الجريمة والعقاب في الإسلام

-

الأمن والاستقرار مطلب إنساني

الجريمة والعقاب في الإسلام إن الأمن والاستقرار مطلب إنساني ضروري لا يقل أهمية عن المطالب الأخرى كالغذاء والكساء، وبدونه لا يستطيع الإنسان أن يقوم بممارسة حياته اليومية على الوجه الأمثل، فضلا عن أن يبدع فكرة خلّاقة أو يقيم حضارة راقية. وقد انتبه الإنسان إلى ضرورة الأمن منذ بداية حياته وظل يعبر عن هذا الشعور أو هذه الحاجة بشتى الوسائل، ومع تعقد حياته الاجتماعية وتطورها عبر عن تلك الحاجة - وغيرها من الحاجات- بالدولة وبالقوانين لتوفّر الأمن العام وتحسم ما ينشأ من خصومات وصراعات تهدد أمن المجتمع وتواجه ما يهدده من أخطار خارجية من طرف مجتمعات أخرى.

ولئن كان تطور هذه القوانين - الموضوعة من طرف الإنسان لم يكتمل إلا في القرون الأخيرة عبر تجارب طويلة من الخطأ والصواب فإن شريعة الإسلام المنزلة في رسالة الله الأخيرة للبشر على محمد صلى الله عليه وسلم قد اهتمت بهذا الجانب وجاءت بنظم متكاملة واضعة في الاعتبار تطور المجتمعات واختلاف ظروفها وثبات الطبيعة العامة للإنسان ومن هنا تضمنت أصولا كلية وقواعد عامة تصلح لمواجهة كل أوضاع الحياة وظروفها زمانا ومكانا كما نصت على عقوبات جرائم محدودة لا تتأثر باختلاف الأوضاع والظروف، وبذلك جمعت بين الثبات والمرونة والأصالة. فما هو منطلق الإسلام في مواجهة الجريمة؟ وما هي المبادئ التي يقوم عليها النظام العقابي في الإسلام؟ وما هي مميزات هذا النظام؟ وما هي التدابير التي يقوم بها في مواجهة الجريمة؟ وما هي أنواع العقوبات في الإسلام؟ وما هي الأهداف المرسومة والمقصودة من تشريعاته؟ هذا ما سيتم الحديث عنه في الصفحات التالية.

منطلق الإسلام في مواجهة الجريمة

منطلق الإسلام في مواجهة الجريمة إن الغاية النهائية لكل نظم الشريعة الإسلامية هي تحقيق مصالح الخلق في الدنيا والآخرة وذلك بإقامة مجتمع صالح يعبد الله ويعمر الأرض ويسخر طاقات الكون في بناء حضارة إنسانية يعيش في ظلها الإنسان - كل إنسان- في جو من العدل والأمن والسلام مع تلبية كاملة لمطالبه الروحية والمادية وعدم إغفال أي عنصر من عناصر شخصيته روحا وعقلا وجسدا.

الدليل من القرآن الكريم

وهذا الهدف النهائي عبرت عنه عدة آيات من القرآن كما دل عليه استقراء مجمل نصوص الشريعة وأحكامها. فمن الآيات الدالة على ذلك قوله سبحانه: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} ، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ، {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ، {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} ، {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} ، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} أما الاستقراء

أحكام الشريعة تستهدف مصالح الخلق

والتتبع لأحكام الشريعة فإنه يفيد أنها استهدفت مصالح الخلق والتي ترجع في مجملها إلى كليات تندرج ضمنها سائر المصالح الإنسانية وهي: 1- حفظ النفس. 2-حفظ الدين. 3-حفظ العقل. 4-حفظ النسل. 5-حفظ المال.

النظام العقابي في الإسلام يحفظ المصالح الإنسانية

والنظام العقابي في الإسلام استهدف حفظ هذه الكليات الخمس. فلحفظ النفس شرع القصاص ولحفظ الدين شرع حد الردة -ولحفظ العقل شرع حد الخمر ولحفظ النسل شرع حد الزنا -وللحفاظ على المال شرع حد السرقة -ولحماية هذه كلها شرع حد الحرابة.

الجرائم التي حددت لها الشريعة عقوبات

وبهذا يتبين أن الجرائم التي حددت لها الشريعة عقوبات ثابتة هي: 1- الاعتداء على النفس بالقتل أو الجرح. 2- الاعتداء على المال (السرقة) . 3- الاعتداء على النسل أو الأسرة (الزنا والقذف) . 4- الاعتداء على العقل (تناول المسكرات) . 5- الاعتداء على الدين (الردة) . 6- الاعتداء المنظم على الكليات مجتمعة (الحرابة) .

مبادئ النظام العقابي الإسلامي

مبادئ النظام العقابي الإسلامي يقوم النظام العقابي في الإسلام على جملة من المبادئ من أهمها: أولا: أنه لا تجريم قبل ورود الشرع: فالأفعال إنما تضاف لهذا الوصف- وصف التجريم- إذا ورد في الشرع نص يحرمها ويعتبرها جرائم وقد تضَّمن هذا المبدأ عدة آيات وعدة قواعد من قواعد (أصول الفقه) فمن الآيات قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} وقوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} وفي هاتين الآيتين وغيرها استخلص الفقهاء قاعدتين من قواعد أصول الفقه هما أنه لا تكليف قبل ورود الشرع. وأن الأصل في الأشياء الإباحة. وتطبيق هاتين القاعدتين في نظام العقوبات على الصور السلوكية التي ورد النص بتحريمها إذا ارتكب الفعل بعد ورود النص القاضي بذلك. هذا في الجرائم التي وردت عقوباتها محددة أما الجرائم التعزيرية فالأصل فيها النص على تجريم الفعل دون العقوبة التي ترك تحديدها للسلطة المختصة في الدولة ضمن ضوابط العقاب المحددة في الشريعة الإسلامية.

ثانيا العفو عما سلف

ثانيا: العفو عما سلف (عدم رجعية العقوبة) : ويؤدي هذا المبدأ - الذي يتفرع عن المبدأ السابق- أن النصوص المحددة للعقوبات لا تطبق على الحالات التي وقعت قبل تشريع هذه النصوص وإنما تطبق على الحالات على الجرائم المرتكبة بعد صدور التشريعات المحددة للعقوبة وهذا المبدأ دلت عليه الآيات السابقة وتدل عليه آيات أخرى مثل قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} ، {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}

ثالثا لا تكسب كل نفس إلا عليها

ثالثا: لا تكسب كل نفس إلا عليها (خصوصية العقوبة) : ومؤدى هذا المبدأ في الشريعة الإسلامية أن الشخص هو وحده المسؤول عن جنايته ولا يتحمل غيره وزر فعل ارتكبه هو. فلا يؤاخذ بالفعل إلا فاعله ولا يؤاخذ أحد بجريمة غيره مهما كانت درجة قرابته منه أو علاقته به وقد قرر القرآن هذا المبدأ في آيات كثيرة منها قوله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} ، {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} ، {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} ، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}

رابعا عمومية العقوبة

رابعا: عمومية العقوبة:

خامسا درء العقوبة بالشبهات خامسا درء العقوبة بالشبهات

مميزات النظام العقابي في الإسلام بالمبادئ السابقة قد تلتقي الشريعة الإسلامية مع النظم الحديثة وإن كان للشريعة فضل السبق إليها. إلا أن هناك خصائص أو مميزات للنظام العقابي في الشريعة الإسلامية ومن أهم تلك المميزات: أولا: التكامل بين الوازع الداخلي والرقابة الخارجية: فالشريعة الإسلامية في تعاملها مع مشكلات المجتمع - ومن بينها الجرائم - لا تعتمد على أسلوب التشريع أو الرادع الخارجي فحسب بل تركز بالإضافة إلى ذلك على الوازع الداخلي، فهي تهتم بالضمير الخلقي اهتماما أكبر وتسعى إلى تربيته منذ الصغر لدى الإنسان حتى يتربى على الأخلاق الفاضلة، وتربط ذلك كله بالوعد الأخروي فتعد من يعمل الصالحات بالفوز والفلاح وتنذر المسيء سوء المصير، ومن ثم فهي تثير الوجدان حتى يساهم في إقلاع المجرم عن الإجرام إيمانا بالله ورجاء لرحمته وخوفا من عذابه والتزاما بالأخلاق الفاضلة حبا للآخرين وإحسانا إليهم وتركا للإساءة إليهم.

مميزات النظام العقابي في الإسلام

مميزات النظام العقابي في الإسلام بالمبادئ السابقة قد تلتقي الشريعة الإسلامية مع النظم الحديثة وإن كان للشريعة فضل السبق إليها. إلا أن هناك خصائص أو مميزات للنظام العقابي في الشريعة الإسلامية ومن أهم تلك المميزات: أولا: التكامل بين الوازع الداخلي والرقابة الخارجية: فالشريعة الإسلامية في تعاملها مع مشكلات المجتمع - ومن بينها الجرائم - لا تعتمد على أسلوب التشريع أو الرادع الخارجي فحسب بل تركز بالإضافة إلى ذلك على الوازع الداخلي، فهي تهتم بالضمير الخلقي اهتماما أكبر وتسعى إلى تربيته منذ الصغر لدى الإنسان حتى يتربى على الأخلاق الفاضلة، وتربط ذلك كله بالوعد الأخروي فتعد من يعمل الصالحات بالفوز والفلاح وتنذر المسيء سوء المصير، ومن ثم فهي تثير الوجدان حتى يساهم في إقلاع المجرم عن الإجرام إيمانا بالله ورجاء لرحمته وخوفا من عذابه والتزاما بالأخلاق الفاضلة حبا للآخرين وإحسانا إليهم وتركا للإساءة إليهم.

ثانيا النظرة المتوازنة إلى علاقة الفرد والجماعة

ثانيا: النظرة المتوازنة إلى علاقة الفرد والجماعة: ويتجلى ذلك في كون الشريعة وهي تحمي المجتمع بتشريع العقوبات وقطع الطريق أمام الإجرام، لا تهدر كيان الفرد لصالح الجماعة، بل تحمي الفرد أولا وتصون حرياته وحقوقه كلها وتضع كل الضمانات التي تجعل لجوءه إلى الجريمة أمرا غير مبرر فلا تلجأ إلى العقاب إلا وقد هيأت للفرد الظروف الملائمة التي توفر له الحياة الكريمة والعيش السعيد.

ثالثا معالجة الأسباب والدوافع الاجتماعية للإجرام

ثالثا: معالجة الأسباب والدوافع الاجتماعية للإجرام: فالإسلام يواجه الجريمة قبل وقوعها بمعالجة أسبابها البعيدة والقضاء على دوافعها الاجتماعية. وذلك يتضح بالنظر إلى أسباب كل جريمة على حدة وتتبع الإجراءات التي يكافح بها الإسلام تلك الدوافع.

الدوافع الاجتماعية للقتل وحل الإسلام لها

الدوافع الاجتماعية للقتل وحل الإسلام لها الدوافع للقتل- غالبا - نوعان: (1) نوع راجع إلى عوامل اقتصادية. (2) نوع يعود إلى أسباب تمس العرض. أما الأسباب الاقتصادية فقد شرع الإسلام لها الحلول التالية: 1- أنه دعا إلى فتح المجال أمام الطاقات الفردية لتعمل وتنتج وتعمر الأرض باعتبار ذلك أحد مقتضيات الاستخلاف في الأرض الذي حددته عدة آيات كمهمة أساسية للإنسان في هذه الأرض: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ} ومن ثم أزاح كل العقبات المادية والمعنوية التي تمنع الإنسان من العمل. 2- أنه كلف ولي الأمر بحل مشكلة التوازن الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية بحيث لا يظهر الغنى الطاغي إلى جانب الفقر المدقع وذلك بمنع احتكار الثروة عند فئة قليلة. {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} 3- تحريم الربا والاحتكار وهما وسيلتا التضخم الرأسمالي الذي هو السبب الرئيسي في فقدان التوازن الاجتماعي. 4- فرض الزكاة وهي حق معلوم يؤخذ من الأغنياء وجوبا - ويدفعونه بدافع إيماني - فيرد على الفقراء.

5- نظام الإرث الذي يفتت الثروة عند كل جيل ويوزعها توزيعا دقيقا على الأقارب. 6- مبدأ التأمين الاجتماعي عند العجز عن الكسب. 7- مسؤولية الدولة عن فتح أبواب ومجالات العمل ضمن مسؤولياتها عن تحقيق المصالح العامة. 8- إلى جانب ذلك كله يولي الإسلام عناية كبرى للضمير الفردي والوجدان فيربيه منذ الصغر على التوكل على الله والإيمان به وعلى قيم الأمانة والعفة والنزاهة ومشاعر الحب للآخرين وخلق التعاون والمشاركة الاجتماعية وبذلك يقضي على بذور الحقد في القلوب قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} أما الأسباب المتصلة بالعرض فقد شرع الإسلام لتلافيها ما يلي:

1- تربية الفرد على التعود على ضبط غرائزه والتحكم في شهواته وتصريفها في الحدود المشروعة. قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} 2- كما ضمنت الشريعة الإسلامية محاصرة تلك الأسباب بالإجراءات التي شرعتها للوقاية من الزنا والتي سيتم التطرق لها لاحقا. وبهذه الإجراءات تكون عقوبة القتل عادلة ومنطقية وتنحصر دوافع هذه الجريمة في العدوانية البحتة التي تجب إيقافها عند حدها حتى لا يتعرض أمن المجتمع إلى اختلاف وفساد كبير.

دوافع السرقة وعلاج الإسلام لها

دوافع السرقة وعلاج الإسلام لها: وأما السرقة فدوافعها المعقولة هي الجوع والعجز عن الكسب واضطراب الميزان الاقتصادي للمجتمع، إضافة إلى عوامل نفسية أخرى. وما ذكر في الفقرة السابقة عن علاج الإسلام لمسألة عدم التوازن الاجتماعي وما يقوم به من احتياطات في هذا السبيل يقال في السرقة كذلك وإذا حدث رغم تلك الاحتياطات أن وجد جائع يسرق ليأكل أو ليستكمل وسائل حاجته الضرورية فإن الإسلام لا يقيم عليه الحد في هذه الحالة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ادرءوا الحدود بالشبهات»

دوافع الزنا وعلاج الإسلام لها

1- تربية الإنسان منذ الصغر على قيم التقوى والعفة وخشية الله وتعميق الدافع الإيماني في نفسه وهو ما له أثره الفعال في الكف عن الحرام {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} مما يعود الفرد على ضبط شهواته والتحكم في غرائزه تعليقا وتأجيلا إلى أن يتيسر الزواج.

إقامة المجتمع على أساس الفضيلة والقيم الأخلاقية

2- إقامة المجتمع على أساس الفضيلة والقيم الأخلاقية والاحتشام وعدم التبرج والخلاعة في وسائل الإعلام وغيرها ومنع كل ما يثير الشهوات ويشيع الفواحش في المجتمع {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} ، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}

شغل الفتيان والفتيات بما ينفس عن الطاقة الجنسية

3- شغل الفتيان والفتيات بما ينفس عن الطاقة الجنسية بالدراسة والرياضة والعمل الاجتماعي وغير ذلك.

الإكثار من الصوم لمن لم يتمكن من الزواج

4- الإكثار من الصوم لمن لم يتمكن من الزواج لعدم قدرته عليه «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة - وهي أعباء الزواج - فليتزوج فإن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»

الدعوة إلى العودة بالمجتمع إلى قيم الإسلام

5- الدعوة إلى العودة بالمجتمع إلى قيم الإسلام السابقة الذكر كلما جنح إلى الانحراف عنها سواء تعلق الأمر بإقامة العراقيل أمام الزواج أو التفريط في القيم الخلقية التي تحمي المجتمع وتعصمه من الوقوع في الرذائل أو تعلق بالتخلي عن قيم التكافل وإعانة العاجزين كي يتزوجوا أو بضعف التربية الإيمانية، فالمجتمع مطالب على كل حال أن يعود إلى رشده وأن يرجع إلى ربه، ومن أجل هذا شرع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}

تشريع الطلاق لمواجهة الحالات التي يرغب فيها أحد الزوجين عن الآخر كرها

6- تشريع الطلاق لمواجهة الحالات التي يرغب فيها أحد الزوجين عن الآخر كرها أو لأنه لا يحقق له رغبته الجنسية، وذلك من أجل أن يقترن بإنسان آخر يجد عنده المودة والحب وتحقيق الرغبة. {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ}

دوافع شرب الخمر وعلاج الإسلام لها

دوافع شرب الخمر وعلاج الإسلام لها: تناول الخمر وغيرها من المسكرات أحد الأدواء الاجتماعية ذات الخطورة الكبيرة على الفرد في جسمه لما تؤدي إليه من الأمراض، وفي عقله لما تدمر من طاقاته وتعوده على الهروب من معالجة المشكلات وفي ماله لما تتطلب من نفقات خاصة إذا أصبحت عادة يبذل فيها الفرد الغالي والنفيس. كما يمتد ضررها إلى الأسرة والمجتمع ككل ومظاهر ذلك بادية للعيان في كل مجتمع اعتاد هذه العادة السيئة ومن أجل تلك الأضرار حرمها الإسلام، وشرع حدا على شاربها. ولكنه بالمقابل عالج أسباب تعاطيها وتتبع جذورها الاجتماعية.

دوافع المشكلة

فالدوافع الاجتماعية للخمر ترجع في مجملها إلى فقدان التوازن الاجتماعي مما يؤدي إلى أن يعاقرها صنفان من الناس: أ- الصنف الأول أهل الترف، فالمترف بما يجده من فراغ وسآمة وتبلد في الحس يلجأ إلى الخمر ينشد فيها ما يحثه على النشاط ويضفي على نفسه البهجة والتجدد. ب- أما الصنف الثاني فهم المحرومون، فالمحروم يغيب بالخمر من واقعه التعيس، ومتاعبه اليومية المليئة بالمشاحنات.

علاج المشكلة

وقد عالج الإسلام هذه الأسباب بما يلي: 1- دعوته إلى إعادة توازن المجتمع كل ما جنح ميزانه إلى الاختلال حتى لا يصبح المال والأعمال ومصادر الثراء حكرا على طائفة من الناس كي لا تكون دولة بين الأغنياء. 2- أنه يربط قلب المؤمن بالله ويجعله موصولا به بشكل دائم، فلا يعيش فيها لهمومه البائسة قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} 3- كما أنه يعتبر العمل والكفاح من أجل تحصيل المعايش عبادة يثاب عليها صاحبه، ما دام موصول القلب بالله مخلص النية له، والشعور بذلك يكسب القلب ثقة بالله ونشوة في العبادة وروحا معنوية عالية لشعوره بمحبة الله له {وَاللَّهُ مَعَكُمْ}

4- أنه يربي الفرد على مواجهة مشكلاته وعدم الهروب منها، وعلى التوكل على الله في مواجهتها والتصدي لها، والإيمان بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} ويربيه على الثقة بالله وبأنه لن يتركه يواجه مصيره وحده بل هو محفوف بالعناية الإلهية للمؤمنين: {وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} أن مجهوده لن يضيع لأنه إن لم يجده في الدنيا والآخرة معا وجده في الآخرة قال الله تعالى: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} والرزق بيد الله يؤتيه من يشاء {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} فهذه القيم الإيمانية كلها تربي المؤمن على الصلابة والصبر لحلها وعدم الغيبوبة عنها بأي وسيلة، ومن ثم فالذي يحمل هذا القيم ويؤمن بها لن يلجأ غالبا في حل مشكلاته إلى مثل الخمر أو غيرها من المغيبات ليهرب عن واقعه ومواجهة مشكلاته.

تدرج الإسلام في تحريم الخمر

تدرج الإسلام في تحريم الخمر:

حينما واجه الإسلام الخمر لأول مرة في المجتمع العربي - وقد تأصلت فيه إلى أبعد الحدود - سلك منهجا متدرجا حكيما في مواجهتها ففي البداية لفت الأنظار إلى آثارها الضارة التي تفوق ما فيها من منافع محدودة {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} وفي مرحلة لاحقة حرم تعاطيها قبل أوقات الصلاة بحيث لا يأتي وقت الصلاة إلا والواحد منهم في أتم صحوة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} وبعد أن تهيأت النفوس لتحريمها وأصبحوا يتطلعون إلى اليوم الذي تحرم فيه تماما وكانوا يقولون (اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانا شافيا) جاء التحريم القاطع {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ

ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} وبهذا التدرج لم يجدوا أدنى صعوبة في امتثالهم لهذه الآية بل أراقوا الخمر في طرقات المدينة حتى امتلأت منها ومن ثم تأصل الابتعاد عن الخمر في العرف الاجتماعي عند المسلمين، فرغم انحراف هذه المجتمعات وبعدها المتفاوت عن الإسلام إلا أن الإقبال على الخمر ضعيف فيها جدا مقارنة بالمجتمعات الأخرى ومن ثم فالنظر إلى شرب الخمر باشمئزاز متأصل في الوجدان الاجتماعي لهذه المجتمعات. وتلك هي ميزة الإسلام حيث يعالج المشكلات الاجتماعية بالمزاوجة بين عمل الضمير الداخلي المنفعل بالإيمان، والرقابة الخارجية في صورة رأي عام يبسطه في المجتمع وعقوبة يكلف الدولة بتنفيذها. وبذلك يحاصر المشكلة من أن تتحول بمرور الزمن إلى عادة مستقرة ومقبولة اجتماعيا، بل تظل في الهامش وفي نطاق غير المسموح به. ولنا أن نقارن في مشكلة الخمر بين حل الإسلام لها والحل الأمريكي في العشرينات من هذا القرن حيث فشلت هذه التجربة لارتكازها على الرقابة الخارجية وعدم اهتمامها بالقناعة الداخلية المستقرة في الضمير.

دوافع الردة وعلاجها في الإسلام

دوافع الردة وعلاجها في الإسلام: غالبا ما تنشأ الردة عن نوبة من الشك في عقيدة المرتد. وقد عالج الإسلام هذه المشكلة بالآتي: 1- إن الإسلام لا يكره أحدا على اعتناقه منذ البداية. فالمفروض أن الشخص - ما دام لا يتعرض للإكراه المادي والمعنوي - ألا يقدم على اعتناق الإسلام إلا عن اقتناع {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ، {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}

2- أنه يحث على تنمية الملكة العقلية على التفكير في الأنفس والآفاق ويحث على تدبر القرآن والتاريخ {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} ، {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} ، {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} ، {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} ، {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} ، {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} ، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} ومن ثم يطالب الإسلام ببناء القناعة به على نتائج التبصر والتفكير المعمق في الكون والنفس والحياة والتاريخ وفي القرآن نفسه من خلال اكتشاف دقة التدبير وبديع الصنع وما يلزم من ذلك من إفراد الله بالألوهية فتؤسس القناعة بالإسلام على هذه النتائج الباهرة، مما يعطي إيمانا قائما على البرهان لا على التقليد وعلى الحجة لا على الظنون.

3- أنه يتيح للمرء فرصة التوبة لفترة محدودة يمكن فيها من عرض مشكلته ومناقشتها معه مناقشة حرة يتم من خلالها إزالة الشبهات عنه وتوضيح الأمور التي يشك فيها انطلاقا من برهان العلم ودليل الحس، وحجة العقل فإن رجع ولو بلسانه فقط عصم دمه وحفظت له حقوقه وحصانته.

الإفساد في الأرض وعلاج الإسلام له

الإفساد في الأرض وعلاج الإسلام له: أما الإفساد في الأرض فهو تقريبا مركب من الجرائم السابقة. فأسبابه في الغالب هي نفس أسباب تلك الجرائم والإجراءات التي يقوم بها الإسلام لنزع فتيل تلك الجرائم ووأدها في مهدها تحاصر كذلك جريمة الإفساد في الأرض وتقلل من فرص وجودها. وهكذا - وبتلك التدابير- يواجه الإسلام مشكلة الإجرام فيقضي عليها في مهدها بل ويتلافى أسباب وقوعها، فلا يهيئ لها الفرص للنمو ولا المناخ الملائم للتكاثر، فيحفظ للمجتمع أمنه ويرعى الفرد ويعالج دوافعه للإفساد بإعطائه حقوقه وعلاج مشكلته ونزع بذرة الإجرام من نفسه. فتقل بذلك الجرائم إلى أقصى حد ممكن، ويعيش الفرد والمجتمع كلاهما في سلم وأمان.

أنواع العقوبات في الإسلام

أولا: الحدود: تعريفها: ويقصد بها (محظورات شرعية زجر الله عنها بعقوبة مقدرة تجب حقا لله تعالى)

خصائص عقوبات الحدود

خصائص عقوبات الحدود. وتتميز الحدود بما يلي: 1- أنه لا يجوز النقص منها أو الزيادة فيها. 2- أنه لا يجوز العفو عنها لا من قبل القاضي أو السلطة السياسية أو المجني عليه، وذلك بعد أن يرفع أمرها إلى السلطة أما قبل ذلك فيمكن العفو عنها من قبل المجني عليه إذا كانت جناية على معين. 3- أنها حقوق واجبة لله تعالى، وهو تعبير يرد في الإسلام ويراد به الحق العام الهادف إلى تحقيق المصلحة العامة للمجتمع.

السرقة

وجرائم الحدود هي: 1- السرقة: تعريفها هي: أخذ مال الغير من موضع حفظه خفية بنية تملكه. شروط السرقة الموجبة للحد. يشترط لتحقيق السرقة الموجبة للحد عدة شروط: 1- أن يكون الأخذ تاما وذلك بأن يخرجه السارق من حيازة المجني عليه، ومن حرزه المعد لحفظه، ويدخله في حيازته (أي السارق) 2- كون المال المسروق منقولا. 3- كون المال المسروق متقوما وذلك يتوفر بالأتي: أ- أن لا يكون الشرع قد أهدر قيمته بأن حرم الانتفاع به كالخمر وغيرها من المحرمات. ب- أن يكون من الأشياء التي يجعل الناس لها قيمة في تعاملهم ولا يتسامحون فيها عادة. فإذا وجدت تلك الشروط ولم توجد شبهة تدرأ الحد عن السارق وجب قطع يده من الرسغ لقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}

الحرابة

2- الحرابة: وهي خروج فرد أو جماعة ذوي منعة إلى الطريق العام بغية منع سلوكه أو أخذ أموال سالكيه أو الاعتداء على أرواحهم ودليل عقوبتها قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وقد نصت هذه الآية على عدة عقوبات لتعطي خيارات متعددة أمام مختلف الحالات فيعطى لكل حال الحكم الذي يناسبها. أما إذا تاب المحارب قبل أن يقع في يد السلطة وأقلع عن فعل الحرابة فإنه يسقط عنه حد الحرابة كما نصت على ذلك الآيات السابقة إلا أنه يطالب بحقوق الآخرين من مال أو نفس إن كان قد ارتكب جناية على نفس أو مال.

الزنا

3- الزنا: تعريفه: هو وطء الرجل المرأة التي لا تحل له، وأي علاقة بين رجل وامرأة لا تشتمل على عنصر الوطء لا تعتبر زنا يوجب الحد. وتختلف عقوبة الزنا باختلاف الزناة فإن كان الزاني غير متزوج فعقوبته مائة جلدة لقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} أما من سبق له أن تزوج فعقوبته الرجم حتى الموت، وقد يثبت هذه العقوبة بأحاديث كثيرة. شروط هذه العقوبة: لتطبيق هذه العقوبة يجب توفر عدة شروط:

1- شهادة أربعة عدول على حصول الفعل مع اليقين الكامل والتأكد التام مع اتفاقهم في كل تفاصيل الفعل، وزمانه ومكانه ووضعه، فإن لم يتفقوا على ذلك اعتبر إبلاغهم كاذب، وأوقع عليهم حد القذف بدلا من إيقاع حد الزنا على المتهم {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} ، {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} ومعلوم أن من زنا في موضع يراه فيه أربعة أشخاص رؤية تفصيلية فهو مجاهر بفعله مستخف بالدين وقيم المجتمع ومستخف بعلاقته مع زوجته، وإذا كان مستخفا بذلك كله كان حقيقا بهذه العقوبة الشديدة مع العلم أن تاريخ المسلمين لم يشهد حدًّا - حسب علمنا - أقيم بشهادة شهود أربعة وإنما يقام هذا الحد في الغالب، برغبة الزاني تطهيرا لنفسه وتوبة عن الجرم الذي قارفه.

2- عدم توفر شبهة تسقط الحد فإذا توفرت أية شبهة أو وجد أي مخرج للمتهم سقط عنه الحد. لقوله صلى الله عليه وسلم «ادرءوا الحدود بالشبهات» ملاحظات حول الزنا: هناك عدة أمور ينبغي التنبيه لها: 1- أنه يندب لمن غلبته نفسه فسقط في الزنا أن يستر نفسه ولا يحدث بذلك، ولا يعترف على نفسه به، بل يتوب إلى الله ويستغفره ويكفر عن فعله بالأعمال الصالحة ولا يقنط من رحمة الله لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله» وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} وقوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}

2- ينبغي كذلك لمن اطّلع على مسلم يقترف شيئا من ذلك أن يستره ولا يبلغ عنه «من ستر مسلما ستره الله» 3- جعل الإسلام للبيوت حصانة تامة فلا يجوز دخولها إلا بإذن أهلها كما حرم التجسس والتصنت عليها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} 4- أن الشخص إذا اعترف على نفسه فيجب التأكد الكامل من سلامة عقله، وإدراكه وأن يكون ذلك بعيدا عن أي إكراه أو ضغط بل تعطى له الفرصة لعله يرجع عن إقراره ويلقن الرجوع عنه، فإذا رجع لم يقم عليه الحد، وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع ماعز - الرجل الذي اعترف بالزنا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أعرض عنه الرسول عدة مرات، وهو يكرر الاعتراف ويقول: (إني زنيت فطهرني) والرسول يعرض عنه ويصرف وجهه، ثم قال له: «لعلك قبلت» «لعلك شربت» كل ذلك وهو مُصِرّ على الاعتراف. ثم لما أرادوا أن يقيموا عليه الحد أُخبرَ الرسول صلى الله عليه وسلم أنه هرب ونفى ما اعترف به فقال لهم: «هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه»

الحكمة في حد الزنا: بالنظر في العقوبات الإسلامية كلها يظهر تلازم أمرين فيها: أ- الأول كثرة الاحتياطات لصالح المتهم، وكثرة القيود على تطبيق العقوبة. ب- صرامة العقوبة وشدتها، وهذا يضمن أمرين: الأمر الأول: حفظ الأمن العام وتقليل معدل الإجرام نظرًا لصرامة العقوبة فالقاتل الذي يعلم أنه سيقتل والسارق الذي يعلم أنه ستقطع يده والمعتدي على العرض والأسرة الذي يعلم أنه سيرجم أو يجلد مائة سوط سيفكر في نتائج الجريمة قبل الإقدام عليها، بينما إذا علم أنه سيحبس فقط لأشهر أو سنوات قد لا يبالي بالعقوبة وبالتالي لا يقلع عن الجرم. الأمر الثاني: صيانة حياة المتهم وإعطاؤه كل الضمانات بأن لا تطبق عليه العقوبة إلا بعد استنفاذ كل الأعذار والبحث عن السبل التي تدرأ عنه العقوبة. وإذا نظرنا إلى الزنا نجده ينطوي على نفس الميزة حيث تشدد في وسائل إثباته (أربعة عدول) وكانت عقوبة حازمة. وإذا نظرنا إلى تطبيق هذه العقوبة نجد لها عدة أحكام.

1- حماية الأمن العام: حيث إن أهم أسباب القتل الاعتداء على الأعراض. وتطبيق حد الزنا يقلل من عمليات الاعتداء على الأعراض، ومن ثم يقلل من عمليات القتل الناتج عنها وهذا ينعكس إيجابا على الأمن العام. 2- حماية الأسرة: فالأسرة لها تقديرها الخاص في الإسلام، ومن شأن فشو الزنا تدميرها والعصف بكيانها واضطراب العلاقة ببين أطرافها والعقوبة الصارمة للزنا من شأنها أن تقلل من جرائم الزنا، مما ينعكس إيجابا على الأسرة بشكل مزدوج فصاحب الأسرة الزاني تساهم العقوبة في ردعه من الزنا مما يعود على أسرته بالاستقرار، والأسرة المعتدى عليها كذلك ستستفيد من تقليل فرص الزنا بهذه العقوبة فيزاد استقرارها.

القذف

4 - حد القذف: وهو اتهام المحصن - وهو العفيف البريء - بالزنا أو نفي نسبه من أبيه بمعنى آخر: هو اتهام بزنا لم تقم على إثباته بينة مقبولة شرعا وقد وردت عقوبة القذف في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} فقد حددت الآية عقوبتين للقاذف إحداهما جلده ثمانين جلدة، والثانية عدم قبول شهادته إلا بعد توبته، بالإضافة إلى العقوبة الأخروية إن لم يتب. وقد شرع حد القذف لحماية سمعة الأفراد أن تلوث أو تدنس من قبل مروجي الإشاعات الذين لا شغل لهم إلا نهش الأعراض. فمن أجل صيانة الأعراض جاء الإسلام بحلين متكاملين: أ- الأول: تحريكه لدوافع الإيمان ووازع الضمير حيث حرم الغيبة والتجسس والأخذ بالظن قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} ب- أما الثاني: فهو تشريع عقوبة القذف فمن لم يردعه إيمانه وتقواه ردعته العقوبة.

الخمر

5-حد الخمر: من أهداف الإسلام الكبرى تحقيق مصالح الناس ودرء المفاسد عنهم، ومن مقتضيات ذلك أنه {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} وحفظ لهم نفوسهم وعقولهم وأموالهم وأعراضهم. ومن أحكامه التي تتجلى فيها كل تلك المقاصد تحريمه للخمر وتشريعه العقوبة لشاربها. ذلك أن الخمر تهدم تلك الكليات جميعا وهي: النفس والمال والعقل والعرض والدين. وقد يتصور المرء لأول وهلة أن الخمر إنما تذهب العقل فقط وأن ضررها لا يتعدى ذلك. ولكن الحقيقة أنها تذهب الدين والنفس والمال والعقل والعرض ذلك أن معاقرتها تحصر شاربها في شهواته الدنيا دون أن يحمل فكرة عليا أو رسالة سامية وبذلك ينطفئ وجدانه ويتبلد إحساسه الديني فلا يفيق أبدا. كما أنها تفتك بالنفس وتؤدي إلى الأمراض القاتلة المستعصية إضافة إلى ما تستنزفه من ثروات خاصة وعامة.

ولو نظرنا إلى ما تسببه من حوادث وغياب عن العمل ومصروفات وعلاج من الأمراض المتسببة عنها لوجدناها تكلف الدول الكثير. ثم هي قبل ذلك تجرد الإنسان من خاصيته التي بها يتميز وهي العقل، حيث يلتحق بالبهائم وهو الذي سخر بطاقته العقلية التي وهبه الله ما في الكون لمصلحته ومنفعته. ثم إنها تتسبب في توهين الروابط الاجتماعية بما ينتج عنها من عداوة وبغضاء جراء الأقوال والأفعال التي تصدر من شاربها تجاه الآخرين فتسبب كل تلك المفاسد والشرور لذا حرم الإسلام الخمر تحريما قاطعا. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} ولما كانت الخمر تسبب كل هذه المفاسد والأضرار المادية والمعنوية فقد رتب الإسلام على شاربها عقوبة حدية.

الردة

6- الردة: وهي أن يأتي المسلم بقول أو فعل مخرج عن الإسلام. وعقوبتها القتل. وقد وردت عقوبتها في السنة حيث ورد بشأنها عدة أحاديث منها: قوله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» إلا أن المرتد تُعطى له الفرصة كي يتوب فإن كانت لديه شكوك أو شبهات أزيلت ووضح له الحق. فيستتاب مدة ثلاثة أيام. وقد جاء حد الردة علاجا لحالة ظهرت بالفعل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الدخول الجماعي في الإسلام ثم الارتداد عنه بشكل جماعي وذلك من أجل التشكيك فيه وزلزلة إيمان أهله. وقد حكى القرآن تلك القصة {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} فمن أجل أن لا تتخذ الردة وسيلة للتشكيك في الإسلام شرع حد الردة.

المقصود بالقصاص

ثانيا: القصاص: وهو النوع الثاني من أنواع العقوبات في الإسلام والمقصود به (أن يفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه، فإن قَتله قُتل وإن قطع منه عضوا أو جرحه فُعل به مثل ذلك إن أمكن ما لم يؤد إلى وفاة الجاني والنظر في ذلك يرجع إلى أهل الاختصاص.

أهم قواعد القصاص

أهم قواعد القصاص: وللقصاص عدة قواعد من أهمها: 1- أن القصاص لا يستحق إلا في القتل العمد أو الجرح العمد أما الخطأ فلا يستحق فيه القصاص. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} وقال تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} 2- أن جرائم الاعتداء على الأشخاص قد جعل الإسلام لإرادة المجني عليه أو أوليائه دورا أساسيا في منع وقوع العقاب على الجاني حيث قرر جواز العفو، وأنه من حق المجني عليه بل ندبه إلى ذلك وأجزل له الثواب في الآخرة {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} فله أن يعفو عنه إلى الدية أو مطلقا من غير عوض دنيوي. قال الله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} 3- أن توقيع العقاب وتنفيذه تتولاه السلطة العامة، ولا يتولاه أولياء الدم.

الحكمة من القصاص

الحكمة من القصاص: بالنظر في العقوبات الإسلامية عامة والقصاص على وجه الخصوص نجد أنها تتسم بسمتين متكاملتين. الأولى: صرامة هذه العقوبات وشدتها، وذلك للردع عن الجريمة، ومحاصرتها بصرامة. الثانية: التشديد في وسائل إثبات هذه الجرائم وبالتالي التقليل من فرص تنفيذ هذه العقوبات، وحماية المتهمين بها وفي هذا السياق يأتي مبدأ درء الجرائم بالشبهات وتفسير أي شبهة في صالح المتهم، وفتح باب التوبة واعتبارها مسقطة للحد في بعض الحدود (كالحرابة) وجواز العفو كما في القصاص، بل الندب إليه والحث عليه. ويأتي التكامل بين هذين العنصرين من حيث إنه يجمع بين محاصرة الإجرام وحماية المجتمع منه وصيانته حق الفرد المتهم وعدم أخذه بالظن والتهمة وكفل له أفضل الضمانات لعدالة الحكم عليه وإنقاذه من العقوبة ما أمكن. وبذلك يمتنع الناس - أو معظمهم على الأقل - عن هذه الجرائم لصرامة العقوبة - ولا تنفذ هذه العقوبات عمليا إلا في النادر وبذلك يتحقق الأمن العام، وتصان حرمات الأفراد على حد السواء.

ثالثا التعزير

ثالثا: التعزير: وهو عقوبة غير مقدرة تجب حقا لله أو لآدمي في كل معصية (جريمة) ليس فيها حد ولا كفارة. والتعزير هو أوسع أنواع العقوبات، ذلك أن الجرائم التي حددت عقوبتها قليلة العدد أما ما عدا تلك الجرائم - جرائم الحدود والقصاص - فهو داخل ضمن نطاق التعزيرات. والتعزيرات تمثل الجانب المرن من العقوبات بحيث يلائم الظروف المختلفة للمجتمع بما يحقق المصلحة العامة ويصلح المجرم ويكف شره. وقد عرف الفقه الإسلامي أنواعا مختلفة من التعزيرات تتدرج من الوعظ والتوبيخ لتصل إلى الجلد مرورا بالعقوبات المالية والسجن، وهذه التعزيرات متروكة للاجتهاد ضمن القواعد العامة للشريعة الإسلامية والمقاصد الكلية للإسلام بما يوازن بين حق المجتمع في الحماية من الإجرام وحق الفرد في تحصين حرياته ورعاية حرماته.

§1/1