع] بريئًا من الضمان، فإن طولب رجع على المُودع حتى يستقر الضمان عليه، وقرار الضمان في العارية المستحقة على المستعير دون المعير. الفرق ظاهر: وهو أن المستعير مُلك المعير ضامن باليد، فإذا استعار

مسألة (311)

مستحقًا/ (174 - ب) كانت يده محل قرار الضمان، والمُودع إذا أخذ ملك المودع، فتلف كان بريئًا عن الضمان، فإذا أخذ مستحقًا لم يستقر عليه الضمان. مسألة (311): المستأجر من المستأجر، كالمستأجر الأول في نفي الضمان عنه، والمستعير من المستأجر، كالمستعير من المستعير، فإذا تلفت العين في يده تلفت مضمونة. وإنما كان كذلك؛ لأنه أخذها على اسم العارية، والمستأجر أخذها على عقد الإجارة، فصار، كما لو أخذ من مالك العين، فيضمن من يأخذ على اسم العارية، ولا يضمن من يأخذ على اسم الإجارة. مسألة (312): إذا انقضت مدة الإجارة، فبقيت الدابة عند المستأجر، لكنه لم يركبها، فتلفت عنده في غير زمان العقد، فلا ضمان عليه.

والعارية المؤقتة إذا انقضى وقتها، فبقيت عند المستعير، ولم يركبها، فتلفت عنده تلفت مضمونة. والفرق: أن المستأجر كان غير ضامن للعين في المدة المؤقتة، فلم يصر ضامنًا بعد المدة إلا بعدوان. والعدوان مفقود، فأما المستعير فإنه كان في المدة ضامنًا، واستدمنا حكم الضمان؛ لأن كل من ضمن شيئًا باليد لم يبرأ من الضمان إلا بيد أخرى سوى تلك اليد، إلا في الآباء، والأجداد، وليس على المستأجر أجرة المثل لهذه المدة الزائدة إذا لم ينتفع بالعين، فإن انتفع التزم أجرة المثل، وصار ضامنًا للعين؛ لأن هذا الانتفاع انتفاع بالعين على حكم العدوان. والمستعير بعد انقضاء المدة لو انتفع بالعين صار ضمانه، كضمان الغصب: أقصى ما كانت قيمته من وقت الابتداء بالانتفاع عقيب المدة إلى وقت التلف.

كتاب الغصب

كتاب الغصب مسألة (313): العين المغصوبة إذا ارتفعت قيمتها في يد الغاصب؛ لكثرة الراغبين وقلة تلك السلعة في الأسواق فصارت قيمتها ألفًا، وكانت قيمتها يوم الغصب خمسمائة، ثم تراجعت بتراجع السوق إلى خمسمائة، فردها على صاحبها: فليس عليه ضمان تلك الزيادة، ولو أنها كانت مهزولة فسمنت فارتفعت قيمتها، ثم عادت مهزولة، كما كانت فردها: فعليه أن يغرم زيادة السمن، بخلاف زيادة السوق. والفرق بين الزيادتين: أن الأسواق إذا ارتفعت في العين المغصوبة فليست زيادة صفة من صفات الذات، بل تلك الذات على حالتها الواحدة، سواء ارتفعت الأسواق، أو انخفضت، والغاصب/ إنما يضمن ما تحقق فيه معنى الاستيلاء، ولا يتحقق الاستيلاء على زيادة السوق، فأما السمن الحادث في العين المغصوبة فزيادة تحقق الاستيلاء عليها باليد العادية، فإذا فقدت بعد الحصول في يد الغاصب وجب عليه ضمانها. مسألة (314): إذا غصب جارية قيمتها خمسمائة، فارتفع السوق إلى ألف، ثم انخفض السوق إلى خمسمائة فردهما فلا شيء عليه. ولو غصبها وقيمتها خمسمائة، فعلمها قرآنًا فارتفعت قيمتها إلى ألف فنسيت ما تعلمت، فردها وقيمتها خمسمائة غرم خمسمائة.

فإن قال قائل: هذه الزيادة زيادة لا تدخل تحت اليد، وعينها في الحالتين، كما كانت ما زادت وما نقصت، فهلا ألحقتموها بزيادة الأسواق، وما الفرق؟. قلنا: الفرق بينهما [ظاهر وهو: أنها إذا تعلمت القرآن اكتسبت] صفة في النفس زائدة، وصفات النفس خلاف صفات السوق، فإن السوق إذا ارتفعت لم يتصور في نفسها صفة زائدة، ألا ترى أن شيئًا من صفات نفسه لا يتبدل، وإذا تعلمت قرآنا اتصفت نفسها بفضيلة لم تكن، فارتع السوق مع استواء أحوال الأسواق للزيادة الحاصلة في عينها، فصارت هذه الصفة ملحقة بالسمن وسائر زيادات الأعيان. فإن قيل: يلزمكم أن تقولوا إذا ارتفعت قيمة الجارية بارتفاع السوق، ثم انخفضت السوق، ثم تلفت الجارية: أن لا يغرم الغاصب زيادة السوق؛ لأن الزيادة ما كانت صفة حاصلة في البدن، وقد قلتم: إذا تلفت استوت الزيادات: زيادة السمن وزيادة السوق بإيجاب الضمان، وإذا رد الغصب افترقت الزيادات، فأوجبتم ضمان زيادة السمن وتعلم القرآن، وأسقطتم ضمان زيادة السوق، فما الفرق بين الحالتين؟. قلنا: الفرق بينهما: أن الجارية إذا ارتفع سوقها وانخفضت وصارت

مسألة (315)

مردودة على صاحبها، فجميع ما استولت عليه يد الغصب صار مردودًا على المالك، والتضمين محال مع الرد الكامل، فأما إذا تلفت فعين الغصب ما صارت مردودة، فاحتجنا إلى تضمين القيمة، فإذا كانت قيمتها يومًا من الأيام كثيرة مرتفعة، ولو تلفت يومئذٍ، كما لو أتلفها في ذلك اليوم ضمناه قيمة ذلك اليوم، وإن تراجعت من بعد ذلك؛ لأن ذلك اليوم يوم ضمان العين، كما أن زمان الراجع زمان ضمان العين، وإذا لم يكن أحد الزمانين أولى من الثاني فالغصب لا يقتضي التخفيف، وإنما يقتضي نهاية التغليظ/ وبذلك باين العارية - على أحد القولين - في مراعاة أقصى القيمتين، وفي تضمين الأولاد. فأما السمن وما شاكله من صفات الذات فزيادات في العين صارت موجودة، ثم صارت مفقودة، فعليه ضمانها سواء رد الأصل أو عجز عن رد الأصل. مسألة (315): إذا غصب جارية قيمتها ألف فسمنت فصارت قيمتها ألفين، ثم هزلت فرجعت قيمتها إلى ألف، ثم سمنت ثانية فارتفعت قيمتها إلى

ألفين، ثم هزلت فتراجعت إلى ألف: ردها وغرم معها ألفين. ولو غصب جارية قيمتها ألف فعلمها سورة البقرة فبلغت قيمتها ألفين، فنسيتها وتراجعت إلى ألف، فعلمها سورة البقرة ثانية فبلغت قيمتها ألفين، فنسيتها وتراجعت إلى ألف: ردها وغرم ألفًا واحدًا على الصحيح من المذهب. والفرق بينهما: أن السمن الثاني غير الأول، إذ يستحيل عود الأول، واليد الغاصبة قد استولت في زمانين على العينين المتغايرتين فوجب عليه ضمانهما مع أصل الغصب. فأما التعليم الثاني فقد صادف تلك الصورة السابقة بعينها، والإنسان ينسى شيئًا ثم يذكره فذلك المذكور الأول، وإن كان التذكر والتعلم والجهد في الثاني غير الجهد في الأول، فنظير السمن الثاني أن يعلمها بعد نسيان البقرة سورة الكهف، ثم تنساها؛ لأنهما زيادتان متباينتان، فيلتزم ضمانهما

مسألة (316)

جميعًا، فأما الزجاجة إذا انكسرت فأعيدت فالصحيح أن الإعادة كالسورة الثانية في التعليم. مسألة (316): إذا جرح عبدًا لغيره، فنقصت قيمته لم نوجب بدل الغرامة ما دامت الجراحة دامية، ولكن إذا اندملت أغرمناه النقصان في جنايات الحكومات إن بقي نقصان، فإن زال النقص كله لم يغرم شيئًا. وإذا تعدى على ثوب، فمزقه وجب عليه تعجيل الغرامة فيما حصل من نقصان القيمة، فإن زال النقصان بالترقيع، وحسن الرفو لم يسقط ذلك الغرامة عنه.

مسألة (317)

والفرق بين المسألتين: أن الجناية إذا حصلت على الثوب قلت، أو كثرت فهي جناية متناهية، وما من جزء مزقه إلا وقد تناهت الجناية فيه، والجناية المتناهية تقتضي التغريم، إذ لا ينتظر زوالها وارتفاعها. فأما الجراحة، فجناية غير متناهية، ألا ترى أنها ربما تزداد والتمزيق لا يزداد، فلما كانت سراية الجناية، كنفس الجناية كان زمان السراية/ (175 - ب) كزمان الجناية، ولو فرغ الجاني من الجناية، فتأملناها فلم تنقص شيئًا - كاللطمة والخدشة - لم نوجب شيئًا، فكذلك إذا اندملت، ولم يبق شين ونقص لم نوجب عليه شيئًا، وعصى - الله تعالى - بما تعاطى من هذه الجناية، وقد فصل الشافعي - رحمه الله - بهذه النكتة بين استعجال القصاص في الأطراف، واستعجال ديتها، على ما سنذكر في كتاب الجنايات. مسألة (317): إذا غصب حنطة، فطحنها، فامتنع صاحب الحنطة من أخذ الدقيق، فطالبه بالحنطة، فليس له ذلك، ويلزمه أن يأخذ دقيق الحنطة، فإن نقص شيء، فعلى الغاصب ما نقص، ولو غصب حنطة فعفنت عند

مسألة (318)

الغاصب عفونة بليغة، غير متناهية، فالمالك بالخيار: إن شاء أخذ الحنطة العفنة، وغرمه النقص، وإن شاء تركها، وغرمه المثل. والفرق بين المسألتين: أن الحنطة إذا عفنت، وتفاحشت العفونة كان النقصان في الزيادة كل يوم إلى أن تفسد، وتصير إلى حد التلف، فجعلناها في الحال، كأنها تالفة وإن لم تكن تالفة، وإذا تلفت المغصوب كان للمالك تغريم المثل في ذوات الأمثال. فأما إذا طحنها، فالدقيق غير فاسد، ولا مشرف على فساد غير متناه، فلا ننزله منزلة التالف، ولكن يأخذ ما وجد، ويكون خصمًا في النقصان إن ظهر النقصان. مسألة (318): الغاصب إذا زنى بالجارية المغصوبة، فحبلت، وولدت ولدًا ميتًا، فقد كان الشيخ أبو بكر القفال - رحمه الله - يوجب عليه ضمان قيمته ويفصل بينه وبين ولد المغرور من المملوكة إذا سقط ميتًا: لا تجب قيمته.

والفصل: أن المغرور غير متعد بمثل عدوان الغاصب، والعدوان إذا تحقق صار علة التغليظ، وكان يستشهد بقول الشافعي - رحمه الله - في كتاب الغصب بعدم ذكر استيلاد المشتري من الغاصب - قال: "فأما الغاصب إذا أولدها، فعليه أن يغرم المهر وقيمة من كان منهم ميتًا". وأعلم أن التسوية بين المسألتين أقوم على الأصول، فيجب أن يقال: لا يغرم الغاصب قيمة من سقط منهم ميتًا، كما لا يغرم المشتري من الغاصب قيمة من سقط ميتًا، وكما لا يغرم المغرور في النكاح، وإنما يحسن تضمين قيمة الولد الذي يسقط ميتًا في الجنايات على الأجنة، [فيسقط مضمونًا بغرة، إن كان حرًا، أو بعشر قيمة أمه إن كان مملوكًا.

مسألة (319)

فأما من يسقط ميتًا في الجنايات] فلا يسقط مضمونًا بقيمة نفسه/ (176 - ب) ولا سبيل إلى تقويمه في البطن، ولم يكن له حالة بعد الانفصال في الحياة ليتيسر تقويمه بإسناد النظر إلى تلك الحالة؛ ولذلك قال الشافعي - رحمه الله في الرد على أبي حنيفة - رحمه الله - في كتاب الجنايات: "وكيف يقوم من لم يخرج حيًا"؟، وأما لفظ الشافعي رحمه الله في كتاب الغصب - فتأويله أنها ولدت، ومات الولد في يد الغاصب، فعليه ضمان ذلك الولد، خلافًا لما قال أبو حنيفة في ولد الغصب. مسألة (319): إذا غصب رجل جارية، فماتت في يده، فاختلف الغاصب والمالك في قيمتها، فقد قال الشافعي - رحمه الله -: "لو شهد شاهدان على صفاتها واستقصيا، فأراد المقومون تقويمها على ما سمعوا من الوصف، فليس لهم ذلك؛ لأن الملاحة تختلف". وقد جوز الشافعي السلم في الجواري، ولم ينظر إلى أن الملاحة تختلف، كما نظر إلى هذه العلة بعض الناس.

والفرق بين الأصلين: أن الرجل إذا أسلم في شيء، ووصف واستقصى، فكل وصف مشروط في المسلم فيه إذا وجد ذلك الوصف في أدنى درجاته أمكن إجبار المشتري على القبول. ألا ترى أنه إذا ذكر الجودة في الحنطة، فجاء بحنطة تسمى جيدة. لم يكن للمشتري أن يطلب أجود منها، وكذلك تنوع الأعيان في الأوصاف المشروطة، مثل أن يقول: على أنه كاتب، فصادفه كاتبًا ينطلق عليه هذا الاسم، فيلزمه البيع وإن كانت الكتابة درجات، فكذلك الملاحة في الجارية التي أسلم فيها لها درجات، ولكن إذا كانت الجارية التي جاء بها تسمى مليحة يلزمه قبولها، وإن كان غيرها أملح منها. فأما الغصب والتغريم والتضمين، فمظلمة بينهما، ولا يمكنا أن نبني الحكم على أدنى درجات الملاحة، فيخشى أن يظلم المالك، وليس لأقصاها منتهى، ولا يجوز أن يظلم الغاصب بتغريم الزيادة؛ فلذلك لم يجز للشهور أن يعتمدوا على الوصف ويشهدوا على القيمة، ولا للمقومين أن يعتمدوا شهادة

مسألة (320)

الشهود، إلا أن يكون الشاهدان مقومين، ولا تقويم إلا عن مشاهدة. مسألة (320): قال الشافعي - رحمه الله -: "لو أن رجلًا غصب جارية وباعها من رجل، فنقصت في يده بعيب، أو جناية جان، فالمغصوب منه بالخيار: بين أن يرجع بذلك النقص على الغاصب، وبين أن يرجع على/ المشتري، فإن رجع على المشتري كان للمشتري أن يرجع به على الغاصب فيسترده منه مع الثمن". قال المزني: "وجب أن لا يكون له الرجوع على الغاصب بهذا النقص، كما لو تلفت الجارية في يد المشتري، فغرم القيمة لم يكن له أن يرجع على الغاصب بقيمتها، ولا شيء منها". وقال ابن سريج: إذا قلنا ليس للمشتري أن يرجع على الغاصب، فوجهه: ما قال المزني وإذا قلنا: له أن يرجع عليه، كما قال الشافعي - رحمه الله - فوجهه: الفرق بين الجملة والأبعاض، ثم ذكر الفرق على عبارة المناظرة فقال: يقول

الغاصب للمشتري: ألست لو غرمت جميع القيمة بتلف الجارية في يدك لم يكن لك أن ترجع على بشيء [مما غرمت من قيمتها، فكذلك إذا غرمت أرش النقص، فليس لك أن ترجع على بشيء]، فيقول المشتري للغاصب: إني اشتريتها منك، لتكون الجملة مضمونة علي، ولا تكون الأبعاض مضمونة علي، أرأيت لو اشتريت منك عبدًا مملوكًا لك، ووفرت عليك الثمن، فنقص العبد في يدك أيكون لي أن أرجع عليك بما نقص؛ لأني كنت مخيرًا بين أخذه ناقصًا، ولا شيء لي، وبين أن أدعه لك وأسترد منك الثمن، فيكون الجميع مضمونًا عليك، ولا يكون النقص مضمونًا عليك؟ قال ابن سريج - رحمه الله -: [وهذا معنى لطيف. وقال الشيخ أبو بكر القفال]: وهذا، كما نقول: لو أن رجلًا باع عبدًا بثوب وقبض الثوب وسلم العبد، فنقص العبد في يد المشتري، فوجد البائع بالثمن عيبًا، فرده، فإن شاء أخذ العبد ناقصًا، ولا شيء له، وإن شاء أمسك الثمن معيبًا ورجع بأرش العيب، ومثله لو كان العبد تالفًا في يد المشتري، كان للبائع أن يرد الثمن معيبًا، ويسترد منه القيمة، فكانت الجملة مضمونة على المشتري، وما كانت الأبعاض مضمونة.

مسألة (321)

مسألة (321): إذا غصب رجل جارية، فمكثت في يده مدة، ثم ردها غرم أجرة مثلها، ولا يغرم من مهرها شيئًا، والحيلولة موجودة في منافع بضعها، كما كانت موجودة في سائر منافعها. الفرق بين الجنسين: أن منافع بدنها تدخل تحت يد الغصب بالاستيلاء، كما تدخل الأعيان تحت يد الغصب والاستيلاء، وليس للجارية يد عل منافع بدنها فصارت اليد بالغصب لغاصبها، فأما الأبضاع فإن الأيدي لا تستولي عليها. ألا ترى أن الزوجين إذا تداعيا نكاح حرة، وهي تحت أحدهما لم/ نجعل له عليها يدًا، والدعوى لم تتوجه عليه، وإنما تتوجه الدعوى على المرأة، فتستحلف للمدعى، وإذا أقرت لأحد الزوجين المتداعين ثبت الحكم بإقرارها، فبان أن اليد لها، وإن استكرهت، فوطئت، فالمستكره قد أتلف عليها تلك المنفعة، كما يتلف المستسخر منافع الحر بالاستسخار.

مسألة (322)

وأما بضع الأمة في ملك اليمين مع سيدها، فكبضع الحرة مع نفسها، لا تتحقق يد الغاصب على جنس الأبضاع، لا في الإماء، ولا في الحرائر، فلذلك لم يتوجه على الغاصب ضمان بضع الأمة المغصوبة. مسألة (322): الأمة إذا أباحت لرجل قطع يدها، فقطعها غرم لسيدها نصف قيمتها، ولا تأثير لإباحتها. ولو أنها أباحت بضعها، فزنى بها رجل وهي مطاوعة لم يغرم الزاني عقرها على الصحيح من المذهب. والفرق: أنها إذا أباحت بضعها صارت بغيًا، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مهر البغي، كما نهى عن ثمن الكلب، وحلوان الكاهن في الحديث الواحد، وأخذ مهر البغي هي عادة الجاهلية التي حرمها القرآن والسنة، فأما إذا أباحت قطع يدها فإنها لم تكتسب بذلك اسمًا ومعنى سوى محض الاعتراض على حق السيد، ثم تضمن ذلك اعتراضًا على حق الله - تعالى - في الدماء، وحق سيدها لا يسقط ولا ينقطع باعتراضها، وجنايتها؛ فلذلك فصلنا بين العوضين.

مسألة (323)

مسألة (323): إذا غصب رجل جارية قيمتها ألف، فانفقأت عينها في يده، فنقص من قيمتها ستمائة غرم ستمائة، وهو مقدار من قيمتها، وإن نقص من قيمتها أربعمائة، فالصحيح من المذهب أنه لا يغرم أكثر من أربعمائة. ولو جني جان على عينها وهي في يد المشتري من الغاصب كان للمالك طلب نصف قيمتها وهو خمسمائة؛ لأن الضمان في المسألة الأولى ضمان اليد، والضمان الثاني ضمان الجناية، وجراح المملوك من ثمنه، كجراح الحر من ديته. ثم إن المالك إن أراد مطالبة الجاني، فله مطالبته بنصف القيمة؛ لجنايته على عينها الواحدة، وإن أراد مطالبة المشتري وهذه الجناية قد نقصت أربعمائة درهم من قيمتها لم يكن له مطالبة المشتري بأكثر من الأربعمائة، فأما المائة الزائدة فإن شاء طالب بها الجاني، فيغرمها ويستقر عليه ضمانها، وإن شاء طالب بها

مسألة (324)

الغاصب، فيغرمها، ثم لا يستقر عليه ضمانها، بل يرجع/ (177 - ب) الغاصب بها على الجاني؛ لأن الجاني أولى باستقرار الضمان عليه. مسألة (324): إذا باع رجل عبدًا، أو ثوبًا من رجل بيعًا فاسدًا، وقبض الثمن، وسلم السلعة، وتلفت، ثم استبان لهما بطلان البيع، وجب على البائع أن يرد الثمن، ويطالب المشتري بقيمة السلعة، وربما تكون [القيمة أكثر من الثمن، والقيمة نقد البلد، وربما يكون] الثمن سلعة في مقابلة السلعة. وقد قال الشافعي - رحمه الله -: "لو أن رجلًا غصب جارية، وباعها وقبض ثمنها، وتلفت الجارية في يد المشتري، والثمن بعينه باقٍ في يد البائع الغاصب، كان للمالك أن يأخذ ذلك الثمن". وقال الربيع والمزني: ليس له أن يأخذ ذلك الثمن؛ لأنه ملك المشتري. وقال أبو العباس بن سريج: هذا الجواب الذي أجاب به الشافعي - رحمه الله - ليس على وقف العقود، ولكن إذا قلنا: لا توقف العقود، ففي مثل هذا الموضع قولان: أحدهما: أنه لا يتوقف، والثاني: أنها

تتوقف على إجازة المالك، والنكتة الفاصلة التي تدور عليها هذه المسألة ونظائرها: أن الغاصب إذا أخذ مال رجل وتصرف فيه، وتعذر على المالك الوصول إلى عين ماله، فهذا الثمن الحاصل في يد الغاصب هو مال من أموال ذلك المشتري، وما كان ذلك البيع برضا من المالك، ومن هذا الوجه حكم بفساده، فدعته ضرورة المصلحة إلى إجازة ذلك البيع؛ ليقوم عين الثمن مقام تلك العين، وربما يغصب الرجل دراهم لرجل، فيتصرف فيها أعوامًا، ويربح فيها أرباحًا كثيرة، وكذلك عامل القراض ربما يهرب بالمال ويستفضله في الغيبة، حتى يصير أضعافًا مضاعفة، ثم يرجع، فيريد أن يرد أصل المال، ويفوز بالأرباح، وذلك مفسدة لأموال الناس، فجوزنا للمالك على جهة المصلحة أن يجيز جميع عقوده التي عقدها، ويأخذ جميع الأرباح التي ربحها، فأما من باع بنفسه سلعة، ثم بان أن بيعه كان فاسدًا، فقد أتى من جهة نفسه، حيث أقدم على البيع وهو لا يعلم شرائطه، فلا نحكم له بملك ذلك الثمن، والبيوع الباطلة بالشروط الفاسدة لا تصح بالإجازة، ولا بحذف الشروط، ولابد فيها من الاستئناف.

ثم اعلم أن الشافعي - رحمه الله - لم يفصل في المسألة التي حكيناها بين البيع بالعين، وبين البيع المرسل في الذمة، فإذا كانت البيوع من الغاصب بيوع الأعيان، لا بيوع الذمة، فطريق الوقف والإجارة/ مسلوكة معلومة للمصلحة، كما فسرنا وقررنا. وأما إذا كانت بيوع الغاصب التي عقدها - وكان فيها مشتريًا - عقودًا في الذمة، لكنه وفي الأثمان من المال المغصوب فالقياس الجلي في هذه العقود أنها وقعت له دون مالك الأثمان، وعلى الغاصب أن يغرم الأثمان، غير أن المصلحة التي ذكرناها إذا راعيناها جوزنا للمالك الأثمان، غير أن المصلحة أن يأخذ جميع الأعيان التي وفي أثمانها من ماله مخافة ما ذكرنا أن يغصب الرجل دراهم الناس ودنانيرهم، فيشتري السلع، في الذمة وتوفي أثمانها من تلك الدراهم والدنانير، ثم إذا استكثر الأرباح واستفضل رد على الملاك أصل دراهمهم ودنانيرهم، وفي ذلك ضرر على الناس، ولولا أن البائعين شاهدوا في يده تلك الأثمان؛ لما عاملوه؛ ولما بايعوه، والعقد وإن كان في الذمة، فغير بعيد أن تصير الأثمان التي في يد المشتري محلًا لتعليق حقوق تلك العقود.

مسألة (325)

ألا ترى أن المأذون له في التجارة إذا اشترى من الناس شيئًا في الذمة وكان في يده أمة من مال التجارة، فقد قال الشافعي - رحمه الله -: "ليس للسيد تزويج تلك الأمة بعدما ركبت الديون المأذون"، وإنما منع من التزوج؛ لأنه ينقص قيمة تلك الأمة، فيرجع الضرر إلى الغرماء الذين عاملوه، وإن كانوا قد عاملوه على الذمة لا على عين تلك الأمة. مسألة (325): إذا غصب رجل رجلًا خشبًا، ثم نحت من ذلك الخشب أبوابًا، ثم جاء الملك ليسترجعها، فأراد الغاصب تفصيلها ليردها مفصلة، فليس له ذلك، إلا أن يكلفه المالك التفصيل. ولو غصب أرضًا فحفر فيها بئرًا وطواها بحجارة، أو خشب من مال المغصوب منه، واسترجع المالك الأموال المغصوبة، فأراد أن يطمس تلك البئر ويرد البقعة، كما كانت فله ذلك، وليس للمالك أن يمنعه هذا المراد. والفرق بينهما: أن البئر المحفورة في ملك المالك لو تردى فيها بهيمة فماتت، ولو بعد حين كان ضمانها على الغاصب، فله أن يروم بردمها وطمسها

مسألة (326)

الأمان من الضمان في المستقبل، وليس يخشى مثل هذا المعنى في الخشب المنحوت، والتبر المصوغ، والغزل المنسوج، والقطن المغزول إذا أراد النقض وإفساد الصنعة؛ فلذلك افترق الجنسان. مسألة (326): إذا غصب رجل دارًا وأكراها، فمالكها بين خيرتين:/ (178 - ب) إن شاء رجع بأجرة المثل على الغاصب، وإن شاء رجع بها على المكتري، [فإن رجع بها على المكتري، فليس له أن يرجع على الغاصب بها]، ولم يختلف قول الشافعي - رحمه الله - في ذلك. وكذلك إذا غصب جارية، فزوجها رجلًا، فسيدها بين خبرتين: إن شاء رجع بمهر مثلها على الغاصب، وإن شاء رجع به على الناكح، فإن رجع به على الناكح، فليس له أن يرجع به على الغاصب قولًا واحدًا. ولو أن رجلًا مغرورًا بنكاح جارية، فأصابها، ثم تبين له التدليس والغرور، ففسخ النكاح كان له - في أحد القولين - أن يرجع على الغار الذي غره. والفرق بينهما: أن الرجل إذا تزوج وكان مغرورًا بالحرية كان النكاح منعقدًا،

مسألة (327)

ألا ترى أنه لو رضي بها بعد البيان أقررناهما على النكاح، فإذا اختار الفسخ للغرور، فقد صار الغرور سببًا لتفويت البضع المملوك على المالك، وهذا جاء من جهة الغار، والتفويت منسوب إليه؛ فلذلك رجع عليه بالغرم في أحد القولين، فأما الغاصب إذا زوج المغصوب، فأصابها الزوج، أو أكرى الدار المغصوبة، فسكنها المكتري، ثم بان الغصب، وقامت البينة بالاستحقاق، فليس في انتزاع الدار من الساكن والجارية من الناكح تفويت ملك عليهما؛ لأن العقد في الأصل باطل، وهو المنتفع بمنافع الدار والمستمتع بمنافع البضع، فكان أولى الناس باستقرار الغرامة عليه؛ فلذلك لم نرجع بها على الغاصب الغار. ووزان مسألة الغصب من الغرور في النكاح أن يتزوج الرجل جارية مغرورًا بحريتها، ثم يظهر الغرور، ويكون هذا الناكح واجدًا للطول، أو آمنًا من العيب، فتبين فساد النكاح، فإذا غرم الناكح عقرها لم يرجع بذلك العقر على الغاصب الغار؛ لأنه لم يملك بعضها ولم يتصور تفويت الملك عليه. مسألة (327): إذا غصب رجل ثوبًا قمته عشرون، فأبلاه فتراجعت قيمته بالإبلاء إلى عشرة، ثم تراجع السوق، فصار يساوي خمسة، فعليه أن يرده ويرد معه عشرة، وإن كان مقدار النقصان خمسة عشر.

ولو غصبه وقيمته عشرون، فتراجع السوق إلى عشرة فأبلاه فرجع إلى خمسة فرده، كان عليه أن يغرم عشرة. فاستوت المسألتان في مقدار الغرم وافترقا في الصورة، وصارت زيادة السوق في أحدهما متبعضة بعضها مضمون وبعضها غير مضمون، وفي الأخرى غير متبعضة بل جميعها غير مضمون. والمعنى المعتبر في المسألتين - ما نذكره إن شاء الله - وهو أن كل جزء أبلاه من الثوب باللبس، فذلك الجزء مغصوب تلف في يد الغاصب، فلابد من أن يغرم قيمة ذلك التالف، ولا يغرم في ذلك التالف تراجع السوق إذا كان التراجع بعد التلف، وإنما يضمن تراجع/ السوق فيما يقدم فيه التراجع، ثم وجد التلف، وكان كل عين نقصت بالسوق، ثم ردها فليس عليه نقصان سوقها. فإذا تقرر هذا الأصل قلنا في المسألة الأولى: إن الثوب كان يساوي عشرين فرجع بالإبلاء إلى عشرة، فلابد من أن يغرم هذه العشرة، فإذا تراجع السوق من بعد إلى خمسة، فهذا التراجع في الباقي من الثوب، لا في التالف، والباقي صار مردودًا، فلا يضمن نقصان السوق في المردود، فالغرم عشرة والنقصان خمسة عشر بالإبلاء وخمسة بالتراجع.

مسألة (328)

فأما المسألة الثانية، فالتراجع فيها قبل الإبلاء؛ لأنه غصبه وقيمته عشرون، فتراجع إلى عشرة، ثم أبلى، فتراجع إلى خمسة، فكانت خمسة من التراجع حصة ما أبلى وخمسة حصة ما أبقى، وقد رد الباقي، فلم يغرم حصته من التراجع، ولم يرد الأجزاء التي أبلاها - وهي خمسة - وحصتها من التراجع خمسة دراهم؛ فلذلك أغرمناه نقص السوق بخلاف المسألة السابقة. مسألة (328): قال الشافعي - رحمه الله -: "لو فتح قفصًا عن طائر أو حل دابة فوقفا، ثم ذهبا لم يضمن، ولو حل زقًا، أو راوية، فاندفقا ضمن، إلا أن يكون الزق مستندًا، فكان الحل لا يدفع ما فيه، ثم سقط بتحريك، أو غيره، فلا يضمن؛ لأن الحل قد كان، ولا جناية فيه". فسوى بين الحيوان، وبين غير الحيوان، ثم فصل بين اتصال التلف، والطيران يفعل المعتدي، وبين انفصال التلف والطيران عن فعله. وإنما فصل بين الحالتين؛ لأن الفعل إذا لم يكن له سراية فأثره ما يعقبه على جهة الاتصال، فإذا انفصل، وتباعد استحالت النسبة، ولابد من قطع التلف عن الفعل المتقدم، فأما الأفعال التي لها سراية، فجائز أن يكون زمان السراية، كزمان الجناية؛ لأنها غير منقطعة.

مسألة (329)

فإن قال قائل: للحيوان اختيار، وليس للمانع اختيار، فهلا ينسب طيران الطير في الحالتين إلى اختيار الطائر منفصلًا كان، أو متصلًا. قلنا: إذا اتصل الطيران كان خروجه في ظاهر الحال لروعة تداخلته من ذلك الفاتح، فإن العادة فزع الطائر من الآدمي. ولو أن رجلًا خوف طائرًا بتصفيق فطار، وضاع كان على هذا الرجل ضمانه، وإن كان للطائر اختيار؛ لأنه صار بالتفزيع مسلوب الاختيار، فاستوي الحيوان، والمانع عند الاتصال؛ لنسبة التلف إلى الجناية المتصلة، وإذا انفصل التلف صار كالجراحة المندملة. مسألة (329): إذا غصب رجل عبدًا بعدما/ جني العبد في يد سيده جناية تستغرق قيمته، فجني في يد الغاصب جناية ثانية تستغرق قيمته، ثم استحقه المالك بالسنة واسترجعه، وامتنع عن فدائه: بيع في الجنايتين، وتكون القيمة المأخوذة مقسومة بين المجني عليهما نصفين، إذا استوي مقدار الجنايتين، ثم للمالك أن يغرم الغاصب نصف قيمة العبد. وكل مغصوب رده غاصبه لم يغرم مع الرد شيئًا من القيمة.

والفرق بين هذه المسألة وبين سائر الغصوب المردودة: أن هذه العين بعد الرد لما بيعت صار نصف قيمتها مستحقًا بجناية حصلت من الغصب في يد الغاصب، فكان الغاصب ضامنًا لما فات من القيمة بسبب جناية في يده، وسائر الغصوب إذا صارت مردودة سلمت العين المردودة لمالكها، وما صارت مستحقة بعدوان وجناية موجودة في اليد العادية. المسألة بحالها: فإذا أخذ القيمة بالبيع من المشتري كانت هذه القيمة مقسومة نصفين، وإذا أخذ السيد نصف القيمة من الغاصب كان هذا النصف كله للمجني عليه الأول، ولم يكن للمجني عليه الثاني شركة في هذا النصف، وإن كانا شريكين في القيمة المأخوذة من المبتاع. والفرق بينهما: أن تلك القيمة كانت مشتركة، ونصف القيمة كان خالصًا للخصم الأول؛ لأن الجناية السابقة، هي الجناية التي كانت في يد المالك، ولم يكن يومئذٍ في رقبة العبد جناية للثاني، ولما جني العبد في يد الغاصب الجناية الثانية كانت الجناية الأولى متعلقة برقبته، فلم يجز اختصاص الخصم الثاني بشيء من القيمة، ووجب اختصاص الخصم الأول بالنصف، فيقول الأول

للثاني: جنى هذا العبد على وعليك، فلما جني عليك جني وهو مستحق الرقبة بالجناية علي، فثبت لك الأرش في رقبة غير برية، وهذا النصف من القيمة الذي آخذ من الغاصب وجب قل الجناية عليك؛ لأن العبد صار مضمونًا على الغاصب بالغصب، والغصب حصل قبل الجناية عليك، فلم يثبت حقك إلا في رقبة مستحقة، وقد اقتسمنا قيمته نصفين، فلابد من أن أستخلص هذا النصف الثاني. ومثال هذا ما نقول: لو أن عبدًا جني على رجل جناية تستغرق قيمته، فجني رجل على هذا العبد بعد جناية العبد فقطع يده، ثم قتل العبد المقطوع رجلًا، ثم مات العبد من سراية اليد المقطوعة: استوفينا قيمة العبد ممن قطع يده، ثم يقال: كم قيمة هذا العبد حين لم يكن/ (180 - أ) مقطوعًا؟ فيقال ألف، ثم يقال، كم قيمته بعدما قطعت يده؟ فيقال: ستمائة، فتقسم ستمائة من الألف بين المجني عليه أولًا وبين المجني عليه ثانيًا نصفين، وما زاد على ستمائة، فهو خالص للمجني عليه أولًا؛ لأنه يقول: إن هذا العبد جني علي وأعضاؤه موفورة، فثبت حقي في جميع رقبته على كمال قيمته، وجني عليك ويده مقطوعة، فثبت حقك في رقبة عبد مقطوع اليد، فإذا وصل إليك نصف قيمته مقطوعًا، فقد وصل

إليك جميع حقك، وما زاد في قيمته لسلامة أعضائه، فذلك خالص حقي، لا حق لك فيه. والله أعلم.

كتاب الشفعة

كتاب الشفعة مسألة (330): قال الشافعي: "إذا اشترى رجل شقصًا فيه شفعة بثمن حال، فالثمن على الشفيع حال، وإذا اشتراه بثمن مؤجل إلى سنة، فمات المشتري صار الثمن في تركته حالًا، ولم يصر على الشفيع حالًا، ولكن الشفيع بالخيار، إن شاء عجل الثمن، واستعجل الشفعة، وإن شاء أخر حتى ينقضي الأجل، ثم يعطي، فيأخذ". الفرق بين الحالتين: أن الثمن إذا كان في أصل العقد حالًا بالتسمية والإطلاق ثبت حق كل واحد منهما في أصل العقد على صفة واحدة، والشفيع يستحق بأصل العقد، كما يستحق المشتري بأصل العقد. ألا ترى أنه يستغني عن عقد جديد يفيد الملك، فلما كان الثمن في الأصل حالًا على المشتري كان كذلك حالًا على الشفيع، فأما إذا انعقد البيع مؤجلًا، فقد ثبت لكل واحد منهما بأصل العقد حق الأجل. ألا ترى أن البائع لا يتمكن من مطالبة المشتري قبل حلول الأجل، كما لا

يتمكن المشتري من مطالبة الشفيع قبل الأجل، فلما مات المشتري سقط حقه، وحق ورثته في الأجل بالموت، وذلك لا يوجب سقوط حق الشفيع في الأجل، لأن بطلان حق المشتري [لا يتضمن بطلان حق الشفيع بعد ثبوته. ألا ترى أن المشتري] لو رضي بالإقالة، ولم يرض الشفيع، لا يعترض على حق الشفيع. المسألة بحالها: فلو مات الشفيع قام وارثه مقامه، ولا يكون الثمن حالًا في حقهم، وكل مديون مات والدين عليه مؤجل صار الدين حالًا عليه، وإنما لم يصر حالًا في حق ورثة الشفيع؛ لأن ذمة الشفيع بريئة عن الدين، والعقد يوجب له، ولا يوجب في ذمته دينًا، والديون المؤجلة إنما تصير حالة بخراب الذمة التي هي محل الدين المؤجل، والأجل، لا/يثبت قط في ذمة من له دين، وإنما يثبت في ذمة من عليه الدين، وإن كان حقًا على من له الدين. والدليل على أن الأجل في ذمة المديون: أن الأجل صفة للحق، ولا يتصور أن يكون الحق الموصوف في ذمة زيد، ووصفه في ذمة عمرو، ومنزلته منزلة الجودة، والرداءة، وأوصاف النقود، فلما كانت ذمة الشفيع بريئة استحال حلول هذا الدين بموته.

فأما إذا كان الدين الواحد مستقرًا في ذمتين مؤجلًا - وهو الدين المضمون المؤجل يكون في ذمة الأصيل، والكفيل جميعًا، وصاحب الدين ممنوع عن مطالبتهما ومطالبة كل واحد منهما قبل الأجل - فلو مات الضامن كان لصاحب الحق مطالبة ورثته في تركته؛ لحلول الدين عليه بموته، فإذا أراد ورثة الضامن الرجوع على الأصيل، فلا سبيل لهم إلى الرجوع، لمثل النكتة التي ذكرناها في الفرق وهي: أن الدين كان مؤجلًا عليهما جميعًا، فلئن انتهى حق الضامن في الأجل بموته فلا ينتهي حق الأصيل مع بقائه وحياته، فليصبر ورثة الضامن حتى ينقضي الأجل، ثم لهم مطالبة الأصيل. وقال الشافعي - رحمه الله - في هذه المسألة: "لو مات المضمون عنه، فحل الدين، فقال المستحق للوارث: أجلتك شهرًا كان للضامن أن يقول: إما أن تبرئني وإما أن تستوفي الدين من تركة الميت؛ لأن الورثة ربما يتبسطون فيها فيستهلكونها قبل الشهر فتستقر على الغرامة ولا أجد مرجعًا. وقريب من هذا: الرهن المستعار، فإن الأجل إذا حل فقال المرتهن للراهن المستعير: أجلتك شهرًا، كان للمعير أن يقول: إذا أردت تأجيله، ففك الرهن، ورد علي العبد، وإلا فاستعجل حقك وخلص رقبة العبد عن الرهن.

مسألة (331)

مسألة (331): الشفعة إذا ثبتت لرجل، فبلغه الخبر أن فلانًا هو المشتري، وأن الثمن هو خمسمائة درهم، فقال: عفوت، ثم بان له أن المخبر كذب وأن الثمن ألف درهم، فقال: إني طالب للشفعة: لم يكن له شفعة، ولو كانت المسألة بحالها، فأخبر أن المخبر الأول كذب، حيث قال بخمسمائة درهم، فقال: عفوت، ثم بان له أن المخبر كذب وأن الثمن ألف درهم، فقال: إني طالب للشفعة: لم يكن له شفعة، ولو بخمسمائة درهم وإنما وقع الشراء بخمسمائة دينار، فقال: إني طالب للشفعة: كان له طلب الشفعة. والفرق بينهما: أن المخبر الأول إذا ذكر الدراهم، وذكر الثاني جنس الدراهم - وإن اختلفت في العدد - فالجنس واحد متحد، وإنما تفاوت الثمنان في القلة/ (181 - أ) والكثرة مع اتفاق الجنس، فاستحال أن يكون عافيًا عن الشفعة، والثمن قليل، ثم يطالبها والثمن كثير، والجنس جنس واحد. فأما إذا اختلف الجنسان، فله الطلب بعد العفو؛ لأن ما وقع عليه العقد غير ما سمعه من المخبر الأول في الجنسية، فلم يكن عفوه موجودًا قط في جنس الثمن، لا في قليله، ولا في كثيره، فبقي العقد بمعزل عن العفو، والعفو بمعزل عن العقد، ولو أنه سمع أن زيدًا هو المشتري، فعفي، فتيقن أن المشتري عمرو كان له طلب الشفعة، لما ذكرناه من النكتة. فإن قيل: فالعقد بألف درهم غير العقد بخمسمائة [فهلا جعلتم له أن يطلب بعدما عفي؟.

مسألة (332)

قلنا: في الألف خمسمائة]، وليس في الألف درهم شيء من الدنانير، ولا في الدنانير شيء من الدراهم، فلما تصورت المجانسة بينهما صار عقد العفو، وعقد الطلب، كالعقد الواحد، ولما تحققت المباينة بينهما - لاختلاف الجنس - تحققت المباينة في عقد العفو وعقد الطلب. مسألة (332): الشفعة إذا ثبتت بين جماعة، فعفا بعضهم، وطلب بعضهم كان للطالب أن يستغرق الشفعة كلها، وليس للمشتري أن يقول: أعطيك منها قسطك الذي كان بحصتك مع جميعهم، وكذلك إذا ثبت حد القذف لجماعة، فعفا بعضهم كان لغير العافي استيفاء كمال الحد، وكذلك إذا ترك بعض أولياء النكاح حقه من الكفاءة كان للباقين الاعتراض والطلب.

ولو أن رجلًا من المسلمين عقد لرجل من المشركين أمانًا على دمه وماله مستبدًا به لم يكن لسائر المسلمين أن يعترضوا عليه، وأن يطلبوا في دمه، أو ماله حقًا، وكل واحد من المسلمين عند الانفراد بمنزلة كل واحد من الشفعاء، والأولياء عند الانفراد. والفرق بينهما: أن العقد إذا صح ثبتت الشفعة، وهي لا تقبل التبعيض والتجزئة، فإذا عفا بعضهم سقط حقه بالعفو، ولم يسقط شيء، من حق الغير ولم نجد سبيلًا إلى التبعيض فكان لغير العافي الاستيعاب، كما لو كان منفردًا في الابتداء وكذلك ولاية النكاح حق ثابت، والتبعيض فيه محال، وكذلك حق القذف. فأما عقد الأمان، فمن عقده، فليس ذلك بإسقاط حق ثابت، وذلك أن المسلمين إنما يتعلق حقهم برقبته إذا استأسروه، وبماله إذا اغتنموه،

وإذا لم يتصور في نفس الجربي إسار وفي ماله إحراز لم يثبت حق/ (181 - ب) المسلمين، وإذا لم يثبت الحق لم يتصور إسقاطه، وابتداء عقد الأمان حق لكل مسلم مكلف، ولو أن الحق ثبت بالأسر فقال واحد من المسلمين إني أمنت فلانًا من الأساري لم يحرم بذلك الأمان دمه، ولا ماله؛ لأنه لما صار مأسورًا تعلق بدمه حق السفك وبرقبته حق الاسترقاق، أو المفاداة على ما يرى الإمام باجتهاده. فإن قيل: قد أسقطتم حق جميع أولياء القصاص بعفو بعضهم. قلنا: إنما أسقطناه إلى عوض وهو الدية، وهذا الحق إذا سقط سقط إلى غير عوض. فإن قيل: إذا أبرأ بعض أولياء القتيل عن نصيبه من الدية خصصتم الإبراء بنصيبه وأسقطتموه، ولم تجعلوا لسائر الأولياء طلب نصيبه من الدية خصصتم الإبراء بنصيبه وأسقطتموه، ولم تجعلوا لسائر الأولياء طلب نصيبه الذي أسقطه، فهلا أسقطتم في هذا الموضع نصيب العافي. قلنا: لأن من الحقوق ما لا يقبل التجزئة، والتبعيض، كخيار الثلاث وحد القذف، ومنها ما يقبل التبعيض، كالرد بالعيب والديون

مسألة (333)

الواجبة، فبعضنا ما كان قابلًا للتبعيض، وجمعنا ما لا يقبل التبعيض. ولترك التبعيض قال الشافعي - رحمه الله -: "إذا حضر شفيع من الشفعاء الثلاثة لم يكن له أن يأخذ بعض الشفعة ويترك بعضها مع علمه وعلمنا بأن له شريكين في الشفعة، فيلزمه أن يأخذ الجميع ويؤدي الثمن بتمامه، فإذا رجع الشفيع الثاني وأراد الطلب لم يكن له أيضًا أن يأخذ الثلث، بل يلزمه أن يأخذ نصف الشفعة ويدفع نصف الثمن إلى الشفيع الأول، فإذا رجع الثالث ساواهما ورد ثلثي الثمن عليهما". مسألة (333): قد نص الشافعي - رحمه الله - على أن الشفعة تستحق بملك المكاتب وفي ملك المكاتب، وأن ملكه ملكًا ضعيفًا، فأما ملك المرتد في زمن ردته فإنه ملك تستحق به الشفعة ويستحق بالشفعة، ولا نحفظه منصوصًا، ولكنه مسطورًا لبعض مشايخنا.

وأما رقبة الوقف فملك لا تستحق به الشفعة بحال، سواء حكمنا بأن الرقبة ملك للموقوف عليه، أو حكمنا بأن الرقبة ملك الواقف. والفرق بينهما: أن ملك المكاتب إذا أكملت إضافته فهو ملك كامل، ومعنى إكمال الإضافة أن تضيفه إلى المستحقين جميعًا: السيد والمكاتب؛ لأن كل واحد منهما يستحق في ذلك المال حقًا. ألا ترى: أن السيد يمنع المكاتب التبرع، وكذلك المكاتب يمنع السيد الاسترجاع والانتزاع، وإذا كان/ (182 - ب) الملك في نفسه موصوفًا بتمام صفة الملك - وإنما يقع الضعف في المضاف إليه عند الإفراد والانفراد - التحقت تلك الرقبة في صفة المالية بسائر الرقاب التي تكامل الملك عليها، وكذلك ملك

المرتد في زمان ردته موصوفًا بأنه في نفسه مملوك بتمام صفات الملك والمالية، وإن استكملت جهة الأوصاف وصارت موقوفة على العاقبة. فأما الرقبة الموقوفة فأوصاف الملك والمالية في نفسها مختلفة متغيرة زائلة عما كانت من قبل؛ ولذلك قرب الشافعي الوقف من العتق فإن شبهته بحقيقة العتق، فذلك حقيقة زوال الملك، وإن شبهته بالاستيلاء فذلك حقيقة اختلال الملك، وإذا كانت الرقبة في معنى المالية فهذه الصفات ما كانت صالحة لاستحقاق الشفعة بها حتى تكون الرقبة التي تطلب بها الشفعة والرقبة التي تطلب بالشفعة سواء في صفة المالية؛ ولهذه النكتة كان للمكاتب أن يستقسم

شريكه إذا كان الملك مشاعًا بينهما، وكذلك للسلطان أن يستقسم شريك المرتد ليقسم الملك المشترك، ولو أن أرباب الوقف أرادوا أن يتقاسموا، أو كان في دار شقص موقوف وشقص مملوك، لم يكن لأرباب الوقف طلب القسمة بالرقبة الموقوفة، ولو بقيت لها صفات المالية على الكمال لجاز طلب القسمة بالرقبة بها. فإن قال قائل: كيف ادعيتم كما ملك المرتد مع إسقاط الزكاة عن ماله إذا حال الحول في أيام الردة؟. قلنا: إذا حكمنا بأن الردة لا تزيل ملكه لم نحكم بإسقاط الزكاة، وإذا حكمنا بأن الردة أزالت ملكه أسقطنا الزكاة لا لضعف في الملك، ولكن لعدم تعيين المالك، وشرط وجوب الزكاة مع تمام الملك تعين المالك، وكذلك لا نوجب العشر في أوقاف المساجد والفقراء الموصوفين، ونوجبه في أوقاف المعينين.

مسألة (334)

مسألة (334): الشفعة إذا ثبتت لطفل، فالواجب على قيمة مراعاة النظر، فإن عفا، والغبطة في العفو صح عفوه، وليس لليتيم إذا بلغ أن يطلبها، وإن عفي، والغبطة في الأخذ لم يصح عفوه. ولو ثبت للطفل قصاص، فرأى قيمه أن يعفو، فعفا، وأخذ المال، فبلغ الطفل كان له طلب القود بكل حال. الفرق بينهما: أن المقصود المعظم من القود استدراك الغيظ والتشفي ومداواة الحقد، وهذا المعنى مما يختص به المولي، فليس للقيم في/ هذا المعنى مداخلة، ومساهمة؛ لأن الحميم يجد بحميمه ما لا يجد الأجانب بالأجانب. فأما الشفعة، والرد بالعيب، وما شاكلهما، فمحض المال، وسلطان القيم نافذ فيما تمخض فيه معنى المالية على شرط النظر، وقد راعى شرط النظر. مسألة (335): إذا اشترى رجل من رجل شقصًا فيه شفعة، فأوصى به لرجل، ومات الموصي، فقام الشفيع وأخذ الشقص بالشفعة بطلت الوصية، وليس للموصى له حق في الثمن المأخوذ من الشفيع.

ولو أوصى رجل لرجل بعبد، فمات الموصي، فقتل العبد كانت القيمة المأخوذة من القاتل للموصى له إذا قبل الوصية. والفرق بين المسألتين: أن الشقص المأخوذ بالشفعة إذا أخذه الشفيع أخذه باستحقاق سابق مستند إلى أصل العقد، وإن كان ملك الشفيع مترتبًا على ملك المشتري. ألا ترى أنه يأخذه بالثمن المسمى سواء كان مثل قيمته، أو أقل منها، أو أكثر منها. ألا ترى أن المشتري لو جحد الشراء، واعترف البائع كان للشفيع أخذ الشقص من البائع، وإذا كان كذلك صار الموصي في تقدير من أوصى لغيره بالمال المستحق، وما أوصى له بالثمن حتى يدفع إليه الثمن. فأما العبد الموصى به إذا قتل، فما كان مستحقًا، ولا في صورة مستحق، بل كان جميع الحق فيه لمالكه الموصي به إلى وقت القتل، فلما قتل انتقل حق الوصية إلى القيمة، فإنها عوض الرقبة، كما ينتقل حق الجنس في المبيع المقتول إلى قيمته، وكما ينتقل حق الرهن المقتول إلى قيمته.

مسألة (336)

مسألة (336): إذا رهن رجل نصف دار شائعًا، فحل الدين، فبيع بعض ذلك الرهن في الدين، وأراد ذلك الراهن أن يطلب الشفعة في الشقص المبيع بحق ما بقي له من الدار، فليس له طلب الشفعة، ولو بيع من الدار شقص، كان للراهن الشفعة بالملك المرهون. ولو أن رجلًا مات، وخلف تركة مستغرقة بالدين، وفي التركة نصف دار، فبيع من النصف الثاني شقص، كان للورثة طلب الشفعة في الشقص المبيع بحق الشقص المستغرق بالدين، كما قلنا في الراهن، ولو كان للوارث في تلك الدار شقص قديم سوى الشقص الموروث، فبيع في دين أبيه الشقص الموروث، فقد قال بعض أصحابنا: للوارث أن يأخذ الشقص المبيع الموروث بالشفعة. والفرق بين المسألتين: أن ملك/ (183 - ب) الراهن على عين الرهن سبق الرهن، وكان على صفة الكمال، وهو بعد الرهن باقٍ على ما كان من تمامه، وكماله، وهو الذي علق به عقد الرهن حقًا للمرتهن، فإذا بيع شقص ثبت له تملكه الكامل حق الشفعة في ذلك الشقص، وإذا بيع بعد الرهن لم يثبت للراهن فيه شفعة بما بقي من الرهن، ولا بغيره من الملك إن كان له في الدار ملك زائد على المرهون. فأما الوارث في التركة، فليس كذلك؛ لأن ملك التركة لم ينتقل إليه إلا

مسألة (337)

مستغرقًا مستحقًا بالدين، وحق الميت متعلق بالتركة؛ لقضاء ديونه، وإن كان حق الوارث متعلقًا بها إرثًا، ولذلك قدمنا الدين على الميراث، فقلنا: إذا بيع من الدار شقص، فللوارث أن يطلب الشفعة بهذه التركة؛ لأنه مالك، وإن كان لمورثه حق متعلق بالعين، وقد أثبتنا للمكاتب الشفعة بملكه، وإن كان ملكه دون ملك الحر، بخلاف رب الوقف، فلا يطلب الشفعة برقبة الوقف، فإذا بيع هذا الشقص الموروث في الدين جعلنا للوارث بما له من الملك القديم أن يأخذ ذلك المبيع بالشفعة؛ لأن المبيع ما بيع في حق الوارث، كما يباع الرهن في حق الراهن، وإنما بيع في حق غيره، فصار ذلك الشقص الموروث في حكم ملك الوارث من وجه، وخارجًا عن ملك الوارث ي وجه. ومن أصحابنا من قال: يثبت للوارث بالشقص الموروث المستغرق شفعة في غيره إذا بيع، ولا يثبت له في الشقص الموروث شفعة وإن كان له في الدار ملك قديم، وسوى بينه وبين الراهن، وقال: يستحيل أن يطلب ملكًا بالشفعة، ويطلب الشفعة بذلك الملك. مسألة (337): الشفعة لا تستحق بالشقص المُستحق بالشفعة عند بعض أصحابنا،

ومنهم من قال: تستحق الشفعة بالشقص المستحق بالشفعة، حتى قال بعضهم: إذا اشترى رجل شقصًا فيه شفعة، فمات وعليه دين يستغرق التركة فبيع من تلك الدار شقص كان لروثته أخذ ذلك الشقص المستحق بالشفعة المستغرق بالدين. فمن قال: إنه لا يستحق الشفعة بالشقص المستحق بالشفعة، ويستحق الشفعة بالشقص المستغرق بالدين فصل بين المسألتين فقال: الفرق بينهما: أن الشقص المستحق بالشفعة استحقه شفيعه بالعقد الذي استحقه مبتاعه، واستند حقه إلى أصل العقد، فإذا بيع من الدار/ (178 - ب) شقص فأراد المشتري الأول أخذ ذلك الشقص بالشفعة قيل له: إنك لتطلب الشفعة بملك مملوك عليك حكمًا؛ لأن شفيعك استحق عليك وإن لم يأخذ منك، فهذا ملك غير موصوف بصفة استحقاق الشفعة.

فأما الوارث في التركة، فليس كذلك؛ لأن حقوق الغرماء ما كانت متعلقة بتلك التركة والأب حي، وإنما كانت حقوقهم متعلقة بذمته، فلما مات صار حقه متقدمًا على حق الميراث. والذي يوضح هذا الفرق: أن الورثة لو أرادوا تبديل عين التركة وقضاء الدين من مال آخر وإمساك تلك الأعيان كان لهم ذلك، وأما الشقص المستحق بالشفعة، فهو عين حق الشفيع فلا سبيل فيه إلى الإمساك والتبديل. واعلم أن هذا الشقص المستحق بالشفعة وإن لم يثبت للمشتري به شفعة فيما يباع، وأضفناه إلى حق الشفيع، فلا يصير قبل أخذ الشفيع ملحقًا بأملاك الشفيع، فلو بيع من الدار شقص قبل أن يأخذه الشفيع، ثم أخذه من بعد، لم يستحق بهذا الشقص زيادة شيء في الشفعة عند من يقسم الشفعة على الأنصباء؛ لأنه الآن أخذه، وحتى يقول: لو أن هذا الشفيع لو لم يعلم بهذه الشفعة حتى باع ملكه القديم - وقلنا: لم تبطل

مسألة (338)

شفعته؛ لجهله - فبيع شقص آخر قبل أخذ هذه الشفعة الأولىى، ثم أخذها لم يكن له أن يطلب الشفعة في الشقص الثاني، بعلة أنه كان مستحقًا؛ لأنه لم يكن مالكًا، وليس مستحق لملك بمنزلة المالك، فتفهم. مسألة (338): خيار الثلاثة وحق الشفعة سواء في كثير من الأحكام، منها: أن الاعتياض عنهما ممنوع، ومنها: أنهما موروثان، ولكن لو اشترى جماعة سلعة على شرط الخيار ثلاثة أيام، فادعى البائع على واحد منهم الإجازة، فجحد، فاستحلف، فنكل، ردت اليمين على البائع، كما ترد الأيمان عقيب النكول في سائر الخصومات. ولو ثبتت الشفعة لجماعة، فادعى المشتري على واحدٍ منهم العفو، فجحد

فاستحلف، فنكل، لم ترد اليمين على المشتري. والفرق بينهما واضح وهو: أن الواحد من المشتريين إذا أجاز انفراد بحمكه وليس لغيره أن يفسخ العقد فيما أجازه فيه، فرد اليمين على البائع رد مفيد فائدة الرد هي: أنه يحلف يمين الرد، فيصير البيع لازمًا/ (184 - ب) منبرمًا في نصيب الناكل، فأما الواحد من الشفعاء إذا نكل، فلا فائدة في رد اليمين على المشتري؛ لأن الواحد من الشفعاء ما دام ثابتًا على الطلب كان له أن يستغرق جميع الشفعة، بل كان عليه أخذ الجميع إذا قصد الشفعة، فوزان الخيار: الشفيع الواحد. فلو كانت المسألة بحالها في الشفعة فقال من بقي من الشفعاء: أنا آخذ نصيب الناكل، فقال الناكل: لا أعطيكم نصيبي وأحلف أني ما عفوت كان له ذلك، فإن استحلف، فنكل ردت اليمين على سائر الشفعاء، فلا يستحقون ما لم يحلفوا، وإنما قلنا يمينه بعد نكوله بخلاف سائر مسائل النكول؛ لأن نكوله الأول كان مع المشتري، وخصومته مع الشفعاء خصومة مستأنفة غير الخصومة الأولى، وصفتها غير صفتها. ألا ترى أن الرد تصور في إحدى الخصومتين ولم يتصور في الثانية، وإنما تصور الرد [في الثانية؛ لأنهم إذا حلفوا أخذوا نصيبه، ولم يتصور الرد في الأولى]؛ لأن المشتري لو حلف لم يأخذ بيمينه شيئًا. ولو كانت المسألة بحالها، فاستحلف سائر الشفعاء هذا الشفيع الناكل، فنكل

معهم، [كما نكل مع المشتري، فأبطلنا حقه، فمات شفيع والناكل] وارثه، كان له أن يطلب بحق الميراث وإن سبق منه النكول، لأن المستحق بالإرث مستحق من جهة أخرى، ولو أن رجلًا قذف رجلًا، فمات المقذوف، وخلف ابنين، فعفي أحدهما عن حد القذف سقط حقه في الطلب، فلو مات أخوه كان له الطلب أي: طلب حد القذف بكماله؛ لأن ما سقط بنكوله عاد بميراثه. واعلم أن هؤلاء الشفعاء إذا خاصموا هذا الناكل، فخصومته مع كل واحد منهم خصومة أخرى، وربما يحلف مع بعضهم وينكل مع بعضهم، فلا يسقط جميع حقه من الشفعة إلا بنكوله مع جميعهم.

كتاب القراض

كتاب القراض مسألة (339): إذا دفع رجل ألف دينار إلى زيد مضاربة على النصف، ودفع ألف دينار إلى عمرو كذلك، فخسر كل واحد من العاملين من المالين خمسة وعشرين دينارًا، فأخرج المالك من كل واحد منهما من المالين عشرين دينارًا لبعض زكاة ذلك المال، فربحا وصار ما في يد كل واحد منهما ألفًا ومائتي دينار، قاسم المالك كل واحد منهما الربح نصفين، فيكون له مائة دينار ولزيد مائة، وله مما في يد عمرو مائة ولعمرو مائة دينار. ولو كانت المسألة بحالها فخسر كل واحد خمسة وعشرين دينارًا، ثم إن رب المال أدى مما في يد زيد عشرين دينارًا زكاة لما في يد عمرو، ومما في يد/ (184 - ب) عمرو عشرين دينارًا زكاة لما في يد زيد، ثم ربح العاملان فصار ما في يد كل واحد منهما ألفًا ومائتي دينارًا، فلكل عامل مائة دينار وعشرة دنانير وربع

دينار، وما بقي في يده، فهو للمالك، وهو: ألف وتسعة وثمانون دينارًا وثلاثة أرباع دينار تسعون غير ربع. والفرق بين المسألتين إنما يتبين بتقديم أصلين، أحدهما: أن المال إذا كان فيه خسران، فاسترد رب المال طائفة في وقت الخسران اتبعنا ذلك المسترد حصته من الخسران، ولم يجب على العامل جبران حصة المسترد، وإنما يلزمه جبران حصة الباقي في يده. والأصل الثاني: أن الرجل إذا أدى عن مال القراض زكاة المال لم نجعل مقدار الزكاة - على الصحيح من المذهب - كطائفة مستردة، بل جعلناه كسائر المؤن التي تلزم المال، مثل: مؤنة الدلال والوزان، فيجب على العامل في آخر الأمر تسليم رأس المال من غير أن يحسب شيئًا من هذه المؤن، ثم يتقاسمان الربح، فأما إذا أدى عن المال الذي عند زيد شيئًا من زكاة المال الذي عند عمرو، فذلك

كطائفة مستردة من المال، فإذا كان الاسترداد في وقت الخسران استتبع القدر المسترد نصيبه من خسران المال. فإذا تقرر هذان الأصلان فبيان الفرق بينهما أن يقال: إنه في المسألة الأولى أدى من مال زيد بعض زكاة ذلك المال عشرين دينارًا، وكان في المال يومئذٍ خسران خمسة وعشرين، فالجملتان خمسة وأربعون، [وهما جميعًا مما يجب على العامل جبرانه، إذ الزكاة من جملة المؤن]، فكأنه خسر خمسة وأربعين، ثم صار المال ألفًا ومائتين، فالألف رأس المال، والمائتان ربح بينهما على المناصفة. فأما المسألة الثانية فليست كذلك؛ لأنه أدى عما في يد زيد عشرين دينارًا من حساب زكاة ما في يد عمرو، فصارت هذه العشرون طائفة مستردة من المال، وكان في المال يوم الاسترداد خسران ربع العشر، فاستتبعت العشرون المستردة نصيبها من الخسران، وذلك ربع عشر العشرين وهو نصف دينار، فكأنه

مسألة (340)

استرد عشرين دينارًا ونصف دينار، وبقي في يد العامل تسعمائة وتسعة وسبعون دينارًا ونصف، وهذا هو رأس المال، فما زاد على ذلك إلى ألف ومائتين، فكله ربح، وذلك مائتان وعشرون ونصف دينار فقسمناها بينهما نصفين؛ فلذلك خرج الجواب على ما ذكرناه. مسألة (340): العامل في القراض إذا اشترى من يعتق على رب المال بغير إذنه وقع العقد للعامل، ولم ينصرف/ إلى رب المال، وإن اشترى بعين المال، فالعقد باطل، ولو أن العبد المأذون له في التجارة اشترى من يعتق على سيده بغير إذنه، ففي المسألة قولان: أحدهما: أن العقد باطل، والثاني: أن العقد صحيح منصرف إلى السيد، ويعتق عليه من حين اشتراه. والفرق بين المأذون والعامل: أن العامل مالك ذمته ومالك الشراء لنفسه،

وإن قبل قراض غيره. ألا ترى أنه لو اشترى شيئًا في الذمة، ونوى نفسه وقع الشراء له، فلس من ضرورة القراض صرف عقوده بجملتها إلى رب المال، والشرط أن يشتري ما يربح فيه، فإذا اشترى من يعتق على رب المال كان ذلك مما لا يتصور فيه الربح، فلم ينصرف العقد إلى رب المال، وكان العامل من أهل العقد لنفسه، فانصرف إليه. وأما المأذون، فجهة تصرفاته واحدة وهي جهة السيد؛ لأنه لا يملك مالًا، ولا ذمة له مطلقة، وقد أذن له السيد في الشراء إذنًا مطلقًا، فإذا اشترى نزلت عبارته منزلة عبارة سيده، فكأن السيد اشترى من يعتق عليه، ولو أن المكاتب اشترى من يعتق على سيده صح شراؤه، فإذا عجز وتلك الرقبة في ملك المكاتب دخلت بالعجز في ملك السيد، وعتقت بالقرابة.

مسألة (341)

مسألة (341): المأذون له في التجارة إذا اشترى عبدًا بإذن سيده، وتعيينه إياه له بعد تمام الإذن، فظهر استحقاقه، ولزمته العهدة رجع بالعهدة على السيد، ولو اشتراه بغير إذنه، فخرج مستحقًا [ولزمته العهدة كانت العهدة مستقرة] على المأذون، فيكتسب ويردها، فإن اتفقت حريته قبل أدائها كانت العهدة عليه أيام حريته. والفرق بين الصورتين: أن السيد إذا عين له عبدًا، فاشتراه، فخرج مستحقًا، فالمأذون له بمعزل عن التفريط مع التعيين، ومنزلته فيه منزلة العبد المحجور عليه إذا اشترى سلعة بإذن السيد، فتكون العهدة راجعة إلى السيد. فأما إذا لم يكن من السيد تعيين، فالشراء وقع باختيار المأذون، فإذا استبان الاستحقاق انتسب المأذون إلى التفريط، فكان استقرار العهدة عليه.

مسألة (342)

وإذا ثبت هذا الفرق في المأذون بين المسألتين، فكذلك الوكيل في هاتين الصورتين، والفرق في الوكيل كالفرق في المأذون. مسألة (342): قال الشافعي - رحمه الله -: "متى شاء العامل أن يخرج من القراض خرج منه، وإن مات رب المال صار لوارثه، فإن/ (185 - ب) رضي ترك المقارض على قراضه، وإلا قد انفسخ قراضه، فإن مات العامل لم يكن لوارثه أن يعمل مكانه ويبيع ما كان في يده". ففصل الشافعي، كما ترى بين موت رب المال، وبين موت العامل مع كون العقد جائزًا من الطرفين، فجعل لوارث رب المال تقرير العامل على القراض إن أراد تقريره، ولم يجعل لوارث العامل استدامة عقد أبيه. والفرق بين المسألتين: أن الأصل في القراض هو رب المال لا العامل، لا سيما إذا قلنا: لا يملك العامل شيئًا إلا بعد المفاصلة، فجاز أن يستديم حكم العقد بعد موت رب المال على جهة الاختيار، لا على جهة اللزوم، فهذا معنى قول الشافعي - رحمه الله - في وارث رب المال: "فإن رضي ترك المقارض على قراضه وإلا قد انفسخ قراضه". فأما العامل إذا مات، فليس بأصل وإنما هو فرع وتبع، فلا يأخذ الفرع قوة الأصل.

فإن قيل: إذا اعترض الموت على العقد الجائز وجب أن يبطل. قلنا: قد أثر الموت في العقد بنقل الحق والملك؛ ولذلك احتجنا إلى إذن من جهة الوارث. فإن قيل: فإن كان إذنه ابتداء مضاربة، فاشترطوا ما يشترط في الابتداء، وهو أن يكون المال دراهم، أو دنانير. قلنا: هذا الإذن وإن أشبه الابتداء من وجه، فليس كالابتداء من جميع الوجوه، وذلك أن الوارث يخلف الموروث في بعض أحكامه، بل في عامة أحكامه، وتقوى هذه الطريقة عند من يبني حول الوارث - في الزكاة - على حول الموروث، وهذا قول حكاه الربيع عن الشافعي - رحمه الله -.، وإن كان مستبعدًا.

كتاب المساقاة

كتاب المساقاة مسألة (343): قال الشافعي - رحمه الله - في كتاب المساقاة: "وتجوز المساقاة سنين". وقال في كتاب القراض: "ولا يجوز أن يقارضه إلى مدة". فإن قال قائل: إذا كانت المضاربة مشتقة من المسافاة مستنبطة منها مشبهة بها في المعنى، والمعنى: أن كل واحد منهما معاملة على أصل غير قابل للإجارة، والمقصود الاستنماء والاستفضال، فكيف افترقا في التأقيت؟. قلنا: إنما افترقا في التأقيت؛ لأن من ضرورة المساقاة وجود المدة، وليس من ضرورة المضاربة ذكر المدة؛ لأن المساقاة تستدعي أن يعمل في البستان زمانًا طويلًا بالسقي والتأبير وتصريف/ (186 - ب) الجريد، وأنواع التعهد إلى أن يطلع النخل، فيزهي، ويرطب ويجد، ولو أنه ساقاه عليها والثمرة مزهية كانت

مسألة (344)

المساقاة باطلة؛ فلذلك كانت المدة داخلة في المساقاة، فأما العامل في القراض، فربما يربح في اليوم الواحد، أو في الأسبوع الواحد، أو في العقد الواحد ما يرتفع به مقصودهما جميعًا. والذي يوضح هذا الكلام وبه يتكامل الفرق: أن القراض في الأصل عقد جائز، فاشتراط المدة فيه - على معنى ثبوت المدة - يؤدي إلى ألحاقه بالعقود اللازمة، وذلك محال، وأما المساقاة فإنها عقد لازم، فضرب المدة فيها لا يغيرها عن أصل موضوعها. فإن قال قائل: ما الذي أوجب الفرق بينهما في الجواز واللزوم وهما في الأصل، كالأصل الواحد؟. قلنا: إنما افترقا للنكتة التي ذكرناها: أن المدة من ضرورة المساقاة، كما أن المدة من ضرورة الإجارة والإجارة من العقود اللازمة، فصارت المساقاة ملحقة بها، فأما المضاربة، فمستغنية عن المدة؛ فلذلك لم تلتحق بالإجارات، والعقود اللازمة. مسألة (344): الثمرة إذا برزت وظهرت ملك العامل في المساقاة نصيبه منها، ولا يتوقف ملكه على غاية منتظرة.

وأما الربح في المضاربة, فعلى قولين, أحدهما: إن العامل يملك نصيبه بالظهور, كما يملك الثمرة في المساقاة, والقول الثاني: أنه لا يملك منه شيئا إلا بالمفاصلة وتسليم رأس سليما وتسليما تاما. والفرق بين المسألتين: أن الربح في مال القراض وقاية المال, فلا بد من تسليم رأس المال, والتسليم عند القسمة والتجارات تارات: فتارة تربح, وتارة تخسر, فإذا ظهر شيء من الربح لم نأمن فقده باضطراب الأسواق, فلو حكمنا أن العامل صار مالكا عند ظهوره لزمنا أن نجعله بذلك الملك شريكا, ثم لا يجوز أن يكون مال الشريك وقاية لمال الشريك الثاني, فحكمنا بأنه غير مالك في الحال حتى يتقاسما. فأما عامل المساقاة, فليس كذلك؛ لأن الثمرة التي برزت لا يكون بعضها وقاية لبعض, ولا الشجرة والبستان, فكل معنى أوجب تمليك العامل في الانتهاء أوجب تمليكه في الابتداء. فإن قال قائل: إذا لم يتكامل عمله - والشرط أن يملك بالعمل (186/ ب) فكيف حكمتم له بالملك, وهلا صبرتم إلى أن تنتهي الثمرة نهايتها؟.

مسألة (345)

قلنا: الشرط بينهما أن يعمل على أن ما رزق الله من الثمرة, فهو بينهما, وقد رزق الله الثمرة؛ لأن الثمرة قد خلفت, ثم إذا خلفت وصارت موجودة, فعليه تمام العمل, كما على العامل بعد [ظهور الفائدة في العروض] البيع إلى حين تمام المقاسمة, وجمع المال لنهاية العقد والشرط. مسألة (345): إذا عامل رجل رجلا على أغنام, وشرط للعامل نصف النسل والرسل, فالمعاملة باطلة, بخلاف المساقاة. والفرق بينهما: أن الفوائد المستفادة من الأغنام تحصل بما لا يكاد يظهر فيه أثر عمل العامل, وهو: الفحولة, وأما البستان, فالعلم يحصل فيه بالعامل سقيا, وتأبيرا. فإن قيل: أثر الفحل يحصل بالعامل, كما يحصل التأبير منه, وأما

مسألة (346)

النسل, فقد يكون, وقد لايكون, كما أن الثمرة قد تكون, وقد لا تكون قلنا: ألا ترى وإن تصورت منه اختيارا في ذلك الفعل ليس إليه على الحقيقة, وإنما هو إلى ذلك الفحل المختار, فانقطعت نسبة هذا الفعل عن العامل, ولا يحتاج في ظهور ثمرة البسان إلى عمل يتعذر فيه اختيار, لأن الأشجار تثمر بنفسها, ثم التأبير هو استصلاح للثمرة, وليس يقع الفرق بين المسألتين؛ لأن الثمرة ربما تكون, وربما لا تكون لا محالة, وأن النسل - أيضا - موهوم, بل هما موهومان. والفرق بينهما: ما بيناه من وجود الاختيار, وعدم الاختيار. مسألة (346): نص الشافعي - رحمه الله - على ألفاظ مختلفة في وقت جواز المساقاة على الثمرة. والصحيح أن المساقاة صحيحة عليها قبل بروزها وإن قارب زمان العقد زمان البروز.

فأما إذا ظهرت وأطلعت النخيل, ثم ساقاه عليها ولم يعلم أن غير الثمرة البارزة لا يبرز فالمسافة باطلة. والفرق بينهما: أن الثمرة إذا لم تكن بارزة, فساقاة واشترط أن ما رزق الله من الثمرة, فهو بيني وبينك صح هذا الشرط؛ لأن الله - تعالى - لم يرزق الثمرة بعد, وإذا رزقها نزلت على مقتضى الشرط, فأما إذا كانت الثمرة قبل

مسألة (347)

عقد المساقاة بارزة ظاهرة, فلا معنى لقوله: مارزق الله تعالى, وقد رزق الله قبل العقد, إلا أن أخبرا بتعهد ثمرة سبق وجودها, وليس هذا حقيقة المساقاة. فهذا هو قياس المذهب, وإن كان على خلاف بعض ألفاظ الشافعي [رحمه الله - فهي على/ (187 - ب) وفق بعض ألفاظه]. مسألة (347): قال الشافعي - رحمه الله عليه -:" ونفقة الرقيق على ما يتشارطان عليه, وليس نفقة الرقيق بأكثر من أجرتهم, فإذا جاز أن يعلموا للمساقي بغير أجرة جاز أن يعلموا بغير نفقة". ومراد الشافعي - رحمة الله عليه بهذا الكلام - أنهما لو تشارطا أن تكون نفقة الرقيق الذين يعملون في البستان على العامل جاز, وإن تشارطا على أن تكون النفقة على المالك كان جائزا, وقد جوز الشافعي - رحمه الله - أن يشترط العامل على رب البستان في نفس عقد المساقاة عبيدا يعملون معه, بشرط أن لا

يستعملهم العامل في غير البستان, ومن ملك عبيدا فنفقة العبيد بأصل الشرع على سيدهم لا تتحول إلى غيره بالشرط. ولو قارض رجل رجلا واشترط العامل على رب المال عبيدا يعملون معه لم يجز ذلك في القراض فإن رضي رب المال بأن يعمل معه غلمانه, ويشترط للغلام جزءا, وشرط أن يكون الربح بينه وبين العامل والغلام أثلاثا, فهو جائز. والفرق بين العاملين: أن العامل في البستان إنما يتمكن من العمل غالبا بالأعوان, وقلما يخلو البستان عن آلات العمارة مثل السواقي, وربما يكون في البستان ثيران, وغيرها, فيدخل العامل في عمل البستان على أن يترك رب البستان في يده تلك الآلات ليعمر بها ويستعين بها على عمله, فيكون الغلمان بهذه المثابة, وربما يكون لرب البستان غلام راتب في البستان يرصده لعمارته, ومثل

هذا لا يتصور في الدراهم والدنانير إذا دفعها إلى رجل قراضا, وإنما العمل فيها ببيعه وشرائه وإذا احتاج إلى حمال, أو كيال فليس ذلك من التجارة, ومؤنات مال القراض في المال. ومعنى قول الشافعي - رضي الله عنه -: " نفقة الرقيق على ما يتشارطان عليه" أي رب البستان يكون ملتزما بنفقة الرقيق, ولكن إن أمر العامل بالإنفاق عليهم على شرط الرجوع, فلا بأس, وإن اشترط على العامل نفقة العبد, فهذا الشرط في قياس المذهب فاسد, وقد قيل في المسألة غير ذلك, والصحيح ما قررناه, والله أعلم بالصواب.

كتاب المزارعة

كتاب المزارعة مسألة (348): إذا زارع رجل رجلا على قطعة أرض على أن مارزق الله من الغلة يكون بينهما نصفين, أو أثلاثا, فهي المخابرة المحرمة الباطلة, ولا فرق فيها بين أن يكون البذرة من جهة صاحب الأرض أو من جهة العامل. وكذلك المزارعة فلو قال: زارعتك (187 - ب) على نصف هذه الأرض بمنافع نصفها, ويكون البذر مناصفة صحت المزارعة, وكانت إجارة من الإجارات الصحيحة. والفرق بين الصورتين: أنه في الصورة الأولى استأجر بأجرة مجهولة

مسألة (349)

المقدار, والإجارة بالأجرة المجهولة باطلة, ولولا دلالة الإجماع في المضاربة والسنة الصحيحة في المساقاة لما صحا على مثل هذه الجهالة, [ولما باينت المزارعة: المساقاةوالمضاربة المشتملة على الجهالة, إذ هذا المعنى موجود في الأشجار والدراهم والدنانير] , بخلاف المسألة الثانية فإنه استأجرها بأجرة معلومة وهي: منافع نصف الأرض, فإذا كان البذر من جهتهما على المناصفة كان زارعا نصف الأرض لصاحبها ببذر صاحبها, وزارعا نصفها لنفسه ببذر نفسه فلهذا صحت المزارعة. مسألة (349): المزارعة الصحيحة التي صورناها لو وردت على الأرض وكان في الأرض نخلات متفرقة, وأدخلها في المعاملة مساقاة تبعا للمزارعة لم يجز.

ولو ساقى رجل رجلا على نخل في بستان, وزراعه على البياض الذي بين ظهراني النخيل, وكان البياض بحيث لا يمكن سقي النخيل إلا بسقيه دخل البياض في المساقاة على جهة التبع, وكذلك فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر. والفرق بينهما: أن هذه المزارعة الصحيحة إجارة لما بين النخيل من البياض بأجرة معلومة والمساقاة ليست من جنسها [فلا يستتبع ما فيه جهالة لما

بينهما من المباينة, وإذا ساقاه على النخيل] والمزارعة على البياض الذي بين النخيل, فهو من جنس المساقاة؛ لأن كل واحد منهما استعمال على غير معلوم إلا بالجزئية, وإذا كانا متجانسين استقام الاستتباع والإتباع, ولا يستقيم ذلك في المتباينين.

كتاب الإجارات

كتاب الإجارات مسألة (350): إذا استأجر رجل دابة بعينها؛ ليركبها, أو ليحمل عليها جاز أن يتفرقا عن مكان العقد قبل قبض الأجرة, وإن كانت غير معينة لم يجز أن يتفرقا عن مكان العقد إلا بعد تسليم الأجرة. والفرق بينهما: أن الإجارة [صنف من البيوع هذا لفظ الشافعي. إذا كانت الدابة معينة في الإجارة [كانت بيوع أعيان, وليس من شرط بيوع الأعيان تسليم الثمن في المجلس, [وإذا كانت الإجارة موضوفة في الذمة, فهي بيوع صفات, وبيوع الصفات تقتضي تسليم الثمن في المجلس].

وأما إذا كانت الدابة غير موصوفة بأوصاف/ (189 - ب) السلم في عادة الإجارات كانت الإجارة باطلة, كما يبطل السلم بترك الاستقصاء في الوصف. ثم إذا تلفت الدابة المعينة في الإجارة بطلت الإجارة ولا سبيل إلى تبديل الدابة, كالعين إذا تلفت بعد البيع في يد البائع انفسخ البيع, وكالدار المكراة إذا انهدمت, وأما في الموصوف فمتى ما تلفت الدابة كان على المكري دابة أخرى, لأن العقد معلق بالوصف. وعلى هذا إجارات لأجراء يستأجرون للأعمال, فإذا ألزمنا العمل ذمة الأجير فالشرط تسليم الأجرة في المجلس, وإذا استأجر عين الأجير جاز الافتراق عن مجلس العقد قبل تسليم الأجرة, ولا يجوز للأجير - في إجارة العين أن يؤجر نفسه غير المستأجر الأول, ولا أن يعمل ذلك العمل

مسألة (351)

لأحد غيره على جهة الاستنابة إلا بإذن المستأجر, وأما إذا كانت الإجارة في الذمة جاز للأجير أن يؤجر نفسه, لأن نفسه بمعزل عن إجارة الذمة, فإن شاء باشر ذلك العمل بنفسه, وإن شاء استناب نائبا ليقوم في العمل مقامه. مسألة (351): إذا اكترى رجل دابة موصوفة غير معينة لحمل غلام معين إلى مكان معلوم, فمات ذلك الغلام انفسخت الإجارة. وقال الشافعي - رحمه الله عليه -: لو أستأجر في بدل الخلع زوجته للإرضاع فمات العلام, فإن كان الغلام من امرأة أخرى: لم تنفسخ الإجارة وله أن يسترضعها ولدا آٌخر. والفرق بين المسألتين: أن الإجارة الأولى استأجر دابة موصوفة في الذمة على أن يحصل تسليم تلك المنفعة في عبد بعينه لحمله من مكان إلى مكان, فإذا تعذر تسليمها وإيصالها إلى ذلك المكان بعينه, انفسخت الإجارة, كما ينفسخ

بتعذر تسليم المسلم فيه بانقطاعه, وأما إذا استأجر المرضعة لولد بعينه ترضعه, فمات ذلك الولد, فهذه الإجارة إجارة عين لا إجارة صفة, فإذا تعذر تسليم تلك المنفعة في ذلك الولد لم يتعذر تسليمها في ولد غيره. ثم يفصل في الإرضاع بين هذا الولد وبين ولده منها: فإنه إذا كان منها والإجارة عليها, فمات الولد, ففي انفساخ العقد قولان. والفرق بين الولد منها وبين الولد من غيرها: أن الولد إذا كان منها ترامت عليه مالا تترام على غيره, واستمر لبنها مالا يستمر على ولد من غيرها, فإذا كان الولد الأول من غيرها نزل الثاني منزلته. وإذا تقرر ما بيناه من الفرق بين منفعة موصوفة تسلم في عين, وبين منفعة من عين معينة, وعلى هذا الأصل: لو استأجر رجل عين الخياط؛ ليخيط له

مسألة (352)

ثوبا, فاحترق الثوب, فالإجارة بحالها ويخيط ثوبا مثله, وإذا ألزم الخياط ذمته على أن يسلمها في ثوب بعينه, فتلف الثوب انفسخت الإجارة, لأن الثوب المعين إذا احترق - والمنفعة موصوفة في ذمة الأجير - تعذر تسليم تلك المنفعة على شرط الوصف, فإن من شرط الوصف تسليمها في ذلك المحل, والمنفعتان تتغايران بتغاير المحل, وليست الأعيان كذلك, وشرط السلم تسليم الموصوف على الوصف المذكور. مسألة (352): إذا اشترى رجل نصف دار شائعا والدار محتملة للقسمة كان البيع جائزا, وكان المشتري مجبورا على مؤنة يلتزمها بسبب هذا البيع, وهي مؤنة المقاسمة إذا طلب شريكه القسمة. ولو استأجر رجل أرضا؛ ليبني عليها بناء إلى مدة معلومة, فبني وانقضت

المدة, فأراد رب الأرض بيعها دون البناء, فليس له ذلك إلا ببيعهما جميعا بنظر صاحب الأرض وصاحب البناء, هكذا قال بعض مشايخنا, وعلل فقال: من قبل أنه يلزم المشتري لو أجرنا البيع قيمة البناء [لو أراد ذلك البناء, ومراده بهذا: أن الباني لو أراد أن يلزم المشتري قيمة البناء] كان له إلزامه, فلا يجوز أن يشتري ما يلتزم بسببه - لا محالة - قيمة بناء. والفرق بين المسألتين: أنه إذا اشترى أرضا مشغولة بالبناء كانت منافعها ممنوعة بذلك البناء, فلا يتمكن المشتري من الانتفاع إلا بأن يشتري البناء, [فتصير المنفعة له مصروفة إلى البناء, أو إلى تبقيته, أو بأن يقلع البناء] فينتفع بالأرض كيف شاء، والبناء ملك لغير مالك الرض, فلابد من عقد آٌخر حتى يصل مشتري الأرض إلى منافع الأرض. وأما إذا اشترى مشاعا, فالمشتري متمكن من الانتفاع بالمشاع, كما ينتفع بالمقسوم, وإنما نلزمه مؤنة المقاسمة إذا طالبه الشريك بالمقاسمة بعلة القسمة, لا للتمكن من المنفعة, وليست العلة ما علل به بعض

مسألة (353)

أصحابنا: من أن صاحب الأرض وصاحب البناء إذا لم يبيعا معا لزوم المشتري قيمة البناء. وقال بعض أصحابنا يجوز بيع الأرض من غير بيع البناء, ثم ينزل المشتري منزلة البائع مع صاحب البناء, فإن شاء كلفه قلع البناء, وغرم له ما نقص, وإن شاء أدى إليه قيمة بنائه واشتراها منه, وإن شاء رضي بتقرير بنائه والتزم له أجرة المثل في المستقبل, كما كان البائع مخيرا في هذه الخصال الثلاث؛ لأن كل من اشترى ملكا وكان في ذلك الملك حق شائع لمستحق نزل المشتري مع ذلك المستحق (190 - أ) منزلة البائع. مسألة (353): الإجارة على الملك لا تنفسخ بموت أحد المتعاقدين, والإجارة على الوقف تنفسخ بموت المكري الذي هو من أرباب الوقف والفرق بينهما: فرق جمع عند التحقيق وذلك: أن الواقف إذا شرط في وقفه صرفه إلى فلان مادام حيا, وشرط في وقفه صرفه بعد موته إلى رجل اٌخر, فمات الأول بعد عقد الإجارة, لم ينتقل حقه من الوقف انتقال ميراث, وإنما ينتقل انتقال شرط, فموته استحقلقه, وكيف تبقى الإجارة وقد صارت المنافع بالشرط حقا للثاني؟.

مسألة (354)

ولو أنه مد استحقاق الأول إلى غاية سوى الموت, فقال: وقفت على فلان ما دام عفيفا, فإذا صار فاسقا, فعلى فلان, بطلت إجارته حين صار فاسقا؛ لأن الوقف انتقل إلى غيره, والإجارات لا تنفسخ بالفسق والعدالة, وكذلك إجارة الوقف في مسألة الموت ما انفسخت بالموت, وإنما انفسخت بانتهاء الشرط, كما لا تنفسخ سائر الإجارات بموت المتعاقدين, ولكن للوارث أن يخلف الموروث فيما يستحقه, وفيما يستحق عليه. مسألة (354): إذا زوج الرجل جاريته من رجل, ثم باعها من غير زوجها, فالبيع صحيح بلا خلاف, وإن كانت مستحقة المنفعة بالنكاح, وإن أجر دارا ثم باعها من غير مستأجرها ففي صحة البيع قولان.

والفرق بين المسألتين: - على أحد القولين -: أن الجارية المزوجة إذا بيعت يتيسر تسليمها إلى المشتري, فينزل في استخدامها منزلة بائعها, ثم كان بائعها يسلمها عند الفراغ من خدمته إلى زوجها, فكذلك مبتاعها مثله, وليس من ضرورة الملك على الجارية حل بضعها له, ولهذا الرجل يشتري أخته وهي محرم عليه مباشرتها. وأما الدار المكراة إذا بيعت فلا يتيسر تسليمها إلى مشتريها؛ لأن تسليم العقار بالتخلية, والتخلية متعذرة بسبب التخلية السابقة. فإن قال قائل: عقد الإجارة يتناول [منافع الدار, وعقد البيع يتناول] رقبتها, وإذا اختلف العقدان في المحلين فالتنافي محال. قلنا: المقصود من عقد الإجارة هو: منافع الدار, فأما العقد فإنه يتناول الدار, وما صارت الرقبة فارغة عن العقد, ولا العقد بمعزل عن الرقبة, ثم مع هذه العبارة لا بد من أن تكون رقبة الدار مشغولة بيد المستأجر, ولو كانت ممنوعة بيد غاصب لم يصح بيعها ويده يد عدوان, وكيف يصح بيعه ويد المكتري يد استحقاق؟.

مسألة (355)

مسألة (355): إذا اشترى الرجل زوجته انفسخ النكاح بلا خلاف في ذلك وإذا اشترى المكتري ما اكترى, فقد قال بعض أصحابنا: إنه تنفسخ الإجارة, كالنكاح, وقال بعضهم: الإجارة بحالها إلى منتهاها, حتى أنه لو اطلع على عيب مؤثر في المنفعة كان له بعد الشراء فسخ الكراء واسترداد ما يقابل المدة الباقية من الإجارة. والفرق بين المسألتين: أن الرجل إذا اشترى جارية وليس بينه وبينها نسب يحرمها, ولا رضاع, ولا ما أشبههما, فمقتضى الملك في مثل هذه المملوكة حل البضع, والبضع في الحالة الواحدة لا يكون حلالا للشخص الواحد من جهتين مختلفتين: بملك يمين ونكاح, وقد صح الشراء بالإجماع, فإذا دخل البضع بملك اليمين استحال [بقاء الحل بالنكاح, والنكاح إذا استحال فيه الحل استحال] بقاؤه كما استحال ابتداؤه, وليست منافع الدار كذلك, فإن

مسألة (356)

المنافع تستباح بجهات مختلفة, والأمر فيها أوسع من الأمر في منافع الأبضاع, فإذا تملكها بعقد الإجازة, ثم ملك الرقبة جاز ألا يتملك المنفعة بالعقد الذي تملك به الرقبة, لاسيما إذا جوزنا بيع الدار المكتراة من غير المكتري, فيملك رقبتها, ولا يملك منافعها, وأيضا فإن النكاح لو انفسخ بالشراء لم يرجع ضرر الانفساخ إلى من عقد النكاح, وإنما يرجع الضرر إلى الزوج, بأن يرتفع عقده. وأما الإجارة إذا انفسخت فإن ضرر انفساخها يعود إلى من عقد ذلك العقد, وذلك الضرر استرجاع بعض الأجرة عند بعض أصحابنا. مسألة (356): إذا اكترى دارا سنة من أبيه, فمضى بعض السنة, فمات الأب وخلف ابنين أحدهما: المكتري - وقلنا: ينفسخ الكراء - رجع الابن في التركة بقسط ما بقي من المدة, فيكون غريما, كسائر الغرماء.

مسألة (357)

وإذا اكترى دارا, فمضى بعض المدة واشترى ما اكتراه - وقلنا: إنه انفسخ الكراء - لم يكن له عند بعض أصحابنا أن يرجع بقسط المدة الباقية. ومنهم من قال: له الرجوع والاسترجاع مثل مسألة الموت, وإذا قلنا: بالفرق. والفرق بين المسألتين: أن الانفساخ في مسألة الشراء باختيار المكتري, لأنه هو المشتري, وأما الانفساخ في مدة الموت, فليس هو على جهة الاختيار, وإنما هو على جهة الإجبار. مسألة (357): قد ذكرنا أنه إذا اشترى ما اكترى - في أحد الوجهين - أن للبائع استحقاق الأجرة لمدة الباقية على هذا المشتري. وإذا اشترى زوجته قبل المسيس فالمتعة غير (191 - أ) مستحقة على الصحيح من المذهب. والفرق بينهما: أن استحقاق الأجرة على المشتري المكتري للمدة الباقية

استحقاق ليس فيه منافاة, والإيجاب له يتضمن الإسقاط, بل نقول: ملك الرقبة بعقد الرقبة وبقيت المنفعة مملوكة بعقد المنفعة فيبقى عليه عوض تلك المنفعة. وأما إيجاب المتعة - لو أوجبناها - فإنه يتضمن إسقاطا, وكل إثبات يتضمن نفيا, فهو عين التنافي. وبيانه: أن المتعة في نكاح الإماء الحرائر إنما تجب بالطلاق عقيب وقوعه, أو بالفرقة عقيب وقوعها بدلا عن العقدة السابقة. ألا ترى أن رجلا لو زوج جاريته, ثم باعها وطلقها زوجها, فالمتعة للسيد الثاني والمهر للسيد الأول. ولو قلنا: إنه تجب المتعة على الزوج المشتري لوجب عليه له؛ لأنه للسيد الثاني, والإيجاب له عليه محال, فهذا معنى قولنا: إنه إيجاب يتضمن إسقاطا؛ ولهذا قال الشافعي - رحمة الله - في باب المتعة -: "إنه إذا كان الفراق

مسألة (358)

من قبلها, فلا متعة لها, ولا مهر لها؛ لأنها ليست بمطلقة, وكذلك إذا كانت أمة, فباعها سيدها من زوجها, فهو أفسد النكاح ببيعه إياها". وهذا التعليل لا يشبه أن يكون من جهة الشافعي - رحمه الله - لآن المتعة لو وجبت لم يجز أن تجب للبائع, فكيف يستقيم في الإسقاط هذا التعليل؟. مسألة (358): القصار إذا غسل الثوب فليس له حبسه لاستيفاء الأجرة عند بعض أصحابنا, ومنهم من قال: له ذلك, وهو الأصح وللبائع أن يحبس السلعة لاستيفاء الثمن في جميع منصوصات الشافعي, أو يعدل الثمن, وما سوى ذلك فهو تخريج, فمن قال: ليس للقصار أن

يحبس, قال: ذلك على أصل الشافعي رحمه الله. وذكره في كتاب التفليس, وعلق القول فيه وهو: إن منافع القصار أثر أم عين؟ فيه قولان, فإذا جعلناها بمنزلة العين: جعلنا للقصار حبس ذلك الثوب إلى أن يستوفي الأجرة, كما يحبس البائع السلعة إلى أن يستوفي الثمن, فعلى هذا الأصل لو تلف الثوب المقصور باٌفة من جهة السماء: فإذا جعلنا المنفعة عين مال لم يستحق الأجرة, كما لو تلفت السلعة في يد البائع قبل التسليم, وإذا جعلناها أثرا, [استحق أجرته وإن تلف الثوب, لأنا إذا جعلناها أثرا] جعلناها في حكم المسلم كرد الثوب.

مسألة (359)

ولو أن القصار فرغ من العمل فجاء أجنبي فأتلف الثوب كان للمالك أن يرجع على (191 - ب) المتلف فإن رجع عليه بقيمته مقصورا رجع القصار على رب الثوب بالأجرة, وإن رجع صاحب الثوب على المتلف بقيمته غير مقصور - وجعلنا القصارة عين مال - رجع القصار على المتلف بالأجرة. ولو أن القصار أتلف الثوب بنفسه بعد العمل ففي جنايته قولان, كالقولين في جناية البائع على السلعة قبل التسليم, أحد القولين: أن جنايته كاٌفة سماوية, وقد عرفت حكمها. والثاني: أن جنايته, كجناية أجنبي, وقد بينا حكم جناية الأجنبي مسألة (359): إذا اكترى رجل دارا, فعلى المكري أن يعمرها: بتطيين سطحها, وإن تعذر غلق فعليه [إصلاح ذلك الغلق, وكذلك إن تهدم جدار, فعليه] إعادته بعينه.

مسألة (360)

ولو كان في الدار بيت لا باب له فليس عليه نصب باب عند بعض أصحابنا, ومنهم من قال: عليه ذلك. والفرق بينهما: عند من سلك طريق الفرق: أن نصب هذا الباب إحداث ما لم يتناوله العقد؛ ولهذا لو تكسرت خشبة لم يلزمه إبدالها, وإنما يلزمه إصلاحها, فكيف يلزمه استحداث نصب باب لم يكن؟. ومن ألزمه النصب ادعى أن التمكين من المنافع مستحق عليه, وإنما يتكامل ذلك بنصب الأبواب والأغلاق. مسألة (360): كنس الدار المكراة, وتنظيفها ليس على المكري, ولكن للمكري فعله إن شاء, وأتون الحمام إذا امتلأ رمادا, فقد قال بعضهم: على المكري إخراج الرماد. ومنهم من قال: هو على المكتري, وكذلك الكلام في البالوعة.

مسألة (361)

والفرق بين كناسة الدار, وبين رماد الأتون: أن تنظيف الأتون من الرماد هو للتمكن من الانتفاع, فصار ذلك, كتطين السطوح, وإصلاح الأغلاق والمفاتيح, بخلاف كنس الدار, فليس للتمكين من الانتفاع؛ لأن المكتري لو أراد أن يسكنها وهي غير مكنوسة أمكنه السكنى, فإذا كنسها, فإنما يكنسها نظافة, وليس على المكري مؤنة نظافة المكتري. مسألة (361): قال الشافعي - رضي الله عنه -: لو استأجر أجيرا يحفظ ثمار بستان بثمرة نخلة منه بعينها كان ذلك جائزا, وحكم بأن الأجير في بعض الأحوال يكون خليطا في الزكاة والمسألة منصوصة في رواية الربيع. وقال مشايخنا: لو أن رجلا استأجر رجلا, لذبح شاة بجلدها فالإجارة فاسدة. والفرق بينهما: ببالجهالة والعلم, لأن الجلد مادام على الحيوان هو غير معلوم الصفة, وإنما يصير معلوما بالسلخ. وأما ثمرة النخلة المعينة فإنها معلومة؛ ولهذا قال الشافعي - رحمه الله-: لو

مسألة (362)

استأجر رجل رجلا لحمل حمل ميت إلى بعض المواضع بجلده, فهذه إجارة فاسدة؛ لمعنيين: أحدهما (192 - ب): أنه جلد ميتة, والثاني: أنه مجهول, لأنه جاهل بباطن الجلد. مسألة (362): قال الشافعي - رحمه الله -: " لو اكترى دارا بعشرين دينارا على أن ينفق عليها من تلك الدنانير كرهت ذلك, فإن أنفق دون العشرين, فله الرجوع على مالك الدار, وإن زاد على العشرين، فليس له الرجوع على المكري إلا بأقل من العشرين, وعليه [أجرة المثل", فحكم بفساد الإجارة؛ لأنه شرط عليه الرضي بأن يعمر ملكه] , وفصل بين المقدارين المذكروين, لمكان حذف التبعيض, كما ذكر في كتاب المكاتب فقال: " لو أوصى فقال: ضعوا عن مكاتبي ما شاء, فشاءها كلها, لم يكن له إلا أن يبقى منها شيئا" فإذا استفاد من لفظ الوضع التبعيض, فما ظنك بحذف التبعيض.

مسألة (363)

مسألة (363): إذا اكترى رجل دابة على أيحملها عليها مائة منا من حديد, فحمل عليها مائة وعشرين منا حديدا استحق الأجرة, ووجب عليه للزيادة أخذ المثل زيادة. وقد قال الشافعي - رضي الله عنه -: " إذا اكترى أرضا ليزرعها قمحا فله أن يزرعها مالا يضر بالأرض إلا ضرار القمح فإن زرعها ما يضرها مثل ما له عروق تبقى فيها فليس له ذلك, فإن فعل فهو متعد, ورب الأرض بالخيار: إن شاء أخذ وما نقصت الأرض عما ينقصها زرع القمح, أو يأخذ منه كراء مثلها". والفرق بين المسألتين: أنه إذا استأجر دابة؛ ليحمل عليها مائة من, فحمل

مسألة (364)

عليها مائة وعشرين منآ, فقد استعملها, [في الجنس المعين بعقد الإجارة, ولم يستعملها في غير] جنس واحد وإن زاد الوزن, فاستقر عليه ما سبق تسميته, واستوجب المالك عليه زيادة للزيادة التي حمل عليها. وأما إذا اكترى الأرض؛ قمحآ فزرعها ذرة, أو اكترى دابة؛ ليحمل عليها حديدا موزونا, فحمل عليها تبنآ, أو ليحمل عليها تبنآ, فحمل عليها حديدا, فقد استعمل العين في غير الجنس المشروط؛ فلهذا صار المكري مخيرآ بين إجازة العقد والرضا بالمسمى وتغريم النقص, وبين فسخ العقد وتغريم المثل. مسألة (364): إذا اكترى أرضا لا ماء لها بلفظ مطلق, فالعقد باطل, وإن

مسألة (365)

قال المكري: أكريتها على أن لا ماء لها, فالعقد صحيح. والفرق بين الإجارتين: أنه إذا أطلق لفظ الكراء صار العقد مجهولا على أمثاله في العرف والعادة في كراء الأرض بالماء, فصار اللفظ المطلق مقيدا بالعادة الغالبة, ولو قال: أكريتها ليزرعها بمائها ولم يكن لها ماء كان الكراء فاسدا, وأما إذا قيد العقد, فقال: على أن لا ماء لها, فقد صارت تلك العادة مقطوعة عن العقد, فيبقى العقد صحيحا, فإن شاء زرع وإن شاء انتفع بوجه من وجوه الانتفاع. ومثال هذا أن الرجل لو باع ثمرة لم يبد صلاحها وأطلق البيع, فالبيع باطل؛ لأنه مقيد بعادة التبقية, ولو باعها بشرط القطع كان البيع صحيحا؛ لأن هذا الشرط قطع العادة عن العقد. مسألة (365): إذا اكترى أرضا, ليزرعها على ماء كان معلوما لها, فانقطع الماء, وانقطع الرجاء, ولم يفسخ المكتري العقد حينئذ, ثم بدا له في

فسخه فليس له سلطان الفسخ. وإن انقطع الماء, ولم ينقطع الرجاء, ولم يفسخ العقد, ثم بدا له الفسخ من بعد, كان له الفسخ. والفرق بين المسألتين: أن الماء إذا انقطع, وانقطع الرجاء, فقد تحقق العيب للحالة الراهنة وللحالة المنتظرة اطلاع على حقيقة العيب, فبطل حقه برضاه, وصار, كمن رضي بالعيب في البيع, ثم أراد رد السلعة المعيبة. وأما إذا انقطع الماء, ولم ينقطع الرجاء, فرضي بترك الفسخ, فتأثير هذا الرضا ليس هو في مستقبل حقه, وإنما يؤثر في الماضي, فيتجدد له حق الفسخ في كل لحظة إذا لم يتحقق رجاء الماء.

مسألة (366)

وهذا, كما قلنا في المشتري يرضى بترك الفسخ لما أبق العبد المبيع من يد البائع بعد البيع يؤثر رضاه في ماضي حقه دون مستقبله, فيكون له الفسخ متى شاء, وكذلك امرأة المولى إذا رضيت, ثم ندمت, بخلاف امرأة العنين, فإنه لا ينفعها الندامة بعد الرضا. مسألة (366): إذا اكترى أرضا ليزرعها ذرة, فزرعها قمحا فعليه المسمى دون غيره ولو اكتراها ليزرعها حنطة فزرعها ذرة فعليه غرامة النقص - كما حكيناه عن الشافعي رضي الله عنه إن رضي المالك.

بإجازة العقد, فغرم بالمخالفة في إحدى الحالتين, ولم يغرم في الحالة الأخرى. ولو اكترى دابة ليحمل عليها حديداً فحمل غليها تبناً, أو ليحمل عليها تبناً فحمل عليها حديداً, فعطبت الدابة فالغرامة عليه في الحالتين. والفرق بين الحالتين: أنه إذا اكترى أرضا ليزرع الذرة فزرع قمحا فقد نقص الضرر, وزاده خيراً وصلاحا وبرآ فيها فاستحال أن يغرم شيئا, وإنما يغرم إذا زرعها ذرة, [وكان قد استأجرها لزراعة القمح]؛ لأن ضررها فوق ضرر القمح. وأما المسألة الثانية وهي مسألة الحديد, والتبن, فما من مخالفة من المخالفتين إلا وهي متضمنة نوعا من الضرر ليس في الآخر: وذلك أنه إذا استأجرها ليحمل عليها تبنا فحمل عليها حديدا فالحديد مثقل في بدنها موضعا مخصوصا فيهده هدآ، وربما يرض - أيضا - العظام رضا, ولا يوجد هذا الضرر في التبن المحمول عليها؛ لأنه مسترسل على بدنها كله/ (193 - أ) أو جله.

مسألة (367)

وأما إذا اكترى الدابة ليحمل عليها حديداً فحمل عليها تبناً: فإن التبن يعمها عماً مالا يعمها الحديد, لاختصاص ثقله بموضع مخصوص منه. مسألة (367): قال الشافعي - رضي الله عنه - في كتاب الأم: - " إذا غصب رجل داراً مكتراة من مكتريها, فليس للمكتري مخاصمة الغاصب فيها, وإنما للمكري مخاصمة الغاصب أرأيت لو أقر المكتري للغاصب بتلك الأرض لكنت لا أقبل إقراره, ولو أقر المكري كنت أقبل إقراره" فظاهر تعليل الشافعي - رحمه الله - دليل على أن المكري لو أقر للغاصب برقبة الدار المكراة كان إقراره مقبولاً في الرقبة, لا في إبطال عقد المكتري عقد المنفعة. وأصح طريقة في هذه المسألة أن ينظر: فإن أقر المكري للغاصب برقبة الدار بعدما أكراها وقبل أن يغصبها من المكتري لم يقبل ذلك الإقرار في

إبطال عقد المكري, وإن غصب الغاصب الدار من المكتري, ثم أقر المكري للغاصب بالدار وهي في يد الغاصب كان إقراره مقبولاً في إبطال عقد الكراء. والفرق بين الحالتين: أن المكري إذا أقر بأني غصبتها وكانت الدار وقت الإقرار في يد المكتري, فقول المكري غير مقبول في زمان تكون المنافع فيه حادثة في يد المكتري. وأما إذا كانت الدار مغصوبة, فأقر المكري, فالمنافع زمان إقراره غير حادثة في يد المكتري, بل هي حادثة في يد الغاصب, فهذا الإقرار مقبول, فقبل إقراره في إبطال عقد الكرى. وبهذه النكتة يفصل بين هذه المسألة وبين من رهن عبداً وسلمه, ثم أقر بأنه كان باعه من رجل آخر قبل رهنه لم يقبل إقراره في أحد

القولين؛ لأن الرهن حالة إقراره في يد المرتهن. وادعى بعض أصحابنا قولين تخريجا من مسألة الرهن إلى مسألة إقرار المكري للغاصب, والأصح فيه طريقة الفرق, كما بيناه. والله أعلم.

=====

فهرس محتويات الجزء الثاني الموضوع ... الصفحة المقدمة .................................................................................. 3 كتاب الزكاة ............................................................................ 19 مسائل القيم في الزكوات والكفارات ....................................................... 24 مسائل الثمار .......................................................................... 110 مسائل زكاة التجارة ................................................................... 121 مسائل زكاة المعدن ..................................................................... 150 مسائل صدقة الفطر ..................................................................... 156 كتاب الصيام .......................................................................... 171 كتاب الاعتكاف ....................................................................... 186 كتاب الحج ............................................................................ 190 كتاب البيوع ........................................................................... 329 مسائل الربا ............................................................................. 349 مسائل القبض .......................................................................... 389 مسائل الثمار ........................................................................... 402 مسائل الرد بالعيب ...................................................................... 406 مسائل اختلاف المتابعين .................................................................. 424 مسائل المرابحة ........................................................................... 432 مسائل البيع الفاسدة ..................................................................... 437 كتاب السلم ............................................................................ 449 كتاب الرهن ............................................................................ 477

الموضوع ....................................................................... الصفحة كتاب التفليس ................................................................. 545 كتاب الحجر ................................................................... 563 كتاب الصلح ................................................................... 569 كتاب الحوالة ................................................................... 581 كتاب الضمان ................................................................. 587 كتاب الشركة .................................................................. 595 كتاب الوكالة ................................................................... 606 كتاب الإقرار .................................................................... 616 كتاب العارية .................................................................... 636 كتاب الغصب ................................................................... 644 كتاب الشفعة .................................................................... 671 كتاب القراض .................................................................... 691 كتاب المساقاة .................................................................... 699 كتاب المزارعة .................................................................... 708 كتاب الإجارات .................................................................. 712

الجمع والفرق أبو محمد عبد الله بن يوسف الجويني المتوفى سنه 438 هـ تحقيق ودراسة عبد الرحمن بن سلامه بن عبد الله المزيني الأستاذ المساعد بقسم الفقه بكلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم الجزء الثالث دار الجيل

دار الجيل للنشر والطباعة والتوزيع جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولي 2004 م - 1424 هـ بيروت: البوشرية - شارع الفردوس - ص. ب: 8737 (11) - برقيا دار جيلاب هاتف: 689950 - 686651 - 689952/ فاكس: 689953 (009611) Email: [email protected] Website: www.daraljil.com القاهرة: هاتف: 5865659/ فاكس: 5870852 (00202) تونس: هاتف: 71922644/ فاكس: 71923634 (00216)

كتاب إحياء الموات

كتاب إحياء الموات مسألة (368): إذا اشترى رجل أرضاً وظهر فيها معدن كان مالكاً للمعدن، ولو ظهر فيها ركاز من دفن الجاهلية لم يكن له حق في الركاز، وكان الركاز لمن ملكها قبله، فإن لم يعترف البائع بأنه ملكه عرض على من ملكها قبل هذا البائع، فإن لم يعترفوا، فهو لمن أحيا تلك الخطة الإحياء الأول. والمسألتان منصوصتان. والفرق/ (193/ب) بينهما: أن المعادن المستكنة من الذهب والفضة وسائر الجواهر إنما هي عروق الأرض وأجزاؤها، ومن اشترى أرضاً ملك أجزاءها الظاهرة والباطنة إلى أسفل الثرى. وأما الركاز المدفون، فليس هو من عروق الأرض وأجزائها، وإنما هو

مسألة (369)

مودع بدفن؛ ولهذا قال الشافعي- رضي الله عنه في كتاب البيوع-: "وإن كان في الأرض حجارة مستودعة، فعلى البائع نقلها وتسوية الأرض على حالها "، فجعل الحجارة المستودعة للبائع دون المشتري، فكذلك الدراهم والدنانير. مسألة (369): إذا اشترى أرضاً فيها ركاز [لم يستخرج قط لم يملك الركاز بالشراء، ومن أحيا أرضاً ميتة فيها ركاز] ملك الركاز بالإحياء. والفرق بينهما: أن من أحيا أرضاً ميتة، فملكه على الأرض ملك غير مسبوق، ولو أنه قبل الإحياء استخرج ذلك الركاز حكم بأنه صار ملكاً له؛ لأنه مال عادي وجده في أرض عادية، فإذا أحياها ولم يستخرج الركاز حكم بأنه حصل ملكاً للركاز، فصار أولى به من جميع الناس. وأما من اشتراها بعد الإحياء، فالركاز الذي فيها لا يدخل في ملكه؛ لأنه مسبوق ملكه، وعقد البيع يتناول الأرض بأجزائها، وليس الركاز من أجزائها.

مسألة (370)

مسألة (370): القتال إذا جرى بيننا وبين المشركين، فدافعونا عن بلادهم ودافعناهم، ثم افتتحناها، وبين ظهرانيها موات، فإن كانت المدافعة عن الموت والعمران، فليس لغير الغانمين مزاحمة الغانمين في إحياء الموات. وإن كانت المدافعة عن العمران دون الموات، فجميع المسلمين في الإحياء سواء. والفرق بين الحالتين: أنهما إذا لم يدافعوا عن الموات ودافعوا عن العمران، فالغانمين وسائر المسلمين سواء، لم يوجد منهم أثر، ولا قصد قتال للاستيلاء على الموات؛ فلهذا استووا، واشتركوا في حق الإحياء، وأما إذا كانت المدافعة عن الجنسين، فقد حصل الموات والعمران في أيدي الغانمين بالقتال السابق، ولابد من تقديم الغانمين على حق غيرهم، ولا نجعلهم مالكين؛ لأن رقبة الموات لا تصير ملكاً ما دامت مواتاً، ولكنهم أحق من غيرهم، وصار

مسألة (371)

هذا، كالمتحجر مواتاً يكون هو أحق به من غيره بما حجره، ولزم ذلك، حتى لو طال الزمان وهو معرض عن عمارة ما تحجره كان للسلطان أن يقطعه لغيره، ليحييه ولينتفع به. مسألة (371): إذا حوط على حظيرة للمواشي ملكها بالتحويط، وإن لم يحدث فيها عمارة غير ذلك. وأما إذا قصد إحيائها/ (194/أ) لمسكن يسكنه، فلا يملك الخطة بالتحويط، ولا ببعض الأبنية حتى يصيرها معدودة في المساكن. وإنما كان كذلك؛ لأن نهاية الانتفاع بالخطة لحظيرة المواشي تحويطها، وقد حوطها، وما جرت العادة بنصب الأبواب في مثل هذه العمارة.

مسألة (372)

وأما المساكن، فليست العادة فيها الاقتصار على التحويط، بل العادة أن يكون مع التحويط تسقيف وأبواب وإغلاق ومرافق، ثم يقتصر في هذه المسألة على الأقل من هذه العادة التي اشترطناها. مسألة (372): المسلم والذمي سواء في صيد بلاد الإسلام وحطبها وحشيشا، وليسا سواء في مواتها، فليس للذمي إحياء موات في بلاد الإسلام. والفرق بينهما: أن إحياء الموات ربما يورث ضرراً وضيقاً، وليس للذمي أن يضيق على المسلم، ولا أن يساويه في بنيان، بخلاف الصيد، فليس فيه ذلك، ولا ما يوجب حرجاً وتضييقاً، وأما الكلأ، فهو يخلف وكذلك الحطب، على أن الذمي هو يبيع في دار الإسلام، والصيد والحشيش هو من البيع، بخلاف الأرض فإنها من الأصول والمسلمون بها أولى، إلا أن يبتاعها أهل الذمة بثمن.

مسألة (373)

مسألة (373): البقعة المعمورة في الجاهلية وعليها في الإسلام آثار العمارة موات في الحكم، إذا لم يتعلق للغانمين بها حق حيازة، فمن أحياها من المسلمين ملكها، ولا حاجة في ملكها إلى إذن السلطان. البقعة المعمورة في دار الإسلام المفقود مالكها مال من أموال بيت المال، يصرفها الإمام إلى مصالح المسلمين على قضية الاجتهاد. والفرق بين البقعتين: أن العمارة الإسلامية دليل على أن مسلماً من المسلمين صار مالكاً لتلك البقعة في زمان من الأزمنة، وملك المسلم إذا تفاني ملاكه، ولم يبق له ورثة يصير في بيت المال، ويكون لورثته العامة؛ ولهذا قلنا: إذا ملك بقعة بالإحياء، ثم اندرست آثار عمارتها [لم تعد مواتاً قط، ولكنها تصير في بيت المال إذا لم يبق لها مالك. وأما البقعة المعمورة في الجاهلية التي لم تعمر، ولم تملك في الإسلام فكل من أحياها وجدد عمارتها]، فهو مالك لها؛ لأن غاية ما فيها أنها كانت ملكاً

مسألة (374)

لجاهلي؛ ولهذا نقول: كل ركاز يجده المسلمون، فهو من أملاك الجاهلية، إلا أن الشريعة جعلت الواجد أولى به، كما جعلت الشريعة العامر أولى بهذه البقعة. فإن قال قائل: فهلا قلتم في المعادن الجاهلية إذا عمرها المسلم أنه يصير مالكاً لها. قلنا: قد اختلف قول الشافعي- رحمه الله- في معادن الجاهلية، فإذا قلنا: إنها لا تملك فالفرق بينهما وبين هذه البقعة: أن حافر المعدن لا يقصد بالحفر إحياء، وإنما يقصد أن ينال منه نيلاً، فحفره لطلب المستكن في الأرض، ألا/ (194/ب) ترى أنه يبدئ كل يوم حفرة طلباً لما فيه، وأما هذه البقعة فقد تحقق بهذا الفعل الذي فعله إحياؤها، في قصد تملك عينها؛ فلهذا صار مالكاً لها. مسألة (374): إذا لازم الرجل بقعة من السوق الواسع ليبيع ويشتري وينتابها كل يوم فسبق إليها غيره يوماً من الأيام كان للأول إزعاج السابق،

ولو تصور ذلك في بقعة من المسجد الحرام ينتابها الرجل كل يوم، فسبق إليها غيره يوماً من الأيام كان السابق أولى، وكذلك أيضاً مضارب مني تكون مناخ من سبق. والفرق بين المسجد الحرام وبين السوق: أن الأغراض تختلف في مقاعد الأسواق اختلافاً بيناً، بكثرة المجتازين الطالبين لسلع القاعدين وقلتهم وغير ذلك، فإذا داوم الرجل الواحد على بقعة من بقاعها لغرض له كان أولى با ما دام على الإنتياب، ولم يتحقق منه الإعراض والتعطيل، فإذا عطل وأعرض كان لغيره أن يأخذها ويرتفق بها. وشبهها الشافعي- رضي الله عنه-

بفساطيط العرب المنتجعين، فمن ضرب منهم فسطاطه كان أولى بتلك البقعة من غيره ما دام غير معرض، فإذا قلع وتحول وحول نجعته صار الناس سواء في تلك البقعة، ورجوع هذا التاجر إلى منزله بالليل، كقلع العربي البدوي فسطاطه في بعض الأوقات وضربه في بعض الأوقات. وأما بقاع المسجد فالأغراض فيها غير متفاوتة في صحة الصلاة، وتحصيل فضيلة الجماعة، وصحة الاعتكاف، فمن أراد فضيلة الصف الأول، فليسبق، وقد قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم-: "لو علمتم ما في الأذان والصف الأول لاستهمتم عليه"، فلما عظم حظ المسابقين إلى الصف الأول

مسألة (375)

شرف ذلك المكان، فالسابقون الرحمة تنزل عليهم قبل نزولها على غيرهم، فعرفنا فضيلة الصف الأول، وهذا المعنى مفقود فيما ذكرناه من مقاعد الأسواق. مسألة (375): الرجل إذا نزل منزلا في المفازة مجتازا، فحفر عين ماء فاستنبطه وارتحل، فنزل غيره ذلك المنزل مستوطنا، كان له أن يتملك الحفر الذي حفره الأول. ولو أن الأول نزل ذلك المنزل مستوطنا، فحفر على عادة مثله، ثم اتفق له الارتحال منتجعا، أو غير منتجع لم يكن لغيره أن يتملك الحفير الذي حفره، والمسألتان لا يفترقان بأن يطوي البير، أو لا يطويها. والفرق بين المسألتين: أن المجتاز إذا حفر عين ماء، فقصده في الحال الارتفاق بذلك الماء، لا تملك ذلك المكان، إذ ليس في عادة مثله قصد إحياء البقعة. ] وأما إذا استوطن، فحفر على عادة مثله للتخليد والتأبيد، فقصده إحياء البقعة [، وكما يملك البقعة بالتحويط والزراعة - إذا سلك سبيل الزراعة إلى

مسألة (376)

الإحياء - فكذلك يملك البقعة بحفر / (195/ أ) البير إذا قصد الإحياء بالحفر، ومن ملك بقعة بالحفر لم يكن لغيره مزاحمته فيها. مسألة (376): الرجل إذا حفر بئرا في مفازة، فسواء حفرها على قصد تملك البقعة، أو حفرها على قصد الارتفاق بالماء، كعادة المجتاز، فليس له في الصورتين أن يمنع فضل ماء البير. ولو أن رجلا حفر في داره بيرا جاز له أن يمنع فضل مائها ويدخره ويستبقيه لحاجته، ولا يستحب ذلك له إذا علم حاجة غيره إليه. والفرق بين البادية وبين المنزل: أن الغالب في المفازات إعواز الماء وشدة حاجة الناس إليه، فإذا منع فضل مائه - والحالة هذه- فقد سعى في ضرر غيره، والغالب في القرى والأمصار وجود الماء، والإعواز فيها من النوادر؛ فلهذا كان أملك لبيره وأولى بمائها من غيره، وإن كان في مائها فضل. وقول النبي - صلي الله عليه وسلم-: "من منع فضل مائه ليمنع به الكلأ منعه الله - تعالى- فضل رحمته يوم القيامة" محمول على البوادي، ثم في هذا الخبر

تنبيه على الفرق، فإن من منع فضل ماء بئر البادية فكأنه منع الكلأ المشترك؛ لأن غيره من أصحاب المواشي إذا أرادوا رعي الكلأ الذي حوالي البير لم يتمكنوا إلا أن يكونوا واثقين بماء هذه البئر، إذ لا تستغني الماشية في غالب الأحوال عن السقي عقيب الرعي، فمانع السقي مانع الرعي، وهذا المعنى مفقود في آبار الدور. ولو ورد الغريب بماشية على بئر المفازة، وصاحب البئر قد زرع حوالي البير بقلا أو زرعا ما، كان ماشية الغريب أولى بفضل الماء من زرع صاحب البير، وصاحب البير ما دام محتاجا لماشيته إلى الماء، فهو أولى حتى يفضل عن

مسألة (377)

ماشيته، فحرمة] الروح مقدمة على حرمة الزرع، وحرمة [ماشية صاحب البئر مقدمة على حرمة ماشية غيره، وليس يحتم عليه إعارة الدلو والرشا، فإن علم حاجة الغريب إلى الرشا والدلو كرهنا له المنع. مسألة (377): إذا استأجر رجلا لحفر معدن وقال: استأجرتك على أن تحفره بشرط أن يكون لك جميع ما تستخرجه من النيل، فجميع ما استخرج لصاحب المعدن، ولا يستحق الحافز على مالك المعدن أجرة المثل. ولو ساقي رجل رجلا فقال: ساقيتك على هذه النخيل على أن جميع الثمر لك،

فجميع الثمر لرب البستان، وللعامل أجرة المثل. والفرق بين المسألتين: أن المقصود من العمل في البستان تنمية الأشجار وتربيتها بسقيها وتشذيبها وتأبيرها، وقد حصلت هذه المنافع وأمثالها وترتبت لرب / (195/ ب) البستان آثارها، فلا بد من أجرة المثل. وأما حفر المعدن، فليس كذلك؛ لأن الحافر لا يقصد بالحفر عمارة المكان، وإنما يقصد الكشف عن التبر المستكن فيه يوما، فيوما، فليس لعمله أثر عمارة باقية حتى يستحق بذلك الأثر أجرة المثل. وقال بعض أصحابنا: له بالتطميع أجرة المثل، والصحيح طريقة الفرق.

كتاب الحبس

كتاب الحبس مسألة (378): إذا وقف رجل وقفا على ولد له - والولد جنين في البطن- ثم على أولاده وأولاد أولاده، فالوقف باطل، ولو وقف وقفا على ولد موجود، ثم على ولده، ثم على الفقراء، فمات ولده وله جنين كان الوقف موقوفا للجنين، فإن خرج حيا صرف إليه، وإن خرج ميتا صرف إلى الفقراء. وكذلك لو وقف على ولدين له وقال: من مات منهما وله ولد صرف نصيبه إلى ولده، ثم قال: فإن انقرضوا ولم يبق أحد من الأولاد والأعقاب فإلى المساكين، فمات أحد الولدين ولم يعقب وبقي الولد الثاني فنصيب الميت - إلى أن ينقرض الباقون- وقف موقوف للفقراء يدفع إليهم إذا انقرض الأولاد والأعقاب. والفرق بين المسألتين: أنه إذا وقف والولد جنين كان وقفا لا مالك له يوم

مسألة (379)

التحبيس، وشرط صحة الوقف أن يكون الموقوف عليه يوم الوقف ممن يصح أن يكون مالك منفعة، والولد غير المولود لا يكون مالك منفعة. فأما إذا وقف على ولد موجود، فقد استقر أول الوقف وصح، فلا يضره ما اعترض عليه من عدم المستحق في بعض الأوقات، والأصول المبنية على مثل هذا، ألا ترى أن اقتران الشدة بالعصير في أحكام الملك خلاف الاعتراض، وكذلك الاعتداد، والارتداد وغيرهما. مسألة (379): إذا وقف واستثنى لنفسه سلطان التولية ثبت له سلطانها،

مسألة (380)

فإن شاء تولى وإن شاء ولى، وله العزل بعد التولية، والتولية بعد العزل. ولو أنه وقف وقفا واستثنى لنفسه بعض ريعه؛ لينفقه على نفسه، أو على من شاء، فالمذهب الصحيح أن الوقف باطل، ما لم يقض القاضي بتنفيذه، فلا يعترض على القضاء المنبرم. والفرق بين المسألتين: أنه إذا استثنى لنفسه ولنفقته بعض الغلة، فكأنما وقف على نفسه، ووقف الرجل على نفسه محال، وهذا المعنى غير موجود في اشتراط الولاية؛ لأن الوقف لا بد له ممن يقوم به وبمصالحه، وليس في قيام الواقف بمصلحة الوقف / (196/أ) ليصرفه إلى المصالح - ما ينافي القربة والزلفة إلى الله تعالى، وهو أولى الناس بهذه المراعاة؛ لأن الوقف صادر من جهته. مسألة (380): قال الشافعي - رحمة الله عليه-: "لو أقام رجل شاهدا أن أباه تصدق عليه بهذه الدار صدقة محرمة موقوفة وعلى أخوين له، فإذا انقرضوا، فعلى أولادهم، أو على المساكين، فمن حلف منهم ثبت حقه، وصار ما بقي ميراثا، فإن حلفوا معا أخرجت الدار من ملك صاحبها إلى من

جعلت له حياته، ومضي الحكم فيها لهم، فمن جاء بعدهم ممن وقفت عليه إذا ماتوا قام مقام الوارث، فإن لم يحلف إلا واحد، فنصيبه منها وهو الثلث صدقة على ما شهد به شاهده، ثم نصيبه على من تصدق به أبوه عليه بعده وبعد إخوته. فإن قال الذين تصدق به عليهم بعد الاثنين: نحن نحلف على ما أبى أن يحلف عليه الاثنان، ففيها قولان: أحدهما: أنه لا يكون لهم إلا ما كان للاثنين قبلهم، والآخر: أن ذلك لهم من قبل أنهم إنما يملكون إذا حلفوا بعد موت الذي جعل له ملك إذا مات، وهو أصح القولين، وبه أقول". فعلق الشافعي قوله في يمين الأحفاد مع الشاهد إذا نكل الأولاد، ثم قال: ولو قال: على أولادهم، وأولاد أولادهم ما تناسلوا ..... وساق المسألة، وجعل للأحفاد أن يحلفوا عند نكول الأولاد قولا واحدا. والفرق بين المسألتين: أن الواقف إذا قال في لفظ الوقف: فإذا انقرضوا، فعلى أولاد الأولاد، فقد رتب حق الأحفاد على حق الأولاد، فجعلناهم - في أحد القولين- يتلقون الملك عن أبائهم، فإذا نكل آباؤهم بطل حقهم في اليمين

مسألة (381)

بالنكول، فيبطل حق الأحفاد، كما نقول في سائر الأيمان إذا نكل عنها الموروث سقط حق الوارث. وأما حق الأحفاد في المسألة الثانية، فهو غير موقوف على حق الأولاد؛ لأنه قال: وعلى أولاد الأولاد، فتلقى الفريقان الحق من المتصدق، ونزلوا في حق اليمين منزلة واحدة، فلئن بطل حق البطن الأول بالنكول، فلا يبطل حق البطن الثاني؛ لأنهم كالبطن الواحد في الاستحقاق، ولو أن بعض أولاد الصلب نكلوا عن اليمين، ونشط بعضهم لها، فحلفوا ثبت حق الحالفين وبطل حق الناكلين. مسألة (381): إذا استوعب المريض ثلث ماله بالوصايا، ثم وقف الثلثين على الورثة، فالوقف باطل، إلا أن يتفق الورثة على الإجازة، فيكون صحيحًا. ولو أن المريض وقف في مرضه دارا له يحملها الثلث على ابنه وابنته / (196/ب) نصفين كان للابن إبطال الوقف في ربع الدار؛ للتسوية، والتسوية ها هنا بفضل، ولم يكن له إبطال الوقف في الجميع، ولا لها.

والفرق بين المسألتين: أنه إذا تصرف في ثلثه بالوصايا، فقد صرف ما هو محل تصرفه، وهو الثلث إلى الوصايا، فليس له بعد ذلك وقف الثلثين، وإبطال حق الورثة في رقبة الملك، إلا أن يجيزوا بعد موته. ] وأما المسألة الثانية، فإن تصرفه فيها ما جاوز الثلث [، ولو أنه أراد صرف ثلثه إلى الأجانب لكان ذلك له، وإذا أراد أن يحبسه على الورثة لم يكن للورثة الاعتراض على تحبيسه، ولكن لما سوى بين الابن والبنت كانت التسوية جورا منه، وظلما على الابن، فيوقف صحة الوقف في مقدار الحق على رضا الابن؛ فلذلك قلنا: إنه إن رضي الابن كان نصف الدار وقفا عليه ونصفها وقفا على البنت، كما وقف المريض، وإن امتنع عن الإجازة كان له إبطال الوقف في الربع، فإذا بطل الوقف في الربع صار ذلك الربع ميراثا بينهما، فيقتسمانه للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذلك] لو وقف على ابنه وزوجته نصفين، فقد ظلمه بثلاثة [أثمان الدار، فإن أجاز أمضينا الوقف على المناصفة، وإن امتنع كان له أن يبطل الوقف في ثلاثة أثمان الدار ويعود إليه، إذ لا يكون للمرأة أكثر من الثمن، فيكون نصيب الابن سبعة أسهم، أربعة منها وقف ليس

له إبطال الوقف فيها، وثلاثة منها ملك، فيكون للمرأة أن تقول: ليس من العدل أن يكون جميع نصيبي وقفا وبعض نصيبك ملكا، فنجعل ثمنها سبعة أسهم أربعة منها وقفا، وثلاثة منها ملكا.

كتاب الهبات

كتاب الهبات مسألة (382): إذا وهب الرجل لولده، أو لبعض ورثته هبة ولم يتفق تسليمها حتى مرض الواهب مرض موته، فسلمها يومئذ، فالتسليم باطل، والهبة باطلة؛ بتراخي تسليمها إلى المرض قولا واحدا. واختلف القول في رجل علق عتق مملوكه بصفة وهو صحيح يوم التعليق، فوجدت الصفة في مرض موته، فأحد القولين: أن العتق عتق الصحة، والقول الثاني: العتق عتق المرض. والفرق بين المسألتين: أن الصفة إذا وجدت فإنها ليست بعقد للعتق ولا تحاكي بعض عقد العتق، بل عقد العتق ما سبق من التعليق التام، غير أن العقد في العتق تارة ينعقد معجلا وهو التنجيز وتارة ينعقد مؤجلا وهو التعليق، والمؤجل /يسمى عتقا إذا وجد الوصف بالتعليق المتقدم لا بوجود الوصف، وإذا كان كذلك بان أن عقد العتق قد تكامل في الصحة؛ فلهذا جعلنا العتق عتق الصحة في أحد القولين، لا عتق المرض. وأما عقد الهبة، فلا يتم إلا بالقبض، وإن سبق الإيجاب والقبول، فمنزلة

القبض فيها منزلة شطر من شطري العقد، والقبض قد وجد في زمان المرض، وهو لو أراد ابتداء هبة لوارثه في هذا الزمان كانت باطلة. فإن قال قائل: ألستم تزعمون أن القبض إذا وجد استند الملك إلى عقد الهبة؟ فإذا كان العقد في الصحة والقبض في المرض، وجب أن يكون العقد عقد صحة، لا عقد مرض. قلنا: في هذه المسألة قولان: أحدهما: أن الملك يتعقب القبض، وهو المشهور. والقول الثاني: إن الملك يستند إلى العقد على وجه التبيين، وهذه الهبة على القولين جميعا باطلة بتراخي القبض إلى المرض؛ لأنا وإن حكمنا بأن الملك يستند إلى القبض، فإن القبض هو الركن، وهو السبب في حصول الملك، وزمان القبض زمان منع هبة الوارث، والهبة للوارث باطلة في المرض؛ ولهذا قال - صلي الله عليه وسلم-: "لا وصية لوارث"، ونحل أمير المؤمنين أبو بكر الصديق عائشة - رضي الله عنها- جداد عشرين وسقا، فمرض قبل القبض، فقال أبو بكر - رضي الله عنه لعائشة-: "وددت لو كنت حزتيه، وإنما هو اليوم مال

مسألة (383)

الوارث"، فأطلق القول في إبطال تلك الهبة؛ لما تأخر القبض إلى المرض. مسألة (383): إذا وهب رجل لرجل شيئا هبة مؤقتة فقال: وهبت لك خمسين سنة، فالهبة باطلة. ولو قال: وهبته لك ما دمت حيا على أنك إذا مت رجعت الهبة إلي، فالهبة صحيحة، وهذه حقيقة العمرى. والفرق بينهما: أنه إذا جعلها مؤقتة لعمر الموهوب له، فهي في حق الموهوب له مؤبدة؛ لأن كل من ملك شيئا لم يزد ملكه على مدة عمره. وأما الهبات إذا وقتها بخمسين سنة، فربما يعيش الموهوب له ستين

مسألة (384)

سنة، فلا يكون التمليك ممتدا إلى آخر عمره، وكان أبو بكر القفال - رحمه الله- يقول: لو قال: بعت هذا الشيء منك على أنك إذا مت رجع ملكه إلي فاشتراه لزم البيع، والشرط فاسد لا فائدة فيه. مسألة (384): إذا قال في لفظ العمرى: أعمرتك داري هذه، فقال / (197/ب): قبلت، وسلمها كانت هبة تامة لم يختلف القول فيها. واختلف قول الشافعي - رضي الله عنه- في الرقبى، فقال في القديم: إنه لا

مسألة (385)

تصح الرقبى حتى يقول: جعلتها لك رقبى ولورثتك، والقول الجديد: إنها، كالعمري. والفرق بين العمري والرقبي واقع باللفظ، وهو: ما روي عن النبي - صلي الله عليه وسلم- أنه قال: "من أرقب شيئا له ولورثته، فسبيله الميراث". مسألة (385): الهبة بشرط الثواب معاوضة، ولكن إن كان العوض مجهولا كان فيه قولان: أحدهما: هي باطلة، والثاني: هي صحيحة، والبيع بالعوض المجهول باطل.

مسألة (386)

والفرق بينهما: أن الهبة عقد يستغني عن العوض، كما أن النكاح عقد يستغني عن العوض، ثم الجهالة بالمهر لا تقتضي فساد النكاح، فكذلك الجهالة بعوض الهبة، بخلاف البيع، فإنه عقد لا يستغني عن العوض، فشرط العوض المذكور فيه العلم، ثم إذا صححنا الهبة، والثواب فيها مجهول، فالأصح: أنه يرجع إلى قيمة مثلها، كما يرجع في النكاح إلى مهر المثل، ولا يصح مراعاة رضا الواهب، ولعله لا يرضى إلا بأضعاف هبته، وليس يصح الاقتصار على ما يسمى مالا، كما لا يرجع في النكاح إلى ما يسمى مهرا. مسألة (386): إن أطلق الهبة ومثله لا يستثيب، فلا ثواب، وإن كان مثله يستثيب من مثل ذلك الموهوب، ففي الثواب قولان إذا صححنا

مسألة (387)

الهبة. والفرق بينهما: أن الحالة إذا اختلفت أوجبت اختلاف العادة، والعادة تقترن بالعقود، كما تقترن بها العبارة، فتصير في تقدير من قال: وهبت لك هذا على أن تثيبني، فيلزمه الثواب إذا صححنا الهبة بشرط الثواب المجهول. مسألة (387): إذا وهب لرجل شقصا شائعا، وذكر عوضا معلوما لم تثبت الشفعة للشفيع حتى يتصل القبض بتلك الهبة في أحد القولين، والقول الثاني: إن الشفعة ثابتة بنفس العقد. وإذا تزوج امرأة وأصدقها شقصا، فالشفعة تثبت بنفس العقد، وكذلك في البيع. والفرق بين الهبة وغيرها: أن العوض وإن صار مذكورا في الهبة، فجنس

العقد لا يتغير بكليته وجميع صفاته؛ ولهذا الواهب بشرط الثواب إن شاء أن لا يسلم الهبة كانت له هبته, وهذا غير موجود في النكاح والبيع, فإنهما عقدان/ (198/ب) لا زمان بأنفسهما؛ فلهذا تأخر لزوم الشفعة إلى أن يتصل القبض بالهبة, وإن لم يتأخر في سائر المعاوضات اللازمة.

كتاب اللقطة

كتاب اللقطة مسألة (388): الملتقط إذا قصر في التعريف في أثناء السنة بعد اقتران التعريف بابتداء الأخذ, ثم عاود التعريف وداوم عليه لم يصر بذلك ضامنًا, ولو التقط ونوى مع أول الالتقاط ترك التعريف لم تنفعه بعد ذلك التوبة والتعريف, وصار ضامنًا للقطة. والفرق بين المسألتين: أن أخذه في المسألة الأولى أخذ أمانة في الأصل غير أنه فرط في القيام بحق الأمانة التي تقلدها, فيكون أصل الأمانة مستدامًا مستصحبًا؛ ولهذا المودع لو عزم على الخيانة ولم تتحقق الخيانة بالاستعمال والمنع عند المطالبة بالرد لم يصر بذلك ضامنًا, وأما إذا التقطها وقصده مع أول

مسألة (389)

الالتقاط قصد خائن كاتم فيده يد غاضب, واليد إذا اتصفت بصفة الخيانة في الابتداء استحال أن تنقلب إلى صفة الأمانة في الانتهاء. مسألة (389): إذا التقط من نصفه حر ونصفه عبد دخلت اللقطة في المهاياة على أصح القولين, ولا تدخل على القول الثاني. ] وأما الوصايا والهبات يقبلها, فلا تدخل هذه الأملاك في المهاياة قولًا واحدًا [، بل تتقسط على نصفه أبدًا. وأما أكسابه المعتادة فداخله في المهاياة قولًا واحدًا. والفرق بين الجنسين: أن الأكساب المعتادة هي المقصودة في العرف الغالب لعادة المهاياة, فكانت المعاقدة مؤثرة فيها, فيكون يومًا للسيد ويومًا

للملوك, بخلاف اللقطة والتقاطها والوصية وقبولها, فلذلك من نوادر الاتفاق, ولا تعد من جملة أكسابه المعروفة, وإن كان إذا تملكها التحقت بما ملك على جهة الاكتساب, فبقيت بالعرا عن المهاياة, وإذا لم تدخل في المعاقدة نزلت منزلة الأصل في التقسيط, وصار, كما لو كانت المهاياة مفقودة؛ فلهذا انقسمت أبدًا على نصفه. نكتة: اعلم أن الشخص إذا كان نصفه حرًا ونصفه عبدًا, فهو كالعبد القن, حتى إذا قلنا: العبد ليس من أهل الالتقاط, قلنا في هذا الشخص ما قلناه في العبد؛ لما فيه من نقص الرق, وكذلك المكاتب وإن كان له ملك. فإن قال قائل: أليس قد قال الشافعي - رحمة الله عليه -: والمكاتب في اللقطة كالحر؟ / (198/ب).

مسألة (390)

قلنا: ما أراد بهذا اللفظ أنه كالحر من جميع الوجوه, وإنما أراد بهذا أنه كالحر في استحقاق التملك إذا انقضت سنة التعريف, بخلاف المملوك, فإنه لا يستحق التمليك إذا انقضت سنة التعريف, وإنما يستحقها مالك المملوك. مسألة (390): إذا التقط المملوك, وانقضت سنة التعريف, ثم استهلك اللقطة - وقلنا: طريق الالتقاط طريق الاكتساب - فضمانها في ذمته,

ولو استهلكها قبل انقضاء السنة] فضمانها في رقبته. والفرق بين المسألتين: أن الحر لو التقط, فانقضت السنة [كان له الارتفاق والاشتقاق, وليس ذلك له قبل انقضاء السنة, فإذا استهلك المملوك بعد الحول, فكأنه استقرض قرضًا فاسدًا, واستهلكه, ومثل هذا القرض يكون في ذمته دون رقبته, وكذلك ثمن ما اشتراه شراء فاسدًا فاستهلكه, وأما إذا أتلفها قبل الحول, فذلك منه جناية محضة؛ لأن وقت التمليك لم يدخل, وإذا تمخضت الجناية على مال الغير تعلقت القيمة بالرقبة. فإن كانت قيمة اللقطة تفوق الرقبة لم يضمن السيد الزيادة في سائر أمواله, إلا أن يكون على علم وبصيرة من التقاط عبده, ثم يترك اللقطة, في يده مع علمه بحاله وقلة أمانته, فإن كان أمينًا عنده ظاهر الأمانة بحيث

مسألة (391)

يستجيره ويستحفظه ماله معتمدًا أمانته, فإذا استهلكها - وهذه حالته - فالضمان لا يعدو رقبته, كسائر الجنايات. نكتة: ثم اعلم أن كل ضمان تعلق برقبة المملوك في جناية ورقة غير وافية, فهل يتبع بفضل الضمان زمان الحرية؟ فعلى وجهين: أحدهما: أنه محصور في الرقبة والذمة بمعزل عنه, والثاني: أن الفضل الذي ضاقت الرقبة عنه مستقر في الذمة. مسألة (391): إذا التقط شاه في مفازة فله في الحال ذبحها وأكلها, واختلف نص الشافعي - رحمه الله - في الطعام يلتقطه وهو مما لا يمكن حبسه, فقال في موضع: يأكله, كما يأكل الشاه, وقال في موضع: ليس أكله, وعليه بيعه وأخذ ثمنه.

والصحيح أن المسألتين إنما تفترقان فرق جمع, وجملة المذهب فيهما: أنه متى ما وجد من يشتري فأمكنه صرف العين إلى الثمن والتحفظ به لزمه ذلك, ومتى ما تعذر وخاف الفساد - لو أمسك - كان له أن يبتدر الأكل. ثم تختلف الأحوال, فربما يجد الطعام في المفازة, وربما يجده في البلدة, فأما إذا وجده في] المفازة سلكنا به مسألة الشاة لاجتماعهما في المعنى, وإذا وجد في [البلد فلا يكاد يعدم من يشتريه منه ليحفظ ثمنه. وكذلك قال الشافعي - رضي الله عنه -: "إذا وجد الشاة أو البعير أو الدابة ما كانت في المصر, أو في قرية, فهي لقطة يعرفها سنة"،] ولم

مسألة (392)

يأذن لمن كان في الصحراء أن يلتقط بعيرًا, أو دابة, أو ما كان من الممتنعات [؛ لامتناعها, وهي في المصر غير ممتنعة؛ فلهذا فصلنا بينهما. مسألة (392): إذا وجد الشاة في مهلكة فأكلها لم يأمره الشافعي - رحمه الله - بتعريف القيمة, ونص على تعريف القيمة في الطعام إذا أكله. والفرق بينهما: أن الشاة إذا ضاعت في مهلكة طلبها صاحبها حيث ضاعت, فلا ينفع التعريف في البلدان, وأما الطعام إذا وجده في البلد ينفع التعريف, ولا يبعد ظهور صاحبه. وإن وجد الطعام في المهلكة التحق حكمه في التعريف بحكم الشاة, ومن أصحابنا من جعلها على قولين, والصحيح تنزيلهما على حالين, والله أعلم بالصواب.

كتاب التقاط المنبوذ

كتاب التقاط المنبوذ مسألة (393): القاضي أولى بحضانة كل طفل لا أب له, ولا جد, ولا وصي يقوم بحقه من جهة أبيه, أو جده, فيسلمه القاضي إلى من يستصلحه لحضانته وتريبته, وأما اللقيط إذا وجد منبوذًا في بلاد الإسلام فالمسلم الذي وجده, والتقطه أولى بحضانته, وحفظه من القاضي, وليس للقاضي أن ينتزعه من يده ما دام ذلك الملتقط مأمونًا فيه. والفرق بين الصغيرين: أن الصغير الذي ليس بلقيط كان له كافل معلوم لا محالة: إما أب وإما أم ففقد ذلك الكافل, فصارت ولايته, وحضانته إلى القاضي, كما كانت أمور المسلمين إليه. وأما هذا اللقيط فإنه بعدما صار منبوذًا صار مفتقرًا إلى كافل, فكان التقاطه

مسألة (394)

فرضًا من فروض] الكفايات, فلما عثر عليه هذا العاثر فاختار التقاطه قام بفرض [الكفاية في الالتقاط غير مسبوق, فثبت له بذلك اختصاص في الاستحقاق مادام راغبًا في الحفظ. ومثال هذا: أن القاضي أولى بحفظ أموال الغائبين والمفقودين وكل مال ضائع في بلاد الإسلام, وإذا التقط رجل لقطة كان الملتقط أولى بحفظها من القاضي, ولم يكن للقاضي انتزاعها من يده لما ثبت له بالأخذ من الحق والاختصاص, حتى يثبت له حق التملك في وقت مخصوص, ومثل ذلك لا يثبت على اللقيط. مسألة (394): للملتقط على اللقيط ولاية الحضانة بشرط: الأمانة, وهو أولى الناس بحفظه. وإن/ (199/ ب) كان مع اللقيط مال, فالقاضي أولى بالتصرف في ماله, حتى قال الشافعي - رحمه الله -: "ما أنفق الملتقط منه بغير أمر الحاكم, فهو ضامن". والفرق بين نفسه وماله - حين عثر عليه -: أن الملتقط لم يكن في يد

مسألة (395)

مختص به, بل كان خاليًا عن كل يد, فتثبت له اليد عليه لما اختار أن يلتقطه. وأما المال الذي وجده معه, فليس بخال عن اليد؛ لأن يد اللقيطة ثابتة عليه؛ ولهذا قال الشافعي - رحمه الله -: "ما وجد تحت المنبوذ من شيء مدفون من ضرب الإسلام, فإن كان قريبًا منه, فهو لقطة, وإن كان على دابة, أو على فراش, أو في ثوبه مال, فهو لقيط, وإذا ثبت يد الطفل في الظاهر كان ذلك المال مضافًا إلى يد معلومة, والمال المضاف إلى يد معلومة يستحيل أن يكون لقطة؛ فلهذا ألحقناه بأموال أطفال بلا الإسلام الذين لا قيم لهم, فيكون التصرف فيها مفوضًا إلى القاضي دون غيره. مسألة (395): قال الشافعي - رحمه الله -: "لو أمر القاضي ملتقط اللقيط أن يستلف للإنفاق عليه يكون دينًا, فما ادعى قبل منه إذا كان مثله

قصدًا", فقبل الشافعي قوله فيما استقرض وأنفق على الملتقط إذا كان إنفاقا بمعروف على جهة القصد, لا على جهة السرف, فإذا بلغ الطفل واستفاد مالًا طولب بأدائه إذا لم يتفق أداؤه من بيت المال. ولو أن رجلًا اكترى دارًا, فأمره صاحب الدار بإنفاق الكراء على عمارتها, فادعى مقدارًا, فكذبه صاحب الدار, فالمذهب الصحيح أنه لا يقبل قول المكتري في المقدار الذي يدعيه إلا ببينه. والفرق بين المسألتين: أن المكتري ملتزم الأجرة, والأصل استقرارها في الذمة, فهو بما يدعي من الإنفاق يدعي براءة ذمته عن ذلك المقدار من الكراء, وكل من ادعى براءة ذمته بإبراء, أو قضاء لم يقبل قوله إلا ببينة. وأما الملتقط, فإنه بريء الذمة, واللقيط في يده أمانة, وقد ائتمن عليها أمانة في نفقته, فإذا ادعى مقدرًا يقبله العقل في مصروف مثله وجب قبول

مسألة (396)

قوله, كالقيم المتصرف في مال اليتيم إذا ادعى إنفاقًا عليه بمعروف كانت الدعوى مسموعة. مسألة (396): الفاسق إذا التقط لقيطًا نزعه الحاكم منه, وضمه إلى مأمون, وإذا التقط الفاسق لقطة, ففيها/ (200/أ) قولان: أحدهما, أنها تنزع من يده,] والقول الثاني: إنها لا تنزع من يده [. والفرق بينهما: أن التقاط المال بما فيه من معنى الأمانة لا يخلو عن ثبوت الاكتساب, والفاسق هو من أهل الاكتساب. وأما التقاط اللقيط, فليس فيه معنى الاكتساب, وإنما هو محض الأمانة, فإذا كان فاسقًا لم يجز أن تقر الأمانة في يده. مسألة (397): إذا عثر رجلان على لقطة كانا فيها سواء إذا اشتركا في التقاطها, فإذا انقضت مدة التعريف كانا سواء في حق التمليك, ولا

يقرع بينهما فيها وإنا تشاحا. وإذا التقط رجلان لقيطًا, فتشاحا فيه, فقد قال الشافعي - رحمه الله -: "أقرعت بينهما, فمن خرج سهمه دفعته إليه, وإن كان الآخر خيرًا له إذا لم يكن مقصرًا عما فيه مصلحته". الفرق بين اللقيط واللقيطة: أن المقصود في اللقيط تربيته وتغذيته بما هو أقرب إلى مصالحه, ومتى ما تنازعاه متشاحين, فلا يحصل حسن تربيته إلا بتسليمه إلى أحدهما؛ لأنه إذا تردد بينهما في التعهد والنفقة كان كالضائع. ألا ترى أن العبد المشترك لا يهتدي في نفقته, وكسوته إلى ما يهتدي إليه العبد الخالص, فراعينا كمال صلاحه في قطع حق أحدهما عنه وإفراد الثاني به. وأما المال وجد لقطة, فلا ضرورة ولا مضارة في نسبة الحق إليهما, يقومان بحفظه, كما يفعلان في المال المشترك بينهما, وإن شاءا وضعاه عند ثقة, وإن شاء أحدهما أن يحفظه بإذن صاحبه إلى خاتمة الحول كان ذلك له, ولا يظهر بذلك ضرر, غير أن الشافعي - رحمه الله - خص الإقراع ببعض المسائل دون بعض, فقال: "إن كان أحدهما مقيمًا بالمصر والآخر من غير أهله دفعته إلى المقيم,

مسألة (398)

وإن كان قرويًا وبدويًا دفع إلى القروي؛ لأن القرية خير له من البادية, وإن كان عبدًا وحرًا دفع إلى الحر". مسألة (398): قال الشافعي - رحمه الله - اللقيط إذا وجد في مدينة الإسلام, أو مدينة فيها بعض المسلمين - وإن قل العدد - وقد اشترك في التقاطه مسلم وذمي دفعته إلى المسلم, وإن كانت المدينة لأهل الذمة لا يشاركهم فيها أحد من المسلمين, فاللقيط/ (200/ ب) ذمي في الظاهر حتى يصف الإسلام بعد البلوغ. وإنما كان كذلك؛ لأن الحكم بالدار واجب. ألا ترى أو الموجود قتيلًا في دار الإسلام خلاف الموجود قتيلًا في دار الحرب في حكم الصلاة والدفن اعتبارًا بالدار, فإذا وجب مراعاة الدار العامة وجب مراعاة الدار الخاصة, فإذا وجد المنبوذ في مدينة اختص أهل

مسألة (399)

الذمة بسكونها لا يشاركهم فيها غيرهم غلب على القلب أن اللقيط منهم وأن بعضهم نبذة لبعض, ومن البعيد أن يحمل المسلم, أو المسلمة لقيطًا مسلمًا إلى مدينة المشركين, فينبذه فيها ليلتقطه المشركون. وأما إذا كانت المدينة للمسلمين, أو كانت مختلطة السكان, فالمسلمون أولى بنسبة الدار, وحق الدار إليهم من حيث كانت الدار, أو المدينة في دار الإسلام, فمنزلة المسلم الواجد مع الذميين في هذه المدينة منزلة مالك الدار مع ساكنها فيها؛ لأنهم سكان دار الإسلام, والمسلمون من الأصول في الدار. مسألة (399): الملتقط إذا ادعى] أن اللقيط عبده لم يقبل منه قوله إلا بالبينة, ولو ادعى [أنه ولده قبلنا دعواه وألحقناه به. والفرق بينهما ظاهر وهو: أن الدار دار الحرية, فإذا ادعى رقة منع ظاهر الدار تصديقه إلا أن تقوم بتصديقه البينة العادلة. وأما إذا ادعى نسبه, فإنما تقبل دعواه؛ لأن نسبه مجهول, والدار لا تدل على

النسب, كما تدل على الحرية؛ ولهذا قال الشافعي - رحمه الله: "إذا ادعاه ملتقطه, فألحقت نسبه به, فادعاه رجل آخر: أريته القافة, فإن ألحقوه بالآخر أريتهم الأول, فإن قالوا: إنه ابنهما لم ننسبه إلى أحدهما حتى يبلغ, فينتسب إلى من شاء منهما, وإن لم يلحق بالآخر, فهو ابن الأول"، وإنما اقتصر الشافعي - رضي الله عنه - على أن ينظر القائف إلى المدعي الثاني, الذي ليس بملتقطه؛ لأن الملتقط معترف به, والقائف ربما لا يلحقه بالثاني, فيكون ولد الأول بالالتحاق السابق, فإذا ألحقه القائف, فحينئذ قال الشافعي - رحمه الله -: "أريتهم الأول؛ لأنا قد حكمنا بثبوت نسبه منه ما لم توجد دعوى الثاني, وللولد في النسب حق, والنسب ها هنا مجهول, واليد لا تدل عليه, وربما يكون ولد الثاني, فإن قالت القافة: هو ابن الثاني, كما كانوا يقولون

مسألة (400)

وثبتوا على مقالتهم الأولى ألحق بالثاني, وبطل دعوى الملتقط/ (2001/ أ) , وإن قالت: هو ابنهما وقفناه للالتباس؛ لأنهما في الدعوى سواء, فإذا بلغ الغلام أمرناه بالانتساب إلى من شاء. وليس معنى قول الشافعي - رحمه الله -: "إلى من شاء" أنا نعتبر المشيئة ونفوض الأمر إليه, بل مراده بذلك: أن نتأمل نوازع نفسه ودواعيها, فإن للقرابة نزوعًا, ولا تكاد تخفي في النفس أماراتها وشواهدها. مسألة (400): قال الشافعي - رحمه الله -: "لو ادعى اللقيط رجلان, فأقام كل واحد منهما بينة أنه كان في يده جعلته للذي كان في يده, وليس هذا, كمثل المال"، واقتصر على هذا القدر. ومراده: أن رجلين لو تنازعا مالًا, فأقام أحدهما بينة أنه كان في يده الشهر الماضي, وأقام الآخر بينة أنه اليوم في يده, فهل يرد إلى اليد القديمة أم لا؟ فيه قولان, أصحهما: أنه لا يرد إلى اليد القديمة, بل يقر في اليد

الحادثة, وأما اللقيط, فمردود إلى اليد القديمة. والفرق بينهما: أن الملك على المال لا يزال على الانتقال, وكذلك الأيدي الثابتة على الأموال تنتقل من شخص إلى شخص, فإذا شاهدنا عبدًا, أو دارًا بالأمس في يد إنسان,] وشاهدناه اليوم في يد إنسان آخر, احتمل أن يكون هذا الرجل الثاني [قد استفاد ذلك بسبب من الأسباب ملكًا جديدًا ويدًا جديدة, فلا تنتزع العين من اليد الموجودة في الحالة الراهنة؛ لتردها إلى اليد القديمة. وأما من التقط لقيطًا, فقد سبق بالولاية عليه كافة الناس, والالتقاط إذا ثبت لا يتكرر, ولا يتعدد, فمتى تنازعا في اليد, فأقام أحدهما البينة على السبق وجب رد اللقيط إلى تلك اليد السابقة, والله أعلم بالصواب.

مسألة (401)

كتاب الفرائض مسألة (401): للأم ثلث المال, أو سدسه, تارة تأخذه بالعول مع غيرها وتارة بغير عول, إلا في المسألتين المشهورتين فإنها تأخذ فيهما ثلث

الباقي وهي: زوج وأبوان, وامرأة, وأبوان. والفرق بين المسألتين وبين جميع المسائل الفرضية: أنا لو أعطيناها كمال الثلث لكنا قد اخترعنا لها منزلة لم يثبتها الله - تعالى - لها وهي تفضيلها على الأب, ومعقول أن الله - تعالى - فضل الأب عليها في حال وسوى بينهما في حال, وما فضلها عليه بحال, فأما منزلة تفضيله عليها فقوله تعالى: {فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} يعني والباقي للأب. وأما منزلة التسوية بينهما فقوله تعالى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ} فكيف نعطيها في هاتين المسألتين ثلث المال؟ وإحداهما من ستة: للزوج ثلاثة, فإذا أعطينا الأم سهمين بقى للأب سهم, والمسألة الأخرى من أربعة: للمرأة سهم, فإذا كملنا لها الثلث صارت من اثني عشر. فإن قال قائل: فالتفضيل لا يحصل في هذه الصورة؛ لأن الأب يأخذ

مسألة (402)

خمسة, والأم تأخذ أربعة, كما ذهب إليه جابر بن زيد, فهلا أعطيتموها ثلث المال كاملًا؟ قلنا: إنما لا نعطيها الثلث كاملًا؛ لأن المنزلة إذا كانت منزلة التفضيل وجب مراعاة طريق التفضيل على ما بينه الله تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}. مسألة (402): الجد - أب الأب - كالأب عند عدمه في ولاية النكاح والمال وأنواع من الولايات, وليس هو في هاتين المسألتين, كالأب, بل

مسألة (403)

للأم في هاتين المسألتين مع الجد ثلث المال على الكمال. والفرق بين الأب والجد: أن فرض الأب منصوص عليه, وفرض الجد مأخوذ من جهة الاستنباط, فلئن فضلناها عليه في مقدار ما يأخذه, فلا نبالي بذلك؛ لأن فرضها منصوص عليه, فيجب المحافظة على المنصوص عليه فيها. مسألة (403): إذا اجتمع مع الجد أولاد الأب والأم وكثر عددهم بحيث كان السدس خيرًا للجد من المقاسمة أعطينا الجد السدس, وإذا اجتمعوا

معه في الولاء فحقه في المقاسمة سواء قل عددهم أو كثر عددهم. والفرق بين المسألتين: أن الاستحقاق بالولاء طريقه طريق التعصيب, لا مدخل فيه للفرائض ومقاديرها, قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الولاء لحمة كلحمة النسب"، وقال عليه السلام: "الولاء للكبر" فنبه على أن طريقه

مسألة (404)

طريق التعصيب؛ فلهذا تقاسموا بحق التعصيب, وإن كان نصيب الجد ينقص عن السدس. وأما الاستحقاق بالقرابة فإنه ينقسم إلى فرض, وتعصيب, وللجد فرائض معلومة مقدرة, وأقلها السدس, كما أن أقل ما يأخذه الأب السدس, فلا يجوز لنا أن ننقص حقه عن السدس وإن كثر عدد الإخوة فله حق المقاسمة بما فيه من التعصيب, كما يأخذ الأب تارة بالفرض وتارة بالتعصيب, وأحيانًا يأخذ بهما جميعًا. مسألة (404): الشخص إذا فرضنا له فريضة في مسألة من مسائل/ (202/أ) الفرائض ورد الأخذ على ما ورد عليه الفرض, فإن فرضنا له منه سدسًا لم نأخذ له ثلثًا, وإن فرضنا له ثلثًا لم نأخذ له سدسًا, إلا في مسألة واحدة يفرض لشخص واحد فرضًا مقدرًا في أصل المسألة ثم نعطيه عند الأخذ والقسمة

غير ما فرضنا له. وهي مسألة الأكدرية, وهي: زوج, وأم, وأخت لأب وأم, وجد, فللزوج النصف, وللأم الثلث, وللأخت للأب والأم النصف, وللجد السدس, أصلها من ستة وتعول إلى تسعة, فيحصل للجد والأخت أربعة أسهم, فنأخذها ونقسمها عليهما للذكر مثل حظ الأنثيين, فتنكسر الأربعة على ثلاثة, فنضرب الثلاثة في أصل المسألة وعولها, فتصير سبعة وعشرين, للزوج ثلاثة مضروبة في ثلاثة تكون تسعة, وللأم سهمان مضروبان في ثلاثة تكون ستة, وللأخت والجد أربعة مضروبة في ثلاثة تكون اثنى عشر تقسم بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين, ثمانية للجد وأربعة للأخت.

وكنا فرضنا للجد سدسًا, ثم أعطيناه ثمانية من سبعة وعشرين,] وكنا فرضنا للأخت نصفًا, ثم أعطيناها أربعة من سبعة وعشرين [. والفرق بين هذه المسألة وبين سائر مسائل الفرائض: أن كل فرض فرضناه في مسألة ابتداء لم يمنعنا عن تسليم ذلك الفرض إلى مستحقه مانع انتهاء, ولو سلكنا في مسألة الأكدرية هذا المسلك لناقضنا أصل الفرائض, وذلك أن الجد في مسألة من المسائل لا ينزل درجته عن درجة الأخت. ألا ترى أنه إذا كان مع الأخت الواحدة قسم المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين, فيكون مع الجد ضعف ما يكون مع الأخت, وإن كان معه أختان كان معه ضعف ما في يد كل واحدة منهما, وكذلك الأخوات الثلاث, والأربع,

وإن صرن خمسًا فرضنا للجد الثلث وقسمنا الباقي بين الأخوات الخمس, فيكون في يد كل واحدة منهن خمس الثلثين, وفي يد الجد كمال الثلث.] وفي هذه المسألة يكون الباقي للجد والأخت بعد نصيب الزوج, والأم من أصلها - لو صرنا إليه - سهمًا وهو السدس [,] وقد فرضنا للأخت في مسألة الأكدرية ثلاثة أسهم وهو النصف, وللجد سهمًا وهو السدس [؛ لما لم نجد بدًا من إعطائهما, ولم نجد إلى إعطائهما سبيلًا بالتعصيب مخافة أن ينقص نصيب الجد من السدس, ولو أعطيناهما ما فرضناه لهما صارت الأخت مفضلة على الجد, وحصل في يدها ثلاثة أمثال ما حصل في يده, وذلك محال؛ فلهذا أخذنا منهما ما صادفنا في أيديهما وجعلناهما في ذلك/ (202/ب) المقدار منزلتها في مسألة لم يكن فيها معهما غيرهما, فقسمنا السهام الأربعة بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين؛ ولهذا فارقت هذه المسألة] نظائرها. ولا يتصور العول في مسألة مشتملة على الجد والأخوة إلا في هذه المسألة [, وليس ذلك لمعنى يوجب فرقًا, ولكن صور المسائل في الجد والأخوة معدودة, فليست تدعو الضرورة إلى العول إلا في هذه الصورة المخصوصة.

مسألة (405)

مسألة (405): كل شخص قطعنا له طائفة من المال فرضًا, أو تعصيبًا لم يجز أن يبقى صفر اليد عما قطعنا له إلا في أصل واحد من أصول الفرائض وهي: المعادة بمسائلها, وصورة واحدة منها: أن يكون في المسألة: جد, وأخ لأب وأم, وأخ لأب, فتجعل المال بينهم أثلاثًا على العدد, ثم إن الأخ للأب يرد جميع ما في يده على الأخ لأب وأم, ويخرج صفر اليد, وكذلك - أيضًا- لو كان مع الجد: أخ لأب وأم, وأخت لأب قسمنا المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين, ثم ترد الأخت للأب جميع ما في

يديها على الأخ للأب والأم وتخرج صفر اليد. والفرق بين هذه المسألة وبين سائر المسائل: أنا إذا قطعنا في مسألة من المسائل عطاء لشخص, لم يكن في تسليم ذلك العطاء إليه مناقضة للأصول الممهدة, ولو جرينا في المعادة على هذا الأصل؛ لأدى ذلك إلى المناقضة, وبيان هذا: أن الأخ للأب إذا انفرد بالأخ للأب والأم ولم يكن معهما جد استحال أن يأخذ الأخر للأب شيئًا مع الأخر للأب والأم, وإذا انفرد الجد والأخ للأب كان المال بينهما نصفين, واستحال سقوط الأخ بالجد, وإذا اجتمع الثلاثة قسمنا المال بينهم ابتداء, لكن لا يسقط الأخ للأب بالجد, ثم يسقط بالأخ للأب والأم, وكذلك أيضًا الأخت للأب لا يجوز أن تسقط بالجد ابتداء, ثم إذا قطعنا لها عطاءها جاز أن نسقطها بالأخ للأب والأم في الانتهاء. ولو أن أولاد الأب في جميع مسائل المعادة كانوا محرومين لكانت المعادة التي

ذهب إليها زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قليلة الفائدة, ولكن ربما نخصهم بشيء من المال. ألا ترى أن الجد لو اجتمع مع الأخت لأب وأم, وأخ لأب, قسمنا المال بينهم للذكر مثل حظ الأثنيين على خمسة أسهم, ثم أمرنا الأخ للأب بأن يرد على الأخت/ (203/ أ) للأب والأم إلى تمام النصف, إذ لا يجوز أن يزيد نصيب الأخت الواحدة على نصف المال, فيبقى في يد الأخ بعد إكمال نصف الأخت عشر المال.

مسألة (406)

مسألة (406): المعتق بعضه إذا مات له حميم لم يرثه قولًا واحدًا, وإذا كان هو الميت ففي توريث حميمه قولان: أحدهما: أنه يرثه, والثاني: أنه لا يرثه. والفرق بين المسألتين: أنا إذا ورثنا عنه حميمه في المقدار المملوك له بنصفه الحر فقد ورثنا قريبًا من قريبه, وقررنا ذلك الميراث في يده, وتوارث القرابات بسبب القرابة غير مستبعد, بل هو أصل في التوريث. أما إذا مات حميمه فلو ورثناه لم نجد بدًا من توريث أجنبي عن أجنبي وذلك محال. وبيانه أن الشخص إذا كان بعضه حرًا وبعضه مملوكًا, فما من مال يتملكه إلا ويتقسط على نصفه, فيصير نصفه ملكًا له بنصفه الحر, والنصف الآخر ملكًا لمالك نصفه بنصفه المملوك, ومالك نصفه أجنبي من هذا الميت؛ فلهذا لم نورثه.

فإن قال قائل: هلا حكمت بتوريثه وبملك تمليكه في الدرجة الأولى من الحميم الميت, ثم تنقل الملك عنه إلى مالك نصفه, فلا يؤدي إلى توريث الأجانب من الأجانب. ألا ترى أن العبد القن لو وهب له شيء فقبله وقبضه حكمنا بأنه يملكه ولكن لسيده؟ قلنا: لا سبيل إلى نسبة الملك إلى هذا الشخص في الوهلة الأولى إلا بنصفه الحر, فأما حصة نصفه المملوك فأول التمليك منسوب إلى السيد؛ لأن المملوك لا يملك شيئًا, وكذلك أيضًا احتطابه إذا احتطب, واصطياده, واحتشاشه, وكذلك أيضًا مسألة الوصية للملوك, والموهوب لا يدخل في ملك العبد

مسألة (407)

ابتداء بحال, وأول الملك يحصل عليه لسيده. وإنما اختلف أصحابنا في العبد إذا وهب له شيء فقبله وقبضه فهل حصل الملك لسيده على جهة الجبر, أم يتخير السيد في الرد؟ على وجهين: أحدهما: أن الملك ملك جبر؛ لأن يد المملوك كاسبة للسيد قياسًا على الاصطياد والاحتطاب, والوجه الثاني: أن السيد بالخيار, وليست الهبة كالاحتطاب؛ لأنها عقد من العقود المالية, وليس للمملوك سلطان العقود المالية إلا/ (203/ ب) بالإذن السابق من جهة السيد. فأما إذا احتطب, أو احتش, أو اصطاد, فذلك فعل يحصل من المملوك, فيصير سببًا لجلب ذلك الملك, والعقد في صورته لا مدفع له؛ ولهذا فصلنا بين استيلاد المجنون, وبين إعتاقه, وكذلك أيضًا فرقنا بين استيلاد المريض, والمحجور عليه وإعتاقهما. مسألة (407): الموارثة منطقة بين المسلمين والمشركين بكل حال, والمناكحة

جائزة في بعض الأحوال, فيجوز للمسلم نكاح الحرة الكتابية اليهودية كانت أم نصرانية. والفرق بين المسألتين: أنا لو ورثنا المسلم من الكافر أدى إلى تشريك الإسلام والشرك في الإرث الواحد؛ لأن الكافر إذا مات وخلف ابنًا مشركًا وابنًا مسلمًا لم يجز لنا أن نورث ابنه المسلم مع اختلاف الملتين,] بل يرثه من هو على دينه مع اتفاق الملتين, وإذا شركناهما اشترك الملتان [في الميراث الواحد والإسلام لا يشركه الشرك. وأما إذا نكح المسلم يهودية,] فهي المقصود منها ما أمر الله - تعالى - به وهو النسل؛ بدليل قوله تعالى {فَالْئَنَ بَشِرُوهُنّ} والولد من هذين الشخصين

مسألة (408)

محكوم بإسلامه بكل حال؛ لأن الولد في الإسلام يتبع أحد الوالدين أيهما كان مسلمًا. مسألة (408): المجوسي يرث اليهودي, والنصراني يرث اليهودي, وإن اختلفت بهم الملل, ولا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم, لاختلاف الملتين. والفرق بينهما: ما بيناه في المسألة السابقة: أن الشرك يشركه الشرك, كما قال الشافعي: "المشركون في تفرقهم واجتماعهم يجمعهم أعظم الأمور وهو الشرك بالله تعالى"، هذا لفظه في كتاب الرسالة وهو في مناوأة الإسلام كالنفس الواحدة, يتمالون على المسلمين وما زالوا كذلك, وللموالاة أثر في الموارثة؛

ولهذا تنقطع الموارثة بين المهاجرين والمتخلفين حين انقطع النصرة والموالاة بينهم, وأما المسلم والكافر فالموالاة بينهما محال؛ فلهذا استحال بينهما الموارثة. فإن قال قائل: فإذا جعلتم المشركين في هذه المسألة كالنفس الواحدة] بالموالاة الجامعة, فهلا جعلتموهم في مناكحة المسلمين إياهم كالنفس الواحدة [, وكذلك في الذبائح, وقد قسمتموهم في

الذبيحة, والنكاح مراتب مختلفة. قلنا: مناكحتنا إياهم وأكلنا ذبائحهم نوع تشريف لهم؛ لأن المناكحة مواصلة, فإذا وصلناهم, فقد شرفناهم, وكذلك إذا/ (204/ أ) أكلنا ذبائحهم فقد احترمناهم, ولبعضهم أصل في الاحترام ليس لجميعهم؛ لأن من كان منهم من أهل الكتاب فلهم حرمة كتابهم, ومن لم يكن لهم كتاب لم يتمسك بمثل هذه الحرمة, بخلاف الموارثة فإنها ليست متعلقة بالاحترام, وإنما تتعلق بالموالاة والنصرة, والله أعلم.

كتاب الوصايا

كتاب الوصايا مسألة (409): إذا باع رجل في مرض موته وحابي, ثم رجع عن المحاباة قبل التسليم ومات كانت المحاباة لازمة من الثلث, ولو وهب ولم يسلم, ثم رجع عن هبته, ومات, فالهبة باطلة. والفرق بينهما: أن المقدار الذي حابي به المشتري صار في حكم المقبوض, وإن لم يتصور فيه القبض؛ لأن استحقاقه اتصل بعقد موضوع للالتزام وهو عقد البيع, والعقد إذا صار لازمًا تامًا كان رجوعه عن المحاباة محال بعد التمام واللزوم, وأما إذا وهب, ثم رجع قبل التسليم فقد امتنع عن تمام العقد وإلزامه. فوزان المحاباة من الهبة هبة موصوفة باللزوم, وهي الهبة التي تكاملت بالقبض, ووزان المحاباة وزان العتق المنجز في مرض الموت لا نجد سبيلًا إلى

مسألة (410)

الرجوع عنه؛ ولهذا صار العتق المنجز مقدمًا على العتق الموصى به. ولو اجتمعت المحاباة والتنجيز في مرض الموت نظر إلى المتقدم منهما فإن كان تنجيز العتق متقدمًا على المحاباة, والثلث بعد العتق يضيق عن المحاباة فالمحاباة باطلة, وإن كانت المحاباة سابقة والثلث بها مستغرق - فالعتق باطل, وإن كانت تنجيزًا, إذا لم يجز الوارث ما زاد على الثلث, بخلاف الهبة الكاملة بالقبض في المرض فإنها هبة البتات في عبارة الشافعي رحمه الله, نازلة - بالقبض في المرض - منزلة التنجيز في مراعاة ما بيناه من الترتيب. مسألة (410): إذا مات الرجل وعليه ديون وله وصايا قضينا ديونه من رأس ماله, ثم اعتبرنا الثلث والثلثين في الباقي, ولو كانت المسألة بحالها ولكنه أوصى بقضاء ديونه من ثلثه: قسمنا ثلثه على ديونه ووصاياه تقسيطًا

بالحصص, كما نقسم الثلث على الوصايا التي لا دين معها, فإن صارت الديون مقضية استغنينا بالثلث عن الثلثين (204/ ب) , وإن فضلت فضلة من الدين وتعذر التقسيط قضاه من الثلث, وقضينا تلك البقية من الثلثين. والفرق بين المسألتين: أنه إذا مات ولم يوص بقضاء ديونه أمكنا مراعاة وصية الشرع في الترتيب, ومقتضى الشريعة في الترتيب تقديم الديون وأخذها من رأس المال قبل الوصايا, فلهذا أخذنا جميعها من رأس المال تبدئة وتقديمًا, ثم اعتبرنا الثلث والثلثين في حق الورثة وأصحاب الوصايا. وأما إذا أوصى بقضاء ديونه من ثلث فقد قصد أن يصرف قضاء الديون إلى محل تصرف المريض وهو الثلث إرفاقًا بالورثة؛ ولهذا قال - عليه السلام -: "إن الله أعطاكم ثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم"، فوجب علينا

مسألة (411)

مراعاة وصيته, وتنزيله المقصود, فجعلنا ديونه ووصاياه, كأنها في درجة واحدة, حتى يأخذ بالمحاصة من ثلثه لديونه, فيدخل على أصحاب الوصايا بذلك زيادة النقص, وربما تصير الديون بجملتها مقتضية فلا يجاوز ثلثه, ويبقى ثلثاه كاملًا لورثته, وإن فضلت بقية من الديون مددنا اليد إلى الثلثين حينئذ, إذ لابد من قضاء الديون. ألا ترى أن الدين لو استغرق التركة لم يكن للورثة حق في شيء من التركة. مسألة (411): إذا أوصى رجل فقال: ادفعوا إلى فلان بعد موتي ألف درهم من مالي؛ ليتصرف فيها على أن يكون له ثلث الربح, فهذه وصية باطلة, ولا يتوجه على الورثة تنفيذ الوصية, وكذلك لو قال: بيعوا بعد موتي هذه الدار من فلان وتصدقوا بالثمن, ولا تبيعوها من غيره, فالوصية باطلة. ولو قال: اصرفوا إلى فلان من كراء داري كذا وكذا درهمًا كانت الوصية صحيحة, ولزمهم أن يصرفوا إليه من كراء الدار مقدار وصيته. والفرق بين هاتين الوصيتين: أن منافع الدار بنفسها مال عند الشافعي,

مسألة (412)

وليس يتوقف معنى المالية فيها على إنشاء عقد, ومنزلتها منزلة أعيان الأموال, فمتى أوصى بشيء منها, فكأنما أوصى بشيء من عين ماله, فلا بد من تصحيح الوصية. وأما إذا أوصى بالقراض فكأنه أوصى له بمنافع دارهمه, ومنافع الدراهم لا تعد من المال؛ ولهذا لا يتصور ورود الإجارة على منافعها, كيف؟ والارتفاق في الدراهم في المضاربة لا يتصور مع استيفاء أعيانها, وإنما تصور بإنفاقها, والاعتياض عنها, فصار الموصي على الحقيقة موصيًا بما لا يكون عينًا ولا منفعة عين, والوصيا إنما تصح بالأعيان, أو بمنافع مخصوصة من الأعيان. مسألة (412): المحجور عليه لسفه إذا أوصى لرجل بمال يجاوز ثلثه ومات صحت وصيته, ولو وهب لم تصح هبته وإن كانت غير مجاوزة لثلثه. والفرق بينهما: أن هبته لو صحت صحت في حال حياته, وحال حياته حالة إحاطة الحجر به, فجميع عقوده تحت الحجر ما دام الزمان زمان الحجر. وأما إذا أوصى ومات فهذا عقد إنما ينفذ عليه بعد انقضاء زمان الحجر

مسألة (413)

بالموت, وأيضًا فإن الحجر: نظر له, ومن النظر إبطال هبته وجميع تبرعاته التي يفعلها في حياته, وأما وصيته بعد موته فالنظر له في تنفيذها في ذلك الزمان وهو زمان انتقال الملك عنه إلى غيره؛ ولهذه النكتة نفذنا وصية المراهق - على أحد القولين - مع الأثر المنقول فيها عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. مسألة (413): المحجور عليه حجر السفه إذا أوصى له بوصية وحب على القيم

قبولها, والمحجور عليه للفلس إذا أوصي له بوصية, فهو مخير في قبولها وردها. والفرق بين المحجورين: أن الحجر على المفلس هو حق الغرماء, وليس فيه مراعاة حقه, ولو راعينا حقه لما حجرنا عليه؛ لأنه رشيد مستجمع لجميع أوصاف الرشد؛ فلهذا كان مخيرًا بين قبول الوصية وردها, بخلاف المحجور عليه للسفه فإنما حجرنا عليه مراعاة لحقه؛ لما لم يكن من أهل النظر لنفسه؛ لما فيه من سوء تدبيره وسفاهته, والقيم المنصوب إنما نصب نظرًا له, ومن النظر له جلب المنافع إليه إذا تصدت للجلب, والوصية مال تصدى للتمليك بالقبول؛ ولهذا نقول: إذا كان في الشفعة وأخذها نظر لليتيم وجب على القيم أخذ تلك الشفعة, فإن ردها, فبلغ اليتيم كان له أخذها.

مسألة (414)

مسألة (414): الرجل إذا أوصى لعبده القن بثلث نفسه, وبثلث سائر أمواله صحت وصيته له بثلث نفسه, ولم تصح وصيته له بثلث سائر أمواله. والفرق بينهما: أنا إذا صححنا وصيته له بثلث نفسه لم تتضمن وصيته مناقضة أصل, لأن ثلثه إذا عتق رق ثلثاه للورثه, وغير بعيد أن تتبعض الرقبة الواحدة, فيصير بعضها حرًا ويرق للورثه بعضها. فأما ثلث سائر أمواله: فلو صححنا وصيته لهذا الشخص/ (205/ب) , وقد عتق ثلثه ورق ثلثاه - لزمنا توزيع تلك على ما فيه من الحرية والرق, وإذا

مسألة (415)

توزعت دفع بعضها وهو الثلثان إلى ورثة الموصي, والوصية للوارث باطلة, ولهذه النكتة لم نورث من عتق بعضه ورق بعضه, والله أعلم. مسألة (415): الموصي إذا واقع الجارية الموصى بها ولم يعزل بطلت الوصية, وإن واقعها وعزل عنها الماء لم تبطل الوصية. والفرق بين المسألتين: أنه إذا أودعها ماءه فالظاهر من هذا الفعل قصد ما لو تكامل بطلت الوصية وهو الاستيلاد, وسواء علقت بمائه, أو لم تعلق. ألا ترى أن الرجل إذا أوصى لرجل بعيد, ثم ساوم به في البيع بطلت الوصية, سواء تم ذلك البيع, أو لم يتم, وكذلك - أيضًا - إذا وهب ذلك

مسألة (416)

العبد لإنسان, سواء سلم الموهوب, أو لم يسلمه فالوصية باطلة, وكذلك أيضًا المتسري مع استفراغ الماء وأما إذا واقعها وعزل عنها الماء فقد اقتصر على فعل لا يتضمن نهايته ما يوجب بطلان الوصية؛ لأن نهاية الوطء مع العزل نوع من الاستمتاع والاستخدام, ولو استخد العبد الموصى به لم يتضمن الاستخدام إبطال الوصية, والله أعلم. مسألة (416): إذا أوصى بعتق جارية, ثم واقعها, ولم يعزل عنها الماء لم تبطل الوصية. ولو أوصى برقبتها لرجل, ثم واقعها, ولم يعزل عنها بطلت الوصية. والفرق بينهما: أنه إذا أوصى بعتقها, أو دبرها, ثم واقعها واستودعها ماءه فنهاية استيداع الماء غير متنافي للوصية بعتقها؛ لأن الاستيلاد هو سبب للحرية بعد الموت, بل في هذا الاستيلاد لزوم الحرية

مسألة (417)

التي لا تزول ولا تبطل بالديون, ولا تدخل مع الوصايا في المخاصمة والمضاربة, وإنما تبطل الوصايا بما يكون منافيًا لها. وإذا أوصى برقبتها لشخص, ثم استودعها ماءه, فقد فعل فعلًا لو تم ذلك الفعل كان منافيًا للوصية السابقة, إذ الاستيلاد في الرقبة الواحدة مقدم على الوصية بها. مسألة (417): إذا أوصى رجل لرجل بنصف ابنه ومات الوصي, ثم مات الموصى له قبل قبول الوصية, فقام الوارث مقامه في القبول, فقبل ذلك النصف - وللموصى له أموال -: عتق بالقبول مقدار الوصية, ووجبت السراية في ملك الموصى له؛ لأن الملك في الأصل له, وإنما ينتقل عنه إلى الورثة ما جاز فيه الانتقال, ولو قبل في حال حياته كانت السراية في ملكه, فكذلك قبول وارثه بعد مماته, ولو

كانت الرقبة الموصى بها, أو ببعضها ممن يعتق على] وارثه, ولا يعتق على الموروث, فمات الموصى له قبل القبول, فقبل [الوارث وصية أبيه - والوصية ببعض الرقبة - عتق مقدار الوصية, وقومنا على الوارث بقية الرقبة في خالص ماله. ويمثله لو أن مكاتبًا عجز عن نجوم الكتابة, وفي ملكه بعض رقبة من يعتق على سيده, فعجزه السيد دخل في ملكه ذلك البعض, ولم يقوم عليه الباقي. والفرق بين المسألتين: أن الوارث إذا قبل وصية موروثة كان هذا القبول بعينه عقدًا للتمليك, ومتى ما قصد عقد التمليك في بعض من يعتق عليه, فقد تحقق منه اجتلاب الملك في العتق قصدًا وحقيقة, فلا بد من تقويم الباقي عليه, فأما إذا قصد تعجيز مكاتبه, فليس التعجيز من عقود التمليك, ولكنه فسخ عقد, ثم يرتب عليه في الدرجة الثانية دخول بعض من يعتق عليه في ملكه,

مسألة (418)

فصار كما لو ورث بعض من يعتق عليه, فلا يقوم عليه الباقي؛ لأنه بالإرث لا يقصد اجتلاب الملك, كما يقصد اجتلاب الملك بقبول الوصية. وعلى هذه النكتة نقول: إذا رد الوارث بالعيب سلعة اشتراها مورثه ببعض من يعتق عليه, فدخل في ملك الوارث - لرد السلعة بالعيب - بعض من يعتق عليه لم يقوم عليه الباقي؛ لأنه قصد فسخ البيع بسبب العيب, فترتب على الفسخ دخول بعض تلك الرقبة في ملكه, ومن أصحابنا من يقول بالتقويم في هذه المسائل. مسألة (418): إذا سبق موت الموصي موت الموصى له, ثم مات الموصى له عن غير قبول, فالوصية بحالها لا تبطل بموتها, ويقوم وارث الموصى له في القبول مقام الموصي له إن شاء الله, ولا يجبر على قبولها.

مسألة (419)

وإن مات الموصى له, ثم مات الموصي, فالوصية باطلة, ولا فائدة في قبول الوارث. والفرق بين الحالتين: أن استقرار الوصايا إنما يتحقق يوم موت الموصي, ألا ترى أن له الرجوع عن الوصية ما دام حيًا, فإذا مات, فليس لوارثه الاعتراض على تلك الوصية, فلما كان استقرارها بالموت حكمنا بأن الموصي إذا مات والموصى له حي استقرت الوصية وثبت القبول حقًا للموصى له, فإذا مات الموصى له قبل القبول ناب وارثه فيه. فأما إذا سبق موت الموصى له, ثم مات الموصي, فلا يثبت يوم موت الموصي حق قبول الوصية للميت, وما أوصى لوارثه حتى يثبت له أول حق القبول, فبطلت الوصية؛ لتقدم موت الموصى له. مسألة (419): البائع إذا قال: بعت منك هذا العبد بألف درهم, فمات المشتري قبل الجواب لم يقم وارثه مقامه في القبول, وإذا مات الموصي, ثم مات الموصى له قبل القبول قام وارثه مقامه.

مسألة (420)

والفرق بين المسألتين: أن البائع إذا قال: بعت منك هذا العبد بألف, فهذا الإيجاب في حد الجواز, لا في حد اللزوم, وإذا مات المشتري قبل القبول مات عن حق جائز, والعقود جائزة تبطل بالموت, كالجعالات والوكالات, فأما إذا مات الموصي, فقد صار إيجاب الوصية بموته في حد اللزوم, وخرج حد الجواز, والحقوق اللازمة لا تبطل بالموت. ألا ترى أن البائع لو قال: رجعت عن الإيجاب قبل جواب المشتري لم ينفع جواب المشتري بعد رجوعه, ولو قال الوارث الموصي بعد موته: أبطلت الوصية لم تبطل بإبطاله. فوزان البيع قبل جواب المشتري وزان الوصية قبل موت الموصي فإن الوصية قبل موت الموصي في حد الجواز. ألا ترى أنه متى شاء رجع عنها قبل موته؛ ولهذه النكتة بطلت الوصية بموت الموصى له قبل موت الموصي, كما يبطل الإيجاب في البيع بموت أحدهما من الطرفين. مسألة (420): الرجل إذا أوصى بعتق شخص له في مملوك, واقتصر على ذلك ومات, فأعتقنا ذلك الشخص لم يسر عتقه إلى باقي المملوك وإن كثرت التركة.

مسألة (421)

ولو كانت المسألة بحالها غير أنه زاد في الوصية, فقال: ويستتم عتق باقية وجبت السراية, في التركة من الثلث. والفرق بين المسألتين: أنه إذا لم يوص بالتسرية, واقتصر على الإيصاء بالعتق انتقل ملكه بالموت إلى ورثته إلا فيما استبقى لوصيته, ووصيته عتق الشخص المملوك دون التسرية, فلو سرينا عتقه لكانت التسرية على ملك الوارث وذلك محال. فأما إذا أوصى بالاستتمام, فقد استبقى لوصيته طائفة من ماله فوق عتق الشخص المملوك, ولو أوصى بشراء مملوك وإعتاقه وجب تنفيذ وصيته في ثلثه, فكيف لا يجب تسرية عتقه في ثلثه؟ مسألة (421): الجارية إذا كانت مشتركة بين شريكين وفي بطنها ولد مملوك إما من زنا أو زوج, فأعتق أحدهما نصيبه من الولد وهو موسر عتق الولد كله, ثم تنتظر الولادة, فإن سقط الولد ميتًا فليس

مسألة (422)

على المعتق غرامة نصيب الشريك من الولد, وإن سقط حيًا أو سقط ميتًا بجناية جان على الأم أدت إلى الإجهاض وجب على الشريك المعتق أن يغرم للشريك الثاني نصيبه من قيمة الولد. والفرق بين الحالتين: أن الولد إذا سقط ميتًا فقد سقط موصوفًا بصفة منافية للضمان؛ لأن أول زمان يثبت فيه حكم الولد زمان الانفصال عن الأم, فإذا انفصل ميتًا انفصل على صفة يستحيل الضمان معها, وإذا سقط حيًا فقد سقط على صفة لا يستحيل الضمان معها, وكذلك إذا سقط مقتولًا؛ لأنه سقط مضمونًا؛ ولذلك فصلنا في ولد المغرور بين أن يسقط ميتًا فلا ضمان على الزوج, وبين أن يسقط مقتولًا فيضمن الزوج لسيد الأمة. مسألة (422): إذا كان في الوصايا عتق الجواري الحوامل, فكل حمل, أو بعض من حمل صار حرًا في الوصية لم يكن محسوبًا على حساب الثلث, وكل حمل بقي رقيقًا للورثة كان محسوبًا عليهم في الثلثين.

والفرق بين الحالتين: أن ما يعتق من الحمل يعتق على حكم التبعية للأم, فصارت الأم محسوبة دون ما صار تبعًا لها, فأما ما بقي رقيقًا للورثة, فذلك ملك من الأملاك, فلا فرق بين رقبة الجواري الباقيات للورثة وبين رقبة الأولاد, ومحال أن نجعل الولد تبعًا للأم في الملك حتى لا نحسبه على الورثة وقد بقيت رقبته ما لا يتمول للوارث, ولو كان الجنين يعتق بالسراية إذا عتقت الأم دون مراعاة معنى التبعية: لعتقت الأم] إذا عتق الجنين في بطنها بالسراية, ولا خلاف أن الجنين إذا أعتق لم يسر العتق إلى الأم [, وهذا فرق ما بين الحالتين وهو التبعية, فالأم تستتبع الولد, ويستحيل أن يستتبع الولد الأم, ثم إن الأم تستتبع الجنين في العتق ما دام جنينًا, وتستتبعه في الإسلام بعد الانفصال, كما تستتبعه جنينًا. والفرق بين الحكمين: أن التبعية في الإسلام تحصل بالكفالة. ألا ترى أنا نحكم للطفل الكافر بالإسلام لإسلام السابي, وسابيه أجنبي منه, والاستتباع في العتق يقتضي نوعًا من الاتصال.

مسألة (423)

مسألة (423): الموصي إذا أعتق الجنين في البطن اعتبرناه من الثلث, وقد ذكرنا أنه لو أعتق الجارية وفي بطنها ولد جعلنا الولد تبعًا, ولم نثبت له حكمًا في الحساب على الثلث. والفرق بين الحالتين: ما ذكرنا من النكتة وهي: مراعاة التبعية, فإذا أعتق الولد مقصودًا في البطن دون الأم فقد جعله في العتق أصلًا, فلا يمكننا أن نجعله تبعًا, ويجوز إفراد الولد بالقصد وإن كنا نجعله تبعًا للأم. ألا ترى أن الوصية بالجنين صحيحة, ويكون الجنين أصلًا حينئذ, ولو أوصى لرجل بجارية وهي حبلى وسكت عن الحمل دخل الحمل في الوصية تبعًا, فأما إذا أعتق الأم وهي حبلى فقد جعل الأم أصلًا في العتق, وصار الولد تبعًا لها لما كانت له أصلًا له.

مسألة (424)

مسألة (424): الجنين يأخذ - على أحد القولين - قسطًا من الثمن في البيع, فيصير كأنه مبيع مضموم إلى مبيع. فأما في باب الوصايا, فلا يأخذ بقسط من الحساب في الثلث, بل إذا عتقت الأم اختزلنا الجنين واستفردناه في الحساب فلم نحسبه. والفرق بين الأصلين: أن الولد في المبيع ما دام جنينًا, فلا سبيل إلى التقسيط عليه؛ لأن التقسيط يكون بالتقويم, والتقويم في البطن متعذر, فلا يتصور أن يقوم وهو جنين, ولكن نعتبر قيمته يوم الانفصال, وإذا انفصل حيًا, فصارت قيمته معلومة ساعة الانفصال أمكن التقسيط عليه. ألا ترى أنه لو سقط في البيع ميتًا لم يأخذ القسط من الثمن. وإذا ثبت أن التقويم والتقسيط إنما يتيسر يوم الانفصال, فإذا عتق الجنين في

مسألة (425)

البطن بعتق الأم, فقد انفصل يوم الولادة تالفًا بالحرية التي هو فيها تبع, والولد إذا انفصل تالفًا بالحرية التي هو فيها تبع, فليس له في التقسيط والتقويم والتغريم حكم, وقد قال الشافعي - رحمه الله - في ولد المغصوب إذا سقط ميتًا, "لا يجب على الغاصب ضمانه". والذي يوضح هذا: أن نعتبر على الورثة قيمة الجنين في الثلثين يوم الانفصال, فإن قال قائل: أليس إذا عتق الجنين بالوصية في البطن, فانفصل حيًا كان محسوبًا على الثلث في حساب الوصايا. قلنا: إذا أعتقه, فقد أفرده في الحكم, وجعله أصلًا, ونزله منزلة المنفصل يوم الإعتاق, وذلك يتصور في الوصايا, ولا يتصور ذلك في البيع, فأما إذا كان تبعًا للام في العتق, فلا وجه لإفراده بالتقسيط. مسألة (425): المريض إذا أعتق عبيدًا في مرض موته, ومات, والثلث يحتمل بعضهم, ولا يحتمل جميعهم, اعتبرنا قيمة من عتق منهم يوم الإعتاق في المرض, لا يوم موت المريض, فأما من رق منهم, فإنا نعتبر قيمته

مسألة (426)

بيوم موت المريض، لا بيوم الإعتاق. والفرق بينهما: أن كل عبد فاز بسهم العتق، فإن عتقه يكون مستندًا إلى التنجيز، ولا يكون عتقًا مستأنفًا يوم الموت، وإذا أعتق يوم التنجيز كان ما زاد في قيمته بعد ذلك زيادة في قمية حر، وكذلك النقصان، فلا وجه لاعتباره يوم موت الموروث، فأما [من بقي رقيقًا، فهو ميراث للورثة، وإنما نعتبر مقدار الميراث يوم موت الموروث. فأما] إذا أوصى بإعتاق عبد، أو دبر عبدًا/ فجميع القيم يومئذٍ معتبرة بيوم الموت؛ لأن العتق يقع عقيب الموت، كما يقع استحقاق الورثة عقيب الموت. مسألة (426): إذا أوصى لرجل بمملوك، ومات الموصي، واكتسب ذلك المملوك بعد الموت كسبًا، وذلك قبل قبول الوصية، فإذا قلنا: حدث الملك للموصى له بالقبول عقيب القبول، فذلك الكسب للوارث، لا للموصى له. ولو أوصى بأن يعتق عبد من عبيده بعد موته فاكتسب بين الموت والإعتاق

كسبًا، فذلك الكسب عند بعض أصحابنا للغلام، فإذا أعتقناه صرفناه إليه، وعند بعضهم للميت يقضي منه ديونه وينفذ منه وصاياه، وسوى بعضهم بين هذا الكسب وبين الكسب في المسألة الأولى، وجعلهما للوارث، والأصح طريق الفرق. والفرق بين المسألتين: أنه إذا أوصى بالعتق فقد استبقى تلك الرقبة لمحض القربة وهي العتق، فوجب أن يستبقيها لتلك الجهة، وأما إذا أوصى بها لرجل فالوصية عقد من عقود التمليك كالهبة، وربما لا تتمخص قربة، فلم نحكم للموصى له بملك المنافع ما لم يملك الرقبة، وإنما ملك الرقبة بالقبول عقيب القبول على هذا القول الذي ذكرناه. فأما إذا حكمنا له بالملك عقيب الموت - على جهة الوقف أو على غير جهة الوقف فالمنافع ما بين الموت والقبول يكون للموصى له مع الرقبة.

مسألة (427)

مسألة (427): إذا أوصى رجل لرجل بقمح بعينه، ثم خلطه بقمح آخر، فقد قال الشافعي - رحمه الله -: "صار راجعًا عن الوصية". وقال أيضًا: "لو أوصى له بمكيلة حنطة مما في بيته، ثم خلطها بمثها لم يكن رجوعًا، وكانت له المكيلة بحالها". والفرق بين المسألتين: أن الحنطة في المسألة الأولى معينة ممتازة عن غيرها، فإذا خلطها بحنطة أخرى، فقد قصد عينها بهذا التصرف، فصار، كما لو طحنها، أو كانت الوصية دقيقًا، فعجنه. أما إذا أوصى بمكيلة حنطة من الحنطة التي في البيت، فالوصية غير معينة وغير ممتازة، فإذا خلط الحنطة التي في البيت بحنطة أخرى لم يختص تصرفه وخلطه بالعين الموصي بها، فلم يمكن أن نجعل ذلك الخلط قصدًا لعين الوصية بالتصرف والتغيير، فلذلك لم نجعله راجعًا عن الوصية. مسألة (428): قال الشافعي - رحمه الله-: "الرجل إذا كان في أيدي مشركين يقتلون الأساري فأعطي عطية في هذه الحالة كانت عطيته من الثلث. ولو

أن رجلًا وجب عليه القصاص فقدموه للاقتصاص فأعطي عطية كانت من رأس المال لا من الثلث/ (208/ ب) ". والفرق بين المسألتين: ما أشار الشافعي - رحمه الله - إليه: أنهم في القصاص ممكن أن يتركوا فيحيوا. فإن قيل: مثل هذا الإمكان موجود في الجانب الثاني؛ لأن المشركين ربما يتركون فيحيون. قلنا: المشركون إذا كانوا معروفين بقتل الأسارى، كما صور الشافعي فإنهم يتدينون بذلك القتل، ويعتقدونه قربة عظيمة وطاعة، فالخوف مع هذه الصفة أغلب وأظهر، فأما أولياء القصاص فإنهم لا يتدينون بالاستيفاء، وإنما يقصدون بذلك استدراك الغيظ، وهم يعلمون أن الشريعة ندبتهم إلى العفو وليهم عليه عند الله ميعاد الثواب، والقصاص مباح لهم إن أرادوا القصاص،

مسألة (429)

والظن بالمسلم أن ينتدب لما ندبه الله إليه، كما يلتزم ما فرضه الله عليه؛ فلذلك جعل الشافعي - رحمه الله - حالته حالة الأمن ما لم يجرحوه والصحيح في المسألتين طريق الفرق. مسألة (429): إذا نصب الرجل وصيين، فأراد أحدهما أن ينفرد عن الثاني ببيع عين؛ لقضاء دين لم يكن له ذلك، إذا لم يجعل كل واحد منهما وصيًا على الانفراد، ولكن يجب أن يجتمعا ويتشاورا، ثم يعقدا ذلك البيع. ولو كان في التركة وديعة، أو دراهم، أو على الميت دراهم، فأراد أحدهما الاستبداد برد الوديعة، أو قضاء الدراهم من الدراهم كان له الاستبداد والانفراد.

مسألة (430)

والفرق بين المسألتين: أن صاحب الدين لو ظفر بدراهم من التركة ودينه دراهم - وقد تعذر الاستيفاء - كان له التفرد بالقبض من غير وصي، ولا وارث، فلما كان له التفرد بالقبض كان لكل واحد من الوصيين التفرد بالإقباض وكذلك رد الوديعة، فأما بيوع الأعيان، فإنها عقود لا يستغنى فيها عن الاجتهاد والمماكسة. ويعلم أن الميت إنما نصبهما لغرض له، وهذا أظهر أغراضه، فإذا أراد أحدهما الانفراد، فقد أراد مخالفة الموصي في أصل الوصية، ولا ينفذ تصرفه على وجه المخالفة. مسألة (430): قال الشافعي - رحمه الله -: "إذا بلغ الغلام الحلم، ولم يرشد زوجه الولي الذي نصبه الأب، أو نصبه القاضي، ولا يجمع له بين أمرأتين ولا جاريتين للوطء وإن اتسع ماله". وقد قال الشافعي - رحمه الله في مواضع -: "لو قبل الأب على ابنه الصغير نكاح أربع نسوة كان جائزًا". والفرق بين المسألتين: أن الأب إذا تصرف على الطفل تصرف بالولاية الكاملة

القوية المستفادة من غير توليه،/ (209/ أ) فأشبهت هذه الولاية ولاية تصرفه لنفسه من وجوه كثيرة، فجاز له أن يقبل عليه أربعًا، كما يقبل لنفسه، فأما الوصي، والقيم المنصوب، فإن ولايتهما قاصرة عن ولاية الأب، مقصورة على محض النظر، ألا ترى أن لا يستغني عن تولية، وليس من النظر أن يجمع له بين امرأتين، ولا جاريتين وفي الواحدة كمال المقصود من الاستمتاع، والله أعلم بالصواب.

كتاب الوديعة

كتاب الوديعة مسألة (431): إذا أودع رجلًا عشرة دراهم، فأخذ منها درهمًا، فاستنفقه، ثم رد بدله إليها، فالاحتياط أن يعلم على ذلك الدرهم علامة، فإن لم يفعل فاختلط ذلك الدرهم بالتسعة وتعذر التمييز، ثم تلفت العشرة كلها بسرقة أو ما أشبهها فعليه ضمان جميع العشرة. ولو أنه أخذ من العشرة درهمًا للاستنفاق على جهة الخيانة، ثم ندم ورد ذلك الدرهم المضمون بالعدوان إلى التسعة فاختلط بها، ثم تلفت العشرة كلها، فليس عليه إلا ضمان درهم واحد على الصحيح من المذهب. والفرق بين المسألتين: أنه إذا استنفق ورد البدل واختلط صار موصوفًا بأنه خلط ملكه بالوديعة، والمودع إذا خلط ملكه بالوديعة من غير إذن في الخلط صار حائنًا ضامنًا؛ ولذلك نقول: متى خلط عامل القراض مال رب المال بمال من عنده صار معزولًا، وكان الخلط منه جناية، وقد تلفت العشرة بعدما

تقدم منه سبب ضمان العشرة، فأما إذا رد الدرهم بعينه، فقد خلط بعض الوديعة ببعض، ولم يخلط بها مال نفسه. فإن قيل: إنه خلط المضمون بغير المضمون، وإن لم يخلط ملك نفسه بملك غيره، فوجب أن يضمن جميعها. قلنا: خلط المضمون بغير المضمون لا يوجب ضمان غير المضمون حتى يكون له عدوان، ألا ترى أن رجلًا لو كان في يده مغصوب فأودعه المغصوب منه وديعة، فخلط غصبه بوديعته، ليردهما لم يصر ضامنًا للوديعة، [ألا ترى أنه إذا خلط الوديعة بملك نفسه صار ضامنًا] وإن خلطها بغير مضمون، فعرفنا أنه لا اعتبار بخلط المضمون بغير المضمون، وإنما الاعتبار بخلط ملك نفسه بملك غيره، أو ملك غيره بملك غيره. واعلم أن صورة هاتين المسألتين في رجل دفع إليه رجل دراهم غير مشدودة ولا مختومة، فأما إذا أودعها إياه مختومة ففض ختامها، أو مشدودة فحل

مسألة (432)

وكاءها فقد صار بأول الفعل ضامنًا لجميع الوديعة بسبب الجناية التي تحققت منه. مسألة (432): أودع رجل رجلًا وديعة، فقال: احفظها في/ (209/ ب) خزانتك هذه ولا يدخل هذه الخزانة أحد، فخالفه وأدخلها جماعة، ثم سرقت الوديعة، فعلى المودع الضمان، ولو احترقت الوديعة، فلا ضمان. والفرق بين المسألتين: أنه إذا سرقت الوديعة، فقد جاء تلفها من جهة المخالفة، حيث أدخل جماعة تلك الخزانة، فاطلعوا عليها، فقصدوها، فسرقوها، فأما إذا احترقت، فليس لإدخاله الجماعة ذلك البيت سبب وأثره في الاحتراق، وإذا جاء التلف من غير جهة المخالفة جعلنا المخالفة الموجودة، كالمفقودة، وعلى هذا الأصل تجري مسائل الودائع كلها. مسألة (433): الأصل الكلي أمانة المودع ونفي الضمان عنه حتى يتبين سبب

خيانة، إلا في مودع مات، فطلبت الوديعة في التركة، فلم توجد، فقد قال الشافعي - رحمه الله -: "ضمانها واجب، والمودع غريم يحاص الغرماء"، واستبعد الشافعي - رحمه الله - في هذه المسألة قول أبي حنيفة - رحمه الله - حيث اعتبرها من الثلث. والفرق بين هذه المسألة وبين سائر المسائل: أنه متى مات ساكتًا عن ذكر الوديعة والتوصية بها تصور بصورة خائن، ولكن إنما تحققت الخيانة في آخر جزء من

أجزاء حياته، وعله كونه خائنًا في الحكم أن ورثته لا يعلمون الوديعة والإيداع، والموت يقتضي تبديل الملك وتبديل اليد، فصارت اليد للورثة على الوديعة وهي يد تشبه يد الملك ما لم يخبرهم بأنها وديعة، والمودع إذا أبدل اليد وسلم الوديعة إلى غيره تسليمًا يشبه الهبة والتمليك صار ضامنًا، وهذه صورة هذا الميت. ولو أوصى بها لتصور بغير هذه الصورة؛ لأن الوارث مع إيصاء المورث، بها لا يستفيد منه يدًا تشبه يد الملك؛ فلذلك قلنا: صار ضامنًا

مسألة (434)

لهذه الوديعة دون سائر الودائع التي لم تتحقق فيها هذه الصفة للمودع، ولا وجه لردها إلى الثلث، كما فعل أبو حنيفة - رحمه الله - لأن هذا الأمين إن بقي أمينًا غير ملحق بخائن ضامن فالواجب نفي هذا الضمان عنه في الثلث وفي رأس المال، وإن تصور بصورة خائن صارت الوديعة دينًا، والديون تؤخذ من رأس المال. مسألة (434): إذا دفع رجل وديعة إلى رجل، وأمره بأن يربطها في كمه، فربطها خارجًا صار ضامنًا، وإن ربطها داخلًا لم يصر ضامنًا، كذلك قال الشافعي رحمه الله. والفرق بينهما: أنه إذا ربطها داخلًا، فقد صانها وبالغ في حفظها، وإذا ربطها خارجًا، فقد أظهرها،/ (210/ أ) وعرضها للناظرين، ثم من أصحابنا من قال: معنى الداخل: أن يجعلها بين يديه [وبين جنبيه، ومعنى الخارج: أن يجعلها بين يديه] وبين الفضاء. ومنهم من قال: معنى الداخل: أن يجعل وكاءها الذي يسدها به داخلًا ومعنى الخارج: أن يجعل الوكاء خارجًا؛ لأن خروج الوكاء، كظهور الدراهم، وبطون الوكاء كبطون الدراهم.

كتاب قسم الفيء

كتاب قسم الفيء مسألة (435): قال الشافعي - رحمه الله-: "السلب للقاتل، فلو ضربه ضربة فقد يديه أو رجليه ثم قتله الآخر فسلبه للأول". وقال - في كتاب الجراح:- "لو أخاف رجل رجلًا، أو حرق أمعاءه، ثم ضرب آخر عنقه، فالآخر هو القاتل". والفرق بينهما: أن استحقاق السلب غير محصور في الإزهاق، بل هو مستحق بالاثخان والازمان، كما يستحق بالقتل، فإذا أزمنه الأول بقطع يديه، أو رجليه فكأنه قتله، وإن لم يقتله. فأما وجوب القود والدية التي هي دية النفس، فذلك مقصود في الإزهاق، وما حصل الإزهاق ممن أخاف وحرق الأمعاء، وإنما حصل الإزهاق من الثاني؛ فلذلك كان الأول جارحًا والثاني قاتلًا.

مسألة (436)

ولو كان السلب مقصورًا على القتل لما استحق سلب الأسير من تفرد بالاستيسار، والصحيح أن الأسير إذا استرقه السلطان اختص مستأسره برقبته؛ لاختصاصه باستيساره. مسألة (436): إذا حضر الفارس الوقعة ومارس شيئًا من الحرب، ثم مات فرسه استحق في الغنائم سهم فارس، ولو مات الفارس بعدما مارس بعض القتال وقبل إحراز الغنائم [لم يثبت له حق في الغنيمة ولا لفرسه. والفرق بين الحالتين: أن الفرس إذا مات قبل إحراز الغنائم] فالفارس باقٍ وهو من أهل التمليك حين دخل وقت تملك الغنيمة، وقد أغنى في بعض

مسألة (437)

القتال غناء الفارس، وليس يتوقف استحقاق سهم الفارس على إدمان ممارسة القتال، وأما إذا مات الفارس قبل إحراز الغنائم فقد دخل وقت تملك الغنيمة وهو ميت غير موصوف بأنه من أهل التملك، [وما حضر ورثته الوقعة حتى يثبت لهم حق التمليك] من غير جهة الإرث؛ فلهذا فصلنا بين المسألتين. مسألة (437): قال الشافعي - رحمة الله عليه -: "لو جاءهم مدد قبل أن تنقضي الحرب، فحضروا منها شيئًا، قل أو كثر شركوهم في الغنيمة، وإن انقضت الحرب ولم يكن للغنيمة مانع لم شرَّكوهم. ولو أن قائدًا فرق جنده في جهتين، فغنمت إحدى الفرقتين ولم تغنم الأخرى/ (210/ب) شركوهم". والفرق بين المسألتين: أن المدد ليس هم من جملة الجيش الأول، فلا يشاركوهم فيما انفردوا بمقاساة المشقة في الاستيلاء عليه وإحرازه والدفاع عنه قبل التحاق المدد بهم.

مسألة (438)

وأما القائد إذا فرق جنده طوائف، فكلهم جيش واحد يصدرون عن رأي واحد وراية واحدة مع تقارب الأماكن، والتمكن من الاتحاد عند الاستنجاد، والإعانة عند الاستعانة، فجعلناهم مع تفرقهم في الأماكن المتقاربة كالمجتمعين في المكان الواحد. مسألة (438): سهم القربى إذا قسم بين أهله، فللذكر مثل حظ الأنثيين، ولو أوصى رجل لقربى رجل سوينا بين الذكر والأنثى، وكذلك الأقارير المطلقة. والفرق بين المسألتين: مع اتفاق اللفظين - أن الله تعالى جعل قرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذوي القربى؛ تعليلًا لعطائهم واستحقاقهم، لا تعريفًا، فصارت القرابة في استحقاق [ذلك السهم علة، كما صارت القرابة في

استحقاق] المواريث علة، والمواريث تقسم على المفاضلة، فكذلك سهم القربى، وأما الموصي إذا قال: أوصيت لقرابة فلان: فقد ذكر قرابتهم على وجه التعريف والتمييز، لا على وجه التعليل، فاستفيد التمييز بالتعريف، وصار المال مضافًا إليهم بمطلق اللفظ من غير تعليل، وذلك يقتضي التسوية. فإن قال قائل: أليس قد قال الشافعي - رحمه الله في كتاب قسمة الصدقات-: "يمضي عطاء الله تعالى على ما يمضي عليه عطاء الآدميين"؟ فكيف فصلتم هاهنا بين العطائين في القسمة واللفظ واحد؟. قلنا: إنما قال الشافعي - رحمه الله - ذلك في مقصود مخصوص، وذلك أنه قال: "لا يجوز أن يصرف سهم صنف من الأصناف الثمانية إلى صنف آخر، كما لو أوصى رجل بثلثه؛ لفقراء بني فلان وغارمي بني فلان - رجل آخر -، [وبني سبيل بني فلان - رجل آخر]- إن كل صنف من هؤلاء يعطون من ثلثه، وليس لوصي، ولا وال أن يعطي الثلث صنفًا دون صنف، وإن كان أفقر وأحوج من صنف؛ لأن كلا ذو حق بما

مسألة (439)

سمي له، فإذا كان هكذا عندنا، وعند قائل هذا القول - يعني أبا حنيفة - فما أعطى الآدميون لا يجوز أن يمضي إلا على ما أعطوا، [فعطاء الله تعالى أحق أن لا يجوز أن يمضي إلا على ما أعطى]، هذا لفظه. فمقصوده أن الوصي إذا ذكر أصنافًا معدودة وجب مراعاة عددهم. فأما ما نحن فيه من هاتين/ (211/ أ) المسألتين، فليس هو نظير ذلك الكلام؛ لأن إحدى المسألتين مسألة تعليل، والأخرى مسألة تعريف، والأصناف هناك في العطائين سواء في التعليل والتعريف. مسألة (439): مال الجزية إذا وجب بانقضاء حولها، فمات رجل من المرتزقة، ثم صارت الجزية إلى الإمام، فلا حق للميت. ولو صارت الجزية إلى الإمام، ثم مات بعض المرتزقة، فحقه ثابت لورثته ميراثًا لهم منه.

مسألة (440)

والفرق بين المسألتين: أن الموت إذا سبق وصول المال إلى الوالي، فالموت سابق للملك؛ لأن ذلك المال إنما يصير مملوكًا بعينه عند وصوله إلى يد الوالي، وإذا مات بعد الوصول، فقد صار المال الواصل إلى الوالي ملكًا للمرتزقة؛ لأن يده يدهم، وإنما بقيت القسمة، والقسمة لا تملكهم شيئًا لم يملكوه قبلها، وإنما يتعين الحق بالقسمة؛ فلهذا فصلنا بين الحالتين. والله أعلم. مسألة (440): الوالي إذا أراد قسمة الفيء بين المرتزقة، فقد اختار الشافعي - رحمه الله - التسوية بينهم، وهو مذهب أمير المؤمنين أبي بكر الصديق وعلى ابن أبي طالب رضي الله عنهما، بدليل ما روي أن عمر - رضي الله عنه - قال لأبي بكر الصديق: أتجعل الذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم وهجروا ديارهم كمن دخل في الإسلام كرهًا؟ فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:- إنما عملوا لله، وإنما أجورهم على الله وإنما الدنيا بلاغ.

وإذا أراد الوالي قسم الصداقات بين الأصناف فالتسوية غير مأخوذة عليه فيهم. والفرق بين المالين: أن الصدقة مستحقة لعلل مختلفة، منها: الفقر، والمسكنة: ومنها: الغرم وغير ذلك، ومراتب هذه الحاجات مختلفة في المحتاجين، وكذلك مراتب عطاياهم يجوز أن تكون مختلفة على حسب اختلاف معانيهم، فأما مال الفيء فإن أهله ما استحقوه للحاجة؛ لأن غنيهم وفقيرهم فيه سواء، وإنما استحقوه بأن كتبوا أسماءهم في ديوان الفيء، وأرصدوا أنفسهم للجهاد، واستووا في هذه العلة وإن تباينوا في سائر الفضائل، وليست الفضائل التي تباينوا فيها علة، لاستحقاق هذا المال، ومنزلتهم بعد ما كتبوا أسماءهم منزلة الغانمين في حضور الوقعة، يستوون في مقدار الغنيمة لا يفضل بعضهم على بعض إذا كانوا جميعًا فرسانًا، أو كانوا رجالة، وإن كان بعضهم يفضل بعضهم على بعض إذا كانوا جميعًا فرسانًا، أو كانوا رجالة، وإن كان بعضهم

مسألة (441)

أعظم غناء وشهامة من بعض، فالمبارز، [الذي تكون الفتوح على يده والساكن الحاضر الواقف] سواء في مقدار الاستحقاق إلا أن ينفرد بقتل مشرك فينفرد باستحقاق سلبه. والله أعلم. (211/ب) مسألة (441): سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعده مرصد لوجوه المصالح المعلومة، فإن تكاملت تلك المصالح وفضلت فضلة من السهم تركناها موضوعة في بيت المال إلى أن يحتاج إليها في المصالح، وأما أربعة أخماس الفيء إذا حصلت في بيت المال وأعطينا المرتزقة عطاياهم وفضلت فضلة رددنا تلك الفضلة عليهم، وإن كثرت، ولا نضعها في بيت المال.

والفرق بين المالين: أن أربعة أخماس المال - أي الفيء - هو ملك المرتزقة، وما كان ذلك ملك النبي - صلى الله عليه وسلم - أيام حياته، فيجب صرف ملكهم إليهم قليلًا كان أو كثيرًا، ولا وجه لوضعه في بيت المال والملاك متعينون وليس استحقاقهم للفقر حتى يراعى مقدار سد الخلة، وأما سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليس له مالك معين، بل هو مرصد للمصالح، فإذا تكاملت المصالح وجب إعداد الفضلة لمستقبل المصالح. وللشافعي- رحمه الله - قول آخر في أربعة أخماس الفيء: أنه يعطي منها المرتزقة، ويصرف بعضها إلى المصالح، كما يصرف سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصالح. فعلى هذا القول: إذا أعطينا المرتزقة عطاءهم وفضلت فضلة كان الكلام في ذلك الفاضل، كالكلام في سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - يوضع في بيت المال ليصرف إلى الأهم فالأهم من مصالح المسلمين.

كتاب قسم الصدقات

كتاب قسم الصدقات مسألة (442): قسم الله تعالى الصدقات المفروضات للأصناف الثمانية فقال تعالى: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ والْمَسَاكِينِ والْعَامِلِينَ عَلَيْهَا والْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وفِي الرِّقَابِ والْغَارِمِينَ وفِي سَبِيلِ اللَّهِ وابْنِ السَّبِيلِ}. قال الشافعي - رحمه الله -: "ثم وكدها وشددها، فقال تعالى: {فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ} فلو أنا وجدنا بعض الأنصاف الثمانية، وفقدنا بعضهم لم نصرف نصيب المفقودين إلى أرباب الأموال، بل نقسمه على الأصناف الموجودة". ولو أوصى رجل [لهذه الأصناف الثمانية بمال، فوجدنا بعضهم وفقدنا البعض صرفنا نصيب المفقودين إلى الورثة، وكذلك - أيضًا - لو أوصى رجل] لرجل بوصية، فلم تقبل ارتدت الوصية ميراثًا. والفرق بين الحالين: أن الحول إذا حال أوجب الله - تعالى - مقدارًا معلومًا من الزكاة في مقدار معلوم من المال، ومصرفه ما ذكره الله تعالى من أهل السهمان، وذلك على جهة القربة المفروضة. فلو قلنا: يرجع بعض زكاة المال إليه بطل معنى القربة والعبادة في المقدار

مسألة (443)

الراجع إليه، فلهذا قلنا: لو لم نجد من الأصناف إلا صنفًا واحدًا / (212/ أ) صرفنا جميع الزكاة إلى ذلك الصنف. ألا ترى أن الأصناف بجملتهم لو كانوا مفقودين وجب حفظ الزكاة إلى وقت وجود الأصناف، لندفعها إليهم، ولا تنقلب الزكاة ملكًا لأرباب الأموال. وأما إذا أوصى للأصناف بوصية، فإنما ذلك هبة منه، ومقدار الهبة لكل صنف معلوم، فإذا لم يوجد بعضهم، أورد بعضهم الوصية لم تتم الهبة في حق من لم يوجد وحق ن لم يقبل، والوصية إذا تعذر مصرفها كان للورثة مصرف التركة، ولهذا قلنا: لو أنهم بجملتهم ردوا وصاياهم عاد جميع تلك الوصايا ميراثًا للورثة. مسألة (443): الخليفة أو أمير الإقليم العظيم الذي يأمر بأخذ الصدقة لا يكون ساعيًا، فليس له في سهم العاملين نصيب، وأما من تولى الصدقات فسهم العاملين له وإن لم يباشر بنفسه قبضها. والفرق بين الشخصين: أن قيام الخليفة بالأمر غير مختص بشأن الصدقات، وإنما قام وانتصب للأمور على العموم يجريها مجراها، والصدقات

مسألة (444)

واحد منها، فأما الساعي فإنه قام بأمر الصدقات على الاختصاص، فإن استناب في الاستيفاء، فذلك فعله وكفايته، والعمل منسوب إليه على التخصيص والاختصاص، وهو منصوب له؛ ولهذا روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه شرب لبنًا فأعجبه فأخبر أنه من نعم الصدقة فأدخل إصبعه في فيه فاستقاء ولو كان للخليفة حق على الاختصاص في سهم العاملين لأشبه أن لا يفعل ذلك. مسألة (444): أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صفوان بن أمية مائة من الإبل، وذلك من غنائم هوازن التي قسمها

بالجعرانة بعد منصرفه من الطائف، يتألفه بذلك على الإسلام، وكان أمهله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة أشهر لما استمهله شهرين،

مسألة (445)

قال الشافعي - رحمه الله - في قول له-: "لا يعطى أحد اليوم على هذا المعنى". والفرق بين الزمانين: أن ذلك المال الذي أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - أرباب الناس من غنائم أوطاس كان خاصة ملكه، وهو سهمه من الغنائم، والمالك إذا تصرف في ملكه كان تصرفه على مراده بالشرع، فأما الإمام إذا أراد اليوم أن يتصرف في سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس هو بمالك لذلك السهم، وإنما يتصرف على جهة المصلحة، وليس من المصلحة إعطاء من لم يعطه/ (212/ ب) الخلفاء الراشدون - رضي الله عنهم - بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وقد قال الشافعي - رحمه الله: لم يبلغنا أن أحدًا من الخلفاء الراشدين أعطى أحدًا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذا المعنى. مسألة (445): سهم المؤلفة من الصدقات لا يوضع في مشرك، وإنما

يوضع فيمن أسلم ولم يستقر الإسلام في قلبه إن دعت الحاجة إلى إعطائه ورأى الإمام ذلك بالاجتهاد، وكذلك يعطى منه من كان شريفًا في قومه ليتألفهم، فلو جاء رجل وادعى أنه شريف، [في قومه وطلب الصدقة من سهم المؤلفة، فليس للوالي أن يعطيه حتى يقيم البينة على أنه شريف مطاع]. ولو جاء رجل وقال: إني من المؤلفة الذين لم يستقر الإسلام في قلوبهم أعطاه بلا بينة. والفرق بينهما في المطالبة بالبينة في أحدهما دون الآخر: أن أحدهما قد اعترف على نفسه بأن الإسلام لم يستقر في قلبه، ولولا خبث سريرته لما استجاز هذا الاعتراف، والبينة إنما يفتقر إليها عند الإشكال والاحتمال،

أما من ادعى من المسلمين أنه شريف مطاع فربما يصدق وربما يكذب فلا يجوز للوالي أن يعطيه شيئًا ما لم يقم البينة على أنه مطاع؛ لأن المقصود من دفع هذا المال إليه أن يتألف قومه ليكونوا مددًا لجيش الإسلام إذا استمدوهم؛ ولهذا المعنى أعطى أمير المؤمنين أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - عدي بن حاتم ثلاثين بعيرًا من الثلاثمائة التي قدم بها على أبي بكر الصديق من صدقات قومه زمان الردة، وأمره أن يلتحق بخالد بن الوليد مع من أطاعه من قومه، فالتحق به ومعه زهاء ألف رجل من قومه، وأبلى في قتال الردة بلاء حسنًا

مسألة (446)

رضي الله عنه. مسألة (446): من طلب من سهم الغارمين نصيبًا لم يعط حتى يقيم البينة على ما لزمه من الغرم، وكذلك المكاتب لا يعطي حتى يقيم البينة على الكتابة، وأما من طلب نصيبًا من سهم ابن السبيل، أو من سهم سبيل الله فإنه يعطى ولا يطالب بالبينة. وإنما كان كذلك؛ لأن ابن السبيل يطلب ما يطلب للشخوص المستقبل وذلك مما يستحيل إقامة البينة عليه، وكذلك - أيضًا - الغازي إذا أراد الشخوص، فإقامة البينة على ما يريده محال، وأما المكاتب والغارم فليسا كذلك؛ لأنهما يدعيان معنى سابقًا وهو: الغرم أو الكتابة، ولا

يتعذر إقامة البينة على كل واحد منهما، وأصل الناس أنهم غير غارمين، ولا مكاتبين؛ ولهذا روي أن رجلين دخلا على النبي - صلى الله عليه وسلم- يسألان من الصدقة، فنظر إليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصعد النظر وصوب ثم قال: "إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لذي مرة مكتسب". فدل ذلك على أن/ (213/ أ) من ادعى أنه فقير أو مسكين جاز أن نعطيه من غير إقامة البينة على الفقر والمسكنة، إذا دلت ظواهره على باطن حاله، ولو توقف

في دفع الفرض إليه على إقامة البينة كان ذلك أحوط، لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاءه قبيصة بن المخارق يطلب شيئًا من الصدقات لحمالة تحملها، قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نؤديها عنك إذا قدمت نعم الصدقة، يا قبيصة المسألة حرمت إلا في ثلاثة: رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم يمسك، ورجل أصابته فاقة، أو حاجة حتى يشهد، أو يتكلم ثلاثة من ذوي الحجي من أهله أن به فاقة أو حاجة فحلت له المسألة حتى يصيب سدادًا من عيش، أو قوامًا من عيش، ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة واجتاحت ماله فحلت له الصدقة حتى يصيب سدادًا من عيش، أو قوامًا من عيش، ثم يمسك. وما سوى ذلك من المسألة

فهو سحت" والله أعلم.

كتاب النكاح

كتاب النكاح مسألة (447): قال الشافعي - رضي الله عنه-: "لو تزوج عبد بامرأة فضمن السيد لها مهرها وهو ألف عن الزوج لزمه، فإن باعها زوجها قبل الدخول بتلك الألف بعينها فالبيع باطل؛ لأن البيع والفسخ وقعًا معًا". وإنما قيد الشافعي - رحمة الله عليه -[كلامه بعين الألف؛ لأنها لو اشترته بألف آخر كان البيع منعقدًا وصار النكاح منفسخًا، والعلة التي ذكرها الشافعي - رضي الله عنه]- هي الفاصلة بين المسألتين: وذلك أنها إذا اشترت زوجها بالألف التي استقرت في ذمة السيد على جهة الضمان - وهي مهرها - فلابد من أن يمتلك السيد ببيع العبد ذلك المال الذي في ذمته، ومن

ملك مالًا في ذمة نفسه فمقتضى الملك براءة الذمة، وإذا أُبريت ذمته، وجب عليه مقابلة هذه البراءة - لو صحت - تقرير مالكها على الرقبة التي ابتاعها وهي رقبة زوجها، ولو حكمنا بأنها ملكت رقبة زوجها وجب أن نفسخ النكاح بملك أحد الزوجين، وذلك قبل المسيس في تصوير الشافعي رضي الله عنه، فإذا انفسخ النكاح فابتياعها زوجها وجب أن يسقط حكم جميع صداقها، هذا هو المذهب الصحيح، وإذا سقط جميع صداقها لم يبق لها في ذمة سيد العبد مال، [وإذا لم يبق في ذمته مال]- وذلك المال جعل ثمنًا بقي البيع عاريًا عن الثمن، والبيع إذا كان عاريًا عن الثمن فهو باطل، وإذا بطل البيع لم يبطل النكاح، وإنما يبطل البيع؛ لأنه وقع مع الفسخ معًا، هذا معنى تعليل الشافعي رضي الله عنه. فأما إذا اشترته بألف أخرى، فالمال الذي/ (213/ ب) جعل ثمنًا غير الصداق، فينعقد الشراء، وإذا انعقد الشراء انفسخ النكاح، وإذا انفسخ النكاح بفعل من جهتها قبل المسيس سقط المهر وبرئ السيد عن الضمان، كما برئ الزوج.

مسألة (448)

مسألة (448): المرأة إذا أرضعت [قبل المسيس رضاعًا فاسخًا للنكاح سقط مهرها، وإذا أرضعت] بعد المسيس، فالمهر لا يسقط، وكذلك أيضًا الارتداد. وأما إذا اشترت زوجها بعد المسيس ففي سقوط مهرها وجهان: أحدهما: أنه لا يسقط، كما لا يسقط بالإرضاع، والوجه الثاني: أنه ساقط. والفرق بين المسألتين: أنها إذا أرضعت بعد المسيس، فهي التي اعترضت على النكاح بفعل موجود من جهتها، ولكن استقر مهرها بما سبق من المسيس، فاستحال سقوطه بعد الاستقرار، والزوج بعد الانفساخ يكون محلًا للمطالبة إذا لم يحدث حالة سوى الفسخ، وفسخ العقد لا ينافي طلب عوض العقد إذا كان العوض ثابتًا مستقرًا، فأما إذا ابتاعت زوجها فقد حدثت حالة منافية للطلب؛ لأن الزوج صار مملوكًا لها، والمطالبة بين السيد والمملوك محال، ألا

مسألة (449)

ترى أن ابتداء الدين لا يتصور بينهما؛ فلذلك لا تتصور استدامته. فعلى هذا الأصل الذي أوضحناه لو اشترت زوجها بعد المسيس بعين الصداق الذي ضمنه السيد وجب أن ينفسخ البيع، وإن كان الشراء بعد المسيس؛ لأنها إذا ملكت زوجها استحال أن يبقى لها على وزجها دين وقد صار عبدًا لها، وإذا أسقط عن الزوج صداقها سقط عن السيد؛ لأن السيد كفيل، وسقوطه عن الأصل والكفيل يوجب تعرية البيع عن الثمن، وإذا عرى البيع عن الثمن فلابد من إبطاله، وصار الشراء بعد المسيس كالشراء قبل المسيس، وهي المسألة المنصوصة التي قدمناها وأبطلنا فيها البيع. مسألة (449): السلطان لا يزوج اليتيمة الصغيرة، ويزوج البالغة المجنونة.

مسألة (450)

والفرق بينهما: أن البالغة المجنونة ربما تشتاق إلى النكاح وتتعين المصلحة في التزويج، والسلطان يتصرف نظرًا ومصلحة، فإذا رأى مصلحتها في تزويجها كان له تزويجها، وأما الصغيرة اليتيمة، فمقعول أنها لا تشتاق إلى النكاح، فلا حاجة في تفويت بضعها عليها قبل ظهور النظر في التفويت. فإن قيل: إذا زوج الصغيرة حول النفقة - وذلك من المصلحة - فهلا جوزتم له تزويجها، لتحويل نفقته. قلنا: تفويت بضعها في المقابلة أعظم من تحويل نفقتها،/ [فلابد من مصلحة سوى تحويل النفقة] تنضم إلى تزويجه، وتصرفه حتى يصح منه ذلك التصرف. مسألة (450): الأخوة والأعمام لا يزوجون المجنونة، وإن كانت بالغة مشتاقة إلى النكاح، والسلطان يزوجها في هذه الحالة، كما يزوجها الأب والجد. والفرق بين السلطان وبين الأولياء: أن الأولياء إذا أرادوا تزويج البالغة

العاقلة، فلابد من إذنها وتوكيلها، فإذا كانت مجنونة لم يتصور من جهتها الإذن، وليس للأخوة والأعمام الانفراد بتزويج البالغة من غير إذن، فليس لهم تزويج المجنونة، والإذن معدوم. فأما السلطان إذا آلت الولاية إليه، فله ولاية التزويج بما يقلد من الأمر، وهو يقوم مقامها في ولاية مصلحتها، فنزل منزلة أبيها، ومنزلة جدها باجتماع المعنيين فيه، فإن كان لها أخ، فليس للسلطان أن ينفرد بتزويجها، ولا للأخ الانفراد به، ولكن إذا رأى السلطان المصلحة في تزويجها أذن لأخيها، أو أذن الأخ للسلطان، فحينئذٍ يصح النكاح منهما؛ لأن المعنيين اللذين ذكرناهما متفرقان فيهما.

مسألة (451)

مسألة (451): إذا وكل رجل وكيلًا بالتزويج وسمى الخاطب فلم يقبل الخاطب بنفسه، ولكن وكل وكيلًا بالقبول، فقبل صح النكاح، ومثل ذلك لو وجد في البيع لا يصح. والفرق بين العقدين: أن الشخص الذي يباشر البيع تتعلق به عهدة العقد، والشخص الذي يباشر قبول النكاح لغيره لا تتعلق به عهدة العقد، فإذا أذن ووكل وقال: بع من فلان فقد أمره بأن يختار ذلك الرجل المسمى لتقلد العهدة، فإذا خاطب وكيله بالعقد، فالوكيل شخص ما رضيه صاحب السلعة لعهدة سلعته، والناس يتباينون في الوفاء بالعهدة والخروج عن أحكام العقد. فإن قال قائل: ما من عهدة توجهت على الوكيل إلا وتلك العهدة تتوجه على الموكل.

مسألة (452)

قلنا: إن الأحوال تختلف في العهدة وفي دعواها فلا يأمن صاحب السلعة أن يجد الثمن معيبًا، فيريد رده أو استبداله، فيمتنع الموكل ويجحد أصل التوكيل، والوكيل ربما يكون معدمًا ولا يكون مليًا، فيتعذر عليه الوصول إلى حقه، فأما وكيل النكاح فليس يتولى سوى العبارة المجردة التي لا تتضمن ضمان عهدة وحكم مطالبة. والذي يدل على ما ذكرناه: أن الولي في النكاح إذا شافه الوكيل أضاف العقد إلى موكله فيقول: زوجتها من فلان، فيقول الوكيل: قبلت نكاحها على فلان، فأما في الشراء فلا يقول صاحب السلعة بعتها من فلان حتى يقبل الوكيل عليه، ولكن يقول للوكيل: بعتها منك، فيقول الوكيل: اشتريت، حتى يحكم بصحة البيع. مسألة (452): الولي إذا كان يجن ويفيق، فالولاية لا تزول عنه زوالًا مطلقًا، وإذا أطبق الجنون صار كالميت، وانتقلت الولاية إلى

الأبعد، بخلاف الغشية. وذلك: أن الجنون إذا اتصل وأطبق، فقد الرأي والتدبير بدوامه، وتعذر النظر والتدبير من جهته، فقام غيره مقامه، فأما إذا كان يجن ويفيق، فهو في يوم إفاقته من أهل التدبير، فلا يجوز إخراجه يومئذٍ عن الولاية. وكذلك قال الشافعي - رحمه الله -: إذا كانت المرأة المالكة لأمرها تجن وتفيق، فلا يجوز تزويجها إلا بإذنها، ثم قال: فإن أذنت في يوم إفاقتها فلم يعقد نكاحها حتى عاودها الجنون لم يجز إنشاء ذلك العقد، فكذلك نقول في هذا الولي إذا أفاق، فوكل وكيلًا، فلم يتفق العقد حتى عاوده الجنون انعزل ذلك الوكيل، وقد قال أبو العباس بن سريج - رحمه الله-: فمن يعتريه الإغماء، لمرض أو غيره، فيغشى عليه، ثم يفيق، ثم يغشى عليه، ثم يفيق قال: ينظر فيه فإن كان زمان إغمائه الذي يعتريه لا يتطاول ولا يمتد، فلا ينعزل وكيله، وإن كان يمتد زمانه ويتطاول انعزل وكيله حينئذٍ، وذكر في ذلك حدًا فاصلًا فقال: الاعتبار فيه بالعرف والعادة في اختلال أسبابه بسبب

مسألة (453)

إغمائه خللًا ظاهرًا. فإن قيل: إن الغشية التي تعتريه وتفارقه، ثم تعاوده لا تكون سببًا لاختلال أموره واضطراب أسبابه، فليس ذلك من أسباب العزل، وإن كان الأمر على الضد، فالجواب على الضد، وكذلك على قياس قوله إذا كان الوكيل يعتريه مثل هذه الغشية، فالتفصيل في الوكيل مثل التفصيل في الموكل. مسألة (453): السلطان إذا فوض إلى رجل تزويج أيم، فاخترم السلطان انعزل ذلك الرجل، وإن كان فوض إليه تزويج الأيامى، فاخترم السلطان لم ينعزل ذلك الرجل. والفرق بينهم: أن أحد التفويضين تفويض توكيل، وتعيين وتخصيص، والثاني تفويض تولية وتعميم، واحترام السلطان لا يوجب عزل الخليفة الذي تقلد القضاء من جهته. مسألة (454): الوليان إذا زوجا ولية لهما رجلين، ثم لم يبن أن العقدين وقعا معًا،

مسألة (455)

أو سبق أحدهما الثاني، فهما باطلان، والمذهب لا يختلف فيه. فأما إذا علمنا تقدم أحدهما، ولكن لم يتعين فهما موقوفان على أصح القولين. والفرق بين المسألتين: أنا إذا لم نعلم كيفية وقوعهما [كان من الجائز - في الاحتمال - وقوعهما [كان من الجائز - في الاحتمال - وقوعهما معًا، ولو تيقنا وقوعهما] معًا كانا باطلين، إذ لا يكون أحدهما أولى بالتصحيح من الثاني، والأصل تحريك الأيضاع، فلا بد من تعين سبب/ (215/ أ) الاستباحة. فأما إذا تيقنا تقدم أحدهما، وتأخر الثاني، فلا شك في صحة أحد العقدين، وإنما الشك في التعيين، والمرأة إذا علمت يقينًا أن لها زوجًا غير أن ذلك الزوج صار مفقودًا، فالنكاح مستدام بينهما إلى الطلاق، أو الوفاة. مسألة (455): إذا شهد شاهدان على الزوج بالطلاق الثلاث ونفذ القضاء، ثم رجعا وذلك قبل المسيس فعليهما غرم كمال المهر في المنصوص عليه، وإذا أرضعت أجنبية امرأة رجل فانفسخ النكاح قبل المسيس غرمت

مسألة (456)

نصف مهر المثل. الفرق بينهما: أن النكاح إذا ارتفع بالرضاع شابه الارتفاع بالطلاق، لأن الطلاق يوقع الحرمة باطنة وظاهرة فكذلك الرضاع، ثم الطلاق قبل المسيس يوجب النصف استدامة بالعقد، والرضاع يوجب غرم النصف، فأما الشاهدان إذا شهدا وقضى القاضي بشهادتهما، ثم رجعا فحرمة البضع في ظاهر الحكم، فأما في الباطن، فهي زوجته إذا كانا كاذبين، فهذه حيلولة بين الملك والمالك في الظاهر، فصار كالحيلولة في الأموال، ولو أن رجلًا غصب عبدًا فأبق من يد الغاصب غرمناه للمالك جميع القيمة، للحيلولة الواقعة، فكذلك في هذه الغرامة. مسألة (456): الحرة إذا أعتقت جارية، فولي الجارية أب الحرة دون ابنها،

مسألة (457)

فإذا ماتت الحرة، فوليها ابنها دون أبيها. والفرق بين الحالين: أن الحرة ما دامت حية فأبوها - في التزويج - وليها، فجعلنا ولي العتيقة، ولي المعتقة، وعلى هذا ولايات معتقات النساء، فأما إذا ماتت السيدة، فقد انتهت ولاية الأب عليها، وخلفت الولاء الثابت لها على تلك [الجارية، والابن أولى بالولاء من الأب، فإن تلك الجارية] لو ماتت كان ميراثها بالولاء لهذا الابن، وكذلك الولاية عليها بالتزويج لهذا الابن. مسألة (457): إذا قال الخاطب للولي: زوجني وليتك، فقال: زوجتكها تم النكاح فيما نص عليه الشافعي - رحمه الله -[ولفظه: "وقول الخاطب زوجنيها فقال: قد زوجتكها، فلا يحتاج الخاطب أن يقول: قبلت". والحكاية عن الشافعي - رضي الله عنه]- في القديم: أن المشتري إذا قال: بع مني سلعتك هذه بكذا فقال: بعت، ففيها قولان، أحدهما: أن البيع قد تم،

مسألة (458)

والثاني، أنه لا يتم حتى يقول: اشتريت. فمن أصحابنا من ينقل إلى النكاح جوابًا عن البيع، ومنهم من يشتغل بالفرق. والفرق بين المسألتين: أن النكاح في الغالب يتقدمه من الكلام والمسألة والخطبة ما لا يتصور مثله في البيع، فجاز أن يصير ما تقدم من الكلام السابق قرينة لهذا الاستيجاب؛ فلذلك أقمنا قوله: زوجني - وهو استجابة - مقام قوله: تزوجت/ (215/ ب)، ولما لم يتصور مثل ذلك في البيع لم يقم الاستيجاب مقام عبارة القبول، فإن تصورت حالة نادرة في البيع، أو ندرت حالة في النكاح ثبتنا كل واحد من العقدين على ما هو المعتاد في مثله، وألحقنا النادر بالغالب فيهما جميعًا. مسألة (458): الابن إذا اشترى منكوحة أبيه كان النكاح مستدامًا، ولو أراد

الأب أن يبتدئ نكاح مملوكة الابن، فلا ينعقد له العقد. وذلك أن الواجب على الابن إعفاف الأب بطول نكاح حرة أو بثمن الجارية، أو بعين الجارية، فإذا تزوج جاريته، فكأنما تزوج جارية نفسه؛ ولهذا لو أحبل جارية الابن صارت أم ولد له على المشهور من المذهب، فكانت مملوكة الابن من هذا الوجه مملوكة الأب. فأما إذا كان النكاح سابقًا، ثم اعترض ملك الابن، فحالة الاستدامة أقوى من حالة الابتداء، وليس كاعتراض ملك الزوج على الزوج؛ لأن مملوكة الابن شبه مملوكة الأب، وليست مملوكة الأب شبه مملوكة الابن، ولهذا لو

مسألة (459)

أن رجلًا تزوج مملوكة مكاتبة كان النكاح باطلًا، ولو اشترى مكاتبه زوجته كان نكاح السيد باقيًا، للفصل بين حالة الابتداء وحالة الاستدامة. مسألة (459): الحرة إذا ماتت قبل المسيس كمل مهرها، وإذا ماتت الأمة قبل المسيس سقط مهرها على أحد القولين، وكذلك أيضًا يفترقان في قتل كل واحدة منهما نفسها، كما افترقا في الموت. والفرق بين الحرة والأمة: أن عقد النكاح إذا انعقد على الحرة تسلط الزوج عليها بنفس العقد، ولم يكن لها على نفسها سلطان المنع إلا استيفاء الحق، وذلك حق التسليم، فأما الأمة، فليست كذلك؛ لأن سلطان السيد في الاستخدام مستدام عليها بعد التزويج. ألا ترى أن له أن يحول بينها وبين زوجها ما دام مفتقرًا إلى خدمتها، فلا تكون بالعقد مسلمة، كما تكون الحرة مسلمة، فإذا ماتت

مسألة (460)

الأمة قبل المسيس صارت بمنزلة السلعة المبيعة إذا فاتت قبل القبض. مسألة (460): ليس لولي السفيه المأمور بتزويجه أن يطلق له الإذن في النكاح من غير تعيين المنكوحة؛ لأنه ربما يتزوج امرأة يستغرق مهر مثلها جميع ماله، [فإن أطلق الإذن، فتزوج امرأة وزادها على مهر مثلها]، فإن حكمنا بصحة النكاح - وهو ظاهر النص - فالفضل عن مهر مثلها مردود/ (216/ أ)، فإذا زال الحجر وزال السفه لم يكن للمرأة مطالبته بذلك الفضل، ولو تصور مثل ذلك في العبد كان للمرأة بعد عتق الزوج أن تتبعه بذلك الفضل. والفرق بينهما: أن الحجر على العبد لحق السيد، لا لحقه، فإذا عتق انتهى حق السيد، فتوجهت المطالبة بإكمال ما سمي في عقد النكاح، فأما السفيه، فالحجر عليه لحق نفسه، لا لحق غيره، فزوال السفه وانتهاء زمان الحجر

مسألة (461)

لا يتضمن نزول مراعاة حقه، ألا ترى أنا نراقبه، فمتى ما عاد سفيهًا استأنفنا الحجر عليه مراعاة لمصلحته. مسألة (461): قال الشافعي - رحمه الله -: وإن تزوج عبد بغير إذن سيده، فالنكاح فاسد، وعليه مهر مثلها إذا عتق، فلم يجعل الشافعي - رحمه الله - مهرها في كسبه، ولا في رقبته، ثم قال: "فإن أذن السيد له، فنكح نكاحًا فاسدًا، ففيها قولان: أحدهما: أنه كإذنه في التجارة، فيعطي من مال التجارة إن كان له، وإلا فمتى عتق، والآخر: أنه كالضمان عنه، فيلزمه أن يبيعه فيه إلا أن يفديه"، فجعل الشافعي - رحمه الله - هذا المهر في تجارته التي في يده للسيد على أحد القولين، وجعله في رقبته على القول الآخر، فصار كل واحد من القولين مخالفًا لجوابه في المسألة الأولى.

والفرق بين المسألتين: أن السيد إذا لم يأذن لعبده في النكاح، فذهب فنكح، وأصابها على حكم النكاح الفاسد، فهذه المعاقدة الفاسدة غير مستندة إلى إذن سابق حتى يصرف غرمها إلى حق السيد وماله، فصرفنا غرمها إلى مجرد ذمة المملوك، فقلنا: ليس لها في الحال مطالبة، لا في كسبه، ولا في تجارة السيد، ولا في رقبته؛ لأن ذلك كله حق السيد، وقد حصلت المعاملة على جهة المراضاة من المرأة، بخلاف الجنايات المحضة التي تتعلق بالرقبة فأمرناها بإتباع ذمته متى عتق. ومثاله: ما نقول في العبد إذا اشترى طعامًا بغير إذن سيده، فاستهلكه كان الشراء فاسدًا، وكان للبائع أن يتبعه بقيمته زمان حريته، ولم يكن له عليه سبيل ما دام رقيقًا، ولا على ما في يده من بضاعة سيده، فأما إذا سبق الإذن من جهة السيد، ولكنه نكح نكاحًا فاسدًا، فقد رضي السيد/ بالتزام المهر في حقه، فلم يجز إحالتها بمهرها على ذمته أيام حريته، بل وجب إحالتها على حق السيد عاجلًا بما حصل من رضي السيد. ثم اختلف قوله في تعيين حق السيد الذي هو محل لأخذ هذا الحق منه، فقال في أحد القولين: يؤخذ المهر من مال السيد [الذي هو في يده، وإنما قال ذلك؛ لأن السيد] لو أذن له، فنكح نكاحًا صحيحًا كان المهر مأخوذًا من المال الذي في يده لسيده، فإذا نكح نكاحًا فاسدًا سلكنا تعويض الفاسد مسلك

عوض الصحيح؛ لوجود الإذن سابقًا على كل واحد منهما، وعلقه في القول الثاني برقبته وهو قوله: والآخر أنه كالضمان عنه، فيلزمه أن يبيعه فيه إلا أن يفديه، وإنما علقه برقبته؛ لأنه لما نكح نكاحًا فاسدًا، وأصاب البضع، فاستهلكه على حكم العقد الفاسد كان هذا الاستهلاك منه جناية كسائر جناياته على النفوس، وعلى الأموال، وهي تتعلق برقبته، فكذلك يتعلق هذا المهر برقبته. فإن قيل: فهلا جعلتم إصابته إياها في المسألة الأولى، كجناياته حتى تعلقوا موجبها برقبته لا بذمته، وقد وجدت المراضاة في المسألتين في المرأة؟ قلنا: المسألتان وإن اجتمعتا في المراضاة، فقد افترقتا في وجود رضي السيد وعدمه، ومعلوم أن السيد لو أذن لرجل في رهن عبده بدين على ذلك الرجل بيعت رقبة العبد في الدين؛ لرضي السيد بضمان ذلك الدين في رقبة مملوكه، وقد مرت هذه المسألة في الرهن المستعار، فكذلك ضمن السيد هاهنا في رقبته مهر زوجته، ولم يتقدم مثل هذا الضمان عند عدم الإذن. فإن قيل: إنكم لا تبيعون رقبة المأذون في المهور وفي سائر الديون، فكيف بعتم رقبة هذا المملوك في دين المهر؟

مسألة (462)

قلنا: إذا أخذ المهر شبه الجنايات وشبه الدين في الرهن المستعار جوزنا بيع رقبته فيه، وإذا لم يأخذ هذا الشبه لم نجوز بيع الرقبة فيه. واعلم أن الجري على ما نص عليه الشافعي - رحمة الله عليه - في المسألتين المتعاقبتين أحسن من التخريج. مسألة (462): قال الشافعي - رحمه الله -: إذا اجتمع النكاح، وملك اليمين في أختين، أو أمة وعمتها، أو خالتها، فالنكاح ثابت لا يفسخ ملك اليمين، كان قبل، أو بعد، وحرم ملك اليمين، فجعل الشافعي - رحمه الله - ملك النكاح دافعًا لملك اليمين في البضع، ولم يجعل النكاح مدفوعًا بالملك، وإذا اشترى رجل/ (217/ أ) زوجته صار النكاح مقطوعًا بملك اليمين. واعلم أن النكاح في استحقاق البضع أقوى من ملك اليمين، لأن النكاح

يثبت حقوقًا له وعليه، وملك اليمين لا يثبت شيئًا من تلك الحقوق، غير أن الرجل إذا اشترى زوجته، فلا سبيل إلى دفع الشراء بالنكاح؛ لأن الشراء وإن كانوا مختلفين في الدار المكراة، وإذا صح الشراء، فمن مقتضاه استحلال البضع بملك اليمين، والبضع لا يتصور أن يكون في الحالة الواحدة حلالًا لشخص من جهتين، فلم نجد بدًا من إبطال النكاح لتقرير مقتضى البيع، فارتفع النكاح، وليس ذلك لضعفه، ولكن لما ذكرناه من استحالة الاجتماع مع استحالة إبطال البيع. فأما إذا اجتمع النكاح، وملك اليمين في أختين، فهما يقعان، أحدهما:

مسألة (463)

مستباح بالنكاح، والآخر: مملوك بملك اليمين، فظهرت قوة النكاح واندفع حل البضع بملك اليمين ما دام النكاح قائمًا، ولم تفترق الحال بين أن يتقدم النكاح وبين أن يتقدم ملك اليمين. مسألة (463): الرجل المعسر الخائف من العنت إذا رضيت حرة مناكحته على مهر قليل، أو على مهر مؤجل فجمع في العقد الواحد بين حرة وأمة فنكاحهما باطل قولًا واحدًا. ولو كان موسرًا بطل نكاح الأمة، وفي نكاح الحرة قولان: أحدهما: أنه باطل، والثاني: أنه صحيح. والفرق بين المسألتين: أنه إذا كان موسرًا كان نكاح الأمة محظورًا عليه، فإذا جمع بينهما كان جامعًا بين حلال وحرام، وكل من جمع في العقد الواحد بين حرام وحلال كان العقد في الحرام باطلًا، وكان في الحلال قولان، كالجامع بين

مسألة (464)

العبد والحر في العقد الواحد، فأما المعسر الخائف من العنت فنكاح الإماء له حلال، ولا يحرم هذا الحلال عليه وإن رضيت الحرة مناكحته، كما لا يحرم التيمم على المسافر وإن وجد من يهب له ثمن الماء لا عين الماء، وإنما يحرم عليه الجمع بين هذه الحرة والأمة في حق من يجوز له نكاح كل واحدة منهما على الانفراد، وكل من جمع بين امرأتين يجوز له نكاح كل واحدة منهما على الانفراد لا على الأخرى، فإذا جمع بينهما بطل النكاح فيهما جميعًا، كالجامع بين أختين، أو بين المرأة وعمتها، أو بين المرأة وخالتها. مسألة (464): قال المزني - رحمه الله-: إذا تزوج / (217/ ب) المعسر الخائف من العنت مملوكة فاعترض اليسار بعد العقد بطل العقد، وجعله كاعتراض الارتداد. ومذهب الشافعي - رحمه الله - أن الطول العارض خلاف

الطول المقترن بالنكاح، وأن الردة العارضة والردة المقارنة بالنكاح سواء في المنافاة. والفرق بينهما: أن الرجل إذا عقد عقدًا وله مقصد معلوم بذلك العقد فمقتضى العقد أن يتوفر عليه مقصوده، والثروة والميسرة من مقاصد النكاح في ميعاد الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {وأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ والصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وإمَائِكُمْ إن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} فلو رفعنا هذا النكاح باليسار المعترض لكنا قد رفعناه لمقصوده وذلك محال، ولو جاز رفع هذا العقد - كما قال المزني - لما صح لحر في الدنيا نكاح مملوكة؛ لأنا نشترط الخوف من العنت في جواز نكاح الأمة [كما نشترط الفقر، ولا يتصور أن يعقد نكاح الأمة] إلا مستفيدًا بنفس العقد أمنا من العنت فأما الارتداد، فليس من مقاصد النكاح؛ لأن الرجل لا يتزوج امرأة ليرتد، ويتزوجها ليصير بها آمنًا من العنت والزنا، غنيًا بما وعده الله. اعتراض قاله المزني- رحمه الله -: اعلم أن الشافعي - رحمه الله - قال في باب العيوب التي يثبت بها خيار فسخ النكاح: "وما جعلت له من الخيار في

عقد النكاح، ثم حدث بها فله الخيار، لأن [ذلك المعنى قائم فيها لحقه في ذلك وحق الولد". فجعل الشافعي - رحمه الله - العيب العارض في إثبات الخيار]، كالعيب المقترن بالعقد، فقال المزني - رحمه الله -: "كذلك ما يفسخ به عقد نكاح الأمة من الطول إذا حدث بعد النكاح فسخه؛ لأنه المعنى الذي يفسخ النكاح". يقال له: الفرق بين الطول العارض والجذام العارض: ما ذكرنا أن الرجل لا يتزوج امرأة ومقصوده من العقد أن تصير مجذومة، كما يتزوج ومقصوده من العقد أن يصير موسرًا، وأيضًا فإن المعترض على دوام النكاح بخلاف المقترن بالنكاح عند إنشائه وابتدائه. ألا ترى أن الردة والعدة بالشبهة لو اعترضتا على النكاح بقي النكاح معها،

ولو اقترنت بابتداء النكاح منعت صحة النكاح.

مسألة (465)

مسائل نكاح المشركات مسألة (465): قال الشافعي- رحمه الله-: "إذا أسلم رجل وأسلمت معه امرأة كانت في الشرك قد طاوعته بغير نكاح وخرجت عن زوج كان لها فرقناً بينهما ولم يجز تقريرهما على حالتهما". وقال أيضاً: "لو أسلم رجل وأسلمت معه امرأة كان قد نكحها بغير صداق، أو صداقها صداقاً ومنعها إياه، فلا صداق لها ". فجعل الشافعي- رحمه الله- (218/ أ) منع/ صداقها في الشرك بمنزلة [إبرائها فأسقطه، ولم يجعل منع المرأة نفسها ومطاوعتها غير زوجها بمنزلة] النكاح. وإنما كان كذلك؛ لأن الشافعي- رحمه الله- ينظر في ذلك إلى الأسباب التي يعتقدونها في الشرك أسباب التملك، والنكاح، وأسباب الإسقاط في الحقوق، ومعقول أنهم يعدون الغلبة والقهر في الأموال سبب التملك، ولا يزال بعضهم يقهر بعضاً، ويعدون الامتناع عن أداء الديون سبباً في الإبراء

والإسقاط، كما يعدون الغلبة في الأعيان سبب التملك، ولو أن عبداً منهم استعصى وتمرد واستولى على سيده يستسخره ويستخدمه قهراً وخرجاً مسلمين وهذه حالتهما حكمنا بأن السيد عبد لعبده، وأن العبد سيد لسيده، ولا يعدون مطاوعة الزانية للزاني نكاحاً فيما بينهم، ولا غصب النساء نكاحاً فيهن؛ فلهذا فلنا: إنه إذا غصب امرأة أيماً أو ذات زوج- فعلاها يفترشا بفجور، ثم خرجا مسلمين لم نحكم بأنها منكوحة له، بل فرقنا بينهما، وإن أراد ابتداء نكاحها كان له ذلك على شرائطه. فإن قيل: أفتحكمون بانفساح النكاح إذا راغمت زوجها ونشزت عليه، كما تحكمون بزوال ملك اليمين إذا استعصى العبد على سيده وقهره؟.

مسألة (466)

قلنا: إذا نشزت، فامتنعت نظرنا: فإن خرجت إلى دار الإسلام مسلمة وذلك قبل المسيس بطل النكاح، وكذلك لو لم تخرج إلى دار الإسلام ولكن أسلمت في دار الحرب، وإن كان ذلك بعد المسيس يوقف النكاح إذا أسلمت على العدة، فإن لحقها الزوج بالإسلام في العدة فهما على النكاح وإن أصر على الشرك حتى انقضت العدة بأن لنا أن النكاح قد انفسخ بإسلامها يوم أسلمت. فأما العبد إذا استسخره سيده وقهره وهماً جميعاً في دار الحرب فقد زال ملك اليمين قبل الخروج إلى دار الإسلام. والفرق بين الملكين: ما ذكرنا من أنهم يعدون القهر [في الرقاب وفي الأموال سبباً للملك؛ ولزوال الملك، ولا يعدون القهر] في المناكح سبباً لزوال النكاح وانعقاده. مسألة (466): اعتبر الشافعي- رحمه الله- حالة اجتماع الإسلام في نكاح المشركات، فقال على هذا الأصل: "إذا أسلم وأسلمت أمة كانت تحته وهو عند اجتماع إسلامهما موسراً وآمن من العنت، فليس له إمساك تلك الأمة [بعقد الشرك، كما ليس ل ابتداء نكاحها "، وقال:/ (218/ ب) "لو أسلم وكانت تحته حرة وأمة، فأسلمت الحرة قبل

الأمة] وماتت، ثم أسلمت الأمة في العدة وهو عند اجتماع إسلامهما خائف من الزنا عادم للطول فليس له إمساك تلك الأمة". وإنما كان كذلك لأصل ممهد في هذا الباب وهو: "أن كل امرأة أسلمت بعد إسلام زوجها، أو معه، أو قبله، ثم أسلم بعدها فماتت كانت محبوسة. عليه في حق عقده، وكانت بمنزلة الحية الباقية "، لأنها قد اجتمعت معه في النكاح والإسلام. ألا ترى أن رجلاً لو كان تحته خمس نسوة فأسلم، وأسلمت واحدة منهن فاختار إمساكها، ثم ماتت، ثم أسلم الأربع الباقيات لم يكن له إمساكهن جميعاً، وإنما كان له إمساك ثلاث منهن، وليس له أن يقول: هن أربع، وليس لي سواهن زوجة اليوم فأمسكهن جميعاً بل يقال له: ليس لك أن تمسك بعقد الشرك أكثر من أربع، وقد أمسكت واحدة فصارت محبوسة عليك، فهي كالباقيات وإن كانت ميتة، فكذلك في مسألتنا هذه إذا أسلم وأسلمت الحرة زوجة له صارت

دافعة للأمة، فإذا أسلمت الأمة فقد أسلمت مدفوعة بدفع سابق، كالخامسة من الخمس، فلا يرتفع ذلك الدفع المتقدم، هذا معنى قولنا: إن الميتة منهن كالحية الباقية تحته. فإن قال قائل: أليس قد قال الشافعي- رحمة الله عليه- "لو أسلم رجل وأحرم وأسلمت امرأته في حال إحرامه كان له إمساكها "فلو كان الاجتماع في الإسلام معتبراً لما جاز إمساكها، كما لا يجوز له ابتداء نكاحها مع الإحرام. قلنا: هذه المسألة غير موجودة في كتب الشافعي- رحمه الله- المشهورة المعروفة، فإن صحت وثبتت روايتها، عنه فكأنه شبه الإمساك في هذه المسألة بالرجعة، وللمحرم أن يراجع زوجته في حالة الإحرام وإن كان ممنوعاً عن ابتداء النكاح.

مسألة (467)

فإن قيل: أليس قد قال الشافعي- رحمه الله-: "لو أسلمت المرأة قبل زوجها، فوطئت بالشبه فأسلم الزوج قبل انقضاء العدة جاز له إمساكها ". ومعقول أن ابتداء نكاح المعتدة عن الشبهة ممنوع. قلنا: هذه المسألة منصوصة، ولكن من أصل الشافعي أن المعتدة إذا أصيبت بالشبهة في العدة ولم تحبل كانت العدة عن الشبهة في الذمة، ولا تنقطع عدتها عن النكاح، فكذلك إذا أسلم الزوج بعد الإصابة بالشبهة كان له إمساكها؛ لأنها في بقية عدته، ثم عليها بعد اجتماعهما في الإسلام أن تشرع في عدة الشبهة، وحرام على الزوج وجوه الاستمتاع، كالمنكوحة/ إذا (219/أ) أصيبت تحت الزوج بالشبهة. مسألة (467): قال الشافعي- رحمه الله-: "ولو أسلم رجل وتحته مشركة وتخلفت وكانت لها أخت مسلمة، فنكحها في الإسلام قبل انقضاء عدة المشركة المتخلفة كان النكاح باطلاً".

مسألة (468)

وقال أيضاً: "لو أسلمت امرأة الرجل وتخلف الرجل، فنكح أختها في الشرك قبل انقضاء عدة الأخت كان النكاح موقوفاً، فإن أسلم قبل انقضاء العدة كان النكاح باطلاً، وإن أسلم بعد انقضاء العدة كان النكاح صحيحاً ". والفرق بين المسألتين المنصوصتين: أنه إذا أسلم، فنكح أختاً للمرأة المتخلفة، فقد نكحها وأحكام الإسلام متوجهة عليه، وهو ملتزم لها بالتزام الإسلام، ومن حكم الإسلام أن نكاح الأخت في عدة الأخت باطل إذا كانت المعتدة رجعية، أو كالرجعية. وأما إذا نكح أخت امرأته المسلمة المعتدة والناكح مشرك يوم العقد فإنه في هذه الحالة غير ملتزم لحكم الإسلام؛ فلذلك كان النكاح موقوفاً على ما يكون من عاقبة العدة، فإن أسلم وعدة الأخت باقية، فالنكاح الجديد باطل، وإن كانت منقضية، فالنكاح صحيح. مسألة (468): الحر المشرك إذا كان تحته إماء مشركات، فأسلم معهن، فعتقن- وكان عادماً للطول خائفاً من العنت- كان له أن يمسك واحدة منهن، ولم يكن له الزيادة في الإمساك على الواحدة.

مسألة (469)

ولو عتقن، ثم أسلمن كان له أن يمسك أربعاً منهن. والفرق بين الحالين: أنه إذا عتقن، ثم أسلمن، فقد اجتمعا في الإسلام وهن حرائر، والاعتبار بحالة الاجتماع في الإسلام. ألا ترى أنا نعتبر هذه الحالة في مراعاة وجود الطول وعدمه، ووجود الخوف من العنت. فأما إذا أسلم وأسلمن معه، فعتقن فقد وجدت حالة الاجتماع في الإسلام وهن غماء، وإنما حدث العتق بعد الاجتماع في الإسلام. مسألة (469): حكي المزني- رحمه الله- عن الشافعي- رضي الله عنه- أن الحرة إذا أسلمت تحت العبد ثبت لها خيار الفسخ، كما يثبت الخيار للأمة إذا عتقت تحت عبد، وهذه المسألة إن كانت صحيحة في الرواية عن

مسألة (470)

الشافعي كانت نادرة لا نظير لها، ولا نكاد نجد حرة يثبت لها الخيار تحت المملوك من غير حدوث الحرية فيها، وإنما أثبت الشافعي لها الخيار؛ لأنها إذا كانت في الشرك تحت المملوك كانت غير متضررة بالرق الذي فيه، فإنهم في الشرك لا يفضلون بين الزوج الحر والزوج العبد في النفقة وحقوق/ (219/ب) النكاح، فإذا أسلمت توجه عليها بالإسلام وجوه من الضرر، كما يتوجه على الأمة إذا أعتقت تحت الزوج المملوك، منها: أن نفقتها نفقة المعسرين، ومنها: أن سيد المملوك يسافر به أينما شاء، ومنها: أن نفقة أولادها من الزوج المملوك تجب عليها، فهذا فرق بين الحالتين: حالة الشرك وحالة الإسلام. مسألة (470): قال الشافعي- رحمه الله-: "إذا كان تحت العبد المشرك أربع إماء، فأسلمن، وعتقن، واخترن فراقه كان ذلك لهن ". وقال أيضاً: "لو أسلم قبلهن واخترن فراقه لما أعتقن في الشرك كان لهن الخيار بعد الإسلام ثانياً مستأنفاً". والفرق: مثل ما سبق في نكاح الأخت في عدة الأخت، وهو: أنهن

مسألة (471)

إذا أسلمن، فعتقن، فاخترن الفراق، فقد حصل منهن ذلك الاختبار وهن مخاطبات بأحكام الإسلام ملتزمات لها، فصح منهن ذلك الاختيار. فأما إذا أعتقن في الشرك والزوج مسلم، فاخترن الفراق، فقد حصل منهن اختيار الفراق في زمان لم يلتزمن فيه أحكام الإسلام؛ فلذلك كان لهن استئناف الخيار بعد الاجتماع في الإسلام. مسألة (471): قال الشافعي -رحمه الله-: "إذا كان تحت العبد أربع إماء فأسلمن وعتقن واختارت اثنتان منهن الفراق، واثنتان منهن المقام، ثم أسلم المملوك خيرناه فيهن -وله منهن اثنتان - فإن اختار المختارتين فراقه فعدتهما عدة حرة من وقت اختيارهما فسخ النكاح قولاً واحداً، وإن اختار المختارتين المقام ففي عدة المختارتين الفراق قولان: أحدهما: أنها عدة أمة، والثاني: أنها عدة حرة". وهو قوله الجديد. والفرق بينهما: أنه إذا اختار المختارتين فراقه بان أنهما كانتا زوجتين له، وأن نكاحهما لم ينفسخ بإسلامهما، وإنما انفسخ باختيارها فراقه، فطلقتا عقيب الفراق المختار في العدة وهما حرتان، فكانت عدة حرة قولاً واحداً، فأما إذا اختار المختارتين المقام فقد بان أن نكاح المختارتين الفراق إنما انفسخ بإسلامهما وهما يومئذ مملوكتان، واختيارهما الفراق لغو، والحرية عارضة في أثناء العدة؛

مسألة (472)

فلذلك صارت العدة على قولين؛ لأن الشافعي - رحمه الله - يقول في الرجعية إذا عتقت قي خلال عدتها: إنها تبني على عدة حرة [في الجديد قولاً واحداً، وله فيها قولان في القديم، ويقول في البائنة إذا عتقت في خلال عدتها: تبني على عدة أمة] في القديم، وله فيها قولان في الجديد. فمن أصحابنا من جعل القولين في مسألتنا هذه/ (220/ أ) نظير القولين في البائنة في الجديد، ومنهم من جعلهما نظير القولين في الرجعية في القديم؛ لأنها أخذت شبهاً في الأصلين، فشابهت الرجعية: بأن الزوج متى شاء أسلم فاستبقى نكاحها، وشابهت البائنة: بأن الاجتماع في الإسلام إذا لم يتفق حكمنا بأن النكاح منفسخ من وقت إسلام متقدم الإسلام منهما، بخلاف عدة الرجعية. مسألة (472): قال الشافعي - رحمه الله-: "لو اجتمع إسلام العبد وإسلام حرتين في

مسألة (473)

العدة، ثم عتق العبد، ثم أسلمت حرتان في العدة فصرن أربعاً لم يكن له أن يمسك إلا ثنتين. ولم أسلم وأسلمت حرة واحدة منهن، فعتق، ثم أسلم الباقيات كان له أن يمسك الأربع كلهن. والفرق بين المسألتين: أنه إذا اجتمع معه حرتان في الإسلام قبل عتقه، ثم عتق، فقد استفاد الحرية بعد التمكين من اثنتين وهما تمام عدد العبيد، فلم يستفد بهذه الحرية زيادة عدد منهن في الإمساك. فأما إذا عتق بعد إسلام واحدة، ثم أسلم الباقيات فقد استمد الحرية قبل التمكن واختيار عدد العبيد على الكمال، فكان له أن يمسك أربعة بعقد الشرك. ولو أن عبداً طلق امرأته طلقتين، ثم عتق فأراد نكاحها لم يجز له نكاحها لاستكماله عدد طلاق العبيد في زمان الرق، ولو طلقها واحدة، ثم عتق كان له عليها طلقتان؛ لأنه لم يستكمل طلاق العبد حتى استفاد العتق، وهي النكتة التي ذكرناها في هذه المسألة. مسألة (473): إذا أسلم الرجل وكان تحته أكثر من أربع، فأسلمت واحدة

منهن فقال: فسخت نكاحها -ومراده الطلاق- وقع الطلاق، وإن أراد الفسخ كان لفظه لغواً، وكذلك لو قال لأربع هذا القول. ولو أسلم أكثر من أربع فقال: فسخت نكاحهن -ومراده الفسخ - صح لفظه فيما زاد، [على الأربع، وكلفناه اختيار أربع زوجات وتمييزهن من غيرهن. وإنما] فرقنا بين أن يريد الطلاق وبين أن يريد الفسخ؛ لأن الرجل إذا أسلم، وأسلمت واحدة فله اختيار إمساكها قبل إسلام المتخلفات، وفي تطليقه إياها اختيار إمساكها؛ لأن من ضرورة الطلاق اختيار الإمساك، فأما إذا أراد الفسخ فلفظه لغو؛ لأنه يلزمه أن يمسك يعقد الشرك أربعاً، ولو صححنا فسخ الأولى والثانية إلى الرابعة - ولم نجعل فسخه إمساكاً- لم نأمن أن

مسألة (474)

يصبر المتخلفات في الشرك فلا يسلمن حتى تنقضي العدة، فلا يكون ممسكاً بعقد الشرك من لزمه إمساكهن، فلذلك لم يصح فسخه في هذه الحالة. وإنما فرقنا في تصحيح / (220/ ب) الفسخ بين أن يسلم أربع أو دونهن فلا يصح الفسخ، وبين أن يسلم أكثر من أربع فيصح الفسخ في الزيادة على الأربع؛ لأنهن إذا كن في الإسلام خمساً أو سبعاً فاختار فسخ من زاد على الأربع ففي مقابلة المفسوخات أربع لإمساك، وإنما يصح الفسخ إذا كان معه في الإسلام يوم الفسخ سوى المفسوخات أربع زوجات محبوسات بعقد الشرك، وإنما كلفناه التمييز؛ لأنه إذا قال - وهن في الإسلام خمس-: قد فسخت نكاحهن - ومراده الفسخ - انفسخ نكاح واحدة لا بفسخه، ولكن بإسلام معلم الإسلام منهما، وتلك الواحدة غير متعينة فإليه التعيين، كما لو قال لامرأتين: إحداكما طالق كان التعيين إليه. مسألة (474): إذا أسلم الزوج وتخلفت المشركات فقال على جهة التعليق: كلما أسلمت منهن واحدة فنكاحها مفسوخ -ومراده الفسخ - كان هذا الكلام

لغواً، ولا فرق في حكم الغاية بين الأولى والخامسة، ولو قال: كلما أسلمت واحدة فهي طالق، أو نكاحها مفسوخ - ومراده الطلاق - كان هذا الكلام صحيحاً، ومتى ما أسلمت واحدة فهي طالق. والفرق ظاهر وهو: أن الطلاق والعتاق مما يقبل التعليق بالخطر والغرر، [فأما الفسوخ فإنها كالعقود لا نقبل للخطر والغرر. فإن قال قائل: الإمساك لا يقبل الخطر والغرر]، ألا ترى أنه لو قال: كلما أسلمت واحدة فقد أمسكتها كان ذلك لغواً، ومن ضرورات الطلاق الإمساك. فالجواب: أن الإمساك على انفراد لا يقبل الخطر والغرر إذا قصد بالخطر والغرر، فأما إذا صار تبعاً للطلاق، فالطلاق قابل للخطر والغرر، ثم يندرج

مسألة (475)

تحته الإمساك، كما أن البراءة لا تقبل الخطر والغرر، ثم إذا قال للمكاتب: إذا دخلت الدار فأنت حر حصلت البراءة بدخول الدار تبعاً للعتق القابل للخطر والغرر. مسألة (475): قال الشافعي -رحمه الله-: "لو أن رجلاً تزوج امرأة على أنها حرة بمعنى التوهم فإذا هي أمة فلا خيار ل". وقال في موضع: "لو نكح امرأة على أنها مسلمة بمعنى التوهم فإذا هي كتابية فله الخيار". والفرق بين المسألتين: أن الرجل إذا تروج امرأة في بلاد الإسلام على أنها مسلمة فبان أنها كتابية فقد جاء للتفريط من جهة الولي والمرأة، لأن الزوج دخل في العقد على ظاهر الحال، والظاهر في بلاد الإسلام نكاح المسلمات وإنكاحهن، ولو

مسألة (476)

أخبر الولي عن كفره لعلم الزوج أن المخطوبة كافرة/ (211/ أ)؛ لأن الكافر لا يكون ولياً للمسلمة، وإنما يكون ولياً للكافرة، فقد تحقق التدليس من جهة الولاية، ولو كان على الولي شعار الشرك وهو: الغيار لاستدل الزوج بذلك على كفر المرأة المخطوبة، ومتى ظهر التدليس ظهوراً بيناً ثبت الخيار، كما يثبت في مسألة التصرية. فأما إذا تزوجها على توهم أنها حرة فبان أنها أمة فلا خيار له، إذ ليس من جهة الولي تدليس ظاهر وتغرير بين، وليس على كل من زوج إخبار الزوج بطريق الولاية، فليس سكوت السيد وكتمانه تفريطا منه وتدليساً حتى يثبت له الخيار، وقد كان الزوج غير عاجز عن التأمل. مسألة (476): المشركون إذا تقابضوا عقود الربا، وأثمان الخمر والخنازير، ثم أسلموا وترافعوا إلينا لم نتعقب ما مضى وعفا الله عما سلف، إلا في مسألة واحدة وهي: أن مشرق لو باع من مشرك خمراً، أو خنزيراً وقبض المبيع وعطل بالثمن، فقضى عليه حاكمهم بقضاء الثمن، فقضاه بإلزام القاضي إياه، ثم تحاكما، أو أسلما، فقد قال بعض أصحابنا: له أن

مسألة (477)

يسترجع المقبوض. والفرق بين هذه المسألة وبين نظائرها: أن التقابض في نظائرها كان على جهة التراضي من الجانبين، لا على جهة الإجبار والإلزام، فحكمنا بأن ما فات بالقبض فلا رجوع فيه، كما لا يعترض على أنكحتهم الثابتة بالشروط الفاسدة، فأما في المسألة الثانية فإنه سلم الثمن بإجبار وإلزام من جهة القاضي، لا على جهة الطواعية، فكان له أن يسترجع ذلك الثمن بعد إسلامهما، أو ترافعهما. مسألة (477): إذا كاتب المشرك عبده على الحمر والخنزير، واتفق القبض في بعض الفاسد قبل الإسلام، ثم أسلما فسلم إلى سيده في الإسلام بقية العوض الفاسد عتق عليه وعليه جميع قيمته لسيده. ولو نكح في الشرك على خمر، أو خنزير وسلم إليها بعض المهر الفاسد، ثم أسلما نظر: فإن كان المسلم نصف الفاسد، فعليه نصف مهر مثلها، وإن كان ثلثاً فعليه الثلثان. والفرق بين النكاح والكتابة: أن منافع البضع في النكاح مقابلة بالمهر،

مسألة (478)

ويتصور في المهر التبعيض بالتنصيف في بعض الأحوال؛ فلهذا بعضا وقسطنا مهر المثل على المسمى الفاسد، فإذا كانت قبضت النصف بقي لها النصف/ (221/ ب). فأما العتق في الكتابة، فجميعه يحصل دفعة واحدة عقيب الأداء، ولا يتصور في عوضه التنصيف، والتقسيط كما يتصور في منافع البضع، فلما حصل جميع العتق في الإسلام بأداء البقية وجب جمع العوض عليه للسيد. مسألة (478): إذا تزوج رجل امرأة على شرط أن لا يصيبها، فإن كان الشرط [للمرأة على الرجل، فالنكاح باطل، وإن كان الشرط] للرجل على المرأة، فالنكاح صحيح. والفرق بينهما: ما قال الربيع بن سليمان المرادي: أنها إذا شرطت هذا الشرط على الزوج، فقد شرطت مع مقصود النكاح؛ لأن استباحة البضع مقصود النكاح، فأما إذا كان الشرط للرجل على المرأة، فذلك الشرط غير متضمن منع المقصود، ولكنه ملائم لموضوع العقد؛ لأن الزوج في الإصابة مخير أبداً إن شاء

مسألة (479)

[أصابها وإن شاء أعرض عنها، واشتراط ما هو مقتضى العقد غير معترض] على العقد. مسألة (479): المغرور بالأمة إذا غرم لسيدها قيمة الولد رجع بها على الغار قولاً واحداً، وإذا غرم مهر مثلها لم يرجع به على الغار في أحد القولين. والفرق بينهما: أن التلف الذي حصل في الولد، [بالحرية إنما حصل على جهة الحكم للشبهة في الغرور، ولم] يحصل من جهة الزوج إتلاف على جهة الفعل، ولولا التغرير لما حصل التلف بالحرية، فكان للزوج أن يرجع على من كان التغرير من جهته، فأما تلف البضع، فإنه حصل على جهة الفعل؛ لأن الاستهلاك تحقق من جهة الزوج، فاستقر الغرم فيما تحقق منه استهلاكه.

مسألة (480)

مسألة (480): قال الشافعي -رحمه الله-: "إذا كانت الأمة هي الغارة رجع الزوج عليها إذا أعتقت، ولا يرجع عليها في زمان رقها". وقال أيضاً: "المكاتبة إذا كانت هي الغارة رجع عليها بقيمة الولد في أيام كتابتها". [والفرق بينهما: أن الكاتبة مالكة نالها ملك مثلها. ألا ترى أنها لو جئت جناية كانت تلك الجناية غرماً عليها في أيام كتابتها] وكذلك ما التزمت من أثمان الأموال في العقود الصحيحة والفاسدة، ولو أن الأمة اشترت شيئاً بعقد فاسد، واستهلكته لم يكن للبائع عليها سبيل ما دامت رقيقة، ولكن يتبعها بالقيمة بعد الحرية. مسألة (481): الغرور إذا صدر من جهة [المكاتبة لم يتصور الرجوع بالمهر، وإذا كان الغرور من جهة] الأمة تصور الرجوع بالمهر [علي أحد القولين.

والفرق بينهما]: أن المكاتبة إذا كانت هي الغارة فلا مهر لها على قول من يتصور الرجوع بالمهر، لأنها هي المستحقة/ للمهر، فلو غرمناها لما أعطيناها، إذ لا فائدة في التسليم والاسترجاع. فأما الأمة فليست هي المستحقة للمهر، وإنما السيد هو المستحق والأمة الغارة هي المرجوع عليها. وما ذكر الشافعي - رحمه الله - من الرجوع على المكاتبة الغارة بالغرم فإنما ذكره في قيمة الولد، وإنما يستقيم ذلك في قيمة الولد على القول الذي يقول: إن ولد المكاتب عبد قن للسيد، وهذا القول في "الأم"، ليس بمنصوص المختصر، وعلى القول الذي يقول: ولد المكاتية تبع للأم يعتق

مسألة (482)

بعتقها ولكن الحق فيه للسيد، لا للأم: فيتصور الغرم على هذا للقول أيضاً، فأما إذا قلنا: الولد تبع للأم والحق فيه للأم، والأم هي الغارة فلا يتصور غرم قيمة الولد لها، كما لم يتصور غرم المهر لها مع تصور الرجوع. مسألة (482): المكاتبة تحت الغرور بحريتها إذا علقت منه بولد فسقط ميتاً، فليس على الزوج غرم قيمة الولد، وكذلك الأمة القن تحت الزوج المغرور بحريتها، فأما إذا جني جان على بطنها فسقط الولد ميتاً، فعلى الزوج أن يغرم قيمه الولد. والفرق بين المسألتين: أن الولد إذا سقط ميتاً لم يسقط مضمونة ولم تثبت له حالة يتصور فيها أن يضمن باليد؛ لأنه انفصل ميتاً؛ فلذلك لم يكن مضموناً،

مسألة (483)

أما إذا جنى جان على بطنها فعلى الزوج قيمة الولد، ثم يرجع على عاقلة الجاني؛ لأن عاقلة الجاني ضامنة للغرة، فصار في التقدير كأنه سقط حياً، ثم صار مقتولاً، والواجب على الزوج حينئذ أن يغرم الأقل من قيمة الغرة، أو عشر قيمة الأم، لا يجاوز مقدار الغرة والزيادة ساقطة، لأنا إنما ألزمناه الغرم بسبب وجوب الغرة، ولا سبيل إلى تقويم الولد الميت؛ فلذلك عدلنا إلى عشر عوض الأم، كما عدلنا في جنين الأمة إلى عشر عوض الأم، غير أن الأم إذا كانت مملوكة والجنين مملوكا اعتبرنا عشر قيمة الأم، وإن كان الجنين حراً اعتبرنا عشر الدية - أي دية أم حرة - تقديراً لكون الجنين الحر معتبراً بحكم الحرية، والمملوك معتبراً بحكم الرق. مسألة (483): قال الشافعي - رحمه الله - في الأم: "لو أن أمة أعتقت ولم تعلم

وكان زوجها مملوكاً، فطلقها زوجها وأكمل الطلاق، ثم بلغها خبر العتق، فإن اختارت الفسخ بان أن الطلاق [غير واقع، وأن النكاح مرتفع بالفسخ لا بالطلاق، وإن اختارت المقام بان أن الطلاق] واقع، وقد قال/ (222/ ب) الشافعي - رحمه الله - في امرأة العنين: "إذا طلقها زوجها بعد انقضاء السنة كان الطلاق واقعاً لا محالة". ولم يجعل لبقاء سلطان الفسخ أثر في منع وقوع الطلاق. وهذه المسألة التي حكيناها عن كتاب الأم شاذة عن أصول المذهب،

مسألة (484)

وغاية ما ذكروه فيها من المعنى: أن الأمة إذا عتقت ثبت لها حق الفسخ بالعتق الحادث، فلا يجوز إبطال هذا الحق، وإن اعترض على النكاح ما يرفع النكاح، ومثل هذا المعنى ما نقول - في أحد القولين - في الشريك إذا ثبتت له الشفعة، ولم يعلم حتى قاسم، أو باع نصيبه من تلك الدار، ثم علم: كان له طلب الشفعة السابقة. مسألة (484): إذا أعتق الرجل في مرض موته جارية فأرادت أن تتزوج بأمر وليها الحر من جهة النسب، فقد قال بعض أصحابنا: ليس لها أن تتزوج، ولو أن رجلاً أعتق جاريته في مرض موته، وأراد أن يتزوجها جاز له ذلك

والقاضي يزوجها إياه. والفرق بين أن يتزوجها معتقها وبين أن يتزوجها أجنبي: أن الأجنبي إذا تزوجها يتزويج ولي النسب لم نأمن أن يظهر على الميت دين يستغرقها، فتعود رقيقة، ولا ولاية لولي النسب على رقيقة، فتبين أن النكاح الذي عقده ولي النسب باطل، فأما إذا كان السيد المعتق هو المتزوج، فلا تخلو من حالين: إما أن يظهر عليه دين أو لا يظهر، فإن لم يظهر عليه دين فقد أصاب منكوحته والنكاح صحيح، وإن ظهر عليه دين فقد أصاب مملوكته. فإن قال قائل: الإصابة في هذه المسألة مع هذا التردد والتميل يحب أن يكون حراماً، كما قال الشافعي - رحمه الله- فيمن اشترى زوجته بشرط الخيار ثلاثة أيام:- "فليس له أن يصيبها في زمان الخيار؛ لأنه لا يدري أيطأها منكوحته أو يطأ مملوكته". فما الفرق بين هاتين المسألتين؟. قلنا: الفرق بينهما: أن الملك في زمان الخيار ملك ضعيف اقترن به هذا التردد والتميل، فلما اجتمع ضعف الملك وتردد الاحتمالين لم يجز له الوطن ما دامت هذه الحالة باقية، فأما في المسألة الأخرى فإن ملك اليمين كان على الكمال قبل العتق، وإذا أعتقها فنكحها فإن صح النكاح كان ملك البضع بالنكاح ملكاً على

مسألة (485)

الكمال لأن الملك في النكاح لا يكون متردداً، كما يكون ملك الشراء متردداً/ (223/ أ) أيام الخيار، فتردد وطؤه إياها بين ملكين كاملين، وتردد الوطء في النكاح الثاني بين ملك كامل وبين ملك ضعيف؛ فلذلك افترقت المسألتان. وقد قال بعض مشايخنا: إذا أعتقها، فزوجها وليها الحر من جهة النسب كان النكاح صحيحاً [في ظاهر الحكم، كما كان صحيحاً] في المسألة الأخرى، فإن ظهر دين استأنفنا له حكماً آخر فحكمنا حينئذ بفساد النكاح في المسألتين جميعاً. مسألة (485): الشريكان إذا أعتقا جارية فليس لأحدهما أن ينفرد بتزويجها حتى يتراضيا ويتفقا، وكذلك لو أعتق أحدهما نصيبه وهو معسر فأراد المعتق والشريك الثاني معاً تزويجها جاز لهما ذلك، وإن أراد أحدهما أن ينفرد بالترويج لم يحز له الانفراد، وليسا كأولياء النسب والدرجة واحدة فأيهما أراد تزويجها برضاها كان له تزويجها. والفرق ظاهر وهو: أن الولاء غير ثابت لكل واحد منهما على جميعها، وإنما يثبت له الولاء على بعضها، وشرط صحة تزويجها ثبوت الولاية على جميعها، بخلاف أولياء النسب، فإنه ما من ولي من أولياء النسب إلا وولايته ثابتة على

مسألة (486)

جميعها، ومثل ذلك لا يتصور في شركاء الولاء إذا كانت صورة الولاء ما صورنا من عتق المباشرة. فأما إذا مات رجل وخلف معتقة وأولاداً ذكورا فزوجها - برضاها- واحد من البنين دون الآخرين فالنكاح صحيح لازم، كما يصح في النسب؛ لأن كل واحد منهم ولي كامل في الولاء. ألا ترى أن كل واحد منهم يستغرق بالميراث ولاءها، كما يستغرق بالميراث ولاءها إذا ماتت ولم يبق إلا واحد من أبناء السيف واشتراكهم عند اجتماعهم كاشتراك الإخوة والأعمام عند اجتماعهم. مسألة (486): ولاية الأب في قبول النكاح على ابنه الصغير باقية ببقاء الصغر، فإذا بلغ رشيداً زالت هذه الولاية، وليس السيد كذلك في عبده على قول جواز الإجبار، فإنه يجبر العبد البالغ فيقبل النكاح عليه، كما

يجبر العبد الصغير فيقبل عليه النكاح. والفرق بين المسألتين: أن إجبار العبد على النكاح بسلطان ملك اليمين، وسلطان للملك لا يختل ببلد الملوك، فإن ملكه عليه في الحالين على صفة واحدة، فكانت ولاية الإجبار على صفة واحدة. فأما الأب فإنما يجبر الابن الصغير على النكاح للصغر، فإذا بلغ رشيداً/ (223/ ب) زال الصغر الذي هو علة الإجبار على النكاح وإذا زالت العلة زال المعلول، فإن كان بعد بلوغه غير رشيد فالولاية لا تزول، كما لا تزول ولاية المال في هذه الحالة، قال الله -سبحانه وتعالى-: {فَإنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}، فاشترط الرشد بعد ذكرهم البلوغ، والله أعلم.

كتاب الصداق

كتاب الصداق مسألة (487): إذا تزوج رجل امرأة على عبد غير موصوف ولا معين، فلها مهر مثلها بالعقد قولاً واحداً. ولو تزوجها على عبد معين، فبان أنه مغصوب، فعلى قولين: أحدهما: أنها تستحق مهر المثل. والثاني: أنها تستحق قيمة ذلك العبد المعين. والفرق بين المسألتين: أن العبد إذا كان معيناً أمكن تقويمه والإحاطة بمقدار قيمته، فإذا كان مستحقاً رجعنا -في أحد القولين- إلى قيمته، وجعلنا معنى الإشارة إليه بالعقد إشارة إلى قدر قيمته؛ لما خرج مستحقاً. فأما إذا قال تزوجتها على عبد - وأطلق العبد إطلاقاً- فمعقول أن العبد يختلفون في القيم، والإطلاق لا يختص بمملوك دون مملوك، ولا يكون المملوك الكثير القيمة أولى بالاعتبار من المملوك القليل القيمة. فصار المسمى

مجهولاً من جميع الوجوه، وإذا كان بهذه الصفة فلا بد من الرجوع إلى عوض البضع وهو: مهر المثل، فرجعنا إليه. فإذا تقرر هذا الأصل بنينا عليه مسائل الكتاب، فقلنا: لو تزوجها على أن يخيط ثوبها المعين، أو يرد عبدها الآبق من مكان معلوم فاحترق الثوب، أو مات العبد، فعلى قولين: أحدهما: أنا نرجع [إلى مهر المثل، والثاني: أنا نرجع] إلي أجرة مثله لخياطة ذلك الثوب ورد العبد من ذلك المكان، وإذا تزوجها على أن يرد عبدها الآبق ولم يكن المكان الذي أبق إليه العبد معلوم المسافة رجعنا إلى مهر المثل قولاً واحداً، للجهالة بالمسمى من جميع الوجوه. ولو تزوجها على عبد فإذا هو حر، فعلى قولين: أحدهما: أنها تستحق مهر المثل، والثاني: أنها تستحق قيمة ذلك الحر لو كان عبداً، ولو تزوجها على خمر، أو خنزير استحقت مهر مثلها قولاً واحداً. والفرق بينهما: أن الحر على صلته وصورته يمكن تقويمه بأن يقال: لو كان

هذا الشخص بهذه الصورة التي هي صورته رقيقاً فبكم قيمته؟ فيقال: قيمته ألف، فنوجب الألف، ولا سبيل إلى تقويم الخمر/ (224/ أ) على صفتها في الحال؛ [لأن الخمر لا تتقوم في الشرع. فإن قيل يمكن أن يقال: كم قيمتها حين كانت عصيراً، أو كم قيمتها حين تصير خلاً؟ قلنا: ولا يكون هذا التقويم تقويم الخمر على صفتها في الحال] من حيث الخلقة، وأوصاف النفس لأن الخمر غير العصير والعصير غير الخمر. فإن قيل: كذلك الحر لا يمكن تقويمه حراً، وإنما يقوم عبداً، والعبد غير الحر والحر غير العبد. قلنا: لا يقوم الحر حراً، ولا نقول كم قيمته حين من عبداً؟ - وربما لم يكن عبداً - ولكن نقول: لو كان على صورته وحسنه ويبحه مملوكا لرجل فكم قيمه ذلك المملوك؟ فيقال: كذا وكذا، فنعتبر تلك القيمة، ولا يمكن أن يقال: لو كان عصيراً على صفة هذه الخمر فكم قيمته، فإن العصير حلو والخمر غير حلو، وهذه من صفات الخلقة التي نعتبر للقيمة بها، وليست الحرية والرق من صفات الخلقة، وإنما هما من صفات الحكم. ألا ترى أن العبد إذا صار حراً لم تتغير صفة من صفات الخلقة، والعصير إذا

مسألة (488)

صار خمراً تغيرت صفة خلقته، فعلى هذا الأصل حكم المهور في النكاح وحكم بدل الخلع في الخلع لا يختلفان في التفريع. مسألة (488): إذا أصدقها جارية فحبلت من زوج أو زنا، ثم طلقها قبل المسيس فليس للمرأة إجبار الزوج على الرضا بنصف الجارية، ولكنه بالخيار: إن شاء رضي بنصفها، وإن شاء تركها وطالبها بن بنصف قيمتها. ولو أصدقها شاة فصارت ماخضاً، طلقها قبل المسيس كان لها إجبار الزوج على الرضا بنصف الماخض. والفرق بينهما: أن الجارية إذا أصابها الطلق أشرفت بذلك على الخطر العظيم والخوف الشديد، فصار الحمل من هذا الوجه نقصاً فيها، وإن كان زيادة من وجهة أخرى وهي: زيادة الولد، وإذا اجتمع في عين الصداق نقصان من وجه وزيادة من وجه لم يجز إجبار الزوج على نصف العين لكان النقص، ما لا يجوز إجبار المرأة على رد للنصف لمكان الزيادة، وإنما يتصور الرجوع إلى النصف في هذه الصورة على التراضي، فأما البهيمة إذا صارت ماخضاً، فذلك/ (224/ ب) زيادة فيها من

مسألة (489)

جميع الوجوه، لأن الخطر عند النتاج مأمون غالباً، ويكون النتاج زيادة. محضة، وإذا تمخضت الزيادة في عين الصداق لكان الخيار كله للزوجة دون الزوج، هذا الأصل في الصداق]. ولهذا الأصل قلنا: إذا أصدقها أرضاً فحرثتها نطلقها قبل المسيس فالخيار لها، وإذا زرعتها فالزرع نقصان والخيار له. مسألة (489): إذا أصاب الغاصب الجارية المغصوبة، فعليه الحد، وإذا أصاب الزوج الجارية الممهورة وادعى أني ظننت أن كمال ملك المرأة بالدخول، فليس عليه الحد، نص عليه الشافعي رحمه الله. والفرق: أن الصداق لما كان يتنصف بالطلاق لم يبعد أن يشكل على الجهال أن يتوهموا هذا التوهم فأما الغاصب، فلا يكاد يخفي عليه أنه لا يملك ملك غيره بمحض الغصب، فإذا ادعى جهالة بهذا الحكم لم تسمع منه دعواه، فإن كان ساكن بادية لا يخالط أهل العلم ولا يلتقي بهم، ويتوهم أن القهر والغصب من

مسألة (490)

أسباب الملك، كما كانوا يتوهمون في الجاهلية، فربما يتصور درء الحد في مثل هذه الحالة، وهذا في نهاية الاستبعاد. مسألة (490): قال الشافعي - رحمه الله- "لو أصدقها عبداً، فدبرته، طلقها قبل الدخول بها وقبل أن ترجع عن التدبير لم يكن له الرجوع عليها بنصف العبد، وكان حقه في نصف القيمة، ولو رجعت عن التدبير، ثم طلقها كان له الرجوع في نصف العبد". فهذا النص دليل واضح يدل على أنها إذا دبرت العبد الممهور - فسواء جعلنا التدبير وصية، أو جعلناه عتقاً بصفة- فليس للزوج إذا طلقها قبل المسيس أن يرجع في نصف العبد المدبر. ألا ترى أن الشافعي - رحمه الله - أجاب في هذا النص على أن لها الرجوع، وهذا جواب على أن التدبير يجري مجرى الوصايا ولا يجري مجرى العتق

بصفة، وإذا لم يجعل للزوج الرجوع في نصف العبد على قول جواز الرجوع عن التدبير فما ظنك بالقول الثاني: وهو إذا قلنا: ليس لها الرجوع قي التدبير، فكيف لها الرجوع في نصف المدبر وإبطال القربة؟ ومعلوم أنها لو أوصت بعين ذلك للعبد الممهور لرجل، ثم طلقها زوجها قبل المسيس كان للزوج إبطال وصيتها في النصف والرجوع إلى العينة. والصحيح في التدبير [ما قلنا من نص الشافعي رحمه الله، وإن سلك بعض مشايخنا/ غير هذه الطريقة. والفرق بين الوصية والتدبير]: أنها إذا دبرت فعقد التدبير بنفسه قربة تامة، ألا ترى أن تمام هذه القربة ليس يتوقف إلا على موتها ولا حاجة إلى قبول العبد ورضاه. وأما الوصية فإنها لا تتم قربة بالإيصاء، وليس الإيصاء عقد قربة لا محالة،

كما ليست الهبة عقل قربة لا محالة، والزوج ممنوع من إدخال الضرر عليها بإبطال قربتها. فإن قيل: أليس إذا علقت عتق ذلك العبد بدخول الدار فقد عقدت عقل قربة، وإذا طلقها زوجها قبل المسيس كان له أن يرجع في نصف ذلك العبد ويبطل عليها ذلك العتق، فما الفرق بين هذا وبين التدبير؟ قلنا: تعليق عتقها بدخول الدار ليس هو عقد قربة، وإنما هو يمين لمنع نفسه، أو لمنع غيره، وليس إذا مع نفسه، أو منع غيره من دخول الدار، أو حث عبده على دخول الدار بذكر العتق كان عاقداً بذلك عقد قربة، ولكنه عقد من عقود الإيمان، وكذلك ما جانس الأيمان مثل قوله: إذا جاء رأس الشهر فأنت حر، فطلقها قبل رأس الشهر رجع إلى نصف العبد، إذ ليس ذلك من جنس محضر القربة، فأما عقد التدبير فلا معنى فيه إلا القربة المحضة،

مسألة (491)

فإذا أراد إبطال حقها من القربة كان ممنوعاً من الإبطال، وإن كان عين الصداق باقية بحالها. ولو أنها رضيت وأبطلت على نفسها قربتها، فرجعت عن التدبير قبل الطلاق- على قول جواز الرجوع بالقول- ثم طلقها كان له أن يرجع إلى نصف العبد، إذ ليس في رجوعه إلى النصف إبطال القربة عليها، وقد قال الشافعي - رحمه الله -: لو أصدقها جارية فطلقها وهي ترضع ولداً ولدته لها لم يكن له أن يرجع إلى نصف الجارية، مخافة الإضرار بالشركة في إرضاع الولد، فهذا صداق باقٍ بعينه لم يزد ولم ينقص، والزوج ممنوع من الرجوع في نصفه خوف الإضرار، فكذلك خوف الإضرار موجود في مسألة التدبير. مسألة (491): المواعيد المتقدمة على العقد غير معتبرة في حكم العقد؛

ولذلك قلنا في نكاح المحلل: إن كان الشرط متقدمًا غير مقترن كان العقد صحيحًا, وشذت مسألة عن هذا الأصل, فقال الشافعي - رحمه الله في الولي والزوج -: "إذا ذكرا في السر مهرًا وفي العلانية مهرًا: أن المهر مهر السر"، وقال - في موضع آخر -: "المهر مهر العلانية". / (225/ ب) فدعت الضرورة بعض أصحابنا إلى أن جعل المسألة على حالين, فقال: إن كان في السر وعد وفي العلانية عقد, فالمهر مهر] العلانية, وإن كان في السر عقد, وفي العلانية عقد فالمهر مهر [السر, وهذه الطريقة خلاف ظاهر النص الذي حكاه المزني, وهو قوله: "إذا شاهد الزوج الولي والمرأة أن المهر كذا

مسألة (492)

وكذا ويعلن أكثر فقد اختلف قوله في ذلك, فقال في موضع: السر, وقال في غيره: العلانية, وليس ظاهر هذا اللفظ يعطي أنهما عقدا عقدين, بل ظاهره يعطي أنه وعد متقدم وعقد متأخر, والمعنى الذي به فارقت هذه المسألة نظائرها: أن المواضعات والمقدمات تكثر في عقد النكاح وفي المهر المذكور فيه, وللناس عادة غالبة في المياهات بالمغالاة في المهور, وهذا العادة مفقودة في أثمان المبتاعات وسائر الشروط التي تشترط في النكاح, فإذا تواعدا على ألف على أن يتعاقدا على ألفين فكأنما اصطلحا على عبارة موضوعة, فقالا: إذا اعتبرنا بالألفين في العلانية, فإنما نريد به الألف, واللغات تثبت فوائدها بالمواضعات, فلذلك ألزمنا الزوج ألفًا وإن اشتمل العقد على تسمية ألفين. مسألة (492): عقد النكاح إذا اشتمل على مسمى مجهول وجب لها مهر المثل, والمفوضة إذا فرض لها الزوج بعد العقد مقدرًا وهما جاهلان

بمهر مثلها لم يصح ذلك المفروض, ولم يجب لها مهر المثل بهذه التسمية الفاسدة. ] والفرق بين المسألتين: أن أول العقد إذا اشتمل على المجهول انعقد أوله بعض؛ لأن العوض مذكور, وإذا انعقد النكاح بعوض وذلك العوض غير المسمى فهو مهر المثل [لا محالة, فأما المفوضة فلم يجب لها بالعقد مهر على القول الصحيح المقصود بالتفريع, فإذا فرض لها مهرًا - وهما جاهلان بقدر مهر مثلها - لم يكن الفرض عقدًا يوجب مهر المثل, وإنما الفرض إيجاب في عقد سابق, لا بابتداء عقد, وشرط صحة ذلك الإيجاب: العلم بالمقدار, كما أن شرط صحة التقويم على المقوم بمقدار القيمة, وإذا لم يعرف مقدار القيمة بطل تقويمه ووجب استئناف] تقويم آخر, كذلك بطل الفرض بالجهل ووجب استئناف [فرض آخر على بصيرة بمقدار مهر المثل.

مسألة (493)

مسألة (493): مهر المثل إذا كان في قبيلة من القبائل عشرة آلاف معلومة لنسائهم, فهو المقدار الذي نوجبه عند فساد التسمية وفي الوطء بالشبهة ومنازل إيجاب مهر المثل, فلو أن امرأة من نسائهم سامحت زوجها ورضيت بسبعة آلاف/ (226/ ب) في العقد ثم وطئت المرأة أو غيرها من نساء تلك القبيلة بالشبهة أوجبنا لها عشرة آلاف, ولو] وجدت المسامحة من امرأتين, أو ثلاث, أو أكثر, فإن [صارت المسامحة عادة ثم وطئت واحدة منهن بشبهة أوجبنا لها سبعة آلاف,

مسألة (494)

وألزمناها حكم هذه المسامحة. والفرق بين الحالتين: أن المسامحة من العاقد الواحد أو من النفر لا تصير أصلًا في اعتبار المقدار, ألا ترى أن الواحد من أهل السوق لو سامح مبتاعًا في ثمن سلعة لغرض, فتلك المسامحة لا تصير أصلًا في] اعتبار قيمة أمثالها عند الاستهلاك, ولكن إذا صارت المسامحة معتادة جارية علم أن السوق في [تلك السلعة متراجعة, وإن ما كان مسامحة صار سعرًا, حتى إذا استهلكت تلك السلعة بعد المسامحة الشائعة المستفيضة صارت مقومة بما تراجع من الثمن, فكذلك مهور الأمثال في مسامحة نساء تلك القبيلة. مسألة (494): فساد المهر لا يقدح في العقد إلا في مسألة واحدة وهي: إذا كان الفساد بسبب اشتراط خيار الثلاث في المهر, فقد قال - في القديم -: "النكاح في ذلك باطل".

والفرق بين هذا الفساد وبين الفساد بتسمية الخمر والمجهول والمغصوب: أن الرجل إذا سمى خمرًا أو مهرًا مجهولًا كان ذلك فسادًا مقصورًا على الصداق لا يتعدى إلى البضع بحال, ولو تجرد العقد عن المهر انعقد ولزم, فكذلك إذا اشتمل على فاسد, فأما إذا اشترط في الصداق خيار الثلاثة, فهذا شرط يتعدى إلى البضع؛ لأن الخيار المشروط في أحد العوضين يتعدى إلى العوض الثاني الذي قابله, ألا ترى أن البائع إذا قال: على أني بالخيار في السلعة فمعناه: على أني بالخيار في العوضين, وفي دفع العقد عنهما, ولو شرط في البضع له خيار الثلاثة بطل النكاح, فإذا شرط ذلك في المهر - ومن ضرورته أن لا يبقى مقصورًا عليه محصورًا فيه - صار العقد فاسدًا. وله في الجديد قول آخر: أن النكاح صحيح.

مسألة (495)

مسألة (495): المشهور من المذهب في المطلقة المفروض لها قبل المسيس أنها لا تستحق المتعة, بخلاف المدخول بها, فإن أصح القولين أنها تستحق المتعة. والفرق بينهما: أن الدخول إذا اتصل, فلا بد من استحقاق كمال المهر على مقابلة استهلاك البضع, وكيف يجوز استهلاك منافع البضع ببعض المهر؟ بل لابد من مقابلها بالجميع, إما بجميع المسمى حيث صحت التسمية, وإما بجميع مهر المثل عند عدم صحة التسمية, وإذا صار الصداق بجملته في مقابلة الإصابة بسابق العقد فلا بد من مقابلة العقد بمال, وهو المتعة, وهو معنى قول الشافعي - رحمه الله -: بدلًا من العقد حيث وصف المتعة, فإذا لم تنفق الإصابة في ذلك العقد حتى طلقها وله مسمى صحيح, فقد استحقت مع سلامة البضع المسمى, فاستغنى العقد به عن المقابلة بمال آخر.

فإن قال قائل: المهر الذي استحقته الممسوسة ما استحقته بالمسيس, وإنما استحقته بالعقد. ألا ترى أن المنكوحة لو كانت يوم العقد مملوكة زيد ويوم الإصابة مملوكة عمرو كان ذلك المهر لزيد, ولو قابل ذلك المهر المسيس لكان لعمرو, كالمتعة تجب لعمرو بالطلاق في ملكه, لأنها تجب يوم الطلاق, ولا تجب لزيد وإن كان العقد في ملك زيد. قلنا: هذا المهر الذي استحقته الممسوسة استحقته في مقابلة استهلاك البضع (226/ ب) , ولكن هذه المقابلة حصلت بالعقد, فإن العقد سبب المقابلة أبدًا في العوضين, فلما أوجبه العقد يوم الوطء استحقه من باشر العقد وهي مملوكة له, والعقد لا يوجب المتعة بحال, وإنما يوجبها الطلاق, ونضعه على مقابلة العقد, فكانت المتعة للمالك الثاني وإن كانت على مقابلة العقد؛ لأن الطلاق كان في ملك المالك الثاني, فلذلك كان المهر للمالك

مسألة (496)

الأول وإن كان على مقابلة الاستهلاك الموجود في ملك المالك الثاني, والمقابلة من فوائد العقل. مسألة (496): إذا أعتق الرجل جاريته في مرض موته, ثم تزوجها, ثم مات عنها, فلا ميراث لها. ولو أعتقها وجهل عتقها صداقها, فنكحها, ثم مات عنها, فلها الميراث. والفرق بين المسألتين: أنه إذا أعتقها, وجعل عتقها صداقها, فقد اعتاض عن الرقبة, فخرجت عن باب الوصايا, فلا يؤدي إلى جمع الوصية والميراث في الشخص الواحد. فأما إذا أعتقها ولم يجعل عتقها صداقها, فهذا العتق في المرض وصية منه, فلو ورثناها لجمعنا بين الإرث والوصية, ولذلك قلنا: إذا أعتق الرجل في مرض موته حميمه الوارث لم يرثه بالدور, وكان في إثبات ميراثه إسقاط ميراثه. مسألة (497): لو أصدقها خمرًا, فطلقها قبل المسيس استحقت نصف مهر المثل, ولو أصدقها خمرًا وكان ذميين وسلم الخمر إليها, ثم طلقها قبل المسيس - والخمر خل - لم يستحق عليها شيئًا, وغلط

بعض أصحابنا, فجعل نصف الخل حقه. والفرق بين الحالتين: أنه إذا أصدقها خمرًا ضمن البضع بالعقد لا محالة؛ لأن البضع بنفس العقد يصير كالمستهلك, وإن لم يتحقق فيه الاستهلاك, فإذا طلقها قبل المسيس ألزمناه نصف مهر المثل واعتبرنا ضمان البضع, ولو جعلنا للخمر حكمًا لنصفناها بينهما, فأما جانبها, فليس كذلك, وذلك أنها تضمن للزوج بالطلاق نصف ما ضمنته بالقبض والخمر مقبوض غير مضمون, ولا قيمة له حتى يرجع إلى نصف قيمته, وما حدث من الحموضة زيادة حصلت وحدثت, وكل زيادة حدثت في عين المهر, فليس للزوج حق في تلك الزيادة, ولا فرق في هذه بين الزيادة المتصلة, وبين الزيادة المنفصلة, ألا ترى أن العبد المملوك الممهور لو كان مهزولًا, فسمن أو ولدت الجارية ولدًا لم يكن للزوج حق في تلك الزيادة التي حصلت وتجددت في عين المهر.

مسألة (498)

مسألة (498): المحرم إذا طلق امرأته قبل المسيس والصداق ظبية وعين الصداق قائمة ارتد نصفها إليه, سواء قلنا: يملك المحرم الصيد بالشراء أو لا يملك ولا ينعقد شراؤه. ولو أفلس مبتاع الظبية والبائع محرم لم يكن له أن يرجع إلى عين الظبية. والفرق: أن البائع إذا اختار عين ماله عند المفلس لم يرتد إلى ملكه إلا بقوله: فسخت البيع, فصار اختيار الفسخ, كاختيار الشراء, وهو محرم لا يتملك بالشراء فلا يتملك بفسخ الشراء, فأما إذا طلق فإن نصف المهر يرتد إليه بنفس الطلاق, ولا يتوقف على اختيار يحدث منه. فإن قال قائل: فما معنى قول الشافعي - رحمه الله - في كتاب الصداق -: "وهذا

كله ما لم يقض له القاضي به" أفليس يدل هذا الكلام على أن الصداق لا يرجع بالطلاق إليه حتى يوجد سبب سوى الطلاق؟ قلنا: ما أراد الشافعي بهذا اللفظ إلا ظهور الحكم بين الخصمين بالقضاء, فأما في الباطن فإن الملك راجع إلى الزوج بنفس الطلاق, وذلك حكم الله - تعالى - في قوله تعالى: (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) والله أعلم.

كتاب القسم والنشوز

كتاب القسم والنشوز مسألة (499): الموهوب له المال إذا امتنع لم يجبر على قبول الهبة, والموهوبة لها الليلة مجبورة على قبول هبة القسم, وليس لها أن تمتنع عن قبولها. والفرق: أن الواهبة إذا وهبت ليلتها فالزوج عماد هذه الهبة في جانب القبول؛ لأن الحق عليهن له. ألا/ (227/ب) ترى أنه في الابتداء لو أراد أن لا يقسم لواحدة منهن كان له ذلك, فإذا بدا فقسم فوهبت واحدة ليلتها لم يعتبر رضا الموهوبة لها والحق حق الزوج, ولو رضيت الواهبة والموهوبة لها ولم يرض الزوج لم يكن للهبة معنى, فأما سائر

مسألة (500)

الهبات فلا تشبه هذه الهبة, وإنما هي تملك مال ابتداء, فيستحيل إجبار الموهوب له على قبول الهبة, والزوج في القسم إذا ساكن الموهوبة لها فإنما يستوفي منها حقًا وجب له عليها, ومن المحال استيفاء حق نكاح عمره من زينب لكنهن إذا تشاححن نالت كل واحدة منهن حقها, وإذا لم يكن مشاححة, أو كانت هبة سقط حق ولم ينتقل حق, فهذه حقيقة هبة القسم؛ ولذلك لا يتصور] منها الاعتياض, فإن الموهوبة لها تستوفي من زوجها حق نفسها, فلا يتصور [أن يتوجه عليها عوض بما تستوفي من الحق الواجب لها. مسألة (500): إذا كان تحت الحر, أو تحت المملوك حرة وأمة, فحق الحرة من القسم ليلتان, وحق الأمة ليلة واحدة, وإن كانت النوبة للحرة والزوج عندها, فعتقت المملوكة دار إليها بليلتين إذا قسم للحرة ليلتين, وإن كانت النوبة للأمة, فعتقت, نظرنا في وقت عتقها: فإن عتقت وقد بقيت بقية من نوبتها ولو ساعة واحدة أكمل لها

ليلتين, وإن انقضت نوبتها بتمامها, ثم عتقت لم يكن لها في هذه النوبة حق الزيادة. والفرق بين المسألتين: أنها إذا عتقت وقد بقيت بقية من النوبة, فقد استفادت فضيلة الحرية قبل استكمال حقها من القسم بتمامه, فاستحقت تمام حق الحرية, فأما إذا استوفت نوبتها, ثم عتقت فإن العتق قد حصل بعد استيفاء حقها في الرق. ومثال هذا قال الشافعي - رحمه الله - في العبد إذا عتق بعدما طلق زوجته طلقتين: فهي حرام عليه حتى تنكح زوجًا غيره, ولو عتق بعد طلقة, فقد ملك عليها تمام الثلاث. وكذلك قال الشافعي - رحمه الله -: "إذا أسلم العبد وأسلمت حرة, فعتق فأسلمت حرائر كان له منهن أربع, ولو أسلم وأسلمت حرتان, ثم عتق لم يكن له أن يمسك بعقد الشرك إلا اثنتين من أي الأربع شاء.

مسألة (501)

مسألة (501): المرأة إذا سافرت في حاجة لها, فلا قسم لها, ولا نفقة, وإن سافرت بإذن الزوج. فأما إذا سافرت في حاجة له بإذنه, فنفقتها وقسمها وحقوقها غير ساقطة. والفرق بين المسألتين: أن الإذن وإن حصل في المسألة الأولى (227/ ب) , فإنها مشتغلة في سفرها بحاجتها وشغلها, والزوج في هذه الأيام ممنوع بالمسافرة - عن الاستمتاع إن أراد الاستمتاع. فأما إذا كان سفرها في حاجته, فنفسها مسلمة إليه مصروفة المنافع إلى جهة مخصوصة بتصرف صادر من جهة الزوج, ومعلوم أن المستأجر أجير الشغل ولو شغله مدة الإجارة بغير ذلك الشغل كانت له الأجرة مستقرة عليه؛ لأن الأجير قد سلم إليه نفسه, فشغله بما شاء. فإن قال قائل: فما تأثير إذن الزوج؟ قلنا: تأثير إذنه: أن سفرها لا يكون سفر عصيان ونشوز محض إذا استند إلى الإذن من جهة الزوج, وليس من فوائد إذنه بقاء حقها في القسم والنفقة. مسألة (502): إذا عجز الرجل عن نفقة بعض نسائه وقدر على نفقة بعضهن فلا

قرعة, ولكن للمرأة التي لا يعطيها نفقتها الخيار في فسخ النكاح. فأما إذا أراد سفرًا أو عجز عن استصحاب جميعهن جرت القرعة بينهن, وحق القسم, بخلاف حق النفقة والكسوة والمسكن. والفرق بينهما: أن أصل القسم مفوض إلى اختيار الزوج. ألا ترى أن الرجل لو كان تحته أربع نسوة ولم يقسم لواحدة منهن فلا حرج عليه, ولكن إذا بدأ فقسم لواحدة ثبت للباقيات طلب التسوية, وكذلك لو قسم بينهن فأراد أن يعتزل ليلة أو ليالي, ثم يعود إلى الترتيب كان له الاعتزال, فلذلك قلنا: إذا بدا له سفر وعجز عن استصحاب جميعهن كان الاختيار إليه في العدد بعد الإقراع للتعيين. فأما النفقة فإنها واجبة عليه كل يوم لكل واحدة منهن, وليس له التأخير ولا الاختيار, وكذلك السكنى والكسوة, فإذا عجز عن تعميمهن بها وقدر على

نفقة بعضهن كان له أن يختار منهن من شاء بالقدر المقدور عليه, ثم للباقيات خيار الفسخ بالإعسار, كما ثبت هذا الحق لكل واحدة منهن على الانفراد عند الانفراد.

كتاب الخلع

كتاب الخلع مسألة (503): قال الشافعي - رحمه الله في أصل الخلع -: " خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى صلاة الصبح, فوجد حبيبة بنت سهل عن بابه, فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من هذه؟ فقالت: أنا حبيبة بنت سهل لا أنا ولا ثابت - لزوجها - فلما جاء ثابت قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هذه حبيبة تذكر ما شاء الله أن تذكر فقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطاني عندي, فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خذ منها, فأخذ منها, وجلست في أهلها".

ثم قال الشافعي - رحمه الله -: "ولم يقل لا يأخذ منها إلا في قبل عدتها, كما أمر المطلق غيره". ومراده بهذا: الفرق بين حديثين, أحدهما: هذا, والثاني: حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: "أنه طلق امرأته في الحيض, فجاء عمر رضي الله عنه - فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: مره فليراجعها, ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر, ثم إن شاء طلقها بعد, وإن شاء أمسكها, فتلك العدة التي أمر الله - تعالى - أن تطلق لها النساء, ففي هذا الحديث أمر بتأخير الطلاق الثاني إلى الطهر, ولم يأمر في الحديث الأول بتأخير الخلع إلى الطهر, وهذا هو المذهب, ولا يعرف فيه خلاف, وهو: أن الخلع

مباح في الحيض,] والطلاق من غير خلع غير مباح في الحيض [. والفرق بينهما: أن الرجل إذا أراد ابتداء الطلاق من غير مفاداة فالمرأة غير راضية بطول العدة, وما وطنت نفسها على ذلك, فإذا طلقها في الحيض لم يحتسب في حساب عدتها بقية الحيض, بل تحتسب أول عدتها من أول الطهر القابل, في ذلك تطويل العدة عليها؛ فلذلك سميناه طلاق بدعة, وأما المختلعة, فقد وطنت نفسها على التزام الضرر ورضيت به. ألا ترى كيف رضيت ببذلك المال لأجل الاختلاع, وزيادة أيام في العدة أهو من بذل المال على الخلع؛ فلذلك حكمنا بأن الخلع في الحيض, وفي الطهر سواء. وإذا تقرر هذا الفرق قلنا في الطهر المشتمل على الإصابة بالفرق, كما قلنا في الحيض بالفرق, فإذا أصاب الرجل امرأة في طهر, ثم طلقها فيه من غير خلع كان الطلاق طلاق بدعة؛ لاحتمال اشتمال الرحم على الولد لخوف الندامة العظمى, ولو

مسألة (504)

خالع في مثل هذا الطهر لم يكن بدعة؛ لم ذكرناه: من أنها قد وطنا أنفسهما على أنواع الضرر بسبب الشقاق الظاهر بينهما. ولمثل هذه النكتة فصلنا بين طلاق الحايل والحامل, فلم نجعل طلاق الحامل بدعة؛ لأنهما راضيان بما يلحق من ندامة على الولد, والطلاق يحصل على بصيرة, فإذا كانت حائلًا أصابها في الطهر, ثم طلقها لم نأمن أن تكون حبلى, وأن يلحقه الندامة بالطلاق. مسألة (504): إذا خالع الرجل امرأته على دينار وتشارطا أنها متى شاءت استرجاع الدينار رده عليها على أن يكون له/ (228/ ب) الرجعة إذا ردت الدينار, فالخلع فاسد, والفرقة واقعة, وله عليها مهر المثل, ولو شرط فقال: خالعتك بدينار على أن لي الرجعة, فاختلعت على ذلك, فله الرجعة, ولا يلزمها الدينار.

مسألة (505)

والفرق بين المسألتين: أنه في المسألة الأولى راض في أصل الخلع بقطع الرجعة غير أنه اشترطها في الثاني إن رغبت في استرجاع الدينار, فانقطعت الرجعة في الحال, وبطل الشرط في الثاني, وفسدت التسمية, ووجب مهر المثل. فأما في المسألة الثانية فإنه في أصل الخلع يشترط استبقاء الرجعة مع اللفظ, وما رضي بقطعها وانقطاعها قط, واشترط عليها المال مع الرجعة, واجتماعهما محال, فلا بد من تغليب أحدهما على الثاني, وأقواهما: أولاهما بالبقاء والاستبقاء, والرجعة هي الأقوى, والدليل على أنها أقوى من المال: أن الرجعة تثبت بمجرد الطلاق, وأن المال لا يثبت إلا بالشرط, وأن الرجعة مستفادة بالنكاح, والمال إنما يستفاد بالطلاق. مسألة (505): إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق على ألف, فقالت: قبلت الطلاق ولم أقبل الألف فالطلاق غير واقع. ولو كانت المرأة محجورًا عليها فقال لها: أنت طالق على ألف, فقالت:

قبلت الطلاق والألف لم يلزمها الألف ووقع الطلاق, نص عليه الشافعي رحمه الله. والفرق بين المسألتين: أنها إذا قالت: قبلت الطلاق ولم أقبل الألف لم يؤخذ من جانبها الوصف الذي يعلق الطلاق به, وهو: قبول المال, ومعقول أن الخلع عن جانب الزوج ينتمي إلى أصلين: أحدهما: التعليق, والثاني: المعاوضة, وهو من جانب المرأة معاوضة محضة, فإذا كان من ضرورة الخلع تعليق الطلاق] بالوصف من جانب الزوج - وقد علق طلاقها بقبول المال - فإذا لم تقبل لم يوجد الوصف وإذا لم يوجد الوصف لم يقع الطلاق [. فأما إذا كانت محجورًا عليها, فقبلت المال والطلاق فقد وجد الوصف من جهتها وهو: قبول المال, فأما صحة القبول ولزوم المال فهو وصف آخر, والطلاق غير معلق به فلا يتوقف وقوعه عليه.

مسألة (506)

مسألة (506): قال الشافعي - رحمه الله -: "إذا بقي للرجل على امرأته تطليقتان, فقالت: طلقني ثلاثًا بألف, فطلقها واحدة, استحق ثلث الألف, فإن طلقها طلقتين استحق/ (229/ أ) عليها جميع الألف". والفرق بين الحالتين: أنه إذا طلقها واحدة من الاثنتين فقد أعطاها من العدد المقصود ثلثه, ولم يحرمها الحرمة الكبرى, فاستحق عليها من المال المضمون ثلثه؛ لأنه مقدار مقابل المقدار, فأما إذا طلقها اثنتين, فقد أوقع عليها جميع ما ملك, وذلك غاية مقصودها, والزوج لا يملك غير هذه الغاية؛ فلذلك استحق عليها جميع الألف بإيقاع الطلقتين وثلث الألف بإيقاع الواحدة,] ولو لم يبق له عليها من الطلاق إلا واحدة [, فقالت: طلقني ثلاثًا بألف, فأرسل الواحدة الباقية استحق عليها جميع الألف.

مسألة (507)

وعلى هذا فرع بعض مشايخنا فقال: لو سألت عشر تطليقات بألف, فطلقها طلقة استحق عليها عشر الألف, ولو طلقها طلقتين استحق الخمس, ولو طلقها ثلاثًا استحق الألف بكمالها. مسألة (507): إذا بدأ الزوج فقال: أنت طالق ثلاثًا بألف, فقالت: قبلت واحدة بثلث الألف, فلا طلاق, وإن قالت: قبلت واحدة] بجميع الألف وقع الثلاث, ووجب جميع الألف. الفرق بينهما: أنها إذا قال: قبلت واحدة [بثلث الألف, فقد امتنعت عن قبول جميع المال, ووقوع الطلاق معلق بقبول جميعه, فلا بد من وجود الوصف, لإمكان إيقاع الطلاق, فإن الخلع من جانبه - على ما وصفنا - تعليق ومعاوضة, فأما إذا قالت: قبلت واحدة بجميع الألف, فقد صار الوصف موجودًا؛ لأن الوصف قبولها جميع المال, فأما إيقاع الطلاق, فليس إليها,

مسألة (508)

وكذلك ليس إليها الاختيار في العدد, فمتى ما قبلت واحدة بجميع الألف وقعت الثلاث معًا, ولم يتقدم بعضها على بعض, ولو تقدمت واحدة بالوقوع لاستحال وقوع الثانية, فالثالثة؛ لأن المختلعة لا يلحقها الطلاق, ويستحيل الترتيب في الوقوع واللفظ لفظ الجمع. مسألة (508): إذا قال لها: إن أعطيتني ألف درهم فأنت طالق - ودراهم البلد فتحية وهي: التي أكثرها فضة ويخالطها من الغش مقدار درهم وزيادة - فجاءت بدراهم كلها نقرة خالصة ردية إذا كانت النقرة, أو جيدة فأعطتها إياه, وقع الطلاق, ولزمه رد تلك الدراهم عليها, ولزمها ألف درهم فتحية, وهي نقد البلد, فصرفنا وقوع الطلاق إلى ما أعطت, وصرفنا الاستحقاق إلى غير ما أعطيت. ك وإنما فعلنا ذلك؛ لأنها أصلان مفترقان متباينان, أحدهما: التعليق, والثاني: المعاوضة, فمن حق التعليق أن لا يقع / (229/ب) الطلاق إلا بحقيقة الوصف, وحقيقة الوصف ها هنا في حقيقة الاسم, وحقيقة الاسم: الدراهم التي تكون نقرة خالصة لا يشوبها شيء, فأما المغشوشة فلا تنطلق عليها حقيقة اسم

الدراهم؛ فلذلك لا يقع الطلاق بإعطائها إياها وإن كانت هي نقد البلد,] ووقع الطلاق بإعطاء غيرها, وإن لم تكن نقد البلد [. ] وأما الأصل الثاني: وهو المعاوضة, فإنها تنصرف إلى نقد البلد [المعتاد في المعاوضات, وهي الدراهم الفتحية؛ فلذلك استحق عليها ألفًا فتحية, ولزمه أن يرد عليها ما أخذ منها. فإن قيل: أليس إذا قال لها: إن أعطيتني عبدًا فأنت طالق, فأعطته عبدًا وقع الطلاق, ولزمه رد العبد, ولما لزمه رد العبد رجعنا إلى مهر المثل لا إلى المسمى, ولا إلى قيمة المسمى, فهلا قلتم في هذه المسألة بإيجاب مهر المثل لما لزمه رد ما وقع الطلاق بإعطائه؟ قلنا: الفرق بينهما: أنه إذا قال: إن أعطيتني عبدًا فأنت طالق: فالمسمى مجهول, وبهذا اللفظ لا يتصور استحقاق العبد في المعاوضات, فألزمناه - بسبب الجهالة - الرجوع إلى مهر المثل, فأما المسألة الأخرى التي نحن فيها, فالمسمى فيها معلوم وهو: ألف درهم, وإطلاق النقد ليس بجهالة إذا كان في البلد نقد واحد,

مسألة (509)

حتى إذا كان في البلد نقود مختلفة كانت المسألتان سواء في الرجوع إلى مهر المثل. مسألة (509): إذا اختلف الزوجان في بدل الخلع, فقال الزوج: خالعتك على ألف درهم قد ضمنتيها لي, وقالت المرأة: بل على سبعمائة ضمنتها] لك: تحالفا, والفرقة واقعة. ولو قال الزوج: خالعتك على ألف ضمنتيها [لي, فقالت: ضمنها لك فلان نظر, فإن قالت هذا القول على معنى أن المخالعة جرت بينك وبين فلان فلا تحالف بينهما, والقول قول المرأة مع يمينها أني ما اختلعت منك, وإن تصادقا على أن لفظ الخلع جرى بينهما ولكن ادعت المرأة أني قلت لك: اختلعت على ألف درهم ضمنها فلان, وكان فلان وكلني وأمرني بهذه العبارة, فقال الزوج: بل اختلعت بعبارة مطلقة والتزمت المال تحالفا في ظاهر نص الشافعي - رحمه الله - حيث قال: "فإن قالت: علي ألف درهم ضمنها لك غيري, أو قالت: علي ألف فلس, فأنكر: وكان له عليها مهر المثل".

مسألة (510)

والفرق بين هاتين الصورتين: أنها إذا جحدت أصل العبارة فقالت/ (230/ أ): ما خالعتني وإنما خالعت فلانًا, فهي غير معترفة بأن عقد الخلع جرى بينهما, ولكن إذا ادعى الزوج على المرأة أنها عاقدته عقدًا والمرأة جاحدة فالقول قولها؛ لأن كل من ادعى عليه عقد من العقود وهو جاحد فالقول قوله إنه لم يعقد ذلك العقد, فأما الصورة الثانية: فهما معترفان بأن العقد قد جرى بينهما, ولكنها مختلفان في لفظ من ألفاظ العقد, ووصف من أوصافه, فالزوج يقول: كان اللفظ مطلقًا فتوجه المال عليك بإطلاق اللفظ, والمرأة تقول: ما أطلقت اللفظ, ولكن أضفت إلى غيري على جهة النيابة, لا على جهة المباشرة, فصارا كالمختلفين في بعض أوصاف البيع, إما في إثبات الخيار ونفيه, وإما في مقدار الثمن, وإما في مقدار الأجل, فحكمها بالتحالف في جميع هذه الصور. مسألة (510): السفيه المحجور عليه إذا خالع زوجته على ألف ومهر مثلها ألفان صحت المخالعة على ألف. ولو كانت المرأة سفيهة محجورًا عليها فاختلعت بألفين ومهر مثلها ألف

أوجبنا مهر المثل, ولم نزد عليه. وإنما فصلنا بينهما؛ لأن السفيه لو أراد الطلاق مع الحجر - على غير عوض - كان له ذلك وكان طلاقه واقعًا؛ لأنه بمعزل عن الحجر وعن ولاية الحجر, فإذا أخذ عوضًا - وإن كان قليلًا - كان أولى بالجواز, وهذا معنى قول الشافعي - رحمه الله -: "وإذا أجزت طلاق السفيه بلا شيء كان ما أخذ عليه جعلًا أولى". فأما السفيهة فإنها باذلة مالًا بالاختلاع, وبذل المال بالعقود وغير العقود مما دخل تحت سلطان الحجر, فإذا زادت على مهر المثل كانت كما لو اشترت سلعة بأكثر من قيمة مثلها, فلا يصح شراؤها بجميع الثمن وإنما يصح شراؤها بثمن المثل مع الإذن.

[فإن قيل: إنها إذا اختلعت بمقدار مهر المثل في حالة الحجر مع الإذن [فقد بذلك مالًا وما قبضت مالًا, فالقياس يقتضي أن لا يجوز أصل خلعها وإن لم يزد على مهر مثلها. قلنا: إنها بالخلع تملك بعضها ويزول ملك الزوج عنها فجرى ذلك مجرى تملك المال في مقابلة المال. ألا ترى أن الرجل إذا نكح في مرض موته بمهر المثل جعلناه, كمبتاع سلعة بقيمة المثل, ونزلنا البضع الذي تملكه بمنزله مال تموله, ولم نجعله في بذل المهر بمنزلة المتبرع الموصي, أو الواهب هبة الثواب, فكذلك الزوجة ملكت البضع بالخلع فجعلناها, كالمالكة المال, والله أعلم.

كتاب الطلاق

كتاب الطلاق مسألة (511): قال الشافعي - رحمه الله -: "إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثًا للسنة في كل قرء واحدة وكانت طاهرًا حبلى وقعت في الحال طلقة واحدة, ولم تقع الثنتان - إن كانت تحيض على الحبل أو لا تحيض - حتى تلد, ثم تطهر, وإن لم يحدث لها رجعة حتى تلد بانت بانقضاء العدة, ولم يقع عليها غير الأولى"، هذا كلامه في الحبلى, ولو قال هذه المقالة لغير الحبلى وقع عليها ثلاث تطليقات في ثلاثة أقراء, فلم يعتبر الشافعي - رحمه الله - أقراء الحامل في حكم إيقاع الطلقات, واعتبرها في حكم الصلاة والصوم ومباشرة الزوج - على أحد القولين -

فحرم مباشرة الحائض وأسقط الصلاة عنها في أيام الدم. والفرق بين حكم إيقاع الطلاق وبين حكم العبادة والمباشرة: أن العبادات مؤقتة بزمان مخصوص, وكذلك تركها وسقوطها من المعاني المؤقتة بزمان مخصوص, فإذا حاضت فقد دخل عليها وقت إسقاط الصلاة وترك الصيام وتحريم المقاربة إلى أن تطهر, فإذا طهرت دخل عليها - بالطهر - وقت وجوب الصلاة وصحة الصيام وهي ما دامت في الحيض كان حالها منافيًا لحالة الطهارة, والطهارة شرط في صحة الصلاة. فأما توزيع الطلقات على الأقراء - عند إطلاق اللفظ - فإنما يستقيم ذلك في الأقراء المطلقة, والأقراء المطلقة هي: أقراء الحايل لا أقراء الحامل, والدليل على هذا أن الله عز وجل قال: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ

مسألة (512)

قُرُوَءٍ} فلم تنصرف هذه القروء المطلقة إلى قروء الحامل] وهي قروء العدة, وكذلك قروء العدة للطلاق؛ ولإيقاعه لا تنصرف إلى قروء الحامل [إلا أن ينوي, فإذا نوى بذلك غير ما يقتضيه اللفظ المطلق غيرنا الحكم حينئذ بسبب النية الموجودة. مسألة (512): إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق ثلاثًا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة, فقد قال الشافعي - رحمه الله: "وقع عليها اثنتان في أي الحالتين كانت يعني: حالة السنة, أو حالة البدعة والأخرى إذا صارت في الحال الأخرى"، فجعل البعض في هذه المسألة لفظًا في إيقاع الثنتين, وقد قال الشافعي - رحمه الله -: "لو قال لأربع نسوة: أوقعت/ (231/ أ) بينكن تطليقة كانت كل واحدة منهن طالقًا واحدة, وكذلك

طلقتين وثلاثًا وأربعًا. يعني: لو قال أوقعت بينكن ثلاثًا, أو قال: أوقعت بينكن أربعًا - وليست له نية في الكيفية - لم تطلق كل واحدة منهن إلا طلقة واحدة فكأنه في الظاهر أخذ في المسألة الأولى بأكثر ما يحتمله اللفظ؛ لأن البعض يصلح للواحدة ولما دون الواحدة, ولم يأخذ في المسألة الثانية بالأكثر, لأن قوله: أوقعت بينكن ثلاثًا يحتمل إيقاع ثلاث على كل واحدة منهن بأن يوقع من كل طلقة بعضًا على كل واحدة؛ ولهذا الإشكال اختار المزني في المسألة الأولى إيقاع واحدة في الحال الأولى أخذا بالأقل ومصيرًا إليه. والفرق بين المسألتين: أن الشافعي - رحمه الله - في المسألة الأولى استعمل لفظًا يقتضي ظاهرة تسوية وتنصيفًا وهو: لفظ البعض, فإن الرجل إذا قال بعض هذا المال لفلان وبعضه لفلان كان الظاهر من هذه العبارة أن فلانًا وفلانًا سواء في المال, وما منزلته إلا منزلة لفظ الشرطة, ولو أن رجلًا اشترى

عبدًا بألف وقال له رجل عالم بمقدار الثمن: أشركني في بيع هذا العبد, فقال: أشركتك حكمنا بالتنصيف, وجعلنا نصفه مبيعًا منه بخمسمائة, وما صرح بلفظ التنصيف, ولكن تلفظ بلفظة ظاهرها التنصيف, فجرينا على ظاهرها/ (231/ ب) ,] وكذلك إذا قال: أنت طالق ثلاثًا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة, فالظاهر [من هذا اللفظ إيقاع النصف في حالة والنصف في الحالة الأخرى, ونصف الثلاثة طلقة ونصف, والنصف يصير طلقة كاملة, فأوقعنا في الحال طلقتين وأخرنا الثالثة إلى الحالة الأخرى. فأما في المسألة الثانية, فليس في عبارتها لفظ ظاهر يدل على إيقاع جزء من كل طلقة على كل واحدة, فإنه قال: أوقعت بينكن ثلاث تطليقات, أو أربع تطليقات, والظاهر من قوله: أوقعت بينكن: أنه سوى بين النساء في مقدار ما يوقع على كل واحدة منهن, فقسمنا عليهن ثلاث تطليقات فخص كل واحدة منهن ثلاثة أرباع طلقة من الثلاث, وطلقة كاملة من الأربع, إلا أن يقول: نويت قسمة كل طلقة على جميعهن فنأخذ حينئذ بنيته ونوقع بلفظ الثلاث ثلاث تطليقات على كل واحدة منهن. فإن قال قائل: أرأيت لو قال قائل: هذا المال بين فلان وفلان - والمال دنانير معدودة, أو ثياب, أو ما أشبههما - أليس مقتضى هذا اللفظ الشيوع في

مسألة (513)

الاستحقاق بظاهره حتى يكون لكل واحد منهما في كل دينار نصفه ما لم يتقاسما؟ قلنا: هذا اللفظ بظاهره لا يقتضي نهاية الشيوع, بل يجوز أن يقال: هذه الدار بين زيد وعمرو, على معنى أن أحد النصفين بعينه لزيد والنصف الثاني لعمرو, كما يجوز أن يطلق على الشيوع؟ مسألة (513): إذا قال لها: أنت طالق؛ لدخول الدار وقع الطلاق في الحال دخلتها أو لم تدخلها. ولو قال: أنت طالق إن دخلت الدار توقف الوقوع على الدخول. والفرق بينهما: أنه إذا قال: أنت طالق؛ لدخول الدار فقد علل الطلاق المنجز, وإذا قال: أنت طالق إن دخلت الدار فقد علق الطلاق, والتعليق خلاف التعليل, وليس من شرط التعليل أن يكون صادقًا فيه, فإنه لو قال: طلقتك ثلاثًا؛ لأنك قد كلمت فلانًا طلقت ثلاثًا, وإن ثبت أنها لم تكلم فلانًا, وإذا علق بالوصف اقتضى التعليق وجود الوصف, وقد قال الشافعي - رحمه الله -: "لو قال: أنت طالق لفلان, أو لرضا فلان طلقت مكانه"، ولم يشتغل باعتبار

مسألة (514)

وجود رضى فلان؛ ولذلك قلنا: إذا قال: أنت طالق إن دخلت الدار بفتح الألف طلقت في الحال دخلت أو لم تدخل, وإذا كسر الألف لم يقع الطلاق إلا بالدخول. وحكي أن أبا يوسف قال للخليل/ (232/ ب) بن أحمد, ضيعت أيامك في الأدب, فسكت الخليل حتى جرى في المجلس بعد فروع الطلاق فألقى الخليل عليه, فقال: ما تقول: في رجل قال لامرأته: أنت طالق إن دخلت الدار بالفتح, أو قال: إن دخلت الدار بالكسر, فقال: لا فرق بينهما, فقال: أيها القاضي: ضيعت أيامك. مسألة (514): إذا قال الرجل إن قتل زيد عمرًا في المسجد فأنت طالق, فرمى زيد من المسجد سهمًا فأصاب عمرًا - وعمرو خارج المسجد - فقتله لم يقع الطلاق.

مسألة (515)

ولو قال: إن قذف زيد عمرًا في المسجد فأنت طالق, فقذفه والقاذف في المسجد والمقذوف خارج المسجد - حكم بوقوع الطلاق. والفرق بينهما: مراعاة وقوع الإطلاق في عرف العبارتين, وذلك: أنك إذا أطلقت, فقلت: قتل فلان فلانًا في المسجد, فظاهر ما يفهم من هذا اللفظ أن المقتول كان في المسجد, فقتل فيه, ولم يعظم حرمة المسجد/ (223/ ب) في قتله, وليس المرد من إطلاق هذه العبارة أنه قتل في الشارع بفعل وجد في المسجد من القاتل, فاعتبرنا في القتل كون المقتول في المسجد, فما يعقل من ظاهر هذا اللفظ أن القاذف ترك تعظيم المسجد بذكر لفظ القذف فيه؛ فلذلك اعتبرنا في القذف خلاف ما اعتبرنا في القتل. مسألة (515): قال الشافعي - رضي الله عنه -: "لو قال لها إن لم تكوني حاملًا فأنت طالق وقف عنها حتى يمر عليها دلالة على البراءة من الحمل"، يعني: الحيض, فجعل الحيض في هذه المسألة دليلًا على عدم الحمل, وقطع القول به, وقد صرح في غير هذا الموضع بأن الحامل تحيض, وهو أشهر قوليه, ولم يجهل الحيض دلالة على براءة الرحم, وإذا عرفت

قاعدة المذهب في حيض الحامل عرفت طريقة المذهب في المسألتين, اعلم أن الشافعي - رحمة الله عليه - لا يدعي أن الحامل تحيض غالبًا, وإنما يدعي ذلك في الوجود نادرًا, فأما إذا صرنا إلى عادات النساء, فالغالب من عاداتهن: أن الحامل لا تحيض, بل إذا اشتمل الرحم على الولد استمسك فم الرحم وانسد, فلا يكاد يخرج الحيض إلا نادرًا, غير أن الموجود النادر في أحكام الأرحام محكوم به وله. ألا ترى أنا جعلنا أكثر الحيض: خمسة عشر يومًا, وأقل النفاس: لحظة, ووجود هذا من النوادر, وحكمه ثابت؛ فلذلك إذا وجدنا في آحاد النساء امرأة تحيض على الحبل, وتطهر, حيضًا مستقيمًا وطهرًا مستقيمًا علقنا على دمها حكم الحيض. فأما قول الرجل لامرأته: إن كنت حاملًا فأنت طالق, أو إن لم تكوني حاملًا, فالمنع من الوطء وإباحة الوطء في مثل هذه المنزلة لا يعلق بالنوادر, وإنما يعلق بالظاهر, والظاهر من الحيض أنه دليل على براءة الرحم؛ ولذلك قلنا: إذا اشترى جارية, أو سبى جارية, فحاضت وطهرت حل له وطؤها, وقد

مسألة (516)

يحتمل أن تكون حبلى, ولكن الحيض والحمل من النوادر, وفقد الحمل مع الحيض من الظاهر فأبحنا له الوطء على الظاهر. ثم اعلم: أن قول الشافعي - رحمه الله -: وقف عنها حتى تمر عليها دلالة البراءة وقف استحباب وندب, لا وقف حظر وتحريم؛ لأن الأصل أنها منكوحته, وأن الوطء حلال له, وقد شك في وقوع طلاقه, فلا يصير شكه في وقوع الطلاق سببًا لتحريم الوطء. مسألة (516): إذا وكل وكيلًا بالطلاق كان للوكيل أن يطلق متى شاء/ (223/ أ) , وإذا خير امرأته وملكها طلاقها ففارقت ذلك المجلس, ثم أوقعت الطلاق فالصحيح من المذهب أنه لا يقع.

والفرق بينهما: أنه إذا وكل وكيلًا, فقبل الوكالة فهذا عقد تعاقداه بينهما, وتم مقتضاه, فللوكيل أن يقوم بحق الوكالة متى شاء إذا لم يكن من الموكل تخصيص وقت وتعيين زمان, فأما إذا خيرها - والتخيير أحد طرفي العقد - فإنه تمليك, كالتمليك في البيوع, وسائر العقود, وعقد التمليك إذا وجد أحد طرفيه كان شرط طرفه الثاني أن يوجد في المجلس على القرب. والدليل على أنه تمليك: دليلان اثنان: أحدهما: أن الخاطب من الزوج في عرف المجاوزة يقتضي جوابًا, كما أن الإيجاب في البيع يقتضي استيجابًا, ثم عادة جواب الخطاب المقارنة, وأما التوكيل فلا يقتضي تنفيذًا عاجلًا لا محالة. والدليل الثاني: أن القائلين باشتراط القبول في الوكالة والقائلين بأنه غير مشروط متفقون على أن الرجل إذا قال لامرأته: ملكتك نفسك أو طلقي

مسألة (517)

نفسك فلا تحتاج إلى أن تقول: قبلت منك, ثم تشتغل بالطلاق, بل لها أن تجعل التطليق عين الجواب, فدل على أنه من باب الإيجاب والاستيجاب, لا من باب الوكالة. مسألة (517): إذا قال الرجل لامرأته ملكتك نفسك, أو قال: طلقي نفسك فلم تجبه حتى قال: رجعت عما قلت, أو قال: عزلتك, فالمذهب الصحيح أنها لا تنعزل, فإذا أوقعت الطلاق على القرب وقع الطلاق. ولو قال رجل لآخر: بعت منك عبدي هذا بألف فلم يقل اشتريت حتى قال: رجعت عما قلت بطل ما سبق من الإيجاب. فإن قال قائل: ألست جعلت التخيير وجواب المخيرة كالإيجاب والاستيجاب في العقود, فكيف فصلت بينهما في هذه المنزلة؟

قلنا: جعلنا التخيير والجواب كالإيجاب والاستيجاب, ولكن كان منتميًا إلى أصل آخر وهو: أصل التعليق, فإنا على هذا المذهب - الصحيح - نجعل لفظ التخيير في التقدير كقول الزوج لها: إن طلقت نفسك في المجلس على القرب فأنت طالق, وما كان أصله التعليق فالرجوع والندامة والعزل فيه محال. فأما قول القائل: بعت منك كذا وكذا فإنه مجرد إيجاب إذ لا مدخل للتعليق في مثل هذا العقد. فإن قال قائل: كيف جعلت التخيير منتميًا إلى التعليق وليس في صيغة العبارة تعليق؟ قلنا: الظاهر من هذه العبارة أن الزوج لما لم يرد أن يجعل طلاقها بمباشرته فوض الأمر إلى اختيارها لعلها تختار المقام, ولعلها تختار الفرق, فإن اختارت الفراق أوقعت الطلاق, وإن كانت غير مختارة للفراق لم توقع الطلاق, فصار اللفظ من هذا الوجه في تقدير التعليق, وإن كانت الصيغة صيغة التخيير في تحديد الملك ويجوز أن يأخذ لفظ التخيير حكم التعليق بالتقدير. ألا ترى ما قال بعض مشايخنا - دون بعضهم - فيمن قال: إحداكما طالق ثلاثًا من غير تعيين بالقلب: إنه إذا بين واحدة منهما حكمنا بوقوع الطلاق عند البيان, لا عند اللفظ, واللفظ لفظ تخيير في الصورة والصيغة, ولكن جعلناه

مسألة (518)

في التقدير كأنه قال: التي سأبينها محلًا للطلاق فهي طالق. مسألة (518): إذا قال الرجل لغير المدخول بها: إذا دخلت الدار فأنت طالق, ثم قال لها قبل دخول الدار: إذا دخلت الدار فأنت طالق طلقة مع الطلقة الأولى, فدخلت الدار طلقت طلقتين. ولو قال لها تنجيزًا: أنت طالق طلقة معها طلقة طلقت طلقة واحدة عند كثير من أصحابنا. والفرق بين المسألتين: أنه إذا قال لها تنجيزًا: أنت طالق طلقة معها طلقة, فمقدم لفظه بظاهرة اقتضى وقوع الطلاق, وهي غير مدخول بها, فسبقت البينونة إليها بأول اللفظة, فلم تبق محلًا للطلقة الثانية المذكورة بآخر اللفظة, فصار كما لو قال لها: أنت طالق أنت طالق, فلا يقع إلا الأولى. فأما إذا علق الطلاق بدخول الدار, ثم علق الطلقة الثانية بالوصف الأول صار ذلك الوصف الواحدة علة لوقوع الطلقتين جميعًا إذ لا فرق بين التعليق الأول

والتعليق الثاني, فإذا دخلت الدار لم تكن إحدى الطلقتين أولى بالوقوع من الطلقة الأخرى؛ فلذلك وقعتا معًا. فأما إذا قال: إذا دخلت الدار فأنت طالق وطالق, فدخلت الدار, فمن أصحابنا من أوقع ها هنا طلقة واحدة كقوله لها تنجيزًا: أنت طالق وطالق, ومن أصحابنا من علل بالعلة التي ذكرناها في الفرق فقال: إن الدخول علة في وقوع الطلقتين جميعًا, وليست إحداهما مترتبة على الأخرى على وجه التعاقب, فصار كما لو قال: إذا دخلت الدار فأنت طالق اثنتين, ولو قال ذلك طلقت طلقتين بالدخول, ولا خلاف فيه. ولا فرق عند جميع أصحابنا بين أن يقول: أنت طالق وطالق إن دخلت الدار,] وبين أن يقول: إن دخلت الدار [فأنت طالق وطالق, فمنهم من أوقع طلقتين في المسألتين, ومنهم من أوقع طلقة واحدة فيهما جميعًا, فأما إذا قال لها: أنت طالق واحدة قبلها واحدة, أو بعدها واحدة, أو قبل واحدة أو بعد واحدة فلا يقع

مسألة (519)

إلا واحدة, لأن هاتين العبارتين مستعملتان للترتيب, وإذا قال للمدخول بها هذه المقال أوقعنا عليها طلقتين, سواء قال: أنت طالق واحدة قبل واحدة, أو بعد واحدة, أو قال: قبلها واحدة, أو بعدها واحدة لأنها محل للطلاق على وجه الجمع, وعلى وجه الترتيب. مسألة (519): إذا قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثًا, ثم طلقها طلقة فبانت] منه, ثم دخلت الدار, ثم نكحها [فدخلت الدار لم يقع عليها طلاق بدخول الدار, فأما إذا لم تدخل الدار بين العقدين

ودخلت الدار في العقد الثاني وقع عليها بقية الطلاق على قول عود اليمين. والفرق بين المسألتين: أنها إذا دخلت الدار بين العقدين, فقد وجد الوصف, فانحلت اليمين, ولم يصادف محلًا صالحًا للوقوع, لأنها بائنة, فلما دخلت ثانية في العقد الثاني كانت اليمين غير باقية فلم يمكن إيقاع الطلاق لا بالدخول الأول, ولا بالدخول الثاني؛ فلذلك لم يقع طلاقها, فأما إذا لم تدخل الدار بين العقدين, ثم دخلت الدار في العقد الثاني, فاليمين باقية

مسألة (520)

غير منحلة, فإذا وجد وصفها - وهي محلًا للطلاق عند وجود الوصف - حكمنا بوقوع الطلاق. مسألة (520): إذا قال - لغير المدخول بها -: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق, إن حلفت بطلاقك فأنت طالق, إن حلفت بطلاقك فأنت طالق - ثلاث مرات - حكمنا بأنها قد بانت, فإن نكحها يومًا فقال لها - في النكاح الثاني -: إن دخلت الدار فأنت طالق وقعت عليها طلقة واحدة على قول عود اليمين, ومثله: لو قال: إن كلمتك فأنت طالق, إن كلمتك فأنت طالق, إن كلمتك فأنت طالق بانت في الحال, فإذا نكحها نكاحًا جديدًا فكلمها لم يقع عليه طلاق وإن قلنا: بعود اليمين. والفرق بين المسألتين: أنه إذا قال لها: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق فهذه يمين معقودة, فإذا قال لها مرة أخرى: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق كانت هذه يمينًا ثانية حنثت بها في اليمين الأولى, فانحلت الأولى بطلقة وانعقدت الثانية؛ لأنها كانت زوجته حين عقد الثانية, فلما قال لها مرة ثالثة: إن حلفت بطلاقك

مسألة (521)

فأنت طالق لم ينعقد بهذا اللفظين يمين؛ لأنها بائنة لا يتصور منه الحلف بطلاقها, فلم تنحل الثانية بالثالثة فبقيت الثانية/ (234/ ب) يمينًا معقودة, فلما نكحها فقال لها: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق كان هذا الكلام يمينًا حنث بها في الثانية السابقة الباقية فوقعت طلقة. فأما إذا قال لها: إن كلمتك فأنت طالق فهذه - أيضًا - يمين معقودة؛ لأنها صادفت النكاح فانحلت بها اليمين الأولى, فلما قال لها - بعد البينونة -: إن كلمتك فأنت طالق انحلت بها اليمين الثانية؛ لأنه قد كلمها, والأجنبية تكلمه وإن كان لا يحلف بطلاقها, ولم تصداف اليمين الثانية محل العمل فلغت, كما قلنا في دخول الدار في المسألة قبلها, فإذا نكحها وكلمها لم يقع بهذا الكلام شيء إذا لم تبق يمين معقودة حتى تنحل بالطلاق في هذا النكاح. مسألة (521): إذا قال لعبده: متى طلقت امرأتي تطليقًا, فأنت حر, ثم قال لامرأته: إذا دخلت الدار فأنت طالق, فدخلت الدار وقع الطلاق والعتاق, ولا يقع العتاق قبل دخولها الدار] وإن وجد لفظ التعليق. والفرق بين الحالتين: أنه حين علق طلاقها بدخول الدار [لم يتحقق له اسم التطليق لعدم الوقوع, ومن حقيقة التطليق وقوع يوجد مع الفعل الموجود

مسألة (522)

منها, فإذا دخلت الدار, فقد اجتمع الأمران وتحقق الوصفان, أحدهما: اللفظ السابق, وهو قوله لها: إذا دخلت الدار فأنت طالق, والثاني: دخولها ووقوع الطلاق بدخولها؛ فلذلك حكمنا بوقوع العتاق, وهذا العتاق لا يقع مع الطلاق ووقوعه, ولكن يسبق وقوع الطلاق, ثم يتعقبه وقوع العتاق, وإنما كان كذلك؛ لأنه علق العتق بوجود التطليق, ووجود التطليق إنما يحصل تمامه وكماله بالدخول ووقوع الطلاق, ثم إذا تم هذا الوصف - وهو وصف حصول الطلاق - ترتب العتق عليه على جهة التعاقب, لا على جهة المقارنة. مسألة (522): إذا بدأ الرجل, فقال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق, ثم قال لعبده: متى طلقتها فأنت حر, ثم دخلت المرأة الدار وقع الطلاق دون العتاق. ولو بدأ فقال لعبده: متى طلقتها فأنت حر ثم قال لزوجته: إن دخلت الدار فأنت طالق, فلا عتق الآن, فإذا دخلت الدار وقع الطلاق والعتاق جميعًا. والفرق بين المسألتين: أنه إذا بدأ بمخاطبتها, ثم خاطب العبد, ثم دخلت

مسألة (523)

الدار, فالتطليق بعد مخاطبة العبد غير موجود, وإنما وجد الدخول, والتطليق بالدخول, والوقوع لا يتم ولا يحصل بالتعليق, وإنما يحصل بالتعليق وبالدخول. فأما إذا بدأ, فخاطب العبد, ثم خاطب المرأة, ثم دخلت الدار فقد تحقق بعد مخاطبة العبد/ (235/ أ) التعليق والدخول جميعًا, فتحقق اسم التطليق بوجودهما؛ فلذلك أوقعنا العتاق وفصلنا بين المسألتين. مسألة (523): إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق, ثم قال لها بعد زمان طويل: أنت طالق, ثم قال: أردت باللفظ الثاني الطلاق الأول لم يقبل منه في الحكم. وبمثله لو قال لها: إذا دخلت الدار فأنت طالق, ثم قال] بعد زمان طويل: إذا دخلت الدار فأنت طالق, ثم قال بعد زمان طويل: إذا دخلت الدار فأنت طالق, ثم قال [: أردت باللفظ الثاني الطلاق الأول, ولم أرد به تطليقه

مسألة (524)

ثانية ففيها وجهان: أحدهما: أنه يقبل قوله ويحكم بوقوع طلقة واحدة إذا دخلت الدار, والثاني: أن التعليق في ذلك كالتنجيز. والفرق بين المسألتين: أنه إذا نجز فقال: أنت طالق فهذا الإيقاع عاجل ليس فيه تأخير وتأقيت, وإذا قال - مرة أخرى -: أنت طالق, كان مقتضى هذا اللفظ الثاني مثل مقتضى اللفظ الأول في إيقاع طلقة ثانية, فأما إذا علق طلاقها بدخول الدار, ثم أعاد التعليق بمثل ذلك اللفظ فالطلاق بالتعليق السابق غير واقع, ولا بالتعليق الثاني, وإنما يقع الطلاق بالدخول, وأسوأ حالته أن نجعله كرجل قال لامرأته: أنت طالق أنت طالق, موصولًا ولو قال ذلك موصولًا, ثم قال: أردت بالطلاق الثاني تحقيق الأول كان مقبولًا قولًا واحدًا, وإن قال: ما كانت لي نية فعلى قولين, أحد القولين: أنهما طلقتان. والثاني: أنهما طلقة واحدة؛ لأنها عادة التأكيد قصده, أو لم يقصده. فلما كان التعليق مفترقًا صار على وجهين, وأصحهما: أن قوله مقبول, وأنهما طلقة واحدة, كقوله: أنت طالق أنت طالق إذا قال: أردت التأكيد والتحقيق. مسألة (524): إذا قال الرجل لامرأته: إذا دخلت الدار فأنت طالق, ثم قال لعبده إذا طلقتهما فأنت حر, ثم قال لزوجته مرة ثانية: إذا دخلت الدار فأنت

طالق, وما أراد بذلك تأكيد الأول, ولكن أطلق اللفظ الثاني إطلاقًا, فدخلت الدار وقع العتق والطلاق جميعًا, وتقع عليها طلقتان. ولو أراد بإعادة الطلاق] تحقيق الأول, فدخلت الدار وقعت عليها طلقة واحدة ولم يعتق العبد. والفرق بين المسألتين: أنه إذا أعاد [مخاطبتها على الإطلاق كانت الإعادة مع الدخول تطليقًا مستأنفًا سوى التطليق السابق, وعتق العبد معلق بالتطليق, وقد تحقق وجوده, وإذا أعاد وأراد التأكيد والتحقيق لم تكن الإعادة مطلقًا تطليقًا مستأنفًا, ولكن كان مؤكدًا تطليقًا متقدمًا على تعليق العتق بالتطليق؛ فلذلك

مسألة (525)

فصلنا بين المسألتين. وهذا التفريغ كله فيمن علق العتق بالتطليق, فأما إذا علق/ (235/ ب) العتق بالطلاق, فوقوع الطلاق بدخول الدار طلاق يوجب إيقاع العتاق. مسألة (525): إذا قال لامرأته: يا زينب متى طلقت عمرة فأنت طالق, ثم] قال لعمرة: متى طلقت زينب فأنت طالق [، ثم قال: يا زينب أنت طالق وقع على عمرة طلقة, وعلى زينب طلقتان. ولو أنه بعد الفراغ من التعليق بدأ بعمره للتنجيز فقال: يا عمرة أنت طالق لم يقع على كل واحدة منهما إلا طلقة واحدة, وهذه المسألة التي غلط فيها كثير من مشايخنا رحمهم الله. والفرق بين المسألتين: أنه لما بدأ, فعلق طلاق زينب بتطليق عمرة, ثم علق طلاق عمرة بتطليق زينب, ثم طلق زينب تنجيزًا وقعت هذه المنجزة على زينب ووقع عليها ثانية بقوله] السابق لها: متى طلقت عمرة فأنت طالق, وقد طلق عمرة بقوله [لزينب: أنت طالق؛ لأنه وجد وصف يمينه الثانية وهي

قوله لعمرة: متى طلقت زينب فأنت طالق, ولم يقع على عمرة سوى طلقة واحدة بحنثه في قوله لها: متى طلقت زينب فأنت طالق؛ فلذلك وقعت على زينب طلقتان. فأما إذا فرغ من التعليقين على الترتيب الذي رتبناه, ثم بدأ بعمرة في التنجيز فقال لها: أنت طالق لم يقع على كل واحدة منهما إلا طلقة واحدة؛ لأنه كان علق تطليق زينب بتطليق عمرة, وهذا التنجيز تطليق عمرة, وكان علق طلاق عمرة بتطليق زينب, وهو بعد ما علق طلاق عمرة بتطليق زينب, فما طلق زينب, وإنما وقع الطلاق عليهما, ووقوع الطلاق غير التطليق. ألا ترى ما ذكرنا: من أن الرجل إذا سبق منه تعليق طلاق امرأته بدخول الدار, ثم علق عتق عبده بالتطليق, ثم دخلت الدار لم يقع العتاق؛ لأن وقوع الطلاق غير التطليق, ولو سبق تعليق العتق بالتطليق, ثم علق طلاقها بالدخول, ثم دخلت الدار وقع العتق.

مسألة (526)

مسألة (526): إذا قال لها: إذا حضت فأنت طالق, فجاءت بعد زمان وأخبرت عن حيضها فقال: كذبت, وقع الطلاق, ولو قال لها: إذا حضت فعبدي حر, فقال: حضت, فقال: كذبت فالعتق غير واقع, فإن ادعى العبد عليه, فالقول قوله مع يمينه. والفرق بينهما: أن وقوع طلاقها بحيضها حكم بينهما لا يعدوهما, وهي مؤتمنة فيما يخفي من أوصاف الرحم؛ لأن الله تعالى جعلهن مؤتمنات في ذلك وحرجهن بالكتمان, حيث قال سبحانه: (وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ). فأما عتق مملوكه بوجود حيضها, فذلك حكم يعدوهما, وهي غير مقبولة القول عليه في عتق مملوكة بوجود حيضها, وإن كانت مقبولة القول في طلاقها ووقوعه. وكذلك الطلاق في امرأة أخرى إذا كان معلقًا بحيض هذه فقولها غير

مسألة (527)

مقبول في طلاقها؛ ولذلك قال بعض مشايخنا/ (236/ أ): إذا قال لهما إن حضتما فأنتما طالقان, فقالتا: حضنا, فصدق إحداهما وكذب الأخرى طلقت المكذبة, ولم تطلق المصدقة؛ لأن المكذبة في طلاق نفسها مصدقة, والزوج قد صدق الأخرى, فاجتمع في حق المكذبة صدق المرأتين بعلمهن. وأما المصدقة فوقوع طلاقها يتعلق بالحيضين, والزوج قد كذب الأخرى, وقول المكذبة غير مقبول على الزوج في حق الضرة, فلم يجتمع في طلاق المصدقة صدق المرأتين, وإنما حصل صدق إحداهما. ولو كن ثلاثًا فقال لهن: إذا حضتن فأنتن طوالق, فقلن: قد حضن, فإن صدق اثنتين وكذب الثالثة طلقت المكذبة دون المصدقتين, وإن كذب اثنتين وصدق الثالثة لم يطلق منهن واحدة لما ذكرنا من التعليل. مسألة (527): إذا قال لها: إذا شئت فأنت طالق, فقالت: شئت وهي بالقلب

كارهة وقع الطلاق ظاهرًا وباطنًا, ولو قال لها: إذا ولدت فأنت طالق, فقالت: ولدت, وهي كاذبة, وقع الطلاق ظاهرًا, ولم يقع باطنًا. والفرق بين المسألتين: أنه إذا قال لها: إذا شئت فأنت طالق فمقتضى هذا التعليل أن يكون الطلاق معلقًا بعبارة المشيئة دون الضمير, فإذا عبرت بهذه العبارة وجد الوصف حقيقة فوقع الطلاق ظاهرًا وباطنًا, اللهم إلا أن يقول: إذا شئت بقلبك, فأما إذا علق وقوع الطلاق بالولادة فحقيقة الوصف وجود الولادة,] فكذلك إذا علق بالحيض, فمتى ما علمنا أن الولادة [لم توجد وأنها كاذبة بأن لنا أن الوصف في الباطن غير موجود فلا يقع الطلاق باطنًا, ولكن لما وجب تعليق الحكم بقولها في الظاهر أوقعنا الطلاق ظاهرًا. وعلى هذا الأصل قلنا: إذا قال لامرأته المراهقة: إن شئت فأنت طالق, فقالت: شئت حكمنا بوقوع الطلاق, ولو قال لها: إن بعت أو اشتريت فأنت

مسألة (528)

طالق، فباعت أو اشترت لم نحكم بوقوع الطلاق. والفرق بينهما: أن بيعها وشراءها باطل، وعبارة المشيئة عبارة موجودة صحيحة، ومنتهي الوصف الذي علق الطلاق به وجود عبارتها. مسألة (528): إذا قال لها: أنت طالق ثلاثاً ورابعة وخامسة إلا واحدة طلقت ثلاثاً، ولو قال لها: أنت طالق خمساً إلا اثنين طلقت واحدة على أحد الوجهين.

والفرق بين المسألتين: أنه إذا قال لها: أنت طالق ثلاثاً ورابعة وخامسة إلا واحدة وواحدة رجع استثناؤه إلى المتفرقتين في العبارة بعد الثلاث، ولغي ذلك الاستثناء من/ (236/ ب) الآحاد المتفرقة، إذ لم يختلف أصحابنا أن الرجل إذا قال: أنت طالق واحدة وواحدة إلا واحدة أنها تطلق ثلاثاً، فصار تقدير هذه المسألة على الحقيقة كأنه قال: أنت طالق خمساً ولم يستثن شيئاً فلا بد من إيقاع الثلاث. فأما إذا قال لها: أنت طالق خمساً إلا اثنتين فقد ذكر العدد الواقع جملة ورجع الاستثناء إلى الجملة، ولما استثني سنتين-والاستثناء للاستيفاء- عرفنا أنه قصد إيقاع ما بقي بعد استثناء من العدد المملوك بالنكاح، وأنه قد جعل الخمس عبارة عن الثلاث بعد الاستثناء، فصار في التقدير كأنه قال: أنت طالق ثلاثاً إلا اثنتين.

مسألة (529)

ومن أصحابنا من يقول في المسألة الثانية: بالوجه الثاني وهو: إيقاع الثلاث؛ لأنه إذا استثني من الخمس طلقتين فقد أبقي ثلاثاً، وهذا أضعف الوجهين. والأصح: هو الأول، فعلى الأول إذا قال: أنت طالق عشراً إلا واحدة طلقت سنتين، وعلى هذا الباب قياسه. مسألة (529): إذا قال الرجل لامرأته: إذا دخلت الدار طالقاً فأنت طالق لم تطلق بدخول الدار، إلا أن تدخلها طالقاً وهي مخول بها في العدة قبل انقضائها، ولو طلقها قبل الدخول وراجعها، ثم دخلت الدار وقعت عليها طلقة؛ لأن المراجعة موصوفة بأنها منكوحة، وبأنها طالق على معني نقصان العدد، ويحتمل أن لا يطلق عليها بعد الرجعة اسم الطلاق، وإن كان العدد بالطلاق السابق ناقصاً. ولو قال: إذا دخلت الدار فأنت طالق طلقاً، فدخلت الدار وقع الطلاق بالدخول وإن لم يتقدم طلاق. والفرق بينهما وبين المسألة الأولي: أنه إذا قال لها: إذا دخلت الدار طالقاً

فأنت طالق فقد وضع كلمة الحال موضعها، فاشترطنا في حال دخولها الوصف المشروط وهو أن تكون طالقاً، كما لو قال لها: إن دخلت الدار راكبة فأنت طالق، أو لابسة ثوب حرير فأنت طالق لم يقع الطلاق بمجرد الدخول حتى تكون عند الدخول بالحالة التي ذكرها في يمينه. فأما إذا قال: إذا دخلت الدار فأنت طالق طالقاً فكلمة الحال غير موضوعة موضعها، ولا تفيد معني الحال. فإن قال قائل: فكم تطلق في هذه المسألة إذا دخلت الدار؟ قلنا: تطلق واحدة إلا أن يقول: أردت بالكلمة الثانية ثانية، ولو قال: إذا دخلت الدار فأنت طالق طالق وهي مدخول بها، وقال: ما أردت شيئاً أوقعنا طلقتين في أحد القولين. والفرق بين المسألتين: أن قوله: فأنت/ (237 - أ) طالق طالق كلمتان كل واحد منهما تصلح لما تصلح له الأخرى من قصد الإيقاع، فأوقعنا طلقتين، لظاهر الكلمتين، وذلك وجه وأولى من قول من يحمل الثانية على التأكيد، فأما إذا قال: إذا دخلت الدار فأنت طالق طالقاً فليست الكلمة الثانية بظاهرتها صالحة للإيقاع كما كانت الأولي صالحة له.

مسألة (530)

ولو قال لها: إذا دخلت الدار فأنت طالق طلاقاً كان قوله طلاقاً مصدراً وتأكيداً ولم يكن طلاقاً مستأنفاً بظاهرة، فكذلك قوله: أنت طالق طالقاً كأنه نحا بكلامه هذا النحو إلا أنه غير مستقيم في الكلام؛ لأنه لم يجعله مصدراً، ولم يجعله حالاً على عادة الحال في الخطاب، ولا يصلح في الظاهر للإيقاع، والأصل بقاء العدد، وبقاء الملك، فلان وقع من الطلاق إلا ما وجدنا فيه يقيناً أو ظاهراً ينزل منزلة اليقين. مسألة (530): إذا قال الرجل: زينب طالق وعمرة طالق وسالم حر إن شاء الله، وجعل الاستثناء موصولاً، رجع الاستثناء إلى أول كلامه وآخر كلامه بجملته، ولم يقع عتقه ولا طلاقه على واحدة من الزوجتين. ولو قال لامرأته: أنت طالق وطالق، ثم طالق إلا واحدة فقد قال الشافعي: ((كان استثناؤه باطلاً؛ لأنه استثناء واحدة من واحدة))، فلم يجعل استثناؤه

راجعاً، [إلى جميع كلامه، ولو جعله راجعاً] إلى جميع كلامه لصححه وجعله كمن يقول: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة. والفرق بين المسألتين: أنه إذا قال: زينب طالق وعمرة طالق وسالم حر إن شاء الله، فكل طلاق ذكره إذا رددت إليه الاستثناء رفعه ومنع وقوعه، ويستقيم رد الاستثناء إلى كل جملة مذكورة من طلاق، أو عناق، فنزلناها منزلة الجملة الواحدة، وحكمنا برجوع الاستثناء إلى جميعها من غير تغيير كلام ولا تفريق مجموع ولا جمع مفرق. فأما إذا قال لامرأته: أنت طالق واحدة وواحدة إلا واحدة، أو قال: أنت طالق طالق، ثم طالق إلا واحدة، كما صور الشافعي -رحمه الله- فرد الاستثناء إلى كل واحدة على الانفراد إبطال للاستثناء، لأن الواحدة إذا استثنيت من الواحدة كانت كاستثناء العشرة من العشرة، ولا (237/ب) وجه لجمع كلامه المفرق طلباً لتصحيح/ الاستثناء، وإذا تركه على صفة التفريق، فلا بد من إبطال الاستثناء، فصار الفرق: فرق جمع على الوجه الذي أوضحناه.

مسألة (531)

ولهذه النكتة تقول: إن أصح المذهبين أن لا نجمع الكلام المفرق في الاستثناء، كما لا نجمعه في الإيقاع، وصورة الإيقاع ما صورنا من قوله: أنت طالق واحدة وواحدة إلا واحدة، أو يقول: أنت طالق سنتين وواحدة إلا واحدة، فتقع عليها الثلاث. وصورة الاستثناء المفرق: أن يقول أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة وواحدة فتوقع عليها واحدة، ولا يجمع المفرق، إذ لو جمعناه لصار في تقدير من يقول: أنت طالق ثلاثاً وثلاثاً، ولو قال ذلك لوقع الثلاث، بل القياس يقتضي أن ينزل المجموع مجموعاً والمفرق مفرقاً. مسألة (531): إذا ابتدأ الرجل الطلاق والاستثناء على باله فوصله آخر كلامه نفعه ظاهراً وباطناً.

ولو لم يخطر بباله الاستثناء بالكلام لم ينفعه في الباطن. والفرق بين المسألتين: أنه أنشأ الكلام على قصد الاستثناء استحال الإيقاع بأول الكلام وقصد الاستثناء مقرون بأوله، ونفس الاستثناء موصول بآخره. فأما إذا أنشأ الإيقاع وفرغ من اللفظ، ثم بدت له خطرة الاستثناء، فالإيقاع قد عمل عمل ونفذ موجبه بظاهر التنجيز السابق، فلا ينفعه الاستثناء، ولا يرتفع به موجب كلامه، وادعي بعض مشايخنا في هذه المسألة الإجماع في كتاب الإجماع.

مسألة (532)

مسألة (532): إذا قال لامرأته: أنت طالق واحدة ونوى ثلاثاً نظرنا، فإن جعل نية الثلاث ضمن قوله: [أنت طالق، أوقعناها، وإن جعلها ضمن قوله]: واحدة أوقعناها واحدة. والفرق بين المسألتين: أنه إذا قال هذه المقالة، وضمن أول كلامه نية الثلاث ثبتت الثلاث؛ لأنه قد وضع النية موضعها، وقرنها بالكلمة القابلة لها؛ لأن قوله: أنت طالق لفظ يحتمل الثلاث [بالنية. فأما الواحدة، فلا تحتمل الثلاث كما لا تحتمل الثلاث] الواحدة، والأعداد صائح في معدود. ولو قال لامرأته: أنت واحدة ونوي ثلاثاً وقع الثلاث. وقد قلنا: إنه إذا قال لها: أنت طالق واحدة ونوي بقوله: واحدة ثلاثاً لم تطلق إلا واحدة. والفرق بين المسألتين: أنه إذا قال لها: أنت واحدة بالرفع ونوى الثلاث،

مسألة (533)

فقوله/ (238/أ) واحدة مستعمل على معني: أنت بائنة مفردة عن الزوج، لا بمعني العدد، ولو قال لها: أنت بائنة ونوي ثلاثاً وقع الثلاث. فأما إذا قال لها: أنت طالق واحدة فلفظ الواحدة هاهنا بالنصب لا بمعني البائقة والمفردة، وإنما يصلح للعدد، وتضمين الواحدة عدد الثلاث من المحال في العدد، وهذا يوضح ما قدمناه من الفرق من قوله: إذا دخلت الدار فأنت طالق طالق، ومن قوله: إذا دخلت الدار فأنت طالق فتأمل. مسألة (533): إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً، فماتت بين قوله: طالق، وبين قوله ثلاثاً فالمذهب الصحيح أنا لا نوقع شيئاً من الطلاق، ومن أصحابنا من أوقع واحدة إلا أن يقول: نويت ثلاثاً مع قول: أنت طالق مقروناً، ثم فسر بالعبارة ما كان في الضمير، فتقع الثلاث. فأما إذا أطلق لفظه إطلاقاً ولم يكن له نية، فلا نوقع شيئاً.

مسألة (534)

وإنما فصلنا بين حالة الإطلاق وحالة وجود النية؛ لأنه إذا قرن نية الثلاث بقوله: أنت طالق، فكأنه جعلهما كلامين وإن كان في صورة الكلام الواحد، وكانت محلاً للطلاق عند فراغه من قوله: أنت طالق فوقع الثلاث فاستغنينا عن ذكر الثلاث عبارة. فأما إذا أطلق اللفظ إطلاقاً، فقد جعله كلاماً واحداً من أوله إلي آخره، وآخر الكلام يتوقف علي الأول والأول علي الأخر. ألا تري أنه لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق ثلاثاً وقع الثلاث، ولولا أن بعض الكلام موقوف علي بعض، لبانت بقوله: أنت طالق، ولما وقع عليها أكثر من واحدة، فبان بهذه المسألة إيقاع الطلاق إذا ماتت بين الكلمتين. مسألة (534): إذا قال لامرأته: يا زينب إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثاً وفاطمة مثلك، وأراد بالتشبيه وقوع الطلاق علي فاطمة بدخول زينب، فدخلت زينب وقع الطلاق عليهما جميعا. وإن قال: مرادي بالتمثيل والتشبيه: أن فاطمة إذا دخلت الدار، فهي طالق- أيضاً، ففاطمة لا تطلق بدخولها الدار ولا بدخول زينب.

مسألة (535)

الفرق بين المسألتين: أنه إذا ذكر فاطمة على معني تعليق طلاقها بدخول زينب، فاليمين يمين واحدة معقودة في زينب، وعلى تلك اليمين الواحدة طلاقان معلقان في امرأتين، وذلك مستقيم في الكلام، فكأنه قال: إذا دخلت الدار زينب فهي طالق، وفاطمة طالق/ (228/ب)، فتطلقان جميعاً بدخول زينب. فأما المسألة الثانية فقد قصد فيها عقد يمينين، أحدهما في زينب، والأخرى: في فاطمة على وجه التشريك في العبارة الواحدة بالتشبيه والتمثيل على لفظ الكناية، واليمين لا تنعقد بمثل ذلك، ولا شركة في الأيمان؛ ولذلك قال الشافعي: لو قال لإحدى امرأتيه: والله لا أجامعك، ثم قال للأخرى: أنت شريكتها، أة أنت مثلها لم يصر مولياً من الثانية، ولكنه مولى من الأولي. وليس كقوله لإحداهما: أنت طالق، ثم يقول لأخرى: أنت شريكتها- ونيته الطلاق- فتطلقا جميعاً؛ لأن ذلك تنجزي طلاق لا تشريك في اليمين. مسألة (535): إذا قال للحامل من زنا قد أصابها: أنت طالق للسنة طلقت إذا طهرت من النفاس، ولو كان الحمل من غير الزنا طلقت في الحال. والفرق بينهما: أن الحمل إذا لم يكن من الزنا لم يكن في طلاق الحامل سنة ولا

بدعة، فتنجز الطلاق، كما لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق للسنة أو للبدعة فيقع الطلاق عاجلاً. فأما إذا كان الحمل من الزنا، فوجود هذا الحمل، كعدمه. والصحيح: أن لا يفصل بين أن تحيض، أو لا تحيض، وبين أن نقول: تحيض الحامل، أو لا نقول: تحيض الحامل، فالجواب ما ذكرنا، ومنزلتها منزلة المرأة الحائل إذا أصابها زوجها طاهراً، ثم قال لها: أنت طالق للسنة، فلا يقع عليها الطلاق ما لم تطهر من الحيدة المستقبلة، فكذلك لا يقع الطلاق على الزانية ما لم تطهر من نفاسها. وقد قال الشافعي - رحمه الله-: ((لو قال للحامل: أنت طالق ثلاثاً للسنة في كل قرء واحدة لم يقع عليها في زمان الحمل -وإن طال- إلا واحدة، سواء كانت تحيض على الحبل، أو لا تحيض)). وقال مشايخنا: إذا لم نجعل للحمل من الزنا حكم الحمل وجب أن

مسألة (536)

نجعل أطهارها من الحيض أطهاراً مطلقة حتي نوقع الطلاق في هذه المسألة إذا طهرت من الحيض التي سيتعقبها طهر التعليق. مسألة (536): إذا قال: [ياهند، فقالت زينب لبيك، فقال: أنت طالق ثلاثاً، ثم قال]: خاطبت زينب ومرادي طلاق هند طلقتا جميعاً ثلاثاً. ولو قال: خاطبت هند وما خاطبت زينب طلقت هند ثلاثاً، وإن كانت غائبة، ولم تطلق زينب. والفرق في الحالتين: أنه إذا قال كان أول خطابي وآخره خطاباً لهند لم يوجد منه في طلاق زينب/ (239 - أ) لفظ ولا نية، وإنما تكلمت زينب بالجواب فقط ومخاطبة هند بالطلاق مع الغيبة مخاطبة صحيحة. ألا تري أن الرجل لو قال: يا زينب أنت طالق وهي نائمة، أو بعيدة لا تسمع

فالطلاق واقع، أما إذا قال: لما أجابتني زينب خاطبتها ومرادي: طلاق هند، فقد أقر بمخاطبة زينب، ولفظه بظاهرة صالح لهما فنزلت منزلة لفظتين، ولا نقول: طلقت هند بالنية، كما قال بعض أصحابنا؛ لأن الطلاق لا يقع بمجرد النية، ولكن نقول: وقع الطلاق عليهما جميعاً بالعبارة الصالحة لكل واحدة منهما.

كتاب الرجعة

كتاب الرجعة مسألة (537): إذا أصاب الرجعية في العدة عالماً بالتحريم، أو جاهلاً فلا حد عليه، ولا خلاف في ذلك، وعليه مهر نتلها سواء راجعها، أو لم يراجعها، سواء طاوعته على الإصابة، أو كانت غير مطاوعة، والوطء حرام بكل حال. وإذا أسلم أحد الزوجين بعد المسي حرم الوطء إذا كان ذلك الاختلاف مانعاً ابتداء النكاح، وحكم المهر موقوف، فإن جمعهما الإسلام في العدة، [فلا مهر عليه، وإن لم يجمعهما في العدة]، فعليه مهر المثل.

والفرق بينها وبين الرجعية: أن الإصابة إذا حصلت [في الرجعية لم نستبن بحصولها أن الحرمة لم تكن حاصلة]، بل نعلم يقيناً أن الحرمة كانت حاصلة على الحقيقة، وأن الطلاق كان واقعاً، وأن ذلك الطلاق الواقع لم يرتفع، ولكن الرجعة أفادت في الحال تحليلاً بما بقي له من عدد الطلاق، وشابهت عقد النكاح بعد انقضاء العدة في الحال. فأما إذا اجتمع الزوجان في العدة مسلمين، فلا نقول: كانت الحرمة حاصلة على الحقيقة، ولا نعبر بعبارة زوال الملك، [ولكن نقول: بأن لنا أن مسابق من الاختلاف لم يقدح في الملك]، ولم يؤثر في إزالته، وإن كان الوطء حراماً للحالة العارضة. ألا تري: أنها تحته بعد إسلامها على ثلاث تطليق كما كانت، وأنا لا نحتاج إلى تجديد عقد واستئناف استحلال؛ فلذلك فصلنا بين المسألتين.

مسألة (538)

مسألة (538): الطلاق الرجعي في تحريم الإصابة يجري مجرى المخالعة ولا يجري في الميراث والظهار، والإيلاء وبقاء سلطان الزوج مجرى المخالعة. وإنما فصلنا بين حكم الإصابة وبين سائر هذه الأحكام؛ لأن استحلال الإصابة موقوف أبداً على كمال الملك؛ لتغليظ أمر الأبضاع، فإذا اعترض على الملك ما/ (239/ب) يوقع خللاً وثلمة جرى ذلك مجرى زوال الملك في تحريم الوطء؛ ولذلك لا يحل إصابة الجارية المشتركة لما اجتمع فيها ما يوجب التحريم وما يوجب التحليل. وكذلك قال الشافعي - رحمه الله-: إذا أشكلت جهة الاستحلال لم تحل الإصابة، وهو كمال قال في كتاب الإقرار: ((ولو قال: بعتك جاريتي هذه

فأولدتها، فقال زوجتنيها وهي أمتك، فولدها حر والأمة أم ولد بإقرار السيد، وإنما ظلمه بالثمن، فيحلف ويبرأ، فإن مات، فميراثه لولده من الأمة وولاؤها موقوف)). فقال مشايخنا: لما جعلها في حكم أمهات الأولاد والرجل يدعي أنها زوجته، فقد حكم بتحريم الوطء. ألا تري: أنه قال -فيمن اشترى زوجته بشرط الخيار-: ((ليس له وطؤها ما دام زمان الخيار باقياً؛ لأنه لا يدري أيطأ زوجته، أو يطأ مملوكته)). فلما كان شأن الأبضاع في التغليظ على خلاف غيرها وقعت الحرمة لما وقعت الثلمة. وأما تصرفه فيها بالإيلاء، والظهار، والمراجعة، فذلك من ثمرات الملك، وقد بقي له عليها بقية الملك، فكان له التصرف فيها بتلك البقية. فإن قال قائل: فهلا قلتم على هذه الطريقة أن الطلقة الواحدة إذا تحقق

مسألة (539)

وقوعها حصلت الحرمة الكبرى [حتى لا تحل له إلا بعد الزواج قلنا: الحرمة الحرمة الكبرى] لا تقسط على الطلقات، إنما تحصل تعقيبها منسوبة إلى جميعها، كما يحصل السكر تعقيب جميع الأقداح منسوباً إلى جميعها، ويستحيل أن يتسقط السكر على الأقداح، وأن تبعض حكمه وحكم الإفاقة، فكذلك حكم الحرمة الكبرى، وليست الصغر من جنس الكبرى، وكيف تكون من جنسها والعقد حلال بالإجماع تعقيب الصغرى في غير المدخول بها، وفي المدخول بها بعد انقضاء عدتها، ولا يجوز العقد بعد الثلاث من غير زوج وإصابة زوج. مسألة (539): إذا قال الرجل لامرأته: طلقت إن شئت فقالت: شئت طلقت. ونص الشافعي -رحمه الله- على أنه لو قال لها: راجعتك إن شئت فقالت: شئت لم تكن رجعة، وكذلك لو قال: كلما طلقتك فقد راجعتك لم تكن رجعة، نص عليه. وإنما فصلنا بين عقد الطلاق وبين عقد الرجعة؛ لأن عقد الطلاق قابل للتعليق على جميع الحالات.

ألا ترى: أنه مع المعاوضة يقبل التعليق، بخلاف النكاح. فأما الرجعة فعقد استحلال مثل عقد النكاح من بعض الوجوه وإن خالفته من /بعض الوجوه، وهي بمعزل عن الغرر والخطر والتعليق. ثم قال الشافعي - رحمه الله- ولو قال: إذا كان أمس فقد راجعتك لم تكن رجعة، ولو قال لها: قد راجعتك أمس أو يوم كذا - ليوم ماض بعد الطلاق- كانت رجعة، وهكذا لو قال: كنت راجعتك بعد الطلاق. وإنما فصل الشافعي بينهما: للأصل الذي ذكرناه في التعليق ونفيه عن الرجعة. فإذا قال: إذا كان أمس فقد راجعتك كان هذا اللفظ تعليقا، وإن كان أمس

مسألة (540)

يوما ماضيا، وإذا حذف التعليق فقال: قد راجعتك أمس - وإن لم يكن راجعها في الأمس- جعل هذا اللفظ منه رجعة؛ لأن هذا الزمان زمان صالح لإنشاء الرجعة، وإذا أخبر كاذبا جعلنا إخباره كاذبا: إنشاء وابتداء ظاهرا وباطنا. مسألة (540): قال الشافعي - رحمه الله-: "إذا قالت: قد انقضت عدتي في مدة لا تنقضي عدة امرأة في مثلها فأبطلت قولها، ثم جاءت عليها مدة تنقضي العدة في مثلها وهي ثابتة على قولها الأول: قد انقضت عدتي، فعدتها منقضية". وقال الشافعي - رحمه الله-: "لو قال المودع: لم تودعني شيئا، ثم قال: قد كنت استودعتنيه فهلك ضمن". فلم يقبل قول الأمين في الودائع بعدما بان كذبه، بخلاف المسألة الأولى حيث قبل قولها في انقضاء عدتها بعدما بان كذبها. وإنما فصل بينهما؛ لأنا لو لم نقبل قولها لم نجد مرجعا غير قولها، إذ لا سبيل إلى الإحاطة بانقضاء العدة ما لم تخبر المرأة عن انقضائها، فصارت هذه الأمانة

مسألة (541)

موضوعة فيهن صدقن، أو كذبن، تحرجن، أو لم يتحرجن، فإذا لحقت واحدة منهن تهمة الكذب حلفت وحكمنا بقولها. وأما الودائع فليس من ضرورتها قبول قول المؤتمن فيها بعدما زالت أمانته للخيانة الظاهرة من جهته، فإذا قال: لم تودعني، ثم قال: قد استودعتني: كان معترفا على نفسه بتكذيب نفسه، وصفة الأمانة تزول بمثل هذا، فيصير مؤاخذا بإقراره، فلا يكون مقبول القول بعد الإقرار بالخيانة. مسألة (541): قال الشافعي - رضي الله عنه-: "لو طلق الرجل امرأته ثم قال: أعلمتني أن عدتها قد انقضت، ثم راجعها لم يكن هذا إقرار بأن عدتها انقضت، وثبتت الرجعة إذا قالت: لم تنقض عدتي"، / (240/ ب) هذا لفظه، ولو أنها قالت - بعد هذه الرجعة-: كانت عدتي قد انقضت لم نحكم بصحة الرجعة. والفرق بين الحالتين: أنها إذا قالت: قد انقضت عدتي وسبق من الزوج ما سبق من الإخبار عنها فظاهر كلامها فساد هذه الرجعة إذا كان الزمان محتملا لانقضاء العدة، ولا يكون قوله: أعلمتني أن عدتها قد انقضت دون قولها ابتداء: انقضت عدتي، ولو قالت: انقضت عدتي فراجعها بعد ذلك لم تصح الرجعة؛ لأنه قد دخل تحت إخباره معنى قولها بعد تصديقها إياه على ما حكي عنها.

فأما إذا كذبته وقالت: ما انقضت عدتي، وما أخبرتك وما أعلمتك، فقد صار الإخبار في جانبها مفقودا بتكذيبها وبقي جانبه، وهو يقول: أعلمتني، وهذا الكلام وحده من غير تصديقها يحتمل معنيين: أحدهما: أن يقول: أعلمتني حين لم يحتمل. والثاني: أنها أعلمتني حين كان يحتمل، فلا يكون صريحا قاطعا لحقه لا محالة. فإن قيل: أليس لو راجعها فقالت بعد الرجعة: قد انقضت عدتي حكمنا بصحة الرجعة، فهلا حكمتم هاهنا بصحة الرجعة إذا قالت المرأة: عدتي منقضية، وقد سبق من الزوج خبره عن إعلامها؟. وما الفرق بينهما؟ قلنا: والفرق بينهما: أنها إذا لم تتكلم بالدعوى، ولم يتكلم الزوج بحكاية دعواها فظاهر الأمر بقاء العدة والرجعة تبقى ما بقيت العدة، فإذا سبق لفظ الرجعة، ثم ادعت انقضاء العدة لم يقدم حكم الانقضاء ولم ينسند. فأما إذا سبق من الزوج قوله: أعلمتني أن عدتها قد انقضت، فقد أخبر بزوال ذلك الظاهر فليس له المراجعة ما لم يعد ذلك الظاهر الزائل، وإذا قالت: كذبت ما أخبرتك، وما أعلمتك، فقد عاد، ذلك الظاهر الزائل فحكمنا ببقاء الرجعة.

مسألة (542)

وقد حكى أبو يعقوب البويطي عن الشافعي - رضي الله عنه- قولا آخر في المسألة الأولى: أن لا رجعة له بعد ما قال: أعلمتني أن عدتها قد انقضت وإن قالت: لم تنقض عدتي. وعلة هذا القول مؤاخذته بظاهر إقراره، وما يندرج تحت ذلك الظاهر من قطع حقه بقوله. مسألة (542): قال الشافعي - رحمه الله-: "لو قالت: قد انقضت عدتي، وقال الزوج: قد انقضت عدتها، ثم قالت: كذبت لم يكن له عليها رجعة،] وكذلك أيضا لو صدقها بانقضاء العدة، ثم كذبها لم يكن له عليها رجعة" [. وقال - رحمه الله في رواية /المزني-: "لو قال: ارتجعتك اليوم، وقالت: انقضت عدتي قبل رجعتك صدقتها، إلا أن تقر بعد ذلك، فتكون كمن جحد حقا، ثم أقر به". فقبل قولها وإن تناقضت المقالتان الصادرتان من جهتها، بخلاف المسألة الأولى.

والفرق بينهما: أنا لم نجد منه في المسألة الأولى ظاهر رجعة، إنما راجعها بعدما أقرت بانقضاء العدة وكذبت نفسها، فإذا سبق ظاهر الانقضاء، ثم أنشأ الرجعة كانت الرجعة باطلة. فأما إذا سبق منه دعوى الرجعة، ثم صدر من جهتها دعوى انقضاء العدة، فالظاهر حكم الرجعة التي سبق فيها دعواه، غير أنها مقبولة القول بانقضاء العدة، فاختل ذلك الظاهر بقولها، فلما قالت: كذبت، جعلها الشافعي - رحمه الله- كمن جحد حقا، ثم أقر به؛ لأن الرجعة على حسب دعواه حق له في الظاهر. مشكل: فإن قال قائل: كيف تستقيم مسألة المزني، وقد سبق منه دعوى الرجعة، والظاهر بقاء العدة، ثم صدر من جهتها دعوى انقضاء العدة، فهلا جعلتم الأصل بقاء الرجعة؟. قلنا: صورة مسألة الشافعي - رحمه الله- في حكاية المزني: أن يكونا متصادقين على أن عدتها قد انقضت اليوم ضحوة، وهو يدعي رجعتها بكرة، وهي تقول: إنما راجعتني عشية؛ فلذلك جعلنا القول قولها؛ لأنا لم نسمع دعوى الزوج الرجعة إلا بعد زمان تصادقا على أن العدة منقضية فيه، فإذا كانت الصورة على الضد كان الجواب - أيضا- على الضد. مثل: أن يتصادقا على أن الرجعة حصلت بكرة، لكنها قالت - وقت الظهر-: انقضت عدتي مع

مسألة (543)

السحر، وهو يقول: بل خاتمة عدتك مع الزوال، فالرجعة صحيحة؛ لأن الأصل بقاء العدة، وهما متصادقان على زمان الرجعة، وما سمعناها قبل ذلك تدعي انقضاء العدة. مسألة (543): إذا ادعى رجل نكاح أمة، فأقرت بذلك، ومولاها يكذبها لم يقبل قولها مع تكذيب المولى إياها. وقد قال الشافعي - رحمه الله- في الرجعة: "لو كانت زوجته أمة، فصدقته كانت، كالحرة في جميع أمرها، ولو كذبها مولاها لم أقبل قوله" يعني: قول المولى. والفرق /بين النكاح والرجعة: أن الأمة إذا أقرت على نفسها بابتداء النكاح، والسيد يكذبها، فقد أقرت على السيد بما لم يسبق من السيد فيه إقرار والتزام؛ فلذلك لا يقبل قولها عليه. فأما إذا أقرت بالرجعة، فقد أقرت بحق ثابت في الظاهر يستند ثبوته إلى رضا السيد، والتزامه وإيجابه في ملكه، فاعتبرنا قولها، ولم نعتبر قوله. وهذا معنى تعليل الشافعي - رحمه الله- في هذه المسألة، حيث قال: "والتحليل بالرجعة والتحريم بالطلاق فيها ولها".

مسألة (544)

وقريب من هذا ما نقول في جانب المملوك إذا أراد أن يتزوج، فلا بد من رضا السيد، فإذا رضي السيد، فتزوج، ثم طلق، فلا حاجة إلى رضا السيد في المراجعة إذا أراد العبد المراجعة. مسألة (544): الرجعة في حال ردتها باطلة، سواء طلقها مسلمة، ثم ارتدت، أو طلقها مرتدة، والرجعة في حال إحرامها صحيحة، وإن كانت محرمة الوطء في الحالتين. والفرق بين المسألتين: أن الارتداد سبب الانفساخ. ألا ترى: أنها لو لم ترجع إلى الإسلام حتى انقضت عدتها من وقت ردتها بان أن النكاح كان مفسوخا من وقت الارتداد؛ فلذلك حكمنا بالبطلان أي: بطلان الرجعة إذا صادفت حالة الارتداد. فأما الإحرام فلا تأثير له في فسخ النكاح ورفعه، وإن كان مؤثرا في تحريم الوطء ومنعه.

فإذا راجعها صحت المراجعة، ولو نكحها محرمة كان النكاح باطلا. والفرق: أن النكاح ابتداء عقد تملك، وهي ما دامت محرمة مشتغلة بعبادة تحرم الوطء ودواعيه، كالمعتدة، فأما المراجعة فليست بعقد مستأنف لاستحلال مستأنف، ولكن قصد بها استيفاء العقد واستدراكه. ولذلك قلنا: يجوز للعبد أن يراجع امرأته بغير إذن السيد، وليس له أن ينكح إلا بإذنه، ويجوز لزوج الأمة مراجعتها بغير إذن سيدها، ولا يجوز ابتداء نكاحها إلا بإذن السيد. وقريب من هذه المسألة ما نقول في التحليل للزوج الأول: أنه لا يستفاد بالإصابة في حالة الارتداد، ويستفاد بالإصابة في حالة الإحرام، فإذا أصابها الزوج الثاني مرتدة ولم يحصل بينهما إصابة سوى هذه الإصابة كانت محرمة على الزوج الأول، كما كانت، وإذا أصابها الزوج الثاني وهي محرمة، أو

صائمة / (242/ أ)، أو حائضا، أو نفساء فالإصابة حرام، وقد حلت بها للزوج الأول، لأن الإحرام ما أخل بالملك ولا قدح فيه، وإنما منع الوطء إلى أن ينقضي الإحرام، والردة أوقعت خللا في الملك، وذلك الخلل قد يتحقق ويتكامل، وشرط الإصابة المبيحة للزوج الأول وجودها في الملك التام. ولأجل هذا المعنى قلنا: الإصابة في النكاح] الفاسد لا يبيحها للزوج الأول، بخلاف الإصابة في النكاح [الصحيح، وإن كنا نعطي النكاح الفاسد حكم النكاح الصحيح في إيجاب العدة، وإثبات النسب، وإلزام المهر، فلا يتعلق بها حكم التحليل؛ لحصول الإصابة حراما بعلة عدم الملك. فإن قال قائل: هلا وقفتم الرجعة في حال الردة على عاقبة العدة حتى تحكموا بصحتها إن عاودت الإسلام؟ كما حكمتم بوقف الطلاق في هذه الحالة، ثم إذا عاودت الإسلام في العدة حكمتم بوقوع ذلك الطلاق، وإن أصرت حتى

انقضت العدة ألغيتم الطلاق، فاحكموا بمثل هذا الحكم في وقف الرجعة، واحكموا بمثل ذلك في وقف التحليل للزوج الأول. قلنا: لا سبيل لنا في الرجعة إلى الوقف؛ لأنها عقد من العقود فيها مشابهة النكاح، والنكاح لا يقبل الوقف، فكذلك الرجعة مثله. وأما الطلاق، فلا ينافيه الوقف والجهالة والخطر والغرر؛ ولذلك نقول: لو أسلمت الأمة، والزوج، وتحته حرة متخلفة واختار إمساك الأمة - وهو عادم للطول خائف من العنت، ثم تخلفت الحرة حتى انقضت العدة، لم يصح ذلك الاختيار السابق، لأن الاختيار شبه المراجعة، والمراجعة بمعزل عن الوقف، فكذلك الاختيار. وإذا جوزنا وقف العقود - وهو قول قديم منصوص في الجديد أيضا- حكمنا بوقف الرجعة وألحقناها بالنكاح.

مسألة (545)

مسألة (545): المطلقة ثلاثا إذا نكحها زوج، وباشرها فيما دون الفرج، فسبق الماء إلى الرحم، أو استدخلت ماءه، أو أتاها في غير المأتى، ثم طلقها، فشرعت في العدة، فواقعها في عدتها لم تحل بهذه الإصابة للزوج الأول. وإن كانت الرجعية، / (242/ ب) كالمنكوحة في الميراث والإيلاء والظهار وإلزام عدة الوفاة بالوفاة، ولو أنها أصيبت بالشبهة قبل إصابة الزوج الثاني، فشرعت في عدة الشبهة، فتعدى زوجها، فأصابها في هذه العدة حلت بهذه الإصابة للزوج الأول. والفرق بين المسألتين: أنها في عدة الشبهة باقية على الملك الكامل؛ لأن نكاح الزوج الثاني لم ينثلم وملكه لم يزل، وإنما حرم الوطء لمكان العدة العارضة، كما يحرم الوطء بالإحرام العارض. فأما إذا طلقها طلقة رجعية، ثم أصابها، فقد أصابها وهي جارية في زمان البينونة. ألا ترى أنه لو كف عن الرجعة حتى انقضت العدة صارت بائنة بسبب الطلاق السابق مع انقضاء عدتها.

مسألة (546)

مسألة (546): إذا طلق الرجل امرأته، ثم اختلفا في الإصابة، فادعى الزوج الرجعة بدعوى الإصابة، وأنكرت المرأة الإصابة، فقد نص الشافعي - رحمه الله- على أن القول قوله، وأن له الرجعة، فجعل القول قول من يثبت الوطء، لا قول من ينفيه. وإن ادعت المرأة الإصابة لتستكمل المهر وأنكرها الزوج، فقد نص الشافعي - رحمه الله- على أن القول قول من ينفي الإصابة، لا قول من يثبتها، ولم يوجب على الزوج أكثر من نصف المهر إذا حلف. والفرق بين المسألتين: أن الرجل إذا ادعى بقاء الرجعة بدعوى الإصابة فإنه يدعي استبقاء النكاح، وهي تدعي انقطاعه، والأصل بقاؤه فجعلنا القول قوله مع يمينه ليستبقي ملكه ويستوفي حقه. ألا ترى أن امرأة العنين لو خالفته في حصول الإصابة والزوج يدعي حصولها، فالقول قول الزوج؛ لأن الأصل بقاء نكاحه، وهي تدعي رفعه

وفسخه، وكذلك المولي من امرأته إذا اختلفا في الإصابة فالقول قول الزوج: إن الإصابة حاصلة، فيبقى النكاح بينهما. فأما المسألة الثانية فإنهما فيها متصادقان على أن النكاح في الحال منقطع بالطلاق، وإنما يتنازعان في المهر وكماله، والأصل عدم الإصابة، والزوج مسلط على إسقاط النصف بالطلاق؛ فلذلك جعلنا القول قوله مع يمينه. فإن حلف فأعطيناها نصف المسمى، فمضي خمسة أشهر، فولدت ألحقنا الولد به، وأكملنا لها المهر، وجعلنا القول قولها حينئذ ولولا /الولد لما نقضنا الحكم السابق. والفرق بين الحالتين: أنها إذا ولدت ولدا بان لنا صدقها وكذبه بهذا الولد المولود وحكمنا حينئذ بأنه أصابها؛ فلذلك تم مهرها. فإن قال قائل: يحتمل أنها استدخلت ماءه فحبلت من غير إصابة كانت بينهما، فكيف أكملت المهر؟. فعنه جوابان: أحدهما: أن الظاهر أولى بالاعتبار من الباطن، والظاهر أن الولد من الإصابة، وإن كان يحتمل أن يحدث من الاستدخال،] والثاني: قال بعض

أصحابنا أن الاستدخال [كالإصابة في إكمال المهر، كما كان، كالإصابة في إيجاب العدة، ولم يختلفوا أنه ليس كالإصابة في التحليل للزوج الأول. والفرق بين الحكمين: أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم- علق التحليل بذوق العسيلة، فقال: لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك. وهذا المعنى غير موجود في الاستدخال. فأما العدة فإنها للاستبراء، وفي الاستدخال ما يحوج إلى الاستبراء، إذ لا

فرق بين اشتمال الرحم على ما يستودع] بالإصابة، وبين اشتمالها على ما يستودع [بالاستدخال. ولا يبعد كمال المهر بالاستدخال أيضا؛ لأنها صارت صائنة لمائه برحمها، إذا استدخلت ماءه. وأما الحد فلا يتعلق بالاستدخال؛ لأن اسم الزنا لا ينطلق عليه. والاحتياط أن تغتسل إذا استدخلت.

كتاب الإيلاء

كتاب الإيلاء مسألة (547): إذا قال الرجل لامرأته: غن قربتك فعبدي حر عن ظهاري إن تظاهرت، ثم أعتق الغلام عن ظهاره، ثم تظاهر لم ينصرف ذلك العتق إلى كفارة الظهار. ولو قال الرجل لامرأته: إذا دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي، ثم أعتق عبدا عن الظهار، ثم دخلت الدار صار مظاهرا على الحقيقة وأجزأه عتق ذلك العبد عن الظهار. والفرق بين المسألتين: أنه إذا قال: إن قربتك فغلامي حر عن ظهاري إن تظاهرت،] فهو في الحال ما نجز ظهارا ولا علقه، ألا ترى أنه قال:

مسألة (548)

فغلامي حر عن ظهاري [إن تظاهرت، ولم يتظاهر فصار العتق متقدما على الظهار وعلى جميع أسبابه، فمنزلته منزلة من كفر عن اليمين قبل عقد اليمين، ومنزلة من عجل الزكاة قبل النصاب والحول جميعا، وإذا قال: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي فقد صار في الحال معلقا للظهار بدخول الدار، ومعلق الظهار مظاهر في اللفظ وإن لم يتحقق وجود /الصفة كما أن معلق الطلاق مطلق إلا أن الرجل لو قال لامرأته: إذا دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي، ثم قال لغلامه: إذا تظاهرت من امرأتي فأنت حر، فدخلت المرأة الدار صار مظاهرا وما عتق عبده، بخلاف ما لو تقدم تعليق العتق بالظهار وتأخر تعليق الظهار، فلما جعلناه في حكم المظاهر بالظهار المعلق جاز له في هذا الوقت أن يعتق عبدا عن ظهاره، كما جاز تقديم الزكاة بعد وجود النصاب وقبل كمال الحول، وتعجيل كفارة اليمين بعد وجود اليمين وقبل تحقق الحنث. مسألة (548): إذا قال الرجل المظاهر لامرأته: إن جامعتك فلله علي أن أعتق

عبدي سالما عن ظهاري صار مؤليا، وهي المسألة التي غلط المزني فيها فقال: لا يصير مؤليا، حكاه عن الشافعي - رحمه الله- فأخطأ في الحكاية. ولو قال المظاهر لامرأته: إن جامعتك فلله علي أن أصوم المحرم وصفر عن ظهاري وهو فقير لم يصر مؤليا بهذه اليمين. والفرق بين المسألتين: أنه إذا عين عبدا بالعتق اختص ذلك العبد من بين سائر العبيد بالاستحقاق، ولولا ذلك لما أقرعنا بين العبيد إذا ضاق الثلث عن العتق الموصي به، فلما كان العبد يتعين بالتعيين، ووجدناه قد التزم تعيين عبد لعتق الظهار إن جامع، فيلزمه بالجماع أمر، والمولي من يلتزم بالجماع أمرا.

مسألة (549)

فأما تعيين الشهرين للصوم، فلا معنى فيه، إذ لا فرق بين أن يصوم - عن الظهار- هذين الشهرين، وبين أن يصوم غير هذين الشهرين، وإذا لم يكن ملتزما أمرا بالجماع لو جامع لم يتحقق له وصف الإيلاء فيفهم. مسألة (549): المولي من يلتزم بالجماع بعد أربعة أشهر أمرا، إلا في مسألة مخصوصة لا نجعله موليا إلا بأن يمضي بعد اليمين خمسة أشهر، ثم يصير موقوفا مطالبا بالفيئة، أو بالطلاق، وهي إذا قال: إذا جامعتك، فغلامي حر قبل جماعي إياك بشهر. وإنما فصلنا بين هذه المسألة وبين سائر المسائل؛ لأنه في هذه لمسألة لو جامعها عقيب الشهر الرابع لم يلتزم بالجماع شيئا يكون لزومه عقيب أربعة أشهر، بل يكون لزومه بعد ثلاثة أشهر، فإذا تربصنا به خمسة أشهر عرفنا أنه لو جامعها

مسألة (550)

الآن التزم عتق غلامه عقيب أربعة أشهر؛ فلذلك باينت هذه المسألة سائر المسائل التي فيها لزوم أمر على غير هذه الجهة. مسألة (550): إذا قال الرجل لأربع نسوة:/ (244/ أ) والله لا أجامع واحدة منكن - ومراده واحدة بعينها - صار موليًا منها في الحال، فإن أراد جميعهن بهذا الكلام، فعلى قولين: أحدهما: أنه في الحال مولي من جميعهن. والثاني: أنه لا يصير موليًا حتى يجامع ثلاثًا منهن، فحينئذٍ يصير موليًا من الرابعة. والفرق بين المسألتين: أنه إذا عين واحدة بقلبه التزم بجماعها أمرًا لو جامعها، وإن لم يجامع غيرها، فأما في المسألة الثانية فإنه لا يلتزم أمرًا بجماع الأولى، ولا بجماع الثانية، ولا بالثالثة، لأن الحنث موقوف على جماعهن جميعًا، فإذا لم يبق سوى الرابعة صارت موصوفة بأنه لو جامعها التزم موجب اليمين؛ فلذلك فصلنا بين المسألتين. مسألة (551): إذا قال الرجل لامرأتيه: والله لا أجامع واحدة منكما - موارده تعميمهما بالمضارة - كان لهما بعد أربعة أشهر مرافعته ومخاصمته حتى

يطلق، أو يفيء، وإن أراد بهذا اللفظ واحدة منهما بعينها، فمضى أربعة أشهر، فليس لواحدة منهما بعينها، ولا لهما مرافعته ومخاصمته. والفرق بين المسألتين: أنه إذا أراد بهذا الخطاب كل واحدة منهما فكل واحدة منهما خصم وكل واحدة منهما مدعية. فأما في الصورة الثانية، فالخصم إحداهما وليست بمتعينة، ولا يسمع القاضي دعوى قط حتى يتعين المدعي. ألا ترى أن رجلين لو حضراه فقالا: لأحدنا على هذا الرجل ألف دينار فدعواهما غير مسموعة، وكذلك نقول في جانب المدعى عليه، فلو

مسألة (552)

قال: لي على أحد هذين الرجلين ألف درهم لم يسمع القاضي دعواه. فإذا كانت المدعية غير متعينة لم يكن لواحدة منهما أن تخاصمه حتى تتبين من عين وأراد. وغلط بعض أصحابنا في هذه المسألة الثانية فقال: تسمع دعواهما ويقال له: طلق التي آليت منها، أو جامعها، فإن امتنع قال القاضي: طلقت عليك التي آليت منها، ثم تكون منزلته من قال لامرأتيه: إحداكما طالق، فيؤمر ببيان المطلقة، وهذا غير مستقيم لما قدمنا من الأصل في اشتراط تعيين المدعي عليه. مسألة (552): إذا قال الرجل لامرأته: والله لا أصبتك هذا العام إلا مرة، ففيها قولان: أحدهما: أنه صار موليًا في الحال. والثاني: أنه لا يصير موليًا في الحال،/ ولكن إذا أصابها مرة وقد بقي من العام أكثر من أربعة أشهر [صار موليًا حينئذٍ، وغن بقي أقل من أربعة أشهر] لم

مسألة (553)

يكن موليًا. [فأما إذا قال: إن أصبتك فوالله لا أصبتك، فلا يكون موليًا] قولًا واحدًا هذا هو الصحيح. والفرق بين المسألتين: أنه إذا قال: والله لا أصبتك هذا العام إلا مرة، فقد عقد في الحال يمين الامتناع عن الجماع، فجاز له أن يجعله على أحد القولين موليًا. فأما إذا قال: إن أصبتك فوالله لا أصبتك، فإنه لا ينعقد في الحال يمين الامتناع من الجماع، ولكن جعلها يمينًا منتظرة مؤخرة معلقة بالإصابة، إن وجدت الإصابة، ومن أصحابنا من ألحق الثانية بالأولى في دعوى القولين. مسألة (553): إذا آلي وزوجته مملوكة فانقضت مدة الإيلاء فرضيت باحتمال الضرر ومصابرة الزوج فليس لسيدها طلب

الطلاق، ولو أعسر الرجل بمهرها - وقلنا: للحرة الفسخ عند إعسار الزوج بالصداق - فلسيد الأمة في هذه المسألة الفسخ. والفرق بينهما: أن الإصابة محض حقها، فأما المهر فمحض حقه ولا حق لها فيه، ولا يتصور منها إسقاطه بالإبراء. ولو أعسر بنفقتها فالخيار لها، لا لسيدها. والفرق بين نفقتها ومهرها: أنها هي المستحقة المستمتعة بالنفقة دون سيدها. ألا ترى أنها إذا قبضت نفقة يومها من الزوج فأراد السيد أن يأخذ منها فليس له ذلك. فيقال لها: إن نفقتك ما دمت منكوحة على زوجك، وليس للسيد فسخ نكاحك بعذر النفقة، فإن شئت أن تتوجه النفقة على السيد فافسخي النكاح بينكما، لتعود النفقة، وإن لم تفعلي فالسيد غير مطالب، وقد أتيت من جهة نفسك.

مسألة (554)

مسألة (554): إذا آلى الرجل من امرأته وهي عند الإيلاء مضناة بمرض، بحيث لا يقدر على وطئها فالمدة غير محسوبة على الزوج؛ لأنه غير متمكن منها، ولو آلي منها وهي في الحيض، أو في النفاس فالمدة محسوبة. والفرق بينهما: أن الحيض والنفاس خلقة في النساء والمرأة لا تكاد تخلو عن هذه الصفة؛ فلذلك حسبنا زمانها في مدة الإيلاء، فأما الضنا المانع من الوطء فليس ذلك خلقة فيهن، وإنما هو عارض، ربما يكون وربما لا يكون، فصار من هذا الوجه كالنشوز، ولو آلي/ من ناشزة كان زمان النشوز غير محسوب عليه إلى أن تعود إلى طاعته فيستأنف الاحتساب. فإن قال قائل: النشوز جناية منها، فلا يبعد أن لا تحتسب المدة. فأما المرض والضنا فليس ذلك من جهتها، ولا بسببها، فكيف يجوز أن لا تحتسب المدة عليه؟. قلنا: إن الإصابة إذا تعذرت بالمرض، كتعذرها بالنشوز استويا في الحكم، ألا ترى أن المجنونة إذا نشزت كالعاقلة الناشزة في سقوط النفقة، وإن

مسألة (555)

افترقتا في نسبة الظلم والعدوان، وكذلك لو سافرت المرأة في شغلها وحاجتها بإذن زوجها سقطت نفقتها، كما تسقط بنشوزها، وهي عاصية في حال غير عاصية في حال. مسألة (555): إذا آلي منها وهي غير ناشزة، فمضى بعض المدة المحسوبة عليه، فنشزت شهرًا، أو شهرين وتعذر الوطء، فقد نص الشافعي على أن المدة التي امتنع الوطء فيها غير محسوبة على الزوج، فإذا زال النشوز وعاودت الطاعة، فقد قال بعض أصحابنا: يستأنف أربعة أشهر، ولا يبني المدة على المدة. واتفقوا أن المعتدة إذا أصيبت بالشبهة، فحبلت بعد قرء مضى ووضعت حمل وطء الشبهة، فعادوت العدة بنت بقية العدة فتأتي

بقرءين، وذلك قرءان على ما سبق من القرء. والفرق بين المسألتين: أن المقصود من العدة معنيان، أحدهما: العبادة، والثاني: طلب البراءة، والمعنيان يحصلان ببناء المدة على المدة، كما يحصلان بالمدة المتصلة. فأما مدة الإيلاء، ففيها وصف مشروط وهو: أن تتحق المضارة بامتناعه أربعة أشهر عن الإصابة بيمين واحدة، فيتم بهذه المدة قصد المضارة؛ ولذلك قلنا: لو قال لها: والله لا أجامعك ثلاثة أشهر، ثم إذا مضى الشهر الرابع فوالله لا أجامعك ثلاثة أشهر لم يكن مؤليًا، وكذلك لو وصل الثلاثة بالثلاثة، فقال: والله لا أجامعك ثلاثة أشهر، ثم إذا مضت هذه المدة فوالله لا أجامعك ثلاثة أشهر لم يصر مؤليًا، حتى يوجد ما ذكرنا من الشرط. ولو قال: والله لا أجامعك أربعة أشهر، ثم والله لا أجامعك أربعة أشهر، فكذلك الجواب: لم يكن مؤليًا، حتى تكون مدة الامتناع في اليمين الواحدة زائدة على أربعة أشهر ولو ساعة لطيفة، وإنما يتوقف الحكم على زيادة الساعة؛ لأن زمان الوقف يكون بعد المدة، والمولي من يلتزم بعد/ (245/ب) أربعة أشهر بالجماع

مسألة (556)

شيئًا، ويكون ذلك الالتزام عقيب المدة فإذا عقد اليمين على أربعة أشهر من غير زيادة انقضت اليمين بانقضاء المدة، فلا يتصور الحنث والالتزام، وكذلك لو زادت المدة بساعة، أو بيوم، فلم يتفق الوقف والمطالبة حتى مضت تلك الزيادة سقط الإيلاء. ولذلك قلنا: إذا قال: والله لا أجامعك في هذه السنة إلا مرة، فجامعها وقد بقى من السنة مقدار أربعة أشهر وأقل خرج عن الإيلاء وعن عهدة اليمين؛ لأن بقية السنة لو عقد الإيلاء عليها لم يكن مؤليًا. مسألة (556): الحيض المعترض في أثناء مدة الإيلاء خلاف النشوز المعترض في احتساب زمانهما، فإن زمان النشوز غير محتسب، وزمان الحيض محتسب، فأما إذا اعترضا عقيب المدة، فهما سواء في تأخير الوقف. والفرق بين الحالتين: أن النشوز إذا اعترض على أثناء المدة فقد تعذرت الإصابة بالامتناع من جهتها، فكان زمان التعذر مختزلًا غير محسوب عليه في

مسألة (557)

المدة، فأما الحيض فخلقة وجبلة فيهن يتكرر وجوده منهن، كما كان يتكرر في صلب النكاح وهو متمكن من الاستمتاع بما دون الفرج وإن كان ممنوعًا عن الوطء؛ فلذلك فصلنا بينهما إذا اعترضا في خلال المدة. فأما إذا انقضت المدة ودخل زمان الوقف فحقها مطالبة الزوج بالوطء أو بالطلاق، وتعذر الوطء بالحيض، كتعذره بالنشوز فلا يتصور مطالبته وهي حائض، فلابد أن يتراخى زمان الوقف إلى أن يقدر على الإصابة. وكذلك لو انقضت المدة فأحرمت بحج، أو عمرة فلم يأمرها بإحلال كان أحرامها في هذا الوقت كنشوزها؛ لأن الإصابة متعذرة بسبب الإحرام، كما تكون متعذرة بسبب النشوز. مسألة (557): إذا انقضت المدة وهي مضناة لا يقدر على جماعها، فليس عليه أن يقئ قئ المعذور.

ولو كان الرجل مريضًا لا يقدر على جماعها كان عليه أن يفيء فيء معذور، وفيء المعذور أن يقول بلسانه: فئت، فإذا قدرت جامعت. وإنما فصلنا بين الحالتين: لأن المرض إذا كان فيها، فالمعنى المانع غير موجود في جانبه، وإنما وجد في جانبها، ولو تمكن من الجماع لجامعها. فلا وجه لمطالبته بالاقتدار وفيء المعذورين. وأما إذا كان الزوج مريضًا، فالمعنى المانع موجود فيه واليمين صادرة من جهته، فإذا عجز عن المنتهى - وهي الإصابة - كلفناه فيء المعذورين/ (246/ أ)، وكذلك المحبوس يفيء فيء المعذور. نكتة: وأعلم أن الزوج متى ما صار مطالبًا بفيء معذور، فامتنع لزمه أن يطلق، أو يطلق عليه السلطان، كالممتنع عن الجماع حين يقدر على الجماع.

مسألة (558)

مسألة (558): إذا انقضت المدة والرجل محرم، أو أحرم عقيب انقضائها، فلها أن لا ترضى بفيء معذور، وليس كالمريض، أو كالغائب، أو كالمحبوس. وذلك: أن المحرم غير عاجز عن الجماع مشاهدة، وإنما تمنعه العبادة التي شرع فيها، وهو عالم بأن حقها يتوجه عليه بالإيلاء، إذا انقضت المدة، فلا عذر له في خوف فساد العبادة، ومن ضيق الأمر على نفسه ضاق عليه بتضييقه. ألا ترى: أن المولي لو ظاهر لما انقضت المدة وهو معسر لا يجد رقبة يعتقها فاستمهل شهرين ليصوم كفارة الظهار كان لها أن لا تمهله وتطالبه بالطلاق؛ لأنه ضيق على نفسه، فكذلك المحرم المولي يقال له: إن لم تجامعها طلقناها عليك، وإن جامعتها عصيت ربك والذنب لك فيما صنعت.

مسألة (559)

مسألة (559): الحرة والأمة سواء في مدة الإيلاء، وكذلك الحر والعبد، وإن كانتا في العدة متفرقتين، وكانا في عدد الطلاق مفترقين. وإنما افترقا في العدة واستويا في هذه المدة، لأن العدة مع مقصود البراءة تشتمل على معنى العبادة، والمفاضلة في العبادة بين الأحرار والعبيد غير مستنكرة. فأما مدة الإيلاء، فليست بعبادة، ولا فيها شوب عبادة، ولكنها مدة مضروبة لاستبانة قصد المضارة، والمرأة إنما تصبر عن الرجل أربعة أشهر هكذا قالت حفصة - رضي الله عنها - حين سألها عمر - رضي الله عنهما-:

كم تصبر المرأة عن الرجل، فإذا مضت هذه المدة تحققت منه المضارة، وما رجع إلى خلقة النفوس وطباعها من العطش والجوع، والصحة والسقم، والقوة والضعف، فذلك لا يختلف بالرق والحرية؛ فلذلك سوينا بينهما في منتهى المدة. ولهذه النكتة سوينا بين الحر العنين والعبد العنين فضربنا لكل واحد منهما مدة واحدة وهي: سنة كاملة لما كان متعلقًا بأوصاف النفس في الخلقة. وأيضًا فإن الحرة بالحرية تكون مفضلة على المملوكة وفي زيادة عدتها زيادة عبادتها، وذلك لفضيلتها، ولو جعلنا مدة الأمة في الإيلاء شهرين لفضلناها على الحرة؛ لأنها حينئذٍ تطلب حقها من الإصابة قبل أن تطلب الحرة، ففي نقصان مدتها تفضيلها، وفي نقصان عدتها تفضيل الحرة عليها.

مسألة (560)

مسألة (560): امرأة المولي إذا استدخلت الذكر منه وهو نائم، ثم جامعها بعد ذلك/ (264/ب) لزمته الكفارة. ولو أن الزوج صار مجنونًا، فجامعها في حال الجنون، ثم أفاق فجامعها، فقد اختلف أصحابنا في إيجاب الكفارة عليه، فإذا قلنا: لا تلزمه الكفارة. والفرق بين المسألتين: أن المجنون إذا جامع فقد انتسب الفعل إليه، فإذا كان مجنونًا لم تلزمه الكفارة حينئذٍ بذلك الفعل، بسقوط التكليف عنه، فانحلت اليمين، فلم تلزمه الكفارة بالجماع الثاني في زمن الإفاقة، فأما إذا استدخلت ذكره وهو نائم فلا يمكن نسبة الفعل إليه بحال، فإن الفعل موجود منها فلم يصلح الاستدخال لحل اليمين، فبقيت يمينه معقودة، كما

كانت، فإذا جامعها من بعد انحلت يمينه حينئذٍ ولزمته الكفارة. ومعلوم أن الحالف بالطلاق إذا وجد منه صفة الحنث بين النكاحين، فانحلت يمينه لم يتصور منه فعل تنحل به يمينه ثانية في النكاح الثاني، وإنما يتوقف الانحلال إذا لم يتصور منه في زمان البينونة فعل يتعلق به انحلال اليمين.

كتاب الظهار

كتاب الظهار مسألة (561): إذا ظاهر من امرأته، ثم قال لأخرى: أنت مثلها صار مظاهرًا من الثانية في أحد القولين. ولو قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي، ثم قال لأخرى: أنت مثلها لم تصر مثلها قولًا واحدًا. والفرق بينهما: أنه إذا قال لها: أنت علي كظهر أمي، فليست هذه اللفظة يمين، وإنما هي تنجيز ظهار، فصار كما لو نجز طلاق واحدة، ثم قال للأخرى: أنت شريكتها - نوى طلاقًا - كان طلاقًا، فكذلك إذا نجز الظهار، ثم شبه وشرك أخرى ونوى الظهار كان مظاهرًا من الثانية.

فأما إذا قال: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي فهذه يمين، واليمين لا تحتمل التشريك؛ ولذلك قلنا: متى قال لإحدى امرأتيه: والله لا أجامعك، ثم قال للأخرى: أنت شريكتها لم يصر مؤليًا من الثانية وإن نوى الإيلاء؛ لأنها عقد يمين، فلا تحتمل الشركة. والقياس على هذا الأصل أن يقال: إذا قال لامرأته [إذا جاء رأس الشهر فأنت على كظهر أمي، ثم قال] للأخرى: أنت مثلها - ونوى بذلك ظهارًا - أنه يصير مظاهرًا من الثانية إذا جاء رأس الشهر، كما يصير مظاهرًا من الأولى. [ولو قال: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي، ثم قال لأخرى: أنت شريكتها كان مظاهرًا من الأولى دون الثانية]. والفرق بين قوله: إن دخلت الدار، وبين قوله: إذا جاء رأس الشهر: أن أحدهما يمين والأخرى تأقيت؛ ولذلك قال أبو العباس بن سريج: إذا قال لامرأته: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق [حنث ووقع طلاقه. ولو قال بعد عقد يمينه: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق] لم يحنث ولم يقع

مسألة (562)

طلاقه؛ لأن ذلك ليس بحلف، ولا هو حقيقة اليمين، وحقيقة اليمين ما يقصد به منعًا، أو حثًا، أو تحقيقًا/. فالمنع أن يقول: إن دخلت الدار فأنت طالق، فهو بهذا الكلام يقصد منعها عن الدخول، والحث أن يقول: إن لم تدخلي هذه الدار فأنت طالق، يقصد بهذا الكلام حثها، وتحريضها على الدخول، والتحقيق أن يقول: إن كنت فعلت كذا فأنت طالق، وقصده بذلك تحقيق كلامه وتصديق مقالته. مسألة (562): إذا طلق امرأته طلاقًا رجعيًا، ثم طلقها في العدة طلاقًا ثانيًا حكمنا بوقوعه من غير وقف، وإن ظاهر منها فظهاره موقوف، فإن راجعها لزمته الكفارة، وإن لم يراجعها فلا كفارة عليه. والفرق بين المسألتين: أنه إذا ظاهر منها فقد قصد بالظهار تحريمًا لا زوال ملك فإن الظهار لا يتضمن زوال الملك، وهي بالطلاق السابق محرمة تحريم المبتوتة، هذه عبارة الشافعي رحمه الله، فإذا لم يراجعها فقد تركها على حرمة الطلاق حتى تمت البينونة وانسرحت بانقضاء العدة فلا وجه لإيجاب الكفارة.

مسألة (563)

فأما إذا راجعها فقد قصد استحلالها بالرجعة على حكم العقد الأول فصار عائدًا فيما حرم الله تعالى بقوله: {والَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ....}، وقد وجد منه العود فيما حرم على نفسه حيث قصد رجعتها، وبذلك باينت الرجعية، لأن الزوجة حلال في الحال، فإذا ظاهر، ثم أمسك فقد قصد التحريم بالظهار، وتحقق العود في الحال فلزمته الكفارة. فأما الطلاق عقيب الطلاق فإنه يتضمن إزالة الملك، وملكه على الطلقة الثانية والثالثة كان باقيًا، وسلطان الإزالة قائم، كما أن سلطان الاستدراك بالرجعة قائم، فإذا نجز الإزالة نجزت، ولا وجه للوقف وانتظار المراجعة. مسألة (563): إذا ظاهر الرجل من امرأته، ثم استغل عقيب الظهار باللعان؛ لقذف سابق، فلا كفارة عليه؛ لأن العود لم يتحقق. ولو ظاهر من امرأته المملوكة، ثم اشتغل عقيب الظهار بشرائها لم تسقط كفارة الظهار في أحد الوجهين. فإن قال قائل: اللعن فسخ وكذلك الشراء، فما الفرق بين المسألتين.؟ قلنا: إن اللعان فسخ وقطع للفراش، وتحقيق للتحريم؛ لأن اللعان أشد

مسألة (564)

حرمة من/ (247/ ب) الطلاق، فإنه تتأبد حرمته، وحرمة الطلاق غير مؤبدة، فإذا سقطت الكفارة بأخف الحرمين سقطت بأغلظهما. فأما إذا اشتراها، فإنه بالشراء ينقلها من فراش استحلال إلى فراش استحلال، فلم يتحقق منه قصد التحريم بتبديل جهة الاستحلال، كما تحقق منه هذا القصد بتأبيد التحريم. مسألة (564): إذا قال الرجل لامرأته: أنت على كظهر امرأة ولدي، فقد قال كثير من أصاحبنا: إنه غير مظاهر بحال. ولو قال: أنت علي كظهر امرأة والدي، وسبق نكاح والده ميلاد الولد المظاهر، كان الولد مظاهرًا على القول الصحيح الذي يقول: إن الظهار غير مختص بذكر الأم. والفرق بين المسألتين: أن الرجل إذا قال: أنت علي كظهر امرأة والدي، فقد شبهها بامرأة ما زالت محرمة عليه من وقت ولادته إلى وقت ظهاره، ولا

مسألة (565)

تزال محرمة [عليه أبدًا، فأشبه التشبيه بالأم، فإن الأم لم تزل محرمة، ولا تزال محرمة]. فأما إذا قال: أنت علي كظهر امرأة والدي، فقد شبهها بامرأة لم تكن محرمة عليه في زمان، وذلك قبل عقد الابن، ثم صارت محرمة عليه بعقد الابن لما عقد، ففارقت حرمة الأم، فإن هذه الحرمة المؤقتة لا تتصور في الأمهات بحال. مسألة (565): إذا قال لامرأته: أنت علي حرام على قصد التحريم، لا على قصد الطلاق والظهار، فعليه كفارة يمين. وإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي شهرًا - وقلنا: إن الظهار المؤقت لا يكون ظهارًا وهو الصحيح - ثم جامعها قبل انقضاء الشهر، فقد قال الشافعي - رحمه الله-: "عليه كفارة الظهار". وذلك من مشكلات المذهب؛ لأنه تحريم وليس بظهار، كالتحريم بلفظ التحريم.

والفرق بينهما: أن كل واحد من هذين اللفظين أصل في باب الأصول لا يتداخل. ألا ترى: أن لفظ الطلاق لا يصلح للظهار بحال، ولفظ الظهار لا يصلح للطلاق بحال، ولفظ التحريم أصل في الكفارة، قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ}، ثم قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} فأوجب كفارة يمين، وقال تعالى - في الظهار: {وإنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ القَوْلِ وزُورًا}، ثم علق بهذا القول المنكر كفارة مخصوصة

أغلظ من كفارة اليمين، وهذا الرجل الذي ذكر الظاهر المؤقت تلفظ/ بذلك الزور والمنكر، وإن ذكر لفظ التأقيت، ولم يذكر لفظ التأبيد، ولم يطلق اللفظ. فإن قال قائل: فهلا جعلتموه مظاهرًا، كما لو قال: أنت طالق شهرًا جعلتموه مطلقًا؟. قلنا: الفرق بين المسألتين: إنه بالطلاق يقصد إزالة الملك وما زال من ملك النكاح عن عدد الطلاق فلا عود فيه. فأما إذا ظاهر ووقت، فما أزال الملك فإن الظهار لا يتضمن زوال، الملك، إنما يتضمن قصد تحريم الوطء، فعلق بلفظه هذا المقتضى، ثم انقسم القصد: فإن قصد التحريم على جهة التأبيد استحق نهاية التغليظ في التكفير، وإذا لم

مسألة (566)

يبلغ نهاية القصد بتأبيد التحريم لم تتحقق له صفة المظاهرين، ولكنه لم يخرج عن جملة المظاهرين المتلفظين بالمنكر والزور؛ فلذلك حكمنا بهذا الحكم. مسألة (566): إذا قال لأربع نسوة أنتن علي كظهر أمي كفته كفارة واحدة في أحد القولين. ولو قال: أنتن طوالق وقع على كل واحدة منهن طلقة، وصار كما لو أفرد كل واحدة منهن بلفظ الطلاق، ولم يجعله في الظهار، كمن أفرد كل واحدة منهن بلفظ الظهار. والفرق بينهما ما سبق في المسألة السابقة: أن لفظ الزور وما تلفظ به من المنكر

مسألة (567)

معتبر في إيجاب الكفارة، ولم تتكرر منه اللفظة، وإنما تلفظ بها مرة واحدة فاكتفينا منه بكفارة واحدة. فأما الطلاق، فمبناه على غير هذا الأصل، وقوله: أنتن طوالق وصف كل واحدة منهن بصفة معلومة وهي زوال الملك عنها؛ فلذلك افترقت المسألتان. مسألة (567): إذا أعتق عبدًا بكماله نصفًا عن كفارة ظهار ونصفًا عن كفارة قتل، فقد قال بعض أصحابنا: عتق عتقًا محسوبًا عن الكفارتين كما نوى، حتى لو أعتق عبدًا آخر على مثل هذه الصفة أجزأته الكفارتان. ولو أعتق من عبد مشترك نصفه عن كفارة، وهو معسر، ثم ملك نصفًا آخر من عبد، فأعتقه عن تلك الكفارة، وهو معسر، عتق النصفان ولم ينصرفا إلى الكفارة، والكفارة باقية كما كانت. والفرق بين المسألتين: أنه إذا أعتق عبدًا واحدًا نصفين، فقد أكمل الحرية في جميع الرقبة وملك العبد بذلك نفسه،/ (245/ ب) وهذا مقصود العتق في الكفارة، ولا يضر أن يكون بعضه عن كفارة وبعضه عن أخرى إذا كملت الحرية فيه.

مسألة (568)

فأما إذا فرق العتق في مملوكين، فمعلوم أن واحدًا من المملوكين لم يملك بذلك العتق رقبته على الكمال. ألا ترى: أنه لم يثبت حكم الميراث، ولا حكم الشهادة، كما ثبتت في المسألة الأولى. وهذه الطريقة موافقة للنص حيث قال الشافعي - رحمه الله -: "نصفًا عن واحدة، ونصفًا عن واحدة". هذا لفظه في المختصر، فصور المسألة حيث تتكامل الحرية في الرقبتين، حتى حكم بإجزاء الكفارتين، فدل ظاهر كلامه على أنه إذا عتق ولم يستكمل الحرية فيهما لم نحكم بإجزاء الكفارة بحال. مسألة (568): إذا ظاهر الرجل من امرأته وهي مملوكة، ثم اشتراها، فانفسخ النكاح فحرام عليه إصابتها بملك اليمين حتى يكفر كفارة الظهار. ولو طلقها طلقة رجعية، أو خالعها وقعت الحرمة، فإذا اشتراها زالت تلك الحرمة وحل له إصابتها بملك اليمين.

والفرق بين الحرمتين: أن حرمة الطلاق حيث حصلت إنما حصلت بزوال الملك في الخلع، أو بزوال شعبة الملك في الطلاق الرجعي، والحرمة إذا تعلقت بزوال الملك ارتفعت بتجدد الملك، والملك على البضع مستفاد بالشراء، كما يستفاد بالنكاح، فحل له وطؤها بملك اليمين، كما حل له وطؤها بالنكاح الجديد. فأما الحرمة الحاصلة بالظهار، فهي غير متعلقة بزوال الملك؛ لأن الظهار لا يزيل الملك، وإنما تعلق باللفظ المخصوص والمقصد المعلوم، فلا سبيل إلى الاستحلال ما لم يكفر عن ذنبه الذي ارتكب في التلفظ بذلك اللفظ؛ فلذلك بقيت الحرمة إلى أن يكفر. وهذا في الطلاق لم يستوف عدده، فأما إذا طلق امرأته المملوكة ثلاثًا، ثم اشتراها، فحرام عليه وطؤها بملك اليمين حتى تنكح زوجًا غيره. والفرق بين أن يستوفي العدد وبين أن لا يستوفيه: أن العدد إذا كان غير مستوفٍ فلو أراد استحلال بعضها بنكاح جديد حل له البضع من غير زوج جديد، فحل له البضع بالشراء وإن كان جنسًا ثانيًا في الاستفراش. فأما إذا طلقها ثلاثًا، فمعلوم أنه لو أراد استحلالها بنكاح جديد لم يجد سبيلًا إليه إلا بعد زوج واصابته، فكذلك إذا أراد أن يستحلها/ (249/ أ) بملك اليمين لم تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، ومعقول أن جميع حرمات المصاهرات المعلقات بالمناكح

متصورة. في ملك اليمين، فكذلك الحرمات المغلظة بالطلاق الثلاث مستبقاة في ملك اليمين إلى وقت الهدم.

كتاب اللعان

كتاب اللعان مسألة (569): قال الله عز وجل: {والَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ولَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إلاَّ أَنفُسُهُمْ} الآية، فجعل الرمي شرطًا في اللعان وفي ثبوته، واشترط مصادفة الرمي النكاح لقوله تعالى: {أَزْوَاجَهُمْ} فلو أن رجلاٌ قال لزوجته: أنت زانية في عشيرتك وجب عليه لعانها إذا طالبته وعجز عن إقامة البينة، ولو قال: أنت أزنى عشيرتك لم يكن ذلك قذفًا صريحًا، فإن قال: أردت بذلك قذفًا كان قاذفًا. والفرق بين المسألتين: أنه إذا قال لها: أنت زانية فقد أثبت لها هذه الصفة على جهة التحقيق، فصار شرط اللعان موجودًا، وأما إذا قال: أنت أزنى عشيرتك، أو أنت أزنى الناس، فليس ذلك بقذف صريح، لأنه لم يثبت زنا

مسألة (570)

الناس من قبل، وإذا لم يثبت زنا الناس بالقذف لم يتحقق منه القذف بالتفصيل. ولو قال: عشيرتك زناة، وأنت أزناهم وجب عليه اللعان في قذفه زوجته؛ لأنه لما بدأ فقال: عشيرتك زناة، فقد ثبت قذفه إياهم، وكان التفصيل بعد ذلك حقيقة قذف لها. مسألة (570): إذا قذف رجل امرأة وهو لا يعرفها حين قذفها؛ لأنها متقنعة بخمار، أو كان ذلك في ظلمة، ثم بان أنها زوجته، فليس ذلك بقذف، ولا لعان، وإذا ادعت علمه، فجحد فالقول قوله مع يمينه أنه لم يعرفها. وإنما فصلنا بين هذه المسألة وبين سائر مسائل القذف؛ لأنه إذا عرف من يقذفه، فظاهر القذف أنه اختار، فإذا عجز عن تصديق ذلك وجب عليه الحد، أو اللعان. فأما إذا كان لا يعرف المقذوفة، فلا يتصور أن يخبر عن أحوالها وارتكابها الزنا، وربما يتعرض الرجل لغيره بالأذى، فلا يتصور بصورة قاذف.

مسألة (571)

ألا ترى أن رجلًا لو أصابه حجر، أو رمي به ولم يعلم من الرامي فقال: من رماني فهو زان، وهو لا يعرفه، لم يكن ذلك منه قذفًا. فأما إذا تداعيا، وتنازعا في العلم والجهل، فحالة التداعي غير هذه المسألة، والقول قول المدعى عليه مع يمينه. مسألة (571): إذا ادعت المرأة على زوجها/ أنك قذفتني، فجحد القذف، فشهد عدلان على قذفه إياها فأقبل على اللعان كان له اللعان مع جحوده القذف. ولو جحد ونفي زناها فقال: ما زينت استغنى عن اللعان إلا أن يثبت عليه القذف بالبينة. والفرق بين أن يجحد القذف فيلاعن، وبين أن يجحد الزنا فلا يلاعن: أنه إذا جحد الزنا فقد أقر بعدم الشرط المشروط الذي يقصد باللعان إثابته، فإن الرجل يقول في لعانه: أشهد بالله أنها زنت، فكيف يستقيم أن يجحد، فيقول ما زنيت؟. ثم يقول: أشهد بالله أنها زنت.

مسألة (572)

فأما إذا جحد القذف فجحوده إياه لا يتضمن إقرارًا منه بأنها ما زنت فإذا أقبل على اللعان فقال: أشهد بالله أنها زنت لم يكن تقدم منه كلمة مضادة لهذه الكلمة. وهذا معنى قول الشافعي - رحمه الله - "وليس جحوده القذف إكذابًا لنفسه" يعني: في كونها زانية. فإن قال قائل: أليس اللعان يعتمد القذف، فكيف يلاعن هذا الرجل وهو حاجة للقذف؟ قلنا: إذا ثبت القذف بشهادة العدول ثبت الشرط الذي يعتمده اللعان، ولو أن رجلًا ادعى عليه القذف فسكت فشهد شاهدان أنه قذف ثبت القذف عليه، وثبت حكمه؛ فلذلك أمرناه في هذه المسألة باللعان. مسألة (572): إذا قذف الرجل زوجته المملوكة، فلاعنها لينفي التعزيز، ثم اشتراها فحرام عليه وطؤها أبدًا.

ولو أنه قذفها وانتفي من ولدها، ثم اشتراها، ثم لاعنها فنفي الولد لم يحرم عليه وطؤها على الصحيح من المذهب. والفرق بين المسألتين: أنه إذا لاعنها قبل الشراء صادف اللعان صلب النكاح، فانقطع النكاح به، وإذا ارتفع النكاح باللعان ثبتت حرمة التأبيد بينهما؛ ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - للعجلاني: "لا سبيل لك عليها". فأما إذا سبق الشراء، ثم لاعنها فقد انفسخ النكاح بالملك، فلم يصادف اللعان نكاحًا حتى يقطعه ويرفعه، ولولا الولد لما لاعنها، فلا تتعلق حرمة التأبيد بمثل هذا اللعان، وهو الصحيح من المذهب.

مسألة (573)

وكذلك نقول في المتناكحين نكاحًا فاسدًا إذا تلاعنا بسبب الولد، وكذلك إذا قذف الرجل زوجته، ثم طلقها وانقضت عدتها، ثم طلبت حقها كان له اللعان؛ لأن القذف كان في صلب النكاح، ولكن ما لم يكن اللعان في صلب النكاح لم يتعلق به حرمة التأبيد، وعلى هذا قياس هذا الباب. مسألة (573): إذا اشترى زوجته المملوكة، فولدت ولدًا بعد ستة/ (250/ أ) أشهر، فأراد نفيه باللعان لم يكن له نفيه، وإن ولدته لأقل من ستة أشهر، فله نفيه. والفرق بينهما: أنها إذا ولدته بعد ستة أشهر احتمل أن يكون من فراش ملك اليمين، والولد من هذا الفراش ينتفي بدعوى الاستبراء، فلا تدعوه حاجة إلى الملاعنة، فإذا كانت المدة دون ستة أشهر، فلا يحتمل أن يكون هذا الولد من ملك اليمين، وإنما هو ملحق بالنكاح وولد النكاح ينتفي باللعان.

مسألة (574)

مسألة (574): إذا طلق الرجل امرأته فجاءت بولد لأقل من أربع سنين كان ملحقًا به إلا أن ينفيه بلعان، ولا فرق بين أن تكون في هذه المدة من ذوات الأقراء، وبين أن لا ترى دمًا. ولو اشترى رجل زوجته فأصابها وادعى أنه استبرأها، فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدًا نفيناه عن ملك اليمين بدعوى الاستبراء. فإن قيل: أيلحق به بالنكاح إذا لم يلتعن، كما تلحقونه إذا لم يكن ملك يمين؟. قلنا: ليس عليه لعان في هذه المسألة، وهي بخلاف تلك المسألة الأولى. والفرق بينهما: أن المطلقة إذا جاءت بولد لما دون أربع سنين، فقد زال فراشه عنها، ولم يتجدد بعد ذلك الفراش فراش جديد يحتمل أن يلحق الولد به فألزمناه نسبه إلا أن ينفيه باللعان. فأما إذا اشترى زوجته، فقد نقلها عن فراض إلى فراش؛ لأنه له أن يفترشها

مسألة (575)

بملك اليمين، والولد في فراش اليمين ينتفي بدعوى الاستبراء. فإذا ادعى أنه استبرأها، فانتفي عنه لم يكن عليه أن ينفيه باللعان، وصار، كالفراش المفقود؛ ولذلك فصلنا في المطلقة بين أن تنكح، وبين أن لا تنكح، فقلنا: إذا لم تنكح فالولد ملحق به إلى أربع سنين، وإن نكحت، فمضت ستة أشهر، فجاءت بولد، فالولد ملحق بالثاني، لأن له فراشًا كالفراش الأول. مسألة (575): إذا قذف الرجل امرأته، ولاعنها، فبانت منه، ثم قذفها بعد البينونة مطلقًا فعليه الحد، وإن قذفها بالزنا السابق، فلا حد عليه، ولو قذفها غيره بذلك الزنا السابق فعليه الحد. والفرق في حقه بين الزنا الأول وبين الزنا الآخر: أنه قد حد مرة في القذف بذلك الزنا السابق وغسل عنها عار قذفه إياها، فلا يلتحق بها من جهته في ذلك الزنا مثل العار الأول، فلذلك أسقطنا الحد واقتصرنا على التعزيز إذا طلبت التعزير.

مسألة (576)

فأما إذا استأنف [قذفها بغير ذلك الزنا، فقد استأنف] تعييرها، كما استأنف في الابتداء تعييرها فجُدد عليه الحد. والفرق بين قذفه إياها/ (250/ ب) بالزنا الأول، وبين قذف غيره: أن غيره إذا ذكر ذلك الزنا فقد ابتدأ بتعييرها وإلحاق العار بها، وهي في حقه وفي حق غيره عفيفة، ولعان الزوج لم يبطل عفتها، إنما درء الحد الواجب. وأما إذا قذفها زوجها بذلك الزنا السابق فقد قذفها بما غيرها به مرة ولاعنها فيه، فلا يتصور فيه أن يتجدد عليه الحد، وإذا لم يتجدد عليه الحد بذلك لم يتجدد عليه اللعان. مسألة (576): إذا قذف الرجل زوجته المملوكة، فلا حد عليه؛ لأنها غير محصنة وعليه التعزيز، وله أن يدرأ هذا التعزيز عن نفسه باللعان.

ولو أن رجلًا كانت امرأته محدودة في زنا، فقذفها زوجها بذلك الزنا، فعليه التعزيز، ولا ينفعه اللعان. والفرق بين المسألتين: أن التعزيز في المسألة الأولى للتكذيب لا للتأديب، فإن زوجته تنفي عن نفسها الزنا، وهو رماها به، فلا فرق بين الحرة والأمة في ذلك، إلا أن العقوبة عليه في الحرة الحد الكامل، والعقوبة في المملوكة التعزير.

مسألة (577)

فأما المسألة الثانية، فالتعزيز فيها تعزيز تأديب لا تعزيز تكذيب، وكيف يكون تعزيز تكذيب وقد ثبت زناها عند الناس بالبينة، أو بالاعتراف؛ ولذلك أقيم عليها حد الزنا، فصار هذا أصلًا في الباب، فمتى ما توجه عليه عقوبة تكذيب فله تصديق نفسه باللعان ومتى ما توجه عليه عقوبة تأديب - وهو في منزلة الاستغناء عن التصديق والتكذيب - فتلك العقوبة غير مدفوعة باللعان. مسألة (577): الزوج إذا كان ابن عشر سنين، فولدت امرأته ولدًا فقال: ما هذا الولد مني، فإني لست ببالغ لم نصدقه، وألحقنا الولد به، فإن أراد نفيه باللعان لم نمكنه. فإن قال: إذا لم تمكنوني من اللعان؛ لعله الصغر، فلا تلحقوا بي نسبًا، وإن ألحقتم بي النسب، فمكنوني من اللعان، وإلا فما الفرق بين الحكمين؟. قلنا: الفرق بينهما: أن النسب حيث يلحق إنما يلحق بالإمكان إذا تصور، وقد تحقق الإمكان؛ لأن ابن العشر ربما يكون بالغًا بالماء. وأما اللعان، فلا يتصور إلا من بالغ وقد أقررت بأنك غير بالغ، فكيف نمكنك من اللعان مع هذا الإقرار السابق! فاصبر حتى تبلغ فتلاعن، فإن مات هذا الزوج قبل أن يبلغ فيلاعن ورثته لنفي ذلك الولد؛ لأن الإلحاق غير

مسألة (578)

موقوف على النكول عن اللعان، وإنما الالتحاق بالإمكان السابق، فكان النفي موقوفًا على وجود/ اللعان، فإذا مات ولم يلاعن استقر حكم النسب على جهة الإسناد، لا على جهة الاستئناف. مسألة (578): إذا قذف زوجته المجنونة، ولها ولد نسبه إلى الزنا كان له اللعان، وإن لم يكن لها ولد، فالصحيح من المذهب أنه لا يلاعن، وإن كان القذف قد صادف النكاح. والفرق بين المسألتين: أن الولد إذا لم يكن موجودًا، فمقصوده من اللعان مجرد الفرقة، والطلاق بيده، فلا ضرورة تدعو إلى اللعان حتى يلاعن. فأما إذا ولدت، فهناك نسب متعرض للثبوت، فلا ينتفي ذلك النسب عنه إلا بلعان؛ فلذلك يمكن من اللعان؛ ولذلك أجرينا [اللعان في النكاح الفاسد عند وجود الولد، وما] أجريناه عند عدمه.

مسألة (579)

مسألة (579): إذا جاءت امرأة الرجل بولد فقال زوجها: إنه مستعار فلا لعان بينه وبينها. ولو قال: أصابك رجل بالشبهة وما زنيت ولكن هذا الولد من تلك الشبهة فعليه أن يلاعنها. والفرق بين المسألتين: إنه إذا قال أصابك رجل بالشبهة فقد قذفها بوطء حرام، ولم يقذفه بصريح الزنا؛ لأن الإصابة بالشبهة حرام محض بإجماع العلماء، فصار كما لو قذفها بصريح الزنا. فأما إذا قال: إن الولد مستعار فإنه ما قذفها بوطء حرام لا بزنا، ولا بما هو دون الزنا، واللعان لا يتصور من الزوجين إلا بأن يتقدم من الزوج قذف بحرام.

ثم إذا ادعى أن الولد مستعار والمرأة تدعي أنها ولدته، [فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن تقدر على إقامة البينة أنها ولدته] على فراشه، وإما أن تعجز عن ذلك، فإن أقامت أربع نسوة يشهدن على ولادة الفراش لزمان يحتمل يلحق الولد به ألحق الولد به، وليس له نفيه باللعان، وإن عجزت عن إقامة البينة، فقد قال الشافعي - رحمه الله -: "إن أرادت أن تستحلفه كان لها ذلك". ومعلوم أن الطفل لو كان له مال على رجل وله أب وأم فليس للأم أن تستحلف ذلك الغريم، وأن تطلب ذلك المال، وإنما الطلب للأب بولاية الأبوة، وإن لم يكن أب وكان للطفل أم رشيدة فالقياس عند أكثر مشايخنا أن الأم لا تقوم بالطلب، ولا تنزل منزلة الأب، ولكن القاضي يليه إن لم يكن من جهة الأب وصي. والفرق بين هذه المسألة في النسب وبين المال: أن الزوج يحيل علياه بدعواه نفقة الولد ومؤنته، ويسقطها عن نفسه، وهي تحيل عليه وتدعي، فصارت الخصومة متعلقة بها من هذا الوجه/ (251/ ب) فكان لها الدعوى والاستحلاف، ثم

ترتب النسب على الخصومة، وليست الخصومة والدعوى من خصائص النسب. [فقد يشهد أربع نسوة على الفراش والولادة ويثبت النسب]، والنسب لا يثبت بشهادة النساء، ولكن إذا ثبت بشهادتهن ما تختص شهادتهن به جاز أن يترتب غيره عليه. وكذلك إذا ثبت بمخاصمتها واستحلافها ولادتها على الفراش دفعت عن نفسها نفقة الولد، وترتب النسب عليه. والذي يدل على هذا من كلام الشافعي - رحمه الله -: أنه قال - في هذه المسألة-: "إن نكل الزوج عن اليمين أحلفناها ولحقه" هذه لفظه، ومعقول أن القيم لا يستحلف، وكذلك الوصي والوكيل، فلما استحلفها الشافعي - رحمه الله - دل على أنه جعل هذه الخصومة خصومة بينهما في حقهما لا في حق الولد، وإن ترتب حق الولد عليها. فأما إذا ادعت أم الطفل مالًا من أموال الطفل على إنسان فدعواها غير

مسألة (580)

مسموعة في القياس، بخلاف الأب؛ لأن الدعوى إنما تسمع في حق الطفل ممن له ولاية عليه، والولاية حيث ثبتت للآباء دون الأمهات. ألا ترى أن ولاية النكاح مختصة بهم، وكذلك ولاية المال، والرجال مختصون بولاية القضاء دون النساء، ولا خلاف بين الفقهاء أن الصبي إذا كان له أب وأخ فالولاية إلى الأب، وكذلك إن كان له جد وأم - وإن كان الجد في الدرجة عاليًا - فالولاية إلى الجد دون الأم؛ فلذلك فصلنا بين المسألتين. مسألة (580): إذا قذف الرجل زوجته وترافعا إلى الحاكم فعرض عليه اللعان، فنكل أقيم عليه حد القذف، لاعنت أو نكلت، والمرأة إذا نكلت عن اللعان لم يتوجه عليه حد الزنا ما لم يلاعنها الزوج. وإنما افترقا لمعنى لا يخفي وهو: أن الحد يتوجه على الزوج بقذفه السابق وهو معترف بالقذف، ولعانه للدفع، وليس وجوب الحد عليها

بلعانها؛ [لأن لعانها لدفع حد الزنا، كما أن] لعانه لدفع حد [القذف، ويتضمن إيجاب حد] الزنا من حيث تضمن: إثبات الزنا عليها، وفي إثبات زناها نفي صفة القاذفين. فأما المرأة إذا نكلت عن اللعان ولم يسبق من جهتها إقرار بالزنا ولم يشهد عليها الشهود، فلا بينة يثبت بهلا زناها سوى لعانه فإن العتن ثبت الزنا عليها، [فوجب الحد، وإن نكل لم تلتعن ولم يثبت الزنا عليها]، فلم يجب الحد. ولهذه النكتة لا يتصور في اللعان الابتداء بالمرأة؛ لأن لعانها لا يصلح إلا لدفع الحد، وإنما تحتاج إلى الدفع إذا توجه عليها بلعانه/ (252/ أ) ما تدفعه بلعانها، بل تكون البداية أبدًا بالزوج. لأن الزوج يريد أن يثبت بلعانه - الذي نزل منزلة البينة - ما ادعى عليها من تلويث الفراض وإلحاق ولد الزنا.

مسألة (581)

مسألة (581): اللعان عند الشافعي - رحمه الله - أيمان في التغليب، وإن كانت ألفاظه مشوبة بمعنى الشهادة، فجانب اليمين مغلب. ولو أن رجلًا نكل عن اليمين في خصومة، فتوجه الحكم عليه بسبب نكوله ويمين خصمه فأراد أن يحلف ونشط لما نكل عنه، فلا حق له في اليمين، حتى لو قال القاضي لخصمه: احلف - ولم يحلف بعد - فقال الناكل: اقبل علي أيها القاضي لأحلف لم يكن للقاضي أن يستحلفه بعد قوله للخصم: احلف. وإذا نكل الزوج عن اللعان فقضى عليه بالحد، فنشط للعان كان له اللعان، حتى قال الشافعي؛ رحمه الله: "لو أقيم عليه بعض الحد فقال: دعني أيها القاضي حتى التعن تركه حتى يلتعن، ولا يجوز استيفاء ما بقي من الحد وإن كان الباقي سوطًا واحدًا، وإن تلف أو فسد بعض أعضائه فيما فات من الضرب

فلا شيء له فيه". والفرق بين اللعان وبين سائر المسائل التي فيها حكم [النكول: أن اللعان مشروع لحكم الحد مع ما يتصل به بحكم] النسب وغيره، والحدود مدفعوعة بالشبهات، وليست في سقوطها وإسقاطها كسائر الأحكام، فإذا رغب في اللعان لإسقاط الحد ألحقنا اللعان بالشهادة لشبهة الحدود، والشهادة مقبولة متى أراد إقامتها سواء تقدم منه إظهار العجز عن الإقامة أو لم يتقدم ذلك منه، بعد أن لا يكذب نفسه بنفسه، ولا يكذب شهوده بقوله. فأما النكول في غير الحدود فمتى ما توجه الحكم به لم يسقط ولم يتغير؛ لأن سائر الحقوق لاتسقط بالشبهات، بخلاف الحدود.

والذي يدل على هذا الفرق: أن الشهود إذا شهدوا قبل استيفاء المال فلا تأثير لرجوعهم، وللخصم استيفاء ذلك المال، بخلاف ما لو رجعوا بعد قبول الشهادة وقبل قوله: حكمت. [فأما الحدود فليست كذلك، ولكن إذا قال القاضي: حكمت] بشهادتهم، ثم رجع الشهود قبل استيفاء الحد سقط الحد، كما يسقط برجوعهم قبل الحكم، وهذه حقيقة قول العلماء: إن الحدود تسقط بالشبهات. فإن قال قائل: فوائد لعانه غير مقصورة على دفع الحد عندكم، بل يتعلق بلعانه نفي النسب ورفع الفراش/ وإيجاب حد الزنا فلئن كان الحد يسقط بالشبهة، فليس للشبهة تأثير في هذه الأحكام، فيجب أن لا تقبلوا فيها لعانًا بعد نكوله، وقد قلتم إذا لاعن بعد النكول وإقامة بعض الحد تعلق بلعانه جميع هذه الفوائد، كما يتعلق بلعان لم يتقدمه نكول. قلنا: هذه الأحكام وإن كانت تتعلق باللعان فأصل اللعان في الشرع حيث ورد إنما ورد بسبب القذف لدفع موجبه، قال الله تعالى: {والَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ولَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}، ولم يذكر ولدًا ولا رفع فراش، فصار دفع الحد أصلًا في اللعان، والحد يدرأ

مسألة (582)

بالشبهة، فقلنا: لعانه بعد نكوله لدفع الحد عنه، ثم لا نبالي بأن يترتب عليه أحكام مباينة للحدود في الشبهات. ألا ترى: أن شهادة النساء المنفردات مختصة بالولادة ونظائرها غير مقبولة في الأنساب، كيف ولو شهدت امرأتان مع رجل على نسب لم يثبت ذلك النسب بشهادتهم، ثم إذا شهد أربع نسوة على ولادة في فراش ثبتت ولادة الفراش بشهادتهن وترتب النسب عليها، كذلك في هذا الموضع. مسألة (582): الأخرس كالناطق في اللعان والأيمان، واللعان أيمان، وكذلك هو كالناطق في الأيمان والبيع وسائر العقود، وقال بعض أصحابنا: شهادته غير مقبولة وإن كانت إشارته مفهومة.

مسألة (583)

والفرق بين شهادته عند القاضي، وبين شهادته بالأيمان: أن الشهادة عند القاضي مبنية على أوصاف مخصوصة في الكمال؛ ولذلك اشترطنا في الشاهد شرائط معلومة وهي: الكمال، وهذه الصفة وهي: الخرس، أو البكم تسلب صفة الكمال بالتأثير في خصائص الشهادة، إذا العبارة من خصائصها، وأيضًا فإن الشهادة إذا تضمنت ريبة، وتمثلًا، واحتمالًا لم تصلح لتنفيذ القضاء بها، وهذه الإشارة بمحل التمثل والاحتمال؛ فلذلك فصلنا في حقه بين الشهادة، وبين سائر أحكامه. مسألة (583): إذا لاعن الرجل زوجته وهي من أهل اللعان، فإذا لم تقابل لعانه باللعان وجب عليها الحد. ولو كان النكاح نكاح شبهة وأتت بولد/ (253/ أ)، فلاعنها، فنكلت ولم تقابل لعانه، فمن أصحابنا من قال: لا حد عليها.

والفرق بين النكاحين: أن النكاح إذا كان بشبهة، فجريان اللعان بينهما بسبب الولد. ألا ترى أن الولد لو كان مفقودًا لم يجر بينهما لعان، وإذا كان اللعان مختصًا بالنسب، فليس عليها المقابلة؛ لأن لعانها لا يغير حكم النسب، وإنما تستفيد باللعان درأ الحد عن نفسها. ألا ترى: أن الأب لو نفي ولاعن، والمرأة تدعي أن الولد ولده وتذكر الولد في اللعان للإثبات، فلا اعتبار بقولها، ولا يثبت النسب بإثباتها؛ فلذلك لم نأمرها بمقابلة اللعان. فأما إذا كان النكاح صحيحًا، فاللعان في ذلك النكاح غير مختص بنفي النسب، ألا ترى أنه لو قذفها ولم يكن هناك ولد كان له أن يلاعنها، ويتعلق بلعانه رفع الفراش ودرأ الحد؛ فلذلك لزمها مقابلة اللعان باللعان. وعلى هذا الأصل قال بعض أصحابنا: إذا أغفل القاضي ذكر الولد في اللعان ففرغا أعاد اللعان عليه الولد أن أراد نفي النسب، وليس عليها إعادة اللعان؛ لأن فائدة لعانه موجودة وهي نفي النسب، ولعانها في هذا الموضع لا

مسألة (584)

يفيد شيئًا، وقد فرغت من اللعان، فاكتفي القاضي بلعانه وحده في نفي النسب. مسألة (584): إذا قذف الرجل امرأته بزنا برجل سماه، ثم امتنع عن اللعان، فقد قال بعض أصحابنا: يقتصر على حد واحد قولًا واحدًا، بخلاف ما لو قذف جماعة بكلمة واحدة ففيه قولانك أحدهما: أنه يحد حدًا واحدًا، والثاني: أن لكل واحد منهم حدًا. والفرق بين المسألتين: أنه إذا قذف جماعة بكلمة واحدة فقد قذف كل واحد منهم بزنا سوى زنا الآخر، فإذا قذفهم بأفعال معدودة توجه عليه حدود متعددة على عدد المقذوفين. فأما إذا قذف امرأته برجل، فقد قذفهما بزنا واحد، وإن كان قد ألحق بكل واحد منهما عارًا؛ فلذلك اقتصرنا على حد واحد عند نكوله، وكذلك اقتصرنا على لعان يجمعهما فيه إذا رغب في اللعان.

مسألة (585)

وقد قال الشافعي - رحمه الله -: "إذا أقر رجل أنه زنا بفلانة، ثم رجع عن إقراره، فليس عليه حد الزنا، ولا حد القذف"، فقد أُدرج أحد الحكمين تحت الثاني، وإلا فمعقول أن القاذف/ لا ينفعه الرجوع عن القذف في حق المقذوف، وفي حقه. مسألة (585): النكاح إذا كان قائمًا بين الزوجين، فقذفها وهي حبلى جاز أن يلاعنها، وينفي حملها قولًا واحدًا، وإن بانت وبها حمل فهل يلاعنها بعد البينونة؛ لنفي الحمل؟ فعلى قولين. والفرق بين الحالتين: أنها إذا كانت في صلب النكاح فللزوج لعانها سواء كان هناك ولد، أو لم يكن هناك ولد، فليس يعتمد اللعان نفي النسب في هذه الحالة، وإنما يعتمد الفراش، فيصير النسب تبعًا له. فأما إذا بانت فاللعان بعد البينونة مختص بالنسب، والنسب حمل، والقول في

الإحاطة بالحمل مختلف؛ فلذلك اختلف القول في اللعان على الحمل بعد البينونة، وكان لعان العجلاني على الحمل، ولكنه لعان صادف صلب النكاح؛ فلذلك افترقت الحالتان.

مسألة (586)

مسألة (586): قال الشافعي - رحمه الله-: لو أن رجلًا طلق امرأته طلاقًا بائنًا ومضت أربع سنين، فأتت بولد بعد ذلك وادعت أن الولد من الزوج لمراجعة كانت، أو وطء بشبهة، فالود منفي عنه بلا لعان، والقول قول الزوج مع يمينه أنه لم يراجعها ولم يطأها، ولم يجعل الشافعي - رحمه الله - للمرأة أن تحلف. وقال الشافعي: "لو ولدت امرأة ولدًا فقال: ليس مني، فلا حد ولا لعان حتى يقفه. فإن قال: لم أقذفها ولم تلده، أو ولدته من زوج قبلي - وقد عرف نكاحها قبله - فلا يلحقه إلا بأربع نسوة يشهدن أنها ولدته وهي زوجة له لوقت يمكن أن تلد منه لأقل الحمل، وإن سألت يمينه أحلفناه وبرئ، وإن نكل أحلفناها ولحقه". فأحلف الشافعي - رحمه الله - الأم في هذه المسألة، ولم يحلفها في المسألة الأولى. والفرق بين المسألتين: أن الفراش في المسألة الأولى مرتفع منقطع بالبينونة

مسألة (587)

السابقة، فلو استحلفناها فكأنما نستحلفها لإثبات فراش؛ لأن النسب يترتب على الفراش، ولا سبيل إلى [إثبات الفراش بيمينها. فأما في المسألة الثانية فإن الفراش قائم، وإنما اختلفا في ولادتها على] الفراش، فإذا استحلفناها لم يكن ذلك الاستحلاف لإثبات الفراش، وإنما ترجع فائدته وحقيقته إلى إثبات الولادة على الفراش؛ فلذلك فصلنا بين المسألتين. فكانت هذه الطريقة أصح وأقوم من طريق التسوية وتخريج القولين. مسألة (587): قال الشافعي/ (254/ أ) - رحمه الله-: إذا قال الرجل لابنه: لست بابني لم يكن هذا قذفًا حتى يسأل؛ لأنه يمكن أن يعزيه إلى حلال. وقال أيضًا: لو قال الرجل لابن ملاعنة: لست بابن فلان أُحلف أنه ما أراد قذف أمه، فجعل ظاهره قذفًا.

مسألة (588)

والفرق بين المسألتين: أن الرجل مضطر في ابنه إلى تأديبه وتهذيبه بالكلام وغيره، فلا يحمل هذا الكلام منه على قصد السوء وإرادة القذف. فأما الأجنبي فليس له في ولد الأجنبية مثل هذا القصد، ولا نسب بينه وبينه، فإذا تلفظ بهاذ اللفظ كان ظاهره أنه قذف للأم فتوجه عليه الحد، ولم يتوجه الحد لأم الولد على الولد. مسألة (588): المرأة إذا أتت بولد فلاعنها ونفاه، فأتت بولد آخر لأقل من ستة أشهر من وقت ولادة الأول نظرنا فيه: فإن كان اللعان في نفي الأول صادف صلب النكاح قلنا له: إن لاعنت لنفي الثاني انتفي الولدان عنك، وإن امتنعت ألحقناهما بك ولا حد عليك، وإن كان اللعان الأول بعد البينونة بقذف بعد البينونة فنفي الولد، ثم امتنع عن اللعان؛ لنفي الولد الثاني ألحقنا به الولدين وعليه الحد. والفرق بين المسألتين: أن اللعان إذا صادف الفراش ففائدته غير مقصورة على نفي النسب، ولكن النفي بعض فوائده ومقاصده، فإذا امتنع عن اللعان الثاني بطلت فائدته في النسب وبقيت فائدة اللعان في درء الحد. فأما إذا كان اللعان الأول؛ لقذف بعد البينونة ففائدته مختصة بنفي النسب.

ألا ترى أن الولد لو كان مفقودًا لم يكن له اللعان، فإذا امتنع عن اللعان في حق الولد الثاني التحق به الولدان، وبطلت فائدة اللعان الأول فيما هو مقصوده، فبقى قاذفًا بعد البينونة غير ملاعن؛ فلذلك وجب عليه الحد. ولو كانت المسألة بحالها غير أن المدة بين الولدين كانت أكثر من ستة أشهر فذلك على حالين؛ أحدهما: أن تكون الولادة الأولى على الفراش، ثم يزول ذلك الفراش بطلاق، ثم يلاعن لنفي الولد، أو يزول باللعان. والحالة الثانية: أن تقع الولادة الأولى بعد ارتفاع الفراش. فإن وقعت في الفراش، ونفي الولد الأول باللعان، ثم جاءت بولد لأكثر من ستة أشهر من وقت الولادة/ (254/ ب) الأولى، ولأقل من أربع سنين من وقت الفراق: فإن لاعن؛ لنفي الولد الثاني انتفي عنه، وإن امتنع عن اللعان التحق به الولد الثاني، ولا يلتحق به الأول، ولو وقعت الولادة الأولى بعد زوال الفراش، فالتعن ونفاه، ثم جاءت بولد لأكثر من ستة أشهر من وقت الولادة الأولى، فالولد الثاني منفي عنه بلا لعان.

مسألة (589)

والفرق بين المسألتين: أن الإصابة في المسألة الأولى بعد القذف والولادة وقبل اللعان: موهومة، فيحتمل أن يكون الولد الثاني من علوق في النكاح وكل ولد اتصف بهذه الصفة لم ينتف إلا بلعان. فأما في المسألة الثانية فلا يحتمل أن يكون الولد الثاني من علوق في النكاح، ومثل هذا الولد ينتفي بلا لعان، وكيف يحتمل أن يكون من علوق في النكاح وقد ولدت الولد الأول بعد البينونة؟ فمن المحال توهم علوق الثاني قبل البينونة وبينهما سبعة أشهر، والحمل الواحد لا يمتد هذه المدة قط. مسألة (589): إذا قذف الرجل أجنبية، ثم تزوجها، ثم قذفها ثانيًا، فطلبت حقها، فلاعنها في القذف الثاني وجب عليه الحد للقذف الأول، فإن لم يلتعن، فعليه حدان: حد للقذف الأول، ثم يجلس حتى يبرى جلده، ثم يحد حدًا ثانيًا للقذف الثاني، ولو لم يتزوجها، وقذفها مرتين، فعليه حد واحد. والفرق بين المسألتين: أنه إذا لم يتزوجها كان القذفان من جنس واحد: قذف حد، لا لعان - ولم يتخللهما الاستيفاء فحكمنا بالتداخل، كسائر الحدود إذا تكررت أسبابها قبل الاستيفاء.

مسألة (590)

فأما إذا تزوجها, ثم قذفها فهما قذفان متباينان, والتباين ينافي التداخل, والدليل على تباينهما: أن أحدهما قذف لعان, والثاني: قذف حر! فلذلك أفرادنا كل واحد منهما. مسألة (590): إذا قذف امرأته وأجنبية معها بكلمة واحدة, فعليه حدان, إلا أن يلتعن, فيسقط أحد الحدين. ولو قذف أجنبيتين, أوجماعة بكلمة واحدة, ففيها قولان: أحدهما: أن الواجب حد واحد. والثاني: أنه يجب لكل واحد منهما حد والفرق بينهما: مثل الفرق في المسألة السابقة: أنه إذا قذف جماعة بكلمة واحدة, فأحكامهم واحدة متفقة ليست بمتباينة, فجاز أن تتداخل حدودهم وحقوقهم.

مسألة (591)

وأما الزوجة والأجنبية فهما مختلفان في الحكم؛ لأن قذف أحدهما يوجب حداّ لا محالة, وقذف الأخرى يوجب حدا لا محالة, وقذف الأخرى يوجب حدا يسقط باللعان؛ فلذلك افترقتا في الحكم. مسألة (591): إذا قذف مرتدة أو قذف غير عفيفة فلا حد عليه, لعدم الإحصان في المقذوفة بلا خلاف على المذهب ولو قذف عفيفة, فزنت بعد القذف وقبل الحد سقط الحد, ولو قذفها فارتدت لم يسقط الحد عن القاذف. والفرق بين الزنا الحادث والارتداد الحادث: أنها متى ما زنت تداعت تلك الصفة إلى ما سبق من الزمان ودل صنيعها على عدم حقيقة العفة فيما تقدم, فبان أنه قذف غير عفيفة, أو قذف من كان في عفتها ريبة وشبهة.

مسألة (592)

وأما الردة العارضة فلاتكون دلالة على أنها كانت قبل ذلك مرتدة ولا زانية, فصار كما لو جنت بعد القذف لم يسقط الحد عن القاذف؛ لأن الجنون العارض لا يدل على جنون سابق, فكذلك الارتداد. وأما مذهب المزني فهو: أنها وإن زنت بعد القذف فالحد لا يسقط عنه, كما لا يسقط بعد الارتداد, إذا كانت عند القذف ظاهرة العفاف. مسألة (592): قال الشافعي- رحمه الله-: " لولا عنها, ثم قذفها, فلا حد لها كما لو حد لها, ثم قذفها لم يجد لها ثانية وإن عاد عزر" فقال بعض أصحابنا: إن قذفها بذلك الزنا, فلا حد عليه, وإن قذفها بزنا آخر, فعليه الحد. والفرق بينهما: أن الزنا الأول قد ثبت بلعانه ألا ترى: أنها صارت محدودة فيه وأما الزنا الثاني, فلم يثبت عليها بذلك اللعان, فلم تبطل عفتها مع

مسألة (593)

مقابلتها لعانه بلعانها, ألا ترى: أنها لو قابلت اللعان باللعان لم يقم عليها حد الزنا, والشافعي- رحمه الله- أطلق القول إطلاقا, ولم يفصل بين وجود المقابلة منها, وعدم المقابلة. ومن أصحابنا من عمم القول, فقال: لا حد عليه بعدما لاعنها سواء قذفها بذلك الزنا, أو بغير ذلك الزنا, وجرى على ظاهر كلام الشافعي- رحمه الله- محتجا: بأن لعانه, كالبينة القائمة عليها بالزنا في حقه, ولو أقام شهودا على زناها, ثم قذفها لم يحد, ولكن يعزر, فكذلك إذا عنها. مسألة (593): إذا لا عن الرجل امرأته, ثم قذفها أجنبي بذلك الزنا الذي تعلق اللعان به بعدما قابلت اللعان باللعان فعلى الأجنبي الحد, ولو قذفها (255/ ب) زوجها بذلك الزنا لم يلزمه الحد, وإنما يستحق التعزير والفرق بين الشخصين: أن الزوج إذا لا عن حكمنا في حقه بتصديقه فيستحيل إقامة الحد عليه فيما مضى الحكم فيه بالتصديق. وأما الأجنبي إذا قذفها بذلك الزنا فإنه لم يصدق نفسه, وليس اللعان كالبينة إذا قامت عليها, لأن البينة تعم فائدتها ومقتضاها, وأما اللعان ففائدته خاصة وليست بعامة.

وذكر الشافعي- رحمه الله- في جانب الزوج علة, وقال: " لولا عنها, ثم قذفها, فلا حد لها, كما لو حد لها, ثم قذفها لم يحد لها ثانية". فجعل اللعان في هذه المسألة شبيه بالعقوبة عليه. ومن عوقب في قذف شخص, ثم قذفه بذلك الزنا مرة ثانية استحق التعزير في القذف الثاني, ولم يستحق الحد. وإما الأجنبي فلم يتصور فيه ما يكون كالعقوبة. فإن قال قائل: وأي عقوبة في اللعان واللعان أيمان؟ قلنا: اللعان أيمان, ولكنها أيمان تستعقب ذكر اللعنة والغضب على جهة اللزوم والوجوب, وهذا المعنى مفقود في سائر الأيمان وفي سائر الشهادات. فإن قيل: قد استنكرتم على أهل العراق مصيرهم إلى أن اللعان عقوبة, ثم دخلتم فيما استنكرتم عليهم!!

قلنا: إنما جعلوا اللعان مغنيا عن الحد, حتى قالوا إذا لا عنها حبست حتى تلتعن وإن نكلت لم تحد حد الزنا, وكذلك يقولون في جانب الزوج: إذا نكل عن اللعان يحبس حتى يلاعن على إحدى روايتهم, وهذا مما لا نقول به, ولكن جعلنا اللعان أيمانا ووقرنا عليه شبه العقوبة في هذه المسألة لما فيه من العقوبة باللعنة, كما وقرنا عليه حكم الشهادات في بعض المسائل, لما فيه من لفظ الشهادة.

مسألة (594)

مسألة (594): إذا شهد شاهدان على رجل بأنه قذف امرأتيهما فشهادتهما مردودة قولا واحدا وإن شهد الرجل لامرأته في شهادته قولان: أحدهما: أنها مقبولة والثاني: أنها مردودة والفرق بين الشهادتين: أنه إذا شهد لامرأته بمال لم تتضمن هذه الشهادة تهمة عداوة بين الشاهد والمشهود له عليه. فأما إذا شهد لها بحد قذف فشهادته قد تضمنت عداوة ظاهرة, لأن من قذف زوجة رجل صار ذلك القذف عداوة بين القاذف وبين زوج المقذوفة, والعداوة إذا ظهرت تعلق بها رد الشهادة.

مسألة (595)

مسألة (595):/ (256/ أ) إذا قذف رجل رجلين فقالا: عفونا عنك, ثم شهدا عليه بحق كانت شهادتهما مقبولة. ولو شهدا ثم عفوا, ثم أعادا شهادتهما المردودة لم تسمع ولم تقبل. والفرق بينهما: أنها صارت مردودة لعلة التهمة وهي تهمة العداوة وكل شهادة ردت للتهمة لم تقبل بعد الرد. ولذلك قلنا: إذا شهد المكاتب لسيده وشهد السيد لمكاتبه استويا في الرد, فلو أعادا بعد عتقه قبلنا شهادة [المكاتب, ولم نقبل شهادة السيد؛ لأن شهادة] المكاتب مردودة للرق, لا للتهمة, وشهادة السيد

مردودة للتهمة, فلا نقبلها, وإن ارتفعت التهمة, كما لا تقبل شهادة الفاسق إذا حسنت حالته وأعادها في ذلك الشيء بعينه, وعلى هذا بناء الشهادات.

كتاب العدد

كتاب العدد مسألة (596): المرأة إذا كانت ذات قرء وطلقها زوجها في بقية طهرها, فقد قال الشافعي رحمه الله-:" إن بقية الطهر يحسب لها قرءا ولو كانت طرفة عين". ولو أن رجلا طلق امرأته وهي طاهر, فراجعها, ثم طلقها من غير مسيس, ففي البناء على العدة, والاستئناف قولان فإذا قلنا: تستأنف العدة فلا فرق. وإذا قلنا: إنها تبني فلا يحسب ما بين الطلقتين. قبل الرجعة قرءا قولا واحدا, وإن كان ذلك زمانا من الطهر. والفرق بين أوله وآخره: أن المرأة بالخروج من آخر طهرها تطعن في الدم, وخروج الدم من إمارة البراءة؛ ولذلك يعلق الاستبراء بخروجه, فحسبنا ذلك

مسألة (597)

الزمان اللطيف الذي استعقب الدم قرءا, لما في الدم من الدلالة الظاهرة, وكل أمارة في البراءة تستفاد بطهر كامل تستعقب الدم, فتلك الأمارة تستفاد بلحظة طهر تستعقب دما. فأما أول الطهر فإنه زمان لا يستعقب الدم حتى يستدل بالدم على البراءة, والدم السابق لا ينفع, فإن الطلاق وقع بعده في الطهر, وشرط البراءة الواجبة: حصولها بعد وقوع الطلاق لا قبل وقوعه, فظهر الفرق بين أول الطهر وآخره. والذي يؤكد ما ذكرنا: أنا لو حسبنا ذلك الزمان في أول الطهر قرءا لزمنا أن تقول: تنقضي العدة بثلاثة أزمنة من طهر واحد مثل: أن يطلقها [طاهرا فيراجعها, ثم يطلقها, ثم راجعها, ثم طلقها] فيجب أن نحكم بأن كل زمان وجد بين طلاق ورجعة, فذلك قرء فيؤدي إلى المحال. مسألة (597): إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق مع آخر (256/ ب) جزء من طهرك,

فطعنت في الحيض حكمنا بأن أول قرء من عدتها الطهر المستقبل بعد هذا الحيض. ولو أنه نجز طلاقها في آخر طهرها, فحاضت عقيب التنجيز حكمنا بأن قرءا قد مضى عليها والطهر المستقبل هو القرء الثاني. والفرق بين المسألتين: أنه إذا طلقها تنجيزا, فحاضت, ولم تكن مع تطليقه حائضا, فلابد من أن يمضي عليها لحظة لطيفة بين وقوع الطلاق وبين نزوف الدم وظهوره, فحسبنا تلك اللحظة اللطيفة قرءا لها. فأما إذا علق وقوع الطلاق بآخر جزء من أجزاء الطهر بحيث لا يتصور أن يمضي عليها عقيب وقوع الطلاق شيء من الطهر قليل ولا كثير فإنما يمضي عليها عقيب الطلاق زمان الحيض, فلم يحسب لها إلا القرء القابل, ولو تصور في التنجيز ما تصور في التعليق وتحقق الموهوم ولم يمض عليها بعد وقوع الطلاق سوى زمان سوينا بين المسألتين, غير أن ذلك في التنجيز مستبعد التصوير. وهذا كله على القول المشهور وهو: أن الأقراء هي: الأطهار, فأما من قال: إن القرء هو الانتقال فإنه يقول: إذا طلقها تعليقا فقال: أنت

مسألة (598)

طالق مع آخر جزء من أجزاء طهرك, فطعنت في الدم, فقد مر عليها قرء. مسألة (598): الانتقال من الدم إلى الطهر لا يحتسب من أقراء العدة بحال, فأما الانتقال من الطهر إلى الدم, فهو قرء محسوب على قول منصوص في كتاب الرسالة. والفرق بين الانتقالين: أن استرسال الدم وخروجه من الرحم دلالة ظاهرة تدل على البراءة والبراءة مقصودة في العدة, فإذا طلقها طاهرا فانتقلت إلى الحيض كان الانتقال دلالة على المقصود فجاز أن نحتسبه قرءا. فأما احتباس الدم واستمساكه, فليس بدليل على البراءة, بل هو من أسباب الريبة والاسترابة, فكيف نحسب هذا الانتقال من جملة الأقراء المشروطة؟ والذي يدل على ما ذكرنا من الفرق: أن الرجل إذا اشترى جارية في آخر

مسألة (599)

دمها, فطهرت لم يحل له وطؤها وإن اغتسلت, حتى تمضي عليها الحيضة القابلة بتمامها, ولو كان الدم الماضي دليلا على البراءة لجعلنا يسير الحيض استبراء في هذه المسألة. مسألة (599): قال الشافعي- رحمه الله-: " العدة معتبرة بالطهر, والاستبراء معتبر بالحيض" والفرق بينهما: أن المقصود من الاستبراء حل الوطء, فلو جعلنا الطهر استبراء لما حصل مقصود الاستبراء وإن انتهى زمانه, لأنها بالفراغ من الطهر تطعن في الدم, والدم ينافي حل الوطء, والمقصود من العدة استباحة العقد, ودم الحيض لا ينافي صحة العقد, فيحصل بطعنها في الدم المقصود من العدة.

مسألة (600)

فرق آخر: وهو أن العدة للأزواج على الزوجات وليست على الأزواج, فلما كانت لهم حسبنا العدة زمانا كان لهم, وهو زمان الأطهار, فأنها وقت الاستحلال, ولم نحسبها بزمان كان عليهم وهو زمان الدم. فأما الاستبراء فإنه على السيد وليس له, وكيف يكون له وهو ممنوع في زمانه عن الإصابة؟ فكان معتبرا بزمان يكون كله عليه وهو زمان الدم. مسألة (600): الصغيرة إذا اعتدت ببعض الشهور فحاضت فالمنصوص عليه أنها تعتد بعد ذلك بالأقراء. وظاهر هذا الكلام: أنها تعتد بثلاثة أقراء ولا يحتسب طعنها في الدم عن الطهر قرءا لها. وإذا كانت قبل الطلاق من ذوات الأقراء, فطلقت في بقية طهرها [فحاضت فقد حسبنا بقية طهرها قرءا من الأقراء].

مسألة (601)

والفرق بين المسألتين: أنها إذا كانت عند الطلاق من ذوت الأقراء توجهت العدة عليها بالأقراء, فحسبنا بقية طهرها] من هذا الحساب, ثم جرينا على ذلك حتى أكلنا لها العدة. فأما إذا كانت عند الطلاق ما أهل الشهور, فأول ما وجب عليها وجب من حساب الشهور, لأنها حينئذ ليست من أهل القراء, [وإنما صارت من أهل القرء] بوجود الدم, فاستتبعنا لها الطهر القابل بعد هذا الدم في الاحتساب؛ لأن الطهر الذي قبل الدم لا يسمى قرءا, فاسم القرء إنما ينطلق على طهر صحيح مخصوص, وهو الطهر الذي يوجد بين حيضيتن. ومن قال: يحتسب الانتقال إلى الدم قرءا على القول الذي حكيناه حسب لها انتقالها من الدم قرءا من الأقراء الثلاثة. مسألة (601): المرأة إذا كان لها حيض معلوم وطهر معلوم اعتبرنا أقراءها المعلومة

لانقضاء العدة, فربما تمضي عليها العدة في اثنين وثلاثين يوما وساعتين لطيفتين وذلك أقل ما يحتمل. فأما إذا كانت ناسية مستحاضة, فطلقها زوجها, فقد نص الشافعي- رحمه الله- على أنها تصير إلى ثلاثة شهور, وتعتبر بالأهلة كالآيسة, فجعلنا كل شهر في حقها مشتملا على قرء, وعدتها عند الشافعي-رحمه الله-: بالقرء لا يالشهور, ولكن جعل ثلاثة أشهر محلا لثلاثة قروء, ولم يعتبر دورا في الحيض والطهر سوى الهلال. والفرق بين الناسية وغيرها: أنها إذا كانت ناسية لم نجد لها أصلا نردها إليه في مقدار الحيض والطهر أولى من غالب عادة النساء, وغالب عادتهن أن تحيض المرأة وتطهر في كل شهر مرة, فرددناها إلى هذه العادة, وهذا مأخوذ من بيان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حيث أمر حمنة بنت

جحش بأن تتحيض في كل شهر سنة أيام أو سبعة أيام, وتحسب الباقي طهرا في حديث طويل مشهور

مسألة (602)

فأما التي لا تكون ناسية فإنها مؤتمنة فيما تذكره من مقدار حيضها وطهرها, وربما يكون طهرها أقل الأطهار, وحيضها أقل الحيض, فيطلقها, وهي في آخر طهرها, فتطعن في الدم فتكون هذه اللحظة القرء الأول, ثم تحيض يوما وليلة- وهو أقل الحيض- ثم تطهر خمسة عشر يوما, [ثم تحيض يوما وليلة, ثم تطهر خمسة عشر يوما] وهو القرء الثالث, ثم تحيض لحظة, فذلك اثنان وثلاثون يوما وساعتان, وقد انقضت عدتها, والساعة اللطيفة السابقة محسوبة قرءا, والساعة الأخيرة وهي ساعة الطعن في الدم ليست بمحسوبة من العدة، ولكنها تدل على انقضاء العدة. مسألة (602): قال الشافعي- رحمه الله- في الناسية إذا طلقها زوجها: " استقبلنا بها الحيض من أول هلال يأتي عليها بعد وقوع الطلاق, فإذا أهل الهلال الرابع انقضت عدتها", وقال في رواية الربيع: " فإذا أهل الهلال الثالث انقضت عدتها", وكثر كلام أصحابنا وطرقهم في هذين النصيين, فقال بعضهم: صورة رواية المزني: في طلاق يقع وهي من الشهر في النصف الثاني, وصورة رواية الربيع: في طلاق يقع وهي من الشهر في النصف الأول.

مسألة (603)

والفرق بين الصورتين: أنها إذا كانت في النصف الثاني من الشهر فبقية الشهر لا يسع حيضا وطهر, لأن أقل الحيض يوما وليلة, وأقل الطهر خمسة عشر يوما, فذلك ستة عشر يوما, وبقية الشهر دون خمسة عشر يوما, فاستقبلنا بها الأهلة, ولم نحكم بإنقضاء عدتها حتى يهل الهلال الرابع. فأما إذا وقع الطلاق في النطف الأول من الشهر فبقية الشهر تحتمل حيضا وطهرا, فحسبنا هذا الشهر لها قرءا, فقلنا: إذا استهل الهلال الثالث حكمنا بانقضاء العدة. وقال بعض أصحابنا: كان الشافعي- رحمه الله في رواية المزني- حسب الهلال المتقدم على الطلاق ولم يحتسب في راوية الربيع, كما حسب في أحد العبارتين. الميل الأول من أميال السفر, والميل الآخر فجعلها ثمانية وأربعين ميلا ولم يحسبها في عبارة أخرى. فجعلها ستة وأربعين ميلا. وهاتان الطريقتان أصح من طريق من يدعي القولين. مسألة (603): المرأة إذا كانت حائلا فأقل الطهر الفاصل بين حيضتها خمسة

عشر يوما, وكذلك إذا كانت حاملا وقلنا إنها تحيض على الحمل إلا في آخر أيام حملها فإنها لو حاضت حيضة وطهرت عشرة أيام. [ثم ولدت فنفست عقيب الولادة: جعلنا الحيضة المتقدمة على الولادة حيضة صحيحة على الصحيح من المذهب, وإن لم يفصل بينها وبين النفاس طهر. والفرق بين الحالتين: أنها في هذه الحالة] ولدت وتعقب دم النفاس ولادتها, فتكامل الفصل بين الحيضة وبين النفاس بالولد المولود الدال على أن دم النفاس غير دم الحيض, والمقصود من كمال الطهر تمام الفصل بين الحيضتين, [فأما في غير حالة الولادة فلا فاصل بين الحيضتين] سوى الطهر، وشرط ذلك الطهر تمام أيامه ليقع به, وأقل أيام الطهر خمسة عشر يوما, فلا بد من هذه المدة. فإن قال قائل: يلزمكم على هذا أن تجعلوا حيضها المتقدم على الولادة حيضا صحيحا وإن اتصل بالولادة، لأن الولد حاجز بين الدمين.

مسألة (604)

قلنا: كذلك نقول على هذا المذهب, ونجعل الولد فاصلا كافيا مغنيا؛ أنه بنفسه فصل تام. مسألة (604): أصل مذهب الشافعي- رحمه الله- في أقل الطهر وأكثره وأقل الحيض وأكثره الرجوع في ذلك إلى الوجود في نوادر النساء, وعلى هذا بناء أحكام الحيض وكذلك النفاس, فإن وجدنا امرأة ينقص [حيضها عن خمسة عشر يوما, فقد قال بعض اصحابنا: لا ينقص] طهرها عن خمسة عشر يوما في الحكم, وقال بعضهم: يجوز أن ينقص, ولفظ الشافعي - رحمه الله عليه- مع هذا القائل في كتاب العدة. فمن قال بالفرق قال: ما كان إجماعا من هذه المقادير فلا يجوز ترك الإجماع فيه لمجرد الوجود حتى يكون معه قول متقدم ممن يعد خلافه خلافا, والعلماء مجمعون

على أن الطهر لا ينقص عن خمسة عشر يوما, وعلى هذا فرعوا مسائل الحيض. فأما الكلام على أقل الحيض وأكثره, وأقل النفاس وأكثره فالمذاهب مختلفة, فما ذهبنا إليه من اعتبار أصل الوجود فيها غير خارج عن مذاهب

السلف, وعلى هذه الطريقة (259/ ب) تأول كلام الشافعي- رحمه الله- حيث قال: وإن وجد طهر امرأة أقل من خمسة عشر يوما صرنا إليه. يعني: إذا وجدنا في ذلك خلافا متقدما ممن يعد خلافه خلافا. والدليل على هذا: أن العلماء الذين تكلموا في هذا العلم تكلموا في مسائل التلفيق ومن مسائل التلفيق: أن تطهر المرأة خمسة وتحيض خمسة, أو تطهر ستة وتحيض ستة, وربما تستمر عادتها على ذلك في الحيض والطهر, وما ذهب أحد من العلماء إلى أن الستة طهر كامل في حكم العدة وسائر أحكام الحيض, فلهذا الأصل لا نجد بدا من التأويل واشتراط القرينة التي اشترطناها, وإلا فلا ينقص طهر المرأة عن خمسة عشر يومًا. فأما أكثر الطهر فليس له مقدار معلوم, وربما يمتد سنين حتى إن رأت حيضه وانقطعت عشر سنين, ثم حاضت واستحيضت وجب أن نجعل لها في كل

مسألة (605)

عشر سنين حيضة على قياس سائر مسائل الحيض, وهذا من مشكلات العدة والحيض. مسألة (605): المعتدة بالأقراء إذا استرابت في رحمها نظر, فإن استرابت قبل انقضاء القروء الثلاثة لم يجز لها أن تنكح وإن انقضت القروء الثلاثة حتى تزول الريبة. وإن استرابت بعد انقضاء ثلاثة قروء, فنكحت قبل زوال الريبة فعلى قولين: أحدهما: أن العقد باطل. والثاني: أنه موقوف على ما يتبين من حملها وحيالها. والفرق بين الصورتين: أنها إذا استرابت وهي في العدة فلا تستفيد

بانقضائها طهرا يدل على البراءة، لأن الريبة قد وجدت وهي في الحال أي: حال عدتها. فأما إذ اانقضت الأقراء، ثم استرابت, فظاهر الأقراء المنقضية انقضاء العدة وبراءة الرحم فيجوز لها أن تعتمد هذا الظاهر, كما تعتمد الظاهر في الحيضة الواحدة للاستبراء وتبيح الوطء للسيد عقبيها إذا لم يحدث ريبة. ومثال هذا ما نقول: إذا شك الرجل في عدد الركعات فبك يدركم صلى وهو فيها, فليس له أن يتحلل عنها إلا بالبناء على اليقين, ولو أنه تحلل عنها, ثم اعترض الشك والريبة فلم يدر كم صلى؟ كان فيها قولان: أحدهما: أنها صحت وتمت, فعلى هذا تمت العدة وبرئت المعتدة. والقول الثاني: أن عليه استنافها إن طال الزمان, وإن قصر لزمه البناء عليها

مسألة (606)

للريبة العارضة, فعلى هذا: يلزمها الصبر بعد القروء الثلاثة؛ لما اعترض من الريبة ولا يجوز لها النكاح. مسألة (606): إذا قال الرجل لامرأته: كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدين بينهما سنة, قال الشافعي- رحمه الله-: " كان الولد الثاني منفيا عنه ل بلا لعان وإن انقضت عدتها به" فإن قال قائل: إذا كان هذا الولد يحتمل أن يكون منه فيجب أن لا تنتفي عنه إلا بلعان, وإن كان لا يحتمل, فيجب أن لا تنقضي به العدة, فكيف فصل الشافعي بين الحكمين؟

مسألة (607)

قلنا: الفصل بينهما: إن إلحاق الولد إنما يكون الإمكان، والاحتمال، وإذا ولدت ولدين بينهما سنة لم يحتمل أن يكون الولد الثاني من النكاح بحال؛ لأن أكثر المدة المتخللة بين الولدين ما دون ستة أشهر, فإذا تخللت بينهما تمام ستة أشهر فصاعدا تيقنا أن الولد الثاني من علوق حادث بعد النكاح, لا من علوق في النكاح. فأما العدة فالمرجع في انقضائها إلى قولها. وهي تزعم أن عدتها غير منقضية به, ولعلها تكون صادقة بأن يصيبها بشبهة بعد الولادة الأولى فتحبل منه بالولد الثاني, فتنقضي عدتها عنه به, فكان هذا الاحتمال علة في تعليق حكم العدة بالولد الثاني, ولم يجز أن يصير علة في النسب وفي إلحاقه ونفيه. مسألة (607): إذا أصاب الرجل امرأة حراما والرجل عالما والمرأة جاهلة وقد التبس عليها واشتبه لم تتعلق حرمة [المصاهرة بتلك الإصابة وأن كانت المرأة عالمة وكان الرجل جاهل وقد اشتبه عليه الأمر تعلقت

حرمة] المصاهرة بتلك الإصابة. والفرق يبين الحالتين: أن الشبهة إذا كانت في جانب المرأة لم يكن ماؤه محترما, وكيف يكون محترما وهو عالم بأنه زان؟ والجهالة في جانبها لا تتعدى حكمها إلى جانبه. ألا ترى أن العدة غير واجبة عليها وإن حصل ماؤه في رحمها, فذلك الحرمة الأخرى. وهي حرمة المصاهرة- يجب أن لا تتعلق بها, كما لم تتعلق به حرمة الاعتداد. فأما إذا كانت الشبهة في جانب الرجل، فماؤه محترم. ألا ترى أن العدة تلزمها إذا كان الرجل جاهلا. وعلى هذا حكم النسب، والحاقه في المسألتين, فيثبت النسب إذا كانت الشبهة في جانبه, ولا يثبت إذا كان من جانبها, والنسب والعدة نوعان من

مسألة (608)

الحرمة, فإذا لم يثبتا لم تثبت الحلامة الثالثة وهي حرمة المصاهرة, وإذا ثبتت هاتان الحرمتان حكمنا بثبوت الأخرى. مسألة (608): نكاح الشبهة (259/ب) كالنكاح الصحيح في إلحاق النسب, ثم لا يتصور أن تكون المرأة منكوحة لرجل معتدة عن رجل آخر في النكاح الصحيح, ويتصور ذلك في النكاح الفاسد, وهو ما يبين عقد النكاح إلى حالى الإصابة؛ لأنها في هذه المدة تكون معتدة عن الزوج الأول ما لم يصبها الثاني, فلما أصابها الثاني انقطعت عدة الأول, حبلت من الثاني أو لم تحبل. وإنما افترقت الحالتان, لأنها متى ما صارت مصابة فقد اشتغل رحمها بماء

الشبهة لما صارت مفترشة للثاني, فحقيقة الافتراش يمنع أن تكون معتدة مع هذه الحالة عن الأول بخلاف ما بين العقد الفاسد والإصابة, فذلك زمان لم يفترشها فيه, ولم يشتغل رحمها بمائه, كان الزمان محسوبا لها من العدة الأولى. فإن قال قائل: أليس ذكر الشافعي- رحمة الله عليه- لفظ النكاح في اعتبار مدة الولادة من الزوج الثاني فقال:" فإن ولدت لأقل من أربع سنين من يوم طلقها الأول وأكثر من ستة أشهر من يوم نكحها الثاني أرى الولد القائف"؟. قلنا: إنما استعمل لفظ النكاح عبارة عن الإصابة أو صورة المسألة في صورة مخصوصة، وهي أن لا يتخلل بين النكاح والإصابة زمان متطاول. فإن قيل: أليست المنكوحة إذا أصيبت بالبشبهة كانت معتدة عن الثاني منكوحة الأول؟. فلا قلتم في المنكوحة نكاحا فاسدا: إنها تعتد وتكون منكوحة في حالة واحدة؟ قلنا: الفرق بينهما: أنها إذا كانت منكوحة نكاحا صحيحا فاعترضت الإصابة بالشبهة على النكاح فهذه الإصابة أوجبت عدة لا محالة، والنكاح الصحيح معقود للتأييد, فلو قلنا بتراخي هذه العدة الواجبة إلى انقطاع

مسألة (609)

النكاح, والنكاح نكاح الأبد, لكنا قد أسقطناها, ولا سبيل إلى إسقاط العدة الواجبة. فأما النكاح الفاسد فلا لزوم له, ولا تأبيد, وكيف يكون له تأبيد؟ بل هو على شرف التفريق, والرفع والقطع, فقلنا: لا نجعلها معتدة عن الأول بعد ما أصابها الثاني, ولكن إذا فرقنا بينهما أمرناها بالبناء على عدة الأول حتى تستكملها فهذا هو الفرق بينهما. مسألة (609): المنكوحة نكاحا صحيحا إذا أصابها زوجها, ثم اجتنبها وتطاول الزمان عليها، فطلقها وجب عليها ان تعتد من وقت الطلاق, ولو كان النكاح فاسدا فأصابها وتطاول الزمان ثم فرقنا بينهما, فالقياس الصحيح يقتضي أن تعتبر عدتها من آخر إصابة كانت في النكاح الفاسد. والفرق بين المسألتين: أن النكاح الصحيح يجوز أن يكون بنفسه على لوجوب العدة [من غير حصول إصابة (260/ أ) ألا ترى أن عدة الوفاة من غير مسيس] فقلنا: إذا طلقها وجب استئناف العدة من وقت انقطاع النكاح, وإن كان العهد

مسألة (610)

بعيدا بالوطء، لأنها كانت إلى هذا الوقت فراشا له على الحقيقة, فأما إذا كان النكاح فاسدا, فليس للفساد بنفسه أثر في إيجاب العدة بحال. ألا ترى أن عدة الوفاة لا تتصور فيه, ولا تجب به, وإنما تجب العدة بالإصابة، [فإذا طال العهد بالإصابة, ثم فرقنا بينهما كان ما بعد بالإصابة] من الزمان محسوبا في العدة حتى لو انقضى عليها بعد الإصابة في النكاح الفاسد, وقبل التفريق ستة قروء انقضت العدتان عدة الأول وعدة الثاني, إلا على مذهب من يقول: إن نفس النكاح الفاسد يقطع العدة الصحيحة, كما يقطعها الوطء الفاسد, وهذا المذهب ضعيف. مسألة (610): إذا اعترفت المطلقة بانقضاء عدتها لزمان يحتمل, ثم جاء بعد ذلك بولد لأكثر من ستة أشهر من وقت اعترافها ألحقنا ذلك الولد بالزوج المطلق إذا لم تكن نكحت زوجا غيره. وكذلك أيضا لو نكحت وولدت من وقت النكاح لأقل من ستة أشهر

ألحقنا هذا الولد بالزوج الأول. وإن ولدته لأكثر من ستة أشهر من وقت النكاح الثاني ألحقناه بالثاني دون الأول. والفرق بين الحالتين: أنها إذا نكحت زوجا ثانيا فقد خلف فراش الأول فراش ثان يحتمل أن يكون النسب منه, وهو فراش موجود في الحالة الراهنة, فكان أولى من الفراش السابق المنقطع، فألحقنا النسب به. وأما إذا لم تنكح زوجا غيره حتى جاءت بالولد فقد ولدته لزمان محتمل؛ لأن مادون أربع سنين كله زمان الاحتمال, ولم يتعقب الفراش الأول فراش ثان يحتمل الإلحاق به, والأنساب تثبت بالاحتمال, والأولى بها ما كان أوفي بغلبة الاحتمال. فأن قيل: قد قبلتم قولها في انقضاء العدة بثلاثة قروء, وقد رددتم قولها في النسب!! قلنا: في النسب حق الولد وحق الوالد, والأنساب إلى الآباء, فإذا اعترفت اعترافا يتضمن حكمين مختلفين, أحدهما: حق غيرها، والثاني: حقها, لم نقبل

مسألة (611)

قولها في ابطال حق غيرها, وإن قبلنا قولها في حق هي مؤتمنة فيه. مسألة (611): الرجعية إذا راجعها زوجها, ثم طلقها من غير مسيس حادث استأنف العدة على أحد القولين. فأما المختلعة إذا نكحها زوجها في العدة ثم طلقها من غير مسيس, فإنها تبني على العدة الأولى ولا تستأنف قولا واحدا. والفرق بينهما: أنها إذا كانت مختلعة, فنكحها, فالنكاح الثاني غير الأول، لا تصير مردودة إلى الأول بهذا النكاح, ولم يشتمل هذا النكاح الثاني على مسيس يقتضي العدة, والمسيس كان سابقا في النكاح السابق, فلزمها إكمال تلك العدة السابقة. فأما إذا راجعها، ثم طلقها من غير مسيس, فقد ردها بالرجعة إلى النكاح الأول, وكان مشتملا على المسيس, وهذا الطلاق طلاق عن ذلك النكاح, فلزمها عقيب الطلاق استئناف العدة, وصار, كما لو راجعها وأصابها, ثم طلقها.

مسألة (612)

مسألة (612): قال الشافعي- رحمه الله في الأم-: " إذا اشترى رجل جارية معتدة من زوج, ثم انقضت عدتها فليس عليه أن يستبرئها". وقال في الإملاء: إذا اشترى رجل أمة, [معتدة فانقضت عدتها, فعليه أن يستبرئها] , وإذا زوج رجل أمته رجلا, فدخل بها, ثم طلقها, فاعتدت فليس على السيد أن يستبرئها"واعتمد في كل واحد من الكتابين طريقا في الفرق أوجب الفرق بين المسألتين على التضاد. فأما المعنى الذي اعتمده في الأم فهو: أن الاستبراء إنما يجب عن حدوث الملك على الفرج فمتى ما حدث الملك على الفرج وجب الاستبراء, إلا أن يكون الفرج وقت حدوث الملك مشغولا ر بحق الغير حينئذ لا يجب الاستبراء, فعلى هذا يخرج ما قاله في الأم:" فإذا اشترى جارية معتدة فانقضت عدتها فلا استبراء"؛ لأنه اشتراها وكان الفرج حين حدث عليه الملك مشغولا بحق الغير فسقط

الاستبراء, وإذا زوجها وطلقها زوجها فاعتدت منه وجب على السيد أن يستبرئها؛ لأن ملكه يحدث على الفرج حين تخرج من العدة, إذا كان الفرج محرما عليه إلى هذا الوقت, فحدث ملكه على الفرج وهو غير مشتغل بحق الغير فوجب عليه أن يستبرئها. والدليل على أنه إذا كان الفرج في وقت وجوب الاستبراء مشتغلا بحق الغير لم يجب الاستبراء: أن السيد إذا أعتق أم ولده أو مات عنها وهي تحت زوج لم يجب الاستبراء؛ لكون الفرج مشتغلا بحق الغير. والدليل على أن الملك إذا حدث والفرج غير مشتغل بحق الغير يوجب الاستبراء: أن الرجل إذا كانت أمته, فعجزت وجب على السيد أن يستبرئها, (261/ ب) ولم يختلف مذهب الشافعي فيه, وكذلك إذا زوج رجل أمته فطلقها زوجها قبل الدخول بها وجب عليه أن يستبرئها, لأن الملك حدث على الفرج وهو غير مشتغل بحق الغير, وهذا أيضاً مما لم يختلف المذهب فيه.

فأما المعنى الذي اعتمده في الإملاء: أن الملك إذا حدث على الفرج وجب الاستبراء كاملاً في ملك يمينه, وإن حدث الملك وهي مشتغلة بالاستبراء حتى وقع بعض الاستبراء في ملكه, وبعضه في غير ملكه لم يعتد بذلك الاستبراء ووجب استئنافه, وإذا حصل في الملك استبراء كامل وقع الاكتفاء به ولم يجب غيره, فعلى هذا: إذا اشترى الأمة وهي معتدة وانقضت العدة وجب عليه أن يستبرئها, لأن بعض تلك العدة كان في ملكه وبعضها كان في غير ملكه, فإذا انقضت العدة وجب عليه الاستبراء, وإذا زوجها وطلقها زوجها بعد الدخول, فاعتدت عنه لم يجب الاستبراء؛ لأن هذا الاستبراء بالعدة, وكان كله في ملك السيد فاكتفيا به ولم نوجب استبراء ثانيًا.

كتاب الرضاع

كتاب الرضاع مسألة (613): اليسير من لبن الآدمية إذا تقطر في يسير من الماء أو من الطعام ثم وصل ذلك الطعام كله إلى جوف الرضيع تعلقت به الحرمة, إذا استجمع سائر الشرائط. وإن وصل بعض ذلك الماء, أو بعض ذلك الطعام إلى جوفه لم تتعلق به الحرمة على الصحيح من المذهب. والفرق بين المسألتين: أنه إذا استوعب ذلك الطعام تيقنا أن اللبن قد وصل إلى جوفه؛ لأن عين اللبن كانت مختلطة بذلك الطعام الذي استوعبه. فأما إذا وصل بعضه إلى جوفه دون جميعه, فلسنا نتيقن أن عين اللبن كانت في ذلك المقدار المطعون دون المقدار الباقي, وكما لا نوقع بعد التحريم تحليلا إلا بيقين, فكذلك لا نوقع بعد يقين التحليل تحريما إلا بيقين.

مسألة (614)

فإن قال قائل: أليست القطرة من النجاسة إذا وقعت في الماء القليل انتشر حكمها إلى الجميع وإن لم تنتشر عينها إلى الجميع؟ وقد قلتم في اللبن خلاف ذلك, فما الفرق؟. قلنا: الفرق بينهما أن نجاسة الماء تارة تكون عينية وتارة تكون حكمية ولا نتصور حرمة, الرضاع إلا بوصول عين اللبن, فحكمنا بنجاسة جميع الماء وإن تيقنا أن عين النجاسة لم تنتشر إلى جميع أجزائه ولا نتيقن وصول عين اللبن بوصول بعض المختلط, والعين هي المعتبرة (261/ ب). مسألة (614): المحرم إذا تعاطي طعاما فيه ى طيب والطيب مغلوب بالطعام مستهلك بحيث لا يظهر له لون ولا رائحة ولا طعم لم تلزمه الفدية.

وإذا وصل إلى جوف الصبي لبن مغلوب بالطعام تعلقت الحرمة به، وإن لم يظهر له لون ولا طعم ولا رائحة. والفرق بين المسألتين: أن المحرم إنما تلزمه الفدية بأن يستمتع برائحة الطيب, ولا تلزمه الفدية إذا استعمل عينه ولا رائحة له .. [ألا ترى أن المسك اذا ذهبت رائحته بتطاول الزمان] وذهب طيبه فشده المحرم على طرف ردائه لم لتزمه الفدية, ولو كانت رائحته تفوح حين شده على طرف ردائه لزمه الفدية, فلذلك قلنا: إذا أكل طعاما والطيب فيه مستهلك لا تفوح له رائحة فالفدية فيه غير واجبة. فأما حرمة الرضاع فالاعتبار فيها بأن يصل إلى جوف الرضيع عين اللبن يقينا, والعين قد وصلت، وإن كانت مستهلكة, وليس يتوقف إنبات اللحم وانتشار العظم وفتق الأمعاء إلا بوصول العين سواء كانت مغلوبة أو غالبة.

مسألة (615)

مسألة (615): اللبن اليسير إذا تقطر في الماء, فقال الرجل: والله لا أشرب ماء فشربه حنث. ولو قال: والله لا أشرب لبنا, فشربه لم يحنث, وإذا شربه الرضيع كان حكمه حكم اللبن, وتعلقت الحرمة به. وإنما فصلنا بين حكم الحرمة وبين حكم الأيمان: لأن الاعتبار في الحرمة بوصول عين اللبن, وقد وصل اللبن إلى جوفه, وكذلك علقنا الحرمة بالأقط والجبن, ولا يتصور فيها فعل الشرب, ولكنها يتصور فيها وصول عين اللبن مع الحالة الحادثة والتغير الموجود. فأما البر والحنث في الإيمان فإنهما معلقان بحقائق الأسماء والألفاظ واسم الماء يطلق على هذا المشروب, واسم اللبن لا يطلق عليه. وكذلك اعتبرنا أوصاف الأفعال في الإيمان دون شرب الألبان, حتى إذا قال: والله لا آكل خبرا فماثه في ماء ثم تحساه لم يحنث, وكذلك لو قال:

مسألة (616)

والله لا أشرب ماء فأكل طعاما وفيه ماء لم يحنث في يمينه, فاعتبرنا كل أصل بما هو مبني عليه. مسألة (616): إذا كان لرجل امرأة كبيرة لها لبن, فأرضعت زوجته الصغيرة خمسا حرمت عليه إن كان اللبن منه, وكذلك لو كان اللبن من غيره إلا أنه كان قد دخل بالكبيرة إنها في إحدى الحالتين تصير بنتا له, وفي الحالة الثانية: وهي إذا كان اللبن من غيره. تصير ربيبة من امرأة دخل بها. ولو أنها أرضعت مملوكه له صغيرة فحرمتها عليه بواحدة من هاتين الجهتين صار الوطء بملك اليمين محرما كما صار النكاح محرما, غير أنها بالإرضاع في النكاح غارمة, وفي ملك اليمين غير غارمة.

والفرق بين المسألتين: أن المقصود من النكاح حل البضع, وقد فوتت عليه هذا المقصود بالإرضاع, فلابد من الغرم. فأما ملك اليمين, فليس المقصود منه حل البضع, وإنما المقصود منه معنى المال, وما فوت عليه بالإرضاع معنى المال. ولهذه النكتة قلنا: يشتري الرجل من لا يستبيح وطئها ولا ينكح إلا من يستبيحها, وكذلك قلنا: لو اشترى مملوكة, فاستبان أنها محرمة عليه بلبن, أو نسب أو صهر فليس له ردها بالعيب, ولو كان فوات المقصود يتعلق بالحرمة في ملك اليمين لكان له ردها, كما يرد في النكاح الرتقا والقرنا بالفوات المقصود. وكذلك قلنا: لو اشترى من رجل جارية رضيعه, ثم إن المشتري استرضعها أم البائع فأرضعتها وحرمته على البائع, ثم وجد المشتري بها

مسألة (617)

عيبًا كان له ردها بالعيب, ولم يكن للبائع أن يمتنع ويعتذر بالحرمة العارضة. مسألة (617): إذا كان لرجل زوجة كبيرة وله خمس بنات مراضع, وتحته مع الكبيرة صغيرة رضيعة, فأرضعتها كل واحدة من بنات الكبيرة رضعة حتى استكملت الخمس ثبتت الحرمة على الصحيح من المذهب, وصارت الكبيرة جدة للصغيرة, وبطل نكاحهما جميعا بالتدافع. ومثله: لو كان للزوج زوجة صغيرة وأم ولد مرضع بلبنه, وامرأة ابن ترضع بلبن الابن, وجدة من جهة الأب, وجدة من جهة الأم, وامرأة أب, فأرضعت كل واحدة منهن زوجته الصغيرة رضعة واحدة لم تثبت حرمة

الرضاع, وما سوى ذلك من المذهب فمستضعف جدا والفرق بين المسألتين: أن بنات الكبيرة إذا أرضعن الصغيرة رضعة رضعة فجمعنا ألبانهن وجدنا لجمعها طريقة سديدة ممتدة في التحريم بأن نقول: صارت هذه الألبان منسوبة بالجمع في حق الكبيرة, لانتساب بناتهن إليها, فصارت الكبيرة جدة لهذه الصغيرة, وإذا اجتمعت الجدة وبنت بنتها, أو بنت ابنها تحت الرجل الواحد صارتا متدافعتين وبطل نكاحهما. فأما المسألة الثانية فلسنا نجد فيها لجمع الألبان المتفرقة طريقة واحدة من طرق الحرمة, لأن إحداهن امرأة ابنه, والأخرى امرأة أبيه, والأخرى أم ولده، والباقيتان جدتان: إحداهما من قبل أبيه والأخرى من قبل أمه, ولا يمكننا تحريم امرأة؛ لمعان مختلفة, لا يتم واحد منها في النسبة

مسألة (618)

والإضافة بأن نقول: خمسها [بنته, وخمسها أخته, وخمسها] بنت ابنه, وخمسها عمته, وخمسها خالته, فهذا فرق ما بين المسألتين. مسألة (618): المنصوص عليه للشافعي- رحمه الله في كتاب الرضاع-: أن المرضعة بتفويت النكاح تغرم نصف مهر المثل, والمنصوص عليه في كتاب الشهادات ما يدل بظاهره على أن شهود الزور بتفويت النكاح يغرمون جميع مهر المثل. والمسألتان منصوصتان قبل المسيس. فأما بعد المسيس فالغرامة في المسألتين جميع مهر المثل, ولا إشكال فيه. والفرق بين الرضاع وبين شهادة الزور: أن الشهود إذا شهدوا عند الحاكم ففرق القاضي بشهادتهم بين الزوج والزوجة كانت تلك الشهادة سبب حيلولة

في الظاهر دون الباطن, لأن القضاء بشهادة الزور ينفذ ظاهرا ولا ينفذ باطنا وقضاء القاضي عندنا لا يحيل الأمور هما هي عليه عند الله تعالى, وهذا معنى قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: " فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار" فصارت هذه الحيلولة كالحيلولة الواقعة بين السيد وبين العبد المغصوب الآبق من يد الغاصب, فيغرم الغاصب جميع قيمته، فكذلك الشهود يغرمون جميع القيمة. فأما المرضعة إذا فسدت بالرضاع نكاحا, فالحرمة الواقعة وقعت ظاهرة وباطنة, فانتشرت الحرمة الواقعة بالطلاق, والبضع عند الطلاق قبل المسيس

مسألة (619)

يكون مضمونا بنصف [المسمى, فكذلك يصير مضمونا عند الاستهلاك على المرضعة بنصف] مهر المثل دون جميعه. مسألة (619): قال الشافعي. رحمه الله: "المرأة إذا أرضعت صغيرتين تحت زوج إحداهما بعد الأخرى حتى أكملت الرضاع بطل نكاح الأولى, وفي نكاح الثانية قولان. أحدهما: أنه قد بطل, فكأنه نكح أختين معا. والثاني: أنه لم يبطل, وكأنه نكح أختا على أخت.

وقال: إذا كان تحت الرجل كبيرة مرضعة وصغيرة مرضعة, فأرضعت الكبيرة الصغيرة بطل نكاحهما, وجعله كالجمع بين الأم وابنتها ولم يجعله كنكاح البنت على الأم. وذكر بعض مشايخنا الفرق بين المسألتين بأن قال: إنما ينفسخ نكاح الأم والبنت جميعا, لأنه لم يفتقر في ذلك إلى إرضاع شخصين, بل (263/ أ) حصل هذا المعنى بينهما بإرضاع واحدة وهو إرضاع الكبيرة الصغيرة, فلذلك انفسخ النكاحان معا, وصار كما لو تزوج صغيرتين رضيعتين فأرضعت إحداهما أم الأخرى انفسخ نكاح الصغيرتين جميعا, لأنه لا يفتقر في إيجاد الأخوة بينهما إلى إرضاع شخصين، بل لما أرضعت صغيرة واحدة حصلت الأخوة فانفسخ النكاحان.

فأما في المسألة الأخرى فليس كذلك؛ لأن الأخوة لا تحصل بينهما إلا بإرضاع شخصين، وحصل إرضاع إحداهما قبل الأخرى، وإذا وجد سبب الاجتماع على الترتيب فكانت إحداهما فيه بعد الأخرى لم يبطل نكاح الأولى وبطل نكاح الثانية، كما لو نكح أختًا على أخت كان نكاح الثانية باطلًا. وذكر بعض مشايخنا فرقًا ثانيًا وقال: إنك لا تحكم في مسألة الأم والبنت بأن نكاحهما ينفسخ بسبب واحد، بل انفسخ نكاحهما بسببين: أما نكاح البنت فإنما انفسخ بسبب اجتماعهما مع الأم، وأما نكاح الأم فإنما انفسخ؛ لأنها صارت من أمهات نسائه. ألا ترى أنه لو طلق الصغيرة قبل أن ترضعها الكبيرة ثم جاءت الكبيرة فأرضعت المطلقة الصغيرة بطل نكاحها وحرمت عليه أبدًا؛ لأنها صارت من أمهات نسائه. وأما نكاح الأختين فسبب فساده واحد وهو: اجتماعهما في الأخوة، وسبب الأخوة قد وجد بينهما على الترتيب، لا على الجمع. ومن قال بهذا الفرق لم يقطع القول في المسألة التي استشهد بها من قال بالتفريق الأول، بل يقول إذا جاءت أم إحدى الرضيعتين فأرضعت

مسألة (620)

الأخرى فهي مسألة القولين، كالأجنبية إذا أرضعت إحداهما بعد الأخرى كان نكاح الثانية باطلًا، ونكاح الأولى صحيحًا في أحد القولين، وكذلك نكاح المرضعة باطل، وفي نكاح الأخرى قولان. مسألة (620): إذا كان تحت رجل صغيرتان رضيعتان، وكبيرتان مرضعتان، فأرضعت كل واحدة من [الكبيرتين كل واحدة من] الصغيرتين نظرنا في كيفية إرضاعهما، فإن أرضعت الكبيرة الثانية الصغيرتين على مثل ترتيب إرضاع الكبيرة الأولى انفسخ نكاح الكبيرتين، ونكاح الصغيرة التي أرضعتاها أولًا، [وأما نكاح الصغيرة التي أرضعتاها] آخرًا، فهو بحاله إذا لم يكن دخل بالكبيرتين، ولو أن الكبيرة الثانية أرضعت الصغيرتين على العكس من فعل الكبيرة الأولى، انفسخ نكاح الأربع. والفرق بين الصورتين: أن الكبيرة الأولى لما أرضعت الصغيرة الأولى اجتمع الأم وبنتها في النكاح، فانفسخ نكاحهما جميعًا، فلما أرضعت هذه الكبيرة/ (263/ ب) الصغيرة الثانية أرضعتها وهي بائنة، فلم ينفسخ نكاح تلك الصغيرة؛

مسألة (621)

لعدم الاجتماع، فلما جاءت الكبيرة الثانية فأرضعت الصغيرة الأولى صارت من أمهات نسائه، وانفسخ نكاحها، فلما أرضعت الصغيرة الثانية أرضعتها وهي بائنة، فلم ينفسخ نكاح الصغيرة الثانية. فأما إذا كان فعل الكبيرتين على العكس، فكل واحدة من الكبيرتين لما أرضعت الصغيرة التي أرضعتها اجتمعت الأم وابنتها في النكاح، فانفسخ نكاح الأربع. مسألة (621): إذا اعترف الرجل برضاع بينه وبين امرأته ثبتت الحرمة، وسواء كان ذلك في النكاح أو قبل النكاح. وإذا اعترفت المرأة برضاع بينها وبين الرجل فإن كان النكاح يومئذٍ قائمًا بينهما لم يقبل قولها عليه ما لم يعترف، كما اعترف، وإن لم يكن بينهما نكاح حين اعترفت كان قولها مقبولًا، فإذا أراد بعد ذلك أن يتنكاحا، فلا سبيل لهما إليه.

مسألة (622)

والفرق بين حالتيهما: أنها إذا اعترفت والزوجية قائمة، فقد قصدت رفع النكاح بينها وبين زوجها، فالقول قول الزوج ولذلك سوينا في جانب الرجل بين أن يعترف والنكاح قائم، وبين أن يعترف والنكاح مفقود، لأن المرجع إليه في ألفاظ الفراق. فأما إذا اعترفت المرأة بالرضاع، ولا نكاح يومئذٍ، فهي بهذا الاعتراف غير معترضة على حق ثابت لزوجها، لكنها اعترفت لله سبحانه وتعالى على جهة الندب، فإذا أرادت بعد الاعتراف مناكحته، فقد رجعت عما قالت فلا تأثير لرجوعها، والاعتبار بإقرارها السابق، بخلاف ما لو جحدت الرجعة، ثم اعترفت بها فتكون كمن جحدت حقًا، ثم أقرت به. مسألة (622): البنت البالغة إذا زوجت فاعترفت برضاع بينها وبين زوجها [ولم يصدقها لم يقبل قولها، بخلاف البكر إذا زوجها أبوها، ثم ادعت رضاعًا بينها وبين زوجها] فقولها مقبول، وهذا من نوادر كتاب الرضاع في قبول قول المرأة على الزوج.

والفرق بين المسألتين: أنها إذا كانت ثيبًا فالنكاح لا ينعقد عليها إلا باستئمارها واستئذانها، فإذا أذنت فقد صرحت بأنها حلال للزوج، وأن لا حرمة بينها وبين الزوج، ولو أقرب بشيء، ثم رجعت عن إقرارها لم ينفع رجوعها. فأما البكر فمعقول أن أباها يجبرها على النكاح، فإذا زوجها من غير استئذان، ثم ذكرت رضاعًا لم تكن مكذبة نفسها بنفسها؛ لأن/ (264/ أ) الإذن غير سابق منها. ولمثل هذه النكتة نقول: إذا باع الرجل عبده، ثم أقر بأنه كان أعتقه لم يقبل قوله ولم ينقض بيعه، ولو باع القاضي عبد رجل غائب في دينه فرجع وأقام البينة على أنه كان أعتقه بتاريخ متقدم على بيع القاضي فبيعه باطل، والعتق نافذ؛ لأن القاضي باع وليس عنده خبر العتق، وعلى هذا نظائر هذا الباب.

كتاب النفقات

كتاب النفقات مسألة (623): المكاتب إذا كان له ولد من امرأته الأمة، فليس له أن يتفق عليه من مال الكتابة، وكذلك ولده من امرأته الحرة، وإذا كان له ولد من مملوكته لزمه أن ينفق عليه من مال الكتابة. والفرق بينهما: أن ولده إذا كان من مملوكته، فهو تبع له يعتق بعتقه ويرق برقه، فكان حكمه حكمه، فأما ولده من امرأته الحرة، فحر ونفقته تكون على الأم دون الأب المملوك، وأما ولده من امرأته المملوكة للغير، فعبد سيده المملوك لا يعتق بعتق المكاتب، فتجب نفقته على سيد الأم. مسألة (624): المرأة المخدومة تستحق نفقة خادمتها، ولخادمتها على الزوج أن يعطيها الخف. فأما العروس، فليس لها على الزوج خف.

مسألة (625)

والفرق بينهما: أن الخادمة لا تستغني في حاجات العروس عن التردد ودخول الأسواق. فأما العروس، فلا حاجة لها إلى الخروج. وللعروس مؤنة المشط والدهن، وليس ذلك للخادمة. والفرق: أن العروس: لا تجد بدًا من التنظيف، والتزين له، وله حق الاستمتاع بها دون الخادمة، [فلا يلتزم للخادمة ما يكون من مؤنة التنظيف وعمارة البدن]. مسألة (625): قال الشافعي - رحمه الله في كتاب النفقات: "من لم تكمل فيه الحرية، فهو كالمملوك"، فجعل نفقة زوجته، كنفقة المماليك. وقال في كتاب الأيمان: "إذا وجبت عليه كفارة وفي يده مال، فكفارته بالإطعام، لا بالصيام". والفرق بين المسألتين: أن كفارة الأيمان مما له أصل وبدل، والأصل والبدل

مسألة (626)

إذا التقيا ووجدنا سبيلًا إلى تغلب الأصل وتقديمه، فلابد من التغليب، ولو أنه وجد في السفر ثمن الماء لم يجز له الانتقال إلى التراب. فأما النفقة، فليست من جملة ما له أصل وبدل، والعبد ما دامت فيه شعبة من الرق، فإنه غير مستكمل لفضيلة الحرية، فلا وجه لإلحاقه في النفقة بالأحرار على وجه الإطلاق. مسألة (626): قال الشافعي - رحمه الله -: "إذا كان الزوج فقيرًا فعليه/ (264/ ب) للمرأة في كل يوم مد من لحب ولخادمتها مد، وإن كان مؤسرًا فللمرأة مدان ولخادمتها مد وثلث، وإن كان متوسطًا فللمرأة مد ونصف، وللخادمة مد". فأعطى الشافعي الخادمة مدًا وثلثًا عند كونه موسرًا، وفصل في التقدير بينها وبين العروس عند الإعسار، فأعطى العروس مدًا ونصفًا حين نقصها عند المتوسط، وأعطها مدًا عند الفقير، وغاية ما أعطى الخادمة مد وثلث، وإذا نقصها ردها إلى المد.

فأما العروس فمعنى الفرق فيها بين، وذلك: أنه إذا أعطاها عند الموسر مدين وعند الفقير مدًا واحدًا فمستقيم، وحسن أن يعيطها عند المتوسط مدًا ونصفًا فيكون قد نصف المد الزائد، فهذا معنى الفرق والتفاضل في أحوالها. فأما الخادمة فإنها إذا أخذت مدًا واحدًا فإنها تكون على أقل ما يسد الرمق، فلا إشكال في معنى استحقاقها، فأما استحقاقها مدًا وثلثًا عند الموسر فهذا موضع الإشكال في الفرق عند مشايخنا، فمنهم من قال: يحتمل أن يكون الشافعي. رحمه الله. أخذ ذلك من حالة المتوسط، وذلك أن الزوج إذا كان متوسطًا، فللمرأة مد ونصف وللخادمة مد، فيكون نصيب العروس ثلاثة أمثال نصف نصيب الخادمة، فكذلك إذا كان الزوج موسرًا وجب أن تكون العروس ثلاثة أمثال نصف نصيب الخادمة. ومن مشايخنا من قال: يحتمل أن يكون الشافعي استنبط ذلك من أصل في المواريث وهو: أن الأبوين يستحقان السدسين مع الابن فيستويان في الاستحقاق، فإذا جاءت حالة التفاضل وهي حالة انفرادها بالمال كان

للأب الثلثان وللأم الثلث، فتكون الزيادة التي استحقها [الأب ثلاثة أمثال الزيادة التي استحقها] الأم، فكذلك ما استحقت العروس عند الموسر من الزيادة على نصيبها عند الفقير ثلاثة أمثال الزيادة التي استحقها الخادمة عند الموسر.

كتاب الجراح

كتاب الجراح مسألة (627): إذا حبس رجل رجلًا في بيت، وأغلقه عليه، ووضع معه في البيت طعامًا وشرابًا، فامتنع المحبوس، فلم يطعم، ولم يشرب حتى مات، فليس على الحابس قود، ولا دية قولًا واحدًا. ولو أن رجلًا ألقى رجلًا في البحر قريبًا من البر وهو يحسن العوم، فلم يعم حتى مات، فالدية واجبة، والمنصوص أن لا قود عليه. والفرق بين المسألتين: أن المحبوس إذا امتنع، فلم يطعم، ولم يشرب، فهو الذي جنى على نفسه بالامتناع، وليس لفعل الحابس بحبسه تأثير في ذمه، فوجود فعله كعدمه. فأما إذا ألقاه في غمرة من/ (265/ أ) البحر -[وإن كانت قريبة من الساحل ففعل الإلقاء

مسألة (628)

سبب للقتل]، وتركه العوم، كتركه مداواة الجراحة، والمجروح بترك مداواة الجراحة لا يصير قاتل نفسه ولا شريك دمه؛ فلذلك فصلنا بين المسألتين. مسألة (628): إذا حبس رجل رجلًا في بيت وألقى عليه في البيت سبعًا ضاريًا، فافترسه، وقتله، فالحابس هو القاتل. ولو ألقي عليه في البيت حية، فنهشته من غير إنهاش، فالقتل غير منسوب إلى من حبسه. والفرق بين المسألتين: أن السبع الضاري يقصد بطبعه في عادة مثله تعرض له ذلك المحبوس، أو لم يتعرض، هذا غالب المعهود من طباع السباع، فقد اتخذه الحابس سلاحًا في عمد القتل، فانتسب القتل إليه.

مسألة (629)

فأما طبع الحيات فخلاف طبع السباع؛ لأن الحية إنما تقصد في الغالب من يتعرض لها بالأذى دون من لا يتعرض لها، فصار القتل غير منسوب إلى من حبسه مع الحية. والاعتبار في هذه المسألة بما ذكرناه من غالب الطبع، فإن تصور من الثعبان الجائع ما يتصور من السبع الضاري كان حكمهما حكمًا واحدًا. مسألة (629): إذا جرح رجل رجلًا عمدًا، ثم قتله خطأ فقد قال الشافعي - رحمه الله -: "للولي القصاص في الجرح، ودية النفس على العاقلة"، ولم يحكم بإدراج الجراحة تحت النفس. ولو جرح رجل رجلًا عمدًا، ثم عاد فذبحه فقد قال الشافعي. رحمه الله.: "صار ذلك الجرح نفسًا"، فحكم بإدراج الجراحة تحت النفس في هذه الصورة الثانية. والفرق بين المسألتين: أن الجراحة في المسألة الأولى إذا كانت عمدًا وكان القتل خطأ فهما جنايتان مختلفتان في الجنس غير متفقين؛ والدليل على حقيقة

اختلافهما: أن النفس تكون على العاقلة إذا كان قتلها خطأ والجراحة تكون في ماله إذا كانت عمدًا، والتباين والاختلاف مما يمنع الإدراج والاندراج. فأما إذا كان الفعل عمدًا في الجراحة وفي الإجهاز جميعًا فهما متجانسان في الحكم. ألا ترى أن دية الجراحة والنفس جميعًا في مال الجاني، التجانس سبب الاندراج. وهذا كله إذا كان الإجهاز قبل الاندمال، فأما إذا حصل الاندمال، ثم تصور الإجهاز فالجراحات لا تدخل تحت النفس بحال؛ لأن حكمها قد استقر بالاندمال، وكذلك إذا تصور الإجهاز من غير الجارح والجرح من غير المجهز لم يندرج فعل الجارح تحت فعل القاتل، لكن الجارح يضمن حكم جراحته، وينفرد القاتل بضمان قتله. فأما إذا جرحا، فسرت الجراحتان إلى النفس، فمات، فهما حينئذٍ شريكان في النفس بلا خلاف.

مسألة (630)

فأما إذا كانا عامدين، فالقود عليهما، وإن كانا خاطئين، أو كان أحدهما عامدًا والثاني خاطئًا، فلا قود عليهما ووجبت الدية. مسألة (630):/ (265/ ب) إذا قتل حر وعبد رجلًا مملوكًا وجب القود على المملوك وإن لم يجب على الحر. ولو جرح رجل رجلًا عمدًا، ثم جرح المجروح نفسه عمدًا، فمات من الجراحتين، فلا قود على الجارح في أصح القولين. والفرق بين المسألتين: أن المجروح إذا جرح نفسه كان فعله فعلًا غير مضمون بحال لا قود عليه، ولا دية وسراية فعله شاركت فعل الجاني، وهذه المشاركة شبهة ظاهرة، والقصاص يسقط بالشبهة، فسقط القصاص. وأما الحر والعبد إذا جرحا عبدًا، ففعل كل واحد منهما فعل ضمان، وإذا جرحت النفس عن عمد محض مضمون وجب القصاص على من هو من أهل

مسألة (631)

القصاص وإن لم يجب على الثاني؛ ولذلك قتلنا شريك الأب، وفصلنا بينه وبين شريك الخاطئ. مسألة (631): قال الشافعي - رحمه الله -: "لو أرسل سهمًا على نصراني فلم يصبه حتى أسلم، أو على عبد فلم يقع عليه حتى أعتق لم يكن عليه قصاص؛ لأن تخلية السهم كانت ولا قصاص، وفيه دية حر مسلم والكفارة، وكذلك المرتد يسلم قبل وقوع الرمية لتحويل الحال". فجعل الشافعي - رحمه الله -[حالة إرسال السهم معتبرة في هذا الفعل، فأسقط القصاص لما كانت المكافأة مفقودة في حال الإرسال، وإن كانت المكأفأة موجودة في حال وقوع السهم. وقد قال الشافعي - رحمه الله -: "لو رمى حربيًا فلم يقع عليه السهم حتى أسلم، أو رمى مرتدًا فلم يقع عليه السهم حتى أسلم، فلا قود عليه، وعليه دية حر مسلم".

فلم يجعل إرسال السهم كابتداء الجناية، إذا لو جعله كابتداء الجناية لما وجبت الدية، وصار كما لو جرحه وهو حربي، فمات، فلا تكون الدية واجبة وإن أسلم بعد الجراحة. وإنما فصل الشافعي - رضي الله عنه - بين] القصاص والدية في اعتبار إرسال السهم؛ لأن القصاص حكم يسقط بالشبهة، كما تسقط الحدود بها لما كان من جنس العقوبات، وحالة الإرسال حالة ابتداء الجناية وإن لم تكن عين الجناية، فعدم المكافأة في هذه الحالة صار سببًا وشبهة في إسقاط ما يسقط بالشبهة. وأما حكم الدية فخلاف حكم القود؛ لأن الدية تجب بالشبهة، ألا ترى أنها تجب في القتل بالأٍسباب، كما تجب في مباشرة القتل، فإذا كان عند وقوع السهم به محقون الدم جعلنا دمه مضمونًا؛ [لأنه حالة حقيقة الجناية وإن كان مباح الدم عند إرسال السهم] ولاعتبار المآل أثر ظاهر في الديات. ألا ترى أن العبد إذا جرح، فعتق، ثم مات فالواجب دية الحر وإن كان مملوكًا يوم الجراحة، وكذلك النصراني إذا جرح، فاسلم، ثم مات، فالواجب دية مسلم وإن كان كافرًا يوم الجراحة.

مسألة (632)

مسألة (632): إذا أوضح نصراني رأس رجل، ثم أسلم الجاني/ (266/ أ) وكانت جنايته خطأ ومات المجني عليه بالسراية فعلى عاقلته من النصارى أرش الموضحة وذلك: خمس من الإبل، وما سوى ذلك إلى تمام الدية ففي مال الجاني وليس على عاقلته المسلمين من ذلك شيء، وليس على عاقلته النصارى أكثر من أرش الموضحة. ومثله لو قطع نصراني إصبع رجل خطأ فسرت الجراحة وتآكلت حتى سقط الكف، وأسلم الجاني بعد ذلك، فسرت تلك الجراحة إلى النفس، فمات منها، فعلى عاقلته من المشركين نصف الدية والباقي في مال هذا الجاني. والفرق بين المسألتين: أن الجراحة في المسألة الأولى لم يستقر لها في الشرك [سراية، فوجب اعتبار عين الجراحة التي كانت في الشرك]، فاعتبرناها وصيرناها على عاقلته من المشركين. فأما في المسألة الثانية فقد استقرت الجراحة في الشرك سراية لها منهى، وذلك أنها أسقطت الكف، ونهاية الضمان في الأطراف بالإبانة، كما أن نهاية الضمان في الأرواح بالإزهاق، فلما كان إسلامه بعد سقوط الكف استقر موجب الكف، وذلك نصف الدية على عاقلته من المشركين دون ما زاد على ذلك.

واعلم أن عاقلته من المسلمين لا يضمنون في هاتين المسألتين شيئًا. ومثله: لو أن نصرانيًا أوضحن رجلًا موضحة خطأ، [ثم أسلم النصراني، فأوضح ذلك الرجل بعينه موضحة أخرى خطأ] فمات من السرايتين فعلى عاقلته النصرانية أرش موضحة، وعلى عاقلته المسلمة نصف الدية، وفي ماله خمسة وأربعون بعيرًا حتى تتم الدية. والفرق بين المسألة وبين المسألتين السابقتين: أن الجاني في المسألتين السابقتين لم يجن على ذلك الرجل في الإسلام جناية حتى تغرمها عاقلته المسلمون، فأما سراية جناية كانت في الشرك فمستحيل إيجابها على عاقلته من المسلمين؛ فلذلك أوجبنا على الجاني في المسألتين ما لم نضر به على عاقلته. فأما في المسألة الثانية فقد وجدت منه جنايتان، جناية في الشرك وجناية في الإسلام، وخرجت نفسه بالجنايتين، فصار قسط كل جناية نصف الدية، فالجناية التي كانت في الإسلام صارت سرايتها وجميع حكمها مضروبة على العاقلة المسلمة، وأما الجناية الأخرى التي كانت في الشرك فلم يكن لها في الشرك سراية مستقرة، كاستقرار سراية الكف في مسألة الكف، وإنما استقرت في الإسلام بالإزهاق، فتقول عاقلته المسلمة: إنا لا نغرم سراية كانت في الإسلام

مسألة (633)

من جناية/ (266/ ب) كانت في الشرك، وتقول عاقلته المشركة: إنا لا نغرم سراية استقرت في الإسلام، وإنما نغرم جناية كانت في الشرك، وسراية تمت واستقرت في الشرك، فلم يمكن أن يضرب عليهم سوى الموضحة، فبقي ما بين الموضحة ونصف الدية في مال الجاني، وذلك خمسة وأربعون بعيرًا. مسألة (633): السلطان إذا أكره رجلًا على قتل رجل ظلمًا، فعلى السلطان القود، والصحيح من المذهب أن القود غير واجب على مأمور السلطان. فأما المتغلب على البلد باللصوصية إذا أكره رجلًا على قتل رجل فالصحيح من المذهب أن القود واجب على المأمور المكره كوجوبه على المتغلب. والفرق بين المسألتين: أن المتغلب ظاهر العدوان لا شبهة له ولا سلطان في الدماء، فلا يكاد يخفي على المأمور أن المتغلب ظالم متعسف بما كلفه،

مسألة (634)

فكان من حقه أن يستسلم حتى يُقتل، أو يكافح المتغلب مجاهرًا بما يتأتى له من دفاعه، فأما الإقبال على قتل ذلك المظلوم فذلك مما لا عذر له فيه ولا شبهة له في تحريمه. وأما السلطان فيده مبسوطة بالحق في الدماء وفي سفكها، وينقسم قتله: عدلًا وجورًا، وحقًا، وباطلًا، فمأموره لا يكاد يستيقن في قتله صفة الظلم، وغاية التصوير تصريح السلطان بأني ظالم في هذا القتل، وهذا التصريح لا ينافي الشبهة؛ لأنه ربما يقصد بذلك اختبار طاعة المأمور فيما يأمره به. مسألة (634): إذا قطع رجل يد عبد، فعتق، فجاء رجل وقطع بعد الحرية يده الأخرى، وجاء ثالث وقطع رجله، فمات فالدية عليهم أثلاثًا، وفيما للسيد فيه قولان: أحدهما: يستحق الأقل من نصف القيمة، أو ثلث الدية. والثاني: أنه يستحق الأقل من ثلث القيمة، أو ثلث الدية.

ولو كانت المسألة بحالها غير أن الجاني الأول جني عليه بعد الحرية جناية ثانية كان فيما للسيد قولان: أحدهما: أنه الأقل من نصف القيمة أو سدس الدية. والثاني: أن له الأقل من سدس القيمة أو سدس الدية. والفرق بين الصورتين: أن الجاني الأول إذا لم يجن سوى الجناية الأولى، فجميع ما يغرم إنما يغرم بسبب جنايته الواحدة، وكانت تلك الجناية في حالة الرق قلنا: إنه بسببها يغرم ثلث الدية، وحق السيد أقل المالين من نصف القيمة؛ لأنها عين جناية الرق، أو ثلث الدية؛ لأنها نهاية ما غرم ذلك الجاني. وعلى القول الثاني: لا تعتبر صورة الجناية؛ لأن الجنايات صارت نفسًا، فجعلنا/ للسيد الأقل من ثلث الدية، أو ثلث القيمة. فأما في المسألة الثانية: فهذا الجاني الذي جني على الرقيق جني عليه في الحرية جناية ثانية، ولزمه ثلث الدية لمشاركة الجنايتين الأخريين، والثلث الذي لزمه إنما لزمه بسبب الجنايتين، فانقسم عليهما نصفين، فصار السدس [على مقابلة الجناية الثانية، ولا حق للسيد في ذلك السدس]، إنما حقه في السدس الذي قابل جناية زمان الرق، ثم كان في قدر حق السيد قولان:

مسألة (635)

أحدهما: أنه الأقل من أرش جناية الملك، أو ما غرم الجاني بجنايته على الملك. والقول الثاني: أن للسيد الأقل مما غرم الجاني بجنايته على الملك، وهو سدس الدية، أو مثل نسبته من القيمة وهو سدس القيمة، فحقه الأقل من السدسين. مسألة (635): إذا قطع ذكر خنثى مشكل وأنثييه وشفريه فقال الخنثى: لا أعفو عن القصاص، ولا أرضى بتأخير الحق، كان له أن يستعجل منه حكومة الشفرين. ولو كانت المسألة بحالها إلا أن الجاني كان أيضًا خنثى مشكل لم يكن للمجني عليه استعجال شيء من المال مع امتناعه عن العفو.

مسألة (636)

والفرق بين المسألتين: أن الجاني إذا كان رجلًا لم يتوهم عليه قصاصًا في الشفرين، وليس للرجل شفران، وإنما يتوهم وجوب القصاص في الذكر والأنثيين، ولا جزم، ولا نعطيه مالًا في محل توهم القصاص مما لم يتصور من جهته العفو. فأما إذا كانا جميعًا خنثين مشكلين، فما من عضو من الأعضاء المقطوعة إلا والقصاص موهوم الوجوب فيه بأن يخرجا ذكرين، أو أنثيين، فإن الشافعي - رحمه الله - قد نص على إيجاب القصاص في الأعضاء الزائدة كإيجابه في الأعضاء الأصلية، وإذا كان القصاص موهومًا في جراحة من الجراحات ولم يعف المجني عليه عن القود، فلا سبيل إلى طلب المال. مسألة (636): وكيل ولي القصاص إذا تنحى بالقاتل؛ ليقتله، فعفا الولي، فقتله الوكيل ولم يعلم، ففي وجوب الدية قولان: أحدهما: أنها واجبة على الوكيل. والثاني: أنها غير واجبة. فإذا أوجبنا على الوكيل، فالمنصوص - وهو الصحيح - أن الوكيل لا يرجع على الولي العافي وإن كان غارًا.

مسألة (637)

ولو أن رجلًا غصب طعامًا، فأطعمه أجنبيًا، فغرم الأجنبي كان له أن يرجع على الغار الذي أطعمه في أظهر القولين. والفرق بين المسألتين: أن غاصب الطعام مسيء بما فعل من الإطعام ومن التغرير، فإذا توجهت الغرامة على الطاعم كان له أن يرجع على/ (267/ أ) من إضافة بسبب التغرير الذي فعله. فأما ولي [القصاص، فمحسن بالعفو غير مسيء، فيستحيل تقرير عليه مع] الإحسان المتصور منه، فحكمنا بتقريره على الوكيل. مسألة (637): إذا أرسل سهمًا إلى قاتل أبيه، ثم عفا عن القود، والسهم في الطريق، ثم أصابه السهم، فقتله، فالمذهب أن الرامي بريء عن الضمان. ولو وكل وكيلًا، فتنحى به، فعفا الولي، فقتله الوكيل، ففي وجوب الدية قولان. والفرق بين إرسال السهم وبين إرسال الوكيل: أن الوكيل إذا انطلق؛ ليقتل، فغير بعيد أن يتأنى به، واستيفاء العقوبات على التأخير والمدافعة ما أمكن، فإذا لم

مسألة (638)

يتأن به وابتدر إلى قتله، ثم استبان العفو جاز أن نقول: أراق دمًا محقونًا، فكان ضامنًا له. وأما السهم المرسل، فلا يتصور فيه الصرف والعطف والتأني، فصار عفوه بعد الإرسال، وقبل الوقوع، كعفوه بعد الجراحة، وقبل الزهوق، ومعقول أنه لو جرح قاتل أبيه، ثم عفا عن دمه، فسرت الجراحة إلى النفس كان الدم هدرًا، فكذلك إرسال السهم إذا سبق العفو. مسألة (638): إذا وكل وكيلًا ببيع عبده، فانطلق الوكيل، ليبيع العبد، فأعتقه سيده، ثم باعه الوكيل فبيعه باطل. وإذا انطلق وكيل القصاص، ليقتل القاتل فعفا الولي، ثم قتله الوكيل كان قتله في أحد القولين استيفاء للقصاص. والفرق بين المسألتين: أن ملك الموكل ما دام باقيًا في رقبة العبد فتوكيله ببيعه يستحيل أن يمنع نفوذ عتقه، كيف ولو أن السيد باعه، ثم أعتقه قبل تسليمه إلى المشتري، وقبل انقضاء زمان الخيار كان عتقه نافذًا فاسخًا للبيع؟ فبالحري أن يكون في هذه المسألة نافذًا فاسخًا للوكالة السابقة.

مسألة (639)

وأما إذا أرسل الوكيل لاستيفاء القصاص، ثم عفا الموكل في زمان لا يحتمل أن يبلغه الخبر فهذا العفو كالمفقود في الحكم، وليس يبعد أن يصدر لفظ العفو والمعفو عنه في حالة الحياة، ويكون منه العفو باطلًا. ألا ترى أنه لو جرحه، ثم عفا عنه، أو أرسل إليه سهمه، ثم عفا كان عفوه باطلًا؛ لأنه عفو بعد افتتاح الاستيفاء، فكذلك هذا العفو بعد إرسال الوكيل المستوفي، كالعفو بعد إرسال السهم للاستيفاء. مسألة (639): إذا قطع رجل إصبع رجل فاستعجل حقه من القصاص كان له الاستعجال. ولو عفا فاستعجل أخذ الدية أو كانت الجناية في الأصل خطأ فاستعجل الدية أو كانت الجناية في الأصل خطأ فاستعجل الدية لم يكن له الاستعجال، وإنما يستحق الطلب عند الاندمال، أو عند زهوق الروح إن زهقت بالسراية. والفرق بين الحقين: أن القصاص إذا وجب في/ (268/ أ) الإصبع وجب مستقرًا لا

يتوهم سقوطه ونقصانه، وإنما يتوهم زيادة وجوب القصاص، وهو قصاص النفس، فإن من مذهب الشافعي - رحمة الله عليه - أن الرجل إذا قطع من الرجل مفصلًا قصاصًا فمات منه كان للولي قطع المفصل وقتل النفس، فلما لم يتوهم سقوط ما وجب من القصاص لم يجز تأخير حقه إذا استعجله. فأما دية الإصبع المقطوعة فإنها تُعرض النقصان، كما هي تُعرض الزيادة. فأما الزيادة الموهومة فبسرايتها إلى النفس من غير شريك يشاركه في الجراحة. وأما النقصان الموهوم فبمشاركة الشركاء، وذلك أن عشرين رجلًا لو شاركوه فجنوا عليه فسرت جراحاتهم، فمات كان الواجب على كل واحد منهم أقل من خمس من الإبل، ودية الإصبع عشر، وإن جني عليه تسعة وتسعون رجلًا سوى الجاني الأول تراجع ما على الجاني الأول إلى بعير واحد، فكيف يجوز أن يستعجل حقًا لم يستقر قدره؟.

مسألة (640)

مسألة (640): إذا قطع رجل يدًا عليها إصبع واحدة عمدًا فعفي عن القصاص ففي مقدار حقه من المال قولان: أحدهما: له أن يأخذ دية الإصبع وحكومة جميع كفه، والقول الثاني: أن حقه دية الإصبع، وأربعة أخماس حكومة الكف. ومثله لو كانت تلك الإصبع شلاءً وليس على يد القاطع مثلها، فحق المجني عليه من المال حكومة الإصبع الشلاء وحكومة جميع الكف قولًا واحدًا. والفرق بين المسألتين: أن الإصبع إذا كانت سليمة كان الواجب فيها الدية إذا آل الأمر إلى المال لا الحكومة، والأصابع في الدية مستتبعة الكف. ألا ترى أن الرجل إذا قطع كف رجل من المفصل كان عليه خمسون من الإبل، فكما استتبعت جميع الأصابع جميع الكف في الدية، فكذلك كل إصبع يستتبع من الكف قسطها، وقد أخذ دية إصبع فتبعها خمس من الكف فيبقى له أربعة أخماس حكومة كف. فأما إذا كانت الإصبع شلاء فإنها؛ لنقصانها وعدم صحتها وسقوط ديتها إلى الحكومة لا تستتبع من الكف شيئًا، وكيف تستتبع وهي عند الانفراد بالجناية

مسألة (641)

مثل الكف عند الانفراد، ومعنى قولنا مثل الكف: أن الإصبع إصبع حكومة، كما أن الكف أبدًا عضو حكومة، والحكومات تقل وتكثر على حسب القلة والكثرة في الجناية والإبانة، وذلك خلاف الديات فلذلك قلنا: له حكومة الإصبع الشلاء وحكومة جميع الكف. مسألة (641): قال الشافعي - رحمه الله -: لو جعل سمًا في طعام، ثم أطعمه رجلًا -/ (268/ ب) يعني: على جهة الضيافة، لا على جهة الإكراه - فأكل الضيف الطعام، فمات ففيه قولان: أحدهما: عليه القود كالإكراه. والثاني: لا قود عليه وعليه الدية. ولو أنه جعل سمًا فيه ولم يقدمه إلى ذلك الرجل فدخل ذلك الرجل فأكله، فمات، فلا شيء عليه، سواء علم من عادة ذلك الرجل دوام الدخول والمباسطة في الأكل، أو لم يعلم ذلك منه. والفرق بين المسألتين: أنه إذا أضافه، فقدم الطعام إليه نسب إليه الإطعام؛ لأن كل مضيف مطعم وإن كان التناول الازدراد من جهة الضيف، وإذا

انتسب إليه فعل الإطعام انتسب إليه القتل، ثم إذا انتسب القتل إليه أوجبنا الدية بكل حال، وأسقطنا عنه القود على أحد القولين بشبهة التناول الموجود من جهة المتناول. فأما إذا دخل الداخل بنفسه، فتناول الطعام، فمات فلا سبيل إلى أن ننسب الإطعام إلى صاحب الطعام، وكيف ننسبه إليه ولم يتقدم من جهته استحضار واستدعاء، وإنما ابتدأ الطاعم، فدخل، فطعم فكأنه قتل نفسه؛ فلذلك لم يجب على صاحب الطعام الضمان. فلو أنه عمد إلى طعام غيره، فدس فيه سمًا، فجاء صاحب الطعام، فأكله، فمات، فقد نص الشافعي - رحمه الله - على قولين: أحدهما: ليس عليه شيء سوى غرامة الطعام الذي أفسده. والثاني: أنه كما لو أطعمه إياه. فمعنى القول الثاني: أنه على قولين، مثل صورة الإضافة، فقد فصل الشافعي بين أن يجعله في طعام نفسه فيدخل الطاعم دار صاحب الطعام فيأكله فلم يوجب شيئًا، وبين أن يجعله في طعام الطاعم،

مسألة (642)

وأوجب [الدية على قول، أو القصاص، أو] الغرامة على القول الثاني. والفرق بين المسألتين: أنك إذا جعلت سمًا في طعام لك ووضعته في دارك فليس من غالب الحال أن يدخل الأجنبي دارك فينزل على طعامك، فإن اتفق أن يدخل، ويأكل، فالقتل منسوب إلى الداخل الآكل، لا إلى صاحب الطعام؛ [فلهذا لم يجب على صاحب الطعام شيء]. فأما إذا عمدت إلى طعام غير فأفسدته بالسم فالغالب من صاحب الطعام أن ينزل على طعامه مرتفقًا بأكله، فكأنك قدمت إليه ذلك الطعام المسموم؛ فلذلك قاسه الشافعي - رحمه الله - على ما لو أطعمه. مسألة (642): إذا أغرى رجل على رجل في الصحراء سبعًا عاديًا، فافترسه، فلا شيء على المغري.

مسألة (643)

ولو كان ذلك الرجل مثبتًا في بيت وجب القود على من أغرى به السبع العادي. والفرق/ (269/ أ) بين الحالتين: أن الرجل إذا كان في الصحراء تصور له فعل وامتناع بالعدو والفرار يمنة ويسرة من جهات شتى، فلا ينسب فعل القتل إلى المغري ما دامت الحالة بهذه الصفة، وإن كان المغري عاصيًا مسيئًًا بما فعل من إغرائه وإلقائه عليه. فأما إذا كان محبوسًا في بيت، فلا يتصور من جهته أن يبتغي نفقًا في الأرض أو يحتال حيلة سوى الاستسلام، فصار القتل منسوبًا بعينه إلى من أغراه؛ فلذلك أوجبنا عليه القود. مسألة (643): إذا خرج رجل رجلًا عمدًا جراحة لها سراية فمات منها ولو بعد حين وجب القود على الجارح. ولو أنهشه حية أو عقربًا فمات، ففيه قولان منصوصان: أحدهما: أن الحية إن كات قاتلة غالبًا وكذلك العقرب فعليه القود، مثلك الثعبان بمصر، والعقرب بنصيبين، وإن لم يكن الغالب منه الموت - مثل: الحية

بأرض السواد - فلا قود عليه. والقول الثاني: أن عليه القود بك لحال، فإذا أوجبنا القود بكل حال استغنينا عن الفرق، وإذا قلنا بقول التفصيل فلابد من الفرق بين ذلك، وبين الجراحة وسرايتها إلى النفس. والفرق بين سراية الجناية وسراية السم: أن النفس مختلفة في قبول تأثير السموم اختلافًا بينًا، فمنهم من تلدغه العقرب فلا يحس بألم ولا يتضرر به، ومنهم من يتضرر ويتألم به ألمًا شديدًا، ومنهم من يكون ألمه دون ذلك.

مسألة (644)

وأما سرايات الجراحات، فلا تكاد تختلف باختلاف طباع النفوس، وسرايتها بسبب الإزهاق، فجعلنا الجراحة سبب القتل، فأوجبنا به القود قولًا واحدًا، وفصلنا القول في الحيات العقارب فأوجبنا القود إذا كان الغالب منها القتل، ولم نوجب القود إذا لم يكن الغالب منها القتل. فإن قيل: فربما تكون الجراحة على مل لا يتوهم منها القتل غالبًا كالحجامة. قلنا: إذا كانت الجراحة بهذه الصفة فمن أصحابنا من لم يوجب القود بمثلها، كما لم يجب القود في بعض الحيات، والعقارب على أحد القولين، ومنهم من عمم القول في الجراحات، كما عممها في الحيات والعقارب على أحد القولين. مسألة (644): إذا قتل رجل في دار الإسلام رجلًا عليه هيئة المشركين، ثم بان أنه

كان مسلمًا ففي وجوب القود قولان، وفي وجوب الدية قول واحد. ومثله لو تصور هذا القتل في دار/ (269/ ب) الشرك، فالقود ساقط، وفي وجوب الدية قولان. وإنما فصلنا بين الدارين؛ لأن دار الإسلام دار الحقن والاحترام لا دار السفك والهتك، فإذا رأى مشركًا في دار الإسلام وعليه غيار المشركين، فالظاهر أنه محقون الدم مستعصم بالذمة، فإذا أقدم عليه فقتله كان هذا القتل عدوانًا منه فلا يعصمه عن القصاص مع عمد العدوان وإن توهم الشرك، وكذلك قلنا - في أحد القولين -: إذا بان مسلمًا، وقطعنا القول بإيجاب الدية. فأما دار الشرك، فدار القتل والإباحة بخلاف دار الإسلام، فلا يتمخض إقدامه على قتله عدوانًا، فسقط القود بالشبهة الظاهرة، وكان في وجوب الدية قولان:

أحدهما: أنها ساقطة، كما لو رمى سهمًا إلى المشركين فحاد إلى مسلم فقتله، والرامي لا يعلم بمكانه، فتجب الكفارة دون الدية. والقول الثاني: أن الدية واجبة. والفرق بين هذه المسألة ومسألة الرامي: أن الرامي قصد رمي المشركين غير عالم بمكان المسلم، والرمي ي دار الحرب مباح على الإطلاق، لا على جهة التوقي بالاحتراز والاحتياط، فسقطت الدية، بخلاف الخطأ في دار الإسلام. فأما في المسألة الثانية فقد قصد قتل ذلك الرجل دون غيره فبان أنه مسلم، فلما تعين القصد أوجبنا الدية، والقياس الصحيح تصحيح قول الإسقاط، وتشبيه إحدى المسألتين بالأخرى.

كتاب الديات

كتاب الديات مسألة (645): إذا أوضح رجل رأس رجل موضحتين بينهما حاجز كامل وهو: الجلد واللحم فعليه في كل واحدة منهما خمس من الإبل، [فإن جاء أجنبي ورفع ذلك الحاجز فعليه خمس من الإبل]، وعلى الأول عشر من الإبل، ولو ارتفع ذلك الحاجز بسراية الجراحة الأولى تراجع الواجب إلى خمس من الإبل. [والفرق بين الرفع والارتفاع: أن الحاجز إذا كان ارتفاعه بسراية الجراحة السابقة صار منسوبًا إلى ذلك الجاني، ولو كان ذلك الجاني عاد بعد الموضحتين فرفع ذلك الحاجز تراجع الأرش إلى خمس من الإبل]، فلا فرق بين مباشرته برفعه وبين ارتفاعه بسراية مباشرته، ولو أنه أوضح جميع رأسه موضحة واحدة لم يكن عليه إلا خمس من الإبل، فكذلك هذا الموضع.

مسألة (646)

فأما إذا رفعه أجنبي فجناية الأجنبي منسوبة إلى الأجنبي لا إلى الجاني الأول، والأول قد أوضحه موضحتين فلزمه أرشهما، ولم يسقط عنه/ (270/ أ) شيء من الغرم بإيضاح وجد من غيره. مسألة (646): إذا كان بين الموضحتين حاجز من اللحم ولم يكن فوق اللحم جلد، فقد قال الشافعي - رحمه الله -: إنها موضحة واحدة، وقال بعض مشايخنا: لو كان بينهما جلد ولم يكن بينهما لحم، فكذلك حكمهما حكم موضحة واحدة، وإذا كان الجلد واللحم حاجزين بينهما أعطيناهما حكم موضحتين. والفرق بين المسألتين: أن الجلد واللحم إذا كانا حاجزين معًا بين الموضحتين، فليس الجلد واللحم محل جنايته؛ لأنه جني على ما وراءهما من الجنايتين وما جني على محلهما. فأما إذا لم يكن الجلد موجودًا بينهما وإنما بقي اللحم فذلك اللحم الباقي محل جنايته والجناية واحدة.

مسألة (647)

ولو أن رجلًا شج رجلًا باضعة واسعة في وسطها موضحة ضيقة فذلك كله موضحة واحدة، ولا سبيل إلى أفراد الباضعة عن الموضحة والموضحة عن الباضعة، فكذلك الباضعة الواحدة إذا اشتملت على موضحتين كانت موضحة واحدة. ولو أن الموضحة الواحدة جمعت مأمومتين ففيها وجهان: أحدهما: أنهما مأمومة واحدة فلا يجب فيها أكثر من ثلث الدية. والثاني: أنهما مأمومتان، فإنهما جائفتان، والظاهر الأول. مسألة (647): قال الشافعي - رحمه الله -: "لو صاح برجل، فسقط من صيحته عن حائط لم أر عليه شيئًا، ولو كان صبيًا، أو معتوهًا، فسقط من صيحته ضمن". والفرق بينهما: أن الصبي في غالب أمره لا يكاد يثبت ويضبط نفسه إذا فزعته بغتة بالصيحة الهائلة، والظاهر أن سقطته منسوبة إلى صيحته، والغالب من الرجل التثبت وضبط النفس، ومن النوادر أن يسمع البالغ المستجمع للعقل والرزانة صيحة، فتستفزه، كما تستفز الصبي والمجنون؛ فلذلك لم ينسب القتل إليه.

مسألة (648)

ولو أن رجلًا طلب رجلًا على سطح، فهرب منه، فتردى من طرف السطح وهو بصير، فلا شيء على الطالب، وإن كان المطلوب أعمى، فعلى الطالب الدية. والفرق: أن البصير يرى طرف السطح ومنتهاه، فيكون ترديه باختيار منه، إذ كان يمكنه غيره وإن كان مطلوبًا. فأما الأعمى، فلا يرى منتهى السطح حتى يكون التردي منسوبًا إلى تدبيره واختياره، والطالب قد اضطره إلى الفرار حتى انتهى إلى المكان الذي انتهى إليه، وكذلك لو انخسف السطح بالمطلوب، فقد نص على/ أن الضمان واجب على الطالب. مسألة (648): العبد القن إذا جني جناية واختار سيده أن يفديه وهي تستغرق رقبته، ففداه، ثم جني جناية أخرى، فعليه فداؤه إن ختار الفداء، وما قبض الأول من المال، فخالص له. ولو أن أم ولد جنت جناية تبلغ قيمتها، ففداها سيدها، فجنت جناية أخرى، فليس على سيدها شيء من أرش الجناية الثانية والثالثة.

مسألة (649)

والفرق: أن أم الولد بالاستيلاد ممنوعة عن البيع، والاستيلاد كالاستهلاك، وإذا غرم قيمة المستهلك مرة واحدة لم يغرمه ثانية وثالثة، ثم يقال للخصم الثاني: أنت شريك مع الخصم الأول في القيمة المأخوذة بقسطها. وأما العبد القن فإذا فداه السيد بقي ملك السيد على رقبته، كما كان وعاد إلى الحالة الأولى، فإذا جني جناية أخرى وهو متمكن من بيعه فيها، كما كان متمكنًا ابتداء فعليه الفداء إذا منع رقبته أن تباع في الجناية الثانية. مسألة (649): قال الشافعي - رحمه الله-: "لو كان أحدهما واقفًا، فصدمه الآخر فماتا فدم الصادم هدر ودم الواقف على عاقلة الصادم". وإنما فصل بينهما: لأن الواقف في حال وقفته غير متحامل على الصادم [بحركة وقوة ومدافعة، وإنما وجدت الصدمة من الصادم، فصارت صدمة الصادم] سببًا لإزهاق المهجتين جميعًا؛ فلذلك حكم الشافعي - رحمه الله - بإهدار دم الصادم وإيجاب جميع دية الواقف على عاقلة الصادم، بخلاف المصطدمين إذا ماتا؛ لأن المصطدمين كل واحد منهما بحركته وقوته صدمته مؤثرة في الثاني وفي نفسه، فيصير نصف كل واحد منهما هدرًا، والنصف الآخر مضمونًا على عاقلة الثاني.

مسألة (650)

مسألة (650): قال الشافعي - رحمه الله - في القديم: "لو كان أحدهما قاعدًا على الطريق، أو نائمًا، فصدمه الآخر، فماتا، فدية النائم، والقاعد هدر، ودية الصادم على عاقلة النائم"، وهذا خلاف ما ذكر في الجديد في المسألة السابقة. والفرق في القديم بين الصادم وبين النائم: أن الطريق مدرجة السابلة والمحتازين، وفيها مرافق الاجتياز والاستطراق، وليست للنوم والقعود، فإن النوم والقعود فيها مما يضيفها ويمنع الناس مقاصدها، فصارت الجناية على المهجتين جميعًا منسوبة إلى النائم والقاعد دون الماشي الصادم، وجعلنا النائم سبب العثرة التي حصل التلف منها. فإن قال قائل: فهلا قلتم مثل ذلك في الواقف مع الصادم في المسألة السابقة، وما الفرق بين أن يقف في الطريق وبين أن يقعد/ (271/ أ) أو ينام عليها، وقد جعلتم قعوده ونومه جناية منه، ولم تجعلوا وقوفه جناية؟ قلنا: الفرق بينهما: أن الرجل إذا كان واقفًا في الطريق، فالماشي في الغالب يراه؛ لأنه ماثل له بين عينيه، الغالب من الماشي في الطريق أن لا ينظر إلى ما تحت قدميه، كما ينظر إلى الواقف بين يديه، فيصير القاعد بالقعود جانيًا ولا يصير الواقف بوقوفه جانيًا؛ فلذلك فصل الشافعي بين المسألتين.

مسألة (651)

مسألة (651): قال الشافعي - رحمه الله -: لو شجه مأمومة، أو قطع يده، فذهب عقله، ففيه دية واحدة، ولا يجب في عين الجراحة شيء. ولو شجه فشلت يده فعليه أرش الشجة ودية اليد. الفرق بين المسألتين: ما أشار إليه الشافعي: أن منزلة العقل في البدن منزلة السمع والبصر، والمراد بذلك: أن البصر له محل مخصوص، فإذا تلف ذلك المحل لم يجب إلا دية البصير، فما من عضو إلا وفي إتلافه مخافة ذهاب العقل؛ لما لم يكن له محل مخصوص من البدن، فصار جميع البدن مع العقل، كالحدقة مع البصر؛ فلذلك أرجنا دية العضو المقطوع تحت دية العقل. فأما إذا شجه مأمومة فشلت يده فليس الرأس محلًا لبطش اليد وقوتها، كما تكون الحدقة محلًا للبصر، فإذا سرت الجناية إلى اليد، فزال بطشها بالشلل أفردنا كل واحد منهما بموجبه، فأوجبنا في المأمومة ديتها وفي اليد ديتها. فأما إذا كسر رجل صلب رجل، فلم يطلق المشي، فقد قال الشافعي - رحمه الله: "فيه الدية، وإن أطاق المشي، ولكن ذهبت شهوته ففيه الدية، ولا شيء في الكسر، فإن شل ذكره بكسر الصلب وجب في الصلب دية وفي الذكر دية، إذ لا يقصد شلل الذكر بكسر الصلب، ويقصد ذهاب الشهوة بكسر الصلب" وهذا قريب مما ذكرناه. مسألة (652): ألحق الشافعي - رحمه الله - ابن المعتق وأباه بابن الجاني وأبيه، فلم

يضرب عليهما من عقل جناية معتقة شيئًا، ولم يلحق المعتق بالجاني حتى لا يضرب العقل عليه، بل ضرب على المعتق قسطًا من العقل - حتى لا يضرب العقل عليه، بل ضرب على المعتق قسطًا من العقل - أي عقل جناية معتقه - وكأنه بني هذا الباب على الأثر وهو: ما روي أن بعض موالي صفية بنت عبد المطلب جني، فقضى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بميراث مواليها للزبير، وقضى بالعقل على علي بن أبي

طالب رضي الله عنه"، فثبت بالأثر/ (271/ ب) أن ابن المعتق بمعزل عن عقل الموالي، وإذا ثبت ذلك في الابن فكذلك الأب، ولا فاصل يفصل بينهما في قول جملة العلماء. فأما الجاني فإنما لا يتحمل؛ لأن التحمل مواساة، ويستحيل وصف الرجل بأنه يواسي نفسه، وعمود نفسه مثل نفسه، وليس بمستحيل أن يقال على المعتق وهو المولى الأعلى أن يواسي المولى الأسفل إذا جني، كما يواسي النسيب قريبه.

مسألة (653)

مسألة (653): إذا جني رجل على نفسه، فقتلها فذلك الفعل هدر في حق الدية، وأما الكفارة فقد أوجبها بعض أصحابنا في ماله، ولم يفصلوا في إسقاط الدية بين قول من يقول: الدية تجب للوارث ابتداء، وبين قول من يقول: إنها تجب للمقتول [ابتداء، ثم تنتقل بالميراث إلى الورثة. والفرق بين الكفارة وبين الدية]: أن الكفارة تجب لحق الله تعالى بارتكاب هذه الكبيرة المخصومة، وقد تحقق الارتكاب منه بما فعل من القتل، وكل حق يخصه، فهو فيه مقدم على ورثته. ألا ترى أن مؤنة غسله وكفنه مقدمة على ميراثهم، وكذلك قضاء ديونه إذا

مسألة (654)

مات وعليه ديون. فأما الدية إذا وجبت، فلابد من أن تجب للورثة ميراثًا لهم سواء قلنا: أول وجوبها لهم، أو للمقتول. ألا ترى أنها على القولين مقسومة بينهم على فرائض الله سبحانه. ألا ترى أنا نقضي منها على القولين ديونه. ألا ترى أنا ننفذ منها وصاياه. وإذا لم يكن بد من أن تكون موروثة لهم عنه، فلابد من إضافة الملك إليه بكل حال وترتيب ملك الوارث على ملكه، ولو قلنا: وجبت الدية له لما وجبت إلا عليه؛ لأنه هو القاتل، ومن المحال أن يجب للرجل على نفسه دين، أو دية؛ فلذلك كانت الدية ساقطة وكان في وجوب الكفارة وجهان. مسألة (654): لولي الجنين أن لا يقبل الغرة الواجبة دون سبع سنين، أو ثمان سنين. ولو أعتق رجل عن الكفارة رقبة صغيرة رضيعة مثلًا أجزأت عنه.

والفرق بين المسألتين: أن المقصود من الغرة في قتل الجنين تمليك الولي رقبة تستقل بنفسها، فإذا كانت الصغيرة فملكه إياها لم يستغن عن ضرر يتحمله مما ملكه، لأن ذلك الطفل لا يستغني عن أم، أو حاضنة تتفقده وتتعهده بمؤنة كبيرة، فكان له أن يمتنع، فلا يقبل حتى ينتهي إلى المدة التي هي مدة الاستغناء عن الحضانة فيصير ابن سبع سنين أو ثمان؛ ولذلك جاز التفريق بين الأم والولد في هذه النهاية، ولم يجز التفريق قبل هذه المدة. فأما التحرير في الكفارة فالمقصود إزالة الملك عن الرقبة السليمة من العيوب، وليس/ (272/ أ) القصد التمليك، فإن المُعتق لا يملك رقبته، ولذلك ثبت الولاء عليه لمن أعتقه، ولو ملك العبد رقبته، ثم عتق لا يقطع الولاء عن السيد.

مسألة (655)

مسألة (655): إذا وجبت الغرة، فللولي أن لا يقبل خصيًا، ويجزئ الخصي في الكفارات. والفرق بينهما: أن المقصود من الكفارات أن يكون المُعتق باطشًا قويًا على الكسب، وكل عيب لا يضر بالكسب ضررًا بينًا، فذلك العيب لا يمنع الإجزاء في الكفارة، وإن كان يضر بالكسب ضررًا بينا كان مانعًا للإجزاء، والخصاء ليس مما يمنع الكسب والاحتراف. فأما من استحق الغرة، فليس يستحقها للكسب وإنما يستحقها دية، فله أن يمتنع عن كل عيبٍ بين؛ ولذلك أجزأت العوراء في الكفارة، ولا تجزئ في دية الجنين إذا امتنع الولي عن القبول. مسألة (656) الخصاء في الغرة يمنع الإجزاء والإيفاء إذا امتنع الولي، كما ذكرنا. والخصاء في شاة الأضحية لا يمنع الإجزاء. والفرق بينهما: أن المقصود من الغرة تمام الدية التي هي دية الجنين، وما يعد من العيوب في أعيان الديات، فللولي أن يمتنع عنه وعن أخذه وقبوله. فأما الضحية، فالمقصود منها اللحم وإراقة الدم، وليس للخصاء تأثير

مسألة (657)

في هذا المقصود وأن تأثير الخصاء في اللحم بأن يزيده طيبًا وقيمة، لا بأن يزيده عيبًا ونقصًا. مسألة (657): إذا ضرب بطن امرأة، فألقت بدنين لا رأس لههما وجب غرتان. ولو ألقت رأسين لا بدن معهما وجب غرة واحدة، وذلك أن البدن الواحد ربما يكون له رأسان، وسمع الشافعي - رحمه الله - بامرأة لها رأسان، وأحب أن يراها، فخطبها وتزوجها، فنظر إليها ثم طلقها، وأعطاها صداقها، وقيل: ولد لرجل صبي له رأسان إذا بكى بأحدهما يبكي الآخر، وإذا سكت أحدهما سكت الآخر. وأما بدنان تحت رأس واحد، فذلك مما لا يعهد ولم يسمع به؛ فلذلك فصلنا بين المسألتين.

كتاب القسامة

كتاب القسامة مسألة (658): الأيمان في جميع الخصومات موضوعة في جانب المدعى عليه؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلا في القسامة".

وصورتها: أن يدعي رجل على رجل، أو على جماعة دمًا واللوث موجود فيكون اليمين في جانب المدعي. واللوث: أن يكون بين القاتل وبين المقتول عداوة سابقة، ثم يوجد ذلك المقتول في دار عدوه، أو في سكة مختصة سلكاها. والفرق بين هذه المسألة وبين غيرها من المسائل: أن أسباب اللوث إذا ظهرت تحققت قوي جانب المدعي، واليمين في سائر الخصومات إنما تكون في جانب المدعي/ (272/ ب) عليه لقوة جانبه، وقوة جانب المدعى عليه؛ كون الشيء في يده، وظاهر يده أمارة صدقة، فكذلك ظاهر اللوث الموجود أمارة صدق المدعي فيما يدعيه من الدم، فالمعنى الذي أوجب - في سائر الخصومات - وضع اليمين في جانب المدعى عليه أوجب في القسامة وضعها في جانب المدعي. ولهذه النكتة وقعت البداءة في اللعان بالرجل دون المرأة؛ لأن العاقل لا يكاد يعير نفسه ويلوث فراشه بأن يقذف زوجته كاذبًا، ولولا الضرورة التي

مسألة (659)

غلب بها على القلب صدقه لما قذفها ولما قصد ملاعنتها؛ فلذلك جعلنا البداءة به، فكذلك في القسامة. مسألة (659): إذا ادعى رجل قودًا بالقسامة، وحلف خمسين يمينًا ثبتت الدية، ولا يثبت القود في أصح القولين. والفرق بين الدية والقود: أن القود من العقوبات التي تسقط بالشبهة، وأما الدية، فإنها تجب مع الشبهة. واعلم: أن الأيمان في القسامة لا تنفك عن نوع شبهة؛ لأنها مبنية على الشواهد، والأمارات، وغالب الظن، والظن يخطئ ويصيب، والشبهة إذا تمكنت من الحادثة وجب درء الحد. فأما المال، فلا سبيل إلى منع وجوبه بمثل هذه الشبهة، بل الدية تجب مع الشبهة في الخطأ، وغيره. مسألة (660): الصحيح من القولين أن الدم لا يشاط بالقسامة، ولو أن

مسألة (661)

الولي ادعى دمًا في غير منزلة اللوث، فاستحلف المدعى عليه، فنكل، فرد اليمين على المدعي، فحلف وجب القود قولًا واحدًا. والفرق بين المسألتين: أن أيمان القسامة مرتبة مبنية على ما ذكرنا من ظن مقرون بنوع علم، ومثل هذا اليمين لا يصلح لاستيفاء القود. فأما إذا وقعت البداءة بالمدعى عليه، فنكل فنكوله، دليل صدق المدعي، ويقوى بذلك قلبه وقلب غيره؛ فلذلك قلنا: إن القصاص في المسألة الثانية واجب قولًا واحدًا، لما قويت البينة، وضعفت الشبهة، وبعدت التهمة؛ ولهذه النكتة جرى النكول ورد اليمين في جميع خصومات الشريعة، وما جرت القسامة إلا في حادثة مخصوصة. مسألة (661): المدعى عليه في غير القسامة إذا نكل عن اليمين رددنا اليمين على المدعي، فإن نكل عن يمين الرد بطلت خصومته وسقطت دعواه، والمدعي في القسامة إذا قيل له: لا تستحق إشاطة الدم إن

أقسمت فنكل، فاستحلف المدعى عليه فنكل، فقال المدعي: أنا أحلف الآن فالصحيح من المذهب أن له أن يحلف وإن كان قد / (273/ أ) سبق نكوله. الفرق بين المسألتين: أن الخصومة إذا لم تكن خصومة قسامة فمقتضى يمين الابتداء ومقتضى يمين الانتهاء واحد وهو المال المطلوب، فإذا نكل شخص عن اليمين في هذه الخصومة لم يعد فيها حقه، حتى لو أقام بعد ذلك شاهدًا واحدًا وأراد أن يحلف مع شاهده لم يمكن من اليمين بعدما تقدم نكوله السابق. فأما في القسامة فيمين الابتداء مباينة في مقتضاها ليمين الانتهاء. ألا ترى أن الدم لا يشاط بيمين الابتداء، ويشاط الدم بالنكول ورد اليمين، فله أن يقول: إنما نكلت حين نكلت لعلمي بأني لو حلفت لم أصل إلى مقصودي من القصاص، فأما في مسألة الانتهاء فقد عرفت أني إذا حلفت كنت مستحقًا للقصاص؛ فلذلك رغبت في اليمين انتهاءً وزهدت فيها ابتداءً.

مسألة (662)

وإذا تقدم الشاهد الواحد الذي أقيم على المال، ونكل المدعي عن اليمين مع الشاهد، فاستحلف المدعي عليه فاليمين لا ترد على المدعي أيضًا للنكتة التي ذكرناها، وفي مسألة الشاهد واليمين قول آخر، غير أن الصحيح ما جرينا عليه في الفرق. مسألة (662): إذا ادعى رجل مالًا على أهل محله مع الإجمال فقال: لي مائة دينار على أهل هذه المحلة، ولم يعين أشخاصهم على التمييز كانت الدعوى غير مسموعة. وقد سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل هذه الدعوى على أهل خيبر حين جرى ما جرى. والفرق بين المسألتين: أن شأن الدماء مبني على ضرب بليغ من الاحتياط ابتغاء للحقن، فلو قلنا: لا تسمع الدعوى في الدم حتى يكون المدعي عليه بعينه معيبًا واحدًا أو جماعة: تعذر التعيين، وكيف لا يتعذر ذلك في قتل الغيلة؟.

مسألة (663)

فأوجب الاحتياط للدماء الاستماع إلى الدعوى مع ما فيها من نوع إبهام وإجمال. فأما شأن الأموال فخلاف شأن الدماء؛ لأن المدعين لو أراد التعيين فالغالب أنه لا يعجز عن التعيين بالبينة العادلة، فإن تعذر فذلك من النوادر، ولا اعتبار بالنوادر. فعلى هذا لو ادعى رجل دمًا على أحد رجلين والمنزلة منزلة القسامة كان على القاضي أن يسمع دعواه مع ما فيها من إجمال المدعي عليه، ولو توجهت هذه الدعوى على شخصين في المال بأن يقول المدعي: لي مائة درهم على أحد هذين الرجلين، فالقاضي لا يسمع دعواه حتى يعين المدعي عليه، وكذلك لو جاء رجلان إلى القاضي وقالا: أيها القاضي لأحدنا على هذا الرجل مال، فالدعوى/ (273/ب) باطلة غير مسموعة لما فيها من الإبهام وعدم التعيين. مسألة (663): قال الشافعي - رحمه الله - في هذا الكتاب: "ولو جرح رجل فمات مرتدًا بطلت القسامة؛ لأن ماله فيء".

وقال قبل ذلك في كتاب الجراح: "لو جرحه مسلمًا فمات [مرتدًا كان لوليه المسلم أن يقتص بالجرح" فلم يبطل حق وليه بموته مرتدًا كما أبطل في القسامة. والفرق بين المسألتين: أنه إذا جرح وهو مسلم فمات] مرتدًا فسراية الجراحة أزهقت روحه في زمان الارتداد وسراية زمان الارتداد هدر؛ فلذلك بطلت القسامة، وإنما تكون القسامة في النفوس، وقد خرجت نفسه وهو مرتد. فأما مسألة كتاب الجراح فقد جنى على مفصل من مفاصله فأبانه، وذلك في زمان إسلامه فاستقر القصاص بتمام الإبانة، فردته العارضة من بعد أثرت في إهدار مهجته، وبقي لوليه ما ثبت له من حق التشفي في الطرف، وذلك كان قبل الارتداد. والمذهب الصحيح هو: أن مراد الشافعي بقوله: "ولوليه المسلم": وارثه، لا

مسألة (664)

سلطانه. مسألة (664): المحجور عليه بسبب السفه والتبذير إذا توجهت عليه دعوى مال لم يستحلف، فإن استحلفه الخصم، فنكل، فلا حكم؛ لنكوله، ولا يغرم شيئًا، إذ لا حكم لاستحلافه، هذا إذا كانت دعوى المال من طريق البيع والشراء. فأما إذا توجهت عليه دعوى جناية مالية، فهل تصح الدعوى عليه، وهل تسمع يمنيه، أم لا؟ فعلى قولين، أصحهما: ما نص ها هنا في كتاب القسامة أنه كغير المحجور عليه، ويلزمه منها في ماله ما يلزم غير المحجور عليه. والفرق بين الجنسين: أنه في عقد البيع والشراء محجور عليه، فما يتفرع على البيع والشراء ويترتب عليهما ويؤول إليهما، فأثر الحجر منتشر إليه؛ لأنه محض مال؛ فلذلك لم تصح عليه هذه الدعوى. فأما الجنايات وما يؤول إليها، فإنها لا تدخل تحت الحجر، سواء كانت مالية أو لم تكن مالية، فإن فعل الجناية يحصل ويتصور من المحجور عليه، كما

مسألة (665)

يحصل, ويتصور من غير المحجور عليه؛ فلذلك سوى الشافعي بينهما وألحق أحدهما بالآخر. مسألة (665): قال الشافعي- رحمة الله- في هذا الكتاب: فإن ادعى الجاني أنه برأ من الجراح زاد في يمينه: وما برأ من جراحة فلان حتى مات منها, فجعل القول ولي المجني عليه حيث لا يعدم لوث. وقال في موضع آخر: " إذا ادعى الجاني أنه برأ من تلك الجراحة واحتملت المدة, وقال الولي: مات منها فالقول قول الجاني". والفرق بين المسألتين: أن دعوى الدم إذا كان لا يعدم/ (274/أ) فيها اللوث فجانب المدعي أولى بالتقوية من جانب المدعى [عليه, وذلك بسبب اللوث الموجود, ألا ترى كيف بدأنا به وبإيمانه ولم نبدأ بالمدعي عليه] , وغايرنا بينه وبين سائر الخصومات في ابتداء إثبات الجناية, فكذلك إذا كانا متصادقين على ابتداء وجوب

مسألة (666)

الجناية مختلفين في بقاء السراية وانقطاعها, فالقول قول ولي الدم؛ تقوية لجانب المدعي واستتصحابًا واستدامة لما تقدم وتحقق من الجناية. فأما في غير موضع القسامة, فجانب المدعي عليه أولى بالتقوية من جانب المدعي لأن الأصل براءة دمة المدعي عليه, فإذا ادعى الاندمال والخصم يجحده والمدة تحتمله, فالقول قوله مع يمينه, لا قول خصمه, كما جعلنا الأيمان في الابتداء موضوعة في جانبه, لا في جانب المدعي. مسألة (666): إذا شهد الشهود في حق من الحقوق قبل الدعوى كانت الشهادة مردودة, وقد قال الشافعي- رحمه الله في هذا الموضع-: "لو شهدا على رجلين أنهما قتلاه, وشهد آخران على الشاهدين الأولين أنهما قتلاه, وكانت شهادتهما في مقام واحد: فإن صدقهم ولي الدم معًا بطلت الشهادة, وإن صدق اللذين شهدا أولاً قبلت شهادتهما, وجعلت الآخرين دافعين يشهادتهما, [وإن صدق الذين شهدا] [آخرًا

أبطلت شهادتهما لأنهما] [يدفعان بشهادتهما ما شهد به عليهما"، ولم يقل؛ لأن شهادتهما شهادة قبل الدعوى, فظاهر هذا الكلام أنه جعل شهادتهما قبل الدعوى في هذه المسألة] شهادة لها حكم, بخلاف سائر الدعاوى. وجرى كثير من أصحابنا على هذا الظاهر, وفصلوا بين دعوى العقوبات وبين دعوى الأموال المحضة فقالوا: إن الشهادة في العقوبات مسموعة قبل الدعوى: وليست بمسموعة في سائر الخصومات ما لم تتقدمها الدعوى, واستشهدوا على هذا بما قال الشافعي- رحمه الله-: "لو أن رجلين شهدا على رجل بأنه سرق ألف درهم لفلان حبسته وسألت المشهود له: فإن ادعى المال قطعته, وإن قال: المال له لم أقطعه". فكيف رأيت الشافعي قبل الشهادة السابقة على الدعوى في هذا الموضع, فكذا في الجنايات؛ لأنها عقوبة كما أن الحدود عقوبات, مع أن حدود الله تعالى مبنية على المساهلة والمسامحة بخلاف حقوق الآدميين. ومن أصحابنا من يقول: إن هذه الشهادة المتقدمة على الدعوى مردودة, ولكن إذا سألناه عن البينتين فربما يصدقهم جميعًا, أو يصدق /الثانية دون الأولى, (274/ب) فتسقط دعواه؛ لما تضمنت من تكذيب نفسه بنفسه, أو ربما كان له وكيلان

مسألة (667)

فادعى أحدهما على هذين, والثاني على هذين الآخرين, ثم شهدوا في مقام واحد, كما صور الشافعي, فتكون كل واحدة من الشهادتين متعقبة للدعوى غير متقدمة عليها. مسألة (667): إذا شهد أحد الشاهدين أن فلانًا قتل فلانًا غدوة, وشهد الشاهد الثاني أنه قتله عشية, فالقتلة لا يثبت بمثل هذه البينة. ولو أن أحد الشاهدين شهد على إقراره بأنه قتله غدوة, وشهد الثاني على إقراره بأنه قتله عشية ثبت القتل بشهادتهما. والفرق بين المسألتين: أن شهادتهما في هذه المسألة الأولى شهادة على عين الفعل, وقد شهد أحدهما على فعله في زمان, والثاني شهد على فعله في زمان ثان, فما اتفقت شهادتهما. وما اجتمعتا على الشيء الواحد المشهود عليه؛ فلذلك لم يثبت القتل حتى ينضم إلى واحد منهما شاهد يصدقه على مثل شهادته. فأما المسألة الثانية, فليست كذلك, وذلك أن شهادتهما تعتمد الإقرار وتستند إليه, وقد اجتمعت واتفقت شهادتهما على إقراره بالقتل, فلا يضر بعد ثبوت الإقرار الاختلاف في الزمان الذي أخبر عنه بالإقرار.

مسألة (668)

وعلى هذا نقول: لو شهد أحد الشاهدين أنه قتله برمح طعنه به, وشهد الثاني أنه قتله بسيف لم يثبت القتل بمثل ذلك, ولو شهد أحدهما على إقراره بأنه قتله بسيف وشهد الآخر على إقراره أنه قتله برمح ثبت القتل بشهادتهما. مسألة (668): إذا شهد أحد الشاهدين أنه قتله غدوة, وشهد [الثاني أنه قتله عشية لم يثبت قتل, ولا قسامة, والقول قول المدعي عليه مع يمينه. ولو شهد أحد الشاهدين أنه أقر بقتله غدوة, وشهد] الشاهد الآخر أنه قتله عشية لم يثبت القتل وثبتت القسامة, والقول قول الولي مع خمسين يمينًا وله الدية. والفرق بين المسألتين: أن الشاهدين في المسألة الأولى شهدا جميعًا على صورة الفعل وهما متكاذبان, والقسامة مبنية على غلبة الظن وكثرة الشواهد وظهور الأمارات, وهذا هو اللوث, فمتى ضعفت أسباب اللوث بالتكاذب والتكذيب صار اللوث معدومًا, فلا قسامة مع عدمه.

مسألة (669)

فأما في المسألة الثانية فالتكاذب معدوم بين الشاهدين معدوم بين الشاهدين؛ لأن أحدهما شهد على الإقرار دون الفعل, والثاني شهد على الفعل دون الإقرار فلم يثبت القتل لاختلافهما فيما شهدا عليه/ (275/أ) , ولكن تثبت القسامة ما لم يكونا في الشيء الواحد متكاذبين, فإن الشاهد الواحد العدل لوث في القسامة. وعلى هذا الأصل قلنا: إذا قال أحد الوارثين: قتل أبانا خالد بن عبد الله ورجل آخر, وقال الوارث الثاني: قتل أبانا جعفر بن عبد الله ورجل آخر ثبتت القسامة, ومثله لو قال أحدهما: قتل أبانا خالد بن عبد الله ورجل آخر معه, وقال الآخر: قتل أبانا جعفر بن عبد الله ورجل آخر لا أعرفه ولكن أعلم أنه لم يكن خالد بن عبد الله, لم تثبت القسامة في أظهر القولين. والفرق بين المسألتين: أنهما في المسألة الأولى غير متكاذبين, إذ يحتمل أن يكون الرجل المجهول عنه هذا هو الرجل المعروف عند الآخر. فأما في المسألة الثانية فقد صرح أحدهما بتكذيب صاحبه في خالد بن عبد الله, وإذا تحقق التكاذب ضعف اللوث بالتكاذب. مسألة (669): قال الشافعي- رحمه الله-: "لو شهد وارثه أنه جرحه عمدًا أو خطأ

لم أقبل؛ لأن الجرح قد يكون نفسًا فيستوجب بشهادته الدية" هكذا قال. ومثله لو أن رجلاً مرض وله على رجل دين, فشهد بعض ورثته على إثبات ذلك الدين كانت شهادة الورثة مقبولة, وإن كان ذلك الدين راجعًا إليهم بالميراث. والفرق بين المسألتين: أن الورثة إذا شهدوا على الجراحة فقد شهدوا على سبب تلفه, فيستحيل أن تقبل شهادتهم وهم يستحقون الدية التي أثبتوها بالشهادة على القتل, فيصيرون على الحقيقة شاهدين لأنفسهم, لاسيما إذا قلنا: إن الدية في أول وجوبها تجب للوارث. فأما في المسألة الثانية فإنهم شهدوا على إثبات الدين, وما شهدوا على إثبات السبب الذي به ينتقل بموته إليهم ذلك الحق؛ لأنه مات بمرضه, وكان الدين بشهادتهم ثابتًا له دونهم, ثم انتقل بموته إليهم بعد

مسألة (670)

استقراره له بالشهادة الصادرة من جهتهم. مسألة (670): قال الشافعي- رحمه الله-: "لو شهد من هو عاقلته بالجرح- يعني بجرح شهود القتل- لم أقبل وإن كان فقيرًا؛ لأنه قد يكون له مال في وقت العقل ويكون دافعًا عن نفسه". قال المزني: وأجازه في موضع آخر إذا كان من عاقلته في قرب النسب من يتحمل عنه العقل حتى لا يخلص إليه الغرم إلا بعد موت الذي هو أقرب. قال المحققون/ (275/ب) من مشايخنا: إن المسألتين على ظاهرهما في الجواب, فتكون الشهادة مردودة في المسألة الأولى, مقبولة في المسألة الثانية.

والفرق بينهما: أن الفقير لا يزال يمني نفسه الأماني ويحدثها بالغني وبأسبابه, فلا يبعد أن يشهد على جرح شهود القتل مخافة أن يأتي أوان التحمل- وهو آخر الحلول- وهو غني فيخصه قسط من الغرامة. فأما في المسألة الثانية فليس كذلك؛ لأن الموت- وإن كان أقرب من شراك نعله- فالناس يستبعدونه في عاداتهم التي جبلوا عليها فمن البعيد أن يشهد الرجل البعيد في درجة النسب على دفع القتل مخافة أن يموت القريب قبل التحمل, فيخلص إليه تحمل العقل؛ فلذلك فصلنا بين المسألتين.

كتاب قتال أهل البغي

كتاب قتال أهل البغي مسألة (671): ما أتلف الباغي من مال أهل العدل قبل ثائرة الحرب, فعليه ضمانه. فأما ما أتلفه في حال القتل, ففي وجوب ضمانه قولان. والفرق بين الحالتين: أنه إذا أتلف في حال القتال, فإنما أتلفه على حكم التأويل الذي تأوله؛ لاستحلال القتال, فما كان القتال سببًا لإتلافه, فالتأويل شبهة موثرة في إسقاط غرامته. فأما ما أتلفه على غير ثائرة القتال, فلا تأويل فيه, ولا شبهة؛ لأن الباغي لا يستحل مال العادل إنما يستحل قتاله؛ ولهذه النكتة قلنا: ما أتلف العادل من مال الباغي في غير قتال, فعليه ضمانه, وما أتلفه في حال القتال, فليس عليه ضمانه.

مسألة (672)

مسألة (672): إذا ارتدت طائفة من المسلمين, فقاتلناهم فأتلفوا أموالنا في حال القتال فالمذهب الصحيح أنهم ضامنون, بخلاف أهل البغي في أحد القولين. والفرق بين الطائفتين: أن أهل البغي يقاتلوننا على تأويل يتأولونه, ولولا ذلك التأويل لما أثبتنا لهم أحكام أهل البغي, كما لا نثبت أحكام البغي لهم لولا نصب الإمام والشوكة. فأما المرتدون [فلا تأويل لهم وقد ارتدوا عن أصل الدين, فصاروا ضامنين, ولم يكونوا] كالحوبيين الذين لم يلتزموا أحكام الإسلام. [والمرتدون قد التزموا أحكام الإسلام] , ألا ترى أنا لا نرضى منهم إلا بالإسلام, أو بالسيف, ونرضى من الحربي بالجزية.

مسألة (673)

[مسألة (673): إذا استعان أهل البغي بأهل الذمة على الفئة] العادلة فأعانوهم جاهلين وقالوا: ظننا أن طائفة من المسلمين إذا حملتنا على طائفة حل لنا قتالهم, كما يحل قتال المحاربين فجميع ما أتلفه أهل الذمة من مال أهل العدل, فعليهم ضمانه, وإن أتلفوه في حالة القتال, وقد أسقطنا الضمان عن الباغين المسلمين فيما أتلفوا في حالة القتال على أحد القولين. والفرق/ (276/أ) بين أن المسلمين الذين بغوا: هم الذين أمر الله تعالى بالإصلاح بينهم وبين العادلين في سبحانه وتعالى: {وإن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} الآية, فذكر الإصلاح آخرًا كما ذكر الإصلاح أولاً ولم يذكر تبعة في دم, ولا مال, ولا يكاد يتكامل مقصود الصلح مع طلب الضمان. وأما أهل الذمة فما أمرنا بالإصلاح بينهم وبين المسلمين العادلين, وأمانهم لم ينقض مع جهالتهم حتى يلتحقوا في سقوط الضمان بأهل الحرب, فصاروا مؤاخذين بمقتضى ذمتهم؛ فلذلك ألزمناهم الغرامة.

كتاب المرتد

كتاب المرتد مسألة (674): المولود على الفطرة إذا بلغ, فعبر عقيب البلوغ بعبارة الكفر قبل إن يعبر بعبارة الإسلام كان مرتدًا يستتاب فإن تاب وإلا قتل. والمولود على غيلا الفطرة إذا أسلم أحد أبوبه, فحكمنا بإسلامه قبل بلوغه, فلما بلغ عير بعبارة الكفر عقيب البلوغ قبل أن يعبر بعبارة الإسلام جعلناه كافرًا أصليًا على احد القولين, ولم نجعله مرتدًا. والفرق بينهما: أن المولود الأول لم يثبت له حكم الكفر في الأصل حتى يستديم ذلك الأصل بعد البلوغ, ولكنه ثبت له حكم الإسلام في أول حاله, فإذا بلغ وأعرب عن نفسه بعبارة الكفر كانت هذه العبارة أول كفر ثبت له بعد الإسلام, فحكمنا له بالإرتداد. وأما المسألة الثانية, فليست كذلك, وذلك أنه ولد على الكفر, فثبت له أصله, ولم يثبت أصلاً في الإسلام, وإنما صار تبعًا, وعبارته بعد البلوغ أصل بنفسه لا تبعًا, فغلبنا حكم الأصل على التبعية, ورددناه في حكم الكفر إلى ما كان من قبل.

مسألة (675)

فإن قيل: فالكافر الأصلي إذا أسلم, ثم ارتد فأصله الكفر, فهلا رددته بالارتداد إلى ذلك الأصل حتى نقرره بالجزية على الكفر؟ قلنا: إن الكافر الأصلي لما أسلم صار أصلاً في الإسلام لا تبعًا, فلما ارتد غلبنا أصل الإسلام, فطالبناه بمعاودته, أو قتلناه إن لم يعاود, وهذا المولود على الكفر ما كان قد أصلاً في الإسلام بنفسه. فإن قيل: ما بالك قسمت المولود قسمين: مولود يولد على الفطرة, ومولود لا يولد على الفطرة, وقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه/ (276/ب) , أو ينصرانه, أو يمجسانه". قلنا: مرادنا بتقسيمنا: حكنا لأحدهما بالإسلام, وللثاني بالكفر, ومراد رسول الله- صلى الله عليه وسلم بيان اصل الخلقة, ولا خلاف بين العلماء مع هذا الخبر أن أولاد اليهود والنصارى والمجوس غير مرتدين, ولكنهم كفار أصليون. مسألة (675): إذا ارتدت المرأة وهي حبلى, ثم وضعت ولدًا معصوم عن السبي والاسترقاق.

وإذا ارتدت, ثم علقت بولد فولدته ففي استرقاقه قولان: أحدهما: أنه ممنوع كالمسألة الأولى, والثاني: استرقاقه: استرقاقه مباح. والفرق بين المولودين: أن العلوق بالولد الأول كان في حالة الإسلام, فلما ارتدت الأم لم ينتشر حكم ارتدتدها إلى الطفل, وبقي الطفل مسلمًا وكما كان. فأما إذا ارتدت, ثم حبلت فهذا الولد: ولد وكان أول العلوق به على الشرك لا على الإسلام, فألحقناه بالكفار الأصليين. فإن قيل: هلا جعلته كأمه حتى لا يجوز [استرقاقه, كما لا يجوز] استرقاقها؟. قلنا: إن الأم قد ثبت لها بنفسها حكم الإسلام قبل ذلك, فإذا ارتدت كانت الغلبة للأصل السابق. فأما هذا الولد, فلم يثبت له حكم أصل الإسلام بنفسه ولا بغيره؛ لأن العلوق به على شرك سابق مقترن بأول الفطرة.

مسألة (676)

فإن قيل: أليس إذا أسلمت المشركة وهي حبلى استتبعت ولدها [في الإسلام فهلا: قلتم إذا ارتدت الحبلى استتبعت ولدها] في الارتداد؟. قلنا: لأن الإسلام يعلو ولا يعلى, وهو أعلى الملل, فانتشر حكمه إلى الولد سواء كان الولد في البطن, أو لم يكن في البطن وكان منفصلاً إذا لم يكن بالغًا. فأما إن ارتدت وفي بطنها ولد علقت به في حال الإسلام, فلو جعلنا الولد مرتدًا بارتدادها جعلنا الكفر في الاستتباع والانتشار بمنزلة الإسلام, وذلك محال. مسألة (676): قال الشافعي- رحمه الله-: إن ارتد سكران, فمات كان ماله فيئًا, ولا يقتل إذا لم يتب حتى يمتنع مفيقًا. فظاهر هذا الكلام أنه جعل ردته في حالة الإسكار, ولم يجعل توبته فيه توبة, ألا تراه أمرنا باستتابه مفيقًا. وادعى المزني على أصل الشافعي- رحمه الله-

هذا مذهبًا, فمن أصحابنا من يسلم له, ومنهم من لا يسلم له ويحكم بصحة توبته وإسلامه إن عاد إلى كلمة الإسلام في حالة السكر, ولكن لابد مع هذا النص من فرق؛ لأنه نص عليهما معًا. والفرق: أن الارتداد إقدام على أعظم المعاصي, / (277/أ) ولا منافاة بين العصيان والعصيان, فلا منافاة بين السكر والارتداد - صلى الله عليه وسلم-: "الندم توبة", وهذا لا يكاد يتحقق من السكران, وإنما يتحقق ممن يتصور له القصد الكامل, فلذلك

جعل الشافعي- رحمه الله- زمان الإفاقة زمان الإستتابة، إما وجوبًا, أو استحبابًا.

كتاب الحدود

كتاب الحدود مسألة (677): البالغ إذا أصاب زوجته الصغيرة حتى التقى الختانان فهذه الإصابة في حقه إصابة إحصان, وليست هذه الإصابة في حقها إصابة إحصان على أحد الوجهين, فلو بلغت فزنت

فحدها حد الأبكار, وكذلك البالغ العاقل يصيب زوجته [المجنونة, ثم نفيق من جنونها, وكذلك الحر يصيب زوجته] المملوكة, ثم تعتق, فهو بهذه الإصابة محصن وهي غير محصنة بها. والفرق بين الزوجين: أن الزوج إذا أصابها كان موصوفًا بأنه لا يجهل موقع نعمة الله عليه ولا يخفي على العاقل ذلك, والإحصان استجماع فضل الله ونعمه. فأما الصغيرة والمعتوهة, فهما غير موصوفين بأنهما عارفتان بمواقع فضل الله ونعمه عليهما. فأما المملوكة فإنها ناقصة بنقصان الرق في زمان الإصابة ونقص الرق

مسألة (678)

مما ينافي الإحصان, فلم يتعلق بتلك الإصابة من حكم الإحصان ما يتعلق بإصابتها في حال حريتها. مسألة (678): قال الشافعي- رحمه الله-: "لا يقام حد الجلد على الحبلى ولا على المريض المدنف, ولا في يوم حر, أو برد مفرط, ولا في أسباب التلف, فقد حكم الشافعي بأن لا غرامة عليه. وقال في موضع آخر: "إذا بلغ رجل أغلف فختن نفسه فبها ونعمت, وإن امتنع ختنه الإمام, ولا يختنه في حر أو برد مفرط فإن فعل فمات المختون فديته على عاقلة الإمام". والفرق بين المسألتين: أن إقامة الحدود واستيفاءها إلى الإمام وإلى ولاته,

لا يستوفيها أحد سواه, ولو استوفي غير السلطان حدًا لم نسمعه حدًا, فإذا أقام الحد فمات المحدود فالحق قتله ولا غرم. وهذا معنى قول أمير المؤمنين علي- رضي الله-: "لا أوتي برجل فأقيم عليه حدًا فيموت فأجد في نفسه فأجد في نفسي منه شيئًا الحق قتله إلا شارب الخمر فإنه شيء رأيناه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم"/ (277/ب). وأما الختان فغير مفوض إلى السلطان وولي ولايته. ولكنه واجب على كل من بلغ في نفسه, فإذا باشره الإمام فالشرط سلامة العاقبة, فإذا لم تسلم وجي الضمان, ومتى ما ختنه وفي الهواء شدة برد أو شدة حر كان مفرطًا بما فعل, ولو أنه عزر رجلاً وانتسب إلى التفريط في التعزير فإن أدى إلى التلف وجب عليه الضمان, فكذلك في هذا الموضع.

مسألة (679)

مسألة (679): إذا أقر على نفسه بحد من حدود الله عز وجل, ثم رجع عن إقراره سقط الحد. ولو أقر بحد قذف, أو حق من حقوق الآدميين, ثم رجع لم ينفعه رجوعه, ولم يسقط عنه بالرجوع ما ثبت بالإقرار. والفرق: أن حدود الله تعالى أسرع سقوطًا وجوبًا من حقوق الآدميين؛ ولذلك كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم. يعرض في الحدود فيقول: "ما إخالك سرقت". ولذلك يؤخر قطع السارق زمان الحر الشديد والبرد الشديد, ولا يؤخر القصاص في الأطراف, كما يؤخر قطع السارق, ومبنى حقوق الآدميين على

مسألة (680)

نوع من المضايقة والمشاحة, ومبنى حقوق الله سبحانه على الضد من ذلك, والذي يوضح ذلك: أن التوبة بعد الوجوب لا تسقط شيئًا من عقوبات الآدميين, وربما سقط حق الله تعالى بالتوبة, وذلك أحد القولين. مسألة (680): إذا التقى حقان من حقوق الأموال, أحدهما لله, والآخر للآدمي فأصح القولين- إنشاء الله-: تقديم حتى الله تعالى على حقوق الآدميين. فإذا اجتمع في المفصل الواحد عقوبتان, أحدهما: قصاص في اليد لآدني, والآخر: قطع في السرقة قطعنا يده في القصاص, واندرج حق القطع في السرقة تحته ولا تقطع يده في السرقة.

والفرق بين المسألتين: أن العقوبات التي هي حدود لله. وحقوقه فإنها مبنية على ما ذكرنا من تغليب الإسقاط ومنع الوجوب, فإذا اجتمعت العقوبات كانت عقوبات الآدميين أولى بالتقديم. فأما ما كان من الحقوق المالية المضافة إلى الله تعالى فلا يجوز تغليب الإسقاط, وقد قال- عليه السلام-: "فاقضوا لله فالله أحق بالقضاء", وكل مال مضاف إلى الله تعالى ففيه مع حق الله حق الآدميين؛ فلذلك جعلناه أولى بالتقديم على أحد القولين. ولو أن رجلاً أقر على نفسه بين يدي السلطان بزكاة واجبة في الأموال الظاهرة, / (278/أ) ثم رجع عن ذلك الإقرار لم ينفعه رجوعه, ولم تسقط تلك الزكاة, كما تسقط حدود الله تعالى بالرجوع عن الإقرار.

مسألة (681)

مسألة (681): المستحب للسلطان التعريض بما يمنع وجوب الحد, كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما إخالك سرقت", فإذا أقر بالسرقة فلا يحل التعريض بالرجوع عن الإقرار, وإن كان الرجوع سبب السقوط. والفرق بين الحالتين: أن الحالة الأولى حالة عدم الوجوب, والاجتهاد فيها يمنع وجوب استصحابًا للأصل السابق وذلك حسن, وفيه قدوة برسول الله صلى الله عليه وسلم, فأما إذا سبق الإقرار, فقد تقدم الوجوب, وإذا تحقق وجوب حد الله تعالى وجب على السلطان الاشتغال بأسباب الاستيفاء, لا بأسباب الإسقاط؛ ولذلك قال- صلى الله عليه وسلم-: "تعافوا الحدود فيما بينكم فيما رفعتموه إلى

فقد وجب", وما عرض رسول الله. صلى الله عليه وسلم. قط بعد الوجوب؛ ولهذا غلظ القول في المخزومية لما شفع فيها أسامة بن زيد, فقال: "أتشفع في حد من حدود الله تعالى, والله لو سرقت فاطمة

مسألة (682)

لقطعتها". مسألة (682): التعريض بأسباب السقوط ممنوع بعد الوجوب, كما ذكرناه فإن ظهر من ذلك المحدود ما يدل على أنه بنفسه ربما يتسبب إلى السقوط فمساعدته وموافقته على ذلك غير ممنوع, بل هو مندوب إليه.

والفرق بين الحالتين: أن ذلك الشخص إذا ظهر منه ما يحتمل أن يكون من أسباب السقوط لم تكن موافقتك إياه ابتداء إسقاط منك أو اشتغال بأسباب السقوط, وإنما الابتداء منه, وهو لو رجع من غير تعريض سقط الحد, فإذا فعل ما يجوز أن يكون مقدمة الرجوع أو مقدمة التوبة حسن التوقف والتأخير. فأما إذا ظهر منه سبب من أسباب قصد الإسقاط فلا يجوز للإمام أن يبتدئ من جهة نفسه ويشتغل بحيلة الإسقاط, وإنما يبين هذا الفعل سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ما عز وذلك أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما ندبه إلى التوبة بعد تمام إقراره, ولا عرض بها, ثم لما رموه بالحجارة هرب فاتبعوه يرمونه فأدركه رجل بلحي جمل فأثبته, فلما رجعوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبروه بصنيعتهم وصنيعه قال: "هلا رددتموه إلى لعله

مسألة (683)

يتوب" فندبهم إلى الرد/ (278/ب) إليه طعمًا في التوبة لما ظهر منه الهرب والامتناع, وذلك من أسباب قصد السقوط, وقبل هذه الحالة لم يكن هذا الندب من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كما كان في هذه الحالة. مسألة (683): شهود الإحصان يغرمون على أحد القولين، كما يغرم شهود

مسألة (684)

الزنا، وشهود النكاح لا يغرمون مع شهود الطلاق بل تختص الغرامة بشهود الطلاق إذا رجعوا عن الشهادة، هذا هو المذهب. والفرق بين المسألتين: إن الإحصان وإن كان شرطا فإنه شرط شبيه بالعلة؛ لأن الله تعالى غلظ العقوبة على من أجزل عليه النعمة، فصار تمام النعمة مع وجود الزنا، كالعلة الواحدة، وإن كان المحصن محلا والزنا تعليلا. فأما النكاح فلا يكون علة في الطلاق ولا شبيها بالعلة، وإنما هو سبب محض، فلما لم يأخذ مشابهة التعليل لم يجز إلحاقه بالعلة. والصحيح: أن شهود التعليق وشهود وجود الوصف إذا اجتمعوا انفرد بالغرامة شهود تعليق الطلاق دون شهود وجود الوصف لما ذكرنا: أن الاعتبار بعين العلة، أو بما يشبه العلة ظاهرا. مسألة (684): إذا شهد شاهدان على رجل بأنه زنا بفلانة وهي مطاوعة،

مسألة (685)

وشهد شاهدان بأنه زنا وهي مستكرهة وجب حد الزنا على الرجل. ولو شهد شاهدان أنه زنا بفلانة، وشهد آخران أنه زنا بأخرى فلا حد. والفرق بين الاختلافين: أن الشهود في المسألة الأولى متصادقون على المحل الواحد، والفعل الواحد من جهته موصوفا بصريح الزنا، وإنما اختلفوا في صفتها، فقال بعضهم: كانت مطاوعة، وقال بعضهم: كانت مستكرهة، فكان تأثير هذا الاختلاف في سقوط الحد عنها دونه. فأما في المسألة الثانية فإنهم ما اتفقوا على الفعل الواحد؛ لأنهم لم يتفقوا على المحل الواحد، والفعل الواحد لا يتصور في المحلين، وقد يتراءى لهما منهما ما يشبه المطاوعة، ولغيرهما ما يشبه الاستكراه؛ فلذلك فصلنا بين المسألتين. مسألة (685): حد الزنا على العبد والأمة خمسون جلدة، وذلك نصف حد الأحرار، ولم يختلف قول الشافعي - رحمه الله في ذلك.

فأما التغريب ففي أصله على المماليك قولان، فإذا غربناهم ففي قدره قولان: أحدهما: أنه سنة كاملة. والثاني: نصف سنة. وإنما فصلنا في أصل التغريب بين الجلد وبينه؛ لأن منافع المماليك ملك السادات / (279/ ب) وإنما فصلنا في القدر بين التغريب والجلد؛ لأن ذلك

للتعزير، والجلد للإيجاع ردعا وزجرا، وما كان للتعزير فمرجعه إلى طباع النفوس، وهذا مما يستوي فيه الأحرار والعبيد؛ ولذلك سوينا بين الحرة والأمة في مدة الإيلاء، فكذلك سوينا بين الحر والعبد في مدة التغريب إذ أوجبنا عليهم التغريب.

كتاب السرقة

كتاب السرقة مسألة (686): إذا ملك عشرين دينارا من تبر الذهب وجبت الزكاة فيها، كما تجب في عشرين مثقالا من الدنانير المضروبة، ولا خلاف في ذلك. ولو سرق السارق ربع دينار من تبر الذهب غير مضروب لم تقطع يده إذا كانت قيمته دون ربع دينار مضروب، عند كثير من أصحابنا. والفرق بينهما: أن الزكاة في نصوص الشريعة معلقة بالاسمين جميعا. ألا ترى أن الله تعالى ذكر الزكاة ذكر اسم الذهب والفضة ولم يذكر اسم الدنانير والدراهم، فقال: (والَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والْفِضَّةَ ولا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ). وقال رسول الله - صلي الله عليه وسلم-: "من كان

له ذهب وورق فلم يؤد زكاته صفحت له يوم القيامة صفائح من نار". وهذا الخبر تفسير الآية وورد لفظ الدنانير في الزكاة أيضا، فسوينا بين المضروب وغير المضروب. فأما السرقة فإنما ورد لفظ الدنانير، وهو ما روت عائشة - رضي الله عنها-: أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم- قال: "القطع في ربع دينار"، وفي رواية أخرى: "لا قطع إلا في ربع دينار"، والدنانير اسم يطلق على المضروب من الذهب ولا

مسألة (687)

يطلق على التبر. واعلم أن الفرق من جهة المعنى يتعذر في مثل هذا الموضع، ولكن يحتمل أن يقال: إن النصاب المذكور في السرقة من الذهب مذكور لنفسه، ولغيره، ومعنى قولنا: مذكور لنفسه ولغيره: أن السارق إذا سرق ثوبا، أو فضة، أو غيرها من الأموال وجب تقويم المسروق بالذهب فإن الذهب هو الأصل عندنا، وتقويم العروض يقع بالذهب المضروب لا بالتبر؛ فلذلك جعلنا المضروب أصلا. فأما الزكاة فهذا المعنى مفقود؛ لأن المضروب معتبر بنفسه، وكذلك غير المضروب، ولسنا نعتبر بهما غيرهما حتى يعلق الحكم بالمضروب دون التبر. وهذا الكلام في زكاة العين / (279/ ب) فأما زكاة التجارة فربما تقوم فيها الدنانير المضروبة بالدراهم، وكذلك ربما يقوم تبر الذهب بالدراهم، والدراهم تصير أحيانا مقومة بالدنانير، فإذا جاءت حالة التقويم بالذهب، أو بالفضة فلا يقوم إلا بالمضروبة منهما. مسألة (687): إذا قاد السارق بعيرا وصاحبه فوقه راقد نائم وانتهى به إلى

الفضاء فلا قطع عليه، وإن تلطف به بعدما انتهى به إلى الفضاء فرفع صاحبه ووضعه على الأرض وجب عليه القطع. والفرق بين المسألتين: أن صاحب البعير ما دام راقدا فوقه فالبعير محرز به، والبعير بعد في الحرز، والقطع لا يجب على السارق ما دام المال في الحرز. ألا ترى أنه لو دخل الدار وأخذ المال من صفة ونقله إلى صفة أخرى، أو إلى الصحن، أو إلى الدهليز، ولم يخرج به من الدار فالقطع غير واجب عليه، والمذهب الصحيح أيضا أنه إذا فتح باب بيت من بيوت الدار

وأخرج منه المال إلى الصحن لم يلزمه القطع، ويكون، كما لو أخرجه من صندوق مقفل في البيت إلى البيت. فأما إذا رفعه عن ظهر البعير، وفصل بينهما فقد ميز بين المال وبين الحرز، فصار كمن أخرج المال عن جميع الدار. فإن قيل: أرأيت لو أرسل رجل بعيره يرعى ورقد على قرب منه فسرق سارق ذلك البعير عن المرعى، أليس يلزمه القطع ويكون البعير محرزا به؟. قلنا: ذلك يختلف على حسب اختلاف الأحوال، فإن أرسل بعيره للرعي وجلس يراقبه مراقبة الحافظ، فاعترته نعسة خفيفة، فانتهز السارق فرصة النعسة، فهذه سرقة قطع. فأما إذا أرسل البعير يرعى ومهد لنفسه فراشا وطيا فاضطجع نائما، فمثل هذا الفعل تضييع وإعراض عن الحفظ.

فإن قيل: فهلا قلتم إذا اتحد مثل هذا المضطجع على ظهر البعير، فالبعير ضائع. قلنا: الرقود فوق الشيء نوع إحراز له، وروي أن صفوان لما قدم المدينة مهاجرا رقد في المسجد على ردائه، فجاء سارق وسرق رداءه، فقطع رسول الله - صلي الله عليه وسلم- سارق رداء صفوان فإن قيل: أرأيت لو دخل دار رجل، فوجد صاحب الدار نائما، فحمله وأخرجه من الدار، ثم أغلق الباب دونه، ففصل بين المال وبين الحرز، ولم ينقل شيئا من مكان / (280/ أ) إلى مكان، كما لم ينقل هذا

مسألة (688)

الرجل البعير بعد وضع صاحبه عنه أليس لا يجب عليه القطع؟. قلنا: إذا قاد الناقة فقد حصل منه فعل في النقل، ولم يحصل منه فعل في الفصل، فإذا وضعه عن ظهرها حصل معه فعل الفصل. وأما من أخرج صاحب الدار منها فلم يحصل منه في نقل المال فعل، والمال ما دام في الدار، فهو في يد صاحب الدار؛ فلذلك أوجبنا القطع في موضع، وأسقطناه في موضع آخر. مسألة (688): الرجل إذا فتح باب داره وجلس فيها، فتغفله سارق، فدخل وسرق وجب القطع. ولو فتح التاجر باب خانه، أو باب حانوته المختص به فتغفله رجل وسرق، فلا قطع عليه، نصا عن الشافعي، إلا أن الشافعي - رحمه الله- ما صور هذه المسألة الثانية في الحانوت، وإنما صورها في الدار أيضا، ثم قال مشايخنا في التفسير: أراد بذلك التاجر إذا فتح باب داره. والفرق بين المسألتين: أن التاجر إذا فتح باب داره وجلس للتجارة فيه وجد فعل يدل على الإذن في الدخول، فتصير الدار بالإذن، كالدار التي يسكنها

رجلان، وإذا سرق أحد الساكنين مال الثاني، فلا قطع عليه. فأما غير التاجر إذا فتح باب داره، فلا يتضمن فتحه إذنا في الدخول. ألا ترى أن من أراد أن يدخل دار التجارة، فليس عليه الاستئذان، وإن دخل عليه بغير إذن لم يكن دخوله دمورا. وأما دار غير التاجر، فإن كان بابها مفتوحا، فلا يجوز دخولها إلا بإذن، ومن دخلها بغير إذن فقد دمر، كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم. فإن قيل: أليس صاحب الحانوت إذا جلس للبيع والشراء فسرق سارق شيئا ساعة جلوسه وحضوره وجب القطع على ذلك السارق، وإن كان فتحه الباب يتضمن الإذن؟.

مسألة (689)

قلنا: إن كان الحانوت بيتا واحدا يحيط البصر بجوانبه فالجواب كذلك: يقطع السارق. فأما إذا كان يشتمل على بيوت وحوانيت بحيث أنه لا يحيط البصر به من ذلك القاعد بجميع جوانبه وقد فتح للتجارة فلا قطع على السارق إذا سرق من الموضع الذي لا يحيط بالبصر به، ولعل الشافعي - رحمه الله- أراد في مسألة التاجر مثل هذا التصوير، بدليل ما روى الربيع أنه قال في تلك المسألة: إن كان البصر يحيط بها قطع، فصار وجود إحاطة البصر وعدم الإحاطة طريقا في الفرق بين الجنسين، وصار الإذن في الدخول وعدم الإذن سببا أخر في الفرق / (280/ ب). مسألة (689): إذا دخل الحرز وأخذ المال، فدفعه إلى مجنون، أو صبي صغير لا تمييز له، ولم يأمره بالإخراج، أو أمره لا على جهة الإكراه، فخرج به، فلا قطع، على ذلك السارق، ولو هدده وخوفه فخاف، فأخرجه

للضرب والوعيد وجب القطع على السارق. والفرق بين الحالتين: أن المجنون إذا خرج من غير تهديد لحقه فالإخراج منسوب إليه، لا إلى ذلك السارق. ألا ترى أن عاقلا لو أمر مجنونا، فأتلف مالا، ولم يكن إكراه، فالضمان على المجنون، لا على أمره. فأما إذا كان منه ضرب وإكراه ووعيد، فالإخراج منصوب إلى هذا السارق. ألا ترى أن المكره والمكره إذا اجتمعا في إتلاف المال، فالمكره المباشر للإتلاف بمعزل عن الضمان، وإنما الضمان على من ألجأه واضطره إلى الإتلاف. فلما صار فعل الإخراج منسوبا من هذا الوجه إلى السارق أوجبنا الضمان عليه وقطعنا يده. وعلى هذا الأصل قلنا: إذا حمل المال على ظهر دابته وسيرها وجب القطع، وإن سارت بنفسها من غير سوق بعد وقفه، فلا قطع، ولو حمله على ماء يجري به

مسألة (690)

وجب القطع؛ لأنه لا فعل للماء. وسوى بعض أصحابنا بين المجنون وبين الماء فأوجب القطع على آمر المجنون بالإخراج وإن لم يكن إكراه، والصحيح ما قدمناه. مسألة (690): إذا اشترك جماعة في إزهاق روح وجب القود على جميعهم وإذا اشتركوا في سرقة نصاب، فلا قطع على واحد منهم. والفرق: أن القتل لا يحتمل تبعيضا في النسبة، فصار كل واحد منهم قاتل المهجة، فجعلنا حكمه المنفرد بالقتل. فأما المال المسروق، فإنه يحتمل تبعيضا في النسبة، فيقال: إن كل واحد منهم سارق بعضه؛ فلذلك اشترطنا أن يكون نصيب كل سارق نصابا حتى نوجب القطع على جميعهم. فإن قيل: فعل السرقة، كفعل القتل لا يحتمل واحد منهما تبعيضا. قلنا: ليسا سواء، وذلك أن حقيقة فعل السرقة إخراج النصاب عن الحرز، والنصاب في نفسه محتمل للتبعيض في الإخراج، بأن يخرج عمامة، أو بساطا، أو يخرج درهما، ثم درهما، ثم درهما، ثم درهما إلى أن تبلغ

مسألة (691)

الدراهم نصابا، فيكون كل درهم بعضا من نصاب أخرجه، والروح لا تتبعض أبعاضا. وأثلاثا وأرباعا. مسألة (691): من حضر الوقعة ولم يباشر قتالا قليلا ولا كثيرا استحق نصيبه من الغنيمة. ومن حضر مع اللصوص وأعانهم ولم يباشر إخراج /المال من الحرز فلا قطع] عليه، وإنما القطع على من هتك الحرز وأخرج المال [. والفرق: أن القطع من جنس العقوبات، فلا يتوجه إلا على من باشر ارتكاب الجريمة التي توجب القطع، وهذا الواقف عند فم النقب ما باشر وإنما كثر وهيب. وأما قسم الغنائم فعطية من الله تعالى لأقوام مخصوصين، فجاز أن يقسمها على من قاتل وعلى من لم يقاتل بعد حضور الملحمة.

ألا ترى أن أرباب الخمس يستحقون خسمهم من المغنم وإن لم يحضروا المعركة ولا أحد منهم، ولكنهم متفرقون في شرق البلاد وغربها، ومثل هذا لا يتعلق بباب العقوبات، ولا يتحقق فيها.

كتاب الأشربة

كتاب الأشربة مسألة (692): في حد الشرب: المضروب في الخمر إذا مات من أربعين سوطا فقد قال بعض أصحابنا يجب جميع ضمانه، والمضروب في القذف] إذا مات في أحد وثمانين سوطا فأحد القولين: أن الواجب عليه نصف الضمان، والثاني [: سهم من واحد وثمانين سهما. والفرق أن السياط في الخمر اجتهاد، وإنما ضرب رسول الله - صلي الله عليه وسلم- بالنعال وأطراف الثياب، فإذا ضرب بالسياط فأدى إلى القتل فما من

سوط إلا وفيه نوع من الاجتهاد؛ ولذلك قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه-: "لا أوتي برجل فأقيم عليه الحد، فيموت فأجد في نفسي منه شيئا، الحق قتله إلا شارب الخمر فإنه شيء رأيناه بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم" ولو أردنا في كل سوط أن نقسط عليه ما كان مستحقا منه - وهو قدر إيلامه بنعل، أو طرف ثوب- وما هو غير مستحق منه لتعذر التمييز، فصار من هذا الوجه، كالميت في التعزير؛ لأن القدر الذي استحقه المعزر غير ممتاز عن الزيادة التي لم يستحقها. فأما المحدود في القذف إذا ضربه أحدا وثمانين سوطا، فثمانون حق مستحق دون الواحد الزائد، فلم نجد بدا من التقسيط،] ثم اختلف القول في كيفية التقسيط [على ما حكيناه.

مسألة (693)

مسألة (693): إذا تناول شرابا قليلا سواء كان من خمر، أو نبيذ، فسكر، ثم قال: ظننت أنه غير مسكر، فإن كان ظنه بالجنس، فالحد ساقط، وإن كان ظنه بالقدر، فالحد واجب. والفرق: أنه إذا قال: ظننته من جنس ما لا يسكر كثيرة، فهذه شبهة قد أحلته، والحدود والكفارات تسقط بالشبهات. فأما الظن بالقدر، فليس بعذر، لأنه عالم بأن جنسه مسكر، فإذا شرب القليل مما يعلم الإسكار من كثيرة، فقد ارتكب الحد، ثم اعترف به والشافعي - رضي الله عنه- نص على هذه / (281/ ب) المسألة فقال: إن شرب، ثم قال: ظننت أنه

غير مسكر وجب عليه الحد, ففسره مشايخنا بما ذكرناه من التفسير والتقسيم, والله أعلم.

كتاب قطاع الطريق

كتاب قطاع الطريق مسألة (694): الحر إذا قتل عبدًا في المحاربة قتل به في أحد القولين, وكذلك المسلم بالكافر, والوالد بالولد والواحد بالعدد. ومثله لو تصور شيء من ذلك في غير المحاربة راعينا معاني المكافأة, ولم نقتل واحدًا بعدد, وإنما نقتله بواحد ونوجب عليه ديات الباقين. والفرق بين الحالتين: أن حالة المحاربة توجب مراعاة حقين: حق الله تعالى, وحق الآدمي, بخلاف حالة القصاص المحض. ألا ترى أن ولي الدم في المحاربة لو قال: عفوت عن النفس لم يكن له, ولو قال: عفوت عن الجراح كان له.

مسألة (695)

فأما الحالة الثانية: فجميع الحق فيها للآدميين, فلا بد من اعتبار المكافأة, ألا ترى أنه إذا عفي عن الدم صار الدم محقونًا وبقيت خصومة المال. مسألة (695): في ضمان البهائم: الهرة إذا صادت بالنهار حمامة دار رجل, فأتلفتها وجب الضمان على صاحب الحرة. والبهيمة إذا أفسدت بالنهار زرعًا, فلا ضمان على صاحب البهيمة, وإتلافها بالليل على الضد في الجواب أيضًا, فما أتلفت الهرة فلا ضمان, وما أتلفت البهيمة من الزرع فيجب ضمانه.

وعلة هذا الفصل: مراعاة عادات الفريقين, فعادة أرباب الحمامات إرسالها بالنهار وإحرازها بالليل, وعادة أرباب الزرع حفظها بالنهار دون الليل, وهذا مأخوذ من قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما أفسدته ناقة البراء ابن عازب, والله أعلم.

كتاب السير

كتاب السير مسألة (696): المرتزق إذا أخذ حقه من المال لسنة, ثم مرض لم يسترجع الإمام منه ما أخذ. ولو أن بعض الغزاة أخذ شيئًا من مال الجهاد, ثم مرض استرجع الإمام منه ما أخذ. والفرق بينهما: أن المرتزق يأخذ ما يأخذ للاستعداد ونفسه مسبلة للجهاد, فإن أعجزه المرض في حين قام به في غير ذلك الحين. فأما الغازي, فلا يأخذ ما يأخذ؛ لدوام الاستعداد, وإنما يأخذه للجهاد في الوقت, فإذا عجز عن القيام به لم يكن مستحقًا لما أخذه وكان عليه رده, والذي يدل على هذا: أن جميع ما فيه كفاية/ (282/أ) المرتزق لعامهم وكفاية ذراريهم يستحق لهم في بيت المال, وليس

مسألة (697)

ذلك بمستحق للغزاة, ولا لذراريهم. مسألة (697): قال الشافعي - رحمه الله -: "لا يجاهد إلا بإذن أهل الدين وبإذن والديه؛ لشفقتها ورقتها عليه إذا كانا مسلمين"، نص عليهما. ولو أن واحدًا من المرتزقة خرج للجهاد فأراد رب الدين رده منعه الإمام من الرجوع على كراهة رب الدين وعلى كراهة الأبوين. ومن كان من المطوعة رجع قبل الصف لحق الأبوين ولحق أهل الدين. والفرق بينهما: أنه إذا كان اسمه مكتوبًا في ديوان الجهاد صارت منزلته منزلة الأجير بما أرصد نفسه له, وأخذه من الأجرة عليه, والأجير

مسألة (698)

مستغرق المنافع لجهة الاستحقاق, وهذا الوصف مفقود فيمن كان متطوعًا بالجهاد؛ فلذلك ألزمناه الرجوع إذا استرجعه رب الدين أو أحد أبوية. مسألة (698): لا يجاهد الوالد إن كان الجهاد فرض كفاية إلا برضا الوالدين, ويخرج متفقهًا بغير رضاهما - عند كثير من مشايخنا - وإن كان يخرج لما هو فرض كفاية من التعليم. والفرق بين الفرضين: أن الجهاد مقتلة, فإذا أراد أن يتوجه لها ويتعرض لخطرها, فلا بد له من استئذانهما واسترضائهما؛ لفرط شفقتهما ورأفتهما.

مسألة (699)

وأما التفقه بخلاف ذلك؛ لأنه إذا خرج له لم يكن خارجًا لمقتلة يخافها على مهجته. فأما ما كان متعينًا على الإنسان,] من العلم فلا خلاف أنه يخرج [له ولطلبه بغير رضاهما, وهذا كله فيمن عجز بحضرة أبويه عن طلب العلم وتحصيله دون من تمكن منه بحضرتهما, فلا يجوز للمتمكن مفارقتهما, ولا مفارقة واحد منهما إلا برضاهما. مسألة (699): المنافق إذا لم يظهر منه إرجاف وتخذيل استصحبه السلطان للجهاد كما يستصحب المسلم, فأما من ظهرت من إرجاف وتخذيل, فقد قال الشافعي - رحمه الله -: "منعه الإمام الغزو" وأشار إلى المعنى

الذي وقع فيه الفصل بينهما, فقال: "لأنه ضرر عليهم" يعني: ما يفعل من التخذيل والإرجاف, وأما المستتر بنفاقه الذي لا يظهر منه الإرجاف والتخذيل, فلا ضرر على المسلمين منه ومن خروجه. والمخذولون المرجفون إذا خرجوا بغير إذن الإمام أدبهم تعزيزًا ولم يسهم لهم, فإنهم غير معدودين في جملة الجيش, وما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو بطائفة من المنافقين, ونهاه الله سبحانه وتعالى - عن طائفة

مسألة (700)

منهم, وإنما افترقت الطائفتان لما ذكرناه/ (282/ ب). مسألة (700): إذا غزا الإمام بالمراهقين من المسلمين رضخ لهم. فأما المراهقون من المشركين إذا غزا بهم ففي رضخهم قولان. والفرق بينهما: أنا نرجو بركة دعاء المراهقين من المسلمين إذا غزوا, ولا نرجو ذلك من صبيان المشركين, ولو صرنا إلى منفعة القتال والمعاونة عليه سوينا بين الفريقين.

مسألة (701)

فأما رجال المشركين إذا غزا بهم الإمام, فإنهم يستحقون الرضخ, ومنزلتهم منزلة عبيد المسلمين, وفي هذا نوع فرق أيضًا وهو: أن رجالهم إذا كانوا أهل رضخ وذلك أدنى المنزلتين لم يكن لصبيانهم منزلة الرضخ, بخلاف صبيان المسلمين. مسألة (701): أهل الكتاب من الحربين إذا أسروا, فقبلوا الجزية لم يحرم قتلهم, كما يحرم بالإسلام بعد الأسار, ولو قبلوها قبل الإسار حرم قتلهم كما يحرم بالإسلام. والفرق بين المسألتين: أنهم إذا أسروا, فقد تعلق برقابهم حق الأسر, فإذا أرادوا إسقاط ذلك الحق بقبول الجزية لم يكن لهم إسقاطه. ألا ترى أنهم لو أسلموا بعد الأسر لم يعصمهم الإسلام عن الرق, حتى قال بعض أصحابنا: نفس إسلامهم بعد الإسار يرقهم, جريًا على ظاهر كلام

مسألة (702)

الشافعي - رحمه الله - حيث قال: "لو أسلموا بعد الأسر رقوا". فأما إذا قبلوها قبل] الإسار فقد قبلوها وهم مالكون لأمرهم ورقابهم وأموالهم؛ ولهذا المعنى قلنا: إذا قبلوها قبل الأسار [وجب على الإمام أن يقبلها منهم ولا يتخير فيها, ولا يلزمه أن يقبلها منهم إذا قبلوها بعد الأسار. مسألة (702): الخنثى المشكل إذا بان رجلًا في الغانمين قبل القسمة أكملنا سهمه, وكذلك بعد القسمة قبل التفرقة عند بعض أصحابنا. فأما بعد التفرقة لا نكمل سهمه من تلك الغنيمة, ولكن يكمل من سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. والفرق بين الحالتين: أنا بعد التفرقة لو أردنا إكمال سهمه احتجنا إلى نقض القسمة بين الخلق الكثير, وفي ذلك ما لا يخفي من التعذر والمشقة, ولو أن تركة قسمت, وفرقت, ثم ظهر على الميت دين نقضنا القسمة بين الورثة.

مسألة (703)

والفرق: أن النقض في التركة متيسر؛ لأن عددهم قليل محصور بخلاف عدد العسكر العظيم, وإنما علقنا الحكم بالتعذر والمشقة, فلا بد من مراعاة التعذر. مسألة (703): الواحد من الغانمين إذا أقرض غانمًا طعامًا من طعام الغنيمة فله مطالبته بالقرض وهما في دار الحرب, فإذا خرجا إلى دار الإسلام فليس له مطالبته به. وذلك: أنهما ما داما في دار الحرب فلكل واحد منهما التبسط والتصرف في ذلك الطعام على وجه مخصوص, والقرض والاستقراض والاسترجاع من التصرف والتبسط فيه, فإذا خرج الجيش إلا بلاد الإسلام انقضى ذلك التصرف وصار أمر الطعام إلى الإمام كأمر سائر الغنم, فالإمام يسترجع ذلك القرض, ولا يجوز لذلك المستقرض أن يرده إلا إلى الإمام. ومن كان معه فضل طعام بعد الخروج إلى دار الإسلام فليس له الاستمتاع به, وعليه رده إلى المغنم في مشهور نص الشافعي - رحمه الله - إلا أن تكون

مسألة (704)

الضرورة في أطراف دار الإسلام باقية موجودة, كما كانت موجودة في دار الحرب, فيكون لهم حينئذ أن يستمتعوا بطعام المغنم, كما يجوز ذلك لهم في دار الحرب. مسألة (704): الأدوية في المغنم ممنوعة قبل القسمة, وليس لأحد من الغانمين أن يتعاطاها, بخلاف الطعام. والفرق: أن الضرورة تدعو إلى الانتفاع بالطعام, ولا ضرورة تدعو إلى الانتفاع بالأدوية, فإن الحاجة إليها من النوادر؛ ولذلك قال الشافعي - رحمه الله: "لو أراد واحد منهم أن يأكل إليه من المغنم كان له ذلك, ولو أراد أن يوقح بها دابته, أن يدهن شقها بدهن الغنيمة لم يكن له ذلك". مسألة (705): الواحد من الغانمين إذا وجد في بلاد الحرب مالًا مدفونًا في مواتهم كان أولى به, ولو وجده مدفونًا في خربة من بلادهم كان غنيمة يشترك الغانمون فيها.

والفرق بينهما: أن ما وجده في مواتهم مدفونًا, فالظاهر من حاله أنه ليس ملكًا لهم دفنوه, وصفته صفة الأموال العادية. ألا ترى أن المسلم لو وجد مثله في بلاد الإسلام كان في الحكم ركازًا يملكه الواجد ويخمسه, وكذلك ما وجده بهذه الصفة في بلاد الحرب, فهو يختص به, وعليه أن يخمسه. فأما إذا وجده في خربة مملوكة لهم, فالظاهر من ذلك المال أنه ملك لهم دفنوه. ألا ترى أن مثله لو وجد في دار الإسلام كان ذلك لقطة في الحكم يعرفها واجدها, ثم يتملكها بعد السنة.

مسألة (706)

ولو أن الغانم وجد في دار الحرب حديده مصنوعة, أو ظبية موسومة كانت غنيمة, لما ذكرنا من أثر الملك على ذلك الموجود, ولو احتش, أو احتطب في بلاد الحرب كان مختصًا بتمليك الحشيش والحطب, إذ ليس ذلك من الغنائم, ولا مما ملكه أهل الحرب, وإنما/ (283/ ب) هو من الأموال المباحة في جميع البلاد يملك بالاكتساب المخصوص. مسألة (706): إذا حمل رجل على رجل فارس والفرس مستعار, فعقر المقصود المطلوب بفرسه تحته دفعًا عن نفسه فأتلفه تقرر الضمان على الراكب, ولو أن المستعير أودع فتلفت العارية عند المودع, ثم بانت مستحقة تقرر الضمان على المودع الذي تلفت الوديعة في يده. وإنما كان كذلك؛ لأن الراكب لما تعدى وصال عرض الدابة للهلاك في المدافعة.

مسألة (707)

ألا ترى أن الدابة لو كانت ملكًا للراكب لم يجب على ذلك القاتل ضمان الدابة. أما إذا أودع المستعير فإيداعه لا يكون تعريضًا للتلف, وإنما يكون استحفاظًا, فإذا تلفت في يد المودع, ثم بانت مغصوبة كان الضمان على ذلك الحافظ. وهل تتوجه المطالبة على العاقر, ثم يرجع على الراكب, أم لا؟ ففيه وجهان: أحدهما: أن الضمان يتوجه عليه ولا يتقرر عليه. والثاني: أنه لا تتوجه عليه مطالبة بحال, وهو الصحيح. وكذلك كل شخص أكره على إتلاف مال لشخص: فهو على هذا الترتيب الذي ذكرناه. مسألة (707): الخراج المضروب على أراضي المشركين بدلًا عن الجزية يسقط بإسلامهم والرق السابق في رقابهم

بالأسر باق لا يزول بإسلامهم. والفرق بينهما: أن الرق إذا استقر في الرقبة صار الملك ماضيًا منقضيًا لمن وقعت في قسمته, فمنزلتها منزلة خراج استقر وجوبه بانقضاء حوله, فلا يسقط ذلك الخراج بالإسلام,] فأما سنة قابلة سبقها الإسلام, فخراجها غير واجب بعد الإسلام [؛ لأن الإسلام ينافي وجوبه, كما أن الإسلام قبل السبي ينافي وجوب الاسترقاق.

كتاب الجزية

كتاب الجزية مسألة (708): الإمام إذا وظف ضيافة على أهل الذمة جاز لأهل الصدقات مشاركة أهل الفيء في الارتفاق بتلك الضيافة. فأما نفس الجزية المضروبة عليهم, فليس لأهل الصدقات فيها حق. والفرق بينهما: أن الضيافة المضروبة عليهم إنما تكون مراعاة لمصلحة المجتازين بهم, والاجتياز ليس مما يختص به أهل الفيء دون أهل الصدقات, وما يؤثر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه ضرب الضيافة عليهم في بعض البلاد, فكانت

مسألة (709)

للمجتازين: فالظاهر أن المجتازين ما كانوا من فريق دون فريق. وأما نفس الجزية فمنقولة إلى بيت المال وقسمها مفوض إلى الإمام, ولا يتعذر عليه في القسم تخصيص أهل الصدقات بالصدقات, وأهل الفيء بالجزية؛ ولهذا المعنى الذي ذكرناه لم يجز للإمام تقسيم مال الضيافة فوق مال الجزية عليهم؛ لأن الجزية لأهل الفيء على الخصوص, والضيافة لأهل الفيء والصدقات جميعًا. مسألة (709): إذا ضربت عليهم الضيافة جاز الفرق فيها بين أغنيائهم وفقرائهم في عدد الأضياف فيشترط الإمام على الغني أن يضيف في كل شهر كذا وكذا عددًا, والفقير دون ذلك. ولا يجوز أن يفاضل بين الأغنياء والفقراء في صفة الأطعمة. وإنما كان كذلك؛ لأنا لو فاضلنا في صفة الأطعمة بينهم عدل الأضياف إلى الأغنياء منهم دون المتوسطين والفقراء, وإذا كانت المفاضلة في العدد

مسألة (710)

وعلم الأضياف أن صفة الطعام عند الغني والفقير واحدة كان نزولهم على الفقراء, كنزولهم على الأغنياء. مسألة (710): قال الشافعي - رحمه الله -: "من بلغ وأمه نصرانية وأبوه مجوسي أو أمه مجوسية وأبوه نصراني فجزيته جزية أبيه"، فاعتبر الآباء في مقدار الجزية. فأما في صفة الكفاءة, فكذلك اعتبر الشافعي جانب الآباء, ولم يعتبر جانب الأمهات. وأما في الحرية والرق, فقد اعتبر جانب الأمهات إلا عند وجود الشرط في الغرور, وإلا في الاستيلاد, فإن الولد حر بحرية الأب.

وأما في الإسلام فقد اعتبر] أحدهما لا بعينه. وأما في الملك, فقد اعتبر الأم. وأما في الزكاة فقد اعتبر [الجانبين, ولم يوجبها إلا في المتولد من النعم المحض عن الطرفين. وأما في تحريم اللحم فقد اعتبر الطرفين جميعًا, فلم يبح لحم المتولد بين حلال وحرام؛ وكذلك اعتبر في النجاسة فلم يحكم بطهارة عين الولد ما لم يحدث بين طاهرين.

وأما في إيجاب الجزاء على المحرم فقد راعى التغليظ فأوجبه إذا كان في أحد طرفيه ما هو حلال اللحم, وإن كان الطرف الثاني حرامًا. وأما في الذبيحة وفي المناكحة فقد اختلف قوله فاعتبر الأب في أحد القولين, واشترط أن يتمخض كتابيًا, أو كتابية في القول الثاني. وأما في الدية, فقد اعتبر التغليظ أيضًا, فأوجب في المتولد بين النصراني والمجوسية, أو المجوسي والنصرانية أكثر الديتين تغليظًا. وكان المعنى في الجزية ما أشار إليه الشافعي - رحمه الله -: أن الرجال هم الأصول في الجزية. ألا ترى أنها على الرجال تضرب دون النساء؛ ولذلك قلنا: إذا قبل النساء جزية لم يجز لنا أن نأخذها منهن إلا بعد أن يعرفهم الإمام أن الجزية / (284/ب) غير

مضروبة على النساء, فحينئذ أخذها منهن, فلما كان الرجال أصلًا في الجزية دون النساء اعتبرنا فيها - إذا تولد الولد من فريقين - جانب الأب, وإن كانت الجزية على عشيرة الأب دينارين ألزمنا المتولد دينارين, وأما بالنساء فتكون الجزية المضروبة على عشيرة الأم دينارًا. وأما الكفاءة فكذلك راعينا فيها جانب الآباء تغليبًا؛ لأن معظم معناها النسب, والنسب إلى الآباء, وإن كانت الولادة إلى الأمهات, كما أن التعصيب في الآباء, وولاية النكاح فيهم دون الأمهات, وكذلك اعتبرنا المرأة في تقدير مهر مثلها بنساء أبيها دون نساء أمها.

وأما الحرية والرق فإنما اعتبرنا فيها جانب الأم, لأن العلوق يحدث فيها فتكون الولادة من جانبها مشاهدة, ويكون الولد جزءًا منها فيرق برقها ويعتق بعتقها, ويكون مكاتبًا - على أشهر القولين - إن كانت الأم مكاتبة, حتى يكون ولد كل ذات رحم بمثابتها في معظم الأحكام وأكثر المسائل, واستثناء الغرور عن هذه الجملة؛ لأن الشروط المباحة في العقود تتضمن أحكامًا وتغير العقد عن صفة إطلاقه, فإذا اشترط حريتها فقد اشترط حرية ولده منها, فاستتبع الشرط حكم الولد في الحرية وقطعنا حكمه عن الأب والأم جميعًا, حتى حكمنا بأن ولد المملوك المغرور من المملوك حر, كما أن ولد الحر المغرور] من المملوكة حر, كما أن ولد الحر المغرور [حر, ولو استتبعه أحد الأبوين استحال عتقه والأبوان رقيقان, ولا استحال عتقه والأم مملوكة, وإن كان الأب حرًا, فبان أنه في الغرور تبع الشرط لا تبع الأب ولا تبع الأم. فأما الرجل إذا استولد جاريته, فالحكم برق الولد محال؛ لأنه لو رق رق لأبيه, والأبوة وملك الولد متنافيان, فلما استحال أن يخلق رقيقًا لاقتران المعنى المنافي بأصل الفطرة خلق حرًا, ثم لما خلق حرًا ثبت للأم بحقيقة حرية

الولد حق حرية, يتحقق ذلك الحق بموت السيد الذي أودعها بالإحبال هذه الحرية, وهذا معنى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعتقها ولدها". وعلى هذا الأصل جعلنا ولد المكاتب من أمته تبعًا له في الرق والحرية, حتى يكون حكم الولد في الاستيلاد حكم الوالد, فإذا كان الوالد مكاتبًا كان الولد مثله, وإذا كان حرًا كان حرًا مثله. وأما الإسلام فيعلو ولا يعلى, على لسان رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - فمتى وجد الإسلام في أحد الطرفين ولم يكن بد من تغليب إحدى الملتين استحال تغليب الكفر, فغلبنا الإسلام وأعطينا الولد حكمه, حتى أتبعناه السابي إذا سبى ولم يكن تبعه في السبي أحد أبويه.

فأما الملك فإنا اعتبرنا فيه جانب الأمهات,] إلا أن يكون الأب عربيًا على أحد القولين [؛ لأن الولد بالعلوق يصير متصلًا بالأم, ولا تتصور هذه الصورة إلا في جانبها, وكذلك حكمنا بأن ولد الحر من المملوكة] ملك سيدها, وكذلك ولد المملوك من المملوكة ملك سيد المملوكة [دون سيد المملوك, وكذلك إذا نزا فحل من البهائم على الأنثى كان الولد ملك مالك الأنثى, لا ملك مالك الفحل. وأما الزكاة فقد غلب الشافعي إسقاطها في المتولد بين الظباء والغنم على الإيجاب؛ لأن الأصل عدم الوجوب؛ ولأن المواساة معتبرة فيها, وليس من المواساة التغليظ, وقد قلنا: إذا كانت معلوفة في شهر سائمة في

أحد عشر شهرًا, فالزكاة ساقطة, وجانب الإسقاط مغلب فإذا كان في أحد الطرفين وحش, وفي الطرف الثاني نعم كانت الزكاة ساقطة تغليبًا للإسقاط. وجرى الشافعي - رحمه الله - في استحقاق السهم مع سائر العلماء هذا المجرى, فلم يثبتوا للبغل في المغانم سهمًا لما تولد بين حيوانين يستحق السهم بأحدهما ولا يستحق بالثاني. وأما تحريم اللحم, فالتغليظ فيه أولى؛ لأن الأصل في الحيوانات التحريم, وإذا امتزج التحريم والتحليل غلبنا التحريم على التحليل, وكذلك غلب الشافعي - رحمه الله - حكم النجاسة تغليظًا, فحكم بنجاسة عين الولد المتولد بين الكلب والذئب, أو بين الخنزير والذئب, وممازجة النجاسة كممازجة التحريم سواء. وأما وجوب الجزاء, فلما كان حكم الإحرام على نهاية التغليظ فيما بين العبادات وكان مباينًا لها في التأكيد واللزوم أوجبنا جزاء المختلط إذا قتله المحرم, وإن كان لحمه بالاختلاط حرامًا, وإن كان الشافعي - رحمة الله عليه - لا يوجب الجزاء إلا فيما كان لحمه حلالًا.

مسألة (711)

واختلف قوله في الذبيحة والمناكحة لمثل هذه النكتة, فاعتبر تغليظ الحكم - لما كان أصل الأبضاع وأصل الذبائح على التحريم - إلى أن يستباح بطريق الاستباحة, لما وجدنا في أحد الطرفين ما يوجب التحريم أوجبنا التحريم, فتارة يتبع الولد الأم, وتارة يتبع الأب, ولا يجيز مناكحتها ما لم تكن كتابية محضة, ولم يجعلها كالصغيرة يسلم أحد أبويها؛ لأن الإسلام لا يشركه الشرك, والشرك يشركه الشرك, وهذا أصح القولين,] واعتبر الأب في القول الثاني [من حيث كان الولد في النسب, وفي الكفاءة سمي إلى الأب دون الأم. وأما في الدية فإنها بدل دم وحكم الدماء على التغليظ ما أمكن لا على التخفيف؛ ولهذا جعل الشافعي - رضي الله عنه - دية الجنين المقتول معتبرة بأغلظ الأبوين دية. مسألة (711): زكاة المال لا تجب إلا ببقاء المال من أول الحول إلى آخره. والاعتبار في تفاوت الجزية على الغني والفقير بآخر الحول, ولا يعتبر فيهما جميع الحول. والفرق بينهما: أن الحول في الزكاة للتقلب والتصرف في المال, يستنميه

مسألة (712)

ويستفضله, ويواسي الفقراء إذا احتمل المال المواساة منه, ولا يتمكن من كمال التقليب والتصرف إلا ببقاء المال مدة الحول, بخلاف الجزية المضروبة عليهم فإنه يوفر عليهم مقصودها طول الحول من حقن الدماء وسكنى الدار وكف الأيدي عنهم وعن حريمهم, فإذا كانوا عند وجوب الأخذ بصفة الغنى ثبت لهم حكم الأغنياء وإن لم تدم هذه الصفة في جميع الحول لهم, والله أعلم. مسألة (712): كنائس بلاد العنوه مهدومة, وإن فتحنا بلدة صلحًا على أن تكون الأراضي لهم وفيها كنائس تركناها على حالها, ولم نهدمها, وإن كانت البلدة في قعد بلاد الإسلام. والفرق بينهما: أنها إذا كانت مفتوحة عنوة كانت رقاب الأراضي أملاكًا للمسلمين, ومن ملك أرضًا تصرف فيها تصرف الملاك, ومن المحال أن

مسألة (713)

يستبقي المسلم كنيسة لا يهدمها, أو لا يغير صفتها في الاستعمال والانتفاع؛ ولهذا لا يجوز في بلاد العنوه تمكين أهل الذمة من استحداث البيعة والكنيسة, بخلاف ما إذا كانت مفتوحة صلحًا - لأن ملك الأراضي لهم دون المسلمين, فلا يجوز أن يهدم عليهم ما كان فيها من الكنائس والبيع؛ ولهذا قلنا: إنه لو أرادوا أن يستحدثوا كنيسة في قرية استخلصوا ملكها وانفردوا بسكانها كانوا غير ممنوعين, وعلى هذا تطويل البنيان إذا قصدوه, والله أعلم. مسألة (713): الرجل إذا سكن دارًا على حكم إجارة فاسدة وجب عليه أجرة مثلها, ويختلف ذلك باختلاف سكانها, فإن سكنها وحده كان أجرة مثلها أقل من أن يسكنها مماليكه ودوابه وأمواله. وعقد الجزية إذا كان على مسمى فاسد لم يجب على الذمي المسمى

الكثير, وإنما يلزمه دينار للسنة, وسواء ارتفق ببلاد الإسلام بنفسه أو أكثر ارتفاقه بالدار؛ لكثرة مواشيه, ومماليكه. والفرق بين الأصلين: أن الإجارة إذا فسدت وتعذر اعتبار المسمى فيها لم نجد أصلًا آخر في التقدير نعتمده ونعتبره, فلم نجد بدًا من الرجوع إلى تقويم المنافع قيمة مثلها, بخلاف الجزية فإنا قد وجدنا أصلًا مقدرًا بالشرع وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل: "خذ من كل حالم دينارًا" فإذا فسد

مسألة (714)

المسمى بفساد في العقد رجعنا إلى ما قدره صاحب الشريعة. والذي يدل على ما قلنا: أن من أكرى داره فأصل الكراء غير مقدر له في عقده, فإن شاء أكراهًا بالقليل وإن شاء أكراهًا بالكثير, وليس الجزية كذلك؛ لأن الإمام لو أراد أن ينقص أقل الجزية عن دينار لم يجد غليه سبيلًا, وأقلها مقدر كسائر المقادير الشرعية التي لا يجوز النقصان عنها. مسألة (714): إذا غرم الإمام للزوج الحربي مهر امرأته المهاجرة غرم له المسمى, سواء كان المسمى أقل من مهر المثل, أو أكثر. وإذا غرم له شهود الزور في التفريق عند رجوعهم عن الشهادة بعد المسيس غرموا مهر المثل, ولا اعتبار بالمسمى.

والفرق بينهما: أن الغرامة على شهود الزور معللة بالتفويت معلقة به؛ لأن الشهود بشهادتهم قد فوتوا على لزوج بضع المرأة, فغرموا قيمة ما أتلفوا, كمن أتلف سلعة على من ابتاعها, فإنه يغرمها بقيمة مثلها ولا] يغرمها بما كان مسمى في أصل ابتياعها. وأما الإمام فليس [يغرم ما يغرم للتفويت؛ لأنه ما فوت شيئًا على الزوج, وإنما فات البضع بالإسلام, ولكن المهادنة السابقة والمعاهدة الحادثة بين الإمام وبينهم ألزمته وفاء في النساء على وجه الإمكان, ومن الوفاء أن يوصل ذلك الحربي إلى ما أنفق على تلك المرأة, وهذا معنى قوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا}. وكذلك أيضًا في الجانب الثاني وهو جانب المسلم إذا فاتته زوجته والتجأت إلى المشركين فمنعوها في زمان الهدنة فعليهم أن يغرموا للزوج ما أنفق, وليس

عليهم أن يغرموا مهر مثلها. ويتفرع على هذا الأصل مسألة أخرى وهي: أن زيدًا إذا كان له على عمرو مال, وكان لعمرو على زيد مال استحال المقاصة بينهما مع اختلاف المستحقين, وإنما تتصور المقاصة إذا كان لزيد على عمرو مثل ما لعمرو على زيد. ومثل ذلك] في المهادنة غير محال, بل إذا هربت امرأة رجل مسلم إلى المشركين وهرب امرأة أخرى إلى [المسلمين - والمسمى في أحد العقدين مثل قدر المسمى في العقد الثاني - جاز لنا إذا منعوا أن نمنع, وربما لم يكن المنع في المشركين من جهة الحربي الذي منعناه زوجته. وإنما كان كذلك؛ لأن العقد بيننا وبينهم في كثير من الأحكام يباين العقد

مسألة (715)

بيننا وبين المسلمين, والمهادنة عقد عموم وإن جرت بين رئيسين, وليس من عقود الخصوص, فنزلنا المشركين فيها منزلة الشخص الواحد. والدليل على الفرق بين عقودهم وبين عقود غيرهم ما حرره الشافعي - رضي الله عنه - في مسألة دلالة الصلح على القلعة من الجهالة في الصلح على الجارية المجهولة المبذولة بالدلالة قبل الحيازة وقبل الإحاطة, ومثل هذا العقد ممتنع بين المسلمين. مسألة (715): إذا هاجرت إلينا حربية مسلمة وزوجها مملوك وذلك في زمان الهدنة, فجاء زوجها يسترجعها لم نردها إليه ولم نغرم مهرها, بخلاف

الزوج الحر؛ لأن الحر هو المالك للمهر, والعبد ليس بمالك, وإنما الملك لسيده؛ ولهذا لو جاء سيد العبد دون العبد لم نغرم شيئًا أيضًا - حتى يحضرا معًا. والفرق بينهما: أن السيد إذا جاء دون المملوك, فالمنع غير محقق؛ لأن الزوج هو الممنوع, وهو غير طالب, فكيف يتحقق المنع؟ ولهذا قلنا: لو مات الزوج قبل الطلب, فليس للورثة طلب المهر, ولو قدم الزوج, فلم يظهر طلبًا حتى مات, أو ماتت, فلا مهر, إذ لا منع إلا بعد الطلب. فإذا حضرا معًا, فالمنع صار حقيقة لطلب الزوج, والمستحق للمال صار حاضرًا, وهو السيد, فلا بد من أن يغرم الإمام مهرها الذي آتاها.

كتاب الصيد والذبائح

كتاب الصيد والذبائح مسألة (716): قال الشافعي - رحمه الله -: "لو أرسل مسلم ومجوسي كلبين متفرقين, أو طائرين, أو سهمين, فقتلا فلا يحل أكله". واختلف قوله في ذبيحة المتولد بين اليهودي والمجوسية, فأباحها في قول وحرمها في قول. والفرق بين المسألتين: أن الإرسال في الكلبين, أو الطائرين فعلان تصورا من كل واحد منهما مشاهدة ومعاينة, فلا سبيل فيهما إلى التغليب, والترجيح, فلا بد من التشريك, والأصل هو تحريم الصيد والذبيحة, فإذا امتزج من الفعل بجنسة ما يوجب التحريم والتحليل غلبنا التحريم علي التحليل, بخلاف المتولد فإنه ليس هناك معنى التحريم في عين فعله من جهة المشاهدة, ولكنه مخلوق من أصلين مختلفين يمكن تغليب أحدهما على الثاني, فإذا كان الأب

مسألة (717)

ممن تحل ذبيحته جاز تغليب جانبه؛ لانتساب الأولاد إلى الآباء فغلبنا - في أحد القولين - جانب الأب إذا كان كتابيًا, وحكمنا بتحليل الذبيحة. مسألة (717): إذا جرح رجل رجلًا, فماطلته الجراحة وتمادت زمانًا طويلًا, ثم مات أسندنا في الحكم موته/ (287/ أ) إلى تلك الجراحة وإن تطاولت المدة. وإذا جرح صيدًا, فغاب عن بصره زمانًا, ثم أدركه وهو ميت, فالصيد حرام على أحد القولين, ولا يستند موته إلى الجراحة السابقة. والفرق: أن الأصل في الصيد التحريم, فيتوقف, واختلف قوله في

مسألة (718)

تحليله على نفس سبب التحليل, وإذا غاب عن بصره والجراحة لم تكن ذابحة, ثم صادفه ميتًا بعد حين احتمل أن يكون موته بسراية تلك الجراحة, واحتمل أن يكون بسبب سواها, فلذلك حرمناها ولو أن رجلًا ذبح شاة من قفاها, فقطع حلقومها ومريثها فيحتمل أن تكون الشاة قد صارت إلى حركة, المذبوح بجراحة القفا قبل وصول السكين إلى الحلقوم والمريء وهو حرام؛ لأن اليقين لا يترك بالشك, فكذلك في هذه المسألة. فأما إذا جرح آدميًا وبقيت الجراحة دامية, فهي سبب ظاهر في إسناد القتل إليه] ليس في مقابلته ظاهر مثله, ولم نجد بدًا من إسناد القتل إليه [فأسندناه إلى فعله وجعلناه قائلًا. مسألة (718): إذا أرسل كلبه, أو سهمه, فأصاب الصيد, ولم يصب المقتل فأدركه حيًا, فمد يده إلى السكين فنشبت في الغمد حتى فات ذبحه كان

حرامًا, وكذلك لو كان نسي سكينه, أو سقط في الطريق. ولو أنه سل السكين ووضعه على حلقومه منكوسًا مره إمرارًا حتى فات ذبحه, فكذلك هو حرام, وكذلك لو كان كليلًا. فأما إذا كان حديدًا, فوضعه على الحلق, فسبق الموت الزكاة والصيد في يده مقدور على ذبحه, فهو حلال. والفرق بين الجملتين: أن الذبح إذا فات مع الإصابة في وضع السكين الحديد, فليس من جهته تفريط في قصد الذبح حتى فات الذبح بسراية الجراحة السابقة, فصار كما لو مات بها قبل إدراكه وهو يعدو على أثره, فيحكم بتحليله.

مسألة (719)

فأما في سائر المسائل التي ذكرناها, فالصائر مقصر في الاستعداد وإعداد الآلة لذلك الفعل, فصار كما لو مات في يده وهو مقدور على ذبحه من غير قصد ذبحه, فكذلك إذا قصد الذبح مقصرًا في آلته. مسألة (719): الأعمى إذا أرسل سهمًا على صيد لما سمع حس الصيد, أو صوته فأصابه, فقتله برميه كان حلالًا. وإن أرسل الكلب, فقد قال بعض أصحابنا: يكون صيد كلبه حرامًا إذا قتله قبل إدراكه. والفرق بينهما: أن إرسال السهم عين الذبح, ولا فرق بين الأعمى والبصير في فعل الذبح. فأما الكلب إذا أرسله, فله اختيار وفعل, وإن كان لمرسله أيضًا اختيار/ (287/ ب) وفعل, والأعمى ليس يرى صيدًا على الحقيقة.

مسألة (720)

ولو أن البصير أرسل على التوهم كلبًا من غير أن يرى صيدًا, فاتفق مصادفة الصيد والقتل كان حرامًا, فكذلك إذا أرسل الأعمى كلبه. مسألة (720): إذا رأى رجل شخصًا يحبسه حجرًا, أو ثوبًا, فعينه ورماه, فأصابه فقتله فإذا هو صيد كان حلالًا,] ولو أنه لم يصبه وأصاب صيدًا غيره [- وذلك الشيء المعين غير صيد - فالصيد المصاب] حرام ولو كان المعين صيدًا حل الصيد المصاب [عند كثير من أصحابنا ومشايخنا. والفرق بينهما: أنه إذا أصاب غيره, فقتله وهو غير الصيد صار في التقدير, كمن أرسل سهمه من غير صيد يراه, فيصيب صيدًا فقتله, فيكون حرامًا, وإذا

مسألة (721)

بان أن ذلك المعين صيدًا: فقد أرسل الكلب أو السهم على الصيد, وليس من شرط الإرسال إصابة ما عينه عند الإرسال. ألا ترى أنه لو أرسل كلبه على ظبية معينة, فعدل إلى أخرى فقتلها كان حلالًا إجماعًا, إلا ما روي في رواية مستبعدة عن مالك بن أنس رحمه الله أنه حرام, ووافقنا في الحادر المستترة بالأمهات أنه إذا قصدها الكلب - والمرسل يرى كبارها, ولا يرى صغارها - أنه إذا أصاب صغيرة كانت حلالًا. مسألة (721): إذا رأى شخصًا, فتوهمه سبعًا أو آدميًا فأصابه, فقتله فإذا هو صيد كان حلالًا على الصحيح من المذهب. ولو أصاب غيره فقتله فإذا كان المقتول صيد كان حرامًا. والفرق بينهما: أنه إذا أصاب المعين المقصود, فقد أصاب برميه ما عينه بقصده فما ضره غلطة في جنسه, فهو كما قال الشافعي - رحمه الله -: "لو قطع حلقوم

مسألة (722)

شاة وهو يظنها خشبة لينة فبان أنها شاة كانت حلالًا". فأما في المسألة الثانية فإنه لم يصب برميه ما عينه بقصده, وإنما أصاب غيره, ثم بان أن المعين كان صيدًا, ولم يكن كمن أرسل على صيد فأصاب صيدًا آخر. مسألة (722): إذا رأى الرجل كلبه مسترسلًا على صيد من غير إرسال فزجره فلم يؤثر فيه زجره, فأشلاه فلم يؤثر فيه أشلاؤه وقتل ذلك الصيد كان حرامًا, وإن كان الكلب معلمًا, ولو أشلاه فزاد في شدة عدوه فصاده وقتله كان حلالًا عند كثير من أصحابنا. والفرق بين المسألتين: أنه إذا لم يؤثر فيه صوته بالزجر ولا بالإشلاء فالظاهر أنه قصد ذلك الصيد بابتداء وانتهاء لنفسه لا لصاحبه, وذبيحة الكلب حرام إذا تعذر نسبة الذبح إليه.

مسألة (723)

فأما إذا أشلاه فظهر في عدوه أثر إشلائه بزيادة عدو فهذه الزيادة في الظاهر مطاوعته إياه, فيصير في التقدير كابتداء الإرسال والاسترسال, وعلى هذا لو أن رجلًا أرسل كلبًا فرآه غيره فصاح به صيحة المرسل فزاد الكلب في حموته زيادة ظاهرة يعلم أنها بسبب صوت الثاني كان الصيد الذي أمسكه للثاني. ومن أصحابنا من حرم الصيد في أصل المسألة وإن ظهر في عدوه زيادة بالصوت, فعلى هذا يكون ملك الصيد للمرسل الأول, ولا يشتركان] فيه, فإنا لم نحرم الصيد في المسألة الأولى للاسترسال [, وإنما حرمنا لوجود الاسترسال من غير إرسال سابق. مسألة (723): إذا ضرب الصيد ضربة فأبان قلقه وصار بتلك الضربة إلى حالة المذبوح كانت الفلقة المقطوعة المبانة حلالًا, كما كانت الجملة حلالًا.

ولو أبان فلقه فلم يصر إلى حالة المذبوح ولكن هام على وجهه حتى مات وهو يراه كانت الفلقة المقطوعة حرامًا على أحد الوجهين. والفرق بين المسألتين: أنه إذا هام على وجهه ساعات, ثم مات فالفلقة مقطوعة من حي, وما أبين من حي, فهو ميته, هكذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحكمنا بتحريمها. فأما إذا صار بالضرب إلى حالة المذبوح فالإبانة حين حصلت حصل الموت بها, فلم تكن الفلقة مبانة من حي, فصار كما لو قطع حلقوم شاة وأبان

مسألة (724)

رأسها, وصارت المسألة الأخرى, كما لو أدرك الأصل فذبحه فيكون الفرع المبان حرامًا. مسألة (724): إذا رمة رجلان صيدًا, فقال أحدهما: أنا أسبق وقد أزمنته قبل رميك, ثم رميته, فقتلته, وقال الثاني: إنك ما أزمنته حين أصبته ولكنني أثبته وأزمنته, فليس للأول في لحم الصيد حق. ولو قال: كانت الإصابة والإزمان مني ومنك معًا كان له في لحمه مثل حق صاحبه, وتصديق صاحبه إياه موجود في المسألتين. والفرق بينهما: أن الأول إذا قال: أزمنته, ثم صار برميك مقتولًا, فقد أقر بأن لحمه حرام؛ لأن الصيد إذا صار مقدورًا على ذبحه, فذبحه في الحلقوم وقطع المريء, فإذا لم يفعل ذلك حتى مات

مسألة (725)

بجراحة بعد الإزمان كان حرامًا, والثاني ليس يدعي هذه الدعوى, ولكنه يزعم أن الأول لم يزمنه, وأني بالإزمان قتلته, ولو كان كما قال كان اللحم حلالًا. فأما إذا لم يسبق من الأول دعوى الإزمان السابق, فكل واحد منهما مثل صاحبه في السبب والاكتساب, فنزلناهما في ذلك منزلة واحدة. مسألة (725): إذا تمكن من الذبح, ففصل الرأس عن الحلقوم كان حرامًا, ولو فصل مع الرأس بعض الحلقوم عن بعض كان حلالًا. والفرق: أنه إذا لم يقطع حلقومه ومريئه لم يكن واضعًا فعل الذبح موضعه, وكم من جارحة مجهزة لا تغني ولا تكفي ولا تكون ذبحًا, وإذا قطع بعض الحلقوم عن بعض, فالزكاة موضوعة موضعها؛ لأن محلها الحلقوم والمريء. لابد من قطعها عند التمكن والقدرة بكل حال, وهو قوله قوله - صلى الله عليه وسلم -:

مسألة (726)

"ما أنهر الدم وأفرى الأوداج فكلوه". ويشترط في نحر البعير هذا الشرط, فلو أن الحديدة مرت بعد شق اللبة تحت الحلقوم والمريء كان حرامًا, وإن كانت الجراحة قد نزفته, وإنما يكون حلالًا إذا شق اللبة, ثم قطع وراءها الحلقوم والمريء, وإن قطع أحدهما لم يكن حلالًا حتى يقطعهما جميعًا. مسألة (726): إذا رمى رجل صيدًا فكسره أو قطع جناحه فرماه

رجل آخر فجرحه فمات قبل أن يدركه الأول فعلى الثاني للأول الذي أثبته قيمة جرحه مقطوع الجناح الأول, ونصف قيمته مجروحًا جرحين. ولو أدركه الأول فقبض عليه وتمكن من ذبحه فمات في يده] فقد اختلف أصحابنا على وجهين [, فقال بعضهم: بمثل هذا الجواب, وهو جواب المزني, وقال بعضهم في الصورة الثانية: ليس على الثاني للأول إلا أرش الجراحة فقط. والفرق بين المسألتين: أنه إذا جرح فلم يدركه حتى مات صار الموت منسوبًا إلى الجراحتين, وقد صار الصيد بالأزمان السابق ملكًا للرامي الأول, فجراحة الثاني مفسدة. فأما في المسألة الثانية فقد أدرك وتمكن من الذبح فالتفريط من

مسألة (727)

جهة المالك, والفوات منسوب إليه؛ فلهذا حرم, ومن قال بالتسوية شبه ذلك بترك مداواة جراحة الجاني حتى يموت المجروح, فالضمان لا يسقط عن الجاني. مسألة (727): إ ذا أصاب الصيد بعرض معراضه فقتله وما أدماه, فهو حرام حتى يصيبه بحده, فيجرحه, كما قال عليه السلام. ولو أرسل كلبه فجثم على الصيد بفمه فقتله كان حلالًا في أحد القولين. والفرق بينهما: أن المعراض لا اختيار له ولا فعل, وإنما الفعل والاختيار للرامي, وليس يتعذر عليه إذا رمى أن يقصد شق جلده ولحمه بمعراضه وسهمه, وذلك من أدنى درجات الحذاقة في رميه, بخلاف الكلب فإن غاية ما في تعليمه

مسألة (728)

أن يعلمه الإمساك, وليس في وسعه أن يعلمه جرحه إذا أمسكه, ولعل الذي يتصور للكلب المعلم أن الأولى والأحسن أخذ الصيد وإمساكه سليمًا عن الجرح حتى يدركه صاحبه؛ فلذلك قلنا: ما قتله الكلب والبازي فهو حلال وإن لم يجرحه. مسألة (728): إذا نصب أحبولة فعلق بها صيد صار ملك ناصبها, ولو وضع في داره عشًا ففرخ الصيد فيه لم يكن الفرخ ملكًا لصاحب الدار ما لم يحدث قصدًا آخرًا, واستيلاء مستأنفًا. والفرق بينهما: أنه إذا نصب أحبولة فهي كاليد القابضة؛ لأن القصد بنصبها: القبض على الصيد الذي يعلق بها. فأما إذا هيأ في داره عشًا للطائر فليس ذلك كاليد القابضة؛ لأن القصد بذلك إصلاح مكان له يعشش ويفرخ فيه, فإذا لم يحدث فعلًا سوى هذا الفعل يقصد بمثله الاصطياد والاستيلاء لم يدخل الصيد في ملكه. ولو أن رجلًا بني بركة واسعة فدخلها السمك لم يملك السمك بدخوله إليها, وإنما يملكه بفعل يستحدثه, فإن سد فم البركة - والبركة في غاية السعة

- لم يملكه أيضًا, ولو كانت البركة ضيقة ملكه, وكذلك لو دخلت الظبية بستانه فأغلق الباب والبستان ضيق فقد ملكها, وإن كان البستان متفاحش السعة بحيث لا يستغني عن تكليف الصياد في الصحراء لم يملك الصيد وإن أغلق الباب, وعلى هذا الباب وقياسه.

كتاب الأضحية

كتاب الأضحية مسألة (729): إذا ضحى بشاة لم يخلق لها أذن فإنه لا تجزيء, ولو ضحى بشاة لم يخلق لها ضرع فإنها تجزيء. والفرق بينهما: أن الأذن في عادة الخلقة عضو موجود في الذكور والإناث, فإذا اتفق فقده في حيوان خرج عن صفة الإجزاء وحده. فأما الضرع فليس من ضرورة كل حيوان في خلقته, فإن الذكر لا ضرع له, ولو أن الأذن كانت موجودة مخلوقة ولكن فيها بقية فإنها لا تجزيء, وكذلك لو كانت مشقوقة الأذن. فأما الخصاء فإنه لا يمنع الإجزاء, وذلك أن الخصاء وإن كان جرحًا فإنه في مصلحة اللحم, وأما شق الأذن وخرقها فليس فيه مصلحة اللحم, وإنما

يقصد به الوسم للتمييز, ولابد أن يصير ذلك المكان ناقصًا, وفيه أيضًا تغيير الصورة, وقد قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه-: "أمرنا بأن نستشرف العين والأذن"، يعني في الضحايا وفي أعضائها فداء أعضاء المضحى بها. ولو كانت الأذن مقطوعة فإنها لا تجزيء وقد قال علي - رضي الله عنه -: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نضحي بمقطوعة/ (288/ ب) الأذن"؛ ولهذا يستحب أن لا

مسألة (730)

تكون مكسورة القرن, ولكن لما كانت الجلحاء تجزيء - وهي: التي لم يخلق لها قرن - بلا خلاف, فالمكسورة القرن تجزيء أيضًا دمي القرن المكسور أو لم يدم. مسألة (730): العوراء إذا كانت بينة العور فإنها لا تجزيء, وكذلك العرج في العرجاء إنما تمنع إذا كانت بينا, وهذه لفظه عليه السلام.

مسألة (731)

ونص الشافعي - رحمه الله - على أن الجرباء لا تجزيء وإن كان الجرب يسيرًا. والفرق: أن أثر العور في العين وفي الصورة إذا كان خفيفًا ولم يكن بينًا, فلا يكاد يظهر له أثر يمنع الأجزاء مع الخفاء. وأما تأثير الجرب ففي اللحم, وإذا بدا شيء من هذه العلة في ظاهر البدن علم أن ذلك إنما بدا بعد أثر ظاهر, وعلة مستحكمة في الباطن وتغير ظاهر في صفة اللحم؛ فلذلك فصلنا بين المسألتين. مسألة (731): إذا أشاء الرجل إلى عين شاة فقال: جعلت هذه الشاة ضحية, ثم ذبحاه من بعد ولم يقترن بالذبح نية الضحية كانت ضحية. ولو قال: لله علي أن أضحي بشاة, ثم عين شاة عن الواجب في ذمته, وقال جعلتها عما في ذمتي, ثم ذبحها من بعد ولم تقترن

مسألة (732)

نية التضحية بالذبح فقال طائفة من أصحابنا: إنها لا تجزيء. والفرق بين المسألتين: أنه إذا قال: جعلتها أضحية فهذا حق تمخض في العين فتأكد تعلقه بها, فاستغنى عن استئناف النية عند إراقة الدم, فأما إذا التزم الواجب بالنذر السابق, في الذمة ثم صرف العين باللفظ إلى ما التزمه في ذمته لم يتأكد في العين؛ لأنه ما اختص بالعين؛ فلذلك احتاج إلى نية القربة عند إراقة الدم. والدليل على صحة الفرق: أن الرهن لما كان عن دين في الذمة كانت درجته دون درجة أرش الجناية في التعلق بالعين؛ ولذلك قلنا: لو أن العبد المرهون جني جناية مالية كانت مقدمة على حق المرتهن بكل حال. مسألة (732): إذا التزم في ذمته أضحية, فضلت الشاة التي عينها عما في ذمته فعليه البدل.

ولو قال ابتداء: جعلت هذه الشاة أضحية ولم يسبق منه نذر والتزام فضلت, فليس عليه البدل. والفرق بينهما: ما مضى: أنه إذا عينها عما في الذمة لم يكن هذا التعيين محضًا, بل اجتمع حق الدين والعين, وإذا قال: جعلتها أضحية - من غير نذر- تمخض الحق في عينها فإذا ضلت فليس في ذمته دين حتى نوجب عليه الإبدال, كما أوجبنا عند اجتماع الدين والعين. ثم في مسألة الدين: لو عين البدل فذبحه, ثم وجد الأصل فمن أصحابنا من قال:] عليه أن يذبح الأصل/ (290/ أ) , ومنهم من قال [: قام البدل مقامه.

مسألة (733)

ولو عين البدل فلم يذبحه حتى وجد الأصل لزمه ذبح الأصل وفاقًا، وفي ذبح البدل خلاف بين أصحابنا. فمنهم من قال: يلزمه ذبحه، ومنهم من قال: أغناه ذبح الأصل عن ذبح البدل، وإحدى المسألتين مبنية على الأخرى فتأمل. مسألة (733): لو أن مضحيين ذبح كل واحد منهما أضحية صاحبة ضمن كل واحد منهما ما بين قيمة ما ذبح حيًا ومذبوحًا، وأجزأ كل واحد منهما أضحيته وهديه، وفيه قول آخر: أنه لا يضمن أحدهما لصاحبه شيئًا. ولو كانت المسألة بحالها غير أن كل واحد منهما فوت اللحم، ثم بان ما وقع من الغلط، فكل واحد منهما يغرمن لصاحبه جميع قيمة هديه، ويلزمه أن يسلك بها مسلك الهدايا.

والفرق بين الحالتين: أن اللحم إذا فات فقد فات الأمران: فعل الإراقة، وصرف اللحم إلى مصارفه، فصار ذلك، كقتل الهدي، لا كذبحه، ولو قتل كل واحد منهما أضحية صاحبه غرم كمال القيمة. فأما الحالة الثانية وهي: إذا كان اللحم باقيًا، فما فات أحد المقصودين - وهو صرف اللحم إلى مصار الهدي - وإنما فات قربة الإراقة، وذلك فعل متعين لله تعالى في تلك العين، فيحصل مقصود ذلك الفعل بكل من تحل ذبيحته دون من لا تحل ذبيحته.

كتاب الأطعمة

كتاب الأطعمة مسألة (734): المضطر إذا تناول طعام غيره بغير عقد، فعليه قيمة مثله، وإن كان من ذوات الأمثال، فعليه مثل. وإن تناوله ببيع وذكرا في العقد أكثر من ثمن المثل، فقد قال بعض أصحابنا: عليه الثمن المسمى بالغًا ما بلغ؛ لوجود التسمية في إحدى الحالتين وعدمها في الحالة الثانية. ومنهم من قال: عليه مع البيع والتسمية قيمة مثله، بخلاف سائر المعاقدات؛ لأن هذه المعاقدة معاقدة إكراه وضرورة، ولا معاقدة اختيار، فصار كأنه أكله من غير غقد موجود بينهما، وكذلك قالوا: لو أن صاحب الطعام أطعمه إياه مع امتناع المضطر كان له أن يغرمه قيمته، بخلاف غير المضطر.

مسألة (735)

والفرق: أن حالة الضرورة أوجبت عليهما بالشرع سد الرمق، وإذا لم تكن الحالة حالة ضرورة، فصاحب الطعام اختار إهلاك طعامه. ومنهم من أسقط الغرم في حالة الإيجار مع حالة الضرورة، كما سقط الغرم في غير حالة الضرورة. مسألة (735): المضطر إلى أكل الميتة مباح له أكلها، والأولى أن يقتصر على سد الرمق ومقدار ما فيه بقاء المهجة، والمريض/ (290/ ب) المضطر - بقول الأطباء - إلى شرب المسكر حرام عليه شربه، نص عليه في مواضع كثيرة. والفرق: ما أشار إليه الشافعي - رحمه الله -: أن المسكر يزيل العقل، وحرام

مسألة (736)

على الرجل قصد إزالة العقل بكل حال، وإن دعته الضرورة إلى أن يتجرع اليسير من الخمر ليسيغ بها لقمة غص بها مخافة الموت، فله أن يتجرع، ويكون كالميتة في هذه الحالة. فإن قيل: قليلها يدعو إلى كثيرها. قلنا: هذا القليل الذي يتجرعه على قصد التسويغ، لا على قصد الطرب واللهو، وليس مما يدعو إلى الكثير. ومن أصحابنا من أباح للمضطر العطشان تسكين العطش بشرب الخمر، وذلك خلاف نص الشافعي. قال الشافعي - رحمه الله: "ليس للمضطر شرب الخمر؛ لأنها تعطش وتجيع، ولا تشرب لدواء؛ لأنها تذهب العقل، وتمنع من الفرائض، وتؤدي إلى إتيان المحارم، وكذلك ما أذهب العقل غيرها". مسألة (736): المضطر في المخمصة إذا امتنع عن أكل الميتة أثم

بالامتناع، وكذلك من أكره على أكل الميتة وخاف القتل إن لم يأكلها كان بالامتناع آثمًا. ولو أن رجلًا أكره على أكل طعام غيره فامتنع ولم يأكل لم يأثم. والفرق بينهما: أن الحق في الميتة تمخض لله تعالى، وأما طعام الغير فالحق فيه للآدمي، وكذلك المضطر إذا وجد طعام غيره فلم يأكله حتى مات فلا إثم عليه، إلا أن يكون إذن صاحب الطعام موجودًا بقيمة أو بغير قيمة. والمكره على شرب الخمر قدر ما يزيل العقل يمتنع ولا يشرب، فإن قتل لم يأثم بالامتناع، فأما المقدار الذي لا يزيل العقل فحكمه بخلافه، لما قلنا في تسويغ الطعام.

مسألة (737)

وأما المكره على الزنا فعليه الامتناع، ولا يأثم إذا قتل، إنما يأثم إذا زنى، كالمكره على القتل. فإن قيل: كيف يتصور الإكراه على الزنا، وذلك فعل لا يكاد يتأتى إلا بنوع من القصد والاختيار في الانتشار؟. قلنا: قد يتصور بأن يدخل فرجه في فرجها بيده من غير انتشار، وذلك تمام الزنا. مسألة (737): لحم الجلالة إذا كان متغيرًا، فغسل غسل مبالغة وإمعان، فزال التغير كان حرامًا، ولو أنها بعد التأثير في اللحم أعلفت أيامًا، ثم ذبحت وقد زال التغير كان اللحم حلالًا. والفرق بين الحالتين: أن الذبح أو حاله في استحلال اللحم واستباحته، فإذا ذبحت واللحم متغير حكمنا عقيب الذبح بتحريم اللحم، وإذا حرم في هذه الحالة، فلا تأثير بعد ذلك للغسل والحيلة.

مسألة (738)

فأما إذا حبست وحيل بينها وبين عادتها. وعلفت بالحلال حتى زال ذلك التغير/، ثم ذبحت واللحم غير متغير ساعة الذبح حكمنا بتحليله؛ لزوال العلة المانعة قبل حالة الاستباحة وهي حالة الذبح؛ فلذلك فصلنا بين الحالتين. مسألة (738): الجنين إذا سكن في بطن الأم عقيب ذبح الأم، فزكاته زكاة أمه وحلال أكله، ولو أن الأم ذكيت، فبقي الجنين في البطن زمانًا طويلًا ممتدًا يضطرب وتظهر آثار حياته، ثم سكن، فالصحيح من المذهب أنه حرام، وأن زكاة أمه لا تكون زكاة له. والفرق بينهما: أنه إذا سكن عقيب ذبح أمه، فالظاهر من حاله أنه صار بنزف الأم منزوفًا، فثبت له حكم الأم. فأما في الحالة الثانية فالظاهر أن ذبح الأم قد مضى وانقضت آثاره، وما أثر في نزف الجنين، بل الظاهر أن الجنين مخنوق، وإذا كان منخنقًا فالمنخنق في نص كتاب الله حرام؛ فلذلك فصلنا في قياس المذهب بين الحالتين.

كتاب الرمي والسبق

كتاب الرمي والسبق مسألة (739): المسابقة على الأقدام في سرعة العدو وبالرهن والمُحلل جائزة. والمسابقة على الأقدام مشيًا في بعد مدى المشي غير جائزة، مثل أن يقول:

أينا مشى اليوم أكثر فالسبق له. والفرق بينهما: أن السبق في المسألة الأولى إنما يحصل بالإسراع والخفة في العدو، كما يحصل السبق في الخيل بمثل هذا الوصف. فأما إذا تعاقدا على كثرة المشي وبعد مداه، فليس ذلك بإسراع وخفة. ولو تصور مثل ذلك بين الفرسين لم يكن جائزًا، ونظير ذلك في المناضلة بترعات؛ لأن ذلك إنما يختلف بصلابة القوس لا بحذاقة في الرامي، هذا غالب العادة فيه، ولا يُدعى أن الحذاقة مستغنى عنها،

مسألة (740)

فإن العلم بهذا النوع من الرمي يشتمل على فنون ومسائل شتى غير أن التغليب للآلة، لا للرامي. مسألة (740): المسابقة بين الخيل ممنوعة ما لم تكن المسافة معلومة. والمناضلة بين الرماة جائزة عند كثير من أصحابنا، وإن لم تكن الأرشاق معلومة. والفرق بينهما: أن الأرشاق وإن كانت مجهولة فالقرعات المشروطة مضبوطة معلومة، فأيهما استوافاها قبل أن يستوفيها الآخر في المبادرة فضل صاحبه، وفي المحاطة بعد الحط، فاستغنينا بعلم القرعات عن علم الأرشاق.

مسألة (741)

فأما المسابقة عن غير إعلام الغاية فليس فيها مدى معلوم وحد مضبوط، وإنما الحد المعلوم فيها المسافة المعلومة يستبقان إليها، فإذا كانت مجهولة ما كانا على بصيرة من مقصود عقدهما ومنتهى شرطهما. مسألة (741): المناضلة إذا كانت مبادرة/ (291/ ب) فرمى البادي بعدما أصاب القرعات المشروطة إلا واحدة فأصاب بها ولصاحبه مثل القرعات التي كانت له قبل الإصابة الأخيرة لم نحكم للبادي بالفلح حتى يراسله صاحبه، وإن كانت إصابات الثاني دون إصابات البادي ولو بواحدة حكمنا للبادئ بالفلح وإن لم يرم صاحبه السهم الذي يراسله به. والفرق بين المسألتين: أن الثاني إذا كان على مثل إصابات البادي وأصاب البادي سهمه الأخير، فقد رمى زيادة سهم لم يرمه صاحبه، ولو حكمنا له بالفلح كان ذلك محالًا؛ لأن الفلح حصل حينئذٍ بزيادة الرمى، لا بالحذاقة منه، فإذا رمى صاحبه وراسله وتساويا في العدد نظرنا: فإن أصاب صاحبه، كما أصاب هو

مسألة (742)

فقد تساويا في الإصابات، كما تساويا في عدد الرمي، ولم ينضل أحدهما صاحبه، وإن كانت قرعات الثاني دون قرعات الأول - وهي المسألة الثانية - فقد حكمنا للأول بالفلح وإن لم يرم صاحبه؛ لأنه وإن رمى فأصاب، فلا يساوي البادي في عدد الإصابات، ولا سبيل إلى أن نحسب إصابته إصابتين، أو إصابات، فلذلك فصلنا بين المسألتين. مسألة (742): إذا تشارطا الخواسق فأصاب بسهمه مكانًا لو لم ينخرم الهدف لأحاط به لكنه انخرم حسب له ذلك خاسقًا قولًا واحدًا، وإن أصاب الطرف فخرم لم يحسب خاسقًا على أحد القولين. والفرق بين المسألتين: أنه إذا أصاب نهاية الطرف لم يتصور أن يحيط الهدف بالسهم بحال؛ لأنه ما نال إلا طرفه، فأشبه أن يصيب ما فوق النصل

مسألة (743)

من السهم خاصرة الهدف، فلا يحتسب ذلك في الإصابات والخواسق. فأما في المسألة الثانية فقد أصاب السهم فيها من الهدف مكان الخسق وخسق وأحاط به الهدف غير أنه تفطر من بعد وانشق، فلا اعتبار بما يحدث بعد حقيقة اسم الخاسق من آفة وعارض، وأما إصابة الجريدة وإصابة العلاقة فذلك عند كثير من الرماة غير محسوب في الإصابات ولا في الخواسق، وعلى هذا عادة الرماة اليوم. مسألة (743): قال الشافعي - رحمه الله -: "لا بأس أن يناضل أهل النشاب أهل

العربية وأهل الحُسبان؛ لأن كلها نصل، وكذلك القسي الدودانية والهندية وكل قوس يرمى عليها بسهم ذي نصل. وقال بعض مشايخنا:" لا يجوز أن يسابق أهل البراذين أهل الأفراس العربية. والفرق بين المسألتين: أن الاعتبار في المناضلة بالرمي وإن كان للآلة أثر فليس الغلبة/ (292/ أ) [لها في التأثير، بل الغلبة له، وأما الخيل، فالغلبة] في التأثير لها، لا

مسألة (744)

للراكب، وإن كان الراكب لا يستغني عن حذاقة وشهامة. ولهذه النكتة قلنا: متى ما تعاقدا عقد النضال جاز لكل واحد منهما إبدال القوس والسهم، ولا يجوز إبدال الرامي، وأما المسابقة على الخيل، فلا يجوز فيها إبدال الفرس، ويجوز فيها إبدال الفارس. مسألة (744): قال الشافعي - رحمه الله -: لو تشارطا القريب واشترطا من أصاب الهدف حسب له ذلك قريبين كان جائزًا.

ولو تشارطا الإصابة على أن من أصاب الرقعة حسب له ذلك إصابتين لم يجز. وقال بعض مشايخنا: يتعذر الفرق بين المسألتين، وما يمكن من الفرق بينهما أن يقال: متى ما تشارطا القريب، فوقع سهم أحدهما على القرب من الهدف بحيث لا تزيد المسافة بين الهدف وبين ذلك السهم الواقع على طول سهم كان ذلك محسوبًا قريبًا، فإذا أصاب الهدف ففيه - من وجهين - معنى القرب فحسبنا قريبين. فأما إذا أصاب الرقعة فالرقعة كالجزء من أجزاء الهدف، ومعلوم أن المقصود بالإصابة جميع أجزائه، فإذا أصاب الرقعة، فهو جزء من أجزائه، وإن أصاب الطرف من أطرافه فكذلك، ولا سبيل إلى أن يحسب إصابتين من الإصابة الواحدة.

مسألة (745)

مسألة (745): إذا أغفل المتناضلان ذكر مقدار المسافة وصغر الغرض وكبره في أصل العقد كان العقد باطلًا، وإن أغفلا ذكر مقدار الرفع من الأرض عند الوضع كان العقد صحيحًا في أحد القولين. والفرق بين المسألتين: أنهما إذا أغفلا المسافة والكبر والصغر - والعادات في هذه المسائل مختلفة جدًا صار المقصود مجهولًا، واقتضت الجهالة فساد العقد. فأما في المسألة الأخرى - وهي قدر الرفع من الأرض - فالعادة فيها

مسألة (746)

أغمض وأخفى، فإذا أطلقا ولم يذكرا - وكانت العادة لخفائها وغموضها غير مضطربة ولا مختلفة - أمكن حملها على وسط من الأرض، لا خفض بليغ ولا رفع بليغ، وذلك مما يعقل من هذا الشأن. والعقود المطلقة مبنية على هذا الأصل وهو: أن الشيء إذا كانت فيه عادة واحدة ولم يكن له عادات مشهورة كان المتعاقدان مستغنيين بالإطلاق عن التقييد، وإذا كانت العادات المتقابلة كثيرة مشهورة لم يجز الإطلاق، إذ ليس بعضها أولى بالتقديم من بعض. مسألة (746): إذا تناضل رجلان على مال معلوم، فقال أحدهما للثاني - وهما في أثناء الارشاق: إن أصبت هذا السهم الذي هو في القوس فلك على مال آخر سوى السبق الموضوع كان ذلك جائزًا. ومثله لو قال: إن أصبت بهذا السهم فقد نضلتني - وذلك قبل استيفاء

القرعات المشروطة - كان غير جائز. والفرق بين المسألتين: أنه إذا قال: إن أصبت فلك علي مال آخر سوى المال الموضوع فإنه لم يعترض بذلك على شرط العقد السابق، ولكن تبرع بأن يعطيه زيادة، فتصير الرمية الواحدة محسوبة له في حساب العقد وفي غير حساب العقد، ولو أن ثالثًا قال لأحد المتناضلين: إن أصبت بهذا السهم فلك علي كذا جاز، واستحق بالرمية الواحدة المال. وأما إذا قال: إن أصبت بهذا السهم فقد نضلتني فهو اعتراض منه على الشرط الموجود في العقد السابق ومضادة له، ولا سبيل له إلى المضادة، فإن تراضيا على التفاسخ والاستئناف فشأنهما، فأما تغيير مقتضى العقد الأول وقصد استحقاق المال بذلك العقد، فذلك مما ينافي ويتضاد.

كتاب الأيمان والنذور

كتاب الأيمان والنذور مسألة (747): إذا أعتق الأجنبي عن ميت رقبة في كفارة، فالمذهب الصحيح أن العتق لا ينصرف إلى الميت ولا يقع له، وإنما يقع عن الأجنبي. ولو كان على الميت دين، فقضاه الأجنبي صح القضاء عنه. والفرق بينهما: أن العتق يقتضي تمليكًا سابقًا؛ لأن من ضرورته أن يثبت الولاء لمن ينسب العتق إليه، وإنما يثبت الولاء له بأن يصدر العتق عن ملكه، وليس للأجنبي ولاية تمليك الميت؛ لأنه لم ينصبه وصيًا، وليس بينه وبينه سبب وعلقة. وأما قضاء الدين، فلا حاجة فيه إلى التمليك، وإنما المقصود منه أن تبرأ ذمته بما يقضي من دينه ويستغني في ذلك عن تمليك؛ فلذلك حكمنا بصحته. وأما الوارث [إذا أعتق عن الموروث في كفارته فكذلك: العتق راجع إليه،

مسألة (748)

وإن لم ينصبه وصيًا؛ لأن الوارث] يخلف المورث بالشرع وينزل في الحقوق منزلته ويقوم مقامه فيها. مسألة (748): الاعتبار في الطهارات وأفعال الصلاة بحالة الأداء لا بحالة الوجوب، وفي الكفارة قولان. والفرق: أن جميع موجبات الكفارة سابقة فاعتبرنا فيها وقت وجوبها بالأٍسباب السابقة، وهذا مفقود في الطهارات والصلاة. فإن قيل: سبب/ (293/ أ) الطهارة سابق أيضًا؛ لأنها وجبت بالحدث السابق.

مسألة (749)

قلنا: إن الحدث السابق ما أوجب الطهارة وإن كان سببًا؛ ولذلك من أصابته جنابة في جنح الليل فلا يجب الغسل عليه ما لم يطلع الفجر، ولا طهارة تجب على المحدث ما لم يدخل الوقت؛ فلذلك اعتبرنا الحالة الأخيرة ولم نعتبر الحالة السابقة، [بخلاف الكفارات فإنا نعتبر الحالة السابقة]. مسألة (749): إذا اعتبرنا في الكفارات زمان الوجوب وكان موسرًا حين وجبت، ثم أعسر، فصام كان صومه غير محسوب، وعلى هذا القول، لو كان معسرًا حين وجبت، فأيسر، وكفر بالمال كانت محسوبة، نص عليه الشافعي رضي الله عنه. والفرق بينهما: أن الصوم إذا وجب في الحالة الثانية لإعساره، فعدل عند الأداء إلى المال، فقد عدل عن البدل إلى الأصل، والأصول مجزية بكل حال، وإذا كانت الأصول مجزية، فهي أولى من الأبدال بالإجزاء. فأما إذا كان الأصل هو الواجب؛ لكونه موسرًا في الحال الأولى، فليس له العدول عن الأعلى إلى الأدنى، كما كان له العدول عن الأدنى إلى الأعلى. مسألة (750): المرأة إذا حاضت في أثناء الشهرين المتتابعين صح لها التتابع ولم ينقطع بالحيض.

مسألة (751)

ولو أنها حاضت في أثناء صوم كفارة اليمين في قول التتابع لزمها الاستئناف عند كثير من أصحابنا. والفرق بينهما: أن الأيام الثلاثة في كفارة اليمين مدة قصيرة لا يتعذر عليها أن تتباعدبها عن حيضها حتى تأتي بها منزهة عن الحيض، فإذا لم تفعل، فكأنها تعمد وضعها في زمان بقطعها، فألزمناها الاستئناف. فأما صوم الشهرين في القتل وفي جماع رمضان، فمدة متطاولة، والغالب من عادتهن اشتمال كل شهر على حيض، ولو كلفناها الاستئناف لم تأمن أن تلقى في القضاء ما لقيت في الأداء؛ فلذلك فصلنا بين المسألتين. مسألة (751): إذا حلف الرجل وقال: والله لا آكل من طعام اشتراه فلان، فاشترى فلان مع رجل آخر طعامًا صفقة واحدة، فأكل منه لم يحنث.

مسألة (752)

ولو اشترى كل واحد من الرجلين طعامًا منفردًا بعقده، ثم خلطا طعاميهما، فأكل منه حنث. والفرق بينهما: أنهما إذا اشتركا في الصفقة لم يتحقق في جزء من الأجزاء نسبة الشراء إلى فلان؛ لأنه ما اشتراه، وإنما اشترياه جميعًا معًا. فأما إذا انفرد كل واحد منهما بالعقد بشرى طعام، ثم خلطا منه في المخلط، فليس كذلك، فإنه إذا أكله، فقد أكل جزءًا من الطعام الذي اشتراه فلان حقيقة، وتحققت النسبة فيه، فصار بحقيقة الصفة الموجودة. مسألة (752): إذا قال المتطيب، أو المتطهر: والله لا أتطيب، ولا أتطهر لم يحنث باستدامة الطيب والطهارة. وإذا قال اللابس، أو الراكب: والله لا ألبس ولا أركب حنث بالاستدامة. والفرق بينهما: يعرف اللسان بإطلاق العبارة، وذلك أن الرجل إذا كان على طهارة، فمن المحال أن يقال له: تطهر على معنى تكليف الاستدامة، وكذلك تستحيل هذه العبارة في التطيب. فأما في اللبس والركوب، فليست بمستحيلة، لأن الراكب إذا أراد النزول حسن أن يقال له: اركب إلى موضع كذا، أي: استدم الركوب، ومثل ذلك اللبس؛ ولذلك فصلنا بينهما.

مسألة (753)

مسألة (753): إذا قال: والله لا آكل خبزًا خبزه فلان، فأوقد غير فلان وعجن غيره وخبز فلان فأكل من ذلك الخبز حنث الحالف. ولو أن المحلوف عليه أوقد وعجن وخبز غيره لم يحنث الحالف. فأما إذا قال: والله لا آكل لحمًا طبخه فلان، فتعاون فلان وجماعة فطبخوا. نظرت في كيفية التعاون، فإن أوقد فلان ساعة، ثم أعرض، فأوقد غيره حتى أنضج حنث الحالف. وإن اشتركا معًا في الإيقاد، فوضعا تحت القدر خشبة معًا، فأكل منه لم يحنث. وإنما كان كذلك؛ لأن الخبز عبارة عن إلصاق العجين بالتنور، لا عن السجر وسائر المقدمات. وأما الطبخ، فعبارة عن الإيقاد تحت القدر، فإذا أوقد فلان بعض الإيقاد على حالة الانفراد، فقد حصل منه بعض الطبخ.

مسألة (754)

فأما إذا وضعا معًا الحطب تحت القدر، فقد تحقق الاشتراك في الفعل، فصار كما قلنا في قوله: والله لا آكل طعامًا اشتراه فلان. مسألة (754): قال الشافعي - رحمه الله -: "لو حلف لا يدخل دارًا فانهدمت حتى صارت طريقًا لم يحنث؛ لأنها ليست بدار". وكذلك البيت عند الشافعي إلا انهدم. وقال الشافعي - رحمه الله -: "لو حلف لا يلبس ثوبًا وهو رداء فقطعه قميصًا، أو اتزر به، أو حلف لا يلبس سراويل، أو قميصًا فارتدى به فهذا كله لبس يحنث به، إلا أن يكون له نية فلا يحنث إلا على نيته"، فلم يجعل قطع الرداء قميصًا مانعًا من الحنث، كما جعل انهدام الدار مانعًا من الحنث. وقال: "لو قال: والله لا آكل هذه الحنطة، فطحنها فأكلها لم يحنث" كما ذكر في انهدام الدار. والفرق بين مسألة الثوب وبين مسألة الدار والحنطة: أنه تلفظ في عين الدار

بدخول الدار فاشترطنا حقيقة الفعل مع حقيقة الاسم، فإذا دخل عرصة بعد انهدام الأبنية ومزايلة اسم الدار وجد أحد الشرطين ولم يوجد الشرط الثاني، فلم نحكم عليه الحنث. فأما إذا قال: والله لا ألبس هذا الثوب وكان رداءً فقطعه قميصًا، فلبسه فالشرطان موجودان: الفعل المخصوص والاسم، فأما الفعل فاللبس؛ لأن اسم اللبس/ (293/ ب) حقيقة في لبس القميص كما يكون حقيقة في لبس الرداء، واسم الثوب ينطلق عليهما جميعًا، بخلاف اسم الدار فإنه لا ينطلق على العرصة العارية عن الأبنية. ولو أنه ذكر لفظ قميص في اليمين، ثم قطعه فصيره رداءً لم يحنث، كما لا يحنث بدخول العرصة بعد الانهدام، ولو لم يقطع القميص المذكور في اليمين، ولكن ارتدى به وهو قميص، أو اتزر به حنث في يمينه؛ لأن الفعل لبس والملبوس قميص، وليس في يمينه أن لا يلبسه، كما يلبس القميص. ومسائل الإيمان مستمرة على قياس هذا الأصل، فلو قال: والله لا أكلم هذا الصبي، أو لا آكل هذه السلخة، فصار الصبي شيخًا فكلمه، وصارت السخلة شاة كبيرة، فذبحها وأكلها لم يحنث؛ لعدم أحد

الشرطين، وعلى هذا: إذا أضاف وقال: والله لا أدخل دار فلان اعتبرت ثلاثة أوصاف: فعل الدخول، واسم الدار، وملك فلان، إلا في مسألة مخصوصة وهي: إذا أضاف الدار إلى عبد، والعبد لا ملك له، ولكنها مشهورة به فيصير الاشتهار في الإضافة منزلة الملك. ألا ترى أنك إذا قلت: سكة معاذ نيسابور عرفت أنك لست تريد إضافة الملك، [وإنما تريد إضافة اللقب. فأما في غير موضع الاشتهار فحقيقة اللفظ إضافة الملك]. وإذا كان مع إضافة الملك إشارة إلى العين بأن يقول: دار فلان هذه، فباعها فلان، فدخلها فقد قال الشافعي - رحمه الله -: "حنث بدخولها"، وكذلك لو قال: لا أكلم عبد فلان هذا، أو زوجة فلان هذه، فإذا باعه فلان وطلقها فلان

مسألة (755)

وكلمهما كان حانثًا. والفرق بين هذا الأصل وبين الإضافة من غير الإشارة: أن العبارة والإشارة متى اجتمعنا ووجب التغليب كانت الإشارة مغلبة على العبارة، ولذلك قلنا - على الصحيح من المذهب: إذا قال: بعت منك هذا الكبش فإذا هي نعجة، أو هذه الرمكة فإذا هو حصان، فالبيع صحيح تغليبًا للإشارة، ولو قال: زوجتك هذه بنتى زينب فإذا هي بنته فاطمة فالنكاح صحيح. مسألة (755): إذا قال الرجل: والله، لا أفارقك ما لم استوف حقي منك، ففر غريمه [لم يحنث. ولو قال: لا أفترق أنا وأنت حتى أستوفي حقي منك، ففر الغريم] حنث، والمسألتان منصوصتان.

مسألة (756)

والفرق: أنه إذا قال: لا أفارقك، فقد عقدن اليمين على فعل نفسه، فما لم يباشر بنفسه هذا الفعل استحال أن يحنث، فإذا فر غريمه فمباشرة الفعل مفقودة من جهة الحالف/ (294/ ب). فأما إذا قال: لا أفترق أنا وأنت، فاليمين معقودة على حصول الافتراق بينهما، لا على مفارقة يباشرها الحالف، فكأنه قال: والله لا يتصور الافتراق بيني وبينك حتى أستوفي الحق منك، فإذا فر الغريم تصور الافتراق، وتحقق حصوله. مسألة (756): إذا قال الرجل: والله لا أشرب ماء هذه الإداوة لم يحنث إلا بأن يشرب جميع ما فيها. ولو قال: والله لا أشرب ماء هذا النهر [حنث بشرب بعضه عند بعض أصحابنا. والفرق بينهما: أن ماء النهر] لا يمكنه استيعابه شربًا، فاستحال تنزيل يمنيه على ما لا يقصده مع إمكان تنزيلها على المقصود المعهود، واللفظ يحتملهما

مسألة (757)

جميعًا، فأما الإداوة فيتصور استيعابه، فكانت يمينه منزلة على استيعابه، وهذا معنى قول الشافعي - رحمه الله -: "ولا سبيل له إلى شرب ماء النهر كله". [ومن قال: بالتسوية بين المسألتين منع الحنث فيها إلا بالاستيعاب، وتأول كلام الشافعي - رحمه الله - على وفق مذهبه فقال: معنى قوله: ولا سبيل إلى شرب ماء النهر كله]: أنه لا يحنث في اليمين على ماء النهر لما تعذر تصوير استيعابه، وإنما يحنث في الإداوة إذا استوعب ماءها؛ لأن الاستيعاب متصور. مسألة (757): إذا قال: ثلثي للفقراء جاز تنزيل وصيته على ثلاثة منهم لما تعذر استيعابهم. وإذا قال: لا أشرب ماء هذا النهر، أو ماء هذا البحر نزلناه على جميعه عند بعض أصحابنا، كما حكيناه، فلم نحنثه ببعضه.

والفرق بينهما: أن قوله: ثلثي للفقراء لفظ وجدنا له في الشرع معهودًا معلومًا أمكننا إلحاقه به وتنزيله على مثاله، وهو قوله سبحانه وتعالى: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ}، وذلك اللفظ المطل محمول على أقل الجمع في الأجزاء والاكتفاء، [بخلاف قوله: لا أشرب ماء هذا البحر، فليس له في الشرع معهود نلحقه به فاعتبرنا] حقيقة لفظه ومقتضاه، وهو جميع الماء، فأما حمله على التبعيض فإنما يكون بإضمار وزيادة؛ فلهذا لم نصر إليه ولم نحمله عليه. واتفق أصحابنا على أن الرجل إذا قال: والله لأشربن ماء هذا البحر حنث في الحال، ولا يبر بأن يشرب بعضه، ولو جاز تنزيل اليمين في النفي

مسألة (758)

على البعض لجاز تنزيلها في الإثبات على البعض، وهذه المسألة تدل على ضعف أحد الوجهين في مسألة الوجهين. مسألة (758): قال الشافعي - رحمه الله - إذا قال لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا بإذني فإذا خرجت بإذنه فقد بر ولا يحنث ثانيًا. ولو قال: إن دخلت الدار وأنت لابسةٌ حريرًا، فدخلتها غير لابسة حريرًا لم يحنث بلا خلاف في ذلك، ولا خلاف: أنها لو دخلت بعد ذلك لابسة/ (294/ ب) حريرًا أنه يحنث في اليمن. فإن قال قائل: خرجها بالإذن كدخولها غير لابسة حريرًا، فإذا حنث بدخولها الثاني في اللبس فلم لا يحنث بخروجها الثاني في مسألة الإذن؟. قلنا: الفرق بينهما: ما أشار إليه الشافعي - رحمة الله عليه -: حيث قال:

"إذا قال: أنت طالق إن خرجت إلا بإذني أو حتى آذن لك فهذا على مرة احدة، فإذا خرجت بإذنه فقد بر ولا يحنث ثانيًا إلا أن يقول: كلما خرجت إلا بإذني، فهذا على كل مرة"، ومراده بهذا أن اليمين تنحل بالبر، كما تنحل بالحنث فإذا اقترن الإذن بالخروج انحلت يمين بارة ومثله لبس الحرير إذا كان قصده المنع من لبس الحرير يكون كذلك في القياس؛ لأنها إذا دخلت غير لابسة انحلت له يمين بارة، فإذا كان لفظ اليمين لا يقتضي تكرارًا والقصد المنع من اللبس استوت المسألتان. فأما إذا قصد أن يجعل الحنث متعلقًا بالوصفين الدخول واللبس فوجد أحد الوصفين ولم يوجد الوصف الثاني لو يحنث، وبقيت يمينه إلى أن يتصور اجتماع الوصفين جميعًا. ومذهب أبي حنيفة ومحمد وأبي ثور رحمة الله عليهم أن رجلًا لو حلف لا

مسألة (759)

يعطي فلانًا إلا بإذن فلان فمات صاحب الإذن سقطت اليمين، فيلزمهم إسقاط اليمين في هذه المسألة إذا وجد الخروج الأول بالإذن. مسألة (759): إذا قال: والله لا أشرب سويقًا، فلته وأكله التقامًا لم يحنث حتى يوجد حقيقة الشرب. ولو قال: والله لا آكل سمنًا فأكل عصيدة عليها سمن ذائب حنث، كما لو التقم السمن الجامد التقامًا.

مسألة (760)

والفرق بينهما: أن شرب السويق في عرف المجاوزة لا ينطلق على أن يلتقمه لقمًا، وإنما يستعمل حقيقة الشرب في التحس، بخلاف لفظ الأكل في السمن فإنه ينطلق في العرف العادة على أن يأكل العصيدة والسمن فوقها، فيقال: أكل عصيدة بسمن، ويقال: أكل سمنًا في عصيدة، كما يقال: أكله - إذا كان جامدًا فالتقمه، بل إطلاق لفظ الأكل على أكله في العصيدة أظهر وأشهر من إطلاقه على أكله وحده؛ فلهذا حنثناه. مسألة (760): إذا قال: والله لا أهب لفلان هبة حنث بأن يتصدق عليه، كما يحنث بأن ينحله، أو يعمره أو يرقبه، بخلاف العارية. ولو قال: والله لا أتصدق على فلان، فوهب له هبة لم نحكم عليه بالحنث. والفرق بين المسألتين: أنه إذا قال: / (295/ أ) والله لا أهب ثم تصدق عليه تحقق في الصدقة معنى الهبة. ألا ترى أن الفقير الذي تصدق عليه المتصدق بصدقة يحسن منه أن يقول: وهب

لي فلان دينارًا، كما يحسن منه أن يقول: تصدق فلان علي [بدينار، بخلاف ما إذا قال: لا أتصدق، ثم وهب له هبة، فلا يحسن منه أن يقول: تصدق علي] فلان بكذا وكذا، فكل هبة لا تكون صدقة، وكل صدقة تكون هبة. وأما العارية فلا تتضمن تمليكًا، بخلاف قوله: لا أهب فإنه يقتضي التمليك المطلق؛ ولهذا قال الشافعي - رحمة الله عليه -: "إذا قال: والله لا أهب لفلان شيئًا، فحبس عليه دارًا لم يحنث بالحبس"، ومعقول أن الحبس عند الشافعي - رحمه الله في أحد القولين - أنه ينقل الملك عن الواقف إلى الموقوف عليه، إلا أنه ليس بتمليك مطلق؛ فلهذا لا نحكم عليه بالحنث، كما نحكم عليه بتصدقه على غير جهة الحبس.

كتاب النذور

كتاب النذور مسألة (761): قال الشافعي - رحمه الله -: لو قال: "لله علي أن أحج عامي هذا، فحال بينه وبينه عدو، أو سلطان، فلا قضاء عليه، ولو حدث به مرض، أو خطأ عدد، أو نسيان، أو توانٍ قضاه". والفرق بين الحيلولتين: أن الحيلولة إذا كانت من جهة سلطان، أو عدو قاهر، فليس من جهة ذلك الشخص تفريط، ولا تقصير في وضع النذر موضعه، فإذا فات العام المعين ولم يتفق حجه فيه لم يتعلق نذره بالعام الثاني والثالث، بخلاف ما إذا تصور من جهته خطأ عدد أو نسيان أو توانٍ، فقد انتسب في تخلية ذلك العام عن الحج إلى التقصير؛ فلهذا وجب عليه القضاء. فإن قال قائل: هب أنه يكون مقصرًا إذا توانى أو أخطأ، فما وجه تقصيره إذا مرض، وقد جمع الشافعي - رحمه الله - بين المرض وبين التواني؟. قلنا: إن المرض ليس هو من موانع الإحرام؛ ولهذا فصل الشافعي - رحمه الله -

بين المحصر بالمرض وبين المحصر بالعدو، فأباح التحلل للمحصر [بالعدو ولم يبح التحلل للمحصر] بالمرض، فأما قطع المسافة مع الصد والسد، فمتعذر في المشاهدة. فإن قال قائل: أليس إذا استطاع في عام، فنهض بحجة الإسلام، فتعذرت في ذلك العام كان عليه أن يحج في عام قابل، وإن كان التعذر بالعدو والسلطان، فهلا قلتم في هذه المسألة إذا تعذر بالعدو، أو بالسلطان الحج في عام النذر/ (295/ ب) لزمه الوفاء بالنذر في عام قابل؟ [قلنا: قد ذهب المزني - رحمه الله - إلى التسوية، فأوجب القضاء في عام قابل]، إلا أن مذهب الشافعي - رحمه الله - أن القضاء لا يلزم. والفرق في ذلك بين حجة الإسلام وبين الحجة المنذورة: أن فرض حجة الإسلام لا يختص تعلقها بعام دون عام، بل جميع العمر هو وقت أدائها، بخلاف النذر فإنه إنما يلزم على مقتضى العبارة، وعبارته تخصيص

مسألة (762)

عام بأن يكون شاملًا لذلك الحج، فلا يلزمه في ذلك العام أكثر من بذل الجهد وتحقيق القصد على حسب الوسع، فإذا تعذر مع بذل الجهد، فقد حصل منه الوفاء بالنذر. والمسألة من غوامض المذهب فتأمل وتفهم. مسألة (762): إذا وجب على الرجل بالنذر صوم الأثانين، ثم لزمه بالظهار صوم شهرين متتابعين صامها وقضى كل اثنين فيهما. وإذا صام رمضان لم يلزمه قضاء ما فيه من الأثانين. والمسألتان منصوصتان. والفرق بينهما: أن استحقاق صوم رمضان متقدم بالشرع على استحقاق النذر، فصار نذره عند إطلاق مخصوصًا بشهر رمضان حتى لم يجب عليه صوم أثانينه بنذره، وإنما وجب صومها بأصل الشرع؛ فلهذا لم يلزم القضاء، بخلاف صوم الظهار فإن النذر قد سبق، فتعلق بكل اثنين، فإذا لزمه بعد

ذلك صوم شهرين فصامهما متتابعين انصرف صوم الأثانين بصرفه إلى كفارة الظاهر؛ لأنها لم تتعين بالنذر تعيينًا ينافي صرفها بالنية إلى مصرف آخر، فإذا انصرفت بنيته إلى جهة الكفارة، فحصلت له متابعة الشهرين، كان عليه قضاء كل اثنين فيهما وفاء بالنذر. وإن كان قد تقدم وجوب شهري الظهار، ثم وجد النذر من بعد، فالصحيح ما ذهب إليه كثير من أصحابنا: أنه كشهر رمضان وليس عليه قضاء ما في الشهرين من الأثانين.

كتاب أدب القاضي

كتاب أدب القاضي مسألة (763): قال الشافعي - رحمه الله -: "إذا تحاكم إليه أعجمي لا يعرف لسانه لم يقبل في الترجمة عنه إلا عدلين يعرفان لسانه". وإذا كان بالحاكم صمم - بحيث أنه لا ينعزل به - فاحتاج إلى المسمع اكتفي بالمسمع الواحد. والفرق بينهما: أن المستمع إذا سمع كلام الخصم وأراد أن يسمعه القاضي لم يكن منفردًا على الحقيقة؛ لأن الخصم حاضر في المجلس، فإن

مسألة (764)

خان المسمع، أو زاد، أو نقص لم يخف على الخصم ما فعل، فلم يعجز عن تعريف/ (296/ أ) خيانة المسمع للقاضي. فأما المترجم فإنما يخبر القاضي عما لا يعلمه، ولا يعلمه الخصم، فإن خان وغير وبدل، فالخصم لا يثبته على ما فعل من التغيير والتبديل، حتى قال بعض مشايخنا: إن كان بالخصم صمم، كما القاضي، [فلابد من مسمعين. فإن احتاج خصم إلى مترجم ليعرف كلام خصمه] اكتفي هاهنا بمترجم واحد؛ لأن المقصود يحصل بالواحد وليس طريقه طريق الشهادة والله أعلم. مسألة (764): البينة إذا شهدت على الخصم الحاضر كانت حجة تامة وتوجه الحكم بها عليه. وإذا شهدت على الغائب لم يتوجه الحكم عليه إلا مع يمين من جهة من أقام البينة. والفرق بينهما: أن الخصم إذا كان غائبًا، فشهدت عليه البينة، فمعقول أنه لو كان حاضرًا لاحتمل أن يدعي مخلصًا، مثل أن يقول: إني قد قضيت هذا المال، أو

مسألة (765)

لقد أبرأني منه هذا الخصم، ولو كان حاضرًا وادعى هذه الدعوى لاستحلفناه خصمه وهو المدعي، فكذلك إذا كان غائبًا يستحلف خصمه. فأما الخصم الحاضر، فقد شهدت عليه البينة، فلو كان له في القضاء أو في الإبراء دعوى لأوردها، ولما سكت عنها، فإذا سكت عنها أغنانا سكوته عن استحلاف خصمه؛ فلهذا لم نستحلفه. مسألة (765): يجوز القضاء على الشخص الغائب، ولا يجوز القضاء بالعين الغائبة على وجه القطع والفصل. والفرق بينهما: أن الشخص الغائب يصير معلومًا باسمه ونسبه،

والفصل إذا رفعه الشهود علا، إذ الشهادة تصح على الأنساب بالسماع، فإذا ورد كتاب القاضي على القاضي أمكنه أن يتأمل النسب المذكور في الكتاب والاسم الذي فيه، فإذا تحقق المكتوب إليه بالأسماء والأوصاف أن المكتوب اسمه ونسبه في الكتاب هو هذا فيقضي عليه، أو يلزمه الخروج عن القضاء المبرم، فإن التبس على المكتوب إليه بتشابه رجلين اسمهما واحد ونسبهما واحد توقف حتى يزول الاشتباه، بخلاف ما إذا ادعى رجل على

رجل عينًا غائبة، فمعلوم أن الأعيان من جنس واحد ربما تتفاوت وتتباين بحيث يعلم تباينها، فلابد من معاينة الشهود إياها وإشارتهم إليها، وإذا لم تحصل الإشارة ولم يمكن لم يجز تنفيذ القضاء من جهته. وجملته ما قال الشافعي - رحمه الله -: "أن يصف العبد في كتابه ويستقصي حليته ونسبه". فإذا ورد الكتاب على القاضي أحضر العبد فإن وجده بتلك الصفة ختم عل رقبته بختمه وسلمه إلى المكتوب له، وكفله لصاحب اليد، حتى إن تلف/ (296/ ب) في الطريق قدر صاحب اليد على مطالبة الكفيل، فإذا ورد العبد على القاضي الأول الكاتب استحضر الشهود ليشيروا إلى العبد، فإن أشاروا ختم على رقبته ختمًا ثانيًا وكتب: بأني حكمت به لفلان وسلمه إلى المكتوب

مسألة (766)

له حتى يرجع به إلى القاضي الثاني، فيقرأ الكتاب ويطلق الكفيل ويسلم العبد إلى المدعي. مسألة (766): إذا جاء رجل إلى القاضي وادعى حقًا على رجل غائب ومعه شهود فقال: لي على فلان ألف درهم، وإنه لمقيم ببلدة كذا وأنا قاصدها، وأخشى أن يجحدني إذا حضرت تلك البلدة، ولم يدع جحوده قطعًا، لم يجز للقاضي أن يقضي له ما لم يقطع بجحوده. ومثله لو اشترى عبدًا من رجل وغاب البائع واستحق العبد من يد المشتري، فأقام البينة عند القاضي والخصم غائب ولم يدع جحوده الاستحقاق، قضى له القاضي على الغائب. والفرق بين المسألتين: أن العبد إذا استحق من يده وادعى الاستحقاق عند القاضي فقد ادعى جحود البائع؛ لأن البائع إذا قال: بعت منك هذا العبد، فقد أقر بأنه ملكه، وأنه غير مستحق في يده، ودعوى الجحود تارة تكون تصريحًا، وتارة تكون تعريضًا، وهذا من التعريض، وعلى هذا قلنا: إنه إذا اشترى من

مسألة (767)

رجل جارية، فادعت أنها حرة وأقامت البينة على دعواها ولم يكن له بينة على إقرارها بالرق قضى القاضي له على خصمه الغائب، لأن في ضمن بيعه إياها أنها رقيقة وليست بحرة؛ فلهذا استغنى عن التصريح بدعوى الجحود مع ما سبق من صورة الحال بخلاف ما إذا ادعى على غائب دعوى ومعه بينة وقال: إنه في بلدة كذا ولم يقطع بجحوده، لا يسمع الحاكم بينته ما لم يقطع بجحود من ادعى عليه. مسألة (767): الدار إذا كانت مشتركة بين جماعة، فدعا شريك منهم شركاءه إلى القسم وهو لا ينتفع بنصيبه إذا تميز له، فإنا لا نجيبه إلى القسمة. وإن كان الداعي ينتفع بنصيبه والباقون لا ينتفعون بنصيبهم أجبرناهم على القسمة في أصح المذهبين. والفرق بين المسألتين: أن الداعي إذا كان لا ينتفع عند الإفراز فرغبته في

مسألة (768)

القسمة عين التعنت؛ لأنه عند الاشتراك هو قادر على الانتفاع [وعند القسمة والتمييز غير قادر على الانتفاع]، فالقسمة ضرر يناله؛ فلهذا لا يجاب. وأما إذا كان نصيبه كثيرًا ينتفع به إذا قسم غير أن شركاءه لقلة/ (297/ أ) أنصبائهم لا ينتفعون عند إفراز نصيب كل واحد منهم، فدعا إلى القسمة صاحب النصيب الكثير فلابد من إجابته إليها؛ لأن غرضه صحيح فيما يطلب من استخلاص منافع ملكه عن ملك غيره، وليس عليه تكثير ما قل من نصيب الآخرين، ولا عليه إرفاقهم بنصيبه حتى نجبره على استدامته الشيوع والشركة ليدوم لهم الارتفاق بملكهم. مسألة (768): القسمة في أصح القولين: أنها بيع؛ ولذلك جرت في المال الربوي مجرى البيع، حتى قال الشافعي - رحمة الله عليه -: "لا يجوز قسمة العنب موازنة"، وليست القسمة ببيع في حكم الشفعة؛ ولهذا قلنا: إذا تقاسم بعض الشركاء ليم ثبت للباقين شفعة.

مسألة (769)

الفرق بين الحكمين: أن الشفعة معلقة من بين طرف الإزالة والزوال، بإزالة مخصوصة وزوال مخصوص وهي المعاوضة الصحيحة، حتى يمكننا أن نقول: الشفيع بمنزلة المشتري في إثبات حق الشفعة والعهدة، فأما مجرد القسمة فإنها لا تتضمن معاوضة مستحدثة حتى تتعلق [الشفعة بها. وأما الربا، فليس من ضرورة البيع حتى] يتوقف وجوده عليه، ألا ترى أن القرض ليس ببيع على الإطلاق، ولو كان بيعًا لاشترطنا فيه لفظه، ولما جوزنا استقراض الدراهم مع عدم القبض في المجلس، والربا مع هذا يجري في القرض جريانه في البيع. مسألة (769): الشريكان في السيف إذا أرادا قطعه نصفين للقسمة كانا ممنوعين عن قصدهما بالشرع.

وكذلك أيضًا الشريكان في البئر الضيقة ولو كانا شريكين في بئر واسعة الرأس كانا غير ممنوعين عن القسمة إذا قصداها، أو قصدها أحدهما. الفرق بينهما: أن السيف الواحد إذا قطعته انتقصت قيمته وعجز كل واحد منهما عن الانتفاع به سيفًا، كما كان ينتفع به كل واحد منهما قبل ذلك سيفًا، ولابد في الإجابة إلى القسمة من مراعاة المنفعة السابقة، فإن أمكن استدامة جنسها استصحاب أصلها وجبت الإجابة إلى القسمة، وإن لم يمكن استدامتها، فلا إجابة. والبئر الضيقة كالسيف فيما قلناه من المعنى بخلاف البئر الواسعة فإنها ليست كذلك؛ لأنهما لو جعلاها بئرين بحاجز بين المستقا والمستقا

مسألة (770)

أمكن ولم تتعذر استدامة المنفعة السابقة، فأجبرنا أحدهما على القسمة إذا دعاه الثاني إليها. والذي يدل على صحة الفرق بينهما: أن السيف لو كان ملكًا خالصًا لواحد منهما فأراد كسره كان ممنوعًا عن كسره، فإن كسره من فعل السفهاء الذين يستحقون/ (297/ ب) الحجر عليهم، فإذا كان بين اثنين لم يجز لهما إفساده، كما لم يجز ذلك للواحد، بخلاف البئر الواسعة خالصة لواحد منهما فإن له أن يبني في وسطها حاجزًا ويجعلها بئرين، وكذلك أيضًا المساكن والحوانيتن والأرحية والحمامات وما جانسها يعتبر فيها هذا الأصل. مسألة (770): إذا مات رجل وعليه دين يستغرق تركته، فباع الورثة عينًا من أعيان التركة قبل قسمة المواريث لقضاء الدين كان ذلك البيع صحيحًا، وإن تعلق الدين بما بعد الموت.

مسألة (771)

ولو أراد الراهن بيع الرهن قبل قضاء الدين لم يكن له بيعه، ولا بيع شيء منه. الفرق بينهما: أن الدين إنما تعلق بالرهن على وجه الاختيار، فيستحيل أن يباشر في العين المرهونة عقد البيع، وهو الذي باشر عقد الرهن وأكمله بالتسليم. فأما تعلق الديون بالتركة، فليس طريقها طريق الاختيار، وإنما ذلك بالشرع، وهذه النكتة تقتضي جواز بيع العبد الجاني وإن كان أرش الجناية متعلقًا برقبته؛ لأن تعلقه بالرقبة ما كان على وجه الاختيار. مسألة (771): واجب القاضي أن يمتنع عن القضاء فيما يقتضي علمه السابق الامتناع عنه، وفي تنفيذ القضاء بالعلم قولان: وتفسير ذلك: أن يشهد شاهدان على نكاح بين رجل وامرأة والقاضي يعلم أن بينهما رضاعًا، فلا يجوز له الإقدام على القضاء بالشهادة مع علمه بالرضاع قولًا واحدًا، وهل يحكم بفسخ النكاح بعلمه بالرضاع إذا كان اختلافهما في الفسخ؟

مسألة (772)

فيه قولان: والفرق بينهما: أن النكاح إذا كان قائمًا بين شخصين قبل المرافعة، فالظاهر أن الزوج مالك لبضع الزوجة، فليس للقاضي أن يعترض على نكاح ثبت ظاهره إلا بينة ظاهرة. وأما إذا ادعى رجل نكاح امرأة وهي تجحد وأراد إقامة البينة والقاضي يعلم رضاعًا بينهما، فلا يجوز له أن يصغي إلى هذه الشهادة، ولا يحل له أن يقضي بالنكاح، بل يلزمه أن يمتنع عن الحكم؛ لأن الظاهر عدم النكاح [بينهما، والقاضي يسمع البينة يريد أن يبتدئ بينهما إلزام حكم النكاح] وهو عالم باستحالة النكاح، فلا يجوز له الإصغاء إلى الشهادة، ولا يحل الحكم بينهما. مسألة (772): إذا ادعى مالًا وشهدت له امرأتان لم يكن له أن يحلف معهما، بخلاف الرجل، وإذا أقام شاهدًا واحدًا قبلنا معه شهادة

مسألة (773)

امرأتين. والفرق بينهما: أن الرجل الواحد إذا شهد جاز/ (298/ أ) له أن يستتبع في الشهادة حكم المرأتين، فيقومان معه مقام رجل مثله، فأما إذا لم يشهد سوى امرأتين فأراد أن يضم اليمين إلى شهادتهما، فليس له ذلك؛ لأن شهادتهما عريت عن شهادة رجل، فلا تصير شهادتهما أصلًا ولا رجل معهما. ولهذا لو شهد أربع نسوة مقام رجلين لم يتعلق بشهادتين حكم [حتى يكون معهن شهادة رجل، وإنما يتعلق الحكم] بشهادتين على الانفراد ي مواضع مخصوصة كالولادة والرضاع وعيوب النساء. مسألة (773): إذا تلاعن الزوجان كان القضاء بينهما نافذًا ظاهرًا وباطنًا [في

الفرقة، وكذلك أيضًا المتبايعان إذا تحالفها، فحكم بالانفساخ نفذ ظاهرًا وباطنًا]. وإذا شهد شاهدان على نكاح، أو طلاق وهما شاهدا زور، فقضاء القاضي لا ينفذ إلا ظاهرًا، ولا يحيل حكم الحاكم الأمور في الباطن عما هي عليه. والفرق بين الجملتين: أن الفرقة الواقعة باللعان معلقة بالكلمات الخمس الصادرة من جهة الزوج، ولا ريبة ولا مرية في وجود الكلمات بأعيانها، وعقيب فراغ الزوج منها يحكم بوقوع الفرقة، وليست بمتوقفة على قضاء القاضي، وكذلك يقع الفسخ بالتحالف على القول المخرج، فأما القول

المنصوص، فهو أن القاضي يفسخ العقد، ولكن علة الفسخ ما وجد من التحالف والمشاحة؛ ولهذا تعذر إمضاء العقد بينهما، ولا شك في وجود هذه العلة. فأما إذا قضي بالنكاح، فليست العلة شهادة الشهود، [إنما العلة هو العقد الذي أخبر الشهود] عنه، والعلة في الفرقة لفظن الطلاق الذي شهدوا عليه فإذا كان ذلك النكاح وذلك الطلاق في الباطن معدومًا استحال تنفيذ القضاء في الباطن، وكذلك في البيوع، وهذا معنى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر مثلكم، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار".

مسألة (774)

مسألة (774): إذا كان على الرجل دين وله على الناس ديون فأقام شاهدًا واحدًا وأبى أن يحلف معه، فليس لغرمائه أن يحلفوا مع الشاهد لاستقصاء دينه بدينهم. ولو مات رجل وله على الناس ديون وللناس عليه ديون فأقام ورثته شاهدًا واحدًا/ (298/ ب) وامتنعوا من اليمين معه كان للغرماء أن يحلفوا مع الشاهد في أحد القولين. والفرق بين المسألتين: أن الرجل إذا مات فربما يمتنع الورثة عن اليمين؛ لأنهم لم يعلموا على الحقيقة وجوب الدين لأبيهم على الغرماء، ولا يبعد أن يعلم الغرماء من ذلك ما لا يعلمه الورثة، فإذا أرادوا أن يحلفوا عند امتناع الورثة ساغ لهم أن يحلفوا ويستحقوا. فأما إذا كان الرجل حيًا وامتنع بنفسه عن اليمين مع الشاهد - وهو أعلم من غيره بما وجب له وعليه - فمن المحال إقدام الغرماء على اليمين وهم لا يعلمون

مسألة (775)

من حقائق معاملاته ما يعلمه؛ فلذلك فصلنا بين حالة الحياة وحالة الممات، فلم نجوز لهم أن يحلفوا [إذا نكل وهو حي، وجوزنا لهم أن يحلفوا] إذا نكل الورثة والموروث ميت. ومن أصحابنا من سوى بين المسألتين وجعلهما جميعًا على قولين، وهذا صنيع من لا يبالي بالنصوص، أو يكون منها على غفلة، وذلك أن الشافعي - رحمه الله - لما ذكر القولين بعد الممات واشتغل بتوجيههما قاس أحد القولين على حالة الحياة وهو: قول منع الغرماء عن اليمين، ولو كان له قولان في حالة الحياة، كما كان له قولان بعد الممات لما قاس أحد القولين من حالة على الحالة الأخرى. مسألة (775): قال الشافعي - رحمه الله -: "لو أن رجلين ادعيا دارًا في يدي رجل ميراثًا فأقر لأحدهما بنصفها وأنكر حق الآخر فأخذ المقر له نصيبه شاركه أخوه وشاطره، ولو أن أخوين ادعيا دينًا على رجل لأبيهما وأقاما

شاهداً واحداً فحلف أحدهما مع شاهده ونكل الآخر أخذ الحالف نصيبه، ولا حق لأخيه فيما أخذ ". فمن أصحابنا من قال: إنما افترقت المسألتان؛ لأن الدعوى في أحدهما عين وفي الأخرى دين، وهذه طريقة سديدة؛ لأن العين المستحقة شائعة الأجزاء بكل حال، فإذا قبض أحدهما بعض العين استحال أن ينفرد باستحقاقه وهماً جميعاً وارثان وطريق استحقاقهما طريق الميراث. فأما الذمة إذا كانت محلاً للدين، فتخصيص صاحب الذمة واحداً من المستحقين بالإيفاء، كالقسمة والإفراز؛ فلذلك اختص بما قبض. ومن أصحابنا من قال: المذهبان في المسألتين على الاختلاف سواء كان الحق المدعي ديناً، أو عيناً، والنكتة الفاصلة بينهما: أن أحدهما لما نكل بطل حقه بالنكول، فجاز أن يختص صاحبه الثاني بالمأخوذ، وليس في أحدهما غبطال حقه في مسألة الإقرار حتى يختص صاحبه بالمأخوذ،/ (299/أ) فهذا هو الفرق بين المسألتين.

مسألة (776)

مسألة (776): إذا أقام رجل شاهداً واحداً على جارية في يد رجل أنها له وأن ابنها ولده منها. فقد قال الشافعي- رحمه الله-: "إذا حلف مع شاهده حكمنا بأن الجارية له أم ولده، وفي الولد قولان: أحدهما: أن نسبه ثابت ويحكم له به. والثاني: أن النسب لا يثبت، ولا يحكم له بالولد ". والفرق بين الأم حيث صيرناها أم ولد بالشاهد واليمين، وبين الولد حيث لم نثبت نسبه في أحد القولين- وإن كان العتق والنسب سواء في أن لا نثبتهما بالشاهد واليمين-: أن الرجل إذا ادعى أن الجارية أم ولدي فأصل دعواه فيها دعوى الملك، والملك مما يثبت بالشاهد واليمين، ثم يترتب الإستيلاد على الملك بإقراره على أن أم الولد في الحال مملوكة، ألا تراه يطأها بملك اليمين ويؤاجرها ويزوجها فيأخذ مهرها. فأما الولد، فليس للرجل فيه دعوى الملك في الحال، وإنما يدعي نسبه وحريته، وكل واحد منهما حق لا يثبت بالشاهد واليمين؛ فلذلك فصلنا بين الأم وبين الولد.

مسألة (777)

فإن قال قائل: أرأيت لو ادعى رجل عبداً في يدي رجل وقال: كان عبداً لي، فأعتقته، وأنكر صاحب اليد، وأقام المدعي شاهداً واحداً وحلف مع شاهده ثبتت دعواه وإن كان لا يثبت سوى الحرية. قلنا: إن الرجل في هذا الموضع يثبت أصل الملك في رقبته في زمان مضى، وذلك مما يثبت بالشاهد واليمين، ثم يترتب العتق على ملكه بالإقرار الصادر من جهته، هذا فرق ما بينهما. ومن أصحابنا من قال: ليس في الولد قولان، بل فيه قول واحد: أنا نقضي له بنسبه وحريته، كما قضينا بأن الأم أم ولده، ونسب المزني إلى الغلط في نقل القول الثاني، ويقول: ما وجدنا القول الثاني منصوصاً في نقل الربيع عن الشافعي: ومن قال بالطريقة الأولى ذب عن المزني بأنه ربما سمع القول الثاني فنقله عن السماع. مسألة (777): ألحق الشافعي- رحمه الله- الحبس في العتق في كتاب الأحباس وقاسه عليه في مواضع شتى، ثم فصل بينهما هاهنا، فأثبت الوقف

بالشاهد [واليمين، ولم يثبت العتق بالشاهد] واليمين. والفرق بينهما في هذا الحكم: أن الوقف لا يوجب إخراج الرقبة عن صفة المالية، وإن أوجب وصفاً مخصوصاً في الملك؛ والدليل على بقاء معنى المالية: أن من أتلف رقبة الوقف التزم قيمتها بالسوق كمن يتلف رقبة الملك، ثم ربما/ (299/ب) نقول- في أحد القولين.: إن الواقف هو المالك للرقبة، وربما نقول: إن الموقوف عليه هو المالك. فأما إذا ادعى عبد على سيده أنك أعتقتني، فليس يدعي عليه مالاً ولا ما يؤول إلى المال، وإنما يدعي عليه محض الزوال وقربة العتاق، فلا يجوز أن يثبت ذلك بشاهد ويمين. وقد قال أبو العباس بن سريج- رحمه الله- تخريجاً: يحتمل أن تكون منزلة الوقف كمنزلة العتق حتى لا يثبت بالشاهد واليمين، والنص ما قدمناه عليه عامة مشايخنا.

مسألة (778)

مسألة (778): إذا ادعى رجل على امرأة أنه خالعها على ألف درهم وأنكرت المرأة، فالطلاق واقع، ولو أقام الرجل شاهداً واحداً حلف واستحق المال، ولو ادعت على زوجها الخلع، فأنكر وأقامت شاهداً واحداً لم يكن لها أن تحلف؛ لأنها تثبت الطلاق والزوج في المسألة الأولى يثبت المال. وعلى هذا لو ادعى العبد أن سيده كاتبه لم يقض للعبد بالشاهد واليمين، ولو دعى الرجل على مكاتبه أنه عجز فعجزه- والمكاتب منكر- قضينا للسيد بالشاهد واليمين؛ لأن المكاتب في الطرف الأول يقصد اثبات عقد العتق، والسيد في الطرف الثاني يقصد اثبات المال وعود الرقبة إلى الرق بسبب العجز؛ فلذلك افترقت المسألتان. مسألة (779): قال الشافعي- رحمه الله-: "لو أقام شاهداً أن أباه تصدق عليه بهذه الدار صدقة موقوفة محرمة وعلى أخوين له، فإذا انقرضوا، فعلى أولادهم، أو على المساكين، فمن حلف منهم ثبت حقه وصار ما بقي ميراثاً، وإن حلفوا معاً خرجت الدار من ملك صاحبها إلى من جعلت له في حياته ومضى الحكم فيها لهم ". ثم حكم الشافعي- رحمه الله- في هذه المسألة: بأن الآباء لو نكلوا لم يكن

للأعقاب بعدهم أن يحلفوا في أحد القولين. ومثله: لو قال المتصدق في أصل عبارة الصدقة تصدقت عليهم وعلى أولادهم، وأولاد أولادهم ما تناسلوا، فنكل الآباء كان للأبناء أن يحلفوا. والفرق بينهما: أنه إذا قال: فإذا انقرضوا، فعلى أولادهم فقد رتب حق الأولاد في الاستحقاق على حق الآباء، فتلقوا ما أخذوا من جهة آبائهم، فإذا نكل الآباء بطل بنكولهم حق الأبناء في اليمين. فأما إذا قال: عليهم وعلى أولادهم، وأولاد أولادهم فإنه نزل الأولاد في أصل الاستحقاق بمنزلة الآباء، ولم يجعل حقهم مرتباً/ (300/أ) على حقهم [وتلقى الأولاد حقهم من الواقف، كما تلقى الآباء حقهم] منه، ونكول بعض الآباء عن اليمين مع الشاهد لا يبطل حق الآباء، فكذلك نكول الآباء لا يبطل حق الأولاد، ولهم أن يحلفوا وإن نكل آباؤهم.

كتاب الشهادات

كتاب الشهادات مسألة (780): حكم الشافعي- رحمه الله- بوجوب الحد على من شرب قليل نبيذ وهو يستحله، ثم أجاز شهادته، قال المزني: "كيف يحد من شرب قليلاً من نبيذ ويجيز شهادته"؟ فاستبعد الفرق بين المسألتين. والفرق بين المسألتين ظاهر وهو: أن الشافعي- رحمه الله- بني كل واحد من الحكمين على أصل له، والأحكام تختلف باختلاف أصولها، فبني حكم وجوب الحد على صحة الأخبار؛ لأن الأخبار في تحريم النبيذ وكل شراب مسكر صحيحة ورواياتها كثيرة، ولا يكاد

الخصم يروي في المعاوضة رواية إلا وهي مشغولة برواية تقابلها إلا ما شاء الله، فألحق الشافعي- رضي الله عنه- النبيذ من هذه الوجوه بالخمر في إيجاب الحد للردع والزجر، فلما جاء إلى الشهادة وقبولها وردها علم أن ذلك حكم مبني على الفسق والعدالة، وفسق الرجل يعتبر بعقيدته. ألا ترى أن الرجل لو غصب جارية فزنى بها يعتقد أنها غصب، ثم بان أنها كانت جاريته المملوكة له حكمنا بتفسيقه لما أقدم عليه واستجازه، ولو اشترى جارية فظن أنها بالشراء ملكه فأصابها، ثم بان أنها كانت مغصوبة لم يحكم

مسألة (781)

بتفسيقه وإن أصاب حراماً؛ لأنه ما أقدم على الإصابة مستحلاً لحرام فعرفنا أن الفسق والعدالة بالعقائد، وأن إقامة الحد بالدلائل لا بالعقائد. فإن قيل: اختلاف الناس في شرب النبيذ كاختلافهم في النكاح بغير ولي، وأنت لا تحد من نكح بغير ولي، فكيف تحد من شرب النبيذ وهذا مستحل للنكاح بغير ولي، وذا مستحل شرب النبيذ؟. والفرق بينهما: أن العقد مع العقيدة وجد في أحدهما فجاز أن يصير ذلك العقد شبهة في درء الحد. فأما مجرد العقيدة مع ظهور الدلائل قيستحيل أن تصير شبهة في درء الحد، ونص الشافعي- رحمه الله- أن من نكح بغير ولي وأصاب فلا حد عليه، ولم يفصل في ظاهر كلامه بين من يستحله وبين من لا يستحله، فذهب بعض مشايخنا إلى الفرق وأوجب الحد على غير المستحل، وبعضهم جرى على ظاهر كلامه وأسقط الحد عنهما جميعاً بشبهة العقد؛ لما ذكرناه. مسألة (781):/ (300/ب) الصبي إذا شهد، فردت شهادته، فبلغ فأعادها بعينها

كانت الإعادة مقبولة، وكذلك المملوك يعتق، وكذلك الكافر يسلم. فأما الفاسق إذا أقام شهادة، فردت، فعدل، فأهادها بعينها فالإعادة مردودة. والفرق بين الفريقين: أن المراهق متى ما ردت شهادته لم يتعير بردها؛ لعلمه أن علة ردها ما فيه من الصغر، والصغير لا يتعير بصغره، والمملوك لا يتعير برقه، والكافر لا يتعير بكفره، بل يفتخر به ويذب عنه، فإذا أعادوها لم يلحقهم تهمة ظاهرة في نفي عار سابق لحقهم؛ لأنهم لا يتعيرون بالرد السابق، فعلمنا أنهم أعادوها تديناً فقلبناها. فأما الفاسق، فليس كذلك؛ [لأنه يتعير بالفسق وإن كان ماجناً مكباً على أسباب الفسق، وكذلك] يستسر بفسقه، حتى قال بعض أصحابنا: إن كان يعلن بفسقه مباهياً به كمباهاة الكافر بكفره قبلنا شهادته عند الإعادة، كما قبلنا

شهادة الصبيان والكفار والعبيد، لما ذكرنا من معنى التهمة. فأما غير المعلن فمعلوم أنه مع استسراره بالفسق وتشبهه بالعدول يتعير بالرد، فربما يقصد بالإعادة نفي العار السابق وغسله عن نفسه ونفضه عن شهادته، وإذا تمكنت التهمة من الشهادة أوجبت ردها. فإن قيل: فيجب أن لا تقبل شهادته في شيء بعد الاعتدال، كما لا تقبل في هذه الشهادة المعادة، لأنك إذا قبلت سائر شهاداته فكأنك نفضت عنه العار السابق، وكأنك أقررت بأنك أخطأت في رد تلك الشهادة. قلنا: على الرد السابق إنما ينتفي عنه بقبول تلك الشهادة بعينها، فإنك إذا قبلتها بعدما رددتها ساغ له أن يقول أخطأ القاضي حين ردني، ألا تراه أنه قبل شهادتي المردودة بعينها، ولا تسوغ له هذه المقالة بأن قبل سائر شهاداته،

مسألة (782)

لأنه إنما قبلها، لتغير حالة، عن فسقه إلى عدالته، ولو كانت عدالته سابقة لقبل شهادته السابقة. مسألة (782): من سمع شهادة شاهد يقيمها بين يدي قاض جاز له أن يتحملها كما أصغى إليها، حتى يشهد على شهادة ذلك الشاهد من غير استرعاء. فأما إذا لم يكن بين يدي القاضي، فليس له أن يشهد على شهادته إلا بالاسترعاء، والاسترعاء: أن يقول: أشهد على شهادتي وأقمها إذا سئلت أقامتها. والفرق بين الحالتين: أن الرجل في غير مجلس الحكم إذا ذكر شهادته على حق لرجل، فربما يذكرها وذلك الحق في الحال غير واجب، بأن يكون مقضياً، أو يكون ساقطاً بإبراء، وقد يكون الرجل شهاداً على حق ولو استشهد به ليقيمها لم يستجز/ (301/ أ) إقامتها، لما ثبت عنده من تصرف في ذلك الدين بأخذ عوض عنه مراضاة، أو غير مراضاة.

مسألة (783)

فأما إذا شهد عند الحاكم وهو يعلم أن الشهادة إذا أقيمت في مجلس القاضي تعلق الحكم بها، فالظاهر من إقامته علمه ببقاء وجوب ذلك الحق، وقصور علمه عن الأسباب المسقطة من الإبراء والمعارضات وغيرها، فكانت هذه القرينة أبلغ من قرينة الاسترعاء. قال الشافعي - رحمة الله -: "إذا سمع الرجلان الرجل يقول: أشهد أن لفلان على فلان ألف درهم ولم يقل لهما: أشهدا على شهادتي، فليس لهما أن يشهدا بها، ولا للحاكم أن يقبلها، لأنه لم يسترعهما إياها، وقد يمكن أن يقول: له على فلان ألف وعده إياه". مسألة (783): إذا سمع القاضي شهادة عدول، فلم يقض بها حتى فسقوا توقف في الإمضاء. وإن عموا، أو جنوا لم يتوقف في الإمضاء. والفرق بين المسألتين: أن العمى إذا اعترض تيقناً أنه حدث وعرفنا أنه غير مستند إلى الزمان الماضي، فصار كموت الشهود، ولو ماتوا بين الإقامة والإمضاء وجب الإمضاء، والجنون كالعمى. فأما الفسق، فليس كذلك، لأن الرجل إذا ارتكب ما يوجب التفسيق علم

مسألة (784)

العقلاء أن ذلك الارتكاب يترتب على تدبير سابق ورؤية متقدمة، وقصود موجودة، فاستندت التهمة إلى حالة الأداء واعترضت على أصل الشهادة، والشهادة إذا كانت عند الإقامة مشوبة بتهمة الفسق استحال تنفيذ القضاء بها، فلذلك فصلنا بين المسألتين. مسألة (784): إذا رجع شاهد من العشرة الذين شهدوا على المال لم يغرم، وكذلك ما دام شاهدان ثابتين على الشهادة فليس على الثمانية الراجعين غرامة عند الشافعي رحمه الله، والمزني خالف الشافعي في هذه المسألة فأوجب على الراجع الغرم بالتقسيط. قال أيده الله: وحكي لي من اعتمده عن الشيخ الإمام أبي بكر - رحمه الله - أنه قال: إذا رجع واحد من شهود القتل وجب القود عليه، وإن ثبت على القتل تمام عدد الشهود.

مسألة (785)

والفرق بين القصاص وبين المال: إن الراجع من شهود القتل معترف على نفسه بالقتل، ومن اعترف على نفسه بقتل موجب للقود وجب القود عليه، سواء وجب على غيره أو لم يجب. فأما في المال، فالحكم بخلافه، لأن الراجع يقول: كذبت في الشهادة، وليس يتحقق/ (301/ ب) بقوله تفويت المال وإتلافه على ذلك الخصم، فإن الحكم الماضي بالمال ثابت بشهادة الشهود الثابتين. وفي القتل معنى وهو: أن الجماعة إذا تمالئوا على القتل، فكل واحد منهم كالقاتل المنفرد بالقتل، ينسب القتل إليه كله ويقطع حكمه عن حكم غيره، فلذلك صار هذا الرجل مأخوذاً على الانفراد بمقتضى رجوعه دون أصحابه. مسألة (785): قال الشافعي - رحمه الله -: لو شهد أجنبيان أن فلاناً المتوفى اعتق هذا العبد، وهو الثلث في وصيته، وشهد الوارثان لعبد غيره أنه اعتقه وهو الثلث في وصيته فسواء، ويعتق من كل واحد منهما نصفه، ولم يأمر الشافعي بالقرعة. ولو اعتقهما جميعاً في مرض موته وثلثه لا يحتملها وإنما يحتمل أحدهما، فقد أوجب الشافعي - رحمه الله - القرعة بينهما.

وصورة المسألة الأولى: أن يكون عتقه لأحدهما متقدماً والثاني متأخراً بيقين ولكن أشكل المتقدم من المتأخر. والفرق بين المسألتين: أنه إذا اعتقهما معاً وثلثه يحتمل أحدهما فكل واحد منهما يعترف بأنه أعتق صاحبه معه، وأن العتق إنما ينفذ لواحد منهما من الثلث، فلما استويا في الاستحاق والجهة وضاق الثلث وجب الإقراع بينهما. فأما إذا كان عتق أحدهما متقدماً فإنا نعلم أن المتقدم منهما هو الحر دون الثاني، لأن التنجيز المرتب في مرض الموت يقع مرتباً، ألا ترى أن الشافعي - رحمه الله = قال: "لو قال: سالم حر، وغانم حر وزياد حر بدأنا بسالم". فلما كان كذلك صار كل واحد منهما مدعياً لنفسه جميع ثلثه دون صاحبه، وهما سواء، في الدعوى، فصار الثلث كدار في يدي رجلين يتداعيانها بينهما هذا يقول: جميعها لي [والآخر يقول: بل جميعها لي]، فالدار مقسومة بينهما نصفين، فكذلك الثلث مقسوم بين هذين العبدين نصفين. وقد خرج المزني في المسألة الأولى قولاً ثانياً: أنا نقرع بينهما، كما نقرع في المسألة الثانية. ولو احتملت المسألة الأمرين جميعاً: الترتيب، والجمع وجب الإقراع

مسألة (786)

بينهما، لأنا لم نستيقن أن أحدهما عن الثاني منفرداً باستحقاق الثلث، فيصير كما لو اعتقهما معاً فيقتضي الإقراع. مسألة (786): قال الشافعي - رحمه الله -: "إذا ادعى أنه نكح امرأة لم تقبل دعواه حتى يقول: نكحتها بولي وشاهدي عدل ورضاها، فإن حلفت برئت، وإن نكلت قضي له بأنها زوجته"، فاشترط في دعوى النكاح ما ترى من التفسير والتقييد. ولم يختلف جوابه في سائر الدعاوى/ (302/ أ) أنها مقبولة، وإن لم يذكر السبب الذي كان سبب الملك، وإن لم يذكر جهة من الجهات. الفرق بينهما: أن النكاح مشتمل على أركان منهما اللفظ المتعين، ومنها:

الولي، ومنها الشهود، وكثر خلاف العلماء في هذه الأركان، وما هو من شرائط صحته، ومثل ذلك لا يتصور في جهات إملاك

مسألة (787)

الأموال، فلذلك أمر الشافعي في الاستفسار والاستفصال في أحدهما ولم يأمر بذلك في الثاني. مسألة (787): قال بعض مشايخنا: إنما يستفسر في دعوى النكاح إذا قال: نكحتها، وأما إذا اقتصر على قوله: هذه زوجتي، فلا يستفسر. والفرق بينهما: أنه إذا قال: هذه زوجتي لم يتعرض لدعوى أصل العقد، وإنما تعرض لدعوى الملك في الأول، فجوابه مثله ودعواه مسموعة. فأما إذا قال: نكحتها، فقد ادعى مباشرة العقدة، وللعقد أركانه وأحكامه، ولابد من أن يذكر كيفية العقد الذي عقده. ومن أصحابنا من قال: لا بد من التفسير سواء ذكر النكاح، أو ادعى الزوجية، لأن الزوجية إنما تستفاد بالنكاح، ولو تلفظ بالنكاح في الدعوى لزمه

مسألة (788)

التقييد والتفسير، فكذلك إذا ادعى الزوجية ومن ضرورتها النكاح، فكأنه أدعى النكاح. مسألة (788): إذا تداعى رجلان عبداً في يدي ثالث، وأقام كل واحد منهما بينة فقد استضعف الشافعي قول من أوجب قسمه العبد بينهما نصفين. ولو أوصى لرجل بعبد ولرجل آخر بذلك العبد من غير رجوع وثلثه يحتمله قسمناه بينهما نصفين. والفرق بين المسألتين: أن الوصايا مبنية على التراحم والاجتماع، وليس من ضرورتها انفراد بعضهم بالاستحقاق عن بعض، فنزلا في الثلث منزلة واحدة. فأما البينتان إذا تقابلتا وهما متكاذبتان فمعقول أنا إذا قضينا بإحدى البينتين دون الثانية كان محالاً، إذ ليس لإحداهما على الأخرى مزية، [وإذا قسمناه بينهما كنا على خلاف البينتين جميعا، لأن كل واحد منهما واحد منهما تثبت جميع الملك، ولا تثبت شركة ومضاربة]، فإذا قسمنا بينهما خالفنا البينتين جميعاً بالتنصيف، فلذلك

قلنا: إما أن يقرع بين البينتين، وإما أن يوقف حتى يصطلحا في دعواهما على شيء فنصبر إلى صلحهما.

كتاب الدعاوى

كتاب الدعاوى مسألة (789): قال الشافعي - رحمه الله: "لا أقبل البينة أن هذه الجارية بنت أمته حتى يقولوا: ولدتها في ملكه، ثم عطف على هذه المسألة فقال: "لو شهدوا أن هذا الغزل من قطن فلان، أو أن هذا الزرع من بذر فلان قبلت البينة وإن كانت لا تثبت الملك في الحال". والفرق بينهما: أن الجارية بعينها لا تصبر عين الولد إذا ولدت، بل الولد فرع لها، والأصل باق، (302/ب) / ليس من ضرورة ملك الجارية أن يكون ولدها مملوكاً لمالكها، بل يحتمل أن يمتلك زيد الجارية وولدها مملوكاً لعمرو بالوصية وغيرها. فأما إذا ادعى أن هذا الغزل من قطنه، فمعلوم أن عين القطن يصير غزلاً، ولا يكون الغزل فرعاً للقطن، كما يكون الولد فرعاً للأصل، فإذا ملك القطن، فلا محالة أنه ملك الغزل، فاكتفوا بأن يقولوا: نشهد أن هذا الغزل من قطن فلان. مسألة (790): إذا اجتمع الداخل والخارج في الدعوى لم نقبل بينة الداخل قبل

قيام بينة الخارج، فإذا أقام الخارج البينة قبلنا بينة الداخل. والفرق بين الحالتين: أن لليد قوة وسلطاناً وبينة صاحب اليد تغنيه عند التفرد والتجرد عن إقامة البينة، فمن المحال سماع البينة في الابتداء واليد باقية على صفتها وقوتها. فأما الحالة الثانية، فليست كذلك، لأن الخارجي إذا أقام البينة ظهرت قوته وضعفت يد صاحب اليد، وصار جانبه أضعف من جانب الخارج، والبينات في الشرع إنما تسمع ممن ضعفت جنبته وزالت قوته، ولهذه النكتة قلنا: إن الإيمان في القسامة مطلوبة من جانب المدعى ابتداء، لأن اللوث أوجب قوة جانبه، واليمين أبداً في جنبة من قويت جنبته، والدعوى والبينة أبداً في جنبة من ضعفت جنبته، ولذلك قلنا: إذا أقام شاهداً واحداً حلف مع شاهده على اليمين، فهذه يمين مطلوبة من جهة المدعي، لأن جهته بهذا الشاهد العدل صارت أقوى من جنبة المدعى عليه.

مسألة (791)

مسألة (791): من كان مدعياً تقبل البينة منه إذا أقامها، واليمين لا تقبل منه إلا في بعض المسائل المخصومة منها: أن يدعي المودع رد الوديعة، فالبينة مسموعة واليمين مقبولة. وكذلك إذا ادعت المعتدة أنها أسقطت وانقضت عدتها فإن اقامت بينة، فالبينة مسموعة، وإن حلفت قضي لها بيمينها. والفرق بين هاتين المسألتين وبين سائر المسائل: أن المودع الذي ادعى رد الوديعة استجمع صفتين: صفة المدعي من حيث ادعى الرد، وصفة المدعى عليه من حيث توجهت عليه دعوى المودع، فلما اجتمعت فيه الصفتان اجتمعت في جانبه البينتان، وكذلك المرأة فإن الزوج يدعي عليها سلطان الرجعة ببقاء العدة، [وهي تدعي فعل الإسقاط، وذلك يتضمن انقضاء العدة]، فإن حلفت، فهي مدعى عليها، وإن أقامت البينة، فهي مدعية. فأما في سائر المسائل، فلا يتصور اجتماع مثل هاتين الصفتين مع الخصم، ولا يتحقق أن يستجمع للخصم الواحد/ (303/ أ) الوصفان معاً.

مسألة (792)

مسألة (792): إذا أقام الرجل ببينة أن هذا الدار إرث لي من أبي مات وهو يملكها، فأقامت امرأة الميت بينة أن الميت أصدقها إياها، أو باعها منها، [أو وهبها لها وسلمها وهو صحيح قدمنا بينتها على بينته. وإنما] قدمنا: لما تضمنت بينتها من إثبات الزيادة في العلم وهو: انتقال الملك بجهة العقد، فأما من شهد على الإرث فإنما يستجيز الشهادة لما تقرر عنده من اليد السابقة المستدامة إلى الموت، والشهادة على الإرث بمثل هذه اليد متابعة. مسألة (793): الحر والعبد سواء إذا تداعيا نسباً وكل واحد منهما يلحقه بنفسه مثل: أن يدعي بنوة المجهول. فأما إذا تداعيا عمومة المجهول [أو أخوته، فدعوة الحر أولى من دعوة العبد.

مسألة (794)

والفرق بينهما: أنهما إذا تداعيا في المجهول] البنوة فكل واحد منهما يلحق النسب بنفسه ليس يلحقه بغيره، وما من واحد منهما إلا ويحتمل أن يكون له ولد، فلذلك سوينا بينهما. فأما إذا كانت الدعوة دعوة الأخوة، فأصل النسب في دعوة الأخوة إلحاقه بالأب، وفي العمومة إلحاقه بالجد، ولئن كان المملوك محل قبول قوله على نفسه في الإلحاق، فلا يجوز قبول قوله في إلحاق النسب المجهول بأبيه، أو بجده، فلذلك فصلنا بين المسألتين. مسألة (794): القافة غير مستعملة في [نفي الأنساب، وهي مستعملة] في الإلحاق. والفرق بين الحالتين: أن النسب إذا كان ثابتاً، فسبب ثبوته فراش سابق معلوما: إما فراش نكاح وإما فراش ملك يمين، وقد قال - رسول الله صلى الله عليه وسلم:- "الولد للفراش وللعاهر الحجر"، فلا يجوز قطع حكم الفراش وإزالته بمجرد قول القائف من غير أن يكون هناك دعوى مدعي تتضمن الإلحاق. فأما إذا

تداعى رجلان نسباً والاحتمال موجود في الدعوتين، فهذه منزلة القائف، لأن القافة لا ترفع بالإلحاق ما استقر من الحكم، وفي الإلحاق مع الالتباس مراعاة حق الولد في النسب، ومراعاة حق الوالد المشكل من الوالدين، ومنزلتهما منزلة البينات، وفيها شبه من الحكم، والبينة إنما تستعمل وتسمع عند الحاجة إليها بالدعوى والخصومة، وكذلك القاضي إنما يتصور منه تنفيذ القضاء عند الخصومة، فلذلك لا يتصور الإصغاء إلى قول القائف مع ثبوت الفراش وعدم الخصم والخصومة.

كتاب العتق

كتاب العتق مسألة (795): العبد إذا كان مشتركاً بين شريكين وقيمته مائة دينار، فقال رجل لأحدهما: أعتق نصيبك عني بقيمة نصيبك، والقائل السائل يملك خمسين، فقال: نصيبي حر/ عنك عتق العبد كله على القول المشهور وهو: تعجيل السراية، وغرمه كل واحد من الشريكين خمسة وعشرين ديناراً [حتى ينفذ ما في يده، ثم لكل واحد منهما في ذمته خمسة وعشرون ديناراً]. ولو كانت المسألة بحالها غير أن السائل أشار عند السؤال إلى ما في يده من الدنانير فقال: اعتق نصيبك عني على هذه الدنانير، وقف العتق على ذلك النصيب، ولم يسر إلى نصيب الشريك. والفرق بين الصورتين: أنه إذا سأل على الذمة فأجابه المسئول لم تتعلق المعاملة بينهما بعين الدنانير، وإنما تتعلق بالذمة، فإذا تعلقت بالذمة بقيت العين مفرغة عن تعلق حق العتق، كما كانت وبقي موسراً بها، ومن اعتق نصف عبد وفي ملكه تمام قيمة النصف عتق النصف الثاني، وهذا الرجل بهذه الصورة.

مسألة (796)

ألا ترى أنه لو أراد قبل حجر القاضي عليه أن يدفع الخمسين كلها إلى صاحب النصف الثاني كان له ذلك، كما لو أراد أن يدفعها إلى المسئول كان له ذلك. فأما إذا عينها، فقد تعلقت المعاملة بها، لأن النقود عندنا تتعين في العقود، كما تتعين العروض، فإذا استحقت بالتعيين بقي، عقيب المعاملة فقيراً لا مال له، والعتق لا يسري على معسر. مسألة (796): أحد الشريكين إذا اعتق نصيبه وهو موسر، فسرى عتقه، ثم اختلفنا فقال من أنشأ العتق: إنه غير صناع فقيمته خمسون، وقال شريكه: إنه يحسن صنعة كذا وكذا وقيمته مائة، فقد قال الشافعي - رحمه الله -: "القول قول الغارم". ولو اختلفا في عيب به فقال الغارم: كان به هذا العيب فقيمته أقل: وقال الخصم: ما كان به هذا العيب فقيمته أكثر، فالقول قول المالك المغرم.

مسألة (797)

والفرق بينهما: أنهما إذا اختلفا في العيب وفي وجوده فالأصل عدمه، فلذلك جعلنا القول قول من يدعي عدم العيب. فأما إذا اختلفا في صنعه فإنهما مختلفان في حدوث زيادة، والأصل عدم تلك الزيادة حتى تقوم البينة على وجودها. ولهذه النكتة فصل بعض أصحابنا بين أن يختلفا في حدوث العيب وبين أن يختلفا في اقترانه بأصل الخلقة، فإذا قال الغارم: كان أكمة فالقول قوله، وإن قال: قد اعترض عليه العمى قبل توجه الغرامة علي فالقول قول المالك، لأنه إذا ادعى الكمة، فليس يعترف بوجود ذلك العضو في أصل الخلقة، وإذا ادعى اعتراض العمى، فقد اعترف بسلامة سابقة في ذلك العضو، وادعى اعتراض العلة التي أذهبته فعليه إقامة البينة بعدما اعترف بسلامة ذلك العضو. مسألة (797): إذا اعتق الموسر شركاً له في عبد عتق العبد، وإذا اعتق بوصيته بعد موته ذلك الشرك لم يسر عتقه وإن كان في ثلثه سعة، ولا فرق

مسألة (798)

بين أن يكون قد أوصى بعتق مماليك وبين أن لا يكون في وصيته عتق. والفرق بين المسألتين: أنه إذا كان حياً، فهو موسر بملكه حين انشأ عتق نصيبه فيسري عتقه إلى النصيب الثاني، فيصير في التقدير كأنه ملك جمعية فاعتقه. [فأما إذا أوصى بعتق نصيب له في مملوكه ومات فقد زال ملكه بموته إلى ورثته، فلا ينصرف إلى حق عتقه إلا ما استبقاه بصريح وصيته]، فإذا أوصى بإعتاق النصف واستتمام العتق في النصف الثاني بالسراية سرينا واعتقنا جميعه وكان ذلك بأمره. فأما إذا لم يوص باستتمام العتق واقتصر على الإيصاء باعتاق النصيب، فليس لنا تسرية العتق في ملك الورثة بعد موته بغير توصية سبقت منه. مسألة (798): إذا اعتق في مرض موته ونجز فاكتسب المعتق كسباً، وثلثه لا يحتمل جميع رقبته بعضناها بالدور، ثم ما خص العتيق منه من الكسب، فهو غير محسوب [عليه في الثلث، وما خص الرقيق منه من الكسب،

مسألة (799)

فهو محسوب] على الورثة في الثلثين. والفرق: أن المقدار الذي خص العتق منه من الكسب، فهو كسب حر كسبه في أيام حريته، لأن العتق عتق تنجيز، وكل كسب حصل في أيام الحرية، فذلك الكسب لا يدخل في جملة الميراث. فأما ما خص الرقيق منه، فذلك كسب مملوك، لأن ذلك النصيب بقى مملوكاً للورثة، وكسب المملوك لا محالة مملوك، فحسبناه على الورثة في الثلثين. مسألة (799): إذا قال: اعتقوا بعد موتي فلاناً فإذا مضى شهر فاعتقوا فلاناً لم يتقدم أحدهما على الثاني في اعتبار الثلث. ولو قال في مرض موته: سالم حر وغانم حر كان عتق سالم مقدماً على غانم. والفرق بينهما: أنه إذا أوصى بعتقهما بعد موته فكل واحد منهما يستحق حقه حين يستحقه الآخر وإن أوجبهما على الترتيب، وساعة استحقاقهما حقه حين يستحقه الآخر وإن أوجبهما على الترتيب، وساعة استحقاقهما ساعة الموت، وهي الساعة التي يتحقق فيها ثبوت الوصايا ولزومها واستحقاقها. فأما إذا قال: سالم حر وغانم حر، فقد أوجب الحق بالتنجيز لأحدهما قبل إيجابه للثاني، لأن العتق وقع عقيب اللفظ بشرط خروجه من الثلث.

ألا ترى أنا إذا اعتقنا سالماً أعطيناه ما اكتسب غير محسوب في التركة. وإذا/ تقرر ذلك في العتق فكذلك المحاباة، ولا فرق في المحاباة بين أن تكون مقبوضة وبين أن لا تكون مقبوضة، فهي مقدمة العتق إذا تقدم عقدها ووجودها، وإن تقدم العتق على البيع والمحاباة كان العتق مقدماً عليها، كما تقدم على العتق، والمحاباة بعد المحاباة كالعتق بعد العتق، والهبات المسلمة في مرض الموت كالعتق، والمحاباة يشترط فيها الترتيب، وجميع ذلك في التوصية إذا أوصى بفعلها بعد الموت سواء في الترتيب لا يتقدم بعضها على بعض. والحد الفاصل الجامع: أن كل ما كان للموصي أن يرجع فيه من ترتيب وغيره، فهي مجموعة بعد الموت في الثلث لا ترتيب فيها، وكل ما لم يكن له أن

مسألة (800)

يرجع فيه - وهي الهبات المسلمة وتنجيزاته وما أبرم من عقود محاباته - فترتيبه معتبر فيها، يقدم ما قدم منها ويؤخر ما أخر. مسألة (800): إذا اعتق عبدين لا مال له غيرهما، فمات أحدهما، ثم مات السيد حكمنا بعتق الميت إن خرجت له قرعة الحرية ولم يزد على الثلث. ولو لم يملك إلا عبداً واحداً، فأعتقه، ومات العبد، ثم مات السيد لم يحكم بعتق شيء منه. والفرق بين المسألتين: أن أحد العبدين إذا مات وبقى الثاني، فالثاني مال بقى في يد الورثة، وهو قدر الثلثين، وإذا بقى للورثة ديناران، فغير مستنكر أن يعتق ديناراً ويكون عتقه من يوم اعتقه، لا من يوم الإقراع. فأما إذا لم يملك سوى عبد واحد، ومات العبد قبل موت السيد، ثم مات السيد، فمعقول أن الورثة ما استحقوا بموته شيئاً من التركة، وزمان

الاستحقاق زمان الموت، وإذا لم يستحق من التركة شيئاً هو يستحق ميراثه استحال أن يحكم بعتق شيء. ألا ترى أن الرجل إذا مات وله مال غائب ومدير حاضر لم يجز لنا أن نحكم بعتق رقبة المدبر في المال الغائب مخافة أن لا يسلم ولا يصل المال الغائب إلى الورثة، ولكن يحكم في الحال بعتق الثلث، [ثم ننتظر وصول المال الغائب، فلا يزال يزيد في العتق بمقدار حتى يستوفي الثلث]، وكذلك حكم المحاباة. وإذا اجتمع العين والدين، فكذلك لا يجوز أن تجعل الوصية عيناً والعتق ديناً. وللحكم بعتق الميت في القبر فوائد أظهرها: جر ولاء أولاده إلى معتقه

مسألة (801)

إذا كان أولاده من معتقه. مسألة (801): إذا أقر الرجل بعتق عبد من عبيده، لا بعينه، فمات قام وارثه مقامه في التعيين قولاً واحداً. وإن أنشأ [العتق في عبد من عبيده، لا بعينه]، فقال: أحدكم حر، ثم مات/ قبل البيان، ففي الوارث قولان: أحدهما: أن له ولاية التعيين. والثاني: أنه لا يقوم في التعيين مقامه. والفرق بين الحالتين: أن الفظ إذا كان إقراراً كان إخباراً عن عتق سابق، فيحتمل أن يكون ذلك الرجل قد أخبر الوارث أو غير الوارث، فاطلع الوارث على تفسير إقراره المجمل، فلذلك رجعنا إليه في البيان. فأما إذا كان أنشأ ومات قبل البيان، فإنا نحتاج إلى إيقاع العتق، والإيقاع بالإقراع إذا فات من جهته البيان، حتى قال بعض أصحابنا: إن أنشأ واقترن باللفظ تعيينه بالقلب جاز أن يرجع إلى الوارث قولاً واحداً، لأنه ربما أخبره

مسألة (802)

قبل موته بمن عينه بالقلب عن لفظه، أو أخبر غيره، فاتصل الخبر به، فلذلك اقترفت الحالتان. مسألة (802): إذا اشترى رجل بعض من يعتق عليه، أو وهب له فاتهب، أو أوصى له فقبل، أو عرض عليه في نصيبه من المغنم، فقبل، سرى العتق إلى النصيب الثاني إذا كان موسراً. ولو مات ابن عمه وفي تركته سلعة اشتراها ببعض من يعتق على الورثة دونه، فطالعها الوارث فاطلع على عيب فردها ارتد إلى ملكه بعض من يعتق عليه، ولم يسر العتق إلى النصف الثاني على أحد الوجهين، وكذلك السيد إذا عجز مكاتبه وفي ملك المكاتب بعض من يعتق عليه. والفرق بين المسألة الأولى وبين المسألتين: أنه إذا اشترى فقد قصد اجتلاب

مسألة (803)

الملك بعينه فيمن يعتق عليه، والاجتلاب قصد للعتق فصار كإنشاء الإعتاق. فأما في المسألتين الأخيرتين فما قصد اجتلاب الملك فيمن يعتق عليه، وإنما قصد مقصوداً لآخر، فترتب العتق على ذلك المقصود: أما في مسألة العيب، فقد قصد الخلاق من ضرر العيب، وأما في الكتابة، فقد قصد التعجيز لما تعذر عليه حقه من ثمنه، فترتيب بالعتق عليه في الدرجة الثانية على ما كان له من المقصود، فلذلك فصلنا بين المسألتين. مسألة (803): إذا اشترى رجل في مرض موته أباه أو ابنه وعليه ديون تعم التركة لم يصح الشراء عند بعض أصحابنا، وصح عند بعضهم. ولو عرض عليه أبوه أو ابنه في وصية أو هبة، فاختار القبول صح قبوله. فمن قال: بإبطال الشراء فصل بينهما بأن قال: لا بد له من صرف طائفة من

المال إلى مقابلة في الشراء، وإذا اشتراه، فملكه لزمنا أن نحكم بعتقه، فيكون في ذلك فوات طائفة/ من المال، والغرماء يتضررون بذلك، والمسألة موضوعة في المديون وديونه تستغرق جميع ماله. فأما إذا قبل الهبة، فعتق، فليس في ذلك تفويت مال، لأنه لم يبذل في مقابلته مالاً. ومن قال بصحة الشراء: حكم بأنه لا يعتق، [لأن العتق إضرار بأهل الديون. ومن نوادر المذهب أن يملك الحر من يعتق] عليه، ثم لا يعتق، ولكن ليس بمستنكر، فإنه لو نجز العتق لم ينفذ عتقه، وهو من أهل العتق، والعتق المستفاد من الأب بالملك، [كالعتق الحاصل في الرقبة الأجنبية] بالإعتاق، فإذا تلفظ بالإعتاق ولم يحصل به العتق جاز أن يملك أباه ولا يحصل فيه العتق. ونظير هذا ما قال الشافعي - رحمه الله - في السراية، وذلك أن الرجل إذا ملك بعض من يعتق عليه فلابد من تسرية العتق على الموسر، ثم مع هذا لو أوصى لصبي ببعض من يعتق عليه، فقبل القيم الوصية، فقد قال الشافعي - رحمه الله في أحد القولين.: "دخل ذلك الشقص في ملك الصبي الموسر ولا يسري عليه العتق في الباقي".

فكذلك يجوز أن يدخل في ملك الرجل أبوه أو ابنه ولا يحكم بعتقه عليه. وفي مسألة الصبي قول آخر: أن القيم لو قبل لم يصح قبوله، فعلى هذا القول لا يصح شراء المريض المديون في مرض موته، لأن القياس أن يعتق عليه لو صح الشراء، ولو اعتقناه عليه أدى ذلك إلى الإجحاف بالغرماء.

كتاب الولاء

كتاب الولاء مسألة (804): المملوكة إذا كانت تحت مملوك، فحبلت منه فأعتقها سيدها وهي حبلى، ثم عتق زوجها المملوك، فولاء هذا الولد لمالكه لا ينجر إلى مالكه. وإذا ولدت له بعد ذلك أولادا، فولاؤهم لمالك زوجها المملوك. وكذلك كل معتقة من مملوك. والفرق بين الولدين: أن الولد الذي كان في البطن عند إعتاق الأم ثبت الولاء عليه مباشرة؛ لأن العتق وإن لاقى الأم، فهو في الولد، كالعتق في الأم. ألا ترى أن الولد كان رقيقا في أصل الخلقة، وكل نسمة مسها الرق، ثم عتقت، فولاؤها لا ينجر. فأما الولد الثاني والثالث فإنه خلق يوم خلق حرا لم يثبت عليه لأحد رق،

مسألة (805)

وكيف يمسه الرق والأم قد عتقت قبل علوقها به، فيكون ولاء هؤلاء الأولاد لموالي الأب مملوكا، وإذا أعتق الأب أنجر ولاءهم إلى موالي الأب، فصار لهم بعدما كان لموالي الأم. مسألة (805): الولاء إذا ثبت لموالي الأم على أولاد المعتقة من مملوك، ثم عتق المملوك / (306/ أ) أنجر الولاء إلى مولاه. ولو عتق أب المملوك لم ينجر الولاء عند بعض أصحابنا، وإن كان الجد ينزل منزلة الأب في التزويج إذا كان الأب مملوكا، وفي الميراث وغيره. وإنما لم ينزل منزلة الأب في هذه المسألة؛ لأن الولاء متى ما انتقل من

موالي الأم إلى موالي الأب، فموضوعه ومقتضاه الاستقرار، ولا يمكننا الحكم بالاستقرار والأب مملوك (لأنه إذا أعتق استحال أن لا ينجر الولاء من موالي الجد إلى موالي الأب؛ فلذلك حكمنا في الأصل بأنه بقي في موالي الأم إلى أن يتفق عتق الأب، فحينئذ ينجر إلى موالي الأب.

كتاب التدبير

كتاب التدبير مسألة (806): إذا قال الرجل لمملوكه: إن شئت فأنت حر متى مت، فشاء في المجلس صار مدبرا؛ لوجود الصفة. ولو قال: إذا مت فأنت حر إن شئت، أو أنت حر إذا مت إن شئت فقال: شئت لم يصر مدبرا ولم يعتق بموت السيد. الفرق بين اللفظين: أنه إذا قال: إن شئت فأنت حر متى مت، فمقتضى هذا اللفظ استعجال المشيئة في زمان الجواب على عادة المحاورة، فإذا حصلت المشيئة في المجلس بقي العتق معلقا بالموت وحده، وهذه حقيقة التدبير، ولا يضر أن يتقدم وصف. ألا ترى أن الرجل إذا قال لمملوكه: إن دخل فلان هذه الدار فأنت حر إذا مت، فالدخول صفة متقدمة، ولا بد من وجودها، ولكن إذا وجد الدخول، تم التدبير؛ - لأن العتق عقيب الدخول- يصير معلقا بالموت وحده، وليس كالمسألة الأخرى وهي: إذا قال: إذا مت فأنت حر إن شئت؛ لأن هذا الكلام كلام محتمل، فيحتمل أنه أراد مشيئة في المجلس، ويحتمل أنه أراد مشيئة بعد الموت، والتدبير شرطه أن لا يتردد العتق بين الاحتمالين والوصفين. ثم إن أراد هذا المملوك حصول الحرية، فسبيله وحيلته جمع المشيئتين: مشيئة في المجلس ومشيئة بعد الموت، فإذا فعلهما، وثلثه يحتمله حكمنا بحريته.

مسألة (807)

مسألة (807): إذا دبر الرجل جاريته تدبيرا صحيحا، فقد قال الشافعي - رحمه الله-: إن التدبير كالوصية، وجعله في القول الثاني: أنه كالتعليق. فإذا جعلناه كالوصية، فكل معنى كان في الوصية رجوعا كان في التدبير رجوعا إلا في مسألة واحدة وهي: الاستيلاد، فإنه رجوع عن الوصية وليس برجوع عن التدبير. والفرق بينهما: / (306/ ب) أن مقتضى الوصية تسليم الموصي به عقيب الموت، وذلك يمنع تسليم الوصية؛ فلهذا جعلنا الاستيلاد رجوعا عن الوصية وجعلنا الوطء مع ترك العزل رجوعا عن الوصية؛ لأن كل ما لو تم منتهاه كان

مسألة (808)

رجوعا، فمبتداه أيضا رجوع. ألا ترى أن العرض على البيع رجوع، كما أن البيع رجوع. وأما التدبير، فمقتضاه العتق بعد الموت، ومقتضى الاستيلاد كذلك، بل زاد الاستيلاد تأكيدا؛ لأن عتق الاستيلاد لازم لا سبيل إلى إبطاله [إن أراد إبطاله، وعتق التدبير غير لازم؛ ولهذا نجد السبيل إلى إبطاله]. مسألة (808): المدبرة المستولدة بعد التدبير تعتق بحكم الاستيلاد، لا على حكم التدبير وإن لم يبطل التدبير، وفائدة ذلك أنها تستتبع أولادها قولا واحدا. والمدبرة التي تمخض تدبيرها لا تستتبع أولادها على أحد القولين. والمستولدة المكاتبة إذا مات سيدها عتقت على حكم الكتابة، لا على حكم

الاستيلاد، وفائدة عتقها على حكم الكتابة أن تستتبع أكسابها، وأم الولد لا تستتبع أكسابها إذا عتقت بحال. والفرق بين المسألتين: أن الكتابة من جانب السيد عقد من العقود اللازمة؛ ولهذا لو أراد الرجوع والاعتراض على الكتابة بالفسخ من غير عجز تحقق من المكاتب لم نجد سبيلا إلى الفسخ، وإذا مات السيد قام ولده مكانه، فموته لا يتضمن فسخ الكتابة، ويستحيل أيضا أن يتأخر عتقها عن موته وهي مستولدة، ويستحيل أيضا أن يعتق مكاتبه قبل براءة الذمة عن مال الكتابة، فصار موته سبب براءة ذمتها، وبقاء عقد الكتابة أوجب نسبة العتق إلى الكتابة وإن حصل بالموت. وعلى هذا قلنا: إنه إذا قال لمكاتبه: إذا دخلت الدار فأنت حر، فدخلها عتق بالكتابة، وسبب العتق الدخول؛ لأن الدخول لا يقتضي فسخ الكتابة، ويقتضي العتق ضرورة، ومن ضرورة عتق المكاتب تقدم البراءة، وإذا عتق

بتقدم البراءة عتق على الكتابة. وأما عقد التدبير، فليس بعقد لازم؛ ولهذا لو أراد السيد إبطاله كان له إبطاله على القولين جميعا، بالقول على أحد القولين، وفي القول الثاني: بإزالة الملك؛ ولهذا إذا استولدها، فعتقت بالموت كان جانب الاستيلاد أقوى وأغلب من جانب التدبير وإن كان التدبير غير باطل، والمسألة محتملة. والله أعلم.

كتاب الكتابة

كتاب الكتابة مسألة (809): / (307/ أ) إذا قال: كاتبتك على دينار آخر هذا الشهر وخدمة شهر فالكتابة باطلة. وإن قال: كاتبتك على خدمة شهر ودينار بعد شهر، فالكتابة صحيحة. والفرق بين المسألتين: أنه إذا قال: كاتبتك على دينار بعد شهر وخدمة شهر بعد الدينار، فقد جعل الخدمة مضمونة في الذمة، وقد يتعذر تسليمها بالعوائق المانعة، ولا يخفي من أصل الشافعي أن الإجارة لا ترد على منافع شهر منفصل عن وقت العقد بزمان ولو بلحظة واحدة. بخلاف ما إذا قال: كاتبتك على خدمة شهر ودينار بعد الشهر، فالخدمة تصير حالة عليه عقيب العقد، ولا ينفصل عقد المنافع عن لفظ العقد؛ فلهذا صحت هذه الكتابة. فإن قيل: خدمة هذا الشهر تتصل بمحل الدينار؛ لأن محل الدينار عقيب

الشهر، والتنجيم من شرط الكتابة، وهذا كنجم واحد من جنسين، وتجنيس الأموال لا يقوم مقام التنجيم، فكأنه كاتبه إلى محل واحد على وقر حنطة ودينار الشهر المذكور. قلنا: خدمة الشهر المذكور تصير مستحقة حالة عقيب العقد لا في آخر الشهر، ثم يشتغل في الشهر بتسليم المنافع التي حلت عليه. ومثاله: أن يكاتبه على سفينة طعام بعينها، أو صفتها ويجعل محل الدينار صبيحة الغد صحت الكتابة. وكانت على نجمين، أحدهما: الطعام، والثاني: الدينار، ومعقول أنه إذا اشتغل بتسليم الطعام، فربما يستغرق بذلك الزمان الذي بين العقد وبين محل الدينار،] وربما يأتي محل الدينار [ولم يفرغ بعد من تسليم السفينة، وكذلك تسليم المنافع المذكورة في عقد الكتابة.

مسألة (810)

مسألة (810): إذا قال لغلامه: أنت مدبر عتق بموت سيده، وإن لم ينو العتق. ] وإذا قال: كاتبتك ولم ينو العتق [لم يعتق بالأداء حتى ينوي، أو يقول: على أنك إذا أديت هذا فأنت حر. والفرق بينهما: أن لفظ التدبير ما زال مشهورا في الإسلام والجاهلية لا يعقلون من معناه سوى الحرية، فاستغنينا عن النية، كما استغنى عنها صريح الطلاق والعتاق. وأما لفظ الكتابة فما كانوا يعرفونه قبل الإسلام وهو في الإسلام من الألفاظ التي يعرفها خصائص المسلمين، فالتحقت بألفاظ الكناية لا تستقل بأنفسها، وإنما تستعمل إذا انضمت النية إليها.

مسألة (811)

مسألة (811): (307/ ب) إذا قال: كاتبتك على كذا وكذا، وذكر آجلا معلوما عشر سنين على أن تؤدي في كل سنة كذا، فالكتابة باطلة. وإن قال: على أن تؤدي في انقضاء كل سنة كذا فالكتابة جائزة. والفرق بينهما: أنه إذا قال: في كل سنة كذا، فجميع السنة من طريق الاحتمال صالح] لهذه اللفظة، وأما إذا قال: في انقضاء كل سنة، فهذه عبارة عن خاتمة [السنة بظاهرها، فحملناها عليها، وحكمنا بصحة الكتابة. مسألة (812): الكتابة إذا كانت فاسدة، فقبض الوارث مالها بعد الموت لم يعتق المكاتب. ولو كانت صحيحة عتق المكاتب] بقبض الوارث، كما يعتق بقبض المورث].

مسألة (813)

والفرق بينهما: أن الكتابة الفاسدة تقتضي تغليب الوصف الذي تعلق العتق به، ووصف العتق قوله: إذا أديت إلى كذا فأنت حر، وليس الوارث بالذي قال: إذا أديت إلى كذا فأنت حر، بخلاف الكتابة الصحيحة فإن جانب المعاوضة فيها مغلب. فإن قال قائل: أليست الكتابة الفاسدة تقبل الفسخ] والمغلب فيها الوصف، فما الفرق بينها وبين العتق المعلق بصفة حيث [لا يقبل الفسخ؟. قلنا: الكتابة الفاسدة إنما قبلت الفسخ لأنا كنا نغلب الوصف فإنها مشوبة بالمعاوضة الفاسدة؛ ولهذا تستتبع المكاتبة أكسابها وأولادها، بخلاف المعتق بالصفة. مسألة (813): إذا أعتق أحد الابنين نصيبه من مكاتب الأب لم يقوم عليه في أحد

مسألة (814)

القولين. وإذا أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد المشترك قومنا عليه النصف الثاني. والفرق بين المسألتين: أن الوارث بالإعتاق يبرئ مكاتب أبيه، ويستحيل حصول العتق والكتابة باقية إلا على حكم الكتابة، وإذا حصل العتق بالكتابة كان الولاء للأب؛ لأن الكتابة صدرت من جهته، وإذا كان الولاء له فكيف يجوز التقويم على غيره، ولا سبيل إلى التقويم على الميت. مسألة (814): إذا عرض المكاتب النجم قبل المحل أجبرنا سيده على القبول إذا لم يتوجه عليه مؤنه فادحة في الاستعجال. والغريم إذا عرض على الغريم دينه قبل محله، ولا مؤنه تلزمه ففي إجباره

مسألة (815)

على القبول قولان. والفرق بينهما: أن دين المكاتب دين يتعلق به حق العتق، وذلك مما يخشى فوته، بخلاف دين الغرماء، فإنه ليس يتعلق به مثل هذا الحق المتأكد. مسألة (815): إذا عرض المكاتب النجم على السيد، فقال: هذه العين التي تعرضها علي قد غصبتها من فلان، فقد قال الشافعي - رحمه الله-: يجبر السيد على قبضها منه، ثم يؤمر بدفعها إلى فلان بحكم إقراره السابق. وقد قال الشافعي - رحمه الله- في كتاب التفليس-: / (308/ ب) "لو أن رجلا باع من رجل نخلة، فأفلس المشتري واختار البائع عين ماله، ثم اختلف البائع والمشتري فقال البائع: اخترت] النخلة قبل الإبار ثم أبرت النخلة فالثمرة لي، فقال المشتري: بل اخترت [بعد الإبار، فالثمرة لي، فالقول قول المشتري، إلا أن يقيم البائع بينة، فإن أقام شاهدين من الغرماء، أو شاهدا واحدا وحلف معه قضي له بالثمرة، وإن ردت شهادة الشاهد الغريم، لعداوة أو فسق، أو لم يشهد ولكنه أقر، ثم حلف المشتري وقضي له بالثمر، لم يعط ذلك الغريم من تلك الثمرة

مسألة (816)

عند المخاصمة والمضاربة شيئا؛ لأنه أقر بها للبائع"، ولم يقل الشافعي إنه يجبر الغريم على قبضها في دينه، ثم يؤمر بتسليمها إلى البائع بمقتضى إقراره. والفرق بين المسألتين: أن السيد غريم واحد ليس للمكاتب غريم سواه، فإذا امتنع عن قبض ما عرض عليه تضرر المكاتب وتأخر العتق وربما يفوت، بخلاف المفلس إذا امتنع الغريم عن قبض الثمرة لم يعجز عن دفعها إلى الغريم الآخر، حتى أنه لو لم يكن له إلا غريم واحد كانت مسألة التفليس حينئذ، كمسألة الكتابة. مسألة (816): إذا قال الرجل لعبده: أنت حر، ثم ادعى أنه أراد حرية الأخلاق وما أراد حرية الرق فقوله مردود. ولو جاء المكاتب بالمال، فقبضه السيد وقال للمكاتب: أنت حر، ثم بان أن المال كان مستحقه حكمنا بأن المكاتب قن.

مسألة (817)

والفرق بين المسألتين: أن قوله للعبد القن: أنت حر كلام إنشاء هو في الظاهر بحرية الرق، وليس هو كلاما مبنيا على شيء، وهو صريح في نفسه. فأما في مسألة الكتابة، فلفظه لفظ بناء، لا لفظ إنشاء، فإذا بان أن مال العقد باق في ذمة المكاتب بقي رقيقا، قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم-: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم"، فإذا ادعى المكاتب على سيده أنك أردت إنشاء عتقي بهذا اللفظ، وقال السيد: ما أردت ذلك، فالقول قول السيد مع يمينه، ويحكم بأن المكاتب عبد، كما كان إلى أن يؤدي تمام مال الكتابة. مسألة (817): تصح كتابة نصف شخص ونصفه الثاني حر، ولا تصح كتابة نصف عبد ونصفه رقيق لمالك ثان.

مسألة (818)

والفرق: أن الكتابة إذا وردت على النصف والنصف الثاني حر فإن المكاتب يستفيد بكتابته جميع فوائد] الكتابة. ألا ترى أنه إن شاء سافر وإن شاء أقام [. ألا ترى أنه إذا قبض سهم الرقاب بنصفه المكاتب جاز له أن يقبض، وذلك من مقاصد الكتابة./ فأما إذا كان نصفه الثاني مملوكا فلا يستفيد بكتابته جميع فوائد الكتابة. ألا ترى أنه لو أراد السفر كان ممنوعا عنه بما بقي للشريك على نصفه من سلطان الملك والاستخدام؛ فلذلك فصل الشافعي - رحمه الله بين المسألتين. مسألة (818): ولد المكاتب من الأمة تبع له في الرق والحرية قولا واحدا، وفي ولد المكاتبة قولان: أحدهما: أنه عبد قن ولم يذكر المزني هذا القول في المختصر. والقول الثاني: إنه تبع لها يعتق بعتقها ويرق برقها. والفرق بينهما في لفظ الشافعي: - رضي الله عنه- قوله: "وإنما فرقت بينهما؛ لأن المكاتبة لا تملك ولدها، ولكن حكمه حكمها، والمكاتب يملك ولده من أمته ولو كان يجري عليه رق".

مسألة (819)

ومراده بهذا: أن المكاتبة لا تلد ولدا تملكه بحال، وأمة المكاتب قد تلد ولدا يملكه المكاتب بحال، وإنما امتنع الملك مطلقا في هذا الولد بالولادة بينهما وبينه. مسألة (819): إذا جني أب المكاتب وهو في ملك المكاتب لم يكن له أن يفديه. ولو جني عبد مملوك له كان له فداؤه. والفرق بينهما: أنه إذا فدي أباه، فقد صرف طائفة من مال الكتابة إلى مهلكة؛ لأن أباه يعتق بعتقه ولا يجوز له بيعه، وإذا فدي عبده القن، فقد صرف المال إلى المال؛ لأن له بعد فدائه أن يبيعه وينتفع بثمنه. فإن قيل: فمتى يتصور إذا أن يكون أبوه في ملكه وهو إذا لم يجز له فداؤه لم يجز له شراؤه؟. قلنا: لا يجوز له شراؤه، كما لا يجوز له فداؤه، ولكن يتصور أن يوهب له أبوه، أو يوصي له برقبته، فيقبله، ويجوز له قبوله بشرط وهو: أن يكون كسوبا، فإن كان غير كسوب لم يجز له قبوله؛ لأنه إذا قبله ولا كسب له التزم في مال

مسألة (820)

الكتابة نفقته وذلك من الضرر على السيد. مسألة (820): يعزز المكاتب مملوكه إذا فعل ما يقتضي تعزيزه، ولا يقيم الحد عليه في الشرب وغيره، نص عليهما الشافعي رحمه الله. وفصل بينهما بأن قال: "لأن الحد لا يكون إلا لحر". يشير بذلك إلى أن الحرية هي العمدة في سلطان الحدود واستيفائها، ثم من أصحابنا من اشترط مع حرية السيد عدالته بحيث يصلح للاستقضاء حتى يجوز له استيفاء الحد من المملوك، ومنهم من لم يشترط هذا الشرط واكتفي بالحرية، وكمال الملك. مسألة (821): عبد المكاتب إذا جني على عبد آخر له فللمكاتب أن يقتص. ولو جني عبد أجنبي / (309/ أ) (على المكاتب عمدا، فأراد القصاص والسيد الدية، فللمكاتب القصاص فيما نص عليه الشافعي رحمه الله، وخرج الربيع فيها قولا

مسألة (822)

آخر: إنه ليس القصاص إذا لم يرد السيد القصاص. الفرق بينهما: أن المكاتب لو عفي, وقد جنى عبده على عبده لم يتضمن عفوه استحقاقًا يبطله القصاص, وإذا كانت الجناية من أجنبي, فاستيفاء القصاص يتضمن إبطال مال لولا القصاص لثبت استحقاقه. مسألة (822): إذا أعتق الرجل في مرض موته عبيدًا اعتبرنا رقبتهم من الثلث بكل حال, فأما إذا كاتب عبيدًا في مض موته بمال فالواجب أن يعتبر خروج أقل المالين من الثلث, فإن كانت الرقبة أقل المالين فهي المعتبرة, وإن كان مال الكتابة هو الأقل اعتبرنا خروج مال الكتابة من الثلث. الفرق: أن العبد القن إذا أعتقه في مرض موته, فرقبته هي المال الذي قصد إزالة الملك عنه, فلم يجز اعتبار غيره. فأما في الكتابة فمعقول أن مال الكتابة إن كان أكثر والرقبة أقل كان للمكاتب أن يعجز نفسه فتنفسخ الكتابة, فلا يبقى في يد الوارث سوى الرقبة, وإن كان

مسألة (823)

مال الكتابة أقل, فللمكاتب أن يقول: لا أفسخ الكتابة وأؤدي المال حتى أعتق على الكتابة؛ لأن الكتابة من جانب السيد لازمة؛ فلذلك قلنا: لا سبيل إلى تعيين الرقبة في اعتبار الثلث أو تعيين النجوم, ولكن وجب اعتبار أقلها بكل حال. مسألة (823): إذا قال السيد: ضعوا عن مكاتبي مال الكتابة إن شاء وذلك وصية, فشاء والثلث يحتمله وضعنا جميع مال الكتابة. وإن قال: ضعوا عنه ما شاء, فشاء وضع مال الكتابة لم يوضع عنه جميعه, ولا بد من أن يستبقي بعضه. الفرق: أنه إذا قال: ضعوا عنه ما شاء] فمن ضرورة هذا الكلام مع ذكر النجوم التبعيض, كأنه قال: ما شاء [من مال الكتابة فضعوه عنه, وإذا ذكر المال على الإطلاق لم يكن فيه مع الإطلاق ما يقتضي التبعيض؛ فلذلك لم تستقل بالتبعيض.

كتاب أمهات الأولاد

كتاب أمهات الأولاد مسألة (824): إذا أعتق السيد أم ولده ولها أولاد من زنا, أو زوج ولدتهم بعد الاستيلاد عتقت ولم يعتق الأولاد. وإذا أعتق السيد مكاتبته ولها أولاد - وجعلناهم تبعًا في الكتابة - عتقت وعتق الأولاد. والفرق بين المسألتين: أن أولاد المكاتبة تبع للأم يعتقون بعتقها, وعتقها بالبراءة, وقد برئت بإعتاقه إياها. ألا ترى أن عتق المكاتبة لو فات بموتها, أو عجزها, فات عتق الأولاد, وأما أولاد أم الولد, فمنزلتهم منزلتها, لا على جهة التبعية. ألا ترى أن عتقها لو فات بأن تموت رقيقة قبل موت سيدها عتق الأولاد بموت السيد, فعرفت أن أم الولد إذا عتقت بموت سيدها, فليس عتق أولادها بعتقها, وإنما عتق أولادها بسبب عتقها وهو موت السيد.

فإن قيل: ما المعنى الذي أوجب أن يعتق أولاد أم الولد بسبب عتق أم الولد, وأولاد المكاتبة بعتق المكاتبة؟ قلنا: إنما كان كذلك؛ لأن الكتابة عقد ورد عليها, والعقد بنفسه لا يعدو محله ولا ينتقل بنفسه, فلو قلنا: عتق أولاد المكاتبة بعتق المكاتبة] كنا قد حولنا العقد إلى غير محله؛ فلذلك أعتقنا المكاتبة [بالعقد وجعلنا عتقها سبب عتق أولادها, وليس بمستبعد إذا استقر العقد في محله تعديته بأثره. فأما الاستيلاد فليس بعقد, وإنما هو فعل لما تحقق ثبت تسبب الولد الحر بتبعية حرية في الأم, فما من ولد علقت به من بعد إلا وتثبت فيه مثل تلك التبعية, فصار ولد أم الولد كأم الولد حتى يعتق بما تعتق به أم الولد, وهو في حالة واحدة: بموت السيد تعتق أم الولد, وأولادها لا بعتق أم الولد, والله أعلم بالصواب.

الفهارس

الفهارس

فهرس القواعد والضوابط الفقهية

فهرس القواعد والضوابط الفقهية القواعد والضوابط الفقهية ... الجزء والصفحة الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد ... (جـ 2) 23 إذا أشكلت جهة الاستحلال لم تحل الإصابة ... (جـ 3) 268 إذا امتزج التحريم والتحليل غلبنا التحريم على التحليل ... (جـ 3) 538 إذا جاء التلف في الوديعة من غير جهة المخالفة جعلنا المخالفة الموجودة كالمفقود ... (جـ 3) 100 إذا فات المتبوع فات التابع ... (جـ 2) 200 استطاعة المباشرة واستطاعة الاستنابة في الحج سواء إلا في مسألتين ... (جـ 2) 190 الإشارة مغلبة على العبارة ... (جـ 3) 600 أصل الأقارير أنا نعتبر اليقين ولا نستعمل الظن ... (جـ 2) 620 الأصل براءة الذمة ... (جـ 2) 61 الأصل براءة الذمة عما وقع النزاع في وجوبه ... (جـ 2) 112 الأصل تحريم الأبضاع ... (جـ 3) 149 الأصل في الحيوانات التحريم ... (جـ 3) 538 الاعتبار في الطهارات وأفعال الصلاة بحالة الأداء لا بحالة الوجوب ... (جـ 3) 592 الأملاك لا تزول بمجرد النية في موضع من المواضع ... (جـ 2) 80 الأموال الضائعة يقبضها القاضي حفظًا لها على أربابها ... (جـ 3) 41 الأولاد من جميع الحيوانات تكون ملك مالك الأمهات لا ملك مالك الفحول ... (جـ 2) 76 الأيمان في جميع الخصومات موضوعة في جانب المدعى عليه إلا في القسامة ... (جـ 3) 452 الأيمان لا تتوجه على الوكلاء والأمناء ... (جـ 2) 62 أن كل امرأة أسلمت بعد إسلام زوجها, أو معه أو قبله, ثم أسلم بعدها, فماتت كانت محبوسة عليه في حق عقده,

القواعد والضوابط الفقهية ... الجزء والصفحة وكانت بمنزلة الحية الباقية ... (جـ 3) 155 المشركون إذا تقابضوا عقود الربا, وأثمان الخمر والخنازير, ثم أسلموا وترافعوا إلينا لم نتعقب ما ماضى وعقا الله عما سلف, إلا في مسألة واحدة وهي التقابض في المعاملات المالية بغير رضاء ... (جـ 3) 168 الحدود تسقط بالشبهات بخلاف الحقوق ... (جـ 3) 338 الحرمة إذا تعلقت بزوال الملك ارتفعت بتجدد الملك الحيوان الذكر لا يجزئ في الزكاة والماشية إناثًا إلا في موضع مخصوص ورد النص فيه وهو: في ثلاثين من البقر ... (جـ 2) 50 الذمة المشغولة يبقين لا تبرأ بالشك ... (جـ 2) 243 السكوت قائم مقام النطق إذا اعتبره الشرع أو العرف ... (جـ 2) 476 السيد لا يثبت له على عبده دين ابتداء ... (جـ 3) 127 السيد لا يستحق في رقبة عبده دين ... (جـ 2) 530 الشخص إذا فرضنا له فريضة في مسألة من المسائل ورد الأخذ ما ورد عليه الفرض إلا في الأكدرية ... (جـ 3) 56 العادة تنزل منزلة اللفظ ... (جـ 2) 259 الغريم إذا فسخ البيع بسبب تفليس الغريم لم يتصور مع الفسخ مضاربة الغرماء إلا في مسألة واحدة وهي السلم إذا انقطع وتعذر تسليمه وتلف رأس مال السلم في يد المسلم إليه ... (جـ 2) 558 فروع الملك امن كانت أصوله ... (جـ 2) 301 الفروع تبعًا للأصول ... (جـ 2) 44 فساد المهر لا يقدح في العقد إلا في مسألة ... (جـ 3) 195 الفعل أقوى من القول ... (جـ 2) 500 القضاء بالنكول ممنوع إلا في مسأئل ... (جـ 2) 61 كل شهادة ردت للتهمة لم تقبل بعد الرد ... (جـ 3) 358 كل شخص توجهت عليه دعوى عقد فالقول قوله مع يمينه أنه لم يعقد ذلك العقد ... (جـ 2) 585

القواعد والضوابط الفقهية ... الجزء والصفحة كل شخص قطعنا له طائفة من المال فرضًا أو تعصيبًا لم يجز أن يبقى صفر اليدين عما قطعنا له إلا في المعادة ... (جـ 3) 60 كل نسمة مسها الرق ثم عتقت فولاؤها لا ينجز ... (جـ 3) 671 كل ما لو تم منتهاه كان رجوعًا فمبتدأه أيضًا رجوع ... (جـ 3) 657, 676 كل مغصوب رده غاصبه لم يغرم مع الرد شيئًا من القيمة ... (ج 2) 667 كل مدين مات والدين عليه مؤجل صار الدين حالًا عليه ... (جـ 2) 672 كل من ادعى براءة ذمته بإبراء أو قضاء لم يقبل قوله إلا ببينه كل من اشترى ملكًا وكان في ذلك الملك حق شائع لمستحق نزل المشتري مع ذلك المستحق منزلة البائع ... (جـ 2) 718 كل من جمع في العقد والحد بين حرام وحلال كان العقد في الحرام باطلًا وكان في الحلال قولان ... (جـ 3) 147 كل من ضمن شيئًا باليد لم يبرأ من الضمان إلا بيد أخرى سوى تلك اليد ... (جـ 2) 643 لا مدخل للقيم والإبدال في الزكوات والكفارات ... (جـ 2) 24 لا يتوالى ضمان عقدين في شيء واحد ... (جـ 2) 392 لا يجبر شخص على قبول ملك شخص تبرعًا إلا في موضع وما يتفرع عنه ... (جـ 2) 415 لا يتصور حلال يحرم بالعمرة في وقت فلا تنعقد عمرة إلا في مسألة ... (جـ 2) 313 لا يتصور العول في مسألة مشتملة على الجد والأخوة إلا في الأكدرية ... (جـ 3) 59 المبيع في يد المشتري مضمون بالثمن إذا كان البيع صحيحًا إلا في مسألة واحدة ... (جـ 2) 335 متى ما أقر الوكيل بما يتضمن عزله عن الوكالة كان إقراره مقبولًا على نفسه في إبطال وكالته وإن لم يكن مقبولًا على غيره ... (جـ 2) 605 مجلس العقد كحال العقد ... (جـ 2) 435 المماثلة المجهولة كالمفاضلة المعلومة ... (جـ 2) 350, 363 من أقر باشر عقدًا ثم كذب نفسه كان قوله الأول مقبولًا وقوله الثاني مردودًا ... (جـ 2) 502

القواعد والضوابط الفقهية ... الجزء والصفحة من ضيق الأمر على نفسه ضاق عليه بتضييقه ... (جـ 3) 302 من كان مدعيًا تقبل البينة منه إذا أقامها واليمين لا تقبل منه إلا في بعض المسائل المخصوصة ... (جـ 2) 82 من لزمته نفقته لزمته فطرته ومن لا فلا ... (جـ 2) 156, 157 من ملك مالًا في ذمة نفسه فمقتضى الملك براءة الذمة ... (جـ 3) 126 الميراث يجري في بعض الحقوق المالية, كما يجري في نفس المال ... (جـ 2) 554, 555 الهواء في الأرض والبناء تابع لأصله ... (جـ 2) 299 الولد في الرق والحرية تبع للأم إلا في مسألتين ... (جـ 2) 77 اليد إذا اتصفت بصفة الخيانة في الابتداء استحال أن تنقلب إلى صفة الأمانة في الانتهاء ... (جـ 3) 33 يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء ... (جـ 3) 18 اليقين لا يترك بالشك ... (جـ 2) 174 اليمين في الخصومات موضوعة مع الظاهر في جانب من كان الظاهر معه ... (جـ 2) 504

فهرس القواعد الأصولية

فهرس القواعد الأصولية الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد ... (جـ 2) 23 إذا زالت العلة زال المعلول ... (جـ 3) 181 استصحاب الأصل السابق ... (جـ 2) 635 قضاء القاضي لا يحيل الأمور عما هي عليه عند الله تعالى ... (جـ 3) 398 كل إثبات يتضمن نفيًا فهو عين التنافي ... (جـ 2) 724 لا يوضع الاجتهاد في مقابلة النص ... (جـ 2) 111 - 112 ليس على المجتهد تعيين ما عند الله وإنما عليه ما أداه اجتهاده إليه ... (جـ 2) 23

فهرس الإجماعات

فهرس الأحكام المجتمع عليها أجمع العلماء على جواز المضاربة ... (جـ 2) 708 - 709 أجمع العلماء على أن أولاد اليهود والنصارى والمجوس غير مرتدين ولكنهم كفار أصليون ... (جـ 3) 474 أجمع العلماء على أن البغل لا سهم له ... (جـ 3) 538 أجمع العلماء على أن الطهر لا ينقص عن خمسة عشر يومًا ... (جـ 3) 373 أجمع العلماء على أن الزكاة إذا وجبت فتلف المال قبل إمكان الأداء سقطت الزكاة ... (جـ 2) 491 أجمع العلماء على أن العين في مال الزكاة غير خالية عن الحق ... (جـ 2) 491 إذا أرسل كلبه على ظبية معينة فعدل إلى أخرى فقتلها كان حلالًا إجماعا ... (جـ 3) 554 إذا اشترى الرجل زوجته صح الشراء بالإجماع ... (جـ 2) 721 الإصابة بالشبهة حرام بالإجماع ... (جـ 3) 332 الجلحاء تجزئ في الأضحية بالإجماع ... (جـ 3) 567 الصبي إذا كان له أب وأخ فالولاية للأب بالإجماع ... (جـ 3) 335 الصبي إذا كان له جد وأم فالولاية للجد بالإجماع ... (جـ 3) 335 العقد بعد الطلقة الصغرى حلال بالإجماع في غير المدخول بها وفي الدخول بها بعد انقضاء عدتها ... (جـ 3) 270 إقرار العبد بالسرقة مقبول في حكم القطع إجماعًا ... (جـ 2) 624 لا يعمل بالاستثناء حتى يتصل بأول الكلام بالإجماع ... (جـ 3) 258 من باع جارية حاملًا دخل الولد في البيع إجماعًا ... (جـ 2) 517

فهرس المراجع والمصادر

فهرس المراجع والمصادر أولًا المطبوعات: 1 - القرآن الكريم. 2 - آثار البلاد وأخبار العباد: تأليف زكريا بن محمد القزويني, دار صادر, بيروت. 3 - الاختيارات الفقهية: من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية, اختارها الشيخ علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي المتوفى سنة (803 هـ) الناشر, مكتبة الرياض الحديثة. 4 - الإجماع لابن منذر: لمحمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري المتوفى سنة (318 هـ) , تحقيق ودراسة الدكتور فؤاد عبد المنعم أحمد, مطبعة دار الدعوة, قطر. 5 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: تأليف علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي, تحقيق محمد حامد الفقي, مطبعة دار إحياء التراث العربي, بيروت, الطبعة الثانية سنة (1400 هـ). 6 - أحكام القرآن: للإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة (204 هـ) طبع سنة (1400 هـ) بمطبعة دار الكتب العلمية, بيروت. 7 - أحكام القرآن: لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي, المتوفى سنة (543 هـ) تحقيق علي محمد البجاوي, دار المعرفة, بيروت, لبنان. 8 - الأحكام السلطانية: لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري الشافعي المتوفى (450 هـ) , دار الكتب العلمية, بيروت, لبنان. 9 - الأنساب: لأبي سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني, المتوفى سنة (562 هـ) , مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية, الهند, الطبعة الأولى, سنة 1383 هـ. 10 - الأحكام في أصول الأحكام: لسيف الدين أبي الحسن علي بن أبي علي الأمدي, طبع سنة (1400 هـ) بمطبعة دار الكتب العلمية, بيروت.

11 - الأعلام: لخير الدين الزركلي, دار العلم للملايين, الطبعة الخامسة سنة 1980 م. 12 - إختلاف الفقهاء: للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي المتوفى (321 هـ) تحقيق الدكتور محمد صغير حسن المعصومي, طبع بمعهد الأبحاث الإسلامية, إسلام أباد, باكستان (1391 هـ). 13 - إرشاد الفحول: تأليف محمد بن علي بن محمد الشوكاني, مطبعة دار الفكر, بيروت. 14 - أدب القاضي: لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري الشافعي المتوفى (450 هـ) , تحقيق محيي هلال السرحان, مطبعة الإرشاد, بغداد (1391 هـ). 15 - أدب القاضي: لأبي العباس أحمد بن أحمد الطبري المعروف بابن القاص المتوفى (335 هـ) , تحقيق الدكتور حسين خلف الجبوري, مكتبة الصديق الطائف, الطيعة الأولى (1409 هـ). 16 - أدب القضاء: تأليف القاضي شهاب الدين أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله, الهنداني الحموي المعروف بابن أبي الدم الشافعي, تحقيق الدكتور محيي هلال السرحان, مطبعة الإرشاد ببغداد, الطبعة الأولى (1404 هـ). 17 - الاستغناء في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى: تأليف أبي عمرو يوسف بن عبد الله القرطبي المتوفى (368 هـ) , تحقيق الدكتور عبد الله مرحول السوالمه, دار ابن تيمية الطبعة الأولى (405 هـ). 18 - الاستغناء في الفرق والاستثناء: تأليف محمد بن أبي بكر سليمان البكري, تحقيق سعود بن مسعد الثبيتي, مركز إحياء التراث الإسلامي, مكة المكرمة. 19 - الاستيعاب: لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي المتوفى سنة (463 هـ) , مطبعة دار العلوم الحديثة, الطبعة الأولى (1328 هـ) , مكة المكرمة. 20 - أسد الغابة في تمييز الصحابة: لعز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد الشيباني المعروف بابن الأثير, مطبعة دار إحياء التراث العربي, بيروت.

21 - الأشباه والنظائر: لأبي نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي بن تمام السبكي, المتوفى (771 هـ) , تحقيق عبد الفتاح أبو عينين, رسالة مطبوعة على الاستنسل, ولدي منه نسخة. 22 - الأشباه والنظائر: لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفى سنة (911 هـ) , مطبعة دار الكتب العلمية, بيروت. 23 - الأشباه والنظائر: لمحمد بن عمر بن مكي بن المرحل المعروف بابن الوكيل, تحقيق عادل بن عبد الله الشويخ وأحمد بن محمد العتقري, رسالة لنيل درجة الماجستير مطبوعة على الاستنسل. 24 - الإشراف على مذاهب العلماء: لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري, المتوفى سنة (318 هـ) , المجلد الرابع, تحقيق أبي حماد صغير أحمد محمد حنيف, دار طيبة, الرياض, الطبعة الأولى. 25 - الإشراف على مسائل الخلاف: للقاضي عبد الوهاب بن علي نصر البغدادي المالكي, المتوفى (422 هـ) مطبعة الإرادة. 26 - الإصابة: لابن حجر العسقلاني, المتوفى سنة (852 هـ) , مطبعة دار العلوم الحديثة, الطبعة الأولى سنة (1328 هـ). 27 - إعلام الساجد بأحكام المساجد: لمحمد بن عبد الله الزركشي, المتوفى (794 هـ) , تحقيق أبي الوفاء مصطفي المراغي, الطبعة الثانية, مطابع الأهرام التجارية القاهرة (1403 هـ). 28 - أعلام الموقعين: لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية, المتوفى سنة (751 هـ) , تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد, المكتبة العصرية صيدا بيروت (1407 هـ). 29 - الأم: للإمام الشافعي, مطبعة دار المعرفة, بيروت, الطبعة الثانية سنة (1393 هـ). 30 - أنيس الفقهاء: للقاسم القوني, المتوفى سنة (978 هـ) , تحقيق الدكتور أحمد بن عبد الرزاق الكبيسي, الطبعة الأولى (1406 هـ) , الناشر دار الوفاء جدة. 31 - إيضاح المشكل من أحكام الخنثى: لجمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الأسنوي, رسالة تقدم بها إبراهيم بن عبد العزيز الغصن لنيل درجة الماجستير, مطبوعة على الاستنسل.

32 - الإيضاح في المناسك: للشيخ محيي الدين النوري, دار الكتب العلمية, بيروت, لبنان, الطبعة الأولى (1985 م). 33 - الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان: لأبي العباس نجم الدين بن الرفعة المتوفى سنة (710 هـ) , تحقق الدكتور محمد أحمد إسماعيل الخاروق, دار الفكر دمشق (1400 هـ). 34 - بلغة السالك: لأحمد بن محمد الصاوي المالكي, مطبعة مصطفي البابي الحلبي وأولاده بمصر, الطبعة الأخيرة سنة (1372 هـ). 35 - بدائع الصنائع: للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي, المتوفى سنة (587 هـ) , الناشر دار الكتاب العربي, بيروت, الطبعة الثانية (1402 هـ). 36 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد: لمحمد بن أحمد بن رشد القرطبي, المتوفى سنة (595 هـ) , مطبعة دار المعرفة, الطبعة الخامسة (1401 هـ). 37 - البداية والنهاية: للحافظ بن كثير الدمشقي, المتوفى سنة (774 هـ) , مطبعة دار الكتب العلمية ببيروت, الطبعة الرابعة (1408 هـ). 38 - البحر الرائق: لزين الدين بن نجيم الحنفي, مطبعة دار المعرفة للطباعة والنشر, بيروت, الطبعة الثانية. 39 - تاج العروس من جواهر القاموس: تأليف محمد مرتضى الزبيدي الحنفي, المطبعة الخيرية, مصر, الطبعة الأولى سنة (1306 هـ). 40 - تاريخ العلماء النحويين: للقاضي أبي المحاسن المفضل بن محمد المعري المتوفى سنة (442 هـ) تحقيق الدكتور عبد الفتاح الحلو. 41 - تاريخ بغداد: للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي, الناشر دار الكتاب العربي, بيروت. 42 - التبصرة: تأليف أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني, مخطوط بمكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة برقم (45) فقه شافعي. 43 - تحرير ألفاظ التنبية: لمحيي الدين بن شرف النووي, تحقيق عبد الغني الدقر, دار القلم, دمشق, الطبعة الأولى (1408 هـ). 44 - تحفة المحتاج: لابن حجر الهيثمي, دار صادر, بيروت.

45 - تخريج الفروع على الأصول: للإمام شهاب الدين محمود بن أحمد الزنجاني, المتوفى سنة (656 هـ) , تحقيق الدكتور محمد أديب صالح, طبع مؤسسة الرسالة بيروت, لبنان, الطبعة ... الثالثةسنة (1399 هـ). 46 - تكملة شرح المهذب: لتقي الدين أبي الحسن علي بن عبد القاضي السبكي, ولمحمد بن نجيب ... المطيعي, طبع مع المجموع بدار الفكر. 47 - تصحيح الفروع: تأليف علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي المتوفى سنة (885 هـ) ... طبع بهامش الفروع بمطبعة عالم الكتب, بيروت الطبعة الثالثة سنة (1379 هـ). 48 - التهذيب: للإمام الحسين بن مسعود البغوي, مخطوط مصور في معهد المخطوطات العربية ... بمصر تحت رقم (103) فقه شافعي. 49 - التعريفات: لعلي بن محمد الجرجاني, مطبعة دار الكتب العلمية, بيروت، الطبعة الاولى سنة (1405 هـ). 50 - تغليق التعليق على صحيح البخاري: للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني, تحقيق ... سعيد عبد الرحمن القرقي, المكتب الإسلامي, بيروت لبنان, الطبعة الأولى (1405 هـ). 51 - التفريغ: لأبي القاسم عبيد الله بن الحسين بن الحسن بن الجلاب البصري, المتوفى سنة ... (378 هـ) تحقيق الدكتور حسين بن سالم الدهمان, دار الغرب الإسلامي، بيروت, لبنان ... الطبعة الأولى (1408 هـ). 52 - تلخيص الحبير: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني, المتوفى سنة (852 هـ) تحقيق عبدالله ... هاشم, مطبعة دار المعرفة, بيروت. 53 - التمهيد في تخريج الفروع على الأصول: لجمال الدين أبي محمد عبد الرحيم بن الحسن ... الأسنوي المتوفى سنة (772 هـ) , تحقيق محمد حسن هيتو, مطبعة مؤسسة الرسالة, بيروت ... الطبعة الثانية سنة (1401 هـ). 54 - التنبيه: لأبي إسحق إبراهيم بن علي يوسف الشيرازي, المتوفى سنة (476 هـ) , مطبعة عالم الكتب, بيروت، الطبعة الاولى سنة (1403 هـ). 55 - تهذيب الأسماء واللغات: لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي, المتوفى سنة (676 هـ) , ... مطبعة دار الكتب العلمية، بيروت.

56 - تهذيب التهذيب: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني, المتوفى سنة (852 هـ) طبع بمطبعة ... مجلس دائرة المعارف النظامية بالهند سنة (1326 هـ). 57 - الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي, دار الكتب العلمية, بيروت لبنان, الطبعة الاولى (1408 هـ). 58 - حاشية ابن عابدين: لمحمد أمين الشهير بابن عابدين, طبع في دار إحياء التراث العربي, بيروت, الطبعة الثانية (1407 هـ). 59 - حاشية الجرجاني على شرح القاضي عضد الملة والدين: للمحقق السيد الشريف الجرجاني, المتوفى سنة (816 هـ). 60 - خاشية الشرواني على تحفة المحتاج: تأليف عبد الحميد الشرواني، طبع بحاشية تحفه المحتاج في دار صادر, بيروت. 61 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: لمحمد عرفه الدسوقي, طبع بمطبعة دار الكتب، بيروت. 62 - حاشية الروض المربع: لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم بساط, بيروت، الطبعة الثانية سنة (1403 هـ). 63 - حاشية العدوي: لعلي العدوي, درا صادر، بيروت. 64 - حاشية العطار شرح المحلي لجمع الجوامع: لحسن العطار، دار الكتب العلمية, بيروت. 65 - الحاوي: أ) للقاضي أبي الحسن علي بن محمد الماوردي المتوفى سنة (450 هـ) ب) كتاب الحدود, تحقيق إبراهيم بن علي صندقجي, رسالة دكتوراه مطبوعة على الاستنسل. ج) كتاب حكم المرتد, تحقيق الدكتور إبراهيم بن علي صندقجي, مطبعة المدني, مصر الطبعة الاولى (1407 هـ). د) كتاب الزكاة, تحقيق ياسين ناصر محمود الخطيب، رسالة دكتوراه مطبوعة عاى الاستنسل. هـ) كتاب قتال أهل البغي, تحقيق الدكتور إبراهيم بن علي صندقجي مطبعة المدني مصر الطبعة الاولى (1407 هـ).

و) كتاب المضاربة, تحقيق عبد الوهاب السيد حواس، دار الأنصار، مصر. 66 - الحضارة الإسلامية في القرن الرابع: تأليف أدم منز, نقله إلى العربية محمد عبد الهادي أبو ... ريدة، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الرابعة سنة (1387 هـ). 67 - حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء: لسيف الدين أبي بكر محمد بن أحمد الشاشي القفال, ... تحقيق الدكتور ياسين أحمد بن إبراهيم ولادكه, مكتبو الرسالة عمان، الطبعة الاولى سنة (1988 م). 68 - حلية الفقهاء: لأبي الحسين أحمد بن فارس الرازي, المتوفى سنة (1395 هـ) تحقيق د/ عبدالله عبد ... المحسن التركي, الشركة المتحدة للتوزيع, الطبعة الاولى سنة (1403 هـ). 69 - الخرشي على مختصر خليل: لمحمد الخرشي المالكي, دار صادر, بيروت. 70 - خبايا الزوايا: لبدر الدين محمد بن بهادر الزركشي, تحقيق عبد القادر عبدالله العاني, مطابع ... مقهوي- الكويت الطبعة الاولى سنة (1402 هـ). 71 - خطط الشام: لمحمد كرد علي, دار العلم للملايين، بيروت الطبعة الثانية سنة (1389 هـ). 72 - دول الإسلام: للحافظ شمس الدين الذهبي, المتوفى سنة (748 هـ). تحقيق فهيم محمد شلتوت, ... ومحمد مصطفي إبراهيم, الهيئة المصرية للكتاب (1 ذ 974 م). 73 - الدرة المضيئة فيما وقع فيه الخلاف بين الشافعية والحنفية: لإمام الحرمين أبي المعالي عبد ... الملك بن عبدالله الجويني المتوفى سنة (419 هـ) , تحقيق الدكتور عبد العظيم الديب, دار إحياء ... التراث الإسلامي, قطر, الطبعة الأولى سنة (1406 هـ). 74 - رؤوس المسائل: للعلامة جار الله أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري, المتوفى سنة (467 هـ) , ... تحقيق عبدالله نذير أحمد, دار البشائر الإسلامية بيروت، لبنان, الطبعة الاولى (1407 هـ). 75 - رسالة في الدماء الطبيعية: تأليف الشيخ محمد الصالح العثيمين, الشركة الحديثة للطباعة, جدة, ... الطبعة الثانية سنة (1398 هـ).

76 - روضة الناظر وجنة المناظر: للإمام موفق الدين عبدالله بن أحمد بن قدامة, المطبعة السلفية, ... الطبعة الخامسة (1395 هـ). 77 - الرسالة: للإمام محمد بن إدريس الشافعي, تحقيق أحمد شاكر. 78 - الروض المربع مع حاشية ابن قاسم: لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم بساط, بيروت, الطبعة ... الثانية (1403 هـ). 79 - روضة الطالبين: للإمام أبي زكريا يحي بن شرف النووي, المتوفى سنة (676 هـ) , المكتب ... الإسلامي. 80 - الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي: لأبي منصور الأزهري, المتوفى سنة (370 هـ) , تحقيق الدكتور ... محمد جبر الألفي, المطبعة العصرية الكويت, الطبعة الأولى (1399 هـ). 81 - سير أعلام النبلاء: لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي, المتوفى سنة (748 هـ) مؤسسة الرسالة, ... بيروت, الطبعة الأولى (1403 هـ). 82 - السيرة النبوية: لمحمد بن عبد الملك بن هشام, المتوفى سنة (213 هـ) دار الجيل, بيروت ... سنة (1975 م). 83 - السقاية المرضية في أسامي الكتب الفقهية: جمع الفقير لرضا ربه الغني محمد محفوظ بن عبدالله ... الترمسي, المطبعة الميرية, مكة (1304 هـ). 84 - سنن ابن ماجه: للحافظ أبي عبدالله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجه, المتوفى سنة (207 هـ) , ... تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي, دار الفكر. 85 - سنن أبي داود: لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني, المتوفى سنة (375 هـ) , تحقيق عزت ... عبيد الدعاس, وعادل السيد, دار الحديث الطبعة الاولى (1388 هـ). 86 - سنن الترمذي: لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سودة, المتوفى سنة (209 هـ) , تحقيق أحمد محمد ... شاكر, دار الكتب العلمية، بيروت, لبنان. 87 - سنن الدارقطني: لعلي بن عمر الدارقطني, المتوفى سنة (385 هـ) ,مطبعة فالكن لاهور, باكستان. 88 - السنن الكبرى: لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي, المتوفى سنة (458 هـ) , مطبعة ... مجلس دائرة المعارف النظامية بالهند, الطبعة الأولى سنة (1356 هـ).

89 - سنن النسائي: لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي, مكتب التربية العربي لدول ... الخليج, الطبعة الاولى (1409 هـ). 90 - شذرات الذهب: لأبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي, المتوفى سنة (1089 هـ) , دار السيرة, ... بيروت الطبعة الثانية (1399 هـ). 91 - شرح ابن عقيل: لبهاء الدين عبدالله بن عقيل الهنداني, المتوفى سنة (769 هـ) , الطبعة الرابعة ... عشرة سنة (1384 هـ) , مطبعة السعادة. 92 - شرح صحيح مسلم: للإمام محيي الدين أبي زكريا بن شرف النووي, المتوفى سنة (676 هـ) دار ... الفكر, بيروت، الطبعة الأولى (1407 هـ). 93 - شرح العناية علي الهداية: لمحمد بن محمود البابرتي, المتوفى سنة (786 هـ) , مطبعة مصطفي البابي ... الحلبي, مصر, الطبعة الأولى سنة (1389 هـ). 94 - شرح فتح القدير: للإمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام ... الحنفي المتوفى (681 هـ) شركة مطبعة مصطفي البابي الحلبي مصر, الطبعة الأولى (1389 هـ). 95 - شرح تنقيح الفصول: لشهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي المتوفى سنة (684 هـ) , دار الفكر, القاهرة الطبعة الأولى (1393 هـ). 96 - شرح القواعد الفقهية: لأحمد الزرقاء، الطبعة الأولى سنة (1403 هـ). 97 - الشرح الصغير للدردير: لأحمد بن محمد بن أحمد الدردير, مطبعة مصطفي البابي الحلبي, مصر ... الطبعة الأخيرة (1372 هـ). 98 - الشرح الكبير: لأبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي, المتوفى سنة (623 هـ) دار الفكر. 99 - شرح الكوكب المنير: لمحمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي المعروف بابن النجار, ... المتوفى سنة (972 هـ) , تحقيق د. محمد الزحيلي ود./ نزيه حماد, دار الفكر، دمشق (1400 هـ). 100 - صحيح البخاري: للإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، المتوفى ... سنة (256 هـ) , عالم الكتب، بيروت. 101 - صحيح مسلم: للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، المتوفى سنة (261 هـ) , تحقيق ... محمد فؤاد عبد الباقي, دار إحياء التراث العربي,

102 - الصحاح: لإسماعيل بن حماد الجوهري, تحقيق أحمد عبد الغفور عطار, دار العلم للملايين, بيرت الطبعة الثالثة (1404 هـ). 103 - صحيح ابن خزيمة: لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة, المتوفى سنة (311 هـ) تحقيق د/ ... محمد مصطفي الأعظمي, شركة الطباعة العربية السعودية المحدودة, الرياض, الطبعة ... الثانية (1401 هـ). 104 - طبقات الشافعية: لأبي بكر بن أحمد بن قاضي شبة المتوفى سنة (851 هـ) تحقيق د./ الحافظ ... عبد العليم خان, مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية, الهند الطبعة الاولى (1398 هـ). 105 - طبقات الشافعية: لأبي بكر بن هداية الله الحسيني, المتوفى سنة (1014 هـ) تحقيق عادل ... نونهض, دار الآفاق الجديدة, بيروت، الطبعة الأولى (1971 م). 106 - طبقات الشافعية: لجمال الدين عبد الرحيم الأسنوي, والمتوفى سنة (772 هـ) , تحقيق عبد الله ... الجبوري, دار العلوم للطباعة والنشر, الرياض (1400 هـ). 107 - طبقات الشافعية الكبرى: لتاج الدين أبي نصر عبد الواب بن علي السبكي المتوفى سنة (771 هـ) , تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو, محمود محمد الطناجي, مطبعة عيسى البابي ... الحلبي, الطبعة الأولى سنة (1385 هـ). 108 - طبقات المفسرين: لشمس الدين محمد بن علي الداوودي, المتوفى سنة (954 هـ) دار الكتب ... العلمية بيروت، الطبعة الأولى (1403 هـ). 109 - طبقات الفقهاء: لأبي إسحاق الشيرازي, المتوفى سنة (476 هـ) تحقيق إحسان عباس, دار الرائد ... العربي, بيروت, الطبعة الثانية (1401 هـ). 110 - غاية القصوى: لعبدالله بن عمر البيضاوي, المتوفى سنة (685 هـ) , تحقيق علي محيي الدين القره داغي, دار الإصلاح للطبع والنشر والتوزيع الدمام. 111 - غريب الحديث للحربي: للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي المتوفى سنة (285 هـ) , تحقيق سليمان بن إبراهيم العايد, دار المدني, جدة, الطبعة الاولى (1405 هـ).

112 - غريب الحديث للخطابي: للإمام أبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطاب البستي, ... المتوفى سنة (388 هـ) , تحقيق عبد الكريم إبراهيم الغرباوي, دار الفكر دمشق (1402 هـ). 113 - فتاوى قاضي خان: تأليف الإمام فخر الدين حسن بن منصور الأوزجنيدي الفرنماني ... الحنفي, المتوفى (295 هـ) , مطبوعة بهامش الفتاوى الخانية, دار إحياء التراث العربي، ... بيروت, لبنان الطبعة الثالثة (1400 هـ). 114 - فتاوى ومسائل ابن الصلاح: لشيخ الإسلام تقي الدين أبي عمرو عثمان ابن المفتي ... صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان الكردي, تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي, ... دار المعرفة، بيروت، لبنان. 115 - الفتاوى الهندية: تأليف مجموعة من علماء الهند برئاسة الشيخ نظام, دار إحياء التراث ... العربي, بيروت, الطبعة الثالثة (1400 هـ). 116 - فتاوى ابن تيمية: لتقي الدين أحمد بن تيمية, طبع دار الإفتاء، الرياض. 117 - الفتاوى الخانية: لفخر الدين حسن بن منصور الفرغاني, المتوفى سنة (295 هـ) دار إحياء ... التراث العربي, بيروت, الطبعة الثالثة (1400 هـ). 118 - فتاوى النووي: للإمام أبي زكريا محي الدين بن شرف النووي، دار الكتب العلمية، بيروت ... الطبعة الأولى سنة (1402 هـ). 119 - فتح الباري: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني, المتوفى سنة (773 هـ) , تحقيق محمد فؤاد ... عبد الباقي ومحب الدين الخطيب, دار المعرفة, بيروت لبنان. 120 - فتح القدير: لمحمد بن على الشوكاني, المتوفى سنة (1250 هـ) , دار الفكر للطباعة والنشر ... والتوزيع. 121 - الفروع: لأبي عبدالله محمد بن مفلح, المتوفى سنة (763 هـ) , عالم الكتب, بيروت الطبعة ... الثالثة (1402 هـ). 122 - الفروق: لأبي عبدالله بن محمد بن عبدالله السامري, المعروف بابن سنيته, المتوفى سنة (616 هـ) , رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير تقدم بها محمد بن إبراهيم اليحيي, ... مطبوعة على الأستنسل. 123 - الفروق: لعبد بن محمد الحسين الكرابيسي, تحقيق د/ محمد طموم شركة المطبعة العصرية, الكويت, الطبعة الأولى سنة (1402 هـ).

124 - فقه الإمام أبي ثور: لإبراهيم بن خالد بن أبي اليمان البغدادي, المتوفى (240 هـ) , تأليف ... سعدي حسين علي جبر, مؤسسة الرسالة - بيروت, لبنان الطبعة الأولى (1403 هـ). 125 - فقه اللغة: لأبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي المتوفى سنة (430 هـ) دار ... مكتبة الحياة, بيروت، لبنان. 126 - الفهرست: لمحمد بن إسحق النديم, دار المعرفة, بيروت. 127 - القاموس المحيط: لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي, دار الفكر، بيروت 128 - قليوبي وعميرة: حاشيتا الإمامين الشيخ شهاب الدين القليوبي, الشيخ عميرة على شرح ... المحلي, مطبعة عيسى البابي الحلبي، مصر. 129 - القواعد: لأبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد المقري, المتوفى سنة (758 هـ) , تحقيق أحمد ... عبدالله حميد, مركز إحياء التراث الإسلامي, مكة المكرمة. 130 - القواعد: لأبي بكر بن محمد بن عبد المؤمن المعروف تقي الدين الحصني, المتوفى سنة (829 هـ) , ... تحقيق عبد الرحمن بن عبدالله الشعرن, وجبريل بن محمد حسن بصيلي, رسالة مقدمة لنيل ... درجة الماجستير, مطبوعة على الاستنسل. 131 - قواعد الأحكام في مصالح الإمام: لسلطان العلماء أبي محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد ... السلام السلمي, المتوفى سنة (660 هـ) , دار الكتب العلمية, بيروت, لبنان. 132 - الكافي: لشيخ الإسلام أبي محمد موفق الدين بن عبدالله بن قدامه, تحقيق زهير الشاويش, ... المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية. 133 - الكافي: تأليف أبي عمر يوسف بن عبدالله بن عبد البر, تحقيق محمد محمد أحيد الموريتاني, ... مكتبة الرياض الحديثة, الطبعة الأولى سنة (1398 هـ). 134 - كشاف القتاع: تأليف منصور بن يونس البهوتي, مكتبة النصر الحديثة, الرياض.

135 - كشف الظنون: لمصطفي أفندي المعروف بحاجي خليفة, دار الفكر (1402 هـ). 136 - كفاية الأخيار: للإمام تقي الدين أبي بكر بن محمد الحصني من علماء القرن التاسع الهجري, ... دار المعرفة بيروت, لبنان, الطبعة الثانية 137 - لسان العرب: للعلامة أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم أمين منظور الافريقي المصري, ... دار صادر بيروت, لبنان. 138 - اللباب في الجمع بين السنة والكتاب: لأبي محمد بن زكريا المتبجي, المتوفى سنة (686 هـ) ... تحقيق د/ محمد فضل المراد, دار الشروق, جدة, الطبعة الأولى سنة (1403 هـ). 139 - المبسوط: لشمس الدين السرخسي, دار المعرفة للطباعة والنشر, بيروت، الطبعة الثالثة (1398 هـ). 140 - مجالس العلماء: للزجاجي, تحقيق عبد السلام هارون, الكويت (1962 م). 141 - المجموع: لأبي زكريا محي الدين بن شرف النووي, دار الفكر. 142 - المحصول: لفخر الدين محمد بن عمر الرازي, المتوفى سنة (606 هـ) , تحقيق طه جابر العلواني, ... جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الطبعة الأولى (1399 هـ). 143 - المحلى: لأبي علي بن أحمد بن حزم, المتوفى سنة 456 هـ, دار الفكر. 144 - مختصر الطحاوي: لأبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي الحنفي, المتوفى سنة (321 هـ) , تحقيق ... أبو الوفاء الأفغاني, مكتبة ابن تيمية, 145 - مختصر المزني: لأبي إبراهيم إسماعيل بن يحي المزني, دار المعرفة, بيروت. 146 - مختصر قواعد العلائي وكلام الأسنوي: لأبي الثنا نور الدين محمود بن أحمد الحموي المعروف ... ابن خطيب الدهشة, تحقيق الدكتور مصطفي محمود النجويني, اللجنة الوطنية العراقية. 147 - مختصر البويطي: لأبي يعقوب يوسف بن يحي البويطي, مخطوط, مصور بمعهد المخطوطات ... العربية برقم (264) فقه الشافعي. 148 - المدونة الكبرى: للإمام مالك بن أنس, مطبعة السعادة بمصر, الطبعة الأولى سنة (1323 هـ).

149 - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد: تأليف العلامة عبد القادر بن بدران الدمشقي مؤسسة الرسالة, بيروت، الطبعة الثانية (1401 هـ). 150 - مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع: لصفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي, المتوفى سنة (739 هـ) , تحقيق علي محمد البجاوي, دار المعرفة، بيروت, الطبعة الأولى سنة (1373 هـ). 151 - المساعد على تسهيل الفوائد: للإمام بهاء الدين بن عقيل, تحقيق الدكتور محمد كامل بركات, ... دار المدني, جدة (1405 هـ). 152 - المستصفي: لحجة الإسلام أبي حمد الغزالي, دار إحياء التراث العربي, بيروت. 153 - المستدرك: للحافظ أبي عبد الله محمد المعروف بالحاكم النيسابوري, دار الفكر، بيروت. 154 - المسند: تأليف الإمام أحمد بن حنبل, دار الدعوة (1402 هـ). 155 - المسودة في أصول الفقه: لمجد الدين أبي البركات عبد السلام بن عبدالله ابن الخضر, وآخرين ... من آل تيمية, مطبعة المدني, مصر (1983 م). 156 - مسند الإمام الشافعي: للإمام محمد بن إدريس الشافعي, طبع بهامش الأم بدار المعرفة, ... بيروت. 157 - المصباح المنير: لمحمد بن محمد علي الفيومي, المتوفى سنة (770 هـ) , المكتبة العلمية، بيروت. 158 - المصنف لابن أبي شيبة: تحقيق عبد الخالق الأفغاني, الهند, الدار السلفية سنة (1399 هـ). 159 - مطالع الدقائق في تحديد الجوامع والفوارق: لأبي محمد عبد الرحيم بن الحسن الأسنوي, المتوفى سنة (772 هـ) , تحقيق نصر فريد, مطبوع على الاستنسل. 160 - معالم السنن: لمحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي, المتوفى سنة (388 هـ) , طبع بهامش سنن أبي داود, الطبعة الأولى (1388 هـ) , دار الحديث. 161 - معجم البلدان: لشهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي, دار صادر للطباعة ... والنشر (1399 هـ).

162 - معجم ما استعجم: لعبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي, المتوفى سنة (483 هـ) , تحقيق ... مصطفي السقا, عالم الكتب, بيروت، لبنان. 163 - معجم مقاييس اللغة: لأبي حسين أحمد بن فارس, المتوفى سنة (395 هـ) , تحقيق عبد السلام هارون, دار الكتب العلمية, إيران. 164 - معرفة الصحابة: لأبي نعيم الأصبهاني بن عبد الله بن أحمد المهراني, المتوفى سنة (336 هـ) , تحقيق ... الدكتور محمد راضي بن حجاج عثمان، مكتبة الدار, المدينة المنورة, الطبعة الأولى (1408 هـ). 165 - المغرب في ترتيب المعرب: لأبي الفتح بن عبد السيد بن علي المطرزي, المتوفى سنة (616 هـ) , دار الكتاب العربي, بيروت. 166 - المغني: لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة, المتوفى سنة (620 هـ) , مكتبة الرياض الحديثة. 167 - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: للشيخ محمد الشربيني الخطيب, دار إحياء التراث العربي, بيروت. 168 - المقادير الشرعية: والأحكام الفقهية المتعلقة بها: لمحمد نجم الدين الكردي مطبعة دار السعادة (1404 هـ). 169 - المنثور في القواعد: لبدر الدين محمد بن بهادر الزركشي, المتوفى سنة (794 هـ) تحقيق تيسير ... فائق أحمد محمود, نشر وزارة الأوقاف بالكويت, الطبعة الأولى (1402 هـ). 170 - المواكب العلية: للشيخ عبد الهادي بن الأبياري, المطبعة الخيرية مصر, الطبعة الأولى (1304 هـ). 171 - الموطأ: للإمام بن أنس دار الكتب العلمية, بيروت, تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي, دار إحياء الكتب العربية, مصر. 172 - المهذب: لفمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي, دار الفكر. 173 - المهمات على الرافعي والروضة: للشيخ جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الأسنهوي, مخطوط, دار الكتب المصرية رقم (244) فقه شافعي, ومصور في جامعة الامام محمد بن سعود ... الإسلامية برقم (2440 ف). 174 - منتخب السياق: تأليف عبد الغافر الفارسي, مخطوط, مكتبة كوبري برقم (1152) تركيا.

175 - المنتظم: تأليف ابن الجوزي, مطبعة دار المعارف العثمانية, الطبعة الأولى. 176 - المنتقى: تأليف القاضي أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي, المتوفى سنة (494 هـ) , مطبعة ... السعادة، مصر, الطبعة الثالثة سنة (1403 هـ). 177 - المنثور في القواعد: تأليف بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي, المتوفى سنة (794 هـ) , تحقيق ... تيسير فائق أحمد محمود, نشر وزارة الأوقاف ابلكويت, الطبعة الأولى سنة (1402 هـ). 178 - المنخول من تعليقات الأصول: لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي. المتوفى سنة (505 هـ) تحقيق ... د/ محمد حسن هيتو, دار الفكر دمشق, الطبعة الثانية (1400 هـ). 179 - نصب الراية لأحاديث الهداية: للحافظ أبي محمد عبد الله بن يوسف الزيلعي, المتوفى سنة (762 هـ) , دار الحديث, الهند. 180 - النقود العربية والإسلامية وعلم النميان: للأب انستاس الكرملي مكتبة اليقافة الدينية العتبة ... مصر, الطبعة الثانية (1987 م). 181 - النهاية في غريب الحديث والأثر: للعلامة مجد الدين أبي السعادات بن الأثير المبارك محمد بن ... محمد الشيباني الجزري, المتوفى سنة (606 هـ) , تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد ... الطناجي, مطبعة عيسى البابي الحلبي, القاهرة (1383 هـ). 182 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: لشمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة الرملي المتوفى سنة (1004 هـ) , مطبعة مصطفي البابي الحلبي, مصر الطبعة الأخيرة سنة (1386 هـ). 183 - هداية السالك إلى المذاهب الأربعة في المناسك: لعبد العزيز بن محمد بن إبراهيم من جماعة الكتابي الشافعي, المتوفى سنة (767 هـ) تحقيق فضيلة الدكتور صالح بن ناصر الخزيم. 184 - هداية العارفين: لإسماعيل باشا البغدادي, دار الفكر سنة (1402 هـ). 185 - الهداية شرح باية المبتدي: تأليف ابن الهمام الحنفي, مطبعة مصطفي البابي الحلبي, مصر الطبعة الأولى سنة (1389 هـ).

ثانيا: المخطوطات

186 - الوسيط: لحجة الإسلام محمد بن محمد أبي حامد الغزالي، المتوفى سنة (505 هـ) تحقيق علي محيي الدين القرة داغي, دار الاعتصام, الطبعة الأولى (1404 هـ). 187 - الوجيز: لأبي حامد الغزالي, دار المعرفة، بيروت, لبنان (1399 هـ). 188 - الودائع لمنصوص الشرائع: للإمام أبي العباس أحمد بن عمر بن سريج مخطوط المكتبة ... السيلمانية رقم (1502) تركيا. 189 - وفيات الأعيان: لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن خلكان المتوفى سنة (681 هـ) , تحقيق د/ إحسان عباس, دار صادر, بيروت. ثانيا: المخطوطات 190 - الابتهاج شرح المنهاج: لتقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي ج 4, أحمد الثالث رقم (1324) فقه شافعي. 191 - الاستغناء في الفرق والاستثناء: لمحمد بن أبي بكر بن سليمان البكري, مصور في جامعة الملك ... سعود رقم (11). 192 - البيان: لأبي الخير يحيي بن سالم التميمي العمراني, ج 5, دار الكتب المصرية رقم (25) , فقه شافعي. 193 - بحر المذهب: للقاضي أبي المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني ج 9, دار الكتب المصرية رقم (24) فقه الشافعي. ج 14 دار الكتب المصرية رقم (23) فقه شافعي, ولدي منه نسخة. ج 15 دار الكتب المصرية رقم (35965) فقه شافعي, ولدي منه نسخة. 194 - التلخيص: لأبي العباس أحمد بن أبي احمد الطبري, المعروف بابن القاص, مخطوط بمكتبة أيا صوفيا بتركيا برقم (1074) ولدي نسخة منه. 195 - تتمة الإبانة: لأبي سعيد عبد الرحمن بن أمون المتولي ج 7, دار الكتب المصرية رقم (50) , فقه شافعي. 196 - تهذيب الأحكام: للإمام الحسين بن مسعود البغوي ج 4 أحمد الثالث, رقم (87) فقه شافعي ولدي منه نسخة. 197 - الحاوي الكبير: للقاضي أبي الحسين علي بن محمد المارودي ج 7 دار الكتب المصرية رقم (11) فقه شافعي, ولدي منه نسخة.

198 - السلسلة: لأبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني, مخطوط، أحمد الثالث رقم (1026) فقه, ومصور في جامعة أم القرى برقم (186 ف). 199 - شرح مختصر المزبي: للقاضي أبي الطيب طاهر بن عبد الله الطبري ح 6 دار الكتب المصرية رقم (266) فقه شافعي. ح 10 دار الكتب المصرية رقم (266) فقه شافعي, ولدي منه نسخة. ج 4 دار الكتب المصرية رقم (266) فقه شافعي, ولدي منه نسخة. ج 3 دار الكتب المصرية رقم (266) فقه شافعي, ولدي منه نسخة. ج 5 دار الكتب المصرية رقم (266) فقه شافعي, ولدي منه نسخة. 200 - فتاوى القفال: لأبي بكر عبد الله بن أحمد القفال المرزوي, مخطوط مصور في معهد المخطوطات العربية برقم (233) فقه شافعي. 201 - كفاية النبيه شرح التنبيه: لنجم الدين أحمد بن حمد بن الرفعة. ج 8 مصور في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ولدي منه نسخة. ج 9 مصور في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ولدي منه نسخة. 202 - المعاياة: لأبي العباس أحمد بن محمد المرجاني, دار الكتب المصرية رقم (915) فقه شافعي ... ولدي منه نسخة. 203 - المقنع: لأبي الحسن أحمد بن محمد الضبي المعروف بابن المحاملي أيا صوفيا رقم (1438) ولدي منه نسخة. 204 - المطلب العالي شرح وسيط الغزالي: لنجم الدين أحمد بن محمد بن الرفعة أصلة في مكتبة أحمد الثالث وجميع أجزائه تحت رقم (1130) ومصور في جامعة أم القرى بأرقام مختلفة وقد رجعت إلى الأجزاء التالية: ج 7 رقم (121) ولدي منه نسخة. ج 9 رقم (123) ولدي منه نسخة. ج 10 رقم (124) ولدي منه نسخة. ج 11 رقم (125) ولدي منه نسخة. ج 18 رقم (132) ولدي منه نسخة. ج 19 رقم (131) ولدي منه نسخة. ج 20 رقم (133) ولدي منه نسخة. ج 22 رقم (135) ولدي منه نسخة.

205 - نهاية المطلب في دراية المذهب: لإمام الحرمين عبد الملك بن يوسف الجويني ج 4 مكتبة الملك فيصل الخيرية رقم (738) ولدي منه نسخة. ج 5 مصور في جامعة الإمام برقم (7648/ف) ولدي منه نسخة. ج 18 مصور في جامعة الإمام برقم (2373/ف) ولدي منه نسخة. ج 3 مصور في جامعة الإمام برقم (2396/ف) ولدي منه نسخة. ج 7 أحمد الثالث رقم (2396 (و)) ولدي منه نسخة. 206 - الوسائل في فروق المسائل: لابن جماعة المتوفى (480 هـ) , مكتبة جامعة برنستون رقم (1653) ولدي منه نسخة. 207 - المحرر في الفقه: للإمام عبد الكريم بن محمد القزويني الرافعي, دار الكتب المصرية رقم (243) فقه شافعي, ولدي منه نسخة.

§1/1