الجامع لمسائل المدونة

ابن يونس الصقلي

المقدمة

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم قال أبو بكر محمد بن عبد الله بن يونس التميمي الصقلي رحمة الله عليه: الحمد لله المنعم بهدايته، المتمم لنعمته، المتفضل على جميع بريته، أحمده على جميع آلائه، وسوابغ نعمه، حمد مقر بربوبيته، عارف بوحدانيته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله إلى كافه خلقه، بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه، وسراجاً منيراً، فبلغ رسالته، وأدى أمانته، فهدى به من شاء بفضله، وأضل به من خذله بعدله صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً. أما بعد:- يسرنا الله لهدايته، وهدانا إلى توفيقه: فقد انتهى إلي ما رغب فيه جماعة من طلبة العلم ببلدنا في اختصار كتب المدونة، والمختلطة، وتأليفها على التوالي، وبسط ألفاظها تيسيراً، وتتبع الآثار المروية فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه رضي الله عنهم، وإسقاط إسناد الآثار، وكثير من التكرار، وشرح ما أشكل من مسائلها، وبيان وجوهها، وتمامها من

غيرها من الكتب، فسارعت إلى ذلك رجاءَ النفع به، والمثوبة عليه إن شاء الله تعالى. وأدخلت فيه مقدمات أبواب كتاب الشيخ أبي محمد بن أبي زيد رحمه الله تعالى وزياداته، إلا اليسير منها، وطالعت في كثير منها ما نقله في النوادر، ونقلت كثيراً من الزيادات من كتاب ابن المواز، والمستخرجة ولم أخل من النظر إلى نقل أبي محمد واختصاره فيها، وعملت على الأتم عندي من ذلك، وربما قدمت، أو أخرت مسائل يسيرة إلى شكلها؛ [لئلا] تفوت

قراءتها قارئ موعده في الأمهات، ورأيت العناية بذلك محمودة، والخير فيه مأمول، وكل ينتهي من ذلك إلى ما يسر إليه، وأعين عليه بمن الله وفضله، وتسديده، وتوفيقه.

كتاب الطهارة

باب-1 في فصل العلم والحث عليه وأصوله. فصل 1: في الدلائل على فضل العلم والعلماء، وحكم طلب العلم. قال تعالى: {يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ { وقال تعالى: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ {قال ابن أبي زيد: ((بالعلم في الدنيا)). وفي قوله سبحانه: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيرا {، فقد جاء في التفسير أنه الفقه في الدين وقاله مالك بن انس، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)).

وقال: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم أن يتعلمه)). فطلب العلم فريضة، كفريضة الجهاد؛ لقوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إليهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ {، فجعل ذلك فرضاً يحمله الخاص عن العام، إلا ما لا يسع جهله من اللوازم، من صفة الوضوء، والطهر، والصلاة، والصوم، والزكاة، والحج ففرض على كل من لزمه ذلك، معرفته. وقد سئل مالك عن طلب العلم أفريضة؟. فقال: أما على كل الناس فلا.

وذكر عن سحنون أنه قال: أما من كان فيه موضع لرجاء الإمامة، فواجب عليه قوة الطلب، أو كلاماً هذا معناه. [فصل-2: الجد. والمثابرة. وهداية الله سبب الحصول على العلم.] والعلم لا يأتي إلا بالعناية، والمباحثه والملازمة مع هداية الله تعالى وتوفيقه. قال ابن المسيب: ((أن كنت لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد)) وبذلك ساد أهل عصره، وكان يسمى سيد التابعين.

وقال مالك: أقمت خمسة عشر سنة أغدو من منزلي إلى منزل ابن هرمز وأقيم عنده إلى صلاة الظهر، مع ملازمته لغيره، وكثرة عنايته، وذيلك فاق أهل عصره، وسمي أمام دار الهجرة. وإقام ابن القاسم متغرباً عن وطنه في رحلته إلى مالك عشرين سنة ولم يرجع حتى مات مالك رحمه الله، ورحل أيضاً سحنون إلى ابن القاسم حتى هذب هذه المدونة، والمختلطة، وحصلت أصل علم المالكيين، ومقدمة على سائر الدواوين بعد موطأ مالك رحمه / الله. ويروي أن ما بعد كتاب الله تعالى اصح من موطأ مالك.

ومما تمثل به سحنون هذا الشعر: اخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومد من القرع للأبواب أن يلجأ. وقال مجاهد: ((لا يتعلم العلم مستحي، ولا مستكبر)). وقالت عائشة - رضي الله عنه -: ((نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين)). وسنذكر، أن شاء الله، كثيراً من هذا، ومن فضائل العلم في الجامع لهذا الكتاب. والله نسأل التوفيق، وإياه نستخير، وهو حسبي ونعم الوكيل. فصل -3 [في أصول علم الفقه] اعلم، وفقنا الله، أن الأصل في هذا العلم اتباع الكتاب، والسنة وإجماع الأمة، ثم النضر، والاستدلال، والقياس على ذلك. والدليل على ذلك قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ {

وقال: {فَإِذَا قَرَانَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَه {. فوجب علينا لذلك اتباعه، ثم اتباع السنة؛ لقوله تعالى: {مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ {. وقال: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا {. وقال: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً {. ثم إجماع الأمة؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً {. وقال: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ {. فأمر باتباع سبيل المؤمنين، وقرن طاعتهم بطاعته، وطاعة رسوله. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لن تجتمع أمتي على ضلالة)).

ثم النظر، والاستدلال، والقياس؛ لقوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ {وقوله: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ {، وقوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ {. وقال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ

يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ {. فقد ثبت أصل ذلك من كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

كتاب الطهارة

باب، -1 - في فرض الوضوء، وسننه، وفضائله

باب، -1 - في فرض الوضوء، وسننه، وفضائله/ [فصل -1 - في حكم الطهارة. وشروط وجوبها] قال محمد بن عبد الله من يونس رحمه الله: ((الطهارة من الحدث فريضة واجبة على كل من لزمته الصلاة)). وشروط وجوبها خمسة: الإسلام، البلوغ، وثبات العقل، وارتفاع دم الحيض والنفاس، وحضور وقت الصلاة. قال ابن مسعود، وغيرة ((كان الطهر في أول الإسلام سنة حتى نزل

فرض الوضوء بالمدينة في سورة المائدة، وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ {إلى قوله {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً {. قال زيد بن اسلم: أذا قمتم يعني من النوم. وقيل: معناه، أذا قمتم محدثين. وقيل: كان هذا أمراً من الله تعالى بالوضوء لكل صلاة، ثم نسخ ذلك بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - تخفيفاً على أمته؛ لان ذلك كان يشق عليهم.

وقيل: معنى قوله: {إِذَا قُمْتُمْ {أذا أردتم القيام إلى الصلاة. قال محمد بن سلمة، وغيره: آية الوضوء فيها تقديم، وتأخير، والمعنى فيها: يا إيها الذين آمنوا أذا قمتم إلى الصلاة، أو جاء احد منكم الغائط، أو لامستهم النساء فاغسلوا وجوهكم، وأيديكم إلى المرافق، وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم، وان كنتم جنباً فاطروا /، وان كنتم مرضى، أو على سفر فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم، وأيديكم منه ما يريد الله؛ ليجعل عليكم من حرج، أي من ضيق، ولكن يريد ليطهركم، أي من الذنوب، بامتثال ما أمركم به، وفعل ما افترض عليكم. وإنما قدرت هذا التقدير؛ ليكون ذكر هذه الإحداث معطوف متصلاً بقوله: {إِذَا قُمْتُمْ {فيتضح أن قوله: {إِذَا قُمْتُمْ {يعنى من النوم، كما قال زيد. ويبعد قوله من تأول قوله {إِذَا قُمْتُمْ {، أي محدثين؛ لاتصال ذكر الإحداث بقوله {إِذَا قُمْتُمْ {، فيكون تكريراً في اللفظ بمعنى واحد، فحملها على فائدتين أولى وليكون - أيضاً - قوله {وَأَرْجُلَكُمْ {عطفاً متصلاً على غسل اليدين، فيكون حجة على من قال فيهما بالمسح، وجعل إنهما مطوفتان على مسح الرأس. ولذلك قال ابن مسلمة: فيها تقديم وتأخير.

والتقديم والتأخير في كتاب الله تعالى كثير / قال الله تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ {، والمعنى: واركعي واسجدي؛ لأن الركوع قبل السجود باتفاق، والواو لا توجب رتبة في كلام العرب. وقوله تعالى: {جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ {يعني: السببين: الغائط، والبول، وقوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ {يعني الملامسة الصغرى، دون الجماع، وقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا {، أي فاغتسلوا، وقوله: {وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى {يعني: لا تستطيعون مس الماء أو على سفر، وانتم على هذه الأحوال التي تقدم ذكرها، فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً. وقيل: بل الآية على تلاوتها، لا تقديم فيها ولا تأخير فيها، لان التلاوة موافقة لصفة وضوئه عليه السلام، ولما عليه العمل. وقوله تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى {. يعني: لا تستطيعون مس الماء أو على سفر، أو جاء احد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً يعني: أن كنتم مسافرين، أو محدثين مقيمين وأردتم القيام إلى الصلاة فلم تجدوا ماء فتيمموا.

وهذا كله كلام مستقيم، لا يحتاج فيه إلى تقديم، ولا تأخير. والله اعلم. فصل -2 [في أنواع الطهارة] قال عبد الوهاب: الطهارة من الحدث الفريضة الواجبة على كل من لزمته الصلاة، وهى ثلاثة أنواع: وضوء، وغسل، وبدل منهما عند تعذرهما، وهو التيمم، وهو طهارة على الحقيقة، وان كان لا يرفع الحدث. وقال غيره: لا أقول أن التيمم بدل منهما، وإنما أقول: أنها عبادة مستأنفة وليس بدل؛ لان البدل يقوم مقام المبدل منه في كل الأحوال، والتيمم لا يقوم مقام الطهارة بالماء في كل الأحوال؛ لأنه لا يرقع الحدث رأساً، ولا يصلى به

صلاتين. [فصل -3: في إحكام الوضوء] قال عبد الوهاب: وإحكام الوضوء ثلاثة أنواع: فرض، وسنة، وفضيلة/، والسنة أوكد من الفضيلة. ففروضه من غير المتطهر من جنابة، أو حيض سبعة، وهى: النية، والماء الطاهر، وغسل جميع الوجه، وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح ارأس كله عند مالك، وغسل الرجلين إلى الكعبين، والموالاة مع الذكر، ولا يفسده قليل التفريق. وقد قيل: أن الموالاة سنة، والظاهر من قول مالك أنها واجبة.

وسننه سبع- أيضاً: غسل اليدين قبل/ إدخالها في الإناء، والمضمد، والاستنشاق، ورد اليدين في مسح الرأس إلى حيث بدأ منه، ومسح داخل الإذنين، وفى ظاهرهما اختلاف، فقيل: فرض، وقيل: سنة، وتجيد الماء لهما سنة، والترتيب سنة. وفضائله سبع- أيضاً -، وهى: أن لا يتوضأ في الخلاء، وان يضع الإناء على يمينه، وان يسمى الله تعالى أذا شرع، والسواك قبله، وان يبدأ بالميامن، وان يبدأ بمقدم الرأس أذا مسح، وتكرار مغسولة مرتين أو ثلاثاً.

وقد اختلف الناس في هذه السنن، والفضائل، وهذا الذي ذكرت أحسن ما رأيت. وبالله التوفيق. [فصل -4] ذكر الأدلة في فرائض الطهارة. أول ذلك النية، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ {، والإخلاص هو القصد، والوضوء والغسل من الدين فيجب أن يخلصها لله تعالى. قال الله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ {جاء في التفسير على نيته.

وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((الأعمال بالنيات)). فعم جميع الأعمال، والطهارة عمل ثم قال: (وإنما لامرئ ما نوى)) فدل على أن ما لم ينوه لا يكون له، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((الوضوء شطر الإيمان)). واتفقنا أن الإيمان لا يصح إلا بنية، فكذلك شطره، ولا فرق بين الوضوء، وبن الصلاة، والصيام، الذي اتفقنا إنهما لا يصحان إلا بنية؛ لان جميع ذلك عبادة واجبة يتقرب بها إلى الله تعالى فاستويا؛ ولأنهما طهارة عن حدث، كالتيمم. فان قيل: فقد علم النبي - صلى الله عليه وسلم - الإعرابي الوضوء، ولم يذكر له نية. قيل: وقد علمه الصلاة، ولم يذكر له نية، فلم يدل ذلك على سقوط النية فيها، بل قال له: ((توضأ كما أمرك الله به)) والله قد أمرنا بالنية فيما بينا.

وذهب أبو حنيفة إلى أن الطهارة لا تفتقر إلى نية، بخلاف التيمم الثاني: الماء المطلق. لقوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ {؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه / أو طعمه أو ريحه)) وإيعاب الحجة فيه في موضع الكلام على المياه.

الثالث: غسل جميع الوجه. أجمعت الأمة على إيجاب غسله؛ لقوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ {. الرابع: غسل الذراعين / مثله. أجمعت الأمة على غسلهما، واختلفوا في إدخال المرفقين في الغسل؛ واختلف في قول مالك. فوجه قول من قال: لا يدخلهما أن "إلى" موضوعها في اللغة الانتهاء فرآها مالك في هذا القول غاية، والصواب قوله بدخولهما في الغسل؛ لان "إلى" قد تكون بمعنى مع كقوله تعالى: {مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ {أي مع الله. وقوله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ {أي: مع شياطينهم، فلما كانت

تصلح للمعنيين وقع الخلاف. وروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ، وأدار يده على مرفقيه فكان فعله بياناً، ورفعاً للإشكال. ويأتي بعد هذا شيء من ذكر الحجة في ذلك. الخامس: مسح الرأس. اختلفوا في مسحه، فذهب مالك رحمة الله إلى مسح جميعه، خلافاً لأبي حنيفة والشافعي، وقال محمد بن مسلمة: أن مسح ثلثيه أجزأه. وقال

أبو الفرج: أن مسح ثلثه أجزاه. والدليل لمالك، قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ {فهو كقوله في التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ {. فلما لم يجز أن يقتصر على مسح بعض الوجه باتفاق، وجب أن لا يقتصر على مسح بعض الرأس. وكقوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ {، الذي لا يجوز الاقتصار فيه على بعض الطواف؛ ولان الباء إنما دخلت للإلصاق، كقولك: كتبت بالقلم، أي ألصقت الكتابة به، وليس هو كما زعموا أنها للتبعيض.

دليلنا: أن الاستثناء يصح فيما ذكرنا، ولا يصح فيما كان للتبعيض، لو قلت: امسح برأسك، إلا بعضه جاز، وكأنك قلت: امسح رأسك، إلا بعضه، ولا يجوز امسح ببعض رأسك إلا بعضه؛ لأنك استثنيت مجهولاً من مجهول، ولو صح أنها تصلح للمعنيين وأشكل ذلك فقد رفع الإشكال فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه توضأ ومسح جميع رأسه، وقال: ((هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به)). فان قيل: فقد روي أنه مسح ببعض رأسه فدل أنه الواجب، وما رويتموه استجاباً أذا إنما يقتدي في مثل هذا بالأقل. قيل: بل ما رويناه هو الواجب؛ لإجماع الصحابة عليه رواية وفعلاً، وإنما شذت رواية أنه مسح برأسه، ويمكن أن يكون فعل ذلك لعلة، أو فعله مجدداً. ومذهب مالك رحمه الله: أن لا يمسح الرأس على حائل، إلا لعلة، وبه

قال فقهاء الأمصار، إلا الثوري وابن حنبل، فأنهما أجازا أن يمسح الرأس على حائل، عمامة أو غيرها، وان كان لغير عذر. فالدليل لمالك، قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ {، فمن مسح على حائل فلم يمسح على رأسه. ولما روي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مسح رأسه بيديه مباشراً له، وتمادى فعله وفعل أصحابه عليه، وانه توضأ، وعليه عمامة، فادخل يديه من تحتها ومسح برأسه.

فإن قيل: فقد روي أيضا أنه مسح على عمامته. قيل: هذا حديث مضطرب فيه، غير معتمد عليه، ولو صح فهي فعلة واحدة يمكن أن تكون لعذر أو لتجديد. السادس: غسل الرجلين: فمذهب مالك غسل جميعهما إلى الكعبين، وهو مذهب، فقهاء الأمصار، إلا شذوذ طائفة من أهل الشيعة. ذهبوا إلى المسح، ولا يعد مثل ذلك خلافاً. ومن الدليل لمالك قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ {، نصباً عطفاً على غسل الوجه واليدين؛ ولىنه إلى الكعبين كما حدد إلى المرفقين. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ويل للإعقاب من النار)) يدل على أنه الغسل، وكذل فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسلف هذه الأمة.

وحديث ((ويل للأعقاب من النار))، رواه مالك في الموطأ عن عائشة رضى الله عنها عن النبي عليه السلام، وروى البخاري عن عبد الله بن عمر قال: تخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - عنا في سفرة سافرناها معه فأدركنا وقد رهقتنا الصلاة، ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته ((ويل للإعقاب من النار، مرتين أو ثلاثاً)). فان قيل: فقد قرئ / {وَأَرْجُلَكُمْ {بالخفض عطفاً على مسح الرأس. قيل: فان الأئمة الذين قرءا بالخفض كانوا يغسلون، وحجتهم في القراءة أن من شأن العرب الاتباع على المجاورة، كقولهم: هذا جحر ضب خرب، فيخفضون خرباً على الجوار، والاتباع لضب، ومعناه خرب، لأنه صفة للجحر؛ لان الضب لا يخرب. قال الشاعر: لقد كان في حول ثواء ثويته.

فخفض الثواء على مجاورة الحول. فإن قيل: فقد وصف ابن عباس وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - فمسح على رجليه. قيل: يمكن أن يكون مسح على خفيه. دليله أن قراءة ابن عباس {وَأَرْجُلَكُمْ {بالنصب. السابع: الموالاة مع الذكر. فرض، خلافا لأبي حنيفة، والشافعي. ودليلنا على ذلك قوله تعالى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ {، والأمر المطلق

على الفور. ولما رُوى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ ووالى، وقال: ((هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به)). وهو قول عمر بن الخطاب، ولم يخالفه صحابي، فهذا كالإجماع؛ ولأنها عبادة تبطل بالحدث، فكان للتفريق تأثير في بطلانها، أصله الصلاة. وما روى أن ابن عمر توضأ، ثم خرج إلى السوق، فدُعِي لجنازة، فمسح على خفية. فيحتمل أن يكون ذلك بالقرب، أو يكون نسيهما ذكرهما. فإن قيل: لو كان وجبًا؛ لما افترق عمده وسهوه؟ قيل: هذا غير لازم. دليله: الأكل في الصيام، والكلام في الصلاة أن عمده مفارق لسهوه. وجميع ما ذكرته هو لأصحابنا البغداديين، إلا ما اختصرت وبينت أنه منه. [فصل-5] ذكر أدلة السنن: فأول ذلك: غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء، ثم المضمضة، ثم

الاستنشاق فليس لذلك نص في كتاب الله تعالى فسقط أن يكون ذلك فرضًا. وثبت فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - لذلك في حديث عبد الله بن زيد بن عاصم، وحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه حين وصفا وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدل / أن ذلك سنة. وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - المستيقظ من نومه أن يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها، فإن أحدكم لا يدرى أين باتت يده، وهو في الموطأ، ورواه البخاري. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من الفطرة خمس في الرأس)) فذكر ((المضمضة، والاستنشاق))، والفطرة هي السنة.

وقال عليه السلام: ((من توضأ فانتشر من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج))، فهذا يؤيد -أيضا- أن ذلك غير واجب، كوجوب الفرائض، خلافًا لأبي حنيفة والثوري. وأما مسح ظاهر الأذنين، فالظاهر من قول مالك رحمه الله، وقو أكثر أصحابه: أنهما سنة. وقال بعض أصحابنا البغداديين: أنهما داخلتان في فرض الرأس،

واستدلوا بما روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الأذنان من الرأس))، ويستأنف لهما الماء، قالوا: ومعلوم أنه لا يعلمنا المشاهدات، وإنما يعلمنا الأحكام، وينبهنا عليها، وهذا من أوكد أدلتهم، وليس في ما ذكروه، تحقيق وجوب فرضهما، وإنما أورد -والله أعلم- بقوله: ((الأذنان من الرأس)) أنهما من سنن الرأس سنتهما المسح، كما أن فرض الرأس المسح، كقولنا: إن الأنف والفم من الوجه وسنتهما الغسل، كما أن فرض الوجه الغسل، فأبان - صلى الله عليه وسلم - أن في الرأس فرضًا وسنة كما أن في الوجه فرضًا وسنة، فإذا كان المراد ما ذكرناه لم يكن لهم فيما رووا حجة.

والدليل على صحة قولنا: قوله تعالى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ {إلى أخر الآية ولم يذكر تعالى غسل فم، ولا أنف، ولا مسح أذن، فدل أن ذلك سنة. وأيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خمس من الفطرة في الرأس)) فذكر ((المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين، فدل أنهما سنة، والفطرة هي السنة، ولا اختلاف بين المالكيين في المضمضة، والاستنشاق أنها سنة، فكذلك الأذنان؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن جميع ذلك من الفطرة)). وقد روى /ابن شعبان عن عائشة رضي الله عنها: أن الأذنين من الرأس، وليس المسح عليها فريضة، فهذا نص، وهو كتأويلنا للحديث. وقد قال ابن حبيب، وأبو محمد بن أبى زيد رحمهما الله تعالى -وهما

من أئمة الهدى- وسن الرسول - صلى الله عليه وسلم - المضمضة، والاستنشاق، ومسح الأذنين. أفتراهما يقولان: سن فيما لم يصح عندهما أنه سنة؟ وقد فرق مالك رحمه الله بين حكمهما، وحكم الرأس، فقال: من ترك شيئًا من مسح رأسه/ عامدًا أو ساهيًا حتى صلى أعاد الصلاة أبدًا، ومن ترك مسح أذنيه عامدًا أو ساهيًا حتى صلى، فلا إعادة عليه ويمسحهما لما يستقبل، كقوله في من ترك المضمضة والاستنشاق فهذا يدل أنههما عنده سواء. وبالله التوفيق/. الرابع: تجديد الماء لأذنيه. فلما روىَ أن الأذنين من الرأس، ويستأنف لهما الماء، ولا خلاف بيننا في ذلك. الخامس: مسح داخل الأذنين. فلما روىَ ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ أدخل إصبعيه في حجرتي أذنيه)).

وروي أنه كان إذا توضأ أدخل إصبعيه في صماخيه. السادس: رد اليدين في الرأس إلى حيث بدأ. فلما روى في صفة عبد الله بن زيد حين وصف وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: بدأ من مقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي منه بدأ. ولا خلاف أن رد اليدين ثانية بعد استيعاب مسح الرأس ليس بفرض، وهو عند مالك وأصحابه سنة. قال ابن القصار: ((ولو بدأ بالمسح من مؤخر الرأس لكان المسنون أن يرد يديه من المقدم إلى المؤخر)). قال ابن شعبان: والمسنون أن يبدأ بالمقدم، ويُنهى من بدأ بالمؤخر عن العودة.

السابع: الترتيب. فلما روى في حديث عثمان بن عفان، وعبد الله بن زيد. فإن قيل /: فإن هذا يدل على أنه وجب؛ لأن أفعاله - صلى الله عليه وسلم - على الوجوب، وقد قال تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ {فقد وافق ذلك فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فدل على أنه الواجب، وهو قول الشافعي. فالجواب لهم عن ذلك إجماع النحويين أن الواو لا توجب رتبةً في لغة

العرب التي نزل القرآن بلسانها، ولا حجة لهم أن الحديث أيد وجوبه، لما روى ابن عباس أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - توضأ، فغسل وجهه، ثم ذراعيه، ثم رجليه، ثم مسح برأسه، وروى عن عثمان رضي الله عنه أنه توضأ وعكس وضوئه بملأ من الصحابة، فقال: هكذا رأيتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ؟ فقالوا: نعم، وأن عليًا وابن مسعود قالا: ما نبالي بدأنا بأيماننا أو بأيسارنا، وقالا أيضا: ما نبالي إذا عممنا الوضوء بأي الأعضاء بدأنا. فدل ذلك على بطلان وجوب الترتيب. فإن قيل: فإن الفاء في لغة العرب للتعقيب، وقد قال الله تعالى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ {، فأمر بغسله عقيب القيام

للصلاة، وأنتم تجيزون غسل الرجلين واليدين قبل ذلك. قيل: الفاء عند النحويين إذا جاءت جواباً للشرط لم تكن للتعقيب، وإنما تكون للتعقيب إذا كانت العاطفة، كقولك: "جاءني زيد فعمرو"، وفي الأمر، كقولك إعط زيداً/ فعمراً، وبالله التوفيق. [فصل-6] ذكر أدلة الفضائل: فأول ذلك أن لا يتوضأ في الخلاء؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك مخافة الوسواس. وتحويل الإناء عن يمينه؛ لفعله صلى الله عليه وسلم لذلك؛ ولأنه أمكن لنقل الماء إلى الأعضاء.

والتسمية فضيلة؛ لما روي أنه صلى الله عليه وسلم فعله، وليس له نص في كتاب الله ولا ثبات في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. فإن قيل: فقد روي ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله)). قيل: هذا حديث لم يصح، أوقفه أئمة الحديث ابن حنبل وغيره. والسواك، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل

وضوء)). وهو في الموطأ/ وأن يبدأ بالميامن؛ لما روىّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ((إن توضأ أحدكم، فليبدأ بميامنه)). وأن يبدأ بمقدم رأسه؛ لما روُى أن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله. وتكرار مغسوله؛ فلما روُىّ أنه صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، وقال: ((هذا وضوء

لا يقبل الله الصلاة إلا به))، يريد لا تجزئ بأقل منه، ثم توضأ مرتين مرتين وقال: ((من توضأ مثله أوتى أجره مرتين))، ثم توضأ/ ثلاثاً، وقال: ((هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي)). قال الأبهري: فمرة هو الفرض، ومرتان مستحب، وثلاث فضل، فمن توضأ ثلاثا، فقد أتى بالفرض، والاستحباب، والفضل. وذكر عبد الوهاب في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الوضوء:

((مرة ومرتين وثلاثا، فمن زاد، فقد أساء، وأخطأ)). قال: وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: الثالثة في الوضوء شرف، والرابعة سرف. [فصل-7] في توقيت الوضوء وصفته. قال ابن القاسم: لم يوقت مالك في الوضوء واحدة، ولا اثنتين، ولا ثلاثا، إلا ما أسبغ. وقد قال الله تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)، ولم يوقت واحدة من ثلاث.

وقد اختلفت الآثار في التوقيت: فروى مالك في الموطأ أن عبد الله بن زيد بن عاصم، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم فدعا بوضوء فأفرغ على يديه فغسل يديه مرتين، ثم مضمض واستنثر ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل ذراعيه إلى المرفقين مرتين مرتين، ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما، وأدبر، بأمن مقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي منه بدأ، ثم غسل رجليه. قال ابن وهب: ((قال مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة: أحسن ما سمعنا في ذلك/، وأعمه عندنا في مسح الرأس هذا)).

وروى ابن وهب، وهو في البخاري أن عثمان بن عفان توضأ، فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم مضمض واستنشر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات ثم غسل يده اليمني إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسري مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل اليسرى مثل ذلك، ثم قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قام فركع ركعتين لا يحدث نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه)). قال ابن شهاب: وكان علماؤنا يقولون هذا الوضوء أسبغ ما توضأ به أحد للصلاة. وفي صفة ابن عباس لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مرة مرة، ذكره البخاري أيضاً، وأن عمر بن الخطاب توضأ مرتين مرتين. أبو محمد: قال ابن عباس: ((الواحدة تجزئ، والاثنتان تسبغان، والثلاث شرف، والأربع سرف)). البخاري: وقال ابن عمر: إسباغ الوضوء الإنقاء.

قال ابن حبيب: ليس في الوضوء عدد مؤقت، إلا الإسباغ، وإسباغه كماله وإتمام حدده، لا كثرة صب الماء، وأكمله ثلاث، وأدناه واحدة. قال مالك: ولا أحب الواحدة إلا من العالم بالوضوء، ولا أحب أن ينقص من اثنتين إذا عمتا، ولا يزاد على ثلاث، ولا يزاد في المسح على واحدة، وأما غسل القدمين فلا حد في غسلهما، وينبغي أن يتعاهد عقبيه في وضوئه بالماء. قال غيره: ويجيد عرك مالا يداخله الماء بسرعة لجسارة برجليه أو عرقوبية أو شقوق برجليه حتى يسبغه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ويل للأعقاب من النار)).

[باب-2] في غسل اليدين والمضمضة والاستنشاق والاستثار وغسل الوجه والذراعين ومسح الرأس/ وغسل الرجلين

[باب-2] في غسل اليدين والمضمضة والاستنشاق والاستثار وغسل الوجه والذراعين ومسح الرأس/ وغسل الرجلين. [فصل-1 - في غسل الكفين قبل إدخالهما في الإناء] من الواضحة وغيرها: نهى النبي صلى الله عليه وسلم المستيقظ من نومه أن يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها)). فقيل: إن ذلك لما لعله قد مس من نجاسة خرجت منه، لا يعلم بها، أو غير نجاسة مما يتقذر، وقيل أيضاً: وقد يكو ذلك؛ لأن أكثرهم كان يستجمر بالحجارة، وقد يمس موضع الأذى. والله أعلم. وقال الحسن: معنى ذلك في الجنب من احتلام.

وقال ابن حبيب: ((أو جنب لا يدري ما أصاب يده من ذلك، قال: فإن أدخل هذا يده قبل أن يغسلها أفسد الماء. ولمالك في المجموعة في إدخال يده في الإناء نحوه. وقال أيضاً مالك في المجموعة والمختصر في من أدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها من جنب، أو حائض، أو من مس فرجه، أو أنثييه في نومه فلا يفسد الماء، وإن كان قليلاً، إلا أن يوقن بنجاسة في يده، ولا ينبغي له ذلك، وإن كانت يده طاهرة، وكذلك من انتقض وضووُه)). ومن العتبية قال أشهب: استحب مالك للمتوضئ أن يفرغ الماء على يده اليمنى فيغسلها-يريد-ثم يفرغ بها على اليسري/ فيغسلها. قال عيسى عن ابن القاسم: أحب إلى كما جاء في الحديث: أن يفرغ

على يديه فيغسلها ثلاثا، فإن غسيل يمينه، ثم أدخلها في الإناء أجزأه. قال ابن القاسم: ومن توضأ بعض وضوئه، ثم خرج منه ريح فليعد غسل يده قبل أن يدخلها في الإناء. وقال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب: ومن استنجى ثم قطر منه بول فحلب ذكره فليعد غسل يده قبل أن يدخلها في الإناء، وكذلك من أتم وضوءه، ثم خرج منه ريح قاله مالك استحبابا. وقال أشهب: ليس ذلك عليه إن لم تصب يده نجاسة، وعهده بالماء قريب، إلا أن يبعد ذلك. فصل -2 {حكم ترتيب الأعضاء في الوضوء { م ومن ابتدأ وضوءه فغسل يديه قبل إدخالهما في الإناء، ثم بني/ على

وضوئه، ولم يعد الماء لكفيه، فإن كان إنما قصد بذلك السنة فلا يجزئه، ويعيد ما صلى/ بذلك، وإن قصد بذلك الفرض فتجزئة صلاته، إلا أنه يصير كمن نكس وضوءه. وقيل: لا يجزئه، لأنه غسل يديه قبل وجهه، وقد قال الله تعالى: (إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ إلَى المَرَافِقِ)، وهذا قد غسل يديه قبل وجهه، قاله أبو بكر بن عبد الرحمن وإلى هذا رجع الشيخ أبو محمد بعد أن قال: يجزئه. فصل-3: {المضمضة والاستنشاق من غرفة { قال ابن وهب: "إن النبي (ص) تمضمض واستنثر- ثلاث مرات-، من غرفة واحدة. م ذكر البخاري في بعض رواياته عن عبد الله بن زيد أنه تمضمض واستنثر

ثلاث مرات من غرفة واحدة. وذكر في رواية أخرى عنه: أنه تمضمض واستنثر من كفة واحدة فعل ذلك ثلاث. قال ابن حبيب: "وليبالغ في الاستنشاق ما لم يكن صائماً، كما جاء في الأثر". قال مالك في العتبية: والاستنثار أن يجعل يده على أنفه ويستنثر. وقال

ابن حبيب في شرح غريب الموطأ: الاستنشاق، جبذه الماء بنفسه إلى خياشيمه، والاستنثار نثر ذلك الماء بنفسه إلى خارج. وقال ابن قتيبة في شرح غريب الحديث: "الاستنشاق والاستنثار واحد، وسمي بذلك؛ لأن النثرة هي الأنف، فإذا أدخل الماء في نثرته قيل: استنشق واستنثر. م والأول أبين، لقول النبي (ص): "إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء،

ثم لينثر"، وهو في الموطأ ورواه البخاري أيضاً. فصل -4 [حد الوجه في الوضوء]: قال سحنون في العتبية: حد الوجه في الوضوء دور الوجه كله، واللحي الأسفل منه، وإن كان لا موضحة فيه، كالأنف هو من الوجه، ولا موضحة فيه. وقال ابن وهب: قال مالك: وليس ما خلف الصدغ الذي من وراء شعر اللحية إلى الأذن من الوجه.

قال عبد الوهاب البغدادي: غسله سنة، ولم أره لغيره. قال ابن القاسم عن مالك: واللحية من الوجه، وليمر عليها يده من فضل ماء/ الوجه من غير تخليل، ولا يجدده لها. قال سحنون: ومن لم يمر عليها الماء أعاد، ولم تجزئه صلاته. وأعاب مالك أن يخللها في الوضوء. قال أبو إسحاق في البياض الذي بين الصدغ والأذن: قد اختلف فيه. فقيل: لا يغسل، سواء كان من أمرد أو ملتح، وقيل: يغسل، وقيل: تغسله المرأة والأمرد، ولا يغسله الملتحي. واحتج من قال: لا يغسل: بأنه ليس من الوجه، وأن المرأة تغطيه في

الإحرام فلو كان من الوجه لكشفته؛ لأن إحرامها في كفيها ووجهها. وقال في المجموعة: ولم يأت أن النبي (ص) خلل في وضوئه، وجاء أنه خلل أصول شعره في الجنابة. قال في المختصر: ويحركها في الوضوء إن كانت كبيرة، ولا يخللها/، وأما في الغسل فليحركها، وإن صغرت، ويخللها أحب إلي. أبو محمد: وقال بعض أصحابنا: ومعنى تحريكها في الوضوء: تحريك اليد عليها عند مره الماء عليها؛ ليداخلها الماء؛ لأن الشعر ينبو عنه الماء. ومحمد بن عبد الحكم يرى تخليلها في الوضوء.

قال غيره: وليتحفظ من غسل ما تحت مارنه بيده، وما غار من أجفائه وأسارير جبهته، وليس عليه غسل ما غار من جرح برئ على استغوار كبير أو كان خلقاً خلق به، ولا يجب غسل ما تحت ذقنه، ولا ما تحت اللحي الأسفل منه. {فصل-5: إدخال المرفقين والكعبين في الوضوء { وفي المجموعة، قال ابن نافع عن مالك: وليس عليه أن يجاوز بالغسل المرفقين والكعبين في الوضوء، وإنما عليه أن يبلغ- الماء إليها. قال غيره: هذا قول مالك؛ ولأن إلى غاية. وقد قيل: بإدخالهما في الغسل وإليه نحا ابن القاسم في المدونة، وذكره أبو الفرج عن مالك. قال أبو الفرج: ويؤمر بغسلهما لتوعر التحفظ في مبلغ الغسل إليهما،

وليزال ريب الاحتراس بإدخالهما في الغسل. فصل -6 {صفة مسح الرأس في الوضوء {. قال ابن حبيب: وليأخذ الماء لمسح رأسه بيديه، ثم يرسله، ثم يمسح رأسه بيديه من أصل منابت شعر جبهته إلى آخر شعر قفاه، ثم يعيدهما إلى حديث بدأ. قال أبو محمد: "اختلف في معنى قوله: "بدأ من مقدم رأسه". فقيل أنه بدأ من حد منابت الشعر، وفيل بدأ بناحيته، وكل واسع والأول أصوب. وقد روى أشهب عن مالك: أنه يبدأ من حد منابت الشعر، قال غيره: لأن الرتبة المستحسنة أن يبدأ بأول كل عضو قال/ غيره: وشعر الصدغين من الرأس، يدخل في المسح. قال ابن القاسم في العتبية: ولو مسح رأسه بيد واحدة، أو بإصبع واحدة حتى أوعبة لأجزأه. قال غيره: ولا يؤمر بذلك.

قال مالك: ومن مسح مقدم رأسه أو بعضه وصلى فليعد أبداً، وقال أشهب: إن مسح المقدم لم يعد، وإن مسح البعض أعاد. وقد تقدم أن محمد ابن مسلمة يقول: إن مسح ثلثيه أجزأه، وأن أبا الفرح يقول: إن مسح ثلثه أجزاء. فصل-7 {:-معنى الكعب والعقب وتخليل اصابع الرجلين { قال مالك في العتبية: والكعب الذي إليه الوضوء هو الملتزق بالساق في ظهره المحاذي للعقب، وليس بالظاهر في ظهر القدم. وقيل: هما العظمان اللذان عند معقد شراك النعل. وقال غيره في غير العتبية: العقبان عند مالك مؤخر الرجل

قال ابن حبيب: "وحسن تخليل أصابع رجليه في الوضوء مرغب فيه، وليس كوجوبه في اليدين وأما في الطهر فلا بد من التخليل في ذلك". وقد روي عن مالك أنه ليس عليه تخليل أصابع رجليه في غسل ولا وضوء. قال أبو محمد: يحتمل أن مالكاًَ لم ير ذلك في الرجلين؛ لأنه إذا غسل أصابع رجليه بيديه وجب احتكاك بعض أصابعه ببعض فناب ذلك عن التخليل. وقال غيره: وإنما قال ذلك؛ لاختلاف الناس في غسل الرجلين إذ ثم من يقول فيهما بالمسح فخفف ترك التخليل فيهما لهذا. وقيل: إنما ذلك/ لأنهما كعضو مستور لاجتماعهما.- والله أعلم. فصل-8 {إيصال الماء إلى العضو وكراهة نفض الماء قبل بلوغه العضو { قال أصبغ: ولينقل المتوضئ الماء إلى كل عضو يغسله نقلا، وإن لم ينقل أعاد أبداً.

وسئل مالك عن الرجل يأخذ الماء لوضوئه فإذا حمل الماء نفض يديه منه قال: لا خير في ذلك، وكرهه ولا يجزئه إن فعل. قال عنه ابن وهب: هذا يريد أن يبرق وجهه. وفي البخاري قال أبو هريرة: سمعت رسول الله (ص) يقول: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل/. وأنكر مالك في المدونة قول من قال في الوضوء حتى يقطر أو يسيل، يعني أنه أنكر أن يكون ذلك حده. قال مالك: وقد كان بعض من مضى يتوضأ بثلث المد يعني مد هشام. قال في العتبية: ورأيت عياش بن عبد الله بن معبد، وكان رجلا صالحاً من أهل الفضل والفقه يتوضأ بثلث مد هشام، ويفضل له منه، ويصلي بالناس،

وهو إمام، فأعجبني ذلك منه. وروى البخاري أن النبي (ص) كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد. فصل-9: {في الدعاء بعد الوضوء { قال الشيخ أبو محمد:"وقال الرسول (ص): "من يتوضأ فأحسن الوضوء، ثم رفع طرفه إلى السماء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شرك له، وأشهد أن محمدأ عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء ". وقد استحب بعض العلماء أن يقول بإثر الوضوء: "اللهم اجعلني من التوابين

واجعلني من المتطهرين". ويجب عليه أن يعمل عمل الوضوء احتسابا لله تعالى لما أمره الله تعالى به يرجو تقبله وثوابه وتطهيره من الذنوب به، ويشعر نفسه أن ذلك تأهب وتنظف لمناجاة ربه والوقوف بين يديه؛ لأداء فرائضه، والخضوع له بالركوع والسجود، ويعمل على يقين بذلك، وتحفظ فيه، فإن تمام كل عمل بحسن النية فيه".

باب -3: في الوضوء بما بل فيه شيء من الطعام أو بماء مضاف أو وقع فيه خشاش

باب -3: في الوضوء بما بل فيه شيء من الطعام أو بماء مضاف أو وقع فيه خشاش قال الله تعالى: (وأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) {فصل -1: في حد الماء الطهور { والطهور في اللغة: ما طهر غيره، وتكرر به الطهر. وقال رسول الله (ص): " خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء، إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه". فحكم للماء بالطهورية، إلا أن يتغير أحد أوصافه، لنجس حل فيه أو غيره. قال عبد الوهاب: إلا ما لا ينفك عنه غالباً، مما هو قرار له أو/ متولد عنه، كما لو تغير بطين، أو جرى على كبريت؛ لأنه قراره، أو تغير لطول مكثه،

أو بالطحلب/؛ لأنه متولد عن مكثه. فصل -2 {في حكم الوضوء بالماء إذا خالطه شيء طاهر { ومن المدونة قال مالك رحمه الله: ولا يتوضأ بالماء الذي يُبل فيه الخبز. قال ابن القاسم: وكذلك الفول والعدس والحنطة، وشبه ذلك. وبلغني أن مالكا قال: لا بأس بالوضوء بماء وقع فيه جلد أو ثوب، فأخرج مكانه. قيل له: فما / بال الخبز، فقال مالك: أرأيت إن أخذ رجل جلداً فأنقعه في الماء أياما فابتل الجلد فيه أيتوضأ بذلك الماء؟ فقال: لا. فقال مالك: هذا مثل الخبز، ولكل شيء وجه.

م يريد لسرعة إضافة الخبز للماء، ولو بل رجل كعكاً يابساً في ماء، ثم أخرجه مكانه، ولم يتغير الماء، لم يكن بالوضوء منه بأس، ولو أنقع رجل جلداً مبلولاً فأخرجه مكانه، وقد غير الله، لم بتوضأ به، وإنما العلة تغير أحد أوصاف الماء. م واختلف المتأخرون من علمائنا، في الملح إذا طرح في الماء فذهب بعض شيوخنا: إلى أن ذلك يضيفه، إذا غيرته الإضافة، كوقوع الطعام فيه وخالفه غيره، ولم يجره مجرى الطعام، وترجح فيه ابن القصار. والصواب: أن لا يجوز الوضوء به؛ لأنه إذا فارق الأرض صار طعاماً لا يجوز التيمم عليه، فهو بخلاف التراب؛ لأن التراب لا يتغير حكمه، ولا تخلو بقعة الماء منه. م اختلف في الماء المضاف هل إذا أزال عين النجاسة يزول حكمها؟. والصواب: أن لا يزول حكمها؛ لأن المضاف لا تؤدى به الفرائض ولا النوافل.

فصل-3: [حكم الوضوء بالنبيذ ونحوه] ومن المدونة قال مالك: "ولا يتوضأ بشيء من الأنبذة ولا بالعسل الممزوج بالماء، والتيمم أحب إلى من ذلك كله، ولفظه أحب إلى هاهنا على الوجوب. قال مالك: ومن توضأ بشيء من ذلك وصلى أعاد الوضوء والصلاة أبداً. م قال بعض البغداديين: وقد قال الله تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) فأمر بالتيمم عند عدم الماء، والنبيذ ليس بماء مطلق، ولا يطهر محدثاً إلا الماء المطلق؛ قوله تعالى: (ويُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ). وقول الرسول (ص): "خلق الله الماء طهوراً .. الحديث. فإن قيل: فقد روي أن النبي (ص) / قال لابن مسعود ليلة الجن: هل معك ماء؟ فقال: لا، إلا إداوة فيها نبيذ، فقال النبي:"ثمرة طيبة وماء

طهور" فأخذه، وتوضأ به. قيل: هذا الحديث ضعيف، ضعفه أئمة الحديث، وتكلموا في رواته، فأحدهم أبو زيد قد طعن فيه وضعف، والآخر أبو فزارة كان نباذاً بالكوفة، فروى هذا الحديث لتنفق سلعته، ولا يحتج بمثل هؤلاء في رفع موجب القرآن، ولو كان صحيحاً لنقله الأثبات من أصحاب ابن مسعود؛ لأنه كان يكون من مفاخرة لتفرده بالنبي (ص)، دون سائر أصحابه.

وقد روى أبو داود أن ابن مسعود قال: لم يكن منا مع رسول الله (ص) ليلة الجن أحد، وهو الصحيح. فصل-4: {في الوضوء مما مسته النار ومن أبوال الإبل وألبانها { ومن المدونة قال مالك: ولا يتوضأ من شيء من الطعام والشراب، ولا من أبوال الأبل، ولا من ألبانها، وأحب إلى أن يتمضمض من اللبن واللحم، ويغسل الغمر، إذا أراد الصلاة، ورواه مالك في الموطأ. وروى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم أكل سويقاً فمضمض، وصلى، ولم يتوضأ

وروي عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرب لبناً فمضمض وقال: "إن له دسماً". وقال مالك: وسواء كان طعاما مسته النار أم لا، خلافاً لمن أوجب الوضوء مما مست النار. قال ابن القصار: والدليل لمالك رضي الله عنه ما روى عن جابر أنه قال: كان آخر الأمرين من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار، فذلك ناسخ لما قبله.

وروي مثله عن ابن عباس، قال جابر: وقد أكلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم خبزاً ولحماً، فصلوا، ولم يتوضأوا. وروى مالك في الموطأ، ورواه البخاري عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل كتف شاة، ثم صلي، ولم يتوضأ. ويحتمل أن يكون معنى ما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مما مست النار أنه الوضوء اللغوي، وكذلك فسره معاذ، وقال: إن قوماً سمعوا ولم يعوا كنا نسمي غسل الفم واليد وضوءاً وإنما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمنين أن يغسلوا أيديهم

وأفواههم مما مست النار. فصل-5] حكم الوضوء بالماء المستعمل [ ومن المدونة قال مالك: ولا يتوضأ بماء قد توضئ به مرة ولا خير فيه. قال ابن القاسم: فإن لم يجد غيره توضأ به، أحب إلي، إذا كان الذي توضأ به طاهراً، يريد طاهر الأعضاء من نجاسة أو وسخ. قال: وإن أصاب هذا الماء الذي توضئ به مرة ثوب رجل لم يفسده إذا كان الذي توضأ به طاهراً، يعني ها هنا طاهر الأعضاء من نجاسة فقط. وروى عن مالك أنه قال: لا يتوضأ به بحال، وقاله أصبغ. وقال أصبغ: ومن لم يجد إلا ماء قد توضئ به مرة فليتيمم لأنه غسالة

قال الشيخ أبو الحسن ابن القابسي: إنما كره مالك وغيره الوضوء به، أو الاغتسال منه، وإن لم يتغير، لأنه قد استعمل في الطهارة، ورجا أن يكون خرجت الخطايا معه، أو مع آخر قطرة، كما جاء في الحديث، وأجزأ من تطهر به، من قبل أن استعماله لم يحدث في أوصافه حدثاً. قال غير واحد من البغداديين: وهذه الرواية أولى، دليله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه" وهذا ماء طاهر لم يلاق نجساً، ولا ما أحدث في أوصافه تغيراً، فهو كما لو غسل به شيء طاهر فلم يغيره. فإن قيل: فإنه ماء الذنوب.

قيل: إنما ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - المثل به، لا أن الذنوب تنماع فيه، أو تؤثر في حكمه، وإنما أراد أن المتوضئ به يصير كمن لا ذنب له. والله أعلم. وقيل في الماء الذي توضئ به مرة أنه يتيمم، ويتوضأ به، ويصلي. وذكر عن الشيخ أبي محمد في من لم يكن معه من الماء إلا مقدار ما يغسل به وجههه وذراعيه أنه إن كان يقدر على جمع ما يسقط من أعضائه فعل، ويغسل بذلك باقي أعضائه، ويصير كمن لم يجد إلا ماء قد توضئ به مرة أنه يتوضأ به، فإن لم يمكنه ذلك تيمم. وهذا على قوله: أنه لم يجد إلا ماء قد توضئ به مرة لا يمتنع أن يصلي فيه. قال القاضي أبو محمد بن حسين: يحتمل قوله: "في الكتاب" ثلاثة أوجه: أن يكون معناه لا يتوضأ به بحال، وإن كان المتوضئ به طاهراً، فإن لم يجد

غيره تيمم، وهو قول المغيرة، وروي لمالك، وليس القوي. والثاني: لا يتوضأ به على الانفراد، ويتيمم بعد الوضوء به مع وجود غيره، فإن لم يجد غيره توضأ به إذا كان الذي توضأ به طاهرا ً، وهذا قول ابن القاسم في المدونة وغيرها. وقوله طاهراً، يعني طاهر الأعضاء، وهذا القول أقيس. واستدل لما حكي عن ابن القاسم بأنا إذا أبقينا الاستعمال علمنا أنه لم يؤثر في عينه، فلم يؤثر في حكمه، ألا ترى أنه لم يؤثر في طهارته، فلا يؤثر في تطهيره؛ ولأن مجرد الاستعمال لا يمنع جواز الوضوء به، دليله الثوب يصلي به مراراً، ولو رمى بحجر، ثم رمى به أجزأه، وإن كرهاه؛ ولأن من كفر بطعام، ثم عاد إليه بميراث جاز أن يخرجه ثانية عن كفارة أخرى، فلا يعترض على هذا بالعتق في الكفارات؛ لأن العتق يزيل الملك، ولا يصح إلا في مملوك يفارق الطعام والكسوة الذي يصح عودتهما إلى الملك. فصل-6 {في الوضوء بالماء يقع فيه البصاق أو المخاط أو يقع فيه خشاش { ومن المدونة قال مالك: ولا بأس بالوضوء بالماء تقع فيه النخاعة، والبصاق، والمخاط؛ لأن ذلك طاهر، يريد ما لم يكثر، فيغير الماء، ويصير/ مضافاً. قال مالك: وكل ما وقع فيه من خشاش الأرض في إناء فيه

ماء أو قدر فيه طعام، فإنه يتوضأ بالماء، ويؤكل ما في القدر. وخشاش الأرض مثل: الزنبور، والعقرب، والخنفساء، وبنات وردان، وشبه ذلك، خلافاً للشافعي في قوله: أنه ينجس. قال أبو جعفر الأبهري: وقد قال النبي (ص): "كل طعام أو شراب وقعت فيه دابة ليس لها دم سائل، فماتت فيه فهو حلال، أكله وشربه ووضوءه". ويدل على ذلك قوله عليه السلام:" إذا وقع الذباب في إناء أحدكم

فامقلوه، وفي مقله تعريض لقتله، فلو كان ينجس الماء لما أمر بمقله. قال أبو عبيد: والخشاش هو بفتح الخاء لا برفعها. قال القاضي أبو محمد بن حسين في هذه المسألة: وخشاش دواب الماء ما وقع منه في طعام أو ماء لا يفسد، أي لا ينجسه؛ لأن الأصل في كل ما ليس له لحم ولا دم سائل أن لا ينجس ما مات فيه، وكذلك عن النبي (ص). فإن قيل: والماء وإن ينجس، فإنه يراعى، فإذا لم يتغير فله حكم الطاهر وإن تغير كان مضافاً، ويشرب، ويؤكل الطعام، ولا يؤكل الخشاش؛ لأنه مات حتف أنفه، فلا يؤكل إلا بذكاة وذكاته مثل ذكاة الجراد. وقال أشهب عن مالك في العتيبة: وإذا باعه فليبين؛ لأنه عيب، قيل: لأجل الخلاف فيه/ وإن النفوس تحافة. قال الجوهري: والعلماء يحملهم على أن كل ما لا لحم له ولا دم سائل

لا ينجس ما وقع فيه إلا الشافعي وحده في أحد قوليه. قال في غير كتابه: وأما الوزغة وشبهها فيفسد ما مات فيه؛ لأن لها لحم ودم. م وإذا وقع الخشاش في طعام فتفرقت أجزاؤه فيه حتى لا يتميز فلا يؤكل الطعام، إلا أن يكون الطعام كثيراً والخشاش يسيراً فلا يضره ذلك، كما قيل في القملة تقع في الثريد فلا توجد أن الطعام يؤكل وهذا على قولهم: إن الخشاش لا يؤكل إلا بذكاة. وقيل: إن مسألة الخشاش مبنية على قوله في الجراد. قال مرة: لا يؤكل إذا مات حتف أنفه. وقال مرة: يؤكل، وهو ظاهر مذهبه. قال بعض أصحابنا: وقياسه الخشاش على الجراد فيه نظر، ولعله إنما قال: يؤكل الجراد، وإن مات حتف أنفه، لما جاء "أحلت لنا ميتتان ودمان، فالميتتان: الجراد والحوت".

وقد قال كعب: إن الجراد نثرة حوت، وإن كان عمر لم يرض ما قال كعب: إن الجراد نثرة حوت. فأما الخشاش فلا أصل له في الماء، والله أعلم. قال مالك: ودواب الماء مثل: السرطان، والضفدع، والحوت إذا ماتت في طعام، أو شراب، أو ماء لم تفسده. م يريد؛ لأنها طاهرة العين حلال أكلها بعد موتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم/ في

البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته"، وكذلك ما ماتت فيه، إلا أن يتغير الماء فيصير مضافاً لا نجساً. قال مالك: ومن ملح حيتاناً فأصاب فيها ضفادع قد ماتت فلا بأس بأكلها؛ لأنها من صيد البحر الحل ميتته. قال ابن حسين: وللضفادع حكم صيد البحر، وإذا باع بين قال محمد بن حارث الأندلسي: وعلى هذا أصحاب مالك إلا ابن نافع قال: للضفادع لحم ودم وتنجس ما مات فيه.

[باب-4] في الوضوء بما قد شربت فيه الكلاب والسباع والدواب والدجاج والنصراني والجنب والحائض

[باب-4] في الوضوء بما قد شربت فيه الكلاب والسباع والدواب والدجاج والنصراني والجنب والحائض روي" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الإناء يلغ فيه الكلب سبع مرات". فقيل: إن غسل الإناء سبعاً تعبد، ولو كان الإناء ينجس لطهر الإناء أقل من سبع. وروى ابن وهب أن الرسول صلى الله عليه وسلم ورد على حوش ومعه أبو بكر وعمر، فقيل: يا رسول الله إن السباع والكلاب تلغ في هذا الحوض، فقال: "لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي شراباً وطهوراً"، وقال عمر: " لا تخبرنا يا صاحب الحوض فإنا نرد على السباع، وترد علينا". قال سحنون: فالكلب أيسر مؤنة من السبع، والهر أيسر هما

- مؤنة؛- لأنه يتخذه الناس/. قال أبو جعفر الأبهري: والدليل على أن الكلب ليس بنجس قوله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ)، ولو كان نجساً لأمر بغسل ما أمسك علينا، وقول النبي (ص) في الحياض: "لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي شراباً وطهوراً". ويدل على ذلك أيضاً قوله (ص) في الهرة: "إنها ليست بنجس إنما هى من الطوافين عليكم، أو الطوافات". فوجب أن يكون كل ما

كان من الطوافين بمنزلتها، والكلب قد وجد فيه هذا المعنى. ومن المدونة قال مالك رحمه الله في من توضأ من إناء ولغ فيه كلب وصلى أجزأه، ولا إعادة عليه، وإن علم في الوقت. قال عنه علي وابن وهب: ولا يعجبني ابتداء الوضوء بفضل الكلب، إذا كان الماء قليلاً، ولا بأس به في الكثير كالحوض ونحوه. قال ابن شهاب: لا بأس أن تتوضأ بسؤر الكلب إذا اضطرت إليه. قال مالك: وما ولغ فيه الكلب من لبن أو طعام أكل/ ولا يغسل منه الإناء، وإن كان يغسل سبعاً؛ للحديث ولا أدرى ما حقيقته، وكان يرى الكلب كأنه من أهل البيت، ليس كغيره من السباع. قال ابن وهب وابن حبيب: قال مالك يغسل في الماء واللبن، ويؤكل اللبن ويطرح الماء لجواز طرحه، فأنه يجد أفصل منه؛ فإن لم يجد غيره توضأ به

ورجح عبد الوهاب رواية ابن وهب أن الإناء يغسل من الماء والطعام؛ لعموم الحديث. قال في المدونة: وأراه عظيماً أن يعمد إلى رزق من رزق الله فيلقى؛ لأجل كلب ولغ فيه. م قيل: وجه قوله: إن كان يغسل سبعاً للحديث ففي الماء وحده؛ لأن الأواني التي تتبدل وتجدها الكلاب في الأغلب أواني الماء، فكأن الحديث عنده إنما ورد فيها. ووجه قوله في رواية ابن وهب يغسل في الماء والطعام؛ لعموم الحديث قال الشيخ أبو عمران: قوله: وكان يضعفه، يحتمل أن يكون أراد تضعيف إيجاب الغسل، أو تضعيف الحديث، إذ هو خبر أحاد غير مقطوع به.

والقرآن يعارضه، وهو قوله: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ {، ولم يشترط غسل ذلك. وقال ابن خُويز منداد: إن معنى تضعيف الحديث إنما هو في حمله على العموم؛ لأن عنده إنما يحمل الحديث على السبب، وأن النهي إنما كان في الماء لأمر معلوم ويحتمل أن يكون أراد تضعيف العدد في غسله سبعًا، وهذا لا يصح؛ لأن مالكًا لم يختلف في قوله: ((أنه يغسل سبعًا)) فلم [ير] النقص من العدد، ولا ضعفه. قال غير واحد من البغداديين: وإنما يغسل الإناء عند إرادته استعماله إذ ليس في الأصول ما يوجب غسله، إلا إذا أريد الشيء الذي من أجله وجب الغسل، كالوضوء، وغسل الجنابة، والحيض لا يجب إلا عند إرادة الإنسان الصلاة، وكذلك غسل سائر الأنجاس، وكذلك ما كان غسله تعبدًا، مثل: الخلوق والطيب من ثوب المحرم لا يجب غسله، إلا إذا أريد لبسه. قال ابن القصار: وفي غسل الإناء من ولوغ الخنزير عن مالك روايتان، إحداهما: أنه لا يغسل، وقال مطرف عن مالك هو كالكلب يغسل سبعًا.

فوجه ذلك أنه لما كان الخنزير أكثر أكلًا للأنجاس/ والعذرة من الكلب وورد النص في تحريمه كان أسوأ حالًا من الكلب، وأشد تغليظًا في غسل ما ولغ فيه. ووجه قوله: لا يغسل؛ لأن النص إنما ورد في الكلب؛ لكثرة اقتنائهم له، وأنه يروع المسلمين، فغلظ عليهم فيه، لئلا يقتنوه، وهم لا يقتنون الخنزير، فوجب أن يكون خلافه، والله أعلم. قال أبو بكر بن الجهم وابن سحنون: اختلف قول مالك في غسل الإناء من ولوغ الكلب، فقيل: إنه جعل معنى الحديث في الكلب الذي لم يؤذن في اتخاذه، وهو قول أحمد بن المعذل، وقيل: إنه جعله في

كل كلب. م فوجه قوله الأول: أن الكلاب كثرت في المدينة فكانت تروع الناس فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن اقتنائها، وقال: ((من اقتنى كلبًا إلا كلب ماشية أو صيد نقص من أجره كل يوم من القيراط))، فلم ينتهوا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات)) فعله تشديدًا عليهم، وتغليظًا، فكأن الحديث إنما ورد فيما لم يبح اتخاذه. والله أعلم. ووجه قوله: إنه جعله في كل كلب؛ لعموم الحديث، وهو ظاهر قوله في المدونة يدل على ذلك قوله: وكأنه كان يرى الكلب كأنه من أهل البيت وليس كغيره من السباع. ومن المدونة قال ربيعة ومالك: لا بأس بلعاب الكلب يصيب الثوب، قال مالك: يؤكل صيده، فكيف يكره لعابه؟

فصل-1: [في حكم الوضوء بسؤر الدواب] قال مالك: ولا بأس بالوضوء بسؤر جميع الدواب، الحمار والبغل وغيره وقاله أبو الزناد وابن مسعود وغيرهم. قال ابن القاسم: وإن وجد غيره فهما سواء. م واحتج في ذلك بعض أصحابنا فقال: لما كان الحيوان على ضربين، لا ثالث لهما: أحدهما مأكول لحمه بالذبح، كالشاة والبقرة، والثاني غير مأكول لحمه كالإنسان، وكان سؤرهما طاهرًا، وجب أن يكون الحمار والكلب والسبع مثلهما. ومن الواضحة: وكره بعض العلماء الوضوء بسؤر الدواب التي تأكل أرواثها. وقال ابن القاسم: أكثر الدواب تفعل/ ذلك، فلا بأس بسؤرها، ما لم ير في أفواهها شيئًا من رواثها عند شربها. قال ابن حبيب: وأحب إلى طرحه عند وجود غيره، فإن لم يوجد غيره جاز

الوضوء به، إلا أن يرى ذلك في أفواهها إذا شربت فلا يتوضأ به، سقط في الماء منه شيء أو لم يسقط، والتيمم خير منه؛ لأنه نجس، وأما الجلالة التي تأكل العذرة فلا يتوضأ بسؤرها وليتيمم/. فصل-2 - [في حكم الوضوء بسؤر الطيور والسباع] ومن المدونة قال مالك: وإن شرب من إناء فيه ماء ما يأكل الجيف والنتن من الطير والسباع والأوز والدجاج المخلاة وغيرها فلا يتوضأ به. م يريد ولو كان، كالحوض/ ونحوه، ولم يتغير ذلك جاز الوضوء به؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقى شرابًا وطهورًا)). فأما إن كان مثل إناء الوضوء فلا يتوضأ به. ومن المدونة قال ابن القاسم: والدجاج المخلاة التي تأكل العذرة والطير الذي ياكل الجيف إن شرب من إناء لم يتوضأ به، ويطرح، ويتيمم من لم بجد سواه، ومن توضأ به وصلى أعاد في الوقت.

قال ابن حبيب: هذا إن لم يعلم، ولو توضأ به عامدًا أو جاهلا أعاد الصلاة أبدًا. قال الشيخ أبو محمد: في قول ابن القاسم إذا كان يعيد في الوقت، فكيف يتيمم من لم يجد سواه. وقال ابن الماجشون وسحنون: يتوضأ ويتيمم ويصلي. قال ابن الماجشون: لأني أخا إن تيمم ألا يكون من أهل التيمم، ولعل ذلك الماء يجزئه، وأخاف إن توضأ به ألا يجزئه، فإذا صلى بهما صلى بطهرين أحدهما مستيقن لا شك فيه. قال: وإن هو توضأ بهذا الماء وصلى ولم يتيمم أعاد في الوقت. وقال ابن سحنون: يتيمم ويصلي ثم يتوضأ ويصلى. قال أبو إسحاق: وهو أحوط؛ للاختلاف، وهو أن الشافعي يراه نجسًا، ووافقه أبو حنيفة، فاتقى ابن القاسم اختلاف الناس.

م ولا يبدأ بالوضوء إذا قد ينجس أعضاءه فإن كان الماء نجسًا فقد صلى بالتيمم وهو الواجب عليه، وإن كان الماء طاهرًا فقد صلى به أيضًا. وقال سحنون: ولو كان معه ماءان: أحدهما: نجس لا يدريه فليتيمم ويدعهما لشكه في الطاهر. قال ابن القصار/ وقال ابن أبى سلمة: يتوضأ بأحدهما ويصلى، ثم يغسل أعضائه من الآخر، ثم يتوضأ منه، ويعيد الصلاة، فمتى ذلك حصل وضوئه بماء طاهر لا شك فيه فلا ينبغي له العدول إلى التيمم؛ لأن معه ماء طاهرًا بيقين ذلك ويمكنه الوصول إليه بما ذكرنا. وذكر ابن سحنون أنه يتحرى أحدهما فيتوضأ به، ويصلى، ويجزئه، كما لو كان معه مائة إناء ماء واحد منها طاهرا لتحراه كما يتحرى القبلة إذا

عميت عليه. قال بعض البغداديين: الذي قاس به غير معتدل؛ لأن تمييز شيء من شيئين خفيف يسير بخلاف تمييز اليسير من الكثير؛ لأن ذلك يطول، وشق عليه. وأما قياسه بالقبلة، فالقبلة يجوز تركها مع القدرة في التطوع في السفر وللمسايف والماء النجس لا يجوز الوضوء به على حال. ومن المدونة قال ابن القاسم: وأما إن شرب ما يأكل النتن من الطعام فإنه يطرح إذا أيقنت أن في أفواهها أذى وقت شربها، وما لم تر ذلك فلا بأس به، بخلاف الماء لاتجازة طرحه. وروى على بن زياد أن الماء كالطعام لا ينجس إلا أن يرى في مناقرها أذى عند ولوغها. قال سحنون في السليمانية: وهذا أصح، والدليل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الهر: ((إنها ليست بنجس))، وقد علم أن الهر يأكل النجس والميتة، وغير ذلك.

ومن المدونة قال مالك: وإن كانت مقصورة أو كانت بمكان لا تصيب فيه أذى فلا بأس بسؤرها. قال ابن القاسم: وهى بمنزلة الحمام. وما وقع من خرو الطير والدجاج التي ليست بمخلاة في إناء فيه ماء فلا يفسده/ كما لا ينجس الثور، وأن ابن مسعود ذرق عليه طير فنفضه بإصبعه، وكذلك فعل سالم بن عبد الله، يريد طيرًا لا يأكل الأنجاس. [فصل-3: في حكم سؤر الفارة في الخبز] وقال مالك: ولا بأس بالخبز من سؤر الفأرة، وقيل: بالخبز. وقال ابن عبد الحكم: لا بأس بسؤر الفأرة في الخبز. قال مالك: ويغسل بولها إذا أصاب الثوب.

قال ابن القاسم في العتبية: ومن/ صلى ببول الفأرة أعاد في الوقت. وقال سحنون: لا يعيد، وقد أجازت عائشة رضي الله عنها أكلها. قال أبو بكر بن اللباد: إن كانت بموضع لا تصل إلى النجاسة فلا بأس ببولها. فصل-4 - [حكم الوضوء بسؤر النصراني]. ومن المدونة قال مالك: ولا يتوضأ بسؤر النصراني، ولا بما أدخل يديه فيه. قال ابن القاسم في العتبية: ومن لم يجد ما يتوضأ به إلا سؤر النصراني فليتيمم وهو كالدجاج المخلاة. قال سحنون: إذا أمنت أن يشرب خمرًا، أو يأكل خنزيرًا فلا بأس أن

يتوضأ به/ كان لضرورة أو غيرها. (فصل-5 - :حكم الوضوء بسؤر الحائض والجنب. وما فضل من طهارتهما ( ومن المدونة قال مالك: ولا بأس بسؤر الحائض والجنب وما فضل عنهما من وضوء أو غسل لا بأس بشربه أو بالوضوء منه أو الاغتسال به, وقد اغتسل النبي - صلى الله عليه وسلم - وعائشة رضي الله عنها من إناء واحد. قال بعض البغداديين: ومعلوم لا محالة أنه قد استعمل من فضل مائها. وروي أنه أراد أن يغتسل من ماء في جفنة اغتسلت منه امرأة من نسائه فقالت له بعض نسائه: أتغتسل منه وقد اغتسلت أنا منه من الجنابة؟ فقال: ((إن المؤمن لا ينجس)) , وهذا نص في المسألة بفعله - صلى الله عليه وسلم - وتعليله أن المؤمن ليس بنجس.

قال في المدونة: وقد توضأ ابن عمر بسؤر الحائض والجنب والبعير والبقرة والشاة والبِرْذَوْن والفرس.

[باب-5] في استقبال القبلة لبول أو غائط

[باب-5] في استقبال القبلة لبول أو غائط. (فصل-1: في استقبال القبلة أو استدبارها ببول أو غائط (. روي ابن وهب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا ذهب أحدكم لغائط أو بول, فلا يستقبل القبلة بفرجه, ولا يستدبرها)). ورواه البخاري عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الشعبي: إنما ذلك في الفلوات, فإن لله عباداً يصلون له من خلقه- رويت بالفاء وبالقاف, ويروى خلقا- فأما حشوشكم هذه التي في

بيوتكم, فلا قبلة لها. قال مالك: إنما عني بالحديث الفيافي, ولم يعن بذلك المدائن والقرى, والاستقبال والاستدبار في الفيافي سواء في الكراهة. قال غيره: ورواه البخاري ((وقد رأى ابن عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيت حفصة علي لبنتين مستقبلاً بيت المقدس, مستدبر القبلة لحاجته)). وفي حديث آخر رواه الباجي عن ابن عمر ((أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا

على كنيف مستقبل القبلة, قال: فذكر ذلك للشعبي, فقال: صدق أبو هريرة, وصدق ابن عمر. أما قول أبي هريرة, ففي الصحراء, وأما قول ابن عمر ففي الكنيف, والكنيف بيت وضع للنتن, ليس فيه قبلة استقبل حيث شيئت. قال غيره: فإن قيل: وكيف يجوز لابن عمر أن ينظر إلى ذلك, ويرى العورة؟ قيل: قد يكون ذلك منه التفاته حانت منه من غير قصد, أو يكون قصد رؤية أعلي جسده, يعرف كيف جلوسه, فيستفيد ذلك.

(فصل-2: في آداب الخلاء ( م ويستحب للإنسان إذا هو دخل الخلاء أن يستعيذ, وإذا خرج حمد الله, وذلك لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل الخلاء قال: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث, الرجس النجس الشيطان الرجيم)). وإذا خرج قال: ((الحمد لله الذي أدخله طيباً, وأخرجه خبيثاً)) , وفي حديث آخر ((الحمد لله الذي رزقني لذته, وأبقي في جسمي قوته, وأذهب عني مشقته)).

قال ابن حبيب: ويكره أن يتغوط في ظلال الجدر والشجر وقارعة الطريق, وضفة الماء وقربه, يريد؛ لقول النبي: - صلى الله عليه وسلم - ((اتقوا الملاعن)). وذلك أن هذه المواضع فيها راحة للناس, فإذا وجد ذلك في هذه المواضع أحد قال: اللهم العن من فعل هذا. قال ابن حبيب: ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض. قال غيره: وليستتر بما وجد من هدف, أو جدار, أو حائط نخل, واللذان يذهبان إلي الخلاء فليتباعدا, وكذلك فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويكره أن

يتقاربا, ويكره أن يتحدثا علي طوفهما, ولا يكلم الرجل على طوفه. وروى أصبغ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر به/ رجل, وهو يبول, فسلم عليه, فقال له - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رأيتني علي هذه الحالة فلا تسلم علي, فإنك إن فعلت هذا لم أرد عليك السلام)). (فصل-3: حكم استقبال القبلة ببول أو غائط في المراحيض التي في السطوح ومجامعة الرجل أهله للقبلة ( ومن المدونة قال مالك: ولا بأس بمراحيض تكون علي السطوح, وقال في المختصر لا تستقبل القبلة؛ لبول أو غائط في السطوح التي يقدر أن ينحرف فيها, فأما المراحيض التي قد عملت فلا بأس بذلك فيها. قال ابن القاسم: قال مالك: ولا بأس بمجامعة الرجل أهله مستقبل

القبلة؛ لأن مالكاً لم ير بالمراحيض في المدائن والقرى بأساً, وإن كانت مستقبلة القبلة/ ومنع ابن حبيب أن يجامع الرجل أهله مستقبل القبلة.

(باب-6 (ما جاء في الاستنجاء

(باب-6 (ما جاء في الاستنجاء. (فصل-1: في أدلة الاستنجاء. ومعناه. وحكمه ( قال الله تعالي: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا/وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ {[التوبة:108] , وروي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ((نزلت في أهل قباء, لأنهم كانوا يستحبون أن يستنجوا بالماء, وقالت عائشة رضي الله عنها: استنجى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالماء, وقال: هو شفاء من الباسور, روي بالباء والنون. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من استجمر, فليوتر, والماء أطيب)) , وقال: ((إذا ذهب

أحدكم لغائط فليأخذ ثلاث أحجار يستطيب بهن فتجزئه. قال عبد الوهاب القاضي: وللاستنجاء في اللغة ثلاث عبارات: الاستنجاء والاستجمار, والاستطابة, فالاستنجاء مأخوذ من النجوة, وهو المكان المرتفع وذلك أنهم كانوا إذا أرادوا حاجة الانسان طلبوا النجوة من الأرض يستترون بها فقالوا: لمن التمس ذلك ذهب ينجو, ثم اشتق منه استنجاء, كما قالوا: ذهب يتغوط, أي: يطلب الغائط, وهو ما انخفض من الأرض, ثم سمو الحدث باسم الموضع الملتمس. وقال غيره: هو مشتق من النجاء, وهو القشر, يقال: نجوت القشر, إذا قشرته, فمعني استنجى أي قشر الحدث عنه. قال القاضي عبد الوهاب: والاستجمار مسح موضع الحدث بالحجارة

مشتق من الجمار, وهي: الحجار الصغار, والاستطابة تطييب الجسد بإزالة ما عليه من الحدث. قال الشيخ أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله: وليس الاستنجاء مما يجب أن يوصل به الوضوء لا في سنن الوضوء, ولا في فرائضه, وهو من باب إيجاب زوال النجاسة أن لا يصلي بها في جسده, ويجزيء فعله بغير نية. قال: وقد اختلف فيه وفي زوال النجاسة من الثوب والبدن, فقيل: ذلك واجب كوجوب الفرائض, وقيل: كوجوب السنن المؤكدة, وإلي هذا ذهب غير واحد من البغداديين, ومن بعض ما استدلوا به في الاستنجاء, قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((عشرة من الفطرة)) , فذكر من ذلك الاستنجاء, والفطرة هي السنة. وقوله عليه السلام: ((من استجمر فليوتر, من فعل فقد أحسن, ومن لا فلا

حرج)) , وهذا يتوجه من قوله: ((من فعل الوتر الذي أقله واحدة فقد أحسن, ومن ترك فلا حرج. واستدل من ذهب إلي وجوب فرضه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أو لا يكفي أحدكم أن يستنجي بدون ثلاث أحجار)) , فمنع الإجزاء بدون ذلك. وبقوله: ((إذا ذهب أحدكم إلي الغائط فليستنج بثلاثة أحجار)) , وهذا أمر ظاهره الوجوب.

ووجه قول من قال: إن إزالة النجاسة سنة؛ فلأن الاتفاق علي جواز الصلاة مع اليسير من جنسها, كدم البراغيث وغيره. وعند أبي حنيفة, كقدر الدرهم البعلي من سائر النجاسات, ولو كانت فرضًا لم تجز الصلاة بشيء منها, كالطهارة من الحدث. فوجه قول من قال: إنها فريضة؛ فللإجماع من منع تعمد الصلاة بها, كالطهارة من الحدث. فعلي القول بأنها سنة يأثم من تعمد الصلاة بها, ولا إعادة عليه, وعلي القول بأنها فريضة لا تجزئه, ويعيد أبداً. وعلي الوجهين جميعاً إن صلى بها

ناسياً أو ذاكراً- لا يقدر على إزالتها- فصلاته جائزة؛ لما روي «أنه - صلى الله عليه وسلم - خلع نعليه في الصلاة, فخلع الناس نعالهم, فلما فرغ قال: لم خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعتهما, فقال: «إن جبريل عليه السلام أخبرني أن فيهما قذراً» , وروي نجساً ولم يعد, ولا أمرهم بذلك, وإنما الإعادة في الوقت على وجه الاستحباب. قال أبو محمد: وقيل في الاستنجاء: إن أنقى بحجر واحد أجزأه, وقيل: يمسح باثنين ليتم له ثلاثة, وقيل: لابد له من ثلاثة يخرج آخرهن نقية. قال أبو بكر الأبهري: والذي أرى, أنه إذا أنقى بحجر واحد أو حجرين أجزأه؛ لأن القصد إزالة النجاسة, لا العدد؛ إذا لو لم يزلها بثلاثة أحجار لزاد عليها حتى يزيلها, فكذلك يجزئ إذا زال بدونها.

قال ابن القصار: ويدل علي ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن, ومن لا فلا حرج)) , وأيضًا فالاستجمار بالحجر مسح, والمسح في الشرع لا يجب فيه التكرار, كمسح الرأس والخفين فمتى أنقي وجب الإجزاء. ووجه قول من قال: لا بد من ثلاثة أحجار, فلما روي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهي أن يجتزيء بدون ثلاثة أحجار. ووجه قوله: لا بد من ثلاثة/ أحجار يخرج أحدها نقية, فلما روى خزيمة ابن ثابت قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الاستطابة فقال: ((بثلاثة أحجار ليس فيهن رجيع)).

(فصل-2: في الاستنجاء من الريح ( ومن المدونة قال مالك رحمه الله: ولا يستنجى من الريح, ولكن من البول والغائط, إن بال فمخرج البول الإحليل, وإن تغوط فمخرج الأذى فقط. قال القاضي عبد الوهاب: وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس منا من استنجى من الريح)). م وقال بعض المتأخرين: ولو وجب الاستنجاء بمرور الريح علي فم السفرة, لوجب بمروره علي الثوب غسله. (فصل-3: في صفة الإستنجاء بالماء ( قال الشيخ أبو محمد: وصفة الاستنجاء بالماء, أن يبدأ - بعد غسل يده - فيغسل مخرج البول, ثم يمسح الأذى منه بحجر أو مدر أو خرقة أو غيرها, وإلا فبيده, ثم يغسل يده حتى ينقيها ثم يستنجي, ويوالي صب الماء ويسترخي قليلاً؛ ليتمكن من الإنقاء, ويجيد العرك حتى ينقي, ويزيل اللزوجة,

وذلك في الإبعار أخف منه في الإثلاط, ولا يضره إن بقيت بيده رائحة إذا أنقى. البخاري: وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه, ولا يستنج بيمينه, ولا يتنفس في الإناء إذا شرب)) (فصل-4: في إجزاء الصلاة بالاستنجاء بالحجارة, وما يجوز الاستنجاء به منها ( ومن المدونة قال مالك: ومن تغوط, فاستنجى بالحجارة, ثم توضأ, ولم يغسل ما هنالك بالماء حتى صلى أجزأته صلاته, وليغسل بالماء لما يستقبل. قال في غير المدونة: إلا أن يصيب الأذى غير المخرج, وغير ما لا بد منه فيعيد في الوقت. قال غيره: والأحسن في الاستنجاء أن يجمع بين الحجارة والماء, فإن استنجي بالحجارة فقط وأنقى أجزأه. قال ابن القاسم في العتبية: ولو لم يستنج, ولا استجمر ساهياً أعاد في الوقت, كمن صلى به في ثوبه.

م يريد, ولو فعل ذلك عامداً أعاد أبداً. قال غير واحد من البغداديين: ويجوز أن يستنجى بما يقوم مقام الحجر من آجر وخزف, وخرق وتراب وعود أو غير ذلك؛ لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا قضى أحدكم حاجته, فليستنج بثلاثة أحجار, أو ثلاثة أعواد, أو ثلاث حثيات من تراب)). وروي ((أنه - صلى الله عليه وسلم - استنجى بالُخوص)). قال أشهب في العتبية: سئل مالك عن الاستنجاء بالعظم والحممة فقال: ما سمعت فيه بنهي عام, ولا أدري به بأسًا في علمي, وقال عنه ابن القاسم أنه كره الاستنجاء بالروث والعظم. وقال غيره: لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الاستنجاء بذلك, وفي بعض الأخبار أما العظم فزاد إخوانكم من الجن, وأما الروث, فزاد دوابهم.

وفي البخاري قال أبو هريرة: ((اتبعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وخرج لحاجته, وكان لا يلتفت, فدنوت منه فقال: أتبعني أحجاراً استنظف بها, أو نحوه, ولا تأتني بعظم, ولا روث, فأتيته بأحجار بطرف ثيابي, فوضعتها إلي جنبه, وأعرضت عنه, فلما قضى حاجته اتبعته بهن. وقال ابن حبيب: ونهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الاستنجاء بالعظم والجلد والبعرة والروثة والفحمة, فمن استنجي بذلك, أو بحجر واحد فقد أساء, ولا يعيد صلاته, إذا أنقى. وقال أصبغ في كتاب آخر: يعيد في الوقت ووقته وقت الصلاة المفروض, والله المستعان

[باب- 7] جامع ما يلزم منه الوضوء

[باب- 7] جامع ما يلزم منه الوضوء رُوي عن أبي هريرة، في البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ" قال أبو هريرة: والحدث الريح والصوت ولم يُختلف أن الوضوء منها واجب. قال ابن حبيب: الوضوء يجب من تسعة أوجه/ من الغائط، والريح والصوت، ومن البول، والودي، والمذي، ومن الملامسة، ومن مس الذكر، والنوم. قال الشيخ أبو محمد: وقيل: بخمسة أوجه: لما يخرج من الدبر من ريح أو غائط، ولما يخرج من القبل من بول أو غيره من الرطوبات المعتادة، عدا المني ودم الحيض والنفاس ففي ذلك الغسل، وفي المذي، مع الوضوء غسل الذكر كله. والثالث مس الذكر بباطن الكف، أو بباطن الأصابع. والرابع ملامسة للذة، ويدخل في ذلك القبلة للذة. والخامس: النوم البين وشبيهه، من زوال العقل

بإغماء أو جنون أو سكر. وقيل: بثلاثة أوجه: لما يخرج من المخرجين، وباللماس وشبهه، من مس الذكر والقبلة وبزوال العقل، من نوم أو غيره. وقيل بوجهين: لما يخرج من المخرجين، ويدخل في ذلك النوم وشبهه؛ لأن الوضوء من النوم وشبهه ليس للنوم، ولكن لما يتولد عن النوم من الحدث. والثاني: باللماس وشبهه، من مس الذكر والقبلة. وسيأتي كل فصل منها مبينًا بعون الله تعالى ونصره. [فصل-1 -] في الوضوء من مس الذكر والفرج. روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ، وقال صلى الله عليه وسلم في

حديث آخر: ‹‹من أفضى بيده إلى فرجه ليس بينهما/ حجاب فقد وجب عليه الوضوء››، وقاله عمرو وابن مسعود. قال مالك رحمه الله: ولا ينتقض الوضوء من مس شرج، ولا رفغ، ولا شيء مما هنالك، إلا من مس الذكر وحده، بباطن الكف. قال ابن القاسم:

أو بباطن الأصابع. قال مالك: فإن مسه بظاهر يده أو بباطن ذراعه أو بظاهر يده لم ينتقض وضوءه. وفي مختصر الوقار: وإن مسه بباطن ذراعه فعليه الوضوء. وذهب عروة بن الزبير إلى أن من مس أنثييه يتوضأ، وذهب الشافعي إلى أن من مس دبره فليتوضأ. ودليلنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ‹‹من مس الذكر فليتوضأ››، فدل أن ما عداه بخلافه؛ ولأنها مواضع من البدن لا لذة في لمسها، فأشبهت سائر الأعضاء. قال أبو محمد: اختلف عن مالك في مس الذكر بغير تعمد، فروى عنه

ابن القاسم في المجموعة أنه قال: أحب إلي أن يتوضأ، وقال سحنون. م لعموم الحديث. وروي عنه ابن وهب في العتبية أن لا وضوء عليه، إلا في تعمد مسه، قيل لمالك: فإن مسه على غلالة خفيفة، قال: لا وضوء عليه؛ للحديث. وقال غير واحد من البغداديين برواية ابن وهب هذه، ورأوا أنه من ناحية الملامسة، وأن الأغلب على متعمد مسه اللذة، وكذلك مس المرأة فرجها، قالوا: وأما على غير تعمد، أو بغير لذة، فيحتمل أن يكون معنى رواية ابن القاسم فيه على الاستحباب والاحتياط. قال ابن القصار: والذي عليه العمل من ذلك إذا مس ذكره لشهوة بباطن

كفه أو بسائر أعضائه من فوق الثوب أو من تحته انتقضت طهارته. قال الأبهري: وعلى هذا كان يعمل شيوخنا كلهم. وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الوضوء لا ينتقض من مس الذكر، قالوا: وقد قال يحيى بن معين وابن حنبل: لم يصح حديث في مس الذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا ولو صح لكان معارضًا لحديث طلق بن علي حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من مس الذكر، فقال: ‹‹هل هو إلا ضعة منك››. فوجب

أن يكون ما رويتموه محمولاً على الوضوء اللغوي، الذي هو غسل اليد فالجواب عن ذلك أن من أثبت / إيجاب الوضوء من مس الذكر أكثر عددًا، وأثبت نقلاً من ابن معين وابن حنبل، فقد رواه خمسة عشر نفسًا من الصحابة من بين رجل وامرأة، وغيرهم. وقال به جماعة من الصحابة والتابعين، وأما حديث طلق ففي سنده ضعف، وقيل أيضاً: إنه منسوخ بحديث أبي هريرة؛ لأن أبا هريرة متأخر الإسلام، فهو ناسخ لما قبله. وأما قولهم: يحمل ما رويتموه على الوضوء اللغوي، فقد روينا أنه عليه

السلام قال ‹‹من مس ذكره فليتوضأ›› وضوءه للصلاة مع أن لنا أن نستعمل ما ذكروه من حديث طلق أنه إذا مسه لغير شهوة، ونستعمل ما رويناه إذا مسه لشهوة فيصح بذلك استعمال الأخبار، وبالله التوفيق. وقال الشيخ أبو عمران: أن من قال: إنما يجب الوضوء من مس الذكر إذا مسه لشهوة يقول: إن الوضوء يجب فيه بالقرآن؛ لأنه يرجع إلى الملامسة، ومن قال سواء مسه ساهيًا أو عامدًا، فإنه يتوضأ يرى الوضوء فيه من السنة، وبالله التوفيق. واختلف أصحب مالك في إعادة من صلى بعد مس ذكره، فقيل: لا إعادة عليه، وقيل: يعيد في الوقت. وقال سحنون: يعيد فيما قرب، كاليوم

واليومين. وقيل يعيد أبدًا، وقال ابن حبيب: يعيد الساهي في الوقت والمتعمد أبدًا. فوجه قولهم لا إعادة عليه، أو يعيد في الوقت مراعاة لقوة الاختلاف فيه، ويحتمل أن يكون ذلك في السهو. ووجه قولهم: يعيد أبدًا، فلعموم الحديث ‹‹من مس الذكر الوضوء››، ولم يفرق بين سهوه وعمده، فإذا وجب إعادة الوضوء، وجب إعادة الصلاة، وقد أعاد منه ابن عمر بعد الوقت، ويحتمل أن يكون ذلك في التعمد، وتوسط سحنون قولاً بين القولين. ووجه قول ابن حبيب أنه لما كان الأغلب من مس الساهي أنه لغير شهوة، وأنه غير عابث به، والأغلب في المتعمد أنه قاصد للشهوة وواجد لها وجب عليه أن يعيد أبدًا، والأول في الوقت استحبابًا، والله أعلم. ومن المدونة/ قال مالك: وإذا مست المرأة فرجها فلا وضوء عليها،

وروى علي بن زياد عن مالك أن عليها الوضوء، وأنكره سحنون. وقيل: عليها الوضوء إذا ألطفت أو قبضت عليه، وقاله مالك. -يريد بألطفت إذا أدخلت يدها بين الشفرين-، ولا شيء عليها في مسها لجوانبه، وقاله ابن حبيب. فوجه قوله: ‹‹أن لا وضوء عليها››، فلقوله صلى الله عليه وسلم: ‹‹من مس الذكر الوضوء›› يدل أن ما عداه بخلافه. ووجه قوله: ‹‹أن عليها الوضوء››، فلقوله صلى الله عليه وسلم: ‹‹من أفضى بيده إلى فرجه ليس بينهما حجاب فقد وجب عليه الوضوء››، والفرج اسم عام للذكر، وفرج المرأة؛ ولأنه عضو يجد للمسه اللذة، كالذكر. فأما إذا قبضت عليه أو ألطفت فهي واجدة اللذة لا محالة فيجب أن يكون عليها الوضوء في القولين، والله أعلم.

وقال القاضي عبد الوهاب: في ما روي عن مالك لا وضوء على المرأة في مس فرجها، وما روي أنها تتوضأ، وما قيل: إذا ألطفت، هذا كله ليس باختلاف رواية فمن قال: لا وضوء عليها، فمعناه إذا كان لغير لذة، ومن رأى أن عليها الوضوء معناه إذا التذب به، وأن ذلك مبني على الرواية أن ذلك عليها إذا ألطفت، فهذه مفسرة لما أجمل من غيرها. قال: ومن أصحابنا من يحمل ذلك على روايتين: إحداهما: الوجوب، والأخرى سقوطه، إلا أن تلطف، وهو نحو ما بينا أولاً. ومن المدونة قال مالك: ومن مس ذكره في غسله من جنابته أعاد وضوءه إذا فرغ من غسله، إلا أن يكون قد أمر يديه على مواضع الوضوء منه في غسله، فيجزئه. قال أبو محمد: يريد وينويه. وقال أبو الحسن بن القابسي: لا يحتاج إلى نية. م فوجه قول أبي محمد أنه لما كان الغسل من الجنابة يرفع حدث الجنابة

والوضوء، وأنه لو مس ذكره بعد تمام غسله لم ينتقض عليه إلا الوضوء، ولم يعد جنبا لارتفاع حكم الجنابة عن جميع جسده، فكذلك إذا غسل بعض أعضائه / فناب ذلك الغسل فيها عن الجنابة والوضوء، فإذا مس ذكره انتقض حكم الوضوء، وبقي حكم الغسل قائماً، كما كان ذلك في جميع الجسد؛ لأنه لو تمادى على بقية غسله ولم يعد غسل تلك الأعضاء لأجزأه غسله، ولم يكن عليه إلا الوضوء، فإذا أعاد لها الماء فإنما يعيده للوضوء خاصة، فلا يجزئه. ووجه قول أبي الحسن إن حكم الجنابة باق على تلك الأعضاء، لا يرتفع إلا بتمام الغسل، ألا ترى أنه لو ترك لمعة من جسده متعمداً حتى جف غسله وطال ذلك لابتدأ الغسل من أوله، فإذا أعاد غسل تلك الأعضاء لم يحتج إلى نية، وأجزأته النية الأولى، إذا ليس عليه أن يجدد لكل عضو نية، وبالله التوفيق. قال أبو عمران: في الذي مس ذكره في غسله أنه إذا مر بيديه

على مواضع الوضوء منه أن الغالب في إمرار يده بالماء؛ لما يقع / في نفسه أنه لم يعم تلك الأعضاء بالغسل فهو مستشعر إكمال الطهارة فيجزئه ذلك، وإن لم ينو به الوضوء. والوضوء من مس الذكر في حال الغسل على ثلاثة أوجه: إن مسه قبل غسل شيء من أعضاء الوضوء فلا شيء عليه، ويجزئه الغسل، وإن مسه بعد فراغه من غسله فعليه الوضوء باتفاق، وإن مسه بعد غسل أعضاء الوضوء أو بعضها فهي مسألة الخلاف المتقدمة. [فصل - 2 -] في الوضوء من النوم، وزوال العقل. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((العينان وكاء السه، فمن نام فليتوضأ))، وهذا نص منه عليه السلام في إيجاب الوضوء، وقال في حديث آخر: ((العينان وكاء السه، فإذا

نامت العينان استطلق الوكاء)). قال أبو عبيد في غريب الحديث: والسه حلقة الدبر، والوكاء هو الخيط الذي يشد به فم القربة، فجعل اليقظة للعين مثل الوكاء للقربة، يقول: فإذا نامت العين استرخى ذلك الوكاء، فكان منه الحدث. قال ابن القصار: وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إنما الوضوء على من نام مضطجعًا، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله))، وهذا تعليل منه صلى الله عليه وسلم، وقاله عمر بن

الخطاب رضي الله عنه، وأجمع عليه فقهاء الأمصار. قال ابن حبيب: وذلك إذا استثقل المضطجع، وخالط النوم عقله. م فينبغي على كل نائم استرخت مفاصله، واستثقل نومه الوضوء، وهذا هو الأصل. وقد قال ابن أبي سلمه: من استثقل نوماً على أي حال كان فعليه الوضوء، وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ((من استجمع نوماً، فعليه الوضوء)) وما روى ابن عباس ((أن / النبي صلى الله عليه وسلم دخل على خالته ميمونة، فنام حتى سمع غطيطه، ثم قام فصلى، ولم يتوضأ، قيل: يجوز أن يكون هذا إذا ثبت

كان خصوصًا له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((تنام عيناي ولا ينام قلبي))، ويحتمل أن يكون يغط، ولم يستثقل في نومه وهذا ممكن. ومن المدونة قال مالك: ومن نام في سجوده فاستثقل نومًا، وطال ذلك فعليه الوضوء، وأما من نام نومًا خفيفًا الخطرة ونحوها لم ينتقض وضوءه، فكذلك من نام على دابته شيئًا خفيفًا، فإن طال ذلك فعليه الوضوء، ونومه قدر ما بين العشائين طويل، وهو بمنزلة القاعد. قال: ومن نام محتبيًا في يوم جمعة وشبهه، فذلك خفيف، ولا وضوء عليه؛

لأنه لا يلبث، والجالس بلا احتباء أشد؛ لأنه يثبت، فعليه الوضوء إن كثر ذلك وطال. وقال ابن وهب: وقال أبو هريرة: ليس على المحتبي النائم، ولا على القائم النائم وضوء، وقال ابن شهاب: السنة في من نام راكعًا أو ساجدًا فعليه الوضوء، يريد لأنه قد أمكن نفسه للحدث. م وظاهر هذا خلاف لقول مالك؛ لأن الراكع لا يثبت إذا استثقل نومًا. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ((نام ساجدًا فلم يتوضأ))، ومعناه عندنا أنه لم يستثقل في نومه، ولا استرخت مفاصله، وكذلك علله بعض البغدادين. قال ابن القصار: ومما يدل على أن لا وضوء في الخطرة ونحوها ما روي أن الصحابة كانوا ينامون في انتظار العشاء الآخرة حتى / تخفق رؤوسهم، ثم

يصلون، ولا يتوضأون. وهذا يبطل قول من قال: إن النوم حدث، قليله وكثيره سواء. وما روي ابن وهب ((أن ربيعة سقطت من يده مروحة، وهو ناعس فتوضأ. قيل: معناه: أنه لم يشعر بسقوطها فتخوف أن يكون طال ذلك به. م وقيل النوم على ثلاثة أوجه: نوم لا وضوء فيه، كالخطرة ونحوها، ونوم / القائم وشبهه، ونوم يستحب منه الوضوء، وذلك إذا استثقل ونام فيه ولم يطل، ونوم يجب منه الوضوء وذلك إذا استثقل وطال. وقد شرط الاستثقال والطول في الذي ينام في سجوده والذي ينام مضطجعًا أو جالسًا أولى بمراعاة ذلك، وهذا ظاهر كله. م وما قدمناه أصوب؛ للإجماع عليه.

فصل - 3: [في وضوء من فقد عقله بإغماء أو جنون أو سكر]. قال مالك رحمه الله: ومن أغمي عليه فعليه الوضوء، والمجنون إذا فاق توضأ، ولا غسل عليه يريد إلا أن يجد بلة المني فليغتسل. قال ابن القاسم سواء خنق قائماً أو قاعداً. قال ابن حبيب: وهذا إذا أفاق بحدثان ذلك ولم يجد بلة المني، فأما لو أقام يومًا أو أيامًا فعليه الغسل. م وهذا خلاف لقول مالك، وهو عند مالك على طهارته حتى تثبت نجاسته. قال ابن القاسم: ومن ذهب عقله من لبن سكر منه، أو من نبيذ توضأ، وقد يتوضأ من هو أيسر شأنًا ممن ذكرنا، وهو الذي ينام ساجدًا أو مضطجعًا لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا {الآية. قال زيد بن أسلم: يعني: من النوم.

[فصل - 4 -] في الوضوء من المذي، وسلس البول، وما يخرج من الدبر. وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالوضوء من المذي مع غسل الفرج، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((إني لأجده يتحدر مني مثل الخريزة فإذا وجد ذلك أحدكم فليغسل فرجه، وليتوضأ يعني غير المستنكح)). وروى ابن وهب أن عمر بن الخطاب قال: ((إني لأجده في الصلاة على فخذي كخرز اللؤلؤ فما أنصرف حتى أقضي صلاتي)) /، يعني أنه

كان مستنكحًا في آخر عمره. قال مالك رحمه الله: ومن خرج من ذكره بول، أو مذي المرة بعد المرة لإبردة، أو لعلة توضأ، إلا أن يستنكحه ذلك فيستحب له الوضوء لكل صلاة من غير إيجاب، كالمستحاضة، فإن شق عليه الوضوء لبرد أو نحوه لم يلزمه، وإن خرج ذلك من المستنكح في الصلاة فليكفه بخرقه، ويمضي على صلاته، وإن لم يكن مستنكحًا قطع. قال بكر القاضي: سلس البول والمستحاضة على قسمين: فاللذان لا ينقطع ذلك عنهما على حال فلا وضوء عليهما إذ لا فائدة في أن يتوضئا، وهو يسيل، وإن كان ذلك ينقطع، ثم يعود من وقت إلى وقت فهذان اللذان يتوضآن خيفة أن يخالط ذلك شيء من المعتاد.

وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا، إنما ذلك عرق، وليس بالحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم، ثم صلي))، قال: وقالت: قال: ((ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت))، ورواه مالك في الموطأ، وروي عن أم سلمه نحوه، وقال ابن المسيب: ((تغتسل من طهر إلى طهر، وتتوضأ لكل صلاة، فإن غلبها الدم استثفرت)).

وقال غير واحد من البغداديين: مذهب مالك في كل ما خرج من السبيلين على غير العادة مثل: سلس البول، والمذي، ودم الاستحاضة، ونحوه أن ذلك لا ينقض الطهارة، خلافًا لأبي حنيفة والشافعي؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو سال من قرنك إلى قدمك فلا وضوء عليك))؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم في المستحاضة: ((تصلي، وإن قطر الدم على الحصير)). فلو كان ذلك حدثًا يفسد الطهارة لوجب أن يفسد الصلاة، ولكن لما خرج على غير وجه العادة خرج عن حال

الصحة، ووجب أن لا ينقض الطهارة، قياسًا على دم الجرح / والدمل إذا مصلا. وقال ابن المسيب وغيره في المدونة في الذي يستنكحه المذي يتوضأ، وينضح بالماء /، ثم يقول: هو الماء خيفة الوسوسة. قال مالك: وإذا كثر عليه المذي، لطول عزبة أو تذكر لزمه الوضوء لكل صلاة. قال ابن أبي زمنين: الذي عندي فيمن استنكحه المذي؛ لطول عزبة، أو لعلة، وكان يخرج منه على غير مقارنة شهوة، ولا تعرض للذة فلا ينتقض وضوءه، كذلك فسره عبد الملك. وقال ابن الجلاب في الذي يكثر عليه المذي لطول عزبة: إن كان يستطيع

رفعها بتزويج أو تسري أنه يتوضأ لكل صلاة، وإذا أمذى صاحب السلس بقبلة، أو شهوة، أو بال بول العادة لزمه الوضوء. قال القاضي عبد الوهاب في الذي يخرج منه المذي لإبردة المرة بعد المرة: إنما عليه / الوضوء استحبابًا، لا إيجابًا، وعلى هذا كان يحمل شيوخنا قول مالك، والظاهر من قول مالك وجوب الوضوء، وهو الصحيح؛ لأن علة سقوط الوضوء عن السلس لحوق المشقة بتكراره، وذلك معدوم في الخارج مرة بعد مرة. فصل - 5 - [في الخارج غير المعتاد من الدبر أو القبل] قال ابن القاسم: ولا شيء على من خرج من دبره دود أو دم عند مالك. قال ابن نافع عن مالك في المجموعة: وذلك إذا لم يخالطه أذى. قال ابن القاسم: وكذلك الحصاة تخرج من الإحليل، إلا أن يخرج بإثرها

بول. وقال محمد بن عبد الحكم: من خرج من دبره دود نقي، أو دم صاف فعليه الوضوء. قال أبو محمد: وهذا خلاف لأصولنا في المعتادات. قال ابن القاسم في المدونة: وإذا خرج من فرج المرأة دم فعليها الغسل عند مالك، إلا أن تكون مستحاضة فيستحب لها الوضوء. قال علي عن مالك: وليس على الرجل غسل أنثييه من المذي إذا توضأ، إلا أن يخشى أن يكون أصابهما شيء، فإن لم يصبهما شيء فليس عليه إلا غسل ذكره عند مالك. م يريد فإذا خشي غسل بخلاف الثياب والحصر يشك هل أصابها نجاسة أم لا، تلك تنضح؛ لأن النضح رخصة / وردت فيها، فلا يعدى بها بابها، وللضرورة التي تلحق في غسل الثياب، ولا ضرورة عليه في غسل بدنه.

وفي العتبية ما يدل أن البدن ينضح أيضاً، كالثوب، ونصه مالك. قال ابن القاسم: في الحديث ((غسل ذكرك وأنثييك، وانضح)) وإن كان قد يعبر عن الغسل بالنضح فيتفق المعنى. وقد قال ابن شعبان في من شك في نجاسة ثوبه أو جسده: أجزأه النضح. قال أبو محمد: وما علمت خلافه. وقال بعض القرويين: هذا خلاف، واحتج بما جاء في الحديث ((من انتبه من نومه فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها؛ لأنه لا يدري أين باتت يده))، فقد أمره بغسلها في حال الشك.

وذكر ابن حبيب في الحائض والجنب إذا غسلا ما رأيا من الأذى، ولم ينضحا ما لم يريا وصليا فلا إعادة عليهما، بخلاف من شك هل أصاب ثوبه نجاسة أم لا؟ هذا يعيد في الجهل والعمد الصلاة أبدًا، وفي السهو في الوقت، ونضح هؤلاء إنما هو لطيب النفس، ولينضحا لما يستقبلان. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في الجنب إذا لم ينضح ما يرى في الثوب الذي نام فيه أنه يعيد الصلاة في الوقت. فصل - 6: [فيما يوجبه المذي]. قال مالك: المذي عندنا أشد من الودي؛ لأن الفرج يغسل من المذي، والودي بمنزلة البول. وقال بعض البغداديين من أصحاب مالك: إن معنى غسل الذكر من المذي إنما هو مخرج الأذى. م وليس الأمر كما قالوا. وقد بين في المدونة من رواية علي من مالك ما يدل أن الذكر يغسل

كله، وهو ظاهر الحديث. قال يحيى بن عمر: في من غسل من المذي مخرج الأذى فقط وصلى لم يعد ويغسل ذكره لما يستقبل. قال أبو محمد: وينبغي أن يجزئ غسله بغير نية، كالنجاسة. وقال غيره: من رأى غسل جميعه، فلا يجزئ إلا بنية؛ لأنها عبادة، ومن رأى غسل مخرج الأذى فقط فيجزئ بغير نية، كالنجاسة. وقال أبو العباس الأبياني: لا يجزئ غسله إلا بنية، وإن لم ينوه أعاد أبدًا. قال: ومن غسل مخرج الأذى منه فقط، وصلى / أعاد الصلاة أبدًا.

قال أبو محمد وغيره: وصفة المذي هو ماء أبيض رقيق يخرج عند اللذة بالإنعاظ عند الملاعبة أو التذكار، وهو في المرأة بلة تكون منها عند اللذة. وأما الودي: فهو ماء أبيض خائر يخرج بإثر البول من إبردة أو حمام للرجل والمرأة يجب منه ما يجب من البول. وأما المني: فهو الماء الدافق يخرج عند اللذة الكبرى بالجماع رائحته كرائحة الطلع، وماء المرأة رقيق أصفر يجب منه طهر جميع الجسد بنية. فصل - 7 - : [في الباسور] ومن المدونة قال يحيى بن سعيد: ومن به باسور لا يزال يطلع منه فيرده بيده، فليس عليه إلا غسل يديه إلا أن يكثر ذلك عليه فلا أرى عليه غسلها، وكأن ذلك بلاء نزل به، يعدونه بمنزلة القرحة.

[فصل - 8] في الوضوء من الملامسة والقبلة قال الله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً {، فالمراد به عند جماعة من الصحابة والتابعين: اللمس الذي هو دون الجماع؛ لأنه تعالى ذكر حكم الجنب في الآية، وحكمه الغسل، كحكم الجماع، فلو أراد باللمس الجماع لكان تكريرًا في اللفظ بمعنى واحد، فحمل الآية على كثرة الفوائد / أولى، مع أن الاسم الخاص باللماس هو ما دون الجماع، قال الله تعالى: {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ {. وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأسلمي الذي اعترف بالزنا: ((لعلك قبلت أو لمست))؟ فلو كان اللمس هو الجماع لم يكن في استفهامه فائدة؛ لأنه اعترف بالجماع.

وروى مالك رحمه الله في المدونة أن ابن عمر قال: من قبلة الرجل امرأته، أوجه إياها بيده الوضوء. قال مالك: وإذا مست المرأة ذكر الرجل لشهوة فعليها الوضوء، وإن مسته لغير شهوة لمرض ونحوه فلا وضوء عليها، قال: وكذلك إذا مس أحد الزوجين صاحبه بيده للذة من فوق الثوب أو من تحته فعليه الوضوء أنعظ الرجل أم لا. قال القاضي عبد الوهاب: واعتبرنا في ذلك اللذة، وجعلناها شرطًا في انتقاض الطهارة، وهو قول جماعة من التابعين، فإن عريت الملامسة / من اللذة، لم يجب الوضوء، خلافًا للشافعي.

دليلنا أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل ويلمس، ولا يتوضأ، فمحمله أنه كان بغير لذة، فأشبه مس الرجل الرجل. م ولما كانت الملامسة للذة بيده من دواعي الوطء، وكان الوطء يوجب الطهارة الكبرى، وجب أن يكون ما دونه هو من دواعيه يوجب الطهارة الصغرى. فأما ما كان لغير لذة، ولا قصد به اللذة فليس من دواعي الوطء، فوجب أن لا يوجب شيئًا، ويؤيد ذلك قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ {، فقصده بالملامسة النساء الملتمس منهن اللذة، بدليل أن المراد

به اللمس للذة. ومن العتبية قال علي عن مالك: وإذا مس الرجل زوجته بيده من فوق الثوب، فإن كان الثوب خفيفًا يصل في جسه إلى جسدها فعليه الوضوء، وإن كان ثوبًا كثيفًا لا يصل بجسه إياه إلى جسدها فلا شيء / عليه. م يريد إذا لم يصل بالجس إلى رطوبة بدنها، فهو كالنظر بغير اللذة. فصل - 9 - : [حكم الصلاة خلف من لا يرى الوضوء من القبلة أو مس الذكر] قال أشهب: من صلى خلف من لا يرى الوضوء من القبلة أعاد أبدًا، وإن صلى خلف من لا يرى الوضوء من مس الذكر لم يعد. وقال سحنون: يعيدان جميعًا بحدثان ذلك. قال بعض القرويين: والفرق بينهما عند أشهب أن الوضوء من الملامسة مقطوع بصحته من القرآن، والوضوء من مس الذكر إنما هو من أخبار

الآحاد، وقد ضاده حديث آخر فكان الوضوء منه استحبابًا. فصل - 10 - : [في تقبيل أحد الزوجين لصاحبه] قال ابن القاسم: وإذا قبل الرجل امرأته على غير الفم، أو فعلت ذلك هي به فليتوضأ الفاعل، ولا وضوء على المفعول به ذلك، إلا أن يلتذ فليتوضأ أيضًا. قال مالك في المجموعة: وأما إن قبلها على الفم مكرهة، أو طائعة فليتوضئا جميعاً، يريد؛ لأن الأغلب في ذلك الالتذاذ. وقال عنه ابن نافع في من غلبته زوجته فقبلته - وهو كاره لا يجد لذة - فعليه الوضوء. م يريد قبلته في فم أو غيره في هذا القول، وكذلك قال ابن حبيب عن أصبغ أن عليه الوضوء/، وإن أكره أو استغفل؛ لما جاء أن في القبلة الوضوء مجملاً بلا تفصيل. ابن وهب: وقد قال ابن مسعود وعائشة رضي الله عنهم وابن المسيب

وغيرهم من قبلة الرجل امرأته الوضوء. قال مالك في غير المدونة: ولا وضوء عليه في قبلته امرأته لوداع أو رحمة ونحوه، إلا أن يلتذ. قال غيره: ومحمل ما روي ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل نساءه، ولا يتوضأ، فمعناه ما كان لغير قصد اللذة. قال مالك في العتبية: ولو مس شعرها للذة توضأ، وإن مسه لغير لذة فلا شيء عليه.

قال سحنون: وأما إن لبسته ثوبه أو نزعت خفه فلا وضوء عليهما وإن التذا، وقد يلتذان بالكلام. قال ابن القاسم في المريض الذي لا يجد للنساء نشاطة فأراد أن يجرب نفسه فمس ذراع زوجته فلم يجد لذة فعليه الوضوء؛ لأنه قد وجد اللذة بقلبه حين قصد ذلك. قال أبو محمد بن أبي زيد لابن بكير: قول صح في اللذة بالقلب الوضوء، وما علمت / من قاله غيره، وقد تقدم القول في الوضوء بسؤر النصراني والحائض والجنب مع ما يشبهه.

باب - 8 - : في من شك في وضوئه أو نكسه أو فرقه ناسيا أو عامدا

باب - 8 - : في من شك في وضوئه أو نكسه أو فرقه ناسيًا أو عامدًا فصل - 1 - : [في الشك في الوضوء] وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الشاك في صلاته أن يبني على يقينه، فكذلك الوضوء. قال مالك رحمه الله في من شك في بعض وضوئه فلم يتيقن أنه غسله، فليغسل ما شك فيه، ولو أيقن بالوضوء ثم شك في الحدث، فلم يدر أحدث بعد الوضوء أم لا، فليعد وضوءه بمنزلة من شك فلم يدر أثلاثًا صلى أم أربعًا؟ فليلغ الشك، إلا أن يكون مستنكحًا فلا يلزمه إعادة شيء من وضوء ولا صلاة. قال ابن القصار: واختلف أصحابه في غير المستنكح، فقال بعضهم: هو مستحب، وقال بعضهم: هو واجب، وبهذا أخذ الأبهري رحمه الله، وبه أقول.

قال ابن حبيب: وإذا خيل إليه أن ريحًا خرج منه فلا يتوضأ، إلا أن يوقن به، وكذلك إن دخله / شك بالحس /. م وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: ((لا ينفتل أو لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا)). قال ابن حبيب: وأما إن شك هل بال أو أحدث أم لا؟ فهذا يعيد الوضوء. فصل - 2 - : [في تنكيس الوضوء]. ومن المدونة قال مالك: ومن نكس وضوءه فغسل رجليه قبل يديه، ثم وجهه، ثم صلى أجزأته صلاته، ويعيد الوضوء أحب إلي، وما أدري ما وجوبه. م يريد وجوب الترتيب، أي: ما أدري ما وجه قول من يرى أنه واجب إنكارًا لذلك، وقد قال علي وابن مسعود: ما نبالي بدأنا بأيماننا أو بأيسارنا،

وفي حديث آخر ((ما نبالي بأي الأعضاء بدأنا)). وقال علي عن مالك: في من نكس وضوءه أنه يعيد الوضوء والصلاة، ثم قال: يعيد الوضوء فقط. م أراه يريد نكسه عامدًا في قوله: يعيد الوضوء والصلاة. وقال بكر القاضي وغيره: إنما يجزئه في تنكيس الوضوء إذا كان ذلك سهوًا، وإن تعمد ذلك فهو عابث، لا يجزئه، وصلاته إن صلى باطلة. وقال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: من نكس وضوءه وصلى أجزأته صلاته، ولم يعد في وقت ولا غيره، إن فعل ذلك سهوًا، وغن تعمد أو جهل ابتدأ الوضوء لما يستقبل كان من مسنونه أو مفروضه، وإن كان

سهواً فلا يصلحه إلا في مفروضه يؤخر ما قدم فيصير مرتباً، ويغسل ما يليه كان بحضرة الماء أو بعد إن طال. وقال ابن القاسم: هذا إذا لم يطل، وأما إن طال أخر ما قدم ولم يعد ما يليه، وقد تقدم إيعاب الحجة في الترتيب. فصل-3 - : [في سقوط الموالاة بالنسيان] ومن المدونة قال مالك رحمه الله: ومن توضأ فنسي مسح رأسه، وغسل رجليه، حتى جف وضوءه، وطال ذلك بنى على وضوئه، وإن ترك ذلك عامداً ابتدأ الوضوء. قال: ومن توضأ فترك لمعة من بعض مواضع الوضوء، أو اغتسل من جنابة، أو امرأة من حيض فتركوا لمعة من أجسادهم، ولم يصبها الماء حتى صلوا، ومضى الوقت، فإن تركوها عمداً أعاد الذي توضأ وضوءه، وأعاد الذي/ اغتسل غسله، وأعادوا الصلاة، وإن تركوا ذلك سهواً غسلوا ذلك الموضع فقط، وأعادوا الصلاة، فإن لم يغسلوا ذلك الموضع حين ذكروا استأنف الغسل والوضوء.

م يريد وإن لم يجد الماء حين ذكره، وطال طلبه له ابتدأ جميع طهارته، وهو كمن عجز ماؤه في ابتداء طهارته. ابن وهب: وقد جاء رجل إلى ابن المسيب فقال: إني اغتسلت من الجنابة ونسيت أن أغسل رأسي، قال: فأمر رجلا من أهل المجلس أن يقوم معه إلى المطهرة فيصب على رأسه دلواً من ماء. ابن وهب: وقال ربيعة: لا يكون غسلاً حتى يتبع بعضه بعضاً، فأما من فرقه متخيراً لذلك فليس بغسل. وقاله مالك والليث. قال مالك: وإن نسي المضمضة والاستنشاق من غسل أو وضوء، ومسح جميع أذنيه في الوضوء وداخلهما/ في الجنابة، وهو الصماخ حتى صلى أعاد لما يستقبل، ولم يعد الصلاة.

قال ابن وهب: وقال ابن شهاب وعطاء بن أبي رباح وعبيد الله بن عمر: لا تعاد الصلاة إلا مما ذكر الله تعالى في كتابه. ومن غير المدونة قال مالك: ومن ترك بعض فرض الوضوء ناسياً فذكر بحضرة الماء أتم ما نسي، وأعاد ما يليه، ولو نسي المضمضة والاستنشاق فعل ذلك/ ولم يعد ما يليه، بخلاف المفروض. وقال ابن حبيب: إن ذكر بحضرة الوضوء أعاد ما نسي، وما يليه كان مسنوناً أو مفروضاً، وإن فرق وضوءه فما كان من مسنونه وما يمسح من مفروضه قضى ما نسي فقط، وإن كان مما يغسل من مفروضه وطال أعاد الوضوء ويعيد الصلاة في المفروض كله ما يغسل وما يمسح، ولا يعيد في المسنون. وقال ابن أبي سلمة في غير الواضحة: يبتدئ الوضوء إن طال ذلك كان

مما يغسل أو يمسح. قال حبيب بن الربيع: وما ذكر ابن حبيب/ عن مالك في تفريقه بين المغسول والممسوح فهو غلط ممن نقله عن مالك. م وقد تقدمت الحجة في إيجاب التوالي مع الذكر، وقول مالك فيما ذكرنا الآن هو أولى وهو القياس، وكأن ابن أبي سلمة رأى أن التوالي فرض يبطله النسيان، كالصلاة. وذهب محمد بن عبد الحكم: إلى أن تبعيضه في العمد والسهو سواء، لا يبطله على ما روي عن ابن عمر في تأخير المسح على الخفين. قال ابن القاسم: ولم يأخذ مالك بما روي عن ابن عمر في هذا. قال مالك في المدونة: ومن توضأ بعض وضوئه، ثم عجز ماؤه فقام لطلبه فإن قرب بنى، وإن تباعد وجف وضوءه ابتدأ الوضوء. وإن ذكر في

صلاته أنه نسي مسح رأسه قطع ولم يجزئه مسحه بما في لحيته من بلل وليأتنف مسحه ويبتدئ الصلاة. قال ابن القاسم: ولا يعيد غسل رجليه، إن كان وضوءه قد جف. قال: وقال ابن الماجشون في الواضحة: إن قرب من الماء فلا يمسح به رأسه، وإن بعد فليمسح به رأسه، إن كان بللاً بيناً فيه فضل. م فوجه قول مالك: أن ما بلل اللحية، كماء توضئ به مرة، فلا يمسح به رأسه، كما لا يتوضأ به. ووجه قول ابن الماجشون: أنه وإن كان كماء توضئ به مرة، ما لم يصر مضافاً لوسخ في اللحية فلا بأس بالمسح به عند عدم الماء، ولئلا

يبطل ما تقدم له من غسل، والله أعلم. قال ابن الماجشون: وإن أصاب رأسه الرش فلا يجزئه أن يمسح بذلك، ولينصب يديه ليصيبهما الرش، ثم يمسح بهما رأسه. قال سحنون في العتبية في المسافر لا يجد الماء فيصيبه المطر: يجوز أن ينصب يديه للمطر ويتوضأ، وكذلك إن كان جنباً فتطهر بذلك إن جاءه من ذلك ما يبل به جلده. م وإنما أمر بنصب اليد للماء ليصير ناقلا للماء في الوضوء والغسل، وهذا الصواب، ولو لم ينصب يديه، ولكن أخرج أعضاء الوضوء للمطر أو تعرى للغسل وكان مطراً وابلاً لأجزأه ذلك في الوضوء والغسل، كما لو توضأ أو اغتسل/ تحت ميزاب أو أمر غيره فصب عليه، فإنه يجزئه، والله أعلم. وبه التوفيق.

[باب-9] في مسح المرأة رأسها والطويل الشعر من الرجال ومسح الأذنين وتخليل اللحية ومسح الوضوء بالمنديل ومن ذبح أو قلم أظفاره أو حلق رأسه بعد الوضوء

[باب-9] في مسح المرأة رأسها والطويل الشعر من الرجال ومسح الأذنين وتخليل اللحية ومسح الوضوء بالمنديل ومن ذبح أو قلم أظفاره أو حلق رأسه بعد الوضوء [فصل-1 - : في مسح المرأة رأسها في الوضوء] روى ابن وهب أن عائشة وجويرية زوجتي النبي صلى الله عليه وسلم وصفية زوجة ابن/ عمر كن إذا توضأن يدخلن أيديهن تحت الوقاية فيمسحن بجميع رؤوسهن، وقاله ابن المسيب وابن شهاب وغيرهم. قال مالك رحمه الله: وتمسح المرأة على رأسها كله كالرجل، وتمسح على ما استرخى من شعرها نحو الدلالين وإن كان شعرها معقوصاً مسحت على

ضفرها، ولا تنقض شعرها، وكذلك الطويل الشعر من الرجال قد ضفره سميح عليه. قال مالك في العتبية: يمر بيديه إلى قفاه ثم يعيدهما من تحت شعره إلى مقدم رأسه. قال ابن حبيب: فإن كانت مسدلة الشعر أو الضفائر تمادت بيديها إلى أطرافه، ثم أدخلت يديها من تحته فترد يديها إلى مقدم رأسها وأطراف شعرها قابضة عليه، قال: وإن ضفرت شعرها بصوف أو شعر لم يجزئها أن تمسح عليه حتى تنزعه إذا لم يصل الماء إلى شعرها من أجله، وقد نهي/ أن تصل المرأة شعرها بشيء، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لعنت الواصلة والمستوصلة"

ومن المدونة قال مالك: ولا تمسح على خمارها ولا على غيره، فإن فعلت أعادت الوضوء والصلاة أبداً. قال غيره: لأنها جاهلة، والجاهل كالعامد. قال مالك: وإذا كان في الرأس حناء فلا يجزئ المسح عليها حتى تنزعها فتمسح على الشعر، وقد تقدمت الحجة فيه. فصل-2 - : [مسح الأذنين في الوضوء] ومن المدونة قال مالك رحمه الله: والأذنان من الرأس، ويستأنف لهما الماء وكذلك فعل ابن عمر. قال مالك: فإن تركهما ساهياً حتى صلى فلا إعادة عليه/ كالمضمضة وليعد مسحهما لما يستقبل.

قال مالك في المختصر: ويستحب له تجديد الماء لأذنيه. قال محمد بن مسلمة: إن شاء جدد لهما الماء وإن شاء مسحهما بماء مسح به رأسه، وقال ابن حبيب: من مسح أذنيه بالماء الذي مسح به رأسه فهو كمن لم يمسحهما. قال مالك: ولا يعيد الصلاة. قال: وصفة مسحهما أن يأخذ الماء بهما ويمسح بإصبعيه ظاهرهما وباطنهما، ويدخل إصبعيه في صماخيه، ولا يتبع غضونهما. فصل-3 - : [الاختلاف في مسح الأذنين]. قال أبو إسحاق: وقد اختلف في مسحهما، فقيل: هما سنة على حيالهما، ويجدد الماء لهما، وإن مسحهما بفضل مسح الرأس فكأنهما لم يمسحا. وقيل: إنهما من الرأس، ومسحهما كمسح الرأس، إلا أن تاركهما لا يعيد ليسارتهما، كناسي الشيء اليسير من رأسه، وهذا قول أكثر البغداديين. وقد اختلف فيما يجزئ من مسح الرأس، فقيل: لابد من مسحه كله، إلا ما لا يمكن الاحتفاظ منه، ثم ذكر قول ابن سلمة، وقول أبي الفرج، وقال: هذا بعيد على مذهب أصحابنا.

فصل-4 - : [تحريك اللحية في الوضوء] ومن المدونة قال مالك رحمه الله: وتحرك اللحية في الوضوء من غير تخليل. ابن وهب: وقاله ابن عباس والقاسم بن محمد وربيعة وغيرهم. وقد تقدم كثير من معاني هذا الباب. م قال الأبهري في تحريك اللحية: هذا اختيار/ منه؛ لأن غسل ما تحتهما قد سقط الفرض عنه لغيبته عن المواجهة. قال أبو محمد عبد الوهاب: اختلف أصحابنا في الشعر المسترسل عن اللحية هل يلزم غسله وإمرار اليد عليه؟ فذهبت طائفة إلى وجوب ذلك؛ لقول مالك: إن اللحية من الوجه فيجب غسلها معه. وقال بعض أصحابنا: إنما الواجب غسل الشعر المقابل كما لو كان ظاهراً لوجب غسله دون المنسدل منه، وبه قال الأبهري.

قال غيره: ويجزئ هذا الاختلاف في شعر المرأة المنسدل، والطويل الشعر من الرجال، ومذهبه في المدونة أنه يمسح، وهو قوله: وتمسح على ما استرخى من شعرها نحو الدلالين، وكذلك الطويل الشعر من الرجال. م وما روي عن ابن سيرين أنه ليس من السنة غسل اللحية، قيل: معناه تخليلها، وقيل: معناه لا يستأنف لها ما يغسلها به، وإنما يمر عليها يده بالماء الذي غسل به وجهه، وهذا أبين. [فصل-5 - : في حكم التنشف بالمنديل بعد الوضوء] قال مالك: ولا بأس بالمسح بالمنديل بعد الوضوء. وروى ابن وهب "أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له خرقة ينشف بها بعد الوضوء".

وقال علي في المجموعة: قلت لمالك: أيفعل ذلك قبل غسل رجليه ثم يغسل رجليه/ بعد؟ قال: نعم، وإني لأفعله. قال سليمان بن سالم: وكان جابر بن عبد الله وابن المسيب يكرهان ذلك، ويقولان: "أن الوضوء نور". قال ابن حبيب: قيل لمالك: أن أناساً يقولون: إنه يذهب نور الوجه، فقال: لا بأس به، وما سمعنا بكراهية.

فصل-6 - : [في حكم من قلم أظفاره أو حلق رأسه أو ذبح بعد الوضوء] ومن المدونة قال مالك: ومن كان على وضوء فذبح لم ينتقض وضوءه، وإن قلم أظفاره أو حلق رأسه لم يعد مسحه. قال ابن أبي سلمة: هذا لمن لحن الفقه. قال سحنون: يريد من خطأ الفقه. وذكر أهل اللغة أن اللحن بإسكان الحاء هو الخطأ، واللحن بالفتح هو الصواب، فمن قرأها بالإسكان أراد أن من قال: لا ينتقض وضوءه خطأ، إذا رأى أن الشعر حائل، كالخفين، وليس مثله؛ لأن الشعر من أصل الخلقة فهو مفارق للخف، ومن قرأها بتحريك الحاء رأى أن قولنا هو الصواب. وقيل: إن ابن أبي سلمة يقول: إنه إذا حلق رأسه ينتقض

وضوءه؛ لأنه حائل، كالخف فعلى هذا يكون معنى قل ابن أبي سلمة هذا من لحن الفقه أن قولنا من خطأ الفقه.

[باب-10] في الوضوء من القيء والقلس والحجامة والعرق يقطع والقرحة تسيل

[باب-10] في الوضوء من القيء والقلس والحجامة والعرق يقطع والقرحة تسيل. [فصل -1 - : في الوضوء من القيء]. من المدونة قال مالك: القيء قيثان، فما خرج بمنزلة الطعام فهو طاهر، وما تغير عن حال الطعام فهو نجس، يغسل ما أصاب منه الثوب والجسد، ولا وضوء فيه، خلافاً لأبى حنيفة في إيجابه الوضوء من كثيره. قال غير واحد من البغداديين: والدليل لمالك قوله صلى الله عليه وسلم حين سئل أيجب الوضوء من القيء؟ فقال: لو كان واجباً لوجدته في كتاب الله تعال، ولأن كل خارج من البدن لا ينقض قليله الوضوء فكذلك كثيره، أصله الدموع والبصاق، وعكسه، البول والرجيع.

ومن المدونة روى ابن وهب أن علي بن أبي طالب والقاسم بن محمد وأبا الزناد، وغيرهم قالوا: لا وضوء من القيء، قال ربيعة وغيره: ولا من القلس، قال ابن المسيب وغيره: ولا فيما يخرج من الفم من الدم. قال ابن مزين: والقلس هو ماء، ورما كان مثل القيء، وربما كان طعاماً، فإن كان ماءًا، وأصابه ذلك في صلاته فليتماد فيها ولا شيء عليه، قال ابن القابسي: يعنى إذا كان ما يلقي من ذلك غير فاسد. قال ابن مزين: وإن كان طعامًا، وكان شيئًا يسيرًا تمادى، ولا شيء عليه؛ وإن كان كثيرًا قطع، وتمضمض وابتدأ الصلاة، ورواه ابن القاسم عن مالك. فصل -2 - : [في الوضوء من الحجامة والعرق]: ومن المدونة قال مالك - رحمه الله -: ويغسل المحتجم موضع المحاجم، ولا يجزئ مسحها، وقاله ابن عمر وابن عباس، وغيرهم، وقال يحيى بن سعيد:

- فى العرق يقطع - مثله. قال مالك: فإن مسحها وصلى أعاد في الوقت بعد أن يغسلها. يرد إن مسحها ساهيًا وقال أبو عمران: سواء مسحها ساهيًا أو عامدًا فإنما يعيد في الوقت؛ للاختلاف في جواز المسح عليها، وقد روى عن الحسن وغيره: أنه ليس عليه غسلها. وقال ابن حبيب: لا يعيد، وما روى عن ابن المسيب وغيره من قتل الدم في الأصابع أكثر من هذا. فوجه قول مالك: أنه دم كثير وجب غسله فلا يزيله إلا الماء، وكذلك فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ولا ينقض الوضوء دم الحجامة عند مالك، ولا ما

شاكله مما يخرج من البدن. قال ابن القصار: دليله ما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم فلم يزد على أن غسل أثر محاجمه وصلى، ولم يتوضأ. البخاري: وقال ابن عمر والحسن في من احتجم: ليس عليه إلا غسل محاجمه، وعصر ابن عمر بثرة فخرج منها دم فصلى ولم يتوضأ، وبصق ابن أبي أوفى دمًا فمضى في صلاته. ابن وهب: وقال ربيعة وابن شهاب - في الجرح يمصل - مثله، وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلى والجرح يثغب دمًا.

فصل -3 - : [في القرحة تسيل]: ومن المدونة قال مالك - رحمه الله -: وكل قرحة إن تركها صاحبها لم تسل، وإن نكأها سالت فإن هذا إذا نكأها فخرج منها دم أو غيره أو خرج ذلك من غير أن ينكأها، فأصاب ذلك ثوبه أو جسده غسله، وإن كان في الصلاة قطع، ولا يبنى إلا في الرعاف، إلا أن يخرج منها الشيء اليسير فليفتله ولا ينصرف، وإن كانت لا تكف تمصل من غير أن ينكأها فليصل، وليدارها بخرقة ما استطاع، ولا يقطع لذلك صلاته، وإن أصاب ثوبه فلا بأس أن يصلي به، إلا أن إلا أن يتفاحش فأحب إلىّ أن يغسله، ولا يصلي به.

[باب - 11] في من وطيء على نجاسة، وحكم النجاسة في البدن والثوب وغيره وبول الصبي والبول قائما

[باب - 11] في من وطيء على نجاسة، وحكم النجاسة في البدن والثوب وغيره وبول الصبي والبول قائمًا [فصل -1 - في من وطئ على نجاسة]: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدرع "يطهره ما بعده ". قال مالك - رحمه الله: ومعنى ذلك في القشب اليابس. وقيل: إن تأويل ذلك إذا سحبت ذيلها في أرض ندية نجسة، ثم تجره بعد ذلك على أرض طاهرة. قال مالك: ومن وطئ بخفيه أو نعليه على دم أو عذرة أو بول لم يصل به

حتى يغسله، وإن وطئ على أرواث الدواب الرطب وأبوالها دلكه وصلى به، قال ابن حبيب: إنما هذا في الخف خاصة؛ لأن النعل يخف نزعه. قال ابن القاسم: وكان مالك يقول: من وطئ بخفيه على أرواث الدواب الرطب فلا يصل به حتى يغسله، ثم قال: أرجو أن يكون ذلك واسعًا، وما كان الناس يتحفظون هذا التحفظ. قيل: إنما فرق في أجد قوليه بين العذرة وزبل الدواب؛ لأن الطرق لا تخلو من زيل الدواب، بخلاف العذرة، فخفف لهذه الضرورة، وأيضًا فإن الدم والعذرة متفق على نجاستهما، وزبل الدواب مختلف في نجاسته. ابن وهب وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذ جاء أحدكم المسجد ليلاً، فليدلك نعليه، وإن كان نهاراً فلينظر إلى أسفلهما ".

وقال عطاء: كان الصحابة رضي الله عنهم يمشون حفاة فما مشوا عليه من قشب رطب غسلوه، وإن مشوا على يابس لم يغسلوه. ومن العتبية: وسئل مالك عن الذي يتوضأ ثم يطأ على الموضع القذر الجاف، فقال: فلا بأس بذلك، وقد وسع الله سبحانه على هذه الأمة. قال أبو بكر بن اللباد: وذلك إذ مشى بعد ذلك على الأرض طاهرة؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن الأرض يطهر بعضها بعضًا "، يريد وقت جفت رجلاه.

ومن المدونة قال مالك: ولا بأس بطين المطر، وماء المطر المستنقع في السكك والطرق يصيب الثوب أو الجسد أو الخف أو النعل وإن كان فيه العذرة، وسائر النجاسات، ومازالت الطرق وهذا فيها، وكانوا يخوضون طين المطر ويدخلون ويصلون، ولا يغسلونه، قال أبو محمد: يريد ما لم يكن غالبًا أو عينًا قائمة. وروى وكيع أن كميل من زياد قال: رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يخوض طين المطر، ثم دخل المسجد فصلى، ولم يغسل رجليه. فصل -2 - : [في الدم يصيب الثوب]: قال مالك: ومن رأى في صلاته دمًا يسيرًا في ثوبه: دم حيض أو غيره تمادي، ولم يقطع صلاته ولم ينزعه، ولو نزعه لم أر به بأسًا، وحكي عن ابن القابسي أنه ينزعه رأسًا، وإن كان قميصًا. يريد إذا كان عليه ما يستره، وإلا لزمه تمام الصلاة به.

البخاري: وكان ابن عمر إذا رأى في ثوبه دمًا، وهو يصلي وضعه، ومضى في صلاته. قال مالك: وإن كان كثيرًا قطع ونزعه، وابتدأ الفريضة بإقامة، وإن كان أمامًا استخلف، وإن رآه بعد فراغه من الفريضة، أعادها في الوقت. قال ابن القاسم في المدونة: وإن كانت نافلة فرأى ذلك بعد ركعة قطع، ولا قضاء عليه للنافلة إلا أن يشاء. قال ابن وهب: قال ابن شهاب: "بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد في فى ثوبه دمًا في الصلاة فانصرف ". قال ابن حبيب: ولو رأى الدم اليسير في ثوبه قبل أن يدخل في الصلاةـ، فلا يصل به حتى يغسله، وإنما الرخصة فيه إذا رآه وهو في الصلاة، أو بعد فراغها، قال أبو محمد: وبعض أصحابنا رأى أن قدر الدرهم فأقل منه، لا يعيد منه الصلاة.

وذكر ابن عبد الحكم إن قدر الدرهم كقدر فم المخرج، فلا تعاد منه الصلاة؛ لاستجازة الصلاة بالاستجمار. وأنكر مالك في العتبية قدر الدرهم، وقال: لا أجيبكم إلى هذا الضلال الدراهم تختلف، وبعضها أكبر من بعض، وذكر ابن حبيب عن مالك أن قدر الخنصر قليل، وقدر الدرهم كثير. قال غيره: وذهب بعض الناس إلى أن قدر الدرهم فأقل منه معفو عنه من سائر النجاسات قياسًا على فم المخرج، والدليل على فساد ذلك أن الاستجمار إنما أبيح للضرورة التي تلحق فيه، وأنه ملازم لهم في كل الأوقات، وقد يعدم الماء في ذلك، والنجاسة فليست ملازمة لهم، ولا ضرورة تؤديهم إلى الصلاة بها، ومن الدليل لقولنا: ما روى "أن النبي صلى الله عليه وسلم خلع نعله في الصلاة، وقال: "أخبرنى جبريل أن فيها قذراً "، ولم يبين قدر الدرهم أو أكثر. والفرق بين قليل الدم وكثيره أن كل ما حرم أكله لم تجز الصلاة به،

وإنما حرم الله تعالى الدم المسفوح؛ لقوله تعالى: (أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا) فدل أن ما لم يكن مسفوحاً حلال طاهر، وذلك للضرورة التي تلحق الناس في ذلك، إذ لا يخلو اللحم وإن غسل من أن يبقى فيه دم يسير، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: لو حرم قليل الدم لتتبع الناس ما في العروق، ولقد كنا نطبخ اللحم والبُرْمَة تعلوها الصفرة، ولذلك فرق أيضًا بين قليل الدم وبين قليل سائر النجاسات؛ لأن قليل سائر النجاسات حرام أكلها وشربها، وأيضًا فإن الإنسان لا يخلو في غالب الأحوال من بثرة أو حكة أو دم برغوث فخفف لهذا، ونحو هذا لأصحابنا البغداديين. والله أعلم.

ومن المدونة قال ابن القاسم: والقيح والصديد عند مالك بمنزلة الدم، والدم عند مالك كله سواء، دم حيض أو سمك، أو ذباب أو غيره، يغسل قليله وكثره. ابن وهب: وأن خولة بنت يسار قالت: يا رسول الله أرأيت إن لم يخرج أثره؟ قال: " يكفيك الماء، ولا يضرك أثره ". قال ربيعة ومالك: ولا يغسل من دم البراغيث إلا ما تفاحش أو كثر. قال أبو محمد: وقد روى ابن وهب عن مالك: أن من صلى بدم الحيضة أو دم الميتة أو العذرة أو البول أو المني فإنه يعيد الصلاة أبداً. لعله يريد فى العمد، وإن كان يسيراً، بخلاف الدم. قال سحنون: وروى ابن نافع وابن أشرس، وعلي بن زياد عن مالك أن

دم الحيض، كالبول تعاد الصلاة من يسيره في الوقت. ومن العتبية قال مالك": في السيف يقاتل به الرجل في سبيل الله فيكون فيه الدم فليس عليه غسله، قال فى المختصر: ويصلي به. قال عنه ابن القاسم: مسحه أو لم يمسحه، قال عيسى: يريد في الجهاد والصيد لعيشه. فصل -3 - [في حكم الخارج من الإنسان والحيوان والطيور]: ومن المدونة قال ابن القاسم: والبول والرجيع والمني وخرو الطير التي تأكل الجيف، والدجاج التي تصل إلى النتن وزبل الدواب، وأبوالها قليلة وكثيرة سواء يغسل وإن ذكر في الصلاة أنه في ثوبه أو رآه قطع، كان وحده أو مأمومًا، ونزعه، وابتدأ الصلاة بإقامة، وإن كان إماماً فليستخلف، ومن صلى بذلك، ولم يعلم أعاد في الوقت، فإن ذهب الوقت لم يعد، قال:

قيل له: فإن رآه بل أن يدخل في الصلاة - زاد في المبسوط فنسي حتى دخل - قال: هو مثل هذا مله يفعل فيه كما يفعل فيما فسرت لك في هذا. وقال ابن القصار: إذا رأى النجاسة في الصلاة وعليه ما يستره غير ذلك الثوب فإنه ينزعه عنه، ويمضى على صلاته، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في النعل الذي خلعه، وهو في الصلاة لما أخبر أن فيه نجاسة. وهذا خلاف لمالك وأصحابه، وقد روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم انصرف من الصلاة لدم وجده في ثوبه، ويحتمل أن يكون الفرق بين الثوب والنعل أن الثوب لابس له فهو حامل لتلك النجاسة، والنعل هو واقف عليه والنجاسة في أسفله فهو كما لو بسط على النجاسة جلدًا أو ثوبًا كثيفًا، فإذا علم بتلك النجاسة أزال رجله منه غير محرك له، فسلم من حمل النجاسة وتحريكها، والله أعلم. فصل -4 - : [في حكم أبوال الإبل]: ومن المدونة قال مالك: ولا بأس بأبوال ما يؤكل لحمه مما لا يأكل

الجيف وأرواثها إن أصاب الثوب خلافًا لأبي حنيفة والشافعي في قولهما أنها نجسة. قال أبو جعفر الأبهري: والدليل لمالك ما رواه البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أكل لحمه فلا بأس ببوله "، وروى ابن الزبير أنه قال: "ما أكل لحمه فلا بأس بسلحه "، وقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم للعرنيين شرب أبوال الإبل، فدل ذلك على طهارتها، وهو في البخاري.

م وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أكل لحمه فلا بأس ببوله وبسلحه "، دليل أن ما لا يؤكل لحمه بوله وسلحه تجس، وأن الأبوال مقيسة على اللحوم. ومن المدونة وقال مالك: إن أهل العلم لا يرون على من أصابه شيء من أبوال الإبل والبقر والغنم شيئًا، وإن أصاب ثوبه لم يغسله ويرون على من أصابه شيء من أبوال الدواب الخيل والبغال والحمير أن يغسله. والذى فرق بين ذلك أن تلك تشرب ألبانها وتؤكل لحومها، والخيل والبغال والحمير لا تُشرب ألبانها ولا تؤُكل لحومها. وقال ربيعة في من صلى وفي ثوبه أو جسده شيء من بول أو رجيع قال: إن كان مما يكون من الناس فيلعد صلاته في الوقت، فإن فاته الوقت

لم يعد وأن ابن عمر أمر من صلى وفي ثوبه احتلام أن يعيد بعد الوقت. قال سحنون: وإنما الحديث بهذا حجة على من زعم أنه لا يعيد في الوقت. انظر قول ربيعة إن كان مما يكون من الناس فليعد في الوقت يدل قوله إن كان مما يكون من الدواب وغيرها لم يعد، والله أعلم. ومن العتبية قال مالك: وما أصابه من بول الفرس في أرض العدو فأرجو أن يكون خفيفًا إن لم يجد من يمسكه له، وأما في بلد الإسلام فليتقه جهده، ودين الله يسر.

فصل -5 - : [في حكم المني يقع في الثوب]: ومن المدونة قال مالك رضي الله عنه: ولا يجزئ فرك المني من الثوب حتى يغسل بالماء؛ لأنه نجس خلافًا للشافعي. دليلنا: أنه مائع خارج من السبيل فأشبه البول؛ ولأنه مائع يوجب البلوغ كدم الحيض، ولو كان طاهرًا في الأصل لوجب أن بنجس بجريه في مجرى البول النجس، وروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان في سفر فأجنب فحضر صلاة الصبح ومعه جماعة من الصحابة فانتظر غسل ثوبه حتى كاد أن تطلع الشمس، فقال عمرو بن العاص: قد أصبحنا ومعنا ثياب فلو لبست منها وصليت إلى أن يغسل ثوبك؟ فقال: لو فعلت ذلك لكانت سنة. فهذا يدل على نجاسة المني؛ إذ لو كان طاهراً لصلى به، ولكان من معه من الصحابة يقولون: إنه طاهر، وهذا يجرى الإجماع الذي هو أولى من خبر

الواحد، وروي عن عائشة أنها قالت كنت أغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يخرج إلى الصلاة وأن بقع الماء في ثوبه، وذكره البخاري من طرق. فإن قيل: فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يخرج إلى الصلاة قيل: وقد روي أن بالماء فركته عائشة.

[فصل-6: فيما تزول به النجاسة من البدن والثوب] قال مالك رحمه الله: فلا يزيل النجاسة من الثوب والبدن إلا الماء، وقد روى يحيى بن سعيد وغيره عن أنس أن أعرابيا بال في المسجد فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصب على بوله ذنوباً أو ذنوبين من ماء فزال حكم النجاسة لغلبه الماء، وكره مالك لمن في ثوبه قطرة من دم أن ينزعه بفيه ويمجه، قال: ولكن يغسله بالماء. فصل-7:] في حكم النجاسة تقع في الثوب [ ومن المدونة قال مالك: ومن أيقن أن نجاسة أصابت ثوبه، ولا يدري موضعها غسله كله، وقاله ابن عمر وأبو هريرة. قال مالك: وإن علم تلك الناحية غسلها وإن شك هل أصابه شيء أم لا؟ نضحه بالماء، والنضح من أمر الناس، وهو طهور لكل ما شك فيه

وقد نضح النبي - صلى الله عليه وسلم - الحصير الذي أسود من طول ما لبس، وغسل عمر رضي الله عنه ما رأى من الاحتلام في ثوبه ونضح ما لم ير. قال ابن حبيب: وإن صلى به ولم ينضحه أعاد الصلاة أبداً، في العمد والجهل، وأما في السهو ففي الوقت. قال الشيخ أبو محمد: ورأيت لبعض أصحابنا في من ذكر لمعة من الوضوء من إحدى يديه لا يدري من أي يد، إلا أنه يعلم موضعها من إحدى اليدين أنه إن كان بحضرة الماء غسل ذلك الموضع من يده اليمنى، ثم غسل يده اليسرى، وأتم بقية وضوئه، وإن طال غسل ذلك الموضع من اليدين جميعاً. فصل-8:] حكم بول الآدمي يصيب الثوب أو البدن [ ومن المدونة قال سحنون: قلت لابن القاسم: فما تطاير علي من البول

مثل رؤوس الإبر؟ قال: لا أحفظ هذا بعينه عن مالك، ولكن قال مالك: يغسل قليل البول وكثيره. قال مالك: وبول الغلام والجارية سواء يغسل، وإن لم يأكلا الطعام، وأما الأم فأحب إلى أن يكون لها ثوب للصلاة غير الذي ترضع فيه، فإن لم تقدر صلت فيه، وتدرأ البول جهدها، وتغسل ما أصابها من البول جهدها. قال ابن شعبان: وروي عن مالك أنه قال: لا يغسل الثوب من بولهما حتى يأكلا الطعام. وفرق ابن حبيب بين بول الصبي والصبية، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يغسل بول الصبية، ويرش بول الغلام"

ولما روي أن الرجل خلق من تراب فإذا مسه الماء طابت رائحته، والمرأة خلقت من ضلع فإذا مسه زاد نتناً. قال أبو الحسن بن القابسي: وليس بمثل هذه الحجة تقوم التفرقة في الأحكام، ومالك أعلم بهذا من غيره. قال غير واحد من البغداديين: والصحيح من ذلك ما قاله مالك دليله أنه لما اتفق على نجاسة تفل الصبي/ والصبية، فكذلك بولهما، ولا فرق بين صغير ولا كبير ذكراً أو أنثى في الأتفال، فكذلك في الأبوال. فإن قيل: فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يغسل بول الصبية ويرش بول الصبي" فقد فرق بينهما.

وقد روى البخاري أن أم قيس أتت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بابن لها صغير لم يأكل الطعام فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه، ولم يغسله. قيل: فقد قال مالك: هذا ليس بمتواطئ عليه، يعني على العمل به، فلا ينبغي أن يعدل عن الأصل بمثل هذا، ويحمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرش وفي النضح، النضح الذي هو كالغسل. فصل-9:] في حكم البول قائماً [ ومن المدونة قال مالك: ولا بأس بالبول قائما في رمل أو نحوه مما

لا يتطاير فيه، وأكرهه بموضع يتطاير فيه، وليبل جالساً، وبال النبي - صلى الله عليه وسلم - قائماً ومسح على خفيه، وهو في البخاري. وقال ابن نافع في المجموعة: وبال ابن عمر قائما من كبر، وبال ابن المسيب قائماً. يريد والبول جالساً أحسن، وأستر. ] فصل-10: حكم البول في المياه والحفرة والمغتسل [ ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبال في الماء الدائم ثم يتوضأ منه أو يشرب. قال ابن حبيب: ولا بأس بالبول في الماء الجاري، ويكره في الراكد، وإن

كثر، ويكره أن يبال في المهواة، وليبل دونها، ويجري إليها، وذلك من ناحية الجن ومساكنها، ولا بأس أن يبول في موضع غسله إن اتبعه ماء، وكان منحدراً، ولا يبول في حجر، لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك، وقال: إنها مساكن الجن. وقيل: إن موت سعد بن عبادة كان من أجل أنه بال عليها في أجحارها.

[باب-12 -] في المسح على الجبائر ووضوء الأقطع

[باب-12 -] في المسح على الجبائر ووضوء الأقطع ] فصل-1: حكم المسح على الجبيرة ونحوها [ روى "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر علياً بالمسح على الجبائر" ولما كان المسح على الخفين جائزاً، للضرورة في نزعهما كان المسح على الجبائر أجوز، للضرورة في ذلك، ولما كان المسح على الخفين أيضاً إنما هو مرة واحدة، لأن أصله التخفيف انبغى أن يكون المسح على الجبائر مثله. قال مالك رحمه الله: يمسح على الجبائر. ابن وهب: وقاله الحسن البصري وإبراهيم النخعي وغيرهم. وقال مالك: يمسح على القرطاس أو الشيء يجعل على الصدغ. وقال عنه ابن القاسم: ويمسح على الظفر يكسى دواء أو مرارة. قال ابن القصار: وسواء كان محدثاً أو على طهارة، ولا يعيد إذا

صلى بذلك. دليله ما روى أن علياً رضي الله عنه قال: "انكسرت إحدى زندي فشددتها وسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوضوء فقال: "امسح عليها" ولم يفرق بين شدها على طهر أو حدث، ولا سأله عن ذلك، فلو كان الحكم يختلف عنده لسأله عنه ثم بين له الحكم فيه، فلما أطلق له المسح مع جواز أن يكون شدها وهو محدث علم أن الحكم لا يختلف، وأيضاً فإن ضرورته أشد من ضرورة لابس الخف، لأنه يمسح على الخف مع القدرة على نزعه وغسل رجليه، وهذا لا يقدر على غسل ما تحت العصائب، فهو يمسح عليها مضطراً غير مختار. وأيضاً فإن ابتداء نزول ذلك به إنما هو من أمر الله سبحانه وتعالى، لا اختيار له فيه، فهو لا يستطيع التحرز منه أن لا ينزل ذلك به إلا على طهارة، كما يستطيع أن لا يلبس الخف إلا على طهارة، فافترقا. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن لم يمسح على الجبائر حتى صلى أعاد

الصلاة أبداً وهو كتارك بعض الوضوء والغسل يعيد أبداً في العمد والسهو. قال بعض أصحابنا: ومن لم يستطع مسح العضو، ولا غسله، ولا قدر أن يربط عليه شيئاً يمسح عليه لعلة به، فينبغي لهذا أن ينتقل إلى التيمم، ولا يغسل ما عدا ذلك العضو، لأنه إن فعل وصلى كان قد صلى بطهارة غير تامة. وقيل عن بعض شيوخنا: أنه يجمع مع غسل ماعدا ذلك التيمم، قال: وهذا استحسان، والقياس ما تقدم. قال: ولو كانت الشجة في موضع يكون فيه التيمم، ولا يقدر على غسل ذلك العضو، ولا على المسح عليه، كما ذكرنا فهذا يغسل السالم من جسده، ويصلي إذ ذلك أكثر المقدور عليه من جسده. ومن المدونة قال مالك: وإذا أصاب الجنب كسر أو شجة فكان ينكب

عنها الماء موضع الجبائر فإذا صح غسل ذلك الموضع فقط. قال ابن القاسم: فإن لم يغسله حتى صلى صلوات كثيرة توضأ لها، فإن كان من غير أعضاء الوضوء، كالظهر والصدر، وقد كان مسح عليه من فوق الجبائر في غسل جنابته غسل الموضع فقط، وأعاد ما صلى من يوم برئ وطهر، إلا أن يكون تطهر لجنابة بعد برئه، فإنما يعيد/ ما صلى من بعد برئه إلى حين طهره الثاني. قال ابن حبيب: وهذا إذا كان إنما من ترك غسله ناسياً، وأما تهاوناً أو عامداً فإنه يبتدئ بالغسل ويعيد الصلاة. قال ابن القاسم: وكذلك إن كان في أعضاء فتوضأ بعد برئه، فإنما يعيد ما صلى من بعد برئه إلى حين وضوئه. م ... يريد فيجزئ غسل الوضوء فيه عن غسل الجنابة؛ لأن الفعل فيهما

واحد، وهما فرضان فأجزأ أحدهما عن الآخر، كمن تطهرت للحيضة ناسية للجنابة فإنه يجزئها؛ لأنه فرض ناب عن فرض، وهذا بخلاف من تيمم للوضوء ناسياً للجنابة أنه لا يجزئه؛ لأن التيمم للوضوء ناب عن غسل أعضاء الوضوء/، والتيمم للجنابة ناب عن غسل جميع الجسد، فلا يجزئ ما ناب عن غسل بعض البدن عما يجزئ عن جميعه والغسل في الجرح لم ينب عن غيره، والحكم فيه في الوضوء والغسل غسل تلك اللمعة فأجزأ أحدهما عن الآخر، وبالله التوفيق. ومن العتبية قال ابن القاسم في من توضأ، أو تيمم ومسح على الجبائر، وهي في موضع الوضوء، أو التيمم، ثم دخل في الصلاة فسقطت الجبيرة قال: يقطع ما هو فيه ويعيد الجبائر، ثم يمسح عليها ويعيد الصلاة. [فصل- 2 - : في وضوء الأقطع] ومن المدونة قال مالك: ويغسل أقطع الرجلين في الوضوء موضع القطع وبقية الكعبين. قال ابن القاسم: لأن القطع تحتهما، وقد قال الله تعالى: (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ).

قال مالك: والكعبان اللذان إليهما حد الوضوء هما اللذان في الساقين. قال ابن القاسم: ولا يغسل ذلك أقطع المرفقين؛ لأن المرفقين في الذراعين، وقد أتى عليهما القطع، إلا أن تعرف العرب والناس أنه قد بقي شئ منهما في العضدين فليغسل موضع القطع وبقيتهما، والتيمم مثله. م وهذا من قول ابن القاسم: يدل أن مذهبه إدخال المرفقين والكعبين في الغسل، وقد تقدم/ إيعاب الحجة فيه.

[باب-13 -] في الماء وغيره تحل فيه النجاسة وفيما ينتفع به من ذلك

[باب-13 -] في الماء وغيره تحل فيه النجاسة وفيما ينتفع به من ذلك [فصل 1 - : الأصل في الماء الطهارة. وأدلة ذلك] قال الله تعالى: (مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) وقال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)، فجهل الله (4) تعالى الماء طاهراً مطهراً للأنجاس وقد روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شئ، إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه)). فدل على أنه يجوز الوضوء بالماء وإن خالطه نجس، إلا أن يتغير أحد أوصافه التي ذكرنا. ويدل على ذلك أيضاً، جواز التوضؤ بماء البحر والغدر، ومعلوم أنها لا تخلو من نجاسة تقع فيها، فإذا لم يتغير أحد أوصاف الماء جاز الوضوء به لما ذكرنا، وقاله ربيعة وابن شهاب، ورواه أبو المصعب عن مالك. قال غير واحد من البغدادين: وهذا هو الأصل عند مالك وما وقع له على

غير هذا فمحمول على الاستحباب والكراهة. قالوا: وأما المائع تقع فيه النجاسة أو يموت فيه ما له نفس سائلة؛ فإنها تنجسه غيرته أو لم تغيره. م ولمالك في العتبية خلاف. قال في الماء الكثير تقع القطرة من البول أو الخمر، إن ذلك لا ينجسه ولا يحرمه على من أراد شربه أو الوضوء به، وكذلك الطعام والودك، إلا أن يكون يسيراً.

قال سحنون: يعني الماء والطعام والودك يسيراً فقد يساوي في هذه الرواية بين الماء والمائع. م فوجه المساواة قياساً على الماء. ووجه التفرقة، قوله صلى الله عليه وسلم قال: ((خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء، إلا ما غير لونه وطعمه أو ريحه))، فدل أن ما عداه بخلافه، وقد أمر الرسول عليه السلام بطرح المائع من السمن تقع فيه الفأرة. [فصل-2: في أقسام المياه] والماء على أربعة أقسام: ماء طاهر مطلق، فهو المطهر، وماء طاهر مضاف فهو غير مطهر كماء الورد ونحوه، وماء نجس، وماء مشكوك فيه، وهو ما حلت فيه نجاسة لم تغيره/ وإنما سمي مشكوكاً فيه لاختلاف

العلماء في نجاسته. قال أبو بكر الأبهري: وما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث))، يعني يدفع النجاسة عن نفسه، فهو خبر ليس بصحيح عند أكثر أهل النقل، لا سيما عند علماء أهل المدينة، رواه ابن جريج عن محمد عن يحيى

ابن عقيل عن يحيي بن النعمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومحمد مجهول، وكذلك يحيي بن عقيل، ورواه الوليد بن كثير، وهو كثير الغلط، ورواه محمد بن إسحاق، وهو ضعيف الحديث. تكلم فيه مالك، وهشام بن

عروة، ويحيى القطان وغيرهم. ويحتمل إن صح الحديث أن يكون جواباً لسؤال سائل سأله عن قلتين وقع فيهما نجس هل ينجسهما؟ فقال: لا، لا أنه أراد به تحديداً. م ووافقنا الشافعي في القلتين فأكثر أنه لا ينجس إلا أن يتغير، وخالفنا فيما دون ذلك. وقدر القلتين عنده خمس مئة رطل بالعراقي على التقريب. وقال/ أبو حنيفة: كل ماء حلته النجاسة نجس، إلا أن يكون فيه من الكثرة

ما لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الآخر. [فصل-3 - : حكم الدابة تموت في الماء الكثير]. ومن المدونة قال مالك. وإذا ماتت شاة أو دابة في جباب أنطابلس ومواجل أرض برقة التي يكون فيها ماء السماء فلا يشرب منهما ولا يتوضأ، ولا بأس أن تسقى للماشي والدواب قال سحنون في العتبية: ثم يكون بولها نجساً.

قال ابن حبيب والأبياني: وكذلك أعراقها. م والصواب: أن لا يكون العرق نجسًا؛ لأنه ليس هو عين ذلك الماء النجس؛ لأن الماء النجس في داخل المصارين لا يصل إلى باطن الجسم، فهو أحرى أن لا يصل إلى ظاهره، ولو كان هذا الماء ينجس الأعراق وينفذ إلى صحون الجسم، لأنجسه ما في داخل المصارين والمعدة من العذرة، وما في داخل العروق من الدم، ولو أنجس ذلك الماء الأعراق لأنجس اللحم واللبن والاتفاق أن لحم ما يأكل الجيف والقذر طاهر، فكذلك أعرافها وألبانها. والله أعلم وبالله التوفيق. وقد قال يحيى/ بن عمر وغيره: أما ما انقلبت عينه مثل أبانها وقد تغذت بنجاسة أو تغذت به النحل فلا بأس باللبن والعسل، وهما طاهران، وكذلك قمح نجس زرع فنبت، وكذلك الماء النجس تسقى به شجر أو بقل، فالثمرة والبقل طاهران.

[فصل-4 - : الفأرة تموت في سائل] ومن المدونة قال مالك: وما ماتت فيه فأرة من عسل أو سمن ذائب، فإنه لا يباع ولا يؤكل، ولا بأس أن يعلف النحل العسل. ولو كان العسل والسمن جامدين طرحت الفأرة وما حولها، وأكل ما بقي كما جاء الأثر، وفي البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة سقطت في سمن، فقال: ‹‹ألقوها وما حولها، وكلوا سمنكم››. قال سحنون: إلا أن يطول مقامها في السمن. م يريد أو العسل مما يعلم أنه قد يذوب في خلال ذلك فليطرح ذلك كله، والسمن أسرع انحلالا من العسل. قال: ولو ماتت في زيت طرح، ولا بأس أن يستصبح به إن تحفظ منه، إلا في المساجد. وروى يحيى بن عمر عن ابن عبد الحكم أنه قال: لا ينتفع به بحال، ولا يحل، ولو جاز ذلك لجاز أن ينتفع بشحم الميتة. م ووجه الانتفاع به قياسًا على الانتفاع بجلد الميتة. م واختلف في بيعه فقال مالك: لا يبيعه من مسلم ولا من نصراني، وقال أصحاب مالك، إلا وهب، قال: لا بأس ببيعه إذا بين.

وقال غيره: لا باس ببيعه من غير مسلم. وقال ابن حبيب: كما لم يختلفوا في تحريم أكله كذلك ينبغي أن يكون ثمنه، ولو وقع بيعه لرد، ولو فات الزيت لزمه رد ثمنه بكل حال، وقاله غير واحد من أصحاب مالك. واحتج لذلك غير واحد من البغداديين، فقالوا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ‹‹لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها، فباعوها وأكلوا أثمانها، فإن الله تعالى إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه››. وهو بخلاف الثوب النجس يباع هذا يجوز؛ لأنه يستطاع زواله بالغسل، ولا يستطاع ذلك في الزيت ولو كان/ ذلك لم يذهب، ذلك على ما تقدم، وقد ورد في الحديث الأمر بإراقته. م وروي عن مالك إجازة غسل الزيت من النجاسة. قال أبو محمد: وذلك كان يفتي ابن اللباد. واحتج بما روي ابن القاسم في بان طبخ فوجد فيه فأرة تفسخت أو

لم تنفسخ، وهي من ماء البئر الذي طبخ منه، قال: فليتم طبخه، ويأخذ الدهن الأول فيطبخه بماء طاهر مرتين أو ثلاثاً إن كان كثيرًا، وأما اليسير فليس في طرحه كبير ضرر فليطرح. م وهذا وجه قول ابن وهب في إجازة بيعه، فهو كالثوب النجس بخلاف شحم الميتة؛ لأن شحم الميتة هو النجس في ذاته فلا يستطاع رفع نجاسته بحال، والزيت إذا حلت فيه النجاسة يستطاع رفعها فافترقا. [فصل-5 - : كيفية تطهير البئر المتنجسة بنحو فارة] ومن المدونة قال مالك رحمه الله: وآبار المدينة إذا ماتت فيها فأرة أو وزغة استقى منها حتى تطيب. قال أحمد بن المعذل: شهدت عبد الملك استفتاء/ قوم بئر لهم وقعت فيها فارة فقال: انزعوا منها أربعين خمسين ستين سبعين دلوًا، ثم قال: إنما قلت لهم هذا ليعلموا أن اقل من هذا يجزيهم وأكثره أحب إلي، ولو قلت لهم: خمسين لكنت أبطلت تسعة وأربعين وهي مثلها، ومنعتهم من ستين وهي أبلغ.

قال ابن أبي زمنين: وهذا إذا كان الماء كثيرًا، وأما القليلة الماء فينزف كله إذا لم يكن فيه مشقة، وهو قول مالك. قيل: وأما الماجل فينزف كله ويغسل بعد ذلك؛ لأنه لا مادة له. قال أشهب عن مالك في العتبية: وما عجن بمائها أو طبخ من اللحم فلا يعجبني أن يؤكل، ولكن يطعمه البهائم. وقال ابن القاسم: أما ما طبخ به من اللحم فإنه يغسل ويؤكل. قال موسى بن معاوية: وروي عن ابن عباس انه قال: يطرح المرق ويغسل اللحم، وهذه مقولة لابن القاسم. وفي السليمانية: إذا طبخ اللحم من أول طبخه بماء نجس فلا يؤكل؛ لأن النجاسة قد داخلته، وإن وقعت النجاسة فيه بعد طبخه فليؤكل اللحم

بعد غسله/، وكذلك قال سحنون في الزيتون، يملح فتقع فيه النجاسة أنه لا يؤكل، إلا أن يكون وقوعها فيه بعد طيبه. وكذلك لو سلق البيض في الماء النجس لم يؤكل؛ لأن النجاسة تصل إلى داخله. قال ابن حبيب: إذا غلب على البئر ما وقع فيها من نجاسة فما عولح بمائها من عجين أو طعام فلا يجوز أن يطعم لدجاج أو لحمام، أو لكافر، وهو كالميتة. قال ابن الماجشون: فإن لم يتغير لون الماء أو كان ماء قد شربت فيه دجاج مخلاة فقد استخف مالك أن لا يغسل منه الثوب الرفيع الذي يفسده الغسل، وأن يصلي به كذلك، ويباع، ويستحب أن يغسل ما سواه من الثياب، ويغسل ما أصاب من الجسد، ويجتنب أكل ما عجن به أو طبخ، ولا بأس أن يطعم لكافر أو لداجن، ويعيد من صلى به في الوقت. ومن المدونة قال مالك: ولا بأس بماء البئر ينتن من الحمأة ونحو ذلك. قال القاسم: وكذلك ما وجد في الفلاة من بئر أو غدير، ولا يدري لم ذلك فلا باس بالوضوء منه، وقاله مالك في الواضحة.

وقال علي عن مالك: ومن توضأ بماء وقعت فيه ميتة/ تغير لونه أو طعمه وصلى أعاد الصلاة أبدًا، وإن لم يتغير لونه ولا طعمه أعاد في الوقت. قال ابن القاسم في المستخرجة في الماء الكثير: مثل: الجرار تقع فيه القطرة من البول أو الخمر إن ذلك لا ينجسه، ولا يحرمه على من أراد شربه أو الوضوء منه، وإن كان مثل إناء الوضوء أفسده. ومن المدونة قال ابن وهب عن مالك في رجل أصابته السماء حتى استنقع الماء القليل: فلا بأس أن يتوضأ به، فإن جف تيمم بصعيده، وإن خاف أن يكون فيه زبل فلا باس به.

[باب-14] في عرق الجنب والحائض والدواب واغتسال الجنب في الماء الدائم وتدلكه

[باب-14] في عرق الجنب والحائض والدواب واغتسال الجنب في الماء الدائم وتدلكه [فصل-1 - : في عرق الجنب والحائض والدواب] ابن وهب: وكان الرسول صلى الله في الثوب الذي يجامع فيه إذا لم ير فيه أذى. وقال ابن عباس: لا باس بعرق الجنب والحائض في الثوب/. قال مالكك ما لم يكن في أبدانهما أذى فيكره حينئذ ذلك لهما، وكذلك الثوب النجس يكره للطاهر أن ينام فيه، خيفة أن يعرق فيه، إلا أن يكون في ليال لا يعرق فيها، فلا باس أن ينام فيه. قال: ولا بأس بعرق الدواب، وما يخر من أنوفها. ابن وهب: وأن أبا هريرة كان يركب فرسًا عريًا. [فصل-2 - : حكم اغتسال الجنب في الماء الدائم] قال ابن القاسم: وكره مالك أن يغتسل الجنب في الماء الدائم. قال: وقد جاء الحديث:‹‹لا يغتسل الجنب في الماء الدائم››.

وروي ابن وهب أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‹‹لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم، وهو جنب››. قيل لأبي هريرة فكيف يصنع؟ قال: يتناوله تناولاً. قال ابن القاسم في العتبية: سئل مالك عن اغتسال الجنب في الماء الراكد، وقد غسل الأذى عنهن قال: نهي عن الاغتسال في الماء الراكد، وجاء به الحديث، ولم يأت في الحديث إذا غسل الأذى عنه جاز له الاغتسال في، ولقد راددت مالكًا فيه غير مرة/ ورددته عليه كل ذلك يقول لي: لا يغتسل فيه وليحتل. قال ابن القاسم: وأنا لا أرى به بأسًا إن كان قد غسل ما به من الأذى، وإن كان المال كثيرًا يحمل ما وقع فيه، فلا أرى به بأسًا أيضًا، غسل ما به من الأذى أو لم يغسله.

قال ابن القاسم في المدونة: فإن اغتسل الجنب في مثل حياض الدواب أفسدها، إلا أن يكون قد غسل قبل دخوله فيها فرجه وموضع الأذى منه، فلا باس به؛ لأن الحائض والجنب يدخلان أيديهما في الإناء فلا يفسد ذلك الماء، فجميع الجسد بمنزلة اليد. قال مالك: وإن اغتسل الجنب في قصرية فلا خير فيه، وإن كان غير جنب فلا بأس به. م وهذا على أصله لا يغتسل الجنب في الماء الدائم. وإن أتى الجنب بئرًا قليلة الماء وبيده قدر وليس معه ما يغرف به، قال مالك: فليحتال حتى يغسل يده ويغرف، فيغتسل وكره أن يقول: يغتسل فيها. قال: وقد نهى الجنب أن يغتسل في الماء الدائم. قال ابن القاسم: ف'ن اغتسل فيها أجزاء/ ولم ينجسها إذا كان ماؤها معينًا.

قال علي عن مالك: إنما كره له الاغتسال فيها إذا وجد منها بدًا وذلك جائز للمضطر إليه إذا كان الماء كثيرًا يحمل ذلك، ورواه ابن وهب أيضًا. قال ابن القاسم في العتبية في من يرد الحياض وفيها الماء وليس عليه إلا ثوب نجس وبيده قدر أرى أن يحتال حتى يأخذ من الماء ما يغسل بد يده، إما بفيه أو بثوب، فإن لم يقدر على حيلة فلا أدري ما أقول فيها، إلا أن يكون الماء معينًا، فلا بأس أن يغتسل فيه. [فصل-3 - : الجنب ينغمس في النهر ولا يتدلك] ومن المدونة قال مالك: وإذا انغمس الجنب في نهر ينوي بذلك الغسل من الجنابة لم يجزئه إلا أن يتدلك، وكذلك الوضوء، وإن أمر بيديه على بعض جسده لم يجزئه ذلك من غسله حتى يمرها على جميع جسده ويتدلك. قال ابن القصار: والتدلك في غسل الجنابة واجب عند مالك. وقال أبو الفرج المالكي وغيره: أنه مستحب، وبالأول أقول: لقوه عليه السلام لعائشة رضي الله عنها: ‹‹وادلكي جسدك بيدك››. والأمر على

الوجوب؛ ولأن عليه إيصال المال إلى جسده على وجه يسمى غسلاً، وقد فرق أهل اللغة بين الغسل، وبين الانغماس. م واختلف أبو محمد وابن القابسي في من انغمس في البحر تحت الماء، ثم خرج فتدلك بالفور، فقال ابن القابسي: لا يجزئه؛ لأن الماء ذهب من أعضائه؛ وإنما بقى بلله، وقال أبو محمد: يجزئه إذا تلك بفور ذلك؛ لأن الماء في الصب لا يثبت على الجسد، وإنما يراد في الغسل بلل الجسد وعموه مع التدليك وهذا قد فعل ذلك. م وهو الصواب. قال سحنون في العتبية: في البادن لا يقدر أن يعم بدنه بيديه فليجعل من يلي ذلك له، أو يعالج ذلك بخرقة. قال ابن حبيب فإن لم يقدر أن يعم جسده بيديه فلا شيء عليه لقول الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا).

[باب-15 - : في صفة الغسل وما يوجبه أو يجب فيه]

[باب-15 - : في صفة الغسل وما يوجبه أو يجب فيه] [فصل-1 - : الغسل: حكمه، وسننه وواجباته] قال الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)، فالغسل من الجنابة فريضة. وهو مشتمل على مفروض ومسنون وفضيلة. فمروضاته خمس: النية، وطهارة الماء، وتعميم جميع الجسد، وإمرار اليد على البدن كله، وهذا من شرط كونه غسلا، والفور. ومسنوناته أربع: المضمضة، والاستنشاق، ومسح داخل الأذنين، وفي تخليل اللحية روايتان: إحداهما: انه واجب، والأخرى أنه سنة. وفضيلته أن يبدأ بما بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم. [فصل-2 - : في صفة الغسل] وروي مالك وغيره، وهو في الموطأ والبخاري ‹‹إن النبي صلى الله عليه وسلم كان

إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يغمس يديه في المال فيخلل بأصابعه أصول/ شعر رأسه، ثم يفيض الماء على رأسه، ثلاث غرفات من ماء بيده، ويخلل أصول سعر الرأس بهما، ثم يفيض الماء بيديه على جلده. وروي البخاري عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه للصلاة غير رجليه، وغسل فرجه وما أصابه من أذى، ثم أفاض عليه الماء، ثم نحى رجليه فغسلهما. هذه صفة غسله من الجنابة. وقالت في حديث آخر: وضعت للنبي ماء للغسل فغسل يده مرتين أو ثلاثا، ثم أفرغ على شماله فغسل مذاكيره، ثم مسح يده بالأرض، ثم تمضمض واستنشق، وغسل وجهه، ويديه، ثم غسل رأسه ثلاثا، ثم أفرغ على جسده، ثم تنحى عن مقامه فغسل قدميه.

قال في حديث آخر: ‹‹ثم أتى بمنديل فلم ينفض بها››. قال البخاري: يعني لم يمسح بها. ففي هذا دليل أنه غسل جسده غير أعضاء الوضوء المقدم غسلها، كذلك استدل به البخاري. [فصل-3 - : في موجبات الغسل] قال بعض علمائنا: ويجب الغسل من خمسة أوجه: من إنزال الماء الدافق للذة، من جماع أو احتلام أو غيره، ومن التقاء الختانين أنزلا أم لا، ومن الحيض والنفاس، وبإسلام الكافر. [فصل-4 - : أنواع الغسل المسنون] والغسل المسنون خمسة أغسال: غسل الجمعة، وغسل العيدين، وغسل

الإحرام، وغسل دخول مكة، وغسل وقوف عرفة. وقد قمنا دليلنا في إيجاب النية، والماء الطاهر، والفور، والتدلك. [فصل-5 - : في من يجب عليه الغسل] ووجب الغسل على الجنب؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا). وعلى الحائض بقوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى) إلى قوله: (حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ)، ولا خلاف في ذلك أيضًا، والنفاس داخل فيه. ويجب الغسل على من أسلم بقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال حين أسلم بالغسل، وهو حديث صحيح خرجه البخاري وغيره من أئمة الحديث.

وبعد هذا ذكر الحجة في الغسل من التقاء الختانين، ويأتي الكلام في الغسل المسنون في موضعه. والحجة في مسنون الغسل هي الحجة في مسنون الوضوء، وقد تقدم ذلك. [فصل-6 - : في الوضوء لغسل الجنابة] ومن المدونة قال مالك: ويؤمر الجنب بالوضوء قبل الغسل، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإن أخره بعده أجزأه. قال عبد الله بن عمر: ‹‹ولو لم يتوضأ الجنب أجزاه الغسل ما لم يمس فرجه››. قال مالك: فإن أخر غسل رجليه إلى موضع يقرب منه أجاه لقربه، وإن أخر غسل رأسه في اغتساله خوفًا من امرأته حتى جف غسله لم يجزئه، وابتدأ الغسل. م إذ من فرض الغسل أن يكون متوالياً في فور واحد. قال: ولا بأس بما اتضح من غسل الجنب في إنائه، ولا يستطيع الناس الامتناع من هذا. وليس الناس فيما يكفيهم من الماء سواء

[فصل-7 - : لا تنقض الحائض شعرها في غسلها من الحيضة أو الجنابة] قال مالك: لا تنقض الحائض شعرها في غسل حيضة أو جنابة، ولكن تضغثه بيديها. وقد قالت امرأة: يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي، فكيف أصنع إذا اغتسلت؟ فقال: ‹‹احفني عليه ثلاث حفنات من ماء، ثم اغمريه على أثر كل حفنة بكفيك›› قالت، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: ‹‹لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء، ثم تصبين عليك الماء فتطهرين››، أو قال: ‹‹فإذا أنت قد طهرت››. [فصل-8 - : في تخليل اللحية في الغسل] واختلف قول مالك في العتبية: هل على الجنب في اغتساله أن يخلل

لحيته؟ م والصواب: إيجاب تخليلها؛ لقول الرسول عليه السلام: ‹‹بلوا/ الشعر، وأنقوا البشرة فإن تحت كل شعرة جنابة››. ولأن في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ‹‹ويخلل أصول شعره››، ولم يخص به شعر الرأس من اللحية، فهو على عمومه. وسئل أشهب في من غسل لحيته ولم يخللها؟ قال: لا شيء عليه. وقال سحنون: لا يجزئه حتى يخلل/ ويبلغ البشرة. [فصل-9 - : حكم تحريك الخاتم في الوضوء] قال مالك: لا يحرك الخاتم في وضوء ولا غسل، وما هو من عمل الناس.

قال ابن حبيب: إلا أن يكون ضيقًا فأحب أن يحركه حتى يمس الماء موضعه، وليس ذلك عليه في الواسع. قال ابن القابسي: وليس ذلك بخلاف لمالك. وقال محمد بن عبد الحكم: عليه أن ينزع خاتمه في الوضوء؛ ليغسل ما تحته. م وذلك خلاف لمالك وأصحابه. [فصل-10 - : في مجاوزة الختان الختان] ومن المدونة قال مالك: وإذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل، وقاله عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعائشة رضي الله عنهم. قال أبو سلمة: سألت عن ذلك عائشة، فقالت: ‹‹إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل››، ورواه أيضًا عنها أبو موسى الأشعري، وقاله زيد بن ثابت وابن عمر، وإلى هذا رجع أبي بن كعب، روي هذا كله مالك في الموطأ.

قال ابن القاسم: وذلك إذا غابت الحشفة، وإلا لم يجب الغسل. وروى ابن وَهْب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا التقى الختانان، وغابت الحشفة فقد وجب الغسل انزل أو لم ينزل. وسال رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يجامع أهله، ثم يكسل هل عليه غسل؟ وعائشة جالسة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أني لأفعل ذلك أنا وهذه، ثم نغتسل)). وروى ابن وَهْب أن يزيد بن أبي حبيب وعطاء بن دينار ومشايخ من أهل العلم يقولون: إذا دخل من ماء الرجل في قبل المرأة فعليها الغسل. قال مالك: إنما ذلك إذا التذت يريد أنزلت. [لفصل -1 - : في معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - ((الماء من الماء))] قال بعض علمائنا: وما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((الماء من الماء)) يعني

يجب الاغتسال بالماء من إنزال الماء الدافق، فقد روى عن أبي بن كعب أنه قال: الماء من الماء رخصه رخصها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بدء الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعد ذلك. وقد أرسل عمر في هذا إلي عائشة فقالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل))، فقال عمر رضي الله عنه: من خالف في هذا جعلته نكالاً. قال غيره: ويحتمل أن يكون هذا جرى على سؤال سائل قال: يا رسول الله الماء من الماء، فقال: ((الماء من الماء))، وليس فيه بيان أن الماء لا يكون إلا من

الماء. وكذلك حجتنا في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((في السائمة الزكاة)) أنه جرى على سؤال سائل، وقد روينا حديثاً مفسراً، وهو يقضي على المجمل. قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا التقى الختانان، وغابت الحشفة فقد وجب الغسل انزلا أو لم ينزلا)). فهذا يبين ما رووه، ويزيد عليه. وأيضاً فانا لما وجدنا سائر الإحكام التي تجيب بالتقاء الختانين مع الإنزال واجبة بالتقائهما من غير إنزال، ومن وجوب الحد. والصداق، وإحصان الزوجين، وتحليل المطلقة وإفساد الصوم/ والحج، وإيجاب الكفارة/ والخروج من الإيلاء، وغير ذلك، وجب أن يكون الغسل كذلك.

وكان مما احتج به علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن قال: كيف توجبون فيه الحد، ولا توجبون فيه صاعداً من ماء. وأبين من ذلك أن ((الماء من الماء)) منسوخ، كما قال أبي بن كعب. وقد روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها فقد وجب الغسل)) وروى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه سئل إذا جامع الرجل امرأته فلم يمن فقال عثمان: يتوضأ، كما يتوضأ للصلاة، ويغسل ذكره، قال عثمان: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم سئل عن ذلك علي والزبير وطلحة وأبي بن كعب فأمروه بذلك. قال أبي: سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال البخاري: والغسل أحوط لاختلافهم. وقيل: معنى قوله: ((الماء من الماء)) في المحتلم أن انزل اغتسل، وإلا فلا غسل عليه.

[فصل -12 - : جماع الصبي أو الصبية هل يوجب الغسل؟] قال مالك في / كتاب العدة: ولا تغتسل الكبيرة من وطء الصبي؛ لأن ذكره كالإصبع، إلا أن تنزل هي. قال أشهب: الكبيرة إذا وطء صغيرة تؤمر بالصلاة أنها تغتسل. وفي مختصر الوقار: لا تغتسل. قال أشهب: فإن صلت ولم تغتسل فلتعد أبدا. قال سحنون: إنما تعيد بقرب، ذلك لا أبدا. فوجد قول من قال: تغتسل أنها لما كانت مأمورة بالصلاة كانت مأمورة بالغسل؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا غابت الحشفة فقد وجب الغسل))، فعم. ووجه قوله من قال: لا تغتسل؛ فلأنها ممن لا تجد لذة الوطء فذكر الرجل لها كالإصبع. واضعف حالاً من وطء الصغير الكبيرة التي قد تجد اللذة به.

قال ابن شعبان: واختلف في المنزل للذة الحكة واللدغة، والضربة بالسيف. قال سحنون: في اللدغة والضربة بالسيف لا غسل عليه. يريد أنه لا يجد لذة، وقال في المنزل للذة الحكة، والمتسابقين ينزل السابق، والمحكوك له فعليهما الغسل. يريد؛ لأنه لا يجد الالتذاذ. [فصل -13 - : في حكم خروج المنى بعد الغسل] ومن العتبية، قال ابن القاسم: ومن اغتسل لمجاوزة الختان، ولم يتنزل، ثم خرج منه الماء الدافق فلا غسل عليه، وليتوضأ؛ لأنه خرج منه من غير الالتذاذ. وقيل: يغتسل، ولا يعيد الصلاة. وقيل: يغتسل، ويعيد الصلاة. فوجه أنه لا يعيد صلاته؛ لأنه الساعة صار جنباً. ووجه أنه يعيد؛ فلان الماء قد زايل موضعه فاغتسل له قيل خروجه، فوجب أن لا تجزئه صلاته.

قيل: فمن تذكر فوجد اللذة، ولم ينزل، ثم صلى بعد وقت، ثم خرج منه الماء الدافق، فقال ابن القاسم: يغتسل، وليس بالقوي، ثم رجع فقال: لا يغتسل. وقال يحي بن عمر: عليه الغسل واجب، ورواه علي عن مالك أنه يغتسل ويعيد الصلاة. قال أَصْبَغ: لأن الماء قد زايل الموضع الذي له أولا. وقال ابن المواز: يغتسل، ولا يعيد الصلاة؛ لأنه إنما صار جنباً بخروج الماء. مالك في الجنب يغتسل، ثم يصلي، ثم يخرج منه بقيه مني بعد وقت، وقد بال، أو لم يبل فليغسل مخرج البول، ويتوضأ، ويعيد الصلاة. وقال عنه ابن حبيب: إنما عليه الوضوء فقط. [فصل -14 - : في من انتبه من نومه فوجد في لحافه بللاً] ومن المدونة قال مالك: ومن انتبه من نومه فوجد في لحافه بللاً، فإن كان منياً اغتسل، وإن كان مذيعا غسل فرجه، وتوضأ. قال ابن القاسم: وإن شك فليغتسل. يريد احتياطاً.

قال مالك: وكذلك من لاعب امرأته في اليقظة، أو رأى في منامه أنه يجامع، فإن امني اغتسل، وإن أمذى غسل فرجه وتوضأ، والمرأة في ذلك كله كالرجل فيما تراه في المنام، أو في اليقظة. وروى مالك في الموطأ أن أم سليم بنت ملحان قالت: يا رسول الله! المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل اغتسل؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم، فلتغتسل، فقالت لها عائشة: أف لك، وهل ترى ذلك المرأة؟ فقال لها رسول

الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تربت يمينك، ومن اين يكون الشبه)) فصل -15 - : [في المرأة تحيض وهى جنب] ومن المدونة قال مالك: وإذا حاضت المرأة وهى جنب فلا غسل عليها حتى تطهر من حيضتها. قال ابن حبيب: وقال ربيعة وغيره: لا غسل عليها حتى تطهر من حيضتها إذا أحبت. يدل قوله: أن أحبت وإن لها أن تغتسل قبل ارتفاع دم الحيض عنها. وفائدته أن يرتفع حكم الجنابة لتقرأ القرآن ظاهراً؛ إذ للحائض أن تقرأ القرآن؛ لأن أمرها بطول، بخلاف الجنب الذي يستطيع رفع الجنابة الساعة بالغسل، وهذا ضعيف، ولا يجوز أن يرتفع حكم الجنابة بالغسل؛ لأن طرأ عليه ما هو اشد منه. وينبغي إذا ارتفع دم الحيض عن الحائض، ولم تغتسل أن يكون حكمها حكم الجنب، لا تقرأ القرآن، ولا تنام حتى تتوضأ؛ لأنها ملكت طهرها.

قال ابن حبيب: وإذا انقطع دم الحيض وهى جنب فلتغتسل غسلاً واحداً لهذا، وهذا تنويهما. قال ابن القاسم في المجموعة: فإن تطهرت للحيضة ناسية للجنابة أجزأها. قال سحنون في كتاب ابنه: وإن تطهرت للجنابة، ولم تذكر الحيضة لم يجزئها. وقال أبو الفرج ومحمد بن الحكم: يجزئها؛ لأنه فرض ناب عن فرض وهذا هو الصواب. قال ابن القصار: لأن الإحداث إذا كان موجبها واحداً، واجتمعت تداخل حكمها، وتاب موجب احدهما عن الآخر، كاجتماع البول والغائط والريح والمذي ينوب عن جميعها وضوء واحد، ويجزئ الوضوء لأحدها عن الجميع، فكذلك الغسل للجنابة والحيض. وقول أبي الفرج وفاق لقول ابن القاسم في / المدونة. دليله قول ابن القاسم في الشجة إذا كانت في مواضع الوضوء أن غسلها بنية الوضوء يجزئ عن غسل الجنابة. ووجه قول سحنون: أنه لما طرأت الحيضة على الجنابة ومنعتها

الطهارة أسقطت حكم الجنابة، وصار الحكم لها. والله اعلم. قيل لأبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي،: فإن طرأت الجنابة على الحيضة باحتلام أو وطئ ثم تغتسل بعد طهرها من الحيضة تنوي الجنابة هل يدخلها القولان المتقدمان؟ قال: لا يدخلها ذلك، ولا يجزئها غسلها؛ لأنها حائض كانت قبل الجنابة وبعدها فلا حكم للجنابة أطارئة على الحيضة. والصواب عندي أن يجزئها غسلها؛ لأن الجناب والحيض أمران يوجبان اغسل متى انفردا، وذلك فرض فيهما فسواء طرأت جنابة على الحيض أو حيض على جنابة، كالغائط والبول كل واحد منهما يوجب الوضوء للفرض فلو طرأ البول على الغائط، ثم توضأ ينوي به من البول لأجزأه، وإن كان متغوطا قبل البول أو بعده، فكذلك طريان الجنابة على الحيض، والله اعلم. فصل -16 - : [النية في الغسل]. قال عيسى عن ابن القاسم: في من تطهر ينوي أن كان إصابته / جنابة نسيها فهذا لها، ثم ذكر أنه كان جانباً فلا يجزئه. وقال عيسى: يجزئه. ومن المدونة قال مالك: ولا وضوء، ولا غسل إلا بنية، وقاله علي بن

أبي طالب رضي الله عنه. وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات)) وقد تقدم هذا. قال مالك: ومن اغتسل لتبرد، أو لتنظف، أو لجمعه لم يجزئه عن غسل الجنابة حتى ينويه، كمن صلى نافلة فلا يجزئه عن فريضة، وقاله ابن القاسم وابن عبد الحكم واصبغ. وذكر ابن حبيب عن جماعة من أصحاب مالك أن غسل الجمعة يجزئ عن غسل الجنابة، وإن لم ينوها. ورووه عن مالك، كمن توضأ لنافلة فله أن يصلي به فريضة. وما احتج به ابن حبيب فلا يلزم ابن القاسم؛ لأن الوضوء للنافلة واجب، إذ لا تجوز صلاة نافلة أو فريضة إلا بوضوء يقصد به رفع الحدث، فهو للنافلة والفريضة سواء، وغسل الجمعة سنة، ولا يجزئ عن فريضة. قال ابن حبيب: واجمع مالك وأصحابه أنه أن تطهر للجنابة لا ينوي به الجمعة أنه لا يجزئه عن الجمعة؛ لأن الجمعة لا تكون إلا بنية. ويقال لابن حبيب: فالجنابة أيضاً لابد لها من النية، فكيف

تجزئ السنة من الفرض، ولا يجزئ الفرض من السنة؟. فإن قيل: فإن غسل الجمعة واجب على الطاهر فلا تجزئ منه غسل الجنابة. قيل: إنما يجب على طاهر لم يغتسل في وقتها، فأما المغتسل في وقتها المنظف حينئذ فلا يجب ذلك عليه؛ لأن أصل غسل الجمعة التنظف، وذلك موجود في المغتسل للجنابة حينئذ. وقد قال محمد بن عبد الحكم في غير الواضحة: يجزئ غسل الجنابة من غسل الجمعة، وإن لم ينوها، وهو الصواب. فصل -17 - : [لا صلاة إلا بوضوء يقصد به رفع الحدث] ومن المدونة قال مالك: ومن توضأ لنافلة، أو لقراءة مصحف، أو ليكون على طهر أجزاه، ومن توضأ لحر يجده، ولا ينوي به غيره لم يجزئه لصلاة نافلة، ولا فريضة، ولا من مصحف. وذكر بعض البغداديين: أن كل من توضأ لما يصح فعله بغير طهارة مثل: قراءة القرآن ظاهراً، والدخول على السلطان ونحوه فلا يصلى به؛ لأنه غير قاصد لرفع الحدث، وأنما تجوز صلاته إذا توضأ لما لا يصح فعله إلا بطهارة؛ لأنه قاصد لرفع الحدث.

قال ابن القاسم: ومن بقيت رجلاه من وضوئه فخاض بهما نهراً، فدلكهما فيه بيده، ولم ينو تمام وضوئه لم يجزئه حتى ينويه. ومعنا: أن كان نسي غسل رجليه فظن أنه أكمله فلذلك احتاج إلي تجديد النية. فأما لو توضأ بقرب النهر، ثم دخل النهر فغسل رجليه فيه لأجزأه هذا، وإن لم ينو به تمام وضوئه، إذ ليس عليه تجديد نية لكل عضو يغسله، قاله غير واحد من فقهائها. [فصل -18 - : في وقت النية في الغسل من الجنابة] قال أبو إسحاق: والغسل من الجنابة يحتاج إلي نية عند الغسل، أو قريباً منه، ولا يضره اختلاسها في خلال الغسل ولا قبل الغسل إذا كان الأمر قريباً. وقد قال ابن القاسم في الذي دخل الحمام لغسل جنابته فنسي ذلك وقت الغسل أنه يجزئه. وقال سحنون: لا يجزئه، بخلاف ما لو ذهب إلي بحر أو نهر يغتسل فنسي النية عند الغسل فذلك يجزئه بخلاف الحمام. فإذا قرب الغسل، ولم يشتغل لمعنى أخر أجزأه الغسل، وكذلك ينبغي للصلاة. وقد قال عبد الوهاب في الصلاة: أن النية لابد أن تكون عند الإحرام /، وقد نقول: وهكذا يجب في الطهارة، أو نفرق بينهما لاختلاف الناس في الطهارة، أنها لا تحتاج إلي نية.

[باب -16 -] في وضوء الجنب قبل أن ينام ومروره في المسجد

[باب -16 -] في وضوء الجنب قبل أن ينام ومروره في المسجد. [فصل -1 - : وضوء الجنب قبل أن ينام] قال ابن وَهْب: وهو في الموطأ والبخاري أيضاً، ((كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام، وهو جنب، توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام، وأمر بذلك عمر وأبا سعيد الخدري)) قالت عائشة وغيرها: ((وإذا أراد أن يطعم غسل كفيه فقط)). وفي الموطأ: ((وكان ابن عمر إذا أراد أن ينام أو يطعم، وهو جنب غسل

وجهه، ويديه إلي المرفقين، ومسح برأسه، ثم طعم أو نام)) ومن المدونة قال مالك رحمه الله: ولا ينام الجنب في ليل أو نهار حتى يتوضأ جميع وضوئه للصلاة، ولا بأس أن تنام الحائض قبل / أن تتوضأ. والفرق بين الجنب والحائض: أن الله تعالى إنما اوجب الوضوء على كل محدث أراد الصلاة؛ بقوله سبحانه: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ {الآية، فكان الأصل أن لا وضوء على جنب أو حائض أراد النوم، فخصت السنة الجنب بالوضوء، وبقى ما سواه على أصله. ومن طريق المعنى: أن الجنب يملك رفع الجنابة، فأمر بالوضوء عساه ينشط ليتطهر فيبيت على كمال الطهارة، فإن لقي الله تعالى في منامه لقيه طاهراً، والحائض لا تملك رفع حيضتها، فافترقا. قال ابن الجهم: إنما آمر الجنب بالوضوء قبل أن ينام؛ لأنه كان حقه أن لا ينام حتى يغتسل فرخص له في اخف الطهارتين بتيسير النبي - صلى الله عليه وسلم - له ذلك، خوفاً أن يدركه الموت فيه وهو جنب ولم ينل شيئاً من الطهارة. وروي عن مالك أن ذلك الوضوء ليس بواجب. ابن مزين: وروي في ذلك بعض الرخصة. وذكر ابن قتيبة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام وهو جنب، وذكر حديثاً آخر: أنه عليه السلام كان ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء، ثم قال:

وهذا كله جائز، وأنما فعل هذا مرة؛ ليدل هلي الفضيلة، ومرة ليدل على الرخصة، فمن شاء أخذ بالرخصة أو بالفضيلة. وقال ابن حبيب: محمل ذلك عندنا أن الماء لم يحضره، وانه كان تيمم. فصل -2 - : [فيما يجوز فعله للجنب قبل الوضوء] ومن المدونة قال مالك: وللجنب أن يعاود أهله قبل أن يتوضأ - يريد بأهله امرأته التي كان وطئها أو جاريته- فأما أن يطأ زوجة له أخرى فيكره له

أن يصيب امرأة في يوم الأخرى. وأما أن يصيب جاريته، ثم يصيب الأخرى قبل أن يغتسل فلا بأس بذلك. قاله مالك في الموطأ. ومن المدونة قال مالك: وله أن يأكل قبل أن يتوضأ إذا اغسل يديه من الأذى. قال ابن حبيب: وإذا لم يجد الجنب الماء فلا ينام حتى يتيمم، وروي ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ربما بات جنباً لا يمس ماء)). ومحمله عندنا أن الماء لم يحضره، وانه كان تيمم. وإذا توضأ الجنب للنوم، ثم بال أو خرج منه بقية مني فلا يعيد الوضوء، وقاله مالك. قال مالك في المجموعة: فإن نام الجنب، ولم يتوضأ فليستغفر الله تعالى، ولا يعود. فصل -3 - : [حكم دخول الجنب المسجد]. ومن المدونة قال مالك: ولا يعجبني دخول الجنب المسجد عابر سبيل.

ولا غيره، ولا بأس أن يمر فيه، ويقعد من كان على غير وضوء. وقال زيد بن اسلم: لا بأس أن يمر الجنب في المسجد عابر سبيل، وتأول زيد في ذلك قول الله تعالى: {وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ {، وتأول زيد قوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ {، أي: مواضع الصلاة، كما قال تعالى: {وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ {يريد أهلها. وذهب مالك في تأويل الآية إلي ما روي عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه ((أن معنى قوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى {أي: لا تفعلوا في حال السكر صلاة، ولا تفعلوها وانتم جنباً، إلا عابري سبيل، أي: وانتم مسافرون بالتيمم)). وقد روي عن عائشة رضى الله عنها أن الرسول عليه السلام قال: ((لا أحل المسجد لجنب ولا حائض)). فهذا يؤيد ما قال مالك.

م وأما من ذكر في صلاته أنه جنب وهو في المسجد فليس من ذلك؛ لأنه مضطر إلي الخروج، بخلاف مبتدئ دخوله. قال البخاري عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: ((أقيمت الصلاة، وقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مصلاه، فذكر أنه جنب، فقال: لنا مكانكم فذهب فاغتسل، ثم خرج ألينا فصلى بنا)) استدل به البخاري: أن من نزل ذلك به يخرج، ولا يتيمم.

[باب 17 -] في وطئ المسافر والجريح أهله. ووطئ المسلم زوجته الكتابية/ قبل الغسل. وغسل من اسلم

[باب 17 -] في وطئ المسافر والجريح أهله. ووطئ المسلم زوجته الكتابية/ قبل الغسل. وغسل من اسلم. [فصل -1 - : وطئ المسافر] روى ابن وهب أن علي بن أبي طالب رضى الله عنه وابن مسعود وغيرهما: ((كانوا يكرهون أن يجامع الرجل امرأته بمقازة، إلا أن يكون معه ماء)) قال ابن القاسم عن مالك: لا يطأ المسافر زوجته أو جاريته، إلا ومعهما من الماء ما يكفيهما جميعاً، كانا على وضوء أم لا، وليس كمن به شجة أو جرح لا يستطيع غسله بالماء هذا له أن يطأ ويمسح لطول أمره. وإنما افترقت المسألتان؛ لافتراق السؤال، فمسألة المسافر هو عادم للماء فلا يطأ؛ لأنه ينتقل من طهارة بالماء إلي إباحة الصلاة بالتيمم، وهو في الأغلب يجد الماء عن قرب. وصاحب الشجة هو واجد للماء، فينتقل من غسل موضع الشجة إلي المسح عليها، ويباح له ذلك لطول أمره.

ولو كان المسافر بموضع لا يجد الماء فيه، إلا بعد ليل طويل يحتاج فيه أهله، ويضربه في ترك الوطء جاز له أن يطأ ويصير حكمه حكم صاحب الشجة، وقاله ابن الماجشون. ولو كان صاحب الشجة مسافراً غير واجد للماء، إلا أنه يجد الماء عن قرب لم يكن له أن يطأ ويكون حكمه حكم المسافر غير المشجوج. [فصل -2 - : وطئ الجريح الذي عمت الجراح جسده ونحوه] قال مال: والمجدور والمحصون والمجروح الذي عمت الجراح جسده أو جله يتيممون للجنابة والوضوء، وليس عليهم أن يغتسلوا أذا خافوا على أنفسهم؛ لقوله عز وجل: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ {، يعنى لا تستطيعون من الماء فتيمموا. قال ابن حبيب: ولهم أن يطئوا نساءهم، لطول أمرهم، بخلاف مسافر عدم الماء. ومن المدونة: واذا ظهرت امرأة من حيضتها وتيممت فلا يطأها زوجها حتى يكون معهما من الماء ما تطهر هي به من الحيضة، ثم ماء يتطهران به جميعاً

من الجنابة. قال مال: وان كان معه من الماء ما يكفيه وحده فلا يجامعها. وان كانا متوضئين فلا يقبل احدهما صاحبه، إلا أن يكون معهما من الماء ما يكفيهما للوضوء، ولا يدخلان على أنفسهما أكثر من حدث الوضوء. فصل -3 - : [الزوجة الكتابية يجب عليها الغسل من الحيضة ولا يجب عليها من الجنابة] ومن المدونة قال مالك: ولا يجبر المسلم زوجته الكتابية على الغسل من الجنابة؛ إذ له وطؤها كذلك، ويجبرها على الغسل من الحيضة إذ ليس له وطؤها كذلك حتى تغتسل، كالمسلمة على الوجهين. قال ابن المواز: وهى من جملة الأزواج يريد قد دخلت في قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ {. قال أبو بكر القاضي: هذه الرواية اصح في المعنى من رواية أشهب. وقال محمد بن عبد الحكم: لا يجبرها في الحيضة على الاغتسال؛ لأنها لا

نية لها، ورواه أشهب عن مالك. قال ابن شعبان: هذه الرواية هي الاختيار؛ لأنها ليست من التوابين، ولا من المتطهرين الذين يحبهم الله، فهي وان اغتسلت نجسة لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ {ولو اغتسلت للحيضة، ثم أسلمت مكانها لم يجزئها من غسل الإسلام؛ إذ لم تنوه. فصل -4 - : [حكم غسل من اسلم] ومن المدونة قال مالك: يؤمر من اسلم من المشركين بالغسل؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ {. فوجب عليهم الغسل أذا اسلموا ودخلوا في المخاطبين بالصلاة بقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ {. وروى ابن وهب ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر ثمامة بن أثال حين اسلم/ بالغسل، وقاله ابن القاسم، والنصراني عندي جنب فإذا اسلم اغتسل، وان اغتسل للإسلام وقد اجمع عليه أجزأه، وان لم ينو به الجنابة. قال: فان لم يجد الماء فليتيمم للإسلام، وينو بتيممه الجنابة أيضاً، ثم أن وجد الماء اغتسل.

وقال ابن القاسم في العتبية: فان تيمم أو اغتسل للإسلام، ولم ينو به الجنابة أجزأه؛ لأنه أراد بذلك الطهر. قال ابن القاسم: فان جهل فتوضأ فقط، ثم صلى فليعد أبدا. وفى سماع ابن وهب: سئل مالك عن رجل اسلم هل يجب عليه الغسل، أو يكفيه الوضوء؟ فقال: لم يبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أحدا أذا اسلم بالغسل، وهكذا قال إسماعيل القاضي. قال: وما روي عن قيس بن عاصم أنه لما اسلم أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالغسل، وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلاً اسلم بالغسل بأحاديث غير قوية، والغسل أحسن احتياطاً لا إيجابا؛ لأنه أن كان جنباً في حال كفره، فالإسلام يجب ما قبله، وإنما يجب عليه الوضوء أذا اسلم؛ لان الصلاة لا تتم إلا به/.

[باب -18 -] في الإمام يصلي وهو جنب أو بغير قراءة

[باب -18 -] في الإمام يصلي وهو جنب أو بغير قراءة [فصل -1 - : في الإمام يصلى وهو جنب] وقد صلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه بالناس وهو جنب، ثم قضى الصلاة وحده، ولم يأمرهم بالقضاء. وروي مثله للنبي - صلى الله عليه وسلم -، زاد في الموطأ ((وان عمر أعاد الصبح بعد أن طلعت الشمس)). قال مالك: وإذا صلى الجنب بالقوم ركعة أو ركعتين، وهو لا يعلم، ثم ذكر جنابته فليستخلف من يصلي بالقوم ما بقي من صلاته، وتتم صلاتهم، وان لم يقذر حتى فرغ فصلاة من خلفة تامة، ويعيد هو وحده، وان صلى بهم ذاكراً لجنابته فصلاتهم كلهم فاسدة، وكذلك أن ذكر في الصلاة فتمادى بهم جاهلاً أو مستحيياً فقد افسد عليهم. قال ابن القاسم: كل إمام دخل عليه ما ينقض صلاته فتمادى بهم فان صلاته منتقضة، وعليهم أن يعيدوا متى علموا.

قال مالك: ومن علم بجنابته ممن خلفه والإمام ناس لجنابته، فتمادى معه في صلاته فاسدة ويعيدها أبدا. قال سحنون: وإذا رأى المأموم في ثوب الإمام نجاسة، وهو يقربه فأخبره إشارة فليبين المخبر أذا لم يعمل بعد علمه عملاً، وإن كان بعيداً منه فلا بأس أن يخبره متكلماً، ويبتدئ المخبر الصلاة. وقال ابن حبيب: يجزئه البناء، وان اخبره متكلماً. فصل -2 - : [حكم صلاة الإمام بغير قراءة] قال أبو بكر الأبهري: واذا ذكر الإمام بعد فراغه أنه لم يقرأ في جميع الصلاة فليعد الصلاة، هو ومن خلفه أبدا، بخلاف من ذكر بأنه كان جنباً، أو غير متوضئ. والفرق بينهما أن القراءة هي من نفس الصلاة، والوضوء والغسل ليس من نفس الصلاة، وأيضاً فان القراءة يحملها الإمام عن المأمومين، فإذا تركها افسد عليهم، والوضوء لا يحمله عنهم، هذا معنى كلام الأبهري دون لفظه. وأيضاً فان الأصل كان أذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة من خلفه، فخرج بالسنة من ذكر أنه كان محدثاً، وبقى ما سواه على أصله.

فصل -3 - : [حكم من رأى في ثوبه جنابة بعد الصلاة] ومن المدونة قال مالك: ومن صلى ثم خرج لحاجته فرأي في ثوبه جنابة، لم يذهب لحاجته، ورجع، واغتسل، وغسل ما أصاب ثوبه، وأعاد الصلاة، يريد أذا / كان في ضيق من الوقت. قال في المجموعة وغيرها في من وجد في ثوبه احتلاماً لا يدري متى كان: فانه يغتسل، ويغسل ما رأى في ثوبه، وينضح ما لم ير، ويعيد ما صلى من احدث نوم نام فيه، وكذلك قال مالك في الموطأ، قال: وذلك أن عمر بن الخطاب أعاد ما كان صلى لأخر نوم نام فيه، ولم يعد ما قبل ذلك. قال سحنون في المجموعة: فان كان غيره نام قبله فيه فلا شيء على الأول. قال مالك: وان كان لابسه لا ينزعه أعاد من أول نوم نام فيه. قال ابن القاسم: في امرأة رأت في ثوبها دم حيض، وقد لبسته نقياً، ولا تدري متى حاضت، وهل حاضت أم لا؟ فان كانت لا تنزعه، ويلي جسدها اغتسلت، وصلت من يوم لبسته، وتعيد الصوم الواجب. قال أبو محمد: يريد ما لم تجاوز أقصى أيام الحيض، وان كانت تنزعه

وتلبسه أعادت من احدث لبسة لبسته. قال ابن حبيب في الصوم: إنما تعيد يوماً واحداً؛ لأنه دم حيض انقطع مكانه فصارت كالجنب يصوم وهو جنب. إنما قال: يعيد الرجل من احدث نوم نام فيه؛ لأنه كان ينزعه ويلبسه، ولم ير فيه شيئاً، فلما رآه الآن علمنا أنه من نومه الآخر، واذا كان متمادياً على لبسه والجنابة في موضع تخفي رؤيته عليه - وهو عليه- وجب عليه أن يعيد من أول نوم نام فيه؛ لأنه صار في حال الشك في الجنابة من ذلك الحين فبنى أمره على الاحتياط، وكذلك الحجة في التي رأت دم الحيض. ووجه قول ابن القاسم: ويعيد الصوم؛ لأنه يمكن أن تكون تلك الحيضة بها أياما ولم تشعر بها. ووجه قول ابن حبيب: أنها تعيد يوماً واحداً؛ لأنه دم حيض انقطع مكانه فصارت كالجنب، وهو أبين عندي؛ لأنه لو كان دم بها يا لشعرت به، ولظهر ثوبها يقعاً وإنما كانت دفعة، ثم انقطعت، والله اعلم. وسئل محمد بن عبد الحكم عن من صلى فوجد في ثوبه احتلاماً، وهو لا يدري متى احتلم فانه يغتسل من احدث نوم نام فيه، قيل له: وسواء كان لابساً له أبدا، أو المرة بعد المرة، قال: نعم هذا عندي سواء. قيل له: فان ابن القاسم يفرق بينهما فقال: أن كانت في المجالس فهي ضعيفة. قال بعض القرويين: قول ابن عبد الحكم هذا أقيس على مراعاة ما قال مالك

إذ بنى أمره بإعادة ما تيقن أنه عليه دون ما شك فيه. ويجري في هذا الاختلاف في رؤية دم / الحيض. ووجه هذا حديث عمر رضى الله عنه؛ لأنه إنما أعاد ما صلى لأحدث نومة نام فيه، ولم يعد ما قبل ذلك، ولان عليه يقيناً إعادة ما صلى من احدث نومة نام فيه سواء كان منه، أو من الذي قبله، وهو شاك فيما قبله؛ لأنه أن كان من الأحدث لم يلزمه ما قبله قمر بإعادة ما تيقن فيه دون ما شك فيه. وقول مالك أولى؛ لأنه بني أمره على اليقين بإعادة ما شك فيه.

[باب-19 -] في الصلاة بثياب أهل الذمة أو بما نسجوه أو بثوب نجس أو حرير أو على موضع نجس أو في جسده نجاسة أو لغير القبلة أو من به حقن أو بوضوء واحد صلوات

[باب-19 -] في الصلاة بثياب أهل الذمة أو بما نسجوه أو بثوب نجس أو حرير أو على موضع نجس أو في جسده نجاسة أو لغير القبلة أو من به حقن أو بوضوء واحد صلوات/ قال مالك رحمه الله: ولا يصلي بما لبسه أهل الذمة من ثياب، أو خفاف حتى يغسل، يريد؛ لأنهم أنجاس لا يحتفظون من نجاسة. قال: وما نسجوه فلا بأس به مضى الصالحون على هذا. [فصل-1 - : حكم الصلاة بثياب أهل الذمة] [فصل-2 - : الصلاة نجاسة أو عليها] قال مالك: ومن صلى بثوب نجس، أو عليه، أو على موضع نجس، أو في جسده نجاسة، وهو لا يعلم أعاد في الوقت، ووقته في الظهر والعصر إلى إصفرار الشمس، فإذا اصفرت الشمس لم يعد، وفي المغرب والعشاء الليل كله. م إنما قال في الظهر والعصر إلى إصفرار الشمس، وفي المغرب والعشاء الليل كله؛ لأن الإعادة في الوقت إنما هي على طريق الاستحباب، فأشبهت النوافل، فكما لا يتنفل إذا اصفرت الشمس، فكذلك لا يعيد فيه ما وجبت إعادته في الوقت، وكما جاز التنفل الليل فكذلك جازت الإعادة فيه.

قال ابن القاسم: وسواء كانت هذه النجاسة في موضع جبهته أو قدميه. قيل له: فإن تيمم على موضع نجس قال: يعيد في الوقت، كمن صلى بثوب نجس، وكذلك من صلى إلى غير القبلة فإنه يعيد في الوقت. م لأنك إنما تنقله في التيمم والقبلة من اجتهاد إلى اجتهاد إذ لا يقطع بحقيقة طهارة التراب، ولا القبلة، وذلك بخلاف المعاين للقبلة، وهذا تلزمه الإعادة أبداً. [فصل-3 - : حكم الصلاة بثوب الحرير] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن معه ثوب نجس وثوب حرير فليصل بالثوب الحرير، ويعيد في الوقت إن وجد غيره؛ لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير.

قال ابن المواز وأصبغ: يصلي بالثوب النجس، ويعيد في الوقت إن وجد غيره، ولا يصلي بالحرير، ولو لم يجد إلا ثوب حرير فليصل عريانا أحب إلى. م فوجه قول ابن القاسم: أن النجس غير مباح لأحد الصلاة به، والحرير مباح للنساء له، والصلاة به، وللرجال في الجهاد فهو أخف. ووجه قول أصبغ: أن النجس مباح لبسه وإنما منع من الصلاة به، والحرير فغير مباح له، ولا الصلاة به فذلك واجب فيه، وترك الصلاة بالنجس سنة فوجب أن يكون أخف. ومن المدونة قال ابن القاسم: والوقت في ذلك في الظهر والعصر الاصفرار، وفي العشائين الليل كله. ولمالك قول ثان: أن الوقت في ذلك النهار كله ما لم تغرب الشمس. م وهذا أبين؛ لأنه صلى به عامداً، فإن كان مضطراً إليه فهو أشد من الناسي، والله أعلم. فصل-4 - : [حكم لبس الحرير] قال ابن حبيب: وكره مالك العلم الحرير في الثوب، إلا الخط الرقيق،

وأبقى الخز ولم يحرمه لاختلاف الناس فيه. قال ابن حبيب: أما الخز الذي سداه حرير فلم يختلف في إجازة لبسه، وقد لبسه خمسة عشر صاحباً، وخمسة عشر تابعاً قال: وما مزج من ثياب الحرير بكتان أو صوف فلباسه في الصلاة للرجل مكروه لاختلاف السلف في إجازة لبسه: أجازه ابن عباس وكرهه ابن عمر من غير تحريم. قال مطرف: ورأيت على مالك ساج إبريسم كساه هارون الرشيد وكان يفتي هو وأصحابه بكراهية ذلك، ولم يكن عنده كالخز المحض.

قال ابن حبيب: وليس بين ثياب الخز والثياب التي قيامها حرير فرق، إلا الاتباع. قال: لا بأس بالعلم الحرير، وإن عظم لم يختلف في الرخصة فيه، والصلاة به/ وأرخص النبي عليه السلام من علم الحرير في الثوب في الإصبع والإصبعين، ثم قال: وإن غلب فقس فثلاث إلى أربع، وأجاز ابن الماجشون لبس الحرير في الجهاد عند القتال، ويصلي به حينئذ، ورواه عن مالك وعن جماعة من الصحابة والتابعين. فصل-5 - : [خكم الصلاة بالثوب النجس]. من المدونة قال/ مالك: ومن لم يكن معه إلا ثوب نجس صلى به، فإن وجد غيره، أو ما يغسله به أعاد في الوقت. قال في سماع بن القاسم: ووقته في الظهر والعصر الغروب، وفي العشائين طلوع الفجر، وفي الصبح طلوع الشمس. قال أشهب في المجموعة: ولو لم يجد غلا ثوباً نجساً فصلى عرياناً

فليعد بذلك الثوب في الوقت، إن لم يجد غيره. قال: ومن صلى بثوب نجس أعاد في الوقت. وقال بعض أصحابنا: إنما يعيد في الوقت إذا ظن أن صلاته بالنجس لا تجزئه فصلى عرياناً، وأما إن علم أن عليه أن يصلى بالنجس فصلى عرياناً فهذا يعيد أبداً، والله أعلم. قال في الاضحة: إذا صلى بالنجس عامداً وهو واجد ثوب طاهر أعاد أبداً. م وهذا على اختلافهم في إزالة النجاسة، أهى سنة أم فرض؟ ويحتمل أن يعيد أبداً في قول من يرى أن إزالتها سنة لعبثه. وقد أمر ابن عمر الذى صلى الفجر وفي ثوبه احتلاماً أن يعيد بعد الوقت، وليس في الحديث ما يدل أنه كان ساهياً، قاله الشيخ أبو الحسن. قال ابن حبيب: ومن رأى في ثوبه نجاسة فهم بغسلها، ثم نسي حتى صلى فليعد في اوقت، ولو رآها في الصلاة فهم بالقطع، ثم نسي وأتمها فليعد أبداً. وقيل عن مالك: وكذلك من ذكر في الوقت انه صلى بثوب نجس، ثم نسي أن يعيد حتى خرج الوقت فليعد أبداً. وقاله مطرف وابن الماجشون، روياه عن مالك. وقال ابن القاسم: ما لزمه إعادته في القت فنسي أن يعيد حتى خرج

الوقت فلا إعادة عليه، وبالأول أقول. قال سحنون: ومن صلى بثوب نجس، أو بثوب حرير نجس إذا لم يجد غيره ثم وجد ثوب حرير طاهر فلا يعيد، إلا أن يجد غير حرير. قال في الأقضية: من صلى بخاتم ذهب، أو بثوب حرير، وعليه ما يواريه غيره فإنه يعيد في الوقت. قال أشهب في العتبية: لا إعادة عليه قال أشهب: ولو لم يكن عليه ما يستره أعاد في الوقت. وقال ابن حبيب: إذا كان عليه غيره أجزأه، وقد أثم، وإذا لم يكن عيه غيره أعدا أبداً. وقال ابن وهب في العتبية: من صلى بثوب حرير وهو واجد لغيره لم يعد في الوقت ولا غيره. م فصار في من صلى بثوب حرير عامداً ثلاثة أقوال: قول ابن وهب: لا إعادة عليه أصلاً، وأشهب يعيد في اوقت، وابن حبيب يعيد أبداً. م فوجه قول ابن وهب الإعادة عليه في الوقت في الثوب النجس

يصلي به إذا كان الوقت قائماً أنها صلاة كاملة الفرض ناقصة السنة؛ لأن إزالة النجاسة سنة على القول الصحيح في المذهب، فأمر بإعادتها ليكمل فرضها وسنتها فإذا ذهب الوقت فلو كلف إعادتها كانت ناقصة الفرض، وهو الوقت كاملة السنة، والأولى أكمل منها، فلذلك أمر أن لا يعيدها بعد الوقت. فصل-6 - : [وقت الضرورة للحائض ولمن أسلم] ومن المدونة قال مالك: ووقت النصراني يسلم، والحائض تطهر، والمجنون يفيق، والمسافر يخرج أو يقدم النهار كله، والليل كله، وفي كتاب الصلاة إيعاب هذا. فصل-7 - : [حكم الصلاة. وهو يدافع الاخبثين] قال مالك: ومن أصابه حقن أو قرقرة فإن كان خفيفاً فليصل به، وإن كان مما يشغله عن صلاته فلا يصلي حتى يقضي حاجته، ثم يتوضأ.

ابن وهب: وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إذا وجد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة)). وقال في حديث آخر: ((لا يصلِّى بحضرة الطعام ولا هو يدافعه الأخبثان))، الغائط والبول. قال عمر رضي الله عنه: ((لا يصلِى أحدكم، وهو ضام بين وركيه)). وأن عمر قال: ((ما أبالى أن يكون في جانب ردائي إذا كنت مدافعاً له)). قال ابن القاسم: وإذا/ أعجله في صلاته مما يشغله، وأحب إلى أن يعيد أبداً، وقاله مالك.

وقال ابن شعبان: إن من صلى بالحقن الذي يشغل مثله أجزاه، ولا يعيد. وقد روي أن معاذاً صلى وراء النبي صلى الله عليه وسلم فوجد بولاً حتى كاد أن يشغله فلما انصرف ذكر ذلك له فقال: ((إذا وجد ذلك أحدكم فلينصرف حتى يبول))، ولم يأمره بالإعادة. م وصفة خرج من أصابه حقن في صلاته أن يخرج ماسكاً بأنفه، كالراعف، وقد روي ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم واستحسن بعض فقهائنا إذا صلى بالحقن فإن كان شيئاً خفيفاً فلا شيء عليه، وإن صلى به وهو ضام بين فخذيه أعاد في الوقت، وإن كان مما يشغله كثيراً أعاد أبداً/. من المدونة قال مالك: والقرقرة بمنزلة الحقن. ابن القاسم: ولا أحفظ عن مالك في الغثيان شيئاً.

فصل - 8 - : [الصلاة بوضوء واحد ما لم يحدث] قال مالك: ولا بأس أن يصلي بوضوء واحد يومين فأكثر. ابن وهب: وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة الصلوات كلها بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال له عمر بن الخطاب: رأيتك صنعت شيئًا ما كنت تصنعه، فقال: عمدًا صنعته يا عمر، يريد صنعته ليستن به. وهذا الحديث يدل على أن الوضوء كان في أول الإسلام لكل صلاة؛ لقوله تعالى: {إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ {الآية، فنسخ ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا. وموضع الدليل منه قول عمر رضي الله عنه رأيتك صنعت شيئًا ما كنت تصنعه، والله أعلم. قال في المدونة: وكان ابن عمر يصلي بوضوء الصبح الصلوات كلها ما لم يحدث.

[باب - 20 -] جامع القول في الرعاف

[باب - 20 -] جامع القول في الرعاف [فصل - 1 - : لا وضوء من الرعاف] روي عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهما، وغيرهما، وكثير من التابعين: أنه يبني في الرعاف بعد غسل الدم ما لم يتكلم، ولا وضوء فيه. قال أبو جعفر الأبهري: وما روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رعف أحدكم في صلاته فلينصرف، ويتوضأ، ولا يتكلم، ثم يبني على ما مضى من صلاته)). وقال ابن عباس: ((كان عليه السلام إذا رعف في صلاته توضأ)).

فيحتمل الوضوء المذكور في هذه الأخبار، إنما هو غسل الدم من الأنف، كما قيل: ((إنه توضأ مما مست النار)) وفي قوله: ((من أكل لحم جزور فليتوضأ))؛ لأن الوضوء إنما يجب من الحدث، ولم يثبت أن الرعاف حدث، ولو كان حدثًا، لما جاز البناء فيه، كسائر الأحداث. قال الأبهري: وأيضاً، فلما كان قليل الرعاف لا يوجب نقض الوضوء باتفاق، وجب أن يكون كثيره كذلك، كالبصاق، والمخاط عكسه البول، والرجيع فإن قليل هذا مساو لكثيره، وكذلك الحجة في القيء. قال: وأبو حنيفة يرى عليه في كثيرها الوضوء.

[فصل - 2 - : الفرق بين من كثر رعافه وسال وبين من قطر رعافه] قال مالك: وينصرف من الرعاف في الصلاة إذا سال، أو قطر قل ذلك، أو كثر، فيغسله، ويبني على صلاته، وإن كان غير قاطر، ولا سائل فتله بإصبعه، وتمادى. وكان أبو هريرة، وابن المسيب، وسالم تختضب أصابعهم دمًا من أنوفهم فيفتلونه، ولا ينصرفون. قيل لمالك في المجموعة: فإن امتلأت له أربع أصابع إلى الأنملة، وتعذر

أن يفتله قال: لا شيء عليه. م يريد كلما امتلأت له أنملة فتلها، قيل: فإن امتلأت له الأربع إلى الأنملة الوسطى، قال: هذا كثير، وأرى أن يعيد الصلاة. م يريد أنه امتلأ له أكثر من الدرهم فصار حامل نجاسة، فلهذا قال: يقطع، وأما لو سال، ولم يصل ذلك إلى شيء من جسده أو ثيابه، فهذا يذهب يغسل الدم، ويبني على صلاته. قال مالك في المجموعة: ولولا ما قلت العلماء يبني في الرعاف لرأيت أن يتكلم، ويبتدئ، ولكن الشأن ما مضوا عليه. قيل: فإن اختار الراعف أن يتكلم، ويبتدئ؟ قال: لا بأس به. قال ابن القاسم: وإن ابتدأ ولم يتكلم أعاد الصلاة. ابن حبيب: لأنه كالزائد في صلاته متعمدًا. ومن / المدونة والموطأ: قال ابن المسيب: ومن لم ينقطع عنه الدم أتم صلاته إيماء.

قال محمد بن مسلمة: إنما جعله سعيد يومئ؛ لأنه إن سجد أضر به ذلك، وكثر عليه الدم فصارت ضرورة تيبح له الإيماء، كمن برأسه صداع، أو بجبهته ما يمنعه من السجود، وقال ابن حبيب: ليس عليه أن يركع ويسجد ويقوم ويقعد فيتلطخ بالدم. م فجعل العلة الالتطاخ بخلاف قول ابن مسلمة. وكذلك اختلفوا في المسافر تحضره الصلاة والأرض كلها طين، فقال ابن حبيب: إنما يصلي قائمًا، ويركع متمكنا، يومئ للسجود أخفض من الركوع، ويضع يديه على ركبتيه في إيمائه، قالك وقاله مالك وأصحابه، إلا ابن عبد الحكم، فإنه قال: يجلس، ويسجد على الطين بقدر طاقته، وبالأول أقول. وقال أشهب وابن نافع عن مالك في العتبية: أنه يصلي ويجلس، ويتشهد، ويسجد على الطين بقدر طاقته، ولا يصلي قائمًا يومئ. قال بعض أصحابنا: وينبغي إذا رغف في وقت الصلاة، أو قبل وقتها فلم ينقطع عنه الدم أن يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها المفروض عساه ينقطع عنه، ثم يصلي حينئذ. [فصل - 3 - : في محل البناء في الرعاف] ومن المدونة قال مالك: وكل من رعف في صلاته، فذهب يغسل

الدم، فله أن يبني في بيته أو غيره مما يقرب من موضع غسله. قال ابن القاسم: وذلك إن علم أنه لا يدرك مع الإمام شيئًا، إلا في الجمعة، فإنه يرجع إلى المسجد؛ لأن الجمعة لا تكون إلا في المسجد. قال ابن شعبان: إنما يرجع إلى الإمام إذا علم أنه يدرك معه ركعة. م وهذا خلاف المدونة؛ لأنه قال: إذا رعف بعد فراغه من التشهد أنه يرجع وإن كان الإمام لم يسلم جلس معه، وسلم بسلامه، وإن كان قد سلم سلم هذا، وإن علم أنه لا يدرك مع الإمام شيئًا فليتم موضعه. قيل: فإن رجع إلى المسجد، فأتم صلاته، فقد أفسد على نفسه؛ لأنه صار ماشيًا في صلاته. وفي المبسوط لإسماعيل عن ابن القاسم أنه إذا ظن أن الإمام قد فرغ، فأكمل صلاته مكانه في غير الجمعة، ثم تبين له أنه قد قضى قبل

الإمام أن صلاته تامة. [فصل - 4 - : في شروط البناء في الرعاف] قال ابن حبيب: وليطلب الماء الراعف إلى أقرب ما يمكنه، إذا لم يتفاحش البعد جدًا، فإن وجد الماء في مكان فجاوزه إلى غيره فذلك قطع لصلاته، وإذا تكلم في انصرافه ليطلب الماء بطلت صلاته تكلم سهوًا، أو عمدًا، وإنما أرخص له في البناء ما لم يتكلم، أو يحدث، ولو تكلم بعد رجوعه إلى البناء لم تفسد صلاته قال ابن الماجشون. قال بعض أصحابنا؛ لأنه إذا تكلم راجعًا، فهو في عمل الصلاة، فأشبه كلامه سهوًا في أضعاف الصلاة، وإذا تكلم في انصرافه فإنما هو مشتغل بغسل

الدم، وهذا ليس بالقوي؛ لأن حكم الصلاة قائم، فسواء تكلم في سيره، أو رجوعه، والله أعلم. قال ابن حارث: ولو مشى الراعف على قشب يابس، فقال ابن سحنون: إن صلاته منتقضة. وقال ابن عبدوس: صلاته تامة. قال المغيرة: من رعف بعد كمال ركعة من الجمعة، فخرج يغسل الدم، فحال بينه وبين المسجد واد ليضف إليها أخرى، ثم يصلي أربعًا، ويجزئ في قول أشهب في هروب الناس عن الإمام بعد ركعة أنه يضيف إليها أخرى، وتجزئه جمعته؛ لأن الجماعة أحد شروط الجمعة، وكذلك المسجد. قال في كتاب الصلاة: وإن رعف إمام فلما خرج تكلم بطلت صلاته. قال ابن الماجشون: تكلم سهوًا أو عمدًا يريد للحديث ((أنه يبني ما لم يتكلم))، فهو على عمومه. وفي كتاب ابن سحنون: إن تكلم سهوًا / فالمستخلف في الصلاة، هو يحمل ذلك عنه.

وكذلك من رعف خلف إمام، بعد أن صلى ركعة معه / فخرج يغسل الدم فتكلم ساهيًا فلا شيء عليه، فإن رعف قبل أن يعقد معه ركعة لم يحمل عنه الإمام السهو، ولو أبطل الإمام صلاته بطلت عليه؛ لأنه في حكمه. وقال سحنون في المجموعة: إذا أفسد الإمام صلاته متعمدًا، لم تبطل صلاة الراعف. م والأول أصوب؛ لأن صلاته متعلقة بصلاة الإمام. وفي كتاب ابن المواز: من خرج لرعاف، فقرأ الإمام بعده سجدة، فسجد بها، ثم رجع الراعف بعد سلام الإمام فعليه أن يبدأ بالسجدة، ثم يتم صلاته. قال سحنون: ومن خرج من الصلاة لرعاف، ثم شك في الوضوء، وهو يغسل الدم فرفع الشك باليقين وابتدأ الوضوء، فلما توضأ ذكر أنه على وضوء، فقد بطلت صلاته.

م كمن ظن أنه أصابه رعاف، وهو في الصلاة، فخرج لغسله، فإذا هو ماء، فقد أبطل صلاته. قال: ولو ذكر أنه متوضئ حين هم بالوضوء، قبل أن يغسل شيئًا بني على صلاته. [فصل - 5 - : في رعاف المأموم] ومن المدونة قال مالك: وإذا رعف المأموم بعد تشهده، وقبل سلام الإمام انصرف، فغسل الدم - ورفع الشك باليقين - ثم رجع، فإن كان الإمام قد انصرف قعد وتشهد وسلم، وإن رعف بعد ما سلم الإمام، ولم يسلم هو سلم، وأجزأته صلاته. م وكذلك لو رعف قبل سلامه، ثم سلم الإمام في الوقت قبل انصرافه؛ فإنه يسلم، ويجزئه. وإنما ينصرف من رعف والإمام يتشهد، فإنه لا ينبغي له أن ينتظره حتى يسلم وهو راعف. قال مالك: وإن رعف بعد تمام ركوعه، أو بعد سجدة ألغى تلك الركعة، وابتدأ قراءتها. م واختلف المتأخرون من أصحابنا هل يريد أنه يبني على إحرامه

أم لا؟ والذي أرى أن يبني على إحرامه؛ لأن الإحرام ركن من أركان الصلاة قائم بنفسه، كالركعة التامة، فوجب أن يبني عليه، بخلاف بعض الركعة، ألا ترى أن سحنون / صاحب المدونة قال: في الذي أدرك تكبيرة الإحرام من صلاة الجمعة، ثم رعف فوجد الإمام بعد غسل الدم قد انصرف فإنه يبني على إحرامه ظهرًا أربعًا، وإن كان ابتداؤه على ركعتين، فيكيف بهذا الذي لم تتحول نيته فهو أحرى أن يبني على إحرامه؟ وإن كان قد وقع لمالك أن يقطع، ويبتدئ بإقامة، ولكن ظاهر المدونة أنه يبني على إحرامه، والله أعلم. قال مالك: وإذا رعف المأموم في الأولى من الجمعة قبل أن يركع، أو بعد أن ركع وسجد إحدى السجدتين فوجد الإمام حين رجع قد سلم من الصلاة فليبتد ظهرًا أربعًا. قال سحنون: ويبني على إحرامه أحب إليه. وقال أشهب: يتكلم، ويبتدئ أحب إلي، وإن بني على إحرامه

أجزأه، وإن أتى الذي سجد بسجدة أخرى، وصلى ثلاث ركعات أجزأه. وقال ابن وهب: عن مالك في من رعف بعد أن رفع رأسه من الركعة الأولى وسجد سجدة منها، فليأتنف أحب إلي، وكان قد قال قبل ذلك: لو بني على ما بقي منها أجزأه. ومن العتبية قال ابن القاسم: وسمعت مالكًا يقول: من أصابه رعاف قبل أن يركع ركعة بسجدتيها فلا يبني على ذلك، وليقطع، ويبتدئ بإقامة، وإحرام كان مع الإمام، أو وحده، وإن أصابهع ذلك بين ظهراني صلاته بنى، ولم يعتد بركعة لم تتم بسجدتيها. قال ابن حبيب: إن رعف راكعًا، أو ساجدًا فرفع رأسه للرعاف، فذلك تمام لركعته، أو سجدته، فإذا رجع بنى على ذلك، ويبني في القراءة من حيث بلغ، ولا يرجع بإحرام، بخلاف الراجع لما سهى. ولابن القاسم نحوه. م وبه أقول: وهذا هو القياس لما جاء يبني في الرعاف مجملاً بلا تفصيل؛ ولأنه أحرم، وفعل بعض الصلاة فوجب أن يبني على ما أدرك، أصله إذا أدرك / الركعة. م وقول مالك الذي قال فيه: لا يبني إلا على ركعة بسجدتيها استحسان،

والله أعلم. قال ابن حبيب: وإنما يبني الراعف خلف الإمام، لا من صلى وحده. ومسألة العتبية التي قبل التي كلام ابن حبيب هذا يدل على أنه يبني، وإن كان وحده، وقد قال ابن حبيب: وللإمام الراعف من البناء ما لمن خلفه فوجب أن يكون الفذ مثله. ومن المدونة قال مالك: ولو رعف بعد ما صلى مع الإمام ركعة وسجدة، ثم رجع قبل أن يركع الإمام الركعة الثانية، فليلغ الأولى، ولا يعتد بها، ولا يسجد السجدة التي بقيت عليه. قال: وإن عقد الأولى من الجمعة بسجدتيها، ثم رعف قبل ركوع الثانية، أو بعد أن ركع، وسجد منها سجدة، ثم رجع بعد سلام الإمام، فليأت بركعة بسجدتيها، يجهر بالقراءة فيها، ويلغي الركعة التي لم تتم بسجدتيها أدرك الإمام في الصلاة أو لم يدركه. قال سحنون: وهو قول أصحابنا جميعًا. قال ابن القاسم: ولو وجد الإمام حين رجع في التشهد جلس معه، فإذا

سلم الإمام أتى بركعة بسجدتيها قال: فإن نسي السورة التي مع أم القرآن في هذه الركعة التي يقضي سجد قبل السلام، وصلاته تامة، وإن نسي منها أم القرآن سجد قبل السلام، وأعاد ظهرًا أربعًا. قال سحنون في كتاب ابنه: إذا رجع بعد غسل الدم وقد فرغ الإمام من صلاته فلا يأتم أحد بالراعف فيما بقي عليه، فإن فعل، فصلاته فاسدة، وصلاة الراعف تامة. ومن المدونة قال مالك: وإن رعف بعد / كمال ركعة من الظهر، فرجع والإمام في الرابعة فليصلها معه، ثم يقضي الذي فاته بعد سلام الإمام. قال ابن حبيب: يأتي بركعتين ثانية وثالثة، يقرأ في الثانية بأم القرآن وسورة، ويقوم ولا يجلس فيها؛ لأنها ثالثته، ثالثة بنائه، ويقرأ في الثالثة بأم القرآن ويجلس؛ لأنها آخر صلاته، ورابعة بنائه. قال ابن المواز عن ابن القاسم: وإذا أدرك من الظهر الثانية بسجدتيها مع

الإمام، ثم رعف فخرج فغسل الدم، ثم رجع بعد سلام الإمام أنه يبني، ثم يقضي، يأتي بركعة بأم القرآن ويجلس؛ لأنها ثانيته، ثم يأتي بأخرى بأم القرآن، ويجلس، كما كان يفعل إمامه، ثم يأتي بركعة القضاء بأن القرآن وسورة، ويتشهد، ويسلم. وقال سحنون وابن حبيب: يبدأ بالبناء، كقول ابن المواز، إلا أنهما قالا: يأتي بالثالثة بأم القرآن، ويجلس؛ لأنها ثانيته، ثم يأتي بالرابعة بأم القرآن؛ لأنها ثالثته، ويقوم ولا يجلس فيها، ثم يأتي بركعة القضاء بأم القرآن وسورة. قال أبو محمد: يقول سحنون: إنما يفترق القضاء من البناء في القراءة خاصة. وقال سحنون في كتاب ابنه: إنه يقضي، ثم يبني، قال: وإنما كان يبني أولاً قبل القضاء اتباعًا لإمامه. ونظيرها مقيم أدرك ركعة من صلاة مسافر، فهكذا يفعل.

قال سحنون في المجموعة: ولو فاتته الأولى، وصلى الثانية، ورعف في الثالثة، ثم أدرك الرابعة، فليقض الثالثة بأم القرآن، ثم الأولى بأم القرآن وسورة، ولو لحقها من أول لكان بانيًا، فيما بقي عليه. فصل - 6 - : [في حكم الرعاف في صلاة الجنازة والعيدين] ومن كتاب ابن المواز: ومن رعف في صلاة الجنازة، فليمض يغسل الدم عنه، ثم يرجع إلى موضعه الذي صلى فيه، فيتم بقية التكبير، وكذلك [في] صلاة العيدين، ولو أتم في صلاة العيدين في بيته لأجزأه. وقال أشهب: إن خاف إن خرج يغسل الدم أن تفوته الجنازة أو صلاة العيدين فإنه يمض في صلاته، ولا ينصرف، وكذلك إن رأى في ثوبه / نجاسة، وليس معه غيره، ويخاف الفوات في انتزاعه، وليس مثل من هو على غير وضوء، فيريد أن يتيمم ليدركها؛ لأن التيمم لا يكون إلا في سفر أو مرض.

فصل - 7 - : [في حكم القيء في الصلاة] ومن المدونة قال مالك: ومن تقيأ في صلاته عامدًا، أو غير عامد ابتدأ الصلاة، ولا يبني إلا في الرعاف. قال ابن القاسم في العتبية: إن تقيأ بلغمًا، أو قلسًا فألقاه، فليتماد، وإن ابتلع القلس بعد ما أمكنه طرحه، وظهر على لسانه، أفسد صلاته. قال في المجموعة: وإن كان سهوًا، بني وسجد بعد السلام.

[باب - 21 -] جامع القول في المسح على الخفين

[باب - 21 -] جامع القول في المسح على الخفين [فصل - 1 - : في حكم توقيت المسح على الخفين]. روى مالك وغيره ((أن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه في السفر)). وروى غيره أنه مسح في الحضر. وروي أنه عليه السلام مسح أعلاهما، وأسفلهما،

وفعله ابن عمر. وقال عمر رضي الله عنه: ((لو لبستهما ورجلاي طاهرتان، وأنا على وضوء لم أبال أن لا أنزعهما حتى أبلغ العراق، أو أقصى سفري)). ونحوه عن عقبة بن عامر وغيره.

قال ابن نافع عن مالك في المجموعة: حده من الجمعة إلى الجمعة - لعله إنما يريد ذلك في الحضر - فينزعهما لغسل الجمعة، والله أعلم. قال غير واحد من البغداديين من أصحابنا: وما ذكر في الرسالة المنسوبة إلى مالك أنه كتب بها إلى هارون الرشيد من التوقيت في المسح، فلم تصح عن مالك، وفيها أحاديث لا تصح عنده. قال ابن مهدي: ((لا أصل لحديث التوقيت)). قالوا: وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير طريق أنه قال: ((إذا أدخلت رجليك في خفيك، وأنت طاهر فامسح عليهما، وصل بهما ما لم تنزعهما، أو تصبك جنابة)). وهذا نص حديث التوقيت في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما مذكور.

وروي عن أبي بن عمارة أنه قال: يا رسول الله أمسح على الخفين؟ قال: نعم، قال: ((يومًا أو يومين، قال: وثلاثة / وما شئت)). فلو كان محدودًا لم يزد على ذلك. فإن قيل: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يمسح المقيم يومًا وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن)).

قيل: عن هذا أجوبة: أحدها: أن أئمة الحديث مثل ابن مهدي ويحيى بن معين، وغيرهما قالا: حديثان لا أصل لهما، ولا يصحان، التسليمتان في الصلاة، والتوقيت في المسح على الخفين. وجواب آخر: يمكن أن يكون جرى على سؤال سائل سأله عن جواز المسح على الخفين في هذا القدر، فأجابه بهذا، ولم يرد به حدًا لا يتجاوزه. وأيضاً: فإن الأصل في سائر الرخص أنها مباحة ما دامت الحاجة قائمة، كالفطر، والقصر، والتيمم، والمسح على الجبائر وأكل الميتة، وشبه ذلك، ولم يقع فيها تحديد ولا توقيت، إلا ما دامت الحاجة، فكذلك المسح على الخفين.

[فصل - 2 - : في اختلاف قول مالك في المسح على الخفين] واختلف في المسح على الخفين، فقال مالك في المدونة: يمسح المقيم والمسافر على خفيه، وليس لذلك وقت من الأيام إذا انتهى إليه لم يمسح، ثم قال: لا يمسح المقيم. قال في العتبية: قد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين، وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم في خلافتهم، وذلك خمس وثلاثون سنة لم يرهم أحد يمسحون في الحضر، وإنما هي الأحاديث /، وكتاب الله تعالى أحق أن يتبع، ويعمل به. وروى ابن وهب أنه رجع إلى أن يمسح. قال أصبغ: المسح في الحضر لا شك فيه، ورأيت ابن وهب يمسح في داره بمصر وقال: اشهد علي بذلك، قال أصبغ: وأنا أمسح في الحضر وأفتي به، وهو أثبت من كل شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه. قال الأبهري وغيره: وهو المشهور عن مالك. قال ابن القصار: قال الحسن البصري: روى المسح على الخفين عن النبي صلى الله عليه وسلم سبعون نفسًا، فنقلوه فعلاً منه عليه السلام، وقولاً، وأمرًا لغيره في الحضر والسفر.

ومن حديث المغيرة، وهو حديث الموطأ ((أنه عليه السلام مسح على الخفين في غزوة تبوك))، وهي آخر الغزوات. فسقط بهذا قول من قال/: آية الوضوء مدنية، والمسح منسوخ بها؛ لأن غزوة تبوك كانت بالمدينة، والمائدة أنزلت بالمدينة قبل هذه الغزوة. وروى ابن وهب عن مالك في المجموعة أنه قال أيضًا: ((لا أمسح في حضر، ولا سفر، وكأنه كرهه)). م والمحصول من هذه الأقوال عن مالك: قول: إنه يمسح في الحضر، والسفر. وقول: لا يمسح فيهما. وقول: إنه يمسح في السفر خاصة.

فوجه قوله: يمسح المقيم والمسافر، فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يمسح المقيم والمسافر))؛ ولأنه مسح رخص فيه للضرورة، فاستوى فيه الحاضر والمسافر؛ ولأنه مسح ناب مناب الغسل، فهو كالاستجمار الذي ناب مناب الغسل. ووجه قوله: لا يمسح، إلا المسافر: فلآن الذي ثبت في أكثر النقل المسح في السفر، وقد قالت عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن ذلك: إئت عليا، فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو كان أمرًا مستقرًا في الحضر لأعلمته بذلك، ولم تأمره بسؤال علي رضي الله عنه، وأيضًا، فإن ضرورة السفر، وعجلة السير، ولحوق المشقة في نزعه من التشاغل عن سيره أوجب الرخصة فيه، كما أوجب الرخصة في الجمع والإقصار، والإفطار فيه لمشقته، ولم يبح جميع ذلك في الحضر؛ إذ لا كثير مشقة تلحقه في ذلك. ووجه قوله: لا يمسح مقيم، ولا مسافر: لأن الأصل المتفق عليه الغسل،

وقد وقع في المسح اختلاف، فلا ينتقل عن أصل متفق عليه إلى أمر متنازع فيه مع ما يحتمل أن يكون المسح كان، ثم نسخ بالقرآن، ونحو هذا لأصحابنا البغداديين، وبالله التوفيق. فصل - 3 - : [في كيفية المسح على الخفين] ومن المدونة قال مالك رحمه الله: ويمسح ظهور الخفين / وبطونهما، ولا يتبع غضونهما، وهو تكسير أعلاهما. ابن وهب: وقاله ابن عباس، يريد، لأن أصل المسح التخفيف. قال ابن القاسم: وأرانا مالك المسح على الخفين، فوضع يده اليمنى على أطراف أصابعه من ظاهر قدمه اليمنى، ووضع اليسرى تحت أطراف أصابعه باطن خفه فأمرهما إلى مواضع الوضوء، وذلك أصل الساق، وحذو الكعبين. قال أبو محمد: وكذلك يده اليسرى من فوق رجله اليسرى، ويده اليمنى من تحتها. قال ابن حبيب: وكذلك أرانا مطرف وابن الماجشون قالا: فإن مالكًا

أراهما كذلك، قال: وإن ابن شهاب وصفه له هكذا. وقال ابن شبلون: بل يجعل اليمنى من فوق القدمين جميعًا، وهو ظاهر المدونة. وفي حديث آخر أنه قال: ((لا تمتخط بيمينك ولا تستنج بها، ولا تمسح بها أسافل الخفين)). قال محمد بن عبد الحكم: يجعل يده اليمنى على ظاهر أطراف أصابع رجله اليمنى، ويده اليسرى على مؤخر خفه من عقبه، فيذهب بها من تحت خفه إلى أطراف أصابعه، ويذهب باليمنى على ظاهر رجله إلى عقبه؛ لأن الخف ربما مشى به على قشب رطب، فلو مسح باليسرى أسفله من الأصابع إلى ظاهر العقب لمس خفه برطوبة يده من آثار القشب. قال ابن حبيب: ولو غسل خفيه ينوي بذلك المسح، لأجزأه، ويمسح لما يستقبل، وليس بواجب، ولو غسل طينًا بخفه ليمسح عليه ثم نسي المسح لم يجزئه عن المسح، ويعيد الصلاة.

ومن المدونة قال مالك: وينزع ما بأسفله من طين قبل المسح. قال أبو محمد عبد الوهاب: لأن المسح إنما جوز على الخف، وهذا حائل دون الخف، فوجب نزعه، كما لو لف على الخف خرقة لم يجز المسح عليها؛ لأنه ماسح على غير الخف. [فصل - 4 - : في المجزئ في المسح] قال ابن القاسم: ولا يجزئ عند مالك مسح أعلاه دون أسفله، ولا أسفله دون أعلاه. قال أبو محمد عبد الوهاب: لما روي أن المغيرة قال: ((وضأت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فمسح أعلى الخف وأسفله))؛ ولأن المسح على الخفين بدل من غسل الرجلين، فوجب أن يكون في مقابلة مما يستره من مبدوله، كالمسح على الجبائر والعصائب. قال ابن القاسم في المدونة: ولكن لو مسح على ظاهرهما، ثم صلى،

فأحب إليَّ أن يعيد الصلاة في الوقت؛ لأن عروة بن الزبير كان لا يمسح بطونهما. قال أبو محمد: يعني يعيد الوضوء أبدًا، والصلاة في الوقت كل ذلك استحبابًا. قال ابن القصار وغيره: وقد روي نحو فعل عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أنس بن مالك، وعدة من التابعين، فلذلك رأى مالك أن يعيد في الوقت، ليأتي بالكمال في ذلك؛ لأن السنة الكمال. قال أصبغ: ووقته وقت الصلاة المفروضة يريد لقوة الاختلاف فيه. قال سحنون: تجزئه، ثم قال: يعيد في الوقت، وقال ابن نافع عن

أشهب: يعيد أبدًا، وعلته كما وجهنا به قول مالك. قال سحنون وابن حبيب: ولو مسح أسفله فقط أعاد أبدًا، وهو قول كافة فقهاء الأمصار. وقال محمد بن عبد الحكم عن أشهب: يجزئه ذلك. وكذلك ذكر بعض أصحاب الشافعي، وهو خرق لإجماع الصحابة، وكفى بإجماعهم حجة. ووجه قول أشهب: هو أن أصل موضوع المسح التخفيف، فلذلك كان ما مسح منه أجزأه وإن كان الصواب عنده أن يأتي بكمال المسح.

فصل-5 - : [في حكم المسح على خف يظهر منه بعض الفرض] ومن المدونة قال مالك: ((وإذا كان في الخف خرق يسير، لا يظهر منه القدم، مسح عليه، وإن كان خرقًا كبيرًا، يظهر منه القدم، أو قطعه دون الكعبين محرم، أو غيره، لم يمسح عليه، من أجل أن بعض مواضع الوضوء قد ظهرت)). قال في غير المدونة: فإن كان إلى الكعبين، أو فوقهما، فليمسح عليهما غير المحرم. قال أبو محمد: لعل ابن القاسم يريد أن المحرم متعد في لباس ما بلغ الكعبين، إلا أن يكون لبسهما لعلة فينبغي أن يمسح.

فصل-6 - : [في المسح على خف لبس على خف]. ومن المدونة قال مالك: ومن لبس خفين على طهارة، ثم أحدث فمسح عليهما، ثم لبس أخرى فوقهما، ثم أحدث فليمسح عليهما أيضًا. قال: وإن أحدث فلم يتوضأ حتى لبس الأعليين فلا يمسح عليهما. قال ابن القاسم: ولو لم يحدث لم يمسح عليهما، ويجزئه المسح على الداخلين، كمتوضئ لبسهما على قدميه. قال مالك: ومن لبس خفين على خفين مسح الأعلى منهما. واختلف قوله في المسح على الجرموقين، فكان يقول: لا يمسح/ عليهما، إلا أن يكون فوقهما، وتحتهما جلد مخروز-وقد بلغ إلى الكعبين-فليمسح عليهما، ثم رجع، فقال: لا يمسح عليهما أصلًا، وسواء في قوليه لبسهما على رجل أو خف/، وأخذ ابن القاسم بقوله الأول، وهو الصواب؛ لأنه إذا كان عليه جلد مخروز يبلغ الكعبين، فهو كالخف.

ووجه قوله: ((لا يمسح)): لأن الحديث إنما ورد في الخف، وهذا غير خف لا محالة. وأما إذا لم يكن عليه جلد مخروز فلا يجزئ المسح عليه، كما لا يجزئ المسح على الخرق، إذا لف بها رجليه، ولا خلاف في ذلك. قال بعض أصحابنا البغداديين: اختلف قول مالك في المسح على خف فوق خف، فقال: يمسح، وقال: لا يمسح، والأولى أن يمسح، وذكر نحوه الأبهري، وقال: وجه المنع في المسح على الأعلى: أنه لا ضرورة إلى لبس الخف الثاني؛ لأن الأول يدفع عنه ما يخافه، ويصل بع إلى ما يريده، والثاني إنما هو زيادة توقى، فليس محله محل الأول، ووجه قوله يمسح عليه؛ لأنه يمشي في الثاني، كالأول، وقد يكون به ضرورة إلى لبسه، سيما في الثغور الباردة، ووجه قوله أنه لا يمسح: من جهة الحديث ((أنه عليه السلام إنما مسح على خف واحد، فهي رخصة، فلا يتعدى بها إلى غيرها، ووجه الجواز: فلأن المسح على الخفين الأعليين، كالمسح على الخف المبطن، وذلك جائز فيه بالاتفاق، والله أعلم.

ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن نزع الذي لبس خفين على خفين الأعلى منهما-وقد كان مسح عليه- مسح الأسفل مكانه، وكان على وضوئه، ويجزئه، وإن أخر ذلك ابتداء الوضوء، وكذلك قال مالك في الذي ينزع خفيه، وقد مسح عليهما أنه يغسل رجليه مكانه، ويجزئه، وإن أخر ذلك ساعة أعاد الوضوء. قال أبو بكر الأبهري: حد ذلك مقدار ما يجف فيه الوضوء. قال ابن القصار: لأن الأصل كان غسل الرجلين، ثم جوز له المسح على الخفين ما دامت الرجلان مستترين فيه، فإذا نزع الخفين عاد إلى ما كان عليه؛ لأن الحكم إذا تعلق بعلة، ثم زالت زال الحكم المتعلق بها. قال في المدونة: ولم يأخذ مالك بما ذكر عن ابن عمر في تأخير المسح على الخفين، وروى عنه أنه أرخص في ذلك، وقال على عن مالك في المجموعة: إذا أخر مسحهما في وضوء حتى حضرت الصلاة، فليمسحهما ويصلى، ولا يخلع، فإن سها عن مسحهما حتى صلى فإنه يمسح، ويعيد الصلاة، ولا يعيد الوضوء.

م وهذا على ما روى عن ابن عمر في تأخير المسح إن كان أخر ذلك عامدًا فأجازه مراعاة للاختلاف. قال ابن القاسم في العتبية: فإن نزع الذي لبس خفًا على خف فردًا من الأعلى مسح تلك الرجل على الأسفل مكانه، ويجزئه. وقال ابن سحنون عن أبيه: ينزع الآخر، ويمسح على الأسفلين. قال ابن القاسم: ثم إن لبس الفرد الذي نزعه، ثم أحدث مسح عليهما. [فصل-7 - : في حكم خروج العقب من الخف أو نزع الخف لضرورة] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا خرج العقب من الخف إلى الساق قليلًا، والقدم كما هي في الخف، أو كان الخف واسعًا، وكان العقب يزول، ويخرج إلى الساق، وتجول القدم، إلا أن القدم كما هي في الخف فلا شيء عليه. قال: وإن خرج جميع قدمه إلى ساق الخف، وقد كان مسح عليهما فلا يجزئه، إلا أن يخرجهما، ويغسلهما مكانه، وكذلك في خروج قدميه لسعة/ الخف فإن أخر ذلك استأنف الوضوء. وقال في أصل سمع ابن وهب: قال مالك: ولو نزع خفه، وأقام طويلا

لم يغسل رجليه، فأحب إليّ أن يأتنف الوضوء، وإن غسل رجليه وصلى أجزاه، وهذا أيضًا؛ لما روى عن ابن عمر في تأخير المسح على الخفين. قال في العتبية في من وجد حصاة في أحد خفيه فنزعه، فأخرجهما، ثم رده مكانه قال: أحب إليّ أن يغسل قدميه مكانه. قيل له: إن بعض أهل العراق يقول: إذا نزعت خفيك انتقض وضوئك كله، فأنكر قولهم. محمد قال بعض فقهائنا القرويين: إذا نزع أحد خفيه، ثم لم يقدر على نزع الأخرى، وخاف فوات الوقت غسل الرجل الواحدة، ومسح على الأخرى من فوق الخف، ويصير ذلك ضرورةً كالجبيرة، ذكر هذا عن أبى العباس الإبياني قال: وفيها أقوال أخر أنه يخرق الخف الثاني. وقيل: أنه يتيمم. واستحسن بعض فقهائنا إن كان الخف قليل الثمن فليخرقه، وغن كان لغيره، ويغرم له قيمته، وإن كان كثير الثمن، فليمسح عليه، كالجبيرة. ابن حبيب: وقال مطرف وابن الماجشون وأصبغ: في مسافر مسح على خفيه، فأصابت خفه نجاسة ولا ماء معه فإنه ينزعه، وليتيمم.

[فصل-8 - : حكم من لبس الخفين بعد التيمم] ومن المدونة/ قال ابن القاسم: ومن تيمم، وهو لا يجد الماء، ثم لبس خفيه وصلى، ثم وجد الماء، فتوضأ فلا يجزئه أن يمسح على خفيه، ولينزعهما ويغسل قدميه؛ لأنه أدخلهما غير طاهرتين بطهر الوضوء. قال مالك في الموطأ: إنما يمسح على الخفين من أدخل رجليه فيهما طاهرتين بطهر الوضوء؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أدخلت رجليك في خفيك وأنت طاهر، فامسح عليهما، وصل بهما ما لم تنزعهما، أو تصبك جنابة)). قال أصبغ في العتبية: إذا تيمم، ثم لبس خفيه، ثم صلى، فله أن يمسح عليهما إذا وجد الماء؛ لأنه أدخلهما بطهر التيمم، ولو صلى بالتيمم ثم لبسهما لم يمسح إن أحدث، لانتقاض تيممه بتمام صلاته. وقال سحنون: لا يمسح، وإن لبسهما قبل الصلاة. وقاله جماعة من أصحاب مالك، وهو الصواب؛ لقوله عليه السلام: ((إذا أدخلت رجليك، وأنت طاهر فامسح))، فيجب أن يحمل ذلك على كمال الطهارة، والتيمم عند أكثر أصحابنا لا يرفع الحدث، وإنما يبيح الصلاة. دليله قول على بن أبى طالب رضي الله عنه في تأويل قوله سبحانه: {وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي

سَبِيلٍ {أنه قال: هو المسافر الذي لا يجد الماء، فأبيح الماء له الصلاة بالتيمم، فقد سماه الله جنبًا، وإنما أبيح له الصلاة بالتيمم. وقد ذهب بعض الناس: إلى أن التيمم يرفع الحدث في حال الصلاة، وهو وجه قول أصبغ هذا. [فصل-9 - : في من لبس خفيه قبل كمال طهره بالماء] قال مطرف: في من توضأ، ولم يبق إلا غسل رجليه فغسل رجله اليمنى، ثم لبس خفه، ثم غسل اليسري، ثم لبس خفه، ثم أحدث فليمسح عليهما، وقاله أشهب-يريد-أنه أدخل رجليه كل واحدة بعد كمال طهارتها. وقال سحنون: لا يمسح عليهما؛ لنه أدخل الأولى قبل تمام الوضوء؛ إلا أن يكون نزعهما، أو خلع اليمنى، ولبسها فقط قبل أن يحدث، ثم لبس ما نزع قبل الحدث، فإنه يمسح. قال سحنون: ولو لبسهما بعد تمام وضوئه، ثم ذكر مسح رأسه، فمسحه فلا يمسح على خفيه إن أحدث، إلا أن ينزعهما بعد مسح رأسه [ثم يلبسهما] قبل الحدث فليمسح.

فصل-10 - : [هل للمرأة أن تلبس الخفين إذا خصبت رجليها بالحناء لتمسح ... عليهما أو الرجل يلبسهما إذا أراد أن ينام] ومن المدونة قال مالك في/ المرأة تخصب رجليها بالحناء، وهي على وضوء، فتلبس خفيها؛ لتمسح عليهما، إذا أحدثت، أو نامت، أو انتقض وضوئها، قال: لا يعجبني ذلك. قال: وإن كان رجل على وضوء فأراد أن ينام فلبس خفيه؛ ليمسح عليهما إذا أحدث فلا خير فيه. قال ابن القاسم: وكذلك إذا أراد أن يبول فلبسه. قال مالك في الواضحة، وسحنون في كتاب ابنه: وعلى من فعل ذلك إعادة الصلاة أبدًا. وقال أصبغ في الثمانية: يكره للمرأة أن تفعل ذلك، فإن فعلت ومسحت فلا شيء عليها، وصلاتها تامة. ومن المدونة قال ابن القاسم: وللمستحاضة أن تمسح على خفيها. قال مالك: والمرأة في المسح على الخفين والرأس بمنزلة الرجل في جميع ذلك.

[باب-22 -] جامع القول في التيمم

[باب-22 -] جامع القول في التيمم [فصل-1 - : في أدلة مشروعية التيمم, ومعناه]. قال تعالي: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ {[المائدة:6]. وروي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ((التيمم ضربة للوجه, وضربة لليدين إلي المرفقين)). وفي حديث آخر: ((أنه مسح وجهه ويديه)) يعني بضربة واحدة. قال غير واحد من العلماء: - وقاله ابن حبيب - التيمم القصد.

لقوله تعالى: {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ {[المائدة:2] والصعيد: قال ابن حبيب: التراب, والطيب: الطاهر. وقال غيره: الصعيد: الأرض نفسها. ومن قوله تعالى: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا {[الكهف:40] , أي: أرضًا زلقة. ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يجمع الله/تعالي الخلائق يوم القيامة علي صعيد واحد)) , أي: علي أرض واحدة. والاسم الأخص بالصعيد الأرض نفسها, ولم يخص تعالى صعيداً من صعيد.

وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً, فأينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت)). فعمّ, ولم يخص موضعاً منها, وجمع بين الصلاة, وبين التيمم عليها, فكما جازت الصلاة علي الجبل والحصباء وكل ما صعد علي الأرض مما هو منها باتفاق, فكذلك يجوز التيمم عليه. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فأينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت)) دليل إن أدركته في الجبل والسبخة تيمم, وصلى. قال غير واحد من البغداديين: فلا نبالي بما صعد منها كان حجراً, أو تراباً, أو رملاً.

فصل-2 - : [الخلاف في مسح اليدين] قال أبو الفرج البغدادي وغيره: الواجب عند مالك التيمم إلي الكوعين, ويستحب بلوغ المرفقين. قال: والذي قال هو ظاهر القرآن؛ لقوله تعالي: {وَأَيْدِيكُمْ {[المائدة:6] , فهذا هو المعقول من اليدين, فلا يلحق بهما ما عداهما, إلا بدليل قال غيره: وقد اختلفت الأحاديث في الكوعين والمرفقين, قالوا: وكذلك يرى أن من تيمم إلي الكوعين يعيد في الوقت, وأن من تيمم بضربة واحدة لوجهه ويديه لا يعيد؛ لأنه قد جاء الحديث بمثله, وقاله مالك وابن القاسم في العتبية. وقال ابن حبيب: يعيد في الوقت هو ومن تيمم إلي الكوعين. قال ابن سحنون: وقال ابن نافع: فيهما يعيدان أبداً. قال مالك في العتبية: ولقد سمعت رجلا عظيمًا يقول: التيمم إلي المنكبين, وتعجب كيف قاله؟.

قال سحنون: وهو ابن شهاب. وقد كان ابن عمر/ يتيمم إلي المرفقين, وهو في الموطأ فالمحصول من ذلك: قول إنه يتيمم إلي الكوعين, وقول إنه إلي المرفقين, وقول إلي المنكبين. فوجه قول مالك: أنه يتيمم إلي الكوعين قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ {[المائدة:6] ولم يحد, كما حد في الوضوء إلي المرفقين, وقال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا {[المائدة:38]. ولم يحد فأبانت السنة أن القطع من الكوعين, واجمعت الناس عليه, إذ ليس فيه حد فأعطي أخص أسماء اليد, فكذلك التيمم؛ لأن المعقول من اسم اليد, والأخص بها من الكوع.

وأيد ذلك ما روي ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تيمم إلي الكوعين)). ووجه قوله: يتيمم إلي المرفقين: قياسًا علي الوضوء الذي هو بدل منه, وقد ثبت الحديث بمثله. ووجه قول من قال: إلي المنكبين: فلأن ذلك يقع عليه اسم اليد, وهذا أضعف الأقوال. فصل-3 - : [في صفة التيمم] ومن المدونة قال مالك: التيمم من الجنابة والوضوء سواء, ضربة للوجه وضربة أخرى للذراعين. يضرب الأرض بيديه جميعًا ضربة واحدة, ثم ينفض ما تعلق بهما نفضاً خفيفاً, ثم يمسح بهما وجهه, ثم يضرب بهما الأرض ثانية, فيبدأ باليسرى علي اليمنى فيمرها من فوق الكفين إلي المرفقين, ويمرها أيضاً من باطن المرفقين إلي الكوعي قال ابن حبيب: إلي أصل الكف. قال مالك: ويمر أيضاً اليمنى علي اليسرى كذلك.

قال ابن حبيب - في صفة التيمم- قال: يذهب باليسرى علي اليمنى إلي المرفق, ثم يعيدها علي باطن اليد إلي أصل الكف, ثم يحول تلك الكف اليمنى علي ظاهر أصابع اليسرى ذاهباً إلي المرفق, ثم يعيدها علي باطن اليسرى إلي أطراف أصابعها, وذكر هذه الصفة مطرف وابن الماجشون عن مالك عن ابن شهاب, وهو ظاهر المدونة. محمد وفي صفة غير ابن حبيب: أنه إذا بلغ باليسرى إلي أصل كف اليمنى تمادى بها إلي آخر أصابع اليمنى, ثم يمسح اليسرى باليمنى. قال أبو محمد وأبو الحسن: وهو أحسن؛ لأن التيمم بدل من/ الوضوء, فكما لا ينتقل في الوضوء من يد حتى يكمل جميعها, فكذلك التيمم. وأنكر ابن القابسي أن ذلك قول ابن شهاب, قال: لأن ابن شهاب يرى أن التيمم إلي المنكبين, قال: وما وقع في بعض روايات المدونة من مرور اليسرى من باطن المرفق غلي الكوع, ويمر اليمنى علي اليسرى كذلك, فمعناه أن يبدأ في الترتيب إذا مكن يده من باطن المرفق فجرها إلي الكوعين أي إلى

ناحية الكوعين حتى تتم اليد؛ لئلا يظن الماسح أن يبدأ من أطراف بطون الأصابع, ولم يرد أن الانتهاء إلي حد الكوعين في اليمنى؛ لأنه إن كان المسح علي باطن اليمنى إلي الكوع, فباطن اليسرى علي هذه الرواية كذلك, ويسقط المسح علي باطن الكفين, وهذا غلط شديد. ابن القرطي: وليس عليه متابعة الغضون في التيمم, وعليه تخليل أصابعه. أبو محمد: وما رأيته لغيره. [فصل-4 - : في أقسام المسافر العادم للماء] والمسافر الذي لا ماء عنده علي أربعة أقسام عند مالك: فمسافر مؤس من إدراك الماء في الوقت, ومسافر موقن بإدراك الماء في الوقت, ومسافر لا علم عنده من الماء, ومسافر يعلم موضع الماء, ويخاف ألاّ يبلغه في الوقت.

قال مالك: وإذا كان المسافر علي إياس من الماء فليتيمم في أول الوقت, ويصلي, ولا إعادة عليه إن وجد الماء في الوقت. م محمد: لأنه دخل الصلاة بما أبيح له/, وأمر به, وهو قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا {[المائدة:6] , وهذا غير واجد له. م قيل: ومعناه أنه وجد ماءً غير ذلك الماء المؤس منه. وأما إن وصل إلي ذلك الماء لأعاد لخطئه في التقدير. قال مالك: والمسافر يكون علي يقين من إدراك الماء في الوقت يؤخر الصلاة حتى يأتي الماء. محمد يريد وقت الصلاة المفروضة, قاله ابن عبدوس, وذلك في الظهر إلي أن يخاف دخول وقت العصر. قال ابن حبيب: إلي أن يبلغ ظله مثله, وفي وقت العصر إلي أن يبلغ ظله مثليه, وذلك بعد القدر الذي زالت عليه الشمس, وفي المغرب قبل غيبوبة

الشفق, وفي العشاء ثلث الليل. قال ابن القاسم: فإن تيمم هذا أول الوقت وصلى أعاد الصلاة في الوقت إن وجد الماء في الوقت. قال ابن حبيب: فإن لم يفعل حتى خرج الوقت أعاد الصلاة أبداً, قال: وقال ابن القاسم: لا يعيد إلا في الوقت, قال: ولا أقول به. م فوجه قول ابن القاسم إنه حين حلت الصلاة, ووجب القيام إليها غير واجد للماء, فدخل في قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا {, وإنما أمر بالإعادة في الوقت على طريق الاستحباب؛ لأنه غير تام العدم؛ لوصوله إلى الماء والوقت قائم. ووجه قول ابن حبيب أن التيمم إنما جعل لإدراك فضيلة الوقت, فمتى كان موقناً بوجود الماء في الوقت وجب عليه التأخير إليه؛ ليصلي بكمال الطهارة فيه, فوجب بذلك سقوط تيممه, وصلاته به قبل ذلك, فهذا لم يفعل ما وجب عليه, فهو كمن لم يصل, فوجب أن يعيد أبداً. ومن المدونة قال مالك: وإن كان المسافر لا علم عنده من الماء, أو كان يعلم موضعه ويخاف أن لا يبلغه, فليتيمم في وسط الوقت, ثم إن وجد الماء

في الوقت أعاد الذي عنده علم من الماء ويخاف أن لا يبلغه, ولم يعد الذي لا علم عنده أصلا. قال أبو إسحاق: وكأن هذا أشبه؛ لأنه قد غلب علي ظنه وجود الماء في آخر الوقت, وقد وجده, ولا يجوز التيمم قبل وجود الماء مع يقينه أنه يدركه في آخر الوقت, وقد وجده, والمصلي في آخر الوقت ليس بآثم, ولا حرج في الوقت: في الظهر القامة, وفي العصر القامتان, وفي المغرب غيبوبة الشفق, وفي العشاء/ ثلث الليل, وفي الصبح الذي يقرب طلوع الشمس, وما بين ذلك هو وسط الوقت. قال ابن حبيب فيهما: يؤخرا إلي آخر الوقت كمن يعلم أنه يدرك الماء في الوقت, فإن تيمما في أول الوقت وصليا, ثم وجدا الماء في الوقت فليعيدا, فإن جهلا أن يعيدا حتى خرج الوقت فلا شيء عليهما, بخلاف الذي يعلم أنه يدرك الماء في الوقت. قاله مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ وعبد الملك. م فوجه قول مالك: أنهما لما كانا غير موقنين بإدراك الماء في الوقت ولا مؤسين منه كان لهما حكم بين الحكمين, وهو وسط الوقت.

ووجه تفرقته بينهما في الإعادة هو: أن الذي عنده علم من الماء, ويخاف ألا يبلغه, إذا وجد الماء في الوقت, فقد بان تفريطه لخطئه في تقديره, إذا لو أيقن أنه يدركه في ذلك الوقت لوجب عليه التربص إليه, فهو كالمسافر يقدم والحائض تطهر, فيخطئان في تقديرهما بقية النهار أنهما يعملان بعد ذلك علي ما كان يجب عليهما, وأما الذي لا علم عنده من الماء فلم يفرط, ولا أخطأ في تقديره, بل دخل الصلاة بما يجوز له فوجب أن لا يعيد. ووجه قول ابن حبيب هو: أن التيمم لا يجب إلا لعدم الماء علي الحقيقة؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا {[المائدة:6] , وهؤلاء غير موقنين بعدمه, فلا يسقط فرض الطهارة به, والوقت قائم بغير يقين عدمه فإذا خاف ذهاب الوقت وجب التيمم؛ لأنه إنما جعل لإدراك فضيلة الوقت, فإن تيمما, وصليا قبل ذلك وجب أن لا يعيدا أبداً؛ لأجل الاختلاف في ذلك, وأنه لم يجب عليهما ذلك, كوجوبه علي الموقن. فصل-5 - :في تيمم المريض والخائف ومن المدونة/ قال مالك: ويتيمم المريض- يريد- الذي يجد الماء,

ولا يجد من يناوله إياه, والخائف الذي يعرف موضع الماء, ويخاف أن لا يبلغه, وكذلك الخائف من لصوص أو سباع علي الماء, في وسط الوقت, ثم إن وجدوا الماء في وقت, تلك الصلاة أعادوا. قال ابن عبدوس: والوقت في ذلك كله وقت الصلاة المفروضة. وقال أصبغ: في المريض والمتيمم إلي الكوعين وماسح أعلي الخف, والذي يستجمر بعظم أو عود أو فحم أو بعرة, إن وقتهم وقت الصلاة المفروضة. م محمد قيل: إن وقت الصلاة المفروضة في العصر الاصفرار, وقيل: إذا صار الظل قامتين, والأول أصوب. ومن المدونة روى ابن وهب ((أن رجلين أجنبا علي عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وكانا في سفر, فلم يجدا ماءً, فتيمما, ثم صليا, ثم وجدا الماء قبل أن تطلع الشمس, فاغتسلا, وأعاد أحدهما الصلاة, ولم يعد الآخر, فذكرا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - , فقال للذي أعاد: ((لك الأجر مرتين)) , وقال للآخر: ((تمت صلاتك)). وفي رواية أخرى أنه قال للذي أعاد: ((لك مثل سهم جمع)). وللذي لم يعد: ((أجزأت عنك صلاتك, وأصبت السنة)).

[فصل-6 - : في من نسي الماء في رحله أو جهله وصلى بتيمم] قال مالك: ومن تيمم ونسى الماء في رحله أو جهله وصلى, أعاد في الوقت. وقال أصبغ: يعيد أبداً. وفي المختصر الكبير: لا إعادة عليه, وإن أعاد فحسن. م فوجه قول مالك: أنه يعيد في الوقت, ولم ير أنه تجزئه صلاته؛ فلأنه غير عادم للماء, وإنما لم يوجب عليه الإعادة أبداً؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((حمل عن أمتي الخطأ والنسيان)) فجعل له بهذا حكمًا بين ذلك, وذلك الإعادة في الوقت. ووجه قول أصبغ: فلأنه واجد للماء, وقد/ قال الله تعالي: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً

كما قال في الظهار: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْن {[المجادلة:4] , فكما لا يعذر واجد الرقبة بنسيانه أو جهله أنه يملكها, فكذلك لا يسقط عنه ذلك الوضوء. م والفرق عند مالك بين ناسي الماء في رحله, وناسي الرقبة: أن التيمم إنما يكون لإدراك فضيلة الوقت, وقد أديت الصلاة به في الوقت, وإما وجد الماء بعد ذهاب وقتها, والكفارة ليست متعلقة بوقت, فمتى وجدت الرقبة فهو وقت لها, فوجب أن لا يجزئه الصوم, كوجود الماء في الوقت؛ لأنه كان في حين الأداء واجداً للماء والرقبة, فلم يجزئه ما أدي. ووجه ما في المختصر الكبير, كما وجهنا به قول مالك في العذر بالنسيان, واستحب له الإعادة ليأتي بالصلاة بأكمل الطهارتين. ومن المدونة قال مالك: وإن ذكر أن الماء في رحله, وهو في الصلاة قطع؛ لأنه واجد للماء في حال صلاته وقادر عليه. قال مالك: ولو اطلع عليه رجل بماء وهو في الصلاة تمادي, وأجزأته صلاته.

والفرق بينهما: أن الذي ذكر أن الماء في رحله حين قيامه للصلاة كان واجدًا للماء, ومالكًا له, فلما اجتمع عليه مع ذلك العلم به, وهو في الصلاة بطلت عليه؛ لأنه قادر علي الماء قبل تمامها, ومالك له حين القيام إليها, والذي طلع عليه رجل بالماء حين قيامه إلي الصلاة, ودخوله فيها هو غير واجد للماء, ولا مالك له. م وقد قال الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا {[المائدة:6] , فقد دخل في الصلاة بما أمر به, وحصل/ له منها عمل بإحدى الطهارتين, فوجب أن لا يبطله لقوله تعالي: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ {[محمد:33]. م محمد وهذا كالأمة تعتق بعد ركعة ورأسها مكشوفة. قال أصبغ: تتمادى, ولا تعيد في وقت ولا غيره, قال: وهي كالمتيمم يجد الماء بعد أن صلى ركعة, ولو عتقت قبل الصلاة, ثم علمت, وهي في الصلاة, فهذه تعيد, وهي كمن نسى الماء في رحله. وقال ابن القاسم في المعتقة بعد ركعة إن لم تجد من يناولها خمارها,

ولا وصلت إليه فلا تعيد, وإن قدرت علي أخذه فلم تأخذه أعادت في الوقت. م والفرق بينها وبين المتيمم في هذا: أن المتيمم إذا توضأ بذلك الماء أبطل الصلاة, وقد قال الله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ {[محمد:33] , والأمة تقدر أن تستتر ولا تقطع صلاتها؛ لأنه خفيف, وفي الصلاة إيعاب هذا. [فصل -7 - : في الذي يعجز ماؤه ومع أصحابه ماء هل يسألهم] قال مالك: في العتبية في المسافر يعجز ماؤه ومع أصحابه ماء, قال: أما المكان الكثير الماء فلا بأس أن يسألهم, وأما الموضع الذي يتعذر فيه الماء, فأرجو أن يكون في سعة أن لا يسألهم. قال عنه أشهب: إنه يسأل من يليه, ومن يظن أنه يعطيه, وليس عليه أن يسأل أربعين رجلا. قال ابن القاسم: وإن سأل من معه في الرفقة فقالوا: ليس عندنا ماء, فتيمم وصلى, ثم وجد الماء عندهم, فإن كاوا رفقاءه, ومن لو علم به عندهم لم يمنعوه, فليعد في الوقت.

م وهو كمن نسي الماء في رحله. قال ابن القاسم: ولو كان يظن أن لو علم به منعوه, فلا إعادة عليه, قال: ولو نزلوا في صحراء وليس معهم ماء, فتيمموا وصلوا, ثم وجدوا بئراً أو غديراً قريباً منهم لم يعلموا به فإنهم يعيدون في الوقت؛ لتفريطهم في طلبه فهم كمن جهل الماء في رحله. فصل-8 - : [في حكم تيمم الحاضر أو المقيم إذا فقد الماء] ومن المدونة قال مالك: ومن خرج من قرية يريد قرية أخرى وهو غير مسافر فغربت عليه الشمس, فإن طمع في إدراك الماء قبل مغيب الشفق مضى إليه, وإلا تيمم وصلى. وقال مرة:- أيضاً- يتيمم, ويصلى. قال ابن القاسم: ويتيمم في الحضر من لم يجد الماء, وكذلك المسجون الذي لا يجد الماء. وقد قال مالك في من كان في المعافر, وأطراف الفسطاط فخاف

إن ذهب إلي النيل يتوضأ أن تطلع الشمس: إنه يتيمم. واختلف فيه قول ابن القاسم, في غير المدونة فقال مرة: يتيمم ويصلى, وقال مرة: يتيمم ويصلى, ويعيد الصلاة بالوضوء, وقال مرة: لا يتيمم, ويطلب الماء وإن طلعت الشمس, إلا أن يكون له عدو. وذكر غير واحد من البغداديين: هذا الاختلاف عن مالك. فوجه قوله: إن خاف فوات الوقت تيمم ويصلى, ولا يعيد؛ فلأن التيمم إنما شرع لإدراك الوقت, وهو طهارة/ تستباح به الصلاة, فوجب أن يستوي فيه الحاضرو المسافر. وقد روى أن أبا ذر قال: انتقلت بأهلي إلي الربذة, فكنت أجنب,

وأعدم الماء الخمسة الأيام والستة, فأعلمت بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: ((الصعيد الطيب وضوء المسلم, ولو لم يجد الماء عشر حجج)). فهذا نص بين في المقيم؛ لأن أبا ذر إنما انتقل إلي الربذة للإقامة بها, وهذا أقيس الأقوال. ووجه قوله: لا يتيمم, ويطلب الماء, وإن طلعت الشمس؛ فلأن التيمم إنما/ ذكر في المريض الذي لا يستطيع استعمال الماء, والمسافر العادم له؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَر {[المائدة:6] الآية. فوجب أن لايعدى بها إلي غير ذلك. ووجه قوله: يتيمم ويصلى, ويعيد بالوضوء: أنه لما ترجح عنده كل قول؛ لما قدمناه رأى أن يأتي بالاحتياط, ويصلي بالتيمم, فيدرك فضيلة الوقت, ويعيد بالوضوء خوفاً أن يكون ذلك التيمم لا يجزئه؛ إذ ليس هو من أهله, فأتي بالأمرين احتياطًا. والله أعلم.

قال ابن حبيب عن ابن عبد الحكم في حضري لم يجد الماء: فتيمم وصلي، ثم وجد الماء بعد أن خرج الوقت فعليه أن يعيد؛ لأن الله تعالى إنما ذكر التيمم في المريض الحاضر والمسافر. غبن حبيب: وكذلك المسجونون يحبس عليهم الماء إلى آخر الوقت، فليصلوا بالتيمم، ثم يعيدوا إذا وجدوا الماء. فصل-9 - : [في من خاف فوات الوقت باستعمال الماء أو تحصيله] ومن المدونة قال مالك: ومن خاف في حضر أو سفر إن رفع الماء من البئر أن يذهب الوقت فليتيمم، ويصلي، ولا يعيد الصلاة بعد ذلك إذا توضأ، وقد كان من قوله في الحضري: أنه يعيد إذا توضأ. قال ابن حبيب: أبداً، وبه أقول، وجعله ابن القاسم كالمسافر، وليس مثله. محمد: قال بعض فقهائنا القرويين: ومن خاف إن توضأ بماء معه ذهب الوقت، وهو إن تيمم يدرك الوقت، فليتوضأ، وإن ذهب الوقت، بخلاف الذي يرفعه من البئر، لأن هذا واجد للماء قادر على استعماله. وقال أبو محمد عبد الوهاب: له أن يتيمم متى خاف إن تشاغل باستعماله فوات الوقت.

م محمد: وهو الصواب عندي، ولا فرق بين تشاغله باستعمال الماء أو برفعه من البئر، وإنما وضع التيمم لإدراك فضيلة الوقت، وإلى هذا ذهب ابن القصار وغيره. قال ابن القصار: وأما من خاف فوات الجمعة إن توضأ، لم يجزئه أن يتيمم؛ لأن الظهر هو الأصل، فإن فاته فرض الجمعة مع الإمام لم يفته وقت الظهر، وإنما يتيمم من فاته وقت الظهر المختار، ولم أر المالك فيه نصاً. قال: وقد قال بعض أصحابنا: إن القياس يوجب إذا خاف بتشاغله بالوضوء أن تفوته الجمعة مع الإمام أن يتيمم ويدركها؛ لأن الجمعة فرض، والتيمم إحدى الطهارتين، فلأن يلحق الفرض بالطهارة الصغرى أولى من أن تفوته. م وقال بعض شيوخنا: ولو قال قائل: يتيمم ويدرك الجمعة، ثم يتوضأ، ويعيد ظهراً احتياطاً لم يبعد، كقول مالك في أحد قوليه في الحضري لا يجد ماء.

فصل -10 - : [في حكم التيمم على موضع نجس] قال ابن القاسم: ومن تيمم على موضع نجس قد أصابه بول أو قذر، فإنه يعيد ما كان في الوقت، كقول مالك في من توضأ بماء غير طاهر: أنه يعيد في الوقت، فهذا مثله. قال ابن حبيب: هذا إن لم يعلم نجاسة التراب، وأما إن علم فإنه يعيد أبداً، بمنزلة من توضأ بماء قد تغير لونه أو طعمه. قال أبو الفرج: قول مالك: في من تيمم على موضع نجس أنه يعيد في الوقت، أراه يرييد خالطته نجاسة لم تطهر طهوراً يحكم لها به، فيصير مشكوكاً فيه، فإن لم يرد هذا، فلعله فرق بين الماء والأرض/: أن الماء ينقل المحدث إلى/ كمال الطهارة، والمتيمم، إنما ينتقل به عن حكم الحدث إلى وجود الماء، ويحتمل أن يكون الفرق بين المتيمم على الموضع النجس،

والمتوضئ بماء قد تغير لونه أو طعمه: أن المتوضئ ينتقل إلى ماء طاهر في الحقيقة؛ لأنه يدرك معرفته بالمشاهدة، والمتيمم إذا انتقل إلى تراب آخر أمكن أن يكون ذلك التراب نجساً؛ لأنه لا يدرك مشاهدته، كما هي في الماء، فلذلك لم يؤمر بالإعادة أبداً، والله أعلم. [فصل-11 - : في التيمم بتراب مستعمل] قال ابن القاسم في العتبية: ولا بأس أن يتيمم بتراب قد تيمم به مرة، يريد؛ لأنه لا يصير تراباً مضافاً، ويريد أنه كان يرفع التراب لوجهه ويديه فيسقط له منه فإذا أراد التيمم بما سقط له فهذا تراب تيمم به مرة؛ لأنه يصير مضافاً، فأما لو وضع يديه على التراب الذي تيمم عليه ترابًا لم يتيمم به بعد، والأمر فيهما سواء؛ لما قدمنا أن التراب لا يكون مضافًا.

فصل-12 - : [في تفريق التيمم، وتنكيسه، والغسل من الجنابة عند وجود الماء] ومن المدونة قال مالك: ومن فرق تيممه فكان أمرًا قريبًا أجزأه، وإن تباعد ابتدأ، كالوضوء. قال: وتنكيس التيمم، كالوضوء. قال مالك: وإذا لم يجد الجنب الماء فتيمم وصلى، ثم وجد الماء، فإنه يغتسل لما يستقبل، وصلاته الأولى تامة، وقاله سعيد بن المسيب وابن مسعود، وقد كان يقول غير هذا/، ثم رجع إلى أنه يغتسل. م محمد: واختلف في تأويل قوله: وقد كان يقول غير هذا، قيل: إنه كان يقول: إن التيمم يرفع حدث الجنابة، كالغسل، وأنه لا يغتسل إن وجد الماء بعد ذلك، ثم رجع إلى أنه يغتسل، وهذا أشبه بظاهر لفظه.

وقيل: بل كان يقول: إنه يغتسل، ويعيد الصلاة، ثم رجع إلى أنه يغتسل فقط ولا يعيد الصلاة، كما قال مالك. قال أبو محمد: يريد ما لم يكن في بدنه أذى. قال أبو بكر بن اللباد: أو لم يكن ببدنه جنابة، إلا أن جنابته من وطء في الفرج، فإن دخول الفرج في الفرج ينجس، فعليه أن يعيد الصلاة في الوقت. فصل-13 - : [التيمم لتعذر استعمال الماء] ومن المدونة قال مالك: والمجدور والمحصوب إذا خافا على أنفسهما من الماء تيمما للجنابة لكل صلاة أحدثا أم لا. وروى ابن وهب "أن رجلا في غزوة خيبر أصابته جنابة، وكان به جدري فغسله أصحابه فتهرأ لحمه فمات، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "قتلوه

قتلهم الله، أ/اكان يكفيهم أن ييمموه بالصعيد". وأن ابن عباس أفتى مجدورًا بالتيمم. وقال مجاهد: للمجدور وأشباهه أن لا يتوضأ ويتلو (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ). وذلك مما يخفي من تأويل القرآن. قال أبو محمد عبد الوهاب: وجواز التيمم لتعذر استعمال الماء على أربعة أقسام: خوف تلف، أو زيادة مرض، أو تأخير برء، أو خوف حدوث مرض يخاف معه ما ذكرنا. قال ابن القصار: وأما إن خاف التلف من استعمال الماء، فلا خلاف بين فقهاء الأمصار أن له أن يتيمم، واختلفوا إن خاف زيادة مرض كان به، أو تأخير برء، أو حدوث مرض، وإن لم يخف منه التلف: فعندنا يجوز له التيمم، والدليل على ذلك قوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)، وأي من ضيق، فنفى الضيق عنا في الدين، واستعمال الماء مع الخوف من زيادة المرض ضيق، وقال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، ومن العسر

وجوب استعمال الماء مع خوف المرض أو زيادته، وفي القرآن من ذلك كثير. ويدل على هذا حديث عمرو بن العاص حين احتلم في ليلة باردة، فذكر حديث المدونة. [فصل-14 - : في تيمم من في جسده بعض الجراحات] ومن المدونة قال مالك: ومن غمرات الجراح أكثر جسده ولا يستطيع أن يمس جسده فليتيمم، ويصلي، وإن كان بعض جسده صحيحًا وأكثره جراحات غسل الجنابة ما صح من جسده، ومسح على جراحه بالماء إن قدر، وإلا فعلى عصابها. قال ابن القاسم: وإن غمرت الجراح جسده ورأسه، ولم يبق له إلا يد أو رجل تيمم، وصلى. قال مالك: وإذا خاف/ الجنب الصحيح على نفسه الموت من الثلج أو البرد إن هو اغتسل أجزأه التيمم -يريد أنه يتيمم في أول الوقت- وكذلك المجدور. وروى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمّر عمرو بن العاص على جيش، وأنه احتلم

في ليلة باردة فخاف إن اغتسل بالماء البارد أن يموت فتيمم، ثم صلى بهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أحب أنك تركت شيئًا مما فعلت، ولا فعلت شيئًا مما تركت؛ لأن تركك الغسل إذا خفت على نفسك صواب، وفعلك التيمم صواب". وفي حديث آخر قال عمرو: فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: "أصليت بالناس وأنت جنب؟ فقلت يا رسول الله: سمعت الله عز وجل يقول: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل له شيئًا".

قال بعض شيوخنا: في هذا الخبر فوائد: أحدها: جواز التيمم للجنب، وجوازه لمن خاف من استعمال الماء الهلاك من البرد، وفيه: أن التيمم لا يرفع الحدث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صليت بالناس وأنت جنب". وفيه: أن المتيمم يصلي بالمتوضئين. فصل-15 - : [في التيمم على كل صعيد طيب] ومن المدونة قال مالك: ويتيمم على الحصباء والجبل من لم يجد المدر. قال: ويتيمم على الطين من لم يجد ترابًا ولا جبلاً، وليخفف وضع يده عليه. قال في المختصر: وليخففه قليلاً.

قال ابن حبيب: ويحرك يديه بعضها على بعض يسيراً إن كان فيهما ما يؤذيه ثم يمسح بهما وجهه، ويصنع كذلك ليديه. ثم قال مالك: ولا يتيمم على الرخام، وهو بمنزلة الزمرد والياقوت، ولا يتيمم على الشب، والزجاج، والملح، والزرنيخ، والكحل، والكبريت، وما أشبه ذلك، لأن الملح طعام، وهذه الأشياء عقاقير. قال سليمان في السليمانية: فإن أدركه الوقت وهو في أرض ليس فيها إلا الملح والزجاج والشب والزرنيخ والكحل والكبريت، وما أصله من الأرض، ولا يقدر أن يخرج من تلك الأرض حتى يخرج من وقت تلك الصلاة، فأرجو أن يكون التيمم بذلك واسعاً، وإنما تكره هذه الأشياء إذا بانت عن الأرض، وصارت في أيدي الناس. وذكر ابن القصار وغيره من البغدادين أنه يتيمم على كل أرض طاهرة، وإن كان

عليها زرنيخ أو نورة. قال مالك: ويتيمم على المغر؛ لأنه تراب منه الأسود والأحمر والأصفر والأبيض، يريد إذا كان نياً غير مطبوخ. [فصل -16 - : في التيمم على المتصل بالأرض] ومن المدونة قال مالك: وإذا كان الثلج ونحوه فلا يتيمم على لبد. وذكر الأبهري أن أشهب روى عن مالك أنه لا يتيمم على الثلج. قال الأبهري: يتيمم على الثلج والحشيش. قال ابن القاسم: وبلغني عنه أنه قال: يتيمم على الثلج، وقال عنه علي أنه يتيمم على الثلج؛ لعدم الأرض؛ لأنه نابت في الأرض، كالرمل والحصا، واسم الأرض يقع عليه. وذكر بعض البغداديين أن في التيمم على الزرع اختلافاً. [فصل -17 - في من لم يجد الصعيد ووجد غيره تيمم عليه] قال علي عن مالك: من لم يجد الصعيد ووجد الثلج أو ماء جامداً أو حجارة تيمم على ذلك.

ابن حبيب إن تيمم على الثلج، وصلى، فإن وجد الصعيد في الوقت أعاد، ولا يعيد بعده، فإن فعله واجداً لصعيد أعاد أبداً، ولو تيمم على الحصبا أو على الجبل واجد الصعيد أعاد في الوقت، وإن كان غير واجد لم يعد. وقال ابن سحنون عن أبيه: لا يعيد كان واجداً أو غير واجد. محمد: وهو الصواب. ومن المدونة قال يحيى بن سعيد: لابأس بالصلاة على الصفا والسبخة، ولا بأس بالتيمم عليها لمن لم يجد تراباً. قال: وما حال بينك وبين الأرض فهو منها يريد إن كان غالباً لا ينفك عنه من غير علة بالمتيمم. وقد قال ابن المواز عن ابن القاسم: في/ مريض لم يجد من يناوله ماء ولا تراباً، ولا عنده جدار فصلى بغير تيمم: أنه يعيد أبداً ولا يتيمم على جدار، إلا من ضرورة فيجزئه إن كان نياً. وقال ابن حبيب: إن كان جيراً أو آجراً فلا يتيمم عليه، إلا أن لا يجد

من يناوله التراب فليتيمم عليه، ولا يعيد. قال أبو إسحاق: وانظر قول ابن حبيب: أو آجراً، والآجر طين طبخ فكيف يتيمم عليه؟ وهو كالرماد، ولا يتيمم على جدار، إلا من ضرورة فيجزئه إذا كان نياً. ابن المواز، وقال: يريد غير مطبوخ، وإن كسي جيراً لم يجزئه، وإن كان مبنياً بحجارة، ولم يستر بجير، فذلك يجزئه. فصل -18 - : [في الجنب لم يجد الماء إلا بثمن، أو خاف العطش، أو كان معه ماء لا يكفي في الجنابة] ومن المدونة قال مالك: وإذا لم يجد الجنب الماء إلا بثمن، فإن كان قليل الدراهم فليتيمم، وإن كان يقدر، فليشتره ما لم يرفعوا عليه في الثمن، فإن رفعوا تيمم حينئذ. قال: وإن خاف العطش إن توضأ بما معه من الماء تيمم، وأبقى ماءه، ابن وهب: وقاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وابن شهاب وربيعة. قال أبو إسحاق: إن استسقاه غيره، فإن كان يخاف عليه الموت سقاه، وتيمم، وإن لم يبلغ منه الخوف فلا.

قال مالك: وإذا كان مع الجنب من الماء قدر ما يتوضأ به تيمم للجنابة؛ لكل صلاة أحدث أم لا. وإن كان به أذى غسله بذلك الماء، ولا يتوضأ به. ابن وهب، وقاله ابن شهاب وعطاء وابن أبي سلمة. [فصل -19 - في حكم تيمم المريض والمسافر لخسوف الشمس والقمر] ومن المدونة قال ابن القاسم: ويتيمم المرضى والمسافرون لخسوف الشمس والقمر، ومن قول مالك أنه لا يتيمم من أحدث خلف الإمام في صلاة العيدين. قال أبو إسحاق: قال: لا يتيمم، ولم يذكر وجه هذا، فإن كان لا يتيمم الحاضر عنده، لا يتيمم في الفرائض، ففي صلاة العيدين أحرى، وإن كان الحاضر يتيمم، فلم لا يتيمم هذا؟ إذا كانت بخطبة، وإمام ويخشى فواتها، إلا أن لا يكون فيها خطبة أو يرى أن السنن أخف من الفرائض، ونقلها أبو محمد، ولمن فرضه التيمم من مسافر أو مريض أن يتيمم لصلاة خسوف الشمس والقمر والعيدين.

[فصل -20 - : في من يجوز له الصلاة بالتيمم على الجنازة] قال مالك: ولا يصلي على جنازة بتيمم إلا مسافر عدم الماء، قال: ولا بأس أن تيمم من لم يجد الماء في السفر فيمس المصحف، ويقرأ حزبه. قال ابن القاسم: ويسجد إذا مر بسجدة. [فصل -21 - : في التيمم للنافلة] قال حبيب بن الربيع: قال مالك وأصحابه: لا بأس أن يتيمم للتنفل أو لقراءة مصحف. وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: لا يتيمم لنافلة؛ لأنه ليس بضرورة، وإنما يتيمم للفريضة التي لابد منها. قال أبو إسحاق: وكان/ التيمم عنده رخصة لخوف فوات وقت الفريضة. قال أبو إسحاق: ينبغي أن لا يتيمم الحاضر لنافلة إذا لم يكن مريضاً، ولا مسجوناً؛ لأنه قد اختلف في التيمم في الحضر في الفرائض، فكيف في النوافل؟. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن تيمم الجنب لنوم ولا ينوي به غيره من صلاة، ولا مس مصحف لم يتنفل به، ولا يمس مصحفاً.

فصل -22 - : [لا يصلي نافلة ومكتوبة بتيمم واحد إلا أن تكون نافلة بعد المكتوبة] قال مالك: ومن تيمم لفريضة فتنفل قبلها أو صلى ركعتي الفجر أعاد التيمم للفريضة، قال: ولا بأس أن يتنفل بعد الفريضة بتيمم الفريضة. وفي كتاب ابن المواز: ومن تيمم لمكتوبة فصلى به نافلة، أو ركعتي الفجر، ثم صلى المكتوبة أعاد الصلاة أبداً، ثم قال: هذا خفيف، وأرى أن يعيد في الوقت. قال: ومن تيمم لنافلة، أو لقراءة مصحف، ثم صلى به مكتوبة أعاد أبداً. قال ابن سحنون عن ابن القاسم في من تتيمم لركعتي الفجر، فصلى به الصبح، أو تيمم لنافلة، فصلى به الظهر: أنه يعيد في الوقت. وقال البرقي عن أشهب: تجزئه صلاة الصبح بتيمم ركعتي الفجر،

ولا يجزئه إذا تيمم لنافلة، أن يصلي به الظهر. وقال ابن حبيب: إذا تيمم لنافلة، فصلى به فريضة أعاد أبداً، ولو تيمم لفريضة فصلى به نافلة قبلها أعاد في الوقت، وإن تيمم لصلاة، ثم ذكر صلاة قبلها، فليعد التيمم لها، فيبدأ بها، وإن صلى بالتيمم الأول أعاد أبداً، قال: وله أن يوتر بتيمم العشاء، ويصليها، ويصلي من التنفل ما شاء. قال ابن القاسم في المجموعة: ومن تيمم للوتر بعد الفجر فله أن يركع به ركعتي الفجر، وإن تيمم لنافلة فله أن يوتر به. [فصل -23 - : لا يجمع بين صلاتي فرض بتيمم واحد] ومن المدونة قال مالك: ومن تيمم لفريضة فصلاها، ثم ذكر صلاة نسيها تيمم لها أيضاً، قال مالك: ولا يصلي مكتوبتين بتيمم واحد، بخلاف الوضوء. ابن وهب: وقاله ابن عباس والنخعي وابن المسيب وغيرهم. قال أبو محمد: والعلة في ذلك أنه بطلب الماء ينتقض تيممه، وقاله

مالك في الموطأ. وقال غيره: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ {الآية. فوجب على كل قائم إلى الصلاة الوضوء، أو التيمم فخصت السنة الوضوء، أنه يصلي به صلوات، وبقي التيمم على أصله. وقد قال ابن المسيب: مضت السنة أن لا يجمع المتيمم بين صلاتي فرض. قال أبو محمد عبد الوهاب: ولأن التيمم لا يرفع الحدث، وإنما يبيح الصلاة، فلم يستبح به إلا أقل ما يمكن فيه؛ ولأن ذلك يؤدي إلى سقوط طلب الماء، وتقديم التيمم على الوقت. فصل -24 - : [في التيمم للصلاة قبل وقتها] ومن المدونة: ولا تيمم لصلاة قبل وقتها عند مالك. محمد: وذلك؛ لقوله تعالى: {إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ {إلى قوله

: {فَتَيَمَّمُوا {الآية. فكان الواجب الوضوء أو التيمم لكل قائم إلى الصلاة، فلما جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلوات بوضوء واحد، أبان فيه أنه توضأ للصلاة الثانية وما بعدها قبل الوقت، ولم ينقل أنه فعل ذلك في التيمم، فوجب أن يبقي على أصله. ومن طريق المعنى: أن الوضوء جوز فعله لغير ضرورة/، وما هذا أصله جاز أن يؤتى به إلا عندها، كأكل الميتة، وأيضاً فإن من شرط التيمم أن لا يؤتى به إلا بعد طلب الماء، فإذا عدمه تيمم، وأيضاً فإن من شرط التيمم أن يؤتى به إلا بعد طلب الماء، فإذا عدمه تيمم؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا {فمادام وقت الصلاة قائماً فعليه طلب الماء حتى يخاف فواتها، فحينئذ يباح له التيمم. قال أبو محمد: وعلى هذا مالك وأصحابه [فصل -25 - : في من صلى صلاتين أو أكثر بتيمم واحد] قال ابن القاسم في العتبية: ومن صلى الظهر والعصر بتيمم واحد، أو صلى به صلوات جهلاً أو نسياناً فليعد مادام في الوقت، مازاد على الواحدة

ولو أعادها أبداً كان أحب إلي. وقال عنه ابن المواز: يعيد الثانية في الوقت سواء جمعهما أو فرقهما، وقال أيضا: يعيد الثانية أبداً. قال ابن المواز وابن حبيب عن أصبغ: إن كان وقت الصلاتين مشتركاً، كالظهر والعصر أعاد الثانية في الوقت. قال ابن حبيب: لاختلاف الناس في ذلك وإن كانت العصر والمغرب أعاد الثانية أبداً، ولم يختلف في هذا. قال أصبغ: وهو معنى قول ابن القاسم. وقال سحنون: يعيد الثانية، مالم يطل، كاليوم واليومين والثلاثة. وقال ابن نافع عن مالك في المجموعة في الذي يجمع بين صلاتين: فليتيمم لكل صلاة. وذكره أبو الفرج عن مالك، وقال في ذاكر صلوات: إن له أن يصليهن بتيمم واحد.

وأنكر ابن القابسي هذا، وقال: ليس هذا من أصلهم؛ لأنه يصير تيمماً للآخرة قبل وقتها، وعندهم لا يكون بين التيمم للصلاة، والدخول فيها فرجة، ولا عمل. قال أبو محمد: وذكر لي عن ابن شعبان في المريض لا يقدر على مس الماء: أن له أن يصلي صلوات بتيمم واحد؛ لأنه ممن لا يطلب الماء. وقال ابن القاسم في العتبية: إن فعل أعاد الثانية. م وتحصيل هذا الاختلاف أن من تيمم لفريضة فتنفل قبلها أو تيمم لنافلة، فصلى به فريضة أو صلى فريضتين بتيمم واحد، فقيل: يعيد في الوقت. وقيل: يعيد أبداً، وأن من ذكر صلوات أو المريض لا يستطيع مس الماء، فقيل: يتيمم للصلاتين تيمماً واحداً، وقيل: يتيمم لكل صلاة. فوجه أنه يعيد في الوقت، فلمراعاة خلاف من يرى التيمم، كالوضوء. ووجه أنه يعيد أبداً؛ فلأن التيمم خلاف الوضوء على ما بينا. والله ولي التوفيق.

فصل -26 - : [في المسافرين وجدوا ماء لا يكفيهم] ومن العتبية قال سحنون: في مسافرين تيمموا، ثم وجدوا ماء فيه كفاية أحدهم، فبدر إليه أحدهم فتوضأ به، فلا ينتقض تيمم الآخرين؛ إذ لم يملكوه، وهو لمن أخذه، كالصيد، ولو أعطوه لأحدهم اختياراً منهم انتقض تيممهم أجمعين. وقال في المجموعة: لا ينتقض، إلا تيمم المسلم إليه. م فوجه الأول: فلأن الماء ملك لجمعيتهم، ملك كل واحد منهم حصة منه، فالواجب أن يقرع بينهم فيه، فلما اتفقوا على إسلامه إلى أحدهم باختيار منهم صار كأن كل واحد منهم أسلم جميعه؛ إذ قد كان يصير بالسهم له؛ فلذلك وجب انتقاض تيممهم؛ ولأن كل واحد لو بدر إليه/ ملكه، وتوضأ به فلما ترك ذلك وجب انتقاض تيممهم.

ووجه الثانية: فلأنهم/ قد ملكوه أجمعين، وليس فيما يخص كل واحد ما يجزئه، فوجب إذا أسلم تلك الحصة أن لا ينتقض تيممه. قال سحنون: ولو كان الماء لرجل، فقال: هو لأحدكم، ولم يسمه، فأسلموه لأحدكم لم ينتقض إلا تيمم من أسلم إليه، وكذلك لو كانا رجلين فقال: هو لأحدكما. وقال في العتبية: إذا قال: هو لأحدكما، فمن أسلمه إلى صاحبه انتقض تيممه، أعني التارك، وكذلك لو كانوا ثلاثة أو أربعة، فقال: هو لأحدكم فأسلموه لأحدهم، فإنه ينتقض تيممهم أجمعين. وأما إذا أعطي ذلك لجماعة جيش أو عدد كثير، فأعطوه واحداً منهم، فلا ينتقض إلا تيمم من أسلم إليه. م فوجه الأولى: فلأنه لما قال: هو لأحدكم، ولم يسمه وجب الاشتراك فيه؛ إذ لا مزية فيه لأحدهم على صاحبه، فلما وجب الاشتراك فيه، ولم يكن

في حصة كل واحد منهم ما يكفيه وجب أن لا ينتقض تيممه بإسلام حصته. ووجه الثانية: أنه لما قال: هو لأحدكم، فقد قصد به أن يكون لواحد منهم؛ لأنه ينتفع به، ولم يقصد الجماعة، إذ لا نفع لهم فيه، فلما كان الأمر كذلك، ولم يبين من هو منهم وجب أن يقرع بينهم فيه، ولا ينتقض إلا تيمم من وقع له، فلما تركوا القرعة، وأسلموه لأحدهم، وجب انتقاض تيممهم؛ لأن كل واحد منهم أسلم حقه فيه، وقد كان يمكن أن يقع له جميعه، فيجزئه، فلذلك وجب انتقاض تيممهم، وأما العدد الكثير والجيش فلا يجب انتقاض تيممهم؛ لأن ذلك من الحرج. وبالله التوفيق. ومن العتبية قيل: فلو قال لثلاثة: هو لكم، قال: ليس هذا مثل الأول، هذا قد أوجب لكل واحد نصيبه، وليس فيه ما يكفيه، فإذا أعطى نصيبه لم ينتقض تيممه. وللقزويني: إذا وهب لرجل ماءّ لزمه قبوله ويتوضأ به، ولا يتيمم،

ولا تدركه المنة في قبوله؛ إذ لا تدركه في ذلك منة؛ لأن الماء مبتذل لا ثمن له في غالب الحال. قال غيره: ولو وهب له ثمن الماء، وهو لا يجد الثمن لم يلزمه قبوله، لأن هذا مما تدركه فيه المنة. [فصل-27 - : في الجنب يعيد التيمم] ومن المدونة قال مالك: فإن تيمم لفريضة فصلاها، ثم أنه كان جنبًا أعاد التيمم، وأعاد الفريضة؛ لأن تيممه ذلك إنما كان للوضوء، لا للغسل. قال مالك في الواضحة، والمختصر: يعيد أبدًا. ومن رواية الأبهري، وأصل سماع ابن القاسم يعيد في الوقت؛ لأن التيمم لهما واحد. م فوجه قوله يعيد أبدًا؛ لان تيمم الوضوء بدل منه فهو كالوضوء، وتيمم الغسل بدل منه، فهو كالغسل، فكما لا يجزئ الوضوء من الغسل، فكذلك لا يجزئ بدله من بدل الغسل. ووجه قوله: يعيد في الوقت: فلأن تيمم الغسل وتيمم الوضوء فرضان، والفعل فيهما سواء، فهو فرض ناب عن فرض، كمن تطهرت للحيضة ناسية

للجنابة. وقوله: "يعيد أبدًا" أصوب؛ لما قدمنا. وبالله التوفيق. [فصل-28 - : في حكم إمامة المتيمم للمتوضئين] ومن المدونة قال مالك: وأحب إلى أن يؤم المتوضئين متوضئ، فإن أمهم متيمم أجزآهم. ابن وهب: وقاله علي بن أبي طالب، وابن عمر وربيعة وعطاء وغيرهم. [فصل-29 - : في وطئ المسافر العادم للماء] قال مالك: ولا يطأ المسافر أهله، إلا ومعهما من الماء ما يتطهران به كانا على وضوء أم لا، وكذلك إذا كانا متوضئين فليس لهما أن يدخلا على/ أنفسهما ما ينقلهما إلى التيمم من قبلة أو غيرها إذا فقدا الماء. وإذا تطهرت امرأة من حيضتها في سفر فتيممت فلا يطأها

زوجها حتى يكون معهما من الماء ما يغتسلان به جميعًا. قال سحنون: ماء تغتسل هي به من الحيضة، ثم ماء تغتسلان به جميعًا من الجنابة يريد؛ لأنه بأول الملاقاة ينتقض تيممهما. قال مالك: وإذا كان معه من الماء ما يكفيه وحده فلا يجامعها، وقد تقدم بعض ذلك. وقال ابن شعبان: إذا تطهرت بالتيمم لعدم جاز له وطؤها. وقال ابن بكير وغيره من البغداديين، والحجة في ذلك تأتي في منع وطئ الحائض إذا طهرت قبل الغسل.

[باب -23 -] جامع القول في الحيضة والاستحاضة

[باب -23 -] جامع القول في الحيضة والاستحاضة [فصل-1 - : في وطء الحائض قبل أن تغتسل] قال الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ). وقوله: (حَتَّى يَطْهُرْنَ) يريد يرين الطهر، فإذا تطهرن/ يقول: بالماء فآتوهن. وقد قرئت (حَتَّى يَطْهُرْنَ) مخففة ومشددة. فالتخفيف يقول: يرين الطهر، والتشديد يطهر بالماء. قال غير واحد من البغداديين: فعلق تعالى جواز الوطء بالطهارة، التي هي انقطاع الدم، والتطير هو الغسل، فلا تجوز استباحة وطئه إلا بعد. حصول الشرطين اللذين علقت الإباحة عليهما، ثم إن الله تعالى أثنى على من فعل ذلك، كما في الطهارة، فقال: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ

الْمُتَطَهِّرِينَ، والثناء لا يقع إلا على فعل يصدر من جهتهن، وانقطاع الدم لا يكون من جهة المرأة، فلا يقع الثناء عليه، وقال تعالى: (َيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا). وقد اجمع أهل التفسير، ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وغيرهم أن معنى قوله: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) هو فعل التطهير، وهذا يفيد فعلاً يكون منها، وهو الاغتسال، وهو يمنع من حمله على انقطاع الدم؛ لأن ذلك ليس من فعلها. م وذهب ابن بكير وأهل العراق: إلى جواز وطئها إذا طهرت، وإن لم تغتسل. قال ابن بكير ورواية أشهب عن مالك، أنه لا يجبر زوجته الكتابية على الغسل من الحيض، يدل على أن وطء الحائض إذا طهرت قبل أن تغتسل غير محرم؛ ولأنها إذا رأت النقاء، وزال الحيض، فلا سبب يمنع من وطئها، وإنما أستحب تركه إلى أن تغتسل. وقد استدل من ذهب إلى هذا بأدلة، منها: قوله تعالى: (حَتَّى يَطْهُرْنَ)، فعلق المنع بغاية، وهي انقطاع الدم، ومن حكم الغاية أن يكون ما عدها مخالفًا لما

قبلها، قالوا: ولأن الحكم إذا تعلق بعلة زال بزوالها، والمنع هاهنا تعلق بالحيض، فإذا زال وجب زوال حكمه، الذي هو المنع. قالوا: ولأن الحيض قد زال، ولم يبق إلا الغسل فوجب أن لا يمنع من وطئها، كالجنابة؛ ولأن حكم أحد الغسلين حكم صاحبه، في منع قراءة القرآن ودخول المسجد، ومس المصحف، ولزوم الصوم فوجب أن يجريا مجرى واحدًا. م وهذا القول أقيس، والأول أحوط، وهو أحب إلينا. [فصل-2 - : في قضاء الحائض الصوم دون الصلاة] قال أبو محمد: ولا خلاف أنهن يقضين الصوم، ولا يقضين الصلاة،

وبه جاء الأثر. وفي البخاري/ قال الرسول صلى الله عليه وسلم:‹‹ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للُب/ الرجل الحازم من إحداكن››، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا؟ قال: ‹‹أليس شهادة المرأة نصف شهادة الرجل؟ ›› قلن: بلى. قال: ‹‹فذلك نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل، ولم تصم›› قلن: بلى. قال: ‹‹فذلك نقصان دينها››. [فصل-3 - : في أكثر الحيض، وأقله، وأقل الطهر] قال أبو محمد: وأكثر الحيض عند العلماء خمسة عشر يومًا، وقاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره. واختلف في أقله، وفي أقل الطهر، فقال مالك في المدونة: لا حد لأقل الطهر، إلا ما يعلم النساء أن ذلك طهر. وقال مالك في غير المدونة: أقل الطهر خمسة أيام، وقال سحنون:

ثمانية أيام، وقال ابن حبيب: عشرة أيام. وقال بكر القاضي: اتفقت العلماء إلا من شذ منهم أن أقل الطهر خمسة عشر يومًا. قال غيره: دل على ذلك، قوله صلى الله عليه وسلم في النساء: ‹‹ميقات حيضهن وطهرهن شهر››، وظاهر هذا أنه نصفان. وقال عليه السلام في النساء:‹‹ناقصات عقل ودين، ثم بين نقصان دينها بأن تصلي نصف دهرها››، ولم يوقت أيضًا، مالك في أقل الحيض قدرًا، إلا قدر ما يعلم النساء، أن ذلك حيضة مستقيمة.

وقال محمد بن مسلمة: أقل الحيض ثلاثة أيام، وقال ابن الماجشون والمغيرة: أقله خمسة أيام، وأقل الطهر خمسة أيام، وإذا كثر الحيض قل الطهر، وإذا قل الحيض كثر الطهر. وقال ابن دينار: ولولا ذلك لحلت المطلقة في أقل من شهر. قال ربيعة ومالك: لا تحل في أقل من خمسة وأربعين يومًا، وقال سحنون: لا تحل في عدة في أقل من أربعين يومًا. قال ابن المواز: ولا تكون الحيضة يومًا واحدًا في عدة، ولا استبراء، وأما في ترك الصلاة فدفعة من دم توجب ترك الصلاة. قال بعض البغداديين: لا حد لأقله عندنا. وقال أبو حفيظة: أقله ثلاثة أيام.

وقال الشافعي: يوم وليلة. فالدليل لقولنا: قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) فوجب بهذا اعتزالهن في كل حيض، فكذلك يجب عليهن ترك الصلاة في كل حيضة، إلا أن يجاوز خمسة عشر يومًا فيكون استحاضة. فإن قيل: فما روي عنه عليه السلام أنه قال: ‹‹دعي الصلاة يوم حيضتك››، فدل أن مقدار الحيضة يوم. قيل: إنما أراد بذلك وقت حيضتك، كقولك كلام زيد يوم قدوم فلان، فإنما معناه وقت قدومه. وإنما فرق بين العدد وغيرها

استظهارا في العدد، واحتياطًا على النسب، حتى تخرج من الاختلاف، وقاله أبو بكر الأبهري. [فصل-4 - : في أحكام دم المبتدأة] ومن المدونة قال ابن القاسم: وما رأته المرأة من الدم أول بلوغها فهو حيض في قول مالك، تترك له الصلاة، فإن تمادى بها قعدت عن الصلاة خمسة عشر يومًا، ورواه عن مالك. ثم هي مستحاضة تغتسل/ وتصلي، وتصوم، وتوطأ؛ إلا أن ترى دمًا لا تشك فيه أنه دم حيض، فتدع له الصلاة، وتعتد به من الطلاق، والنساء يعرفن ذلك بريحه، ولونه. وروي علي بن زياد عن مالك، في غير المدونة: أنها تقعد بقدر لداتها، يعني أترابها في السن، قال ابن المواز/ لا تستظهر على أيام لداتها، وقال ابن عبد الحكم وابن كنانة وأصبغ: تستظهر على أيام لداتها، قال ابن القصار: ما لم تزد على خمسة عشر يومًا.

قال: وإنما استحسن مالك هذا القول، احتياطًا للصلاة، قال أبو محمد عبد الوهاب: ولأن الحيض يزيد وينقص فكان الأولى ردها إلى عادة أترابها، قال ابن القصار: والقياس رواية ابن القاسم: والدليل على ذلك قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ)، وهذا يدل على أن كل دم وجد من الفرج، فهو حيض حتى يقوم دليل على أنه استحاضة. وقد قال: قال عليه السلام: ‹‹دم الحيض اسود ثخين له رائحة›› فما دامت هذه صفته فالحكم له، ما لم تجاوز خمسة عشر يومًا. وقوله عليه السلام: تترك المرأة الصلاة نصف دهرها، فهو على عمومه، في المبتدأة وغيرها حتى تحيض بدليل.

[فصل-5 - : في المعتادة لا تستقر عادتها على أيام معينة] ومن المدونة قال ابن القاسم: والتي أيامها غير ثابتة، تحيض في شهر خمسة أيام، وفي آخر أقل أو أكثر، إذا تمادى بها الدم تستظهر على أكثر أيامها التي كانت تحيض، وكذلك التي أيامها ثابتة يتمادى بها الدم تستظهر أيضًا. قال: والتي أيامها اثنا عشر يومًا فدون ذلك، تستظهر بثلاثة أيام، وثلاثة عشر بيومين، وأربعة عشر بيوم، وخمسة عشر لا تستظهر بشيء، ثم تصير مستحاضة. وروي ابن نافع عن مالك في غير المدونة: أنها تستظهر على خمسة عشر يومًا، وأنكر سحنون أن يكون هذا من قول مالك، وقال ابن حبيب: تستظهر على أقل أيامها، قال أبو محمد: وهذا قول غير صحيح؛ لأن أحد عادتها في المحيض قد يجاوز أقلها مع الاستظهار.

ومن المدونة قال ابن القاسم: وكان مالك يقولك أكثر دهره أنها إذا تمادى بها الدم جلست خمسة عشر يومًا من أيام الدم، وما لم تر فيه دمًا من الأيام ألغته، فإذا استكملت خمسة عشر يومًا من أيام الدم اغتسلت وصنعت ما تصنع المستحاضة، ثم رجع، فقال: أرى أن تستظهر بثلاثة أيام بعد أيام حيضتها، وترك قوله الأول. قال عنه ابن وهب: ورأيت أن احتاط لها فتستظهر، وتصلي، وليست عليها، أحب إلى من أن تترك الصلاة، وهي عليها، قال الأبهري: هذه علة مالك في الاحتياط للصلاة. وأما القياس: فهو أن تترك الصلاة إلى خمسة عشر يومًا؛ لثبوت حكم الحيض، فلا تنتقل عنه إلا بيقين، وليس الاحتياط في صلاة الحائض مع جواز أن تكون غير حائض أولى بترك صلاتها مع جواز أن تكون حائضًا؛ لأن صلاة الحائض ممنوعة بالشرع، كما أن ترك صلاة الطاهر ممنوعة بالشرع، وإذا تساوى هذان الأمران جميعًا رجعنا إلى أصل الحيض، وحصوله فعلمناه، فهذا هو أصل قول مالك المعول عليه، والقول الآخر استظهارًا على ما فسرتاه. وقد روي أهل المدينة في الاستظهار حديثًا رواه إسماعيل القاضي أن أسماء

بنت يزيد الحارثية كانت تستحاض، فسألت عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها عليه السلام: ‹‹اقعدي أيمك التي كنت/ تقعدين، واستظهري بثلاثة. ثم اغتسلي وصلي››. فهذه وجه الاستظهار من الأثر، ومن طريق المنى: أنه ميز بين دم الحيض والاستحاضة بثلاث أيام؛ لأنه شيء خارج من البدن، أشكل أمره، كما ميز بين لبن المصراة وغيره بثلاثة أيام. قال ابن الجهم: قول مالك تستظهر على أيامها بثلاثة أيام، وتصلي، وتصوم، فذلك عندي على أن تقضي الصوم فيما بعد الثلاث إلى الخمسة عشر، وتغتسل بعد الخمسة عشر غسلا ثانيًا، وهو الواجب، والأول احتياطًا، وأحب لزوجها ألا يمسها بعد الثلاث إلى الخمسة عشر، وكذلك الحكم في رواية ابن وهب، وأما على رواية ابن القاسم: فالغسل الأول هو الواجب؛ لحديث الاستظهار، والثاني هو الاستحباب، فلا تقضي عنده صومًا، ولا صلاة، ولزوجها وطؤها فيما بعد الثلاث إلى الخمسة عشر، وذكره بعد شيوخنا عن أبي موسى بن مناس، واستدل على ذلك بمسألة الحج، إذا حاضت قبل طواف

الإفاضة أن الكري يحبس عليها قدر أيامها والاستظهار، يريد ثم تطوف، وقاله سحنون، فإذا جوز لها الطواف، وترجع إلى بلدها، فهي كالمستحاضة يجوز وطؤها، وكذلك قال ابن/ حبيب: أنها تؤطأ بعد الاستظهار، وقبل الخمسة عشر يومًا. [فصل-6 - : في حكم الصفرة والكدرة تراها الحائض] ومن المدونة قال مالك: وإذا رأت المرأة صفرة أو كدرة في أيام حيضتها، أو في غيرها فهي حيض، وإن لم تر معه دمًا، وإن رأت دفعة من دم في ليل أو نهار، فذلك حيض، وإن انقطع عنها الدم، ولم تر غير تلك الدفعة اغتسلت وصلت. [فصل-7 - : في علامات الطهر من الحيض] ومن المدونة: وتغتسل الحائظ إذا علمت أنها طهرت، إن كانت

مما ترى القصة البيضاء اغتسلت حين تراها، وإن كانت ممن لا تراها فحين ترى الجفوف تغتسل، وتصلي. قال ابن القاسم: والجفوف أن تدخل الخرقة فتخرجها جافة. وذكر ابن القاسم عن مالك في المجموعة: إن رأت الجفوف، وهي ممن ترى القصة البيضاء، فلا تصلي حتى تراها، إلا أن يطول ذلك بها. قال أبو محمد: والطول خوف فوات تلك الصلاة، وهذا وفاق المدونة، وقد اختلف في قوله: خوف فوات تلك الصلاة، فقيل: خوف فوات وقت تلك الصلاة، وقيل: بل خوف فوات وقت الصلاة المفروضة. وقال بعض شيوخنا: في التي ترى القصة البيضاء لا تنتظر زوالها، ولكن تغتسل إذا رأتها؛ لأنها علامة الطهر، وقد روي عن مالك في الموطأ "إن النساء كن يبعثن إلى عائشة رضي الله عنها بالدرجة فيها

الكرسف فيها الصفرة، فيسأنها عن الصلاة، فتقول: " لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء" تريد بذلك الطهر من الحيضة. قال علي عن مالك: والقصة ماء أبيض، كالمني وسمى قصة؛ لأنه شبيه بالتراب الأبيض، الذي يجصص به البيوت، وقال ابن حبيب: القصة ماء أبيض هو علم الطهر، ومنهن من ترى الجفوف وتلك لا تطهرها القصة، وأما التي علامتها القصة فترى الجفوف، فذلك طهر لها؛ لأن الحيض أوله دم، ثم

صفرة، ثم ترية، ثم كدرة، ثم تصيرها كالقصة البيضاء، ثم ينقطع، فتصير جافة. قال مطرف وابن/ القاسم: والتي كما بلغت لا تطهر حتى ترى الجفوف، ثم تجري بعد ذلك على ما ينكشف لها من علامة طهرها. م وذكر لي عن بعض شيوخ أفريقية أنه قال: القصة أبلغ في الطهر من الجفوف؛ لأنها قد ترى الجفوف، ثم ترى الدم بعد ذلك، وكثير من النساء على هذا، والقصة لا تكون إلا عند انقضاء الحيض وآخره، فهي آخر بقية الدم فوجب أن تكون أبلغ في علم الطهر، والله أعلم. [فصل-8 - : في حكم الدم اليسير تراه المرأة بعد الطهر] قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وإذا اغتسلت من حيض أو نفاس، ثم رأت قطرة من دم، أو غسالة دم لم تعد الغسل، ولتتوضأ، وهذا يسمى الترية

قال مالك في العتبية: في اليائسة تدفع دفعة أو دفعتين، فلتسأل النساء عنها، فإن كان مثلها تحيض اغتسلت، وصلت، وكذلك التي تنقطع حيضتها سنينًا ثم ترى صفرة. قال عنه ابن الماز: فإذا تمادى بها كانت مستحاضة، وإن كان مثلها لا تحيض توضأت وصلت، ولم تغتسل له إذا انقطع عنها، ونحوه في المجموعة عن مالك، وقال ابن القاسم. وقال ابن حبيب: إن قلن: إن مثلها لا تحيض توضأت، وصلت، ولم تغتسل له إذا انقطع ولا تدع الصلاة، ولكن تغتسل إذا انقطع، فإذا أشكل الأمر فيه تركت الصلاة كالحيضة. قال: وبلغني عن عائشة أنها قالت: "إذا بلغت المرأة خمسين سنة انقطع عنها الحيض، وقعدت عن الولد. [فصل-9 - : في حكم من ترى الطهر أيامًا، ثم يعاودها الدم] ومن المدونة قيل لمالك: فإذا رأت بعد طهرها بثلاثة أيام ونحوها دمًا،

قال: فإن كان الدم الثاني قريبًا من الأول أضيف إليه، وكان كله حيضة واحدة، وإن تباعد ما بينهما، فالثاني حيض مؤتنف، ولم يوقت كم ذلك، إلا قدر ما يعلم أنها حيضة مستقبلة، ويعلم أن بينهما من الأيام ما يكون طهرًا. قال في كتاب الاستبراء: والثلاثة أيام والأربعة والخمسة إذا طهرت فيهن، ثم رأت الدم بعد ذلك فهو من الحيضة الأولى. قال: ويسأل النساء عن عدد أيام الطهر، فإن قلن: إن هذه الأيام تكون طهرًا فيما بين الدمين، وجاء هذه الأمة بعد هذه الأيام من الدم ما يقول النساء: أنه دم حيضة، ولا يشككن فيه أجزأ ذلك من الاستبراء، وإلا فلا. قال كتاب الوضوء: وإذا رأت الدم يومًا والطهر/ يومًا أو يومين، واختلط هكذا لفقت من أيام الدم عدة أيامها التي كانت تحيض، وألغت أيام الطهر، ثم تستظهر بثلاثة أيام. فإن اختلط عليها الدم في أيام الاستظهار أيضًا لفقت

ثلاثة أيام من أيام الدم هكذا، ثم تغتسل، وتصلي، وتصير مستحاضة بعد ذلك، والأيام التي استظهرت بها، عي فيها حائض وهي مضافة إلى الحيض رأت بعدها دمًا أم لا، إلا أنها في أيام الطهر التي كانت تلغيها تستظهر عند انقطاع الدم في خلال ذلك، وتصلي، وتصوم، ويأتيها زوجها، وهي فيها طاهر، وليست تلك الأيام بطهر تعتد به في عدة من طلاق؛ لأن ما قبلها وما بعدها من الدم قد ضم بعضه إلى بعض، فجعل حيضة واحدة. م قال بعض فقهائنا: فإن طلقت في خلال الدم وهي طاهر لم يجبر الزوج على رجعتها، وإن كان ذلك الدم كله محكومًا/ له بحكم الحيضة الواحدة؛ لأن الزوج لم يتعد في طلاقه، إنما طلق بعد ارتفاع الدم، ولا علم له برجوعه. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن وحذاق أصحابه: أنه يجبر على الرجعة؛ لأن المطلق في الحيض إنما جبر على ارجعة؛ لما فيه من تطويل العدة على المرأة، وتطويل العدة موجود في هذه فوجب أن يجبر على الرجعة. قال مالك: ثم تغتسل بعد الاستظهار وتصلي، وتتوضأ لكل صلاة، وإن رأت الدم في تلك الأيام، وتغتسل في كل يوم إذا اقطع عنها الدم، وإنما أمرت أن تغتسل؛ لأنها لا تدري لعل الدم لا يعود إليها، ولا تدع الصلاة بعد ذلك وإن

تمادى بها الدم أشهرًا؛ إلا أن ترى دمًا لا تشك أنه دم حيض فتدع له الصلاة، وتعتد به من الطلاق، وإن لم تستقين ذلك لم تدع له الصلاة، ولم يكن ذلك عدة لها، وكانت عدتها عدة المستحاضة سنة، ويأتيها زوجها في ذلك، وتصلي، وتصوم. م وروي مالك في الموطأ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة- زوج النبي صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أني لا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ‹‹‹إنما ذلك عرق، وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة، فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم، وصلي›› رواه البخاري أيضًا. قال ابن القاسم في المجموعة: في التي يختلط عليها الدم، فإن اليوم الذي ترى فيه الدم وإن ساعة تحسبه يوم دم، يريد، وإن اغتسلت في باقيه، وصلت. قال ابن الماجشون: ونحوه عن محمد بن مسلمة إذا كان دمها موازيًا لطهرها مثل أن ترى الدم يومًا، والطهر يومًا، أو الطهر يومين والدم مثل ذلك فإنها تغتسل، وتصلي يوم الطهر، وتترك الصلاة يوم الحيض، على هذا تعمل أبداً

قال ابن مسلمة: وإنما تكون مستحاضة إذا لفقت من أيام في الشهر أكثر من خمسة عشر يومًا. قال ابن القصار: ووجه ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ‹‹تصلي المرأة نصف عمرها››. قال: وإذا استوى الطهر والحيض في المرأة فقد دخلت الحديث، فوجب أن لا تخرج عن الحد المجعول لها في الشريعة، كما لو اتصل الدم بها خمسة عشر يومًا، والطهر بعده خمسة عشر يومًا، قال: وهو عندي أولى؛ لأن فيه احتياطًا لحفظ هذا الأصل. فإن قيل: فإن الأحوط للصلاة رواية ابن القاسم؟ قيل: ليس الاحتياط بأن تصلي ما ليس عليها بأولى من ترك صلاة لا تجب عليها؛ لأنها تحصل عاصية بصلاة، وهي طائعة بترك ما لا يجب عليها، وقد عملت على موجب الشريعة في الظاهر، والله أعلم. [فصل-10 - : في المستحاضة المعتادة] ومن المدونة قال ابن القاسم: والنساء يزعمن، أن دم الحيض لا يشبه دم الاستحاضة لرائحته ولونه. وقيل في المستحاضة: عدتها سنة، وإن رأت دمًا تنكره، وروي عن مالك

ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك في المستحاضة ترى دمًا لا تشك/ فيه أنه دم حيضة قال: تدع الصلاة فإن تمادى بها ذلك الدم استظهرت فيه بثلاثة أيام على أيامها، وإن عاودها دم الاستحاضة بعد أيام حيضتها صلت بغير استظهار، يريد بعد أن تغتسل. وقاله ابن القاسم في المجموعة، ورواه عن مالك. قال ابن حبيب:/ هذا قول ابن القاسم، قال: وقاله أصبغ، وقال ابن الماجشون: سواء عاودها دم الاستحاضة الخفيف، أو دام بها دم الغبيط دم الحيض أنها تستظهر بثلاثة أيام، ولم ير في التي تمادى بها الدم بعد أيام حيضتها، ولم تستخص قبل ذلك استظهارًا، تجلس خمسة عشر يومًا.

وقال مطرف: ييجلسن كلهن خمسة عشر يومًا. ومن المدونة قال مالك: وإذا رأت الدم خمسة عشر يومًا، ثم الطهر خمسة أيام ثم الدم أيامًا، ثم الطهر سبعة أيام، فهي مستحاضة. قال: وإذا انقطع دم الاستحاضة، وقد كنت اغتسلت قال مالك: فلا تعيد الغسل، ثم قال: تتطهر ثانية أحب إلى، وهذا الذي استحب ابن القاسم. [فصل-11 - : في حكم المرأة تحيض قبل أداء صلاة وجبت عليها] قال مالك: وإذا حاضت المرأة بعد الفجر وكانت حين طلع الفجر طاهرة، أو نسيت الظهر حتى دخول العصر، أو نسيت المغرب حتى دخول العشاء، ثم حاضت، فلم تطهر حتى خرج الوقت لم تقض الصبح، ولا الظهر، ولا العصر، ولا العشائين. قال: وإن صلت ركعتين من الظهر أو العصر، ثم حاضت، فلا تقضي الصلاة التي حاضت فيها والتي أيامها خمسة ترى الطهر في أربعة، فلتغتسل ولزوجها وطؤها بعد الغسل مكانه.

[فصل-12 - : فيما يحل للرجل من امرأته الحائض] قال مالك: في الحائض تشد إزارها، وشأنه بأعلاها، هكذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الموطأ والبخاري. وقالت عائشة رضي الله عنها: تشد إزراها على أسفلها، ثم يباشرها إن شاء، وكذلك في الموطأ والبخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعائشة أم المؤمنين. قال ابن القاسم: وقوله: شأنه بأعلاها، أي: يجامعها في أعكانها وبطنها، وما شاء مما هو أعلاها.

قال مالك: ولا يطأ بين الفخدين سدًا للذريعة أن يقع في الفرج، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ‹‹من يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه››. قال ابن حبيب: إنما ذلك سدًا للذريعة، وليس يضيق إذا اجتنب الفرج، وقال أصبغ. قال: وما روي في وطئها من صدقة دينار أو نصف دينار، وإن ابن عباس قال: "دينار في أول الدم، وأما في الصفرة، فليتصدق بنصف

دينار" فليس فيه حد، ولكن يرجى بالصدقة تكفير الذنب. قال مالك في المجموعة: ليس في ذلك كفارة إلا التوبة، والتقرب إلى الله سبحانه وكذلك وطؤها بعد الطهر، وقبل الغسل، والنفساء كالحائض.

[باب-24 -] جامع القول في دم النفاس والحامل

[باب-24 -] جامع القول في دم النفاس والحامل [فصل-1 - : في مدة النفاس] روي أن سالم بن عبد الله قال: أقصى ما تترك النفساء الصلاة إذا لم يرتفع عنها الدم شهرين. قال ابن القاسم: وقاله مالك، ثم رجع عنه، قال: أكره أن أحد فيه حداً، ولكن/ يسأل النساء عن ذلك وأهل المعرفة فتجلس أبعد ذلك، فإن تمادى بها الدم على ذلك كانت مستحاضة. فوجه قوله: تجلس شهرين: فلما روي في ذلك، وقال الأوزاعي: ذلك عادات النساء عندنا. قال ابن القصار: وهو أقصى دم النفاس عند علمائنا. ووجه قوله: يسأل النساء، فتجلس أبعد ذلك؛ فلأن ذلك مأخوذ من جهتهن، وهن مأمونات على فروجهن، فوجب الرجوع إليهن في كل عصر. قال مالك: وإذا انقطع دم النفاس، وإن كان قرب دم الولادة فلتغتسل،

وتصلي، فإن رأت بعد ذلك بيومين أو ثلاثة ونحو ذلك دمًا فهو مضاف إلى دم النفاس إلا أن يتباعد ما بين الدمين فيكون الثانى حيضًا. قال مالك: وإن رأت الدم يومين، والطهر يومين، فتمادى بها الدم، فتلغي أيام الطهر، وتغتسل إذا انقطع عنها الدم، وتصلي، وتصوم، وتوطأ وتدع الصلاة فى أيام الدم حتى تستكمل أقصى ما تجلس له النساء في النفاس من غير سقيم، ثم هي مستحاضة. وهذا يدل على أن قول عبد الملك الذي قال: والتي دمها مواز لطهرها أنه خلاف المدونة. فصل -2 - : [في حكم المرأة تلد ولدًا ويبقى في بطنها آخر]: قال ابن القاسم: وإذا ولدت ولدًا، وبقي في بطنها آخر فلم تضعه إلا بعد شهرين، والدم متماد بها فحالها كحال النفساء، ولزوجها عليها الرجعة ما لم تضع آخر ولد في بطنها، وقيل: حالها كحال الحامل حتى

تضع الآخر، وقوله: حالها كحال النفساء، يريد في الجلوس عن الصلاة إذا تمادى بها الدم فتجلس على قوله الأول شهرين، وعلى الثاني تجلس أقصى ما تجلس النفساء إليه، وقوله: حالها كحال الحامل، فإنها تجلس عشرين يومًا على قول ابن القاسم؛ لأنها قد جاوزت ستة أشهر. [فصل -3 - : في المرأة تلد ولا ترى دمًا]: ومن العتبية قال أشهب عن مالك في التي تلد ولا ترى دمًا: فلتغتسل، لا يأتي من الغسل إلا خير. قال ابن حبيب: وإذا رأت النفساء الجفوف فلتغتسل، وإن قرب ذلك من ولادتها، فإن تمادى بها الدم بأن زاد على الستين ليلة فلتغتسل، ولا تستظهر.

وقال ابن الماجشون: ما بين الستين إلى السبعين، ابن حبيب: والوقوف على الستين أحبّ إلىّ. فصل -4 - : [في حكم استظهار الحامل]: ومن المدونة قال ابن القاسم: وما علمت أن مالكًا قال في الحامل: إنها تستظهر بثلاث، لا قديمًا ولا حديثًا، ولو كانت تستظهر لقاله. قال سحنون: إنما أسقط ابن القاسم الاستظهار عن الحامل؛ لأنها لا ترجع إلى أيام حيضتها، وإنما يقال لها: استظهري بثلاثة أيام على أيام حيضتك ما بينك وبين أقصى ما تجلس الحائض إليه، وذلك خمسة عشر يومًا، ولا يكون استظهارًا بعد ذلك، فكذلك الحامل؛ لما قيل لها: اجلسي أقصى ما تجلس الحوامل عن الدم أسقط موضع الاستظهار؛ لأنه لا استظهار في حامل، ولا حائل بعد أقصى ما تجلس النفساء في الدم. قال أشهب في المدونة: إلا أن تكون استرابت من حيضتها شيئًا من أول الدم من أول ما حملت هي على حيضتها، فإنها تستظهر. يريد أشهب إذا حملت فبقيت على عادتها في الحيض لم يغير عليها منه الحمل شيئًا، فهذه تستظهر على عادتها، وهذا لا يخالفه ابن القاسم

فيه، والله اعلم. والاسترابة في هذا في من كانت تحيض أبدًا أيامًا معلومة، لا تزيد ولا تنقص، إما بانقطاع الدم عنها جملة، وإما بنقصانه عن أيامها المعلومة، وأما إن كانت تختلف عليها أيام الدم بالزيادة أو النقصان، فالاسترابة في هذا انقطاعه، والله أعلم. وذهب أبو حنيفة في الحامل ترى الدم: أن ذلك ليس بحيض، ولا تدع له الصلاة، وكذلك ذكر ابن حبيب: أن بعض السلف كان لا يراه حيضًا. ودليلنا ما رواه مالك في الموطأ عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت في الحامل ترى الدم: أنها تدع الصلاة. قال أبو محمد عبد الوهاب: ولقوله عليه السلام: "دم الحيض أسود عبيط يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة "، فعم، ولأنها رأت

الدم في أيامها المعتادة, فصح أن يكون حيضًا، كالحائل، ولأنها حامل رأت دمًا فوجب أن يمنع الصوم والصلاة، كدم النفاس، إذا وضعت ولدًا، وبقي في بطنها آخر، وهو يوافقنا في ذلك، ويراه دم نفاس. ومن المدونة قال مالك: وإذا رأت الحامل الدم أول حملها أمسكت عن الصلاة قدر ما يجتهد لها، وليس في ذلك حد، وليس الحمل كآخره. قال أبو محمد: أول الحمل هاهنا ثلاثة أشهر ونحوها. قال ابن القاسم: إن رأته ثلاثة أشهر ونحو ذلك تركت الصلاة خمسة عشر يومًا ونحوها، وإن رأته بعد ستة أشهر من حملها تركت الصلاة ما بين العشرين ونحوها. وقال ابن وهب عن عائشة ومالك والليث: لا تصلي حتى يذهب الدم. قال مالك: فإن طال عليها فهي كالمستحاضة، قال مالك: وذلك

أحسن ما سمعت. وقال أشهب عن مالك في الحمل ترى الدم: أنها مثل غيرها ممن لا حمل بها تمسك أيام حيضتها يريد والاستظهار، وكذلك عنه في كتاب ابن المواز وابن حبيب: أنها تستظهر بثلاث على أيامها في أول الحمل، وفي آخره. وسواء استرابت عنده في هذا القول، أو لم تسترب، ثم قال بعد ذلك المدونة: ليس أول الحمل كآخره، مثل رواية ابن القاسم. قال أشهب: والرواية الأولى أحسن، فإن ما حبس الحمل من حيضتها مثل ما جس الرضاع والمرض وغيره، ثم تحيض، فإنها تقعد حيضة واحدة، قال في كتاب ابن المواز: والاستظهار. قال بعض أصحابنا: والذى احتج به أشهب فلا يلزم ابن القاسم؛ لأن المرض والرضاع يقل معه الدم، والحمل يحبس الدم فيكثر عند خروجه فهو مفترق. والذى احتج به أشهب فى كتاب ابن المواز، قال: "أرأيت من قعدت عن الحيض سنة، وهي ممن تحيض، ثم أتاها الحيض بعد ذلك، أليس هذا أيضًا دمًا احتبس واجتمع، أفتريد هذه أيضًا أن تقعد مقدار ذلك الحيض كله؟

فليس هذا شيء، ولقد سمعت مالكًا يقول: واستفتته امرأة، وهي في خمسة أشهر أو ستة، فقالت له: كانت أيام حيضتي ستة أيام، واليوم لي سبعة أيام، فقال لها: أقيمي يومين آخرين استظهارًا، ثم اغتسلي، وصلي، وترك قوله: ليس أول الحمل كآخره. قال أشهب: وهذا قول عبد العزيز بن أبى سلمة، وأخذ به أصبغ. ومن المدونة قال يحيى بن سعيد وابن شهاب: وإذا رأت الحامل الصفرة أو الكدرة لم تصل حتى ينقطع عنها. وقال سليمان بن سالم عن ابن القاسم: أنها تجلس فى أول الحمل خمسة عشرة يومًا، وفي آخره خمسة وعشرين يومًا ولا أحب أبلغ بها الثلاثين، وقال عنه أبو زيد: تجلس فى آخره ثلاثين. قال أبو العباس الأبياني في التي رأت دمًا في شهر أو شهرين من حملها أنها بمنزلة الثلاثة أشهر تجلس خمسة عشر يومًا؛ لأنه أقصى أيام الحيض.

والذي ينبغي على قول مالك الذي رجع إليه أن تجلس في الشهر أو في الشهرين قدر أيامها والاستظهار؛ ولأن الحمل لا يظهر في شهر ولا شهرين، فهي على أنها حائل حتى يظهر الحمل، وذلك لا يظهر إلا في ثلاثة أشهر. قال الإبياني: وإن رأته في أربعة أشهر أو خمسة أو ستة جلست ما بينها وبين العشرين، وهكذا روى عيسى عن ابن القاسم. وحكي عن ابن شلبون أن حكم الستة أشهر حكم الثلاثة على ظاهر الكتاب، وخالفه جماعة شيوخ أفريقية، ورأوا أن حكم الستة أشهر حكم ما بعدها، وذكر أن ابن شلبون رجع إلى هذا. وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون: تجلس خمسة عشر يومًا، كان في أول الحمل أو آخره؛ للاختلاف فيه، فإن بعض السلف لا يراه حيضًا. وقال ابن وهب: تضف أيام حيضتها وتغتسل؛ لأنها أكثر دمًا من الحائل. وقال مطرف عن مالك: تجلس في أول شهور الحمل أيامها، والاستظهار، وفي الثاني تثني أيامها، ولا تستظهر، وفي الثالث تثلثها، وفي الرابع تربعها،

وهكذا حتى تبلغ ستين يومًا، ثم لا تزيد. وقال مطرف: واستحسنا ذلك من قوله، واستحسنه أكثر أصحابه ابن أبي حازم وغيره، وأنكر ابن الماجشون في المجموعة قول مطرف هذا، وقال: ليس بقول مالك، وهو خطأ، ولا تكون نفساء إلا عند الولادة، والاستحاضة أملك بها، وقال: بل قول مالك: أنها تقف على أيام حيضتها، ولا تحتاط كما تحتاط غيرها، وبه أقول. وقال مالك في العتبية في الحامل ترى ماء أبيض أول الحمل: فليس عليها إلا الوضوء. ثم كتاب الطهارة (من شرح ابن يونس بحمد الله وعونه).

كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الأول

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله كتاب الصلاة الأول [باب -1 -] في فرض الصلاة وذكر المفروض والمسنون والفضيلة والنافلة منها، ومن ترك الفريضة مكذبًا أو مقرًا بها، وذكر فرائضها وسننها وفضائلها وأسمائها/. [فصل -1 - في شروط وجوب الصلاة]: قال أبو بكر محمد بن عبد الله بن يونس - رحمه الله تعالى -: والصلوات الخمس فرض على الأعيان/ بإجماع الأمة. وشروط وجوبها خمسة كالوضوء، وهي: الإسلام، والبلوغ، وثبات العقل، وارتفاع دم الحيض والنفاس، وحضور وقت الصلاة.

فأما الإسلام؛ فلأن الكفار مخاطبون بالإسلام أولاً، ثم إذا أسلموا خوطبوا بشرائعه، ومحال أن يخاطبوا بشرائعه وهم جاحدون له. وأما البلوغ، وثبات العقل؛ فلقوله عليه السلام: "رفع القلم عن ثلاثة " فذكر "الصبى حتى يحتلم، والمجنون حتى يفيق "، ولأن ابن عمر أغمي عليه فلم يقض الصلاة. قال مالك: وذلك أن الوقت قد ذهب. وأما ارتفاع دم الحيض والنفاس؛ فلأن الصلاة لا تصح إلا بطهر؛ لقوله

تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)، وقال في الحيض: (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ)، فدل أنهن أنجاس في حال الحيض والنفاس فلم تصح لهن الصلاة حتى يرتفع عنهن الدم من غير علة ويغتسلن، وبه جاء الأثر، ولا خلاف في هذا. وأما الوقت؛ فلأن جبريل عليه السلام حد للنبي صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة، وقال له: بذلك أمرت، فلم يجز أن يؤتى بها قبل ذلك، ولا خلاف في ذلك كله. فصل -2 - : [فرض أول ما فرض من الصلاة]: قال محمد بن مسلمة: أول ما فرض الله سبحانه صلاة الليل في سورة المزمل - يريد بقوله: (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) - ثم خفف الله ذلك، فقال: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ)، ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس، وقال: (وَمِنَ اللَّيْلِ

فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ). فصل -3 - : [فرض الصلوات الخمس]: وفرضت صلاة الخمس في الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بمكة قبل الهجرة سنة، وكان الفرض قبل ذلك ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي. وأول ما صلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر، فسميت الأولى لذلك

كذلك. قال مالك وغيره: فرض الله تعالى الصلاة في كتابه فقال: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ) يقول: المغرب والعشاء (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) الصبح (وَعَشِيًّا) العصر، (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) الظهر. وقال جل وعز: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)، وهى الظهر والعصر، (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) يقول المغرب والعشاء (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) الصبح. فدلوك الشمس ميلها، وغسق الليل اجتماعه وظلمته، وقاله ابن عباس، وهو في الموطأ.

وقال تعالى: (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)، وقال: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا). فأجمل الله سبحانه فرض الصلوات الخمس، والركوع، والسجود، والقراءة في كتابه، وفسر ذلك على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من عدد ركوع وسجود، وصفة قيام، وقعود، ذكر قراءتها، ومعالم أوقاتها. [فصل -4 - في تقسيم الصلاة إلى فرض وسنة وفضيلة]: ففرض الله تعالى من الصلوات خمسًا، وسن الرسول عليه السلام خمسًا: الوتر، وصلاة العيدين، وصلاة الخسوف، وصلاة الاستسقاء، فهذه خمس فريضة، وخمس سنة. وزيد في ذلك فقيل: وخمس سنة في فريضة، وهي: لجمع بعرفة، والجمع بالمزدلفة، والقصر في السفر، وصلاة الخوف وصلاة الجماعة. وخمس فضيلة، وهي: تحية المسجد، وصلاة خسوف القمر، وقيام رمضان، وقيام الليل، وسجود القرآن. وخمس نافلة، وهي: الركوع قبل الظهر، والركوع بعدها، والركوع قبل

العصر، والركوع بعد المغرب، وركوع الضحى. فصل -5 - : [أقسام حكم الصلاة]: قال أبو محمد عبد الوهاب: والصلاة من أركان الدين ومعالمه، ومما بني عليه الإسلام، وهي في الشرع على خمسة أقسام: فرض على الأعيان، وفرض على الكفاية، وسنة، وفضيلة، ونافلة، قال: فالفرض على الأعيان الصلوات الخمس، ووجوب الجمعة داخل في الظهر، والفرض على الكفاية الصلاة على الجنازة، وقيل: إنها سنة، وذكر في السنة نحو ما ذكرنا، وزاد الركوع عند الإحرام، وركعتي الطواف، قال: واختلف أصحابنا في ركعتي الفجر. فقيل: من الرغائب، وقيل: سنة، وذكر في الفضيلة والنافلة نحو ما ذكرنا. فصل -6 - : [حكم تارك الصلاة]: والصلوات الخمس التي هي فرض على الأعيان من جحد وجوبها فهو كافر، ولا يختلفون في ذلك، فإن قال: هى فرض، ولكن لا أصلي فليس بكافر، ويؤخذ بفعلها، فإن خرج وقتها ولم يصل قتل، ولا يستتاب ثلاثًا، كذب بها أو أقر.

وإذا قال: لا أصلي فلا يؤخر عن وقت تلك الصلاة. قال أبو إسحاق: أما إن أقر بها وامتنع من الصلاة إلى أخر الوقت، وهو أن يبقى من النهار ما يصلي فيه الظهر والعصر، أو الظهر وبعض العصر، فإن لم يصل إلى ذلك الوقت قتل؛ لأن الدماء عظيمة فيبالغ في تأخيره إلى آخر الوقت الذي يكون متى صلى بعده يكون قاضيًا غير مؤد. وكذلك من قال عند الإمام: لا أتوضأ، ولا أغتسل من جنابة، ولا أصوم رمضان ومن توضأ واغتسل وصلى، وصام، وقال في ذلك كله: أنه غير فرض عليّ، وكذب فهي ردة، فليستتب ثلاثًا فإن لم يتب قتل. قال ابن القاسم عن مالك: ومن ترك الصلاة قيل له: صل، فإن صلى وإلا قتل، قال ابن شهاب: إذا خرج الوقت ولم يصل قتل، وقال أبو محمد: إن ترك صلاة واحدة حل دمه، وإن كذب بالحج فكذلك، وإن أقر به، وقال: لا أحج، قيل له: أبعدك الله؛ إذ ليس بمضيق الوقت، وإن كذب بالزكاة استتب، كالردة، وإن أقر بها ومنعها أخذت منه كرهاً، وإن امتنع قوتل. وذهب ابن حبيب: إلى أن تارك الصلاة متعمدًا أو مفرطًا كافر، وأنه إن ترك أخواتها من زكاة وصوم وحج متعمدًا أو مفرطًا فقد كفر،

وقاله الحكم بن عتيبه. وقال غيرهما: لا يكفر، إلا بجحد هذه الفرائض، وإلا فهو ناقص الإيمان؛ لأنه يورث، ويصلى عليه، واحتج بحديث مالك عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، وفي آخر الحديث " فمن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة ". وذكر ابن حبيب أن تارك الصلاة كافر. قال أبو إسحاق: ليس هو المذهب؛ لأنا لا نكفر بالذنوب، ولم يوقف الإجماع أن تركها علمًا على الكفر، كالسجود للصنم وشبه ذلك، فما جعل علمًا على الكفر فإنه لا يوجد إلا من كافر. فإن قال لما رفع: أنا أصلي، فترك فعاود تركها، فلما رفع قال: أنا أصلي، فليبالغ في عقوبته، ولا يقتل إذا صلى.

فصل -7 - : [فروض الصلاة، وسننها وفضائلها]: وهذه الصلوات الخمس مشتملة على فروض، وسنن، وفضائل. فالفروض منها، المتفق عليها عند أكثر علمائنا خمسة عشرة، وهى: الطهارة من الحدث، والوقت، واستقبال القبلة بقلبه، وليس عليه النطق بلسانه، إلا أن يشاء، والترتيب في الأداء مع الذكر، وتكبيرة الإحرام، والقيام، وهو للفذ والإلمام قدر قراءة أم القرآن، وللمأموم قدر تكبيرة الإحرام، وقراءة أم القرآن، والركوع، والرفع منه، والفصل بينه وبين الانحطاط للسجود، والسجود، والفصل بين السجدتين، والجلسة الأخيرة، وهذا قدر السلام،

وقطع الكلام، والتسلمية الأولى. وسنن الصلاة - أيضًا - خمسة عشر وهي: الإقامة، وقراءة السورة التي مع أن القرآن، والقيام لها، والجهر بالقراءة في موضع الجهر، والسر في موضع السر، والإنصات مع الإمام فيما يجهر فيه، والتشهد الأول، والجلوس له، والتشهد الثانى، وأما الجلوس له فالواجب منه قدر ما يسلم فيه، وأما ما يقع فيه التشهد فمسنون، والتكبير في كل خفض ورفع وقوله سمع الله لمن حمده في الرفع من الركوع، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سنة، وهي فريضة مطلقة ليست من فرائض الصلاة والتيامن بالسلام سنة، وكذلك رد السلام على الإمام.

وفضائل الصلاة عشرة، وهي: اتخاذ الرداء، ورفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وقيل: إن ذلك سنة، وفي رفعهما عند الركوع والرفع منه روايتان: إحداهما: الرفع، والأخرى الترك، وقراءة المأموم مع الإمام فيما يسر فيه، وإطالة القراءة في الصبح، والتأمين بعد أم الكتاب، والتسبيح في الركوع، والدعاء في السجود، وقول المأموم: ربنا ولك الحمد، وصفة الجلوس كله، والقنوت في الفجر واختلف فى إزالة النجاسة مع الذكر والقدرة، فقيل: إنها فرض في الصلاة، وقيل: إنها سنة، واختلف - أيضًا- في الاعتدال في الفصل بين أركان الصلاة، فقيل: إن ذلك فرض، وقيل: سنة، واختلف في ستر العورة، فقيل: إنها من فروض الصلاة، وقيل: ليس من فروض الصلاة، بل هو فرض قائم بنفسه. [فصل -8 -] ذكر أدلة الفرائض: فالطهارة من الحدث فرض؛ لقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) الآية.

وأما الوقت، فقوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) وقد أقام جبريل عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم أوقات الصلوات، وقال له: بذلك أمرت. واستقبال القبلة؛ فلقوله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)، فعلى المعاين لها استقبالها، وعلى الغائب عنها الاجتهاد ففي طلبها بالأدلة المنصوبة عليها، فإن صلى بغير اجتهاد فلا تجزئه، وإن خفيت عليه الأدلة فصلى حيث يغلب على ظنه أن القبلة في تلك الجهة، فإن بان له أنه استدبرها فلا إعادة عليه واجبة، خلافًا للمغيرة والشافعي؛ لقوله تعالى: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ).

وقد روي عن عامر بن ربيعة أنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة فصلى كل واحد منا حيال وجهه، فلما أصبحنا فإذا نحن ضلينا إلى غير القبلة، فسألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مضت صلاتكم، ونزلته: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ).

ويستحب لمن أصابه ذلك أن يعيد في الوقت لإدراك فضيلة الوقت، ولجواز أن يكون قصر في الاجتهاد. والنية؛ فلقوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)، والإخلاص هو القصد إليه بالفعل. وقوله عليه السلام: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» وكذلك سائر القرب، ويجب أن تكون النية مقارنة لابتدائها بالنيات، وقد تقدم إيعاب ذلك في كتاب الوضوء. والترتيب في الأداء؛ لأنه كذلك صلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: "بذلك أمرت". وقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي».

وتكبيرة الإحرام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "وتحريمها التكبير "، وقوله: "لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء مواضعه "، وقوله: "حتى يتوضأ كما أمره الله، ثم يستقبل القبلة فيقول: "الله أكبر ". وقراءة أم القرآن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي

خداج فهي خداج فهي خداج غير تام "، وقوله: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"، ولأنه صلى الله عليه وسلم كذلك يفعل، وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي". والقيام؛ فلأن أم القرآن فرض، فكذلك القيام لها، ولأنه كذلك كان يفعل، فأما المأموم ففرضه من القيام قدر تكبيرة الإحرام؛ لقوله عليه السلام: "كل ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فبم يصلها، إلا وراء إمام ".

فلما جوز له ترك القراءة خلف الإمام جاز له ترك القيام فيها، ولما كان الإحرام واجبًا عليه كان كذلك القيام له، وقد أدرك زيد بن ثابت الإمام راكعًا فكبر وركع، وقال عليه السلام: "من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة". والركوع؛ لقوله تعالى: (وَارْكَعُوا). والرفع منه؛ لأنه تمامه، والفصل بينه وبين الانحطاط للسجود، وكذلك فعل الرسول عليه السلام وسلف الأمة. والسجود؛ لقوله تعالى: (وَاسْجُدُوا). قال ابن المواز عن مالك: أنه قال: الركوع والسجود سنة فقد كفر. والفصل بين السجدتين؛ لأن ذلك يوجبهما سجدتين، ولو لم يفصل بينهما كانت سجدة واحدة، وقد سجد به جبريل عليه السلام

سجدتين، وكذلك كان هو يفعل والأئمة بعده. والجلوس الآخر؛ فلأن السلام فرض فقدر ما يوقعه فيه فرض، ولأنه صلى الله عليه وسلم سلم جالساً. والتسليمة الأولى فرض، خلافًا لأبي حنيفة. دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: "وتحليلها التسليم" فيقتضى أن لا يقع التحليل إلا به، وقوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي"؛ ولأنه أحد طرفي الصلاة فوجب أن يكون نطقًا معينًا كالتحريم. والتسليمة الثانية ليست بفرض، خلافًا لابن حنبل في قوله: إنها فرض.

دليلنا قوله عليه السلام: "وتحليلها التسليم "، وذلك يقتضي أقل ما يقع عليه الاسم. وقد روت عائشة رضي الله عنها أنه عليه السلام سلم تسليمة واحدة، ولأنه أحد طرفي الصلاة فوجب أن يكون الفرض منه واحد كالإحرام. وقطع الكلام؛ لقوله تعالى: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) يعني صامتين خاشعين. [فصل -9 -] ذكر أدلة السنن: الإقامة سنة؛ لدوام فعله عليه السلام وأمره بها، وكذلك قراءة السورة التي مع أم القرآن، لقوله - عليه السلام - وأمره بها، وكذلك قراءة السورة التي مع أم القرآن، لقلوه عليه السلام: "كل صلاة لا يقرأ فيها

بأم القرآن فهي خداج ...)) الحديث. فدل أن ما سواها بخلافها، وتمادى فعله وأمره بها، فكانت سنة، وإذا ثبت أنها سنة كان كذلك القيام لها، والجهر والإسرار ولأنه عليه السلام كذلك كان يفعل، والأئمة بعده، ولا نص لهما في كتاب الله فوجب أن يكونا سنة. والإنصات مع الإمام فيما يجهر فيه، لأمره عليه السلام بذلك، وتمادى به العمل، والتشهد، والجلوس لهما، إلا قدر ما يقع فيه السلام من الآخر، خلافًا للشافعي في إيجابه الأخير، ولغيره في إيجابهما.

ودليلنا: أنه ذكر في تضاعيف الصلاة ليس من جنس المعجز فلم يكن فرضًا أصله الدعاء والتسبيح؛ ولأنه تشهد فأشبه الأول فإذا ثبت أنهما سنة، كان الجلوس لهما سنة. والتكبير في كل خفض ورفع؛ لما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع. وهذا منقول بالعمل، وكذلك قول الإمام: سمع الله / لمن حمده. قال أبو محمد عبد الوهاب: والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة سنة،

خلافًا للشافعي في إيجابه ذلك؛ لقوله عليه السلام للذي علمه الصلاة: ((فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك)) ولم يذكر ما تنازعناه فيه. والإقرار بأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة سنة أبين من الصلاة عليه فيها؛ لأن إيقاع ذلك في التشهد الذي ثبتت سنته، وهو فرض مطلق ليس من فرائض الصلاة. والتيامن في السلام، وكذلك رد السلام على الإمام بفعله عليه السلام في التيامن به فأمره بالرد على الإمام، وكذلك فعل الأئمة بعده.

[فصل - 10 - في ما تردد بين كونه سنة أو فرض] وأما الثلاثة المختلف فيها: فأحدها: إزالة النجاسة مع الذكر والقدرة، فقيل: إنها فرض في الصلاة، وقيل: سنة. فإذا قلنا: إنها فرض، فلأنها تطهر بالماء لأداء الفريضة، أصله التطهر من النجابة ونحوها. وإذا قلنا: إنها سنة؛ فلأن النص إنما ورد في الغسل من الجنابة ونحوها، وقد اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة، وأمر بغسلها، فهي سنة. م وهذا أبين. والثاني: الاعتدال في الفصل بين أركان الصلاة، فقيل: فرض، وقيل: سنة. فإذا قلنا: إنه فرض؛ فلما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تجزئ صلاة لا يقيم

فيها صلبه في الركوع والسجود))؛ ولقوله عليه السلام اعتدلوا، وكذلك كان عليه السلام يفعل والأئمة بعده. وإذا قلنا: إنه سنة؛ فلما ثبت أنه لا نص له في كتاب الله، وقد قال الله تعالى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}. فمن ركع ولم يستو قائمًا، أو سجد ولم يستو جالسًا فهو راكع وساجد، وإنما الاعتدال من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره به فهو سنة. م والأول أبين؛ لأن فعله في ذلك بيان الكتاب. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يجزئ صلاة لا يقيم فيها صلبه))، فدل أنه فرض، وكذلك قيل في من خر من ركعته، ولم يرفع رأسه: إنه لا يجزئه، والصواب /

أن الرفع فرض؛ لما بينا، وكذلك الاعتدال في من خر من ركعته. الثالث: ستر العورة عن أعين الناس واجب. قال أبو محمد عبد الوهاب: اختلف أصحابنا هل ذلك شرط في صحة الصلاة أم لا؟ فإذا قلنا: إنه شرط؛ فلقوله عليه السلام: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) ووجه الآخر؛ فلأن واجبات الصلاة تجب بوجوبها، وتسقط بسقوطها، كالطهارة وغيرها، فلما اتفقنا على أن ستر العورة عن أعين الناس واجب على كل حال دل أنها ليست من شروط الصلاة. [فصل - 11 - : في فضائل الصلاة] وأما فضائل الصلاة: فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها والأئمة بعده، ولم يكن كوجوب ما تقدم من الستر؛ لقوله عليه السلام للذي علمه الصلاة: ((أحرم، واقرأ، واركع، واسجد، ثم اجلس وسلم)) ولم يأمره بشيء من الفضائل،

وفي آخر الحديث ((فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك)) وهذا موضع تعليم. فصل - 12 - : [في الصلاة الوسطى] قال الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاةِ الوُسْطَى}. قال مالك: هي صلاة الصبح في موطئه، ثم رجع عنه، وقال علي وابن عباس، واحتج مالك بحديث / عائشة وحفصة أنهما أمرتا الذي يكتب لهما في المصحف أن يكتب: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاةِ الوُسْطَى} وصلاة العصر، قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. واحتج أصحابنا كذلك: بأنها منفردة بوقت، واللتان قبلها، واللتان بعدها مشتركتا الوقت.

وقال زيد بن ثابت وعائشة: هي الظهر. قال ابن حبيب: وقيل: إنها العصر، وهو أوثق ما سمعت، وقاله الحسن، هو وقتادة. وال حافظة يريد على وضوئها ومواقيتها، وركوعها وسجودها. وقوله: {قَانِتِينَ}، قيل: إنه كان يجهر بعضهم في القراءة على بعض في الصلاة، ويسلم بعضهم على بعض فيها، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك، فقال عز وجل: {وقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} يعني صامتين خاشعين، ومن الخشوع فيها السكوت، وغض البصر، وخفض الجناح، واستكانة القلب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة نظر يمينًا وشمالاً حتى نزلت {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ

خَاشِعُونَ} فحنى رأسه في الصلاة إلى صدره)). ((وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقراءة في الصلاة قرأ من خلفه جهرًا حتى نزل {وإذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وأَنصِتُوا}.)) الآية. فأمسكوا عن القراءة معه فيما يجهر فيه. [فصل - 13 - : فضل الصلوات الخمس، وعقوبة من أخرها عن وقتها] وقوله تعالى: {إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} فالحسنات الصلوات الخمس. وقال عليه السلام لمعا ليكن أكثر همك الصلاة، فإنها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين.

قال ابن المواز: وقال عمر بن عبد العزيز ومحمد بن المنكدر: في قوله تعالى: {أَضَاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} أما إنهم لم يتركوها، ولو تركوها لكان كفرًا، ولكنهم أضاعوها عن وقتها. ونحوه عن ابن مسعود، وهذا تفسير، قول عمر فمن أضاعها فهو لما سواها أضيع؛ لقوله تعالى: {إنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ والْمُنكَرِ}. [فصل - 14 - في ما يطلق على صلاة المغرب العشاء] ومن العتبية قال مالك: الأعراب يسمون المغرب صلاة الشاهد؛ لأنها لا تقصر في السفر والحضر سواء. قال: وأحب إلي أن يقال في العتمة: صلاة

العشاء؛ لقوله تعالى: {ومِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِشَاءِ} إلا أن تخاطب من لا يفهم ذلك عنك فذالك واسع. قال ابن المسيب: لأن أنام عن العشاء أحب إلي من الحديث بعدها. قال مالك: أصاب، وأرى أن يعلم ذلك الرجل أهله وولده، وسماها في البخاري بالعتمة والعشاء، وبالعشاء أكثر، وفيما كتب به عمر إلى أبي موسى الأشعري: وصل العتمة فكان ذلك على جواز الوجهين، واستحب لفظ القرآن، كما أن في

الحديث نحر البقر في الهدايا، وذبحها، واستحب مالك وذبحها؛ لقوله تعالى: {إنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً}.

[باب - 2 -] جامع القول في أوقات الصلاة

[باب - 2 -] جامع القول في أوقات الصلاة [فصل - 1 - : الأصل في أوقات الصلاة إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم] قال ابن حبيب وغيره: لما فرضت الصلاة صلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم يومين، فجعل لكل صلاة وقتين، إل المغرب، فإنه صلاها في اليومين في وقت واحد، وصلى الظهر أول يوم عند زوال الشمس، والأصل فيه قول الله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} وصلاها به في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله، وصلى به العصر في أول يوم حين صار ظل كل شيء مثله، وصلاها به في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثليه، وصلى به المغرب في اليومين غروب الشمس، وصلى به العشاء الآخرة في أول يوم مغيب الشفق، وهو الحمرة عندنا، وصلى به في اليوم / الثاني ثلث الليل، وصلى به الصبح في أول يوم طلوع الفجر الثاني، وهو الضياء المعترض في الأفق، يبتدئ من المشرق معترضًا حتى يعم الأفق، وصلى به في اليوم الثاني حين أسفر، وقال: هذه صلاة النبيين من قبلك، والوقت ما بين هذين

الوقتين. وأول ما صلى به جبريل صلى الله عليه وسلم الظهر، فسميت الأولى لذلك. وفي الموطأ أن جبريل عليه السلام نزل فصلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث. ثم قال له: في آخر ذلك بهذا أمرت.

[فصل - 2 - في أول وقت الظهر والعصر] ومن المدونة قال مالك: وأول وقت الظهر زوال الشمس، وأحب إلي أن يصلي الظهر في الصيف والشتاء والفيء ذراع، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قال: وما دام الظل في نقصان فهو غدوة بعد فإذا امتد ذاهبًا فمن ثم يقاس ذراع. قال ابن القاسم: وإنما يقاس الظل في الشتاء. قال أبو عمران: وفي بعض الروايات وفي الصيف. وفي المبسوط: يقاس الظل، ولم يذكر شتاء ولا صيفًا، وقال في موضع آخر: أما في الصيف فهو بين، وأما في الشتاء فأخذ عودًا إلى مروحة فأقامها، ثم أراهم نقصان الظل. وكان ابن عمر ربما ركب في السفر بعد ما يفيء الفيء فيسير الميلين والثلاثة قبل أن يصلي الظهر. وآخر وقتها إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، بعد طرح ظل الزوال،

وهو بعينه أول وقت العصر، يكون وقتًا لهما مميز جانبيهما، فإذا زاد على المثل زيادة بينة خرج وقت الظهر، واختص العصر بالوقت، فلا يزال ممتدًا إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه، فذلك آخر وقت العصر، وتأخيرها بعد ذلك الوقت مكروه. قال ابن سلمة: تمضي القامتان والشمس بيضاء نقية، والمصلي في ذلك الوقت مذموم. قال ابن حبيب: إذا تمت القامة خرج وقت الظهر، ودخل وقت العصر، وخالف في هذا القول مالك وأصحابه، وهذا قول الشافعي. والحديث يدل على ما قاله مالك وأصحابه: أنه صلى الظهر في اليوم الثاني حين صلى العصر في اليوم الأول، وهي حجتنا على أبي حنيفة في قوله:

إن آخر وقت الظهر إذا كان الظل مثليه. قال بعض البغداديين: وإنما استحب مالك أن تصلي والفيء ذراع؛ لأن في ذلك فضيلة أدائها في في الجماعة؛ لأنها صلاة تدرك الناس متشاغلين في متصرفاتهم، فلو صليت في ذلك الوقت لفاتتهم فضيلة الجماعة. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولم يحد مالك في آخر وقت العصر قامتين، ولكن قل: والشمس بيضاء نقية، وقاله عمر بن الخطاب في الموطأ. وروى في بعض الآثار قامتين، وقاله مالك في مختصر ابن عبد الحكم

الكبير. [فصل - 3 - : مقدار وقت المغرب] قال مالك في المدونة: ووقت المغرب غروب الشمس، لا يؤخر، وقاله عمر بن الخطاب في الموطأ. قال مالك: وأما المسافر فلا بأس أن يمر الميل ونحوه، ثم ينزل فيصلي. قال بعض علمائنا: يريد ينزل في المنهل، وأما إن كان يتمادى فليصل في أول الوقت. قال ابن الجهم: لها وقتان، كسائر الصلوات. قال أبو إسحاق: وذكر محمد بن مسلمة أن لها وقتين - يعني المغرب - ولمن شاء تأخيرها إلى مغيب الشفق، وتقريبها إلى وقت وغيره أحسن منه، فإذا ذهب الشفق خرج وقتها.

[فصل - 4 - : وقت العشاء] قال مالك: وأول وقت العشاء مغيب الشفق وهو الحمرة، ولا ينظر إلى البياض الباقي بعدها، كما لا ينظر في الصوم إلى البياض الذي قبل الفجر. قال أبو إسحاق: وقد ذكر الخليل أنه رصده فلم يغب إلى طلوع الفجر، وإذا أمر النبي عليه السلام بالصلاة إذا / غاب الشفق، وكانت الحمرة تسمى شفقًا، والبياض يسمى شفقًا، جاز أن تصلي بمغيب أول الشفق حتى يقوم دليل على المنع من ذلك، وآخر وقتها ثلث الليل، وقيل: نصف الليل. قال: وأحب للقبائل تأخيرها قليلاً، قيل لمالك: فأهل الحرس يؤخرونها إلى ثلث الليل، فأنكر ذلك وقال: يصلون كما يصلي / الناس. وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر فلم يؤخروها هذا التأخير. قال في المختصر: ثلث الليل آخر وقتها. قال ابن حبيب: لا يؤخر إلى ثلث الليل إلا مسافر. وقال أشهب: تؤخر. وقد كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن صل العتمة فيما

بينك وبين ثلث الليل، فإن أخرت، فإلى شطر الليل، ولا تكن من الغافلين، وهو في الموطأ، ومعنى إنكاره تأخير الحرس صلاة العشاء إلى ثلث الليل؛ لئلا يكون ذلك لهم أمرًا ثابتًا، لا يتقدم ولا يتأخر. [فصل - 5 - في مقدار وقت الصبح] ومن المدونة قال مالك: ووقت صلاة الصبح طلوع الفجر، والنجود بادية مشتبكة. قال مالك: يغلس بالصبح في الحضر والسفر، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: [إن] كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس. قال ابن القاسم: وآخر وقتها إذا أسفر. وروي عن مالك في الموطأ: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت

صلاة الصبح فسكت عنه حتى إذا كان من الغد صلى الصبح حين طلع الفجر، ثم صلى الصبح من الغد بعد أن أسفر، ثم قال: ((أين السائل عن وقت الصلاة؟)) قال: ها أنا يا رسول الله! قال: ((ما بين هذين وقت)). قال مالك في المدونة: وواسع أن يقرأ فيها بسبح اسم ربك الأعلى، ونحوها في السفر، والأكرياء يعجلون الناس. وقال ابن نافع عن مالك: صلاة الرجل الصبح وحده بغلس أحب إلى من أن يصلي في جماعة، في آخر الوقت. قال ابن القاسم: ولم يكن مالك يعجبه هذا الحديث، الذى جاء أن الرجل ليصلى الصلاة ما فاتته، ولما فاته من وقتها أعظم. وكان يرى أن يصلى الناس بعد ما يدخل الوقت، ويتمكن ويمضي منه بعضه في الظهر والعصر

والعشاء. قال ابن حبيب عن مالك: إلا الجمعة فتعجل في أول الوقت. قال مالك في المدونة: وقد صلى الناس قديماً، وعرف وقت الصلوات. ومن الموطأ مالك: وحدثنى نافع أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عماله: أن اهم أموركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ثم كتب: أن صلوا الظهر إذا كان الفئ ذراعاً إلى أن يكون ظل أحدكم مثله، والعصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، بقدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة، والمغرب إذا غربت الشمس، والعشاء إذا غاب الشفق إلى ثلث الليل، فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه، والصبح والنجوم بادية مشتبكة. قال ابن حبيب: ومما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: ((إذا كان الشتاء فعجل الصبح في أول الفجر، وأطل القراءة فيها على قدر ما يطيق الناس، ولا تملهم، وصل الظهر حين تميل الشمس، وصل العصر والمغرب في الشتاء والصيف على ميقات واحد، العصر الشمس بيضاء نقية، والمغرب إذا غربت الشمس، وصل العشاء وأعتم بها، فإن الليل طويل، وإذا كان الصيف فأسفر بالصبح،

فإن الليل قصير، والناس ينامون، ولا تعتم العشاء فإن الليل قصير، ولا تصلها قبل الشفق. م وقد عبر بعض أصحابنا فقال: أوقات الصلوات خمسة: واجب: هو أول الوقت، ومستحب: وهو أن يصلي والفئ ذراع بعد أول الوقت، وواسع وهو آخر الوقت، كالقامة بعد ظل الزوال في الظهر، وكالقامتين في العصر، والرابع: وقت الصلاة إذا نسيها، ثم تذكرها فوقتها حينئذ. والخامس: أوقات الضرورة، في من احتلم، أو أسلم أو سافر، أو قدم، أو المرأة تحيض أو تطهر، وذلك مذكور في مواضعه. وقال الرسول عليه السلام: إذا كان الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم، وذكر أن النار اشتكت إلى ربها فأذن لها في كل عام بنفسين، نفس في الشتاء/ ونفس في الصيف من الموطأ.

[فصل-6 - في/ ما يختص به وقت كل صلاة] قال أبو الحسن ابن القصار: ووقت الظهر الذي يختص به إذا زالت الشمس عن كبد السماء إلى أن يمضي، بعد الزوال مقدار صلاة أربع ركعبات، لا مدخل للعصر فيه. ووقت العصر الذى يختص به قبل مغيب الشمس مقدار صلاة أربع ركعبات، لا مدخل للظهر فيه، وما بين هذين وقت مشترك، للظهر والعصر في باب الإجزاء، واحتج بجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر في السفر، وبعرفة عند الزوال، فلولا أن الأمر على ما قلناه، لم يجمع بينهما، ألا ترى أنه لم يجمع بين الصبح وغيرها، وكذلك يقول في المغرب والعشاء بعد مغيب الشفق

بمقدار ثلاث ركعات يختص بالمغرب، وقبل طلوع الفجر بمقدار أربع ركعات يختص بالعشاء، وما بينهما مشترك، ولا حجة لمحتج بصلاة الظهر في يمين في أو الوقت وآخره على ما ذكر فيه؛ لأن هذه أوقات الاختيار بدلالة جمع النبي عليه السلام بينهما في وقت واحد، فإذا جعلنا هذا للإجزاء، وتفرقته بينهما للأختيار جمعنا بين أفعاله. قال: وإذا فرط في الظهر حتى دخل مقدار الأربع التي قبل الغروب لحقه الوعيد، وحصل منه التفريط؛ لأنه وقت مختص بالعصر، وإذا أخر الظهر حتى صار ظل كل شئ مثله أو مثليه فلا نقول إنه مفرط يلحقه الوعيد، بل نقول: إنه مسئ لتركه الاختيار. قال أبو إسحاق: وأما من أخر الظهر أو العصر إلى اصفرار الشمس فالأشبه فيه أن يأثم؛ لأن ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((تلك صلاة المنافقين))

وتكريره لذلك يدل على تأكيد النهي. فإن قيل: فقد قال عليه السلام: ((من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها)). قيل: هذا وقت لأصحاب الضرورات، بدليل تأكيده في النهي عن الصلاة إذا اصفرت الشمس. وقد احتج من خالفنا: بأنه إذا لم يكن قاضياً لم يكن عاصياً. قيل: قد اتفق على من أدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس أنه مؤد لها، وليس بقاض. ولا خلاف أنه عاص إذا أخر ذلك متعمداً، فقد صح عصيانه مع كونه مؤدياً غير قاض.

[باب-3 -] جامع القول في الأذان والإقامة وتسوية الصفوف ووقت القيام للصلاة

[باب-3 -] جامع القول في الأذان والإقامة وتسوية الصفوف ووقت القيام للصلاة [فصل-1 - في حكم الأذان وصفته] قال بعض البغداديين: والأذان والإقامة سنتان غير واجبتين، والإقامة آكد. قال مالك رحمه الله: والأذان كما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا محذورة، وهو: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، ثم يرجع بأرفع من صوته

أول مرة فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمداً رسول الله مرتين، حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. ويقول أذان الصبح دون الإقامة- بعد حي على الفلاح- الصلاة خير من النوم مرتين. ابن وهب يقول: مرة واحدة. ابن حبيب: روى أن بلالاً قال: الصلاة خير من النوم في نداء الصبح، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يزيدها في نداء الصبح. قال: ومعنى حي على الصلاة هلموا إلى الصلاة. وفي الموطأ فوجده نائماً، فقال: الصلاة خير من النوم، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح. قيل لمالك: فالرجل يؤذن في السفر هل يقول: الصلاة خير من النوم؟ فقال: نعم لا يدع ذلك.

[فصل-2 - الإقامة وتر] ومن المدونة قال مالك: والإقامة كلها مرة واحدة، إلا التكبير، وقد أمر النبي عليه السلام بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، وكان ابن عمر لا يزيد في الإقامة على واحدة. ابن وهب: قال عطاء بن رباح:- وقد أدرك أبا محذورة مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم- ما علمت أن تأذين أبي محذورة مؤذن النبي عليه السلام، ولا تأذين من مضى، يخالف تأذيتهم اليوم. قال موسى بن هارون: وكذلك كان تأذين بلال وسعد القرظ، وعليه إجماع أهل المدينة. وذهب أبو حنيفة والشافعي: إلى أن أول التكبير أربع مرات.

وذهب أبو حنيفة إلى أن الإقامة تشفع. ودليلنا عليه ما تقدم. وقال النخعى: الأذان والتكبير كل ذلك جزم. قال غيره: وعوام الناس يضمون الراء من التكبير الأول، والصاب جزمها؛ لأن الأذان شفعاً موقوفاً. ومن أعرب الله أكبر لزمه أن يعرب حي على الصلاة وحي على الفلاح بالخفض. فصل-3 - : [في الهيئة التى يكون عليها المؤذن والمقيم] ومن المدونة قال ابن القاسم: وأنكر مالك التطريب في الأذان

وقال: ما رأيت أحداً من مؤذني المدينة يطربون. وأنكر مالك دوران المؤذن في أذانه والتفاته عن يمينه وشماله، إلا لإرادة الإسماع. ابن حبيب: وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قالب لبلال: إذا أذنت فأدخل إصبعيك في أذنيك، ثم قل: هكذا وهكذا بوجهك، عن يمينك وشمالك، وبدنك قائم إلى القبلة، ولا تدر كما يدور الحمار. ومن المدونة قال ابن القاسم: ورأيت المؤذنين بالمدينة يؤذنون ووجوههم إلى القبلة، ويقيمون عرضًا، يخرجون مع الإمام وهم يقيمون، وكان مالك

يوسع للمؤذن أن يؤذن كيف تيسر له، ويصنع كيف شاء، وإن شاء وضع إصبعيه في أذنيه في أذانه، وكذلك في إقامته، وإن شاء ترك. قال مالك: ولا يتكلم أحد في أذانه ولا تلبيته ولا يردان على من سلم عليهما. وفي مختصر الوقار: ولا يرد المؤذن السلام كلامًا، ولا بأس أن يرد بإشارة، كالصلاة يريد، وكذلك / الملبي، وقاله ابن اللباد. وقال محمد: ولا يردان بكلام ولا بإشارة. والفرق بين الأذان والصلاة:- في هذا القول - أن الأصل في جميعهم أن لا يسلم عليهم، ولا يردون على من سلم عليهم للعمل الذي حصلوا فيه، فخضت السنة جواز الرد إشارة إلى الصلاة، وبقي الأذان على أصله. وأيضًا فلما كان الأذان لا يبطله الكلام، وإنما هو مكروه فيه، وكان رد السلام واجبًا، لم يجز له أن يرد إلا كلامًا فصار المسلم قد أدخله في الكراهة بسلامه، فنهي أن يسلم عليه لذلك حتى يفرغ مما هو فيه، وإذا عصى وسلم

عليه عوقب بأن لا يرد عليه، كمنع القاتل الميراث عقوبة له؛ لاستعجاله ذلك قبل وقته، وقد قال النبي عليه السلام للذي سلم عليه وهو يبول: "إذا رأيتني في هذه الحال فلا تسلم علي، فإنك إن فعلت لم أرد عليك"، فهذا مثله. والله أعلم. ومن المدونة قال مالك: وأكره السلام على الملبي حتى يفرغ من تلبيته، وكذلك المؤذن في أذانه. قال في غير المدونة: ومن تكلم في أذانه بنى. قال سحنون: تكلم عمدًا أو سهوًا، وينهى العامد عن ذلك. قال ابن القاسم في المجموعة: إلا أن يخاف على صبي أو أعمى أو دابة أن تقع في بئر أو شبهه، فليتكلم ويبني. [فصل -4 - في حكم أذان الصبي]: ومن المدونة قال مالك: ولا يؤذن إلا من احتلم؛ لأن المؤذن إمام، ولا يكون من لم يحتلم إمامًا. وقال ابن أبى زمنين: سعني أن الناس يأتمون به، ويقتدون به في أوقات الصلوات، ولذلك كانوا يختارون للأذان أهل الصلاح والمعرفة بالأوقات. وقال في العتبية: لا يؤذن الصبي، ولا يقيم، إلا أن يكون مع نساء، أو

بموضع لا يوجد غيره فليؤذن وليقم. قال في المجموعة: فإن صلى لنفسه، فليقم. [فصل -5 - في أذان الجنب]: قال ابن القاسم في العتبية: لا يؤذن الجنب. وقال سحنون في كتاب ابنه: لا بأس بذلك في غير المسجد. وفي كتاب أبي الفرج لمالك: ولا بأس أن يؤذن قاعدًا، أو راكبًا / أو جنبًا، ومن / لم يحتم، وأما في الإقامة فلا. [فصل -6 - في أذان السكران]: قال أشهب في المجموعة: إن أذن وأقام سكران لم يجزئهم، وإن صلوا

بذلك لم يعيدوا. وينبغي أن يكون المؤذن من أفضل أهل الحي. [فصل - 7 - في أذان الأعمى - والمرأة - ومن أذن لقوم لا يؤذن لغيرهم]: ومن المدونة قال مالك: وجائز أذان الأعمى، وإمامته، وقد كان مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أعمى. قال وليس على المرأة أذان ولا إقامة، فإن أقامت فحسن. قال بعض البغداديين: وإنما لم يكن على المرأة أذان؛ فلأنها ليست من أهل الجماعة؛ ولأن صوتها عورة. قال: وإنما استحسن لها الإقامة؛ لأن الإقامة آكد من الأذان؛ لأنه قد خوطب بها من لم يخاطب بالأذان، وأما التلبية في الحج، فهي لازمة لها. والفرق بين تلبيتها وإقامتها في اللزوم هو: أن التلبية إجابة، والإجابة لازمة لكل من لزمه فرض الحج، والمرأة منهم؛ ولأن التلبية إجابة، والإجابة لازمة لكل من لزمه فرض الحج، والمرأة منهم؛ ولأن التلبية داخلة في إحرام الحج كالسورة التي مع أم القرآن في الصلاة، والإقامة خارجة عن الصلاة. قال مالك: ولا بأس أن يؤذن الرجل، ويقيم غيره، كما جاز أن يؤذن الرجل ويؤم غيره.

قال أبو إسحاق: من أذن لقوم وصلى معهم فلا يؤذن لآخرين ويقيم، فإن فعل ولم يعلموا حتى صلوا أجزأهم، قاله أشهب. فصل -8 - [أخطأ في الأذان، أو رعف فيه، أو مات أو غمي عليه في الإقامة]: قال مالك: وإن أذن فأخطأ فأقام ساهيًا لم يجزئه، وابتدأ الأذان. قال في المجموعة، والواضحة: فإن أراد أن يقيم فأذن فليبتد / الإقامة حتى يكون على صواب. قال أصبغ: ويجزئه؛ لقول من قال: إن الإقامة شفع. ابن حبيب: والاختلاف فيه شاذ، وبقول مالك: إنه يعيد أقول. قال أشهب في المجموعة: إن بدأ بأشهد أن محمدا رسول الله قبل أشد أن لا إله إلا الله فليقل بعد ذلك أشهد أن محمدًا رسول الله قبل أشهد أن لا إله الله فليقل بعد ذلك أشهد أن محمدًا رسول الله، ويجزئه. ابن حبيب: إن سها عن جل أذانه فذكر في مقامه فليعد من موضع نسي، وإن كان حي على الفلاح مرة لم يعد شيئًا، وإن تباعد لم يعد ما قل أو كثر، وقاله ابن القاسم وأصبغ.

قال ابن القاسم في العتبية: وإن رعف في أذانه تمادى، وإن قطع وغسل الدم فليبتد، وإن أراد غيره أن يبني على أذان الراعف فلا يفعل، وليبتد، وإن رعف أو أحدث فى الإقامة فليقطع، ويقيم غيره. قال أشهب في المجموعة: فإن مات أو أغني عليه في أقامته فأراد أن يقيم غيره فليبتد الإقامة أحب إليّ، وإن بنى أجزأه، وكذلك إن أفاق المغمى عليه فليبتد، وإن بنى أجزاه. قال مالك في المجموعة: ومن ترك الإقامة جاهلًا حتى أحرم فلا يقطع، ولو أنه بعد ما أحرم أقام وصلى فليستغفر الله. قال سحنون في غيرها: وذلك إذا أحرم بعد الإقامة، فإن لم يحرم بعدها فصلاته منتقضة.

فصل -9 - : [في محكاة المؤذن، والدعاء بعد الأذان]: ومن المدونة: روى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ". ورواه مالك في الموطأ. قال مالك: وذلك فيما يقع بقلبي إلى قوله: أشهد أن محمدًا رسول الله، ولو فعل ذلك لم أر به بأسا. ظاهره يدل أن قوله: لو فعل -أي ما يقع في نفسي - لأنه المذكور، لا إتمام الأذان، كما قال سحنون وغيره: معناه وإن أتم الأذان معه فلا بأس به. قيل لابن القاسم: هل يحكيه فيما بعد حي على الفلاح؟ قال: ذلك واسع، إن شاء فعل، وإن شاء ترك. يريد ولا يحكيه إذا قال: حي على الفلاح. قال بعض فقهائنا: لو حكاه المصلي في ذلك لأبطل صلاته؛ لأنه كالمتكلم، وبلغني أن ابن القصار قاله. قال أبو محمد عبد الوهاب: منتهى ما يحكيه إلى آخر التشهد؛ لأن ذلك

تهليل وتكبير، فندب للسامع أن يقول كقوله، وقوله حي على الصلاة دعاء إلى الصلاة، والسامع ليس بداع إليها، فلم تكن لحكاية المؤذن في ذلك معنى. ومن المدونة قال مالك: وإن أبطأ المؤذن فعجل بالقول قبله فواسع. قال مالك: ومن سمع المؤذن، وهو في فريضة، فلا يقل كقوله، وإن كان فى نافلة فليقل / كقوله. وقال سحنون: لا يحكيه في فريضة ولا نافلة. وقال ابن وهب وابن حبيب: يحكيه في الفريضة والنافلة. فوجه قول مالك: فلأن حكاية المؤذن ندب إلى الذكر، والفريضة واجبة فتمادى به فيها، ولا يدخل عليها غيرها أولى، واستخف ذلك فى النافلة، إذ ليست بواجبة. ووجه قول سحنون هو: أن النافلة قد أوجبها على نفيه حسن دخل فيها، فلا يدخل عليها غيرها، حتى يتمها حسب ما أوجلها على نفسه حين دخل فيها. ووجه قول ابن حبيب وابن وهب: فلعموم الحديث؛ ولأن ذلك ذكر لا يفسد الصلاة، فوجب فعله. قال ابن حبيب: وجاء الترغيب في القول، كقول المؤذن، فقيل: إنه إلى حد التشهد، وكان ابن عمر إذا قال المؤذن: حي على الصلاة، قال: لا حول

ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم يقول / مثله في بقية أذاته، وهو أحب إلي. وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: شهدت، وأمنت، وصدقت، وأيقنت، وأجبت داعي الله، وكذبت من أبى أن يجيبه، وكل حسن، والدعاء حينئذ ترجى بركته، وعند الزحف، ونزول الغيث، وتلاوة القرآن. وفي الموطأ أن سهل بن سعد الساعدي قال: ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء، وقل داع ترد عليه حضرة النداء للصلاة والصف في سبيل الله. فصل -10 - : [أذان الراكب والمحدث حدثًا أصغر]: ومن المدونة قال مالك: لا بأس أن يؤذن غير متوضئ، ولا يقيم إلا متوضئ، قال: ويؤذن راكباً في السفر، وفعله سالم بن عبد الله، قال: ولا يقيم إلا نازلا. قال أبو بكر الأبهري: إنما ذلك لتكون الإقامة متصلة بالصلاة لا عمل بينهما.

فصل -11 - [في مشروعية النداء الأول لصلاة الفجر]: قال مالك: ولا ينادي لصلاة قبل وقتها، لا جمعة ولا غيرها، إلا الصبح، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بلالاً ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم"، قال: وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت، أى قاربت. قال ابن وهب في العتبية: لا يؤذن لها إلا سحرًا، قيل له: وما السحر عندك؟ قال: السدس الآخر. وأجاز ابن حبيب الأذان لها من نصف الليل. والفرق بين الصبح عندنا وبين غيرها: أن الصبح تدرك الناس نيامًا،

فيحتاجون إلى التأهب لها، وإدراك فضيلة الجماعة التغليس، وفى سائر الصلوات يدرك الناس متصرفين في أشغالهم فلا يحتاجون أكثر من إعلامهم بوجوبها. فصل -12 - : [في تعدد المؤذنين]: ومن المدونة قال مالك: ولا بأس باتخاذ مؤذنين أو ثلاثة أو أربعة بمسجد واحد من مساجد القبائل، قال ابن حبيب: وقد أذن للنبي صلى الله عليه وسلم أربعة بلال وأبو محذورة وسعد القرظ وابن أم مكتوم. قال مالك في المدونة: وإن كان قوم في سفر في بر أو بحر أو في الحرس فأذن لهم مؤذنان أو ثلاثة فلا بأس بذلك، قال: وليس الآذان إلا في مساجد الجماعات، أو مساجد القبائل، أو موضع تجتمع فيه الأئمة، وإن كان في حضر. فصل -13 - : [كل ما كان من صلاة الأئمة فبأذان وإقامة لكل صلاة]: وكل ما كان من صلاة الأئمة فبأذان وإقامة لكل صلاة، وكذلك إمام المصر يخرج للجنازة فتحضره الصلاة فليصل بأذان وإقامة لكل صلاة.

وإذا جمع الإمام صلاتين بعرفة والمزدلفة فبأذانين وإقامتين. وأما غير هؤلاء يجمعون في حضر أو سفر، فالإقامة تجزئهم لكل صلاة، وإن أذنوا فحسن. [فصل -14 - : الصلاة في عرفة ومزدلفة وإقامتين أو أذان وإقامة]: قال: ويجمع الإمام الصلاتين بعرفة والمزدلفة بأذانين وإقامتين، وقيل: بأذان وإقامتين. قال مالك: وأما من جمع بهما وحده فالإقامة تجزئه لكل صلاة. [فصل -15 - في ترك الإقامة عمدًا أو سهوًا]: قال مالك: ومن صلى بغير إقامة ساهيًا أو عامدًا أجزأه، وليستغفر الله العامد. وقال ابن كنانة وابن الماجشون وابن زياد وابن نافع: إن ترك الإقامة عامدًا فليعد صلاته. فوجه قول مالك: فلأنها سنة منفصلة عن الصلاة لا تفسد بفسادها الصلاة، فوجب أن لا تفسد بتركها. ووجه الآخر: / فلأنها من سنن الصلاة، كالتي من صلب الصلاة، فتركها

عمدًا تعبثًا بالصلاة، فوجب أن لا تجزئه. قال مالك: ومن / دخل المسجد وقد صلى أهله، فليبتد الإقامة لنفسه، وإن صلى في بيته لم تجزئه إقامة أهل المصر. قال ابن المسيب وابن المنكدر: ومن صلى وحده فلا بأس أن يسر الإقامة في نفسه. [فصل -16 - : حكم الأذان والإقامة للصلاة الفائتة]: قال مالك: وعلى من ذكر صلوات، الإقامة لكل صلاة، ولا يصلي صلاتين بإقامة واحدة. قال أبو إسحاق: ولا يؤذن لها؛ لأنه يزيدها فوتًا، ولو ذكر جماعة صلاة، وهم يخافون أنهم إن أذنوا أن تفوتهم فلا يؤذنوا، وليقيموا، ولو خافوا أن يفوت الوقت لو أقاموا، فصلاتهم إياها - في الوقت - بغير إقامة أولى من أن يفوتهم الوقت، ومن فاتهم ظهر من يوم واحد فجائز أن يجمعوها بإمام منهم، وأما إن اختلفت الأيام، مثل: أن يكون على واحد ظهر من سبت وعلى آخر من أحد، فلا يجمعوها. واختلف إذا وجب على واحد ظهر حضر وعلى آخر ظهر سفر من يوم واحد، وقد فات الوقت، فقيل: إن أم الحضري صلى معه السفري

ركعتين فقط، ثم جلس، وأتم الحضري، فإذا سلم الحضري سلم معه السفري بسلامه؛ ولأنه إنما يقضي كما لزمه فلا يتم، وقاله أشهب. وقد قيل: يتم مع الحضري، قال أبو إسحاق: وهو الأشبه؛ لأن السفري وإن وجبت عليه صلاة سفر، فإذا دخل مع حضري أتمها، فلا فرق بين أن يكون وقتها لم يفت أو فات، ولا يصلي صلاتين بإقامة واحدة. ومن الموطأ: وكان عبد الله بن عمر لا يزيد على الإقامة في السفر، إلا في الصبح فإنه كان ينادى فيها ويقيم، وكان يقول: إنما الأذان للإمام الذى يجتمع إليه الناس. وقال عروة بن الزبير: إن شئت أن تؤذن، وإن شئت أن تقيم قائماً ولا تؤذن. وكان سعيد بن المسيب يقول: من صلى بأرض فلاة صلى عن يمينه ملك وعن شماله ملك، فإن أذن [بالصلاة] وأقام صلى وراءه أمثال الجبال من الملائكة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول: ألا

صلوا في الرحال. وعن أبي سعيد الخدري قال: إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك [بالنداء] فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة، قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما فى التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا ". وقال عليه السلام: "إذا ثوب بالصلاة، فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا، فإن

أحدكم في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة. وروي أن ابن عمر سمع الإقامة، وهو بالبقيع، فأسرع المشي إلى المسجد. فصل -17 - : [الإجارة على الأذان والصلاة]: ومن المدونة قال مالك: وتجوز الإجارة على الأذان، وعلى الأذان، والصلاة جميعًا، وقد أجرى عمر لسعد القرطي رزقًا على الأذان. قال: ولا تجوز الإجارة على الصلاة خاصة. وأجاز ذلك ابن عبد الحكم، وقال ابن حبيب: لا تجوز على أذان ولا على صلاة. فوجه قول مالك - رحمه الله - في جواز الإجارة على الأذان: فلما روي عن عمر في ذلك؛ ولأن ذلك عمل يكلفه لا يلزمه الإتيان به، فإذا جمع مع ذلك الصلاة فإنما / الأجرة على الأذان خاصة، فلا يضره جمع الصلاة معه. وأما على الصلاة خاصة فلم يجز؛ عمل يلزمه ويختص به لم يعمله عن أحد غيره.

ووجه قول ابن عبد الحكم: فلأنه تكلف الصلاة في ذلك الموضع، والإتيان إليه، والاهتمام به، فله أجره في ذلك. ووجه قول ابن حبيب: لأن الأذان عمل بر وإعلام للصلاة، فلم تجز الأجرة عليه، كالصلاة. وهذا ينتقض بأخذ الأجرة على بناء المساجد وإصلاح الطرق إذ هو عمل بر لله تعالى، والصواب ما قاله - رحمه الله-. فإذا استؤجر على الأذان والصلاة جميعًا في قول مالك فتخلف المؤذن عن الصلاة خاصة لعذر من سلس بول ونحوه فاختلف في ذلك فقهاؤنا المتأخرون. فقيل: لا تسقط من الإجارة حصة الصلاة، لأن الإجارة في هذا إنما هي على الأذان خاصة، والصلاة تبع له، كمال العبد، وثمر النخل الذي لم يبد صلاحه أن ذلك لا يجوز بيعه على الإنفراد، ويجوز إذا جمع، فكذلك الصلاة. وقيل: بل تسقط حصة الصلاة؛ لأن الإجارة على الصلاة إنما هي مكروهة فإذا نزلت مضت / ألا ترى أن ابن عبد الحكم يجيز الإجارة عليها، بخلاف مال العبد وثمر النخل لا يجوز بيعه إذا انفرد بإجماع.

ومن المدونة قال ابن القاسم: وكره مالك إجارة قسام القاضي. قال سحنون: لأنه إنما كان يفرض لهم من أموال اليتامى، فأما ما وافقوا عليه الناس فحلال. قال مالك: ولا بأس يما يأخذ المعلم اشترط ذلك أم لا، وإن شرط شيئًا معلومًا على تعليم القرآن جاز، وفي الإجارة إيعاب هذا. فصل -18 - : [المقدار الذي ينتظره الإمام بعد تمام الإقامة لتسوية الصفوف]: قال مالك: وينتظر الإمام بعد تمام الإقامة [قليلاً قدر] تسوية الصفوف، ثم إذا كبر قرأ، وقد كان عمر وعثمان رضي الله عنهما يوكلان رجلين بتسوية الصفوف، فإذا أخبراهما أن قد استوت كبرا. قال مالك: وليس في سرعة القيام للصلاة بعد الإقامة حد، ولا وقت، وذلك على قدر طاقة الناس؛ لأن فيهم القوي والضعيف.

[باب -4 -] في الإحرام والسهو عنه، وذكر التوجيه

[باب -4 -] في الإحرام والسهو عنه، وذكر التوجيه [فصل -1 - في صفة التكبير والتسليم]: قال الرسول عليه السلام: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبر وتحليلها التسليم "، وقاله ابن مسعود، ومالك. ولا يجزئ عند مالك من الإحرام إلا الله أكبر، ولا من السلام إلا السلام عليكم. قال سحنون فى العتبية: ومن قال في الإحرام/ الله أجل، الله أعظم لم يجزئه، وأعاد صلاته. قال أبو محمد عبد الوهاب: وأجاز ذلك أبو حنيفة.

والدليل لمالك: قوله عليه السلام: "صلوا كما رأيتموني أصلي ". وقوله: "تحريمها التكبير "، وقوله: "لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يتوضأ كما أمره الله إلى قوله: "ثم يستقبل القبلة فيقول: الله أكبر"، ولأنه ركن من أركان الصلاة فوجب أن يكون متعينًا، كالركوع والسجود، وكقراءة أم القرآن. فصل -2 - : [حكم التوجيه في الصلاة]: ومن المدونة قال مالك: ولا أعرف التوجيه لإمام، ولا غيره من قول الناس: "سبحانك اللهم، وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، وقال: لا يقوله من صلى وحده، أو إمام، أو مأموم.

ولمالك فى السماع: أنه وسع في قوله. / قال أبو محمد عبد الوهاب: وذلك مذهب الشافعي. والدليل لمالك: قوله عليه السلام: "يكبر، ثم يقرأ "، وقوله للذي علمه: "كبر، ثم اقرأ "، وفي حديث أبي أنه صلى الله عليه وسلم قال له: كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟ قال: فقرأت الحمد لله رب العالمين، فلم يذكر توجيهًا ولا تسبيحًا. [فصل -3 - في الإحرام بالعجمية]: ومن المدونة قال: وكره مالك أن يحرم الرجل بالعجمية أو يدعو بها في

الصلاة، أو يحلف بها، قال: وما يدريه أن الذي حلف به هو الله. وقد نهى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رطانة الأعاجم وقال: "إنها خب ". ومن سماع ابن القاسم: سئل مالك عن الأعجمي يدعو بلسانه في صلاته، وهو لا يفصح بالعربية، فقال: لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وكأنه يخففه. محمد قيل: معنى نهي عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رطانة الأعاجم إنما ذلك في المساجد. وقيل: إنما نهى عن ذلك عن ذلك إذا تكلم بها بحضرة من لا بفهم ذلك، لأنه يصير إلى معنى ما كره أن تناجى اثنان دون واحد. [فصل -4 - لا يقرأ في الصلاة إلا قرآنًا]: ومن المجموعة قال أشهب: ومن قرأ في صلاته بشيء من التوراة والإنجيل والزبور وهو يحسن القراءة أو لا يحسنه فقد أفسد صلاته، وهو

كالكلام، وكذلك لو قرأ شعرًا فيه تسبيح وتحميد لم تجزئه وأعاد صلاته. فصل -5 - : [حكم من نسى تكبيرة الافتتاح]: قال مالك: وإذا ذكر مأموم أنه نسي تكبيرة الافتتاح فإن كان كبر للركوع، ونوى بها تكبيرة الإحرام أجزأه، فإن كبرها، ولم ينو بها تكبيرة الإحرام تمادى مع الإمام، وأعاد صلاته احتياطًا، لأنها لا تجزئه عند ربيعة، وتجزئه عند ابن المسيب. فوجه قول ابن المسيب: فلأن الإحرام قول، فوجب أن يحمله الإمام، أصله قراءة أم القرآن؛ ولأن الأقوال أخف من الأفعال. ووجه قول ربيعة: فلأن الإحرام فرض كالركوع والسجود والسلام فلم يجز أن يحمل ذلك عنه الإمام. والفرق بين الإحرام وبين قراءة أم القرآن أن الأصل أن لا يحمل الإمام عن المأموم فرضًا، فخصت السنة أن يحمل الإمام قراءة أم القرآن، وبقى ما سواها من فرائض الصلاة على أصله. ووجه قول مالك أنها تجزئه إذا نوى بتكبيرة الركوع الإحرام: فللخروج من الخلاف/. وقيل: إن سعيدًا وابن شهاب يقولان: إن تكبيرة الإحرام سنة، فلذلك حملها الإمام، وليس ذلك بصحيح، ولو كانت سنة لاستوى في نسيانها

الإمام والفذ والمأموم، ولم يبطل نسيانها على أحد منهم صلاته. وإنما يصح ذلك لو كبر للركوع فى حال قيامه، وأما لو كبر ذاكرًا، وهو راكع فلا تجزئه تلكم الركعة، نوى بتكبيرة الركوع الإحرام أم لا؛ لن قيامه الأول كان في غير صلاة عند ربيعة، وفرض المأموم من القيام قدر تكبيرة الإحرام، فقد أسقطه، ودخل الصلاة بالركوع. قال ابن المواز: وإن ذكر، وهو راكع، ولم يكن كبر لركعته فليتم، ويحرم، وإن كبر راكعًا فليقض ركعة بعد سلام الإمام؛ لأنه ترك أن يكبر للإحرام قائمًا عامدًا، وإنما يجزئ فيها تكبيرة الركوع عند سعيد إذا تركها ساهيًا، فوجب أن يقضى تلك الركعة باتفاق. قال ابن المواز: وإن كان إنما ذكر بعد أن كبر لركعته تمادى، وأعاد. قال مالك في المجموعة: إذا كبر لركعته فإن طمع إذا رفع رأسه أن يكبر، ويطمئن راكعًا قبل رفع الإمام رأسه / فعل، وأجزأه. قال أبو محمد: يريد إذا قطع بسلام. محمد: واستحب ابن القاسم أن يتمادى ويعيد، واستحب أصبغ قول مالك. قال محمد: وقول ابن القاسم أصوب؛ لأنها ركعة تجزئه في قول سعيد،

فإن جعلته يأتي بأخرى صارت في صلاته حمس ركعات على التأويل. وقال ابن ميسر: أحب إلىّ أن يقطع بسلام، ويرفع، ويحرم، ويدرك الركعة، وهو معنى قول مالك إن شاء الله، وكذلك تأويله أبو محمد. ابن وهب عن مالك: أنه سئل إذا لم يكبر المأموم تكبيرة الإحرام، ولا تكبيرة الركوع، قال: أرجو أن يجزئ عنه إحرام الإمام، وتصل عندي الاحتياط في إعادة الصلاة، وروى أشهب مثله. ومن المدونة قال: وإن ذكر قبل أن يركع قطع بغير سلام، وأحرم، وكذلك إن لم يكبر للإحرام ولا للركوع حتى ركع الإمام ورفع، ثم ذكر فليبتد التكبير، ويكون الآن داخلاً في الصلاة، ويقضي ركعة بعد سلام الإمام. ابن حبيب: ويقطع بغير سلام. ومن ظن أن الإمام كبر فكبر، ثم كبر الإمام بعده فإنه يكبر بعد تكبيرة الإمام، ويكون قطعه بغير سلام، وقال سحنون: بل يقطع بسلام. فوجه قوله: يقطع بغير سلام: فلأن تكبيره قبل الإمام كلا شيء، فهو كمن لم يكبر فهو في غير صلاة.

ووجه قول سحنون: فلأنه قد كبر تكبيرة نوى بها الدخول في الصلاة، وهي تجزئه عند من يقول: إن كل مصل مصلٍ لنفسه فوجب أن لا يقطع إلا بسلام، ويخرج من الخلاف. قال مالك: فإن لم يكبر حتى ركع مع الإمام وكبر لركوعه فليتماد معه، ويعيد الصلاة. م لمن نسي تكبيرة الإحرام وكبر للركوع. وقال ابن حبيب: وإن نسي المأموم تكبيرة الإحرام يوم الجمعة، أو أحرم قبل إمامه فذكر بعد ركعة فليقطع بسلام، ثم يحرم، وذلك لحرمة الجمعة، بخلاف غيرها، ثم يقضي ركعة، وقاله مالك. م وقيل عن ابن القاسم: إن الجمعة وغيرها سواء. ووجه هذا فلأنها تصح له جمعة على قول سعيد فلا يبطلها. ومن المدونة قال مالك: وإن ذكر الفذ تكبيرة الإحرام، فليقطع ويبتدئ متى ما ذكر قبل ركعة أو بعدها نوى بتكبيرة الركوع الإحرام أم لا. وقال مالك في المجموعة: يقطع إذا ركع بسلام.

وقال سحنون: يعيد بغير سلام. وجه قول مالك: فلأنه كبر لركوعه، وهى تكبيرة تجزئ المأموم عن تكبيرة الإحرام على قول ابن المسيب، فرأى أن يقطع هذا فيها بسلام /. ووجه قول سحنون: فلأنه لم يحرم للصلاة، ولا دخل فيها، فقيامه وقراءته وركوعه في غير صلاة فوجب أن يقطع بغير سلام، وهذا أبين. ومن المدونة قال مالك: وكذلك إن نسي الإمام تكبيرة الإحرام، وكبرها من خلفه، ثم كبر الإمام للركوع، ونوى بها تكبيرة الإحرام أم لا، وصلى بهم حتى فرغوا من صلاتهم لم يجزئهم، وأعاد هو ومن خلفه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التحريم التكبير" ولا ينبغي لرجل أن يبتدئ الصلاة بالركوع قبل القيام، وذلك يجزئ من كان خلف الإمام؛ لأن قراءة الإمام وفعله تحتسب لهذا؛ لأنه أدرك معه الركعة فحمل عنه الإمام ما مضى إذا نوى بتكبيرته الافتتاح. قال ابن حبيب: وإن ذكر وهو في الصلاة فليقطع متى ذكر ويقول للناس: إني نسيت تكبيرة الإحرام، ثم يحرم، ويحرمون بعده بعد أن يقطعوا بسلام أو بكلام.

قال ابن المواز: وإن شك الفذ في تكبيرة الإحرام / فقال عبد الملك: تتم صلاته، ولا يعيد، ولا يخرج من صلاة لعلها له تامة قبل تمامها، بخلاف الموقن بإسقاطها، وهو أحب إلي. وقال سحنون في كتاب ابنه: يتمادى في صلاته فإذا سلم وسلموا سألهم فإن أيقنوا بإحرامه فلا شيء عليه، وإن شكوا أعاد وأعادوا، وإن شك في الوضوء استخلف ولم يتمادى. والفرق: أنه لو أتم الصلاة ثم ذكر أنه لم يحرم أعاد وأعادوا، ولو ذكر أنه غير متوض أعاد ولم يعيدوا وجاء في المجموعة: أنهما سواء. قال ابن القاسم: ذلك سواء، ويقطع في الشك واليقين، ويبتدئ الصلاة، وهو أحب إليّ. قال ابن المواز: كل سهو أو عمد يحمله الإمام عن المأموم، وإن كان التكبير كله، إلا تكبيرة الإحرام أو ركعة أو سجدة أو السلام، وقد أساء في

تعمده - يريد - ولا يدخل في الجلسة الأخيرة في هذا. قال ابن حبيب: ومن دخل في أول صلاة الإمام فذكر بعد ركوعه أنه لم يحرم، وقد كبر للركوع، فجهل أن يتمادى في صلاته وأحرم وصلى مع الإمام بقية صلاته فليبتد صلاته، ولا يجزئه قضاء ركعة، وليس يقطع ما كان فيه بالإحرام والنية، ولا يخرج منه إلا بسلام، وكذلك لو ذكر بعد ركعة أن عليه ثوبًا نجسًا فنزعه، ثم أحرم ولم يقطع بسلام أو كلام، فلا صلاة له، وعليه ابتداؤها حتى يخرج مما كان عمل بسلام أو كلام، وقاله ابن الماجشون وأصبغ. وقال ابن حبيب: ومن أحرم هو والإمام معًا أو سلما معًا، فخففه ابن عبد الحكم. وقال أصبغ: يعيد أبدًا، وبه أقول.

[باب-5 -] جامع القول في القراءة والسهو عنها

[باب-5 -] جامع القول في القراءة والسهو عنها [فصل-1 - في القراءة في الصلاة] روى أن الرسول عليه السلام قال: ((لا صلاة لمن يقرأ بأم القرآن)). وروى من حديث جابر أنه قال: ((كل ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصلها إلا وراء إمام)) والصحيح أنه موقوف على جابر؟ م وقال أبو حنيفة: ما قرأ من القرآن أجزأه. ودليلنا عليه ما ذكرناه. ومن المدونة وافتتح صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم الصلاة بالحمد لله رب العالمين. قال مالك: وهو الأمر عندنا. قال مالك: ولا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في الفريضة سراً ولا جهراً، إمام أو غيره، وهي السنة، وعليه أدركت الناس، وأما في النافلة فواسع

إن شاء قرأ، وإن شاء ترك. قال أبو محمد عبد الوهاب: وقال الشافعي: هي من الحمد لله، ولا تجزئ الصلاة إلا بها. ودليلنا: أنها لو كانت من الحمد لكان النبي صلى الله عليه وسلم يبين ذلك بياناً مستفيضاً على عادته في بيان القرآن، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل)). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول العبد: (الحمد لله رب العالمين)، يقول الله تعالى: حمدني عبدي، يقول العبد: (الرحمن الرحيم)، يقول الله: أثنى علي عبدي، ويقول العبد: (مالك يوم الدين) يقول الله: مجدني عبدي، ويقول العبد: (إياك نعبد وإياك نستعين)، فهذه الآية بيني بين عبدي، ولعبدي ما سأل يقول العبد/:) إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين/ أنعمت عليهم

غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فهؤلاء لعبدي ما سأل ففي هذا الخبر دليلان: أحدهما أنه بين [كيفية] قسمة السورة وبدأ بالحمد بالآيات، وفي إثبات التسمية إبطال هذا المعنى. وفي حديث أبي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا تخرج من المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل الله في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في القرآن مثلها، ثم قال له: كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟ قال: فقرأت الحمدلله رب العالمين إلى آخرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي هذه السورة، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت. ففي هذا الخبر أدلة: أحدها: أنه قال: كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟ قال: فقرأت (الحمدلله رب العالمين)، ولم يذكر بسم الله. والثاني: قوله: هي هذه السورة.

والثالث: قوله: هي السبع المثاني؛ لأن الحمد لله سبع آيات. وفي حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان وعلياً رضي الله عنهم كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، وفي خبر آخر كانوا لا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم. ومن المدونة قال مالك: ولا يتعوذ في المكتوبة قبل القراءة؛ لما روى أنه كان صلى الله عليه وسلم وأصحابه يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين. قال مالك: يتعوذ في قيام رمضان إذا قرأ، ولم يزل القراء يتعوذون في رمضان إذا قاموا، قال ومن قرأ في غير صلاة تعوذ قبل القراءة إن شاء. قال سليمان: والتعوذ، أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم بسم الله الرحمن الرحيم. فصل-2 - [في حد القراءة ما يسر فيه. وما يجهر] قال مالك: ويسمع الرجل نفسه في صلاة الجهر وفوق ذلك قليلاً. قال مالك في الموطأ: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يجهر بالقراءة في الصلاة، وأن قرائته كانت تسمع عند دار أبي جهم بالبلاط.

قال مالك في المدونة: والمرأة دون الرجل في الجهر بذلك ولتسمع نفسها، وليس شأن النساء الجهر، إلا الشيء الخفيف، في التلبية وغيرها. وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم بفعله حد القراءة ما يسر فيه، وما يجهر، وهذا مما تلقته الأمة بالعمل. قال مالك: ولا تجزئ اقراءة في الصلاة حتى يحرك بها لسانه. قال: وليس العمل على القراءة في آخر ركعة من المغرب بعد أم القرآن بـ (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا). م يريد وإن كان قد ثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يفعله، ولكن لم يصحبه العمل. قال مالك: ولا على قول عمر حين ترك القراءة، فقالوا له: إنك لم تقرأ، فقال: كيف كان الركوع والسجود؟ قالوا: حسناً، قال: فلا بأس إذا. قال مالك: ويعيد تاركها أبداً.

وروى وكيع عن عمر أنه أعاد. قال ابن حبيب: وأمر الناس بالإعادة. وفي العتبية قال مالك: هذا الذي يذكر الناس عن عمر في ترك القراءة باطل لم يكن هذا أصلاً. فصل-3 - [في من ترك القراءة ساهياً] قال مالك: ومن ترك القراءة في ركعة من الصبح، أن في ركعتين فأكثر من سائر/ الصلوات أعاد الصلاة، وإن تركها في ركعة من غير الصبح يريد من صلاة حضر فقد استحب مالك في خاصة نفسه أن يعيد الصلاة، يريد بعد أن يصلحها بسجود السهو قبل السلام، وكان يقول أيضاً زماناً: يلغي تلك الركعة على حديث جابر ((كل ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن لم يصلها إلا وراء إمام))، ثم قال مالك آخر مرة: أرجو أن تجزئه سجدتا السهو قبل السلام، وما ذلك بالبين. قال ابن القاسم: وقله الأول فيما رأيت أعجب إلى، وهو رأيي. قال ابن المواز: الذي استحب ابن القاسم وأشهب أنه يسجد قبل السلام، ويعيد الصلاة، وكان عندهما إعادة الركعة الواحدة أبعد أقاويل مالك. وقال سحنون: قل ابن القاسم هو رأيي. وقول مالك الآخر: أنه يسجد

لسهوه، هو جل قول أصحابنا. ونقل أبو محمد أن رأى ابن القاسم أن يلغي الركعة على حديث جابر، ينبغي في سجود السهو على قوله: يلغي الركعة على حديث جابر أن ينظر، فإن أسقط القراءة من الأولى أو الثانية فذكر قبل عقد الثالثة قبل القراءة فليقرأ بأم القرآن وسورة ويركع ويسجد ويجلس، ويجعلها ثانية، ويتم بقية صلاته، ويسجد بعد السلام، لأنه زاد جلوساً، في غير موضعه،/ ونقص السورة التى مع أم القرآن من الثالثة التى صارت ثانية، وإن كان إنما ترك القراءة من إحدى الركعتين الآخرتين فسجوده بعد السلام؛ لأنه قد أتى في الأولتين بالقراءة والجلوس في موضعه فزاد الركعة التي ألغى، وإذا ترك القراءة من ركعة، مما ذكرنا، فذكر قبل أن يركع، فيقرأ أم القرأن، ويعيد السورة على الأقاويل كلها. واختلف هل عليه سجود السهو أم لا؟ وإن ذكر وهو راكع فيها أو بعد تمامها فعلى قوله يلغي تلك الركعة يرجع فيستقبل القراءة، ويبني على بقية صلاته، يسجد بعد السلام، وعلى قوله يعيد الصلاة، وبينى بعد تمامها

فذكر في الأولى قبل أن يركع، قال في كتاب محمد: فليقرأ أم القرآن ويعيد السورة، فإن لم يذكر إلا وهو راكع، وقد كبر لركعته أو رفع رأسه منها ولم يسجد قطع بسلام، يبتدئ الصلاة بإقامة، وإن هو لم يذكر حتى أتمها بسجدتيها أضاف إليها أخرى وسلم وسجد سجدتي السهو قبل سلامه، قاله ابن القاسم. ولا امره إن ذكر وهو راكع أن يرفع ويقرأ بعد أن أمكن يديه من ركبتيه وكبر؛ للاختلاف في ترك القراءة، فإن جل الناس يجيزونها، فيقطع أحب إلى من أن أجعله يصلي على هذه أربع ركعات أخرى، وأخاف أن يكون قد ركع في صلاته خمس ركعات فأجعله يبني عليها ثلاث ركعات ولعلها لا تجزئه. قال ابن القاسم: وإن ذكر وهو في الثالثة وركع لها ولم يستتمها رجع فلم من اثنتين وجعلها نافلة، وسجد سجدتي السهو ويسلم، وإن لم يذكر حتى استتم الثالثة رايت أن يتمها أربعاً ويسجد سجدتى السهو، ويسلم، ويعيد صلاته أحب إلي

قال أصبغ: ولا أرى له أن يقطع إن ذكر وهو راكع في أول ركعة، ولا إذا أتمها ركعتين، ولكنه يمضي على صلاته فيتمها، ويسجد لسهوه قبل السلام، وإن أعاد فجائز، وإن لم يعد فجائز. قال محمد/: وهذا هو الصواب. قال أصبغ: وقاله أشهب. م وعلى هذا قول مالك أرجو أن تجزأه سجدتا السهو قبل السلام. ومن الواضحة: وإن نسي أم القرأن من ركعة من صلاة الصبح، أو الجمعة، أو من صلاة سفر، أو نسيها من ركعتين من سائر الصلوات فذكر ذك، في آخر صلاته، فإنه يسجد لسهوه قبل السلام، ويعيد الصلاة. ورواه مطرف وابن القاسم عن مالك. وقال أصبغ وابن عبد الحكم في تاركها من ركعة من الصبح أو من ركعتين من الظهر أنه يلغي ذلك، ويبني على ما صح، ويسجد بعد السلام. وقال ابن الماجشون: تجزئه سجدتا السهو إذا تركها من ركعة من الصبح، أو الجمعة، أو غيرها من الصلوات. قال في كتاب محمد: وإنما رأينا عليه الإعادة احتياطاً، وهو أحب إلينا. قال ابن المواز: وإنما اختلفوا لاختلاف قول مالك، وإنما اختلف قول مالك؛ لاختلاف من مضى، وقد روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما: أنهما أجازا

الصلاة بغير قراءة إذا تركها ناسياً، وقاله غيرهم من أهل العلم. قال علي رضي الله عنه: ولو كانت عليه الإعادة ما كان للذي لا يحسن القراءة صلاة. ومن المدونة قال مالك: من نسي أم القرآن حتى قرأ السورة، فليبتد أم القرآن، ويعيد السورة. قال مالك في المجموعة: ولا سجود سهو عليه. وقال مرة: يسجد بعد. السلام، وهو مذهب المدونة. دليله: قوله في صلاة العيدين من قدم القراءة على التكبير، فرجع وكبر وقرأ أنه يسجد بعد السلام. قال سحنون: يسجد لطول القيام لا لقراءته، قال: ولو لم يقرا إلا يسيراً لم يكن عليه سجود وكذلك مسألتنا. م والصواب أن لا سجود عليه؛ لأنه إنما زاد قرأناً. قال عيسي عن ابن القاسم: ولو أنه شك في قراءة أم القرأن بعد ان قرأ السورة فليقرأها، ويعيد السورة، ولا سجود عليه. وروى علي عن مالك أنه ليس عليه إعادة السورة. قال عيسى عن ابن القاسم: وإذا قرأ أم القرأن سراً في صلاة الصبح، ثم

ذكرها أعادها جهراً، ويسجد بعد السلام. ابن المواز: وقال اصبغ: لا سجود عليه، وإن سجد فحسن. ومن المدونة قال مالك: ولا يقضي ما نسي من القراءة لركعة في ركعة أخرى. قال: ومن نسي السورة التي مع أم القرآن في الركعة الأولى أو في الأوليين سجد لسهوه قبل السلام، قال: وإن تعمد ذلك فلا إعادة عليه، وليستغفر الله ولا يسجد؛ لأنه لم يسه. وقال علي وسحنون: لا تجزئه صلاته. فوجه قول ابن القاسم: قوله صلى الله عليه وسلم ((كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن)) الحديث. فدل أن ما عداها بخلافها؛ ولأنه إنما ترك سنة، كقول مالك إذا تعمد ترك الإقامة. ووجه قول سحنون: ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لا تجزئ صلاة لا قرأ فيها بأم القرأن وشئ معها. ولأنه عابث في صلاته فوجب أن لا تجزئه. قال مالك: ولو قرأ في الركعتين الأخيرتين بأم القرأن وسورة في كل ركعة

سهواً فلا سجود عليه؛ لأنه إنما زاد قرآنا، كما لو قرأ سورتين أو ثلاثاً في ركعة مع أم القرآن في الأوليين. وقد كان ابن عمر إذا صلى وحده يقرأ في الأربع جميعاً في كل ركعة بأم القرآن وسورة، وكان أحياناً يقرأ/ بأم القرآن، ويقرأ معها بالسورتين والثلاث في الركعة الواحدة. خرجه البخاري ومالك في الموطأ. قال مالك: وأطول الصلوات قراءة الصبح والظهر. قال غيره: ويخففها في العصر والمغرب، ويوسطها في العشاء أطول منها. قال أشهب: فيما بين طول هاتين- يعني الصبح والظهر- إلى قصر هاتين - العصر والمغرب- وهذا في العشاء، وهذا مما تلقته المة بالقبول. قال أشهب في الظهر: نحو الصبح. وقال يحيي: الصبح أطول. ومن المدونة قال مالك: وواسع أن يخفف قراءة الصبح في السفر بسبح ونحوها، والأكرياء يعجلون الناس.

وروى مالك في الموطأ أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قرأ في الصبح بسورة البقرة في الركعتين كلتيهما، وأن عمر بن الخطاب قرأ فيهما بسورة يوسف وسورة الحج، وأن عثمان بن عفان قرأ فيهما بسورة يوسف، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه كثيراً ما يقرأها فيها، وكان ابن عمر يقرأ فيها في السفر بالعشر السور الأول من المفصل في كل ركعة بسورة. وروى مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالطور في المغرب. وروى أنه قرأ فيها بالمرسلات عرفاً آخر ما صلاها بالناس. وروى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قرأ فيها في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة من قصار المفصل، وقرأ في الثالثة بأم القرآن وبـ (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا- إلى قوله- إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) وسمع رجل رجلا يقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ)، يرددها، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الرجل يتقالها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذى نفسي بيده إنها لتعدل ثلث

القرآن)) وقال أبو هريرة: أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع رجلا يقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وجبت، فسألته ماذا؟ فقال: الجنة، فأتيت الرجل لأبشره فوجدته قد انصرف.

[باب-6 -] في القراءة خلف الإمام. وما يفعل من فرغ من السورة قبل الإمام وتعايي الإمام

[باب-6 -] في القراءة خلف الإمام. وما يفعل من فرغ من السورة قبل الإمام وتعايي الإمام [فصل-1 - في القراءة خلف الإمام] قال ابن حبيب: اختلف السلف في القراءة خلف الإمام فيما يسر فيه، فذهب سبعة من الصحابة، وسته من التابعين، وأصحاب ابن مسعود إلى ترك القراءة معه فيما يسر فيه وما يجهر فيه، وذهب ستة من التابعين، والليث، وعبد العزيز ومالك وأصحابه إلى القراءة معه فيما يسر فيه، إلا ابن وهب ومحمد بن المواز وأشهب فلم يقرأوا معه فيما يسر فيه. وإنما اختلف السلف في ذلك لما جاء عن النبي الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فالذين تركوا القراءة؛ لحديث جابر الذي قال فيه: ((كل ركعة لم يقرأ فيها بأم القرأن فللم يصلها إلا وراء إمام)) فعم.

ووجه قول الذين قرأوا فيما يسر فيه؛ فلحديث أبي هريرة أن الرسول عليه السلام انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: هل قرأ أحد منكم معي؟ فقال رجل: نعم أنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أقول: ما لي أنازع القرآن، قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يجهر فيه/. وروي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، فهي خداج غي تمام)). م فهو على عمومه. قال أبو السائب: فقلت: يا أبا هريرة إني أحياناً أكون وراء الإمام، فقال: اقرأها يا فارسي في نفسك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم/ يقول: قال

الله تعالى: ((قسمت الصلاة بينى وبين عبدي نصفين، فنصفها لي، ونصفها لعبدى، ولعبدي ما سأل)) فذكر الحديث في قراءة أم القرآن. فصل-2 - : [ما يفعل من فرغ من السورة قبل الإمام] ومن العتبية قال مالك: فإذا فرغ من السورة قبل الإمام فليقرأ غيرها، وقال في المختصر: إن شاء قرأ، ولإن شاء دعا، وإن شاء ترك. وإذا لم يفرغ من السورة، ولا من الآية حتى ركع الإمام فليركع معه، ولا يتمها، وإذا قام في الثانية ابتدأ سورة أخرى أحب إلينا. قال مالك: وإذا تعايا الإمام فله أن يتفكر تفكراً حفيفاً، فإن ذكر، وإلا خطرف ذلك، وابتدأ سورة أخرى، وإذا أخطأ فلقن فلم يتلقن فواسع أن يركع، أو يقرأ غيرها. ابن حبيب: ولا ينبغى أن يلقن الإمام، فإن تعايا وخرج من سورة إلى سورة أخرى فلا يقف حتى ينتظر التلقين، قاله مالك.

ومن كتاب ابن سحنون: وعن إمام أحصر عن القراءة في الثانية قال: إن خاف أن لا يقدر على تمام الصلاة بهم لحصره فليستخلف، ويقهقر إلى الصف، فيصلي خلف الإمام الذى تقدم، وكذلك لو ضعف عن القراءة. فصل-3 - : [التأمين في الصلاة] قال مالك: وإذا فرغ الإمام من قراءة أم القرآن فلا يقل: أمين، وليقل ذلك من خلفه ويخفيها من خلف الإمام، ومن صلى وحده، فليقل إذا قال: (ولا الضالين): آمين، ويقولها الإمام فيما يسر فيه، ولم يختلف في قول المأموم والمنفرد لها. ووجه ذلك قوله عليه السلام: ((إذا قال الإمام: ولا الضالين فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)). وللفذ قوله عيه السلام: ((إذا قال أحدكم: آمين، قالت الملائكة في السماء: آمين، فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه)). واختلف في قول الإمام لها، فوجه قوله لها قوله عليه السلام: ((إذا

أمن الإمام فأمنوا))؛ ولأنه مصل كالفذ والمأموم. ووجه قوله: "لا يأمن" وهو الظاهر قوله عليه السلام: ((إذا قال الإمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين)) فقد بين ما يقول وما يقولون؛ ولأن الإمام داع والمأموم مأمن، وسبيل الدعاء أن يكون المؤمن غير الداعي. [فصل-4 -] في رفع اليدين في الإحرام والتكبير وغيره. روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع من الركوع رفعهما كذلك، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السجود. قال نافع: كان ابن عمر إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه،

وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما دون ذلك. وفي غير الموطأ روى ابن عمر ((أن الرسول عليه السلام كان يرفع يديه/ حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة)). وروى ابن مسعود والبراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، ثم لا يرفعهما حتى ينصرف، وفعله علي بن أبي طالب وأبو هريرة. وروى مالك في موضع آخر عن نافع ابن عمر ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع

يديه حذو صدره)). قال أشهب: ورأيت ملاكاً يرفع يديه حذو صدره. ومن المدونة قال مالك رحمه الله: لا أعرف رفع اليدين في شئ من تكبير الصلاة، لا في خفض ولا في رفع، إلا افتتاح الصلاة. م أى: لم يعرف العمل به. قال مالك: والمرأة في رفع اليدين كالرجل، وضعف مالك رفع اليدين عند الجمرتين، وفى استلام الحجر، وبعرفات، والموقف، وبين الصفا والمروة، وفي المشعر، والاستسقاء، ومن رفع, جعل بطونهما إلى الأرض. وقد رئي مالك رافعاً يديه في الاستسقاء حين عزم عليه الإمام، وجعل بطونهما مما يلى الأرض، وقال: إن كان الرفع فهكذا. قال ابن القاسم: يريد في الاستسقاء، وفي مواضع الدعاء، وعرفة، والجمرتين، والمشعر. قال في الواضحة: وهو في العمل عندنا بالاستكانة والخوف والتضرع،

وهو الرهب، أما عند الرغبة والمسألة فبسط الأيدي، وهو الرغبة، وهو معنى قول الله سبحانه: (َيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً) أي: خوفاً وطمعاً. وروي أن النبي/ صلى الله عليه وسلم رفع يديه في الاستسقاء، وفعله عمر رضي الله عنه. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن مرّ بالركن فلم يستطع أن يستلمه كبّر ومضى ولم يرفع يديه. وروي عن أشهب في سماعه قال: يرفع الإمام يديه إذا ركع هو ومن خلفه، وفيه سعة، وليس بلازم، وروى مثله ابن وهب إذا ركع وإذا رفع. قال أبو محمد عبد الوهاب: وفي رفعهما عند الركوع والرفع منه روايتان: فوجه الرفع ما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند الافتتاح، وحين يركع، وحين يرفع رأسه من الركوع. ووجه الأخرى: أنه كان عليه السلام يرفع يديه مرة واحدة، ثم لا يعود لرفعهما بعد.

[باب -7 -] في الدب في الركوع والنعاس والغفلة عنه

[باب -7 -] في الدب في الركوع والنعاس والغفلة عنه [فصل-1 - في الدب في الركوع] روى ابن وهب أن زيد بن ثابت دخل المسجد والإمام راكع فمشى إليه حتى قرب من الصف فركع، ثم دب راكعاً حتى وصل إلى الصف، وقاله ابن مسعود وغيره. م ورواه مالك عن زيد بن ثابت وابن مسعود في الموطأ. قال مالك في المدونة في من جاء والإمام راكع فخشي رفع رأسه: فليركع بقرب الصف وحيث يطمع إذا دب راكعاً وصله إليه، كالصفين والثلاثة، وإن لم يرج ذلك أحرم حيث أمكنه. قال ابن القاسم: وكذلك يفعل في صلاة العيدين والخسوف والاستسقاء وغيره. قال ابن القاسم عن مالك في المجموعة: وحد إدراك الركعة مع الإمام أن يحرم قائماً ويمكن يديه من ركبتيه قبل رفع الإمام رأسه. ومن العتبية قال أشهب عن مالك: لا يحرم الداخل حتى يصل إلى الصف، وذلك أحب إلى إن وجد الإمام راكعاً؛ لقول الله تعالى: (وَقُومُوا لِلَّهِ

قَانِتِينَ)، وهذا يمشي. قال: فإن ركع منه في بعد يجوز له فلا يمشي إلى الصف فيما بين الركوع والسجوود، ولكن حتى/ يرفع من السجود. قال: ومن لم يدرأ ركع قبل رفع الإمام رأسه أم بعده، فلا يعتد بتلك الركعة، وترك الركوع معه في هذه الحال أحبّ إلى، إذا خاف أن يعجله أو إن يشك في ذلك. م يريد ويقطع بسلام، ثم يدخل مع الإمام في هذا القول. قال ابن الماجشون في المجموعة: إذا شك أن يكون أدرك الركعة معه فليتماد معه، ويعيد. م وهذا أصوب، لأنه إن ألغى تلك الركعة خاف أن يكون قد تمت له، وإن اعتد بها خاف أن يكن لم يدركها. فصل-2 - [في النعاس في الصلاة] ومن المدونة قال ابن القاسم: الذى أرى وآخذ به في خاصة نفسي في من

نعس خلف الإمام في الركعة الأولى أن لا يعتد بها، ولا يتبع الإمام فيها وإن أدركه قبل أن يرفع الإمام رأسه من سجودها، ولكن يسجد مع الإمام، ويقضيها بعد سلام الإمام. وإن نعس بعد عقد الأولى في ثانية أو ثالثة أو رابعة اتبع الإمام ما لم يرفع رأسه من سجودها. [فصل -3 - في الغفلة في الصلاة] ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في منها سها أو اشتغل أو غفل حتى ركع الإمام وسجد قال: قد قال مالك: في هذا ثلاثة أقاويل: أحدها: يتبعه ما لم يرفع رأسه من ركوع التي تليها. والثاني: أنه يتبعه ما لم يرفع رأسه من سجود التي غفل فيها. والثالث: فرق بين الأولى والثانية، فقال: إن كانت الأولى، فلا يتبعه رأساً، وإن كانت غيرها، فليتبعه ما طمع أن يدركه في سجودها، وليس فيها قول أبين من هذا. قال ابن القاسم: والزحام، والغفلة، والنعاس في الأولى سواء لا يتبعه وإن أدركه في سجودها، ولكن يسجد معه، ويكون كالداخل في الصلاة، وقاله ابن وهب وأشهب.

قال ابن القاسم: وإن عقد معه الأولى بسجدتيها ونابه ذلك في الثانية فليتبعه ما رجل أن يدركه في السجود إلا في الزحام، فإن الأولى وغيرها سواء لا يتبعه فيها، وقال ابن وهب وأشهب الغفلة والنعاس والزحام سواء يركع ويتبعه ما طمع أن يدركه في السجود. م فوجه الرواية الأولى: فلأنه عقد معه ركنا من الصلاة، وهو الإحرام، وهو أمر يبنى عليه، وقد نزل به أمر لم يتعمده ولم يطق أن يرفعه، فراى أن يتبعه في تلك الركعة ما لم يحل بينه وبين ذلك ركعة أخرى، فإذا خاف أن يعقد عليه أخرى فاتباعه في هذه الثانية أولى. ووجه الثانية: أنه رأى أن لا يتبعه في ركعة قد فرغ منها، وإنما يتبعه فيما نام أو غفل عنه، فإذا خرج عنه/ فقد فات موضع اتباعه، وهذا كله استحسان. والقياس أن لا يتبعه، إلا أن يعقد معه ركعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أدرك من الصلاة ركعة قد أدركها)). وقال: ((من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة))، فإدراكه الركعة أقوى من أدراكه الإحرام؛ لأنه يدرك بالركعة فضل الجماعة والجمعة ووقت الصلاة الضروري، ولا يدرك ذلك بالإحرام فافترقا.

ووجه تفرقة ابن القاسم بين الزحام وغيره: فلأن الزحام فعل آدمي، وكان يمكنه الاحتراز منه، والنوم والغفلة أمر غالب من الله تعالى لا يقدر على الاحتراز منه. م والقياس أن ذلك كله سواء، وفي/ هذه المسألة ثلاثة أسئلة: فالأول: إن نعس بعد الإحرام وقبل الركوع، فهي مسألة الخلاف. والثاني، إن نعس بعد رفع رأسه من الركوع وقبل السجود فيها فهذا يتبع الإمام فيها ما لم يرفع رأسه من الركعة التي تليها، كما قال مالك في مسألة الجمعة إذا زوحم عن السجود بعد عقد الركعة أنه يتبعه ما لم يرفع رأسه من الركعة التي تليها والثالث: إن نعس بعد إمكان يديه من ركبتيه وقبل رفع رأسه فعلى قول من قال: عقد الركعة إمكان اليدين من الركبتين فهو كمن نعس بعد الركوع وقبل الركوع، وهذا بين.

[باب-8 -] في الركوع والسجود والجلوس وما يتصل بذلك من تكبير وتسبيح ودعاء وذكر الإقعاء والاتكاء والاعتماد ووضع اليد على اليد وغير ذلك

[باب-8 -] في الركوع والسجود والجلوس وما يتصل بذلك من تكبير وتسبيح ودعاء وذكر الإقعاء والاتكاء والاعتماد ووضع اليد على اليد وغير ذلك. [فصل-1 - في هيئة الركوع والسجود. وما يقال فيهما] وبين الرسول صلى الله عليه وسلم بفعله هيئة الركوع والسجود والجلوس والتكبير، وغير ذلك من أعمال الصلاة، وهذا مما تلقته الأمة بالعمل. قال مالك رحمه الله: وإذا أمكن يديه من ركبتيه في الركوع وإن لم يسبح، أو أمكن جبهته من الأرض في السجود مطمئنا فقد تم ذلك، وقال: إلى هذا تمام الركوع والسجود. قال بعض البغداديين: إنما قال ذلك؛ لأن الاعتدال والطمأنينة فيهما واجب، خلافاً لأبي حنيفة. دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: ((اعتدلوا في السجود)). وقوله: ((اركع حتى تطمئن راكعاً واسجد حتى تطمئن ساجداً)). وكذلك كان يفعل صلى الله عليه وسلم وقال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)). والتسبيح في الركوع والسجود غير واجب، خلافاً

لأحمد وداود؛ لقوله عليه السلام: ((ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع))، ولم يقل: ((فسبح)) وقال: ((ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم اجلس)) ولم يأمره بتسبيح، وفي آخر الخبر ((فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك))، وهذا موضع تعليم. ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك: ومن ركع ولم يضع يديه على ركبتيه فرفع شيئاً أو نزل شيئاً فذلك يجزئه. وقال سحنون في من لا يرفع يديه من السجود: قال بعض الناس: لا يجزئه؛ لما جاء ((أن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه))، وخفف ذلك بعضهم. ومن المدونة قال: وكره مالك أن ينكس رأسه في الركوع أو يرفعه، وأحسنه

الاعتدال م لقوله عليه السلام: ((اعتدلوا)) قال ابن حبيب: وروي ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لو صب على ظهره ماء في الركوع لاستقر)). ومن المدونة قال مالك: ويضع بصره في الصلاة أما قبلته. قال ابن القاسم في العتبية: فإن رفع رأسه من الركوع فلم يعتدل قائماً حتى رفع أو سجد أو رفع رأسه من سجده فلم يعتدل جالساً حتى سجد، قال: تجزئه صلاته، ويستغفر الله، ولا يعود. ابن شعبان وقال أشهب: لا تجزئه/ صلاته. قال أبو إسحاق: وهذا أصح؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لاتجزئ صلاة لا

نيم فيها صلبه في الركوع والسجود)). ومن العتبية قال ابن القاسم: ومن خر من ركوعه ساجداً ولم يرفع، فلا يعتد بتلك الركعة، واستحب مالك أن يتمادى، ويعيد. قال سحنون: وروى علي عن مالك أنه لا يعيد. قال ابن المواز: إن فعله سهواً فليرجع منحنياً إلى ركعته، ولا يرجع قائماً فإن فعل أعاد صلاته، وإن رجع محدودباً- يريد- ثم رفع رأسه سجد بعد سلام، وأجزاته صلاته. وإن كان مأموماً حمل عنه إمامه سجود السهو. ومن المدونة قال مالك: ويكبر في حال انحطاطه لركوع والسجود، يقول: سمع الله لمن حمده في حال رفع رأسه، وفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكبر في حال رفعه من السجود. وروى على بن أبي طالب وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري ((أن

الرسول عليه السلام كان يكبر كلما خفض ورفع، فلم تزل تلك صلاته حتى لقي. الله عز وجل. قال مالك: وإذا قام من الجلسة الأولى فلا يكبر حتى يستوى قائماً. ابن القاسم: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله يأمرهم أن يكبروا كلما خفضوا ورفعوا في الركوع والسجود/، إلا في القيام من الجلسة الأولى، فلا يكبروا حتى يستووا قائمين. قال أبو الحسن ابن القابسي: والفرق بين تكبير الخفض والرفع أنه يفعله في حال الخفض والرفع، وبين التكبير من الجلسة الأولى هو أن تكبير الخفض والرفع هو في مبتدأ تك الحال الذي يؤتى به فيها، وقد كبر الذي قعد في اثنتين حين رفع رأسه من السجود، وهى تكبيرة الرفع من السجود إلى الجلوس، والنهوض من الجلسة ليس هو من الركعة الثالثة، وأولها القيام، وإنما يكبر في أول القيام للركعة الثالثة، وهذا أحسن ما علل في ذلك. قال عن ابن حبيب: وكان يكبر في السجود أخفض من الركوع. ومن سماع ابن وهب: قال مالك: وأحب للمأموم أن لا يجهر بالتكبير وبربنا ولك الحمد، ولو جهر حتى سمع من يليه لم يكن به بأس، وأحب

إلي أن لا يجهر معه، إلا بالسلام جهراً يسمع من يليه. ومن المدونة قال مالك في قول الناس في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي السجود سبحان ربي الأعلى لا أعرفه، وأنكره، ولم يحد فيه حداً، ولا دعاء مؤقتاً، وكره الدعاء في الركوع، وأجازه في السجد، ولم يكره التسبيح في الركوع. وقال الرسول عليه السلام: ((أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجد فاجتهدوا فيه بالدعاء فقمن أن يستجاب لكم))، أي: حقيق أن يستجاب لكم. وروى أن أقرب ما يكن العبد من الله سبحانه إذا كان ساجداً، وهو من قوله تعالى: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ). والدعاء مكروه عند مالك في ثلاثة مواضع: في الركوع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أما الركوع فعظموا فيه الرب)). وبعد الإحرام وقبل القراءة؛ قوله عليه السلام للذي علمه الصلاة: ((كبر، ثم اقرأ))، وكذلك كان يفعل عليه السلام، وفي

الجلوس للتشهد قبل التشهد. ومن المدونة قال مالك: والسجود على الأنف والجبهة جميعاً، قال ابن القاسم: فإن سجد على الأنف دون الجبهة فإنه يعيد أبداً. قال عنه ابن حبيب: وإن سجد على الجبهة دون الأنف أجزأه. وقال ابن حبيب: لا تجزئه في الوجهين جميعاً حتى يمس الأرض بالأنف والجبهة. وعند أبي الفرج من سجد على الأنف أعاد في الوقت. وفي الحديث ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رئي على جبهته وأنفه أثر الماء والطين من السجود، وكان المسجد على عريش فوكف المسجد.

قال أبو محمد عبد الوهاب: فوجه قوله: من سجد على أنفه لم يجزئه؛ لقوله عليه السلام: «وليمكن جبهته من الأرض في سجوده»، وهو وجه قوله: إن سجد على جبهته دون أنفه أجزأه. وقال أبو محمد عبد الوهاب: إن سجد على الجبهة دون الأنف أعاد في الوقت استحباباً؛ لأن في الحديث «يمكن الوجه»، ولا يحصل ذلك إلا مع الاستيفاء مع الأنف، وليخرج من الخلاف، ويؤدي الصلاة على الوجه الجائز بالإجماع. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن كان في جبهته قرح أو جرح لا يستطيع أن يضعها على الأرض وهو يقدر أن يضع أنفه فليومئ، لا يسجد على أنفه. قال أشهب: فإن سجد على الأنف أجزأه؛ لأنه زاد على الإيماء. محمد: قيل: إن قول أشهب خلاف، وقول ابن القاسم أحسن؛ لأن فرض هذا الإيماء، فإذا بدل وسجد على أنفه فقد أسقط فرضه، كمن

سجد عن ركوعه، فلا يجزئه. م قاله بعض شيوخنا، وحكاه عن ابن القصار، وقال غيره من شيوخنا: بل قول أشهب وفاق؛ لأن الإيماء ليس له حد ينتهي إليه، وهو لو أومأ حتى قارب الأرض بأنفه أجزأه بالإجماع، وليس زيادة السجود على أنفه بالذي يبطل إيمائه، وأيضًا فإن الإيماء إنما هو رخصة للضرورة، فلو أراد تحمل الضرورة وسجد على جبهته وأنفه لأجزئه، كجنب أبيح له التيمم لبرد ونحوه فتركه وغسله أنه يجزئه. وهذا الصواب إن شاء الله. وعلى قول من قال: إن الإيماء فرضه يجب أن لا يجزئه غسله؛ لأنه ترك فرضه وفعل غيره، وهذا لا يقوله أحد، فقولهم إنه وفاق أولى. والله أعلم. [فصل-2 - فيما يقول الإمام والمأموم في الرفع من الركوع] ومن المدونة قال مالك: ومن صلى وحده فليقل إذا رفع رأسه من الركوع: سمع الله لمن حمده، ويقول: اللهم ربنا ولك الحمد أيضًا، فإن كان إمامًا فليقل: سمع الله لمن حمده، ولا يقل: اللهم ربنا ولك الحمد، ولا يقل من خلفه: سمع الله لمن حمده، ولكن يقول: اللهم ربنا ولك الحمد.

م اختصاره: أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، والفذ يقولهما جميعًا. قال مالك مرة: ربنا لك الحمد، وقال مرة: ولك الحمد، قال مالك: وهو أحب إلي. قال أبو إسحاق: قوله: ولك الحمد أبلغ؛ لأنه دعاء وتحميد، كأنه قال: اللهم ربنا استجب لنا ولك الحمد. وقال ابن عمر يضع على الأرض ركبتيه أولا، ثم يديه، ثم وجهه، ثم يرفع وجهه، ثم يديه، ثم ركبتيه. والأصل في ذلك قوله عليه السلام:/ ((وإذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد))، فقد بين ما يقول الإمام والمأموم. عبد الوهاب: ولأن قول الإمام: سمع الله لمن حمده، دعاء، وقول المأموم: ربنا ولك الحمد تأمين، ومن سبيل الدعاء أنه يدعو واحد ويؤمن/ غيره، وإذا كان الداعي وحده أمن بنفسه على دعائه. قال ابن حارث الأندلسي: قال ابن نافع: لا يقول المأموم آمين حتى يسمع الإمام يقول: ولا الضالين، وقال ابن عبدوس: يتحرى ذلك، ويقوله وإن لم يسمعه.

ومن المدونة قال ابن القاسم: وأما تفرقة الأصابع في الركوع وضمها في السجود فكان يكره أن يحد في ذلك حدًا، ويراه من البدع، وقال: يسجد كما يسجد الناس، ويركع كما يركعون. فصل-3 - : [هيئة الجلوس في الصلاة] قال مالك: والجلوس بين السجدتين، وفي التشهد سواء، يفضي بإليتيه إلى الأرض وينصب رجله اليمنى ويثنى رجله اليسرى، ويجعل باطن إبهام رجله اليمنى مما يلي الأرض، والرجال والنساء في ذلك سواء. وقال ابن عمر: هذا من سنة الصلاة. قال على عن مالك في الجلوس: المرأة تجلس على وركها الأيسر، وتضع فخذها الأيمن على الأيسر، ثم تضم بعضها إلى بعض بقدر طاقتها، ولا تفرج في ركوع ولا سجود ولا جلوس، بخلاف الرجل.

قال مالك: وإذا سجد السجدتين في الركعة الأولى والثالثة، فلا يرجع جالسًا، ولكن ينهض كما هو للقيام. قال مالك: وما أدركت أحدً من أهل الفضل والعلم إلا وينهى عن الإقعاء في الصلاة ويكرهه. قال مالك في المجموعة: والإقعاء أن يرجع إلى صدور قدميه في الصلاة. وقال أبو عبيد: الإقعاء جلوس الرجل على إليتيه ناصبًا فخذيه-كإقعاب الكلب-ويضع يديه في الأرض. وقول مالك أبين. قال مالك: ويرفع بطنه على فخذيه في السجود ويجافى بضبعيه، ولا يفرج ذلك التفريج، ولكن تفريجًا متقاربًا. قال: وأن يضع ذراعيه على فخذيه في النوافل لطول السجود، وأما في المكتوبة، وما خف من النوافل فلا. وروى ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يُرى بياض إبطيه)).

وكره مالك أن يفرش الرجل ذراعيه في السجود. ابن وهب عن جابر بن عبد الله قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أن يعتدل الرجل في السجود، ولا يسجد باسطًا ذراعيه، كالكلب. قال مالك ويتوجه بيديه إلى القبلة، ولم يحد أن يضعهما، قال: ولا يعجبني أن تتكئ في المكتوبة على حائط أو عصا، ولا بأس به في النافلة. قال مالك: وإن شاء اعتمد على يديه في القيام، وإن شاء ترك، أي ذلك أرفق به في فعل. وفي المجموعة قال على عن مالك: والاعتماد على يديه عند القيام من الجلوس في الصلاة كلها أحب إلي، وهو أقرب للسكينة، وهو الأشبه؛ لأن القيام من غير وضع اليدين في الأرض وثب، وليس ذلك من الخشوع. [فصل-4 - : وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة] ومن المدونة: وكره مالك وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، وقال: لا أعرفه في الفريضة، ولا بأس به في النافلة؛ لطول القيام، يعين به نفسه.

وروى بن وهب عن جماعة من الصحابة أنهم رأوه صلى الله عليه وسلم / واضعًا يده اليمنى على اليسرى في الصلاة. وفي الموطأ رواه مالك عن عبد الكريم بن أبى المخارق أنه قال: ((من كلام النبو أنه لم تستحي فافعل ما شئت، ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة يضع اليمنى على اليسرى وتعجيل الفطر، والاستيناء بالسحور)) وروى عن سهل بن سعد أنه قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. وروى أشهب عن مالك في العتبية: أنه لا بأس أن يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة في الفريضة والنافلة.

[باب-9 -] في السجود على الثياب وغيرها

[باب-9 -] في السجود على الثياب وغيرها [فصل-1 - السجود على الثياب] روى ابن وهب: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتقى بفضل ثيابه برد الأرض وحرها، وفعله ابن عمر. قال مالك: ولا يضع الرجل كفيه إلا على الذي يضع عليه جبهته، وكذلك كان ابن عمر يفعل. قال مالك: فإن كان حرًا أو بردًا جاز أن يبسط ثوبًا يسجد عليه، ويضع كفيه عليه؛ للحديث. قال: وتبتدئ المرأة كفيها في السجود حتى تضعهما على ما تضع عليه جبهتها. قال مالك: ومن صلى وعليه عمامة فأحب إلى أن يرفع عن بعض جبهته حتى/ يمس الأرض بعض جبهته. ابن وهب: وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يسجد وقد اعتم على جبهته، فحسر الرسول عليه السلام عن جبهته.

قال مالك: إن سجد على كور العمامة كرهته، ولا يعيد. وقال ابن حبيب: إن كان كثيفًا أعاد في الوقت وإن مس أنفه الأرض، وإن كان قدر الطاقة والطاقتين قدر ما يتقى به برد الأرض وحرها لم يعد، قاله ابن عبد الحكم. قال الأوزاعي: وكذلك كانت عمَّة من مضى. [فصل-2 - : حمل التراب أو الحصا ليسجد عليه]. ومن المدونة قال مالك: ولا يعجبني أن يحمل الرجل الحصباء أو التراب من موضع الظل إلى موضع الشمس يسجد عليه. قيل: إنما ذلك في المساجد خاصة؛ لأنه يحفرها ويؤذى المصلى والماشي فيها، وأما في غير المساجد، فلا كراهة فيه. [فصل-3 - : ما يكره السجود عليه] قال مالك: وأكره أن يسجد على الطنافس، وبسط الشعر والأدم وثياب القطن والكتان واللبود وأحلاس الدواب، ولا يضع كفيه عليها،

ولا شيء على من صلى على ذلك. والصلاة على التراب والحصر أحب إلي. قال مالك: ولا بأس أن يقوم عليها، وعلى غيرها من المصليات ويركع ويجلس عليها، ويسجد على الأرض. قال ابن حبيب: وهو أقرب للتقوى، ولولا ذلك ما مضى الأمر على تحصيب المسجد، وتحصير غيرها، ويفرشها أهل الطول بأفضل من ذلك. ومن المدونة قال مالك: ولا بأس أن يسجد على الخمرة والحصر وما ينبت من الأرض، ويضع كفيه عليها. قال عنه على: والخمرة إنما تتخذ من الحرير وتظفر بالشراك. [فصل-4 - : الصلاة على حصير بطرفه نجاسة] قال مالك: ولا بأس بالصلاة على طرف حصير بطرفه الآخر نجاسة إذا كان موضعه طاهرًا. م يريد وإن تحرك موضع النجاسة؛ لأنه إنما طولب بطهارة بقعته، وأما العمامة يكون بطرفها المسدل نجاسة فهذه يراعى فيها تحرك موضع النجاسة، فإن تحرك لم يجزئه؛ لأنه/ حامل لها، وهو لو انصرف لا تبعته بخلاف الحصير.

[فصل-5 - : الصلاة على ما يبسط على النجاسة من الطاهرات] ومن المدونة قال مالك: ولا بأس أن يصلى المريض على فراش نجس إذا بسط عليه ثوبًا كثيفًا طاهرًا. م وقال بعض شيوخنا: إنما أرخص في هذا للمريض خاصة، وأما الصحيح فلا يجوز له ذلك؛ لأنه يصير محركًا لتلك النجاسة، وخالفه غيره من شيوخنا، وقال: ذلك جائز للمريض وغيره؛ لأن بينه وبين النجاسة حائلًا طاهرًا، كالحصير إذا كان بطرفها نجاسة، والسقف إذا صلى في موضع منه طاهر، وتحرك منه موضع نجس أن ذلك لا يضره؛ لأن ما صلى عليه طاهر، فكذلك هذا. وهذا أصوب. والله أعلم.

[باب-10 -] في صلاة المريض والقادح والجالس والراكب

[باب-10 -] في صلاة المريض والقادح والجالس والراكب [فصل-1 - في صلاة المريض] قال الله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} فلم يرخص في ترك الصلاة لضرورة ولا غيرها لغير مغلوب على عقله. وقال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، وصلى الرسول عليه السلام جالسًا حين جحش شقه. ابن حبيب: وقال أصبغ في قول الله سبحانه وتعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} قال: هو في الخائف والمريض. قال: ومعنى ما جاء ((إن صلاة الجالس على النصف من صلاة القائم)) في من يقدر أن يقوم في

النوافل، فأما من أقعد بمرض أو ضعف عن أن يقوم في ثوابه كالقائم في الفرض والنافلة. قال أبو إسحاق: وإذا قدر أن يصلى قائمًا بقصار السور، ولم يقدر إذا صلى بالطوال صلى قائمًا بالقصار؛ لأن القيام فرض على القدر، والتطويل في القراءة ليس بفرض عليه. وانظر لو قدر على القيام في أول ركعة فإن جلس لم يقدر على القيام فالأشبه أن يصلى عليه متى قدر عليه، فلو أمرناه يصلى صلاته كلها قائمًا لكان قد أسقط ما قدر عليه من السجود. وقد قال بعض الناس: إنه يصلى ثلاث ركعات قائمًا يومئ فيها للسجود فإذا أتم الرابعة ركع وسجد ثم جلس؛ لأنه ترك ما قدر عليه من السجود في الثلاث ركعات لمكان ما أتى به من قيام الثلاث ركعات وركوعها فلم يترك السجود إلا لفرض آخر/ أتى به، وفي هذا نظر؛ لأنه ترك فرضًا قد توجه عليه وهو قادر عليه في الركعة الأولى لفرض آخر يأتي به الآن، وهو إذا أتى بالأول لم يقدر على الإتيان بالثاني، فإتيانه بما قادر عليه، وقد حضر أولى من تركه لإقامة شيء آخر لو جلس لم يقدر عليه.

ومن المدونة قال ابن القاسم: وليصلى المريض بقدر طاقته، ولا يصلى إلا إلى القبلة، فإن عسر تحويله إليها احتيل فيه، فإن صلى إلى غيرها أعاد في الوقت إليها. م يريد ووقته في الظهر والعصر إلى الغروب، كمن صلى بثوب نجس لا يجد غيره. قال أصبغ في الواضحة: هذا إذا لم يستطع التحول إلى القبلة، ولم يجد من يحوله يصلى كما هو، فإذا قدر أو وجد من يحوله أعاد في الوقت. م يريد ولو كان واجدًا من يحوله فتركه وصلى إلى غيرها أعاد أبدًا كالقادر. قال ابن القاسم: وإذا قدر المريض على القيام والركوع والجلوس فعل ذلك وتشهد وثبت جالسًا، فإن قدر أن يسجد سجد، وإن لم يقدر على السجود لرمد بعينيه أو قرحه/ بوجهه أو صداع يجده ثنى رجليه وأومأ لسجوده، وإن قدر على القيام، ولم يقدر على الركوع قام وأومأ لركوعه ومد يديه إلى ركبتيه في إيمائه، ويجلس ويسجد إن قدر، وإلا أومأ، بالسجود جالسًا، وإن لم يقدر إلا على القيام كانت صلاته كلها قائمًا، ومئ بالسجود أخفض من الركوع،

وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من لم يستطع الركوع أو السجود فليومئ برأسه إيماء)). وسئل مالك عن من بركبتيه ما يمنعه من السجود والجلوس عليها، فقال: يفعل من ذلك ما استطاع وتيسر عليه، فإن دين الله يسر. قال ابن القاسم: ومن افتتح الصلاة من عذر جالسًا ثم صح أتم قائمًا ولو افتتح الصلاة قائمًا ثم عرض له مرض يمنعه من القيام أتم جالسًا، وأجزأه. قال مالك: ويصلى من لا يقدر على القيام متربعًا، فإن لم يقدر أن يصلى متربعًا فعلى قدر طاقته من الجلوس، فإن لم يقدر فعلى جنبه أو ظهره، ويجعل رجليه مما يلي القبلة إذا صلى على ظهره، ويومئ برأسه. م فإن فعل بخلاف ما يؤمر به أن يبدأ به من ذلك مختارًا، فقد أساء، ولا شيء عليه، وأما إن قدر أن يصلى جالسًا ممسوكًا فصلى على جنبه، فعليه

الإعادة. قال سحنون: يصلى على جنبه الأيمن، كما يجعل في لحده، فإن لم يقدر فعلى ظهره ويومئ برأسه. وقال ابن المواز: إن لم يقدر على جنبه الأيمن فعلى الأيسر، فإن لم يقدر فعلى ظهره. قال في المدونة: وصلاة المريض جالسًا ممسوكًا أحب إليّ من المضطجع، ولا يستند لحائض ولا جنب إذ لا تخلو ثيابهما من نجاسة. قال في غير المدونة: فإن استند لحائض أو جنب أعاد في الوقت. قال أبو محمد: إن استند لحائض أو جنب وكانت ثيابهما طاهرة، فلا شيء عليه. م وفي البخاري ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى وإن بعض ثوبه إذا سجد

ليصيب ثوب زوجته ميمونة وهى حائض)). ومن المدونة قال مالك: وإذا لم يقدر المريض أن يسجد على الأرض فليومئ يظهره ورأسه، ولا يرفع إلى جبهته أو ينصب بين يديه شيئًا يسجد عليه، فإن فعل وجهل ذلك لم يعد. وقال أشهب في المجموعة: وذلك إذا أومأ إلى ذلك الشيء برأسه حتى يسجد عليه، وأما إن رفعه إليه حتى تمسه جبهته وأنفه من غير إيماء لم يجزئه ذلك، وأعاد الصلاة أبدًا. قال ابن القاسم: وإن صلى مضطجعًا فليومئ برأسه ولا يدع الإيماء. قال مالك: في إمام صلى بقوم فيركع ويسجد ويقوم/ وخلفه مرضى لا يقدرون على الركوع ولا على السجود إلا إيماء، وقوم لا يقدرون على القيام، وهم يصلون بصلاته ويومئون قعودًا، فقال: تجزئهم صلاتهم.

[فصل-2 - : إمامة الجالس] قال: ولا يؤم أحد جالسًا في فريضة ولا نافلة. وقد قال الشعبي: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤم الرجل القوم جالسًا)). قال الأبهري: وإنما ذلك؛ لأن صلاة القاعد أنقص من صلاة القائم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم)) فاستحب أن لا يصلى ناقص الصلاة بمن هو أكمل منه على ما ذكرنا من الأخبار، ومن أن يكون الإمام أفضل حالًا من المأموم، فإن صلى فإنه يجوز لاستواء حرمته في نفسه مع حرمة المأموم، وإنما لم تجز إمامة الجالس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) الحديث. فإن صلوا هم قيامًا فقد خالفوه وخالفوا الحديث، وإن صلوا جلوسًا فقد أسقطوا فرض القيام، وهم قادرون عليه، والإمام لا يحمله عنهم، فلذلك لم تجز إمامة الجالس. والله أعلم. فإن قيل: فقد روى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) وفي آخر الحديث ((وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون)). قيل: قد قال ابن القاسم: ليس عليه العمل، وقد جاء ما نسخه، قوله صلى الله عليه وسلم:

((لا يؤم الرجل القوم جالسًا)). وروى ربيعة ((أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وهو مريض، وأبو بكر يصلى بالناس، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا بصلاة أبى بكر، وكأن أبو بكر الإمام)). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما مات نبي قط حتى يؤمه رجل من أمته)). فإن قيل: فقد روى ((أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى جنب أبى بكر فكان أبو بكر يصلى بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الناس يصلون بصلاة أبى بكر)). قيل: قد قال مالك: العمل عندنا على حديث ربيعة بن عبد الرحمن ((أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بصلاة أبى بكر))، وعمل أهل المدينة أثبت من أخبار الآحاد، ويؤيد أن أبا بكر كان الإمام قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما مات نبي قط حتى يؤمه رجل من أمته)). [فصل-3 - : الإمام يعرض له مرض يمنعه من القيام] ومن المدونة قال مالك: وإن عرض للإمام ما يمنعه من القيام فليستخلف

من يصلي بالقوم، ويرجع هو إلى الصف فيصلى بصلاة الإمام المستخلف. قال أبو محمد: واختلف في إمامة المريض للمرضى جلوسًا، فأجازه بعض أصحابنا، قال أبو عمران الفارسي: وهل يوجد لأصحابنا إجازة ذلك إلا شيء وقع لسحنون على تأويل فاسد؟. م وقد ذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ أنهم أجازوا في المرضى والضعفاء والذين في السفينة أنو يؤمهم أحدهم جالسًا وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية في المرضى والقاعد أنه لا بأس أن يؤمهم رجل منهم قاعدًا. وذكر سحنون في روايته أنه لا يجوز لأحد أن يؤم جالسًا بعد ما كان من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أم قومًا قاعدًا أجزأته، وأعاد القوم فيحمل قول سحنون أنه أم قومًا أصحاء قاعدًا، لا أنهم كلهم مرضى، فهذا هو التأويل الفاسد الذي أراد أبو عمران، والله أعلم. قال ابن القاسم: وإذا كانوا لا يستطيعون الجلوس هم ولا هو، فلا إمامة في هذا. م ولم يأت في هذا سنة، كما جاء في صلاة الجالس.

قال يحيى بن عمر: فإن فعلوا أجزأ الإمام وأعادوا هم. وروى الوليد بن مسلم عن مالك أنه أجاز للإمام المريض أن يصلى بالناس جالسًا وهم قيام. قال: وأحب إليّ أن يكون جنبه من يكون علمًا لصلاته، وهو على ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالسًا بالناس، وأبو بكر إلى جنبه علمًا لصلاته. فصل -4 - : [صلاة القادح] ومن المدونة: وكره مالك للرجل أن يقدح الماء من عينيه فيؤمر بالاضطجاع/ على ظهره، فيصلى على ذلك اليومين ونحوهما. م وقال: لا ينبغي له أن يفعل ذلك. قال ابن القاسم: ومن فعله أعاد الصلاة أبدًا. قال ابن اللباد وقال أشهب: له أن يقدح عينيه ويصلى مستلقيًا. قال أبو إسحاق: والأشبه أن يفعل ذلك؛ لأن التداوي جائز، وإذا كان

جائزًا له أن يتداوى جاز له أن ينتقل من القيام إلى الاضطجاع؛ لأنه متى قام أضر ذلك بعينيه، كما يجوز له أن يتداوى بالفصد، وينتقل إذا توضأ من غسل إلى مسح موضع الفصد وما يليه مما لا بد من رباطه. وروى ابن وهب عن مالك التسهيل في ذلك. قال ابن حبيب: كره مالك لمن يقدح عينيه، فيقيم أربعين يومًا أو أقل على ظهره، ولو كان اليوم/ ونحوه لم أر به بأسًا، قال: ولو كان يصلى ويومئ في الأربعين يومًا لم أر بذلك بأسًا. ومن المدونة قال مالك: والمصلى جالسًا إذا تشهد في الركعتين كبر قبل أن يقرأ، وينوى به القيام للثالثة. م يريد بعد أن يرجع متربعًا إن قدر. قال مالك: وجلوسه في موضع الجلوس كجلوس القائم. قال مالك: ولا بأس بالاحتباء في النوافل للذي يصل جالسًا بعقب تربعه، وفعله جابر بن

عبد الله وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير. قال مالك: ومن صلى فريضة جالسًا، وهو يقدر على القيام أعاد أبدًا. فصل-5 - : [الجلوس في صلاة النافلة] قال ابن القاسم: ومن افتتح النافلة جالسًا، ثم شاء القيام، أو افتتحها قائمًا، ثم شاء الجلوس، فذلك له. وروى ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى النافلة جالسًا حين أسن، فإذا بقى من قراءته ثلاثون أو أربعون آية قام، فقرأه وهو قائم ثم ركع وسجد، ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك)). وكان سعيد بن جبير يصلى قاعدًا محتبيًا فإذا

بقي عليه عشر آيات قام فقرأ وركع. قال أشهب: إذا أحرم قائمًا في نافلة فلا يجلس لغير عذر. قال بعض فقهائنا: إذا افتتح صلاة النافلة على أن يصليها قائما ولا يجلس، لم يكن له أن يجلس. لا يختلف في هذا قول ابن القاسم وأشهب؛ لأن من نوى شيئًا ودخل فيه لزمه حكمه، وصار حكمه حكم من نذر شيئًا بلسانه، وإنما اختلفا إذا افتتحهما قائمًا من غير نية. م وحكي لنا عن أبى عمران أن ذلك لا يلزمه بالنية والدخول فيه بخلاف الاعتكاف وصوم اليوم؛ لأن هذا لا يتجزأ، فيلزمه بالدخول فيه، والقراءة في الصلاة تتجزأ، وله إذا افتتح القراءة في الصلاة مع أم القرآن بسورة طويلة أن لا يتمها، ففارق صوم اليوم والاعتكاف، والله أعلم. وقال ابن حبيب في المتنفل: له أن يومئ بالسجود من غير علة، كما له أن يقعد في القيام من غير علة. قال ابن القاسم في العتبية: لا يومئ الجالس للسجود إلا من علة، فإن أومأ في النافلة من غير علة أجزأه.

[فصل-6 - : الصلاة في المحمل] ومن المدونة قال ابن القاسم: قال مالك وعبد العزيز، ولم أسمع من عبد العزيز غير هذه: من تنفل في محمله فقيامه متربعًا، ويركع متربعًا ويضع يديه على ركبتيه. قال: فإذا رفع رأسه من ركوعه قال مالك: يرفع يديه عن ركبتيه، ولا أحفظ رفع يديه عن ركبتيه عن عبد العزيز، ثم قالا: فإذا أهوى للسجود ثنى رجليه وأومأ بالسجود، فإذا لم يقدر أن يثنى رجليه أومأ متربعًا. قال مالك: والشديد المرض، الذي لا يقدر أن يجلس لا يعجبني أن يصلى المكتوبة في المحمل، لكن على الأرض، وذكر عن أبى محمد أنه قال: معناه لا يصلى حيثما توجهت به الدابة في محمله، ولو وقفت به الدابة واستقبل به القبلة جاز أن يصلى على الدابة، وهو وفاق. وروى ابن القاسم وغيره عن مالك في غير المدونة: أنه إذا كان ممن لا يصلى بالأرض إلا إيماء فليصل على البعير بعد أن يوقف له، ويستقبل به القبلة./

قال في المدونة: ومن خاف إن نزل من سباع أو غيرهما صلى على دابته إيماء حيثما توجهت به، فإن أمن في الوقت فأحب إليّ أن يعيد، بخلاف العدو. م يريد ووقته/ وقت الصلاة المفروضة. قال مالك: للمسافر أن يتنفل على دابته ليلًا أو نهارًا إذا كان سفرًا تقصر في مثله الصلاة اعتبارًا بالقصر والفطر فيه، وله أن يتنفل على الأرض ليلًا أو نهارًا إن كان سفرًا تقصر في مثله الصلاة. م ولم يأخذ مالك بما روى عن ابن عمر: أنه كان لا يتنفل على الأرض نهارًا، وقال: لو كنت متنفلًا لأتممت صلاتي، ولقد صبحت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى. م ووجه قول مالك: فلأن ترك النبي صلى الله عليه وسلم التنفل في السفر تخفيفًا على المسافر؛ لمشقة السفر، كتخفيف الفطر له، فإذا أراد أن يتنفل جاز له،

كما يجوز له أن يصوم. قال ابن حبيب: كره ابن عمر وغيره أن يتنفل المسافر بالنهار بإثر المكتوبة أو بغير إثرها. قال مطرف: وأما التنفل بالليل بإثر المكتوبة أو بغير إثرها، والتنفل على المحمل على الدابة حيثما توجهت به، فلا خلاف في جواز ذلك، ولا كراهة فيه من حد. ومن المدونة ابن وهب: وصلى النبي صلى الله عليه وسلم على حمار، وهو يسير متوجهًا إلى خيبر، وكان صلى الله عليه وسلم يصلى السبحة بالليل على ظهر راحلته حيث توجهت به إلى غير القبلة. قال مالك: وله أن يصلى على دابته إيماء حيث توجهت به إلى الوتر وركعتي الفجر والنافلة، ويسجد إيماء، وإذا قرأ سجده تلاوة أومأ لها إذا كان سفرًا يقصر في مثله الصلاة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر على البعير.

قال مالك: وأما في سفر لا تقصر في مثله الصلاة أو في حضر، فلا يتنفل على دابته، ولا يسجد سجدة تلاوة وإن كان إلى القبلة اعتبارًا بالقصر والفطر. قال على وابن وهب عن مالك: لا يصلى المسافر وهو يمشى، وإنما ذلك للراكب. قال عنه على وللمصلى على دابته ضربها في الصلاة وإن يركضها، وله أن يضرب غيرها. قال ابن حبيب: إلا أنه لا يتكلم ولا يلتفت ولا يسجد على قربوس سرجه، ولكن يومئ. وبالله التوفيق.

[باب-11 - في الإمام يصلى أرفع المأموم أو تحته أو خلفه أو قريبا منه

[باب-11 - في الإمام يصلى أرفع المأموم أو تحته أو خلفه أو قريبا منه [فصل-1 - في الإمام يصلى أرفع المأموم] قال الله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} أي: صامتين خاشعين، وقال تعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} فينبغي للمصلى أن يدخل الصلاة بالخشوع والخضوع لله سبحانه، ولا يتكبر على أصحابه، ولا يرتفع عليهم في مصلاه، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده. وفي كتاب ابن سحنون: أن حذيفة بن اليمان قام يصلى على دكان فجبذه سلمان، وقال له: ما أدرى أطال العهد أم نسيت أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يصلى الإمام على شيء أرفع مما عليه أصحابه)). قال ابن القاسم: وكره مالك وغيره أن يصلى الإمام على شيء هو أرفع

مما يصلي عليه من خلفه، مثل الدكان يكون في المحراب وبحرمه. قال ابن القاسم: فإذا فعل أعادوا أبدًا؛ لأنهم يعبثون، إلا أن تكون دكانًا يسيرة الارتفاع، مثل ما كان عندنا بمصر فتجزئهم الصلاة. قال أبو محمد: مثل الشبر وعظم الذراع خفيف. قال أبو بكرين بن محمد: إنما كره مالك هذا؛ لأن بني أمية/ فعلوه على وجه الكبر والجبروت، ورأى هذا من العبث، ومما يفسد الصلاة. قال فضل بن سلمه: قوله: لأنهم يعبثون دليل أنه فعل ذلك في موضع واسع بقدر أن يصلى معه فيه غيره. فأما إذا ضاق بهم الموضع فلا بأس أن يصلى بصلاته ناس أسفل منه،

ورأيته لسحنون، وذهب إليه يحي بن عمر. قال بعض فقهائنا: وإذا كان مع الإمام قوم وأسفل منه قوم فلا شيء عليهم، وصلاة الجميع تامة. قال/ مالك: وإذا صلى الإمام بقوم على ظهر المسجد والناس خلفه أسفل منه فلا يعجبني. قال: ولا بأس في غير الجمعة أن يصلى الرجل بصلاة الإمام على ظهر المسجد، والإمام في داخل المسجد، ثم كره ذلك، وأخذ ابن القاسم بقوله الأول. ابن وهب: وقد صلى أبو هريرة وصالح مولى التوأمة على ظهر المسجد والإمام أسفل منه، وقاله النخعي. قال ابن القاسم: ولا يعجبني أن يصلى على أبى قبيس وقيقعان بصلاة

الإمام بالمسجد الحرام. م يريد لبعده عن الإمام؛ فإنه لا يستطيع مراعاة فعله في الصلاة. [فضل - 2 - : الإمام يصلي بالناس في السفينة] قال مالك: وإذا صلى الإمام في السفينة أسفل والناس فوق السقف، فلا بأس بذلك إذا كان إمامهم قدامهم، ولا يعجبني أن يكون هو فوق السقف والناس أسفل، ولكن يصلون الذين فوق السقف بإمام، والأسفلون بإمام. قال ابن حبيب: ويعيد الأسفلون في الوقت. م قيل: إنما قال ذلك؛ لأن الأسفلين لا يمكن لهم مراعاة أفعال الإمام إذ ربما دارت السفينة فيختلط عليهم أمر صلاتهم، فليس كالدكان يكون فيها مع الإمام قوم وأسفل قوم فافترقا. قال: والسفن المتقاربة إذا كان الإمام في أحدها، وصلى الناس بصلاته أجزأهم.

قال أبو إسحاق: إذا سمعوا تكبيره ورأوا أفعاله فإن فرقهم الريح بعد دخولهم في الصلاة فليستخلفوا من يتم بهم ذكره ابن عبد الحكم، وهو الصواب، كحدثه؛ لأنهم خرجوا من إمامته لما تعذر عليهم الائتمام به، فأشبه خروجه من الإمامة بغير قصد لإفسادها. [فصل - 3 - : الصلاة في الدور بصلاة الإمام] قال: ولا بأس بالصلاة في دور محجوزة بصلاة الإمام في غير الجمعة إذا رأوا عمل الإمام والناس من كواها أو مقاصيرها أو سمعوا تكبيره، فركعوا وسجدوا لسجوده وذلك جائز، وقد صلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجرهن بصلاة الإمام، وقاله عمر بن الخطاب وأبو هريرة وعمر بن عبد العزيز وغيرهم رضي الله عنهم. قال مالك: ولو كانت الدور بتدبير الإمام كره ذلك، فإن صلوا فصلاتهم تامة، وقد بلغني أن دارًا لآل عمر بن الخطاب، وهي أمام القبلة كانوا يصلون بها بصلاة الإمام فيما مضى، ولا أحبه، فإن فعله أحد أجزأه. ولا بأس بالنهر الصغير أو الطريق يكون بين الإمام والمأموم.

[باب - 12 -] جامع القول في الإمامة

[باب - 12 -] جامع القول في الإمامة روي أن الرسول عليه السلام قال: ((أئمتكم شفعاؤكم فانظروا بمن تستشفعون))، وقال عليه السلام: ((يؤم القوم أفقههم، وذلك أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروي أنه عليه السلام قال: ((يؤم القوم أقرؤهم وأقومهم قراءة، فإن استووا فأقدمهم هجرة، فإن استووا فأكبرهم سنًا. [فصل - 1 - في الأحق بالإمامة] قال مالك رحمه الله: أحق القوم بإمامتهم أعلمهم إذا كان أحسن حالاً، وأفضلهم في أنفسهم، وللسن حق. قيل للمالك: فأقرؤهم قال: قد يقرأ من لا، يريد من لا ترضى حاله.

قال ابن حبيب: ومعنى ما روي: ((يؤم القوم أقرؤهم)) أن من سلف كان يجمعهم صلاح الحال والمعرفة، وكان حفظ القرآن مزيد خير. قال غيره: وكانوا يعلمونه بفقهه، وكان أقرؤهم أفقههم. قال أبو إسحاق: ولا يؤتم بفاسق غير أن من صلى وراءه لا يعيد، وقيل: يعيد لأنه لا يؤمن على الوضوء ولا على إحضار النية قبل الإحرام، فصار من صلى وراءه على شك من أداء فرائضه، وقد ذكر هذا عبد الوهاب. ومن المدونة قال ابن القاسم: وقال مالك: يقال / أولى بمقدم الدابة صاحبها، وأولى بالإمامة صاحب المنزل إذا صلوا في منزله، إلا أن يأذن لأحدهم، ورأيته يرى أنه الشأن ويستحسنه. وقال عنه أشهب في العتبية: يؤمهم صاحب المنزل وإن كان عبدًا. قال غيره: وإن كانت امرأة تستخلف أحدًا ولها أن تولي رجلاً يؤمهم. ابن حبيب: وأحب إلي إن حضر من هو أعلم من صاحب المنزل وأعدل منه فليوله ذلك. قال: وأهل كل مسجد أولى بالإمامة، إلا أن يحضرهم الوالي. قال: وينبغي للإمام أن يخفف بالناس، وليكن ركوعه وسجوده وسطًا،

وكان عمر بن عبد العزيز يتمها، ويخفف الجلوس والقيام. قال مالك: ولا يؤم الأمرد إلا من ضرورة. قال ابن شعبان: أهل الفقه أولى بالإمامة، ثم أهل القرآن إذا كانوا صالحي الأحوال، ثم أهل السنن، فإن استووا في الأحوال، فأجملهم وجهًا، وأحسنهم خلقًا. [فصل - 2 - في صلاة القارئ خلف من لا يحسن القراءة] ومن المدونة: قلت: فإن صلى من يحسن القرآن خلف من لا يحسن القرآن قال: يعيد الإمام والمأموم أبدًا. وقد قال مالك: إذا صلى بقوم إمام فترك القراءة انتقضت صلاته وصلاتهم، وأعادوا أبدًا. قال ابن القاسم: فالذي لا يحسن القراءة أشد من هذا. قال ابن المواز: يعيد الإمام والمأموم أبدًا؛ لأن الإمام صلى بغير قراءة، وقد وجد قارئا يأتم به فتركه، يريد فإذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة

المأموم. قال سحنون: فإن ائتم به أميون مثله فصلاتهم تامة، وهذا إذا لم يجدوا من يصلون خلفه ممن يقرأ، وخافوا ذهاب الوقت، وأما إن وجدوا فصلاتهم فاسدة. م قال بعض فقهائنا: وإذا دخل في الصلاة هذا الذي لا يحسن القرآن، ثم أتى من يحسن القرآن، فلا تقطع لدخوله فيها بما يجوز له. قال أبو محمد عن ابن اللباد: ومن صلى خلف من يلحن في أم القرآن فليعد، - يريد - إلا أن يستوي حالهما، وقاله ابن القابسي، قال هو وأبو محمد: وكذلك من لم يميز في أم القرآن قرائته الضاد من الظاء، وإن لحن فيما عدا أم القرآن فحكي عن ابن اللباد وأبي محمد وابن شبلون أنه تجزئ الصلاة خلفه، وقال أبو الحسن بن القابسي: لا تجزئ، واحتج بظاهر قول مالك في من لا يحسن القرآن، ولم يفرق بين أم القرآن وغيرها، قال: وهو أصح، كمن ترك قراءة السورة عامدًا.

[فصل - 3 - : الصلاة خلف الولاة] ومن المدونة قال مالك: وتجوز الجمعة وغيرها خلف من ليس بمبتدع من الولاة. وروى ابن وهب عن عبيد الله بن عدي قال: دخلت على عثمان ابن عفان وهو محصور فقلت له: إنك إمام العامة، وقد نزل بك ما ترى، وأنه يصلي بنا إمام فتنة وأنا أتحرج من الصلاة معه، فقال عثمان / بن عفان: فلا تفعل، فإن الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإن أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم.

قال مالك: وإذا أيقنت أن الإمام قدري، أو حروري أو غيره من أهل الأهواء، فلا تصل خلفه، ولا الجمعة، فإن اتقيته وخفته فصلها معه، وأعدها ظهرًا أربعًا. وكان القاسم بن محمد: حين كانت بنو أمية يؤخرون الصلاة يصلي في بيته، ثم يصلي معهم فكلم في ذلك، فقال: أصلي مرتين أحب إلي من أن لا أصلي شيئًا. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((سيكون أئمة بعدي يضيعون الصلاة، ويتبعون الشهوات، فإن صلوا الصلاة لوقتها فصلوها معهم، وإن لم يصلوها لوقتها فصلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة.

م ووقف مالك في إعادة من صلى خلف أهل البدع. وقال ابن القاسم: يعيد في الوقت، وقال مالك في سماع ابن وهب: لا إعادة عليه، وقال أصبغ/: يعيد أبدًا. م انظر قوله: إن اتقيته وخفته فصلها معه وأعدها ظهرًا أربعًا. وقوله: وقف في إعادة من صلى خلف مبتدع، فالفرق بين ذلك: أن الذي صلى تقاة قصد أن يجعل صلاته مع الإمام تنفلاً، ثم يأتي بعد ذلك بفرضه، وكذلك ينبغي أن كل من صلى صلاة على أن يعيدها أن لا تجزئه الأولى ولابد من إعادتها؛ لأنه لم يقصد بالأولى فرضه، وأما الذي وقف فيه مالك فقد قصد الائتمام به على أن هذه فرضه ولا يعيدها، فالصواب أن تجزئه فلذلك اختلف جوابه، والله أعلم.

قال مالك: ولا يصلي خلف أهل البدع جمعة ولا غيرها، ولا يسلم عليهم، ولا يناكحوا، ولا تشهد جنائزهم، ولا يعاد مرضاهم. قال سحنون أدبًا لهم. [فصل - 4 - : الإمام يقرأ بقراءة ابن مسعود] ومن صلى خلف رجل يقرأ بقراءة ابن مسعود فليخرج ويتركه، قال ابن القاسم: فإن صلى خلفه أعاد أبدًا. م قيل: إن ابن مسعود كان يقرأ في غير الصلاة، ويفسر لأصحابه؛ ليفهموا، وأما في الصلاة فلم يكن يقرأ كذلك، فمن قرأ في الصلاة بتلك القراءة وجب أن يعيد أبدًا؛ لأنها مخالفة لمصحف عثمان المجمع عليه. [فصل - 5 - في إمامة السكران] قال مالك: ولا يؤم السكران، ومن صلى خلفه أعاد، قال ابن حبيب: أبدًا. قال أبو إسحاق: أما إذا لم يعقل صلاته فلا تتم صلاة من ائتم به، وأما إذا كان يعقلها، وكان لا يتحفظ على ثيابه ولا على تطهير فمه من الخمر فيجب أن يعيد أيضًا، كمن صلى وهو على نجاسة عامدًا. قال: وكذلك من صلى خلف من يشرب السكر أو خلف من

يشربه ولم يسكر منه، وإن أتم الركوع والسجود والقراءة فليعيدوا أبدًا إلا أن يكون هو الإمام الذي تؤدي إليه الطاعة. ابن حبيب: أو قاضيه أو خليفته على الصلاة أو صاحب شرطته فيجوز أن يصلي وراءهم الجمعة وغيرها، ومن أعاد منهم في الوقت فحسن، ومنع الصلاة معهم داع إلى الخروج من طاعتهم، والسبب إلى الدماء والفتن، وقد صلى ابن عمر خلف الحجاج ونجدة الحروري حين وادع ابن الزبير. قال أبو إسحاق: اختلف أصحابنا في إكفارهم بما يؤول إليه قولهم الذي قالوه فمن أكفرهم بمآل القول فلا يجوز الصلاة خلفهم، ومن صلى خلفهم فإنه يعيد أبدًا، ومن لم يكفرهم بمآل القول فهو المعنى الذي وقف فيه مالك، فرأى ابن القاسم الإعادة في الوقت في من دخل وهو لا يعلم، وأما إذا دخل خلفهم، عالمًا بهم على أن يعيد فليعد بعد الوقت. وأما قول ابن حبيب: إن من صلى خلفهم أعاد أبدًا إلا أن يكون الوالي الذي تؤدي إليه الطاعة فإنه يصلي خلفه الجمعة وغيرها ففيه نظر، إلا أن يريد بغيرها وليقيمونه من عيد وشبهه مما لا يقدر الناس أن يقيموه إلا بهم. وكان يجب أن لا يعيد من صلى معهم خوفًا مثل الجمعة الذين لا يقدرون على إقامتها إلا بهم فلا يعيد، إلا أن يكون في حال صلاته بهم سكرانًا فلا تجزئهم

صلاتهم، وقاله من لقيت من أصحاب مالك. م قوله: وكذلك إن صلى خلف من يشرب الخمر ليس على الأصل، والصواب أن لا إعادة على من صلى خلفه؛ لأنه من أهل الذنوب، ولا يكون أسوأ حالاً من المبتدع. وقد اختلف في إعادة من صلى خلفه. [فصل - 6 - في المأمومين يعلمون أن الإمام نصراني] ابن حبيب/ وقال مالك في من أم قومًا في سفرتهم علموا أنه نصراني فليعيدوا أبدًا. ابن حبيب: وإن ظفر به أستتيب، كالمرتد؛ لقوله بعد / الصلاة: إنه نصراني، فإن تاب وإلا قتل، قاله مطرف وابن الماجشون، وجعلا ذلك منه إسلامًا، ولا حجة له إن قال: لم أرد بذلك الإسلام، وفعلته / عبثًا، وسواء عرف قبل ذلك بالنصرانية أو جهل أمره. وفي العتبية قال مالك: يعيدون أبدًا، ولا أرى أن يقتل، يريد: ويعاقب، وقال: سحنون: إن كان في موضع يخاف عليه فيه على نفسه فدارأ بذلك عن نفسه وماله لم يعرض له، وأعاد القوم الصلاة أبدًا، وإن كان آمناً فليعرض

عليه السلام فإن أسلم فلا يعيد القوم، وإن لم يسلم قتل، وأعاد القوم الصلاة. م قوله: فإن أسلم فلا إعادة على القوم كأنه رأى أن صلاته بهم إسلام، ثم ثبت عليه، والصواب أن يعيدوا أبدًا؛ لأنه اليوم ثبت إسلامه، ولو حمل على أن صلاته بهم إسلام فهو كجنب صلى بهم عالمًا بجنابته فوجب أن لا تجزئهم. [فصل - 7 - في إمامة الصبي والمرأة والأعرابي] ومن المدونة قال مالك: ولا يؤم الصبي في نافلة الرجال ولا النساء، وروي عنه أنه قال: يؤم الصبي في النافلة. قال النخعي: كانوا يكرهون أن يؤم الغلام حتى يحتلم، وقاله عمر بن عبد العزيز. وقال ابن حبيب: ومن / صلى خلف امرأة أو صبي أعاد أبدًا. ومن المدونة قال مالك: ولا تؤم المرأة في مكتوبة ولا نافلة، وقاله

علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال النخعي: لا تؤم في الفريضة. م وإنما لم تجز إمامة المرأة لقوله عليه السلام: ((أخرجن حيث أخرهن الله))، وقوله: ((إنكن ناقصات عقل ودين، ولأن كل من لم يجز أن يكون حاكمًا لنقصه لم يجز أن يكون إمامًا في الصلاة. ومن المدونة قال مالك: ولا يؤم الأعرابي في حضر ولا سفر، وإن كان أقرأهم. قال ابن سيرين: سافرنا مع عبيد الله بن معمر، وحميد بن عبد الرحمن، فمررنا بأهل ماء فحضرت الصلاة فأذن أعرابي وأقام فتقدم حميد فلما صلى قال: من كان من أهل البلد فليتم الصلاة، وكره أن يؤم

الأعرابي. وقال سفيان: يؤم الأعرابي: إذا كان أقرأهم يريد ويكون عارفًا بسنن الصلاة. قال ابن حبيب: إنما نهى مالك عن إمامة الأعرابي لجهله بسنن الصلاة. قال مالك: ولا يؤم العبد في الحضر في مساجد القبائل ولا في جمعة أو عيد. قال ابن القاسم: فإن أمهم في جمعة أو عيد أعادوا إذ لا جمعة عليه ولا عيد. وقال أشهب: تجزئهم، وقد صار من أهلها لما حضرها. قال مالك: ولا بأس أن يؤم العبد في قيام رمضان ويؤم في الفرائض في السفر إذا كان أقرأهم من غير أن يتخذ إمامًا راتبًا، وقد ذكر أن مدبرًا لعائشة كان يؤم بها في رمضان.

وقال أبو المصعب: إن أم عبد أو صبي أو أعرابي مضت صلاة من ائتم بهم، إلا العبد في الجمعة والعيدين فلا تجزئ. ومن المدونة قال مالك: وأكره أن يتخذ ولد الزنا إمامًا راتبًا، وقد نهى عمر بن عبد العزيز رجلا كان يؤم بالعقيق؛ لأنه كان لا يعرف أبوه. قال ابن مزين: إنما كره إمامه ولد الزنا لئلا يؤذى بذلك. ومن المدونة قال مالك: وأكره أن يتخذ الخصي إمامًا راتبًا، وقد كان علي طرسوس خصي / فاستخلف على الناس / من يصلي بهم فبلغ ذلك مالكًا، فأعجبه. قال مالك: ولا بأس باتخاذ العمى إمامًا راتبًا وقد أم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمى، وهو ابن أم مكتوم. م قال: ولا بأس بإمامة المولى، وقد كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار في مسجد قباء، وفيهم أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم رضي الله عنهم.

فصل - 8 - : [حكم الصلاة بغير رداء] ومن المدونة قال مالك: وأكره لأئمة المساجد الصلاة بغير رداء، إلا إمام في سفر أو في داره أو بموضع اجتمعوا فيه وأحب إلي أن يجعل على عاتقه عمامة إذا كان مسافرًا أو في داره. م وإنما قال ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي إلا برداء. قال مالك: ولا بأس أن تأتم بمن لم ينو هو أن يؤمك. فصل - 9 - : [في موقف المأمومين في الصلاة] قال مالك: وإذا صلى رجلان أو رجل وصبي مع إمام قاما جميعًا خلفه إن كان الصبي يعقل لا يذهب ويتركه، فإن كانت معهم امرأة أو جماعة نساء فمن خلف الرجال.

م والأصل في ذلك حديث أنس أنه قال: ((صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا. قال مالك: فإن صلى معه رجل وامرأة / قام الرجل عن يمين الإمام وقامت المرأة وراءهما، وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبي وامرأة فقام الصبي عن يمينه والمرأة خلفهما. قال مالك: وإن صلى معه رجل قام عن يمينه، وإن قام عن يساره أداره الإمام إلى يمينه من خلفه، وكذلك فعل ابن عمر. وقال ابن عباس: بت عند خالتي ميمونة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت عن يساره فأدارني عن يمينه من خلفه. وهو في البخاري. قال مالك: فإن لم يعلم به حتى فرغ أجزأته صلاته. م وكذلك إن علم به فتركه. فصل - 10 - [في المأموم يدرك الإمام ساجدًا] قال مالك: ومن وجد الإمام ساجدًا فيكبر ويسجد ولا ينتظره حتى يرفع

الجماعة فليتمادى، ولا يقطع، بخلاف من أحرم في المسجد فأقيمت عليه الصلاة. م والفرق في ذلك بين المسجد وغيره؛ فلأن النهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاتين معاً إنما كان في المسجد؛ ولأن الإمام يؤذى بذلك من وجوه: إما أن يكون في صلاة جهر فيجهر عليه، وذلك غير جائز؛ لقوله عليه السلام لمن جهر بالقراءة خلفه: ((ما لي أنازع القرآن)) ونهى عن ذلك. وإذ قد يقع في قلب الإمام أنه ممن لا يرى الصلاة خلفه فيؤذيه / بذلك، وإذ قد يكون ذلك تطرقاً لأهل البدع بأن لا يرى البدعي الصلاة خلف السني فيصلي وحده، ويقول: كانت على صلاة، وقد منع العلماء من الجمع في مسجد مرتين؛ وعللوه بما يدخل بين الأئمة من الشحناء وللتطرق لأهل البدع بأن يجعلوا من يؤم بهم، فهذا مثله. والله أعلم. ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك: ومن دخل في صلاة

وفي السليمانية: عن سحنون ينتظره ولو طال ذلك. ومن المدونة: قال مالك: وجائز أن يصلي الرجل بامرأته المكتوبة وتكون من خلفه.

[باب - 13 -] في فضل الجماعة وإعادة الصلاة فيها، وفي / شهود العتمة والصبح

[باب - 13 -] في فضل الجماعة وإعادة الصلاة فيها، وفي / شهود العتمة والصبح وفي من أقيمت عليه الصلاة وهو في صلاة وهل يؤم من صلى وحده؟ وهل يعيد من صلى في جماعة؟ والجمع في مسجد مرتين. [فصل - 1 - في فضل الجماعة. وإعادة الصلاة فيها] وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بصلاة الجماعة، ورغب فيها، وقال: ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمسة وعشرين جزءًا))، وفي حديث آخر: ((بسبع وعشرين درجة))، ورغب عليه السلام في إعادة من صلى فذًا في الجماعة، وجعل مدرك ركعة منها مدركًا لها. قال مالك رحمه الله في من صلى وحده: فله إعادتها في جماعة، وهذا في جميع الصلوات، إلا المغرب، لأنها وتر صلاة النهار، فإذا أعادها صارت

شفعًا، وقاله ابن عمر. ولأن واحدة منها تكون صلاته، والثانية نفل، ولا ينتقل بوتر. قال ابن القاسم: فإن جهل فأعادها، فأحب إلى أن يشفعها برابعة، وتكون الأولى صلاته، وهذه تنفل، وقد بلغني ذلك عن مالك. وابن وهب يرى إعادتها ثالثة؛ لتكون وترًا. وفي الموطأ / قال ابن عمر: لا تعاد المغرب ولا الصبح. وأجاز المغيرة وابن سلمة أن تعاد المغرب؛ لعموم خبر ابن محجن وهي كغيرها من الصلوات. قال ابن القاسم في المجموعة: ومن صلى العشاء وحده وأوتر فلا يعيدها في جماعة.

قال سحنون: فإن فعل فليعد الوتر، وقال يحيى بن عمر: لا يعيد الوتر. ومن العتبية قال سحنون عن أشهب: من صلى مع الإمام صلاة ظن أنه صلاها في بيته، ثم علم أنه لم يصلها فليعدها. م لأنه إنما قصد بها فضل الجماعة. قال: ولو كان قد صلاها في بيته، ثم دخل مع الإمام يريد فضل الجماعة، ثم أحدث بعد ركعة فلا يعيدها، وكذلك لو دخل في هذه على غير وضوء، ثم ذكر فلا يعيدها، وقاله مالك. قال لي مالك: ولو صلى هذه متوضئًا، ثم ذكر أن التي صلى في بيته على غير وضوء أن هذه تجزئه، ورواه عيسى عن ابن القاسم. وقال عبد الملك في المجموعة: لا تجزئه؛ لأنه لم يقصد بها الفرض، وقال في الذي أحدث خلف الإمام، وقد صلى في بيته: عليه القضاء، إلا أن يحدث قبل ركعة. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن مر بمسجد فسمع الإقامة وقد صلى وحده، فليس بواجب عليه إعادتها، إلا أن يشاء، وقال: كذلك كل من صلى

في بيته، ثم أقيمت الصلاة، وهو في المسجد أعادها إلا / المغرب. وذكر عن ابن القابسي في من صلى وحده، فلا يعيد الصلاة مع واحد؛ لأنه إنما يعيد الصلاة في الجماعة، وأقل ذلك اثنان، ومثله ذكر عن أبي عمران أنه لا يعيد مع واحد. قال: إلا أن يكون هذا الواحد هو الإمام الراتب فيعيد معه، لأنه كالجماعة. واختلف في من صلى مع صبي، فقال بعض فقهائنا: لا يعيد في جماعة، وقال ابن عبد الرحمن: يعيدها في جماعة؛ لأن صلاة الصبي نافلة. واختلف في أيام أبي محمد في من صلى في بيته مع امرأته هل يعيدها في جماعة؟ فذهب أبو الحسن وأبو عمران إلى أنه لا يعيدها في جماعة.

قال أبو إسحاق: وإذا صلى وحده، فانظر: هل يعيدها مع آخر؟ فقد تأول بعض الناس أنه إنما يعيدها في جماعة، ولا يعيدها إذا كانت الجماعة إنما تكون جماعة به؛ فلأن الذي يصلي معه قد لا يكون له جماعة، ولأن صلاته إن كانت الأولى صار الذي صلى معه إنما صلى مع من لا فريضة عليه فلم يتم له معه جماعة، وأما إذا صلى رجلان فذكر الإمام منهما أنه كان على غير وضوء كانت صلاة من صلى معه جماعة لا يعيدها في جماعة، كما إذا صلى بجماعة الجمعة فذكر الإمام أنه كان على غير وضوء كانت لهم جمعة، وكانوا في حكم من صلى بإمام وأجزأتهم قراءته، وانظر لو ذكر المأموم أنه كان على غير وضوء فبطلت صلاته هل تكون صلاة الإمام جماعة، فلا يعيد في جماعة؟. فصل - 2 - : [في شهود العتمة والصبح] ومن الموطأ / قال / الرسول عليه السلام: ((بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح لا يستطيعونهما)) أو نحو هذا. وقال: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا)). وقال عمر: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة.

وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: من شهد العشاء فكأنما قام نصف ليلة، ومن شهد الصبح فكأنما قام ليلة. فصل - 3 - : [في الصلاة تقام والرجل في صلاة] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن أحرم بالظهر في المسجد فأقيمت عليه الظهر فإن لم يركع قطع بسلام ودخل مع الإمام، وإن ركع صلى ثانية، ودخل مع الإمام. م يريد إن لم يخفف فوات ركعة مع الإمام. قال ابن القاسم: فإن صلى ثالثة صلى رابعة، ولا يجعلها نافلة، ويسلم ويدخل مع الإمام. م وهذا كله إذا علم أن الإمام لا يسبقه بالركعة، فإن خاف ذلك، فليقطع بسلام على أي حال كان، ويدخل مع الإمام. وقد قال أشهب: في العتبية قيل لمالك: فإن علم أن الإمام سيسبقه ببعض

صلاته ويدرك بعضها قال: لا ينبغي له أن يصلي والإمام يصلي، إلا أن يفرغ هو قبل أن يرفع الإمام من الركعة الأولى. قال أشهب: ولو لم يركع في المكتوبة حتى أقيمت الصلاة فليتم ركعتين، ويدخل مع الإمام، فإن خاف فوات الركعة معه قطع، ونحوه عن ابن حبيب. م وفرق ابن القاسم بين الفريضة وبين النافلة، فقال: إذا أقيمت الصلاة وهو في نافلة فإن كان ممن يخفف الركعتين فليتم ركعتين، وإلا قطع، وقال في الفريضة: يقطع، إلا أن يعقد ركعة. والفرق عنده، - والله أعلم - هو أن الفريضة إذا قطعها هو يعود إليها، والنافلة لا يعود إليها؛ لأنه لم يتعمد قطعها وإنما جاء ما قطعها عليه. وأيضًا فإن نيته في / النافلة على حالها لم تتغير، وفي الفريضة قد تغيرت من الفرض إلى النفل فضعفت لهذا؛ ولأنه في الفريضة إذا أمرته أن يتم ركعتين فهو قطع لها فليقطع من الآن أولى، وفي النافلة إذا أتم ركعتين فهو تمام لها فافترقا. ومن المدونة قال ابن القاسم: فإن أحرم بالمغرب فأقيمت عليه المغرب /

فليقطع بسلام، ويدخل مع الإمام عقد منها ركعة أم لا، وإن صلى اثنتين أتمها ثلاثًا وخرج، وإن صلى ثلاثًا سلم وخرج، ولم يعدها. م وإنما لم يضف ركعة إذا كان قد عقد ركعة، ويسلم من اثنتين، كما يفعل في غيرها؛ لأن المغرب لا يتنفل قبلها. وقال أيضًا ابن القاسم وأشهب في المجموعة: إن صلى من المغرب ركعة أضاف إليها ثانية، ودخل مع الإمام، وإن صلى اثنتين سلم ودخل مع الإمام كسائر الصلوات، وإن أقيمت عليه وقد أمكن يديه من ركبتيه ولم يرفع رأسه من الثالثة فقال ابن القاسم في المجموعة وأشهب في العتبية: فليوفع رأسه / ويسجد ويتشهد ويسلم، ويضع يده على أنفه ويخرج من المسجد. وقال أيضًا أشهب في المجموعة: إذا قام إلى الثالثة وركع فليرجع إلى الجلوس ما لم يرفع رأسه منها، فإذا رفع رأسه منها أتمها وخرج. م وهذا على اختلافهم في عقد الركعة، فمن رأى أن عقد الركعة إمكان اليدين من الركعتين رأى أنها ركعة قد انعقدت، وتمت الصلاة فلا يقطعها. قال ابن حبيب: ومن أحرم في المغرب في غير المسجد ثم أقام قوم صلاة

الجماعة فليتمادى، ولا يقطع، بخلاف من أحرم في المسجد فأقيمت عليه الصلاة. م والفرق في ذلك بين المسجد وغيره؛ فلأن النهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاتين معاً إنما كان في المسجد؛ ولأن الإمام يؤذىبذلك من وجوه: إما أن يكون في صلاة جهر فيجهر عليه، وذلك غير جائز؛ لقوله عليه السلام لمن جهر بالقراءة خلفه: ((ما لي أنازع القرآن)) ونهى عن ذلك. وإذ قد يقع في قلب الإمام أنه ممن لا يرى الصلاة خلفه فيؤذيه / بذلك، وإذ قد يكون ذلك تطرقًا لأهل البدع بأن لا يرى البدعي الصلاة خلف السني فيصلي وحده، ويقول: كانت على صلاة، وقد منع العلماء من الجمع في مسجد مرتين؛ وعللوه بما يدخل بين الأئمة من الشحناء وللتطرق لأهل البدع بأن يجعلوا من يؤم بهم، فهذا مثله. والله أعلم. ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك: ومن دخل في صلاة

فأقيمت عليه صلاة أخرى في المسجد، فإن طمع بتمامها ويدخل مع الإمام فعل، وإلا قطع ودخل معه، فإذا سلم ابتدأ الصلاتين. قال ابن القاسم: إن صلى ركعة شفعها، وسلم، ودخل مع الإمام، وإن خاف فوات ركعة مع الإمام قطع من ركعته بسلام ودخل مع الإمام. م وإنما قال مالك: يتمها إن لم يخف فوات ركعة وفرق بينها وبين ما لو أقيمت عليه تلك الصلاة؛ لأن هذا إذا أتمها ودخل مع الإمام حصلت له الصلاتان، وإذا قطعها ودخل مع الإمام فقد أبطل الأولى، ولم يعتد بصلاته مع الإمام للصلاة التي عليه، والذي أقيمت عليه تلك الصلاة يعتد بصلاته مع الإمام، ويحصل له فضل الجماعة، فلذلك فرق بينهما. والله أعلم. وأما ابن القاسم فساوى بينه وبين إذا أقيمت عليه تلك الصلاة التي هو فيها، ويحتمل أن مالكًا ساوى أيضًا بينهما، ويقول: إذا أقيمت عليه تلك الصلاة التي هو فيها فطمع بتمامها قبل ركوع الإمام فعل، وإليه نحا في رواية أشهب، وهو القياس؛ لأنه إنما أمر بقطع ما دخل فيه؛ لئلا يدخل في صلاتين معًا

فوجب أن يكون الحكم في ذلك سواء، والله أعلم. فصل - 4 - : [في من سمع الإقامة وهو يصلي في بيته فلا يقطع صلاته] ومن المدونة قال مالك: ومن أحرم في بيته ثم سمع الإقامة وهو يعلم أنه يدركها فلا يقطع وليتماد. واجب عليه أن لا يقطع إذ ليس بصلاتين معا، وقد قال الله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}. فصل - 5 - : [في الإتمام بمن يعيد صلاته] قال مالك: ومن صلى صلاة فلا يؤم فيها أحدا، فإن فعل أعاد من ائتم به إذ لا يدري أيتهما صلاته، وإنما ذلك إلى الله تعالى/ يجعل أيتهما شاء صلاته. وقد جاء في الحديث "أن الأولى صلاته والأخرى/ نافلة" فكيف

يعتدون بصلاة رجل هي له نافلة؟. قال ابن حبيب: يعيد من صلى خلفه أبدا أفذاذا، ولا يعيد الإمام. م وإنما قال: يعيدون أفذاذا؛ إذ قد تكون هذه صلاته فصحت لهم جماعة فلا يعيدونها في جماعة، ووجب عليهم الإعادة خوفًا أن تكون الأولى صلاته، وهذه نافلة، فاحتاط للوجهين جميعا. فصل - 6 - : [لا يعيد مع الإمام من صلى في جماعة] ومن المدونة قال مالك: ومن صلى في جماعة مع واحد فأكثر فلا يعبد في جماعة أكثر منها كان إماما أو مأموما، وليخرج من المسجد إذا أقيمت عليه تلك الصلاة. م لأن الحديث إنما جاء في من صلى وحده، ثم أدركها في جماعة، وقد صلى محجن الثقفي في أهله فأمره النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يعيدها في الجماعة.

[باب -14 -] في جمع الصلاة مرتين في المسجد

[باب -14 -] في جمع الصلاة مرتين في المسجد فصل -1 - : [المسجد تجمع فيه الصلاة مرتين] قال مالك: ولا تجمع صلاة في مسجد مرتين، وقاله سالم بن عبد الله وربيعة وابن شهاب والليث. قال مالك: إلا أن يكون مسجدا ليس له إمام راتب فلكل من جاء أن يجمع فيه. م قيل: إنما لم يجمع في مسجد مرتين؛ لما يدخل في ذلك بين الأئمة من الشحناء، ولئلا يتطرق أهل البدع فيجعلون من يؤم بهم، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم إذا دخلوا المسجد وقد صلى فيه إمامه صلوا أفذاذًا. ومن العتيبة قال ابن قاسم عن مالك: وإذا كان المسجد يجمع فيه بعض الصلوات، ولا يجمع فيه بعض فلا أرى أن تجمع فيه الصلاة مرتين ما يجمع فيه، وما لا يجمع فيه، وكذلك مسجد الحرس لا يجمع فيه الظهر والعصر مرتين. وقال أشهب عن مالك: في مساجد الحرس يجمع فيها الصبح

والعشاءان، ولا يجمع فيها الظهر والعصر لا بأس أن يجمع فيها الظهر والعصر قوم بعد قوم، وأما الصلوات التي تجمع فيها فلا أرى ذلك. قل: ولا يجمع في السفينة مرتين. ومن المدونة قال مالك: وإذا جمع قوم في مسجد له إمام راتب ولم يحضر فله إذا جاء أن تجمع فيه. قال مالك: وإذا صلة فيه / إمامه وحده، ثم أتى أهله لم يجمعوا فيه وصلوا أفذاذًا؛ لأن إمامهم قد أذن وصلى. قال ابن القاسم: وإن أتى هذا الإمام الذي صلى وحده إلى مسجد آخر فأقيمت فيه الصلاة فلا يعيدها في جماعة؛ لأن مالكا قد جعله وحده جماعة. قال مالك: ومن وجد مسجدا قد جمع أهله فإن طمع بإدراك جماعة في مسجد غيره خرج إليها، وإن كانوا جماعة فلا بأس أن يخرجوا من المسجد فيجمعوا، إلا أن يكون المسجد الحرام أو مسجد الرسول عليه السلام.

قال ابن القاسم: أو مسجد بيت المقدس فلا يخرجون منه، وليصلوا فيه أفذاذًا إذ هو أعظم لأجرهم من الصلاة في غيره في جماعة. ابن حبيب: وروي أن الرسول عليه السلام قال: "صلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة في غيره من المساجد". وقال في الموطأ: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام". ابن حبيب: وقال الرسول عليه السلام: "إن صلاة في بيت المقدس خير من خمسة مئة صلاة في غيره من المساجد، وإن صلاة/ في المسجد الجامع حيث المنبر والخطبة أفضل من خمس وسبعين صلاة في غيره من المساجد، وإن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بخمس وعشرين صلاة، هذا إذا كانت

الجماعة أقل من خمسة وعشرين، وإن كانت أكثر من ذلك فالثواب على عدد الرجال، وكذلك إن كان العدد في الجامع أكثر من خمسة وسبعين فالثواب على عدد الرجال، وكذلك في الثلاثة مساجد.

[باب- 15 -] ما يكره أن يصلى فيه أو إليه أو به أو عليه، وما لا يكره]

[باب- 15 -] ما يكره أن يصلى فيه أو إليه أو به أو عليه، وما لا يكره] روى ابن وهب أن النبي علي السلام نهى عن الصلاة في المزبلة والمجزرة ومحجة الطريق وظهر بيت الله الحرام ومعاطن الإبل. م والعلة في ذلك أن المزبلة والمجزرة ومحجة الطريق لا تخلوا من النجاسات، والمصلي على ظهر بيت الله يستدبر بعضها، وأما أعطان الإبل فلأنهم كانوا يستترون بإبلهم في الناهل للغائط والبول، فهي بذلك نجسة، وقيل: لأنها خلقت من جان، فتشغلهم عن الصلاة. وقد امتنع النبي (صلى الله عليه وسلم) من الصلاة بواد، وقال إن به شيطانا. قال ابن حبيب: ويعيد من صلى في ذلك كله في العمد والجهل أبدًا، وفي السهو في الوقت، إلا أن يضيق المسجد بالناس فيجوز أن يصلي في الطريق. قال ابن حبيب: وفي الحديث والمقبرة. قال ابن حبيب: تأويل ذلك

مقبرة المشركين. قال غيره: لأنها حفرة من حفر النار، كما جاء في الحديث كانت دائرة أو حديثة. قال ابن حبيب: فمن صلى فيها عامدًا أو جاهلاً، فإن كانت عامرة أعاد أبدًا، وإن كانت دراسة لم يعد، وقد أخطأ. قال أبو محمد: وقد صلى النبي (صلى الله عليه وسلم) على قبر السوداء وإن كان ذلك خاصا إذ لم يصل على غيره. ففيه دليل على إباحة الصلاة في المقبرة، وقد صلى فيها الصحابة. ومن المدونة: قال مالك: ومن صلى وبين يديه جدار مرحاض أو قبر، فلا بأس به إذا كان مكانه طاهرًا، وفي مرابض الغنم. قال ابن القاسم: ومرابض البقر. قال مالك: ولا يصلى في أعطان الإبل التي في المناهل.

ابن وهب: ونهى الرسول عليه السلام عن الصلاة في معاطن الإبل، وأمر أن يصلى في مراح الغنم والبقر. قال ابن حبيب: ومن صلى في معاطن الإبل أعاد أبدا في العمد والجهل، كمن صلى على موضع نجس، وقد كره مالك الصلاة فيها، وإن بسط عليها ثوبًا طاهرًا. ابن وهب: وقال أبو هريرة أحسن إلى غنمك وامسح الرغام عنها وأطب مراحها، وصل في ناحيتها، فإنها من دواب الجنة. وكره مالك الصلاة على قارعة الطريق لما يصيبها من أرواث الدواب وأبوالها واستحب أن يتنحى عنها، وكره مالك الصلاة في الكنائس لنجاستها وللصور التي فيها، وقاله عمر بن الخطاب. قال مالك: إلا المسافر يلجئه إليها مطر أو برد أو نحوه ويبسط فيها/ صوبا طاهرا، وإن وجد غيرها فلا ينزلها.

قال سحنون في العتبية: وأحب إلى أن/ يعيد من صلى فيها لضرورة أو غير ضرورة في الوقت، كثوب النصراني. وقال ابن حبيب: من صلى بثوب نصراني أو بثوب مسلم لا يتنزه عن البول والخمر والنجاسة أعاد أبدًا. [فصل- 1 - : ما يكره أن يصلى إليه] ومن المدونة: وقد كره مالك أن يصلى إلى القبلة فيها تماثيل. م لأنه يصير كأنه ساجدا إليها ويلهيه أيضا نظره إليها. قال ابن القاسم: وسألت مالكا عن التماثيل تكون في الأسرة والقباب والمنابر وشبهها، فقال: هذا مكروه؛ لأنها خلقت خلقا. م وقال الرسول عليه السلام: "إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تماثيل أو صورة". قال مالك: وأما ما كان في الثياب والبسط والوسائد وما يمتهن فلا بأس به. وقد كان أبو سلمة بن عبد الرحمن يقول: ما كان يمتهن فلا بأس به،

وأرجو أن يكون خفيفًا، ومن تركه غير محرم له فهو أحب إلى. قال مالك: ولا يلبس خاتم فيه تماثيل ولا يصل به. قال مالك: ولا يصلي في الكعبة، ولا في الحجر فريضة ولا ركعتي الطواف الواجب ولا الوتر/ ولا ركعتي الفجر، فأما غير ذلك من ركوع الطواف والنوافل فلا بأس به؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) تنقل فيها، ويقال: أنه دعا فقط. قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه قال: من صلى في الكعبة فريضة أعاد في الوقت، كمن صلى إلى غير القبلة يريد؛ لأنه يستدبر بعضها، ويريد أنه صلى فيها ناسيًا؛ لأنه جعله كمن صلى إلى غير القبلة. وقد قال أصبغ في كتاب ابن المواز: من صلى في الكعبة عامدًا أعاد

أبدًا، فدل أن الناسي عنده يعيد في الوقت، وقال ابن حبيب: من صلى فوق ظهر الكعبة أو في داخلها فريضة أعاد أبدًا في العمد والجهل، كمن صلى إلى غير القبلة. قال محمد بن عبد الحكم عن أشهب: لا إعادة عليه. م وقول ابن حبيب: أشبه بظاهر المدونة، وإنما فرقوا بين سهوه وعمده، وجعلوه بخلاف من صلى في مكة إلى غير القبلة ناسيًا، فقد قالوا: فيه يعيد أبدًا؛ لأنه معاين لها؛ لأن الذي صلى في الكعبة/ قد صلى إلى بعضها، فهو بخلاف من استدبر جميعها. ولما روى أن النبي عليه السلام تنفل فيها، والتنفل لا يجوز إلا إلى القبلة، كالفريضة فكان ينبغي على هذا أن لا يعيد، وإن تعمد، خلا أنه روي في حديث آخر أنه إنما دعا فيها فقط، فلهذا توسط مالك أمره،

فجعله يعيد في الوقت. م ويحتمل عندي في من صلى في مكة إلى غير القبلة ناسيًا أن يعيد في الوقت، ويكون بخلاف من أسقط شيئًا من فروض الصلاة ناسيًا لقوله تعالى: {فأينما تولوا فثم وجه الله} نزلت في من صلى في غيم إلى غير القبلة، ثم علم بعد الوقت. وقد قال الرسول عليه السلام: ((حمل عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه))، والرواية أنه يعيد أبدًا، والله أعلم بالصواب. وذكر بعض أصحابنا أن بعض أهل العلم قال في من صلى بالمدينة إلى غير القبلة: أنه يعيد أبدًا؛ لأن جبريل عليه السلام أقام قبلتها فهو مثل من صلى بمكة إلى غير القبلة أنه يعيد أبدًا، ويعيد في غير هذين الموضعين في الوقت؛ لأن/ صلاته في الوقت مجتهدًا أتم من صلاته بعد الوقت مجتهدًا، فلذلك لم يعد بعد الوقت، والله أعلم. قال ابن المواز عن ابن القاسم: ومن صلى المكتوبة في الحجر أعاد في الوقت، وإن ركع فيه الركعتين الواجبتين من طواف السعي أو الإفاضة أعاد واستأنف مادام بمكة، وإن رجع إلى بلده ركعهما وبعث بهدي. م جعله في الفريضة يعيد في الوقت، وكان يجب على هذا أن لا يعيد الركعتين إذا بلغ بلده لذهاب الوقت، ويجب على قوله في الركعتين أن يعيد

الفريضة أبدًا، وإلا كان ذلك تناقضًا، والله أعلم. فصل-2 - : [في الصلاة على جلد الميتة أو به] ومن المدونة قال مالك: ومن صلى ومعه جلد ميتة لم يدبغ أو شيء من لحمها أو عظمها أعاد في الوقت. م يريد أنه إذا صلى بذلك ناسيًا. قال مالك: ولا يعجبني أن يصلي على جلد ميتة وإن دبغ، فإن فعل أعاد في الوقت. م لعله يريد في هذا فعله ناسيًا أو عامدًا لحديث: ((إذا دبغ الإهاب فقد طهر)). ويحتمل أن يكون ساوي بينهما/ كمساواته بينهما في البيع، والله أعلم. وقال ابن وهب: في العتبية: لا بأس أن يصلي بجلود الميتة أو عليها أو معها إذا دبغت، وقد قال الرسول عليه السلام: ((زكاة كل أديم دباغه))، وفي

حديث آخر ((إذا دبغ الإهاب فقد طهر)). ومالك يقول: طهر للانتفاع به والجلوس عليه، لقوله عليه السلام: ((ألا انتفعتم بجلدها))، وأما الصلاة عليه والبيع فلا. قال مالك: ولا بأس أن يصلي على جلود السباع وتلبس إذا ذكيت لاختلاف الصحابة في أكلها، ومالك يكره أكلها من غير تحريم. ثم قال: ولا يصلى على جلد حمار وإن ذكي؛ لأن الزكاة لا تعمل منه؛ لأن النبي عليه السلام حرم أكله. قال ابن القاسم: وتوقف مالك عن الجواب في الكيمخت، ورأيت تركه أحب إليه.

ومن العتبية قال سحنون: وقال علي عن مالك: ما زال الناس يصلون بالسيوف وفيها الكيمخت، قال موسى: وقد جعله الصحابة في سيوفهم، ورأوا أن دباغه طهوره. ابن المواز: قال ابن القاسم: ولا بأس به في السيوف خاصة لحاجة الناس/ إلى ذلك، وإنما كره مالك بيعه والصلاة عليه، قال: والبغل بمنزلة الحمار، وأما الفرس فهو أمثل. قال ابن حبيب: ولو جعل أحد من الكيمخت شيئًا يسيرًا في غير السيف مثل زمام بغل أو لوزة في خف أخطأ وأعاد أبدًا، وقاله مالك. م ويحتمل أن يكون هذا خلاف للمدونة؛ لأن مالكا إنما استجب تركه ولم يحرمه، وقد روى الصحابة أن دباغه طهوره، فكيف يعيد من صلى به أبدًا.؟ قال سحنون في من ألقي عليه ثوب نجس، وهو في الصلاة فسقط عنه مكانه ولم يثبت: أرى أن يبتدئ الصلاة. ومن المدونة قال مالك: وكل ما يؤخذ من الميتة، وهي حية فلا يكون نجسًا، فلا بأس أن يؤخذ منها بعد موتها، ولا يكون ميتة، مثل: صوفها

ووبرها وشعرها واستحسن غسله. وكره مالك أخذ القرن منها والعظم والسن والظلف من/ الميتة ورآه ميتة، وكره أخذ القرن منها وهي حية أيضًا. ابن المواز: وما قطع من طرف القرن والظلف مما لا يؤلم الحي، ومما لك أخذه وبيعه في حياته فلك أخذه بعد موته. ومن المدونة: وكره مالك الإدهان في أنياب الفيل وعظام الميتة والمشط بها وبيعها وشرائها؛ لأنها ميتة. ابن المواز: وإنما كرهه مالك ولم يحرمه لإجازة من أجاز أن يمتشط بها، منهم: عروة بن الزبير وربيعة وابن شهاب. قال أبو إسحاق: وقد قيل: أن غلي العظام في الماء المسخن كالدباغ للجلود، وأنها تطهر بذلك. م البخاري: قال الزهري: أدركت ناسًا من سلف العلماء/ يمتشطون

بعظام الميتة، كالفيل وغيره، ويدهنون فيها، ولا يرون به بأسًا. وقال ابن سيرين وإبراهيم النخعي: لا بأس بتجارة العاج. م فوجه إجازتهم الامتشاط بها قياسًا على جلودها، وقد قال الرسول عليه السلام «ألا انتفعتم بجلدها». فكما جاز الانتفاع بجلدها كذلك يجوز بعظمها. ووجه قول مالك: أن الله تعالى قال: (حرمت عليكم الميتة والدم) فكان الواجب أن يحرم منها كل شيء، إلا أن السنة خصت الانتفاع بالجلد، وبقي ما سواه على أصل التحريم، خلا أنه كرهه ولم يحرمه مراعاة للخلاف. قال مالك في «المدونة»: ولا ينتفع بشيء من عظام الميتة ولا يوقد بها الطعام ولا الشراب. قال سحنون: فإن فعل لم يفسد الطعام ولا الشراب، وأكرهه نديًا. م يريد بخلاف ما يشوى عليه من خبز أو لحم؛ لأن ودك العظام تنجسه.

قال مالك: ولا يحل اللبن في ضروع الميتة؛ لأنه ميتة بمنزلة الدم واللحم، ولو كان طاهرًا لأنجسه، الوعاء أيضًا. قال أبو إسحاق: وأما القدر إذا طبخت بذلك، فإن كان الدخان لا يدخل القدر أكلت، وإن انعكس الدخان فصار في القدر لم يؤكل، وأما ما طبخ بها من خبز فيشبه أن يكون طاهرًا؛ لأن الميتة إذا أحرقت صارت رمادًا ذهب عين الميتة وانقلبت إلى رماد، فأشبه انقلاب الخمر إلى الخل على مذهب من يرى ذلك طاهرًا، وأن الخل يؤكل. قال مالك: ومن صلى بماء غير طاهر، وهو يظنه طاهرًا ثم علم، فليغسل ما أصاب ذلك الماء من جسده وثيابه ويعيد الصلاة ما دام في الوقت. م يريد ما لم يتغير أحد أوصافه، ولو تغيرت أعاد أبدًا.

[باب-16 -] في وقت من أسلم أو صلى إلى غير القبلة أو أفاق أو جن أو بقي تحت الهدم

[باب-16 -] في وقت من أسلم أو صلى إلى غير القبلة أو أفاق أو جن أو بقي تحت الهدم [فصل-1 - في المصلي يستدبر القبلة أو يشرق أو يغرب] قال أبو محمد: روى أبو هريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ((ما بين المشرق والمغرب/ قبلة))، وذكره مالك في الموطأ عن عمر بن الخطاب قال: وذلك إذا توجه إلى البيت. قال مالك: وعليه الأمر عندنا. وروى ابن وهب عن جابر بن عبد الله قال: صلينا ليلة في غيم، وخفيت علينا القبلة، وعلمنا علمًا، فلما أصبحنا فإذا نحن قد صلينا إلى غير القبلة، فذكرنا ذلك لرسول (صلى الله عليه وسلم) فقال: ((قد أسحنتم)) ولم يأمرنا بالإعادة. وقال ابن شهاب وابن المسيب وربيعة وغيرهم: يعيد في الوقت، فإن مضى الوقت لم يعد.

قال مالك: ومن علم وهو في الصلاة، أنه استدبر القبلة أو شرق أو غرب قطع، وابتدأ الصلاة بإقامة، ولا يدور إلى القبلة، وإن علم بذلك بعد الصلاة أعاد ما دام في الوقت، ووقته/ في الظهر والعصر اصفرار الشمس، وفي العشائين طلوع الفجر، وفي الصبح طلوع الشمس، ولو علم وهو في/ الصلاة أنه انحرف عن القبلة يسيرًا فلينحرف إلى القبلة، ويبني على صلاته، ولا يقطعها؛ لقوله عليه السلام: ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)). م قال أبو محمد: ورأيت لبعض أصحابنا أن الدليل في النهار على رسم القبلة: أن ينظر إذا انتهى آخر نقصان الظل، وهو أن يأخذ في الزيادة، فإن الظل حينئذ قبالة رسم القبلة وذلك قبل أن يأخذ في الزيادة، فيرجع إلى المشرق، ويستدل عليها بالليل بالقطب الذي تدور عليه بنات نعش، فاجعله على كتفك الأيسر واستقبل الجنوب بوجهك فما لقي بصرك فهو القبلة، والقطب نجم خفي وسط السمكة التي تدور عليه وتدور عليها بنات نعش الصغرى والكبرى، ورأس السمكة أحد الفرقدين وذنبها الجدي. م وأما ما ذكر من الاستدلال بالليل فصواب؛ لأنه لا يختلف في الشتاء

والصيف، وأما الاستدلال بالزوال في النهار فالزوال يختلف في الشتاء والصيف؛ لأن الشمس تطلع في الشتاء من قرب القبلة، فلا يصح ما رسم من الاستدلال بالزوال. فصل-2 - : [في أوقات الضرورة] روى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: ((من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها، ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها، وهذه أوقات الضرورة. قال ابن القاسم: في المرأة تحيض أو تطهر، والمسافر يخرج أو يقدم، والرجل يغمي عليه أو يفيق من الإغماء أو من جنون مطبق فوقتهم في الصبح ما لم تطلع الشمس، وفي الظهر والعصر ما لم تغرب الشمس، وفي العشائين ما لم يطلع الفجر، فإذا بقي من وقت الصلاة قدر صلاة أو ركعة منها فذلك وقت للآخرة، وهم مدركوها، فتسقط عن التي حاضت حينئذ، وعن الذي أغمي عليه، ويقصرها من سافر حينئذ وظعن، وتجب على التي طهرت أو على من

أفاق، ويتمها القادم حينئذ، ولو/ بقي من الوقت قدر صلاة وركعة من الأخرى كانوا مدركين للصلاتين جميعًا على ما فسرنا، وكذلك النصراني يسلم والصبي يحتلم. قال سحنون: قال ابن القاسم وأشهب وأكابر أصحابنا: فإن بقي من الليل قدر أربع ركعات صلوا المغرب والعشاء. م لأنه إذا صلى المغرب ثلاثًا بقيت ركعة للعشاء، وقد قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها))، وهو الصواب. وقال عبد الملك: إن كان لأربع ركعات فأقل صلوا العشاء فقط، وإنما للمغرب من الليل ما فوق أربع ركعات. وقال أبو زيد عن ابن القاسم: وإن طهرت في السفر لثلاث ركعات من الليل فليس عليها إلا العشاء ركعتين، وقاله أشهب وأصبغ. قال أصبغ: وهذه آخر مسألة سألت عنها ابن القاسم، وأخبرته أن ابن عبد الحكم نازعني فيها، وقال: تصلي الصلاتين جميعًا فقال لي: أصبت وأخطأ، وأخبر سحنون يقول ابن عبد الحكم وأصبغ، فقال: أصاب ابن عبد الحكم؛ لأنها لو صلت العشاء

لبقيت ركعة للمغرب، والقوت لآخر الصلاتين، وكذلك لو حاضت لهذا التقدير لم تقضهما/ وروى سحنون مثل هذا عن ابن القاسم في المجموعة/. م فصار في هذا الأصل ثلاثة أقاويل: قول: إنه يراعي فيه أن يدرك الصلاة الأولى وركعة من الثانية ويقدر ذلك على أن يبتدئ بالأولى، وقول: يراعي فيه أن يدرك الصلاة وركعة من الأخرى ويقدر ذلك على أن يبدأ بالأولى أو بالآخرة، فأيهما صح له ذلك صلاهما جميعًا، ويبدأ بالأولى، وقول: يجعل الوقت كله لآخر الصلاتين، فما فضل جعله للأولى، وإن لم يبق لها شيء جعلها فائتة. قال سحنون عن ابن القاسم في العتبية: وإن حاضت في الحضر لقدر خمس ركعات قبل الغروب ولم تكن صلت الظهر والعصر فلا قضاء عليها، وإن كان لقدر أربع ركعات إلى ركعة/ قضت الظهر فقط؛ لأن وقتها قد خرج، ولو كانت ناسية للظهر وقد صلت العصر، وحاضت لأربع ركعات فأدنى فلا تقضي

الظهر؛ لأنه وقت لها. م لأن كل من صلى العصر ناسيًا للظهر فذكر لأربع ركعات من النهار فإنه يصلي الظهر خاصة ولا يعيد العصر، إلا أن يبقي من الوقت بقية بعد صلاة الظهر، فصارت الظهر أحق بهذه الأربع ركعات من العصر المصلاة. قال عنه عيسي: وكمسافر قد صلى العصر ناسيًا للظهر، وقد دخل لأربع ركعات فليصل الظهر حضرية، وكذلك لو لم يتم وضوءه حتى غابت الشمس فليصل الظهر حضرية، كما وجبت عليه، وغير هذا خطأ. وقال يحيي بن يحيي عن ابن القاسم: إذا حاضت لقدر أربع ركعات فأدنى ناسية للظهر وقد صلت العصر فإنها تقضي الظهر، كما لو نسيتهما جميعًا؛ لأن الظهر قد خرج وقتها وهذا وقت العصر. ابن حبيب: وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم، قالوا: هو وقت العصر وتقضي الظهر كصلاة خرج وقتها ولم تصلها حتى حاضت، وكذلك في التي تطهر ومسافر يقدم أو يظعن أو مغمى عليه يفيق لمقدار صلاة من النهار فهي للعصر صلت الظهر أم

نسيت، ويروى في المسافر يقدم لركعة وقد صلى العصر ونسي الظهر أن يصلي الظهر سفرية؛ لأنه قد خرج وقتها، والذي دخل فيه وقت للعصر. قال ابن حبيب: وأنا احتاط فأرى أن على المسافر يقدم لركعة مصليًا للعصر ناسيًا للظهر أن يصلي الظهر حضرية، وأوجب على الحائض حينئذ قضاءها. وقد قال أصبغ أن الاستحسان عماد العلم، ولا يكاد المفرق في القياس إلا مفارقًا للسنة. وقال ابن المواز: قال ابن القاسم في الحائض تطهر والمغمى عليه يفيق لقدر أربع ركعات من النهار ثم يذكر صلاة نسيها: فإنه يبدأ بالفائتة، ثم يصلى العصر. م لأن الفائتة قد تخلدت في الذمة وقد طهرت في وقت العصر/

فوجبت عليها، ولكن تبدأ بالفائتة، كما لو ذكرت صلاة نسيتها لقدر أربع ركعات ولم تكن صلت العصر فإنها تبدأ بالفائتة ثم تصلي العصر، وكما لو حاضت حينئذ لسقطت العصر، فكذلك إذا طهرت حينئذ يجب عليها؛ لأن ما سقط/ بالحيض يجب بالطهر، وهذا بين. قال ابن المواز: ثم رجع ابن القاسم فقال: لا تصلي العصر إلا أن يبقي من الوقت بقية. قال ابن المواز: والأول أصوب؛ لأن من أصل مالك وأصحابه في من سافر لركعتين ناسيًا للظهر والعصر أنه يصلي الظهر حضرية والعصر سفرية؛ لأنه كمسافر سافر في وقتها، وعلى القول الآخر ينبغي أن تصلي الظهر ركعتين والعصر أربعًا. م لأنه جعل ذلك الوقت للظهر فوجه قول ابن القاسم هذا الآخر عندي كأنه رأى أن هذا الوقت الفائتة أولى به؛ لقوله عليه السلام: ((من نسي صلاة فليصلها حين يذكرها)) فإن الله تعالى قال: {أقم الصلاة

لذكري}. فلما كان هذا الوقت مستحقًا للفائتة لم تجب عليها العصر لخروج وقتها، ولأنه لما وجب عليها أن تبدأ بالفائتة إذ لا تصح صلاتها إلا بذلك وجب أن تراعي الوقت بعد فراغها منها، كالغسل الذي لا تصح صلاتها إلا به، وهي إنما تراعي الوقت بعد فراغها منه. م والقول الأول أصوب لما قد بينا. فصل-3 - : [أصحاب الضرورات ينظرون لما بقي من الوقت] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإنما تنظر الحائض إلى ما بقي من القوت بعد/فراغها من غسلها وجهازها من غير توان ولا تفريط، وكذلك المغمى عليه إنما يراعي بعد وضوئه، وهو القياس فيه وفي النصراني، إلا أني استحسن في النصراني يسلم أن ينظر إلى ما بقي من الوقت ساعة يسلم؛ لقول مالك إذا أسلم النصراني في رمضان وقد مضى بعض النهار أنه يكف عن الأكل، ويقضي يومًا مكانه، فالصلاة أحرى أن تكون عليه إذا أسلم في وقتها. وقال سحنون في كتاب ابنه: المراعاة في/ الحائض تطهر والذي يسلم

أو يفيق من الإغماء سواء، ينظر إلى ما بقي من النهار أو الليل بعد غسل المغتسل ووضوء المتوضئ، لا ما قبل ذلك. م وهذا هو القياس، وهو الصواب إن شاء الله. ابن حبيب: وقاله أصبغ، وقال مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم: تنظر الحائض إلى ما بقي من الوقت بعد الغسل، وأما النصراني يسلم والمغمى عليه يفيق فمن وقت أسلم أو أفاق، وبه أقول. م والصواب والقياس ما قال سحنون، والاستحسان ما قال ابن القاسم، وأما اختيار ابن حبيب فلا وجه له؛ لأن المنع في الحائض والمغمى عليه من أمر الله فلا معنى للتفرقة بينهما، وأما النصراني فالمنع كان من قبله فاستحسن له أن يصلي ما أسلم في وقته، وما هو بالبين.

قال أبو محمد: وينبغي في الصبي يحتلم أن يكون مثل قولهم في الحائض، ولم يختلف فيها قولهم. قال ابن القاسم في العتبية: فإن أحدثت الحائض بعد غسلها أو المغمي عليه بعد وضوئه فتوضأ فغربت الشمس فليقضيا ما لزمهما قبل الحدث، وأما إن علما قبل الصلاة أن الماء الذي كان به الوضوء أو الغسل كان نجسًا فليعد هذا الغسل وهذا الوضوء بما طاهر، ثم ينظر إلى ما بقي من الوقت بعد الغسل والوضوء الثاني فيعملان عليه، وإن لم يعلما حتى صليا وغابت الشمس لم يعيدا الصلاة. وذكر ابن سحنون عن أبيه أنه ساوي بين الحدث ونجاسة الماء، وألزمهما ما لزمهما بعد الطهر والوضوء الأول. قال: لأن هذا الماء النجس كان يجزئهما الصلاة به، وإن خرج الوقت. قال أبو محمد: يريد نجاسة لم تغير الماء. م فكأنه/ يقول: إن الصلاة لازمة بهذا الطهر، وإنما الغسل الثاني استحسان.

ووجه قول ابن القاسم أن الغسل والوضوء بذلك الماء لا يجوز ابتداء، كالذي تغير أحد أوصافه فهما كمن لم يتطهرا فيعملان على ما لزمهما بعد الطهر الثاني. وقال أشهب في العتبية/ في الحائض تتم طهرها لثلاث ركعات من النهار، ثم علمت بنجاسة الماء -يريد نجاسة لم تغيره- فإن كانت إذا أعادت الغسل غربت الشمس فلتصل بذلك الماء في الوقت أحب إلي من صلاتها بماء طاهر بعد الوقت. قال في المجموعة: ثم تتطهر وتعيد الصلاة احتياطًا. فصل -4 - : [في الحائض تقدر بعد طهرها مقدار ما بقي من الوقت] قال في العتبية: وإن قدرت بعد طهرها خمس ركعات فلما صلت الظهر غربت الشمس، قال: فلتصل العصر، فإن قدرت أربعًا فصلت العصر، ثم بقي من النهار بقية فلتصل الظهر فقط، إلا أن يبقى من النهار بعدها ركعة فلتعد العصر. وقال ابن حبيب: إذا قدرت أربعًا فصلت العصر، ثم بقي قدر ركعة فلتصل الظهر والعصر كما كان لزمها وإن غربت الشمس.

م ولم يعذرها بخطئها في التقدير، وعذرها أشهب، وجعلها كالناسية للظهر تصلي العصر، ثم تذكر لأربع ركعات فأدنى تصلي الظهر، ولا تعيد العصر، إلا أن يبقى للعصر بعد ذلك قدر ركعة. م وقول أشهب أبين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((حمل عن أمتي الخطأ والنسيان)). وقال عيسى عن ابن القاسم: وإن قدرت خمس ركعات فلما صلت ركعة غربت الشمس فلتضف إليها أخرى وتسلم، وتصلي العصر، وكذلك/ لو صلت ثلاثًا، ثم غربت الشمس لأضافت رابعة، فتكون نافلة، وتصلي العصر. ابن المواز قال أصبغ: ولو قطعت في الوجهين كان واسعًا. م وهذا على اختلافهم في من أقيمت عليه المغرب وهو في المغرب فعلى مذهبه في المدونة أنه يقطع عقد ركعة أم لا، فيلزمه هاهنا أن يقطع إذ لا يجوز له أن يتنفل حينئذ، وعلى قوله يشفع الركعة يشفع هاهنا؛ لأنه لم يتعمد ابتداء التنفل. فصل -5 - : [في حكم من تحل عليه الصلاة وهو تحت الهدم أو مكتومًا ونحو ذلك] ومن المدونة قال مالك: ومن كان تحت الهدم فلم يستطع الصلاة

فعليه أن يقضي ما خرج وقته؛ لأنه في عقله، بخلاف المغمى عليه. م وهذا كالمريض الذي لا يجد من يناوله ماءً ولا ترابًا. وقال ابن نافع وأشهب عن مالك في غير المدونة/: لا يعيد الذي تحت الهدم. وروى معن عن مالك: في الأسارى يكتفهم العدو لا يصلون أياماً فلا صلاة عليهم، إلا ما أدركوا وقته. وذكر أبو جعفر الأبهري في الذي تحت الهدم والمصفدين إن كانوا على طهارة فعليهم الإعادة لما تركوا من أدائها بقدر طاقتهم، وإن لم يكونوا على طهارة فيجب أن لا يكون عليهم إعادة، كعجزهم عما لا تصح الصلاة إلا به من وضوء أو تيممم. قال ابن المواز: قال ابن القاسم في المريض لا يجد من يناوله ماءً ولا ترابًا: قال: يصلي ويعيد أبدًا، وقال أصبغ: لا يصلي إلا بوضوء أو تيمم، وإن خرج الوقت، وقاله ابن حبيب وغيره من البغداديين. ومن سماع أشهب قال في المعطوبين واحد متعلق على رجل وآخر

متعلق على لوح فليصلوا كذلك إيماء، ولا إعادة عليهم، إلا أن يخرجوا فمن الوقت. قال أبو محمد: وقيل: لا إعادة عليهم أصلاً، ونحوه لأشهب/. فصل -6 - : [في المجنون يفيق بعد سنين يقضي الصوم ولا يقض الصلاة] ومن المدونة قال مالك: ومن أصابه جنون فأقام به سنين، ثم أفاق بعلاج أو غيره فليقض الصوم، ولا يقض من الصلاة إلا ما أفاق في وقته. قال ابن القاسم: وكذلك من بلغ مطبقًا، ثم أفاق بعد دهر. م أما إعادة الصوم فلقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، وإنما لم يلزمه إعادة الصلاة فلأنه غير مخاطب بها لرفع القلم عنه، لقوله عليه السلام: ((رفع القلم عن ثلاثة - فذكر - المجنون حتى يفيق))، وقياسًا على الحيض؛ لأن الحيض عندهم

كالمرض فهي تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة بالإجماع، وبه جاء الأثر، وكان ابن عمر إذا أغمي عليه لا يقضي الصلاة.

[باب -17 -] في اللباس في الصلاة وصلاة الحرائر والإماء والعراة والمكفتين ثيابهم

[باب -17 -] في اللباس في الصلاة وصلاة الحرائر والإماء والعراة والمكفتين ثيابهم. قال الله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، وصلى عليه السلام في ثوب واحد واضعًا طرفيه على عاتقيه، وقال: ((ومن لم يجد ثوبين فليصل في ثوب واحد ملتحفًا به، وإن كان الثوب قصيرًا فليأتزر به)). قال البخاري: ((من صلى في ثوب فليخالف بين طرفيه)). قال في حديث آخر: ((فإن كان واسعًا التحف به، وإن كان ضيقًا ايتزر به)).

وقال في حديث آخر: ((أو كلكم يجد ثوبين))، وذكره البخاري، ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن تصلي المرأة إلا في الدرع السابغ والخمار، وقال: ((لا يقبل الله صلاة امرأة بلغت المحيض إلا بخمار))، وكانت عائشة رضي الله عنها تصلي في الدرع والخمار السابغ. وقالت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: تصلي في الخمار والدرع السابغ الذي يستر ظهور القدمين. [فصل -1 - في صلاة الحرائر] قال مالك رحمه الله: وإذا صلت المرأة بادية الشعر/ أو الصدر أو ظهور القدمين أعادت الصلاة في الوقت.

قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإنما أعادت في الوقت؛ لأن الإعادة لم تكن في ذلك بالقوية عند أهل العلم، وسواء كانت جاهلة أو عامدة أو ناسية. قال مالك في العتبية: ووقتها في الظهر وفي العصر إلى اصفرار الشمس. ومن المدونة قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه قال: إذا صلت المرأة منتقبة بشيء أنها لا تعيد، وذلك رأيي، والتلثم مثله. وقال ابن حبيب: ولا ينبغي أن تصلي متلثمة أو منتقبة، فإن فعلت أخطأت، ولم تعد، وقاله ابن القاسم. قال عبد الوهاب: وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يغطي الرجل أنفه في الصلاة، وقال: ((خطم كخطم الشيطان)). قال مالك: وإذا كانت الحرة بالغة أو مراهقة فلا تصل إلا وهي مستترة، بمنزلة المرأة الكبيرة.

قال ابن القاسم: والجارية الحرة التي لم تبلغ المحيض ومثلها قد أمرت بالصلاة، وقد بلغت إحدى عشرة سنة أو اثنتي عشرة سنة تؤمر بأن تستر من نفسها في الصلاة ما تستر الحرة البالغة. وقال أشهب: وإذا صلت الصبية التي لم تبلغ المحيض بغير قناع - وهي ممن تؤمر بالصلاة - فلتعد في الوقت، وكذلك الصبي يصلي عريانًا، فإن صليا بغير وضوء أعادا أبدًا. وقال سحنون: إنما يعيدان بالقرب، ولا يعيدا بعد اليومين والثلاثة. [فصل -2 - في لباس أم الولد في الصلاة] ومن «المدونة» قال مالك: ولا تصل أم الولد إلا/ بقناع كالحرة بدرع أو قرقل تستر به صدور قدميها، فإن صلت بغير قناع فأحب إلي أن تعيد في

الوقت، ولا أوجبه عليها كوجوبه على الحرة. [فصل -3 - في لباس الأمة في الصلاة] قال: والأمة تصلي بغير قناع وذلك شأنها، وقاله ابن عباس وربيعة والنخعي. قال مالك: وكذلك المكاتبة والمدبرة والمعتق بعضها، ولا تصلي الأمة إلا بثوب يستر جميع جسدها. قال ابن القاسم: والتي لم تلد من السراري تصلي كما تصلي الأمة التي لم يتسرأها سيدها. قال أصبغ في الواضحة: ويستر الأمة في الصلاة ما يستر الرجل، ولو صلت هي والرجل مكشوفي البطن ما ضرهما، وعورتهما من السرة إلى الركبتين، ويجوز أن تصلي الأمة في ثوب واحد متوشحة به. قال أصبغ: ولو صلت الأمة مكشوفة الفخذ لأعادت في الوقت، ولو صلى الرجل مكشوف الفخذ لم يعد، وهي قيما انكشف مما بطن من عورتها كالحرة.

[فصل -4 - في عورة المرأة والرجل] قال أبو محمد عبد الوهاب: وجميع بدن الحرة عورة، إلا الوجه والكفين؛ لقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ}، وأما عورة الرجل فمن سرته إلى ركبته، وقيل: من فوق العانة إلى الركبة، خلافًا لمن قال العورة السوأتان فقط، دليلنا قوله عليه السلام: ((إن الفخذ عورة))، وقاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال: وكذلك عورة الأمة مثل عورة الرجل لجواز تقليبها عند الشراء، ورؤية شعرها وذراعيها، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يضرب الإماء إذا لبس الأزر، ويقول لا تتشبهن بالحرائر. فصل -5 - : [في الأمة تعتق في الصلاة] قال ابن القاسم في الأمة تعتق في الصلاة بعد عقد ركعة من الفريضة

ورأسها منكشف: فإن لم تجد من يناولها خمارًا ولا وصلت إليه صلت ولم تعد، وإن قدرت على أخذه ولم تأخذه أعادت في الوقت، وكذلك العريان يجد ثوبًا. وقال أصبغ: لا تعيد كالمتيمم يجد الماء بعد أن دخل في الصلاة، وإنما استحسن لها الاستتار حينئذ، وليس بواجب عليها وإنما تعيد في الوقت إذا أخذها العتق قبل أن تدخل في الصلاة/، كناسي الماء في رحله، وإن كنت أقول في هذا أنه يعيد أبدًا؛ لأنه من أهل الماء. وقال سحنون: إذا عتقت في الصلاة ورأسها منكشف فلتقطع، وتبتدئ، وكذلك العريان يجد ثوبًا في الصلاة. فوجه قول ابن القاسم: فلأنها دخلت في الصلاة بما يجوز لها فلم تجب عليها إعادة، كواجد الماء بعد أن دخل في الصلاة، فإن وصلت إلى الخمار ولم تستتر به أعادت؛ لأنها قدرت على الاستتار من غير بطلان ما تقدم لها فخالفت واجد الماء في رحله في هذا.

ووجه قول أصبغ: فلأنها كواجد الماء بعد دخوله في الصلاة بالتيمم كما قال. ووجه قول سحنون: فلأنها حرة صلت بعض صلاتها بغير خمار فوجب أن تعيد أصله الجميع. وروي عن ابن القاسم إذا أعتقت في الصلاة جعلتها نافلة، وإن لم تصل إلا ركعة أضافت إليها أخرى وسلمت، ولو أن إمامًا صلى بقوم فوقع ثوبه عنه وهو راكع فانكشف فرجه ودبره فإن أخذه مكانه ورفع رأسه فذلك يجزئه، وكذلك إن أخذه بعد رفع رأسه إذا لم يبعد. قال سحنون: وليعد كل من نظر إلى فرجه ممن خلفه، ولا شيء على من لم ينظر إليه. وروي عن سحنون أن صلاته وصلاة من خلفه فاسدة، وإن أخذه مكانه قال أبو إسحاق: لم يجعل في الجواب الأول انكشافه يضره إذا استتر بالقرب، وقد مر به وقت وهو فيه منكشف وهو يصلي، وفي هذا نظر، إلا أن يستخف ذلك؛ لأن ستر العورة ليس من فروض الصلاة فيستخف ذلك ليساره مدة انكشافه، وأما قول سحنون أن من نظر إلى فرجه فسدت صلاته ففيه نظر؛ لأن النظر إلى فرجه متعمدًا معصية، وليس إذا عصى في الصلاة فسدت صلاته ولا

أرأيت لو سرق في الصلاة داراهم أو غصب ثوبًا في صلاته أكان يفسد صلاته يفعله المعصية في الصلاة. قال عطاء في المدونة في المرأة لا يكون لها إلا الثوب الواحد، قال: تأتزريه، قال وكيع يعني إذا كان صغيرًا. فصل -6 - : [في مسائل متنوعة] قال مالك: ويصلي العريان قائمًا ويركع ويسجد ولا يومئ ولا يصلي قاعدًا، فإن كانوا جماعة في نهار صلوا أفذاذا متباعدين قيامًا، وإن كانوا في ليل مظلم لا يتبين بعضهم بعضًا جمعوا وتقدمهم إمامهم. قال مالك: ولا بأس/ أن يصلي الرجل محلول الأزرار وليس عليه مئزر

سراويل، وهو أستر من الذي يصلي متوشحًا بثوب واحد. قال في آخر الكتاب: ولا بأس بالسدل في الصلاة وإن لم يكن عليه قميص إلا مئزر ورداء وبطنه منكشف، ورأيت عبد الله بن الحسن وبعض الفضل يفعل ذلك. قال أشهب في مرضى في بيت صلى أحدهم في ليلة مظلمة إلى غير القبلة وهم يظنون أنهم إلى القبلة، أو كان الإمام إلى القبلة وهم إلى غيرها، أو هم إليها وهو إلى غيرها ولم يتعمد، قال: إن أصاب الإمام القبلة لم يعد، وأعاد من خلفه، وإن أخطأ الإمام القبلة أعاد هو وهم أصابوا القبلة أو أخطأوها. قال أبو إسحاق: في هذا نظر؛ لأن الإمام إذا أخطأ القبلة وأصابها من وراءه يجب أن يجزئهم على قياس قولهم: إذا كان الإمام ناسيًا للوضوء أن الصلاة تجزئهم؛ لأن الوضوء لا يحمله الإمام عنهم، وإنما تفسد صلاتهم بأمر يكون فعل الإمام فعلا لهم، يكون هو حامله عنهم كالقراءة، وأما استقبال القبلة فهو فرض عليه وعليهم فلا يحمله عنهم، كالوضوء. والسدل أن يسدل طرفي إزاره ويكشف صدره وفي وسطه مئزر أو سراويل فتتم صلاته؛ لأنه مستور العورة. قال في العتبية: واشتمال/ الصماء المنهي عنه أن يشتمل بالثوب على منكبيه ويخرج يده اليسرى من تحته وليس عليه مئزر، وأجازه مالك إن كان عليه مئزر،

ثم كرهه. قال ابن القاسم: وتركه أحب إلي للحديث، وليس يضيق إذا كان مؤتزرًا. قال مالك: والاضطباع أن يرتدي ويخرج ثوبه من تحت يده اليمنى/ قال ابن القاسم: وهو من ناحية الصماء. قال مالك في المدونة: ومن صلى بسراويل أو مئزر وهو قادر على الثياب لم يعد في وقت ولا غيره. وكره مالك في العتبية الصلاة في السراويل؛ إلا أن لا يجد غيرها. م لأنه من زي العجم؛ ولأنه يصف والمئزر أفضل منه، وقد صلى جابر بن عبد الله بقوم وعليه ثوب شده إلى ثندويه أو فوقهما، وقال: ((إن

النبي عليه السلام فعله)). ابن حبيب: ويكره للرجل أن يصلي في ثوب رقيق يصف، أو خفيف يشف، ومن فعل ذلك أعاد الصلاة رجلا كان أو امرأة؛ لأنه شبيه بالعريان، إلا أن يكون رقيقًا صفيقًا لا يصف إلا عند ريح فلا يعيد. فصل -7 - : [في المكفتين ثيابهم ونحوها] قال مالك: ومن صلى محتزمًا أو جمع شعره بوقاية أو شمر كميه فإن كان ذلك لباسه قبل ذلك وهيئته أو كان في عمل حتى حضرت الصلاة فصلاها كما هو فلا بأس بذلك، وإن كان إنما فعل ذلك ليكفت به شعرًا أو ثوبًا فلا خير في ذلك. قال سليمان: ليكفت ليستر، قال الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} أي: سترًا. م وإنما قال ذلك؛ لقول النبي عليه السلام: ((أمرت أن أسجد على سبعة

أعضاء ولا أكفت شعرًا ولا ثوبًا)). فأخبر أن النهي عن ذلك إنما هو إذا قصد به الصلاة. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل وشعره معقوص، وكرهه علي بن أبي طالب، وأن عمر بن الخطاب حل شعر رجل كان معقوصًا في الصلاة حلا عنيفًا، وكرهه ابن مسعود، وقال: ((إن الشعر يسجد معك، ولك بكل شعرة أجر)). وقال أبا بن عثمان: مثل الذي يصلي عاقصًا شعره مثل المكتوف. قال سليمان: المعقوص المضفور.

[باب -18 -] ما جاء في قضاء المأموم

[باب -18 -] ما جاء في قضاء المأموم روي أن الرسول عليه السلام جعل مدرك ركعة مدركًا للصلاة [فصل -1 - في من أدرك مع الإمام ركعة هل يكبر بعد سلامه للقضاء؟] قال مالك رحمه الله: ومن أدرك مع الإمام ركعة فقام بعد سلامه يقضي فلينهض بغير تكبير، وكذلك إن أدرك معه ثلاث ركعات فليقم/ بغير تكبير؛ لأنه كبر حين رفع رأسه من آخر سجود الإمام، والإمام حبسه، إذ لم يستطع خلافه فجلس معه، وليس بموضع جلوس له، فأما لو كان موضع جلوس له كمدرك ركعتين فليقم بتكبير. م فكل من أدرك ركعتين قام بتكبير، وما سوى ذلك يقوم بغير تكبير. وقال ابن الماجشون: يقوم بتكبير سواء أدرك معه ركعة أو ثلاثًا، وعاب قول ابن القاسم. فوجه قوله: إن السنة التكبير في كل خفض ورفع، وهذا/ من ذلك.

قال مالك: وإن أدرك التشهد الأخير قام بتكبير، فإن قام بغير تكبير أجزأه. قال أبو إسحاق: على قياس قوله: إنه يقوم بغير تكبير؛ لأن التكبيرة الأولى التي جلس بها هي تكبيرة الإحرام فأشبه تكبيرة السجود الأخير إذا أدرك الركعة الأخيرة أنه يجزئه ولا يحتاج وقت قيامه إلى تكبيرة؛ لأنه قد أنابه، وإنما حبسه الإمام عن القيام، وإذا أدرك الإمام في التشهد الآخر أحرم وجلس، ولم يقل يجلس بغير إحرام ليدرك الإمام؛ لأن له فضلاً في إدراكه التشهد. وقد اختلف إذا أدركه في التشهد في الصبح ولم يركع ركعتي الفجر فروى ابن القاسم عن مالك أنه/ يحرم ويجلس، فإذا طلعت الشمس ركع للفجر. قال ابن حبيب: إذا لم يركع للفجر فجلس بغير إحرام فإذا سلم الإمام ركع ثم أحرم [فصل -2 - في العمل في قراءة المسبوق] قال مالك: وإن أدرك من الظهر ركعة قرأ فيها بأم القرآن فإذا قام بعد سلام الإمام يقضي فليأت بركعة بأم القرآن وسورة ويجلس، ثم يتشهد؛ لأنها ثانيته، ثم يأتي بركعتين يقرأ في الأولى بأم القرآن وسورة ويقوم؛ لأنها

ثالثة، ويقرأ في الرابعة بأم القرآن وحدها ويتشهد ويسلم؛ لأنها آخر صلاته، وإن كانت صلاة جهر جهر في قضاء الأوليين، وكذلك فعل ابن عمر، وهو الأمر عندنا. قال مالك: ما أدرك مع الإمام فهو أول صلاته، يريد في القيام والجلوس. قال مالك: إلا أنه يقضي مثل الذي فاته، -يريد- من القراءة، وقاله ابن عمر وابن مسعود ومجاهد. قال مالك: ومن أدرك ركعة من المغرب صارت صلاته جلوسًا كلها. قال ابن المسيب: وكذلك من فاتته منها ركعة.

قال مالك: ومن وجد الإمام قد سجد سجدة أحرم وسجد معه ولم ينتظره؛ لقوله عليه السلام: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) الحديث، وكذلك كان يفعل ابن عمر. قال مالك: وإن أحرم والإمام راكع فلم يركع معه حتى رفع الإمام رأسه فليس بمدرك للركعة، وقد قال عبد الله بن عمر: إذا فاتتك الركعة فقد فاتتك السجدة. قال مالك: هو وزيد بن ثابت: وإن أدرك الركعة قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك السجدة، وهو في الموطأ. قال أبو محمد: وكل فذ أو إمام فبان -يريد- في القيام/ والجلوس والقراءة، قال: وكل مأموم فقاض في القراءة خاصة، لا في قيام أو جلوس. م واختصاره أن كل مصل فإن في القيام والجلوس والقراءة، والمأموم في القراءة خاصة فإنه يقضي على نحو ما فاته.

[باب -19 -] في صلاة النافلة وتحية المسجد وما يكره من أوقاتها ومواضعها

[باب -19 -] في صلاة النافلة وتحية المسجد وما يكره من أوقاتها ومواضعها. [فصل -1 - في صلاة النافلة] قال الله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} وصلى النبي صلى الله عليه وسلم النافلة بالمرأة واليتيم، وقال: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما قد صلى)). وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة. وقال عليه السلام: ((ما من امرئ تكون له صلاة بليل فيغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة)). قال مالك رحمه الله: ولا بأس بصلاة النافلة في جماعة ليلا أو نهارًا. قال ابن أبي زمنين: معناه أن يكون القوم قليلا كالرجلين والثلاثة مما لا يكون مشتهرًا.

قال ابن حبيب: قال مالك: ولا يصلي بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس، وقاله النبي صلى الله عليه وسلم. قال مالك: وكذلك الرجل يجمع الصلاة النافلة بأهل بيته وغيرهم فلا بأس بذلك. قال: ومن دخل مسجدًا قد صلى أهله المكتوبة فلا بأس أن يتطوع قبل المكتوبة إن كان في بقية من الوقت. وكان ابن عمر وغيره يبدأ بالمكتوبة. قال أبو إسحاق: لأن الكراهية أن يدخل الإنسان المسجد فيجلس/ ولا يصلي فيصير كالبيوت المسكونة، فإذا صلى فرضًا أو نفلاً أجزأه ذلك، وإن جاء بعد الفجر فركع ركعتين قبل ركعتي الفجر لجاز ذلك، ولو اجتزأ بركعتي الفجر لأجزأه ذلك، ولو ركع الفجر في داره ثم أتى المسجد لا ينبغي أن يركع

ركعتين قبل جلوسه؛ لأن الصلاة بعد الفجر وقبل صلاة الصبح قد تجوز لمن فاته حزبه من الليل فداخل المسجد أولى أن يركع. قال مالك: وإن ذكر صلاة بقيت عليه فلا يتنفل قبلها، وليبدأ بها. قال ابن القاسم: وليس هذا مثل الأول؛ لأن ذلك معه بقية من الوقت. ولم يوقت مالك قبل الصلاة ولا بعدها ركوعًا معلومًا، وإنما يوقت في هذا أهل العراق. قال مالك: ومن دخل في نافلة فقطعها عامدًا لزمه أعادتها، وإن كان ذلك لعلة لم يعدها. قال مالك: وإن أحرم في نافلة ثم أقيمت عليه الصلاة المكتوبة قبل أن يركع، فإن كان ممن/ يخفف ركوعه إذا أسرع وقرأ بأم القرآن فقط أدركه قبل أن يركع فليتم ركعتين، ويدخل معه، وأما الثقيل/ فليقطع بسلام، ويدخل معه، ولا يقضي النافلة التي قطعها إلا أن يشاء؛ لأنه لم يتعمد قطعها، ولكن جاء ما قطعها عليه، وإن لم يقطع بسلام أعاد الصلاة؛ لأنه دخل في الفريضة بنية

النافلة وقد أحرم أيضًا قبل إمامه فليعد أبدًا. قال: وكان مالك يكره إذا أخذ المؤذن في الإقامة أن يتنفل أحد، ويذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج إلى المسجد في صلاة الصبح وقد أقيمت الصلاة وقوم يركعون ركعتي الفجر، فقال: أصلاتان معًا؟ -يريد- بذلك نهيًا. قال مالك: ومن أوتر في المسجد فأراد أن يتنفل بعده تربص قليلا، ثم يتنفل ما أحب. م لأن الوتر خاتمة لما قبله، لقوله عليه السلام: ((صلى ركعة توتر له ما قد صلى))، فإذا أوصله بالركوع بعده فقد خالف، وإذا تربص قليلاً كان كابتداء تنفل. قال ابن القاسم: وإن انصرف بعد وتره إلى بيته تنفل ما أحب. قال مالك: ومن كان وحده أو وراء إمام فلا بأس أن يتنفل بعد سلامه في موضعه أو حيث أحب من المسجد، إلا يوم الجمعة، وأما الإمام فلا يتنفل في موضعه في جمعة ولا غيرها، وليقم عنه. قيل لابن القاسم: هل فسر لكم

مالك لم كره للإمام أن يتنفل في موضعه؟ قال: لا، إلا أنه قال: عليه أدركت الناس، وفي الثاني إيعاب هذا. فصل -2 - : [في تحية المسجد] وكره مالك لمن دخل المسجد فأراد القعود أن يقعد حتى يركع ركعتين قبل أن يجلس؛ لقول النبي عليه السلام: ((إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس))، وهو في الموطأ. قال مالك: إلا أن يكون مجتازًا لحاجته فجائز أن يمر فيه ولا يركع، وذكر مالك عن زيد بن ثابت وسالم بن عبد الله أنهما كانا يخرقان المسجد لحاجتهما ولا يركعان، وبلغ مالكًا عن زيد بن ثابت أنه كره أن يمر فيه مجتازًا ولا يركع، ولم

يعجبه ما كره زيد من ذلك. قال أبو عمران: أجاز زيد المرور في المسجد ابتداء ولا يركع، وفعله وكرهه في الرجوع، ولا يركع وهو نص/ في المجموعة لا إشكال فيه، وهو في المدونة مشكل يفهم منه الخلاف، وليس بخلاف. وقال ابن القاسم: ورأيت مالكًا يخرقه مجتازًا ولا يركع، ومسجد الجماة ومسجد القبائل في ذلك سواء؛ لعموم الحديث. قال مالك: وصلاة النافلة في الليل والنهار مثنى مثنى، وقاله ابن عمر. [فصل -3 - في الوقت الذي ينهى عن الصلاة فيه] قال مالك: ولا أكره الصلاة نصف النهار إذا استوت الشمس وسط السماء في جمعة ولا غيرها، ولا أعرف النهي عن ذلك، وما أدركت أهل الفضل والعبادة إلا وهم يهجرون، ويصلون نصف النهار، وما يتقون شيئًا. م وإنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها؛ لما رواه مالك في الموطأ أن النبي صلى الله عليه وسلم/ قال: ((لا تتحروا بصلاتكم عند طلوع الشمس ولا عند

غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان، أو قال على قرن شيطان أو نحو هذا)). وكان عليه السلام يقول: ((إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب)). وروي في حديث آخر أنه عليه السلام: ((نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس))، وهذه حجتنا على الشافعي رضي الله عنه في جواز ما له سبب مثل: تحية المسجد،

وسجود القرآن، وصلاة الخسوف أن تصلى في ذلك الحين. قال مالك في المستخرجة: ولم يزل من أمر الناس الصلاة في المساجد يهجرون ويصلون، وأما في الليل ففي البيوت أحب إلي، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يصلي في بيته، والتنفل في البيوت أحب إلي من التنفل في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، إلا للغرباء ففيه أحب إلي. ابن حبيب: وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم واجعلوا بيوتكم مساجد، ولا تجعلوها قبورًا، فإن صلاة المرء في بيته نور/)).

وقال عليه السلام: "فضل صلاة التطوع في الخلوة على صلاة العلانية كفضل صلاة الجماعة في الفريضة على صلاة الفذ". وسئل عليه السلام عن صلاة الأوابين فقال: "صلاة الضحى وما بين المغرب والعشاء". ومن العتبية قال مالك: ومن دخل/ المسجد الحرام فليبدأ بالطواف قبل الركوع، وأما في مسجد الرسول عليه السلام فليبدأ بالركوع قبل السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وكل واسع، وأحب مواضع التنفل فيه مصلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو العمود الحلق، وأما في الفريضة فالتقدم إلى الصفوف أحب إلي.

[باب-20 -] في الإشارة في الصلاة والتسبيح والضحك والعطاس والتثاؤب والنفخ والنظر في كتاب وانفلات الدابة فيها

[باب-20 -] في الإشارة في الصلاة والتسبيح والضحك والعطاس والتثاؤب والنفخ والنظر في كتاب وانفلات الدابة فيها قال الله تعالى: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من عمل النبوة الاستكانة في الصلاة وكانوا يتكلمون فيها حتى نزلت (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فحرم الكلام. [فصل-1 - في الإشارة في الصلاة] قال ابن القاسم: ولا بأس بالإشارة الخفية في الصلاة إلى الرجل ببعض حوائجه، وقد أجاز مالك أن يرد جوابًا بالإشارة، فهذا مثله، وقد أومأت عائشة إلى نسوة -وهي في الصلاة- أن كلن.

ولم يكره مالك السلام على المصلي؛ لأنه قال: من سلم عليه- وهو يصلي- في فريضة أو نافلة فليرد مشيرًا بيده أو برأسه. وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة إشارة بيده، وروى بإصبعه، وقاله ابن عمر. [فصل -2 - في التسبيح في الصلاة]. قال مالك: ولا بأس بالتسبيح في الصلاة للحاجة للرجال والنساء، وضعف مالك أمر التصفيق؛ لحديث التسبيح وهو قوله: "من نابه شيء في صلاته فليسبح".

قال ابن القاسم: ومن استأذن رجلاً في بيته وهو يصلي فسبح به، يريد أن يعلمه أنه في الصلاة فلا بأس به. قال ابن حبيب: وما جاز للرجل أن يتكلم به في صلاته من معنى الذكر والقراءة فرفع بذلك صوته لينبه به رجلا أو ليستوقفه فذلك جائز. وقد استأذن رجل على ابن مسعود- وهو يصلي- فقال: (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ). فصل -3 - : [في الضحك في الصلاة] ومن المدونة قال مالك: وإن قهقه المصلي وحده قطع، وابتدأ الصلاة، وإن كان مأمومًا تمادى مع الإمام فإذا فرغ الإمام أعاد صلاته، ولا شيء عليه إن تبسم، صلى وحده أو مأمومًا. قال ابن القاسم في العتبية: ساهيًا كان أو عامدًا، وقال أشهب عن مالك: يسجد الساهي قبل السلام وقال ابن الحكم: يسجد له بعد السلام.

م فوجه قوله: إذا قهقه المصلي أعاد صلاته قوله صلى الله عليه وسلم: "من قهقه في الصلاة أعادها". ووجه قول ابن القاسم: ولا شيء عليه إن تبسم قوله عليه السلام: "من قهقه فليعد" فدل أن من تبسم لا شيء عليه، ولم يأمره بإعادة، ولا سجود؛ ولأنه يسير، كالإشارة، أو التسبيح للشيء، أو الاستماع لخبر يسير، واليسير لا يمكن التحرز منه. ووجه قول أشهب: فلأنه نقص من الهيئة التي هي الخشوع والاستكانة. ووجه قول ابن عبد الحكم: فلأنه زيادة. قال أبو محمد عبد الوهاب: وقول ابن الحكم أصح من قول أشهب؛ لأن الاعتبار ينقص الأفعال والأقوال دون الاعتدال.

م وقول ابن القاسم أصحها لما بينا. ومن المدونة ابن وهب: وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه حفرة فأقبل رجل في عينيه شيء نحوه للصلاة والقوم ينظرونه فسقط فيها فضحك بعض القوم فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ضحك فليعد صلاته". قال سحنون: إذا ضحك الإمام ناسيًا، فإن كان شيئًا خفيفًا سجد لسهوه بعد السلام؛ وإن كان عامدًا أو جاهلاً فسدت عليه وعليهم. قال ابن حبيب: من قهقه عامدًا أو ساهيًا أو مغلوبًا فسدت صلاته، وليقطع، وإن كان مأمومًا تمادى وأعاد/، وإن كان إمامًا استخلف في السهو والغلبة، ويبتدئ في العمد، ورواه عن مالك. قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية: إذا قهقه الإمام متعمدًا أعاد

الصلاة، وإن كان مغلوبًا استخلف من يتم بهم ويتم هو معهم ثم يعيد، ويعيدون، إذا فرغوا. قال يحيى بن عمر: قوله: وإن كان مغلوبًا فلا يعجبني إن أخرها. م والقياس ما قال سحنون: أنه كالكلام؛ لأنهم جعلوا النفخ كالكلام، فهذا أشبه به منه. ووجه قول ابن حبيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم/ "أمر من ضحك أن يعيد" ولم يسأل من سهو ولا غلبة، وإنما قال: يستخلف الساهي والمغلوب؛ لأنه جعله كمن أحدث في صلاته ساهيًا أو مغلوبًا، وهذا أحوط، والأول أقيس. فصل -4 - : [في العطاس والتثاؤب في الصلاة] ومن المدونة قال مالك: ولا يحمد الله المصلى إن عطس، فإن فعل ففي نفسه، وتركه خير له.

قال ابن القاسم: ولا يرد على من شمته إشارة، كان في فريضة أو نافلة، ورأيا مالكًا إذا تثائب- في غير الصلاة- وضع يده على فيه ونفث، ولا أدري ما فعله في الصلاة. وقال مالك في الواضحة: من تثائب وهو يقرأ في صلاة أو غيرها فليقطع قراءته، وليضع يده على فيه حتى ينقطع تثاؤبه. فصل -5 - : [في النفخ في الصلاة] ومن المدونة قال مالك: ولا يعجبني النفخ في الصلاة، وأراه بمنزلة الكلام. قال ابن القاسم: ومن نفخ متعمدًا أو جاهلاً أعاد الصلاة، كمن تكلم متعمدًا/، وإن كان ناسيًا سجد لسهوه. قال ابن عباس: "النفخ في الصلاة كلام". وقال علي بن زياد عن مالك أكره النفخ، ولا أراه يقطع الصلاة،

كالكلام، واختلف عنه في التنحنح، فروى عنه أنه كالكلام، وروى عنه أنه لا شيء عليه. وذكر الأبهري عن ابن القاسم: إذا تنحنح ليسمع إنسانًا أو أشار إليه أنه لا شيء عليه. قال الأبهري: لأنه ليس بكلام، وليس له حروف هجائية. فصل -6 - : [في النظر في كتاب في الصلاة]. ومن المدونة قال ابن القاسم قال مالك: ومن كان في فريضة أو نافلة فنظر في كتاب بين يديه فجعل يقرأ- يريد في نفسه- قال: إن كان ناسيًا سجد لسهوه، وإن كان عامدًا ابتدأ الصلاة.

قال سحنون في المجموعة: إلا أن يكون الشيء الخفيف فلا يبطل ذلك صلاته. فصل -7 - : [في الكلام في الصلاة] ومن المدونة قال مالك: ومن سلم من اثنتين ساهيًا، ثم التفت فتكلم، فإن كان شيئًا خفيفًا بنى على صلاته، وسجد لسهوه، وإن تباعد وأطال القعود والكلام ابتدأ الصلاة، ولا حد في ذلك/. وأما إن خرج ممن المسجد فليبتدئ الصلاة. قال ابن القاسم: ولو أكل أو شرب في انصرافه ابتدأ الصلاة، وإن لم يطل، وقد تكلم النبي صلى الله عليه وسلم ساهيًا، وبنى على صلاته، ودخل فيما بنى بتكبير، وسجد لسهوه بعد السلام. فصل -8 - : [في انفلات الدابة في الصلاة] قال ابن القاسم قال مالك: ومن انفلتت دابته- وهو يصلي- مشى إليها فيما قرب، إن كانت بين يديه، أو عن يمينه أو عن يساره، وإن بعدت

طلبها وقطع صلاته وابتأها. وروى موسى بن معاوية في العتبية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا انفلتت دابة أحدكم فليتبعها حتى يأخذها، ويرجع إلى صلاته لا يشتد عليه طلبها". م ولأنه يشغل سره بها فلا يدري ما يصلي. قال مالك: وإن خشي على دابته أو صبي الهلاك من السقوط في بئر ونحوه قطع، وكره له الانحراف أو القطع في الشاة تأكل عجينًا أو ثوبًا. قال ابن حبيب: إن كان فسادًا كثيرًا قطع. ومن كتاب ابن سحنون في إمام مسافر صلى ركعة ثم انفلتت دابته وخاف عليها أو على صبي أو أعمى أن يقع في بئر أو نار أو ذكر متاعًا خاف عليه التلف فذلك عذر يبيح له أن يستخلف، ولا تفسد على من خلفه. وروى موسى أن

عائشة رضي الله عنها قالت: أتت هدية إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي وأنا نائمة فكسلت أن أقوم فأفتح الباب فمضى رسول/ الله صلى الله عليه وسلم ففتح الباب ورجع إلى مصلاه، وخرج صاحب الهدية فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغلق الباب ورجع إلى الصلاة". قال موسى: وكانت نافلة.

[باب -21 -] في صيانة المسجد وخروج النساء والصبيان إليه

[باب -21 -] في صيانة المسجد وخروج النساء والصبيان إليه. قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "النخامة في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها". فصل -1 - : [في صيانة المسجد من البصاق] قال مالك رحمه الله: فلا يبصق أحد على الحصير المسجد، ويدلكه برجليه، ولا بأس أن يبصق تحت الحصير. قال ابن القاسم: وكذلك إن كان المسجد غير محصب فلا يبصق تحت قدمه ويحكه برجله بمنزلة الحصير. قال مالك رحمه الله: وإن كان المسجد محصبًا فلا بأس أن يبصق بين يديه وعن يمينه ويساره وتحت قدمه ويدفنه/ ويكره أن يبصق أمامه في حائط القبلة. قال: وإن كان عن يمينه رجل وعن يساره رجل في الصلاة بصق أمامه ودفنه، وإن كان لا يقدر على دفنه فلا يبصق في المسجد بحال، كان مع

الناس أو وحده. ورأى النبي صلى الله عليه وسلم نخامة في قبلة المسجد فحتها، ثم قال: "أيحب أحدكم أن ينتخم أو يبصق في وجهه، إذا صلى أحدكم فلا يبصق في ثوبه ويعركه بيده، هذا معنى الحديث. قال في رواية ابن وهب: وليبصق عن يساره وتحت رجله اليسرى. وقال الرسول عليه السلام: "من أكل الثوم فلا يقربن مسجدنا يؤذينا برائحته". فصل -2 - : [في انفلات الدابة في الصلاة] قال مالك: وأكره قتل القملة والبرغوث في المسجد، فإن أصاب قملة

في الصلاة فلا يلقيها في المسجد، ولا يقتلها فيه، وإن كان في غير صلاة. قال ابن نافع: وليصرها في ثوبه. قال مالك: ولا بأس أن يطرحها إن كان في غير المسجد. ابن حبيب: قتل البرغوث في المسجد أخف من القملة، وأجاز قتلها في الصلاة في غير المسجد، قاله مطرف وابن الماجشون. فصل -3 - : [في حكم البناء يكون فوق المسجد أو تحته]. قال مالك في باب بعد هذا: ومن بنى مسجدًا وبنى فوقه بيتًا يرتفق به فلا يعجبني ذلك؛ لأنه يصير مسكنًا يجامع فيه ويأكل. وقد كان عمر بن عبد العزيز إمام هدى وكان يبيت فوق ظهر المسجد، -مسجد النبي صلى الله عليه وسلم- فلا تقربه فيه امرأة. قال مالك: وجائز أن يكون البيت تحت المسجد، ويورث البنيان الذي تحت/ المسجد، ولا يورث المسجد إذا كان صاحبه قد أباحه للناس. قال ابن القاسم: وإنما هو حبس من الأحباس.

فصل -4 - : [في خروج النساء إلى المسجد]. قال مالك: ولا يمنع النساء من الخروج إلى المسجد. قال في الموطأ: وبلغني أن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله". وقال في حديث آخر: "من شهدت منكن العشاء فلا تمس طيبًا". وكانت عاتكة زوجة عمر بن الخطاب تستأذنه إلى المسجد فيسكت فتقول: لأخرجن، إلا أن تمنعني فلا يمنعها. ويدل على خروجهن إليه قول عائشة رضي الله عنها: "كان النساء ينصرفن من صلاة الصبح متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس". وقد قالت عائشة رضي الله عنها أيضًا: "لو أدرك رسول الله

صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن من المساجد كما منعه نساء بني إسرائيل". قال في المدونة: وأما العيدين والاستسقاء فلا بأس أن تخرج كل امرأة متجالة. فصل -5 - : [في الصبي يؤتى به في المسجد] قال مالك: وإذا كان الصبي يعبث لصغره فلا يؤتى به المسجد، وإذا كان لا يعبث ويكف إذا نُهي فلا بأس به. قال مالك: ويؤمر الصبيان بالصلاة إذا أثغروا، وهو حين تنزع أسنانه. وروى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال/: "مروا الصبيان بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع". قال أشهب: قال مالك: إذا أثغر الصبي أمر بالصلاة، وأدب عليها. قال

عيسى/ عن ابن القاسم: وحينئذ يفرق بينهم في المضاجع. وقال ابن حبيب: إذا بلغ أحد منهم عشر سنين فلا أحد منهم مع أحد من أبويه، ولا من إخوته، ولا من غيرهم، إلا وعلى كل واحد منهم ثوب، والله المستعان وبه التوفيق.

[باب -22 -] القنوت في صلاة الصبح والدعاء في الصلاة وغيرها

[باب -22 -] القنوت في صلاة الصبح والدعاء في الصلاة وغيرها. فصل -1 - : [في القنوت في صلاة الصبح] روى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "سلوا الله حوائجكم البتة في صلاة الصبح". ودعا النبي صلى الله عليه وسلم على مضر، فجاءه جبريل عليه السلام فأومأ إليه أن أسكت فسكت، فقال: يا محمد إن الله لم يبعثك سبابًا ولا لعانًا، إنما بعثك رحمة، ولم يبعثك عذابًا، ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون. قال: ثم علمه هذا القنوت: "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونؤمن بك/ ونتوكل عليك ونخنع لك، ونخلع ونترك من يكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك بالكافرين ملحق"، فقنت به النبي صلى الله عليه

وسلم في الفجر. وأن ابن مسعود والحسن وأبا موسى الأشعرى وابن عباس، وغيرهم قالوا: القنوت في الفجر سنة ماضية. -يريد- مضي العمل بها، وليست بسنة لازمة. وقد كان ابن عمر لا يقنت في الصلاة، قاله مالك في الموطأ. وكذلك ذكر ابن حبيب أن القنوت ليس سنة ولا فريضة، ولكنه مستحب مرغب فيه.

وقد قنت النبي صلى الله عليه وسلم وترك، ولم يتركه نهيًا عنه ولا كراهية له، لكنه كان يفعل ذلك فيما لم يكن فرضًا، ولا سنة لازمة لتعرف أمته المفروض والمسنون من غيره. ودل على ذلك أن الصحابة وتابعيهم عملوا به من بعده، ونهى مالك وأصحابه عن تركه. ومن المدونة قال مالك: القنوت في الصبح قبل الركوع وبعده واسع، والذي آخذ به في نفسي قبل الركوع. وروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قنت في الفجر بعد الركوع. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. قال في المدونة: وأن ابن سيرين وغيره قنتوا قبل الركوع. ابن حبيب وفعله علي وعروة بن الزبير.

ومن المدونة قال مالك: وإذا قنت رجل قبل الركوع فلا يكبر له، وروي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كبر حين قنت في الفجر وكبر حين ركع. وهذا يدل أنه كان يقنت قبل الركوع. قال ابن القاسم: ولا يجهر به إمام أو غيره. قال مالك: ولا سهو على من نسيه. م إذ ليس بلازم عنده. قال: وليس عنده فيه دعاء مؤقت ولا وقوف مؤقت. ولابن سحنون أنه يسجد له، وهو مذهب الحسن وسفيان الثوري. وابن القاسم يرى أنه إن سجد له أبطل الصلاة. فصل -2 - : [في الدعاء في الصلاة] قال مالك: وللمصلي أن يدعو في قيامه وقعوده وسجوده بجميع حوائجه لدنياه وأخراه، وبلغني أن عروة بن الزبير قال: إني لأدعو الله في

حوائجي كلها في الصلاة حتى في الملح. قال ابن وهب عن مالك: لا بأس أن يدعو الله في الصلاة على الظالم، وكان مالك يكره الدعاء في الركوع. وسئل أبو محمد بن أبي زيد هل يدعوا في الصلاة لقوم بأسمائهم؟ فقال: ذلك جائز يقول:/ اللهم افعل بفلان. وذكر ابن القرطي أنه إن بدأ بالاسم، فقال: يا فلان فعل الله بك كذا فسدت صلاته، وما رأيته لغيره. فصل -3 - : [في الذكر أدبار الصلوات] ومن الموطأ روي عن/ أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "من قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في كل يوم مئة مرة، كانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء إلا أحد عمل أكثر من ذلك". و"من قال سبحان الله وبحمده في كل من يوم مئة مرة حطت عنه

خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر". و «من سبح دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وكبر ثلاثًا وثلاثين، وحمد ثلاثًا وثلاثين، وختم المئة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر». وروى مالك عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول إنما الباقيات الصالحات قول العبد: الله أكبر، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

[باب -23 -] في صفوف الرجال والنساء وتسوية الصفوف وسد الفرج

[باب -23 -] في صفوف الرجال والنساء وتسوية الصفوف وسد الفرج. وروى أن "خير صفوف الرجال أولها، وخير صفوف النساء آخرها"، وذلك أن شأن النساء التستر. وقال عليه السلام: "لو يعلمون ما في الصف الأول لاستهموا عليه". وكان عليه السلام يقول- قبل أن يحرم-: "اعتدلوا وتراصوا"، وكان أمير المدينة يعاقب من خرج عن الصف. فصل -1 - : [في موقف المأموم والصلاة خلف الصف وحده] قال مالك رحمه الله: ومن صلى خلف الصفوف وحده أجزأه. قال ابن وهب: إذا خرج أحد عن الصف صحت صلاته، ولا بأس أن يصلي كذلك، وهو الشأن، ولا يجبذ إليه أحدًا، فإن جبذ إليه أحدًا؛ ليقيمه

معه فلا يتبعه، وهذا خطأ ممن فعله، وخطأ من الذي جبذه. قال ابن حبيب: ولا بأس إن رأى رجلا بقربه خرج عن الصف أن يشير إليه أن يستوي، إن لم يشغله ذلك عن صلاته. قال مالك في المدونة: ومن دخل المسجد- وقد قامت الصفوف- قام حيث شاء، إن شاء خلف الإمام أو عن يمينه أو عن يساره. وتعجب مالك ممن يقول: يمشي حتى يقف/ حذو الإمام، وإن كانت طائفة عن يمين الإمام، أو حذوه في الصف الثاني أو الأول فلا بأس أن تقف طائفة عن يسار الإمام في الصف، ولا تلصق بالطائفة التي عن يمينه.

ابن حبيب: وهو كصف يبني عليه. فصل -2 - : [في سد الفرج في الصفوف] وكره مالك تقطع الصفوف، ونهى عنه، والشأن في الصلاة سد الفرج وتسوية الصفوف. فإذا رأى المأموم فرجة أمامه أو عن يمينه أو عن يساره حيث يجد السبيل إلى سدها فليتقدم إليها ليسدها، ولا بأس أن يخرق إليها صفوفًا/ رفقًا. قال مالك: ولا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد، يعني أنه لا بأس أن تكون الصفوف متصلة بالعمد- يريد- وليس ذلك من تقطع الصفوف الذي نهى عنه. وكره ابن مسعود الصلاة بين السواري -يريد- إذا كان المسجد متسعًا. فصل -3 - : [في المرأة تصلي بين صفوف الرجال] قال مالك: وإذا صلت امرأة بين صفوف الرجال لم تفسد على أحد من

الرجال صلاته، ولا على نفسها. قال مالك: ومن وجد المسجد قد امتلأ من الرجال وامتلأت رحبته من النساء فصلى خلف النساء فصلاته تامة، ولا يعيد.

[باب -24] جامع القول في الصلاة والتزويق والمصحف والحجر يكون في القبلة

[باب -24] جامع القول في الصلاة والتزويق والمصحف والحجر يكون في القبلة فصل -31 - : [في من انصرف من صلاته لحدث أو رعاف ظن أنه أصابه] قال مالك رحمه الله: ومن انصرف من صلاته لحدث أو رعاف ظن أنه أصابه، ثم تبين له أنه لا شيء به، ابتدأ الصلاة، ولو كان إمامًا أفسد على من خلفه. قال ابن القاسم: ومن قول مالك: إن الإمام إذا قطع/ صلاته عامدًا أفسد على من خلفه. قال سحنون في الذي انصرف من صلاته لرعاف ظن أنه أصابه: معناه إذا كان يستطيع أن يعلم ما خرج منه في المحراب؛ لأنه خرج على غير يقين، ولو كان في ظلمة أو وقت لا يعرف الدم من الماء لابتدأ هو الصلاة وحده وصلاة القوم تامة. قال مالك: ومن أحدث بعد التشهد وقبل السلام أعاد الصلاة.

فصل -2 - : [في اختلاف نية الإمام عن المأموم] قال مالك: ومن دخل مسجدًا وهم في صلاة الظهر فظن أنهم في العصر، فصلى معهم ينوي العصر لم تجزئه عن العصر، وعليه إعادتها؛ لقوله عليه السلام: "إنما جعل الإمام/ ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه" فلم تجز مخالفته في نية ولا غيرها. قال مالك: وإذا نوى الإمام بصلاته الظهر، ونوى من خلفه العصر أجزأته، ولم تجزئهم، وأعاد بهم العصر. قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه قال في من أتى المسجد يوم الخميس يظنه يوم الجمعة، فوجد الإمام في الصلاة، فدخل معهم ينوي الجمعة فصلى الإمام الظهر أربعًا، فصلاته تجزئه؛ لأن الجمعة ظهر، وإن أتى يوم الجمعة يظنه يوم خميس فوجد الإمام في الصلاة، فدخل معهم ينوي الظهر، فصلى الإمام الجمعة فليعد صلاته، وذلك رأيي؛ لأن الجمعة لا تكون إلا بنية. وتحصيلها أنه إذا وقع الظن على يوم الجمعة أجزأه، وإلا لم يجزئه.

قال ابن المواز: ولا يبني على إحرامه الأول: وقال أشهب: لا تجزئة في الوجهين جميعاً. مم وهو أقيس. وقال أصبغ: يجزئه في الوجهين جميعاً، ولو أنه حين دخل ينوي صلاة إمامه أجزأه ما صادف من ذلك، سحنون مثله، وقال في مقيم أو مسافر دخل مع الإمام لا يدري ما هو، ونوي صلاته أجزأته وإن خالفه، ويتم المقيم بعد المسافر، ويتم المسافر مع المقيم. وقال أشهب في مسافر دخل مع إمام يظنه مسافراً أو يظنه مقيماً فتبين له خلاف ظنه أنه يجزئه في الوجهين جميعاً. وقال/ ابن القاسم: لا تجزئه. ابن المواز: وهو الصواب؛ لأن المسافر إذا أحرم على اثنتين، فأتمهما أربعاً فهي فاسدة، وإذا أحرم لأربع، فسلم من اثنتين أن صلاته فاسدة، ولا يشبه ذلك من جاء يوم خميس يظنه يوم الجمعة، فأحرم للجمعة فتمادي الإمام حتى أتمم أربعاً أن ذلك يجزئه؛ لأن هاتين حضريتان، وقد زاد ولم ينقص، وكذلك من دخل يوم الجمعة، وقد رفع الإمام رأسه من الركعة الثانية وهو يرى أنه

مدرك للصلاة فتمادي بإحرامه ذلك فأتمم أربعاً، أن ذلك يجزئه، وكان أحب إلى مالك أن يبتدئ إحراماً جديداً. فصل 3 - : [لا بأس بالشيء الخفيف يكون في الصلاة] ومن المدونة قال مالك: ومن كان في صلاة فريضة فأنصت لمخبر يخبره فإن كان شيئاً خفيفاً فلا بأس به، قال: والصغير إذا أتي أباه - وهو في المكتوبة - نحاه عن نفسه، / ولا بأس بتركه في الناقلة. ومن العتيبة قال ابن العباس في امرأة تحمل ولدها تركع به وتسجد في الفرض، قال: لا ينبغي ذلك، فإن فعلت ولم يشغلها ذلك عن الصلاة لم تعد، قال أشهب: وسئل مالك عن حمل النبي صلي الله عليه وسلم أمامة بنت ابنته زينب في الصلاة ووضعها إذا سجد هل ذلك للناس اليوم؟ قال: ذلك جائز

للضرورة، وأما أن يجد من يكفيه ذلك فلا. فصل-4: [في الالتفات في الصلاة] ومن المدونة قال مالك: ومن كان بين أسنانه طعام كفلقة الحبة فابتلعه في صلاته لم يقطع ذلك صلاته. قال ابن القاسم: وإذا التفت المصلي لم يقطع ذلك صلاته، قال ابن القاسم: وإن كان بجميع جسده. وقال الحسن: إلا أن يستدبر القبلة فيبتدئ صلاته. وقال أبو هريرة: ما التفت عبد قط في صلاته إلا قال الله له: أنا خير لك مما التفت إليه.

ابن حبيب: قال الرسول صلي الله عليه وسلم: "إياكم والالتفات في الصلاة؛ فإنه المهلكة". فصل-5: [ما يكره في الصلاة من قرن الرجلين ووضع شيء في فمه أو كمه ونحو ذلك] ومن المدونة قال مالك: ولا بأس أن يروح رجليه في الصلاة، وعاب أن يقرنهما/ وهو أن يعتمد عليهما معاً، ولا يعتمد على إحداهما. وقد كان بالمدينة ومن يفعل ذلك فعيب ذلك عليه. قال أبو محمد: أعاب أن يجعل حظهما من القيام سواء راتباً لا بد من ذلك، فهذا لا خير فيه، فإن فعل ذلك اختياراً وكان متى شاء روح واحدة،

وقام على الأخرى فهذا يجوز. وأنها مكروهة؛ لأنه خلاف فعل النبي صلي الله عليه وسلم، والسلف بعده، ويصير يشتغل بذلك عن الصلاة. وكره مالك أن يصلي وفي فيه دراهم أو دينار، أو شيء من الأشياء. قال ابن القاسم: فإن فعل فلا إعادة عليه. وكره مالك أن يصلي وفي فيه دراهم أو دينار، أو شيء من الأشياء. قال ابن القاسم: فإن فعل فلا إعادة عليه. وكره مالك أن يصلي وكمه محشو بخبز أو غيره، وكره أن يفرقع أصابعه في الصلاة، وقال ابن عباس. إنما كره مالك ذلك كله؛ لاشتغاله عن الصلاة. قال مالك: ومن كثر التراب بجبهته أو كفه فله مسحه، وإذا سلم

المصلي انصرف، إن شاء عن يمينه أو عن يساره. فصل-6: [في القراءة في الركعتين الآخرتين] قال ابن القاسم: قال مالك: ولا أعرف التسبيح في الركعتين الأخيرتين. خلافاً لمن يري أنه يسبح/ فيهما ولا يقرأ، ودليلنا قوله عليه السلام: "كل ركعة لم يقرأ بأم القرآن/ فيه قلم يصلها إلا وراء إماماً". قال مالك: وإذا مر الإمام بذكر النار؛ وهو يقرأ في الصلاة، فتعوذ رجل من

خلفه قال: ترك التعوذ أحب إلى، فإن تعوذ قسراً. فصل-7: [في الفتح على الإمام في القراءة] قال مالك: وإذا وقف الإمام في قراءته فليفتح عليه من كان خلفه، وإن كان هذا في صلاة، وهذا في صلاة أخرى فلا يفتح أحدهما على صاحبه، ولا ينبغي لأحد أن يفتح على من ليس معه في صلاة. قال ابن القاسم في المجموعة: فإن فعل أعاد صلاته أبداً، وهو كالكلام. وقال ابن حبيب: لا يعيد. وروي ابن وهب أن النبي صلي الله عليه وسلم صلي للناس يوماً الصبح فقرأ (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ) فأسقط آيه فلما فرغ قال: أفي المسجد أبي بن كعب؟ قال: نعم ها أنذا يا رسول الله! قال: ما منعك أن تفتح على حين أسقطت؟ قال: خشيت

أنها نسخت، قال: فإنها لم تنسخ. وكره مالك إذا بشر الرجل ببشارة أن يخر ساجداً. فصل-8: [في التزويق في القبلة] قال ابن القاسم: ويتصدق بثمن ما يجمر به المسجد ويخلق به أحب إلى من تجمير المسجد وتخليقه. قلت: فهل كره مالك أن يكون في القبلة مثل

الكتاب الذي كتب في مسجد الفسطاس؟ قال: سمعت مالكاً، وذكر له مسجد المدينة وما عمل فيه من التزويق في قبلته وغيرها، فقال كره ذلك الناس حين فعلوه؛ لأنه يشغل الناس في صلاتهم، ويلهيهم نظرهم إليه، ولقد أراد عمر ابن عبد العزيز حين ولي الخلافة نزعة، فقيل له: إن ذلك لا يخرج منه كبير شيء من الذهب فتركه. [فصل في المصحف والحجر يكون في في القبلة] قال مالك: وإذا جعل المصحف في القبلة ليصلي إليه فلا خير فيه، وإن كان ذلك موضعه ومعلقه فلا بأس به. وكان ابن عمر يكره الصلاة إلى هذه الحجارة التي توضع بالطريق تشبيهاً بالأنصاب. قيل لمالك: أفتكره ذلك؟ قال: أما الحجر الواحد فإني أكرهه، وأما

الحجارة التي لها عدد، فلا بأس بذلك. وبالله التوفيق. كمل كتاب الصلاة الأول من الجامع، والحمد لله.

كتاب الصلاة الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصلاة الثاني [باب - 1 -] في سجود القرآن وسجد النبي صلي الله عليه وسلم في عزائم سجود القرآن، وروي أن تركه السجود في المفصل آخر فعله، وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من فعله. [فصل-1 - في عدد سجود التلاوة ومواضعها من كتاب الله] قال مالك رحمه الله: أجمع الناس، وفي رواية أخرى الأمر المجتمع عليه عندنا على أن عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شيء، وقاله ابن عباس وابن عمر وابن المسيب وغيرهم.

يريد مالك أن الإجماع وقع على هذه العزائم، وأن الاختلاف وقع في غيرها، ولم يرد أنهم أجمعوا أن لا سجود إلا في هذه العزائم كما ظن بعض الناس، فأخطأ في ظنه، فأما المفصل: فلم ير مالك السجود فيه؛ [لأن النبي صلي الله عليه وسلم ترك السجود فيه]، بعد أن كان سجد. وروي أبو سعيد الخدري وزيد بن ثابت أن النبي صلي الله عليه وسلم كثيراً لم يسجد في النجم بعد ما قام المدينة. [فصل-2 - عدد سجود التلاوة وبيان مواضعها من كتاب الله] قال ابن عباس: السجود في إحدى عشرة سجدة، ليس في المفصل منها شيء، وقاله ابن عمر، وهو قول سعيد بن المسيب وعكرمة ومجاهد وسعيد

ابن جبير وطاووس وعطاء. قال/ مالك في المدونة: وهي في: المص، والرعد، والنحل، وبني إسرائيل، ومريم، والحد، والسجدة أولها، والفرقان، والهدهد، والم تنزيل، وص، وحم تنزيل فصلت، والسجدة في (إن كُنتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ) في قولنا، وقاله /الليث، ونافع أبي نعيم القارئ. قال ابن حبيب: هذا قول مالك، والذي اري أنها خمس عشرة سجدة، ترك مالك الأخذ منها بأربع: وهي السجدة الآخرة من الحج، وسجدة النجم و (إذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ) و (اقْرا بِاسْمِ رَبِّكَ) وقد ثبت أن النبي صلي الله عليه وسلم سجد فيهن، وأنا

آخذ بذلك اتباعاً لفعل النبي صلي الله عليه وسلم، وفعل الأئمة بعده. وفي الموطأ أن عمر وابن عمر سجداً في الحج سجدتين، وسجد عمر في "النجم"، وأمر عمر بن عبد العزيز أن يسجد في (إذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ)، قال مالك: وليس العمل عليه. قال ابن حبيب: ويسجد في الأعراف في آخرها عند قوله عز وجل: (ويُسَبِّحُونَهُ ولَهُ يَسْجُدُونَ)، وفي الرعد (وظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ والآصَالِ)، وفي النحل (ويَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، وفي سبحان (ويَزِيدُهُمْ خُشُوعًا)،وفي مريم (سُجَّدًا وبُكِيًا)، وفي الحج السجدة الأولى (إنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)،

وفي الثانية (وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وفي الفرقان (وزَادَهُمْ نُفُورًا)، وفي النمل (اللَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ)، وفي ألم تنزيل (وهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ)، وفي ص (وخَرَّ رَاكِعًا وأَنَابَ)، وقيل: (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وإنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وحُسْنَ مَآب)، وفي حم تنزيل (إن كُنتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ)، وقاله/ على وابن مسعود رضي الله عنهما، وقال ابن عباس في

قوله: (وهم لا يسئمون)، وكل واسع، والأول أحب إلينا. وفي النجم في خاتمتها، وكذلك (إذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ)، و (اقْرا بِاسْمِ رَبِّكَ)، وسجود القرآن من السنن المؤكدة، المندوب إليها، وليست بواجبه، ولا حجة لمن أوجبها، بأن الله تعالي مدرح من سجد وذم من لم يسجد بقوله: (وإذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ القُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ)؛ لأن هذه الآية إنما نزلت في الكفار، دليله قوله تعالي: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ). [فصل-3: حكم سجود التلاوة]. وقد قال عمر في الموطأ: "إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء".

وروي نحو عن النبي صلي الله عليه وسلم ومن قرأ سورة في آخرها سجدة فسجد ثم قام فإن شاء ركع وإن شاء قرأ من الأخرى شيئاً ثم ركع. ومن المدونة قال مالك: ومن قرأ سجدة في صلاة أو غيرها فأحب إلى أن يسجدها إلا أن يكون في غير إبان صلاة فلا أحب له أن يقرأها حينئذ، وليتعدها إذا قرأ، يريد يتعدي موضع ذكر السجدة خاصة، لا الآية التي هي فيها، وقد قيل: يقرؤها ولا يتعداها، ولا يترك شيئاً من القرآن؛ لأن سجودها ليس بواجب. قال مالك وأكره أن يخر فيها المتوضئ وليقرأها، وكره له مالك قراءتها

خاصة لا قبلها شيء ولا بعدها شيء في صلاة أو غيرها ثم يسجد لها. قال مالك: وإن قرأها غير متوضئ أو قرأها متوضئ في غير إبان سجودها نهي عن ذلك، وكذلك من قرأها في صلاة فلم يسجدها فلينه عن ذلك. قال ابن القاسم: ولا شيء عليه، وكان مالك يستحب لمن قرأها في إبان سجودها أن يسجدها، من غير إيجاب. قال مالك: ولا بأس أن يقرأ الرجل السجدة بعد الصبح ما لم يسفر بالضياء وبعد العصر ما لم تصفر الشمس، ولا يسجدها كصلاة الجنائز، وإذا أسفر أو تغيرت الشمس فأكره له أن يقرأها حينئذ، فإن فعل لم يسجدها. ورويعن مالك في/ المختصر والواضحة: أنه لا يسجدها بعد الصبح ولا بعد العصر، وقاله مطرف وابن الماجشون، قالا: ورخص في ذلك بعد

الصبح قبل الإسفار، فأما بعد العصر فلا، كما لا يركع حينئذ لطوافه، ويركع بعد الصبح/ ما لم يسفر. فوجه قوله: يسجدها بعد الصبح وبعد العصر: كصلاة الجنائز؛ فلأنه اختلف في وجوبها، كما اختلف في صلاة الجنائز، فكانت أقوي من النوافل. ووجه قوله: لا يسجدها بعد الصبح ولا بعد العصر: قياساً على النوافل، وهو أولى، وكذلك في الموطأ وغيره. فصل-4: [في من نسي السجدة ثم ذكرها وهوف ي الصلاة] ومن المدونة قال مالك: وإن قرأها في نافلة فنسي سجودها حتى ركع ورفع رأسه من ركوعه، أو ذكر وهو راكع، فأحب إلى أن يقرأها في الركعة الثانية. أبو محمد: يريد يقرأ الحمد، ثم الآية التي فيها السجدة فيسجد، ثم يقوم فيقرأ السورة التي مع أم القرآن. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: بل يقدمها على قراءة أم القرآن،

وإنما يكره أن يقدم قبل أم القرآن ذكراً أو دعاء في الركعة الأولى. ومن المدونة قال مالك: وإن لم يذكر حتى ركع الثانية من النافلة فذكرها - وهو راكع- تمادي، ولا شيء عليه، إلا أن يدخل في نافلة أخرى. جعل عقد الركعة إمكان اليدين من الركبتين في أربعة مواضع: أحدها هذه، والثاني: في الذي ذكر سجود سهو قبل الإسلام في فريضة في فريضة أو نافلة وهو راكع أنه/ يتمادي، والثالث: في الذي نسي السورة التي مع أم القرآن فذكر وهو راكع فإنه يتمادي، والرابع في الذي يقدم القراءة على التكبير في صلاة العيدين فيذكر وهو راكع فإنه يتمادي في هذا كله.

ومسألة خامسة وهي إذا نسي الركوع فلم يذكر في ركوع التي تليها، وسادسة في من أقيمت عليه المغرب وهو فيها قد أكن يديه من ركبتيه في ركوع الثانية فرآه ابن القاسم فوتاً في المجموعة، وقال أشهب في العتيبة. واختلف قول أشهب فقال في المجموعة: ما لم يرفع رأسه من ركوع الثانية فإنه يتمادي. قال ابن القاسم: ولا يقرأها في فريضة، قال ابن حبيب: فإن قرأها فيها ولم يسجدها، ثم ذكر في الثانية لم يعد قراءتها مرة أخرى بخلاف النافلة، قال ابن حبيب: وقال أيضاً يقرؤها في الثانية ويسجد وإن كانت فريضة، وقاله مالك وأصحابه. قال ابن حبيب: وإذا جاوز القارئ السجدة بيسير فليسجدها، ويقرأ من حيث انتهي، وإن كان كثيراً رجع إلى السجدة فقرأها وسجدها، ثم رجع إلى حيث انتهي في القراءة.

قال مالك في المجموعة: وإن سجد السجدة ثم سجد معها ثانية سهواً فليسجد/ بعد السلام، قال: ولو سجد في آية قبلها يظن أنها السجدة فليقرأ السجدة في باقي صلاته ويسجد لها ويسجد بعد السلام. فصل-5 - : [في تلاوة الإمام لسجود التلاوة في ما لا يجهر فيه] ومن المدونة قال ابن القاسم: وأكره للإمام أن يتعمد في الفريضة قراءة سورة فيها سجدة؛ لأنه يخلط على الناس صلاتهم، قال: وأكره أن يتعمدها الفذ أيضاً في الفريضة، وهو الذي رأيت مالكاً يذهب إليه، وقيل عن مالك: لا يكره للفذ ولا للإمام في مسجد يقل أهله؛ لأنه /لا يخلط عليهم. قال ابن حبيب: لا يقرأ الإمام السجدة فيما يسر فيه؛ لأنه يخلط عليهم، وأما فيما يجهر فيه فجائز إذا كان من خلفه قليل لا تخفي عليهم قراءته، ولا يخاف أن يخلط عليهم، ورواه مطرف وابن الماجشون عن مالك.

وهذا أصح من رواية ابن القاسم؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم سجدها في الفريضة والنافلة. قال ابن المواز: وقال أشهب: ولا يقرأ الإمام في الخطبة يوم الجمعة سجدة، فإن فعل فلينزل فيسجد ويسجد الناس معه، فإن لم يفعل فليسجدوا هم، ولهم في الترك سعة؛ لأنه إمامهم، وينبغي أن يعيد قرائتها إذا صلي ويسجد. وروي على عن مالك في المجموعة: أنه لا ينزل ولا يسجدها، وأن العمل على آخر فعل عمر. وفي الموطأ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ السجدة وهو على المنبر يوم الجمعة فنزل وسجد وسجدوا معه، ثم قرأها يوم الجمعة الأخرى فتهيئوا للسجود فقال عمر: على رسلكم إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء ولم يسجد ومنعهم أن يسجدوا.

فصل-6 - : [في بعض الأحكام المتعلقة بسجود القرآن). وفي المدونة قال مالك: ومن قرأ سجدة في الصلاة فليكبر إذا سجدها، وإذا رفع رأسه منها. واختلف قوله إذا كانت في غير صلاة، فكان يضعف التكبير لها قبل السجود وبعده، ثم قال: أري أن يكبر، قال ابن القاسم: وكل ذلك واسع. والتكبير أحسن؛ لما روي عمر ان رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن فإذا مر/ السجدة كبر وسجد؛ ولأنه سجود شرعي فيكبر في أوله والرفع منه، كسجود الصلاة. قال مالك: ولا يسلم بعدها.

لأن التسليم تحليل من إحرام، ولا إحرام لها كالطواف لما لم يحتج إلى حرام لم يحتج إلى تحليل. قال مالك: ولا يركع بها في صلاة أو غيرها؛ لأنه إن قصد بها الركعة فلم يسجدها، وإن قصد بها السجدة فهذا أحالها عن صفتها، وذلك غير جائز. قال ابن القاسم في العتيبة: فإن تعمد الركوع بها أجزأته الركعة في الفريضة والنافلة، ولا أحب له ذلك، وليقرأها في النافلة في الثانية ويسجد، وإن كان ذلك سهواً فذكر وهو راكع فليخر ساجداً، ويقوم، ويبتدئ القراءة. قال ابن حبيب: ويسجد بعد السلام إذا كان أطال الركوع. قال ابن القاسم: وإن لم يذكر حتى أتم الركعة ألغاها. يريد ألغي الركعة؛ لأنه نوي بها السجدة، وكذلك في العتيبة. يريد ثم يسجد السجدة، ثم يقوم، فيقرأ بشي، ثم يركع ويسجد لسهوه بعد السلام، وروي أشهب عن مالك أنها تجزئه ركعة، وإن ركعها ساهياً عن السجدة، وكذلك ما روي على عن مالك في المجموعة. قال: ويقرأ السجدة فيما بقي من صلاته، ويسجد بعد السلام، وقاله

المغيرة إلا في سجود السهو. قال أبو محمد: ينبغي أن يكون معني قوله: ركع ساهياً سهي عن السجدة وقصد الركعة، فأما لوخر إلى السجدة فلما حني صليه على ذلك نسي السجدة، فبقي راكعاً فهذا لا يجزئه؛ لأنه نوي بانحطاطه السجدة التي ليست بفريضة فلا/ تجزئه عن فريضة - والله أعلم - إلا على قول من يري أنه إذا ظن أنه في نافلة، فصلي ركعة، ثم تبين له أنه في فريضة أنها / تجزئة. وعلى هذا التأويل يكون وفاقاً لقول ابن القاسم، وظهر لي أن الذي أشهب أنه يجزئه، وإن أنحط للسجدة؛ لأنه لم يخالف فعل الركعة، فلا تضره النية لانعقادها في أول الفريضة، وليس عليه تجديدها، في كل / ركعة، وهو مذهبه في الذي يصلي الفريضة فيظن أنه في نافلة فلا يذكر إلا بعد ركعة أن تلك الركعة تجزئة؛ لأن فعل تلك الركعة في الفريضة والنافلة سواء، فلا تضرء النية لانعقادها من أول الفريضة، فمذهبه في السجدة كمذهبه في

الركعة. والله أعلم. فصل -7 - : [في سجود التلاوة للقارئ والمستمع] ومن المدونة قال مالك: وإذا قرأ السجدة من لا يكون لك إمام من رجل -يري من أهل البدع- أو امرأة أوصبي، وهو قريب منك، وأنت تسمع، فلا سجود عليك، قال ابن حبيب، وإن جلست إليه. قال مالك: ومن قرأ سجدة تلاوة فسجدها، فيس على من سمعها أن يسجدها، إلا أن يجلس إليه.

وكره مالك أن يجلس إليه لا يريد تعليماً، وكره أن يجلس الرجل متعمداً لقراءة القرآن وسجود فيسجد بهم، لا يريد تعليماً، قال: ومن قعد إليه فعلم أنه - يريد قراءة سجدة فليقم عنه، قال في العتيبة: فإن سجد فلا يسجد معه. قال ابن القاسم: ومن جلس إليه قوم - يريد للتعليم - فقرأ سجدة فلم يسجدها فليسجد من جلس إليه. لأن سجود القرآن سنة مندوب إليها فعلى من قرأها أو سمع القراءة أن يسجدها، فليس ترك القارئ لها يسقطها عن السامع. قال ابن حبيب: وقال مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ: لا يسجد إلا أن يسجدها قارئها، قال: ولو كان كما قال ابن القاسم لزمهم إذا تركها الإمام في صلاته بهم أن يسجدونها دونه، ولكن إنما يسجدون

بسجوده ويتركون بتركه. وروي ابن وهب في المدونة "أن رجلا قرأ سورة فيها سجدة عند رسول الله صلي الله عليه وسلم فسجد فسجد معه رسول الله صلي الله عليه وسلم، ثم قرأ آخر فلم يسجد وانتظره رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يسجد فلم يسجد، فقال الرجل: يا رسول الله قرأت السجدة فلم تسجد، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: كنت إماماً فلو سجدت سجدت معك. وهذا أصوب من قول ابن/ القاسم؛ للحديث المذكور. قال ابن حبيب: وإذا مر المعلم والمتعلم بسجدة فقال ابن القاسم: يسجدان أول مرة، ثم قال: لا يسجدان بعد، وقال ابن عبد الحكم وأصبغ: ليس ذلك عليهما أولاً ولا آخراً. فوجه قول ابن القاسم: فلأن السجود مندوب إليه فيستحب لقارئه والمستمع له أن لا يتركه، فإذا تكرر ذلك عليهما استخف لهما تركه، إذ ليس بواجبه، كوضوء الجنب للنوم إنه إذا أحدث لم يكن عليه إعادة الوضوء؛ لأن ذلك يتكرر عليه، فكذلك هذا.

ووجه قول ابن عبد الحكم وأصبغ: أنه لما كان ذلك يكثر على المعلم والمتعلم استخف له تركه. ومن المدونة قال مالك: ويقام الذي يقعد في المساجد يوم الخميس أو غيره لقراءة القرآن. ومن العتيبة قال: والقراءة في المسجد محدثة ولن يأتي آخر هذه الأمة بأهدي مما كان عليه أولها، والقرآن حسن. قيل: فالنفر في المسجد إذا / خف أهله جعلوا رجلاً حسن الصوت يقرأ لهم فكرهه مالك، قيل: فقول عمر لأبي موسي الأشعري: ذكرنا ربنا، قال: ما سمعت بهذا قط، وكره القراءة بالألحان، وقال: اتخذوا ذلك لأكل الدراهم عليه، وكره اجتماع القراء يقرؤون في سورة واحدة، وقال: لم يكن من عمل الناس ورأها بدعة.

[باب-2 -] في حمل المصحف وحليته وتحزيبه. وقراءة القرآن للجنب والحائض

[باب-2 -] في حمل المصحف وحليته وتحزيبه. وقراءة القرآن للجنب والحائض قال الله تعالى: (إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إلاَّ المُطَهَّرُونَ)،وقال (فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ). وفي كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((أن لا يمس القرآن إلا طاهر)). [فصل-1 - : لا يحمل المصحف إلا متوضئ] ومن المدونة قال مالك: ولا يحمل المصحف غير متوضئ لا على

وسادة ولا بعلاقة، إلا أن يكون في تابوت أو خُرج أو نحو ذلك، فيجوز أن يحمله غير المتوضئ، أو يهودي أو نصراني. قال ابن القاسم: لأن الذي يحمل المصحف على وسادة/ أراد حملانه لا حملان ما سواه، والذي يحمله في التابوت والغرارة والخرج، ونحو ذلك، إنما أراد حملان ما سواه؛ لأن ذلك/ مما يكون فيه المتاع مع المصحف. [فصل-2 - في حكم مس المصحف على غير وضوء للتعليم] قال مالك في المختصر: وأرجو أن يكون مس الصبيان للمصاحف؛ للتعليم وهو على غير وضوء خفيفاً، ولا بأس بإمساكهم الألواح، قال مالك في العتبية: استخف للرجل والصبي يتعلم القرآن إمساك اللوح فيه القرآن على غير وضوء. قال ابن القاسم: وكذلك المعلم يشكل ألواح الصبيان. وقال ابن حبيب: يكره ذلك للرجال ويستخف للصبيان مس الأجزاء كالألواح، ويكره لهم مس المصحف الجامع، إلا على وضوء. وقال

أشهب عن مالك في العتبية: لا أرى لغير المتوضئ مس اللوح فيه القرآن. م اختصار خذا الاختلاف: قول: إنه لا يكره لمعلم أو متعلم من رجل أو صبي مس اللوح فيه القرآن على غير وضوء، قول: إنه يكره ذلك لهم، وقول: إنه يكره للرجال دون الصبيان، واستخف للصبيان مس المصحف للتعليم، وقول: يكره لهم مس المصحف الجامع. [فصل-3 - في حكم تعليق بعض القرآن على الصبي والحائض] قال مالك في العتبية: ولا بأس بما يعلق على الحائض والصبي في العنق من القرآن إذا خرز عليه جلداً أو جعل في شيء يكنه، ولا يعلق وليس عليه

شيء، وما رأيت من يفعله، ولا بأس أن يكتب ذلك للحبلى أو شيء من ذكر الله وأسمائه يعلق عليها، فأما ما لا يعرف، والكتاب العبراني والعقد في الخيط، فأكرهه. [فصل-4 - : الجنب يكتب في صحيفة آية من القرآن] قال في سماع ابن القاسم في الجنب يكتب على الصحيفة بسم الله الرحمن الرحيم ومواعظ وآية من القرآن: أنه لا بأس به، قيل: فتقرأ الكتاب الذي يعرض عليك وفيه آيات من القرآن، فقال: لا بأس به وأرجو أن يكون خفيفاً. [فصل-5 - : في تزيين المصاحف وتشكيلها. وجعلها أسداساً وأسباعاً] قال ابن القاسم: وكره مالك تزيين المصاحف بالخواتم، وأن تعشر بالحمرة، وقال: تعشر بالسواد، ولا بأس أن تحلى بالفضة، ولا بأس أن يشكل منها ما يتعلم فيه الغلمان، فأما أمهات المصاحب/ فلا، وكره أن يكتب القرآن

أسداساً أو أسباعاً، وقال: قد جمعه الله/، وهؤلاء يفرقونه. [فصل-6 - في حكم قراءة القرآن عن ظهر قلب للحائض والجنب ومن كان على غير وضوء] قال أبو محمد: قال مالك: ولا يقرأ القرآن الجنب القرآن إلا الآية والآيتين عند أخذ مضجعه أو يتعوذ لارتياع ونحوه لا على جهة التلاوة، فأما الحائض فلها أن تقرأ لطول أمرها، فإنها لا تملك طهرها- يريد- فإن طهرت ولم تغتسل بالماء فلا تقرأ حينئذ؛ لأنها قد ملكت طهرها. وفي كتاب الوضوء من هذا قال مالك: وللطاهر الذي على غير وضوء أن يقرأ ما بدا له ما لم يمس المصحف.

[باب-3 -] في سترة المصلي والمرور بين يديه

[باب-3 -] في سترة المصلي والمرور بين يديه. [فصل-1 - في سترة المصلي]. قال مالك: وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((يستر المصلي مثل مؤخرة الرحل يحطه بين يديه)) قال ذلك يوم غزوة تبوك. قال مالك: وهو من نحو عظم الذراع- يريد- في الارتفاع. قال: وإني لأحب أن يكون في مثل جلة الرمح أو الحربة.- يريد- في غلظة. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن من سترته، فإن الشيطان يمر بينه وبينها)). وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بعيره، وفعله ابن

عمر. وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصبي وبينه وبين القبلة قدر ممر الشاة. قال بعض القرويين: معنى هذا الحديث: أنه إذا سجد كان بينه وبين القبلة قدر ممر الشاة المعنى: إذا وقف يكون بينه وبين القبلة قدر ممر الشاة. وقال بعض أصحابنا: وهذا التأويل حسن، ولو أن المراد إذا وقف يكون بين القبلة وبين رجليه قدر ممر الشاة لكان يحتاج إذا أراد السجود أن يتأخر يسيراً وذلك عمر. قال أبو محمد وفي حديث ((قدر ثلاثة أذرع. والله أعلم. فإذا تؤول الحديث الأول اتفق معنى الحديثين، والله أعلم. قال مالك في المجموعة: وإذا استتر الإمام برمح فسقط فليقمه إن خف، وإن شغله عن الصلاة فليدعه. قال عيسى عن ابن القاسم: ومن صلى على مكان مشرف فإن كان يغيب عنه رؤوس الناس، وإلا جعل سترة/ والسترة أحب إليّ.

ومن المدونة قال مالك: الخط باطل، لا أعرفه. قال أبو محمد/ وصورته عند من يذهب إليه أن يخط خطاً من القبلة إلى دبر القبلة عوضاً من السترة. قال مالك: ولا بأس أن يصلي في السفر إلى غير السترة. وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الفضاء. قال مالك: ولا يصلي في الحضر إلا إلى سترة. قال ابن القاسم: إلا أن يكون في الحضر بموضع يأمن فيه أن لا يمر بين يديه أحد مثل الجنازة يحضرها فتحضره الصلاة خارجاً، ونحو ذلك، فلا بأس أن يصلي إلى غير سترة. قال مالك: ولا بأس أن ينحاز الذي يقضي بعد سلام الإمام إلى ما قرب منه من الأساطين بين يديه، وعن يمينه، وعن يساره، وإلى خلفه يقهقر قليلاً ليستتر بها إذا كان ذلك قريباُ، فإن لم يجد ما يقرب منه صلى مكانه،

وليدرأ ما يمر بين يديه ما استطاع. قال مالك: والسترة قدر مؤخرة الرحل في جلة الرمح، قيل له: فإن كان السوط ونحوه؟ فكرهه، وقال: لا يعجبني. فصل-2 - : [في المرور بين يدي المصلي] قال مالك: ولا أكره أن يمر الرجل بين الصفوف والإمام يصلي؛ لأن الإمام سترة لهم، وإن لم يكونوا إلى سترة، وكذلك من رعف أو أصابه حقن/ فليخرج عرضاً، ولا يرجع إلى عجز المسجد، ولو ذهب إلى عجز المسجد لبال فبل أن يخرج. قال: وكان سعد بن أبي وقاص يمشي بين الصفوف عرضاً حتى يقف في مصلاه. ابن وهب: وفعله ابن عباس والنبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس، ولم

ينكر عليه أحد. وروي أن الرجل إذا أحرم قام الإحرام من الأرض إلى السماء فأي شيء يقطعها. قال مالك: ولا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي، خلافاً لمن قال: يقطعها الحائض والحمار والكلب الأسود. ابن وهب: وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يقطع الصلاة شيء))، وكذلك روى مالك في الموطأ أن علي ابن أبي طالب وابن عمر رضي الله عنهم قالا: ((لا يقطع الصلاة شيء مما يمر به يدي المصلي)). قال مالك: وإن كان عن يمين المصلي رجل وعن يساره رجل فأراد الذي عن

يمينه أن يناول ثوباً للذي على يساره من بيني يديه لم يصلح ذلك/ ولا يصح أن يناوله المصلي نفسه الثوب أو البو. قال: لأنه يكره أن يمر بين يدي الإمام بثوب أو بو. قال: أو إنسان أو غير ذلك. وروى ابن وهب/ أن قطاً أراد أن يمر بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي فحسبه برجله. قال مالك في الموطأ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا كان أحدكم يصلي، فلا يدع أحداً يمر بين يديه وَليَدرأه ما استطاع، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان)). وقال أبو جُهَيم: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو يعلم المار بين يدي

المصلي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه)). قال أبو النضر: لا أدري أقال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنة؟. وقال كعب الأحبار: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يخسف به خيراً له من أن يمر بين يديه. قال أشهب في المجموعة: إذا مر بين يديه شيء في بعد منه فليرده بالإشارة، ولا يمشي إليه، فإن فعل وإلا تركه، وإن قرب منه فدرأه فلم يفعل. فلا ينازعه، فإن ذلك شيطان، والمشي إليه أشد من ممره، فإن مشى إليه أو نازعه لم تفسد صلاته. قال ابن نافع عن مالك: يمنعه بالمعروف، وقد درأ رجل رجلاً فكسر أنفه، فقال له عثمان بن عفان رضي الله عنه: لو تركته لكان أهون من

هذا. قال ابن شعبان: في مثل هذا تكون الدية على العاقلة.

[باب-4 -] جامع القول في جمع الصلاتين ليلة المطر وفي المرض والسفر

[باب-4 -] جامع القول في جمع الصلاتين ليلة المطر وفي المرض والسفر. [فصل-1 - في جمع الصلاتين في ليلة المطرأ. روي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر. قال ابن قسيط: الجمع ليلة المطر سنة، وقد صلاها أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم على ذلك. قال مالك: يجمع أهل الحضر بين المغرب والعشاء في المساجد في المطر، ويجمعون أيضاً إذا كان طين وظلمة، وإن يكن مطر. قال في العتبية: وإذا كان المطر لا ينقطع، وليس لتعجيلهم منفعة لدوامه فلا بأس أن يجمعوا. قيل: فإن فيهم قريب الدار إذا خرج منها: دخل المسجد؟ قال: أرى أن يجمع القريب والبعيد. قال يحيى بن عمر: ويجمع معهم المعتكف.

م إنما أبيح ذلك لقريب الدار والمعتكف؛ لإدراك فضل الجماعة، وقد/ جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه، وفيهم القريب والبعيد/. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)). ك واختلف في المرأة يكون بيتها بجوار المسجد فهي أبداً تصلي مع الناس: فحكي عن أبي عمران أنها لا تجمع معهم؛ لأنها لا عذر لها بالخروج إلى المسجد، فهي بخلاف المعتكف؛ لأن المعتكف أخذه حكم المسجد، ولا يقدر على مخالفة الإمام، فيجلس والإمام يصلي، ولا يقدر على الخروج من المسجد؛ لاعتكافه. وقال غيره: تجمع المرأة معهم، كالمعتكف، وإنما جمع لإدراك فضل الجماعة، فكذلك المرأة. ومن المجموعة قال مالك: وسنة الجمع في المطر أن ينادى للمغرب في أول الوقت، ثم يؤخر شيئاً، ثم تقام الصلاة فتصلى، ثم يؤذن للعشاء في داخل المسجد في مقدمه. قال ابن حبيب: في صحن المسجد أذاناً ليس

بالعالي ثم يقيم فيصليها، وينصرفون قبل مغيب الشفق. وقال محمد بن عبد الحكم: يجمع بينهما عند مغيب الشمس، ولا يؤخر المغرب، وذكر أنه قول ابن وهب، ورواه البرقي عن أشهب. وإلى هذا كان يذهب شيخنا أبو باس، وكان يذهب شيخنا أبو الحسن إلى مذهب المدونة. قال مالك في العتبية: ولا يوتر من جمع بينهما قبل مغيب الشفق ولا يتنفل بين المغرب والعشاء، ولكن يثبت كما هو حتى يصلي العشاء، وإنما جمع للرفق بالناس. وقال ابن حبيب: من شاء تنفل بينهما ما دام يؤذن للعشاء. قال مالك في العتبية: ولا يتنفل بعد العشاء في المسجد. قال ابن حبيب: ولا يوترون في بيوتهم حتى يغيب الشفق. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا يجمع في المطر بين الظهر والعصر في الحضر.

قال مالك: ومن أتى المسجد- وقد صلى في بيته المغرب- فوجدهم قد جمعوا فلا يصلي العشاء حتى يغيب/ الشفق؛ لفضله، كما عذر ليدرك فضل الجماعة بالجمع. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن أتى المسجد- وقد صلى المغرب في بيته- فوجدهم في العشاء، فلا بأس أن يصليها معهم. م لأنه إنما قدمت العشاء قبل وقتها؛ لإدراك فضل الجماعة، وهذا من ذلك. قال ابن حبيب: ومثله في المختصر: لا يدخل معهم في العشاء، فإن دخل معهم أساء، ولا يعيد؛ لأنه مما اختلف فيه. وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ.

وقال أصبغ عن ابن القاسم في القوم يصلون المغرب فهم يتلفون لها إذ وقع المطر أيجمعون؟ قال: لا ينبغي أن يجعلوا العشاء إذا فرغوا من الغرب قبل وقوع المطر. قال عنه ابن أبي زمنين: فإن فعلوا فلا بأس بذلك. قال أبو محمد: وأعرف فيها قولاً آخر لا أذكر قائله. م وينبغي على قياس قول ابن عبد الحكم الذي يرى الجمع في أول الوقت أن يكون إذا وقع المطر بعد صلاة المغرب أن يجمعوا. ومن العتبية قيل: أفيجمعون في المطر في رمضان وهم لا ينصرفون حتى يقنتوا؟ قال: أحب إلى أن يجمعوا، وإن جمعوا ثم قنتوا فهم في سعة. قال أبو محمد: قال أبو بكر: إنما يجمعون؛ للرفق، فإذا جمعوا/ قبل مغيب الشفق، ثم قنتوا فعليهم أعادة العشاء. قال أبو محمد: إنما لم ير مالك عليهم الإعادة؛ لأنه لا بد أن ينصرف بعضهم، وأحب إليّ أن يكون الأقل في حكم الأكثر.

فصل-2 - : [في جمع المريض بين الصلاتين] روي أنا لرسول - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في غير خوف ولا سفر. قال مالك: أراه في مطر، وجمع بينهما في السفر حين جدبه السير، وجمع بين المغرب والعشاء في ليلة المطر، وفعله الخلفاء بعده؛ للرفق بالناس، فالمريض أولى بالجمع من المسافر وغيره؛ لشدة ذلك عليه، وهو أتعب من المسافر، وأشد مؤنة. ومن المدونة قال مالك: فإذا خالف/ المريض أن يغلب على عقله جمع بين الظهر والعصر إذا زالت الشمس- لا قبل ذلك- وبين العشائين عند الغروب، ورأى له مالك في ذلك سعة. قال: فأما إن كان الجمع أرفق به لشدة مرض أو بطن منخرق من غير خوف على عقله جمع بين الظهر والعصر في

وسط وقت الظهر، وبين العشائين عند غيبوبة الشفق. وقال ابن حبيب: إذا كان الجمع أرفق به جمع آخر وقت الظهر وأول وقت العصر، كالمسافر. وقال مالك في المختصر: إذا خاف المريض أن يغلب على عقله، أو يشق عليه الوضوء، فلا بأس أن يجمع بين الصلاتين، يؤخر الظهر إلى العصر، والمغرب إلى العشاء، كالمسافر. م أما الذي يخاف أن يغلب على عقله فأحب إليّ أن يجمع بينهما عند الزوال؛ خوفاً أن يغلب على عقله فلا يصليهما وهو كان قادراً على أن يصليهما، وأما الذي يرى الجمع أرفق به فليجمع كجمع المسافر، فيصلي كل صلاة في وقتها خير من أن يصلي العصر قبل وقتها من غير اضطرار إلى ذلك. وروى ابن نافع أنه لا يجمع الذي يخاف أن يغلب على عقله، ولكن يصلي كل صلاة لوقتها، فما أغمي عليه حتى ذهب وقته لم يكن عليه قضاؤه.

فصل - 3 - : [في وقت الجمع بين الصلاتين للمسافر]: ومن المدونة قال مالك: ولا يجمع المسافر في حج أو غيره حتى يجد به السير، ويخاف فوات أمر، فيجمع بين الظهر والعصر، يؤخر الظهر فيصليها في آخر وقتها، ثم يصلي العصر في أول وقتها، إلا أن يرتحل عند الزوال، فيجمع بينهما حينئذ في المنهل، ويجمع بين العشائين مقدار ما تكون المغرب في آخر وقتها قبل مغيب الشفق، والعشاء في أول وقتها بعد مغيب الشفق، ولم يذكر في المغرب والعشاء مثل ما ذكر في الظهر والعصر. قال سحنون: وهما في ذلك كالظهر والعصر. وإنما قال ذلك: لأن أصل الجمع في السفر إنما هو تخفيف على المسافر، وعون له على سفره، وفي الجمع له في المنهل غاية التخفيف، فأبيح له ذلك. وإنما قال: يجمع المسافر في الحج وغيره خلافًا لأبي حنيفة في قوله: لا

يجوز الجمع إلا بعرفة والمزدلفة. ودليلنا عليه حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء. وروى ابن عمر نحوه، واعتبارًا بسفر الحج. قال أشهب في المجموعة: لا أحب الجمع بين الظهر والعصر في سفر ولا حضر، إلا بعرفة أول الزوال، وهي السنة. قال: وللمسافر - وإن لم يجد به السير - من الرخصة في جمعهما ما ليس للمقيم، وله في جد/ السير أكثر مما له إذا لم يجد به السير، وللمقيم أيضًا في ذلك رخصة؛ لأنه يصلي في آخر الوقتين اللذين وقت جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم.

فإذا فاء الفيء قامة كان للظهر آخر وقت، وللعصر أول وقت، وأول الوقت فيهما جميعًا أحب إلينا، وإذا ساغ للحاضر ساغ للمسافر، وإن لم يجد به السير، وكذلك في المغرب والعشاء، ويكون مغيب الشفق وقتًا لهما يشتركان فيه مع ما روي من جمع المسافر، ولم يذكر جد السير به، وأما في جد السير فمجتمع عليه. وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في آخر وقت هذه وأول وقت هذه، وذلك أن ينقضي الظهر والفيء قامة أو يبتدئها حينئذ والفيء قامة، ثم يقيم فيصلي العصر بعدها، أو تنقضي المغرب وقد غاب الشفق، أو يبتديها حينئذ، ثم يقيم فيصلي العشاء بعدها، وهذا في الظهر والعصر أجوز منه في المغرب والعشاء؛ لأن المغرب إنما ذكر لها وقت واحد في الحديث. قال أبو محمد عبد الوهاب: ويجوز الجمع في طويل السفر وقصيره خلافًا للشافعي في قوله: لا يجوز إلا في سفر القصير. قال: ودليلنا عليه أنه سفر مباح فأشبه ما تقصر فيه الصلاة؛ لأن

كل رخصة تعلقت بالصلاة في الحضر لعذر جازت في قصير السفر وطويله. قال ابن المواز: والجمع في السفر توسعة ورخصة لمن احتاج إليه، وليس ذلك بسنة لازمة.

[باب - 5 -] جامع القول في قصر الصلاة للمسافر

[باب - 5 -] جامع القول في قصر الصلاة للمسافر روى مالك في الموطأ قالت عائشة رضي الله عنها: «فرضت الصلاة ركعتين في السفر والحضر، فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر»، وهو في البخاري أيضًا. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بمكة ركعتين ثم قال: «إنا قوم سفر، فأتموا الصلاة»، ومن رواية مالك أن عمر فعل ذلك بمكة، وقال لأهلها: «أتموا الصلاة فإنا قوم سفر، ولم يقل ذلك بعرفة ولا يمنى؛ لأن أكثرهم أهل سفر».

وكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام بمكة أتم معه، وإذا صلى وحده قصر، وقد قيل لابن عمر: يا أبا عبد الرحمن إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن، ولا نجد صلاة السفر، فقال: يا بن أخي إن الله بعث إلينا محمدًا عليه السلام ولا نعلم شيئًا، فإنما نفعل كما رأيناه يفعل. ابن وهب: وقد قال ناس يا رسول الله إنا كنا مع فلان في السفر فأبى إلا أن يصلي لنا أربعًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذًا والذي نفسي بيده تضلون». يريد إن صليتم أربعً. [فصل - 1 - في خلاف أصحاب مالك في حكم القصر في السفر]: قال أبو الفرج المالكي: اختلف أصحاب مالك في قصر الصلاة في السفر، فقال بعضهم: هو فرض، وقال بعضهم: هو سنة، ورواه أبو المصعب عن مالك. وقال عبد الوهاب: اختلف أصحابنا في القصر هل هو فرض للمسافر

أو سنة؟ فذهب أكثرهم إلى أن فرضه التخيير، إلا أن القصر أفضل، وهو سنته، وقاله ابن وهب عن مالك، وذهب جماعة من البغداديين إلى أن القصر فرضه. فوجه قول من قال: إن القصر فرضه أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في السفر ولم يتم. وقال غيره: قال النبي عليه السلام: «إن الله جعل فرض الحاضر أربعًا، وفرض المسافر ركعتين». وقد قالت عائشة: «فرضت الصلاة ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر». وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «صلاة السفر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، وصلاة العيد ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم، وقد خاب من افترى». فإن قيل: لو كان فرضه ركعتين لم يجز له أن يتم خلف المقيم.

فالجواب: إن هذا لا يمنع أن يكون فرضه ركعتين، ثم إذا صلى خلف المقيم يصير فرضه فرض المقيم، كالعبد والمرأة فرضهما أربع، ثم أنهما لو صليا الجمعة خلف الإمام لصار ذلك فرضهما. واحتج الذين قالوا إنه مخير بين القصر والإتمام - وقاله الأبهري - إن النبي صلى الله عليه وسلم قصر وأتم، وصام وأفطر، فعلم بذلك أنهما يجريان مجرى واحدًا، وأن الخيار إلينا في ذلك. وأما ما احتج به من قال: إن الله تعالى جعل صلاة الحاضر أربعًا وصلاة المسافر ركعتين، فمعناه إن اختار؛ لأن النبي عليه السلام أتم وقصر. قال الأبهري: أما قولهم: إنما أتم خلف المقيم اتباعًا لإمامه وهو فرضه، كالمرأة والعبد في الجمعة، فإنا نقول: إن العبد والمرأة دخلا في خطاب آية الجمعة، إلا أنهم عذرا في التخلف؛ لأن العبد مشغول بخدمة سيده، والمرأة عورة مشغولة بخدمة زوجها فهما كالمريض والمسافر خوطبا في الجملة وعذرا في التخلف. قال عبد الوهاب: وقد قال أنس: «كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من يقصر ومنا من يتم فلا يعيب بعضنا على

بعض». ولأن أصحابنا هؤلاء [قد] أجازوا للمسافر أن يصلي خلف المقيم ويتم، فلو كان فرضه القصر ما جاز له الإتمام، كما أن الحاضر لما كان فرضه الإتمام لم يكن له أن يقصر خلف المسافر. وقد أكثروا من الاحتجاج لكل قول، وهذا أبين ذلك، والله أعلم بالصواب. فصل - 2 - : [في تحديد مسافة القصر]: ومن المدونة قال مالك: ولا يقصر المسافر حتى تكون مسافة سفره أربعة برد/ فأكثر.

م وإنما قال ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمر وابن عباس قصروا الصلاة إلى ذات النصب، وهي من المدينة على أربعة برد. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا أهل مكة لا تقصروا لأقل من أربعة برد». قال مالك: ولا يتم حتى ينوي إقامة أربعة/ أيام، وإنما قال ذلك؛ لأن عثمان بن عفان وسعيد بن المسيب قالا: إذا نوى المسافر إقامة أربعة أيام أتم، وما لم يجمع على ذلك فليقصر. قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت، والذي لم يزل عليه أهل العلم عندنا. واستدل على ذلك بعض أصحابنا من البغداديين بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا

يقيمن مهاجر بعد قضاء نسكه فوق ثلاث». فمنه المهاجر أن يتخذ مكة قرارًا فوق ثلاثة أيام، فدل على أن الثلاثة ليست في حيز الإقامة، وأن الأربعة فما فوق إقامة. وذلك حجتنا على أبي حنيفة في قوله: لا يتم حتى ينوي إقامة خمسة عشر يومًا. قال ابن القاسم في المدونة: الذي رجع إليه مالك أن الإقصار في أربعة برد، وكان يقول: في مسيرة يوم وليلة. قال غيره: وإنما كان يقول: تقصر الصلاة في يوم وليلة؛ لقول ابن عمر تقصر في اليوم والليلة.

م ولقول/ الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مع غير ذي محرم منها/ سفر يوم وليلة». فجعل للسفر حرمة إذا كان يومًا وليلة. فدل أن ما دون ذلك بخلافه. وإنما رجع مالك إلى القول بأربعة برد؛ لأن البريد يضبط، ويتحصل في الشتاء والصيف والسريع والبطيء، وليس اليوم والليلة كذلك. قال مالك في العتبية: ويقصر في خمسة وأربعين ميلا. وقال ابن الماجشون في الواضحة: يقصر في أربعين ميلًا، وذلك قريب من الأربعة برد. قال ابن القاسم في العتبية: ومن قصر في ستة وثلاثين ميلًا فلا إعادة عليه. قال ابن المواز: وقال ابن عبد الحكم: يعيد في الوقت، وقال يحيى ابن عمر: يعيد أبدًا. فوجه قول ابن القاسم: فلأن الثلاثة برد سفر يدخل في قوله عليه السلام: «يا أهل مكة لا تقصروا فإنا قوم سفر»؛ ولأنه إنما نقص من

الأربعة برد الربع والربع في الأصول في حد القلة، فوجب أن لا يغير الحكم. ووجه قول يحيى بن عمر يعيد أبدًا: قوله عليه السلام: «يا أهل مكة لا تقصروا لأقل من أربعة برد». ووجه قول ابن عبد الحكم/: أنه لما ترجح الأمر عنده من أن يجزئه أو لا يجزئه توسط قولا بين القولين، فجعله يعيد في الوقت. قال ابن عبد الحكم: وإن قصر في أقل من ستة وثلاثين ميلًا أعاد أبدًا؛ لأنه لم يختلف فيه. فصل - 3 - : [في مكان القصر]: ومن المدونة قال مالك: ومن أراد سفرًا فليتم الصلاة حتى يبرز عن بيوت القرية حتى لا يحاذيه أو يواجهه منها شيء، وكل ذلك في البحر، ثم يقصر. قال: وإذا رجع من سفره فليقصر حتى يدخل بيوت القرية أو قربها،

ولم يحد في القرب حدًا، وقال في الميل: إنه يقصر. وإنما قال ذلك؛ لأن ابن عمر كان إذا سافر قصر، وهو يرى البيوت، وإذا رجع قصر حتى يدخل البيوت. وقد رأى علي بن أبي طالب رضي الله عنه خصًا حين خرج من البصرة، فقال: لولا هذا الخص لصلينا ركعتين. قال في العتبية: في الأمير يخرج عن المدينة على ثلاثة أميال حتى يتكامل أكرياؤه وحشمه قال: لا يقصر حتى يجتمع على المسير - يريد - فيقصر، إذا برز من ذلك الموضع الذي يتكامل فيه أكرياؤه. وقال في من يخرج من الفسطاط إلى بئر عميرة وهو يقيم بهم اليوم واليومين كما يصنع الأكرياء حتى يجمع إليه الناس أنه يقصر. قال أبو محمد: قال يحيى بن عمر: ولم ير ذلك في الأمير يخرج على الميلين حتى يجتمع ثقله، وقال يتم. وقال عنه ابن نافع في المجموعة: أحب إلي أن يتم/ إذا كان الأكرياء يحبسون الناس. والأمير وغيره سواء، وإنما ذلك اختلاف من قوله:

وقيل إن الفرق بين ذلك، إن الأمير السير إليه، وهو القاصد للإقامة، والخارج إلى بئر عميرة ليست الإقامة إليه، بل خرج على النفاذ. ولو عكس هذا لكان أصوب؛ لأن الأمير إليه السير، وعادته الخروج عازمًا على السفر، والآخر ليس إليه السير، وإنما يريد الأكرياء، فهو كمن واعد قومًا للسفر وهو لا يريد إلا بسيرهم، فإنه يتم. قال ابن القاسم عن مالك: وإذا قدم من سفره/ فنزل من مدينته على ميل أو ميلين ليقيم حتى يدخل ليلًا فإنه يقصر، إلا أن يقرب جدًا ولم يحد القرب، قال: وإنما يحد في هذا أهل العراق. قال أشهب وابن/ نافع عن مالك في المسافر إذا رجع إلى أهله: فإنه يقصر حتى يدنوا من البيوت مثل الميل ونحوه فيتم الصلاة. ومن كتاب ابن المواز: ومن خرج مسافرًا ثم نزل على قدر أميال، ثم بدا له في الرجعة، ثم لم يبرح حتى رجعت نيته إلى السفر في الوقت، ثم حضرت الصلاة فليتم حتى يبرز عن ذلك الموضع، ولو شيعهم رجل وهو يريد الرجعة فقدموه يصلي بهم قبل أن يفترقوا فلم يدخل في الصلاة حتى نوى السفر وعزم عليه فليتم حتى يبرز عن ذلك الموضع.

م وإنما قال ذلك؛ لأن الأصل الإقامة والسفر فرع طارئ عليه فوجب أن يرجع إلى الأصل بالنية ولا ينتقل عنه إلا بالفعل، وهو الظعن. ومن المدونة قال مالك: ومن واعد قومًا للسفر ليمر بهم وبينه وبين موضعه ما لا تقصر في مثله الصلاة أو تقدمهم حتى يلحقوه، فإن كان عازمًا على السفر على كل حال خرج القوم الذين واعدهم أم لا، فليقصر إذا برز عن قريته، وإن كان لا يخرج إلا بخروجهم فليتم حتى يبرز عن موضعهم، في المبسوط: وعن الموضع الذي يلحقونه فيه. فصل - 4 - [في قصر المسافر بحرًا]: قال مالك: ويقصر المسافر في البحر إن نوى مسيرة يوم تام. قال عبد الملك في المجموعة: وإن توجه إلى سفر فيه بر وبحر فإن كان في أقصاه باتصال البحر مع البر ما يقصر فيه الصلاة قصر إذا برز. قال ابن المواز: وإذا كان ليس بينه وبين البحر ما تقصر فيه الصلاة، فانظر: فإن كان

المركب لا يبرح إلا بالريح، فلا يقصر حتى يركب ويبرز عن موضع قلع منه بالريح - يريد - إذا كان في سفره من ذلك الموضع ما تقصر فيه الصلاة. قال ابن المواز: وإن كان يخرج بالريح وبالقذف فليقصر حين يبرز عن قريته. ومن المدونة قال مالك: ويقصر النواتيه وإن كان معهم الأهل والولد. وقاله سالم بن عبد الله. قال مالك: ولو ردته الريح إلى الموضع الذي خرج منه فليتم فيه ما حسبته الريح حتى يظعن ثانية. قال سحنون: هذا إن كان له وطنًا، وإلا قصر فيه أبدًا إلا أن ينوي/ إقامة أربعة أيام. وإن لم يكن له وطنًا إلا أنه كان نوى فيه إقامة أربعة أيام فأكثر، فكان يتم فيه، ثم خرج فردته الريح إليه فهذا يدخل فيه اختلاف. قول مالك في الذي أقام بمكة بضعة عشر يومًا فأوطنها ثم خرج ليعتمر من الجحفة ثم يعود إلى مكة فيقيم بها اليوم واليومين، فقال مالك: مرة يتم في يوميه، ثم رجع

إلى أنه يقصر، وكذلك هذا، والله أعلم. [فصل - 5 - في من سافر ثم رجع قبل أن يبلغ المسافة هل يقصر؟] قال مالك: ومن خرج مسافرًا تقصر في مثله الصلاة، فسار ما لا يقصر في مثله الصلاة، ثم رجع إلى بيته في حاجة بدت له فليتم في رجوعه حتى يبرز ثانية، وقيل: يقصر ما لم يدخل بيوت القرية. فوجه قول مالك: فلأن رجوعه سفر غير الخروج، فلا يضاف إليه، ولو جاز هذا القصر من خرج إلى مسافة بريدين، إذا كان نيته أن يرجع من ساعته ولا يقيم، وهذا لا يقوله أحد. ووجه الثانية: فلأن رجوعه إنما كان لحاجته لا كسرًا عن سفره/ الأول، فهو عليه ما لم يدخل وطنه فوجب أن/ يقصر. والأول أبين لما قدمنا، والله أعلم. فصل - 6 - : [من خرج في طلب حاجة متى يقصر]: ومن المدونة قال مالك: ومن خرج في طلب آبق له أو حاجة فقيل له: هي بين يديك على بريدين فمشى كذلك أيامًا ولا يدري غاية سفره، فليتم

في سفره، ويقصر في رجوعه إذا كان أربعة برد فأكثر. ومن غير الأم واختلف أصحابنا المتأخرون إذا كان لما بلغ هذا الذي خرج في طلب آبق على رأس برد، فأراد الرجوع، فقيل له: إن حاجتك في موضع كذا على بريدين بين يديك أو عن يمينك أو عن شمالك، فقال: أنا أبلغ ذلك الموضع، ثم أتمادى منه إلى داري على كل حال وجدته أو لم أجده، فذهب بعض أصحابنا إلى أنه لا يقصر حتى يرجع من الموضع الذي أخبر أن العبد فيه؛ لأنه لا يضاف مسيره إلى رجوعه. وظهر لي ولغيري من أصحابنا أنه يقصر من رأس أربعة برد؛ لأنه قد نوى الرجوع، وقال: أنا آخذ في رجوعي من الموضع الذي ذكر له أن العبد فيه، فهو كالراجع، وكما لو أخذ من ذلك الموضع لوعر في طريقه الأولى أو/ لحاجة غير الآبق فهو كمبتدئ سفرًا من ذلك الموضع، وكالذي يريد سفرًا إلى جهة قبلة بلده فذكر أن له حاجة على بريدين، في دبور بلده، فقال: أخرج إلى هذه الحاجة في دبور بلدي، ثم أرجع إلى طريقي، ولا أدخل مدينتي، ثم أتمادى

إلى تمام سفري، أنه يقصر من حين يبرز عن قريته، فكذلك الذي بلغ رأس أربعة برد فقال: أنا أبلغ موضع كذا ثم أتمادى منه إلى داري لا فرق بينهما، والله أعلم. [فصل - 7 - في من يدور في القرى هل يقصر؟]: ومن المدونة قال مالك: ومن خرج يدور في القرى وفي دورانه أربعة برد قصر. قال ابن القاسم: والسعاة مثله. قال مالك: ومن خرج إلى مكة ونوى أن يسير يومًا ويقيم يومًا قصر من حين خرج من بيته حتى يأتي مكة. ومن العتبية قال سحنون: وإن نوى أن يسير يومًا ويقيم أربعة أيام، فهذا يقصر في مسيره، ويتم في مقامه، وكذلك عنه في المجموعة في من خرج ينوي أن يسير ثلاثين ميلًا أو عشرين ميلًا ثم يقيم أربعة أيام، ثم يمشي مثل ذلك، ثم يقيم أربعة أيام أنه يقصر من حين يخرج في مسيره، ويتم في مقامه، وقاله ابن الماجشون. وذكر ابن المواز

خلافه، وأنه تراعى مسافته إلى الموضع الذي نوى فيه الإقامة، وجعله كوطنه، فإن كان بين كل موضعين أقل من أربعة برد أتم ولم يقصر. وقول سحنون أولى؛ لأنه لما نوى في أول سفره أن يسير كذلك فهو مسافر إلى غاية القصر حقيقة، ولا يضره تخلل الإقامة، كما أن من نوى أن يصوم في سنة يومًا بعد أربعة أيام أنه يجزئه التبييت في أول ليلة، ولا يضره تخلل الفطر، ويصير حكمه حكم الصوم المتصل، فلذلك هذا حكمه حكم السفر المتصل، ولا يضره تخلل الإقامة، وليس نية الإقامة، كدخوله وطنه؛ لأن دخوله وطنًا له يوجب عليه الإتمام، وإن لم ينو الإقامة، وإقامته في غير وطنه لا يوجب ذلك عليه إلا بنية إقامة أربعة أيام، فهو أضعف من وطنه. فصل - 8 - : [لا يقصر إلا في سفر يجوز له الخروج فيه] ومن المدونة قال مالك: ومن/ خرج يريد الصيد على مسيرة أربعة برد قصر الصلاة، إن كان ذلك عيشه. قال ابن القاسم: فإن خرج/ متلذذًا، فلم أره يستحب له قصر الصلاة. وقال: أنا لا آمره بالخروج، فكيف آمره بقصر الصلاة؟.

قال ابن شعبان: فإن قصر المتلذذ للصيد لم يعد للاختلاف فيه؛ لأن الصيد مباح، وقد أجاز ابن عبد الحكم الصيد للهو. قال ابن حبيب: إنما يقصر في سفر يجوز له الخروج فيه غير باغ ولا عاد، فأما من خرج باغيًا أو عاديًا أو/ قاطعًا للرحم أو طالبًا لإثم، فلا يجوز له القصر، كما لا يباح له الأكل من الميتة عند الضرورة. والذي قال ابن حبيب: هو المذهب، إلا قوله لا يباح له أكل الميتة عند الضرورة، والصواب أن له أكلها لإحياء نفسه. وقد قال الله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) وليس في ترك الأكل إلا ذهاب نفسه، وهذه معصية أخرى. ومن حجة من منعه أنه قادر على استحداث التوبة، فيجوز له الأكل. وقد ذهب أبو حنيفة إلى أن له القصر، كما أن له أكل الميتة إذا

اضطر إليها، ففرق له بعض أصحابنا بأن قال: إن الله تعالى قد فرض عليه إحياء نفسه مع القدرة على ذلك من غير أن يتلف بها نفسًا أخرى حرمتها كحرمة نفسه، وإذا كان الأمر على هذا فكأنه توجه عليه فرضان: أحدهما النزوع عما هو عليه من المضي والسعي في معصية الله، والآخر: إحياء نفسه حتى يتناول ما يرد به رمقه فأمر بالأمرين جميعًا، فإن فعلهما فهو المراد، وإن فعل أحدهما لم نأمره بتركه من أجل أنه لم يفعل الآخر، وهذا كمن أمر بترك الزنا وشرب الخمر فأقلع عن أحدهما، فلا يجوز أن يقال له: لا تترك هذا حتى تترك الآخر، بل يقال له: أنت ممدوح على ترك ما تركت، ومذموم على ما أقمت عليه، وإنما لم يجز له الفطر والقصر عندنا؛ لأنهما رخصتان معينتان على السفر، فلا يباحا للعاصي، فيكونا عونًا له على المعصية، فيصير ممنوعًا من سفر معانًا عليه، وهذا تناقض.

م ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، فلما لم يصحح سفره عليه السلام عاصيًا لم يصح أن يفطر أو يقصر فيه. فصل - 9 - : [في المسافر ينوي الإقامة] ومن المدونة قال مالك: وإذا أجمع المسافر في بر أو بحر على مقام أربعة أيام بلياليهن أتم الصلاة، وصام حتى يظعن من مكانه. قال ابن الماجشون وسحنون: إذا دخل في بعض النهار، فإن نوى إقامة عشرين صلاة أتم، وقال ابن القاسم في العتبية: يلغي يوم دخوله، ولا يحسبه. هذا أصل مختلف فيه في العدد والأيمان، فهذا على ذلك، والقياس البناء على بعض اليوم، والاحتياط أن يلغي بعض اليوم، ويبتدئ الذي يليه من أوله. قال عيسى عن ابن القاسم: وإن نوى المسافر إقامة أربعة أيام ثم قصر أعاد أبدًا، وكذلك في كتاب ابن سحنون، وأنكر سحنون قول من قال: يعيد في الوقت. ومن المدونة قال مالك: وإذا صلى مسافر ركعة ثم نوى الإمام

الإقامة شفعها وسلم، وكانت نافلة، وابتدأ صلاة مقيم. وإن نوى الإقامة بعد تمامها لم أر عليه الإعادة واجبة، وإن أعاد فحسن، وأحب إلي أن يعيد. ابن المواز: وإذا نسي المسافر القصر حتى بقي من النهار ركعة فصلى الركعة وغربت الشمس، ثم نوى الإقامة بعد خروج الوقت فإن صلاته تبطل، ويبتدئ صلاة مقيم. وقال أصبغ: يبتدئ صلاة سفر؛ لأنه نوى الإقامة بعد خروج الوقت فكأنه يقضي ما فاته. قال محمد: ولو ابتدأها/ بعد ما غربت الشمس لم تضره نية الإقامة، وليتماد فيها سفرية، ولو أغمي عليه فيها فلابد من قضائها، ولو أحرم بها قبل الغروب، ثم أغمي عليه فيها بعد الغروب لسقطت عنه. ويجب على قوله في المسافر ألا تسقط عنه؛ لأنه إنما أغمي عليه بعد خروج الوقت. قال أصبغ في امرأة صلت ركعة من العصر، ثم غربت الشمس فحاضت،

فإنها تسقط عنها إعادتها. ويجب على قوله في المسافر أن يقضيها. وقال سحنون في المسافر: يتمادى، ولا يضره ما نوى بعد خروج الوقت، وكذلك الحائض تقضيها؛ لأنها حاضت بعد خروج الوقت. قال مالك في المجموعة: وإذا نوى الإمام الإقامة بطلت صلاته وصلاة من خلفه، ثم قال: يستخلف من يتم بالقوم، وينصرف هو فيبتدئ صلاة مقيم. قال ابن القاسم ف يالعتبية: وإن نوى الإقامة بعد أن صلى ركعة وخلفه مقيمون فليقدم من يتم بهم، ويقطع هو صلاته، وإن كان خلفه مسافرون ومقيمون، فإن قدم مسافرًا سلم هو والمسافرون من ركعتين، وأتم المقيمون لأنفسهم بقية صلاتهم. كما كانوا يفعلون مع إمامهم. قال ابن القاسم: فإن قدم حضريًا صلى بهم ركعة بقية صلاة الإمام

الأول ثم أشار إليهم أن اجلسوا، ثم أتم هو وحده وسلم هو والسفريون، ثم أتم المقيمون بعد سلامه. قال عيسى: أحب إليّ أن ينتقض عليهم أجمع. قال ابن القاسم: وإذا استخلف هذا الخارج فلا يضيف ركعة ويجعلها نافلة، بمنزلة ما لو كان وحده، وليدخل معهم، فيتم بقية الصلاة، وتجزئه. وقال عيسى: بل يبتدئ هو وهم أحب إلي. أما قوله: إذا نوى الإقامة وخلفه مقيمون فليقدم من يتم بهم فصواب؛ لأنه لم يختلف على المأمومين شيء من أمرهم؛ لأنهم دخلوا على الإتمام فهم عليه، فيصلي بهم المستخلف بقية صلاة الأول، ثم يشير إليهم أن اجلسوا، ثم يتم هو لنفسه ويسلم ويتم المقيمون لأنفسهم أفذاذًا بعد سلامه،

وأما قوله: وإن كان خلفه مقيمون ومسافرون فقدم مسافرًا فصواب أيضًا؛ لأن خليفته كهو، فلم يتغير عليهم شيء من أمرهم، وأما إن قدم حضريًا، فقول عيسى أبين؛ لأنه قد حصل للمسافرين في هذه الصلاة إمامان مسافر ومقيم، وحكمهم في الصلاة خلف كل واحد منهم مختلف، فإن أتموا خلف الثاني، فقد خالفوا ما دخلوا عليه وخالفوا فعل الأول، وإن لم يتموا فقد خالفوا فعل الثاني، والمسافر إذا أدرك خلف المقيم ركعة لزمه الإتمام؛ ولأنه إمامهم في هذه الركعة المستخلف عليه لو فسدت عليه لفسدت عليهم، فلذلك قال عيسى: أحب إليّ أن تنتقض عليهم صلاتهم. ووجه قول ابن القاسم: أن صلاتهم قد انعقدت على حالة الأول، وإنما هذا الثاني يفعل بهم بقية عمل الأول، ثم يشير إليهم بالجلوس ليتم هو ما كان يلزمه، ويسلم بهم، ويتم الحضريون بعد سلامه، كما كانوا يفعلون مع الأول. وأما قوله: إذا استخلف هذا الخارج فليدخل معهم، ويتم بقية الصلاة، وتجزئه - يريد - أنه يقطع ما كان فيه، ويدخل بإحرام جديد، ويتمادى مع الإمام، فإذا سلم الإمام أتم هذا بقية صلاته، وتجزئه. [فصل - 10 - في من دخل مكة فأقام بها ثم ينوي العمرة والبقاء بمكة يومين هل يقصر؟] ومن المدونة قال مالك: ومن دخل مكة فأقام بها بضعة عشر يومًا فأوطنها، ثم بدا له أن يخرج ليعتمر من الجحفة، ثم يعود إلى مكة ويقيم بها اليوم واليومين، ثم يخرج منها فليتم الصلاة في يومه ويوميه؛ لأن مكة كانت له وطنًا، ثم قال:

يقصر. قال ابن القاسم: وهو أحب إليّ. فوجه قوله يتم؛ لأنه لما أوطنها وأتم الصلاة بها صار له حكم الوطن، فكأنه رجع إلى وطنه، ووجه قوله: يقصر؛ لأنها ليست كوطنه في الحقيقة، وإنما أتم بالسنة لما نوى من الإقامة، وأما وطنه فلا يحتاج إذا رجع إليه إلى نية الإقامة، فما كان لا يتم فيه إلا بنية أضعف مما يتم فيه بغير نية، وقد سافر من ذلك الموضع سفر إقصار، فإذا رجع إليه فهو على نية سفره حتى ينوي إقامة أربعة أيام أيضًا، ولو كان اعتماره من الجعرانة والتنعيم أو ما لا تقصر فيه الصلاة، ثم رجع إلى مكة ونوى أن يقيم بها اليوم واليومين لأتم في ذلك بلا اختلاف من قوله؛ لأنه على نيته الأولى في الإتمام، فلا يزيلها إلا بخروجه إلى سفر الإقصار. [فصل - 11 - في حكم المسافر يمر بقرية له فيها أهل وولد] ومن المدونة قال مالك: وإذا مر المسافر بقرية فيها أهله وولده فأقام

عندهم، ولو صلاة واحدة أتم، وإن لم يكن له بها غير عبيده وبقره وجواريه، ولا أهل له بها ولا ولد قصر الصلاة إلا أن ينوي إقامة أربعة أيام. قال ابن القاسم: وإن هلك أهله وبقي ولده فمحملها عند مالك إن كانت له مسكنًا، وإلا قصر. قال ابن حبيب: وإن كان له بها أم ولد أو سرية يسكن إليها أتم. ومن كتاب ابن المواز: وإن لم يكن مسكنه، ولكنه نكح بها، فلا يتم بها حتى يبني بأهله، وتلزمه السكنى. قال: وإذا خرج وفي طريقه قرية له بها أهل ونوى دخولها، فإن كان بينه وبينها أربعة برد قصر إليها، وإلا أتم، ثم ينظر في بقية سفره منها، فإن كان في المسافتين منتهى أربعة برد فأكثر قصر الصلاة، وإلا أتم، فإذا رجع ولم ينو دخولها قصر إذا كان بين المسافتين أربعة برد فأكثر.

قال: ولو خرج أولا وهي على أقل من أربعة برد ونوى دخولها لزمه الإتمام، ثم لمَّا حاذها بدا له فترك دخولها فلينظر بقية سفره من حينئذ، فإن كان أربعة برد قصر إذا ظعن من مكانه ذلك لا قبل الظعن منه. يريد؛ لأنه الساعة يصير مسافرًا، وكأنه خارج من وطنه، قال: ولو كانت مسافة قريته أربعة برد قصر، وإن لم يظعن من مكانه كان في باقي سفره أربعة برد أو أقل؛ لأنه لا يجب عليه الإتمام إلا بدخول تلك القرية، فمتى لم يدخلها بقي على ما كان عليه من الإقصار. قال: ولو شقها مارًا ولم ينزلها لراعيت بقية سفره فلا يقصر، إلا أن تبقى أربعة برد. قال: ولو لم يكن له بها أهل إلا أنه نوى المقام بها أربعة أيام ثم خرج مكانه فالجواب سواء. قال: ولو أنه إذا نوى المقام بها فأتم، ثم خرج إلى بقية سفره وفيه أربعة برد، فلما سار عنها ميلين رجع إليها في حاجة

فليقتصر هذا في رجوعه وفي دخوله حتى ينوي المقام بها ما يتم فيه الصلاة، إلا أن يكون بها أهله. وهذا الذي أخذ به من اختلاف قول مالك في هذا، وبه أخذ ابن القاسم وأصبغ. يريد الاختلاف الذي جرى لمالك في مسألة مكة. فصل - 12 - : [في من نسي صلاة سفر فذكرها في حضر أو العكس] ومن المدونة قال مالك: ومن نسي صلاة سفر فذكرها بعد ذهاب وقتها في حضر صلاها ركعتين كما كانت وجبت عليه، وكذلك إن ذكر صلاة حضر قد ذهب وقتها، فذكرها في سفر صلاها أربعًا كما وجبت عليه. قال: وإذا خرج لسفر أو دخل منه في وقت صلاة فوقته في الظهر والعصر إلى الغروب، وفي العشائين إلى طلوع الفجر، فإن خرج ولم يكن صلاها وفي الوقت ما يسع إحدى الصلاتين وركعة من الأخرى صلاهما سفريتين،

وإن لم يسع إلا واحدة صلاها سفرية، فهي الآخرة، فيصلي الأولى حضرية والثانية سفرية، وإن خرج بعد زوال وقتهما قضاهما حضريتين، وكذلك في دخوله بهذا المعنى إن دخل لمقدار خمس ركعات صلى الظهر والعصر حضريتين، وإن كان لقدر أربع ركعات إلى ركعة صلى الظهر سفرية، والعصر حضرية، وإن دخل بعد الغروب صلاهما سفريتين، وإن كان قد صلى العصر ونسي الظهر فليبدأ بالظهر في الخروج سفرية، فإن بقي قدر ركعة أعاد العصر سفرية أيضًا، وإلا لم يعدها، وفي الدخول يبدأ بالظهر حضرية، فإن بقي قدر ركعة أعاد العصر حضرية، وإلا لم يعدها، وإن خرج لقدر ركعة، فأكثر من الليل، ولم يصل العشائين، فليصل العشاء الآخرة سفرية، وإن دخل أيضًا لقدر ركعة فأكثر صلاها حضرية؛ لأن المغرب لا تقصر فلا يتغير الحكم صلاها أم لا. وقد تقدم كثير من هذا المعنى بزيادة فيه في مقادير الأوقات للحائض وغيرها في كتاب الصلاة الأول فأغنى عن إعادته.

فصل - 13 - : [في صلاة المسافر خلف المقيم] ومن المدونة قال مالك: وإذا أدرك المسافر ركعة خلف مقيم أتم، وإن لم يدركها قصر. قال ابن حبيب: ويبني على إحرامه ذلك صلاة مسافر. قال مالك: وإذا صلى مقيم خلف مسافر فليتم المقيم بقية صلاته بعد سلام الإمام المسافر؛ لقوله عليه السلام لأهل مكة: «أتموا الصلاة فإنا قوم سفر». وقال ابن حبيب عن مالك: لا يتم المسافر [لا وحده ولا] خلف المقيم، فإن فعل أعاد في الوقت، إلا في مثل جوامع المدائن وأمهات الحواضر، لا في مساجد عشائرها، ولا في القرى الصغار التي لا يجمعون الجمعة في مسجدهم. كأنه رأى في هذا القول إن فرض المسافر القصر فلا يتم خلف المقيم، إلا في مثل أمهات الحواضر؛ لإتمام ابن عمر مع إمام مكة. والصواب الإتمام خلفه، كما كان يفعل ابن عمر؛ ولقوله عليه السلام: «إنما جعل الإمام ليؤتم به». هذا هو الأصل، وخرج إتمام المقيم خلف المسافر

بالسنة، وبقي ما سواه على أصله؛ ولأن إتمام المقيم خلف المسافر إنما هو بعد سلام الإمام فليس ثم إمام يخالفه بعد، وإذ قصر المسافر خلف المقيم يصير المسافر جالسًا والإمام يصلي، فقد خالف إمامه. فصل - 14 - : [في المسافر يصلي أربعًا] ومن المدونة قال مالك: ومن صلى في السفر أربعًا أعاد في الوقت، فإن كان في سفر، وهو في وقتها، أعاد ركعتين، فإن ذهب الوقت لم يعد. قال ابن القاسم: وإن رجع إلى بيته في وقتها أعاد أربعًا. قال سحنون في كتاب ابنه ومحمد في كتابه: وسواء أتم عامدًا أو جاهلاً أو ناسيًا، فإنه يعيد في الوقت، ولا سجود سهو عليه، ولو كان ذلك عليه لكان عليه في عمده أن يعيد أبدًا، وكذلك قال ابن حبيب عن ابن

القاسم. قال: وقال مطرف عن مالك: إذا أتم ساهيًا سجد لسهوه، وأجزأته، ولم بعد في وقت ولا غيره. قال سحنون: وأما إن افتتحها على ركعتين، ثم بدا له فأتمها سهوًا أو عمدًا، فليعد أبدًا؛ لكثرة السهو. قال ابن المواز: يعيد العامد أبدًا، ويجزئ الساهي سجود سجدتا السهو، وليس كسهو مجتمع عليه. قال ابن المواز: ولولا أن مالكًا وأصحابه لم يختلفوا في من أتم في السفر أنه إنما يعيد في الوقت لاستحسنت أن يعيد أبدًا؛ لأنها سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم. وقال سحنون: القياس أن يعيد أبدًا. قال غيره: وإنما لم ير مالك الإعادة عليه أبدًا؛ لقوة اختلاف الصحابة في ذلك. وقال أبو محمد: والوقت في ذلك النهار كله.

وقال أبو العباس الإبياني: الوقت في ذلك وقت الصلاة المفروضة، والأول أصوب. ومن المدونة: وقد روى ابن وهب أن عائشة كانت تتم في السفر، وأن عثمان كان يتم في السفر. قال أبو بكر بن الجهم: قيل لعروة: ما بال عائشة تتم في السفر؟ قال: أراها تأولت ما تأول عثمان. قال أبو بكر: ويقال: إن الذي تأول عثمان أنه كان يقول: أنا أمير المؤمنين فحيثما كنت من البلاد فأنا في عملي، وقالت عائشة: أنا أم المؤمنين فحيثما كنت فأنا عند ولدي وفي بيتي. قال ابن حبيب: إنما أتم عثمان بمنى خاصة؛ لأن له بها أرضًا ومالاً، فتأول

أنه غير مسافر. قال: وحسبت عائشة أن سفرها بعد النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز لها، فأتمت فيه لهذا. قال غيره: أما ما قيل: إن عائشة رضي الله عنها إنما أتمت؛ لأنها خرجت عاصية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ولغيرها من نسائه في حجة الوداع: «إنما هي هذه ثم ظهور الحصر»، يعني إنما هي هذه الحجة، ثم اجلسن في بيوتكن. فقد قيل: إنه حديث غير صحيح، لم يدخله إلا من قصد به الطعن على عائشة رضي الله عنها. وما تقدم من التأويل عليها أولى. والله أعلم. ويحتمل أن تكون عائشة وعثمان رضي الله عنهما اختارا الإتمام لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتم وقصر»، ولحديث أنس «كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من يتم ومنا من يقصر فلا يعيب بعضنا على بعض».

[فصل - 15 - في المسافر يبتدئ صلاته على الإتمام ثم يتم أو العكس] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا افتتح المسافر على الإتمام، ثم بدا له فسلم من ركعتين لم تجزئه صلاته في قول مالك؛ لأن صلاته على أول نيته. قال مالك: وإذا صلى مسافر بمسافرين فقام من اثنتين فسبحوا به، فتمادى وجهل، فلا يتبعوه، ويقعدوا، ويتشهدوا. قال ابن القاسم: فإذا

سلم الإمام سلموا بسلامه، ويعيد وحده في الوقت، وكذلك قال مالك. قال ابن عبدوس: وكان سحنون يفسر ذلك ويقول: إن كان أتم ناسيًا لسفره أو لإقصاره، أو متأولاً وخلفه مقيمون ومسافرون، فإنه يعيد هو ومن أتبعه في الوقت، ويعيد من لم يتبعه أبدًا: ألا ترى أنهم لو سبحوا به حين قام من الركعتين فرجع إليهم وسلم من الركعتين بالمسافرين، وأتم المقيمون أن عليهم أبدًا؛ لأن صلاته على أول نيته، وأما إن حرم على اثنتين فتمادى سهوًا فليسبحوا به إلى وقت لو انتبه وسلم أجزأته، فإن زاد سلموا أفذاذًا، وقدموا من يسلم بهم، ويتم المقيمون لأنفسهم، فصار كإمام أحدث بغلبة. قال ابن عبدوس: يسبحون به إلى أن يرفع رأسه من الرابعة فحينئذ أبطل على نفسه، وخرج القوم من إمامته، فيسلم المسافرون، ويتم المقيمون وصلاتهم تامة.

ومن العتبية قال ابن القاسم: وإذا صلى مسافر بمقيمين فسلم من ركعتين فليتم المقيمون أفذاذاً, وإن أتموا بإمام أساءوا وأجزأتهم صلاتهم, وإن أعادوا فحسن. وقال عنه موسى: يعيدون أبداً أحب إلى, وكذلك لو صلى بعضهم بإمام, وبعضهم بإمام. وقال عنه سحنون: إذا كان خلفه مقيمون ومسافرون فأتهم بهم كلهم مقيم فصلاته تامة, ويعيد المقيمون والمسافرون أبداً؛ لأنه لا يكون فى صلاة واحدة إمامان, وكذلك لو أحدث فقدم مقيماً فأتم بالجميع. م لأنه يصير لهم إمامان مختلفان. قال ابن المواز: لا تجزئهم إذا جمعوا فيما عليهم أن يصلوه أفذاذاً. فصل -16 - : [فى حكم القصر فى دار الحرب] ومن المدونة قال مالك: ويتك الأسير فى دار الحرب / إلا أن يسافر به

فيقصر. قال سحنون فى كتاب ابنه: ويسأل الذين سافروا به, فإن اجتمعوا أن مسافة سفره أربعة برد, قصر. وقيل: قول جماعتهم. قال مالك: وكلما أقام العسكر بدار الحرب قصر, وإن طال مقامه فى موضع واحد, وليس دار الحرب كغيرها. وقد قيل لابن عباس: إنا نطيل المقام بخراسان فى العدو, فقال: صل ركعتين وإن أقمت عشر سنين, وقد أقام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى حصار الطائف سبع عشرة ليلة يقصر الصلاة. قال ابن حبيب: وكذلك لو عزم على إقامة أربعة أيام, فليقصر؛ إذ لا يملك ذلك ملك الثقة حتى يجاوز الدروب, ويصير بمحله آمنا. قال فى المدونة: ولو كان بغير دار الحرب/ أتم إذا نوى إقامة أربعة أيام, وإن لم يكن فى مصر ولا قرية. قال ابن حبيب: ولو أقام بهم فى بلد الإسلام ولا يدرون كم يقيم فليقصروا حتى يعلمهم أنهم مقيمون أربعة أيام, وينبغى للإمام العدل أن يعلمهم كم يقيمون بذلك الموضع, وهذا باب واسع فاقتصرت منه على ما يتعلق بمسائل المدونة خشية التطويل, والله الموفق للصواب.

[باب -6 -] ما جاء فى الصلاة فى السفينة

[باب -6 -] ما جاء فى الصلاة فى السفينة [فصل -1 - فى صلاة الفريضة فى السفينة] قال مالك: ويستحب لمن يصلى فى السفينة أن يصلى خارجاً منها إن قدر, فإن صلى فيها -وهو قادر على الخروج منها- فى شئ عليه. وروى ابن وهب: أن جماعة من الصحابة كانوا يصلون / فى السفينة وهم قادرون على الخروج منها. قال مالك: ويجمعون الصلاة فى السفينة بإمام. قال مالك: ومن أقدر أن يصلى فيها قائماً فلا يصلى قاعداً. ومن سماع أشهب: قيل له: فإن لم يقدر أحدهم أن يركع أو يسجد إلا على ظهر أخيه,

قال: ولم يركبوها؟ قيل للحج والعمرة, قال: فلا يركبوها لحج ولا لعمرة, أيركب حيث لا يصلى؟ ويل لمن ترك الصلاة. ومن المدونة قال: وصلاتهم على ظهرها أفذاذاً أحب إلى من صلاتهم تحت سقفها فى جماعة محنية رؤوسهم. قال: ويدورون إلى القبلة كلما دارت السفينة عن القبلة إن قدروا. قال ابن القاسم: فإن لم يقدروا أن يدوروا معها أجزأتهم صلاتهم عند مالك. وقال ابن عبد الحكم فى أهل السفن: يصلى بهم إمامهم فى إحداها ففرق الريح بينهم وبين إمامهم فليستخلفوا من يت بهم. [فصل -2 - فى صلاة النافلة فى السفينة] ومن المدونة: ولم يوسع مالك لمن فى السفينة أن يصلى النافلة إيماء حيثما كان وجهه, كما وسع للمسافر على الدابة والمحمل.

م لأنه في السفينة يقدر أن يدور إلى القبلة, ولا يقطع ذلك طريقه, وفى الدابة لو أمر أن لا يصلى إلا إلى القبلة لم يستطيع ذلك إلى مخالفة طريقة فوسع له فى ذلك. وقال ابن عبد الحكم عن مالك: ولا يتنفل فى السفينة إلا إلى القبلة, وفى كتاب ابن حبيب: قال مالك: السفينة كالدابة, يتنفل عليها حيثما توجهت به. وقد تقدمت مسألة من سافر فى البحر فقصر فردته الريح إلى موضع خروجه, أنه يتم. قال سحنون: إن كان ذلك وطناً له.

[باب -7 -] ما جاء في ركعتي الفجر

[باب -7 -] ما جاء في ركعتي الفجر [فصل -1 - فى حكم ركعتى الفجر] وركع الرسول (صلى الله عليه وسلم) ركعتى الفجر, وقال: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها». وندب إليهما, ورغب فيهما, وداوم عليهما. وقال مالك رحمه الله: ركعتا الفجر يستحب العمل بهما, والوتر أوجب منهما بكثير. وكان ابن عمر لا يركعهما فى السفر. ابن المواز: قال ابن عبد الحكم وأصبغ: ليستا بسنة. قال أصبغ: وهما من الرغائب. وقال أشهب فى المجموعة: إنهما سنة, وليستا كالوتر, كما ليس غسل العيدين كغسل الجمعة ودخول مكة. م فوجه القول الأول: أن السنة ما صلاها النبى صلى الله عليه وسلم فى جماعة, وداوم

عليهما, وما قصر عن ذلك ولم يداوم عليه, فهو من الرغائب, وركعتا الفجر لم يصلهما فى جماعة, ألا ترى أنه لما صلى العيدين كانتا من السنة. ووجه الثانى: أن السنة عبارة عما تأكد من النوافل وترتب وتقدر, ولم يكن موكولاً إلى اختيار المصلى, وهذه صفحتهما, بخلاف سائر النوافل. فصل -2 - [إذا ركع ركعتي الفجر ثم ظهر له أنه ركعهما قبله هل يعيدهما؟] ومن المدونة قال مالك: ومن تحرى الفجر فى غيم فركع له فلا بأس به, فإن ظهر له أنه ركعهما قبل الفجر أعادهما بعده/ وقال ابن حبيب: لا يعيدهما. وقال ابن الماجشون: وفعله ربيعة والقاسم وسالم.

فوجه قول مالك: أنه تحرى الوقت فأخطأه فوجب عليه أن يعيد, أصله صلاة الفريضة. قال مالك فى المدونة: وإن صلاهما بعد الفجر لا ينوى بهما ركعتى الفجر لم يجزئاه. [فصل -3 - فى من دخل المسجد ولم يركع ركعتى الفجر, فأقيمت الصلاة] قال مالك: وإن دخل المسجد بعد / الصبح ولم يركعهما فأقيمت الصلاة فلا يركعهما, وليدخل مع الإمام. وقد قال النبى (صلى الله عليه وسلم) لمن ركعهما بعد الإقامة فى المسجد: «أصلاتان معاً؟» يريد نهياً عن ذلك.

م ولو وجد الإمام المؤذن فى الإقامة, وقد كان لم يركع الفجر فلا يخرج لذلك, ولا يسكته, وليصل, قاله مالك. وذلك بخلاف الوتر, لأن عبادة بن الصامت أسكت المؤذن لأجل الوتر, وذلك لتأكيد الوتر, ولأنه لو صلى / لم يأت به بعد ذلك, وركعتا الفجر إن شاء صلاهما إذا طلعت الشمس. قال الأبهرى: وإذا صلاهما بعد طلوع الشمس فهو متطوع بهما لا أنهما ركعتا الفجر. قال مالك: ثم إن شاء صلاهما بعد طلوع الشمس وذلك حسن, وليس بواجب, وفعله ابن عمر والقاسم بن محمد». قال مالك: «وإن سمع الإقامة قبل أن يدخل المسجد أو جاء والإمام فى الصلاة, فإن لم يخف فوات ركعة فأحب إلى أن يركعهما خارجاً في غير

أفنية المسجد التى تصلى فيها الجمعة اللاصقة به, وإن خاف ذلك دخل مع الإمام ثم إن شاء صلاهما بعد طلوع الشمس. فصل -4 - [فى القراءة فى ركعتى الفجر]. وكان مالك يقرأ فيهما بأم القرآن سراً لحديث عائشة رضى الله عنها أن البنى (صلى الله عليه وسلم) كان يخفف ركعتى الفجر حتى أقول أقرأ فيهما بأن القرآن أم لا. وروى ابن وهب فى موطئه عن ابن عمر «أن البنى صلى الله عليه وسلم قرأ فيهما بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} , وفى بعض الكتب ذكر الحديث لمالك فأعجبه. قال ابن حبيب: «وروى أيضاً أن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ فى الأولى مع أن القرآن بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفى الثانية بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}.

وروي أيضاً أن النبي (صلى الله عليه وسلم قرأ فى الأولى بأم القرأن و {آمَنَ الرَّسُولُ} وفى الثانية بأم القرأن و {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} الآيتين. قال: «ومن اقتصر على {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مع أن القرآن وبهاتين الآيتين مع أم القرآن فهو أحب إلى من أم القرآن وحدها. فصل -5 - [فى التنقل والكلام بعد طلوع الفجر إلى صلاة الصبح] ومن المدونة قال مالك: ومن فاته حزبه من الليل أو تركه حتى طلع الفجر فليصله ما بين طلوع الفجر إلى صلاة الصبح, وما ذلك من عمل الناس, إلا من غلبته عيناه, فأرجوا أن يكون خفيفاً, وقد فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وقال مالك فى كتاب ابن المواز: إن الناس لينكرون التنقل بعد الفجر, وما هو بالضيق جداً. وقال ابن حبيب: من السنة كراهية الصلاة بعد الفجر إلا ركعتى الفجر. قال مالك فى / المدونة: «ولا بأس أن يقرأ حينئذ سجدة, ويسجد, ولا بأس بالكلام بعد الفجر حتى يصلى الصبح, فبعد ذلك يكره الكلام إلى طلوع الشمس أو قرب طلوعها». وكان مالك يجلس بعد الفجر يتحدث ويسأل حتى تقام الصلاة, ثم يترك الكلام إلى طلوع الشمس أو قرب طلوعها. قال مالك: ولقد / رأيت نافعاً مولى ابن عمر, وموسى بن ميسرة وسعيد بن أبى هند يجلسون بعد صلاة الصبح, وما يكلم أحد منهم صاحبه اشتغالاً بذكر الله, وكان سالم بن عبد الله يتحدث بعد طلوع الفجر إلى أن تقام الصلاة. وقال عائشة رضى الله عنها: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى من الليل إحدى

عشرة ركعة, ثم يضطجع على شقه الأيمن, فإن كنت يقظانه حدثنى حتى يأتيه المؤذن بالصلاة, وذلك بعد طلوع الفجر. فصل -6 - [فى الضجعة بين ركعتى الفجر وصلاة الصبح] قال ابن القاسم: ولا بأس / بالضجعة بين ركعتى الفجر وصلاة الصبح إن لم يرد بها فصلا بينهما وإن أراد ذلك فى أحبه. قال ابن حبيب: وأنا استحب الضجعة بين ركعتى الفجر وصلاة الصبح. أبو محمد: ولا يفعله استناناً؛ لأن النبة (صلى الله عليه وسلم) لم يفعله استناناً, وكان ينتظر المؤذن حتى يأتيه [فصل -7 - فى من وجد الناس قد صلوا هلى يركع للفجر؟ ومن ركعهما فى بيته هل يركعهما ثانية]. ومن سماع ابن القاسم قيل لمالك: ممن وجد الناس قد صلوا أيركع

للفجر؟ قال: نعم إلا أن يسفر جداً, قيل: فإذا أصابهم فى التشهد, فجلس معهم, فتشهد وسلم معهم أيركع؟ قال: يبتدئ بالمكتوبة. م إذا سلم معهم فهى مثل الأولى يركع للفجر إلا أن يسفر جدا. قيل لمالك: فمن ركعهما فى بيته, ثم أتى المسجد أيركعهما ثانية؟ قال: كل ذلك واسع, وقد رأيت من فعله, وأحب إلى أن لا يركع. وقال: قبل ذلك أحب إلى أن يركع. وقال سحنون: لا يعدهما فى المسجد. ابن حبيب: وكان النبى (صلى الله عليه وسلم) يركع للفجر فى بيته, فإذا دخل المسجد لم يعدهما, وبه أخذ ابن وهب وأصبغ. م فوجه قوله: أن يركع قوله عليه السلام: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس / حتى يركع).

ووجه أن لا يركع لفعله عليه السلام, ولقوله: (إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتى الفجر). م وبه أقوال. وسئل أبو بكر بن عبد الرحمن هل هذا الاختلاف فى إعادة ركعتى الفجر؟ أم إنما يعنى أن يأتى بركعتين تحية المسجد؟ قال: لا يصح أن يكون الاختلاف فى ركعتى الفجر, وإنما اختلف قوله: هل يأتى بركعتين تحية المسجد أم لا؟. وسئل عنها الشيخ أبو عمران, فقال: قد وقع من قول مالك الاختلاف الذى ذكرت, فعورض مالك بما جاء أنه (لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتى الفجر) فذكر الحديث الذى جاء فى من دخل المسجد أنه (لا يجلس حتى يركع ركعتين). قال أبو عمران: «وهذا الحديث الذى احتج به مالك أثبت من الحديث الآخر. ففى هذا بيان أن اختلاف قوله: إنما هو فى ركعتين يأتي بهما تحية

للمسجد, وأما إعادة ركعتي الفجر, فلا وجه له. قيل له: فما ذكرت عن الشيخ أبى الحسن أنه قال: إذا أتى المسجد بعد الفجر أنه يصلى أربع ركعات ركعتى الفجر ووركعتين تحية للمسجد, فقال: إذا بدأ بركعتى الفجر فهى تنوب له, كما إذا صلى فريضة نابت له عن تحية المسجد, فكأنه ضعف رأى أبى الحسن, وبالله التوفيق.

[باب -8 -] ما جاء فى الوتر

[باب -8 -] ما جاء فى الوتر [فصل 1 - 1 فى حكم الوتر] والوتر سنة مؤكدة لا يسع أحداً تركها, خلافاً لأبى حنفية فى قوله: إنها واجبة, وليست بفرض ولا سنة.

ودليلنا قوله عليه السلام للأعرابى لما سأله عن الإسلام: «خمس صلوات فى اليوم والليلة» , ولو كان الوتر واجباً لكان يقول ستاً, وقوله عليه السلام: «أمرت بالوتر, وهو لكم سنة» , وروى مالك فى الموطأ أن رجلاً من بنى كنانة سمع رجلاً بالشام يدعى أبا محمد يقول: إن الوتر واجب, قال: فرحت إلى عبادة بن الصامت [فاعترضت له وهو روائح إلى المسجد] فأخبرته بالذى قال أبو محمد, فقال عبادة: كذب أبو محمد سمعت / رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: «خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن / شاء عذبه, وإن شاء أدخله الجنة». [فصل -2 - : الوتر لا يكون إلا بعد شفع] قال مالك رحمه الله: «ولا يكون إلا بعد شفع؛ لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «صلاة

الليل مثنى مثنى, فإذا خشى أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما قد صلى» وقد ذهب أبو حنيفة إلى أنها ثلاث ركعات لا فصل بينهن. ودليلنا قوله عليه السلام: «صلى ركعة توتر له ما قد صلى» , فنص أن الوتر ركعة. وروت عائشة رضى الله عنها أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يصلى من الليل إحدى عشرة يوتر منها بواحدة. فصل -3 - [فى من نسى الوتر أو نام عنه هل يوتر بعد الفجر؟] قال مالك: ومن نسى الوتر, أو نام عنه, فانتبه وهو يقدر على أن يوتر,

ويركع للفجر, ويصلى الصبح قبل طلوع الشمس فعل ذلك كله. وقد سئل النبى (صلى الله عليه وسلم) أيوتر بعد الفجر؟ فقال: نعم. قال مالك فى الموطأ وفعله ابن عباس وعبادة بن الصامت, وعبد الله بن عامر وغيرهم. قال مالك فى المدونة: وإن لم يقدر إلى على صلاة الصبح والوتر صلاهما وترك ركعتى الفجر؛ لأن الوتر آكد منها, وإن لم يقدر إلى على الصبح صلاهما, ولا قضاء عليه للوتر, وإن أحب ركع للفجر بعد طلوع الشمس. قال ابن المواز وعيسى بن دينار عن ابن القاسم: ومن أصبح ولم

يوتر, فإن كان تنفل بعد العتمة فليوتر بواحدة وإلا شفع الآن, بركعتين. قال ابن المواز: قال أصبغ: ولو لم يكن تنفل ولم يبق لطلوع الشمس إلا أربع ركعات فليوتر بثلاث, ثم يصلى الصبح. قال ابن المواز: وأحب إلى أن يوتر بواحدة, ويصلى الصبح كلها فى الوقت. [فصل -4 - فى صفة الوتر]. ومن المدونة قال مالك: والوتر واحدة, وكان مالك يقرأ فيها فى خاصى نفسه بأن القرآن, و {قل هو الله أحد} والمعوذتين, ولا يفتى الناس بذلك. ابن وهب وفعله النبي (صلى الله عليه وسلم).

وقال مالك فى المجموعة: إن الناس ليلتزمون فى الوتر قراءة {قل هو الله أحد} والمعوذتين مع أم القرآن, وما ذلك بلازم. وأما الشفع قبله فما عندى / شئ يستحب القراءة [به] فيه دون غيره. قال فى العتبية: ومن قرأ فى الوتر بأم القرآن وحدها سهواً فلا سجود عليه, وخففه وقال: ألا ترى الركعتين الآخرتين من الفريضة يقرأ فيهما بأم القرآن فقط. قال عنه على: فإن نسى أن يقرأ فيها فأحب إلى أن يشفعها ويسجد

للسهو, ثم يوتر. قال ابن حبيب: وكان النبى (صلى الله عليه وسلم) يقرأ فى الركعة الأولى من شفع الوتر بـ {سبح اسم ربك الأعلى} , وفى الثانية بـ {قل يا أيها الكافرون} , ويسلم ويقرأ فى ركعة الوتر بـ {قل هو الله أحد} والمعوذتين, فمن بهذا فى وتره فحسن, ومن قرأ بغيره فلا حرج. قال أبو العباس الأبيانى: ويجهر بالقراءة فى ركعة الوتر, فإن أسر ساهياً سجد قبل السلام, وإن جهل ذلك أو تعمد فعليه الإعادة فى ليلته, وبلغنى ذلك عن يحيى بن عمر. وأما الركعتان قبله, فإن شاء جهر / فيهما أو أسر. م وقيل: لا شئ عليه إن أسر فى الوتر, كما لا شئ عليه إذا قرأ فيهما بأم القرآن وحدها. قال بعض أصحابنا: هذا استحسان بعيد. وقد اختلف فيمن أسر فيما يجهر فيه عامداً أو جاهلاً فى الفرض هل يعيد فكيف فى الوتر؟. ومن المدونة: قال مالك: ولا ينبغى أن يوتر بواحدة فى سفر / ولا حضر,

وليصل ركعتين, ثم يسلم, ثم يوتر بواحدة. وفى الموطأ قال أبو هريرة: إذا صليت العشاء صليت خمس ركعات, ثم أنام, فإن قمت من الليل صليت مثنى ومثنى, وإن أصبحت أصبحت على وتر». قال مالك: «وكان أبو بكر الصديق رضى الله عنه يوتر أول الليل, وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يوتر آخر الليل, وفى غير الموطأ (أن النبى (صلى الله عليع وسلم) سأل أبا بكر كيف توتر؟ فقال: أصلى ثم أوتر, ثم أقوم فأصلى ولا أوتر, فقال له: أخذت بالحزم, وسأل عن ذلك عمر بن الخطاب رضى الله عنه كيف توتر؟. فقال: أصلى ثم أنام, ثم أقوم فأصلى وأوتر, فقال له: أخذت بالقوة. والأفضل عند مالك تأخير الوتر لفضيلة قيام آخر الليل إلا لمن يكون

الغالب عليه أن لا ينتبه, فالأفضل أن يوتر ثم ينام؛ لأن فى نومه قبله تغريراً بالوتر. قال ابن الحبيب: كان أبو هريرة يوتر بخمس ركعات ثم ينام, وكان ابن عباس وابن عمر يوتران بسبع, ثم ينامان, فإن قاما صليا مثنى مثنى, وكان سعد بن أبى وقاص يوتر بواحدة ليس قبلها شئ. قال مالك: والعمل / على خلاف ذلك. ابن سحنون وقال أشهب: ومن أوتر بواحدة فليعد وتره بإثر شفع ما لم يصل الصبح. وقال سحنون: إن كان بأثر ذلك شفعها, ثم أوتر وإن تباعد أجزأه, وقد أخبرنى على عن مالك قال: لا بأس أن يوتر المسافر بواحدة. وقد مرض سحنون فأوتر بواحدة فى مرضه. [فصل -5 - فى الوتر على الراحلة] ومن المدونة قال مالك: ولا بأس أن يوتر على الراحلة فى السفر حيثما

توجهت به دابته, وفعله الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهذا فى سفر تقصر فى مثله الصلاة, اعتباراً بالقصر والفطر. قال مالك: وإن صلى المسافر على الأرض, وله حزب من الليل, فليوتر على الأرض, ثم يركب دابته, فيتنقل ما أحب, وقد أجزأ عنه وتره». فصل -6 - [فى من أوتر قبل صلاة العشاء] قال مالك: ومن أوتر قبل صلاة العشاء الآخرة ناسياً فليصل العشاء ثم يوتر ثانية. وإن أتى فى رمضان فوجد الناس يوترون, فصلى معهم جاهلا حتى فرغ من الوتر, ولم يكن صلى العشاء الآخرة فليشفع الوتر إن كان بالقرب, ثم يصلى العشاء الآخرة ويعيد الوتر, وإن تطاول أو خرج من المسجد فلا يشفع وتره ولكن يعيده بعد العشاء. قال مالك: ومن صلى العشاء على غير وضوء, ثم انصرف إلى بيته فتوضأ وأوتر, ثم ذكر ذلك فليعد العشاء, ثم الوتر, وإن ذلك فى آخر الليل».

فصل -7 - [فى من ذكر الوتر وهو فى صلاة الصبح هل يقطع ويوتر؟] ومن كان خلف إمام فى الصبح أو وحده فذكر وتر ليلته, فقد استحب له مالك أن يقطع, ويوتر, ثم يصلى الصبح؛ لأن الوتر سنة, ولا يقضى بعد الصبح, وقد أسكت عبادة بن الصامت المؤذن بعد إقامة صلاة الصبح حتى يصلى الوتر. قال ابن القاسم: ثم أرخص مالك للمأموم أن يتمادى. قال مالك فى الواضحة: وإن ذكر الإمام الوتر وهو فى الصبح فليقطع, ويخرج فيوتر, ثم يصلى الصبح إلا أن يكون قد أسفر جداً فلا يقطع, وليتماد فى فريضته». وروى مثله ابن القاسم وابن وهب. وروى أيضاً ابن وهب عنه أنه قال: إن شاء تمادى, ثم أوتر, وأعاد الصبح, / وقاله ابن عبد الحكم.

ومن المدونة قال مالك رحمه الله: ومن ذكر الوتر بعد صلاة الصبح لم يقضه, ولم أسمع أن أحدً قضى الوتر بعد صلاة الصبح, وليس هو كركعتى الفجر فى القضاء. وقال النخعى: إذا صلى الصبح أو طلعت الشمس فلا قضاء للوتر. م إنما قال ذلك؛ لأنه ما لم يصل الصبح / يكون وتره متصلاً بما هو قبله , فإذا صلى الصبح فقد حال بينه وبينه صلاة من غير جنسه ففات وقته, وإذا طلعت الشمس ولم يكن صلى الصبح فالأولى له أن يبدأ بالصبح كما بدأ بها عليه إذا ضاق الوقت, فإذا بدأ بها صار ذلك حائلاً بينه وبين ما هو وتر له. فصل -8 - [فى من شفع وتره ساهياً] قال ابن القاسم: ومن شفع وتره ساهياً سجد لسهوه بعد السلام, واجتزأ

بوتره, يعمل فى السنن كما يعمل فى الفرائض» قال مالك: «ومن لم يدر جلوسه فى الشفع أو فى الوتر سلم وسجد لسهوه, ثم أوتر بواحدة». م قيل: إنما أمره بسجود السهو؛ لاحتمال أن يكون أضاف ركعة الوتر إلى ركعتى الشفع من غير سلام فيصير قد صلى الشفع ثلاثاً, فيسجد بعد السلام كذلك, والله أعلم. قال ابن القاسم: وإن لم يدر أفى الأولى هو جالس أو فى الثانية أو الوتر؟ أتى بركعة وسلم وسجد لسهوه ثم أوتر. قال ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن أحرم للشفع فلا يجعلها وتراً,

وإن أحرم للوتر فلا يجعلها شفعاً». قال أصبغ: «فإن فعل فى الوجهين أجزأه». قال ابن المواز: وإن أحرم للوتر فله أن يشفعه, وإن أحرم للشفع فلا يجزئه أن يوتر به.

[باب- 9 -] في من ذكر صلاة نسيها وهو في صلاة أو غيرها

[باب- 9 -] في من ذكر صلاة نسيها وهو في صلاة أو غيرها [فصل -1 - في وقت الصلاة المنسية] وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}، وكذلك إذا نام عنها. وقد روى مالك عن زيد بن أسلم أنه قال: ((عرسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق مكة ووكل بلال [أن] يوقظهم للصلاة فرقد بلال، ورقدوا حتى [استيقظوا وقد] طلعت عليهم الشمس فاستيقظ القوم، وقد فزعوا، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركبوا حتى يخرجوا من ذلك الوادي، وقال: (إن هذا واد به شيطان) فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي، ثم أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزلوا و [أن] يتوضؤوا، وأمر بلالا [أن] ينادي بالصلاة أو يقيم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، ثم انصرف [إليهم]، وقد رأى فزعهم فقال: ((يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا، فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها، ثم فزع إليها فليصلها، كما كان يصليها في وقتها)) ثم التفت [رسول الله صلى الله عليه وسلم] إلى أبي بكر، فقال: ((إن الشيطان أتى بلالاً، وهو قائم يصلي، فأضجعه، فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام) ثم دعا [رسول الله صلى الله عليه وسلم] بلالا، فأخبر بلال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي/ أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر، فقال أبو بكر أشهد أنك رسول الله)). قال النخعي في من نسي صلاة: فليصلها متى ما ذكرها في وقت صلاة أو غير وقت صلاة.

م وخالف ذلك أبو حنيفة، وقال: لا يصلي في غير وقت صلاة. ودليلنا قوله عليه السلام: ((من نسي صلاة، أو نام عنها، فليصلها إذا ذكرها، فإن ذلك وقتها))، ولأن تلك صلاة فرض، فأشبهت عصر يومه أو فجره، وهو يوافقنا في ذلك. قال ابن عمر: فإن ذكرها وهو خلف إمام تمادى معه، فإذا سلم الإمام صلى التي نسي، وأعاد التي صلى مع الإمام. قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا. قال مالك: في من ذكر صلاة نسيها، فليصلها حين يذكرها، من ليل أو نهار، وإن بدأ حاجب الشمس، أو كان عند غروبها. ووقتها حين يذكرها،

لا يؤخرها عن ذلك. [فصل -2 - في من ذكر فريضة، وهو في فريضة أخرى] قال: وإن ذكرها وهو في فريضة غيرها، فإن كان وحده قطع، ما لم يركع، ويصلي ما نسي، ثم يعيد التي كان فيها، وإن صلى ركعة شفعها ثم قطع، وإن ذكرها وهو في شفع سلم، ثم صلى التي نسي، وأعاد التي كان فيها، وإن ذكرها بعد ما صلى من هذه ثلاثًا أتمها أربعًا، -يريد- ولا يجعلها نافلة. قال ابن القاسم: ويقطع بعد ثلاث/ أحب إلي، ثم يصلي التي ذكر، ثم يعيد ما كان فيه. وقال أشهب في العتبية: إذا ذكرها قبل أن يركع في الأولى فليتم ركعتين، ويصلي ما نسي، ثم التي كان فيها.

قال مالك: ((وإن ذكرها وهو خلف إمام تمادى معه، ولا تجزئه، فإذا سلم الإمام سلم معه ثم صلى ما نسي، ويعيد ما كان فيه مع الإمام إلا أن يكون قد صلى قبلها صلاة فيدرك وقتها ووقت التي صلى مع الإمام فيعيدهما جميعًا بعد الفائتة مثل أن يذكر الصبح وهو مع الإمام في العصر، فإنه إذا سلم الإمام سلم معه، ثم صلى الصبح، ثم أعاد الظهر والعصر. قال مالك: وكذلك إن ذكر صلاة وهو خلف الإمام في المغرب، فليتماد مع الإمام فإذا سلم الإمام سلم معه، ولا يشفعها، ثم قضى ما نسي وأعاد المغرب، ووقت المغرب والعشاء في ذلك الليل كله. وكذلك لو ذكر وهو خلف إمام في العصر أنه قد نسي الظهر فليتماد معه، فإذا فرغ صلى الظهر وأعاد العصر. قال ابن حبيب: إنما يتمادى مع الإمام من ذكر صلاة خرج وقتها فأما إن

كان في العصر فذكر ظهر يومه، أو كان في العشاء فذكر المغرب فهذا يقطع على شفع كان أو وتر؛ لأنه في خناق من وقت الأولى، وتلك فرض، وهذه لا تجزئه، فمبادرته وقت الأولى أولى. قال: ولو ذكر فيها صلاة فاتت فليتماد فإذا سلم صلى التي ذكر، وأعاد هذه، فإن نسي أن يعيدها حتى خرج وقتها فليعدها أبدًا؛ لأنها صارت نافلة. وقال سحنون: لا يعيدها إذا خرج وقتها. م قول ابن حبيب أحب إلي ووجه قول سحنون أن الترتيب إنما يجب في الوقت فإذا ذهب الوقت سقط حكمه فيما قد صلى، فأما المنسيات فحكمها قائم بعد إذ لابد من الاتيان بها، وهو مذهب المدونة. قال ابن حبيب: وإن ذكر الفائتة/ بعد سلامه من هذه فصلى التي ذكر ونسي إعادة هذه حتى خرج وقتها، فقال ابن القاسم: لا يعيدها، وقال مطرف وبعد الملك: يعيدها، وذكراه عن مالك، وبه أقول، وكذلك قالا في من ذكر في الوقت أنه صلى بثوب نجس، ثم نسي أن يعيد حتى خرج الوقت أنه يعيد أبدا. وقال ابن المواز: لا يعيد بعد الوقت في الوجهين تركها ناسيًا أو عامدًا إلا في قول عبد الملك.

م وقول ابن القاسم في ذلك أبين، وبه أقول. [فصل -3 - ذكر مكتوبة وهو في نافلة] ومن المدونة، قال ابن القاسم: وإن ذكر مكتوبة ذهب وقتها وهو في نافلة، فليقطع إن لم يركع، وإن ركع واحدة شفعها، وقد كان مالك يقول أيضا: يقطع، وأحب إلي أن يشفع. م ولم يختلف قوله: إذا هو ذكرها بعد ركعة من الفريضة أنه يشفعها، والفرق بينهما على أحد قوليه أن الفريضة إذا شفعها فهو قطع لها إذ دخل على أربع، فقطع من اثنتين، والنافلة إذا شفعها فقد أكملها، ولم يؤثر ذكر الفريضة فيها، فأمره أن يقطع من واحدة ليؤثر فيها ذكر الفريضة وإنما تشبه الفريضة النافلة إذا ذكرها بعد ثلاث من الفريضة؛ لأنه إن زاد رابعة صار مكملا لها كما يكون مكملا في النافلة إذا شفعها، وقد اختلف قوله فيهما جميعًا. ومن المدونة قال مالك: وإذا ذكر الإمام صلاة نسيها فليقطع، ويعلمهم فيقطعوا. قال ابن القاسم: ولم يره مثل الحدث.

م يريد؛ لأنه في الحدث يستخلف. والفرق بين ذلك أن صلاة المأموم متعلقة بصلاة الإمام، فمتى بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة من خلفه، هذا هو الأصل، فخرج الاستخلاف في الحدث من ذلك بالسنة، وبقي ما سواه على أصله، ولأنها صلاة قد تصح على قول بعض الناس، وتجزئ المأمومين، فإذا قطع فقد أفسد عليهم، فلذلك لم يجز أن يستخلف. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن لم يذكر الإمام حتى سلم أجزأتهم صلاتهم، وأعاد هو بعد قضاء التي ذكر. قال سحنون: وقد كان يقول: ويعيدون هم في الوقت، وقاله في كتاب الحج وهما يحملان جميعًا محملاً واحدًا. قال أبو عمران: معناه وهما يرويان جميعًا. م والأول أبين.

قال سحنون وعيسى: إن ذكرها وهو في الصلاة استخلف، كالحدث، وإن ذكرها بعد أن سلم فلا إعادة على من خلفه، وقاله ابن القاسم أيضا، وابن كنانة وابن دينار أنه يستخلف. وقال ابن حبيب: وقاله مطرف وابن الماجشون. قال: ((وإنما يقطع إذا ذكر أنه صلى تلك الصلاة في بيته أو نسي تكبيرة الإحرام وشبه ذلك فإنه يقطع ويقطعون، ويبتدئون صلاتهم بإمام، وسواء ذكر ذلك في حال صلاته أو بعد أن سلم إلا التي كان صلاها في بيته فإنه إن لم يذكر إلا بعد فراغه منها فإنما يعيدونها أفذاذًا)). م والقياس أن يستخلف في ذلك كله، وليسوا بأسوء حالاً من الحدث، ولا يستخلف/ في ذلك كله، إلا في الحدث الذي ورد/ فيه النص. والفرق بين ذلك ضعيف. فصل -4 - [في من ذكر صلوات كثيرة أو صلوات يسيرة وقت صلاة] ومن المدونة قال مالك: ومن ذكر صلاة أو صلوات يسيرة مثل الثلاث والأربع في وقت صلاة بدأ بهن وإن فات وقت الحاضرة.

قال ابن القاسم في العتبية: ولو بدأ بالتي حضر وقتها، ثم قضى ما ذكر فلم يفرغ حتى خرج وقت التي بدأ بها فلا يعيدها. وقال في المدونة: وإن كانت الصلوات كثيرة بدأ بالتي حضر وقتها. قال: وإن كان قد صلى الحاضرة، ثم ذكر صلوات يريد يسيرة، قال: فيصلي ما نسى، فإن بقي بعد ذلك من وقت الحاضرة قدر ركعة أعادها، وإلا لم يعد. قال ابن القاسم: وإن ذكر صلوات كثيرة وهو في صلاة تمادى فيها. م إذا ذكر صلوات وهو إن بدأ بهن فات وقت الحاضرة، فإن كانت أربع صلوات فأقل، فلا خلاف بين أصحابنا أنه يبدأ بهن، وإن فات وقت الحاضرة، وإن كانت ست صلوات فأكثر بدأ بالحاضرة. واختلف إن كانت خمس صلوات، فقيل: يبدأ بهن، وقيل: يبدأ بالحاضرة. م وإن كان الوقت متسعًا.

قال ابن حبيب: مثل أن يذكر عند الزوال أن عليه عشر صلوات أو أكثر، وهو إن بدأ بهن فرغ منهن وأدرك الظهر في وقت يجوز لمن عليه صلاة تأخيرها إليه، فليبدأ بهن الأولى فالأولى، وكذلك ما يذكر عند غيبوبة الشفق، وقاله ابن عبد الحكم. وقال أبو زيد عن ابن القاسم: ((إن ذكر عشر صلوات يريد أو أكثر في وقت الظهر بدأ بهن ما لم يخف فوات وقت الظهر، والوقت في ذلك (كله) ما لم تصفر الشمس. والوقت في رواية سحنون في ذلك الغروب. وعلى هذا الأصل إن ذكر عشر صلوات أو أكثر وهو يصلي الظهر في أول وقتها فإنه يقطع، ويبتدئ بهن، ويصليها بعد الفراغ منهن، وإن كان قد صلاها قبل أن يذكرهن فإنه يصليهن ويعيدها؛ لأنه يدرك وقتها. والوقت عند ابن حبيب وقت الصلاة المفروضة، وفي رواية أبي زيد الاصفرار. وفي رواية سحنون الغروب، كما قدمنا، وهذا كله خلاف لما في المدونة، والذي هو وفاق المدونة ما ذكره سحنون في كتاب الشرح، وهو إن ذكر أربع صلوات فأدنى في وقت صلاة بدأ بهن، وإن لم يذكرهن حتى صلاها فليصل ما ذكر بعد ذلك ويعيد التي صلى إن كان في وقتها، وإن ذكر خمس صلوات فأكثر بدأ بالحاضرة، ثم يصلي ما ذكر بعد ذلك ولا يعيد الحاضرة، وإن كان في وقتها، وكذلك لو ذكرهن بعد ما صلى الحاضرة، وإن ذكر الخمس وهو في الحاضرة فليتماد عليها، فإذا فرغ صلى التي ذكر، ولا يعيد الصلاة التي ذكرهن فيها.

ويحتمل أن تكون الخمس في حيز القليل وما تقدم أشبه بظاهر المدونة. ولا إشكال في الست أنها في حيز الكثرة، وقول ابن حبيب حسن. وبالله التوفيق. ومن المدونة قال مالك: ومن نسي صلوات كثيرة أو تركها صلاها على قدر طاقته، ويذهب لحوائجه، فإذا فرغ من حوائجه صلى أيضا ما بقي عليه حتى يستكملها، ويقيم لكل صلاة صلاها. ويصلي صلاة الليل في النهار ويجهر، وصلاة النهار في الليل ويسر. قال محمد بن أبي زمنين: في من عليه صلوات كثيرة/، فقيل: إنه يبدأ بصلاة الظهر، وقيل: يبدأ بالصبح. قال: فإذا طلعت الشمس فأكره الصلاة حتى ترتفع في الطلوع، يريد صلاة النافلة. م لما روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا بدأ حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب)) /.

فصل -5 - [في من ذكر صلاة صلاها وأعاد ما هو في وقته] ومن ذكر صلاة صلاها، وأعاد ما هو في وقته من الصلوات ووقت الظهر والعصر في هذا النهار كله، والمغرب والعشاء الليل كله، والصبح إلى طلوع الشمس. فإن بقي بعد الفائتة من الوقت قدر صلاة ركعة من الأخرى أعادها جميعا، وإن لم يبق إلا قدر صلاة أو ركعة منها جعلها للآخرة. قال في العتبية: فإن قدر أنه يبقى من النهار أربع ركعات فصلى العصر، ثم بقي من النهار ركعة، فليعد الظهر والعصر؛ لأنه قد كان وجب عليه صلاتهما متواليتين، وكذلك قال ابن حبيب، وقاله ابن المواز عن مالك. وقال أشهب في الصلاة الثاني من العتبية، وسحنون في كتاب ابنه: ((لا يصلي إلا الظهر))، وقاله ابن المواز من رأيه. قال: إلا أن يعلم قبل أن يسلم من العصر أو لا فليعد الصلاتين. م فوجه قول مالك: فلأنه لما فرغ من الفائتة بقي له من النهار قدر خمس ركعات فوجب أن يصلي الظهر والعصر متواليتين فليس خطؤه في التقدير يسقط ما كان وجب عليه.

ووجه قول أشهب أنه لما كان الواجب أن يبدأ بالظهر، ثم العصر فأخطأ فبدأ بالعصر صار كمن نسي الظهر وصلى العصر فذكر لقدر ركعة من النهار أنه يصلي الظهر ولا يعيد العصر، فعذره بخطئه في التقدير كما عذره بالنسيان؛ لقوله عليه السلام: (حمل عن أمتي الخطأ والنسيان)، وهو القياس. والله أعلم. وكذلك الحائض في خطأ التقدير. وفي كتاب الصلاة الأول شيء من هذا. [فصل -6 - في الترتيب بين الفوائت] ومن المدونة قال مالك: وإن ذكر الصبح والظهر بدأ بالصبح، وإن خرج وقت الظهر، وإن ذكر الظهر والعصر بدأ بالظهر، وإن غربت الشمس. قال علي عن مالك: فإن بدأ بالعصر جهلا أو سهوًا فليعدهما، وإن لم يذكر حتى ذهب يومه لم يعد شيئا. قال في المدونة: وإن كان قد صلى العصر، ثم ذكر الظهر، فليصلها، ولا يعد العصر، إلا أن يبقى من النهار قدر ركعة، ولو ذكر آخر الليل المغرب والعشاء بدأ بالمغرب، وإن طلع الفجر، وكذلك العشاء والصبح يبدأ بالعشاء وإن طلعت الشمس.

قال سحنون: ومن ذكر صلاة بعد أن ركع ركعتي الفجر صلاها، وأعاد ركعتي الفجر. قال مالك: ومن نسي الصبح والظهر من يوم فذكر الظهر بعد أيام فلما أحرم بها ذكر الصبح فليقطع، ويبدأ بالصبح، ولو لم يذكرها حتى سلم لم يعد الظهر، وفراغه منها كذهاب وقتها. ومن المجموعة قال أشهب: ومن ذكر الصبح في صلاة الجمعة، فإن أيقن أنه إذا خرج صلى الصبح وأدرك ركعة من الجمعة فليقطع، وإن أيقن أنه لا يدرك ذلك تمادى، فإذا سلم صلى الصبح ولم يعد ظهرا، كصلاة خرج وقتها، وإن أعاد ظهرًا فحسن. ابن المواز قال ابن القاسم: وإن صلى الجمعة، ثم/ ذكر الصبح فإنه يصلي الصبح، ويعيد الجمعة ظهرًا، ووقتها النهار كله، قال أصبغ: وقال الليث وأشهب: وقتها الفراغ منها، قال سحنون: لا يعيدها. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن صلى أيامًا ذاكرًا لصلاة متعمدًا صلى التي ذكر، وأعاد ما هو في وقته من الصلوات، وقد أساء في تعمده، ولا يعيد التي ذكرها فيها أولا إذا خرج وقتها. وقال ابن الماجشون: ((لابد من إعادة التي ذكرها فيها أولاً، وما هو في وقته من الصلوات)).

قال ابن القصار: في من ذكر صلاتين ظهرين أو عصرين أن الترتيب يسقط فيهما؛ لأنهما من جنس واحد، وصفتهما واحدة، والنية لهما واحدة، وقد اجتمعتا في وقت الذكر، فلا فائدة في ترتيب إحداهما على الأخرى، وليس كذلك إذا كانتا مختلفتين. قال: وليس عن مالك في هذا نص، وإنما النص في الصلوات المختلفة، وهذا شيء/ رأيته واخترته. وفي كتاب ابن الجلاب: أن الترتيب في الفوائت مستحق في خمس صلوات فأدنى، وغير مستحق في ست صلوات فما فوقهن. قال: وترتيب المفعولات مستحب إعادتها في الوقت بعد صلاة ما نسي، وترتيب المتروكات مستحق في الوقت وبعده)). [فصل -7 -] في من ذكر صلاة لا يدري ما هي أو صلوات لا يدري أيتهما قبل الأخرى من العتبية قال ابن القاسم: ومن ذكر صلاة يوم لا يدري سفرًا أو حضرًا، فليصل صلاة يوم للسفر، وصلاة يوم للحضر، لا يعيد فيهما الصبح والمغرب.

م وكذلك لو ذكر صلاة واحدة لا يدري ما هي، لا من سفر، ولا من حصر، الجواب سواء. قال ابن القاسم: وإن ذكر ظهرًا وعصرًا لا يدري الظهر للسبت والعصر للأحد، أو العصر للسبت والظهر للأحد، فليصل ظهرًا للسبت، ثم عصرًا للأحد، ثم عصرًا للسبت، ثم ظهرًا للأحد، وقاله ابن حبيب. م والصواب أن يصلي عصرًا بين ظهرين أو ظهرًا بين عصرين، ولا حكم للأيام، وإنما المراعاة في الترتيب، فإذا صلى على حسب ما ذكرنا حصل الترتيب؛ لأنه إن كانت الظهر هي الأولى فقد صلاها قبل العصر وإن كانت العصر الأولى فقد صلاها قبل الظهر. قال ابن حبيب: ومن نسي صلاة لا يدري ظهرًا أو عصرًا فليصل صلاتين ظهرًا وعصرًا، هذا إن لم يدر من أي يوم هي، وإن شك في اليوم، فقال: من السبت أو الأحد، فليصل أربع صلوات ظهرًا وعصرًا للسبت، ثم يعيدها للأحد.

م ذلك سواء إنما عليه أن يصلي ظهرًا وعصرًا فقط. قال: فلو كان ظهرًا لا يدري من السبت أو من الأحد، فليصل الظهر للسبت، ثم يعيدها للأحد. م إنما عليه ظهر واحد. قال: ومن نسي صلاتين ظهرًا وعصرًا من يومين مختلفين لا يدري أيتهما قبل صاحبتها، ولا يعرف اليومين، فليصل ظهرًا بين عصرين وعصرًا بين ظهرين، وقاله ابن الماجشون وابن القاسم وغيرهما. قال: ((وأما لو عرف اليومين مثل السبت والأحد، فليصل ظهرًا وعصرًا للسبت، وظهرًا وعصرًا/ للأحد. ولم يفرق سحنون ولا ابن المواز بين يوم معروف أو غير معروف، وقالا: ((يصلي ظهرًا بين عصرين، أو عصرًا بين ظهرين)). م وهذا هو الصواب. ومن كتاب ابن سحنون من ذكر ظهرًا لا يدري للسبت أو للأحد فإنما

عليه ظهر واحد، وكذلك إن ذكر ظهرًا وعصرًا لا يدري من أمس أو من أول أمس فإنما عليه ظهر وعصر فقط. م وهذا خلاف ما تقدم لابن حبيب، وهو الصواب؛ لأنه إذا كانت عليه الصلاة أو الصلاتان من يوم واحد فإنما عليه قضاؤها لا يراعى كانت للسبت أو لأحد، ولو لزم هذا للزم من ذكر ظهرًا لا يدري من أي يوم من الجمعة أن يصليها لكل يوم من أيام الجمعة، وكذلك لو كان لا يدري أي يوم هي من سنة ست أن يصليها على عدد أيام سنة ست، فليس هذا بشيء، وإنما عليه أن يصلي ما ذكر من الصلوات إذا كانت من يوم واحد لا يراعى غير ذلك. وقال ابن القاسم: في من ذكر ظهرًا أو عصرًا لا يدري كل واحدة منهما عن سفر أو حضر، فليصلهما سفريتين، ثم حضريتين.

قال في العتبية: وإن نسي ظهرًا وعصرًا واحدة من سفر وأخرى من حضر لا يدري أيتهما هي، ولا أيتهما قبل الأخرى فليصل ست صلوات، إن شاء صلى ظهرًا أو عصرًا/ للحضر، ثم صلاهما للسفر، ثم صلاهما للحضر، وإن شاء بدأ بهما للسفر وختم بالسفر، وقاله سحنون، وقاله ابن حبيب عن أصبغ. أبو محمد: وقال بعض أصحابنا: يصلي ظهرًا أربعًا، وعصرًا ركعتين، ثم عصرًا أربعًا، ثم ظهرًا ركعتين، ثم ظهرًا أربعًا، ثم عصرًا ركعتين)). إن كانا من يوم واحد، فليصلهما جميعًا حضريتين، ثم يعيدهما سفريتين، وإن كانت واحدة من يوم وأخرى من يوم آخر، ولا يدري هل هما حضريتان أو سفريتان، ولا أيتهما قبل، فليصل ظهرًا حضريًا ويعيده سفريًا، ثم عصرًا حضريًا ويعيده سفريا، ثم ظهرًا حضريا ويعيده سفريا، ولا وجه لقول أصبغ فيما ظهر لي، والله أعلم بالصواب. قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإن شك أن يكونا جميعًا للحضر أو جميعًا للسفر، والمسألة بحالها فليصل ظهرًا حضريًا ويعيده سفريًا، ثم عصرًا

حضرياً ويعيده سفريًا)). وقاله أصبغ، وقال: وما قيل لك غير هذا فأطرحه؛ فإن فيه تخييرًا لأصحابنا. قال سحنون: ((ومن نسي صلاتين من يوم وليلة لا يدري الليلة سابقة لليوم أو بعدة فليصل سبع صلوات يبدأ بصلاتي الليل، ثم بصلاتي النهار، ثم بصلاتي الليل، ولم يأمره أن يبدأ بصلاتي النهار لئلا يصير مصليا ثمانيًا. وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون: أنه يبدأ بصلاتي النهار، ثم صلاتي الليل، ثم صلاتي النهار. قال أبو محمد: وهذا القول من ابن الماجشون يدل [على] أنه جعل صلاة الصبح من صلاة الليل، والمعروف لمالك أنها من صلاة النهار. م وفي ما ذكرنا من هذا الباب كفاية، فقس عليه ما يرد عليك منه، إن شاء الله وبالله التوفيق.

[باب -10 -] جامع القول في السهو في الصلاة

[باب -10 -] جامع القول في السهو في الصلاة [فصل -1 - في تحقيق القول في محل سجود السهو من الصلاة] روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا شك أحدكم في صلاته فلا يدري كم صلى ثلاثًا أم أربعًا/ فليصل ركعة ثم يسجد سجدتين قبل السلام، فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين السجدتين، وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان)). م هكذا في الموطأ أنه يسجد سجدتين قبل السلام، وهذا يؤيد قول من قال: إن السجود كله في النقص والزيادة قبل السلام؛ لأن هذه زيادة وهو قول ابن شهاب والليث، ولكن قد جاء حديث آخر أنه عليه السلام قام من اثنتين فسبح به فلم يرجع، وسجد قبل السلام، وسلم من اثنتين فسجد بعد

السلام، وصلى خامسة فسجد بعد السلام، فوجب بذلك السجود في النقص قبل السلام، وفي الزيادة بعد السلام. ابن المواز: وقال مالك وأصحابه: إن سجود النقص قبل السلام كأنه جبران لما نقص، وفي الزيادة بعد السلام ترغيم للشيطان. قال عبد الوهاب: ولأن سبيل الجبران للنقص في العبادة أن يكون فيها لا بعدها، ولما كان سجود السهو للزيادة ترغيمًا للشيطان وشكرًا لله تعالى على إتمام الصلاة وجب أن يكون بعد السلام؛ لأنه لا يجبر نقصًا؛ ولأنه لما زاد ساهيًا لم يجز أن يزيدها سجودًا؛ لأنها لا تحتمل زيادتين، وليس كذلك النقصان؛ لأنه لما نقص كان السجود جابرًا للمتروك، وإنما لم يسجد لهما عقيب سهوه وأخرهما إلى آخر الصلاة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك فعل؛ ولأنهما تجزيان لجميع السهو، فأخرا إلى آخر الصلاة لجواز أن يتبع السهو سهوًا فيكون/ السجود لجمعيه. [فصل -2 - في أنواع المتروك من الصلاة] قال أبو محمد عبد الوهاب: والمتروك من الصلاة أربعة أنواع: فرض، وسنة، وهيئة، وفضيلة، فالمفروض لا يجبر بسجود السهو دون الإتيان به، وذلك

كتكبيرة الإحرام، وقراءة أم القرآن، والركوع، والسجود، وغير ذلك من فرائض الصلاة. والمسنون مثل: قراءة السورة التي مع أم القرآن والإسرار، والإجهار، والتكبير كله غير الإحرام في حال الخفض والرفع وما أشبه ذلك فهذا يجبر بسجود السهو، والهيئات: كرفع اليدين، وصفة الجلوس، وكذلك الفضائل الداخلة على الصلاة، كالقنوت، وسجود التلاوة، فلا سجود للسهو فيه. [فصل -3 - في تسليم الإمام في الرباعية من ركعتين ساهيًا] ومن المدونة قال مالك: وإذا سلم الإمام من اثنتين فسبحوا به فلم يفقه، فقال له رجل ممن خلفه في الصلاة: إنك لم تتم صلاتك فالتفت إلى القوم فقال: أحق ما يقول هذا؟ فقالوا: نعم، فليتم بهم الإمام بقية صلاتهم، ويسجد بعد السلام، وتجزئهم من تكلم ومن لم يتكلم، كما جاء في يوم ذي اليدين. وروى ابن وهب: أن النبي صلى الله عليه وسلم من اثنتين فقال ذو اليدين: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل ذلك لم يكن، فقال:

قد كان بعض ذلك يا رسول الله فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: ((أصدق ذو اليدين))؟ فقالوا: نعم، فأتم رسول الله/ صلى الله عليه وسلم ما بقي من الصلاة ثم سلم، ثم سجد سجدتين بعد السلام. قال ابن أبي زمنين: وروي عن سحنون أنه قال: لست آخذ بهذا الحديث إلا في موضعة، وأما في واحدة أو ثلاث فلا أفعل. والمعروف من قول ابن القاسم أنه يأخذ به في واحدة وفي ثلاث/. وقال ابن كنانة: إنما ذلك خاص للنبي صلى الله عليه وسلم ولم خلفه، ولم يأخذ به ابن كنانة في ركعتين، ولا في غيرها؛ لأن الفرائض كانت تنسخ فيمكن أن يكون ذلك منسوخًا، وقد ظن ذو اليدين أن تقصيرها قد نزل من السماء/، واليوم فلا يظن ذلك أحد، وعرض هذا على ابن القاسم فنقضه وقال: قد تكلموا بعد أن علموا أنها لم تقصر، وقالوا: قد كان بعض ذلك يا رسول الله لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل ذلك لم يكن.

ومعنى قوله: ((كل ذلك لم يكن)) أي: ما قصرت، ولا نسيت، وكذلك فسره في الحديث الآخر الذي في الموطأ.\ [فصل -4 - إذا تيقن الإمام أو المنفرد صلاته فلا يرجع إلى يقين غيره] قال مالك: ولا يرجع من صلى وحده إلى يقين من ليس معه في صلاته، وليبق على يقينه، فإن سأل غيره بطلت صلاته. قال ابن القاسم: فكل من شك في صلاته فليبق على يقينه، فإن كان إمامًا فسبحوا به فليرجع إلى يقين من خلفه في شكه لا في يقينه، وكذلك يرجعون إليه. [فصل -5 - في أحكام الزيادة في الصلاة] قال مالك: ومن ذكر أنه في خامسة فليكف عن إتمامها، أي وقت ذكر، فإن كان قد أتمها لم يأت بسادسة، ويسجد بعد السلام. قال ابن القاسم: وإن صلى إمام خامسة فسها قوم كسهوه وجلس قوم وأتبعه قوم عامدون فصلاة الإمام ومن سها معه أو جلس تامة ويسجدون معه للسهو، وتفسد صلاة العامدين، ويعيد العامدون صلاتهم. قال ابن المواز: ولو أنه لما سلم من الخامسة قال: إنما كنت تركت سجدة من الأولى فهاهنا تبطل على من لم يتبعه،

يريد إن لم يوقنوا بسلامتها، وإن أيقنوا أنه لم يسه فصلاتهم تامة. قال ابن المواز: وتصح لمن اتبعه في السهو والعمد. قال سحنون: تبطل صلاة العامدين إن أيقنوا أنه لم يبق عليه شيء إلا أن يتأولوا أن عليهم اتباع إمامهم، فأرجو أن تجزئهم صلاتهم، وأحب إلي أن يعيدوا. م اختصاره إن أيقنوا أنه لم يسقط شيئًا بطلت صلاة العامدين خاصة، وإن شكوا بطلت صلاة من لم يتبعه خاصة، وتصح صلاة من سها في الوجهين. قال ابن المواز: ولو اتبعه فيها من فاتته ركعة، وهو يعلم أنها خامسة ولم يسقط الإمام شيئًا أبطل صلاته، وإن لم يعلم فليقض ركعة أخرى ويسجد لسهوه كما يسجد إمامه. قال: ولو قال الإمام: كنت أسقطت سجدة من الأولى أجزأت من اتبعه ممن فاتته ركعة، وأجزأت/ غيره ممن خلفه ممن اتبعه إلا أن يجمع كل من خلفه على أنهم لم يسقطوا شيئًا، أي: إنما أسقطها الإمام وحده فلا يجزئ من اتبعه عامدًا ممن خلفه، ولا ممن فاتته ركعة وهو لا يعلم، وليأت بها بعد سلامه، وتجزئه ومن اتبعه عالما بأنها خامسة ممن فاتته ركعة أو لم تفته بطلت صلاته، وينبغي لمن علم ممن فاتته ركعة أن لا يتبعه فيها ويقضي بعد سلامه،

فإن اجتمع الإمام وكل من خلفه على أنهم أسقطوا سجدة من الأولى أعاد هذا صلاته، ولو نسيها الإمام وحده دون من خلفه أجزأته صلاته إذا قضى الركعة التي بقيت عليه. م وإنما قال ذلك؛ لأنه إذا أسقط الإمام ومن معه السجدة من الأولى وجب على ما فاتته ركعة القيام معه في هذه الخامسة؛ لأنها رابعة له؛ لأن الأولى سقطت عن الإمام وعمن خلفه، كما سقطت عن الداخلين ويسجد بهم لسهوه قبل السلام؛ لأنه/ زاد ونقص، فإذا لم يتبعه فيها من فاتته ركعة فقد أبطل على نفسه، وأما إن كان خلف الإمام لم يسقط مع الإمام شيئًا، وإنما أسقط الإمام وحده فقط وجب على الإمام وحده قضاء تلك الركعة بعينها بأم القرآن وسورة، ويسجد لسهوه بعد السلام، ويكون كمن استخلف بعد أن فاتته ركعة فلا يجوز لمن خلفه ممن فاتته ركعة أن يتبعه فيها، ولا يقضيها حتى يسلم الإمام بعد قضاء ركعة. م وكذلك فسره ابن المواز في غير هذه المسألة. قال ابن المواز:/ ولو أسقط سجدة من الثانية أو الثالثة والقوم معه وقد اتبعه هذا في الخامسة فذلك جائز له، ولكن يقضي الأولى التي فاتته، وسواء أتبعه هاهنا، وهو عالم بأنها خامسة أو غير خامسة؛ لأنها للإمام ومن معه

رابعة. قال أبو محمد: أراه يريد وليس بموقن بسلامة ما أدرك معه. قال: ولو جلس في الخامسة معه ثم ذكر الإمام سجدة لا يدري من أي ركعة فلا يسجد سجدة لا هو ولا من شك كشكه ولا من فاتته ركعة وليسجد الإمام لسهوه/ قبل السلام إلا أن يعلم أن السجدة من إحدى الركعتين الآخرتين فليسجد بعد السلام، يريد معه. فصل -6 - [في أحكام الناسي لبعض سجود الصلاة] ومن المدونة قال مالك: ومن صلى ركعة ونسي سجودها فذكر ذلك وهو قائم في الثانية قبل أن يركع فليسجد سجدتين، يريد أنه يخر للسجدتين من قيام، ولا يجلس ثم يسجد، قال: ثم يقوم فيبتدئ قراءة الركعة الثانية، ولو نسي سجدة من الأولى فذكرها قبل أن يركع للثانية أو بعد أن ركع ولم يرفع رأسه منها فليرجع ويسجد السجدة التي بقيت عليه، يريد أنه يجلس ثم يسجد؛ لأن عليه أن يفصل بني السجدتين بجلوس بخلاف الذي نسي السجدتين قال: فإذا سجد قام فابتدأ قراءة الركعة الثانية. قال: وإن ذكر في

الوجهين جميعًا بعد ما رفع رأسه من الركعة تمادى وكانت أولى صلاته، وألغى الركعة الأولى، وسجد في ذلك كله بعد السلام. قال مالك: وعقد الركعة رفع الرأس منها. قال ابن المواز: وقال أشهب عن مالك: وقاله أصبغ: إن إمكان يديه من ركبتيه فوت. ابن المواز: وتماديه إذا أمكن يديه من ركبتيه أحب إلي، وهو إنما تصح له ركعة بكل حال، فيتمادى على هذه وتكون أولى، ويسجد بعد السلام، ولو أعاد الصلاة لكان حسنًا، وليس بلازم. ومن المجموعة قال عبد الملك: ومن كان قائمًا في الثانية فذكر سجدة من الأولى أو شك فيها فليرجع جالسًا ثم يسجدها، وكذلك لو كان خلف الإمام، إلا أن يخاف أن يرفع من ركوع الثانية فليتبعه فيها، ويقضي ركعة. قال: ولو شك في قيامه في الثالثة وهو وحده في سجدة لا يدري أمن الأولى أو من الثانية فليرجع فيسجد ثم يتشهد، ولعله يتذكر أنها منها، فإن ذكر صحت له ركعتان، وإن لم يذكر بنى على ركعة وسجد بعد السلام. وقال في كتاب محمد: كما أمرته أن يسجد فكذلك آمره أن يجلس ويتشهد ولا يترك تمامها على ما أمكن منها. قال ابن المواز: لا آمره أن يجلس؛ لأنه بعد أن يسجد كمن قال: لا

أدري أصليت واحدة أو/ اثنتين، فهذا يجلس ويبني على/ ركعة، وكذلك قال ابن حبيب عن ابن الماجشون: أنه يسجد ولا يجلس. قال في المجموعة: ولو شك وهو قائم في الرابعة في سجدة لا يدري من أي ركعة هي فليسجد ويتشهد ويبني على ركعتين ويسجد قبل السلام، وهو في القراءة بان؛ لأنه وحده، وقد نقص السورة من الثانية. م إذ قد تكون السجدة من إحدى الأوليتين فصارت الثالثة ثانية، وقد قرأ فيهما بأم القرآن فبنى أمره على اليقين وزاد، فلذلك يسجد قبل السلام. م ولا خلاف في هذه أنه يجلس ويتشهد؛ لأنه يبني على اثنتين فجلوسه في موضع الجلوس. قال عبد الملك: وإن ذكر في جلوس الرابعة سجدة لا يدري من أي ركعة/ سجد سجدة إذ قد تكون من هذه ويتشهد ويبني على ثلاث ويسجد قبل السلام؛ إذ قد تكون من الأولى أو من الثانية فتصير الثالثة ثانية، وقد نقص منها الجلوس ونقص القراءة. وقال عنه ابن حبيب: إذا سجد قام ولم يتشهد. ابن المواز: وإن ذكر في قيام الرابعة سجدتين لا يدري من ركعة أو من ركعتين فليخر بسجدتين ويبني على ركعة ويسجد قبل السلام؛ لأن التي بنى

عليها لم يقرأ فيها إلا بأم القرآن، وكان أصبغ وأبو زيد يقولان: لا يخر لشيء ويبنى على ركعة؛ إذ لا يصح له غير ركعة، وقاله أشهب في من ذكر سجدة لا يدري من أي ركعة أنه يلغي ركعة ولا يخر لسجدة. قال ابن المواز: لا يعجبني وهو خلاف قول مالك وأصحابه أن يدع إصلاح ركعة وهو فيها وهو يقدر على إصلاحها. ومن كتاب ابن يحنون: ولو ذكر في تشهد الرابعة سجدة منها سجدها، وأعاد التشهد، ولا يسجد لسهوه، إلا أن يطيل الجلوس بين السجدتين، وقاله ابن القاسم، ولو ذكر سجدتين لا يدري أمجتمعين أو مفترقتين فليسجد سجدتين ويتشهد ويأتي بركعتين بأم القرآن في كل ركعة ويسجد قبل السلام، ولو كان مع إمام مسجد سجدتين فإذا سلم إمامه قام فأتى ركعتين / قضاء بأم القرآن وسورة في كلتيهما ويسجد بعد السلام، وأحب إليّ أن يعيد الصلاة في المسألتين. ومن المجموعة قال ابن عبدوس: وإذا كان مع الإمام فى قيام الثانية فذكر سجدة أو شك فيها فإن طمع أن يسجدها قبل رفع الإمام رأسه فعل، ثم لا يسجد للسهو، وإن لم يطمع تمادى، وأتى بركعة بعد سلام الإمام يقرأ فيها بأم القرآن وسورة، فإن كان موقنًا بالسجدة فلا يسجد للسهو، وإن كان على شك سجد بعد السلام خوفًا أن تكون الرابعة زيادة، ولو كان في قيام الثالثة، والمسألة بحالها

ذكر سجدة أو شك فيها ولا يدري أمن الأولى هي أم من الثانية، فإن طمع ألا تفوته الركعة خر بسجدة، ثم يتبع الإمام فى قيامه، فإذا سلم أتى بركعة بأم القرآن وسورة؛ لأنه قاض، ولعلها من الأولى، ويسجد بعد السلام، إذ لعله أصاب بالسجدة موضعها والركعة زائدة، فإن أيقن بسلامة الثانية فيختلف يقينه وشكه، فإن أيقن بالسجدة قضى ركعة ولا يسجد للسهو، وإن شك فيها سجد بعد السلام، وكذلك إن شك أن تكون من الأولى أو من الثانية ولم يدرك أن يخر بسجدة في الثانية / وتمادى فليقض بعد الإمام، وإن أيقن أنها باقية من إحداهما لم يسجد للسهو، والمسألة بوجهها في كتاب ابن المواز، وهذا باب تتسع فيه الزيادة، وفيما ذكرناه كفاية، وبالله التوفيق. [فصل -7 - في من نسي سجدة من الركعة الأولى والركوع من الثانية]: ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن نسي سجدة من الركعة الأولى ونسي الركوع من الثانية وسجد لها فليأت بسجدة يصلح بها الأولى، ويبني عليها، ولا يضيف إليها من سجود الثانية شيئًا؛ لأن نيته في هذا السجود إنما كان

لركعة ثانية فلا تجزئه لركعته الأولى، ويسجد بعد السلام. فصل -8 - [في من تكلم في صلاته ناسيًا]: قال مالك: ومن تكلم في صلاته ناسيًا بنى على صلاته / وسجد بعد السلام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "حمل عن أمتي الخطأ والنسيان "، وقد تكلم / النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته وبنى فيما قرب، قال مالك: وإن كان هذا مأمومًا حمله عنه إمامه، قال ربيعة وابن هرمز: ليس على صاحب الإمام سهو، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن"، والضمان يقتضي مضمونًا، فوجب أن يجمل عنه ما فعله سهوًا من قول أو فعل يسجد له الفذ. [فصل -9 - فيما يحمله الإمام عن المأموم]: قال مالك: وكلما سها المأموم فالإمام يحمله عنه، إلا اعتقاد نية الفريضة أو تكبيرة الإحرام أو ركعة أو سجدة أو السلام، ومن سها عن ذلك لم يجزئه سجود السهو، ويجزئه في غير ذلك من النقصان إن ذكر ذلك مكانه أو بالقرب إلا ما تقدم ذكره من ترك أم القرآن من ركعتين، وقد تقدم بعض هذا. قال مالك: ومن سلم من ركعتين ساهيًا أو شرب في الصلاة ناسيًا،

فليتم صلاته، ويسجد بعد السلام، قال: ومن سها عن سجدة أو ركعة أو عن سجدتي السهو قبل السلام بنى فيما قرب، وإن تباعد ابتدأ الصلاة. قال مالك: وكل من رجع لإصلاح ما بقي عليه بالقرب فليرجع إليه بإحرام، قال أبو محمد: ورأيت لبعض أصحابنا في من سلم من اثنتين ثم رجع بالقرب، فإنه يكبر ثم يجلس ثم يقوم للبناء، وقاله ابن القاسم، يريد؛ لأن نهضته الأولى لم يفعلها لصلاته لكن للانصراف، فلذلك أمره أن يجلس، وقال ابن نافع: لا يجلس، وقال ابن القاسم: فإن لم يدخل بإحرام أفسد ولو سلم من ركعة أو من ثلاث دخل بإحرام ولم يجلس. ويجب على من قال إذا سلم من ركعة أو من ثلاث وانصرف ثم رجع بالقرب أن يحرم، ثم يجلس؛ لأن نهضته الأولى لم يفعلها للصلاة لكن للانصراف فلا فرق. والله أعلم. قال بعض أصحابنا: وذهب غير واحد من علمائنا أن ليس عليه أن يحرم إذا

رجع بالقرب؛ لأنه في الصلاة بعد، قالوا: والحديث في ذلك ضعيف. قال: واستحسن بعض / فقهائنا إن ذكر في مكانه كما سلم قبل أن يقوم فليرجع بغير إحرام، وإن قام ثم رجع بالقرب فليرجع بإحرام. وهذا استحسان، والقياس أن لا إحرام عليه في الوجهين؛ لأنه في الصلاة بعد. [فصل -10 - في حكم من سها عن التشهد]: ومن المدونة قال مالك: ومن سها في الرابعة فلم يجلس مقدار التشهد حتى / صلى خامسة رجع جلس وتشهد وسلم وسجد لسهوه وصلاته تامة. قال: والسهو فى الفرض والتطوع وعلى الرجال والنساء سواء. وإن نسي التشهد الآخر وقد جلس وسلم، فإن كان بالقرب تشهد وسلم، وسجد بعد السلام، وإن تطاول ذلك فلا شيء عليه إذا ذكر الله، وليس كل الناس يعرف التشهد، قال ابن القاسم: ولم يره نقصانًا من الصلاة،

وكذلك سهوه عن التشهدين جميعًا، لا يراه بمنزلة غيره من الصلاة فيما يسهو عنه، قال أبو محمد: يريد: وقد جلس في الآخرة، قال مالك: وإن كان لما رفع رأسه من السجود سلم ساهيًا قبل أن يجلس وظن أنه قعد مقدار التشهد رجع أيضًا بالقرب فجلس وتشهد وسجد لسهوه بعد السلام، يريد: وإن تطاول أعاد الصلاة. [فصل -11 - في حكم من سها عن سجود سهو لنقصان هل يبنى على صلاته أو يستأنفها؟]: قال مالك: ومن ذكر بعد أن سلم ركعة أو سجدة بنى فيما قرب وإن بعد ابتدأ الصلاة، وكذلك ذكره لسجدتي السهو قبل السلام من نقص ثلاث تكبيرات أو سمع الله لمن حمده مثل ذلك. ابن المواز: وقد اختلف قول ابن القاسم في إيجاب الإعادة في ذلك، ولم ير أصبغ في ذلك عليه إعادة، وبه أقول، وأما إن كانتا من نقص الجلسة الأولى أو قراءة أم القرآن من ركعة فلم يختلف أنه يعيد الصلاة إذا تباعد.

قال أبو محمد في حاشية نوادره: محمد بم الحكم يقول: لا تفسد صلاته، وإن كان من القيام من اثنتين أو قراءة ركعة. ومن المدونة قال مالك: وإن كانتا من نقص تكبيرتين أو سمع الله لمن حمده مرتين أو التشهدين أو قراءة السورة التي مع أم القرآن من ركعة / أو ركعتين أو ترك الجهر في القراءة فليسجد فيما قرب، وإن تباعد أو طال في الكلام أو انتقض وضوءه، فلا شيء عليه. قال أبو محمد عبد الوهاب: اختلف عن مالك هل تعاد الصلاة / في ترك جميع السجود للنقصان أو في بعضه؟ فقال مرة: تعاد من ترك جميع السهو، وقال مرة: تعاد من ترك سجود نقص الأفعال دون الأقوال، فوجه الأولى: أنه جبران للنقص الواقع في الصلاة فأشبه السهو عن الأفعال، ووجه الثانية: إن حكم الأفعال آكد من حكم الأقوال بدلالة أن الإمام يحمل عن المأموم من أركان الأقوال وهو القراءة، ولا يحمل عنه شيئًا من أركان الأفعال. [فصل -12 - في حكم من جعل الله أكبر سمع الله لمن حمده أو العكس]: ومن المدونة قال مالك: وإذا جعل الإمام أو الفذ موضع الله أكبر سمع الله لمن حمده، وموضع سمع الله لمن حمده الله أكبر فليرجع فيقول كما كان

عليه، فإن لم يرجع ومضى سجد قبل السلام، كما لو أسقطهما. يريد أنه يقول: سمع الله لمن حمده فقط، ولا يعيد التكبير؛ لأن موضع التكبير قد فاته؛ لأنه قد رفع رأسه وهو أيضًا إذا أعاد سمع الله لمن حمده فقد أتى بها بعد التكبير، فهو كمن قرأ السورة قبل أم القرآن، فإنما يعيد السورة فتصير بعد أم القرآن، وكمن صلى يوم الجمعة قبل الخطبة، فإنه يعيد الصلاة فتصير بعد الخطبة. [فصل -13 - لا سجود سهو فيما خف]: قال مالك: فأما من نسي تكبيرة / أو سمع الله لمن حمده مرة أو القنوات فهو خفيف، ولا سجود عليه، وقيل: يسجد في ذلك، وهو خفيف. قال مالك: ولو شك في ركعة فتفكر قليلًا، ثم ذكر أنه لم يسه فلا سجود عليه، وإن لم يدر أسلم أم لا فليسلم ولا سجود عليه في كل سهو سها فيهما. قال عيسى عن ابن القاسم: ولو ذكر أنه زاد في صلاته فسجد سجدة من سجدتي السهو بعد السلام ثم ذكر أنه لم يسه فلا يسجد أخرى، ولا شيء عليه،

ولو ظن أنه نقص من صلاته فسجد سجدة قبل السلام، ثم ذكر أنه لم ينقص شيئًا فلا يسجد أخرى، وليسجد لسهوه بعد السلام، وكذلك لو سجد سجدتين، ثم ذكر أنه لم ينقص شيئًا سجد لسهوه بعد السلام. قال ابن حبيب: ومن نقص / فسجد لسهوه قبل السلام فتكلم قبل أن يسلم فليسلم ويسجد لسهوه بعد السلام، وقال مالك في المجموعة في إمام سلم من اثنتين ساهيًا وسجد لسهوه، ثم ذكر فليتم صلاته، ويعيد سجود السهو. قال ابن المواز: ومن سجد سجدتين في آخر صلاته وعليه سجدتا السهو فلم يدرأ سجدهما لفرضه أم لسهوه فعليه أربع سجدات أخرى. فصل -14 - [سجدتا السهو كسجدتي الفريضة]: ومن المدونة قال مالك: وسجدتا السهو كسجدتي الفريضة، ويكبر لهما، وكذلك فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن صلى إيماء أومأ بهما، فإن كانتا بعد السلام تشهد لهما، واختلف قوله في التشهد لهما قبل السلام. وإنما قال: إن كانتا بعد السلام تشهد لهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، ولأن من سبيل السلام أن يكون عقيب تشهد، ألا ترى أن سلام

التحليل لا يكون إلا عقيب تشهد، ألا ترى أنه إذا فرغ من تشهده ثم قام ونسي السلام، فإنه يرجع إذا كان قريبًا فيعيد / التشهد ثم يسلم، ولا يكتفي بالتشهد الأول لتراخيه عن السلام، ووجه قوله: إذا كانتا قبل السلام تشهد لهما أيضًا: فلما روى عمران بن حصين أن الرسول صلى الله عليه وسلم تشهد لهما؛ ولأنه سجود سهو فأشبه الذي بعد السلام؛ ولأن السلام يقتضي أن يكون عقيب تشهد اعتبارًا بالصلاة والتشهد الأول قد تخلل بينه وبين السلام سجود السهو، فوجب أن يستأنف غيره ليقع السلام عقيبه، ووجه قوله: لا يتشهد لهما أنه يكتفي في ذلك بالتشهد الأول؛ لأنه لم يفصل بينه وبني السجود بسلام؛ ولأن الركعة الواحدة لا يتشهد فيها مرتين. قال مالك: ولا يحرم لهما كانتا قبل السلام أو بعده. وإنما قال ذلك؛ فلأن ما كان قبل السلام داخل في حكم الصلاة فلم يكن له إحرام ولا إحلال، كسجود الأصل، وأما ما كان بعد السلام؛ فلأنه غير واجب، ولا تبطل بتركه الصلاة فلم يكن له إحرام كسجود التلاوة، وإن نسيهما وهما بعد السلام وطال ذلك، فقال ابن القاسم مرة: يسجد لهما ولا يحرم

لهما / كسجود التلاوة، وقال أيضًا: يحرم لهما، وروي عن مالك. فوجه الأولى أن سجودهما غير لازم فلم يحرم لهما كسجود التلاوة. ووجه الثانية أنه لما كان لهما تشهد وتحليل وجب أن يكون لهما / تحريم، كالصلاة. قال ابن المواز: وإن ذكر اللتين قبل السلام بعد أن سلم رجع بإحرام كرجوعه لإصلاح صلاته فيما قرب. [فصل -15 - إذا اجتمعت الزيادة والنقصان على المصلي سجد لهما قبل السلام]: ومن المدونة قال مالك: ومن سها سهوين أحدهما يجب عليه فيه السجود قبل السلام، ابن المواز: وكذلك إن شك فلم يدر أزاد أو نقص فليسجد قبل السلام، قال أبو محمد عبد الوهاب: وإنما قال: يسجد في اجتماع الزيادة والنقص قبل السلام؛ لأنه لا يخلو من أحوال: إما أن لا يسجد أصلًا، فذلك غير جائز باتفاق، أو أن يسجد أربع سجدات، وذلك غير جائز أيضًا؛ لأنه خلاف الأصول، أو أن يغلب أحدهما فكان النقصان أولى بالتغليب؛ لأنه جبران

وسجود الزيادة شكر وإرغام للشيطان، ولا يجوز أن يؤتى بسجود شكر على صلاة ناقصة، ولا أن يرغم الشيطان بترك الصلاة ناقصة. ومن المدونة قال مالك: ومن صلى خلف من يرى السجود فى النقص بعد السلام فلا يخالفه، فإن الخلاف شر، ابن المواز: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به "، قال ابن القاسم: ومن وجب عليه سجود سهو بعد السلام فسجد قبل السلام رجوت أن يجزئ عنه على القول في الإمام الذي يرى خلاف ما يرى من خلفه، قال ابن المواز: وصلاته تامة فعل ذلك سهوًا أو عمدًا، وقال أشهب: يعيد إذا تعمد ولا أقول به، وقد كان ابن شهاب والليث يريان السجود في النقص والزيادة قبل السلام. ومن المدونة: ومن لزمه سجود سهو قبل السلام فنسيه حتى طال ذلك أعاد الصلاة، فإن ذكر بحضرة ما سلم فليسجدهما وتجزئان عنه، كمن قام من رابعة، ثم ذكر فليرجع جالسًا ويسلم ويسجد لسهوه. قال مالك: وأما إن نسي سجود سهو / بعد السلام فليسجدهما متى ذكر ولو بعد شهر ولو انتقض وضوءه توضأ وقضاهما، وإن أحدث بعد ما سجدهما

توضأ وأعادهما، وإن لم يعدهما أجزأتاه، وقيل: لا يجزئانه وصلاته في ذلك كله تامة. والفرق بين السجود قبل السلام وبعد السلام في بطلان الصلاة إذا تباعد هو: أن الذي بعد السلام ليس من الصلاة /، وما يفعل بعد العبادة لا تفسد بتركه، والذي قبل السلام هو من نفس الصلاة وقبل التحليل، فجاز أن تبطل بتركه؛ ولأن سجود الزيادة شكر وترغيم للشيطان على تمام الصلاة، فهو يتضمن صحتها، وسجود النقص جبران للنقص الواقع فيها، فجاز أن تفسد بتركه. قال ابن المواز: ومن انصرف من صلاته، ثم ذكر سجدتي السهو قبل السلام فليسجدهما في موضع ذكره إلا في الجمعة فلا يسجدهما إلا في الجامع، فإن سجدهما في غيره لم تجزئه، وكذلك إن نسي السلام. فصل:-16 - [فى حكم من سجود سهو من صلاة قد مضت وهو في صلاة]: ومن المدونة قال مالك: ومن ذكر سجود السهو بعد السلام من صلاة قد مضت وهو في فريضة أو نافلة لم تفسد / واحدة منهما، قال ابن القاسم: فإذا فرغ مما هو فيه سجدهما.

م وكذلك إن كانتا قبل السلام وهما مما لا تفسد الصلاة بتركهما، فهما كالتي بعد السلام. قال ابن القاسم: وإن كانتا قبل السلام وهما من فريضة/ ومما تعاد بنسيانها الصلاة فذكرهما بقرب صلاته في فريضة أو نافلة رجع إليهما بغير سلام كان وحده أو وراء إمام، فإن أطال القراءة في هذه الثانية أو ركع، يريد وإن لم يرفع رأسه بطلت الأولى، فإن كانت هذه الثانية نافلة أتمها ركع أو لم يركع. يريد؛ لأنه في بقية من الوقت ولو كان في ضيق من الوقت قطع، وإن لم يركع ويصير كمن ذكر فريضة ذهب وقتها في نافلة. قال: وإن كانت التي ذكر فيها سجود السهو فريضة قطع إن كان وحده. لأنه لا يدخل من فريضة في فريضة إلا في ضيق من وقت الأولى، فلما بطلت الأولى صار كمن ذكر فريضة في فريضة، فإن كان وحده / قطع، وإن كان مع إمام تمادى فإذا سلم أعادهما. قال: وإن كان الذي هو وحده عقد من الفريضة ركعة، ثم ذكر سجدتي السهو قبل السلام فليشفعها أحب إليّ، ثم يصلي فريضته الأولى والثانية. وسحنون يرى أن عقد الركعة رفع الرأس منها، إلا في هذه.

قال ابن القاسم: وإن كانتا قبل السلام وهما من نافلة فذكرهما قبل أن يتباعد وهو في نافلة أخرى رجع إن لم يركع من الثانية شيئًا فسجد ما كان عليه وتشهد وسلم وابتدأ التي كان فيها إن شاء، قال ابن المواز: وإن ذكرهما بعد أن ركع في هذه الثانية التي هو فيها تمادى، فإذا فرغ منها فقد استحب له ابن القاسم أن يسجدهما بعد فراغه، قال: ولو ذكرهما وهو في فريضة لم يضره ذلك في فريضته ويتمها، ولا شيء عليه. قال في المدونة: وإن ذكر سجود السهو بعد السلام من نافلة وهو في نافلة أخرى لم يقطع التي هو فيها ركع أو لم يركع إلا أنه إذا أتمها سجدهما. فصل -17 - [فى أحكام سجود المسبوق]: ومن المدونة قال مالك: ومن عقد مع الإمام ركعة فوجب على الإمام سجود سهو، فإن كان قبل السلام سجد معه قبل القضاء، ويجزئه، ولا يعيده قبل سلامه هو لنفسه، قال: وإن كان سهو الإمام بعد السلام، فلا يسجد معه حتى يقضي، قال ولينهض المأموم للقضاء إن شاء حين يسلم الإمام من

الصلاة أو من السجود، فإن جلس المأموم حتى يسلم المأموم حتى يسلم الإمام من سهوه فلا يتشهد، وليذكر الله تعالى. قال ابن القاسم: وأحب إليّ أن يقوم بعد سلام الإمام من الصلاة؛ لأن الإمام قد انقضت صلاته حين سلم، ولو أحدث الإمام بعد السلم أجزأت عنه صلاته فبعد قضائه يسجد كما سجد إمامه بها سها الإمام والمأموم معه أم لا، ذلك / سواء. قال ابن القاسم في العتبية: اختلف قول مالك في قيامه للقضاء، فقال مرة: يقوم بعد سلام الإمام من الصلاة، وقال مرة: بعد سلامه من سجود السهو، وهذا أحب إليّ؛ لأن قيامه وحده والإمام ساجد سماجة وشهرة. قال ابن القاسم: وإن دخل/ عليه فيما يقضى هو لنفسه سهو، فإن كان نقصانًا سجد قبل السلام لسهوه وسهو الإمام؛ لأنه زيادة ونقص، وإن كان زيادة سجد لها بعد السلام /، وإن كان سجود الإمام بل السلام فسجد معه، ثم دخل عليه فيما يقضي لنفسه سهو، فإن كان نقصانًا سجد قبل السلام، وإن

كان زيادة سجد بعد السلام، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم. فالمحصول في سجود هذا أن يراعي سهو نفسه، فإن كان نقصانًا سجد قبل السلام، وإن كان زيادة سجد بعد السلام. قال عيسى عن ابن القاسم: ولو جهل فسجد معه سجود سهو بعد السلام، ثم قام يقضي فليعدهما بعد السلام أحب إلي، ويعيدهما متى ما ذكر، قال عيسى: جاهلًا كان أو عالماً. وذهب سفيان في المدونة إلى أنه يسجد مع الإمام سجود السهو بعد السلام، ثم يقوم فيقضى، قال سحنون عن ابن القاسم في المستخرجة: فإن أحدث الإمام فقدمه، فإن كان سهو الإمام نقصانًا سجد بهم إذا انقضت صلاة الإمام قبل أن يقضي هو ما عليه، ثم يشير إليهم أن اجلسوا، ويقوم لقضاء ما عليه، فإن دخل عليه فيما يقضي سهو فليسجد له وحده، إن كان قبل فقبل، وإن كان بعد فبعد، وليس عليهم من سهوه شيء لأن صلاتهم قد انقضت ولم يبق عليهم إلا سلامه، وإن بقية صلاة الإمام فإنه يسجد سجود

الإمام الأول قبل السلام وتجزئه من ذلك كله كان سهوه هو في ذلك زيادة أو نقصانًا، وإن كان سهو الإمام زيادة فلا يسجد بالقوم حتى يتم بقية صلاته ويسلم ويسجد بهم، فإن دخل عليه سهو فسواء كان سهوه في بقية صلاة الإمام الأول أو فيما يقضي لنفسه، زيادة كان أو نقصانًا فليسجد بهم بعد السلام كسجود الإمام الأول، ويجمع له ذلك كله. قال في المجموعة: وقال غير ابن القاسم: إذا كان سهو الإمام الأول زيادة وسها هذا فيما استخلف عليه نقصانًا فليسجد بهم قبل السلام ويجزئه عن السهوين جميعاً، وكذلك لو سها هو / فيما يقضي نقصانًا ليسجد بهم قبل السلام، وكان ذلك للسهوين. وتحصيل سجود هذا المستخلف هو إن كان سهو الأول نقصانًا فسها المستخلف فيما يقضى لنفسه فليسجد سجوده لنفسه، وإن سها في بقية صلاة الأول سجد سجود الأول، وإن كان سهو الأول زيادة، فسواء سها المتخلف فيما يقضي لنفسه أو في بقية صلاة الأول زيادة أو نقصانًا فإنه يسجد سجود الأول بعد السلام. وقيل: إن كان سها الأول زيادة، وسها المستخلف في بقية صلاة الأول، أو فيما يقضي لنفسه نقصانًا سجد قبل السلام، وكان ذلك للسهوين.

ومن المدونة قال مالك: وإن لم يعقد مع الإمام ركعة لم يسجد معه، لا قبل ولا بعد، ولا يقضيه؛ لأنه لك يدرك من الصلاة شيئًا، وفي الحديث "من أدرك مع الإمام ركعة من الصلاة فقد أدركها"، ألا ترى لو أن مسافرًا أدرك خلف مقيم التشهد الآخر فإنما يصلى صلاة سفر، قال / أشهب في المجموعة: لا يلزمه أن يسجد معه لسهوه، ولكن يسجدهما بعد السلام احتياطًا، فإن كانتا عليه فقد، قضاهما، وإلا لم يدخل في صلاته خللاً قبل سلامه. فصل -18 - [في المأموم يظن أن الإمام سلم]: ومن المدونة قال مالك: ومن ظن أن الإمام سلم، فقام يقضي ما فاته، فصلى ركعة وسجد سجدتين، ثم سلم الإمام فعلم بذلك فليرجع فيصلي تلك الركعة بسجدتيها، ولا يعتد بما صلى قبل سلام الإمام يريد ولا سهو عليه؛ لأنه في حكم الإمام فهو يحمله عنه، قال: ولو سلم عليه الإمام، وهو قائم، أو راكع فليرفع رأسه من الركوع بغير تكبير، ويبتدئ القراءة من أولها، يتم صلاته ويسجد للسهو قبل السلام.

قال ابن المواز وسحنون: لنقصه نهضة القيام في غير حكم إمامه، وفي المختصر الكبير عن مالك: بعد السلام، وقال المغيرة وعبد الملك: لا سجود سهو عليه؛ لأنه في حكم إمامه سها. ومن المدونة: ولو علم بذلك وهو قائم، قبل سلام الإمام، فليرجع، فيجلس مع الإمام، ثم يقضي بعد سلام الإمام، ولا سجود سهو / عليه؛ لأنه رجع إلى الإمام قبل سلامه فحمل ذلك عنه. فصل -191 - [في من أسر بالقراءة فيما يجهر فيه، أو جهر فيما يسر فيه]: ومن المدونة قال مالك: ومن سها فأسر فيما يجهر فيه سجد قبل السلام، وإن جهر فيما يسر فيه سجد بعد السلام، وإن كان شيئًا خفيفًا من إجهار أو إسرار، كإعلانه بالآية ونحوها في الإسرار فلا سجود عليه. ومن العتبية قال أشهب عن مالك: ومن قرأ في الجهر سرًا ثم ذكر فأعاد القراءة جهرًا فلا سجود عليه، قال: ولو قرأ أم القرآن فقط في ركعة من الصبح فأسر بها أجزأته صلاته، ولا سجود عليه، وقال ابن القاسم: إن قرأها سرًا، ثم ذكر فأعادها جهرًا فليسجد بعد السلام، قال أصبغ: ومن

أسرّ في الجهر أو جهر في الإسرار عامدًا لم يعد ويستغفر الله سبحانه وتعالى. وقال علي في المجموعة: ورواه أبو زيد عن ابن القاسم: أنه يعيد؛ لأن هذا عابث، وقال عيسى: يعيد أبدًا. فصل -20 - [في من نسي الجلوس في الركعتين، أو سها عن القراءة حتى ركع]: ومن المدونة قال مالك/ ومن نسي الجلوس في الركعتين حتى نهض عن الأرض واستقل قائمًا تمادى ولا يرجع، ويسجد قبل السلام. وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم من اثنتين وعمر وابن مسعود فتمادوا وسجدوا كلهم للسهو. ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك: إذا فارق الأرض - وإن لم يعتدل قائمًا - فلا يرجع، ويسجد قبل السلام، وإن رجع سجد بعد السلام، وقال أشهب: إذا قام فلم يعتدل قائمًا حتى ذكر فجلس، فليسجد بعد السلام، وإن اعتدل قائمًا، ثم رجع فليسجد قبل السلام؛ لأنه مخطئ في رجوعه بعد أن قام، فلا يعتد بجلوسه.

م يريد؛ لأنه لما اعتدل قائمًا وجب عليه التمادي وتخلد النقصان في ذمته، فلما رجع كان ذلك منه زيادة، فهو كمن نقص وزاد في صلاته فسجوده قبل السلام. أبو محمد: وبلغني عن ابن سحنون أنه ذهب إلى أن صلاته تفسد برجوعه، يريد إلا أن يرجع سهوًا. ابن حبيب: إن تزحزح للقيام من اثنتين ثم ذكر فجلس فلا سجود عليه، وإن ارتفع عن الأرض فليرجع ما لم يستو قائمًا، فإذا استوى قائمًا فلا / يرجع، واستحسن لهم أن يسبحوا به ما لم يستو قائمًا، فإذا استوى قائمًا فلا يفعلوا. ومن العتبية قال سحنون عن ابن القاسم: في من سها عن القراءة حتى ركع واطمأن / راكعًا أترى أن يمضي كما يمضي الذي نهض من اثنتين فاعتدل قائمًا، قال: لا أرى ذلك مثله، وأرى أن يقوم فيقرأ ثم يركع ثم يسجد لسهوه بعد السلام. والفرق بينهما أن الذي قام من اثنتين فاعتدل قائمًا فقد فارق موضع الجلوس، وأسقط سنة يجزئ منها سجدتا السهو، فلذلك أمره بالتمادي،

والذي ترك القراءة ترك فرضًا فلذلك أمره بالرجوع /، كما لو أنه قام من اثنتين وقد أسقط سجدة لأمره بالرجوع إليها ولم يتمادى؛ إذ هي فرض فهذه مثل القراءة، وأما لو أسقط السورة التي مع أم القرآن فذكر وهو راكع فهذا يتمادى؛ لأنه فارق موضع القراءة، وقد أسقط سنة تجزئ منها سجود السهو، فهو مثل من أسقط الجلوس حتى استقل قائماً، وبالله التوفيق. [فصل -21 - السهو في النافلة]: ومن المدونة قال مالك: ومن قام في نافلة من اثنتين ساهيًا فليرجع فيجلس ويتشهد ويسلم، ويسجد بعد السلام. قيل لابن القاسم: فإن لم يذكر حتى ركع قال: قد اختلف قول مالك فيه، وأحب إليّ أن يرجع ما لم يرفع رأسه من الركوع، فإن رفع رأسه من ركوعه أتى برابعة، كان في ليل أو نهار، وسجد قبل السلام لنقصه السلام، قال ابن القاسم: وإن سها عن السلام من الرابعة حتى صلى خامسة فلا يأت بسادسة، وليرجع متى ما ذكر فيجلس ويسلم ثم يسجد

للسهو؛ لأن النافلة في قول بعض العلماء أربعه - يريد - فيسجد على قولهم إذا صلى خمسًا بعد السلام، وأما على قول مالك، فالنافلة عنده ركعتان فإذا صلاهما خمسًا سجد قبل السلام؛ لأنه نقص السلام وزاد الركعة. [فصل -22 - في من زاد في فريضة ركعة أو أكثر]: قال مالك: وإن صلى الفريضة خمسًا ساهيًا سجد بعد السلام، وروي عن ابن القاسم في العتبية في من صلى المغرب خمسًا: أنه يجزئه سجود السهو بعد السلام /. قال يحيى بن عمر: جيدة - يريد - ما روي عنه في من زاد في الصلاة مثل نصفها، وكذلك يقول أشهب: أنه يسجد للسهو، ابن حبيب: قال مطرف: ومن صلى المكتوبة ستًا أو أكثر أجزأه سجود السهو، وعاب قول من قال: تبطل صلاته إذا زاد فيها مثل نصفها، واحتج بزيادة ركعة فى الصبح وروى مثله عن ابن القاسم، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ، وقال ابن نافع وابن كنانة: عليه أن يعيد، وقال ابن الماجشون: لا أقول ينصف الصلاة، ولكن ركعتين عندي طول يفسدها، وليست ركعة في الصبح ولا غيرها بطول.

[باب -11 -] في استخلاف الإمام وعمل المستخلف

[باب -11 -] في استخلاف الإمام وعمل المستخلف [فصل -1 - في استخلاف الإمام]: قال مالك - رحمه الله -: وإذا أحدث الإمام أو رعف أو ذكر أنه جنب أو على غير وضوء استخلف قبل أن يخرج، فإن تمادى بعد ذكره، أو ابتدأ ذاكرًا أفسد عليهم. وقال ابن القاسم: وإن تكلم في استخلافه، فقال: يا فلان تقدم لم يضرهم ذلك، ولكنه لا ينبني، وإن كان راعفًا. قال ابن حبيب: إن استخلف الراعف بالكلام جهلاً أو عمدًا فقد أفسد عليه وعليهم، ولو كان يعلم أنه لا يستخلف بالكلام ففعلة سهوًا بطلت عليه دونهم، وأتموا لأنفسهم، وقاله / ابن الماجشون. ومن المدونة قال مالك: وإن خرج الإمام ولم يستخلف أتم بهم أحدهم. ومن المدونة قال ابن القاسم: فإن صلوا وحدانا فلا يعجبني ذلك،

وصلاتهم تامة، إلا الجمعة، فلا تجزئهم. [فصل -2 - في عمل المستخلف]: قال: وإن استخلف من فاتته ركعة أتم بهم صلاة الأول واجتزأ بما قرأ، ثم يجلسون حتى يقضى ما بقي عليه، ثم إذا سلم سلموا. قال سحنون في كتاب ابنه: وإن كانوا كلهم قد فاتتهم الركعة، فمن أصحابنا من يقول: يقوم المستخلف وحده للقضاء [ثم يسلم] ثم يقومون بعده، ومنهم من يقول: إذا قام يقضى قام كل واحد منهم يصلي لنفسه، ثم يسلمون بسلامه، فإن ائتموا به فقد أبطلوا على أنفسهم، ولاة المستخلف تامة، وإلى هذا رجع سحنون بعد أن كان يقول تجزئهم. وقال ابن عبد الحكم: من / لزمه أن يقضي فذا فقضى / بإمام بطلت صلاته.

قال ابن القاسم: وإن استخلف وهو راكع، فليرفع بهم المستخلف، وتجزئهم الركعة. قال أبو محمد: يريد يرفع الإمام رأسه بغير تكبير، فيستخلف من يرفع بهم، ويل: يستخلف من يرفع بهم قبل أن يرفع هو؛ لئلا يعتدوا برفعه. قال ابن القاسم فى العتبية: وإذا أحدث الإمام في بعض القراءة فقدم رجلاً، فليقرأ المقدم من موضع انتهاء الأول. وإن كانت صلاة أسرار، فليبدأ المستخلف بأم القرآن خوفًا أن يكون نسيها الأول أو لم يتمها، إلا أن يكون سمع أين انتهى الأول في

القراءة، فليقرأ المقدم من موضع انتهى. قال ابن القاسم: والمستخلف في الركوع يدب راكعًا، والمستخلف في الجلوس يدب جالسًا، وفي القيام يدب قائماً. قال: وإذا أحدث الإمام بعد رفع رأسه من الركوع فقدم من لم يدرك معه تلكم الركعة، فليقدم هذا من أدركها ويتأخر هو، فإن لم يفعل، وسجد بهم، فلايتبعوه في سجوده؛ لأنه لا يعتد بتلك الركعة، فلا يعتدون هم بها، فإن اتبعوه بطلت صلاتهم جميعًا. قال أشهب: في من لم يدرك مع الإمام إلا السجدة الآخرة فاستخلفه، فسجدها بهم، ثم أتم لنفسه أن صلاتهم باطلة لاتبعاهم إياه في سجدة لا يعتد بها. ابن المواز: وقيل: إنها تجزئهم، وأن سجدوها معه. فوجه هذا: فلأنهم لابد لهم من سجود تلك السجدة استخلف عليهم أو لم يتخلف، فسجودهم معه كسجودهم إياها أفذاذًا، فوجب أن يجزئهم. ومن المجموعة والعتبية قال سحنون: "وإذا أحرم رجل خلف الإمام، وهو قائم في الثالثة من الظهر، فأحدث فقدمه فصلى بهم ركعتين بقية صلاة الأول، ثم رجع إليه الإمام، وهو في التشهد، فقال له: بقيت على سجدة،

ولا أدري من الأولى أو من الثانية، فليقم المستخلف بالقوم إن كانوا على شك فيصلي بهم ركعة بأم القرآن فقط؛ لأنه بناء، ثم يجلسون، ويأتي هو / بركعة قضاء بأم القرآن، وسورة، ويسجد قبل السلام، ويسجدون معه، وقد قيل: يسجد بهم قبل ركعة القضاء، وإنما يسجد قبل السلام، لأن ركعته من الأولتين قد بطلت بالسجدة التي أسقط الإمام، وصار المستخلف إنما استخلف على ثانية الإمام، وقد قرأ فيها بأم القرآن/ فقط، وقام فيها، فدخله النقص من هاهنا وقد صارت الرابعة ثالثة، فعليه أن يأتي برابعة الإمام، وهي ركعة البناء، فلذلك قرأ فيها بأم القرآن وحدها، ثم يأتي بركعة القضاء لنفسه"، قال: ولو كان القوم موقنين بالسلامة قعدوا، ولم يتبعوه وقضى الإمام لنفسه. قال سحنون في المجموعة: " ولو كان الإمام الأول شاكًا في

السجدة لقرأ هذا في الركعة التي يحتاط بها بأم القرآن وسورة لاحتمال أن يكون الأول لم يبق عليه شيء، فتصير هذه الركعة قضاء، وكذلك الثانية، ثم يتشهد في الأولى منهما؛ لاحتمال أن تكون ركعة بناء ورابعة الأول، ويصلونها معه إن كانوا على شك، ويسجدون قبل السلام. قال: وإن لم يرجع إليه الأول حتى قضى الركعتين اللتين فاتتاه، فقال له: بقيت على سجدة فصلاة المستخلف تامة؛ لأنه صلى بالناس ركعتين، وقضى ركعتين لنفسه، ولكن يسجد قبل السلام؛ لأنه قام في موضع الجلوس، وترك السورة التي مع أم القرآن في ركعة، وليسجد معه القوم، ثم إن كانوا على شك أتوا بركعة بعد سلامه بأم القرآن فقط، وسلموا، ثم سجدوا للسهو خوفًا أن لا يكون بقي عليهم شيء، فتصير هذه ركعة زائدة، وإن أيقنوا أن السجدة كان أسقطها الأول لم يسجدوا للسهو بعد ركعتهم هذه، وإن أيقنوا أنه لم يبق عليه شيء سلموا بسلام الإمام. قال: ولو صلوا معه ركعتين، ثم استخلفه على ركعتين فصلاهما

بالقوم، ثم ذكر الأول سجده، فإن شك المستخلف فيها قام بالقوم إن شكوا فصلي بهم ركعة بأم القرآن وسجد بهم قبل السلام، وإن أيقنوا إنه لم يبق عليهم شيء فصلاتهم/ تامة، ولا شيء عليهم، ولو أن الأول لما ذكر سجدة، ثم ذكر الثاني مما صلي بهم بعده سجدة لا يدري من أي ركعة هي، فليخر بسجدة ويتشهد، ثم يأتي بركعتين بأم القرآن في كل ركعة، ويسجد قبل السلام؛ لأن فيها نقصاً وزيادة، ويعيد الصلاة لكثرة السهو، وكذلك قال في من صلي الظهر، فذكر في تشهده الآخر سجدتين لا يدري من ركعة أو من ركعتين أنه يسجد سجدتين ويتشهد، ويأتي بركعتين بأم القرآن في كل ركعة، ويسجد قبل السلام، ويعيد الصلاة احتياطاً. ومن كتاب ابن المواز: وأما من فاتته ركعة مع الإمام فقام لقضائها بعد سلامه، ثم رجع الإمام، فقال له: أسقطت سجدة من الأولى، فإن قضي هذا ركعته ورفع رأسه منه بمقدار لو رجع إمامه لكان له البناء لقربه، ولم

يكن من الإمام أيضاً تعمد للكلام، ولا رجع فأتي بركعه وسلم، فركعته هذه باطلة، فليعدها إن لم يرجع الإمام فيبني معه، ولو كان استخلفه - م يريد رعف فاستخلفه - فأتم بهم، ثم قضي ركعة، فإنه يعتد بها، وكأنه استخلف عليها بركعة قرب أو بعد ويسجد قبل السلام، ويسجدون معه، ثم يقضي الإمام الأول بعد سلام المستخلف ركعة واحدة، ويصليها الناس أفذاذاً قبل أن يسلموا وهم فيها، كركعةغفلوا عنها حتى سلم إمامهم، ويصير المستخلف كأنه لم يفته شيء، ولو علموا ذلك قبل / أن يركعا، وصلوها معه لأجزأتهم، وكذلك الإمام الأول لو أدركه فيها لاتبعه، وإذا لم يكن مستخلفاً وقضي ركعة، فركعها ورفع رأسه منها بعد طول قيام لا يبني الإمام في مثله فهي له مجزئه، إلا أنه يسجد قبل اسلام، وكأنه نقص منها القراءة؛ إذا لو أتي الأول كان له أن يبني، فصارت قراءته لا يعتد بها حين وقعت في موضع الأول، إلا أن يبني فيه، ولو ركع قبل طول ذلك لم تجزئه، وصار كمن ظن أن إمامه

سلم، فقال يقضي، فسلم وهوقائم، فليلغ ما عمل، وأحب إلى أن يسجد قبل السلام؛ لأنه كان عليه أن يقوم بعد سلام الإمام، فترك ذلك، وقام في صلاة الإمام، ولو كانت الصبح قد فاتته منها ركعة فقضاها، ثم ذكر الإمام سجدة، فإن قضاها في وقت للإمام فيه البناء لم يعتد بها، فإن لم يفرغ منها حتى فات البناء أعاد هذا صلاته - يريد محمد - ويصير كمن ترك القراءة في ركعة من الصبح على ما بين في التي قبلها. وفي السليمانية: إن الإمام إذا استخلف رجلاً في صلاة السر، وهو قائم، فإن أم المستخلف يبتدئ قراءة أم القرآن، ولم يفرق بين أن يكون مكث في قيامه قدر قراءة أم القرآن أم لا، وذلك سواء لإمكان أن يكون نسيها أو أبطأ في قراءتها، ولم يتمها، فلا بد للمستخلف من قرائتها والله أعلم. وهذا باب واسع في كتاب محمد وغيره، وفيما ذكرناه منه دليل على ما يرد منه إن شاء الله، وفي باب الجمعة شيء منه.

[باب -12 -] في التشهد والسلام

[باب -12 -] في التشهد والسلام [فصل-1 - في التشهد] قال مالك رحمه الله: لا أعرف في التشهد بسم الله الرحمن الرحيم. ويبدأ إذا قعد بالتشهد قبل الدعاء. واستحب مالك تشهد عمر رضي الله عنه، وروي مثله ابن عمر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولم يذكر الزاكيات، وقال عبده ورسوله. والذي روي عن عمر أنه كان يعلمه الناس على المنبر يوم الجمعة التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمه الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله/ الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله،

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. قال ابن الحبيب: "وهو التشهد الذي علمه النبي صلي الله عليه وسلم عمر، وكان عمر رضي الله عنه يعلمه الناس على المنبر، والصحابة حوله لا ينكرونه. قال: والتحيات جمع التحية، والسلام منه. وقال غيره: التحية، الملك.

قال ابن حبيب: والزاكيات صالح الأعمال، والطيبات طيبات القول. وروي مالك في الموطأ أن يشير بن سعد قال: يا رسول الله! أمرنا الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم قال: قولوا: الهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم. قال أبو محمد: ومما تزيده إ'ن شئت بعد تشهد عمرك وأشهد أن الذي جاء به محمد حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبول، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، اللهم صل على ملائكتك المقربين، وعلى انبيائك والمرسلين، وعلى

أهل طاعتك أجمعين، اللهم أغفر لي، ولوالدي، ولأئمتنا، ولمن سبقنا بالإيمان، مغفرة عزماً، اللهم إني أسألك من كل خير سألك منه محمد نبيك، وأعوذ بك من كل شر استعاذك منه محمد نبيك، اللهم اغفر لنا ما قدمنا، وما أخرنا وما أسررنا، وما أعلنا، وما أنت ألعم به منا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، ومن فتنة القبر، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن عذاب النار، وسوء المصير، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين. قال ابن حبيب: ولا يزيد المصلي في الجلسة الأولى على التشهد، وإن دعا فدعاء خفيف، قال مالك. ومن العتيبة قال ابن القاسم عن مالك: ومن لم يتشهد ناسياً حتى سلم الإمام، فليتشهد، ولا يدعوا، ثم يسلم.

قال: والإشارة بالأصبع في التشهد حسن، ولا بأس أن يشير بها من تحت ساجه، وهو ملتف به، ولقد رأيت مالكاً يحرك السبابة في التشهد ملحاً. ومن كتاب آخر: وروي أن عمر كان يحركها ملحاً، وقيل: إن مقمعة للشيطان. قال ابن حبيب: "وفعله الرسول صلي الله عليه وسلم وقال الرسول صلي الله عليه وسلم: (الإشارة بالإصبع في الصلاة في الدعاء مقمعة للشيطان ومرضاة للرحمن، وهو

الإخلاص) ". قال يحيي بن مزين: /ينبغي أن ينصب السبابة في التشهد، وحرفها إلى وجهه، ولا يحركها. وقيل في من ينصبها تأويله الإخلاص إن الله أحد. فصل -2 - [في التسليم] ومن المدونة قال مالك رحمه الله: "ويسلم الإمام والفذ واحدة قبالة وجهه، ويتامن قليلاً، وقد سلم النبي صلي الله عليه وسلم، وكذلك سلم أبو بكر

وعمر وعثمان وغيرهم". قال مالك في غير المدونة: وكما يدخل في الصلاة بتكبيرة واحدة، فكذلك يخرج منها بتسليمه واحدة، وعلى ذلك كان الأمر في الأئمة وغيرهم، وإنما أحدث تسليمتان منذ كانوا بنوا هاشم. قال عنه ابن القاسم: ولا بأس بالمصلي وحده؛ إذا فصل بالواحدة أن يسلم على يساره.

وقد تقدمت الحجة في السلام في أدلة الفرائض في الكتاب الأول، فأغني عن إعادتها. قال ابن حبيب: يسلم الإمام واحدة تلقاء وجهه، ويتامن قليلاً، ويسلم الفذ تسليمتين، واحدة عن يمينه وأخرى عن يساره، والمأموم كذلك/ وثالثة رداً على الإمام، يقول في ذلك كله: " السلام عليكم" قال مطرف عن مالك. ومن المدونة: قال مالك: "ويسلم المأموم واحدة عن يمينه، ثم يرد على الإمام، فإن كان عن يساره أحد رد عليه، وقال ابن عمر". وكان مالك يأخذ بقول سعيد بن المسيب: يسلم عن يمينه وعن يساره، ثم يرد على الإمام، ثم تركه ورجع إلى هذا. قال/ أبو محمد عبد الوهاب: وقد روي الحسن عن سمرة بن جندب، قال: أمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن نرد على الإمام؛ ولأن الإمام قد جمع في تسليمه أمرين: التحليل، والتسليم على المأموين، فاحتاجوا إلى الرد عليه، وروي.

عن ابن عمر وغيره. قال ابن حبيب: إن رد على الإمام قبل أن يسلم لنفسه سجد بعد السلام، ولو تكلم حينئذ أبطل على نفسه، ولو تكلم بعد سلامه لنفسه وقبل رده على الإمام لم يضره ذلك، ويجزئه. ابن القرطي: قالبعض الناس: وإن سلم على يساره، ثم تكلم بطلت صلاته. قال أبو محمد: ولا / وجه لفساد صلاته؛ لأنه إنما ترك التيامن". قال: ولم يذكر ابن القرطي إلى من نسب هذه المسألة. قال: ورأيت لمحمد بن عبد الحكم قال: قال مطرف: إن صلاته تامة، ولا شيء عليه فعله سهواً أو عمداً كان إماماً أوفذاً. ومن المدونة قال مالك: ويرد على الإمام عليك السلام، أو السلام عليكم، وكل ذلك واسع، وأحب إلى السلام عليكم.

وقال في المختصر: لا يقول: وعليك السلام. قال في العتيبة: ويقول: سلام عليكم. قال ابن القرطي: وبالألف واللام أولى؛ لأن الله هو السلام. وذكر عن أبي محمد إذا قال الإمام في سلامه: سلام عليكم بغير ألف ولام أن صلاته باطلة. وذكر عن ابن شبلون أن ذلك يجزئه. م: وهذا أبين، ولا فرق في هذا بين الإمام والمأموم، ويحمل قول مالك: ولا يجزئ من السلام إلا السلام عليكم، أي: أنه لا يجزئ فيه تكبير ولا تحميد، فإن لم يحمل على ذلك فهو اختلاف قول. قال في المدونة: وإذا سلم الإمام فليسمع نفسه ومن يليه، ولا يجهر جداً. قال في سماع ابن وهب: "وأحب للمأموم أن لا يجهر بالتكبير، وبربنا

ولك الحمد، ولو جهر بذلك جهراً يسمع من يليه فلا بأس بذلك، وترك ذلك أحب إلي. قال: ولا يحذف سلامة وتكبيره حتى لا يفهم، ولا يطيل جداً حتى يخالف. ومن الواضحة، وليحذف الإمام سلامه، ولا يمده قال أبو هريرة رضي الله عنه: وتلك السنة، وكان عمر بن عبدا لعزيز يحذفه، ويخفض صوته. ومن المدونة قال مالك: وسلامه من الفريضة ومن سجود السهو سواء، وسلام الرجال والنساء سواء. قال مالك: وإذا سلم إمام مسجد الجماعة، أو مسجد القبائل، فليقم، ولا يقعد في موضعه في الصلوات كلها، إلا أن يكون إماماً في سفر، أو في

فنائه، فإن شاء تنحي، وإن شاء أقام. ابن وهب: وكان خارجه بن زيد يعيب على الأئمة قعودهم بعد السلام، وقالك إنما كانت الأئمة ساعة تسلم تقوم. قال ابن شهاب: وهي السنة. وقال ابن مسعود: لأن يجلس على الرضف خير له من ذلك، ولقد كان أبو بكر الصديق رضي الله إذا سلم كأنه على الرض/ حتى يقوم. وقال عمر رضي الله عنه: جلوسه بدعة.

[باب - 13 -] جامع القول في صلاة الجمعة

[باب - 13 -] جامع القول في صلاة الجمعة [فصل -1 - في حكم صلاة الجمعة] وصلاة الجمعة فرض على الأعيان؛ لقوله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وذَرُوا البَيْعَ). وقول النبي صلي الله عليه وسلم: " الجمعة على من سمع النداء". وقوله: "من تركها ثلاثاً متواليات، طبع الله على قلبه بطابع النفاق".

وقال تعالى: (وتَرَكُوكَ قَائِمًا)، أي تخطب، فدل أن الخطبة فريضة. قال بعض العلماء: ففي هذه الآية خمس فوائد: أولها النداء للجمعة، والسعي إليها، والنهي عن البيع، ويدخل في ذلك ما يشغل عن السعي، والرابع وجوب الخطبة؛ لأن الذكر الذي يأتيه الساعي/ هو الخطبة فدل أن الخطبة فريضة، والخامس أن الذكر غير مقدر، فما كان من الذكر يسمي خطبة فهو جائز في ذلك. وقال عبد الملك ومحمد بن الجهم: هي سنة واجبة. فوجه قول مالك أنها فرض. قول الله تعالي: (وتَرَكُوكَ قَائِمًا) أي: تخطب، وقوله تعالي: (فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ)، والذكر هو الخطبة. ولأن النبي صلي الله عليه وسلم صلاها بخطبه، وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي". ولأن الخطبة بدل من الركعتين، فكما كانت الركعتان فرضاً، فكذلك

ما هو بدل منها. ووجه قول عبد الملك وغيره: أنه ليس في قول الله تعالي: (وتَرَكُوكَ قَائِمًا) دليل على أن الخطبة فرض، وإنما هي من فعل النبي صلي الله عليه وسلم فهي سنة. ولا خلاف أن صلاتها والسعي إليها فريضة على الرجال الأحرار المقيمين المطيقين، إذا كان ثم إمام وجماعة. ومعني قول الله تعالي: (فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ)، أي فامضوا إلى ذكر الله. قال ابن شهاب: كان عمر بن الخطاب يقرؤها: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله. [فصل -2 - في من ترك الجمعة من غير عذر] قال ابن حبيب: "ومن ومن تركها مراراً من غير عذر لم تجز شهادته، وقد روي مالك في الموطأ عن صفوان بن سليم لا يدري أيرفعه إلى النبي صلي الله عليه وسلم أم لا؟ أنه قال: "من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير عذر ولا علة طبع

الله على/ قلبه". [فصل -3 - مجمل أحكام الجمعة] وقد رغب النبي صلي الله عليه وسلم في التهجير إليها والتجمل لها بالثياب والطيب والسواك، وقال: "ما علي أحدكم لو اتخذ ثوبين لجمعته سوي ثوبي مهنته". وكان ابن عمر لا يروح إلى الجمعة إلا ادهن وتطيب، إلا أن يكون حراماً. وقد صلاها رسول الله صلي الله عليه وسلم ركعتين، وخطب قبلها وأمر بالغسل للجمعة، والإنصات للخطبة، وجعل مدرك ركعة منها مدركاً لها، وجلس في أول الخطبة ووسطهما، وجمع عليه السلام أهل العوالي إليه في الجمعة، وهي على مسيرة ثلاثة أميال من المدينة، وهو قدر ما يسمع منه النداء، وما كان أكثر من

هذا، فهو في سعة، إلا أن يرغب في شهودها فذلك حسن، قاله مالك. [فصل-4 - في من تجب عليه الجمعة] قال أبو محمد عبد الوهاب: وتجب على كل من كان على ثلاثة أميال، وروي ذلك في الحديث، ولأمره عليه السلام لأهل العوالي بحضورها ولا يراعي ذلك في المصر الواحد، ويجب على أهل المصر السعي إليها، وإن كانوا على خمسة أميال أو ستة، قال: وشروط وجوب الجمعة - م يريد على القادر على السعي إليها - خمسة، إمام ومسجد وخطبة وجماعة وموضع استيطان. قال: وإنما/ قلنا ذلك؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم صلاها بخطبة في عدد من أصحابه، ولم يصلها إلا في المسجد، وقد قال: "صلو كما رأيتموني

أصلي"، قال: وإنما شرطنا الاستيطان؛ لإتفاق أنها لا تجب على مسافر، ولا على من لا قرار له ولا وطن، ولا حد لقدر الجماعة خلافاً للشافعي رضي الله عنه في قوله: لا تقام بأقل من أربعين رجلاً. ودليلنا عليه قوله عليه السلام: "الجمعة واجبة في كل قرية، وإن لم يكن فيها إلا أربعة". وروي أن سعد بن زرارة صلاها بالمدينة في بضعة عشر رجلاً، وصلاها

أنس بالبحرين بإثني عشر رجلا. م وظاهر المدونة خلاف ما ذكر أبو محمد عبد الوهاب، وقد قال مالك فيها: إن عمر بن عبد العزيز كتب أن يجمع الجمعة خمسون رجلاً، رووي القاسم للنبي صلي الله عليه وسلم إذا اجتمع ثلاثون بيتاً. وقال/ في الواضحة: إذا اجتمع ثلاثون رجلاً وما قاربهم فهم جماعة تلزمهم الجمعة، وإن كانوا أقل من ثلاثين لم تجزئهم. ومن المدونة قال مالك: وإن كانت قرية متصلة البنيان، كالروحاء وشبهها لزمتهم الجمعة كان لهم وال أو لم يكن، وإن مات واليهم فليقدموا

لأنفسهم من يجمع لهم، وكذلك الخصوص المتصلة، وقال مالك مرة: يجمع أهل القرية المتصلة البنيان التي فيها الأسواق، ومرة لم يذكر الأسواق. وقال زيد بن بشر: وإن كان حصن الرباط على فرسخ من موضع الجمعة فليأتوا إليها، ويجعلوا فيه من يحرسه، وإن كان على أكثر من فرسخ وفيه خمسون رجلاً فليستأذنوا الوالي؛ ليأمر من يخطب بهم ويجمع، ولم ير سحنون على أهل حصن المنسير جمعة. [فصل-5 - في ما إذا وافق العيد يوم الجمعة] ومن المدونة/ قال مالك: ومن شهد العيد يوم الجمعة مع الإمام فلا يسقط شهود العيد إتيان الجمعة، وإن أذن له الإمام، ولم يأخذ مالك بإذن عثمان لأهل العوالي، وقال: ما بلغني عن غيره.

وفي الواضحة روي ابن وهب ومطرف وابن الماجشون: أن مالكاً أخذ بإذن عثمان لأهل العوالي، وأنكروا ما أنفرد به ابن القاسم من أن مالكاً لم يأخذ به. قال ابن حبيب: وقد جاء أن النبي صلي الله عليه وسلم أرخص في التخلف عن الجمعة لمن شهد صلاة الفطر والأضحي صبيحة ذلك اليوم من أهل القري الخارجة عن المدينة؛ لما في رجوعهم من المشقة على ما بهم من شغل العيد، وبه أخذ عثمان رضي الله عنه في إذنه لأهل العوالي. والحجة لمالك قول الله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ). وقوله عليه السلام: "الجمعة واجبة على كل مسلم"، فعم؛ ولأن شرائط

الجمعة موجودة فلزم أداؤها أصله إذا لم يكن يوم عيد؛ ولأن صلاة العيد سنة، فلا تسقط فرضاً، لأنها أكد منها، وكما لا تسقط الجمعة العيد التي هي أضعف كان أولي أن لا يسقط الأضعف الآكد. فصل-6 - [في من لا جمعة عليهم] ومن المدونة قال مالك: وليس على المسافرين والعبيد/ والنساء والصبيان/ جمعة، فمن شهدها منهم فلا يدع صلاتها، وليغتسل إن أتاها. وقال ابن مسعود: ليس على المسلمين جمعه في سفرهم، ولا يوم نفرهم. قيل عن ابن اللباد: قوله: يوم نفرهم يريد يوم ينفرون إلى عدوهم، وقيل: عن ابن القابسي يعني يوم ينفرون من عرفات.

وفي المختصر: ولا غسل على مسافر أتي الجمعة، إلا أن يكون أتاها لفضلها، فليغتسل". قال ابن المنذر: ولا خلاف أنها ليست على النساء، فإن حضرنا أجزأتهن. واختلف في العبد والمسافر هل عليهما جمعة؟، فقال أبو محمد عبد الوهاب: لا تجب الجمعة على عبد أو امرأة، أو صبي، أو مريض؛ لقوله عليه السلام:" الجمعة واجبة على كل مسلم، إلا أربعة: العبد والمرأة والصبي والمريض"، يريد إذا كان لا يقويعلى لاسعي، وأما لمسافر فلا جمعة عليه؛ لأن من شرطها الإقامة، ومن حضرها من هؤلاء أجزأتهم عن فرضهم. قال ابن القاسم: ولا يؤمن فيها العبد إذا ليست عليه، فإن فعل لم تجزئه،

ولم تجزئهم. وقال أشهب: تجزئهم، وقد صار من أهلها لما حضرها. ومن الواضحة قال مالك: ليس على المريض والشيخ الفاني جمعة. قال ابن حبيب: ولا على الأعمي، إلا أن يكون له قائد"، قال: وهي على الجذماء ممن يمشي منهم، وليس للسلطان منعهم من دخول المسجد في الجمعة خاصة، وله منعهم في غيرها من الصلوات، وقاله مطرف. قال سحنون: لا جمعة عليهم، وإن كثروا، ولا يصلون الجمعة مع الناس في مصرهم، ولهم أن يجمعوا ظهراً بإقامه، بغير أذان، في موضعهم. فوجه قول ابن حبيب، قوله تعالي: (إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الآية. وقوله عليه السلام: "الجمعة واجبة على كل مسلم"، فعم. ووجه قول سحنون: لأن في حضورهم الجمعة ضرراً بالناس؛ لشدة رائحتهم ونتنهم وقذارتهم وقد أوجب النبي صلي الله عليه وسلم على الناس الغسل للجمعة؛ ولأنهم كانوا يأتون إليها من أعمالهم، فيؤذي بعضهم بعضاً بنتن أعراقهم، والمجذوم أشد من ذلك؛ ولأن صلاة الجمعة فرض على الأعيان،

كالصلوات الخمس، فوجب أن/ لا يصليها المجذوم في المسجد مع الناس، كسائر الصلوات، بل منعهم في يوم الجمعة أولى؛ لاجتماع الناس وتجملهم وتطييبهم لها، بخلاف سائر الأيام، فوجب أن يمنعوا؛ لمزاحمتهم الناس وقذرهم، ونتن ريحهم، وكما جاز أن/ يفرق بينه وبين امرأته إذا جذم كان أحرى أن يفرق بينه وبين الناس في يوم الجمعة، ولم يكن لهم أن يصلوها في موضعهم جمعة؛ لأن الجمعة لا تصلي في المصرفي موضعين، فقول سحنون أبين لما ذكرنا، وبالله التوفيق. قال مالك في العتيبة: لا بأس أن يتخلف الرجل عن الجمعة، لجناز أخ من إخوانه، لينظر في أمره. يريد إذا لم يكن له من يكفيه ذلك. قال مالك: ولا يتخلف لمرضه الشديد، إلا أن يخشي/ عليه الموت قال: ولا يتخلف العروس عن حضور الجمعة، ولا عن الصلوات الخمس في

الجماعة، وقال في موضع آخر: وإنما لها أن يقيم عندها دون سائر نسائه، قال سحنون: وقد قيل: لا يخرج عنها، وذلك حق لها بالسنة. قال مالك: ولا يتخلف عن الجمعة لدين عليه يخاف فيه غريمه. فصل-7 - [في غسل الجمعة والتبكير إليها] وقال الرسول صلي الله عليه وسلم: غسل الجمعة واجب على كل مسلم بلغ الحلم". وقال عليه السلام: "حق على كل مؤمنم أن يغتسل يوم الجمعة، ويتسوك، ويمس من طيب إن كان له".

ووجوبه عندنا وجوب السنن المؤكدة، وليس بواجب حتماً، خلافاً لمن ذهب إلى وجوبه؛ لقوله عليه السلام: " من جاء يوم الجمعة فتوضاأ فيها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل" ووجه من أوجبه: ما روي أبو هريرة أنه قال: قال عليه السلام: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم؛ كغسل الجنابة". معناه ندنا: كصفة غسل الجنابة، لا كوجب غسل الجنابة، فتتفق الأخبار بهذا، ولا تتنافي. ومن المدونة قال مالك: ولا يجزئ غسل الجمعة إلا متصلاً بالرواح قال: ومن اغتسل للجمعة غدوة ثم غدا إلى المسجد، وذلك رواحه فأحدث

لم ينتقض غسله، وخرج فتوضأ، ورجع، وإن تغدى أو نام بعد غسله أعاده حتى يكون غسله متصلاً بالرواح. قال ابن حبيب: هذا إذا طال أمره، وإن كان شيئاً خفيفاً لم يعده. قال ابن القاسم: وإن خرج من المسجد بعد رواحه في حاجة إلى موضع قريب ثم رجع لم ينتقض غسله، وإن طال ذلك انتقض غسله. قال ابن وهب: عن اغتسل للجمعة في الفجر أجزأه. م لعله يريد إذا راح حينئذ، وقد اختلف هل يجزئه غسله إذا راح حينئذ أم لا يجزئه، ويعيده أبداً؟ وقال مالك: لا يبكر بالتهجير جداً، والتهجير للجمعة ليس هو الغدو، ولم تكن الصحابة يغدون هكذا، وأكره أن يفعل ذلك، وأخاف على فاعله أن

يدخله شيء، ويعرف بذلك، ولا بأس أن يروح قبل الزوال ويهجر بالرواح. م وقد علل مالك رحمه الله وجه كراهيته للتبكير، وإن كان قد روى في الموطأ عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، من راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب. بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)). قال مالك في شرح [غريب] الموطأ لأبي مروان عبد الملك: الذي يقع في قلبي أن هذه الساعات كلها في ساعة واحدة، وليست في ساعات النهار. والذي يدل على قول مالك قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الآية. فإنما أوجب السعي إذا نودي للصلاة، ففي هذه الساعة يقع فضل المسابقة. ويدل على ذلك أيضاً قوله عليه السلام: ((من راح في الساعة الأولى))، والرواح عند العرب لا يكون إلا بعد الزوال.

وقال ابن حبيب: إنما عنى بالحديث ساعات اليوم كلها. قال في المدونة: ولا بأس أن يغتسل للجنابة وللجمعة غسلاً واحداً ينويهما، وقاله ابن عمر، وعمر بن عبد العزيز. فصل-8 - [في ما تدرك به صلاة الجمعة] وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((من أدرك من الجمعة ركعة/ فقد أدركها)). قال مالك: ومن ضغط بعد عقد ركوع الأولى فليتبع الإمام في السجود، ما لم يخف أن يعقد الثانية، فإن لم يقدر أن يسجد حتى ركع الإمام الثانية- يريد ولم يرفع رأسه- ألغى الأولى، ولم يسجد لها، وركع معه الثانية، وأضاف إليها ركعة بعد سلام الإمام، وأجزأته.

قال: وإن لم يقدر على سجود الأولى، ولا ركوع الثانية حتى تمت الصلاة. صلى ظهراً أربعاً، ولو عقد الأولى بسجدتيها، ثم زحمه الناس عن الثانية حتى سلم الإمام أضاف إليها ركعة، وأجزأته، وإن لم يقدر على السجود إلا على ظهر أخيه لم يجزئه، فإن فعل أعاد أبداً. قال: ومن أدرك من الجمعة ركعة قضى بعد سلام الإمام أخرى، يقرأ فيها بسورة الجمعة استحباباً، ويجهر، وإن أدرك الجلوس فقط صلى ظهراً أربعاً، ورواه أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقاله ابن عمر وغيره. فصل-9 - [في المسبوق ينسى من صلاته سجدة] قال ابن المواز: في الذي أدرك من الجمعة ركعة، فبعد سلام الإمام ذكر قبل أن يركع- أنه أسقط سجدة من هذه الركعة، فقد اختلف فيها، فقال أشهب:/ يسجد سجدة أو يأتي بركعة، وتصح له جمعة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من

أدرك الركعة، فقد أدرك السجدة)) وقال: ((من أدرك من صلاة الجمعة ركعة، فقد أدرك الجمعة)). وقال ابن القاسم: لم تتم له إلا بعد سلام الإمام، فقد صارت ركعة بلا إمام، والجمعة لا تكون إلا بإمام، وليبن عليها ثلاث ركعات، فتتم له ظهر، كمن جاء يوم الخميس يوم الجمعة، ولا يضره إحرامه للجمعة إذا آلت ظهراً؛ لأن الجمعة ظهر وهي صلاة حضر. قال محمد: وأحب إلى أن يأتي بسجدة وركعة تتم له جمعة، ويعيدها ظهراً أربعاً احتياطاً، ولا حجة عليه في قول واحد منهما، وقاله أصبغ. قيل: فإن أدرك ركعة ثم ركع الثانية لنفسه، ثم شك في السجدة، فلم يدر من أي ركعة هي؟ قال: قد اختلف فيها أيضاً، فقال ابن القاسم: يأتي بسجدة، ثم بركعة، ثم يسلم، ثم يسجد لسهوه/ بعد السلام، ويعيد ظهراً أربعاً. وقال أشهب: يأتي بركعة بلا سجدة ويسلم، ثم يسجد لسهوه ويعيد ظهراً أربعاً.

وقال عبد الملك وعبد الله بن عبد الحكم: لا يأتي بركعة، ويسجد سجدة، ويتشهد، ويسلم، ويسجد لسهوه، ويعيد ظهراً أربعاً. قال ابن المواز: وهذا أحب إلينا؛ لأنه إنما/ جعله أن يسجد؛ لخوف أن تكون السجدة من الركعة الآخرة، فإن كانت فقد تمت له جمعة، فلم جعله يأتي بركعة، فتفسد عليه ما رجا أن تصح له جمعة، وإن كانت السجدة من الركعة الأولى، فلا جمعة له، وعليه الظهر أربعاً فترك الركعة أولى، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية، وقاله أشهب في المجموعة. قال أبو محمد: ((وكأنه في القول الآخر يتعرض أن تتم له ركعتان تنفلاً، إن لم تصح له جمعة. قال ابن المواز: ولو أن الذي أدرك من الجمعة ركعةـ فأحرم فيها مع الإمام، ثم أحدث الإمام، فقدمه، فصلة بهم، وتشهد بهم، ثم أشار إليهم فثبتوا، وقام هو بقضاء الركعة التي فاتته ثم سلم، ثم ذكر مكانه أن عليه سجدة من الركعة التي استخلف فيها، فلا جمعة له على كل حال، أسقطها القوم معه أو لم يقطونها؛ لأنهم وإن أسقطوها فإنما عليهم فيها سجدة بلا ركعة، فيسجدون مكانهم حين ذكروا، ويتشهدون، ويقوم المستخلف فيقضي هذه

الركعة، ولا يتبعوه فيها، ويسلم بهم، ثم يسجد بهم للسهو، وتتم لهم جمعة، ويعيد صلاته أربعاً؛ لأن الركعة التي أدرك مع الإمام قد صلاها وحده، والأولى قد كانت فاتته، وصارت الثانية مكانها، فقد صلى الجمعة وحده، وهي لا تكون إلا بجماعة، كما لو استخلفه في الركعة الآخرة التي أدرك معه فهرب الناس، وبقي وحده لما كان تجزئه جمعة؛ لأنه لم يعقد ركعة مع الناس، فيصلي ثلاث ركعات أخر، وتجزئه صلاته. قيل: فلو أن المستخلف على هذه الركعة الآخرة التي استخلف فيها، ورجع إليه الإمام، فقال: وأن أسقطت سجدة من الركعة الأولى فإنه لا تصح لهم، ولا للمستخلف جمعة؛ لأن الأولى بطلت، والثانية التي صلى بهم المستخلف حال بينه وبين تمامها ركعة القضاء، فلم تتم له، وكأنه لم يصلها بهم، ولو أدركه القوم قبل أن يركع ركعة القضاء، أو قبل أن يرفع رأسه

منها رأيت أن يسجد بهم سجدة للركعة التي استخلف عليها فتتم له ولهم ركعة من الجمعة، ويركع بهم أخرى، فتتم صلاة الجمعة للجميع، فإن لم يدركوه، إلا بعد رفع رأسه أو بعد فراغه منها رأيت أن يسجد القوم سجدة فتتم لهم ركعة المستحلف، ويأتون بركعة أخرى، ويسلمون، ويسجدون للسهو، ويأتي المستخلف أيضاً بركعة أخرى فتتم له ولهم ركعتان نافلة، ثم يعيدون صلاة الجمعة، وتجزيهم الخطبة، إلا أن يبعد جداً، فيعيدون الخطبة، ولو أن المستخلف فرغ من صلاته ولم يسه فرجع الأول، فقال: أسقطت سجدة، وذكر القوم ما ذكر فليسلم المستخلف، ويسجد بعد السلام، وتصح له جمعة، ويأتي القوم بعده بركعة أفذاذاً ويسجدون بعد السلام، وتمم لهم جمعة؛ لأنه قد تمتم لهم ركعة المستخلف ركعة من الجمعة، وكان يجب عليهم إتباعه في ما قضى، فلما غفلوا قضوها بعد سلامه أفذاذاً، وأجزأتهم جمعة. وفي كتاب محمد زيادات/ من هذا، وفي ما ذكرنا من هذا كفاية، ودليل على ما يرد منه. وبالله التوفيق.

فصل-10 - [في استقبال الخطيب والإنصات إليه] ومن المدونة قال مالك: ومن أحرم في نافلة يوم الجمعة، فلم يركع حتى خرج الإمام- يريد دخل المسجد- تمادى، ولا يقطع، وإن دخل بعد ما خرج الإمام، أو دخل قبل خروج الإمام، ثم خرج الإمام قبل أن يحرم فليجلس ولا يصلي. قال سحنون:/ فإن أحرم بعد خروج الإمام جهلاً أو سهواً فلا يقطع، وإن/ قام الإمام للخطبة، وقاله ابن وهب عن مالك. قال مالك في العتبية: وإن دخل رجل في تشهد النافلة، فليسلم، ولا يتربص يدعو بعد قيام الإمام)).

قال مالك: وإذا قام الإمام يخطب فحينئذ يجب قطع الكلام، واستقباله، والإنصات إليه، فإما قبل ذلك فلا. م لقوله عليه السلام: ((إذا قلت لصاحبك أنصا والإمام يخطب، فقد لغوت))؛ ولأن الإنصات له واجب؛ لقوله تبارك وتعالى: (وإذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وأَنصِتُوا) قيل: نزلت في الخطبة. قال مالك: ولا يتكلم أحد في جلوس الإمام بين خطبتيه، ولا بأس بالكلام إذا نزل الإمام عن المنبر إلى أن يدخل في الصلاة. وقال ثعلبة بن أبي مالك: جلوس الإمام على المنبر يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام)). قال: وكانوا يتحدثون حين يجلس عمر بن الخطاب على المنبر حتى يسكت المؤذن، فإذا قام عمر عل المنبر لم يتكلم أحد، فإذا قضى خطبتيه كلتيهما ونزل عن المنبر تكلموا. قال ابن القاسم: ورأيت مالكاً يحلق، ويتحدث مع أصحابه يوم الجمعة،

وإن دخل الإمام حتى يفرغ المؤذن، فإذا قام الإمام يخطب استقبله هو وأصحابه. ابن وهب: وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قعد الإمام على المنبر يوم الجمعة فاستقبلوه بوجوهكم واصغوا إليه بأسماعكم، وارمقوه بأبصاركم)). قال مالك: ((وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عن المنبر يكلمه الرجل في الحاجة، فيكلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم يتقدم إلى مصلاه)). قيل لمالك: فالرجل يقبل على الذكر والإمام يخطب، قال: إن كان شيئاً خفيفاً سراً في نفسه فلا بأس به، وأحب إليّ أن ينصت، ويستمع. قال في العتبية: ولا يحصب من تكلم والإمام يخطب، ولا يشرب الماء والإمام يخطب، ولا يدور على لناس يسقيهم حينئذ. قال: وليس على الناس

الإنصات له إذا خطب في أمر ليس من الخطبة، ولا/ من الصلاة من أمر كتاب يقرؤه. ابن حبيب: وكذلك إذا خرج إلى لغو وما لا يعني من لعن أحد. وقال مالك في المجموعة: وإذا شتم الإمام الناس ولغى فعلى الناس الإنصات له، ولا يتكلمون. وقال أشهب: ولا يقطع ذلك خطبته. قال مالك في العتبية: وإذا صلى الإمام على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: صلوا على نبيكم فليقل ذلك الرجل في نفسه، وكذلك يؤمن على دعاء الإمام في نفسه. ومن المدونة قال: ويجب على من لم يسمع الإمام فيها من الإنصات مثل ما يجب على من يسمعه، مثل الصلاة يجب على من لا يسمع الإمام فيها من الإنصات/ مثل ما يجب على من سمعه. قال: ومن عطس والإمام يخطب حمد الله تعالى سراً في نفسه، ولا يشمت

العاطس والإمام يخطب، ونهى عنه ابن المسيب، وقال: لمن فعله لا تعد. قال مالك في المختصر: ولا يقرأ، ولا يسبح، ولا يقول لمن لغا أنصت. وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((إذا قلت لصاحبك أنصت، والإمام يخطب فقد لغوت)). قال مالك: ولا بأس بالاحتباء والإمام يخطب وفعله ابن عمر وأنس بن مالك وعروة ابن الزبير وغيرهم. فصل-11 - [في ما ورد في الخطبة] قال مالك: والسنة أن يجلس الإمام يوم الجمعة في أول الخطبة حتى يؤذن المؤذن، ثم يقوم يخطب، ويجلس في وسطها جلسة خفيفة، ثم يقوم يخطب، ثم يستغفر الله تعالى وينزل، وكذلك فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفعله أبو بكر وعمر وعثمان بعده. قال مالك: وكذلك سائر الخطب، في الاستسقاء، والعيدين، ويوم عرفة يجلس في أولها ووسطها.

قال ابن حبيب: ويْقَص الخطبتين، والثانية أقصرهما، قال: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد رقى المنبر فجلس، ثم أذن المؤذنون وكانوا ثلاثة يؤذنون على المنار واحداً بعد واحد، فإذا فرغ الثالث قام النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، وكذلك في عهد أبي بكر وعمر وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يشير بإصبعه إذا دعا أو وعظ، وكان لا يدع أن يقرأ في خطبته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا- إلى قوله- فَوْزًا عَظِيمًا). وينبغي أن يقرأ في الخطبة الأولى بسورة تامة من قصار المفصل، وكان عمر ابن عبد العزيز يقرأ تارة (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ)، وتارة (وَالْعَصْرِ).

قال أشهب: فإن لم يفعل أساء، ولا شيء عليه. قال مالك: ولا يقرأ بسورة فيها سجدة. [فصل-12 - في هيئة الخطيب] ومن المدونة قال مالك: ولا يسلم الإمام على الناس إذا رقى المنبر، ومن شأنه أن يقول إذا فرغ من خطبته: يغفر الله لنا/ ولكم، وإن قال: اذكروا الله يذكركم، فحسن، والأول أصوب. قال ابن حبيب: إن كان كما دخل فليسلم إذا جلس للخطبة ويرد عليه من سمعه، ولو كان في المسجد يركع مع الناس أو لا يركع فلا يسلم إذا جلس للخطبة. م والصواب أن لا يسلم كان كما دخل، أو كان في المسجد؛ لأنه لم يرد ذلك في شيء من الروايات الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو شيء محدث. وهو مذهب الشافعي.

ومن المدونة قال مالك: ويستحب للغمام أن يتوكأ على عصا غير عمود المنبر إذا خطب، وفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء بعده، وهو من أمر الناس القديم، ويقال: إن فيها شغلاً مس اللحية والعبث باليد. ابن حبيب: والقوس كالعصا. وسواء خطب في ذلك على المنبر أو إلى جانبه. ومن العتبية: ومن لا يرقى المنبر عندنا فجعلهم يقوم عن يساره، ومنهم من يقوم عن يمينه وكل ذلك واسع.

ومن المدونة قال: ولا بأس أن يتكلم الإمام في خطبته لأمر أو نهي يأمر به الناس ويعظهم فيه، ولا/ يكون لاغياً. قال ابن القاسم: ومن كلمه الإمام فرد عليه لم يكن لاغياً. قال مالك: وقد صعد عمر بن الخطاب على المنبر فنهى لناس ووعظهم بما شاء الله. فصل-13 - [في صلاة الجمعة في ما قرب من المسجد] قال مالك: وتصلي الجمعة في رحاب المسجد، وأفنيته، وأفنية ما يليه من الحوانيت، والدور التي تدخل بغير إذن، وإن لم تتصل الصفوف بتلك الأفنية، وكانت بينهم الطرق فصلاة من صلى فيها تامة إذا ضاق المسجد، ولا أحب ذلك في غير ضيقه. قال: وكان الماس يدخلون في: حجر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته بلا إذن فيصلون فيها الجمعة من ضيق المسجد، لكنها شارعة إلى المسجد، ولم يزل الناس على ذلك حتى بنى المسجد.

قال: وأما الحوانيت والدور التي حوله ولا تدخل إلا بإذن، فلا يجوز أن تصلى فيها الجمعة، وإن أذن أهلها. قال ابن القاسم في كتاب ابن مزين: ومن صلى فيها الجمعة أعاد أبداً. وقال ابن نافع: أكره تعمد ذلك، وأرجو أن تجزئه صلاته. ك وقيل: تجوز الصلاة فيها عند ضيق المسجد، وقاله إسماعيل القاضي عن ابن مسلمة. قال ابن أبي زمنين: قول ابن القاسم أن من صلى في أفنية المسجد يوم الجمعة، أو قضى فيها ركع كانت عليه من رعاف غسله، وهو يجد موضعاً في المسجد يصلي فيه أن ذلك يجزئه، وخالفه سحنون، وقال: يعيد أبداً؛ لأن الصلاة في غير المسجد لا تجوز إلا لضيق المسجد. قال مالك في المدونة: ومن صلى في الطريق لضيق المسجد، وفيها أرواث وأبوالها أجزأه، في الجمعة وغيرها. قال: ومن صلى الجمعة فوق ظهر المسجد لم ينبغ ذلك؛ لأن الجمعة لا تكون إلا في المسجد الجامع.

قال ابن القاسم: فإن فعل أعاد أبداً أربعاً. وفي ثمانية أبي زيد قال ابن الماجشون وغيره: إنما يكره له ذلك، فإن فعل أجزأته صلاته، وهو قول مالك. وقال حمديس: إذا ضاق المسجد جازت الصلاة على ظهره. قال مالك في المدونة: وإن استخلف الإمام من يصلي بالناس في الجامع وصلى هو الجمعة في ناحية العسكر فليصل الناس في الجامع.

قال أبو محمد: وإن ان في البلد جامعان فالجمعة لمن صلى في الأقدم، صلى فيه الإمام أو في الأحدث. قال محمد بن عبد الحكم: إلا في الأمصار العظام، مثل: مصر، وبغداد، فلا بأس أن يجمعوا في مسجدين؛ للضرورة، وقد فعل ذلك، والناس متوافرون فلم ينكروه. فصل-14 - [في البيع والشراء يوم الجمعة] قال مالك: وإذا قعد الإمام على المنبر يوم الجمعة وأذن المؤذنون كره البيع حينئذ، ومنع منه من تلزمه الجمعة، ومن لا تلزمه من المسلمين، فإن تبايع حينئذ ائنان تلزمهما الجمعة أم لا، أو يلزم أحدهما فسخ البيع كان أحدهما/ عبداً أذمياً أو امرأة صبياً. واحتج بالذمي الذي ابتاع طعاماً على كيل، فباعه من مسلم قبل أن يكتاله أن بيعه غير جائز، وخالف ذلك أبو حنيفة

والشافعي. ودليلنا قوله تعالى: (وذَرُوا البَيْعَ)، والنهي يدل على فساد المنهي عنه، ولأنه عقد منع منه؛ لأجل حق/ الله فأشبه النكاح في العدة. م وإنما منع منه من لا تلزمه الجمعة لاستبدادهم بالبيع دون الساعين، فيدخل على الساعين/ في ذلك ضرر، فمنعوا منه؛ لصلاح العامة. ومن المدونة قال: وإن كان لا تجب الجمعة على واحد منهما لم يفسخ البيع، قال: ولا يمنع أهل الأسواق البيع يوم الجمعة إلا في الساعة المذكورة. قال في العتبية: والنداء الذي يحرم به التبايع يوم الجمعة النداء والإمام على المنبر. قال ابن حبيب: وينبغي للغمام أن يوكل وقت النداء من ينهى الناس عن

البيع والشراء حينئذ، وأن يقيمهم من الأسواق من تلزمه الجمعة ومن لا تلزمه للذريعة، ويرد البيع إذا وقع من تلزمهما الجمعة، أو تلزم أحدهما، فإن فاتت السلعة ففيها القيمة، وقت قبضها، قاله ابن القاسم. وقال أشهب: بل قيمتها بعد الصلاة حين كان يحل بيعها، وبه أقول، وهو كما بيع من الثمر قبل أن يحل بيعه ثم يفوت ولا يعرف كيله فيلزم المبتاع قيمته يوم يجل بيعه، ولم يختلف في هذا. م إنما يصح هذا إذا قبضه بعد أن حل بيعه، وأما لو وجده وقبضه قبل أن يحل بيعه لم يكن عليه إلا قيمته يوم قبضه، فصح أن قول ابن القاسم أبين، وحجة ابن حبيب فاسدة. وقال سحنون في المجموعة: إذا فات البيع مضى بالثمن. قال ابن عبدوس: إذا فات بحوالة سوق فأكثر يمضي بالثمن؛ لأن فساده في عقده لا في ثمنه، كالنكاح يفسد لعقده. قال عي بن زيادة عن مالك: وإن باع بعد النداء بربح فبئس ما صنع

حين تخلف بعد ما سمع النداء، وليستغفر الله، ولا أرى الربح عليه حراماً. م وهذا قول رابع كأنه يقول: إذا وقع مضى فات أو لم يفت. وقال أصبغ في العتبية: من/ اشترى سلعة بعد قعود الإمام على المنبر فباعها بربح لم يجز له أن ياكل ذلك الربح وليتصدق به أحب إلي، وهو قول ابن القاسم. وجائز أن يعقد النكاح والإمام يخطب، ولا يفسخ دخل أو لم يدخل، والصدقة والهبة جائزة في تلك الساعة. قال أصبغ: لا يعجبني قوله في النكاح، وارى أن يفسح، وهو عندي بيع من البيع. وقال أبو محمد عبد الوهاب: يدخل في هذا الاختلاف في الهبة والصدقة، لعلة التشاغل بذلك. م والصواب أن لا يدخل ذلك؛ لأن أصبغ قد احتج في منع النكاح بأنه بيع من البيوع، ولأن النص إنما ورد في البيع فما ضارعه مثله، ولأنا لبيع ملازم لأكثر الناس، فلو تركوا ذلك لا استبد بعضهم بالبيع، ودخل الضرر على الساعين، وليس الهبة والصدقة كذلك. وذكر عن أبي عمران في الذي يفطر في صلاة الظهر والعصر حتى لا يبقى

منه إلا قدر خمس ركعات أنه إن باع أو اشترى حينئذ فسخ بيعه، كمان باع أو اشترى يوم الجمعة في الوقت المنهي عنه، وقاله إسماعيل القاضي. وقيل عن ابن سحنون: إنه لا يفسخ البيع إذا وقع. قال أبو محمد: ومن انتقض وضوءه وقت النداء فلم يجد الماء إلا بثمن، فلا بأس أن يشتريه ولا/ يفسخ شراؤه. ومن المدونة قال مالك: وكره بعض الصحابة ترك العمل يوم الجمعة، كفعل أهل الكتاب في السبت والأحد. ابن حبيب قال أصبغ: ومن ترك من الناس، العمل يوم الجمعة استراحة فلا بأس به، وأما استناناً فلا خير فيه.

فصل-15 - [في خطبة المحدث] ومن المدونة قال مالك: وإن أحدث الإمام في الخطبة فلا يتمها، وليستخلف من يتمها لهم، ويصلي بهم، وكذلك إن أحدث بعد الخطبة، أو بعد ما أحرم فليستخلف من يصلي بهم الجمعة ركعتين. قال أبو محمد عبد الوهاب: وإن خطب بهم محدثاً كره له ذلك، وجاز، خلافاً للشافعي في أحد قوليه؛ لأنه ذكر للصلاة متقدم عليها، فلم يكن من شرطه الطهارة، كالأذان والإقامة، وقاله مالك في المختصر. وقال ابن المواز: يعيد الخطبة. وقال سحنون في كتاب ابنه: إذا خطب جنباً/ أعادوا الصلاة أبداً- يريد وهو ذاكر- قال: وإن ذكر في الخطبة أنه جنب نزل للغسل وانتظروه إن قرب، وبنى. قال غيره: فإن لم يفعل وتمادى في الخطبة واستخلف للصلاة أجزأهم.

[فصل-16 - في الاستخلاف في صلاة الجمعة] ومن المدونة: وكره مالك أن يستخلف من لم يشهد الخطبة. قال ابن القاسم: فإن فعل، فأرجوا أن تجزئهم. قال ابن القاسم: فإن خرج الإمام، وجهل أن يستخلف، أو ترك ذلك عامداً فليقدموا رجلاً ممن شهد الخطبة أحب إلي، فإن قدموا من لم يشهدها أجزأتهم صلاتهم، ولا يعجبني أن يتعمدوا ذلك، ولا يتقدم/ بهم الرجل، ولو صلوا أفذاذاً لم يجزئهم ذلك في الجمعة، وأجزأهم ذلك في غيرها. قال مالك: ولو تقدم بهم رجل من تلقاء/ نفسه، ولم يقدموه هم، ولا إمامهم أجزأهم، والجمعة وغيرها ذي ذلك سواء. قال: ((وإن استخلف بهم الإمام رجلاً حنباً ناسياً

لجنابته فصلى بهم أجزأتهم ويعيد هو وحده، وإن كان ذاكره لها فسدت صلاتهم، وإن استخلف الإمام مجنوناً في حال جنونه، أو سكراناً في صلاة الجمعة أو غيرها، فصلى بهم فسدت صلاتهم، وإن قدم من لم يدرك الإحرام معه فصلى بهم لم يجزئهم، وأعادوا كلهم؛ لأن هذا المستخلف قد صار وحده، ولا يجمع الجمعة بواحد، والقوم كأنهم أحرموا قبل إمامهم. قال في العتبية: ((وإن قدّم مسافراً حضر الجمعة فلا يصلي بهم، فإن فعل أعادوا الخطبة والصلاة في الوقت، فإن ذهب الوقت أعادوا ظهراً)). وقال سحنون: ((تجزئهم؛ لأنه لما حضرها صار من أهلها)). قال ابن القاسم: ((وإن صلى المسافر الظهر في سفره، ثم قدم بلده فدخل مع الإمام فاستخلفه؛ لحدث أصابه، فصلى بهم، فإنها تجزئهم؛ لأنه إذا قدم قبل صلاة الإمام فعليه أن يأتيها، فإن لم يفعل حتى فاتت أعاد ظهراً، حتى تكون صلاته بعد الإمام)).

قال ابن المواز عن أصبغ: ولو بطلت الجمعة التي صلى؛ لوضوء نسيه، أو غيره فعليه أن يعيد الظهر. [فصل-17 - في الرجل يصلي الظهر في بيته قبل الإمام وهو ممن تلزمه الجمعة] ومن المدونة قال مالك: ومن صلى الظهر في بيته قبل صلاة الإمام يوم الجمعة/ وهو ممن/ تلزمه الجمعة لم تجزئه، إنما يصلي الظهر من فاتته الجمعة. [فصل-18 - في من أحدث والإمام يخطب] وقال مالك: ومن أحدث يوم الجمعة والإمام يخطب خرج بغير إذن، وإنما كان الإذن الذي يروى في قوله تعالى (إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وإذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَاذِنُوهُ) إنما كان ذلك في حرب النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق. قال مالك: ولم يبلغني أن أحداً ذكر شيئاً من هذا في يوم الجمعة.

فصل-19 - [في خطبة الإمام المعزول] وإذا خطب الإمام يوم الجمعة، ثم قدم والٍ غيره ابتدأ الخطبة. قال عيسى عن ابن القاسم: إذا قدم والٍ بعزل الأول، فتمادى الأول، فصلة بهم عالماً فليعيدوا، وإن ذهب الوقت، ولو صلى بهم بإذن القادم أجزأتهم، إذا أعاد بهم الخطبة، ولا ينفع إذنه بعد الصلاة، وليعيدوا، ولا يصلي بهم القادم بخطبة الأول، وليبتد بها، ولو قدمه القادم لأمر بإعادتها. قال سحنون في كتاب ابنه: فإن صلة بهما لقادم بخطبة الأول أعادوا أبداً، وكذلك إن أذن للأول، فصلة بهم ولم يعد الخطبة. م قال بعض أصحابنا: وإنما كان ذلك؛ لأن الثاني إذا قدم قبل الصلاة، أو قبل انقضائها وجبت عيه، كالمسافر يقدم قبل انقضائها، فإذا وجبت عليه وهو إمام لم يجز لغيره أن يؤم فيها من غير استخلافه. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: وإذا ضعف الإمام عن الخطبة فلا يصلي بهم هو ويخطب غيره، وليصل الذي أمره بالخطبة ويصلي الأمير خلفه، وكذلك الأعياد. وقال أشهب عن مالك في الذي يخطب يوم الجمعة: ثم يقدم رجلاً يصلي

بالناس أنه لا بأس به، كما لو أصابه مرض أو حدث أو رعاف. ابن حبيب: ولا بأس أن يصلي الجمعة بالناس غير الذي يخطب، مثل: أن يقدمه الإمام؛ لرعاف، أو حدث، أو مرض، أو يقدم والٍ بعزل الذي خطب، وقد قدم أبو عبيدة على خالد بن الوليد بعزله، فألفاه يخطب، فلما فرغ تقدم أبو عبيدة للصلاة. فصل-20 - [في ما تنعقد به الخطبة] ومن المدونة قال مالك: وإذا قصر الإمام في الخطبة فلم يتكلم إلا بمثل: الحمد لله، ونحوه/ أعادوا الخطبة والصلاة، وإن كان شيء له بال أجزأ. ابن وهب قال ابن شهاب: لا جمعة إلا بخطبه، فمن لم يخطب/ صلى ظهراً أربعاً. وكيع وقال سعيد بن جبير: كانت الجمعة أربعاً، فحطت ركعتان للخطبة. قال ابن القاسم في غير المدونة: وإن سبح أو هلل لم يجزئه عن الخطبة،

إلا أن يأتي، بكلام يكون عند العرب خطبة. وقال ابن أبن الحكم: تجزئه؛ لأنه لفظ فيه تعظيم وتكبير لله كما لو أطاله ووصله بأمثاله. [فصل- 21 - جهل الإمام فصلى بهم قبل الخطبة أو صلى بهم أربعا [ ومن المدونة قال مالك: وإن جهل الإمام فصلى بهم قبل الخطبة أعاد الصلاة وحدها. قال مالك: وإذا خطب وصلى بهم الجمعة أربعاً عامداً أو جاهلاً أعاد بهم ركعتين، وأجزأتهم الخطبة. [فصل-22 - لا جمعة على الإمام المسافر [ قال مالك: ولا جمعة على الإمام المسافر إلا أن يمر بمدينة في عمله، أو بقرية يجمع فيها فيجمع بأهلها، ومن معه من غيرهم، لأن الإمام إذا وافق الجمعة لم ينبغ له أن يصليها خلف عامله وقد جمع عمر/ أبن الخطاب رضي الله عنه بأهل مكة الجمعة وهو مسافر. قال مالك: "وإن جهل الإمام المسافر فجمع بأهل قرية، لا يجمع فيها

الجمعة، لصغرها لم تجزئهم، ولم تجزئه. أبو محمد قال ابن نافع: تجزئه. هو يريد ابن نافع؛ لأنه مسافر. وحجة ابن القاسم أنه جهر في صلاته متعمداً، وقد اختلف فيه. قال ابن نافع عن مالك: إن أتم أهل القرية صلاتهم بعد سلام الإمام أجزأتهم، ولم يكن على أحد إعادة، وكذلك عنه في كتاب ابن مزين. فصل - 23 -] في هروب الناس عن الخطبة [ قال ابن القاسم: وإذا هرب الناس عن الإمام في الخطبة، أو بعد فراغها، فلم يبق معه إلا واحد أو اثنان، ومن لا عدد له، فإن لم يرجعوا إليه، فيجمع بهم، صلى أربعاً. قال ابن القاسم قال سحنون: إذا أيس منهم صلى مكانه أربعاً ظهراً، ولو كان قد أحرم أو عقد ركعة بني على إحرامه ظهراً أربعاً، ولو لم ييأس منهم جعل ما أحرم فيه نافلة ركعتين وسلم، وانتظرهم حتى لا يبقى من النهار إلا ما صلى فيه الجمعة- يريد ويخطب- ويبقى ركعة للعصر.

أشهب: إذا تفرقوا عنه بعد عقد ركعة فإنه يصلي ثانية/ وتصح له جمعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها" قال سحنون: وهو القياس وقال سحنون: لا تصح له جمعة، ولو أمرته بذلك، ثم رجع الناس إليه مكانه فأمرتهم بإعادة الصلاة استحال إقامة الجمعة في المصر مرتين، وإن أمرتهم بترك الجمعة كنت قد أمرت بإبطال الجمعة، والوقت قائم والجماعة حضور، والإمام قائم، وكذلك لو صلى ركعتين - ما لم يسلم عند سحنون- فلا تصح له جمعة أشهب: ولو لم يبقى معه إلا عبيد ونساء لا رجال معهم فليصل بهم الجمعة ركعتين. قال سحنون: لا تقوم الجمعة بهؤلاء؛ لأنها ليست عليهم. م هذا يرد قوله: إذا احدث الإمام فقدم مسافراً حضر الجمعة فصلى بهم

أنها تجزئهم؛ لأنه لما حضرها صار من أهلها. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا أتى من تأخير الأئمة ما يستنكر جمع الناس لأنفسهم إن قدروا وإلا صلوا ظهراً أربعاً، وتنفلوا معهم بصلاتهم، وفعله القاسم بن محمد، وقال: لأن أصلي مرتين أحب إلي من أن لا أصلي شيئاً، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: "صل الصلاة لوقتها، فإن أدركك فصل معهم، ولا تقل إني قد صليت، فلا أصلي فصل-24 - [في موضع صلاة السنة بعد الجمعة] قال مالك: وينبغي للإمام اليوم إذا سلم من صلاة الجمعة أن يدخل منزله، ويركع ركعتين، ولا يركع في المسجد، وكذلك بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، ومن كان خلف الإمام فأحب إلي إذا سلموا أن ينصرفوا، ولا يركعوا في المسجد، وإن ركعوا فذلك واسع.

فصل - 25 - [في القراءة في صلاة الجمعة] ومن المدونة قال ابن القاسم وأحب إلي أن يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة ثم بـ (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ) وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم. فصل - 26 -] في الجمعة تفوت من وجبت عليه] وإذا فاتت الجمعة من تجب عليهم فلا يجمعونها ظهراً / أربعاً في غير مسجد الجماعة، ولكن يصلون أفذاذًا، وقاله الحسن. وقال ابن كنانة: لهم أن يجمعوا ظهراً أربعاً في غير مسجد الجماعة. وروى/ أشهب عن مالك نحوه. قال/ مالك: "وأما من لا تجب عليهم الجمعة مثل: المرضى والمسافرين وأهل السجن فجائز أن يجمعوا، فيصلي بهم إمامهم ظهراً أربعاً.

[فصل -27 - في حكم التخطي يوم الجمعة] قال/ مالك: وإنما يكره التخطي إذا قعد الإمام على المنبر ولا يكره قبل ذلك إلى فرج بين. يديه، وليرفق. وروى ابن وهب عن بشر بن سعيد "أن رجلاً دخل يوم الجمعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فأقبل يتخطى رقاب الناس حتى دنا فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة التفت إليه فقال له: "أشهدت الصلاة] معنا [؟ فقال: نعم! أو لم ترني حين سلمت عليك، فقال: رأيتك تتخطى رقاب الناس"، وقال لأخر صنع مثل ذلك: "ما صليت ولكنك أتيت وأذيت" وكان أبو هريرة يقول: لأن يصلي أحدكم بظهر الحرة خير له من

أن يقعد حتى إذا قام الإمام يخطب قام يتخطى رقاب الناس". فصل -28 -] في حكم الجمعة للحاج بالمشاعر] قال مالك: ولا جمعة في أيام منى كلها بمنى ولا يوم التروية بمنى، ولا يوم عرفة بعرفة. م يريد لا جمعة على غير أهل عرفة، وغير أهل منى، وأما من كان من سكان عرفة أو منى وفيهم جماعة يجمع بهم الجمعة فذلك عليهم، كانوا حجاجا أم لا، وقاله جماعة عن أصحابنا. دليله في الإمام المسافر يمر بقرية في عمله يجمع فيها الجمعة، فإنه يجمع بأهلها، ومن معه من غيرهم. ] فصل-29 - في المسافر يقيم أربعة أيام هل عليه جمعة] قال مالك: ومن دخل مكة فأقام بها أربعة أيام، ثم حبسه كريه يوم التروية، حتى صلى الناس الجمعة، فعليه أن يصلي الجمعة؛ لأنه كالمقيم، وإن لم يقم أربعة أيام، فلا جمعة عليه؛ لأنه مسافر، وقد قال ابن عمر وابن الزبير

وعمر بن عبد العزيز وغيرهم: لا جمعة على المسافر. قال في المجموعة: ولا أحب السفر يوم الجمعة حتى يشهدها، فإن لم يفعل فهو في سعة، وهذا ما لم تزغ الشمس، فإذا زاغت فلا يخرج حتى يشهدها، وذلك واجب عليه. ] فصل-30 - في تأخير الجمعة إلى دخول وقت العصر [ ومن المدونة قال ابن/ القاسم: وإذا أخر الإمام صلاة الجمعة حتى دخل وقت العصر فليصل بهم الجمعة، ما لم تغب الشمس، وإن كان لا يدرك بعض العصر إلا بعد الغروب فصل-31 - [في ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة] وروى مالك رضي الله عنه في الموطأ عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة، فقال: "فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي، يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه" قال أبو هريرة فخرجت إلى الطور فلقبت كعب الأحبار، فجلست معه، فحدثني عن التوراة وحدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فيما حدثته أن قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير يوم طلعت عليه الشمس يوم

الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط] من الجنة]، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة، من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة إلا الجن والإنس/ وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه، قال كعب: ذلك في كل يوم، فقلت: بل هي في كل جمعة، فقرأ كعب التوراة، فقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو هريرة فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري، فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطور، وقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: إلى المسجد الحرام، وإلى مسجدي هذا، وإلى مسجد إيلياء أو بيت المقدس يشك قال أبو هريرة ثم لقيت عبد الله ابن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب، وما حدثته به في يوم الجمعة، فقلت: قال كعب ذلك في كل سنة يوم، قال عبد الله بن سلام: كذب كعب، فقلت: [ثم [قرأ كعب التوراة، فقال: بل هي في كل جمعة، فقال: صدق كعب، ثم قال عبد الله بن سلام: قد علمت أية ساعة هي، قال أبو هريرة: فقلت له: أخيرني بها ولا تضن علي، فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة في يوم الجمعة، قال أبو هريرة، وكيف تكون آخر

ساعة في يوم الجمعة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي وتلك الساعة ساعة لا يصلى فيها؟ فقال ابن سلام: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جلس مجلساً ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي قال أبو هريرة: فقلت: بلى، قال: فهو ذلك، ويقال: الصلاة في اللغة الدعاء.

[باب-14 -] جامع ما جاء في صلاة الخوف

[باب-14 -] جامع ما جاء في صلاة الخوف ] فصل-1 - في أدلة صلاة الخوف] قال الله تعالى: (وإذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا). قال ابن حبيب: معنى هذه الآية إقصارها في الخوف في الترتيب، وتخفيف الركوع والسجود والقراءة، وقد كانت مقصورة في السفر من غير خوف من غير هذه الآية، وقاله غير واحد من أصحابنا البغداديين. وقال الله تعالى: (وإذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) إلى آخر الآية. وقال: (فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا) وصلاها الرسول صلى الله عليه وسلم في السفر بكل طائفة ركعة. قال في الواضحة: وصلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع سنة خمس من الهجرة. والرقاع جبل في طريقه فيه سواد وبياض يقال له:

الرقاع. قال ابن القصار: وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف في عشرة مواضع، والذي استقر عند الفقهاء ثلاثة مواضع: ببطن النخيل، وبعسفان، وبذات الرقاع. وقد روي أن عليا رضي الله عنه صلاها بالمسلمين لما اشتد القتال، وقال: أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلاها بهم، ولم ينكر ذلك عليه أحد من

الصحابة، فدل بذلك أنها غير منسوخة. قال ابن حبيب: وما صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق الظهر والعصر إلا بعد الغروب، وذلك قيل نزول صلاة الخوف. وإذا كانوا في القتال فليؤخروا إلي آخر الوقت، ثم يصلوا حينئذ على خيولهم يومئون، مقبلين ومدبرين، وإن احتاجوا/ إلى الكلام في ذلك لم يقطع ذلك عليهم صلاتهم. قال غير واحد: وتصلى بأذان وإقامة؛ لأنها صلاة فرض. ] فصل-2 - صفة صلاة الخوف] وروى أشهب حديث ابن عمر، وفيه; "أن الطائفة الأولى صلت ركعة، ثم تأخرت إلى جهة العدو من غير تسليم، ثم أتت الأخرى فصلى بهم الركعة الثانية وسلم، ثم قامت كل طائفة فأتمت، فإذا اشتعلت الطائفتان بالقضاء

صار الإمام وحده فئة لهما، وبهذا أخذ أشهب، وحديث القاسم، أشبه بظاهر القرآن وهو أن يصلي الإمام بالطائفة الأولى ركعة، ثم تتم لأنفسها، ويثبت الإمام قائماً فإن شاء سكت، وإن شاء دعا، أو أخذ قي القراءة حتى تأتيه الطائفة الأخرى، فإذا أتمت الطائفة الأولى سلمت، وذهبت وجاه العدو/ ثم أتت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعة، ثم يتشهد ويسلم، ويقضوا هم بعد سلامه وإلى الأخذ بهذا رجع مالك بعد أن قال: بحديث يزيد بن رومان، وهو أنه يثبت حتى تقضي، الطائفة الثانية، ويسلم بهم. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: إن الإمام يصلي بالطائفة الأولى ركعة

بسجدتيها، ثم تنصرف هذه الطائفة فتقف بإزاء العدو، ثم تأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم الركعة الثانية، ويتشهد ويسلم، ثم تنصرف هذه الطائفة بإزاء العدو، وتعود الطائفة الأخرى فيقضون لأنفسهم ركعة وسجدتين وحدانا ويتشهدون وتسلم، ثم تنصرف وتقف بإزاء العدو، ثم تأتي الأخرى فتقضي كذلك، فالكلام بيننا وبينه في ترجيح الأخبار، فالمصير إلى ما رويناه أولى؛ لأنها عن ثلاثة من الصحابة، وما رووه عن واحد، إلا حديث ابن مسعود، وهو مختلف عليه فيه. قال احمد بن المعذل: ولأن ما قلناه أخصر وأحوط؛ لأن انصراف الطائفة

الأولى التي صلت مع الإمام ركعة إلى مكان العدو إنما هو للحف والحراسة، فوقوفها غير مصليه أمكن في التحرز، فهو أولى. م ولأن فعل الصلاة متصلا إذا أمكن ذلك أولى من المشي بين الركعتين والوقوف بإزاء العدو من غير حاجه إلى ذلك. [فصل-3 - في صلاة الخوف تصلى في الحضر حضرية. وفي السفر سفريه] ومن المدونة قال مالك: وتصلى في الحضر حضرية ركعتين بكل طائفة، وفي السفر سفريه ركعة بكل طائفة. قال ابن القاسم: ولا يصلها مسافر بحضريين؛ لأنه وحده، فإن جهل فصلى بهم صلى بكل/ طائفة ركعة، ويتمون؛ لأنفسهم صلاة حضر، وإن كان في القوم مسافرون وحضريون فإن صلى بهم مسافر صلى بالطائفة الأولى ركعة، ثم يثبت قائمًا، ثم يأتي المسافرون بركعة، ويسلمون، ويأتي الحضريون بثلاث ركعات، ثم يصلى بالثانية ركعة ثم يقضى المسافرون ركعة، والحضريون ثلاثًا، يريد منها ركعتان بناء ثم ركعة قضاء يبدؤون بالبناء قبل القضاء، وتصير صلاتهم جلوسًا كلها في قول ابن المواز/. قال ابن القاسم: وإن صلى بهم حضري صلى بكل طائفة ركعتين وأتم كل من خلفه من حضري أو مسافر، يريد تبني الأولى وتقضي الثانية.

قال: ولا يصليها أهل السواحل والرباط مثل: الإسكندرية وعسقلان/ وتونس إلا حضرية. [فصل-4 - صلاة الخوف جائزة في كل زمان] م وصلاة الخوف جائزة في كل زمان خلافًا لأبى يوسف في قوله: ما أجيزت إلا للنبي صلى الله عليه وسلم. ودليلنا: قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ}. وقوله: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} والأصل إنا مساوون له في الأحكام إلا ما قام الدليل على خصوصه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صلوا كما رأيتموني أصلى)) فهو على عمومه؛ ولأن الصحابة صلوها بعده، وأفتوا بجوازها.

[فصل-5 - يراعى في صلاة الخوف شدة الخوف وقلتها] ومن المدونة قال مالك: وإذا اشتد الخوف صلوا على قدر طاقتهم ركبانًا ومشاة، ويركضون، ويسعون إيماء، وغير إيماء للقبة أو لغيرها، ويقرؤون، وقاله ابن عمر، قال مالك: ولا إعادة عليهم إذا أمنوا في الوقت. قال ابن عبد الحكم: وإذا كانوا طالبين وعدوهم منهزم وطلبهم أثخن لقتلهم فليصلوا بالأرض. وقال الأوزاعي: أما الطالب فينزل، وأما المطلوب فعلى دابته. قال ابن حبيب: وهو في سعة أن لا ينزل وإن كان طالبًا. [فصل-6 - صلاة الخوف في البحر] قال ابن المواز: وإن قوتلوا في البحر صلوا الخوف في سفينة أو سفن، ولا يقطع صلاتهم رميهم بالنبل إن انهزموا. [فصل-7 - في كيفية صلاة المغرب في الخوف] ومن المدونة قال مالك: ويصلى الإمام في المغرب بالطائفة الأولى ركعتين،

ثم يثبت قائمًا حتى يصلى من خلفه ركعة يقرؤون فيها بأم القرآن، ويسلموا وينصرفوا وجاه العدو، ثم تأتى الطائفة الثانية فيصلى بهم ركعة يقرأ فيها هو وهم بأم القرآن ويسلم، ويقضوا هم بعد سلامه ركعتين بأم القرآن وسورة في كل ركعة. قال ابن حبيب: ولا يقرأ هو في قيامه في المغرب حتى تبنى الطائفة الأولى؛ لأنه لا يقرأ بغير أم القرآن فخالفت غيرها، وقال ابن القاسم، ومطرف وابن الماجشون. وقال ابن وهب وابن كنانة وابن عبد الحكم: بل يثبت جالسًا في انتظار الطائفة الثانية، وهو قول مالك الأول. ابن حبيب: ولو جهل الإمام في المغرب فصلى بثلاث طوائف بكل طائفة ركعة فصلاة الثانية والثالثة جائزة، وتفسد على الأولى. وقال مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ. م فوجه ذلك أن السنة أن يصلى بالطائفة الأولى ركعتين، فلما صلى بهم ركعة فقد خالف السنة، فوجب أن لا تجزئهم، وأيضا فقد صاروا يصلون الركعة الثانية أفذاذًا، وقد كان وجب أن يصلوها مأمومين فبطلت لهذا. وأما

الطائفة الثانية فهم كمن فاتته ركعة من الطائفة الأولى، وأدرك الثانية فوجب أن يصلى ركعة البناء وركعة القضاء فذًا، وكذلك فعلوا. وأما الطائفة الثالثة وافق بها سنة صلاة الخوف في المغرب فأجزأتهم/. وقال سحنون في المجموعة: وصلاته وصلاتهم كلهم فاسدة؛ لأنه ترك سنتها، وكذلك إن صلى بالأولى ركعة، وبالثانية ركعتين لوقوفه في غير موضع قيام ومن كتاب ابن سحنون، قال: قلت: وزعم بعض أصحابنا في من صلى صلاة الخوف في الحضر بأربع طوائف في الظهر بكل طائفة ركعة أن صلاته وصلاة الثانية والرابعة تامة، وتفسد على الباقين/. قال سحنون: بل تفسد عليه وعليهم أجمعين. فوجه قول الأولين على نحو ما فسرنا في المغرب من مخالفة السنة، وأن الطائفة الأولى يجب أن تصلى الركعة الثانية بإمام فصلوها، أفذاذًا، وكذلك الطائفة الثالثة يجب عليهم أن يصلوا الركعة الثانية بإمام فصلوها أفذاذًا، ففسدت عليهم، وأما الطائفة الثانية فهي كمن فاتته من

الطائفة الأولى ركعة وأدرك الثانية وكذلك الرابعة، هم كمن فاتته ركعة من الطائفة الثانية. وعلله سحنون: أنه خالف بها سنتها ووقف في غير موضع قيام، وهو الصواب. قال سحنون: ومن أدرك الركعة الثانية من المغرب من الطائفة الأولى وقف الإمام في الثالثة/ ليتم القوم فلا يتم هو وليقف مع الإمام حتى تأتى الطائفة الثانية فيصلى معهم ركعة ثم يقضى الأولى بعد سلام الإمام، ولا ينبغي له أن يقضى قبل سلام الإمام؛ لأن الطائفة الأولى تبنى ولا تقضى وإلى هذا رجع)) سحنون في المجموعة بعد أن قال: يصلى ركعتين قبل سلام الإمام. [فصل-8 - في أحكام السهو في صلاة الخوف] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا سها الإمام مع الطائفة الأولى سجدوا للسهو بعد بنائهم، كان قبل أو بعد، ثم إذا صلى بالثانية فعلى حديث يزيد بن رومان، الذي كان مالك يأخذ به يثبت الإمام جالسًا فإذا أتموا الصلاة سجد بهم للسهو، إن كان قبل فقبل، وإن كان بعد فبعد، وأما على حديث القاسم، الذي رجع إليه مالك: إنما يقضون بعد سلامه، فإن كانتا قبل السلام سجدوا

معه، ثم سلم هو، وإن كانتا بعد السلام سلم هو وسجد ولا يسجدوا هم إلا بعد القضاء. فصل-9 - [في استخلاف الإمام في صلاة الخوف] ومن المجموعة قال سحنون: وإذا صلى ركعة من صلاة الخوف في السفر، ثم أحدث قبل قيامه إلى الثانية فليقدم من يقوم بهم، ثم يثبت المستخلف، ويتم من خلفه، ثم تأتى الطائفة الأخرى فيصلى بهم ركعة ويسلم، ولو أحدث بعد قيامه إلى الثانية فلا يستخلف؛ لأن من معه قد خرجوا من إمامته حتى لو تعمد الحدث أو الكلام لم تفسد عليهم، فإذا أتم هؤلاء وذهبوا أتت الطائفة الأخرى فصلوا بإمام يقدموه، وإذا أحدث بعد ركعة من المغرب فليستخلف رجلًا يصلى بهم الركعة الثانية، ثم يثبت قائمًا، ويقضون، ثم تأتى الطائفة الأخرى فيصلى بهم الركعة الثالثة، وإذا أحدث فيها أو في صلاة العيدين، او الاستسقاء استخلف من يتم بهم. [فصل-10 - في الإمام في صلاة الخوف يذكر سجدة] قال سحنون، عن ابن القاسم في العتبية: وإذا صلى بالطائفة الأولى ركعة في السفر، ثم ثبت قائمًا، وأتم القوم لأنفسهم، ثم أتت الطائفة الأخرى

فصلى بهم الركعة الثانية، فلما جلس ذكر سجدة لا يدرى من الأولى أو من الثانية فليسجد سجدة، وتسجد معه الطائفة الثانية، ثم يثبت قائمًا، وتصلى الطائفة/ الثانية ركعة بقية صلاتهم أفذاذًا ويسجد بعد السلام، وتأتى الطائفة الأولى فيصلى بهم الإمام هذه الركعة التي احتاط بها ويسجد في الأولى بعد السلام، وتقوم الطائفة الأولى فتتم ركعة لأنفسها، فإن كانت هذه السجد التي/ نسى الإمام من الركعة الأولى فقد كانت صلاتهم باطله، وهذه التي صلوا مع الإمام أو صلاتهم، وهي فريضة وإن كانت السجدة من الركعة الثانية فقد كانت صلاتهم الأولى تامة، وهذه الثانية نافلة. [فصل-11 - في انكشاف الخوف حال الصلاة] قال: وإذا صلى بالطائفة الأولى ركعة، ثم انكشف الخوف فليتم الصلاة بمن معه، وتصلى الأخرى بإمام غيره، ولا يدخلون معه، ثم رجع، فقال:

ولا بأس أن يدخلوا معه، وهو أحب إلي. [فصل-12 - الصلاة بالطائفتين في الخوف رخصة] قال ابن المواز: ليست إقامة صلاة الخوف بطائفتين فريضة، ولكن توسعة ورخصة إذا نزل الخوف، ولو فعل ذلك بمن ليس مضطر بالخوف لم تجزئه صلاته.

[باب-15 -] جامع ما جاء في صلاة الخسوف

[باب-15 -] جامع ما جاء في صلاة الخسوف [فصل-1 - في معنى الخسوف والكسوف] قال بعض العلماء الخسوف والكسوف معناهما واحد، غير أن الكسوف تغير لون الشمس، والخسوف أن تغور فيما تغيب فيه. [فصل-2 - في حكم صلاة الخسوف. وأدلة ثبوتها] قال الرسول صلى الله عليه وسلم في خسوف الشمس والقمر: ((فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة)) فصلاة خسوف الشمس سنة مؤكدة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلاها بالناس في المسجد، وجمع لها، وأمر بها، وحض عليها، وأسر بالقراءة فيهما ولم يؤذن لها، ولا أقام. وروى مالك رحمه الله عن ابن عباس، انه قال: خسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه، فقام قيامًا طويلًا نحوًا من سورة البقرة، ثم ركع ركوعًا طويلًا، ثم رفع فقام قيامًا طويلًا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد سجدتين ثم قام قيامًا طويلًا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع

رأسه، فقام قيامًا/ طويلًا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا كويلًا وهو دون الركوع الأول ثم رفع رأسه، فسجد، ثم انصرف، وقد تجلت الشمس، فقال: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله)). قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئًا في مقامك هذا، ثم رأيناك تكعكعت، فقال: ((إني رأيت الجنة-أو رأيت الجنة- فتناولت منها عنقودًا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت أهل النار فلم أر كاليوم منظرًا قط [أفظع]، ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: لكفرهن، قيل: أيكفرن بالله؟ قال: ويكفرن العشير، ويكفر الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئًا قال: ما رأيت منك خيرًا قط)). [فصل-3 - : في القرائة في صلاة الخسوف] قال مالك: فصلاة خسوف الشمس سنة لا تترك، كصلاة العيدين، ولا يجهر بالقراءة فيها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجهر، ولو جهر لعلم ما قرأ،

ويستفتح في كل ركعة من الأربع بالحمد لله رب العالمين. وقال محمد بن مسلمة: ولا يقرأ أم القرآن إلا في الأولى من الركعة الأولى، وفي الأولى من الركعة الثانية. فوجه قول مالك: أنها قراءة يتعقبها ركوع، فوجب أن تكون/ فيها أم القرآن كسائر الصلوات. ووجه قول ابن مسلمة: أنها ركعتان، لكل ركعة ركوعان وقراءتان، في حكم ركوع واحد وقراءة واحدة، والركعة الواحدة لا يقرأ فيها بأم القرآن مرتين. [فصل-4 - وقت صلاة الخسوف] ومن المدونة قال مالك: وإنما سنتها أن تصلى ضحوة إلى زوال الشمس ولا يصليها بعد الزوال إمام غيره. وروى ابن وهب عن مالك: أنها تصلى في وقت الصلاة، وإن بعد الزوال. قال أبو محمد عبد الوهاب: وقيل: إنها تصلى في كل الأوقات. فوجه الأولى: فلأنه عليه السلام إنما صلاها في ذلك الوقت؛ ولأنها صلاة يتعقبها ذكر ووعظ فكان وقتها ما لم تزل الشمس، أصله صلاة العيدين والاستسقاء.

ووجه الثانية: أنها تصلى في وقت كل صلاة، إذ ليست بفرض، كسائر صلوات النوافل، ولا تصلى بعد العصر؛ لنهيه عليه السلام عن الصلاة في ذلك الحين. ووجه الثالثة: قوله عليه السلام: ((فإذا رأيتم ذلك بهما فافزعوا إلى الصلاة))، فمتى رأينا ذلك بهما وجب علينا صلاتهما. [فصل-5 - في صفة السجود في صلاة الخسوف] ومن المدونة قال ابن القاسم: وأحب إلى أن يطيل السجود، ويوالى بين السجدتين، ولا يقعد بينهما، ولو كان بينهما قعود لذكر في الحديث يعنى لا يقعد بينهما قعودًا طويلًا، لكنه يقعد بين السجدتين كما يقعد في سائر الصلوات. وفي المختصر أنه يسجد سجدتين تامتين. م فوجه أنه يطيل السجود: أن حق السجود أن يكون بمثابة الركوع اعتبارًا بسائر الصلوات. ووجه أن لا يطيله: أنها صلاة مخصوصة فوجب أن يقتصر فيها على ما ورد به الخبر، وليس في الأخبار إلا تطويل القراءة والركوع، دون/ السجود.

قال أصبغ: وتصلى صلاة خسوف الشمس في المسجد، ولا يكون لها بروز كما يكون للعيدين والاستسقاء. [فصل-6 - في صفة صلاة الخسوف] قال مالك في المختصر: إذا خسفت الشمس خرج الإمام إلى المسجد، والناس معه فدخل المسجد بغير أذان ولا إقامة، ثم يكبر تكبيرة واحدة، ثم يقرأ سرًا بأم القرآن، ثم يقرأ بعدها قراءة طويلة بنحو سورة البقرة، ثم يركع ركوعًا طويلًا نحو قراءته، ثم يرفع، فيقول: سمع الله لمن حمده، ثم يقرأ بأم القرآن، ثم يقرأ قراءة طويلة/ نحو سورة آل عمران، ثم يركع نحو قراءته، ثم يرفع، فيقول: سمع الله لمن حمده، ثم يسجد سجدتين تامتين، لا تطويل فيهما، ثم يقوم، فيقرأ فيفعل كفعله الأولى، إلا أن القراءة دون ما قبلها، يقرأ الأولى بنحو سورة النساء، وبعد رفع رأسه بنحو المائدة مع أم القرآن قبل كل سورة، ثم يسجد، ويتشهد، ويسلم، ويستقبل الناس فيذكرهم، ويخوفهم، ويأمرهم أن يدعوا الله، ويكبروا ويتصدقوا. م ولا خطبة مرتبه فيها، خلافًا لأبى حنيفة والشافعي؛ لأنه لم يرو أنه عليه السلام خطب لها؛ ولأن سنة كل صلاة بخطبة أن يجهر بالقراءة فيها، وصلاة الخسوف يسر فيها بالقراءة فدل أنه/ لا خطبة لها.

[فصل-7 - تسن صلاة الخسوف لجميع الناس] ومن المدونة قال ابن القاسم/: ويصليها أهل القرى والعمود في قول مالك. قال مالك: ويصليها المسافرون، ويجمعون إلا أن يعجل المسافرين السير، ويصليها المسافر وحده، وتصليها المرأة في بيتها، ولا بأس أن تخرج المتجالة إليها. ابن حبيب: ويصليها العبيد. م وإنما قال: يصليها كل واحد؛ لقوله عليه السلام: ((فإذا رأيتم ذلك بهما فافزعوا إلى الصلاة)). فعم. [فصل-8 - في ماذا انتهت الصلاة والشمس خاسفة] قال مالك: وإن أتموا الصلاة والشمس بحالها لم يعيدوا الصلاة ولكن يدعون ومن شاء تنفل. قال ابن حارث: واتفقوا إذا صلى الإمام بالناس صلاة الخسوف فأتم ركعتين وسجدتين ثم تجلت الشمس أنه لا يقطع الصلاة، ويتمادى، واختلفوا كيف يصلى ما بقى؟ فقال أصبغ: يصلى ما بقى عليه على سنتها حتى يفرغ منها، وقال سحنون: يصلى ركعتين وسجدتين، ثم ينصرف، ولا يصلى ذلك على سنة صلاة الخسوف.

[فصل-9 - في صلاة المسبوق تفوته بعض صلاة الإمام] قال مالك: ومن أدرك الركعة الثانية من الركعة الأولى لم يقض شيئًا، وأجزأته، كمن فاتته القراءة في الصلاة، وأدرك الركوع. قال ابن القاسم: ومن أدرك الركعة الثانية من الركعة الثانية، فإنما يقضى ركعة فيها ركعتان، وتجزئه، وإذا سها فيها الإمام سجد لسهوه. وأنكر مالك السجود في الزلازل. [فصل-10 - هل يصلى جماعة لخسوف القمر]؟ قال مالك: ولم يبلغنا أنه عليه السلام صلى بالناس إلا في خسوف الشمس، ولم أسمع أنه يجمع لخسوف القمر، ولكن يصلون أفذاذًا ركعتين ركعتين، كسائر النوافل، ويدعون، ولا يجمعون. قال عنه على: ويفزعون إلى الجامع فيصلون أفذاذًا، ويكبرون، ويدعون. وقال عبد العزيز بن أبى سلمه: ونحن إذا كنا فرادى نصلى هذه الصلاة في خسوف القمر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فإذا رأيتم ذلك بهما فافزعوا إلى

الصلاة)) وقال الشافعي: يجمع في خسوف القمر. قال ابن حبيب: قال ابن عباس: ((خسف القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجمعنا إلى الصلاة معه كما فعل في خسوف الشمس، ورأيته صلى ركعتين فأطالهما، وما رأيته صلى نافلة بطولهما؛ ولأن خسوف القمر لا يكون إلا ليلًا فتلحق الناس المشقة في الاجتماع لها ففارقت خسوف الشمس. قال ابن المواز: التنفل في خسوف القمر ليس بسنة، وإنما هو ترغيب وترهيب. [فصل-11 - الصلاة لريح شديدة أو ظلمة] قال أشهب في المجموعة: والصلاة-أيضا- حسنة في غير ذلك من ريح شديدة أو ظلمة فرادى وجماعة إذا لم يجمعهم الإمام، ويحملهم عليه. وروى نحوه للنبي صلى الله عليه وسلم.

[باب-16 -] جامع ما جاء في صلاة الاستسقاء

[باب-16 -] جامع ما جاء في صلاة الاستسقاء [فصل-1 - في حكم صلاة الاستسقاء] وسن الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة الاستسقاء، وصلاها في جماعة، وجهر فيها بالقراءة وخطب لها بعد الصلاة، ولم يؤذن لها، ولا أقام. وقال أبو حنيفة: إنها بدعه. ودليلنا عليه: ما تقدم من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه أبو هريرة، وابن عباس،

وأنس وجابر/. [فصل-2 - وقت صلاة الاستسقاء] قال مالك: وسنتها أن تصلى ضحوة لا في غير ذلك الحين. وقال في العتبية: لا بأس بالاستسقاء بعد المغرب والصبح، وقد فعل عندنا، وما هو بالأمر القديم. [فصل-3 - صفة صلاة الاستسقاء] قال في المختصر: يخرج الإمام إليها ماشيًا متواضعًا غير مظهر لفخر، ولا زينة، راجيًا لما عند الله تعالى، لا يكبر في ممشاه حتى يأتي مصلاه. ابن حبيب: ويخرج الناس أيضا مشاه في بذلتهم، لا يلبسون ثياب الجمعة. قال في المدونة: فإذا بلغ المصلى صلى بالناس ركعتين، يجهر فيهما

بالقراءة، ويقرأ بسبح، والشمس وضحاها، ونحوهما، فإذا سلم استقبل الناس بوجهه فجلس جلسه، فإذا اطمأن قام متوكئًا على عصا أو قوس قائمًا على الأرض، فيخطب خطبتين، يفصل بينهما بجلسة خفيفة فإذا فرغ من خطبته استقبل القبلة قائمًا، والناس جلوس، وحول رداءه مكانه يرد ما على عاتقه الأيمن على الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن، ولا يقلب رداءه فيجعل الأعلى على الأسفل، والأسفل على الأعلى، ويحول الناس أرديتهم كذلك، وهم جلوس، ثم يدعو الإمام قائمًا، ويدعو الناس، وهم جلوس، ولا حد في طول ذلك، إلا أنه وسط، وينصرفون. قال أصبغ: إذا أشرف على فرغ خطبته الثانية استقبل القبلة، ثم حول رداءه، وقلب ما يلي بدنه فجعله يلي السماء، ثم يكثر من الاستغفار والدعاء، ثم يحول وجهه إلى الناس فيتم بقية خطبته، وينصرف. م فوجه قول مالك: فلأن ذلك قطع للخطبة، وتشاغل بغيرها قبل تمامها، وذلك مكروه. ووجه قول أصبغ: أن المسنون في الاستسقاء خطبتان لا زيادة عليهما، فإذا أتى بالدعاء في خلالهما لم يكن ذلك زيادة، وإذا أتى به بعد الفراغ

منهما كان ذلك زيادة مستأنفة. وقاله أبو محمد عبد الوهاب. وقال الليث: يحول الإمام رداءه دون الناس. قال ابن الماجشون: ولا يحول الناس أرديتهن؛ لأنهن ينكشفن. قال مالك: وليس على الناس صيام قبل الاستسقاء فمن تطوع بخير فهو خير له. وقال ابن الماجشون: يؤمرون بصيام اليوم واليومين والثلاثة. ابن حبيب: وليأمرهم الإمام أن يصبحوا يوم الاستسقاء صياماً, ولو أمرهم بالصدقة وصيام ثلاثة أيام, ثم يستسقون بإثر ذلك كان أحب إلى, وقد فعله موسى ابن نصير بإفريقية حين رجع إليها من الأندلس وخرج بالناس فجعل الصبيان على حدة, والنساء على حدة, والإبل والبقر والغنم على حدة, وأهل الذمة على حدة, وخطب, ولم يدع فى خطبته لأمير المؤمنين, فقيل له فى ذلك, فقال: ليس هو يوم ذلك, ودعا الناس إلى نصف النهار, واستحسن ذلك بعض علماء المدينة. وقال: أراد استجلاب رقة القلوب بما فعل, وليس

بلازم. قال مالك: وكان النبى (صلى الله عليه وسلم) يقول: «اللهم اسق عبادتك وبهيمتك وانشر رحمتك واحى بلدك الميت» , كان يردد هؤلاء الكلمات فى دعائه. ومن المدونة قال مالك: ولا بأس أن يتنفل قبل صلاة الاستسقاء, وبعدها فى المصلى. ابن حبيب: وكرهه ابن وهب, وبه أقول. قال مالك: ولا يخرج فى / صلاتها بالمنبر, / ولم يكن للنبى (صلى الله عليه وسلم) منبر يخرج به إلى صلاة العيدين, ولا لأبى بكر, ولا لعمر, وأول من أحدث له منبر فى العيدين عثمان بن عفان رضى الله عنه بناه له كثير بن الصلت من طين.

قال مالك: ولا يكبر فى خطبته, ولا / صلاتها, إلا تكبير الخفض والرفع, وإن أحدث الإمام فى خطبتها تمادى, ولا يؤمر النساء والصبيان بالخروج إليها, وإن خرجوا لم يمنعوا, ولا تخرج الحيض على حال, ولا صبى لا يعقل الصلاة, ولا يمنع أهل الكتاب من الاستسقاء. ابن حبيب: ولا من التطوق بصلبهم وشركهم, ويتنحون عن الجماعة, ويمنعون من إظهار ذلك فى أسواق المسلمين فى الاستسقاء وغيره, كما يمنعون من إظهار الزنا وشرب الخمر. ومن المدونة قال مالك: وجائز الاستسقاء فى السنة مراراً. ابن حبيب: ولا بأس بالاستسقاء أياما متوالية, ولا بأس بالاستسقاء فى إبطاء النيل. قال أصبغ: وقد فعل ذلك عندنا بمصر خمسة وعشرين يوماً متوالية يستسقون على سنة الاستسقاء, وحضر ذلك ابن القاسم وابن وهب ورجال صالحون فلم ينكروه. ومن الموطأ قال مالك: «جاء رجل إلى رسول (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول

الله هلكت المواشى وتقطعت السبل, فادع الله, فدعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) , فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة, قال: فجاء رجل إلى النبى (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله تهدمت البيوت وانقطعت السبل, وهلكت المواشى, فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «اللهم ظهور الجبال, والآكام, وبطون الأودية, ومنابت الشجر» , قال: فانجبت عن المدينة - أى تقطعت - انجياب الثوب».

[باب -17 -] ما جاء في صلاة العيدين

[باب -17 -] ما جاء في صلاة العيدين [فصل -1 - فى حكم صلاة العيدين] وسن الرسول (صلى الله عليه وسلم) صلاة العيدين, وصلاها ضحوة ركعتين, وقرأ فيها جهراً, وكبر قبل القراءة فى الأولى سبعاً وفى الثانية خمساً فى الفطر والأضحى, وخطب بعد الصلاة, وانصرف ولم يتنفل فلى المصلى / قبلها ولا

بعدها, وكذلك روت عائشة رضى الله عنها وجماعة من الصحابة عن النبى (صلى الله عليه وسلم) , وليس فى الفطر والأضحى أذان ولا إقامة. قال مالك: وتلك السنة التى لا اختلاف فيها عندنا. م وذهب غيرنا إلى أن صلاة العيدين فرض على الكفاية. ودليلنا أنها صلاة / تشتمل على ركوع وسجود وليست بفرض على الأعيان فلم تكن فرضاً على الكفاية, كالنوافل؛ ولأنها ليس من سنتها الأذان كالاستسقاء. [فصل -2 - فى الغسل. والتجمل يوم العيد] ومن المدونة قال مالك: والغسل لليدين حسن, وليس كوجوبه فى الجمعة؛ لأن الجمعة فريضة والعيدين سنة, فما كان بسبب الفريضة آكد مما كان بسبب السنة. قال على وابن عباس وابن الزبير: غسل العيدين قبل الغدو إلى المصلى حسن. وأن ابن عمر كان يغتسل ويتطيب. وقال قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): «يا معشر المسلمين إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين فاغتسلوا, ومن كان

له طيب فليمس منه, فندب إلى ذلك فى الجمعة, وعلله بأنه عيد, فكان كل عيد كذلك. م وقال معاذ: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يأمرنا إذا غدونا إلى المصلى أن نلبس أجود ما نقدر عليه من الثياب؛ ولأن ذلك زينة للإسلام وجمال للشرع, وإعظام للدين, وإرهاب للعدو. قال مالك فى المختصر: يستحب الغسل والزينة والطيب فى كل عيد, والغسل قبل الفجر فيهما واسع. ابن حبيب: وأفضل أوقات الغسل لهما بعد صلاة الصبح, وينزل إليهما من ثلاثة أميال كالجمعة, ويستحب المشى إليهما, ولا أذان ولا إقامة فيهما, روى ذلك عن النبي (صلى الله عليه وسلم).

[فصل -3 - فى صفة الخروج لصلاة العيد] ومن المدونة قال مالك: ويستحب أن يخرج الإمام فيهما بقدر ما إذا بلغ المصلى حلت الصلاة, ويخرج الناس عند طلوع الشمس, وعليه أدركت الناس وأهل العلم / ببلدنا. قيل لابن القاسم: أمن المسجد أو من داره؟ قال: كل ذلك سواء. قال مالك: ويكبر فى الطريق فى العيدين إذا خرج عند طلوع الشمس تكبيراً / يسمع نفسه ومن يليه, وفى المصلى حتى يخرج الإمام للصلاة, فإذا خرج الإمام قطع يريد خروجه فى المصلى, لا حين خروجه من داره, قاله سحنون. قال فى المدونة: ولا يكبر إذا رجع, وكان ابن عمر يجهر بالتكبير. قال فى المجموعة: ومن غدا إليها قبل طلوع الشمس, فلا بأس به, ولكن لا يكبر حتى تطلع الشمس. قال عنه أشهب: ويكبر الرجل من حيث يغدو إلى المصلى إلى أن يرقى الإمام المنبر, ثم إذا كبر الإمام فى خطبته كبر معه.

قال ابن حبيب: ومن السنة أن يجهر بالتكبير فى طريقه, والتهليل, والتحميد جهراً يسمع من ليله, وفوق ذلك قليلاً حتى يأتى الإمام فيكبر, ويكبروا بتكبيره. وأحب إلى من التكبير الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله, والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد على ما هدانا, اللهم اجعلنا من الشاكرين؛ لقول الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. وكان أصبغ يزيد الله أكبر كبيراً, والحمد لله كثيراً, وسبحان الله بكرة وأصيلاً, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. وما زدت, أو نقصت, أو قلت غيره فى حرج. ومن المدونة قال مالك: بلغنى / أن النبى (صلى الله عليه وسلم) كان يخرج إلى صلاة العيدين من طريق, ويرجع من أخرى.

قال ابن القصار: واختلف فى تأويل ذلك, فقيل: إنما كان ذلك؛ لأنه كان يسأل فى طريقه عن أمور الدين, فيرجع من طريق أخرى؛ ليسأله أهل هذه الطريق أيضاً, ويحتمل أن يرجع من طريق أخرى؛ لينال أهل هذه الطريق الثانية من النظر إليه, والتبرك به, والسلام عليه ما نال أهل الطريق الأولى. وقيل: إنما ذلك لتكثر خطاه, فيكثر ثوابه, وقيل: وجوه غير هذه, والله أعلم بما أراد. قال مالك: واستحسن ذلك, ولا أراه لازماً للناس. [فصل -4 - يخطب للعيدين بعد الصلاة] قال: والخطبة بعد الصلاة فى العيدين والاستسقاء, وكذلك / فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه بعده. وقد ذكر فيه اختلاف انقطع لتقرر الإجماع بعده. قال مالك: وأما فى الجمعة وعرفة فالخطبة قبل الصلاة, وروى ابن وهب عن ابن عباس, وجابر بن عبد الله وابن عمر, وأنس بن مالك أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يصلى فى العيدين قبل الخطبة.

قال مالك: وجبذ أبو سعيد الخدرى مروان بن الحكم حين أراد أن يخطب قبل الصلاة, فقال له: الصلاة قبل الخطبة, فقال له مروان: قد ترك ذلك, فقال له أبو سعيد: أما ورب المشارق لا تأتون بخير منها. قال ابن الحبيب: أحدث مروان الخطبة قبل الصلاة, وأحدث هشام بن عبد الملك الأذان والإقامة لهما. قال أشهب: ومن بدأ بالخطبة قبل الصلاة أعادها بعد الصلاة فإن لم يفعل أجزأه, وقد أساء. [فصل -5 - فى التكبير والقراءة فى صلاة العيدين] ومن المدونة قال مالك: وتكبير العيدين سواء يكبر فى الركعة الأولى سبعاً بتكبيره الإحرام, وفى الثانية خمساً غير تكبيرة القيام, وذلك كله قبل القراءة, ولا

يرفع يديه إلا فى التكبيرة الأولى. ابن المواز قال: قال أشهب: وإذا كبر الإمام فى الأولى أكثر من سبع, وفى الثانية أكثر من خمس فلا يتبع. قال فى المدونة: ويقرأ فى العيدين بسبح والشمس وضحاها ونحوهما, وكذلك الاستسقاء. [فصل -6 - لا يصلى العيدين فى المسجد ولا يخرج لها بمنبر] ولا تصلى فى المسجد, وليخرج إليها كما خرج النبى (صلى الله عليه وسلم). قال مالك: إلا أهل مكة فالسنة أن يصلوها فى المسجد. قال مالك: ولا يخرج فيها بمنبر, ولم يكن للنبى (صلى الله عليه وسلم) ولا لأبى بكر / ولا لعمر رضى الله عنهما منبر, وكثير بن الصلت بناه لعثمان رضى الله عنه. [فصل -7 - فى أحكام تتعلق بالخطبة] ويجلس الإمام فى خطبة العيدين فى أولها وفى وسطها. وفى كتاب أبى الفرج: لا يجلس فى أولها. قال مالك: ويكبر فى خلال خطبته, ولا حد فى ذلك. وقال فى الواضحة: من السنة أن يفتتح خطبته الأولى والثانية بالتكبير

وليس فى ذلك حد. وقال مطرف وابن الماجشون: اشهر / العمل عندنا أن يكبر فى مبتدأ الخطبة الأولى وقبل التحميد تسع تكبيرات, وفى مبتدأ الثانية سبع تكبيرات, ويوالى بينهما ثم يمضى فى خطبته فكلما انقضت الكلمات كبر ثلاث تكبيرات حتى تنقضى خطبتاه. [فصل -8 - فى من فاتته صلاة العيد هل يصليها وحده؟] ومن المدونة قال مالك: ومن فاتته صلاة العيد مع الإمام فإن شاء صلى أو ترك, واستحب له مالك: أن يصليها كصلاة الإمام. [فصل -9 - فى أحكام المسبوق فى صلاة العيد] ومن أدرك منها الجلوس / كبر وجلس, ثم يقضى بعد سلام الإمام باقى التكبير والصلاة. قال ابن القاسم فى العتبية: ومن سبقه الإمام بالتكبير فليدخل معه ويكبر سبعاً, يريد والإمام يقرأ. قال: وإن وجده راكعاً دخل معه وكبر تكبيرة واحدة وركع, ولا شئ عليه, وإن وجده قد رفع رأسه أو قائماً في الثانية

فليقض ركعة يكبر فيها سبعاً, وإن وجده فى الجلوس أحرم وجلس معه فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين يكبر فى الأولى سبعاً وفى الثانية خمساً. قال عيسى: وقد قال أيضاً: يكبر فى الأولى ما بقى عليه ستاً. قال ابن القاسم: وإن وجده قائماً فى الثانية فليكبر خمساً. وقال ابن وهب: لا يكبر إلا واحدة. ابن المواز: وقال أشهب: وإذا كبر الإمام فى الأولى أكثر من سبع, وفى الثانية أكثر من خمس لا يتبع, وكذلك لو كبر فى صلاة الجنازة خمساً فليسكتوا حتى يسلم فيسلموا بسلامه, وقال ابن القاسم: يقطعون فى الخامسة. قال فى المجموعة: وإن وجد الإمام فى الخطبة فليجلس ولا يصلي. قال

في المختصر: فإن أراد الصلاة فى المصلى فليصبر إلى فراغ الخطبة. [فصب -10 - فى حكم التنفل قبل صلاة العيد أو بعدها] ومن المدونة قال مالك: وإذا صلوا جماعة العيد فى مسجد لعلة أو صلوها جماعة فى مسجد بساحل من السواحل فلا بأس بالتنفل فيه قبلها أو بعدها. قال ابن الحبيب عن مالك: لا يتنفل فيه إلا بعدها. قال مالك: وإنما كره التنفل فيه قبل صلاة العيدين وبعدها فى المصلى. قال ابن شهاب /: ولم يبلغنى أن أحداً من الصحابة فعل ذلك, وأن عبد الله بن عمر لم يكن يصلى قبل صلاة العيد ولا بعدها. فأما فى غير المصلى فى بأس به. وإذا رجع من المصلى تنفل فى بيته ما أحب ولا تصلى صلاة العيد في موضعين.

[فصل -11 - فى الإمام ينسى التكبير فى صلاة العيدين ثم يذكر] قال مالك: وإذا نسى الإمام التكبير فى الركعة الأولى حتى قرأ فذكر قبل أن يرجع رجع فكبر وقرأ وسجد بعد السلام, وإن لم يذكر حتى ركع تمادى ولم يكبر لما فاته وسجد قبل السلام, وإن أحدث الإمام بعد السلام وقبل الخطبة خطب ولم يستخلف. [فصل -12 - فى صلاة العيدين لأهل القرى] قال مالك: وأحب إلى أن يصلى أهل القرى صلاة العيدين كصلاة الإمام, ويكبروا مثل تكبيره, ويقوم إمامهم فيخطب بهم خطبتين. [فضل -13 - فى من تجب عليهم صلاة العيدين] قال فى الضحايا: وكل من تجب عليهم الجمعة فعليهم أن يجمعوا فى العيدين, وليس على الحاج بمنى جمعة, ولا صلاة عيد. ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك: فى قرية فيها عشرون رجلاً أرى أن يصلوا العيدين. وقال عنه ابن نافع: ليس ذلك إلا على من عليه الجمعة. وقال أشهب: استحب ذلك لهم, وإن لم تلزمهم الجمعة, والجمعة لا تستحب؛ لأنها فرض لا تجزئ من لا تجب عليه. ومن المدونة قال مالك: ولا تجب صلاة العيدين على النساء والعبيد, ولا

يؤمروا بالخروج إليها, ومن حضرها منهم صلاها, ولم ينصرف إلا بانصراف الإمام, وإذا لم تخرج النساء فما عليهن بواجب أن يصلين / ويستحب لهن أن يصلين أفذاذاً على سنة صلاة الإمام, ولا يؤمهن أحد. وروى البخارى عن أم عطية قالت: أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن تخرج الحيض يوم العيدين وذوات الخدور فيشهدن / جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزل الحيض عن مصلاهم. قال امرأة: يا رسول الله! إحدانا ليس لها جلباب؟ قال: لتلبسها صاحبتها من جلبابها. م وفى سماع ابن وهب قال مالك: ليس على المسافرين صلاة عيد ولا جمعة, / وقال ابن حبيب: صلاة العيد تلزم كل مسلم وتجب على النساء

والعبيد والمسافرين ومن يؤمر بالصلاة من الصبيان يؤمر بها, وإن لم يشهدوها فى جماعة صلوها ركعتين حيث كانوا على سنتها فى التكبير والقراءة, وهو قول مالك وجماعة من أصحابه. قال أبو محمد عبد الوهاب: وإذا ثبتت الشهادة فى آخر يوم من رمضان أنهم رأوا الهلال عشية أمه فليفطر الناس لوقتهم. فإن كان قبل زوال فليصلوا العيد, وإن كان بعده لم يصلوا فى بقية ذلك اليوم, ولا من الغد, وإنما قلنا إنها تصلى قبل الزوال؛ لأن وقتها باق؛ لأنه ما بين ضحوة إلى الزوال, ولا تصلى بعد الزوال للإجماع على ذلك؛ ولأن النبى (صلى الله عليه وسلم) لم يصلها ولا أحد من الأئمة بعد الزوال, وإذا كانت لا تصلى بعد الزوال وهى إلى وقتها أقرب كانت بأن لا تصلى من الغد أولى؛ ولأنها صلاة مسنونة فخروج وقتها مسقط لها, كالوتر والكسوف. ومن المدونة: واستحب مالك للإمام أن يخرج أضحيته فيذبحها أو ينحرها فى المصلى يبرزها للناس إذا فرغ من خطبته, واستحب للرجل أن يطعم يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلى, وليس ذلك فى الأضحى. قال ابن

المسيب: من سنة الفطر المشى والأكل والغسل قبل الغدو. ابن حبيب: وسئل مالك عن قول الرجل لأخيه فى العيد تقبل الله منا ومنك وغفر لنا ذلك, فقال: ما أعرفه, ولا أنكره. قال ابن حبيب: لم يعرفه سنة, ولا ينكره؛ لأنه قول حسن. ورأيت من أدركت من أصحابه لا يبدؤون به ولا ينكرونه على من قاله لهم, ويردونه عليه مثله. ولا بأس عندى أن يبتدأ به. وروى غير ابن حبيب: أن واثلة بن الأسقع رد مثله على من قال له, وأن مكحولاَ كرهه, وروى عن عبادة عن النبى (صلى الله عليه وسلم) أنه فعل اليهود.

[باب -18 -] جامع ما جاء فى تكبير أيام التشريق /]

[باب -18 -] جامع ما جاء فى تكبير أيام التشريق /] قال الله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}. وهى أيام النحر الثلاثة. وقال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} فهذه أيام الرمى, وهى ثلاثة بعد يوم النحر. [فصل -1 - فى صفة التكبير فى أيام التشريق] قال ابن القاسم: ولم يحد مالك فى تكبير أيام التشريق حداً, وبلغنى عنه أنه كان يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثلاثاً, ورواه على عن مالك, وروى / عنه أشهب وابن عبد الحكم: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد, وأخذ به.

[فصل -2 - في زمن ابتداء تكبير أيام التشريق وزمن انتهائه] قال مالك: ويكبر الناس في أيام التشريق في دبر الصلوات من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، يكبر في الصبح ويقطع في الظهر، وهي خمس عشرة صلاة. قال مالك: والناس يكبرون في غير دبر الصلوات. فأما الذين أدركت، وأقتدي بهم فلم يكونوا يكبرون إلا في دبر الصلوات، وقاله بكير وأبو بكر بن محمد وغيرهم. قال ابن حبيب: وينبغي لأهل منى الإمام وغيره أن يكبروا أول النهار إذا أرتفع، ثم إذا زاغت الشمس، ثم بالعشي، وكذلك فعل عمر، وأما أهل الآفاق ففي خروجهم إلى المصلى، ثم في دبر الصلوات، ويكبرون في خلال ذلك، ولا يجهرون، والحجاج يجهرون به في كل الساعات إلى الزوال من اليوم الرابع، فيرمون ثم ينصرفون بالتكبير والتهليل حتى يصلوا الظهر والعصر بالمحصب، ثم ينقطع التكبير. م وهذا كله خلاف لما في/ المدونة وذكر عن ابن سحنون: اختلاف في

التكبير أيام التشريق، وأنا أذكر بعضه، فروي عن ابن عمر وغيره مثل ما في المدونة. وروي عن زيد بن ثابت: أنه يبدأ بالظهر من يوم النحر فيكبر إلى صلاة العصر من اليوم الرابع. وروي عن عمر وعلي رضي الله عنهم: أنهما كانا يكبران من صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من اليوم الرابع. قال محمد بن الجهم: ليس في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه، ووجدنا الله تعالى يقول: {فَإذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} وكان قضاء النسك الذي يخرج به من الحج طواف الإفاضة يوم النحر فأول صلاة تؤدى بعد ذلك صلاة الظهر، وقاله غير واحد من الصحابة والتابعين. وأما من بدأ من صلاة الفجر يوم عرفة فلا دليل له من كتاب ولا سنة ولا قياس، وأجمعوا

على أن التكبير في صلاة الظهر من يوم النحر واجب، فلا يزول عن ذلك، إلا بدليل فإن قيل: فلم قلتم يكبر أيام التشريق؟ قلنا: {واذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}. فإن قيل: فلم قطعتم في اليوم الرابع في الظهر، ولم يقطع في العصر. قلنا: لأن الناس بمنى آخر صلاتهم بها الصبح، فإذا زالت الشمس رموا وينفرون. ودليل آخر أيضاً أنه عمل أهل المدينة، وهو أثبت من الروايات، وقال مالك: إنه الأمر المجتمع عليه عندنا. ومن المدونة قال مالك: ويكبر في أيام التشريق الرجال والنساء والعبيد والصبيان وأهل البادية والمسافرين، وكل مسلم صلى في جماعة أو وحده. قال: ومن نسي التكبير فإن كان بالقرب رجع فكبر، وإن بعد فلا شئ عليه، وكذلك الإمام، وإن سها عنه الإمام والقوم جلوس فليكبروا. ومن فاته بعض صلاة الإمام فلا يكبر حتى يقضي. ابن سحنون: ومن قضى صلاة نسيها من أيام التشريق بعد زوالها فلا تكبير عليه. قال غيره: وإن ذكرها في أيام التشريق صلاها وكبر

بعقبها. وذكر عن أبي عمران أنه لا يكبر لها؛ لأن وقت التكبير لها قد فات، وإن كانت أيام التشريق لم تخرج بعد. قال ابن أبي زمنين: التشريق صلاة العيد، وانما سميت بذلك؛ لأن وقتها في حين شروق الشمس، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم "من ذبح قبل التشريق أعاد، فسميت الأيام كلها أيام التشريق؛ لأنها تبع ليوم النحر، وكذلك قال أبو عبيد.

[باب -19 -] جامع ما جاء في جمع الصلاتين بعرفة والمزدلفة

[باب -19 -] جامع ما جاء في جمع الصلاتين بعرفة والمزدلفة وجمع الرسول صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر حين زالت الشمس بعرفة ولم يسبح بينهما، وجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة ولم يسبح بينهما، وفعله أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وصلى عليه السلام بمكة ركعتين ثم قال: إنا قوم سفر فأتموا الصلاة، ولم يقل ذلك بمنى ولا عرفة، وكذلك فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وصلى عليه السلام وأبو بكر وعمر ركعتين. قال مالك: والسنة في الجمع بين الظهر والعصر بعرفة بعد الزوال يبدأ الإمام بالخطبة، فإذا فرغ منها جلس على المنبر وأذن المؤذن، وأقام ثم نزل فصلى

بالناس الظهر ركعتين، ثم أذن وأقام فصلى بهم العصر ركعتين. قال ابن حبيب: يؤذن المؤذن إذا جلس الإمام بين خطبتيه فإذا فرغ منهما أقام ثم نزل فصلى. قال مالك: ولا يجهر بالقراءة فيهما وإن وافق ذلك يوم الجمعة، وإن كان لهما خطبة، وكل صلاة فيها خطبة يجهر فيها بالقراءة خلا هذه الصلاة؛ لأن خطبتها تعليم للمناسك للحاج، وليس هي للصلاة. قال مالك: ويقطع الإمام والناس التلبية إذا زالت الشمس وراح -يريد للصلاة- ولا يلبي الإمام إذا خطب ويكبر بين ظهراني خطبته، ولا حد في ذلك ويجلس في أولها ووسطها. ابن المواز: ولا يجلس في غيرها من خطب الحج. وخطب الحج ثلاث: الأولى قبل يوم التروية بيوم في المسجد الحرام بعد الظهر ولا يجلس فيها، والثانية بعرفة يجلس/ في وسطها، والثالثة بمنى أول يوم من أيام التشريق بعد الظهر لا يجلس فيها. وكلها تعليم للمناسك ولا يجهر بالقراءة في شئ من صلواتها.

م وتحصيلها أن أولها قبل يوم التروية بيوم، وبين كل خطبتين يوم، ويجلس في الوسطى. قال مالك: ويتم أهل عرفة بعرفة وأهل منى بمنى، ومن لم يكن من أهلها فليقصر الصلاة وإن كان مكياً. ابن القاسم: قال مالك: ولا أحب أن يكون/ الإمام من أهل عرفة، فإن كان من أهل عرفة أتم الصلاة بها. والله المستعان. كمل كتاب الصلاة الثاني من الجامع لابن يونس بحمد لله وحسن عونه وصلى الله على سيدنا محمد وآله.

كتاب الجنائز من الجامع

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الجنائز من الجامع [باب]-1 - في الصلاة على الجنازة والدعاء لها. [فصل -1 - في حكم الصلاة على الجنازة] قال الله تعالى - في المنافقين -: {ولا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا ولا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} الآية. فدل ذلك أنه مأمور بالصلاة على غيرهم، وقاله غير واحد من أصحابنا البغداديين. وقال صلى الله عليه وسلم:/ "صلوا على موتاكم"، وقال: "صلوا على من قال لا إله إلا الله". فالصلاة على الميت المسلم فريضة على الكفاية يحملها من قام

بها، وقاله سحنون، وقال: فإن لم يحضروا جميعاً كانوا تاركين لفرض، وقاله ابن عبد الحكم. وقال أصبغ: الصلاة على الموتى سنة واجبة، وقال أشهب: الصلاة على موتى المسلمين واجبة، وقال ابن عيشون الطليطلي ليست في قولي فرض ولا سنة. م فوجه قول سحنون دليل الآية قوله: {ولا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا}. ووجه قول أصبغ أن ليس في الآية كبير دليل، وإنما ثبت ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره. [فصل -2 - في العمل في صلاة الجنازة]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أخلصوه بالدعاء". وكبر صلى الله عليه وسلم على الجنازة أربعاً

وسلم. قال مالك: وليس العمل على القراءة في ذلك. وروي عن عمر وعلي وابن عمر وجماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أنهم لم يكونوا يقرؤون على الميت. م وهذا حجتنا على الشافعي في قوله: يقرأ عليه، ولأنها صلاة لا ركوع فيها، كسجود التلاوة والطواف. ومن المدونة قال سحنون: قلت لابن القاسم: هل وقت مالك ثناء على. النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين في الصلاة على الجنازة؟ قال: ما أعلمه، قال: إلا الدعاء للميت فقط.

وفي حديث عوف بن مالك للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اللهم اغفر له، وارحمه، واعف عنه وعافه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بماء وثلج وبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلا خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وقه فتنة القبر وعذاب النار". قال عوف:/ فتمنيت أن لو كنت أنا الميت؛ لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الميت. وقيل لأبي هريرة: كيف تصلي على الجنازة؟ فقال: أنا لعمر الله أخبرك أتبعها من أهلها فإذا وضعت كبرت، وحمدت الله تعالى، وصليت على نبيه عليه السلام، ثم أقول: اللهم إنه عبدك [وابن عبدك] وابن أمتك كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمداً عبدك ورسولك، وأنت أعلم به. اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه. اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده. قال مالك: هذا أحسن ما سمعت في الدعاء على الجنازة. وكان ابن

مسعود إذا أتي بجنازة استقبل الناس فقال: أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مئة أمة، ولن تجتمع مئة لميت فيجتهدون له في الدعاء، إلا وهب الله ذنوبه لهم، وإنكم جئتم شفعاء لأخيكم فاجتهدوا له في الدعاء، ثم يستقبل القبلة، فإن كان رجلا قام عند وسطه، وإن كانت إمرأة قام عند منكبيها ثم قال: "اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن امتك أنت خلقته وأنت هديته للإسلام، وأنت قبضت روحه، وأنت أعلم بسريرته وعلانيته، جئنا شفعاء له. اللهم إنا نستجير بحيل جوارك له، إنك ذو وفاء وذمة. اللهم أعذه من فتنة القبر وعذاب جهنم. اللهم إن كان/ محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته. اللهم نور له في قبره، وألحقه بنبيه. قال: تقول هذا/ كلما كبرت، فإذا كانت التكبيرة الآخرة قلت مثل ذلك، ثم تقول: اللهم صل على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم صل على أسلافنا وأفراطنا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين الأحياء منهم والأموات. ثم تسلم. وكان ابن مسعود يعلم الناس هذا الدعاء.

م قال ابن القابسي: وما ذكر عن ابن مسعود إن كانت امرأة فليقم عند منكبيها، حديث في سنده نظر. وفيه رجل مجهول عن إبراهيم، وإبراهيم لم يدرك ابن مسعود، وهو مخالف للحديث الذي خرج أهل الصحيح، وإنما كتبه سحنون في المدونة لما روى فيه من غير وجه. قال أبو إسحاق: ولابن القرطي حيث ما وقف الإمام في الرجل والمرأة فواسع؛ لما روى ابن غانم عن مالك أنه يقوم في/ المرأة في وسطها أيضاً، ورأيته في حديث لأبي هريرة، وقال: يستر موضع سوأتها من الناس. م وروى البخاري "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على امرأة ماتت من نفاس فقام

عند وسطها". ومن المدونة قال ابن مسعود: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على القبر فإذا فرغ منه قال: "اللهم نزل بك صاحبنا وخلف الدنيا وراء ظهره ونعم المنزول به أنت، اللهم ثبت عند المسألة منطقه ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به. اللهم نور له في قبره، والحقه بنبيه. م وأنا استحسن أن يكبر ثم يقول: الحمد لله الذي أمات وأحيا، والحمد لله الذي يحيي الموتى، له العظمة والكبرياء والملك والقدرة والثناء، وهو على كل شئ قدير. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمداً وآل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، ثم تدعو بدعاء عوف ابن مالك، ثم تكبر الثانية، ثم تحمد الله وتصلي على نبيه كما فعلت في الأولى، ثم تدعو بدعاء أبي هريرة، ثم تكبر الثالثة فتحمد الله وتصلي على نبيه، كما قد فعلت، ثم تدعو بدعاء ابن مسعود، ثم تكبر الرابعة، فتقول بعد التحميد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لحينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، ولوالدينا ولمن سبقنا بالإيمان اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، ومن توفيته منا فتوفه على

الإسلام، وأسعدنا بلقائك، وطيبنا للموت، واجعل فيه راحتنا. ثم يسلم. وإن كانت امرأة قلت: اللهم إنها أمتك، ثم تتمادى بذكرها على التأنيث غير أنك لا تقول: وأبدلها/ زوجاً خيراً من زوجها؛ لأنها قد تكون زوجاً في الجنة لزوجها في الدنيا، ونساء الجنة مقصورات على أزواجهن لا يبغين بهم بدلاً، والرجل يكون له زوجات كثيرة في الجنة ولا يكون للمرأة أزواج. وإن كان طفلاً فإنك تثني على الله تعالى وتصلي على نبيه، ثم تقول: اللهم إنه عبدك وابن عبدك/ أنت خلقته ورزقته، وأنت أمته، وأنت تحييه. اللهم أجعله لوالديه سلفاً وذخراً وفرطاً وأجراً، وثقل به موازينهم، وأعظم به أجورهم، ولا تحرمنا وإياهم أجره، ولا تفتنا وإياهم بعده. اللهم الحقه بصالح سلف المؤمنين في كفالة أبيه إبراهيم، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وعافه من فتنة القبر وعذاب جهنم، تقول ذلك في كل تكبيرة، وتقول في الرابعة: اللهم اغفر لأسلافنا وأفراطنا ومن سبقنا بالإيمان. اللهم من أحييته من فأحيه على الإيمان، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام، واغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. ثم تسلم. قال ابن القاسم في المجموعة: وإذا والى بين التكبير ولم يدع فلتعد الصلاة عليها. قال ابن حبيب: إلا أن يكون بينهما دعاء، وإن قل فلا تعاد.

ابن القاسم إن توار فأستحسن الصلاة, وليس بواجب, وقال سحنون: لا تعاد. قال سحنون: ويدعو بعد الرابعة كما يدعو بين كل تكبيرتين ثم يسلم. قال أبو محمد: وفي غير كتاب لأصدابنا إذا كبر الرابعة يسلم. وكذلك في كتاب ابن حبيب وغيره.

[باب-2 -] جامع ما جاء في التكبير على الجنازة

[باب-2 -] جامع ما جاء في التكبير على الجنازة قال مالك رحمه الله: ويكبٌر علي الجنازة أربع في كل تكبيرة, ولا يرفه يديه إلا في الأولي, وروى عنه ابن وهب أنه يُعجبه الرفع في كل تكبيرة, وقاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه, وعروة بن الزبير, وعمر بن عبد العزيز وغيرهم رضي الله عنهم. قال أبو إسحاق: وروى ابن جبيب عن ابن القاسم أنه لا يرفع في الأولي. قال عبد العزيز بن أبي سلمة: وكل تكبيرة في صلاة الجنازة كركعة من صلاة الفريضة. قال ابن حبيب وغيره: وقد كبر النبى صلى الله عليه وسلم على النجاشي أربعاَ, وكذلك هلي قبر السوداء, ثم استقر / فعله عبي أربع تكبيرات, ومضى به عمل

الصحابة. قال مالك في العتبية: وإن كان الإمام ممن يكبر خمساَ فليقطع المأموم بعد الرابعة ولا يتبعه. قال ابن المواز: وقال أشهب: يسكت فإذا كبر الخامسة سلم بسلامه, وقاله مالك في الواضحة. م ولها تحريم وتسليم, لأن كل صلاة افتتحت بتكبير ختمت بتسليم.

[باب-3 -] جامع ما جاء في حمل السرير والمشي امام الجنازة

[باب-3 -] جامع ما جاء في حمل السرير والمشي امام الجنازة. [فصل-2 - في حمل سرير الجنازة] قال مالك رحمه الله: ولا بأس بحمل الجنازة من أي جوانب السرير شئت بدأت, ولك أن تحمل بعض الجوانب وتدع بعضاَ, وان شئت لم تحمل. وقول من. قال: يبدأ باليمين بدعه. ابن وهب: وقال ابن مسعود: واحملوا الجنازة من جوانبها الأربع فإنها سنة, ثم إن شئت فتطوع, وإن شئت فدع. قال اين حبيب: يستحب ان يحمل السرير من جوانبه الأربع, ثم إن شاء حمل أو ترك, ويبدأ بمقدم السرير الأيسر -وهو يمين الميت- فيضعه على منكبه الأيمن, ثم يختم بمقدمه الأيمن-وهو يسار الميت-, وروي / ذلك عن غير واحد من الصحاية والتابعين, وكان مالك يوسع أن يبدأ بما شاء, ويحمل كيف شاء, ويحمل بعض جوانيه ويدع يعضاَ, والفضل فيما ذكرت لك. ومن العتبية: وكره مالك لمن علي غير وضوء أن يحمل الجنازة بينصرف إذا بلغت, ولم ير به في روايه أشهب بأسَا. أبو محمد: قال بعض أصحابنا: وما جاء "أن يتوضأ من حمله" أي.

ليكون متوضئَا حتى إذا بلغت صلي عليها, لا ان حمله يوجب الوضوء, ولكن يكره أن ينصرف ولا يصلي عليها. قال أشهب: وحمل جنازة الصبي علي الأيدى احب إلى من الدابة والنعش, فإن حمل علي الداية لم أر يه بأسَا. ابن حبيب: ولا بأس بحمل الجنازة علي الدايه إن لم يجد من يحملها. فصل-2 - [في بعض الأحكام المتعلقة بنعش الميت]. قال ابن حبيب: ويكره إعظام النعش, وأن يُفْرش تحت الميت قطيفة حرير أو خز, ولا يكره ذبك في المرأة, ولا يفرش إلا ثوب طاهر. ولا باس أن يستر الكفن بثوب ساج ونحوه/ , وينزع عند إلحاده, ولا بأس أن يجعل على نعش المرأة البكر أو الثيب الساج او الرداء الموشى أو البياض, ما لم يجعل مثل.

الأخمرة الملونة فلا احبه. قال ابن القاسم في العتبية: ولا يترك ستر نعش المرأة بقبة في حضر أو سفر إذا وجد ذلك, وقد استحسنه عمر حين فعل بزينب زوج النبي صلى الله عليه وسلم, ولا حد لطولها. ويكره ما احدث من المباهاة والفخر فيه حتى صار عندهم يتزين يه. قال مالك: وأول من فعل به ذلك زينب. قال ابن حبيب: وقال الواقدى: أول من قبب عليها النعش فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم. فصل-3 - : [في اتباع الجنازة] ومن المدونة: وكره أبو هريرة وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن يتيع الميت بنار. وقالت عائشة رضي الله عنها: لا يكون اخر زاده أن يتبعوه بالنار. قالابن جبيب: وإنما كره أن يتبع بنار تفاؤلآ بالنار في هذا المقام. قال مالك: وأكره أن يتبع الميت بمجمرة, أو تقلم أظفاره, أو تحلق

عانته, ولكن يترك على حاله, وارى ذلك بدعة ممن فعله, خلافَا للشافعي. ودليلنا أن الأصل أن لا يفعل في الميت شيء ألا بشرع, ولم يرد شرع بذلك, ولأنه إزالة شيء/ متصل به من خلفة بدنه فأشبه الختان. ولا يصاح خلف الجنازة. وسمع سعيد بن جبير الذى يقول: إستغفروا له, فقال: لا غفر الله لك. ولا يمشي بالجنازة الهوينا, ولكن مشية الرجل الشاب في حاجته. قال النخعي: كانوا يقولون: انبسطوا بها ولا تدبوا بها دبيب اليهود. م قيل ايضّا: وإنما أمر بالعجلة به، لآنه إن كان خيراَ عجلوا به إلبه, وإن كان شراَ وضعوه عن أعناقهم. قال مطرف عن مالك: ولم يزل من شأن الناس الازدحام على حمل

جنازة الرجل الصالح, ولقد انكسر تحت سالم بن عبد الله نعشان, / وانكسر تحت علئشة تلاتة أنعش, و 1 لك حسن مالم يكن فيه أذى. ومن المدونة قال مالك: والمشي أمام الجنازة هو السنة. وقد فعله الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء/ بعده أبو بكر وعمر وعثمات, وغيرهم رضى الله عنهم. ابن حبيب: وروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن المشي خلفها أفضل, وأراه واسعَا للاختلاف فيه, وأكره أن يشيعها راكب يتقدمها أو يتأخرها, وقاله النخعي: ابن حبيب ولا بأس أن يرجع راكبَا بعد الدفن. قال مالك في المجموعة: ومشي الرجال أمام الجنازة أفضل, وأما النساء فخلف الجنازة, ولا يكن, بين يديها في أعقاب الرجال, لأن حملتها رجال من خلفهن. قال ابن القرطى: يكون الرجال المشاة أمامها, والركبان من خلفها, والنساء من وراء ذلك, ولا بأس أن يشهدنها ما لم يكثرن الترداد. قال: ولا

توضع على الرقاب حتى يتكامل من يشيعها. ابن حبيب: وكره مالك: التحسر في الجنازة, ونزع الأردية, وقد استخف ذلك للقريب الخاص, وقد يفعل ذلك في العالم والفاضل الخاص من أصحابه. [فصل-4 - في الجلوس قبل أن توضع الجنازة عن الرقاب] ومن المدونة قال مالك: ولا بأس أن يسبق وينتظر, ولا بأس بالجلوس عند القبر قبل أن توضع عن أعناق الرجال. وقد روي ان علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: فام النبى صلى الله عليه وسلم مع الجنازة حتي توصع, وقام الناس معه, ثم أنه قعد بعد ذلك, وأمرهم بالقعود. ابن وهب: ز أخبرت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة وكان يتشبه بأهل الكتاب, فلما نُهي انتهى. قال سحنون: وكان اب عمر وأصحاي النبي صلى الله عليه وسلم يجلسون قبل أن توضع الجنازة/.

[باب]-4 - جامع ما جاء فى الصلاة علي الجنازة فى المسجد

[باب]-4 - جامع ما جاء فى الصلاة علي الجنازة فى المسجد قال مالك رحمه الله: وأكره أم توضع الجنازة في المسجد, فإن وضعت قرب المسجد للصلاة عليها فلا بأس أن يصلي من في المسجد عليها بصلاة الإمام إذا ضاق خارج المسجد بأهله. قال ابن حبيب: ولو صلي فيه ما كان ضيقًا , لما روى من الصلاة علي سهيل فيه وعلى / عمر فيه. وقال إسماعيل القاضي: لا بأس به أن احتيج إلي ذلك. وقال أبن سحنون: صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على سهيل فبه أمر قد تركه, وفعل غيره حين خرج في النجاشي إلي المصلي, وهذا الحق. ومع ذلك أن حديث سهيل منقطع.

قال غيره: وقد قيل كثر الناس فى جنازته فضاق بهم الموضع, ثم لم يفعله بعد ذلك, واستدام الصلاة في المصلي حتى أنكر الناس علي عائشة ما أمرت به من إدخال جنازة سعد فيه لتصلي هي عليها, ومع ذلك فهو ذريعة إلي صرف المسجد إلي غير ما جعل له من الصلوات, وقد يتفجر فيه الميت, أو يخرج منه شيء فترك ذلك أولي من غير وجه, كما/ تركه النبي صلىي الله عليه وسلم واستدام علي غيره, وعمر إنما صلي عليه فيه, لأنه فيه دفن مع النبي لي الله عليه وسلم ومع أبي بكر رضي الله عنه. قال أبو أسحاق: وقد اختلف في نجاسة الميت, واختار ابن القصار أنه طاهر, بخلاف غيره من سائر الحيوان, لقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) , ولا يكون المكرم كالمهان, وقوله تعالى (وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا).

وقد قبّل النبي صلي الله عليه وسلم عثمان بن مظعون وهو ميت. ولو كان نجساَ ما قَبّله.

باب -5 - في الصلاة علي قاتل نفسه ومن مات من حد وعلي الإعجمي والسقط وولد الزنا والمرتد وقتلي الخوارج. وعلى بعض الجسد

باب -5 - في الصلاة علي قاتل نفسه ومن مات من حد وعلي الإعجمي والسقط وولد الزنا والمرتد وقتلي الخوارج. وعلى بعض الجسد. [فصل-1 - في حكم الصلاة علي قاتل نفسه. واهل البدع. ومن قتله الإمام] قال مالك رحمه الله: ويصلي علي قاتل نفسه, ويصنع به ما يصنع بموتي المسلمين, ويورث, وإثمه على نفسه, وقال في المستخرجة: يصلي علي كل مسلم, ولا يخرجه من الإسلام حدث أحدثه, ولا جرم اجترمه. م لقوله صلي الله عليه وسلم: "صلوا علي كل من قال: لا إله إلا الله", إلا أنه يكره للإمام وأهل الفضل أن يصلوا علي البغاة وأهل البدع, لأن الله تعالي نهيتبيه صلي الله عليه وسلم أن يصليعلي المنافقين تأديبا لهم وردعَا, فكان ذلك أصلا في كل من كان علي غير الطريق من فساد الاعتقاد أن الإمام وأهل الفضل يجب أن لا يصلوا عليهم, ويصلون علي سائر الناس. ابن حبيب: قال ابن سيرين: ما حرم الله الصلاة علي أحد من أهل القبلة إلا علي/ ثمانية عشر رجلاَ من المنافقين. قال أبو إسحاق: والصلاة علي اهل الكبائر جائزة, للأنهم مسلمون يتوارثون, فمن قتل في قصاص او رجم في زنا فلا يصلي عليه الإمام ولا أهل

الفضل على باب الردع, ويصلي عليهم الناس, وكذا من قتل نفسه هو قاتل, وجرمه كجرم من قتل غيره, والمشتهر بالمعاصي. وقد ورى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أثني علي الميت خيرأَ صلي عليه, وإن أثني عليه شراَ أو قالوا عليه الدين, قال: "صلوا علي صاحبكم", وذلك للردع, ولو خرج من الإسلام ما امر النبي صلىي الله عليه وسلم بالصلاة عليه. / وإذا بغي قوم على قوم فقتلوهم صلي عليهم, وكذلك من قتله المحاربون يصلي عليه. قال ابن حبيب: وإنما ذلك, ليعلم أن الصلاة عليهم لا تترك لجرمهم. قال: فأما الرجل في خاصته فإنما يبتغي ان يرغب في شهود من يرتجي بركة شهوده. قال مالك في المدونة: وكل من قتله الإمام في قصاص أو رجم أو حد

من الحدود فلا يصلي عليه الإمام, ولكن يغسل ويكفن ويحنط, ويصلي عليه الناس غير الإمام, لأن النبي صلي الله عليه وسلم لم يصل علي ماعز والغامدية لما رجمهما, وكذلك الأئمة بعده في من أقاموا عليه حدا. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكذلك محارب قتله الناس دون الإمام, لان حده القتل, فاما من جلده الإمام في زنا فمات منه, فلإن الإمام يصلي عليه, لأن حدهه الجلد لا القتل, وانما مات من مرض أصابه من وجع السياط. فصل -2 - [في الصبي الذمي يملكه المسلم هل يصلي عليه إذا مات] قال مالك: ومن اشترى صغيراَ ذمياَ من العدو أو وقع في سهمه من المغنم فمات صغيراَ لو يصل عليه, وإن نوى به سيده الإسلام, إلا أن يجيب إلي الإسلام بأمر يعرف أنه عقله, إذا كان كبيراَ يعقل الإسلام, ويعرف ما أجاب إليه. قال: وكذلك عنه في المجموعة. وقال ابن الماجشون: إذالم يكن معه أبواه ولم يتنبه إليى ان يتدين او يدعى وقد ابتاعه رجل مسلم فله حكم المسلم

في الصلاة عليه والدفن والموارثة والعتق والقود والمعاقلة. قال سحنون: وروى نحوه معن بن عيسى عن مالك أنه يصلى عليه. قال ابن عبدوس: ورواية ابن القاسم أولى؛ لأن لهم حكم الكفر، وهو الأكثر والغالب؛ لأنه قد ولد في دار الكفر مع أبويه فلا ينتقل عنه إلا بإسلام أبيه أو يجيب إلى الإسلام وقد عقله. فإن قيل: فأنت لا تبيعهم من أهل الذمة ولا تفاديهم بالمال؟ قلت: لا أفعل ذلك؛ لأني أجبرهم على الإسلام إذا لم يكن معهم أحد أبويهم، وقد قال سحنون: أما مفاداة مسلم بهم فنعم، وأما بالمال فلا. وفي كتاب ابن حبيب: لا يلتفت إلى أمه. [فصل -3 - في حكم الصلاة على الصغير إذا أسلم أحد أبويه] قال مالك في العتبية: وإن اشترى الصغير/ ومعه أحد أبويه فأسلم من معه منهما أنه يصلى عليه/ إن مات، وفي كتاب النكاح من المدونة: لا يكون مسلمًا إلا بإسلام الأب. قال في العتبية: وإن اشترى وحده فصلى قبل أن يبلغ الحلم ثم مات صلى عليه.

ومن المدونة قال مالك: ومن زوج عبده من أمته وهما نصرانيان فحدث لهما ولد فليس للسيد أن يدخل الولد في الإسلام جبرًا. قال ابن عبدوس: قال سحنون: إن كان مع الصبي الكتابي أحد أبويه أم أو أب كان تبعًا له في دينه وله حكمه، وكذلك الذمية تزني فولدها على دينها، وكذلك المسبية منهم معها ولدها فهو على دينها، وتصدق أنه ولدها في التفرقة والدين، ولا تصدق في الأنساب والمواريث. وفي كتاب ابن حبيب: لا يلتفت إلى أمه وإنما يراعى الأب، فإن كان أبوه معه فحكمه حكمه في الإسلام والكفر كانا في ملك واحد أو في ملكين. قاله مطرف وابن الماجشون. وروياه عن مالك. وفي السليمانية وروى عيسى عن ابن القاسم في الرجل يتزوج النصرانية أو اليهودية فتلد منه ثم يغيب

الرجل فيموت ولده منها فيدفنه أقارب أمه في مقبرة اليهود فيعلم بذلك، فقال: إن كان بقرب ذلك ولم يتغير أخرج ودفن في مقبرة المسلمين، وإن خيف عليه التغير ترك. ومن المدونة قال مالك:/ ومن اشترى جارية مجوسية من السبي فلا يجامعها حتى تجيب إلى الإسلام بأمر يعرف والإسلام الذي إذا أجابت إليه الجارية حل وطؤها والصلاة عليها أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، أو صلت فقد أجابت، أو تكون أجابت -أيضًا- بأمر يعرف أنها قد دخلت في الإسلام فتوطأ بعد الاستبراء، إلا أن تكون من أهل الكتاب فيجامعها بعد الاستبراء إن أحب. ابن عبدوس وقال ابن القاسم في صبية مجوسية لم تحض: فلا يطئها من ملكها حتى يجبرها على الإسلام إذا كانت تعقل ما يقال لها، فجعل إسلامها حينئذ يبيح وطئها، وأنكره سحنون وقال: يحتاط/ في الوطء إلى أن تبلغ وتثبت على الإسلام.

فصل -4 - [في الصلاة على المولود] ومن المدونة قال مالك: ولا يصلى على المولود ولا يغسل ولا يحنط ولا يرث ولا يورث ولا يسمى حتى يستهل صارخًا بالصوت. ابن حبيب: وإن كان خفيًا، وليس العطاس باستهلال، ولا الحركة ولا الرضاع، وإن أقام يومًا يتحرك ويتنفس ويفتح عينيه حتى يسمع له صوت فيجب له حكم الموارثة والصلاة عليه، وإلا فهو كالسقط. ومن كتاب آخر ابن وهب يرى الرضاع كالاستهلال بالصراخ. قال أبو إسحاق: وهذا أشبه؛ لأنها حال لم تكن في الميت فأشبه الصراخ. وما أدري لم يحكموا له بحكم الحياة إذا ظهر منه ما يقطع به أنه لا يكون إلا من حي. قال ابن الماجشون: قال في المجموعة: ولا يرضع ولا تبين له حياة إلا بالصراخ قبلها، فأما العطاس فيكون من الريح يدخله ليس بفعله، والبول

من استرخاء المواسك، ويكون من الميت، والصراخ لا يكون إلا من فعل الحي. قال غيره: وليس الحركة دليل على الحياة البينة، وقد كان يتحرك في البطن. ومن المدونة: قال ابن شهاب: السنة أن لا يصلى على السقط، ولا بأس أن يدفن مع أمه. وكره مالك أن يدفن السقط في الدور، وقال سحنون: أنه قد أبيح دفنه في الدور. قال ابن حبيب عن سحنون: ودفنه في المقبرة أفضل، فإن دفن في المنزل فجائز غير مكروه. قال أبو العباس الأبياني: وجائز أن يدفن الرجل في داره. قال ابن سحنون: وسئل مالك عن الرجل يشتري الدار فيجد فيها قبرًا قد كان البائع دفنه؟ قال: أرى أن يرد البيع؛ لأن موضع القبر لا يجوز بيعه ولا

الانتفاع به؛ لأنه حبس. قيل لمالك: فإن وجد فيها المشتري قبر سقط؟ قال: لا أرى السقط عيبًا؛ لأن السقط ليس له حرمة الموتى؛ لأنه لا يصلى عليه، ولا يوارث، ألا ترى أنه قد أبيح دفنه في الدور. قيل له: فيجوز الانتفاع بموضع قبر السقط؟ قال: أكره ذلك. قال ابن سحنون: والقياس جواز الانتفاع به لجواز بيعه. قال ابن حبيب: ولا بأس/ أن يغسل عنه الدم، لا كغسل الميت، ويلف في خرقة. فصل -5 - [يصنع بأولاد الزنا كما يصنع بأولاد الرشدة] ومن المدونة: قال مالك: ويصنع بأولاد الزنا إذا ماتوا/ صغارًا أو كبارًا ما يصنع بأولاد الرشدة. وقد صلى الرسول صلى الله عليه وسلم/ على امرأة هلكت من نفاس ولد الزنا وعلى ولدها، وقاله ابن عمر وابن عباس.

فصل -6 - [في الغلام يرتد] قال ابن القاسم: وإذا ارتد الغلام قبل البلوغ إلى أي دين كان لم تؤكل ذبيحته ولم يصل عليه في قول مالك. فصل -7 - [في الصلاة على قتلى الخوارج والقدرية والإباضية] قال مالك: ولا يصلى على القدرية والإباضية وقتلى الخوارج، ولا تتبع جنائزهم ولا تعاد مرضاهم. قال سحنون: أدبًا لهم، إلا أن يضيعوا فيصلى عليهم. قال أبو إسحاق: إن لم يكفروا عنده بمآل القول؛ لأنهم مسلمون يذنبون، وإن كانت ذنوبهم عظيمة بابتداعهم، ويرثهم ورثتهم المسلمون على هذا. وأما من كفرهم بمآل القول الذي يؤديهم إلى الجهل بالله تعالى فلا يصلى عليهم بحال ضاعوا أو لم يضيعوا، ولا يرثهم ورثتهم المسلمون؛ لأن المسلم لا يرث الكافر. فصل -8 - [الصلاة على بعض الجسد] قال مالك: ولا يصلى على يد أو رجل أو رأس، ولا على الرأس مع

الرجلين، فإن بقي أكثر البدن صلى عليه، يريد بعد أن يغسل. وقال ابن أبي سلمة: يصلى على ما وجد منه وينوون بذلك الميت. م ربه أقول. قال: وإن استُوقن أنه غرق أو قتل أو أكلته السباع ولم يوجد منه شيء صلى عليه، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي، وبه قال ابن حبيب. قال غيره: وهذا من خواص النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الأرض رفعت له، وعلم يوم مات فيه، ونعاه لأصحابه يوم موته، وخرج بهم فأمهم في الصلاة عليه قبل أن يوارى -والله أعلم- ولم يفعل هذا أحد من بعده، ولا صلى أحد على النبي صىل الله عليه وسلم بعد أن ووري، وفي الصلاة عليه أعظم الرغبة فهذه أدلة الخصوص. وبالله التوفيق/.

[باب]-6 - في من فاته بعض التكبير أو نسيه أو نسي شيئا من أمر دفنه وكيف إن كان الإمام يكبر خمسا؟

[باب]-6 - في من فاته بعض التكبير أو نسيه أو نسي شيئًا من أمر دفنه وكيف إن كان الإمام يكبر خمسًا؟ [فصل -1 - : في من فاته بعض التكبير على الجنازة] قال مالك رحمه الله: ومن فاته بعض التكبير انتظر حتى يكبر الإمام فيكبر معه، ثم يقضي إذا فرغ الإمام ما فاته متتابعًا قال في المجموعة: ويدعو في انتظاره تكبير الإمام، فإذا كبر كبر معه، وقال أيضا: يكبر ولا ينتظره. قال ابن عبد الحكم: والأول أحب إلينا. قال عنه أشهب: يكبر الآن واحدة/ ثم يقف عما سبق به، كما يحرم في المكتوبة وقد سبق بتكبير سوى تكبيرة الإحرام فلا يكبر غيرها، فإذا سلم الإمام قضى هذا ما بقي عليه من التكبير تباعًا، ولا يدع. قال ابن حبيب: وإن دعا فبدعاء/ خفيف، إلا أن يتأخر رفعها، فيتمهل في دعائه، وإذا قضى التكبير اجتزأ بالتكبيرة التي أحرم بها ولا يلغيها.

م فوجه رواية ابن القاسم: أن كل تكبيرة بمثابة ركعة من الصلاة، فكما كان في الصلاة لا يقضي ما فاته إلا بعد سلام الإمام، فكذلك هذا لا يقضي إلا بعد سلام الإمام. وقد وجه أشهب روايته فجعله كمن فاته بعض المكتوبة، إنه يحرم ولا ينتظره، فكذلك هذا. وقول ابن القاسم أصوب. [فصل -2 - : في عمل المأموم في التكبير إذا كان الإمام يكبر خمسًا] ومن العتبية قال أصبغ: فإذا فاته تكبيرتان والإمام يكبر خمسًا فليكبر معه الثلاث، ويحتسب بالخامسة، فإذا سلم الإمام كبر واحدة. قال سحنون: وقال أشهب: لا يكبر معه الخامسة، فإن كبرها معه فلا يعتد بها، وليقض كل ما فاته. قال ابن حبيب: وإذا ترك بعض التكبير عليها مع الناس جهلاً أو نسيانًا فإن كان بقرب ما رفعت أنزلت فأتم بقية التكبير عليها مع الناس ثم يسلم، فإن تطاول ذلك ولم تدفن ابتدأ الصلاة عليها، وإن دفنت تركت ولم تكشف، ولا تعاد الصلاة عليها، وقاله مالك في العتبية.

[فصل -3 - : في حكم الجنازة تدفن بغير صلاة أو يصلى عليها إلى غير القبلة ونحو ذلك] وقال عيسى في العتبية عن ابن القاسم في التي دفنت بغير صلاة: أنها تخرج بحضرة ذلك فيصلى عليها، فإن خيف/ أن تكون تغيرت صلوا على قبرها. قال في المجموعة: وإذا صلوا عليه إلى غير القبلة ثم دفن فلا شيء عليهم، وإن لم يوار فاستحسن أن يصلى عليه، وليس بواجب. قال في العتبية: إذا صلوا عليه لغير القبلة ودفن فلا شيء عليهم، وإذا جعل الرأس موضع الرجلين في الصلاة لم تعد الصلاة وأجزأهم، وإن لم يدفن، وإذا جعل في اللحد لغير القبلة، أو على شقه الأيسر فإن ألقوا عليه يسيرًا من التراب فيحول إلى ما ينبغي، وإن فرغوا من دفنه ترك.

قال مالك في/ المبسوط لإسماعيل: وإن صلوا على الجنازة فظنها امرأة وهي رجل أو رجل وهي امرأة فدعا لها على ما يظنه فصلاته تامة، ولا شيء عليه. قال أبو إسحاق: وذلك صواب؛ لأنه نوى بالصلاة الشخص الذي صلى عليه فلا يضره جهله بذلك. وروي عن مالك في من فاته التكبير كله أيكبر: قال: لا أعلمه، وروي عنه أنه يكبر أربعًا. م والأول أصوب؛ لأنه لم يدخل فيها فيقضي ما فاته. قال أبو إسحاق في الذي صلى على الجنازة ولا يدري أرجل أو امرأة: أن صلاته تامة مجزأة، وذلك صواب؛ لأنه نوى بالصلاة الشخص الذي صلى عليه فلا يضره جهله/.

[باب]-7 - في اجتماع الجنائز في صلاة، وكيف إن نوى الإمام واحدة؟

[باب]-7 - في اجتماع الجنائز في صلاة، وكيف إن نوى الإمام واحدة؟. [فصل -1 - : العمل في اجتماع الجنائز في الصلاة] قال ابن القاسم: وإن اجتمعت جنائز لم ينبغ للإمام أن يصلي على بعضها ويؤخر بعضها. قال مالك: ولو أتي بجنازة والإمام يصلي على غيرها تمادى على الأولى، ولا يدخل الثانية معها، فإذا فرغ صلى على الثانية. قال ابن القاسم: ولو جيء بها بعد تمام الصلاة على الأولى فلا بأس أن ترفع الأولى، ويصلي على الثانية، وهذا خفيف. م وإنما قال ذلك؛ لأن من تمام/ الصلاة على الجنازة الوقوف عليها حتى تدفن؛ لما جاء أن في الصلاة عليها قيراطًا من الأجر، وفي الصلاة والدفن قيراطان، فاستخف ابن القاسم الصلاة على الثانية قبل دفن الأولى؛ لأنه قريب، وأظن أن سحنونًا يقول: لا يصلي على الثانية حتى يفرغ من دفن

الأولى؛ لأن من أصله إذا دخل في عمل لا يدخل في غيره حتى يتم الأول. [فصل -2 - في ترتيب الجنائز في الصلاة إذا كثرت] قال مالك: وإذا اجتمعت جنائز رجال ونساء جعل الرجال مما يلي الإمام، وجُمعوا في صلاة واحدة. قال أبو إسحاق: فإن قيل: ألا كان الرجال للقبلة؛ لأنها أشرف كما أن الصف الأول في الصلاة أشرف؟ قيل: إنما جعل الإمام كالقبلة، فمن وليه كان أقرب للقبلة وأشرف. م ألا ترى أن الصلاة في الصف الأول أشرف؛ لأنه يلي الإمام، فكذلك من يلي الإمام من الجنائز أشرف. ابن حبيب: وحدثني ابن الماجشون أن أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب امرأة عمر بن الخطاب رضي الله عنهم ماتت هي وابنها زيد بن عمر في فور واحد ولم يُدر أيهما مات قبل، فكان فيها ثلاث سنن: لم يورث أحدهما من الآخر، وصلي عليهما جميعًا فجعل الغلام مما يلي الإمام، وولى الحسن بن علي وهو أخو أم كلثوم الصلاة عليها لعبد الله بن عمر، وهو أخو ولدها زيد فصلى عليهما، فكان ولي الرجل أولى بالصلاة من ولي المرأة إذا اجتمعا، وكان

الرجل أولى بأن يلي الإمام/ من المرأة. قال غيره: ودفنا في قبر واحد، وجعل الغلام مما يلي القبلة، فكان فيهما خمس سنن. قال الزهري: السنة أن يلي الإمام الرجل، فإذا قبرا في قبر واحد جعل الرجل أمام المرأة. ومن المدونة قال مالك: وإن كانوا صبيانًا ونساء جعل الصبيان في الصلاة مما يلي الإمام. قال أبو إسحاق: لمكان أنهم ذكور فهم أشرف، وإن كان الصبيان غير مكلفين. وكذلك العبيد يلون الإمام؛ لما فيهم من التذكير/، وإن عدموا الحرية، كما عدم الصبيان التكليف. قال مالك: وإن كن نساء كلهن أو رجالاً كلهم جعل أهل السن والفضل مما يلي الإمام، ثم قال مالك: واسعًا أن يجعلوا صفًا واحدًا ويقف الإمام وسطهم، أو يجعل بعضهم خلف بعض، ويلي الإمام أفضلهم. قال ابن حبيب: وإن اجتمع رجل وصبي وعبد وامرأة فالرجل يلي الإمام، ثم الصبي، ثم العبد، ثم المرأة، وإن كانا رجلين جعل أفضلهما مما

يلي الإمام، وإن كان أصغر سنًا، وإن استويا في الحال جعل الأسن مما يلي الإمام. وروي ذلك عن كثير من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم. قال أشهب في العتبية: أحب إلي في القليل الاثنين والثلاثة أن يجعلوا واحدًا خلف واحد، وإن كثروا جعلوا صفين أو ثلاثة وذلك كله واسع. ابن حبيب: إن كثروا مثل العشرين والثلاثين فلا بأس أن يجعلوا صفين وثلاثة ممدودة عن يمين الإمام ويساره، ويقدم الأفضل والأسن إلى الإمام وقربه. قال في العتبية: إذا اجتمع جنازة رجل وامرأة لم ينظر إلى ولي أحدهما/ ولكن يقدم للصلاة عليهما أهل الفضل والسن منهما. ابن حبيب: وقال ابن الماجشون: ولي الرجل أولى، واحتج

بتقديم الحسين لعبد الله بن عمر في الصلاة على أم كلثوم وابنها زيد. قال في العتبية: وإن جهل الإمام فنوى بالصلاة أحدهما ونواهما من خلفه جميعًا، فلتعاد الصلاة على التي لم يصل عليها الإمام، دفنت أو لم تدفن، إلا أن تتغير فيصلى على قبرها/.

[باب]-8 - جامع القول في الشهيد

[باب]-8 - جامع القول في الشهيد [فصل -1 - : الشهيد لا يغسل ولا يكفن ولا يحنط ولا يصلى عليه] قال مالك رحمه الله: والشهيد في المعترك لا يغسل، ولا يكفن، ولا يحنط، ولا يصلى عليه، ويدفن بثيابه، وكذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((زملوهم/ بثيابهم)). ومن سماع ابن وهب: قيل لمالك: أبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة حين استشهد فكبر عليه سبعين تكبيرة؟ قال: ما سمعت ذلك، ولا بلغني أنه صلى على أحد من الشهداء. قال أصبغ: هي السنة من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم. قال أشهب: وإذا قتل في المعترك وهو جنب فلا يغسل، ولا يصلى عليه. أصبغ: وقد قتل حنظلة بن عامر الأنصاري يوم أحد وهو جنب فلم يصنع به

شيء فغسلته الملائكة بين السماء والأرض. [فصل -2 - : لا ينزع عن الشهيد شيء مما هو عليه إلا السلاح. وهل يزاد شيء في كفنه؟] ومن المدونة قال ابن القاسم: يصنع بقبورهم ما يصنع بقبور الموتى من الحفر واللحد، ولا ينزع عنه شيء من ثيابه، ولا فرو ولا خف ولا قلنسوة. قال مطرف: ولا خاتمه، إلا أن يكون نفيس الفص، ولا منطقته، إلا أن يكون لها خطب. قال ابن القاسم في المدونة: وينزع عنه الدرع والسيف وجميع السلاح. قال مالك: وما علمت أنه يزاد في كفنه شيء أكثر مما عليه. قال أشهب في المجموعة: إلا أن يكون فيما لا يواريه، أو سلب ما كان عليه. قال أصبغ في المستخرجة: وإن كان عليه ثيابه فشاء وليه أن يزيد عليها فذلك واسع.

[فصل -3 - : من جرح في المعركة ثم عاش حياة مستقرة فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه] ومن المدونة قال مالك: وأما من عاش وأكل وشرب أو عاش حياة بينة فهو كالمجروح يموت بعد أيام فهذا يغسل ويكفن، ويصلى عليه، وليس كحال من به رمق وهو في غمرة الموت. ابن سحنون: وقال أشهب: الذي لا يغسل من مات في المعركة، فأما من حمل إلى أهله فمات فيهم، أو مات في أيدي الرجال أو بقي في المعركة حتى مات، فإنه يغسل، ويصلى عليه. سحنون: قوله: ((إذا بقي في المعركة)) يقول: في الحياة البينة الذي لا يقتل قاتله إلا بالقسامة. ابن وهب: وقد صلى الرسول صلى الله عليه وسلم على ثابت بن شماس بن عثمان يوم أحد بعد أن عاش يومًا وليلة. قال ابن القاسم: ومن قتله العدو بحجر أو بعصا أو خنقوه حتى مات، أو قتلوه أي قتلة كانت في معركة أو في غير معركة فهو كالشهيد/ في المعركة، ولو أغار العدو على قرية من قرى الإسلام فدافعوهم عن أنفسهم كان من قتل منهم

كالشهيد في المعركة. قال عنه أصبغ في العتبية: ولو قتلوهم في منازلهم في غير ملاقاة ولا معترك فإنهم يُغَسلون ويصلى عليهم/، بخلاف من قتل في المعترك. وقال ابن وهب: هم كالشهداء في المعترك حيثما نالهم القتل منهم. م وبه أقول، وسواء كانت امرأة أو صبية أو صبيًا. وقاله سحنون. وهو وفاق لما في المدونة. ومن المدونة قال مالك: فأما من قتل مظلومًا أو قتله اللصوص في المعترك أو مات بغرق أو هدم فإنه يغسل، ويصلى عليه. قال ابن القاسم: وكذلك إن قتله اللصوص في المعترك، أو مات في دفعه إياهم عن حريمه. ابن سحنون: ولو قتل المسلمون في المعترك مسلمًا ظنوا أنه من العدو أو ما درست الخيل من الرجالة فإن هؤلاء يغسلون ويصلى عليهم. وروى ابن وهب في المدونة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في قبر واحد، ثم يقول: أيهما أكثر أخذًا للقرآن، فإذا أشير له

إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم، ولم يغسلوا. ومن كتاب الغصب: وإذا دفن الرجل والمرأة في قبر واحد جعل الرجل مما يلي القبلة، والمرأة من ورائه. قيل: فهل يجعل بينهما حاجز من صعيد أو يدفنان في قبر واحد من غير ضرورة؟ قال: ما سمعت عن مالك فيه شيئًا. قال أشهب في غير المدونة: يفعل ذلك بالرجلين للضرورة، ويقدم في اللحد أفضلهما، ولا يجعل بينهما من الصعيد حاجز وكفى بالأكفان بينهما حاجز، وكذلك إن فعل ذلك بهما لغير ضرورة، ولمن فعل ذلك حظه من الإساءة. قال ابن القاسم: في الرجال والصبيان والنساء جمعوا في قبر واحد من ضرورة، قال: يكون الرجال مما يلي القبلة والصبيان من خلفهم والنساء من ورائهم.

[باب -9 -] في غسل الميت وحنوطه وكفنه

[باب -9 -] في غسل الميت وحنوطه وكفنه/ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((للنسوة في ابنته اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور. قال الشيخ أبو الحسن: قولهك إن رأيتن ذلك، يحتمل أن يريد [إن] رأيتن أن تزدن، ويحتمل أن يكون توسعة فيما حد من ذلك إن رأيتن أن تفعلن كذا، وإلا فالانقاء يكفي. والله أعلم. وكُفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سَحُولية، ليس فيها قميص ولا عمامة، وأُلحد له في دفنه صلى الله عليه وسلم.

م قال بعض أصحابنا: واختلف إذ غسل في القميص هل بقي عليه أو نزعوه عنه؟ بعض الناس يروي أنه إنما ترك عليه في الغسل للستر لما سمعوا قائلا يقول: لا تنزعوا القميص، ثم لما فرغوا من غسله وكفنوه نزعوا القميص، وأن عبد الرحمن بن أبي بكر أخذه وأراد أن يكفن فيه تبريكًا بذلك، ثم قال: قيمص لم يرضه الله لرسوله لا أحب أن أكفن فيه فبدى له عما أراد. والله أعلم. والحديث يدل أنهم نزعوه عنه، وهو قولهم: ((وكفن في ثلاثة أثواب بيض سَحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة)). [فصل -1 - في غسل الميت] م فغسل الميت وتكفينه وتحنيطة/ سنة من الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن السلف بعده، وأما دفنه ففرض على الكفاية، ولأنه من باب ستر العورة، وقد كان

ذلك متعينًا عليه فلما مات وجب على المسلمين ستره ومواراته؛ لأن حرمته ميتًا كحرمة الحي فيحمل ذلك من قام به. م وقيل: إن غسل الميت والصلاة عليه ومواراته فرض على الكفاية يحملها بعض الناس عن بعض، كالجهاد وطلب العلم. ومن المدونة قال مالك: وليس في غسل الميت حد لازم، ولكنه ينقى. واستحب مالك: في رواية ابن وهب وترًا، كما جاء في الحديث ((بماء وسدر وفي الآخرة كافور أو شيء من كافور)) ((وكفن الرسول عليه السلام في ثلاثة أثواب)). قال ابن حبيب: السنة أن يكون الغسل وترًا، وكذلك غسل النبي صلى الله عليه وسلم.

قال النخعي: غسله وتر، وتجميره وتر، وكفنه وتر. وقال ابن سيرين: يغسل ثلاثًا، فإن خرج من شيء غسل خمسًا، فإن خرج منه شيء غسل سبعًا لا يزاد. وغسل ابن عمر سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ثلاثًا في الأولى صب عليه الماء قراحًا، والثانية غسل رأسه ولحيته وجسده بالماء والسدر، بدأ برأسه ولحيته ثم بشقه الأيمن ثم بشقه الأيسر، ثم الثالثة بماء وشيء من كافور. وقال مثله النخعي: إلا أنه قال: يبدأ فيوضأ. ابن حبيب: كما يوضأ الحي. أبو إسحاق: أنكر سحنون تكرير وضوئه. وقال أشهب: في ترك وضوئه أصلاً سعة.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن وضئ الميت فحسن، والغسل يجزئ لا بأس أن يعرى من القميص/ للغسل، وتستر عورته، ويجعل الغاسل على يده خرقة، ويفضي بها إلى فرجه، وإن احتاج إلى مباشرة الفرج بيده فعل، ويعصر بطنه عصرًا رقيقًا. م لأنه لا يأمن أن يخرج منه شيء فيلطخ أكفانه، وتنهتك بذلك صيانته، ويزول المعنى المطلوب بتكرار غسله، والمبالغة في تنظيفه. وقد روى ذلك عن السلف. ابن سحنون وقال أشهب: إذا عصر بطنه فليأمر بصب الماء عليه، ولا يقطع مادام يفعل ذلك. ومن كتاب ابن القرطي: ولا يؤخر غسل الميت بعد خروج روحه، ولا يغسل بماء زمزم ميت، ولا نجاسة، وإنما يكره غسل الميت بماء الورد والقرنفل من ناحية السرف، وإلا فهو جائز إذ لا يغسل للتطهير، وهو أكرم للقاء الملكين. قال أبو محمد: وما ذكر ابن القرطي في ماء زمزم لا وجه له عند مالك

وأصحابه. فإن كان يعني في قوله: بماء الورد والقرنفل أنه لا يغسل بغيره من الماء القراح فليس هذا قول أهل المدينة. م وهو الذي أراد؛ لأنه قال إذا لا يغسل لتطهير. م قال أبو إسحاق: وما قاله ابن القرطي: من منع غسل الميت من ماء زمزم وإزالة النجاسة به ليس بظاهر، لاسيما إذا قلنا: إن الميت طاهر ليس بنجس، وأما إجازته غسل الميت بماء الورد والقرنفل فنحا بذلك إلى أن الميت لا عبادة عليه، وإنما يراد بالغسل تنظيفه. م وقد يحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اغسلنها بماء وسدر)). وإذا خالط الماء السدر صار الماء مضافًا، فإذا/ جاز أن يغسل بماء السدر وماء الكافور جاز أن يغسل بماء الورد والقرنفل، وبهذا قال كثير من الناس، والأولى أن يكون بماء القراح مع أن قوله عليه السلام: ((أغسلنها بماء وسدر)) يجوز عندنا أن لا يخلط السدر بالماء، وأن يحك الميت بالسدر، ويصب عليه الماء فيحصل حينئذ طهارته بالماء وحده؛ إذ لا يغسل لتطهير.

ومن المدونة: قال مالك: ويُغسل أحد الزوجين صاحبه، وإن أصاب غيره من نساء أو رجال، ويستر كل واحد عورة صاحبه. قال أشهب وسحنون: مجردين، فأما العورة فتستر، كما يفعل بالموتى. قال سحنون: في كتاب ابنه سواء كان الرجل قد دخل بامرأته أم لا. قال ابن القاسم: وإن وضعت الزوجة حملها بعد موته وقبل غسله فجائز أن تغسله، وإن كانت عدتها قد انقضت/ ولا يلتفت إلى العدة، ألا ترى أن الرجل يغسل امرأته، وليس في عدة منها. وقد غسلت أسماء أبا بكر، وغسل علي فاطمة ومن غير كتاب أجمع أهل العلم على أن المرأة تغسل زوجها إذا مات، واختلفوا في الرجل يغسل زوجته فكان علقمة وجابر بن زيد وعبد الرحمن وسليمان بن يسار

وأبو سلمة ابن عبد الرحمن وقتادة وحماد بن أبي سليمان ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق يقولون: يغسلها وكره ذلك الشعبي، وقال الثوري وأصحاب الرأي لا يغسلها. قال ابن المنذر: فالقول الأول أنه يغسلها؛ لأن عليًا غسل فاطمة. وأم الولد في الغسل كالزوجة تغسل سيدها ويغسلها، ومنع الحسن من ذلك، وقال: لا تغسل أم الولد سيدها.

قال في العتبية: وكذلك كل من يحل له وطؤها، مثل: أمته وأم ولده ومدبرته، وأما مكاتبته: سحنون: أو معتقته إلى أجل، أو معتق بعضها، أو أمة له فيها شرك فلا تغسله ولا يغسلها. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: ولو مات الزوج وامرأته حامل فولدت قبل غسله فلها أن تتزوج غيره وتغسله، وإن ماتت هي وتزوج أختها فله/ أن يغسلها. قال ابن حبيب: وأحب إليّ إذا نكح أختها أن لا يغسلها، واختلف فيه قول ابن القاسم في المجموعة. م وكذلك عندي إذا ولدت المرأة وتزوجت غيره أحب إليّ أن لا تغسله؛ لأنه قد حرم عليه تزويجها كما لو كان ذلك طلاقًا، وكان حيًا، كما لو طلقها فولدت، ثم تزوج أختها فينبغي أن يكون الجواب فيهما سواء في الغسل بعد الموت، والله أعلم. قال ابن الماجشون: وللمرأة إذا غسلت زوجها أن تجففه وتكفنه، ولا تحنطه؛ لأنها حاد، إلا أن تضع حملها قبل ذلك إن كانت حاملاً، أو تكون

بموضع ليس فيه من يحنطه فلتفعل، ولا تمس بالطيب إلا الميت. قال سحنون: وإذا مات أحد الزوجين فظهر أن النكاح بينهما كان فاسدًا لا يقران عليه، مثل: أن تكون أخته من الرضاعة، أو تزوجها شغارًا، أو كان أحدهما محرمًا أو مريضًا فلا يغسل الحي الميت، وإن كان فساده في الصداق، كا/ لنكاح بخمر أو خنزير أو نحوه، فله أن يغسلها وتغسله؛ إن كان قد دخل بها، وإن لم يدخل بها فلا يغسل أحدهما صاحبه وإن ظهر بأحدهما جنون أو جذام أو برص فللباقي منهما أن يغسل صاحبه؛ لأنه نكاح حلا يتورثان فيه قبل البناء وبعده، وكذلك إن زوجها وليّ وثم أولى منه، وأما بعقد أجنبي وهي من ذروات القدر ووليها حاضر فلا، وكذلك إن عقدت هي على نفسها، وإما إن غرته أنها حرة، وفيها بقية رق فإن ولي العقد من يجوز عقده فالغسل بينهما؛ إذ يجوز للزوج المقام عليه، وإن وليه من لا يجوز عقده فلا غسل بينهما. ولو غرها الزوج أنه حر وهي حرة فالغسل

بينهما. م والأصل في هذا أن كل موضع كانا مغلوبين فيه على فسخ النكاح فلا يغتسلان وكل ما كان لأحد الزوجين أو للولي إجازته أو فسخه فإنهما يتغاسلان. وقال ابن القابسي: الأصل في ذلك والعلة التي لا تخزم هي إذا كان له النظر في محاسنها والاستمتاع بها في حياتها فللحي منهما أن يغسل الميت، وإذا كان ممنوعًا من ذلك فهو ممنوع من/ غسله. قال سحنون: وإذا اختلف الأولياء في الغسل قضى للزوج بغسل زوجته وإدخالها في قبرها، ولا يقضي للزوجة بغسل زوجها إذا أبى ذلك الأولياء. قال محمد عن ابن القاسم: تغسل المرأة زوجها والرجل زوجته، وهو أو هي أحق بذلك وأولى من غيره. قال أبو محمد: وهو أحسن من قول سحنون. قال سحنون: وليس للمسلم غسل زوجته النصرانية، ولا تغسله هي إلا

بحضرة المسلمين. قال: وللأمة غسل سيدها العبد، وإن ولدت منه، وللعبد غسل زوجته الأمة، ولها أن تغسله من غير أن يقضي بذلك لواحد منهما، إلا أن تكون زوجته حرة، ويأذن له السيد في/ غسلها فيقضي له بذلك. ومن المدونة: والمطلقة واحدة لا تغسل زوجها قبل انقضاء العدة، ولا يغسلها؛ لأن مالكًا قال: لو سألته أن تبيت في أهلها فأذن لها قبل أن يرتجعها لم يكن إذنه إذنًا، ولا قضاء له عليها حتى يراجعها. وقال مالك في كتاب أبي الفرج: أنها تغسله. م وهذا يجري على اختلاف قول مالك في روايتها في الطلاق الرجعي. قال بعض البغداديين: وجه قوله يجوز له غسلها؛ فلأن أحكام الزوجية قائمة بينهما، من الطلاق والظهار والإيلاء والنفقة والتوارث، ووجه منعه؛ فلأن الاستمتاع بها والنظر إليها ممنوع منه، ولم يحصل ما يزيله من الارتجاع فأشبهت المبتوتة. فصل -2 - : [في الرجل يموت وليس معه إلا نساء أو العكس] قال مالك: ومن مات في سفر ولا رجال معه، ومعه نساء فيهن

ذوات محرم منه، أم أو أخت أو عمة أو خالة أو غيرهن فليغسلنه ويسترنه. قال سحنون: يغسلنه وعليه ثوب. وقال عيسى بن دينار: ينزع ثوبه، ويستر عورته. قال مالك: وإن لم يكن فيهن ذات محرم منه يمن وجهه ويديه/ إلى المرفقين. قال سحنون: فإن يمينه وصلين عليه صلين صفًا واحدًا أفذاذًا، وتمت الصلاة، ثم جاء رجال قبل أن يدفن ومعهم الماء فلا يغسل، ولا يصلى عليه ثانية، وقد أجزأ ما فعل النساء في وقت يجوز لهن فعله، ولو غسله/ الرجال ودفن بلا صلاة غير صلاة النساء لم أر بذلك بأسًا، والأول أحب إلينا. قال مالك في المدونة: وإن ماتت امرأة مع رجال ولا نساء معها فإن كان فيهم ذو محرم منها غسلها من فوق الثوب، وإن لم يكن فيهم ذو محرم منها يمم وجهها ويديها إلى الكوعتين. قال ابن سحنون: وقال أشهب: وأحب إلي في أمه وأخته أن ييممها، وكذلك

المرأة في ابنها. سحنون: ولا أعلم من يقوله غيره من أصحابنا، وقول مالك: أحب إلي، ولو فعلوا ذلك رجوت أن يكون ذلك واسعًا. قال ابن حبيب: وإذا غسلها ذو محرم منها من فوق الثوب فليصب الماء من تحته ولا يلصقه بجسدها فيصف إذا ابتل عورتها، ولكن يجافيه ما قدر، فإن لم يجد الماء يممها إلى المرفق، وإنما تيمم إلى الكوعين إذا لم يحضرها إلا رجال من غير محارمها، كان معهم ماء أو لم يكن، ولو كان معهم امرأة كتابية فليعلموها الغسل فتغسلها، وكذلك رجل مات بين نساء ليسوا بمحارمه ومعهم رجل نصراني أو يهودي فليعلمنه الغسل فيغسله. قال ذلك كله مالك والثوري. وقال أشهب في المجموعة: لا يلي ذلك كافر ولا كافرة، وإن وصف لهما الغسل، ولا يؤمنوا على ذلك؛ لأني أخاف أن لا يغسلوه. قال سحنون: يدع الكافر يغسله، وكذلك الكافرة في المسلمة، ثم يحتاطوا بالتيمم فيهما.

فصل -3 - : [في غسل الصبي أو الصبية] ومن المدونة قال مالك: ولا بأس أن يغسل النساء الصبي ابن سبع سنين وشبهه. قال أشهب في المجموعة: ما لم يؤمر مثله بستر العورة. وقال ابن القاسم في كتاب ابن مزين: ولا يغسل الرجل الصبية، وإن صغرت جدًا. قال عيسى: إذا صغرت جدًا فلا بأس أن يغسلها الأجنبي. وقاله مالك في الواضحة. وقال أشهب: إذا كانت من الصغر لم يبلغ مثلها أن تشتهي فلا بأس أن يغسلها؛ لأنه يتقي ذلك منها مثل اتقائه من الصبي. فصل -4 - : [في غسل الميت يكون ببدنه الجراح أو نحوها] ومن المدونة قال مالك: وإذا مات جريح أو مجدور أو مجروب وخيف عليه أن يتزلع إن غسل فليصب عليه الماء صبًا رقيقًا بقدر طاقتهم،

ولا ييمموه، ومن قول مالك: إنه لا ييمم ميت إلا/ رجل مع نساء أو امرأة مع رجال. قال مالك في المجموعة: ومن وجد تحت الهدم وقد تهشم رأسه وعظامه والمجدور المتسلخ فيغسلان ما لم يتفاحش ذلك منهما. قال ابن حبيب: ولا بأس عند الوباء وما يشتد على الناس من غسل الموتى لكثرتهم أن يجتزؤوا فيه بغسلة واحدة بغير وضوء يصب الماء عليهم صبًا ولو نزل الأمر الفظيع فكثر فيه الموتى فلا بأس أن يدفنوا بغير غسل/ إذا لم يوجد من يغسلهم/ ويجعل منهم في قبر واحد. وقاله أصبغ وغيره. فصل -5 - : [في حكم غسل المسلم الميت الكافر] ومن المدونة قال مالك: ولا يغسل المسلم أباه الكافر ولا يتبعه ولا يدخله قبره، إلا أن يخاف أن يضيع فيواريه التراب. م إنما لم يغسله؛ لأن الغسل تابع للصلاة، فلما لم يصل عليه لقطع الولاية بينهما لم يغسله؛ ولأن الغسل تطهير له، والكافر ليس من أهل التطهير.

وقاله بعض أصحابنا من البغداديين. قال ابن حبيب: لا بأس أن يحضره ويلي أمر تكفينه حتى يخرجه ويبرأ منه إلى أهل دينه، فإن كفي دفنه وأمن الضيعة عليه فلا يتبعه، وإن خشي ذلك فليتقدم إلى قبره، فإن لم يخش ضيعة وأحب أن يحضر ذفنه فليتقدم أما جنازته معتزلا منه وممن يحمله. وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في ذلك. وقال عطاء: نحوه. ومن المجموعة قال ابن القاسم وأشهب: وإن مات الابن المسلم فلا يُكل إلى أبيه الكافر في شيء من أمره من غسل ولا غيره، فأما مسيره معه ودعاؤه له فلا يمنع منه. قال مالك: ولا يعزى المسلم بابنه الكافر؛ لقول الله تعالى: (مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا).

وفي كتاب ابن سحنون: ويعزى الذمي في وليه إن كان له جوار، يقول: "أخلف الله لك المصيبة، وجزاء أفضل ما جزي به أحدًا من أهل دينه". ومن المدونة قال مالك: وإذا مات كافر بين مسلمين لا كافر معهم لفوه في شيء ورواه/ التراب. وقال الليث وربيعة: ولا يستقبل به قبلتنا ولا قبلتهم. قال ابن حبيب: وإذا ماتت ذمية حامل من/ مسلم فلتدفن مع أهل دينها، وإنما ولدها عضو منها حتى يزايلها. ومن العتبية قال ابن القاسم: في نفر مسلمين فيهم كافر لا يعرف ماتوا تحت هدم فليغسلوا ويصلي عليهم وينووا بالصلاة المسلمين، وقاله أشهب. قال أشهب: وأما الجماعة فيهم مسلم واحد فلا يصلي عليهم حتى يعرف المسلم الواحد بعينه فيصلي عليه. وقال سحنون: يصلي عليهم، وإن لم يكن فيهم إلا مسلم واحد، وينووا بالصلاة والدعاء للمسلم. وإن مات

مسلم ويهودي تحت هدم ولأحدهما مال ولم يعرف المسلم ولا ذو المال فليقدر ويكفنا من ذلك المال، ويصلى عليهما، والنية بالدعاء للمسلم ويدفنان، ويبقى ذلك المال موقوفًا. فصل -6 - : [في حنوط الميت] ومن المدونة قال مالك: ولا بأس أن يحنط الميت بالمسك والعنبر. قال ابن عمر لما حنط سعيد بن زيد: "وأيّ شيء أطيب من المسك". وقال عطاء: والكافور أحب إلي منه. ومن الواضحة: ونحوه لأشهب. في المجموعة قال: وإذا فرغت من غسل الميت نشفت بلله في ثوب وعورته مستورة وقد أجمرت ثيابه قبل ذلك وترًا، وإن أجمرتها شفعًا فلا حرج، ثم تبسط الثوب الأعلى، وتجعل الأوسع ثم الأوسع فالأوسع من باقيها، ثم تجعل الحنوط بين أكفانه. ومن المدونة قال ابن القاسم: وتجعل الحنوط على جسده وبين أكفانه،

ولا/ تجعل من فوقه. قال يزيد بن أبي حبيب: يذر حنوطه على مواضع السجود السبعة. قال عطاء: وتجعل في مراقه وإبطيه ومراجع رجليه ومأبضيه، ورفغيه، وما هنالك وفي أنفه وفمه وعينيه وأذنيه. قال أشهب: وإن جعل الحنوط في لحيته ورأسه فواسع. قال أبو بكر بن محمد: قوله: مراقه يعني مخرج الأذى، ورفغيه ما بين الأنثيين والفخذين، ومأبضيه ما بين الساق والفخذ عند الركبتين. وقيل عن أبي عمران: أن مراقه يعني ما تحت كل ما رق وانخفظ مثل: الأعكان والجلد ينثني، قال: وهو بتشديد القاف. قال سحنون: وليسد دبره بقطنة، يجعل فيها ذريره، ويبالغ/ فيها برفق. قال ابن حبيب: وتُسد أذناه ومنخراه بقطن فيه الكافور، ثم يعطف

الثوب الذي يلي بدنه يضم الأيسر إلى الأيمن، ثم الأيمن إلى الأيسر كما يلتحف في حياته أشهب: وإن عطف الأيمن أولاً فلا بأس به، ويفعل هكذا في كل ثوب، ولا يجعل الحنوط إلا على الثوب الآخر، وأما/ ظاهر كفنه فلا يجعل عليه شيء. قال ابن القرطي: ثم يخاط كفنه. فصل -7 - : [في الكفن] قال النبي صلى الله عليه وسلم في الكفن: "البسوا البياض، وكفنوا فيه موتاكم، فإنها من خير ثيابكم". قال ابن حبيب: والقصد في الكفن أحب إلينا من المغالاة فيه، وروي ذلك عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. أشهب: والكفن الجديد والخلق سواء.

ومن المدونة قال مالك: وأحب إلي أن لا يكفن الميت في أقل من ثلاثة أثواب، إلا أن لا يوجد ذلك. قال ابن حبيب: أحب إلى مالك في الكفن خمسة أثواب تعد فيها العمامة، والمئزر والقميص، ويلف في ثوبين، وذلك في المرأة ألزم؛ لأنها تحتاج إلى مئزر، وتشد بعصابة من حقويها إلى ركبتيها، ودرع وخمار وثوبين. ابن حبيب: وثوبان أحب إلينا من ثوب واحد، وثلاثة أحب إلينا من أربعة. قال أبو محمد: يريد الوتر، ويريد في الأول الستر. قال ابن القرطي: والمرأة في عدة أثواب الكفن أكثر من الرجل، وأقله لها خمسة، وأكثره سبعة. قال: ولا ينقص الرجل الذي يجد من ثلاثة أثواب، ويكفن في مثل هيئته في حياته، إن تشاح الورثة.

قال ابن القاسم في المجموعة: والصبي والصبية إذا لم يبلغا الحلم بمنزلة الكبير في الكفن. قال سحنون: هذا إن كان قد رهق الحلم، فأما إن كان صغيرًا فالخرقة وشبه ذلك تجزئ، وقاله أشهب. ومن المدونة قال مالك: ومن شأن الميت عندنا أن يعمم، وذلك أحب إليّ. وذكر عن أبي العباس الأبياني قال: الذي استحب مالك أن يكفن الميت في ثلاثة أثواب، يريد غير العمامة والمئزر. قال: ولم يؤزر النبي صلى الله عليه وسلم ولا عمم، وإنما كفن في ثلاثة أثواب أدرج فيها إدراجًا/. قال ابن القاسم في العتبية: أحب الكفن إلى ما كفن النبي صلى/ الله عليه وسلم فيه، ثلاثة أثواب بيض لا يكون فيها قميص ولا عمامة ولا يؤزر ويدرج فيها إدراجًا. قال: وأحب إلي أن تؤزر المرأة وتخمر

وذلك سواء ثلاثة أثواب تدرج فيها إن وجد لذلك سعة. قال مالك في المدونة: وكره مالك في أكفان الرجال والنساء الخز والمعصفر، وإنما كره الخز؛ لأن سداه حرير، وكره في الأكفان الحرير محضًا، وأجاز مالك الكفن في العصب وهو الحبر وما أشبهه. قال عنه علي: ولا بأس بالمعصفر والمزعفر للرجال والنساء. وقال ابن حبيب عن مالك: ولا بأس أن تكفن المرأة في الحرير والخز والمعصفر وما جاز لها وللرجال له في الحياة فالكفن لها أوله فيه مباح ما لم يرد بذلك السمعة والنفج؛ لأنه ليس في محل ذلك، ولا بأس في كفن الرجل بالعلم الحرير، ولا بأس بالثوب الذي يغسل ويبقى فيه أثر زعفران أو عصفر أو مشق. قال: والحبرة مستحب لمن قوى عليه. وقد كفن النبي صلى الله عليه وسلم في

ثلاثة أثواب، قيل إنها بيض. وقيل: إن أحدها حبرة. فصل -8 - : [في مؤن الميت] ومن المختصر وغيره: قال مالك: والحنوط وجميع موأن البيت في إقباره إلى أن يواري من رأس ماله، قال: والرهن أولى من الكفن، والكفن أولى من الدين. م إنما قال: إن مؤن الميت إلى أن يوارى من رأس ماله؛ لأن ستر الميت وصيانته حق لله فهي مقدمة إذ لا يجوز تركها ولا التراخي بإسقاطها؛ ولأنه لو لم يُخلف كفنًا لوجب على المسلمين تكفينه؛ لأن حرمته كحرمة الحي، وإنما قال: إذا كان الكفن مرهونًا فالرهن أولى به من الكفن؛ لأن المرتهن قد حازه عن عوض والعين إذا تعلق به عن عوض أولى، كالدين مع الزكاة، أو مع الوصية، وإنما

قال: والكفن أولى من الدين؛ فلأن حرمة الميت كحرمة الحي فلما كان في حياته أولى الناس بماله فيما يحتاج إليه إذا أفلس فكذلك بعد موته/. قال مالك: ومن أوصى أن يكفن في سرف وأوصى بمثل ذلك في حنوطه وقبره فلا يجاز في رأس ماله إلا ما يجوز لمثله لو لم يوص، وقاله ابن القاسم وأشهب. وقال سحنون: الزائد يكون في ثلثه. وروى عن مالك في المجموعة أنه لا يجوز من ذلك إلا ما يكفن فيه مثله. قال ابن القرطي: والزائد على السداد ميراث، وهذا هو المستعمل. قال أبو إسحاق: وهو الأشبه؛ لأنه القاصد إلى إتلاف ماله فلا يجوز ذلك. قال: وإذا أوصى بشيء يسير في كفنه وحنوطه لم يكن لبعض الورثة للزيادة فيه بغير ممالاءة من جميعهم. قال سحنون: في العتبية إذا أوصى أن يكفن في ثوب واحد فزاد بعض الورثة ثوبًا آخر فقام في ذلك بقية الورثة فإن كان في التركة محمل لذلك فلا ضمان على الذي فعله/. فصل -9 - : [في الميت إذا نبش هل يكفن وتعاد الصلاة عليه؟] قال يحيى عن ابن القاسم: وإذا نبش الميت وعرِّي لم تعد الصلاة عليه،

وعلى ورثته أن يكفنوه ثانية من بقية تركته، وإن كان عليه دين محيط فالكفن الثاني أولى به. قال سحنون: فإن قسم ماله فليس ذلك على ورثته، وإن كان قد أوصى بثلثه فلا يكفن في ثلث ولا في غيره. قال ابن سحنون: فإن وجدوا الكفن الأول بعد أن دفن فهو ميراث. قال ابن حبيب عن أصبغ: ومن نبش فلا يلزم ورثته تكفينه ثانية في بقية ماله، إلا أن يشاءوا أو يحتسب فيه محتسب. فصل -10 - : [في من يلزم الرجل أن يكفنه ويقبره] قال ابن الماجشون: ويلزم الرجل تكفين من تلزمه نفقته، من زوجة وولد وأبوين وعبيد، كالنفقة كانت الزوجة فقيرة أو مليئة، ورواه عن مالك في الواضحة. وروي عنه في العتيبة: إنما ذلك عليه في فقرها. قال ابن حبيب: وكما لا ينقطع حقه بموته من ماله في كفن نفسه كذلك في كفن من ذكرنا. وقال أصبغ وسحنون: لا يلزمه في أحد ممن ذكرنا إلا في

عبيده. قال سحنون: مسلمين كانوا أو كفارًا؛ لأن نفقتهم لا تزول إلا بزوال الملك، ونفقة الوالدين أمر يحدث، ونفقة الولد تزول، وهذا القياس، ويستحسن أن يجبر في/ الولد الصغار والأبكار والزوجة الفقيرة. وروى عيسى عن ابن القاسم في الزوجة إن كانت بكرًا فعلى أبيها، فإن دخلت فليس ذلك على الأب ولا على الزوج. وإن كان لها ولد فذلك على ولدها في عدمها. فصل -11 - [في الخلاف في ابن آدم هل ينجس بالموت؟ وما يترتب على ذلك]. قال سحنون في المجموعة: ولا ينجس الثوب الذي ينشف به الميت. وقال محمد بن عبد الحكم: إنه ينجس. قال ابن القصار: اختلف في ابن آدم إذا مات هل ينجس أم لا؟ وليس لمالك فيه نص، والذي عندي أنه طاهر، وقد قَبَّل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون لما مات، وجرت دموعه على خد عثمان، ولو كان نجسًا ما فعل ذلك به. قال مالك في العتبية وغيرها: وأرى أن يغتسل غاسل الميت، وعليه أدركت الناس، واستحسنه ابن القاسم وأشهب، وقال ابن حبيب: لا غسل عليه

ولا وضوء، وقاله جماعة من الصحابة والتابعين، وقاله مالك. وقال: فإن اغتسل من غير إيجاب فحسن. وقال غيره: إنما يستحب له أن يغتسل، ولما روي أن الروسول صلى الله عليه وسلم قال: "من غسل ميتًا فليغتسل"، وأمر عليًا رضي الله عنه أن يغتسل لما غسل أياه، ومن طريق المعنى أن الغاسل ربما يخاف أن ينتضح عليه من الماء الذي

يصيب بدن الميت فيقطعه ذلك عن الانبساط والمبالغة في غسله، فإذا وُطِّن على الغسل تمكن منه وزال ما كان يتقيه، وإنما قيل: "من حمله فليتوضأ" يعني ليصلي عليه إذا بلغ، وقد تقدم هذا. قال مالك في المجموعة: لا أحب للجنب/ أن يغسل الميت، وذلك جائز للحائض. قال ابن القرطي: اختلف في غسل الجنب للميت، وإجازته أحب إلينا. قال أشهب: ومن أصابه شيء من الماء الذي غُسِّل به الميت فغسل ذلك أحب إليّ، فإن لم يفعل وصلى به ولم يعلم أن ذلك الماء أصابه شيء من أذى الميت فلا شيء عليه. فصل -12 - : [في من هو أولى بالصلاة على الميت من أوليائه]. قال ابن عبدوس: ومن قول مالك وأصحابه أن الابن وابن الابن أولى بالصلاة على الجنازة من الأب، والأب أولى من الأخ، والأخ أولى من ابن الأخ، وابن الأخ أولى من الجد، والجد أولى من العم، والعم أولى من ابن العم، وابن/ العم وإن بعد أولى من مولى النعمة، وكلهم أولى من الزوج. ومن المدونة قال: وإنما ينظر في هذا إلى من هو أقعد بالميت، فهو أولى بالصلاة عليه.

قال مالك: والعصبة أولى بالصلاة على المرأة من زوجها، وقاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره. قال مالك: وزوجها أولى بإدخالها في قبرها من عصبتها. سحنون: ويغسلها إن شاء. قال: ومن كانت إليه الصلاة من وال أو قاضٍ أ, صاحب الشرط فهو أحق بالصلاة على الميت إذا حضر من أوليائه. قال ابن القاسم: وصاحب الشرط إذا ولاه الوالي الشرط فهو مستخلف على الصلاة. قال سحنون في العتبية: وإنما يكون صاحب الصلاة والمنبر أحق من الأولياء إذا كان إليه سلطان الحكم من قضاء أو شرطة، وإلا فهو كسائر الأولياء. م وإنما كان الإمام أولى بالصلاة/ على الميت من أوليائه؛ لأن طريقها الولاية، وقد قال عليه السلام: "ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا في بيته إلا بإذنه"؛ ولأن الحسين بن علي رضي الله عنهما قدم سعيد بن العاصي- وكان الأمير- فصلى على الحسن رضوان الله عليهم، وقال له: أنت الأمير، ولولا السنة ما قدمتك؛ ولأنها صلاة تفعل في اجتماع فكانت في الأئمة، كالجمعة

والعيدين. وقال ابن القاسم: عن مالك في المجموعة: وإمام المصر أحق بالصلاة من الولي والقاضي وصاحب الشرطة وإن كانت إليهم الصلاة. ابن حبيب: وقاله مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ. وقال عن ابن القاسم: إن ذلك لمن كانت غليه الخطبة. قال مالك في العتبية: وإذا أوصى الميت أن يصلي عليه رجل ووليه حاضر فالموصى إليه أحق، ومازال الناس يختارون لجنائزهم أهل الفضل من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم. وينبغي لولي الميت إذا حضر رجل له فضل أن يقدمه، وينبغي أن يفعل ذلك من سُئِل فيه. قال ابن حبيب: والموصى إليه أحق بالصلاة من الوالي، وقاله مالك. قال سحنون: ومن الولي. وقد قال مالك: وإذا أوصى على خير ولم يكن لعداوة بينه وبين وليه فذلك نافذ، وإن كان لعداوة بينهما لم تجز، والولي أحق.

قال ابن حبيب: وإذا أراد الأقعد من الأولياء أن يوكل بالصلاة أجنبيًا فذلك له، وليس لمن تحته من الأولياء كلام، كالنكاح يوكل به. قال ابن الماجشون وأصبغ في السليمانية: ليس له ذلك إن أراد أن يصلي هو بنفسه، وإلا فالذي معه من الولاة أولى بذلك، وحكاه عن محمد بن الحكم. م واحتج لهذا بعض الناس بالحضانة، قال: وذلك أشبه من عقد النكاح؛ لأن طريق ذلك الرأفة والشفقة. والله أعلم.

[باب -10 -] في صلاة النساء وخروجهن مع الجنائز وذكر النياحة والبكاء

[باب -10 -] في صلاة النساء وخروجهن مع الجنائز وذكر النياحة والبكاء [فصل -1 - في كيفية صلاة النساء على الجنازة] قلت: فهل تصلي النساء على الجنائز في قول مالك؟ قال: نعم. قال ابن القاسم: وإن مات رجل مع نساء لا رجل معهن صلين عليه أفذاذًا ولا تؤمهن إحداهن، ومن غير المدونة وأشهب يقول: تؤمهن واحدة منهن تقوم وسطهن. [فصل -2 - في حكم خروج النساء مع الجنازة] قال ابن القاسم: وكان مالك يوسع للنساء أن يخرجن مع الجنازة، قال مالك: ولا بأس أن تتبع المرأة جنازة ولدها ووالدها، ومثل زوجها وأخيها إذا عرف أن مثلها تخرج على مثله، وإن كانت شابة، وأكره أن تخرج على غيرهم من أقاربها ممن لا يكون لها الخروج عليهم. م كذا في الأم ممن لا يكون، وفي نقل أبي محمد وغيره ممن لا ينكر وهو أصوب، فيحتمل أن يكون معنى ما في الأم أن كل امرأة منصرفة ليست من ذوات القدر اللائي لا يخرجن يجوز لها أن تخرج على كل من يخرج عليه في الحياة، ولا تحتجب منه، ولا تخرج على من تحتجب منه من أقاربها، وأما على نقل أبي محمد فيكون المعنى أن المتصرفة تخرج على الولد والوالد والأخ والزوج

لا غير، ويكون معنى قوله: ممن لا ينكر الذين لا ينكر. كأنه قال: ولا تخرج على غير هؤلاء الذين لا ينكر عليها الخروج عليهم من الولد والوالد والأخ والزوج، وكذلك وقعت في المبسوط. والله أعلم، وهو الصواب إن شاء الله تعالى. ومن العتبية: سئل مالك عن/ النساء يخرجن إلى الجنازة على الرحائل ومشاة قال: قد كن يخرجن قديمًا، وقد خرجت أسماء تقود فرس الزبير وهي حامل، وقال: وما أرى به بأسًا إلا في الأمر المستنكر. وقال ابن حبيب: يكره خروج النساء إلى الجنائز، وإن كن غير نوائح ول ابواكي في جنائز الخاص من قرابتهن وغير الخاص وينبغي للإمام/ منعهن من ذلك. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن رأي منهن: "ارجعن مأزورات غير مأجورات". [فصل -3 - في النياحة والبكاء على الميت] ويكره اجتماع النساء للبكاء سرًا وعلانية، وقد نهى عمر النساء في موت أبي

بكر أن يبكين، وفرق جمعهن، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لطم الخدود، وشق الجيوب، وضرب الصدور والدعاء بالويل والثبور، وقال: "ليس منا من حلق ولا خرق ولا دلق ولا سلق"، وذلك حلاق الرأس وتخريق الثياب، والدلق ضرب الخدود وتمريش الوجه، والسلق الصياح في البكاء والقبيح من القول، ومنه (سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ)، وفي الحديث "لعنت

النائحة، والسامعة والشاقة جيبها، واللاطمة وجهها". والنياحة من بقايا أمر الجاهلية، ونهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وأغلظ فيها، وينبغي أن ينهى عن ذلك، ويضرب عليه، وقد ضرب عمر نائحة بالّدرة حتى انكشف رأسها، وضرب من جلس إليها من النساء. وقوله تعالى: (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) قال الحسن: لا ينحن، ولا يشققن ثوبًا ولا يخمشن وجهًا، ولا/ ينشدن شعرًا، ولا يدعون ويلاً. قال ابن حبيب: وقد أبيح البكاء قبل الموت وبعده، ما لم يرتفع به الصوت، أو يكون معه كلام يكره، أو باجتماع من النساء. وبكى النبي صلى الله عليه وسلم وابنه إبراهيم يجود

بنفسه، فقيل له في ذلك، فقال: "تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، يا إبراهيم لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وقضاء مقضي، وسبيل مأتي، وأن الآخر منا لاحق بالأول لحزنا عليك، ووجدنا بك أشد من وجدنا وحزننا، هذا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون"، ثم استرجع/ النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر من حمد الله عز وجل، ومر النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة يبكى عليها من غير نياحة فانتهرهن عمر، فقال عليه السلام: "دعهن يا ابن الخطاب؛ فإن العين دامعة، والنفس مصابة، والعهد حديث".

[باب-11 -] في السلام والحدث في صلاة الجنازة

[باب-11 -] في السلام والحدث في صلاة الجنازة [فصل-1 - في السلام في صلاة الجنازة] قال مالك: ويسلم إمام الجنازة واحدة يسمع ومن يليه، ويسلم المأموم واحدة يسمع نفسه فقط، وإن أسمع من يليه فلا بأس. قال مالك في الواضحة: ولا يرد عليه إلا من يسمعه، وكذلك عنه في العتيبة. وروى ابن وهب عن ابن عباس وغيره من الصحابة أن سلام الجنازة تسليمة خفيفة. [فصل-2 - في استخلاف الإمام في صلاة الجنازة لحدث أصابه] قال ابن القاسم: وإذا أحدث إمام الجنازة استخلف من يتم بهم باقي التكبير ثم إن توضأ فإن شاء رجع فصلى ما أدرك مأمومًا وقضى ما بقي عليه، وإن شاء لم يرجع. ومن العتبية قال ابن القاسم: وكذلك إن رعف فليستخلف من يتم بهم كان وليًا لها/ أم لا، وإن خرج ولم يستخلف بهم فليتقدم بهم أحدهم فيتم بهم، وأما إن أحدث متعمدًا أو قهقه فإنهم يقطعون جميعًا ويبتدؤون، وقاله سحنون، قال: وكذلك إن تكلم عامدًا، ولا سجود

سهو عليه في صلاة الجنائز، وقال أشهب: إذا قهقه إمام الجنازة أو تكلم عامدًا فليقدموا من يتم بهم بقية التكبير، ويبتدئ هو خلف المستخلف. قال أشهب: وإذا صلوا على الجنازة وهم جلوس أو ركوب فلا يجزئهم وليعيدوا. قال ابن القاسم: وإذا ذكر الإمام بعد أن صلى على الجنازة أنه جنب أجزأت الصلاة كالفريضة وأن القوم لا يعيدون، وإذا قهقه الإمام قطع وقطعوا وأعادوا الصلاة، وإن أحدث أو رعف قدم من يتم بهم، كالفريضة في هذا، وإن ذكر صلاة نسيها تمادى. قال أبو إسحاق: وهذا هو الأشبه في المتكلم عامدًا وإن كان غلبه من غير شيء أدخله على نفسه فهو الذي فيه الاختلاف فقد يمكن أن يقال: إنه لا يفسد الصلاة وقد وقع لابن القاسم أنه لا يرجع إلى الصلاة ويتم بهم غيره، ويعيدون صلاة الفريضة. وأما قول أشهب في الذي ذكر صلاة نسيها أنه يتمادى فإن قدر أن بقية الدعاء كان يسير كان صوابًا كمن ذكر بعد أن صلى ركعة من النافلة أنه يضيف إليها أخرى على أحد القولين، وإن كان الدعاء يطول فكيف ترك الوقت الواجب عليه؟ وهو يقول: إذا ذكر فريضة في فريضة بعد ركعة أنه يقطع ففي الجنازة إذا طالت أحرى أن يقطع ويستخلف على القول الثاني، إلا أن يقال إن الجنازة حضر وقتها والمذكورة فائتة فإدراكه التي حضر وقتها خير من أن يصلي الفائتة وتفوته هذه فلا يقدر على قضائها، ألا ترى أن محمد بن عبد الحكم يقول: إذ كان في خناق من وقت الصلاة فذكر صلاة فائتة أنه يبدأ بالتي حضر وقتها؛ لأنه إن ابتدأ بالفائتة فاتتاه جميعًا فكان مصليا لها في غير وقتها فالآن يصلي التي حضر وقتها فيدركها ثم يصلي الفائتة خير من أن يفوتاه جميعًا فهذا على القول أن يتمادى على صلاة الجنازة.

[فصل-3 -] في الصلاة على الجنائز بعد الصبح وبعد العصر قال مالك رحمه الله: ولا بأس بالصلاة على الجنازة بعد الصبح ما لم يسفر بالضياء، وبعد العصر ما لم تصفر الشمس، وفعله ابن عباس. قال مالك: فإذا أسفر أو اصفرت فلا يصلوا عليها حينئذ ويؤخروها/ إلى الطلوع أو إلى الغروب، وفعله عمر بن عبد العزيز. قال مالك: إلا أن يخافوا عليها فليصلوا عليها حينئذ. قيل لمالك: فإن غابت الشمس بأي ذلك يبدأ أبالمكتوبة أو بالجنازة؟ قال: أي ذلك فعلوا فحسن. وقال عنه ابن وهب: إن صلوا عليها/ بعد المغرب فهو أصوب، وإن صلوا عليها قبل المغرب فلا بأس بذلك، وقال يحيي بن سعيد. قال أشهب: في غير المدونة يبدؤون بالمغرب؛ لأنها أوجب ووقتها ضيق. وأما العصر والصبح فأحب إلي أن يبدأوا بالجنازة، وأما الظهر والعشاء فليبدأوا بما شاءوا إلا أن يخافوا في ذلك كله على الجنازة فسادًا أو فوات الصلاة فليبدأوا بما يخافوا

عليه، وإن صلوا على الجنازة عند طلوع الشمس أو عند غروبها فلا إعادة عليهم. قال ابن القاسم: وإن دفنت فلا يعيدوا عليها، وقد أرخص مالك أن: يصلوا عليها في هذه الساعات إن خيف عليها. م وإنما استحب أن يصلى عليها قبل العصر وقبل الصبح، لمنع جواز التنفل بعدهما، فرأى أن الصلاة عليها حينئذ كالتنفل؛ لقول من قال: إن الصلاة على الميت سنة، وأما الظهر والعشاء فالتنفل قبلهما وبعدهما جائز، فلذلك أمرهم أن يبدأوا بما شاءوا. قال علي عن مالك: ولا بأس بالصلاة عليها بالليل، ولا يصلي عليها إلا في وقت صلاة. قال أشهب: لا أكره الصلاة عليها نصف النهار، كما لا أكره التنفل حينئذ، ولم يثبت النهي عن الصلاة حينئذ، وقد ثبت النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها.

باب-12 - في تجصيص القبور والبناء عليها والجلوس والمشي والسلام عليها وزيارتها

باب-12 - في تجصيص القبور والبناء عليها والجلوس والمشي والسلام عليها وزيارتها [فصل-1 - في حكم تجصيص القبور والبناء عليها] وكره مالك رحمه الله تعالى تجصيص القبور، والبناء عليها، وهذه الحجارة التي تبنى عليها. م وإنما كره ذلك؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور، والقصة الجص؛ ولأن ذلك/ من زينة الدنيا وتفاخرها والميت غير محتاج إلى ذلك. قال في العتبية: وأكره المساجد المتخذة على القبور. ومن المدونة: روى ابن وهب عن بكر بن سوادة أن القبور كانت تسوى بالأرض وأن أبا زمعة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم "أمر بتسوية قبره إذا مات".

قال ابن حبيب: وروى جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ترفع القبور، أو يبنى عليها، أو يكتب فيها، أو تقصص"، ويروى تجصص يعني تبيض بالجير أو بالتراب الأبيض، وأمر بهدمها وتسويتها بالأرض، وفعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قال ابن حبيب: ولا بأس أن يوضع في طرف القبر الحجر الواحد؛ لئلا يخفى موضعه إذا عفا أثره. قال ابن القاسم في العتبية: لا بأس به في الحجر والعود يعرف الرجل به قبر وليه، ما لم يكتب عليه، ولا أرى قول/ عمر: ولا تجعلوا على قبري حجرًا أبدًا، إلا أنه أراد من فوقه على معنى البناء. [فصل-2 - في حكم الجلوس على القبور والمشي عليها والسلام عليها وزيارتها] ابن حبيب: ولا بأس بالجلوس على القبور، وإنما نهى عن الجلوس عليها

للمذاهب للغائط والبول؛ كذلك فسره مالك وخارجة بن زيد. وقد روى ذلك مفسرًا للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتوسدها ويجلس عليها. ولا بأس بالمشي على القبر إذا عفا، فأما وهو مسنم والطريق دونه فلا أحب ذلك؛ لأن في ذلك تكسير تسنيمه وإباحته طريقًا. وقد روي للنبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. ومن المجموعة سئل مالك عن زيارة القبور، فقال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ثم أذن فيه، فلو فعل ذلك أحد، ولم يقل إلا خيرًا لم أر به بأسًا، وليس من عمل الناس. قال ابن حبيب: لا بأس بزيارة القبور والجلوس إليها والسلام عليها عند المرور بها، وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: السلام عليكم يا أهل الديار من

المؤمنين والمسلمين، فيرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. اللهم ارزقنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم. ويدل على السلام على القبور ما مضى من السنة في السلام على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وقد قدم ابن عمر من سفره وقد مات أخوه عاصم فذهب إلى قبره ودعا له واستغفر له. قال غيره ورثاه فقال: فإن تك أحزان وفائض دمعة ... جرين دمًا من داخل الجوف منقعا تجرعتها في عاصم واحتسبتها ... وأعظم منها ما احتسا وتجرعا فليت المنايا كن خلفن عاصما ... فعشنا جميعًا أو ذهبن بنا معا دفعنا بك الأيام حتى إذا أتت ... تريدك لم نسطع لها عنك مدفعًا

[باب-13] في المرأة تموت حاملا هل يبقر بطنها على جنينها أو يبقر بطن من ابتلع مالا ثم مات؟

[باب-13] في المرأة تموت حاملًا هل يبقر بطنها على جنينها أو يبقر بطن من ابتلع مالا ثم مات؟ قال ابن القاسم: ولا يبقر بطن الميتة إذا كان جنينها يضطرب في بطنها. قال ابن القرطي: يدل على ذلك قول الله تعالى: (وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا). ولو قدر النساء على إخراجه برفق من مخرج الولد كان حسنًا. م وهذا من قوله: يرد ما استدل به؛ لأنه إذا كان الواجب أن يترك جنينها في بطنها حتى تضعه يوم القيامة فلا يخرج منها بوجه. وقال سحنون: سمعت أن الجنين إذا استوقن بحياته، وكان معقولًا معروف الحياة فلا بأس أن يبقر بطنها، ويستخرج الولد منها. قال محمد بن عبد الحكم: رأيت بمصر رجلًا مبقورًا على رمكة مبقورة. قال سحنون: وكذلك يبقر على/ دنانير في بطن الميت. وقال مثله أصبغ في

العتبية. قال ابن القاسم: وكذلك إذا ابتلع جوهرًا لنفسه/ أو وديعة عنده لخوف اللصوص ثم مات فإنه يشق جوفه، ويستخرج ذلك منه. قال ابن حبيب: وهذا عندي غلط شديد، ولا يشق على حال. قال: وإن كان جوهرة تساوي، ألف دينار وأضعاف ذلك. وقد قالت عائشة رضي الله عنها: كسر عظم المؤمن ميتًا ككسره حيًا، يعني في الإثم والحرمة، ولقد سألتهم عن المرأة تموت بجمع وولدها يضطرب في بطنها أيشق لاستخراج جنينها. فكلهم قال: لا، ولكن يستأني بها حتى يموت فكيف يشق بجوهرة أو دنانير.؟ م والصواب عندي ما قاله سحنون وأصبغ؛ لأن الميت لا يؤلمه ذلك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، وقد رأى أهل العلم قطع الصلاة لخوف وقوع صبي أو أعمى في بئر وقطعها من غير هذا فيه إثم، ولكن أبيح ذلك/ لإحياء نفس مؤمنة، فكذلك يباح بقر الميتة لإحياء ولدها الذي يتحقق موته لو ترك،

والواقع في بئر قد يحي لو ترك إلى فراغ الصلاة، فكان البقر أولى. وأما احتجاجه بقول عائشة رضي الله عنها فيحمل ذلك إذا فعله عبثا، وأما لما هو أوجب منه فلا، ألا ترى أن الحي لو أصابه أمر في جوفه يتحقق أن حياته باستخراجه لبقر عيه ولم يكن إثما في فعل ذلك بنفسه، ولا الأب في ولده ولا السيد في عبده إن فعله بهم جبرًا مع أن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت والله أعلم بالصواب. [فصل - 3 - في الجماعة في البحر يموت أحدهم ماذا يعمل به؟ يلقى في البحر أو ينتظر به البر] وإذا مات الميت في البحر فقال ابن القاسم: إن طمعوا بالبر في يومهم وشبه ذلك أمسكوه حتى يدفنوه في البر من يومهم، وإن يئس من ذلك غسل وكفن وصلوا عليه وألقوه في البحر، ولا يحبسوه. قال ابن حبيب: يلقونه في أكفانه مستقبل القبلة على شقه الأيمن. قال ابن الماجشون وابن القاسم: ولا يثقلوا/ رجليه ليغرق كما يفعل من لا يعرف، وحق على من وجده على ضفة البحر أن يدفنه، وقد قيل: يثقل بشيء إذا رمي في الماء.

تم كتاب الجنائز من الكتاب الجامع من المدونة وما يتعلق بها من غيرها من أمهات الدواوين بحمد الله تعالى وتوفيقه. وبقي من مسائل الجنائز أبواب لا يستغنى عن قرائتها ومعرفتها. وأنا أذكرها ليكمل الكتاب بها إن شاء الله تعالى.

[فصل - 4 - في حكم نبش القبر لاستخراج المال ونحوه]. قال أبو إسحاق: إذا ذكروا بعد الدفن أنهم نسوا في القبر كيسا أو ثوبا لرجل فإن كان يحدثان ذلك فتحوا القبر وأخرجوا ذلك، وإن طال ذلك وشاءوا أن يعطوا لصاحب الثوب قيمته فذلك لهم، وإلا فلهم أن ينبشوه. قال سحنون: ولو ادعى رجل أن الثوب الذي على الكفن له وقد دفن أو كان خاتما أو دنانير ادعاها فإن كان ذلك يعرف، أو أقر به أهل الميت ولم يدعوه لهم ولا للميت جعل له سبيل إلى إخراج ثوبه، وكذلك الخاتم والدنانير، وإن كان الثوب للميت فإن كان نفيسا فليخرج، وإن لم يكن كثير الثمن فليترك، وإن كان لغير الميت فلصاحبه كشفه عنه، وأخذ ثوبه نفيسا كان أو غيره. قال عيسى عن ابن القاسم: إذا دفن في ثوب ليس له، فلينبش لاستخراجه ثوبه، إلا أن يطول أمره ويروح الميت فلا يرى إلى ذلك سبيلا.

[باب - 14 -] في توجيه الميت وتلقينه وإغماضه ووضعه في قبره والتعزية بمصيبته

[باب - 14 -] في توجيه الميت وتلقينه وإغماضه ووضعه في قبره والتعزية بمصيبته [فصل -1 - في توجيه الميت إلى القبلة وتلقينه وإغماضه] ومن الواضحة قال مالك: ولا أحب ترك توجيه الميت إلى القبلة إن استطيع ذلك. ابن حبيب: وروي ذلك عن عي بن أبي طالب رضي الله عنه، وجماعة من السلف. وقال مالك في المجموعة: وما علمته من الأمر القديم ينبغي أن يوجه إلى القبلة على شقه الأمن فإن لم يقدر فعلى ظهره ورجلاه إلى القبلة. ابن حبيب: ولا أحب أن يوجه إلى القبلة، إلا أن يغلب أو يعاين، وذلك عند إحداد نظره وشخوص بصره، وينبغي أن يلقن لا إله إلا الله ويغمض/ بصره إذا قضى. وروي أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أمر بذلك، وروي أنه قال: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله حرم على النار"، ويستحب أن

يقال عنده حين يحتضر سلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، لمثل هذا فليعمل العاملون، وعد غير مكذوب. قال غيره: الإغماض سنه، أغمض النبي (صلى الله عليه وسلم) أبا سلمة، وأغمض أبو بكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم). قال مالك/: ولا بأس أن تغمضه الحائض والجنب. ابن حبيب: ويستحب أن يقال عند إغماضه: بسم الله، وعلى وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اللهم يسر عليه أمره، وسهل عليه موته، وأسعده بلقياك، واجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج منه. ويستحب أن لا يجلس عنده إذا احتضر إلا أفضل أهله وأحسنهم هديا وكلاما، وأن يكثروا من الدعاء، فإن الملائكة يحضرونه، ويؤمنون على دعاء الداعي له، وأكره أن تحضره الحائض والكافر،

أو يكون عليه أو قربه ثوب غير طاهر. ويستحب أن يقرب منه رائحة طيبة من بخور أوغيره، ولا بأس أن يقرأ عند رأسه بسورة "يس" أو غيرها. وقد سئل عنه مالك: فلم يكرهه، وقال: إنما أكره أن يعمل بذلك استنانًا وقال في المجموعة والعتبية: ليس القراءة والإجمار من عمل الناس. فصل -2 - [صفة وضع الميت في قبره] ويجعل الميت في قبره على شقه الأيمن مستقبل القبلة؛ لقوله عليه السلام: "أشرف المجالس ما استقبل به القبلة". وقد روي عن السلف أنهم أمروا أن يفعل ذلك بهم عند احتضارهم؛ ولأن الميت كان يعظم هذه الجهة في حياته فيوجه إليها / بعد وفاته، فإن لم يقدر جعلت رجلاه إلى القبلة واستقبلها بوجهه، كالمريض الذي يوجه إلى الصلاة.

[فصل - 3 - اللحد أفضل من الشق] واللحد أفضل من الشق إلا لضرورة؛ لقوله عليه السلام: "اللحد لنا والشق لغيرنا". وألحد له (صلى الله عليه وسلم)، وكذلك السلف، وعليه عمل الأمة. م وهو أن يحفر له تحت الجرف في حائط القبلة. [فصل - 4 - في فضل التعزية وما يقول المعزي] قال ابن حبيب: قد جاء في تعزية المصاب ثواب كثير، وجاء أن الله تعالى يلبس الذي عزاه لباس التقوى. وروي أن النبي (صلى الله عليه وسلم): كان إذا عزى قال: "بارك الله لك في الباقي، وآجرك في الفاني"، وعزى عليه السلام امرأة في ابنها، فقال: "إن لله ما أخذ وإن له ما أبقى، وكل شيء عنده بأجل مسمى؛ وكل إليه راجعون، فاحتسبي واصبري فإنما الصبر عند أول الصدمة.

وكان ابن سيرين يقول: أعظم الله أجرك وأعقبك عقبانًا لدنياك / وأخراك. وقال مكحول: أعظم الله أجرك، وجبر مصيبتك، وأحسن عقباك، وغفر لمتوفاك. وكل واسع. قال غيره: وأحسن التعزية ما جاء به الحديث "آجركم الله في مصيبتكم، وأعقبكم منها خيرًا، إنا لله وإنا إليه راجعون". وأصيب عمر بن عبد العزيز بامرأة من أهله فلما دفنت ورجع معه القوم فأرادوا أن يعزوه عند منزله فدخل وأغلق الباب، وقال: إنا لا نعزي في النساء، وفعله عبد الملك في وفاة ابنته، ولغير ابن حبيب: عن مالك أنه قال: إن كان فبالأم، قال غيره: وكل واسع. وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "ليعز المسلمين في مصائبهم المصيبة بي". وجعل المصيبة بالزوجة

الصالحة والقرين الصالح مصيبة. قال النخعي: كانوا يكرهون التعزية عند القبر. قال ابن حبيب: ذلك واسع في الدين فأما في الأدب فيعز الرجل في منزله.

[باب - 15 -] في بقاء الروح وذكر النفس والروح وفتنة القبر

[باب - 15 -] في بقاء الروح وذكر النفس والروح وفتنة القبر [فصل - 1 - في بقاء الروح وذكر النفس والروح] قال أبو محمد: ومن قول أهل السنة وأئمة الدين في الأرواح أنها باقية فأرواح أهل السعادة منعمة إلى يوم الدين، وأرواح أهل الشقاء معذبة إلى يوم يبعثون. قال الله تعالى في الشهداء: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} إلى قوله: {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ}. وهذا في الذين من خلفهم بعد في الدنيا، وقال في آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا)، وهذا قبل قيام الساعة (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)، وقال تعالى: (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى). ولم يقل فيميت التي قضى عليها/ الموت فوفاة النفوس والأرواح توفى قبض، لا توفى تلاشى. قال الله عز وجل: (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا)، وذلك في زوال الروح عن الجسد. وقال في الكفار: (وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ

اليوم) ولم يقل إنهم يميتون أنفسهم. وقال الله تعالى في قول من قال من الموتى (رَبِّ ارْجِعُونِ) فهذا قول/ الروح، وإذا كان الشهداء قبل يوم القيامة أحياء يرزقون فكذلك لا يمنع من سعد بطاعته أن تكون روحه منعمة ويتفاضلون في الدرجات. وقد تظاهرت الأحاديث بتنعيم أرواح المؤمنين بعد الموت قبل يوم القيامة وأنها تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش، وأنها تعلق في شجر الجنة يقول تأكل، كما قال في الشهداء: (يُرْزَقُونَ)، وهذا لا يدفعه إلا زائغ ملحد. وأما حديث في

حواصل طير خضر فليس بصحيح، والصحيح ما ذكرت، ومما يؤيده القرآن؛ ولأن الروح لا ترجع إلا إلى جسده الذي كان فيه، وكذلك جاء الأثر في النفخ في الصور لتخرج منه الأرواح كل روح إلى جسده. واختلف في النفس والروح، فقيل: إنهما اسمان بمعنى واحد، وإليه ذهب غير واحد من أصحابنا، منهم: سعيد بن محمد الحداد، وذكر أصبغ عن

ابن القاسم في العتبية وغيرها أنه سمع عبد الرحيم بن خالد يقول بلغني أن الروح له جسد ويدان ورجلان ورأس وعينان يسل من الجسد سلا. وفي رواية ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم عن عبد الرحمن أن النفس هي التي جسد مجسد. قال ابن حبيب: وهي في الجسد كخلق مركب عليه خلق، وكخلق في جوف خلق تسل من الجسد بصورتها، ويبقى الجسد جثة، والروح هو النفس الجاري الداخل والخارج ولا حياة للنفس إلا به، فالنفس هي التي تلذ وتفرح وتألم وتحزن وتعقل وتسمع وتبصر وتتكلم، والروح لا تلذ ولا تألم ولا تعرف شيئا، والنفس هي التي ترى في المنام وتقبض عند النوم، ومن انقضى أجله اتبع روحه نفسه في المنام فكان ذلك توفية، ثم تصير الأرواح والأنفس بعد الموت شيئًا واحدًا وإنما تميز في الأجساد فإذا انقضى الأجل تبع الروح النفس فصارت كلها أرواحا عند الله تعالى، قال: (وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا) هي التي ترجع إلى جسدها إلى تمام أجلها، ومنه قول النبي (صلى الله عليه وسلم) عند/ المضطجع: "اللهم إن أمسكت نفسي فاغفر لها وارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به الصالحين من عبادك"، ومنه قول الله تعالى:

(فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى). فليست تموت الأنفس والأرواح، وإنما تموت الأجساد، وتخرج النفس ثم هي حية عند الله تعالى إلى يوم الدين. / والله أعلم. فصل - 2 - [في فتنة القبر] قال ابن حبيب: وفتنة القبر وعذابه قوي عند أهل العلم والسنة، وإنما يكذب به زنديق ومن لا يؤمن بالبعث بعد الموت. وقد روي أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: "إذا قبضت الروح عرج بها إلى السماء حتى توقف بين يدي الجبار فإن كانت من أهل السعادة أمر الله تعالى ملائكته يذهبون بها فيرونها مقعدها من الجنة وما أعد الله لها من النعيم، وإن كانت من أهل الشقاء أروها مقعدها من جهنم وما أعد الله لها فيها من العذاب، ثم يذهبون بها قدر ما فرغ من

غسل الجسد وكفنه فيدخلون ذلك الروح بين الجسد والكفن فما يتكلم أحد بشيء إلا وهو يسمعه إلا أنه منع من المراجعة فإذا وضع في قبره وواروه سمع خفق نعالهم ونفضهم أيديهم من التراب ثم يأتيه فتانا القبر منكر ونكير ملكان/ أسودان أزرقان يطآن في شعورهما وينحتان الأرض بأنيابهما معما إرزبة من حديد لو اجتمع عليها أهل منى لم يطيقوها. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): وهي أهون عليهما من هذا ورفع شيئًا من الأرض فيسألانه عن ربه وعن نبيه وعن دينه، فيثبت الله الذين آمنوا ويضل الله الظالمين. قال ابن حبيب: ثم يذهب بروح المؤمن بعد فتنته في قبره إلى عليين، وفيها تجتمع أرواح المؤمنين، فهي باقية في صورة طير بيض تذهب في الجنة

حيث شاءت وتصيب من ثمارها، وترى مقعدها ومثواها من الجنة إلى يوم القيامة بالغداة والعشي، ثم تأوي إلى جنة المأوى في ظل العرش إلى / قناديل من نور معلقة بالعرش وإنما سميت جن المأوى؛ لأن أرواح المؤمنين تأوي إليها ويبقى جسد المؤمن في قبره رميما إلا من كرم الله من المؤمنين، كما كرم أنبياءه فلا تنقض الأرض من أجسادهم شيئًا. والأنبياء عليهم السلام أول من يخرج من الأرض يوم البعث، وأما الكافر فترد روحه بعد عذابه في قبره إلى سجين وهي شجرة سوداء على شفير جهنم فيها تجتمع أرواح الكفار والأشقياء الفجار في جوف طيور سود تعرض على النار بالغداة والعشي إلى يوم البعث، ويبقى جسده في قبره رميما. ومنهم من حفر عنه فوجد رمادًا في قبره قد احترق. وأرواح المؤمنين خاصة تطلع على قبورهم ومواضع رميم أجسادها ذاهبة وراجعة ثم تأوي إلى جنة المأوى مكرمة من الله تعالى لها، ولذلك أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بالسلام على القبور وزيارتها، وأما أرواح الأشقياء فمحبوسة في سجين لا يؤذن لها باطلاع قبورها تضييقًا من الله تعالى عليها فإذا كان يوم القيامة جمعت الأرواح/ كلها فأدخلت في الصور، والصور مثقب على عدد الأرواح كلها، فإذا نفخ فيه نفخة البعث خرج كل روح من ثقبه في فور واحد فتنتشر ما بين

السماء والأرض كأنها النحل، ثم تذهب إلى أجسادها، وقد أنبتها الله تعالى فيأتي كل روح إلى جسده، وقد ألهمه الله سبحانه وتعالى إلى معرفته فتدخل فيه من منخريه ويدب في الجسد، فإذا هم أحياء فيتنهون صوت نفخة الصور وهو قوله تعالى: (يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ)، فذلك البعث والحشر إلى الله عز وجل لفصل القضاء، وهو قوله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) هنا كمل كتاب الجنائز، وبتمامه تم الجزء الأول من الجامع لابن يونس، ويتلوه في الصاني كتاب الصيام بحمد الله تعالى وحسن عونه وتوفيقه الجميل وبمنه الجزيل عشية الثلاثاء الثاني والعشرين من شهر الله جمادي الثاني من عام ثمانية وتسعون ومئة وألف بالبلاد المباركة، اللهم تقبله وانفع وارحم كاتبه وآمره بالكتاب دنيا وأخرى إنك جواد كريم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا. أ. هـ.

كتاب الصوم

كتاب الصوم من الجامع

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كتاب الصوم من الجامع وهو الجزء الثاني من جامع الإمام أبي بكر محمد بن عبد الله بن يونس رحمه الله تعالى ورضي عنه ونفعنا به وبعلومه، آمين. [باب - 1 - في وجوب الصوم ومعناه وطرق العلم بدخوله وفروضه] [فصل] في فريضة الصوم وصيام شهر رمضان فريضة واجبة على الأعيان المكلفين المطيقين المقيمين؛ لقوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) إلى قوله: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): "بني الإسلام على خمس"، فذكر صوم شهر رمضان، ولا خلاف في ذلك.

[فصل -2 - في معنى الصيام] والصيام في اللغة الإمساك، ومنه قوله تعالى: (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا) أي نذرت إمساكا عن الكلام. [فصل - 3 - في طرق العلم بدخول رمضان] وللعلم بدخوله ثلاث طرق، وهي: الرؤية، والشهادة عليها، فإن لم يوصل إلى ذلك، فإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما. فأما بالرؤية فلقوله (صلى الله عليه وسلم): "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته"؛ ولأن الرؤية حق مقطوع به، وما سواها مظنون، فإذا وجب الصوم بالمظنون كان بالمتحقق أولى، وأما بالشهادة فلورود الأخبار بذلك، وإجماع الأمة عليه، فإن لم يوصل إلى ذلك أكمل عدة شعبان ثلاثين؛ لقوله (صلى الله عليه وسلم): "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم، فأتموا ثلاثين يوما".

[فصل -4 - في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: فإن غم عليكم فاقدروا له]. قال بعض أصحابنا البغداديين: / وقال في حديث آخر: "فإن غم عليكم فاقدروا له". والإقدار: هو التمام. قال الله تعالى: (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) أي تمامًا. قال ابن أبي زمنين في قوله عليه السلام: "فإن غم عليكم" يعني التبس العدد، وليس من باب القيم، ولو كان كذلك لقال: "فإن غيم عليكم"، هكذا فسره بعض أهل اللغة، وقاله بعض أصحابنا البغداديين. وقال أشهب: فإن غم عليكم أكملوا شعبان ثلاثين يوما فإن غم عليكم هلال شوال أكملوا رمضان ثلاثين يوما. [فصل - 5 - في فروض الصوم] وفروضه ثلاثة: تبييت الصوم، والنية لرمضان وإمساك طرفي المفترض، أي يكف عن الأكل والشرب وقرب النساء من لدى طلوع الفجر إلى غروب الشمس. فأما تبييت النية فلقوله (صلى الله عليه وسلم): "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من

الليل". وأما النية فلقوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ولقوله (صلى الله عليه وسلم): "إنما الأعمال بالنيات"، وقد تقدم شرح ذلك وأما الإمساك فلقوله تعالى: (وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) يريد حتى تقاربوا بيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، كما قال تعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) يريد قاربن بلوغ أجلهن، ولا فرق بين أول اليوم وآخره، فكما لا يجوز أيفطر حتى يدخل جزء/ من الليل، فكذلك لا يأكل إلى دخول جزء من النهار، ودل بذلك أيضا أن لا صيام إلا لمن بيته؛ لأنه إذا لم يجزئه بدء

الصيام بعد مضي شيء من النهار لم يجد بدًا أن يكون انعقاد الصوم قبل أوائل أجزاء النهار. وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): "من لم يجمع على الصيام قبل الفجر فلا صيام له" وهو حديث معروف أسنده ابن وهب وغيره. قال ابن القاسم: قال مالك: ومن لم يبيت الصوم أول ليلة من رمضان أجزأه من بقيته، وكذلك من نذر صوم شهر بعينه أو شهور متتابعة أجزأه التبييت أول ليلة، وقال الشافعي رضي الله عنه: لا يجزئه، حتى ينوي لكل يوم منفرد ودليله أنه صوم فوجب أن ينوي لكل يوم، كالقضاء والنذر؛ ولأن كل يوم منفرد بنفسه لا يتعدى فساده إلى غيره دليله صلاتان، ودليلنا قوله

(صلى الله عليه وسلم): «من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له». فلما جاز التبييت من أول الليل لأول يوم وبينه وبين اليوم مهلة وجزء من الليل يفطر فيه، فكذلك اليوم الثاني والثالث، وسائر الشهر. وقد قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): «وإنما لامرئ ما نوى». وهذا قد نوى صوم الشهر كله وأما تشبيهه بالصلاة فهو غير لازم؛ لأن الصلاة النية فيها مقارنة لها، وفي الصوم يجوز أن يكون بينهما تراخ إذ/ لو لزم أن تكون النية مقارنة لأول النهار؛ لم يجز الصوم إلا لمن كان منتبهاً قبل الفجر إلى ما بعده، ولو كان ذلك لأدى إلى الحرج، ولم يجعل الله علينا في الدين من حرج، فلما جاز التراخي في اليوم الأول جاز فيما بعده، وأما تشبيهه بالقضاء والنذر فغير لازم أيضاً؛ لأن ذلك يجوز تفريقه، فلما جاز له أن يفطر اليوم الثاني احتاج إلى تجديد النية له، وكذلك الثالث والرابع، ولما كان رمضان لا يجوز فطر شيء منه أجزأته النية له كله، كاليوم الواجب، وكذلك كل صوم متتابع، وهذا بين. وبالله التوفيق. قال أبو إسحاق: وذلك أن التبييت في رمضان إنما أجزأ أول ليلة؛ لأنه لا يتخلله زمن فيصح فيه الفطر، والليل ليس بموضع للصوم فصيام الشهر كله كالصلاة الواحدة، وأجزأ التبييت في أوله.

قال في سماع ابن القاسم: وكذلك من نذر صوم يوم بعينه أبدا فذلك يجزئه من تجديد نية التبييت فيه لكل يوم. قال في المختصر وكتاب ابن حبيب: وكذلك من شأنه صوم يوم بعينه أو شأنه سرد الصيام ليس عليه التبييت في كل يوم، وقال الأبهري: يشبه أن يكون قول مالك في ترك التبييت لمن عود نفسه صوم يوم بعينه / أو سرد الصيام استحسانا، والقياس أن عليه التبييت كل ليلة لجواز فطره. م ويحتمل أن مالكا رحمه الله أراد بقوله في من شأنه صوم يوم بعينه أو سرد الصيام، أي: شأنه بنذر كان نذره، فإذا كان نذر أجزأته النية الأولى فيه؛ إذ لا يجوز له فطره، والله أعلم. ومن العتبية: قال موسى عن ابن القاسم عن مالك: لا يجزي الصيام في السفر في رمضان إلا بنية في كل ليلة؛ لجواز الفطر له. قال محمد بن الجهم: والذي يقضي رمضان عليه التبييت في كل ليلة. قال أبو محمد: ويتبين لي أن من سافر في رمضان ثم قدم أن عليه أن يأتنف التبييت، وكذلك المرأة تحيض ثم تطهر، والرجل يمرض ثم يفيق.

وقد قال مالك في المعتكفة: إذا خرجت للحيضة ثم طهرت نهارا فلا تعتد بيوم تطهر فيه، ولكن ترجع إلى المسجد، إلا أن تطهر قبل الفجر وتنوي الصيام وتدخل حين/ يصبح فيجزئها، فقوله: وتنوي الصيام دليل أن من مرض ثم أفاق أنه يأتنف التبييت.

[باب - 2 -] في الفطر والفجر والسحور في رمضان أو غيره

[باب - 2 -] في الفطر والفجر والسحور في رمضان أو غيره/ [فصل - 1 - في آخر وقت السحور] قال مالك رحمه الله: ويحرم الأكل بطلوع الفجر المعترض في الأفق، لا بالبياض الظاهر قبله. قيل لابن القاسم: ما الفجر عند مالك؟ فقال: سألنا مالكا عن الشفق ما هو؟ فقال: هو الحمرة. قال مالك: وإنه ليغع في قلبي، وما هو إلا شيء فكرت فيه منذ قريب أن الفجر يكون قبله بياض ساطع، فذلك لا يمنع الصائم من الأكل، فكما لا يمنعه ذلك من الأكل حتى يتبين الفجر المعترض في الأفق، فكذلك البياض الذي يبقى بعد الحمرة لا يمنع مصليا أن يصلي العشاء. م قول مالك: " وما هو إلا شيء فكرت فيه منذ قريب" يريد أنه لم يفكر في صورة الفجر، وإنما فكر في الاحتجاج بالفجر الأول على مخالفه في صلاة العشاء الذي يقول: لا يصلي العشاء حتى يذهب البياض الباقي بعد الحمرة، وذلك أنه ومخالفه يقولان: لا حكم للفجر الأول، وهو بياض قبل البياض المعترض في الأفق. قال مالك: فكذلك ينبغي أن يكون البياض الذي يبقى بعد الحمرة لا حكم له، فلا يمنع مصليا أن يصلي العشاء، وقد عبر بعض البغداديين عن

ذلك، فقال: لما وجدنا ثلاث طوالع تلي النهار، وهي: الفجر الأول، والفجر الثاني، وطلوع الشمس، وثلاث غوارب تلي الليل وهي غروب الشمس والشفق الأول والشفق الثاني، فلما اتفقنا على أن الاعتبار بالطالعة الوسطى وجب أن يكون الاعتبار أيضا بالغاربة الوسطى. والله أعلم. فصل - 2 - : [السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور] ومن السنة أن يعجل الفطر عند غروب الشمس، ولا يؤخر، وأن يؤخر السحور؛ لقوله (صلى الله عليه وسلم): "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر". وروي أنه (صلى الله عليه وسلم) "كان يتسحر، ويقوم لصلاة الغداة". قال أنس: كان بين ذلك قدر خمسين آية. وفي بعض الحديث: "أن من عمل النبوة تعجيل الفطر، وتأخير السحور". ومن المجموعة قال أشهب: يستحب تأخير السحور ما لم يدخل إلى

الشك في الفجر، ومن عجله فواسع يرجا له من الأجر ما يرجا لمن يرجا لمن أخره/ إلى آخر أوقاته. وكره مالك لمن شك في الفجر أن يأكل. قال مالك: ومن أكل في رمضان، ثم شك أن يكون أكل قبل الفجر أو بعده فعليه القضاء، إذ لا يرتفع فرض بغير يقين. قال ابن حبيب: وإن كان قد روي عن ابن عباس في من شك في الفجر: أن يأكل فليأكل حتى يوقن به، وهو القياس؛ لقوله تعالى: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) وهو العلم به، وليس الشك علما به، ولكن الاحتياط أحب إلينا أن لا يأكل في الشك، قال مالك. فإن أكل بعد شكه فعليه القضاء استحبابًا، إلا أن يتبين أنه أكل بعد الفجر فيكون واجبًا.

قال أشهب في المجموعة: من أكل أو شرب أو جامه وهو شاك في الفجر فإنما عليه القضاء. وذكر عن ابن عمران في قول ابن حبيب/: إنما عليه القضاء استحبابًا أنه خلاف لقول مالك، بل القضاء عليه واجب؛ لأن الصوم في ذمته بيقين، فلا يزول عن ذمته إلا بيقين؛ ولأن الشاك في صلاته هل صلى ثلاثًا أم أربعًا؟ إنما يبني أمره على أنه صلى ثلاثًا، فكذلك هذا إذا شك في الفجر فهو كمن لم يدر أكل قبل الفجر أو بعده، فيحمل أمره على أنه أكل بعده/ فوجب عليه لذلك القضاء إيجابا، لا استحبابًا، ولم يكن عليه كفارة؛ لأنه غير قاصد لانتهاك حرمة الشهر، وروي عن بعض الأندلسيين: أنه إن أفطر شاكا في غروب الشمس أن عليه القضاء والكفارة، بخلاف أكله وهو شاك في الفجر، وذهب ابن القصار وعبد الوهاب وغيرهما أن ذلك سواء، وليس عليه إلا القضاء في الوجهين؛ لأنه غير منتهك لحرمة الشهر، وهذا أصوب. قال مالك: ومن أكل في قضاء رمضان، ثم شك أن يكون أكل قبل الفجر أو بعده فعليه القضاء؛ إذ لا يرتفع فرض بغير يقين. قال ابن حبيب: ويجوز تصديق المؤذن العارف العدل أن الفجر لم يطلع. قال: وإن سمع الأذان، وهو يأكل، ولا علم له بالفجر، فليكف،

ويسأل المؤذن عن ذلك الوقت فيعمل على قوله, فإن لم يكن عنده عدلاً ولا عارفًا فليقض, وإن كان في قضاء رمضان فليقض, ومباح له فطر ذلك/ اليوم أو التمادي. قال: وإن طلع عليه الفجر, وهو يأكل, فليلق ما في فيه, وينزل عن امرأته إن كان يطأ, ويجزئه الصوم إلا أن يُخَضْخِض الواطئ بعد ذلك. وقاله ابن القاسم. وقال ابن الماجشون: أما في الوطَء فليقض؛ لأن إزالته لفرجه جماع بعد الفجر, ولكنه لم ينتهك ولم يتعمد؛ فلذلك لم يكفر, ولا شيء عليه في الطعام؛ لأن طرحه ليس بأكل. قال ابن القصار: إذا طلع عليه الفجر, وهو مولّج فلبث قليلاً متعمداً, ثم أخرجه أن الكفارة تلزمه مع القضاء. ومن «المدونة» قال مالك: ومن تسحر بعد الفجر, ولم يعلم بطلوعه فإن كان في تطوع فلا شيء عليه, ولا يفطر بقية يومه, فإن فعل قضاه, وإن كان صومه هذا من نذر أوجبه على نفسه, مثل: قوله: لله علي صوم عشرة أيام متتابعة بغير عينها فنابه ذلك بعد أن صام بعضها ترك الأكل في بقية يومه, وقضاه ووصله بصومه, فإن لم يصله أو أفطر باقي يومه ابتدأ, وإن نابه ذلك في أول يوم منها, فإن شاء أفطره وابتدأ صوم عشرة أيام, ولا أحب له أن يفطره, فإن

فعل فإنما عليه عشرة أيام أحدها قضاء ذلك اليوم. قال ابن القاسم: وإن كانت أيامًا بأعيانها أو شهراً بعينه نذره فصام بعضها, ثم تسحر بعد طلوع الفجر ولم يعلم أو أكل ناسيًا فليتماد علي صومه ويقض يومًا مكانه. قال: فإن نابه ذلك في رمضان فليتم صومه ويقض يومًا آخر أيضًا. قال: وإن كان في قضاء رمضان, فأحب أن يفطر يومه ذلك أفطره وقضاه وأحب إلي أن يتمه ويقضيه, وإن كان في صيام تظاهر أو قتل نفس مضى في صومه وقضى ذلك اليوم , ووصله بصومه, فإن لم يصله بصيامه استأنف الصوم. م يريد وكذلك إن نسي أن يصله فإنه يستأنف الصوم؛ لأنه بيت الفطر اليوم الذي يلي صومه, فهو بخلاف من بيت الصوم وأكل في النهار ناسيًا. وقد قال مالك: في من حلف بالطلاق ليصومن غدًا فبيت الصوم, ثم أكل/ ناسيًا أنه يتمادى علي صومه, ولا حنث عليه, يريد ولو بيت الفطر ناسيًا ليمينه

فأفطر ثم علم فأمسك لم ينفعه ذلك وحنث, ولأن أهل العلم أجمعوا أنه إن نسي النية بطل الصوم, واختلفوا إن أكل ناسيًا. ومن المدونة: وذكر مالك: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أفطر يومًا في رمضان في يوم غيم ورأى أنه قد غابت الشمس, ثم قيل له: قد طلعت الشمس, فقال عمر بن الخطاب: الخطب يسير وقد اجتهدنا. قال مالك: يريد بالخطب القضاء. وإلي هذا ذهب الحنفي والشافعي. وذهب الحسن وابن سيرين إلي أن لا قضاء/ عليه. وكذلك إذا أكل بعد الفجر يظنه قبله, ودليلهم قوله صلي الله عليه وسلم: ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان))؛ ولحديث عمر هذا؛ فإنه قال: ((والله لا يقضي)) فلم ينكر عليه أحد.

ودليلنا: أن النبي صلي الله عليه وسلم نزل به مثل ذلك فأمرهم أن يقضوا يومًا مكانه, ولأنه أكل نهارًا في رمضان, فأشبه العامد. وأما احتجاجهم بقوله عليه السلام: ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان)) فمحمول علي رفع المأثم,/ وما رووه من قول عمر: "والله لايقضي", فيجوز -إن صح منه- أن يكون ذلك مذهبًا لعمر, والسنة مقدمة عليه. ومن المدونة: قال يحيى بن سعيد في من وطئ أو أكل في رمضان ناسيًا: أنه يتم صومه, ويقضي يومًا مكانه, وقاله مالك. وقال أبو حنيفة والشافعي في من أكل ناسيًا: لا قضاء عليه, ودليلهم ما رووه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم: ((من أكل أو شرب ناسيًا في رمضان فلا قضاء عليه ولا كفارة)).

وروي أنه قال: ((ليتم صومه فإن الله أطعمه وسقاه))؛ ولأنه أكل ناسيًا في الصوم فأشبه ما لو أكل في صوم التطوع, وكمن تكلم في صلاته ناسيًا. ودليلنا قوله تعالي: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] , وهذا غير متم له؛ ولأن الأكل عامدًا تجب عليه الكفارة كالواطئ/ ساهيًا؛ ولأنه مكلف حصل أكلاً في نهار رمضان, فأشبه العامد في القضاء؛ ولأن السهو نوع من الأعذار فلم يمنع القضاء أصله المرض؛ ولأن الإمساك أحد أركان الصوم فكان تركه سهوًا يوجب عليه القضاء أصله النية, فإذا ثبت هذا فما رووه من الحديث غير ثابت عندنا, ولا حجة لهم في الحديث الثاني؛ لأنه ليس فيه أن لا قضاء عليه. وأما احتجاجهم بالتطوع فهو بخلاف الفرض؛ إذ لا كفارة في عمده, وأما احتجاجهم بالكلام في الصلاة فالكلام غير مناف للصلاة؛ لأنه لو تكلم عامدًا

في إصلاح الصلاة لم تبطل صلاته, والأكل مناف للإمساك, كما أن الحدث في الصلاة مناف لها, وعمد ذلك وسهوه يبطلها, فكذلك الأكل عمده وسهوه يبطل الصوم, وإنما يرتفع عن الناسي والساهي المأثم والكفارة؛ لقوله عليه السلام: ((حمل عن أمتي الخطأ والنسيان))؛ لأن الكفارة لرفع الإثم, فإذا لم يكن إثم فلا كفارة فيه. وبالله التوفيق. وليس قصدنا هذا الباب, وإنما نذكر منه بعض مسائل لئلا يخلو هذا الكتاب من هذا المعنى.

[باب-3 -] في الصوم والفطر للهلال والشهادة فيه, ومن رآه وحده

[باب-3 -] في الصوم والفطر للهلال والشهادة فيه, ومن رآه وحده [فصل-1 - لا يصام ولا يفطر إلا برؤية الهلال] قال الله سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189]. ونهى الرسول صلي الله عليه وسلم عن الصوم والفطر إلا للأهلة, وقال: ((الشهر ثلاثون وتسعة وعشرون)) , وقال: ((فإن حال دونه غمام فأتموا العدة ثلاثين)) , وقال: ((فإن غم عليكم فاقدروا له))؛ ولأن الأصل بقاء شعبان فلا ينتقل عنه إلا بأن يثبت دخول رمضان, وليس إلا بالرؤية, أو بالشهادة, أو إكمال العدة. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إذا شهد في الهلال رجلان مسلمان فصوموا, أو قال أفطروا". قال مالك: ولا يجوز في رؤية هلال رمضان شهادة رجل واحد, وإن كان عدلاً, فإن عثمان بن عفان أبى أن يجيز شهادة هشام بن

عتبة وحده علي هلال رمضان. قال سحنون/: ولو كان مثل عمر بن عبد العزيز ما صمت/ ولا أفطرت بشهادته. [فصل-2 - الرؤية لا تثبت إلا بشهادة رجلين] قال مالك: ولا يصام ويفطر ولا يقام الموسم إلا بشهادة رجلين حرين مسلمين عدلين علي رؤية الهلال. ومن المجموعة قال أشهب: وإن علم الشاهد من نفسه أنه غير عدل فإن كان مستورًا يمكن أن تقبل فعليه أن يشهد, وإن كان مكشوفًا فأحب إلي أن يشهد, وما عليه بالواجب, ولا تجوز فيه شهادة جماعة نساء ولا عبيد ولا الإماء ولا المكاتبين ولا أمهات الأولاد. م وإنما لم تجز شهادة النساء فيه؛ لأنها لا تجوز إلا حيث أجازها الله عز وجل في الدين, وفيما لا يطلع عليه أحد إلا هن, فتجوز للضرورة, والهلال فالرجال مطلعون غالباً عليه, وإنما لم تجز شهادة العبيد؛ لأن شهادة غير العدول غير مقبولة, والحرية من شروط العدالة, كالإسلام, وإنما لم تجز فيه

شهادة واحد خلافاً للشافعي؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: ((فإن شهد ذوا عدل فصوموا وافطروا)) فشرط العدد في الشهود يثبت وجوبه؛ ولأنه حكم يثبت في البدن فلم يقبل في الشهادة عليه واحد, أصله النكاح والطلاق؛ ولأنها شهادة علي رؤية كالفطر, وهو يقول فيه: لا يجزئ أقل من اثنين. ومن المدونة قال مالك في الذين قالوا يصام بشهادة واحد: أرأيت إن أغمي هلال شوال كيف يصنعون؟ أيفطرون أم يصومون واحدًا وثلاثين؟ فإن أفطروا خافوا أن يكون ذلك اليوم من رمضان. م وذلك أن مخالفنا يقول: يصام بشهادة رجل واحد, ولا يفطر إلا بشهادة رجلين, فإذا صاموا بشهادة رجل واحد وأغمي آخر الشهر فإن أكملوا ثلاثين بشهادته وأفطروا فقد أفطروا بشهادة واحد, ونقضوا قولهم, وإن صاموا إحدى وثلاثين فقد خالفوا الأمة وكذبوا شاهدهم. م ولا ينظر في هذا إلي قول المنجمين؛ لقوله عليه السلام: ((من صدق كاهنًا أو منجمًا فقد كفر بما أنزل علي محمد))؛ ولأن صاحب الشرع قصر ذلك على

الرؤية أو الشهادة أو إكمال العدة, فلم يجز إثبات زيادة عليه, ولا يلتفت إلي صحو أو غيم, خلافًا لأبي حنيفة, في قوله: إن/ كانت مصحية لم يقبل فيه إلا شهادة العدد المستفيض, وإن كانت متغيمة قبلت فيه شهادة واحد. ودليلنا قوله صلي الله عليه وسلم: ((فإن شهد ذوا عدل)) ولم يفرق؛ ولأنه معني يتعلق بالشهادة فلا يتعلق بالصحو والغيم كسائر الأشياء المشهود فيها, وقاله بعض أصحابنا البغداديين. وروي عن مالك: في شاهدين شهدا في هلال شعبان فيعد لذلك ثلاثين يومًا ثم لا يرى الناس الهلال ليلة إحدى وثلاثين والسماء صاحية, قال: هذان شهيدا سوء. وسئل سحنون في عدلين شهدا في الهلال والسماء صاحية, ولا يشهد غيرهما قال: وأي ريبة أكبر من هذا.

قال أبو بكر بن اللباد: قال لنا يحيى بن عمر تجوز عندي شهادة عدلين في الصحو في الصوم والفطر. قال أبو محمد: قال غيره من أصحابنا: قول سحنون في المصر العظيم والصحو البين أنه لا يبعد أن ينفرد هذان برؤية على هذه الحال. قال أبو إسحاق: وما روي عن مالك لا يدفع قول يحيى بن عمر في إجازة شاهدين في الصحو؛ لأن مالكًا إنما أنكر أن يكون بعد تمام ثلاثين أن يخفي الهلال، وذلك صحيح؛ لأنه لا يمكن أن يخفى الهلال بعد الثلاثين، وإنما أجاز يحيى شهادة رجلين في الصحو في نقص الشهر إذا كان تسعًا وعشرين؛ لأنه عنده يكون خفيًا فيمكن أن يخفى، ولو نظر الناس كلهم إلى موضعه ما أمكن في الغالب أن يخفى على الناس كلهم، كما قال أبو محمد في غالب العادة، ولكن قد يخطئ الناس في النظر، ينظر قوم إلى موضع لا ينظر إليه غيرهم مع خفائه لدقته في نقص الشهر، يمكن أن يخفى إلا على اثنين، فلهذه العلة جاز عند يحيى بن عمر شهادة رجلين في الصحو. قال يحيى بن عمر: ولو شهد واحد على هلال رمضان وآخر على هلال شول لم يفطر بشهادتهما. قال محمد بن عبد الحكم: ولو شهد شاهدان في الهلال فاحتاج القاضي أن يكشف عنهما، وذلك يتأخر فليس على الناس صيام ذلك اليوم، فإن زكيا بعد ذلك أمر الناس بالقضاء، وإن كان في الفطر فلا/ شيء عليهم فيما صاموا.

وذكر ابن حبيب وابن سحنون عن ابن الماجشنون: أنه إذا رأى هلال رمضان عامة بلد وعمهم علمه بالرؤية أو بالشهادة عند الحاكم فذلك يجزئ من لم يعلم به منهم ويجزئه الصوم، وإن لم يبيته، وكذلك الغافل والمريض والجاهل لا يعلم، وكذلك من قرب من البلد، كالليلة ونحوها. وقال سحنون: لا يجزئ أحدًا منهم، إلا من علم قبل الفجر وبيت الصوم. م وهو الصواب، والحق إن شاء الله تعالى؛ لقوله عليه السلام: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل". وقال محمد بن عبد الحكم: وقد يأتي من رؤيته ما يشتهر حتى لا يحتاج فيه إلى الشهادة والتعديل مثل: أن تكون قرية كبيرة فيراه فيها الرجال والنساء والعبيد ممن لا يمكن منهم التواطؤ على باطل فيلزم الناس/ الصوم بذلك من باب استفاضة الأخبار لا من باب الشهادة. قال مالك في المجموعة: وإذا صام أهل بلد ثم جاءهم أن أهل بلد غيرهم صاموا قبلهم فإن استوقن ذلك فليقضوا.

قال ابن القاسم: وكذلك إن جاءهم أنهم رأوا الهلال فليقضوا، وإن جاءهم أنهم رأوا هلال شوال فليفطروا. قال في العتبية: ولا يصلوا العيد إن جاءهم ذلك بعد الزوال. قال أبو محمد: وأخبرت عن ابن ميسر أنه قال: إذا أخبرك عدل أن الهلال قد ثبت عند/ الإمام فأمر بالصيام أو نقل ذلك إليك عدل عن بلد آخر لزمك العمل على خبره، وهو من باب قبول خبر الواحد الصادق لا من باب الشهادة. قال أبو محمد: كما أن الرجل ينقل إلى أهله أو ابنته البكر [مثل ذلك] فيلزمهم تبييت الصوم بقوله. م وحكي عن أبي عمران أنه قال: الذي في الأصل لابن ميسر أنه قال: إذا وجه القوم رجلًا إلى بلدة فأخبرهم أنهم رأوا الهلال أنهم يصومون بقوله فهذا قد صار كالمستكشف لهم، فأما على نقل أبي محمد فيجب أن لا يلزمهم

الصوم، ولا فرق بين شهادته أنه رأى الهلال وبين شهادته على قوم أنهم رأوه، وليس هذا كنقل الرجل إلى أهله؛ لأنه القائم على أهله والناظر لهم. م ولا فرق بين أن يرسلوه إلى بلد مستكشفًا لهم فيخبرهم أنهم رأوا الهلال فيه، أو يخبرهم من غير إرسال؛ لأنه من باب نقل الأخبار، لا من باب الشهادات، وكذلك نقل الرجل إلى أهله؛ وذلك كله سواء. والتفريق بين ذلك كله ضعيف. ومن كتاب أبي إسحاق بإثر كلام ابن الماجشون: وإذا كان موضع ليس فيه إمام ولو كان يصنع ذلك فينبغي للناس أن يراعوا ذلك ويعتقدوه، فمن يثبت ذلك عنده برؤية نفسه أو برؤية من يثق به صام عليه وأفطر، وحمل عليه من اقتدى به. فصل-3 - : [في أحكام من رأى الهلال وحده] ومن المدونة قال مالك: ومن رأى هلال رمضان وحده فليعلم الإمام لعل غيره رآه معه فتجوز شهادتهما، فإن لم يره غيره رد الإمام شهادته ولزمه الصوم في نفسه فإن أفطر لزمه القضاء والكفارة. قال أشهب: إلا أن يفطر متأولًا. م وإنما أوجب مالك عليه القضاء والكفارة؛ لأنه لما ألزمه الصوم بإخباره غيره عن رؤيته، وهي مظنونة كان برؤية/ نفسه أولى.

وقال أبو حنيفة: لا تلزمه كفارة إن أفطر إذا لم يحكم الإمام بصومه. ودليلنا أنه هاتك لحرمة يوم هو عنده من رمضان يقينًا، أصله اليوم الثاني؛ ولأنه لما لزمته الكفارة مع حكم الحاكم بوجوبه كان برؤية نفسه أولى. قال ابن القاسم وأشهب عن مالك: وإن رأى هلال شوال وحده فلا يفطر. قال أشهب: ولينو الفطر بقلبه، ويكف عن الأكل والشراب، وليس عليه فيما بينه وبين الله في الأكل شيء لكن عليه من باب/ التغرير بنفسه في هتك غرضه. قال ابن القاسم في العتبية: إلا أن يكون وحده في سفر في مفازة فإنه يفطر. م ولا يجوز له حينئذ أن يصوم؛ لأنه لم يتيقن أن الناس لم يروه، ولا ظهر عنده أنهم رأوه كما رآه هو فلا يصوم يوم الفطر بالشك أن الناس لم يروه.

قال أشهب في المجموعة: وإذا ظهر عليه -يريد في الحضر- فإن لم يكن ذكر ذلك قبل أن يؤخذ عوقب إن لم يكن مأمونًا، وإن كان مأمونًا، أو ذكر ذلك قبل أن يؤخذ وأفشاه فلا عقاب، ثم يتقدم إليه في الإمساك عن المعاودة فإن عاد عوقب إلا أن يكون من أهل الدين والمروءة فلا يعاقب، ويعنف، ويغلظ عليه في عظته. [فصل-27 - : في إذا رئي لهلال نهارًا فهو للغد] وإذا رأى الهلال آخر يوم من شعبان أو من رمضان نهارًا فهو لغده رئي قبل الزوال أو بعده. وفرق أبو يوسف بين أن يرى قبل الزوال أو بعده، فجعل رؤيته قبل الزوال لليوم، ورؤيته بعد الزوال للغد. ونحوه لابن حبيب، وقال: جاءت الرواية في رؤيته قبل الزوال مفسرة عن عمر بن الخطاب أنه قال: إذا رئي قبل الزوال فهو لليلة الماضية، وإذا رئي بعد الزوال فهو لليلة القابلة.

قال: وكان إبراهيم النخعي وسفيان الثوري يفتيان بذلك. قال ابن حبيب: وقد نزل ذلك عندنا غير عام، فاستشارني فيه الإمام، فقلت: هو لليلة الماضية، وأعلمته بحديث عمر بن الخطاب، وزعم بعض أصحابنا أنه سواء رئي قبل الزوال/ أو بعده أنه لليلة القابلة، فلم يلبث إلا يسيرًا حتى أتت الكتب من سواحلنا أنه رئي في تلك الليلة التي في صبيحتها رئي. م والدليل لمالك رحمه الله: قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: <<أن الأهلة بعضها أكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارًا فلا تصوموا/ ولا تفطروا إلا أن يشهد رجلان أنهما أهلاه بالأمس>>، وهو قول عمر وابن عباس. قال ابن الجهم: وما رواه ابن حبيب عن عمر لا يصح، وإنما رواه سماك وهو مجهول.

[باب -4 -] في اللماس والقبلة والمباشرة والجماع للصائم]

[باب -4 -] في اللماس والقبلة والمباشرة والجماع للصائم] [فصل-1: في الرخصة في الأكل والجماع ليلة الصيام] قال الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) وكان من قبلنا إذا نام لم يحل له أن يطعم أو يجامع فكان الرجل منا إذا نام في شهر رمضان لم يحل له أن يطعم أو يجامع؛ لقوله: (كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ)، ثم نسخ ذلك لقوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ) الآية. وقيل: نزل ذلك في صرمة بن قيس الأنصاري أكل بعد أن نام، وعمر ابن الخطاب جامع بعد أن نام فخشيا أن ينزل فيهما فنزلت الرخصة من الله تعالى بقوله عز وجل: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ) إلى قوله: (وكُلُوا واشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ) فأباح الله عز وجل الأكل والشرب والجماع الليل كله رحمة لهذه الأمة، ومنع من ذلك في نهار الصيام. [فصل-1: في حكم القبلة والمباشرة والملاعبة ونحو ذلك للصائم] وروي أشهب أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهي الشاب الصائم عن القبلة وأرخص للشيخ

لملكة نفسه. وقاله أبو هريرة وأبو أيوب الأنصاري وابن عمر وابن عباس في الشيخ والشاب، وقد نهي ابن عمر وابن عباس عن المباشرة للصائم. ابن عمر: كان ذلك في رمضان أو غيره، وكذلك القبلة، و/ قاله مالك. قال ابن القاسم: شدد مالك في القبلة للصائم في الفرض والتطوع. قال أشهب: ولمس اليد أيسر منها، والقبلة أيسر من المباشرة، والمباشرة/ أيسر من العبث بالفرج على شيء من الجسد، وترك ذلك كله أحب إلينا. قال ابن حبيب: والقبلة من الدواعي في من تخامره اللذة؛ ولأنه لا يملك نفسه بعدها فلا يقبل. قال مالك: والقبلة والملاعبة والجسة والمباشرة والمجاذبة وإدامة النظر تنقص أجر الصائم وإن لم تفطره، وكان مالك يشدد

في القبلة في الفريضة، ويرخص فيها في التطوع، وتركه أحب إليه من غير تضييق، ويشدد فيها على الشاب في الفريضة ما لا يشدده على الشيخ، ولا يقضي في قبلة أو جسة، وإن أتعظ حتى يمذي. ومن المدونة قال مالك: وكان الأفاضل يجتنبون دخول منازلهم نهار رمضان خوفًا على أنفسهم، واحتياطًا أن يأتي من ذلك بعض ما يكرهون، وقد أوجب الرسول صلى الله عليه وسلم على منتهك حرمة الشهر بالوطء الكفارة. فكان كذلك من أنزل الماء بشيء من دواعي الوطء. قال مالك في من قبل امرأته قبلة واحدة في نهار رمضان فأنزل: فعليه القضاء والكفارة، وإن كان من المرأة مثل ذلك طوعًا فعليها القضاء والكفارة، وإن أكرهها فالكفارة عليه عنه وعنها وعليها، هي القضاء على كل حال.

قال أبو محمد: يعني يكفر عنه وعنها كالوطء، وكذلك نقلها في مختصره. وقال ابن شبلون: لا يكفر عنها على ظاهر الكتاب، بخلاف الوطء. وكان الشيخ أبو عمران يجئ إلى هذا؛ لأن الواطئ ينتهك حرمة الصوم ويفسده، وإن لم يكن منه لذة، والقبلة لا تفسده، وإنما يفسده ما يكون عنها من اللذة، ففارقت حكم الوطء، ويرجح فيها فيما ذكر عنه إذ لم يذكر في المدونة كفارة عنها، وسكت عن ذلك. قال مالك: وإن باشرها أو لمسها أو عالجت ذكره بيدها وأمكنها منه حتى أنزل في ذلك كله فعليه القضاء والكفارة. سحنون وقال أشهب: إن تابع اللمس والقبل حتى أنزل فعليه القضاء والكفارة، وإن كان ذلك منه في قبلة أو جسة فليقض ولا يكفر، وبه أقول، وقول ابن القاسم في النظر دليل على هذا. قال مالك: وإذا قبل أو لمس أو باشر/ فلم يخرج ذلك منه منيًا ولا انعظ ولا التذ فلا شيء عليه في ذلك كله، وإن أمذى فعليه القضاء،

ولا كفارة في ذلك كله. قال مالك: وإن باشرها باليد فالتذ وأنعظ ولم يمذ فعليه القضاء بلا كفارة أيضًا، وكذلك روي عنه ابن القاسم في العتبية في القبلة: أنه يقضي إذا انعظ/ وإن لم يمذ، وأنكره سحنون. وقال أبو إسحاق: وانظر لماذا أوجب أن يكون مضطرًا بالمذي وإن كان قاصدًا اجتلاب المني بقلة أو مباشرة كالفطر متعمدًا فيجب أن يكون عليه الكفرة؛ لأن من قصد هتك حرمة الصوم يجب عليه الكفارة وهم لم يوجبوا على من قصد لما يكون عنه المذي الكفارة، وإن تعمد ذلك بمباشرة أو جماع دون الفرج وهذا يدل أن وجوب القضاء فيه ليس بالقوي. ومن المدونة روي ابن وهب وأشهب عن مالك في من قبل امرأته أو غمزها أو باشرها نهارًا في رمضان فأمذى فعليه القضاء، وإن لم يمذ فلا شيء عليه [فصل-3 - في أحكام النظر للمرأة بقصد الالتذاذ وهو صائم] قال ابن القاسم: وإن نظر إليها في رمضان وتابع النظر حتى أنزل فعليه القضاء والكفارة وإن لم يتابع النظر إلا أنه نظر نظرة واحدة فأنزل فعليه القضاء بلا كفارة.

م وذكر عن ابن القابسي أنه قال: إن نظر نظرة واحدة/ متعمدًا فأنزل فعليه القضاء والكفارة. م ويظهر لي أنه خلاف ظاهر الكتاب، ويدل على ذلك أيضًا استدلال سحنون بالنظرة على القبلة والجسة فلم ير عليه في ذلك كفارة وهو متعمد، وستدل بالنظرة. وقال بعض أصحابنا: قول ابن القابسي: وفاق، والله أعلم. قال مالك: وإن نظر على غير تعمد أو على تعمد فأمذى فعليه القضاء، وفي كتاب ابن حبيب: إذا نظر على غير تعمد أو على تعمد فأمذى فعليه القضاء، وفي كتاب ابن حبيب: إذا نظر عن غير تعمد فأمذى فلا قضاء عليه، وإن أمنى فليقض، ولا يكفر حتى يستديم ذلك. م وتلخيص هذا الاختلاف في هذه المسائل أن من نظر أو لمس أو قبل أو باش متعمدًا فأدام ذلك هو على أربعة أقسام: إن أنزل فعليه القضاء والكفارة، وإن أمذى فعليه القضاء فقط، وإن لم يمذ ولا التذ ولا أنعظ فلا شيء عليه، لا خلاف في ذلك كله، وإن أنعظ ووجد منه لذه ولم يمذ فلا شيء عليه في النظر واللمس، واختلف في المباشرة والقبلة، فقيل: يقضي، وقيل: لا شيء عليه إلا أن يمذي، هذا مذهب ابن القاسم في المدونة، وغيره لا يرى عليه شيئًا إلا أن يمذي في ذلك كله، وإذا لم يلتذ ولا أمذى فلا شيء عليه في ذلك كله بإجماع منهم. قال في المدونة: فإن وطئها فيما دون الفرج فأنزل فعليه القضاء والكفارة.

[باب -5 -] في الكحل وصب الدهن في الأذن وفي السعوط والحقنة والحجامة وذوق الطعام وما يدخل في الحلق من غير تعمد. وفي القلس والقيء والمضمضة والسواك

[باب -5 -] في الكحل وصب الدهن في الأذن وفي السعوط والحقنة والحجامة وذوق الطعام وما يدخل في الحلق من غير تعمد. وفي القلس والقيء والمضمضة والسواك [فصل-1 - في حكم اكتحال الصائم وصب الدهن في أذنه] روي ابن وهب: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يكره الكحل/ للصائم، وكره السعوط وما يصبه في أذنه. قال ابن القاسم: قال مالك: في الكحل للصائم وصب الدهن في الأذن هو أعلم بنفسه، منهم من يدخل ذلك في حلقه ومنهم من لا يدخل، فإن كان ممن يدخل حلقه فلا يفعل، فإن اكتحل بإثمد أو صبر أو غيره أو صب الدهن في أذنيه لوجع أو غيره فوصل ذلك في رمضان إلى حلقه فعليه القضاء بلا كفارة. ابن حبيب: والمستعط كذلك فيما يصل إلى حلقه أو لا يصل. [فصل-2 - في حكم الحقنة والسعوط للصائم] قال ابن القاسم: كره مالك الحقنة والسعوط للصائم، فإن احتقن في

فرض أو واجب بشيء يصل إلى جوفه فليقض ولا يكفر. ومن المجموعة قال أشهب: ويدل على كراهة الاستعاط قول النبي صلى الله عليه وسلم: <<وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا>> وأرى على المستسعط القضاء إذ لا يكاد يسلم أن يصل إلى حلقه، وأما المحتقن فلا شك فيه، وليقضيا في الواجب والتطوع؛ لأنهما متعمدان ولا يفطرا ولا يكفرا إن كانا في رمضان. قال أبو إسحاق: والحقنة لا يمكن أن تكون في الغالب منها هذا فلماذا أوجب فيها القضاء، وهو يقول في الرضاع أنها لا تحرم/ إلا أن تكون غذاء، وذكر في الكحل أن عليه القضاء، ولو علم أنه يصل إلى حلقه، فلا كفارة عليه؛ لأنه لم يقصد بذلك هتك حرمة الصوم. ومن المدونة سئل مالك عن الفتائل تجعل للحقنة، فقال: أرى ذلك خفيفًا، ولا شيء عليه. قال عنه ابن وهب/ في السيور أرجو أن لا يكون به

بأس، والسيور الفتلة. قال ابن القاسم: فإن قطر الصائم في أحليله دهنًا فلا شيء عليه، وهو أخف من الحقنة. وقال أشهب مثل ما قال ابن القاسم في الحقنة والسعوط والكحل وصب الدهن في الأذن. وقال: إن كان في صوم واجب تمادى في صومه وقضاه، ولا كفارة عليه إن كان في رمضان. قال ابن القاسم: وإذا داوى جائفة بدواء مائع أو غير مائع فلا قضاء عليه ولا كفارة؛ لأن ذلك لا يصل إلى مدخل الطعام والشراب، ولو وصل إليه لمات من ساعته. [فصل - 3 - في حكم الحجامة للصائم] قال مالك: وإنما تكره الحجامة للصائم خيفة التغرير، فإن احتجم فسلم فلا شيء عليه؛ لأن الغالب منها لحوق الضعف، فربما أدى ذلك إلى

الفطر. وقد روي هذا المعنى عن علي وابن عباس وجماعة من الصحابة. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا تفطر الصائم: الحجامة والقيء والحلم». وروي عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم، وأرخص لجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه أن يحتجم وهو صائم. فإن قيل: قد روي أنه عليه السلام قال: «أفطر الحاجم والمحجوم». قيل: يحتمل أن يكون ذلك منسوخًا يدل على ذلك ما رواه أنس بن

مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في الحجامة للصائم بعد أن كان نهى عنها. ويحتمل أن يكونا أفطر بأكل ونحوه، وعلم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما، ومع ذلك فقد روي عن بعض الصحابة أنهما كانا يغتابان الناس، ويكون معنى قوله: "أفطر الحاجم والمحجوم" بمعنى أنه نقص أجرهما وثوابهما. فقال: أفطرا مجازًا. [فصل - 4 - حكم ذوق الطعام للصائم] ومن المدونة: وكره مالك للصائم ذوق العسل والملح وشبهه، وإن لم يدخل جوفه، وكره مضغ العلك أو مضغ الطعام للصبي، أو يداوي الحفر فيه ويمج الدواء، وكره للذي يعمل الأوتار من العقب أن يمر ذلك في فيه بمضغه أو يلمسه بفيه.

[فصل - 5 - في حكم ما يدخل الحلق من غير تعمد] وقال مالك في الصائم يدخل في حلقه الذباب أو يكون بين أسنانه فلقة الحبة، ونحوها فيبتلعها مع ريقه فلا شيء عليه، ولو كان في صلاة لم يقطع ذلك صلاته. قال أبو محمد: وقال أشهب: أحب إلي أن يقضي، وليس ذلك بالبين. وقال عنه ابن عبد الحكم: وأما إن تعمد ذلك فليقض، يريد إن أمكنه طرحها. قال ابن حبيب: إذا ابتلع ما بين أسنانه من حبة التينة، وفلقة الجذيذة ونحوها فقد أساء ولا شيء عليه، فعله سهوًا أو عمدًا، عن جهل أو علم، إلا أن يأخذ ذلك من الأرض فيبتلعه، فيلزمه في سهوه القضاء، وفي عمده جاهلاً أو عالمًا القضاء، والكفارة؛ لاستخفافه بصومه، لا لأنه غذاء بعينه. وهكذا فسر لي من لقيت من أصحاب مالك، ولا معنى لتفرقته بين أن يكون ذلك في فمه أو يأخذه من الأرض؛ لأنها لم تكن في فيه إلا برفعها من الأرض إليه، فلا يغير الحكم طول إقامتها / فيه، كما لو كانت تينة كاملة أو لقمة. قال ابن حبيب:

وإن كان في فيه حصاة أو لؤلؤة أو نواة أو لوزة أو عود أو مدرة فسبق ذلك إلى حلقه فعليه القضاء في السهو والغلبة، وإن تعمد ذلك تعبثًا فليكفر، قاله ابن الماجشون. وقال أصبغ: وحكاه عن ابن القاسم: أن ما كان من ذلك لا غذاء له في الجوف ولا انحلال مثل الحصاة واللوزة بقشرها فلا يقض في سهره، ويقضي. في العمد، وما كان له غذاء وانحلال / في الجوف مثل النواة والمدرة فعليه القضاء في / السهو والغلبة، وفي عمده القضاء والكفارة، والأول أحب إلينا، وهو قول سحنون في كتاب ابنه. ابن حبيب: وقال ابن الماجشون في الغبار يكثر في حلق الصائم حتى يتجاوز إلى جوفه: فلا قضاء عليه، في فريضة ولا نافله؛ لأنه [أمر] غالب. وقال في المجموعة: ولا أعلم أحدًا أوجب فيه شيئًا، وقاله سحنون، ولم يعذره أشهب بغبار الدقيق. وقال: إن كان خفيفًا فدخل غباره في حلقه فليقض في رمضان، والواجب، ولا يقض في التطوع. وقال ابن حبيب وسحنون: الغبار أمر غالب فلا يقع به فطر. قال أبو محمد: بخلاف الغبار؛ لأنه أمر غالب. قال أبو إسحاق: ويحتمل أن يكون أراد

سحنون وعبد الملك غبار الطريق؛ لأن غبار الطريق أمر لا يمكن التحفظ منه، ولا يمنع الناس من المشي في رمضان، وانظر غبار غير الطريق مثل غبار الجبس الذي عادتهم أن يدقوه وغبار الدباغ لمن عادته أن يدقه هل يخفف لهم في ذلك؛ لأنه صنائعهم التي لا يستغنون عنها، أو يضيق عليهم في عملها في رمضان؛ لأنهم لا يجدون غيرها من الأعمال. م وكذلك غبار الدقيق للدقاق. قال ابن سحنون عن أبيه في البلغم يخرج من صدر الصائم أو دون رأسه فيصير إلى طرف لسانه ويمكنه طرحه فيبتلعه ساهيًا فعليه القضاء، وشك في الكفارة في عمده. وقال: أرأيت لو أخذها من الأرض متعمدًا ألا يكفر. وقال ابن حبيب: من تنخم، ثم ابتلع نخامته من بين لهواته أو من بعد وصولها إلى طرف لسانه فلا شيء عليه، وقد أساء؛ لأن النخامة ليست بطعام ولا شراب، ومخرجها من الرأس، ولو قلس ماءً أو طعامًا ثم رده بعد وصوله إلى طرف لسانه أو إلى موضع يمكنه طرحه منه فعليه القضاء والكفارة في عمده؛ لأنه طعام وشراب ومخرجه من الصدر ويقضي في سهوه. قال: وهو يقطع صلاته إن فعله فيها عمدًا كما يفسد صومه/، وإن رده من بين لهواته أو من موضع لا يمكنه طرحه منه فلا شيء فيه، وقاله ابن الماجشون.

فصل - 6 - [في حكم القيء] ومن المدونة قال مالك: ومن ذرعه القيء في رمضان فلا شيء عليه، وإن تقيأ فعليه القضاء. ابن وهب وفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، وروى غيره عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من استقاء عامدًا فعليه القضاء، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه)). ابن وهب وقاله ابن عمر وعروة بن الزبير. م وقال طاوس: لا قضاء عليه فيهما. ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث لا يفطرن الصائم)) فذكر القيء. وقال ربيعة: يقضي فيهما. ودليله أن النبي صلى الله عليه وسلم ((قاء فأفطر)). قال: ((ومن استقاء عامدًا فعليه القضاء)).

م ومحمل ما استدل به طاوس عندنا أنه في من ذرعه القيء. ومحمل ما استدل به ربيعة أنه استقاء، وحديثنا المفسر يقضي على أحاديثهم المجملة وبين معناها. والله أعلم. ومن المدونة قال أشهب: إن كان صومه تطوعًا فاستقاء فإنه يفطر، وعليه القضاء، وإن تمادى ولم يفطر فعليه القضاء، وإن كان صومه واجبًا فليتمه ويقضي، وإن ذرعه القيء فلا شيء عليه. ابن حبيب: ومن استقاء فقاء في التطوع فلا يقضي، قاله مالك بخلاف الفرض. قال: والقيء الغالب إذا عرف / صاحبه أنه رجع إلى حلقه منه شيء بعد وصوله إلى فيه فليقض في الواجب، ولا يقض في التطوع. قال أبو بكر الأبهري: قال ابن الماجشون: من استقاء متعمدًا عابثًا لغير مرض ولا عذر لزمه القضاء والكفارة. وقال أبو الفرج المالكي: لو سئل مالك عن مثل هذا لألزمه الكفارة. م إن علم هذا أنه رجع إلى حلقه شيء فليكفر، وإلا فليقض، وقد علل بعض أصحابنا فقال: إنما لزم المستقيء القضاء؛ لأنه لا يأمن / أن يكون جاز

إلى حلقه منه شيء في تردده وهو الذي استدعى ذلك، والذي ذرعه القيء يأمن أن يجوز منه إلى / حلقه شيء؛ لأنه يندفع اندفاعًا. م ولأنه لا صنع له فيه، فأشبه الاحتلام. قال ابن أبي زمنين: روى ابن وهب عن مالك في من ذرعه القيء وهو صائم فبقيت منه في صدره بقية نهم بها فعالج حتى طرحها فعليه القضاء. ذكره ابن عبدوس. وفي السليمانية: وسألته عن من شرب نبيذًا في ليل رمضان فأصبح ثملاً فغالبه القيء فتقيأ؟ قال: إن ذرعه القيء فتقيأ فلا شيء عليه إلا الحد لشرب المسكر. وإن استقاء فعليه القضاء مع الحد. [فصل - 7 - في حكم اغتسال الصائم وتمضمضه] ومن المدونة قال مالك: ولا بأس أن يغتسل الصائم ويتمضمض من حر يجده، وذلك يعينه على ما هو فيه. قال: فإن تمضمض لذلك أو لوضوء فسبقه الماء إلى حلقه فليقض في الفرض والواجب، ولا كفارة عليه، وإن كان في تطوع فلا يقضي. فصل - 8 - : [في حكم السواك للصائم] قال مالك: ولا بأس بالسواك أول النهار وآخره بعود يابس، وإن بله بالماء،

وقد استاك الرسول صلى الله عليه وسلم مرارًا وهو صائم. وقال: ((خير خصال الصائم السواك))، وكان يفعله ويداوم عليه. قال مالك: وأكره السواك بالعود الرطب؛ لأن له طعمًا وحرارة ينجلب بذلك البلغم. م ولا ينقطع ذلك منه بعد فراغه من سواكه فيتقى أن يبتلع ريقه وطعمه في فيه. ابن حبيب: ولو مج ما يجتمع في فيه فلا شيء عليه، وهو في النافلة أخف، ويكره للجاهل الذي لا يحسن إلقاءه، وإن وصل ذلك إلى حلقه فليقض في الواجب ولا يكفر، وقد كان عروة بن الزبير يستاك بالسواك الرطب وهو صائم.

[باب - 6 -] ما جاء في الصوم والفطر في السفر ومن أفطر لعذر ثم زال عذره

[باب - 6 -] ما جاء في الصوم والفطر في السفر ومن أفطر لعذر ثم زال عذره [فصل - 1 - في حكم الصوم في السفر] قال الله تعالى: {ومَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ ولِتُكْمِلُوا العِدَّةَ} يعني بالقضاء فالفطر في السفر رخصة من الله تعالى، فمن شاء أخذ بها، ومن شاء أخذ بالعزيمة. قال مالك رحمه الله: ومن سافر سفرًا مباحًا يقصر في مثله الصلاة فإن شاء صام، وإن شاء أفطر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صام في السفر وأفطر. وقال ر جل للنبي صلى الله عليه وسلم: أجد لي قوة على الصيام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((هي رخصة من الله تعالى فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه)). وقال في غزوة حنين /: ((من كان له ظهر أو فضل فليصم)). وقال أنس بن مالك: كانوا يرون الصيام أفضل.

قال عبد الوهاب: والفرق بينه وبين الفطر أنه إذا صام فقد أتى بالعبادة في وقتها وبرئت ذمته منها، وإذا أفطر فهي متعلقة بذمته، وأداء العبادة في وقتها أفضل من تأخيرها، فلذلك استحب مالك الصوم في السفر. ومن المدونة قال مالك: الصوم في السفر لمن قوي عليه أحب إلي. وقاله أشهب. قال: وذلك أنه في حرمة الشهر، والمفطر فيه يكفر، ولا يكفر في قضائه، فحرمة قضائه دون حرمته، فكذلك أجره فيه يرجى أن يكون أكثر من قضائه، كما أن الخطيئة فيه أعظم، وقاله مالك، وكل واسع، وقال ابن حبيب: الصوم له أفضل، إلا في الجهاد، فإن الفطر فيه أفضل؛ ليتقوى على العدو، كما أن فطر / يوم عرفة للحاج أفضل. م وقول الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين: ((من كان له ظهر أو فضل فليصم)) يدل على خلاف ما استحب. ابن حبيب قال: وقد استحب كثير من السلف الفطر في السفر، وهو أشبه بتيسير الدين؛ لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ}.

وكان ابن عمر يفطر / في السفر على شدته، وهو آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح. قال مالك في المختصر وغيره: إنما يفطر في سفر الإقصار، في ثمانية وأربعين ميلاً وما قاربها. قال: وإن قدم بلدًا فنوى أن يقيم بها اليوم واليومين فليفطر حتى ينوي إقامة أربعة أيام فيلزمه الصوم، كما يلزمه الإتمام. [فصل - 2 - في زمن الفطر لمن أراد السفر] ومن المدونة قال مالك: ومن أصبح في السفر صائما في رمضان ثم أفطر لعذر من عطش أو مرض فليقض فقط، وروى أشهب: أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر بالكديد من عطش أصاب الناس. قال مالك: وإن تعمد الفطر لغير عذر فعليه القضاء والكفارة؛ لأنه كان في

سعة أن يفطر أو يصوم، فلما صام / لم يكن له أن يخرج منه إلا لعذر. وقال المخزومي وابن كنانة: لا يكفر. وقال أشهب: إن تأول له الفطر؛ لأن الله تعالى قد وضع عنه الصيام. وقال ابن القاسم في العتبية: إن مالكًا والليث قالا في من بيت الصوم في السفر ثم أفطر متأولا بأكل أو جماع: أن عليه الكفارة. ومن المدونة قال مالك وأشهب: وإن أفطر متأولا بعد دخوله الحضر فليكفر، ولا يعذر أحد في هذا. قال مالك: وإن أصبح في حضره صائمًا في رمضان وهو يريد سفرًا فلا يفطر ذلك اليوم قبل خروجه، ولا أحب له أن يفطر بعد خروجه، فإن أفطر بعد أن سافر لزمه القضاء بلا كفارة؛ لأنه كان من أهل الصوم، فخرج مسافرًا فصار من أهل الفطر، فمن ها هنا سقطت عنه الكفارة. وقال المخزومي وابن كنانة: عليه القضاء والكفارة؛ لأن الصوم وجب عليه في الحضر. قال مالك في المختصر: وإن أفطر قبل خروجه فعليه الكفارة. وقال ابن القاسم في العتبية: إذا أكل قبل

خروجه ثم خرج لسفره فلا كفارة عليه؛ لأنه متأول. وقاله ابن الماجشون في المجموعة، قال: وقد فعله أنس بن مالك. قال ابن الماجشون: إلا أن يكسل عن السفر في يومه فلا بد من الكفارة. وقال أشهب: لا يكفر خرج أو لم يخرج؛ لأنه غير منتهك. م وتحصيل اختلافهم أن المسألة على أربعة أوجه: أصبح صائمًا في السفر ثم أفطر، أو أصبح صائمًا في الحضر ثم سافر فأفطر، أو أفطر ثم سافر، أو أفطر ولم يسافر، ففي كل وجه قولان: قيل: يكفر، وقيل: لا يكفر. وروي عن مالك في مسافر أصبح في السفر صائمًا فجهده الصوم فمد يده إلى الطعام ليأكل ثم ذكر أنه لا ماء معه فترك، قال: أحب إلي أن يقضي. قال أبو محمد: وأعرف رواية أخرى أنه لا قضاء عليه، وهو جل قوله؛ لأن النية لا توجب شيئًا حتى يقارنها عمل، وكذلك في غير الصوم حتى يدخل في عمل أو قول بنية. [فصل - 3 - في المسافر يعلم أنه يدخل بيته نهارصا أيصوم أو يفطر؟] ومن المدونة قال مالك: ومن علم في رمضان أنه يدخل / بيته من سفره أول النهار فليصبح صائمًا، وفعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن عمر. قال

ابن عمر: من شاء صام ومن شاء أفطر. قال مالك: فإن أصبح ينوي الإفطار ثم دخل بيته قبل طلوع الشمس فنوى الصوم لم يجزئه، وعليه قضاؤه وله أن يأكل في بقية / يومه، ويطأ امرأته إن وجدها قد طهرت، أبو محمد: قال بعض أصحابنا: فإن كانت نصرانية وهي طاهرة في يومها فليس له وطؤها؛ لأنها متعدية فيما تركت من الإسلام والصوم. قال ابن القرطي: وكذلك إن وجدها قد طهرت من يومها فلا يطأها؛ لأنها متعدية فيما تركت من الإسلام والصوم. قال بعض فقهائنا: إنما يجوز وطؤها إذا كانت كما طهرت، كما لو كانت مسلمة، وأما إن كانت طاهرة قبل قدومه فلا يطأها؛ لأنها متعدية. [فصل - 4 - في من أفطر في رمضان لعذر ثم زال هل يلزمه الإمساك بقية النهار؟] قال ابن حبيب: ومن أفاق من إغماء أصابه نهارًا أو امرأة طهرت من حيض أو حاضت فلا / يؤمروا بالكف عن الأكل. قال: وأما إن أفطر من عطش أصابه فشرب فزال عطشه فلا يفطر بعد ذلك، فإن أفطر لم يكفر؛ لأنه كالمريض. وقال ابن سحنون عن أبيه: له أن يتمادى مفطرًا ويطأ ويأكل، وعاب قول من قال: لا يفعل. م وقول ابن حبيب هنا كقوله في المضطر لا يأكل من الميتة إلا ما يقيم به رمقه. وقول مالك: إنه يشبع منها ويتزود، فإن احتاج إليها، وإلا طرحها.

قال عبد الوهاب: من أفطر في رمضان لعذر ثم زال عذره في بقية يومه فذلك على ضربين: فإن كان عذرًا يبيح له الفطر مع العلم بأن اليوم من رمضان لم يلزمه أن يمسك بقية يومه، كالحائض والمريض والمسافر، وإن كان عذرًا إنما ساغ له الفطر لعدم العلم بأنه من رمضان ثم علم أو تسحر بعد الفجر ولم يعلم أو أكل سهوًا وشبه ذلك فإن زوال العذر يوجب الإمساك. قال مالك في المجموعة: ومن أفطر في رمضان لعذر ثم زال عذره في بقية يومه من عطش شديد أو مرض ثم تلذذ بإصابة أهله بعد ذلك فأخاف عليه الكفارة. قال عبد الملك: إن بدا بإصابة أهله كفر، وإن بدأ بأكل وشرب لم يكفر، وإن أصاب أهله بعد ذلك. [فصل - 5 - في من صام في سفر تطوعًا فأفطر هل عليه قضاء؟] ومن المدونة قال مالك: ومن أصبح في الحضر صائما متطوعًا ثم سافر / فأفطر أو صام في السفر متطوعًا ثم أفطر، فإن كان من عذر فلا قضاء عليه، وإلا فليقض. قال في المجموعة: ومن نذر صوم الاثنين والخميس فسافر فإن لم تكن له

نية فليصمها، فإن شق عليه فليفطر ويقض. في المختصر: ومن سافر في شهري ظهاره فأفطر فليبتد، بخلاف المريض. وقال في كتاب الظهار: إن سافر فيهما فمرض فأخاف أن يكون السفر هيج عليه مرضه، ولو أيقنت أن ذلك لغير حر أو برد أهاجه السفر لأجزأه أن يبني، ولكني أخاف، وبالله التوفيق.

[باب - 7 -] في صوم يوم الشك ويوم الفطر والأضحى وفطر المتطوع والتباس الشهور

[باب - 7 -] في صوم يوم الشك ويوم الفطر والأضحى وفطر المتطوع والتباس الشهور [فصل في حكم صيام يوم الشك] روى أشهب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقدموا الشهر بيوم ولا بيومين إلا أن يوافق ذلك صومًا كان يصومه أحدكم، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا)). وروى ابن القاسم: عن ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له)). ونهى عليه السلام عن صيام يوم الشك. قال مالك: ولا ينبغي أن يصام اليوم الذي من آخر شعبان الذي يشك فيه أنه من رمضان، يريد احتياطًا، ويجوز تطوعًا. قال في الواضحة: ومن

صامه حوطة ثم علم أن ذلك لا يجوز فليفطر متى ما أفاق لذلك، وكذلك إن صام يوم واحد وثلاثين خوفًا أن يكون أول يوم من صيامه لم يكن من رمضان فليفطر إذ لا يجوز له صوم يوم الفطر. قال عبد الوهاب: وقال بعض أصحابنا /: ويكره أن يصام تطوعًا، فوجه قول مالك: "إنه يصام تطوعًا" لقوله عليه السلام: ((إلا أن يوافق ذلك صومًا كان يصومه أحدكم فليصمه))؛ ولأنه يوم يحكم له بأنه من شعبان فيصح صومه، أصله إذا وافق / صوما كان يصومه. ووجه الكراهية: وهو قول محمد بن سلمة والشافعي: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم الشك فعم؛ ولأن عمار بن ياسر امتنع أن يصومه، وقال: من صام هذا اليوم فقد عصا أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. ووجه قوله أيضًا: إنه لا يصام احتياطًا. وأبو حنيفة يجيزه قوله عليه السلام: ((فإن غم عليكم فأكملوا

العدة))، ولم يقل: صومه / حوطة. ومن المدونة قال مالك: ومن صامه حوطه أو تطوعًا ثم ثبت أنه من رمضان فليقضه. قال مالك: ومن أصبح فيه ينوي الفطر ولا يعلم أن يومه ذلك من رمضان ثم علم أول النهار أو آخره قبل أن يأكل أو يشرب أو بعد ما أكل أو شرب فليكف عن الأكل بقية يومه ويقضيه، ثم إن أكل بعد علمه بذلك لزمه القضاء بلا كفارة، إلا أن يأكله منتهكًا لحرمته عالمًا بما على متعمد الفطر فيه فليكفر. [فصل - 2 - في من صام يوم العيد ثم أفطر: لعلمه النهي هل يقضيه؟ وفي قضاء التطوع] قال مالك: ومن أصبح يوم الفطر أو يوم الأضحى صائمًا ثم علم أنه لا يجوز صومهما؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأفطر، فلا قضاء عليه. قال ابن القاسمك وأما من صام يومًا غيرهما متطوعًا فأفطر فعليه القضاء في قول مالك، وروى ابن وهب أن عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين متطوعتين فأهدي إليهما طعام فأفطرتا عليه فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أقضيا يومًا مكانه)).

قال مالك: ولا ينبغي أن يفطر من صام متطوعًا، إلا لضرورة، وبلغني أن عبد الله بن عمر قال: من صام متطوعًا ثم أفطر من غير ضرورة فذلك الذي يلعب بصومه. قال في العتبية: وأن حسين بن رستم حضر صنيعًا عن رجل له شرف فأراده على الفطر وألح عليه وصيامه تطوع فأبى وقال: أكره أن أخلف الله ما وعدته. ابن حبيب: وإن حلف عليه رجل بالطلاق أو العتق فليحنثه، ولا يفطر، إلا أن يكون لذلك وجه، وإن عزم عليه أبواه فأحب إلي أن يطعيهما وإن لم يحلفا إذا كان رأفة منهما لإدامة صومه. ومن / المدونة قال ابن القاسم: ومن أصبح صائمًا ينوي به قضاء يوم عليه من رمضان، ثم ذكر أول النهار أنه قد كان قضاه، فلا يجوز له أن يفطر. أبو محمد: يريد فإن أفطره فعليه قضاؤه. قال: وقال أشهب: لا أحب

له أن يفطر، فإن أفطر فلا قضاء عليه، وهو كمن شك في الظهر فأخذ يصلي، ثم ذكر أنه قد صلى فلينصرف على شفع أحب إلي، فإن قطع فلا شيء عليه. م ولمالك نحوه، وهو أصوب؛ لأن هذا اليوم إنما التزمه ظنًا منه أنه عليه، فإن أفطره لم يقضه، كما قال في الصلاة، وفي العتبية: لو ذكر العصر فلما صلى منها ركعة ذكر أنه صلاها، قال: يشفعها بأخرى، وليس كمن قصد النفل بعد العصر، ومثله. ذكر ابن حبيب عن مالك قال: وإن ذكر قبل أن يركع قطع، ولو كانت غير العصر لتنفل على إحرامه ركعتين. ومن المجموعة: ابن نافع عن مالك في المفطر متعمدًا في التطوع: فليس لكفه عن الطعام بعد ذلك وجه، وقد أساء ويقضي. قال ابن وهب عن مالك في الرجل تأمره أمه بالفطر: فإن كان ممن يسرد الصوم أو يكثر فليطعها، وقد فعل ذلك رجال من أهل العلم بأمهاتهم.

فصل / - 3 - [في التباس شهر رمضان بغيره] ومن المدونة وإذا التبست الشهور على أسير أو تاجر أو غيره في أرض العدو فصام شهرًا ينوي به رمضان، فإن كان قبله لم يجزئه، وإن كان بعده أجزأه. أبو محمد: وإن لم يدر أصام قبله أو بعده فذلك يجزئه حتى ينكشف له أنه صام قبله، وقاله أشهب وعبد الملك وسحنون. وقال ابن القاسم: يعيد؛ إذ لا يزول فرض بغير يقين. وقول أشهب: أبين؛ لأنه قد صار فرضه. الاجتهاد، وهو قد اجتهد وصام فهو على الحق حتى ينكشف خلافه، أصله من اجتهد في يوم غيم وصلى فلم يدر أصلى قيل الوقت أو بعده. قال: ولو صام ثلاثة أعوام شعبان فليعد الشهر الأول ثم كل شعبان بعده قضاء عما قبله. أبو محمد يريد بقوله: يعيد الشهر الأول، أي يلغي شعبان الأول، ويكون الثاني قضاء عن رمضان الأول، وشعبان الثالث قضاء عن رمضان الثاني، ويبقى عليه رمضان الثالث فيقضيه. وقيل: يقضي جميع الشهور لاختلاف نيته في ذلك؛ لأن شعبان الثاني لم ينوه لرمضان الأول، وشعبان الثالث لم ينوه لرمضان الثاني. قال ابن أبي / زمنين: وهذا

القول هو الصواب عند أهل النظر، ولو صام شوالاً سنين قضى يومًا واحدًا من كل شهر، وهو يوم الفطر. قال ابن عبد الحكم: ولو كان شوال هو الذي صامه ثلاثين يومًا ورمضان تسعة وعشرين فلا قضاء / عليه؛ إذ ليس عليه إلا عدة ما أفطر. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو صام شهرًا تطوعًا أو لنذره فإذا هو رمضان ولم يعلم لم يجزئه عن رمضان ولا لنذره، وعليه قضاؤهما. قال في العتبية: ولو صام شهرًا لنذر عليه فإذا هو رمضان ولم يعلم به لم يجزئه لرمضان ولا لنذره. م لأنه لم ينو به رمضان، ولا يصح فيه صوم غيره.

[باب - 8 -] في صيام الجنب والحائض والمغمى عليه والمجنون والصبيان

[باب - 8 -] في صيام الجنب والحائض والمغمى عليه والمجنون والصبيان [فصل - 1 - في حكم صيام من أصبح جنبًا. وأدلة ذلك] روى ابن وهب عن عائشة أن الرسول صلى الله عليه وسلم واقع أهله ليلاً ثم نام فلم يغتسل حتى أصبح فاغتسل وصلى، ثم صام يومه ذلك. وروى مالك في الموطأ عن عائشة رضي الله عنها وأم سلمة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم أنهما قالتا: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصبح جنبًا من جماع غير احتلام في رمضان ثم يصوم. وكان أبو هريرة يقول: من أصبح جنبًا أفطر ذلك اليوم، فأخبر بقول عائشة وأم سلمة هذا، فقال: لا علم لي، إنما أخبرنيه مخبر. قال مالك: قالت عائشة: وأن رجلا قال: يا رسول الله إني أصبح جنبًا وأنا أريد الصوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وأنا أصبح جنبًا وأنا أريد الصوم فأغتسل وأصوم ذلك اليوم))، فقال الرجل: يا رسول الله إنك لست مثلنا قد غفر الله

لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي)). ومن المدونة قال مالك رحمه الله: ولا بأس أن يصبح الرجل جنبًا في رمضان. م يريد بالإصباح طلوع الفجر. قال أشهب: ولم يختلف العلماء في صيام الجنب أنه يجزئه، وهو كمن صام على غير وضوء. قال: ولو أقام جنبًا بقية نهاره لم يفسد / صومه ولا قضاء عليه. قال عبد الوهاب: ومن احتلم في نهار رمضان لم يفسد ذلك صومه، ولا قضاء عليه؛ لما روي ((ثلاث لا يفطرن الصائم)) فذكر الاحتلام، وللإجماع على أن المراعاة في ذلك سبب يكون من المفطر، والاحتلام ليس من سببه. وأما الحيض والنفاس فلا / خلاف أنه يفسد الصوم، ويجب قضاؤه. وقد قالت عائشة رضي الله عنها: كنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة.

والفرق بينهما لحوق المشقة في قضاء الصلاة لتكررها والصوم لا يتكرر. [فصل - 2 - في أحكام الحائض في رمضان] ومن المدونة قال مالك: وإن حاضت امرأة أو طهرت في رمضان أول النهار أو آخره فلتفطر بقية يومها، وكذلك إن رأت الطهر بعد الفجر. وأنكر في المجموعة ما قيل عن الأوزاعي: إن لم تكن أكلت فلتتم صيام ذلك اليوم، قال: ولقد احتمل عظيمًا من أفتى بهذا قال: وإن كان لرجلاً صالحًا، ولكنكم كلفتموه فتكلف. ومن المدونة قال: وأما إن رأته قبل الفجر اغتسلت بعد الفجر وأجزأها صومها. وقاله ابن القاسم وأشهب وعبد الملك في المجموعة. قال عبد الوهاب: وقال عبد الملك بن الماجشون، ومحمد بن سلمة: لا يجزئها. ودليلنا: أنها محدثة زال حدثها قبل الفجر ولم يبق عليها إلا التطهير، كالجنب. ومن المدونة قال مالك: وإن استيقظت بعد الفجر فشكت أطهرت قبل الفجر أو بعده؟ فلتصم يومها ذلك، وتقضيه إذ لا يزول فرض بغير يقين، فأمرها بالقضاء خوفًا أن يكون طهرها بعد الفجر، وأمرها بالصوم خوفًا أن

يكون طهرها قبل الفجر. قال عبد الملك في المجموعة: وإن طهرت قبل الفجر فأخذت في الطهر حين رأته بغير توان فلم تتم إلا بعد الفجر فهي فيه كالحائض. م والظاهر من المذهب ألا يراعى فراغها من الغسل في الصوم، بخلاف الصلاة، والفرق بينها أن الصلاة لا تصح إلا بغسل فلذلك قدر لها الوقت بعد فراغها منه مجتهدة، والصوم يصح بغير غسل فلا / يحتاج إلى تقدير الفراغ منه، بل بارتفاع الحيض يصير حكمها حكم الجنب. والله أعلم. قال ابن حبيب: وإذا رأت المرأة في ثوبها دم حيض في رمضان لا تدري متى أصابها وصلت كذلك أيامًا فلتطهر وتقضي يومًا واحدًا من الصوم، وتعيد الصلاة من أحدث لبسة لبسته، هذا إن كانت تنزعه، وإن كانت لا تنزعه فتعيد الصلاة من أول ما لبسته. قال مالك في المختصر: وإذا رأت الحامل الدم فلتفطر ما لم يطل بها الدم، ولا تفطر إذا رأت الماء الأبيض.

فصل - 3 - [في أحكام المغمى عليه في رمضان] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن أغمى عليه ليلا في رمضان وقد نوى صوم ذلك اليوم فلم يفق إلا عند المساء أو بعد ما أضحى لم يجزئه صوم ذلك اليوم ويقضيه. م إنما قال ذلك؛ لأن الإغماء معنى ينافي التكليف فخرج من وجد به أن يكون من أهل النية، فإذا أفاق وجب عليه قضاء ما أغمي عليه فيه، خلافًا لأبي حنيفة والشافعي في قولهما: أن لا قضاء عليه. دليلنا أن الإغماء مرض منعه الصوم، فوجب عليه قضاؤه؛ لقوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، ولأنه مسلم عرض له ما منع انعقاد / صومه فلزمه قضاؤه عند زواله، كالحيض. قال ابن القاسم: وبلغني عن بعض من مضى من أهل العلم أنه قال: من أغمي عليه قبل الفجر فلم يفق إلا بعده لم يجزئه صومه، وهو بخلاف النائم؛ لأنه لو نام قبل الفجر فانتبه عند الغروب أجزأه صومه، ولو كان ذلك إغماء لمرض به لم يجزئه صومه.

م والفرق بينهما أن النوم أمر لازم لنا، فلو لم يجز الصوم إلا من كان منتبهًا قبل الفجر إلى ما بعده لأدى ذلك إلى الحرج، والله تعالى رفعه عنا، والإغماء غير ملازم، وإنما هو أمر طارئ فافترقا؛ ولأن المغمى عليه غير مكلف فلم تصح له نية، والنائم مكلف؛ لأنه لو نبه لانتبه. قال ابن/ القاسم: وإذا أفاق المغمى عليه بعد أيام لم يجزئه صوم يوم إفاقته؛ لأنه لم يبيت الصوم. قال مالك: وإن أغمي عليه بعد أن/ أصبح ونيته الصوم فأفاق نصف النهار أو أغمي عليه وقد مضى أكثر النهار أجزأه صوم ذلك اليوم. قال: وإن أغمي عليه قبل طلوع الشمس فأفاق عند الغروب لم يجزئه صومه؛ لأنه أغمي عليه قبل طلوع الشمس أكثر النهار. وقال أشهب:

هذا استحسان، ولو اجتزأ به ما عنف. وقال ابن نافع في غير المدونة: يجزئه صومه. قال ابن حبيب: وقاله مطرف وابن الماجشون. م وهو أصوب. قال ابن الماجشون: والإغماء الذي يفسد به الصوم من يغمى عليه قبل الفجر ويفيق بعده، إنما ذلك إذا تقدمه مرض أو كان بإثره متصلاً، وأما ما قل من الإغماء ولم يكن لمرض فهو كسكر أو نوم، فلو طلع عليه الفجر وهو كذلك ثم تجلى عنه أنه يجزئه صومه. وقال ابن سحنون عن أبيه: لا ينظر في ذلك إلى المرض، وكذلك قال ابن القاسم وأشهب. م وهو أصوب؛ لأنه خرج من حد التكليف. وقال محمد بن عبد الحكم: القليل من الإغماء والكثير سواء، وعليه القضاء وإن كان بعد العصر. م إنما يفسد صومه عدم النية فإذا صحت نيته لم يفسد صومه ولو

أغمي عليه نهاره كله، كمريض في نهار رمضان لم يأكل ولم يشرب فإنه يجزئه صومه. ووجه قول ابن عبد الحكم: أن الإغماء معنى يمنع إنعقاد الصوم فيه، فوجب أن لا يفترق قليله من كثيرة أصله الحيض. فصل -4 - [في أحكام المجنون في الصوم] ومن المدونة قال مالك: ومن بلغ وهو مجنون مطبق فمكث سنين ثم أفاق فليقض صوم تلك السنين، ولا يقض الصلاة، كالحائض، ولم يختلف فيها. م وأيضًا فإن الله تعالى إنما خاطب بالصلاة ذوي العقول، فقال تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} والإيمان هو الإخلاص، فلما كان المجنون لا يفهم الإخلاص فكأنه غير مخاطب بالصلاة، وأما الصيام فوجب عليه قضاؤه؛ لأنه كالمريض. وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، وكذلك/ القول في المغمى عليه، وهما بخلاف النائم؛ لأن النائم يستطاع إنباهه في وقت الصلاة فتوجه عليه الخطاب، ولا يستطاع إزالة الجنون والإغماء فانتفى عنهما التكليف في تلك الحال. وقال ابن حبيب: قال المدنيون من أصحاب مالك: إنما يقضي الصوم في مثل خمس سنين ونحوها، فأما عشر أو خمس عشر فلا قضاء عليه، وذكره عن مالك.

وقاله أصبغ. م ورواية ابن القاسم أعدل. ورواية ابن حبيب استحسان. فصل -5 - [في وقت وجوب الصوم على الصغير] ومن المدونة قال مالك: ولا يؤمر الصبيان بالصيام حتى تحيض الجارية ويحتلم الغلام، بخلاف الصلاة. م وفي رواية ابن وهب: يجب عليهم إذا بلغوا، وهو معنى رواية ابن القاسم. وقال أشهب: لا يجب عليهم إلا بالبلوغ، ويستحب لهم بالطاقة عليه. م والفرق بين الصيام والصلاة أن الصيام لا كبير تعليم فيه، إنما هو الإمساك واجتناب النساء، والصلاة تحتاج إلى علوم فأمروا بها قبل البلوغ حتى لا يأتي الاحتلام إلا وهو قد تعلم فرائضها وسننها وجميع أوقاتها، هذا من طريق المعنى، وأما من طريق السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة)) فذكر الصبي حتى يحتلم، فكان الأصل أن لا يؤمر بشيء حتى يتوجه عليه الفرض، فخرج الأمر بالصلاة من ذلك بالسنة، وهو قوله عليه السلام: ((مروا الصبيان بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)).

وبقي ما سواه على أصله/. قال ابن حبيب: وكان عروة بن الزبير يأمر/ بنيه بالصلاة إذا عقلوا، وبالصيام إذا أطاقوا. قال ابن الماجشون: يلزمهم إذا أطاقوه، ويؤمروا بقضاء ما أفطروا بعد الطاقة، إلا ما كان من غلبة أو عجزت عنه طاقتهم. م ووجه هذا: أن الصوم فرض على الأعيان فوجب على الصبيان إذا أطاقوه أصله الصلاة. قال ابن حبيب: وإذا بلغ الغلام والجارية جبرا على الصوم/ أطاقاه أو لم يطيقاه، وإن تأخر الاحتلام والحيض فإذا بلغا خمس عشرة سنة من المولد، فإن جهل المولد فإذا انبتا، فإن لم ينبتا حملا على التقدير والتحري، إلا أن يطيقا دون ذلك. قال أبو محمد: المعروف من قول مالك وأكثر أصحابه: أنه إذا فقد الحيض والاحتلام والإنبات رفعا إلى سن لا يبلغه أحد إلا احتلم، وذلك سبعة عشرة سنة إلي ثماني عشرة سنة أكثره، وما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز ابن عمر يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فليس فيه حجة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يسأله

ولا غيره عن مولده، وإنما نظر فمن أطاق القتال بمرأى العين أجازه. والذي جاء في الحديث ((انظروا إلى مؤتزره فمن جرت عليه المواسي فاضربوا عنقه))، هو أولى، والبلوغ أقصى ذلك، إلا أن ما يكون عليه من حد وقتل فيتهم أن لا يقر بالاحتلام فيعمل فيه بالإنبات، وما كان من شيء بينه وبين الله سبحانه وتعالى قيل له: إن بلغت لزمك هكذا. قال يحيى بن عمر: وهو قول حسن، وقال بعض أصحابنا: إذا احتلمت المرأة ولم تحض فهو بلوغ أيضًا. ومن المجموعة: قال أشهب: ومن أسلم قبل الفجر فليصم ذلك اليوم، وإن أسلم بعد الفجر فله أن يأكل ذلك اليوم ويشرب.

[باب -9 -] في من أفطر ناسيا أو متأولا أو مكرها

[باب -9 -] في من أفطر ناسيًا أو متأولاً أو مكرهًا [فص -1 - في حكم من أفطر في رمضان ناسيًا] قال الله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}، وقال الرسول عليه السلام: ((حمل عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه))، يريد في فرع المأثم. قال مالك: فمن أكل أو شرب أو جامع في رمضان ناسيًا فعليه القضاء فقط. م لأن الكفارة إنما وضعت لرفع المأثم، وهذا لا إثم عليه؛ لأنه لم يتعمد ذلك فسقطت عنه الكفارة. وقال أبو حنيفة والشافعي: لا قضاء على الآكل ناسيًا، وقد تقدمت الحجة في ذلك في باب السحور. ووافقونا في الواطئ أن عليه القضاء. وقال ابن الماجشون، وأحمد بن حنبل: عليه/ القضاء والكفارة. ودليله قوله صلى الله عليه وسلم للذي قال له: ((وطئت في رمضان أعتق رقبة))، ولم يقل إني وطئت عمدًا؛ ولأنه مكلف جامع في رمضان فوجبت عليه الكفارة أصله العامد؛ ولأنه لو جامع في رمضان عامدًا لزمته الكفارة، فكذلك لو وطئ ناسيًا.

دليله: الحج. ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان))؛ ولأن المتعمد تجب عليه الكفارة، كالآكل عامدًا، فوجب أن لا يكون على الناسي كفارة، كالآكل ساهيًا، فإذا ثبت ذلك؛ لما رووه من الحديث، فمحمول أنه وطئ عمدًا، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم منه ذلك. وأما اجتجاجهم بالحج فالحج سهوه وعمده سواء، والصوم بخلافه، دليله الأكل فيه أن عمده مخالف لسهوه. قال/ ابن الماجشون: وأما من طلع عليه الفجر وهو يطأ، ولم يعلم، ثم تبين له أنه وطئ بعد طلوع الفجر فلا كفارة عليه، بخلاف العامد؛ لأنه كان على أصل حتى يتبين له الفجر، وكذلك من ظن أن الشمس قد غربت فوطئ ثم ظهرت؛ لأنه مأمور بتعجيل الفطر. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن ظن الذي وطئ أو أكل ناسيًا أن ذلك يفسد صومه فتعمد الأكل ثانية فعليه القضاء بلا كفارة. وقد قال مالك في امرأة رأت الطهر ولم تغتسل/ حتى أصبحت فظنت أن لا صوم لمن لم

يغتسل قبل الفجر فأكلت، وفي مسافر قدم إلى أهله ليلاً فظن أن أن لم يدخل نهارًا قبل المساء أن صومه لا يجزئه، وله أن يفطر فأفطر، وفي عبد بعثه سيده يرعى له غنمًا على مسيرة ميلين أو ثلاثة أميال فظن أن ذلك سفر فأفطر فليس على هؤلاء إلا القضاء بلا كفارة. م لأن الكفارة إنما هي على منتهك حرمة الشهر، وهؤلاء غير منتهكين له. وقال ابن الماجشون والمغيرة في المجموعة: إن من أفطر ساهيًا، ثم أكل بعد ذلك أو وطئ متأولا فليكفر. وقال عنه ابن حبيب: أما إذا وطئ متأولا فلابد من الكفارة، وإن أكل ثانية متأولا لم يكفر. م فوجه ما في المجموعة: أن فطره ناسيًا لا يبطل صومه؛ لأن صومه منعقد والنسيان محمول عنه فتأويل الفساد فيه تأويل بعيد، ووجه التفرقة بين الأكل والجماع، فلأن عبد الملك لا يعذره/ في الجماع ناسيًا، فجماعه متأولا أحرى. م والقياس أن يعذر في الوجهين؛ لأنه غير منتهك، وقد عذره ابن القاسم في أبعد من هذا. قال في من احتجم فتأول أنه قد أفطر فأفطر: إنه

يعذر، وعذر أشهب الذي رأى هلال رمضان وحده ثم أفطر، وتأويل هذين أبعد من تأويل من أكل ناسيًا ثم أكل أو جامع متأولا. [فصل -2 - في حكم من أفطر في رمضان متأولا] ومن المدونة قال ابن القاسم: وما رأيت مالكًا يجعل الكفارة في شيء من هذا الوجه على التأويل إلا في امرأة قالت: اليوم حيضتي، وكان ذلك يوم حيضتها فأفطرت أول النهار ثم حاضت في آخره، والذي يأكل في رمضان أول النهار متعمدًا ثم يمرض في آخره مرضًا لا يقدر على الصوم معه، فقال: عليهما القضاء والكفارة. وقاله المخزومي. وقال ابن عبد الحكم: يعذر صاحب حمى الربع والحائض تقول اليوم حيضتي فتحيض بالتأويل. م وهو أقيس، ووجه الأول أنهما تأولا أمرًا لم ينزل بعد بهما، وهو قد يكون أولا يكون، فأصلهم في مثل هذا أن لا حكم له. قال ابن حبيب: كل متأول في الفطر فلا يكفر إلا في التأويل البعيد، مثل: أن يقول اليوم تأتيني الحمى أو تقول المرأة اليوم أحيض أو يحتجم أو يغتاب فيتأول أن له الفطر بذلك، فلا يعذر بهذا. وقال ابن القاسم في العتبية في من

احتجم فتأول أن له الفطر فأكل فليس عليه إلا القضاء. قال أصبغ: هذا تأويل بعيد. فصل -3 - [في حكم الصائم يكره على الفطر بأكل أو شرب أو جماع] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن أكره أو كان نائما فصب في حلقه ماء في رمضان فعليه القضاء بلا كفارة، وكذلك لو فعل به ذلك في نذر متتابع أو غير متتابع أو في صيام ظهار أو صيام كفارة القتل فعليه القضاء، ويصله بما كان من الصوم متتابعًا، وإن كان صومه تطوعًا فلا قضاء عليه عند مالك، ولو جومعت نائمة في نهار رمضان فعليها القضاء فقط؛ لأنه كالإكراه. قال ابن حبيب: ويكفان عن الأكل بقية يومهما، والكفارة عنهما على من فعل ذلك/ بهما.

[باب -10 -] في صيام الحامل والمرضع والكبير والمريض وذات الزوج

[باب -10 -] في صيام الحامل والمرضع والكبير والمريض وذات الزوج [فصل -1 - في خلاف العلماء في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} هل هي منسوخة أو للشيخ والشيخة] قال الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قال مالك: كان أول الأمر أن من أراد أن يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينًا مدًا فعل، ثم نسخ ذلك بقوله عز وجل: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، وقيل: إنها لم تنسخ. وقال عكرمة: نزلت في الحبلى والمرضع والشيخ والشيخة. وكان ابن عباس يقرؤها ((وعلى الذين يطيقونه ولا يطيقونه)) ويقول: إنها في الشيخ والشيخة. قال ابن بكير: وهذا محال أن يطوق من لا يطيق؛ والله تعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها. وقد قال تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} الآية. فكيف يقال: هذا لمن لا يطيق الصوم. فأما الحامل فلها حكم/ المريض، ولما أشكل أمر المرضع أن تكون داخلة في قوله

تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}. وأنها لم تنسخ عنها أو تكون داخلة في معنى المسافر والمريض؛ للضرورة التي تخشى على ولدها. جعل مالك عليها الأمرين القضاء والإطعام احتياطًا. وبالله التوفيق. ابن حبيب: وروي عن ابن عمر وابن عباس وكثير من التابعين: أنهم قالوا في الحامل والمرضع والمستعطش يفطرون ويطعمون يريد مدًا لكل يوم مسكين. وقال القاسم وسالم: لا إطعام عليهم واجب. وكان أنس بن مالك: إذ كبر يفطر ويطعم مدًا لكل يوم. قال ابن وهب عن مالك: لا إطعام على المستعطش. قال أبو محمد: ومعنى المستعطش الذي لا يقدر أن يقضي إلا ناله العطش الشديد، وأما إن قدر أن يقضي فذلك عليه. [فصل -2 - في أحكام الحامل في رمضان] ومن المدونة قال مالك رحمه الله: الحامل كالمريضة إن خافت إذا صامت أن تسقط فلتفطر فإذا صحت وقويت قضت ما أفطرت ولا إطعام

عليها؛ لأنها مريضة. قلت: فلو كانت الحامل صحيحة فخافت إن صامت أن تطرح ولدها، قال: إذا خافت أن تسقط أفطرت؛ لأنها لو أسقطت كانت مريضة. ابن وهب: وقد كان مالك يقول في الحامل تفطر وتطعم، ويذكر أن ابن عمر قاله. قال أشهب: وهو أحب إلي من غير إيجاب؛ لأنه فرض. وأما الصحيحة تخاف إن صامت أن تسقط ولدها فيستحب/ لها أن تطعم؛ لأنها في الحال صحيحة، وإنما يتوقع أمرًا يكون أو لا يكون، وهذا لا حكم له، فأما من أثقلت وصارت في حد المرض فهي كالمريضة، والمريضة لا إطعام عليها. قال ابن حبيب: إن خافت على نفسها فلتفطر ولا تطعم، وإن خافت على ولدها أطعمت مدًا لكل يوم، وإن أمنت في الوجهين فلا تفطر. وقال في المرضع: إذا أفطرت وأمكنها القضاء ففرطت حتى دخل

رمضان آخر فلتطعم عن كل يوم مدين مدًا للرضاع ومدًا للتفريط. [فصل -3 - في أحكام المرضع والكبير في رمضان] قال مالك: وأما المرضع إذا خافت على ولدها فإن قبل غيرها وقدرت أن تستأجر له أوله مال فلتستأجر وتصم، فإن لم يقبل غيرها أفطرت وقضت، وتطعم لكل يوم أفطرته مدًا لكل مسكين؛ لأنها صحيحة، والحامل مريضة. قال ابن حبيب: فإن فرطت حتى دخل عليها رمضان آخر فتطعم عن كل يوم مدين مدًا للرضاع ومدًا للتفريط. ومن المدونة روى ابن وهب: أن القاسم وسالماً قالا: من أدركه الكبر فضعف عن صوم رمضان فلا فدية عليه. فصل -4 - [في أحكام المريض في رمضان] ومن المجموعة قال أشهب في مريض لو تكلف الصوم لقدر عليه أو الصلاة قائمًا لقدر إلا أنه بمشقة وتعب: فليفطر، ويصلي/ جالسًا، ودين الله يسر.

قال مالك: رأيت ربيعة أفطر في رمضان لمرض به لو كان غيره لقلت: يقوى على الصوم، وإنما ذلك بقدر طاقة الناس. قال أبو محمد: من قول أصحابنا: أن المريض إذا خاف إن صام يومًا أحدث عليه زيادة في علته أو ضررًا في بصره أو غيره من أعضائه فله أن يفطر. وفي المجموعة: قال ابن وهب: سئل مالك عمن أصابه عطش شديد أيفطر؟ قال: الله أعلم بخلقه، وما أذن لهم فيه، ثم قال: قالت عائشة: لو نهى الناس عن حاجم لقال قائل: لو ذاقه. [فصل -5 - إذا علمت المرأة أن زوجها يحتاج إليها فلا تصوم تطوعًا إلا بإذنه] ومن المدونة قال مالك: وإذا علمت المرأة أن زوجها يحتاج إليها فلا تصوم تطوعًا إلا بإذنه، وإن كان لا حاجة له فيها فلا بأس أن تصوم بغير إذنه. ابن حبيب: وكذلك إن كان مسنًا لا ينشط فلا إذن له عليها. قال: وأم الولد والسرية كالزوجة. ومن السليمانية قلت: فإن استأذنته/ في الصوم، فقال لها: لا تصومي فإني احتاج إليك، فأصبحت صائمة، قال: له أن لا يقبل منها

ويجامعها إن أراد، وكذلك لو دعاها إلى فراشه فقامت فأحرمت/ بالصلاة تريد أن تمنعه من ذلك فله أن لا يتركها، ويقطع عليها صلاتها ويضمها إلى نفسه.

[باب -11 -] في قضاء رمضان في العشر أو غيره. ومن فرط في قضائه أو مات وعليه صيامه فأوصى أن يطعم عنه وشيء من التبدأة في الوصايا

[باب -11 -] في قضاء رمضان في العشر أو غيره. ومن فرط في قضائه أو مات وعليه صيامه فأوصى أن يطعم عنه وشيء من التبدأة في الوصايا [فصل -1 - في قضاء رمضان في عشر ذي الحجة أو في أيام التشريق] واستحب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقضي رمضان في عشر ذي الحجة، وقاله القاسم وسالم، وقالا: [نعم] ويقضيه يوم عاشوراء. م وإنما استحبوا ذلك لفضلها، فإذا لم يمكنه التطوع قضى فيها الواجب. قال مالك: ولا بأس أن يقضي رمضان في عشر ذي الحجة، ولا يقضي في أيام التشريق كلها. ولا يصام يوم الفطر ولا يوم النحر، وأما اليومان اللذان بعد يوم النحر فلا يصومها إلا المتمتع الذي لا يجد الهدي، ولا يصومهما من نذر ذا الحجة أو كان عليه صوم واجب، وأما اليوم الرابع فليصمه من نذره أو نذر ذا الحجة، ولا يصومه متطوعًا، ولا يقضي فيه رمضان، ولا يبتدئ فيه صيام واجب متتابع من ظهار أو قتل نفس أو غيره، إلا أن يكون قد صام قبل ذلك ثم مرض ثم صح في أيام النحر فلا يصمها، وليصم هذا اليوم الرابع يصله بصومه. وقال أشهب في غير المدونة: لا يصوم هذا اليوم الرابع أحد وإن نذره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام أيام منى فلا يصومها إلا المتمتع الذي لا يجد الهدي؛ يريد لقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ

إِذَا رَجَعْتُمْ}. وأما يوم النحر فلا يصومه أحد. [فصل -2 - في حكم من ظاهر مرتين فصام شهرين ثم ذكر أنه نسي يومين لا تدري من أيهما] قال ابن سحنون عن ابن القاسم في من صام لظهارين فوصل أربعة أشهر ثم ذكر يومين لا يدري من أي ظهار: فليصم يومين ويأت بشهرين، وفي كتاب ابن عبدوس وابن سحنون: قال عبد الملك: أقل ما يجزئه يوم يصله بالشهرين الآخرين، ثم يأتي بشهرين؛ لأن أكثر ما عليه أن يكون عليه يوم من آخر الكفارة الأولى ويوم من أول الثانية، ولو أفطر ثلاثة أيام متتابعة فليصل الآخرة بيومين، ثم يبتدئ كفارة، ولو وصل ثلاث كفارات، ثم ذكر يومين متصلين فليأت بيوم وكفارتين. قال أبو محمد: على أصل ابن القاسم يأتي بيومين يصلهما بآخر كفارة، ويقضي كفارتين، وكذلك لو كانت كفارتين صام يومين في أحدهما، ثم كفارة واحدة، وقوله أولى؛ لأنه لا ينبغي أن يزول عن كفارة حتى يصلحها على أبعد الاجتماع فيها، كذاكر سجدة من ركعة لا يدري من أي ركعة هي أنه/ يصلحها بأعلى إمكانه ذلك فيها، فإن كان لابد له من أن يأتي بركعة واحدة. وقول أشهب: أن لا يجزئه بسجدة في رواية البرقي عنه. فصل -3 - [في أحكام التفريط في قضاء رمضان حتى يحل رمضان آخر] وكفارة من فرط في قضاء رمضان حتى دخل عليه/ رمضان آخر مد لكل

مسكين عن كل يوم، وكذلك إن مات فأوصى به. قال سحنون في كتاب ابنه في من تعمد الفطر في رمضان ففرط في القضاء أيضًا إلى رمضان آخر فإنه يقضي، ويكفر أيضًا المتعمد، ويكفر للتفريط بمد لكل يوم. قال أبو محمد: ومن فرط في قضاء رمضان، ثم جاء رمضان ثان وثالث، وصامهما، ولم يقض الأول، فإنه يقضي الأول، ولا يلزمه في تفريطه إلا كفارة واحدة مد لكل مسكين في كل يوم. وقد روى أشهب في كتبه أن رجلا سأل ابن عمر فقال له: إني أفطرت في رمضان في سفر فلم أقضه حتى دخل علي رمضان آخر فأفطرته في سفر أيضًا، ثم لم أقضهما حتى دخل، رمضان ثالث، فأفطرته يريد بمرض أو سفر فأمره أن يقضي الثلاثة أشهر، ويتصدق عن كل يوم بمد للشهرين. [فصل -4 - في من أفطر في رمضان لعذر فتمادى به إلى رمضان آخر هل عليه إطعام مع القضاء؟] ومن المدونة قال مالك: ومن أفطر في رمضان لمرض أو سفر، ثم تمادى

به المرض أو السفر إلى رمضان آخر فليصم هذا الدخل، ثم يقضي الأول، ولا إطعام عليه؛ لأنه لم يفرط، يريد وكذلك لو صح أو قدم بعد خروج رمضان فتمادت به الصحة والإقامة حتى دخل شعبان فمرضه كله أو سافر فيه فلا إطعام عليه؛ لأن/ له أن يؤخر القضاء إلى شعبان، وهذا كمن أخر الظهر والعصر إلى قدر خمس ركعات من النهار ثم أغمي عليه أو حاضت امرأة فإنه لا قضاء عليهما لذلك كله؛ إذ الوقت قائم بعد، فكذلك هذا. قال مالك: وإن صح أو قدم قبل دخول رمضان الثاني بأيام أقل من شهر أو شهرين فلم يصمها حتى دخل عليه رمضان المقبل فعليه عدد هذه الأيام التي فرط فيها أمداد يفرقها إذا أخذ في القضاء في أوله أو آخره، وإن لم يفرقها حتى فرغ من القضاء فليفرقها بعد ذلك، ولا يسقط عنه الإطعام على كل حال وقاله سعيد بن جبير والقاسم بن محمد. قال ابن حبيب: والمستحب في تفرقة هذا الطعام كلما صام/ يومًا أطعم

مسكينًا، ومن قدم الإطعام أو أخره أو جمعه أو فرقه أجزأه. وقال أشهب في المجموعة: ومن عجل كفارة التفريط قبل دخول رمضان الثاني، ثم لم يصم حتى دخل الثاني لم يجزئه ما كفر قبل وجوبه، فإن كان عليه عشرون يومًا فلما بقي لرمضان الثاني عشرة أيام كفر عن عشرين يومًا لم يجزئه منها إلا عشرة أيام، وكذلك لا يجزئ المتمتع أن يصوم عن التمتع قبل أن يهل بالحج. [فصل -5 - في أحكام التبدأة في الوصايا] ومن المدونة قال مالك: ولا يجزئه أن يطعم أمدادًا كثيرة لمسكين واحد، ولكن مدًا لكل مسكين، فإن لم يخرج ذلك حتى مات وأوصى أن يطعم عنه فذلك في ثلثه يُبدأ على الوصايا، والزكاة تُبدأ على هذا الإطعام إذا أوصى بها وعلى المعتق وغيره إلا المدبر في الصحة وحده، فإنه يبدأ على الزكاة، ولا تفسخ الزكاة التدبير. قلت: فالعتق في الظهار، وقتل النفس إن أوصى بها مع هذا الإطعام

بأيهما يُبدأ؟ قال: العتق في القتل والظهار يبدأن على كفارة الأيمان. م يريد وكفارة الأيمان تبدأ على الإطعام في قضاء رمضان، فإن أوصى بهذا الإطعام وبطعام نذره للمساكين بُدئ بالطعام لقضاء/ رمضان؛ لأنه أكد. قال مالك: وإن مات ولم يوص بإخراج الإطعام لقضاء رمضان لم يلزم ورئته إلا أن يشاءوا كالزكاة وغيرها تجب عليه فلا يوصي بها فلا يلزم ورئته إلا أن يشاءوا. م وشرح مسألة التبدأة وإيعابها في كتاب الوصايا، وأنا أذكرها هنا منها جملة كافية، فأول ما يبدأ به في ثلث الميت المدبر في الصحة، وقيل: صداق المنكوحة في المرض. وقيل: إنهما يتحاصان، ثم الزكاة التي فرط فيها، ثم العتق في الظهار وقتل النفس معًا. وقيل: إن عتق قتل النفس يبدأ به؛ إذ لا بدل منه في المال وعتق الظهار منه بدل، وهو الإطعام، ثم كفارة/ الأيمان، ثم الإطعام عن قضاء رمضان، ثم المدبر والمبتل في المرض معًا إذا كانا في كلمة واحدة، أو فور واحد، فإن

كان بعضهما قبل بعض بدئ بالأول فالأول، وقد قيل: أن المبتل يبدأ به وإن كان في فور واحد؛ إذ لو صح الموصي لتمت حرية المبتل، ووقف المدبر إلى الموت، ثم الموصي بعتقه بعينه أو على مال يعجله أو إلى أجل قريب كالشهر ونحوه، فإن بعد أجل عتقه مثل السنة ونحوها بدئ بمن ذكرنا عليه، وبدئ على الموصي بكتابته، أو بعتق على مال فلم يعجله، فإن بعد أجل عتقه كالعشر سنين ونحوها تحاصوا بينهم، وفيه اختلاف، ثم النذر مثل قوله: ((لله علي إطعام عشرة مساكين))، ثم الوصايا بالعتق بغير عينه، وبالمال وبالحج. وقيل: بل تبدأ الرقبة على الحج. فصل -6 - [إذا اجتمع صوم هدي وقضاء رمضان بأيهما يبدأ] قال في كتاب الصيام: ومن عليه صوم هدي وقضاء رمضان فليبدأ بصوم الهدي إلا أن يرهقه رمضان الثاني فيقضي رمضان، ثم يقضي صيام الهدي بعد ذلك/، وإنما أمر أن يبدأ بصيام الهدي ليصل صومه بما كان صامه في الحج، وإن له تأخير قضاء رمضان إلى شعبان، فإن بقي له إلى رمضان الثاني قدر ما يقضي فيه ما أفطره في الأول، بدأ بقضاء رمضان لئلا يفرق بين صوم الأول وبين قضائه بصوم رمضان الثاني، وذلك يوجب عليه الإطعام، فما أوجب عليه حكمًا أكد مما لم يوجبه عليه، وإن لم يصم للهدي ولا للقضاء حتى دخل رمضان الثاني فصامه فليبدأ بعده بصوم قضاء رمضان؛ لأنه قد فرق بينهما جميعًا وصوم قضاء رمضان أكد فينبغي أن يبدأ به. ابن حبيب: ومن عليه قضاء رمضان فلا ينبغي أن يتطوع بالصوم قبله وقبل

نذر عليه، وكان أبو هريرة يقول: ((إبدأ بحق الله ثم تطوع بما شئت)). قال ابن حبيب: وأرجو أن يكون واسعًا أن يبدأ بتطوع ما يرغب فيه، مثل: عاشوراء وأيام العشر ونحو ذلك. قال/ ابن القاسم في العتبية: ولا أحب ذلك. قال أشهب في المجموعة: ومن لم يزل مريضًا من الأول إلى انقضاء رمضان الثاني فليبدأ إذا أفاق بالأول، وإن بدأ بالثاني أجزأه، وإذا كان عليه قضاء رمضان وصوم ظهار بدأ بأيهما شاء إلا أن يرهقه رمضان فيبدأ بقضاء رمضان. فصل -7 - [في بيان ما يلزم صومه متتابعًا وما لا يلزم] ومن المدونة قال مالك: وما ذكر الله تعالى من صيام الشهور فمتتابع، وأما الأيام مثل: قضاء رمضان وكفارةاليمين، وصيام الجزاء، والمتعة، وصيام ثلاثة أيام في الحج فأحب إلى أن يتابع في ذلك كله، فإن فرقه أجزأه، وإن صام يوم التروية، ويوم عرفة، ويومًا من آخر أيام التشريق أجزأه. قال أشهب: وإن ابن عباس وأبا عبيدة بن الجراح وعروة بن الزبير/ ومعاذ

ابن جبل وعمر بن العاص قالوا: لا بأس أن يفرق قضاء رمضان إذا أحصيت العدة، وأن علي بن أبي طالب وابن عمر وسعيد بن المسيب كرهوا أن يفرق قضاء رمضان، وقالوا: يقضيه حسبما أكله. قال ابن حبيب: وقد بلغني أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك، فأرخص فيه، وقال: ((لو كان لأحدكم على أخيه دين فقضاه إياه متقطعًا أكان يقبل ذلك ويتجاوز عنه؟، قالوا: نعم قال: فالله تعالى أحق بالتجاوز. ومن المدونة قال مالك: ومن أسلم في رمضان فليس عليه قضاء ما مضى منه، وليصم باقيه، واستحب له قضاء اليوم الذي أسلم فيه.

[باب -12 -] جامع في صوم النذر المعين وغير المعين والمتتابع وغير ذلك

[باب -12 -] جامع في صوم النذر المعين وغير المعين والمتتابع وغير ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه))، فعلى من نذر شيئًا من الطاعات من صوم وغيره الوفاء بما نذر. [فصل -1 - في أحكام صوم النذر غير المعين] قال مالك: ومن نذر صوم أيام أو شهر أو شهور غير معينة فليصم عدد ذلك، إن شاء تابعه وإن شاء فرقه إلا أن ينويه متتابعًا. ابن حبيب/ وقال ابن كنانة: يتابعها إلا أن ينوي التفرقة. وقال ابن الماجشون: أما الشهر والسنة أو جزء من شهر فليتابعه حتى ينوي التفرقة، وأما أيامًا فله أن يفرقها حتى ينوي التتابع، وهو قول ابن شهاب، وبه أقول. م فوجه قول مالك: فأنه نذر صومًا لم ينذره متتابعًا فلزم تتابعه، فإذا أتى بعدة ذلك فقد أتى بما نذره؛ ولأنه نذر صوم شهر فلزمه، فإذا أتى بأقصى عدة أيامه أجزأه، ولم يلزمه تتابعه، أصله قضاء رمضان. ووجه قول ابن كنانة: أنه يلزمه تتابع ما نذر قياسًا على قول من يلزمه تتابع قضاء رمضان، وهو ابن عمر، ولأنه إذا أتى به متتابعًا أجزأه باتفاق. ووجه قول ابن الماجشون: أن

الشهور يلزمه تتابعها والأيام يجوز تفريقها؛ لأن الشهر كشيء واحد، فوجب تتابعه، والأيام كأشياء فجاز تفريقها، وقياسًا على ما في كتاب الله تعالى أنه تابع الشهور، ولم يتابع الأيام. وقول مالك أبينها. والله عز وجل أعلم. ومن المدونة قال مالك: وإن نذر صوم شهور بغير عينها متتابعة فله أن يصومها للأهلة أو لغير الأهلة/، فإن صامها للأهلة فكان الشهر تسعة وعشرين يومًا أجزأه، وما صام لغير الأهلة أكمله ثلاثين يومًا، وإن شاء صام بعض شهر، ثم صام بعد ذلك للأهلة إن شاء، ثم يكمل الشهر الأول ثلاثين يومًا. قال ابن القاسم: إلا أن ينذرها شهورًا بأعيانها فليصمها بأعيانها. قال ابن حبيب: وقال ابن الماجشون: في ناذر شهر بغير عينه إن بدأ في

نصف شهر فليكمل الشهر ثلاثين يومًا على ما صام منه كان ناقصًا أو تامًا، وقيل: إن كان النصف الذي صام أربعة عشر يومًا فليعتد به نصفًا ويتبعه خمسة عشر يومًا؛ والأول أحب إلينا. قال ابن القاسم في العتبية: ومن قال: لله علي صوم هذه السنة وقد قضى نصفها فعليه صيام اثنا عشر شهرًا، ولو قال: لله علي صوم سنة ثمانين وهو في نصفها لم يلزمه إلا صوم/ باقيها، بخلاف لو لم يسم. ومن المدونة قال مالك: ومن نذر صوم سنة بغير عينها صام اثني عشر شهرًا ليس فيها رمضان ولا يوم الفطر ولا أيام النحر. وفي المختصر وغيره: ولا أيام منى، وهو أبين؛ لأنها سنة بغير عينها، فصار اليوم الرابع لم ينذره، وهو لا يصومه عنده إلا من نذره، وكذلك بينه ابن حبيب وغيره. قال ابن القاسم: فما صام من هذه السنة على الشهور/ فعلى الأهلة، وما كان منها يفطر مثل رمضان ويوم الفطر وأيام الذبح أفطره، وقضاه، ويجعل الشهر الذي أفطر ثلاثين يومًا. قال أبو محمد: قوله: ((وما أفطر فيه))، فيه نظر، ولو كان الفطر في أوله

كان بينًا. وقد روى ابن سحنون عن أبيه في من نذر شهرًا بغير عينه فصامه للأهلة، وكان الشهر تسعة وعشرين يومًا، قال: يجزئه. قلت: فإن أفطر فيه يومًا؟ قال: عليه يوم كما أفطر. قلت: إن غيرنا يقول: لما أفطر فيه يومًا زال الصوم للأهلة وعليه إتمام ثلاثين يومًا. قال: ليس الأمر إلا كما قلت لك، وقاله مالك في المختصر: إن من صام أوله على الهلال فإنما يقضي عدد ما أفطر لمرض أو غيره، وإن كان تسعة وعشرين يومًا. م ولو كان شوال تسعة وعشرين يومًا قضى يومين؛ لأن يوم الفطر في أوله فعليه تمام ثلاثين يومًا. [فصل -2 - في أحكم صوم النذر المعين] ومن المدونة قال مالك: وإن كانت السنة بعينها صامها وأفطر منها يوم الفطر وأيام الذبح، ويصوم آخر أيام التشريق، ولا قضاء عليه فيها ولا في رمضان؛ إلا أن ينوي قضاء ذلك، كمن نذر صلاة يوم فليس عليه في الساعات التي لا تحل الصلاة فيها قضاء، وإن جاء المنع منه فعليه القضاء.

ثم سئل مالك عن من نذر ذا الحجة، فقال: يقضي أيام الذبح، إلا أن يكون نوى أن لا يقضيها. قال ابن القاسم: وقوله الأول أحب إليّ أن يصوم ما كان يصام، ويفطر ما كان يفطر، ولا قضاء عليه ذلك إلا أن ينوي قضاءه. قال أبو إسحاق: أما قوله من نذر أن يصوم أياماً أو شهراً بغير عينه أنه إن شاء تابع، وإن شاء فرق فصواب؛ لأنه إذا أتى به مفرقاً فقد أتى بالشهر، كقضاء رمضان. وأما نذره سنة بعينها فلا يلزمه قضاء رمضان، ولا أيام الذبح، ولا يوم الفطر، وهو الصواب. وإن قصد صيام ما لا يجوز صومه لما عليه صومه مثل رمضان، فهو نذر في معصية لا يلزم، كقوله: لله عليّ أن أصلي في الوقت الذي لا يجوز فيه الصلاة، وإن لم يقصد أن يصوم ما نهى عنه فهو أبعد أن لا يلزمه؛ لأن نذره إنما يقع فيما يصح فيه الصوم، لا فيما لا يصح فيه. وأما القول الثاني: أن عليه القضاء، إلا أن ينوي أن لا قضاء عليه ففيه ضعف، ويلزم عليه إن نذر صلاة في وقت لا يحل له أن عليه قضاءها، ومن نذر صدقة ما لا يملك أن عليه أن يخرج مثله، وهذا بعيد أن يقال. وقال/ ابن القاسم: وما أفطر من/ السنة المعينة لعذر من مرض أو غيره فلا قضاء عليه فيها, وإن أفطر منها شهراً لغير عذر قضاه, فإن كان الشهر تسعة وعشرين يوماً قضى عدد أيامه. قال: ومن صوم شهر بعينه فمرضه كله لم يقضه, وإن أفطره متعمدًا

يريد أو ناسياً قضى عدد أيامه. قال ابن القاسم: وأحب إلي أن يقضيه متتابعاً, فإن فرقه أجزأه؛ لأن رمضان لو فرق قضاءه أجزأه. وقال سحنون: لا يقضيه إذا أفطر ناسياً, كمن مرضه. قال مالك: وإن أفطر منه يوماً قضاه, إلا أن يكون لمرض, وإن قال: لله عليِّ صوم غد فأفطر فلا كفارة يمين عليه؛ لأنه نذر له مخرج, وعليه قضاؤه, ومن نذر صوم شهر متتابعاً فصام منه عشرة أيام ثم أفطر يوماً من غير عذر فليبتد الصوم, ولا يبني, وإن كان لعذر قضاه ووصله, فإن لم يصله ابتدأ الصوم كله, ومن نذر صوم كل يوم خميس يأتي لزمه, فإن أفطر خميساً متعمداً قضاه. وكره مالك: أن ينذر صوم يوم بوقته. قال أبو القاسم: ومن نذر صوم يوم قدوم فلان فقدم ليلاً فليصم صبيحة تلك الليلة, ولو قدم نهاراً ونية الناذر الفطر فلا قضاه عليه لذلك اليوم. قال أبو إسحاق: وهو الصواب؛ لأنه كناذر صوم يوم بعد طلوع الفجر, وذلك غير لازم؛ لأن الصوم إنما يجب علية لقدوم فلان, وفلان لم يقدم إلا نهاراً, فصار كأنه حينئذ نوى في اليوم صوم اليوم فلا يلزمه, وألزمه أشهب القضاء, فقال: ما تقول لو قال رجل بعد طلوع الفجر: لله علىّ صوم هذا اليوم, فإن قال: لا يلزمه, أو وقع النذر في وقت لا يصح فيه الصوم لعدم التبييت, قيل:

وكذلك هذا, وإن قال يلومه القضاء, كناذر صوم الفطر على أحد القولين, كأنه يريد مثله, فقد قدمنا ضعف ذلك القول. وقال أشهب وعبد الملك في المجموعة: وهو في بعض روايات المدونة يقضي ذلك اليوم. قال أشهب: ولو قد بيت صومه تطوعاً أو لقضاء رمضان أو غيره فلا يجزئه لنذره, ولا لما صامه له. قال ابن الماجشون: ولو علم أنه يدخل أول النهار فبيت الصوم لم يجزئه؛ لأنه صامه قبل وجوبه. قال عن ابن حبيب: وليصم اليوم الذي يليه, وقاله أشهب وأصبغ. وقال ابن القاسم:/ إن مرضه أو قدم نهاراً فلا شيء عليه, وبالأول أقول. قال أشهب في المجموعة: ولو قدم فلان ليلة الفطر أو يومه فلا قضاء عليه, كناذر صوم غد فمان يوم الأضحى وهو يعلم أو لا يعلم. ومن المدونة قال ابن القاسم:/ وإن نذر صوم يوم قدومه أبداّ فقدم يوم الاثنين صام كل اثنين فيما يستقبل. قال أشهب في المجموعة: إلا أن

يوافق يوماً لا يحل له صومه، فلا يصمه، ولا يقضه، ولا قدم ليلة الاثنين وهي ليلة الفطر فلا يصوم صبيحتها، ولا كل اثنين يوافق يوماً لا يحل له صيامه فيما يستقبل ولا يقضيه. وقاله ابن القاسم وابن وهب عن مالك. قال: ولا يقض ما مرض فيه من ذلك إلا أن ينوي قضاءه وقضاء ما يلزمه فطره فيلزمه ذلك. قال سحنون في العتيبة: قال ابن القاسم: ومن نذر صيام يوم يقدم فلان أبداً فقدم في يوم فنسيه قليصم آخر يوم من أيام الجمعة، وهو يوم الجمعة. قال ابن سحنون عن أبيه: ومن نذر صوم يوم بعينه فنسيه، قال: يصوم أي يوم شاء. وقال أيضاً: يصوم آخر يوم من أيام الجمعة، كأنه قضاء له. إن تقدمه ثم رجع، فقال: يصوم الجمعة كلها ولو نذر صومه أبداً فليصم الدهر كله. قال: ومن قال: لله عليّ أن أصوم هذا الشهر يوماً فليصم يوماً واحداً، وإن قال: لله علي أن أصوم هذا اليوم شهراً فليصم مثل ذلك اليوم ثلاثين يوماً.

م يريد إن كان يوم الأحد صام ثلاثين أحداً، ومن مولدات ابن عبد الحكم عن من قال: لله عليّ صيام هذا اليوم شهراً. قال: إن كان ذلك اليوم يوم خميس أو اثنين أو غير ذلك من الأيام فإنه يصوم ذلك اليوم كل جمعة من شهر، وذلك أربعة أيام، وإذا قال: لله عليّ صيام هذا الشهر يوماً كان عليه صيام ذلك الشهر بعينه يوماً ما إن كن شعبان فشعبان. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم في من نذر في سفره صيام خميسه في أهله/ إن شاء الله فقدم فلم يصم، ثم سافر فإنه يصومها في سفره وتجزئه. ومن المدونة: ومن نذر صوم غد فإذا هو يوم الفطر أو يوم الأضحى وقد علم به أولاً فلا يصومه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيامها، ولا قضاء عليه في ذلك، وإن نذرت امرأة صوم سنة ثمانين فلا تقضي أيام حيضتها؛ لأن الحيضة كالمرض، ولو مرضت السنة كلها لم يكن عليها قضاء. قال مالك: وإن نذرت صوم الاثنين والخميس ما بقيت فحاضت فيهن أو مرضت فلا قضاء عليها. قال: وأما السفر فلا أدري ما هو. قال ابن القاسم: وكأني رأيته يستحب القضاء فيه. قال ابن القاسم: وإن نذرت صوم أيام حيضتها فلا قضاء عليها.

ومن الواضحة: قال ابن الماجشون: ومن نذر صيام الدهر فأفطر يوماً ناسياً فلا شيء عليه، وإن أفطر عامداً فعليه الكفارة، كمن أفطر يوماً من رمضان؛ إذ لا يجد له قضاء. وقال سحنون في كتاب ابنه: كفارته إطعام مسكين. قال سحنون: وإن لزمته كفارة يمين بالصوم فليصم ثلاثة/ أيام ليمينه، ويطعم عن كل يوم مداً. قال ابن حبيب: وإن لزمه صيام شهرين لظهاره فليصمها لظهاره، ولا شيء عليه لما نذر من صيام الدهر. قاله مالك. قال أبو محمد: وعلى قول سحنون يطعم عدد ما صام لكل يوم مداً، وهو أدنى الكفارة في صوم كفارة التفريط.

[باب-13] في الكفارة في رمضان وما يوجبها من وطء أو إفطار

[باب-13] في الكفارة في رمضان وما يوجبها من وطء أو إفطار [فصل-1 - في وجوب الكفارة على منتهك حرمة الصوم] وأوجب الرسول صلى الله عليه وسلم على منتهك حرمة الشهر بالوطء الكفارة, فكان منتهكه بالفطر مثله, إذا هما محرمان. وقد روي من غير حديث "أن رجلاً أفطر في رمضان فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً) , فخيره النبي صلى الله عليه وسلم في أصنافها؛ لأن أو موضوعها التخيير. واستحب مالك: الإطعام على العتق والصيام. قال في كتاب الظهار: وما للعتق وماله؟. يقول الله تعالى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ...}. قال ابن الماجشون: هو الذي استحب مالك وغيره من أصحابنا؛ لأنه المفعول في الحديث. قال غيره: ولأنه أعم نفعاً؛ لأن العتق يخص المعتق, والصيام لا منفعة فيه لغير الصائم , والإطعام يسقط الفرض, ويعم نفعه جماعة المساكين. قال ابن الحبيب: وما فعل ذلك أجزأه, وأحب إلينا العتق, ثم الصوم, ثم

الإطعام. ويكفر السفيه بالصيام؛ لأن في غير ذلك ماله, وكفارة الإفطار هو مخير فيها؛ فلذلك استحب له مالك الصوم. وقد اختلف في كفارته عن ظهاره هل يكفر بالعتق أو بالصوم؟ لأنه كالمعدم من أجل الحجر الذي عليه. قال عبد الحق: ففي كفارة الفطر في رمضان أولى أن يكفر بالصوم, ولأن كفارة الفطر في رمضان ليست على الترتيب, وهو مخير في أحدها, فإن أبي من الصيام فيجوز لوليه أن يكفر عنه بما يراه من العتق أو الإطعام على القول الذي قال الصيام أنه يكفر عنه العتق. قال عبد الحق: ويحتمل أن يقال: تبقى الكفارة عليه أن أبى من الصوم, ولا يكفر عنه وليه في فطرة في رمضان, ويكون ذلك خلاف مسألة الظهار؛ لأنه في مسألة الظهار قد يرى له من النظر [الكفارة] لئلا يطلق الزوجة فيحتاج إلي إخراج المال في تزويجه, ولا نظر له في الكفارة في مسألة الفطر؛ لكونه مطلوباً بها, وهذا أبين مما قدمنا, والله أعلم.

ومن كتاب آخر ويكفر العبد والأمة بالصيام, إلا أن يضر ذلك بالسيد فيبقى ديناً عليهما, إلا أن يأذن لهما السيد بالإطعام، ولو وطئ العبد/ من يلزمه أن يكفر عنها فهي جناية، أما أن يسلمه السيد فيها، أو يفديه بالأقل من ذلك أو من قيمته/ ولو طلبت المفعول بها ذلك. وتصوم عن نفسها لم يجزئها وإن رضي السيد؛ لأنه لم يجب لها فيصير ثمناً للصيام، والصيام لا ثمن له. فصل-2 - [في أحكام تجب بمغيب الحشفة في الفرج] ومن المدونة قال مالك: ومغيب الحشفة يُوجب الكفارة، ويُفسد الصوم والحج، ويوجب الغسل والحد، يريد: ويوجب الصداق، ويحصن الزوجين، ويُحل المطلقة ثلاثاً، فيوجب العدة ويرفع العنة والإيلاء، ويفيت البيع الفاسد. وقد زاد بعض الفقهاء في ذلك حتى بلغ نحو ستين وجهاً، وهذه الوجوه قد يشاركها فيها غيرها، والذي يختص بمغيب الحشفة فقط أربعة أوجه، وهي: وجوب الحد، وإحصان الزوجين، وتحليل المطلقة ثلاثاً، ورفع العنة لا غير.

ومن المدونة ولم يعرف مالك في الكفارة إلا الإطعام، والإطعام ستين مسكيناً مداً مداً، ولا يجزئ إطعام ثلاثين مسكيناً مدين مدين، وإن أكره امرأته في نهار رمضان فوطئها فعليها القضاء، وعليه عنه وعنها الكفارة، فإن أكرهها في الحج ووطئها فليحججها ويهدي عنها. وقال سحنون: لا كفارة عليه عنها؛ لأنها لم تجب عليها، فهي لا تجب عليه. قال: والحج مخالف لهذا؛ لأن سهوه وعمده سواء. قال مالك: وإن وطئها في رمضان أياماً فعليه لكل يوم كفارة، وعليها هي مثل ذلك إن طاوعته/، وإن أكرهها فذلك كله عليه، وعليها القضاء لكل يوم، وإن وطئها في يوم مرتين فعليه كفارة واحدة؛ لأنه إنما أفسد يوماً واحداً، ولو وطئها أياماً لزمه لكل يوم كفارة، وسواء كفر عن الأول أم لا،

خلافًا لأبي حنيفة في قوله: إن لم يكفر عن الأول حتى وطئ في الثاني فكفارة واحدة تجزئه قياسًا على الحدود. ودليلنا: أنه هتك حرمة اليوم الثاني كالأول، وليس تأخير/ الكفارة عن الأول يُوجب سقوطها في الثاني، أصله لو كان ذلك في شيئين؛ ولأنه حكم لزم بالفطر فأشبه القضاء. ومن المدونة قال مالك: وإن طاوعته امرأته في الوطء أول النهار ثم حاضت في آخره فلابد لها من القضاء والكفارة. قال أبو محمد: قال بعض أصحابنا: إن وطئ أمته كفر عنها وإن طاوعته؛ لأن طوعها كالإكراه للرق، وكذلك الأمة المستحقة لا تحد بوطء السيد. م إلا أن تطلبه هي: بذلك وتسأله فيه، فيلزم الأمة الكفارة، وتحد المستحقة إن لم تعذر بجهل. م وإذا كفر الرجل عن نفسه خير في عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينًا مدًا مدًا بمد النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا كفر عن زوجته خير في وجهين العتق أو الإطعام، وإذا كفر عن أمته فليس له إلا الإطعام، ولا

يجوز له العتق؛ لأن الولاء له، والصوم لا يصوم أحد عن أحد. فصل -3 - [في من أصبح في رمضان ينوي الإفطار فلم يأكل حتى غربت الشمس] قال مالك: ومن أصبح ونيته الإفطار في رمضان ولم يأكل ولم يشرب فليقض ويكفر، ولو نوى الصيام قبل طلوع الشمس لم ينفعه ذلك، وعليه القضاء والكفارة. م يريد: لأنه بيت الفطر. وقال أشهب: لا كفارة عليه. م يريد: لأنه لم يفطر وإنما نوى الفطر، فلا تجب الكفارة بالنية دون الفعل. م ولعل أشهب يريد إذا كان قد تقدمت له نية الصوم ثم نوى الفطر، فهذا لا يرفض النية الأولى عنده إلا بالفعل، وأما لو نوى فطر أول يوم من رمضان من الليل فيجب أن يكفر باتفاق، لأنه لم يبيت الصوم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل»، والله أعلم.

قال أشهب في غير المدونة: ولو ظن هذا الذي أصبح ونيته الإفطار أن صومه قد فسد فأكل فليكفر. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو نوى الفطر بعدما أصبح نهاره كله إلا أنه لم يأكل ولم يشرب، فقد قال مالك: في ذلك شيئًا، فلا أدري قال: القضاء والكفارة، أو القضاء/ بلا كفارة، وأحب إلي أن يكفر. قال سحنون: إنما يكفر من بيت الفطر، فأما من نواه في نهاره فلا، وإنما يقضي استحبابًا. [فص -4 - في حكم الجارية تحيض في رمضان أو الغلام يحتلم فيأكلان بقيته] قال ابن القاسم: وإذا حاضت جارية أو احتلم غلام في رمضان فأفطر بقيته أو أفطر فيه السفيه البالغ/ فعلى كل واحد منهما القضاء والكفارة لكل يوم، ولا يكفر المفطر في قضاء رمضان، وإن تعمد ذلك.

[باب -14] في من أفطر في قضاء رمضان أو صام رمضان قضاء عن رمضان عليه

[باب -14] في من أفطر في قضاء رمضان أو صام رمضان قضاء عن رمضان عليه. [فصل -1 - في حكم من أفطر في قضاء رمضان] قال في كتاب الظهار: ومن أفطر في قضاء رمضان فإنما يقضي يومًا واحدًا، وكذلك روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية، وروى عنه سحنون، وقاله مالك في كتاب الحج منها: أن عليه يومين. قال مالك وابن القاسم: والحج مثله إذا أفسد حجة القضاء فعليه حجتان وهديان. سحنون: وقال ابن وهب: ليس عليه إلا حجة واحدة وهديان. قال مالك: وإن أفطر في قضاء القضاء عن رمضان فعليه يومان، وقال أيضًا: ليس عليه إلا يوم واحد. وقال يحيى/ بن يحيى عن ابن القاسم: وإن أفطر في قضاء التطوع من غير عذر فليقض يومين. م وجه قولهم: ((إذا أفطر في قضاء رمضان فعليه يومان))؛ فلأنه لما أفسد هذا القضاء فعليه قضاؤه وعليه القضاء الذي كان عليه رمضان؛ لأنه لم يقضه. ووجه قولهم: ((يقضي يومًا واحدًا؛ فلأنه إذا قضى القضاء فقد صح القضاء الأول لرمضان، ولا شيء عليه غير ذلك، وهذا أحب إلي.

فصل -2 - [في حكم من صام رمضان ينوي به قضاء رمضان كان عليه] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن صام رمضان ينوي به قضاء رمضان كن عليه أجزأه لهذا، وعليه قضاء الأول؛ لأنه صامه بنية فرض هذا الشهر، وزاد نية القضاء فكانت ملغاة. وأما الذي نوى الحج عن نذره وفرضه فإنه يجزئه لنذره، وعليه قضاء الفريضة؛ لأنه لما اجتمع فرض ونذر كان أولاهما بالقضاء أوجبهما عند الله عز وجل. قال أبو محمد: قال أبو الفرج: يجزئه صومه. قال ابن القاسم: يجزئه صومه عن/ الشهر الذي حضره، وعليه أن يأتي بما كان عليه من قضاء المتقدم، وهو كما بينا هاهنا عن ابن القاسم. ومن الناس من يتأول أن معنى قول ابن القاسم: أنه يجزئه عن الماضي ويقضي هذا. وذكر الأبياني أنه قول ابن القاسم، وكذلك قال سحنون في رواية سليمان للمدونة. وروي عن ابن القاسم: أنه لا يجزئه عن الأول، ولا عن الثاني. وقاله أشهب. قال أشهب: ولا كفارة عليه في هذا. قال أبو محمد: يريد أشهب: إلا كفارة التفريط فهي عليه، وذكر عن ابن المواز أنه يطعم عن الأول مدًا لكل يوم مسكينًا، وعن الثاني ستين مدًا،

يريد لكل يوم مدين. قال أبو محمد: يذكر هذا عن ابن المواز، ولم أروه. م وقال الشيخ أبو عمران: ذكر هذا القول الأبياني عن ابن المواز، وقال أبو محمد: يريد: وهذا إذا لم يعذر بجهل أو تأويل، والصواب ما قاله أشهب: أنه لا كفارة في هذا. وقال ابن حبيب: إن صامه عن قضاء رمضان آخر لم يجزئه عن واحد منهما، ولو جهل فنوى به عنهما جميعًا أجزأه لهذا، ويعيد ما كان عليه، وقاله أصبغ.

[باب -15 -] ما جاء في قيام رمضان

[باب -15 -] ما جاء في قيام رمضان [فصل -1 - في فضل قيام رمضان وأدلة مشروعيته] وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، ورغب فيه من غير أن يأمر بعزيمة، وقال: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)). وقال في حديث آخر: ((من صامه وقامه احتسابًا وجبت له الجنة))، وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((شهر خير وبركة يغشاكم الله فيه بالرحمة، وتحط فيه الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، وينظر الله فيه إلى تنافسكم، ويباهي بكم الملائكة، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله)). وروي: ((أن النفقة فيه كالنفقة في سبيل الله عز وجل))، ((وأن لله تعالى في كل ليلة فيه خمسمائة ألف عتيق من النار إلا مفطرًا على حرام أو مسكرًا أو أذى مسلم)).

وكان الناس يقومون وحدانا، منهم في بيته، ومنهم في المسجد، فمات عليه السلام والناس على ذلك/، وفي أيام أبي بكر الصديق/ وصدر من خلافة عمر رضي الله عنهما، وجمع عمر بن الخطاب الناس على أبي بن كعب رضي الله عنهم في قيام رمضان، ثم خرج عمر ليلة والناس يصلون بصلاة إمامهم، فقال عمر: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يعني آخر الليل، وكانوا يقومون من أوله. وقال نافع: أدركت الناس يقومون بتسع وثلاثين ركعة يوترون منها بثلاث. قال مالك: وهو الذي لم يزل عليه الناس. وقد أمر عمر بن عبد العزيز: القراء يقومون بذلك ويقرأون في كل ركعة

عشر آيات. قال مالك: وأراد الأمير أن ينقص من ذلك، فنهيته عن ذلك. قال عبد الله بن أبي بكر: كنا ننصرف ونستعجل السحور خيفة الفجر. قال مالك: والأمر في رمضان الصلاة، وليس القصص بالدعاء. قال مالك: وقيام الرجل في بيته أحب إلي لمن قوي عليه، وليس كل الناس يقوي على ذلك، وقد كان ابن هرمز وربيعة وكثير من علمائهم ينصرفون فيقومون في بيوتهم. قال مالك: وأنا أفعل ذلك. قال: ولا يؤم أحد بإجارة في قيام رمضان. قال ابن القاسم: والإجارة في الفريضة أشد. وكره مالك للقراء أن يقرأ أحدهم في غير الموضع الذي انتهى إليه صاحبه. وقال: إنما يقرأ هؤلاء ما خف عليهم؛ ليوافق ذلك ما يريدون، وليقرأ الثاني من حيث انتهى الأول، وهذا الذي كان عليه الناس.

وسئل مالك عن الألحان في الصلاة؟ فقال: لا يعجبني، وأعظم القول فيه. وقال: إنما هو غناء يتغنون به ليأخذوا عليه الدراهم. قال مالك: وليس ختم القرآن بسنة في قيام رمضان. قال ربيعة: ولو أمهم رجل بسورة حتى ينقضي الشهر لأجزأ. [فصل -2 - في حكم قراءة الإمم من المصحف في قيام رمضان] وأجاز مالك أن يؤم الإمام الناس في المصحف في قيام رمضان، وكره ذلك في الفريضة. قال: وإن ابتدأ النافلة بغير مصحف وبين يديه مصحف/ منشور فلا ينبغي إذا شك في حرف أن ينظر فيه، ولكن يتم صلاته ثم ينظر. قال: ولم يكن الأمير يصلي فيما مضى مأمومًا، ولو صنع ذلك لم أر به بأسًا. وقال ربيعة: لا يفعل ذلك، وليصل في بيته، إلا أن يأتي فيؤم بالناس؛ وليقوله عليه السلام: ((لا يؤم الرجل في سلطانه)).

[فصل -3 - في التنفل بين الترويحتين] قال مالك: ولا بأس بالتنفل بين الترويحتين لمن يتم ركعتين ويسلم، وأما من يقف يقرأ وينتظرهم حتى يدخل معهم فلا يعجبني ذلك. قال ابن القاسم: ومعنى قوله: ((حتى يدخل معهم)) أي: يثبت قائمًا حتى إذا قام الناس دخل معهم بتكبيرته التي كبرها أو يحدث لذلك تكبيرة أخرى. ابن وهب: وأن عامر بن عبد الله بن الزبير وأبا بكر بن حزم ويحيى بن سعيد كانوا يصلون بين الأشفاع. [فصل -4 - لا يقنت في رمضان ولا غيره] قال مالك في الحديث الذي يذكر ((ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان)): ليس عليه العمل، ولا أرى أن يعمل به، ولا يقنت في رمضان، لا في أوله، ولا في آخره، ولا في غير رمضان، ولا في الوتر أصلا. وقال ابن أبي زمنين: يريد القنوت الذي جاء عن عمر بن الخطاب أنه كان يقنت في النصف الآخر من رمضان بعد رفع رأسه من ركعة الوتر، فيصلي

على النبي صلى الله عليه وسلم ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات ويدعو لهم، ويلعن الكفرة ويدعو عليهم، وقد جرى به العمل بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه زمانًا فكان الإمام يقنت ويجهر بما يقوله، ويدعو به، وكان من خلفه ينصتون له، ويؤمنون على دعائه كلما وقف. ذكره ابن حبيب. [فصل -5 - في عمل الإمام في الوتر وأفضل وقته] ومن المدونة قال مالك: والوتر آخر الليل أحب إلي لمن قوي عليه. قال: ويفصل الإمام بين الشفع والوتر بسلام، وهو الشأن، ومن صلى خلف من لا يفصل بينهما فلا يخالفه. قال مالك: وكنت أنا أصلي معهم فإذا جاء الوتر انصرفت ولم أوتر معهم/، وبالله التوفيق. تم كتاب الصيام، والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله.

كتاب الاعتكاف

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الاعتكاف [باب -1 -] السنة في الاعتكاف ومن أفطر فيه أو مرض أو جامع [فصل -1 - في حكم الاعتكاف وأدلته] قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ/ فِي الْمَسَاجِدِ} وقد اعتكف الرسول الله عليه وسلم في رمضان، ولم يوجبه الله ولا رسوله إيجابًا، وهو من نوافل الخير، ولكن قل من فعله من السلف لشدته. قال مالك: لم يبلغني أن أحدًا من السلف ولا ممن أدركته اعتكف، إلا أبو بكر ابن عبد الرحمن، واسمه المغيرة، وهو ابن أخي أبي جهل، وهو أحد فقهاء/ تابعي المدينة. وليس الاعتكاف بحرام، ولا أراهم تركوه إلا لشدته؛ لأن ليله ونهاره سواء. قال في المجموعة: ومازلت أفكر في ترك الصحابة الاعتكاف وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله تعالى، وهم أتبع الناس لأموره وآثاره حتى أخذ بنفسي أنه كالوصال الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقيل له: إنك تواصل؟ فقال: ((إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني))، فلا ينبغي لمن لا يقدر أن يفي

بشروط الاعتكاف أن يعتكف. [فصل -2 - في معنى الاعتكاف وأفضله] والعكوف في اللغة اللبث والملازمة للشيء. قال الله تعالى: أي: ملازمًا. وأفضل الاعتكاف العشر الأواخر من رمضان. وروى ابن حبي: عن أبي سعيد الخدري قال: ((اعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأول من رمضان/ فأتاه جبريل، فقال: إن الذي تطلب أمامك فاعتكف العشر الوسط، واعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تلتمس أمامك فاعتكف العشر الأواخر، فاعتكفنا معه)).

قال عبد الملك: فأفضل ما اعتكف فيه من الأيام والشهور العشر الأواخر من رمضان/ ولا بأس به في كل وقت، وقد بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في شوال، ورواه ابن وهب في المدونة. [فصل -3 - في لوازم الاعتكاف وسننه] قال مالك وغيره: والسنة في الاعتكاف التتابع واجتناب الجماع ودواعيه، ولا يكون إلا في المسجد. قال القاسم بن محمد، ونافع ومالك: ولا اعتكاف إلا بصوم؛ لقول الله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}. م وأجازه الشافعي والمزني بغير صوم. ودليلهم ما رواه طاوس عن

علي وابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجبه على نفسه))؛ ولأنه كالطواف والوقوف بعرفة جعله الله تعالى عبادة مخصوصة في موضع مخصوص، فوجب جوازه من غير صوم. ودليلنا ما رواه سفيان بن حسين عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((لا اعتكاف إلا بصوم))، ومثله عن علي وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، ولا نعرف لهم مخالف. وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم صائمًا، وأفعاله على الوجوب. وقاله صلى الله عليه وسلم لعمر وقد سأل عن نذر عليه في الجاهلية: ((اعتكف وصم)).

وقد قال الله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فنهى عن المباشرة فيه، وقصر المخاطبة على الصائمين، وذكر موضع الاعتكاف. فإن قيل: فإن قوله تعالى عز وجل: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ} كلام مؤتنف. قيل: ويحتمل أن يكون عائدًا على الأول، فلما لم يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم إلا في صوم وقع فعله موقع البيان، وأزال الاحتمال. م وسواء كان الصوم له أو لغيره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم اعتكف في رمضان وهو واجب لغير الاعتكاف، كما أن الصلاة لا تكون إلا بطهارة من الحدث لها أو لغيرها. قال عبد الملك في المجموعة: وللرجل أن يعتكف في قضاء رمضان/ وفي كل صوم وجب عليه. فأما من نذر اعتكافًا فلا يعتكفه في صوم واجب عليه من رمضان ولا في قضائه، ولا في كفارة/ ونحو ذلك؛ لأنه قد لزمه الصوم بنذره الاعتكاف، فلا يجزئه من صوم لزمه بغير ذلك، كما لو نذر مشيًا فلا يجعله في حجة الفريضة، وقاله سحنون في كتاب ابنه. وفي كتاب ابن حارث عن محمد بن عبد الحكم أن له أن يجعل اعتكافه الذي نذره في أيام صومه التي نذرها. ومن «المدونة» قال مالك: وإذا أفطر المعتكف متعمدًا انتقض اعتكافه، وإن كان

ناسيًا/ قضى مكانه يومًا، ووصله باعتكافه، فإن لم يصله باعتكافه ابتدأ. قال ابن حبيب: هذا في اعتكاف النذر، وأما في اعتكاف التطوع فلا يلزمه قضاء ما أكل فيه ناسيًا بصيام، ولا باعتكاف. م قيل: قول ابن حبيب هذا خلاف لقول مالك، ويحتمل أن يكون وفاقًا. والله أعلم. [فصل -4 - في العذر يطرأ على المعتكف] ومن المدونة قال مالك: ومن أصابه مرض لا يستطيع الصوم معه خرج فإذا صح بنى على ما كان اعتكف، فإن فرط بعد صحته ولم يصله ابتدأ، وإن صح من مرضه في بعض النهار وقوي على الصوم فليدخل المسجد حينئذ ولا يؤخر. وقد قال مالك في المعتكفة إذا طهرت من حيضتها أول النهار: إنها ترجع إلى المسجد ساعة طهرت، ثم تبني على ما مضى من اعتكافها. قال ابن حبيب: فإن أخر الرجوع إلى المسجد بعد إفاقة المريض وطهر الحائض كان ذلك في ليل أو نهار فليبتد الاعتكاف. قال مالك في المجموعة: ولا تعتد بيوم طهرها في نهاره، إلا أن تتطهر قبل

الفجر وتنوي الصيام فتدخل حين يصبح فيجزئها، فإن أخرت ذلك أو فرطت اتنفت، وذلك مثل الصيام، يريد المتتابع. قال سحنون: لا يجزئها ذلك اليوم وإن تطهرت قبل الفجر حتى يكون دخولها من أول الليل كابتداء الاعتكاف. قال عبد الملك:/ وإذا طهرت في بعض النهار فرجعت فلا تكف عن الأكل، ولو مسها زوجها أو باشرها وهي حائض فسد اعتكافها، وكذلك المريض يخرج لمرضه يفعل مثل هذا. م وحكي عن بعض شيوخنا أنه قال: إذا خرجت المعتكفة فوطئها زوجها مكرهة أنه ينتقض اعتكافها، كما لو وطئها ناسية، لا فرق بين السهو والإكراه، كما لا فرق بينهما في إيجاب القضاء في الصوم. م وكذلك عندي إذا وطئها نائمة أنه يفسد اعتكافها، بخلاف لو احتلمت. والفرق بين ذلك أن الاحتلام أمر لا صنع لآدمي فيه، ولا يمكن الاحتراز منه، والنسيان والإكراه ووطء النائمة فعل آدمي يمكن الاحتراز منه؛ ولأن القضاء يجب على الناسي وشبهه في الصوم، ولا يجب على المحتلم، فافترقا. ومن المدونة قال مالك في امرأة صامت شهرين في قتل نفس ثم حاضت فيهما: أنها إذا طهرت تبني على ما مضى من صومها، ولا تؤخر ذلك.

قال ابن القاسم: وكذلك من اعتكف بعض العشر الأواخر - من رمضان- ثم مرض فصح قبل الفطر بيوم، فإنه يخرج ولا يبيت يوم الفطر في معتكفه؛ إذ لا اعتكاف إلا بصوم، ويوم الفطر لا يصام، فإذا مضى يوم الفطر عاد إلى معتكفه، فيبني على ما مضى، فهذا كله يبين ذلك. وقال ابن نافع عن مالك: في هذا يكون يوم الفطر في معتكفه، ويشهد العيد مع الناس، ويرجع إلى المسجد، لا إلى بيته، ولا يعتد بذلك اليوم. وقال سحنون: لا يشهد العيد، ولا يزول من المسجد؛ لأنه في حرمة العكوف. قال ابن القاسم: وإن أغمي عليه أو جن بعد ما اعتكف أيامًا، فإذا صح بنى على ما كان اعتكف، فإن لم يصله استأنف، كالمرض. وإذا مرض المعتكف أو حاضت المعتكفة/ فخرجا فهما في حرمة الاعتكاف خلا دخول المسجد والصوم. وقال ابن القاسم/ عن مالك في العتبية: إنها إذا خرجت للحيضة فلها أن تخرج إلى حوائجها إلى السوف، وتصنع ما أرادت إلا لذة الرجال من قبلة أو جسة ونحوها. قال سحنون: لا أعرف هذا، بل تكون في بيتها في حرمة الاعتكاف، ولكن لا تدخل المسجد. [فصل -5 - في مفسدات الاعتكاف] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا جامع المعتكف ليلاً أو نهاراً ناسياً أو عامدًا

أو قبل أو باشر أو لامس فسد اعتكافه ويبتدؤه مثل الظهار. وقد قال الله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}. وروى ابن وهب عن سعيد/ بن المسيب وعروة بن الزبير رضي الله عنهما أنهما سمعا عائشة رضي الله عنها تقول: ((السنة في المعتكف أن لا يمس امرأته، ولا يباشرها، ولا يعود مريضًا، ولا يتبع جنازة، ولا يخرج إلا لحاجة لإنسان، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان)). قال ابن عباس: إذا أفطر المعتكف بإصابة أهله أعاد الاعتكاف. قال ابن شهاب ويعاقب على ذلك. وقال ابن المسيب في امرأة اعتكفت تسعة وعشرين يومًا فرجعت إلى بيتها فجامعا زوجها: فقد أتيا حدًا من حدود الله تعالى، وأخطئا السنة، وعليها أن تستأنف شهرًا. وقاله القاسم وسالم. قال ابن شهاب وعطاء: وإن أحدث ذنبًا مما نهى عنه في اعتكافه ابتدأه.

قال ابن القاسم: وإن سكر المعتكف ليلاً وصح قبل الفجر فسد اعتكافه وابتدأه. قال سحنون: يدل على ذلك قول ابن شهاب في من أحدث ذنبًا. [فصل -6 - في ما يجوز للمعتكف فعله أو يكره] قال مالك: وليس للمعتكف أن يشترط في الاعتكاف ما يغير سنته، وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم وعرف المسلمين سنة الاعتكاف. قيل لابن شهاب: فإن شرط المعتكف أن يطلع قريته اليوم واليومين قال: لا شرط للمعتكف في السنة التي مضت. م وذكر لنا/ عن ابن القصار أنه قال: إذا شرط في الاعتكاف ما يغير سنته فلا يلزمه ذلك الاعتكاف. قال مالك: فإن سافر أو عاد مريضًا أو شهد جنازة ابتدأ، ولم ينفعه شرطه. قال: وليقبل المعتكف على شأنه، ولا يعرض لشيء مما يشغل به نفسه، ولا بأس أن يأمر من يكفيه أمر ضيعته وضيعة أهله ومصلحته وبيع ماله أمرًا خفيفًا لا يشغله، ولا بأس أن يتحدث مع من يأتيه، ولا يكثر، ولو كان يخرج لشيء لكان أحسن ما يخرج إليه عيادة المرضى والصلاة على الجنائز واتباعها، ولا يكون معتكفًا حتى يجتنب ذلك كله، ولا يخرج إلا لحاجة الإنسان.

قال ابن شهاب: ولا بأس أن يخرج المعتكف لحاجته تحت سقف، وفعله أبو بكر ابن عبد الرحمن. قال مالك: وأكره له أن يخرج لحاجة الإنسان في بيته للذريعة إلى أهله والشغل بضيعته، وليتخذ مخرجًا غير بيته قريبًا من المسجد، فأما الغريب المجتاز فليخرج لذلك حيث تيسر عليه، ولا أحب له أن يتباعد. قال مالك: ولا بأس أن يخرج المعتكف لغسل الجمعة أو الجنابة، ولا ينتظر غسل ثوبه من الاحتلام وتجفيفه. وأحب إلي أن يعد ثوبًا آخر يأخذه إذا أصابته جنابة. قال في المجموعة: إذا اعتكف في الشتاء وخاف أن يتطهر بالماء البارد فليتطهر بالماء الحار، ولا يدخل/ الحمام. قال مالك: ولا يعجبني إذا أصابته جنابة أول الليل أن يقيم حتى يصبح ثم يغتسل. ومن المدونة قال مالك: ولا بأس أن يخرج فيشتري طعامه إذا لم يجد من يكفيه ذلك، ثم قال: لا أرى ذلك. وأحب إلي أن لا يدخل معتكفه حتى يفرغ من حوائجه ويعد ما يصلحه، فإذا خرج لحاجة فلا يمكث بعد قضائها

شيئًا. وقال عنه ابن نافع: ولا يعتكف إلا من كان مكفيًا حتى لا يخرج إلا لحاجة الإنسان، فإن اعتكف غير مكفي جاز له أن يخرج لشراء طعامه، ثم يرجع ولا يقف مع أحد يحدثه. قال عنه ابن القاسم: ولا بأس أن يشتري ويبيع/ في حال اعتكافه إن كان شيئًا خفيفًا لا يشغله. فصل -7 - [في حكم خروج المعتكف] قال ابن القاسم: وإذا خرج المعتكف يطلب حدًا له أو دينًا، أو أخرج فيما عليه من حد أو دين فسد اعتكافه. وقال ابن نافع عن مالك: إن أخرجه قاض أو غيره لخصومة أو غيرها كارهًا فأحب إلي أن يبتدئ/، وإن بنى أجزأه، ولا ينبغي له إخراجه لخصومة أو غيرها حتى يتم اعتكافه، إلا أن يتبين له أنه إنما اعتكف لواذًا أو فرارًا من الحق فيرى فيه رأيه. قال ابن القاسم: قال مالك: ولا يعجبني أن يصلي على الجنازة وإن كان

في المسجد. قال عنه ابن نافع: وإن انتهى إليه زحام المصلين عليها. م فإن صلى على جنازة في المسجد لم يفسد ذلك اعتكافه؛ لأنه خفيف. ابن حبيب: ولا يخرج للصلاة على جنازة أبويه. قال ابن القاسم في العتبية: إذا مرض أحد أبويه فليخرج إليه، ويبتدئ اعتكافه. قال عنه ابن نافع في المدونة: ولا يعود مريضًا معه في المسجد، إلا أن يصلى إلى جنبه فيسأله عن حاله ويسلم عليه، ولا يقوم لأحد ليهنئه أو ليعزيه في المسجد إلا أن يغشاه ذلك في مجلسه فلا بأس به. ولا يمشي إلى ناس في المسجد ليصلح بينهم، أو ليعقد نكاحًا لنفسه أو لغيره، فإن أتوه في معتكفه فنكح أو أنكح أو أصلح بين قوم فلا بأس به إذا كان خفيفًا. قال عنه ابن القاسم: لا بأس أن يتطيب وينكح. ابن وهب: وقاله عطاء رضي الله عنه، وقال: هو كلام. قال ابن حبيب: ولا يحرم عليه ما يحرم على المحرم، إلا ملامسة النساء فقط. ومن المدونة قال مالك: ولا يشتغل في مجالس العلم، فقيل له: أفيكتب العلم في المسجد؟ فكره ذلك. قال ابن نافع في الكتاب: إلا أن يكون الشيء الخفيف. وإن كان المعتكف حاكمًا فلا يحكم إلا فيما خف.

قال ابن وهب: وسئل مالك رحمه الله أيجلس المعتكف في مجالس العلماء أو يكتب العلم؟ قال: لا يفعل إلا الشيء الخفيف، والترك/ أحب إليه. قال في المجموعة: ولا يخرج لمداواة رمد بعينيه، وليأته من يعالجهما، ولا يخرج لأداء شهادة، وليؤدها في المسجد. قال ابن القاسم: قال مالك: ولا يأخذ المعتكف من شعره، وأظفاره في المسجد، ولا يدخل إليه لذلك حجامًا وإن كان يجمعه ويلقيه. قال ابن القاسم: ولم يكره له ذلك إلا لحرمة المسجد. أبو محمد: ولا أكرهه له في غير المسجد. قال ابن القاسم: وكره مالك للمؤذن المعتكف أن يرقى على ظهر المسجد للأذان. واختلف قوله في صعوده المنار، فمرة قال: لا، ومرة قال: نعم. وجل قوله فيه الكراهة، وذلك رأيي. م وكذلك اختلف قوله في ظهر المسجد. ابن وهب: وكره مالك أن يقيم الصلاة مع المؤذنين؛ لأنه يمشي إلى الأمام، وذلك عمل. وسئل مالك في سماع ابن القاسم أيؤذن المعتكف؟ قال: عساه، وضعفه، وقال: ما رأيت مؤذنا اعتكف، وكأنه كرهه، وذلك رأيي،

وفي سماع أبي زيد وسئل مطرف بن عبد الله أيؤم القوم المعتكف؟ قال: لا بأس بذلك، وقد رأيت الحسن بن زيد اعتكف في المسجد وهو يؤمنا، وكان إذ ذاك أمير المدينة، فلم ينكر ذلك أحد، وقد اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أسمع/ أنه أمر أحدًا يؤمهم، ومحمله عندنا أنه كان يؤم الناس. ومن المدونة قال ابن نافع: وسئل مالك عن المعتكف يدخل البيت لحاجة الإنسان فيلقاه ولده فيقبله أو يشرب ماء وهو قائم، قال: ما أحب ذلك، وأرجو أن يكون في سعة. قيل له: فإن كان بيته قريبًا من المسجد أيأكل فيه؟ قال: لا يأكل ولا يشرب إلا في المسجد أو في رحبته، وأكره أن يخرج منه فيأكل بين يدي بابه، ولا يأكل ولا يقيل فوق ظهر المسجد. قال عنه في المجموعة: وله أن يأكل داخل المنار، ويغلق عليه بابها. قال مالك: ولا بأس أن تأتيه زوجته/ في المسجد فتأكل معه وتحدثه، وتصلح رأسه، ما لم يلتذ منها بشيء في ليل أو نهار. م يريد ويخرج لها رأسه من باب المسجد، قالت/ عائشة رضي الله عنها: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان)).

[باب -2 -] في مواضع الاعتكاف وهل يعتكف في الثغور؟

[باب -2 -] في مواضع الاعتكاف وهل يعتكف في الثغور؟ [فصل -1 - في مواضع الاعتكاف] قال الله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}. قال مالك: ولا يعتكف إلا في المسجد، وقد فعله الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف بعده، والإجماع على ذلك. قال مالك: ويعتكف من لا تلزمه الجمعة في أي مسجد شاء؛ لأن الله تعالى قد عم المساجد كلها، فأما من تلزمه وهو في بلد تجمع فيه، فإنما يكره له أن يعتكف في غير الجامع كراهية أن يخرج من مسجده الذي اعتكف فيه إلى الجمعة أو يدعها. قال عبد الملك في المجموعة: فإن اعتكف في غير الجامع، ثم خرج إلى الجمعة فسد اعتكافه. وقال سحنون: وقال أبو بكر بن الجهم: يخرج إلى الجمعة ويتم اعتكافه في الجامع. قال عبد الملك وسحنون: وله أن يعتكف في مسجد غير الجامع أيامًا، يعني قبل مجيء الجمعة، فإن مرض فيها فخرج، ثم صح فجاءت الجمعة وهو في معتكفه فليخرج إليها، ولا ينتقض اعتكافه؛ لأنه دخل بما يجوز له.

م وقال بعض أصحابنا: إذا بقي له بعد صحته أيامًا لا تدركه فيها الجمعة فخرج إلى الجمعة فليتم اعتكافه في المسجد الجامع ولا يرجع إلى معتكفه. ومن «المدونة» قال مالك: وتعتكف المرأة في مسجد الجماعة، ولا يعجبني أن تعتكف في مسجد بيتها، وإنما الاعتكاف في المساجد التي توضع لله، وقال أبو حنيفة: تعتكف في مسجد بيتها. دليله؛ لأنهن مأمورات بالستر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في/ المسجد». ودليلنا: قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}، فعم؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم اعتكف في المسجد فعلى كل معتكف من ذكر أو أنثى التأسي به؛ ولأن كل شرط في الاعتكاف لزم الرجل يلزم المرأة، كالصوم والنية. ومن «المدونة» قال مالك: وليعتكف في عجز المسجد، ولا بأس أن يعتكف في رحابه، ولا يبيت المعتكف إلا في المسجد، إلا أن يكون خباؤه في بعض رحابه، يدل على ذلك قول عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان». [فصل -2 - في الاعتكاف في الثغور] ويعتكف أهل السواحل والثغور فيها - يريد في مساجدها- إن كان زمن أمن

لكثرة الجيوش أو لغير ذلك، فأما في زمان الخوف فلا يدع ما يخرج له من الغزو ويشتغل بغيره من الاعتكاف. قال: ومن اعتكف منهم في زمان أمن ثم نزل الخوف فليخرج، فإذا أمن ابتدأ، ثم رجع فقال: يبني. وكان ربيعة يكره الاعتكاف في مساجد المواجز؛ لأن أهلها رصدة في ليلهم ونهارهم/ فلا اعتكاف أفضل مما هم فيه.

[باب-3 -] في اليمين بالاعتكاف. واعتكاف العبد والمكاتب والمرأة تموت أو تطلق أو يموت عنها زوجها

[باب-3 -] في اليمين بالاعتكاف. واعتكاف العبد والمكاتب والمرأة تموت أو تطلق أو يموت عنها زوجها [فصل-1 - في حكم الاستثناء في الاعتكاف] قال مالك رضي الله عنه: ولا استثناء ولا لغو إلا في اليمين بالله. قال ابن القاسم: فمن قال: إن كلمت فلانًا فعليّ اعتكاف شهر إن شاء الله لزمه إن فعل ذلك، ولا ثنيا له؛ لأن مالكًا قال: لا ثنيا في عتق ولا طلاق ولا مشى ولا صدقه، فهذا مثله. وإن قال: إن كنت دخلت دار فلان فعليّ اعتكاف شهر فذكر أنه دخلها لزمه الاعتكاف. فصل-2 - [في حكم العبد وذات الزوج] قال مالك: ومن أذن لعبده أو لامرأته في الاعتكاف فليس له قطعه عليهما. قال ابن القرطي: وله أن يرجع فيمنعهما منه ما لم يدخلا فيه. قال ابن القاسم: وإذا جعل العبد على نفسه اعتكافًا فمنعه سيده ثم أعتق أو أذن/ له سيده فليقضه. قال ابن عبدوس: قال سحنون/: هذا إذا نذر

اعتكاف أيام بغير عينها، ولو كانت بعينها فمنعه السيد فيها لم يلزمه قضاؤها إن عتق. ومن المدونة قال مالك: ولو نذرت أمة مشيًا إلى بيت الله وصدقة مالها فلسيدها أن يمنعها، فإن عتقت يومًا ما لزمها أن تفعل ما نذرت من مشى أو صدقة إن بقى مالها الذي حلفت عليه في يدها. قال: وإذا نذر العبد والأمة نذرًا يوجباه على أنفسهما، ثم اعتقا لزمهما ذلك، إلا أن يكون السيد قد أذن لهما أن يفعلا ذلك في حال رقهما، فيجوز لهما، وإذا نذر المكاتب اعتكافًا يسيرًا لا ضرر فيه على سيده فليس له منعه، وإن كان كثيرًا يكون فيه ترك لسعايته فله منعه؛ إذ قد يعجز في اعتكافه، فلا يقدر أن يخرجه منه. فصل-3 - : [في المعتكفة تطلق أو يموت زوجها هل تخرج لتعتد في بيتها؟] قال مالك: وإذا طلقت المعتكفة أو مات زوجها فلتمض على اعتكافها، ولا تخرج منه حتى تتمه، ثم ترجع إلى بيت زوجها، فتتم فيه باقي العدة. قال ربيعة: وإن حاضت في العدة قبل أن تقضى اعتكافها خرجت، فإذا طهرت رجعت إلى تمام اعتكافها، فإن سبق الطلاق الاعتكاف فلا تعتكف حتى تحل، وقاله جابر بن عبد الله وابن شهاب. م قيل: فإن نذرت شهرًا بعينه فطُلّقت أو مات زوجها قبله فأخذت في العدة، ثم دخل الشهر فلتمض في عدتها ومبيتها في دارها، وتكون صائمة فيه،

ولا قضاء عليها للاعتكاف لسبق العدة، وذلك عذر كالمرض. م ظهر لي هذا، ثم ظهر لي بعد ذلك أن تخرج إلى المسجد تعتكف فيه؛ لأن الدخول في الاعتكاف كان لازمًا لها قبل العدة، وهى كمن نوت الاعتكاف ودخلت فيه؛ لأن الدخول في الاعتكاف يوجب ما نوى منه، والنذر يوجب ما نذر منه وإن لم يدخل فيه بالفعل، فالنية والدخول مثل النذر المعين/. والله أعلم. ويجوز للمستحاضة أن تعتكف، وقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهى مستحاضة ترى الدم، فربما وضعت الطست تحتها من الدم.

[باب -4 - ما يوجب الاعتكاف من نذر أو نية وفي أقل الاعتكاف وأكثره

[باب -4 - ما يوجب الاعتكاف من نذر أو نية وفي أقل الاعتكاف وأكثره [فصل-1 - في ما يوجب الاعتكاف من نذر أو نية] قال ابن القاسم: والاعتكاف يجب بالنية والدخول فيه، وبالنذر بلسانه، وإن لم يدخ فيه. قال مالك: فإذا دخل معتكفة/ ونوى أيامًا لزمه ما نوى، وإن نذرها لزمه ما نذر. قال عبد الملك في المجموعة: وله ترك ما نوى قبل الدخول فيه. قال هو وسحنون: فإذا اعتكف في خمس بقين من رمضان ونواها مع خمس من شوال أو دخل فير غيره ينوى عكوف عشرة أيام على ان يفطر منها بعد خمسة أيام يومًا هذه نيته فإنا ننهاه عن ذلك قبل الدخول فيه، فإذا دخل فيه لم يلزمه إلا الخمسة الأولى، ولا يلزمه الأيام التي بعد فطره يريد إلا أن يكون نذرها بلسانه. م وإنما كان يلزمه ما نوى من الاعتكاف بالدخول فيه بخلاف من نوى صومًا متتابعًا فلا يلزمه بالدخول فيه إلا اليوم الأول منه؛ لأن الاعتكاف ليله ونهاره سواء فهو اليوم الواحد من الصوم، وصوم الأيام المتتابعة يتخللها الليل، فصار فاصلًا بين ذلك، وإنما يشبه الصوم جوار مكة الذي ينقلب فيه إلى الليل إلى منزله فيكون الليل فاصلًا بين اليومين، فلا يلزمه بالدخول فيه إلا اليوم الأول منه. ومن المدونة قال مالك: والاعتكاف والجوار سواء، إلا من نذر مثل

جوار مكة يجاور النهار وينقلب الليل إلى منزله، فليس عليه في جواره هذا صيام. قال مالك: ولا يلزمه هذا الجوار بالنية، إلا أن ينذر ذلك فيلزمه، يريد: إلا اليوم الأول، فإنه يلزمه بالنية والدخول فيه، وكذلك إن دخل في اليوم الثاني فإنه يلزمه. م وحُكي لنا عن أبى عمران أنه/ قال: لا يلزمه في هذا الجوار شيء وإن دخل فيه؛ إذ لا صوم فيه؛ لأنه إنما نوى أن يذكر الله تعالى، والذكر يتبعض فما ذكر منه يصح أن يكون عباده، وكذلك لو نوى قراءة معلومة فلا يلزمه جميع ما نوى وإن دخل فيه؛ لأن ما قرأ منه يثاب عليه، فهو بخلاف الصوم الذي لا يتبعض، والعكوف مثله، والله أعلم. قال ابن القاسم: وجوار مكة أمر يتقرب به إلى الله تعالى/ مثل: الرباط والصيام، ومن نذر جوار مسجد، مثل: جوار مكة لزمه في أي البلاد كان إذا كان ساكنًا في ذلك البلد. قال مالك: ومن نذر أن يصوم بساحل من السواحل، كالإسكندرية وعسقلان أو بموضع يتقرب بإتيانه إلى الله، مثل: مكة والمدينة وإيليا لزمه الصوم في ذلك الموضع وإن كان من أهل مكة والمدينة وإيليا. قال في العتبية:

وأما من نذر ذلك في مثل العراق وشبهها فلا يأتيه ويصوم ذلك بمكانه. وقال ابن القاسم: ومن نذر اعتكاف شهر في مسجد الفسطاط فاعتكفه بمكة أجزأه، ولا يخرج إلى مسجد الفسطاط، وليعتكف بموضعه، ولا يجب الخروج إلا إلى مكة والمدينة وإيليا. وإن نذر اعتكاف في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجزئه اعتكافه بمسجد الفسطاط. وقد قال مالك: من نذر أن يأتي مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فليأته؛ للحديث الذي جاء. قال: وهذا لما نذر الاعتكاف فيه قد نذر أن يأتيه، يريد: وكذلك لو نذر بمسجد مكة وإيليا فليأتهما لذلك، ولا يجزئه في غيرهما. م ولو نذر اعتكافًا بساحل من السواحل فليعتكف بموضعه، بخلاف الصوم؛ لأن الصوم لا يمنعه من الحرس والجهاد، والاعتكاف يمنعه ذلك، إلا بقطع ما هو فيه من الاعتكاف، فاعتكافه بموضعه الذي هو فيه أفضل.

فصل-2 - : [في أقل الاعتكاف وأكثره] وقد اعتكف الرسول صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر من رمضان. قال/ ابن القاسم: وقد بلغني عن مالك أنه قال: أقل الاعتكاف يوم وليلة، فسألته عنه: فقال: أقله عشرة أيام، وذلك رأيي لا ينقص من عشرة أيام؛ لأن النبي صلى الله عليه لم ينقص منها، ولكن إن نذر أقل من ذلك لزمه. وسئل مالك في العتبية عن اعتكاف يوم أو يومين قال: ما أعرف هذا من اعتكاف الناس. قال ابن القاسم: وقد سئل عنه قبل ذلك فلم ير به بأسًا، وأنا لست أرى به بأسًا؛ لأن الحديث قد جاء ((أقل الاعتكاف يوم وليلة)). ومن المدونة: وأما في النذر فيلزمه ما نذر، فمن نذر اعتكاف يوم لزمه ليلة ويوم؛ لأنه اليوم التام والليلة السابقة لليوم، وذلك أقل ما يصح فيه الصوم؛ ولذلك قال مالك: إن أقل الاعتكاف يوم وليلة، وقاله ابن عمر. وإن نذر اعتكاف ليلة لزمه أيضًا يوم وليلة. وقال سحنون: لا شيء عليه إن نذر اعتكاف ليلة منه؛ إذ لا صيام في الليل. وقال أبو السح/ بن القابسي في كتابه الممهد: إن نوى بنذره اعتكافًا على سبيل العكوف الشرعي الذي لا يقرب فيه النساء، فيلزمه ليلة ويوم، وإن نوى

أن يكون معتكفًا على ذكر الله تعالى ولم يُرد العكوف الشرعي، فلا يلزمه إلا ما نوى بنذره. قال سحنون: وأما من نذر اعتكاف يوم لزمه ليلة ويوم، ويدخل معتكفة عند غروب الشمس من ليلته، وإن دخل قبل الفجر فاعتكف يومه لم يجزئه، وإن أضاف الليلة المستقبلية لم يجزئه، ويومه الأول ساقط، وعليه اليوم الثاني مع الليلة المتقدمة، فيجزئه. م أراه؛ لأنه نذر اعتكاف يوم فيلزمه يوم تام، وذلك ليلة ويوم. وأما لو نوى اعتكاف يوم فيدخل فيه قبل الفجر لأجزأه، وكذلك قال الأبهري. وقال عبد الوهاب: ويستحب لمريد الاعتكاف أن يدخل معتكفة قبل غروب الشمس من أول ليلة من اعتكافه ليكمل له اليوم بليلته، فإن دخل بعد الغروب وقبل/ طلوع الفجر في وقت ينوى فيه الصوم أجزأه؛ لأن الليل كله وقت لنية الصوم، فأى وقت نوى فيه أجزأه. م فيحمل هذا على أنه نواه، وقول سحنون على أنه نذره، ولا يكون اختلاف/ قول. م وظاهر الرواية أنهما قولان مختلفان يدخلان في النذر أوالنية. والله أعلم. فصل-3 - : [السنة في الاعتكاف التتابع] والسنة في الاعتكاف التتابع. قال ابن القاسم: فمن نذر اعتكاف شهر أو ثلاثين يومًا فلا يفرقه وليعتكف ليله ونهاره، ومن نذر اعتكاف شعبان فمرضه كله

فلا قضاء عليه، مثل من نذر صومه، وإن فرط فيه فعليه القضاء. وقد قال مالك في من نذر حج عام بعينه أو صوم شهر بعينه فمرضه أو حبسه أمر من الله تعالى لم يطق ذلك فيه، فلا قضاء عليه، فالاعتكاف مثله. وإن نذرت امرأة اعتكاف شعبان فحاضت فيه فإنها تصل القضاء بما اعتكفت قبل ذلك، فإن لم تصل ابتدأت. قال ابن عبدوس: فإذا حال بينها وبين القضاء رمضان فلا يجزئها أن تعتكف فيه؛ لأن صومه واجب، فلا يجزئها عن نذرها، ولكن تبقى في حرمة العكوف حتى يخرج رمضان وتفطر يوم الفطر وتصل قضاء ما بقى عليها بعد يوم الفطر متصلًا به. وقال ابن عبدوس: وكذلك من مرض بعضه بعد الدخول فيه، بخلاف النذر لصومه خاصة؛ لأن هذا لما دخل فيه بقى حكم العكوف عليه، وإن لم يكن صائمًا، ولا عكوف بغير صوم، فلزمه القضاء، فإذا لم يكن دخل فيه لم يلزمه قضاء ما مرض منه. يريد: وكذلك لو حاضت المرأة قبل الدخول فيه فلا يلزمها أيضا قضاء. قال: وأما من نذر اعتكاف رمضان فمرضه كله فعليه في قضائه أن يعتكفه؛ لأن هذا يلزمه قضاء الصوم، فلما وجب الصوم وجب الاعتكاف، هذا معنى ما ذكر/ ابن عبدوس. وذكر ابن سحنون عن أبيه في ناذر اعتكاف رمضان مثله، وقال: وأما غير رمضان فلا يقض حائض أو مريض أيام الحيض أو المرض كان قد دخل فيه أم لا؛ لأنه لما لم يلزمه قضاء الصوم

سقط عنه بذلك الاعتكاف. م والصواب قول ابن عبدوس أن يلزمه القضاء إذا مرض بعد الدخول فيه، كمن نذر حج عام بعينه فأحرم له، ثم مرض بعد الإحرام حتى فاته الحج فإنه يلزمه قضاؤه، فكذلك الاعتكاف إذا مرض بعد الدخول فيه، والله أعلم. ومن «المدونة» قال ابن القاسم: ومن نذر اعتكاف أيام التشريق فكناذر صومها لا يلزمه، إلا اليوم الرابع منها، وإن نذر اعتكاف أيام النحر فلا شيء عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيامها، ولا اعتكاف إلا بصوم. قال عبد الملك في من نذر اعتكاف العشر الأول من ذي الحجة فمرض في بعضها ثم صح فليرجع، ويفطر يوم العيد وأيام التشريق، ويخرج يوم العيد ويرجع/ إلى المسجد، وإن كانت امرأة أو عبدًا فلا يخرجان. ومن «المدونة» ابن وهب: قال مالك: وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حين اعتكف وسط الشهر يرجع إلى أهله حين يمسي من آخر اعتكافه، وإنما يجلس حتى يصبح من اعتكف في العشر الأواخر وتلك السنة أن يشهد العيد من مكانه ثم يرجع إلى أهله، واستحب مالك حديث أبي سعيد الخدري، وقال عليه:

رأيت الناس أن من اعتكف العشر الأواخر من رمضان دخل معتكفه حين تغرب الشمس من ليلة إحدى وعشرين فيصلي فيه المغرب، ثم إذا كان يوم الفطر فلا يذهب إلى بيته يلبس ثيابه، ولكن يؤتى بها إلى المسجد، فيلبس، ثم يخرج منه إلى العيد، ثم يرجع من المصلى إلى أهله. ومن غير «المدونة» ولا يدخل الحمام لغسل العيد، ولكن يغتسل/ بموضع كان يتوضأ فيه. وقال ابن القاسم: فإن خرج ليلة الفطر من معتكفة فلا قضاء عليه. وقال سحنون في «العتبية»: إذا خرج ليلة الفطر من معتكفه فسد اعتكافه؛ لأن ذلك سنة مجتمع عليها، يريد: في مبيته/ ليلة الفطر في معتكفه، وقاله عبد الملك. وقال عبد الملك: وإذا فعل في ليلة الفطر ما ينقض الاعتكاف بطل اعتكافه لاتصالها به كاتصال ركعتي الطواف به، ولو انتقض فيها وضوءه بطل الطواف. وقال سحنون في كتاب ابنه عن قول عبد الملك: هذا خلاف قول ابن القاسم وغيره، ولا أقول به. أبو محمد: وهذا خلاف قوله في «العتبية». م وهو الذي استحب ابن القابسي، وأنكر قول العتبي: أن ذلك سنة

مجتمع عليها. قال: وقد قال مالك في موطئه في رجوعه إلى أهله بعد شهود العيد، وهذا أحب ما سمعت إليّ، وهذا إنما يقوله فيما سمع فيه اختلافًا. قال عبد الملك في المجموعة: وإذا دخل في اعتكافه قبل الفجر فلا يحسب ذلك اليوم فيما ألزم نفسه من الاعتكاف، فإن كان عشرة أيام فليأتنفها بعده بلياليها، إلا أنه في هذا اليوم الذي ترك بعض ليلته معتكف يلزمه ما يلزم المعتكف، وكذلك في العقيقة لا يحسب فيها مثل ذلك. سحنون: إذا ولد قبل الفجر فإنه محسوب. ومن المدونة قال مالك: ومن نذر اعتكافًا فمات لوم يفعله وأوصى أن يطعم عنه فليطعم عنه عدد الأيام أمدادًا مدًا بمد النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسكين، ولو نذره وهو مريض لا يستطيع الصوم، ثم مات قبل صحته وأوصى بالإطعام إن لزمه، فلا شئ عليه.

[باب-5 -] جامع ما جاء في ليلة القدر

[باب-5 -] جامع ما جاء في ليلة القدر ابن وهب قال مالك: سمعت من أثق به يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى أعمار الناس فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل ما بلغه غيرهم من طول العمر فأعطاه الله عز وجل ليلة القدر خير من ألف شهر. وقال مالك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ((التمسوا ليلة القدر في التاسعة والسابعة والخامسة))، قال: أرى -والله أعلم- أنه أراد بالتاسعة من العشر الأواخر ليلة إحدى وعشرين، والسابعة ليلة ثلاث وعشرين، والخامسة ليلة خمس وعشرين، يريد في هذا على نقصان الشهر، وكذلك ذكر ابن حبيب. وذكر البخاري عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ((في التاسعة لتسع بقين، وفي الخامسة لخمس بقين، وفي الثالثة لثلاث بقين، فينبغي على هذا أن يتحرى اليومين على النقصان والتمام. قال ابن حبيب: وأن عبد الله بن أبى أنيس الجهني قال: يا رسول الله إني

شاسع الدار فمرني بليلة أنزل لها فقال عليه السلام: أنزل ليلة ثلاث وعشرين من رمضان. قال مالك: وبلغني أن ابن المسيب قال: من شهد العشاء الآخرة/ ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها. وفي الأحكام اختصار بكر القاضي عن ابن المسيب ((من صلى المغرب والعشاء في جماعة فقد أصاب ليلة القدر أو وافق القدر، فزاد المغرب وبين شهودها يعنى في الجماعة. قال بعض أصحابنا: وإنما أريد بذلك أنه نال منها حظًا، وليس يكون له ثواب من قامها واجتهد فيها، وقال: والله عز وجل أعلم. قال ابن حبيب: وروى أن ليلة القدر هي الليلة المباركة في قوله سبحانه:

{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}. وقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}. يعنى القرآن جملة إلى سماء الدنيا، ثم أنزل بعد ذلك شيئًا فشيئًا. وجعلها الله عز وجل خيرًا من ألف شهر في تفضيل العمل فيها، وأخفاها ليجتهد في إصابتها لتكون أكثر لأجورهم. والذي كثرت فيه الأخبار أنها من رمضان في العشر/ الأواخر. وقد جاء ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله فيهن/)). وروى أنه كان يغتسل في كل ليلة منهن، ويحييهن، وروى أنها في السبع الأواخر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((التمسوها في كل وتر)). فتأول أبو سعيد

الخدري أنها ليلة إحدى عشرين، من قوله صلى الله عليه وسلم: ((لقد رأيتني أسجد في صبيحتها في ماء وطين، قال الخدري: فرأيت أثر الطين في جبهته وأنفه في صبيحة هذه الليلة، وقال صلى الله عليه وسلم للذي قال: إني شاسع الدار فمر لي بليلة أنزل فيه، فأمره أن ينزل ليلة ثلاث وعشرين، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد اجتهادًا من سائر الشهر، وكان يقوم في غيرها وينام، وكان يحي ليلة ثلاث وعشرين وليلة أربع وعشرين. قال ابن حبيب: يتحرى أن يتم الشهر أو ينقص فيتحراها في أول ليلة من السبع البواقي، فإذا كان الشهر تامًا كان أول السبع ليلة أربع وعشرين، وإن نقص فأول السبع ليلة ثلاث

وعشرين. وكان ابن عباس يحي ليلة ثلاث وعشرين وليلة أربع وعشرين على هذا، وقال: إنها لسبع بقين تمامًا. وقال عنه غير ابن حبيب: إنها ليلة سبع وعشرين. وروى ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وروى عن ابن عباس رضي الله عنه أنها ليلة سبع وعشرين، وعد السورة كلمة كلمة فكانت الكلمة السابعة والعشرون (هي)، وبقي تمام السورة حتى مطلع الفجر. قال ابن حبيب: وكان ابن مسعود فيما روى عنه يقول: إنها في الشهر كله، وروى عنه أنها في السنة كلها فمن قام السنة أصابها، فقال أبي بن كعب رضي الله عنه: يرحم الله أبا عبد الرحمن لقد علم أنها في شهر رمضان ولقد عمى على الناس لكي لا يتكلوا، فوالذى أنزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم إنها لفي شهر رمضان، وإنها لفي ليلة سبع وعشرين، قلت: بم علم ذلك؟ قال: الآية التي أتانا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بها./ قلت: وما الآية قال: أن تطلع الشمس

غداة إذ ليس لها شعاع. قال ابن الهاد: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر أكانت مرة؛ ثم رفعت أم هي في كل سنة؟ قال: بل هي في كل سنة من شهر رمضان في العشر الأواخر.

[صفحة مكررة في الأصل المطبوع]

[باب-6 -] في صيام العشر ويوم التروية ويوم عرفة ويوم عاشوراء

[باب-6 -] في صيام العشر ويوم التروية ويوم عرفة ويوم عاشوراء قال ابن حبيب: ومما روى من الترغيب في صيام العشر ويوم التروية ويوم عرفة ويوم عاشوراء/ أن صيام يوم من العشر كصيام شهرين من غيره، وأن صيام يوم التروية كصيام سنة، وصيام يوم عرفة كصيام سنتين، وأن العمل في العشر أفضل من سائر السنة، وقيل إن يوم عرفة هذا هو اليوم المشهود، ولما روى من تجاوز الله عز وجل فيه عن العباد. قال: وفطره للحاج أفضل ليقوى فيه على الدعاء، وقاله عمر بن الخطاب رضي الله

عنه، وأفطر النبي صلى الله عليه وسلم في الحج. فصل-1 - [في صيام يوم عاشوراء] وصيام يوم عاشوراء مرغب فيه، وليس بلازم، ويقال: إن فيه تيب على آدم واستوت سفينة نوح على الجودي، وفلق البحر لموسى ابن عمران عليه السلام، وأغرق فرعون وقومه، وفيه ولد عيسى بن مريم، وفيه خرج يونس من بطن الحوت، وفيه خرج يوسف من الجب، وتاب الله عز وجل على قوم يونس

وفيه تكسا الكعبة في كل عام. وقد خص بشيء لم يخص به غيره من الأيام أن من يبيت صومه حتى أصبح أن له أن يصومه أو باقية إن كان أكل. روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن غير واحد من السلف. وكان ابن عباس رضي الله عنهما يوالى صوم اليومين خوفًا أن يفوته، وكان يصومه في السفر. وفعله ابن شهاب رضي الله عنه. وجاء الترغيب من النبي صلى الله عليه وسلم في النفقة فيه على العيال. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من وسع على أهله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر/ السنة. وأن أهل مكة والمدينة يتحرون ذلك

اليوم حتى كأنه يوم عيد. قال قتادة: وبلغني أن صيام يوم عاشوراء يكفر ما ضيع الرجل من زكاة ماله. قال ابن حبيب/:يريد: بنسيان أو نقصان. فصل-2 - [في صيام الأشهر الحرم] روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صام الأشهر الحرم وهى المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة، وقد خصها الله تعالى وفضلها، ويقال: تضاعف فيها السيئات كما تضاعف الحسنات، ورغب أيضًا في صيام يوم سبعة وعشرين من رجب فيه بعث النبي صلى الله عليه وسلم ويوم خمسة وعشرين من ذي القعدة أنزلت الكعبة على آدم

ومعها الرحمة، وفي أول يوم من عشر ذي الحجة ولد إبراهيم عليه السلام. [فصل-3 - في صيام شعبان] وقد رغب في صيام شعبان وكان صلى الله عليه وسلم يصوم فيه أكثر من غيره، وقيل: فيه ترفع الأعمال، ورغب في صيام يوم نصفه وقيام تلك الليلة. [فصل-4 - في فضل الصيام. وما ينبغي أن يكون الصائم] وروى عن النبي صلى لله عليه وسلم أنه قال: الصيام باب العبادة، وجنة من

النار، وإن في الجنة بابًا يقال له: الريان يدخل منه الصائمون، وخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك. وقال أبو هريرة/ ومن فطر صائمًا فله مثل أجره. وجاز أن يقول الرجل: إني صائم معتذرًا ولا يقوله متزينًا. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: للذي قال: ما أفطرت منذ كذا ((ما أفطرت ولا صمت))، وأمر صلى الله عليه وسلم أن يفطر على تمر فإنه بركة، أو على ماء فإنه طهور. وقال صلى الله عليه وسلم: من لم يدع في صيامه قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه. وينبغي أن ينزه صومه عن الرفث والخنا واللغو والمنازعة والمراد الغيبة.

كتاب الزكاة الأول

كتاب الزكاة الأول [الباب الأول] في فرض الزكاة، وما تجب فيه، وشرط وجوبها، وحكم زكاة الذهب والورق [فصل 1 - دليل فرضيتها وشروط الوجوب] والزكاة فريضة، وهي في العين والحرث والماشية. وشروط وجوبها أربعة: الإسلام والحرية والنصاب: وهو ما تجب فيه الزكاة، وتمام الحول وهو في العين بمضي عام، وفي الحرث تمام حصاده كما قال الله تعالى، وفي الماشية مضى عام مع مجئ الساعي، فمتى سقط شرط شئ من ذلك لم تجب. وفرضها في كتاب الله عز وجل: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) وقال تعالى:

(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)، وقوله تعالى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)، وقوله تعالى: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس)) فذكر: ((وايتاء الزكاة))، وقتال أبي بكر لأهل الردة في منع الزكاة. ولا خلاف في وجوبها في الجملة، وإنما سقطت عن الكفار؛ لأن أول ما يخاطبون بالإسلام فإذا أسلموا خوطبوا بشرائعه. وإنما سقطت عن العبد، لقوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً)، والعبد غير تام الملك في الحقيقة. وإنما وجبت بالحول؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول))،

وبه عملت الأئمة والسلف، ولا خلاف في ذلك. وأمّا بالنّصاب، فلقوله صلى الله عليه وسلم: ((ليس فيما دون خمس أواقِ من الورق صدقة)). [فصل 2 - في نصاب الفضة] قال مالك: فأوقّية الفضّة أربعون درهماً، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ليس

فيما دون مائتي درهم زكاة))، فصح بذلك أن الأوقية أربعون درهما،. وقال في خديث آخر: وفي المائتي درهم خمسة دراهم، وفي العشرين مثقالاً ذهباً نصف مثقال)). وروى ابن وهب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((هاتوا إلىّ ربع العشر من كل أربعين درهماً درهماً، وليس عليك شئ حتى يكون لك مائتا درهم، فإذا كانت لك وحال عليها الحول ففقها خمسة دراهم، وليس عليك شئ حتى يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كانت لك وحال عليها الحول ففيها نصف دينار فما زاد فبحساب ذلك))، شكّ الراوي: أعليّ يقول: ((بحساب ذلك))، أم النبي صلى الله عليه وسلم

وروى ابن مهدي أن علي بن أبي طالب قال: ((في كل مائتي درهم خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك)). وهى حُجّتنا على أبي حنيفة في قوله: لا شئ في الزيادة حتى تكون أربعين درهما، أو أربعة دنانير. ودليلنا- أيضاً- قوله: ((ليس فيما دون خمس أواق صدقة))، فدلّ على وجوب الزكاة فيها وفيما زاد عليها. ولأنها زيادة على نصاب يمكن إخراج ربع عشرها كالأربعين درهما والأربعة دنانير التي يوافقنا فيها.

ولأنها زيادة على نصاب فلم تكن عفواً؛ كالزيادة على خمسة أوسق في زكاة الحرث، وهو يوافقنا في ذلك. [فصل 3 - في نصاب الذهب] قال أبو محمد: وأجمعت الأمة على ألا زكاة من الذهب في أقلّ من عشرين ديناراً، وأن في العشرين نصف دينار، وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً، وإن كان حديثاً ليس بالقوي إلا أن الناس تلقوه بالعمل.

وروى أشهب في العتبية عن مالك أن ليس لأوقية الذهب وزن يعلم، ولأشهب في كتابه أربعة دنانير. قال أبو عمران: لعله جعل الأربعة دنانير مقام الأربعين درهماً؛ لأن صرف الدينار عشرة دراهم. فصل [4 - النقصان اليسير في النَصاب] قال مالك في المختصر وغيره: ومن له عشرون ديناراً تنقص نقصاناً يسيراً وتجوز بجواز الوزانة ففيها الزكاة، وليس في أقل من زكاة، وكذلك في نقصان المائتي درهم. قال في موضع آخر: وذلك أن تختلف الموازين فتكون وازنة في ميزان، وناقصة في

آخر الحبة ونحوها، فأما ما تنقص نقصاناً بيَناً في كل ميزان فلا زكاة فيها. وقال في كتاب ابن المواز: إذا نقصت نقصاناً بيَناً فلا زكاة فيها إلا أن تجوز بجواز الوزانة؟ قال: فيها الزكاة. وقال ابن حبيب: إذا نقصت العشرون في العدد ديناراً، أو نقصت المائتا درهم درهماً فلا زكاة فيها، وإن لم تنقص في العدد ونقصت في الوزن أقل مما ذكرنا أو أكثر وهى تجوز بجواز الوازنة بالبلد فرادى ففيها الزكاة. وقا ابن الماجشون: وما جاز من الناس من الفرادى بجواز المجموع فله حكمه

في الزكاة. قال ابن حبيب: وكذلك من له بهذا البلد فضة وزنها مائتا درهم بهذه الدراهم الفرادى التي تجوز بجواز الوزانة فليزكها ربع عشرها، وكذلك الذهب، وما لا يجوز بجواز الوازنة فحكمه حكم تِبْره. م: وما في المختصر أشبه بالحديث، وهذا أحوط للزكاة، وبيان ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس فيما دون مائتي درهم زكاة))، فقد نفى أن يكون في أقلّ من ذلك زكاة، فإذا نقصت نقصاناً كثيراً فليست بمائتي درهم في الحقيقة، وأما إذا نقصت نقصاناً يسيراً في بعض الموازين، وكانت في غيره وازنة وجبت زكاتها؛ لأن من أصلنا الاحتياط، وأيضاً فإن بعض الموازين أثبتت زكاتها، وبعضها نفى، فالمصير إلى الذي أثبت أولى إذْ ليس في الحديث أن تكون وزانة في كل الموازين، وهذا كشهادة أثبتت حقاً وشهادة تنفيه أنَ المصير إلى الذي أثبتت أولى، كشاهدين شهدا أن قيمة هذا العَرض في السرقة ثلاثة دراهم، وشهد شاهدان أنّ قيمته درهمان أن القطع واجب، فكذلك هذا. ووجه ما في كتاب ابن الموَاز، وغيره أنها وإن نقصت كثيراً وكانت تجوز بجواز الوزانة، فقد صار لها حكم الوازنة في الاسم والمنفعة، وهو المراد من المال، فوجب زكاتها حوطة للزكاة، ألا ترى أنهم قالوا: لا يجوز التفاضل في خبز الأرز بخبز الحنطة

لاجتماعهما في الاسم وتقاربهما/ في المنفعة، وجعلوا حكمهما واحداً وإن كان أصلهما مختلفاً يجوز فيه التفاضل فالدراهم أحرى أن يكون حكمها واحداً إذ أصلها واحد وجمعها الاسم والنفع، وبالله التوفيق. [فصل 5 - ما زاد على النصاب أخذ منه بحسابه] ومن المدونة: قال مالك: وما زاد على مائتي درهم أو عشرين ديناراً مما قلّ أو كثر أخذ منه ربع عشره. وقاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه. م: ابن الجهم: وقاله ابن عمر أيضاً مع ما يمكن من لفظ الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.

[فصل 6 - يضم الذهب إلى الفضة في الزكاة] قال مالك: ويجمع بين الذهب والفضة في الزكاة كما يجمع في زكاة الماشية الضأن إلى المعز، والجواميس إلى البقر، إلى الإبل العراب. وقال الشافعي: لا يجمع بين الذهب والفضة. ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: ((في الرقة ربع العشر))

فعم، ولأنهما متفقان في المقصود منهما في أنهما أصلان للأثمان وقيم المتلفات، فوجب جمعهما كما تجمع الضأن إلى المعز، والجواميس إلى البقر، والبخت إلى الإبل العراب لتقارب بعضها من بعض، ولا خلاف بيننا في هذا. ومن المدونة: قال مالك: ومضى أن صرف دينار الزكاة عشرة دراهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس في أقلّ من مائتي درهم زكاة، وفي المائتي درهم خمسة دراهم، وفي العشرين ديناراً نصف دينار))، فقرن العشرين ديناراً بالمائتي درهم، فعلم أن الدينار بعشرة دراهم، وذلك سنّة ماضية. قال مالك: فمن له مائة درهم وعشرة دنانير، أوله مائة درهم، وعشرة دراهم، وتسعة دنانير فعليه الزكاة، ويخرج ربع عشر كل صنف منهما، قال: ولا تقام الدنانير بالدراهم. قال مالك: ومن كان له دنانير مكسورة وتبر، وزن جميع ذلك عشرون ديناراً

زكى، ويخرج ربع عشر كل صنف، وكذلك الدّراهم والتبر. قال: وله أن يخرج في زكاة الدنانير دراهم بقيمتها، ويخرج عن الورق ذهباً بقيمته، وكذلك في المختصر، وكتاب ابن المواز عن مالك، قال ابن المواز: بقيمته قلّت أو كثرت، وقال ابن حبيب: ما لم تنقص قيمة الدينار من عشرة دراهم فلا ينقص منها، فإن زاد أخرج القيمة الزائدة. قال أبو محمد: قول ابن المواز أصوب. قال عبد الوهاب: وقيل يخرج بالتعديل على حساب المثقال بعشرة دراهم. قال: فوجه رواية ابن المواز؛ فلأن ذلك معاوضة في حق فكانت بالقيمة كسائر المعاوضات، ووجه قول ابن المواز؛ فلأن ذلك معاوضة في حق فكانت بالقيمة كسائر المعاوضات، ووجه قول ابن حبيب أن الأصل إخراج النوع من نوعه وإنما سمومح أن يخرج أحدها عن الآخر فيجب ألا يدخل الضرر على المساكين بنقصانه عن القيمة الشرعية، ووجه الثالثة أن الإخراج في هذه المواضع فرع لأصل الضم بالتعديل إن

عدل الدينار بعشرة دراهم، والعشرة دراهم بدينار، فكذلك الإخراج، والله أعلم. قال ابن عبدوس: قال سحنون: وخروجه عن الذهب ورقاً أجوز من خروجه عن الدراهم ذهباً؛ لأنه قد يرى في الدينار تفرقته على جماعة فيصرفه على ذلك، قال عنه ابنه: فإن وجد في الدراهم رديئاً ولم يجد الذي صرفه منه فعلى المزكي أن يبدله للمساكين. قال ابن مزين: كره ابن القاسم،

وابن كنانه أن يخرج دنانير عن دراهم، قال ابن القاسم: إلا أن يعطي المديان ديناراً يؤديه في دينه، ويعلم أن ذلك نظر للمديان فلا بأس به. قال ابن المواز: وإن أراد أن يخرج عن الفضة الرديئة قيمتها دراهم جياداً فلا يجزئه؛ لأنه يخرج أقل من الوزن الذي وجب عليه، ولكن يخرج منها / بعينها أو قيمة ذلك من الذهب الجيد، وكذلك في الذهب الردئ إنما يخرج منه بعينه وإلا فقيمة ذلك من الدراهم الجياد.

[الباب الثاني] في زكاة ربح النقد، والنسيئة ومن اشترى ببعض ماله وأنفق البعض

[الباب الثاني] في زكاة ربح النّقد، والنسيئة ومن اشترى ببعض ماله وأنفق البعض [فصل 1 - يًضم الربح إلى أَصْل المال في تكميل النصاب] قال ابن القاسم: من كانت عنده عشرة دنانير فتجر فيها فصارت بربحها عشرين ديناراً قبل الحول بيوم فليزكها لتمام الحول؛ لأن ربح المال منه، وحوله حول أصله كان الأصل نصاباً أم لا، كولادة الماشية. قال ابن المواز: قال ابن وهب عن مالك فيمن بيده مائة دينار فاشترى بها سلعة ثمّ باعها قبل أن ينقد ثمنها فربح ثلاثين ديناراً وقد حال على مائته الحول أنه يزكي الربح مع المائة التي كانت بيده، ولو لم تكن بيده تلك المائة كان ربحه فائدة. وقال عنه أشهب في الذي عنده المائة يزكي الآن مائة ويأتنف بالربح حولاً من يوم ربحه وصار له إن كان فيه الزكاة. قال ابن المواز: وأحب إلى أن يكون حول الربح من يوم ادّان واشترى. قا ابن القاسم: والى هذا رجع مالك أن حول الربح من يوم ادان الأصل؛ لأن ثمنها في ذمته، والمائة التي في يديه لم تصل إلى البائع، ولا ضمنها، ونيته أن ينقدها في غد أو إلى شهر سواء، ولا ينبغي أن يشترط أن ينقدها بعينها لأنه ضامن لها.

م: يريد فالربح ليس للمائة فيزكيه لحولها وإنما هذا اشترى سلعة بدين في ذمته فإذا حلّ حول المائة جعل ما يقابل المائة من السلعة في دينه إن لم يكن له مال غير ذلك وزكى مائة، فإذا باع السلعة بعد حول من يوم الشراء زكى الربح مكانه ولم يزك ما قابل المائة الذي كان جعله في دينه إلا أن يكون مضى حول من يوم زكى المائة فيزكي بقيتها مع الربح، وإن باع قبل الحول من يوم الشراء تربّص بالربح تمام الحول من يوم الشراء فيزكيه حينئذ. م: واستحب محمد في باب المديان أن يزكي الربح على حول مائته إذا كان اشتراؤه للسلعة على أن ينقد مالها فيها. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا مضى لعشرة دنانير عنده حول فاشترى منها سلعة بخمسة، ثم أنفق الخمسة الباقية، ثم باع السلعة بعد ذلك بأيام أو سنة أو سنتين بخمسة عشر، فإنه يزكي عن عشرين، وهو كمن أقرض رجلاً عشرين ديناراً، ثم اقتضى منها خمسة بعد ستة أشهر، ثم اقتضى الخمسة عشر الباقية بعد ذلك فإنه يزكي حينئذ نصف دينار، قال: ولو أنفق الخمسة قبل شراء السلعة، ثم اشتراها بالخمسة الباقية فباعها بخمسة عشر فلا زكاة عليه حتى يبيعها بعشرين. سحنون: وقال غيره: عليه الزكاة أنفق قبل الشراء أو بعده؛ لأنه مال واحد وأصل واحد على جميعه الحول، ولو لم يتم حول العشرة حتى اشترى منها سلعة ثم باعها فلا يزكي حتى يبيع بعشرين، كانت النفقة قبل الشراء، أو بعده؛ لأن ما أنفق قبل الحول لا يحسب، فكما لا يحسب ما أنفق قبل الحول فكذلك لا يترك أن يحسب ما أنفق بعد الحول في الشراء أو بعده.

قال أبو محمد: أراه المغيره: وكذلك يقول ابن حبيب وأشهب لا يوجبها أنفق قبل الشراء أو بعده حتى يبيع بعشرين. م: وجرى ابن القاسم، وأشهب في هذه المسئلة على اختلاف روايتهما عن مالك في المسئلة المتقدمة في الذي عنده مائة فابتاع بها سلعة، ثمّ باعها قبل أن ينقد ثمنها فربح ثلاثين، ففي رواية ابن القاسم رأى أن الربح كان ما ملكه من يوم الشراء، فجعل الحول منه، وكذلك جعل في هذه المسئلة أن الربح كان مالكاً له من يوم الشراء وإنما البيع كشفه، فلذلك زكى إذا باع بخمسة عشر؛ /لأنه كان بيده خمسة مع هذه الخمسة عشر. وفي رواية أشهب في تلك رأى أن حول الربح من يوم ربحه، فكذلك رأى في هذه ألا زكاة عليه حتى يبيع بعشرين؛ لأنه يوم الربح ملكه وقد أنفق الخمسة قبل الربح، فكل واحد قاس على روايته عن مالك. قال ابن المواز: ومن أفاد عشرة دنانير فأسلف منها خمسة، ثم اشترى بخمسة منها سلعة فباعها للحول بخمسة عشر فأنفقها ثمّ اقتضى الخمسة، فقال ابن القاسم، وأشهب: يزكي الآن عشرين من هذه الخمسة.

ومن المدونة قال مالك: ومن له عشرة دنانير فباعها بعد الحول بمائتي درهم زكّاها ساعتئذ، كمن باع ثلاثين ضائنة بعد الحول وقبل مجئ الساعي بأربعين من المعز، أو باع عشرين جموساً بثلاثين من البقر، أو باع أربعة من البخت بخمسة من الإبل العراب، فإن الساعي يأخذ منها الزكاة إذا قدم.

[الباب الثالث] فيمن حل زكاة ماله فلم يزكه حتى ابتاع به سلعة، أو ضاع

[الباب الثالث] فيمن حل زكاة ماله فلم يزكه حتى ابتاع به سلعة، أو ضاع قال مالك: وإذا تم حول عشرين ديناراً عنده فلم يزكها حتى ابتاع بها سلعة فباعها لتمام حول ثان بأربعين زكى للعام الأول نصف دينار، وزكى تسعة وثلاثين ونصفاً لعامه هذا، قال ابن القاسم: إلاّ أنْ يكون عنده عرض يسوى نصف دينار، فيزكى عن عامه هذا أربعين. قال مالك: ولو باعها قبل تمام حول ثان ٍ بثلاثين زكّى نصف دينار عن السنة الأولى ثم استقبل بتسعة وعشرين ونصف حولاً من يوم حل حول العشرين. ابن المواز: وقال ابن عبد الحكم عن مالك: يزكي العشرين ديناراً نصف دينار عن السنة الأولى، ثم يستقبل بالربح حولاً من يوم ربحه، ورواه أشهب عن مالك أيضاً أنه يستقبل بالربح حولاً من يوم ربحه.

قال أشهب: ولست أرى ذلك، ولكني أرى أن يزكي هذا الربح على حول العشرين الأولى؛ لأن ربحها منها. م: يريد: أنه يزكيه لتمام حول من يوم حل حول العشرين كقول ابن القاسم. قال ابن المواز: وهذا هو أصل قول مالك الذي عليه أصحابه. ومن المدونة قال مالك: ومن اشترى بمال حل حوله قبل أن يزكيه خادماً فماتت فعليه زكاته. قال: وكذلك لو حلّ حول المال بيده ففرّط في إخراج زكاته حتى ضاع فإنه يضمن زكاته، وإن لم يفرط حتى ضاع كلّه أو بقي منه تسعة عشر ديناراً فلا زكاة عليه. م: وقال ابن الجهم يزكي التسعة عشر فيخرج ربع عشرها؛ لأنه لما حال حول ماله وجب للمساكين ربع عشره، فما ضاع فمنه ومنهم، وما بقي فبينه وبينهم كالشركاء. م: وهذا هو القياس. ووجه قول مالك: أنه لما كان له أن يعطيهم زكاته من غيره لم يتعين حقَهم فيه، ولما ضاع بغير تفريط فقد ضاع قبل إمكان إخراج زكاته فهو كضياعه قبل حوله، فلذلك لم يجب عليه زكاة ما بقي.

م: ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن أخرج زكاته بعد محلها بأيام يسيرة فهلكت فإنه يضمنها. قال ابن المواز: وأما لو أخرجها بعد الحول بيوم وشبهه فتلفت فأرجو أن لا يكون عليه غيرها. قال مالك: ولو أخرجها ايضاً قبل الحول بأيام يسيرة فتلفت فإنه يضمنها، قال ابن المواز: ما لم تكن قبله بيوم أو يومين وفي وقت لو أخرجها فيه لأجزأته. م: يريد: فغنها تجزئه، ولا يكون عليه غيرهاـ، وأما إن كان/ قبل الحول بأيام فإنه يزكي ما بقي لا ما تلف. قال مالك: ولو أخرج زكاته حين وجبت ليبعث بها لمن يفرقها فسرقت، أو بعث بها فسقطت لأجزأته. م: لأن المال لو هلك بعد تمام الحول وإمكان الأداء لم يلزمه شئ، فهلاك الزكاة بعد إخراجها من غير تفريط في وصولها إلى الفقراء كتلفها مع جملة المال. قال ابن القاسم: ثم إن وجدها بعد أن تلف ماله وعليه دين فلينقدها عن زكاته ولا شئ لأهل الدين فيها، وكذلك في العتبية عن ابن القاسم. م: لأنه لما كان ضياعها من المساكين وجب أن تكون لهم إذا جدت؛ لأن من كان منه التوى كان له النماء.

قال ابن نافع في المجموعة: ولو بعث بصدقة حرثه أو ماشيته مع رسول لضمن إذ الشأن فيها مجئ المصدق. وقال عن مالك: فأما لو أخرج زكاة العين من صندوقه فوضعها في ناحية بيته فذهبت فهو ضامن؛ لأنه لم يخرجها ما كانت في بيته، وليست كالماشية، تلك لا تزكى حتى يأتيها المصدق، وأما العين فحين يحل يخرج زكاته. قال أبو محمد: أراه يعني يزكي ما بقي إن كان ممن يدفعها إلى الإمام، فليس ذلك بإخراج حتى يرسلها أو يخرج بها، ولو كان هو يلي إخراجها لم يضمن شيئاً لإذا كان عند محلها.

[الباب الرابع] في زكاة الحلي، وحلية السيف، والمصحف والخاتم، والأواني

[الباب الرابع] في زكاة الحلي، وحلية السيف، والمصحف والخاتم، والأواني روى مالك أن عائشة رضي الله عنها كانت تلي بنات أخيها ولهن حلي فلا تخرج منه زكاة. روى أشهب، وابن وهب أن جابر ابن عبد الله، وأنس بن مالك،

وابن مسعود، وسعيد بن المسيب، والقاسم، وربيعة، ويحيى بن سعيد قالوا: ليس في الحلي زكاة إذا كان يعار ويلبس وينتفع به.

قال القاسم، وغيره: ما رأيت أحداً صدقه. قال ابن مهدي: قال سعيد، والحسن، عمر بن عبد العزيز: زكاة الحلي أن يعار ويلبس. وقال ابن عمر: إن كان يوضع كنزاً ففي كل مالٍ يوضع كنزاً الزكاة، وإن كان تلبسه المرأة فلا زكاة فيه، ونحوه عن ابن المسيب.

قال مالك: ولا زكاة فيما اتخذه النساء من الحلي ليلبسنه، او ليكرينه، ولا فيما اتخذ الرجل منه للباس أهله، وخدمه، والأصل له، ولا فيما انكسر منه فحبس لإصلاحه. م: يريد: إذا انكسر كسراً يصلح، فأما لو تهشم حتى لا يستطاع إصلاحه إلا أن يسبك ويبتدأ عمله فهذا يزكى إذا حال عليه الحول بعد كسره؛ لأنه كالتبر، قاله بعض أصحابنا. قال مالك في كتاب ابن المواز: وإن نوى أن يصلحه ليصدقه امرأته فليزكه. وقال أشهب: لا يزكيه، وأنكره محمد. قال ابن حبيب: وما اكتسب الرجل من الحلي يرصد به امرأة يتزوجها أو جارية يبتاعها فتعذّر عليه ذلك حتى حال عليه الحول فقال أشهب وأصبغ: لا يزكيه؛ لأن الحلي لا زكاة فيه على حال إلا أن يتخذه للتجارة، أو لينفق من صاحبه إذا احتاج إليه. وقال ابن القاسم، وابن عبد الحكم، والمدنيون من أصحاب مالك: يزكيه، به أقول؛ لأنه ليس من لباسه، ولا صار إلى ما أمل منه.

قال: ولو اتخذت إمرأة حلياً عدة لابنة لها إن حدثت لم يكن عليها فيه زكاة؛ لأنها ممن يجوز لها اتخاذه ولباسه إن شاءت. قال: ولو اتخذته لا للباس، ولا للكراء، ولا للعارية لكن عدة للدهر إذا احتاجت إلى شئ باعته فعليها زكاته، ولو اتخذته أولاً للباس، فلما كبرت نوت فيه إذا احتاجت إلى شئ باعته أنفقته فقد قيل: لا تزكيه إلا أن تكسره، وأنا أرى عليها زكاته احتياطاً. [فصل 1 - في زكاة حلية السيف والمصحف] ومن المدونة قال مالك: ليس في حلية السيف، والمصحف، والخاتم زكاة. م: لأنه مما أبيح اتخاذه كالحلي للنساء. ابن المواز: روى أشهب عن مالك فيمن اشترى سيفاً محلى في حليته ما تجب فيه الزكاة وربما كان كثير الفضة يكون نصله تبعاً لفضته اشتراه للتجارة فقال: لا يزكيه غير المدير حتى يبيعه فيزكي ثمنه زكاة واحدة، قيل له: وإن كان الذهب جلّ ذلك وأكثره؟ فقال: لا أبالى لا يزكي ذلك حتي يبيعه، قال: وأما المدير فيزكي قيمته في الإدارة. م: وروى عنه ابن القاسم: إن كان اشتراه للقنية فلا زكاة في حليته قلت أو كثرت، وكذلك المصحف والخاتم كالحي إذا اشتراه للقنية.

م: يريد لأهله. قال: وإن كان اشتراه للتجارة فإنه يزكي وزن ما فيه من ذهب أو فضة. م: يريد تحريّاً وإن كان تبعاً للنصل. وإن كان فيه جوهر لم يزك الجوهر حتى يبيعه وكذلك المصحف، يريد: في غير المدير. وروى ابن عبد الحكم عن ابن القاسم عن مالك: إن كان ما في المصحف والسيف تبعاً له فلا زكاة فيه. م: فوجه رواية أشهب، أنه لما كان مرتبطاً بحليته ومباحاً اتخاذه، كان كالحلي المربوط بالحجارة على روايته أيضاً، وأنه كعرض اشتري للتجارة. وقول ابن القاسم أيضاً جارٍ على روايته في الحليّ المشترى للتجارة، وأته إن لم يستطع نزعه إلا بفساده فيقدر على تحريه، وليس كالعرض، لأنه فضة على الحقيقة فلا يراعى فيه البيع بخلاف العرض. ووجه رواية ابن عبد الحكم أن الحلية إذا كانت تبعاً فهي معفو عنها، ألا ترى أنها تباع مع النصل بفضة أكثر من وزنها أو أقل، فهما كعرض على الحقيق، قال ابن حبيب: وإذا حلى لنفسه سيفاً، أو منطقة، وليس ذلك من لباسه، ولكنه أعدة للعارية، أو ليرصد به لداً فلا زكاة عليه في حليته. ومن كتاب ابن القرطي: ويزكي ما حلي به المنطقة،

والدرق، وجميع الحراب، بخلاف السيوف. [فصل: زكاة الذهب والفضة وزنا] من المدونة: قال مالك: وما وزث الرجل من الحلي فحبسه ينوي به التجارة، أو لعله يحتاج إليه في المستقبل، ولم يحبسه للباس فليزك وزنه لكل عام إن كان فيه ما يزكى أو كان عنده من الذهب والورق ما يتم به الزكاة. قال مالك: ومن اشترى حلياً للتجارة فيه الذهبُ، والفضةُ، والياقوتُ، والزّبْرجَدُ، واللؤلؤُ، فحال حول وهو عنده وهو غير مدير فلينظر إلى ما فيه من الذهب والفضة فيزكيه، يريد: يزكي وزنه إن استطاع نزعه، أو يتحراه إن لم يستطع، قال: ولا يزكي ما فيه من الحجارة حتى يبيعه فيزكيه حينئذ. قال: وإن كان مديراً زكى قيمة الحجارة في شهره الذي يقوّم فيه، ويزكي وزن الذهب، والفضة ولا يقومه. وقد روى ابن القاسم، وعلي، وابن نافع أيضاً إذا اشترى رجل حلياً، أو ورثه

فحبسه للبيع كلما احتاج باع، أو لتجارة، فإن لم يكن مربوطاً بالحجارة فهو كالعين يزكيه كل عام. وروى أشهب معهم فيمن اشترى حلياً للتجارة وهو مربوط بالحجارة ولا يستطاع نزعه فلا زكاة عليه حتى يبيعه. قال أشهب، وابن نافع في رويتهما إنه كالعرض/ يشتري للتجارة، فالمدير يزكي 227/ أقيمته في الإدارة، وغير المدير لا يزكيه حتى يبيعه فيزكي ثمنه لعام واحد إذا بلغ ما فيه الزكاة. م: وفي الأمهات ذكر رواية ابن القاسم ولم يذكر لها جواباً، ثم ذكر رواية أشهب معهم، ثم جاوب عنها، ثم عن رواية ابن القاسم، فيتوهم القارئ أن الجواب الذي يعقب رواية أشهب جواب للجميع، وذلك يؤدي إلى أن الحجارة الموروثة إذا باعها زكى ثمنها، وذلك خلاف أصلهم أجمع، وقد رتبها على ما ينبغي، وجعلت جواب كل رواية عقبها صواب ذلك، فتأمله فإنه خفي، وبالله التوفيق. قال ابن القاسم: وإن اشترى مدير آنية ذهب أو فضة قيمتها ألف درهم، ووزنها خمسمئة زكى وزنها لا قيمتها وإن كثرت، وقد قال مالك فيمن اشترى حلياً للتجارة ذهباً أو فضة أنه يزكي وزنه لا قيمته.

قال ابن القاسم: ومما يدل على ÷ذا أن لو اشترى إناء مصوغاً وزنه عشرة دنانير، وقيمته بصياغته عشرون ولا مال غيره فتم له عنده حول أنه لا زكاة عليه فيه إلا أن يبيعه بعد الحول بما يجب فيه الزكاة، فيزكيه ساعة يبيعه، وقاله مالك. م: قال بعض فقهاء القرويين: سألت أبا محمد، وأبا الحسن عن من له حلي وزنه عشرون ديناراً هل يخرج قيمة ربع عشره على أنه مصاغ، أو إنما يلزمه وزن ربع عشرة تبراً أو فضة أو قيمة ربع عشره من الفضة على أنه غير مصاغ؟. فقالا: بل يخرج ربع عشر قيمته على أنه مصاغ؛ لأن المساكين شركاؤه، ولهم ربع عشره فيأخذون قيمة ذلك قلت أو كثرت. م: يريد: فضة، كما لو أراد أن يخرج عن عشرين ديناراً ربع عشرها فإنما يخرج قيمة ذلك على ما يساوي في جودة وسكته، ولو أراد أن يخرج مثل وزن ذلك تبراً هو أنقص في القيمة من ربع المسكوك لم يكن له ذلك، وإنما الذي قال مالك:

لا ينظر إلى القيمة إنما إلى الوزن فيما دون العشرين ديناراً؛ لأن أصل زكاة العين وزن، لا القيمة. م: وهذا قول جيد ولكن ظاهر الكتاب خلافه. واختلف أبو عمران، وابن الكاتب في زكاة آنية الذهب والفضة، والذي تحصل من أقوالهم أن ابن الكاتب كان يرى أنه إن أخرج ورقاً وهي ذهب أن يخرج القيمة على أنها مصوغة، وإن أخرج ذهبا فيخرج قدر تلك القطعة التي تلزمه لو قطع منها وأخرجها من عينها. وقال أبو عمران: إنما عليه إذا أخرج عنها ورقاً قدر قيمة تلك القطعة. م: لأنها تكسر فيه كالتبر. ووجه الأخرى: فلأن المساكين شركاء في عينها كما قالوا في الحلي.

[الباب الخامس] في زكاة أموال العبيد والمكاتبين والصبيان والمجانين

[الباب الخامس] في زكاة أموال العبيد والمكاتبين والصبيان والمجانين روى ابن وهب وغيره أن ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وسعيد بن وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم قالوا: على العبد والمكاتب زكاة.

م: ووجه ذلك: أن الله تعالى قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} وهذا مال ليس هو للعبد والمكاتب في الحقيقة ألا ترى أن للسيد انتزاع مال العبد ومنعه من جميع التصرف فيع، ويمنع المكاتب من العتق والهبة والصدقة فكذلك يمنعها من الزكاة. فإن قيل: فإنهما يكفران بالكسوة والطعام فما الفرق؟ قيل: إنما ذلك بإن السيد ولو أذن له في الزكاة لزكى، وقال لحسن. فإن قيل: فيجب إذا على السيد زكاته. قيل: هو اليوم على ملك العبد حتى ينتزع منه، ألا ترى أنه يطأً بملك يمينه وإن جنا أسلم بماله، فهو على ملك العبد إلا أنه ملك غير تام لما فيه للسيد فسقطت الزكاة فيه. فصل [1 - الرقيق لا تجب الزكاة عليه في شيء من أموال، وإذا عتق وماله في يده فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول من يوم عتق وهو في يده] ومن المدونة قال مالك: وليس على عبد أو من فيه بقية رق زكاة في عين ولا حرث ولا ماشية ولا في فيما يدير للتجارة، وليس عليه في شيء من الأشياء زكاة/ ولا على السيد عنه، ولا يؤخذ من عبيد المسلمين أو مكانبيهم إذا تجروا زكاة. ابن مهدي: وإن مكاتبة مرت على مسروق

بالسلسة فلم يأخذ منها زكاة. قال سحنون: كان في الزمان الأول يربطون السلسلة فلا يخلفها إلا من ودى زكاة ماله. قال: وليس على العبيد إذا عتقوا وأموالهم في أيديهم زكاة حتى يحول عليها الحول في أيديهم من يوم عتقوا، قال: وما قبضه السيد من مال عبده فلا زكاة عليه فيه إلا بعد حول من يوم قبضهن قال في كتاب ابن سحنون: كان ماله عيناً أو غنماً أو ثمراً، وكذلك النصراني يسلم، وما كان له من ثمرة مزهية أو زرع قد طاب فلا زكاة فيه ولا في ثمنه وما لم يطب فليزكياه إذا طاب. قال في كتاب محمد: وإن انتزع ذلك السيد فإن طاب فلا زكاة فيه بحال وإن لم يطب زكاة إذا طاب.

فصل [2 - في وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون] قال مالك: وتجب الزكاة على الصبيان واليتامى في العين والحرث والماشية وفيما يديرون للتجارة. قال ابن القاسم: والمجانين عندي بمنزلة الصبيان. م: وقال أبو حنيفة: ليس على الصبيان والمجانين زكاة مال ولا ماشية. والدليل على صحة قولنا: قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ}، فهو على عمومه، ولأنه حر مسلم تام الملك فأشبه الكبير، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها في فقرائكم)) فعم، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ااجروا بأموال اليتامي لا تأكلها الزكاة))، وهذا نصر، وقاله عمر، وعلي، وابن عمر، وابن

عباس وغيرهم، وجماعة من التابعين، وكان عنر، وعائشة يليان فيخرجان زكاة أموالهم، فإن قيل: معنى في يتامى بالغين محجور عليهم؛ لأن البالغ يسمى يتيماً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((واليتيمة تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها)) وذلك بعد البلوغ، قيل: هذا اسم جامع للصغير والبالغ المحجور عليه فهو على عمومه إلا أن يخص بدليل، وأم اليتيمة فقد استخصها بالاستئذان ولا إذن إلا للبالغة. فإن قيل: فإن الله تعالى قرنها بالصلاة فقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} فلا تكون إلا على من تلزمه الصلاة، قيل: إنما جمع بينهما في إيجاب الفرض لا على أن لا تكون الزكاة إلا على من عليه الصلاة ألا ترى أن الحائض والمغمى عليه مخاطبان بالزكاة غير مخاطبين بالصلاة، وأن العبد والمكاتب مخاطبان بالصلاة غير مخاطبين بالزكاة.

فإن قيل: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى ينتبه، والمجنون حتى يفيق، والصبي حتى يحتلم)) فإذا رفع القلم عنه فقد ارتفعت عنه العبادات، قيل: لا يمنع رفع القلم عنه أخذ الزكاة من ماله، كما لا يمنع أخذها من مال النائم وقد جمع بينهما في الحديث. وأيضاً فإنا اتفقنا ومن خالفنا أن القلم لا يمنع زكاة حرثه وثماره وأداء زكاة الفطر عنه، فكذلك لا يمنع أخذها من ماله وماشيته، وبالله التوفيق.

[الباب السادس] في زكاة التجارة في الإدارة وغير الإدارة

[الباب السادس] في زكاة التجارة في الإدارة وغير الإدارة [فصل 1 - من له عروض تجارة يترصد بها الأسواق وزيادتها من غير إدارة فلا زكاة فيها حتى تباع] قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الزكاة في الحرث، والعين، والماشية)) فلا تجب زكاة عرض حتى يصير عيناً. قال مالك: وإذا اشترى من لا يدير ماله نوعاً من التجارة أو أنواعاً، مثل أن يشتري الحنطة في زمان الحصاد فيحبسها ينتظر بها الأسواق فبارت عليه وأقامت أحوالا فلا زكاة عليه فبما حتى يبيع، فإذا باع زكى زكاة واحدة. قال عنه علي: وكذلك من له دين تجب فيه الزكاة فقبضه بعد سنين فليس عليه إلا زكاة واحدة، قال: ولو لزم رب الدين إخراج الزكاة عنه قبل قبضه، وعن العرض قبل بيعه لم يجب عليه أن يخرج في صدقته إلا عرضا أو ديناً، ومن أجل أن السنة أن يخرج صدقة كل مال منه وليس عليه أن يحرج عن شيء غيره، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((الزكاة في العين، والحرث، والماشية) فليس عليه في الدين شيء حتى يقبض، ولا العرض حتى يصير عيناً.

قال ابن القاسم: ومن كانت له دابة للتجارة فاستهلكها رجل فأخذ منه بقيمتها سلعة، فإن نوى بها الاجارة زكى ثمنها ساعة بيعها إن مضى لأصل ثمن الدابة حول من يوم زكاه، وإن نوى بها حين أخذها القنية فلا شيء عليه فيها- وإن باعها 0 حتى يحول على ثمنها حول من يوم باعها، وإن أخذ في قيمة الدابة دنانير أو دراهم زكاها ساعة يقبضها إن مضى للأصل حول، وإن لم يمض له حول فلا يزكيها، ثم إن اشترى بتلك الدنانير سلعة، فإن نوى بها التجارة فهي للتجارة، وإن نوى بها القنية فهي للقنية لا زكاة عليه في ثمنها إن باعها حتى يقبضه ويحول عليه الحول بعد قبضه. ومن كانت عنده سلعة للتجارة فباعها بعد حول بمئة دينار فليزكها إذا قبضها مكانه، وإن أخذ بالمئة قبل قبضها ثوباً قيمته عشرة دنانير فلا شيء عليه في الثوب حتى يبيعه، فإن باعه بعشرة دنانير فلا شيء عليه إلا أن يكون له مال قد جرت فيه الزكاة وفيه مع هذا ما تجب فيه الزكاة فليزك، فإن باعه بعشرية أخرج نصف دينار. ومن اشترى عبداً للتجارة، فكاتبه، ثم اقتضى منه مالا ثم عجز فرجع رقيقاً فباعه مكانه فليزك ثمنه، ويرجع إلى أصله للتجارة، وكذلك لو باع عبداً له من رجل ففلس المبتاع فأخذ عبده أو أخذ عبداً من غريمة في دينه فإن ذلك كله يرجع إلى أصله

ويكون للتجارة كما كان، وكذلك من اشترى داراً للتجارة فواجرها سنين ثم باعها فإنها ترجع إلى الأصل وتزكى على التجارة ساعة يبيعها. فصل [2 - من اكترى أرضاً واشترى طعاماً فزرعه فيها للتجارة، كيف يزكيه؟] قال: ومن اكترى أرضاً واشترى طعاما ً فزرعه فيها للتجارة فإذا حصد زرعه أخرج زكاته العشر أو نصف العشر، فإنه تم له عنده حول من يوم أدى زكاة خصاده قومه إن كان مديراً وله مال عين سواه، وإن كان غير مدير فلا تقويم عليه حتى يبع، فإذا باع بعد حول من يم أدى زكاته زكى الثمن مكانه، وإن باع قبل تمام حول تربص فإذا تم الحول زكية. م: يريد: إنه اكترى الأرض للتجارة، واشترى طعاماً للتجارة فزرعه فيها للتجارة، وأنا لو اكترى ليزرع فيها طعاماً لقوته ثم بدى له فزرع فيها للتجارة فإنه إذا أدى زكاة الحب ثم باعه بعد ذلك فإن ثمنه فائدة يستقبل بها حولاً من يوم باعه، وكذلك فرق في كتاب محمد في مسألة من اكترى داراً ثم أكراها من غيره، فقال: إن اكتراها أولا لسكناه ثم أكرها لأمر حدث له فإن غلتها فائدة، وإن اكتراها للتجارة ثم أكراها فما أغل منها مما فيه الزكاة فليزكه لحول من يوم زكى ما اكتراها به؛ لأن هذا متجر، وهذا مثله. وقال أشهب: لا زكاة عليه في ثمن الطعام ولا في كراء الدار في الوجهين/ ويأتنف به حولاً من يوم قبضه كان مديراً أو غير مدير وغلة ما أكترى للتجارة كغلة ما

اشترى للتجارة. ومن المدونة: ومن اكترى أرضاً وزرعها لطعامه فحصده وأدى زكاته فأكل منه وفضلت له منه فضلة فباعها فإن ثمنها فائدة، وكذلك إن كانت أرضه وقد ابتاعها للتجارة أو لغير التجارة وزرعها للتجارة أو لغير التجارة فحصد زرعه وأدى زكاته حباً فلا زكاة عليه فيه للإدارة ولا في ثمنه إن باعه حتى يقبض الثمن ويستقبل به حولاً بعد قبضه كغلة النخل والربح. م: قيل: وكذلك إن اكترى الأرض للتجارة وزرع فيها طعاماً اشتراه للقنية، أو كان قد ورثه، وهو يريد بزرعه في الوجهين التجارة فلا زكاة عليه في ثمنه إن باعه إلا بعد حول من يوم قبضه، بخلاف من زرع طعاماً اشتراه للتجارة؛ لأن ما أصله القنية فلا ينتقل بالنية إلى التجارة، ويستقبل بثمنه حولاً كما ذكرناه. م: وذكر عن أبي عمران أنه قال: سواء زرع فيها طعاماً اشتراه للقنية أو للتجارة فإنما يراعي أن تكون الأرض مكتراة للتجارة وأن يزرع فيها يريد به التجارة لأن الزريعة مستهلكة فلا حكم لها، قال بعض أصحابنا: والأوصل أصوب. وإذا أخرجت الأرض دو خمسة أوسق ثم باع ذلك الحب بنصاب من العين

وكان للتجارة زكى الثمن على حوله أصل المال قبل الحرث، ولا يسقط الحول الأول إلا إذا وجد خمسة أوسق فأكثر منها. [فصل 2 - لا زكاة في عروض القنية، ولو نوي بها التجارة لم تنتقل بمجرد النية]. ومن المدونة: ولا زكاة فيما اشترى من العروض للقنية أو اشترى للتجارة ثم نوى به القنية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس على المسلم في عبدع ولا فرسه صدقة)). قال ابن المواز: وإن اشترى شيئاً للتجارة، ثم نوى به القنية، ثم باعه، قال ابن القاسم: لا شيء عليه، وهو قول مالك/ وقال أشهب: يرجع إلى أصله، ولقد سئل مالك عن الرجل يبتاع الجارية للتجارة، ثم يبدو لع فيحسبها يطأها فتقين عند السنينن ثم يبدو لع فيبعيها فقال: يزكي ثمنها حين يبيعها. م: فوجه قول ابن القاسم أن الأصل في العروض القنية، والتجارة فرع طارئ عليها فهي ترجع إلى الأصل بالنية دون الفعل، كالمسافر ينوي الإقامة أنه يتم لأن الأصل الإقامة، والسفر فرع طارئ عليها، فكذلك هذا.

ووجه رواية أشهب أن النية دون الفعل لا تقدح فيما تقرر أصله كرفض الوضوء ورفض الصوم، فكذلك هذا؛ ولأن التجارة أصل قائم بنفسه فلا يرجه إلى القنية بالنية أصله القنية. قال ابن المواز: قال مالك فيمن اشترى للوجهين كمن يبتاع الأمة للوطء والخدمة وإن وجد ثمناً باع فإن ثمنها كالفائدة. وقال في رواية أشهب: إنه يزكى ثمنها بخلاف ما يشتري للقنية لا ينوي به غير ذلك، وبه أقول. ووجه قول أشهب: أن القنية والتجارة أصلان، كل واحد قائم بنفسه، منفرد بحكمه، أحدهما يوجب الزكاة، والآخر ينفيها فإذا اجتمعا كان الحكم للذي أوجب الزكاة احتياطاً، كشهادة بينة تثبت حقاً، وشهادة تنفيه، وكقول مالك فيمن تمتع وله أهل بمكة، وأهل ببعض الآفاق أن يهدي احتياطياً فهذا مثله، وبه أقول، وبالله التوفيق. قال ابن المواز: وما اشتري للغلة ثم باعه بعد حولن فروى ابن القاسم عن مالك أنه يزكي ثمنه، ثم رجع فقال: لا يزكي، وهو كالفائدة، وبه أخذ ابن القاسم.

وأخذ ابن وهب، وابن نافع في المجموعة بقول الأول. فوجه الأول: أن الشراء للغلة ضرب من التجارة فلما قارنه البيع كان له حكم التجارة. ووجه الثاني، وهو أصوب: أن الاشتراء للغلة هو معنى من القنية؛ لأن معنى الشراء للقنية إنما هو لوجهين: إما لينتفع بذلك المشرتى بخدمة أو سكني ونحوه، وإما لغلته، فشراؤه للغلة شراء للقنية وبه أقول، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة. فصل [4 - ما يراد به التجارة من العروض، فالزكاة في قيمته] وقد رأى عمر، وغيره أن المدير يقوم عروضه، وقال عمر لحماس وكان يبيع الجلود والقرون فلا يكاد يجتمع لع ما فيه الزكاة- ((قوم مالك يا حماس وزك)).

قال عبد الوهاب: وروى أبو ذر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((أد زكاة البز))؛ ولأن إسقاط الزكاة عنه ذريعة إلى سقوط الزكاة في أكثر الأمول؛ لأن من خاف أن يؤدي الزكاة ابتاع بالعين عرضاً فسقطت الزكاة عنه. [فصل 5 - المدير يجعل لنفسه شهراً من السنة يكون حوله فيقوم فيه ما عنده من العروض ويزكي] ومن المدونة قال مالك: ومن كان مدير ماله في التجارة كلما باع اشترى مثل الجناطين، والزازين، والزياتين، ومثل التجار الذي يجهزون الأمتعة وغيرها إلى البلدان، يريد: ممن لا يضبط أحواله فليجعل لزكاته من السنة شهراً يقوم فيه عروضه التي للتجارة فيزكي ذلك مع ما معه من عين. قال: وما كان له من دين يرتجي قضاءه زكاة مع ذلك أيضاً، قال مالك/ وإن تأخر قبض وبيع عرضه عاماً أو عامين زكاة أيضاً. قال سنحون: إن تأخر العرض عامين خرج من حد الإدارة.

ابن مزين: وقاله ابن نافع. م: فوجه قول مالك/: أنه إذا تأخر بيع عرض المدير عامين أنه يقوم ويزكيه لقول عمر: ((إن المدير يقوم عروضه)) فهو على عمومه؛ ولأنه مدير يبيع بالعين، وغيره، فوجب أن يقوم عروضه وإن أقام عامين أصله العام الواحد. ووجه قول سحنون: إن معنى الإدارة كثرة المال حتى لا يستطيع أن يضبط أحواله، فأما إذا تأخر هكذا فقد خالف صفة الإدارة وخرج عن حكمها، فلم يجب عليه تقويمه، وقول مالك أبين. [فصل 6 - المدير هل يقوم دينه ويزكيه؟] قال مالك: ويقوم المدير الدين من عرض وغيره إن كان يرتجيه، وإن كان لا يرتجيه لم يقومه. وقال عبد الملك: ما كان له من دين مؤجل فليقومه.

ابن المواز: وقال ابن القاسم: يزكي المدير دينه المرتجي، وهو حال وإن مطل سنين لم يأخذه- ويحسب عدده لا قيمته. م: صوابه أن الدين المؤجل يزكي قيمته؛ لأنها التي يملك الآن منه، وأم الحال قيزكي عدده؛ لأنه قادر الآن على أخذه فكأنه بيده. وقاله سحنون في كتاب ابنه. وقال غيره: حكم الدين المعجل والمؤجل حكم العرض، يقومه المدير، واستحسنه بعض أصحابنا. وقال ابن حبيب: يزكي المدير عدد دينه حالاً كان أو مؤجلاً إلا ما كان من دين قد يئس من اقتضائه، لعدم أهله فليزك قيمته. م: وقول مالك أولى أن الدين المؤجل يقوم؛ لأنه الذي يملك منه، ألا ترى أنه لو فلس لباعه عليه الإمام فثمنه كقيمته، وأما مالاً يرجى قضاؤه فلا قيمة له. وقال المغيرة: لا يزكي المدير ديناً حتى يقبضه فيزكيه لعام واحد. م: ووجه ذلك/ أن الأصل كان أن لا يقوم دين ولا عرض فخصت السنة أن يقوم المدير العروض، وبقى الدين على أصله. وقال يحيى بن عمر: إن كان دين المدير قرضاً لم يزكه حتى يقبضه، وقاله ابن

حبيب، وقال: إلا أن يتركه فراراً من الزكاة فليزكيه لكل عام. م: أما قولهم في الدين القرض فصواب؛ لأنه ليس من مال الإدارة، وأم قول المغيرة: لا يزكي المدير ديناً حتى يقبضه، فقول مالك أول؛ لأن دين المدير مال من مال الإدارة يملكه ويتوصل إلى بيعه فوجبت عليه زكاته أصله العرض. قال ابن حبيب: وقاله مالك وجميع أصحابه، وبه جاء الأثر عن عمر رضي الله عنه. م: واختلف في المدير يكون له طعام من سلم فحكي عن الأبياني أنه قال: لا يقومه، قال ابن عبد الرحمن يقومه، وليس تقويمه بيعاً له، وأنكر قول الأبياني،

وذكر عن أبي عمران أنه قال- على قول من يقول يقوم الدين ويزكيه-: لا زكاة عليه في هذا الطعام؛ لأنه لا يقدر على بيعه. وعلى قول من يقول- يزكي عدد الدين-: فإنه يزكي قيمة هذا الطعام. م: والصواب تقويمه كما قال ابن عبد الرحمن. قال ابن القاسم: ولا يقوم المدير كتابة مكاتبة كما لا يقوم رقبة عبده الذي أخدمه. م: أما كتابة المكاتب فهي فائدة- وإن قبضت- كالغلة والخراج فلذلك لم يقومها المدير. وأما المخدم فملكه غير متقرر له إذ قد ترجع إليه رقبته أو يهلك قبل ذلك فلا يزكي عن ما يملكه ملكًا غير متقرر كمال العبد الذي يملكه ملكًا غير متقرر له. وهو الصواب إن شاء الله عز وجل. [فصل 7 - المدير يقوم الحائط إذا اشتراه للتجارة] ومن المدونة قال مالك: ويقوم المدير الحائط إذا اشتراه للتجارة، قال ابن القاسم: ولا يقوم الثمرة مع ما يقوم، لإن فيها زكاة الخرص؛ ولأنها غلة كخراج الدار وكسب العبد وإن اشترى رقابها للتجارة، وبمنزلة غلة الغنم ما يكون من صوفها ولبنها وسمنها وإن كان رقابها للتجارة أو للقنية.

وإن كان في الحائط ثمار غير مأبورة أو مأبورة قومت مع الأصل وإن طابت وفيها دون خمسة أو سق أو كانت ثمرة لا تزكى جرت على القولين، فمن قال إنها لا تكون غلة بالطيب قومت مع الأصل، ومن قال إنها بالطيب غلة لم تقوم مع الأصل إلا على مذهب من قال غلات ما اشترى للتجارة تزكى مع الأصل. [فصل 8 - في المدير يحول عليه الحول وليس عنده في الناض شيء، وقد كان نض له شيء في وسط السنة أو في طرفيها] قال: وإذا نض للمدير شيء في وسط السنة أو في طرفيها إلا أنه لما تم الحول لم يكن عنده من الناض شيء، وكان جميع ما بيده عروضًا فليقومها لتمام الحول ويزكي؛ لأن هذا كان يبيع بالعين والعرض، وقال ابن نافع عن مالك: ويبيع عرضًا منها ويقسمه في الزكاة أو يخرج عرضًا بقيمته إلى أهلها من أي صنف شاء من عروضه. وقال سحنون: بل يبيع من عروضه ويخرج عينًا.

[فصل 9 - لو باع العروض بعضها ببعض ولم تنض له عين أصلاً، هل يجب عليه التقويم؟] قال مالك في المدونة: وإذا تم حول ولم ينض له في سائره عين وإنما كان يبيع العرض بالعرض فلا تقويم عليه ولا زكاة، ثم إن نض له بعد ذلك ولو درهم واحد قوم وزكى وكان من يومئذ حوله وألغى الوقت الأول. قال ابن مزين: هذا قول ابن القاسم، وغيره. وقال أشهب: لا يقوم شيئًا حتى يمضي له حول من يوم باع بذلك العين، لأنه من يومئذ دخل في حال المدير. وقال ابن حبيب في الذي يدير العرض بالعرض السنة كلها لا ينض له شيء فإنه يقوم ويزكي كمن ينض له مال، وقاله مطرف، وابن الماجشون عن مالك. قال: والذي قال ابن القاسم من خلاف هذا انفرد به. م: فوجه رواية ابن القاسم: أن السنة إنما كانت فيمن يبيع بالعين والعرض فلا يعدى بها بابها.

ووجه رواية ابن حبيب: أن العلة في إلزام المدير التقويم خوف الذريعة إلى إسقاط الزكاة، والذي يبيع العرض بالعرض داخل في ذلك وتلحقه التهمة إلى تعمد ذلك لإسقاط الزكاة فوجب أن يقوم ويزكي، وهذا أقيس الأقوال، ولا وجه لرواية أشهب. ومن أقام في يديه مال ناض ستة أشهر، ثم جلس به للإدارة فإنه يبني على قول مالك على الأشهر المتقدمة قبل أن يدير ماله، وليستأنف الحول على قول أشهب من يوم أخذ في الإدارة، والأول أحسن. ولو بار نصف ما في يدي المدير أو أكثره أو جميعه لم يقومه قولاً واحدًا، فإذا بار أقله قوم عند ابن القاسم احتياطًا للزكاة، ولم يقوم ذلك عند ابن نافع، وسحنون. [فصل 10 - ما الحكم لو كان بعض المال مدارًا، وبعضه غير مدار] قال ابن حبيب: وإن كان يدير بعض ماله، ولا يدير بعضه، فإن كان متناصفًا زكى كل مال على حدته، وإن كان أحدهما أكثر بالأمر المتباين فللأقل حكم الأكثر، قاله ابن الماجشون، وغيره. وقال ابن القاسم في العتبية: إن كان يدير أكثر ماله زكاه كله على الإدارة، وإن أدر أقله زكى المدار فقط كل عام، ولا يزكي الآخر حتى يبيع بعد حول من

يوم زكاه. وفي المجموعة قال أصبغ: إن أدار نصفه أو ثلثه ونوى في الباقي مثل ذلك زكى جميعه على الإدارة وإن عزم فيما بقي ألا يدخله في الإدارة فلا يزكيه حتى يبيع. م: وقول ابن الماجشون أعدل، وقول ابن القاسم أحوط، ولا معنى لقول أصبغ. قال عبد الملك: فإذا كان للمدير عرض ورثه أو اقتناه، فإن باعه بنقد فليستقبل بثمنه حولاً، وإن باعه بدين فقد سلك به مسلكًا من التجارة وليزك ثمنه يوم يقبضه إذا مضى له حول من يوم باعه إلى يوم يقبضه، وقاله المغيرة، وهذا خلاف قول ابن القاسم، وغيره.

قال أبو إسحاق: وهذا على الاختلاف في من كان له عرض للقنية فباعه بعرض للتجارة لأن الدين الذي باعه به كالعرض، وبالله التوفيق.

[الباب السابع] في زكاة الدين، وحكم ما يقتضي منه، وكيف إن تخلل الاقتضاء فوائد

[الباب السابع] في زكاة الدين، وحكم ما يقتضي منه، وكيف إن تخلل الاقتضاء فوائد [فصل 1 - غير المدير لا يزكي الدين إلا بعد قبضه، ولا يزكي العرض إلا بعد بيعه وقبض ثمنه] قال أبو محمد: ولما جعل الله سبحانه وتعالى زكاة الأموال منها لم تجب زكاة دين قبل قبضه، أو عرض قبل بيعه، حتى يقبض الدين أو ثمن العرض، فيزكيه لعام واحد- وإن خلى له أعوام-؛ لأنه الآن وجبت زكاته منه. وقال عدد من الصحابة، والتابعين، وهذا في غير المدير. وأما المدير فيحمل عروضه ودينه كعين ناض كله؛ لأنه لا يصل إلى نضوضه مرة، وهو ينض شيئًا بعد شيء، ولا يقدر أن يترقب بما نض منه نضوض بقيته، وهذا أكثر المقدر عليه، وقد قال عمر رضي الله عنه لحماس: قوم عروضك وزكه. قال عبد الوهاب: وذهب الشافعي إلى أن غير المدير يزكي الدين إذا كان

على مليء. ودليلنا: أن الله تعالى أوجب زكاة المال منه لا من غيره ولا سبيل إلى ذلك في الدين إلا أن يقبضه؛ ولأن الدية، ومال الجنابة لا زكاة فيهما عنده وإن أقاما سنين، وكذلك الدين على معسر وذلك مال في الذمة، وكذلك سائر الديون. [فصل 2 - القرض لا يسقط الزكاة في المال إذا وجبت فيه قبل قرضه] ومن المدونة قال مالك: ومن حال على مائة دينار عنده حول، فلم يزكها حتى أقرضها رجلاً، فأقامت بيده سنين ثم ردها فليزكها ربها لعاملين: زكاة كانت وجبت عليه قبل قرضها، وزكاة بعد قبضها. [فصل 3 - الدين لا يزكي إلا بعد أن يقتضى منها ما تجب فيه الزكاة] قال: ومن له دين على رجل من بيع أو قرض مضى له حول، فاقتضى منه مالا زكاة فيه في مرة أو مرار فلا يزكيه حتى يجتمع ما فيه الزكاة فيزكيه يومئذ كله، ثم يزكي قليل ما يقتضي وكثيره. قال ابن القاسم: وإنما لم يزك إذا اقتضى دون العشرين؛ لأنه لا يدري أيقتضي غيرها أم لا، ولا زكاة في أقل من عشرين دينارًا، ألا ترى أن لو كانت له مائة دينار،

حل حولها فلم يفرط في زكاتها حتى ضاعت إلا تسعة عشر دينارًا، لم يكن عليه زكاة شيء من ذلك فما لم يقبضه من الدين مثل ما ضاع، وما اقتضى مثل ما بقي من هذه المائة. قال: وإن كان معه عشرون دينارًا لم يتم حولها، وله مائة دينار دين مضى لها حول فلا يزكي العشرين لتمام حول الدين، وكذلك لو قبض من دينه أقل من عشرين لم يزكه؛ لأن العشرين التي كانت معه فائدة من غير الدين لم يتم حولها، فإذا تم حول العشرين زكاها وما كان اقتضى جميعًا، يريد: إذا كان ما اقتضى قائمًا بيده، ولو أتلفه قبل تمام حول العشرين لم يزكه حتى يقبض تمام العشرين فيزكي حينئذ ما كان أتلف، وأما ما اقتضى بعد حول العشرين فإنه يزكيه حين يقبضه. [فصل 4 - إذا حل حول الفائدة فزكاها، زكى ما يقتضي من دينه قليلاً أو كان كثيراً، تلفت الفائدة أو بقيت] قال ابن القاسم: ولو لم يقبض من دينه شيئًا حتى زكي العشرين لتمام حولها، ثم تلفت أو بقيت زكى قليل ما يقتضي من دينه وكثيره، ولو تلفت العشرون قبل حولها لم يزك ما يقتضي من دينه حتى تبلغ عشرين دينارًا فيزكيها ثم يزكي قليل ما يقتضي وكثيره أنفق ما زكى أو أبقاه، وحول ما يقتضي من يوم يزكيه. [فصل 5 - إذا كثر ما يقتضي من دينه واختلط عليه فليرد الآخر إلى ما قبله] قال مالك في المختصر وكتاب محمد: إلا أن يكثر عليه ما يقتضي ويختلط فيرد الآخر إلى ما قبله، قال مالك في المختصر: وكذلك إذا باع من عرض عنده شيئًا بعد شيء واختلط عليه.

وقاله ابن القاسم وسحنون. م: يريد: عرضًا عنده للتجارة ثم حوله فما باع منه كالذي يقتضيه من الدين. [فصل 6 - اختلاط الفوائد هل يرد الأول إلى الآخر أو يرد الآخر إلى الأول] قال سحنون: وأما في اختلاط الفوائد فليرد الأول إلى الآخر، وقاله مالك في كتاب محمد، وقال ابن حبيب: يرد الآخر إلى الأول في الفوائد والديون، قال أبو محمد: وقول مالك، وسحنون أصح؛ لئلا يؤدي زكاة قبل حولها إذا رد آخر الفوائد إلى الأول، وأما الدين فقد حل حوله إلا أنا لا نعلم أيقتضي أم لا، وقد اختلف في زكاته قبل قبضه، قال ابن المواز: فابن القاسم يقول: لا يجزئه، وأشهب يقول: يجزئه، وهو محسن، وقد اختلف فيه قول ابن عمر، وقال ابن شهاب:

يزكي قبل قبضه. [فصل 7 - إذا حلت الفائدة فزكاها زكى ما يقتضيه من دينه بعدها] قال ابن القاسم في المجموعة: ولو اقتضى من دينه عشرة دنانير ثم انفقها قبل حول الفائدة ثم حلت الفائدة فزكاها ثم اقتضى من دينه خمسة دنانير زكاها ولم يزك العشرة الأولى حتى يقبض تمام العشرين بها فيزكيها. م: ومما ينبني على هذا الأصل أن لو اقتضى من دينه خمسة دنانير فأنفقها، ثم أفاد عشرة دنانير فأنفقها بعد حول ثم اقتضى من دينه أيضًا عشرة فإنه يزكيها مع العشرة الفائدة التي أنفق ولا يزكي الخمسة التي اقتضى أولاً؛ لأنها إنما تضاف إلى العشرة المقتضاه، ولا تضاف إلى العشرة الفائدة بعدها، ثم إن اقتضى خمسة أخرى زكاها مع الخمسة التي اقتضى أولاً؛ لأنه قد اقتضى من دينه بها عشرين، ولو كان إنما اقتضى من دينه بعد الحول خمسة فأنفقها، ثم أفاد عشرة دنانير فأقامت بيده حولاً، ثم أنفقها، ثم أفاد عشرة ثانية فأقامت بيده حولاً أيضًا ثم أنفقها، ثم اقتضى من دينه خمسة أخرى فلا يزكيها؛ لأنها وإن كانت تجتمع مع الخمسة الأولى ومع كل واحدة من الفائدتين، فالخمسة الأولى والفوائد لا تجتمع واحدة منهن مع الأخرى، وأنت إذا جمعت الخمسة الآخرة مع ما شئت من الخمسة الأولى أو إحدى الفوائد لم يكن فيه ما تجب فيه الزكاة، ولكن لو اقتضيت خمسة أخرى زكيتها مع الخمسة الآخرة والفائدتين جميعًا؛ لأن ما اقتضى بعد الفوائد يضاف إليها، ولا تزكى الخمسة الأولى؛ لأنها لا تنضاف إلا إلى ما

يقتضى من الدين، ثم إن اقتضى خمسة أخرى زكاها مع الخمسة الأولى إذ قد حصل له مما اقتضى من دينه عشرون دينارًا. م: وقاله حذَّاق أصحاب أبي بكر بن عبد الرحمن القروي، وهو الصواب. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: إذا اقتضى الخمسة بعد الفوائد زكاها؛ لأنها تنضاف إلى كل واحدة من الفائدتين وهي عشرون، ولا يضر أن الفوائد لا تجتمع، واختاره بعض أصحابنا. ومن «المدونة»: من أفاد مائة دينار فأقرض منها خمسين أو ابتاع بها سلعة فباعها بدين إلى أجل وبقيت الخمسون الأخرى بيده حتى تمَّ حولها فزكاها ثم أنفقها أو أبقاها فإنه يزكي قليل ما يقتضي من دينه وكثيره، ولو تلفت الخمسون قبل حولها أو أنفقها فلا يزكي ما اقتضى من دينه حتى يتم عشرين دينارًا، وإن بقي معه من الخمسين مالا زكاة فيه حتى تم حوله ثم أنفقه أو أبقاه فإنه إذا اقتضى تمام العشرين زكى عن عشرين، ثم يزكي عن قليل ما يقتضي بعد ذلك وكثيره، ولو اقتضى شيئًا من دينه قبل حوله فأنفقه لم يضف إليه ما يقتضى بعد الحول، ولو تلفت الخمسون الباقية بيده قبل تمام حولها، ثم اقتضى من الخمسين الدين بعد الحول عشرة دنانير لم يزكها، فإن أنفقها ثم اقتضى عشرة أخرى بعدها زكى عن عشرين ثم يزكي عن قليل ما يقتضي وكثيره. قال ابن المواز: ولو تلفت العشرة الأولى بأمر من الله لم يضف إليها ما يقتضي، كمالٍ وجبت فيه الزكاة ثم هلك بيدك بغير تفريط وبقي منه ما لا زكاة فيه.

م: وكذلك عنده أن لو اقتضى عشرين دينارًا فضاعت قبل زكاتها من غير تفريط لم يضف إليها ما يقتضي. وقال سحنون في المجموعة: سواء تلفت العشرة الأولى بأمر من الله أو أنفقها فليضف إليها ما يقتضي ويزكي عن عشرين، وقاله ابن القاسم وأشهب. م: ووجه هذا: أن هذه العشرة المقتضاة إنما لم يزكها خوفًا أن لا يقبض بقية الدين فإذا اقتضى تمام العشرين ارتفعت العلة التي كانت منعت زكاتها فوجب أن يزكيها؛ ولأن ما لم يقبضه من الدين كمال ضاع بعد حوله بغير تفريط لعلة أنه مال حل حوله لا يتوصل إلى زكاته منه، وما اقتضى من الدين مثل ما بقي من المال الذي ضاع بعد حوله، وهو لو وجد من المال الذي ضاع ما يتم به مع ما بقي منه عشرين دينارًا لزكى ما وجد وما كان بقي، وإن تلف بأمر من الله فكذلك يزكي ما كان اقتضى من الدين مع الذي اقتضى الآن وإن كان تلف الأول بأمر من الله، والفرق بين ضياع ما وجبت فيه الزكاة وبين ضياع ما اقتضى أنه لم يختلف ألا زكاة فيما ضاع بعد حوله بغير تفريط؛ لأنه ضاع قبل إمكان زكاته فهو كضياعه قبل حوله، واختلف في زكاة الدين قبل قبضه فإذا قبض منه شيء كان أقوى، فلذلك أضفنا إليه ما يقتضى وإن ضاع بأمر من الله ولم يضف إلى الآخر ما بقي منه، والله أعلم. قال ابن المواز: ولو اقتضى من دين له حول دينارًا فتجر فيه فصار عشرين دينارًا، ثم اقتضى دينارًا آخر فتجر فيه فصار عشرين دينارًا فليزك إحدى وعشرين دينارًا فقط؛ لأن الزكاة وجبت في الدينار الثاني يوم قبضه فلم يكن في ربحه زكاة، كمن حلت عليه زكاة عشرين دينارًا فلم يزكها حتى تجر فيها فصارت أربعين فإنما يزكى عشرين ثم

يرتقب الحول الثاني. م: ولو لم يبع ما اشترى بالدينار الأول حتى اقتضى دينارًا ثانيًا فاشترى به أيضًا سلعة ثم باع ما اشترى بالأول بتسعة عشر دينارًا فإنه يزكي عن عشرين: هذه التسعة عشر والدينار الثاني الذي هو في سلعة، ثم إن باع السلعة الثانية لم يزك ربحها إلا لحول من يوم زكى الدينار الثاني وهو يوم زكى الأول وربحه؛ لأن ذلك ربح دينار مزكى، ولو باع الأولى بأقل من تسعة عشر زكى الجميع يوم باع الثانية إن كان في الجميع عشرون دينارًا فأكثر وكان حول ذلك من يوم زكاه، ولو كان إنما باع السلعة الثانية أولاً بتسعة عشر فأكثر زكى حينئذ جميع ثمن الثانية والدينار الأول المقتضى، وهو كمن اقتضى من دينه دينارًا، ثم اقتضى بعد ذلك تسعة عشر دينارًا فأكثر، ثم إذا باع السلعة الأولى زكى الربح لحول من يوم زكى الدينار الأول وهو يوم زكى الثانية وربحها، وقاله أبو بكر بن عبد الرحمن، وقال غيره من أصحابه: بل يقف عن زكاة هذه التسعة عشر حتى يبيع السلعة الأولى، فإن باعها بتسعة عشر فأكثر زكى ذلك مع دينار من ثم السلعة الثانية، وزكى بقية ثمن الثانية لحول من يوم ربحه. م: كأنه ظن أن هذا جار على قول ابن القاسم، والأول جار على قول أشهب في مسألة الذي أفاد عشرة دنانير وأقامت بيده حولاً، ثم اشترى بخمسة منها سلعة، ثم أنفق الخمسة الباقية، ثم باع السلعة بخمسة عشر، فابن القاسم يرى كأنه ملك الربح يوم الشراء فلذلك قال: يزكي عن عشرين، فيجب على هذا في هذا المسألة أن يقف عن زكاة ثمن السلعة الثانية خوفًا أن يبيع السلعة الأولى بعشرين، وهو عنده إنما ملك الربح يوم الشراء؛ لأن حوله حول أصله فيصير قد زكى ربح دينار مزكى.

وأشهب يرى أنه إنما ملك الربح يوم ربحه، وإنما السلعة قبل البيع كثمنها، فيجب على هذا أن يزكي التسعة عشر ثمن السلعة الثانية مع الدينار الأول؛ لأن الأول إنما هو دينار بعد، فهو كمن اقتضى دينارًا ثم اقتضى دينارًا ثانيًا واشترى به سلعة فباعها بتسعة عشر فأكثر فإنه يزكي ثمنها مع الدينار الأول ويأتنف بربح الدينار الأول حولاً من يوم زكاه. م: كان ظهر لي أن هذا وجه قوله، ثم ظهر لي بعد ذلك أن هذا القول الثاني غلط، وأن القول ما قاله أبو بكر بن عبد الرحمن، ولا تشبه هذه مسألة المدونة؛ لأن هذه لو تلفت السلعة الأولى قبل بيعها لوجب زكاة ثمن السلعة الثانية والدينار الأول بإجماع، وكذلك لو باعها بأقل من تسعة عشر لزكى الجميع ثمن السلعة الأولى والثانية وكان الحول من يوم باع الثانية بإجماع، فلا يترك أمرًا واجبًا لأمر يكون أو لا يكون، وفي مسألة المدونة لو تلفت السلعة قبل بيعها لم يزك الخمسة التي لم يشتر بها وإن كانت بيده، وكذلك لو باعها بأقل من خمسة عشر، فبان افتراقهما، والله أعلم. [فصل 8 - الدين يزكي لعام واحد بعد قبضه سواء كان على مليء أو على مفلس] ومن المدونة ومن له دين على ملي يقدر على أخذه منه أو على مفلس لا يقدر على أخذه منه فأخذه بعد أعوام فإنما عليه زكاة عام واحد، ولو توى الدين الذي على الغريم وقد حال عليه أحوال لم يكن على ربه فيه زكاة، وإن أراد رجل أن يتطوع بإخراج زكاة عن دين قبل قبضه أو عن عرض قبل بيعه وقد مضى لهما حول فلا يفعل وليتطوع في غير هذا، فإن فعل لم يجزه، يعني غير المدير، وقد تقدم أن أشهب يرى أنه

إن زكى الدين قبل قبضه فإنه يجزئه، لما روي من اختلاف قول ابن عمر فيه، وقول ابن شهاب: يزكى الدين قبل قبضه، قال أشهب: وإن كنت لا آمره به فإذا فعل رأيته محسنًا وأجزأ ذلك عنه؛ وإنما لم آمره به خوفًا أن يتلف قبل قبضه فيكون قد أدى عن ما لا يلزمه، ولو كنا من قبضه على ثقة لا شك فيه لرأيت ذلك عليه، وعلى قوله إذا قبضه بعد حولين أن يزكيه لعامين لأنه يقبضه سلم مما كان خاف منه.

[الباب الثامن] في زكاة الفوائد وأحوالها وما يضم منها ونماها

[الباب الثامن] في زكاة الفوائد وأحوالها وما يضم منها ونماها روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول))، وروى ابن وهب أن عثمان، وعليًا، وعائشة، وابن عمر، وغيرهم قالوا: ليس في المال المستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول، ورواه ابن مهدي أيضًا عن علي، وابن عمر، وعائشة. [فصل 1 - الفوائد إذا تعددت، فإن كانت الأولى ناقصة عن النصاب فإنها تضم للثانية] قال مالك: ومن أفاد خمسة دنانير ثم أفاد قبل تمام حولها بيوم من غير ربحها ما فيه الزكاة أو ما يكون مع الأول فيه الزكاة فلا زكاة عليه لتمام حول الأولى؛ لأنه ليس من ربحها ويستقبل بالجميع حولاً من يوم أفاد آخر الفائدتين فإذا تم الحول جمع الفائدتين فزكاهما حينئذ جميعًا. [فصل 2 - إن كان المال الأول فيه الزكاة فلكل ما أفيد بعده حول مؤتنف] وإن كان الأول فيه الزكاة، والثاني مما فيه الزكاة أم لا فكل مال على حوله ما دام

في جملتهما ما فيه الزكاة، فإن رجعا إلى ما لا زكاة فيه -إذا جمعا- بطل وقتاهما ورجعا كمال واحد. ثم إن أفاد من غيرهما ما يتم به معهما ما فيه الزكاة استقبل بالجميع حولاً من يوم أفاد المال الثالث. قال: ولو تجر في بقية المال الأول، أو الآخر، أو فيهما، فصارتا فيهما- مع ما ربح فيهما أو في أحدهما- قدر ما تجب فيه الزكاة فأكثر، إذا جمع، رجع كل مال على حوله، قال ابن المواز: وذلك قبل تمام حول الأول والثاني من آخر يوم زكاه فإنه يرجع كل مال على حوله. قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: وأما إن جمعهما حول بعد نقصهما عما فيه الزكاة فإنهما كمال واحد حولهما حول آخرهما، قال أبو محمد: يعني أنهما بقيا بهذا النقض من وقت حل حول الأولى إلى أن أتى حول الثانية وهما ناقصان، فيصير حولهما بعد ذلك واحدًا إن حدث فيهما نماء بعد ذلك. قال ابن القاسم: ولو حل حول الأولى وهما ناقصان، فلم يزك شيئًا حتى مضى شهران أو ثلاثة، وذلك قبل حلول حول الثانية، ثم ربح في إحداهما ما رجعا به إلى عدد تجب فيه الزكاة زكى الأولى وربحها حينئذ، إن كان الربح فيها، وصار يومئذ حولها، وبقي حول الثانية بحاله إذا حل زكاها عليه، وزكى ربحها معها إن كان الربح

فيها خاصة، وإن كان إنما ربح فيهما جميعًا فضضت الربح بينهما على قدرهما، وزكيت الأولى وربحها يوم الربح، وأبقيت الثانية وربحها، فإذا حل حولها زكيتها مع ما يخصها من الربح، ولو كان إنما حل حول الأولى، وفيهما ما تجب فيه الزكاة فزكاهما فنقصا عما فيه الزكاة فحل حول الثانية وهما حينئذ ناقصان فلم يزك شيئًا ثم رجعتا قبل حول الأولى إلى ما فيه الزكاة فإنه يصير يومئذ حول الثانية ويبقى حول الأولى على حاله ويصنع في الربح كما وصفنا. ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن أفاد عشرين دينارًا، ثم بعد شهر أفاد عشرة دنانير، ثم بعد شهر ثان أفاد عشرة دنانير، فزكى العشرين لتمام حولها، ثم أنفقها، فليضم حول الثانية إلى حول الثالثة فإذا حل زكاهما إن بلغا ما فيه الزكاة، ولو بقي من الأولى التي زكاها خمسة، والثانية عشرة، والثالثة خمسة فليزك الثانية مع الثالثة لحول الثالثة وهما خمسة عشر لأن بيده خمسة أخرى بقية المال الأول فصار معه عشرو، ولا يزكي الخمسة بقية المال الأول إذ لا يزكى مال في حول مرتين. قال أبو محمد: إذا كانت الأولى عشرين، والثانية والثالثة عشرة عشرة فزكى الأولى لحولها ثم رجعت إلى خمسة قبل حول الثانية ثم جاء حول الثانية فلا يزكيها حتى يبقى من الأولى عشرة فأكثر أو تصير الثانية خمسة عشر، وأما لو جرت الزكاة في جميع

الفوائد ثم صارت الأولى خمسة فليزك الثانية وكذلك الثالثة ما دام في جميع الثلاث فوائد ما فيه الزكاة. فصل [3 - إذا اجتمع فائدة واقتضاء] وإن اجتمع فائدة واقتضاء فإن بقي الجميع في يديه كان النظر في صفة الأحوال، وإن كان إنفاق كان النظر في وجوب الزكاة وسقوطها، فإن كان له دين عشرون دينارًا حال عليها الحول ثم أفاد عشرة فأقامت بيده حولا ثم أنفقها ثم قبض عشرة زكى عن عشرين نصف دينار؛ لأن الفائدة تضم إلى ما اقتضي بعدها ولا تضاف إلى ما قبض قبلها، فإن اقتضى عشرة أولاً فأنفقها ثم أفاد عشرة فأقامت بيده حولاً لم تضف إلى الأولى؛ لأنه لم يجمعهما ملك واحد، فإن اقتضى بعد ذلك عشرة زكى عن ثلاثين، فالعشرة الآخرة أوجبت الزكاة في العشرتين الأولتين؛ لأن الاقتضاء يضاف بعضه إلى بعض وهو عشرون ففيها الزكاة، والفائدة تضاف إلى ما اقتضى بعدها وهما عشرون ففيها الزكاة ولو لم يتقدم الاقتضاء الأول. ولو كان الاقتضاء الآخر خمسة لم يجب في شيء من ذلك زكاة؛ لأن جملة الاقتقضاء خمسة عشر فلا زكاة فيها، والفائدة مع ما قبض بعدها خمسة عشر فلا زكاة في ذلك، فإن

قبض بعد ذلك خمسة زكى عن الثلاثين، ولو قبض عشرة فأنفقها ثم أفاد خمسة فأقامت حولاً ثم أنفقها ثم اقتضى خمسة لم يجب عليه زكاة، لأن جملة الاقتضاء خمسة عشر، والفائدة وما بعدها عشرة، فإن قبض بعد ذلك خمسة زكى عن جملة الاقتضاء لأنها عشرون، ويبقى الأمر في الفائدة موقوفًا؛ لأن الذي بعدها عشرة، فإن قبض بعد ذلك خمسة زكى الفائدة والخمسة المقبوضة أخيرًا، ولو كان الاقتضاء المتقدم خمسة، والفائدة عشرة ثم قبض بعدها عشرة لزكيت الفائدة مع ما قبض بعدها؛ لأنها عشرون، ويبقى الاقتضاء الأول موقوفًا، فإن اقتضى بعد ذلك خمسة زكى عن الخمستين؛ لأن بالآخرة تم جميع الاقتضاء عشرين. فإن اقتضى عشرة فلم ينفقها حتى أفاد عشرة، ثم أنفق عشرة الاقتضاء ثم حال الحول على الفائدة زكى عن عشرين على قول أشهب؛ لأنه جمعهما الملك، ولم يزكهما على قول ابن القاسم؛ لأنه لم يجمعهما حول. ومن كتاب ابن سحنون: ومن أفاد خمسة عشر دينارًا ثم إلى ستة أشهر أفاد ثلاثة دنانير فخلط المالين، ثم أخذ من جملتهما ثلاثة دنانير فتجر فيها فربح ثلاثة دنانير فقسم الربح على المالين فناب الخمسة عشر ديناران ونصف فليبق حولهما كما كان على حول آخرهما، ولو كان إنما ربح ستة دنانير فوقع للمال الأول خمسة فيصير بربحه ما فيه الزكاة فيزكيه لحوله والثاني لحوله إن كان هذا الربح قبل أن يضمهما حول آخرهما،

ولو ضمهما حول آخرهما قبل الربح لم يرجعا إلى حولين ويبقى حولهما واحدًا، ولو تجر في أحد المالين فربح فيه ستة دنانير ثم لم يدر أيهما هو فليزكهما على حول آخرهما ولا يفضه بالشك فقد يزكي الأول قبل حوله. ومن المجموعة: قال سحنون: ولو بلغت الفائدة الأولى ما فيه الزكاة فزكاها لحولها ثم أقرضها رجلاً أو اشترى بها سلعة للتجارة ثم حل حول الثانية ولا زكاة فيها فلا يزكي إلا أن يقبض من ذلك الدين أو يبيع من تلك السلعة ما إن ضمه إلى الثانية بلغ ما فيه الزكاة فليزك الثانية لحولها ولا يزكي ما اقتضى أو باع إلا لحول من يوم زكاه، قال أبو محمد: أراه وهو غير مدير، ولو كان مديرًا لقوم السلعة يوم حل حول الثانية فإن كان في الجميع ما تجب فيه الزكاة زكى الثانية. قال غيره: ولو حل حول إحدى الفائدتين وهو في سلعة والأخرى في سلعة ولا زكاة فيها إلا مع الأولى وهو مدير. م: يريد: وقد كانا جرت فيهما الزكاة، قال: فإنه يزكي إذا كان في القيمة مبلغ الزكاة ولا يلتفت إلى ما يطرأ من حوالة الأسواق بزيادة أو نقصان إذا حل حول الثانية، وإنما يخاطب بالقيمة في وقته، ووقف فيها أبو محمد.

ومن المدونة قال مالك: ومن أفاد خمسة دنانير ثم أفاد بعد ستة أشهر خمسة أخرى فتجر في الخمسة الأولى فصارت بربحها عشرين دينارًا زكى كل فائدة لحولها، ولو تجر في الخمسة الثانية قبل تمام حولها فربح فيها خمسة عشر فأكثر أضاف الأولى إلى حول الثانية. ومن أفاد عشرة دنانير فأقرضها رجلاً ثم أفاد خمسين دينارًا فحل حولها فزكاها ثم أتلفها ثم اقتضى العشرة أو دينارًا منها زكى ما اقتضى مكانه. ومن أفاد ما تجب فيه الزكاة ثم أفاد بعد ذلك بستة أشهر مالا زكاة فيه فزكى الأول لحوله ثم أنفقه قبل حول الثاني فإذا حال حول الثاني لم يزكه. م: لأنه لم يجمعهما الحول وهما في ملكه، قال ابن المواز: وخالفه أشهب وقال: يزكي الثانية، قال أشهب: وكذلك لو كانت الأولى خمسة عشر والثانية خمسة، فحل حول الأولى، ثم أنفقها قبل حول الثانية، ثم حل حول الثانية؛ فإنه يزكي عن عشرين، قال: لأنا إنما أخرنا زكاتها خوفًا ألا تبلغ الثانية إلى حولها، وقال ابن القاسم: لا يزكي شيئًا من ذلك. ومن المدونة: قال مالك: ولو كان إذ حل حول الثاني عنده مال أفاده معه

أو قبله وبعد حول الأول وفيه مع الثاني ما تجب فيه الزكاة فليزكهما، وإن لم يكن فيهما ما تجب فيه الزكاة لم يزك شيئًا، ثم إن أفاد مالاً رابعًا فيه -مع ما بيده- ما تجب فيه الزكاة فليزك جميع ما بيده لتمام حول المال الرابع. قال: ومن أفاد عشرين دينارًا ثم بعد أشهر أفاد عشرة دنانير فزكى العشرين لحولها فنقصت، فإن حل حول العشرة وقد بقي من العشرين عشرة فأكثر زكى العشرة الثانية حينئذ ثم يزكي بعد ذلك كل مال على حوله ما دام في جملتهما ما تجب فيه الزكاة. قال: ومن أقرض رجلاً مئة دينار فأقامت بيده أحوالاً ثم أفاد عشرة فلا يزكيها لتمام حولها؛ لأنه لا يدري أيقبض من دينه شيئًا أم لا، فإن أنفق العشرة بعد حولها أو أبقاها ثم اقتضى من دينه عشرة زكاها مع العشرة الفائدة ويصير حولهما واحدًا من يوم زكاهما، ثم يزكي قليل ما يقتضي بعد ذلك وكثيره، ويصير حول ما اقتضى من يوم يزكيه، وقد تقدم نحو هذا. فصل [4 - الفوائد على اختلاف أنواعها لا تزكى إلا بعد حول من يوم تقبض] قال مالك: ومن كاتب عبده على دنانير، أو إبل، أو بقر أو غنم فبقضها منه بعد حول فلا يزكيها حتى تقيم عنده حولاً بعد قبضها. قال مالك: كل فائدة أفادها رجل من كتابة، أو دية، أو غيرها فلا زكاة عليه فيها إلا بعد حول من يوم يقبضها.

قال: ومن ورث مالاً فلم يقبضه إلا بعد أعوام كثيرة فليستقبل به سنة من يوم قبضه، ولا شيء عليه للسنين الماضية، قال: وعلى هذا محمل الفوائد كلها إنما تزكى بعد عام من يوم تقبض. قال مالك: وكل سلعة أفادها رجل بميراث، أو هبة، أو صدقة، أو اشتراها لقنية دارًا كانت أو غيرها من السلع، فأقامت بيده سنين أو لم تقم، ثم باعها بنقد فمطل بالنقد، أو باعها إلى أجل فلما حل الأجل مطل بالثمن سنين، أو أخره بعد الأجل ثم قبضه فليستقبل به حولاً بعد قبضه، ولا زكاة عليه فيما مضى، كان مديرًا أو غير مدير، ولو أسلف ناضًا كان معه، أو باع سلعة عنده للتجارة فقبض ذلك المال بعد سنين زكاها مكانه زكاة واحدة. [فصل 5 - من وهب دينه للمدين هل تلزمه زكاته، وهل يزكيه الموهوب له؟] قال مالك: ومن كان له على رجل دين، له أحوال، وهو قادر على أخذه منه، فوهبه له فلا زكاة على ربه فيه ولا على الموهوب له حتى يتم له عنده حول من يوم وهب له، وهذا إذا لم يكن للموهوب له مال غيره، فأما إن كان له مال أو عرض سواه فعليه زكاته وهب له أم لا، وقال غيره: زكاته ساعة وهب له كان له مال غيره أم لا. م: فوجه قول ابن القاسم أنه لما لم يكن عنده غير ما عليه من الدين فكأنه غير

مالك لشيء منه وإنما صار مالكًا له يوم الهبة فوجب ألا زكاة عليه إلا بعد حول من يوم الهبة إلا أن يكون عنده عرض يجعله في دينه فيزكي. م: وهذا على قوله أن يكون مالكًا للعرض من أول الحول، وأما على قوله أن لو ملك العرض يوم الحول لجعله في دنيه وزكى فوجب أن يزكى المائة يوم الهبة وإن لم يكن له عرض؛ لأن بالهبة سقط الدين عن ذمته وكأنه لم يزل مالكًا للدين من أول الحول كما جعله إذا وهب له العرض يوم الحول كأنه مالك للدين من أول الحول فكذلك هبة الدين، وهذا كقول الغير، ووجهه ما ذكرنا. ونقل أبو محمد في مختصره: ولو وهب له عرض سواه قبل الحول بيوم كان عليه الزكاة عند ابن القاسم، وأبى ذلك غيره، ولابن القاسم قول كقول غيره. وفي كتاب ابن المواز: ومن له مئة دينار وعليه مثلها فأفاد عرضًا قبل الحول بشهر يفي بها، فقال ابن القاسم: لا يزكيها حتى يكون العرض عنده من أول الحول، وقال أشهب: لا يبالي متى أفاده عند الحول، أو قبله يجعل دينه فيه ويزكي ناضه، وكذلك إن أفاده بعد الحول زكاه حينئذ، وكان من يومئذ حوله، قال محمد: وبهذا أقول، وبه أخذ أصحاب ابن القاسم.

م: وقول محمد جار على روايتي المدونة، وخلاف لما نقله أبو محمد. قال ابن المواز: وقد قال ابن القاسم فيمن تسلف مالاً وعنده عرض لا وفاء له به يومئذ فلم يأت الحول حتى صار فيه وفاء بالدين أو انتقص عند الحول قال: فإنما ينظر إلى قيمته يوم حل الحول فإن كان فيه وفاء زكى ما معه أو مبلغ ما يفي به، قال: وهذه جيدة. م: لا يلزم ابن القاسم بهذه تناقض؛ لأن زيادة قيمة العرض كالربح فيه، وحول ربح المال حول أصله فكأنه لم يزل مالكًا لهذا الربح من أول الحول فهو بخلاف عرض أفاده اليوم، فإن كان بهذه المسئلة ألزم أبو محمد أن لابن القاسم قولين فليس ذلك اختلاف قول، والله أعلم. قال: وقال ابن القاسم: ومن كانت عنده مئة دينار وهي عليه دين وليس له من العروض شيء، وله على رجل مئة دينار دين وقد حلتا جميعًا فأحال بالتي عليه على التي له فعلى قابضها الزكاة، وعلى الذي أحال بها زكاتها، يريد: لأن عنده وفاء بها وهي المائة التي بيده، قال ابن المواز: لأن قبض المحتال بها كقبض محيله، قال أبو محمد: ولو

قال: قد سقط عنه الدين لما قضاه الدين الذي له، ويزكي المئة التي معه لكان أبين، قال ابن المواز: وعلى دافعها زكاتها إن كان له بها وفاء. قال: ومن أودعك مئة دينار فأسلفتها رجلاً، ثم أحلت عليه ربها بعد سنين فقبضها، فعلى قابضها زكاتها لعام واحد، وقال في دافعها الآن ومسلفها، فمن كان له منهما عرض يسواها فليزكها وإلا فلا. ابن المواز: ومن له على رجل دين فوهبه ربه لغير المديان بعد تمام الحول، وليس عند المديان شيء يجعل الدين فيه، فقال أشهب: لا زكاة على ربه ولا على المديان ولا على الموهوب، وقال ابن القاسم: على الواهب الزكاة، قال ابن المواز: أما الواهب فيزكيها؛ لأن يد القابض لها كيده، وإنما تكون الزكاة فيها من العشرين بعينها. فصل [6 - من ورث عرضًا فنوى به التجارة حين ورثه، هل يكون بنيته للتجارة ويزكيه للتجارة؟] ومن المدونة: ومن ورث عرضًا، أو حيوانًا، أو طعامًا فنوى به التجارة حين ورثه أو وهب له أو تصدق به عليه لم يكن بنيته للتجارة ولا زكاة عليه فيه حتى يبيعه ويستقبل به حولاً بعد قبضه، وإن ورث حليًا مصوغًا من الذهب أو الفضة فنوى به التجارة حين ورثه زكى وزنه لتمام حول من يوم ورثه، بخلاف العروض؛ لأنه حين نوى به التجارة صار بمنزلة العين، وإن نرى به القنية لم يزكه، وإن ورث آنية ذهب أو فضة أو وهبت له أو تصدق بها عليه فليزك لتمام الحول وزنها لا قيمتها نوى بها التجارة أو القنية إذ ليست مما أبيح اتخاذه وهي بمنزلة التبر المكسور، وكذلك حلية سرج. أو لجام أو سكين ونحوه، فأما حلية السيف والمصحف والخاتم فلا زكاة فيما اقتنى من ذلك.

م: قيل إن ما كان أصله القنية من العروض إذا أفاده لا ينتقل بالنية إلى التجارة دون الفعل، وما أصله التجارة ينتقل بالنية خاصة إلى القنية عند ابن القاسم؛ لأن أصل العروض القنية، والتجارة فرع طارئ عليها فوجب أن لا ينتقل عن الأصل بالنية دون الفعل، وأن ينتقل الفرع إلى الأصل بالنية خاصة كالمقيم والمسافر أن الأصل الإقامة فلا ينتقل عن إتمام الصلاة بالنية دون الظعن، وينتقل المسافر إلى الإتمام بنية الإقامة خاصة، أو لا ترى أن الدنانير والدراهم لما كان أصلهما التجارة؛ لأنها أثمان الأشياء أنها لا تنتقل إلى القنية بالنية دون الفعل، فإن ابتاع بها عرضًا للقنية أو صاغهما حليًا للقنية والانتفاع انتقلت وإلا فلا. ومن المدونة قال مالك: والسنة عندنا أنه لا زكاة على وارث في مال ورثه، ولا في دين ولا عرض ولا دار ولا عبد ولا وليدة حتى يحول على ثمن ما باع من عرض الحول بعد قبضه كان مديرًا أو غير مدير. وإن ورث عينًا ناضًا أو دينًا فليزكه بعد حول من يوم قبضه. قال: وغلة الدور والدواب والرقيق فائدة وإن ابتيع لغلة، وإجارة الأجير فائدة يستقبل بذلك كله حولاً بعد قبضه، وكذلك ما فضل بيد المكاتب بعد عتقه لا يزكيه حتى يحول علهي حول بعد عتقه. وتستقبل المرأة بصداقها حولاً من يوم تقبضه كان عينًا أو ماشية مضمونة، وكذلك على دنانير معينة وإن قبضتها بعد أحوال؛ لأنه كان فائدة، وضمانه كان من الزوج، فأما ماشية بعينها أو نخل بعينها فأثمرت فزكاتها عليها أتى الحول وهي عند الزوج أو عندها، لأن ضمانها منها، ولو قبضت ذلك بعد الحول زكته مكانها ولم تؤخره،

وكذلك ما ورثه وارث من ذلك من نخل أو كرم فلم يصل إليه إلا بعد أعوام فالمصدق يأخذ زكاة ذلك كل عام وكذلك الزرع الأخضر يرثه يزكيه يوم حصاده وإن لم يقبضه. فصل [7 - لا زكاة في المال الموروث إلا بعد حول من يوم قبضه] قال مالك: وإذا باع القاضي دارًا لقوم ورثوها وأوقف ثمنها حتى يقسم بينهم ثم قبضوه بعد أعوام فلا زكاة عليهم فيه إلا بعد حول من يوم قبضوه، وكذلك من ورث مالاً بمكان بعيد فقبضه بعد سنين فلا يزكيه إلا بعد حول من يوم قبضه، فإن بعث في طلبه رسولاً بأجر أو بغير أجر فقبضه حسب له حول من يوم قبضه رسوله فيزكيه وإن لم يصل إلى يده بعد، بخلاف الماشية والحرث. ابن المواز: وروى مثله ابن وهب عن مالك، وروى عنه أيضًا أنه يزكيه ساعة يقبضه هو أو وكيله زكاة واحدة لماضي السنين. م: فوجه رواية ابن القاسم فلأنه مال موروث لم يصل إلى يد وارثه فلم تجب عليه زكاته إلا بعد حول من يوم يقبضه هو أو وكيله أصله ثمن العرض الموروث؛ لأن العرض الموروث كمال لم يقبض من العين الموروث، وقبض ثمن العرض كقبض العين الموروث، كما أن عرض التجارة كدين التجارة، وقبض ثمن عرض التجارة كقبض دين التجارة، فكذلك الميراث. ووجه رواية ابن وهب فلأنه مال موروث مضى له حول في ضمان وارثه فوجب عليه زكاته إذا قبضه أصله ما قبضه من يوم الميراث.

وقال ابن حبيب: قال مطرف: فإن لم يعلم الوارث بالميراث فليأتنف به بعد قبضه حولاً، وإن علم به ولم يقدر أن يصل إليه فليزكه إذا قبضه لعام واحد، وإن كان يقدر على قبضه زكاة لكل عام مضى. وإن أودعه له سلطان بيد عدل فليزكه لماضي السنين وإن لم يعلم، وقاله عبد الملك وأصبغ. م: ورواية ابن حبيب هذه وتفريعه استحسان ليس بالقوى إلا قوله: وإن أودعه له سلطان بيد عدل فليزكه لماضي السنين فصواب؛ لأن يد المودع كيده. وقال المغيرة في المجموعة: إذا لم يعلم بالميراث وأوقفه القاضي بيد رجل فليزكه لماضي السنين، وإن ضمنه لأحد فليزكه إذا قبضه لعام واحد. م: وقول المغيرة صواب إلا قوله: إذا لم يعلم بالميراث، فسواء علم أو لم يعلم؛ لأن فعل القاضي ونظره كفعله لنفسه. [فصل 8 - في زكاة المال يقبضه الوكيل فيحْبسه عن ربه سنين ثم يقبضه منه ربَّه] ابن المواز: قال ابن القاسم عن مالك: وإذا قبضه الوكيل فحبسه سنين ثم قبضه منه ربه لم يزكه إلا لعام واحد، وقال أصبغ: بل لكل عام مضى، قال محمد: بل لعام واحد؛ لأن حبس الوكيل إياه تعدياً ضمنه به، وكذلك لو كان له عذر من خوف طريق

أو نحوه مما لا يقدر أن يأتي ولا يصل ربه إليه، فأما إن كان معه في بلد يقدر على أخذه فتركه، أو حبسه بإذنه، أو كان مفوضاً إليه فليزكه لماضي السنين. [فصل 9 - في زكاة المال الضَّمار والضَّائع والمحبوس واللقطة] واختلف في المال يسقط من صاحبه على نحو ما تقدم، وإذا ورثه وعلم به هل يستأنف به حولاً أو يزكيه لعام واحد أو لأعوام، وهل مفترق الجواب إذا وقف على يدي عدل؟ فقال مالك في العتيبة: إذا وجده صاحبه بعد سنين كثيرة زكاة لعام واحد. قال المغيرة وسحنون: يزكيه لكل عام. قال ابن حبيب: يستأنف حولاً إذا كان صاحبه منقطع الرجاء منه؛ لأنه ضمار، والضمار لا زكاة فيه، وهذا إذا حبسه لصاحبه. واختلف إذا حبسه الملتقط لنفسه بعد الحول ولم يحركه حتى أتى صاحبه فقال مالك- في كتاب محمد-: يزكيه ملتقطه لحول من يوم نوى ذلك، ويزكيها صاحبها لعام، وإذا أقامت بعد ذلك أعواماً فقال ابن القاسم- في المجموعة: لا زكاة عليه إذا لم يحركها وإن نوى حبسها للحديث، والأول أبين؛ لأنها صارت ديناً عليه./ واختلف فيمن دفن مالاً ثم ذهب عنه موضعه ثم وجده بعد أعوام فقال في كتاب محمد: يزكيه لماضي السنين، وقال محمد ابن المواز: إن دفنه في صحراء أو في موضع لا

يحاط به فهو كالمغصوب والضائع، وأما البيت والموضع الذي يحاط به فيزكيه لكل سنة وعكس ابن حبيب الجواب فقال: إن دفنه في صحراء زكاة لماضي السنين؛ لأنه عرضه للتلف لما دفنه بموضع يخفي عليه،، وإن كان في موضع لا يخفى عليه لم يزكه للأعوام. [فصل 10 - المال إذا باعه الوصي وأقام بيده زمناً ثم اقتسمه الورثة وفيهم صغار وكبار، كيف يُزكّي؟] ومن المدونة قال مالك: وإذا قبض الوصي للأصاغر عيناً ورثوه فليزكه لحول من يوم قبضه، قال في كتاب الزكاة الثاني: وإن كان في الورثة صغار وكبار فباع الوصي التركة وأقام المال بيده ما شاء الله فلا زكاة على أحد منهم حتى يقتسموا فيستقبل الكبار بحظهم حولاً بعد قبضه، ويستقبل الصغار بحظهم حولاً من يوم القسم، ولا يكون الوصي قابضاً للكبار إلا بوكالتهم. قال ابن المواز: قال أشهب مرة: إن قبضه للصغار والكبار قبض، وقال مرة مثل قول ابن القاسم وروياه عن مالك. (فصل 11 - الماشية والحرث الموروثة يأخذ زكاتها الساعي كل عام، علم بها الوارث أو لم يعلم، كانت في يد وصي أو غيره] ومن المدونة قال مالك: وأما من ورث ماشية تجب فيها الزكاة أو نخلاً فأثمرت وهي في يد وصي أو غيره فإن الساعي يأخذ صدقتها كل عام علم بها الوارث أم لا بخلاف العين، والفرق بينهما أن من عنده ماشية أو ثمار وعليه دين يغترقها ماشية

مثلها أو ثمار لم يمنع المصدق ذلك من أخذ زكاتها، ومن عنده عين ولا مال له غيره وعليه دين مثله من عين أو عرض لم تلزمه زكاة، والذي يرث دنانير لا تصير في ضمانه حتى يقبضها. [فصل 12 - فيمن اشترى غنماً فجز صوفها وباعه، هل يزكي ثمنه لحول أصل المال الذي اشتريت به الغنم، أو هو غلّة؟] قال مالك: ومن اشترى غنماً للتجارة فجز صوفها بعد ذلك بأشهر فهو فائدة يستقبل بثمنه إذا باعه حولاً بعد قبضه. م: انظر إن ابتاعها وعليها صوف تام فجزه بعد أيام ينبغي على أصل ابن القاسم أن لا تكون غلة ويزكي ثمنه إذا باعه لحول أصل المال، وأما عند أشهب فهو غلة. م: يجري على اختلافهما إذا اشتراها وعليها صوف تام فجزه ثم ردّها بعيب، فابن القاسم يقول: يرد الصوف معها أو مثله إن فات؛ لأنه قد وقع له حصة من الثمن، وقال أشهب: هو غلة ولا يرده. قال في كتاب الزكاة: فإن باع الغنم قبل الحول زكي ثمنها على حول أصل المال، وإن بقيت بيده حتى حال الحول وقدم الساعي فليأخذ زكاتها، ثم إن باعها بعد ذلك لم يزك الثمن إلا لحول من يوم زكى الرقاب، قال: وكذلك كراء المساكن إذا اشتراها للتجارة، وكراء العبيد، وثمر النخل ذلك كله فائدة. [فصل 13 - في زكاة كراء الدُّور] ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم فيمن أكرى داره ثلاث سنين بثلاث

مائة دينار فقبضها بعد ثلاث سنين فليأتنف بها حولاً من يوم يقبضها، قال ابن القاسم: إلا أن يترك قبض الكراء هرباً من الزكاة، وقال أصبغ: ليس هذا بشيء وتركه هرباً أو غير هرب قادر على أخذه أو غير قادر سواء لا شيء عليه وليأتنف من يوم يقبضه حولاً. قال في كتاب ابن المواز: وأما من اكترى داراً ليكريها فما غل منها مما فيه الزكاة فليزكه لحول من يوم زكى ما نقد في كرائها لا من يوم اكتراها، وهذا إذا اكتراها للتجارة والغلة؛ لأن هذا متجر، وأما إن اكتراها للسكنى فأراها لأمر حدث له أو لأنه أرغب فيها فلا يزكي غلتها وإن كثرت إلا لحول من يوم يقبضها، وقال أشهب: لا زكاة عليه في غلتها وإن اكتراها للتجارة، وغلة ما اكترى للتجارة كغلة ما اشترى للتجارة كان مديراً أو غير مدير. قال عيسى عن ابن القاسم: ومن اكرى داراً خمس سنين بمائة دينار فانتقدها وحال عليها الحول وليس له غيرها، فإن وقع للسنة الماضية من الكراء عشرة وبقي عليه ديناً تسعون ديناراً فإن ساوتها الدار- يريد: مهدومة- زكى المائة كلها، وإن ساوت ثلاثين زكاها/ مع العشرة ثم كل ما سكن شيئاً زكى حصة ذلك وذلك أنه قد [134/ب]

تنهدم الدار فيرد ما قبض، وذكر ابن سحنون عن أبيه مثله، وذكر عنه النبي، وابن عبدوس أنه قال: بل يزكي المائة كلها، والهدم أمر طارئ وقد تستحق السلعة التي تباع أيضاً فلا ينظر إلى هذا. م: وهذا أصوب. ومن كتاب ابن المواز: ومن أجر نفسه ثلاث سنين بستين ديناراً وقبضها فعمل سنة وهي بيده فليزك عشرين فقط إلا أن يكون له عرض يفي بما بقي فيزكيها، وكان قد قال محمد: إن لم يكن له عرض فيزكي تسعة عشر ونصفاً أيضاً ويجعل بدلها بقية العشرين التي زكى، ثم رجع عنه فقال: أستحسن أن لا يجعل ما زكى من العين في دينه، والأول هو القياس، قال أبو محمد: وينبغي على قول سحنون أن يزكي الجميع كما قال في الدار. م: وهو الصواب. ووجه قول محمد الذي رجع إليه أنه لما قبض الستين أجرته صارت في ذمته فلما عمل حولاً سقط عنه عشرون حصته وبقى عليه أربعون وبيده الستون فيجعل أربعين منها في دينه ويزكي عن عشرين، وهذا القياس على مسائل من له عين وعليه دين، وأما قوله الأول فيخرج على قول ابن حبيب في الذي له مائتان على حولين، وعليه مائة دين أن يزكي الأول لحولها ويجعل الثانية في دينه فإذا حل حولها زكاها وجعل الأولى في دينه، وهذا قول ضعيف؛ لأن الدين لابد أن يذهب بإحداهما، وكذلك مسألة كتاب محمد الأربعين التي عليه تذهب بمثلها مما بيده ويزكي ما بقي وهذا بيّن، ويلزم على قوله

الأول أن يزكي جميع السنين؛ لأنه قال: إذا زكى العشرين الفاضلة وبقي منها تسعة عشر ونصف جعلها في دينه وزكى من الأربعين تسعة عشر ونصفاً، ثم يجعل بقية هذه التسعة عشر ونصف المزكاة أخيراً في دينه ويزكي من العشرين ونصف الباقية من الأربعين مثلها ثم يجعل من هذه المزكاة أخيراً قدر ما بقي من العشرين ونصف وهو دينار ونصف وثمن عشر دينار ويزكيه فيحصل قد زكى الستين كلها، ويلزم على هذا أن من معه ثمانمائة دينار وعشرين ديناراً وعليه ثمانمائة دينار أن يزكي عن ثمانمائة دينار مما بيده، وهو خلاف أصلنا. [فصل 14 - من اشترى أصولاً للتجارة فأثمرت فثمرتها فائدة، فإن كان في عينها زكاة زكاها ثم باعها وباع الأصل استقبل بالجميع حولاً] ومن المدونة قال مالك: ومن ابتاع نخلاً للتجارة فأثمرت ثم جذها فأدى منها الصدقة ثم باع الأصل فليزك ثمنه إذا قبضه لتمام حول من يوم زكى الثمن الذي ابتاعها به، وإن باع الثمرة فهي فائدة يستقبل بثمنها حولاً بعد قبضه فيصير حول الثمرة على حدة، وحول الأصل على حدة. ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع نخلاً للتجارة ثم ابتاعها بثمرتها وقد طابت فإنه يفض الثمن على قيمة النخل والثمرة فما وقع للنخل زكاه على أصل حول المال، وما وقع للثمرة لم يزكه إلا بعد ائتناف حول من يوم يقبضه، وعليه الآن زكاة الثمرة العشر أو نصف العشر، ولو كان ثمرها لم يطب وباعها به لزكى جميع الثمن لحول أصل المال،

وكذلك لو كانت ثمرة جوز أو مالا زكاة فيه فباعها به وقد طابت إلا أنه لم يجذها، فأما لو جذها ثم باعها معها أو مفردة فلا زكاة في ثمن الثمرة ويستقبل به حولاً من يوم يقبضه، وأما إذا لم تفارق الأصل فهي تبيع، وكذلك التي تزكي إلا أنها لم تطب فهي تبع، كمال العبد يبيعه به ربه فعليه في جميع الثمن الزكاة إن كان العبد للتجارة، ولو انتزع المال ثم باع العبد كان المال فائدة لا زكاة فيه الآن. [فصل 15 - في أخذ الزكاة من الأعطية] ومن المدونة: قال القاسم بن محمد: وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا أعطى الناس/ أعطياتهم يسأل الرجل هل عندك من مال وجبت فيه الزكاة؟ فأن قال نعم [135/ أ] أخذ من عطائه زكاة ماله ذلك، وإن قال لا أسلم إليه عطاءه، قال مالك: وفعله عثمان ابن عفان، وقال ابن شهاب: أول من أخذ من الأعطية الزكاة معاوية بن أبي سفيان.

[الباب التاسع] باب جامع ما جاء في زكاة المديان

[الباب التاسع] باب جامع ما جاء في زكاة المديان [فصل 1 - الدين يُسقط الزكاة عن العين، ولا يسقط زكاة الحرث والماشية] روى سحنون عن ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُجلس عبد الرحمن بن عوف في كل محرم فيقول للناس: ((من كان عليه دين فليؤده، ومن أراد أن يستحدث نفقة فليستحدثها حتى تؤدوا مما بقي من أموالكم الزكاة)). م: قال عبد الوهاب: وهي حجتنا على الشافعي في قوله إن الدين لا تأثير له في إسقاط الزكاة عن العين. وما روي عن عمير بن عمران عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

((إذا كان للرجل ألف درهم وعليه ألف درهم فلا زكاة عليه)). ولأن الدين وجب عن عوض، والزكاة عن غير عوض فكان الدين مقدماً عليها كما قُدم على الميراث. ومن المدونة: وروي أن عثمان بن عفان كان يقول على المنبر: ((هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقضه فإن فضل له ما تجب فيه الزكاة فليزكه ثم لا شيء عليه حتى يحول عليه الحول)). وقال سليمان بن يسار، وابن شهاب، وجابر بن زيد فيمن له مال وعليه من الدين مثله فلا زكاة عليه، وقاله مالك.

قال مالك: ولا يُسقط الدين زكاة الماشية والثمار، وقاله الحسن البصري. [فصل 3 - الفرق بين العين والماشية والحرث في تأثير الدين في إسقاط الزكاة] قال ابن القاسم: والفرق بين ذلك وبين العين أن السنة إنما جاءت في الضمار وهو المال المحبوس من العين. يريد: فهو الذي يسقطه الدين، وفيه قال عثمان: ((هذا شهر زكاتكم ... الحديث)). قال: وأما الماشية والثمار فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده الخراص والسعاة فخرصوا على الناس وأخذوا منهم زكاة مواشيهم ولم يسألوهم هل عليهم دين أم لا. وقال المشيخة السبعة: لا يصدق المصدق إلا ما أتى عليه حول لا ينظر إلى

غير ذلك. قال بعض البغدادين: ولأن زكاة الماشية والحرث إلى الإمام ولم يؤتمن عليها أربابها فلو قبل قول أربابها أن عليهم ديوناً لأدى ذلك إلى إسقاط الزكاة فحسم الباب. م: يريد: لأن زكاة العين موكولة إلى أمانات أربابها فوجب قبول قولهم أن عليهم ديناً كما قُبِل قولهم إخراجها، وغذا كان عليهم دين يغترق أموالهم فهم غير مالكين لشيء على الحقيقة فوجب أن لا زكاة عليهم. ولأن الحرث والماشية أموال ظاهرة وليس كذلك الذهب والفضة لأنها تخفى فخفف زكاتها بإسقاط الدين لها فيخفف إخراجها على أربابها. قال ابن المواز: قال مالك: إنما يسقط الدين زكاة العين فقط كان ذلك الدين عرضاً أو طعاماً أو ماشية أو غيرها، ولا يسقط الدين زكاة ماشية ولا حب

ولا تمر ولا معدن ولا ركاز، ولو كان إنما تسلف فيما أحيي به الزرع والثمرة وقوي به على المعدن والركاز لم يسقط ذلك عنه شيئاً من ذلك ويخرج خمس الركاز. وأما في زكاة الفطر فيمن عنده عبد وعليه عبد مثله، فابن القاسم لا يوجب عليه زكاة الفطر، وأشهب يوجبها، وهذا مذكور في الزكاة الثاني. ابن المواز: قال أشهب: الذين أولى من زكاة العين فرط فيها أو لم يفرط، وهو أولى- مما فرط فيه من زكاة ماشية أو حب أو ثمر وليس مثل مالم يفرط فيه من ذلك والماشية والثمر والحب قائم. [فصل 3 - العروض المقومة بإزاء الدين] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن كان معه عشرون ديناراً ثم حولها، وعليه دين، وله عروض فليجعل دينه في عروضه وداره وخادمه وسرجه وسلاحه وخاتمه وفي كل ما يبيعه عليه الإمام في دينه فإن كان في ذلك وفاء دينه زكى العشرين الناضة./ [135/ ب] والإمام يبيع عليه إذا فلس داره وعروضه كلها ما كان له من خادم أو سلاح أو غير ذلك إلا ما لابد له من ثياب جسده ويترك له ما يعيش به هو وأهله الأيام، ويبيع عليه ثوبي جمعته إن كانت لهما قيمة وإن لم يكن لهما تلك القيمة فلا يبعهما. محمد: وقال أشهب: لا يحسب خاتمه، وقال في ثوبي جمعته: إن كان لباس مثلهما سرفا بيعا في الدين.

[فصل 4 - المديان يجعل دينه في قيمة رقاب مدبريه وفي قيمة كتابة مكاتبيه] ومن المدونة قال: ويجعل دينه في قيمة رقاب مدبريه وفي قيمة كتابة مكاتبيه فإن كانت الكتابة عيناً قيل: ما قيمة ما على المكاتب من هذه النجوم على محلها بعرض عاجل ثم يقوم العرض بعين فإن كان فيه وفاء دينه زكى ما معه من العين إن كان تجب فيه الزكاة وإن لم يف بدينه جعل فضل دينه فيما في يديه من الناض ثم ينظر فإن بقي بعد ذلك عشرون ديناراً فأكثر زكى وإلا لم يزك. سليمان: قال سحنون: لا يجعل دينه في قيمة رقاب المدبرين ولا في خدمتهم إذ لا يباعوا في حياته، وكذلك عن سحنون في المجموعة. قال عبد الوهاب: وقيل يجعل دينه في قيمة خدمتهم على غررها. قال ابن المواز: لم يختلف أصحاب مالك أنه يجعل دينه في قيمة رقاب مدبريه كقول ابن القاسم، واختلفوا في المكاتبين فقال ابن القاسم: يحسبه في قيمة كتابتهم، وقال أشهب: في قيمتهم مكاتبين بقدر ما بقي عليهم، وقال أصبغ: بل قيمتهم عبيداً كالمدبرين إذ قد يعجز فيرق، وقد جاء الأثر: ((أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم)) وكذلك روى

ابن حبيب عن أصبغ وأشهب قيمته عبداً. م: كان الجاري على أصل ابن القاسم ألا يجعل دينه في قيمة رقاب مدبريه؛ لأن الأصل إنما يجعل دينه في كل ما يبيعه عليه الإمام إذا فلس، والإمام لا يبيع عليه المدبرين إلا في دين قبل التدبير، فلو كان الأمر كذلك لجرى على أصله ولكن ظاهر قوله أنه سواء استحدث الدين قبل التدبير أو بعده، ووجه ذلك أنه لما كان الدين يتسلط عليه بعد الموت تقدمه أو تأخره احتاط للزكاة فجعل الدين في قيمة رقبته. وقال سحنون جارٍ على ما أصل أنه يجعل دينه في كل ما يبيعه عليه الإمام إذا فلس، وأما في المكاتبين فابن القاسم جارٍ على أصله فيهم. ووجه قول أشهب أنه لما كان تجب له قيمتهم مكاتبين أن لو قتلوا احتاط للزكاة فجعله فيها. وأما أصبغ فقد وجه قوله بالعجز وبالحديث: ((أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم)).

وقول ابن القاسم في المكاتب أبينها، والله أعلم. فإن عجز المكاتب وفي رقبته فضل- على مذهب ابن القاسم- فذكر عن أبي عمران أنه يزكي من ماله مقدار ذلك الفضل. م: صواب؛ لأن ذلك كعرض أفاده ولا اختلاف في ذلك. قيل لأبي عمران: فالمدير يقوم عرضه فيزكي ثم يبيعه بأكثر من ذلك فقال: لا يزكيه؛ لأن ذلك حكم مضى وهذا نماء حادث، قيل له: فالحلي المربوط إذا تحرى ما فيه ثم فصله بعد ذلك فكان ذلك أكثر مما تحرى قال: هذا يزكي، وإنما هذا كمن ظن أن ماله مئة فإذا هو مئتان. [فصل 5 - المديان هل يجعل دينه في قيمة خدمة المعتاق إلى أجل، أو في قيمة عبده الآبق؟] قال أشهب في المجموعة: ويجعل دينه في قيمة خدمة المعتق إلى أجل، يريد: على غررها، وقاله أصبغ في كتاب ابن المواز. قال أشهب: ولو أخدم عبده هو سنين أو عمراً قوّمت رقبته على أن يأخذه المبتاع إلى تلك المدة، ولو كان غيره أخدمه عبداً مدةً حسب قيمة الخدمة تلك المدة في دينه. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا يحسب دينه في قيمة عبده الآبق إذ لا يجوز بيعه. قال ابن المواز: وقال أشهب: إن كان إباقه قريباً تُرجى قوّم على غرره،

يريد: أن لو بيع ويجعله في دينه، وإن طال/ أمره فلا يحسبه. [فصل 6 - المِديان إن كانت له ماشية تزكى فليجعلها في دينه ويزكي ما معه من عين] قال ابن القاسم في العتبية وغيرها: وإن كانت له ماشية يزكيها فليجعلها في دينه ويزكي عينه. قال في كتاب ابن المواز فيمن له أربعون شاة وعليه مثلها دين وعنده عشرون ديناراً فحل حول ذلك كله فأخذ الساعي شاة، فانظر فإن كانت قيمة التسعة وثلاثين شاة الباقية مثل قيمة ما عليه فأكثر فليزك العشرين ديناراً وإلا يزك، ولسحنون مثله. قال ابن القاسم في العتبية والمجموعة فيمن له مئتا دينار حول كل مئة على حدة وعليه دين مئة فليزك فإذا حل حول الأولى جعل الثانية في دينه وزكى الأولى يومئذ. أبو محمد: ولا يزك الثانية لأن الدين يذهب بإحداهما لابد. وفي كتاب ابن حبيب: يزكي كل مئة في حولها ويجعل دينه في الأخرى. م: تأويل أبي محمد أصوب.

والفرق بين هذا وبين الذي له الأربعون شاة والعشرون ديناراً أن زكاة الغنم لا يسقطها الدين فلم يحتج أن يجعل العشرين في دينه، فلما لم يجعلها في دينه زكاها إذا كان له ماشية أو عرض أو شيء يجعله في دينه. وفي مسألة المئتين إذا زكى الأولى وجعل الثانية في دينه وكأنه قضاها فلم تجب عليه زكاتها. [فصل 7 - زكاة المعدن لا يُسقطها الدِّين] ومن كتاب ابن المواز ونحوه لسحنون فيمن وجد في المعدن مئة دينار فزكاها، ومعه مئة أخرى حل حولها، وعليه مئة دينار دين فليجعل دينه فيما بقى من المئة المعدنية بعد الزكاة ويزكي مثل ذلك من المئة التي بيده، يريد: أن لم يكن له عرض سوى ما بقي. م: لأن المئة المعدنية لا يسقط زكاتها الدين فهي كالماشية فيما ذكرنا. وكذلك لو رفع من زرعه خمسة أوسق فزكاها، وله مئة دينار حل حولها، وعليه مئة دين، فإنه يقوم ما بقي من القمح فيجعله في دينه، ويزكي ما قابل ذلك من المئة التي بيده، وهذا أبين. [فصل 8 - من له دين يرتجى قضاءه وهو على ملئ فليجعله في دينه الذي عليه ويزكي ناضه] ومن المدونة، قال مالك: وإن كان معه مئة دينار وعليه مئة دينار دين وله مئة دينار دين فليزك المئة التي في يده، ويكون ما عليه من الدين في الدين الذي له، إن كان يرتجيه، وهو على ملئ.

قال ابن القاسم: وإن لم يرتج قضاءه فلا يزكي شيئاً. وكذلك عن ابن القاسم وأشهب في المجموعة. وقال سحنون: بل يجعل قيمة الدين الذي له فيما عليه. وقال عيسى عن ابن القاسم في العتبية: إن كان دينه على غير ملئ فليحسب قيمته، قال أبو محمد: يدل قوله: إن كان ملياً حسب عدده، يريد: إن كان حالاً، والله أعلم، وإن كان إلى أجل فينبغي أن يحسب قيمته؛ لأنه لو فلس هذا كان كذلك يفعل بدينه. م: أما ما عليه من الدين فإنما يحسب عدده حالاً كان أو مؤجلاً؛ لأنه لو مات أو فلس لحل المؤجل من دينه الذي عليه فقوي لذلك وصار كالحال، وأما ماله من الدين فالحال: يحسب عدده والمؤجل قيمته؛ لأنه لو مات أو فلس لبيع المؤجل لغرماته إن شاءوا قيمته كقيمته، وهو إنما يجعل في دينه كل ما يبيعه عليه الإمام لو فلس. م: وهذا هو الصواب، وهو الجاري على أصل ابن القاسم، وظاهر قوله في المدونة أنه لم يراع القيمة في شيء من ذلك، والله أعلم. وقد قال مالك في كتاب محمد- فيمن عليه مئة دينار إلى أجل، وله على غيره مئة إلى أجل أيضاً، وبيده مئة ناضة فليزك مئته التي بيده، ويجعل ما عليه من الدين في

الدين الذي له إن كان يرتجيه ولم يراع القيمة في ذلك. [فصل 9 - الزكاة إذا فرط فيها أصبحت ديناً عليه تسقط به زكاة ما معه من مال] ومن المدونة: ومن معه مائة دينار تم حولها، وعليه زكاة، قد فرط فيها من عين أو حرث أو ماشية، لم يزك ما في يديه إلا أن يبقى معه بعد إخراج ما فرط فيه ما تجب فيه الزكاة فيزكي؛ لأن الزكاة إذا فرط فيها ضمنها وإن أحاطت بماله. قال يحيي بن يحيي عن ابن القاسم في العتبية فيمن لزمه إخراج عشرين ديناراً زكاة فلم يخرجها حتى ذهب ماله فلم يبق منه إلا ثلاثون ديناراً عند حول آخر قال: فليخرج العشرين التي عليه ولا يزكي العشرة الباقية؛ لأن العشرين دين عليه، ولو كان/ [136/ ب] عنده عرض يسوي العشرين التي عليه فلا يحسب ذلك فيه بخلاف ديون الناس، ولا يحسب ما عليه من الزكاة إلا في المال الذي معه فإن بقي بعد ذلك عشرون ديناراً زكى وإلا لم يزك، وقال ابن المواز: إنما هذا عند مالك وابن القاسم إذا لم يكن له عرض، ولو كان له عرض فيه كفاف ما عليه من ذلك لزكى الجميع

م: وهذا الذي ذكر ابن المواز وفاق للمدونة، دليله، قوله فيمن له عشرون دينارا تم حولها فلم يزكها حتى ابتاع بها سلعة فباعها لتمام حول ثان بأربعين فقد قال فيها: إن كان له عرض يسوي نصف دينار زكى لعامه الثاني عن أربعين فقد جعل العرض فيما عليه من زكاة العشرين وزكى الأربعين نحو ما ذكر ابن المواز. م: وهذا مذهبه في المدونة. فصل 10 - هل مهور النساء دين كسائر الديون؟ ومن المدونة: ومن معه مئة دينار ثم حولها وعليه لامرأته مهر مئة دينار فلا زكاة عليه وتحاص الغرماء به في فلسه وموته. وقال ابن حبيب: تسقط الزكاة بكل دين إلا مهور النساء إذ ليس شأنهن القيام به إلا في موت أو فراق أو عندما يتزوج عليها فلم يكن في القوة كغيره، وذكر أن القاسم ابن محمد قاله. م: وقول مالك وابن القاسم أبين، لأن المهور دين كسائر الديون. فصل 11 - من عليه نفقته لزوجته أو لوالديه أو لولده الصغير، هل تكون نفقتهم دينا عليه تسقط به الزكاة؟ ومن المدونة: ومن معه عشرون دينارا تم حولها وعليه نفقة شهر عشرة دراهم لزوجته قد فرضها القاضي عليه قبل الحول بشهر أو أنفقتها على نفسها شهرا قبل الحول بغير قضية ثم طلبته بها فليجعل نفقتها فيما بيده، فتسقط عنه الزكاة، ويلزمه ما أنفقت على نفسها في يسره حاضرا كان أو غائبا أنفقت من عندها أو تسلفت، وإن كان معسراً.

فلا يضمن لها ما انفقت. وإن كان إنما عليه نفقة والدين أو ولد صغير لم تكن نفقتهم دينا تبطل به الزكاة، لأن نفقتهم إنما تجب لهم إذا ابتغوها، وإن أنفق الأبوان من عندهما لم يلزمه ما أنفقا وغن كان موسرا، ولو قضى لهما بالنفقة فلم يأخذاها شهرا فحل الحول لم تسقط الزكاة عنه بذلك. وأشهب يسقطها بنفقتهما إن كانت بقضية ويجعل الوالد كالزوجة ويعدى الولد والزوجة عليه بما تسلفا في يسره من النفقة، وتسقط الزكاة عنه بذلك كانت بقضية أو بغير قضية؛ لأن نفقة الولد لم تسقط عن الأب المليء منذ كانوا حتى يبلغوا، ونفقة الأبوين كانت ساقطة وإنما تلزمه بالقضاء. وقال ابن المواز: اتفق ابن القاسم وأشهب أن نفقة الزوجة إذا حلت تسقط الزكاة وإن لم تكن بقضية، وأن نفقة الأبوين لا تسقطها إلا أن تكون بقضية، واختلفا في الولد، فجعله ابن القاسم كالأبوين، وجعله أشهب كالزوجة، وبه أقول؛ لأن نفقته لم تسقط فيؤتنف فيه حكم، وفي رواية ابن حبيب عن أشهب أن نفقة الولد كالأبوين. م: والفرق عند ابن القاسم بين الزوجة وبين الأبوين، والولد أن نفقة الزوجة عن عوض البضع الذي يستمتع به، ونفقة الأبوين والولد عن غير عوض، فما

كان عن عوض فيسقط كالدين لأجنبي، وما كان عن غير عوض فالزكاة أولى منه كالوصايا، وأيضا فلأن نفقة الزوجة إذا عجز عنها طلقت عليه إن شاءت ولم يعذر بالعسر، والوالدين، والولد هم في عسره من فقراء المسلمين، فما أوجب عليه حكما آكد مما لم يوجبه، والله أعلم. ومن المدونة قال مالك: وإن كان له مال حل حوله وعليه إجازة أجراء عملوا له قبل الحول، أو كراء إبل أو دواب فليجعل ذلك فيما في يديه من الناض ثم يزكي ما بقي إذا لم يكن له عرض يجعل دينه فيه.

الباب العاشر باب في زكاة القراض، وزكاة المساقاة

الباب العاشر باب في زكاة القراض، وزكاة المساقاة فصل 1 - المقارض متى يزكي مال القراض؟ قال ابن القاسم: والعمل في المقارض أنه لا يزكي ما بيده، وإن أقام أحوالا، حتى (137/ أ) ينض المال، ويحضر ربه، ويقتسمان، إذ لا يدري أعليه دين أم لا، أم هو حي أو ميت، فإن كان العامل يدير زكى لكل سنة بقدر ما كان المال فيها من عين أو قيمة عرض إلا ما نقصت الزكاة كل عام. فصل 2 - إن كان رب المال يدير، فمتى يزكي، ومتى يزكي العامل؟ قال في العتبية: وإن كان رب الملا يدير فلا يزكي العامل حصته إلا عند المقاسمة لسنة واحدة. وأما رب المال فإنه إذا جاء شهر زكاته زكى ماله بيد العامل إن كان من مال الإدارة ويقوم سلع القراض فيزكي رأس ماله وحصة ربحه. م: يريد يزكيه من مال نفسه ولا ينتقض مال القراض كما تأولنا في زكاة ماشية القراض، قياسها واحد. وفي المستخرجة ما ظاهره: إن ما بيد المقارض لا يُزكى إلا بعد المفاصلة وكأنه مال غير مقدور على التصرف فيه، فإن قيل: فهلا جعلته مثل الدين، والمدير يقوم الدين

إذا رجاه؟ قيل: لأن الدين يقدر على بيعه، والقراض - وإن حضر من هو بيده - لا يقدر على بيعه، ولم يقدر على أخذه ممن هو بيده، فأشبه كونه غائبا عن رب المال. قال في كتاب ابن المواز: ولو أخر ذلك انتظار المحاسبة فضاع لضمن زكاة كل سنة. قال فيه وفي العتبية: وإن كان غائبا عنه ببلدة ثانية لا يدري ما حدث عليه آخر ذلك إلى أن يرجع إليه فيزكي عن كل سنة بقدر ما كان المال فيها. قال ابن حبيب: فإن هلك المال لم يضمن الزكاة. قال ابن سحنون عن أبيه: وإن قام المال بيده ثلاث سنين فكان في أول سنة مئة، وفي الثانية مئتين وفي الثالثة مئة زكى عما كان عنده في كل سنة إلا ما نقصت الزكاة، ولو رجع في العالم الثالث مئة لم يزك إلا عن مئة لكل سنة إلا ما حطت الزكاة ولا يضمن ما هلك من الربح. فصل 3 - في زكاة القراض يتفاصلان فيه قبل الحول أو يتفاصلان بعد الحول والمال بربحه عشرون دينارا أو أقل ومن المدونة: ولو اقتسما بعد حول فأكثر من يوم أخذه فناب رب المال بربحه ما فيه الزكاة فالزكاة عليهما كان في حظ العامل ما فيه الزكاة أم لا.

وإن لم يكن في رأس المال وحظ ربه من الربح ما فيه الزكاة فلا زكاة على العامل، وكذلك إن اقتسما قبل حول من يوم أخذه فلا زكاة على العامل، ويستانف بما أخذه حولا من يوم اقتسما، فيزكيه إن كان ما فيه الزكاة. وإن سقطت الزكاة عن رب المال لدين عليه فلا زكاة على العامل وإن نابه ما فيه الزكاة، وكذلك إن كان على العامل دين يغترق ربحه فلا زكاة عليه عند ابن القاسم. م: وإنما تجب الزكاة على العامل عند ابن القاسم باجتماع خمسة أوجه، وهي: أن يكونا حرين مسلمين لا دين عليهما، وأن يكون في المال وحصة ربه من الربح ما فيه الزكاة، وأن يعمل العامل بالمال حولا، فمتى سقط شرط من ذلك لم يزك العامل. م: قول ابن القاسم هذا استحسان ووجهه أنه لما ترجح عنده أمر العامل فرأى مرة أن له حكم الشريك في وجوه، منها: أن له شركا في الربح وإن حصته في ضمانه، وأنه لو اشترى من يعتق عليه وفي المال ربح لعتق عليه، وغرم لرب المال حصته منه، ورآه مرة أنه ليس كالشريك؛ لأن ليس له في أصل المال شرك، وأن ربح المال منه، وحوله حول أصله، فلما ترجح ذلك عنده توسط أمره فجعل له حكم الشريك إذا كان عليه دين، أو كان ليس من أهل الزكاة فخفف عنه بإسقاط الزكاة، وجعل في وجوه الحكم لرب المال فمتى وجب في المال زكاة وجبت على العامل، ومتى سقطت سقطت عنه، والقياس أن يكون حكم الربح كحكم المال فمتى وجب في المال والربح زكاة زكى

الربح، وهو قول أكثر أصحاب مالك. والله أعلم بالصواب. قال في كتاب القراض: ولو أخذ تسعة عشر دينارا فعمل بها شهرا فكان تمام حول رب المال ثم افترقا وقد ربحا دينارا فلا زكاة عليهما إذ لم يكمل لرب المال ما فيه الزكاة وإذ لم يعمل العمل بالمال حولا. وقال أشهب ورواه عن مالك: إن عليهما الزكاة، وقال عبد الملك وسحنون: إذا وجدت في رأس المال مع جميع الربح ما فيه الزكاة فعليهما الزكاة؛ لأنه مال وجبت فيه الزكاة، وصار ما يأخذ العامل كإجارة أجير، ولم أجعل ذلك على رب المال في ماله كالإجارة؛ لأني أصبت هذا الربح في ضمان العامل لو هلك، والإجارة قد ضمنها رب المال بكل حال. وبمثله احتج ابن المواز وقال: قول أشهب هذا أحب إلينا، ورواه ابن القاسم عن مالك وخالفه. والحجة في ذلك أن ربح المال منه كولادة الماشية، والمقارض كالمساقي، وقاله ابن القاسم في المساقي وأباه في المقارض.

قال أشهب: وإن تفاصلا قبل الحول رب المال فلا زكاة على العامل فيما نابه وإن كثر حتى يأتي له حول من يوم نض بيده. (137/ ب). فصل 4 - في زكاة القراض إذا كان أحدهما عبدا أو مديانا أو ذميا قال ابن عبدوس: قال عبد الملك: ولو كان العامل عبدا أو ذميا أو مديانا أو أخذ العبد نخلا مساقاة فعليهم الزكاة إذا كان في الجميع ما فيه الزكاة، وقاله ابن نافع وسحنون. وقال ابن القاسم، وأشهب، وابن وهب عن مالك: إذا كان العامل مديانا فلا يزكي من ربحه إلا ما فضل عن دينه، قال ابن المواز: هذا استحسان، وإسقاط الزكاة عن العامل بدين عليه خاصة ليس بالقوي. قال مالك: وأما إن كان رب المال عبدا، أو عليه دين محيط فلا شيء على العامل قل ربحه أو كثر، وكذلك إن كان نصرانيا وإن كنا نكرة أن يقارضه، وكذلك قال عبد الملك وسحنون. فصل 5 - العامل لا يضم ما ربح في القراض إلى مال له آخر ليزكي، بخلاف رب المال قال ابن المواز: قال أشهب: وإن أخذ أحد عشر دينارا فربح فيها خمسة، ولرب المال مال حل حوله إن ضمه إلى هذا صار فيه الزكاة - يريد: وقد حل على أصل هذا حول - فليزك العامل حصته؛ لأن المال وجبت فيه الزكاة كمساقي أصاب أربعة

أوسق ولرب المال حائط آخر أصاب فيه وسقا فليضم ذلك ويزكي ويقسما ما بقي، وبه يأخذ سحنون. قال أبو محمد: قال ابن القاسم: ولا يضم العامل ما ربح إلى مال له آخر ليزكي بخلاف رب المال. قال أسبغ في العتبية إذا عمل العامل في سنة، فأخذ ربحه فزكاه، وله مال لا زكاة فيه، له عنده حول، فإنه لا يزكيه ولا يضمه إلى ربح القراض، وإن كان فيه مع ربح القراض عشرون دينارا، وكذلك العامل في المساقاة إن أصابه وسقين، وأصاب في حائط له ثلاثة أوسق فلا زكاة عليه في حائطه، بخلاف رب المال، وليزك ما أصاب في المساقاة إن كان في نصيبه ونصيب رب الحائط ما فيه الزكاة. فصل 6 - هل يجوز في القراض وفي المساقاة اشتراط الزكاة على أحدهما؟ ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا بأس بالقراض على أن على رب المال زكاة المال والربح، ولا يجوز على أن على العامل زكاة المال وحده أو مع ربحه؛ لأنه لو ربح دينارا ورأس المال تسعة وثلاثون دينارا فأدى ذلك الدينار في الزكاة ذهب عمله باطلا، وأما زكاة الربح فيجوز اشتراطها على العامل أو على رب المال؛ لأن ذلك يصير جزء مسمى كأنه أخذه على أن له خمسة أجزاء من عشرة، ولرب المال أربعة أجزاء، والجزء الباقي في الزكاة.

م: وهذا تمثيل غير صحيح، والصحيح من ذلك أنه إن قارضه على النصف، وكان المشترط عليه ذلك رب المال فالربح يقسم على أربعين جزء فيأخذ العامل عشرين جزء، ورب المال تسعة عشر جزء والجزء الباقي في الزكاة، وإن قارضه على الثلث للعامل، أخذ العامل ثلث الربح كاملا، ورب المال الثلثين ويخرج من ذلك ربع عشر الربح كله، وهو مثل الأول وإن اختلفت العبارة. قال ابن القاسم: ويجوز في المساقاة اشتراط الزكاة على رب الأصل فيكون للعامل خمسة أجزاء من عشرة، ولرب المال أربعة أجزاء، والجزء الباقي في الزكاة زاد على رواية يزيد بن أيوب: وقد قيل - أيضا - لا خير في اشتراط زكاة الربح في القراض على واحد منهما ولا في المساقاة أيضا، لأن المال ربما كان لا تجب فيه الزكاة، وغن كان فيه الزكاة فربما اغترفه الدين فأبطل زكاته، وربما أخرج عشرة فتختلف الأجزاء فيصير العمل على جزء غير مسمى. ومن الواضحة: وإذا اشترط أحدهما على الآخر زكاة الربح فتفاضلا قبل الحول، أو كان ذلك لا زكاة فيه فمشترط ذلك على صاحبه يأخذ ربع عشر الربح لنفسه ثم يقتسمان ما بقي كما لو شرط لأجنبي ثلث الربح فيأبى من أخذه فهو لمشترطه منهما. ومن المجموعة روى ابن وهب عن مالك: أنه إذا اشترط في المساقاة الزكاة على رب المال أو على العامل فهو جائز، وإن لم يصيبا خمسة أوسق وقد اشترط الزكاة على العامل فإن عشر ذلك أو نصف عشره في سقي النضح لرب الحائط خالصا، وقال سحنون: يكون لرب المال مما أصاب خمسة أعشار ونصف عشر وللعامل أربعة أعشار ونصف عشر؛ لأن رب المال/ شرط عليه أن يؤدي عشر نصيبه فرجع ذلك إليه. (138/ أ).

وقال غيره: يقسم ما أصابا على تسعة أجزاء، خمسة لرب المال، وأربعة للعامل. م: فوجه رواية ابن وهب أن رب المال لما اشترط على العامل الزكاة فكأنه إنما شرط له أن يأخذ أربعة أجزاء، ويكون الباقي لرب المال يخرج منه الزكاة، فلما لم يكن فيه زكاة دفع للعامل شرطه وأخذ هو ما بقي إذ الزكاة إنما هي عليه، وما يأخذ العامل كإجارة، فرب المال أولى بها. ووجه قول سحنون أن ذلك الجزء إنما اشترط للمساكين فلما لم يصح لهم قسمة العامل ورب المال نصفين؛ لأن رب المال يقول: إنما اشترطت لك أيها العامل أربعة أجزاء فلا حق لك في غير ذلك، ويقول العامل: إنما شرطت لك يارب المال خمسة أجزاء فلا حق لك في غير ذلك، وكل واحد يدعيه لنفسه فيقسم بينهما. ووجه الثالثة أنها لما كان الشرط أن يأخذ رب المال خمسة أجزاء، والعامل أربعة أجزاء والمساكين جزء، فلما بطل سهم المساكين بقيت القسمة بين المتعاملين على ما كانا دخلا عليه، لرب المال خمسة، وللعامل أربعة. م: وهذا أعدلها. [فصل 7 - في زكاة ماشية القراض وزكاة عبيد القراض] ومن «المدونة»: قال ابن القاسم: وزكاة ماشية القراض على رب المال في رأس ماله، وكذلك زكاة الفطر في عبيد القراض، ولا يؤخذ ذلك من رأس مال القراض، وكذلك في كتاب ابن المواز، وأما نفقتهم فمن مال القراض. وفي كتاب الزكاة الثاني إيعاب هذا.

الباب الحادي عشر في زكاة تجار المسلمين، وفيمن منعها

الباب الحادي عشر في زكاة تجار المسلمين، وفيمن منعها فصل 1 - زكاة التجارة لا يبعث الإمام أحدا لجبايتها، ومن منعها أُخذت منه كرها قال مالك: وتؤخذ من تجار المسلمين الزكاة تجروا ببلدهم أو بغيره، قال ابن القاسم: ويسألهم الإمام عما عندهم من الناض، وعما في بيوتهم، يسألهم عن ذلك وإن لم يتجروا إذا كان عدلا، كما فعل الصديق: كان يقول لمن يعطيه العطاء: هل عندك من مال تزكيه؟ فإن قال: نعم، أخذ ذلك من عطائه، وإن قال: لا أسلم إليه عطاءه. قال: ولا يبعث في ذلك أحدا وإنما ذلك إلى أمانة الناس، إلا أن يعلم أن أحدا منعها فيأخذها منه كرها، قال أشهب: ويحسن أدبه إن كان الوالي يقسمها، وإن كان على غير ذلك فلا يعرض له. قال في كتاب ابن القرطي: وإن عُرف بمنعها ولم يظهر له مال سجن، وإن كانوا أهل بلد قوتلوا ولا يقاتلوا في زكاة الفطر. وقال الصديق رضي الله عنه: "لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه".

قال ابن المواز: قال مالك: وإنما يعني بذلك الفريضة التي تحت القلوص نفسه، وعليه العمل. قال ابن المواز: قال مالك: الأمر عندنا أن كل من منع فريضة من فرائض الله عز وجل فلم يستطع المسلمون أخذها منه كان حقا عليهم جهاده حتى يأخذوها منه. م: وإذا أخذت الزكاة منه كرها أجزأته وإن عدمت منه النية، كمن طلق في الحيض وأبى أن يرتجع فإن الإمام يرتجع عليه وتصح الرجعة فلو أخذ ذلك القدر من ماله بعد الحول وفرّق في المساكين لم يجزئه عن الزكاة.

ومن المدونة قلت: فأين ينصبون هؤلاء الذين يأخذون العشر من أهل الذمة والزكاة من تجار المسلمين؟ قال: رأيت مالكا لا يعجبه أن ينصب لهذا المكس أحد، قال: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامل المدينة أن يضع المكس فإنه ليس بالمكس ولكنه بالبخس، قال الله تعالى: (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) ومن أتاك بصدقة فاقبلها ومن لم يأتك بشيء فالله حسيبه والسلام. قال ابن القاسم: ومن تجر من المسلمين من بلد إلى بلد لم تؤخذ منه والزكاة إلا مرة واحدة في السنة بخلاف أهل الذمة في هذا، ومن تجر ومن لم يتجر إنما عليه الزكاة في السنة مرة. فصل 3 - لا يقوم على تجار المسلمين ولا على أهل الذمة قال مالك: ومن خرج من مصر إلى المدينة أو غيرها فلا يقوم عليه ما في يديه ولكن إذا باع أدى زكاته، ولا يقوم على أحد من المسلمين، ولا يقوم أيضا على أهل الذمة ولكن إذا باعوا أخذ منهم العشر.

فصل 3 - في المسلم يقدم بتجارة فيقول: ما معي مضاربة، أو علي دين ومن قدم بتجارة من المسلمين فقال: هذا الذي معي مضاربة أو بضاعة أو علي دين أو لم يحل على ما عندي الحول صدق ولا يحلف. م: وقيل: يحلف، وقيل: عن كان منهما حلف وإلا لم يحلف كذلك فسره ابن مزين. فصل 4: في الذمي يجلب تجارة فيزعم أنها دين عليه قال ابن المواز: قال أشهب: وأما الذمي الذي جلب تجارته فزعم أنها دين عليه فلا يقبل قوله، وليس كالمسلم إلا أن تقوم للذمي بينة أنها دين لمسلم فلا يؤخذ مه شيء، وغن كان دينا لذمي فإنه يؤخذ منه عشرة إن باع ويتحفظ عليه.

الباب الثاني عشر جامع ما جاء في تعشير أهل الذمة

الباب الثاني عشر جامع ما جاء في تعشير أهل الذمة فصل 1 - فيما يؤخذ من الذمي إذا تجر في بلده، وما يؤخذ منه إذا خرج تاجرا إلى بلاد المسلمين قال ابن القاسم: وإذا تجر الذمي من أعلى بلده إلى أسفله ولم يخرج إلى غيره لم يؤخذ منه شيء، ولا تؤخذ منه زكاة عين ولا حرث ولا ماشية. (138/ ب). م: لأن الزكاة تطهير وليس هو بمطهر، ولا يؤخذ منه غلا الجزية التي فرضت عليهم. وإن خرج من بلده إلى غيره من بلاد المسلمين تاجرا ومعه بز أو غيره فلا يؤخذ منه شيء حتى يبيع فيؤخذ منه العشر باع بأقل من مئتي درهم أو بأكثر منها. وقد روي أن عمر بن الخطاب قال لأهل الذمة: "إن تجريم في بلادكم فليس عليكم إلا الجزية وإن خرجتم إلى غيرها أخذ منكم العشر وكان يأخذ منهم بالمدينة نصف العشر كلما قدموا ولا يكتب لهم براءة. قال عبد الوهاب: والأصل في ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم): "ليس على المسلمين عشور إنما

العشور على اليهود والنصارى". وأجمع الصحابة على ذلك؛ لأن عمر رضي الله عنه أخذ من القبط العشر، ومضى عليه الأئمة بعده ولم يختلف عليه أحد. وقال ابن حبيب: لا يعجبني قول ابن القاسم أن لا يؤخذ من الذمي شيء حتى يبيع بل يؤخذ منه عشر ما معه من تجارته ويعقد ذلك عليه الوالي ويكون له شريكا فيما في يديه بعشرة ويحول بينه وبين وطء إمائه ساعة يقدم. وقاله مالك وأصحابه المدنيون، وقد روى مالك أن عمر بن الخطاب كان يأخذ منهم العشر من القطنية ونصف العشر من الحنطة والزيت فقد أخبرك أن عمر كان

يأخذ عشر ***** إلا عشر الثمن إذا باعوا ففي هذا *********. قال: وما قدم به من عين ****** واجب عليه عشرة اشترى به أو لم يشتر قال: وقال ابن القاسم: لا شيء عليه حتى يشتري به فيؤخذ منه عشر ما اشتراه قال: وغذا خرج الذمي بتجارة لأخذ منه عشرها فلم يعجبه البيع فخرج بها إلى بلد آخر من بلاد المسلمين فإنه يؤخذ منه أيضا عشر ***** وبالله التوفيق. فصل 3 - الذمي يؤخذ منه كلما قدم ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو قدم الذمي منه مرة في السنة فإنه يؤخذ منه ولا يكتب لهم براءة إلى الحول كما يكتب للمسلم. وقاله عمر بن الخطاب إلا أنه قال: يؤخذ منهم نصف العشر *******: من الطعام ليكثر حمله إلى المدينة. قال ابن القاسم: فإن لم يبع متاعه ولا ابتاع ورجع به إلى بلده أو إلى بلد غيره فذلك له ولا يؤخذ منه شيء. قال ابن المواز: قال مالك: وكذلك لو قدم بتجارة من غير بلده إلى بلده

[فباعها ببلده، لم يؤخذ منه شيء. ومن «المدونة»: قال مالك ولو قدم بعين فاشترى به سلعة أخذ منه عشر تلك السلعة مكانه. م: ونقلها أبو محمد أخذ منه عشر قيمة تلك السلعة. وقال بعض شيوخنا: إن كانت تلك السلعة تنقسم أخذ منه عشرها، وإن كانت لا تنقسم أخذ منه تسع قيمتها وذلك أن لنا عشر تلك السلعة في عينها، فإذا أعطانا قيمة ذلك العشر صار كأنه اشترى سلعة ثانية منا قلنا أيضاً عشرها، فإذا أعطانا قيمة هذا العشر صار كسلعة ثالثة اشتراها منا، فلنا أيضاً عشرها فهكذا أبداً كلما أعطانا قيمة عشر صار مشتريه منا، فلنا عشره إلى ما لا نهاية له حتى يدق ذلك العشر فلا يعلم مقداره إلا الله تعالى فيؤخذ منه التسع أول مرة وهو الحق الذي لا شك فيه، فأما إذا كانت تنقسم أخذ منه عشرها. قال ابن القاسم: ثم إن باعها بعد ذلك فأقام سنين يبيع ويشتري، ثم أراد المسير إلى بلده، فلا شيء عليه. وكذلك إن قدم بمتاع فباعه وأدى عشر الثمن ثم اشترى بعد ذلك وباع، فلا شيء عليه. ومن «المجموعة»: قال ابن نافع عن مالك: وإذا اتجروا بالخمر وما يحرم علينا تركوا]

حتى يبيعوه فيؤخذ منهم عشر الثمن، وإن خيف من خيانتهم جعل معهم أمين، قال ابن نافع: وذلك إذا حملوه إلى أهل ذمة لا إلى أمصار المسلمين التي لا ذمة فيها. قال ابن شعبان: لا يجوز الوفاء لهم بذلك، ولا النزول بمثل هذا، وتراق الخمر وتعرقب الخنازير. قال بعض المتأخرين: فإن نزلوا على أن يقرروا على ذلك وهم ****** نزولهم قبل أن يبيعوا شيئا وقبل أن تطول إقامتهم ويعرفوا حال المسلمين في بلادهم قيل لهم: إن شئتم فعلنا ذلك وإلا فارجعوا، وإن طال مكثهم فعل ذلك وإن كرهوا. فصل 4 - في الذمي يتحول من بلده الذي ضربت عليه فيه الجزية، ثم يقدم إليه بتجارة. قال ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن كان من أهل ذمة مصر فرحل إلى الشام فأوطنها ثم قدم مصر بتجارة فباع فلا يؤخذ منه شيء؛ لأنها بلده التي صالح عليها، وإن رجع إلى الشام التي أوطن أخذ منه العشر، قال أصبغ: وذلك إذا تركت جزيته لم تحول ولم تؤخذ منه حيث انتقل فإن أخذت منه حيث استوطن ومحي عنه الأول صارت كبلده ولم يؤخذ منها شيء فيها. قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا نزل الذمي ببلدنا واشترى متاعا فأخذ منه العشر ثم استحق ذلك من يديه أو رده بعيب أنه يرجع إلى العشر فيأخذه. ومن المدونة قال مالك: وإذا أكرى ذمي من أهل الشام إبله من الشام إلى المدينة فلا يؤخذ منه عشر الكراء بالمدينة، يريدك وكذلك لو عقد كراءها بالشام إلى المدينة ذاهبا

وراجعا لم يؤخذ منه شيء؛ لأنها سلعة باعها بيده، قال ابن القاسم: وإن إكراها بالمدينة راجعا إلى الشام أخذ منه عشر الكراء بالمدينة. وقال أشهب في المجموعة: لا شيء عليه؛ لأن ذلك غلة. وقال ابن حبيب بضد قول ابن القاسم انه إذا أكرى من الشام إلى المدينة أخذ منه عشر الكراء بالمدينة؛ لأنه بها تم كرازه فهو كعرض قدم به معه فإنه يؤخذ منه عشرة، قال: ولو أكراها راجعا لم يكن عليه شيء كعرض قدم به فأخذ منه عشرة ثم باع بعد ذلك واشترى فإنه لا يؤخذ نه شيء. م: ولو قال: إذا أكراها راجعا إلى بلده لم يكن عليه شيء؛ لأنه إنما تم كراؤه ببلده فهو كعرض قدم به إلى بلده فلا يؤخذ منه شيء لكان قياسا واحدا. م: وقول ابن القاسم أحسن؛ لأنه لو كان مسلما وأكرى إبله بالشام إلى المدينة أو غيرها وانتقد الكراء وبلغ المكنزي غايته ثم حل حول من يوم انتقد الكراء أوجب عليه زكاته إن كان نصابا باتفاق فدل أنه ملك ما انتقد من يوم انتقده، وعلى قياس قول ابن حبيب إنما يكون حوله من يوم بلوغه الغاية *******، لانه بها تم كراؤه، وهذا لا يقوله أحد. م: وقيل في الذمي: يُفض الكراء على قدر مسيرة في ارضه وما بعدها فما سار في بلاده سقط عنه وما سار في غيرها أخذ منه، قال بعض المتأخرين: ويختلف على هذا إذا أسلم في سلعة ليقيضها في غير بلده هل يراعى موضع أو موضع القبض.

فصل 5 - في عبيد أهل الذمة إذا ***** ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا تجر عبيد أهل الذمة أخذ منهم العشر كما يؤخذ من *******. فصل 6 - في ما يؤخذ من أهل الذمة إذا تجروا إلى المدينة أو مكة ******** قال مالك في المجموعة في أهل الذمة يتجرون إلى المدينة أو مكة بالطعام قال: يؤخذ منهم نصف العشر من الحنطة والزيت خفف ذلك عنهم عمر، وإنما خفف عنهم عمر في حملهم الحنطة والزيت إلى المدينة ومكة خاصة وكذلك ما كان بأعراض المدينة من القرى ليكثر حملهم ذلك إليها، فكان يأخذ منهم في القطنية العشر. وفي كتاب ابن سحتون قال ابن نافع عن مالك: يؤخذ منهم من الزيت والطعام العشر تجروا إلى المدينة أو مكة أو غيرها، وإنما أخذ منهم عمر نصف العشر في الحنطة والزيت ليكثر الحمل إلى المدينة ومكة، وقد أغنى الله عز وجل المدينة وغيرها. وقال ابن نافع: لا يؤخذ منهم بهذين البلدين غلا نصف العشر كما فعل عمر وإن استغنوا اليوم عن ذلك، ورواه أيضا عن مالك. فصل 7 - فيما يؤخذ من الحربيين إذا نزلوا عندنا التجارة ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا نزل أهل الحرب بتجارة أخذ منهم اصالحوا عليه في سلعهم ليس في ذلك عشرة ولا غيره.

وقال ابن نافع: وقاله ابن حبيب، وروى علي بن زياد عن مالك: أن عليهم العشر. قال في «المجموعة»: يؤخذ منهم مثل ما يؤخذ من تجار أهل الذمة. وقال أشهب في «المجموعة: إن نزلوا على غير مقاطعة على شيء فلا يزاد عليهم فوق العشر. وروى ذلك أنس بن مالك، وقاله ابن القاسم في «كتاب محمد». وقال فيه أصبغ: إن كانوا معروفين بالنزول قبل ذلك على العشر فلم يقل لهم حتى باعوا فلا يزاد عليهم. وقال ابن القاسم في «المجموعة»: إذا نزلوا على دنانير أو دراهم لم يحل بينهم وبين رقيقهم. قال مالك: وإن كان على العشر حيل بينهم وبين وطء الإماء حتى يبيعوا. وقال ابن حبيب: الوالي شريك معهم في جميع ما معهم حتى يأخذ منهم جزءه الذي صالحهم به، ويعقل عليهم جميع ما معهم، ويحال بينهم وبين وطء إمائهم حتى يقاسمهم ما بأيديهم إن كان مما ينقسم، وإن كان مما لا ينقسم بيع كله وأخذ الوالي جزءه من الثمن وخلى لهم بقيته، إن شاؤوا باعو منا أو رجعوا به. قال مالك في كتاب ابن المواز: وليس للوالي مقاسمتهم رقيقاً ولا غيره حتى يبيعوا. قال فيه وفي «المجموعة»: ولو لم يبيعوا ورجعوا فليؤدوا العشر من ذلك ويقاسموا

ويخرجوا بما بقي لهم ويطئون ويصنعون ما شاءوا فحيث ما نزلوا من بلاد المسلمين فلا يؤخذ منهم شيء؛ لأنه قد أخذ ذلك منه مرة وليسوا كأهل الذمة في هذا. وقال أشهب: إن لهم الرجوع بسلعهم إلى موضع آخر ولا يؤخذ منهم شيء إلا أن يشترط عليهم شرط فيعمل عليه. فصل 8 - إذا نزل أهل الحرب عندنا على أن يقاسمهم الإمام ما بأيديهم قال ابن القاسم: وإذا نزل أهل الحرب على أن يقاسمهم ما بأيديهم فلا يكون لهم أن يطئوا ولا يبيعوا حتى يقاسموا فإذا قوسموا أخذوا ما صار لهم فلهم فيه الوطء والبيع والخروج به حيث شاءوا، وقاله سحنون عن ابن القاسم، وقال عنه: ولو جزأهم عشرة عشرة على أن يختار الإمام من كل عشرة واحدا فلا بأس بذلك. ابن المواز: وقال أصبغ: ولا أرى أن يتركوا يدوروا إلى سواحل الإسلام لبيع ولا لشراء إلا الموضع الذي نزلوه وغن لم يبيعوا؛ لأن ذلك عورة وتفتيش لموضع العورة ولا ينبغي أن ينزلوا إلا بموضع المجتمع وبموضع تؤمن غرتهم فيه ولا يدوروا أزقة موضع نزلوه إلا الأسواق والطرق الواضحة لحوائجهم، غير أن لهم الأمان في

أنفسهم وأموالهم في بلاد الإسلام أجمع حتى يفارقوا دار الإسلام كلها. فصل 9 - في الحربي ينزل بلاد المسلمين ومعه دنانير عين فيشتري بها تجارة أو معه سبائك ذهب فيضربها دنانير ثم يخرج بذلك إلى بلده قال ابن المواز: وإن كان مع الحربي دنانير عين فابتاع بها تجارة ليتجهز بها إلى بلده أو معه سبائك ذهب فضربها دنانير وخرج بها أو غزلا حاجه وخرج به فأما في قول ابن القاسم فإنه يرى في ذلك كله العشر أو ما نزل عليه مثل ما جاء به من تجارة؛ لأنه يرى عليه إن بدا له فيما نزل به من تجارة فأراد ردها العشر بخلاف الذمي عنده، وأما أشهب فيراه كالذمي لا يؤخذ منه شيء فيما وصفته إلا أن يشتري تجارة؛ لأنه لا يرى عليه في تجارته شيئا حتى يبيع. قال ابن المواز: فأما الذمي فلا شيء عليه في الذهب التي ضربها دنانير أو ما حاك من الثياب وإن جلب ذلك من أفق إلى أفق وإن خرج بذلك معه إلى بلده، زاد في موضع آخر: إلا عشر الأجرة التي دفع في الضرب والصياغة والحياكة وهذا في الذمي يدخل غير بلده، وجعل أشهب الحربي مثله.

[وقال ابن القاسم: يؤخذ من الحربي عشر ذلك معمولاً. قال أبو محمد: انظر قوله: «معمولاً». م: وإذا قدم بفضة استأجر على ضربها وكانت ألف درهم ضرب له تسعمائة، وأما من ينظر ما به الأجر يضربها لهم أو يبيع منافعه في ضرب مائة، ولو قدم بثياب فاستأجر على صبغها وهي مائة صبغ له منهت تسعون، فإن لم ينظر في ذلك حتى ضرب الألف وصبغ المائة أخذ منه قيمة ذلك الجزء الذي كان يستحق المسلمون ويعشر أيضاً ذلك العشر، فإن باع أو اشترى بعد ذلك في ذلك البلد بذلك المال لم يؤخذ منه شيء، وإن خرج إلى أفق آخر أخذ منه أيضاً واختلف إذا رجع إلى بلده لتجارة هل يؤخذ منه شيء أم لا؟ فقال مالك: في «المجموعة»: يؤخذ منه. وقال في «مختصر بن عبد الحكم»: لا يؤخذ منه شيء وإن دخل حربي أو ذمي بدنانير فصرفها بدراهم أخذ منه عشر الدراهم، وكذلك بدراهم فصرفها بدنانير. ابن المواز: وأما ما حاكه الذمي ببلده فلا شيء عليه.

[الباب الثالث عشر] جامع ما جاء في الجزية

[الباب الثالث عشر] جامع ما جاء في الجزية قال الله تعالى في الكتابيين: "حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون" وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في المجوس: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب». وقد أخذها صلى الله عليه وسلم من مجوس هجر، وأخذها عثمان من البربر، وقد جرى من هذا في كتاب الجهاد. قال ابن القاسم وغيره: تؤخذ الجزية ممن دان بغير دين الإسلام بدين يقر عليه أهل الكتاب أو غيرهم ومن نصارى العرب، وتؤخذ من نصارى بني تغلب ولا تضاعف عليهم. قلت: أرأيت نصارى بني تغلب أيؤخذ منهم في جزيتهم الصدقة مضاعفة؟]

قال: ما سمعت ذلك ولو كانت تؤخذ منهم كذلك ما جهلناه. قال أبو إسحاق: وإنما أراد أن يسمى ما يؤخذ منهم صدقة ولا يمسى جزية ويضعفون ذلك لتزول عنهم الذلة بصرف اسم الجزية فأنكر ذلك؛ لأن الله تعالى أراد إذلالهم، وقال: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) قال: فألزمهم الصغار والذلة، فلو سميت صدقة صاروا كالمسلمين الذين تؤخذ منهم الصدقة. ابن وهب: وإن عمر بن عبد العزيز قال لنصارى كلب وتغلب: "لا نأخذ منكم الصدقة وعليكم الجزية" فقالوا: أتجعلنا كالعبيد؟ فقال: "لا نأخذ منكم إلا الجزية" فتوفي عمر وهو على ذلك. فصل 3 - في مقدار الجزية ومن كتاب ابن المواز: ولا يزاد في الجزية على ما فرض عمر بن الخطاب أربعة دنانير على أهل الذهب، وأربعون درهما على أهل الورق وإن كثر يسرهم، قال ابن القاسم: ولا ينقص من ذلك.

واحتج مالك بقول عمر بن الخطاب: "وقد فرضت لكم الفرائض وسنت لكم السنن". قال عبد الوهاب: لأن عمر فرضها على هذا المقدار بحضرة الصحابة فلم ينكر عليه أحد بل صوبوا رأيه إلا أن يضعف عنها أحد فيخفف عنه، وكذلك قال أسبغ ومحمد: يخفف عمن لا يقدر، وقد كتب عمر بن عبد العزيز أن يخفف عن جماجمهم فإن احتاجوا فاطرحوها عنهم، فإن احتاجوا فأنفقوا عليهم وأسلفوهم من بيت المال. قال مالك: وتوضع عن أهل الذمة ضيافة ثلاثة أيام التي جعل عليهم عمر؛ لأنه لم يوف لهم بما ينبغي من الذمة. قال سحنون: وقد كان فرض عليهم عمر أرزاق المسلمين من الحنطة مدان على كل نفس في الشهر مع ثلاثة أقساط زيت ممن كان من أهل الشام والجزيرة. وأما أهل مصر فاردب من حنطة كل شهر ولا أدري كم من الودك والعسل وكسوة كان يكسوها عمر للناس وعلى أن يضيفوا من مر بهم من أهل الإسلام ثلاثة أيام.

[وعلى أهل العراق خمسة عشر صاعاً كل شهر على كل رجل وكسوة معروفة لا أعرف قدرها يكسوها عمر للناس. ومن «كتاب ابن القرطي»: فإن منع أهل الذمة الجزية قوتلوا وسبوا ولا تؤخذ من رهبان أهل الذمة [جزية]. قال مطرف وابن الماجشون: وهذا في مبتدأ حملها وأما من ترهب بعد أن ضربت عليه وأخذت منه فإنها لا تزول عنه، وكذلك قال مالك. وأما رهبان الكنائس فلم ينه عن قتلهم ولا توضع الجزية عنهم وهم الشمامسة الذين قال فيهم الصديق: «وستجد قوماً فحصوا عن أوساط رؤوسهم فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف». ومن «المدونة»: قال مالك: ولا جزية على نصراني أعتقه مسلم، ولو جعلت عليه الجزية كان العتق أضر به وقاله علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- والشعبي وقال: ذمته ذمة مولاه. قال ابن القاسم: فإن أعتقه ذمي كان على العبد المعتق الجزية كما يؤخذ من عبيد

النصارى إذا تجروا في بلاد المسلمين العشر. قال أشهب: وبلغني أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال في النصراني: يعتق لا جزية عليه، ولم يفسر من أعتقه. قال في «كتاب محمد»: قلت: لمالك: فإن أعتقه نصراني؟ قال: لا أدري. قال أشهب: وأنا أرى ألا جزية عليه. وقال ابن حبيب: في النصراني يعتقه مسلم: قد اختلف فيه وأحب إلي أن تؤخذ منهم الجزية صغاراً لهم. م: ووجه هذا: فلأنه حر نصراني، فوجب أن تكون عليه الجزية، أصله الذمي، ولا وجه لقول أشهب، والقياس قول ابن القاسم. ومن طريق الأثر عن علي وغيره ولا مخالف له من الصحابة ولأن ذمته ذمة مولاه وقيل: «إن مولى القوم منهم». يريد: في الحرمة، فحرمة كل معتق كحرمة مولاه، وذمته ذمة مولاه. ومن «المدونة»: قال ابن القاسم: وإذا لم تؤخذ من الذمي الجزية سنة حتى أسلم فلا يؤخذ منه شيء، لأن مالكاً قال في أهل حصن هو دنوا ثلاث سنين على أن يعطوا كل سنة شيئاً معلوماً فأعطوهم سنة واحدة ثم أسلموا: إنه يوضع عنهم ما بقي عليهم ولا يؤخذ منهم شيء. قال ابن القاسم: والمال الذي هو دنوا عليه مثل الجزية].

قال: وبلغني أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله أن يضعوا الجزية عمن أسلم من أهل الجزية حتى يسلمون، قال مالك: وهي السنة التي لا اختلف فيها. قال مالك: وإذا أسلم أحد من أهل الصلح سقطت الجزية عنه وعن أرضه وكانت أرضه له. قال: وإن كان من أهل العنوه لم تكن أرضه له ولا ماله ولا داره وسقطت الجزية عنه. ابن وهب: وقاله عمر بن الخطاب، وابن شهاب. م: يريد: ماله الذي اكتسبه قبل الفتح، قال أبو محمد: وأما ما أكتسبه بعد الفتح فأسلم فإنه له، قاله مالك. ابن وهب: وكان ابن عمر، وابن عباس ومالك، وغيره يكرهون بيع أرض العنوه.

[الباب: الرابع عشر] فيمن امتنع من أداء زكاته أو أخرجها قبل وجوبها، أو أكره على ذلك

[الباب: الرابع عشر] فيمن امتنع من أداء زكاته أو أخرجها قبل وجوبها، أو أكره على ذلك. والزكاة فريضة، ومن امتنع من أدائها أخذت منه كرهاً، فإن امتنع وكانت له منعة قوتل، وقد قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "ولو منعوني عقالاً لجادلتهم عليه". قال ابن وهب عن مالك في قول الصديق: "ولو منعوني عقالاً" قال: هو الفريضة من الإبل. ابن وهب: وهو البعير، وقيل: سعاية عام، واحتج لذلك بقول الشاعر: سعى عقالاً لم يترك لنا سيداً ... فكيف أو قد سعى عمرو عقالين وقيل: إنما عنى بالعقال ما يعقل به البعير، وقد يكون هذا من أبي بكر رضي الله عنه على طريق المبالغة.

[م: وهو الذي أراد والله أعلم. قال مالك: فإذا علم الإمام من أحد أنه لا يؤدي الزكاة فليأخذها منه كرهاً. قال أشهب في «المجموعة»: ويحسن أدبه إن كان الوالي يقسمها، وإن كان على غير ذلك فلا يعرض له. قال في «كتاب ابن القرظي»: وإن عرف بمنعها ولم يظهر له مال سجن، وإن كانوا أهل بلد قوتلوا، ولا يقاتلوا في منع زكاة الفطر. قال مالك في «العتبية»: و «الموطأ»: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله في رجل منع زكاة ماله: أن دعه، فندم الرجل وأداها فقبلها منه عمر. ومن «المدونة»: وإذا غلب خوارج على أهل بلد أعواماً فلم يؤدوا زكاة مواشيهم فليأخذهم الإمام العدل إن ظهر عليهم بزكاة ما تقدم للحرث والماشية وغيرها. قال أشهب: إلا أن يقولوا قد أدينا ما قبلنا فلا يأخذهم إلا بزكاة عام ظهوره عليهم، لأنهم متأولون بخلاف الهارب.

وقد وقت الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم للزكاة وقتاً لا يتجاوز عنه وهو الحول في العين والماشية، ويوم الحصاد في الحرث. قال عبد الوهاب: فلا يجوز إخراج زكاة قبل وجوبها [خلافاً] لأبي حنيفة والشافعي، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول». ولأنه تقديم للزكاة قبل وجوبها كما لو قدمها لحولين أو ثلاثة، ولأنها أحد الأركان الخمسة التي بني الإسلام عليها فتقديمها قبل وجوبها لا يسقط الفرض، أصله الصلاة والصوم والحج. قال مالك فيمن عجل زكاته من عين أو حرث أو ماشية قبل وقتها لسنة أو سنتين: لم يجز. قال مالك: في زكاة العين: إلا أن يكون قبل الحول بيسير فلا بأس به، وأحب إلي أن لا يفعل حتى يحول عليه الحول. ابن المواز وقاله أشهب، ورواه عن مالك والليث: أنه إذا أخرجها قبل محلها لم]

تجزه، واحتجا بالصلاة. قال ابن المواز: لا تجزئه إلا ما كان قبل الحول بيوم أو يومين والفضل ألا يفعل. وقال ابن حبيب عن من لقي من أصحاب مالك: لا تجزئه إلا فيما قرب مثل خمسة أيام أو عشرة. وقال عيسى عن ابن القاسم: لا أحب له أم يفعل إلا بأمر قريب وأرى الشهر قريبا على تزحيف وكره. م: والقياس رواية أشهب أنه لا يجزي قبل محلها كالصلاة، وما عداه استحسان. ومن المدونة: قال: وأو عجل زكاة الماشية لعامين لم تجزه وأخذه المصدق بزكاة ما يجد عنده، وإذا أداها قبل أن يتقارب لم تجزه كمن صلى قبل الوقت فلا تجزئه. ابن وهب ابن المواز: قال ابن وهب عن مالك: وإن أخذها منه الساعي قبل محلها جبراً لم تجزه، وقال ابن القاسم: إن أخذه بزكاة زرعه بعد ما يبس أو بزكاة غنمه أو ماله قبل محله فإن كان بقرب محلها أجزأه، والزرع أبينه.

ومن المدونة قال مالك: وإن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين. ابن وهب: وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تخرج زكاة الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى.

[الباب الخامس عشر] [في دفع الزكاة إلى الإمام العدل وغير العدل

[الباب الخامس عشر] [في دفع الزكاة إلى الإمام العدل وغير العدل قال مالك: وإذا كان الإمام يعدل لم يسع أحد أن يفرق زكاة ماله الناض ولا غيره، وليدفع الزكاة إلى الإمام. ابن المواز: قال أشهب: وذلك إذا كان الإمام عدلاً يقسمها على العدل بغير تفريط ولا ضيعة ولا يحبسها عن أهلها ولم يحدث فيها شيئاً. قال غيره: قبل القسم، وإن كان غير ما شرطت لك فلا تدفعها إليه إن خفي لك ذلك. وإن دفعها إلى غير العدل، وهو يقدر أن يخفيها عنه فلا تجزئه وليخرجها ثانية إلا أن يأخذها منه كرهاً فعسى أن تجزئه، وأحب إلي أن يعيد احتياطاً، ولا أرى له على هذا القول أن ينتظره في حرث ولا ماشية، وليس عليه بواجب أن يأخذ به وأرجو أن يكون في سعة إن شاء الله. قال مالك وابن القاسم: وإن طلب بها فقال: أخرجتها، فإن كان الإمام عدلاً مثل عمر بن عبد العزيز فلا يقبل منه، وقال أشهب: يقبل منه إن كان صالحاً، وإن كان متهماً بمنع الزكاة فلا يقبل منه، وإن كان الإمام غير عدل فليصدقه ولا أراه بفاعل. ومن «المدونة»: قال مالك: وأما زكاة الماشية وما أنبتت الأرض فإن الإمام يبعث في ذلك. قال ابن المواز: وإنما يبعث الإمام في المواشي والحبوب لتعذر الحمل، لئلا يشق على أهلها حمل ذلك وجلبه فيكلفوا ما ليس عليهم فيظلمون. قال مالك: إلا أن يكونوا ممن لا ترد عليهم السعاة لبعدهم فعليهم أن يجلبوا ما عليهم إلى المدينة،

وإن كانوا ضعافاً أو يصطلحوا على قيمتها، ولم ير بأخذ القيمة في مثل هذا بأساً. قال عنه أشهب: فإن اختلفوا في القيمة سئل أهل الصلاح كيف كان العمل عندهم [فيه] فيعمل عليه. ومن «المدونة»: قال ابن القاسم: وإذا غلب خوارج على بلد أعواماً فأخذوا من الناس الزكاة والجزية ثم قوتلوا، لم يؤخذ ذلك من الناس ثانية وأجزأ ما أخذوا، وقاله أبو سعيد الخدري، وسعد بن مالك، وأبو هريرة، وابن عمر وغيرهم. قال في «كتاب ابن المواز»: وكذلك قوم غلبوا على البلاد وأخذوا الزكاة ثم غلبهم السلطان وأخرجهم منها، فلا يأخذ من الناس الزكاة ثانية، وهم مثل الخوارج وقد رأيت].

مالكاً يقرب بعضهم إذا أخذوها عند محلها، وقد كان ابن عمر يدفع زكاة ماله إلى من غلب على المدينة عن أمراء الفتنة، وأحب إلينا أن يدفع إليهم أن استطاع ويخرج ذلك إلى من فرضها الله دون أهل الجور والخلاف.

[الباب: السادس عشر] فيمن حلت زكاته وهو مسافر وإخراج الزكاة من بلد إلى بلد

[الباب: السادس عشر] فيمن حلت زكاته وهو مسافر وإخراج الزكاة من بلد إلى بلد: قال مالك: ومن سافر بتجارة وهو مدير وله ناض ببلده فحال عليه الحول وهو في سفره ببلد آخر فليزك عما معه وعما خلف ببلده، / وكذلك إن خلف ماله كله ببلده إلا أن يخاف الحاجة ولا قوت معه فليؤخر ذلك حتى يقدم بلده، فإن وجد من يسلفه زكاته حيث هو فليتسلف ويخرج زكاته أحب إلي، وقد كان يقول يقسم في بلاده. وقال أشهب: إذا كان ماله ببلده وكان يقسم في بلاده عاجلاً عند حولها وشبه ذلك فلا يقسمها في سفره، وتأخير ذلك إلى بلده أفضل إلا أن يكون بموضع هو به في سفره حاجة ملحة ونازلة شديدة فليزك هناك أحب إلي إذا كان يجد ذلك، إلا أن يخاف أن يؤدى عنه ببلده فليس ذلك عليه.

[وقال بعض المتأخرين: وهذا إذا كان سفره مما يعود منه قبل وجوب الزكاة فعاقه عن ذلك أمر، وإن كان سفره مما يعلم أنه لا يعود منه حتى يحول عليه الحول فعليه أن يوكل من يخرج عنه عند حوله، فأما إن لم يفعل ذلك كان متعدياً وتصير الزكاة في ذمته، وإذا صارت في ذمته وجب عليه أن يخرجها الآن، وإن كان محتاجاً على أحد قولي مالك أن المراعاة موضع المالك، وكذلك على القول بجواز نقلها، وأما على قول سحنون فيؤخر حتى يصل إلى بلده. فصل قال مالك: والعمل في الصدقة أن لا تخرج من موضع وجبت فيه، كانت عين أو حرث أو ماشية إلا أن تفضل عنهم فضلة فتجعل في أقرب البلدان إليهم، وإن بلغه عن بعض أهل البلدان أن سنة وحاجة نزلت بهم فنقل ذلك إليهم جل تلك الصدقة، رأيت ذلك صواباً؛ لأن المسلمين أسوة فيما بينهم إذا نزلت الحاجة. ولو بلغ رجل من [غير] أهل المدينة عن أهل المدينة حاجة فبعث إليهم من زكاة ماله كان ذلك صواباً. قال ابن القاسم في غير «المدونة»: وإذا نقل الإمام زكاة بلد إلى بلد أخرى فلا يتكارى عليه من الفيء، وليبع ذلك ويشتري مثله بالموضع الذي يريد قسمته فيه. وقال في موضع آخر: عن مالك: أنه يتكارى عليه من الفيء ولا يبيعه. قال ابن حبيب في مثل هذا: أو يعطى أجر حملها منها لا على من أخذت منه. قال سحنون: ومن أخرج زكاته إلى غير قريته وبقريته فقراء لم تجزئه. قال أبو بكر بن اللباد: هذا استحسان وهي تجزئه، وفي باب قسم الزكاة إيعاب هذا.

[الباب السابع عشر] جامع ما جاء في زكاة المعادن

وقال ابن الماجشون في «ثمانية أبي زيد»: يقسم في الموضع الذي أخذت منه الزكاة سهم الفقراء والمساكين، وأما الستة الأسهم فتقسم بأمر الإمام في أمهات البلاد التي فيها الأئمة. قال بعض المتأخرين: القياس إذا كانوا فقراء بين الأغنياء أن لا تنقل عنهم زكاتهم فيكلفوا أن يطلبوا زكاة قوم آخرين في بلاد أخرى، أو يقيموا على خصاصة أو يكلف من هو بينهم من الأغنياء مواساتهم. في زكاة المعادن [الباب السابع عشر] جامع ما جاء في زكاة المعادن وقد أقطع النبي صلى الله عليه وسلم لبلال بن الحارث معادن القبلية. قال ربيعة: فما يؤخذ منها إلى اليوم إلا الزكاة. قال مالك وأشهب: ولما كان ما يخرج من المعدن يعتمل كما يعتمل الزرع وينبت كنباته كان مثله في تعجيل زكاته، كما قال الله سبحانه في الزرع: (وآتوا حقه يوم حصاده) وأخذ منه حينئذ ربع العشر؛ لأنها زكاة الذهب والفضة].

قال ابن القاسم: ولا زكاة فيما يخرج من المعدن من ذهب أو فضة حتى يبلغ وزن ذلك عشرين ديناراً من الذهب أو مائتي درهم من الفضة، مثل الزرع لا يؤخذ منه شيء حتى يبلغ خمسة أوسق فيأخذ منه فما زاد فبحسابه فكذلك المعدن، ثم كلما اتصل بعد ذلك خروجه مما قل أو كثر أخذ منه ربع عشره. [فصل 3 - هل تضم القائمة التي حال حولها لها يكمل بها نصاباً من المعدن؟] قال عبد الوهاب: وإن خرج منه دون النصاب، وعنده مال حل حوله إذا ضمه إلى ما يخرج من المعدن كان نصابا فليزك الجميع ما كان بيده وما خرج من المعدن؛ لأن شرط وجوب الزكاة قد وجد فيهما فوجب ضمهما، ثم يزكي ما يخرج بعد ذلك من قليل أو كثير. م: وهذا خلاف للمدونة، ودليلنا: أنه يلزم على هذا أن لو خرج له من المعدن عشرة دنانير ثم انقطع ذلك النيل وابتدأ آخر فخرج له منه عشرة أخرى والعشرة الأولى بيده أن يضيف ذلك ويزكى؛ لأنه يقول: لو كان له عشرة دنانير حل حولها لأضافها إلى هذه التي خرجت له أخيراً وزكى، فإضافتها إلى المعدنية الأولى أولى وهذا خلاف لقول مالك.

[فصل 3 - في الواجب في الندرة] ومن المدونة قبل مالك: إلا أن يتقطع ذلك النيل ويأتتف نيلاً آخر فيكون كابتدائه، وهذا كله فيما يتكلف بعمل، فأما الندرة وهي ما يندر من ذهب أو فضة أو الذهب يوجد فيه نابتاً فما لم يكن فيه كبير عمل أو نيل بعمل يسير ففيه الخمس، وما نيل من ذلك يتكلف ومؤنه ففيه الزكاة. أشهب: وكذلك فعل عمر بن عبد العزيز، وقاله أبو الزناد. ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون عن ابن نافع عن مالك في الندرة تخرج من المعدن ليس فيها إلا الزكاة، وإنما الخمس في الركاز وهو دفن الجاهلية، وبه آخذ سحنون. م: وهذا هو القياس، لأنه مال معدن نصابا لم يتملك/ قبل ذلك فوجب أن

[تكون فيه الزكاة بخلاف الركاز. ووجه الأولى: أنه لم يكن فيه كلفة كالمال الموضوع، فأشبه الركاز، وظاهر هذا القول أنه يؤخذ منه الخمس، وإن كان أقل من عشرين ديناراً كالركاز. ولو قال قائل: لا يكون ندره ولا يؤخذ منه الخمس حتى يكون نصاباً لم أعبه لأنه مال معدن، وقد قال: ليس في المعدن زكاة حتى يبلغ عشرين ديناراً، فهو على عمومه، يكون وجه هذا: أنه ثقل فيما يؤخذ منه لقلة مؤنته، فجعل فيه الخمس زكاة ذهب الركاز، وفيما ينل بمؤنة وتعب جعل زكاة الذهب غير الركاز ربع العشر كما فعل فيما يسقى من الزرع بالسواني نصف العشر لمؤنته وفيما يسقى سيحاً أو بعلاً العشر لخفة مؤنته، ثم لا يوجد من ذلك شيء في الوجهين حتى يكون نصاباً، فكذلك هذا، والله أعلم. قال سحنون: وإذا أصاب في نيل المعدن مائة درهم ثم انقطع وابتدأ العمل فأخرج مائة أخرى، فلا يضم ذلك بعضه إلى بعض كزرع ائتنفه بعد حصاده الأول. قال: ولو].

أن له أربع معادن أو أقطعها لم يضم ما يصيب في كل واحد منها إلى باقيها ولا يزكى إلا عن مائتي درهم فأكثر من كل معدن، وكل معدن كسنة مؤتنفه في الزرع، وليس كزرع في مواضع يضم بعضه إلى بعض إذا زرع في عام واحد. وقال محمد بن مسلمة: يضم بعضها إلى بعض ويزكى الجميع كالزرع. م: وهذا أقيس. [فصل 5 - هل يشترط في زكاة المعدن ما يشترط في الزكاة من حرية المالك له وإسلامه؟] ومن الواضحة: قال ابن الماجشون: والشركاء في المعدن كالواحد، والعبد كالحر، والذمي كالمسلم، وذو الدين كمن لا دين له، كالركاز يجده من ذكرنا، وكذلك ذكر عنه سحنون. وقال سحنون: لا زكاة فيه إلا على حر مسلم كحكم الزكاة، وقاله المغيرة. قال سحنون: والشريكان فيه كشريكي الزرع.

[فصل 6 - الدين لا يسقط زكاة المعدن، ومصارف زكاة المعدن في مصارف الزكاة] ومن المدونة قال مالك: ولا يسقط الدين زكاة المعدن كالزرع. قال ابن القاسم: ويفرق زكاته على الفقراء كالزكاة لا كالفيء. [فصل 7 - المعدن حكمه للإمام إلا ما ظهر منه في أرض الصلح فهو لأهل الصلح] قال مالك: وللإمام إقطاع المعادن لمن رأى ويقبض زكاتها، وكذلك ما ظهر من المعادن في أرض العرب أو أرض البربر فالإمام يليها ويقطعها لمن رأى ويأخذ زكاتها، وكذلك ما ظهر منها بأرض العنوه فهو للإمام؛ لأن الأرض ليست للذين أخذوها عنوة. وأما ما ظهر منها في أرض الصلح فهو لأهل الصلح، لهم أن يمنعوا الناس أن يعملوا فيها أو يأذنوا لهم دون الإمام. قال ابن القاسم في المستخرجة: فأما إن أسلم الصلحي فإنه يرجع أمر المعدن الذي ظهر في أرضه إلى الإمام. قال أبو محمد: وفي كتاب ابن المواز وأحسبه لمالك أنه إن أسلم أهل الصلح فأرضهم وما ظهر لهم فيها من معدن لهم دون السلطان، وكذلك ما كان لهم فيها من معدن قديم. قال ابن المواز: وإذا أسلم أهل الصلح فلابد من الزكاة في معادنهم، وكذلك من عاملهم فيها من مسلم قبل إسلامهم فعليه الزكاة كما لو زرع في أرضهم بكراء.

[فصل 8 - في موضع المعدن] ومن الواضحة قال: والمعادن على وجهين: فمعادن في فيافى أرض العرب، وأرض العنوه، وأرض الصلح، فذلك للسلطان يأذن فيها لمن يشاء ويقطعها لمن أحب ما عاش أو إلى وقت بوقته ويأخذ منها الزكاة، وللذي أقطعت له معاملة الناس فيها على ما يحل من غير بيع، وللإمام أن يحولها من رجل إلى رجل ولا يجوز له أن يقطعها عطية تمليك للأبد، كما لا تقطع أرض العنوه تمليكاً لكن قطيعة إمتاع والأرض للمسلمين فهذا وجه، والوجه الآخر: ما ظهر منها في الأرض التي صارت ملكا للناس من جبالهم وأرضهم المعتمرة فلا حكم للإمام في هذه، ولا يزيل ملك ربها عنها ظهور المعدن فيها كانت أرض صلح أو عنوة أو من أرض العرب، وهي لمن ظهرت في أرضه، له أن يعامل الناس فيها على ما يجوز وفيها الزكاة، وهذا تفسير من لقيت من أصحاب مالك. أبو محمد: انظر قوله: عنوة أراه فيما مدن من المدائن وأحيي من الموات. وقال ابن نافع وسحنون: إنما ينظر الإمام في الفيافي التي كالأموات، وأما من ظهر له / له في أرض يملكها أو في خطته معدن فهو له، وليس للإمام عليه سبيل. قال ابن نافع: وما ظهر منها في أرض الصلح فهو لأهل الصلح، ومعادن القبلية لم تكن خطة لأحد، وإنما كانت بفلاة. وقال يحيي عن ابن القاسم في العتبية: ما ظهر من معدن في أرض رجل خاصة،

أو أرض ذمي من أهل العنوه أو أرض موات فالأمر في ذلك كله إلى الإمام إلا ما ظهر منها في أرض الصلح فهي لأهل الصلح يوفى لهم بعهدهم. م: وتلخيص هذا الاختلاف: أن المعادن على ثلاثة أقسام: ما ظهر منها في أرض العرب أو البربر أو العنوه فالإمام يليها ويقطعها لمن رأى، ولا خلاف في ذلك، وما ظهر منها في أرض الصلح، فقيل: الأمر فيه لأهل الصلح، وقيل للإمام، وما ظهر منها في أرض رجل، فقيل أمره للرجل، وقيل أمره للإمام. [فصل 9 - معادن غير الذهب والفضة لا زكاة فيها ولا خمس] ومن المدونة قال مالك: وأما معادن النحاس والرصاص والزرنيخ والحديد وشبه ذلك فلا زكاة فيها. قال أشهب: وقد أخطأ من جعل في ذلك زكاة أو خمساً لأنه ليس بركاز.

[الباب: الثامن عشر] جامع القول في الركاز

[الباب: الثامن عشر] جامع القول في الركاز [فصل 1 - الواجب في الركاز، ودليله] قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وفي الركاز الخمس" فعم، فوجب على واجده خمسه وإن كان قليلا لعموم الحديث؛ ولأنه مال الكفار فكان فيه الخمس كالغنائم. قال مالك: وما وجد في أرض العرب كأرض اليمن والحجاز وفيافي الأرض من ركاز ذهب أو فضة فهو لمن وجده وعليه فيه الخمس بخلاف ما وجد في أرض الصلح أو العنوه وسواء كان قليلا أو كثيرا وإن نقص عن مائتي درهم، أصابه غني أو فقير، أو مديان، ولا يسع الفقير أن يذهب بجميعه لموضع فقره. قال ابن المواز: وكذلك إن أصابه ذمي فعليه فيه الخمس، ووقع في كتاب محمد أن العبيد إذا اجتمعوا فغنموا أو النصارى فلا يخمس ما وجدوا.

قال سحنون: قال ابن نافع: أصيب في بلد عنوة أو صلح أو أرض العرب، أصابه حر أو عبد أو امرأة، فهو لمن وجده، وعليه الخمس. قال عيلي عن مالك: من وجد ركازاً في موضع اشتراه أو في منزل غيره فهو لر المنزل دون من أصابه، وقال ابن نافع: بل هو لمن وجده وعليه فيه الخمس. قال ابن حبيب: الركاز دفن الجاهلية خاصة، والكنز يقع على دفن الجاهلية ودفن الإسلام، فدفن الإسلام فيه التعريف، قال عبد الوهاب: كما يعرف باللقطة عاما ثم يتصرف فيه إن اختار بشرط الضمان لصاحبه. قال ابن الحبيب: وفي دفن الجاهلية الخمس، وباقية لمن وجده، كان في أرض العرب أو أرض عنوه أو صلح، قاله مطرف، وابن الماجشون، وابن نافع، وأصبغ، ورواه ابن وهب عن علي بن أبي طالب، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول، والليث، وفرق ابن القاسم فيه بين أرض العرب وأرض الصلح والعنوه ببلاغ عن مالك، واحتج بالسفطين اللذين ردهما عمر وذلك شيء يسير، قال في العتيبة: وليس ذلك بركاز. [فصل 3 - في صفة الركاز، والفرق بينه وبين المعدن] ومن المدونة قال مال: وما نيل من دفن الجاهلية بعمل أو بغير عمل فهو

سواء، وقال أيضا في موضع آخر: سمعت أهل العلم يقولون في الركاز إنما هو دفن الجاهلية ما لم يطلب بمال أو يتكلف فيه كبير عمل، فأما ما طلب بمال أو تكلف فيه كبير عمل فأصيب مرة وأخطئ مرة فليس بركاز وهو الأمر عندنا. م: يريد بقوله في الذي يصاب مرة ويخطأ مرة هو المعدن لا دفن الجاهلية، وإنما أراد أن يبين صورة الركاز وصورة المعدن كذلك فسره بعض العلماء. [فصل 3 - في الركاز يوجد في أرض الصلح أو في أرض العنوه أو في بلد الحرب] وفي المدونة قال مالك: وما وجد من ركاز بأرض الصلح فهو للذين صالحوا على أرضهم ولا يخمس ولا يؤخذ منهم شيء، قال سحنون: ويكون لأهل تلك القرية دون الإقليم، قال مالك: وإن وجد في دار أحدهم فهو لجميعهم إلا أن يجده رب الدار وهو من أهل الصلح فهو له إلا أن يكون رب الدار ليس من أهل الصلح فيكون ذلك لأهل الصلح دونه. قال ابن المواز عن ابن القاسم: إن وجده رجل في أرض الصلح في دار صلحي فهو لرب الدار ولا خمس عليه فيه. قال أبو إسحاق: وهذا يؤيد قول مالك: أن من ملك ظاهر الأرض ملك ما في داخلها من ركاز ومعدن وكذلك من أشتراها. وقد اختلف أصحابنها فيمن اشترى أرضاً فوجد فيها عمراً أو صخراً من الأولين

فهو على ما ذكرناه وبالله التوفيق. ومن المدونة: قال: وما أصيب في أرض العنوه من ركاز فهو لجميع من افتتحها، وليس هو لمن وجده دونهم وفيه الخمس ويقسم خمسة في مواضع الخمس، قال ابن القاسم: وهو بين؛ /لأن ما في داخلها بمنزلة ما في خارجها فهو لجميع أهل تلك البلاد ويخمس، وقد قال عمر بن الخطاب في السفطين الذين وجدوا في كنز النخيرجان حين قدم بهما عليه فأراد أن يقسمهما بالمدينة فرأى عمر أن الملائكة تدفع في صدره عنهما في المنام فقال: ما أرى هذا يصلح فردهما إلى الجيش الذين أصابوه وأمر أن يباعا ويعطيا للمقاتلة والعيال، وقد كان ذانك السفطين كنزاً دل عليه بعدما فتحت البلاد وسكن الناس واتخذوا الأهلين. قال مالك: ومن وجد ببلد الحرب ركازاً فهو لجميع الجيش الذين معه لأنه إنما نال ذلك بهم، قال في كتاب ابن المواز: ويخمس ويكون خمسة من سائر خمس غنائمهم. وبالله التوفيق. قال فيه أشهب: إن وجد كنز في أرض الصلح فكان الكنز مما يجوز أن يكون لهم فإنه يعرف به، وإن كان مما لا يجوز أن يكون لهم ولا لمن يرثوه عنهم وهو لقوم لا ذمة لهم لمن وجده ويخمس، قال: وإن كانت أرض عنوة فكان مما يجوز أن يكون لهم فهو للذين افتتحوا البلاد إلا الخمس فهو فيء وإن لم يعرف القوم فهو للمسلمين عامة وخمسه

في، قال سحنون: يسلك بأربعة أخماسه مسلك اللقطة فيتصدق بها على مساكين تلك البلدة إن كانوت من بقايا الذين افتتحوها، وإن كانوا ابتنوا غيرها رأى فيها الإمام رأيه. قال أشهب: وإن كان الكنز مما لا يكون لأهل هذه العنوه ولا لورثتهم فهو لمن وجده وفيه الخمس. م: فالركاز على مذهب ابن القاسم على أربعة أقسام: ما وجد منه في أرض العرب وفيافى الأرض فهو لمن وجده وفيه الخمس، وما وجد بأرض الصلح فهو للذين صالحوا على أرضهم ولا يخمس وما وجد العنوة فهو لجميع من افتتحها وفيه الخمس، وما وجد بأرض الحرب فهو لجميع الجيش وفيه الخمس. وابن نافع يرى أنه في جميع ذلك لمن وجده وفيه الخمس. ومن المدونة قال ابن القاسم: وما أصيب في دفن الجاهلية من الجوهر والزبرجد والحديد والرصاص والنحاس واللؤلؤ والياقوت وجميع الجوهر فقد قال مالك مرة فيه الخمس ثم قال: لا خمس فيه، ثم قال آخر ما فارقناه أن فيه الخمس، وبه أقول، ولم يختلف قوله قط فيها أصيب من ذهب أو فضة أنه ركاز وفيه الخمس. ابن المواز: قال أشهب: لا أكره حفرها ونبشهم منها وسلبهم ما فيها من مال أو حرز أو ثوب وفيه الخمس، وليس حرمتهم موتى بأعظم منها وهم أحياء، وهو مأجور في فعل ذلك بالأحياء منهم، قال سحنون: قال ابن القاسم عن مالك وليس بضيق إن فعله

أحد ولكني أكرهه. م: واختلف في وجه كراهية مالك لذلك فذكر عن أبي محمد انه قال: إنما كره الطلب في القبور الجاهلية وحفرها خوفاً أن يصادف قبر نبي أو رجل صالح، وحكي عن أبي القابسي أنه قال: إنما كره ذلك الحديث الذي جاء: ((لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا وأنتم باكون فان لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم))، فلا ينبغي أن يدخل عليهم إلا للاعتبار والبكاء، وأما لطلب الدنيا واللهو فلا. م: وهذا أحسن.

[الباب: التاسع عشر] في زكاة الجوهر والعنبر واللؤلؤ وزكاة الخضر والفواكه

[الباب: التاسع عشر] في زكاة الجوهر والعنبر واللؤلؤ وزكاة الخضر والفواكه روي أن ابن عباس قال: ((لا زكاة في العنبر إنما هو شيء دسره البحر. قال ابن القاسم: وليس في الجوهر، واللؤلؤ، والعنبر زكاة، قال: ومن حال الحول على الفلوس عنده قيمتها مئتا درهم فلا زكاة عليه فيها، وهذا مما لا اختلاف فيه، إلا أن يكون مديراً فيقومها كالعرض، قال / وسالت مالكاً: هل تباع الفلوس بالدنانير والدراهم نظره، أو يباع فلس بفلسين؟ فقال: أكره ذلك وليس بمنزله الذهب والورق في الكراهة. فصل] في زكاة الخضر والفواكه [ روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس في الخضر زكاة))،وقاله عمر بن الخطاب وعلي وغيرهما.

قال أبو محمد: ولم يأت أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء أخذوا من الخضر زكاة واتصل العمل بذلك فكانت الفواكه مثلها إذ ليس ذلك من أصل المعايش المقتاتة، وهذا قول مالك وأصحابه ومن اتبعهم إلا ابن حبيب فانه قال في الثمار التي لها أصول في الزكاة مدخره أو غير مدخره. ومن المدونة قال مالك: وليس في الخضر كلها والبقل والقضب والفرط والقصيل والبطيخ والقتاء وما أشبه ذلك زكاة ولا في أثمان ذلك حتى يحول عليه الحول من يوم تقبض. قال مالك: وكذلك التفاح، والرمان والسفرجل، قال في موضع آخر: ولا في الجوز، واللوز، والتين، وما يبس ويدخر من الفواكه زكاة إلا في

العنب، والتمر، والزيتون، والحب، والقطنية، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً فاخذ من الحتطة والشعير والتمر والزبيب ولم يأخذ من الخضر. قال ابن وهب: وقال علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو ابن العاص وغير واحد من العلماء ومالك والليث ليس في التوابل والزعفران والكرسف والعصفر زكاة.

[الباب: العشرون] جامع ما جاء في قسم الزكاة

[الباب: العشرون] جامع ما جاء في قسم الزكاة قال الله تبارك وتعالي: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} فعلمنها مواضيعها، ولو كان ذلك قسمه مجزأة لكان للعامل عليها الثمن ولم يرجع سهم المؤلفة لانقطاعهم، علي بقيه الأصناف، ولا خلاف في ذلك. ] فصل 1 - الصف الأول والثاني: الفقير والمسكين [ ومن المجموعة روي علي بن زياد عن مالك قال: الفقير والمسكين المذكران في الصدقة مفترقان. وقال عنه المغيرة: الفقير: الذي يحرم الرزق، والمسكين الذي لا يجد غني يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسال الناس. قال ابن حبيب: سمعت محمد بن سلام يقول: الذي له علقة من

مال والمسكين الذي لا شئ له. م: وكذلك قال عبد الوهاب، قال: وقال الشافعي بضد ذلك. قال: وإنما قلنا أن المسكين أحوج؛ لأن الإسمين مأخوذان من العدم إلا أن المسكنة عبارة عما زاد علي ذلك من شدة الحاجة التي كسبته الخضوع والاستكانة، ويوضح ذلك قوله تعالى: {أوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} يريد: أن الحاجة بلغت به الى أن لصق بالتراب من غير حائل، وما يذكرونه من قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} يقابل بما وجد من تسمية الواجد لليسير أنه فقير وهو قول الشاعر: أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سبد قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وأحب الأصناف الى أن يجعل فيه الزكاة وأرجأ للأجر في الفقراء والمساكين إلا أن يكون عدو قد أطل فالغزو بها أفضل

[فصل 3 - الصنف الثالث: العامل على الزكاة] وإذا كان العامل مدياناً فلا يأخذ منها لأنه غارم إلا أن يعطيه السلطان بالإجتهاد. ومن كتاب ابن المواز قال: ولا ينبغي للعامل على الصدقة أن يأكل منها ولا يستنفق إذا كان الإمام غير عدل، وإن كان عدلاً فلا بأس بذلك، وإنما يفرض للعامل عليها بقدر شخوصه وعنائه. ولا يعطي من صدقة الفطر من يحرمها وليعط من غيرها. قال ابن القاسم: ولا يستعمل على الصدقة عبد ولا نصراني فإن فات ذلك أخذ منهما ما أخذاه وأعطيا من غير الصدقة بقدر عنائهما. محمد: من حيث يعطي العمال والولاة وذلك من الفيء. وكره مالك أن يرزق القضاة والعمال من الزكاة إلا العامل عليها وحده. [فصل 3 - قسم الزكاة إنما يكون على وجه الاجتهاد من الإمام] ومن المدونة قال مالك: وإنما تقسم الزكاة على الاجتهاد في الأصناف ويؤثر الأحوج.

قال مالك: ومن لم يجد إلا صنفاً واحداً ممن ذكر الله في كتابه أجزاه أن يجعل زكاته فيهم، وقاله علي، وابن عباس. قال عبد الوهاب: ولأنه لما لم يتعين عليه فرض/ جميع الصنف الواحد بل جاز [143/ب] أن يقتصر منه الواحد والاثنين والثلاثة فكذلك لا يتعين عليه فرض جميع الأصناف. قال مالك: وإن وجد الأصناف كلها آثر أهل الحاجة منهم وليس في ذلك قسم مسمى. [فصل 4 - الصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم] قال الشعبي: لم يبق من المؤلفة قلوبهم أحد إنما كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استخلف أبو بكر انقطعت الرشا. قال ابن أبي زمنين: يعني بالرشا ما كانوا يعطون، فأول من قطع ذلك عنهم عمر بن الخطاب. قال ابن حبيب: المؤلفة قلوبهم: رجال كان لهم شرف في الجاهلية ومبتدأ

الإسلام بعضهم من قريش وبعضهم من العرب كان النبي صلى الله عليه وسلم يستأنف الرجل منهم بكثرة العطاء من الفيء ليرغب بذلك في الإسلام فيسلم من وارءه من قومه بإسلامه ثم جعل الله تعالى لهم سهماً في الزكاة أيضاً فلم يزل جارياً عليهم حتى ولي عمر وكثر المسلمون فقطعه عنهم عمر، وكلمه في ذلك أبو سفيان بن حرب وكان منهم فقال لهم عمر رضي الله عنه: فقد أغنى الله عنك وعن أصحابك وأعز الإسلام وأهله فلا حق لك في صدقات المسلمين، وأنت تعد فيهم كرجل منهم. قال عبد الوهاب: المؤلفة قلوبهم: قوم كانوا في صدر الإسلام يظهرون فيدفع إليهم شيء من الصدقة لينكف غيرهم بإنكفافهم. وقال بعض أصحابنا: هم قوم مسلمون يرى الإمام أن يستألفهم ليقوى الإسلامفي قلوبهم ويتألفوا في النصيحة للمسلمين. والأول أصح، وقد سقطت الحاجة اليهم في هذا الوقت، فإن دعت حاجة اليهم في بعض الأوقات جاز أن يرد سهمهم.

[فصل 5 - الصنف الخامس: الرقاب] وقوله: في الرقاب: هي الرقبة يشتريها الإمام فيعتقها من الزكاة وولاؤها للمسلمين. [فصل 6 - الصنف السادس: الغارم] والغارمون هم: الذين أدانوا في غير سفه ولا فساد ولا يجدون وفاء ولا قضاء، أو يكون معهم أموال بإزاء ديونهم، فإن لم يكن معهم أموال فهم فقراء غارمون فيعطون بالوصفين. [فصل 7 - الصنف السابع: سبيل الله] وفي سبيل الله: الغزو والجهاد، يدفع من الصدقة الى المجاهدين ما ينفقونه في غزوهم أغنياء كانوا أو فقراء. ويشتري الإمام من بعض الصدقة خيلاً أو سلاحاً وينقده لم يغزوا به. وحكي عن ابن حنبل أن في سبيل الله يعني: الحجاج.

ودليلنا: أن كل موضع ذكر في سبيل الله فالمراد به الغزو والجهاد فكذلك هذا هنا. [فصل 8 - الصنف الثامن: ابن السبيل] وابن السبيل: الغريب المنقطع يدفع اليه قدر كفايته وإن كان غنياً ببلده ولا يلزمه ردها إذا صدر الى بلده. ومن المدونة قال مالك: ومن له دار وخادم لا فضل في ثمنها عن سواهما أعطى الزكاة، فإن كان فيهما فضل عن سواهما لم يعط منها شيء. قال المغيرة: إن كان يفضل من الثمن عشرون ديناراً لم يعط وإلا أعطي على

الاجتهاد ثم لا يبلغ ما يعطي مع ما يفضل له ما يجب فيه الزكاة. قال عروة بن الزبير: لا بأس أن يعطي الواحد من عشرة دراهم الى مئة درهم، وقال ابن حبيب، قال: وذلك بقدر تعففه وحاجته، ويعطي من الطعام المدين وأكثر. ومن المدونة: وقال عمر بن عبد العزيز: لا بأس أن يعطي منها من له الدار والخادم والفرس. قال مالك: ويعطي منها من له أربعون درهماً إن كان أهلاً لذلك لكثرة عيال ونحوه. قال مالك: ورب رجل يكون له أربعون درهماً وهو أهل أن يعطي من الزكاة تكون عياله عشرة، فتكون الأربعون له كلا شيء. ولا يعطي منها من معه ألف وعليه ألفان وله دار وخادم تسويان ألفين، قال: ولو أدى الألف في دينه وليس في الدار والخادم فضل عن سواهما مما يغنيه أعطى وكان من الفقراء ومن الغارمين. وقال أشهب: وإن كان فيهما فضل عن دار وخادم يغنيانه قدر الألف الدين، أعطى وكان من الغارمين.

قال مالك: ويؤثر في الزكاة أهل الحاجة، قال ابن القاسم: ولا يرضخ لغيرهم ممن لا يستحق الزكاة، قال: ولا يرفع الإمام من جميع الزكاة شيئاً إلى بيت المال ولينفذها بموضع جبيت فيه وإن لم يجد في الموضع من يفرقها عليه أو فضل/ عنهم شيء نقل ذلك [144/أ] إلى أقرب البلدان إليه. قال مالك: وقد بعث عمر بن عبد العزيز ابن زراره مصدقاً باليمامة فكتب إليه في أول سنة أن أقسم نصفها ثم كتب إليه في السنة الثانية أن أقسمها كلها ولا تحبس منها شيئاً. قال ابن المواز: قال أشهب: وتأولنا ما فعل عمر أنه لم يكن لهم من الحاجة أول عام كحاجتهم في الثاني. ومن المدونة قال مالك: وبلغني أن طاووساً بعث مصدقاً فأعطى رزقه من بيت المال فوضعه في كوة في منزله فلما رجع سألوه: أين ما أخذت من الصدقة؟ قال: قسمته كله، قالوا: فالذي أعطيناك؟ قال: هاهو ذا في بيتي فذهبوا فأخذوه.

قال ابن القاسم: وبلغني أن عمر بن الخطاب بعث معاذ بن جبل مصدقاً فلم يأت بشيء. قال مالك: وجه قسمه المال: أن ينظر الوالي إلى البلد الذي جبي فيه هذا المال فإن كانت البلدان متكافئة في الحال آثر أهل ذلك البلد الذي جبي فيه هذا المال فقسم عليهم وآثر الفقراء على الأغنياء ولم يخرج منها الى غيرهم إلا أن تفضل عنهم فضلة فتخرج إلى غيرهم. قال: وإن بلغه عن بعض البلدان أن سنة وحاجة نزلت بهم فليعط الإمام أهل ذلك البلدان الذي جبي فيه ذلك المال منه ويوجه جله الى الموضع المحتاج. قال مالك: والصدقات في القسم كالزكاة، ولو بلغ رجلاً من غير أهل المدينة عن أهل المدينة حاجة فبعث اليهم من زكاة ماله كان ذلك صواباً.

[فصل 9 - تستحب الإستنابة في إخراج الزكاة عند خوف الرياء، والإسراء في إخراجها أفضل] قال مالك: ولا يعجبني أن يلي أحد قسم صدقته خوف المحمدة والثناء وعمل السر أفضل ولكن يدفع ذلك إلى رجل يثق به فيقسمه فإن وليها هو فلا يعطيها لأحد ممن تلزمه تفقته. قال ابن المواز: قيل لمالك: إن بعض الناس يقولون: هي فريضة فلا بأس أن يعلن بها قال: ليس كما قالوا، وقد قال تعالى: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [فصل 10 - في إعطاء الأقارب الذين لا تلزمه نفقتهم من الزكاة] ومن المدونة قال مالك: فأما من لا تلزمه نفقته من قرابته فلا يعجبني أن يلي هو إعطاءهم ولا بأس أن يعطيهم من يلي تفرقتها بغير أمره كما يعطي غيرهم إن كانوا لها أهلاً. قال ابن عباس وغيره: إن أعطى قرابته من زكاته على الصحة كما يعطي غيرهم أجزأه، وكرهه ابن المسبب وغيره، وأكثر شأن فيه الكراهية لخوف المحمدة ولو صح ذلك عندنا لم أر به بأساً.

ابن حبيب: وروى مطرف عن مالك أنه لا بأس أن يعطي قرابته من الزكاة إذا لم يعط من يعول، قال: ورأيت مالكاً يعطي قرابته من زكاته. وحدثني الخزامي عن الواقدي عن ابن أبي ذئب أنه قال للقاسم: فيمن أضع زكاتي؟ قال: في أقاربك الذين لا تعول، فإن لم يكونوا فجيرانك، فإن لم يكونوا فصديقك المحتاج. وروى ذلك عن ابن عباس والنخعي والحسن في إعطاء من لا يعول من قرابته. قال الواقدي عن مالك وابن أبي ذئب، والثوري والنعمان وأبي يوسف: إن

أفضل من وضعت فيه زكاتك أهل رحمك الذين لا تعول. قال ابن حبيب: وله أن يوسع عليهم إذا كان فيهم التعفف والصلاح. قال عبد الوهاب: ويكره له دفع جميع زكاته إليهم فإن فعل جاز. قال ابن حبيب: وإن أعطى من في نفقته وعياله وهم من قرابته أو غيرهم ممن ينفق عليهم تطوعاً لم ينبغ فإن فعل جهلاً فقد أساء ولا يضمن إذا لم يقطع بذلك عن نفسه نفقته، وقاله مطرف عن مالك، وإن قطع بذلك نفقتهم لم يجزئه. [فصل 11 - في إعطاء المرأة زوجها من زكاتها] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا تعطي المرأة زوجها من زكاتها. قال أشهب: أكره ذلك، فإن أعطته ولم يرد ذلك عليها فيما يلزمه من نفقتها أجزأها وإن رد ذلك إليها فيما يلزمه لم تجزئها. ابن حبيب: قال مالك: لا يجزي المرأة أن تعطي لزوجها من زكاتها. وقال ابن أبي ذئب، وسفيان، وأهل المشرق يجزئها، وتوسط ابن حبيب/ قولاً [144/ب] كقول أشهب.

[فصل 12 - لو اشترى من زكاته رقبة فأعتقها ليكون الولاء له، فهل تجزئه عن زكاته؟] ومن المدونة قال مالك: ولا بأس أن يبتاع الإمام من الزكاة رقاباً يعتقهم وولاؤهم للمسلمين وهو قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} وكذلك من ولى صدقة نفسه لا بأس أن يشتري منها رقبة فيعتقها كما يعتق الوالي وولاؤها للمسلمين. قال ابن القاسم: فإن أعتقها عن نفسه لم يجزئه وعليه الزكاة ثانية؛ لأن الولاء له. ابن المواز: وقال أشهب: يجزئه وإن أعتقها عن نفسه ويكون ولاؤها للمسلمين كمن أمر من يعتق عنه عبده أو يذبح عنه أضحيته ففعل ذلك عن نفسه. م: ولو كان له عبد يملكه فقال: هو حرّ عني وولاؤه للمسلمين لم يجزي قولاً واحداً. [فصل 13 - المكاتب هل يُعطي من الزكاة ما يتم به عتقه؟ وهل يُفك منها الأسير؟] ومن المدونة: قال مالك: ولا يعجبني أن يعان بها مكاتب، ولم يبلغني أن أبا بكر، ولا عمر ولا عثمان، ولا أحداً ممن اقتدي به فعل ذلك.

قال في المجموعة في قوله سبحانه: {وَفِي الرِّقَابِ} قال: المكاتب لا يقوى فيؤدي عنه. قال عنه ابن القاسم وابن نافع يؤدي عنه ما يعتق به. ومن كتاب محمد: وكره مالك أن يعطي مكاتب من الزكاة وإن كان يتم به عتقه، ولا عبد ليعتق ولم يبلغني أن أبا بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا أحداً من الأئمة فعل ذلك، ولقد فعل ذلك ببلدنا، فأنكرت ذلك على من فعله. قال أصبغ: فإن فعل فعل فليعد أحب اليّ ولا أوجبه للإختلاف فيه. قال ابن حبيب: وروى مطرف عن مالك أنه لا بأس أن يفك منها المكاتبين وأن يفك منها الرقاب مثل أن يعطي منها من له عبد على أن يعتقه وإن كان ولاؤه للمعتق فذلك جائز، وكذلك رقبة بعضها حر فلا بأس أن يشتري مارق منها فتتم حريه. قال مطرف: وإن جعل منها في مكاتب لا يتم عتقه أو في رقبة لا يتم عتقها فلا يحزئه. وقال بقول مطرف ابن الماجشون، وأصبع، وخالفاً ابن القاسم. قال أصبع: ولا يفك الأسير من الزكاة فإن فعل لم يجزئه. ابن الحبيب: بل يجزئه، لأنها رقبة قد ملكت بملك الرق فهي تخرج من رقّ الى عتق بل ذلك أحق وأولى من فكاك الرقاب التي بأيدينا.

قال أصبع في العتبية: ومن ابتاع مدبراً أو مكاتباً من الزكاة فأعتقه، فعلى قول مالك الأول: لا يجزئه ويرد، وعلى قوله الآخر: لا يرد ويجزئه، ولو أبدلها كان أحب الي من غير إيجاب. [فصل 14 - الغازي يعطي وإن كان ملياً، وابن السبيل لا يعطي إذا كان معه ما يكفيه] ومن المدونه: قال مالك: ويعطي منها ابن السبيل إذا احتاج، وإن كان غنياً ببلده، وهو مثل الغازي في سبيل الله يعطي منا وإن كان غنياً، قال: والحاج هو ابن السبيل وإن كان غنيا. وقال عيسى ابن دينار: إن كان مع الغازي في غزوة ما يغنيه وهو غني ببلده فلا يأخذ منها. وقال ابن القاسم: يأخذ منها وإن كان معه ما يكفيه وهو غني ببلده. ابن المواز: وقال عنه أصبع: يعطي منها ابن السبيل والغازي وإن كانا غنيين بموضعهما ومعهما ما يكفيهما ولا أحب لهما أن يقبلا ذلك فإن قبلا فلا بأس به. قال أصبغ: أما الغازي فلا بأس أن يعطي وإن كان ملياً وهو له فرض، وأما ابن فلا يعطي إذا كان معه ما يكفيه، لأنه حينئذ لا يعد من أبناء السبيل.

قال ابن القاسم: وابن السبيل: هو الذي في غيره بلده وقد فرغت نفقته وليس معه ما يتحمل به الى بلده وإن كان في غزو ولا تجارة فهو ابن السبيل كائناً من كان من المسلمين.

[فصل 15 - في الغني الذي يحل اخذ الزكاة] ومن المدونة: وقد قال النبي صل الله عليه وسلم ((لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسه، فذكر الغازي والعامل عليها، والغارم، ومن ابتاعها بماله وغنياً اهدي إليه منها جاره المسكين)). ] فصل 16 - من هم ذووا القربى الذين لا تحل لهم الصدقة؟ [ ابن المواز: وقال ابن القاسم في الحديث الذي جاء: ((لا تحل الصدق لآل محمد)) انما ذلك في الزكاه وليس في التطوع وإنما هم بنو هاشم أنفسهم.

قال عنه أصبغ: وإن أعطي رجل أحداً منهم / زكاته لم تجزئه، ولم ير بأساً أن يعطي لمواليهم. قيل فما جاء: ((إن مولي القوم منهم))، قال: قد جاء: ((وابن الأخت منهم)) يريد: تضعيفاً للحديث. قال أصبع: وتفسير مولي القوم منهم يريد: في الحرمة والبر، مثل ((أنت ومالك لأبيك)) إنما ذلك في البر والطواعية لا في الأثرة والقضاء. قال: ولما نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} نادي النبي صلى الله عليه وسلم وسلم بأعلى

صوته: «يا آل قصي يا آل غالب، يا آل عبد مناف، يا فاطمة بنت رسول الله، يا صفية عمة رسول الله: إعملوا لما عند الله فإني لست أملك لكم من الله شيئاً»، فبين بمناداته عشيرته الأقربين. قال أصبغ: ولا يعجبني أن يعطوا صدقة التطوع أيضاً لخوف أن يقع عليها اسم صدقة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تحل الصدقة لآل محمد» ولا بأس لهم بالصلة من الفيء لأن لهم سهم ذي القربى، وقد اختلف الناس في ذوي القربى فقيل: هم آل محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: بل قريش كلها، وقال ابن عباس: نحن هم، يعني آل محمد، وقد أبى ذلك علينا قومنا. وعلى قول ابن عباس رأي أهل العلم، وليس لهم سهم معلوم كما قال بعض الناس «خمس الخمس» ولكن يبدأ بهم حتى تسد حاجتهم ويكتفوا وإن كان أقل من خمس الخمس، وقاله ابن عباس. قال ابن حبيب: آل محمد الذين لا تحل لهم الصدقة: بنو هاشم فمن دونهم من بني عبد المطلب وبني بنيهم ومن تناسل منهم إلى اليوم وليس يدخل في آل محمد من كان فوق بني هاشم من بني عبد مناف وبني قصي أو غيرهم، ويدخل في ذلك مواليهم، لأن موالي القوم منهم، وكذلك فسر لي مطرف، وابن الماجشون وقاله ابن نافع.

وخالفهم ابن القاسم في وجهين: في الموالي، وفي صدقة التطوع، فقال: إنما ذلك فيهم أنفسهم وليس في مواليهم، وإنما ذلك في الصدقة المفروضة وليس في صدقة التطوع. وذلك عندي وهم من ابن القاسم لما جاء في ذلك من الآثار، ولمفارقة أصحاب مالك في ذلك، ثم ذكر ابن حبيب الآثار في ذلك واحتج بها. [فصل 17 - الزكاة لا تعطى إلا لمؤمن حر] ومن المدونة قال مالك: ولا يعطى من الزكاة لمجوسي أو ذمي أو عابد وثن أو لعبد ولا يعطى منها ومن جميع الكفارات إلا لمؤمن حر كما لا يعتق منها إلا عبد مؤمن. م: قيل: فإن غرّه عبد فقال: إني حر فأعطاه من زكاته فأفات ذلك، فقال بعض أصحابنا: إن في ذلك نظر هل يكون في رقبته كالجناية، لأنه غره أو يكون في ذمته لأن هذا متطوع بالدفع؟ م: والصواب أنها جناية في رقبته لأنه لم يتطوع له إلا لما أعلمه أنه حر وغره فلا يجب أن يختلف في ذلك.

[فصل 18 - في إعطاء أهل الأهواء من الزكاة] ابن المواز: قال أصبع: لا يعجبني أن يعطي منها لأحد من أهل الأهواء إلا الهوى الخفيف، وفي العتبية عن ابن القاسم: إن احتاجوا أعطوا منها، وهم من المسلمين يرثون ويورثون. [فصل 19 - لا تعطى الزكاة إلا لمن سمى الله في كتابه] م: من المدونة: قال مالك: ولا يعطى منها في كفن ميت، أو بناء مسجد، لأن الصدقة إنما هي لمن سمى الله عز وجل من الفقراء والمساكين وغيرهم، لا للأموات أو بناء المساجد. [فصل 20 - لا يجوز إخراج العرض والطعام عن الورق أو الذهب؛ لأنه من باب إخراج القيمة] قال مالك: ولا يعطي فيما لزمه من زكاة العين عرضاً أو طعاماً، وقد كره غير واحد اشتراء صدقته منهم عمر بن الخطاب، وابن عمر، وجابر بن عبد الله. م: فإن دفع عرضاً عن عين فإنه يرجع ذلك على المدفوع اليه، فإن فات بيده فلا شيء عليه، لأن هذا سلطه عليه، وذلك إذا أعلمه أنه من زكاته وإن لم يُبين أنه من زكاته فيحمل على أنه تطوع فلا يرجع عليه بشيء فات أم لم يفت.

[فصل 21 - الزكاة لا تحتسب في دين على فقير] قال مالك: ومن كان له دين على فقير فلا يعجبني أن يحسبه عليه صاحبه في زكاته، قال غيره: لأنه تاوي ولا قيمة له، أو له قيمة دون. [فصل 22 - من وجد ركازاً وله قرابة فقراء لا تلزمه نفقتهم هل يعطيهم خمسة؟] قال ابن القاسم: ومن أصاب ركازاً وله قرابة فقراء لا تلزمه نفقتهم/ لم يخصهم [145/ب] بخمسة ولكن يعطيهم كما يعطي غيرهم من الفقراء إن كان لا يدفع به مذمة ولا يجر به محمدة إلا على وجه الاجتهاد، وأما ولد أو والد فلا يعجبني أن يعطيهم وإن كانوا فقراء، لأن نفقتهم تلزمه فغيرهم من الفقراء ممن لا يجد من ينفق عليه أحق به لأنه إذا أعطاهم دفع نفقتهم تلزمه فغيرهم من الفقراء ممن لا يجد من ينفق عليه أحق به لأنه إذا أعطاهم دفع نفقتهم عن نفسه وإن كانوا أغنياء فغيرهم أحق بذلك منهم. وقال غيرهم إذا أعطاهم كما يعطي غيرهم من الأباعد بغير إيثار جاز، لأن الخمس فيء ليس هو مثل الصدقة التي لا تحل لغنى، والفيء يحل للغني والفقير إلا أن الفقير يؤثر على الغني، وقد قال مالك: إذا كان رجل فقير له أب مليء لا يناله رفقه فلا بأس أن يعطي من الزكاة، وقال ابن القاسم: وإن كان يناله رفقه فغيره ممن لا يناله رفق أحد أولى أن يؤثر.

[الباب: الواحد والعشرون] جامع ما جاء في قسم الفيء

[الباب: الواحد والعشرون] جامع ما جاء في قسم الفيء قال ابن حبيب: مال الله الذي جعله رزقاً لعباده المؤمنين مالان، فمال جعله الله رزقاً للفقراء وحرمه الأغنياء من عين أو حرث أو ماشية أو معدن أو زكاة فطر، ومال ساوي فيه بين الأغنياء والفقراء وهو الفيء من خمس، وجزية أهل العنوة، وأهل الصلح، وخراج أرضهم، وما صولح عليه الحربيون، وما يؤخذ من تجارهم، وتجار أهل الذمة، وخمس الركاز. ومن المدونة: قال مالك: ويفضل بعض الناس على بعض في الفيء يبدأ بأهل الحاجة حتى يغنوا منه. قال: وجزية جماجم أهل الذمة، وخراج الأرضين ما كان منها عنوة أو صلحا فهو عند مالك جزية والجزية عنده فيء. قال مالك: ويعطي هذا الفيء أهل كل بلد افتتحوها عنوة، أو صالحوا عليها، فيقسم عليهم ويبدأ بفقراتهم حتى يغنوا، ولا يخرج الى غيرهم إلا أن ينزل بقوم حاجة فينقل إليهم منه، بعد أن يعطي أهلها. يريد: ما يغنيهم على وجه النظر والاجتهاد، وكذلك كتب عمر؛ ألا يخرج من فيء قوم إلى غيرهم.

وأخذ مالك بما كتب عمر الى عمار بن ياسر وصاحبيه إذ ولاهم العراق وقسم لأحدهم نصف شاة، وللآخرين ربعاً، ربعاً، وكان في كتابه اليهم: "إنما مثلي ومثلكم في هذا المال كما قال الله تعالى في ولي اليتيم: {وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَاكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} قال مالك: ومن أوصى بنفقة في سبيل الله بدي بأهل الحاجة إليهم. قال مالك: ويبدأ بالفقراء في هذا الفيء فإن فضل بعد غنائهم شيء كان بين الناس كلهم بالسواء عربيهم ومولاهم. وقد قال عمر في خطبته: " أيها الناس: إني عملت عملاً، وإن أبقيت إلى قابل لألحقن أسفل الناس بأعلاهم"، وقال عمر أيضاً: " ما من أحد من المسلمين إلا وله في

هذا المال حق أعطيه أو منعه حتى لو كان راعياً أو راعية بعدن " وأعجب مالكاً هذا الحديث. ابن المواز: قال ابن عبد الحكيم: كان الصديق يساوي بين الناس في القسم فكلم فيه وذكر أنه حق للمهاجرين والأنصار، فقال: إنما تلك فضائل وسوابق عملوها لله فثوابهم على الله، وأما المعاش فالناس فيه أسوة، قال ابن عبد الحكيم: وهو أحب الينا، وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين جيوشه فلم يفضل أحداً على أحد، وقاله على بن أبي طالب، وقد فضل عمر بن الخطاب في القسم وكان بعطي الرجل على قدر بلائه، وسابقته، ثم قال بعد ذلك: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لقسمت ذلك

قسماً واحداً، ولئن بقيت إلى قابل لألحقن الأسفل بالأعلى". قال ابن عبد الحكم:/ وأول ما يبدأ به من هذا المال سد الثغور، والتحرز من العدو، ثم يقسم ما بقى قسمين: قسم للذرية والعيالات، وقسم للمجاهدين، يريد: المقاتلة البالغين، وأما ابن دون خمسة عشر أو شيخ كبير لا قوة فيه فلا تجعل مع عطاء المقاتلة، وليجعلا في عطاء الذرية، فإن فضل بعد ذلك شيء قسمه بين أهل الإسلام كلهم بالسواء كقسم المقاتلة. قال ابن المواز: بل يقسم على قدر الحاجة بالاجتهاد، وقاله مالك، وابن القاسم، وأشهب. قال مالك: يفضل بعض الناس على بعض ويبدأ بأهل الحاجة حتى يغنوا حتى لا يبقى من المال شيء. وقال ابن حبيب سائغ للإمام العدل أن يفضل في القسم وأن يساوي، وأحب إلي أن يفضل ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذرية أهل السوابق في الإسلام ويلحقوا بآبائهم وإن لم يلحقوا بهم في ذروة الفضل كما ألحق الله سبحانه ذرية أهل الدرجات بهم في جنته وإن لم يكونوا مثلهم في الفضل كما قال الله تعالى: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} قال:

ويفضل أهل العلم والفضل في القسم على من لا فضل عنده ولا علم، ويفضل المجاهدون وأهل النكاية. ومن المدونة: قال مالك: ولا بأس أن يعطي منه الوالي للرجل يراه للجائزة أهلا لدين عليه أو غير ذلك، ولا بأس على ذلك الرجل أن يأخذها. ويعطي منها المنفوس، وقد مر عمر بن الخطاب ليلة فسمع صبياً يبكى، فقال لأهله: مالكم لا ترضعونه؟ فقال أهله: إن عمر لا يفرض للمنفوس حتى يفطم وإنا قد فطمناه، فولى عمر وهو يقول: كدت والذي نفسي بيده أن أقتله ففرض للمنفوس من ذلك اليوم مئة درهم. قال ابن القاسم: ويبدأ بكل منفوس والده فقير، وكان عمر يقسم للنساء حتى إن كان ليعطيهن المسك قال ابن القاسم: ويبدأ بالفقيرة منهن قبل الغنية قال: وتفسير قول مالك: يساوي بين الناس في هذا الفيء معناه: أن يعطي كل انسان قدر ما يغنيه من صغير أو كبير أو امرأة، وإن فضل بعد غناء أهل الإسلام فضل اجتهد فيه الإمام إن رأى أن يحبسه لنوائب المسلمين حبسه، وإن رأى أن يفرقه على أغنيائهم فرقه، وقال مالك. ولا يجبر الإمام أحداً على أخذ هذا المال إذا أبى أخذه، وقد كان عمر بن الخطاب يدعو حكيم بن حزام لأخذ عطائه فيأبى ويقول: تركته على عهد من هو خير منك، يريد: النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: عمر: أشهدكم عليه" وإنما تركه حكيم، لأنه سمع من

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن خيراً لأحدكم أن لا يأخذ من أحد شيئاً، قالوا: ولا منك يا رسول الله؟ قال: ولا مني". فصل [فيما يكون للوالي الأعظم من مال الله] قال ابن حبيب: قال مالك عن ابن شهاب كان النبي صلى الله عليه وسلم: يأخذ مما أفاء الله عليه نفقته ونفقة أهله سنة ويسلم ما بقي للمسلمين، فلما ولي أبو بكر غدى إلى السوق فقيل له: بالناس، لنظرك في أمورهم حاجة، قال: فمن يسعى على عيالي؟. قيل: تأخذ من بيت المال ففرضوا له درهمين كل يوم وثوبين فإذا خلقتا أخذ ثوبين مكانهما فرضي وأدخل كل بيضاءٍ وصفراء له في بيت المال فعمل سنتين ونصف فأنفق أربعة آلاف درهم ولم ينقد ماله، ولما ولي عمر لم تكفه درهمان ففرض له أربعة دراهم، فلما فرض للناس الأقوات فرض لنفسه وعياله كذلك، وترك الأربعة دراهم واكتسى من بيت المال، وأخذ عطاءه كما يأخذ أصحابه المهاجرون، ثم ترك ذلك وجعل طعامه من خالص ماله، فلما احتضر أمر بحساب ما وصل إليه من بيت المال فوجد أربعة وثمانون ألفاً فأمر ابنه عبد الله أن يقضيها عنه من صلب ماله فإن لم يف فليستعن فيها

ببني عدي ففعل وباع من ماله مثل ذلك وأتى بها إلى عثمان، فقال له: قد قبلناها منك ووصلناك بها، قال: لا حاجة لي أن تصلني بأمانة عمر، ثم ولي عثمان فكان على منهاج من ولي قبله في النفقه من ماله قصداً وتنزهاً/ ولما ولي علي تنزه أن ينفق من مال المسلمين وكان ينفق من عطائه الذي يأخذ كرجل من المسلمين واشترى قميصاً بثلاثة دراهم وقطع من الكم ما فضل عن اليد ومات وترك سبع مئة درهم بقيت من عطائه، وسار عمر ابن عبد العزيز. سيرة الصحابة، ورد المظالم رضي الله عنهم أجمعين. [فصل: ومن المدونة قال مالك: أتى عمر بمال عظيم من بعض النواحي، قال ابن حبيب: من غنائم جلولا قال يحيى بن سعيد: بلغت الغنائم يوم جلولا ثلاثين ألف ألف، قال مالك في المدونة: فصب ذلك المال في المسجد وبات عليه جماعة من الصحابة منهم عثمان وعلي، وطلحة والزبير، وعبد الرحمن بن عوف،

وسعد بن أبي وقاص، فلما أصبح كشف عنه أنطاع كانت عليه، وكان فيها تيجان، فلما ضربتها الشمس انتقلت فبكى عمر، فقال له عبد الرحمن: ليس هذا حين بكاء إنما هو حين شكر، فقال عمر: ما فتح هذا على قوم قط إلا سفكوا دماءهم وقطعوا أرحامهم، ثم قال لابن الأرقم: اكتب لي الناس وأرحني منه، قال فكتبهم، وجاءه بالكتاب، وقال: قد كتبت المهاجرين والأنصار، والمهاجرين من العرب والمعتقين، قال فارجع لعلك تركت رجلاً لم تعرفه، أراد أن لا يترك أحداً، ثم قسمه، فهذا يدلك أنه يقسم لجميع الناس. قال ابن القاسم: وكتب عمر في زمان الرمادة وكانت ست سنين: من عمر إلى

عمرو بن العاص بمصر واغوثاه واغوثاه واغوثاه، فكتب إليه عمرو: لبيك لبيك لبيك، فكان يبعث إليه بالعير عليها الدقيق في العبى، وكان يقسمها عمر، فيدفع الجمل كما هو لأهل البيت فيقول: كلوا دقيقه والتحفوا العبى وانحروا البعير وائتدموا شحمه وكلوا لحمه، فهذا يدلك أنه ينقل من بلد إلى بلد. قال ابن القاسم: وقد رأى رجل في منامه في خلافة أبي بكر أن القيامة قد قامت وحشر الناس فنظر إلى عمر بن الخطاب قد فرع الناس ببسطه فقال: بم فضل عمر؟ فقيل: بالخلافة والشهادة وأنه لا يخاف في الله لومة لائم فقصها على عمر بحضرة أبي بكر فانتهره عمر لذكره ذلك بحضرة أبي بكر، فلما ولي عمر الخلافة قال للرجل:

أعد علي الرؤيا فقصها فقال عمر: هذه أولتهن يريد: قد نلتها، ثم قال: وبالشهادة، فقال عمر: وأنى ذلك لي والعرب من حولي، ثم قال: وأنه لا يخاف في الله لومة لائم، فقال عمر: والله ما أبالي إذا قعد الخصمان بين يدي على من دار الحق فأديره.

كتاب الزكاة الثاني من الجامع

كتاب الزكاة الثاني من الجامع [الباب الأول:] في فرض زكاة الماشية [ومقادير النصاب في زكاة الإبل] [فصل 1 - في دليل فرضيتها، وشروط الوجوب] وزكاة الماشية فريضة واجبة، وتجب بخمسة أوجه: بالإسلام والحرية والنصاب والحول، ومجيء الساعي، وقد تقدم وجه ذلك في الأول. وفرضها في كتاب الله قوله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}، وقوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} فأجملها تعالى في كتابه وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك ما بينه صلى الله عليه وسلم في كتابه لعمرو بن حزم أن ليس فيما دون خمس ذود من الإبل

صدقة فإذا بلغت خمساً ففيها شاة إلى تسع فإذا بلغت عشراً ففيها شاتان إلى أربعة عشر فإذا بلغت خمس عشرة ففيها ثلاث شياة إلى تسع عشرة فإذا بلغت عشرين ففيها أربع شياة إلى أربع وعشرين فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض، فإن لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر فما زاد إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون، فما زاد إلى ستين ففيها حقة طروقة الفحل، فما زاد إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فما زاد إلى تسعين/ ففيها ابنتا لبون، فما زاد إلى عشرين ومئة ففيها حقتان طروقتا الفحل، فما زاد على ذلك ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون".

قال ابن القاسم: وبهذا كان يأخذ مالك. ابن وهب: قال ابن شهاب: نسخة هذا الكتاب عند آل عمر بن الخطاب أقرانيها سالم بن عبد الله بن عمر فوعيتها على وجهها وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر وأمر عماله بالعمل بها. [فصل 2 - في أسماء جماعات الإبل] قال ابن حبيب في شرح الموطأ في قول صلى الله عليه وسلم "ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة" كأنه قال: ليس فيما دون خمس من الإبل صدقة، لأن الذود ثلاثة وأربعة

وخمسة إلى السبع، وما فوق السبع شنق، إلى أربع وعشرين فينقطع عنها اسم الشنق ويحملها اسم الإبل، ولا ينقص الذود فيكون واحداً كما لا ينقص من عدد النفر فيكون واحداً. والنفر من ثلاثة إلى سبعة، وما فوق السبعة إلى العشرة رهط، وفوق ذلك إلى الأربعين عصبة، وفوق ذلك إلى المئة فأكثر أمة. قال ابن مزين عن عيسى بن دينار: أقل الذود واحد. وقاله غيره. قال ابن قتيبة: الذي عندي أن الذود ما بين الثلاثة إلى العشرة، وهو أول أسماء جماعات الإبل قال: ولو كان الذود واحداً ما جاز أن يقال: خمس ذود، وكان يقال: خمس أذواد، كما يقال: خمسة أثواب، ولا يجوز أن يقال: خمسة ثوب ومما يشبه هذا:

قولهم ثلاثة رهط، وخمسة رهط، والرهط في الناس: ما بين الثلاثة إلى العشرة وهو جمع لا واحد له من لفظه. [فصل 3 - في أسنان الإبل الواجبة في الزكاة] قال ابن حبيب: وبنت مخاض من الإبل بنت سنتين، سميت بذلك؛ لأن أمها صارت في حد المخاض وهو الحمل وإن لم يكن بها حمل، فإن دخلت في سنة ثالثة فهي بنت لبون، أي في حال يكون لأمها لبن ترضع به ما تلد بعدها وإن لم يكن لها حينئذ ولد، فإذا دخلت في سنة رابعة صارت حقة أي استحقت أن يحمل عليها وأن يطرقها الفحل، فإذا دخلت في الخامسة فهي جذعة، فإذا دخلت في السادسة فهي ثنية. [فصل 4 - في الإبل تبلغ خمساً وعشرين فلم توجد فيها بنت مخاض ولا ابن لبون] ومن المدونة قال مالك: وإذا كانت الإبل خمساً وعشرين فلم يجد الساعي فيها بنت مخاض ولا ابن لبون ذكر جبر ربها على أن يأتيه بابنة مخاض. قال في كتاب محمد: وليس الساعي مخيراً، ولا يأخذ منه إلا بنت مخاض.

م: لأن عدمهما بمنزلة وجودهما إذ ليس لأحدهما مزية على الآخر. قال في المدونة: إلا أن يشاء ربها أن يأتيه بخير منها فليس للساعي ردها. قال ابن القاسم: فإن أتاه بابن لبون ذكر فذلك إلى الساعي إن أراد أخذه ورأى ذلك نظراً، وإلا ألزمه بنت مخاض على ما أحب أو كره. ابن المواز: وقال أشهب: ليس إلى المصدق بخلاف المئتين، فإذا كان السنان في الإبل أو لم يكونا فليس له إلا بنت مخاض وإن كان فيها أحد السنين فليس له غيره. م: وذهب أبو حنيفة إلى أن له أن يأخذ ابن لبون مع وجود بنت مخاض. ودليلنا: قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر" وكل حق تعلق بالمال فنقل منه إلى غيره لعدم المنقول عنه فلا يجوز الانتقال إليه مع وجوده اعتباراً بالكفارات.

[فصل 5 - الواجب في الإبل إذا زادت على عشرين ومئة] ومن المدونة: قال مالك: وإذا زادت الإبل على عشرين ومئة واحدة كان الساعي مخيراً في أخذ حقتين أو ثلاث بنات لبون. ابن المواز: وقاله أشهب. قاله ابن القاسم: وقال ابن شهاب: ليس للساعي أن يأخذ الحقاق، وإنما يأخذ بنات اللبون، وبه أقول؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم وقول عمر رضي الله عنه: "فإذا زادت على عشرين ومئة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة" فليس له إلا بنات اللبون كان السنان في الإبل أو أحدهما أو لم يكونا. وقال ابن عبدوس: قد روى أشهب، وابن نافع، وابن الماجشون عن مالك: ليس فيها إلا حقتان، قال عنه ابن الماجشون: وإنما يعني في الحديث بقوله فما زاد على عشرين ومئة يريد: زيادة تحيل الأسنان فلا يزول عن الحقتين إلى ثلاثين ومئة. م: فوجه مالك الذي جعل الساعي فيه مخيراً: أنه لما كان في الحديث:

فما زاد على عشرين ومئة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون، وكانت زيادة الواحدة يقع عليها اسم زيادة ووجدنا الإحدى وعشرين ومئة يصلح فيها حقتان ويصلح فيها ثلاث بنات لبون إذ فيها أكثر من خمسينين وأكثر من ثلاث أربعينات وجب تخيير الساعي اللتين صلحت فيهما أربع حقاق وصلحت فيهما خمس بنات لبون فخير الساعي فكذلك هذه. قال ابن المواز: وللساعي في إحدى وعشرين ومئة على هذا القول أخذ ما طلب كانت إحدى/ السنين في الإبل أم لا، يريد: لما في الحديث من الاحتمال بخلاف المئتين. وقال مالك في المجموعة: إذا كانت إحدى السنين في الإبل لم يكن للساعي غيرها كما قال في المئتين. م: ووجه قول ابن شهاب وابن القاسم أنه لما قال في الحديث: "فما زاد ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون" فأي زيادة حصلت أوجبت تغيير الفرض بحق الظاهر، قال أبو جعفر الأبهري: ويؤيد ذلك ما روي في الكتاب الذي

كتبه النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند آل عمر في حديث ابن شهاب أنه قال: "وفي إحدى وعشرين ومئة ثلاث بنات لبون" وهذا نص. قال عبد الوهاب: ووجه قول مالك الذي رواه ابن الماجشون وغيره أنه إنما أراد في الحديث زيادة تحيل الأسنان عن فرضها وذلك عشرة فأكثر، ولأنا وجدنا كل زيادة تحيل الأسنان عن فرضها تكون داخلة في التزكية، وكل ما لا يحيل الأسنان عن فرضها إنما هو وقص غير داخل في التزكية، فلو قلنا إن الفرض يتغير بزيادة واحدة وتدخل في التزكية لكان في ذلك مخالفة للخبر وإيجاب لبنت لبون في أربعين وثلث، وإن قلنا إن الفرض يتغير بها ولا تدخل في التزكية كان في ذلك مخالفة الأصول، ولأن في حديث ابن عمر: "فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون" والكثرة لا تكون بزيادة الواحدة، ويؤيد ذلك ما روى في حديث عمر بن عبد العزيز الذي نسخ

له من عند آل عمر بن الخطاب أنه لا شيء فيما زاد على العشرين ومئة حتى تبلغ ثلاثين ومئة وهذا نص، قال أبو بكر الأبهري: وهذا أقيس الأقوال وأحسنها. م: وظهر لي أن هذا القول أضعفها وأن في توجيهه ضعفاً لما ذكر في الحديث وهو مقابل بما ذكر في الحديث في رواية ابن شهاب وإن قول ابن شهاب أقيسها وذلك أنا وجدنا أول كل زيادة تحيل الأسنان عن فرضها بعد كمال وقصها واحداً وما بعده إلى الفرض الثاني وقص، وذلك أن التسعة من الإبل خاتمة فرض الشاة بوقصها فإذا زادت واحدة غيرت الفرض، وما بعد ذلك إلى الأربع عشرة وقص، فإذا زادت واحدة أيضاً غيرت الفرض، وكذلك في الأربع وعشرين خاتمة فرض الشنق فإذا زادت واحدة غيرت الفرض، وكذلك في البقر التسع والثلاثون خاتمة فرض التبيع بوقصه فإذا زادت واحدة غيرت الفرض، وكذلك في الغنم المئة وعشرون خاتمة فرض الشاة بغاية وقصها فإذا زادت واحدة كان فيها شاتان، وكذلك المئة وعشرون من الإبل هي خاتمة فرض الحقتين بوقصها، فإذا زادت واحدة وجب تغيير الفرض، فلا تجد زيادة الواحدة أبداً على خاتمة الفرض بوقصه إلا تغيره، ولأن أول فرض الحقتين من إحدى

وتسعين إلى عشرين ومئة لقوله صلى الله عليه وسلم: "إلى عشرين ومئة". وإلى ها هنا: غاية، وحكم الغاية أن يكون ما قبلها مخالفاً لما بعدها، كما كانت في الخمسة وعشرين، والخمسة وثلاثين، والخمسة وأربعين، والستين، والخمسة وسبعين، والتسعين غاية، وكان ما بعد ذلك مخالفاً لما قبله، وتغير ذلك بزيادة واحدة، فكذلك المئة وعشرون، وهذا بين. والله أعلم بالصواب. [فصل 6 - الواجب في الإبل إذا بلغت ثلاثين ومئة فما فوق] ومن المدونة قال مالك: فإذا بلغت الإبل ثلاثين ومئة ففيها حقة وبنتا لبون ولا خلاف في ذلك، وفي الأربعين ومئة حقتان وابنة لبون، وفي الخمسين ومئة ثلاث حقاق، وفي ستين ومئة أربع بنات لبون، وفي سبعين ومئة حقة وثلاث بنات لبون، وفي ثمانين ومئة حقتان وابنتا لبون، وفي تسعين ومئة ثلاث حقاق وابنة لبون، يريد: أبداً في زيادة العشر حقة وتنقص بنت لبون، وفي المئتين الساعي مخير إن شاء أخذ أربع حقاق أو خمس بنات لبون إذ صلح فيها السنان جميعاً، وهذا إن كان السنان في الإبل أو لم يكونا) وإن كان فيها أحد السنين لم يكن له غيره. قال ابن المواز: إلا أن يكون في الأربع حقاق قوام رب الإبل ومصلحته فليس للساعي أخذها لأنه يضر به وليكلفه ما يجزيه. ابن المواز: وذكر عن ابن القاسم أنها إن خلت من السنين فما أتاه به ربها فليقبله، وقال أصبغ: ليس هذا بشيء والساعي مخير عليه. م: فوجه قول ابن القاسم أنه لما أتاه ربها بأحد السنين فكأنه كان موجوداً فيها فليس له رده.

ووجه قول أصبغ أنهما لما عدما في الأصل وجب تخيير الساعي فلا ينقله عن ذلك ما أتى به ربها؛ لأن ذلك يوجب رفع تخيير الساعي/ أبداً. [فصل 7 - الغنم لا تعود في صدقة الإبل بعد العشرين ومئة] ومن المدونة: قال مالك: وإذا صارت الفريضة في الإبل إلى عشرين ومئة لم يرجع إلى الغنم يريد: أنه لا يبتدي الحكم في الزائد، قال سحنون: إلا أن ترجع الإبل إلى أقل من فريضة الإبل فيرجع إلى الغنم ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فما زاد على عشرين ومئة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون" ولم يقل: فما زاد ففي كل خمس شاة إلى أربع وعشرين كما قال في ابتداء الصدقة. [فصل 8 - فيمن أعطى أفضل مما عليه وأخذ عوضاً أو أعطى دون ما عليه وأدى عوضاً] قال ابن القاسم: ولا يأخذ الساعي دون السن المفروضة وزيادة ثمن، ولا فوقها ويؤدي ثمناً. قال ابن القاسم وأشهب في المجموعة فيمن يعطي أفضل ويأخذ ثمناً، أو أدنى ويؤدي ثمناً: إنه لا ينبغي، فإن نزل أجزأه. وقال أصبغ- في كتاب محمد- إن أعطى أفضل مما عليه، وأخذ للفضل ثمناً

فلا شيء عليه إلا رد الزيادة، وإن أعطي دون ما وجب عليه وزيادة دراهم، فعليه البدل كله. م: والصواب أن يجزئه؛ لأنه إنما اشترى ما عليه بما دفع وبالدراهم، فهو من ناحية كراهية اشتراء الرجل صدقته، وقد قال مالك: من الناس من يكره اشتراء الرجل صدقته، ومنهم من لا يرى به بأساً، والصواب كراهية ذلك: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه" لكنه إن نزل مضى للاختلاف فيه، وإذ يتأول معنى الحديث: "العائد في صدقته" يريد: بلا ثمن، وإنما كرهه مالك لعموم الحديث واستحب أن يترك شراءها وإن كانت قد قبضت منه، وقد قال عمر لرجل سأله عن ذلك: "لا تشترها ولا تعد في صدقتك".

م: ويجب على قول أصبغ إذا دفع أدنى وزاد ثمناً فلم يجزه أن يرجع على الساعي فيما دفع إن كان قائماً، وإن فرَّقه وفات لم يرجع عليه بشيء؛ لأنه سلطه على إتلافه فهو كمن عوّض من صدقة وهو يظن أن ذلك يلزمه أنه لا يرجع بشيء على من أخذه إن فات، قاله بعض فقهائنا. قال ابن المواز: قال مالك: ومن وجب عليه معز فأعطى ضأناً فليقبل منه، فأما معز عن ضأن فلا، قال أشهب: إلا أن تبلغ لرفاهيتها مثل ما لزمه من الضأن فلا بأس بذلك. [فصل 9 - لا يُشترى من الساعي شيء قبل خروجه، ولا يشتري أحد الصدقة التي عليه بدين إلى أجل] ومن المدونة: ابن وهب: قال مال: ولا يشتري أحد من الساعي قبل خروجه شيئاً من الصدقة وإن وصف أسنانها إذ لا يدري ما يقتضي في نحوها وهيئتها قال: ومن ابتاع الصدقة التي عليه بدين إلى أجل لم يصلح لأنه دين بدين، وقاله عمر بن عبد العزيز. قال أبو الزناد وأصل ذلك أن عمر بن الخطاب كان ينهي العمال أن يبيعوا من أحد فريضة أو شاة تحل عليهم بدين.

[فصل 10 - نتاج السائمة حوله حول أصله] قال مالك: ومن كانت له خمسة من الإبل فهلكت منهن واحدة قبل الحول بيوم ونتجت أخرى فتم الحول بالتي نتجت خمساً ففيها شاة. [فصل 11 - تفسير الشنق، ومن أي صنف تؤخذ الشاة الواجبة في صدقة الإبل؟] قال: والشنق من الإبل ما يزكى بالغنم وهو أربع وعشرون، فإذا بلغت الفريضة أن تؤخذ من الإبل لم تكن شنقاً. ويؤخذ في الإبل من الغنم من الصنف الذي هو جل أغنام ذلك البلد، من ضأن أو معز، وافق ما في ملك ربها أو خالفه، يكلف أن يأتي بما يلزمه من ذلك إلا أن يتطوع ربها بدفع الصنف الأفضل، فذلك له. ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن نافع عن مالك: يأخذ في ذلك ما تيسر على رب الإبل من ضأن أو معز لا يكلف ما ليس عنده، وما أدى من ضأن أو معز أجزأ عنه. قال ابن المواز: قال مالك: أهل الحجاز أهل ضأن، وأهل السواحل أهل معز، قال ابن حبيب: إن كان من أهل الضأن فمنها، وإن كان من أهل المعز فمنها، وإن كان من أهل الصنفين أخذ الصدق من أيهما شاء. وبالله عز وجل التوفيق.

[الباب الثاني] جامع ما جاء في زكاة البقر

[الباب الثاني] جامع ما جاء في زكاة البقر [فصل 1 - في أدلة الوجوب ومقادير النصاب] قال ابن القاسم: وكان مالك يأخذ في زكاة البقر بحديثه الذي يذكر عن طاؤوس عن معاذ، وروي ابن وهب أن في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون ثلاثين من البقر صدقة فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل تابع جذع إلى أن تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة إلى ستين فإذا بلغت ستين فتبيعان إلى أن تبلغ سبعين فإذا بلغت سبعين ففيها بقرة وعجل جذع حتى تبلغ ثمانين فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنتان ثم على نحو هذا". قال ابن وهب: وأخبرني رجال من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم/ حين بعث معاذاً إلى اليمن أمره بهذا. وأن معاذاً صدق البقر كذلك.

وروى أشهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤخذ من البقر شيء حتى تبلغ ثلاثين فإذا بلغت ثلاثين ففيها تابع جذع أو جذعة". [فصل 3 - السن الذي يجب في الثلاثين] وقال مالك: الذي جاء في ثلاثين تبيع وهو ذكر، ولا تؤخذ المسنة إلا أنثى، قال أبو محمد: ويجوز أن يؤخذ في التبيع أنثى إذا أطاع بها ربها. م: يريد: على قول مالك هذا وأما على ما رواه أشهب فللساعي أخذ ما طلب. قال عبد الوهاب: وكذلك في كتاب عمرو بن حزم أن في كل ثلاثين تبيعاً جذعاً أو جذعة، قال: وأو: موضوعها التخيير فللساعي حينئذٍ أن يأخذ ما طلب كانا جميعاً في البقر أو لم يكونا وإن كان فيها أحدهما لم يكن له غيره كالمئتين في الإبل. [فصل 3 - الواجب في البقر إذا بلغت عشرين ومئة] قال ابن المواز: وإذا كانت البقر عشرين ومئة كان الساعي مخيراً في ثلاث مسنات أو أربع توابع كانا في البقر أو لم يكونا، وإن كان فيها أحد السنين لم يكن له غيره كالمئتين من الإبل.

ومن المدونة: قال الليث: وسنة الجواميس في السعاية سنة البقر سواء، قال مال: الجواميس من البقر. [فصل 4 - تفسير الجذع والمسن] قال ابن حبيب: والجذع من البقر هو التبيع ابن سنتين، والثني منها ما أوفى ثلاثاً ودخل في الرابعة وهو المسن، وقال ابن نافع في المجموعة: الجذع من البقر: ما أوفى سنتين ودخل في الثالثة.

[الباب الثالث] جامع ما جاء في زكاة الغنم

[الباب الثالث] جامع ما جاء في زكاة الغنم [فصل 1 - في مقادير النصاب، وصفة الشاة المأخوذة في زكاة الغنم] روى ابن وهب، أن في كتاب عمرو بن حزم، الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس في الغنم صدقة حتى تبلغ أربعين شاة، فإذا بلغت أربعين شاة ففيها شاة، إلى عشرين ومئة، فإذا كانت إحدى وعشرين ومئة ففيها شاتان، إلى مئتي شاة، فإذا كانت مئتي شاة وشاة ففيها ثلاث شياه، إلى ثلاث ومئة، فما زاد، ففي كل مئة شاة شاة، ولا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، ولا يخرج في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدق، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية». وقال صلى الله عليه وسلم - في أول ما أخذ الصدقة للمصدقين-: «لا تأخذوا من حزرات الناس»، وقال في حديث آخر:

"إياك وكرائم أموالهم خذ الجذعة والثنية". وروي أن عمر مُرَّ عليه بغنم من الصدقة فرأى فيها شاة حافلاً ذات ضرع عظيم، فقال: "ما أعطى هذه أهلها وهم طائعون، لا تفتتنوا الناس، لا تأخذوا حزرات المسلمين"، وقال عمر للساعي: "تعد عليهم السخلة يحملها الراعي، ولا تأخذها، ولا الرُّبى التي وضعت ولا الأكولة شاة اللحم ولا الحامل الماخض، ولا فحل الغنم، وتأخذ الجذعة والثنية، وذلك عدل بين غذاء المال وخياره". قال ابن أبي زمنين: الغذاء: صغار الماشية، واحدها غذي، والخيار: الكبار. قال عبد الوهاب: وقد روي: "ولا ذات عيب، ولا اللئيمة، ولا المريضة، ولا المسنة، ولكن من وسط أموالكم؛ فإن الله عز وجل لم يسألكم خياره ولم يأمركم بشره".

قال مالك: وإذا كانت الغنم رُبى كلها أو ماخضاً أو أكولة أو فحولة لم يكن للمصدق أن يأخذ منها شيئاً، وليأت ربها بجذعة أو ثنية مما فيه وفاء، وليس للساعي أن يأبى ذلك، ويلزمه قبولها. [فصل 3 - معاني الغريب في حديث الصدقة] قال ابن حبيب: والسخلة هي المولودة من الخرفان أو الجديان، والأكولة: هي التي تعوهدت بالرعي وكثر أكلها، من ذكر أو أنثى كما تتعاهد العليف، والأكيلة: التي قد أكلت أو تؤكل، ويقال: شاة عليف، والعلوف: الرجل الذي يعلفها مثل قتيل وقتول، والماخض ما دنى ولادتها، والربى: التي كما ولدت، أو قرب ما ولدت، والحافل: الكبيرة الضرع، وحزرات الناس: خيار مواشيهم، والهرمة: الشارفة، والعوار بالفتح: العيب وهو الذي في الحديث فيما لا يؤخذ في الصدقة، وأما برفع العين فمن العور، والفصلان: صغار الإبل ما لم تبلغ السن المذكور المأخوذ، وكذلك العجاجيل من البقر. ومن المدونة قال: والوقص: هو ما بين الفريضتين والنصاب: ما فيه الزكاة،

والسائمة: الراعية، قال الله تعالى: {فِيهِ تُسِيمُونَ} أي ترعون. [فصل 3 - ذِكْر أسنان ما يؤخذ في زكاة الغنم وصفاتها] قال مالك: ولا يأخذ ما فوق الثني ولا ما تحت الجذع، ولا يأخذ إلا الثني أو الجذع إلا أن يشاء رب المال أن يعطيه ما هو أفضل من ذلك فليأخذه لقوله صلى الله عليه وسلم/ للذي أعطى ناقة سمينة مكان بنت مخاض: "ذلك الذي عليك فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك" قال: والجذع من الضأن والمعز في أخذ الصدقة سواء، يريد: أنه يجزي أحدهما في الصدقة ذكراً أو أنثى، قال أشهب وغيره، وكذلك فيما يؤخذ منها عن الإبل.

وذهب ابن حبيب إلى أنه إنما يؤخذ الجذع من الضأن أو الثني من المعز كالضحايا، قال أبو محمد: وليس هذا بقول مالك ولا أصحابه. وقال عمر بن عبد العزيز: لا يجزئ في الضحايا والهدايا إلا الثني من كل شيء، ذكر ذلك في المختلطة، وذكره مالك في موطأه عن ابن عمر. م: ووجه هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة بن نيار في العناق في الضحايا: "اذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك" فكذلك الهدايا والزكاة ولأن ذلك كله قربة إلى الله عز وجل. ووجه ما في المدونة من أن الجذع من الضأن والمعز يجزئ في الزكاة، ولا يجزئ الجذع في المعز في الضحايا قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بردة بن نيار في الضحايا في العناق من المعز: "اذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك" وإنما جاز ذلك في الزكاة لقول عمر رضي الله عنه: "خذ الجزعة والثنية وذلك عدل بين غذاء المال وخياره".

ووجه قول ابن حبيب أن النبي صلى الله عليه وسلم لما منع من الجذع من المعز في الضحايا فكذلك يجب أن يكون في الزكاة. قال علي بن زياد، وابن حبيب، وغيرهما: والجذع من الضأن والمعز: ابن سنة وقيل: ابن عشرة أشهر، روى ذلك ابن وهب، وقيل: ابن ثمانية، وقيل: ابن ستة أشهر، روى ذلك علي بن زياد، وقال: والثنية: التي طرحت ثنيتها. ومن المدونة، قال مالك: ويؤخذ الثني من الضأن ذكراً أو أنثى، ولا يؤخذ الثني من المعز إلا أنثى لأن الذكر منها تيس، ولا يأخذ المصدق تيساً، والتيس دون الفحل إنما يعد مع ذات العوار ويحسب على رب الغنم كما تحسب عليه العمياء والمريضة البين مرضها والهرمة والسخلة والعرجاء التي لا تلحق بالغنم، وذوات العوار هي ذوات العيب فلا يأخذها. قال ابن حبيب: وقد نُهى عن أخذ التيس في الحديث إلا أن يكون مسناً من كرام المعز فيلحق بالفحول لهذا يؤخذ إن أطاع به ربه.

[فصل 4 - في رداءة النوع] ومن المدونة قال مالك: وإن كانت الغنم كلها قد جربت أو ذوات عوار أو سخالاً أو كانت البقر عجاجيل كلها والإبل فصلاناً كلها وفي عدد كل صنف منها ما تجب فيه الصدقة كُلف ربها أن يشتري ما يجزئه. قال عبد الوهاب: وقال داود: لا شيء في الصغار، وقال أبو حنيفة: لا شيء فيها إلا أن يكون معها نصاب من الكبار، وقاله الشافعي. ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: "وفي خمس وعشرين من الإبل بنت مخاص، وفي الثلاثين من

البقر تبيع، وفي الأربعين من الغنم شاة" فعم، والاسم في ذلك كله يقع على الصغار والكبار، وروي: "وتعد صغارها وكبارها" وروي ذلك أيضاً عن عمر وعلي ولا مخالف لهما، ولأنه نماء حادث عن مال تجب في جنسه الزكاة فأشبه ربح المال. ودليلنا على قول أبي حنيفة فلأنه نتاج حادث عن حيوان تجب في عينه الزكاة فحكمه حكم الأمهات أصله إذا كانت الأمهات نصاباً. ومن المدونة قال مال: وإذا رأى المصدق أن يأخذ ذات العوار والتيس والهرمة أخذها إن كان ذلك خيراً له ولا يأخذ من هذه الصغار شيئاً، قال وكما لو لم يكن عنده إلى بُزل كلها اشترى له من السوق ما يجزيه ولم يُعطه منها فكذلك إذا كان عنده الدون اشترى له من السوق ما يجزئه. ومن العتبية قال أصبغ عن ابن القاسم: سأل عثمان ابن الحكم مالكاً عن

الساعي يأتي الرجل فيجد غنمه عجافاً كلها قال: يأخذ منها وإن كانت عجافاً. قال سحنون: وهو قول المخزومي. قال أصبغ: وأخبرني ابن وهب عن مالك وابن شهاب أو عن أحدهما أنه قال: لا يؤخر الساعي الصدقة وإن عجفت الغنم وليأخذها في الخصب والجدب ولا يضمنوها. وذكر ابن المواز رواية ابن الحكم هذه، وقال: يؤخذ منها عجافاً، وإن كانت ذات عوار أو تيوساً فليأت بغيرها، قال ابن المواز: وكذلك العجاف يشتري له ما يعطيه، وهذا معنى قول مالك: يأخذ منها يريد: أنه يزكيها لا يدعها ولكن لا يأخذ عجافاً وليكلف ربها أن يأتيه بما يجزئه. م: وظاهر هذه الرواية خلاف ما ذكر محمد وأنه يأخذ منها بعينها وإن كانت عجافاً؛ لأنه قال: تؤخذ عجافاً، وإن كانت ذات عوار فليأت بغيرها فدل أن العجاف بخلاف ذات العوار/ وأنه يأخذ منها بعينها. والله أعلم. م: وأنا أرى إن كانت أكثر أغنام الناس عجافاً، وإنما فيها السمين القليل، فليأخذ من العجاف؛ لأن السمين حينئذ هو من حزرات الناس، وقيمة العجيف حينئذ كقيمة السمين في وقت تكون كلها سماناً، وإن كان إنما عجفت غنم هذا وحده لعلةٍ دخلت عليه خاصة، فليكلف حينئذٍ أن يأتيه بما يجزئه، ولا يأخذ العجاف؛ لأنها لا قيمة

لها حينئذٍ فيضر بالمساكين. [فصل 5 - لا زكاة في الأوقاص] ومن المدونة قال مالك: ولا شيء في الوقص وهو ما بين الفريضتين من جميع

الماشية وقد سأل معاذ النبي صلى الله عليه وسلم عن الأوقاص قال: "ليس فيها شيء". ثبت ذلك عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير طريق. [فصل 6 - نتاج السائمة يضم إلى أصله في تكميل النصاب] قال مالك: ومن كانت له ثلاثون من الغنم فتوالدت قبل قدوم الساعي بيوم فتمت أربعين زكاها عليه، وإن كان الأصل غير نصاب لأنها إنما زادت بولادتها بخلاف ما لو أفادها إليها. قلت: هل كان مالك يعرف أن المصدق يجمع الغنم ثم يفرقها ثم يخير رب الغنم أي الفريقين شاء ثم يأخذ هو من الفرقة الأخرى فقال: لم يعرفه مالك وأنكره. [فصل 7 - وجوب الزكاة في العوامل] قال مالك: ومن كانت له إبل أو بقر أو غنم يعمل عليها ويعلفها ففيها الصدقة إن بلغت ما تجب فيه الصدقة والعوامل وغير العوامل سواء.

قال عبد الوهاب: وخالفنا أبو حنيفة، والشافعي. ودليلنا: قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة". وقال: "وفي كل ثلاثين من البقر تبيع" فعم؛ ولأن اختلاف الصفات عليها كاختلاف الأسنان، فإذا كان اختلاف الأسنان لا يؤثر في الزكاة، فكذلك اختلاف الصفات. [فصل 8 - في زكاة الخيل] ولا زكاة في الخيل خلافاً لأبي حنيفة في إيجابه الزكاة في إناثها. ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: "عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق" وقوله: "ليس على

المسلم في عبده ولا فرسه صدقة" وقوله: "ليس في الجبهة ولا في الكُسْعة ولا في النُّحِّةِ صدقة" قال أهل العربية: الجبهة: الخيل، والكُسعة: الحمير والنُّحِّةُ: الرقيق؛ ولأنه حيوان يقتنى للزينة كذكورها، وكالحمير؛ ولأنه حيوان لا يجزي في الضحايات والهدايا كالدجاج والوحش.

[الباب الرابع] في زكاة ماشية القراض والمدير

[الباب الرابع] في زكاة ماشية القراض والمدير [فصل 1 - ماشية القراض زكاتها على رب المال في رأس ماله] قال مالك رحمه الله: ومن أخذ مالاً قراضاً فاشترى به غنماً فتم حولها وهي بيد المقارض فزكاتها على رب المال في رأس ماله ولا شيء على العامل. [فصل 3 - زكاة الفطر عن عبيد القراض] قال أبو محمد: وكذلك زكاة الفطر في عبيد القراض على رب المال في رأس ماله وليس من مال القراض، وأما نفقتهم فمن مال القراض ونحوه في كتاب ابن المواز، وظاهر ذلك: المساواة بين الماشية وعبيد القراض وأن ذلك على رب المال في رأس ماله وليس من مال القراض. وقال ابن حبيب في عبيد القراض: إن زكاتهم كالنفقة ملغاة، ورأس المال هو العدد الأول، قال: وأما الغنم: فمجمع عليها في الرواية عن مالك من المدنيين والمصريين أن زكاتها على رب المال من هذه الغنم لا من غيرها، فتطرح قيمة الشاة المأخوذة من أصل المال، ويكون ما بقي رأس المال، قال: وهي تفارق زكاة الفطر، لأن هذه تزكى من رقابها، والفطرة مأخوذة من غير العبيد. م: واختلف أصحابنا في قول ابن حبيب هذا فقال أكثرهم: هو وفاق للمدونة، وظهر لي أنه خلاف لما في المدونة، والدليل على ذلك مساواة الإمام أبي محمد بن أبي زيد بينهما في المختصر وفي النوادر ولا مدخل للتأويل في كلامه مع ما يسعده من ظاهر

المدونة، وكتاب محمد، والقياس، وذلك أنا اتفقنا أن المقارض إذا أشغل بعض المال لم يكن لربه أن ينقص منه شيئاً؛ إذ عليه عمل العامل فله شرطه، ولا خلاف أعلمه بين أصحابنا في هذا، فإذا ترك الساعي رب المال وأخذها من العامل كان قد نقص من المال بعد إشغاله. فإن قيل: فإنه إذا أدّاها رب المال من عنده كان ذلك زيادة في القراض بعد إشغال المال وذلك لا يجوز، قيل: إنما الزيادة التي لا تجوز ما وصل إلى يد العامل وانتفع به، وهذا لا يصل/ إلى يد العامل منه شيء، إنما يأخذه الساعي، ولو كان ذلك زيادة في القراض لكان في زكاة الفطر عن عبيد القراض زيادة. فإن قيل: فإن الغنم زكاتها من رقابها؛ فلذلك أخذت من رب المال، قيل: والدنانير أيضاً زكاتها منها، فيلزمك أن تقول: إذا كان رب المال يدير والعامل لا يدير، وبيده سلع ومال عين أن يزكي عن العين من مال القراض، وهذا خلاف النص، وقد قال محمد وغيره: إن زكاة ذلك على رب المال يقوم ما بيد العامل ويزكي من عنده، ولا يزكي العامل ما ينوبه إلا بعد المفاصلة لعام واحد. وأيضاً: فيلزمك أن تقول إذا كانت الإبل شنقاً تزكى بالغنم أن زكاتها على رب المال؛ لأن زكاتها من غيرها، كعبيد القراض، فإن قلته فقد خالفت قول ابن حبيب وانفردت بقولك، وإن قلت على العامل فقد نقضت حجتك، إذ حجتك أن كل ما يزكى من غيره فهو على رب المال. وأيضاً فإنا نقول: إن الشاة المأخوذة من الأربعين، إنما هي زكاة عن رقابها، والفطرة أيضاً زكاة عن رقاب العبيد، فاستويا؛ فوجب أن تكون زكاتهما على من له الرقاب، والمقارض لا شيء له في الرقاب، وإنما الذي يأخذه كالإجارة، فلا ينبغي أن يكون عليه من زكاة الرقاب شيء. فإن قلت: فإنه إذا أسقطت قيمة الشاة من أصل مال القراض لم يدخل على العامل في ربحه نقص، قيل: يدخل عليه ذلك إذا حالت أسواق الغنم بزيادة بعد ذلك، وهذا كله إذا كان رب المال غائباً عنه، فللساعي أخذ الشاة من العامل إذ قد لا يجد رب المال فيؤدي ذلك إلى إسقاط الزكاة عنها، فإذا أخذها سقطت قيمة الشاة من مال

القراض، وكان ما بقي رأس مال، ويكون أخذ للشاة كالاستحقاق، ولا يجوز لربها أن يدفع حينئذٍ قيمة الشاة إلى العامل، فيكون ذلك زيادة في القراض بعد إشغال المال، ويكون القول في هذا ما قاله ابن حبيب لما يدخل على الساعي من الضرر في مطالبة رب المال. وبالله التوفيق. [فصل 3 - الغنم وإن اشتريت للتجارة فالواجب فيها هو زكاة الماشية] ومن المدونة قال مالك: ولا يقوم المدير غنمه في شهره الذي يزكي فيه، وإن ابتاعها للتجارة، لأن في رقابها زكاة السائمة، وليزك رقابها كل عام، لأن الغنم فريضة في الزكاة وسنة قائمة، وقد قال مالك في الرجل يبتاع الغنم للتجارة بعد ما زكى ثمنها بثلاثة أشهر أو أربعة أشهر: إنه يستقبل بها حولاً من يوم اشتراها. فهذا يدلك أن الغنم إذا اشتريت خرجت عن زكاة المال وصارت إلى زكاة الماشية، وسواءً كان مديراً أو غير مدير إنه يستقبل بها حولاً من يوم اشتراها ثم يزكى رقابها. [مسألة: في المدير يبيع غنمه قبل أن يأتيه الساعي] قال مالك: ولو باعها قبل الحول أو باعها بعد حول قبل مجيء الساعي فإنها ترجع إلى زكاة الذهب ويزكى الثمن لحول من يوم أفاده أو زكاه.

[مسألة: إن زكى عينها ثم باعها فحول ثمنها من يوم زكاة عينها] قال: ولو باعها بعد أن زكى رقابها زكى الثمن لحول من يوم زكى الرقاب. [مسألة: إن كانت دون النصاب قومها المدير مع عروضه] ابن المواز: ولو كانت الغنم التي اشترى المدير أقل من أربعين فإنه يقومها مع عروضه في شهره الذي يقوم فيه ولا ينظر إلى حولها وهي بمنزلة العرض. [مسألة: إن بلغت النصاب بعد تقويمها فأتى الساعي أخذ منها زكاة الماشية] م: وقال بعض شيوخنا: فإن قوّم هذه الغنم ثم بعد ذلك تمت بولادة أو بُدل قليل بكثير فأتى الساعي وهي نصاب أخذ منها الزكاة ولا يُسقِط عنه الزكاة ما تقدم من تقويمه إياها قبل مجيء الساعي، والله أعلم.

[الباب الخامس] في اجتماع الضأن والمعز والبقر والجواميس

[الباب الخامس] في اجتماع الضأن والمعز والبقر والجواميس [فصل 1 - يضم الجنس إلى جنسه في تكميل النصاب] قال مالك: وتضم الضأن إلى المعز في الزكاة، والجواميس إلى البقر، والبخت إلى الإبل العراب/. قال بعض البغداديين: لأن الاسم والجنس يُجمع ذلك كله فدخل في عموم قوله: "في كل خمس من الإبل شاة، وفي كل ثلاثين من البقر تبيع، وفي كل أربعين شاة شاة". [فصل 3 - الغنم تكون فيها الضأن والمعز تؤخذ الصدقة من أكثرها وإن كانت متساوية خير الساعي] ومن المدونة: قال ابن القاسم فيمن له سبعون ضائنة وستون معزة فعليه شاة من الضأن وأخرى من المعز، ولو كانت المعز خمسين كان عليه شاة واحدة من الضأن، ولو كانت ستين من الضأن. وستين من المعز أخذ الساعي واحدة من أيهما شاء، ولو كانت عشرون ومئة ضائنة، وأربعون معزة أخذ من الضأن واحدة ومن المعز أخرى، ولو كانت المعز ثلاثين أخذ شاتين من الضأن. ومن المجموعة: قال مالك: ومن له ضأن ومعز تجب فيهما شاة أخذها المصدق من أكثرهما، فإن استويا فمن أيهما شاء.

قال ابن القاسم: وإن كان فيهما شاتان، فإن كان في أقلهما عدد الزكاة. م: يريد: وكونها أوجبت الشاة الثانية أخذ من كل صنف واحدة. م: لأن زيادة ما لا يوجب حكماً إنما هو وقص فلذلك شرطنا أن كونها أوجبت الشاة الثانية. وإن كانت القليلة ليس فيها عدد الزكاة، يريد: أو كان كونها لم يوجب الشاة الثانية أخذ الشاتين من الكثيرة.

وإن كان فيهما ثلاث شياة وكانت القليلة كونها أوجبت زيادة الواحدة وفيها مع ذلك عدد الزكاة أخذ الثالثة منها، وإن لم يوجب كونها زيادة الواحدة. م: يريد: وإن كانت أكثر من نصاب فهي وقص لا يأخذ منها وإن كثرت. م: ولو كان فيهما أربع شياة وكانت القليلة أوجبت الشاة الرابعة ابتدأ الحكم في المئة الرابعة فيأخذ الشاة الرابعة من أكثر المئة الرابعة، فإن استويا خيّر الساعي في الرابعة؛ لأن الحكم انتقل إلى المئتين، وكذلك يصنع فيما زاد يبتدي الحكم في المئة الآخرة. قال أبو محمد: ورأيت لسحنون ولم أروه؛ فيمن له عشرون ومئة ضائنة، وأربعون معزة، أن يأخذ الشاتين من الضأن. م: يريد: كأنه جعل في الأربعين من الضأن شاة، فيبقى منها ثمانون، والمعز أربعون، فيأخذ الشاة الثانية من الضأن؛ لأنها أكثر. قال أبو محمد: والذي ذكر ابن القاسم أبين، وهي بخلاف من له أربعون بقرة وعشرون جاموساً، قال في هذه: يأخذ واحدة من كل صنف. م: لأنه يجعل في الثلاثين من البقر تبيعاً، وتبقى عشرة منها مع عشرين جاموساً؛ فيأخذ تبيعاً من الأكثر وهي الجواميس.

م: والفرق بينهما أن الثمانين الزائدة على الأربعين في الضأن وقص لا شيء فيها، والعشرة الزائدة على الثلاثين في البقر ليس هي وقصاً؛ لأنها أحالت الفريضة عن حالها. م: ولو كانت الضأن مئة وإحدى وعشرين لأشبهت مسألة الجواميس مع البقر؛ لأن الإحدى والثمانين الزائدة على الأربعين شاة ليس بوقص، لأنها أحالت الفريضة وصارت الأربعون معزاً حينئذٍ وقصاً فوجب أن يأخذ الجميع من الكثير. قال أبو محمد: ولو كانت مئة وخمسين ضائنة وخمسين معزاً، أو مئة وإحدى وعشرين ضائنة وأربعين معزاً ينبغي أن يأخ الجميع من الكثير. م: صواب. ومن المدونة: ولو كانت ثلاث مئة ضائنة، وتسعين معزة، أخذ ثلاث ضوائن، ولا

شيء في المعز؛ لأنها هاهنا وقص حتى تبلغ مئة فتكون فيها معزة ولو كانت ثلاثة مئة وخمسين ضائنة وخمسين معزة أخذ ثلاث ضوائن وخير الساعي في الرابعة إن شاء معزة أو ضائنة، ولو كانت الضأن ثلاث مئة وستين والمعز أربعين أخذ أربع ضوائن وكذلك من كانت له ستون ضائنة وأربعون معزة أنه يأخذ شاة من الضأن، ولو كانت الضأن ثلاث مئة وأربعين، والمعز ستين، أخذ ثلاث ضوائن ومعزة، ولو كانت مئتي ضائنة ومئة من المعز، أو مئة وخمسين أخذ ضائنتين ومعزة، وكذلك في تسعين ومئة ضائنة وستين ومئة معزة، وإن كان في كل صنف مئة وخمسة وتسعون/ أخذ من كل صنف واحدة وأخذ الثالثة من أيهما شاء. [فصل 3 - في اجتماع الجواميس مع البقر والبخت مع الإبل العراب] وكذلك يجري في اجتماع الجواميس مع البقر، والبخت مع الإبل العراب، فإن كان له عشرون جاموساً وعشرة من البقر فعليه تبيع من الجواميس، وإن كانت أربعين جاموساً وعشرة من البقر أخذ من الجوامس مسنة، وإن كانت أربعين جاموساً وثلاثين من البقر أخذ من الجواميس مسنة ومن البقر تبيعاً، ولو كانت البقر عشرين أخذ من كل صنف تبيعاً، ولو كانت عشرين جاموساً وعشرين بقرة أخذ مسنة من أيهما شاء، وإن كان من كل صنف ثلاثون أخذ من كل صنف تبيعاً.

[الباب السادس] في زكاة ماشية المديان وحبه وزكاة الفطر عن عبده

[الباب السادس] في زكاة ماشية المِدْيان وحبه وزكاة الفطر عن عبده [فصل 1 - لا يُسْقِط الدين زكاة حب ولا ماشية ولو ماثله وإنما يُسقِط زكاة العين فقط] قال مالك رحمه الله: ولا يسقط الدين زكاة الماشية وإن كان يغترقها ولا مال له غيرها، أو كان الدين مثل صفتها، ولا يمنع الغرماء المصدق من أخذ الزكاة منها، وكذلك لو رفع من أرضه حباً أو ثمراً، وعليه من الدين صفة ما رفع، لم تسقط عنه الزكاة، وإنما يسقط الدين زكاة العين خاصة. قال ابن القاسم: والفرق بينهما: أن السنة إنما جاءت في الضمار وهو المال المحبوس. وفيه كان عثمان يصيح في الناس: "هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقضه حتى تخلص أموالكم فتؤدون منها الزكاة" فكان الرجل يحصي دينه ثم يؤدي مما بقى في يديه إن كان تجب فيه الزكاة، وأما الماشية والثمار فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده يبعثون السُّعاة والخرّاص لزكاة مواشيهم وثمارهم ولا يأمرونهم بقضاء ما عليهم من الديون، والعين مصروف إلى أمانتهم، مقبول قولهم فيه.

وقد تقدم هذا في الكتاب الأول. [فصل 3 - فيمن له عبد، وعليه عبد دين هل يزكي عن عبده زكاة الفطر] قال ابن القاسم: وأما من له عبد، وعليه عبد مثله في صفته، فلا يزكي للفطر عنه إن لم يكن له مال، وفي كتاب محمد: وعنده ما يخرج منه زكاة الفطر.

وقال سحنون: يزكي وقد قيل: إنه بمنزلة الحب والثمر وعليه الزكاة وهو أحسن، وروي ذلك عن مالك وهو قول ابن القاسم. م: ووجه ذلك أن الله تعالى قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} فكان الواجب ألا يسقط الدين زكاة لعموم الآية فخصت السنة العين من ذلك وبقي ما سواه على أصله مع ما أبانت السنة في المواشي والثمار، والعبد مثل ذلك. ووجه قوله: لا يزكي الفطرة عنه: أن الفطرة لما كانت موكولة في إخراجها إلى أمانته ولا ساعي فيها أشبهت العين، والعين يُسقِطُه الدين، فكذلك هذا.

[الباب السابع] في الماشية تباع أو تستهلك، أو يبادل بها

[الباب السابع] في الماشية تباع أو تستهلك، أو يبادل بها قال مالك: ومن أشترى غنماً للتجارة ثم باعها قبل الحول أو بعده قبل مجيء الساعي، فليزك الثمن؛ لأن حوله من يوم أفاده أو زكاه، ولا زكاة فيها للمصدق. وقد تقدم هذا. [فصل 1 - فيمن استهلكت ماشيته فأخذ فيها دراهماً، أو جنساً غيرها] قال ابن القاسم: ومن استهلكت غنمه بعد الحول قبل مجيء الساعي، وهي أربعون شاة فأخذ في قيمتها دراهم زكاها مكانه؛ لأن حولها قد تم. م: يريد إذا كانت الدراهم التي أخذ فيها نصاباً، وكانت الغنم للتجارة، وإن كانت للقنية دخل في القيمة اختلاف قول مالك، هل يستقبل بها حولاً أم لا؟. قال ابن القاسم: وإن أخذ بالقيمة إبلاً أو بقراً فلا شيء عليه، ويستقبل بها حولاً من ذي قبل. قال سحنون: وقال عبد الملك: عليه الزكاة في الإبل والبقر، وقاله مالك في العتبية. م: وجه ذلك: فلأنه أخذ جنساً فيه الزكاة عن جنس فيه الزكاة كأخذه عن

الذهب ورقاً أو عن غنم عنماً أن الثانية على حول الأولى، وذكرهم للقيمة لغو. ووجه قول ابن القاسم/ فلأنه إنما وجب له عنده قيمة، فأخذ فيها إبلاً، فهو كاشترائه بالعين إبلاً أن حولها مؤتنف، وكمن أخذ إبلاً عن غنم أن الحول موتنف عند ابن القاسم. [فصل 2 - من استهلكت غنمه فأخذ بالقيمة غنماً في مثلها الزكاة] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن أخذ بالقيمة غنماً في مثلها، فلا زكاة عليه أيضاً، ولابن القاسم قول ثان، أنه يزكيها كالمبادلة بها، والقيمة لغو إلا أن تكون أقل من أربعين، فلا شيء عليه فيها. قال سحنون: والقول الأول أحسن قال أشهب: كما لو باع الأولى بدنانير ثم أخذ بالدنانير غنماً. قال حمد يس: إنما يختلف قوله إذا دخلها عيب يوجب له قيمتها، فكان مخيراً بين أخذ قيمتها أو عينها، فتارة يعد أخذه للغنم عوضاً عن العين، وتارة عوضاً عن القيمة، وأما لو ذهبت العين أصلاً حتى لا يكون له إلا القيمة، فأخذ فيها غنماً فلا يختلف قوله ألا زكاة عليه فيها. والله أعلم. فصل [3 - فيمن باع ماشيته قبل أن يزكيها قبل الحول أو بعده وهي ميراث أو مشتراة لقنية] ومن المدونة: قال مالك: ومن ورث نصاب غنم، أو اشتراها للقنية ثم باعها بعد الحول قبل مجيء الساعي بما فيه الزكاة لم يزك الثمن ويستقبل به حولاً بعد قبضه إلا أن

يبيعها فراراً فتلزمه زكاة السائمة، ثم قال مالك: أرى أن يزكي الثمن الآن، وكذلك إن باعها بعد ستة أشهر من يوم ابتاعها أو ورثها فإنه يزكى الثمن لستة أشهر أخرى، وعلى هذا ثبت وهو أحب إلي. م: يريد: لأن القنية لا تقدح في الماشية فلا تمنع المصدق من زكاتها؛ لأن الزكاة في أعيانها كالدنانير والدراهم فخالفت غيرها مما يقتنى. قال ابن القاسم: ولو باعها بعد أن زكى رقابها زكى الثمن لتمام حول من يوم زكى الرقاب. قال ابن المواز: ولم يختلف مالك وأصحابه أنه يزكي الثمن لحول من يوم زكى الرقاب كانت لقنية أو ميراث أو من تجارة، وإنما اختلف قوله فيمن باعها قبل أن يزكيها قبل الحول أو بعده وهي ميراث أو مشتراة لقنية فقال: يأتنف بالثمن حولاً، ثم قال: يزكي لحول من يوم ملكها ولا ترجع إلى أصل حول ثمنها؛ لأن القنية أبطلت زكاة الذهب، وهذا إنما باع بما فيه الزكاة ولم يبع فراراً، وعلى هذا جل أصحابه إلا أشهب فثبت على قوله الأول. ولم يختلفوا أنها لو كانت للتجارة لرجعت إلى حول أصل ثمنها ويزول حول الغنم، وهو قول مالك ما لم يزك الرقاب قبل البيع، وكذلك لو كانت الموروثة أقل من أربعين وبيعت بعد الحول بما تجب فيه الزكاة أم لا أو بيعت التي زكيت بما لا زكاة فيه فلا زكاة في ثمنها ويستقبل به حولاً عند مالك وأصحابه. [فصل 4 - فيمن أشترى غنماً للتجارة أو للقنية بعين له بيده شهوراً، وفي الغنم المقتناة تباع بعد أن زكاها] قال ابن حبيب: لم يختلف مالك وأصحابه أن من ابتاع غنماً للتجارة أو للقنية

بعين له بيده شهوراً أنه يأتنف بالغنم حولاً ثم إن باع المشتراة للتجارة بعد ما زكاها بشهور أنه يزكى الثمن لحول من يوم زكى الرقاب. م: وهذا كله وفاق لما ذكر محمد. قال: واختلف قوله في المقتناة تباع بعد أن زكاها، فقال: يأتنف بالثمن حولاً من يوم البيع. م: هذا خلاف لما تقدم لابن المواز. قال: ثم قال مالك: يزكيه لحول من يوم زكى الرقاب. وأخذ بالأول: مطرف، وأشهب، وأخذ بالآخر: ابن كنانة، وابن القاسم، وابن الماجشون وأصبغ، وبه أقول. وكذلك اختلف قوله في المقتناة، والموروثة يبيعها قبل الحول، وأما التي للتجارة فترجع إلى أصلها لم يختلف فيها قوله، قال: وهذا كله إذا كان ببلد تأتي فيه السعاة، وأما إن كان ببلد لا تأتي فيه السعاة، وباعها بعد الحول فإنه يزكي زكاة السائمة.

[فصل 5 -] م: فإن قيل: ما الفرق بين من زكى ماله العين ثم اشترى به بعد أشهر نصاب ماشية للقنية أنه يأتنف بالماشية حولاً وبين من زكى ماشيته ثم باعها بعد أشهر بعين فيه الزكاة أنه يبنى على حول الأولى. قيل: الفرق أن الأصل عندنا في كل من اشترى بالعين شيئاً نواه للقنية فقد أبطل/ حول العين، سواء كان ما اشترى غنماً، أو غيرها، فلذلك استقبل بالماشية حولاً ولم يبن على حول العين؛ لأنه قد بطل، وقاله مالك وأصحابه؛ ولأن الأصل أيضاً فيمن باع شيئاً مقتنى أن يستقبل به حولاً، فلما كانت الماشية لا تقدح فيها نية القنية وأن للساعي أخذ الزكاة منها إذا حل حولها من يوم اشتراها أو ورثها فارقت غيرها من الحيوان والعروض وغير ذلك وخرجت عن حد ما يقتنى فبطل أن يستقبل بها حولاً فلم يكن بد من البناء على حولها، وأشبهت ما لا يباح اتخاذه من أواني الذهب والفضة التي لا تقدح فيها نية القنية، أو كالعين المضروب، مع إجماع مالك وأصحابه على ما ذكره ابن المواز في هذا. م: ولأن الدنانير لما كانت أثمان الأشياء وبها تقوم المتلفات فإذا أخذها عوضاً من الماشية فهي كالماشية لأنها التي يقضى له بها لو أتلفها كما لو أتلف ما يكال أو يوزن إنما عليه مثله فالقيمة أيضاً كالمثل، فصار إذا أخذ عيناً كأنه بادل غنماً بغنم. والله أعلم.

م: وقد رأيت لأشهب أنه إذا ابتاع بالعين بعد أشهر من يوم زكاة ماشية في مثلها الزكاة أنه يبني على حول الذهب، فلم يحتج أشهب إلى فرق، وهو قياس واحد. [مسألة: من باع ماشية دون النصاب لم يزك ثمنها وإن مضى عليها حول إذا كان أصها قنية أو ميراثاً] ومن المدونة: قال مالك: ومن كانت له أربعة من الإبل فباعها بعد حول لم يزك الثمن ويستقبل به حولاً. م: يري إذا كان أصلها قنية أو ميراثاً، وهي مخالفة للتي تُزكى.

[فصل 6 - فيمن باع ماشية بجنسها أو باعها بغير جنسها] قال مالك: ومن باع غنماً بإبل، أو بقراً بغنم بعد أشهر من يوم زكى رقابها فليأتنف بالذي أخذ حولاً من يوم ابتاعها وقد انتقض الحول الأول، لأنهما صنفان لا يُجْمعان في الزكاة، فهو بمنزلة من كان له عين فاشترى به بعد أشهر نصاب ماشية أنه يستقبل بالماشية حولاً من يوم الشراء. قال: وإن باع جنساً بمثله كغنم بغنم أو بمعز فالثانية على حول الأولى؛ لأن ذلك صنف واحد يضم بعضه إلى بعض في الصدقة والفوائد إلا أن تنقص الثانية عما فيه الزكاة مثل أن يبيع أربعين شاة لها عنده أشهراً بثلاثين شاة فلا زكاة عليه فيها لتمام الحول، وإن باعها بأربعين فأكثر زكاها. قال ابن المواز: ولم يختلف مالك وأصحابه فيمن باع صنفاً بصنفه من الأنعام أنها على حول الأولى، وكذلك ضأن بمعز، أو معزاً بضأن، أو بقراً بجواميس، أو جواميس ببقر. م: لأن ذلك مما يجمع بعضه إلى بعض في الزكاة، فأشبه بيع الذهب بالفضة. قال ابن المواز: فأما إن باع جنساً من ذلك بخلافه فاختلف فيه قول مالك وأصحابه:

فقال ابن القاسم، وأشهب: يأتنف بالثانية حولاً، وهي رواية ابن القاسم عن مالك. وروى أشهب، وابن وهب، وعبد الملك عن مالك: أنها على حول الأولى. قال: لأن المواشي كلها واحد فكلما أخذت بماشيتك مما تكون فيه الزكاة قائمة فه على وقت الأولى كما لو أخذت بماشيتك ذهباً، وبه قال ابن وهب وعبد الملك. وقد تقدم نحوه. [فصل 7 - فيمن باع غنماً بمال ثم اشترى به غنماً غيرها] قال ابن المواز: ومن باع ماشية بذهب وسط الحول ثم اشترى به مثلها، فقال ابن القاسم وأشهب عن مالك أنه يأتنف بالثانية حولاً، قال ابن القاسم: وكذلك لو باع غنمه بإبل أو بقر أو عرض فلم يقبض ذلك حتى أخذ به غنماً مثل عدد غنمه التي باع؛ فإنه يستأنف بالغنم الآخرة حولاً؛ لأن حول الأولى سقط حين باعها بما ذكرنا، وصارت الثانية كأنها اشتريت بذلك. قال: وكذلك لو باع غنمه بذهب ثم استقال منها فرد ثمنها، فإنه يستأنف بها حولاً، وسواء قبض ثمنها أو لم يقبضه، والإقالة بيع حادث، ولم يره مالك في الشفعة بيعاً حادثاً، لتهمتهما عنده أن يكونا أرادا نقض البيع الأول فراراً من الشفعة فيه. قال ابن المواز: وذهب عبد الملك فيمن باع غنمه بذهب ثم اشترى به مثلها إلى أن يزكى الثانية لحول الأولى، وكذلك لو أخذ بذلك الثمن إبلاً أو بقراً؛ لأنه لم

يخرجها إلا إلى ما فيه الزكاة ثانية ما لم تكن الأولى ذهباً أو ورقاً اشترى/ بها ماشية لقنية أو لتجارة فإنه يستأنف بالماشية حولاً؛ لأن النقود هي أموال الناس. وذكر عنه سحنون في كتاب ابنه فيمن رفع حباً فزكاه، ثم ابتاع به غنماً بعد اشهر، ثم تم حول من يوم حصاده قال: فليزك الغنم، وخالفه سحنون. قال: وأما إن قبض عينا في غنم فلا يزكيها إلا لحول، قال سحنون: وقوله في العين صحيح. م: واختصار هذا الانتقال في العين والمواشى أنه لم يختلف إذا باع جنساً بمثله أو بما يجمع معه في الزكاة أن الثاني على حول الأول، واختلف إن باعه بخلافه مما فيه الزكاة فقيل: يبني على حول الأول، وقيل: يأتنف بها حولاً. [فصل 8 - فيمن باع غنماً ثم رُدت عليه بعيب بعد حوْل أو أخذها في تقْليس المشتري] ومن كتاب ابن سحنون: من ابتاع غنماً فأقامت عنده حولاً ثم ردها بعيب قبل مجئ الساعي فزكاتها عى البائع. م: هذا على قولهم أن الرد بالعيب نقض بيع، وعلى قولهم إنه بيع مبتدأ: يجب أن يستقبل بها حولاً. قال: ولو ردها بعد أن أدى عنها شاة فليردها ولا شئ عليه في الشاة التي

أخذها المصدق، ولو فلس المشترى فقام الغرماء وجاء الساعي فالزكاة مُبَدأة، وما بقي للغرماء، وكذلك الحائط يُشتْرى بثمره فيأتي المصدق وقد طابت الثمرة فالمصدِّق مبدأ، ولو طلب بائع الغنم أخْذَ الغنم في التقليس فليأخذ المصدِّق شاة، ثم للبائع أخْذُ الغنم ناقصة بجميع الثمن إن شاء، ويكون ما أخذ المصدق منه. ولو هرب المشتري بالغنم عن السّاعي وهي أربعون، ثم جاء في السنة الثانية وقد فلس فليأخذ الساعي منها شاة، وتكون من البائع إن استرجع الغنم، ولا شئ له عليه في السنة الثانية ولا على المبتاع، وإن لم يأخذها البائع كان على المشتري فيها شاتان، يريد: على مذهب سحنون؛ لأنه ضامن لها فصارت الشاة الأولى في ذِمته.

[فصل 9 - فيمن باع ماشيته بعد الحول قبل مجئ الساعي فراراً من الزكاة] ومن المدونة: قال مالك: ومن باع بعد الحول نصاب إبل بنصاب غنم هرباً من الزكاة أخذ منه المصدق زكاة ما أعطى، وإن كان زكاة الذي أخذ أفضل؛ لأن ما أخذ لم يجب فيها بعد زكاة. قال: ولو باعها غير فار فلا شئ عليه إذْ حوْلها مجئ الساعي، ويستقبل بالتي أخذ حولاً، ولو باعها بعد الحول بدنانير زكي الثمن الآن إن لم يبع فراراً. قال ابن القاسم: والدنانير مخالفة لما سواها مما بيعت به هذه الإبل. قال: وإن قبض الثمن بعد أعوام زكاه لعام واحد، وإن أخذ الثمن ثم أقرضه زكاه لعامين. م: ذكر عن أبي القاسم بن الكاتب القروي في مسألة من باع غنماً هرباً من الزكاة قال: إنما يعد هارباً متى باع بعد الحول، فأما إن باع قبل الحول لم يراع فراره من غيره؛ لأنه لم يجب عليه شئ حين بيعه، وليس كمسألة الخليطين إذا اختلطا عند الحول أو قربه أن ذلك لا ينفعهما؛ لأن هؤلاء قد بقيت مواشيهم في أيديهم حتى حال الحول

عليها، والذي باع قبل الحول ليس في يده شئ بعد الحول، فلذلك افترقا. والله أعلم. م: وليس ذلك بصواب لأن بيعها بعد الحول قبل مجئ الساعي مثل بيعها قبل حولها إذْ حولها مجئ الساعي فلا فرق؛ ولأن المتخالطين إنما ألزما حكم الافتراق لأنهما أرادا بذلك إسقاط شئ من الزكاة، والفارّ إنما أراد إسقاط الزكاة، كلها، فهذه هي العلة الجامعة بينهما؛ ولأنه أراد أخذ ما وجب للمساكين فمنعه كمنع القاتل الميراث الذي لم يجب له بعد وأراد تعجيله.

[الباب الثامن] في زكاة فائدة الماشية، وذكر شيء من فائدة العين

[الباب الثامن] في زكاة فائدة الماشية، وذكر شيء من فائدة العين [فصل 1 - من أفاد ماشية بشراء أو ميراث أو غيره فلا يزكي إلا بعد الحول ومجيء الساعي]. والسنة أن لا زكاة على من عنده ماشية في مثلها الزكاة إلا بعد حول من يوم ملكها، ملكها بشراء، أو ميراث، أو غيره، مع مجيء الساعي، وحول نسلها حول الأمهات. قال مالك: ومن مات عن ماشية بعد الحول قبل مجيء الساعي لم يلزمه ولا وارثه شيء حتى يأتي حول من يوم ورثها الوارث فيزكيها الساعي حينئذ، وإن كانا وارثين في الماشية فهما كالخليطين لا زكاة على من لا زكاة في حظه، ولو كانا قد اقتسماها فعلى كل واحد ما يلزمه. قال: ولو مر به الساعي قبل حول من يوم ورثها فلا شيء عليه لتمام حوله حتى يمر به من عام قابل فيأخذ منه/ لعام واحد، وهذا كله إذا لم يكن للوارث نصاب ماشية. قال في غير «المدونة»: ومن مر به الساعي فزكى غنمه ثم مات فورثه وارث فضمها إلى نصاب له عنده حول فمر به الساعي فليزك ما ورث مع ماشيته

لأنهما ملكان مختلفان. [فصل 2 - فائدة الماشية تزكي على حول الأولى إن كانت الأولى نصاباً] ومن المدونة: قال مالك: ومن أفاد غنما إلى غنم، أو بقراً إلى بقر، أو إبلا إلى إبل بإرث، أو هبة، أو شراء، زكى الجميع لحول الأولى إذا كانت الأولى نصاباً تجب فيها الزكاة، وسواء ملك لثانية قبل تمام حول الأولى بيوم أو بعد محلها قبل قدوم الساعي، وإن كانت الأولى أقل من نصاب أستقبل بالجميع حولاً من يوم أفاد الآخرة إلا أن تكون الفائدة من ولادتها فيزكي الجميع لحول الأولى نصاباً كانت الأولى أم لا. وقال الشافعي: إذا لم تكن الفائدة نتاجاً استقبل بها حولاً كفائدة العين، وإليه ذهب محمد بن عبد الحكم. [فصل 3 -] م: والفرق بين فوائد المواشي وفوائد العين الضرورة التي تلحق الساعي في تردده، فكان العدل في ذلك أنه إذا أضاف الفائدة إلى نصاب زكي لحول الأولى، وإن اضافها إلى أقل من نصاب زكى الجميع لحول الثانية فخفف عنه تارة وثقل أخرى للضرورة في

تردد الساعي كما فعلوا في تخلف الساعي سنين أنه يزكي ما وجد بيده لسائر السنين وقد تكون في سائر السنين كثيرة واليوم هي قليلة فخفف عنه أو كانت في سائرها قليلة واليوم كثيرة فثقل عليه ها هنا؛ لأن الزكاة موكولة إلى النظر إلى أرباب الأموال والفقراء، فإذا لحق أحد الفريقين رفق أو تثقيل نظر للفريق الآخر بمثله، فلما كان إذا كان عنده أقل من نصاب لم يضم ما أفاد إليها، وفي ذلك رفق لربها وضرر على المساكين، فكذلك إذا كان عنده نصاب ضم ما أفاد إليها فكان فيه رفقاً بالمساكين وضرراً بربها فأشبه ذلك الخُلْطة وتخلف الساعي في أنها تارة تخفف، تارة تُثقَّل. [فصل 4 - من لا يأتيه السعاة لِبُعْدِه يزكي كل فائدة لحولها] ولو كان ممن لا يأتيه السعاة لبعده ولا يستطيع جلبها إليهم لزكى كل فائدة لحولها كزكاة العين؛ لأنه ساعي نفسه، ولا ضرورة تلحق أحداً في ذلك، وقاله أبو محمد بن أبي زيد. وفي كتاب ابن سحنون ما يؤيد ذلك قال- فيمن ورث إنما فمضى له حول، ومر الساعي بالناس وهو لا يمر به- فليزكها حينئذ، ويكون ذلك حوله؛ لأنه ساعي نفسه، وتصير كزكاة العين.

م: وقال بعض أصحابنا عن بعض شيوخ القرويين أنه يضيف الفائدة الآخرة إلى الأولى ويزكيَ على حول الأولى مثل بلد فيه السعاة. وفي المستخرجة ما يدل أنه يضيف الفائدة الآخرة إلى الأولى ويزكي لحول الأولى مثل بلد فيه السعاة. والذي في المستخرجة: قال أصبغ عن بعض المصريين فيمن له نصاب ماشية فأفاد إليها غنماً كثيرة فنقص النصاب قبل حوله عما فيه الزكاة فلا يزكيه إلا مع حول الفائدة الآخرة إلا أن تزيد الأولى بولادة فيتم عدد الزكاه فليزكها مع الثانية لحول الأولى، وكذلك لو أفاد الثانية إلى غير نصاب ثم تناسلت الأولى قبل حولها فتمت نصاباً فليزكها لحولها مع الفائدة الآخرة. وأصل هذا أن ينظر إلى الغنم الأولى فإن كانت الزكاة تجب فيها فليزك معها الفائدة، وإن كانت لا تجب فيها سقطت الزكاة عن الفائدة، ويزكي الجميع لحول الفائدة، إلا أن تكون ممن يأتيك الساعي، فتؤخر زكاتك إلى مجيئه.

ونحوه في المجموعة وكتاب محمد في زيادة النصاب ونقصه خاصة. [فصل 5 - ما هلك من المال بعد الحول وقبل الأخذ منه من غير تفريط سقطت زكاته] ومن المدونة: قال مالك: ومن كانت له مئتا شاة وشاة فهلكت منها واحدة بعد نزول الساعي قبل العدد لم يأخذ غير شاتين، ولو كانت له أربعون شاة فنقصت واحدة قبل الحول بيوم ثم أفادها من يومه إئتنف بالجميع حولاً إلا أن تكون من ولادتها فليزك الجميع لحول الأولى.

[فصل 6 -] قال: ومن أفاد جنساً إلى غيره كإبل إلى غنم، والأولى نصاب أم لا، فكل صنف على حوله بخلاف الجنس الواحد. [فصل 7 - في زكاة الفائدة إذا كانت دية أو صداقاً] قال مالك: ومن وجبت له إبل في دية فقبضها بعد أعوام فليأتنف بها حولاً من يوم يقبضها، وكذلك المرأة تنكح على إبل مضمونة، فإن تزوجت على إبل أو غنم بأعيانها أو على نخل فأثمرت فالزكاة في ذلك عليها وإن لم تقبضها، ولو قبضتها بعد حول زكت ذلك مكانها ولم تؤخره لأنها قد ملكتها من يوم عقد النكاح، وضمانها منها، والتى بغير أعيانها ضمانها من الزوج حتى تقبضها فلذلك استقبلت بها حولاً. فصل/ [8 - في زكاة المال المستفاد إذا كان إرثاً بيد الوصي] قال مالك: وإذا هلك رجل وترك بنين كباراً كلهم أو كباراً وصغاراً وأوصى إلى رجل فباع الوصي تركته، وأقام المال بيده ما شاء الله فلا زكاة على أحد منهم حتى يقتسموا، فيستقبل الكبار بحظهم حولاً بعد قبضه، ويستقبل الوصي للصغار بحظهم حولاً من يوم القسم، وإن كانوا صغاراً كلهم كان الوصي قابضاً لهم، ويستقبل لهم حولاً من يوم نض الثمن في يديه. [فصل 9 - الماشية إذا ورثها وحال عليها الحول وجبت زكاتها وإن لم يقبضها، بخلاف الدنانير] قال: ومن ورث مالاً نصاباً غائباً عنه فقبضه بعد أعوام فليستقبل به حولا بعد

قبضه وكذلك لو وكل من يقبضه فليستقبل به حولاً بعد قبض الوكيل وإن لم يصل إليه بعد. قيل: فلو ورث ماشية تجب فيها الزكاة فحال عليها الحول قبل أن يقبضها وهى في يد وصي أو غيره؟ قال: عليه زكاتها وإن لم يقبضها بخلاف الدنانير. والفرق بينهما أن الغنم لا يسقطها الدين، والعين يسقطه الدين فلا ينبغي أن يزكي عليه وهو غائب خوفاً أن يكون مدياناً أو يرهقه دين قبل مجئ السنة. وقال سحنون: الدنانير في ضمانه من يوم ورثها كالماشية ولكن لا تزكى خوفا أن يكن مدياناً فإذا قبضها ولا دين عليه زكاها لماضي السنين. وقد تقدم قي الزكاة الأول إيعاب هذا.

[الباب التاسع] في من أوصى بزكاة ماله من ماشية أو عين، وذكر شئ من التبدية في الوصايا

[الباب التاسع] في من أوصى بزكاة ماله من ماشية أو عين، وذكر شئ من التبدية في الوصايا. [فصل 1 - فيمن له ماشية تجب فيها الزكاة فمات بعد حولها قبل مجئ الساعي وأوصى بزكاتها] قال مالك: ومن له ماشية تجب فيها الزكاة فمات بعد حولها قبل مجئ الساعي وأوصى بزكاتها فهي من الثلث غير مبدأة، وعلى الورثة أن يفرقوها في المساكين الذين تحل لهم الصدقة وذكرهم الله في كتابه، فلهم أوصى الميت، وليس للساعي قبضها؛ لأنها لم تجب على الميت، وكأنه مات قبل حولها إذ حولها مجئ الساعي مع مضي عام. م: وذهب ابن حبيب إلى أن من مات وقد حال الحول على ماشيته ولم يأته الساعي أن زكاتها واجبة على ورثته كزكاة الحبوب والثمار. والفرق عند مالك وأصحابه في ذلك قوله عز وجل: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) فقد أوجب الله عز وجل زكاته بطيابه، فإذا مات بعد الطياب فقد مات بعد وجوب الزكاة عليه، وأوجبت السنة أن لا زكاة في الماشية إلا بعد الحول، وبعد قدوم الساعى، فإذا مات قبل قدوم الساعي فقد مات قبل حولها، وكما لو ماتت الماشية بعد الحول قبل قدوم الساعي أنه لا يجب عليه زكاتها، فكذلك موته حينئذ لأنه مات قبل حولها. ومن المدونة: وإنما يبدأ في الثلث ما كان فرط فيه من زكاة العين وأوصى به فإنه يُبدأ على ما سواه من الوصايا من العتق والتدبير في المرض وغيره إلا المُدَبر في الصحة،

وإن لم يوص بإخراج زكاة العين لم يلزم لورثة إخراجها إلا أن يشاءوا. قال: ولو حل عليه في مرضه زكاة العين أو أتاه مال غائب فأمر بزكاته فذلك في رأس ماله لأنه لم يفرط، قال ابن القاسم: وإن لم يوص بها، أمر بذلك الورثة ولم يجبروا. وأشهب يقول: هى من رأس ماله أوصى بها أو لم يوص. م: وإنما كان ما فرط فيه من الثلث وما حل عليه في مرضه من رأس المال؛ لأن ما فرط فيه لا يعلم صدقه فيه، وممكن أن يكون أخرجه وأراد الضرر بالورثة بالصدقة من رأس ماله وهو لا سبيل له إلى رأس ماله في مرضه فمنع من ذلك، وجعلت في الثلث مُبَدأه، وقوي أمرها على سائر الوصايا؛ إذ يمكن أن يكون صدق وهو لو علم صدقه يقيناً لكانت من رأس ماله، وأما ما حل عليه في مرضه فقد بان صدقه فيه فكان من رأس ماله؛ لأن الزكاة فريضة وجبت عليه. قال مالك: وإن أوصى بزكاة وجبت عليه، وبعتقٍ من ظهار، وقتل نفس فضاق الثلث، بدي بالزكاة ثم/ العتق الواجب من الظهار وقتل النفس، ولا يُبدأ أحدهما على صاحبه. م: وقيل: يبدأ بقتل النفس.

م: وإنما قدمت الزكاة عليهما؛ لأن العتق في ذلك منه عوض عند العدم وهو الصيام ثُم الإطعام في الظهار، ولا عوض في الزكاة فقدمت لهذا. واختلف في معنى قوله في العتقين: ولا يبدأ أحدهما على صاحبه فقيل: يقرع بينهما فأيهما خرج له السهم اشتريت له الرقبة، وقيل: بل يتحاصان فما ناب الظهار أطعم به وما ناب القتل شورك به في رقبة، ووجه قول من قال يبدأ بقتل النفس لأنه لا عوض منه في المال، وعتق الظهار منه عوض الإطعام. قال: والعتق في الظهار وقتل النفس يبدأن على عتق التطوع لوجوبهما، والعتق التطوع يبدأ على ما سواه من الوصايا. وقد روى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتبدية العتق على الوصايا، وقد تقدم في الصوم ترتيب ما يبدأ، وفي الوصايا إيعابه.

م: وبلغني عن بعض شيوخنا فيمن كان ببلد لا سعاة فيه، فيحل حوله ثم يموت، فيوصي بإخراج زكاته أنها من رأس ماله، لأنه ساعي نفسه، وإن لم يوص لم يلزم ورثته إخراجها كزكاة العين تحل في مرضه، وهي بخلاف زكاة الثمار تطيب ثم يموت ولا يوصي بإخراج زكاتها تلك في رأس المال وأوصى بها أو لم يوص إذ قد يكون في الماشية والعين أنه أخرج الزكاة عنهما من غير علم الورثة فلا يلزم الورثة أداؤها حتى يوصي، والثمار إنما تؤدى زكاتها عند جذاذها فقد بان أنه لم يخرجها فذلك مفترق. : وأشهب يري في زكاة العين تحل في مرضه، وفي زكاة الفطر أن ذلك من رأس ماله أوصى بذلك او لم يوص كزكاة الثمار تطيب ثم يموت ولا يوصي بإخراج زكاتها. م: وذلك قياس واحد. وقال ابن حبيب: من حلت عليه في مرضه زكاة ثمر أو حب فمات ولم يوص بإخراجهما، فإن جذ ذلك وحصده ولم يضم ذلك إلى بيته أخرج ذلك من رأس ماله وإن لم يوص بها، وأما إن ضمها إلى بيته فهي كزكاة ناضة إن كان ببلد لا ياتيه السعاة لزكاة الثمر والحب وكان صاحبه يلي تفرقته، فإن لم يوص بها أمر الورثة بإخراجها ولم يجبروا، وإن أوصى بها فهي من رأس ماله، وإن كان ببلد تأتيه السعاة فهي مأخوذة بكل حال؛ لأن وقتها لم يفت، ثم يورث ما بعدها، وإن حل عليه في مرضه زكاة ماشية فهي مأخوذة من رأس ماله أوصي بها أو لم يوص؛ لأن الفريضة التي وجبت فيها قائمة، وليس تركه إخراجها، أو الوصية بها كتركة ذلك في زكاة الناض وفي زكاة الحب.

والثمر إذا ضمه إلى بيته؛ لأن ذلك مضمون بالغيبة عليه، والماشية حيوان لا يغاب عليه. م: يريد ابن حبيب فى الماشية إذا كان ببلد لا يأتيه السعاة فهو ساعي نفسه، وأما لو كان ببلد يأتيه السعاة فالزكاة لا تجب عليه إلا بمجئ الساعي فإذا كان الأمر كذلك فهو خلاف لما ذكره بعض شيوخنا فاعلم لك. م: وتحصيل اختلاف ذلك أنه لا خلاف في زكاة الحب والثمار يموت ربها وقد طاب ولم تجذ أو جذ ولم يدخله بيته ويغيب عليه أن زكاة ذلك في رأس ماله وإن لم يوص به، واختلف في زكاته إذا أدخله بيته، وفي زكاة العين وزكاة الفطر وزكاة الماشية وهو ساعي نفسه يَحُل ذلك كله في مرضه ثم يموت فقيل: عليه زكاته أوصى به أو لم يوص به، وقيل: لا شئ عليه إلا أن يوصي ويؤمر الورثة بإخراجها ولا يجبروا. قال ابن حبيب: وكل ما فرط فيه من زكاة ماشية أو حب أو عين فإن ذلك في ثلثه إن أوصي به مُبِدة عند ابن القاسم على كل شئ إلا المدبر في الصحة، وقال ابن

الماجشون: لا يُبدا على مالا يقدر الموصي أن يرجع عنه من/ عتق قتل أو تدبير في مرض أو صحة، وبه أقول. والصواب عندنا قول ابن القاسم لما قدمتا، والله الموفق للصواب.

[الباب العاشر] في وقت خروج السعاة وتصديقهم للناس

[الباب العاشر] في وقت خروج السعاة وتصديقهم للناس [فصل:- السنة أن يبعث الإمام من يقبض زكاة الحرث والماشية] وكان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء يبعثون سعاة تقبض زكاة الحرث والماشية، وقال رجل: يا رسول الله: إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم إذا أديتها إلى رسولي برئت منها ولك أجرها، وإثمها على من بدلها)). [فصل:2 - في وقت بعث السعاة] ومن المدونة: قال مالك: وسنه السعاة أن يبعثوا قُبلَ الصيف وحين تطلع الثريا ويسير الناس بمواشيهم إلى مياههم؛ لأن في ذلك رفقاً للناس في اجتماعهم على الماء وعلى السعاة، لاجتماع الناس. قال مالك: ولا أحب لصاحب الماشية أن تنزل السعاة عنده ولا يعيرهم دوابه يريد: خيفة التهمة أن يخففوا عنه، قال: وشرب السعاة الماء من منازل أرباب الماشية

خفيف. [فصل: 3 - في خروج السعاة في سنة الجدب] وقال عنه أشهب- في المجموعة وكتاب محمد-: يبعث السعاة في كل سنة إلا في سنة شديدة الجدب فلا يبعثوا؛ لأنه يأخذ مالا يجلب وإن بيع فلا ثمن له، وقال عنه ابن وهب: لا تؤخر الصدقة وإن عجفت الغنم. قال ابن شهاب: وقد بعث الخلفاء السعاة في الخصب والجدب. قال ابن المواز: روى أصبغ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لاثنيا في الصدقة)) وتفسيره: لا تؤخر الصدقة عن عامها عند أهلها لجدوبة ولا عجوفة حتى تثنى، ولو كانت ذوات عوار، أو تيوس كلها، كان عليه أن يأتي بما يجزى عنه، إلا أن يرى المصدق أخذ ذلك. قال ابن المواز: والعجاف مثل ذلك، يأتيه بصدقتها من غيرها مما يجوز في الصدقة. وقد تقدم هذا. ومن المدونة: قال مالك: ومن مر به الساعي وفي ماشيته ما تجب فيه الزكاة فقال: إنا أفدت غنمى منذ شهر ونحوه صدق مالم يظهر كذبه.

أبو محمد: زاد أبو زيد: ويحلف. وقال مالك: لا يحلف، وقد أخطأ من يحلف الناس من السعاة. قال مالك: وإذا كان الإمام عدلاً مثل عمر بن عبد العزيز فلا يخرج أحد زكاته حتى يأتيه المصدق فإن أتاه فقال: قد أديتها لم يقبل قوله ولياخذه بها. وقال أشهب: لا شئ عليه إلا أن يتهم بمنع الزكاة. قال مالك: وإن كان الإمام غير عدل فليضعها مواضعها إن خفي له ذلك وأحب إلى أن يهرب بها عنهم إن قدر، فإن خاف أن يأتوه ولم يقدر ان يخفيها عنهم فليؤخر ذلك حتى يأتوه، فإن أخذوها منه أجزأه.

ابن مهدي: وإن أبا سعيد الخدري وسعد بن مالك وأبا هريرة وعبد الله بن عمر قالوا: يجزيك ما أخذوا. قال الحسن وأنس: ما أعطيت في الطرق والجسور فهو صدقة. وروى ابن وهب أن النبي صلى الله عيه وسلم قال: ((أما والله لولا أن الله قال: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها) ما تركتها جزية عليكم تؤخذون بها بعدي، ولكن أدوها إليهم فلكم برها وعليهم إثمها)) ثلاث مرات. قال ابن وهب: وأمر بدفعها إلى السلطان الصحابة والتابعون. قال ابن المواز: قال ابن وهب عن مالك: وإن أخذها منه الساعي قبل محلها

لم تجزه. وقال ابن القاسم: إن أخذه بزكاة زرعه بعدما يبس أو بزكاة غنمه أو ماله قبل محله فإن كان بقرب محلها أجزأه، والزرع أبينه. وبعد هذا باب فيه من معاني هذا الباب.

[الباب الحادي عشر] جامع القول في زكاة ماشية الخلطاء

[الباب الحادي عشر] جامع القول في زكاة ماشية الخلطاء [فصل 1 - الخلطة في الماشية مؤثرة ومشروعة] وفي كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية/، ولا يجمع بين مفترقين ولا يفرق بين مجتمعين خشية الصدقة)). أشهب: وكذلك قال عمر بن الخطاب: ((وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية)). قال بعض العلماء من أصحابنا: الخليط في الغنم: الذي لا يشاركه صاحبه في الرقاب. ويخالطه في الاجتماع والتعاون، قال مالك: وغنمه معروفة من غنم صاحبه. والشريك: المشارك في الرقاب ولا يعرف غنمه من غنم صاحبه، وله حكم

الخليط، فكل شريك خليط، وليس كل خليط شريكاً. [فصل 2 - في أوجه الخلطة، وهل من شرطها اجتماع جميع صفاتها؟] ومن المدونة: قال مالك: ومما يوجب الخلطة أن يكون الراعي والفحل والدلو والمراح والمبيت واحداً، فهذه أوجه الخلطة. قال ابن القاسم: وأوجه الخلطة إذا لم تكن كلها وانخرم بعضها لم يخرجهم ذلك من الخلطة، ولو جمعها الراعي والدلو والمراح والفحل وافترقت في المبيت والحلاب في دور أو قرى مفترقة ويجمعها راعِ واحد أو رعاة فهم خلطاء، وقد ضعف مالك المبيت، ولو فرقها الدلو واجتمعت فيما سواه فهم خلطاء، وهذا أهون من تفرقة المبيت، وكذلك لو كان راعي هؤلاء أجرته عليهم خاصة، وراعي الآخرين أجرته عليهم خاصة، وهم يتعاونون فيها فهم بمنزلة الراعي الواحد إن كان أربابها جمعوها أو أمروا الرعاة بجمعها فجمعوها حتى كان المراح والدلو والمسرح واحداً فهم خلطاء. قال ابن القاسم في العتبية: ولا يكونوا خلطاء حتى يجتمعوا في جل ذلك. قال الأبهري: لا يجزي عندي اقل من وجهين من أوجه الخلطة. وقال ابن حبيب: أصل الخلطة الراعي فإذا جمعها الراعي اجتمعت في أكثر ذلك، وإن فرقها الراعي فليسوا بخلطاء وإن جمعها المرعى. ومعنى الفحل واحد: أن يضرب فحل كل واحدة الأخرى.

ومن المدونة: قال مالك: وإن فرقها الدلو وسط السنة وجمعها في طرفيها فهم خلطاء، وكذلك الفحل إذا كان الدلو والمراح واحداً. قال مالك: وإن لم يختلطوا إلا في شهرين من آخر السنة فهم خلطاء، وإنما يُنظر إلى آخر السنة لا إلى أولها. قال ابن القاسم: وإن اجتمعت في آخر السنة أقل من شهرين فهم خلطاء مالم يقرب الحول جداً فيصير إلى الحديث الذي نهي فيه ألا يجمع بين مفترق لا يفرق بين مجتمع. قال ابن المواز: وكذلك أقل من شهر مالم يقرب الحول جداً. وقال ابن حبيب: لا يجوز بأقل من شهر. ومن المدونة: قال ابن وهب: قال مالك: وتفسير لا يجمع بين مفترق: أن يكون ثلاثة لكل واحد أربعون شاة فإذا أظلهم الساعي جمعوها ليؤدوا شاة واحدة. والتفريق بين مجتمع: أن يكونا خليطين لكل واحد منهما مئة شاة وشاة، ففيها ثلاث شياه فإذا أظلهما الساعي إفترقا ليؤديا شاتين فنهوا عن ذلك.

قال عبد الوهاب: فإذا ثبت المنع فمتى فعل لم يؤثر ذلك في حكم الزكاة وأخذوا بما كانوا عليه قبل ذلك؛ لأن في ذلك ذريعة إلى نقص الزكاة وضرراً بالفقراء، ولذلك قلنا إن من أبدل عينة بعين مثلها، أو ماشية بماشية من صنفها أن ذلك لا يسقط عنه الزكاة ولا تعد الثانية الآن مشتراه وليبنِ على حول الأولى، خلافاً لأبي حنيفة؛ لأن ذلك ذريعة إلى إسقاط الزكاة، ولذلك قلنا: إذا بادل صنفاً بخلافه فراراً من الزكاة فليأخذه المصدق بزكاة ما كان عنده. ومن المدونة: قال مالك: والخليطان في الإبل والبقر والغنم سواء، قال ابن القاسم: فإذا بلغت إبلهما عشرين ومائة أخذ منها حقتين، فإن كان لأحدهما خمس من الإبل، وللآخر خمس عشرة ومئة فأخذ الساعي منهما حقتين فليترادا قيمتهما على أربعة وعشرين جزء، على صاحب الخمس جزء منها وهو ربع السدس، وما بقي فهو على الآخر. قال مالك: وإذا كان لأحدهما تسع/ من الإبل وللآخر خمس فعلى كل واحد شاة، ثم رجع مالك فقال: يترادان في الشاتين للخلطة. م: وهو الصواب للحديث، وإنما اختلف قول مالك؛ لأنه رأى أن الإفتراق

عليهما والإجتماع سواء، وأما لو كان لأحدهما ست وللآخر تسع فلا يختلف قوله في ذلك أنهما يترادان؛ لأن اجتماعهما أوجب عليهما ثلاث شياة، وفي الافتراق شاتين، فمتى تغير الحكم باختلاطهما فلا يختلف فيه قول مالك أنهما يترادان. وبلغني ذلك عن بعض شيوخنا. [فصل 3 - الخلطة تصح في الماشيتين إن كانتا مما يضم إحدهما إلى الأخرى في الزكاة] ومن كتاب ابن سحنون: ولا بأس أن يختلطا لهذا ضأن ولهذا معز ثم يأخذ المصدق منهما كما ياخذ من الرجل الواحد، فإن كان فيها شاة أخذها من الأكثر عدداً، ثم يترادان فيما أخذ، ولا يقال: إن صاحب ضان زكى بمعز ولا صاحب معز زكى بضأن؛ لأنهما كرجل واحد. وقال في غيره: وكذلك في البقر والجواميس، والبخت مع الإبل العراب. [فصل 4 - يعتبر النصاب في حصة كل واحد من الخلطاء] ومن المدونة: قال مالك: وإن كانوا ثلاثة: لواحد خمسون شاة، ولآخر أربعون، ولآخر واحدة وهم خلطاء، فأخذ الساعي منهم شاة فهي على صاحبي التسعين على

تسعة أجزاء ولا شيء على صاحب الواحدة إذ لم يضرهما فإن أخذها الساعي غرماها له على تسعة أجزاء: خمسة على صاحب الخمسين، وأربعة على صاحب الأربعين. م: فإن كانت هذه الشاة شاة لحم رجع عليهما بشاة وسط؛ لأن الساعي ظلمه وأخذ زيادة على حقه، قاله بعض شيوخنا، قال: ولو كانت هذه الشاة معيبة لا تؤخذ في الزكاة لم يرجع على صاحبيه بشيء، لأن الزكاة باقية عليهما، وهما مأموران بإخراجها. م: وهذا إذا كانت لا تجزي بحال؛ لأنها عجفاء أو سخلة، وأما إن كانت من ذوات العوار ورأى الساعي أخذها نظرًا فهي تجزيهما ويغرمان له قيمتها، والله أعلم. ومن المدونة: قال ابن وهب عن مالك: وإن كان لأحدهما ألف شاة أو أقل، وللآخر أربعون شاة أو أكثر فهما خليطان يترادان بالسوية، وقاله ابن أبي سلمة. قال ابن القاسم: ولو كان لواحد أربعون وللآخر ثلاثون فأخذ الساعي شاة فهي على رب الأربعين وحده، ولا شيء على صاحبه؛ لأنه لم يدخل عليه مضرة.

قال مالك: ولا يكونا خليطين حتى يكون لكل واحد من الماشية ما تجب فيه الزكاة، ومن لم يبلغ حظه ذلك فلا زكاة عليه، والزكاة على من بلغ حظه ذلك خاصة ولا تحسب عليه غنم خليطه، فإن لم يبلغ حظ واحد منهما منفردًا ما تجب فيه الزكاة وفي اجتماعهما عدد الزكاة فلا زكاة عليهما فإن تعدى الساعي فأخذ منهما شاة من غنم أحدهما فليترادا فيها على عدد غنمهم يعني كقضاء قاض بقول قائل، وهو قول ربيعة. ومن العتبية قال ابن القاسم في خلطاء أربعة لكل واحد عشر شياة فيأخذ الساعي منهم شاة فليترادوها على عدد غنمهم، ولو أخذ شاتين من غنم أحدهم فالواحدة مظلمة وقعت عليه ويترادون الواحدة. قال سحنون: فإن تفاضلت الشاتان تحاصوا في الدنية، وقال قبل ذلك: في نصف قيمة كل واحدة. م: وهذا أعدل إلا أن تكون الدنية لا تجزي فليتحاصوا في الأفضل إلا أن تكون الأفضل شاة لحم فليتحاصوا في شاة وسطة. قال ابن القاسم: وإن أخذ الشاتين من غنم رجلين كانت نصف شاة من كل

واحد منهما مظلمة وقعت عليه ويترادون الواحده، قال عنه يحي: للشبهة التي تأول المصدق والثانية مظلمة على صاحبي الشاتين فلما لم تعرف التي أخذت في الصدقة من التي تعدي فيها فليتحاص الأربعة في نصف قيمتها، والنصف الآخر بين هذين. قال عنه عيسى: ولو كان لواحد أربعون، ولآخر ثلاثون فأخذ شاة من غنم أحدهما فهي على صاحب الأربعين ويرجع عليه صاحب الثلاثين إن أخذها له، ولو أخذ شاتين من صاحب الأربعين لم يرجع على صاحبه بشيء؛ لأن الواحدة وجبت عليه، والثانية مظلمة. قال: وإن أخذها من صاحب الثلاثين رجع بواحدة على صاحب الأربعين وكانت الثانية مظلمة عليه. قلت: فلو كان لواحد عشرون ومئة، ولآخر ثلاثون فأخذ شاة من صاحب الثلاثين قال: يرجع بها على صاحبه، ولو أخذ شاتين من صاحب العشرين ومئة أو من

صاحب الثلاثين لترادا قيمتهما على عدد غنمهما للاختلاف في ذلك. قال في كتاب ابن سحنون: وكذلك لو أخذ من غنم هذا شاة ومن غنم هذا شاة لترادا فيهما جميعًا، ولا أجعل الواحدة من صاحب العشرين ومئة ويترادان في الأخرى. م: وقاله سحنون، وابن المواز. وقال ابن عبد الحكم: الواحدة على رب العشرين ومئة خاصة ويترادان في الأخرى على عدد غنمهما كاملة. م: يريد: إذا أخذهما من غنم صاحب العشرين ومئة. م: ووجه ذلك: أن الواحدة تلزم صاحب العشرين ومئة خاصة لأنه لو لم يأخذ غيرها لكانت عليه خاصة ويتراجعان في الثانية على عدد غنمهما كاملة؛ لأنها هي المظلمة فيجب التراجع فيها، ولأن الذي ذهب إلى أن يترادا في الشاتين يرى أن يتراجعا في كل شاة على عدد غنمهما، فأخذ ابن عبد الحكم في الواحدة بقولنا وفي الثانية بقول

المخالف. والله أعلم. وأما وجه قول ابن القاسم في أنهما يترادان في الشاتين جميعًا لأن هكذا رأى من ذهب إلى هذا، فهو حكم ينفذ على ما قالوا ولا ينقض.

ومن المدونة: ولو كان لأحدهما عشرة ومئة شاة وللآخر إحدى عشرة شاة فأخذ الساعي شاتين فيترادا فيهما جميعًا؛ لأن صاحب العشرة ومئة دخلت عليه المضرة من صاحبه ولولاه ما لزمه غير شاة. وعلى مذهب ابن الحكم: إن أخذهما من غنم صاحب العشرة ومئة ترادا في واحدة، والعلة في ذلك ما ذكرنا. قال ابن المواز: وإن كان لأحدهما اثنان وثلاثون من الإبل وللآخر أربعة فأخذ الساعي منهما إبنة لبون فليترادا قيمة بنت اللبون على تسعة أجزاء على صاحب الإثنين والثلاثين ثمانية أجزاء، وعلى الآخر جزء واحد بقدر حصته، لأن أخذ المصدق لها على التأويل. وقال بعض العلماء: على صاحب الكثيرة بنت مخاض، ثم يترادان زيادة قيمة بنت اللبون على قيمة بنت مخاض على تسعة أجزاء: ثمانية على صاحب الكثيرة، وجزء على صاحبه. م: وهذا على مذهب من قال: يترادان في شاة في المسألة المتقدمة، والأولى على مذهب من قال: يترادان في الشاتين، وهو أصوب.

[فصل 5 - في الرجل يتزوج المرأة على ماشية بعينها فلم تقبضها حتى حال عليها الحول عند الزوج] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن تزوج إمرأة على ماشية بعينها فلم تقبضها حتى تم الحول عند الزوج فطلقها قبل البناء وقبل مجيء الساعي، فإن أتى ولم يقتسماها أو وجدهما قد تخالطا بعد اقتسامهما فهما كالخليطين لا زكاة عليهما حتى يكون في حظ كل واحد منهما ما تجب فيه الزكاة، وإن بلغ ذلك حظ أحدهما كانت الزكاة عليه في غنمه خاصة، ولا تكون للزوج فائدة إذ كان له شركة في نمائها ونقصانها، ألا ترى أنها لو ماتت كلها أو نقصت ثم طلقها لم يرجع عليها إلا بنصف ما بقي ولو نمت أضعاف عددها أخذ نصف جميع ذلك، وكذلك قال مالك: فيما أصدقها من العروض. قال ابن المواز: وقال أشهب: نصيب الزوج فائدة في الاستحسان؛ لأنه لم يكن ينتفع منها بغلة.

والقياس: أنهما كالخليطين، ولا يأتنف الزوج حولاً، ومن قاله لم أعبه عليه؛ لأنه كان ضامنًا لها، وهذا قول ابن القاسم أنه كالخليط. قال ابن المواز: وقول أشهب أحب إلي لأن حولها قد انتقض بعقد النكاح، ولو كان على قول ابن القاسم لبقيت على حولها عند الزوج، وهذا ليس بقولهما ولا قول مالك، وقال سحنون مثل قول ابن المواز. قال ابن المواز: والغلة قبل الطلاق في هذا بينهما، وأما النفقة فقد قيل: على الزوجة، وأنا أرى أنها من الغلة إلا أن تجاوزها فلا ترجع على الزوج، وهذا استحسان. م: وفي كتاب النكاح الثاني: وقد قيل: إن كل غلة للمرأة خاصة بضمانها. م: وهذا يجري على قياس قول من يرى أنها للزوج فائدة؛ لأنه بالتزويج بها انتقلت عن ملكه وانتقل حولها فكأنه بالطلاق أفادها، وقد قال أشهب: إنه لو تزوجها بجارية، ثم وطئها قبل البناء أنه يحد، وابن القاسم لا يرى عليه الحد، ورآها شبهة، إذ لو طلق وجب له نصفها؛ ولأنه شريك في النماء والنقصان، ولو وطئها بعد البناء لحد

باتفاق. وبالله التوفيق. ومن المدونة: قال مالك: وكل ما أصدقهما من العروض والحيوان والدنانير فهو شريك لها في نماء ذلك ونقصه، إلا ما باعت من ذلك واشترت للتجارة أو لغير ما يصلحها لجهازها، فإن لها نماؤه وعليها نقصه. وفي النكاح إيعاب هذا. فصل [6 - اجتماع الخلطة والانفراد] قال مالك: ومن له أربعون شاة ولخليطه مثلها، وله ببلد آخر أو ببلده أربعون لا خليط له فيها فليضم ذلك إلى غنم الخلطة فيأخذ الساعي للجميع شاة: ثلثاها على رب الثمانين، وثلثها على رب الأربعين، وهكذا يتراجعان في هذا الوجه كله. قال ابن المواز: وقال عبد الملك: يكون على رب الأربعين نصف شاة، وعلى رب

الثمانين ثلثا شاة، قال ابن المواز: وقول مالك أحب إلينا، وعليه جل أصحابه. قال أبو محمد: وقال سحنون بقول عبد الملك، وقال: هو أحب إلي من قول ابن القاسم وأشهب، وأنا أشك أن يكون ابن وهب رواه عن مالك. قال سحنون في المجموعة: ولو أن البعض الذي له فيها خليط لا تجب فيها الزكاة إلا مع غنمه الأخرى فله حكم الخلطة مع شريكه، لأن عليه الزكاة فيما غاب وحضر. [فصل 7 - في تعدد الخلطة] ومن كتاب ابن المواز: قال ابن عبد الحكم وأصبغ فيمن له ثمانون شاة فرقتين، له في كل أربعين منها خليط بأربعين، فهم كلهم خلطاء. قال ابن المواز: والذي آخذ به أن صاحب الثمانين خليط لهما، وليس أحدهما خليطًا لصاحبه فيقع على صاحب الثمانين شاة وعلى كل واحد من صاحبيه ثلث شاة ثلث شاة. قال: ومن له عشرة من الإبل ببلده وله فيها خليط بخمسة، وله ببلد آخر عشرة أخرى له فيها خليط بخمسة فهو خليط للرجلين ولا خلطة بينهما، فعلى كل واحد من الرجلين خمس بنات مخاض، وعلى صاحب العشرين ثلثا بنت مخاض، فجملة ذلك بنت مخاض وخمس ثلث بنت مخاض، فمن وجد في إبله بنت مخاض أخذها، فإن أخذها من إبل صاحب العشرين أخذ أيضًا بقية حقه من أيهما شاء وهو ثلث خمس قيمة بنت مخاض، ويرجع الذي أدى بنت مخاض وهو رب العشرين بثلث قيمتها على صاحبيه حتى

يغرم كل واحد ما عليه، وإن أخذها من أحد صاحبي الخمسة رجع على صاحبيه بما عليهما على ما فسرنا. ولو كان خليطًا لرجلين، له مع هذا عشرة ومع هذا خمسة، ولكل واحد من الرجلين خمسة خمسة، فعليه ثلاثة أخماس بنت مخاض وعلى صاحبيه شاة شاة على كل واحد. ومن العتبية: قال بعض المصريين: ومن له ثلاثون بعيرًا مفترقة، قد خالط بكل عشرة منها خليطًا له أيضًا عشرة، ففي الجميع حقه، فعلى صاحب الثلاثين نصف قيمة حقه، لأنه خليط لجميعهم، وعلى كل واحد من خلطائه ربع قيمة بنت لبون؛ لأنه يحسب عليه جميع ما لخليطه، وذلك ثلاثون، وله هو عشرة فالجميع أربعون وفيها بنت لبون، فعليه في عشرته ربع قيمة بنت لبون، وكذلك من له خمسة عشر مفترقة في كل خمسة خليط بخمسة فالجميع ثلاثون ففيها بنت مخاض فعلى صاحب الخمس عشرة نصف قيمة بنت مخاض وعلى كل واحد من أصحابه شاة؛ لأنه له خمسة ولخليطه خمسة عشر فذلك عشرون ففيها أربع شياه فعلى صاحب الخمس شاة. ثم على هذا يجري ما ورد عليك من هذا الباب. فصل [8 - فيمن خالط عبدًا أو ذميًا] ومن كتاب ابن المواز والعتبية: قال ابن القاسم: في السيد يكون خليط عبده لا يوجب ذلك خلطه وليؤد كما يؤدي وحده، ولو زرع معه لم يكن على السيد شيء

إلا أن يكون في حصته خمسة أوسق، وكذلك عبد غيره، وكما لو كان خليطه أو شريكه نصرانيًا. وذكر ابن حبيب فيمن هو خليط لعبده أو لعبد غيره أو لذمي فليأخذ منه على حساب الخلطة في الماشية ويسقط عن العبد والذمي، وقاله ابن الماجشون، فإن لم يسقط عنه وأخذها من غنم المسلم فهى كلها منه، وإن أخذها من العبد أو الذمي رجعا بنصفها على الحر المسلم. ومن المجموعة والعتبية قال ابن القاسم عن مالك فيمن وهب لابنه الصغير غنمًا ووسمها وحازها له فإن هو ضمها إلى غنمه كان فيها شاتان، وإن فرقها كان فيها شاة فلا يضمها إلى غنمه، فإن فعل فأعلم المصدق أنه إنما له فيها كذا وكذذا فليصدقه إن كان على صدقته بينة هكذا في رواية عيسى، قال سحنون: إذا كلفه البينة فلم يصدقه.

[الباب الثاني عشر] في الغنم يحول عليها الحول فيذبح منها ربها أو تموت ثم يأتي المصدق

[الباب الثاني عشر] في الغنم يحول عليها الحول فيذبح منها ربها أو تموت ثم يأتي المصدق قال مالك رحمه الله: وما ذبحه الرجل بعد الحول أو مات من ماشيته قبل قدوم الساعي ثم قدم لم يحاسبه بشيء من ذلك، وإنما يزكي ما وجد بيده حاضرًا وقاله ابن شهاب. قال سحنون: وقد قال المشيخة السبعة: لا يصدق المصدق إلا ما أتى عليه لا ينظر إلى غير ذلك. قال ابن المواز: قال مالك: وله أن يذبح ويبيع وإن حل الحول ولم يأت الساعي وإن نقص ذلك زكاتها إلا من فعل ذلك فرارًا من الزكاة فيلزمه ما فر منه. قال ابن القاسم: وإن عزل منها ضحايا لعياله قبل مجيئه فإن أشهد عليها، يريد: أشهد أنها لعياله لفلان كذا ولفلان كذا فلا زكاة فيها وإن جاء وهي حية بعد إلا أن يكون لم يشهد فليزكها وإنما لا يزكى ما لو مات المعطي صحت لمن أعطاها له. قال مالك: ومن مر به الساعي وغنمه أقل من أربعين فجاوزه ثم رجع في عامه إليه وقد صارت أربعين بولادة فلا يزكها ولا يمر به في عام واحد مرتين، ولو نزل الساعي به مع المساء فسأله عن غنمه فقال: مئتين، فقال: غدًا آخذ منك شاتين، ثم نتجت تلك الليلة واحدة أو كانت مئتي شاة وشاة فماتت واحدة فلا ينظر إلا إلى عدتها عند وقوفه

عليها لعددها والأخذ منها لا قبل ذلك، وقاله أصبغ. م: ولو نزل به الساعي فعد غنمه فكان فيها ما تجب فيه الزكاة فهلكت كلها بأمر من الله عز وجل أو غصبت للوقت قبل أخذ المصدق ما وجب فيها فلا شيء على ربها لأنها ليست في ضمانه ولا هو أتلفها وقد هلك ماله ومال المساكين، ولو بقي منها مالا زكاة فيه لم يكن على ربها شيء كمال حل حوله فهلك قبل إخراج زكاته بغير تفريط أو بقي منه ما لا زكاة فيه فلا شيء على ربه فيه، وقاله أبو عمران، وقد قيل: ما عده المصدق فقد وجبت زكاته وإن هلك بأمر من الله عز وجل ويأخذها مما بقي وليس ذلك بشيء. وقد قيل في العين يهلك بعضه ويبقى بعضه أن للمساكين ربع عشر ما بقي لأنهم كانوا شركاء معه فيها بتمام الحول فما ذهب فمنهم وما بقي فبينهم، ويدخل هذا القول في الماشية، وله وجه الأول أصوب، لأنهم ليسوا كالأشراك على الحقيقة لأن له أن يعطيهم من غير ذلك المال وليس له ذلك مع الشريك فدل أنه لم يتعين حق المساكين فيه. والله أعلم.

[الباب الثالث عشر] في زكاة من هرب بماشيته عن الساعي

[الباب الثالث عشر] في زكاة من هرب بماشيته عن الساعي قال مالك -رحمه الله-: ومن هرب بماشيته عن الساعي وهي ستون شاة فأقام ثلاث سنين وهي بحالها ثم أفاد بعد ذلك مئتي شاة قضمها إليها ثم أتى في السنة الخامسة تائبًا فليؤد عن كل عام زكاة ما كان عنده من الغنم ولا يؤدي عن ما أفاد في العامين الآخرين لماضي السنين. قال ابن القاسم: وإنما قال ذلك مالك فيما رأيت لأن الذي هرب بماشيته كان ضامنًا لزكاتها ولو هلكت كلها بعد ثلاث سنين ولم يضع عنه الموت ما وجب عليه، والذي لم يهرب لو جاءه الساعي بعد هلاك ماشيته لم يكن عليه شيء فلما كان الهارب ضامنًا لما مات منها فما أفاد إليها فليس منها، ولما كان الذي لم يهرب لا يضمن ما مات منها فما ضم إليها فهو منها، وهذا أمر بين، وقد نزلت بالمدينة فاختلفنا فيها فقال مالك فيها هذا القول غير مرة وهو أحب ما فيها إلي. قال ابن المواز: وقال أشهب: أما إذا زادت في هربه فهو كمن غاب عنه الساعي ولا يكون أحسن حالاً منه، قال: وهو في نقصانها ضامن يأخذه كل سنة بزكاة ما كانت عليه فيه لأنه ضمن ذلك بهربه.

قال ابن المواز: وهو قول عبد الملك، وهو القياس، وبه أقول لأنه أفاد الزيادة إلى نصاب. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم فيمن هرب بأربعين شاة ثلاث سنين فصارت في الرابعة ألفًا بفائدة ثم يأتيه الساعي فليأخذ منه شاة للسنة الأولى وتسع شياة لهذه السنة. قلت: فلو هرب بثلاث مئة شاة ثلاث سنين ثم جاء في الرابعة وقد هلكت إلا أربعون. قال: يأخذ تسع شياة للثلاث سنين، وشاة لهذه السنة. قلت: فلم لا تكسر التسع شياة الأربعين كما كسرت الشاة المأخوذة من الألف المئة؟ قال: لأنه إنما يبدأ أبدًا بالأولى فالأولى فهو لو أخذ في المسألة الأولى من الأربعين شاة لأول سنة بقي عنده ما لا زكاة فيه في السنتين الباقيتين فلذلك أخذ منه شاة لأول سنة وتسع شياة عن هذه الرابعة، ولو أخذ في هذه المسألة الثانية من الثلاث مئة في كل سنة ثلاث شياه لم تنقص الغنم عن ما فيه الزكاة فلذلك أخذ تسع شياه عن الثلاث سنين وشاة عن الرابعة، فهذا فرق ما بينهما.

م: وإنما كان يصح هذا الفرق لو سأله لم لم يأخذ في مسألة الأربعين في الثلاث سنين ثلاث شياة كما أخذ في مسألة الثلاث مئة تسع شياة فيكون الفرق ما ذكر، وأما فيما سأله عنه فالصواب ألا فرق بينهما لأن الشاة التي وجبت في الأربعين شاة تخلدت في الذمة كالتسع شياة في الثلاث مئة، فلما كسرت الشاة الألف فكذلك التسع شياه تكسر الأربعين أو تكون الشاة لا تكسر ما وجب عليه في الألف لأنها كانت عليه دينًا، والدين لا يسقط زكاة الماشية ويكون الأمر فيها كما قال في التسع شياه إنها لم تسقط زكاة الأربعين فيكون الحكم فيهما واحدًا وهو الصواب ألا تسقط الشاة ولا التسع شياة زكاة شيء مما وجد بيده، وبالله التوفيق. وكذلك لا تسقط الشاة المأخوذة عن الأربعين زكاة الأربعين في العام الثاني ولا في الثالث، وليأخذ عن كل سنة شاة شاة وعن الرابعة عشر شياة لا يبالي بدأ بالسنة الأولى أو بالآخرة؛ لأن ذلك متخلد في ذمته فلا يسقط زكاة ما بيده، والله عز وجل أعلم. قال ابن المواز: قال بعض المدنيين، وابن القاسم: يبدأ بالسنة الأولى ثم يزكي ما بعدها، ولا يعجبنا هذا، وإنما يبدأ عند أصبغ بالسنة الآخرة، وهو الصواب؛ لأن ما قبل ذلك قد صار دينًا واجبًا في عنقه، ولا يسقط الدين زكاة الماشية، وبقول أشهب، وعبد الملك أقول أنه يزكيها في الزيادة لما مضى. م: فعلى قول أصبغ إذا هرب بأربعين شاة ثلاث سنين فصارت في الرابعة ألفًا ثم تاب فجاءه المصدق فليأخذ لهذه السنة عشر شياه وعن الثلاث سنين ثلاث شياه. وقال عبد الملك في المجموعة يأخذ منه لهذه السنة عشر شياه، ثم إن علم أنها

في الثلاث سنين أربعين أخذه بثلاث شياه لأنه ضامن فلا ينقصها الأداء، وإن لم يكن إلا قوله أخذه بعشر شياه عشر شياه للثلاث سنين، وفي السنة الأولى بشاة. وقال سحنون في كتاب ابنه أرى أن يقبل منه ويأخذ منه شاة شاة لثلاث سنين، وفي السنة التي صارت فيها ألفًا عشر شياة. قال عيسى عن ابن القاسم في الفأر بأربعين شاة فأقام ثلاث سنين وهي بحالها فليس عليه إلا شاة واحدة، وقاله سحنون، وسواء كان له مال أو لم يكن له مال، وقال في كتاب ابنه: إن عليه لكل سنة شاة؛ لأنه كان ضامنًا لها، والدين لا يسقط زكاة الغنم.

[الباب الرابع عشر] جامع ما جاء في من تخلف عنه الساعي سنين

[الباب الرابع عشر] جامع ما جاء في من تخلف عنه الساعي سنين قال مالك في من تخلف عنه الساعي سنين ثم أتاه: فإنما ياخذ منه زكاة ما وجد بيده لماضي السنين، ما بينه وبين أن تنقص بأخذه عن عدد تجب فيه الزكاة؛ لأنها لو هلكت في غيبته لم يضمنها. قال مالك: وإن غاب عنه الساعي خمس سنين وغنمه فيها ألف شاة، ثم نقصت في غيبته ببيع أو أكل أو غيره، فوجدها حين أتى ثلاثًا وأربعين شاة، أخذ منها أربع شياة لأربع سنين ويسقط عن ربها سنة؛ لأنها صارت يأخذه أقل مما تجب فيه الزكاة، وإن وجدها قد رجعت إلى ما لا زكاة فيه فلا شيء للمصدق، وكذلك الإبل والبقر إذا رجعت إلا ما لا زكاة فيه فلا شيء للمصدق. قال مالك: وإن كانت غنمه في أول عام غاب عنه الساعي وفي الثاني والثالث والرابع أربعين شاة، ثم صارت في العام الخامس ألفًا فليزك هذه الألف للسنين الماضية كلها ولا يلتفت إلى يوم أفادها، وكذلك الإبل والبقر إذا كانت في أول سنة غاب عنها الساعي نصابًا عرف عددها في كل سنة أو لم يعرف. قال مالك: لأن الفتنة حين نزلت أقام الناس ست سنين لا سعاة لهم فلما استقام

أمر الناس بعث الولاة السعاة فأخذوا مما وجدوا في أيدي الناس لماضي السنين ولم يسألوهم عن ما كان في أيديهم قبل ذلك مما مات ولا مما أفادوه. ابن القاسم: فبهذا أخذ مالك، وهو الشأن. قال ابن المواز وابن حبيب: إذا غاب الساعي عن أربعين شاة خمس سنين ثم صارت في العام الخامس ألف شاة فإنه يأخذه لأول سنة بعشر شياه، وعن الأربعة الباقية بتسع تسع. م: وهو مذهب المدونة. وقال عبد الملك: يزكي عن الأربع سنين بشاة واحدة، وعن السنة الخامسة بتسع شياه، ولو كانت أولاً مئة زكى عن الأربع سنين بأربع شياه، وفي هذه السنة بتسع شياه وهو مصدق في ذلك كله، قال: وإنما معنى قولهم يزكي ما وجد بأيديهم عن ماضي السنين إذا لم يدعوا أنها كانت فيها دون ذلك، وهذا قول عبد الملك. م: وقال سحنون بقول ابن القاسم، وأشهب أنه يزكي الألف لأول سنة بعشر ويزكي عن الأربع سنين بتسع تسع.

قال سحنون: وإذا أتى الساعي بعد غيبة سنين فقال له رجل معه ألف شاة إنما أفدتها منذ سنة أو سنتين فهو مصدق بغير يمين ويزكيها لها. وقال أشهب عن مالك: ولو غاب أربع سنين عن أربعين شاة فلم تزد فلا يأخذ منه إلا شاة، أخذها منها أو من غيرها. قال سحنون: ولو أكل منها شاة قبل قدومه، أو باعها، أو وهبها فلا شيء عليه للسنين كلها. قال محمد: ولو أفاد إليها ثلاثا بقرب قدومه أخذ منه أربع شياة. ولو باعها بعد الفائدة قبل قدوم الساعي بأكثر من عشرين دينارًا زكى الثمن عن أربع سنين عن كل سنة ربع عشره، فإن كانت الغنم اثنين وأربعين زكى عن ثلاث سنين، وإن كانت إحدى وأربعين أدى عن سنتين هكذا ما لم ينقص الثمن عن ما فيه الزكاة. قال: ولو تخلف عن أقل من أربعين شاة فتمت في السنة الرابعة أربعين بولادتها فلا يأخذ الساعي إلا شاة، وكذلك لو تناسلت أكثر من ذلك لم يأخذه إلا بزكاة عامه

هذا، حتى لو غاب عن نصاب ثم نقصت عن النصاب ثم تمت قبل مجيئه بولادتها أو ببدل قليل بكثير فصارت ألفًا وقد غاب خمس سنين لزكاها عما يجد لكل سنة غاب فيها، والقول في ذلك قول رب الغنم بلا يمين، ولو كانت زيادتها بفائدة فلا يزكي إلا من يوم أفاد تمامها بعد نقصها عن النصاب، وقاله إصبغ. م: والفرق بين الولادة والفائدة: أن زيادتها بالولادة حولها حول الأصل وكأنه لم يزل مالكًا لها من يوم ملك الأصل، والفائدة تفترق، فإن أفادها إلى نصاب فحولها حول النصاب، عليه يبني في السنين كلها، وإن أفادها إلى أقل من نصاب فحولها حول الفائدة، عليه يبني في السنين كلها. م: والقياس ألا فرق بين غيبته عن نصاب أو أقل منه إذا كان زيادتها بولادة أو بدل، وقاله أشهب. والعلة في ذلك: أنهم جعلوا سنين تخلف الساعي كسنة واحدة، فإذا غاب عن نصاب فأكثر خمس سنين فصارت في الخمسة ألفًا بفائدة أو ولادة زكاها للسنين كلها، عن الآخرة بعشر، وعن الأربع سنين بتسع تسع. وإن غاب عن أقل من نصاب فصارت ألفًا بفائدة زكاها على حول الفائدة وإن زادت بولادة فقال مالك وابن القاسم يزكيها من يوم تمت نصابًا إلى يوم يأتيه الساعي،

وقال أشهب يزكي ما وجد بيده للسنين كلها. م: إذ لا فرق بين زيادتها بالولادة على نصاب أو أقل منه أن حول ذلك الأصل فيمن لم يتخلف عنه الساعي، فكذلك في الذي تخلف عنه الساعي إذ جعلوا سنين تخلفه كسنة واحدة في غيره، وبالله التوفيق. ابن المواز: قال أشهب: قال مالك: وإن غاب عنه وغنمه عشرون، ثم صارت في العام الثاني ثلاثين فأتى في الثالث وهي أربعون فعليه شاة واحدة. قال أشهب: والذي أرى إن كان نماؤها بولادة أو بدل حتى تمت أربعين أنه يزكي لكل سنة مضت حتى ترجع إلى مالا زكاة فيه، وإن كان نماؤها بفائدة أفادها إليها فلا زكاة فيها أصلاً. قال ابن المواز: وإن كان نماؤها بولادة فإنما فيها الزكاة لسنة واحدة، وقاله مالك، وابن القاسم، ولم يعجبنا قول أشهب، ولو كان كما قال لكان من اكتسب عشر شياه فأقامت سنين تتوالد حتى تمت أكثر من أربعين أن يزكي لكل سنة مضت من يوم أفاد الأصل، ولكان أيضًا من اكتسب أقل من عشرين دينارًا وأقام ذلك عنده عشر سنين ثم ربح فيه فتم بربحه خمسة وعشرين دينارًا أن يخرج زكاة العشر سنين كلها إذا كان ذلك في يده إلى اليوم.

م: لا يلزم أشهب ما اعتل به عليه محمد لأنه اعتل عليه بسنين من لم يتخلف عنه الساعي، وبالعين وذلك مخالف للذي تخلف عنه الساعي، وإنما يشبه سنين تخلف الساعي عنه سنة واحدة من سنين من لم يتخلف عنه، فلما كان لا فرق بين زيادة الولادة على نصاب أو أقل منه في سنة من لم يتخلف عنه الساعي فكذلك لا فرق بين زيادة الولادة على النصاب أو أقل منه في سنين تخلف الساعي. م: ووجه قول مالك: أن مالك أقل من نصاب غير مخاطب بالزكاة فتخلف الساعي عنه وغير تخلفه سواء فلذلك كان حكمه حكم من لم يتخلف عنه الساعي والله أعلم. ومن المدونة قال مالك: وإن غاب الساعي عن خمس من الإبل خمس سنين ثم أتى فليأخذ عنها خمس شياه لأن زكاة الإبل هاهنا من غيرها. قال مالك: وإن غاب الساعي عن خمس وعشرين من الإبل خمس سنين ثم أتى فليأخذ عن السنة الأولى بنت مخاض ولباقي السنين ست عشرة شاة. م: يريد وسواء أخذ بنت مخاض من غيرها أو منها فإنما عليه بنت مخاض وفي باقي السنين عن كل سنة أربع شياة. وقال عبد الملك في المجموعة: إنما هذا إذا أخذها من عددها، وإن لم تكن منها فليأخذ في العام الثاني مثل ما أخذ في العام الأول.

وقد قال أشهب وابن نافع: إذا غاب الساعي عن أربعين جفرة سنين أو كانت غنما فلم يبق إلا أربعون من غذائها فليس عليه إلا شاة وإن كانت تشترى له. سحنون: ولا حجة للساعي أنها من غيرها بخلاف الشنق من الإبل. م: وهذا وفاق المدونة. ومن المدونة قال مالك: ولو غاب عن مئة وعشرين من الإبل خمس سنين أخذ منه عشر حقاق، ولو كانت إحدى وتسعين أخذ حقتين وثمان بنات لبون. قال أبو الزناد: كان من أدركت من فقهاء المدينة وهم سعيد بن المسيب، وعروة ابن الزبير، والقاسم بن محمد، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وخارجة بن

زيد وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسليمان بن يسار في مشيخة سواهم من نظرائهم أهل فضل وفقه ودين وربما اختلفوا في الشيء فيؤخذ بقول أكثرهم وأفضلهم رأيا فكانوا يقولون: لا يصدق المصدق إلا ما أتى عليه لا ينظر إلى غير ذلك. قال أبو الزناد: وهي السنة والأمر عندنا، وقاله عمر بن عبد العزيز ومن قبله من الفقهاء. وقد تقدم القول في السعاة أنهم يبعثون قبل الصيف وحين تطلع الثريا ويصير الناس بمواشيهم إلى مياههم إذ فيه رفق بالناس وبالسعاة.

[الباب الخامس عشر] في من غصبت ماشيته ثم ردت إليه بعد أعوام وأخذ المصدق فيها عينا

[الباب الخامس عشر] في من غصبت ماشيته ثم ردت إليه بعد أعوام وأخذ المصدق فيها عينًا قال ابن القاسم: ومن غصبت ماشيته فردت إليه بعد أعوام فليزكها لعام واحد. م: كما لو غصبه عينًا فردها عليه بعد سنين أنه يزكيها لعام واحد، فكذلك هذا لعلة الضمان فيهما وأنه أحق بذلك إن وجده بعينه فاستويا. وقال أيضًا ابن القاسم وأشهب إنه يزكيها لكل عام مضى إلا أن تكون السعاة قد زكتها كل عام فتجزئه لأنها لم تزل عن ملكه، كما لو غصبه نخلاً ثم ردها بعد سنين مع ثمرتها فإنه يزكي ما رد منها فكذلك هذا، وليس هذا بمنزلة العين؛ لأن العين إذا غصبه عاد ليس بمال له وصار الغاصب غارمًا له. م: يريد: فلا يزكي العين ربه إذا رجع إليه بعد سنين إلا لعام واحد، وقاله

مالك في سماع ابن وهب. قال ابن المواز: ولم يختلف أصحاب مالك في هذا وإنما اختلفوا في الماشية. م: ولم يختلفوا في الثمرة ترد إليه أنه يزكيها كل عام، ولا في الماشية إذا كانت السعاة قد زكتها كل عام أنه لا يزكيها؛ لأنها غنم قد أخذ منها الزكاة عن ربها فتجزيه. م: وقيل إن الخلاف يدخل وهو خطأ، والصواب أن الماشية كالثمرة يزكيها كل عام إلا أن يكون السعاة قد زكتها لأن رجوعها إليه بعينها كرجوع الثمرة بعينها وقد تقدم ذكر وجه القول الآخر من أنها كالعين، ولو كانت هذه الماشية تزيد وتنقص ولم يزكها السعاة فحكمه فيها كحكم من تخلف عنه الساعي لأنه غير فار، هذا على قولهم يجب عليه زكاتها كل عام، وبالله التوفيق.

وذكر ابن حبيب عن مالك في العين المغصوب يرجع إلى ربه بعد سنين أنه لا يزكيه حتى يأتنف به حولاً، كان ربه يرجوه أو يئس منه، رده الغاصب طوعًا أو بحكم، بخلاف الدين. قال: وأما ما يسقط منه فإن قوي رجاؤه فيه حتى اتصل ذلك بوجوده فليزكه لعام واحد، وإن كان على إياس منه استقبل به حولاً. وقال المغيرة، وسحنون: بل يزكيه لكل سنة كالمال المدفون يضل عنه مكانه. ابن المواز: ومن سقط له مال أو ضاع أو غصبه ثم وجده بعد أعوام فليزكه لعام واحد، وقاله مالك وأصحابه، وأما لو دفنه أو رفعه فنسي موضعه ثم وجده بعد سنين فليزكه لكل سنة، قال محمد: إلا أن يدفنه في صحراء أو في موضع لا يحاط به فليزكه لعام واحد كالمال المغصوب. وقال مالك في ملتقط اللقطة تقيم عند سنين لا يريد أكلها ولا صدقتها، أو حسبها ليتصدق بها عن ربها فلا زكاة عليه فيها، وإن حبسها ليأكلها فليزكها لحول من يوم نوى ذلك فيها إن كان له بها وفاء. ابن سحنون: وقاله المغيرة، وسحنون: إذا نوى حبسها أو أكلها فقد ضمنها ووجب عليه زكاتها لحول من يوم نوى ذلك فيها حركها أو لم يحركها. وقال ابن القاسم فيه: وفي المجموعة: إذا عرفها سنة ثم حبسها لنفسه

للحديث؛ فإن لم يحركها فلا زكاة علهي فيها وإن حركها فمن يومئذ دخلت في ضمانه ويزكي لحول من يومئذ، وأنكره سحنون. م: وإختصار ذلك كله: أنه لم يختلف في المال يدفنه بموضع يحاط به ثم يجده به أنه يزكيه لسائر السنين، وقيل في المغصوب منه يرجع إليه: أنه يزكيه لعام واحد، وقيل: يستقبل به حولاً ثم يزكيه، وقيل في اللقطة ترجع إليه: أنه يزكيها لعام واحد، وقيل: بل لكل عام، وقيل: أنه يزكيها لحول من يوم نوى ذلك فيها، وقيل: بل لحول من يوم حركها. فصل [في إخراج القيمة في الزكاة] ومن المدونة قال مالك: ومن جبره المصدق على أن أدى في صدقته دراهم رجوت أن يجزيه إذا كان فيها وفاء بقيمة ما وجب عليه وكانت عند محلها. قال سحنون: إنما أجزأ ذلك؛ لأن يحيى بن سعيد قال: من الناس من يكره اشتراء صدقة ماله، ومنهم من لا يرى به بأسًا فكيف بمن أكره. وقال مالك: ولا يشتري الرجل صدقة حائطه ولا زرعه ولا ماشيته، وقد كره ذلك عمر بن الخطاب وابن عمر وجابر بن عبد الله.

ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: وإذا أخذ السعاة في صدقة الحب والماشية ثمناً طوعاً أو كرهاً أجزأ ذلك إذا كان السعاة والعمال يضعون ما يأخذون من الصدقة مواضعها، وأما الجائز يضعها غير مواضعها غير مواضعها فلا يجزي عن صاحبها أخذها منه طوعاً أو كرهاً قاطعة أو لم يقاطعه، اشتراها منه بعد وصولها إليه أو لم يشترها. قال أصبع: وقد كان قبل ذلك يقول: إذا أخذت منه كرهاً في محلها أجزأت عنه، وسمعت ابن وهب يقول: تجزيه إذا أخذت منه كرهاً، وهو رأيي إذا حلت ووجبت في المكوس والسعاة. قال أبو محمد: يعني بالمكوس من يجلس بالطريق لأخذ الزكاة. م: والصواب أن يجزيه كما لو أخذ منه الماشية بعينها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أديتها برئت منها ولك أجرها وإثمها على من بدلها"

[الباب السادس عشر] جامع ما جاء في زكاة الحبوب والثمار

[الباب السادس عشر] جامع ما جاء في زكاة الحبوب والثمار قال الله تعالى: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} وقامت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقدار ما فيه الزكاة من الكيل ألا صدقة في حب ولا تمر حتى يبلغ خمسة أوسق. م: وهذا حجتنا على أبي حنيفة في قوله: إن الزكاة واجبة في قليلة وكثيرة. ولأنه مال تجب في عينه الزكاة فاعتبر بالنصاب كالعين والماشية، وجعل صلى الله عليه وسلم فيما سقت السماء أو العيون أو البعل العشر، وفيما يسقى بالنضح

نصف العشر. وبعث صلى الله عليه وسلم معاذاً وكتب له أن خذ من الحنطة والشعير والتمر والزبيب. وأمر بخرص النخل والعنب ثم بأخذ والعنب ثم بأخذ زكاتها من التمر والزبيب. وذكر في كتاب عمرو بن حزم الزكاة في السلت وفي حديث آخر الذرة، وكان العلس والدخن والأرز والقطاني حبوباً تقرب مما ذكرنا في الخلقة والاقتيات فألحقها العلماء بها في وجوب الزكاة. والترمس من القطنية.

وروي عن عمر رضي الله عنه أن في الزيتون الزكاة وروي ذلك عن ابن عباس. وقال الشافعي: لا زكاة في الزيتون. ودليلنا: ما روي عن عمر، وابن عباس رضي الله عنهما، ولأنه حب يقتات زيته غالباً فأشبه السمسم؛ ولأن الزكاة في الحمص واللوبيا، والزيتون أعم نفعاً في باب الأقوات. قال بعض العلماء: ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الزيتون أثر، لأنه لم يكن بالمدينة زيتون وإنما هو بالشام، والشام لم يفتح في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما/ فتحها عمر فأمرهم

بأخذ الزكاة من الزيتون، وذلك بحضرة الصحابة فلم يختلف عليه منهم أحد. قال مالك: وما يجمع من الزيتون والتمر والعنب من الجبال فلا زكاة فيه وإن بلغ خرصه خمسة أوسق ولا يكون أهل قرية ذلك الجبل أحق به وهو لمن أخذه، والأرض كلها لله ولرسوله. قال ابن المواز: إلا ما كان من ذلك في أرض العدو فإن في جميع ما سميت لك الخمس إن جعل في الغنائم. ومن المدونة قال مالك: والجلجلان وماله زيت من حب الفجل- ابن المواز- أو حب القرطم مثل الزيتون إذا بلغ حبه خمسة أوسق لأن زيت ذلك كله إدام يقتات به. واختلف عن مالك في حب القرطم وبرز الكتان فقال مرة: لا زكاة في ذلك وبه أخذ سحنون وقال مرة: فيهما الزكاة وبه أخذ أصبغ وروى عنه ابن القاسم في حب القرطم: الزكاة من زيته، ولا زكاة في برز الكتان ولا في زيته.

ولم يأت أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء أخذوا من الخضر زكاة واتصل العمل بذلك فكانت الفواكه مثلها إذ ليس ذلك من أصل المعايش المقتاتة. وهذا قول مالك وأصحابه إلا ابن حبيب فقال: في الثمار التي لها أصول الزكاة، مدخرة كانت أو غير مدخرة، واحتج في ذلك بقوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} وحقه: الزكاة المفروضة، فعم الثمار كلها، وقد سمي الرمان باسمه تلخيصاً وتصريحاً، فالزكاة فيه وفي

غيره من الثمار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث مالك "ليس فيما دون خمسة أوسق من الثمار صدقة" فعم جميع الثمار، وقال: "ليس في الخضر زكاة" فدل أن الثمار بخلافها. وقال أبو حنيفة: في جميع الخضر الزكاة، والحجة عليه ما تقدم. قال ابن القصار: يرجح في التين قول مالك، قال: وإنما تكلم على بلده ولم يكن التين عندهم وإنما كان يجلب إليهم، فأما بالشام وغيره ففيه الزكاة لأنه مقتات عندهم غالباً كما يقتات السمسم والتمر بالعراق.

ومن المدونة قال مالك: فإذا بلغ كيل ما ذكرنا مما فيه الزكاة حبا خمسة أوسق كان فيما سقت السماء أو شرب سيحاً أو بعلا لا يسقى العشر وفيما سقت السواني بغرب أو دالية أو غيره نصف العشر. قال ابن حبيب: البعل: ما يشرب بعروقه من غير سقي ولا غيرها، والسيح: ما يشرب بالعيون والعثري ما تسقيه السماء، والنضج: ما يسقى بالسواني والزرانيق وبالدلو باليد. قال: والوسق: ستون صاعاً، والصاع أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم فخمسة أوسق ثلاث مئة صاع وهي عشرة أرادب، قال سحنون: وهي ستة

أقفزة وربع بأفريقية. م: وهي عندنا بصقلية عشرة أمداد وسبعة أثمان غير مدين وذلك أن الصاع ثلاثة أمداد وثلث مد بمدنا فثلاث مئة صاع هي ألف مد بمدنا وذلك عشرة أمداد بالكبير وسبعة أثمان غير مدين بالصغير. م: والذي اتفق عليه أصحابنا أن تجب الزكاة من أوسط أعناب بلدنا من ثلاث مئة رطل بالكبير، وذلك أن ثلاث مئة رطل إذا زببت رجعت إلى الخمس وذلك ستون رطلاً والستون رطلا فيها ألف ومئتا رطل بالصغير، والرطل الصغير في كيله مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم فذلك ألف ومئتا مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم وذلك ثلاث مئة صاع وهي خمسة أوسق. ومن المجموعة قال ابن نافع وعلي عن مالك فيمن له النخل والعنب فيسقى نصف السنة بالعين فينقطع فيسقى باقيها بالنضح والسانية فليخرج زكاة ذلك نصفه على العشر، ونصفه على نصف العشر وقاله المغيرة، وابن القاسم، وعبد الملك. وإن سقي أكثرها بأحد الصنفين كان القليل تبعاً للكثير، وقاله عبد الملك تقدم

الكثير أو تأخر. قال ابن القاسم: وجل ذلك ثلثا سقيه أو ما يقارب ذلك، فأما ما زاد على النصف باليسير فليخرج نصفين. قال عبد الوهاب: واختلف في ذلك فقيل: الأقل تبع للأكثر، وقيل: يؤخذ من كل واحد بحسابه وقيل: ينظر إلى الذي حيي به الزرع فيكون الحكم له. فوجه الأول: فلأن غالب الأصول أن الأقل تبع للأكثر، كالضأن والمعز إذا اجتمعا في الزكاة والغنم المأخوذة في صدقة الإبل فكذلك مسألتنا. ووجه الثاني: قوله: فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بالسانية نصف العشر فعم ولأنه زرع سقي سقيا له تأثير في الزكاة فكان المأخوذ منه معتبراً بسقيه. ووجه الثالث: أن الغرض بالسقي كمال الزرع وهذا لا يوجد إلا في الآخر، والأصول شاهدة كالرجل يداين قوماً في سقي زرعه، والنفقة عليه ثم يفلس أنه يبدأ بآخرهم نفقة، لأنه الذي حيي الزرع بنفقته وسقيه، فكذلك مسئلتنا، فما كمل به فالحكم له. م: وكما يبدأ من ثمن الزرع في التفليس من تم الزرع بنفقته، فكذلك هذا. قال ابن أبي زمنين: وما يسقى باليد بالدلو فهو بمنزلة ما سقي بالسواني وبالزرانيق، قال: ورأيت فيما نقله بعض شيوخنا أن ابن حبيب سئل عن الزرع يعجزه الماء فيشتري صاحبه ما يسقيه به كيف يزكيه؟ قال: يخرج عشرة، وسئل عنها عبد الملك

ابن الحسن فقال: يخرج نصف العشر. م: قال بعض فقهائنا: وهذا أعدل؛ لأن الحديث إنما فرق بين النضح وغيره لمشقة السقي، وهذا فيه المشقة بإخراج الثمن وقد يحتاج في سقي النضح بالسواني إخراج الثمن للأجراء ومن يتولى له ذلك، فلا فرق. م: وينبغي على هذا القياس في عمل الكروم ومشقتها أن يخرج فيها نصف العشر لأن ذلك أشد من السقي وأكثر تعباً ونفقة، ولو قاله قائل كان صواباً. فصل [1 - في خرص العنب والتمر] ومن المدونة: قال مالك: ولا يخرص إلا العنب والتمر للحاجة إلى أكلهما رطبين ويخرص الكرم عنبا إذا طاب وحل بيعه والنخل إذا أزهت وطابت وحل بيعها لا قبل ذلك، يقال في هذا الكرم من العنب كذا وكذا ثم يقال ما ينقص هذا العنب إذا تزبب وما يبلغ أن يكون زبيبا، فإن بلغ خمسة أوسق أخذ منه وإلا فلا، وكذلك النخل ينظر كم مكيله الرطب ثم يقال ما ينقص إذا يبس وصار تمراً فيسقط ذلك، فإن بقي بعد ذلك ما فيه الزكاة زكاه.

ابن شهاب: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله رواحة فيخرص النخل حين يطيب أوله قبل أن يؤكل شيء منه ثم يخير اليهود أيأخذونها بذلك الخرص أو يدفعونها إليه، وإنما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن يؤكل الثمر و: يفرق فكانوا على ذلك. قال مالك: وإن كان رطب هذا النخل لا يكون تمراً، ولا هذا العنب زبيبا فليخرص أن لو كان ذلك فيه ممكنا، فإن صح في التقدير خمسة أوسق أخذ من ثمنه العشر إن كان مما تسقيه العيون والسماء، وإن كان يشرب بالسواني فتصف العشر، كان ثمن ذلك أقل من عشرين ديناراً أو أكثر، وكذلك النخل يكون بلحاً لا يزهي، كذلك يباع ويؤكل إذا بلغ خرصها خمسة أوسق أخذ من ثمنها لا من تمرها، وإن لم يبلغ خرص ذلك كله خمسة أوسق فلا شيء فيه وإن كثر ثمنه، وهو فائدة لا يزكيه صاحبه إلا بعد حول من يوم يقبضه.

وقال مالك في كتاب ابن سحنون في العنب الذي لا يتزبب يبلغ خرصه إن لو تزبب خمسة أوسق أنه إن وجد في البلد زبيباً فليشتره للزكاة وإن لم يبع بالبلد زبيب أخرج من ثمنه، قال ابن المواز: ليس له أن يخرج زبيباً وليخرج ثمناً، وقال ابن حبيب: يخرج من ثمنه وإن أخرج منه عنباً أجزأه، وكذلك الزيتون الذي لا زيت له أو الرطب/ الذي لا يتمر إذا أخرج من حبه أجزأه. ومن المدونة: قال مالك: ولا يخرص الزيتون أهله عليه كما يؤمنوا على الحب فإذا بلغ كيل حبه خمسة أوسق أخذ من زيته. وفي السليمانية: ولا ينظر إليه في وقت رفعه حتى يجف ويتناهى في حال جفافه فإذا كان فيه خمسة أوسق بعد التجفيف ففيه الزكاة من زيته وإلا فلا. ومن المدونة: وإن كان لا زيت له كزيتون مصر فمن ثمنه على ما فسرنا في النخيل والكرم. قال ابن القاسم: ومن باع زيتوناً له زيت، أو رطباً يكون تمراً، أو عنباً زبيباً فعليه أن يأتي بزكاة ذلك زيتاً أو تمراً أو زبيباً من عشر أو نصف عشر، قال مالك وإن لم يضبط خرصه ولا أن يتحرى له فليؤد من ثمنه، قال: وأما لا يكون زبيباً ولا تمراً ولا زيتاً فإنما عليه عشر ثمنه أو نصف عشر ثمنه إذا بلغ خمسة أوسق.

م: قال عبد الوهاب في الزيتون الذي له زيت والرطب والعنب الذي يكون تمراً أو زبيباً يباع حباً فقيل: يخرج من ثمنه وقيل: من زيت أو تمر أو زبيب مثله. قال: فمن أصحابنا من جعل الإخراج من ثمنه رواية في أخذ القيم في الزكاة، ومنه من علله بأن الإخراج من عين ذلك قد فات ببيعه، وهذا هو الصحيح. ولا يجوز إخراج القيم عندنا في الزكاة خلافاً لأبي حنيفة لقوله صلى الله عليه وسلم: "خذ الإبل من الإبل والبقر من البقر، والغنم من الغنم، والحب من الحب". فنصه صلى الله عليه وسلم على ما يؤخذ من كل جنس يمنع التخيير بينه وبين غيره، ولأن الزكاة حق يخرج على وجه الطهرة كالرقبة في الكفارة، وهو لو تصدق بقيمة العبد لم يجزئه، فكذلك الزكاة، ولأنه لو أخرج في زكاة الفطر نصف صاع من غير قوت بلده قيمته قيمة صاع من قوت بلده لم يجزئه؛ لأنه أخرج زكاته بقيمة، وفي ذلك أيضاً معنى شراء الصدقة. ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون قال علي وابن نافع عن مالك: لا يبعث في الخرص إلا أهل المعرفة والأمانة. قال عنه ابن نافع: ويخرص الحائط نخلة نخلة حتى يفرغ منه ثم يجمع ذلك.

ومن المدونة: قال مالك: ولا يترك الخراص لأصحاب الثمار شيئاً لمكان الأكل والفساد وإن لم يكن في الخرص إلا خمسة أوسق أخذ من الخمسة ولم يترك له شيء. وقال ابن حبيب: وليخفف الخارص ويوسع على أهل الحوائط لما ينتفعون وينالون من رؤس النخل، وهذا خلاف قول مالك. ابن المواز: قال مالك: ويحسب على الرجل كل ماجذ أو علف أو تصدق به أو وهبه من زرعه بعد ما أفرك إلا الشيء التافه، ولا يحسب ما كان من لك قبل أن يفرك. قال ابن القاسم: وأما ما أكلت الدواب بأفواهها عند الدارس فلا يحسب، ويحسب ما علفهم منه. قال في العتبية عن مالك: ولا يحسب عليه ما أكل بلحاً، وليس هو مثل الفريك يأكله من زرعه ولا الفول والحمص يأكله أخضر، هذا يتحراه فإن بلغ خرصه على التيبيس خمسة أوسق زكى وأخرج عنه حباً يابساً من ذلك الصنف، قال في كتاب ابن المواز: وإن شاء أخرج من ثمنه.

وقال أشهب: من استأجر على خرط زيتونه على الثلث فعليه زكاة ذلك الثلث. ومن المجموعة، وكتاب ابن سحنون قال مالك: وإذا خرص خارص مئة وسق، وخرص آخر تسعين، وآخر ثمانين، أخذ من قول كل واحد ثلثه. ومن المدونة: قال: ومن خرص عليه أربعة أوسق فرفع خمسة أحببت له أن يزكي لقلة إصابة الخراص اليوم. م: قال بعض شيوخنا القرويين: ولفظة: أحببت ها هنا على الإيجاب وإن كان موضوعها الاستحباب فربما وردت على الإيجاب. م: وهو صواب. وقد قال مالك في المجموعة، وكتاب ابن سحنون: يؤدي عن كل ما زاد على ما خرص عليه. قال في كتاب ابن المواز: إن كان الخارص من أهل الأمانة والبصر لم يكن على صاحب الثمرة إلا ما خرص عليه ولكن الخراص اليوم لا يبصرون فأرى أن يؤدي زكاة ما وجد إذا خرص عليه أربعة فأصاب خمسة، وفي كتاب ابن سحنون: وروى ابن نافع

وعلي عن مالك أنه إن خرص عالم فلا شيء عليه فيما زاد وإن خرصه جاهل فليزك الزيادة، وقال ابن نافع: يزكي الزيادة خرصه عالم/ أو غير عالم. م: وهو القياس كالحاكم يحكم بحكم ثم يظهر أنه خطأ صراح لم يختلف فيه. فصل [2 - في الحائط يكون فيه من أعلى التمر أو أدناه، كيف يؤخذ منه] ومن المدونة قال مالك، وإذا كان الحائط صنفاً واحداً من أعلى التمر أو أدناه أخذ منه، وإن كان أجناساً أخذ من أوسطها جنساً، ابن وهب: وقال أبو أمامة بن سهل: في قوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} قال هو الجعرور ولون حبيق فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ في الصدقة. وكتب عمر بن عبد العزيز بأن يؤخذ البرني من البرني واللون من اللون

ولا يؤخذ البرني من اللون وأن يرخذ من الجرون ولا يضمنونها الناس. يعني بالجرن أنادر التمر. وقال ابن نافع عن مالك في المجموعة: إذا كان الحائط رديئاً كله أو جيداً كله فليبتع له رب الحائط وسطاً من التمر، وقاله عبد الملك، قال ابن نافع: رآه بمنزلة الغنم، وليس كذلك. وقال عنه ابن القاسم، وأشهب: بل يؤدي منه، وقال به ابن نافع. قال عنه أشهب: وإن كان في الحائط رديء وجيد أخذ من كل صنف بقدره، وكذلك إن كان أحدهما أكثر، وهو كاجتماع الشعير والقمح، وقاله أشهب، وقال عنه ابن القاسم في أصناف من التمر يؤدي من وسطه، وقال به، وقد روى القولين عن مالك ابن القاسم وأشهب، وابن نافع، وقال مالك: العجوة من وسطه.

م: فصار في الحائط إذا كان فيه من أعلى التمر أو أدناه قولان: أحدهما: أن يؤخذ منه بعينه، والثاني: أن عليه أن يأتي بالوسط، فوجه هذا قياساً على الماشية، ووجه الأول: أن الأصل كان أن يؤخذ زكاة كل شيء من عينه لقوله صلى الله عليه وسلم: "صدقة كل مال منه" فخصت السنة في الماشية أن يؤخذ من الوسط وبقي ما سواه على أصله. وإن كان في الحائط أجناساً فقولان أيضاً: أحدهما: أن يؤخذ من أوسطها جنساً، والآخر: من كل جنس بقدره. فوجه الأول: قياساً على الماشية، ووجه الثاني: قياساً على الأصل. فصل [3 - في وقت وجوب الزكاة في الحب والثمار] ومن المدونة: قال مالك: ومن مات وقد أزهى حائطه، وطاب كرمه، وأفرك زرعه واستغنى عن الماء وقد خرص عليه شيء أو لم يخرص فزكاة ذلك على الميت إن بلغ ما فيه الزكاة أوصى بها أم لا بلغت حصة كل وارث ما فيه الزكاة أم لا، وأما إن مات قبل الأزهاء والطيب فلا شيء عليه، والزكاة على من بلغت حصته من الورثة ما فيه الزكاة دون من لم تبلغ حصته ذلك. فصل [4 - في المال يكون بين شركاء، كيف يزكى؟] قال مالك: والشركاء في النخل والزرع والكرم والزيتون والذهب والورق والماشية لا يؤخذ من ذلك الزكاة حتى يكون لكل واحد منهم ما تجب فيه الزكاة، وليس على من لم تبلغ حصته من ذلك مقدار الزكاة زكاة. فصل [5 - في أخذ الزكاة عن الحوائط المحبسة في سبيل الله] قال مالك: وتؤدى الزكاة عن الحوائط المحبسة في سبيل الله أو على قوم

بأعيانهم أو بغير أعيانهم، وقد حبس الصحابة بالمدينة حوائط فلم تزل الزكاة تؤخذ منها. قال ابن المواز: إن بلغ حظ كل واحد من المعينين ما فيه الزكاة، ولا زكاة على من يبلغ حظه ذلك وإن كان في جملة الحائط ما فيه الزكاة. وقال سحنون: المعينون وغيرهم سواء إذا خرج من الجميع خمسة أوسق ففيه الزكاة. وقال عبد الملك: إذا حبست على من تحلُّ له الزكاة فلا زكاة فيها، وإن كان على غيرهم زكيت. م: فوجه قول سحنون وهو ظاهر «المدونة» أن المحبس عليهم إنما يملكون الحوائط ملك انتفاع لا ملك ابتياع ولا ميراث ولا يتصرفون فيها تصرف المالك فكأنها مبقاة على ملك المحبس وأجرها جار على عليه فكان الاعتبار في الزكاة بملكه لا بملكهم. ووجه قول ابن المواز: أن الزكاة إنما هي في الثمرة لا في الحوائط فمن وجبت له الثمرة فعليه الزكاة كما لو أوصى لرجل بثمرة حائطه سنين والثلث يحمله لكان عليه الزكاة فكذلك هذا. ووجه قول ابن الماجشون إذا حبست على من يأخذ الزكاة/ فلا زكاة فيها فلأنها

إذا كانت تعود إليهم فلا فائدة في أخذها منهم، وبالله التوفيق. ومن المدونة قال مالك: ومن جعل إبلاً له في سبيل الله يحبس رقابها ويحمل على نسلها أو أوقف مئة دينار يسلفها الناس ففي ذلك الزكاة، وإن أوقف الدنانير أو الماشية لتفرق في سبيل الله أو على المساكين أو لتباع الماشية ويفرق الثمن فيدركها الحول قبل أن يفرق فلا يؤخذ منها زكاة لأنها تفرق ولا تترك مسبلة. م: لأنها على غير ملك مالك فتزكي عنها. قال ابن المواز: وما كان يفرق أصلها من العين خاصة فإنه لا يزكي كان على معينين أو مجهولين. وأما الأنعام يفرق أصلها أو ثمنها فلم يفرق حتى جاء الحول فقال ابن القاسم مرة: هل مثل الدنانير، ولا أعلم أن مالكًا قاله، وقال ابن القاسم أيضًا ورواه عن مالك وقاله أشهب: إن كنت تفرق على مجهولين فلا زكاة فيها وإن كانت على معينين فالزكاة على من بلغت حصته ما فيه الزكاة. قال محمد: وهذا أحب إلينا بخلاف الدنانير، لأن من أوصي له بمال لا يزكيه حتى يقبضه، وأما الغنم فإنها تزكي وإن لم تقبض.

قال: وإن كانت الأمهات موقوفة ويفرق نسلها أو أصول نخل ويفرق ثمرها فقال ابن القاسم إن كانت على معينين فلا زكاة من ليس في حصته ما فيه الزكاة من ثمرة أو نسل، وإن كانت على مجهولين ففي جملة الثمرة وفي الأولاد الزكاة إذا تم للأولاد حول من وقت الولادة في الوجهين جميعًا. وقال سحنون إذا كان في جملة الثمرة خمسة أوسق ففيها الزكاة كانت على معينين أو مجهولين، وكذلك في نسل الأنعام إذا كان في جملة الأولاد نصاب ففيها الزكاة كانت على معينين أو مجهولين. م: ولا خلاف أن في الأمهات الزكاة لأنها موقوفة لما جعلها له. قال ابن القاسم: أو وقفت الأنعام ليكون غلتها من لبن وصوف ونحوه يفرق على معينين أو غير معينين فالزكاة في الأمهات والأولاد جميعًا وحولها واحد لأن ذلك كله موقوف. فصل [6 - كل نوع من أنواع المال يجمع إلى نوعة في الزكاة] ومن المدونة قال مالك: ويجمع التمر كله بعض إلى بعض في الزكاة، وكذلك العنب يجمع بعضه إلى بعض في الزكاة، قال مالك: وإن كانت كرومة مفترقة في بلدان شتي جمع بعضها إلى بعض، وكذلك بجمع الماشية والحب.

فصل [7 - ما اتفق في الزرع والنبات والحصاد من الجنس الواحد أضيف بعضه إلى بعض وكمل منه النصاب]. م: قال مالك: وإذا كانت الأرض تزرع مرتين في السنة فليؤدي في كل مرة ولا يجمع عليه ما حصد في المرتين، وإنما ينظر إلى كل حصاد، وكذلك في المختصر، قال ابن سحنون عن أبيه: أما إن كان يحصد في كل مرة خمسة أوسق فليزك، وإن كان لم يصب إلى أقل من خمسة أوسق في كل مرة فإن ما زرع في الصيف في أوله يضم إلى ما وزع في آخره ويجعل كالبكري والمتأخر، وكذلك يضم ما زرع في أول الشتاء إلى آخره ولا يضم زريعة الصيف إلى زريعة الشتاء. فصل [8 - إذا استقر وجوب الزكاة في الحبوب والثمار ثم ضاع المال قبل إخراج زكاته، فهل يضمن زكاته؟]. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن حصد زرعه وجذ تمره وفيه ما تجب فيه الزكاة فلم يدخله بيته حتى ضاع القمح من الأندر، والتمر من الجرين فلا يضمن زكاته، وكذلك لو عزل عشر ذلك في أندره أو جرينه ليفرقه فضاع بغير تفريط فلا شيء عليه، وقد قال مالك فيمن أخرج زكاته ليفرقها عند محلها فضاعت من غير تفريط فلا شيء عليه فكذلك هذا.

محمد: قال أشهب: هذا إذا كان هو الذي يلي تفرقة زكاته وإن لم يلها فعليه زكاة ما بقي فقط للمصدق. ومن المدونة قال مالك: وإن أدخل ذلك في بيته قبل قدوم المصدق فضاع ضمن زكاته وكذلك لو عزل عشرة في بيته حتى يأتيه المصدق فضاع ضمنه؛ لأنه قد أدخله بيته، قال ابن القاسم: والذي أري أنه إذا أخرجه وأشهد عليه فتأخر عنه المصدق لم يلزمه ضمانه. م: يريد: إذا عزله في بيته وأشهد عليه لم يضمن عند ابن القاسم، ويضمن عند مالك. قال ابن القاسم: وقد بلغني عن مالك أنه قال في ذلك إذا لم يفرط في الحبوب لم يضمن. قال سحنون: وقد قاله المخزومي: إذا عزله وحبسه للمصدق فتلف بغير سببه فلا شيء عليه إذا ليس عليه أكثر مما صنع وليس إليه دفعه.

وقال عنه في غير المدونة إذا عزل عشرة ثم استقرضه أو أكله أوباعه فقد ضمنه فإن فلس لم يحاص به السلطان غرماءه لأنه لو مات لم يلزم ورثته إخراجها إلا بوصية/ فتكون في ثلثه. وقال أشهب: إذا كان هو يلي إخراج زكاة زرعة فعزل عشرة ليفرقه فلم يفرط في تفرقته حتى ضاع فلا شيء عليهولا فيما بقي، وإن فرط ضمن، وإذا لم يكن يلي إنفاذ ذلك وإنما يأخذه المصدق لم يجزئه إن تلف ما عزله، وعليه زكاة ما بقي، وبهذا أخذ ابن المواز، قال: ولو أدخله بيته بعد انتظار منه للمساكين فطال ذلك وخاف ضياعه فلا ضمان عليه بعد ذلك. وقد تقدم في أول كتاب الزكاة الأول كثير من معاني هذا الفضل. فصل [9 - في اجتماع العشر والخراج] وفي المدونة قال مالك: ومن اكتري أرض خراج أو غيرها فزرعها فزكاة ما أ×رجت الأرض على المكتري، ولا يضع الخراج الذي على الأرض زكاة ما خرج منها عن الزراع كانت الأرض له أو لغيره وقاله عمر بن عبد العزيز وغيره. قال عبد الوهاب: وقال أبو حنيفة: إن العشر والخراج لا يجتمعان.

ودليلنا قوله - صلى الله عليه وسلم -: " فيما سقت السماء العشر" فعم، واعتباراً بأرض الصلح المكتراة؛ لأن الخراج كراء، والعشر زكاة فلم يمنعها الخراج، كمن اكتري أرضًا فزرعها. وقال أبو حنيفة: فيمن اكتري أرضًا فزرعها أن الزكاة على رب الأرض. ودليلنا قوله تعالي: [وآتوا حقه يوم حصاده] وربها غير زارع ولا حاصد، وإنما المخاطب الزارع لأنه هو الحاصل والمالك لذلك الحب دون غيره. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن أخرجت أرضه طعامًا كثيرًا تجب فيه الزكاة فباعه ثم أتي المصدق فليأخذ من البائع العشر أو نصف العشر طعامًا ولا شيء له على المبتاع، فإن أعدم البائع ووجد الساعي الطعام بعينه عند المبتاع أخذ منه المصدق ورجع المبتاع على البائع بقدر ذلك من الثمن لأنه باع منه طعامًا معينًا فاستحق بعضه، وقال غيره: لا شيء على المبتاع لأن البائع كان له البيع جائزًا، قال سحنون: وقاله أشهب، وهو عندي أعدل.

م: فوجه قول ابن القاسم أن البائع باع حقه وحق المساكين فنفذ بيعه في حق نفسه وبطل في حق غيره، وأما في يسره فتؤخذ الزكاة منه لتعلق الزكاة بذمته، ولا ضرر على المساكين في مطالبته، والقياس: قول أشهب؛ لأنه لما كان له أن يعطي الزكاة عنه من غيره لم يكن حق المساكين ثابتًا في عينه فلما لم يتعين حق المساكين فيه كان البيع جائزًا فإذا باعه فقد تعلق الوجوب بذمته فلا يزيله عدمه. ومن المدونة: قال مالك: ومن باع أرضه بزرعها وقد طاب فزكاته على البائع. قال في المستخرجة: ولا بأس أن يأمن المبتاع عليه فإذا فرغ منه وكاله أخبره بما وجد فيه فأخرج زكاته، قال ابن القاسم وإن باعه من نصراني فأحب إلى أن يتحفظ من ذلك حتى يعلم ما يخرج منه. ومن المدونة: قال مالك: وإن كان الزرع حين البيع أخرض فاشترطه المبتاع فزكاته

على المبتاع، قال في المستخرجة: فإن اشترط زكاته على البائع لم يجز. م: لأنه غرر إذا لا يعلم مقداره. قال عنه يحيي بن يحيي: ولو باع ثمرة نخل قد أزهت وفيها خمسة أوسق فوجبت زكاتها على البائع فأصابتها جائحة أنقصتها من خمسة أوسق، قال: إن بلغت الجائحة الثلث حتى يرجع على البائع من أجلها فلا زكاة عليه وإن لم تبلغ الجائحة الثلث لم يرجع على البائع بشيء وكانت عليه الزكاة كما هي لأنه باع ما تجب عليه فيه الزكاة ولم يرجع عليه بشيء.

ومن المدونة قال: ومن منح أرضه ذميًا أو عبدًا أو إكراهًا منه فلا زكاة على رب الأرض لأنه غير زارع ولا على من زرعها من عبد أو ذمي إذ لا زكاة في أموالهم وزروعهم. قال مالك: وأما الصبي يمنح أرضًا أو يزرع أرضه بنفسه فعليه العشر؛ لأن الصغير في ماله الزكاة. فصل [10 - فيمن مات وقد أوصي بزكاة زرعة الأخضر أو بثمر حائظه قبل طيبة] قال مالك: ومن مات وقد أوصي بزكاة زرعه الأخضر أو بثمر حائطة قبل طيبة فهي وصية من الثلث غير مبدأة إذا لم تلزمه، ولا تسقط هذه الوصية عن الورثة زكاة ما بقي لهم لأنه كرجل استثني عشر زرعة لنفسه وما بقي فللورثة فإن كان/ في حظ كل وارث وحده ما تجب فيه الزكاة عليه وإلا فلا، قال: وإن كان في العشر الذي أوصي به للماسكين خمسة أوسق فأكثر زكاة المصدق وإن لم يقع لكل مسكين إلا مد إذ ليسوا بأعيانهم وهم كمالك واحد ولا يرجع المساكين على الورثة بشيء مما أخذ منهم المصدق وإن حمل ذلك الثلث لأنه كشيء بعينه أوصي لهم به فاستحق أو بعضه. وقال ابن الماجشون: لا يؤخذ منهم شيء لأنها إلى المساكين ترجع.

ومن المدونة قال مالك: وكذلك لو أوصي بثمرة حائطه أو بزرعه كله قبل طيبة للمساكين، أو قال ثمرة حائطي سنتين أو ثلاثة للمساكين لم يسقط عنهم زكاة ذلك وإن لم يصر لكل مسكين إلا مد لأنهم ليسوا بأعيانهم فهو بخلاف الورثة. وإما أن أوصي بزكاة زرعه قبل طيبه لرجل بعينه كان كأحد الورثة، وعليه النفقة معهم لأنه استحقه يوم مات الميت، والزرع أخضر، والمساكين لا يستحقون ذلك إلا بعد بلوغه وسقيه وعمله والنفقة عليه من مال الميت حتى يقبضوه. قال ابن حبيب: جميع ما يحتاج إليه نصيب المساكين من سقي وحصاد وغيره في جملة مال الميت، وحكاه عن ابن القاسم وأشهب. م: وحكي عن أبي محمد أنه قال: نفقة العشر الموصي به للمساكين من ثلث الموصي فإن ناف ذلك الزرع بنفقته على الثلث أخرج منه محمل الثلث فإن لم يكن للميت مال غير الزرع قيل للورثة: أنفقوا عليه وتقاصوهم بنفقتكم في ثلث الزرع الموصي بعشرة لهم فإن بقي في ثلثه بعد إخراج فقتكم منه أكثر من عشر جميعه كان لهم العشر، وما بقي فلكم، وإن بقي العشر فأقل لم يكن لهم غيره لأنه باقي ثلث مال الميت بعد خراج نفقتكم فإن أبي الورثة أن ينفقوا أو لم يكن لهم مال دفعوه

مساقاة وكان كالموصي لهم بعشر الجميع يأخذونه من حصة الورثة التي وقعت لهم في المساقاة إلا أن يكون عشر الجميع أكثر من ثلث ما وقع في حصتهم من المساقاة فلا يزاد الموصي لهم على ثلث ذلك، وذلك أن الزرع إذا كان يخرج عشرة أوسق فقد حصل للموصي لهم بعشرة: وسق، فهم أبدًا يأخذونه مما رجع إلى الورثة بعد المساقاة ما لم يكن عشر جميع الزرع أكثر من ثلث ما يحصل للورثة في المساقاة فلا يزاد الموصي لهم على ثلث ذلك إذا كأنه جميع ما خلفه الميت. وقال أشهب: إذا أوصي بزكاة زرعه الأخضر فقال: تؤدي زكاته عني فوصيته باطلة في حصة من تبلغ حصته ما تجب فيه الزكاة من الورثة؛ لأنها وصية لوارث، ومن لم تبلغ حصته ما تجب فيه الزكاة لم يؤخذ منه شيء ويؤدي ذلك من مال الميت يريد: من ثلثه، وإن كانوا لا تجب في حصة أحد منهم الزكاة أدي ذلك منه إذا بلغ خمسة أوسق يريد: من ثلثه غير مبدأ، وإن كان نصيب كل واحد ما فيه الزكاة فالوصية باطل، والزكاة عليهم. م: معني قول أشهب: كأن الميت أراد أن يدفع الزكاة عن من تجب الزكاة في حصته من الورثة فيؤدي ذلك عنه من ثلثه، فلو فعل ذلك كانت وصية لوارث إذ قد أدي عنه ما يلزمه من الزكاة وأبقي حصته يوفرها فردت وصيته لهذه العلة وألزم الوارث

ما يلزمه من الزكاة، وأما من لا يلزمه في حصته فلم يدفع عنه الميت شيئًا ولم يوص له بشيء فأنفذت وصيته وكانت من الثلث غير مبدأة إذا لم تلزمه بعد. فصل [11 - يما يضم بعضه إلى بعض من الحبوب] ومن المدونة قال مالك: والقمح والشعير والسلت كصنف واحد يضم بعضه إلى بعض في الزكاة ولا يضم معها غيرها فمن رفع من جميعها خمسة أوسق فليزك ويخرج من كل صنف بقدره. م: إنما قال يضم ذلك لتقاربه في الخلقة والانتفاع كالضأن والمعز والجواميس والبقر والإبل والبخت وأخذ من هذا من كل صنف بقدره لأنه ينقسم وفيه فيه رأس واحدة من الماشية أخذه من أكثرها لأنها لا تنقسم، وإن استويا خير الساعي. ومن العتيبة قال ابن وهب وأصبغ في الأشقالية وهي حبة مستطيلة مصوفة هي أقرب خلقه إلى الست والقمح من الشعير وليست من القمح والشعير/ وهي صنف منفرد. وقال ابن كنانة: هو صنف من الحنطة يقال له العلس يكون باليمين يجمع من الحنطة. م: وهو أصوب.

قال ابن حبيب: وهو قول مالك فيه وجميع أصحابه إلا ابن القاسم فإنه قال: إنه صنف منفرد لا يضم إلا القمح والشعير والسلت، وقال ابن كنانة: هو صنف من الحنطة يجمع إليها، وهو الصواب. ومن المدنة: قال مالك: وأما الدخن والأرز والذرة فأصناف لا يضم بعضها إلى بعض ولا تضم إلى غيرها ولا يزكي حتى يرفع من كل صنف منها خمسة أوسق. قال: والقطاني كلها الفول والعدس والحمص والجلبان واللوبيا وما ثبتت معرفته عند الناس أنه من القطاني فإنه يضم بعضه إلى بعض من الزكاة فمن رفع من جميعها خمسة أوسق أخرج من كل صنف بقدره. محمد: فإن قيل كيف تجمع القطنية في الزكاة وهي يجوز الواحد منها بالاثنين من غيره؟ قيل: فالذهب والورق يجمعها في الزكاة وقد يؤخذ بالدينار أضعافه من الدراهم.

م: والترمس والبسيلة من القطنية. قال أشهب عن مالك في العتيبة في الكرسنة أنها من القطنية، وقال ابن حبيب: بل هي صنف على حدته. قال مالك: وليس في الحلبة زكاة. وقد تقدم أن في حب الفجل الزكاة إذا بلغ كيل حبة خمسة أوسق أخذ من زيته، وكذلك الجلجلان إذا كان يعصر أخذ من زيته إذا بلغ كيل حبة خمسة أوسق، قال: وإن كان قوم لا يعصرون الجلجلان وإنما يبعونه حبًا ليزيت للأدهان فأرجو إذا أخذ من حبه أن يكون خفيفًا، وقال مالك في المختصر: ويجزي من ثمنه، وقد تقدم اختلاف قول مالك في حب القرطم وبزر الكتان هل فيه زكاة أم لا. فصل [13 - فيمن زرع جنسًا واحدًا زراعة بعد زراعة] وإذا زرع جنسًا واحدًا زراعة بعد زراعة فإن كان حصاده الأول بعد زراعة الثاني أو كانت زراعة الثاني بعد حصاد الأول لم يضم بعضه إلى بعض فإن كان في كل واحد منهما بانفراده دون خمسة أوسق لم تجب فيهما زكاة وإن زرع ثالثًا بعد حصاده الأول وقبل حصاد الثاني لم يضم الأول إلى الثالث وضم الأوسط إلى الأول والثالث فإن كان في الأول وسقان والثالث كذلك والأوسط ثلاثة أوسق زكي عن الجميع لأنك إن

أضفت الأوسط إلى الأول كانا خمسة أوسق وإن أضفته إلى الآخر كانا خمسة أوسق أيضًا، وهذا قول ابن مسلمة وإن كان الأوسط، وسقا أو سقين لم يجب في شيء من ذلك زكاة وإن كان الأوسط وسقين والآخر وسقين والأول ثلاثة زكي الأول والأوسط دون الآخر، وإن كان الأول وسقين والأوسط وسقين والآخر ثلاثة زكي الأوسط والآخر دون الأول، وإذا كانت زراعة الثاني عندما قرب حصاد الأول لما يضافا؛ لأن الأول في معني المحصود وإن يبس ولم يبق إلا حصاده كان أبين.

[الباب السابع عشر] جامع القول في زكاة الفطر

[الباب السابع عشر] جامع القول في زكاة الفطر [فصل 1 - في حكمها] وزكاة الفطر واجبة، واختلف هل هي فرض أو سنة فقيل فيقول الله تعالي: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى (14) وذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) أنه في إخراج زكاة الفطر ثم الغدو إلى المصلي بعده، وقيل: إنها داخلة في قول الله تعالي: (وآتُوا الزَّكَاةَ)، وقاله مالك، وروي عنه أيضًا وعن أكثر أصحابه غير ذلك أنها مما سن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفرض على ما جاء في الحديث " أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فرضها على الناس صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير. م: معني قوله: "فرضها" أي قدرها، قال الله تعالي (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) أي: قدَّرها.

[فصل 3 - في قدر المخرج] وفي حديث أبي سعيد الخدري: "كنا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاعًا من طعام أو صاعًا من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعًا من أقط أو صاعًا من زبيب"، فقيل: إن الطعام المذكور عني به

البر، قال ابن المواز: وكان الصحابة يسمون القمح الطعام، ألا تري إلى قول سعد أبن أبي وقاص لوكيله حين فني علف دابته: خذ من طعام أهلك فابتع به شعيرًا، ولا تأخذ إلا مثله، يريد: مثلاً بمثل، فهذا يدلك أن الطعام المذكور وإنما عني به القمح. قيل: فما روي ابن وهب أن في كتاب عمرو بن حزم أن تؤدي زكاة الفطر مدين من حنطة، أو صاعًا من تمر، وذكر أشهب أن عمر بن الخطاب كتب إلى الأجناد: " أدوا صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر أو مدين من حنطة"، قال: وسئل مالك عن ذلك فأنكر ما روي من

الحديث في نصف صاع ولم يصح عنده، قال: ويدل أن ذلك لا يجزي على القيمة أن ما ذكر في الحديث الصحيح بعضه أعلى قيمة من بعض، والكيل متفق، والحنطة أفضل ذلك، فلا ينبغي أن ينقص مخرج البر من صاع لارتفاع قيمته، أو لا تري أن ذلك متساوي في جميع الكفارات، فكذلك هذا. وذهب أبو حنيفة أن زكاة الفطر غير واجبة وتؤدي نصف صاع من بر، وصاعًا

مما عداه، وكذلك ذهب ابن حبيب إلى أن تؤدي من البر مدين لهذه الأحاديث كقول أهل العراق والحجة عليهم ما ذكرنا. فصل: [3] وجعلها الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الحر والعبد والصغير والكبير من حاضر وباد وغيره من المسلمين. [فصل 4 - في وجوبها على الفقراء] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ويؤدي زكاة الفطر من يحل له أخذها، قال أبو محمد: واختلف قول مالك فيه. قال ابن حبيب: وإن أعطي منها قدر قوته يوم الفطر فليس عليه أن يخرجه، وإن كان فيه فضل عن قوت يومه ذلك فليخرج من ذلك الفضل، وإن لم يدخل عليه شيء إلا في غد يوم الفطر فلا شيء عليه، لأن يوم الفطر قد زال، وليس من أهلها.

وقال ابن وهب عن مالك في المجموعة: إن كان له قوت شهر أو خمسة عشر يومًا فهي عليه. ومن المدونة قال مالك: ويؤديها المحتاج إن وجدها، فإن لم يجد ووجد من يسلفه فليستلف ويؤدي، قال ابن القاسم: فإن لم يجد من يسلفه ولم يكن عنده شيء حتى مضي لذلك أعوم ثم أيسر لم يلزمه قضاؤها لماضي السنين. وقال ابن المواز: ليس عليه أن يتسلف. قال مالك: وإن أخرها الواجد سنين فعليه قضاؤها لماضي السنين. م: وسئل أبو عمران: ما الفرق بين تأخير زكاة الفطر وتأخير الأضحية حتى ذهبت أيامها، وذلك كله حق في المال؟ فقال: الأجماع أن لا يضحي بعد انقضاء أيام النحر، والقرب إنما تكون حسب ما رتبته الشريعة، وأما زكاة الفطر فإنها تجب بحلول يوم الفطر أو ليلته، كوجوب زكاة الأموال بحلول الحول، فإن أخرها ضمنها؛ لأن الصدقة تنفع المساكين متى تصدق بها عليهم. م ولقوله عز وجل: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) فخض الأيام المعلومات بها فلا ذبح في غيرها، ولا حق فيها

للمساكين فيصل إليهم نفعها متى أخرجت، وزكاة الفطر مخصوص بها المساكين كزكاة الأموال، فمتي أخرجت إليهم نفعتهم، وقد اختلف قول مالك هل هي داخلة في قوله تعالي: (وَآتَوُا الزَّكَاةَ) فقياسها على زكاة الأموال أولى. [فصل 5 - في وقت إخراجها] قال ابن القاسم: واستحب مالك أن تؤدي زكاة الفطر بعد الفجر من يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلي. م: لقوله الله تعالي: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى). يريد به: من أخرج زكاة الفطر ثم غدي ذاكرًا لله إلى المصلي فصلي. قال ابن المواز: وروي أشهب أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أمر بأدائها قبل الغدو إلى المصلي، وقال عليه الصلاة والسلام: "أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم"، وذلك ليأكل منها

الفقراء قبل غدوهم، كما استحب للإنسان أن يأكل قبل غدوه. ومن المدونة قال مالك: وإن أداها بعد الصلاة فواسع. م: لأنه يغنيهم عن الطلب في ذلك اليوم. قال ابن القاسم: فإن أداها قبل الفطر بيوم أو يومين فلا بأس به، وكان ابن عمر يبعث بها إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين وثلاثة. وقال سحنون: إن أخرجها قبل الفطر بيومين لم تجزه، وإنما كان ابن عمر يبعث، بها قبل ذلك بيومين يدفعها لمن يلي الصدقة فيخرجها يوم الفطر. م: ويحتمل أن يكون ابن القاسم إنما أراد بإخراجها قبل الفطر بيومين أي: يدفعها لمن يلي الصدقة كفعل ابن عمر، ومن حمل قوله على ظاهره لزمه أن يقول: يجزئه إخراجها من أول الشهر، وذلك لا يجوز، لأنه أخرجها قبل وجوبها.

[فصل -6 المسافر يخرج صدقة الفطر عن نفسه حيث كان] ومن المدونة قال مالك ويؤديها المسافر حيث هو، وإن أداها عنه أهله ببلده أجزأه. [فصل 7 - زكاة الفكر تلزم الرجل عن نفسه وعمن تلزمه نفقته من المسلمين] قال مالك: ويؤديها الرجل عن كل من يحكم عليه بنفقته من الأحرار والعبيد من المسلمين خلافًا لداود في قوله: لا تلزمه إلا عن نفسه. ودليلنا قوله صلي الله عليه وسلم "أدوا زكاة الفطر عمن تمونون".

ومن المدونة قال مالك: إلا المكاتب فإن نفقته، على نفسه، وعلى السيد زكاة الفطر عنه. قال ابن المواز: لأن المكاتب عبد له خارجه بشيء معلوم جعله عليه، وعلى أن عليه نفقة نفسه، وكان ذلك كله مالاً لسيدة قبل أن يشترطه. م: يريد: فسيده المنفق عليه إذا شرط عليه أن ينفق من مال هو له، إذا العبد وماله لسيده، وكما لو خارج عبداً له بشيء يؤديه كل شهر أو كل سنة، وعلى أن علي العبد نفقة نفسه، فإن السيد يؤدي عنه زكاة الفطر. قال ابن حبيب: ولم يختلف/ في ذلك عنه أهل المدينة. م: وقال أهل العراق: يؤديها المكاتب عن نفسه كالنفقة، وقال عبد الوهاب: وفي المكاتب روايتان: فإذا قلنا إنها تلزم السيد فللرق، وإذا قلنا لا تلزمه فلأنها تابعة

للنفقة، وإشارته إلى الروايتين لأصحابنا. [فصل 8 - في زكاة الفطر عن العبد المعتقد بعضه] ومن المدونة قال مالك: ومن له نصف عبد وباقية حر فليؤد الذي له نصفه نصف صدقة الفطر عن نصفه، وليس على العبد أن يؤدي النصف الآخر عما عتق منه؛ لأنه لا زكاة عليه في ماله. قال ابن المواز: وقاله أشهب، قال: وهو القياس، وأما الاستحسان وهو أحب إلي أن يؤدي السيد عن جميعه صدقة الفطر تامة. وقال عبد الملك: على السيد جميع ذلك، وكذلك في كتاب ابن سحنون، ورواه عن مالك، قال: لأنه وارثه وهو حابسه عن أحكام الحرية ولم يعرف سحنون هذه الرواية وقال مثل ما في المدونة. وقال ابن حبيب عن أشهب: يؤدي من له فيه الرق بقدر ملكه ويؤدي العبد بقدر ما عتق منه، وهو القياس، ويقول عبد الملك أقول استحسانًا.

م: فوجه أن السيد يؤدي عن نصفه ولا شيء علي العبد فلأن أحكام الرق أغلب عليه بدلالة منع شهادته وميراثه ونقصان طلاقه وحده وسقوط الحج عنه، فكذلك الزكاة ساقطة عنه، ويؤدي السيد بقدر ملكه فيه، كما يلزمه أداء الجميع في ملك جميعه، ونصفها إذ كان بينه وبين غيره، وكما لو كان هذا العبد بينه وبين عبد غيره للزم السيد الحر الأداء عن نصفه، ولم يلزم العبد أن يؤدي عن حصته شيئًا، فكذلك هذا. ووجه القول بأن السيد يؤدي جميع الزكاة عنه: لأنه محبوس عليه بالرق كالذي يستغرقه الرق، ولأنه وارثه. ووجه القول بأن علي العبد بقدر ما فيه من الحرية: اعتباراً بالعبد بين الشريكين، ولأنهما يتقاسمان في الخدمة والمنافع، فكذلك هذا في الفطرة، ولأن الفطرة تابعة للنفقة، ونفقته بينهما، فكذلك الفطرة. م: وبالأول أقول. [فصل 9 - في زكاة الفطر عن العبد بين شريكين] ومن المدونة قال مالك: وإذا كان عبد بين رجلي أدي كل واحد منهما نصف صدقة الفطر عنه، وإن كان لأحدهما سدسه وبقيته للآخر فسدس الزكاة على الذي له سدسه وخمسة أسداسها على شريكه. وقاله عبد الملك في كتاب ابن سحنون، وروي عن مالك خلافه أن على كل

واحد عنه زكاة كاملة، ولم يعرفها سحنون. م: وقال أبو حنيفة: لا شيء على ساداته. ودليلنا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صدقة الفطر على كل حر وعبد" فعم، وقال: "أدوا صدقة الفطر عمن تمونون"، ولأنه حق يتبع النفقة فكانت عليهم كالنفقة. قال ابن المواز عن عبد الملك: ولو كان العبد بين حر وعبد فإن على الحر نصف زكاته فقط، قال عنه ابن حبيب: وقاله مالك. [فصل 10 - في زكاة الفطر عند العبد الموصي بخدمته لرجل وبرقبته لآخر] ومن المدونة: قال ابن القاسم: والفطرة على الموصي بخدمته لرجل وبرقبته لآخر على صاحب الرقبة إن قبل الوصية كمن أخدم عبده رجلاً أمدًا فصدقه الفطر عنه على سيده الذي أخدمه. وقال عنه ابن المواز: إن ذلك على المخدم كالنفقة في الوجهين جميعًا. قال: وقال أشهب: ليس على المخدم شيء، وهي على مالك رقبته في الوجهين

جميعًا كقول ابن القاسم في المدونة، قال أشهب: وليس للمخدم في الرقبة حق وهو مثل من أجر عبده وشرط على من أستأجره نفقته فإن زكاة الفطر عنه على سيدة، لأن المستأجر والمخدم لا يملكون منه إلا خدمة أفعن الخدمة يزكون؟ قال ابن المواز: ويقول أشهب أقول؛ لأنه بمنزله من أخدم عبده شهرًا بطعامه، أو قاطع عبده في الشهر على أن عليه طعامه، وقال ابن عبد الحكم بقول ابن القاسم، واحتجا بخادم الزوجة أن فطرتها على الزوج/ الذي عليه نفقتها ولا شيء على مالكه رقبتها). وليس في ذلك حجة؛ لأن خادم الزوجة إنما يؤديها عن الزوجة لوجوب نفقتها، إذا لو لم يكن لها خادم لكلف الزوج أن يخدمها خادمًا وينفق عليها ويزكي عنها؛ لأن ذلك من مؤن الزوجة ويجبر الزوج عليها، ولو قالت الزوجة: أنا أنفق على نفسي وخادمي وأبي ذلك الزوج وقال: أنا أنفق كان ذلك له، ولو تزوجها على ذلك ما جاز، ولو أبي صاحب رقبة المخدم أن ينفق إلا هو ويمنع المخدم من النفقة كان ذلك للسيد مثل الإجارة سواء، ولو أخدمه على أن لا نفقة للمخدم كان ذلك للسيد، فهذا فرق ما بينهما. [فصل 11 - زكاة الفطر عند العبد الأعمي والمجنون والأبق] وم المدونة: قال مالك: ومن له عبد أعمي أو مجنون أو مجذوم فليؤد عنه زكاة

الفطر ولا يعتق عليه لما أصابه من البلاء. قال: ولا يؤديها عند عبده الآبق إباق إياس فأما من يرتجيه لقربه فهي عليه عنه. [فصل 13 - زكاة الفطر عن رقيق التجارة وعن عبيد القراض] قال: ومن كان عنده رقيق للتجارة مسلمين فليؤد عنهم زكاة الفطر وإن لم تبلغ قيمتهم مئتي درهم. قال: ومن أخذ مالاً قراضًا فاشتري به رقيقًا فزكاة الفطر عنهم على رب المال في رأس ماله، وليس في مال القراض، وأما نفقتهم فمن مال القراض، وقال أشهب إن بيعوا فكان فيهم فضل مثل ثلث الثمن فعلي العامل سدس تلك الزكاة، وإن كان الربع فعليه الثمن إن قارضه على النصف. وقال ابن أبي زمنين: وعلى مذهب أشهب: تؤخذ الزكاة مما بيد المقارض، فإذا تفاصلاً نظر إلى الربح فيكون ما ذكر، كذلك فسره بعض شيوخنا. م: والصواب عندي أن يؤديها رب المال، فإذا تفاصلا نظر إلى الربح، والدليل على ذلك: أن الزكاة إنما هي عن رقابهم، والرقبة فلا حق متعين للمقارض فيها، وقد لا يكون له فيها حق أبدًا، وهي اليوم لرب المال فهو الذي يؤدي عنها، وهذا أصلنا في أكثر الأحكام إنما يراعي الحكم يوم وقع لا إلى ما يكون أو لا يكون، وليس لرب المال أن ينقص من مال القراض بعد إشغاله لأمر هو لازم له على الحقيقة، وبالله التوفيق.

وذهب ابن حبيب إلى أن فطرتهم كنفقتهم من جملة القراض، ورأس المال هو العدد الأول، واختار ابن المواز رواية ابن القاسم وقوله: إن فطرتهم على رب المال، قال: لأنه شيء ليس على المال وجب، وقد لزم ذلك قبل أن يجب للعامل شيء، وما يأخذه العامل كالإجازة وتلزمه زكاته في نضوضه وبعد أن يصير له بعد الحول، ألا تراه لو كان العامل لا يدير ورب المال يدير أن رب المال يقوم ما بيد العامل ويزكي كل عام، ولا يزكي العامل إلا ما ينويه بعد المفاصلة لعام واحد، وكذلك في زكاة رقاب غنم القراض على رواية ابن القاسم، وهذا كله نقل أبي محمد. وقد تقدمت الحجة في زكاة ماشية القراض. [فصل 13 - زكاة الفطر عن العبد الجاني والمغصوب والمرهون] ومن المدونة: ومن جنى عبده جناية عمد فيها نفسه فحل عليه الفطر قبل أن يقتل فنفقته وزكاة الفطر عنه على سيده. قال ابن القصار في العبد المغصوب إن كان يئس منه فهو كالعبد الآبق. قال مالك: ومن رهن عبده فنفقته وزكاة الفطر عنه على سيده.

[فصل 14 - في وقت وجوب زكاة الفطر] قال ابن حبيب: اختلف عن مالك متى حد وجوب الفطرة، فروى أشهب عن مالك: أنها تجب بغروب الشمس من ليلة الفطر، وبه قال. م: وهذا مذهب ابن القاسم في المدونة. قال ابن حبيب: وروى ابن القاسم وعبد الملك ومطرف عن مالك أن حد ذلك طلوع الفجر من يوم الفطر، وبه قالوا، وبه أقول. م: وذكر عبد الوهاب هاتين الروايتين عن مالك، قال: وقال جماعة من أصحابنا تجب بطلوع الشمس. م: فوجه قوله بغروب الشمس: ما روى أنه صلى الله عليه وسلم: ((فرض زكاة الفطر من رمضان""، فأضاف الفطر إلى رمضان، وحقيقته: بغروب الشمس؛ ولأن من ولد بعد غروب الشمس لم يدرك شيئاً من رمضان، فلم يلزم إخراج الفطرة عنه كمن ولد بعد الفجر. ووجه قوله: أنها تجب بطلوع الفجر: ما روي أنه صلى الله عليه وسلم: ((فرض زكاة الفطر من رمضان))، وإطلاق ذلك لا يفهم منه إلا يوم الفطر؛ ولأنه حق في مال

يخرج يوم العيد على طريق المواساة فوجب أن يتعلق بطلوع الفجر، أصله الأضحية. ووجه قول من قال: إنها تجب بطلوع الشمس: فلأنه نسك مضاف إلى العيد، فكان وقته صلاة العيد، كالأضحية. وفائدة هذا الخلاف/ فيمن اشترى عبداً، أو ولد له ولد، أو تزوج امرأة قبل غروب الشمس، أو بعده، أو باع العيد، أو طلق الزوجة، أو مات الولد في ذلك: فإن قلنا: إن الزكاة تجب بغروب الشمس، فلا تجب عليه فيهم زكاة إلا إذا كانوا عنده قبل الغروب؛ لأن وقت الوجوب صادفتهم في ملكه، وكذلك إن بقوا في ملكه إلى طلوع الشمس، فتتفق الأقوال: أن عليه زكاتهم، وإن باع أو طلق أو مات الولد بعد الغروب وقبل الفجر فلا شيء عليه في قول من أوجبها بطلوع الفجر أو الشمس، وإن كان ذلك بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس لم تجب عليه على قول من يقول تجب بطلوع الشمس، وإنما يراعى أن يصادفهم الوقت وهم في ملكه. [فصل 15 - في العبد يباع يوم الفطر على من تجب زكاته؟] ومن المدونة: قال مالك: ومن ابتاع عبداً يوم الفطر أدى عنه المشتري زكاة الفطر، ثم رجع مالك فقال: بل يؤديها عنه البائع؛ لأن الزكاة وجبت عليه فيه قبل بيعه، قال ابن القاسم: وهو أحب قوله إلىّ. قال ابن المواز: وإن باعه قبل غروب الشمس من آخر يوم من رمضان فالفطرة عنه على المشتري، وإن باعه بعد غروب الشمس فيستحب للبائع إخراجها عنه، وهي لازمة للمشتري، وقد استحب أشهب فيمن اشتراه يوم الفطر أن يؤدي عنه، وأما البائع

فذلك عليه واجب، بمنزلة المال يزكيه ربه عند حوله ثم يبتاع به سلعة قد حال على ثمنها أحوال عند صاحبها فإن البائع يزكي ذلك المال بعينة ثانية مكانه. [فصل 16 - في زكاة الفطر عن العبد يشترى بالخيار، وعن الأمة تباع على المواضعة] ومن المدونة: قال مالك: ومن ابتاع عبداً على أن البائع والمبتاع فيه بالخيار ثلاثة أيام، أو باع أمة على المواضعة فغشيهم الفطر قبل زوال أيام الخيار والإستبراء فنفقتهم وزكاة الفطر عنهم على البائع، وسواء رد العبد مبتاعة بالخيار أم لا لأن ضمانهما من البائع حتى يخرج العبد من الخيار، والأمة من الإستبراء. [فصل 17 - العبد المشترى بيعاً فاسداً فطرته على مشتريه] قال: ومن اشترى عبداً بيعاً فاسداً فجاءه الفطر وهو عنده فنفقته وزكاة الفطر عنه على المشتري، رده يوم الفطر أو بعده، لأنه ضمانه كان منه حتى يرده. [فصل 18 - العبد الموروث فطرته على وارثه] قال: ومن ورث عبداً فلم يقبضه حتى مضى يوم الفطر فنفقته وزكاة الفطر عنه على الذي ورثه، ولو كانوا فيه أشراكاً فعلى كل واحد منهم بقدر حصته.

[فصل 19 - في حد وجوب الفطرة على من لم يكن من أهلها مثل النصراني يسلم، والحمل يولد] قال مالك: ومن أسلم بعد طلوع الفجر من يوم الفطر أحببت له أن يؤدي زكاة الفطر، والأضحية أبين عليه في الوجوب. م: لأن إسلامه بعد وقت الفطر كإسلامه في باقي الفطر والأضحية هي ثلاثة أيام فقد أسلم ووقتها قائم فوجبت عليه. قال ابن حبيب: وأجمعوا عن مالك أنه إن أسلم قبل الفجر أنها واجبة عليه وهي بعد الفجر مستحبة. م: كيف يكون هذا إجماعاً من مالك ومن يقول بقوله تجب بغروب الشمس لا يوجبها عليه لأنها وجبت وهو غير مسلم. قال: وقال أشهب: إذا لم يسلم قبل الفطر بيوم وليلة حتى يلزمه صوم يوم منه فليست عليه بواجبة. قال ابن حبيب: وهذا شاذ، ولو وجبت بالصوم لسقطت عن المولود، وإنما تجب بإدراك حلول اليوم الذي فرضت فيه، وقال أشهب في كتاب محمد: وقد سئل مالك عن الذي يُسلم يوم الفطر فقال: إنما تجب الزكاة على من صام رمضان ولا أرى هذا صام شيئاً منه، فروجع في ذلك فقال: إن فعل فحسن، وما أرى ذلك عليه واجباً.

م: وبه قال أشهب. ومن المدونة: قال مالك: ولا يؤدي عن الحمل زكاة الفطر إلا أن يولد ليله الفطر حياً أو يومه فيؤدى عنه. قال ابن حبيب: ولم يختلفوا عن مالك فيمن ولد قبل الفجر أو بعده أنها على الأب، وقال ابن الماجشون: هو فيه بعد الفجر مستحب، وقاله أشهب. ومن المدونة قال مالك: ومن أراد أن يعق عن ولد له بعد انشقاق الفجر لم يحتسب بذلك اليوم وحسب سبعة أيام سواه ثم يعق عنه يوم السابع ضحى وهو سنة الضحايا والعقائق والنسك، وإن ولد قبل الفجر احتسب بذلك اليوم. وهذا في كتاب الضحايا مستوعب. قال ابن القاسم ومن مات ليلة الفطر أو يومه ممن يلزمك أداء الفطر عنه من مماليك وأولاد صغار وزوجة وأبوين لم يزلها موته، وقاله مالك إذا ماتوا بعد انشقاق الفجر. م: وهذا من قول ابن القاسم في قوتهم ليلة الفطر يدل أنها واجبة بغروب الشمس، وكذلك قوله فيمن مات ليلة الفطر وأوصى بزكاة الفطر عنه أنها من رأس ماله، وهو خلاف ما روى عنه ابن حبيب من أنها واجبة بطلوع الفجر، فاعرفه.

[فصل 20 - فيمن مات ليلة الفطر أو يومه وأوصى بالفطرة عنه] ومن المدونة قال: وإذا مات/ ليلة الفطر أو يومه فأوصى بالفطرة عنه كانت من [166/ أ] رأس ماله، وإن لم يوص بها أمر ورثته بها ولم يجبروا عليها كزكاة العين تحل عليه في مرضه أو يأتيه مال كان غائباً عنه يعلم يقيناً أنه لم يخرج زكاته فيأمر بإخراجها فتكون من رأس ماله. ابن المواز: وقال أشهب هي من رأس المال أوصى بها أو لم يوص. [فصل 21 - زكاة الفطر لا تلزم الرجل عن عبده أو امرأته أو أم ولده النصارى] ومن المدونة: قال مالك: ولا يؤدي الرجل زكاة الفطر عن عبده أو امرأته أو أم ولده النصارى، ولا يؤديها إلا عن من يحكم عليه بنفقته من المسلمين خلي المكاتب. م: وقال أبو حنيفة يؤديها عن عبيده النصارى ودليلنا حديث ابن عمر: ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد ذكراً وأنثى من المسلمين)) فقيده بالإسلام، وروى ابن عباس: ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة

للصائم من اللغو والرفت ((وطعماً للمساكين)) فأخبر عن علة فرضها. ومن المدونة: قال مالك: ولا يؤديها عن عبد عبده كما لا تلزمه نفقته. [فصل 22 - زكاة الفطر تلزم الرجل عن نفسه وعن امرأته وعن أولاده ذكوراً وإناثاً] قال مالك: ويلزم الرجل أداؤها عن نفسه وعن الإناث من ولده حتى يدخل بهن أزواجهن، أو يدعى الزوج إلى البناء فحينئذٍ تسقط عن الأب وتلزم الزوج مع النفقة، ويلزمه أداؤها عن ولده الذكور حتى يحتلموا، ومن كان من ولده له مال ورثه أو وهب له أنفق عليه منه وزكى عنه الفطر وضحى عنه منه وحاسبه إذا بلغ، وتلزم الرجل عن امرأته وإن كانت مليئة؛ لأن عليه نفقتها، خلافاً لأبي حنيفة. ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: ((أدوا عمن تمونون)).

[فصل 23 - زكاة الفطر تلزم الزوج عن خادم امرأته] ومن المدونة: قال مالك: ويؤديها عن خادم واحدة من خدم امرأته التي لابد منها. ومن العتبية: قال أصبغ- عن ابن القاسم-: يؤدي الرجل زكاة الفطر عن خادمين من رقيق امرأته إذا كانت بهذه المنزلة من الغنى والشرف، ولو ارتفع قدرها مثل بنت السلطان والملك العظيم والهاشميات رأيت أن يزاد في عدد الخدم لما يصلحها من الأربع والخمس، ويلزم الزوج نفقتهن وزكاتهن. [فصل 24 - في إخراج زكاة الفطر عن خادم الزوجة إذا كانت صداقاً] ومن المدونة: قال مالك: ومن تزوج امرأة ثيباً أو بكراً في حجر أبيها على خادم بعينها ودفعها إليها فأتى الفطر وهي بيد الزوجة ثم طلقها بعد يوم الفطر قبل البناء فزكاة الفطر عن الزوجة وعن الأمة على الزوجة إن كان الزوج ممنوعاً من البناء؛ لأنه مضى يوم الفطر وهي لا، ولا نفقة لهما على الزوج، قال: فإن لم يكن ممنوعاً من البناء،

قال ابن المواز: ودعوه إلى البناء فذلك عليه عنهما؛ لأن نفقتهما قد وجبت عليه. [فصل 25 - في زكاة الفطر عن المطلقة طلاقاً رجعياً أو بائناً] م: ولو طلق المدخول بها طلقة رجعية لزمته النفقة عليها وأداء الفطرة عنها؛ لأن أحكام الزوجية باقية عليها، وأما لو طلقها طلاقاً بائناً وهي حامل فلا يزكي عنها للفطر وإن كانت النفقة عليه لها؛ لأن النفقة ها هنا إنما وجبت عليه للحمل لا لها. [فصل 26 - من لزمته نفقة أبويه لحاجتهما أدى زكاة الفطر عنهما] ومن المدونة: قال مالك: ومن لزمته نفقة أبويه لحاجتهما لزمه أداء زكاة الفطر عنهما.

قال ابن القاسم: فإذا حبس الأب عبيد ولده الصغار لخدمتهم ولا مال للولد سواهم فعلى الأب أن ينفق على العبيد، فإذا لزمته نفقتهم لزمه أداء زكاة الفطر عنهم، ثم يكون له ذلك في مال الولد وهم العبيد؛ لأنهم أغنياء، ألا ترى أن من له من الولد عبيد فهو مال تسقط به النفقة عن أبيه؛ لأن له أن يبيع العبيد وينفق ثمنهم عليه، قال: وإن كان للعبيد خراج أنفق منه الأب على عبيده وينفق ثمنهم عليه، قال: وإن كان للعبيد خراج أنفق منه الأب على عبيده وعلى الولد، وأدى عنهم منه زكاة الفطر إن حمل ذلك، وإن لم يكن لهم خراج وأبى الأب أن ينفق عليهم جبره السلطان على بيعهم أو الإنفاق عليهم، لأن الأب هو الناظر لهم، وبيعه جائز عليهم، وكذلك قال مالك في السيد يأبى أن ينفق على عبده فإن السلطان يجبره على أن ينفق عليهم أو يبيع. قال ابن المواز: قال ابن القاسم في البكر لها خادم لا شيء لها غيرها فعلى الأب النفقة على الابنة خاصة، ويقال لها: إما أنفقت/ على الخادم أو بعت، وقال أشهب: لا [166/ ب] نفقة عليه لابنته؛ لأن لها خادماً ولبيعها وينفق عليها ويزكي زكاة الفطر عنها، قال ابن المواز: وإن كان الولد لابد له ممن يخدمه فعلى الأب أن ينفق ويزكي عن الولد والخادم

ويجبر على ذلك، وإن كان للولد غنى عن الخادم فلا شيء على الأب إلا أنه ينفق ويزكي ويكتب عليه ذلك، فإذا باع استوفى، وإلى هذا رجع ابن القاسم وأشهب. [فصل 27 - صدقة الفطر يؤديها الوصي عن اليتامى وعن رقيقهم من أموالهم] ومن المدونة قال مالك: ويؤدي الوصي صدقة الفطر عن اليتامى الذين عنده من أموالهم إن كانوا صغاراً، ويؤديها عن عبيدهم أيضاً، قال: ومن كان في حجره يتيم بغير إيصاء أحد، وله بيده مال رفع أمره إلى الإمام لينظر له، فإن لم يفعل وأنفق منه عليه وبلغ الصبي فهو مصدق في نفقة مثله في تلك السنين، ولو قال قد أديت عنهم صدقة الفطر في هذه السنين صدق كانوا في حجره أو في حجر الأم.

[فصل 28 - في الجنس الذي تخرج منه زكاة الفطر] قال مالك: وتؤدى زكاة الفطر من القمح والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والتمر والزبيب والأقط، قال ابن حبيب: والعلس. وذهب ابن حبيب إلى أنها تؤدى من البر مدين، وهو قول أهل العراق، وقد تقدمت الحجة عليه. قال محمد: بل تؤدى من البر صاعاً، وقد أخبرني بذلك: عبد الملك، وابن عبد الحكم، وابن بكير. ومن المدونة: قال مالك: ولا يخرج أهل مصر إلا القمح؛ لأن ذلك جل عيشهم إلا أن يغلو سعرهم فيكون عيشهم الشعير فلا أرى به بأساً أن تؤدى منه، قال: وأما ما ندفع نحن بالمدينة فالتمر. قال أشهب في المجموعة: أحب إلي أن تؤدى بالبلدان من الحنطة، وبالمدينة من التمر، ولو كانوا يؤدون الحنطة كان أحب إلى ولكن لا يؤدونها بها، قال: والسلت

أحب إلي من الشعير، والشعير أحب إلي من الزبيب، والزبيب أحب إلي من الأقط، ومن كان عيشه شيئاً من هذا فليؤد منه وغن كان غيره أفضل. وقال ابن حبيب: من قدر على أحد هذه الثلاثة: القمح، والشعير، والتمر فليخرج مما يأكل منها، فإن أكل من أفضلها وأدى من أدناها أجزأه، وكان ابن عمر يخرج تمراً، وربما شعيراً، وكان يأكل البر والتمر والشعير، وأحسب أن التمر جل قوتهم، وأما السبعة الأصناف الباقية فليخرج مما هو قوته منها، فإن أخرج من غيره لم يجزه، ومن اخرج من غير العشرة الأصناف لم يجزه، وإن كان ذلك عيشهم. ومن المدونة: قال مالك: ولا يجزئه أن يخرج فيها دقيقاً أو سويقاً، قال ابن حبيب: إنما نهى عن إخراج الدقيق من أجل ريعه فمن أخرج منه قدر ما يزيد على

كيل القمح أجزأه، وقال أصبغ في كتاب النذور، والخبز كذلك، قال: وليس غربلة القمح بواجب، وهو مستحب إلا أن يكون غلئاً. م: وليس قول ابن حبيب في الدقيق بخلاف لما في المدونة، قاله بعض علمائنا من القروينن ومن أهل بلدنا. وقال ابن الماجشون: يؤدي زكاة الفطر من الغالب من عيش بلده، قال ابن المواز: بل مما يأكل هو وعياله مما يفرض على مثله، وقاله أشهب. وفي كتاب الأبهري: وإذا كان رجل يخص نفسه بقوت أجود من غالب قوت بلده فيستحب له أن يخرج منه، فإن أخرج من الغالب أجزأه، وإن كان يأكل دون القوت الغالب كان عليه أن يخرج من الغالب إذا أمكنه، فإن لم يمكنه أخرج مما يأكل. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه كره أن يخرج فيها تيناً، وأنا أرى إن فعل ذلك أنه لا يجزئه، قال ابن القاسم: وكل شيء من القطنية أو من هذه الأشياء التي ذكرنا أنها لا تجزى فإذا كان ذلك عيش قوم فلا بأس أن تؤدوا من ذلك ويجزئهم. قال في العتبية: هذا مال لا يكون عيشهم، ولو كان ذلك عيشهم رجوت أن

يجزئهم، قال عن مالك في قوم ليس طعامهم إلا التين قال: لا يؤدون منه زكاة الفطر. وفي كتاب ابن المواز: وإن كان عيش قوم بعض هذه القطاني، أو التين فأخرج من ذلك زكاة الفطر فلا يجزئه. وفي كتاب ابن عبد الحكم: كل ما تجب فيه الزكاة فإنه يخرجه في زكاة الفطر إذا كان هو طعامه. ومن المدونة: قال مالك: ولا يجزى/ أن يخرج مكان زكاة الفطر عيناً أو عرضاً. قال مالك: ولا يجزي أن يدفع في الفطرة ثمناً، وروى عيسى عن ابن القاسم: إن فعل أجزأه.

[فصل 29 - في دفع زكاة الفطر إلى الإمام، أو تفريقها دونه، وصفة من يحل له أخذها، وهل تضمن إن تلفت] ومن المدونة: قال مالك: ويفرق كل يوم قوم زكاة الفطر في أمكنتهم من حضر أو بدو أو عمود، ولا يدفعونها إلى الأمام إن كان لا يعدل، وإن كان عدلاً لم يسع أحداً أن يفرق شيئاً من الزكاة، وليدفعها إليه فيفرقها الإمام في مواضعها ولا يخرجها منه إلا أن لا يكون بموضعهم محتاج فيخرجها إلى أقرب المواضع إليهم فيفرقها هناك. قال: ولا بأس أن يعطي الرجل صدقة الفطر عنه وعن عياله لمسكين واحد، قال ابن حبيب: وليس لما يعطي منها حد، وقد روى مطرف عن مالك: أنه استحب لمن ولي تفرقة فطرته أن يعطي كل مسكين ما أخرج عن كل إنسان من أهله من غير إيجاب، وله إخراج ذلك على ما يحضره من الإجتهاد. قال في كتاب ابن المواز: ولو أعطى زكاة نفسه وحده مساكين لم يكن به بأس، وكره مالك أن يسأل المساكين في العيد في في المسجد والمصلى، قال: وقد جاء: ((أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم)).

ولا يعطى منها أهل الذمة ولا العبيد. قال: ومن اخرج زكاة الفطر عند محلها فضاعت أو أهراقت فلا ضمان عليه، وكذلك زكاة العين، ولو تلف ماله وبقيت لزمه إنقاذها، ولو أخرجها بعد إبانها وقد كان فرط فيها فضاعت قبل أن ينفذها بغير تفريط كان ضامناً لها. تم كتاب الزكاة الثاني من الجامع مع حمد الله وعونه وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

كتاب الحج الأول من الجامع

كتاب الحج الأول من الجامع [الباب الأول] في فرض الحج، وعلى من يجب، ومن أخره، واستئذان الأبوين فيه، ومن أول من أقام الحج، ويوم الحج الأكبر، وأشهر الحج، وذكر البدن، والشعائر، والرفث، والفسوق، والجدال، والعمرة. [فصل 1 - دليل فرضيته] فالحج فرض على مستطيعه من الأحرار المكلفين مرة واحدة في العمر، لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، وقوله: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) قيل: معناه: من لم ير الحج واجباً.

وقال ابن حبيب: هو من ترك الحج. وقوله: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)، وقوله صلى الله عليه وسلم ((بني الإسلام على خمس)) فذكر الحج، وقوله- للذي سأله عن الإسلام-: ((وحج البيت)) وقوله: ((حُجوا قبل أن لا تحجوا)) ولإجماع الأمة عليه.

ولما نزلت: " وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ "، قيل: يا رسول الله: كل عام؟ فقال: " الحج مرة واحدة، ولو قلت نعم لوجبت". [فصل 2 - شروط الواجب] وشروط وجوبه خمسة، وهي: البلوغ، والعقل، والحرية، والإسلام، والاستطاعة. فأما العقل والبلوغ: فلقوله صلى الله عليه وسلم: رُفع القلم عن ثلاثة فذكر: الصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستقيظ"؛ ولأنه من عبادات الأبدان كالصلاة والصيام. وأما الحرية: فلقوله صلى الله عليه وسلم: " أيما عبد حج فعتق فعليه الحج "، وحج صلى الله عليه وسلم بأزواجه ولم يحج بأم ولده، وقد قال تعالى: {عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ}،

وقال في الحج: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}، ومن لا يقدر على شيء فهو غير مستطيع، فالعبد لا يملك نفسه، فكيف يملك ما بيده؟. وأما الإسلام: فإن الكفار مخاطبون بالإسلام فإذا أسلموا خوطبوا بشرائعه، ومحال أن يخاطبوا بشرائعه وهم جاحدون له. وأما الإستطاعة: فلقوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}. واختلف في تفسير الإستطاعة، وسئل مالك عنها فقيل له: أذلك الزاد والراحلة؟ فقال: لا والله: واحد قد يجد زاداً وراحلة، ولا يقدر/ على السير، وآخر يقدر أن [167/ب] يمشي راجلاً، وربّ صغير أجلد من كبير، ولا صفة في هذا أبين مما قال الله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}. قال ابن حبيب: وروى أن الاستطاعة: مركب وزاد قال: وقاله عدد من

الصحابة والتابعين، وقاله ابن أبي سلمة. قال: وذلك يرجع الى البلاغ الى مكة، ويدخل في البلاغ: الصحة، والزاد، والحمولة بشراء أو كراء لبعيد الدار الذي لا يبلغ راجلاً إلا بتعب ومشقة؛ لقوله تعالى: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ}، وإن وجد زاداً وهو قريب الدار ليس عليه في المشي كبير مشقة فعليه الحج، وإذا كان في داره وخادمه وسلاحه وكل ما يباع عليه في دينه ما يبلغه الحج فعليه الحج.

وقال سحنون: الاستطاعة الزاد والراحلة لبعيد الدار والطريق المسلوكة. وقال بعض البغداديين: لم يثبت في الراحلة حديث، وظاهر القرآن يوجب الحج على مستطيعه ماشياً أو راكباً، قال الله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَاتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ}. وقال غيره: الاستطاعة: القدرة على الوصول الي البيت وفعل المناسك، فكل من أمكنه ذلك من غير تعذر أمر فهو مستطيع، ويختلف ذلك باختلاف أحوال الناس، فإذا كانت الطريق سابلة: فمن كان عادته المشي من غير حاجة الى الركوب لزمه الحج إذا وجد الزاد، وإن كان عادته المسألة واستماحة الناس لزمه الحج وإن عُدم الزاد في الحال وجرى على عادته. وكل ذلك خلاف لأبي حنيفة، والشافعي في قولهما: إن الاستطاعة: الزاد والراحلة. ودليلنا: أن الله تعالى قال: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} فكل مستطيع من غير خروج عن عادته كالواجد للراحلة.

والمعضوب: الذي لا يستمسك على الراحلة غير مستطيع ولا يلزمه أن يحج غيره من ماله، خلافاً لهما لأن كل عبادة تعلق فرضها بالبدن مع القدرة لم تنتقل الى غيره مع العجز كالصلاة، والصيام. قال ابن وهب: سئل مالك عن الرجل يؤاجر نفسه وهو حاج أيجزي عنه حجه؟ قال: نعم. فقيل له: فمن يسأل ذاهباً وراجعاً ولا نفقة عنده؟ قال: لا بأس بذلك، وإن مات في الطريق فحسابه على الله. وقال عنه ابن القاسم: لا أدري للذين لا يجدون ما يُنفقون أن يخرجوا الى الحج والغزو ويسألون الناس وهم لا يقوون إلا بما يسألون وإني لأكره ذلك لقول الله تعالى

{وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ} [فصل 3 - من لا يمكنه الوصول الى الحج إلا بإخراج المال إلى السلطان الجائر، هل يسقط عنه الحج؟] قال ابن القصار: واختلف أصحابنا فيمن لا يمكنه الوصول الى الحج إلا بإخراج المال الى السلطان الجائر، فقال بعضهم: لا يجب عليه الحج، وقال شيخنا أبو بكر الأبهري: إن لم يُمكنه إلا بإخراج المال الكثير الذي يشق ويخرج عن العادة لم يلزمه، كالثمن في ماء الطهارة والثمن في رقبة الكفارة، وإن كان شيئاً قريباً، فالحج واجب عليه. فوجه القول الأول: إن رضاه بقطع الطريق عليهم ومنعهم من المرور إلا بثمن لا يؤمن منه متى بذلوا له شيئاً أن يحفز بهم ويقتلهم ويأخذ اموالهم فيصيرون قد غروا بأموالهم. ووجه القول الثاني: أنه يغلب عليه وإن رضي بالظلم ما جرى من غالب عاداته أنه لا يخفر ما عاهدهم عليه. قال أبو إسحاق: وهذا أشبه؛ لأن مثل هذا لا يكاد يخفي من عادته.

[فصل 4 - المرأة لا يجب عليها الحج من المكان البعيد ماشية لخوف عجزها] وفي كتاب ابن المواز: وليس النساء في المشي كالرجال وإن قوين؛ لأنهن عورة في مشيهن، إلا المكان القريب مثل أهل مكة وما حولها أو قرب منها إذا هن أطقن المشي. ومن لا يملك إلا قرية، وله ولد، قال: يبيعها ويحج ويترك ولده للصدقة. وقال فيه وفي العتبية: وكره مالك حج المرأة في البحر؛ لأنها تتكشف ولتخرج في البر وإن لم تجد ولياً، قال عنه ابن المواز: وقد قال الله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَاتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ}، ما أسمع للبحر ذكراً. وقال في المجموعة: أكره أن يحج أحد في البحر إلا مثل أهل الأندلس الذين لايجدون منه بُداً.

[فصل 5 - الرجل يكون عنده ما يتزوج به، أيتزوج، أو يحج؟] ومن العتبية: قال ابن القاسم: سئل مالك عن الرجل العزب يكون عنده ما يتزوج به أيتزوج أم يحج به؟ قال: بل يحج، قيل: وإن كان على أبيه دين وهو صرورة أيقضي دين أبيه أم يحج؟ قال: بل يحج. قال ابن المواز: وإن كان عليه هو دين وله به وفاء، أو كان يرجوا قضاؤه فلا بأس أن يحج، قال ابن المواز: يريد وإن لم يكن معه غير مقدار دينه فليس له أن يحج. يريد محمد: إلا أن يقضيه أو يتسع وجده. [فصل 6 - هل الحج واجب على الفور او على التراخي؟] قال ابن حبيب: روى أن عمر قال: من اتصل وفره ثلاث سنين، ثم مات ولم يحج لم أصل عليه. وقال سحنون في الكثير المال القوي على الحج إذا طال زمانه واتصل وفره وليس له سقم ولم يحج: فهي جرحة. قيل: فهو كذلك/ من بلغ عشرين سنة الى أن بلغ ستين [168/أ] سنة؟ قال: لا شهادة له. قيل: وإن كان بالأندلس؟ قال: نعم، لا عذر له. [فصل 6 - استئذان الأبوين في الحج] ابن المواز: قال مالك: ولا يحج بغير إذن الأبوين إلا حجة الفريضة، وإن قدر أن يرتاضاهما حتى يأذنا له فعل، وإن كانا إنما نذر حجة فلا يكابرهما ولينتظر إذنهما عاماً

بعد عام ولا يعجل، فإن أبيا فليحج. ومن توجه حاجاً بغير إذن أبويه فإن أبعد وبلغ مثل المدينة فليتمادا. وقال عنه ابن نافع في المجموعة: إنه يستأذنهما في الفريضة العام والعامين فإن أبيا فليخرج. [فصل 7 - متى فرض الحج؟] ومن العتبية، وكتاب ابن المواز: قال ابن القاسم قال مالك: وأول من أقام الحج بالناس أبو بكر سنة تسع. وقال غير واحد من البغداديين ومثله لاسماعيل القاضي: إنه لم يأت صريحاً أن حج أبي بكر حينئذ كان عن فرض، والظاهر أنه حج لينذر المشركين بسورة براءة أن لا يحج بعد العام مشرك، ويبعد أن يُفرض الحج فيحج أبو بكر الفرض قبل النبي صلى الله عليه وسلم.

وأن حجه وقع في ذي القعدة، والنسيء قائم، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العام الثاني: " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض"،

فأخبر أنه لم يكن قبل مستديرا، وأن ذلك لو كان فرضاً لم يؤخره النبي صلى الله عليه وسلم، ومع أنه لو أخره النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن كغيره؛ لأن الله تعالى أخبره أنه يفتح عليه ويدخل مكة آمناً، فكان على ثقة من أنه سيعيش الى ذلك، ونحن لا نعلم من يموت فكيف يتأخر الإنسان بعد وجوب الفرض عليه وإمكان موته. [فصل 8 - يوم الحج الأكبر] قال مالك: ويوم الحج الأكبر هو يوم النحر. قال غيره: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يؤذن المشركين بسورة براءة يوم الحج الأكبر

وهو يوم النحر بالمشعر؛ لأنه أكبر جمعهم وموقف قريش، وكان غيرهم يقف بعرفه ثم يأتون المشعر فيجتمع فيه جمعهم كلهم. [فصل 9 - الميقات الزماني للحج] قال مالك: أشهر الحج: شوال وذو القعدة وذو الحجة. م: لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} وأقلها ثلاثة كاملة؛ ولأن كل شهر كان أوله من شهور الحج فكذلك آخره، أصله شوال. وفائدة ذلك: تتعلق الدم بتأخير طواف الإفاضة بخروجه. وقال ابن حبيب عن مالك: إن شهور الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة؛ لأن بانفصالها فوات الحج.

وروي ذلك عن عمر، وعثمان، وابن عمر، وابن عباس. م: وهذه الرواية أصوب؛ لأن بانفصالها فوات الحج. فصل [10] وسئل مالك عن قوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} سورة الحج آية 29 قال: هو رمي الجمار وعن قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} قال: هي: عرفات، والمزدلفة، والصفا، والمروة، فمحمل الشعائر: البيت العتيق.

فصل [11] قال ابن حبيب في قوله تعالى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}، فالرفث: ما يلتذ به من أمر النساء من ذكر أو مراجعة أو غيره. وأما قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} فهو الجماع. قال: والفسوق: الذبح لغير الله. وقال ابن عباس، وابن عمر: إنها المعاصي كلها. والجدال: المراء حتى يغاضب صاحبه.

قال مالك: هو ما كان من تفاخر الجاهلية بآبائها. فصل] 13 - حكم العمرة [ قال ابن القاسم، وغيره: قال مالك: العمرة سنَة واجبة كالوتر لا ينبغي تركها. م: قال بعض البغداديين: لأنه صلى الله عليه وسلم اعتمر هو وأصحابه وأزواجه، وقال: هي مرة واحدة في العمر. وليست بفريضة، خلافاً للشافعي.

ودليلنا: أنه صلى الله عليه وسلم سُئل عن الحج أفريضة هو؟ قال: نعم، قيل: فالعمرة؟ قال: لا، ولأن تعتمر خير لك. وقال: العمرة تطوع. وقال: من مشى إلى مكتوبة فهي كحجة، ومن مشى إلى تطوع فهي كعمرة؛ ولأنه نسك ليس له وقت معين فلم يكن فرضاً أصْلُه طواف القدوم؛ ولأن فرائض الأبدان المتعلقة بمكان مخصوص تتعلق بزمان معين كالحج، فلما لم يكن للعمرة زمان معين انتفى بذلك كونها فرضاً. قال أبو محمد: وقيل: إن قوله تعالى: "والعمرة لله" بعد قوله

{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ}:كلام مؤتنف، وقد قرئت الرفع، وقيل: إنما أمر بتمامها من دخل فيها. وذهب ابن حبيب إلى أنها واجبة كوجوب الحج، وذهب إليه ابن الجهم، وخالفا مالكاً وأصحابه.

[الباب الثاني] في فرائض الحج، والغسل لها، ودخول المدينة، وصفة الإحرام، والتلبية

[الباب الثاني] في فرائض الحج، والغسل لها، ودخول المدينة، وصفة الإحرام، والتلبية ] فصل 1 - فرائض الحج [ وفرائض الحج أربعة: الإحرام، والوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة. فأما الإحرام: فالأصل فيه: فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره به؛ ولأن كل عبادة لها إحلال لم يصح الدخول فيها إلا بإحرام، كالصلاة، وذلك إجماع. وأما الوقوف بعرفه: فلقوله صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة"، وقوله: "من وقف بعرفة فقدتمٌ حجه، ومن فاته الوقوف بها فقد فاته الحج"، ولا خلاف في ذلك أيضاً.

وأما الطواف: فالأصل فيه قوله تعالى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}، وفَعَلَهُ الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: ((خذوا عني مناسككم))، ولا خلاف فيه. وأما السعي: فهو فرض عندنا خلافاً لأبي حنيفة. ودليلنا: أنه صلى الله عليه وسلم سعى، وقال: ((اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي))، ففيه أدلة ثلاثة: أحدهما: أنه فعله، وقال: ((خذوا عني مناسككم))، والآخر: أمره به، وقال: ((اسعوا))، والثالث: إخباره أنه مكتوب علينا.

وليس من فرائضه رمي جمرة العقبة، خلافاً لعبد الملك؛ لأنه نسك يُفعلُ بمنى فلم يكن وجوبه كوجوب الفرائض، فهو كالمبيت والحلاق، ولأنه رمي كسائر الجمار. فصل] 3 - في دخول المدينة والصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم والسلام عليه [ قال ابن المواز: قال مالك: وأحبَ لمن دخل المدينة إذا دخل المسجد أن يبدأ بركعتين قبل الوقوف بالقبر ومن دخل المسجد الحرام فليبدأ بالطواف قبل الركوع. قال ابن حبيب: تقول إذا دخلت مسجد النبي صلى الله عليه وسلم: ((بسم الله وسلام علي رسول الله، السلام علينا من ربنا، صل الله وملائكته على محمد، اللهم أغفر لي ذنوبي وافتح لي أبوب رحمتك وجنتك واحفظني من الشيطان، ثم اقصد إلى الروضة وهي مابين القبر والمنبر فاركع فيها ركعتين قبل وقوفك بالقبر تحمد الله تعالى فيها وتسأله تمام ما خرجت إليه والعون عليه، فإن كانت ركعتاك في غير الروضة أجزأتاك، وفي الروضة أفضل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري علي ترعة من ترع الجنة)).

قال ابن حبيب: ثم اقصد إذا قضيت ركعتيك إلى القبر من وجاه القبلة فادن منه ثم سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصل واثن عليه، وعليك السكينة والوقار، فإنه الله صلى الله عليه وسلم يسمع تسليمك ويعلم وقوفك بين يديه، وتسليم على أبي بكر وعمر، وتدعو لهما، وأكثر من الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالليل والنهار، ولا تدع أن تأتي مسجد قباء وقبور الشهداء. فصل] 3 - يستجيب الاغتسال لأركان الحج كلها [ ويُستحب الغسل لأركان الحج كلها، وسواء كان الرجل طاهراً، والمرأة حائضاً؛ لأنه أريد بذلك التنظيف كغسل الجمعة، وقد اغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة للإحرام، واغتسل أيضاً لوقوف عرفة، وكذلك الطواف والسعي إلا أنه يكفيه لهما غسل واحد؛ لأن أحدهما مرتبط بالآخر وتابع له، ويستحب الغسل لدخول مكة؛ لأن الصحابة فعلت ذلك، وروى مالك في الموطأ: أن عبد الله بن عمر كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم ولدخوله مكة ولوقوفه عشية عرفة.

وقال مالك - في كتاب محمد -: يغتسل المحرم لإحرامه، ولدخوله مكة، ولرواحه إلى الصلاة بعرفة، وغسل الإحرام أوجبها ويتدلك فيه ويغسل رأسه بما شاء، فأما غسل مكة وعرفة فلا يتدلك فيه، ولا يغسل رأسه إلا بالماء وحده يصبه صباً ولا يغيب رأسه في الماء. فصل] 4 - من سنن الإحرام: الغسل حتى للحائض والنفساء [ ومن المدونة: قال مالك: ومن أراد الإحرام من رجل أو امرأة فليغتسل كانت المرأة حائضاً أو نفساء أو لا، وهي السنة، ولم يوسع لهم مالك في ترك الغسل إلا من ضرورة، وكان يستحب الغسل ولا يستحب أن يتوضأ من يريد الإحرام ويدع الغسل. قال في الموطأ: وأن أسماء بنت عميس ولدت

محمد بن أبي بكر بالبيداء فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((مرها فلتغتسل ثم لتهل)). قال مالك: وليس علي النفساء والحائض غسل لدخول مكة، قال أشهب: وذلك عليهما لوقوف عرفة. قال سحنون: ومن ترك الغسل وتوضأ فقد أساء ولا شئ عليه، وكذلك إن ترك الغسل والوضوء. ابن المواز: قال مال / وليس عليه في ترك الغسل عمداً أو نسياناً دم ولا فديه. سحنون: وقد أساء. م: وإنما لم يكن عليه شئ؛ لأنه شئ يفعل قبل انعقاد الحج. أبو محمد: قال ابن الماجشون: ومن ركع للإحرام فسار ميلاً قبل أن يهل وقد نسي الغسل فليغتسل ثم يركع ثم يهل، وإن ذكره بعد أن أهل تمادى ولا غسل عليه. وقال أبو القاسم بن الكاتب القروي: اختلف علماؤنا إذا أحرم بغير اغتسال: هل يغتسل بعد إحرامه أم لا يغتسل؛ لأن الإحرام الذي يغتسل له قد كان قبله.

ومن المدونة: قال مالك: ومن اغتسل بالمدينة وهو يريد الإحرام، ثم مضى من فوره إلى ذي الحليفة فأحرم أجزأه غسله، وإن اغتسل بها غدوة، ثم أقام إلى العشاء، ثم راح إلى ذي الحليفة فأحرم لم يجزئه الغسل أعاده. وإنما يجوز الغسل بالمدينة لرجل يغتسل ثم يركب في فوره، أو رجل يأتي ذا الحليفة فيغتسل إذا أراد الإحرام. م: كغسل الجمعة الذي هو متصل بالرواح. قال في كتاب ابن المواز: وإن اغتسل بكرة وتأخر خروجه إلي الظهر كرهته، وهذا طويل. قال مالك: والغسل بالمدينة عند خروجه، أو بذي الحليفة واسع. قال ابن حبيب: واستحب عبد الملك: أن يغتسل بالمدينة، ثم يخرج مكانه فيحرم بذي الحليفة، وذلك أفضل، وبالمدينة أغتسل النبي صلى الله عليه وسلم وتجرد ولبس ثوبي إحرامه. قال أبو محمد: والذي روي من الأحاديث الصحاح من غير رواية ابن حبيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلي الظهر بالمدينة وصلى العصر بذي الحليفة، وبها بات، وبها أمر النبي صل الله عليه وسلم أسماء أن تغتسل حين نفست.

قال سحنون: إذا أردت الخروج من المدينة خروج انطلاق فأت القبر فسلم كما صنعت أول دخولك، ثم اغتسل والبس ثوبي إحرامك، ثم تأتي مسجد ذي الحليفة فتركع به وتهل. قال مالك: ولا بأس لمن اغتسل بالمدينة أن اغتسل بالمدينة أن يلبس ثيابه إلى ذي الحليفة فينزعها إذا أحرم. فصل] 5 - من سنن الإحرام: أن يكون عقب صلاة [ ومن المدونة: قال مالك: ويحرم من أتى الميقات أي وقت شاء يجوز فيه التنفل من ليلٍ أو نهار، ولا يُحرِم إلا بأثر صلاة نافلة، أو بأثر فريضة، كان بعدها نافلة أم لا، وأحب إلىٌ أن يُحرم بأثر صلاة نافلة، أو بأثر فريضة، كان بعدها نافلة أم لا، وأحب إلىٌ أن يُحرم بأثر نافلة، وليس لهذه النافلة حَدٌ قال بعض البغداديين: فإن أحرم بغير الصلاة فلا شئ عليه، ويكره له ذلك. قال: وإنما اخترنا له الإحرام بأثر صلاة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك فعل، واخترنا له التنفل؛ لأنه زيادة مقصودة لأجل الإحرام، وإنما قلنا إنه إن أحرم عقيب مكتوبة جاز؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم عقيب صلاة، فقيل: نافلة، وقيل: فريضة؛ ولأن الإحرام بعد المكتوبة لم يُعرى من صلاة فكان أفضل من الإخلال بها، وإنما قلنا: إن أحرم بغير صلاة

فلا شيء عليه؛ فلأن ذلك مستحب غير واجب. ومن المدونة: وإن أتى في وقت لا يتنقل فيه بعد الصبح أو العصر وقد صلاهما فلا يبرح حتى يحين وقت صلاة فيصلي ويحرم إلا أن يكون خائفاً أو مراهقاً يخشى فوات الحج وشبه ذلك من العذر فيجوز له أن يحرم وأن يصل. قال: ولا يحرم في دبر الصلاة في المسجد، ولكن إذا خرج منه ركب راحلته، فإن استوت به في فناء المسجد لبى ولم ينتظر أن تسير به، وإن كان ماشياً فحين يخرج من المسجد متوجهاً للذهاب يحرم ولا ينتظر أن يظهر بالبيداء. قال بعض البغداديين: أول ما يبدأ فيغتسل، ثم يتجرد الرجل دون المرأة من مخيط الثياب، ثم يدخل المسجد فيصلى، فإذا فرغ من صلاته خرج فركب راحلته وأهل بالتلبية ولم ينتظر أن تنبعث به، وكذلك فعل الرسول صلى الله عليه وسلم. وهي حجتنا على الشافعي، وابن حبيب: انه يحرم إذا انبعث، وعلى

أبي حنيفة: أنه يحرم عقب الركوع.

قال بعض البغداديين: ولفظ التلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. وذلك منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ. ويكفي منها مرة واحدة؛ لأنه أقل ما يتناوله الإسم، وما زاد على ذلك فمستحب، فإن أخل بها جملة فعلية الدم، لأنها من شرائع الحج وواجبات نسكه، وفعلها، وقال/ "خذوا عني مناسككم "، وقال: " من ترك من نسكه شيئاً فعليه الدم ". ويستحب رفع الأصوات بها للرجال لقوله صلى الله عليه وسلم: " أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال " ورواه مالك في الموطأ، ويكره ذلك للنساء

خيفة الفتنة؛ ولأن إخفاءه أستر لهن. قال أشهب في المجموعة: من اقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم المعروفة اقتصر على حظ وافر، ولا بأس عليه إن زاد على ذلك، فقد زاد عمر: لبيك ذا النعماء والفضل الحسن، لبيك لبيك مرهوباً منك ومرغوباً إليك، وزاد ابن عمر: لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل. قال ابن حبيب: الإهلال بالحج الاستفتاح بالتلبية، وهي إحرام الحج، كما أن التكبيرة الأولى التي بها ترفع اليدان إحرام الصلاة. تقول رافعاً صوتك خاشعاً لربك: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. فهذه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى ذلك مالك بن أنس، وعبد العزيز بن أبي سلمة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يرفعون أصواتهم بالتلبية، وقال: " إن الله يغفر للملبي مدى صوته ويشهد له

ما سمعه من شيء " ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن توجه ناسياً للتلبية من فناء المسجد كان بنيته محرماً، فإن ذكر من قريب لبى، ولا شيء عليه، وإن تطاول ذلك، او نسيه حتى فرغ من حجة فليهريق دماً. فصل [6 - النية تكفي في الإحرام، ولا يُسمى] قال مالك: ويجزي من أراد الإحرام التلبية، وينوي بها ما أراد من حج أو عمرة، وتكفيه النية في الإحرام، ولا يسمى عمرة ولا حجة، وذلك أحب إلى مالك من تسمية ذلك، وإن كان قارناً فوجه الصواب فيه أن يقول: لبيك بعمرة وحجة، يبدأ بالعمرة في نيته قبل الحج، وتجزئه النية أيضاً. قال في كتاب ابن المواز: وكانت عائشة رضي الله عنها تسمى في الإحرام بالحج والعمرة، وكان ابن عمر يحرم فينوي. قال عنه ابن وهب: والتسمية أحب إلي.

قال بعض البغداديين: لأن الإحرام هو الاعتقاد بالقلب للدخول في الحج والعمرة، فلا يفتقر إلى تلبية بذلك غي انعقادها، خلافا لأبي حنيفة في قوله: إنه لا ينعقد ذلك إلا بنطق. ودليلنا: أنها عبادة لا يجب الذكر في آخرها فلم يجب في أولها كالصيام عكسه الصلاة، وللاتفاق على أنه إذا قلد الهدى وأشعره ينوى به الإحرام ولم يلب أن إحرامه يصح. ومن المدونة: قال مالك: ولا ينبغي للرجل أن يلبي فلا يسكت وقد جعل الله لكل شيء قدراً. قال غيره: ولأن ذلك سرف وخروج عما يتعلق بالندب. قال: وتستحب التلبية عند إدبار الصلوات؛ لأنها أوقات يستحب فيها، وعند كل شرف؛ لأن ذلك مروي عن الصحابة.

ومن المدونة: قال مالك: ولا ترفع الأصوات بالتلبية في شيء من المساجد إلا في المسجد الحرام ومسجد مني؛ لأنها مواضع الحج، بخلاف غيرها. قال في كتاب ابن المواز: ويسمع نفسه ومن يليه في جميع المساجد غير المسجد الحرام ومسجد منى فليرتفع صوته فيهما. قال أشهب في المجموعة: لأن ذلك يكثر فيهما ولا يشتهر بذلك الملبي؛ لأنهما موضع ذلك. ومن المدونة: قال مالك: ويلبي الحاج والقارن في المسجد الحرام، وأهل مكة في التلبية كغيرهم من الناس، وحد ما ترفع به المرأة صوتها عند مالك قدر ما تسمع نفسها. وكره مالك أن يلبي من لا يريد الحج ورآه خرقاً لمن فعله. فصل [7 - الإحرام بحج أو عمرة ينعقد بالنية، وافقها لفظه أو خالفها] ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن أراد أن يهل بالحج مفردا فأخطأ فقرن، أو تكلم بالعمرة فليس ذلك بشيء، وهو على حجه. قال مالك: وما كان لله على نيته. قال في العتيبة: ثم رجع مالك فقال: عليه دم، وقاله ابن القاسم.

قال ابن المواز: ومن لبى يريد الإحرام ولم ينو شيئاً فالاستحسان: أن يفرد، والقياس: أن يقرن، ولو نوى شيئاً فنسيه فهذا قارن لابد، وقال أشهب في المجموعة. م: لأن القرآن يجمع الحج والعمرة، فما كان نواه لا يخرج عنه. قال ابن المواز: وإن لبى بحجتين أو عمرتين فليس إلا حجة واحدة ولا يقضي الأخرى، قال أبو محمد: يريد: وإن نوى عمرتين لم يقض الأخرى.

[الباب الثالث] جاء ما جاء في تقليد الهدى وإشعاره في الإحرام ومن السنة: تقليد الهدى، في جانبه الأيسر عرضا، ويسمي

[الباب الثالث] جاء ما جاء في تقليد الهدى وإشعاره في الإحرام ومن السنة: تقليد الهدى، في جانبه الأيسر عرضاً، ويسمي.

الله عند الإشعار، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم في جميع ذلك. قال أبو حنيفة: الإشعار بدعة.

وفائدة الإشعار والتقليد: أن يعلم ما رآه إذا ضل أنه هدى قد وجب، فلا يقدم عليه. ومن المدونة قال ابن القاسم: فمن أراد الإحرام ومعه هدي فليقلده، ثم يشعره، ثم يجلله، وكل ذلك واسع، ثم يدخل المسجد فيركع ويحرم كما وصفنا. قيل: فإن أراد أن يقلد ويشعر بذي الحليفة ويؤخر إحرامه إلى الجحفة؟. قال: لا يفعل ولا ينبغي له أن يقلد ويشعر إلا عندما يريد أن يحرم، ثم يحرم عقيب تقليده وإشعاره، إلا أن يكون لا يريد الحج فجائز أن يقلد بذي الحليفة. قال: وإن لم يكن معه هدي وأراد أن يهدي فيما يستقبل فله أن يحرم ويؤخر الهدي. قال: ومن قلد هديه وهو يريد الذهاب معه إلى مكة بالتقليد أو بالإشعار أو بالتجليل محرماً حيث يحرم. قال إسماعيل القاضي في كتاب الأحكام: لا خلاف أنه إذا قلد هديه أو أشعره يريد بذلك الإحرام أنه محرم، وهو مذهب مالك، وإنما الخلاف إذا لم يرد الإحرام.

ومن المدونة: قال مالك: ويقلد هدي جزاء الصيد، وما كان من هدي عن جماع، وهدي ما نقص من حجه، والهدي كله يقلد ويشعر خلا الغنم فإنها لا تقلد ولا تشعر. وقال ابن حبيب: تقلد الغنم ولا تشعر، وروى ذلك عن عائشة، وعطاء. ولم ير مالك أن تقلد. ومن المدونة: قال مالك: وإذا دخل الهدي في الحج فلا ينحره إلا يوم النحر بمنى، فإن لم يفعل نحره بمكة بعد ذلك، ويسوقه إلى الحل إن كان اشتراه من الحرم، وإن أدخله معه من الحل إلى مكة فنحره بها أجزاء عنه. ومن جهل أن يقلد بدنته أو يشعرها من حيث ساقها حتى نحرها، وقد كان أوقفها أجرأته. قال: وتقلد البقر ولا تشعر إلا أن يكون لها أسنمة فتشعر. ابن حبيب: وروي عن ابن عمر، وابن شهاب: أنها تشعر، كانت لها أسنمة أو لم تكن. وبه أقول.

ومن المدونة: قال مالك: ولا تقلد فدية الأذى ولا تشعر، لأنها نسك، ومن شاء قلدها وجعلها هدياً. قال: والإشعار في الجانب الأيسر من أسنمتها عرضاً. قال ابن حبيب، ورواه عن ابن عمر. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا تقلد بالأوتار، تقول عائشة رضي الله عنها: "وكنت أفتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلائد هديه". ومن كتاب ابن المواز: قال ملك: تقلد البدن عند الإحرام بنعلين في رقبتها، ثثم تشعر في شقها الأيسر عرضاً، ووجوهها إلى القبلة، ثم تجلل إن أحب، وليس الجلال بواجب، ويقول إذا أشعرها: بسم الله، والله أكبر، ثم يركع، ثم يحرم. قال مالك: وكان ابن عمر يشعر بدنته من الشقين جميعا إن كانت صعابا، وإن كانت ذللا أشعرها من الشق الأيسر، قال في العتبية: ولم يشعرها من الشقين جميعاً؛ لأنه سنة، ولكن ليذللها، وإنما السنة في الشق الأيسر في الصعاب وغيرها. وقال ابن المواز - في قوله: يشعرها من الشقين - أي: من أي الشقين /

أمكنه. قال مالك: وتجزيء النعل الواحدة في التقليد، والنعلان أحب لينا. قال مالك: ويفعل حبل القلائد فتلاً، وأحب إلينا أن يكون مما تنبت الأرض، وإنما يفعل لئلا ينقطع، وقالت عائشة رضي الله عنها: كنت أفتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلائد هديه. قال مالك: ولا تجلل بالمخلق، فأما غير ذلك من الألوان فخفيف، والبياض أحب إلينا. قال ابن حبيب: وذلك يقدر السعة، فمنهم من يجلل بالوشي، وبالحير، وبالمشطب، والقباطي، والأنماط، وبالملاحف وبالأزر.

ابن المواز: قال مالك: وأحب إلينا شق الجلال عن الأسمنة إن كان قليل الثمن كالدرهمين ونحوها؛ لأنه يحبسه عن أن يسقط وأن لا تشق المرتفعة استبقاء لها. قال أبو الحسن ابن القابسي: يشق في الجلال عن موضع الإشعار، ويظهر على الجل من الدم، وإن كان الجل رفيعا ترك شقه فهو أنفع للفقراء. قال ابن المواز: وذكر ابن نافع أن ابن عمر كان يعقد أطراف الجلال على أنابها من البول ثم ينزعها قبل أن يصيبها الدم فيتصدق بها. قال ابن المبارك: كان ابن عمر يجللها بذي الحليفة فإذا أمسى ليله نزعه، فإذا قرب من الحرم جللها، وإذا خرج إلى منى جللها، فإذا كان حين النحر نزعه.

[الباب: الرابع] في إحرام المغمى عليه، ورفض الإحرام، ولباس المحرم وإدهانه ومالا يغطيه من بدنه

[الباب: الرابع] في إحرام المغمى عليه، ورفض الإحرام، ولباس المحرم وإدهانه ومالا يغطيه من بدنه. ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم المحرم عن لباس العمائم، ومخيط الثياب، والبرانس، والسراويلات، والخفاف، وما مسه ورس أو زعفران، وأرخص لمن لم يجد نعلين قطع الخفين أسفل من الكعبين ولبسهما. وقال صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة فذكر: المغمى عليه حتى يفيق". [فصل 1 - في إحرام المغمى عليه، ووقوفه بعرفة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن أتى الميقات مغمى عليه فأحرم عنه أصحابه بحجة أو عمرة أو قران وتمادوا، فإن أفاق فأحرم بمثل ما أحرموا به عنه أو بغيره، ثم أدرك فوقف بعرفة مع الناس أو بعدهم قبل طلوع الفجر من ليلة النحر أجزأه حجه،

وأرجو أن لا يكون عليه دم لترك الميقات، وأن يكون معذورا، وليس ما أحرم عنه أصحابه بشيء، وإنما الإحرام ما أحرم هو به إن نواه، فإن لم يفق حتى طلع الفجر من ليلة النحر وقد وقف به أصحابه لم يجزئه حجه. م: لأن الإحرام هو الاعتقاد بالقلب للدخول في الحج أو العمرة، والاعتقادات والنيات لا ينوب فيها أحد عن أحد، والمغمى عليه لا تصح منه نية ولا تنعقد عليه عبادة؛ لأنه غير مخاطب بها في حال إغمائه، ولا خلاف في ذلك. قال في الثاني: ولو أحرم بالحج، ثم أغمي عليه فوقف به أصحاب بعرفة أو المزدلفة مغمى عليه أجرأه، ولا دم عليه. ابن المواز: وقال أشهب: لا يجزئه ويفوته الحج إن لم يفق فيقف قبل طلوع الفجر. م: فوجه قول ابن القاسم: فلأنه قد أحرم بالحج وانعقد عليه ودخل فيه ومضى منه صدر فهو كالصائم يغمى عليه يعد الفجر وقد مضى صدر من النهار. ووجه قول أشهب: أن الوقوف بعرفة ركن قائم بنفسه، فإذا أغمي عليه قبله فلم يفق حتى طلع الفجر فهو كمن أغمي عليه في الصوم قبل الفجر فلم يفق إلا بعدها. وهذا أقيس. وفي الثاني: إيعاب هذا.

فصل: [3 - في رفض الإحرام] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا نوى الحاج أو المعتمر رفض إحرامه فلا شيء عليه وهو على إحرامه، وما رأيت مالكا ولا غيره يعرف الرفض. فصل [3 - ما يلبس المحرم من الثياب] قال مالك: ولا بأس أن يحرم في ثوب / غير جديد وإن لم يغسله، وعندي ثوب قد أحرمت فيه حججا ما غسلته. قال ابن حبيب: ويستحب أن يحرم في ثوبين أبيضين يأتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر. قال الأبهري، وغيره: وإنما ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير ثيابكم البياض، فليلبسها أحياؤكم، وكفنوا فيها موتاكم". ومن المدونة: وكره مالك للرجال والنساء أن يحرموا في الثوب المعصفر المقدم؛ لأنه ينتفض، وكرهه للرجال في غير الإحرام، ولا بأس أن يخدم الرجل في

البركانات، والطيالسة الكحلية، وفي عصب اليمن، وجميع ألوان الثياب إلا المعصفر المفدم الذي ينتفض، وما صبع بالورث والزعفران للنهي عن ذلك، فكرهه مالك، ولم يكره شيئا من الصبغ غيره، وكذلك إن غسل الذي صبغ بورس أو زعفران فقد كرهه أيضاً إلا أن يذهب لونه كله، فلا بأس به، وإذا لم يخرج لونه، ولم يجد غيره صبغة بالمشق وأحرم فيه، وأما المعصفر إذا غسل وبقي فيه أثر لونه فجائز للمحرم؛ لأنه يصير مورداً. قال ابن القاسم: ولم يكن مالك يرى بالمشق والمورد بأساً. قال ابن القاسم: ولا بأس بالإحرام في الثياب الهروية إن كان صبغها بغير الزعفران، وإن كانت بالزعفران فلا يصلح.

قال مالك: ولا يحرم في ثوب علق فيه ريح المسك حتى يذهب ريحه بغسل أو نشر، وإن أحرم فيه قبل أن يذهب ريحه فلا فدية عليه. قال أشهب: إلا أن يكثر فيصير كالطيب. م: وإنما كرهت هذه الثياب التي ذكرنا؛ لأنها تدعو المحرم إلى النساء والنكاح الذي يفسد الإحرام كما كره لبس ذلك والتطيب للمعتدة؛ لأنه داعية إلى النكاح. قال مالك: وأكره للرجل الحلال أن يلبس الثوب الخز لموضوع الحرير، وكره لبس الحرير والذهب للصبيان الذكور كما كرهه للرجال. قال ابن القاسم: وأرجو أن يكون الخز للصبيان خفيفا. فصل [4 - إذا لم يجد المحرم نعلين جاز له لبس الخفين] قال مالك: وإذا لم يجد المحرم نعلين وهو ملي جاز له لبس الخفين إذا قطعهما أسفل الكعبين كما جاء في الحديث، ولا فدية عليه. قال مالك: وإذا وجد نعلين فليشترهما وإن زيد عليه في الثمن يسيراً.

م: يريد: فإن لم يشترهما حينئذ ولب خفين قطعهما أسفل من الكعبين فليفتد؛ لأنه كالواجد للنعلين. قال مالك: وأما ما تفاحش من الثمن فما عليه أن يشتريهما، وأرجو أن يكون في سعة. وقال ابن حبيب: إنما أرخص في قطع الخفين في قلة النعال، فأما اليوم فقد كثرت ولا تعدم، فلا رخصة في ذلك اليوم، ومن فعله افتدى. وقال ابن الماجشون. م: والصواب أن لا فدية عليه؛ لأن له لبس الخفين وقطعهما أسفل من الكعبين إذا لم يجد النعلين كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم. وقول ابن حبيب هذا خلاف لمالك. فصل [5 - في الإدهان قبل الإحرام] ومن المدونة: قال مالك: ويدهن الرجل عند الإحرام وبعد حلاقه رأسه بالزيت وشبهه وبالبان السمح وهو غير المطيب، وأما كل شيء يبقى ريحه فلا يعجبني، ولا يدهن بشيء من ذلك بعد الإحرام، فإن فعل افتدى. قال ابن المواز: قال مالك: ولا بأس أن تمتشط المرأة قبل إحرامها بالحناء وبما لا

طيب فيه، ثم يحرم، ولا تجعل في رأسها زاوقا، فإن فعلت افتدت وإن جعلته قبل الإحرام. م: لأنه يقتل القمل. قال في المجموعة: ولا يجعل الرجل في رأسه عند الإحرام قبل أن يحرم خلاً للأقرحة وأخاف أن يقتل القمل. قيل: به إليه ضرورة أفيجعله ويفتدي؟ قال: لا يجعله وليصير حتى يحل أحب إلينا. قال مالك: ولا بأس أن يقص شاربه ويقلم أظفاره ويتنور عندما يريد أن يحرم، وأما شعر رأسه فأحب إلي أن يعفى ويوفر للشعث. قال في كتاب ابن المواز: ولا بأس أن يلبده قبل أن يحرم /، وفعله النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإحرام خرج إلى مكة.

والتلبيد: أن يأخذ غاسولاً وصمغاً فيجعله في الشعر ويضفره فليلصق فيقتل قمله، ولا يشعث. ومن لبد، أو عقص، أو ضفر، أو ربط شعره قبل أن يحرم من الرجال فلابد له من الحلاق، ومن فعل ذلك من النساء فليس عليها إلا التقصير. قال في المجموعة: وللرجل أن يكتحل قبل أن يحرم. قال ابن المواز: وإن كان في عنقه كتاب فلينزعه قبل أن يحرم، فإن اضطر إليه فليتركه ويفتدي. وإذا انتفض على المرحمة شعر رأسها فلا بأس أن تعقده. فصل [6 - إحرام الرجل في وجهه ورأسه، وإحرام المرأة في وجهها ويديها]. ومن المدونة: قال مالك: وإحرام الرجل في وجهه ورأسه، فإن غطى وجهه ورأسه حتى طال ذلك افتدى.

قال بعض البغداديين: ولا خلاف في الرأس. والأصل فيه: نهيه صلى الله عليه وسلم للمحرم عن لباس العمائم والبرانس واتصل العمل بذلك. قال: وأما الوجه: فقال ابن القاسم: لا فدية عليه. ومن أصحابنا من يقول: يتخرج على روايتين. وقال الشافعي: ليس عليه كشف وجهه. ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: "المحرم أشعث أغبر"، فجعل من وصفه ذلك، فاقتضى نفي ما أخرجه من هذا المعنى، والوجه أخص بذلك من سائر الأعضاء، وقياسا على المرأة، وإن كان ذلك على المرأة واجباً فالرجل أحرى. ومن المدونة: قال مالك: وإحرام المرأة في وجهها ويديها، والذقن هما فيه سواء لا بأس بتغطيته لهما.

قال غيره: والأصل في ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: "إحرام المرأة في وجهها"، ونهيه النساء عن لبس النقاب في الإحرام. فإذا ثبت ذلك لم يجز لها تغطية وجهها، إلا أن يكون هناك جمال يخاف فيه الفتنة فيجوز لها أن تسدل الثوب عليه بقدر ما يزول عنها ما يخاف من نظر من ينظر إليها. وأما اليدان فيلزمهما كشفهما إلى الكوعين، خلافاً لأبي حنيفة، لنهيه صلى الله عليه وسلم ن لبس القفازين؛ لأنه عضو ليس بعورة منها فوجب أن يتعلق به حكم الإحرام في

التغطية أصله الوجه. ومن المدونة: ويكره للمحرم أن يغطي ما فوق ذقنه، فإن فعل فلا شيء عليه، لما جاء فيه عن عثمان أنه غطى بعض وجهه ما دون عينيه وتطاول. وفي الثالث: إيعاب هذا. وقد تقدم أن المحرم يرفع صوته بالتلبية ولا يسرف، ولا يرفع صوته بها في شيء من المساجد إلا المسجد الحرام، ومسجد منى، وترفع المرأة صوتها قدر ما تسمع نفسها.

[الباب: الخامس] جامع ما جاء في قطع التلبية للحاج والمعتمر

[الباب: الخامس] جامع ما جاء في قطع التلبية للحاج والمعتمر قال مالك: وإذا دخل المحرم المسجد الحرام أول ما يدخل وهو مفرد بالحج أو قارن فلا يلبي، ويقطع التلبية من حين يبتدئ الطواف الأول بالبيت إلى أن يفرغ من سعيه بين الصفا والمروة، وهذا المستحب له. م: وروي مثل ذلك عن الصحابة. قال مالك: فإن لبى حول البيت، أو في السعي بين الصفا المروة لم أر ذلك ضيقاً ورأيته في سعة. قال مالك: وإذا فرغ من سعيه عاد إلى التلبية فلا يقطعها حتى يروح يوم عرفة إلى المسجد. قال ابن القاسم: يريد: إذا زالت الشمس وراح يريد الصلاة قطع التلبية. وثبت مالك عن هذا، وعلمنا أنه رأيه؛ لأنه قال: لا يلبي الإمام يوم عرفة على المنبر، ويكبر بين ظهراني خطبته، ولم يؤقت في تكبيره وقتاً، وكان يقول: يقطع التلبية إذا راح إلى الموقف،

وكان يقول: يقطع إذا زاغت الشمس، ثم رجع على ما ذكرنا. قال ابن القاسم: وإذا قطع التلبية فلا بأس أن يكبر. قال بعض البغداديين: إنما استحب مالك قطع التلبية بعد الزوال يوم عرفة، خلافاً لأبي حنيفة، والشافعي في أنه يقطع عند رمي الجمرة؛ لأنه ما قلناه إجماع الصحابة، روي عن الخلفاء الأربعة، وابن عمر، وعائشة، وذكر مالك أنه إجماع أهل المدينة؛ ولأن التلبية إجابة للنداء / بالحج الذي دعي إليه، فإذا انتهى فقد أتى بما لزمه ولا معنى لاستدامتها. ومن المدونة: ومن اعتمر من ميقاته قطع التلبية إذا دخل الحرم، ثم لا يعاودها. قال ابن القاسم: وكذلك من أتى وقد وفاته الحج أو أحصر بمرض حتى فاته يقطع

التلبية إذا دخل أوائل الحرم؛ لأن عملهم صار عمل العمرة. قال مالك: ولا يحل المحصر بمرض من إحرامه إلا البيت وإن تطاول ذلك به سنين. قال: والذي يحرم بعمرة من غير ميقاته مثل الجعرانة والتنعيم يقطع إذا دخل بيوت مكة أو المسجد الحرام، كل ذلك واسع. وفي رواية الأبهري: يقطع المعتمر من ميقاته إذا دخل أوائل الحرم. والمعتمر من الجعرانة إذا دخل بيوت مكة؛ لأن مدته أقصر من ذلك. ومن التنعيم إذا دخل المسجد؛ لأن مدته أقصر منهما، وكل ذلك واسع، وقد روى عن ابن عمر أنه كان يفعل نحو هذا فاستحسنه مالك وأخذ به. ومن المدونة: وحكم من جامع في حجة فاسدة في قطع التلبية، وغيرها، حكم من لم يفسده. وأهل مكة في التلبية كغيرهم من الناس. وقد تقدم أن الحاج والقارن يلبي في المسجد الحرام، وأن مالكا كره أن يلبى في المسجد الحرام، وأن مالكاً كره أن يلبى من لا يريد الحج، ورآه خرفا لمن فعله.

[الباب السادس] في إفراد الحج، والقران، والتمتع، وإرداف الحج على العمرة

[الباب السادس] في إفراد الحج، والقران، والتمتع، وإرداف الحج على العمرة. قد تقدم أن الإفراد أن يحرم بحجة فيقول: لبيك بحجة، والقرآن، أن يقول: لبيك بعمرة وحجة، وتجزئة النية في ذلك كله وإن لم يسم. قال ابن القاسم: والتمتع: أن يهل بعمرة في أشهر الحج، فإذا حل منها أقام بمكة متمتعاً بالنساء والثياب والطيب وغير ذلك مما يجتنبه المحرم، ثم يحج من عامه، ولذلك سمي متمتعاً. ومن المدونة: قال ابن القاسم: والإفراد بالحج أحب إلى مالك من القرآن والتمتع، وأجاز الشاة في دم القرآن على تكره، يقول: إن لم يجد. واستحب فيما استيسر من الهدي: قول ابن عمر البقرة دون البعير. قال ابن المواز: والتمتع، والقرآن، والإفراد، كل ذلك واسع، والإفراد أفضل. قال عبد الملك: وقد اختلف في حجة الرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحق أن يكون أولى ذلك وأصحه الإفراد؛ لأنه أسلم، ولا هدي فيه، ولا يكون الهدي إلا ليجبر به النقص،

والعبادة التي لا نقص فيها أفضل، وقد اختار ذلك الأئمة، وأمتثله أهل الخبرة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وجاء أن عائشة أفردت، وذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد، وهي منه بموضع الخبرة الأكيدة ليلاً ونهاراً وسراً وعلانية، وأفرد أبو بكر سنة تسع، وأفرد عتاب بن أسيد سنة ثمان، وهو أول حج قام للمسلمين، وأفرد عبد الرحمن عام الردة،

وأفرد الصديق السنة الثانية، وأفرد عمر عشر سنين، وأفرد عثمان ثلاث عشرة سنة، واتصل العمل به بالمدينة من الأئمة والولاة ومن علمائهم وعامتهم، فأين المعدل عن هذا؟. م: فكذلك ذكر ابن حبيب عن عبد الله في جميع هذا، واعتذر فيما وقع من اختلاف الرواية في حجة النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو جعفر في كتابه: الناسخ والمنسوخ: أحسن ما قيل في ذلك: أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بعمرة فقال من رآه: تمتع، ثم أهل بحجة، فقال من رآه أفرد، ثم قال: "لبيك بحجة وعمرة"، فقال من سمعه: قرن، فاتفقت الأحاديث.

م: قال عبد الوهاب: الأفراد أفضل، ثم التمتع، ثم القران. وذهب أو حنيفة إلى أن القران، والتمتع أفضل من الإفراد. وذهب الشافعي إلى أن التمتع أفضل. واحتج أبو محمد: عبد الوهاب بنحو ما تقدم لعبد الملك، قال: وإنما قلنا إن التمتع أفضل من القرآن؛ لأنه يأتي بالعملين مفردين على تمامهما. وروى أشهب عن مالك في المجموعة أنه قال: أما من قدم مراهقا للحج فالإفراد أحب إلي، وأما من قدم وبينه وبين الحج طول زمان يشتد عليه فيه الإحرام ويخاف على صاحبه قلة الصبر فالتمتع أحب إلي، وأما من أتى موافياً ولم يشأ الإفراد فالقران له أحب إلي من التمتع.

فصل [1 - في إرداف العمرة على الحج، أو إرداف حج على حج]. ومن المدونة: وكره مالك لمن أحرم بالحج أن يضيف إليه عمرة أو حجة، فإن أردف ذلك أول دخوله مكة أو بعرفة أو في أيام التشريق فقد أساء وليتمادوا على حجه، ولا يلزمه شيء مما أردف ولا قضاؤه ولا دم قران. م: وإنما لم ترتدف عمرة على حج، ولا حج على حج؛ لأنه لا يستفيد بهذا الإرداف زيادة فعل على ما كان لزمه بالإحرام الأول، فهو بخلاف من أردف حجا على عمرة؛ لأنه بهذا الإرداف ألزم نفسه زيادة عمل الحج على عمل العمرة، وهذا الإرداف جائز، وفعله السلف، ويكون بذلك قارناً. فصار القران على وجهين: إما أن يبتدي في الإحرام بالعمرة والحج معاً في حال واحد ينوي بقلبه أنه دخل فيهما مقدما للعمرة في نيته، أو يكون إنما ابتدأ الإحرام بالعمرة، ثم أضاف إليها الحج قبل طوافه، فيكون أيضاً قارناً. [فصل 3 - في وقت إرداف الحج على العمرة] ومن المدونة: قال مالك: ومن أحرم بعمرة فله أن يضيف إليها الحج، ويصير قارناً ما لم يطف بالبيت، فإذا طاف ولم يركع كره له أن يردف الحج، فإن فعل لزمه صار قارناً، وعليه دم القران، ويتم طوافه بالركوع ولا يسعى.

ابن المواز: وقال أشهب، وابن عبد الحكم: لو طاف ولو شوطاً أتم عمرته، ولم يلزمه الحج الذي أردفه إلا أن يشاء. م: فوجه رواية ابن القاسم عن مالك: فلأن الطواف ما لم يكمل بالركوع لم يتقرر حكمه، ولم يأت بركن من أركان العمرة على كماله، فلم يمنعه ذلك من إضافة الحج إليها، كالذي أحرم بها ولم يطف. ووجه قول أشهب: هو أن شروعه في الطواف يقتضي تمامه على ما دخل فيه، فليس له نقله إلى غيره؛ ولأن في ذلك نقصاً لما أوجبه على نفسه مما لزمه إكماله، وذلك غير جائز، ويفارق الطواف الإحرام: أن الإحرام ابتداءً يراد لما بعده، وإذا لم يشرع في مقصوده وسع له أن يقصِر إرادته على ما هو أكمل مما كان عقده على نفسه. ومن المدونة: قال مالك: وإن أردف الحج بعد أن طاف وركع ولم يسع أو سعى بعض السعي وهو من أهل مكة أو غيرها كره له ذلك، فإن فعل فليمضِ على سعيه، ثم يحل، ثم يستأنف الحج. قال يحي بن عمر: إن شاء.

قال عبد الوهاب: وإنما قال ذلك: لأنه لما تم طوافه بالركوع حصل له ركن كامل كم العمرة فلزمه تمامها بالسعي على حسب ما عقد على نفسه له نقل ذلك إلى غيره، فهو بخلاف ما لم يركع؛ لأن الركوع باتصاله للطواف ومنع تراخيه عنه كأنه جزء منه، وليس كذلك السعي؛ لأن له حكم نفسه في الوجوب؛ لأنه ركن، فهو مساوٍ للطواف غير تابع له. [فصل 3 - المحرم بالعمرة إذا أحرم بالحج بعد سعيها صح إحرامه، ويحرم عليه الحلق، ويلزمه هدي لتأخير حلاق العمرة] قال مالك: وإن أردف الحج بعد تمام سعيه قبل أن يحلق لزمه الحج ولم يكن قارناً، ويؤخر حلاق رأسه، ولا يطف بالبيت ولا يسعى حتى يرجع من منى، إلا أن شاء أن يطوف تطوعاً، ولا يسع، ولا دم قران عليه، وعليه دم تأخير الحلاق في عمرته كان مكياً أو غير مكي؛ لأنه لما أحرم بالحج لم يقدر على الحِلاق، ولا دم عليه/ لتمتعه إلا أن يحلَّ من عمرته في أشهر الحج فيلزمه الدم إن كان غير مكي، وإن كان مكياً لم يلزمه غير دم تأخير الحلاق فقط. م: فصار إرداف الحج على العمرة عند ابن القاسم على أربعة أوجه: فوجهان أحدهما جائز، والثاني مكروه، ويكون فيهما قارناً، وهو أن يردف الحج قبل الطواف، فهذا جائز، أو يردفه بعد الطواف وقبل الركوع، فهذا مكروه، وهو فيهما قارن. ووجهان أحدهما جائز، والثاني مكروه، وهو قارن، وهو أن يردفه

بعد الطواف والسعي، فهذا جائز، أو يردفه بعد الطواف والركوع وقبل السعي، فهذا مكروه، وهو فيهما غير قارن، وعليه دم تأخير الحلاق. م: قال بعض أصحابنا: فإن تعدى هذا لزمه تأخير الحلاق فحلق، فظهر لي أنه لا يسقط عنه دم تأخير الحلاق؛ لأنه نقص لزمه، كمن تعدى ميقاته، ثم أحرم بالحج فلزمه دم التعدي، فلا يسقطه عنه رجوعه إلى الميقات. ويلزمه مع دم تأخير الحلاق الفدية؛ لأنه محرم حلق رأسه. وقال بعض أصحابنا: يتخرج هذا على روايتين؛ كقولهم فيمن قام في صلاته من اثنين قبل أن يجلس فلما استوى قائماً رجع فجلس، فقال ابن القاسم: يسجد بعد السلام، وقال أشهب: قبل السلام، فعلى قول أشهب الذي رأى أن النقص ترتب عليه يجب أن لا يسقط عنه دم تأخير الحلاق، وعلى قول ابن القاسم الذي يرى أن ما جرى من فعله زيادة يجب أن يسقط عنه دم تأخير الحلاق، وإنما يجب عليه الفدية. ومن المدونة: قال مالك: ويُقلّد هدى تأخير الحلاق ويشعر ويقف به بعرفة من هدي تمتعه، فإن لم يقف به بعرفة لم يجزه إن اشتراه من الحم إلا أن يخرجه إلى الحل فيسوقه منه إلى مكة، ويصير منحره بمكة. وليس على من حلق أذى أن يقف بهديه بعرفة؛ لأنه نُسك.

[فصل 4 - في الإحرام بالعمرة أو القران من داخل الحرم] قال مالك: ولا يحرم أحد بالعمرة أو يقرن من داخل الحرم. قال أبو بكر الأبهري: وإنما لم يصلح أن يبدأ بالعمرة من داخل الحرم؛ لأن الطوف الذي هو في الإحرام سبيله أن يجمع له الحل والحرم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقاله ابن عباس. فأما الإحرام بالحج فإنه يجوز من مكة من قِبَل أن الحج لابد فيه من الجمع بين الحل والحرم؛ لأنه لابد له من الخروج إلى عرفة لا يصح حجه إلا بذلك، وعرفة هي في الحل، فلذلك جاز أن يحرم بالحج من الحرم. قال سحنون: وكذلك إن قرن من اخل الحرم ليس عليه أن يخرج إلى الحل؛ لأنه خارج إلى عرفة، وعرفة في الحل، فقد جمع في إحرامه هذا بين حل وحرم.

م: ووجه قول مالك: أنه لا يقرن من داخل الحرم: لأنه محرم مع حجة بعمرة فوجب أن يكون من الحل، أصله إذا انفردت العمرة؛ ولأن تقدير القران دخول الحج على العمرة، وأن يكون المبدأ بها فغلب حكمها عند فعل الإحرام. م: وقول سحنون أقيس. قال: في كتاب ابن المواز: وإذا أحرم بعمرة من الحرم فلم يذكر إلا في طوافه فليتم طوافه ويخرج إلى الحل ويدخل منه. محمد: يريد: ويبتدي. وإن لم يذكر حتى أتم عمرته وحلق فليس ذلك بإحلال، ولابد أن يخرج إلى الحل ويدخل منه ويأتنف عمل العمرة ثانية ويمر الموس على رأسه، ولا شيء عليه في حلاقه الأول. قال أبو محمد: وهذه أراها لأشهب، وهي في أمهات أشهب نصاً، إلا أن في كتابه: أن عليه الفدية في حلقه الأول، هكذا رأيت في أمهات يحيى بن عمر، وغيرها، وهو الصواب، وأراها وقعت في كتاب ابن المواز غلطاً. ومن المدونة: قال مال: وإذا أحرم مكي بعمرة من مكة ثم أضاف إليها حجة لزماه وصار قارناً ويخرج إلى الحل؛ لأن الحرم ليس بميقات للمعتمرين، وليس عليه دم

القرآن؛ لأنه مكي. قال: وهو إن أحرم بحجة ما بعدما سعى بين الصفا والمروة لعمرته وقد كان خرج إلى الحلّ فليس بقارن؛ لأنه أردف الحج بعد تمام عمرته، وعليه دم تأخير الحلاق والملكي وغيره في هذا سواء. قال أبو محمد: قوله: وقد كان خرج إلى الحل معناه: أنه خرج إليه بعدما أحرم بالعمرة وقبل أن يطوف لها ويسعى، وأما إن لم يخرج إلى الحل حتى فرغ من سعيه وأحرم بالحج فهاهنا يلزمه الحج، ويصير قارناً، ويخرج إلى الحل. م:/ لأنه لما أردف الحج قبل خروجه إلى الحل لعمرته فقد أردفه قبل تمامها فصار قارناً؛ لأن سنة العمرة أن يجمع فيها بين الحل والحرم ثم يطوف ويركع ويسعى. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو دخل مكي بعمرة فأضاف الحج، ثم أُحْصِر بمرض حتى فاته الحج؛ فإنه يخرج إلى الحلّ، ثم يرجع ثم يطوف ويحل، ويقضي الحج والعمرة قابلاً قارناً. قال ابن المواز: قال مالك: ولا أحب لأهل مكة أن يقرنوا، وما سمعت مكياً قرن، فإن فعل فلا هدي عليه لقرانه كمتعته.

[الباب السابع] بقية القول في المتمتع والقارن وما يلزمهما من هدي أو عمل

[الباب السابع] بقية القول في المتمتع والقارن وما يلزمهما من هدي أو عمل قال الله سبحانه: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} على قوله {حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وكان للقارن حكمه بالسنة؛ لأن القارن يطوف ويسعى للحج والعمرة معاً مرة واحدة، فجبر ذلك بالهدي، ودخل مدخلهما في وجوب الهدي: كل من انثلم من حجه شيء. [فصل 1 - صفة التمتع] والمتمتع: من اعتمر في أشهر الحج فحلّ من عمرته، ثم حج من عامه قبل الرجوع إلى أفقه أو إلى أفق مثله في البعد من سائر البلدان، إلا أهل مكة وذي طوى وهي منها، كما استثنى الله تعالى. قال غير ابن القاسم: وذلك أن غير المكي كان حقه أن يأتي بالحج في سفر

وبالعمرة في سفر ثان، فلما تمتع بإسقاط أحد السفرين أوجب الله عليه الهدي، والمكي فلم يسقط سفراً فيلزمه الهدي. م: وأنكر بعض القرويين اعتلالهم بإسقاط أحد السفرين، وقال: يلزم على قولهم: أن من اعتمر في غير أشهر الحج، ثم حج من عامه أن يكون متمتعاً؛ لأنه أسقط أحد السفرين، وهذا خلاف الإجماع. قال: وإنما سمي متمتعاً لإحلاله بين حجه وعمرته. م: وما احتج به هذا القروي لا يلزم؛ لأنه إنما يراعى إسقاط أحد السفرين في أشهر الحج، ولو لزم ذلك في اعتماره في غير أشهر الحج لعكس الجواب عليه، فيقال له: أرأيت لو حل من عمرته في غير أشهر الحج أليس هذا قد حل بين حجه وعمرته؟ فيلزم على قوله أن يكون متمتعاً. م: فصح إنما المراعاة بإسقاط أحد السفرين في أشهر الحج، ويصح أن يقال: إنما سمي متمتعاً؛ لأنه تمتع بإحلاله بين حجه وعمرته في أشهر الحج؛ لأن المستحب له إذا كان مريداً للحج ودخلت عليه أشهر الحج ألا يدخل بعمرة وأن يفرد كالثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أفرد، فإذا اعتمر وحل من عمرته في أشهر الحج فقد تمتع بذلك الإحلال، وحل له الحلاق ولباس المخيط ووطء النساء والطيب، فإذا حج من عامه لزمه الدم، كما قال الله تعالى، فإذا قال: أنا أحج حجاً لا تمتع فيه وأرجع إلى أفقي أو إلى مثله،

قلنا له: قد سقط عنك دم التمتع، وقد روي ذلك عن عمر، ولا مخالف له من الصحابة، ولأنك أتيت بحج لا تمتع فيهن وهذا كما حنث في مشي إلى مكة، فمشى فعجز فركب في الطريق أنه يرجع ثانية حتى يمشي ما ركب ويهدي، فإن رجع ومشي كل الطريق لم يكن عليه هدي، فكذلك هذا إذا رجع وأتى بحج لا تمتع فيه سقط عنه الدم. وبالله التوفيق. وذكر ابن الكاتب في مناسكه في المتمتع إذا مات قبل أن يرمي جمرة العقبة، قال: قال مالك: لا دم عليه. وقال بعض أصحابنا: عليه الدم. قال: فوجه قول مالك: أن المحرم حكمه قبل أن يرمي جمرة العقبة باقٍ في كل ما نهي المحرم عنه، وبقي عليه مع ذلك طواف الإفاضة، وهو فرض إجماعاً، فصار بذلك غير مستكمل لحجته، وإنما أوجب الله عز وجل الدم على من تمتع بالعمرة إلى الحج، وحج هذا غير متكامل. قال: ولا يكون متمتعاً من اعتمر بعد حجه في باقي ذي الحجة لأنه لم يتمتع بالعمرة إلى الحج، وقد اعتمرت عائشة ليلة الحصبة بعد حجها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم

يوجب ذلك عليها شيئاً. [فصل 3 - صفة القران] والقارن: من أحرم بعمرة وحجة معاً، أو بعمرة ثم أردف الحج/ قبل أن يطوف ويركع، وطوافه لهما طواف واحد وسعي واحد، فلذلك جبره بالهدي، فكان الإفراد أفضل. وقال أبو حنيفة: على القارن طوافان وسعيان، وإن أصاب صيداً، أو ما يلزمه به فدية، فجزاءان وفديتان. ودليلنا: قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "يكفيك طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة لحجتك وعمرتك".

وروى إسماعيل بن إسحاق القاضي: "يجزئك"، وهذا نص. والدليل أن عليه في قتل الصيد جزاءً واحداً: قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}، ولم يفرق بين أن يكون قارناً أو مفرداً؛ ولأنهما حُرمتان لو انفردت كل واحدة بقتل الصيد فيها لزمه جزاء، فإذا اجتمعا كفاه فما جزاء واحد، أصله المحرم إذا قتل صيداً في الحرم، وهي حجتنا على أنه لا يلزمه إلا فدية واحدة فيما فيه الفدية وهدي لفساده، خلافاً له في ذلك كله. ومن المدونة: قال مالك: ومن دخل مكة قارناً فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة في غير أشهر الحج ثم حج من عامه فعليه دم القران، ولا يكون طوافه حين دخل مكة لعمرته لكن لهما جميعاً، ولا يحل من واحدة منهما دون الأخرى حتى يتم حجه من عامه؛ لأنه لو جامع فيهما قضى قارناً. وليس على أهل مكة: القرية بعينها أو أهل ذي طوى إذا قرنوا أو تمتعوا دم قران ولا متعة، أحرموا من الميقات أو غيره، لكنهم يعملون عمل القارن. قال يحيى: كان مالك، وأصحابه لا يرون على مكي قرن دماً، إلا عبد الملك فإنه يراه عليه.

فوجه قول مالك: أن القارن من أهل مكة لا يلزمه في الأصل سفران فيسقط أحدهما فيلزمه الدم لذلك، وهذا هو الأصل في لزوم الدم للقارن. ووجه قول عبد الملك: أنه أسقط أحد العملين، وهذا يستوي فيه المكي وغيره، فهو بخلاف المتمتع؛ لأن الدم إنما وجب على المتمتع بإسقاط أحد السفرين، وذلك يختلف فيه المكي وغيره؛ لأن المكي ليس عليه سفران كغير المكي. ومن المدونة: قال مالك: وأما أهل منى، أو المناهل الذين بين مكة والمواقيت كقديد، وعُسفان، ومر الظهران، وغيرهم من سكان الحرم إذا هم قرنوا من موضع يجوز لهم، أو دخلوا بعمرة من موضع يجوز لهم، فحلوا من عمرتهم في أشهر الحج، ثم أقاموا بمكة حتى حجوا، فعليهم دم المتعة، ودم القران، ومن رجع منهم إلى قراره بعد أن حل من عمرته في أشهر الحج ثم حج من عامه سقط عنه دم المتعة، لرجوعه إلى منزله. قال عبد الوهاب: وإنما قلنا: إن حاضري المسجد الحرام هم أهل مكة: القرية بعينها دون غيرهم، خلافاً لأبي حنيفة: أنهم من كان دون المواقيت إلى مكة،

وللشافعي: أنهم من كان من الحرم على مسافة لا تُقصر فيها الصلاة، ولغيرهما: أنهم أهل الحرم. ودليلنا: قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، وحاضر الشيء لا يحتاج إلى قطع مسافة إليه، فدل أنه مقصور على أهل مكة؛ ولأن كل موضع ليس بمكة لا يوصف أهله بأنهم حاضروا المسجد الحرام كالمدينة والعراق. م: وذكر ابن حبيب: أنه لا تمتع لأهل القرى المجاورة لمكة مثل: مر ظهران ضجنان ونختلتان، وعرفة، ونحوها مما لا تقصر في مثلها الصلاة، كقول الشافعي.

قال: هكذا روي عن ابن عباس، وهو قول مالك وأصحابه. قال أبو محمد: والذي تأول ابن حبيب في هذا، ليس بقول مالك، وأصحابه فيما علمت. ومن المدونة: قال مالك: ولو أقام المكي بمصر أو بالمدينة مدة لتجارة أو غيرها، ولم يوطنها، ثم رجع إلى مكة فقرن لم يكن عليه دم القران. قال مالك: ومن كان له أهل بمكة، وأهل ببعض الآفاق فقدم مكة متعمراً في أشهر الحج، فهذا من مشتبهات الأمور، وأحوط له أن يهدي. ابن القاسم: وذلك رأيي. ابن المواز: وقال أشهب: إن كان إنما يأتي أهله بمكة منتاباً فعليه دم التمتع، وإن كان سكناه بمكة ويأتي أهله التي بغيرها منتاباً فلا هدي عليه كالمكي. ومن المدونة: ومن/ دخل مكة في أشهر الحج بعمرة وهو يريد سكناها، ثم حج من عامه فعليه دم المتعة؛ لأنه اعتمر قبل أو يوطئها، وإنما أتى يريد السكنى، وقد

يبدو له، قاله مالك في الموطأ، وقاله أشهب، ولو انتجع لسكنى مكة في غير أشهر الحج، ثم اعتمر في أشهر الحج، ثم حج من عامه فهو كالمكي، ولا دم عليه؛ لأنه اعتمر بعد أن وطئها، فهو بخلاف الذي دخل في أشهر الحج. ومن المدونة: ومن حل من عمرته من أهل الآفاق قبل أشهر الحج، ثم اعتمر عمرة ثانية من التنعيم في أشهر الحج، ثم حج من عامه فعليه دم المتعة، وهو أبين من الذي قدم للسكنى؛ لأن هذا لم تكن إقامته أولاً لسكنى. [فصل 3 - المتمتع إذا عاد إلى بلده أو مثل بلده في البعد عن مكة سقط عنه الدم] ومن حل من عمرته في أشهر الحج وهو من أهل الشام أو مصر فرجع من مكة إلى المدينة، ثم حج من عامه ذلك فعليه دم المتعة؛ لأنه رجع إلى دون أفقه، إلا أن يرجع إلى أفقه الأول، أو إلى أفق مثل أفقه ويتباعد من مكة، ثم يحج من عامه فلا يكون متمتعاً. قال ابن المواز: مثل أن يكون أفقه في غير الحجاز فرجع إلى مثله في البعد فلا هدي عليه. م: كان محمداً يشير إلى أنه لو كان أفقه في الحجاز لم يزل عنه التمتع إلا أن

يرجع إلى أفقه بعينه أو يتباعد ويخرج عن الحجاز. م: ووجه هذا: أنه إذا رجع إلى أفقه بعينه فقد أتى بمثل السفر الأول لا محالة فحصل حجه لا تمتع فيه، وإذا رجع إلى مثله في البعد، فليس هو مثله على الحقيقة، والتمتع إنما هو الترفه بإسقاط أحد السفرين، فإذا كان ما رجع إليه قريباً فكأنه لم يسقط عنه الترفه، ولا هو أتى بمثل السفر الأول حقيقة، فوجب أن لا يسقط عنه دم المتعة، وكأن ابن المواز رأى أن الحجاز كله قريباً. وهذا استحسان: والقياس: أنه إذا رجع إلى مثل أفقه في البعد أو أبعد منه وإن كان في الحجاز أنه يسقط عنه دم المتعة. والله أعلم. قال أبو محمد: إذا كان أفقه يدرك أن يذهب إليه ويعود فيدرك الحج من عامه فلا يسقط عنه التمتع إلا برجوعه إلى أفقه أو إلى مثله في البعد، فأما من كان أفقه بإفريقية فيرجع إلى مصر فهذا عندي يسقط عنه المتمتع؛ لأن موضعه لا يدرك أن يذهب إليه ثم يعود من عامه فيدرك الحج. قال عبد الوهاب: وإنما قلنا إن المتمتع إذا رجع إلى أفقه أو مثله في البعد، ثم حج من عامه، فليس بمتمتع، خلافاً لما يُحكى عن الحسن؛ لأن ما قلناه مروي عن عمر.

ولا مخالف له؛ ولأنه لم يحصل له تمتع؛ لأنه قد أتى بالسفرين. وإنما اعتبرنا أن يكون رجوعه إلى أفقه أو مثله في البعد، خلافاً للشافعي في قوله: إنه إذا رجع إلى الميقات فأحرم بالحج لم يكن متمتعاً. لأن التمتع: الترفه بإسقاط أحد السفرين من بلده، فمتى وجدته مترفهاً بإسقاط أحدهما فهو متمتع، وقد علمنا أن البغدادي إذا حلّ من عمرته في أشهر الحج، ثم رجع إلى ذات عرق ونحوها فأحرم بالحج لم يزل عنه الترفه، إذ لا مشقة في ذلك عليه. قال: وإنما شرطنا أن ذلك إذا حج من عامه؛ لأن ذلك مبني على أنه جمع بين العمرة والحج في أشهر الحج، وهذا لا يكون إلا في عام واحد؛ لأنه إذا كان في عامين لم يكن معتمراً في أشهر الحج الذي أتي به. قال: وإنما شرطنا أن يأتي بالعمرة في أشهر الحج؛ لأن أصل الرخصة إنما تعلقت بإيقاع العمرة في أشهر الحج؛ لأن العرب كانت ترى ذلك فجوراً، ولذلك راجعوا النبي صلى الله عليه وسلم لما أمرهم أن يحلوا بعمرة.

وإنما شرطنا أن تقديم العمرة على الحج هو التمتع: لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} فبدا بالعمرة في الفعل. ومن المدونة قال: ومن اعتمر في رمضان فطاف وسعى بعض السعي، ثم أهل شوال فتم سعيه فيه، ثم حج من عامه كان متمتعاً. م: يريد: أنه أتم سعيه بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان؛ لأن تلك الليلة من شوال، وأما/ لو رأى هلال شوال نهاراً فتم سعيه بعد أن رآه نهاراًن فليس بمتمتع؛ لأن ذلك اليوم من رمضان. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو فرغ من سعيه في رمضان، ثم أهل شواء قبل أن يحلق، ثم حج من عامه فليس بمتمتع؛ لأن مالكاً قال: من فرغ من سعيه بين الصفا والمروة فليس الثياب قبل أن يُقصِّر فلا شيء عليه. ومن كتاب ابن المواز: ومن اعتمر في أشهر الحج يريد التمتع وفرغ من عمرته، ثم فاته الحج قبل أن يحرم به فلا تمتع عليه.

قال: ولو اعتمر في أشهر الحج فأفسد عمرته بالوطء، ثم حل منها، ثم حج من عامه قبل قضاء عمرته فهو متمتع، وعليه قضاء عمرته بعد أن يحل من حجته، وحجه تام، ولو أردفه على العمرة الفاسدة لم يلزمه ذلك الحج. وقال عبد الملك: يرتدف الحج على العمرة الفاسدة. ابن المواز: ومن اعتمر عن نفسه في أشهر الحج، ثم حل منها، ثم حج من عامه عن غيره فهو متمتع. [فصل 4 - المتمتع إذا مات قبل رمي جمرة العقبة فلا دم عليه، وإن مات بعد رميها لزمه هدي التمتع] قال ابن القاسم- عن مالك-: ومن تمتع بالعمرة إلى الحج ثم مات بعد الوقوف بعرفة، فإن مات قبل رمي جمرة العقبة فلا شيء عليه، وإن مات بعد رميها فقد لزمه هدي التمتع. قال ابن القاسم: وأشهب: من رأس مال؛ لأنه لم يفرط. قال ابن القاسم: وكذلك إن مات يوم النحر وإن لم يرم فيه، أو مات بعده فقد لزمه ذلك، وكذلك روى عنه عيسى في العتبية. وقال سحنون: لا يلزم ذلك ورثته إلا أن يشاءوا، كمن حلت عليه زكاته فمات ولم يفرط ولم يوص بها. والذي ذكر سحنون عن ابن القاسم في الزكاة خالفه فيه أشهب.

م: ويحتمل أن يكون معنى قول ابن القاسم: أنها تلزمه في رأس ماله إذا أوصى بها، كزكاة العين تحل عليه في مرضه، ولا يكون ذلك تناقضاً، ويحتمل أن أراد أنها في رأس ماله، وإن لم يوص بها أن يكون الفرق بين ذلك: أن زكاة العين يخفى إخراجها وتختلف أحواله، فيحتمل إذا لم يوص بإخراج ذلك أن يكون حول ذلك قد حل من قبل موته فأخرجه، أو حل عند موته فأخرجه ولم يعلم ورثته، فلا يلزمهم ذلك إلا أن يوصي به فيعلم أنه لم يخرجه. وأما الهدي فحلول وقته معلوم، وهو يوم النحر، وهو أمر لا يخفى إخراجه كخفاء إخراج العين، فكان بزكاة الثمار تحل عند موته أشبه، والله أعلم. ابن المواز: ومن صام ثلاثة أيام في الحج لتمتعه، ثم مات بعد تمام حجه بمكة أو بعد رجوعه إلى بلده قبل أن يصوم السبعة فليهد عنه هدي. قال: والمعتمر مراراً في أشهر الحج إذا حج من عامه فهدي واحد يجزئه لتمتعه.

[الباب الثامن] ما جاء في المواقيت وتعديها، ومن أحرم قبلها

[الباب الثامن] ما جاء في المواقيت وتعديها، ومن أحرم قبلها [فصل 1 - الميقات المكاني للحج والعمرة] ووقَت الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة من ذي الحُليفة، ووقَت لأهل الشام الجحفة، فدخل في ذلك من وراءهم من أهل مصر، وأهل المغرب. وفي رواية ابن حبيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقَت لأهل الشام وأهل مصر ومن دونهم من أهل المغرب الجحفة.

قال: هو، وغيره: ووقت لأهل اليمن يلملم، ولأهل نجد من قَرْن، وفتح عمر العراق فوقت لهم ذات عرق.

وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ويهل أهل العراق من ذات عرق"، وبهذا أخذ مالك وأصحابه. قال: وميقات من منزله دون الميقات إلى مكة من منزله، فإن جاوزه فعليه دم، وهو من رواية ابن حبيب عن النبي صلى الله عليه وسلم.

واستحب مالك لأهل مكة أو لمن دخلها بعمرة أن يحمر بالحج من المسجد الحرام، قال أشهب: من داخله، قال الأبهري: إنما ذلك لفضيلة المسجد وليكن ركوعه فيه، ثم يحرم عقيب ركوعه. ومن المدونة: قال مالك: ويهل أهل قديد وعسقان ومر ظهران من منازلهم، وكذلك كل من كان من وراء الميقات إلى مكة فميقاته من منزله. قال: وذو الحليفة ميقات أهل المدينة ومن يمر بها من الناس كلهم خلا أهل الشام ومصر ومن وراءهم من أهل المغرب فإن ميقاتهم الجُحْفة لا يتعدوه، ولهم إذا مروا بالمدينة أن يؤخروا إحرامهم إلى الجحفة، والفضل لهم أن يحرموا من ذي الحليفة ميقات النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها طريقهم، فإن أخروا إلى الجحفة لم يكن عليهم شيء؛ لأن الجحفة بين أيديهم، وهي ميقاتهم، فلهذا خُفف لهم ما ذكرنا، ولا يكون ذلك في غيرهم. ومن كان بلده بعيداً عن الميقات مشرقاً عنه أو مغرباً فإذا قصد إلى مكة من موضعه لم ير ميقاتاً، وإذا قصد إلى الميقات شق ذلك عليه لإمكان أن تكون مسافة بلده إلى الميقات مثل مسافة بلده إلى مكة، فإذا حاذى الميقات بالتقدير والتحري أحرم/ ولم يلزمه المسير إلى الميقات. قال: ومن مر بالمدينة من أهل العراق فليحرم من ذي الحليفة ولا يؤخر إلى الجحفة، وإن مر أهل الشام ومصر قادمين من العراق فليحرموا من ذات عرق، وإذا مر مكي بأحد المواقيت فجاوزه ثم أحرم بالحج أو العمرة، فإن لم يكن حين جاوزه مريداً

إحراماً بأحدهما فلا دم عليه وإلا فعليه دم، وكذلك لو لم يُحرم حتى دخل مكة فأحرم، فإذا كان إذ جاوزه مريداً وإلا فلا شيء عليه، وقد أساء في دخوله مكة بغير إحرام، وكذلك جميع أهل الآفاق من مر منهم بميقات ليس له فليحرم منه خلا أهل الشام ومصر ومن وراءهم إذا مروا بالمدينة على ما وصفنا. قال ابن حبيب، وغيره: إنما قال ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المواقيت لأهلها ولكل آت أتى عليها من غير أهلها ممن أراد الحج أو العمرة". وقال ابن المواز: وسئل مالك: أيحرم من الجحفة من المسجد الأول أو الثاني؟ قال: ذلك كله واسع، ومن الأول أحب إلينا. قال مالك: ومن حج في البحر من أهل مصر وشبههم فليحرم إذا حاذى الجحفة، ومن كان منزلة حذاء الميقات فليحرم من منزله، وليس عليه أن يأتي الميقات. ومن منزله دون المواقيت إلى مكة فليحرم من داره أو مسجده ولا يؤخر ذلك، وقد أحرم ابن عمر من القُرْع، حين أراد الخروج منه إلى مكة. ومن أحرم من بلده وقبل الميقات فلا بأس بذلك، غير أنا نكره لمن قارب الميقات أن يحرم قبلهن وقد أحرم ابن عمر من بيت المقدس، وأحرم من

الفرع، كان خروجه لحاجة، ثم بدى له فأحرم منه. ومن المدونة: قال مالك: ومن دخل مكة من أهل الآفاق في أشهر الحج بعمرة وعليه نَفَس، فأحب إلي أن يخرج إلى ميقاته فيحرم منه بالحج، ولو أقام حتى يحرم من مكة كان ذلك له. [فصل 3 - فيمن تعدى ميقاته بغير إحرام] قال مالك: ومن جاوز الميقات ممن يريد الحج جاهلاً ولم يحرم منه فليرجع فيحرم منه ولا دم عليه. قال ابن المواز: وقيل: يرجع ما لم يشارف مكة، فإن شارفها أحرم وأهدى. م: يريد: ولو لم يُحرم ورجع فأحرم من الميقات لم يكن عليه دم. قال ابن حبيب: من تعدى ميقاته ثم أحرم بعد أن جاوزه فعليه دم، إلا أن يحرم وهو قريب منه فلا دم عليه. ومن المدونة: قال مالك: ولو أنه لما تعدى ميقاته خاف إن رجع إليه فوات الحج فليحرم من موضعه ويتمادى وعليه دم.

ولو أحرم بعد أن جاوز الميقات لم يرجع وإن لم يكن مراهقاً، وتمادى وعليه دم. قال عبد الوهاب: وقال الشافعي: رجوعه بعد إحرامه يُسقط عنه الدم. ودليلنا: أن الدم لم يجب بتجاوز الميقات على انفراده، وإنما هو للإحرام بعده، وهو لا يقدر على إزالته ولا حله بعد عقده ناقصاً، فلم يسقط عنه الدم، أصله إذا أتى بنقص في بعض أفعال الحج من الطواف والسعي، ثم عاد إلى الميقات، فإن الدم لا يسقط عنه باتفاق؛ ولأن كل فعل من أفعال الحج لزم الدم في تركه، فإن العودة إليه بعد فوته لا يسقط الدم عنه، كالمبيت بالمزدلفة. ومن المدونة: ومن أهل من ميقاته بعمرة، فلما دخل مكة أو قبل أن يدخلها أردف حجاً على عمرته، فلا دم عليه لترك الميقات في الحج؛ لأنه لم يجاوز الميقات إلا محرماً، وإن تعدى الميقات ثم قرن، أو تعداه ثم أحرم بعمرة، ثم لما دخل مكة أو قبل أن يدخلها أردف الحج فعليه دم لترك الميقات، ودم للقران؛ لأن كل من أتى من بلده فجاوز ميقاته متعمداً، أو كان ميقاته من منزله فجاوزه وهو يريد أن يحرم بحجة أو عمرة فأحرم بعد ذلك فعليه دم، ولا يُشبه الذي جاء من عمل الناس في الذين يخرجون من مكة ثم يعتمرون من الجعرانة أو التنعيم؛ لأن ذلك رخصة لهم، وإن لم يبلغوا مواقيتهم. قال مالك: ومن تعدى الميقات وهو صرورة، ثم أحرم فعليه دم.

قيل لابن القاسم: فإن تعداه ثم أحرم بالحج بعد أن جاوزه وليس بصرورة؟ قال: إن كان جاوزه وهو مريد للحج، ثم أحرم فعليه دم. وحكي عن أبي محمد أنه قال: الصرورة وغير الصرورة سواء، لا دم عليه إلا أن يجاوزه مريداً للحج. وحكي عن ابن شبلون: أن الصرورة يلزمه الدم إذا تعداه ثم أحرم، كان مريداً للحج أو غير مريد؛ لأنه متعد في تعديه غير محرم بالحج وهو صرورة، وأما غير الصرورة فلا يلزمه الدم، إلا أن يتعداه وهو مريد للحج. م: وهذا على ظاهر الكتاب، وقول أبي محمد هو الصواب./ ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن تعدى الميقات ثم أحرم بالحج ففاته الحج، فلا دم عليه لتعديه، لرجوعه إلى عمل العمرة، وأنه يقضي حجه قابلاً. م: يريد: لأنه لما فاته الحج ورجع أمره إلى العمرة، وهو لم يردها، صار كأنه جاوز الميقات غير مريد لها ثم أحرم. قال ابن القاسم: وأما إن تعداه، ثم جامع فأفسد حجه، فعليه دم لترك الميقات؛ لأنه على عمل حجة متمادٍ، وإن قضاه.

ابن المواز: وقال أشهب: عليه الدم في الفوات والفساد، وبه قال ابن المواز. م: ووجه ذلك: لأنه جاوز الميقات مريداً للحج، ثم أحرم بعد ذلك، فوجب عليه دم التعدي، فلا يزيله عنه فوات ولا فساد، وهو الصواب. ومن المدونة: قال: ومن وجب عليه الدم لتعدي الميقات أو لتمتع لم يجزه مكانه طعام، وأجزأه الصوم إن لم يجد هدياً، وإنما يكون الصيام أو الطعام مكان الهدي في فدية الأذى أو في جزاء الصيد. وإذا أحرم بالحج من خارج الحرم مكي أو متمتع فلا دم عليه لتركه الإحرام من داخل الحرم؛ لأنه زاد ولم ينقص وعليه أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل أن يخرج إلى عرفات إن لم يكن مراهقاً، ويكون بخلاف من أحرم بالحج من الحرم. قال: ولو أنه إذْ أحرم بالحج من الحل أو من التنعيم مضى إلى عرفات ولم يدخل الحرم وهو مراهق فلا دم عليه. قال مالك: وإذا أحرم مكي أو متمتع من مكة بالحج فليؤخر طوافه الواجب وسعيه حتى يرجع من عرفات فيطوف ويسعى.

قال في الموطأ: وله أن يطوف تطوعاً ما بدى له ويصلي الركعتين كلما طاف سبعاً، وقد فعل ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك كان يفعل ابن عمر يُهِل لهلال ذي الحجة ويؤخر الطواف والسعي حتى يرجع من منى. قال في المدونة: ولو عجل الطواف والسعي قبل خروجه إلى عرفات لم يجزه وليعدهما إذا رجع من عرفات، فإن لم يعدهما حين رجع حتى رجع إلى بلده أجزأه السعي الأول، وعليه هدي، وذلك أيسر شأنه.

قال مالك: وأحب إلى أن يحرم أهل مكة إذا أهل هلال ذي الحجة، كما فعل ابن عمر، وكره مالك أن يحرم أحد قبل أن يأتي ميقاته، أو يحرم بالحج قبل أشهر الحج، فإن فعل الوجهين جميعاً لزمه ذلك. م: وقد حج النبي صلى الله عليه وسلم واعتمر فلم ينقل أحد أنه أحرم قبل الميقات، فلو كان فيه فضيلة لبينه أو فعله.

[الباب التاسع] جامع ما جاء في دخول مكة بغير إحرام

[الباب التاسع] جامع ما جاء في دخول مكة بغير إحرام ] فصل 1 - كل من دخل مكة من غير مكثري التردد فإنه يحرم عليه دخولها حلالاً، وإن لم يرد نسكاً [ قال ابن القاسم: ولا يدخل أحد مكة بغير إحرام، فمن دخلها من أهل مصر أو غيرها بغير إحرام متعمداً أو جاهلاً ثم رجع إلى بلده فقد عصى وفعل مالم يكن ينبغي له أن يفعل، ولا أرى عليه حجة، ولا عمرة، ولا دماً، لأن ابن شهاب كان لا يرى بأساً أن يدخل مكة بغير إحرام، وخالفه مالك، وقال: لا أرى للأحد أن يقدم من بلده فيدخل مكة بغير إحرام قال: وإنما رأى ذلك واسعاً في مثل الذي صنع ابن عم حين خرج إلى قديد فبلغه خبر فتنة المدينة فرجع فدخل مكة بغير إحرام، أو مثل أهل الطائف، وعسفان وجدة الذين يختلفون بالفواكه والطعام والحطب أن يدخلوا مكة بغير إحرام لأن ذلك يكثر عليهم. م: فصارت ضرورة أباحت لهم دخول مكة بغير إحرام.

قال ابن القاسم: ورأيت قوله في أهل قديد وما هو مثلها من المناهل إذا لم يكن شأنهم الاختلاف، ولم يخرج أحد منهم من مكة فيرجع لأمر كما صنع ابن عمر، ولكنه أراد مكة لحاجة عرضت له في السنة ونحوها أنهم لا يدخلوا مكة إلا بإحرام. قال عبد الوهاب: وإنما لم يجز أن يدخل مكة بغير إحرام، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم حرم مكة" فهي حرام من كل وجه إلا ما قام دليله، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أحلت لي ساعة من نهار، ولم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي". قال عبد الوهاب: فمن دخلها ممن يقل دخوله من أهل الآفاق لتجارة أو حاجة وجاوز ميقاته غير محرم ثم أحرم، فقيل: يسقط الدم عنه، وقيل: لا يسقط، فوجه سقوطه: فلأنه غير مريد لحج أو لعمرة، ووجه وجوبه: فلأنه مخاطب بالإحرام، كمريد الحج أو العمرة. فصل] 3 - من لا يخاطب بفريضة الحج كالعبد والأمة له دخول مكة بغير إحرام [ ومن المدونة: قال مالك: وللسيد أن يدخل عبده أو أمته مكة بغير إحرام، ويخرجهما إلى منى وعرفات غير محرمين، ومن ذلك الجارية يريد بيعها، فلا بأس أن يدخلها بغير إحرام.

ابن المواز: قال مالك: ولا أحب أن يدخل بالعبد الفارة ذي الصفة إلا محرماً، وأما الصغير والأعجمي والجارية يريد بيعها فما ذلك عليه، وإن سألته الإحرام فخير له أن لا يمنعها، وإن نقص من ثمنها. ومن المدونة: قال ابن القاسم: فإن أذن السيد لعبده بعد ذلك فأحرم من مكة فلا دم على العبد لتركه الميقات. م: لأن سيده منعه، فهو غير متعد في تركه. قال: وإذا أسلم نصراني، أو أعتق عبد، أو بلغ صبي أو صبية بعد دخولهم مكة أوهم بعرفة فأحرموا حينئذ بالحج عشية عرفة ووقفوا أجزأتهم عن حجة الإسلام، ولا دم عليهم لترك الميقات. م: لأنهم جاوزوه قبل توجه فرض الحج عليهم. قال ابن القاسم: ولو أحرم العبد قبل عتقه، والصبي والجارية قبل البلوغ تمادوا على حجهم، ولم يجز لهم أن يحدثوا إحراماً، ولا يجزئهم حجهم ذلك عن حجة الإسلام.

[الباب العاشر] جامع ماجاء في حج العبد، والصبي، والمرأة

[الباب العاشر] جامع ماجاء في حج العبد، والصبي، والمرأة قال الله تبارك وتعالى: {عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} والسيد أن ينتزع ماله أي وقت شاء، وهو مما يقوي به، وليس له إتلافه، وليس ملكه عليه ملكاً مستقراً. وحج الرسول صلى الله عليه وسلم بأزواجه ولم يحج بأم ولده، فلا يلزم العبد فرض الحج حتى يعتق. قال الله تعالى: {وإذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتَاذِنُوا} فجعل الفرض عليهم بالبلوغ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة: فذكر "الصبي حتى يحتلم" إلا أنه قال للتي سألته ألهذا حج؟ وكان صغيراً، فقال: "نعم ولك أجر" ورواه مالك في الموطأ، فكان ذلك تطوعاً لا يجزي عن حجة الإسلام، لأنه لا يؤدي شيء قبل وجوبه، وكذلك حج العبد قبل عتقه بإذن أو بغير إذنه. وأما المرأة ذات الزوج: فالفرض عليها لقوله سبحانه: {ولِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً} فكانت منهم، والاستطاعة منها موجودة، وليس للزوج منعها من الفرض ولتستأذنه

ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن أذن لعبده، أو لأمته، أو لزوجته في الإحرام فليس له أن يحلهم بعد ذلك، وإن خاصموه قضى لهم عليه في قول مالك، وإن باع عبده أو أمته وهما محرمان جاز بيعه، وليس للمبتاع أن يحلهما، وله إن لم يعلم بإحرامهما الرد كعيب بهما إن لم يقربا من الإحلال، وإن أحرم العبد بغير إذن سيده محرمة فحلله منها، ثم أذن له في عام آخر في قضائها حج أجزأته منها، وعلى العبد الصوم لما حلله السيد، إلا أن يهدي عنه سيده أو يطعم. قال يحيى: لا أعرف في هذا إطعاماً، وإنما هو هدى أو صيام. م: والذي أراد ابن القاسم والله أعلم أن العبد لما كان ****أن لسيده أن يمنعه الحج ويحلله من إحرامه وذلك سائغ له صار كأن العبد الذي تعمد الإحلال إذ عرض نفسه لذلك بتعديه، فلزمه لهذا الإحلال الفدية، والفدية فيها الصوم، والإطعام، والنسك كما قال الله تعالى فلذلك قال: إلا أن يهدي عنه سيده أو يطعم لأجل إحلاله، قال أبو محمد: يريد: وعليه الهدى كمن فاته الحج. قال في كتاب ابن المواز: وليس للعبد أن ينسك أو يهدي عما لزمه في ذلك

من ماله إلا بإذن سيده فإن لم يأذن له، ولا أهدى عنه فليصم، ولا يمنعه من الصوم إلا أن يضر به. قال أشهب: إذا أحرم فحلله سيده ثم عتق، أو حلل الصبي وليه ثم بلغ فليحرما الآن بالحج، ****عن حجة الإسلام. ابن المواز: لأن قضاء ما حللهما منه لا يلزمهما، ولو نذر ذلك العبد نذراً فلم يرد ذلك عليه حتى عتق، أو نذر سفيه بالغ ثم رشد، فذلك يلزمها، وأما الصبي فلا يلزمه إن بلغ. وكله قول مالك لا اختلاف فيه. قال: ولو أذن له سيده في الحج ... الحج فعليه القضاء والهدى إذا عتق قيل لأشهب: فهل يمنعه سيده أن يحل من ذلك في عمرة؟ قال: إن كان قريباً فلا يمنعه، وإن كان بعيداً فإما أن ... إلى قابل على إحرامه، وإما أن يأذن له في فسخه في عمرة. قال: وإن فسد حجه فلا يلزم سيده أن يأذن له في القضاء، وذلك عليه

إذا عتق. وقال أصبغ: على سيده أن يأذن له. قال ابن المواز: والصواب: قول أشهب. ومن المدونة: قلت: فإن أحرمت المرأة بالحج بغير إذن زوجها وهي صرورة فحللها منه، ثم أذن لها من عامها فحجت أيجزئها حجها من التي حللها منها زوجها ومن حجة الإسلام؟ قال: أرجو ذلك. قلت: فإن أحرم عبد بغير إذن سيده فحلله، ثم أعتقه فحج حجة ينوي بها عن التي حلله منها وعن حجة الإسلام؟ قال: لا يجزئه. قلت: فلم أجزأ المرأة حجها عن القضاء والفريضة، ولم يجزأ العبد حجه عنهما؟ قال: لأن المرأة إنما حللها من فريضة، فقضت الفريضة التي حللها منها، والعبد: إنما حلله من تطوع، فلما حج بعد عتقه ونوى بها الفريضة والتطوع التي حلله منها لم

يجزئه عن الفريضة، وأجزأته عن التطوع التي حلله السيد منها، كمن ****في المشي إلى مكة فمشى في حجة ينوي فرضه ونذره، فإنها تجزئه لنذره، وعليه حجة الإسلام، فمسألة العبد مثل هذا. قال يحيى بن عمر: ليس له أن يحلل المرأة، يريد: وإن أحرمت بغير إذنه في الفريضة. قال أشهب: وإحلاله باطل، وهي على إحرامها. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو كان إنما حللها من تطوع فهذه قضاء لها، وعليها حجة الإسلام. قال سحنون: إذا أحرمت المرأة بغير إذن زوجها تطوعاً فحللها منها، فلا قضاء عليها إن طلقت، وكذلك العبد لا قضاء عليه إن عتق فيما أحرم بغير إذن سيده فحلله منه سيده. وقال ابن المواز في التي حللها زوجها من حجة الفريضة: إن إحلاله باطل، وهي على إحرامها. قال أبو محمد: والذي قال ابن المواز هو قول أشهب. قال ابن المواز: وعليها من الفدية وغيرها ما على المحرم، وإن وطنها فسد حجها وتتمه وتقضي ويجزيها عن حجة الإسلام وتهدي في القضاء وترجع في الهدي على

الزوج، وإن كان قد فارقها فتزوجت غيره قبل القضاء فنكاحها باطل، لأنها محرمة بعد. م: ولو تزوجت غيره بعد تمام الفاسدة وقبل القضاء جاز النكاح، لأنها حلت من الفاسدة، ثم تقضي بعد ذلك. قال بعض شيوخنا: ونفقتها في قضاء ما أفسد عليها على الزوج، من كراء، ونحو ذلك. قال ابن حبيب عن مالك: إذا أحرمت المرأة بفريضة الحج فليس على الزوج نفقة في خروجها، وذلك في مالها. م: يريد: نفقة لوازمها في الحج من كروب وغيره، وأما ما كان يلزمه لها من مطعم ومشرب وكسوة في إقامتها، فذلك عليه ولا حجة له في امتناعه، فذلك عليه ولا حجة له في امتناعه من وطنها، لأن الحج فرض عليها فعذرت بذلك كالحيض والمرض. م: فصار في المرأة إذا أحرمت بفريضة بغير إذن زوجها قولان: قول: إن له أن يحللها. وقول: ليس له ذلك، وهي على إحرامها. وإن أحرمت بتطوع فقولان: قول: إنه يلزمها قضاء ما حللها. وقول: لا يلزمها

والعبد إذا أحرم بغير إذن سيده كذلك، قيل: يلزمه قضاء ما حلله منه. وقيل: لا يلزمه. م: ويحتمل أن يكون ابن القاسم إنما تكلم إذا حجت قضاء عما كانت فيه أنه يجزيها، ولم يتكلم هل للزوج إحلالها، أو أنه لا يجب له ذلك عنده، كما قال محمد. والله أعلم. ومن ... قال عيسى عن ابن القاسم في التي تركت مهجرها لزوجها حتى تركها أن تحج الفريضة قال: يلزمه الصداق، لأنه يلزمه أن يدعها. قال يحيى بن عمر في ... : يروى ابن أبي جعفر: أن ابن القاسم عنها بعد أن روى فيها عن مالك نحو ما ذكرنا، فقال: إن كانت ... أن لها أن تحج وإن لم يأذن لها فإن العطية للزوج جائزة، وإن كانت جاهلة تظن أن له ... فأعطته ليتركها فإنها أن ترجع عليه بما أعطته. فقال يحيى بن عمر: ويقول ابن القاسم هذا أقول

م: ويحتمل أن يكون هذا وفاقاً للقول الأول، ويكون معناه: أن لها أن ترجع عليه إذا كانت جاهلة تظن أن له منعها فأعطته ليتركها، وأما إن كانت عالمة أن ليس له منعها فلا ترجع عليه. فصل] للولي أن يحرم عن الصبي الذي لا يميز، ويحضره المواقيت فيحصل الحج للصبي ... [ ومن المدونة: قال مالك: وإذا حج بالصبي أبوه، وهو لا ... مايؤمر به، مثل ابن سبع سنين، وثمانية فلا يجرده حتى يدنو من الحرم، والذي قد ناهز يجرده من الميقات، لأنه يدع ما يؤمر بتركه وإذا كان لا يتكلم فلا يلبي عنه أبوه. قال: وإذا جرده أبوه يريد بتجريده: الإحرام فهو محرم، ويجنبه ما ... الكبير، فإن احتاج إلى دواء أو طيب فعل به، ويهدي عنه وإن لم يقو على الطواف طيف به محمولاً، ويرمل الذي يطفو به الأشواط الثلاثة بالبيت، ويسعى في المسيل، ولا يركع عنه ركعتي الطواف إن لم يعقل الصلاة. وقال حمد يس عن محمد بن عبد الحكم: إنه يصلي عنه ركعتين الطواف. وقال حمد يس كقول مالك فيمن أوصى أن يحج عنه رجل: فإنه يصلي عنه ركعتي الطواف.

ومن المدونة: ولا يطوف به إلا من طاف لنفسه لئلا يدخل في طواف واحد طوافين، وأما السعي فلا بأس أن يسعى لنفسه وللصبي سعياً واحداً يحمله في ذلك ويجزئه عنهما، والسعي في هذا أخف من الطواف، لأن الطواف عند مالك كالصلاة ولا يطوف إلا متوضئ، وقد يسعى من ليس على وضوء. قال ابن المواز: قال ابن القاسم: وإن طاف عنه وعن الصبي طوافاً واحداً أجزأ عن الصبي وأحب إلى أن يعيد عن نفسه. وقال أصبغ: بل ذلك واجب عليه، كقول مالك فيمن حج حجة عن فرضه ونذره أنه يعيد الفريضة ويجزئه عن النذر. قال أصبغ: وما هو بالقوي، والقياس: أن يعيد النذر، وأن يعيد عن الصبي وذلك أحب إلي. وقال عبد الملك: يجزئ عن الرجل، ولا يجزئ عن الصبي كمن حج ينوي فرضه ونذره يريد: على قوله: قال أبو محمد: وإنما ذلك إذا حمله، فأما إذا كان يفعل ما يؤمر به، فأمره

بالطواف معه وسايره في الطواف حتى **** أجرأ ... لأنه لم يشركه في عمله إذا كان يفهم ما أمره به وهو كصلاته الركعتين إذا فهم ما أمره به. قال ابن حبيب: لا بأس لمن طاف عن نفسه أن يطوف ... أو ثلاثة يحملهم طوافاً واحداً. ومن المدونة قال مالك: ولا يرمي عنه إلا من رمى عن نفسه كالطواف. لأنه رمى جمرة ... سنة مؤكدة وعبد الملك يقول: بل هي فريضة، فلذلك لم يجر له أن يرميها عنه إلا من رمى عن نفسه فإن فعل فقد أساء ويجزيه لأنه لم يشركه في رميه عن نفسه. ابن حبيب: قال عبد الملك: فإن جهل فرمى عن نفسه جمرة ثم رماها من ... عن الصبي ثم أنتقل إلى الجمرة الثانية ... فيها كذلك ثم الثالثة كذلك فقد أساء وذلك يجزيه ومن المدونة قال ابن القاسم **** في جميع أمره كالصبي

[فصل- **** نفقة السفر فعلى الصبي إن خالف الولي عليه ضيعه بتركه وعلى الولي أن لم ... عليه] قال: وليس لأبي الصبي أو لأمه أو من هو في حجره من**** أو ذي قرابة أو يخرجه ويحجه وينفق عليه مال الصبي إلا أن يخاف من ... بعده إذ لا كافل له فله أن يفعل ذلك به وإلا ... ما **** وأنفق عليه إلا قدر ما كان ينفق عليه في مقامه ابن المواز: قال مالك: ما أصاب الصبي من صيد أو من ... فدية ففي مال الأب، إلا أن يخرج به نظراً لأنه لو تركه ضاع فيكون ذلك في مال الصبي، فإن لم يكن له مال اتبعه ... وقد قيل: إن ما أصاب الصبي من صيد ففي ماله، يريد: **** م: وقيل: إن ذلك على من أحجه وإن خرج به نظراً لأنه هو أدخله في الحج ولو شاء لخرج به ولم يحجه فكل ما أصابه من أجل الحج فهو على من أحجه وفي الثالث من هذا ومن المدونة: قال مالك: ولا بأس أن يحرم بالأصاغر الذكور وفي أرجلهم الخلاخل وعليهم الأسورة من الفضة، وكره لهم حلى الذهب.

[الباب الحادي عشر] فى دخول مكة واستلام الأركان وتقبيلها وذكر الطواف والسعر

[الباب الحادي عشر] فى دخول مكة واستلام الأركان وتقبيلها وذكر الطواف والسعر قال الله تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق} وبين الرسول صلى الله عليه وسلم بفعله أنها سبعة أشواط, رمل منها فى ثلاث, وركع ركعتين, وبدأ باستلام الحجر, ودخل مكة من كداء, وخرج من كدى. ومن المدونة: قال مالك: ومن أتى مكة ليلاً فواسع له أن يدخل, ويستحب له أن

يدخلها نهاراً, وأحب للحاج أن يدخلها من كداء لمن أتى من طريق المدينة فمنه دخل النبى صلى الله عليه وسلم, وذلك واسع. قال ابن الحبيب: ودخل النبى صلى الله عليه وسلم المسجد من باب بنى شيبة, وخرج إلى الصفا من باب بنى مخزوم, وخرج إلى المدينة من باب بني سهم.

قال ابن المواز: وكان ابن عمر يدخل مكة من عقبة كداء ويخرج/ من كدى. قال ابن المواز: فالتى دخل منها هى الصغرى التى بأعلى مكة التى يهبط منها على الأبطح, والمقبرة عن يسارك وأنت نازل منها, فإذا نزلت أخذت كما أنت إلى المسجد, قال: وعقبة كدى التى خرج منها هى الوسطى التى بأسفل مكة, قال: ومن دخل من السفلى وخرج من العليا فلا حرج. قال: وكان ابن عمر يدخل المسجد من باب بنى شيبة, وكان لا ينخ راحلته إلا بباب المسجد. قال ابن الحبيب: فإذا دخلت مكة فأت المسجد ولا تعرج على شئ دونه فإذا

وقفت على باب بنى شيبة ونظرت إلى البيت ورفعت يديك وقلت: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحيينا ربنا بالسلام, اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً ومهابة, وزد من شرفه وكرمه من حج إليه أو اعتمر تشريفاً وتعظيماً وتكريماً. قال: ويقال عند استلام الركن: بسم الله, والله أكبر, اللهم إيماناً بك وتصديقاً بما جاء به محمد نبيك. ويستحب من الدعاء ... ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, اللهم إليك بسطت يدى, وفيما عندك عظمت رغبتى, فاقبل مسحتى, وأقل عثرتى. وكان ابن عمر يقول فى الرحل فى طوافه: اللهم اغفر وارحم, واعف عما تعلم,

إنك أنت الأعز الأكرم. قال: ويقال ذلك فى بطن المسيل, وكان عروة يقول فى الرمل: اللهم لا إله إلا أنتا, وأنت تحيى بعد ما أمتا يخفى بها صوته. قال مالك فى المجموعة, وكتاب محمد فى قول عروة هذا: ليس بمعمول به, وكذلك لا توقيت فيما يقال فى بطن المسيل ومحاذات الركن, ولكن ما تيسر. قال مالك: ولا يحسر عن منكبيه فى الرمل ولا يحركهما, ولا يسجد على الركن وليقبله إن قدر وإلا لمسه بيده ويضعها على فيه من غير تقبيل. قيل له: كان بعض الصحابة يقبله ويسجد عليه فأنكره, وقال: ما سمعت إلا التقبيل. قال ابن حبيب: قد روى ذلك عن عمر, وابن عباس, ولعل مالكاً إنما

كرهه خيفة أن يرى واجباً, ومن فعله فى خاصته فذلك له. ومن المدونة: قال مالك: فإذا دخل البيت بدأ باستلام الحجر الأسود بفيه إن قدر. م: كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم, وفعله عمر, وقال: «إنى لأعلم أنك حجر لا تتفع ولا تضر, ولكنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبلك فقبلتك». قال مالك: فإن لم يقدر أن يقبله لمسه بيده ثم وضعها على فيه من غير تقبيل. م: لأن ذلك عوض من التقبيل, وقد فعله جماعة من الصحابة.

قال مالك: فإنه لم يصل إليه كبير إذا ... ولا يرفع ... ثم يمضى الطواف ولا يقف وكل ما مر به فواسع: إن شاء استلم أو ترك ولا يقبل المركز اليمانى ولكن يلمسه بيده ويضعها على فيه من غير تقبيل, فإذا لم يستطع لزحام الناس كبير ... , وكل ما مر به فى طواف واجب أو تطوع فواسع: إن شاء استلم وإن شاء ترك ولا يدع للتكبير كلما ... فى الطواف واجب أو تطوع. ولا يستلم المركز الذين ... *** ولا يقبلانه ولا يكبر إذا ... . قال عبد الوهاب: إن قال ذلك: إن النبى صلى الله عليه وسلم بدأ باستلاك الحجر, ثم طاف والبيت على يساره, فطاف سبعة أشواط, وكل ما مر بلحجر استلمه, وهذا ** ** الأمة بالمصلى, وقال صلى الله عليه وسلم: «خذوا عنى مناسككم».

وإذا بدأ بالطواف لأنه تحية للبيت, كالركوع تحية لسائر المساجد وقال ابن المواز: قال مالك: لا آخذ بقول عروة فى استلام الأركان كلها. ومن المدونة: و** مالك قول الناس إذا حذوا الركن الأسود اللهم ايماناً بك وتصديقاً بكتبك ورأى أنه ليس عليه ... , وقال: لا يزيد على التكبير شيئاً, وأنكر وضع الخدين والجبهة على الحجر الأسود, وقال: هذه بدعة و ... لا يرى بأساً بالزحام عليه عند استلامه ما لم يكن مؤدياً وليس عليه أن يستلم الركن فى إبداء طوافه إلا من طوافه الواجب إلا أن يشاء. قال مالك: فيطوف سبة أشواط, الثلاثة الأولى خ**, والأربعة مشياً كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم. قال عبد الوهاب: وروى عنه / عن أبى بكر, وعمر, وعثمان, وابن مسعود

وغيرهم رضي الله عنهم. وذكر ابن عباس السبب فى ذلك فقال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم محمد, وقد هتتهم حمى يثرب ولقوا منها شراً فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فأمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة, فلما رأوهم قالوا: هؤلاء الذين ذكرتهم أن الحمى وهتتهم, هؤلاء أجلد منا. ومن المدونة: قال مالك: وإذا فرغ من طوافه الواجب وصلى الركعتين عند المقام فلا يخرج إلى الصفا حتى يستلك الحجر, فإن لم يفعل فلا شئ عليه. قال ابن المواز: ولا يستلم عند خروجه الركن اليمانى, بخلاف الحجر الأسود. قال فى المختصر: ولا يستلم الركن إلا طاهر. ومن المدونة: قال مالك: وإذا فرغ من سعيه وأراد الخروج إلى منزله فليس عليه أن يستلم الحجر إلا أن يشاء. قال: ومن طاف بالبيت فى حج أو عمرة طوافه الواجب فلم يستلم الحجر فى شئ من ذلك فلا شئ عليه. وكان مالك يوسع فيما خف من الحديث فى الطواف, ولا ينشد فيه شعراً.

قال مالك: وليس من السنة القراءة فى الطواف, قال ابن القاسم: فإن باع واشترى فى طوافه فلا يعجبنى. ابن حبيب: وينبغى للطائف الطواف بسكينة ووقار, ولا يطوف مع النساء, ولتكن النساء خلف الرجال. محمد: قال مالك: وليقل الكلام فى الطواف, وتركه فى الواجب أحب إلينا, وما القراءة من عمل الناس القديم, ولا بأس به إذا أخفاه, ولا يكثر منه, ولا بأس أن يسرع الطائف فى مشيه أو يتأتى, وكره أن يطوف أحد مغطى الفم, أو امرأة منتقبة, كالصلاة, وقال أشهب: ومن فعل ذلك أجزأة. ومن المدونة: قال مالك: وإذا زوحم فى الرمل ولم يجد مسلكاً رمل بقدر طاقته. فصل [1 - فيمن ترك الرمل] قال مالك: يرمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود. قال: ومن جهل أو نسى فترك الرمل فى الأشواط الثلاثة بالبيت, أو السعى بين الصفا والمروة, فهذا خفيف, وكان مالك يقول: عليه الدم, ثم رجع, وقال: لادم عليه, وكان يقول فى تارك الرمل: إن قرب أعاد الطواف والسعى, وإن بعد فلا شئ عليه, ثم خففه, ولم ير أن يعيد.

قال: ومن قضى حجة ... فليرمل بالبيت, ويسعى فى المسيل, ويستحب لمن اعتمر من الجحرائة أو التنعيم أن يرمل, وليس وجوبه عليه كوجوبه على من حج أو اعتمر من المواقيت, وأما السعى فواجب على من اعتمر من التنعيم, أو غير ذلك. م: وإنما قال ذلك؛ لأن الاعتمار من المواقيت آكد منه من الجغرافية أو التعيم؛ لأن الاعتمار من هذين إنما هو رخصة ... كان الرمل فيما كان من المواقيت آكد. وإنما استووا فى السحى؛ لأن السحى آكد من الطواف فى الحج, فكان الرمل فيه آكد فى الحج والعمرة إلا طواف الإفاضة فينبغى أن يستوى ذلك فيهما لأنهما فرضان. ومن المدونة: قال مالك: وإذا ذكر فى الشوط الرابع أنه لم يوصل فى الثلاثة الأشواط حتى ولا شئ عليه. م: لأن الرمل ... , فلا يبطل ما تقدم له من عمل الأمر مستحب لا واجب, لقوله تعالى {ولا تبطلوا أعمالكم}. م: وهذا على قوله الذى لم يوجب عليه الإعادة إذا ذكره بعد تمام طوافه, وأما على قوله: إن قرب أعاد فينبغى أن يبتدى ويلغى ما مضى. وكذلك قال -فى كتاب محمد- يبتدى ويلغى ما مضى وقال أشهب -فى ترك الرمل والسعى فى المسيل أو أحدهما-: أنه يعيد طوافه ما كان بمكة, فإن فات ***

وقال عبد الملك: لا يعيد وعليه دم. م: وهذا كله مأخوذ من اختلاف قول مالك قال ابن المواز: وكان ابن عمر إذا أنشأ الحج من مكة لم يرمل, والرمل أحب إلينا ولا رمل / على التساعد ولا سعى يبطن المسيل. [فصل 3 - من شروط الطواف الترتيب] ومن المدونة: قال مالك: ومن طاف بالبيت منكوساً لم يجزه. قال أشهب: وهو كمن لم يطف, رجع إلى بلده أم لا. م: لأن النبى صلى الله عليه وسلم طاف, والبيت على يساره, وقال «خدوا عنى مناسككم» , وكان ذلك آكد من ترك الرمل؛ لأن الرمل إنما كان ... , فإذا ارتفعت ... ارتفع الحكم بارتفاعها. ومن المدونة: قال مالك: ومن طاف محمولاً أو راكباً, سحتون: يريد: على أعناق الرجال, فإن كان من عذر أجزأه, وإن كان لغير عذر أعاد الطواف بالبيت إلا أن يكون رجع إلى بلده فليهريق دماً.

م: إنما قال سحنون: يريد: على أعناق الرجال؛ لأن الدواب لا تدخل المسجد والحكم فيهما إن نزل سواء, لا فرق بين ركوبه على دابة أو رجل, وإنما أبيح الطواف راكباً لعذر كما أبيحت الصلاة راكباً لعذر, وإنما قال: إن كان لغير عذر فليعد إلا أن يرجع إلى بلده؛ فلأنه إذا لم يرجع لا ضرر عليه فى إعادته, وإذا رجع إلى بلده دخل عليه الضرر فى رجوعه, فأبيح له جبره بالدم, ولم يكن كمن لم يطف؛ لأنه قد طاف راكباً. وقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم طاف راكباً, فلما فرغ من الطواف نزل على راحلته, وصلى الركعتين, ذكره عبد الوهاب. فصل [3 - من شروط الطواف: الطهارة من الحدث] ومن المدونة: قال مالك: ومن طاف الطواف الواجب وفى ثوبه أو جسده نجاسة لم يعد, كمن صلى بذلك ثم ذكر بعد الوقت. قال ابن المواز: وإن صلى بذلك الركعتين فليعدهما فقط إن كان قريباً ولم ينتقض وضوؤه, فإن انتقض وضوؤه, أو طال ذلك فى شئ عليه, كزوال الوقت. وقال أصبغ: سلامه منهما كخروج الوقت, وليس إعادتهما بواجب, والأحسن أن يعيدهما بالقرب. فقال أشهب: إن علم به فى طوافه نزعه إن كان الدم كثيراً, وأعاد طوافه, وإن علم بعد فراغه أعاد الطواف والسعى فيما قرب إن كان واجباً, وإن تباعد فلا شئ

عليه, ويهدي, وليس بواجب. م: والقياس عندى: قول أصبغ: إن الفراغ من الطواف أو من الركوع كخروج الوقت إذ لا وقت معلوم لذلك, وإنما وقته حين يفعله كوقت الصلاة المنسية حين يذكرها, ففراغه من ذلك ذهاب وقته. والاستحسان: أن يعيد ذلك كله بالقرب ما لم ينتقض وضوؤه إذ لا كبير ضرر عليه فى ذلك؛ ولأن ما قارب الشئ فله حكمه. [فصل 4 - من شروط الطواف: أن يخرج بجملة جسده عن البيت] ومن المدونة: قال مالك: ولا يعتد بما طاف داخل الحجر, ويلغيه, ويبنى على ما طاف خارجاً منه, وإن لم يذكر حتى رجع إلى بلده فليرجع, وهو كمن لم يطف. قال عبد الوهاب: إنما لم يجز الطواف داخل الحجر, -خلافاً لأبي حنيفة-

لقوله صلى الله عليه وسلم: «الحجر من البيت» , وإذا ثبت أنه من البيت لم يجيزه أن يطوف فيه لقوله تعالى: «وليطوفوا بالبيت العتيق» , وذلك يقتضى استيفاء جمعه, واعتبارً بطواف داخل البيت, ولأنه صلى الله عليه وسلم طاف خارج الحجر, وقال: «خذوا عنى مناسككم». ومن المدونة: قال مالك: ومن طاف من وراء زمزم من زحام الناس فلا بأس بذلك. قال ابن القاسم: وكذلك إن طاف فى سقائق المسجد من زحام الناس فلا بأس به, وإن طاف فى سقائف ... زحام, أو فراراً من الشمس أعلا, وكذلم عنه فى المجموعة. وقال أشهب فيها: لا يجزئ من طاف فى السقائف وهو كالطائف من خارج المسجد, ومن وراء الحرم. قال سحنون: ولا يمكن أن ينتهى الزحام إلى السقائف. وحكة عن ابى محمد أنه قال: من طاف فى سقائف المسجد لا يرجع لذلك.

[من بلده. وقال ابن شبلون: يرجع من بلده وهو كمن لم يطف. م: قول أبي محمد: «إنما يجري على قول ابن القاسم، وهو كمن طاف راكباً من غير عذر» لأنه طواف يجزئه فعله مع العذر، فإذا فعله من غير عذر أعاده إلا أن يرجع إلى بلده فليهرق دماً كالطائف راكباً، وقول ابن شلبون على قول أشهب الذي جعله كالطائف من وراء الحرم فاختلافهما جار على اختلاف قول ابن القاسم وأشهب. ومن «المدونة»: قال ابن القاسم: ولم يكره مالك الطواف بالبيت بالنعلين والخفين، وكره أن يدخل بهما البيت أو يرقى بهما الإمام أو غيره منبر النبي عليه السلام. وكره مالك أن يجعل نعله في البيت إذا جلس يدعو، قال: وليخلعها في حجرته، وأباح دخول الحجر بالنعلين والخفين. قال ابن القاسم: ولا بأس أن يدخل بهما الحجر. وقال حمديس: ينبغي على أصله ألا يدخل بهما الحجر، لأنه من البيت عنده، وكره أشهب أن يدخل الحجر بنعل أو خف، لأنه عنده من البيت. قال وكراهيتي لذلك في البيت أشد وكان سعيد بن جبير يخلع نعليه إذا دخل الحجر ويضعهما على جدران الحجر. ومن «المدونة»: قال ابن القاسم: والطواف بالبيت للغرباء أحب إلي من الصلاة ولم مالك [يجيب] في مثل هذا. ]

الباب الثاني عشر في طواف القارن، والمتمتع، والمراهق، ومن أحرم من مكة قال مالك رحمه الله: ومن قرن الحج والعمرة أجزأه طواف واحد لهما، وهي السنة من قرن الحج والعمرة أجزأه طواف واحد لهما

الباب الثاني عشر في طواف القارن، والمتمتع، والمراهق، ومن أحرم من مكة قال مالك رحمه الله: ومن قرن الحج والعمرة أجزأه طواف واحد لهما، وهي السنة من قرن الحج والعمرة أجزأه طواف واحد لهما. قال بعض البغداديين: وقد قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) لعائشة (رضي الله عنها): "يجزئك طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة لحجك وعمرتك"، وقد تقدم هذا ومن المدونة: قال مالك: ومن دخل مكة مراهقا وهو مفرد بالحج أو قارن فخاف إن طاف بالبيت أن يفوته الحج فليدع الطواف والسعي وليمض إلى عرفات ولا دم عليه لترك الطواف، وسواء دخل مكة أو الحرم، أو لم يدخل ومضى كما هو إلى عرفات؛ لأنه مراهق، وقد فعله بعض الصحابة. من خاف فوات الحج سقط عنه طواف القدوم قال مالك: وإن كان غير مراهق وهو مفرد بالحج أو قارن فدخل الحرم فلم يطف بالبيت حتى خرج إلى عرفات، أو لم يدخل الحرم ومضى إلى عرفات وأفاض وهو يقدر على الدخول والطواف فتركه فعليه دم لترك الطواف؛ لأنه غير مراهق، وعلى القارن دم آخر لقرانه.

م: وإنما أوجب عليه ترك الدم لتركه طواف القدوم؛ لأنه من سنن الحج المؤكدة وفعله النبي (صلى الله عليه وسلم) وأمر به؛ ولأنه شرط في ركن من أركان الحج وهو السعي. وقال أشهب - في الذي أخر طواف القدوم وليس بمراهق -: لا هدي عليه. م: لأن طواف الإفاضة ينوب عنه. ومن المدونة: قال مالك: وأما إن دخل مكة معتمرا يريد الحج، وهو مراهق أو غير مراهق ففرض الحج وتمادى صار قارنا ولا دم عليه لتأخير الطواف، إذ له

إرداف الحج ما لم يطف بالبيت وإنما عليه دم القران فقط. قال ابن القاسم: وإذا أحرم بالحج من خارج الحرم مكي أو متمتع ومضى إلى عرفات ولم يدخل الحرم، وهو مراهق فلا دم عليه، ولو لم يكن مراهقا كان عليه أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل أن يخرج إلى عرفات، فإن لم يفعل فعليه دم. م: لأن الإحرام من الحل سبيله أن يجمع معه حرم كما فعل النبي (صلى الله عليه وسلم)، فإذا تركه جبره بالدم، وأما من أحرم من مكة بالحج فليؤخر طوافه؛ لأنه يخرج إلى عرفة، وعرفة في الحل. وقد تقدم هذا.

الباب الثالث عشر في الطواف والسعي على غير وضوء، وكيف إن أحدث فيهما، أو طاف بنجاسة

الباب الثالث عشر في الطواف والسعي على غير وضوء، وكيف إن أحدث فيهما، أو طاف بنجاسة فصل 1 - من شروط الطواف: الطهارة من الحدث م: ولا يجزي الطواف بالبيت عند مالك إلا بطهارة لقوله (صلى الله عليه وسلم): "الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه النطق"، وقالت عائشة (رضي الله عنها): "كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا أراد أن يطوف توضأ، ثم طاف"، وفي حديثها قالت: قدمت مكة حائضا، فشكوت ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: "أفعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري". وخالف ذلك أبو حنيفة، ,أجاز الطواف بغير طهارة.

ومن المدونة: قال مالك: والمفرد بالحج إذا طاف الطواف الواجب أول ما يدخل مكة وسعى بين الصفا والمروة على غير وضوء، ثم خرج على عرفات فوقف المواقف، ثم رجع إلى مكة يوم النحر فطاف للإفاضة على وضوء ولم يسع بين الصفا والمروة حتى رجع إلى بلده، وأصاب النساء والصيد والطيب ولبس الثياب فليرجع حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، ثم يعتمر ويهدي. م: وإنما قال ذلك: لأنه لما طاف على غير وضوء كان كمن لم يطف، وعذره بالنسيان وجعله كالمراهق، والمراهق حكمه إذا أخر الطواف والسعي أن يسعى مع طواف الإفاضة، فلما لم يسمع هذا مع طواف الإفاضة حتى أصاب النساء والصيد والطيب، من أصاب بعد ذلك رمي جمرة العقبة وقبل الإفاضة، فلذلك جعل عليه العمرة والهدي لوطئه. م: قيل لبعض شيوخنا: فإن سعى مع طواف الإفاضة؟ قال: يُجزئه. وقال بعض أصحابنا: لا يجزئه؛ لأن السعي لا يكون إلا في حجة أو عمرة، فهو بخلاف الطواف الذي يكون في غير الحج. م: والذي أرى: أن يجزئه؛ لأنه كان عليه أن يأتي به، وقد أتى به، وإنما عُدم النية فيه، فإذا كان بمكة أو قريبا منها أعاد، وإن تطاول، أو رجع إلى بلده أجزأه، كمن طاف أول دخوله مكة لا ينوي بها فريضة ولا تطوعا وسعى، فلم يذكر إلا بعد رجوعه إلى بلده فإنه يجزئه، وعليه الدم، وهو خفيف، فكذلك هذا. والله أعلم. قال ابن القاسم: وهو يرجع حلالا إلا من النساء والصيد والطيب حتى يطوف ويسعى، ثم يعتمر ويهدي،

وليس عليه أن يحلق إذا رجع بعد فراغه من السعي؛ لأنه قد حلق بمنى. قال مالك: ولا شيء عليه في لبس الثياب؛ لأنه لما رمى جمرة العقبة حل له اللباس، وهو إذا رجع إلى مكة رجع وعليه الثياب حتى يطوف بخلاف المعتمر؛ لأن المعتمر لا يحل له لبس الثياب حتى يفرغ من السعي. قال: ولا شيء عليه في الطيب؛ لأنه بعد رمي جمرة العقبة فهو خفيف، قال: وعليه لكل صيد إصابة الجزاء. قال ابن القاسم: ولا دم عليه لما أخر من الطواف الذي طافه حين دخل مكة على غير وضوء، وأرجو أن يكون خفيفا؛ لأنه لم يتعمد ذلك، فهو كالمراهق، وقد جعل مالك عليه العمرة مع الهدي، وجُل الناس يقولون: لا عمرة عليه، فالعمرة مع الهدي تجزي عن ذلك كله. قال ابن المواز: فإن لم يطأ فليرجع فيفعل كما وصفنا ويهدي هديا واحدا، ولا عمرة عليه، ولو ذكر ذلك بمكة بعد أن فرغ من حجه فليعد طوافه وسعيه، ولا دم عليه، بخلاف المتعمد، أو الناسي لبعض طوافه، هذا عليه الدم. فصل 3 - فيمن أحدث في طوافه أو بعد تمامه قبل أن يركع ومن المدونة: قال مالك: ومن انتقض وضوؤه في طوافه أو بعد تمامه قبل أن يركع

فليتوضأ ويأتنف الطواف إن كان واجبا، وليس عله في التطوع ابتداؤه. إلا أن يشاء إذا لم يتعمد الحدث. م: كمن أحدث في صلاة التطوع. قال ابن القاسم: وإن أحدث بعد الطواف الواجب قبل أن يركع فتوضأ وركع ولم يعد الطواف جهلا حتى فعل فليركع بموضعه ويبعث بهدي. قال ابن المواز: ولا تجزئه الركعتان الأولتان. قال ابن القاسم: ولو أحدث في الطواف فتوضأ وبنى وركع فليرجع، وهو كمن لم يطف. م: لأن الطواف كالصلاة. وقال ابن حبيب عن مالك: إنه إذا أحدث في الطواف فليتوضأ ويبني، وكذلك إن أحدث في السعي فلا يقطعه وليتمه. م: أما الطواف فكالصلاة لا يجوز البناء لمن أحدث فيه، كما لا يجوز ذلك في الصلاة، ورواية ابن حبيب ضعيفة، ووجهها: فلأن الطواف أخف من الصلاة إذ قد أبيح فيه الكلام فجاز فيه البناء، وأما السعي فيجوز أن يسعى غير متوضئ، وكذلك إذا أجدث فيه فه أن يتمه كذلك.

قال ابن حبيب: وأما الرعاف فإنه يبني فيه في الطواف والسعي بعد غسل الدم. ابن المواز: قال ابن القاسم: ,لو طاف بثوب نجس فعلم به بعد فراغه من طوافه فنزعه، وصلى الركعتين بثوب طاهر فلاشيء عليه، وإن ركعهما به أعادهما فقط إن كان قريبا ولم ينتقض وضوؤه، وإن انتقض وضوؤه، أو طال فلاشيء عليه كزوال الوقت. وقال أشهب: يعيد الطواف والسعي فيما قرب، وإن بعد فلا شيء عليه. وقد تقدم هذا. ابن المواز: ولو بدأ في طوافه من الركن اليماني فليلغ ذلك ويتم إلى الركن الأسود، فإن لم يذكر حتى رجع إلى بلده أو تباعد أجزأه ويبعث بهدي، وكذلك إن بدأ بالطواف من باب البيت فليلغ ما مشى من باب البيت إلى الركن الأسود. قيل: فلو ابتدأ الطواف من بين الحجر الأسود والباب؟ قال: هذا يسير ويجزئه ولا شيء عليه. فصل 3 - فيمن طاف لعمرته على غير وضوء فذكر ذلك بعد أن حل منها بمكة، أو ببلده ومن المدونة: قال مالك: ومن طاف لعمرته على غير وضوء فذكر ذلك بعد أن حل منها بمكة أو ببلده فليرجع حراما كما كان، وهو كمن لم يطف، فيطوف بالبيت

ويركع ويسعى ولا دم عليه إذا لم يطأ. قال مالك: وإن كان قد حلق بعد طوافه اقتدى، وإن كان أصاب النساء والصيد، والطيب فعليه لكل صيد أصابه الجزاء. قال في كتاب محمد: وعليه إذا أصاب النساء أن يعيد العمرة ويهدي، يريد: وعليه في الطيب الفدية. ومن المدونة: قال مالك: ومن طاف للإفاضة على غير وضوء رجع لذلك من بلده ليطوف للإفاضة إلا أن يكون طاف بعد ذلك تطوعا فيجزئه من طواف الإفاضة، (من طاف للإفاضة على غير وضوء)، يريد: ولا دم عليه. قال ابن القاسم: وطواف الإفاضة، والطواف الذي يصل به السعي بين الصفا والمروة هذا الطوافان واجبان عند مالك يرجع لما ترك منهما فيطوفهما، وعليه الدم، والدم في هذا خفيف. فصل 4 - من شروط الطواف: إكمال العدد ومن طاف أول دخوله مكة ستة أشواط ونسي الشوط السابع وصلى الركعتين وسعى بين الصفا والمروة فإن كان قريبا بمنى طاف شوطا واحدا وركع وأعاد السعي، فإن طال ذلك، أو انتقض وضوؤه، أو ذكر ذلك في طريقه أو ببلده رجع وابتدأ الطواف من أوله وركع وسعى، وإن كان قد جامع بعد ما رجع فليفعل كما وصفت لك قبل هذه

المسألة، يعني: مسألة الذي طاف وسعى على غير وضوء. ابن المواز: قال ابن القاسم: إن سعى قبل أن يركع الركعتين أنه يبتدي الطواف والسعي، وقيل: يركعهما ويعيد السعي. فصل 5 - فيمن نسي ركعتي الطواف من المدونة: وإذا ذكر المعتمر ببلده أنه نسي الركعتين، وقد أصاب النساء فليركعهما ويهدي، وإن ذكر أنه لم يكن طاف بالبيت إلا ستا رجع وابتدأ الطواف وركع وسعى وأمر الموسى على رأسه وقضى عمرته وأهدى. قال يحيى بن عمر: وعليه الفدية. قال ابن القاسم: ولو كان حين دخل مكة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، ثم أحرم بالحج، فلما صار بعرفة ذكر أنه لم يطف بالبيت إلا ستا، فهذا قارن، يعمل عمل القارن المراهق. فصل 6 - يجب في الطواف الذي يسعى بعده أن يكون فرضا وإذا طاف حاج أول دخوله مكة، ولم ينو بطوافه هذا فريضة ولا تطوعا ثم سعى بين الصفا والمروة لم يجزه سعيه إلا بعد طواف ينوي به طواف الفريضة، فإن لم يتباعد رجع فطاف وسعى، وإن فرغ من حجه، ثم رجع إلى بلده وتباعد وجامع النساء أجزأه ذلك وعليه دم، والدم في هذا خفيف.

فصل 7 - من شروط الطواف: الموالاة ومن طاف بعد طوافه، ثم خرج فصلى على جنازة، أو خرج لنفقة نسيها فيبتدئ الطواف ولا يبْني. ابن المواز: وقال أشهب: بل يبني في الجنازة. قال مالك: ولا يخرج من طوافه لشيء إلا لصلاة الفريضة، قال عنه ابن المواز: ثم يبني على ما بقي من طوافه قبل أن ينتفل، ولا يبتديه كان طوافه واجبا أو غيره، قال: وإن أقيمت الصلاة وقد بقي له طواف أو طوافان فلا بأس أن يتم ذلك إلى أن تعتدل الصفوف، وأما المبتدئ فأخاف أن يكثر ويطول من الناس فلا ينقطع ورخص فيه.

الباب الرابع عشر ما جاء في طواف القدوم، والإفاضة، والصدر

الباب الرابع عشر ما جاء في طواف القدوم، والإفاضة، والصدر والطواف في الحج ثلاثة: طواف القدوم، طواف الإفاضة، طواف الوداع، والسعي واحد يؤتى به عقيب طواف القدوم إلا أن يفوت فيؤتي به عقيب طواف الإفاضة. م: ولا يرمل إلا في طواف السعي، وهو طواف القدوم، أو طواف الإفاضة الذي يسعى بعده المراهق، ولا يكون الرمل في طواف التطوع. حكم طواف القدوم قال غير واحد من البغداديين: طواف القدوم سُنة، وفد فعله النبي (صلى الله عليه وسلم)؛ ولأنه طواف في ركن من أركان الحج وهو السعي فكان من متأدي السنن. حكم طواف الإفاضة وطواف الإفاضة فرض لا يسقط بحال، قال الله سبحانه: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)، وقال: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ)، فكان هذا هو المفترض في كتاب الله عز وجل، وأجمع أهل العلم على ذلك. حكم طواف الوداع وطواف الوداع مستحب لقوله (صلى الله عليه وسلم): "لا يَنفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده

الطواف بالبيت"، وروي عن عمر، وغيره. وليس بواجب خلافا لأبي حنيفة لقوله (صلى الله عليه وسلم) في حديث صفية حين حاضت: "أحابستنا هي؟ "، قالوا: إنها قد أفاضت، قال: "فلا إذا"، فلو كان واجبا لكان يقف عليها كطواف الإفاضة؛ ولأنه طواف يُعل خارج الإحرام كالتطوع. ولا يجب الدم بتركه خلافا للشافعي؛ لأن الحائض تتركه ولا دم عليها؛ ولأنه يُفعل خارج الإحرام.

فصل [طواف الإفاضة تعجيله يوم النحر أفضل] ومن المدونة: قال مالك: وطواف الإفاضة تعجيله يوم النحر أفضل، وإن أخره حتى مضت أيام التشريق وانصرف من منى إلى مكة فلا بأس به، وإن أخره أياما وتطاول ذلك، فعله وأهدى. م: وإنما قال ذلك: لما روى جابر أنه (صلى الله عليه وسلم) نحر يوم النحر، ثم ركب فأفاض وصلى بمكة الظهر، وفي حديث عائشة (رضي الله عنها): "ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق"، وإنما كان له تأخيره إلى آخر أيام التشريق: لما روى مالك أن بعض الصحابة فعلوه، فإذا طال ذلك فقد خالف، فوجب أن يهدي. ومن المدونة: قال مالك: وإن آخر المراهق أو من أحرم بمكة الإفاضة والسعي بعدما انصرف من منى أياما وتطاول ذلك فليطف ويسعى ويهدي، وإنما لهذا أن يؤخر الطواف والسعي إلى الموضع الذي يجوز له أن يؤخر الإفاضة. قال مالك: وبلغني أن بعض الصاحبة كانوا يأتون مراهقين فينفرون لحجهم ولا يطوفون ولا يسعون، ثم يقدمون منى فلا يفيضون من منى إلى آخر أيام التشريق،

فيأتون فينيخون إبلهم عند باب المسجد، ثم يدخلون فيطوفون بالبيت ويسعون، ثم ينصرفون، فيجزئهم طوافهم ذلك لدخولهم مكة ولإفاضتهم ولوداعهم البيت. م: ففي هذا الحديث أدلة: منها: أنه يجوز للمراهق تأخير الطواف الأول والسعي، ثم لا دم عليه، وأنه لا يفيض إلى آخر ايام التشريق، وأن هذا الطواف يجزي عن طواف القدوم والإفاضة والوداع. ومن المدونة: قال مالك: وطواف الإفاضة: هو الذي يسمى طواف الزيارة وكره أن يقال: طواف الزيارة، أو أن يقال: زُرنا قبر النبي (صلى الله عليه وسلم). م: كأنه كره اسم الزيارة، لما روي من قوله (صلى الله عليه وسلم): "لعن الله زوارات القبور"، أو كما قال، وفي حديث آخر: "لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، وقد سمى الله الإفاضة بقوله: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ)، وسمى الطواف بعدها بقوله: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) فسمى لذلك طواف الإفاضة فلا يجوز مخالفته.

ومن المدونة: وكان مالك يستحب طواف الصدر وهو طواف الوداع، ولا يراه واجبا لما قدمناه، وكان مالك يقول: من نسي طواف الوداع ثم ذكره ولم يتباعد رجع إلى مكة فطافه، وإن تباعد مضى، ولا شيء عليه. من نسي طواف الوداع، ثم ذكره رجع له إن كان قريبا. وذكر مالك أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) رد رجلا من مر الظهران خرج ولم يطف طواف الوداع. قلت فهل حد مالك أنه يرجع له من مر الظهران؟ قال: لم يحد مالك أكثر من قوله: يرجع إن كان قريبا. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن يرجع له ما لم يخش فوات أصحابه أو لا يقيم عليه كريه، فإن خاف ذلك فليمض حينئذ، ولا شيء على من تركه. قال مالك: ومن طاف للوداع، ثم باع واشترى بعض حوائجه أقام في ذلك ساعة، ثم خرج فلا يرجع إلى الوداع. قال ابن القاسم: ولو أقام بمكة بعد طواف الوداع يوما أو بعض يوم، رجع فطافه، ولو طافوا للوداع، ثم برز بهم الكريّ إلى ذي طُوى فأقام بها يومه وليلته فلا يرجعوا للوداع. قال مالك: ويتموا الصلاة بذي طوى ماداموا بها؛ لأنها من مكة، وإذا خرجوا منها إلى بلدهم قصروا.

قال مالك: وطواف الوداع على من حج من النساء، والصبيان، والعبيد، وعلى كل واحد، وليس على أهل مكة طواف الوداع إذا حجوا، ولا على من دخلها حاجا يريد أن يستوطنها. م: لقوله (صلى الله عليه وسلم): "لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت"، وهؤلاء غير نافرين من مكة. ومن المدونة: قال مالك: ومن فرغ من حجة، ثم خرج يعتمر من الجعرانه أو التنعيم فليس عليه طواف الوداع، وأما إن خرج يعتمر من ميقاته كالجحفة وغيرها فليودع. قال: وإذا سافي مكي فليودع، ومن حج من مر الظهران، أو من عرفة فليودع إذا خرج، وليس من يخرج من مكة إلى منزله يريد الإقامة وإن كان منزله قريبا بمنزله من يخرج إلى موضع قريب ثم يعود. ومن اعتمر ثم خرج من فوره أجزأه طواف عمرته من الوداع، وإن أقام ثم خرج ودع. وكذلك من فاته الحج فسخه في عمرة أو فسد حجة عليه طواف الوداع إذا أقام هذا المفسد بمكة بعد طواف الإفاضة أو أقام الذي فاته الحج بعد طواف العمرة؛ لأنه لما فاته الحج عاد عمله إلى عمرة، وإن خرجا مكانهما فلا شيء عليهما.

وفي الأمهات في هذه المسألة نقص، وهذا هو تمامها. طواف الوداع يسقط عن الحائض قال مالك: وإن حاضت امرأة بعد طواف الإفاضة فلتخرج قبل أن تودع، وإن حاضت قبل الإفاضة أو نفست حبس على الحائض كريّها أقصى ما كان يمسكها الدم، ثم تستظهر بثلاث، وفي النفساء يُحبس عليها كريها أقصى ما يحبس النساء دم النفاس من غير سقم، ولا يحبس عليها أكثر من هذا. وأبو محمد: وقال غيره: أما في زماننا فإنه يفسخ للخوف.

الباب الخامس عشر جامع ما جاء في ركعتي الطواف

الباب الخامس عشر جامع ما جاء في ركعتي الطواف حكم ركعتي الطواف وركعتا الطواف الواجب سنة مؤكدة؛ لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لما فرغ من طوافه ركع له، وروي أنه طاف راكبا فلما فرغ نزل فصلاهما، وهذا يدل على تأكدهما؛ ولأن الطواف من أركان الحج فوجب أن يكون من توابعه سُنة، كالوقوف بعرفة من توابعه المبيت بالمزدلفة، وقد قال الله تعالى: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى). قال ابن حبيب: ويستحب أن يقرأ في ركعتي الطواف بـ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ). ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا تجزي المكتوبة من ركعتي الطواف في قول

مالك، ومن طاف أسبوعا فلم يركع ركعتيه حتى دخل في أسبوع ثان قطع وركع، فإن لم يذكر حتى أتمه ركع لكل أسبوع ركعتين للاختلاف فيه. قال: وغن طاف في غير إبان صلاة آخر الركعتين وإن خرج إلى الحل ركعهما ويجزئانه ما لم ينتقض وضوؤه، فإن انتقض وضوؤه، وكان الطواف الواجب ابتدأه؛ لأن الركعتين من الطواف توصلان به إلا أن يتباعد فليركهما ويهدي. تأخير ركعتي الطواف حتى خروج وقت النهي أبو محمد: يريد: وقد سعى. قال مالك: وإن دخل مكة حاجا أو معتمرا فطاف وسعى ونسي ركعتي الطواف وقضى جميع حجته أو عمرته، ثم ذكر ذلك بمكة أو قريبا منها رجع فطاف وركع وسعى، ولا هدي على المعتمر إلا أن يكون حلق أو لبس الثياب وتطيب فليفتد، وأما الحاج فإن كانتا من طواف السعي فعليه الهدي، وإن كانتا من طواف الإفاضة، أو من طواف السعي الذي يؤخره المراهق والمكي حتى يرجع من عرفة فلا هدي عليه؛ لأنهما من طواف بعد وقوف عرفة. من نسي ركعتي الطواف ثم ذكرهما بمكة أو قريبا منها قال ابن المواز: وكذلك تارك الركعتين من كل طواف بعد وقوف عرفة فلا دم عليه ما لم يبلغ بلده، وهذا كله إذا لم يطأ، فإن وطئ في أي طواف كان مما فيه الركعتان فلابد له من العمرة بعد أن يطوف ويركع ويسعى، وذلك ما لم يبلغ بلده، أو يبعد جدا، فإذا بلغ بلده أو بعد ركعهما وأهدى وطئ أو لم يطأ. من نسي ركعتي الطواف فذكرهما بعد أن بلغ بلده أو تباعد من مكة (182/ أ). ومن المدونة: قال مالك: وإذا ذكرهما بعد أن بلغ بلده أو تباعد من مكة فلا يبالي من أي طواف كانتا، من طواف عمرة، أو حجة، قبل وقوف عرفة، أو بعده

فليركعهما حيث هو ويهدي، ومحل هدية مكة، وطيء أو لم يطأ. ومن كتاب ابن المواز: ومن ركع الركعتين بثوب نجس أعادهما فقط إن كان قريبا ولم ينتقض وضوؤه، فإن انتقض وضوؤه، أو طال فلا شيء عليه، كزوال الوقت، وقال أصبغ: سلامة من الركعتين كزوال الوقت، وحسن أن يعيدهما بالقرب. من صلى ركعتي الطواف في ثوب نجس. ابن القاسم: عن مالك: وإن أخر الركعتين بعد العصر فليصلهما بعد أن يصلي المغرب، فإن ركعهما قبل المغرب وبعد الغروب أجزأتاه، وبعد المغرب أحب إلينا. قال مالك: وإن نسي الركعتين حتى سعى فليركعهما ويعيد السعي، وقبل: يأتنف الطواف ويركع ويسعى. ابن حبيب: ومن نسي الركعتين: فإن لم ينتقض وضوؤه ركعهما ولم يعد الطواف، وإن انتقض وضوؤه ابتدأ الطواف إن كان واجبا، وهو مخير في التطوع. م: قيل لأبي بكر بن عبد الرحمن: فإن ذكر أنه ترك الركعتين بالقرب فوجب عليه أن يطوف ويركع ويسعى هل يكون إذا قتل صيدا كمن لم يطف ويسعى، ويكون عليه جزاؤه أم لا؛ لأنه لو بلغ بلده لم يكن عليه الرجوع؟ قال: لا جزاء عليه؛ لأنه ليس بمحرم؛ ولأنه طاف وسعى؛ وإنما أمرنا بإعادة ذلك استحسانا.

قيل له: فإن كانتا من طواف عمرته فذكر في الموضع الذي يؤمر فيه بإعاة الطواف والسعي ثم أحرم، قال: يكون قارنا. قال بعض أصحابنا: وهذا منه تناقض. وقال غيره: لا يكون قارنا، والحج الذي عقده يقوم له مقام الطواف، وأما الجزاء فيؤمر به استحسانا؛ لأن أصل الإعادة ليس بواجب، وهذا الصواب. قال ابن حبيب عن مالك: وإذا ترك ركعتي طواف الوداع حتى بلغ بلده أو تباعد فإنه يركعهما، ولا هدي عليه في ذلك. من ترك ركعتي طواف الوداع وإذا فرغ من طوافه عند الفجر بدأ بركعتي الطواف قبل ركعتي الفجر، ولو لم يبق عليه إلا شوط أو شوطان فأقيمت الصلاة فأراد أن يتم بقية طوافه إلى أن تعتدل الصفوف فلا أرى به بأسا. قيل: فإن أراد أن يركعهما والصلاة تقام؟ قال: عسى هذا أن يكون بمكة خفيفا. قلت له: وركعتا الفجر مثله؟ قال: نعم.

الباب السادس عشر جامع ما جاء في الخروج إلى الصفا والمروة والسعي بينهما

الباب السادس عشر جامع ما جاء في الخروج إلى الصفا والمروة والسعي بينهما قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا)، وبين الرسول (صلى الله عليه وسلم) بفعله أنها سبعة أشواط، وبدأ في سعيه بالصفا وختم بالمروة، وسعى وخب في بطن المسيل. ومن المدونة: قال ابن القاسم: فإذا فرغ من طوافه خرج إلى الصفا والمروة، ولم يحد مالك من أي باب يخرج. من شروط صحة السعي البدء من الصفا. قال مالك: وأحب أني صعد من الصفا والمروة أعلاهما حيث يرى الكعبة منهما فيكبر ويهلل ويدعوا، قال: "ولا يعجبني أن يدعوا قاعدا عليهما إلا من علة، ويقف النساء أيضا إلا من بها ضعف أو علة، ويقفن في أسفل الصفا والمروة، وليس عليهن أن يصعدن إلا أن يخلوا من الزحام فيصعدن، وذلك أفضل لهن، ولم يحد مالك في الدعاء على الصفا والمروة حدا، ولا طول القيام مكثا، واستحب المكث عليهما في الدعاء، وإن رفع يديه عليهما، أو في وقوف عرفة فرفعا خفيفا، وترك الرفع في كل

شيء أحب إلى مالك إلا في ابتداء الصلاة فإنه يرفع، ولا يرفع يديه في المقامين عند الجمرتين. ويبتدي في سعيه بالصفا ويختم بالمروة، فيكون الوقوف عليهما أربعة على الصفا، وأربعة على المروة. إن بدأ من المروة لم يعتد بذلك الشوط. قال: فإن بدأ بالمروة زاد شوطا ليصير بادئا بالصفا. قال ابن حبيب: إذا خرجت إلى الصفا فارتقيت عليه حيث ترى البيت وأنت قائم فارفع يديك حذو منكبيك، وبطونهما على الأرض، ثم تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، ثم تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ثم تدعو بما استطعت، ثم ترجع فتكبر ثلاثا وتهلل مرة كما ذكرنا، ثم تدعوا، ثم تعيد التكبير والتهليل، ثم تدعو، تفعل ذلك سبع مرات، فتكون إحدى وعشرين تكبيرة، وسبع تهليلات، والدعاء بين ذلك، ولا تدع الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) وهذا كله مروي، وليس بلازم، ومن شاء زاد أو نقص أو دعا

بما أمكنه. قال أبو محمد: ووري ذلك عن ابن عمر وغيره. قال ابن حبيب: ثم تفعل على المروة كما فعلت على الصفا، هكذا تفعل في كل وقفة حتى تتم سبعة أشواط بين الصفا والمروة، فتصير بذلك أربع وقفات على الصفا، وأربعا على المروة. قال بعض البغداديين: فإذا وقف على الصفا وكبر وهلل ودعا انحدر ماشيا وسعى في بطن المسيل، ثم يصعد المروة، فإذا ظهر عليها فعل مثل ذلك حتى يكمل سبعة أشواط، وذلك يمان وقفات: أربع على الصفا، وأربع على المروة، قال: وكذلك فعل النبي (صلى الله عليه وسلم) على الصفة التي ذكرنا. قال: والسعي ركن لا ينوب عنه الدم، خلافا لأبي حنيفة. في أنه واجب، وينوب عنه الدم. السعي ركن من أركان الحج. ودليلنا: أنه (صلى الله عليه وسلم) سعى، وقال: "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي".

وهذا من أبلغ ما يدل على فرضه؛ ولأنه مشي ذو عدد سبع كالطواف. ومن المدونة: قال: قال: ومن رمل في جميع سعيه بين الصفا والمروة أجزأه، وقد أساء. قال مالك: وإن لم يرمل في بطن المسيل فلا شيء عليه. قال ابن المواز: ولا رمل على النساء في بطن المسيل، ولا في الطواف. المرأة لا ترمل في طواف ولا سعي السعي بين الصفا والمروة ليس من شرط صحته الطهارة لا يسعى راكبا إلا من عذر قال مالك: وإن سعى جُنبا أجزأه إن كان طوافه وركوعه طاهرا. قال في المستخرجة: وتسعى المرأة حائضا إذا كانت في وقت الطواف والصلاة طاهرا. ومن المدونة: قال مالك: ولا يسعى أحد بين الصفا والمروة راكبا إلا من عذر، ونهى عن ذلك أشد النهي. قال عنه ابن المواز: وإن ركب في سعيه من غير عذر أعاد سعيه إن كان قريبا، وإن بعد ذلك وطال أجزأه وأهدى. ومن المدونة: قال مالك: وإن جلس بين ظهراني سعيه شيئا خفيفا فلا شيء عليه. قال ابن القاسم: وإن تطاول ذلك حتى صار كالتارك لما كان فيه فليبتدي.

قال أبو محمد: يريد: يبتدئ الطواف والسعي. قال ابن القاسم وكذلك أن تحدث مع أحد، أو باع أو اشترى، أو صلى على جنازة بنى فيما خلف من ذلك ولم يتطاول، وأجزأه، بخلاف الطائف. قال ابن حبيب: وعن كثر ذلك ابتدأ سعيه ولا يبني. وظاهر قول ابن حبيب: أنه يبتدئ السعي فقط، وعلى ما ذكر أبو محمد: يبتدئ الطواف والسعي. قال مالك في العتبية، وكتاب محمد: وإن أقيمت عليه الصلاة في السعي فليتمادا إلا أن يضر بوقت تلك الصلاة فليصل، ثم يبني على ما مضى له. ومن المدونة: قال مالك: وإن أصابه حقن في سعيه توضأ وبنى، ولا يستأنف. م: بخلاف الطواف. قال مالك: ومن ترك السعي بين الصفا والمروة، أو شوطا منه في حجة أو عمرة صحيحة أو فاسدة فليرجع لذلك من بلده. م: يريد: أنه لم يفعله مشيا ولا سعيا، فهذا يرجع إليه من بلده، بخلاف تارك الرمل.

الباب السابع عشر جامع ما جاء في المقام وفي معالم الحرم

الباب السابع عشر جامع ما جاء في المقام وفي معالم الحرم قال مالك: كان المقام في عهد إبراهيم عليه السلام في مكانه اليوم، وكانت الجاهلية ألصقوه إلى البيت خيفة السيل، فكان كذلك على عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) وعهد أبي بكر، فلما ولي عمر وحج أخرج خيوطا كانت في خزائن الكعبة قاسوا بها في الجاهلية مابين موضعه وبين البيت إذ قدموه فقاسه عمر وأخرجه إلى الموضع الذي هو فيه اليوم. قال مالك: وعمر الذي نصب معالم الحرم بعد أن بحث عن ذلك، وبلغني أن الله تعالى أوحى إلى الجبال فتنحت حتى أرى الله إبراهيم مواضع المناسك، فهو قوله: (وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا). قال ابن حبيب عن ابن عباس لما فرغ إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام من بنيان الكعبة أمره الله تعالى أن يؤذن في الناس بالحج فقام على المقام فتطأطأ له كل

شيء حتى لم يبق له شيء إلا أبصره، ثم نادى بصوته أسمع مابين المشرق والمغرب عباد الله: أجيبوا الله إلى بيته فإن لله بيتا أمركم أن تحجوه، فأجابه من قضى الله له بالحج إلى يوم القيامة وهم في أصلاب آبائهم بلبيك اللهم لبيك، فمن هنالك كانت التلبية في الحج، وأجابه كل من سمعه من حجر أو شجر أو مدر أو تراب: بلبيك اللهم لبيك. قال ابن حبيب: فبلغني أنه من أجابه يومئذ بلبيك مرة فهو ممن قضى الله له بالحج مرة، ومن أجابه مرتين قضى له بالحج مرتين، وإن ثلاث فثلاث، ومن لم يجبه فهو ممن لم يقض له بالحج. تم الأول من الحج، والحمد لله تعالى.

كتاب الحج الثاني من الجامع

كتاب الحج الثاني من الجامع [الباب الأول] في الخروج إلى منى والمبيت بها، والخروج إلى عرفة والوقوف بها، والدفع منها وأبان الرسول صلى الله عليه وسلم في حجته معالم الحج وشعائره، فمن ذلك: الخروج إلى منى يوم التروية، والمبيت بها تلك الليلة، ثم الغدو إلى عرفات، وجمع الصلاتين بها، والخطبة والوقوف بها، والدفع منها، والمبيت بمزدلفة، وجمع الصلاتين بها، وصلاة الصبُح، وصفة الوقوف بالمشعر، الدّفع إلى منى، والرّمي، وصفة التعجيل، وعدد الرّمي، وغير ذلك، ثم جعل الله سبحانه محل الشعائر كلها إلى البيت العتيق وآخر إحلال المحرم طوافه بالبيت للإفاضة. [فصل- السنّة: الخروج يوم التروية من مكة إلى منى بمقدار أن يصلي الظهر بها] قال مالك رحمه الله: ومن السنة الخروج يوم التروية من مكة إلى منى بمقدار أن يصلي بها الظهر، وكذلك فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ثم ينزل بها

حيث شاء، وكذلك بعرفة والمزدلفة، فيبيت بمنى تلك الليلة وهي عرفة، ثم يصلي بها الصبح ويدفع منها إلى عرفة. قال ابن المواز: بعد طلوع الشمس، وكذلك فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا بأس للضعيف ومن بدابته عِلّة أن يغدو قبل ذلك. قال ابن حبيب، وغيره: إذا مالت الشمس يوم التروية فطف بالبيت سبعًا واركع، ثم اخرج إلى منى وأنت تلبي، وإن خرجت قبل ذلك فلا حرج، فإذا بلغت منى فصل بها الظهر ولا تصلها بمكة ولا بالطريق، وكذلك فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تصلي العصر، والمغرب والعشاء، والصبح مع الإمام، كل صلاة لوقتها، ثم تغدو إلى عرفة إذا طلعت الشمس، وكذلك فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك كله. ومن المدونة: قال مالك: ومن بات ليلة عرفة بمكة وغدى منها إلى عرفة فقد أساء، ولا شيء عليه. قال ابن القاسم، وغيره: وكره له مالك أن يدع المبيت مع الناس بمنى ليلة عرفة، كما كره أن يبيت ليالي منى إذا رجع من عرفة في غير منى، ورأى على من بات

ليلة كاملة أو جُلّها في غير منى ليالي منى الدم، وإن كان بعض ليلة فلا شيء عليه، ولم ير في ترك المبيت بمنى ليلة عرفة دمًا. وكره مالك التقديم إلى منى قبل يوم التروية، أو إلى عرفة قبل يوم عرفة، أو أن يقدم الناس أبنيتهم إليها، كره البنيان الذي أحدثه الناس بمنى، وبنيان مسجد عرفة، قال: وما كان بعرفة مسجد مذ كانت عرفة، وإنما أحدث مسجدها بعد بني هاشم بعشر سنين، وكان الإمام يخطب منها بموضع يخطب اليوم متوكئًا على شيء، ويصلي بالناس فيه، ويقطع التلبية هو والناس إذا زالت الشمس وراح يريد الصلاة. وقد تقدم في الحج الأول ذكر قطع التلبية، والحجة فيه. قال ابن المواز: وفي الحج ثلاث خطب: الأولى: قبل يوم التروية بيوم في المسجد الحرام بعد الظهر، ولا يجلس فيها، يعلّم الناس فيها مناسكهم من حيث يخرجون إلى منى إلى غُدوّهم إلى عرفة. والثانية: بعرفة قبل الظهر يجلس في وسطها، وهي تعليم للناس ما بقي من مناسكهم من صلاتهم بعرفة إلى أن يطوفوا طواف الإفاضة.

والثالثة: بمنى أول يوم من أيام التشريق بعد يوم النحر، وهي بعد الظهر لا يجلس فيها، يعلّمهم كيفية الرمي وبقية المناسك، وكلها تعليم للمناسك، ولا يجهر بالقراءة في شيء من صلواتها. ومن المدونة: قال مالك: فإذا زالت الشمس خطب الإمام بعرفة، ثم جمع بين الظهر والعصر بأذانين وإقامتين، وكذلك كل ما وليه الأئمة من الصلاة. ابن حبيب: وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأذان واحد وإقامتين، وبهذا أخذ ابن الماجشون، وقاله القاسم، وسالم. قال ابن المواز: قال مالك:/ ومن صلى في رحله كفته الإقامة لكل صلاة، ومن فاته أن يجمع بين الصلاتين بعرفة مع الإمام، وهو قوي على ذلك فليجمع بينهما في رحلة إذا زالت الشمس، ويتبع في ذلك السنة، وكان القاسم ربما صلى في رحله، وربما

صلى مع الإمام. وقال ابن حبيبك لا ينبغي لأحد أن يترك جمع الصلاتين بعرفة مع الإمام. ومن المدونة: قال مالك: ويؤذن المؤذن إن شاء في الخطبة أو بعد فراغها. قال في كتاب الصلاة: إذا فرغ الإمام منها جلس ثم أذن، فإذا أقام نزل الإمام فصلى. وفي الواضحة، وغيرها: أنه إذا جلس بين الخطبتين أذّن المؤذّن، فإذا تمت الخطبة أقيمت الصلاة وصلى بالناس. ومن المدونة: ابن القاسم: ولا يجهر بالقراءة فيها، وإن وافق يوم جمعة، قال: وهي صلاة إقصار. قال ابن حبيب: السنة أن تقصر الصلاة بمنى، وعرفة، والمزدلفة، وكذلك فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمر.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن ذكر إمام عرفة صلاة نسيها بعد أن سلم من الظهر استخلف من يصلي بهم العصر، وقضي هو التي ذكر، ثم أعاد الظهر وصلى العصر، ولو ذكرها وهو في الظهر أو في العصر قطع وقطعوا، بخلاف من ذكر أنه غير متوضئ. وقال سحنون: بل يستخلف كمن أحدث. قال ابن القاسم: وإذا قطع الظهر استخلف من يصلي بهم الصلاتين، وإن قطع العصر استخلف من يصلي بهم العصر، وأحب إلي أن يعيدوا ما صلوا معه في الوقت. وقال سحنون: لا يعيدون. قال ابن القاسم: فإذا قضى هو التي ذكر ابتدأ الظهر والعصر. قال: فإذا فرغ الناس من صلاتهم قبل الإمام فلهم أن يدفعوا إلى عرفات، يريد: إلى موقفها، قال ابن القاسم: فلا ينتظرونه؛ لأن خليفته موضعه، فإذا فرغ الخليفة دفع إلى موقف عرفة، ودفع الناس بدفعه. قال يحى- عقيب قوله: فإذا فرغ الناس من صلاتهم قبل الإمام دفعوا إلى عرفات- قال يحى: يريد: من منى. م: وليس ذلك بشيء، والصواب: ما قدمنا.

قال أشهب، وسحنون، وابن حبيب: فإذا تمت الصلاة بعرفة فخذ في التهليل وفي التكبير والتحميد، قال ابن حبيب: ثم استند إلى الهضاب من سفح الجبل، وحيث يقف الإمام أفضل، وحيث ما وقفت من عرفات أجزأك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «عرفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن عرنة». قال ابن حبيب: فمن دفع من عُرَنة فلا حج له؛ لأن عرنة في الحرم، وعرفة

في الحل، فبطن عرنة الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالارتفاع منه وهو بطن الوادي الذي فيه مسجد عرفة فلا يوقف في ذلك الوادي، وهي ثلاث مسايل يسيل منها الماء إذا كان المطر، يقال لها: الجبال، أقصاها مما يلي الموقف. قال مالك: ولم يصب من وقف بمسجد عرفة، قيل: فإن فعل حتى دفع؟ فقال: لا أدري. وقال أصبغ: لا حجّ له، ورآه من بطن عرنة. ابن عبدوس: قال أشهب: وأحب موقف عرفة إلي ما قرب من عرفة، ومن مزدلفة ما قرب من الإمام. قال: وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه بالدعاء عشية عرفة، وقال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له».

واستحب مالك أن يقف راكبًا كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فأما الماشي فأحب إليّ أن يدعو قائمًا، فإذا أعيي جلس، وكذلك في كتاب محمد. قال ابن حبيب: فإذا رغبت وسألت فأبسط يديك، فإذا رهبت واستغفرت وتضرعت فحولها، فلا تزال كذلك مستقبل الكعبة بالخشوع والتواضع والتذلل والتحميد وكثرة الذكر بالتهليل والتكبير والتحميد والتسبيح والتعظيم والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء لنفسك ولأبويك والاستغفار إلى غروب الشمس، فيدفع الإمام وتدفع معه، فإذا دفعت فارفع يديك إلى الله تعالى وادفع وعليك السكينة والوقار، وامش الهوينا، وإن كنت راكبًا فالعنق، وإن وجدت فرجة فلا بأس أن حرك شيئًا، وأكثر من

ذكر الله وتهليله وتحميده في مسيرك وفي مبيتك بمزدلفة ومقامك بمنى، كما كنت تفعل بالتلبية من رفع الصوت. م: قال بعض البغداديين: وإنما قلنا: يجمع بين الظهر والعصر بمسجد عرفة، ثم يقف بالموقف، لما روى جابر، وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وفعله الأئمة بعده. وإنما استحببنا له أن يقف راكبًا: لأنه صلى الله عليه وسلم وقف راكبًا على راحلته القصواء؛ ولأن الركوب أعون/ له على الوقوف، وأمكن له في الدعاء. وإنما قلنا يقف حيث شاء سوى بطن عرنة: لقوله صلى الله عليه وسلم: «عرفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن عرنة». وإنما قلنا يقف إلى الغروب: لأنه صلى الله عليه وسلم كذلك فعل، فإن دفع قبل الغروب ولم يرجع فيقف جزء من الليل فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج،

خلافًا لأبي حنيفة، والشافعي؛ لأنه صلى الله عليه وسلم دفع حين غابت الشمس، وقال: «خذوا عني مناسككم»، وروى عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أدرك عرفة قبل الفجر فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج»، وروى عطاء، ونافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من وقف بعرفات بليل فقد أدْرك الحج، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج، فليحل بعمرة، وعليه الحج قابلاً»، فورد هذا الخبر نصًا في صحة ما قلناه؛ ولأنه لم يقف جزء من الليل، وإنما وقف آخر النهار، فكان كالوقوف قبل الزوال، وذلك لا يجزئه باتفاق، ولما كان الليل أوله وآخره سواء ويجزي فيه الوقوف، كان كذلك النهار آخره كأوله الذي لا يجزي فيه الوقوف. ابن المواز: ومن أتى قرب الفجر وقد نسي صلاة فإن صلاها طلع الفجر وفاته الوقوف، فإن كان قريبًا من جبال عرفة وقف وصلى، وإن كان بعيدًا بدأ بالصلاة وإن

فاته الحج، وبلغني أن محمد بن عبد الحكم قال: إن كان من أهل مكة وما حولها فليبدأ بالصلاة، وإن كان من أهل الآفاق مضى إلى عرفة فوقف وصلى. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن دفع من قبل الغروب، فإن لم يرجع فيقف قبل الفجر فقد فاته الحج ويحج قابلاً ويهدي وإن رجع فوقف قبل الفجر أجزأه ولا هدي عليه؛ لأنه كالذي يأتي مفاوتًا. وقال أصبغ: أحبّ إليّ أن يهدي من غير إيجاب لتعمده ترك انتظار دفع الإمام. وقد جعل ابن القاسم، وأشهب الهدي على من ترك الوقوف مع الإمام ووقف ليلاً. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن تعمد ترك الوقوف بعرفة حتى دفع الإمام أجزأه أن يقف ليلاً، وقد أساء وعليه الهدي. وقال سحنون: لا يهدي. م: فوجه قول ابن القاسم: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف نهارًا حتى غربت الشمس، فمن لم يقف كذلك فقد خالف، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم» فوجب أن يهدي. ووجه قول سحنون: فلأنه إنما ترك الفضيلة، وقد أتى بالواجب وهو الوقوف ليلاً فلا هدي عليه، كمن دفع قبل الغروب ثم رجع فوقف ليلاً. قال ابن المواز: قال مالك: ومن دفع من عرفة قبل الغروب فلم يخرج منها حتى غابت الشمس أجزأه وعليه هدي.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن دفع حين غربت الشمس قبل دفع الإمام أجزأه الوقوف؛ لأنه إنما دفع وقد حلّ الدفع، ولو دفع بدفع الإمام كانت السنة، وكان ذلك أفضل. فصل [منْ أُغمى عليه قبل الزوال، وكان أَحْرم قبل ذلك بالحج فوقف به أصحابه أجزأه ذلك] قال مالك: ومن أغمي عليه قبل أن يأتي عرفة فوقف به بعرفة مغمى عليه حتى دفعوا منها أجزأه، ولا دم عليه. وقال ابن المواز عن أشهب: لا يجزئه، وقد ذكرناه في الكتاب الأول. ومن الثاني: قيل لابن القاسم: فمن مرّ بعرفة مارًا بعدما دفع الإمام ولم يقف بها أيجزئه ذلك من الوقوف؟ قال: قال مالك: من جاء ليلاً وقد دفع الإمام أجزأه أن يقف قبل طلوع الفجر، زاد في رواية الدباغ: قال ابن القاسم: وأنا أرى إن مرّ بعرفة مارًا ينوي بمروره بها وقفًا أن ذلك يجزئه. وقال ابن المواز: يجزئه ذلك وإن تعمده إذا نوى به الوقوف وذكر الله، ولو كان وقوفه بها وهو لا يعرفها لم يجزه، وبطل حجه.

قال ابن المنذر في كتابه: الإشراف عن مالك وغيره من العلماء: إنْ مر بعرفة ليلاً قبل الفجر وهو لا يعرفها أن ذلك يجزئه. وحكي عن أبي محمد أنه سئل لم قال ابن القاسم: من طاف بالبيت الطواف الواجب بلا نية، ثم رجع إلى بلده أجزأه، وقال ابن المواز: من مرّ بعرفة مارًا فإن عرفها ونوي الوقوف بها وإلا بطل حجه فما الفرق بين هذا وبين الأول؟، ولم لا يجزئه وإن لم ينوها؟ فقال: الفرق- والله أعلم- أني أصبت الطواف يفعل واجبًا، وتطوعًا، والوقوف بعرفة لا يفعل إلا واجبًا، فكان أقوى ألا يجزئ إلا بنية، قال: ويحتمل عندي أن يجزي الوقوف بعرفة بلا نية/ على ما قال ابن القاسم في المغمى عليه بعرفة أنه يجزئه الوقوف، ويكون من الحجة لابن القاسم في الطواف بلا نية أن الإحرام بالحج إذا عقده عقد من النية في أوائله ما يجزئ عن تجديد النية في سائر عمله، كما يجزئ في الصلاة إذا ابتدأها بنية أنه ليس عليه أن يستديم النية في سائرها، والنية في الصلاة والصوم تقطعها الحوادث، وفي الحج لا تقطعها الحوادث، ألا ترى أنه إذا أفسد حجه أنه لابد من إتمامه، فكان الحج أقوى في استدامة النية فيه. والله أعلم.

م: هذا صواب جيد، وأما تفرقته أولاً فلو عكس ذلك لكان أولى؛ لأن ما يُفعل واجبًا وتطوعًا يحتاج الواجب منه إلى نية تخلصه من التطوع، أصله الصلاة، وما لا يفعل إلا واجبًا لا يحتاج إلى نية؛ لأن النية لا تخلصه من غيره ولا تميزه. م: والفرق بينهما: أن الطائف بلا نية قصد بطوافه القربة، وفعل فعل الطواف الواجب فأجزأته لذلك نية الإحرام بالحج، إذ لا يلزمه أن يجدد لكل ركن نية، كالصلاة، والمار بعرفة لم يفعل فعل الوقوف الواجب، ولا قصد بمروره قربة وإنما مر كمروره بها لحاجة، فلم يجزه، ولو فعل فعل الحاج: من جمع الصلاة، والوقوف بها، والدفع بعد الغروب بغير نية لأجزأ كالطواف، وكذلك لو قصد بمروره بها ليلاً القربة لأجزأه ذلك وإن لم تكن له نية، وإنما افترقت المسألتان لافتراق السؤال. والله أعلم. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن وقف على غير وضوء أو جنبًا من احتلام فقد أساء ولا شيء عليه، ووقوفه طاهر أحب إليّ وأفضل. فصل [في الهدي الذي يجب أن يوقف به بعرفة] قال سحنون: قلت لابن القاسم: أيّ هدي يجب علي أن أقف به بعرفة؟ قال: كل هدي لا يجوز لك أن تنحره إذا اشتريته في الحرم حتى تخرجه إلى الحل فتدخله الحرم، أو تشتريه من الحل فتدخله الحرم، فهذا الذي يوقف به بعرفة، وإنْ فاتك الوقوف به بعرفة نحرته بمكة إنْ كنت اشتريته من الحل.

م: كل هدي وجب عليك قبل يوم عرفة أو تطوعت به فلك أن توقفه بعرفة، ثم تنحره بمنى، إلا فدية الأذى؛ لأنها نُسك. قال مالك: ولا يجزئك ما أوقفه غيرك من الهدي حتى توقفه أنت بنفسك، ولو اشتريته بعرفة وأوقفته بها أجزأك، وتوقف الإبل والبقر والغنم. قال ابن القاسم: وما وقف به من الهدي بعرفة فحسن أنْ يبيت به بالمشعر الحرام، فإن لم يبت به فلا شيء عليه. قيل: فهل يخرج بالهدي يوم التروية إلى منى، ثم يدفع به إلى عرفة؟ قال: لم أسمع من مالك أكثر من أن يقف به بعرفة، ولا يدفع بها قبل غروب الشمس، فإن دفع بها قبل الغروب لم يكن ذلك وقفًا، ولا يُنحر إلا بمكة.

[الباب الثاني] جامع ما جاء في الصلاة بالمزدلفة والوقوف بها والدفع منها إلى منى

[الباب الثاني] جامع ما جاء في الصلاة بالمزدلفة والوقوف بها والدفع منها إلى منى: قال الله سبحانه: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}، وقال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} إلى قوله: {إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}، وجمع الرسول صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بالمزدلفة، وصلى بها الصبح، وبيّن صفة الوقوف بالمشعر الحرام والدفع منه إلى منى. قال عبد الوهاب: والجمع بين الصلاتين بالمزدلفة سنّة مؤكدة، فإن صلى المغرب بعرفة في وقتها والعشاء في وقتها فقد ترك السُنة والاختيار، ويجزئه، خلافًا لأبي حنيفة في قوله: لايجزئه. ودليلنا: لأنهما صلاتان سُن الجمع بينهما في وقت إحداهما فلم يمنع ترك الجمع بينهما جوازهما، أصله: الظهر والعصر بعرفة. م: ومذهب أبي حنيفة: أنه يعيدهما أبدًا، وبه أخذ ابن حبيب، وقال ابن القاسم يعيدهما في الوقت، وقال أشهب: لا يعيد.

ومن المدونة: قال مالك: ومن لم تكن به علة ولا بدابته وهو يسير بسير الناس فلا يصلي المغرب والعشاء إلا بالمزدلفة. قال ابن القاسم: فإن صلى قبلها أعاد إذا أتاها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصلاة أمامك». قال ابن المواز: وقال أشهب: لا يعيد، وبئس ما صنع، إلا أن يكون قد صلى قبل غيبوبة الشفق فليعد العشاء أبدا. ابن المواز: وقول ابن القاسم أحب إلينا. وهذا لمن وقف مع الإمام، فأما من وقف بعده فليصل كل صلاة لوقتها. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وأما من به علة أو بدابته فلم يستطع المضي مع الناس أمهل حتى يغيب الشفق، ثم يجمع بينهما حيث كان، ويجزئه. قلت: فإن أدرك الإمام المزدلفة قبل مغيب الشفق؟. قال: هذا ما لا أظنه يكون، ولو كان: ما أحببت أن يصلوا حتى يغيب الشفق.

قال مالك في العتبية: ومن وصل إلى المزدلفة فليبدأ بالصلاة قبل أن يحط رحله وزوامله، إلا مثل الرجل الخفيف فليحطه قبل الصلاة. وفي الموطأ: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب بها، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت العشاء فصلاها، ولم يصل بينهما شيئًا. وروي أن ابن مسعود لما نزل بالمزدلفة صلى بهم المغرب؛ ثم وضعوا رحالهم وتعشوا، ثم صلى العشاء. قال أشهب: هذا فيما خف من العشاء، وأما عشاءٌ فيه طول فليصل العشاء قبله أحب إلي. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا يكبر دبر الصلاة في المشعر الحرام في المغرب والعشاء والصبح. ومن بات بالمشعر الحرام فلم يقف حتى دفع الإمام، فلا يقف بعده، ولا يتخلف عنه، وإن كان لم يبت معه وإنما ذهب إلى عرفات فوقف بها ليلاً، ثم أتى وقد طلعت

الشمس فلا وقف له بالمشعر، وقاله مالك. واستحسن ابن القاسم: إن أتى قبل طلوع الشمس أن يقف ما لم يُسْفِر. ابن المواز: قال أشهب: إن لم يُعرس بها قبل الفجر فعليه دم. فصل [1 - وقت الوقوف بالمشعر]: ومن المدونة: قال ابن القاسم: والوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر وبعد صلاة الصبح، قال سحنون: ووجهك إذا وقفت أمام البيت. قال ابن القاسم: ومن وقف بعد الفجر، وقبل أن يصلي الصبح، فهو كمن لم يقف. م: إنما قال ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح، ثم ركب حتى أتى المشعر فاستقبل القبلة فحمد الله وكبره وهلله، ولم يزل واقفًا حتى أسفر جدًا، ثم دفع قبل طلوع الشمس، وفي حديث آخر: قال: «وكان أهل الشرك يدفعون بعد طلوعها

حين تعتم بها رؤس الجبال، وأنا أدفع قبل طلوعها، هدينا مخالف هدي الشرك والأوثان». ابن المواز: ويستحب ليلة المزدلفة كثرة الصلاة والذكر، وكان ابن عمر يطيل بها التهجد. وكان الناس يستحبون الوقوف على الجبل الذي عليه الإمام، وقال سعيد بن جبير: وما بين الجبلين موقف، وقال ابن أبي نجيح: ما صب من محسر في المزدلفة فهو منها، وما صب منه في منى فهو منها. قال ابن حبيب: المشعر: ما بين جبلي المزدلفة، ويقال لها أيضًا: جمع، وكلها موقف، ويرتفع عن بطن محسر، وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: ويقف الإمام حيث المنارة التي على قزح، قال: وترفع يديك بالدعاء والذكر والرغبة إلى الله، وتكثر من التهليل. قال ابن القاسم: ومزدلفة في الحرم. قال مالك: والحديبية في الحرم، وفي كتاب ابن القصار: أن الحديبية بعضها حل، وبعضها حرم. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن أتى المزدلفة مغمى عليه أجزأه، ولا دم عليه. ابن المواز: ولم يختلف في ذلك، وإنما اختلف ابن القاسم، وأشهب في عرفة. ومن المدونة: قال مالك: ومن مرّ بالمزدلفة مارًا ولم ينزل بها فعليه دم، وإن نزل بها، ثم دفع منها في أوّل الليل، أو في وسطه، أو في آخره، وترك الوقوف مع الإمام أجزأه، ولا دم عليه. م: لأنه أتى بالواجب عليه، وإنما ترك الاستحباب، فلذلك لم يكن عليه هدي.

فصل [2 - وقت الدفع من المزدلفة] واستحب مالك للرجل/ أن يدفع مع المشعر بدفع الإمام، ولا يتعجل قبله. قال: وواسع للنساء، والصبيان أن يتقدموا أو يتأخروا. م: وقد أرخص النبي صلى الله عليه وسلم في تقديم الضعفاء، ورعاة الإبل؛ لأن في ذلك رفقًا بهم وتخفيفًا عنهم. قال مالك: ولا يقف أحدٌ بالمشعر إلى طلوع الشمس أو الإسفار ولكن يدفعوا قبل ذلك، فإذا أسفر ولم يدفع الإمام دفع الناس وتركوه. قال ابن القاسم: ومن لم يدفع من المشعر حتى طلعت الشمس أساء ولا شيء عليه عند مالك. قال ابن حبيب: وتفعل في الدفع من المشعر من الذكر والسكينة مثل فعلك في الدفع من عرفة، وتهرول في بطن محسر، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر الناس بفعله وفعله الأئمة بعده، وهي السنة، فقد روي لنا عن علي بن أبي طالب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفع من المزدلفة أخذ يسير العنق والناس يزحفون، وهو يلتفت يمينًا وشمالاً وهو يقول:

السكينة أيها الناس، حتى وقف على محسر فقرع راحلته فَخَبّت حتى جاوزه، ثم سار بسيره الأول حتى رمى الجمرة، زاد في حديث آخر: أنه صلى الله عليه وسلم لما أتى محسرًا ركض راحلته برجليه قدر رمية بحجر. قال ويستحب في ذلك ذكر الله والرغبة إليه، وكان عروة يقول فيه: (لا إله إلا أنْتَا ... وأنت تُحيْى بعد مَا أَمتا) وقال غيره: (إنْ تَغْفِر اللهم تغفر جَمًا ... وأيُّ عَبْدٍ لك إلا ألما) وكان عمر بن الخطاب يقول: (إليك تَعُدُوا قَلِقا وَضيْنُها ... مُخالفا دِين النصارى دينُها) (معترضًا في بطنها جنينُها ... قدْ ذَهبَ الشحْمُ الذي يُزيْنُها)

الباب الثالث ما يفعل بمنى يوم النحر من الرمي والنحر والحلق والإفاضة، وكيف إن وطيء في خلال ذلك

الباب الثالث ما يفعل بمنى يوم النحر من الرمي والنحر والحلق والإفاضة، وكيف إن وطيء في خلال ذلك قال الله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}. قال مالك: ومحل ما وقف به بعرفة منى، وبها الحلق، بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بفعله، وقال تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}، فهذه أيام النحر الثلاثة. وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}، فهذه أيام الرمي، وهي ثلاثة بعد يوم النحر. ومن المدونة: قال مالك- رحمه الله-: الشأن أنْ يرمي جمرة العقبة يوم النحر ضحوة راكبًا، كما يأتي الناس على دوابهم. قال عنه ابن المواز: تستقبلها، ومنى عن يمينك، والبيت عن يسارك، وأنت ببطن الوادي، ولا تقف عندها بعد الرمي، وكذلك كان ابن مسعود يفعل.

قال مالك: وأما في غير يوم النحر فيرمي ماشيًا. قال ابن القاسم: فإن مشى يوم النحر في رمي العقبة، أو ركب في رمي الجمار في الأيام الثلاثة فلا شيء عليه. قال مالك: ومن رمى جمرة العقبة قبل طلوع الشمس وبعد الفجر أجزأه، وبطلوع الفجر يوم النحر يحل الرمي والنحر بمنى، وإن رمى قبل الفجر أعاد الرمي، ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في الرمي قبل الفجر. قال: والرجال، والنساء، والصبيان في هذا سواء. قال مالك: ويرمي العقبة يوم النحر بسبع حصيات، ويكبر مع كل حصاة يرميها، وأحب إلي أن يرميها من أسفلها، وتفسير حديث القاسم: أنه كان يرميها من حيث تيسر، معناه: مِنْ أسفلها من حيث تيسر. قال مالك: وإن رماها من فوقها أجزأه. واستحب مالك أن يكون حصى الجمار أكبر من حصى الخذف قليلاً.

قال غيره: وقدر حصى الجمار قدر الفولة ونحوها. قال مالك: وليأخذها من حيث شاء. قال عنه ابن المواز: ولقْطُها أحب إلي من كسرها، وليس عليه غسلها، وإن ألجئ إلى أن يكسرها من حجر فلا بأس به. قال ابن حبيب: واستحب القاسم، وسالم: أخذها من مزدلفة، ولا بأس بأخذها من غيرها إذا اجتنب ما رُمي به. ومن المدونة: قال مالك: ولا يُرمى بحصى الجمار لأنه قد رُمي به. قال عبد الوهاب: وإنما قال: يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا بسبع حصيات قدر حصى الخذف، ويكبر مع كل حصاة: لما روى جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع من المزدلفة حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة يرميها، والحصى كحصى الخذف. قال: وإنما استحب أنْ يرميها من أسفلها لما روي عن عمر بن الخطاب أنه فعل ذلك، وعن عبد الله نحوه.

قال أبو بكر الأبهري: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رميتم الجمرة فارموها بمثل حصى الخذف» وجعل هذا المقدار لئلا تؤذي الإنسان إن أصابته، وإنما استحب مالك أن تكون أكبر من حصى الخذف قليلاً؛ فلأن حصى الخذف ليس محدودًا، لكنه يزيد وينقص في الكبر والصغر، فاحتاط مالك أن يكون أكبر ليكون قد أتى بما أُمِرَ به وأزيد. م: وكنت أسمع في المجالس: إنما لم يرم بحصى الجمار؛ لأن ما تُقُبِّل منه رُفع وما لم يتقبل لم يرفع، فلذلك كره مالك أنْ يرمى به، والله أعلم. وأصح منه: أنها قد تُعبّد بها مرة فلا يُتعبد بها ثانية كالعتق في الكفارات ونحوها. فصل [1 - فيمن ترك رمي جمرة العقبة حتى الليل] ومن المدونة: قال مالك: ومن ترك رمي جمرة العقبة يوم النحر حتى الليل فليرمها وعليه دم.

قال ابن القاسم: وإنْ نسي بعضها فليرم عدد ما ترك ولا يستأنف جميع الرمي، واختلف قول مالك في وجوب الدم عليه، قال ابن القاسم: وأحب قوله إليّ أن يكون عليه الدم. م: لم يختلف قول مالك في تركة جمرة العقبة إلى الليل أن عليه الدم، وإنما اختلف قوله في إذا ترك بعضها، وقاله غير واحد من القرويين وقال بعضهم: يدخله الاختلاف. م: والأول أبين، وأما يوم ثاني النحر فسواء ترك جمرة واحدة، أو الجمار الثلاثة أن اختلاف قول مالك يدخله في وجوب الدم أم لا، وهو في الأمهات أبين، وما وقع في بعض المختصرات إنما اختلف قوله في ترك جمرة واحدة فقط. قال: وإذا رمى جمرة العقبة نحر هديًا إن كان معه، ثم حلق. م لقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} .. قال مالك: ولا يذبح حتى يرمي، فإنْ ذبح قبل الرمي، أو حلق بعد الرمي قبل أن يذبح أجزأه، ولا شيء عليه. م: وإنما قال: يرمي، ثم ينحر، ثم يحلق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كذلك: رمى الجمرة ثم نحر البُدْن، ثم حلق.

وإنما قال: إذا قدم النحر على الرمي، أو الحلاق على النحر جاز، لما روى ابن عمر: أنه صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال: يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال: «اذبح، ولا حرج»، وجاء آخر فقال: يا رسول الله لم أشعر حتى نحرت قبل أن أرمي، فقال: «إرم ولا حرج». وقال ابن الماجشون: إذا حلق قبل أن يذبح فليهد، لقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}، وما روي من قول النبي صلى الله عليه وسلم إذْ سئل: «افعل، ولا حرج» يعني: أن حجه تام. م: وليس ذلك بشيء، وقول مالك، وأصحابه أولى، ولو كان الأمر كما قال ابن الماجشون لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالهدي؛ لأنه استفتاه وسأله البيان، فقال له: «اذبح ولا حرج». ومن المدونة: قال مالك: وإن حلق قبل أنْ يرمي افتدى، قال عنه ابن المواز:

ويمر الموسى على رأسه بعد أن يرمي. قال عبد الوهاب: وقال أبو حنيفة: لا شيء عليه. ودليلنا قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}، والرمي قبل النحر؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم رمى، ثم نحر، ثم حلق؛ ولأنه حلق في إحرام لم يتحلل منه فأشبه أن لو حلق قبل النحر. ومن المدونة: قال مالك: وحد الذبح والنحر ضحوة، فإن ذبح قبل الفجر أعاد الذبح. [فصل- 2 الوطء في الإحرام] قال مالك، وأصحابه: من وطئ قبل الوقوف بعرفة فسد حجه، ولا خلاف في ذلك.

قال مالك: وكذلك إن وطئ يوم النحر قبل أن يرمي ويفيض، فحجه فاسد. وقيل: لا يفسد، وهو قول أبي حنيفة، فالعلة لمالك: بقاء الإحرام، وعدم التحلل منه، كالوطء قبل الوقوف، والعلة للقول الآخر: أمن الفوات، كالوطء بعد الرمي والطواف. قال سحنون: قيل لمحمد بن إبراهيم بن دينار: لم قلتم إذا وطئ يوم النحر قبل رمي جمرة العقبة والإفاضة فسد حجه، وقد جاء الحديث: «أن من أدرك الوقوف بعرفة قبل الفجر فقد أدرك الحج»، فقال: ألم يقل صلى الله عليه وسلم: «من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها»؟ قالوا: نعم، قال: أرأيتم إن أفسد شيئًا مما بقي عليه أليس يفسد صلاته؟ قالوا: نعم، قال: فكذلك هذا، إنما يتم حجه إذا أتم ما بقي عليه على حاله وهيئته، وهو مذكور في كتاب الاتفاق والاختلاف. واختلفوا أذا وطئ ليلة المزدلفة: فقال يحيى بن عمر: سألت عن ذلك أبا

المصعب، فقال لي: كان مالك يقول: يفسد حجه، وعليه إعادته بعد إتمام هذه، قال: ثم رجع فقال: عليه العمرة والهدي. قال: وقال أبو المصعب: إن وطئها بعد الفجر فعليه العمرة والهدي، وإن كان قبل طلوع الفجر فقد فسد ويعيد من قابل بعد إتمام هذه. ومن المدونة: قال مالك: وإن وطئ يوم النحر يعدما رمى جمرة العقبة وقبل الإفاضة قبل أن يحلق أو بعده فحجه تام، وعليه هدي وعمرة ينحر الهدي فيها، وقاله ابن عباس، وربيعة. قال مالك: ويعتمر من الميقات أحب إليّ، وإنْ اعتمر من التنعيم أجزأه، وهديه بدنة، فإنْ لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة بعد ذلك، وإن شاء فرق بينهما أو جمع. وقال ابن عمر والحسن، وابن شهاب يحج قابلاً. وقال ابن المسيب، والقاسم، وسالم: إنما عليه هدي.

م: فوجه قول مالك: فلأنه وطء في إحرام متحلل، كالوطء بعد التحلل الكامل، وهي علة من لم يوجب عليه إلا الهدي، وإنما أوجب عليه مالك العمرة والهدي؛ لأن ذلك مروي عن ابن عباس؛ ولأن عليه أن يأتي بالطواف والسعي في إحرام لا وطء فيه. وعلة من أفسد حجه: فلأن كمال التحلل لم يحصل له، فحرمة الإحرام مبقاة كقبل الرمي. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكذلك إن وطئ في يوم ثاني النحر بعد رمي جمرة العقبة وقبل الإفاضة فعليه عمرة وهدي. م: ويوم النحر في هذا وبعده سواء؛ لأنه وطئ قبل ركن من أركان الحج وهو طواف الإفاضة، فعليه أن يطوفه، ثم يعيده في إحرام ولا وطء فيه، كما يفعل إذا أفسد حجه، والإحرام: سبيله أن يُجمع له حل وحرم، وطواف وسعي، وذلك عمل العمرة، فلذلك جعل عليه العمرة والهدي، كمن أفسد حجه أنه يتمه، ثم يعيده قابلاً في إحرام لا وطء فيه ويهدي. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكذلك إن وطئها يوم النحر بعد الرمي وبعد الإفاضة، ثم ذكر أنه طاف للإفاضة ستة أشواط، أو ترك ركعتي الطواف، فليطف سبعًا ويركع، ثم يعتمر ويهدي، وكذلك لو وطئ بعد يوم النحر قبل أن يرمي ويفيض،

فحجه تام ويعتمر ويهدي، وعليه هدي آخر لتأخير الرمي. م: بخلاف وطئه قبلهما في يوم النحر. والفرق بينهما: أن الرمي والإفاضة في يوم ثاني النحر قضاء عن يوم النحر، والقضاء في الأصول أخف من المقضي، ألا ترى أن من أفطر في رمضان متعمدًا، عليه القضاء والكفارة، وإذا أفطر في قضاء رمضان فإنما عليه القضاء. ومن المدونة: قال ابن القاسم ولو وطئ يوم النحر قبل الرمي وبعد الإفاضة، فإنما عليه الهدي، وحجه تام، ولا عمرة عليه. قال ابن المواز: وهو كتارك رمي جمرة العقبة، وقاله: ابن كنانة. وقال أشهب، وابن وهب: يفسد حجه. قال أصبغ: وهو قول ابن القاسم، وابن كنانة أحب إلينا. قال أصبغ: وأحب إليّ أن يعيد الإفاضة بعد أن يرمي. قال ابن المواز: لا يعيد الإفاضة، ولو لم يجزه لفسد حجه، كما قال أشهب، وابن وهب. م: وقال ابن حبيب: إنما عليه عمرة وهدي.

والتعليل لكل قول كالتعليل في الذي وطئ يوم النحر بعد الرمي وقبل الإفاضة، وإنما لم يوجب مالك عليه في هذه العمرة، وأوجبه في الذي وطئ بعد الرمي وقبل الإفاضة؛ لأن الإفاضة آكد من الرمي، وقد أتى بها في إحرام ولا وطء فيه، فلم تكن عليه عمرة، وكان عليه الهدي كتارك رمي جمرة العقبة. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو وطئ بعد يوم النحر قبل الرمي وبعد الإفاضة فإنما عليه الهدي- أيضًا-، ولم يختلف في هذا، لأنه قضاء، والقضاء أخف من المقضي. م: وتلخيص ما في المدونة من مسائل الوطء هذه: هو أنه إذا وطئ يوم النحر قبل أن يرمي ويفيض فحجه فاسد، وإن وطئ بعدهما فلا شيء عليه، وإن وطئ بعد الرمي وقبل الإفاضة يوم النحر أو بعده فعليه عمرة وهدي، وإن وطئ قبل الرمي وبعد الإفاضة فعليه هدي. وتلخيص ما في غير المدونة من الاختلاف في ذلك: أنه إن وطئ قبلهما فسد حجه، وقيل: لا يفسد، وإن وطئ بعدهما فلا شيء عليه بإجماع، وإن وطئ بعد أحدهما وقبل الآخر فثلاثة أقوال: قيل: يفسد حجه، وقيل: عليه عمرة وهدي، وقيل: إنما عليه هدي. فصل [3 - في ما يحل برمي جمرة العقبة من محظورات الإحرام]. قال مالك: ومن رمى جمرة العقبة يوم النحر فقد حلّ له كل شيء إلا النساء، والصيد، والطيب، وقاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

قال مالك: وإذا أفاض بعد الرمي حل له كل شيء من النساء، والصيد، والطيب، وإذا أفاض قبل الرمي لم يجزه، وليرم ثم يحلق ثم يفيض ثانية، وإن رمى ولم يحلق ثم أفاض فأحب إليّ قول ابن عمر: أن يحلق بمنى ثم يعيد الإفاضة، فإن لم يعد الإفاضة أجزأه. قال مالك: والتعجل بطواف الإفاضة أفضل ولا رمل فيه. وكره مالك لمن رمى جمرة العقبة أن يتطيب حتى يفيض، فإن فعل فلا شيء عليه لما جاء فيه. قال: وإذا رمى العقبة فبدأ فقلم أظفاره، وأخذ من لحيته وشاربه، واستحد أو أطلى بالنورة قبل يحلق رأسه فلا بأس بذلك. واستحب مالك إذا حلّ من إحرامه أن يأخذ من لحيته وشاربه وأظفاره من غير إيجاب وفعله ابن عمر. قال مالك: والحلاق يوم النحر بمنى أحبّ إلي وأفضل، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإن حلق بمكة في أيام التشريف أو بعدها، أو حلق في الحل في أيام منى فلا شيء عليه، وإن أخر الحلاق حتى رجع إلى بلده جاهلاً أو ناسيًا، حلق أو قصر وأهدى.

وقال أشهب: إن حلق في أيام الرمي فلا شيء عليه، وإن حلق بعدها أحببت له أن يهدي. قال غيره: والحلاق أفضل من التقصير؛ لأنه صلى الله عليه وسلم فعل، وقال: «رحم الله المحلقين، رحم الله المحلقين، رحم الله المحلقين» قالها ثلاثًا، قيل: يا رسول الله: والمقصرين؟ قال: «والمقصرين»، وهذه المبالغة بتكرار الدعاء تدل على الفضيلة، وقال صلى الله عليه وسلم: «ليس على النساء إلا التقصير»، وقاله عمر، وابن عمر، ولا مخالف لهما. ومن المدونة: وكان مالك يأمر من ظفر أو عقص أو لبد بالحلاق للسنة يريد: ولا يجزئه التقصير.

قلت: فما معنى هذا القول عندكم: ولا تشبهوا بالتلبيد؟ قال: معناه: أن السنة جاءت فيمن لبد أن عليه الحلاق، فقيل لمن عقص أو ظفر: فلتحلقوا ولا تشبهوا به، أي: لا تشبهوا علينا فإنه مثل التلبيد. قال مالك: ومن ضلت بدنته يوم النحر أخر الحلاق وطلبها ما بينه وبين الزوال، فإن أصابها وإلا حلق وفعل ما يفعل من لم يهد من الإفاضة، ووطء النساء، وحلق الرأس، ولبس الثياب، كانت هذه البدنة مما عليه بدنها أم لا. قال: ويمر الأقرع الموسى على رأسه عند الحلاق. قال ابن القاسم: من حلق رأسه بالنورة عند الحلاق أجزأه. وقال أشهب: لا يجزئه. م: فوجه قول ابن القاسم: فلأنه حلق بعد رمي جمرة العقبة، كالحلق بالحديد. ووجه قول أشهب: فلأنه خالف سنة الحلق. قال مالك: ومن أخر الطواف والسعي من مراهق وشبهه فليحلق إذا رمى جمرة العقبة ولا يؤخر حتى يطوف. قال في المختصر: ويحل له من كل شيء ما يحل لمن طاف وسعى.

ومن المدونة: قال: وإذا قصر الرجل فليأخذ من جميع شعر رأسه، وما أخذ من ذلك أجرأه، وكذلك الصبيان، وليس على النساء إلا التقصير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ولتأخذ من جميع قرونها في الحج والعمرة الشيء القليل، وما أخذت من ذلك أجزأها. وفي الموازية: تجز ذلك جزًا، وهو خلاف ما في المدونة: والمرأة تأخذ يسيرًا من جميع القرون، وكانت عائشة رضي الله عنها تجز قدر التطريف. ولا يجزئهما أن يقصر بعضًا ويبقيا بعضًا، وإن جامعها بعد أن قصر أو قصرت بعضًا وأبقيا بعضًا فعليهما الهدي، يريد، وقد أفاضا ورميا. قال مالك: وإذا طاف المعتمر وسعى ولم يقصر فأحب إليّ أن يؤخر لبس الثياب حتى يقصر، فإن ليس قبل أن يقصر فلا شيء عليه، فإن وطئ قبل أن يقصر أو بعد أن أخذ من بعض شعره فعليه الهدي, وبالله تعالى التوفيق.

[الباب الرابع] في رمي الجمار أيام منى، ومن نسي شيئا منها، أو تعجل في يومين

[الباب الرابع] في رمي الجمار أيام منى، ومن نسي شيئًا منها، أو تعجل في يومين: قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}. قال مالك: هي أيام الرمي الثلاثة التي بعد يوم النحر، يرمي في كل يوم منها الثلاث جمرات ماشيًا بعد الزوال، وقبل الصلاة، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله عمر ابن الخطاب، وأمر بذلك. قال مالك: فيرمي كل جمرة بسبع حصيات، ولو رمى قبل الزوال أعاده بعد الزوال. قال ابن المواز: وإن رمى بعد أن صلى الظهر أجزأه. قال في الواضحة: وقد أساء.

قال ابن القاسم في العتبية: الرمي أيام منى من حين تزول الشمس إلى أن تصفر، فإذا اصفرت فقد فات الرمي إلا لمريض أو ناسي. وأما يوم النحر فمن طلوع الشمس إلى الزوال، فإذا زالت فات الرمي إلا لعليل أو ناسي، ولو رمى بعد الزوال فلا شيء عليه، ولكن في صدر النهار أصوب. ومن المدونة: قال مالك: ويرمي الجمرتين جميعًا من فوقهما، والعقبة من أسفلها. قال ابن المواز: ومن لم يصل لزحام الناس فلا بأس أن يرميها من فوقها، فقد فعله عمر لزحام الناس، ثم رجع مالك فقال: لا يرميها إلا من أسفلها، وإن فعل فليستغفر الله عز وجل. ومن المدونة: قال مالك: ويقف عند الجمرتين للدعاء، ولا يرفع يديه، فإن لم يقف فلا شيء عليه، ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف. قال ابن المواز: يبدأ بالأولى التي تلي مسجد منى، فإذا رماها تقدم أمامها فوقف وأطال الوقوف للدعاء، ثم يرمي الوسطى وينصرف منها ذات الشمال في بطن المسيل،

فيقف أمامها مما يلي يسارها، ووجهه إلى البيت فيفعل كما يفعل في الأولى، ثم يرمي جمرة العقبة وينصرف لا يقف عندها، وكان القاسم، وسالم يقفان عند الجمرتين قدر ما يقرأ الرجل السريع سورة البقرة، وكذلك روى ابن حبيب عن ابن عمر. وقال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل عند الأولى القيام، ويقوم عند الوسطى دون ذلك، ولا يقوم عند العقبة، وكان ابن مسعود يقف في الأولى للدعاء قدر قراءة سورة البقرة مرتين، وعند الثانية قدر قراءتها مرة، وكان كلما رمى أو فعل شيئًا من أمر الحج قال: اللهم اجعله حجًا مبرورًا وذنبًا مغفورًا. وأيام منى أيام ذكر كما قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}، وليعلن الحاج التكبير والتهليل والذكر لله تعالى فيها. قال: وأفضل ذلك أن يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، ومن قال غير هذا من الذكر فحسن، وكان عمر بن الخطاب يكبر أول النهار في قبته أو حيث ما كان من منى رافعًا صوته، ويكبر الناس بتكبيره، ثم

يكبر إذا ارتفع النهار كذلك، ثم إذا زالت الشمس كذلك حتى ترتج منى بالتكبير حتى يبلغ ذلك مكة وبينهما ستة أميال، ثم يكبر بالعشي هكذا أيام منى كلها. قال عبد الوهاب: وإنما قال: يرمي الجمار أيام منى بعد الزوال: لما روى جابر قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى/ يوم النحر ضحى، فأما بعد ذلك فبعد الزوال»، ورواه ابن عباس، وعائشة. وإنما قال يرميها ماشيًا: لأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وإنما قال: يقف عند الجمرتين للدعاء، ولا يقف عند العقبة، فكذلك في حديث عائشة، وعبد الله بن عمر، وروي عن عمر، وابنه: أنهما فعلا ذلك.

ومن المدونة: قال مالك: وإن رمى بسبع حصيات في مرة لم تجزه، وتكون كواحدة، ويرمي بعدها بست حصيات، ويوالي بين الرمي. قال عبد الوهاب: وإنما قال ذلك: لأنه صلى الله عليه وسلم رماها بسبع رميات. وقال أبو حنيفة: يجوز رميها في مرة. ومن المدونة قال مالك: ويكبر مع كل حصاة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن القاسم: فإن لم يكبر أجزأه. قلت: فإن سبح وهلل مع كل حصاة؟ قال: السنة التكبير. قال ابن القاسم: وإن وضع الحصاة وضعًا، أو طرحها لم يجزه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رماها رميًا. قال: وإن رمى حصاة فوقعت قرب الجمرة، فإن وقعت موضع حصى الجمرة وإن لم تبلغ الرأس أجزأه، وإن سقطت في محمل رجل فنفضها صاحب المحمل فسقطت في الجمرة لم يجزه، ولو أصابت المحمل ثم مضت بقوة الرمية الأولى حتى وقعت في

الجمرة أجزأه، وقد تقدم أنه لا يرمي بحصى الجمار؛ لأنه قد رُمي به. قال ابن القاسم: ومن نفد حصاه فأخذ ما بقي عليه من حصى الجمار فرمى به أجزأه. قال ابن القاسم: سقطت مني حصاة فلم أعرفها، فرميت بحصاة من حصى الجمار، فقال لي مالك: إنه لمكروه، وما أرى عليك شيئًا. محمد: وقال أشهب: لا يجزئه. فصل [1 - فيمن ترك رمي الجمار حتى غابت الشمس، أو تركها حتى مضت أيام منى] قال ابن القاسم: ومن ترك رمي جمرة من هذه الجمار. م: يريد: أو الجمار كلها حتى غابت الشمس رماها ليلاً، واختلف قول مالك في وجوب الدم عليه، وأحب إلي أن يلزمه الدم، وإن ترك رمي جمرة، أو الجمار كلها حتى مضت أيام منى فحجه تام، وعليه بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة، فإن لم يجد صام، وأما في حصاة فعليه دم. ابن المواز: قال مالك: من ذكر بعد أيام منى حصاة ذبح شاة، وإن كانت جمرة ذبح بقرة. ابن المواز: وإن كانت الجمار كلها فبدنة.

وقال عبد الملك: من ترك جمرة العقبة أول يوم ورماها من الليل، أو من الغد بغير نية لقضاء ما نسي فإنه يجزئه. قال: وإن لم يرم العقبة في شيء من أيام الرمي بطل حجه، وخالف في ذلك أصحابه. وقال عنه ابن حبيب: إن لم يرمها يوم النحر حتى أمسى فعليه دم، ويرميها في ليلته، وإن ذكرها في اليوم الثاني، أو قبل انقضاء أيام منى رماها، وعليه بدنة، فإن لم يذكرها حتى زالت أيام منى بطل حجه. ومن المدونة: قال مالك: وإذا مضت أيام التشريق فلا رمي لمن لم يكن رمى. قال: ومن رمى يوم ثاني النحر الجمار الثلاث بخمس، خمس، ثم ذكر من يومه رمى الأولى التي تلي مسجد منى بحصاتين، ثم الوسطى بسبع، ثم العقبة بسبع، ولا دم عليه، ومن ذكرها من الغد رمى هكذا، وعليه دم على أحد قولي مالك، ولو ذكرها بعد رميه لغده رمى هكذا، ثم يعيد رمي يومه؛ لأنه في بقية من وقته، وعليه دم للأمس، وإن ذكر ذلك بعد مغيب الشمس من اليوم الثاني رمى عن أمس بما ذكرنا، وعليه دم، ولا يعيد رمي يومه، وإن لم يذكر إلا بعد رمي يومين وذكر قبل مغيب الشمس من آخر أيام التشريف رمى الأولى بحصاتين، والاثنتين بسبع، سبع عن أول يوم، وأعاد رمي يومه هذا فقط إذ عليه بقية من وقته، ولا يعيد رمي اليوم الذي بينهما؛ لأن وقت رمي يومه ذلك قد مضى. قال مالك: وإن ذكر أنه نسى حصاة من أول يوم لا يدري من أي جمرة هي فليرم الأولى بحصاة، ثم يرمي الوسطى والعقبة بسبع، سبع، ثم قال مالك: يرمي كل جمرة

بسبع، سبع، وبقوله الأول أخذ ابن القاسم. وكذلك قال الأبهري فيمن بقيت بيده حصاة فلم يدر من أي جمرة هي. قال: فوجه قوله الأول: فلجواز أن تكون الحصاة من الأولى، ولا يجوز رمي ما بعدها إلا بتمامها فاحتاط وجعلها منها ليكون على يقين. ووجه قوله: إنه يستأنفهن: فلأنه قد انقطع بين رمي الأولى للحصاة التي بقيت عليه فوجب أن يبتدي رميهن حتى يوالي الرمي. والأول أحب إلينا. قال ابن المواز: قال ابن القاسم: وإن رمى الآخرة، ثم الوسطى، ثم الأولى أعاد الوسطى، ثم الآخرة، ولو رمى الأولى، ثم الآخرة، ثم الوسطى أعاد الآخرة. ابن المواز: وإن رمى الجمار كلها بحصاة، حصاة كل جمرة حتى أنمها بسبع، سبع، فليرم الثانية بست، ثم الثالثة بسبع. م: وحُكي عن ابن القابسي فيمن رمى عن نفسه حصاة، وعن صبي معه حصاة حتى أتم الرمي فليعد عن نفسه ولا يعتد من ذلك إلا بحصاة واحدة، ولو رمى جمرة عن نفسه، ثم رماها عن الصبي حتى أتم فذلك يجزئه. م: وقوله في الأولى غير صحيح؛ لأنه تفريق يسير، وليست كمسألة محمد في الذي رمى الجمار كلها بحصاة، حصاة حتى أتم؛ لأن رمي الثانية لا يصح إلا بعد استيعاب

رمي الأولى، وكذلك رمي الثالثة لا يصح إلا بعد استيعاب رمي الأولى والثانية، ويدل على صحة رميه عن نفسه في مسألة رميه عن نفسه وعن الصبي: قوله في مسألة ابن المواز: أنه يعتد بالرمية الأولى ولا يضره تأخير الثانية عنها، وقوله في الكتاب: إذا رمى الجمار بخمس، خمس أنه يعتد بالخمس الأولى، ولا يضره ذلك التفريق، وهو أطول من تفريق رميه عنه وعن الصبي، وهذا أبين. فصل [2 - رمي الجمار ليس من شرطه الطهارة] ابن المواز: قال ابن وهب: وليس على من رمى الجمار على غير وضوء إعادة، ولكن لا يتعمد ذلك، ولم ير عطاء، والشعبي به بأسًا، وكان ابن عمر يغتسل لرمي الجمار، وقال ابن شهاب: لا يرمي إلا وهو طاهر. قال عطاء، ومجاهد: وتتوضأ الحائض إذا توجهت إلى شيء من ذلك. فصل [3 - العاجز يستنيب في الرمي إذا كان الظاهر من حاله أنه لا يزول عجزه في وقت الرمي] ومن المدونة: قال مالك: والمريض إذا كان يستطاع حمله ويطيق الرمي ويجد من يحمله فليحمل حتى يرمي الجمرة، وإن كان ممن لا يستطاع حمله، أو لا يقدر على من يحمله، أو لا يستطيع الرمي رمى عنه غيره. قال في كتاب محمد: ممن قد رمى عن نفسه. قال في المدونة: ثم يتحرى المريض ذلك الرمي فيكبر لكل حصاة تكبيرة وعليه الدم؛ لأنه لم يرم وإنما رمى عنه غيره. قال ابن القاسم: ولا يرمي المريض الحصاة في كف غيره ليرميها ذلك عنه.

قال: وليقف الرامي عنه عند الجمرتين للدعاء وحسن أن يتحرى المريض ذلك الوقوف فيدعو. واختلف قول ابن القاسم في كتاب محمد في وقوف الرامي عن المريض للدعاء، وقال أشهب يقف عنه. ومن المدونة: قال مالك: وإن صح المريض ما بينه وبين غروب الشمس من آخر أيام الرمي أعاد ما رمي عنه كله في الأيام الثلاثة، وعليه الدم. ابن المواز: وقال أشهب: لا دم عليه إذا أعاد ما رمى عنه، وقاله عطاء. قال في المدونة: وإنما وقت مالك لهذا المريض إذا صح أن يعيد الرمي إلى مغيب الشمس من آخر أيام التشريق. قال ابن القاسم: ولو رمى عنه العقبة يوم النحر، ثم صح آخر ذلك اليوم أعاد الرمي، ولا دم عليه، وإن صح ليلاً فليرم ما رُمي عنه، وعليه الدم. قال مالك: وأحب إلي للمريض إن طمع بصحة أن ينتظر بالرمي آخر أيام الرمي، فإن لم يرج ذلك فلا يُؤخر وليرم عنه ويهدي. قال: والمغمى عليه في رمي الجمار كالمريض. ويرمي عن الصغير من رمى عن نفسه، كالطواف، وإن كان الصبي كبيرًا قد

عرف الرمي فليرم عن نفسه، وإن ترك الرمي أو لم يرموا عن الذي لا يقدر على الرمي، فالدم على من من أحجهما. فصل [4 - السنة لإمام الحاج أن لا يتعجل] ومن كتاب ابن المواز: قال أصبغ: والسنة للإمام أن يرمي الجمرة الآخرة عند الزوال ويتوجه فاصلاً وقد أعد رواحله قبل ذلك، أو يأمر من يلي ذلك له، ولا يرجع إليه ثانية. قال مالك: فإذا تم الرمي في اليوم الثالث فلا يقيم مع أحد بعد رميه ولينفر ويُصل في طريقه، ولا يصلي ذلك اليوم بمسجد منى غير صلاة الصبح. قال: وإذا كان له ثقل وعيال فله أن يؤخر ما لم تصفر الشمس. [فصل 5 - يشترط في التعجيل أن يخرج من منى قبل الغروب من اليوم الثاني من أيام التشريق] قال مالك: وللحاج التعجل في يومين بعد أن يرمي لليوم الثاني من أيام التشريق، وهو ثالث يوم النحر. محمد: يرمي بإحدى وعشرين حصاة، كل جمرة بسبع حصيات، فيصير جميع رميه بتسع وأربعين حصاة، ويسقط رمي اليوم الثالث، وذلك ما لم تغرب الشمس من اليوم الثاني، فإن غربت وهو بمنى أقام حتى يرمي من الغد، فإن جهل فتعجل في ليلته أساء، وعليه الهدي.

قال ابن المواز: وكره مالك لإمام الحاج التعجيل. قال ابن القاسم: ولو تعجل قبل الغروب فخلف العقبة، ثم غربت الشمس لجاز ذلك، ويطوف من الليل إن شاء وينصرف، وقاله أصبغ. [فصل 6 - من تعجل في يومين هل له أن يقيم بمكة؟] قال: ومن تعجل في يومين فلا يضره أن يقيم بمكة حتى يمشي ما بدى له. وقال عبد الملك: إن بات بمكة فعليه دم، يريد: ويرجع إلى منى، ويرمي من الغد، وليس كذلك أهل مكة؛ لأن المكي قد تعجل إلى بيته، ولو أفاض في يومين وليس شأنه التعجيل فبدى له من مكة أن ينفر فذلك له ما لم تغب عليه الشمس بمكة، فإذا غابت لم يبرح حتى يرمي من الغد. قال: وإن أفاض وليس شأنه التعجيل فطاف ورجع إلى منى ثم بدى له بمنى قبل الغروب أن يتعجل كان ذلك له، وهي السنة. وذهب ابن حبيب إلى أن للمتعجل في يومين رمي جمار يومه ذلك، ثم يرمي في فوره جمار اليوم الثالث مكانه. قال أبو محمد: وليس هذا قول مالك، ولا أصحابه. قال ابن حبيب: فإذا أتم رميه نفر لوجهه حتى يأتي مكة، ولا ينزل بالمُحصب، فيصلي بمكة الظهر، فإن كان قد أفاض يوم النحر طاف للوداع وركع ركعتيه، ثم مضى

إلى بلده، وإن لم يكن أفاض طاف للإفاضة وللوداع، وإن أحب جمعهما في طواف واحد، وأجزأه من الأمرين، وإن أحب طاف لكل واحد وركع لكل طواف ركعتين، ثم مضى صادرًا إلى بلده، وقد قضى حجه وتم أمره. ويستحب أن يكون آخر عهده عند خروجه استلام الركن ثم يمضي. قال: ولا يجوز لمن تعجل في يومين أن يقيم بمكة في يومه ذلك ويبيت، فإن فعل فقد خرج من سُنّة التعجيل، ووجب عليه إذا أصبح بمكة أن يرجع إلى منى حتى يرمي مع الناس وينفر معهم، ولا يعتد بالرمي الذي كان قدمه؛ لأنه حين أصبح بمكة صار غير متعجل؛ لأن المتعجل إنما أرخص له ليتعجل إلى بلده وأهله، وإن هو حين أصبح بمكة جهل أن يرجع إلى منى ويرمي ومضى إلى بلده وجب عليه الهدي الذي يجب على من لم يرم، وأما من تعجل من أهل مكة فلا شيء عليه؛ لأنه إنما أقام في أهله وبيته ولم يبق عليه سفر يتعجل إلى الخروج له. م: وهذا قول عبد الملك ابن الماجشون. قال مالك: ولا أرى لأهل مكة أن يتعجلوا في يومين إلا أن يكون لهم عذر من مرض، أو تجارة يرجع إليها، قيل له: فالرجل منهم تكون له المرأة الواحدة يريد أن يتعجل إليها؟ قال: لا أرى ذلك ما جُلّ الناس إلا له المرأه الواحدة. قال ابن القاسم: وقد قال لي مالك قبل ذلك: لا بأس لأهل مكة أن يتعجلوا، وهم كغيرهم، وهو أحب قوله إلي؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}، فهذه الآية لأهل مكة وغيرهم.

قال مالك: وأرخص لرعاة الإبل أن يرموا يوم النحر العقبة ثم يخرجون فإذا كان اليوم الثاني من أيام منى يوم نفر المتعجل أتوا فرموا الجمار لليوم الماضي ولليوم، ثم لهم أن يتعجلوا، فإن أقاموا رموا للغد مع الناس. ابن المواز: قال فإن رعوا النهار ورموا الليل أجزأهم، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص لهم في ذلك.

[الباب الخامس] في الاشتراك في الهدي، وصفة النحر ومن ذبح هدي غيره وأحكام الهدايا، وجامع القول فيها

[الباب الخامس] في الاشتراك في الهدي، وصفة النحر ومن ذبح هدي غيره وأحكام الهدايا، وجامع القول فيها: قال الله سبحانه: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُم} فكان للقارن حكمه في السنة، ودخل في ذلك: كل من انثلم من حجه شيء، ثم ليس في شيء من ذلك إطعام، وإنما ذكر الله الإطعام في جزاء الصيد وفدية الأذى، وسمي الجزاء هديًا، والفدية نسكًا، وجعل محل الهدي الذي وقف به بعرفة منى بقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}، والحلق بمنى، لقوله تعالى: {فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} إلى قوله: {فَكُلُوا مِنْهَا}، وما لم يوقف به بعرفة فمحله مكة، لقوله في الجزاء: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}، ولم يذكر للفدية محلاً، ولا سماها هديًا، فأينما ذبحت أجزأت. قال مالك: ولا يشترك في هدي واجب، أو تطوع، أو نذر، أو جزاء صيد، أو فدية، ولا في شيء من الهدي. ابن المواز: قال ابن وهب عن مالك: لا بأس أن يشترك في هدي العمرة التي يتطوع بها الناس، وأما الواجب فلا. قال ابن المواز: لا يشترك في تطوع، ولا غيره، وقاله مالك، ومن فعله في التطوع

فهو خفيف، قال: ومعنى حديث جابر: «نحرنا البدنة عن سبعة» إن ذلك في التطوع، وكانوا معتمرين. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن يلزمه الهدي هو أهل بيته، فلزم كل واحد منهم شاة فاشتركوا في بعير لم يجزئهم، وأهل البيت والأجنبيون في هذا سواء، ولو ابتاع هو هديًا تطوعًا لم ينبغ أن يشرك فيه أهل بيته. قال مالك في موطأه: أحسن ما سمعت: أن الرجل ينحر عنه وعن أهل بيته بدنة، أو يذبح بقرة أو شاة هو يملكها ويشركهم فيها، فأما أن يشترك فيها ناس في نسك أو أضحية ويخرج كل واحد منهم حصته من ثمنها فإن ذلك يكره. فصل [1 - في صفة نحر البدن] ومن المدونة: قال مالك: الشأن أن تُنْحر البدن قيامًا، وكذلك فعل الرسول صلى الله عليه وسلم. قال ابن القاسم: فإن امتنعت فلا بأن أن تعقل ليتمكن من نحرها. قال ابن حبيب في قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ}:

وذلك أن تصف أيديها بالقيود عند نحرها، وقرأ ابن عباس: "صوافن"، وهي المعقولة من كل بدنة يد واحدة، فتقف على ثلاثة قوائم، وقرأ الحسن: "صوافي" أي صافية لله. قال: والإبل تنحر ولا تذبح بعد النحر، والبقر تذبح ولا تنحر بعد الذبح. وفي كتاب الضحايا إيعاب هذا. قال مالك: والهدايا كلها إذا نحرها قبل الفجر من يوم النحر لم يجزه، قال: ومن قلد نسك الأذى وأوقفه بعرفة فلا ينحره إلا يوم النحر بمنى بعد طلوع الفجر، قال: ولا تُذبح الهدايا والضحايا إلا في أيام النحر نهارًا، ولا تذبح ليلاً، فإن ذبحت ليلاً لم تجزه، وأعادها؛ لقوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}، فإنما ذكر الأيام ولم يذكر الليالي. وكره مالك للرجل أن ينحر هديه أو أضحيته غيره، وليل ذلك بنفسه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك فعل، فإن نحر له غيره أجزأه. م: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليًا بنحر الهدايا.

قال مالك: وإن نحر له غير مسلم لم يجزه، وعليه البدل. وقال أشهب: يجزئه إذا كان ذميًا، وقيل: إنه رواه عن مالك. م: فوجه قول مالك أنه لا يجزئه: فلأنه مشرك كالمجوسي؛ ولأنها قربة متعلقة بالبدن فلا يجوز نيابة المشرك فيها، كالحج. ووجه قول أشهب: فلأنه من أهل الذبح كالمسلم، واعتبارًا بتوليته العتق وتفرقة الزكاة ولحم الأضحية. قال مالك: ومن ذبح فقال: بسم الله والله أكبر، اللهم تقبل من فلان، فذلك حسن، وإن لم يقله وسمى الله أجزأه. فصل [3 - في الهدي يدخله عيب بعد التقليد والإشعار] وكل هدي واجب، أو تطوع، أو جزاء صيد دخله عيب بعد أن قلده وأشعره وهو صحيح مما يجوز في الهدي فحمله صاحبه، أو ساقه حتى أوقفه بعرفة فنحره بمنى أجزأه، وإن فاته أن يقف به بعرفة فساقه إلى منى فلا ينحره بها ولكن بمكة، ولا يخرجه إلى الحل ثانية إن كان قد أدخله من الحل، فإن هلك هذا الهدي في سيره به إلى مكة لم يجزه؛ لأنه لم يبلغ محله، وكل هدي فاته الوقوف بعرفة فمحله مكة لا منى. قال في كتاب محمد: ولا يُنحر حتى تذهب أيام منى وتحل العمرة زاد ابن الكاتب القروي في مناسكه: فإن نحره بمكة في أيام منى أجزأه. قال ابن القاسم: ومن أوقف هدي جزاء صيد، أو مُتْعة، أو غيره بعرفة ثم قدم به مكة فتحره بها جاهلاً وترك منى متعمدًا أجزأه.

وقال أشهب: لا يجزئه. م: فوجه قول ابن القاسم: أنه يجزئه: قوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ولأنه إنما ترك الاختيار، وقد نحره في موضع منحر له، وكما لو تعمد ترك وقوفه به بعرفة. ووجه قول أشهب: إن ما وقف به بعرفة إنما محله منى، وبها نحر النبي صلى الله عليه وسلم، فمن نحره في غيرها فقد نحره في غير محله، وقد قال مالك في كتاب ابن المواز: إن ما وقف به يعرفة إن نحر بغير منى في أيام منى لم يجزه. قال: وكل ما محله من الهدي مكة فلم يقدر أن يبلغ به داخل بيوت مكة، ونحره في الحرم لم يجزه، وإنما محله مكة، أو ما يلي بيوتها من منازل الناس. قال في العتبية: ولا يجزئه أن ينحره عند ثنية المدنيين، وقد نحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه بالحديبية، والحديبية في الحرم، فأخبر الله تعالى أن ذلك الهدي لم يبلغ مَحِله. ابن المواز: قال مالك: ومنى كلها منحر إلا ما خلف العقبة، وأفضل ذلك عند الجمرة الأولى، وكل ما كان من هدي فلا ينحر إلا بمكة بعد أيام منى.

ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن ضل هديه الواجب بعدما أوقفه بعرفة، فوجده بعد أيام منى فلينحره بمكة، قال لي مالك مرة: لا يجزئه، وعليه الهدي الذي كان عليه، وقد قال مالك قديمًا فيما بلغني: أنه يجزئه، وبه أقول. م: وهذه مثل التي قبلها، فوجه قوله: أنه لا يجزئه: لأن هذا هدي قد وقف به بعرفة فلا يجوز أن ينحر إلا بمنى، ومن نحره بغيرها فقد نحره في غير محله، ووجه قوله: أنه يجزئه: فلأن مكة أيضًا محل للهدايا؛ ولأنه لو تعمد ترك إيقافه بعرفة لكانت مكة محلاً له، واختلاف قول ابن القاسم وأشهب في الأولى على اختلاف قول مالك في هذه. وفي كتاب محمد: إذا ساق هديًا فضل قبل أن يقف به بعرفة، ثم وجده بمنى، قال: اختلف فيه قول مالك، فقال: لا يجزئه وينحره ويهدي سواه، وقال: يجزئه وينحره بمكة. م: وهذا أبين، ووجه الأول: أنه لما ضل قبل بلوغه محله وجب عليه بدله، فلا يسقط ذلك وجوده. ومن المدونة: ومن قلد هديه وأشعره، ثم ضل فأصابه رجل فأوقفه بعرفة، ثم وجده ربه يوم النحر، أو بعده أجزأه ذلك التوقيف؛ لأنه قد وجب هديًا، ولا يرجع في ماله. م: معناه: وإن أوقفه الأجنبي عن نفسه.

قال: ولا يجزيء ما أوقفه التجار؟ لأن توقيفهم لا يوجبها هديًا؛ لأنهم إنما أوقفوها للبيع، ولهم ردها وبيعها. ولو اشترى رجل منهم هديًا بعرفة وسأل بائعه أن يوقفه له أجزأه ذلك التوقيف، ومن أوقف هديه بعرفة ثم ضل منه فوجده رجل فنحره بمنى؛ لأنه رآه هديًا فوجده ربه منحورًا أجزأه. قال يحيى: هذا إذا أوقفه بعرفة ثم ضل منه بعد غروب الشمس، فأما إن ضل منه قبل الغروب ثم وجده بمنى فنحره بها لم يجزه. قال ابن القاسم: وإذا أخطأ الرفقاء يوم النحر فنحر كل واحد منهم هدي صاحبه أجزأهم، ولو كانت ضحايا لم تجزئهم، وعليهم بدلها، ويضمن كل واحد منهم لصاحبه أضحيته التي ذبحها بغير أمره. والفرق بينهما: أن الهدي إذا قُلد وأُشعر لم يرجع في مال صاحبه، ومن نحره بعد أن بلغ محله أجزأ صاحبه؛ لأنه قد وجب هديًا، والضحايا لا تجب إلا بالذبح، ولربها بدلها بخير منها. فصل [3 - المرأة إذا خافت فوات الحج بسبب الحيض فأردفت الحج على العمرة أجزأها هدي التطوع لقرانها] قال مالك في امرأة دخلت مكة بعمرة ومعها هدي فحاضت بعد دخولها مكة قبل أن تطوف فإنها لا تنحر هديها حتى تطهر ثم تطوف وتسعى وتنحر وتقصر، فإن كانت ممن تريد الحج وخافت الفوات ولم تستطع الطواف لحيضتها أهلت بالحج وساقت

هديها وأوقفته بعرفة ولا تنحره إلا بمنى وأجزأها لقرانها، وسبيلها سبيل من قرن. قال عبد الوهاب: ثم يُستحب لها أن تستأنف عمرة بعد الإحلال، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها. ومن المدونة: قال مالك: ومن اعتمر في أشهر الحج، وساق معه هديًا فطاف لعمرته، وسعى فلينحره إذا تم سعيه، ثم يحلق أو يقصر ويحل، ولا يؤخره إلى يوم النحر، فإن أخره فلا يثبت حرامًا ويحل من عمرته، فإذا كان يوم التروية أحرم بالحج، واستحب له مالك أن يحرم في أول العشر. قال مالك: وإن كان لما حل من عمرته أخر هديه إلى يوم النحر فنحره لم يجزه عن متعته؛ لأنه قد لزمه أن ينحره أولاً، ثم قال: أرجو أن يجزئه، وقد فعله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأحب إلي أن ينحره ولا يؤخره.

ابن المواز: قال أشهب عن مالك: ما ساقه الرجل من الهدي لعمرته فنحره بمنى فلا يجزئه وإن وأقفه بعرفة. قال: وجزاء الصيد إذا ساقه معه في عمرته فلا ينحره إلا بمكة لا بمنى. قال أشهب: وإن ساقه في حج لم ينحره إلا بمنى بعد وقوفه به بعرفة، فإن نحره بمكة في أيام منى لم يجزه إلا أن ينحره بها بعد أيام منى. فصل [4 - فيمن اعتمر وساق هديًا تطوعًا فهلك قبل بلوغ محله] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن اعتمر وساق هديًا تطوعًا فهلك قبل بلوغ محله فليتصدق به ولا يأكل منه؛ لأنه ليس بمضمون، وليس عليه بدله، وإن أكل منه فعليه بدله. قال بعض البغداديين: وإنما لم يجز له أن يأكل منه؛ لأنه يُتهم أن يكون أعطبه ليأكل منه فإن أكل منه أبدله لقوة التهمة. قال ابن القاسم: وإن استحق هذا الهدي التطوع فعليه بدله، ويجعل ما يرجع به من ثمنه في هدي كما يفعل فيما يرجع به من عيب هدي التطوع. قال مالك: ومن هلك هديه التطوع ألقى قلائدها في دمها، ورمى عندها جُلها وخطامها وخلى بين الناس وبينها، ولا يأمر من يأكل منها فقيرًا ولا غنيًا، فإن أكل، أو أمر من يأكل، أو يأخذ شيئًا من لحمها فعليه البدل، وسبيل الجل والخطام سبيل اللحم.

قال ابن القاسم: وإن بعث بها مع رجل فعطبت فسبيل الرسول سبيل صاحبها، هو الذي ينحرها، أو يأمر من ينحرها، ويفعل فيها كفعل ربها لو كان معها، ولا يأكل منها الرسول، فإن أكل لم يضمن، ولا يأمر ربها الرسول إن عطبت أن يأكل منها، فإن فعل ضمن، ألا ترى أن صاحب الهدي حين جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما أصنع بما عطب من الهدي؟ قال: «انحرها، وألق قلائدها عندها وخل بين الناس وبينها». قال ابن القاسم: وإن أمر ربها الرسول إن عطبت أن يخلي بين الناس وبينها فعطبت فتصدق بها الرسول لم يضمن وأجزأت صاحبها، كمن عطب هديه التطوع فخلى بين الناس وبينها، فأتى أجنبي فقسمها بين الناس فلا شيء عليه، ولا على ربها. قال مالك: له أن يأكل من الهدي كله واجبه وتطوعه إذا بلغ محله ونُحِرَ إلا ثلاثة: جزاء الصيد، وفدية الأذى، وما نذره للمساكين. قال ابن المواز: وله أن يأكل من الهدي النذر، والبدنة النذر إلا أن ينذر ذلك للمساكين. ومن المدونة: قال مالك: وإن أكل من جزاء الصيد، وفدية الأذى ما قل أو كثر بعد محله فعليه البدل. قال ابن القاسم: وإن أكل مما نذره للمساكين فلا أدري ما قول مالك فيه، وأرى

أن يطعم للمساكين قدر ما أكل لحمًا، ولا يكون عليه البدل؛ لأن هدي نذر المساكين لم يكن عند مالك في ترك الأكل منه بمنزلة جزاء الصيد، وفدية الأذى، وإنما استحب مالك ترك الأكل منه. م: يعني ها هنا: إن نذر المساكين بعينه ولو كان مضمونًا لكان عليه بدله كله إن أكل منه. م: وإنما قال: يؤكل من الهدي كله: لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا}، وقوله: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا}. وإنما قال: لا يؤكل من جزاء الصيد: لأن الله تعالى جعله للمساكين بقوله: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ}، وكذلك نُسك الأذى، لقوله صلى الله عليه وسلم: «أو إطعام ستة مساكين»، وما سماه هو للمساكين فقد نذره لهم، فلا يجوز له الرجوع فيه. ابن المواز: وقال ابن الماجشون: إذا ضل جزاء الصيد فأبدله، ثم وجد الأول فلينحرهما إن كان قلد الآخر أيضًا، ولا يأكل من الأول، ويأكل من الثاني إن شاء. محمد: ولو أكل من الثاني بعد أن بلغ محله قبل أن يجد الأول فليبدله إلا أن يجد الأول فيجزئه، ويصير الثاني كهدي تطوع أكل منه بعد أن بلغ محله.

وذكر ابن حبيب المسألة من أولها عن ابن الماجشون، وقال في سؤاله: إن ضل هديه الواجب فأبدله؟. والذي ذكر محمد من جزاء الصيد أصح. قال ابن حبيب- عن ابن الماجشون-: ومن معه هدي تطوع، وهدي واجب. م: يريد: جزاء صيد، ونذر المساكين فاختلطا فلا يأكل من واحد منهما، وإن ضل أحدهما، ولا يدري أيهما هو، فلا يأكل من الباقي، ولا يجزئه الباقي إذ لعله التطوع، وليبدل الواجب، ولا يأكل من البدل، إذ لا يدري أيهما التطوع. ابن المواز: وإن ضل هدي تمتعه وهو مُقلَد بعد أن بلغ فأبدله فعطب البدل قبل أن يبلغ محله فله أن يأكل منه، وعليه بدله لتمتعه، فإن وجد الأول نحره عن تمتعه، ولابد له من بدل الثاني؛ لأنه صار تطوعًا أكل منه قبل محله. قال ابن المواز: وكان الحسن يقول: يؤكل من الهدي كله، وقال سعيد بن جبير: لا يؤكل من الهدي، ولا من الجزاء، والفدية، وقال طاوس: لا يؤكل من الجزاء، والفدية. ومن المدونة: قال مالك: وكل هدي مضمون هلك قبل محله فلصاحبه أن يأكل منه ويطعم من شاء من غني أو فقير؛ لأن عليه بدله، فلا فائدة في منعه أكله. قال مالك: ولا يبيع من ذلك لحمًا ولا جِلْدًا ولا جُلاً، ولا خِطامًا ولا قلائد،

ولا يستعين بذلك في ثمن البدل. م: لأنه قد أخرج ذلك كله لله، فلا يرجع فيه. قال مالك: ومن الهدي الذي هو مضمون ما إن عطب قبل محله جاز أن يأكل منه؛ لأن عليه بدله، وإن بلغ محله لم يجز له أن يأكل منه، وإن أكل منه لم يجزه، وعليه البدل وهو جزاء الصيد، وفدية الأذى، ونذر المساكين. يعني: إن نذر المساكين ها هنا مضمون غير معين، فلذلك كان عليه بدل جميعه. قال مالك: والهدي المضمون: هو الذي إذا هلك قبل محله، أو استحق كان عليه بدله، والهدي الذي ليس بمضمون: هو هدي التطوع وحده، وكل هدي ساقه رجل لا لشيء وجب عليه من أمر الحج، أو يجب عليه في المستقبل فهذا تطوع، ومن قلد بدنه، أو أهدى هديًا تطوعًا، ثم مات الرجل قبل أن يبلغ الهدي محله، فلا يرجع ميراثًا؛ لأنه قد أوجبه على نفسه. والمبعوث معه بالهدي يأكل منه إلا من الجزاء، والفدية، ونذر المساكين فلا يأكل منه شيئًا، إلا أن يكون الرسول مسكينًا فجائز له الأكل منه. ومن أطعم الأغنياء من الجزاء والفدية فعليه البدل، جهلهم أو علم بهم، كالزكاة ولا يطعم منها ولا من جميع الهدي غير مسلم، فإن فعل أبدل الجزاء والفدية، ولا يُبْدل غيرها، وهو خفيف وقد أساء، وروي عن ابن القاسم أنه قال: أرجو أن يجزئه الجزاء والفدية إن لم يتعمد. م: وإنما قال: يُبدل الجزاء والفدية دون غيرهما من الهدي؛ لأن الجزاء

والفدية إنما هي للمساكين، كالزكاة، فلم يجب أن يعطى منها إلا من يُعطي من الزكاة. ومن المدونة: وإن هو أطعم ذميًا كفارة عليه لم يجزه، ولا يتصدق بشيء من الهدي على فقراء أهل الذمة ولا يُطعم من جزاء الصيد أبويه، وزوجته، أو ولده، أو مدبره، أو مكاتبه، أو أم ولده، كما لا يُعطيهم من زكاته. فصل [5 - فيمن بعث بهدي، ثم خرج بعده حاجًا او معتمرًا] ومن بعث بهدي مع رجل حرام ثم خرج بعده حاجًا أو معتمرًا، فإن أدرك هديه لم يُنحر فليؤخر نحره إلى أن يحل، وإن لم يُدركه فلا شيء عليه، ومن وجب عليه هدي في حج أو عمرة فله أن يبعثه مع غيره. فصل [6 - من ضل هديه التطوع أو أضحيته فوجدهما بعد أيام النحر] وإذا ضل هدي التطوع، ثم وجده بعد أيام النحر نحره بمكة، ولو ضلت منه أضحيته فوجدها بعد أيام النحر فلا يذبحها وليصنع بها ما شاء، وإن أصابها في أيام النحر نحرها إلا أن يكون قد ضحى ببدلها فلا شيء عليه، ولو ضل منه هدي واجب، أو جزاء صيد فنحر غيره يوم النحر ثم وجده بعد أيام النحر نحره أيضًا؛ لأنه أوجبه هديًا، فلا يرده في ماله، وكل هدي واجب ضل من صاحبه أو مات قبل أن ينحره فلا يجزئه، وعليه بدله، وكل هدي تطوع مات، أو سُرق، أو ضل فلا بدل على صاحبه فيه، ومن سُرق هديه الواجب بعدما ذبحه أجزأه.

فصل [7 - الوقت المعتبر في سلامة الهدي هو حين تقليده وإشعاره] ومن قلد هديًا وأشعره وهو لا يجزئه لعيب به فلم يبلغ محله حتى زال ذلك العيب لم يجزه، وعليه بدله إن كان مضمونًا، ولو قلده سليمًا، ثم حدث به ذلك قبل محله أجزأه. قال أبو بكر الأبهري: القياس: أن لا يجزئ؛ لأن وجوبه لم يتناهى عند مالك، وهو مراعى، ألا ترى أنه لو عطب قبل أن ينحره لم يجزه، وعليه بدله، فكذلك يجب إذا حدث به عيب لا يجوز في الهدي إلا يجزئه. قال ابن حبيب: وإذا قلد هديًا سمينًا، ثم نحره فوجده أعجفًا، فإن كان العجف يحدث في مثل مسافته أجزأه، وإن كان لا يعجف في مثلها لم يجزه في الواجب، ولو أشعره أعجفًا، ونحره سمينًا، فإن كان لا يسمن في مثل مسافته أجزأه، وإن كان يسمن في مثلها فأحب إلينا أن يبدله لما يخشى أن يكون حدث سمنه، قاله ابن الماجشون. ومن المدونة: وما أصاب الضحايا من عيب بعد شرائها فعلى صاحبها بدلها؛ لأن له أن يبدل أضحيته بخير منها، وليس لمن قلد هديًا بدله بخير منه، ولا له بيعه. قال ابن القاسم: فإن باعه رُد إن وجد، فإن لم يعرف مكانه فعليه البدل بثمنه ولا ينقص منه وإن وجده بدونه، وإن لم يجد بالثمن فليزد عليه؛ لأنه قد ضمن الهدي. وجلود الهدايا في الحج والعمرة، وجلود الضحايا يُصنع بها ما يصنع بلحومها، ولا يعطى الجازر على جزره الهدي والأضحية والنسك شيئًا من لحومها ولا جلودها، وكذلك خِطامها وجلالها.

فصل [8 - السن المجزئ في الضحايا والهدايا والنذر والفدية] قال مالك: والذي يجزئ من الأسنان في الضحايا والهدايا والنذر والفدية: الجذع من الضأن، والثني من سائر الأنعام، وكان ابن عمر يقول: لا يجزئ إلا الثني من كل شيء. قال مالك: إلا أنه صلى الله عليه وسلم قد أرخص في الجذع من الضأن. والبُدْن عند مالك من الإبل وحدها، والذكور والإناث بُدْنٌ كلها، لعموم قول الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ}، ولم يقل: ذكرًا ولا أنثى، وتعجب مالك ممن قال: لا تكون إلا في الإناث. قال ابن القاسم: وتجوز الإناث والذكور من الغنم، وغيرها في الهدايا والضحايا. فصل [9 - العيوب المانعة من الإجزاء في الضحايا والهدايا والنذر والجزاء والفدية] قال مالك: ولا يجوز في الضحايا والهدايا والنذر والجزاء والفدية شيء من ذوات العوار، ولا يجوز في الفدية إلا ما يجوز في الضحايا والنذر.

قال مالك: وتجزئ المكسورة القرن في الهدايا والضحايا إذا كان قد بريء، وإن كان يُدمي فلا يصلح، ولا بأس في الهدايا والضحايا باليسير من قطع أو شق في الأذن كالسمة، ونحوها، ويجوز الخصي في الهدايا والضحايا، ووسع مالك في الكوكب يكون في العين إذا كان يُبْصر بها ولم يكن على الناظر، ولا تجوز العرجاء البين عرجها ولا المريضة البين مرضها، وكذلك جاء في الحديث ولا يجوز الدبر من الإبل في الهدايا، ولا المجروح، وذلك في الدبرة الكبيرة والجرح الكبير. م: ولأن ذلك مرض. وفي الضحايا إيعاب هذا. فصل [10 - من نذر بدنة فهي من الإبل، ومن نذر هديًا وأطلق فالشاة تجزئه] قال ابن القاسم: ومن نذر بدنة فهي من الإبل، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد بقرة فسبعًا من الغنم، الذكور والإناث في ذلك سواء. قال ابن المواز: وقاله سالم، وخارجة، وعبيد الله، ومحمد بن علي.

قال ابن المسيب: إن لم يجد بقرة فعشر من الغنم. ومن المدونة: قال: وإن نذر هديًا، ولا نية له فالشاة تجزئه، لأنها هدي، وقال في كتاب النذور فيمن حلف إن لم يفعل كذا فعليه هدي فليهد بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة تجزئه. م: حُكي عن أبي الحسن: أن الفرق بين المسألتين: إنه إذا نذر هديًا فهو متطوع به فخفف عنه، والحالف به في يمين، ذلك يلزمه، وهو غير متطوع به، فغلظ عليه فيه، فهما مسألتان مفترقتان، وليس باختلاف قول. والله أعلم. ونحى أبو محمد في مختصره إلى أنه اختلاف. م: وهو أبين؛ لأن ما أوجبه على نفسه بغير يمين آكد مما أوجبه بيمين؛ لأن من قال: داري صدقة على فلان، جبره السلطان على ذلك، ولو قال: إن فعلت كذا فداري

صدقة على فلان فحنث لم يجبره السلطان على ذلك، فبان أن ما كان بغير يمين آكد مما كان بيمين على مذهب المدونة، وإن كان قد قيل: إنهما سواء كالعتق، وهو أقيس. والله أعلم. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن أهدى ثوبًا فليبعه ويشتري بثمنه هديًا ما حمل من بدنة، أو بقرة، أو شاة، ويشتري ذلك من الحل فيسوقه إلى الحرم، ولا يشتري إلا ما يجوز في الهدي. فصل [11 - فيمن قلد هديًا تطوعًا أو واجبًا ثم اطلع فيه على عيب] ومن اشترى هديًا تطوعًا فلما قلده وأشعره أصاب به عيبًا يجزيء به الهدي، أو لا يجزيء فليمض به هديًا ولا بدل عليه، ويرجع على البائع بما بين الصحة والداء فيجعله في هدي آخر إن بلغ، فإن لم يبلغ تصدق به. قال ابن المواز: إذ لا يشترك فيه ملك. وإن كان واجبًا فأصاب به عيبًا لا يجزي به الهدي فعليه بدله، ويلزمه سوق هذا المعيب أيضًا؛ لأنه كعبد عتق في واجب وبه عيب لا يجزي، وما رجع به من قيمة عيب هذا الهدي فليستعن به في البدل إن شاء، والرقبة الواجبة مثله، ولو كان عيب الرقبة يجزي بمثله أعان بقيمة العيب في رقبة أو قطاعة مكاتب، وإن كانت الرقبة تطوعًا صنع بالقيمة ما شاء. ابن المواز: قال ابن القاسم يصنع بقيمة عيب رقبة التطوع ما شاء كان عيب يجزي به الرقاب الواجبة أم لا يجزي بخلاف هدي التطوع. وروى أشهب عن مالك أنه يصنع بقيمة عيب هدي التطوع ما شاء، وقاله ابن

القاسم في المجالس وهو خلاف قوله في الأسدية. م: يريد- والله أعلم-: إن بلغ قيمة العيب ثمن بدنة وليس عليه أن يزيد من عنده. قال أصبغ: هذا إن كان عيبًا يجوز في الهدي وإلا أبدله كله وإن كان تطوعًا. قال ابن المواز: قوال أصبغ صواب إلا أنه يعتق الأعمى والمعيب طوعًا مما لا يجزي في واجب، ولا يهدي في التطوع إلا ما يهدي في الواجب، قال مالك: وذلك أنه لو استحق هدي التطوع بعد التقليد فأخذه ربه لأمرت هذا أن يرجع بثمنه فيجعله في هدي آخر، ولا آمره بذلك في عتق التطوع. م: والفرق في هذا عندي: لأنه في العتق إنما أعتق ذلك العبد بعينه، فلما بطل العتق فيه لم ينتقل العتق إلى غيره؛ لأنه لم يرده، وفي الهدي التطوع ليس المقصود به عين الهدي، إنما قصد ثوابه وصدقته على المساكين، فلا يرجع إليه شيء من ثمنه؛ لأن المساكين المقصود لهم الهدي قيام. م: ويحسن هذا الفرق على مذهب ابن القاسم فيما يرجع به من قيمة العيب أيضًا؛ لأنه إنما أخرج ثمنًا ليهدي به هديًا يكون للمساكين، فلا ينبغي أن يرجع إليه من ذلك الثمن شيء والمساكين قيام، وفي عيب العبد المقصود بالعتق قد عتق وهو لم يرد غيره، فلا شيء عليه فيما يرجع إليه من قيمة عيبه، ولو كان إنما أخرج دنانير ليعتق بها فاشترى بها عبدًا وأعتقه، ثم أصاب به عيبًا، فإنه يجعل ما يرجع إليه من قيمة العيب في رقبة إن بلغ، أو قطاعة مكاتب يتم بها عتقه؛ لأنه أخرج ذلك الثمن للعتق فلا

يعود إليه منه شيء، ويستوي العتق والهدي في هذا. والله أعلم. وحكى نحوه بعض أصحابنا عن بعض شيوخنا من القرويين، قال: إنما فرق بين الهدي المعيب وبين الرقبة المعيبة إذا كان ذلك تطوعًا لأن محمل مسألة الرقبة المتطوع بعتقها أنها لم تكن في الأصل مشتراة للعتق، فلذلك ساغ له قيمة العيب، وأما لو أخرج ثمنًا فاشتراها به للعتق كانت كهدي التطوع سواء لا يسوغ له قيمة العيب، ولو كان أيضًا الهدي لم يشتره وإنما أهدى شيئًا تقدم له ملكه أو اشتراه لغير الهدي، كان كالرقبة إذا لم تكن في الأصل مشتراة للعتق إن قيمة العيب تسوغ له، وإنما افترقت المسألتان لافتراق السؤال. قال: وهكذا كان يقول أبو موسى بن مناس، ونحوه في المستخرجة، وهذا أحسن من تفرقة ابن المواز: أنه يتطوع بعتق المعيب، ولا يهدي المعيب. قال أبو محمد: إنما يُبْدل الهدي الواجب إذا وجد به عيبًا قديمًا لم يحدث به بعد الإشعار، والهدي الواجب: ما لزم من مُتعة، أو قران، أو لنقص من أمر الحج، أو جزاء أو فدية أهداها، أو نذر هديًا للمساكين ليس بعينه، فأما لو نذر أن يهدي هذا البعير بعينه فقلده وأشعره ثم ظهر له به عيب قديم فلا بدل عليه؛ لأن نذره لم يتعد إلى غيره. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وما جُني على الهدي التطوع فأخذ له صاحبه

أرشًا فليصنع به ما يصنع من رجع بعيب أصابه في الهدي المقلد. قال ابن المواز: وأحب إلي في الجناية أن يتصدق به في التطوع والواجب. قال أبو محمد: يريد محمد: إن لم يكن فيه ثمن هدي، وكلام محمد هذا لم أروه. م: يريد: ولا يلزمه بدله في الواجب إذا كانت الجناية لا يجزي بها الهدي، لأنها إنما طرأت عليه بعد الإشعار فهي كالعيب يطرأ بعد الإشعار وإن كان القياس فيهما ألا يجزيان؛ لأن الهدي الواجب لو هلك بعد الإشعار قبل أن يبلغ محله لم يجزه، فكذلك كان ينبغي إذا هلك بعضه يحكم للبعض بحكم الجميع، وكذلك قال الأبهري: أن القياس ألا يجزيء. م: ولكن قد قاله مالك وأصحابه فلا معدل عنهم. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن وجد بالضحايا عيبًا ردها وأخذ ثمنها واشترى به بدلها، بخلاف الهدي المقلد، ولو جنا على الضحايا أحد أخذ منه صاحبها عقل ما جنا عليها واشترى بدلها ولم يذبح المعيبة. فصل [12 - في حكم ولد الهدية] وإذا نتجت الناقة، أو البقرة، أو الشاة وهي هدي فليحمل ولدها معها إلى مكة إن وجد محملاً على غيرها، فإن لم يجد حمله عليها، فإن لم يكن في أمه ما يحمله عليها

تكلف حمله. م: يريد: من ماله، قال أشهب: ولا محل له دون البيت، وإن باعه، يريد: أو نحره في الطريق فعليه بدله هديًا كبيرًا تامًا، وقاله ربيعة وابن القاسم. قال ابن القاسم: وكذلك من أضر بولد بدنته في لبنها حتى مات فعليه بدله مما يجوز في الهدي، وذكر عن أبي عمران أنه إذا لم يستطع أن يتكلف حمله على حال نحره في ذلك الموضع ويصير كهدي التطوع إذا عطب قبل محله إذا كان في فلاة أو في حضر ولا يجد من يوكل عليه ولا يرتجي حياته. قال: ولا يشرب من لبن الهدي شيئًا ولا ما فضل عن ولدها، قال ابن القاسم: فإن فعل فلا شيء عليه؛ لأن بعض من مضى أرخص فيه بعد ري فصيلها. قال: ومن احتاج إلى ظهر هديه فليركبه وليس عليه أن ينزل بعد راحته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اركبها ويحك» في الثانية، أو الثالثة، وإنما استحسن الناس أن لا يركبها حتى يحتاج إليها.

فصل [13 - في الهدي إذا ضل بعد التقليد والإشعار ثم وجد أيام منى، أو بعدها] قال: وإذا ضل الهدي بعد التقليد والإشعار فوجد بعد أيام منى نحره بمكة، وإن وجد خارجًا من مكة بعد أيام منى سيق إلى مكة فنحر بها، وإن لم يوقف به بعرفة فوجد أيام منى سيق إلى مكة فنحر بها، وإن وقف به بعرفة، ثم وجد في أيام منى نحر بمنى. ومن كان عليه هدي من جزاء صيد فلم ينحره حتى مضت أيام التشريق فاشتراه في الحرم ثم خرج به إلى الحل فليدخل حلالاً ولا بأس أن يبعث بهديه مع حلال من الحرم ثم يقفه في الحل ثم يدخله مكة فينحره عنه. ولا يجزي ذبح جزاء الصيد أو كان كان هديًا إلا بمكة أو بمنى، وإن أطعم لحمه المساكين، وذلك يبلغ سُبعُ عدد قيمة الصيد من الأمداد أن لو أطعم الأمداد، فإنه لا يجزئه. وما كان من هدي في عمرة وجب بشيء نقصه منها، أو هدي نذر، أو تطوع، أو جزاء صيد فذلك سواء ينحره إذا حل من عمرته، فإن لم يفعل لم ينحر إلا بمكة أو بمنى إلا ما كان من هدي الجماع في العمرة فإنه لا ينحره إلا في قضائها أو بعد قضائها بمكة. ومن اشترى يوم النحر شاة، أو بقرة، أو بعيرًا ولم يوقفه بعرفة ولم يخرجه إلى الحل فيدخله الحرم وينوي به الهدي، وإنما أراد أن يضحي بذلك فليذبحها ضحوة وليست بضحية؛ لأن أهل منى ليس عليهم أضاحي، وكل شيء في الحج فهو هدي؛ وما ليس في

الحج فهو أضاحي. م: يريد: ولا هو هدي؛ لأنه لم ينو به الهدي ولا جمع له حل وحرم كالهدايا. فصل [14 - من وجب عليه الهدي فعجر عنه انتقل إلى الصوم] ومن وجب عليه الدم في حج أو عمرة فلم يجده فالصوم يجزئه منه، ولا إطعام فيه، وليس الطعام في الحج والعمرة مكان الهدي إلا في جزاء الصيد، وفدية الأذى. وكل هدي وجب على من تعدى ميقاته، أو تمتع، أو قرن، أو أفسد حجه، أو فاته الحج، أو ترك الرمي، أو النزول بالمزدلفة، أو نذر مشيًا فعجز عنه، أو ترك شيئًا من الحج فجبره بالدم فله إذا لم يجد هديًا صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وله أن يصوم الأيام الثلاثة ما بينه وبين يوم النحر، فإن لم يصمها قبل النحر أفطر يوم النحر وصام الثلاثة التي بعده وهي أيام التشريق ويصل السبعة بها إن شاء، وقول الله تعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} يقول: من منى، وسواء أقام بمكة أم لا، وإن كان قد صام قبل يوم النحر يومًا أو يومين فليصم ما بقي عليه في أيام التشريق، فإن لم يصم الثلاثة الأيام حتى مضت أيام التشريق صام بعد ذلك إن شاء وصل الثلاثة بسبعة أو لم يصل، وإنما يصوم ثلاثة أيام في الحج كما ذكرناك المتمتع، والقارن، ومن تعدى ميقاته، أو أفسد حجه، أو فاته الحج. م: لأن هذا الدم إنما لزم قبل الحج، فإذا لم يجده صام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة بعد ذلك. قال ابن القاسم: وأما من لزمه ذلك لترك جمرة، أو النزول بالمزدلفة فليصم متى

شاء، وكذلك الذي يطأ أهله بعد رمي جمرة العقبة وقبل الإفاضة؛ لأنه إنما يصوم إذا اعتمر بعد أيام منى، أو من مشى في نذر إلى مكة فعجز فليصم متى شاء؛ لأنه يقضي في غير حج، فكيف لا يصوم في غير حج. قال: وما صنع في عمرته من ترك ميقات أو وطء، أو ما يلزمه به هدي فلم يجده فليصم ثلاثة أيام، وسبعة بعد ذلك. يريد: بصوم ثلاثة أيام في إحرامه، وسبعة بعد ذلك. ابن المواز: قال مالك: ومن لزمه هديان، مثل أن يقرن، ويفوته الحج، فإن وجد واحدًا صام ثلاثة أيام في إحرامه، وسبعة بعد ذلك، وإن لم يجد صام ستة أيام في إحرامه، وأربعة عشر إذا رجع. ومن المدونة: وكل من لم يصم ممن ذكرنا حتى رجع إلى بلده وله بها مال فليبعث بهدي، ولا يجزئه الصوم، وكذلك من أيسر قبل صيامه، ومن وجد من يسلفه فلا يصوم وليستلف إن كان موسرًا ببلده. ابن المواز: فإن لم يجد من يسلفه فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع ولا يؤخر الصيام ليهدي ببلده، فإذا صام أجزأه.

وقال مالك فيمن لم يجد هدياً فتصدق بثمنه فلا يجزيه. ومن دفع الهدى حياً إلى المساكين بعد أن بلغ محله وأمرهم بنحره ورجع إلى بلده لا فاستحيوه فعليه بدله، كان واجباً أو تطوعاً، وإنما يجزئه: أن يدفعه إليهم بعد أن ينحره. [فصل 15 - في المتمتع إذا لم يجد الهدي] وقال مالك في المتمتع إن لم يجد الهدي: فليصم الثلاثة أيان في الحج من يوم يُحْرِم إلى يوم عرفة، وقال أيضاً: يصومها قبل يوم عرفة، فإن لم يفعل صام أيام منى، ثم له وطء أهله في ليالي أيام صيامه بمنى. قيل لمالك: أيصوم السبعة إذا رجع إلى مكة؟ قال: إذا رجع إلى أهله أجب إلىّ إلاّ أن يقيم بمكة ويجزئه إن صام في طريقه. قال مالك: فإن نسي الثلاثة حتى صام السبعة؟ قال: فإن وجد هدياً فأحب إلىّ أن يهدي وإلا صام. قال أصبغ: يعيد حتى يجعل السبعة بعد الثلاثة. م: لعله يريد: أن يعيد صوم سبعة أيام ويحتسب من السبعة الأولى بثلاثة كمن قدم السور قبل أم القرآن فإنما يعيد السورة، وكمن أطعم في كفارة الصوم ثلاثين مسكينًا مُدَّين مُدَّين فإنه يجزئه أن يطعم ثلاثين غيرهم مُدّاً مُدّاً ويحتسب بمد مما أطعم الأولين. قال مالك: ويصوم القارن ثلاثة في الحج مثل المتمتع، ولا يجوز له أن يؤخر رجاء أن يجد هديًا، وأحبَ إليّ أن يؤخر إلى عشر ذي الحجة، أو بعده إن رجى هديًا، فإن لم يرج ذلك فليصم.

[الباب السادس] في تقديم الناس أثقالهم من منى إلى مكة ووقت العمرة

[الباب السادس] في تقديم الناس أثقالهم من منى إلى مكة ووقت العمرة قال ابن القاسم: ولا بأس أن يقدم الناس أثقالهم من منى إلى مكة. وقال مالك: وإذا رجع الناس من منى نزلوا بأبطح مكة وهو معروف حيث المقبرة فيصلّوا فيه الظهر والمغرب والعشاء ثم يدخلون مكة بعد العشاء أول الليل، وكذلك فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحب إلي أن يفعل ذلك الأئمة. واستحب مالك لمن يقتدي به أن لا يدع النزول بالأبطح، ووسع لمن لا يقتدي به في ترك / النزول به وكان يفتي به سراً، ويفتي في العلانية بالنزول في الأبطح لجمي الناس. قال مالك: ومن أدركه وقت شيء من هذه الصفوات قبل أن يأتي أبطح مكة صلاها. فصل [في وقت العمرة] قال مالك: وتجوز العمرة في أيام السنة كلها إلا الحاج فيكره لهم أن يعتمروا حتى تغيب الشمس من آخر أيام الرمي، وكذلك من تعجل في يومين أو خرج حين زالت الشمس من آخر أيام الرمي.

قال ابن القاسم: وإنما سألنا مالكاً عن ذلك حين رأينا من يفعل ذلك ويزعم أن بعض الناس أفتاهم بذلك. وقال ابن القاسم: ومن أحرم من الحاج بعمرة في أيام الرمي لم تلزمه إلا أن يحرم بعد أن تم رميه من آخر أيام الرمي وحل من إفاضته فيلزمه. قال ابن المواز: إلا أنه لا يحل منها إلا بعد مغيب الشمس، وقال ابن القاسم، وإحلاله منها قبل ذلك باطل وهو على إحرامه، وإن وطء بعد ذلك الإحلال أفسد عمرته ويقضيها بعد تمامها ويهدي. ومن المدونة: ومن لم يكن حاجًا من أهل الآفاق فجائز أن يعتمر في أيام التشريق؛ لأنه ليس من الحاج وإنما إحلاله منها بعد أيام منى. قال ابن القاسم: وسواء عندي كان إحلاله منها بعد أيام منى أو في أيام منى. قال مالك: والعمرة في السنة إنما هي مرة واحدة، ولو اعتمر بعدها لزمته، كانت الأولى من أشهر الحج أم لا، أراد الحج أم لا، أراد الحج من عامه ذلك أم لا. قال ابن المواز: وأرجو أن لا يكون بالعمرة مرتين في السنة بأساً، وقد اعتمرت عائشة رضي الله عنها مرتين في عام واحد، فلعله ابن عمر، وابن المنكدر.

وكرهت عائشة عمرتين في شهر، وكرهه القاسم بن محمد. وفرطت عائشة في العمرة سبع سنين فقضتها في عام واحد. وروى عن علي في كل شهر مرة. قال ابن حبيب: ولم ير مطرف بأساً بالعمرة مراراً في السنة. وقال غير ابن حبيب: وإنما اختار مالك العمرة في السنة مرة استناناً بالنبي صلى الله عليهم وسلم لأنه اعتمر ثلاث في كل عام مرة. وقد كره كثير من السلف العمرة في السنة مرتين. قال مالك: العمر في ذي الحجة أفضل منها قبل الحج في أشهر الحج، ولا بأس أن يعتمر الصرورة قبل أن يحج، وقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج.

[الباب السابع] جامع القول في المحصر بعدو أو مريض

[الباب السابع] جامع القول في المحصر بعدو أو مريض قال الله سبحانه وتعالى: {فَإِن أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}. فقيل: إن هذا إحصار مرض، ولو كان حصار العدو لقال: "حصرتم"، ومن قال إنه حصار العدو فلا حجة له بأهل الحديبية؛ لأن ما كان معهم من الهي لم يكونوا ساقوه لما عرض من حصر العدو فهو هدي قد نفذ ووجب لقوله تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} فلم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بهدي لحصرهم. وقال أشهب في المحصر بعدو إنه يهدي. وقال ابن القاسم: لا يهدي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر من لم يكن معه هدي عام الحديبية أن يهدي. قال ذلك: جابر بن عبد الله.

قال مالك: والمحصر بعدو غالب، أو فتنة في حج، أو عمرة يتربص ما رجى كشف ذلك، فإذا أيس أن يصل إلى البيت فليحل بموضعه حيث كان من البلاد في الحرم أو غيره، ولا هدي عليه إلا أن يكون معه هدي فينحره هناك، ويحلق أو يقصر، ويرجع إلى بلده. م: لأن النبي صلى الله عليه فعل ذلك عام الحديبية. قال عبد الوهاب: وإنما كان لا هدي عليه: خلافًا لأبي حنيفة، والشافعي؛ لأنه تحلل مأذون له فيه بغير تفريط فيه وخفيف ذلك عنه كما خفف عنه التحلل من الإحرام. قال مالك في المدونة: ولا قضاء عليه لحج ولا عمرة إلا أن يكون صرورة فلا يجزئه ذلك من حجة الإسلام، وعليه حجة الإسلام من قابل. م: قال عبد الوهاب: وإنما قال: لا قضاء عليه خلافًا لأبي حنيفة؛ لأنه ممنوع من فعل المناسك بيد غالبة فلم يلزمه قضاء / أصله إحرام العبد بغير إذن سيده؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم تحلل هو وأصحابه ولم يأمر أحداً منهم بالقضاء ولا روي عنهم أنهم قضوا. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن أخر حلاق رأسه حتى رجع إلى بلده حلق ولا

دم عليه. قال ابن القاسم في موضع آخر في المحصر بعدو قبل أن تمضي أيام الحج لا يكون محصراً حتى يفوته الحج أو يصير إن خلي لم يدرك الحج فيما بقي من الأيام فيكون محصراً ويحل مكانه ولا ينتظر ذهاب الحج. م: وهذا والأول سواء، ومعنى قوله: إذا يئس أن يصل: معناه: فيفوت الحج، أو إن خلي لم يدركه، وقاله بعض شيوخنا. وقال غيره: بل ذلك اختلاف قول، والأول أبين. قال بعض شيوخنا: والريح إذا تعذر على أصحاب السفن ليس هو كحصار العدو، وهو مثل المرض لأنهم يقدرون على الخروج في البر فيمضون لحجهم. فصل [1 - فيمن أحصر بعد أن وقف بعرفة] قال ابن القاسم: ومن أحصر بعد أن وقف بعرفة، قال سحنون: يريد: أحْصر بمرض، وكذلك لمالك في كتاب ابن حبيب أنَه أُحْصر بمرض. قال أبو محمد: يريد: وتم وقوفه إلى غروب الشمس فقد تم حجه، ويجزئه من حجة الإسلام، ولا يحله إلا طواف الإفاضة، وعليه لجميع ما فاته من رمي الجمار، والمبيت بالمزدلفة، وبمنى هدي واحد، كمن ترك ذلك ناسياً حتى زالت أيام منى. قال ابن المواز: ولو كان بعدو لم يهد.

م: وقع في كتاب ابن المواز عن ابن القاسم في هذه المسألة في موضع: أنه أحصر بمرض، وفي موضع آخر: أنه بعدو، وحكي عن أبي محمد أنه قال: قوله بعدو: أصوب، ويكون عليه هدي واحد لجميع ما فاته. وأما المصدود بعدو قبل وقوفه بعرفة فإنه يحل ولا دم عليه عند ابن القاسم. والفرق بينهما: أن المصدود بعدو بعد وقوفه بعرفة يجزئه من حجة الإسلام، يريد: إذا رجع فطاف للإفاضة ويرجع حلالًا إلاّ من النساء والصيد والطيب، قال أبو محمد: والمصدود بعدو قبل وقوفه بعرفة لا يجزئه من حجة الإسلام فافترقا. ومن المدونة: قال ابن القاسم وإذا أحرم مكي بالحج من مكة أو دخل مكة معتمرًا ففرغ من عمرته ثم أحرم بالحج من مكة فأحصر قال سحنون بمرض - حتى فاته الحج فلابد له من الحل ويعمل على العمرة ويحج قابلًا ويهدي. قال ابن المواز: وأما من دخل مفردًا بالحج أو قارناً ثم فاته الحج بعد أن طاف وسعى أو قبل فلا يخرج إلى الحل لأنه منه دخل بذلك الإحرام الذي يفسخه في عمرة فيحل بأن يطوف ويسعى ثانية ويحلق، وإنما يخرج إلى الحل من دخل أولاً بعمرة ثم قرن في الحرم أو بمكة. ومن المدونة قال ابن القاسم: وكذلك من تمتع فأحرم بالحج من مكة، ثم فاته الحج فإنه يخرج إلى الحل ويعمل فيما بقي عليه ما يعمل المعتمر ويحل.

قال: والمحصر بمرض إذا فاته الحج لا يقطع التلبية حتى يدخل أوائل الحرم ولا يحله من إحرامه إلا البيت وإن تطاول ذلك به سنين ويقيم حتى يصح ويفسخ ذلك في عمرة. م: والفرق بين المحصر بعدو أنه يحل مكانه، والمحصر بمرض لا يحله من إحرامه إلا البيت وإن تطاول ذلك به سنينًا: لأن الواجب على من أحرم بحج أو عمرة إتمام ما دخل فيه لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}، إلا أن يأتي ما لا يمكن الوصول معه إلى البيت وهو خوف العدو فيحل مكانه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، فأما المرض ونحوه فإنه يمكنه معه الوصول إلى البيت، لأن المرض لا يحول بينه وبين الذهاب إلى البيت كما يحول العدو بينه وبين البيت. ولأن خوف العدو يرفعه ورجوعه عنه، ولا يرفع المرض تحلله، فلا فائدة فيه، وهو إن احتاج إلى دواء فيه طيب، أو إلى حلق، أو لباس فعل ذلك وافتدى، فوجب لذلك إلا يحلله إلا البيت، وقد قال الله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}. قيل: محل الشعائر من الإحرام وغيره من شعائر الحج والخروج منها بالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، فكان ذلك مفارقاً لإحصار العدو. وبالله التوفيق. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن تمادى مرضه إلى حج قابل فمضى على إحرامه الأول وحج به أجزأه من حجة الإسلام ولا دم عليه.

قال: وإذا كان مع المحصر بمرض هدي حبسه حتى يصح فينطلق به معه إلا أن يصيبه من ذلك مرض فتطاول عليه ويخاف على الهدي فليبعث به ينحر بمكة ويقيم هو على إحرامه، فإذا صح مضى، ولا يحل دون البيت، وعليه إذا حل وقد فاته الحج هدي آخر مع حجة القضاء، ولا يجزي عنه هدية الذي بعث به. قال مالك: ولو لم يبعث به ما أجزأه ذلك الهدي الذي وجب عليه من فوات الحج. م: لأن ذلك الهدي قد كان أوجبه هدياً فلا يجزئه لما فاته، ويجب عليه في المستقبل. قال مالك: ومن دخل مكة مفرداً بالحج فطاف وسعى، ثم خرج إلى الطائف / في حاجة له قبل أيام الموسم، ثم أحصر بمرض، أو كان لما دخل مكة وطاف وسعى بين الصفا والمروة أحصر بمكة ولم يحضر الموسم مع الناس لم يجزه الطواف الأول والسعي من إحصاره، ولا يحل إلا بطواف وسعي مؤتنفين، وكذلك من أحصر بمرض ففاته الحج وقدم مكة فطاف فعليه أن يسعى ولا يحل أحد ممن احصر بمرض إلا بعد السعي ثم يحلق. وانحصر بمرض إذا أصابه أذى فلحق فلينحر الأذى حيث أحب.

قال ابن القاسم: كنت عند مالك سنة خمس وستين ومائة فسئل عن قوم اتهموا بدم وهم محرمون فحبسوا بالمدينة فقال: لا يحلهم إلا البيت ولا يزالوا محرمين في حبسهم حتى يقتلوا أو يخلوا فيحلون بالبيت. م: وهذا بحصار العدو أشبه منه بإحصار المرض، ولو قاله قايل لم أعبه. قال ابن القصار: هؤلاء إما أن يكونوا حُبِسُوا بحق فمن قبلهم أوتوا فهم مفرطون فذلك كالفوات، وإن كانوا مظلومين فلا أعرف فيهم نصاً فيحتمل أن يحلو من إحرامهم ولا قضاء عليهم، كمن منعه العدو، وهذا هو القياس. ويحتمل أن يكون الفرق بينهم وبين حصر العدو من وجهين: أحدهما: إن هذا قد حصر حصراً خاصاً لم يعدم معه ما هو شرط في وجوب الحج وهو سلوك الطريق لأن الطريق مسلوكة. والوجه الثاني: إن الحصر إذا كان خاصًا فليس في إيجاب القضاء مشقة شديدة، وإذا كان عامًا ففي إيجاب القضاء مشقة شديدة فلم يجب فيه القضاء. م: والصواب عندي: أنهم إن حبسوا بظلم أنهم بحصار العدو أشبه؛ لأنه حبس من قبل آدمي، وإن حبسوا بحق فمن قبلهم أوتوا فهم كالمفرطين حين فاتهم الحج فيجب عليهم القضاء، وهو معنى قول مالك، والله أعلم.

فصل [3 - فيمن أخذ مالًا ليحج به عن ميت فصده عن البيت عدو] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن أخذ مالاً ليحج به عن ميت فصدّه عن البيت عدو، فإن كان أخذه على البلاغ ردّ ما فضل عن نفقته ذاهباً ورجعاً. وإن كان أجيراً كان له من الأجر بحساب مسيره إلى الموضع الذي صدّ فيه ورد ما بقي. قال مالك: ولو مات الأجير في الطريق فإنه يحاسب، فيكون له من الأجر بقدر ما بلغ من الطريق ويردّ ما فضل. قال ابن حبيب: وإن أحصر الأجير بمرض فنفقته على نفسه ما أقام مريضاً حتى يصل إلى البيت. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن أُحْصِر صاحب البلاغ بمرض فلا شيء عليه وله نفقته من مال الميت ما أقام مريضاً، وإن أقام إلى حج قابل أجزأ ذلك عن الميت، وإن لم يقم إلى حج قابل وقوي على الذهاب قبل ذلك إلى البيت فله نفقته.

قال ابن حبيب: وإن مات في الطريق فله ما أنفق إلى أن مات أنفق قليلاً أو كثيراً. فصل [3 - في خروج المرأة إلى الحج] ومن المدونة قال مالك: وتحج المرأة مع وليها فإن أبى أو لم يكن لها ولي ووجدت من تخرج معه من رجال أو نساء مأمونين فلتخرج. م: إنما قال ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تسافر المرأة سفر يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم منها»، والضيعة نصيبها أو كما قال: فإذا لم يكن لها ذو محرم فوجدت رجالاً ونساء مأمونين فقد أمنت مما يخاف عليها كأنها مع ذي محرم.

[الباب الثامن] جامع القول في الوصية بالحج

[الباب الثامن] جامع القول في الوصية بالحج قال أبو محمد: ولما لم يأت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن سلف الأمة أن أحداً صلى عن أحد حيّ أو ميت كان الحج عنهما ضعيفاً إذ فيه صلاة وعمل بدون سيما في الفريضة. والقائلة للنبي صلى الله عليه وسلم: إن فريضة الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة فأذن لها أن تحج عنه ليس بأصل لهذا؛ لأن أباها لم تكن وجبت عليه الفريضة قط، والآخر: إنما يحج عن من وجبت عليه مرة مع احتمال سؤالها أنه بعد موت أبيها، وفي غيره من الأحاديث تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أذن أن يحج عن قد مات. قال مالك: ولا ينبغي أن يحج أحد حي زمن، أو غيره، ولا أن يتطوع به عن ميت، صرورة كان المحجوج عنه أم لا، / ويتطوع عنه بغير ذلك أحب إلي،

يهدي عنه، أو يتصدق، أو يعتق. قال في كتاب ابن المواز: وهذه دار الهجر لم يبلغنا أن أحداً فيها منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم حج عن أحد ولا أمر بذلك ولا أذن فيه. قال فيه وفي المدونة: إلا أن يوصى به فينفذ عنه من ثلثه. قال عبد الوهاب: وقال الشافعي: يلزم الحج عنه من رأس ماله أوصى به أولم يوص إذا مات قبل أن يحج. ودليلنا: قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} معناه: أن يحجوا البيت، وذلك ممتنع بعد الموت، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من مات قبل أن يحج فليمت إن شاء يهودياً، وإن شاء نصرانياً»، فلو لزم الحج عنه من ماله لم يغلظه هذا التغليظ، ولأنها عبادة على البدن، فلم يلزم أداؤها عنه في المال كالصلاة؛ ولأنها عباد تدخلها الكفارتان فلم تلزم بعد الموت كالصيام.

قال أشهب: وإذا دفع رجل صحيح إلى رجل ليحج عنه لزمهما ذلك، وإنما يكر بدء فإذا نزل لم يرد لما فيه من الاختلاف. قال عبد الوهاب: وتصح الإجازة عندنا على الحج خلافاً لأبي حنيفة؛ لأنها عبادة تتعلق بالمال، وتصح النيابة فيها، فيصح أخذ الأجرة عليها، ولأنه لما صحت النيابة فيها بغير أجر جازت بالأجر، وقياساً على أخذ الأجر على القضاء وبناء القناطر والمساجد. قال ابن وهب: يحج عن الأبوين، أو عن ولده، أو عن أخيه، أو عن غيرهم من القرابة القريبة. قال أبو محمد: يريد: عن الموتى تطوّعاً. قال ابن حبيب: وقد جاءت الرخصة في ذلك في الحج عن الكبير الذي لا منهض فيه ولا يحج، أو عن من مات ولم يحج أن جائزاً لابنه أن يحج عنه وإن لم

يوص ويجزئه إن شاء الله، والله أوسع بعباده وأحق بالتجاوز. ومن المدونة: قال مالك: وإن أوصى رجل أن يحج عنه فليحج عنه من قد حج عن نفسه أحبّ إليّ، قال ابن القاسم: فإن جهلوا فاستأجروا من لم يحج أجزأه عنه، وكذلك إن أوصى بعمرة أنفذ أيضاً. ابن المواز: وقال أشهب: لا بأس أن يستأجر له صرورة ممن لا يجد السبيل إلى الحج، فأما من يجد السبيل إليه فلا ينبغي أن يعان على ذلك، فإن أحجّوه عنه أساءوا ويجزئه. قال عبد الوهاب: وإنما كره أن يحج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه لقوله صلى الله عليه وسلم للذي سمعه يحرم عن غيره: «حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة». فإن حج عن غيره كانت لمن حج عنه، خلافاً للشافعي في قوله: إنها تنقلب فتكون له دون من أحرم عنه. ودليلنا: قوله صلى الله عليه وسلم للتي سألته أن تحج عن أبيها، فقال: «أرأيت لو كان على أبيك

دين فقضيتيه أكان ينفع؟» قالت: نعم، فقال: «فكذلك هذا»، ولم يشترط أن تكون قد حجت عن نفسها. ولأن بقاء الفرض عليه لا يمنعه أن يتطوع، أصله إذا صام تطوعاً وعليه قضاء رمضان، ولأنه إذا أحرم من غيره لم ينقلب عن نفسه، أصله إذا كان قد حج. ابن المواز: وقال مالك في امرأة أوصت أن يحج عنها إن حمل ذلك ثلثها، فإن لم يحمل أعتق به رقبة، فحمل ثلثها الحج، قال: أرى أن يعتق عنها ولا يحج. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن أخذ مالاً ليحج به عن ميت من بعض الآفاق فاعتمر عن نفسه وحج عن الميت من مكة لم يجزيء ذلك عن الميت، وعليه أن يحج أخرى عن الميت كما استؤجر. م: وحكي عن بعض شيوخنا أنه قال: ويلزمه أن يحج عنه من الموضع الذي استؤجر فيه لا من الميقات؛ لأنه لما اعتمر عن نفسه فكأنه إنما خرج لذلك. م: والذي أرى: أنه إن رجع فأحرم من ميقات الميت فإنه يجزئه؛ لأنه منه تعدى فأحرم عن نفسه، وكان الواجب عليه أن يحرم منه عن من استأجره فإذا رجع فأحرم منه عنه فلم ينقصه مما شرط عليه. وقد قال مالك في كتاب محمد فيمن شرط عليه أن لا يقدم قبل الحج عمر فقدن عمرة وتمتع فذلك يجزي عنه ولا حجة عليه.

وقال ابن القاسم: عليه أن يوفيهم ما شرطوا أو يرد عليهم ما قبض منهم، ثم رجع إلى قول مالك أن يجزي عنه. قال في الأسدية: إن اعتمر عن نفسه وحج عن الميت من مكة أجزأه إلا أن يشترط عليه أن يحرم عنه من أفق من الآفاق أو من المواقيت فليرجع ثانية. وقال في العتبية: سواء اشترطوا عليه أن يُحرِم عنه من ذي الحليفة أو لم يشترطوا، وأراه ضامناً للحج؛ لأن من استؤجر على الحج عن ميت فعليه أن يحرم من ميقات الميت. قال ابن المواز: إذا كان خروجه عن الميت وأحرم عن الميت من الميقات أجزأ ذلك، وإن حج عن الميت من مكة فعليه البدل. ومن المدونة قال: ولو قرن ونوى بالعمرة عن نفسه، والحج عن الميت ضمن المال؛ لأنه أشرك في عملهم غير ما أمروه به، وعليه دم القران. قال ابن المواز: رجع ابن القاسم عن قوله يرد المال، وقال: يضمن حتى يحج ثانية. م: وحكي عن أبي الحسن بن القابسي أنه قال: الفرق بين هذه المسألة وبين

المسألة التي اعتمر فيها عن نفسه وحج عن الميت من مكة على قوله في هذه يرد المال؛ لأن الذي يحج عن الميت من مكة قد حج عن الميت لا شك فيه، وإنما أخطأ في العمل حين أحرم من مكة فأمر بالعودة، والذي قرن خائن؛ لأن القران إنما هو في القلب، فيقال له: أنت قد خنت في نّيتك فلا يبقى المال بيدك حين ظهرنا على خيانتك وفساد عملك. وقال ابن حبيب: إذا أخذ المال على البلاغ فقرن أو تمتع فقد أساء ولا يضمن وعليه في ماله هدي. ولو اعتمر عن نفسه، ثم حج عن الميت، أو قرن ينوي العمرة فقط عن نفسه لضمن المال في الوجهين. م: فصار في الذي اعتمر عن نفسه وحج عن الميت من مكة ثلاثة أقوال: قول: إنه يجزئه، وقول: إنه يعيد عن الميت، وقول: إنه يضمن المال. وإن قرن ونوى بالعمرة عن نفسه فقولان: قول: إنه يضمن المال، وقول: إنه يعبد عن الميت. قال ابن المواز: روى أبو زيد عن ابن القاسم أنه قال في الذين جهلوا فاستأجروا صرورة ممن لا يجد السبيل لحج ونوى بالحجة عن نفسه وعن الميت فإنه يجزئه عن نفسه، ويعيد عن الميت. وروى عنه أصبغ: أنه لا يجزئه عن واحد منهما، وقاله أصبغ، وليرجع ثانية الميت، وبه أخذ محمد. قال ابن القاسم: وإن استؤجر لحج عن ميت فوطأ في الحج فليرد النفقة ويتم ما هو

فيه من ماله ويحج ثانية للفساد من ماله ويهدي، ثم يحج عن الميت بتلك النفقة إن شاء الورثة، وإن شاءوا استأجروا غيره، وقالوا أشهب. وقال ابن القاسم في العتبية: إذا أفسد حجه بإصابة أهله فعليه القضاء بحجة صحيحة من ماله، وسواء استؤجر عليها، أو أخذ المال على البلاغ. م: وهذا يجري على اختلافهم فيمن أفسد حجة القضاء، أو أفسد يوماً من قضاء رمضان. قال في العتبية: وإن كان إنما أصابه أمر من الله تعالى ليس من قبله مثل أن يمرض أو ينكسر فإنه يقضي ذلك الحج عن الميت أحبّ إلي، وسواء كان استؤجر مقاطعة، أو أخذ المال على البلاغ. وكذلك الذي يحصر حتى يفوته الحج أو يختفي عليه الهلال حتى يفوته الحج. وقال ابن القاسم في كتاب ابن المواز في الذي يحصر عن الميت بعدوّ: أنه إن أخذ المال على البلاغ فله نفقته حتى يحل بموضعه وحتى يرجع، ويرد ما فضل، وإن كان أجيراً حوسب وكان له من الأجر بقدر مسيره وردّ ما فضل وهو رأيي. وقال مالك في أجير الحج يموت في الطريق فإنه يحاسب بقدر ما سار ويرد ما فضل. قلت: فإن أحصر بمرض؟

قال: إن أخذ المال على البلاغ فله نفقته ما أقام مريضاً في مال الميت وإن أقام إلى حج قابل ويجزئ ذلك عن الميت، وذلك إن لم يقدر على الذهاب إلى البيت، وإن قدر أن يذهب إليه فليذهب حتى يحل بعمرة ولابد له من ذلك وله نفقته، وكذلك إذا أغمى عليه حتى فاته الحج. ابن المواز: وإن أخذ المال على الإجارة فذلك لازم له أبداً. فصل [1 - يصح حج المرأة عن الرجل والعكس ولا يجزئ أن يحج عبد أو صبي عن من لم يحج]. قال في كتاب الوصايا: وتحج المرأة الحرة عن الرجل، والرجل الحر عن المرأة، ولا يجزي أن يحج عنه عبد أو صبي أو من فيه علقة رق ويضمن الدافع إليهم إلا أن يظن أن العبد حر، وقد اجتهد ولم يعلم فإنه لا يضمن. وقال غيره: لا يزول عنه الضمان بجهله به. قال: وإن أوصى غير الصرورة أن يحج منه عبد أو صبي بمال فذلك نافذ ويدفع إليه ذلك ليحج عنه إن أذن السيد للعبد أو الوصي للصبي وذلك أنه كتطوع أوصى به فهو لو لم يكن صرورة وأوصى بحجة تطوع أنفذت ولم ترد، فهذا مثله، وإن كان على الصبي فيه مشقة أو ضرورة فلا يأذن له فيه وصيه، وكذلك إن لم يستطع، أو كان ليس بنظر له، وذلك كإذنه له في سفر لتجارة. وقال غيره: لا يجوز للوصي أن يأذن له في هذا.

قال ابن القاسم: فإن لم يأذن له وليه وقف المال لبلوغه، فإن حج به وإلا رجع ميراثاً؛ لأنه قصد التطوع إذا أوصى بحج الصبي والعبد. ابن المواز: قال ابن القاسم: ولو كان صرورة حتى يعلم أنه للفريضة لأنفذ ذلك لغيرهما مكانه، ولا ينتظر به عتق العبد ولا بلوغ الصبي، لأن العبد، والصبي ممن احج لهما. وكذلك إن أوصى بعتق عبد فلم يبعه، فإن كان في واجب / جعل في غيره، وإن كان تطوّعاً عاد ميراثاً بعد الاستيناء والإياس من العبد. قال ابن القاسم: ولو أوصى الصرورة أن يحج عنه رجل بعينه فأبى ذلك الرجل أن يحج عنه فليحج عنه غيره، بخلاف المتطوع الذي قد حج، هذا إن أبى الرجل رجع المال ميراثاً، كالموصى له بمال فردّه، أو يوصي بشراء عبد بعينه للعتق فلا يبعه ربه. وقال غيره: لا يرجع ميراثاً، وهو كالصرورة؛ لأن الحج إنما أراد به نفسه، بخلاف الوصية لمسكين بعينه بمال فرده، أو بشراء عبد بعينه للعتق. وإن أوصى أن يحج عنه وارث بثلثه أنفذ الحج ولم يزد على النفقة والكراء شيئاً، يريد: ذاهباً وراجعاً.

ومن كتاب الحج قال مالك: ومن حج عن ميت فالني تجزئه وإن لم يقل لبيك عن فلان. ومن حج عن ميت فترك من المناسك شيئاً يجب فيه الدم، فإن كانت الحجة لو كانت عن نفسه أجزأته فهي تجزيء عن الميت. وكل ما لم يتعمد من ذلك أو فعله لضرورة فوجب به عليه هدي، أو أغمى عليه أيام منى حتى رمى عنه غيره، أو أصابه أذى فأماطه فلزمه فدية، كانت الفدية، والهدي في مال الميت، وهذا كله في أخذه المال على البلاغ، وما وجب في ذلك بتعمده فهو في ماله. ومن أخذ مالاً ليحج به عن ميت على البلاغ فسقطت منه نفقته رجع من سقطت منه، ونفقته في رجوعه عليهم. وفي رواية أخرى: عليه، وقال ابن حبيب. والرّواية: أنها عليهم أحسن، وكذلك ذكر ابن المواز عن ابن القاسم. قال ابن القاسم: ولو كان في الثلث بقية ما كان عليهم أن يحجوا غيره. وقال أشهب: عليهم أن يحجوا غيره من بقية الثلث، كالوصية بالعتق يموت العبد بعد أن يشتري قبل العتق فيعتق من بقية الثلث عبد آخر. ومن المدونة: قال مالك: وإن تمادى هذا الذي سقطت نفقته ولم يرجع فهو متطوع ولا شيء عليهم في ذهابه، قال ابن اللباد: ولا في رجوعه إلى موضع سقوطها منه، وله من ذلك الموضع إلى بلوغه.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: إلا أن تسقط نفقته بعد إحرامه فليمض؛ لأنه لما أحرم لم يستطع الرجوع، وينفق في ذهابه ورجوعه ويكون ذلك على الذي دفع إليه المال ليحج به عن الميت. وقال ابن حبيب: يكون ذلك في مال الميت ذاهباً وراجعاً، فإن لم يكن له مال فعلى من دفع المال إلى هذا الحاج. وقال ابن شبلون وابن القابسي: الصواب أن يكون المال على الوصي الذي دفع إليه المال على البلاغ؛ لأنه غرر في الدفع إليه على البلاغ وكان الصواب أن يدفعه إليه على الإجارة ولا يكون شيء من ذلك في مال الميت. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو أخذه على الإجارة فسقطت فهو ضامن للحج أحرم أو لم يحرم. ابن المواز: قال مالك: ومن أخذ مالاً على البلاغ فله أن يُنْفِقَ ما لابد له منه مما يصلحه من الكعك والزيت والخل واللحم المرّة بعد المرّة وشبه ذلك والوطاء واللحاف والثياب، فإذا رجع ردّ ما فضل من ذلك كله. والكراء على البلاغ والإجازة في الكراهية سواء، وأحبّ إلينا أن يؤاجر نفسه بشيء مسمى لأنه إذا مات حوسب بما سار وأخذ من تركته ما بقي وكان هذا أحوط من البلاغ وليس له أن يؤاجر من ماله غيره؛ لأنه شرط عليه أن يحج بنفسه فانفسخ ذلك بموته إلا أن يكون إنما جعله في ذمته.

م: قال بعض شيوخنا: وإذا استؤجر على الحج مطلقاً كان ذلك محمولاً على أنه في ذمته حتى يشترط أنه بعينه يحج. م: وهذا كقول ابن المواز إذا أكرى منه على أن يحمله إلى بلد كذا على دابة أو سفينة وقد أحضرها ولا يعلم له غيرها أن ذلك في ذمته حتى يقول له: تحملني على دابتك هذه فيكون قد عيّن. وقال غيره من القرويين في المكري عن الحج: بل ذلك يقتضي التعيين إذا وقع مطلقاً، كمن يؤجر داره، أو نفسه في خدمة أن ذلك على الفور ويقتضي التعيين، واستحسنه بعض أصحابنا. وحكي عن أبي محمد فيمن استؤجر أن يحج عن ميت ولم يذكر له متى يخرج: أنا إجازة لا تجوز؛ لأن يصير كأنه متى شاء خرج، إلا أن يشترط عليه الشروع فيجوز. وذكر عن أبي الحسن بن القابسي فيمن دفع إليه مال ليحج به عن ميت فصدّ عن البيت / أو مات في الطريق فأعطي بقدر إجارته إلى ذلك الموضع فإنما يستأجرون للميت مرّة أخرى من ذلك الموضع الذي صد فيه أو مات. وسئل أبو محمد فيمن استؤجر ليحج عن ميت فصدّ عن الطلوع، فأراد المقام إلى قابل لوفاء ما استؤجر عليه، هل ترى حجه قابلاً مجزئاً عن الميت؟. فقال: الحج مجزيء عن الميت، وليس ينتهي إلى ما قيل لكم إنه فسخ الدين في الدين إذا لم يعملا عليه، وقد قال أصحابنا: إن عليه الحج ويصير مطلوباً، فكيف بهذا؟ ولكن لو تحاكما لوجبت المحاسبة، فإن لم ينظر في ذلك حتى أجزأ عن الميت.

فصل [3 - في الموصي يسمي قدراً معلوماً ليحج به عنه فتفضل منه فضلة] ومن أوصى أن يحج عنه بهذه الأربعين ديناراً فدفعوها إلى رجل ليحج على البلاغ ففضلت منها عشرون ديناراً فليرد إلى الورثة ما فضل كمن قال: أعتقوا عني عبد فلان بها فيبيعه بثلاثين. قال ابن المواز: إذا سمي ما يعطى فذلك كله للموصى له إلا أن يرضى بدونه بعد علمه بالوصية، وهذا إذا قال: يحج عني فلان بهذه الأربعين فدفعوها إليه على البلاغ ففضلت عشرون ديناراً، أو قال: يحج بها رجل فيرضى بدون ذلك بعد علمه بالوصية، فأما إن قال: حجوا بها عني، أو قال: يحج بها عني فها هنا تنفذ كلها في حجتين، أو ثلاث، أو أكثر، ولو جعل ذلك في حجة واحد كان أحسن. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن قال: أعطوا فلاناً أربعين ديناراً يحج بها عني فاستأجروه بثلاثين فحج، فالعشرة الفاضلة ميراثاً؛ لأن مالكاً قال فيمن أوصى أن يشتري له غلام بمائة دينار فيعتق فاشتروه بثمانين أن البقية ميراث. قال ابن المواز: إنما هذا إذا عرف صاحب الغلام والذي يحج بما أوصى له به من الثمن فيرضى بدونه وإلا فالوصية نافذة.

ومن المدونة: قال مالك: ومن دفع إليه رجل أربعة عشر ديناراً يتكارى بها من المدينة من يحج عن ميت فاكترى له بعشرة فليرد الأربعة إلى من دفعها إليه ولا يردها على الذي حج عن الميت. ابن المواز: قال أشهب فيمن أوصى أن يحج عنه بثلثه ولم يقل حجة واحدة، والثلث كثير، وهو صرورة فليدفع الثلث كله في حجة واحدة، وإن كان غير صرورة فأستحسن أن يدفع الثلث كله في حجة أيضاً، وإن حج به عنه حججاً لم أر بذلك بأساً. وقال ابن القاسم في العتبية: يعطى الثلث إن كان كثيراً في حجج لرجال يحجون به حججاً. ابن المواز: قال أشهب: ويحج عن الميت من موضع أوصى كالحالف يحنث إن لم تكن له نّية فليمش من موضع حلف عنه من أمام ذلك إلى مكة ضمنوا وليحجوا عنه من موضع مات. ومن استؤجر ليحج عن ميت ثم بدى له لما بلغه ذلك من الكراهية فقال ابن القاسم: إن الإجازة تلزمه. قال ابن القاسم: ومن أوصى أن يحج عنه بمال فلم يوجد من يحج به من مكانه لقلته فليدفع من موضع يوجد، ولو سمى الميت فقال: من الأندلس أو من بلد كذا فلم

يوجد من يحج بها عنه رجعت ميراثاً، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتيبة أنه فَرَّق بينه إذا سمى وإذا لم يسم. ابن المواز: قال أشهب: بل يتقدم بها إلى بلد يوجد من يحج بها منه يلزم ذلك الورثة. قال ابن المواز: إن كان صرورة فقول أشهب أحسن، وإن لم يكن صرورة فهو ميراث إذا عرفت عزيمة الميت أنه أراد من موضع سمى. وقال أصبغ كقول أشهب أن ذلك سواء سمى الميت بلداً أو لم يسم، وليتقدم بها من موضع يبلغ، قال أصبغ إلا أن يستثني الميت ألاّ يحج إلا من البلد الذي ذكره ويعلم ذلك من مذهبه. فصل [3 - فيمن أوصى أن يمشي عنه في يمين حنث فيها] ابن المواز: قال مالك فيمن أوصى أن يمشي عنه في يمين حنث فيها فليهد عنه هذيين وإن لم يجد فهدي واحد، ولا يمشي أحد عن أحد. قيل: فإن أوصى بذلك ولده فوعده الابن أن يمشي عنه؟ قال: فليتم له ما وعده، وكذلك قال ابن القاسم في العتبية إذا أوصى أن يمشى عنه فليهدي عنه هديين، فإن لم يجد فهدي واحد، وقال سحنون: لا يلزمه الهدي إلا أن يوصي به.

قال ابن القاسم: وقال مالك فيمن مشى عن أحد وحج عن نفسه وهو صرورة: أجزأت عنه حجة الفريضة ولم يضره مشيه الذي مشى عن أحد، قال ابن القاسم: لأنه لا يمشي أحد عن أحد بخلاف أن لو مشى عن نفسه وعن حجة الفريضة/ هذا يجزئه مشيه لنذره وعليه حجة الإسلام. قال ابن القاسم فيمن عليه أن يمشي حافياً وأوصى أن يُسْأل عن يمينه فينفذ عنه ما يلزمه قال: ينظر إلى كفاف النفقة والكراء إلى مكة فيهدي عنه به هدايا. فصل [4 - الحج واجب على الفور] ومن المدونة قال مالك: وينبغي للأعزب يفيد مالاً أن يحج به قبل أن يتزوج، وحجه به أولى من قضائه ديناً على أبيه. م: إنما قال ذلك؛ لأن الحج عندنا على الفور ولا يجوز تأخيره للقادر عليه إلا من عذر. وقال الشافعي: هو على التراخي فإن شاء فعله وإن شاء تركه طول عمره بشرط العزم على أدائه من غير وقت معين ولا إثم عليه إن مات ولم يحج. ودليلنا: أن الأمر عندنا على الفور؛ لأن الأمر لما اقتضى إيقاع الفعل، وكان الفعل لابد له من زمان يقع فيه ولا ذكر له في اللفظ بتقديم ولا تأخير وكانت الأفعال تختلف

أحكامها باختلاف أوقاتها فيكون الفعل في وقتٍ طاعة وفي وقتٍ معصية وأجمعوا على أنه إذا وقع في الوقت الأول فقد أُوْقع فلم يثبت ما عداه وقتاً إلا بدليل، ولأن الأمر لما اقتضى الإيقاع ولم يقع للترك ذِكْر، وجب فعله عقيب الأمر، ولأنّ تأخيره لو جاز لم يخل أن يكون إلى غاية أو إلى غير غاية، فإن كان إلى غاية فذلك توقيت وخلاف التراخي، وإن كان لا إلى غاية لم يخل المكلف إذا مات قبل الفعل أن يكون آثما أو غير آثم، وفي القول بأنه آثم وجوب المنع من جواز الترك، وفي القول بأنه غير آثم إخراج الفعل عن الوجوب إلى الندب الذي يكون للمكلف تركه إلى غير غاية ثم لا يأثم إذا كات قبل أن يفعله ولا يعصمه عن هذا إثبات العزم على الإيقاع في المستقبل لأن في ذلك إيجاب لما لم يوجبه الأمر وإسقاط ما أوجبه من العمل. ولأن أهل اللغة يستحسنون ذم العبد إذا أمره سيده بفعل فتركه وتراخى فيه ولا يذمون السيد على ذمه وضربه له ويعللونه بتراخيه وينسبونه إلى الونى والتقصير وذلك على أنه عندهم على الفور. ودليلنا في نفس المسألة قوله صلى الله عليه وسلم: «حجوا قبل أن لا تحجوا» وقوله: «من أمكنه الحج ثم مات ولم يحج فليمت إن شاء الله يهودياً أو نصرانياً» هكذا علله

حذَّاق البغداديين. فصل [5 - هل يلزم الأجير الإشهاد عند إحرامه بأنه أحرم عن فلان؟] وسئل أبو عمران الفاسي عن الأجراء على الحج هل عليهم أن يشهدوا أنهم أحرموا عن من استأجرهم؟ فقال: ليس ذلك عليهم، قال: فإن لم يشهدوا، وذكروا أنهم قد حجوا عنه قال: يدخل ذلك اختلاف مسألتي كتاب الأكرية فيمن استؤجر على توصيل كتاب إلى موضع فيدعي أنه قد وصله. فرأى أن هذين القولين يدخلان هذه المسألة. وذكر عن أبي بكر بن عبد الرحمن أنه قال: يلزمه الإشهاد؛ لأن عرف الناس قد جرى على الإشهاد في ذلك فهو كالشرط عليهم إذ عليه يدخلون بخلاف ما قال ابن القاسم في كتاب الأكرية. ثم كتاب الحج الثاني من الجامع بحمد الله وعونه، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

كتاب الحج الثالث من الجامع

كتاب الحج الثالث من الجامع [الباب الأول] فيمن فاته الحج أو وقف غير يوم عرفة وكيف إن أفسد حجة مع ذلك. روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من فاته الحج فليحل بعمرة وعليه الحج قابلاً». قال مالك رحمه الله: ومن أحرم بالحج ففاته فله أن يثبت على إحرامه إلى قابل إن أحب ذلك، وأحبّ إليَّ أن ينفذ لوجهه في عمل العمرة على إهلاله الأوّل، ولا يهل بعمرة إهلالاً مستقبلاً ويقطع التلبية أوائل الحرم كمعتمر من ميقاته، ويحل من إحرامه ذلك ولا ينتظر قابلا. ابن المواز: قال أشهب عن مالك: فإن بقي على إحرامه إلى قابل فليهد احتياطاً، وقال عنه ابن القاسم، وابن وهب: لاهدي عليه، وقال أصبغ. قال مالك: فإن اختار المقام على إحرامه / إلى قابل ثمّ بدا له فذلك له، وله أن يحل متى شاء ما لم تدخل أشهر الحج فليس له حينئذ أن يحل حتى يتم حجه.

ومن المدونة: وإنما له أن يثبت على إحرامه ذلك إلى قابل ما لم يدخل مكة، فإذا دخل مكة فليحل منه بعمرة يطوف ويسعى ويحل من إحرامه ولا يثبت عليه، فإذا كان قابلاً قضى الحج الذي فاته وأهرق دماً. قال في كتاب ابن المواز: وهذا ما لم تدخل أشهر الحج أيضاً، ولو دخلت أشهر الحج فحلَّ فيها بعمرة فبئس ما صنع. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا دخلت أشهر الحج فلا يعجبني أن يحل فيها بعمرة، فإن فعل أجزأه، ثم إن حج من عامه لم يكن متمتعاً؛ لأنه لم يبدأ بالعمرة، وإنما كان إحرامه بحج، وإحلاله منه بعمرة رخصة له، كذلك جاء في هبار بن الأسود وصاحبه حين فاتهما الحج، فقال لهما عمر: طوفا وأحلاً وعليكما الحج

من قابل والهدي. وقال ابن القاسم أيضاً: إن فسخ ذلك في أشهر الحج في عمرة كان فعله باطلاً، وهو على إحرامه، وقال أيضاً: إنْ جهل ففسخ في عمرة في أشهر الحج، ثم حجّ من عامه كان متمتعاً، ولو ثبت على أوّل إحرامه بعدما دخل مكة حتى حجّ بإحرامه ذلك قابلاً أجزأه من حجة الإسلام. واختلف عن مالك هل عليه هدي أم لا؟ قلت لابن القاسم: فإن أراد أن يطوف ويسعى قبل أشهر الحج من قابل ويجعل ذلك لحجه قابل؟ قال: أخاف ألا يجزئه. قال ابن القاسم: ومن فاته الحج فليس له أن يحرم بحجة أخرى، فإن فعل لم يلزمه، وهو على إحرامه الأول، وليس له أن يردف حجاً على حج، إنما له أن يحل منه بعمرة أو يقيم على إحرامه الأول إلى حج قابل فيجزئه حجه. م: وذكر ابن المنذر أنه اختلف قول مالك إذا فاته الحج فأقام على إحرامه إلى قابل هل يجزئه أن يحج مع الناس بإحرامه الأول أم لا؟ فروى عنه ابن نافع فذكر مثل رواية ابن القاسم. قال: وروى عنه ابن وهب أنه إن أقام حراماً إلى قابل فلا يجزئه أن يحج به مع

الناس من قابل، وهذا قول الشافعي، وأصحاب الرأي. قال: وقول الشافعي صحيح. قال مالك كتاب ابن المواز: من فاته الحج بحصار العدو، أو بمرض، أو بخفاء من الهلال، أو بأي وجه غير العدو فلا يحله إلا البيت، ويحج قابلاً ويهدي، وأهل مكة وغيرهم في ذلك سواء. قال ابن المواز: ومن دخل مفرداً بالحج أو قارناً من الحل من مكيّ وغيره ثم فاته الحج فليحل بعمرة ولا يخرج إلى الحل، ولو دخل بعمرة فحل منها ثم أنشأ الحج من مكة، أو أردف الحج بمكة أو بالحرم، ثم فاته فهذا يخرج إلى الحل فيدخل منه، ويحل بالطواف والسعي. وقد تقدم هذا.

قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية فيمن أتى عرفة بعد الفجر يوم النحر فليرجع إلى مكة فيطوف ويسعى ويقصّر، وينوي بها عمرة، ويحج قابلاً ويهدي. وقال عنه يحي بن يحي: إذا أخطأ أهل الموسم فكان وقوفهم بعرفات يوم النحر مضوا على عملهم وإن تبيّن ذلك لهم وثبت عندهم في بقية يومهم ذلك أو بعده، وينحرون من الغد، ويتأخر عمل الحج كله الباقي عليهم يوماً، ولا ينبغي لهم أن يتركوا الوقوف من أجل أنّه يوم النّحر، ولا أن ينقصوا من رمي الجمار الثلاثة الأيام بعد يوم النحر، ويجعلون يوم النحر للغد بعد وقوفهم، ويكون حالهم في شأنهم كله كحال من لم يُخْط. قال: ولو وقفوا يوم النزوية لأعادوا الوقوف يوم عرفة. م: أمّا هذا فصواب، وأمّا الأوّل فكان يجب أن يفوتهم الحج، ولا أراه أجزأهم إلاّ لأنهم اجتهدوا وهم أهل موسم، ولما يلحقهم من ضرورة الإعادة ومشقّتها؛ لأنهم وقفوا يوم الحج الأكبر، واختص وقوفهم بالمكان وبعض الزمان فقام ذلك مقام القضاء، والله أعلم. ولأن غيرها من الفرائض كالصلاة والزكاة والصيام إذا فاتت جاز قضاؤها في غير وقت لها، وإنما فارقها الحج فلم يقض إلا في وقت حج؛ لأنّ فرضه لا يتكرر فاختير له ألاّ يقضي إلاّ في وقت حج، فإذا وقع مثل هذا الغلط جعل ذلك قضاءً لما فات كسائر الفرائض، والله أعلم.

وقد سئل عن هذه المسألة أبو القاسم ابن الكاتب القروي / فأجاب فيها وأطال، وأنا أذكر عمدة فوائد جوابه وردّه على من منع من إجزاء الحج، ومعنى قول سحنون في ذلك. قال أبو القاسم: ومن الدليل على صحة تأويل شيخنا أبي محمد أن الحج يجزيء ظاهر في كلام ابن القاسم وهو قوله: ولو أخطئوا فقدّموا الوقوف بعرفة يوم النزويةلم يجزئهم ذلك، فدل بذلك أن في المسألة يجزئهم إذْ أمرهم بتمام الحج، وهو قول جميع علماء الأمصار، ولا خلاف بينهم في ذلك. والذي ذكر أبو محمد عن سحنون إنّما ذكره عقيب قول ابن القاسم إذا وقفوا يوم النزوية بعرف فإنهم يعيدون الوقوف من الغد يوم عرفة ولم يجزئهم الوقوف الأوّل. قال: وقد اختلف قول سحنون في ذلك، ثم لم يذكر ما هذا الاختلاف، فيحمل إنما اختلف قوله فيمن وقف يوم النزوية؛ لأن عندنا عن سحنون أنّ الحج إذا وقع يوم النحر غلطاً أنّ ذلك مجزيء، وقد ذكر الباجي في كتابه أن هذا قول مالك، واللّيث، والأوزاعي والشافعي، وأبي حنيفة، وذكر جماعة من العلماء يكثر عددهم. قال أبو القاسم: وإنما اختلف العلماء فيمن أخطأ فوقف يوم النزوية، فعند أصحابنا: أنه لا يجزئهم؛ لأن يوم عرفة بين أيديهم، وهذا مثل قولنا في الأسير تلتبس عليه الشهور، فإن صام قبل رمضان لم يجزه، وإن صام بعده أجزأه.

وقال الشافعي: إن حجه يوم النزوية يجزئه، واختلف قوله في الصوم، فقال مرة مثل قوله في الصوم، فقال مرة مثل قولنا، وهذا قول أبي ثور، وأصحاب الرأي. وقال مرّة: يجزئه، صام قبل رمضان، أو بعده، واحتج بمسألة الحج يوم النزوية. واحتج في الحج بأنّ أبا بكر حج بالناس في سنة ثمان من الهجرة ذي القعدة. وحج أبي بكر عندنا لم يكن عن فرض، ومُحال أن يُفرض الحج أبو بكر دون النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما حج أبي بكر لينذر المشركين بسورة براءة، وأنذرهم ألا يقربوا المسجد الحرام بعد ذلك العام. م: وقد ذكرنا الحجة في ذلك قبل هذا. قال أبو القاسم: وقد قال ابن الماجشون في المحصر بعدوّ بعد أن أحرم بحجّة الإسلام وحل منها عن سنة الإحصار أنّها تجزئه من حجة الإسلام، وإنما استحب له مالك القضاء، فأين هذا من غلط هؤلاء ووقوفهم يوم النحر حتى علمهم فيه.

قال أبو محمد: واختلف فيه قول سحنون فيما أخبرنا به أبو بكر عن حمد يس عن سحنون. وأخبرنا عن يحي بن عمر في أهل الموسم ينزل بهم ما نزل بالناس سنة العلوي، وهروبهم عن عرفة ولم ينمو الوقوف قال: يجزئهم ولا دم عليهم. م: وهذه مثل الأولى إنما أجزأهم لمشقة الإعادة، ولعله يريد إنّ هربهم كان بعد وقوفهم بعد الزوال فأجزئهم لقوة الاختلاف فيه، وقوله: ولا دم عليهم، يريد: لأجل هروبهم ولم يتموا الوقوف لأنهم مغلوبون على ذلك، وهذا إذا عملوا بقية المناسك من المبيت بالمزدلفة، والوقوف بها، والرّمي، والإفاضة، فإن لم يعملوا شيئاً من ذلك فلا يحلّوا من إحرامهم إلا بطواف الإفاضة، ويكون عليهم لجميع ما فاتهم من الوقوف بالمزدلفة، والرمي يوم النحر وأيام منى الدّم، على اختلاف قولهم فيمن أٌحصر بعدوّ بعد وقوف عرفة، فقيل: لا دم عليه، وقيل: عليه لجميع ما فاته من الرمي، والوقوف بالمشعر هدْي واحد، بخلاف من أُحصر قبل الوقوف بعرفة، هذا لا هدي عليه عندنا، وقد بينا ذلك في الحج الثاني.

فصل [1 - فيمن فاته الحج ثم أصاب النساء والطيب والصيد والسيد قبل أن يحل منه بعمرة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن فاته الحج، ثم أصاب النساء، والطيب، والصيد قبل أنْ يحل منه بعمرة فليحل منه بعمرة، وعليه في ذلك ما على الصحيح إلا أنه يهريق دم الفوات ودم الفساد / في حجة القضاء، وما أصاب من الصيد أو الطيب ألبس فليهريق له الدم متى شاء، والهدي عن جماعه قبل أن يفوته الحج، أو بعده أن فاته هدي واحد، ولا يعي العمرة لوطنه في إحرامها، كما ليس عليه إذا وطئ في الحج قبل يوم عرفة ثم فاته الحج منه في عمرة أنْ يقض هذه العمرة. م: هذا بيان هذه المسألة، وهي في كتاب ابن المواز بينة، قال فيه: فإذا فاته الحج ثم وطئ فليحل بعمرة ويهدي لوطئه فيها وعليه حج قابل وهدي آخر للقضاء، ولا بدل عليه لهذه العمرة لوطئه فيها، كما ليس عليه قضاء عمرة إذا وطئ في الحج، يريد: قبل الحج ثم فاته. قال ابن القاسم: وسواء أفسد حجه ثم فاته، أو أفسده بالوطء بعد الفوات قبل أن يطوف للعمرة، ويعمل عمل العمرة ويحل، وليس عليه غير حج واحد وهدّي للفساد وهدْى للفوات. قال مالك: ومن أفسد حجّه ثمَ فاته فلا ينبغي أن يقيم إلى قابل على أمر فاسد وليحل بعمرة ثم يحج قابلاً.

م: يريد: ولو أقام على إحرامه هذا إلى قابل فحج به فليقضه في السنة الثالثة ويهدي هديين: هدّي للفساد، وهدْي للفوات. [فصل 3 - في هدْي الفوات متى يُنْحر؟] ومن المدونة قال مالك: ومن فاته الحج فلا يُقدّم هدْي الفوات وإن خاف الموت، ولا ينحره إلاّ في حجّة القضاء. قال ابن القاسم: فإن اعتمر بعد أن فاته الحج فنحر هدْي الفوت في عمرته أجزأه؛ لأنّه لو هلك قبل أن يحج أُهْدِي عنه بعد الموت لمكان ذلك، ولو كان لا يجزئه إلاّ بعد القضاء ما أهْدي عنه بعد الموت، وبلغني أن مالكاً كان يُخففّه ثم استثقله، وأنا لا أحب له أن يفعل إلا بعد القضاء، فإن فعل قبله ثم حج أجزأ عنه. قال أشهب: لا يجزئه. قال ابن القاسم: وهدْي الغوات إنما يُنحر في قول مالك في حجة القضاء بمنى بعد أن يقف به بعرفة، فإن فاته أن ينحره بمنى اشتراه فساقه إلى الحل ثم قلده وأشعر إن كان مما يقلد ثمَ أدخله مكة فنحره بها وأجزأه. فصل [3 - من أفسد نسكه أو فاته فإنه يقضي مثل الإحرام الذي أفسده أو فاته مِنْ إفْراد أو قِرانٍ أن تمتع] قال ابن القاسم: ولا يقضي قارناً عن إفراد ولا مفرداً عن قران، فإن فعل لم يجزئه، فإذا فات القارن فلا يفرّق القضاء الحج وحده والعمرة وحدها ولكن يقضي قارئاً. قال: وإن أفرد الحج ثم جامع فيه فلا يقضي قارناً، فإن فعل لم يجزئه إلا أن يفرد

كما أفسد؛ لأن القارن ليس حجّه تاماً كتمام حج المفرد إلاّ بما أضاف إليه من الهدي. قال أبو محمد: ورأيت لعبد الملك أن من أفسد حجّه مفرداً فقضى قارناً أنّه يجزئه. م: ووجه ذلك: أن القران مع الهدي كالإفراد؛ لأنه قضاء لحج ناقص فجبره بالدّم فصار كالصحيح، كما لو أفسده مفرداً فقضى متمتعاً أنّه يجزئه. وفي كتاب ابن المواز: من أفسد حجّه مفرداً لم يجزئه أن يقضيه قارناً، ولو أفسده قارناً لم يجزئه أن يقضيه مفرداً، ولو تمتع، ثمّ أفسد حجه فقضاه مُفْرِدَاً أجزأه، وعليه دم التمتع، وهدْي للفساد، وذكرها عيسى في العتبية عن ابن القاسم، وقال: يُعجّل هدْي التمتع ويؤخّر هدّي الفساد إلى حجّة القضاء.

[الباب الثاني] جامع القول في فساد الحج

[الباب الثاني] جامع القول في فساد الحج قال الله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}. فالرفث: ذكر النساء، ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن نكاح المحرم. ورأى عمر، وعلي، وأبو هريرة لمن أفسد حجه بإصابة أهله وهما محرمان أن يتما حجهما ويحجا قابلاً ويهديا. م: كالوطء في الصوم أنّه يتمه ويقضيه ويكفر. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ويفترق الزوجان في حجة القضاء، وروى ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم.

[فصل -1 الإيلاج في الفرج مفسد للحج والعمرة، وكذا كل إنزال عن استمتاع] قال عبد الوهاب: ولا خلاف إذا وطئ متعمداً، وكذلك الناسي عندنا خلافاً للشافعي. ودليلنا: أنّه وطء صادف إحراماً منعقداً كالعمد. قال: ولا خلاف أنّ الإيلاج وإن لم يُنزِل يُفسد الحج والعمرة، وكذلك كل إنزال يكون على أي نوع من الاستمتاع يُفسد/ الحج والعمرة عندنا، خلافاً لأبي حنيفة، والشافعي. ودليلنا: قوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ}. ولأن الإنزال هو المقصود فهو أبلغ من الإيلاج، فإذا كان الإيلاج يفسد فالإنزال أولى. ولأنها عبادة يفسدها الوطء في الفرج، فالإنزال مع المباشرة أو اللمس يُفْسِدها، أصله الصوم. [فصل 3 - في التفريق بين الزوجين إذا أفسدا حجهما] ومن المدونة قال مالك: وإذا حج الرجل والمرأة فجامعهما فليفترقا إذا أحرما بحجة القضاء ولا يجتمعا حتى يحلا.

م: وروي ذلك عن عثمان، وعلي وابن عباس رضي الله عنهم. م: ولأنهما يتذاكران ما كانا فيه فيدعوهما إلى الإفساد ثانية. الأبهري: وقيل: إن ذلك عقوبة لهما إذْ فعلا ما لا يجوز لهما فعله في الإحرام فعوقبا أن لا يجتمعا في إحرام القضاء، كما مُنِعَ قاتل العمد من الميراث عقوبة لفعله الذي قصد به استعجال الميراث قبل وقته، فكذلك هذا استعجل الوطء قبل وقته فحُرمَه. [فصل 3 - الإحرام في حجة القضاء لابدّ أنْ يكون من الميقات] ومن المدونة: قال مالك: ومن أفسد حجّه أو عمرته بإصابة أهله فليحرم لقضائها من حيث أحرم في الأولى إلاّ أن يكون إحرامه الأول أبعد من الميقات فليس عليه أنْ يحرم الثانية إلا من الميقات، فإنْ تعدى الميقات في القضاء ثم أحرم أجزأه، وعليه دم؛ لأن من أفطر في قضاء رمضان متعمداً إنما يقضي يوماً بلا كفارة. وإذا طاف القارن أوّل ما دخل مكة وسعى، ثم جامع فليقض قارناً؛ لأن طوافه وسعيه إنما كان للعمرة والحج جميعاً، ألا ترى أنه لو لم يجامع ومضى على القرن صحيحاً لم يلزمه إذا رجع من عرفات أنْ يسعى لحجه، وأجزأه السّعي الأوّل.

ومن أفسد حجّه بالوطء فلم يتمه حتى أحرم بحج القضاء لم يلزمه ذلك ولا قضاؤه، وهو على حجّه الذي أفسده فيتمه، ويقضيه، ويهدي، ولا يكون ما جدد من إحرامه نقضاً لحجته الفاسدة. م: وقال غيرنا: له أنْ يرفضه ويستأنف إحراماً جديداً. وما قلناه: عليه إجماع الصحابة، وقال علي، وعمر، وابن عباس، وغيرهم. قال ابن القاسم: ومن أحرم بعمرة فجامع فيها ثمّ أحرم بالحج قبل تمامها لم يكن قارناً ولا يرتدف الحج على العمرة الفاسدة. قال ابن المواز: وإرادفه الحج باطل لا يلزمه، ويرجع فيتم عمرته الفاسدة ثم يقضيها، وإن أحرم بالحج قبل أن يقضيها لزمه وعليه قضاء عمرته بعد تمام حجه. م: وقال عبد الملك: يرتدف الحج على العمرة الفاسدة.

[فصل 4 - من قرن الحج والعمرة فجامع فيهما] ومن المدونة: ومن قرن الحج والعمرة فجامع فيهما فعليه الآن دم لقرانه هذا الفاسد يفعل فيه كما يفعل لو لم يفسده، وعليه أن يقضي قابلاً قارناً، وعليه مع حجة القضاء هديان: هدي لقرانه الثاني، وهدي لفساده الأول، وليس له أن يُفرّق القضاء فيقضي العمرة وحدها والحج وحده، فإن فعل لم يجزئه وأعاده قارناً، ويهدي إذا قرن هديين كما ذكرنا. قال ابن المواز: قال أشهب عن مالك: فإن لم يجد صام ستة أيام، وإن شاء أفطر بين كل ثلاثة، وإنْ شاء وصلها، ثم يصوم أربعة عشر يوماً بعد ذلك، ولو وجد هدياً واحداً صام عن الآخر ثلاثة أيام ثم سبعة. وقال أبو زيد عن ابن القاسم: وإنْ أفسد هذا القارن حجه ثم فاته الحج مع ذلك فعليه أربع هدايا: هدي لقرائه الأول، وهدي ثانٍ حين صار يعمل عمل العمرة. ابن المواز: كأنه وطئ فيها ثم هدي لقران القضاء، وهدي للقضاء في الفوات. ابن المواز: وروى أصبغ عن ابن القاسم إنما عليه ثلاث هدايا، والأوّل أحبّ إلينا. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن تمتع ثم أفسد حجه فعليه الآن دم المتعة، وهدي للفساد في حجة القضاء. وقال اصبغ - في غير كتاب ابن المواز - عن ابن القاسم فيمن تمتع فاته الحج بعد الإحرام أنه يسقط عنه دم المتعة بخلاف / المفسد لحجه المتمتع.

م: كما قال فيمن تعدى ميقاته ثم فاته الحج أنه يسقط عنه دم التعدي بخلاف المفسد له. [فصل 5 - فيمن أفسد حجه فقضاه ثم أفسد القضاء] ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن أفسد حجّه فقضاه قابلاً فأفسده أيضاً فعليه قضاء حجتين. وقال مالك فيمن فطر في قضاء رمضان أنّه يقضي يومين. قال ابن مواز: قال أصبغ: هذه الرواية في الصوم، ونقل: وليس عليه إلاّ قضاء يوم بخلاف الحج، وما ذلك في الحج بالقويّ، وهو أحبّ إلينا أن يقضي حجّه الآخر، ثم يقضي الأوّل. وقال عبد الملك: ليس عليه إلاّ حجة واحدة ولا يعيد القضاء الذي أفسد. وقال ابن المواز بقول عبد الملك. ومن المدونة: قال: ومن جامع في حجة فاسدة ثم أصاب بعد ذلك صيداً بعد صيد، ولبس وتطيب مرة بعد مرة في مجالس شتى، وحلق مرة بعد مرة، ثم جامع مرة بعد مرة، فعليه فيما فعل من ذلك لكل مرة فدية وإنْ بلغ ذلك عدداَ من الفدية، وعليه جزاء كل صيد أصابه، وأما وطئه مرة واحدة أو مراراً، إمراة واحدة أو عدداً من النساء فليس عليه في ذلك إلاّ هدي واحد؛ لأنه بالوطء فسد حجه ولزمه القضاء.

قال عبد الوهاب: إنما لم يجب عليه بتكرار الوطء هدي خلافاً لأبي حنيفة؛ لأن الثاني وطء لم يفسد الحج فلم يجب به هدي أصْله إذا وطيء المتظاهر ثانية قبل التكفير. م: لأن الوطء الأول هو الذي أدخل الفساد له الحكم، كالثلاثة شركاء في عبد، يعتق أحدهم حصته منه، ثم يعتق الثاني بعده، فإنما التقويم على الأول؛ لأنه هو الذي أدخل الفساد، ولا تقويم على الثاني. م: وفارق ذلك الصيد لقوله تعالى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}، فهو لو قتل صيداً فعليه جزاء مثله، وكبيراً عليه جزاء مثله فكذلك جماعة صيد عليه جزاء مثلهم. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وأما ما فيه الفدية، فأن تأول أو جهل أن ليس عليه إتمام ما أفسد من الحج لما لزمه من القضاء فتطيّب ولبس وقتل الصيد مراراً عامداً لفعله يرى أن الإحرام سقط عنه فليس عليه فدية واحدة، إلا في الصيد فإن عليه لكل صيد قتله جزاءه.

[فصل 6 - فيمن أكره نساءه وهنّ مُحْرِمَات فوطئهن] قال مالك: وإن أكره نساءه وهنّ محرمات فوطئهن أحجّهن وكفّر عن كل واحدة منهن كفّارة وإنّ بِنّ منه منه ونكحن غيره، وأما إنْ طاوعته فذلك عليهن دونه. قال في كتاب ابن المواز في التي أكرهها، ثمّ طلقها وتزوجت غيره أنّ على الأول أن يُحجّها، ويُجْير الثاني على الإذن لها، وإنْ وطئ أمته وقد أذن لها في الحج فعليه أنْ يحجّها ويهدي عنها. قال ابن القاسم: والإكراه فيها من السيد وغير الإكراه سواء، وطوعها له كالإكراه. قال عبد الملك: ولو باعها لكان ذلك عليه لها. ابن المواز: وهو كعيب تردّ به إلا أن يبرأ منه السيد قال عبد الملك: ويهدي عنها ولا تصوم. قال العتبي: روى عيسى عن ابن القاسم في محرم وطى أهله مكرهة وليس معه ما يهدي عنها وهي مليّة فليس عليها حج ولا صيام؛ وإنما ذلك على من أكرهها. قال عنه ابن المواز: إذا لم يجد الزوج ما يحججها ويهدي عنها فلتفعل هي ذلك، وترجع به عليه، فإنّ صامت لم ترجع عليه من قبل الهدي بشيء. وكذلك المُدْحل على المْحرِم شيئاً كرها يوجب الفدية.

م: إذ الصوم لا عوض له. ولو أطعمت عن فدية الأذى لرجعت عليه بأقل من النسك والإطعام. وإذا فلس الزوج فلزوجته محاصّة غرمانة بما وجب لها من ذلك ويوقف ما يصير لها حتى تحج به وتهدي، فإن ماتت قبل ذلك رجع حصة الإحجاج إلى الغرماء وأنفذ الهدي عنها. ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب: ومن تزوج بعد بعد رمي جمرة العقب قبل أن يفيض فسخ نكاحه، قال مالك: بغير طلاق، وقاله أشهب، وقال ابن القاسم: بطلاق. ومن المدونة: قال لابن القاسم: وإذا ذكر المحرم إمرأنه بقلبه وأدام التذكرة للذة حتى أنزل فقد أفسد حجه، وعليه حج قابل. قلت: فإن عبث المحرم بذكره فأنزل؟ قال: يفسد حجه. وقد قال مالك: إذا كان راكباً فهزته دابته فاستدام ذلك حتى أنزل فقد أفسد حجه، وكذلك المحرمة إذا فعلت ما يفعل شرار النساء من العبث بنفسها حتى أنزلت فسد حجها. قال مالك: وإذا لمس المحرم أو قبّل أو باشر فأنزل، أو أدام النّظرة للذة حتى أنزل فسد حجه، وعليه حجُّ قابل والهدي. قال: فأمّا إنْ نظر المحرم ولم يتابع النظر ولا أدامه فأنزل فحجه تام،

وعليه الهدي. الأبهري: إنما يهدي على طريق الاستحسان، ويجوز أن يكون ترك التحرز حتى وقع منه النظر. قال مالك: وكذلك لو قبّل، أو غمز، أو جس، أو باشر، أو تلذذ بشيء من أهله إلا أنه لم ينزل ولم تغب الحشفة منه في ذلك منها فإنما عليه الهدْي، وحجّه تام.

[الباب الثالث] ما يلقيه المحرم عن نفسه، أو بعيره، وغسل ثيابه، وبيعها، وجامع ما يجتنبه من اللباس، والطيب، وإلقاء التفث، وغير ذلك

[الباب الثالث] ما يلقيه المحرم عن نفسه، أو بعيره، وغسل ثيابه، وبيعها، وجامع ما يجتنبه من اللباس، والطيب، وإلقاء التفث، وغير ذلك. قال الله تبارك وتعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}، وقال: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَاسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}، فجعله مخيراً، وفي الآية من الاختصار في قوله تعالى: {أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَاسِهِ فَفِدْيَةٌ} يريد: فأماطه أذاه ففدية، وكذلك قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} يريد: فأفطر فعدّه من أيام أخر، وهذا في كتاب الله كثير. وقال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}، فأباح ذلك بعد التحلل. وقوله صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة: «أتؤذيك هوام رأسك؟» قال: نعم، فأمره بالحلاق، والفدية. ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم المحرم عن لباس العمائم، ومخيط الثياب، والبرانس، والسراويلات، والخفاف، وما مسْه وَرْس، أو زعفران، وأرخص لمن لم يجد نعلين قطع الخفين أسفل من الكعبين ولبسهما. وقد تقدم هذا في الكتاب الأول.

قال في الثالث: ولا يطرح عن نفسه القمل؛ لأنه من إلقاء التفث. قال مالك: ولا بأس أن يطرح عن نفسه الحلمة والقراد والحمنان والبرغوث أو العلقة، ولا شيء عليه، وكذلك إنْ طرح العلق أيضاً من دواب جسد البعير والداب. فأما لو طرح الحمنان والحلم والقراد عن بعيره أو دابته فليطعم شيئاً من طعام. قال مالك: ولا يغْسل المحرم رأسه بخِطْمِيّ. م: وهو زريعة الخُبيز، قال: فإن فعل افتدى أي الفدية شاء، قال: وله أن يفعل ذلك إذا حل له الحلاق قبل أن يحلق، وهو الشأن.

قال: وإن أصابته جنابة صب على رأسه الماء وحركها بيده، ولا بأس أن يصب الماء على رأسه وبدنه لحرّ يجده أو لغير حرّ. م: لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلوا ذلك؛ ولأن ذلك لا يقتل شيئاً من الدواب ولا يمنع من التبرد؛ لأن ذلك من الحرج. ومن المدونة: قال مالك: وأكره له غمس رأسه في الماء خيفة قتل الدواب، فإن فعل أطعم شيئاً من طعام. قال: وأكره للصائم الحلال أيضاً أن يغمس رأسه في الماء، فإن فعل فلا شيء عليه إذا لم يدخل الماء حلقه. قال: ولا يدخل المحرم الحمام لينقي وسخه، فإنْ دخله فتدلك وأنقى الوسخ افتدى. وقال: وأكره أنَ يغسل ثوبه إلا أن يصيبه جنابة فيغسله بالماء وحده. ومن المدونة: قال: ولا يغسل ثوبه بالحُوَض خشي قتل الدواب. قال مالك: ولا أرى للمحرم أنَ يغسل ثوب غيره خفية قتل الدواب، زاد في رواية الدّباغ قال مالك: فإنَ فعل افتدى، قال ابن القاسم: يتصدّق بشيء من طعام لموضع الدواب التي قتل في الثياب.

قال ابن القاسم: ولا بأس أن يبدّل ثيابه التي أحرم فيها وأنّ يبيعها لقمل آذاه فيها أو غيره وقال سحنون: إذا باع الثياب فقد عرّض القمل للقتل. قال مالك في العتبية: ولا بأس للمحرم يرى القملة في ثوبه أو بدنه فينقلها في مكان آخر من ثوبه أو جلده. فصل [1 - فيما يجتنبه المحرم من اللباس] ومن المدونة: وكره مالك أن يدخل منكبيه في القَبَاء وإن لم يدخل يديه في كميّه ولا زرّه عليه؛ لأن ذلك دخول فيه ولباس له، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن لباس البرانس ومخيط الثياب. قال ابن القاسم: ولم يكره له أن يطرح قميصه على ظهره ينزدى به من غير أن بدخل فيه، وكره له أن يَزُرّ الطيلسان على نفسه، أو يُخَللّ عليه كِسَاءه، وأجاز له

أم يَحْتبي، وأن يتوشَح بثوبه ما لم يعقد ذلك، فإنْ عقد على نفسه ثوبه الذي توشّح به وذكر ذلك مكانه فحلّه، أو صاح به رجل فحلّه فلا شيء عليه، وإنْ طال ذلك حتى ينتفع به افتدى. قال ابن القاسم: وكذلك إنْ خلّل عليه كساءه، أو لبس قميصه فنزعه، أو صاح به أحد فنزعه فلا شيء عليه، وإن طال ذلك حتى انتفع به افتدى. قال مالك: وجائز للمحرمة لباس الحرير والخز والعصب والحلى، قال: وجائز للمحرمة لباس السراويل ومخيط الثياب.

قال ابن القاسم: وغير المحرمة عندي أحرى. وكره مالك للمرأة لباس القباء في الإحرام وغيره لحرة أو أمة لأنه يصفهن. وكره للمحرم لباس الجوربين والجرموقين والقفازين، قال: وإذا لم يجد نعلين ووجد خفين فلقطعهما أسفل من الكعبين ويلبسهما، ولا شيء عليه، وإن وجد نعلين فاحتاج إلى لبس الخفين لضرورة بقديمه فقطعهما أسفل من الكعبين فليلبسهما ويفتدي، قال ابن القاسم: لأنّ لباسه الخفين لضرورة يشبه الدواء فلذلك لذمته الفدية، والأوّل غير متداوي وقد جاء فيه الأثر. وإن وجد النعلين بشراء فلا رخصة له في قطع الخفين إلا أن يرفع عليه في الثمن كثيراً، وإن زيد عليه يسيراً فليشترهما. فصل [3 - إحرام الرجل في وجهه ورأسه، وإحرام المرأة في وجهها ويديها] قال مالك: وإحرام الرجل في وجهه ورأسه، والمرأة في وجها ويديها، والذقن هما فيه سواء لا بأس بتغطيته لهما. وقد تقدمت الحجة في ذلك في الكتاب الأول. ومن المدونة: قال مالك: وإن غطى المحرم وجهه أو رأسه ناسياً أو جاهلاً فإن

نزعه مكانه فلا شيء عليه، وإن تركه حتى انتفع به افتدى. قال ابن القاسم: وكذلك المحرمة إن غطت وجهها مثل الرجل إلا أن مالِكاً وسّع لها أن تسدِل رداءها من فوق رأسها على وجهها إذا أرادت ستراً. يريد: لا من حرّ ولا من برد، قال: فإن لم ترد ستراً فلا تسدل، وما علمت أنّ مالكاً كان يأمرها إذا أسدلت رداءها أنن تجافيه عن وجهها، ولا ينهى أن يصيب الرّداء وجهها، وإن رفعت خمارها من أسفل رأسها على وجهها افتدت بخلاف السدل لأنه لا يثبت إذا رفعته حتى تعقده. وكره لها مالك أن تتبرقع، أو أن تلبس القفازين فإن تعلمت افتدت كفدية الرجل. فصل [3 - إذا حلق الحلال رأس المحرم أو طيّبه أو غطى رأسه ووجهه فالفدية على الفاعل] قال مالك: وما جره المحرم على وجهه من لحافه وهو نائم فانتبه فنزعه فلا شيء عليه وإنْ طال، بخلاف المستيقظ. وإن نام فغطىّ رجل رأسه ووجهه أو طيبه أو حلق رأسه ثم انتبه فنزع ذلك، أو نزع الطيب عنه فلا شيء عليه، والفدية على من فعل ذلك به.

قال ابن المواز: ولا يجزيء الفاعل أن يفتدي بالصيام ولكن بالنّسك أو الإطعام، وإن كان الفاعل عديماً أو لم يقدر عليه فليفتد هذا المحرم عن نفسه ويرجع على الفاعل إن أيسَر أو قدر عليه بالأقل من ثمن الطعام أو ثمن النسك إن افتدى بأحدهما، وأما إن صام فلا يرجع على الفاعل بشيء. م: وما ذكره ابن المواز من أنه إذا كان الفاعل عديماً أن يفتدي هذا المحرم عن نفسه إلى آخر ما ذكره إنما ذلك وعلى روايته فيمن أكره زوجته فوطئها وهما محرمان وهو عديم أنّ عليها هي أن تحج قابلاً وتتْبَعُ بذلك زوجها، فإن لم تجد هي ما تهدي صامت، ولم ترجع على زوجها بشيء من ثمن الهدي؛ لأنها لم تهد وإنما صامت، والصيام لا ثمن له. م: فما ذكره محمد: إنما يجوز على هذه الرواية في الذي أكره امرأته، وقد قال ابن القاسم في العتبية: إنّ الزوج إذا كان عديماً وهي مليئة فليس عليها هي حج ولا صيام، فعلى هذه الرواية: ليس على النائم المُطِّيب إذا كان الفاعل عديما أن يفتدي هو عن نفسه؛ لأن الفدي إنما تعلقت بغيره. م: وهذا بّين: واختلف أبو محمد، وابن القابسي إذا طيّب محرم محرماً نائما، قال ابن القابسي: يجب على الفاعل فديتان: فدية لمسّه الطيب، وفدية لتطيييبه النائم. وقال أبو محمد: ليس عليه إلاّ فدية واحدة؛ لأني لو ألزمته فديتين لألزمته ذلك إذا طيب نفسه لمسَّه الطيب ولتطيبه، ولكن إنما تلزمه فدية واحدة فكذلك تطييبه غيره.

م: وقول أبي الحسن أصوب. وقال أشهب في مدونته: ما فعل بالمحرم وهو نائم مما يكون عليه فيه الفدية لو فعله بنفسه فلا شيء عليه ولكنه إذا انتبه غسل عنه الطيب مكانه، فإن أخّره فعليه الفدية، وهذا فيما لا يبقى له في منفعة بعد انتباهه، فأما لو قص من شعره أو حلق رأيت عليه الفدية؛ لأنه بقي له الانتفاع بما فعل به، ثم يرجع بما افتدى على الذي فعل ذلك به يرجع عليه بالأقل من ثمن النسك أو الإطعام، وإن افتدى بالصوم فلا يرجع عليه بشيء إذْ لا ثمن له. م: وهذا خلاف للمدونة في التفرقة بين ما يبقى وما لا يبقى. وفي آخر الكتاب مسألة من تقلّب في نومه على جراد أو ذباب أو غيره أنّ عليه الكفارة. فصل [4 - يجوز للمحرم أن يحمل على رأسه ما تدعو الحاجة إليه من زاده ونحوه] ومن المدونة قال مالك: ولا بأس أن يحمل المحرم على رأسه إذا كان راجلاً ما لابد له منه مثل خرجه فيه زاده أو جرابه. قال ابن حبيب: ولا شيء عليه. قال مالك: ولا يحمل ذلك لغيره على رأسه طوعاً ولا بإجازة، فإن فعل افتدى. قال ابن القاسم: ولا أحب له أن يحمل على رأسه تجارة لنفسه من بز أو غيره، ولا ينبغي له أن يتجر فيما يغطي به رأسه في إحرامه.

قال ابن حبيب: فإن فعل افتدى، وقال أشهب: إلا أن يكون ذلك عيشه فله ذلك. ومن المدونة: قال مالك: ولا بأس أن يَشُدِّ منطقته التي فيها نفقته على وسطه ويدخل السيور في الثقب ويربطها من تحت إزاره، قال ابن القاسم: فإن ربطها من فوق إزاره افتدى؛ لأنه قد احتزم من فوق إزاره، وقد قال مالك: إذا لم يرد المحرم العمل فلا يحتزم، فإن احتزم من فوق إزاره بحبل أو خيط افتدى، وإن أراد أن يعمل فلا بأس أن يحتزم. قال ابن حبيب: وقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم رجلا محتزما بحبل وهو محرم فقال له: "انزع الحبل، ويلك، انزع الحبل، ويلك"، وقال رجل لابن عمر: أخالف بين طرفي ثوبي ثم أَعْقده من ورائي وأنا محرم؟ فقال له ابن عمر: "لا تعقد عليك شيئاً إلا منطقتك التي فيها نفقتك فأوثقها. ومن المدونة: ولم يّوسع له مالك أن يجعل منطقته التي فيها نفقته إلاّ في وسطه، وكره أن يجعلها في عضده أو فخذه أو ساقه، قال ابن القاسم: فإن فعل فأرجو أن يكون خفيفاً ولا فدية عليه.

وقال أصبغ: إن هو جعلها في عضده افتدى. قال ابن القاسم: / ولا يجوز أن يحمل نفقة غيره في وسطه ويشدّها على بطنه، فإن فعل افتدى، وإنما أرْخَص له في حمل نفقة للضرورة إلى ذلك. قال: ولو ربطها أوّلاً لنفقته، ثمّ أودعه رجل نفقته فجعلها فيها فلا شيء عليه؛ لأن أصل ما شدّها لنفسه لا لغيره. قال بعض المتأخرين فإن نفدت نفقة المحرم لم يسغ له بقاء وديعة غيره فيها لارتفاع ما من أجله أبيح له ذلك. قال ابن حبيب: وإن كان في منطقته لؤلؤ أو جوهر للتجار فلا يشدّه على وسطه، فإن فعل افتدى. م: كما ليس له أن يحمل التجارة على رأسه، وله أن يحمل زاده. ومن المدونة: قال مالك: وإن ألجيء المحرم إلى تقليد السيف فلا بأس به. قال عنه ابن المواز: فإن تقلده لغير حاجة فلا فدي عليه ولينزعه، وقاله أصبغ. وقال ابن وهب: إن تقلّده لغير ضرورة افتدى. قال ابن القاسم: ولم يكره مالك أنْ يعصب المحرم على جراحه خٍرّقاً، وكان يرى عليه إذا فعل ذلك الفدية.

قال: وإن عصب رأسه من صداع أو جرح، أو عصب على جسده أو على بعض جسده لجرح أو غير ذلك، أو ربط الجبائِر على كسر به، أو ألصق على صدغيه مثل ما يصنع الناس فليفقد، إن شاء صام، أو أطعم، أو نسك. قال: ولو ألصق على قروح به خرقاً صغاراً فلا شيء عليه، وإن كانت كباراً افتدى، وإن جعل على أذنيه قطناً لشيء وجده فيهما افتدى، كان في القطنة طيب أو لم يكن. م: لأن ذلك موضع الإحرام بخلاف الجسد، وسواء فعله لضرورة أو غيرها، وحكي نحو هذا لأبي محمد. ومن المدونة: وكره مالك للمحرم شمّ الطيب وإن لم يمسه بيده، قال ابن القاسم: فإن تعمّد شمه ولم يمسه بيده فلا شيء عليه، قال مالك: وإن مسّه افتدى، قال عنه ابن حبيب: وجد ريحه أو لم يجد، لصق بيديه أو لم يلصق. محمد: ومسّ الطيب أشد من شمه، وشربه أشد من مسه، والفدية في شربه أو مسه. م: وإنّما منع المحرم من الطيب؛ لأن الطيب من دواعي الوطء، فمنع منه كما منعته المعتدّه.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكره له مالك أن يمرّ في موضع العطارين، ورأى أن يقام العطارون من بين الصفا والمروة أيام الحج، وكره له أن يتجر بالطيب إذا كان قريباً منه يمسه أو يشمّه، وكره له مالك شمّ الريحان، وقال: إن شمه أو مسّه رأيته خفيفاً ولا شيء عليه، وكذلك الورد والياسمين والخِيرِيُّ وما أشبهه، بخلاف الطيب المطّيب إن مسه افتدى. قال مالك: وإن مسه خلوق الكعب فأرجو أن يكون خفيفا، ولا شيء عليه إذْ لا يكاد يسلم منه إذا دخل البيت. قال في غير المدونة: وإن أصابه من ذلك كثير فلينزعه عنه، وإن كان يسيراً فإن شاء غسله أو تركه. وقال ابن وهب: عليه الفدية. قال مالك: وإن أصاب كفّه خلوق الركن فأحبّ إليّ أن يغسل الكثير، وهو من اليسير في سعة. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا أري أن تُخَلّق الكعبة أَيام الحج. فصل [5 - في المحرم يخضب رأسه أو لحيته بحناء أو يدّهن أو يأكل أو يشرب ما فيه طيب] قال ابن القاسم: وإذا خضب المحرم رأسه أو لحيته بحنّاء أو بوسِمَة أو خضبت

المحرمة يديها أو رجليها أو رأسها أو طَرقت أصابعها فليفتديا. وإن خضب الرجل أصبعه بحناء لجرح أصابه فإن كانت رقعة كبيرة افتدى، وإن كانت صغيرة فلا شيء عليه، وأمّا إن داوى جرحه بما فيه طيب برقعة صغيرة أو كبيرة فليفتد بخلاف الحّناء كالرّيحان ليس بمنزلة المؤنث من الطيب. وكره مالك للمحرم أن يتوضأ بالريحان، يريد: غسل يديه، فإن فعل فلا فدية عليه، قال: ولا بأس أن يتوضأ بالحرض، وأكره له أن يغسل يديه بالأشنان المطيب بالريحان، ولا شيء عليه إن فعل. قال: وإن كان طيب الأشنان بالطيب افتدى. قال: ولا بأس أن يغسل يديه بالأشنان غير المطيب، والغاسول، وشبه ذلك. قال: وإن دهن قدميه وعقبيه من شقوق فلا شيء عليه، وإن دهنهما لغير علّة، أو دهن ذراعيه أو ساقيه ليحسنهما لا مِن علّة افتدى. قال: وإن دهن / شقوقاً في يديه أو رجليه بزيت أو بشحم أو دك فلا شيء عليه، وإن دهن ذلك بطيب افتدى. قال مالك: وإن دهن بطون قدميه أو بطون كفيه من شقوق ليمرنهما للعمل فلا بأس بذلك، وأما إن دهن ظهور قدميه أو باطن ساقيه أو ركبتيه لخوف أن يصيبه شيء فلفْتَدْ. وكره مالك للمحرم والحلال شرب الماء فيه الكافور لناحية السرف.

قال: وإن شرب المحرم دواء فيه طيب افتدى، وكره مسالك أن يشرب شراباً فيه كافور، أو يأكل دِقة مُذَعفَرة، فإن فعل افتدى. وقال أشهب في غير المدونة: لا يفتدي من أكل أو شرب ما فيه طيب، بخلاف التداوي به، ورواه ابن وهب عن مالك. قال ابن المواز: وهذا عندنا فيما مسته النار أو تغّير لونه ولم يوجد له لون مثل التِرْيَاق وشبهه. وكره مالك في كتاب محمّد، وابن حبيب الفالوذج وإن طبخته النار، لأنه ربما صبغ الفم. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن أكل طعاماً مسته النار فيه زعفران أو ورس فلا شيء عليه، وإن لم تمسه النار فلا خير فيه. قال: وإن دهن رأسه بزيت أو زَنْبَق أو بان أو شيرج الجُلْجُلان أو زيت

الفجل وشبه ذلك افتدى، كان شيئاً من ذلك مطيّباً أم لا. م: بخلاف من أراد الإحرام هذا له أن يدهن رأسه بالزيت وباليان السمح، قاله في الحج الأول. م: لأنّه غير محرم بعد، وهو شيء لا يبقى ريحه. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وجائز أن يأتدم في طعامه بدهن الجلجلان، وهو كالسمن، ويكره أن يأتدم بالزَّنْبَق والبَنَفْسَج وشبهه أو يَشْتَعط بذلك، وجائز له أن يستعط بالزيت والسمن ولا بأس بأكله. فصل [6 - في اكتمال المحرم] قال مالك: ولا بأس أن يكتحل المُحْرِمُ من حرّ يجده في عينيه بالإِثْمِدِ والصبِر والمرّ زنحوه، ولا فدية عليه إلاّ أن يكون فيه طِيْب فليفتدي. وكره مالك أن يكتحل لزينة، قال ابن القاسم: فإم فعل افتدى. قال مالك: ولا تكتحل المُحْرِمَةُ لزينةٍ ولا بإثمد لغير زينة؛ لأنه زينة لها، فإن

اكتحلت بالإثمِد لزينة افتدت، وإن اضطرت إلى الإثمد لوجع بعينها فاكتحلت به فلا فدية عليها. ابن المواز: وكذلك الرَّجُل. قال ابن القاسم: وإنما لم يكن عليها فدية لأن الإثمد ليس بطيب، وإنما اكتحلت به لضرورة لا لزينة، والضرورة عند مالك مخالفة لغير الضرورة في هذا، ألا ترى أن لو دهن المحرم يديه ورجليه بالزيت لزينة لزمته الفِدية عند مالك، ولو دهن شُقوقاً في يديه ورجليه بالزيت لم يفتد، فكذلك اكتحاله بالإثمد. م: وإنما فرق بين هذا وبين اللباس والطيب؛ لأن هذا لم يرد نص في اجتنابه كما ورد في الطيب واللباس، وقد قال عليه والسلام لمن آذاه هوامً رأسه: "إحلق وافتد"، فرأى مالك أن ما ورد النص في اجتنابه لا تُسْقِط الضرورة الفدية عن فاعله قياساً على حلق الرأس، وما لم يرد نصِّ في اجتنابه خففه في الضرورة؛ لأن ذلك حرج، والله رؤوف بعباده. فصل [7 - في المحرم يحلق رأسه حال، وفي الحجامة للمحرم] ومن المدونة: قال مالك: ولا يحلق المرحم رأس حلال، فإن فعل افتدى، قال ابن القاسم: وأنا أرى أن يتصدى بشيء من طعام لموضع الدواب التي في الرأس ويجزئه، وقال سحنون. قال بعض البغداديين: فوجه قول مالك في أنه ألزمه الفدية التي نص الله عليها:

فلانّه لما كان أصل الفدية هو الحلق، وكان المحرم منهياً عنه، فوجب إذا فعل حلقاً أن يفتدي. ووجه قول ابن القاسم: أن الفدية إنما يجب على من أماط عن نفسه أذى، وهذا لم يمط عن نفسه أذى، وإنما ألقى عن غيره قملاً، فوجب عليه الإطعام لذلك. م: وقول ابن القاسم أبين إن أراد مالك أن عليه الفدية التي نص الله عليها، ويحتمل أن يكون معنى قول مالك: يفتجي: أن يفتدي بشيء من طعام لقتله القمل فتتفق القولان، أو يكون ذلك على ما روى عنه فيمن قتل قَمْلاً كثيراً أنه يلزمه الفدية الكاملة. وقد قال ابن الماجشون في المحرم يحلق / رأس محرم وهو نائم أنه يلزمه فديتان: فدية لقتله القمل، والفدية المرجوع بها عليه، فظاهر هذا أنّ على من قتل قملاً كثيراً الفدية الكاملة. قال مالك: ولو حجم المحرِم حلالاً فحلق موضع المحاجم فإن أيقن الحجام أنه لم يقتل قملاً فلا شيء عليه، ولو اضطر مُحْرِم إلى الحجامة جاز لمحرم غيره أن يحلق موضع المحاجم ويحجمه إذا أيقن أنه لا يقتل قملاً، والفدية على المفعول به ذلك. قال ابن حبيب: وأكره الحجامة للمحرم إلا لضرورة ولا فدية عليه في ذلك إذا لم

يحلق شعراً، وإن حلق لها شعراً في القفي أو في الرأس أو سائر الجسد فليفتد كان ذلك لضرورة أو غيرها. وقال سحنون: لا بأس أن يحتجم إذا لم يحلق الشعر، ولا يحتجم في الرأس وإن لم يحلق شعراً خيفة قتل الدواب. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن أراد محرم أن يسوي شعره أو يحلق قفاه فلا ينبغي له أن يفعل ذلك. وإن دعى مُحْرِمٌ إلى أن يفعل به ذلك فَأكْرَهُ للحجام أن يُعِيْنه على ذلك وإن أيقن أنه لا يقتل دواباً، فإن فعل فلا شيء على الحجام، والفدية على المحرم. قال مالك: وإن قَلم مُحْرِمٌ أظفار حلال فلا بأس عليه، ولا ينبغي للمُحْرِم أن يُقلم أظفاره، فإن فعل ناسياً أو جاهلاً افتدى، وإن قلمها له محرم بأمره فالفدية على من قُلَمت أظفاره. وإن كان مُكْرَهاً أونائماً فقلمها له محرم أو حلال فالفدية على الفاعل. وإن قلم المحرم ظفراً واحداً لإماطة أذى افتدى، وإن لم يمط به عنه أذى أطعم شيئاً من طعام، وإن انكسر ظفره فقلّمه فلا شيء عليه. م: كاكتحاله وادهانه لضرورة به.

قال: وإن أصاب أصابعه قروح فاحتاج إلى أن يداويها ولم يصل إلى ذلك إلاّ بقصَ أظفاره فليفتد، كفدية من أماط الشعر من الأذى. قلت: فإنْ أخذ المحرم من شاربه؟ قال: قال مالك: من نتف شعره أو شعرات يسيرة أطعم شيئاً من طعام، كان جاهلاً، أو ناسياً، وإن نتف من شعره ما أماط به عنه أذى فليفتد. قال عنه ابن المواز: إذا أخذ من شاربه افتدى. ابن المواز: وكذلك إن نتف ما يخفف به عن نفسه أذى وإن قل فإنه يفتدي. ومن المستخرجة: وسئل مالك همّن شأنه أكل أظفار هو شعر لحيته فيفعل ذلك وهو محرم؟ قال: أرى أن يفتدي بصيام أو نسك أو إطعام. يريد - فيما أظن -: وإن كان مراراً. ابن المواز: قال مالك: وليس من شأن المحرم والمحرمة النّظر في المرآة، وذلك خِيفة أن يرى شَعَثَاً فيصلحه، وإن نظر فيها فلا شيء عليه، وليستغفر الله.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: وما سمعت مالكاً يحدّ فيما دون إماطة الأذى أكثر من حَفْنَة من شيء من الأشياء، وقد قال في قملة أو قملات حَفْنَ من طعام، قال: والحَفْنة عند مالك بيد واحد. قال مالك: ولا شيء على المحرم فيما انقلع عند وضوءه من لحيته أو شاربه أو رأسه أو أنفه إذا امتخط، وما حلق الإِكَاف والسَّرج في الركوب من ماقه، وهذا خفيف لابدّ للنّاس منه. قال: وما فعله القارن من إماطة الأذى، أو طيب، أو نقص من حجه فكفارة واحدة تجزئه لا كفارتين. وقد تقدمت الحجّة في ذلك. فصل [8 - من فعل شيئاً من ممنوعات الإحرام، ونوى أن يفعله بعد ذلك ويكرره فإنّ الفدية تتحد في ذلك وإن تراخي الثاني عن الأول] وسئل مالك عن محرم لبس قلنسوة أو عمامة لوجع في رأسه ثم نزعها فعاد إليه ذلك الوجع فلبسها؟ قال مالك: الشأن فيه إنْ كان نزعها على البُرْء وتركها فعليه فديتان، وإن نوى حين إن عاد إليه وجعه أعادها فإنّما عليه فدية واحدة. وإذا وطئ المحرم مرّة بعد مرّة، ولبس الثياب لوجع به مرّة بعد مرّة ونوى أن يلبسها إلى بُرْئة، يخلعها بالليل ويلبسها بالنهار ومضى لذلك عشرة أيام، أو لم يكن به أذى فديتان، وإن نوى حين نزعها إن عاد إليه وجعه أعادها فإنّما عليه كفّارة واحدة فيما وطئ ولبس.

م: يريد: وليس عليه فيما وطئ إلا هدي واحد، وليس عليه فيما لبس إلاّ كفّارة واحدة. قال ابن القاسم: لأنّه على نّيته في لبسها، وكذلك المعتمر الذي طاف على غير وضوء فلبس الثياب إنّما عليه فدية واحدة؛ لأنه إنّما أراد لبساً واحداً، وما أصاب هذا المحرم من صيد مرّة بعد مرّة، أو تطيّب مرّة بعد مرّة، فعليه لكل صيد جزاؤه، وكذلك الطيب لكل مرّة فدية، إلاّ أن يكون به جرح فتوى أن يتعالج بدواء فيه طيب حتى يبرأ فإنّما عليه فدية واحدة، وإن لم ينو ذلك فلكل مرّة فدية، فإن أصابه رمد فداواه بدواء فيه طِيب مراراً فليس عليه لكل ما داوى به رمده ذلك إلا فدية واحدة، فإن انقطع رمده ذلك ثمّ رمد بعد ذلك فداواه فعليه فدية أخرى؛ لأنّ هذا وجع غير الأول، وكذلك إن كان في جسده قُرْحة فداواها بدواء فيه طيب مراراً فلي عليه إلاّ فدية واحدة إذا أراد أن يدويها حتى يبرأ، فإن ظهرت به قُرْحة أخرى فداواها بذلك الدواء الذي فيه الطيب فعليه كفارة أخرى. قال مالك: وإن احتاج المحرم في فور واحد إلى لباس أصناف لضرورة، فلبس خُفين، وقلنسوة، وقميصاً وسراويل، ونحوه فإنّما عليه في تلك الثياب كلها كفارة واحدة. قال مالك: وإن احتاج إلى خفين فلبسهما ثم احتاج بعد ذلك إلى قميص فلبسه فعليه كفّارتان؛ لأن حاجته إلى القميص إنما كانت بعدما وجبت عليه الكفارة في الخفين، وعلى هذا اجتمع أمر الناس. ابن المواز: قال ابن الماجشون: وغن احتاج المحرم إلى لباس قميص، ثمّ استحدث لباس سراويل مع القميص ففدية واحدة، ولو احتاج أوّلاًً إلى السراويل فلبسه، ثم لبس

قميصاً ففديتان، وأمّا إن لبس قلنسوة، ثمَ بدى له فلبس عمامة أو لبس عمامة ثم نزعها فلبس قلنسو قفدية واحدة في هذا كله. قال عنه ابن حبيب: وكذلك إن احتاج إلى لباس قميص فلبسه ولم ينو لباس غيره، ثمّ احتاج إلى لباس جبّة فلبسها، ثم احتاج إلى لباس فَرْوٍ فلبسه فليس عليه إلا فدية واحدة، وكذلك لو لبس قلنسوة، ثم احتاج إلى عمامة، ثم إلى التّقيّب والتظلل فعليه فدية واحدة في ذلك كله. ومن كتاب ابن المواز، والعتيبّة: قال مالك: ولا بأس أن يتّخذ المُحْرِمُ خِرقَة يجعل فيها فرجه عند النوم، وهو بخلاف لفها عليه للمني والبول، هذا يفتدي، فإن استنكحه ففدية واحدة تجزئه إذا استدامه، ولو اعتمر بعد حجه افتدى لذلك فدية ثانية. قال في كتاب محمد: ولا بأس أن يستظل تحت المحمل، أو يجعل يده على رأسه، أو يستر بيده وجهه من الشمس، وهذا لا يدوم. وقال سحنون: لا يستظل تحت المحمل وهو سائر. ابن حبيب: قال ابن الماجشون: ولا بأس أن يستظل المحرم إذا نزل بالأرض، ولا بأس أن يلقي ثوباً على شجرة ويقيل تحته، وليس كالرّاكب والماشي وهو كالنازل بخِبَاءٍ مضروب. وعن ابن المواز: لا يستظل إذا نزل بأعواد ويجعل عليها كساءً أو غيره ولا محمله.

قال: وإنما وسَع له في الخِبَاءِ والفُسطاط والبيت المبني. قال يحي بن عمر: لا بأس بذلك كله إذا نزل بالأرض. ومن المدونة قال: وإن قلم أظفار يده اليمنى اليوم، ثم قلم أظفار يده الأخرى من الغد فعليه فديتان. قال مالك: وإن لبس الثياب، وتطّيب، وحلق شعر رأسه، وقلّم أظفاره في فور واحد لم يلزمه في ذلك إلا فدية واحدة، وإن فعل ذلك شيئاً بعد شيء ففي كل وجهٍ فدية. وكذلك قال مالك في مُحْرِمَة أصابتها حُمٌى فتعالجت بأدوية مختلفة فيها طِيب فقال: إن كان ذلك في موضع واحد وكان ذلك قريباً بعضه من بعض فليس عليها لذلك كله إلا فدية واحدة. قال مالك في كتاب ابن المواز: ولا يَنْبغي أن يفعل المحرم ما فيه الفدية من غير ضرورة ليسارة الفدية عليه، وأنا أعظه عن ذلك فإن فعل فليفتد؟ قال: وإن لبس لغير علّة ثمّ مرض فتركه ثمّ صح فتركه ففدية واحدة تجزئه، ولو لبس لمرض ثم تمادى لبسه / بعد أن صح فلعيه فديتان، وكذلك ذكر ابن حبيب من أوّل المسألة عن ابن الماجشون، وزاد: ولا يُبالي مرض مَرْضَةً ثانية بعد الأولى ثم صح منها وهو عليه أو لم يمرض ثانية فليس عليه إلا فديتان.

الباب الرابع في تفسير فدية الأذى، وموضع وجوبها

الباب الرابع في تفسير فدية الأذى، وموضع وجوبها [فصل فدية الأذى على التخيير، له أن يذبحها حيث شاء من البلاد، وله أن يصوم حيث شاء]. قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَاسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}. قال ابن القاسم: وهذه الفدية التي ذكر في إماطة الأذى وما ضارعه من اللباس والطيب وغيره مما يفعله لحاجة لا يحكم فيها الحكمان، ولا يحكم عليه إلا في جزاء الصيد وحده. قال: والرجل مُخَير في الفِدْية كما قال الله تعالى: {مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}، وكذلك الذي يلبس أو يتطيب جَهْلاً من غير أذى يُخير فيما ذكرنا، كما يخير من فعله من أذى. والنسك شاة يذبحها أين شاء من البلاد. ابن المواز: في ليلٍ أو نهار، وإن شاء أن يَنْسك ببعير أو بقرة ببلده فذلك له، وفعله علي بن أبي طالب، وله أن يجعله هَدْياً ويُقلٌده ويُشعره ثمّ لا ينحره إذا قلده إلا بمنى أو بمكة إن أدخله من الحلٌ.

وإذا افتدى بشيء قبل أن يفعله ثم فعله لم يجزه. ومن المدونة: وكذلك الإطعام والصيام حيث شاء من البلاد. وخلافاً لأبي حنيفة، والشافعي أن النسك لا يكون إلا بمكة، وإليه ذهب ابن الجهم، وخالف في ذلك مالكاً وأصحابه. وقال الشافعي: وكذلك الإطعام لا يكون إلا بمكة. والدليل لمالك: أن الله تعالى ونبيه عليه الصلاة والسلام أطلقا ذلك ولم يخصّا به موضعاً، فمن ادّعى خلافه فعليه الدليل. وقد سمىّ الله تعالى الفدية نسكاً، والجزاء هدْياً، وجعل محل الهدْي مكة، لقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}، ولم يذكر للفدية محلاً ولا سمّاها هدْياً فأينما ذُبحت أجزأت. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن ذبح نُسك الأذى بمنى أو بمكة لم يكن عليه وقوفها بعرفة ولا خروجها إلى الحل وإن لم يدخلها منه. قال: والصيام: ثلاثة أيام، والإطعام: ستة مساكين، مدّين مدّين لكل مسكين بِمْدّ النبي صلى الله عليه وسلم.

والأصل في ذلك قوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ ... الآية}، وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله لكعب ابن عجرة: «أتؤذيك هوامّ رأسك؟» فقال: نعم، قال: «إحلق وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، مدّين مدين لكل مسكين، أو نسك بشاة، أيّ ذلك فعلت أجزأ عنك». ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا اختار الإطعام فليطعم ستة مساكين مُدّين مُدين من عَيش أهل ذلك البلد من بُرً أو شعير، ككفّارة اليمين، ولا يجزئه أن يغدّي ويعشي ستة مساكين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمىّ مُدين مُدين، وأجزأ ذلك في كفّارة اليمين؛ لأنها مُدّ مُدّ، والغداء والعشاء أفضل من مُدّمُدّ.

[الباب الخامس] جامع ما يحرم من الصيد على المحرم، وحكم الجزاء أو الطعام أو الصيام في ذلك، وفي الصيد في حرم مكة أو المدينة

[الباب الخامس] جامع ما يحرم من الصيد على المحرم، وحكم الجزاء أو الطعام أو الصيام في ذلك، وفي الصيد في حرم مكة أو المدينة [فصل 1 - لا فرق بين الخطأ والعمد في قتل الصيد في وجوب الجزاء] قال الله سبحانه: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ... الآية}، فذكر الكفارة في القتل في أعلى وجوهه ليدل سبحانه أن ما دونه من الخطأ تُكَفّره الكفارة، كما قاله سبحانه في الإماء: «فإذا أحصن فإن أتين بفاحش فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب»، فكان ذكر الجلد في إحصانهنّ الذي هو أعلى يُبَيٌن أنّ ما دون ذلك يجزيء فيه الجلد، وكان قتل الصيد لا يخرج أن يكون ما ذكر فيه دية أو كفّارة لقوله فيه: «أو كفارة طعام مساكين»، فقد سمّاها كفّارة، وقد ذكر الله الكفّارة في قتل المؤمن خطأ، فهذا مثله، وقد ساوينا بين ما ذكر الله تعالى في قتل الصيد العمد وبين ما سكت عنه في الخطأ في تحريم اكله، فكذلك ينبغي أن يستويا في الكفارة. والله أعلم. قال الأبهري: فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} فلم يوجب على المخطئ شيئاً، وإنما أوجب على العامد. قيل له: إنما خرج الكلام على الأغلب من فعل الناسي، كما لم يمنع أن تكون

الربيبة التي ليست في الحِجْر مُحرّمه، وإن كان التّحريم إنّما هو في اللفظ في التي في الحِجْر، فكذلك الجزاء يجب في الخطأ وإنْ كان النّص إنما ورد في العمد لاستوائهما فيما ذكرناه من علة الإتلاف. [فصل 3 - سيد الحرم حرام على الحلال والمحرم، وفيه الجزاء على من يقتله] م: وأباح الله سبحانه للمحرم صيد الماء بقوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}. وأبان الرسول صلى الله عليه وسلم تحريم الصيد في حرم مكة، وحرم ما بين لابتي المدينة، ونهى عن الصيد فيه، وأباح صلى الله عليه وسلم للمحرم قتل خمس من الدواب:

الكلب العقور، والعقرب، والفأرة، والحِدَأة، والغراب». قال عبد الوهاب: وقال داود: لا يتعلق الجزاء بحرمة الحرام أصلاً. ودليلنا: قوله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} والاسم ينطلق على المحرم والحرام بالإحرام، وبالمكان. [فصل 3 - هل يجب الجزاء في حرم المدينة؟] قال: وقال ابن أبي ذنب: في حرم المدينة أيضاً الجزاء. فوجه قول مالك: قوله صلى الله عليه وسلم: «من وجدتموه صاد في حرم المدينة فأوجعوه ضرباً واسلبوه ثيابه»، فلو كان فيه الجزاء لأمر به، ولأنه غير محل للمناسك فلم يتعلق فيه الجزاء، أصله الحِلّ.

ووجه إيجاب الجزاء: قوله صلى الله عليه وسلم: «إن إبراهيم حرم مكة، وإنّي أحرٌم المدينة بمثل ما حرّم إبراهيم مكة ومثله معه لا يختلي خلاها، ولا يُعْضَد شجرها، ولا يُنفّر صيدها». ولأنه حرم يمنع الاصطياد فيه فيتعلق الجزاء فيه كحرم مكة. قال: وهذا أقيس عندي مع قول أصحابنا: إنّ المدينة أفضل من مكة وأن الصلاة بمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة بالمسجد الحرام. م: وقد قال مالك في غير المدونة من رواية أشهب: لم أسمع أنّ فيما قتل في حرم المدينة جزاء، ومن مضى أعلم من بقي، ولو كان هذا لسنّوا فيه دية صيد، وقد صيْدَ بها وقُتِل. قيل له: فهل يؤكل ما صيد فيه؟ قال: ليس كالذي يُصاد بمك، وإنّي لأكرهه فراجعه، فقال: لا أدري، وما أحبٌ لك أن تسأل عن مثل هذا أحداً.

[فصل 4 - للمحرم أن يقتل السِّباع التي تعدو على الناس وتفترس، جائز له قتلها على كل حال] ومن المدونة: قال مالك: ولا بأس أن يقتل المُحْرِم سِبَاع الوحش، والنّمور التي تَعْدو وتفترس، يبتدئها وإن لم تبتدئه، ولا شيء عليه في ذلك، لدخول ذلك في اسم الكلب العقور، ولما جاء في حديث أبي سعيد الخدري من قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس على المحرم في قتل الفُوَيسقَة. والحِدَأة والسَّبُع العادي جناح». قال عبد الوهاب: فله عندنا قتل السباع العَادية من الوحش، والطير، فيقتل الأسد، والنمر، والفهد، والذئب، ومن الطير: الغراب، والحِدَأَة. ووافقنا أبو حنيفة في الذئب والكلب العقور، وخالفنا في السبع، والفهد والنّمر وغيرها من السباع. وقال: من قتلها فعليه جزاؤها. والحج عليه الأخبار المروية. وقال: من قتلها فعليه جزاؤها. والحجة عليه الأخبار المروية. وقال الشافعي: كل ما لا يؤكل لحمه من الَّيد فلا جزاء فيه إلاّ الضيع. ودليلنا قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}، وقوله تعالى:

{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}. ومن المدونة: قال مالك: ولا يقتل صغار أولاد السِّباع العادّية؛ لأن الصّغار لا تَعْدو ولا تفترس. ابن المواز: قال أشهب: فإن فعل فعليه الجزاء، وقال أيضاً أشهب: لا جزاء عليه، وقال ابن القاسم. ويقتل المحرم الفأرة، والحيّة والعقرب صغارهن وكبارهن وإن لم تؤذه. ومن المدونة: وكره مالك قتل الهر الوحشي، والثعلب، والضبع، فإن فعل فعليه الجزاء إلا أن يبتدئوا فلا شيء عليه فيهم. وكره له مالك قتل سباع الطير، وغير سباعها، قال: فإن قتل سباع الطير فعليه الجزاء إلاّ الحِدَأة، والغراب فإنه إن قتلهما ولم يبتدياه فلا جزاء عليه لأذاهما إلاّ أن يكونا صغيرين. قال ابن القاسم / في كتاب محمد: وأحبٌ إليّ أن لا يقتل الغراب والحِدَأة حتى يؤذياه، وإنْ قتلهما قبل أن يؤذياه فلا شيء عليه. قال ابن القاسم: وإنْ عدى عليه شيء من سباع الطير ويخافها فقتلها فلا جزاء عليه؛ لأنّه لو عدى عليه رجل يريد قتله فدفعه عن نفسه فقتله لم يلزمه شيء.

قال مالك: ولا بأس للمحرم بصيد البحر كله، والأنهار، والبِرَك، والغُدْران، وإن أصاب طيراً من طير الماء فعليه جزاؤه. قال: ويؤكل صيد البحر الطافي وغير الطافي، والضَّفْدِعُ، وترس الماء من صيد البحر. قال ابن القاسم: وهذه السلحفاة التي تكون في البراري هي من صيد البّر، إذا ذُكيت أُكلت، ولا تحل إلاّ بالزكاة، ولا يصيدها المحرم. فصل [5 - يحرم قطع ما ينبت بنفسه من نبات الحرم، ولا جزاء فيه] قال: ولا يقطع أحد من شجر الحرم شيئاً، يبس أو لم يبس، في حرم مكة، أو المدينة، للحديث، فإن فعل فليستغفر الله، ولا جزاء عليه فيه، خلافاً لأبي حنيفة، والشافعي، لأنه لو كان فيه جزاء لكان على المحرم بقطع الشجر في الحل.

ومن المدونة: قال مالك: ولا بأس بقطع ما أنبته الناس في الحرم من الشجر مثل النّخْل، والرُّمان، والفاكهة كلها، والبقْل كله، والكراث، والخس، والسِّلق، وشبهه، والسَّني والإِذْخِر. م: إنما قال ذلك: لأن ما أنبته الناس أنيساً مثل إنسي الحيوان، فلم يكن بأس بقطعه وأكله، كما لا بأس بذبح الحيوان الإنسي وأَكلِه. قال: وجائز الرّعي في حرم مكة وحرم المدينة في الحشيش والشَّجر. قال: وأكره أن يحتش في الحرم حلال أو حرام خيفة قتل الدواب، وكذلك الحرام في الحل، فإن أسلموا من قتل الدواب فلا شيء عليهم، وأكره لهم ذلك. ومَرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم برجل يرعى غنماً له في حرم المدينة وهو يخبط شجرة منها فنهاه عن الخبط، وقال: «هشوا وارعوا».

قال مالك: الهشّ: أن يضع المحجن في الغُصْن فيحركه حتى يقع وَرَقُه. م: والمحجن: هو المخطاف عندنا، قال مالك: ولا يعضد، ومعنى العضد: الكسر. فصل [6 - يكره للمحرم ذبح الحمام الوحشي وغير الوحشي] وكره مالك أن يذبح المحرم الحمام الوحشي وغير الوحشي؛ لأن أصله مما يطير، وأكره أن يذبح شيئاً مما يطير ولا الحمام الرومية التي لا تطير وإنما تتخذ للفراخ؛ لأن أصلها مما يطير. قال: ولا بأس أن يذبح الإوَزّ والدجاج، لأن أصلها مما لا يطير. م: أما الدجاج فليس لها أصل يطير، وأنا البُرَك، والإِوَز فلها أصل يطير في الوحشية، فينبغي على هذا أن لا يذبحها المحرم.

قال ابن حبيب: كره مالك للمحرم ذبح الحمام المتخذ في البيوت للفراخ، ولم ير فيه جزاء إن فعل. وكان عطاء لا يرى بذبحه بأساً. قال: وكره مالك ذبح الحمام الأخضر، وقال: حنسه يمام وله عِرْق في الوحشية. ابن المواز: قال أصبغ: وما ذبح المحرم من حمام بيته وهو أنيس قفليفده. ومن المدونة: قال: وما دخل مكة من الحمام الوحشي والإنسي. م: مما قد صيد في الحل، قال: فجاز للحلال أن يذبحه فيها، كما يجوز للحلال أن يذبح الصيد في الحرام إذا دخل به من الحل؛ لأن شأن أهل مكة في ذلك يطول، وهم محلّون في ديارهم، والمحرم إنما يُقيم محرماً أياماً قلائل. قال: وما أدركت ممن افتدي به من يكره للحلال ذبح صيد في الحرم قد دخل به من الحل إلاّ عطاء بن أبي رباح، ثم ترك ذلك، وقال: لا بأس به. م: وقال أبو حنيفة: لا يجوز للحلال أن يذبح صيداً في الحرم قد كان ملكه في الحل.

ودليلنا: أنه لما جاز له إمساكه والتصرف فيه في الحرم باتفاق جاز له ذبحه كالنَّعم؛ ولأن كل من جاز له تملّك صيد بالشّراء والهبة جاز له ذبحه كالحلال، وفارق حرمة الوضع في هذا حرمة الإحرام؛ لأن الإحرام لا يدوم، وحرمة الموضع دائمة فافترقا / كالنكاح، والوطء في ذلك؛ لأن حرمة الإحرام تمنه منهما، وحرمة الموضع لا تمنع لدوامها فرفع حرج ذلك عن الأمة؛ ولأن الشيء اللازم للإنسان لا حكم له، بخلاف المنقطع كالاستحاضة، وسلس البول، والقرحة تسيل ولا تكف، هو في ذلك كله بخلاف المنقطع. ومن المدونة: قال مالك: وما وقع من الجراد في الحرم فلا يصيده حلال ولا حرام، قال: ولا يُصاد الجراد في حرم المدينة، ونهى عن الصيد في حرم المدينة، لم ير فيما قتل من الصيد في حرمها جزاء. وقد تقدم هذا. فصل [7 - التسبب في إتلاف الصيد هل يوجب الضمان إذا أفضى إلى الإتلاف؟] قال ابن القاسم: ولو ضرب محرم فسطاطه فتعلق بأطنابه صيد فعطب، أو حفر بئراً للماء فعطب فيه صيد فلا جزاء عليه، وذلك فعل الصيد بنفسه، كقول مالك فيمن حفر بئراً بموضع يجوز له فمات فيه رجل أنه لا دية فيه رجل أنه لا دية فيه على الحافر.

قال ابن القاسم: وإذا رأى الصيد محرماً ففرغ منه فحضر فمات في حضره فعلى المحرم جزاؤه؛ لأنه نفر من رؤيته. ابن المواز: وقال أشهب: لا شيء عليه، وقال سحنون، وهو أصوب، لأن ذلك فعل الصيد بنفسه، أصله إذا تعلق بأطناب فسطاطه. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن نصب المرحم شرَكاً للذئب والسِّباع مخافة على غنمة ودوابه أو على نفسه فوقع فيه صيد ظبي أو غيره فعطب فيه فعليه جزاؤه؛ لأن مالكاً قال فيمن حفر في منزله بئراً للسارق أو عمل في داره شيئاً ليتلف به السارق فهو ضامن إنْ وقع فيه سارق فمات. وقال سحنون في الصيد: لا جزاء عليه؛ لأنّه فَعَلَ ما يجوز له فعله، وأمّا السارق ففعل مالا يجوز له. ابن المواز: وقال أشهب: إن كان موضعاً يتخوّف فيه على الصيد وداه، وإلاّ

فلا شيء عليه. قال ابن المواز: وهذا أحبٌ إلينا. فصل [8 - في كون العمد والسهو في الإتلاف سواء في وجوب الجزاء] ومن المدونة: قال مالك: وإذا أمر المحرم عبده أن يرسل صيداً كان معه فظنّ العبد أنّه أمره بذبحه فعلى السيد الجزاء. قال ابن القاسم: وإن كان العبد مُحْرِماً فعليه الجزاء أيضاً، ولا ينفعه خطؤه. م: لأنّ الخطأ والعمد عندنا في قتل الصيد سواء. [فصل 9 - إذا اشترك جماعة محرمون في قتل سيد فعلى كل واحد جزاء كامل] قال ابن القاسم: ولو أمره بذبحه فأطاعه فذبحه، كان عليهما الجزاء جميعاً. قال: وإذا دلّ على صيد محرماً أو حلالاً فقتله المدلول عليه فليستغفر الله الدّال، ولا شيء عليه. قال ابن المواز: وقال أشهب: إذا دلّ المُحْرِمُ مُحْرِماً على صيد فقتله فعلى كل واحد منهما جزاؤه، وإن دلّ عليه حلالاً فليستغفر الله الدّال، ولا شيء عليه.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكذلك إن أشار المحرم، أو أمر بقتله فلا شيء عليه إلاّ أن يكون المأمور عبده، فيكون على الآمر جزاء واحداً، وقد أساء، وعلى القاتل الجزاء إن كان مُحْرِماً، وإن كان حلالاً في الحل فلا شيء عليه. وإذا اجتمع محرمون على قتل صيد، أو اجتمع محلون على قتل صيد في الحرم، أو محل، وحرام قتل صيداً في الحرم، فعلى كل واحد الجزاء كاملاً. وقال الشافعي: عليهم جزاء واحد. ودليلنا قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}، وهذا خطاب لكل قاتل في نفسه، ولأنه اشتراك في قتل تجب فيه الكفارة فكانت الكفارة بعدد القاتلين، كقتل الآدمي. ومن المدونة: قلت: فإن اجتمع مُحْرِمُون على قتل صيد فجرحه كل واحد منهم جرحاً؟ قال: قال مالك: إذا جرح المحرم صيداً فغاب عنه الصيد فعليه جزاؤه. قال ابن القاسم: وليس في جراح الصيد إذا أيقن أّنها سلمت من ذلك الجرح شيء.

قيل: فإذا سلم الصِّيد بعد الجرح هل يحكم فيه كالحكم في جراح الرجل الحر أم كجراح العبيد ويكون فيه ما نقصه؟ قال: لا أرى فيه شيئاً إذا استيقن أنه سلم. قال ابن المواز: هذا إذا برأ على غير نقص وإلا ففيه ما بين قيمته صحيحاً وقيمته مجروحاً، وقال ابن القاسم. وقال بعض علمائنا: وهذا خلاف لما في المختلطة. م: ويحتمل أن يكون وفاقاً. ويحتمل قول ابن القاسم: لا شيء عليه إذا استيقن أنه سلم: أي سلم بغير نقص. والله اعلم. قال: وقد قال ابن القصَّار: إذا فقأ عين صيد، أو كسر رجله، أو ما أشبه ذلك، فلا شيء عليه؛ لأن الجزاء إنما يجري مجرى الكفارة، فكما لا تجب الكفّارة في أبعاض الآدميين، فكذلك لا تجب في أبعاض الصيد. قال: وقال المخالف: كل ما أصله مضموم فكل جزء منه مضمون، وإنما ذلك فيما يصح الإبراء منه من حقوق الآدميين.

قال بعض أصحابنا: وهذا الذي ذكر ابن القصّار مثل ما في المختلطة وبخلاف ما قال ابن المواز فاعلمه. وقال ابن حبيب فيمن رمى صيداً وهو محرم فأصابه فتحامل الصيد حتى غاب عنه فإن أصابه بما يموت بمثله فليوده، فإن وداه، ثم وجده لم يعطب، ثم عطب بعد ذلك فليده ثانية؛ لأن الجزاء الأول كان قبل وجوبه، قال ابن الماجشون. ومن المدونة: وإذا أمسك مُحرِم صيداً لغير القتل وإنما أراد أن يرسله فقتله حرام فعلى القاتل جزاؤه، وإن قتل حلالٌ فعلى الممسك جزاؤه، لأن قتله من سببه. وقال سحنون: لا شيء عليه. م: يريد: ويغرم الحلال للمُمْسِك الأقل من قيمة الصيد أو الجزاء على قول ابن القاسم. ولا شيء على قول سحنون؛ لأنه لم يُوجب عليه غُرْماً. قال ابن القاسم: وإن أمسكه لمن يقتله، فإن قتله مُحْرِم فعليهما جزاءان، وإن قتله حلال فعلى المحرم جزاؤه، ولا شيء على الحلال إذا كان في الحل. ابن المواز: قال أشهب: وإذا أخذ مُحْرِم صيداً فقتله في يده حلال في الحرم فعلى كل واحدٍ منهما جزاؤه، ويغرم الحلال قيمته للمحرم، كان القاتل حراً، أو عبداً، أو صبياً، أو نصرانياً، إلاّ أنه لا جزاء على النصراني. وإن كان في الحل غرم له قيمته، وعلى المحرم وحده جزاؤه.

قال ابن المواز: وإنما يرى على قاتله لصاحبه القيمة، إلا أن تكون أكثر من الجزاء فلا يلزمه إلاّ الجزاء، لحجة المحرم عليخ إنّي كنت أقدر على السلامة بإطلاقه فعليك ما أدخلت عليّ بقتله، وإن كان في الحرم غرم جزاءً ثانياً. ومن المدونة: قال ابن القاسم: إن أحرم وفي بيته صيد فلا شيء عليه فيه ولا يرسله، وإن أحرم وهو بيده، أو يقوده، أو في قفص معه فليرسله ثمّ لا يأخذه حتى يحل. م: وسواء كان إحرامه من منزله أو من ميقاته بخلاف ما تأوله بعض أصحابنا أنه إن كان إحرامه من منزله وفي بيته صيد فعليه أن يرسله، كما قال في القفص. م: والفرق بين القفص والبيت: أنّ القفص هو حامل له ومنتقل به فهو كالذي بيده، وما كان في البيت فليس هو بيده وهو مرتحل عنه وغير مصاحب له وهو بخلاف القفص فافترقا.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن أحرم وبيده صيد فأرسله من يده حلال أو حرام لم يضمن له شيئاً؛ لأن ملكه زال عن الصيد بإحرامه كزوال ملكه عما ندّ له من الصيد وطال زمانه ولحق بالوحش؛ لأنه لو أخذه بعد ذلك أحد لكان له لزوال ملك الأول عنه، وأما إن أخذه بحدثان ما ندّ له فإنه يرده إليه؛ لأن ملكه باقٍ عليه. قال ابن القاسم: ولأنه لو حبس الصيد بيده حتى يحل لوجب عليه إرساله، وكذلك لو بعث به إلى بيته بعد أن أحرم وهو بيده ثم حل لوجب عليه إرساله. وقد اختلف الناس في هذا، هل عليه أن يرسله أم لا؟ فقال بعض الناس: يرسله وإن حل من إحرامه، وكأمه صاده وهو حرام. ورأى بعض الناس أن له حبسه؛ لأنه قد حل. ولا أخذ به ابن المواز. وقال أشهب: على الذي أرسله من يده فيمته، وقول ابن القاسم أحب إلينا. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وما صاده في إحرامه فليرسله، فإن لم يفعل حتى أرسله من يده حلال أو حرام لم يضمن له شيئاً؛ لأنه لم يجب له فيه ملك، وإنما فعل ما كان يؤمر الذي صاده أن يفعله. وإن صاده في إحرامه أو أحرم وهو بيده فأتاه محرم / ليرسله من يده فتنازعاه فقتلاه بينهما فعلى كل واحدٍ منهما جزاؤه.

وإن نازعه حلال فعلى المحرم الجزاء، ولا قيمة له على الحلال، ولا يضمنا له أيضاً الجزاء؛ لأن القتل جاء من قبله حين منعهما من إرساله، يعني: إذا كان في الحل. قال في العتبية: ولو أمسكا الصيد حتى حلاٌ فأكلاه، فعليهما جزاؤه؛ لأنه قد وجب عليهما إرساله. قال: وخالفني أشهب فقال: لا شيء عليهما جميعاً. فصل [10 - يجب الجزاء على من طرد سيداً فأخرجه من الحرم، ويجب على من رمى من الحل إلى الحرم أو بالعكس] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن طرد صيداً فأخرجه من الحرم فعليه جزاؤه. م: قيل: إنما هذا إذا كان الصيد لا ينجو بنفسه؛ لأنه قد عرضه للقتل، فأما إن كان ينجو بنفسه فلا شيء عليه، سواء أجلاه قريباً أو بعيداً، وقال أشهب، ونحوه لابن القاسم في المدونة. ومن المدونة: قال مالك: وإنْ رمى صيداً في الحرم من الحل، أو في الحل من الحرم فقتله، فعليه الجزاء. م: لأن من أصله أن يحرم بالأقل.

قال: وإن رمى صيداً في الحل وهو في الحل فهرب الصيد وتبعته الرمية فأصابته في الحرم فعليه جزاؤه. وقال أشهب: فيمن رمى صيداً قريباً من الحرم فأصابته الرمية ولم تبلغ مقاتله فتحامل فدخل الحرم فمات فيه، فإنه يؤكل. ومن المدونة: قال مالك: وإن أرسل كلبه أو بازه قرب الحرم، وهو والصيد جميعاً في الحل فأخذه في الحل فلا شيء عليه، وإن أخذه في الحرم فقتله فيه أو طلبه حتى أدخله الحرم ثم أخرجه منه فقتله في الحل فعليه الجزاء ولا يؤكل. وقال ابن الماجشون: لا بأس أن يرسل الحلال كلبه من الحرم على ما في الحل، ويؤكل ما أصاب.

م: وهذا خلاف لابن القاسم، وعليه جزاؤه عند ابن القاسم ولا يؤكل، كإرساله سهمه من الحرم على صيد في الحل. ووجه قول ابن القاسم: فلأن أصل اصطياده وابتدائه من الحرم، فلا يراعى أين أخذه، كالنكاح في العدة، والوطء بعدها أنه يحرم كالوطء فيها. ووجه قول ابن الماجشون: أن المراعاة تمام الاصطياد فأين ما وقع فله حكمه، وهذا جارٍ على قولهم: ولا يحرم عليه إلاّ الوطء في العدّة. ومن المدونة: قال: ولو أرسل كلبه، أو بازه على صيد في بعد من الحرم فقتلا الصيد في الحرم أو أدخلاه في الحرم ثم أخرجاه منه فقتلاه في الحل فلا يؤكل، ولا جزاء عليه؛ لأنه لم يُغرّر بالإرسال. وإن أرسل كلبه على صيد في الحرم فَأَشلاه رجل آخر فأخذ الصيد، فإن انشلى الكلب بإشلاء هذا، فعلى الذي أشلاه الجزاء أيضاً. وقال أشهب: فلا شيء عليه. فوجه قول ابن القاسم: فلأن الإشلاء عون للكلب وسبب لأخذ الصيد ومعونة للمرسل، فوجب على كل واحدٍ جزاؤه. ووجه قول أشهب: فلأن أصل الاصطياد الإرسال فله الحكم. م: وقول ابن القاسم أبين. والله أعلم.

قال ابن القاسم: وإن أرسل كلبه على ذئب في الحرم فأخذ صيداً، فعليه الجزاء؛ لأنه سبب أخذه، وكالمغرٌر بقرب الحرم. ابن المواز: وهو أحب إليّ. وقال أشهب: لا شيء عليه إلا أن يرسله بحضرة صيد يعرف من موضعه. م: ووجه هذا: فلأنه فَعَلَ ما يجوز له، كمن أرسل على صيد في بُعْدٍ من الحرم فأخذه في الحرم. وقول ابن القاسم أبين. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن صاد طيراً فنتفه ثم حبسه حتى نسل فطار فلا شيء عليه. وقد تقدم أن الجزاء على قاتل الصيد عمداً، أو خطأً، كان أول ما أصابه، أو كان قد أصابه قبل ذلك، وأنه إن أصاب الصيد، والنساء، والطيب مداراً على وجه الإحلال والرفض لإحرامه فعليه لكل صيد أصابه الجزاء؛ لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}. وأما جميع لبسه، وطيبه فكفارة واحدة؛ لأنه فعله على وجه الإحلال والرفض للإحرام، فذلك مساوٍ لصاحبه فإذا اجتمعا فكفارة واحدة كالوضوء لجميع الأحداث. م: وكذلك لتكرار الجماع كفارة واحدة، أي هدي واحد، مع قضاء

الحج، لاتفاق ذلك في الإيجاب، وجزاء ما أصابه القارن جزاء واحد، لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} فعم. فصل [11 - في الحاج يقتل سيداً بعد رمي جمرة العقبة] قال: ومن قتل صيداً في الحل من الحاج بعد رمي جمرة العقبة فعليه الجزاء. م: لأنه لم يتكامل إحلاله كإصابته إياه قبل الرّمي. قال: وإن قتله بعد الإفاضة وقبل الحلاق فلا شيء عليه لتكامل إحلاله، وبقاء الحلاق خفيف في كل شيء. قال: وكذلك المعتمر إن أصاب صيداً في الحل فيما بين طوافه وسعيه، فعليه الجزاء، وأمّا بعد السعي وقبل الحلاق فلا جزاء عليه. فصل [13 - لا يجوز ذبح المحرم للصيد، وإذا ذبحه فلا يحل له ولا لغير الأكل منه] قال مالك: وما ذبح المحرم من الصيد بيده، أو صاد بكلبه، أو بازه فأدّى جزاءه فلا يأكل حلال ولا حرام لأنّه ميتة لم يصح للمحرم تذكيته. وقال الشافعي: تصح تذكيته.

ودليلنا قوله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}، والقتل في الشرع: عبارة عن الإتلاف الذي لا يبيح الأكل. ومن المدونة: قال مالك: وإن أكل هو من لحمه لم يكن عليه جزاء آخر ولا قيمة ما أكل؛ لأنه أكل لحمه ميته وما لا يحل له. وقال أبو حنيفة: عليه الجزاء وضمان قيمة ما أكل. ودليلنا قوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} فلم يوجب سواه، ولأن الإتلاف بعد القتل لا يوجب جزاء كما لو قتله وأحرقه، ولأنه إنما أكل لحم ميتة فلا قيمة له. ومن المدونة قال مالك: وما ذبح من أجل محرم بأمره أو بغير أمره ولي ذبحه حرام أو حلال فلا يأكله محرم ولا حلال.

ولم يأخذ مالك بحديث عثمان بن عفان حين قال لأصحابه: «إنما صيد من أجلي فكلوا» وأبى أن يأكل هو. ومن العتبية قال ابن القاسم في المحرم يأكل من الصيد ولم يصد من أجله وهو عالم بذلك لا جزاء عليه وبئس ما صنع، وإنما يديه من صيد من أجله إذا أكل وهو عالم بذلك. ابن المواز: قال أشهب عن مالك: فإن أكل منه من صيدَ من أجله وهو بذلك عالم وداه، وإن أكل منه غيره من أصحابه وهو يعلم فلا شيء عليه، لما جاء عن عثمان، ولكن لا ينبغي أن يأكل من ذلك حلال ولا حرام. وقال أيضاً في محرم قُتِلَ من أجل صَيْد، أو من أجل محرم غيره، ثم أكل منه وهو عالم، فعليه جزاؤه، وإن لم يعلم فلا جزاء عليه، وروي مثله عن ابن القاسم.

وقد قيل: لا جزاء عليه علم أو لم يعلم؛ لأنه إنما يأكل لحم ميتة، إلا أن يعلمه قبل ذبحه فيذبحه على ذلك أو يأمرهم بصيده، فهذا عليه جزاؤه، ونحوه لأصبغ. م: وقال الشافعي: لا جزاء عليه بحال. ودليلنا: قوله صلى الله عليه وسلم: «لحم الصيد لكم حلال وأنتم محرمون ما لم تصيدوه أو يضاد لكم»، فقد ساوى عليه الصلاة والسلام بين تحريم ما صاده أو صيد له، وكذلك يجب أن يستويا في الجزاء. قال عبد الوهاب: ولأن رضاه بصيده له كفعله بنفسه؛ ولأن فعل الوكيل كفعل الموكل في الحكم؛ ولأن في ذلك ذريعة إلى استباحة الاصطياد، فوجب حسم الباب. ابن المواز: وقال أشهب بن مالك: لا بأس أن يأكل المحرم من صيد ذبح لِمُحْرِمْينِ قبل أن يحرموا أو صِيدَ من أجلهم قبل أن يحرموا، تقوم بأعيانهم، أو بغير أعيانهم.

قال عنه ابن القاسم: لا بأس بأكله للمحرم وإن صِيْدَ من أجله قبل أن يحرم، وروى عنه أيضاً أنه كره له أكله، فإن فعل فلا جزاء عليه. قال عبد الوهاب: وقال أبو حنيفة: لا يأكل المحرم لحم صَيْدٍ، وإن صاده حلال في الحل. ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: «لحم الصيد لكم حلال وأنتم محرمون. ما لم تصيدوه أو يصاد لكم». فصل [13 - في المحرم يقتل بازاً مُعَلّماً] ومن المدونة: قال: وإذا قتل المحرم بازاً مُعَلماً فعليه جزاؤه غير مُعَلم، وعليه قيمته لربه مُعَلَّماً. م: وقال غيرنا: لا جزاء عليه.

ودليلنا: قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} فعمّ، ولأنه ممنوع من قتله لحرمة الإحرام، كالذي ليس بمملوك. فصل [14 - في الصبي يصيب صيداً سيداً أو ما تجب عليه به الفدية هل الجزاء والفدية على الأب أو في مال الصبي] قال ابن القاسم: وإذا أحرم الأخرس فأصاب صيداً حُكِمَ عليه كما يحكم على غيره، لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} فعم. قال: وإذا حج بالصغير الذي لا يعقل والده فأصاب صيداً أو لبس أو تطيّب، فالفدية والجزاء على الأب، وإن كان للصبي مال، وكذلك كل شيء وجب على الصبي من الدم في الحج، فذلك على والده؛ لأنه أحجه. م: قال بعض أصحابنا: يكون ذلك على الذي أحجّه، وإن كان خروجه به نظراً إذ لا كافل له؛ لأنه كان قادراً أن يخرج به ولا يحجه، فلما أدخله في الحج، كان ما وجب على الصبي من أمور الحج على من أحجه. وفي كتاب ابن المواز: قال ابن وهب عن مالك: ولا يحج بالرضيع، فأما ابن أربع سنين أو خمس فنعم، وإذا حجّ به أبوه فما أصاب من صيد أو ما فيه فدية ففي مال الأب، إلا أن يخرج به نظراً؛ لأنه لو تركه ضاع، فيكون ذلك في مال الصبي، وإن لم يكن له مال اتبعه به. وقد قيل: إن ما أصاب من صيد في ماله، يريد: كالجناية.

م: وهذا نص خلاف ما تأوله من ذكرنا، وإن كان ما قال له وجه في القياس، ولكن الصواب ما قاله مالك، لأن ما يتخوف أن يطرأ عليه في إحجاجه إياه من الجزاء والفدية أمر غير متيقن، وإحجاجه إياه طاعة وأجر لمن أحجه، لقوله صلى الله عليه وسلم للتي سألته: ألهذا حج؟ وكان صغيراً، فقال: «نعم ولك أجر». م: فهذا حج تطوّع للصبي وأجر لمن أحجّه، فلا يُترك لأمرٍ قد يكون، أو لا يكون، وهذا هو أصلنا أنّه لا يترك أمر متحقق لأمر يكون أو لا يكون؛ لأن الأمر الطارئ لا حكم له، فلما أبيح له إحْجَاجه لم يلزمه ما طرأ عليه من أمور الحج؛ لأنه غير متعدّي في إحجاجه إيّاه، وبالله التوفيق. ومن المدونة: قال ابن القاسم ولا يصوم عنه والده في الجزاء والفدية، ولكن يُطعم عنه أو يهدي. فصل [15 - ما لزم العبد من جزاء سيد أو فدية فذلك عليه إن كان إحرامه بإذن سيده ولا يمنعه سيده من الصوم] وإذا أحرم العبد بإذن سيده فما لزمه من جزاء صيد أو فدية لإماطة أذى من ضرورة أو فوات حج أصابه لم يتخلف له عامداً فلزمه هدي في ذلك كله على العبد، وليس له أن يُخْرِخَ ذلك من مال سيده إلاّ بإذنه، فإن لم يأذن له صام، ولا يمنعه سيده من الصوم وإن أضرّبه أن يهدي عنه أو يطعم.

وما أصاب العبد عمداً مما وجب عليه به الهدي أو الفدية، فلسيده مَتْعه أن يفتدي بالنُّسك، أو بالصدقة، ولا يمنعه من الصوم، إلا أن يضرٌ به في عمله فيمنعه. وكذلك قال مالك في العبد إذا ظاهر: أنه لا سبيل له إلى زوجته حتى يكفر، ولا يمنعه سيده من الصوم إلا أن يضر سيده في عمله فيمنعه إن شاء؛ لأنه أدخل الظهار على نفسه وليس له أن يضرّ سيده. وقال ابن الماجشون في الواضحة: إذا تظاهر العبد فليس لسيده منعه من الصوم وإن أضر به في عمله. م: ووجه هذا: فلأن السيد أذن له في النكاح، وعنه يحدث الطلاق والظهار فقد ملكه ذلك فلا يمنعه من الصوم وإن أضرٌ به، إذ هو أصل ذلك. فصل [16 - إن أتلف المحرم أو الحلال بيضاً في الحرم فعليه عشر ثمن أمه] ومن المدونة: قال مالك: وإذا كسر المحرم أو الحلال بيض طير وحشي في الحرم فعليه عُشْر ثمن أمه، كجنين الحرة من دية أمّه، كان فيه فرخ أم لا، وكذلك لو خرج الفرخ يَضْطَرب ما لم يستهل صارخاً، فإذا صرخ ففيه ما في كبير ذلك الطير. قال ابن المواز: بحكومة عدلين، قال: وأحب إلينا إن خرج فيه فرخ أن يُجزى

للشك في حياته، ولعله مات من الكسرة. وقال ابن القاسم: إلا أن يوقن أنه مات قبل ذلك بالرائحة ونحوه. م: يريد: فلا يكون عليه شيء. قال: وفي بيض حمام مكة ثمن شاة. ابن المواز: قال مالك: وإذا دخل مكة حمام إنسي أو وحشي فللحلال أن يذبحه، وإن ذبحه بها محرم فعليه قيمته طعاماً، وليس عليه شاة في هذا إذا لم يكن من حمام الحرم. وحمام الحرم كحمام مكة عند مالك، ولم يره ابن القاسم مثله، وقال: فيه حكومة. قال أصبغ: / ويقول مالك أقول. وقماري مكة كحمامها. قال أصبغ: وكذلك يمامها، وقماري الرحم، ويمامه. وقال عبد الملك: في القماري واليمام حكومة إلا حمام مكة والحرم ففيه شاة، فإن لم يجد صام عشرة أيام، قاله مالك وليس في ذلك صدقة ولا تخيير؛ لأن الشاة فيها

تغليظ. قال في الواضحة: وسبيل هذه الشاة سبيل هدي الجزاء لا يُذْبح إلا بمكة بخلاف النسك. الأبهري: وإنما جعل في حمام مكة شاة؛ لأن ذلك مروي عن عمر، وعثمان وابن عباس؛ وإنما خصوا حمام مكة والحرم بالشاة، تغليظاً لحرمة الحرم، ولأن الحمام يكثر فيها ويأوي إليها، فلو جعل فيها قيمتها لتسرّع الناس إلى قتلها لخفّة أمر القيمة عليهم. قال في كتاب الصيد: ولا بأس بصيد حمام مكة في الحل للحلال. م: فهذا من قوله يدل: أن المحرم إذا أصابها في الحل إنما عليه قيمة ذلك وإنما فيه شاة إذا أصابه بمكة أو بالحرم. قال في المختصر: وفي بيض النّعَامة عُشر ثمن البَدَنة وفي بيض الطير عشر ثمن أمه، وكذلك في الموطأ، وفي بعض الموطأت في بيض النعامة عشر ثمن النعامة.

ومن المدونة قال ابن القاسم: وإنما شبه مالك البيض بجنين الحرّة، فلو ضرب رجل بطن امرأة فألقت جنيناً ميتاً أو حياً وهو يضطرب فمات قبل أن يستهل صارخاً فليس عليه إلا عشر دية أمه، ولا قسامة فيه، وإن استهل صارخاً ففيه الدية كاملة بقسامة، فعلى الجنين فقس البيض في كل ما يرد عليك منه. وقال ابن نافع في العتبية: لا آخذ بقول مالك في بيض النّعام، وآخذ فيه بما ذكر عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم: «في كل بيضة صيام يوم».

وقال ابن وهب في كسر بيض النعامة: إن كان فيها فرخ آخذ فيه بقول مالك، وإن كان ماءً فعليه طعام مسكين، أو صيام يوم، كالحُرَّة تُسقط ماءً، أو ما أشبهه. قال أبو محمد: يريد: فلا غُرَّة فيه. ومن المدونة: قال: وإذا شوى المحرم بيض النعام لم يصلح أكله لا لحلال ولا لحرام، وكذلك لو كسره وأخرج جزاءه لم يصلح أكله بعد ذلك لأحد. قال: وإن أفسد وكر طير لا بيض فيه ولا فراخ فلا شيء عليه، وإن كان فيه بيض أو فراخ فالجزاء عليه في الفراخ، وعليه في البيض مثل ما على المحرم في الفراخ؛ لأنه عرّض البيض للهلاك. قال أبو محمد: أراه يريد: لاحتمال أن يكون البيض تفقص ثم يهلك بعد ذلك لقفس العش. وفي رواية أخرى عن ابن القاسم: إذا أفسد الوكر وفيه فراخ أو بيض فعليه في البيض ما يكون على المحرم في البيض، وفي الفراخ ما يكون على المحرم في الفراخ.

وفي رواية الدباغ: فعليه في البيض ما على المحرم في الفراخ والبيض. م: وجه هذا: أنه لما احتمل أن يفسد البيض قبل أن يقفص، واحتمل أن يقفص ثم يهلك بفقد العش ولم يدر كيف فساده جعل عليه كلا الأمرين احتياطاً. قال: وإذا ضرب مُحْرِم بطن عنز من الظباء فألقت جنيناً ميتاً وسلمت الأم فعليه في الجنين عُشْرُ قيمة أمّه، ولو ماتت العنز بعد ذلك، كان عليه في الجنين عُشْرُ ثمن أمّه، وفي العنز الجزاء كاملاً، ولو استهل الجنين صارخاً، ثمّ مات وماتت أمه، كان عليه جزاء الجنين، وجزاء أمه كاملاً، كقول مالك فيمن ضرب بطن أمه خطأ فألقت جنيناً ميتاً ثم ماتت بعده كان في الجنين عشر دية أمه وفي المرأة الدية كاملة / تحمل ذلك كله العاقلة، ولو استهل الجنين صارخاً ثم مات وماتت أمه كان فيهما على العاقلة

ديتان بقسامة. قال مالك: ويحكم في صغار كل شيء أصابه المحرم من الصيد والطير والوحش مثل ما يحكم في كباره من جزاء أو إطعام أو غيره. قال ابن القاسم: كمساواة الحرّ الصغير للكبير في ديته. ومن قتل فيلاً فعليه جزاؤه بدنة من البدن العظام الخراسانية التي لها سنامان، فإن لم توجد فعليه قيمته طعاماً، قاله ابن ميسر، وقيل: ليس للفيل مثل، وإنما يطعم بقدر وزنه من الطعام لقيمته، لأن ذلك رُبما كَثُر بغلاء عظامه وأنيابه. وفي كتاب ابن حبيب عن ربيعة في الفيل الوحشي: بدنة. وقال عطاء في محرم أصاب قرداً أنه يحكم عليه فيه.

[الباب السادس] جامع القول في الحكمين في جزاء الصيد

[الباب السادس] جامع القول في الحكمين في جزاء الصيد [فصل 1 - التحكيم يكون من اثنين عالمين بأحكام الصيد، وتعتبر العدالة فيهما] قال الله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا}. قال مالك: وإذا أصاب المحرم صيداً حكم فيه حكمان كما قال الله تعالى، ولا يكونا إلاّ عدلين فقهين، ويجوز أن يكونا دون الإمام، ولا يكتفيا في الجزاء بما روي، وليبتدئا بالاجتهاد، ولا يخرجا باجتهادهما عن آثار من مضى. قال في كتاب ابن المواز: ويحكم في كل شيء من الصيد يصيبه المحرم، صغيره وكبيره، الجراد فما فوقه حكمان، فإن كفّر قبل الحكمين أعاد بهما. قال عنه أشهب: ولا يكتفيا في الجراد، أو النعامة، أو البقرة فما دون ذلك بالذي جاء في ذلك حتى يؤتنف فيه الحكم، ولا يخرجا عن آثار من مضى. قيل لمالك: فإن أصاب صيداً فأفتاه مفتٍ بما جاء في ذلك؟

قال: لا يُجتزى في ذلك إلاّ بحكمين، وقال أيضاً: لا: حتى يكون معه غيره، ولو كان في جرادة، وهذا في كل صيد، إلاّ حمام مكة فإن فيه شاة، لا يحتاج فيه إلى حكمين. قال ابن المواز: وأحب إلينا أن يكون الحكمان في مجلس واحد من أن يكون واحداً بعد واحد، وليس فيما دون الظبي من جميع الأشياء إلا الطعام أو الصيام إلاّ في حمام مكة والحرم. وتوقف ابن القاسم في حمام الحرم. وفي الضب اختلاف، روى ابن وهب عن مالك أن فيه شاة، وروى ابن القاسم قيمته طعاماً أو عدل ذلك صياماً، وكذلك الثعلب. ومن المدونة: وإن حكما فاختلفا، ابتدأ الحكم فيه غيرهما حتى يجتمعا على أمر واحد، وإن أخطأ خطأً بيناً فحكما بشاة فيما فيه بدنة أو بقرة، أو ببدنة فيما شاة انتفض حكمهما ويؤتنف الحكم فيه، والمحكوم عليه مخيّر إنْ شاء أن يحكما عليه بالجزاء من النعم فحكما به فأصابا فأراد بعد حكمهما أن يرجع إلى الطعام أو الصيام فحكما عليه به هما أو غيرهما فذلك له.

قال مالك: ولا يحكم في جزاء الصيد إلا بالجذع من الضأن والثني مما سواه، وما لم يبلغ جزاؤه ذلك ففيه طعام أو صيام. قال: ولا يحكم بجفرة، ولا بعناق، ولا بدون المُسِن. ومن المستخرجة: قال ابن وهب: ومن السنة أن يخير الحكمان من أصاب الصَّيد كما خيره الله تعالى في أن يخرج هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مسكين أو عدل ذلك صياماً، فإن اختار الهدي حكما عليه بما يريانه نظيراً لما أصاب من الصيد ما بينهما وبين أن يكون عدل ذلك شاة، لأنها أدنى الهدي، وما لم يبلغ عدله شاة حكما فيه بالطعام بخبراته في أن يُطعم ذلك للمساكين، أو يصوم مكان كل مد يوماً. ومن المدونة: وإن أراد أن يحكما عليه بالطعام فليقوّما الصيد نفسه حياً بطعام، ولا يقوما جزاءه من النهم، ولو قوما الصيد بدراهم، ثم اشتريا بها طعاماً رجوت أن يكون واسعاً، ولكن تقويمه بالطعام أصوب، ثم إن شاء الصيام، نظر كم ذلك الطعام بمد النبي صلى الله عليه وسلم، فيصوم لكل مُد يوماً، وإن جاز ذلك شهرين أو ثلاثة. قال: وإن كان في الطعام كسر مُدّ فأحب إليّ أن يصوم لكسر المد يوماً. قال مالك: ويقوم الصيد على حاله التي كان عليها حين أصابه ولا ينظر إلى فراهته ولا إلى جماله ولكن إلى ما يسوى من الطعام بغير فراهة ولا جمال. وكذلك البازي إذا أصابه، والفارِه وغير الفارِه سواء.

ويقوّم الصيد بالحنطة، وإن قوّم بشعير، أو تمر أجزأ إذا كان ذلك طعام ذلك الموضع، ويتصدق على كل مسكين من ذلك مدًّا، مُدًّا بمد النبي صلى الله عليه وسلم مصل الحِنطة. قال: ولا يُطعِم بمُدّ هشام إلا في كفارة الظهار وحده. قيل: أيقوم الصيد بشيء من القطاني، أو بزبيب، أو أقط، وهو عيش أهل ذلك الموضع الذي أصاب فيه الصيد؟ قال: يجزئ فيه ما يجزئ في كفارة الأيمان، ولا يجزئ فيه مالا يجزئ في كفارة الأيمان. م: ونقلها أبو محمد: وأما القطنية فلا، ويجزئ فيه من الحبوب ما يجزئ في كفارة الأيمان. وفي كتاب ابن حبيب: أنّ القطنية لا تجزي في كفارة اليمين، ولا في زكاة الفطر. وقال أشهب في كتبه: لا بأس أن يخرج في تقويم الصيد، وفي كفّارة اليمين من القطنية إذا كان هو معاشه وقوت عياله.

م: وفي كتاب الزكاة اختلاف الرواية في جواز ذلك في زكاة الفطر. ومن المدونة: قال: ولو قوّم عليه الصيد بطعام، فأعطى المساكين قيمة الطعام دراهم أو عرضًا لم يجزه، ككفارة الأيمان. وإن حكم عليه في الجزاء بثلاثين مدًّا فأطعم عشرين مسكينًا ولم يجد عشرة تمام الثلاثين، فله أن يدع الجزاء، ولا يجزئه أن يصوم مكان العشرة، وإنما هو إطعام كله، أو صيام كله، كالظهار، وكفارة الأيمان. م: يريد: يدع بقية الطعام حتى يجد المساكين وإلا أسقط ما أطعم ورجع إلى الصيام. [فصل 3 - لزوم التحكيم فيما حكم فيه الصحابة وفيما لم تحكم] قال عبد الوهاب: وإنما قلنا إن التحكيم يلزم فيما حكمت فيه الصحابة وفيما لم تحكم، خلافًا للشافعي في قوله: إنه يكتفي فيما حكمت فيه الصحابة بما تقدم الحكم به، لقوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}، فعمّ. وإنما قلنا أن ليس به أن يخرج شيئًا من ذلك بنفسه دون التحكيم، ولا يكتفي بأقل من اثنين؛ لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}؛ ولأن عمر بن الخطاب دعى عبد الرحمن بن عوف ليحكم معه على رجل قتل صيدًا وهو

محرم، وكذلك دعى كعبًا في قضية أخرى، ولأنه عدد مشترط بالنص، كالحكمين في النشوز. [فصل 3 - لا يجوز أن يكون الجاني أحد الحكمين] ولا يكون القاتل أحد الحكمين، خلافًا للشافعي؛ لقوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}، فخاطب بذلك من يلزمه التحكيم، فاقتضى أن يكون الحكمان غير المحكوم عليه، كما قال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} فاقتضى أن يكون الشاهدان غير المشهود عليه. ولأنّ الجزاء بدل من المتلف، فلم يرجع فيه إلى أمانة المتلف كتقويم سائر المتلفات.

[فصل [4 - كفارة قتل الصيد على التخيير] وإنما قلنا إن كفارة قتل الصيد على التخيير، والمحكوم عليه مخير خلافًا لما يحكي عن ابن عباس وغيره من أنها على الترتيب، لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} إلى قوله: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا}، وأو: موضوعها التخيير إذا وردت أمرًا، أو إباحة جنس. ولأن صفتها ها هنا كهي في قوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}، ومفهومها في ذلك الموضع التخيير، فكذلك مسئلتنا./ [209/ أ] [فصل 5 - إذا اختار الهدي فلابدّ فيه من الإشعار والتقليد ويرسل من الحل إلى مكة وينحر ويتصدق به فيها] وإنما قلنا إن اختار المثل أن يكون هدْيًا لقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}. ولا بد أن يُساق من الحل إلى الحرم، خلافًا لأبي حنيفة، والشافعي في أنه إذا اشتراه من الحرم ونحوه أجزأه عندهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساق هدْيه من الحل إلى

الحرم، وكان فعله بيانًا للمناسك. [فصل 6 - ما لا يبلغ مثله هدْيًا ففيه حكومة] م: وإنما قلنا إنّ ما لا يبلغ مثله هدْيًا ففيه حكومة، وهي مثل قيمة لحمه؛ لأنّ هذا سبيل سائر المتلفات أنّ المراعاة فيما له مثل وجوب مثله، فإن عدم المثل فالقيمة مقامه. ولأن الناس قائلان: معتبر للقيمة في سائر الصيد، ومقتصر بها على ما لا مثل له من النعم، فقد تضمن ذلك الإجماع. وإنما قلنا إن اختار التكفير بالإطعام قوّم الصيد نفسه بالطعام، لا المثل، خلافًا

للشافعي في أنه يقوّم المِثْل، لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} إلى قوله: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ}، وظاهره أن يكون الإطعام جزاء عن المقتول ومعتبر به دون المثل، ولأن المتْلَف هو الصيد دون المثل، فوجب أن يكون هو المقوّم كسائر المتْلَفات. [فصل 7 - في صفة التقويم] وإنما اخترنا أن يقوم الصيد بالطعام دون الدراهم؛ لأن الطعام بدل من الصيد، فوجب أن يقع به التقويم. وإنما يقوم بالدراهم: إذا كانت هي المأخوذة في القيمة، وهذا هو الاختيار. فإنْ قوم الصيد بدراهم ثم اشترى بها طعامًا جاز؛ لأن ذلك يؤول إلى معرفة القيمة من الطعام. وإنما قلنا يصوم لكسر المدّ يومًا؛ لأن إسقاط الصوم غير جائز، وتبعيضه غير ممكن، فلم يبق إلا جبره بالإكمال، كالأَيْمَان في القَسَامة. [فصل 8 - في موضع التقويم] وإنما قلنا يقوم في الموضع الذي قتل فيه الصيد بغالب طعام ذلك الموضع إلاّ أن يكون موضعًا لا طعام فيه ولا قيمة فيعدل إلى أقرب المواضع إليه؛ لأنه لا يوصل إلى معرفة القيمة بأكثر من ذلك.

وإنما قلنا يطعم لكل مسكين مدًّا اعتبارًا بسائر الكفارات. وفدية الأذى ليست بكفارة، إنما هي فدية مخصوصة بتقدير. [فصل 9 - إن اختار الصيام صام عن كل مد يومًا] وإنما قلنا إن اختار الصوم صام لكل مُدّ يومًا. وقال أبو حنيفة: يصوم لكل مُدّين يومًا. ودليلنا: اعتبارًا بكفارة الفطر في رمضان؛ لأنه صيام بدل عن إطعام وجب لحرمة عبادة، ولا تدخل عليه كفارة الظهار؛ لأنه ليس لحرمة عبادة، ولا فدية أذى. [فصل 10 - الواجب في الصيد مثله من النعم أو مقاربه في الخلقة والصورة] ومن المدونة: قلت: فهل يبلغ بشيء من جزاء الصيد هدْيين؟ قال: ليس من الصيد شيء إلا وله نظير من النعم. قال: وإن أصاب صيدًا نظيره من الإبل فقال: أحكموا عليّ من النعم ما يكون مثل البعير أو مثل قيمته، فلا يحكم عليه إلا بنظير ما أصاب، إنْ كان من الإبل فمن الإبل، وإن كان من البقر فمن البقر، وإن كان من الغنم فمن الغنم، لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}، وإنما ينظر إلى مثله في نحوه وعظمه.

قال عبد الوهاب: وإنما قلنا يحكم عليه بمثله لا بقيمته، خلافًا لأبي حنيفة في قوله: إنه مضمون بالقيمة، لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}، ففيه أدلة: أحدها: إنّ إطلاق المماثلة من النعم يقتضي الخِلْقَة في هذا النوع دون غيره. والثاني: قوله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}، وهذا كناية عائدة على الجزاء وهو المثل من النعم، ولا ذكر للقيمة في الظاهر. وأوجب أن يكون نفس الشيء المحكوم به هديًا بالغ الكعبة، وهذا لا يمكن في القيمة. وقوله صلى الله عليه وسلم: «والضبع صيد وفيها كبش إذا أصابها المحرم»، ففيه أيضًا أدلة: أحدها: أنه عين الواجب فيها وهو الكبش، وعند المخالف أن الواجب القيمة. والثاني: أنه جعل فيها جزاءً مقدرًا، وعندهم لا يتقدر؛ لأنه يزيد وينقص باختلاف القيمة. ولأنه إجماع الصحابة: عمر، وعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وابن عمر، وابن عباس وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وعائشة، ومعاوية رضوان الله عليهم،

ولا مخالف لهم؛ ولأنه حيوان يخرج في كفارة، فوجب أن لا يكون على وجه القيمة كإعتاق الرقبة. قال: وفي النعامة بدنه بذلك حكمت الصحابة/ رضي الله عنهم لأنها أشبه [209/ ب] شيء بها من بهيمة الأنعام. وفي حمار الوحشي والأَيْل بقرة؛ لأنها أقرب شبهًا بهما من الإبل والغنم. وفي الغزال شاة لأنها أشبه بها من الإبل والبقر.

وفي حمام مكة والحرم شاة بذلك حكمت الصحابة. [فصل 11 - في صغار الصيد مثل ما في كباره] وفي صغار الصيد مثل ما في كباره، خلافًا للشافعي في قوله: إن في النعامة الكبيرة بدنة، وفي الصغيرة فَصيلاً، وفي حمار الوحش بقرة، وفي سخْلِه عجلاً. ودليلنا قوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}، فلو تركنا وهذا لقلنا مثله في الكبر والصغر والصورة فلما قال: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} اقتضى ما يتناوله اسم الهدي بحق الإطلاق، وذلك يقتضي الهدي التام لأمرين: أحدهما: إن الصحابة قالت: إن الهدي بدنة أو بقرة وأدناه شاة، فلما علم اسم الهدي لم يبق هدي إلا ما هذه صفته. والآخر: إن من قال: علي هدي، لزمه هدي تام لا صغير. ولأنه حيوان مخرج باسم الكفارة فلم يختلف باختلاف سن المتلف، أصله الرقبة في كفارة القتل، والظهار.

ومن المدونة: قال مالك: ومن ترك من نسكه شيئًا يجب عليه به الدم، وجزاء الصيد أيضًا، فإن ذلك لا يذبح ولا ينحر إلا بمكة أو بمنى إن كان أوقفه بعرفة ولا يخرجه إلى الحل ثانية. م: وهذا يدل على أن عرفة في الحل. قال مالك: وإن أراد أن يحكم عليه في الجزاء بالطعام فإنما يحكم عليه في الموضع الذي أصاب الصيد فيه، فإن حكم عليه فيه بالطعام فلا يطعم في غير ذلك المكان. قال مالك: يحكم عليه بالمدينة ويطعم بمصر!! إنكارًا لمن يفعل ذلك. قال ابن القاسم: يريد: إن فعل لم يجزه. قال في كتاب محمد: إلاّ أن يتفق سعراهما فيجزئه. وإن أصابه بمصر وهو محرم فأطعم بالمدينة أجزأه؛ لأن السعر بالمدينة أغلى. قال أصبغ: إذا أخرج على سعره بموضعه ذلك أجزأه إن شاء الله حيث ما كان. قال مالك: وإن أصاب صغيرًا من الصيد قوّم بالطعام كم يسوى الكبير منه؟ وكما يهدي عن صغيره مثل ما يهدي عن كبيره. ومن المدونة قال مالك: وأما الصيام في الجزاء فحيث ما شاء من البلاد، والنسك كذلك له أن ينسك أو يطعم أو يصوم أين ما شاء من البلاد.

قال: وإن قال: أحكما علي بالجزاء، ففعلا، فله أن يهديه متى شاء، إن شاء أهداه وهو حلال أو حرام، ولكن إن قلده وهو في الحج لم ينحره إلا بمنى، وإنْ قلده وهو معتمر أو بعث به نحر بمكة. [فصل 12 - كُلُّ ما صغر عن أن يكون له نظير من النعم يُهْدى، فإنه ليس فيه إلا الطعام أو الصيام] وإن أصاب المحرم اليربوع، أو الضب، أو الأرنب، وشبهه حكم عليه فيه بقيمته طعامًا، وخُيّر المحرم، فإن شاء أطعم كل مسكين مُدًّا، أو صام لكل مدّ يومًا، وقد تقدم أن في حمام مكة والحرم شاة، وأما دُبْسِيّ الحرم وقمريه، فإن كان من الحمام عند الناس ففيه شاة، واليمام مثل الحمام، وأما حمام غير مكة والحرم ففيه حكومة. قال: وإذا وطئ المحرم ببعيره على ذباب، أو ذر، أو نمل، فليتصدق بشيء من طعام، وكذلك لو تقلب في نومه على جراد، أو ذباب، أو غيره من الصيد، فعليه الكفارة. ثمّ كتاب الحج الثالث من الجامع لابن يونس، وهو آخر كتاب الحج بحمد الله تعالى وعونه وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

كتاب الصيد من الجامع

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصيد من الجامع [الباب الأول] في إباحة الصيد وّذِكْر الصيد للهو، وتعليم الجوارح، وإرسالها، وذكر التسمية عندها. قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ}، فالذي تناله الأيدي: صغار الصيد وفراخها في وكورها. والذي تناله رماحنا: الكبير الممتنع بنفسه، وقال تعالى: / {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}، وقال تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} 210/ أ، فتكليبها: تعليمها الاصطياد، ودخل مدخل الكلاب في الاصطياد بها غيرها من السِّباع المعلمة وسباع الطير بدخولها في اسم الجوارح، والجوارح: الكواسب لقوله عز وجل: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ}، أي: ما كسبتم، وقال سبحانه: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} يريد: اكتسبوها، فجعل عز وجل إمساكهن ذكاة حين لا تصل الأيدي إلى الذكاة، وكذلك السِّهام.

فصل [1 - الصيد مباح إلا أن يكون القصد به اللهو فيُكره] قال ابن حبيب: روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تبدّى جفا، ومن لزم الصيد لها، ومن لزم السلطان فُتِنْ» في حديث آخر: «من لزم الصيد غفل». وكره مالك الصيد للهو ونهى عنه ورآه سفهًا، ولم يجز قصر الصلاة فيه، وأجازه لمن يصطاده لعيشه وعيش أهله. قال مطرف، وابن الماجشون: واستخف مالك الصيد لأهل البادية، وقال: هم بمكانة ولا غنى لهم عنه، ويرى خروج أهل الحضر إليه سفهًا وخِفّة. قال أبو محمد، ومحمد بن عبد الحكم: يجوز الصيد للهو؛ لقوله تعالى: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} فعم.

فصل [2 - في اشتراط كون الجارح مُعلّمًا وصفة التعليم] ومن المدونة: قال مالك: والمُعلم من بازٍ أو كلب: هو الذي يعقل: إذا زُجِر انزجر، وإذا أرسل أطاع، وقال السلالقه، وغيرها إذا عُلّمت فهي سواء. قال ابن القاسم: والفهد وجميع السباع إذا علمت فهي كالكلاب. م: وقال غيرنا: لا يؤكل إلا صيد الكلاب، وقال غيره: لا يؤكل صيد الكلب البهيم. ودليلنا: قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} فعمّ، وقوله صلى الله عليه وسلم

«إذا أرسلت كلبك المعلّم وذكرت اسم الله تعالى فكل»، ولم يفرق بين البهيم وغيره، وقوله في حديث عدي: «ما علمت من بازٍ، أو كلبٍ، ثم أرسلته وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك». ومن المدونة: قلت لابن القاسم: فجميع سباع الطير إذا علمت أهي بمنزلة البزاة؟. قال: البزاة، والعِقبان، والزّمامجة، والشذانقات، والصُقور المعلمة، وما أشبهها فلا بأس بها عند مالك. قال ابن حبيب: وتعليم الكلب: أن تدعوه فيجيب، وتشليه فينشلي، وتزجره فينزجر، وكذلك الفهود.

فأما البزاة، والصقور، والعِقْبان فإنما تعليمها أَنْ تُجيب إذا دُعيت وتنشلي إذا أُرسلت، فأما أن تنزجر إذا زُجرت فليس ذلك فيها ولا يمكن منها، وقاله ربيعة، وابن الماجشون. قال أبو محمد: وقال بعض اللغويين: ويُقال للزجر: إشلاء، كما يُقال: زجرت التّنّور: إذا أوقدته، ويُقال: كف، ويُقال له: زاجر ومزدجر. قال ابن حبيب: ولا يؤكل صيد النِمس إذا قتل، وإذا أنفذ المقاتل؛ لأنه ليس بمعلم ولا يفقه التعليم. فصل [3 - فيمن أرسل كلبًا غير معلم أو أرسل معلمًا فشركه آخر غير معلم] ومن المدونة: قال مالك: ومن أرْسل كلبًا غير معلم لم يؤكل ما اصطاد إلا أن يكون معلمًا أو يدرك ذكاته فيذكيه. قال: وإن أرْسل كلبًا، أو بازًا مُعلّمًا على صيد فأعانه عليه كلبٌ أو بازٌ غير معلم لم يؤكل إلا أن يدرك ذكاته فيذكيه.

قال ابن القاسم: وكذلك لو أعانه عليه كلب مُعَلّم لم يرسله أحد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عديّ: «وإن خالط كلبك كلابًا فقتلن ولم يأكلن منه شيئًا فلا تأكله لأنك لا تدري أيها قتلته». قال عبد الوهاب: وأجاز الشافعي أكل كل ما شورك فيه على كل وجه. ودليلنا: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عدي: «وإن شاركه كلب آخر فلا تأكله». قال ابن القاسم: إلاّ أن يكون الثاني أرسله صاحبه أيضًا على الصيد يعينه ونوياه جميعًا فقتله كلباهما فإنه يؤكل، ويكون الصيد بينهما إذْ لا مزية لأحدهما على الآخر إلا أنْ يعلم أن الأول/ أنفذ مقاتله قبل وصول الثاني إليه فيكون للأول؛ لأن الذكاة قد 210/ ب تمت به دون الثاني.

قال ابن المواز: ومن أرسل كلبًا على صيد ثمّ مدّه بآخر بعد أن فارقه الأول فقتلاه، أو قتله أحدهما فأكلُه جائز. قال أصبغ: ما لم يكن إرسال الثاني بعد ما أخذه الأول فشركه في قتله، أو قتله الثاني وحده، فهذا لا يؤكل، يعني: ما لم يُعنيه بعد إنفاذ الأوّل مقاتله، فهذا يؤكل. قال أصبغ: ولو أرسل الثاني قبل أن يأخذه الأول فهذا من قتله منهما فإنه يؤكل. ومن المدونة: قال مالك: وإنْ أرسل مسلم كلبًا معلمًا لمجوسي أكل صيده. م: وهو كذبيحة سِكّينه. قال مالك: وإنْ أرسل مجوسي كلب مسلم معلم فقتل الصيد لم يؤكل كذبحه بسكين المسلم، وإن أرسل مسلم ومجوسي كلبًا فأخذ الصيد فقتله لم يؤكل. ابن حبيب: وكذلك سهماهما إلا أن يؤقن أن سهم المسلم قتله دون سهم المجوسي مثل أنْ يوجد سهم المسلم في مقتله، وسهم المجوسي في عضو سواه يريد: أطرافه، قال: فإنه يحل ويقسم بينهما.

قال: ولو أخذاه حيًا حكم للمسلم بذبحه وأخذ نصفه. قال أبو محمد عن بعض أصحابه: فإن قال المجوسي: أنا لا آكل ذبيحة المسلم فإنهما يُؤْمران ببيعه ويُقْسم ثمنه إلا أن يكون بموضع لا ثمن له فيُمكّن المسلم من ذبحه إن شاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه». فصل [4 - في التسمية عند الرمي، وعند إرسال الجوارح وعند الذبح] ومن المدونة: قال مالك: ولا بد من التسمية عند الرمي، وعند إرسال الجوارح، وعند الذبح. م: لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}، وقال: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ}، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا أرسلت كلبك وسميت فكل»؛ ولأن العقر أحد نوعي الذكاه فوجب أن يسمّي له كالذبح. قال مالك: فإن نسي التسمية في ذلك كله أكل وسمّى الله تعالى.

قال ابن القاسم: وإن ترك التسمية عمدًا لم يؤكل كقول مالك في ترك التسمية على الذبيحة. وقال أشهب: إن ترك التسمية مستخفًا بها فلا تؤكل، وأما من لا يعلم ما عليه في تركها فإنها تؤكل. م: والتسمية عند مالك واجبة عند الذكر وقول الله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}، وقوله: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} إنما يعني بهذا على ما ذكره المفسرون: أي كلوا ما ذبح بملتكم، ولا تأكلوا مما لم يذبح بملتكم، ولم يعن لذلك التسمية. وسبب نزول الآية: أنّ الكفار كانوا يقولون للمسلمين: ما لكم تأكلون مما ذبحتم ولا تأكلوا مما ذبح الله؟ يعنون لما ذبح الله: الميتة، فأنزل الله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} {وَلا تَاكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}، ألا تراه عز وجل قال: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ}، فمجادلتهم كانت قولهم: لم تأكلوا مما ذبحتم ولا تأكلوا مما ذبح الله؟. والله أعلم.

ومن المدونة: قال مالك: ومن أمر عبده بالذبح، وأمره بالتسمية مرتين أو ثلاثًا كلُّ ذلك يقول العبد: قد سميت ولم يسمعه السيد فلا بأس أن يصدقه ويأكل مما ذبح، إلا أنْ يتركه تنزهًا، كما فعل عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة. قال أشهب: ولا يحتاج إلى التسمية في صيد الحوت، وروي عن ابن المسيب: إذا خرجت قانصًا وذكرت اسم الله تعالى حين تخرج كفاك، ويروى نحوه عن ابن عباس. قال ابن حبيب: يعني: إذا نسي التسمية. م: وظاهر قولهما خلاف ما تأوّل ابن حبيب، وأن التسمية تجزي حين الخروج للصيد، خلافًا لما قال مالك - رحمه الله - والله عز وجل أعلم.

[الباب الثاني] فيما توارى عنك من الصيد أو بات أو فرطت في تذكيته

[الباب الثاني] فيما توارى عنك من الصيد أو بات أو فرّطت في تذكيته قال مالك - رحمه الله -: / ومن توارى عنه كلبه والصيد ثم وجده ميتًا فيه أثر 211/ أكلبه أو بازه أو سهمه أَكَلَهُ، وإن لم يجده إلا آخر النهار ما لم يبت، فإن بات فلا يأكله وإن أنفذت مقاتله الجوارح أو سهمه وهو فيه. قال ابن القاسم: ولم أرَ لمالك ها هنا حجة أكثر من أنها السنة عنده. قال ابن المواز: أما السهم: فلا بأس بأكل ما أنفذ مقاتله وإن بات، وأما الكلب، والبازي: فلا يأكله إن بات، وقاله أصبغ. وكان ابن القاسم، وأشهب يريان في السهم ألاّ يؤكل إذا بات. ابن القاسم: وقاله مالك. م: وإنما قال ذلك: لحديث ابن عباس وهو قوله: «كل ما أصميت، ولا تأكل ما أنميت». والإصماء: ما حضرت موته أو قرب منك، والإنماء: ما بعد منك موته.

قال ابن المواز: وهذا حديث مبهم، ليس فيه أنّ السهم أنفذ مقاتله، أو لعله فيما لم ينفذ مقاتله، وهو بيّن لا شك فيه. قال أصبغ: وقد اختلف الناس في تأويله، فقال بعضهم: هو السهم الذي لم تنفذ مقاتله وبات لما يخاف أنْ يكون أعان على موته طول الليل أو هوام الأرض والوحش، وأما إذا أصبت سهمك فيه قد أنفذت مقاتله وهو فيه لا شك في معرفته فقد ذكّته رميتك فلا يضرّك ما أعان على موته. قال أصبغ: وقد أمن عليه مما يخاف الفقهاء أن يكون موته من غير سبب السهم. قال: ولم نجد لرواية ابن القاسم هذه عن مالك ذكر في كتب السماع، ولا رواها له أحد من أصحابه، ولم يشكّ أنّ ابن القاسم وَهِمَ فيها، أو عن بلاغ ضعيف. وقد قال مالك في السهم إذا أنفذ مقاتل الصيد، ثم تردّى من جبل أو غرق في نهر أن أكله حلال؛ لأنّ السهم قد أنفذ مقاتله. قال أصبغ: فكذلك الميت. قال ابن المواز: وبه أقول، وهو الصواب. وقد حُدّث أن عدي بن حاتم سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إنا نرمي الصيد، ثم نطلب الأثر بعد ليلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيت سهمك تعلم أنه قتله

فكله»، وذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن رمى صيدًا ثم أتبعه حتى وجده من الغد، وبه أثر سهمه يعرفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يأكله، لا يدري أهوام الأرض أعان عليه، لو تعلم أن سهمك قتله لأكلته». قال ابن المواز: فهذا قوة على أن لو كان قتله السهم لم يضره المبيت. والله أعلم. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: يؤكل ما بات إذا وجد قد أنفذت الجوارح مقاتله أو السهم إذا لم يشك في ذلك، وقاله أشهب، وابن عبد الحكم، وأصبغ. وقال ابن القاسم: لا يؤكل، والأوّل أحبّ إلينا. وما ذكر ابن حبيب عن أشهب خلاف ما ذكر عنه محمد، والصواب من ذلك ما قاله أصبغ في كتاب محمد. قال سليمان: وقاله سحنون، وعليه جماعة من أصحابنا. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو لم يبت إلا أنه لما توارى عنه الجارح والصيد رجع عنه الرجل إلى بيته، ثم عاد فأصابه من يومه لم يؤكل إذ لعله لو كان في الطلب ولم

يفرّط أدرك ذكاته قبل فوات نفسه أو قبل إنفاذ مقاتله، فلما رجع إلى بيته فقد فرّط، ألا ترى أنه لو أدركه قبل أن ينفذ الكلب مقاتله فتركه حتى قتله الكلب لم يؤكل. قال مالك: وكذلك لو أدركه حيًا فاشتغل بإخراج سكين من خُرْجِه أو بانتظار من هي معه من عبد أو غيره حتى تقتله الجوارح أو يموت، وقد اعتزلت الجوارح عنه لم يؤكل؛ لأنه أدركه حيًا، ولو شاء أنْ يذكيه ذكاه. ابن المواز: ولو كانت السكين في خُفِّه، قال ابن القاسم - في العتيبية - أو في حِزاَمه فبينما يخرجها من الخف أو الحِزَام مات الصيد فلا بأس بأكله؛ لأنه حملها في موضع تحمل فيه فلم يفرّك، والذي حملها في الخُرْج قد فرّط، فافترقا. ومن المدونة: ولو أدرك الصَّيد يَضْطرب وقد أنفذت الجوارح مقاتله فالأحسن عند مالك أن يَفْري أوداجه، فإن لم يفعل وتركه / حتى مات أكله، ولا شيء عليه. 211/ ب قال مالك: وإنْ كان قد أدرك الكلب أو البازي على صيد فأراد أنْ يُذكيه فلم يستطع، فإن كان قد غُلِب عليه ولم يأت التفريط منه حتى فات بنفسه فله

أكله، ولو كان لو شاء أن يعزله عنه عزله وذكاه فلم يعزله حتى مات لم يأكله. قال ابن المواز: ولو مرّ به غير صاحبه فرآه في مخالب البازي، أو في فم الكلب، وكان يقدر على تخليصه فتركه ولم يلحقه صاحبه حتى فات بنفسه فلا يؤكل، وغير صاحبه في هذا مثل صاحبه، وقاله مالك. ومن المدونة: قال مالك: فإن كان لا يقدر على خلاصه من الكلب إلا أنه يقدر أن يذكيه تحته فليذكيه، فإن لم يذكه حتى مات فلا يأكله. قال: ولو قدر على خلاصه من الكلاب فذكاه وهو في أفواهها تنهشه فلا يؤكل إذْ لعله من نهشها مات. قال ابن القاسم: إلا أنْ يوقن أنه ذكاه وهو مجتمع الحياه قبل أن تنفذ هي مقاتله فلا بأس بأكله، وبئس ما صنع، كقول مالك فيمن ذبح شاةً ثمّ منها بضعة قبل أن يزهق نفسها أنّ البضعة تؤكل، وبئس ما صنع، فقطعُُ البضعة منها قبل زهوق نفسها كترك الكلاب تنهشها بعد ذبحها. قال: وإن أدركه وقد أنفذ الكلب أو البازي أو السهم مقاتله فقد فرغ من ذكاته كلها.

قال مالك: وإن أدركه والكلاب تنهشه ولم تنفذ مقاتله وليس معه ما يذكيه به فتزكه حتى مات بقتله لم يؤكل، وإن أدركه حيًا فبادر بذبحه ولم يفرّط حتى فات بنفسه أكل.

[الباب الثالث] في أكل الجوارح المعلمة من الصيد

[الباب الثالث] في أكل الجوارح المعلمة من الصيد قال ابن حبيب - في قول الله عز وجل -: «فكلوا مما أمسكن عليكم»: يقول: مما صِدْن فأَدْرَكن، ليس يريد: أن يمسكه فلا يأكل منه. قال مالك: وإذا أكل الكلب من الصيد أكثره أو أقلّه فليأكل بقيته ما لم يبت، وهو إنْ أكل من كل ما أخذ فهو معلم. ومن كتاب ابن المواز: قيل لمحمد: فالحديث الذي روي عن الشعبي أنّ عدي بن حاتم سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلب فقال: «إذا أرْسلت كلبك المعلم فاذكر اسم الله، وإن أدْركته لم يقتل فاذبح واذكر اسم الله، وإنْ أدركته وقد قتل ولم يأكل فكل فقد أمسك عليك، وإن وجدته وقد أكل منه فلا تطعم منه شيئًا فإنما أمسك على نفسه». وما روي عن ابن عباس: أنه لم ير أكله، وقد احتج في ذلك بقوله تعالى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}، وهذا إنما أمسك على نفسه. قال ابن المواز: رُوي هذا الحديث، وروي نقيضه، وروي أن أبا ثعلبة الخشني

سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي كلابًا فافتني في صيدها؟. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما كانت من كلابك معلّمة فكل ما أمسكت»، فقال له: ذكي أو غير ذكي؟ فقال: «نعم»، فقال: وإنْ أكلت منه شيئًا؟. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم، وإن أكلت». قال ابن المواز: فهذان حديثان عن الرسول صلى الله عليه وسلم صحب أحدهما العمل، وقال به جماعة من الصحابة والتابعين وغيرهم منهم: علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وابن عمر، وسلمان الخير، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وربيعة،

وابن شهاب، وعطاء رضي الله عنهم، ولم يزل العلماء يتبعون الأحاديث ولا يأخذون إلاّ بالمعروف المعمول به منها، فالعمل أثبت من الأحاديث؛ لأنّ فيها الناسخ والمنسوخ، وفيها ما صح، وهو خاص، وفيه ترغيب وليس بحكم، وفيها ما لا يصح، وإنما تعلق أصحاب ابن عباس والشعبي بحديث عدي بن حاتم. قال ابن حبيب: وقد روي في حديث عدي بن حاتم نحو حديث أبي ثعلبة. قال غيره: وقد اختلف عن عدي فيه، وقد ذكر عن ابن عباس أنه كان يقول: إذا أكل الكلب فلا تأكل، وإذا أكل الصقر فكل؛ / لأنك تضرب الكلب وتطرده 212/ أوينتهي، ولا يستطيع أنْ تضرب الصقر.

[الباب الرابع] فيمن أرسل كلبه أو بازه أو سهمه على صيد فأخذ غيره، أو على جماعة فأخذ بعضها

[الباب الرابع] فيمن أرسل كلبه أو بازه أو سهمه على صيد فأخذ غيره، أو على جماعة فأخذ بعضها قال ابن القاسم: ومن أرسل كلبه على جماعة صيد ولم يرد واحداً منها دون الآخر فأخذها كلها أو بعضها أكل ما أخذ منها. وقد قال مالك فيمن أرسل بازه على جماعة من الصيد ونوى ما أخذ منها فأخذ أحدها، أو يرمي جماعة من الطير ينويها فيصيب واحداً منها فليأكله، فهذا يدلك: أنه إذا أصابها كلها فلا بأس بأكلها. وقال مالك: إذا أصاب برميته اثنين منها أكلهما. وقال ابن المواز: إذا أرسله على جماعة ينوي ما أخذ منها فأخذ اثنين أو واحداً بعد واحد فلا يأكل إلا الأول، إلا أن يقتلهما في رميةٍ واحدة فيصير كقول مالك في السهم يؤكل كل ما قتل في رميته إلا أن ينوي في السهم وغيره واحداً بعينه فلا يأكل غيره، وهذا عندي معنى كلام مالك فيما قتل الكلب أو السهم من الجماعة أنه يؤكل. ورأى ابن القاسم: أن الكلب والبازي إذا قتل تلك الجماعة أكلت، كقول مالك في السهم، وذلك مفترق؛ لأنها رمية واحدة في السهم. والكلب إذا قتل واحداً احتاج في

قتل الثاني إلى إرسالٍ ثانٍ. ومن المدونة: قال مالك: فإن رأى جماعة من الطير في الهواء بعضها فوق بعض، فرمى وهو يريد ما أصاب منها جميعاً فليأكل ما أصاب من الجماعتين جميعاً. قال ابن المواز: ولو أرسل على طيور وظباء ينوي ما أخذ من ذلك فما أخذ من ظبي أو طير فهو يؤكل، وكذلك لو أرسلت على ظبي وأرنب كلبين فأخذ هذا طبياً وهذا أرنباً فإنه يؤكل ما أخذا. ومن المدونة: قال: وإن أرسل كلباً على جماعة صيد ونوى واحداً منها بعينه فأصاب غيره أو نوى جماعة فأصاب من جماعة أخرى غيرها فلا يأكله إذا كان قد أنفذ مقاتله. قلت: فإن أرسل كلبه على صيد لا يرى غيره ونوى ما أصاب سواه؟ قال: فليأكل ما أصاب من سواه، وكذلك قال مالك: إذا أرسله على جماعة ونوى إن كان وراءها غيرها فهو عليها مرسل فليأكل ما أخذ من سواها. وقال أشهب: لا يأكل إلا ما أرسل عليه إلا ما أدرك ذكاته مما لم يره،

وكذلك عنده إذا أرسله في غيظه لا يعلم ما فيها فلا يؤكل ما أصاب. قال ابن القاسم: وإن أرسله على جماعة ينويها ولم ينو غيرها لم يأكل ما أصاب من غيرها، كان قد رآها أو لم يرها. قال: وإن رميت صيداً اعتمدته فأصبت غيره، أو أصبته فأنفذته، وأصبت آخر وراءه لم تأكل إلا الذي اعتمدت إلا أن تنوي ما أصاب من سواه فلتأكل كل ما صاد سواه.

[الباب الخامس] في خروج الجارح بإرسال ربه أو بغير إرساله، وكيف إن عجز عن الصيد، ثم عاد فأخذه

[الباب الخامس] في خروج الجارح بإرسال ربه أو بغير إرساله، وكيف إن عجز عن الصيد، ثم عاد فأخذه قال مالك- رحمه الله- وإذا أثار رجل صيداً فأشلى عليه كلبه وهو مطلق فانشلا وصاده من غير أن يرسله من يده فليؤكل ما صاد، ثم رجع مالك فقال: لا يؤكل حتى يطلقه من يده مرسلا له مشلياً، وبالأول أخذ ابن القاسم. ابن المواز: وكذلك لو رآه الكلب، ثم لم يخرج إليه إلا بإرسال ربه لأكل. ومن المدونة: قال ابن القاسم: قال مالك: ولو ابتدأ الكلب طلبه أو أفلت من يده عليه ثم أشلاه ربه بعد ذلك فأخذ الصيد فقتله لم يؤكل إلا أن يدرك ذكاته قبل إنفاذ مقاتله؛ لأن الكلب خرج من غير إرسال ربه؛ لأن الإرسال شرط في جواز الأكل بدليل قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}، ولا يكون ممسوكاً علينا إلا بأن نرسله، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله تعالى فكل)؛ ولأن من شرط الذكاة النية، فإرسال الكلب كنية الذابح.

قال ابن المواز: وأجاز أصبغ أكل ما يبتدي الكلب طلبه إذا أتبعه ربه بالإشلاء والتحريض والتسمية. قال ابن المواز: ولا يعجبني. قال ابن المواز: ومن رأى كلبه يحد النظر وكالملتفت فأرسله على شيء لم يره فليأكل ما أخذ، وذلك كإرساله إياه في الغياض والغيران لا يدري ما فيها، أو عرف بالصيد فيها أو لم يعرف، قاله مالك. ومن العتبية: قال ابن القاسم: قال مالك في البازي يضطرب على يد صاحبه على شيء يراه ولم يره صاحبه فيرسله على غير شيء يراه فأخذ صيداً فلا أحب له أكله فلعله غير الذي اضطرب عليه إلا أن يوقن أنه الذي اضطرب عليه بعينه مثل أن يراه غيره ولم يره هو. وإذا اضطرت الكلاب الصيد حتى وقع في حفرة ولا مخرج له منها أو انكسرت رجله فتمادت عليه الكلاب فقتلته فلا يؤكل؛ لأنه أسير. محمد: وهذا إذا كان لو تركته الكلاب قدر ربها على أخذه بيده، ولو لجأ إلى

غارٍ لا منفذ له أو إلى غيضه فدخلت الكلاب إليه فقتلته لأكل، ولو لجأ إلى جزيرة أحاط بها البحر فوعر طريقه إليها فأطلق عليه كلابه أو تمادت فقتلته، فأما الجزيرة الصغيرة التي لو اجتهد طالبه لأخذه بيده ولا تكون له من الماء نجاة، أو كانت جزيرة كبيرة يجد الروغان فيها لاتساعها حتى يعجز طالبه إلا بسهم أو كلب فإنه يؤكل الصيد. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن أرسل كلبه أو بازه على صيد فطلبه ساعة ثم رجع عن الطلب، ثم عاد فقتله، فإن كان كالطالب له يميناً وشمالاً أو عطفاً وهو على طلبه، فهو على أول إرساله، وإن وقف لأكل جيفة أو لشم كلب أو سقط البازي على موضع عجزا عنه ثم رآياه فاصطاداه فلا يؤكل إلا بإرسال مؤتنف.

[الباب السادس] في قطع الجارح أو الصائد عضوا من الصيد أو جزله نصفين

[الباب السادس] في قطع الجارح أو الصائد عضواً من الصيد أو جزله نصفين قال مالك: وإذا قطع الكلب أو البازي عضواً من الصيد من يد أو رجل أو جناح أو فخذ أو عظم أو غيره فأبانه فليذكيه ويأكل بقيته دون ما أبان منه، وإن لم يدرك ذكاته ومات بنفسه من غير تفريط فليأكله دون ما أبان منه. قال ابن المواز: ولو أدركه حياً ففرط في ذكاته حتى فات لم يؤكل منه شيء. ومن المدونة: قال مالك: وكذلك إن ضربت صيداً فأبنت ذلك منه أو أبقيته معلقاً بالجلد بقاءً لا يعود لهيئته أبداً فإنه يذكى ويؤكل دون ما تعلق منه أو أبان. قال: فأما إن كان ما تعلق به يعلم أنه يلتحم ويعود لهيئته فليؤكل جميعه. قال: وإن ضربته فأبنت رأسه، أو ضربت وسطه فخزلته نصفين فليؤكل جميعه. قال مالك: وكذلك لو ضربه فأبان العجز فليأكل الشقين جميعاً. ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم: كلما ضربته من الوركين إلى الرأس فخزلته نصفين فليؤكل جميعه، ولو أبان فخذيه ولم تبلغ ضربته إلى الجوف فلا يؤكل ما أبان منه، ويؤكل ما بقي.

قال ابن المواز: قال ربيعة، ومالك: ومن ضرب صيداً فأبان وركيه مع فخذيه فلا يؤكل ما أبان منه، وليؤكل باقيه. م: وليس هذا خلاف ما تقدم؛ وإنما معناه: أنه لم يبلغ الجوف. والله أعلم. والعلة في جميع ذلك: أن كل ضربة بلغت المقاتل فخزلت فهو ذكي كله إذ لا حياة للصيد بعد ذلك أبداً، وكل ما لا يبلغ المقاتل وأمكن أن يحي الصيد بعده فالذي خزل منه ميتة؛ لأن كل شيء أخذ من الحي مما جرى فيه الدم فهو ميتة إذ لا يذكي شخص مرتين، فلذلك لم يؤكل ما خزل منه من يدٍ أو رجلٍ. وبالله عز وجل التوفيق.

[الباب السابع] في صيد الصبي والذمي والسكران والمجنون

[الباب السابع] في صيد الصبي والذمي والسكران والمجنون وخص الله تعالى إباحة صيد المؤمنين بقوله تعالى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ}، ولم يذكر اليهود ولا النصارى، وصبيان كل قوم مثل رجالهم. قال ابن القاسم: ويؤكل صيد الصبي قبل بلوغه إذا قتلت الكلاب صيده، وقد قال مالك: ذبيحة الصبي تؤكل إذا أطاق الذبح وعرفه فكذلك صيده. قال مالك: وتؤكل ذبيحة اليهودي، والنصراني. قال ابن القاسم: ولا أرى صيدهما مثل ذبائحهما؛ وإنما لا يجوز صيدهما لقول الله تعالى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ}. قال ابن المواز: وأجازه أشهب، ولا يعجبنا، وقد كرهه مالك. قال ابن حبيب: ونحن نكرهه، ولا يبلغ به التحريم. والقياس: أنه كذبائحهم، وقد أجازه أشهب، وابن وهب، وإنما ذكر الله تعالى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} في ذكره سبحانه لما نهى المحرم عنه من الصيد.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: وما ذبحه أهل الكتاب لكنائسهم أو لأعيادهم فقد كرهه مالك من غير تحريم، وتأول فيه قول الله تعالى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}. قال ابن القاسم: وكذلك ما سموا عليه المسيح فلا أرى أن يؤكل. قال مالك: ويؤكل ما صاده المجوسي في البحر، ولا يؤكل ما صاده في البر إلا أن يدرك المسلم ذكاته قبل أن ينفذ المجوسي مقاتله، وتؤكل ذبيحة الغلام أبوه نصراني، وأمه مجوسية؛ لأنه تبع لدين أبيه إلا أن يكون تمجس وتركه أبوه على ذلك فلا يؤكل صيده، ولا ذبيحته. قال ابن القاسم: وإذا ارتد المسلم إلى أي دين كان فلا تؤكل ذبيحته ولا صيده. قال ابن المواز: قال مالك: ولا يؤكل صيد الصابئ ولا ذبيحته، وقد كره الحسن نكاح نساء الصابئين. قال مجاهد: هو قوم بين اليهود والمجوس لا دين لهم. ابن المواز: قال مالك: لا يؤكل صيد السكران ولا المجنون الذي لا يعقل ولا ذبيحته.

م: لأنهما ممن لا تصح منهما النية، وذلك شرط في الصيد والذبح. قال ابن المواز: ولا تؤكل ذبيحة الأعجمي الذي لا يعقل الصلاة. م: كالمجوسي. قال ابن حبيب: وأكره صيد من لا يتحفظ من المسلمين من جاهل بحدود الصيد غير متحر لصواب.

[الباب الثامن] في صيد البحر وما يحيى منه في البر، وأكل الطافي وخنزير الماء

[الباب الثامن] في صيد البحر وما يحيى منه في البر، وأكل الطافي وخنزير الماء قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ}. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته". قال مالك: فصيد البحر ذكي لا يحتاج فيه إلى تذكية. قال ابن القاسم: ولا يحتاج في صيده إلى التسمية؛ لأنه ذكي، ألا ترى أن المجوسي يصيده فيكون حلالاً. قال: ولا بأس بأكل الطافي من الحوت، وهو ما مات منه فطفى على الماء. وقال أبو حنيفة: لا يؤكل إلا أن يموت بسبب. ودليلنا: قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ}، ففرق بين الصيد والطعام، فدل أن الطعام ما مات بنفسه، وقوله صلى الله عليه وسلم: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته"،

وفي حديث جابر: ان أبا عبيدة أصاب حوتاً ميتاً فأكل الجيش منه ثمانية عشر ليلة، ثم أعلموا النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما هي طعمة أطعمكموها الله، فهل معكم شيء منه؟ ". ومن المدونة: قال مالك: ومن وجد حوتاً في بطن حوت فلا بأس بأكلهما. قال ابن القاسم: وكذلك إن ذبح طير الماء فوجد في بطنه حوتاً فله أكله. م: قيل: فإن وجد الطير ميتاً ووجد في بطنه حوتاً فلا يؤكل إذ قد صار الحوت نجساً. م: والصواب: جواز أكله كما لو وقع الحوت في نجاسة فإنه يغسل ويؤكل فهو كالجدي/ الذي رضع خنزيرة، والدجاج أو الطير التي تأكل النجاسة، فإنها

تذبح وتغسل وتؤكل وإن كان بحدثان ما أكلته، وذلك بخلاف المائعات من زيت ونحوه؛ لأن ذلك يخالطه ويغيب فيه، وقد قيل في الزيت: يغسل من النجاسة، فكيف هذا؟. قال بعض شيوخنا: ومن باع حوتاً فوجد المشتري في بطنه جوهرة غير معمولة مما يعلم أن الأملاك لم تتداولها فهي للبائع؛ لأنه إنما باع منه الحوت خاصة، ولو كانت الجوهرة مثقوبة مما يعلم أن الأملاك جرت عليها فهي كاللقطة، وكذلك قال: لا يبالي في المعمولة، وأما غير المعمولة فهي للمشتري الذي أخرجها، كقول أصحابنا فيمن باع حجراً، وهو لا يعلم ما هو فإذا هو جوهرة فلا حجة له وهي للمشتري. قلت: مما يخرج من دواب البحر فيحي اليوم واليومين والثلاثة والأربعة في البر أيؤكل بغير ذكاة؟. وقال: سئل مالك عن ترس البحر أيذكى؟ فقال: إني لأعظم هذا من قول من قال فيه: إنه لا يؤكل إلا بذكاة؟. قال في العتبية: ولا بأس بأكل ميتته وبصيد المحرم له وإنما يذبح استعجالاً لموته، وما أكره ذبحه إلا أن يدخل على الناس شكاً أن ذلك عليهم فيه، ومن طير الماء ما يعيش في الماء وهو من صيد البر لا يؤكل إلا بذكاة.

ومن المدونة: قال مالك: ولا بأس بأكل دواب البحر بغير ذكاة، ولا بأس بأكل الضفادع؛ لأنها من دواب الماء، وتوقف مالك أن يجيب في خنزير الماء، وقال: أنتم تقولون خنزيراً، وكرهه يحي بن سعيد، قال ابن القاسم: وأنا أتقيه ولا أرى أكله حراماً. م: وإنما توقف فيه مالك، واتقاه ابن القاسم: لعموم قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ}، فخاف أن يكون داخلا في الآية، والصواب: أنه ليس بداخل فيها، كما أن ميتة البحر ليست بداخلة في الآية، وقد أجاز أكله ربيعة، وظاهر القرآن والسنة يبيحه، وقد سمي- أيضاً- من دوابه الكلب وغيره ولا يحرم بذلك. ابن حبيب: وكره علي بن أبي طالب رضي الله عنه مالا شقائق له من الحوت من غير تحريم. قال ابن حبيب: كلما لا شقائق له فهو دابة من دواب البحر والماء وليست بحوت وإن كان على خلقته.

وقال ابن عباس: ولا بأس بأكل الجريث، وإنما حرمته اليهود. قال ابن حبيب: وأنا أكرهه؛ لأنه يقال: أنه من الممسوخ. ومن العتبية: قال ابن القاسم: وكره مالك أكل حيتان يصاد بسيكران فتسكر، وخاف على آكلها، وقال: هذا من فعل العجم. وأجاز أكلها في رواية أشهب إذا لم يؤذ من أكلها. قال: ولا بأس بقطع الحوت قبل أن يموت أو يلقى في النار حياً. قال في رواية أخرى: وما أكرهه تلك الكراهية ولو تركه قليلاً مات، وكره غمس رؤسها في الطين، ولم يره شديداً.

[الباب التاسع] جامع القول في صيد الجراد

[الباب التاسع] جامع القول في صيد الجراد قال مالك- رحمه الله-: ولا يؤكل ميت الجراد، ولا ما مات منه في الغرائر بعد أخذه حياً. ابن المواز: وقاله ربيعة، وابن شهاب. وكان سعيد بن المسيب، وعطاء يقولان: إذا صدته حياً فلا بأس بما مات منه. سحنون: وقاله أشهب. ابن وهب: وقال: صيده: ذكاته، ويذكر ذلك عن بعض أصحاب النبي. وقول مالك: أصوب، لأن المحرم لو قلته وداه. قال محمد بن عبد الحكم: يؤكل وإن مات بغير سبب لقوله صلى الله عليه وسلم: "أحلت لنا ميتتان" فذكر: السمك، والجراد.

ومن المدونة: ولا يؤكل منه إلا ما قطعت رءوسه أو قلي أو شوي حياً وإن لم تقطع رءوسه فهو حلال. قيل: أفتطرح في النار وهي حية؟ قال: لا بأس بذلك، وهو ذكاته. قال ابن القاسم: ولو قطعت أرجله أو أجنحته فمات بذلك لأكل ولم أسمعه من مالك. قيل: فإذا أدخلها في الغرائر أليس من فعله ماتت؟ قال: لم أر عند مالك القتل إلا شيئاً يفعله بها بحال ما وصفت لك. قال أصبغ: وقد قال ابن القاسم- قبل ذلك-: لا يؤكل بقطع الأجنحة والأرجل وهو أحب إلي؛ لأنها لا تموت من ذلك، وهي تنسل إذا تركت. ومن كتاب آخر: وقاله أشهب في موتها بقطع الأجنحة والأرجل أنها لا تؤكل، قال: ولو طرحها في ماء حار قبل موتها أكلت، ولم يؤكل ما زايلها من أفخاذها، وأما الأجنحة فهي كصوف الميتة وتؤكل، قال: ولو سلقت أفخاذها معها، يريد: بعد أن قطعت قال: لم تؤكل هي ولا أفخاذها. قال أبو محمد: وهذا غلط بين.

وقد قال سحنون: لو سلقت جراداً مع أحياءٍ لأكلت التي سلقت أحياء بمنزلة خشاش الأرض تموت في القدر. م: وهذا إذا كانت الأحياء تعلم من الأموات وإلا طرح الجميع. وكره سحنون أن تلقى في ماء بارد ولم يجز ذلك إلا في ماء حار. وقال ابن عبد الحكم- في الواضحة-: ولابد من التسمية عليه عندما يكون منه موته من قطع رءوس، وغيره؛ لأنه ذكاته.

[الباب العاشر] في صيد ما أثخن أو أسر، ومن ضرب طيرا في الجو، أو طرد صيدا حتى دخل دار قوم أو حبالاتهم

[الباب العاشر] في صيد ما أثخن أو أسر، ومن ضرب طيراً في الجو، أو طرد صيداً حتى دخل دار قوم أو حبالاتهم قال مالك- رحمه الله-: ومن رمى صيداً فأثخنه حتى صار لا يقدر أن يقوم، ثم رماه آخر فقتله لم يؤكل. قال ابن القاسم: لأن هذا صار أسيراً كالشاة لا تؤكل إلا بذكاة، ويضمن الذي رماه فقتله للأول قيمته، يريد: مجروحاً. قال ابن المواز: ومن أثار صيداً فأشلى عليه كلبه فهو في طلبه فوقع في حفرة أو لجةٍ أو انكسرت رجله فأخذه الكلب فقتله فإنه لا يؤكل، وكذلك كل ما يؤول إليه أمر الصيد فلا يستطيع التخليص والنجاة، ولو تركته الكلاب لقدر صاحبها على أخذه بيده بلا كلاب فتأخذه الكلاب بعد ذلك فتقتله فإنه لا يؤكل، وإن لم يفرط صاحبها ولم يلحقه حتى قتلته الكلاب؛ لأنه صار أسيراً قبل أن تأخذه الكلاب فلا يؤكل. ومن المدونة: قال مالك: ومن رمى طيراً في الجو فسقط فأدركه ميتاً وأصاب السهم لم ينفذ مقاتله لم يؤكل إذ لعله من السقطة مات، وكذلك إن رمى صيداً في

الجبل فتردى من الجبل فمات لم يؤكل إلا أن يكون قد أنفذ مقاتله بالرمية. فصل [فيمن طرد سيداً حتى دخل دار قوم، أو وقع في حبالاتهم] قال ابن القاسم: ومن طرد صيداً حتى دخل دار قوم، فإن اضطره هو أو جوارحه إليها فهو له، وإن لم يضطره وكانوا قد بعدوا عنه فهو لرب الدار. قال مالك: وما وقع في الحبالات فأخذه أجنبي فرب الحبالات أحق به. ومن غير رواية يحيى: ومن نصب فخاً أو حبالات أو حفر حفيراً للصيد فطرد قوم صيداً حتى وقع في ذلك المنصب، فإن اضطروه وأعيوه وألجأوه إليه فهو لهم دون رب المنصب، وإن لم يكن كذلك وقد انقطعوا عنه فهو لرب المنصب، قاله ابن القاسم في العتبية. قال ابن حبيب: وإن تعمدوا طرده إلى الحبالة ليقع فيها فوقع، فهو لهم، ولرب الحبالات بقدر ما يرى له ولهم. وقال أصبغ: هو للذي طرده واضطره للوقوع في ذلك المنصب، وعليه قيمة ما انتفع به من ذلك المنصب، كمن صاد بسهم رجل أو بازه أو كلبه. وهذا هو القياس. ووجه قول ابن القاسم: أنهم لما وضعوا الحبالات ونحوها للصيد فصدوه به جعل حقهم فيه، لأن كل واحد قصده فأشرك بينهم فيه بقدر ما يرى له ولهم.

وفي كتاب محمد: قال محمد: سواء تعمدوا طرحه في ذلك المنصب مثل أن يعمدوا إلى طريقة فيوعرونها ويسدونها حتى لا تجد منجاً ولا مذهباً إلا إليه، ثم يأخذوا في طرده حتى تقع فيه، أو لم يتعمدوا طرده ولكن ألجأته كلابه واضطرته حتى وقع فيه فإنه لصائده، وعليه قدر ما انتفع بالحفرة أو الحبالة لربها. وأما إن كان الصيد غير مقسور ولا مضغوط بالطلب ولو شاء أن يذهب إلى غير طريق المنصب لقدر فأراه لصاحب المنصب، ولا شيء لطالبه. قال أصبغ: وكذلك قال ابن القاسم في الصيد يطلبه قوم فيدخل دار رجل فيأخذه فأجاب بمثل ما وصفناه لك في هذا كله. [فصل- فيمن صاد بكلب رجل أو بازه أو فرسه] وروي عن ابن القاسم وغيره: فيمن صاد بكلب رجل أن ما صاد لرب الكلب، وعليه إجارة الصائد مثل لو عدى على عبد رجل فبعثه يصيد له. قال ابن القاسم: وكذلك البازي عندي، وأما إن تعدى على فرس رجل فصاد عليه فالصيد للمتعدي؛ لأنه هو الصائد، وعليه كراء الفرس. وقال أصبغ: الصيد للصائد، وعليه إجارة الكلب، وقاله ابن المواز.

قال: وكذلك من رمى بسهم رجل أو صاد بفرسه، وهو بخلاف من تعدى على عبد رجل فجعله يصيد له، ولا خلاف بينهما في المتعدي على عبد رجل يصيد له أن الصيد لرب العبد، ولا فيمن صاد بفرس رجل أن الصيد للصائد، وعليه أجرة الفرس. واختلفا في الكلب والبازي، فقال ابن القاسم: ذلك لصاحبهما، وعليه أجرة الصائد، وقال أصبغ: ذلك للصائد، وعليه أجرة الكلب والبازي. م: فوجه قول ابن القاسم: فلأن الكلب والبازي هو الآخذ للصيد فهو الصائد كالعبد. ووجه قول أصبغ: بل الصائد من اصطاد بهما، وبإرساله وإشلائه صادفهما كالفرس.

[الباب الحادي عشر] فيما أصيب من الصيد بحجر أو عصى أو مغراض أو حبالات

[الباب الحادي عشر] فيما أصيب من الصيد بحجر أو عصى أو مغراض أو حبالات قال مالك- رحمه الله-: وما أصيب من الصيد بحجر أو ببندق فخزق أو بضع أو بلغ المقاتل لم يؤكل، وليس بخزق وإنما هو رض. م: وهو الموقوذة التي حرم الله أكلها. قال ابن القاسم: إن أصيب الصيد بعود أو بعصى أو رمح أو حربة أو مطردة فخزق فإنه يؤكل، وما أصيب بالمعراض فخزق فكل ما قتل وإن لم ينفذ المقاتل كالسهم إلا أن يصيب بعرضه. قال ابن المواز: وفي حديث عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعراض؟ فقال "إذا رميت وسميت فخزق فكل وإن قتل، وإذا أصبت بعرضه فلا تأكل فإنه وقيذ".

م: والمعراض: خشبة في رأسها مثل الزج. وقال أشهب: ما خزق المعرض فأحب إلي أن لا يؤكل إلا أن ينفذ المقتل إذ لعل السقطة قتلته. م: هذا وفاق لابن القاسم، وإنما تكلم ابن القاسم فيما لا سقطة فيه أو فيما يؤمن من سقطته الموت، وعلم أن قتله من المعراض، وهو ظاهر الحديث، وأما إذا ضرب بالمعراض طيراً في الجو فسقط فلا يؤكل عند ابن القاسم إذ لعله من السقطة مات إلا أن ينفذ مقاتله كقول مالك فيمن أصاب بسهمه طيراً في الجو أنه لا يؤكل إلا أن ينفذ مقاتله فالمعراض مثله. ومن المدونة: قال مالك: وما قتلت الحبالات من الصيد فلا يؤكل إلا ما أدركت ذكاته من ذلك، وكذلك لو كان فيها حديدة أنفذت المقاتل فلا يؤكل ولا تنفع ذكاته بعد إنفاذ مقاتلة، وليست الحبالات كالجوارح، وقد قال الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}، وهذه مما ليس فيه تعليم، ولا هي/ كالرمح والسهم لفقد

التسمية فيها عند القتل إذا كان فيها حديدة، والحبالات هي الشرك وهي إذا علقت بالصيد فربما مات وقد قدر عليه، وذكاته: الذبح فصار مقتولاً بغير ذكاة. والفخ عندنا مثل الحبالات، وهو شيء يعمل من أعواد ينصب على العيون ونحوها فيسقط الصيد فيه عند الشرب فلا يؤكل ما قتل كالحبالات. ومن المدونة: قال مالك- رحمه الله-: وإذا طلبت الجوارح صيداً فمات إبهاراً ولم تأخذه لم يؤكل، ولو أخذته الكلاب فقتلته بالبعض والرض أو بغير ذلك ولم تنيبه ولم تدمه لم يؤكل كالموقوذة. قال ابن المواز: ولو أذمته ولو في أذنه أكل. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكذلك إن مات بصدمها فإنه لا يؤكل، وكذلك إن ضربت الصيد بالسيف حتى مات ولم يقطع فيه لم يؤكل كالعصا، وهذا كله موقوذة عند مالك. ابن المواز: وما علمت أن أحداً أجاز أكله إلا أشهب، فإنه أجازه إذا مات بالصدمة أو بالنطحة أو بضربة السيف وإن لك تجرح. م: ابن المواز: وقول مالك وأصحابه أحب إلينا، وهو قول ابن شهاب. وقد نهي عن النطيحة والموقوذة، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك. قال أبو محمد عبد الوهاب: وجه قول ابن القاسم، وهو قول أبي حنيفة: أن

الكلب آلة للاصطياد، فإذا قتل الصيد بصدم أو غيره مما ليس يجرح لم يؤكل، كما لو قتل المعراض بعرضه؛ ولأنه حصل مقتولاً بغير جرح كما لو ضربه بالعصا. ووجه قول أشهب، وهو قول الشافعي: قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}. يريد: قتلن بإرسالكم ولم يفرق، وكذلك الخبر، ولأنه حصل مقتولاً بجارح مرسل عليه، كما لو جرحه. ومن المدونة: قال مالك: ومن رمى صيداً بسهم أو سكين أو سيف فبضع فيه ولم ينفذ مقاتله فمات قبل أن يزكيه من غير تفريط فإنه يؤكل. م: لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل ما ردت عليك قوسك ذكي أو غير ذكي"؛ ولأن إرسال السهم أو الرمح أو شيء من السلاح في الصيد الممتنع كمباشرة الذبح في المقدور عليه. ابن حبيب: قال ابن القاسم: وإن رمى الصيد بحجر حادٍ مثله يذبح فقطع رأسه وهو ينوي اصطياده فلا يعجبني أكله، إذ لعل الحجر قطع رأسه بعرضه.

ومن المدونة: قال مالك: وإن رمى صيداً بسكين فقطع رأسه أكله إن نوى اصطياده، وإن لم ينو اصطياده لم يؤكل منه شيء. قال ابن القاسم: وكذلك لو رمى حجراً فإذا هو صيد فأنفذ مقاتله لم يؤكل، كقول مالك في الذي رمى صيداً بسكين فقطع رأسه ولا ينوي اصطياده أنه لا يأكله، وكذلك لو رمى صيداً وهو يظنه سبعاً أو خنزيراً فأصاب ظبياً لم يؤكل؛ لأنه حين رماه لم يرد اصطياده فلا يأكله. وإن رمى سبعاً ينوي ذكاته لجلده فقال بعض فقهائنا: يجوز أكله؛ لأنه قصد ذكاته، ومحال أن تعمل الذكاة في بعض دون بعض. وقال فقهاؤنا القرويون: لا يؤكل إذ ليس فيه قصد ذكاة تامة. م: وهذا بين، وهو بخلاف أن لو كان/ ممن يجيز أكله فقصد ذكاته لأكله فهذا لا خلاف أن ذلك الصيد يؤكل. ابن المواز: وقال أشهب في كتبه: من رمى طيراً وهو يظنه غراباً فقتله، ثم وجده غير ذلك من الطير جاز أكله؛ لأنه نوى اصطياد ذلك الطير الذي رآه.

م: والأصل في هذا: أن يقصد برميته ذكاة الصيد لأكله؛ لأن الذكاة لا تكون إلا بنية، كقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات".

[الباب الثاني عشر] فيما ند من الإنسية أو الوحشية

[الباب الثاني عشر] فيما ند من الإنسية أو الوحشية قال مالك- رحمه الله-: وما ند من الأنعام الإنسية فلم يقدر على أخذه فهو على أصله لا يؤكل إلا بذكاة الإنسية من الذبح أو النخر. ابن حبيب: وروي فيها بعض الرخصة، وليس بقول مالك. والذي أشار إليه ابن حبيب من الرخصة هو قول أبي حنيفة والشافعي. ودليلنا: قوله صلى الله عليه وسلم: "وفي الأنعام الذكاة في الحلق واللبة"؛ ولأن توحشه لم

ينقله عن أحكام المتأنس من سقوط الجزاء عن الحرم بقتله، وجوازه في الضحايا والهدايا باتفاق فكذلك الذكاة. ومن المدونة: قال مالك: وما دجن من الوحشي، ثم ند واستوحش فإنه يذكى بما يذكى به الصيد من الرمي وغيره؛ لأنه رجع إلى أصله. ابن حبيب: وحمام البيوت والبرك، والأوز من ذلك؛ لأن أصلها وحشية، ولا أرى هذا في الإبل والغنم والدجاج، إذ لا أصل لها في الوحشية يرجع إليه، ولا بأس أن يعقر عقراً لا يبلغ مقتلاً وتعرقب ثم تذكى، وأما البقر فهي عندي لها أصل في بقر الوحش ترجع إليه، فإذا استوحشت ألحقت عندي بالصيد. ومن المدونة: قال مالك: ومن ضرب شاة بسكين وهو لا يريد قتلها ولا ذبحها فأصاب الحلقوم والأوداج ففراهما لم تؤكل؛ لأنه لم يرد ذبحها، وقد قال مالك: لا تؤكل الإنسية بشيء مما يؤكل به الوحش من الضرب والرمي.

قال ابن القاسم: ومن ضرب عنق شاة بالسيف فأبانه وهو يريد ذكاتها فلا تؤكل؛ لأن مالكاً قال- فيمن أراد أن يذبح فأخطأ فذبح من العنق أو من القفا أنها لا تؤكل، فهذا مثله. قال مالك: وإذا دجن عندك صيد، وقد ملكته بصيد أو بشراء، ثم ند فصيد بحدثان ما ند ولم يتوحش فهو لك، وإن لم يوجد بحدثانه وقد لحق بالوحش فهو لمن صاده، وكذلك البزاة والصقور والظباء وكل شيء. قال: ومن صاد طيراً في رجليه سباقان أو ظبياً في أذنيه قرطان أو في عنقه قلادة عرف بذلك، ثم ينظر فإن كان هروبه ليس بهروب انقطاع ولا توحش رد وما وجد عليه ربه، وإن كان هروبه هروب انقطاع فالصيد خاصة لصائده، وأما ما عليه فلربه. قال ابن القاسم: فإن قال ربه: ندمني منذ يوم أو يومين، وقال الصائد: لا ندري متى ند منك فعلى ربه البينة، والصائد مصدق.

وقال سحنون: الصائد مدع، وعليه البينة، وهو الصواب؛ لأن ربه يدعي حقيقة، والصائد لا يكذبه فيها، إنما قال: لا ندري متى ندمنك، فينبغي أن يكون القول قول ربه. وقال محمد بن عبد الحكم: هو للأول، طال الزمن أو قرب، ولا يزول ملكه عنه بهروبه، وهو قول أبي حنيفة، والشافعي. ودليلنا: أن الثاني صاد ممتنعاً لحق بالوحش على صفة ما كان عليه قبل الأخذ الأول فكان له حكم أصله الأول، وكصيد الماء إذا أخذه رجل ثم أنصب من يده في النهر فصاده غيره أنه له.

[الباب: الثالث عشر] ما يجوز أكله من الحيوان والطير، وغيره، أو ينهى عنه

[الباب: الثالث عشر] ما يجوز أكله من الحيوان والطير، وغيره، أو ينهى عنه قال الله سبحانه: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلى أخر الآية}، وقال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} إلى قوله: {بِالْأَزْلَامِ}، ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن أكل ذي نابٍ من السباع. قال محمد بن الجهم، والأبهري: ونهى مالك عن أكل لحوم السباع والدواب على الكراهية والاحتياط لا على صريح التحريم، وهو المعنى في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم السباع والحمر، يدل على ذلك اختلاف الصحابة في أكلها. وما روى مالك في حديث عبيدة بن سفيان: "أكل كل ذي ناب من

السباع حرام" فشيء انفرد به عبيدة، وقد رواه الزهري فلم يذكر هذه اللفظة، وأما ذوات الناب والمخلب فلم يصح فيه حديث. قال أبو محمد عبد الوهاب: وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "الحلال ما حلله الله في القرآن، والحرام ما حرمه الله في القرآن، وما سكت عنه فقد عفى عنه"؛ ولأن كل

حيوان يطهر جلده بذبحه فلا يحرم أكله. وهذه حجتنا على أبي حنيفة؛ لأنه يوافقنا أن الذكاة تعمل في تطهير أهب جميع السباع، ويقول: إن أكل لحومها حرام. وذكر النحاس في كتابه: الناسخ والمنسوخ: قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ الآية} فذكر فيها اختلافاً كبيراً، فذكر قولاً: أنها منسوخة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، وقولاً: إنها محكمة ولا حرام إلا ما فيها، وقولاً: أنها محكمة وأن ما حرمه النبي صلى الله عليه وسلم داخل فيها، وقولاً: إنها محكمة وما حرمه مضمون إليها داخل في الاستثناء، وقولاً: إنها جواب لما سألوا عنه، وقد حرم الله ورسوله غير ما في الآية. قال أبو جعفر: والقول بأن الآية محكمة وأن المحرمات دخلت فيها قول نظري؛ لأن التذكية إنما تؤخذ توفيقاً، وما لم تؤخذ تذكيته بالتوقيف فهو داخل في الآية. والقول بأنه

يضم إلى الآية ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قول حسن، فيكون داخلاً في الاستثناء "إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً" أو كذا أو كذا". ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولم يكن مالك يكره أكل كل شيء من الطير كلها: الرخم والعقبان، والنسور، والأحدية، والغربان، وجميع سباع الطير وغير سباعها ما أكل الجيف منها وما لم يأكلها. م: لقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ... الآية}، وقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} ولأنه نوع من الطير فأشبه سائرها. قال ابن حبيب: وكره عروة بن الزبير أكل الغراب والحدأة لما سماهما النبي صلى الله عليه وسلم فاسقين.

وقال محمد بن الجهم: ليس هذا يحرم أكلها، وإنما سماهما فاسقين لأذاهما المحرم. والفاسق في اللغة: هو المتعدي. قال ابن المواز: ولا بأس بأكل الدجاج التي تأكل النتن، وأن أبا موسى أتى بلحم دجاج فتنحى رجل، فقال له: مالك؟ / فقال: رأيته يأكل قذراً فقذرته، فقال له أبو موسى: ادنه مني، فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكله. ومن المدونة: قال مالك: ولا بأس بأكل الهدهد والخطاف، وروى عنه علي في العتبية: أنه كره أكل الخطاف. ومن المدونة: قال مالك: ولا بأس بأكل الجلالة من البقر والإبل والغنم كالطير التي تأكل الجيف. وقال ابن حبيب: نحن نكره أكلها من غير تحريم، وروى عن عمر، وابن عمر أنهما كرها لحومها وألبانها وركوبها.

قال ابن حبيب: وروثها وبولها نجس، وكذلك عرقها. والصواب: أن عرقها ولبنها طاهر؛ لأنه انقلبت عينه، قاله غير واحد من أصحابنا. قال ابن المواز: وقد قال مالك في صيد يصاد بالخمر ليسكر: لا بأس به. وإذا رضع جدي خنزيرة أحببت ألا يذبح حتى يذهب ما في جوفه، فإن ذبح مكانه أكل كما يؤكل الطير الذي يأكل الجيف. قال ابن المواز- عن ابن القاسم-: وقاله القاسم بن محمد قيل لابن: القاسم: بحدثانه أو بغير حدثانه؟ قال: ذلك سواء. فصل [في حكم أكل لحوم البغال والخيل والحمير] قال مالك: ذكر الله الأنعام فقال: {وَمِنْهَا تَاكُلُونَ}، وقال: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} فبين الله تعالى ما خلقها له، فلا تؤكل البغال والخيل والحمير.

قال: وإذا دجن حمار وحشي، وصار يعمل عليه لم يؤكل عند مالك، وقال ابن القاسم: لا بأس بأكله. م: فوجه قول مالك: فلأنه لما تأنس وصار يعمل عليه فقد صار كالأهلي، وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية. ووجه قول ابن القاسم: أنه صيد مباح أكله فلا يخرجه عن ذلك التأنس كسائر الصيد. قال ابن حبيب: وأما الحمار الإنسي إذا انفلت واستوحش ولحق بحمر الوحش فلا يصح أكله، وهو قول مالك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الأهلية، والبغال مثل ذلك، ولا تؤكل الفرس، ولا يبلغ مبلغ ذلك في التحريم للاختلاف فيه. قال ابن المواز: وما رأيت أحداً يأخذ به، وقد كرهه ابن عباس، وقد وصف الله جل ثناؤه ما خلقت له فقال: "لتركبوها وزينة". وقال أبو محمد عبد الوهاب: وقال أبو حنيفة والشافعي: إنها مباح من غير كراهية.

ودليلنا: قوله تعالى: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} ففرق بينها وبين الأنعام؛ ولأن الخيل محتاج إليها للجهاد عليها، وفي إباحة أكلها تطرق إلى انقطاع نسلها. وأما أكل لحوم الحمر الأهلية فمغلظ الكراهية عند مالك. ومن أصحابنا من يقول: هو حرام، وليس كالخنزير. فوجه قول مالك: قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: "ما سكت عنه فقد عفى عنه". ووجه التحريم: ما روي أنه صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الحمر الأهلية. ومن المدونة: قال مالك: ولا أحب أكل الضبع، والثعلب، ولا الذئب، ولا الهر الوحشي ولا الإنسي، ولا شيء من السباع. قال ابن حبيب: ولم يختلف المدنيون في تحريم لحوم السباع العادية مثل الأسد والنمر والذئاب والكلاب. وأما غير العادية مثل الدب والثعلب والضبع والهر الوحشي والإنسي فيكره أكلها ولا يبلغ به إلى التحريم للاختلاف فيها وأن المحرم يديها، قاله مالك: وابن الماجشون.

ومن المدونة: قال مالك: ولا بأس بأكل الأرنب والقنفذ والضب والضرابيب والوبر. قال ابن حبيب: والوبر واليربوع من دواب الحجاز، والوبر أكبر من القلنية، واليربوع أصغر منها، والضب يسمى بالأندلس الملونة وعاف النبي صلى الله عليه وسلم أكل الضب، ولم يحرمه، بل أمر غيره بأكله، وقال: "إنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه". ابن حبيب: وكذلك عاف الأرنب، ولم يحرمه.

ومن كتاب الذبائح قال ابن القاسم: ولا بأس بأكل اليربوع والخلد،/ وقد أجاز مالك الوبر، فهذا مثله. قال ابن حبيب: والخلد فأر أعمى يكون بالصحارى والأجنة. ومن المدونة: قال مالك: ولا بأس بأكل الحيات إذا ذكيت في موضع ذكاتها. وقال ابن حبيب: ويكره أكلها لغير ضرورة. قال مالك: والحلزون كالجراد ما أخذ منه حياً فسلق أو شوى أكل، يريد: ويسمى الله عندما يكون منه موته. قال: وما أخذ ميتاً لم يؤكل، وأما الضفادع فلا بأس بأكلها؛ لأنها من صيد الماء. ثم كتاب الصيد من الجامع لابن يونس بحمد الله وعونه، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.

كتاب الذبائح من الجامع

كتاب الذبائح من الجامع [الباب: الأول] في سنة الذبح وتوجيه الذبيحة والتسمية عليها والسنة في الذبح: أخذ الشاة برفق وتوضع على شقها الأيسر إلى القبلة، ورأسها مشرف وتأخذ بيدك اليسرى جلد حلقها من اللحي الأسفل بالصوف وغيره وتمده حتى تتبين البشرة تحته وتوضع السكين في المذبح حتى تكون الجوزة في الرأس، ثم تسمي الله تعالى وتمر السكين مراً مجهزاً بغير ترديد، ثم ترفع بعد قطع الودجين والحلقوم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما فرى الأوداج، وذكر اسم الله عليه فكل"، وقوله: "الذكاة في الحلق واللبة"؛ ولأن الذكاة ما لم تكمل في هذه المواضع جاز أن تعيش معه، وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا ذبح أحدكم فليجهز". قال مالك: ولا ينخع، والنخع: قطع المخ الذي في العنق. وتكون قد حددت شفرتك قبل ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بحد الشفار، وأن توارى عن البهائم.

قال في حديث آخر: "ولا يضرب بها الأرض ولا يجعل رجله على عنقها وليجلس حتى تبرد"، وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلاً يحد شفرته، وقد أخذ شاة ليذبحها، فضربه بالدرة، وقال: تعذب الروح، ألا فعلت هذا قبل أن تأخذها، وضرب آخر رآه يجر شاة برجلها ليذبحها، وقال: "قدها إلى الموت قوداً جميلاً". وكره ربيعة ذبحها، وأخرى تنظر إليها وكره مالك ذبح الطير والدجاجة وهو قائم، فإن فعل أكل إذا أصاب وجه الذبح. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن السنة توجيه الذبيحة إلى القبلة، فإن لم يفعل وتركها ووجهها إلى غير القبلة أكلت، وبئس ما صنع. قال ابن القاسم: وبلغ مالك أن الجزارين يدورون حول الحفرة فيذبحون فنهاهم عن ذلك، وأمرهم بتوجيهها إلى القبلة.

قال ابن حبيب: وإنما حمل مالك أمرهم على الجهل منهم بخطأ ما فعلوه، فذلك لم يقل: ما ذبحوه على تلك الحال لا يؤكل. وقد قال مالك: من ترك توجيه الذبيحة للقبلة عامداً من غير جهل ولا نسيان أنها تؤكل. وقال فيه ابن المواز: أحب إلي أن لا تؤكل، وإن كان ساهياً أكلت. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وليسم الله عند الذبح والنحر وعلى الضحايا، وليقل عند الذبح والنحر وعلى الضحايا، وليقل بسم الله، والله أكبر، وكذلك فعل الرسول. قال أبو محمد عبد الوهاب: والتسمية سنة لأمره صلى الله عليه وسلم بها في الصيد ولا فرق بينهما، فإن تركها ناسياً أجزأت؛ لأن ترك السنن نسياناً لا يبطل العبادة، وإن تعمد تركها: قال مالك: لا تؤكل، فمن أصحابنا من حمله على التحريم تغليظاً لئلا يستخف بالسنن، ومنهم من قال: هي واجبة مع الذكر ساقطة مع النسيان. قال ابن حبيب: ولو قال: بسم الله فقط، أو الله أكبر فقط، أو لا إله إلا الله،

أو سبحان الله، أو لا حول ولا قوة إلا بالله من غير تسمية أجزأه، وكل تسمية لله، ولكن ما مضى عليه الناس أحسن،/ وهو بسم الله، والله أكبر. ومن المدونة: قيل لابن القاسم: هل يقول بعد التسمية: صلى الله على محمد أو يقول محمد رسول الله؟. قال: ذلك موضع لا يذكر فيه إلا اسم الله وحده. ابن حبيب: وروى أصبغ عن ابن القاسم: أن في بعض الحديث: موطنان لا يذكر فيهما إلا الله: الذبيحة، والعطاس"، ولا يقول بعد التشميت والتحميد في العطاس: محمد رسول الله، وإن شاء قال بعدهما: صلى الله على محمد؛ لأن الصلاة على النبي ليست تسمية له مع الله سبحانه، وقاله أشهب. ولا ينبغي أن يجعل الصلاة على النبي في هذا استناناً.

ومن المدونة: قال مالك: وإن شاء قال في الضحية بعد التسمية: اللهم تقبل مني، وإلا فالتسمية تكفيه. قال ابن المواز: أحب إلينا أن يقول في الضحية: "ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم". ومن المدونة: قال ابن القاسم: وأنكر مالك قول الناس: اللهم منك وإليك، وقال: هذه بدعة. قال ابن حبيب: أما قوله: اللهم تقبل مني فلابد له منه، وإن شاء قال: اللهم منك وإليك، وإن شاء ترك. قال: ومن أمر عبده بالذبح وأمره بالتسمية مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك يقول العبد: قد سميت ولم يسمعه السيد فلا بأس أن يصدقه ويأكل ما ذبح إلا أن يتركه تنزهاً، كما فعل عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة. وحكى لنا عن بعض شيوخنا فيمن استأجر له رجلاً على أن يذبح له أضحيته ويسمعه التسمية فذبح ولم يسمعه التسمية، وقال له: قد سميت أنه لا شيء له من الأجر لمخالفته الشرط، ولا يغرم الذبيحة. وقال غيره: له أن يغرمه الذبيحة إن شاء. وقال أبو عمران الفاسي: إنها ذبيحة مذكاة وتجزئه؛ لأنه لا يخلو من أن

يكون صدق أو نسي، وكل ذلك لا يضر الذبيحة، ولا ينبغي أن يظن به تعمد ترك ذلك، واحتج بحديث عبد الله بن عياش، وأن مالكاً أجاز أكلها، وهذا هو الصواب، ولا ينبغي أن يضمن ولا يحرم الأجر، وقاله أبو بكر بن عبد الرحمن، واحتج بحديث ابن عياش. قال: وقد قال إسماعيل القاضي: إنه إنما ترك ابن عياش أن يأكلها: لأنه كان بالمدينة عبيد مجوس فاتقى أن يكون أن العبد لم يجب إلى الإسلام. وذكر عن أبي عمران: إن كانت إجارة من يسمع التسمية أكثر من إجارة من لا يسمعها فيعطى أجر المثل. قال الشيخ أبو عمران: التسمية عند الذبح أقوى من استقبال القبلة؛ لأن الله {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}، وقال: {وَلَا تَاكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}، وقال: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}، وقال صلى الله عليه وسلم: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل"، وقال: "إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل". وأما من ترك التوجيه إلى القبلة فليس لها نص في كتاب ولا سنة، فهي أضعف، والتفريق بينها حسن أن يجعل التوجيه بها إلى القبلة استحباباً أو سنة لا تبلغ رتبة التسمية لا على مذهب مالك ولا على مذهب أشهب الذي يخفف ترك التسمية،

وذلك أن غير واحد من السلف ومن فقهاء الأمصار قالوا: لا يضر أن يذبح الرجل إلى غير القبلة، وإن كان قد استحب ابن عمر، والشعبي في تركها عامداً أنها لا تؤكل، والصحيح من قول مالك أنها تؤكل، وعليه جمهور السلف، إذ لا نص لها في كتاب ولا في سنة.

الباب الثاني ما يجوز التذكية به وصفة الذبح وذبح ما ينحر، ونحر ما يذبح وذكر النخع

الباب الثاني ما يجوز التذكية به وصفة الذبح وذبح ما ينحر، ونحر ما يذبح وذكر النخع قال مالك- رحمه الله- ومن احتاج إلى أن يذبح بمروة أو عود أو عظم أو حجر أو غيره أجزأه. وقال ابن القاسم: ولو ذبح بذلك ومعه سكين تؤكل إذا أفرى الأوداج والحلقوم. قال أبو محمد: وقد أساء. قال ابن حبيب: والمروة: حجار بيض صلبه حداد، والعظم يجزئ به الذبح ذكياً كان أو غير ذكي. قال ابن المواز: وقد أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم الذكاة بالحجر والمروة والشظاظ: وهو ما يخرج من كسر العصا،/ وبالقصب، وقال: "كل ما أنهر الدم فكله إلا السن والظفر"، وقاله ابن عباس، وقال: "وإذا مر في الحلقوم ثم أفرى الأوداج واللحم والعروق فهو ذبح، وإن هو تردد به فلا يؤكل".

وقال سعيد بن المسيب وابن قسيط، ويحي بن سعيد: إنه يذبح بالعظم والقصبة وغير ذلك وإن لم يضطر إليه، وقال مالك، والليث. قال ابن عباس: والذبح بالظفر إنما هو خنق. قال ابن حبيب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "انهروا الدم بما شئتم إلا الظفر والسن"، يعني: سيلو الدم، ومنه سمي النهر نهراً، لأنه يسيل سيلاً. وأما السن والظفر المنهي عن التذكية بهما فهما المركبان في فم الإنسان وفي أصبعه؛ لأنه إذا ذبح بالظفر فهو خنق، وبالسن فهو نهش، وإذا كانا منزوعين ولم يصغرا أو عظماً حتى يمكن الذبح بهما فلا بأس بالذبح بهما. ومن المدونة: قال مالك: وتمام الذبح إفراد الأوداج والحلقوم، فإن أفرى الأوداج وحدها أو الحلقوم وحده لم تؤكل. قال سحنون: وإن بقي ودج واحد لم ينقطع لم تؤكل. قال: ولو قطع الحلقوم ثم لم تساعده السكين في مرها على الودجين إذ ليست بحادة فأقلبها فقطع الأوداج بها من داخل لم تؤكل.

قال سحنون: ولو أجاز الغلصمة إلى البدن لم تؤكل. قال العتبي وقاله ابن القاسم وأشهب. ابن حبيب: وقاله أصبغ، وبه أقول؛ لأن الحلقوم لم يقطع منه شيء. قال: ولو اجاز ذلك أشهب وابن عبد الحكم. قال ابن وضاح: ولم يحفظ لمالك فيها شيء. وقال يحي بن عمر: قال مالك، وابن القاسم إنها لا تؤكل، قال: وعلى قياس قول ابن القاسم: إنها إذا جازت إلى البدن وبقي في الرأس منها قدر حلقه الخاتم: إنها تؤكل إلا أن يبقى في الرأس منها ما لا يستدير فلا تؤكل. م: قال بعض شيوخنا: إذا ذبح الجزار لرجل وأجاز الغلصمة في البدن ضمن قيمة الشاة على مذهب مالك، وابن القاسم، ولا يضمن في قول غيرهما. وقال بعض أصحابنا: قال الشيخ أبو بكر بن عبد الرحمن القروي: قلت للشيخ أبي الحسن ابن القابسي فيما قيل: إذا رفع الذابح يده بعد الذبح ثم أعاد إن كان كالمختبر فلا شيء عليه ويأكلها، وإن رفع يده على أنه أتم الذبح ثم رجع فلا تؤكل.

كان يجب أن يكون الجواب بعكس هذا أنه إذا رفع يده مختبراً فلا تؤكل، وإن كان على أنه أتم الذكاة فلتؤكل إذا أعاد يده بالفور؟ لأن الأول رفع يده وهو شاك في تمام الذبح، والآخر: رفع يده موقناً، كقولهم فيمن سلم من اثنتين، وكان على يقين أنها أربع، ثم أيقن أنه سلم من اثنتين أنه لا يضره ويتم باقي صلاته، وإن سلم على شك أبطل صلاته، فصوب الشيخ ما قلته. وقال ابن حبيب- في غير الواضحة-: إذا قطع الأوداج وأكثر الحلقوم، النصف فأكثر، أكلت، وإن قطع يسيراً منه لم تؤكل، ولو لم يقطع منه شيئاً فقيل له في ذلك فرجع فأجهز على الحلقوم فإن كان في فور الذبح قبل أن يذهب عنها ويدعها فذلك جائز، وإن كان بعد أن تباعد فلا تؤكل. وقال سحنون: إذا رفع يده قبل تمام الذكاة، ثم علم فردها مكانه وأجهز فلا تؤكل، وروي عنه أنه كره أكلها، وروي عنه أنه إن رفع كالمختبر فلتؤكل، وإن كان على التمام فلا تؤكل، وقد بينا ذلك. م: وذكر لنا عن ابن عبد الرحمن أنه إن رفع يده، ثم أعادها، فإن كان حين رفع يده لو تركت الذبيحة لعاشت فأعاد فأتم الذكاة فإنها تؤكل، وكأنه الآن ابتدأ ذكاتها، وإن كان حين رفع يده لو تركها لم تعش وإذ قد أنفذ المقاتل فلا تؤكل وتصير مثل المتردية وأكيلة السبع.

وروى يحي بن يحي عن ابن القاسم في العتبية في الدجاجة والحمام إذا أجهز على أوداجه/ ونصف حلقومه أو ثلثه فلا بأس بأكله إذا لم يتعمد، ولم يجز ذلك سحنون حتى يجهز على جميع الحلقوم والأدواج. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وأما المريء الذي يكون مع الحلقوم وهو الحرف الأحمر فلم أسمع من مالك فيه شيئاً. فصل [1 - في كون الذكاة لا تخرج عن الحلق واللبة] قال مالك: ولا ينحر ما يذبح، ولا يذبح ما ينحر خلا البقر فإن النحر والذبح فيه جائز، واستجب مالك فيها الذبح لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}، وقوله: {فَذَبَحُوهَا}، قال: فإن نحرت أكلت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر عن نسائه البقر. قال مالك: والغنم تذبح ولا تنحر، والإبل تنحر ولا تذبح، فإن ذبحت الإبل أو نحرت الغنم من غير ضرورة لم تؤكل. قال أبو محمد عبد الوهاب: وإنما ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر الإبل، ولم يحفظ عنه ولا عن أحد فيها الذبح، وأما الغنم: فإنه صلى الله عليه وسلم ذبحها، ولم يرو عنه ولا عن أحد أنه نحر شاة.

وقيل: إن الفرق بين الإبل والغنم: إن عنق البعير طويل فيبعد خروج روحه وفي ذلك تعذيبه وزيادة ألم، والنحر أسهل وأخف عليه؛ لأنه في آخر العنق وأقرب لخروج روحه. وأما الشاة: فعنقها قصير ولا لبة لها فلا يتمكن من نحرها إلا بما يقرب من جوفها، فكان الوجه فيها الذبح، فإذا ذبح أحد بعيراً أو نحر شاة فقد أتى بالذكاة على خلاف الوجه المأمور به في الشرع فأشبه من ذبح من القفى أو أبقى شيئاً من الودجين. قال ابن المواز: هذا قول مالك وأصحابه إلا أشهب فإنه قال: إذا ذبح البعير من غير ضرورة فقد صار ذبحه له ضرورة وفات موضع نحره فيؤكل ولا يطرح، وكذلك الشاة عنده إذا نحرت. م: فوجه هذا: فلأنه جائز مع الضرورة، فلو لم يكن ذكاة ما جاز كالطعن في الفخذ، ولذلك أجاز ابن أبي سلمة أكل ذلك كله إذا نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر من غير ضرورة. وقال ابن بكير: يؤكل البعير إذا ذبح، ولا تؤكل الشاة إذا نحرت؛ لأن البعير له موضع الذبح، وإنما عدل فيه إلى النحر؛ لأنه أقل لتعذيبه، وأما الشاة فلا منحر لها؛ لأن موضع لبتها يقرب من جوفها، فيكون كالطاعن في جوفها.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا يؤكل ما نحر من الطير كله. قال عنه ابن المواز: وكذلك النعامة إذا نحرت. ومن المستخرجة: قال ابن أبي سلمة: يؤكل ذلك كله إذا نحر ما يذبح، أو ذبح ما ينحر من طير، وغيره من غير ضرورة. ومن المدونة: قال مالك: وما وقع من الأنعام في بئر فلم يوصل إلى ذكائه فإن ما بين اللبة والمنحر منه مذبح ومنحر، إن نحر فجائز، وإن ذبح فجائز، ولا يجزئ في موضع سواه من جنب أو كتف أو غيره، ولا يجزئ هذا في غير هذه الضرورة، ويترك حتى يموت. قيل لابن المواز: فما ذكر من الأحاديث في البعير، وغيره يقع في حفير أو بئر، فلا يوصل منه إلا إلى جنبه، أو كتفه، أو دبره فليبعج من حيث وصلوا إليه منه، ويؤكل لهذه الضرورة؟

قال: هذه ميتة، وقد أبى ذلك مالك وأصحابه، وهم أئمة الفقه والمبرزون للحديث ومعرفة المعمول به، والأحاديث كثيرة، وقد جاء: عقوا ولو بعصفور، وليس كل ما ذكر عمل به. وقد جاء أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أمر مناديا فنادى: "إن النحر في الحلق واللبة ولا تعجلوا الأنفس حتى تزهق"، فهذا أصح مما ذكرت. وقال ابن عباس: "الذكاة في الحلق واللبة". وقيل لابن المسيب: فإن وقع في ناهر من المناهر فلم يوصل منه إلى منحره؟ قال: لا ينحر إلا من منحر إبراهيم عليه السلام، وقال مثله: ابن شهاب، وربيعة، وعطاء. م:/ وأرخص ابن حبيب أن يبعج في جنب أو كتف إذا لم يوصل إلى الحلق للاختلاف الذي فيه.

وقول ابن حبيب هذا قول أهل العراق. فصل [2 - في النخع] ومن المدونة: وكره مالك أن يبدأ الجزار بسلخ الشاة قبل أن تزهق نفسها، ولا ينخع، ولا يقطع رأسها ولا شيء من لحمها حتى تزهق نفسها، فإن فعل أكلت مع ما قطع منها. قال ابن المواز: وقد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا ذبح فلا ينخع وليجلس حتى تبرد" أو كلمة غيرها. ومن المدونة: قال مالك: والنخع: قطع المخ الذي في العنق، وكسر العنق أو الظهر من النخع إن انقطع النخاع. قال ابن المواز: وهو المخ الجاري في فقار العنق والصلب، وهو إذا انقطع مقتل لا حياة بعده.

وقال محمد بن أبي زمنين: ذكر عبد الملك أن ابن القاسم وأصبغ كانا يقولان في النخاع: إنه المخ الأبيض الذي في عظم العنق والظهر، وكانا لا يريان دق العنق مقتلاً حتى ينقطع النخاع. قال: وليس النخاع ما قالا، وإنما النخاع عظم العنق، فإذا اندق العنق فهو مقتل، ولا يكشف على المخ الأبيض الذي فيه انقطع أو لم ينقطع، وكذلك قال مطرف عن مالك. قال عبد الملك: وأما انكسار الصلب ففيه يحتاج إلى معرفة انقطاع ذلك المخ الأبيض الذي في القفا، فإذا سلم ذلك فليس بمقتل، لأنه قد ينجبر ويبرأ على حدوبة، ويعيش صاحبه، فإذا انقطع ذلك المخ الأبيض فهو مقتل. ومن المدونة: قال مالك: ومن ذبح فتدامت يده إلى أن أبان الرأس أكلت ما لم يتعمد ذلك. قال ابن القاسم: ولو تعمد ذلك وبدأ في قطعة بالحلقوم والأوداج أكلت؛ لأنها كذبيحة ذكيت ثم عجل فقطع رأسها قبل أن تموت. قال ابن المواز: نعم تؤكل وإن تعمد، وقد أخطأ في تعمده وعظم خطؤه وخالف السنة، ولا أرى عليه إعادة إن كان أضحيته؛ لأنه لم ينخعها إلا بعد تمام الذكاة فقطع الحلقوم والأوداج. وقال ابن عباس: إذا تعمد ذلك فلا تؤكل. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: إنه إذا نخعها في ذبحه متعمداً من غير جهل ولا نسيان إنها لا تؤكل. قال ابن حبيب: لأنه كالعابث بذبيحته حين ترك سنة الذبح، وهذا استحسان. والقياس: أن تؤكل كما قال ابن القاسم.

[الباب الثالث] في ذبيحة المرأة والصبي ومن على غير الإسلام

[الباب الثالث] في ذبيحة المرأة والصبي ومن على غير الإسلام قال مالك: وتؤكل ذبيحة الصبي قبل البلوغ إذا أطاق الذبح وعرفه. قال: وكذلك ذبيحة المرأة تؤكل وإن ذبحت من غير ضرورة. أبو محمد: قال محمد عن مالك: ويكره من غير ضرورة. قال ابن المواز: وتذبح المرأة أضحيتها، ولا يذبح الصبي أضحيته. قال: وتؤكل ذبيحة الأغلف، والجنب والحائض. وقال مالك: لا تؤكل ذبيحة من لا يعقل من جنون أو سكر وإن أصابا، لعدم القصد. وتؤكل ذبيحة السارق؛ لأنه إنما حرم عليه السرقة لا عين الذبح، والمحرم حرم عليه الذبح نفسه. ومن المدونة: قال مالك: ولو اضطرت المرأة إلى الذبح ولم يحضرها إلا نصراني فلتل هي الذبح دونه. قال ابن القاسم: وتؤكل ذبيحة الأخرس. قال مالك: وإذا ارتد الغلام إلى أي دين كان، لم تؤكل ذبيحته.

قال ابن القاسم: ولا بأس بذبائح أهل الكتاب وصبيانهم إذا أطاقوا الذبح وعرفوه كذبح رجالهم. وكره مالك أكل ما ذبحه أهل الكتاب لكنائسهم أو لأعيادهم من غير تحريم، وتأول قول الله تعالى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}. قال ابن القاسم: وكذلك ما سموا عليه اسم المسيح، ولا أرى أن تؤكل، ولم أسمعه من مالك. ابن المواز: وكره مالك أكل ذلك، وليس بالمحرم، وإنما المحرم ما ذبح للأصنام، لقوله تعالى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}، وقال: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}،/ وإن الذي يذبح لكنيسته لقريب عندي أن يكون قد أهل لغير الله به، وما ترك مالك العزيمة فتحرى له إلا للآية الأخرى فيما ظننا: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}، فإنما ذلك في ذبائحهم، ولإجازة من أجازه، منهم: ربيعة، وابن شهاب. قال ابن المواز: وتؤكل ذبيحة النصراني العربي، وذبيحة المجوسي إذا تنصر، وتلى ابن عباس: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}.

وتؤكل ذبيحة السامري، وهو صنف من اليهود لا يؤمنون بالبعث، قاله عمر بن الخطاب، وغيره. ولا تؤكل ذبيحة الصابئ، وليس بحرام كذبيحة المجوسي، وقد حرم الحسن، وسعيد بن جبير ذبائحهم، ونكاح نسائهم، وقيل: إنهم بين المجوسية والنصرانية، وإذا ولي المجوسي مسلماً فذبح له، فاختلف في أكله فأجازه ابن سيرين، وعطاء، وكرهه الحسن. وسئل الحسن عن مجوسي قال لمسلم: اذبحها لصنمنا أو لنارنا، فاستقبل بها القبلة وسمى الله، فكره أكلها. قال ابن المواز: وإنما يكره إذا أمره بهذا الشرط، فأما لو تضيف به مسلم، فأمر بذبحها مسلماً ليأكل منها فذلك جائز. ومن المدونة: قال: وكره مالك أن يمكن الرجل من ذبح أضحيته أو هديه أحداً من الناس، وليلها بنفسه، فإن مكن من ذبحها كتابياً لم يجزه، وأعاد. وروى عنه أشهب: أنه كرهه، ولا يعيد. وقال عنه ابن القاسم: وأما إن ذبحها له مسلم فإنها تجزئه.

قال: وما ذبح اليهود من الغنم فأصابوه فاسداً عندهم لا يستحلونه لأجل الرئة وشبهها التي يحرمونها في دينهم، فمرة كان مالك يجيز أكلها، ثم لم يزل يكرهه، وقال: لا تؤكل. قال ابن القاسم: وأما ذبيحة اليهود مما لا يستحلونه فإنه لا يؤكل. قال ابن حبيب: لا يؤكل من طعامهم ما حرم عليهم، فمنه: كل ذي ظفر من الإبل، وحمر الوحش والنعم والأوز، وكل ما ليس بمشقوق الظلف، ولا منفرج القائمة، وشحوم البقر والغنم: الشحم الخالص كالثروب والكلى، وما لصق بالغطنة وما أشبهة من الشحم المحض، فأما ما ليس في التنزيل محرماً عليهم، وهو مما حرموه على أنفسهم مثل الطريف فمكروه، وليس في قوة التحريم مثل ما هو منصوص في كتابنا. وعن بعض العلماء تخفيف فيما حرموه على أنفسهم تخفيف، وأما ما ذبحوه لكنائسهم، أو على اسم المسيح، أو على الصليب فليس بمحرم، وقد كرهه مالك، واستخفه غير واحد من الصحابة والتابعين، وقال: ولقد أحل الله لنا ذلك، وهو عالم بما يقولون.

ومن المختصر: ولا بأس بأكل طعام المجوس الذي ليست له ذكاة. قال الأبهري: وقد أكل الصحابة من طعامهم حين فتح الله عليهم بلادهم مما لا ذكاة فيه. قال مالك- في مختصر-: ولا أحب أكل شحوم اليهود من غير أن نراه حراماً، واحتج بعض أصحابنا بالحديث في الذي غنم جراباً فيه شحم من خيبر من اليهود فأراد صاحب المغانم أخذه منه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "خل بينه وبين جرابه يذهب به إلى أصحابه". قالوا: والآية محتملة في قوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}، يريد: ما ذبحوه، ومحال أن تكون/ الذكاة لبعض الشاة دون بعض، فلما كانت الذكاة شائعة في جميعها دخل الشحم في التذكية فلاحتمال ذلك لم يحرمه مالك: وكرهه من غير تحريم له. ومن المدونة: قال ابن القاسم: والحربيون ومن عندنا من الذميين سواء عند مالك في ذبائحهم، ومالك يكره ذبائحهم كلهم، والشراء من مجازرهم، ولا يراه حراماً. وقال عمر بن الخطاب: لا يكون اليهود، وال النصارى جزارين ولا صيارفة في

الأسواق، وأن يقاموا من الأسواق كلها، فإن الله قد أغنانا بالمسلمين عنهم. قال مالك: معنى قوله: يقاموا من الأسواق كلها: أن لا يبيعوا في أسواق المسلمين في شيء من أعمالهم، وأن يكلموا الولاة فيقيمونهم. قال ابن المواز: ما ذبحه الكتابي لنفسه أحب إلي مما ذبحه المسلم، وقد كان من مضى يختارون لذبائحهم أهل الفضل والصلاح، فلا ينبغي لمسلم أن يمكن ذبيحته من كتابي، وإن كان شريكاً له فيها، فإن فعل أكلت

[الباب الرابع] في المتردية، والموقوذة، وأكلية السبع، والأنصاب والأزلام

[الباب الرابع] في المتردية، والموقوذة، وأكلية السبع، والأنصاب والأزلام قال الله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} إلى قوله: {بِالْأَزْلَامِ}. قال مالك: وإذا تردت الشاة من جبل أو غيره فاندق عنقها أو أصابها ما يعلم أنها لا تعيش معه ما لم يكن قد نخعها فإنها تذكى وتؤكل؛ لأن بعضها مجتمع إلى بعض، ولو انقطع النخاع لم تؤكل وإن ذكيت وفيها الحياة، وكذلك التي خرق السبع أمعاءها، أو ذبحها ذبحاً لا تحي مع ذلك. والنطيحة والموقوذة تقع للموت، فإن ابتدرت وذكيت ونفسها تجري وهي تطرف بعينها أو تحرك ذنبها فإنها تؤكل، وكذلك التي عقرها السبع إلا أن يفعل بها ما لا حياة بعده فإنها لا تؤكل وإن ذكيت. قال ابن المواز: وابن حبيب- في شاة ذبحت فلم تتحرك، فإن كانت صحيحة فانهار دمها فلتؤكل، وإن كانت مريضة وقعت للموت فبودر إليها فذبحت وسال

دمها، فإن طرفت بعينها أو حركت ذنبها أو ركضت برجلها أو استفاض نفسها في جوفها أو منخريها عندما ذبحت، فإن كان منها صنف من هذا أكلت. قال ابن حبيب: فإن لم يكن واحد من هذا ولكن تحركت أعضاؤها واختلجت بضاعها فلا تؤكل. قال ابن المواز: وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعبيد بن عمير، وسعيد ابن المسيب: إذا كان العين تطرف، والذنب يتحرك، والرجل تركض فهو ذكاة. وقال زيد بن ثابت- في الذنب والرجل أي ذلك تحرك من الذبيحة فهو ذكاة. قال ابن حبيب: وما أصاب المتردية والنطيحة وأكيلة السبع والمنخنقة والموقوذة من أمرٍ لا حياة بعده من نثر الدماغ، أو الحشوة أو قرض المصران، أو شق الأوداج أو انقطاع النخاع فلا تؤكل.

وأما كسر الرأس ولم ينتثر الدماغ، أو شق الجوف ولم ينتثر الحشوة ولا انشق المصران أو انكسر الصلب ولم ينقطع النخاع فهذه تؤكل إن ذكيت قبل أن تزهق نفسها إلا أن تصير من ذلك إلى حد الموت والإياس منها أو أشكل أمرها فتذبح حينئذ فلا تؤكل وإن طرفت بعينها أو استفاض نفسها وإن لم يكن ما أصابها قد بلغ المقاتل فقد صارت إلى سبيل الموت مما أصابها. وإنما تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}، فوجه الذكاة: في قائم الحياة، وحياة هذه غير قائمة، وذكاة هذه مشكلة، وليس في الدين إشكال. م: أما قوله: فيما أنفذ المقاتل: فصواب؛ لأنه ميت بعد، ألا ترى أن الإنسان يصيبه مثل ذلك فيورث وإن لم تزهق نفسه، وإن مات وارثه قلبه فقد استحق ميراثه منه. وأما ما لا يبلغ المقاتل: فالصواب ما قاله مالك: إنها تؤكل إذا كان فيها شيء من الحياة، وإن علم أنها لا تعيش مما أصابها، لقوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}، فهذه مما تصح فيها الذكاة إذ فيها شيء من الحياة. وقال علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وغيرهما في التي تقع للموت: إذا حركت ذنبها أو رجلها بعد الذبح أنها تؤكل، وقاله ابن حبيب، فما الفرق بينهما؟؛

وهما عندي سواء. وبالله التوفيق. فصل [في معنى الأزلام والأنصاب] ومن المدونة: قال مالك: والأزلام: قداح كانت في الجاهلية في الواحد: أفعل، وفي الآخر: لا تفعل، والآخر: لا شيء فيه، وكان أحدهم إذا أراد سفراً أو حاجة ضرب، فإن خرج الذي فيه: أفعل، فعل، وإن خرج الذي فيه: لا تفعل، ترك، وإن خرج الذي فيه: لا شيء أعاد الضرب. وقيل في الأنصاب: حجارة كانت تعبد. تم كتاب الذبائح بحمد الله وعونه.

كتاب الضحايا من الجامع

كتاب الضحايا من الجامع [الباب: الأول] في وجوب الأضحية، ومن تلزمه، أو يلزمه أن يضحي عنه قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أمرت بالذبح وهو لكم سنة". قال مالك: والأضحية سنة واجبة لا ينبغي تركها لقادر عليها من أحرار المسلمين.

قال غيره: وليست واجبة وجوب الفرائض، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث هن على فرض، ولكم تطوع: الوتر والأضحية، والسواك". ومن المدونة: قال مالك: إلا الحاج، فليست عليهم أضحية، وإن كان من سكان منى بعد أن يكون حاجاً، ومن لم يشهد الموسم فهم في ضحاياهم كالأجنبيين. م: وإنما لم تكن على الحاج؛ لأن ما ينحر بمنى إنما هو هدي؛ لأنه يوقف بعرفة؛ ولأن الحاج لم يخاطبوا بصلاة العيد لأجل حجهم فكذلك هذا في الأضحية. ومن المدونة: قلت: فشراء الأضحية احب إلى مالك أم الصدقة بثمنها؟ قال: قال مالك: لا أحب ترك الأضحية لمن قدر عليها.

قال مالك: وهي على الصغار والكبار من ذكر أو أنثى حاضر أو مقيم أو مسافر. قال ابن المواز: تعظيماً لله وشكراً لما أكمل لهم من دينهم في يومهم ذلك، وهو يوم الحج الأكبر، وهو اليوم الذي قال الله عز وجل فيه: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا". قال ابن حبيب: الأضحية سنة لا رخصة لأحدٍ في تركها، والفقير إن وجد ثمنها أو من يسلفه فليتسلف. وقال غير واحد من أصحابنا البغداديين: إنها غير واجبة، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي"، فقوله صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن يضحي" يقتضي التخيير، وليس هذا من شرط الواجب. م: فإن أراد أصحابنا أنها ليست بواجبة وجوب الفرائض فنعم، وإن أرادوا ليست بواجبة أصلاً، فليس الأمر كذلك، ولا حجة لهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن

يضحي"، ويكون معنى قوله "من اراد أن يضحي" أي من أراد أن يذبح أضحيته فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يذبحها، ويكون معنى قوله: "من أراد" أي من كان من أهل الضحايا إذ ثم من تسقط عنه، وهو الفقير الذي لا يجد ثمنها، والحاج، ومن فيه بقية رق. والدليل على وجوبها: قوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت بالنحر، وهو لكم سنة"، وقوله للذي ذبح أضحيته قبله: "عد أضحيتك" قال: ليس عندي إلا جذعة من المعز قال: "أذبحها ولن تجزي عن أحدٍ بعدك"، وهو أبو بردة بن نيار. وقال ربيعة: هي من الأمر، اللازم، وهي افضل من صدقة سبعين ديناراً. قال ابن حبيب: هي أفضل من العتق، ومن عظيم الصدقة؛ لأن إحياء السنن أفضل من التطوع. وقال ابن القاسم، وابن حبيب: من تركه وهو قادر عليها/ فهو آثم. قال في كتاب ابن المواز: من ترك ذبح أضحيته حتى زالت أيام مني فقد أساء في تعمده، وإن نسي فقد فاته خير كثير، فهذا كله يؤيد وجوبها إذ لا يأثم الإنسان إلا بترك الواجب: ابن المواز: وقد روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل فقال له: "يا جبريل كيف رأيتم سنتنا في يومنا هذا استقامت؟ فقال: نعم، فقد استبشر بذبحكم أهل السماء، وقال:

يا محمد: الجذع من الضأن خير من السيد من المعز، يعني: العظيم المسن، وخير من السيد من البقر، ولو يعلم الله عز وجل ذبحاً أعظم وأفضل من ذبح إبراهيم أعطاكه". قال: وما كان من ذبح إبراهيم هو الذي قرب ابن آدم، فهذا كله يؤيد أنها سنة واجبة. ابن المواز: وروي أن معاذ بن جبل قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا يوم العيد أن نلبس أجود ما نجد من الثياب، وأن نخرج وعلينا السكينة والوقار، ويأمرنا أن نظهر التكبير، ويأمرنا أن نضحي بأسمن ما نجد، ويأمرنا أن لا نذبح حتى نرجع من المصلى، وكان يأمرنا أن نختار السليم من الضحايا، وكان ينهانا أن نضحي بالجذع من المعز، وكان يأمرنا أن نطعم منها الجار والسائل من كان". وكان أبو هريرة يقول: "من لم يضح وهو يقدر فلا يشهد المصلى".

[الباب: الثاني] ما يستحب من الضحايا، وأيها أفضل، وذكر أسنانها وما يتقى فيها من العيوب

[الباب: الثاني] ما يستحب من الضحايا، وأيها أفضل، وذكر أسنانها وما يتقى فيها من العيوب قال أبو هريرة: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين أملحين أقرنين ويسمي ويكبر، ولقد رأيته يذبحها بيده واضعاً على صفاحهما قدمه". ابن المواز: قال أبو العالية: كانوا يستحبون الكبش على النعجة، والنعجة على المعز، والعنز على التيس. قال ابن المواز: حسنه. قال مالك في المختصر وغره: وفحول الضأن في الضحايا أفضل من إناثها، وإناثها أفضل من الإبل والبقر في الضحايا، فأما في الهدايا فالإبل والبقر أفضل. ومن كتاب ابن القرطي: ثم ذكور الإبل في الضحايا ثم إناثها، ثم ذكور البقر،

ثم إناثها. وقال عبد الوهاب: "أفضلها الغنم، ثم البقر، ثم الإبل، خلافاً لأبي حنيفة، والشافعي في قولهما: إن الأفضل: الإبل، ثم البقر، ثم الغنم، لأنه صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين"، وقوله: "خير الأضحية الكبش"؛ ولأن المراعي طيب لحمه ورطوبته دون كثرته بدليل ما رويناه من تضحية بالغنم وعدوله إليها، ولأنه يختص بها أهل البيت دون الفقراء بخلاف الهدايا. ومن الواضحة: روى ابن وهب عن عدد من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يستحبون أن تكون الضحية بكبش عظيم سمين فحل أقرن أملح ينظر في سواد ويسمع بسواد ويشرب بسواد.

قال: والأملح: ما كان بياضه أكثر من سواده، والفحل أحب إليهم من الخصي، والخصي أحب إليهم من النعجة، والنعجة أحب إليهم من التيس والجليل السمين أحب إليهم من غيره. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم باستشراف العين والأذن، وقال: "دم عفراء أحب إلي من دم سواداوين"، ويقال: إن قربان ابني آدم كبشان فتقبل السمين، ولم يتقبل المهزول. قال ابن حبيب: الخصي السمين أفضل من الفحل المهزول، والفحل السمين أفضل من الخصي.

وكره مالك في العتبية تغالي الناس في الأضحية، وقال: خير الهدي هدي محمد وأصحابه، وليشتر كاشتراء الناس وإن غلت، فأما أن يجد بعشرة، فيذهب يشتري بمائة فأنا أكرهه ويدخل على الناس مشقة. فصل [1 - في السن المجزئ في الضحايا والهدايا] ومن المدونة: قال مالك: ولا يجزئ ما دون الثني من سائر الأنعام في الضحايا والهدايا إلا الضأن وحدها فإن جذعها يجزئ. قال أبو محمد عبد الوهاب: أما الجذع من الضان فلا خلاف في جوازه، والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا/ جذعة من الضأن"، فلا تجوز جذعة من غير الضأن لهذا الحديث؛ لأنه قصر الجذاع على جنس مخصوص فكان ما عداه مبقي على المنع، ولقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بردة بن نيار، وقال: ما عندي إلا جذعة من المعز: "تجزيك ولا تجزئ عن أحد بعدك". قال ابن حبيب: والجذع من الضأن والمعز ابن سنة تامة. أبو محمد: وقيل: ابن عشرة أشهر، وقيل: ابن ثمانية أشهر، وقيل: ابن ستة أشهر. قال ابن حبيب: والثني من المعز: ابن سنين، والثني: ابن ست سنين.

وقال أبو محمد عبد الوهاب: الثني من المعز: ما له سنة ودخل في الثانية، ومن البقر: ما له سنتان ودخل في الثالثة، ومن الإبل: ما له ست سنين؛ لأنه يلقي ثنيته. فصل [2 - في العيوب المانعة من الإجزاء في الضحايا] قال ابن المواز: روى مالك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل: ماذا من الضحايا؟ فقال: "أربع: العرجاء البين ضلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقي". ونهى صلى الله عليه وسلم أن نضحي بعضباء الأذن والقرن. قال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: ما العضب؟ قال: النصف فما فوقه. قال معمر: لا نرى بعضباء القرن بأساً، وكرهه في الأذن.

قال أبو محمد عبد الوهاب: وينبغي في الجملة أن يتقى العيب وتتوخى السلامة؛ لأنه ذبح مقصود به القربة، فيجب أن يكون سليماً من النقص، لقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، وقوله: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ}. وأما العوراء: فلا نعلم خلافاً في منع الأضحية بها، وفي حديث علي، والبراء أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها؛ ولأن المرض يفسد اللحم، ويضر بمن يأكله، وكذلك العجفاء التي لا شحم فيها ولا مخ في عظمها. وفي الحديث: "ولا العرجاء البين ضلعها"، وعند أبي حنيفة: تجوز الأضحية بها ما دامت تمشي. ومن المدونة: قال: وتجزئ في الهدايا والضحايا المكسورة القرن إلا أن يكون يدمي فلا تجزئ؛ لأنه مرض.

قال ابن حبيب: إنما هذا إذا انكسر القرن الخارج، وكان القرن الداخل صحيحاً، وهو يسمى أقصم، والأنثى قصماء، فأما إذا انكسر القرن الداخل والخارج فلا تجوز الأضحية بها وإن لم يدم، وهو يسمى أعضب، والأنثى عضباء، وقد نهى النبي أن يضحى بالأعضب القرن والأذن. وفي كتاب ابن المواز: قال مالك: لا بأس أن يضحي بالتي قد استؤصل قرناها من أصلهما حتى تصير كأنها جلحاء. قال فيه، وفي المدونة: والشاة تخلق خلقاً ناقصاً لا تجزئ إلا أن تكون جلحاء، يريد: الجماء. قال: أو سكاء، وهي الصغيرة الأذنين. قال ابن القاسم: ونحن نسميها: الصمعاء، ولو خلقت بغير أذنين لم تجز. قال مالك: وإذا كان في الأذن قطع صغير أو أثر الميسم أو شق يسير فلا بأس به، وما سمعت مالكاً يوقت في الأذن نصفاً من الثلث. قال ابن المواز: والنصف عندي كثير من غير أن أحد فيه حداً.

وقال ابن حبيب: إذا قطع نصف الأذن، أو ثلثها لم تجز، وهي العضباء الأذن التي نُهي عنها والشق الكبير في الأذن لا تجزئ به، وهي تسمى الشرقاء، وتسمى- أيضاً-: القصواء. والخرقاء: التي في أذنها خرق مستدير في مقدم الأذن أو مؤخرها، وربما ترك معلقا كأنه زنمة. ومن المدونة: قال مالك: ولا بأس في الهدايا والضحايا بالبياض وغيره في العين إن لم يكن على الناظر. قال: ولا تجزئ العرجاء البين ضلعها، كما قال النبي "إلا أن يكون الشيء الخفيف الذي لا ينقص مشيها ولا تعب عليها به في سيرها بسير الغنم، وأراه خفيفاً. قال: ولا تجزئ المريضة البين مرضها، ولا الحمرة، قال ابن القاسم: وهي البشمة يعني التي أصابتها التخمة من الأكل، لأن ذلك مرض لها. قال: وكذلك الجربة إن كان ذلك مرضاً لها.

قال ابن المواز:/ قال مالك: ولا بأس بالتي تسقط أسنانها من كبر أو هرم أو حفى، وأما لغير ذلك فهو عيب، فلا يضحى بها. قال أصبغ: ما لم تكن بينة الهرم. قال ابن القاسم: وإن كان من إثغار فلا بأس به. قال مالك: ولا بأس أن يضحى بما سقطت له سن واحدة وإن لم يكن من كبر، وقال- في الكبش يطول ذنبه فيقطع منه قدر قبضة-: أرى أن يجتنب في الضحايا إذا وجد غيره. قال ابن المواز: أما القطع البين فمكروه، وأما اليسير فجائز، والثلث عندي كثير. قال ابن المواز: ولا خير في شطور الضرع كله، وقد أخبرت عن طاوس أنه قال: إذا كانت إحدى أطبائها تحلب فإنها تجوز، وكان يكره الجداء المصطلمة ضرعها، وهي المصرمة الأطباء، ويكره الهتماء، وهي الذاهبة الأسنان.

فصل [3 - فيمن اشترى أضحية فنزل بها عيب قبل ذبحها] ومن المدونة: قال مالك: ومن اشترى أضحية سليمة فلم يذبحها حتى نزل بها عيب لا يجوز به في الضحايا لو اشتريت به عجفت أو عميت أو أعورت. قال مالك: لا تجزئه وإن لم يصبها ذلك إلا بعد الشراء. قال سحنون في التي أقعدها الشحم أنها تجزئ. وأما من اشترى هدياً صحيحاً، يريد: فقلده وأشعره ثم عمي عنده فلينحره ويجزئه في الواجب والتطوع. قال ابن القاسم: لأن الضحية لم تجب عليه كما وجب عليه الهدي، ألا ترى أن لو ضل هديه فأبدله، ونحر البدل، ثم وجد الأول لم يكن بد من نحره، ولم يكن ما أبدل يضع عنه نحره فات وقت الذبح أو لم يفت، ولو ضلت أضحيته فأبدلها ثم وجدها في أيام النحر لم يلزمه ذبحها، وكانت مالاً من ماله، ولو ضلت أضحيته فلم يبدلها ثم وجدها بعد أيام النحر فليصنع بها ما شاء، وليس على أحدٍ أن يضحي بعد أيام النحر، وهو بمنزلة من ترك الأضحية، وكذلك لو أشترى أضحيته فحبسها حتى مضت أيام النحر، فهذا والأول سواء، وهذا رجل آثم حيث لم يضح بها.

قال إسماعيل القاضي في المبسوط: والفرق بين الهدايا والضحايا: أن إشعار الهدي وتقليده وتجليله وسياقه إيجاب فيه بالنية والفعل فلا يجوز بدله، ولا يضره بعد ذلك عيب دخله، فإن عطب الواجب منه قبل بلوغ محله ونحوه كان عليه بدله، لقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}، وقال تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}، فكان عليه في الهدي أمران: أحدهما: إيجابه وهو مما يجوز أن يهدى، والآخر: أن يبلغ محله، والضحايا بخلاف ذلك؛ لأن صاحبها لم يؤمر أن يوجبها بشيء قبل ذبحها، وإنما هو رجل ينوي أن يضحي بها، فالنية لا توجبها، غير أنه يستحب له أن لا يبطل ما نوى فيها. قال: ولو أن إنساناً اشترى أضحية، فقال بلسانه: قد أوجبتها لم يجز عندي أن يبدلها، يريد: ولا يضر عيب دخلها. قال: لأنه أوجبها بالنية والقول. م: قال نحوه غير واحدٍ من البغداديين، وهذا قول حسن، غير أن ظاهر كلام مالك خلافه، وقد قال مالك في كتاب ابن المواز فيمن اشترى أضحية سليمة فأوجبها فلم يذبحها حتى نزل بها عيب لا تجوز به في الضحايا أنها لا تجزئه، بخلاف الهدي يحدث به عيب بعد التقليد والإشعار، وذلك أن الضحايا لا تجب إلا بالذبح، والهدايا تجب بالتقليد، فقد نفى مالك أن تجب بغير الذبح؛ لأن الذبح فعل كالتقليد، وذلك أقوى من القول، وما قاله مالك إلا السنة عنده فيهما، ولا علمت لأصحابه فيه اختلافاً. م: وإن كان القياس عندي: أن لا تجزئ الهدايا أيضاً حتى تبلغ محلها ثم تنحر وهي سليمة؛ لأنه إذا كان هلاك جميعها بعد التقليد وقبل بلوغ محلها لا تجزئ ربها،

وعليه بدلها فكذلك هلاك بعضها، ويكون حكم البعض كحكم الجميع، ألا ترى أن من باع عبداً ودلس فيه بعيب فهلك بسبب ذلك العيب، أنه من البائع، وكذلك لو هلك بعضه بسبب العيب أنه منه، وإن لم يكن مدلساً أن هلاكه كله أو هلاك بعضه من المشتري، وكذلك كان يجب في الهدي أنه لما كان/ هلاك الجميع من ربه، وعليه بدله، فكذلك البعض، وهذا في أصولهم كثير، ولكن قد قال مالك وأصحابه ما علمت، وهم أئمة الدين وأهدى للصواب، فوجب اتباعهم. وبالله التوفيق. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن أضجع أضحيته للذبح فاضطربت فانكسرت رجلها أو أصابت السكين عينها ففقأتها لم تجزه. قال ابن حبيب: وعليه بدلها، وله بيعها، وإن تمادى فذبحها بعد الذي أصابها لم تجزه، ولكن لا يبيع لحمها؛ لأنه قصد بها النسك، فلا يجوز بيعها. قال: ولو أصابها ذلك بعد أن فرى الأوداج وقطع الحلقوم أجزأته، ولم يلزمه بدلها؛ لأنه لم يصبها ذلك إلا بعد فراغه من ذكاتها. ومن المدونة: قال مالك: ومن سرقت أضحيته قبل الذبح أو ماتت أو ضلت فعليه البدل.

[الباب الثالث] في وقت ذبح الضحايا، وذكر الأيام المعلومات، والمعدودات

[الباب الثالث] في وقت ذبح الضحايا، وذكر الأيام المعلومات، والمعدودات قال الله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} فذكر الأيام دون الليالي، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من ضحى بليل فليعد". والأيام المعلومات: يوم النحر ويومان بعده، والمعدودات: أيام التشريق، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وهي أيام منى التي ترمى فيها الجمار، ولذلك سميت: معدودات، أي: معدودات في الرمي، فيوم النحر معلوم خاصة، واليومان اللذان بعده معلومان معدودان، واليوم الرابع معدود خاصة لا ذبح فيه. ابن حبيب: ورواه ابن وهب عن عمر، وابن عمر، وعلي، وابن مسعود، وأنس، رضي الله عنهم. وأفضل الذبح في هذه الأيام في أولها بعد ذبح الإمام. ومن المدونة: قال مالك: والأيام التي يضحى فيها يوم النحر، ويومان بعده إلى غروب الشمس من آخرها، فإذا غابت الشمس من اليوم الثالث فقد انقضى الذبح وفاته. قال سحنون: فإن قيل: فإن اسم اليوم يقتضي اليوم والليلة لقوله تعالى: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ}، وقوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ}.

قيل: لم يذبح النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً ولا نحر ليلاً فكان في ذلك الفعل بيان ما أراده تعالى، وقد يقال: إن اسم اليوم الأخص به النهار وإن جاز أن يدخل فيه الليل مجازاً، فإذا لم يكن دليل يدل على دخوله بقي على النهار خاصة، ولا يضحي بليل في شيء من هذه الأيام. قال ابن المواز: وقاله علي بن أبي طالب، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وكثير من التابعين رضي الله عنهم. وأما ما روي عن عمر بن عبد العزيز وعن الحسن أن الأضحى ثلاثة أيام بعد يوم النحر فقد عيب ذلك، وقد قال يونس إن الحسن كان يقول: الشهر كله. والذي قاله مالك هو الأمر المجتمع عليه. قال مالك: ويوم النحر هو يوم الحج الأكبر. قال غيره: سمي الأكبر: لأن المشركين كان يقف بعضهم بعرفة، وبعضهم بالمشعر الحرام، ثم يأتي من بعرفة فيقف يوم النحر بالمشعر فصار فيه اجتماعهم فأمر أن ينذرهم

بسورة براءة في أكبر مجتمعهم، وشيء آخر: إن ليلة هذا اليوم من طلع عليه فجرها ولم يقف بعرفة فاته الحج، والليلة من اليوم. قال ابن المواز: وأفضل الذبح في هذه الأيام الثلاثة اليوم الأول منها وقاله ابن عباس. قال عبد الوهاب: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده كانوا يضحون فيه. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه النحر ثلاثة أيام أفضلها أولها، وقد قيل في تأويل قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} صل العيد وانحر الأضحية. قال ابن المواز: ووقت الذبح منه بعد صلاة العيد/ وبعد ذبح الإمام بيده، فمن ذبح قبل ذلك فلا اضحية له وتلزمه الإعادة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذبح قبله: "أعد"، فقال: لا أجد إلا جذعة من المعز فقال: "أذبحها ولا تجزئ عن أحد بعدك". وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يذبحن أحد قبل أن نذبح أو نصلي"، وقال: "أول ما نبدأ به في يومنا هذا نصلي

ثم ننحر، فمن نحر قبل الصلاة فإنما تعجل لحماً لأهله". ابن المواز: ولا يراعى في اليوم الثاني والثالث ذبح الإمام ولا غيره ولكن إذا ارتفعت الشمس وحلت الصلاة جاز له الذبح، ولو فعل ذلك بعد الفجر أجزأه في هذين اليومين. ومن الواضحة: قال مالك: ووقت ذبح الضحايا في اليوم الأول من ضحى إلى زوال الشمس، ويكون بعد ذلك إلى العشي، فمن جهل فذبح حينئذٍ أجزأه، وكذلك اليوم الثاني يذبح من ضحى إلى زوال الشمس، فإن فاته أمر بالصبر إلى ضحى اليوم الثالث، وإن لم يضح إلى عشي اليوم الثالث فهذا يؤمر أن يضحي حينئذٍ إلى غياب الشمس. م: وحكي لنا عن بعض فقهائنا القرويين قال: سمعت أبا الحسن ينكر قول ابن حبيب هذا، وقال: بل اليوم الأول كله، الذبح فيه أفضل من الثاني، والثاني أفضل

من الثالث، ورواية ابن المواز واختياره أحسن من هذا، والذي عند ابن المواز هو المعروف. ومن المدونة: قال مالك: وجه الشأن: أن يخرج الإمام أضحيته إلى المصلى فيبحها بعد الصلاة بيده، ثم يذبح الناس بعده. قال أبو محمد عبد الوهاب: لأنه قد ثبت أن على الناس الاقتداء به فوجب أن يظهر أضحيته ليصل إلى الناس العلم بوقت ذبحه، فإن لم يفعل تحروا ذلك؛ لأنهم لا يقدرون على أكثر من ذلك، فإن تحروا فسبقوه فلا شيء عليهم؛ لأنهم اجتهدوا كالاجتهاد في القبلة مع الغيبة. قال ابن المواز: كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من خطبته ونزل من منبره أتي بكبشه فذبحه بيده، ثم يذبح الناس بعده في منازلهم. قال: فإن أخره الإمام إلى داره جاز له، والصواب: في المصلى. ولو أن غير الإمام ذبح أضحيته في المصلى بعد ذبح الإمام جاز وكان صواباً، وقد فعله ابن عمر، ولو لم يذبح الإمام في المصلى ثم ذهب إلى منزله ليذبح فذبح رجل قبل ذبح الإمام في

وقت لو ذبح الإمام في المصلى كان هذا ذابحاً بعده لم يجزه إلا أن يتوانى الإمام بعد وصوله إلى داره، فمن ذبح في وقت لو لم يتوانى الإمام وذبح في داره كان هذا ذابحاً بعده أجزأه. وقال أبو مصعب: إذا أخطأ الإمام فترك أن يذبح في مصلاه، فمن ذبح بعد ذلك فذلك له جائز. ومن المدونة: قال مالك: ومن ذبح أضحيته من أهل المدائن قبل صلاة الإمام أو بعد صلاته وقبل ذبحه لم تجزه وأعاد. قال: وليتحر أهل البوادي ومن لا إمام لهم من أهل القرى صلاة أقرب الأئمة إليهم وذبحه فيذبحون بعده. قال ابن القاسم: فإن تحروا فذبحوا قبله أجزأهم. ابن المواز: وروى أشهب عن مالك أنه لا يجزئهم، وهو أحب إلينا. قال ربيعة: من كان في غير جماعة حيث ليس ثم إمام يقتدى بذبحه فذبح قبل طلوع الشمس لم يجزه، فإن ذبح بعد طلوعها أجزأه وإن كان قبل ذبح الإمام.

ابن المواز: وإن ذبح عن المسافر أهله فإنما يراعى ذبح إمامهم لا ذبح إمام البلدة التي هو فيها. ابن المواز: ولا يؤتم في الهدايا بالإمام، وله أن ينحر قبله.

[الباب الرابع] في الاشتراك في الأضحية، ومن يلزمك أن تدخله في أضحيتك أو تضحي عنه

[الباب الرابع] في الاشتراك في الأضحية، ومن يلزمك أن تدخله في أضحيتك أو تضحي عنه قال مالك رحمه الله: ولا يشترك في الضحايا إلا أن يشتريها رجل فيضحي بها عن نفسه وعن أهل بيته/ فذلك جائز. م: لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، ولأن ذلك ليس بشركة في ملك اللحم، وإنما هي شركة في الثواب والبركة. قال مالك: وإن ضحى بشاة أو بعير أو بقرة عنه وعن أهل بيته أجزأهم وإن كانوا أكثر من سبعة أنفس. قيل لابن المواز: فما جاء في ذلك من الأحاديث أن ابن مسعود قال: تجزئ

البقرة عن سبعة أنفس، والجزور عن سبعة. وقال ابن المسيب: الجزور عن عشرة والبقرة عن سبعة، وضحى حذيفة ببقرة عن سبعة، فقال: لا حجة في ذلك إذ ليس فيه أن ذلك بين الأجنبيين وينزل ذلك على الرجل في أهله. قيل: فما روي عن جابر بن عبد الله أنه قال: نحرنا يوم الحديبية سبعين بدنة كل بدنة عن سبعة، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ليشترك النفر منكم في الهدي"، قال: فما يؤمنك أن يكون ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته لأنهم عياله، وأبين من ذلك: أن رجلاً قال لعلي بن أبي طالب: اشتريت بقرة لأضحي بها فولدت فما ترى فيها وفي ولدها؟ فقال: لا تحلبها إلا فضلاً عن ولدها واذبحها وولدها يوم النحر عن سبعة من أهلك.

قال ابن المواز: وهذا الشأن، وعليه العمل، غير أن ليس في ذلك توقيت عن سبعة ولا أكثر، وتجزئ الواحدة عنه وعن جميع أهل بيته. قال عبد الوهاب: وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن البدنة تجزئ عن سبعة والبقرة عن سبعة. ودليلنا: أن البدنة والبقرة حيوان يضحى به فلك تجز إلا عن واحد كالشاة، ولأن كل إنسان مخاطب بفعل ما يسمى أضحية، وذلك لا ينطلق على البعض. ومن المدونة: قال مالك: وأحب إلي إن قدر أن يذبح عن كل نفس شاة، وأستحب مالك حديث ابن عمر لمن قدر عليه دون حديث أبي أيوب الأنصاري. ابن المواز: وكان ابن عمر يقول: البدنة عن إنسان واحد، والبقرة عن إنسان واحد لا أعلم فيها شركاً. قال هو وابن عباس: لم أشعر أن نفساً واحدة تجزئ عن أكثر من واحدة.

م: وقال بعض أصحابنا: وحديث أبي أيوب الأنصاري ذكر فيه: كنا نضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته، ثم تباهى الناس فصارت مباهاة. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن اشترى أضحيته عن نفسه ثم نوى أن يشرك فيها أهل بيته جاز ذلك بخلاف الهدي. يريد: لحديث أبي أيوب الأنصاري، ولا حديث مفسر في الهدي. قال مالك: وإن اشتراها فأراد أن يذبحها عنه وعن أجنبيين معه ولا يأخذ منهم ثمناً، يتطوع بذلك فلا ينبغي، وإنما ذلك لأهل البيت الواحد. قيل لمالك: فإن كانوا رفقاء في سفر ونفقتهم واحدة قد تخارجوها فأرادوا أن يشتروا كبشاً من النفقة عن جميعهم؟ قال: لا يجزئهم ذلك. قال مالك: وليس على الرجل أن يضحي عن زوجته بخلاف النفقة. قال عنه ابن حبيب: إن أدخلها في أضحيته أجزأه وإياها، وإن لم يفعل فذلك عليها، بخلاف الفطرة.

قال بعض فقهائنا: والفرق: أن زكاة الفطر إنما هي زكاة أبدان فهي كالنفقة التي للأبدان فوجبت عليه لزوجته كوجوب نفقتها عليه. والأضحية إنما هي قربة فلا يلزمه أن يتقرب عن زوجته، كما لا يلزمه أن يتصدق عنها، أو يعتق عنها. قال ابن المواز: وقد ذبح النبي صلى الله عليه وسلم عن نسائه بقرة. قال ابن حبيب: وعلى الرجل أن يضحي عن نفسه وعن أولاده الصغار الفقراء الذكور حتى يحتملوا، والإناث حتى يدخل بهم أزواجهن، ولو كانوا أملياء لم يلزمه ذلك عنهم إلا أن يشاء، ولو أدخل من لا تلزمه نفقته من ولده في أضحيته أجزأ الولد فقيراً كان الولد أو غنياً إذا كان في نفقة أبيه وفي بيته. قال: ولو أدخل في أضحيته من قد ضمه إلى عياله من أخ وابن أخ أو قريب فذلك يجزئ عنهم، ولا يجزئ إدخال الشريك والمرافق في السفر/ ونحوه من الأجنبيين في أضحيته. ابن المواز: قال مالك: ولا يدخل يتيمه في أضحيته، ولا يشرك بين يتيمين في أضحيته وإن كانا أخوين. قال ابن المواز: يضحي عن أبويه إن كانا محاويج، يريد: بشاة واحدة.

قال: وإن كانا أملياء ضحى عن كل واحد بشاة، وأما جده وجدته فكالأجنبيين لا يضحي إلا عن كل واحد بشاة إلا أن تكون الجدة زوجة الجد فيدخلهما في شاة واحدة كمل لو بعثها إلى الجد فذبحها هو عنه وعن زوجته. قال ابن ميسر: وذلك بإذن الجد. قال ابن المواز: وكذلك إن ذبح عن جده وعمومته وعماته الصغار الذين يدخلهم الجد في أضحيته وهم من عياله يدخلهم الجد في أضحيته وهم من عياله فإنه يجزئه كما لو بعثها إلى الجد فضحى بها عنه وعن أولاده. وهذا كله رأي محمد. ومن المدونة: قال مالك: وليس على الحاج أضحية وإن كان من سكان منى بعد أن يكون حاجاً، ومن لم يكن حاجاً من أهل مكة أو منى فعليهم أن يضحوا. قال: وليس على أمهات الأولاد أضحية. قال ابن القاسم: والعبيد مما لا اختلاف فيه أنه ليس عليهم أضحية. قال: ولا يضحي عن ما في البطن. ابن المواز: وقاله ابن عمر. قال: وليس العمل أن يضحي عن أبويه وقد ماتا، ولا يعجبني ذلك.

[الباب الخامس] في بدل الأضحية وبيعها وبيع لحمها والحكم في ولدها وصوفها ولبنها وما يرجع به من عيبها

[الباب الخامس] في بدل الأضحية وبيعها وبيع لحمها والحكم في ولدها وصوفها ولبنها وما يرجع به من عيبها قال ابن القاسم: ومن اشترى أضحية وأراد أن يبدلها، قال مالك: لا يبدلها إلا بخير منها. قلت: فإن باعها واشترى دونها ما يصنع بها وبفضلة الثمن؟ قال: قال مالك: لا يجوز له أن يستفضل من ثمنها شيئاً، وذكرت له الحديث الذي جاء في مثل ذلك فأنكره، وقال: يشتري بجميع الثمن شاة. قال ابن القاسم: فإن لم يجد بالثمن شاة فليزد من عنده حتى يشتري مثلها. قال ابن حبيب: إن باعها واشترى بدون الثمن مثلها أو خيراً منها أو دونها فليتصدق بما استفضل، وكذلك لو أبدلها بدونها فليتصدق بما بين الثمنين، فإن شح في الوجهين جميعاً صنع بالفضل ما أحب، وكذلك قال من لقيت من أصحاب مالك، وفي حديث حكيم بن حزام الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ليشتري له أضحية فابتاعها بدينار ثم باعها بدينارين، واشترى له أخرى بدينار وأتاه بها وبالدينار فتصدق به النبي صلى الله عليه وسلم ودعى

له بالبركة. قال ابن القاسم: أنكر مالك هذا الحديث. وقال ابن المواز: إذا اشترى من ثمنها مثلها أو خيراً منها واستفضل من الثمن شيئاً تصدق به؛ لأنه جعله لله. م: وذكر ابن المواز حديث ابن حزام المتقدم على طريق الحجة به، ولم يذكر ما روى ابن القاسم من إنكار مالك له. قال ابن المواز: قال مالك: ومن اشترى أضحيته فقام عليه غريمة فله بيعها عليه في دينه، ولو ضحى بها لم تبع. ابن المواز: قال مالك: وإن مات عن أضحيته قبل الذبح فإنها تورث، واستحب ابن القاسم أن يذبحها عنه الورثة ولا يلزمهم ذلك. قال: وأنا اشتراؤه لغيره فإن أفرزه وأشهد عليه بتعمد الإشهاد فهي لمن أشهد

له بها، وكذلك إن حازها من اشتريت له في صحة المشتري. قال ابن حبيب: فإن لم يكن إشهاد ولا حوز في صحة فهي تورث وتباع في دينه. قال ابن المواز: قال مالك: وإن مات عن لحم أضحيته فلا يباع في دينه؛ لأنه نسك، وكل نسك/ سمى الله فلا يباع لغريم ولا غيره وليأكل اللحم ورثته ولا يقتسمونه على الميراث فيصير بيعاً. وقال ابن حبيب: إذا أجمعوا على أكلها بعد أن يطعموا منها كما كان يطعم وإلا اقتسموها؛ لأنهم يرثون منها ما كان لهم، ثم ينهون عن بيع أنصبائهم، كذلك فسره مطرف، وابن الماجشون عن مالك. فصل [1 - في حكم ولد الأضحية وصوفها ولبنها وبيع شيء منها] ومن المدونة: قال مالك: وإذا ولدت الأضحية فحسن أن يذبح ولدها معها، وإن تركه لم أر ذلك عليه واجباً؛ لأن عليه بدل أمه إن هلكت. قال ابن القاسم: ثم عرضتها عليه فقال: أمح واترك منها: إن ذبحه معها فحسن.

قال ابن القاسم: ولا أرى ذلك عليه واجباً. ابن المواز: واستحب أشهب أن لا يذبحه معها. قال ابن حبيب: ولو وجد في بطن الأضحية بعدما ذبحها جنيناً حياً وجب عليه ذبحه، كذلك البدنة بعد الإشعار. ومن العتبية: قال أبو زيد: وقد ضحى ابن القاسم بنعجة حامل فركض ولدها في الذبح في بطنها فأمر بتركها حتى ماتت ثم شق عنه فأخرج فأمر السكين على حلقه فسال دمه فأمر أهله فشووا له منه. قال عبد الوهاب: وكذلك إذا خرج ميتاً كامل الخلق نابت الشعر فهو ذكي بذكاة أمه، خلافاً لأبي حنيفة في منعه أكله. ودليلنا: قوله صلى الله عليه وسلم: "ذكاة الجنين ذكاة أمه"، وفي بعض الحديث: وذلك إذا

نبت الشعر، ولذلك شرطنا نبات الشعر خلافاً للشافعي؛ ولأن ذلك علامة نفخ الروح فيه. ومن العتبية وغيرها قال أشهب عن مالك في الذبيحة يخرج جنينها ميتاً، قال: يؤكل إذا تم خلقه ونبت شعره، قال: واستحب أن يمر السكين على حلقه ليخرج الدم من جوفه. قال أبو محمد: لا يؤكل حتى يتم خلقه وينبت شعره فإن كان واحداً منهما لم يؤكل وإن خرج حياً. وقال ابن حبيب في الجنين يخرج وبه حياة ضعيفة: يستحب ذبحه ويؤكل فإن لم يذبح أكل، وإن كان به من الحياة ما يرى أنه يعيش منها لو ترك، أو يشك في ذلك، فإن لم يذكى حتى مات فلا يؤكل. قال أبو زيد عن ابن القاسم في بقرة أزلقت ولدها، فإن كان مثله يحي ويعيش فلا بأس بأكله إذا ذكي، قال ابن حبيب: إذا تم خلقه ونبت شعره.

قال ابن القاسم: وإن كان مثله لا يعيش لم يؤكل، وكذلك إن شك في ذلك لم يؤكل وإن ذكي. ومن المدونة: قال مالك: ولا يجوز أن يجز صوف الأضحية قبل الذبح. قال ابن المواز: إلا في الوقت البعيد الذي ينبت فيه مثله قبل الذبح. قال عنه ابن القاسم في العتبية: وله أن يجزه بعد الذبح. قال: فإن جزه قبل الذبح، يريد: بالقرب، ثم ذبحها أجزأته وقد أساء، ولا يبيعه ولينتفع به. قال سحنون: ولو باعه لم أر بأساً بأكل ثمنه إلا أن يجزه بعد الذبح فلا يبعه. ابن المواز: قال أشهب: له ان يجزها قبل الذبح، وينتفع به، ويبيعه، ويصنع به ما شاء؛ لأنه لم يجب قبل الذبح، وخفف أصبغ بيعه إن جزه قبل الذبح. ومن المدونة: قيل لابن القاسم: فجلد الأضحية وصوفها وشعرها هل يشتري به متاعاً للبيت أو يبيعه؟ قال: قال مالك: لا يشتري به شيئاً/ ولا يبيعه ولا يبدل جلدها بمثله ولا بخلافه ولكن يتصدق به، أو ينتفع به.

قال في الحج الثاني: ولا يعطي الجزار على جزره الهدايا والضحايا والنسك من لحومها ولا جلودها شيئاً، وكذلك خطمها وجلالها. قال عبد الوهاب: وقال علي رضي الله عنه أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أعطي الجزار منها شيئاً. ومن كتاب ابن المواز: ولا يتصدق بجلد أضحيته أو بلحمها على من يعلم أنه يبيعه، ومن تصدقت عليه به فلا يبعه ولا يبدله بمثله من جلد أضحيته أو غيرها، وكذلك لو وهبته لخادمك، قاله مالك. وروى محمد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا أهب الضحايا ولكن انتفعوا بها وتصدقوا". قال أبو هريرة: من باع جلد أضحيته فلا أضحية له. وروي عن سحنون فيمن باع جلد أضحيته أو شيئاً من لحمها أو صوفها فإن أدرك فسخ البيع وإلا فليجعل ثمن الجلد في ماعونه أو في طعامه، وثمن اللحم يشتري به

طعاماً يأكله. وقال محمد بن عبد الحكم: من باع جلد أضحيته فليصنع بثمنه ما شاء. قال ابن حبيب: وإن باعه جهلاً فلا يجوز أن ينتفع بثمنه وليتصدق به، وكذلك إن باعه عبده أو بعض أهله. قال: ومن سرقت رؤس ضحاياه من الفرن فاستحب ابن القاسم أن لا يغرمه شيئاً وكأنه رآه بيعاً. قال ابن حبيب: له أخذ القيمة ويصنع بها ما شاء من أكل أو صدقة أو شراء ما يحتاج إليه، وكذلك جلدها يضيع عند الزقاق أو يستهلك، وليس كالبيع، ألا ترى أن من حلف أن لا يبيع ثوبه فغضبه منه غاصب، أو استهلكه أحد فله أخذ قيمته ولا يحنث، وله أخذ جلد مثله من الزقاق ينتفع به، كما يأخذ عن اللحم المستهلك ما شاء من حيوان أو طعام، وقاله ابن الماجشون وأصبغ. قال ابن المواز: وإذا اختلطت رؤس الضحايا عند الشواء، كره لك اكل متاع غيرك، ولعل غيرك لا يأكل متاعك، أو متاعه خير، ولو اختلطت برؤس الشواء فهذا حفيف؛ لأنه ضامن كما يضمن لحم الأضاحي بتعد، وكما يضمن زرعاً لم يبد صلاحه، وقيمة كلب الغنم، وفطرة المسلمين بالتعدي.

م: فالمحصول من بيع الجلد ثلاثة أقاويل: قول سحنون: إن كان قائماً فسخ البيع، وإن فات جعل ثمنه في ماعونه أو طعامه، وقول ابن عبد الحكم: يصنع بها ما شاء، وقال ابن حبيب: لا يأكله ولتصدق به، وإن سرقت رؤس ضحاياه من الفرن فاستحب ابن القاسم أن لا يغرمه شيئاً؛ لأنه كالبيع، وقال ابن حبيب: له أن يغرمه القيمة وليس كالبيع. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولم أسمع من مالك في لبن الأضحية شيئاً إلا أنه كره لبن الهدي، وقد روي في الحديث: لا بأس بالشرب منها بعد؟؟؟؟ فصيلها، فأرى إن لم يكن للضحية ولد أن لا يشربه إلا أن يضر بها فيحلبه ويتصدق به، ولو أكله لم أر عليه شيئاً، وإنما منعته أن ينتفع بلبنها قبل ذبحها كما منعه مالك من ان يجز صوفها قبل ذبحها أو ينتفع به. قال سحنون: ترك اللبن في ضروعها مضرة لها، وأما الصوف والقرن فهو من جمالها وتمام خلقتها، واللبن يأكله كما يأكل لبن الهدي.

فصل [2 - فيمن وجد عيباً في أضحيته بعد ذبحها] قال أصبغ في العتبية: وإذا وجد بضحيته عيباً بعد الذبح فيرجع بقيمته فإن كان مما لا تجزئ به وكان في أيام الذبح أعاد، وإن فاتت فلا شيء عليه، ويصنع بها ما شاء، وإن كان عيباً تجزئ بمثله/ تصدق بما أخذ، وكذلك ذكر ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم سواء. قال: وذلك بخلاف ما يرجع به من قيمة عيب بعبد قد أعتقه، هذا يصنع به ما شاء وإن كان عيباً لا يجزئ بمثله. م: يريد: إذا كان تطوعاً؛ لأنه يجوز عتق المعيب، ولا تجوز الضحية بالمعيب، وإنما فرق بين ما تجزئ به أو لا تجزئ إذا مضت أيام النحر؛ لأن الذي لا تجزئ به صار كمن لم يضح وإنما ذبح لأهله، فوجب أن يصنع بقيمة العيب ما شاء، والذي تجزئ به فقد تمت له أضحيته، وما يرجع به فهو كشيء منها، فوجب أن يتصدق به أو يأكله أو يشتري به ماعونه لينتفع به كما قال ابن حبيب فيما يرجع به على الفران من قيمة رؤس الضحايا.

[الباب السادس] فيمن ذبح أضحية غيره بأمره أو بغير أمره أو غلطا

[الباب السادس] فيمن ذبح أضحية غيره بأمره أو بغير أمره أو غلطا قال مالك: وليلي الرجل والمرأة ذبح أضحيته أو هديه بيده كما فعل النبي، وقد كان أبو موسى الأشعري يأمر بناته أن يذبحن نسكهن بأيديهن. قال ابن المواز: لا يذبح له غير إلا من ضرورة أو ضعف قال مالك: وإن أمر مسلماً بذلك من غير عذر فبئس ما صنع، قال: ويجزئه. قال أبو محمد عبد الوهاب: لأن النبي صلى الله عليه وسلم استناب علياً رضي الله عنه في نحر الهدايا، ولا فرق بينها وبين الأضاحي. قال ابن حبيب عن مالك: إذا أمر غيره فذبح له، فإن وجد سعة فأحب إليّ أن يعيد ويذبحها بنفسه صاغراً، وهو من التواضع لله سبحانه. ومن المدونة: وإذا أمر بذلك ذمياً لم تجزه وأعاد. وقال أشهب: تجزئه وبئس ما صنع.

م: فوجه قوله: إنها لا تجزئه: فلأنه مشرك كالمجوسي. ووجه قول أشهب: فلأنه من أهل الذبح كالمسلم. ومن المدونة: قال مالك: ومن ذبح أضحيتك بغير أمرك، فأما ولدك، أو بعض عيالك، فمن فعله ليكفيك مؤنتها فذلك مجزيء عنك، وأما غير ذلك فلا يجزئك. قال ابن المواز عن ابن القاسم: وكذلك إن ذبحها صديقه إذا وثق به أنه ذبحها عنه. ومن المدونة: قال مالك: وإذا ذبحت أضحية صاحبك، وذبح هو أضحيتك غلطاً لم تجز واحداً منكما، ويضمن كل واحد لصاحبه القيمة. قال ابن حبيب: إن عرف بذلك بعد فوات اللحم أجزأت عن ذابحها غلطاً وأدى لصاحبه القيمة، وإن لم يفت اللحم وكان قائماً لم يجزئ واحداً منهما، وخير ربها فإن أخذ اللحم فليبعه، وإن اختار أخذ القيمة لم يجز لذابحها بيع لحمها؛ لأنه ذبحها على أنها نسك.

وقال ابن المواز: إذا كان لحمها قائماً فاختار مستحقها أخذه لم تجز عن واحدٍ منهما، يريد: وله بيع لحمها، قال: وإن أسلمها وأخذ قيمتها، فابن القاسم يقول: لا تجزئ الذابح، ولا له بيع لحمها، وليأكله، أو يتصدق به، وقاله أصبغ. قال ابن المواز: وهذه من كتب المجالس لم تتدبر. وأحب إليّ أن تجزئ عن ذابحها إذا اختار ربها أخذ القيمة كعبد أعتقه عن ظهاره فشهد المعتوق بعد ذلك بشهادات وطلق ونكح ثم استحق فأجاز ربه عتقه فإنه يجزئ معتقه وتنفذ شهادته التي كان شهد بها وجميع أحكامه وإن نقضه سقطت تلك الشهادات وأموره ورجعت أموره إلى أمور العبيد، وكذلك أمة أو ولدها ثم جاء ربها فأخذ قيمتها فهي بهذا أو ولد، فكذلك الأضحية/ إن أجازها مستحقها أجزأت عن ذابحها وأخذ قيمتها، وإن اختار أخذها لم تجز عن واحدٍ منهما. قال ابن المواز: واختلف فيه قول أشهب فقال مرة: تجزئ عن ذابحها ويغرم لصاحبها القيمة كمن ضحى بكبش ثم استحقه ربه. قال ابن المواز: وذلك إذا أجاز مستحقه ذلك وطلب القيمة، وهو معنى قول أشهب عندي وإن لم يفسره كذلك. ابن المواز: واختلفا في الهديين المقلدين يخطئ الرفيقان أو غيرهما فينحر كل واحدٍ هدي صاحبه، فروى أشهب عن مالك أنه لا يجزئهما، وروى عنه ابن القاسم

وابن وهب أنه يجزئ عن الذي قلده لا عمن نحره لوجوبه بالتقليد، وبهذا أخذ محمد. قال أبو محمد: قد قيل في رواية أشهب: إنما روى هديين من الغنم فلذلك قال: لا يجزئ صاحبها؛ لأنها لا تقلد، وقد اختلف في تقليدها. قال أبو محمد: روي عن بعض أصحابنا في شاتين لرجلين لكل واحدٍ شاة بعينها فذبحهما، ثم اختلطا بعد السلخ أنهما يجزئانهما ولا يأكلان لحماهما وليتصدقا به جميعاً. م: إنما أجزأتاهما؛ لأنهما بالذبح وجبتا أضحية فأجزأتهما، واختلاطهما بعد الذبح لا يقدح في الإجزاء، وإنما لم يأكلا لحمهما؛ لأن كل واحدٍ قد يأخذ لحم شاة صاحبه فيصير بيعاً للحم أضحيته بلحم أضحية صاحبه، وفارق ذلك اقتسام الورثة للحم أضحية ورثوها؛ لأن كل واحد ورث منها جزءً معلوماً: ثلثاً، أو ربعاً فيأخذه منها، وهو تمييز حق هاهنا لا بيع. وقال عبد الله ابن عبد الحكم: إذا اختلطت الضحايا فلا بأس أن يصطلحا فيها يأخذ كل واحد كبشاً فيضحي به ويجزئه.

وقال سحنون في العتبية في الرفيقين يشتركان في شراء الشاتين للأضحية فيقتسمانهما، فيقول هذا: خذ أنت هذه فضح بها، وأنا هذه أضح بها فذلك جائز إن استويا في السمانة، وإن لم يستويا كرهت ذلك لأخذ الدنية إلا أنها تجزئه، ولا يأخذ للأفضل شيئاً ولا يعود. وقال أبو بكر بن محمد: قال غيره: تجزئه؛ لأنها بالقسم وجبت أضحية إذ كان له في كل شاة جزء. م: قوله: بالقسم وجبت أضحية: مجاز، وإنما تجب الأضحية بالذبح.

[الباب: السابع] في تفرقة لحوم الأضاحي والأكل منها

[الباب: السابع] في تفرقة لحوم الأضاحي والأكل منها ومن كتاب محمد: قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا أن ليس في الضحايا والبدن التطوع قسم موصوف ولا حد معلوم، قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}، قال: والقانع: الفقير، والمعتر: الزائر، ولا بأس على الرجل أن لو لم يأكل من ذلك. قال ابن حبيب: ينبغي أن يأكل منها ويطعم كما قال الله عز وجل، ولو أراد أن يتصدق بلحم أضحيته كله لغنائه عنه كان كأكله إياه كله ولم يتصدق منه بشيء حتى يفعل الأمرين كما قال الله سبحانه، قال: وكذلك قال مالك. قال ابن المواز: وأحب إليّ أن يتصدق من لحم أضحيته، ولو تصدق به كله كان أعظم لأجره، ولو ادخره كله ولم يتصدق من لحمه ولا صوفه/ ولا قرونه ولا شيء منه لكان جائزاً، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك: "كلوا وتصدقوا وادخروا" في حديث مالك.

وقالت عائشة رضي الله عنها: دف أناس من اهل البادية حضرة الأضاحي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادخروا لثلاث وتصدقوا بما بقي"، ثم قيل له: فقال: "إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت عليكم فكلوا وتصدقوا وادخروا" وفي الحديث غير هذا. وقالت عائشة رضي الله عنها: قدم علينا علي بن أبي طالب من سفر فقدمنا له من لحم الأضاحي فقال: ما أكله حتى سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: "كله من عام إلى عام". قال ابن حبيب: ويستحب أن يكون أول ما يأكل يوم النحر من أضحيته، قاله عثمان رضي الله عنه، وابن المسيب، وابن شهاب، قال ابن شهاب: يأكل من كبدها قبل أن يتصدق منه.

وكره مالك أن يطعم من لحم أضحيته جاره النصراني والظئر النصرانيه عنده، ونهى عنه. قال ابن القاسم: وقد كان مالك يجيزه ثم رجع عنه، وما يعجبني أن يطعمهم، وما رأيت الناس إلا على تركه إلا أن يكون من العيال، وأما إن أهدى لهم فلا يعجبني. قال أصبغ: وكان ابن وهب: يخففه، ويرى أن تفسير الحديث: "أن لا تطعموا المشركين من لحوم ضحاياكم" أنه في المجوس، وغير أهل الكتاب، ولهذا كان مالك يخففه، ثم رجع إلى الكراهية. قال أصبغ: وتركه أحب إليّ على طريق الاستحسان. قال ابن المواز: وأخبرت عن سعيد بن جبير قال: لا تطعموا اليهود ولا النصارى شيئاً من النسك.

[باب] في سنة العقيقة والعمل فيها

[باب] في سنة العقيقة والعمل فيها ومن الواضحة: قال مالك: العقيقة سنة، وإن لم تكن واجبة فمستحب العمل بها، وكانوا يكرهون تركها. قال أبو محمد عبد الوهاب: لقوله صلى الله عليه وسلم: "مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً"،

وقوله: "كل غلام مرتهن بعقيقته تعق عنه يوم سابعه، ويسمى". قال ابن المواز: وهي مستحبة، وليست واجبة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فليفعل". وقد كانت في الجاهلية فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام. وإن كان ولد ولدان في بطن عق عن كل واحد بشاة، ولا يجمعهما في شاة واحدة؛ لأن الغرض به إراقة دم، والشركة فيه كأنه أخرج لحماً، فلا يجوز كالأضحية. قال مالك: والذكر والأنثى في هذا سواء، وقاله ابن عمر.

وروت عائشة رضي الله عنها عن الذكر شاتين وعن الأنثى شاة، وبه أخذ أبو حنيفة، والشافعي. ودليلنا: أنه عق عن الحسن والحسين كبشاً، كبشاً؛ ولأنه ذبح يتقرب به فلم يفاضل فيه بين الذكر والأنثى، كالأضحية. قال مالك: وتذبح العقيقة ضحى في اليوم السابع من المولود، وإن ولد نهاراً لم يحسب ذلك اليوم، وإن ولد قبل الفجر حسبت صبيحة ذلك اليوم. قال: والليلة سابقة لليوم، وإنما تحسب سبعة أيام بليالها. قال ابن حبيب: ولو عق عنه إلى مثل الحين الذي ولد فيه بعد أن يكون حيناً يذبح فيه نهاراً أجزأه ولم يعد، وإلغاء ذلك اليوم أحب إلينا، وقاله ابن الماجشون، وأصبغ.

قال مالك: ولا يعق بعصفور، ولا بشيء من الوحش، ولا يتقرب إلى الله في هذا إلا بالأنعام، وهي كالضحايا في الأسنان. قال ابن حبيب: يعق بجميع الأنعام من ضأن أو معز أو بقر أو إبل. قال ابن المواز: وغيره: لا يعق بالإبل ولا بالبقر، وليعق بالجذع من الضأن والثني من المعز. قال سحنون- عن مالك-: وبه جاءت السنة. قال ابن حبيب:/ ويسلك بالعقيقة مسلك الضحايا في اجتناب العيوب، وفي أسنانها، وفي النهي عن بيع شيء منها، ومن ذبح غير شاة العقيقة يريد بها التوسعة، فله بيع جلودها، ولا يبالي فيها بعيب؛ إذ ليست بعقيقة. قال مالك: وتكسر عظام العقيقة، وكانت الجاهلية تقطعها من المفاصل، ولا تكسرها ويحلقون رأس الصبي، ويجعلون في رأسه من دمها في قطنة فذلك نهى مالك أن يمس الصبي بشيء من دمها خلافاً لهم. قال أبو محمد عبد الوهاب: يجوز كسر عظامها، لا أنه مسنون ولا مستحب، لكن تكذيباً للجاهلية في تحرجهم من ذلك وتفصيلهم إياها من المفاصل.

قال: وليس على الناس حلاق رأس الصبي والصدقة عنه بوزن شعره ورقاً أو ذهباً، ولا بأس به على من فعله. مالك: والصبي والصبية في حلق الرأس يوم السابع سواء، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يحلق رأس حسن وحسين ابني علي بن أبي طالب رضي الله عنهم يوم سابعهما ويتصدق بوزن شعرهما فضة، وأن يخلق رأسهما بعد الحلاق بخلوق أو زعفران بدلاً من الدم الذي كان يفعل به في الجاهلية، وروي عن عائشة رضي الله عنهما، وذلك مستحب، وليس بواجب، وكانت الجاهلية يجعلون في رأس المولود شيئاً من دم العقيقة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل مكان الدم خلوقاً. ولا يسمى المولود إلا في اليوم السابع لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك. ومن فاته أن يعق في السابع فلا يعق في أسبوع ثانٍ، وقيل: يعق في الثاني، فإن فاته ففي الثالث، فإن فاته فلا يعق في الرابع، قاله ابن وهب عن مالك، وروى مثله

عن عائشة رضي الله عنها، واختاره ابن عبد الحكم. قال ابن حبيب: وأهل العراق يعقون عن الكبير. وقال مالك في سماع أشهب: لا يعق بعد السابع، ولا عن كبير، وهؤلاء الصحابة الذين لم يعق عنهم ما عقوا عن أنفسهم. قال أبو محمد عبد الوهاب: هذا أقيس لفوات الوقت المقدر له بالنص كالأضحية. قيل لمالك: فيعمل منها الطعام الطيب ويدعى إليه؟ قال: ما رأيتهم عندنا يفعلون ذلك، إنما يقطعونه ويأكلون منه ويطعمون ويبعثون إلى الجيران، ولا بأس أن يطعم نيئاً، وغير نيء، وذلك واسع، فإن شاءوا أن يطعموا طعاماً صنعوا من غيرها، ودعوا إليه الناس. ومن مات ولده قبل السابع فلا عقيقة عليه، ولا تسمية عليه فيه. قال ابن وهب: فذكر له الحديث في السقط يقول لأبيه يوم القيامة تركتني بغير اسم، فلم يعرفه.

قال ابن حبيب: وأحب إليّ إن مات قبل السابع أن يسمى، وكذلك السقط يسمى، لما روي من رجاء شفاعته. والله أعلم. قال معن عن مالك: إذا كان سابع ولده يوم الأضحى، وليس عنده إلا شاة، قال: يعق بها. قال العتبي، وابن حبيب: إلا أن يكون يوم السابع آخر أيام النحر فليضح بها؛ لأن الأضحية أوجب. قال ابن المواز: قيل لمالك: أيعق العبد عن ولده الحر ويضحي عنه؟ قال نعم: إذا أذن له سيده، وإلا فلا. قال مالك- في غير ديوان-: إن الذبيح إسحاق. قال ابن حبيب: إن الذبيح إسماعيل. وها قول العراقيين. والله عز وجل أعلم.

[باب] في الاختتان والخفاض وإتيان الولائم

[باب] في الاختتان والخفاض وإتيان الولائم والختان سنة مؤكدة في الذكور والإناث، لقوله صلى الله عليه وسلم: "عشر من الفطرة" فذكر "الختان"، والفطرة: هي السنة. قال ابن حبيب: لم يكن الختان قبل نبي الله إبراهيم عليه السلام، وهو من ملة الإسلام، قال الله تعالى: "ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل"، وأمر الله سبحانه بذلك إبراهيم عليه السلام، ونسخ به ما تقدم من ترك الاختتان وكل طاعة لله تعالى في وقته، فاختتن صلى الله عليه وسلم بالقدوم، وهو ابن عشرين ومائة، وعاش بعد ذلك

ثمانين سنة. قال مالك: والاختتان من الفطرة، ومن تركه من غير عذر ولا علة لم تجز إمامته ولا شهادته. قال ابن شهاب: ولا يتم إسلام من أسلم حتى يختتن. قال ابن المسيب: كان إبراهيم عليه السلام أول من اختتن، وقص شاربه، وقلم أظفاره، ونتف إبطه، وحلق عانته، وفرق شعره، وأول من استاك،/ وضاف الضيف، وأول من رأى الشيب، فقال: يا رب ما هذا؟ قال: وقار، قال: رب زدني وقاراً. وقال عطاء بن أبي رباح: عشر خصال من السنة فطر عليها إبراهيم، خمس في الرأس: المضمضة، والاستنشاق، والسواك، وقص الشارب، وفرق الرأس. وفي الجسد خمس: قص الأظفار، ونتف الإبط، والاستحداد، والختان، والاستنجاء.

وروي عن الحسن: أنه تفسير قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ}. وروي أن إبراهيم ختن إسماعيل: ابن ثلاث عشرة سنة، وختن إسحاق: ابن سبعة أيام. وروي أنه أطهر للمولود وأعفى من الآلام، يريد: العلة، والمرض والعبث. وكره مالك الختان يوم يولد الصبي، وفي يوم سابعه، وقال: هو من فعل اليهود، ولم يكن من عمل الناس إلا حديثاً، وكان لا يرى بأساً أن يفعل، لعلة يخاف على الصبي. قال مالك: وحد الختان من يوم يؤمر بالصلاة من سبع سنين إلى عشر. ابن حبيب: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الختان سنة للرجال مكرمة للنساء".

قال يحي بن سعيد، وربيعة: والخفاض كالختان في الرجال في إلزامه؛ لأنه لا يقطع من أحدٍ شيء لا يلزمه، وكذلك هما في حلق العانة ونتف الإبط، وقاله كله مالك: وقال: إن إبراهيم عليه السلام أمر سارة أم إسحاق أن تفعله بها أم إسماعيل وكانت أمة لها وهبتها لإبراهيم عليه السلام، ثم غارت منها فحلفت لتغيرن منها ثلاثة أشياء، فأمرها إبراهيم أن تثقب أذنيها وتخفضها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأم عطية- وكانت تخفض-: "يا أم عطية أشمي ولا تنهكي؛ فإن ذلك أسرى للوجه، وأحظى عند الزوج"، يقول: لا تبالغ في القطع، ولكن تخفف، وقوله: "أسرى للوجه" يقول: أشرق وأنظر، وأكثر لماء الوجه ودمه، وإذا بالغت في القطع أذهب ماء وجهها، وأمات لونها. وقوله: "أحظى عند الزوج" يقول: أحسن في جماعها. وروي أن علي بن ابي طالب كره أن تخفض حتى تبلغ سبع سنين.

وليس من الشأن الإطعام عند مالك، بل الشأن عند الناس ستره وإخفاء ذكره. وأما ختان الذكر فكانوا يدعون إليه، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يدعى إليه، وكان ابن عمر يدعو إليه، وإلى الولادة، وكذلك: نافع بن جبير بن مطعم، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا وليمة إلا في خرس أو عرس أو إعذار"، فالعرس: البناء بالزوجة، والخرس: نفاسها، والإعذار: ختان المولود، يقال: أعذرت الغلام؛ فهو معذور: إذا ختنته، وطعام ذلك: عذيرة، وزيد في ذلك: طعام العشيرة، والنقيعة، فالعشيرة: الطعام الذي يبعث به لأهل الميت. مالك: ويكره أن يرسل لمناحة. والنقعية: طعام الإصلاح، كانت تفعله العرب في النائرة تقع بين القبيلتين

فتأتي قبيلة أخرى تصلح بينهم، فتنحر البقر، ويقدم الطعام بعد الصلح. قال محمد بن عبد الله: وقولي: ومن لمدونة في كتاب المختلطة مجاز، لشهرة اسم الديوان به. تم كتاب الضحايا والعقيقة من الجامع لابن يونس، بحمد الله وعونه وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كتاب الجهاد في فرض الجهاد وفضائله والرباط فيه قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} وقال: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [الأنفال:39] وقال في أهل الكتاب: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة:36] إلى قوله {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. قال سحنون: فالجهاد فرض على جميع المسلمين

يحمله بعضهم عن بعض لقوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة:122] وموضع الدليل في الآية؛ أنه جعل طائفة للتفقه، وأخرى للجهاد، والطائفة غير معلومة، فحصل الجهاد على غير معين، وهذا صفة الفرض على الكفاية إذ هو غير مختص بالأعيان. قال عبد الوهاب: وأصله من السنة أيضاً قوله -صلى الله عليه وسلم- «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها» وفيه أخبار كثيرة. ولا خلاف بين الأمة في وجوبه، وهو من فروض الكفايات دون الأعيان؛ فمن قام به سقط الفرض عن الباقين. ووجه القيام به: أن تحرس الثغور وتعمر وتحفظ بالمنعة والعدد.

قال سحنون: وكان الجهاد في أول الإسلام فرضاً على جميع المسلمين لقوله تعالى: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة:41] وقوله: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة:120]. قال ابن زيد: فنسخ ذلك لما كثر المسلمون بقوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} وبقوله: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً} [التوبة:122] قال: والثقيل من له ضيعة والخفيف من لا ضيعة له.

قال: وإذا نزل العدوم بقوم ففرض عليهم قتالهم إذا كانوا مثلى/ عددهم فأقل لقوله تعالى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}. وإذا وقع النفير ورجل معتكف فإن حل بموضعه مالا قوة/ لمن حضر على دفعه خرج ثم ابتدأ إن رجع. وقال مالك: يبني. ولا ينفر العبد ولا المكاتب ولا من بقية رق بغير إذن سيده إلا من هو في نفير فغشيهم مالا قوة لمن حضر به فلينفر بغير إذن السيد وقاله الأوزاعي. قال سحنون: ومن عليه دين قد حل وعنده به قضاء فلا ينفر ولا يرابط ولا يعتمر ولا يسافر حتى يقضيه، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- «مطل الغني ظلم» وإن كان دين لم يحل أو

لا وفاء له به فله أن ينفر، ولا أحب لمن له والدان أن ينفر إلا بإذنهما أن ينزل بمكانه من العدو ما لا طاقة لمن حضر على دفعه فلينفر إليهم بغير إذنهما. ولو نزل ذلك بساحل بغير موضعه ولا غوث عندهم أو كان الغوث بعيداً منهم فلينفر إليهم بغير إذن الأبوين. قال عبد الوهاب: والأصل في ذلك قوله -عليه السلام-: «إذا كان العدو عند باب البيت فلا تذهب إلا بإذن أبويك». ولأن طاعتهما من فروض الأعيان فهي أولى من فروض الكفايات. وأما إذا تعين الفرض عليه فلا يمنع لأن منعهما له غير جائز لهما كمنعهما إياه من الصلاة والصوم الواجبين. فصل ومن كتاب ابن سحنون وابن حبيب روي أنه قيل: يا رسول الله: أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله وجهاد في سبيل الله». وفي حديث آخر: «وحج مبرور».

وروي أن الصحابة -رضي الله عنهم- قالوا يا رسول الله: وددنا لو علمنا أفضل الأعمال، فنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} إلى قوله: {وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}. [وقال -عليه السلام- لرجل: «لو قمت الليل وصمت النهار ما بلغت نوم المجاهد». وفي حديث آخر: «ما بلغت غبار شراكه». وفي حديث آخر: «ما بعد الصلاة المكتوبة أفضل عند الله من الجهاد». وقال: «مثل المجاهد كالصائم حتى يرجع إلى أهله».

وقال ابن عمر: لأن أقف موقفاً في سبيل الله مواجهاً للعدو ولا أضرب بسيف ولا أطعن برمح ولا أرمي بسهم أفضل من أن أعبد الله ستين سنة لا أعصيه. وروى أبو هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الموقف ساعة في سبيل الله أفضل من شهود ليلة القدر عند الحجر الأسود». وقال: «لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها». وقال لرجل له ستة آلاف دينار: «لو أنفقتها في طاعة الله لم تبلغ غبار نعل المجاهد».

وقال: «من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار». وروي: «أنه لم يكن يتلثم من الغبار في سبيل الله». وكره مكحول التلثم في سبيل الله. وروي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «غزة بعد حجة الإسلام خير من ألف حجة ومن صيامها وقيامها».

قال ابن القاسم: وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- «ما جميع أعمال البر في الجهاد إلا كبصقة في بحر، وما جميع أعمال البر والجهاد في طلب العلم إلا كبصقة في بحر». وروي عنه في الموطأ أنه قال: «تكفل الله عز وجل لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلمته بأن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة». وفضائل الجهاد كثيرة، وفيما ذكرنا كفاية. فصل روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «رباط ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقوم ليلها لا يفتر ويصوم نهارها لا يفطر».

وقال: «من رابط فوق ناقة حرمه الله على النار». وقال ابن حبيب قوله: «فواق ناقة» هو قدر ما تحلب. وقال أبو هريرة: لحرس ليلة أحب إلي من صيام ألف يوم أصومها وأقوم ليلها في المسجد الحرام وعند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-. وروي في الرباط من الرغائب كثير. قال ابن حبيب: وهو شعبة/ من شعب الجهاد، وبقدر خوف أهل ذلك الثغر وتحرزهم من عدوهم يكون كثرة ثوابهم. وقال ابن عمر: فرض الجهاد لسفك دماء المشركين، والرباط لحق دماء المسلمين، وحقن دماء المسلمين أحب إلي من سفك دماء المشركين.

وقيل: إنما هذا حين دخل في الجهاد ما دخل. قال عمر: اغزوا ما دام الغزو حلواً خضراً قبل أن يكون مراً عسراً ثم يكون ثماماً ثم يكون رماماً ثم يكون حطاماً فإذا انتاطت المغازي وكثرت الغزائم واستحلت الغنائم فخير جهادكم الرباط. والتمام: الرطب من النبات، والرمام: اليابس، والحطام: الذي ينكسر ويتحطم وقوله: انتاطت: يعني تباعدت، وقوله: العزائم: يريد حمل السلطان شدة الأمر عليهم، والعزم فيما يشق عليهم لبعد المغزى وقلة عونه عليهم وغير ذلك. وروي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «تمام الرباط أربعون ليلة». وروي «إذا نزل العدو بموضع فهو مرابط أربعين سنة». قال أبو محمد: هذا والله أعلم على الترغيب في الرباط.

وقد ضعف مالك أمر جدة إذ كان إنما نزل العدو بها مرة، وينبغي لكل قوم أن يرابطوا في ناحيتهم ويمسكوا سواحلهم إلا أن يكون مكاناً مخوفاً يخاف فيه على العامة؛ يريد: فليذهب إليه. وسئل مالك عن سكان الثغور والسواحل بالأهل والولد؟ قال: ليسوا بمرابطين، وإنما الرباط لمن خرج من منزله معتقداً للرباط في موضع الموت. فصل قال ابن حبيب: وجاءت الرغائب فيمن أنفق في سبيل الله أو أعان بماله. قال: ونفقة الخارج أفضل. قال: زيد بن أسلم. في نفقة الخارجين: كمثل حبة أنبتت سبع سنابل. وقال فيمن يقرون من خرج ولا يخرجون: {ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ}.

قال ابن حبيب: ولم يختلف العلماء في كراهية المسألة للغازي كان غنياً أو فقيراً والفقير يجلس ولا يتكلف مالا يطبق، قال: وما أعطى الغازي من غير مسألة فأكثر العلماء لا يرون بأخذه بأساً فإن احتاج إليه أنفقه وإلا فرقه في سبيل الله، وقالت طائفة: أفضل له أن لا يأخذه، وقبول الفقير لذلك أفضل من تركه فما فضل له بعد فعله فرقه في السبيل. فصل قال ابن حبيب وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «لو أن هذه الأمة انتهت عندما أمرت لأكلوا غير زارعين؛ لأن الله جعل أرزاقها في سنابك خيلها وأسنة رماحها». وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله جعل رزقه في ظل رمحه ولم يبعثني تاجراً ولا زارعاً وإن من أشرار عباد الله التجار والزراعيين إلا من شح على دينه». وقال عمر: (من زرع فامحه من الديوان فإن هذه الأمة جعلت أرزاقها في أسنة رماحها ما لم يزرعوا فإذا زرعوا كانوا من الناس).

وقال بعض الصحابة: إذا أدركت زماناً يغزو فيه الفقراء ويقعد فيه الأغنياء ويرغب الناس في الزرع والضرع فأولئك الذين يدلسون دين الله. في الدعوى قبل القتال وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بدعوة أهل الكفر قبل القتال. وروى مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين خرج إلى خبير فأتاها ليلاً وكان إذا جاء قوماً ليلاً لم يغز حتى يصبح فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا: محمد والله محمد والخميس فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين».

ومن كتاب ابن حبيب: روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أن يدعو إلى الإسلام والصلوات الخمس وصوم الشهر وحج البيت والزكاة فإن أجابوك وإلا فقاتلهم. وأمر الصديق خالداً أن يقاتل من أبى واحدة من هذه الخمس منها الشهادة. وروى ابن وهب أن علياً ابن أبي طالب -رضي الله عنه- لم يكن يقاتل أحداً من العدو حتى يدعوهم ثلاث مرات. وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك. ومن المدونة قال مالك -رحمه الله-: ولا يقاتل المشركون حتى يدعوا ولا يبيتوا حتى/ يدعوا إلى الله ورسوله فيسلموا أو يعطوا الجزية. قال: وكذلك إن أتوا إلى بلادنا.

وفي المستخرجة قال أصبغ: وبلغني أن عمر بن عبد العزيز كتب ألا تقاتلوهم حتى تدعوهم فإنا إنما تقاتلوهم على الدين فإنه يخيل إليهم وإلى كثير منا إنما تقاتلوهم على الغلبة فلا تقاتلوهم حتى تبينوا لهم. قال ابن المواز: وقال ابن نافع: إنما كانت الدعوة قبل ظهور الإسلام يقول: قبل أن يفشو وينتشر. قال: وقد أغار النبي -صلى الله عليه وسلم- على بني المصطلق وهو غارون، وبعث في قتل ابن الحقيق وابن الأشرف، وصاحب بن الحيان، غيلة. وبه احتج يحيى بن سعيد.

ومن المدونة وقال أيضاً مالك بن أنس: أما من قربت داره منا فلا يدعو لعلمهم بالدعوة ولتطلب غرتهم أي غفلتهم وأما من بعدت داره وخيف أن لا يكونوا كهؤلاء فالدعوة أقطع للشك. ونحوه عن ربيعة.

وقال يحيى بن سعيد: لا بأس بابتغاء غرة العدو بالليل والنهار لأن دعوة الإسلام قد بلغتهم إلا من ترجى إجابته من أهل الحصون فلابد من الدعوة. وقيل لأصبغ في المستخرجة: أرأيت من دعي إلى الإسلام أو الجزية فأبوا فقوتلوا على هذا مراراً يدعو كلما غزوناهم؟ قال: أما الجيوش الغالبة الظاهرة فلا يقاتلوا قوماً ولا حصناً حتى يدعوهم لأنهم لم يخرجوا لطلب غرة ولا لانتهاز فرصة وإنما خرجوا ظاهرين قاهرين، وأما السرايا وشبهها التي تطلب الغرة وتنتهز الفرصة فلا دعوة عليهم لأن دعوتهم إنذار وتجليب عليهم مع ما في الدعوة من الاختلاف وقد قال جل الناس: إن الدعوة قد بلغت جميع الأمم. قال ابن سحنون: اختلف في الدعوة على ثلاثة أوجه: فقيل: لا تلزم في كل أحد لبلوغ الدعوة وقاله الحسن وغيره.

وقيل: واجبة في كل أحد بعدت داره أو قربت وقاله عمر بن عبد العزيز ومالك وأكثر العلماء. وقال ابن الماجشون: لا دعوة فيمن قرب منا مثل المصِّيصة ودبسة وطرطوس ويدعى من بعد.

وروى ابن حبيب نحوه. وقال عن مالك: إذا وجبت الدعوة فإنما يدعو إلى الإسلام جملة من غير ذكر الشرائع إلا أن يسألوا عنها فلنبين لهم، وكذلك يدعو إلى الجزية مجملاً بلا توقيت ولا تحديد إلا أن يسألوا عن ذلك فلنبين لهم. قال سحنون في كتاب ابنه: وإذا بذلوا الجزية عاماً بعام على أن يقيموا بموضعهم فإن كانوا بموضع ينالهم سلطان الإسلام وحكمه قبلت منهم، وإن كانوا في بعد من سلطاننا أو حيث يمكنهم النكث ولا تجري أحكام المسلمين عليهم فلا تقبل منهم الجزية إلى أن ينتقلوا إلى حيث سلطاننا، وكذلك إن أجابوا إلى الإسلام إلا أن يكونوا بالقرب من دار

الإسلام ومن جماعتهم حتى لا تجري أحكام المشركين عليهم فيضطرونهم إلى الرجوع عن دينهم إلى دين المشركين فليس عليهم الانتقال من دارهم وموضوعهم، وإن كانوا في بعد من المسلمين وتحت أيدي المشركين بحيث تجري أحكامهم فعلى هؤلاء الانتقال إلى دار الإسلام. وقال سحنون: في قوم من أهل الحرب ممن يرى أن الدعوة لم تبلغهم إذا قاتلوهم قبل أن يدعوهم فقتلوهم وغنموا أموالهم وأولادهم فلا شيء على المسلمين من دية ولا كفارة. يريد: للاختلاف في ذلك؟ ومن المدونة وكان مالك: يفرق بين الروم في قتالهم وبين القبط، وقال: لا يقاتل القبط ولا يبيتوا حتى يدعوا ولم ير أن دعوة الإسلام قد بلغتهم؛ يريد: أنهم قوم لا يفقهون، فكأنه رأى أنهم لم يفهموا ما يدعون إليه فرأى أن يدعوا وتبين لهم الدعوة، لا كما قيل: إنما ذلك؛ لأن مارية القبطية أم ولد النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم، وقد أنكر ذلك بعض الناس وقال: القبط من أحذق الناس وإنما لعلة فيهم؛ أنهم كان لهم عهد فركبوا بالظلم وتداول/ الملوك ذلك من أهل الجور ونقضوا ما كانوا عليه العهد فلذلك لا يقتلوا حتى

يدعوا أو يخيروا أنهم يردون إلى ما كانوا عليه ويسار فيهم بالعدل وطريق الحق، وأما الروم فما كان لهم عهد قط، فلهذا فرق مالك بينهم. ومن المدونة قال مالك: وينبغي أن يدعى اللص إلى أن يتقي الله ويدع ذلك، فإن أبى قوتل كان بطريق أو أتى إلى محلك. وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من حمل علينا السلاح فليس منا ولا راصد بطريق». قال مالك: وإذا نزل قوم بآخرين يريدون أنفسهم وأموالهم وحريمهم ناشدوهم الله عز وجل فإن أبوا فالسيف. قال: ومن عاجلك على الدعوة من لص أو مشرك فقاتله. قال ابن القاسم: وإن طلب السلابة الطعام أو الثوب أو الأمر الخفيف رأيت أن يعطوه ولا يقاتلوا. وقال سحنون: لا يعطوه ولا يدعوا لأن الدعوة لا تزيدهم إلا إشلاء وجرأة وليقاتلوا بلا دعوة. ومن المدونة قبل لربيعة: فمن عرض له لص ليغصبه ماله فرماه فنزع عينه هل عليه دية؟ قال: لا ولا نفسه. قيل له: عمن تذكر هذا؟ فقال: كان سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف يخبران أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قتل دون ماله فأفضل شهيد قتل في الإسلام بعد أن يتعوذ بالله وبالإسلام ثلاث مرات، وإن قتل اللص فشر قتيل في الإسلام».

وفي حديث آخر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قاتل دون ماله حتى يقتل فهو شهيد». وقال محمد بن سيرين: ما علمت أن أحداً من الناس ترك قتال من يريد نفسه وماله تأثماً وكانوا يكرهون قتال الأمراء. في الجهاد مع من لا يرضى من الولاة أو بغير إذن من الإمام أو بالنساء أو بالمصاحف قال مالك -رضي الله عنه-: ويجاهد العدو مع كل بر وفاجر من الولاة، وقد كان مالك يكره الجهاد مع هؤلاء الولاة ثم رجع عن ذلك لما كان زمن مرعش وما صنع الروم بالإسلام

وجرمهم وغارتهم على الإسلام فقال: لا بأس بالجهاد معهم، فقيل له: إنهم يفعلون ويفعلون؟ فقال: لا بأس على الجيوش، وما يفعل الناس لو ترك مثل هذا كان ضرراً على أهل الإسلام. ابن سحنون: وقال الحسن: اغز معهم ما لم ترهم عاهدوا ثم غدروا. ولم ير السلف بالغزو مع هؤلاء الجور بأساً. قال أن حبيب: سمعت أهل العلم يقولون: لا بأس بالغزو معهم وإن لم يضعوا الخمس موضعه وإن لم يوفوا بعهد وإن عملوا ما عملوا ولو ترك ذلك لاستبيح حريم الإسلام ولعلا أهل الشرك. وقال الصحابة حين أدركوا من الظلم فكلهم قالوا: اغز معهم على حظك من الأجر ولا تفعل ما يفعلون من فساد وخيانة وغلول.

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الجهاد ماض منذ بعث الله نبيه إلى آخر عصابة تقاتل الدجال لا ينقضه جور من جار ولا عدل من عدل». وقال ابن عمر: اغز مع أئمة الجور وليس عليك مما أحدثوا شيء. وغزا أبو أيوب الأنصاري مع يزيد بن معاوية بعد أن توقف ثم ندم على توفقه. فصل قال ابن المواز: ولا يجوز خروج جيش للغزو إلا بإذن الإمام وتوليته عليهم من يحيطهم ويسمعون منه ويطيعون وقد سهل مالك في الذين بقرب العدو ويجدون الفرصة من عدوهم ويبعد عليهم موضع الإمام ويخافون إن استأذنوا فواتها أو يخافون منعهم منها

فلا بأس أن ينالوها بغير إذنه، وأما سرية تخرج من عسكر فلا يجوز ذلك ولا يحل لهم إلا بإذن الإمام. قال عبد الملك: وأراهم في ذلك غاصبين متعدين خرجوا ببدعة عما بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- والأئمة بعده ولا أرى أن ينفل منهم أحد ولا ينفل إلا من أطاعه وليؤدبهم فإنهم مستخفون لذلك. ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: وأصحابنا يرون في سرية تخرج في قلة وغرر/ بغير إذن الإمام فغنموا فللإمام منعهم الغنيمة أدباً لهم. قال سحنون: فأما جماعة لا يخاف عليهم فلا يحرمهم الغنيمة وإن لم يستأذنوه. يريد: وقد أخطأوا. وقد اختلف في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}. فقال أبو هريرة أولو الأمر: أمراء السرايا.

وقال جابر بن عبد الله: هم أهل الفقه والدين. قال بعض العلماء: وطاعة هاتين الطائفتين واجبة. وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً أصحابه عن القتال وهم مستقبلون العدو فقاتل رجل فقتل فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- من ينادي: «لا تحل الجنة لعاص». وقال -عليه السلام-: «وإن أمر عليكم عبد حبشي فاسمعوا له وأطيعوا». وفي حديث آخر: «إلا أن يأمر بمعصية فلا سمع فيها ولا طاعة». قال سحنون: وليؤمر الإمام على السرية يبعثها أميراً يتقدمون بأمره ويستأخرون ويكون من ذوي المراس في الحرب والحنكة ويستظهر بأهل الرأي ممن معه.

فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا يخرج بالنساء إلى دار الحرب إلا أن يكن في عسكر عظيم لا يخاف من قلة عليهن فلا بأس. ابن وهب: وقد كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس يسأله عن خمس خلال؟ فقال ابن عباس: لولا إذا أخاف أن نكتم علماً ما كتبت إليه.

وقال في حديث آخر: لولا أن أرده عن شيء يقع فيه ما كتبت إليه ولا نعمة عين. فكتب إليه نجدة أما بعد: فأخبرني هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب لهن بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ وأخبرني متى ينقضي يتم اليتيم؟ وعن الخمس لمن هو؟ فكتب إليه ابن عباس: قد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغزو بالنساء فيداوين المرضى ويحرمن من الغنيمة ولا يسهم لهن، وأنه لم يكن يقتل الصبيان، وكتبت تسألني متى ينقضي يتم اليتيم؟ ولعمري أن الرجل تشيب لحيته وإنه لضعيف الأخذ لنفسه، ضعف الإعطاء منها، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد انقطع عنه اليتم. قال مالك: ولا بأس أن يخرج الرجل بأهله إلى الرباط على بعض السواحل. قال سحنون: إلى المواضع المأمونة الكثيرة الأهل؛ كالإسكندرية، وتونس، وشك في سفاقس، وسوسة.

.......................

قال مالك: ورب ثغر فيه ألف رجل ليس بمأمون. فصل ومن الموطأ روى مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو». قال مالك: أراه مخافة أن يناله العدو. وقال ابن حبيب: لما يخشى من استهزائهم به، وتصغيرهم ما عظم الله منه. وقال ابن الماجشون: ولو أن الطاغية كتب إلى السلطان أن يبعث إليه مصحفاً يتدبره ويدعو إليه؛ فينبغي أن يفعل، وليس هذا وجه الدعوة، وهم أنجاس، وأهل ضغنة

وبغض للإسلام وأهله، قال: وإن طلبك كافر أن تعلمه القرآن فلا تفعل، لأنه جنب ولا بأس أن تقرأ عليه القرآن تحتج به عليه. قال ابن سحنون: قلت لسحنون: أجاز بعض العرافين الغزو بالمصاحف إلى أرض العدو في الجيش الكثير وأما السرية ونحوها فلا. قال سحنون: لا يجوز ذلك لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك عاماً ولم يفصل، وقد يناله العدو من ناحية الغفلة عنه. جامع ما يكره من قتل أو عذاب أو خراب وما لا يكره وروى مالك وابن وهب أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى عن قتل النساء والصبيان. ابن سحنون في حديث آخر: والشيخ الهرم والرهبان. قال ابن وهب في حديث أسنده: (ومر النبي -صلى الله عليه وسلم- بامرأة مقتولة مما أصابتها مقدمة العسكر فقال: هاه ما كانت هه تقاتل، ثم قال لرجل الحق بخالد بن الوليد/ وكان على المقدمة فلا تقتلن ذرية ولا عسيفاً.

وقال حديث في آخر: أسنده كان الرسول -صلى الله عليه وسلم-[إذا بعث سرية قال: «بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان» والأصل في ذلك قوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم). قال مالك: عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أنه بعث جيشاً إلى الشام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان أمير ربع تلك الأرباع فرغبوا أن يزيد قال].

لأبي بكر: إما أن تركب وإما أن أنزل. فقال أبو بكر: ما أنت بنازل وما أنا براكب إذ أحتسب خطاي هذه في سبيل الله. قال له: إنك ستجد قوماً زعموا أنهم حسبوا أنفسهم لله فدعهم وما حسبوا أنفسهم له، وستجد قوماً فحصوا أوساط رؤوسهم من الشعر فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف، وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة، ولا صبياً، ولا كبيراً هرماً، ولا تقطعن شجراً مثمراً، ولا تخربن عامراً، ولا تعفرن شاه ولا بعيراً إلا لمأكله، ولا تحرقن نخلاً ولا تغرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن. ابن وهب عن ابن سمعان قال: بلغنا أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: لا تقتلوا هرماً ولا امرأة ولا وليداً وتوقوا قتلهم إذا التقى الزحفان وعند حمة النهضات وشن الغارات. ومن المدونة قال ابن القاسم قال مالك: ولا يقتل في أرض العدو النساء ولا الصبيان ولا الشيخ الكبير ولا الرهبان في الصوامع، وكان مالك يكره قتل الرهبان

المحبسين أنفسهم في الصوامع والديارات، وقال: يترك لهم من أموالهم ما يعيشون به ولا تؤخذ كلها فيموتون. قال في المستخرجة: يترك لهم قدر ما يصلحهم والبقرتان تكفيان الرجل ولو قيل قوله لادعى الشيء الكثير ولكن أرى أن يترك لهم ما يصلحهم. قال سحنون: الذي يترك للراهب من ماله قدر ما يعيش به الأشهر، والشيخ الكبير بمنزلة الراهب فيما يترك له من العيش والكسوة، وإذا مر الجيش بعيد الرهبان وزرعهم وعلموا أنها لهم فلا يمسوا منها شيئاً ولا ينهبوه. قال سحنون: ومن قاتل من امرأة أو هرم أو راهب؛ قتل، وكذلك الصبي إذا أطاق القتال وقاتل. وقال ابن حبيب: إذا قاتلت امرأة بالسيف أو الرمح أو شبه ذلك فلتقتل؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في المرأة المقتولة: «هذه ما كانت هذه تقاتل».

[قال ابن حبيب إلا أن يكون قتالها بالرمي من فوق الحصن وشبه ذلك فلا تقتل إلا أن تكون قتلت فتقتل، وإن أسرت إلا أن يرى الإمام استحياءها كما يستحي من شاء من الأسارى وكذلك الصبي المراهق. قال سحنون: ومن قتل من نهي عن قتله من صبي أو امرأة أو شيخ هرم فإن قتله في دار الحرب قبل أن يصير في المغنم فليستغفر الله سبحانه وإن قتل بعد أن صار مغنماً فعليه قيمته يجعل ذلك الإمام في المغنم. وقال ابن حبيب: إذا علم ذلك من الرهبان أن أحدهم دل على غرة سرية منا حلَّ قتله. وفي «كتاب ابن سحنون»: وإذا مروا براهب فلا يستخبروه عن شيء من أمر عدوهم. قال: وما وجد من النساء في الصوامع والديارات فلا بأس أن يسبيهنَّ بخلاف الرجال. وروى أشهب عن مالك في «العتبية» قال: النساء والله ألا يهجن معنى أن يسبين إذا وجدوا في الصوامع والديارات مع الرهبان.

قيل: فرهبان الديارات والصوامع سواء. قال: هاه، قال الله تعالى: (ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون). قال سحنون: من ترهب ببلد في دار الإسلام ولحق بدار الحرب فسبيله سبيل الراهب. قيل: تعرفون أنه راهب. قال: لهم سيما يعرفون بها. قال: وكذلك إذا وجد الراهب دار وأغار فهو كأهل الصوامع. وقال ابن حبيب: رهبان الصوامع والديارات هم الذين نهي عن قتلهم، وأما رهبان الكنائس فيجوز قتلهم وسبيهم لأنهم لم يعتزلوا وهم الذين أمر أبو بكر الصديق رضي الله عنه يزيد بن أبي سفيان بقتلهم. ]

قال ابن حبيب: ولم ينه عن قتل رهبان الصوامع والديارات لفضل ترهبهم؛ بل هم أبعد من الله من غيرهم من أهل دينهم لشدة نصرهم/ في الكفر، ولكن لتركهم معونة أهل دينهم على محاربة المسلمين بيد أو رأي أو مال واعتزالهم؛ فلهذا نهى عن قتلهم وسبهم، فأما إن دل على غرة المسلمين فأنه يقتل. قال ابن القاسم في المستخرجة: ومن ترهب في أرض الإسلام فلا تؤخذ منه الجزية إذا حبسوا أنفسهم في الصوامع. قال سحنون في كتاب ابنه: ولم يثبت الحديث في النهي عن قتل العسيف- وهو الأجير- وأجاز قتله. قال ابن حبيب: وروى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن قتل الأكارين والفلاحين. قال ابن حبيب: هم الحراثون الذين لا ينصبون حرباً ولا يخشى منهم غزوة ولا تدبير.

قال سحنون: ونحن نرى قتل الزارعين والحراث ببلد الحرب. ومن المدونة قال مالك: ولا بأس بتحريق قراهم وحصونهم وتغريقها بالماء وخرابها وقطع الشجر المثمر وغيره؛ لقوله تعالى: {وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ}. وتأويل مالك في قطع الشجر: قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً} واللينة ما سوى العجوة من الثمار ومن الألوان، وقد قطع النبي -صلى الله عليه وسلم- نخل بني النضير. وروى ابن وهب أنه -عليه السلام- أحرق نخل بني النضير وقطع وهي البوبرة، ولا يقول حسان بن ثابت.

[أهان على سرات بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير وقال في حديث آخر: «وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد حين بعثه نحو الشام أن يسير حتى يأتي إيلياء فيحرق فيها ويهريق دماً» لأن ذلك من التضييق عليهم وإضعاف أمرهم وتوهينهم وليس ذلك من إباحة قتلهم.

قال سحنون: وأما نهي الصديق -رضي الله عنه- عن قطع الأشجار وأخراب العامر، إنما ذلك فيما يرجى مصيره للمسلمين نظراً لهم وما يرجى الظهور عليه فالنظر لهم خراجه. في قتل الأسارى ومن أخذ ببلد الحرب أو ببلد الإسلام فقال: جئت أطلب الأمان، وما وجد بساحلنا من مراكبهم أوردته الريح: روى ابن وهب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل سبعين أسيراً قبل الإثخان من يهود، وقتل عقبة بن أبي معيط أتى به أسيراً يوم بدر فذبحه، فقال: من المصيبة، فقال النار،]

"وقتل الزبير صاحب بني قريظة". "وحيي بن أخطب صبراً". وكتب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى أمراء الجيوش بقتل من جرت عليه المواسي، وقال: لا تجلبوا لنا من علوجهم أحدأً، [فلما أصيب عمر قال: من أصابني؟ قالوا: غلام المغيرة. فقال: قد نهيتكم أن تجلبوا لنا من علوجهم أحداً] فعصيتموني.

م: والأصل في قتل الأسارى قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ}. قيل: بالقتل الكثير. وقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}. قال مالك: يقتل كل مشرك ممن خيف منه. قال سحنون: ألا ترى ما نال المسلمين من أبي لؤلؤة، فإذا كان ممن أبغض الدين وعادى عليه وأحب له وخيف أن لا تؤمن غيلته؛ فهو الذي يقتل، وأما الصغير

والشيخ الكبير فاتقى مالك قتلهم وهم الحشوة ولهم قوتل العدو فهم كالأموال وقوة عل الجهاد. وفي المختصر الصغير: ومن استحياه الإمام من الأسارى فلا يقتل. قال في المستخرجة: إلا أن يبقيهم الإمام ليرى فيهم رأيه فله قتل من رأى منهم. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في المرأة والصبي الذي لم يحتلم إذا قتلا ثم أسرا: فقتلهما جائز بعد ذلك كما كان جائزاً عند قتالهما.

[وقال سحنون: إلا عند قتالهما، وأما بعد ذلك قال: وأما الراهب. يريد: والشيخ الكبير يؤسر بعد أن قاتل فإنه يقتل. ابن حبيب: وإن أسلم الأسير حرم دمه وسار مملوكاً. ومن «كتاب محمد»: في علج أسر فأمر الإمام بالنداء عليه فبلغ ثمناً ثم أراد قتله، قال: ذلك له. قال أصبغ: هذا إن عرضه منه يختبر ما يبلغ فيرى رأيه وإلا فلا. قالوا: إذا ترك عن الأسير القتل لرجاء فداء أو بيع أو لدلالة أو لسبب سقط عنه القتل وكذلك إن أخذوا إنساناً يستخبرونه الخبر فلا يقتل وهو رقيق لهم لأنهم استبقوه للخبر كما لو استبقوه لصنعة ظنوها فيه فلم يكن كذلك. فصل ومن «المدونة»: قال مالك: وإذا أخذ الرومي ببلد العدو وهو مقبل إلينا فيقول: جئت أطلب الأمان، فهذا أمر مشكل ويرد إلى مأمنه.]

قال ابن القاسم: وكذلك الرومي ينزل بساحلنا تاجراً قبل أن يعطى الأمان فيقول: ظننت أنكم لا تتعرضون لمن أتى تاجراً حتى يبيع فإما قبلت منهم ما قالوا أوردتهم إلى مأمنهم. قال في المستخرجة: وإن أخذوا ببلدنا فيقول: جئت للإسلام. فإن أخذ بفور دخوله وحدثان قدومه قبل منه أو يرد إلى مأمنه، وإن لم يظهر عليه حتى طالت إقامته عندنا لم يصدق في قوله ولا يكون لمن وجده ويرى فيه الإمام رأيه ولا يقتل إلا أن يعلم الإمام أنه جاسوس للعدو فيقتل. وقال سحنون: سواء أخذ بقرب دخوله أو بعد طول؛ فهو فيء ويرى فيه الإمام رأيه، إلا في الجاسوس فيقتل. وأما إن أخذ ببلد الحرب: فروى ابن القاسم عن مالك: أنه يرد إلى مأمنه. وروى ابن نافع: أنه لا يقبل منه؛ لأنه يعلم قوله، وما ذلك بالبين، وكذلك قال أشهب في الواضحة: لا يقبل منه إذا ظهر عليه قبل أن يدعى ذلك. ومن المدونة قال يحيى بن سعيد: ومن زعم بعد أن أخذ ببلد المسلمين أنه جاء لأمان أو لتجارة؛ لم يقبل منه إلا أن يكون رسولاً بعث لأمر بين المسلمين وبين عدوهم. قيل لابن القاسم: فحربي دخل بلاد الإسلام بغير أمان فأخذه مسلم، أيكون لمن أخذه أم يكون فيئاً؟ قال: أرى ذلك فيئاً للمسلمين ويجتهد فيه الإمام. وكذلك قال

مالك فيمن وجد بساحلنا من العدو فقالوا: نحن تجار ونحوه، فلا يقبل منهم، وليسوا لمن وجدهم، ويرى فيهم الإمام رأيه. قال ابن القاسم: وأنا أرى ذلك فيئاً ويجتهد فيه الإمام. وروى ابن وهب عن مالك فيمن وجدناهم بساحلنا من العدو فزعموا أنهم تجار لفظهم [البحر ولا يعلم صدقهم وقد تكسرت مراكبهم ومعهم السلاح أو ينزلون للعطش بغير أمان إن ذلك للإمام يرى فيهم رأيه ولا يخمسون وإنما الخمس فيما أوجف عليه الخيل والركاب. قال ربيعة: وإن كانوا من أرض متجر قد أتوا بالتجارة فينا فهم بمنزلة أمان، وإن لم يكن ذلك منهم قبل ذلك فلا عهد لهم ولا ذمة. م: وتحصيل اختلافهم في هذه المسائل إذا أخذ الرومي ببلد الحرب وهو مقبل إلينا فيقول: جئت أطلب الأمان، فقيل: يقبل قوله أو يرد إلى مأمنه، وقيل: لا يقبل منه لأنه ظهر عليه قبل أن يدعي ذلك. وإن أخذ ببلد الإسلام؛ فقيل: إن أخذ بقرب دخوله قبل منه أو يرد إلى مأمنه، وإن أخذ ببعد لم يقبل منه، وليس لمن وجده، ويرى الإمام فيه رأيه. ولا خلاف في من أتى تاجراً فيقول: ظننت أنكم لا تعرضون لمن أتى تاجراً؛ فإما قبلت منه أو رددته إلى مأمنه.

[ولا خلاف أيضاً إن لم تكن معهم تجارة وتبين كذبهم أو قد انكسرت مراكبهم ومعهم السلاح أو ينزلون للعطش بغير أمان أنهم فيء ويرى فيهم الإمام رأيه من بيع أو قتل أو فداء وليسوا لمن وجدهم ولا يخمسون. قال ابن المواز: إذا انكسرت مراكبهم ولم يتبين أنهم تجار فهم ومن معهم فيء يرى فيهم الإمام رأيه من قتل أو بيع أو فداء وليس لمن وجدهم فيهم ولا فيما معهم شيء لأنهم صاروا بموضع لا ملجأ لهم إلا أن يوجد ما كسر من مراكبهم وحدها بغير رجال أن توجد لهم لمتعة وذهب وفضة أو يوجد من ذلك شيء يطرحه الروم خوف الغرق وذهبوا به ولمن وجده ولا خمس فيه إلا في الذهب والفضة ففيهما الخمس إلا أن يوجد ما سوى الذهب والفضة بجنب قرية من قراهم ففيه الخمس إلا أن يكون شيئاً يسيراً فلا شيء فيه. ورواه أشهب عن مالك. والفرق بين ما وجد من المتاع وحده أو وجد مع أصحابه: فلأن ما وجد مع أصحابه حكمه حكمهم وذلك تبع لهم وما وجد وحده فهو لمن وجده ولا خمس فيه لأنه لم يوجف عليه. والفرق بين ذلك وبين الذهب والفضة: كالركاز لأنه مال كافر غنم وهي العلة في أن الركاز الخمس لأنه كمال كافر غنم. وأما ما وجد من المتاع بقرب قراهم فله حكم قراهم ففيه الخمس كسائر الغنائم، والله أعلم. قال ابن المواز: ولو أن الذين تكسرت مراكبهم قاتلوا حتى قتل منهم من قتل منهم وأسر من أسر منهم لم يكن لمن ظفر منهم فيهم شيء وهم كأسارى ببلد الإسلام قاتلوا ثم أخذوا والأمر فيهم إلى الإمام كما ذكرنا.

قال ابن المواز: إلا أن يكون قد سلم للذين تكسرت مراكبهم مركب أو غيره مما يتحملون فيه إلى بلدهم فهم حينئذ رقيق لمن ظفر بهم ويكون فيهم الخمس، وكذلك إن كانوا بقرب بلدهم مما يمكنهم الهرب والنجاة إليها. قال عبد الوهاب: ما يغنم من أموال المشركين على وجهين: فما غنم بقتال أو بإيجاف أو ركاب فهذا يخمس للإمام خمسه وللغانمين أربعة أخماسه. والثاني: ما غنم بغير إيجاف ولا قتال وهو ممن ينجلي عنه أهله ويتركونه رهبة وفزعاً فهذا لا يخمس ويصرف جميعه في مصالح المسلمين كحكم الخمس من الغنيمة خلافاً لأبي حنيفة في أنه يخمس، والأصل فيه قوله تعالى: (فما أوجفتم [عليه] من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله) فأخبر الله تعالى أن القسم لا يكون إلا بالإيجاف. وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل على بني النضير فزعوا وهربوا فجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم الديار بما فيها فانتظر المسلمون أن يقسم لهم، فنزلت هذه الآية المتقدمة. ومن «المدونة» قال مالك رحمه الله: وإذا نزل تجارهم بأمان فباعوا وانصرفوا فأين ما رمتهم الريح من بلاد الإسلام فالأمان ما داموا في تجرهم حتى يردوا إلى بلادهم.]

قال ابن المواز قال أصبغ: لهم الأمان ثابت على أنفسهم وأموالهم في كل بلد نزلوا بها حتى يفارقوا بلاد الإسلام. قال ابن المواز: حتى ينالوا مأمنهم من بلدهم فإن رجع بعد ذلك فإن أعطوه أماناً ثبت عليه وإلا رجع ولم يؤسر ولم يبع. قال: وإن هو وقع إذا رجع لغير سلطان كان أمته؛ فهو مثل الذي أمنه سواء، وإن لم يكن بلغ مأمنه؛ كان عليه إنزاله ولم يمنعه، وإن كان بلغ مأمنه كان عليه بالخيار؛ إن شاء أنزله وإن شاء رده. وقال سحنون في كتاب ابنه: إذا باعوا وانصرفوا فلهم الأمان حتى يصيروا من البحر إلى موقع يأمنون فيه من عدوهم فيحلون حينئذ لمن ظفر بهم من المسلمين، قيل: إنهم اليوم لا يأمنون حتى يردوا بلادهم ويخرجوا من البحر لكثرة مراكب المسلمين، قال: إذا كان هذا فلهم الأمان حتى يخرجوا من البحر إلى مأمنهم. قال عبد الملك: فإن ردته الريح مغلوباً فهو على أمان وإن بلغ موضع نجاة لولا غلبة الريح فهو على أمانه حتى يصل إلى مأمن إن شاء أقام أو رجع فهذا إن رجع فإنه حل إلا أن يأتنف أماناً، قال: وإن ردته الريح إلى سلطان غير الذي أمنه فلا أمان له، وقال: أقام أو رجع فهذا إن رجع حل إلا أن يأتنف أماناً. قال سحنون بقول مالك: إن له الأمان حتى يرجع إلى مأمنه. قال ابن حبيب: إذا قلد من بلدنا فهو آمن حتى يبعد من بلد الإسلام ويقرب من حرزه ومأمنه فيصير كمن لا عهد له بعد ولا أمان فيمن لقيه من أهل ذلك السلطان

الذي أمنه وفي رجوعه إليه بربح غالبة أو رجع غير مغلوب أو نزل لماء وشبهه ويحل له، وأما إن لقيه من غير ذلك السلطان في البحر بقرب أو بعد من موضع قلد من بأمانه أو سقط بساحل غير ساحل السلطان الذي أمته فهو كمن لا أمان له، قال: وكذلك المستأمن في ثغور المسلمين في غير بحر إذا رجع فاشتدت عليه الطريق بثلج أو غيره فهو على أمانه ما كان في قرب المكان الذي أمن فيه. قال في كتاب ابن سحنون: وحد ذلك أن يجاوز الدروب إلى سلطانه وحيث يأمن على نفسه وأما ما كان في الفيافي وحيث يخاف على نفسه فهو على أمانه. وتحصيل هذا الاختلاف في هذه المسألة: إذا باعوا وانصرفوا فقيل: لهم الأمان حتى يصلوا بلادهم. وقيل: حتى يقاربوا مأمنهم فإن رجعوا بعد بلوغهم إلى مأمنهم بربح غالية أو مختارين فقيل: الإمام مخير إن شاء أنزلهم وإن شاء ردهم،

وقيل: [إن رجعوا مغلوبين فالإمام مخير إن شاء أنزلهم وإن شاء ردهم وإن كانوا مختارين فهم حل، وإن هو وقع رجع بغير سلطان كان أمنه. فقيل: هو مثل الذي أمنه سواء، وقيل: بل هو حل له ولا أمن له رجع إليه أو لقيه في البحر بقرب أو بعد من موضع قلع منه بأمانه، وإن لم يبلغ مأمنه فرجع إلى موضع كان أمن فيه كان عليه إنزاله ولم يمنعه. في أقسام الغنائم وما يقع فيها من مال مسلم أو ذمي قال الله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم فأن لله خمسه) إلى آخر الآية، وقال تعالى: (وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ...) إلى آخر الآية فكل ما أوجفت عليه بخيل أو ركاب فإن للإمام خمسه يضعه حيث أمر الله تعالى ويقسم أربعة أخماسه بين الذين غنموه، وروى ابن وهب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقفل من غزوة أصاب فيها مغنماً حتى يخمسه ثم يقسمه قبل أن يقفل. ومن ذلك غزوة بني المصطلق وخيبر ثم لم يزل المسلمون على ذلك

بعده في خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى خلافة عمر بن عبد العزيز في البر والبحر إلى هلم جر حتى هاجت الفتنة. قال ابن المواز: وصفة القسم: أن يقسم كل صنف على خمسة أجزاء يقسم الوجف وجيفاً وجيفاً إلى خمسة حتى يفرغوا، ثم النساء المسيبات كذلك، ثم الذكران كذلك فإذا اعتدلوا خمسة أجزاء واجتهدوا في ذلك برأي أهل النظر والمعرفة بالاقتسام والقيمة كتب في رقعة «هذا لرسول الله»، ثم يقرع، فحيث وقع سهم الخمس كان للإمام لا رجعة لأحد فيه. وقاله عثمان بن عفان وابن عمر. قال ابن المواز: ثم يبيع الإمام الأربعة أخماس الباقية ويوثق لهم ويقسمها عليهم وإن رأى بيع الجميع بالخمس فعل. واختلف في السلع، فقيل: تجمع في القسم ابتداءً، وقيل: إن حمل كل صنف القسم بانفراده لم يجمع وإلا جمع وهو أحسن وأقل غرراً إذا كان متسعاً وقدر أن يجمع كل صنف بانفراده. ومن «المدونة»: وكتب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى سعد بن أبي وقاص حين افتتح العراق: أن اقسم ما جلب الناس إليك من كراع أو مال بين من حضر من المسلمين، واترك الأرصتين والأنهار لعمالها ليكون ذلك في أعطيات المسلمين لأنك لو قسمتها بين من حضر].

لم يكن لمن بقي بعدهم شيء، وتأول عمر -رضي الله عنه- قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ}. قال مالك: والشأن قسم الغنائم وتباع ببلد الحرب وهم أولى برخصها. قال في المستخرجة: وأما كل أرض افتتحت عنوة فالشأن فيها أن تترك كما فعل عمر -رضي الله عنه-. قال: وبلغني أن بلالاً وأصحابه سألوا عمر في قسم الأرض التي أخذت عنوة فأبى ذلك عليهم، وكان بلالاً من أشد الناس عليه كلاماً فزعم من ذكر أن عمر دعا عليهم فقال: اللهم اكفينهم، قال: فلم يأت الحول وواحد منهم حي. فصل وروى ابن وهب: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال للذي وجد بعيره في المغنم: «إن وجدته لم يقسم فخذه وإن قسمت فأنت أحق به بالثمن إن أردته». قال: وكتب عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- إلى أبي عبيدة بن الجراح ومعاوية: أن ما أخذه العدو من أموال المسلمين فاعترفه أصحابه قبل أن يقسم فهو مردود إليهم، وقاله جماعة من الصحابة والتابعين.

قال مال: فما أحزره المشركون من مال مسلم أو ذمي من عرض أو عبد أو غيره أو أبق إليهم ثم غنمناه فإن عرفه ربه قبل أن يقسم كان أحق به من غير شيء، وإن غاب أوقف له، وإن لم يعرف ربه بعينه وعرف أنه لمسلم أو ذمي/؛ قسم، ثم إن جاء ربه كان أحق به بالثمن ما بلغ ولا يجبر على فدائه، وهو مخير فإن أراد أخذه لم يكن لمن ذلك في يده أن يأبى عليه.

[قال ابن المواز: وإذا عرف ربه وكان غائباً فإن كان خيراً لربه أن يحمل إليه ويؤخذ منه كراء حمله فعل ذلك فإن لم يكن جعله إليه أرفق فإنه يباع وينفذ بيع الإمام فيه ولا يكون لربه غير الثمن. قال أشهب: وإن كان مما يقدر على إيصاله إلى ربه مثل العبد والسيف وما ليس فيه مؤنة كثيرة فباعوه في الغنيمة لأنفسهم بعد معرفتهم فلربه أخذه بلا ثمن. وهكذا قال ابن حبيب: أنه إذا وقع في المغانم مال رجل يعرف بعينه وهو غائب فبيع فذلك خطأ ولربه أخذه بلا ثمن. وقال سحنون في «كتاب ابنه»: لا يأخذه ربه إلا بالثمن وهي قضية من حاكم وافقت اختلافاً بين الناس. فقد قال الأوزاعي: إذا عرف ربه ولم يحضرانه يقسم ثم لا يأخذه ربه إلا بالثمن. ومن «العتبية»: قال سحنون وأصبغ: في الفرس يوجد في المغنم في فخذه وسم حبس: فإنه لا يقسم ويكون حبساً في السبيل. وقال أيضاً سحنون في «كتاب ابنه»: لا يمنعه ذلك من أن يقسم، لأن الرجل قد يوسم في فخذ فرسه حبس في سبيل الله ليمنعه ممن يريد منه. قال ولمن فعل ذلك بفرسه أن يبيعه إذا زعم أنه لم يرد به الحبس.

ومن «المدونة»: قال مالك رحمه الله: وإذا سأل أهل الحرب ذمياً ثم غنماه لم يكن فيئاً ورد إلى ذمته ولم يقسم. قال ابن القاسم: وأما إن أسلم أهل بلد على ما بأيديهم وبأيديهم أحرار ذمتنا فهم رقيق لهم كعبيدنا إذا أسلموا عليهم وهم أحق بجميع الأمتعة من أربابها. قال ابن وهب: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أسلم على شيء فهو له». قال مالك: ولا أحب أن يشترى من العدو ما أحرزوا من متاع مسلم أو ذمي فأتو به ليبيعونه. ابن المواز: واستحب غيره ما بأيديهم للمسلمين ويأخذه ربه بالثمن. ومن «المدونة»: قال مالك: ومن وقعت في سهمه أمة لمسلم أو ابتاعها من حربي فلا يطأها حتى يعرضها عليه فيأخذها بالثمن أو يدع، وكذلك عبداً وعرض فليعرضه عليه. قال ابن القاسم: وما وجده السيد قد فات بعتق أو ولادة فلا سبيل له إليه ولا إلى رقه أخذهم من كانوا بيده من مغنم أو اشتراهم من حربي أغار عليهم أو أبقوا إليه. يريد: وإن فاتوا ببيع مضى ذلك ولم يكن له نفضه ولكن له أخذ الثمن الذي يبيع به بعد أن يدفع ما وقع في المقاسم ويتقاضاه. ابن المواز: وقال أشهب: له أن ينقض عتق العبد ويأخذه بالثمن في الوجهين. ]

وقال أشهب في كتاب ابن سحنون: والأمة المستحقة يأخذها ربها ويأخذ قيمة ولدها، وقاله ابن القاسم ثم رجع عنه. م: والفرق عند ابن القاسم بين هذا وبين الاستحقاق: أن المستحق يأخذ ذلك بغير ثمن وهذا لا يأخذه إلا بالثمن، فكان أضعف رتبة من الاستحقاق هن يد مشتريه من غير المغانم ونحوه. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن وجد آبقا في غير دار الحرب فليرده إلى ربه بخلاف ما قسم في المغانم لحيازة أهل الحرب للذي قسم. قال سحنون في كتاب السير: وإن وقع في سهم رجل فباعه وتداوله الأملاك كان لربه أن يأخذه بأي ثمن شاء كالشفعة، ثم رجع فقال: لا يأخذه إلا بما وقع في المقاسم ورواه عن ابن القاسم. بخلاف الشفعة إذ لو سلم الشفعة ثم باع المبتاع الشقص كان للشفيع القيام ولو سلم العبد ربه لمن وقع في قسمه ثم باعه الذي هو بيده من رجل لم يكن لربه أخذه بثمن ولا غيره؛ لأنه قد سلم حقه ولا شركة بينه وبين من سلم له ولا ضرر يلحقه في بيعه من آخر، والشفعة إذا سلمها المشتري الشقص فقد حل المشتري محل البائع وصار هو والشفيع شريكي من باع منهما فلصاحبه عليه الشفعة. ومن العتبية قال سحنون عن ابن القاسم: ولو سبي العبد ثانية/ بعد أن تداولته الأملاك فليس لأحد فيه مقال إلا الذي سبي منه أو لا والذي سبي منه آخراً إلا أن المسبي منه آخراً أحق به من الأول بعد أن يدفع لمن هو بيده ما وقع به في المقاسم، وإن أخذه

فلربه الأول إن شاء أن يأخذه بما وقع به في المقاسم الثاني لا بما وقع به في الأول؛ لأنه جاء ملك ثاني أملك به وإن شاء تركه. م: إذا كان للأول أن يأخذه من الثاني فلا معنى لقوله إن الثاني أحق به بل قد صار الأول أحق به. ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع عبداً من المغنم بمائة ولم يعرف ربه ثم سبي ثانية فاشتراه رجل بخمسين ثم قام ربه فإنه يقال له: ادفع مائة للأول وخمسين [للثاني وخذه فإن أبى فلا سبيل له إليه، ثمإن شاء الأول فداه من الثاني بخمسين وكان له، فإن أسلمه إليه فلربه الأول أن يعطيه خمسين ويأخذه، ولو أن مشتريه بالمائة فداه بخمسين] من الثاني فلا يأخذه الأول إلا أن يعطيه خمسين ومائة. ولو كان قبل الأسر قتل رجلاً وغصب دابة ثم بيع في المقاسم فغنم في ذلك؛ فإنه يقال لربه: إن شئت فافده بما وقع به في الفيء وبما في رقبته من جناية وإلا فسلمه وبدئ بما ابتاعه من المغنم فقيل له: افده وإلا فأسلمه إلى الرجلين المجني عليهما يكون بينهما بالحصص.

قال ابن المواز: وقيل: إذا أسلمه ربه بولي المقول ورب الدابة فقيل لهما:؟؟؟؟؟؟؟؟ بما بيع في المنغم وكان بينهما بالحصص، وليس لأحدهما فداء قدر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ على ما ابتاعه، وإن فداه أحدهما كله بعد إسلام صاحبه إياه فذلك له ويكون له وحده، وإن فداه بغير علم صاحبه فلصاحبه أن يشاركه فيه إن أعطاه حصته مما فداه به، وإن لم يعترفه ربه حتى فدياه ثم اعترفه ربه فلربه أن يفديه من هذين بما فدياه به من مشتريه وفدية المقتول وقيمة الدابة، وإن شاء فدى ممن شاء منهما مصابته بما صارت له تلك المصابة بحقه جميعاً وسواء كان مشتري من المغنم أو من أيدي العدو. ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب: ولو ابتاعه الأول من الغنم بمائة ثم سبي ثانية فغنم ثم ابتاعه الثاني بخمسين ثم سبي ثلثه فغنم ثم ابتاعه آخر بعشرة ثم قام ربه والآخران؛ فلربه إن شاء فداه بأكثر الأثمان وهي مائة فيرجع منها عشرة للثالث وخمسين وللثاني وأربعين للأول، ولو كان البيع الأول بعشرة والثاني بخمسين والثالث بمائة فليأخذ الثالث المائة ولا شيء لمن قبله، ولو أسلمه المستحق كان الثالث أحق به. ولو كانت أم ولد لكان عليه الأقل من قيمتها أو من أكثر الأثمان. قال سحنون في العبد المأذون يركبه الدين ويجني جناية ثم يأسره العدو فيغنم فيقع في سهم رجل: فلربه إن قام أن يفديه بالأكثر مما وقع به في المقاسم أو من أرش الجناية؛ فإن كان الأرش عشرين وثمنه في المقاسم عشرة أخذ من صار له عشرة وصاحب الجناية عشرة، وإن كان الأرش عشرة وثمنه في المقاسم عشرين أخذ ممن هو بيده العشرين

ولا شيء لصاحب الجناية، مثل لو سبي فغنم فابتاعه رجل ثم سبي ثانية وغنم لفداه ربه بالأكثر، كما ذكرنا هذا في قول سحنون. وقد تقدم لابن القاسم جواب غير هذا، وذكر يحيى بن يحيى قولاً آخر، وفيما ذكرنا كفاية إن شاء الله عز وجل. فيما اشترى ببلد الحرب أو في الغنيمة من عبد أو حر أو أم ولد أو مدبر أو مكاتب أو معتق إلى أجل وكيف إن باع العبد من اشتراه أوهب له قال ابن القاسم: وإن دخلت دار الحرب بأمان فابتعت عبداً لمسلم من حربي أسره أو أبق إليه أو وهبه لك الحربي فكافأته عليه؛ فلسيده أخذه بعد أن يدفع إليك ما أديت من ثمن أو عوض، وإن لم تثب واهبك أخذه ربه بغير شيء. وبلغني عن بعض علمائنا أنه قال: وإن أدى في المكافأة عليه شيئاً مما يكال أو يوزن فلسيده أن يأخذه بمثل ذلك في دار الحرب إن كان الوصول إليها ممكناً كمن أسلف ذلك ولا يلزمه إلا مثله بموضع السلف إلا أن يتراضيا على ما يجوز. قال بعض شيوخنا: وإن لم يكن الوصول إليها ممكناً فعليه هاهنا قيمة ذلك المكيل ببلد الحرب. قال ابن القاسم: وإن باعه الذي وهب له من رجل آخر مضى البيع ويرجع صاحبه بالثمن على الموهوب فيأخذه بالثمن. وقال ابن نافع: ينقض البيع ويرد إلى صاحبه بعد أن يدفع الثمن إلى المبتاع ويرجع به على الموهوب فيأخذه منه.

م: وهذا إذا لم يؤد فيه عوضاً وأما إن أدى فيه عوضاً فهو كالبيع ولا يخالف ابن القاسم في البيع أنه يمضي وإنما يخالفه في الهبة على ما في المدونة. قال ابن القاسم: وأما إن ابتاعه ثم باعه فلربه أخذ الثمن الذي بيع به بعد أن يدفع إلى مشتريه من بلد الحرب ما أدى فيه. قال في غير المدونة: ويقاصه به في ذلك فيرجع عليه بفضل إن بقي له. م: وقول ابن القاسم هاهنا خلاف ما تقدم له في كتاب ابن سحنون الذي قال فيه: إذا باعه من وقع في سهمه وتداولته الأملاك أن لربه أن يأخذ بما كان وقع به في المقاسم، فإذا كان له أن يأخذه في البيع ففي الهبة أحرى. وقول ابن نافع يجري على ما في كتاب ابن سحنون والله أعلم. ولابن نافع في كتاب ابن سحنون في الموهوب له يعتق العبد وقد أثاب عليه: أن لربه أن يعطيه ما أثاب وينقض العتق. وقاله أشهب في المشتري من المغانم يعتق: أن لربه نقض العتق.

فصار على هذا اختلف قول ابن القاسم في البيع والهبة، واختلف قول ابن نافع في البيع خاصة ولم يختلف قول أشهب أنه ينقض البيع والعتق والشراء والهبة. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن اشتريت حراً مسلماً من أيدي العدو بأمره أو بغير أمره؛ فلترجع عليه بما اشتريته به على ما أحب أو كره؛ لأنه فداء. وقد قال في العتبية: يؤخذ بذلك إن كره أو كان أضعاف قيمته شاء أو أبى. قال في كتاب محمد: وإن لم يكن له شيء أتبع به في ذمته، ولو كان معه مال وعليه دين فالذي فداه أو اشتراه من العدو أحق به من غرمائه إلى مبلغ ما أدى فيه؛ لأن ذلك فداء له ولماله، كما لو فديت ماله من اللصوص أو فديت دابته من ملتقطها أو متاعاً له اكتريت عليه فليس لربه أخذه ولا لغرمائه حتى يأخذ هذا ما أدى فيه. قال ابن المواز: وقال عبد الملك: مثله أن مشتريه من العدو أحق بماله من الغرماء. قال ابن المواز: وهذا في ماله الذي أحرزه العدو مع رقبته؛ لأنه فداء لك كله.

م: وقال عبد الملك في كتاب ابن سحنون: إنما كان الذي فداه أحق بماله من الدين؛ لأنه يفديه وهو كاره بأضعاف قيمته ويدخل ذلك في ذمته بغير طوعه فلهذا صار أولى من دينه الذي دخل فيه بطوعه. م: فهذا أصح من علة محمد. وقد قال عبد الملك في موضع آخر من كتب محمد في أم الولد: إن مشتريها من العدو أولى بما في يد سيدها من الغرماء. قال محمد: قول عبد الملك صواب جيد، فهذا من قوله: يرد ما قال في المسألة الأولى؛ أنه إنما كان المشتري أولى بما في يده؛ لأنه كان افتداء الجميع، وفي مسألة أم الولد لم يفتدها بما في سيدها؛ فدل أن ليس علة عبد الملك افتداء الجميع، وإنما علته لأنه يفدى بغير أمره ويدخل ذلك في ذمته بغير طوعه، فهذا أقوى من الدين وهو أبين. قال ابن المواز: ولو وهبه العدو هذا الحر المسلم لم يرجع عليه بشيء إلا أن يكافئ عليه فأنه يرجع بما كافأ فيه وإن كثر، شاء المفدي أو أبى، كافأ فيه بأمره أو بغير أمره. قال: وأما إن اشتراه من المغنم بسهمه أو بثمن أخرجه فلا شيء له عليه، ولم يختلف في هذا مالك وأصحابه إلا شيء بلغني عن أشهب.

وقد قال عبد الملك: والحر الذمي كالمسلم في هذا لا يتبع بما وقع به في المقاسم ويتبعه بفدية من العدو أو يكون أحق بالفداء من غرمائه وسواء صار بأيدي العدو بأسر أو غصب. قال ابن القاسم: ومن فدى أسيراً من بلد الحرب وقدم به فقال الأسير: ما فداني بشيء، أو قال: بشيء يسير، وقال الآخر: بكثير فالأسير يصدق في الوجهين، كأن يشبه ما قال الأسير أم لا. يريد: مع يمينه [لأن مالكاً قال: لو قال: لم يفدني أصلاً لصدق مع يمينه] إلا أن يأتي الآخر ببينة. ابن القاسم: وإن كان هو أخرجه من بلد الحرب قال: ولو ادعى كل واحد أنه فدى صاحبه لم يصدقا ولا يتبع كل واحد منهما صاحبه بشيء ويحلفان. ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا نودي على الحر في المغنم للبيع وهو ساكت متعمد بلا عذر ولم ينكر فليرجع عليه مشتريه إن تفرق الجيش بالثمن إذا لم يجد على من يرجع. قال أبو محمد: أعرفه حجة فيمن سكت فأوجب سكوته إتلاف شيء فإنه يضمن، وأما الحر الصغير أو الكبير القليل الفطنة الكثير الغفلة أو أعجمي أو من يظن أنه فدى رقة ذلك؛ فلا يتبع هؤلاء بشيء. ولو كانت جارية فوطئت لم يكن عليها شيء لذا عذرت بما ذكرنا من الجهالة والتأويل. وروى عن ابن القاسم في العتبية مثله.

وقال سحنون: هذه مصيبة نزلت بالمشتري كان ممن يجهل أو لا يجهل فلا شيء له عنده وقد سمعت من يقول: إن كانا ممن يجهلا فليرجع عليهما، وكذلك الحر يمكن نفسه ممن يبيعه، أنه يتبع بثمنه؛ لأنه عارف. قال غيره: لا يتبع عليه وإن كان عالماً. ابن المواز: ولو قالت الجارية التي بيعت من المغنم لسيدها: إني حرة. فغصبها فوطأها فبئس ما صنع ولا شيء عليه إلا أن يكون علم أنها حرة فوطأها، وقد كره مالك لكل من اشترى جارية من العدو أن يطأها حتى يستبرئ أمرها. ومن المدونة: روى ابن وهب عن عطاء وغيره في الحرة أو الذمية يبتاعهما الرجل من العدو: فلا يطؤها ولا يسترقها وليعطيها نفسها بالثمن الذي أخذت به. فصل قال ابن حبيب: ومن فدى من أحد الزوجين صاحبه، يريد: أو ابتاعه فلا رجوع له عليه إلا أن يكون فداه بأمره أو يفديه وهو غير عارف به فليتبعه بذلك في عدمه وملائه. قال ابن القاسم وقاله مطرف وابن الماجشون عن مالك.

وسبيل فداء القريب لقريبه كان ممن يعتق عليه أو لا يعتق عليه سبيل الزوجين إذا فداه وهو يعرفه أنه لا يرجع عليه، وأما إن فداه وهو لا يعرفه؛ فإن كان ممن يعتق عليه لم يرجع عليه، وإن كان ممن لا يعيق عليه رجع عليه، وأما إن فداه بأمره فإنه يرجع عليه؛ كان ممن يعتق عليه أو لا يعتق عليه. م: فصار ذلك على ثلاثة أوجه: 1 - إن فداه وهو يعرفه: فإنه لا يرجع علينا كائناً من كان. 2 - وإن فداه بأمره: فإنه يرجع عليه كائناً من كان. 3 - وإن فداه وهو لا يعرفه: فلا يرجع على من يعتق عليه ويرجع على من سواه من القرابة الذين لا يعتقون عليه وعلى الزوجين. قال سحنون: ومن فدى أحداً من ذوي رحمه أو اشتراه؛ فكل من لا يرجع عليه بثواب في الهبة فلا يرجع عليه في هذا إذا كان عالماً، وكذلك أحد الزوجين يفدي صاحبه.

إذ لا ثواب بينهما في الهبات، وإن كان لا يعلم: رجع عليه في ذلك كله، وكذلك في الأبوين والولد؛ لأنه لا يملكه بالفداء، ولو كان ملكاً لكان إذا فدى زوجته حرمت عليه. ابن حبيب: ولو قالت الأسيرة لزوجها: افدني ولك مهري، أو لك كذا، فليس له إلا ما أدى كالأجنبي. وقال ابن القاسم: إن وقتت له الفداء فالمهر موضوع؛ لأنه أمر بين لا خطر فيه، وجعله في التعبية: كالدين يكون لك على رجل تبعيه منه، فما جاز في بيع الدين جاز في المهر، وما لم يجز فيه لم يجز في المهر؛ لأنه دين ثابت. وروى ابن نافع عن مالك في كتاب ابن سحنون: إذا قالت لزوجها: افدني وأضع عنك مهري وهو خمسون ديناراً، ففداها بعبد قيمته خمسون ديناراً؛ فلا شيء له من مهرها إلا أن يفديها وهو لا يعلم أنها امرأته. فصل ومن المدونة: قال مالك: ويجب على المسلمين فداء أسرارهم بما قدروا عليه، كما عليهم أن يقاتلوا حتى يستنقذوهم، قال: وإن لم يقدروا على فدائهم إلا بكل ما يملكون فذلك عليهم. ابن حبيب: وقاله الأوزاعي، وقد سمعت أهل العلم يقولون: يجب ذلك على الإمام وعلى العامة، فأما على الخاصة فمستحسن، وأمر عمر بن عبد العزيز أن يفدوا من هرب إليهم طوعاً من حر أو عبد.

وقال أشهب في العتبية: فإن طلبوا الخيل والسلاح فلا بأس أن يفدى به وأما الخمر فلا، ولا يدخل في نافلة بمعصية وقال. سحنون في كتاب ابنه: يفدى بالخيل والسلاح والمؤمن أعظم حرمة، وإن طلبوا الخمر والخنزير والميتة أمر الإمام أهل الذمة أن يدفعوا ذلك إليهم وحاسبهم بقيمته في الجزية فإن أبوا ذلك لم يجبروا. وقال ابن القاسم في كتاب محمد وغيره: لا يفدوا بالخيل والخمر، والخمر أخف. ومن كتاب ابن سحنون: ومن فدى مسلماً بخمر أو خنزير أو ميتة أو اشتراه بذلك أو هب له فكافأ عليه بذلك فلا رجوع له عليه بشيء من ذلك إلا أن يكون المعطي ذمياً فليرجع عليه بقيمة الخمر والخنزير، وإن كانت الميتة مما يملكون أخذ منه قيمتها. قلت: فلم أرجعته بما كافأ فيه والمكافآت تطوع؟ قال: لأنه رأى أنهم أرادوا الثواب. قال سحنون: ومن فدى خمسين أسيراً ببلد الحرب بألف دينار ومنهم ذو القدرة وغيرهم والمليء والمعدم، فإن كان العدو قد عرفوا ذا القدرة منهم وشحوا عليهم؛ فليقسم عليهم الفداء على تفاوت أقدارهم، وإن كان العدو جهلوا ذلك فذلك عليهم بالسوية، وكذلك إن كان فيهم عبيد فهم سواء والسيد مخير بن أن يسلمهم أو يفديهم.

فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن اشترى أم ولد لمسلم من حربي ببلد الحرب فعلى سيدها أن يعطيه جميع ما أدى شاء أو أبى وإن جاوز قيمتها ولا خيار له بخلاف العبيد والعروض، فإن كان عديماً أتبع بذلك وأخذها، وكذلك قال مالك في أم الولد تقع في المقاسم قيل له: فيأخذها سيدها بالقيمة أم بالثمن الذي اشتراها به؟ قال: بل بالثمن وإن كان أكثر من قيمتها ويجبر السيد على أخذها بذلك، فإن لم يكن عنده ثمن؛ أخذها وأتبع به ديناً، ولا تقر في يد مشتريها يطؤها أو ينظر إلى ما لا يحل له منها. وقال مالك في الموطأ: إذا وقعت في المقاسم فليفدها الإمام لسيدها، فإن لم يفعل فعلى سيدها أن يفديها. ومن المدونة: قال ابن وهب وقال ابن شهاب: في رجل عرف أم ولد في دار الحرب وقد خمست وأعطى أهل النفل نفلهم والقوم الذي لهم؛ فليأخذها ربها بقيمة عدل من أجل ما فيها من الرق ولو كانت عتقت لم تؤخذ فيها فدية.

ابن المواز: وقال أشهب والمغيرة وعبد الملك: سيدها الأقل من قيمتها أو الثمن الذي اشتراها به من العدو أو من المغنم. ابن المواز: وقول مالك أحب إلي أن عليه الثمن ما بلغ. وقاله ابن القاسم، وابن وهب، وأصبغ، ولم يختلفوا في العبد أنه يؤخذ فيه الثمن. قال أشهب: وإن كان مائة ألف. وذكر ابن سحنون في أم الولد نحو ما ذكر محمد. قال: وقال سحنون بقول مالك، وذكر أن سفيان يقول: إن لربها أخذها بلا ثمن وإن كانت قد قسمت وليس هذا قولنا. قال سحنون: وإذا عرف قبل القسم أنها أم ولد فلا تدخل المقاسم. قال سحنون: ولو صارت في سهم رجل بمائتي دينار ثم سبيت ثانية فغنمت فصارت في سهم آخر بمائه ثم سبيت ثالثة فغنمت فصارت في سهم آخر بخمسين فسيدها أولى

بها فيأخذها بالأكثر وهي المائتان فيأخذ منها من هي في يديه خمسين، والذي قبله مائة، وما بقي فللأول، ولو كانت في سهم الأول بخمسين والثاني بمائة والثالث بمائتين أخذها ربها من الثالث بمائتين وسقط الأولان، وكذلك لو كانت أمة. وإلى هذا رجع سحنون في الأمة بعد أن قال: غيره. م: وقد تقدم لابن المواز في العبد يسبي مراراً: أنه لا يأخذه سيده إلا أن يدفع جميع الأثمان. قال سحنون: وإذا أعتق أم الولد من صارت في سهمه وهو يعلم أنها أم ولد؛ فكأنه وضع المال عن سيدها، ولسيدها أخذها بلا ثمن ويبطل العتق، ولو لم يعلم فعلى سيدها غرم ما فداها به ويبطل العتق. م: وقد تقدم لابن شهاب: أنها إذا عتقت لم يؤخذ فيها فدية، واختلف في تأويل قوله هذا: فقيل: إن العتق ماض ولا شيء لربها. وقال بعض المتأخرين: معناه أنها عتقت قبل الأسر فصارت كحرة سبيت فلا تتبع بشيء. والذي عندي: إنما أعتقها من وقعت ف سهمه فكان لربها أن ينقض عتقه ويأخذها بغير شيء، إذ لا رق لمعتقها فيها، ولأن الولاء قد كان انعقد لربها، مع أن سفيان يقول: لربها أخذها بغير شيء وإن لم يعتق فكيف بهذه والله أعلم.

م: وقول سحنون حسن الذي فرق بين عتقه إياها عالماً أو غير عالم، وهو معنى قول ابن شهاب إن شاء الله. م: وقول ابن شهاب في الذي عرف أم ولده وقد خمست: أنه يأخذها بقيمة عدل؛ معناه: أنه أخذها الذي هي بيده في نفله أو قسم الرقيق أخماساً فوقعت في الأربعة الأخماس التي للجيش وأخذها هذا في سهمه فلذلك قال: يأخذها بالقيمة وهذا لا يخالفه ابن القاسم. قال سحنون: ولو أولدها المبتاع لأخذها سيدها بالثمن ورجع عليه بقيمة ولد أم الولد. قال: ولو مات سيدها قبل أن يعلم بها فهي حرة ولا يرجع على أم الولد بشيء ولا تركة سيدها. قيل: فلم قلت في الجناية: إذا مات السيد ولم يفدها أنها تتبع؟ قال: لأن هذا فعلها وليس لها في الأول فعل. قال: ولو ماتت بيد من صارت بيده لم يتبع سيدها بشيء، وكذلك في الجناية تموت قبل أن يفديها سيدها.

قال: ولو غلب أهل الحرب على أم ولد رجل ثم أسلموا عليها فليأخذها ربها ويؤدي إليهم قيمتها. فصل في المدونة ومن كتاب المدبر قال ابن القاسم: وإذا ارتد المدبر ولحق بدار الحرب ثم ظفرنا بهم استتيب فإن تاب وإلا قتل، فإن تاب لم يقسم ورد إلى سيده إن عرف بعينه. قال سحنون: وإن لم يعرف سيده بعينه لم يدخل في المقاسم إلا خدمته. قال أبو محمد: يريد سحنون أنه يؤجر بمقدار قيمة رقبته فتجعل تلك القيمة في المقاسم أو يتصدق بذلك إن تفرق الجيش، فإذا استوفى المستأجر خدمته كان باقي خراجه موقوفاً كاللقطة. قال ابن القاسم في المدونة: فإن جهلوا أنه مدبر حتى اقتسموا ثم جاء سيده فله أن يفديه بالثمن ويرجع مدبراً ثم لا يتبعه بشيء من ذلك هو ولا ورثته إن عتق في ثلثه وإن أبى أن يفديه خدم من صار إليه في الثمن الذي حسب به عليه؛ فإن أوفى وسيده

الأول حيّ رجع [إليه في الثمن الذي حسب به] عليه مدبراً، وإن هلك السيد وقد تركه بيد من صار في سهمه يخدمه في ثمنه فمات السيد قبل وفاء خرج من ثلثه حراً وأتبع بباقي الثمن، وإن لم يسعه الثلث؛ عتق منه ما وسع الثلث وأتبع ما عتق منه بما يقع عليه من بقية الثمن كالجناية في هذا، ولابد أن يضم قيمة المدبر عبداً إلى مال سيده ليعلم ما يحمل الثلث منه، وإن لم يترك السيد شيئاً غيره عتق ثلث المدبر ورق ما بقي لمشتريه؛ لأن سيده أسلمه فلا قول لورثته فيه، وأما في الجناية فإن الورثة يخيرون فيما رق منه أن يفدوه بما يقع عليه من بقي الجناية أو يسلمونه رقاً للمجني عليه. م: والفرق بينهما: أن مشتريه من الغنائم إنما اشترى رقبته فلما أسلمه سيده فقد أسلم له ما اشترى مما يرق منه بعد موته، وفي الجناية: إنما أسلم المجني عليه خدمته فإذا مات ولم يحمله الثلث عتق منه محمله وصار كمعتق بعضه جنى فتخير الورثة مما رق منه كما ذكرنا. م: ويحتمل: أن يكون هذا منه اختلاف قول؛ لأنه جعله في جميع أمره كالجاني؛ لأن لحوقه بدار الحرب من فعله، وسكوته حتى بيع في المقاسم ولم يعلمهم أنه مدبر فكان أيضاً كالجناية؛ فيجب أن يجرى مجرى الجاني في جميع أحكامه والله أعلم.

وقال غير ابن القاسم في المدونة: إن حمله الثلث عتق ولم يتبع بشيء وإن حمل بعضه لم تتبع حصة البعض العتيق بشيء وكان ما بقي رقيقاً لمن اشتراه بخلاف الجناية التي هي فعله، هذا إذا عتق أتبع بما يقع عليه من الجناية؛ لأن ذلك فعله. قال ابن المواز: وفرق ابن الماجشون بين المدبر يقع في المقاسم وبين الذي يشترى من بلد الحرب فقال: أما الذي يشترى من الغنيمة فسلم سيده خدمته ثم يموت السيد قبل أن يستوفي المشتري ما اشتراه به وحمله الثلث؛ فإنه يعتق ولا يتبع بشيء، [وإن حمل بعضه لم تتبع حصة البعض بشيء] كالحر يشترى من الغنيمة؛ فإنه لا يتبع بشيء، وأما المشترى من بلد الحرب: فإنه يتبعه مشتريه بما بقي له بعد أن يحاسب بما أخدمه به وما استغل منه؛ لأن الحر في هذا يتبع. قال محمد: صواب؛ ولأنه لا يأخذ أكثر مما أعطى فيدخله الربا. وذكر عنه ابن سحنون: أنه لا يحاسب بشيء مما اختدمه ويتبعه بجميع الثمن، ولم يأخذ به سحنون. وقال: وإذا أسلم بعض أهل الحرب على مدبر فإنه يكون له جميع خدمته ولا يقاعوا فيه بشيء فإذا مات سيده عتق في ثلثه ولم يتبع ما عتق بشيء كحر أسلموا عليه

ولو حمل الثلث بعضه رق باقيه لمن أسلم عليه ولم يتبع ما عتق منه بشيء، ولو كان على السيد دين محيط بجميع ماله رق المدبر لمن أسلم عليه. وقال: في مدبرة اشتريت من العدو أو من المقاسم أو أسلم عليها حربي ثم وطأها من صارت له فحملت: فإنها تكون له أم ولد ولا ترد إلى سيدها، ولو دبرها الذي اشتراها من العدو ولم يعلم سيدها فإن دفع سيدها إليه ما فداها به بطل تدبير الثاني وعادت إلى ربها على حالها، وإن أسلمها بقيت بيد مشتريها تخدمه ولا يبطل تدبيره فإن مات الأول وحملها ثلثه عتقت وأتبعها هذا بجميع ما فداها به، ثم إن مات هذا وثلثه يحملها لم يسقط ذلك ما فداها به، وهو حكم قد تم قبض ما فداها به أو لم يقبضه، ولو كان على الأول إذا مات دين يرقها بقيت للثاني وعتقت في ثلثه إن مات. قال ابن سحنون: ويتبعها ورثته بما فداها به وإن لم يحمل ثلثه إلا بعضها أتبعوا ذلك البعض بحصته ورق ما بقي لهم، وإن حمل الثلث الأول نصفها عتق نصفها وأتبع مفديها ذلك النصف بنصف الفداء وبقى نصفها بيده بمال التدبير، فإن مات عتق في ثلثه وأتبع ببقية الفداء.

م: وهذا الذي ذكره ابن سحنون في الإتباع بجميع الفداء هو على رواه عن عبد الملك وأما على ما روى عنه ابن المواز: فإنه يحاسبه بالخدمة ويتبع بما بقي. قال سحنون: وأما [الذي صارت له في السهمان ثم دبرها فتدبيره باطل فدارها ربها أو أسلمها؛ لأنه إنما أسلم إليه خدمتها تحسب عليه في ثمنها] فإذا تم رجعت إلى ربها. قال ابن المواز عن ابن القاسم: ولو أعتق المدبر مشتريه من المغنم لنفذ عتقه ولا يرد، وأما أم الولد والمعتق إلى أجل فلينقض عتق مبتاعهما ويأخذهما السيد وعليه قيمتهما، فإن لم يكن عنده شيء أتبع بذلك ديناً. قال أصبغ: أما المعتق إلى أجل فليس لسيده نقض عتقه. وقال ابن سحنون عن أبيه: إن أعتقه ولم يعلم لم يجز عتقه ويخير سيده في فدائه أو إسلامه، وإن أعتقه وهو عالم أنه معتق إلى أجل؛ فإن كان ما أخذه به أكثر من قيمة خدمته مضى عتقه، وإن كان أقل لم يجز عتقه وخير سيده في أن يفديه ويبقى بحاله إلى أجله أو يسلمه فيتم عتقه. فصل: في المعتق إلى أجل/ قال سحنون: والمعتق إلى أجل إذا سبي ثم غنمناه كالمدبر إذا عرف ربه أوقف له وإلا وقعت خدمته في المقاسم، ثم إن جاء سيده خير في فداء خدمته أو إسلامها لمشتريها

كالمدبر، ولو جهل أنه معتق إلى أجل فبيع في المقاسم؛ فإن فداه سيده بالثمن عاد إلى حاله، وإن أسلمه اختدمه هذا في الثمن، فإن استوفى قبل الأجل عاد إلى سيده، وإن تم الأجل ولم يف عتق ولم يتبع بشيء، ولو فداه رجل من العدو بمال فإن شاء سيده فداه بذلك [ولا يحاسبه بعد العتق، وإن شاء أسلمه صارت جميع خدمته للذي فداه] إلى الأجل فإذا عتق اتبعه بجميع ما فداه به. وقال ابن المواز: يحاسبه بالخدمة فإن بقي له بعد عتقه ببلوغ الأجل شيء اتبعه به في شرائه من العدو ولم يتبعه في شرائه من الفيء وإن استوفى من خدمته كلما أدى قبل تمام الأجل رجع إلى سيده يختدمه إلى الأجل. قال سحنون: ولو أسلم عليه حربي كان له خدمته إلى الأجل دون سيده فإذا عتق بتمام الأجل لم يتبع بشيء، ولو كانت معتقة إلى أجل فأسلم عليها حربي فأولدها كان عليه قيمة ولدها على أنهم يعتقون إلى الأجل مع أمهم. قلت: ولم وهو قد ملك منها ما كان يملك السيد؟ قال: لأنه لم يملكها ملكاً تاماً، ولو قتلت كانت قيمتها للذي أسلم عليها، ولو ولدت من غيره كان ولدها معها في الخدمة إلى الأجل، ثم يعتقون أجمعون، ولو فداها

رجل من بلد الحرب ثم أولدها فإن أدى سيدها إلى الواطئ ما فداها به قاصه بقيمة الولد على أنه ولد أم ولد. م: هكذا في النوادر على أنه ولد أم ولد، والصواب على أنه ولد معتقة إلى أجل. قال: وإن أسلمها فعلى الواطئ قيمة ولده، وكذلك لو أخذها في المقاسم ثم أولدها فإن فداها السيد قاصه بقيمة الولد، وإن أسلمها أخذ منه قيمة الولد. فصل: في المكاتب ومن كتاب المكاتب: وإن سبى العدو مكاتباً لمسلم أو لذمي أو أبق هذا المكاتب إليهم ثم غنمناه رد إلى ربه غاب أو حضر وإن لم يعرف ربه بعينه وعلم أنه مكاتب أقر على كتابته ويبعت كتابته في المقاسم مغنماً، ويؤدي إلى من صار إليه فإن عجز رق له وإن أدى عتق وولاؤه للمسلمين. قال سحنون في كتاب ابنه: ولا يجوز في أنه مكاتب أو مدبر شهادة السماع وإنما ينفعه أن تشهد بينة أن فلاناً وفلاناً أشهدهما أن مولاه كاتبه أو دبره ولم يسألاهما عن اسمه أو قالا: ذكر لنا اسمه فنسيناه.

قال سحنون: إن جاء سيده بعد أن بيعت كتابته ففداها عاد إليه مكاتباً، وإن أسلمها وعجز رق لمبتاعها. م: قال بعض فقهائنا: فإن أتى سيده وقد قبض المبتاع بعض الكتابة وأحب افتكاكه؛ فإن كان قبض نصف الكتابة يريد بالقيمة لا بالعدد حسبها عليه بنصف الثمن ودفع إليه نصفه، وإن قبض الثلث حسب عليه بثلث الثمن ودفع إليه ثلثه، هكذا إذا قبض جزءا حط عنه ذلك الجزء من الثمن ودفع إليه ما بقي، وأعاب هذا بعض أصحابنا وقال: بل إذا شاء سيده افتكاكه دفع إليه ما أدى وأخذ منه جميع ما قبض من الكتابة؛ لأن الذي يملك سيده منه هذه الكتابة، وهي كمال مسلم بيع في المقاسم فلسيده أن يدفع الثمن ويأخذه كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسواء قبض بعض الكتابة أو كلها أو لم يقبض منها شيئاً. [م: والأول أبين؛ لأنه إنما أدى مالاً معجلاً لما يرتجي من ربحه في المؤجل فإذا كان للسيد أن يأخذ منه مال الكتابة ويرجع إليه رأس ماله فقد أبطل عليه ما ارتجاه من الربح وظلمه، ويلزم على هذا الآخر أن لو مات المكاتب وترك مالاً أن يأخذ منه المشتري تمام رأس ماله وتكون الفضلة للمشتري وقال بعض أصحابنا، وليس ذلك بصواب،

والصواب: أن يأخذ المشتري بقية الكتابة حالة وتكون الفضلة للسيد؛ لأنه لو مات [ولم يترك شيئاً] ذهب مال المشتري باطلاً فلما كان عليه التوى كان له النماء، وقد قال مالك في المكاتب يبيع سيده كتابته ثم يموت قبل أدائها عن مال أن ماله للمشتري؛ لأنه لو عجز رق له فلو قاله قائل في المبيع في المقسم لم أعفه لأنه لو عجز رق له وقد فات ما اشترى فلا يكون السيد أحق به. والله أعلم]. قال ابن القاسم في العتبية وكتاب ابن سحنون: وإذا بيع المكاتب في المقاسم - يريد ولم يعلموا أنه مكاتب - قال ابن القاسم: يقال للمكاتب أد ما اشتراك هذا به وتعود مكاتبنا إلى سيدك، فإن فعل فذلك له وإن لم يقدر وعجز وخير سيده بين أن يسلمه عبداً أو بين أن يفديه عبداً كالجناية، وإلى هذا رجع سحنون بعد أن قال: بفداء سيده فإن فداه بقي له مكاتباً وإن أسلمه قيل للمكاتب: أما أديت ما صرت به لهذا أو تمضي على كتابتك، فإ، لم يقدر فهو كمكاتب عليه دين فلس به فإنه يعجز. وقال ابن المواز عن عبد الملك: أما إن اشترى المكاتب من العدو ولم يفده سيده فإنه يقال له رد لمشتريك الثمن الذي اشتراك به وتبقى على كتابتك تؤديها إلى سيدك وتخرج حراً فإن لم تفعل دفعت الساعة لمشتريك، وأما إن اشترى من الغنيمة فأسلمه سيده فلا يلزم المكاتب غير كتابته فقط يؤديها على نجومها ويخرج حراً ولا يتبع بشيء، فإن عجز رق لمشتريه ولم يكن لسيده فيه خيار ولا رجعة. قال سحنون: وإذا أسلم حربي على مكاتب بيده لمسلم فإنه تكون له كتابته، فإن عجز رق له، وإن أدى فولاؤه لعاقدها، ولو كان مع المكاتب عبد آخر بيد السيد في عقد

واحد، فإنه يقال للذي أسلم على الواحد وللسيد: إما أن يتبع أحد كما من الآخر كتابته الذي بيده ليصير المكاتبان في ملك واحد وإلا فبيع كتابتهما جميعاً واقتسما الثمن بقدر قيمة المكاتبين وقوتهما على الأداء فإن أديا فالولاء للأول وإن عجزا رقاً لمبتاع كتابتهما. ولو أن مكاتباً فداه رجل من العدو أو ابتاعه منهم فهو كما ذكرنا إذا وقع في المغانم في سهم رجل على قول ابن القاسم واختلاف قول سحنون كما تقدم. فصل: في المخدم وقال سحنون في الموصى بخدمته لرجل سنين ثم هو لفلان فأخذه العدو في الخدمة فابتاعه رجل: فإنه يقال للمخدم: أفده بالثمن فإذا تمت خدمتك قيل لصاحب الرقبة: ادفع إليه ما فداه وإلا فأسلمه إليه رقاً. في الحرية والذمية أو الأمة تسبي فتلد ثم تغنم وولدها وفي الحربي يسلم ثم يغنم ماله وولده قال ابن القاسم: وإذا سبى العدو حرة مسلمة أو ذمية فولدت عندهم أولاداً ثم غنمهم المسلمون فولدها الصغار بمنزلتها لا يكونون فيئاً وأما الكبار إذا بلغوا وقاتلوا فهم فيء.

م: وحكي عن أبي محمد أنه قال: وإذا بلغ ولدها ولم يقاتل لم يكن فيئاً حتى يقاتل بعد البلوغ. وقال ابن شبلون: إذا بلغوا فهم فيء قاتلوا أو لم يقاتلوا. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو كانت المسبية أمة كان كبير ولدها وصغيرهم لسيدها. [قال ابن سحنون: وقال أشهب: جميع ولد الأمة فيء إلا أن تقول: تزوجت فولدت فهذا الولد لسيدها معها]. واختلف قوله في ولد الحرة المسلمة: فقال: ولدها فيء. وقال: هم أحرار. وقال سحنون بقول ابن القاسم في ذلك كله. قال ابن حبيب: وكقول ابن القاسم روى مطرف عن مالك إلا في ولد الحرة الكبار فقال: هم تبع لها ويجبرون على الإسلام فإن أبوا قتلوا كالمرتد. وقاله ابن وهب، وبه

أقول لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه»، ألا ترى المسلمة يغتصبها نصراني الإسلام فتلد منه فلا يكون الولد إلا مسلماً، ولو كان الذي اغتصبها عبداً لكان الولد حراً. قال: وقال ابن الماجشون وأشهب: أولاد المسلمة والذمية والأمة صغارهم وكبارهم فيء. م: وتحصيل هذا الاختلاف: أن في ولد الحرة المسلمة ثلاثة أقوال: قول: إنهم أحرار بمنزلتها. وقول: إنهم فيء. وقول: إن الصغار بمنزلتها والكبار فيء. وفي ولد الأمة أيضاً ثلاثة أقوال: قول: إنهم عبيد لسيدها بمنزلتها. وقول: إنهم فيء. وقول: إن الصغار بمنزلتها والكبار فيء. وفي ولد الأمة أيضاً ثلاثة أقوال: قول: إنهم عبيد لسيدها بمنزلتها. وقول: إنهم فيء. وقول: إن كانوا من زوج فهم لسيدها، وإن كانوا ممن ملكها بالسبي أو غيره فيء. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا أسلم حربي ببلده ثم قدم إلينا وترك أهله وماله ثم غنمنا ذلك؛ فماله وأهله وولده فيء.

وقال غيره في كتاب النكاح: وولده الصغير تبع له وماله له أن يقسم فيستحقه بالثمن والمرأة فيء. قال ابن القاسم في كتاب ابن سحنون: قال مالك: وكذلك لو أسلم الكافر وأقام ببلده فدخلنا عليهم فإن ماله وأهله وولده فيء. وقال أشهب وسحنون: إن ولده أحرار تبع له وماله له وامرأته فيء، وكذلك لو هاج وحده وترك ذلك كله بأرضه، أو رجل مسلم دخل أرضهم فتزوج وكسب مالاً وولد له فذلك كله سواء وامرأته فيء. قال ابن المواز: وإذا قدم إلينا حربي بأمان فأسلم ثم غزا معنا بلاده فغنم ماله وولده وأهله؛ فأما ماله ورقيقه ودوابه وحريمه فهو له، وأما امرأته وولده الكبير فيء له ولأهل الجيش وينفسخ النكاح لشركته في ملك زوجته، وأما أولاده الصغار فأحرار مسلمون بإسلامه. ومن المدونة قال ربيعة: ومن اشترى عبدأً من الفيء فدل سيده على مال له ألغيره بأرض العدو والعبد كافر أو قد أسلم أو قد عتق؛ فإن دله في جيش آخر فالمال لهذا الجيش دون الذين قفلوا ولا يكون للسيد ولا للعبد، وإن دله قبل أن يقفل الجيش الذين كانوا سبوه فهو لذلك الجيش الذين كان فيهم.

فيمن أسلم على شيء في يديه للمسلمين أو نزل به معاهد والذمي ينقض العهد أو يحارب وقال مالك رحمة الله عليه: ومن أسلم على شيء في يديه للمسلمين فهو له حلال. م: وقال الشافعي: هو على ملك السلم فيأخذه بغير ثمن. ودليلنا ما روى ابن وهب أن النبي -صلى الله عليه وسلم-[قال: «من أسلم على شيء فهو له»]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «الإسلام يجب ما قبله». ولأن للكافر شبهة ملك على ما حازه يدل عليه قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} فسماهم فقراء بعد هجرتهم وتركهم أموالهم وديارهم. ولأنه لا خلاف أنهم لو استهلكوه في حال شركهم ثم أسلموا لم يضمنوه، ولو أتلفه مسلم على صاحبه لضمنه؛ فدل على ثبوب شبهة الملك لمشرك. قال مالك وبلغني أن ابن عباس قال: ما خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم العدو.

ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا نزل بنا حربي بأمان ومعه عبيد مسلمون قد أسرهم فلا يؤخذوا منه، ثم لو أسلم عندنا كانوا له دون سيدهم؛ لأنه كان ممتنعاً حتى أسلم من أهل الحرب على أموال في أيديهم للمسلمين قد أحرزوا عبيداً أو غير عبيدن فليس لأهل الإسلام أن يأخذوا من أيديهم شيئاً من ذلك لا بالثمن ولا بالقيمة إن كانوا قد تبايعوا ذلك بينهم، وكذلك من أسلم من أهل بلد على ما بأيديهم وبأيديهم أحرار ذمتنا فهم رقيق لهم كعبيدنا، وهم أحق بجميع الأمتعة من أربابها. قال ابن القاسم: وإذا نزل الحربي بأمان ومعه عبيد لأهل الإسلام فباعهم من مسلم أو ذمي لم يكن لربهم أخذهم بالثمن إذ لم يكن يقدر على أخذهم من بائعهم في عهده بخلاف بيع الحربي إياهم في بلده؛ لأن الحربي لو وهبهم في بلد الحرب لمسلم ثم قدم بهم لأخذهم ربهم بغير ثمن وليس ذلك له لو وهبهم له معاهد. ابن المواز قال ابن القاسم: إذا نزل الحربيون بأمان للتجارة فأسلم رقيقهم أو قدموا بهم مسلمين؛ فلا يمنعوا من الرجوع بهم إذا أدوا ما روضوا عليه، ولو كن إماء لم يمنعوا من وطئهن، ولقد أنكر هذا القول رجل من أهل المدينة يقال له داود فبلغ ذلك مالكاً فقال: ألم يعلم أن رسول الله صالح أهل مكة على أن يرد عليهم من جاء منهم فهرب أبو جندل بن سهيل وهو مسلم حتى أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فطلبه أبوه من مكة فرده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: «إنا لا نخفر بالعهد».

قال مالك: فكذلك حجة الحربي أن يقول: عهدي لا ينقض. وقال عبد الملك: بل يعطوا في كل مسلم أدبر قيمته وينزع منهم. قال ابن حبيب: أما من أسلم من رقيق المستأمنين فليبع عليهم كما يفعل بالذمي ثم لا يكون ذلك نقضاً للعهد، وأما ما بأيديهم من سباية المسلمين فليؤخذوا منهم ويعطوا قيمتهم وإن كرهوا. وهذا أشد من الأول ولا يكون هذا خفراً وأما ما بأيديهم من أموال للمسلمين أو رقيق على غير الإسلام أو أحرار ذمتنا ممن أخذوه وأسره فلا يعرض لهم في شيء من ذلك بثمن ولا بغير ثمن. وقال مطرف وابن الماجسون وابن نافع وغيرهم ورووه عن مالك وانفرد ابن القاسم فقال: لا يعرض لهم فيما أسلم من رقيقهم أو ما بأيديهم من سبايا المسلمين وأساراهم ولا يعجبني. قال ابن المواز: وإذا قدم إلينا حربي بأمان ومعه متاع لأهل الإسلام، وعبيدهم، وأحرار مسلمون، وأحرار ذميون، ومكاتبون، ومدبرون؛ فإن لم يسلم لم يعرض له في شيء

مما في يديه من ذلك كله وكان له أن يبيع كل ما سيمت ويأخذ ثمنه أو يرده إلى بلد بعد أن يغرم ما لزمه من العشر الذي نزل عليه. قال: وأما إن أسلم هو فلا يكون له في الأحرار حق ويؤخذون منه ويخرجون أحراراً ذميون كانوا أو مسلمون. وأما كل مال للمسلمين فلا يؤخذ منه شيء؛ لأن من أسلم على شيء في يديه فهو أحق به من أربابه ما لم يكن حراً أو أم ولد، وترد أم الولد إلى سيدها ويتبعه بقيمتها. وأما المكاتب فتكون له كتابته فإن عجز بقي رقيقاً لهذا الحربي وإن أدى كان حراً وولاؤه لسيده الذي عقد كتابته. والمدبر يختدمه ويؤاجره مادام سيده حياً، فإن مات وحمله ثلثه كان حراً، فإن رق أو رق منه شيء كان ما رق منه للحربي الذي أسلم عليه. قال ابن حبيب: وأما إن أسلم المستأمن فمجمع عليه أن يطلق من بيده من أحرار المسلمين وأهل الذمة، وأما أموالهم فهي له إلا أن يتنزه عنها ولا يحكم عليه. وقال ابن المواز: إذا أسلم وبيده أحرار ذمتنا فقال ابن القاسم: يكونون رقيقاً له. وقال أشهب: لا يسترقون وهم أحرار. وقول أشهب أحب إلينا. ومن العتبية قال سحنون: ولو قدم إلينا معاهد ومعه مدبر أو مكاتب لمسلم فللمعاهد كتابة المكاتب فإن أداها عتق وولاؤه لسيده وإن عجز رق للمعاهد.

قال: وله خدمة المدبر، فإن مات سيده والثلث يحمله عتق أو ما حمل منه ورق باقيه للمعاهد. قال ابن المواز: ولو كان معه عبد مسلم قد أرتد فلا يعرض له في قول ابن القاسم، ويبيعه إن شاء أو يرده، فإن باعه استتيب فإن تاب وإلا قتل. قال أبو محمد: انظر هل يجوز شراؤه. ابن المواز: ولو اعترف الحربي المستأمن أنه عبد لمسلم أو لذمي وأنه مرتد قال: إذاً يحكم عليه وليس كمال الحربي المستأمن. قال أصبغ عن أشهب: ولسيد العبد أخذه وكل ما معه ويحكم على المرتد بحكم الإسلام. وقال عن ابن القاسم: لا يقتل المرتد، وروى عنه في الرسول يظهر أنه مرتد: أنه يقتل. وقال أصبغ: الرسول وغيره سواء.

قال عيسى عن ابن القاسم: في المعاهدين ينزلون بأمان فإذا فرغوا سرقوا عبيداً لنا وأحراراً ثم قدموا ثانية بأمان ولم نعرفهم وهم معهم قال: يؤخذون منهم ولا يتركون يبيعون الأحرار ويطئون المسلمات. قيل: أليس قد صاروا حرباً ثم أستأمنوا؟ قال: بل هم كمداينتهم للمسلمين ثم يهربون ثم ينزلون ثانية؛ أن الديون تؤخذ منهم، ثم رجع ابن القاسم فقال: لا يؤخذ منهم حر ولا عبد ولا ما داينوا به المسلمين من قبل. وقال في كتاب ابن سحنون: إن عادوا بهم فلنأخذهم منهم ولو قدم بهم غيرهم لم نأخذهم. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا خرج من أهل الذمة متلصصين فأخافوا السبيل وقتلوا حكم فيها بحكم الإسلام إذا حاربوا ويكون الإمام مخيراً إن شاء قتل وإن شاء قطع رجله ويده من خلاف، ولا يجمع عليه مع القتل قطع ولا

ضرب، ولا يضرب إذا قطع، وإذا قتل فلابد من قتله، وليس كل المحاربين سواء منهم من يخرج بعصا ونحوه فيؤخذ على تلك الحال بحضرة خروجة ولم يخف السبيل ولم يأخذ مالاً؛ فهذا لو أخذ بأيسر الحكم لم أر به بأساً وذلك الضرب والنفي ويسجن في الموضع الذي نفي إليه حتى تعرف توبته. قال ابن القاسم: وإن خرج أهل الذمة نقضاً للعهد ومنعاً للجزية وامتنعوا من أهل الإسلام من غير أن يظلموا والإمام عدل فهم فيء ولا يردوا إلى ذمتهم إذا نقضوا من غير ظلم ركبوا به؛ بذلك مضت السنة فيمن نقض العهد والإمام عدل، من ذلك أهل الإسكندرية مثلهم عمرو بن العاص الثانية وسلطيس قوتلت ثانية وسبيت. قال يريد بن أبي حبيب: في بلهيب وسلطيس أنهم سبوا بعد أن نقضوا ودخل سبيهم المدينة سباهم عمرو بن العاص في زمان عمر بن الخطاب.

[قال أبو إسحاق: لم يجعل خروجهم للحرابة ولا قتل الأنفس نقضاً للعهد الذي بيننا وبينهم وهو يقول: إذا غصبوا مسلمة على نفسها فهو نقض للعهد، ويقتل فاعل ذلك، وفي هذا نظر؛ إلا أن يكونوا عوهدوا على هذا المعنى في حين عوهدوا، فإذا خرجوا ناقضين للعهد استرقوا لأنا إنما أقررناهم على عهد فمتى نقضوه رجعوا إلى ما كانوا عليه من استباحة القتل والسبي؛ لأنا لم نوجب على أنفسنا ترك قتلهم وسبيهم إلا بشرائط متى تركوها بقوا على ما كانوا عليه من القتل والسبي ونقضهم إنما يكون بأن يرجعوا إلى ما كانوا عليه من استباحة القتل والسبي؛ لأنا لم نوجب على أنفسنا ترك قتلهم وسبيهم إلا بشرائط متى تركوها بقوا على ما كانوا عليه من القتل والسبي ونقضهم إنما يكون بأن يرجعوا إلى ما كانوا من الحرب لنا والخروج علينا ويصير على هذا ما فعلوه على غير هذه الطريقة من غصبهم لأموالنا وقتلهم لما أقررناهم على أن يكونوا يحكم عليهم بحكم الإسلام لا على أن ذلك نقض للعهد الذي عاهدناهم عليه وهذا لعمري ظاهر إلا إكراههم للحرة فإن ذلك غشكالاً]. قال ابن القاسم: وإن كان ذلك من ظلم ركبوا به فأرى أن يردوا إلى ذمتهم ولا يكونون فيئاً. قال سحنون: وقال أشهب: لا يعود الحر إلى رق أبدا ويريدون إلى ذمتهم ولا يكونون فيئاً. قال ابن حبيب: وانفرد بهذا أشهب.

[وقال محمد بن مسلمة: إذا حارب الذمي قتل؛ لأنه نقض العهد ولا يؤخذ ولده؛ لأنه إنما نقض وحده وماله لا عهد له، وإن قطع السبيل لم يؤخذ ماله؛ لأنه بقي في ذمته قال الداودي: إذا كان ذلك عن ظلم ظلموا به فهو نقض؛ لأنهم لم يعاهدوا على أن يظلموا من ظلمهم. قال بعض المتأخرين: وهو أبين؛ لأنهم رضوا بطوع ما عقد لهم وإسقاط حقهم فيهم. وقول أشهب: إنه لا يعود إلى الرق ليس بحسن، وقد حاربت قريظة بعد أن عاهدهم النبي -صلى الله عليه ولم- وقتل الرجال وسبى الولدان].

جامع ما يعد من الذمي نكثاً وسبيهم وسبي ذراريهم وارتدادهم بعد الإسلام وخروج المسلم إلى دار الحرب وحربه معهم وفي الجاسوس وهذا الباب كله من غير المدونة. ومن كتاب ابن حبيب روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: أن نصرانياً نخس بغلاً عليه امرأة مسلمة فوقعت وانكشفت عورتها فكتب أن يصلب في ذلك الموضع. وقال: إنما عاهدناهم على إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون. وفي يهودي دهش ناقة عليها امرأة مسلمة فوقعت فانكشف عورتها فضربه ابنها بالسيف فقتله فأهدر عمر -رضي الله عنه- دمه. وقال: في نصراني اغتصب مسلمة أنه يقتل وهو كنقض العهد. قال ابن حبيب: ولها الصداق من ماله والولد على دين أمه وهو مجذوذ النسب لا يلحق بأبيه، ولو أسلم الأب لم يقتل؛ لأنه إنما يقتل لنقض العهد لا للزنا، وقال أصبغ. وقال في مسلمين لجؤوا إلى حصن لأهل الذمة وهم شاتون فلم يفتحوا لهم فباتوا خارجاً منه فمات بعضهم من البرد فاستباحهم عمر ورآه نقضاً للعهد.

فصل ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في أهل الذمة تنزع رجالهم فيحاربون فيظفر بهم هل تسبي نساؤهم وذراريهم؟ ومن زعم أنه مكره من صغار رجالهم، ومن يرى أنه مغلوب على أمره، قال: إن كان الإمام عدلاً قوتلوا وقتلوا وسبي نساؤهم وذراريهم وأبناؤهم المراهقون والأبكار وهم تبع لهم، وأما من يرى أنه مغلوب على أمره مثل الكبير والضعيف والزمن فلا يعرض لهم بقتل ولا رق ولا غيره، وإذا قاتلوا فظفرنا بالذرية قبل ظفرنا بهم فلا بأس أن نسبيهم إذا كان الإمام عدلاً ولم ينقموا ظلماً. قال: ولو نقضوا ومضوا إلى بلاد الحرب وتركوا الذرية: لم يجز سبيهم ولو حملوهم معهم ثمظفرنا بهم جاز لنا سبيهم فأما إن لم يكن الإمام عدلاً ونقموا شيئاً لم يعرف؛ فلا يقتلوا ولو ظهر لهم في تلك الحال لم يسترقوا ولم تسب لهم نساء ولا ذرية وردوا إلى ذمتهم، وكذلك لو تحملوا بذراريهم إلى أرض العدو لم يستحل منهم شيء على هذا إلا أن يعينوا علينا المشركين بعد دخولهم إليهم ويقاتلوا معهم فيسلك بهم مسلك الحربي فيهم وفي ذراريهم ونسائهم.

قال عنه ابن حبيب: وإذا حارب أهل الذمة والإمام عدل وله فليستحل بذلك نساؤهم وذراريهم، وأما من يرى أنه مغلوب عليه منهم أو من زعم من ضعفاء رجالهم من كبير أو من ذي زمانة أنه استكره فلا يستباحوا ولا يسترقوا. وقال أصبغ: كلهم مستباحون لنقض أكابرهم كما صالحهم عليه صلح. وقال الأوزاعي وابن الماجشون، وهو أحب إلي. وقال ابن الماجشون: وكذلك فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قريظة وغيرها سباهم وذراريهم وحاشيتهم؛ لأنه إنما يقوم بالأمر رجالهم وأكابرهم من حرب وعقد وصلح فيجزي ذلك على الجميع. قال ابن القاسم عن مالك: وإن خرجوا عن ظلم فلا يقاتلوا وإن قتلوا المسلمين في مدافعتهم. قال ابن الماجشون: وكذلك إن احتجزوا في دارهم فلا يقتلوا ما لم يخرج ذلك منهم إلى الفساد في الأرض والخروج على المسلمين فإن فعلوا هذا جوهدوا وصاروا فيئاً. وقال مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ وغيرهم.

قال ابن المواز: وإذا حالفت قرية من أهل الذمة ونكثت وقاتلوا وقتلوا؛ فإنه تستباح نساؤهم وذرياتهم بنقض رجالهم وأكابرهم. قال ابن سحنون وقال ابن القاسم: في أهل الذمة ببلد المسلمين قد ظفر بهم العدو وأقام بها أهل الذمة معهم وتليهم مدينة أخرى للمسلمين يغزونهم ويغيرون عليهم فذكروا أن أولئك الذميين يتجسسون عليهم ويطلبونهم مع العدو فيستفزوا ويقتلوا فإذا ظفرنا بأحدهم قالوا: نحن نؤمن بهذا ونقهر عليه ويخافوا القتل إن لم يفعلوا ولا يعلم ما ادعوه من القهر والغلبة والخوف إلا بقولهم، فما ترى فيمن ظفرنا به منهم؟ قال: أما من قتل منهم مسلماً فليقتل، وأما من لم يقتل ولكن يطلب مع العدو ويستفيد الغنيمة ونحو هذا فلا يقتل ويطال سجنه. قال: وإذا أجل لهم أجلاً في الرحيل من عند العدو فجاوزوه وأغاروا معهم علينا وسبوا وأسروا وزعموا أنهم منعوا، ولا يعرف ذلك إلا بقولهم؟ قال: إن تبين ما قالوا لا يستحلوا.

قال: وإذا نقض أهل الذمة العهد بعد أن سرقوا لنا أموالاً وعبيداً وغير ذلك، فحاربوا وذلك في أيديهم ثم صالحونا على أن يعودوا لنا ذمة. قال: يوفا لهم فإن لم يطلع على تلك السرقات إلا بعد الصلح فللإمام أن يخيرهم إما أن يردوها أو يرجعوا إلى حالهم من الحرب إلا أن يشترطوها في الصلح فلا كلام له، وأما ما أخذوا في حال حربهم فلا خيار للإمام فيه بعد الصلح. فصل قال ابن حبيب قال ابن القاسم: في قوم أتونا بنسائهم وأولادهم فأسلموا ثم تركوا الإسلام ورجعوا إلى بلادهم فأدركناهم وأسرناهم أنهم كالمرتدين في المال والدم يستتاب كبارهم ويجبر صغارهم على الإسلام إذا بلغوا من غير استتبابة. وقال أصبغ: ليسوا كالمرتدين وهم كالمحاربين لأنهم جماعة فهم كأهل النكث؛ لأن المرتد إنما هو كالواحد وشبهه. وليس قول أصبغ بحسن؛ لأن أهل النكث إنما هم أهل الذمة ونحن نسترقهم إذا ظفرنا بهم، ولعمري أنه لأمر خالف فيه عمر أبا بكر في أهل الردة من العرب؛ جعلهم أبو بكر كالناقضين، فقتل الكبار وسبى النساء والصغار وجرت فيهم المقاسم في أموالهم، وسار فيهم عمر السيرة في المرتدين؛ فرد النساء والصغار من الرق إلى عشائرهم كذرية من ارتد فلهم حكم الإسلام إلا من تمادى بعد بلوغه والذين كانوا أيام عمر لم يأب أحد منهم الإسلام، وعلى هذا جماعة من العلماء وأئمة السلف إلا القليل منهم؛ فإنهم أخذوا في ذلك برأي أبي بكر -رضي الله عنه-، وبه قال أصبغ.

وذهب ربيعة وابن القاسم وابن الماجشون إلى فعل عمر وبه أقول. ومن العتبية قال ابن القاسم فيمن لحق بأرض الحرب فتنصر وأصاب دماء المسلمين وأموالهم ثم أسلم: فإن ذلك يزيل عنه القتل وكلما أصاب، ولو كان أصاب ذلك قبل أن يرتد أقيد منه؛ يقتله الإمام ولا ينظر إلى أولياء من قتل؛ لأنه كالمحارب، ولا عفو فيه لولي الدم، ولا يستتاب استتابة المرت. وذكر مثله سحنون وابن المواز. قال سحنون عن ابن القاسم: إن ارتد أهل حصن عن الإسلام؛ فليقاتلوا ويقتلوا ولا تسبى ذراريهم ولا تكون أموالهم فيئا. قال في كتاب محمد: وتجبر ذراريهم على الإسلام وما ولد لهم بعد الكفر فليردوا إلى الإسلام ما لم يكبروا على الكفر. وكذلك قال عبد الملك: لا تسبى ذراريهم ولا نساؤهم؛ لأنهم يقولون: نحن لم نرتد، ولو كانوا أهل ذمة نكثوا وقاتلوا فظفرنا بهم لسبي نساؤهم وذراريهم واستحلت أموالهم بنقض رجالهم وكذلك فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في بني قريظة وغيرهم سباهم وحاشيتهم.

قال ابن حبيب: والسنة في المرتد يلحق بدار الحرب فيقتل المسلمين ويزني ويسرق ثم يتوب: أنه لا يؤخذ بشيء من ذلك، وإن فعل ذلك في دار الإسلام بعد ردته؛ فليؤخذ بذلك وإن أسلم. وإن مجن مسلم بدار الإسلام ولحق بدار الحرب على مجونه فحارب معهم فقتل منا أو لم يقتل؛ أنه يحكم فيه بحكم المحارب في بلد الإسلام من القتل والصلب ويؤخذ فيه بأعظم عقوبة الله عز وجل في المحارب قتل أو لم يقتل، ولا تقبل توبته ولا عفو فيه وإن ادعى أنه كان في فعله ذلك مرتداً لم يصدق إلا ببينة فحينئذ يسن به سنة المرتدين في قبول التوبة وهدر ما كان فعل من ذلك وليس تركه الصلاة بدار الحرب وشربه الخمر بردة حتى يفصح بالردة. وقاله ابن الماجشون، وقال أصبغ عن ابن القاسم. ومن كتاب المحاربين قال عبد الملك: لا يجوز للإمام أن يؤمن المحارب وينزله على ذلك ولا أمن له بذلك؛ لأنه في سلطانك وعلى دينك إنما امتنع منك بعزة لا بدين. قال سحنون: وإذا هرب المحارب ودخل حصناً من حصون الروم فحاصرنهم فنزل أهله بعهد وطلب المحارب العهد والأمان فأمنه أمير السرية قال: لا أمان له ولا يزيد حكم الحرابة عنه جهل من أمنه وقد ظفرنا به قبل التوبة. محمد وقد اختلف فيه.

م: وفي كتاب المحاربين والمرتدين إيعاب هذا. فصل ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا وجدنا بأرض الإسلام عينا لأهل الشرك وهو حربي دخل بغير أمان، أو كان ذمياً أو مسلماً يكاتبوهم بعورات المسلمين؛ فأما الحربي: فللإمام قتله واستحياؤه كمحارب ظفرنا به، وللإمام أخذ ماله ولا خمس فيه وهو فيء، فإن أسلم قبل أن يقتل فلا يقتل ويبقى رقيقاً كالأسير يسلم. وأما المسلم يكاتبهم؛ فإنه يقتل ولا يستتاب وماله لورثته وهو كالمحارب والساعي في الأرض فساداً. وقال بعض أصحابنا: يجلد جلداً منكلاً ويطال سجه وينفي من موضع كان فيه بقرب المشركين. قال: وإن كان ذمياً قتل ليكون نكالاً لغيره. ومنه ومن العتبية قال ابن القاسم: يقتل لجاسوس ولا تعرف لهذا توبة. قال عنه ابن المواز: إن ظاهر على أمور المسلمين بأمر دل على عوراتهم قتل، فإن لم يكن فيما كان منه مظاهرة على عوراتهم سجن حتى تعرف توبته.

فيمن أسلم من عبيد الحربيين بعد خروجه إلينا أو قبل وكيف إن أقام ببلدنا مسلما روى ابن وهب أن المغيرة بن شعبة نزل وأصحاب له بأيلة وهم حينئذ كفار فشربوا خمراً وسكروا وناموا فقال إليهم المغيرة فذبحهم وأخذ ما كان معهم وقدم به على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلم ودفع إليه وأخبره الخبر فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنا لا نخمس مالاً أخذ غصباً» وترك المال في يد المغيرة بن شعبة.

قال ابن القاسم: وإذا قدم إلينا عبد لرجل من أهل الحرب بأمان فأسلم ومعه مال لسيده: فالمال للعبد ولا يخمس؛ كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمغيرة. ابن حبيب وقال أصبغ: المال لسيده إلا أن يكون استأمن على الإسلام وعلى ما معه في أول نزوله فهذا يكون له؛ كما لو هرب به مسلماً، بخلاف إسلامه بعد أن استقر نزوله بالعهد، وقول ابن القاسم أحب إلينا. وقال أشهب في كتاب ابن سحنون: هو حر في حكم الإسلام ولا يعرض له في المال إلا أن عليه أن يفي لسيده لأنه خرج على أن يرجع إليه فليرجع إليه ويرد إليه المال وهو حر على سيده، ألا ترى أن لو بعث أسيراً مسلماً بتجارة فهو حر لا يكلف أن يرجع، ولا يمنع مما في يديه إلا أن عليه الوفاء لمن بعثه بما خرج إليه. ومن المدونة قال ربيعة في قطبي فر من أرض العدو بمال: فهو حر وعليه الجزية والمال له، وإن جاء مسلماً فالمال له وهو من المسلمين. قال يحيى بن سعيد: وإن أؤتمن أسير على شيء. سحنون. أو على ألا يهرب.

قال: فليؤد أمانته، وإن كان مرسلاً وقدر على أن يأخذ من أموالهم شيئاً لم يؤتمن عليه ويتخلص فليفعل. ابن المواز: وإن خلوه على أيمان حلف لها بها؛ فأما مثل العهد والوعد فذلك يلزمه، وأما بالطلاق والصدة فلا يلزمه ولا حنث عليه؛ لأنه مكره. وقال ابن القاسم. ولو هرب بجارية أو غيرها وقد كان أسر من بلد الإسلام فلا خمس عليه فيه؛ لأنه مما لم يوجب عليه فيه. قال: وإن كان إنما خرج إلى بلد الحرب غازياً فأسر؛ فعليه فيما هرب به الخمس ما لم يصل إلى بلد الحرب إلا بالإيجاف. قال ابن القاسم: ولا يحل له وطء الجارية ما دام في بلد الحرب فإذا دخل بلاد الإسلام حل له وطؤها إذ قد صارت له فيئاً. م: يريد التي لا خمس فيها. قال: وللأسير أن يسرق من مال العدو ولا يعاملهم بالربا. قال أشهب: وإن دفعوا إليه ثوباً يخيطه فلا يحل له أن يسرق منه. م: لأنه أؤتمن عليه فلا يجوز.

قال ابن المواز: وما أقر به بعد تخلصه إلى بلد الإسلام أنه كان فعله من سرقة أو زنا أو خيانة أو ربا فلا شيء عليه في السرقة وأحب إليّ أن يتصدق بقدر ما أربى أو خان إذ لا يقدر على رد ذلك إلى أهله، واختلف في زناه: فقال ابن القاسم: يقام عليه الحد إن شهد أو أقر وأقام على إقراره ولم يرجع وقال أصبغ، وسواء زنا بحربية أو مملوكة. وقال عبد الملك: لا حد عليه في زناه ولا في سرقته منهم. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن أسلم من عبيد الحربين لم يزل ملك سيده عنه إلا أن يخرج العبد إلينا أو ندخل بلادهم نحن فغنمه وهو مسلم وسيده مشرك فهو حر، ولا يرد إلى سيده إن أسلم سيده بعد ذلك. واختلف: إذا لم يخرج حتى وقع الفتح ودخل المسلمون عليهم: فقال ابن القاسم: هو حر. وقال ابن حبيب: هو رقيق لذلك الجيش. وهو أقيس.

وقد أعتق النبي -صلى الله عليه وسلم- عبيداً لأهل الطائف لخروجهم مسلمين، وابتاع أبو بكر بلالاً إذ أسلم قبل مولاه فأعتقه، والدار يومئذ دار حرب وأحكام الجاهلية ظاهرة، فلو انتقل ملك ربه عنه كان ذلك فداء ولم يكن ولاؤه لأبي بكر. وقيل: إلا بلالاً أعتقه أبو بكر قبل الهجرة وقبل ظهور أحكام النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وإنما يكون حجة لو كان بعد الهجرة وظهور أحكام النبي -صلى الله عليه وسلم/. قال: هي الحجة حتى يأتي ما ينقضها. قال ابن القاسم: وإن خرج العبد إلينا مسلماً وترك سيده مسلماً فهو له رق إن أتى. وإن أسلم عبد الحربي بدار الحرب فدخل إليهم مسلماً بأمان فاشتراه فهو لمبتاعه لما صنع مولى بلال وشراء أبي بكر له؛ ولأن سيده لو أسلم قبل أن يخرج العبد إلينا بقي له

رقاً، ألا ترى أن مالكاً قال في عبد مسلم يأسره العدو فيبتاعه منهم رجل من المسلمين: أنه رقيق له فكذلك هذا أنه ملك لمن اشتراه. وقال أشهب وغيره: إسلام العبد في دار الحرب يزيل ملك سيده عنه خرج إلينا أو أقام ببلده. وإن اشترى كان كالحر المسلم يفدى يتبعه مشتريه بالثمن. وتسترق العرب إذا سبوا كالعجم. في المستأمن يموت عندنا ويترك مالاً والحكم في ديته إن قتل قال مالك -رضي الله عنه-: وإن مات عندنا حربي مستأمن وترك مالاً فليرد. ماله إلى ورثته ببلده، وكذلك إن قتل فديته تدفع إلى ورثته ويعتق قاتله رقبة وكذلك في كتاب محمد. وقال سحنون: يدفع ماله وديته إلى حكامهم وأهل النظر لهم حتى كأنهم تحت أيديهم وماتوا عندهم ونقلها أبو محمد: أن من مات رد ماله إلى من يرثه ببلده، وإن قتل دفعت ديته إلى حكامهم، ويعتق قاتله رقبة.

قال ابن حبيب: وإن ظهرنا على ورثته قبل أن يأخذوا ذلك فذلك فيء لذلك الجيش الذين ظهروا عليهم. م: وإنما يرد ماله لورثته إذا مات عندنا إذا استأمن على أن يرجع أو كان شأنهم الرجوع، وأما لو استأمن على لمقام أو كان ذلك شأنهم فإن ما ترك يكون للمسلمين وكذلك في كتاب ابن سحنون، قال فيه: إذا مات المستأمن عندنا ولم يكن ذكر رجوعاً كان أكثر المستأمنين بذلك البلد إنما هو على المقام فميراثه للمسلمين ولم يكن لهذا أن يرجع، وإن كان شأنهم الرجوع فله الرجوع وميراثه إن مات يرد لورثته ببلده إلا أن تطول إقامته عندنا فليس له أن يرجع ولا يرد ميراثه، وإذا لم يعرف حالهم ولا ذكروا رجوعاً فميراثه للمسلمين. ومن كتاب ابن المواز: وإذا أودع المستأمن عندنا مالاً ثم رجع إلى بلده فمات؛ فليرد ماله إلى ورثته وكذلك لو قتل في محاربة للمسلمين فإنا نبعث بماله الذي له عندنا إلى من يرثه وأما لو أسر ثم قتل صار ماله فيئاً لمن أسره وقتله؛ لأنهم ملكوا رقبته قبل قتله. وقال ابن القاسم وأصبغ. وكذلك قال ابن حبيب: إن قتل بعد أن أسر قال: وأما إن قتل في المعركة فهو فيء ولا خمس فيه؛ لأنه لم يوجف عليه. وقال ابن الماجشون وابن القاسم وأصبغ. [قال ابن المواز: ولو قتل المستأمن عندنا مسلماً أو ذمياً لقتل به في العمد، وإن كان خطأ فعلى قاتله الدية متى قدر على ذلك، وهو ما دام في عهده كالذمي في جميع أموره عند ابن القاسم وعبد الملك].

قال ابن المواز: وإذا داين المستأمن الناس عندنا ببيع أو سلف ثم عاد إلى بلده فدخلناها فغنمناه وماله وله عندنا ودائع دين، قال: فماله الذي ببلد الحرب لمن غنمه وماله الذي ببلد الإسلام لغرمائه، ولولا غرمائه لكان ذلك كله لمن غنمه. وقال ابن القاسم وأصبغ. وقال غيره في كتاب ابن سحنون: ماله الذي ببلدنا علينا فيه أمانة فليرد إلى أهله إذا لم يكن عليه دين. قال فيه ابن القاسم: وإن وقع في سهمان رجل أو ابتاعه فأخرج لسيده مالاً بأرض الشرك فذلك فيء للذين غنموه وليس للسيد إلا ما أفاد عنده. وقال ابن عبدوس: إذا أودع الحربي وديعة فغنم وصار في سهمان رجل فإن تلك الوديعة للعبد لا للجيش الذين سبوه. قال ابن المواز: ولو سرق المستأمن من مسلم أو ذمي لقطع، ولو قذف مسلماً حراً؛ لحد. وقال أشهب لا قطع على الحربي المستأمن في سرقته من مسلم أو ذمي، ولا على من سرقه منه، ولا حد عليه إن قذف مسلماً ولكن يعاقب. وقد قال مالك: إن خصى عبده لا يعتق عليه وكأنه خصاه ببلده.

قال أشهب: بخلاف الذمي؛ لأن الذمي لو أخصى عبده لعتق عليه، وقد أعتق النبي -صلى الله عليه وسلم-/ على سندر غلاماً له حين خصاه وجدع أنفه وسندر يومئذ كافر. وقال ابن القاسم: لا يعتق على الذمي ولا على الحربي المستأمن عبيدهما إذ مثلاً بهما، وأمرهما واحد ما دام الحربي في أمانه. ابن المواز: وهذا رأينا وأوثق عندنا.

قال ابن المواز: إن لم يقم على الحربي حتى هرب إلى دار الحرب ثم عاد إلينا بأمان ثان فليؤخذ بما تقدم ولا يزيله أمانه الثاني، ولا يؤخذ بما صنعه في بلده وفي غير عهده من قذف وقتل وغضب ونهب. وفي كتاب ابن سحنون عن ابن القاسم: نحوه إلا أنه قال في جناية المعاهد الخطأ: لا عاقلة له؛ لأن العواقل على ثلاثة أوجه: 1 - عشيرة الجاني. 2 - وأهل جزية النصراني. 3 - ومسلم لا عشيرة له ولا ولاء، كمن أسلم فعقله على بيت مال المسلمين وميراثه لهم. والمعاهد ليس من هذه الأوجه فذلك في ماله وإلا ففي ذمته، وللإمام منعه من الرجوع حتى يؤديها أو يبعث إلى بلده في ذلك إلا أن الدية عليه في ثلاث سنين مؤجلة. قال أشهب: فإن أبوا أن يبعثوا إليه شيئاً فإنما عليه بقدر ما يلزمه معهم لو أطاعوا على اجتهاد الإمام. وقال سحنون: بل ذلك في ذمته.

في محاصرة حصون العدو وتحريقها وتغريقها ورميها بالمجانيق وفيها ذرية لهم أو أسارى مسلمين وتحريق مراكبهم وتحريقهم مراكبنا قال ابن القاسم: وإذا كان مسلم في حصن للعدو أو مركباً لم أر أن يحرق أو يغرق. قال مالك والأوزاعي: إذا كان في مراكبهم مسلمون فلا تحرق قال مالك وقد قال الله تعالى في أهل مكة {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} فإنما صرف النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أهل مكة لما فيها من المسلمين. قال ابن القاسم: ولو لم يكن فيها مسلم وكان فيها ذراري المشركين ونساؤهم لم يعجبني ذلك إلا أن تكون عارية من ذلك كله وإنما فيها الرجال المقاتلة فلا بأس بذلك. وروى ابن وهب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رمى أهل الطائف بالمجانيق، فقيل له: إن فيها النساء والصبيان؟ فقال: هم من آبائهم، وقال: ذلك أيضاً فيما أصيب منهم في غشم الغارة.

.................................................

قال ابن القاسم في المستخرجة: لا بأس أن ترمى حصونهم بالمجانيق ويقطع عنهم الميرة والماء وإن كان فيهم مسلمون أو ذرية. وقال أشهب. قيل لابن القاسم: فهل ترمى حصونهم بالنار ومعهم الصبيان؟ قال: لا أحب ذلك، وأما المركب فبخلافه؛ لأنهم بدأونا برمي النار فلنا أن نرميهم بها. قيل: فإن كان في مراكبهم مسلمون وبدأونا برمي النار؟ فقال: لا أرى أن يرموا بالنار لما معهم من المسلمين خوفاً أن يقتلوا مسلماً. وقال أشهب: أرى أن يرموا بالنار، وكيف لا يرموا بالنار وهم رمونا بها. [قال أبو إسحاق: وأما ما لا يقدر على صرفه لموته بين أرجل الخيل وشبه ذلك فموسع أيضاً كرمي المجانيق وانظر لو رمونا بالنار ما يجوز لنا أن نرميهم بها وفيهم المسلمون لننجي أنفسنا منهم ولو لم نفعل لقتلونا بها، وكيف إن كان إنما معهم الواحد والاثنان والذين رمونا لهم عدد كثير يقول المسلمون: إن كان لابد من موتنا أو موتهم أو موت من معهم من المسلمين بموت الواحد والاثنان خير للمسلمين من موت مائة]. ابن حبيب: لا بأس بتحريق حصونهم وتغريقها بالماء ويقطع عنهم مجراه، ويقطع عنهم الميرة، وإن كان فيهم النساء والذرية ما لم يكن فيها أسارى مسلمون وقاله مالك وأصحابه ونحوه في كتاب ابن سحنون عن سحنون.

م: وتحصيل ذلك: أنه لا خلاف إذا كان مسلم في حصن العدو أنه لا يحرق ولا يغرق. واختلف إذا كان فيه ذرية مشركون: فقيل: هم كالمسلمين. وقيل: بل يغرقون، ويقطع عنهم الميرة ولم نختلف في رمي حصونهم بالمجانيق وإن كان فيهم مسلمون أو ذرية مشركون. واختلف في رمي مراكبهم بالنار وفيهم مسلمون أو ذرية: فقيل: لا يرمون. وقيل: يرمون. وقيل: إن كان فيهم مسلمون لم يرموا وإن كان فيهم ذرية رموا وكره مالك أن يقاتل العدو بالنبل المسموم والسلاح المسموم. وقال: ما كان هذا في ما مضى. م: لأن ذلك قد يعاد إلينا. ومن المدونة قال مالك: وإذا أحرق العدو سفينة للمسلمين فلا بأس أن يطرحوا أنفسهم في البحر؛ لأنهم فروا من الموت إلى موت. ابن وهب: ولم يرد ذلك ربيعة إلا لمن طمع بنجاة أو اختيار للأيسر ونحوه فلا بأس به وإن هلك في ذلك.

وقال أيضاً ربيعة: إن صبر فهو أكرم له، وإن اقتحم فقد عوفي، ولا بأس به، وإن احترقت سفينة فلا يقتل رجل نفسه ويثبت لأمر الله عز وجل.

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً كتاب الجهاد الثاني جامع القول في الفيء والخمس وأرض العنوة والصلح قال ابن حبيب: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي». قال ابن حبيب: فكان يوم بدر استباح الصحابة الغنيمة قبل أن تنزل فيها إباحة إلا عمر، فعاتبهم الله سبحانه بقوله: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} يقول: في تحليلها {لَمَسَّكُمْ

فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ} الآية، ثم تنازعت فيها طائفة غنموها وطائفة اتبعت العدو وطائفة أحدقت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فتنازعت الغنيمة كل طائفة منهم دون غيرها فنزلت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} فسلموا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان هذا ببدر ثم نسخ بعد ذلك بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} والله تعالى غني عن الدنيا وما فيها وإنما يريد الله ورسوله الحكم فيه فكان حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- في الخمس من حكم الله تعالى وأما الأربعة أخماس فالله تعالى حكم بها لمن غنمها ورد الحكم في الخمس إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقال -صلى الله عليه وسلم-: مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم يعني على الغني والفقير والصغير والكبير والذكر والأنثى كالفيء الذي أنزل الله عز وجل فيه ما أنزل.

وتأول عمر قول الله سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} الآية: أنه أبقى لمن يأتي في ذلك حقاً، فأقر الأرض ولم يقسمها لتكون لنوائب المسلمين ومرافقهم، وطلب عمر في قسمها وامتنع فألح عليه بلال فقال: اللهم اكفي بلالاً وذوي بلال. قال عبد الوهاب: ولم ينكر أحد من الصحابة عليه ذلك، وتلاه عثمان وعلي على مثل ذلك؛ ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- غنم غنائم وأراضي ولم ينقل أنه قسم منها إلا خيبر، وهذا إجماع من السلف والله أعلم. قال: وإن أرى الإمام في وقت من الأوقات رأياً لم يمتنع أن يقال: أن له ذلك فيما يفتتحه من بعد. قال الشيخ: كما قسم النبي -صلى الله عليه وسلم- خيبر. قال سحنون: وما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «خمس الخمس في خاصة» فغير معروف عند أهل المدينة. وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «والخمس مردود عليكم» لم يستثن منه شيئاً.

قال ابن دينار: ولو كان الخمس على هذا التقدير لكان سهم ذوي القربى تجري فيه المواريث، وقد أجمع الخلفاء على خلاف ذلك وأن ليس لهم سهم راتب. ومن المدونة قال مالك -رضي الله عنه-: والخمس والفيء سواء يجعلان في بيت المال ويعطي منه الإمام أقرباء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقدر اجتهاده ولا يعطونه من الزكاة لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تحل الصدقة لآل محمد» وهم: بنو هاشم. والفيء ما لم يوجف عليه، وجزية الجماجم، وخراج الأرضين الصلح والعنوة والهدنة، وعشور أهل الذمة، ويسلك بالخمس مسلك الفيء. ابن المواز: وقد قال الله سبحانه في قسمة الفيء: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}.

وقال في آية الخمس: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}] فالآيتان متفقتان. واختلف في سهم ذوي القربى: فقيل: هم آل محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ قاله ابن عباس وغيره وهو الأصح. وقيل: بل هم على قريش كلها. قال سحنون وأصبغ: وليس في ذلك قسم محدود لكل نفس؛ وقد ساوى أبو بكر بين الناس كافة فيه. وفضل عمر بقدر السابقة والهجرة والحاجة وكل صواب على الاجتهاد. ومن المدونة وقد قال عمر: أيها الناس إني عملت عملاً وإن صاحبي عمل عملاً ولئن بقيت إلى قابل لألحقن أسفل الناس بأعلاهم. قال مالك: وبلغني أن عمر قال: ما من أحد من المسلمين إلا وله في هذا المال حق أعطيه أو منعه حتى لو كان راعياً أو راعية بعدن فأعجبني ذلك. قال ابن حبيب: قال أشهب: فما كان من خمس الغنائم، وجزية أهل الذمة، وما يؤخذ من أهل الصلح، ومن تجار أهل الذمة وأهل الحرب، وخمس الركاز؛ سبيله سبيل الفيء، ويبدأ فيه بالفقراء والمساكين واليتامى وابن السبيل ثم يساوي بين الناس فيما بقي غنيهم وفقيرهم وشريفهم ووضيعهم.

ومن الفيء يرزق والي المسلمين وقاضيهم، ويعطي غازيهم، وتسد ثغورهم، وتبنى مساجدهم وقناطرهم، ويفك أسيرهم، وتقضي حوائجهم، ويقضي دين ذي الدين منهم، وتعقل جنايتهم، ويزوج عازبهم، ويعان حاجهم، وشبه ذلك من الأمور. ولا يحل أن يعطي من العشور والصدقات في شيء من هذه الوجوه، ولكن على الفقراء والمساكين ومن سمي معهم في آية الزكاة، ولا تحل لغني إلا لغاز أوغارم وهو المديان، وابن السبيل يضعف وهو غني ببلده، أو عامل عليها، أو غني أهدى له منها جاره المسكين؛ قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- بجميع ذلك، وفي كتاب الزكاة كثير من هذا. ومن المدونة قال مالك: وأما جزية أرض العنوة فلا أدري كيف كان يصنع فيها؛ إلا أن عمر قد أقر الأرض ولم يقسمها، وأرى لمن نزل ذلك به أن يكشف عنه من يرضى فإن وجد عالماً يستفتيه وإلا اجتهد في ذلك هو ومن حضره من المسلمين. قال ابن القاسم: وكل أرض افتتحتها أهل الإسلام فهذا فيء ولا يقسمها الإمام وأهلها على ما صولحوا عليه. وأما الجماجم في خراجهم فلم يبلغيني عن مالك فيه شيئاً، وأنا أرى الجماجم تبعاً للأرض كانوا عنوة أو صلحاً. وقيل له في موضع آخر: أرأيت جزية جماجم أهل الذمة وخراج الأرضين ما كان منها عنوة أو صلحاً ما يصنع بهذا الخراج؟ قال: قال مالك: هذه جزية، والجزية عند مالك فيء، وقد أعلمتك ما قال مالك في العنوة.

وروى ابن وهب عن مالك أنه قال: لا يزاد عليهم في جزية جماجمهم على ما فرض عمر أربعة دنانير على أهل الذهب، وأربعون درهماً علىهل الورق، وأما جزية الأرض فلا علم لي بها، فذكر نحو رواية ابن القاسم. قال سحنون: هذه أصح من رواية ابن القاسم؛ أنه إنما شك في جزية الأرض ولم يشك في جزية الجماجم. قال الشيخ: وبلغني أن أبا محمد قال: قول مالك لا علم لي بها ولا أدري كيف كان يصنع فيها: يعني أنه لم يدر هل على الأرض جزية دون جزية جماجمهم أو لا جزية عليها وتكون عوناً لهم وتكون الجزية على جماجمهم فقط دون الأرض. ثم رجع أبو محمد فقال: قوله لا علم لي بها: يعني بمبلغ ما على الأرض؛ لأن جزية الجماجم معلومة والذي كان على الأرض مجهول والله أعلم. وذكر ابن حبيب: أن عمر جعل ما افتتح عنوة من الأرض خراجاً، وجعل على كل علج من الذين أقروا لعمارته أربعة دنانير كل سنة غير خراج الأرض، وهذا نحو ما رجع إليه أبو محمد. وقيل لابن المواز: أرأيت ما افتتح عنوة هل يخرج من تلك الدور أهلها الذين كانوا يملكونها أم يقرون لعمارتها؟ فقال: يقرون فيها على حالهم وتكون لهم الذمة ويكونون أحراراً ويكتفي منهم فيها بما يؤخذ من خراج جماجمهم. قال عيسى: وتترك الأرض بأيديهم عوناً لهم كما فعل عمر.

قال الشيخ: وهذا نحو ما تأول أبو محمد أولاً. قال عيسى: ومن أسلم منهم كان حراً وماله للمسلمين. قال ابن الموز: ما كان لهم قبل الفتح. قال عيسى: ونساؤهم كالحرائر؛ لا ينظر إلى شعورهن، ودية المرأة منهم كدية حرة ذمية، وإذا لم يقدر على الأرض لبعدها؛ فإن أهلها يباعون. ومن المدونة: وكل ما يقسم مما يؤخذ من أوجه الفيء كلها فإنه ينظر إلى البلدان فإنه تكافت في الحاجة بدأ بالذين فيهم المال حتى يغنوا وما فضل أعطاه غيرهم أو يوقفه الإمام إن رأى ذلك لنوائب المسلمين. ابن القاسم: وبذلك كتب عمر أن لا يخرج في قوم عنهم إلى غيرهم. قال: وإن كان في غير ذلك البلد من هو أشد منهم حاجة أعطى البلد الذي به المال من ذلك ما يكفيهم ونقل أكثر ذلك إلى البلد المحتاج كما فعل في أعوام الرمادة الست. قال مالك: ولا بأس أن يعطي الوالي للرجل يراه أهلاً للجائزة فيجيزه لقضاء دين عليه ونحوه، ولا بأس على ذلك الرجل بقبولها، ويعطي للمتقوسين يبدأ منهم بمن أبوه فقيراً، [وكان عمر يعرض للمقوس مائة درهم. قال أبو إسحاق: يريد في السنة] وقد جرى هذا موعباً في كتاب الزكاة.

جامع القول في الأنفال وذكر السلب قال مالك -رضي الله عنه وأصحابه: النفل من الخمس. قال بعضهم: لأن الله تعالى قال: {{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية. وجعل الأربعة أخماس لمن غنمها فلا يجوز أن يؤخذ لهم منها شيئاً بالاحتمال. وقولنا: أن ما نفل النبي -صلى الله عليه وسلم- من السلب إنما هو من الخمس أولى من قول من قال: أنه من جميع الغنيمة؛ لأن الله سبحانه فرض للنبي -عليه السلام- أمر الخمس يجتهد فيه، وأما الأربعة أخماس فمملوكة لهؤلاء. ودليل آخر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطاه لأبي قتادة بشهادة واحد بلا يمين؛ فلو كان من رأس الغنيمة لم يخرج من حق من غنم إلا بما تنتقل به الأملاك من البينات أو بشاهد ويمين. قال ابن حبيب: وحديث ابن عمر في السرية التي كان فيها بعثها النبي -صلى الله عليه وسلم- فغنمت إبلاً فكان سهمانهم أحد عشر بعيراً أو اثني عشر بعيراً ونفلوا بعيراً بعيراً؛ فدل هذا أن النفل من غير حقوقهم وليس ذلك إلا من الخمس.

قال أبو محمد عبد الوهاب: وسئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الغنيمة؟ فقال: لله خمس، وأربعة أخماسها للجيش. فقيل: فهل أحد أحق بها من أحد؟ فقال: لا، ولا السهم تستخرجه من جنب أخيك المسلم. قال: والنفل كله من الخمس سلباً كان أو غيره. والنفل هو: زيادة على السهم، أو هبة لمن ليس من أهل السهم يفضله الإمام لرأي يراه مما يؤديه اجتهاده إليه. فصل من المدونة: قيل لابن القاسم: فمن قتل قتيلاً هل يكون له سلبه؟ قال: قال مالك: لم يبلغني أن ذلك كان إلا في يوم حنين وإنما هذا إلى الإمام يجتهد فيه. قال الشيخ: مثل أن يرى ضعفاً من الجيش فيرغبهم بذلك في القتال [وقد فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين من الخمس]. قال ابن القاسم: وإنما نفل النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين بعد أن برد القتال.

قال: ومن قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه. ولم يبلغني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك، ولا عمل به بعد حنين. وذكر ابن وهب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما نفل من نفل يوم حنين من الخمس. قال ابن المسيب: إنما كان الناس يعطون النفل من الخمس. مالك: وذلك أحسن ما سمعت. قال ابن القاسم: ولا يجوز عند مالك النفل قبل الغنيمة. قال مالك: ويجوز النفل في أول المغنم وآخره على وجه الاجتهاد من الإمام ولا يكون إلا من الخمس.

قال سحنون: وقال مكحول: لا سلب يوم هزيمة أو فتح، ولسنا نقول هذا، وللإمام أن ينفل الأسلاب يوم الهزيمة ويوم الفتح بالاجتهاد. قال سحنون: وإذا قال الأمير في أول القتال: من قتل قتيلاً فله سلبه فنحن ننهي عن هذا فإن نزل مضى، فإذا قال هذا ثم لقي هو علجا فقتله فإن له سلبه، وكذلك إن قتله في مبارزة ولو قال من قتل قتيلاً منكم فله سلبه. أو قال لما برز رجل من العدو: من قتله منكم فله سلبه، لم يكن له هو سلب من قتل، كان المبارز هو أو غيره؛ لأنه أخرج نفسه بقوله: منكم. وإن قال الأمير: إن قتلت قتيلاً في سلبه؛ فلا شيء له لما خص نفسه. وكذا لو قال بعد ذلك: من قتل منكم قتيلاً فله سلبه فلا شيء له فيمن قتل. وكذلك لو قال بعد أن خص نفسه: من قتل قتيلاً مجملاً فإنما له في المستقبل.

ولو قال: من قتل منكم قتيلاً فله سلبه؛ فمن قتل منهم اثنين أو ثلاثة فله سلبهم. ولو قال لرجل: إن قتلت قتيلاً فلك سلبه، فقتل اثنين أحدهما بعد الآخر؛ فغيرنا يجيزه ويعطيه سلب الأول خاصة ونحن نكرهه، فإن نزل على وجه الاجتهاد مضى وكان له سلب الأول خاصة، فإن جهل سلب الأول؛ فقيل: له سلب نصفهما. وقيل: أقلهما. قال ابن المواز: وإن قتل قتيلين معاً: فقيل: له نصف سلبهما. وقيل: له أكثرهما. وإذا قال الأمير: من قتل قتيلاً فله سلبه فليس له سلب من قتل ممن لا يجوز له قتله من امرأة أو صبي أو زمن أو راهب إلا أن يقاتل هؤلاء فله سلبهم؛ لإجازة قتلهم وله سلب كل من يجوز قتله. قال: وإذا قال الإمام بعد أن برد القتال أو قبل: من قتل قتيلاً فله سلبه، فلا شيء من السلب للذمي وإن ولي القتل إلا أن يقضي به الإمام وينفذه له فلا يتعقب. يريد: لأن أهل الشام يرون ذلك للذمي، وكذلك لو قتلته امرأة فلا شيء لها إلا أن يحكم لها بذلك فيمضي. وأشهب يرى أن يرضخ لأهل الذمة؛ ففي قياس قوله: له السلب من الخمس؛ لأنه نفل. ونحن نقول: لا حظ له في الغنيمة، فكذلك النفل. وكذلك لو قال: من قتل كافراً من المسلمين فله سلبه فقتله ذمي فلا شيء له بإجماع للشرط.

وإن قال: من قتل قتيلاً فله سلبه فسمع ذلك بعض الناس دون بعض فالسلب لمن قتل وإن لم يسمع. ومن المدونة: وسئل ابن عباس عن الأنفال؟ فقال: السلب والفرس من النفل. وقال سليمان بن موسى: لا نفل في عين ولا فضة. قال سحنون: وقال أصحابنا، وأهل الشام قالوا: وإنما النفل في العروض: السلب والفرس والسلاح ونحوه. وقال أهل العراق: وإذا نادى الإمام بنفل السلب للقاتل فإنه يكون له ما على المقتول من سوارين ومن طوق ذهب ودنانير ودراهم وحلية سيف ومنطقة. وذكر عن مكحول في المبارزة: أنه جعل من السلب الطوق والسوارين بما فيها من جوهر.

قال سحنون: أما حلية السيف فتبع للسيف ولا شيء له في السوارين والطوق والعين كله، وكذلك إن كان عليه تاج وقرطان فلا شيء له في ذلك، يكون له فرسه وسرجه ولجامه وخاتمه ودرعه وبيضته وسيفه ومنطقته بما في ذلك من حليه وساعديه وساقيه ورايته. قال مكحول: بما في ذلك من حلية وجوهر. قال سحنون: ولا يكون الصليب في عنقه من النفل. قال الوليد: وقال الأوزاعي: يدخل الصليب في السلب.

وهو أحب إلي. قال سحنون والأوزاعي: وإنما يكون له سلب من قتل أو أنفذ مقاتله، لا ما أتى به إلى الإمام أسيراً فقتله الإمام؛ لأنه لم يقتله هو وإنما قال الإمام: من قتل قتيلاً فله سلبه. قال سحنون: من أصاب ذهباً أو فضة فله منه الربع بعد الخمس أمضيناه على ما قال كقضاء نفذ بقول قائل، ولمن أصاب ذلك نفله كان مسكوكاً أو غير مسكوك. ومن المدونة: وكره مالك للإمام أن يقول للناس: قاتلوا ولكم كذا، أو من قاتل مو ضع كذا أو تقدم إلى الحصن أو قتل قتيلاً له كذا أو نصف ما غنم. وكره مالك أن يسفك أحد دمه على مثل هذا. وما نفل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بعد أن برد القتال فقال: من قتل قتيلاً تقوم له عليه ببينة فله سلبه وفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة. ولم يبلغنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك ولا عمل به بعد حنين ولو سن ذلك أو أمر به بعد حنين لكان ذلك أمراً فاشياً ليس لأحد فيه قول، وقد كان أبو بكر وعمر بعده فلم يبلغنا أنهما فعلا ذلك.

قال سحنون: وإنما ينبغي أن يخرج المجاهد على إعزاز دين الله وإعلاء كلمته ثم إن عرض له رزق قبله، فأما أن يكون أصل جههاده على دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهذا فهذا يدخل في الحديث في قوله: «من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه». قال سحنون: فكل شيء يبذله الإمام قبل القتال لا ينبغي عندنا، إلا أنه إن نزل وقاله الإمام أمضيناه، وإن أعطاهم ذلك من أصل الغنيمة للاختلاف فيه، وكذلك الطائفة يبعثها أميرها على أن لهم الثلث بعد الخمس أو قال: قبل الخمس؛ فإنه يمضي، ويعطون ما قال، ويدخلون في السهام فيما بقي بعد الخمس. قال: وإذا قال الأمير للسرية: ما غنمتم فلكم بلا خمس؛ فهذا لم يمض عليه السلف، وإن كان فيه اختلاف، فإني أبطله؛ لأنه كقول شاذ حكم به فلا يمضي. قال ابن سحنون: إلا أن يكون مضى في هذا اختلاف من صدر الأمة مثل ما مضى في نفل حنين بعد الخمس فليمض، ويكون سبيله سبيل النفل: يساوي فيه بين الفارس والراجل.

وإن كان في السبي من يعتق على أحد من أهل السرية بالقرابة أو أعتق أحد منهم علجا: فإن يعتق عليه على قول سحنون. ولا يعتق عليه على قول ابن القاسم وأشهب. وفرق أهل العراق في ذلكبين الطليعة مثل الاثنين والثلاثة وبين السرية في عتق القرابة ولا فرق في ذلك. قال الشيخ: قال بعض شيوخنا: وما قال أهل العراق لا يخالفه ابن القاسم؛ لأن علته جهل نصيبه مع الكثرة، والقلة لا يجهل نصيبه منها. قال سحنون: وإذا بعث الإمام سريتين على أجزاء مختلفة على قدر صعوبة المواضع وسمى لكل سرية قوماً بأعيانهم فلا شيء لمن انتقل إلى غير سريته إلا أن يقول: يخرج في كل سرية من شاء فللذي دخل في غير سريته النفل مثل أصحابه. قال: ولو ضل من السرية رجل فغنم ابقية ورجعوا ثم قدم الضال فلا نفل له بخلاف الغنيمة، ولو رجع الضال غانماً أيضاً فلهم نفلهم فيما غنموا وللضال نفله فيما غنم، وما بقي يجمع إلى ما غنم العسكر فيقسم بين الجميع، ولو رجعت جميع السرية غانمة فلم يأخذوا النفل حتى مات الوالي أو عزل وولي من يرى قولنا؛ فإن ذلك لا ينفذ؛ لأنه لم يقبض.

قال ابن سحنون: وأنا أراها قضية نافذة قبضت أو لم تقبض. قال أصبغ إن ابن القاسم: وقول الإمام للسرية: لك ثلث ما يغنم أو جزء معلوم؛ أن ذلك مما يفسد النيات، ويصير عملهم للدنيا، ولا يجوز الخروج معهم على هذا، ومن خرج على هذا فلا يأخذ منه شيئاً، ولا بأس بالخروج معهم لمن لا يريد أن يأخذ من ذلك شيئاً. قال أصبغ: وما أراه حراماً لمن أخذه. قال ابن حبيب: وإذا فعل ذلك الأمير جهالة فليعرف قيمة ما يسمى لهم فيعطيهم ذلك من الخمس لمن رأس الغنيمة وهذا بخلاف قول سحنون. قال ابن حبيب: وهذا مما يكرهه العلماء وقد استحقه بعضهم إذا احتاج إليه الإمام مثل أن يهزمه كثرة العدو ونحوه وقد فعله أبو عبيدة بن الجراح يوم اليرموك لما هزمه كثرة العدو حتى قاتل يومئذ نساء من قريش. ومن المدونة قال مالك: ولا أرى للأسير المسلم أن يقاتل مع الروم عدواً لهم على أنهم يخلوه إلى بلد الإسلام ولا يحل له أن يسفك دمه على مثل هذا.

في سهمان الخيل والرجال ومن يسهم له ومن لا يسهم له روى ابن وهب أن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «أسهم للفرس سهمين وسهماً لفارسه والراجل سهماً» وفعله عمر بن الخطاب، ومضت به السنة. قال ابن سحنون: وما علمت من علماء الأمة من قال: أن للفرس سهماً ولفارسه سهماً غير أبي حنيفة وقد خالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد. وما أرى أن يجوز أن يدخل هذا في الاختلاف. ومن المدونة قال مالك: ويسهم للفرس سهمان وسهم لفارسه وللراجل سهم. قال: والراذين إن أجازها الوالي كانت كالخيل. قال: ومن له أفراس فلا يزاد على سهم فرس واحد كالزبير يوم حنين. قال ابن حبيب: اختلفت الرواية في السهم لفرسين: فروي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يسهم للزبير إلا لفرس واحد، وكان معه ثلاثة أفراس.

وروي: أنه أسهم له لفرسين؛ وأخذ به عمر بن عبد العزيز وغيره. قال ابن سحنون: وكذلك في رواية ابن وهب وبه قال. قال الشيخ: وقول مالك أولى؛ لأنه لا يمكن أن يقاتل العدو إلا على فرس واحد وما زاد على ذلك فزيادة عدة كزيادة رماح أو سيوف واعتباراً بالثالث والرابع. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا يسهم لبغل أو حمار أو بعير وصاحبه راجل، وقد غزا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإبل فلم أسمع أنه أسهم إلا للخيل. قال غيره: وكذلك الأئمة من بعده؛ وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «للفرس سهمان» فخصه بالإسهام. ولأنه لا يتأتى القتال على غير الخيل وإنما تصلح للحمولة.

قال ابن القاسم: وإذا لقوا العدو في البحر ومعهم الخيل في السفن فإنه يسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم، وكذلك إن أسرى أهل العسكر رجالة ولبعضهم خيلٌ فنغموا وهم رجاة فإنه يعطي لمن له فرس ثلاثة أسهم، وكذلك لو خرجت من العسكر سرية فغنمت؛ أن ذلك بين أهل العسكر وأهل السرية بعد الخمس للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم. ومن دخل أرض العدو فارساً فمات فرسه قبل لقاء العدو فلقيهم راجلاً فإنما له سهم راجل. ولو دخل راجلاً فأفاد فرساً قبل لقاء العدو فلقيهم فارساً؛ فله سهم فارس، كقول مالك فيمن دخل أرض العدو غازياً فمات قبل لقاء العدو ثم غنموا بعده: فلا سهم له، ولو مات بعد القتال ثم غنموا بعد موته؛ فله سهمه قاتل الرجل أو لم يقاتل إذا كان في حين القتال حياً. قال عبد الوهاب: القتال سبب الغنيمة فمن قاتل أو حضر القتال أسهم له قاتل أو لم يقاتل: لأنه قد حضر سبب الغنيمة وهو القتال. ولأنه ليس كل الجيش يقاتل؛ لأن ذلك خلاف مصلحة الحرب؛ لأنه يحتاج أن يكون بعضهم في الرد، وبعضهم يحفظون السواد، وبعضهم في العلوفة على حسب ما يحتاج إليه في الحرب، ولو قاتل كل الجيش لفسد التدبير؛ ولذلك قلنا: إن

المريض يسهم له؛ لأنه قد شهد الوقعة وحصل منه التكثير، وقد قيل في قوله تعالى: {وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا} أي كثروا. وروي: «أن الغنيمة لمن شهد الواقعة»، وأظن بعضهم رفعه؛ ولذلك قلنا: لا شيء لمن مات قبل القتال، وكذلك من جاء بعد القتال. قال ابن حبيب: ومن أوجب راجلاً ثم افاد فرساً عند مشاهدة القتال بشراء أو كراء أو عارية أو بتعد فقاتل عليه؛ فله سهم الفرس. وحد ذلك عند مالك: مشاهدة القتال. وأما ابن الماجشون فبالإيجاف يجب عنده وإن لم يشاهد قتالاً فيوجب بالإيجاف لمن مات أو قتل من رجل أو فرس ما يوجبه بالمشاهدة، ومن أوجف عنده راجلاً ثم أفاد فرساً حتى يمكن كونه بيده بملك أو كراء أو تعد فله سهمان الفرس، فأما إن ألفي فرساً عند حمية القتال من خيل العدو أو من خيل المسلمين فركبه بأحد هذه الوجوه؛ فلا يأخذ سهميه، وسهماه لصاحب الفرس إلإ أن يكون من خيل العدو فلا سهمان له.

ابن حبيب: وقول ابن الماجشون أقيس، وبه أقول. وقول مالك استحسان وبه قال أكابر أصحابه. ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: وسهم الفرس المحبس للغازي عليه، وكذلك من اكترى فرساً واستعاره فله سهم فارس. قال ابن القاسم في فرس انفلت من ربه بأرض العدو فأخذه آخر فقاتل عليه حتى غنموا أو لما شد القوم على دوابهم للقتال عدا رجل على فرس آخر فقاتل عليه فغنموا: أن سهمان للفرس في ذلك كله لربه. قال سحنون: بل السهمان للمتعدي، وعليه أجر مثل الفرس إلا أن يأخذه بعد انتشاب القتال؛ فيكون السهمان لربه. قال ابن القاسم: ولو تعدى عليه في أرض الإسلام فغزا عليه أو في أرض العدو قبل حضور القتال فشهد عليه سرايا، أو قاتل عليه؛ فسهماه في هذا للمتعدي وهو له ضامن.

قال سحنون: هو كذلك في السهمين فأما الضمان فإن رده بحاله لم يضمن وعليه الإجارة، وإن رده وقد تغير أو عطب فربه مخير بين أن يضمنه قيمة الفرس، أو يأخذ منه أجرة فيما استعمله فيه. قال سحنون: ومن صرع رجلاً من العدو عن فرسه وركبه وقاتل عليه فلا سهم له مما غنم في قتاله هذا ويسهم له فيما حضر عليه بعد ذلك من السرايا وغيرها. قال: ومن حضر القتال على فرس فلم يفتح لهم في يومهم فباعه فقاتل عليه مبتاعه اليوم الثاني فلم يكن فتح فباعه الثاني فقاتل عليه الثالث يوماً ثالثاً ففتح لهم؛ إن سهم الفرس لبائعه الأول؛ لأنه قتال واحد كما، لو مات بعد أول يوم وقاتل عليه أحد ورثته في اليومين أو لم يقاتل أن سهمه لورثته. قال الأوزاعي: ومن ابتاع فرساً وقد غنموا واشترط سهمه فجائز إن كان الثمن أكثر من السهم كمال العبد يشترط. قال سحنون: لا يجوز إن كان السهم ذهباً والثمن ذهباً ويصير عرضاً وذهباً بذهب، ولو كان الثمن عرضاً والسهم معروفاً جاز وليس كالعبد، العبد يملك والفرس لا يملك.

ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا يسهم للصبيان ولا للعبيد ولا للنساء إذا قاتلوا ولا يرضخ لهم، وقد سألنا مالكاً عن النساء هل يرضخ لهن من الغنيمة؟ فقال: ما سمعت أن أحداً أرضخ لهن من الغنيمة؟ فقال: ما سمعت أن أحداً أرضخ لهن فالصبيان بمنزلة النساء، وقد قال مالك في العبيد: ليس لهم شيء. وقال ابن حبيب: من قاتل من النساء كقتال الرجال فإنه يسهم لها ألا ترى أن المرأة من العدو إذا قاتلت قتلت، ولا يسهم للعبد وإن قاتل، ويستحب للإمام أن يجزيه من الخمس، ويجزي النساء والغلمان. الذين لم يبلغوا ولم يقاتلوا. قال: وإن لم يقاتل الأجير لم يسهم له وليجز من الخمس. قال: وإن كان في العسكر نصارى من خدم أو أعوان فلا بأس أن يجزوا من الخمس؛ وقد روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرضخ لناس من اليهود كانوا في المعسكر، وأرضخ لنساء وعبيد وغلمان لم يبلغوا الحلم ولم يكن يسهم لهم. ابن المواز قال مالك: ويسهم لمن لم يبلغ الحلم من الصبيان إن أطاق القتال وقاتل. ابن المواز: وإن حضر العسكر ولم يقاتل لشغل أو غيره فلا يسهم له حتى يقاتل.

وكذلك الأجراء والتجار إن قاتلوا أسهم لهم، وإن لم يقاتلوا فلا شيء لهم وإن حضروا القتال. وأما من سواهم فليسوا له إن حضر القتال وإن لم يقاتل قاله مالك. [والعبيد إذا كانوا في عسكر المسلمين فلا شيء لهم، وإن اجتمعوا فقاتلوا وحدهم: فقيل: يخمس من أصابوه. وقيل: لا يخمس. وأما أهل الذمة فلا يخمس ما أصابوه. وقد اختلف في العبد والذمي إذا وجدا ركازاً. فقيل: يخمس. وقيل: لا يخمس. قال أبو إسحاق: ولم يعلم نص خلاف في النساء والصبيان لو أصابوا ركازاً أنه يخمس، فانظر لو اجتمع النساء فقاتلن من غير جيش هل يخمس ما أصابوه أو يكونوا كالعبيد في الغنيمة أو كالركاز ففي ذلك نظر]. قال عبد الوهاب: وإنما لم يسهم للتجار والصبيان والصناع والأجراء المتشاغلين بأكسابهم خلافاً لمن قال يسهم لهم؛ لقوله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ

يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ففرق بين حكميهما؛ ولأنه لم يحصل منه الذي يستحق به السهم وهو القتال والمعاونة؛ لأنه إنما حضر لغرض نفسه ولخدمة من استأجره، وأما إن قاتل أسهم له خلافاً لمن قال لا يسهم له لأنه ممن خوطب بالجهاد وقاتل فيه والقتال سبب للغنيمة فليس إجارة نفسه تمنعه السهم إذا قاتل؛ كالذي يحج ومعه تجارة أو يؤاجر نفسه للخدمة أن ذلك لا يمنع صحة الحج. [وقال أبو الحسن بن القصار: والأجير إذا خرج للجهاد والإجارة بغير خدمة كالخياطة فله سهمه حضر القتال أم لا.

وقال سحنون في كتاب ابنه: يسهم للأعمى، وأقطع اليدين، والأعرج، والمقعد، والمجذوم فارساً. والصواب في الأعمى: أن لا شيء له؛ فإن كان يبري النبل دخل في جملة الخدمة الذين لا يقاتلون. وكذلك أقطع اليدين: لا شيء له، وإن كان أقطع اليسرى أسهم له. ويسهم للأعرج إن حضر القتال، وإن كان ممن تحذر عن القتال لأجل عرجه لم يسهم له إلا أن يقاتل فارساً. ولا شيء للمقعد إذا كان راجلاً، وإن كان فارساً يقدر على الكر والفر أسهم له. وكل من تقدم ذكره أن لا يسهم له يجوز أن يجزي. ويسهم للأعرج والضعيف العقل. يريد: إذا قاتل]. ولا يسهم لعبد ولا لامرأة ولا لصبي؛ لأن فرض الجهاد ساقط عنهم، ولا بأس أن يرضخ لهم للمعاونة الحاصلة منهم. قال الشيخ: وكذلك في المدونة في الأجير والتاجر أنه إن قاتل: أسهم له.

يريد: أن التاجر إنما خرج للتجارة خاصة فهذا إن قاتل أسهم له وإن لم يقاتل فلا يسهم له، ويصير كالجير وإنما كان خروجه للغزو غير أن معه تجارة فهذا يسهم له قاتل أو لم يقاتل. قال سحنون: وإذا قاتل الأجير فله سهمه، ويبطل من أجره بقدر ما اشتغل من الخدمة. قال بعض القرويين: وليس لمن استأجره أن يأخذ منه السهمان عوضاً مما عطل من الخدمة؛ بخلاف أن لو آجر نفسه في خدمة أخرى؛ لأن ذلك قريب بعضه من بعض والسهمان ربما كثرت فكانت أكثر مما استأجره مراراً فإذا أسقط عنه حصة ما تعطل من الخدمة فلا حجة والله أعلم. قال الشيخ: ولأن القتال لا يشابه الخدمة ولا يقارب أجرة أجرها؛ لأن فيه ذهاب نفسه وإنما يكون من استأجره مخيراً عليه فيما تقارب أمره؛ لأن ذلك العمل مستحق عليه لتقاربه، والأول غير مستحق عليه لتباعده منه والله أعلم.

قال في كتاب ابن مزين: إذا قاتل الأجير أسهم له كانت الغنيمة قبل القتال أو بعده، وإن كان القتال مراراً فلم يشهد إلا مرة واحدة وعرف أنه حضر قسم له في جميع تلك الغنيمة وإن لم يحضر سوى ذلك المرة. وقال ابن نافع: لا يسهم له إ أن يحضر أكثر من ذلك. قال يحيى: هذه أحسن؛ إذا قاتل في الأكثر قسم له في الجميع، وإذا قاتل مرة قسم له في الذي حضر فقط. وقال ابن حبيب: أحسن ما سمعت أن من شهد العسكر من الغلمان الذين راهقوا وأنبتوا أو بلغوا خمس عشرة سنة؛ فإنه يسهم لهم قاتلوا أو لم يقاتلوا؛ سبيلهم سبيل الرجال؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أجاز ابن عمر يوم الخندق، وزيد بن ثابت، والبراء بن

عازب، وهم أبناء خمس عشرة سنة، ورد ابن عمر يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة، وأجاز أبو بصرة الغفاري، وعقبة بن عامر يوم فتح الإسكندرية غلاماً قد أنبت.

قال ابن حبيب: فإذا بلغ هذا ألحق بالبالغين، وما كان دون ذلك مثل أربع عشرة سنة وما قاربها فإن قاتل أسهم له وإن لم يقاتل فلا شيء له. وذكر أبو محمد حديث ابن عمر هذا قال: وقيل: عرض يوم بدر وهو ابن ثلاث عشرة سنة فلم يجزه، وعرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فأجازه، وقيل إن هذا أصح. قال أبو محمد: وهذا يدل على أنه لم يراع -عليه السلام- فيه البلوغ إذ لم يكشف عن ذلك، وإنما أجازه إذا رأى فيه طاقة القتال في رأي العين والله أعلم، لا على أن ابن خمس عشرة سنة له حكم البالغ وإن لم يبلغ.

قال عبد الوهاب: إذا راهق الصبي وأطاق القتال أسهم له؛ خلافاً لابي حنيفة والشافعي لحديث سمرة بن جندب قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرض عليه غلمان الأنصار فيلحق من أدرك منهم فعرضت عليه غلمان الأنصار فيلحق من أدرك منهم فعرضت عليه عاماً فردني وألحق ورددتني ولو صارعني لصرعته. قال فصارعني فصرعنه فألحقني. قال أبو محمد عبد الوهاب: ولأنه وجد فيه ما لم يوجد في البالغ من القتال والمكابدة للعدو؛ وهو الجنس الذي يسهم له. ومن المدونة قال مالك -رضي الله عنه-: ومن خرج غازياً فلم يزل مريضاً حتى شهد القتال وحازوا الغنيمة؛ فله سهمه ولذلك لو شهد القتال بفرس رهيص فله سهمه. قال ابن حبيب: بخلاف الحطيم والكسير.

ابن سحنون قال مالك: يسهم للفرس الرهيص والرجل المريض. وقال مالك: ما كل من حضر يقاتل، ولا كل فرس يقاتل عليه. وروى عنه أشهب وابن نافع: أنه لا يسهم له. وبالأول أخذ سحنون. قال سحنون: وإن دخل دار الحرب بفرس لا يقدر أن يقاتل عليه من كبر أو مهر صعب؛ فهو راجل لم يكن للإمام أن يجيزه. قال: وإذا دخل بفرس صغير فأقاموا حتى صار كبيراً يقاتل عليه فله من يومئذ سهم فرس لا فيما قبل ذلك. ومن كتاب ابن المواز: ومن دخل دار الحرب فلم يبلغ العسكر حتى مرض فخلفوه في الطريق لعله يفيق فيلحق بهم فقاتلوا وغنموا ورجعوا فله سهمه، وكذلك إن كان تخلفه في بلد الإسلام قبل أن يدرب في بلد الحرب فله سهمه.

ابن المواز: ولو بعث الأمير قوماً من الجيش قبل أن يصل إلى بلد العدو في أمر من مصلحة الجيش من حشد أو إقامة سوق أو غير ذلك فاشتعلوا في ذلك حتى غنم الجيش فلهم معهم سهمهم، وقد قسم النبي -صلى الله عليه وسلم- لعثمان يوم بدر وقد خلفه على ابنته، وقسم لطلحة

وسعيد بن زيد وهما غائبان بالشام.

قال سحنون: وكذلك روى ابن وهب وابن نافع عن مالك. وروى عن مالك: لا شيء له إن بعثه الإمام في بعض مصالح المسلمين ثم غنموا بعده. وبالأول أقول. ومن المدونة قال ابن القاسم: قال مالك في المراكب تصل إلى أرض العدو ثم يرد بعضها الريح إلى بلد الإسلام ولم يرجع أهلها من قبل أنفسهم؛ فإن لهم سهمانهم مع أصحابهم الذين وصلوا إلى أرض العدو وغنموا. ابن المواز: قال مالك: وإن خرجت مراكب من مصر غزاة فاعتل منها مركب فتخلفوا لإصلاحه فخافوا لما بقوا وحدهم فرجعوا إلى الشام؛ فلا شيء لهم فيما غنم أصحابهم، وكذلك لو مرضوا فرجعوا أو انكسرت مركبهم فرجعوا. قلت: فإن أسهم لهم وأعطوهم؟ قال: فلا يرجع عليهم، قد فات ذلك وأنفقوه.

قلت: فلو ولجوا بلد العدو وجاوزوا قبرص ثم عرض لهم ما عرض فرجعوا إلى الشام خوفاً من العدو حتى رجع الجيش؟ قال: هذا عذر إذا بان خوفهم فهذا مشكل ويسهم لهم.

قال ابن المواز: الرجوع عند مالك أشد إلا رجوع يتبين فيه العذر ولا يكون رجوعهم رغبة عن أصحابهم. قال عبد الملك: فكل رجوع كان بأمر غالب فهو كمن لم يرجع وكالسرايا يغنم بعضهم دون بعض فذلك بين الجميع ولواليهم معهم سمهمه. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو ضل رجل من العسكر فلم يرجع حتى غنموا فله سهمه كقول مالك في الذين ردهم الريح. قال عنه أصبغ: وكذلك لو ضل في بلد الإسلام في الطريق قبل بلوغهم فله سهمه.

قال ابن سحنون: وروى ابن نافع عن مالك فيمن ضل من العسكر حتى غنموا؛ أنه لا يسهم له. وقال ابن نافع: له سهمه. قال سحنون: واختلف في رجل ضل عن سرية فاجتمع مع أخرى فقاتل معها فأخذ سهماً ثم اجتمع مع الأولى؛ والذي أقول به: أنه يضم ما أخذ من السرية الآخرة إلى ما غنم أصحابه ويقسمون ذلك كله [وقد قال أشهب في الفرس المغصوبة: أن سهميه للغاصب. قال أبو إسحاق: فانظر هل يمكن أن يقال: إن الضار لا يسهم له، أو يفرق بينهما؛ فإن المغصوب منه له إجارة فرسه فقامت مقام ما يأخذه من السهام لو قاتل عليه. وقد فرق محمد؛ بين أن يغصب فرساً فيقاتل عليه إذا كان لمعين، واختار خلاف قول أشهب، وأنه كالضال. وأما أن يقاتل على فرس من الغنيمة قال: فيكون له سهماه وعليه إجارة الفرس، وانظر على هذا في الخيل الموقوفة في سبيل الله، ينبغي أن يكون سهمانها لمن قاتل عليها؛ لأن موقفها على هذا أوقفها. والله أعلم].

ومن كتاب ابن سحنون: وإذا أسر رجل ثم غنموا بعده ثم انفلت فجاءهم؛ فما غنموا في القتال الذي أسر فيه أو بسبب ذلك اللقاء فله فيه سهمه رجع أو لم يرجع، وما غنموا بعده في قتال مؤتنف فلا شيء له فيه إلا أن يأتي فيدخل فيما غنموا بعد مجيئه. قال الشيخ: كأنه رأى أن أسره كموته لتعذر خلاصه، ففرق بينه وبين من ضل، لأن هذا لم يهلك ولا أيس من رجوعه إليهم والله أعلم. ابن المواز قال مالك: ومن مات قبل القتال فلا سهم له، وإن مات بعد القتال قبل الغنيمة فله سهمه، ولو كانت غنيمة، فما كان متتابعاً فله سهمه في الجميع؛ مثل أن يفتحوا حصناً فيموت ثم يفتحوا آخر على جهة الأمر الأول. قال أصبغ: وأما إن رجعوا قافلين ونحو ذلك من انقطاع الأمر الأول فلا شيء له فيما استؤنف بعده. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم. قال سحنون: لا أعرف هذا، وإنما له سهمه فيما وقعت فيه المناشبة قبل موته، وأما ما ابتدأ قتاله من الحصون بعد موته فلا شيء له فيه، ولو كان للمدينة أرباض ولها أسوار

فمات أو قتل بعد أن أخذوا في قتال المدينة ففتح الربض الأول وصار الكفار في الربض الثاني ثم فتح الثاني وانتقل العدو إلى الثالث وتمادى الناس في فتالهم في غير فور واحد حتى فتحوا المدينة؛ فهذا قتال واحد حتى فتحوا المدينة؛ فهذا قتال واحد، ولمن مات في أول القتال سهمه في جميعه. فيما غنمه العبد وحده ومن العتبية قال ابن القاسم في عبد أبق إلى أرض الحرب فخرج بعبيد استألفهم. قال عيسى: على أن يكونوا له عبيداً. قال ابن القاسم: فالرفيق لسيد العبد ولا خمس فيهم، وكذلك لو استألفهم حر فخرج بهم كانوا له ولا خمس فيهم. قال: فإن قال الرقيق: إنما خرجنا معه على أننا أحرار وأنكر ذلك الخارج بهم؟ قال: القول قولهم، وعلى الإمام إن يفي لهم بعهد العبد أو يردهم إلى مأمنهم؛ فإن خرجوا بلا عهد فأمرهم إلى الوالي ولا يقبل قول العبد إلا أن يعلم أنه أخرجهم كرهاً أو يكونوا في حرزه في وثائق فهم عبيد له.

قيل: فإن ادعوا أنه أوثقهم في دار الإسلام؟ قال: إن استدل على صدقهم بسبب ظاهر؛ فالقول قولهم، وإن لم يعرفوا عند خروجهم إلا في وثاقه فهم له عبيد. قيل: فالعبد يخرج متلصصاً إلى أرض العدو فيغنم؟ قال: يخمس ويكون فضل ذلك له. والفرق بين العبد المتلصص والآبق: أن الخمس لا يكون إلا في تعمد الخروج لإصابته ما أوجب عليه. قيل: فإن خرج حر وعبد متلصصين فغنما؟ قال: يخمس ما أصابا ثم يقسم بينهما ما بقي، وإن كان لا يسهم للعبد في الغزو فالمتلصص بخلاف الغزو.

باب ما ينتفع به قبل القسم من الغنيمة من طعام وغيره ما يفضل وما لا يكون غلولا، وفيمن غل

قيل: فإن كان حر وذمي خرجا تلصصا فغنما؟ قال: يقسم بينهما ثم يخمس سهم المسلم الحر. وقال سحنون: في الحر والعبد يقسم بينهما ثم يخمس سهم الحر خاصة كالمسلم والذمي. باب ما ينتفع به قبل القسم من الغنيمة من طعام وغيره ما يفضل وما لا يكون غلولا، وفيمن غل. روى ابن وهب أن معاذ بن جبل قال: كان الناس بعهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأكلون مما غنموا من ماشية ولا يبيعونها وإذا لم يحتج إليها قسمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخذ منها الخمس. وقال في حديث آخر: أن رجلاً وجد مزود فيه شحم من شحوم يهود خيبر فمنعه صاحب المغانم فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خل بينه وبين جرابه يذهب به إلى أصحابه».

قال غيره: ولم ينقل أنه -صلى الله عليه وسلم- أنكر عليهم، ولا أحد من الأئمة بعده، ولا أنهم في طعام ولا علوفة، ووصى أبو بكر الصديق - رضي الله عنه- بذلك يزيد بن أبي سفيان وقال: لا تذبحن شاة إلا لمأكلة. ومن المدونة قال مالك: وسنة الطعام والعلف في أرض العدو أنه يؤكل وتعلف منه الدواب، ولا يستأمر فيه الإمام ولا غيره. ابن وهب: قال مكحول وسليمان بن موسى: إلا أن ينهى عنه الإمام فيترك لنهي الإمام ولا يترك لغير ذلك. ابن حبيب: ولو نهاهم السلطان عن إصابة ذلك ثم اضطروا إليه لكان لهم أكله. ومن المدونة قال مالك رحمة الله عليه: والبقر والغنم أيضاً لمن أخذها مثل الطعام ويأكل منها وينتفع بها، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنفر من العسكر أصابوا غنماً كثيرة: «لو أطعمتم إخوانكم منها» قال: فرميناهم بشاة شاة حتى كان الذي معهم أكثر من الذي معنا. قال معاذ: وإذا لم يكن المسلمون محتاجين إلى أكل الماشية فلتبع ويكون ثمنها مغنماً.

وكتب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى صاحب جيش الشام يوم فتحت: أن دع الناس يأكلون ويعلفون فمن باع شيئاً من ذلك بذهب أو فضة فقد وجب فيه خمس الله تعالى وسهمان المسلمين. سحنون: وقاله فضالة بن عبيد. قال ابن القاسم: وإذا ضم الوالي ما فضل من ذلك إلى المغنم ثم احتاج الناس إليه فلا بأس أن يأكلوا منه بغير أمر الإمام. قال مالك: ومن أخذ طعاماً فاستغنى عنه فليعطه إلى أصحابه بغير بيع ولا قرض. قال ابن القاسم: فإن أقرضه فلا شيء على المستقرض. قال الشيخ: قال بعض أصحابنا: فإن جهل فرده إليه من طعام يملكه فليرجع بما دفع إن كان قائماً وإن أفاته المدفوع إليه فلا شيء عليه كمن عوض من صدقة وظن أن

ذلك يلزمه أن يرجع في عوضه إن كان قائماً وإن فات فلا شيء له؛ لأنه هو الذي سلطه عليه. قال بعض المتأخرين من شيوخنا القرويين: المسألتان مفترقتان؛ لأن الأولى إنما دفع إليه العوض [للشرط الذي وقع بينهما ومسألة الصدقة يعوض فيها إنما دفع إليه العوض] بطوعه. قال الشيخ: والأول أصوب. ون رد إليه هذا من طعام أهل الحرب فلا شيء للدافع منه كان ذلك قائماً أو فائتاً. ومن المدونة قال ابن وهب: وما فضل معه من طعام أهل الحرب بعد أن رجع إلى بلده: فقال القاسم وسالم: يأكله، وكرها بيعه.

وقال بعض الصحابة: كنا نأكل الجزور في الغزو ولا نقسمها حتى إن كنا نرجع إلى رحالنا وأخراجنا منها مملاة. ابن القاسم قال مالك: وإذا خرج إلى بلده ومعه منه فضلة؛ أكله إن كان يسيراً ويتصدق بالكثير. ابن المواز: يتصدق منه حتى يبقى اليسير فيكون له أكله مع أهله. ومن المدونة قال سليمان بن موسى: لا باس أن يحمل الرجل إلى أهله من بلد العدو الطعام مثل القديد وغيره، فإن باع ذلك بعد بلوغه إلى أهله صار مغنماً. قال مالك: وإذا أخذ هذا عسلاً وهذا لحماً وهذا طعاماً يتبادلونه ويمنع أحدهم صاحبه حتى يبادله فلا بأس به وكذلك العلف.

ابن المواز: وذكر أشهب أن مالكاً كرهه. ابن حبيب: وكره بعضهم التفاضل بين القمح والشعير في هذا، وخففه آخرون وهو خفيف؛ لأن عليهم المواساة فيه بينهم. قال: ومن جهل فباع بثمن واشترى جنساً آخر من الطعام فهو مكروه؛ لأنه إذا صار ثمناً ابتغى أن يرجع مغنماً بخلاف المبادلة. ومن المدونة قال مالك -رضي الله عنه-: ولا بأس بما يأخذون من جلود يعملونها نعالاً أو خفافاً أو لأكفهم أو لغير ذلك من حوائجهم. قال: وللرجل أن يأخذ من المغنم دابة يقاتل عليها أو يركبها إلى بلده إن احتاجها ثم يردها إلى الغنيمة. قال ابن القاسم: فإن كانت الغنيمة قد قسمت باعها وتصدق بثمنها وكذلك إن احتاج إلى سلاح يقاتل به أو ثياب من الغنيمة يلبسها حتى يرجع إلى أهله وذلك بمنزلة الدابة. وروى علي وابن وهب أن مالكاً قال: لا ينتفع بدابة ولا بسلاح ولا ثوب ولو جاز ذلك لجاز أن يأخذ دنانير فيشتري بها. وقال بعض الرواة ما قال ابن القاسم واستحسنوه ورأوه صواباً.

قال ابن القاسم: ولو حاز الإمام هذه الثياب أو هذه الجلود ثم احتيج إليها فلهم أن ينتفعوا بها كما كان ذلك لهم قبل أن يحوزها الإمام. قال ابن القاسم: وكل ما أذن النفع به من المغنم فبيع فإن ثمنه يرجع مغنماً ويخمس. فصل قال مالك: ومن نحت سرجاً أو برى سهماً أو صنع مشجباً ببلد العدو فهو له ولا يخمس. سحنون: معناه إذا كان يسيراً. وقيل: إن كان له قدر أخذ إجارة ما عمل والباقي يصير فيئاً. وكذلك في كتاب ابن المواز: ومن المدونة قال مكحول: إلا أن يجده مصنوعاً فيدخل في المغانم وإن كان يسيراً. ابن وهب: وقال القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله: وما اكتسبه الرجل في أرض العدو من صيد طير أو حيتان أو من صنعة عبده للفخار فهو له وله أكل ثمنه وإن كثر.

وقال عيسى عن ابن القاسم: ما صاده الرجل من الحيتان والطير فلا شيء عليه في أكله وإن باع منه شيئاً جعل ثمنه في المغانم. ابن حبيب: كل ما صنعه بيده من سرج أو سهم أو مشجب أو قدح أو قصعة وشبه ذلك؛ فله إخراج ذلك كله لمنفعة أو بيع عليه في ثمنه وإن كثر. قال الشيخ: هذا كقول القاسم وسالم. قال ابن حبيب: وأما ما وجده مصنوعاً في بيوتهم فلا يستأثر به وإن دق. قال: وكذلك ما صاد بأرضهم من طير ووحش وحوت فهو أحق به وبثمنه وله الخروج به إلى أهله ومواساته به أحب إلي وليس بلازم وهو شيء لم يملكه العدو، وأما البزاة وما يصاد به مما يعظم قدره فليرده في المقاسم وإن باعه رد الثمن، وهذا قول كثير من التابعين ومالك وأصحابه إلا ابن القاسم فقال: كل ما نض ثمنه من هذا صار مغنماً. ابن حبيب: والكلب الصائد يباع في المقاسم فإن لم يوجد له ثمن أخذه من شاء أو يقتل كغير الصائد. وفي العتبية قال ابن كنانة وعبد الملك في كلب الصيد: أنه يباع ويجعل ثمنه في المغنم.

وقال ابن القاسم وأصبغ: لا يباع وهو داخل في النهي وليس القضاء بقيمته كابتداء بيعه وليقتل أو يترك لمن يأخذه. أصبغ: يقتل إن كان كثير الثمن أحب إلي. فصل قال عبد الوهاب: ويعاقب من غل وذلك تأديباً له؛ وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «الغلول عار ونار وشنار على صاحبه». وروي أن رجلاً مات فدعي النبي -صلى الله عليه وسلم- ليصلي عليه فامتنع وقد قال: «صلوا عليه صاحبكم فإنه قد غل» ففتشوا رحله فوجدوا خرزات لا تساوي درهمين. قال: ولا يقطع؛ لأنه خائن وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا قطع على خائن». ولا يحرم سهمه؛ لأنه قد استحقه بحصول سببه من القتال والحضور. وقوله -عليه السلام-: «من رأيتموه غل فاحرموه سهمه وأحرقوا رحله» إنما كان ذلك على وجه التغليظ.

ابن المواز قال مالك: إن ظهر عليه قبل أن يتوب؛ أدب وتصدق بذلك إن افترق الجيش، وإن لم يفترق رد في المغنم. قال ابن القاسم في العتبية: وإن جاء تائباً لم يؤدب. قال سحنون: كالزنديق والراجع عن شهادته قبل أن يعثر عليه. وقال مثله ابن حبيب. قال: وإن انتصل منه عند الموت فإن كان أمراً قريباً ولم يفترق الجيش؛ فهو من رأس ماله، وإن كان أمراً قد طال أخرج من ثلثه. فيما ضعف المسلمون عن حمله من الغنيمة أو من أموالهم من ماشية أو دواب أو متاع أو غير ذلك قال مالك -رضي الله عنه-: وما ضعف المسلمون عن النفوذ به من بلدهم من ماشية ودواب أو متاع مما غنموه أو كان من متاعهم أو قام عليهم من دوابهم فليعرقبوا

الدواب ويذبحوها، وكذلك جميع الماشية ولا تترك للعدو ينتفع بها، وأما المتاع والسلاح فإنه يحرق. قال ابن القاسم: ولم أسمع من مالك في الدواب أنها تحرق بعد ما عرقبت. ابن حبيب: قال المصريون: تعرقب أو تذبح أو يجهز عليها. وقال المدنيون: يجهز عليها، وكرهوا أن تذبح أو تعرقب، وبه أقول؛ لأن الذبح مثلة والعرقبة تعذيب؛ وقد جاء النهي عن تعذيب الحيوان، أو يعذب بعذاب اللله وهو النار. قال غيره: ويكره تحريق النحل وتغريقها لنهيه -صلى الله عليه وسلم- عن تعذيب الحيوان إلا لمأكلة. وونهى عنه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.

ولأنها تنتقل إلى ديارنا كحمام الأبرجة، فإن كانت بموضع يكثر نفعهم بها ويؤذيهم تلفها؛ جاز ذلك فيها لأنها ليست بأعظم حرمة من الخيل والأنعام. [وبأثر كلام لأصبغ قيل: فإن أراد أخذ العسل فخاف أن تلدغه النحل فيريد أن يغرقها حتى تهلك. قال: لا بأس بذلك. وبأثر كلام أبي إسحاق: ولا ينبغي أن يترك من الغنيمة ماله قدر؛ كالجواهر وشهبه، وليترك إذا عجزوا عن حمله ولا ثمن له كثير، ويؤخذ ماله الأثمان]. ابن حبيب: وما عجز الإمام عن حمله من الأثاث والمتاع ولم يجد له ثمناً فلا بأس أن يعطيه لمن شاء؛ فإن لم يجد من يخذه فليحرقه، وإن لم يحرقه ثم حمله أحد فلا خمس عليه فيه ولا قسم، وكذلك من أعطاه له الإمام. قال: ومن اشترى رقيقاً من السبي فعجز عن حملهم فتركهم ثم أخذهم أحد من أهل هذا الجيش، أو ممن دخل من غيرهم؛ فإن تركهم الأول في حوز الإسلام فهم له ويغرم للجائي بهم أجر مؤونتهم ومن كان فيهم من عجوز أو شيخ فهم أحرار؛ لأن ترك مثلهم كالتحرير لهم قاله من أرضي. قال الشيخ: وقوله في العجوز والشيخ ليس على الأصل ولا يكونون أحراراً إلا أن يتركهم على ذلك.

قال ابن حبيب: وإن تركهم في حوز العدو فهم لمن جاء بهم، ولا عتق للشيوخ منهم؛ لأنه لم يخلهم وهو يملكهم ملكاً تاماً. م: وهذا أيضاً ليس على الأصل، وكيف لا يملكهم ملكاً تاماً وهو له أن يطأ ويبيع ولو أعتق لم يكن له فيه الرجوع؟ وقد قال محمد عن أشهب فيمن اشترى شيئاً من السبي فعجز عن بعضهم فتركه؛ فدخلت خيل أخرى فأخذته؛ فهو لصاحبه الأول. محمد صواب؛ ما لم يكن رقيق أعتقهم فتركهم على العتق. فصل ومن المدونة قال: ابن القاسم: ولا يستعان بالمشركين في القتال: لقوله -عليه السلام-: «لن أستعين بمشرك». ولأن الأنصار قالوا يوم أحد: ألا نستعين بحلفائنا من يهود؟ فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «لا حاجة لنا فيهم». قال ابن القاسم: ولا باس أن يكونوا نواتية أو خدماً. يريد: لأن النهي إنما ور فيما يستعان بهم في القتال.

باب في الأمان ومن يجوز أمانه أم لا

قال ابن حبيب: في الزحف والصف وشبهه، فأما في هدم حصن أو رمي بالمجانيق أو صنعة أو خدمة فلا بأس به. م: رميهم بالمجانيق قتال. ابن حبيب: ولا باس للإمام أن يقوم بمن سالمه من الحربين على من لم يسالمه منهم بالسلاح ونحوه، ويأمرهم بنكايتهم، ولا بأس أن يكون من سالمه منهم بحذاء عسكره وقربه ومسايرين له يقوون بظله على من حاربه منهم ما لم يكونوا في داخل عسكره. [قال بعض المتأخرين: وكل هذا انتصار بالكفار؛ والقرآن والحديث يؤيده]. باب في الأمان ومن يجوز أمانه أم لا وقد أمر الله سبحانه رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالوفاء بالعهود والأمان من ذلك. وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «ويجير على المسلمين أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم». وقال لأم هانئ: «قد أمنا من أمنت يا أم هانئ».

قال ابن حبيب: فأدناهم يقول: الدني من حر أو عبد أو امرأة أو صبي يعقل الأمان فإنه يجوز أمانه، ولا ينبغي للإمام أو غيره أن يغدره وليوف له بذلك أو يرده إلى مأمنه. وقوله: «ويرد عليهم أقصاهم» أي: ما غنموا من أطرافهم يجعل خمسه في بيت المال. ومن المدونة قال ابن القاسم قال مالك: وأمان المرأة جائز عنده، وكذلك عندي: أمان العبد والصبي إذا كان الصبي يعقل الأمان. قال غيره: إنما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أم هانئ وفي ابنته زينب: «قد أمنا من أمنت» من بعد ما أنزل الأمان وقد يكون ذلك من إجازته هو النظر والحيطة للدين وأهله، ولم

يجعل ذلك أمراً يكون بيد أدناهم لا خروج للإمام عنه، ولكن الإمام ينظر فيما فعل بالاجتهاد. قال عبد الوهاب: وقاله عبد الملك. فوجه الأولى: قوله -صلى الله عليه وسلم- يجير على المسلمين أدناهم. وهذا عام، وقد أجاز من أجارته أم هانئ، وكذلك العباس مع أبي سفيان.

ووجه الثانية: أنه لا يؤمن أن يكون في ذلك ضرر على المسلمين فكان موقوفاً على رأي الإمام. ولأنهم لو أرادوا استرقاق الأسارى، أو المن عليهم وأبى الإمام كان ذلك له، فكذلك الأمان.

م: وأصحابنا يحملون قول الغير هذا ليس بخلاف لمالك؛ بخلاف ما تأول أبو محمد عبد الوهاب؛ وهو أصوب. ومن المدونة قال إسماعيل بن عياش: سمعت أشياخنا يقولون: لا جوار للصبي ولا للمعاهد فإن أجارا فالإمام مخير؛ إن أحب أمضاه وإلا فليبعثه إلى مأمنه.

وقال الليث والأوزاعي: في الذمي يكون من المسلمين فيعطي لمشرك أماناً فلا يجوز أمانه ويرد المشرك إلى مأمنه. قال سحنون: لا يجوز أمان الذمي بحال، وأما الصبي فليس أمانه أماناً إلا أن يجيزه الإمام للقتال فيصير له سهم؛ فالإمام مخير في إجازة أمانه أو رده إلى مأمنه، فإن لم يجزه الإمام للقتال فأمانه باطل. وذكر محمد في أمان المرأة والصبي والعبد مثل ما في المدونة. قال: وأما أمان من ليس بمسلم فليس بشيء؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يجير على المسلمين أدناه» يقول: من هو منهم. فإن أمنهم الذمي فلا أمان لهم وهم فيء قاله مالك.

قال محمد: فإن قالوا: ظنناه مسلماً فقد اختلف فيه قول ابن القاسم: فاقل مرة: هم فيء. وقال أيضاً يرون إلى مأمنهم. محمد: وهو أحب إلينا. وقاله ابن حبيب. قال ابن المواز: ولو قالوا: علمنا أنه ذمي وظننا أن أمانه يجوز لذمته منكم كما يجوز أمان أدناكم من عبدكم وصغيركم؛ فلا أمان لهم وهم فيء. وقال ابن حبيب. [قال ابن إسحاق: في هذا ضعف، والأشبه في هذا كله أن يردوا إلى مأمنهم لأن هذا فيه شك ولا تباع الذمي بالشك]. ابن سحنون: وإذا أمر أمير العسكر أن يؤمن فأمن فذلك جائز وهو رسول، وكان ينبغي أن يرسل مسلماً إلا أن يبعثه ليكلمهم بلغتهم، وإن أمنهم الذمي عن رجل مسلم من العسكر فقال: قد أمنكم فلانٌ المسلم، أو قال: فلان. فإن علموا أنه ذمي فلا أمان لهم؛ لأنه لا أمان له على نفسه فكيف على غيره؟ وهم فيء فإن قالوا: ما علمنا أنه ذمي فهي شبهة. ابن حبيب: ولا ينبغي لأحد من الجيش أن يؤمن أحداً غير الإمام وحده وذلك قدم وينبغي أن يتقدم إلى الناس بذلك ثم إن أمن أحدٌ قبل نهيه أو بعد، فالإمام مخير إما أمنه أو رده إلى مأمنه.

ابن سحنون: ولو قال الإمام لأهل الحرب: من دخل إلينا بأمان فلان أو بأمان أحد من المسلمين فهو ذمة لنا لا ندعه يخرج أو فهو رقيق فهو على ما قال وذلك نافذ، وكذلك لو قال في حصار حصن: من خرج إلينا منكم بغير أمان الأمير فهو فيء أو مباح الدم؛ فهو كذلك. ومن المدونة: ومما روي أن عمر -رضي الله عنه- كتب إلى سعيد بن عامر وهو يحاصر قيسارية أن من أمنه منكم حر أو عبد من عدوكم فهو آمن حتى يرد إلى مأمنه أو يقيم

فيكم فيكون على الحكم في الجزية، وإذا أمنه بعض ممن تستعينون به على عدوكم من أهل الكفر فهو آمن حتى يرد إلى مأمنه أو يقيم فيكم، وإذا نهيتم عن الأمان فأمن أحدٌ منكم أحداً منهم ناسياً أو عاصياً أو لم يعلم أو جاهلاً؛ رد إلى مأمنه ولا سبيل لكم عليه إلا أن

يشاء أن يقيم فيكم فيكون على الحكم في الجزية، وكذلك إن أشار أحد منكم إلى أحد أن هلم فإنا قاتلوك؛ فأتانا يظن أنه أمان ولم يفهم ما قال، وكذلك إن جاءكم رجل منهم مطمئناً تعلمون أنه جاء متعمداً فإن شككتم فيه فلا تردوه إلى مأمنه واضربوا عليه الجزية، ومن وجدتم في عسكركم منهم لم يعلمكم بنفسه حتى قدرتم عليه فلا أمان له ولا ذمة، واحكموا فيه بما هو أفضل للمسلمين. قال سحنون في كتاب ابنه: قول عمر في هذا به يقول أصحابنا إلا قوله: فإن شككتم فإنهم إذا قدروا عليه ولم يبينوا ذلك فهم فيء ورقيق للمسلمين. م: وقول سحنون هذا خلاف لما في المدونة. وقد قال مالك في الرومي: يؤخذ وهو مقبل إلينا فيقول: جئت أطلب الأمان؛ فهذا الأمر مشكل، ويرد إلى مأمنه، فيصير في المسألة ثلاثة أقوال: قول مالك هذا، وقول عمر: إنه يضرب عليه الجزية، وقول سحنون: إنه فيء. ومن كتاب ابن سحنون وابن حبيب: وذكر حديث عمر فيمن يقول للمشرك: لا تخف ثم يقتله؛ فمن فعل ذلك ضربت عنقه. قال سحنون قال مالك: ليس هذا الحديث بالمجتمع عليه.

وقال ابن حبيب: قال مالك: ذلك تشديد من عمر ولا ينبغي أن يقتل. قال ابن حبيب: وسمعت بعض أهل العلم يقولون فيمن رمى مشركاً بالقتل فتقاه المشرك. فقال له المسلم لا تخف أو لا بأس عليك ثم أسره فأراد قتله؛ فإن كان أراد بقوله: لا تخف؛ تأمينه من الضربة لا من القتل؛ فله قتله. وإن أراد تأمينه من القتل فلا سبيل له إلى قتله فإن قتله فعليه قيمته يجعلها في المغنم. قال ابن سحنون: وقال ابن وهب عن مالك: والإشارة بالأمان كالكلام، وليتقدم الإمام إلى الناس في ذلك. وذكر ما روي عن عمر في القائل للعلج. مترس وهو بالفارسية: لا تخف. قال سحنون: فهو أمان. وكذلك إن نادوهم بالأمان بأي لسان من قبطية أو فارسية أو رومية أو غيرها فذلك أمان؛ كان ذلك على لسان يعرفه العدو أم لا يعرفه. فصل قال سحنون: وأمان الخوارج لأهل الحرب جائز، وكذلك لرجل حربي ولا ينكث ذلك الإمام حتى ينبذ إلى الحربين إن كانوا في منعة وإلا فليبعثهم إلى مأمنهم ثم ينبذ إليهم

إذا رأى ذلك وكان عنده على غير نظر، وإن كان خوارج لهم منعة أمنوا قوماً حربيين على أن يخرجوا إليهم فيكونون معهم بدار الإسلام فقاتلوا فظهر على الجميع بعد قتال أو قبل فلا يستباح الحربيون لسبي ولا أخذ مال؛ لأنه انعقد لهم أمان الكون بدار الإسلام، ومن قتل منهم قتيلاً فليس له سلبه وإن كان الإمام قد نقل الأسلاب، وليسوا كالحربيين الذين أمنهم الخوارج على أن يخرجوا من دار الحرب ليقاتلونا معهم، هؤلاء على أصل الحرب ولم يذكروا أماناً فليس خروجهم أماناً. فصل ومن كتاب ابن المواز وابن سحنون قال أشهب فمن شذ من سرية بدار الحرب فأسره العدو فلما أحسوا بالسرية طلبوا من الأسير الأمان فأمنهم؛ فإن كان آمناً على نفسه جاز أمانه وإن كان خائفاً لم يجز أمانه والأسير مصدق. ابن المواز: وإن اختلف قوله أخذ بقوله الأول.

وقال سحنون: لا أرى أمانه أماناً، ولا أصدق أنه أمنهم غير خائف؛ لأن المسلمين قدروا عليهم وهذا ضرر على المسلمين، وهل يقدر الأسير إلا طلبوه في الأمان إلى يؤمنهم. ابن المواز قال ابن القاسم: إذا أمنهم عن تهديد بالقتل فلا أمان لهم، وأما إن قالوا: نخليك وتأمننا. فأمنهم فهو أمان جائز. قيل له: أنه بأيديهم ويخاف إن لم يفعل قتلوه أو غنموه؟ قال: وما يدريه، بل أمانه جائز؛ إن كان ذلك منه بعد أن أشرف عليهم المسلمون ولو شاءوا أن ينقذوا قدروا على ذلك وتخلصوا. ابن حبيب: إن هددوه بالقتل وقالوا له أمنا ونخلوك. ففعل؛ فلا أمان لهم إلا أن يخلوه بغير شرط؛ فإن أمنهم وهو على نفسه آمن فذلك جائز ويقبل قول الأسير قاله من أرضاه. وهذا الباب موعب في كتب أصحابنا وفيما ذكرنا منه كفاية. [وإن أسر العدو مسلماً ثم أمنوه على أن لا يهرب لم يكن له أن يهرب ولذلك إن أعطاهم عهداً ألا يهرب وتركوه يتصرف لم يكن له أن يهرب؛ لأنه وإن كان مكرهاً على العهد فإن ذلك يؤدي إلى الضرر بالمسلمين والتضييق على ما في أيديهم من الأسارى، ويرون المسلمين لا يوفون بعهد، فإن خلوه على أن حلف بالطلاق أو العتق على أن لا يهرب جاز له الهروب بخلاف الأول؛ لأنهم في مسألة العهد لم يجعلوا له الهروب بوجه

وهذا جعلوا له ذلك ويقع عليه الطلاق والعتق، وأيضاً يرون أنه أبى طلاق زوجته وعتق عبده على المقام ثم لا يلزمه ذلك لأنه مكره]. في تكبير المرابطين وفي الديوان والجعائل قال مالك -رحمه الله-: ولا بأس بالتكبير في الرباط والحرس على البحر ورفع الصوت به بالليل والنهار وأنكر التطريب. ومن كتاب الغضب قيل لمالك: إنا نكون في الثغور فيقال: نهى الإمام أن يحرس إلا بإذني. قال: ويقول أيضاً: لا تصلوا إلا بإذني؛ فلا يلتفت إلى قوله، وليحرس الناس. وفي الباب الأول ذكر فضل الرباط وثوابه مستوعباً. فصل قيل لابن القاسم: فما قول مالك في الدواوين؟ قال: أما مثل ديوان مصر والشام والمدينة مثل دواوين العرب؛ فلم ير مالك به بأساً. يري: لا بأس أن يكتب فيه. قيل: فإن تنازع رجلان في اسم مكتوب في العطاء فأعطى أحدهما الآخر مالاً على أن يبرأ له من ذلك الاسم.

قال مالك: في رجل زيد في عطائه فأراد بيع تلك الزيادة بعرض أنه لا يجوز. قال ابن القاسم: فكذلك ما اصطلحا عليه لا يجوز؛ لأن الذي أعطى الدراهم إن كان هو صاحب الاسم فقد أخذ الآخر ما لا يحل له، وإن كان الذي أخذ الدراهم هو صاحب الاسم لم يجز له؛ لأنه لا يدري ما باع قليل بكثير أو كثير بقليل ولا يدري ما مبلغ حياة صاحبه فهذا غرر لا يجوز. [قال أبو إسحاق: وإنما أراد أن الطعام إنما خرج لزيد بن عمر بمائة دينار فجاء رجلان اسم كل واحد منهما زيد بن عمر فقال كل واحد منهما: أنا ذلك الرجل ولي يكون العطاء، فإذا لم يعلم ذلك تحالفا وقسماه، وأثبتها السلطان جميعاً، إن رأى ذلك، أو أحدهما. ولو كانت المائة إنما هي لخروجه وليست بعطاء من الأعطية الثابتة للناس لنظر السلطان فأيهما رأى أن يخرجه ويعطيه المائة فعل وخلاه وأثبته وأسقط الآخر، لأنها إنما تعطى لمكان خروجه، فإذا لم يره أهلاً للخروج أخرج غيره، والذي أراد في الكتاب الأعطية الثابتة؛ فلذلك لم يجز أن يزيد أحدهما صاحبه شيئاً، ولا أن يشتري أحد الزيادة التي زيدت في العطاء؛ لأنها مؤبدة، وأما لو زيد في العطاء فأراد رجل أن يشتري تلك الزيادة منه سنة أو أعطاه كله سنة؛ لجاز ذلك. وإذا سمى الإمام الخارجين فلا يجعل لرجل ممن سماه الإمام لرجل آخر أن يخرج عنه إلا بإذن الإمام؛ لأن الإمام يثق بخروج من سماه، فقد يأتي هو بمن هو دونه، أو من لا يقوم مقامه، أو يرى الإمام أن تسمية من سمى اولى عنده من خروج غيره، وأما إذا قال: يخرج من البعث الفلاني مائة وأعطى بعضهم لبعض على أن يخرج عنه، فقال للإمام: أنا أخرج؛ جاز ذلك؛ لأن الإمام لم يسم أحداً. ولو قال: يخرج جملة أهل الصيف فأراد

بعضهم أن يجعل لمن بعثه في الربيع ما جاز إلا بإذن الإمام؛ لأنه قد عين من يخرج فلا يخرج غيرهم إلا بإذنه، وينبغي أنه إذا أتاه بمن يقوم مقامه ألا يكلفه الخروج إذ لا ضرر عليه في ذلك وهذا جائز إلا لمن أوقف نفسه لهذا يلتمس الزيادة فمتى وجدها خرج فيكره ذلك]. قال الأوزاعي أوقف عمر للصحابة الفيء وخراج الأرضين للمجاهدين ففرض منه للمقاتلة والعيال والذرية فصار ذلك سنة لمن بعده فمن افترض فيه ونيته الجهاد فلا بأس به. قال ابن محيريز: أصحاب العطاء أفضل من المتطوعة؛ لما يروعون. وقال مكحول: روعات البعوث تنفي روعات يوم القيامة. فصل قال مالك: ولا بأس بالجعائل في البعوث، لم يزل الناس يتجاعلون عندنا بالمدينة بجعل القاعد للخارج، وربما خرج لهم العطاء وربما لم يخرج، وقد أدى القاعد للخارج مائة دينار في بعث في أيام عمر.

قال ابن القاسم: وهذا إذا كانوا أهل ديوان واحد؛ لأن عليهم سد الثغور، وإن جعل لمن ليس معه في ديوان ليغزو عنه فلا يعجبني، وقد كره مالك لمن في السبيل كعسقلان ونحوها أن يؤاجر فرسه لمن يغزو به أو يرابط عليه فهو إذا أجر نفسه أشد كراهية. قال ابن عباس: لا بأس بالطوى من ماحوز إلى ماحوز إذا ضمنه الإنسان. وقال يحيى بن سعيد: لا بأس بالطوى أن يقول: خذ بعثي وآخذ بعثك وأزيدك كذا.

قال شريح: يكره من قبل أن يكتتبا، فأما بعد الكتابة فجائز، إلا لمن انتصب من ماحوز إلى ماحوز يريد الزيادة في الجعل. [قال أبو إسحاق: يريد أن الخروج حضور أن ذلك في هذه الخرجة وحدها، وأما أن يقول له ولم يحضر الخروج: خذ بعثي وآخذ بعثك، وما كان لي فهو لك وما كان لك فهو لي وأن يرد كذا فهذا الدين بالدين، ولهذا المعنى كره أن يعتقد الطوى قبل الكتبة، لعله يريد قبل حضور ما يأخذانه وحلوله، فأما إذا كان لم يتقدم لهما كتبة فلم يجب لهما شيئاً يخرجان فيه فلا فائدة في إعطاء أحدهما الآخر على شيء ليس هو ملزوم به ولا مجبور عليه]. قال ابن عمر ومكحول: من أجمع على غزو فلا بأس أن يأخذ ما أعطين وأما من لا يخرج إلا لما يعطى؛ فلا خير فيه. قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: إن كان إنما يغزو من أجل الجعل فليس له أجر. وقال الرسول -عليه السلام- للمجتعل أجر ما احتسب وللجاعل أجر الجاعل والمحتسب.

ومن كتاب ابن سحنون قال مالك: ولا بأس بالكراء في الغزو إلى القفل من بلد العدو، وفيه للناس توسعة، وكذلك على أن زوادهم إلى القفل؛ لأن وجه غزوهم معروف. قيل: وقد تختلف الطريق ويكون المقام نحو الشهر وأكثر وأقل. قال: وجه ذلك معروف. م: وإذا غزا رجل عن رجل من أهل ديوانه بأجرة؛ فالسهمان للذي استأجره، وقد نزلت عندنا فأفتى شيوخنا بذلك، وكذلك حكى بعض أصحابنا عن بعض شيوخنا من القرويين. جامع ما جاء في أخذ الجزية وقتال الخوارج قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أهل المجوس: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب». قال ابن حبيب: يعني في أخذ الجزية. قال الزهري: روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صالح أهل الأوثان على الجزية إلا من كان منهم من العرب. وقال ابن وهب: لا يقبل من العرب إلا الإسلام إلا من دخل منهم في ملة.

وقال سحنون: ما أعرف هذا، وتؤخذ الجزية عن مجوس العرب وغيرها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في المجوس: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب». وقد قال أشهب: في الأمم كلها إذا بذلوا الجزية قبلت منهم. [قال أبو إسحاق: وما قاله أشهب هو ظاهر المدونة وهو الصواب؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في المجوس: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» وهذا لفظ عام، وكل من يتمسك بكتاب فاسم المجوسية واقع عليه، ولا فرق بين مال الكفر أنها راجعة إلى أن ذلك كفر، ولا فرق بين اعجمي وعربي. ومن المدونة] قال مالك: وأخذ عثمان الجزية من مجوس العرب. قال ابن القاسم: والأمم كلها عندي بمنزلة المجوس. وقد قال مالك في الفزازنة -وهم جنس من الحبشة-: لا يقاتلوا حتى يدعوا إلى الإسلام، ففي قوله هذا إذا لم يجيبوا دعوا إلى إعطاء الجزية ويقروا على دينهم، وكذلك الصقالبة، والترك، والأبر، وغيرهم من الأعاجم ممن لا كتاب لهم.

م: قال ابن الجهم: تؤخذ الجزية من كل من دان بغير دين الإسلام، إلا ما أجمع عليه من كفار قريش، فلا جائز أن يجري عليهم ذل ولا صغار، وهو إما الإسلام وإما السيف، ولا يرخص لهم على المقام بالكفر بأداء الجزية. وفي كتاب القرويين: أن قريشاً أسلمت كلها يوم الفتح فإذا وجد كافر منهم كان مرتداً والمرتد لا تؤخذ منه الجزية لأنه لا يسترق. م: وهو الصواب.

فصل قال مالك: ويستتاب أهل الأهواء من الإباضية والحرورية والقدرية وغيرهم؛ فإن تابوا وإلا قتلوا إذا كان الإمام عدلاً. وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «من غير دينه فاقتلوه». وقال في قوم مرقوا ببدعتهم يمرقون من الدين، فكان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أول من قاتلهم. قال ابن القاسم: وإن خرجوا على إمام عدل فأرادوا قتاله ودعوى إلى ما هم عليه؛ دعوا إلى السنة والجماعة فإن أبوا؛ قاتلوا. وسئل مالك عن أهل العصبية الذين كانوا بالشام؟ فقال: أرى للإمام إن يدعوهم إلى الرجوع إلى مناصفة الحق بينهم؛ فإن رجعوا وإلا قوتلوا. [قال أبو إسحاق: وظاهر هذا أنهم وإن لم يلبثوا بدارهم ولا دعوا إلى بدعتهم لمخالفتهم الإجماع وقدحهم في الصفات وعند الفقهاء أنهم يتوارثون؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:

«ويتمارى في الفوق» فكأنه أبقى لهم شيئاً فيكون قتلهم على هذا التأويل حداً كحد الزاني والزنديق إذا ظهر عليه وأنكر، كنا نصلي عليه ونورثه. وقد اختلف المتكلمون في تكفيرهم بمآل قولهم الذي سد عليهم طريق المعرفة بالله تعالى. فقيل: يكفرون بذلك وعلى هذا لا يتوارثون. وقيل: لا يكفرون بمآل قولهم؛ لأنهم لم يقولوا، وهذا ظاهر الفقهاء. وإن كان قد أطلق بعض أصحابنا على من قال: بخلق القرآن أنه كافر. فهذا على القول الذي يكفر بمآل القول. وقيل: يضربون ويسجنون ولا يقتلون إلا أن يبينوا بدارهم ويدعوا إلى بدعتهم، وكذلك فعل علي -رضي الله عنه- بالخوارج لم يقاتلهم حتى بانوا بدارهم ودعوى إلى بدعتهم فقاتلهم وقتلهم، ولا تستباح نساؤهم ولا أموالهم وما استهلكوه من الأموال فلا غرم عليهم فيه، وما كان قائماً أخذ من أيديهم، ولم يحدوا فيما وطئوا؛ لأنهم فعلوا ذلك بتأويل وعلى دين يرون أنه صواب، فليسوا كالمحاربين. ومن رمى منهم امرأة بما استحلوا منها من وطء وقال لها يا زانية: حد.

قال ابن الجهم: تؤخذ الجزية من كل من دان بغير الإسلام إلا ما أجمع عليه من كفار قريس كما تقدم الكلام عليه]. ابن سحنون قال سحنون في الخوارج: إنما قاتلوا وقتلوا لبدعتهم وسماهم النبي -صلى الله عليه وسلم- مارقين قال: «ويتمارى في الفوق» ولم يسميهم كفاراً، وسن علي بن أبي طالب قتالهم بما كان عنده من النبي -صلى الله عليه وسلم- من العلم فيهم فلم يكفرهم ولا سباهم ولا أخذ أموالهم ومواريثهم قائمة، ولهم أحكام أهل الإسلام في ذلك، وإنما قوتلوا بالسنة وبما أحثوا من البدعة؛ فكان ذلك كحد يقام وليس قتلهم يوجب تكفيرهم كما لم يوجب مثل المحارب تكفيره، ولا قتل المحصن تكفيره، وأموالهم لهم، ولهم حكم المسلمين في أمهات الأولاد وعدد النساء والمدبرين والوصايا، ويرد ما أخذوه للمسلمين إلى أربابه، ولا يتبعوا بما سفكوا من دم، ونالوا من فرج، ولا بقود، ولا بدية، ولا صداق، ولا حد، وما لم يعرف به من الأموال أوقف لأهله فإن أيس منهم تصدق به، ولم يثبت عندنا أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أجاز الانتفاع بسلاح الخوارج ما دامت الحرب قائمة.

ومن المدونة قال مالك -رحمه الله- في الخوارج إذا خرجوا فأصابوا الدماء والأموال ثم تابوا ورجعوا: وضعت الدماء عنهم ويؤخذ منهم ما وجد بأيديهم من مال بعينه وما استهلكوه فلا يتبعون به، وإن كانوا أملياء؛ لأنهم متأولون بخلاف المحاربين؛ أولئك إذا تابوا إنما يسقط عنهم حد الحرابة ولا يوضع عنهم من حقوق الناس شيء قال ولا يصلي على القدرية ولا الإباضية ولا تتبع جنائزهم ولا تعاد مرضاهم. قال سحنون: أدباً لهم. ابن وهب قال ابن شهاب: هاجت الفتنة الأولى فرأى جماعة من البدريين إسقاط القصاص والحدود عمن قاتل في تأويل القرآن فقتل، ولا حد على امرأة سبيت ولا بينها وبين زوجها ملاعنة ويحد قاذفها بها وترد إلى زوجها الأول بعد أن تنقضي عدتها من زوجها الآخر. ابن وهب: ذكرت الخوارج واجتهادهم عند ابن عباس فقال ابن عباس: ليسوا بأشد اجتهاداً اليهود والنصارى ثم هم يضلون.

قال الشيخ: وإذا سبى الخارجي حرة فأولدها لحق الولد به إذ لا حد عليه في ذلك لما عذر بالتأويل، وكذلك إن سبى أمة فأولدها فلا حد عليه ويلحق به الولد ويكون حكمها كحكم المستحقة من يد مشتريها، ويدخله الاختلاف الذي دخلها. وقاله بعض أصحابنا. ابن وهب قال أبو سعيد الخدري: بينما نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقسم قسماً إذ أتاه ذو الخويصرة رجل من بني تميم فقال يا رسول الله: اعدل. فقال رسول الله

-صلى الله عليه وسلم-: «ومن يعدل إذا لم أعدل خبت وخسرت إن لم أعدل» فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي أن أضرب عنقه. فقال: «دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله لا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء، وهو القدح، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البعضة تدردر يخرجون على خير فرقة من الناس». قال أبو سعيد: ولقد شهدت مع علي بن أبي طالب قتالهم فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتى به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي نعت. مسألة في قتال الخوارج لم أروها وقرأتها على شيخنا أبي الحسن القاضي فصوبها قال ابن سحنون: وافترض الله عز وجل قتال الخوارج فقال تبارك وتعالى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي

تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} فوجب على المسلمين جميعاً بهذه الآية قتال الخوارج وأهل العصبية وهذا إذا كان الإمام عدلاً، وأما إن لم يكن عدلاً وخرج عليه عدل فعليك الخروج مع العدل حتى يظهر دين الله، وإن كان الخارجي غير عدل فيسعك الوقوف إلا أن تراد نفسك ومالك فادفع عن نفسك ومالك وعن ظلم المسلمين إن قدرت، وإن كانوا يطلبون الوالي الظالم؛ فلا يجوز لك الدفع عنه، ولا القيام عليه، ولا يسعك الوقوف عن العدل كان هو القائم أو المقوم عليه، ولا يجب على المسلمين قتال الفئة الباغية إلا مع الولاة إن رأوا الفساد ظاهراً، ولا قيام لله بحق المسلمين إلا بالاجتماع والتولية على أنفسهم من يقوم بالحق، ولا يكون الإمام إلا من قريش لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تكون الأئمة إلا من قريش»؛ لأن الله لم يخل من

قريش عدلاً، ومن قام من غير قريش بالعدل والحق، يدعو إلى العدل؛ فحينئذ يجب على الناس نصرته، وإن لم يدع فلا نصرة له على الناس، قال ذلك مالك وغيره من أكابر أهل المدينة، وإنما منع مالك من القيام يومئذ لأنه لم يقم إمام عدل، وليس يرى القيام إلا مع العدل من قريش فهذه مذاهبنا وبالله التوفيق. مسألة: روى عيسى عن ابن القاسم قال سئل مالك: عن الوالي إذا قام عليه قائم يطلب إزالة ما بيده هل يجب علينا أن ندفع عنه غيره؟ قال: أما مثل عمر بن عبد العزيز فنعم. وأما غيره: فلا، ودعه وما يريد منه، ينتقم الله من ظالم بظالم ثم ينتقم من كليهما قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَاسٍ شَدِيدٍ}. قال: وسئل مالك إذا بايع الناس رجلاً بالإمارة ثم قام رجل آخر ودعا الناس إلى البيعة فبايعه بعضهم؟ فقال: قد روى معاوية أن المبايع الثاني يقتل؛ وهذا عندي إذا

كان الأول عدلاً، وأما إن كان مثل هؤلاء فليس له بيعة إذا كانت بيعته على الخوف، والبيعة للثاني إذا كان عدلاً، وإلا فلا بيعة لهما تلزم. قال مالك: ولابد من إمام بر أو فاجر. قال أبو إسحاق: والحديث الذي رواه معاوية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا كان في الأرض خليفتان فاقتلوا أحدهما»، وقد بلغني أنه كان يقال: «لا تكرهوا الفتن فإن فيها حصاد المنافقين». والله عز وجل أعلم.

باب جامع لوجوه شتى مما يتعلق بالجهاد

وهذا باب جامع لوجوه شتى مما يتعلق بالجهاد ومن كتاب ابن حبيب: روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج في سفره يوم الخميس باكراً ويرجع يوم الاثنين باكراً. بيد إذا رجع فيصلي ركعتين في المسجد ثم يحدث أصحابه ساعة ثم يدخل. وروي أنه كان يصلي ركعتين قبل أن يخرج. وكان -عليه السلام- يبعث السرايا أول النهار. قال ابن مسعود: من خرج إلى سفر فليأت إخوانه يسلم عليهم ويرتجى بدعائهم خيراً فإذا قدم فليأتوه. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم-: إذا استوى على بعيره يريد سفراً كبر ثلاثاً

وقال: «سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم يسر لنا في سفرنا هذا التقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم ازو لنا الأرض وهون علينا السفر واطو لنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلة وسوء المنظر في الأهل والمال». وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا بعث جيشاً أو سرية يوصيهم فيقول: اغزوا بسم الله وعلى عون الله وامضوا بتأييد الله بالنصر ولزوم الصبر، قاتلوا في سبيل الله، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، ولا تجنبوا عند اللقاء، ولا تمثلوا عند القدرة، ولا تسرفوا عند الظهور، ولا تقتلوا هرماً، ولا امرأة، ولا وليداً، ولا تغلوا عند الغنائم، ونزهوا الجهاد عن عرض الدنيا، وأبشروا بالرباح في البيع الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: «خير الصحابة أربعة، وخير الطلائع أربعون، وخير السرايا أربع مائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن تغلب اثنا عشر ألفاً من قلة إلا باختلاف كلمتهم». «ونهى عن الوحدة في السفر وغيره». وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله تعالى العافية، فإذا لقيتموهم فاثبتوا واذكروا الله تعالى». وفي حديث آخر: «فإذا صاحوا فعليكم بالصمت والسكينة، ولا تنازعوا

فتفشلوا، وإذا أتوكم فاثبتوا، وأكثروا ذكر الله تعالى، وعليكم بالأرض، وقولوا: اللهم أنت ربنا وربهم ونواصينا ونواصيهم بيدك وإنما تغلبهم أنت فاهزمهم بطولك، فإذا غشوكم فقوموا غضوا أبصاركم واحملوا على بركة الله تعالى». وكان -صلى الله عليه وسلم-: يبرز إلى غزوه حين تزول الشمس، وكان يقول: «اللهم منزل الكتاب مجري السحاب هازم الأحزاب اهزمهم لنا وانصرنا عليهم وزلزل بهم». وفي العتبية قيل لمالك: هل بلغك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتحرى قتال العدو بعد الزوال؟ قال: ما بلغني ذلك، وما كان قتاله يوم خيبر ويوم أحد إلا أول النهار.

فصل قال ابن حبيب: ولم يزل الشعار من أمر الناس. قال ابن عباس: كان الشعار يوم بدر: "يا منصور"، ويوم حنين: "حم لا ينصرون"، وشعارهم حين انهزموا: "يا أصحاب سورة البقرة تخضيضا". فصل ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وينبغي لإمام الجيش ألا يعجل على أصحابه ويكون في وسطهم. وقال أيضاً مالك فيه وفي الواضحة: ينبغي أن يكون الإمام في آخرهم حتى يتقدمه الضعيف ويلحق به المنقطع. وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يفعل ذلك. ابن حبيب وأوصى عمر بن العزيز صاحب الطائفة أن يركب أضعف دابة في الجيش يضبط سيرها.

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بسير الليل، وإذا سرتم في الخصب فأمكنوا الدواب من أسنانها ولا تجاوزوا المنازل، وإن سرتم في الجدب فعليكم بالدلج، وإياكم والتعريس في جواب الطريق، والصلاة عليها، وإذا ضل أحدكم أو أخطأ فليتيامن، فإذا أعيا فليهرول، وادنوا من الماء وأقلوا المكث في المنازل». فصل وينبغي لإمام الجيش أن يوكل بالساقية رجالاً في دخوله دار الحرب وفي خروجه يلحقون بمن تخلف ويقفون على الضعيف ومن معه دابة لا فضل فيها أمروه بتركها فإن أبى نزعوها منه وتركوها وألحقوه بالناس، ولا ضمان عليهم فيها، وكذلك إن كان معه بقر أو غنم اشتراها من المغنم فلم يقدر أن يلحق بالناس؛ فعلى أصحاب الساقة قتل ذلك إن خافوا على الرجل، وإن تركوها وألحقوا ربها بالناس ثم مرت بها سرية لحقوا العسكر بعد ساعة أو يوم أو يومين فقام ربها، فإن كان بقي خلف ربها بقية من المسلمين فليس لأهل الساقة أن يحولوا بينها وبين ربها، فإن فعلوا فهم ضامنون لما قتلوا أو هلك منها،

وإن فعلوا ذلك ولم يعلموا بمن خلفهم لم يضمنوا؛ ولربها أخذها ممن قام بها من خلفه، ويؤدي إليه ما أنفق عليها وإلا أسلمها إليه، والقول قوله فيما يشبه من النفقة، فإن اختلف في مدة النفقة: فقال المنفق: من وقت كذا، وقال ربها: من وقت كذا، أو قال: لا أدري. فالمنفق مدعي؛ فإن جاء بالبينة وإلا فلا شيء له إلا ما أقر به ربها، ولو أنفقوا عليها وهم يظنون أنها للعدو غنيمة؛ فلا رجوع لهم بالنفقة على ربها؛ كما لو غنموا عبداً من أيدي العدو للمسلمين فلربه أخذه بغير نفقة ولو قسمت أخذها بالثمن فلا نفقة؛ لأنهم إنما أنفقوا على أموالهم. م: والقياس إن أخذه ربه قبل القسمة أن عليه النفقة لأنه يأخذه بغير ثمن ولو هلك كان منه، ولو كانت له غلة كانت لسيده ممن عليه الضمان؛ فله الخراج وعليه النفقة، كقولهم: فيمن رد عبداً بعيب فلا رجوع له بالنفقة؛ لأن ذلك كان في ضمانه، وكان له خراجه، فكذلك عليه نفقته، وأما ما أنفق عليه بعد القسمة فلا رجوع لهم بالنفقة؛ لأنهم أنفقوا على أموالهم وما كان ضمانه منهم.

فصل قال ابن حبيب: اختلف ي قول الله سبحانه: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} الآية فقيل -وهم الأكثر-: يعني ضعفاً في العدد لا في القوة والجلد؛ فلا يحل أن يفر الرجل من رجلين، ولا المائة من المائتين، وإن كانوا أشد منهم سلاحاً، وأظهر جلداً وقوة؛ إلا أن يكونوا بأرض العدو وموضع مادتهم؛ فلهم حينئذ في الانحياز عنهم التولية منهم سعة. وقيل: إنما ذلك في القوة والجلد؛ فلو أن مائة مسلم لقوا ثلاثمائة أو خمسمائة ليسوا مثلهم في القوة والجلد لم يجز لهم التولية عنهم فإنما الضعف في القوة لا في العدد، وهذا قول ابن الماجشون وروايته عن مالك وبن أقول. م: إنما ذلك إذا تساووا أو تقاربوا في العدد فتلقى المائة منا المعدة بالخيل والسلاح مائتين من الشرك معدين مثل عدتنا أو قريباً منها، وأما إن تلقى مائة منا غير معدة مائتين منهم معدة فلا؛ لأن الواحد المعد بكفاءة عشرة غير معدين؛ فإنما تحمل الآية على الاستواء في العدد والمقاربة فيه والله أعلم.

قال ابن حبيب: لم يأخذ مالك بقول عمر: "أنا فئة لمن انحاز إلي" وهو بالمدينة، وإنما ذلك إلى رأس الجيش وولاته. قال ابن المواز: إنما الانحياز إلى والي جيشه الأعظم الذي دخل معه وربما تكون سرية دون سرية فتنحاز المتقدمة إلى من خلفها ممن يليها، ثم تنحاز إذا ما جاءهما أكثر من مثلهما إلى من يليها حتى يبلغ الانحياز من الجيش الأعظم، ووليهم الأكبر. وقاله عبد الملك: والله أعلم بما يخرج من سخطه. وقال عن مالك: لا يجوز الانحياز إلا عن بين وضعف من السلطان ولهم السعة أن يثبتوا للقتال أكثر من الضعفين والثلاثة وأكثر من ذلك، وإن كانوا يجدون مصرفاً عنهم.

قيل: فإن علموا أنهم مقتولون إن ثبتوا؟ قال: فأحب إلي أن ينصرفوا عنهم إن وجدوا إلى ذلك سبيلاً، فإن لم يجدوا: فلهم أن يقاتلوا حتى يقتلوا. [فصل وسئل ربيعة عن مدينة حاصرها العدو فضعفوا عن قتالهم وليس عندهم ما يكفيهم؛ أيخرجون لقتالهم أم يصبرون حتى يموتوا جوعاً؟ قال: بل يخرجون للقتال أحب إلي. قال ابن سحنون: ولو بلغ بهم من الجوع حتى لا يقدروا على القتال فإن طعموا أن في الإخراج منجاة ومفاداة قد عرف ذلك من العدو في غيرهم؛ فليخرج إليهم، وإن كانوا يقتلونهم فليصبروا للموت جوعاً. وقال أبو إسحاق: لهم الخروج إلى القتال فلعل ذلك روح لهم.

وقد اختلف في المركب من المسلمين [تلقى عليها النار]؛ هل [يثقل] الرجل نفسه ليغرق؟ فقيل: ذلك له؛ لأنه فر من موت إلى موت أيسر منه؛ وعلى هذا: إذا أيقن الإنسان بمثل هذه الأشياء التي هي تعذيب له وأيقن بالهلكة أنه يفر منها إلى موت هو أيسر منها فلا يكون قاتلاً لنفسه. وقد قال ربيعة أيضاً: إن صبر فهو أكرم له، وإن اقتحم فقد عوفي، ولا بأس به إن شاء الله]. فصل ابن المواز: وسئل عن الرجل بين الصفين يدعو إلى المبارزة؟ قال: إن صحت نيته فلا بأس بذلك وقد فعل فيما مضى. ابن حبيب: سمعت أهل العلم يقولون: لا بأس بالمبارزة وذلك على قدر النية. ولا

يكون ذلك إلا بإذن الإمام، قرب ضعيفٍ يقتل؛ فيهد الناس، ولا بأس أن يعضد إذا خيف عليه، وقيل: لا يعضد؛ لأنه لم يوف بالشرط، ولا يعجبنا، لأن العلج إذا أسره يجب علينا أن نستنقذه إذا قدرنا، وقد برز يوم بدر حمزة

وعلي وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب إلى عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة

والوليد بن عتبة، فبرز حمزة لعتبة فقتله، وبرز علي للوليد فقتله، وضرب شيبة رجل عبيدة فقطعها فكر عليه حمزة وعلي فاستنفذاه من يده. فصل ومن كتاب محمد بن عبد الحكم روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في قول الله سبحانه: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} الآية. أن القوة: الرمي. قال ذلك ثلاث مرات، وكان يعجبه الرجل أن يكون فارساً رامياً سابحاً. ابن حبيب: وقال ابن عباس: القوة السلاح كله والعدة في سبيل الله. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من تقلد سيفاً في سبيل الله ألبسه الله وشاح الكرامة».

وكان يأمر بالقوس العربية ويكره الفارسية، وأمر بالعمة وعمم علياً بعمامة سوداء أسدل منها بين كتفيه، وبعثه في سرية. قال: «ومن أعد عدة في سبيل الله كانت له في ميزانه كل غداة». وكتل عمر -رضي الله عنه- إلى أهل حمس: "علموا أولادكم السباحة والرماية والفروسية والاختفاء بين الأغراض".

وقال: "اختفوا وتجردوا واخشوشنوا وتمعددوا واقطعوا الركب، وانزوا على الخيل نزوا، وارموا الأغراض، إياكم ولباس العجم، البسوا الأزر والأردية، والقوى السراويلات، واستقبلوا حر الشمس بوجوهكم فإنها سامات العرب، واطرحوا الخفاف والبسوا النعال". قال أسلم مولى عمر: رأيت عمر يمسك بإذن فرسه ثم يمسك بإذن نفسه ثم ينزو عليه.

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- «كل لهو يلهو به المؤمن باطل إلا في ثلاث: تأديبه فرسه، ورميه عن كبد قوسه، وملاعبته امرأته فإنهن حق». وقال: «من ترك الرمي بعد أن تعلمه فقد عصاني». وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «لهوان تحضرها الملائكة؛ الرمي واستباق الخيل».

وقال -صلى الله عليه وسلم-: «الخيل معقودة في نواصيها الخير إلى يوم القيامة». وقال: «ارتبطوا فإن بطونها لكم كنز، وظهورها عز، وأصحابها معانون عليها». ونهى عن جز نواصيها وأعرافها وأذنابها. وقال: مثل الذي يرتبط فرساً كمثل الصائم نهاره القائم ليله الباسط بالصدقة كفه فلا يقبضها. [والفضل في رباط الخيل والترغيب فيها والنفقة عليها كثير جداً]. وكره -صلى الله عليه وسلم- خصاء الخيل وشدد في ذلك ونهى عنه.

قال: في الخيل: «خضرها أصلبها، وكمتها ديباجها، وشقرها جيادها. وبارك في الشقر ثلاثاً». وروي أنه قال: «خير الخيل الحر وكان يكره منها الشكال»، وهو الذي برجله اليمنى بياض وبيده اليسرى بياض أو في يده اليمنى ورجله اليسرى. وروي أنه قال: «خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم ثم المحجل ثلاثاً طلق اليمنى فإن لم يكن أدهم فكميت على هذا الشية». ونهى عن إنزاء الحمر على الخيل. ونهى عنه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وعمر بن العزيز.

وقال -عليه السلام-: «الخيل لرجل أجر، ولرجل ستر وعلى رجل وزر؛ فأما الذي هي له أجر: فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لها في مرج أو روضة فما أصابت في طيلها ذلك في المرج أو الروضة كانت له حسنات ولو أنها قطعت طيلها ذلك فاستنت شرفاً أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن تسقى به كان ذلك له حسنات فهي له أجر، ورجل ربطها تغنياً وتعففاً ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي لذلك ستر، ورجل ربطها فخراً ونواء لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر». فصل وسابق النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الخيل التي قد أضمرت من الخفياء وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، وأن عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها.

وكانت القصوى ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تدفع في سباق إلا سبقت حتى سبقت يوماً فاكتأب الناس لذلك فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الناس إذا رفعوا شيئاً وضعه الله». وسابق عمر بين الخيل، وكتب به ولم يزل يراهن بين الخيل منذ زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الآن وهو جائز وإن جهل جري فرسه ومبلغ رمي الرامي إذا تناضلا بالسهام. ومن كتاب ابن مزين وغيره: قال ابن المسيب: لا بأس برهان الخيل إذا كان فيها محلل، يتراهن الرجلان يخرج هذا سبقاً وهذا سبقاً ويدخل بينهما ثالث لا يخرج شيئاً فإن سبق المحلل أخذ وإن سبق لم يأخذ شيئاً.

قال محمد بن عبد الحكم: إذا سبق المحلل أخذ سبق الرجلين وإن لم يسبق هو وسبق أحد الرجلين أخذ السابق سبق صاحبه ولا شيء على المحلل، وهذا لا يقوله مالك، وإنما يجوز عنده أن يجعل الرجل سبقه خارجاً بكل حال كسبق الإمام فمن سبق فهو له. م: يريد أن يتسابق رجلان ويخرج ثالث سبقاً ولا يجري معهم فمن سبق من الرجلين أخذ ذلك السبق. قال مالك: ولا بأس أن يجري معهم الذي جعل السبق فإن سبق هو كان السبق للمصلي إن كانت خيلاً كثيرة وإن لم تكن غير فرسين فسبق واضع السبق فالسبق طعم لمن حضر. وروي عنه: أنه أجاز أن يشرط واضع السبق إن سبق أحد أخذ السبق وإن سبق هو أخذ سبقه وكذلك الرمي نَضَلَ أو نُضِلَ. والمصلي: هو الثاني من السابق؛ سمي بذلك؛ لأن جحفلته على صلا السابق وهو أصل ذنبه، ويقال للعاشر: السكيت، ومن الثاني إلى العاشر لا يسمى إلا بتسمية العدد. قال محمد: وكراهية مالك في المحلل إنما هو على قوله أنه يجب إخراج السبق بكل حال، وفي قياس قوله الآخر: أنه جائز وبه أخذ وهو قول ابن المسيب وابن شهاب.

قال ابن شهاب: ويكون المحلل ممن لا يأمنان أن يذهب بالسبقة، فإن أدخلا من يأمنان ألا يذهب بها فهو كالرهان بلا محلل فلا يجوز، ولا بأس أن يخرج أحدهما خمسة والآخر عشرة إن كان بينهما محلل في الخيل والإبل، ولا بأس بسباق الخيل مع الإبل، يجري الفرس مع الجمل، ولا بأس أن يجعلا سرادقاً من دخله الأول كان السابق، أو يخطان خطاً من جازه أولاً فهو السابق، وإذا تراهنوا على الخيل فسقط فارس أو ألقاه فرسه في الطريق أو زاع عنها حتى سبق، أو سقط الفرس فانكسر فإن كانوا خيلاً جماعة؛ فالرهان بين ما بقي من الخيل قائمة، وإن كانا فارسين فالذي رأيت أهل الخيل أن يعد الذي بلغ الغاية سابقاً وما لهذا وجه، وهذه علة لا توجب السبق عندي، ورأيتهم إذا سقط الفارس وجرى فرسه عارياً ثم وثب عليه آخر فأجراه إلى الغاية فإنهم يعدونه سابقاً، وقد احتج من رأى هذا: أن هذا يدعوهم إلى التحفظ فيما يستقبل؛ ويقولون: لو جاز هذا لطرح من خاف السبق نفسه عن فرسه وقال: سقطت، وفي هذا فساد

الرهان، وقد يحتج من لا يراه مسبوقاً أن هذه الأمور لا بد أن ينزل مثلها فلا يحسب مسبوقاً. قال محمد: ولم أر بين الرماة اختلافاً أن السبق بالرمي يبدأ في رمي سهمه ثم يرميان سهماً بينهما حتى يفرغا من الرشق ثم يبدأ المسبوق كذلك في الرشق الثاني هكذا حتى يفرغ الرمي إلا أن يشترطوا غير ذلك، ولا بأس أن يناضله على أنه إن نضله أعتق عنه عبده، أو عتقه عن نفسه، أو على أن يعمل له عملاً معروفاً، أو على أن يتصدق بالسبق، أو يفي له الغرض، أو يشتري له حصراً يجلسون عليها، ولا بأس أن يتراهن حزب وحزب أو واحد واحد أو اثنان اثنان أو أكثر، ويدخلان بينهما محللاً، إن نضل المحلل أخذ من الحزبيين، وإن نضل أحد الحزبيين أخذ من الحزب الآخر، ولا بأس أن يخرج هذا ديناراً وهذا دينارين، أو هذا شاة وهذا بقرة، وبينهما محلل وقد طعن فيه طاعن في دينار ودينارين، وهو عندي جائز؛ لدخول المحلل بينهما، كما بدخوله جاز في دينار ودينار عنده، وفيما ذكرنا كفاية، وبالله التوفيق.

باب في الأمور المحصنة من التغرير الداعية إلى الصبر والنصر

فصل وهذا باب في الأمور المحصنة من التغرير الداعية إلى الصبر والنصر روي أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- قال لخالد بن الوليد حين وجه إلى قتال أهل الردة احرص على الموت يوهب لك الحياة. ووجه أبو مسلم قوماً إلى العدو فقال لهم: اشعروا قلوبكم الجرأة عليهم؛ فإنها سبب الظفر، وأكثر ذلك الضغائن؛ فإنها تخص على الإقدام، والزموا الطاعة فإنها حصن المحارب.

وقالت الحكماء: على مقدار الصبر على المصائب تكون شجاعة النفس، واعلم أن عماد كل صناعة وثبات كل جماعة القيم العالم بالسياسة، المتحمل للرئاسة، فيجب أن يكون صاحب الجيش مطبوعاً في صناعته، شجاعاً في إقدامه، جباناً في تحرزه، صادقاً في نبته، مستيقظاً في حركته، ذكياً في بديهته رؤوفاً برعيته، فإذا اجتمع لمقدام الجيش ما ذكرناه تولد في فكره من أنواع الحيل ووجوه المكايد في حال يتصرف فيها من محاربة عدوه ما يكون مؤدياً إلى الظفر إن شاء الله فأقل هذه الصفات السياسة، [يريد: الرئاسة، يريد: لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف، وحسن

السياسة تولد الرئاسة، قدم الخوف على الرجاء، احذر العجل تأمن الزلل، تقحم الحرب تشجع القلب، الهزيمة تحل العزيمة، الحيل أبلغ من العمل، الرأي السديد أجرأ من الأثر الشديد، أظهر خلاف عزمك مورياً عنه ... أخف من جواسيس عدوك، شدة الصبر فاتحة النصر، توق مشاورة الجاهل، لا تشاور من تميل به رغبته أو رهبته، خل العدو حتى يزحف إليك، أو تصد الفرص حتى يقال أيضاً: التأخر بعد التمكن هزيمة، والتسرع في غير قوة تورث النكد، يسير النكث يكسر معظم العسكر، داو القلوب بما يقويها قدر زحفك وزحف العدو إليك، قدم أهل الظن، احذر العدو الباطن، احذر الإخلال بالمراكز، لا تجرنك ورطة سلمت منها على معاودة مثلها، احذر كيد الجواسيس، أطع الكبير يطعك الصغير، احذر كيد المستأمنة إليك، اعمل على أن كل من في عسكرك عين عليك، خالف الإعجاب تجد الصواب، ألطف الأمر قبل إرهان المكر، قدم أهل الشجاعة أمامك، لا تنس وضع الكمين عند اللقاء، احذر كمين عدوك، في هذه الحال لا ترض بأن تأخذ من عدوك مثل الذي تعطيه، قوة النفس في الحرب أبلغ من قوة البدن، كن في عسكرك مجهولاً عند لقاء العدو، لا تستصعب العدو فتقهر، لا تستهزئ بأوليائك فتهون على أعدائك، إن بخلت بالمال على أعوانك جدت به على أعدائك، لا تدع المقدمة المنكوبة تدخل العسكر إلا في ستر، لا تحارب بمن لا يخافك، لا تحارب بمن لا يرجوك، لا تحارب بمن لا يحتاج إليك، لا تبلغ في آثار المنهزمين، احذر التعرض للنهب إلا بعد الإبلاغ في النكاية، تفقد نفسك عند المواقعة، لا تهمل التعبئة عند المناوشة فإن فساد التعبئة من أعظم الخلل، بذل الأمان عند دفعك على العدو فرصة، احذر اختلاف أصحابك، استمل رؤساء

عدوك، لا تجعل النهر وراءك عند الزحف، إذا حاربت عدوك فعده كفئا، بالغ في الهزيمة ثم تعرض للغنيمة، ومن خفر ضمانه بطل أمانه، أخر الحرب ما استطعت فإن النفقة فيها من النفوس، فإن لم يكن منها بد فاجعلها آخر النهار وليعظهم، وقد يلتقي الجمعات والموت فيهما فيقتل من ولي ويسلم من حمل. وروي أن عمر -رضي الله عنه- سأل عمرو بن معدي كرب عن الحرب فقال: الحرب مر المذاق فإذا كشفت عن ساق من وقف فيها عرف، ومن هرب منها تلف، وهي كما قال القائل: الحرب أول ما تكون فتية ... تسعى بزينتها لكل جهول حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها ... عادت عجوزاً غير ذات خليل شمطاء جزت رأسها وتنكرت ... مكروهة للشم والتقبيل

وحكي أن الأحنف بن قيس نظر إلى سيف مع رجل فأخذه فهزه ثم قال لصاحبه: إن سيفك لجيد لولا قصر فيه، فقال الرجل: يطيل قصره خطوة، فقال: يا ابن أخي المشي إلى الصين أسهل من تلك الخطوة. تم كتاب الجهاد الثاني من الجامع لابن يونس بحمد الله وعونه وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم].

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم وسليما كتاب الأيمان والنذور في النذور والأيمان بالحج والعمرة ونذر المشي في ذلك وفي غيره وفي الاستثناء في المشي وغيره قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} فلزم بذلك كل ما عقد من أعمال البر في يمين أو غيرها. وقال: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}. وقال: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه». وأمر بطرح ما ليس بطاعة الله.

وأمر الذي نذر أن يمشي القهقري إلى الكعبة أن يمشي لوجهه. واللذين نذرا أن يمشيا في قران أن يحلا قرانهما. وقال -عليه السلام-: «لا تعمل المطي إلا إلى ثلاث مساجد -فذكر مسجده والمسجد الحرام ومسجد إيلياء-». قال مالك -رحمه الله-: فمن أوجب على نفسه المشي إلى الكعبة في نذر أو يمين حنث بها فعليه الوفاء به، وقال ابن عمر وغيره. قال ابن المواز: ولا كفارة في ذلك لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من نذر أن يطيع الله فيلطع» ولم يجعل فيه كفارة؛ والحج والعمرة من الطاعات، فمن قال: فيه كفارة فقد خالف ما أمره الرسول -صلى الله عليه وسلم- به.

ومن المدونة قال مالك -رحمه الله-: فمن قال: علي المشي إلى مكة أو إلى بيت الله أو قال: إن فعلت كذا فعلي المشي إلى مكة إلى بيت الله فحنث؛ لزم المشي إلى مكة إلى شاء في حجة أو عمرة، وإحرامه في ذلك من ميقاته لا من موضعه. قال: وقوله: أنا أحج إلى بيت الله، أو فعلي حجة، أو لله علي حجة؛ سواء ويلزمه الحج. ابن المواز: إن شاء راكباً أو ماشياً إذا لم يقل علي المشي. ومن المدونة قال مالك: وإن أكثر من النذور بالمشي إلى مكة ما لا يبلغه عمره؛ فلا يجزيه إلا أن يمشي ما قدر عليه من الزمان، ويتقرب إلى الله بما استطاع من خير. قال بعض فقهائنا: فإن عجز هذا فركب فلا يرجع ثانية لأجل ركوبه وعليه الهدي لذلك ورجوعه إنما يكون لباقي نذره فأعلمه. [قال أبو إسحاق: وما لم يبلغه عمره أو عجزت عنه مقدرته ساقط عنه. وقوله يتقرب إلى الله تعالى بما استطاع إليه من الخير ندب؛ لأن من أوجب على نفسه ما قدرة له عليه سقط عنه. قال]: ومن قال: علي المشي إلى بيت الله إن كلمت فلاناً، فكلمه؛ فعليه المشي إلى مكة، وله أن يجعله في حجة أو عمرة، فإن جعله في عمرة؛ مشى حتى يسعى بين الصفا

والمروة، فإن ركب بعد سعيه وقبل أن يحلق فلا شيء عليه، وإن جعله في حجة مشى حتى يقضي طواف الإفاضة، فإذا قضاه فله أن يركب في رجوعه من مكة إلى منى وفي رمي الجمار بمنى. ابن المواز: وقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: آخر النسك الطواف بالبيت. وقال ابن حبيب: إذا عجل طواف الإفاضة فلا يركب في رجوعه إلى منى ولا في رمي الجمار، وله أن يركب في حوائجه. ومن المدونة قال مالك: وإن أخر طواف الإفاضة حتى يرجع من منى فلا يركب في رمي الجمار، وله أن يركب في حوائجه، كما له إذا وصل إلى المدينة أو المناهل ماشياً أن يركب في حوائجه، أو تذكر في طريقه وهو سائر حاجة نسيها فليرجع وراءها راكباً. قال أبو محمد: وإنما يعني ابن القاسم بقوله في الأم: وأنا لا أرى به بأساً: يريد في حوائجه لا في الجمار.

ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو مشى في حجه كله وركب في الإفاضة فقط لم يعد ثانية وأهدى؛ لأن مالكاً قال: إذا مرض في طريقه فركب الأميال أو البريد أو اليوم -ابن المواز قال مالك-: أو اليومين ومشى البقية لم يعد ثانية وأهدى. ومن المدونة قال مالك: ولو مشى حتى يسعى بين الصفا والمروة ثم خرج إلى عرفات وشهد المناسك والإفاضة راكباً رجع قافلاً راكباً فركب ما مشى ومشى ما ركب. م: لأنه ركب يوم التروية ويوم عرفة وأيام الرمي وفي الإفاضة وهذا كثير. ولأن ركوبه وقع في مواضع أعمال الحج فهو أشد من مشى في الطريق اليوم واليومين فلذلك أوجب الرجوع عليه. قال ابن المواز: قال مالك: ويهدي أحب إلي من غير إيجاب، ولم يره في الهدي مثل من عجز في الطريق.

م: يريد عجزاً يوجب عليه فيه العودة أم لا؟ قال ابن القاسم: لأن بعض الناس لم يوجب عليهم العودة في المشي إذا بلغ مكة وطاف ورأى أن مشيه قد تم وأرخص له في الركوب إلى عرفة فلذلك عندي لم يوجب عليه مالك الهدي. قيل لابن المواز: فلم لم يقطع المشي إذا انتهى إلى البيت وهو إنما أوجب على نفسه المشي إلى البيت؟ قال: لأنه جعله في حج. وقد قال الله تبارك وتعالى في البدن: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وليس لها محل في الحج إلى بمنى. [قال محمد: واجب لمن عليه المشي وهو صرورة أن يبدأ بفرضه إذا كان في أشهر الحج، ويمشي بعد قضاء حجة، وإن أراد التخفيف بدأ بالمشي في عمرة فإذا حل منها أحرم بحج فريضة. وقال مالك: وإن كان في غير أشهر الحج فلا بأس أن يبدأ بنذره، وقد] قال عمر: آخر النسك الطواف بالبيت.

ومن المدونة قال مالك: ويمشي الحالف من حيث حلف إلى أن ينوي موضعاً يمشي منه فله نيته وإن لم يحرك بذلك لسانه. قال ابن المواز: فلو حلف بمصر وحنث بالمدينة؛ فليرجع إلى مصر حتى يمشي منها، ومن حلف بالمشي إلى مكة وهو بمكة فحنث فليخرج حتى يمشي من الحل؛ فأنه لا يحرم أحد بعمرة ويحل منها في الحرم فإن جهل فأحرم من مكة فليخرج راكباً ثم يرجع من الحل ماشياً. قال: وكذلك لو نوى أن يحرم ساعة فحنث؛ فلا بد أن يخرج وغن كان الإحرام قد لزمه. وروي عن مالك هذا الحالف إن حالف في غير المسجد الحرام فليمش إلى البيت من موضع حلف فإن حلف في المسجد فهذا يخرج إلى الحل. قال عبد الملك: وإذا حلف وهو في مسجد بلده أو في موضع منه فحنث؛ فليمش من تلك المدينة من حيث شاء منها ويجزئه. قال ابن المواز: وإذا حنث بغير البلد الذي حلف فيه وهو ممن لا يقدر على المشي فليرجع إلى ذلك البلد ثم يمشي منها ما قدر ثم يركب ويهدي.

قال أصبغ: إن كان قريباً ليس عليه فيه كبير مشقة رجع وإلا مشى من حيث حنث وأهدى. م: وسئل أبو بكر بن عبد الرحمن عمن حلف بالمشي إلى مكة وهو بصقلية فحنث هل يمشي من أقرب بر إليها من الإسكندرية لأن عادتهم في السير إلى الحج إنما هو منها؟ فقال: إنما عليه أن يمشي من الإسكندرية؛ لأنه الغالب من فعلهم إذا أرادوا الحج إنما ينزلون بالإسكندرية، وأما بر إفريقية فإنما يأتون إليه على باب التجارة. وقال أبو عمران: بل يلزمه المشي من بر إفريقية؛ لأنه أقرب بر إليها.

م: وهذا أبين لأن عادات [الناس بذلك يمشون من بر إفريقية إلا أن تكون له نية فيحمل على نيته، أو لا تكون له نية فيحمل على عادات] الحالفين. ومن المدونة قال ابن وهب وقال يحيى بن سعيد: من نذر مشياً من بلد فليحرم من ميقاته الذي وقت له لا من موضع نذره. قال ابن القاسم عن مالك: ومن قال إن كلمت فلاناً فأنا محرم بحجة أو بعمرة.؟ قال: أما الحجة فإن حنث قبل أشهر الحج لم يلزمه أن يحرم بها حتى تأتي أشهر الحج إلا أن ينوي أنه محرم من يوم حنث فيلزمه ذلك وإن كان في غير أشهر الحج. وأما العمرة: فعليه أن يحرم بها وقت حنثه إلا أن لا يجد صحابه فليؤخر حتى يجد فيحرم حينئذ. وقال سحنون: يحرم؛ وإن لم يجد صحابه أقام على إحرامه.

وحكي عن أبي محمد أنه قال: العمرة لا وقت لها؛ فلذلك وجب أن يحرم بها وقت حنثه، والحج له زمان وهي الأشهر؛ فمتى حنث قبلها لم ينبغ له أن يحرم بالحج حتى تدخل الأشهر، وهذا إذا كان يصل من بلده إلى مكة [في أشهر الحج، فأما إن كان لا يصل من بلده إلى مكة] حتى يخرج أشهر الحج؛ فإن هذا يلزمه الإحرام من وقت حنثه. م: يريد: يلزمه الإحرام من وقت يصل فيه إلى مكة ويدرك الحج. وحكي لنا عن أبي الحسن ابن القابسي أنه قال: بل يخرج من بلده غير محرم فأينما أدركته أشهر الحج أحرم.

م: وقول أبي محمد أولى، لأن معنى قوله: أنا محرم بحجة؛ أي إذا جاء وقت خروج الناس خرجت أنا محرماً، على ذلك يحمل قوله وعليه يدل لفظه. وفي كتاب ابن المواز ما يؤيده. قال فيه في موضع: يحرم في أشهر الحج. وقال في موضع آخر: يحرم في أوان الحج؛ فهذا يدل على صحة تأويل أبي محمد، والله أعلم. ومن المدونة قال مالك: وإحرامه في ذلك بحج أو بعمرة من موضعه لا من ميقاته إلا أن ينويه؛ فله نيته. م: بخلاف من قال: علي المشي إلى مكة فهذا يحرم من ميقاته جعل مشيه في حج أو عمرة. قال مالك: وإن قال: أنا محرم يوم أكلم فلاناً فإنه يوم يكلمه يحرم. قال: وقوله: يوم أفعل كذا فأنا أحرم بحجة، كقوله فأنا محرم بحجة. قال سحنون: قوله: فيأنا محرم؛ يوجب عليه الإحرام من حين حنث، وقوله: فأنا أحرم؛ لا يكون محرماً حتى يحرم ويقال له: أحرم. وقال إبراهيم والشعبي: إن قال: إن فعل كذا فهو محرم بحجة؛ فليحرم إن شاء من عامه، أو متى ما تيسر عليه. وإن قال: يوم إن أفعل؛ ففعل فهو يومئذ محرم.

فصل قال مالك: ومن لزمه المشي إلى مكة فخرج ماشياً فعجز في مشيه فليركب فيما عجز فإذا استراح نزل، وعرف أماكن ركوبه من الأرض، ثم يعود ثانية فيمشى أماكن ركوبه، ولا يجزيه أن يمشي عدة أيام ركوبه، إذ قد يركب موضع ركوبه أولاً، وليس عليه في رجوعه ثانية، وإن كان قوياً أن يمشي الطريق كله ولكني يمشي ما ركب فقط ويريق دماً، وقاله ابن عمر وابن عباس، قال ابن عباس: وهديه بدنة. قال ابن المواز: فإن مشي الطريق كله في عودته فلا هدي عليه؛ لأنه لم يعرف مشيه.

قال: وهذا إذا لم يكثر ركوبه، فأما من كثر ذلك منه فكان يمشي عقبة ويركب عقبة؛ فليرجع ويمشي الطريق كله ولا هدي عليه، قاله مالك. قال مالك: وأما من ركب يوماً أو ليلة -قال في موضع آخر- أو يومين ومشي باقي ذلك؛ لم يرجع وليهد، فإن لم يجد صام عشرة أيام، [وليس كمن جعل فركب في المناسك؛ يرجع قابلاً حتى يمشي ما ركب ولا يلزمه هدي إلا أن يشاء، وقد تقدم هذا. قال مالك: ومن وجب عليه مشي فمشى حتى بلغ المدينة فأقام بها شهراً ثم خرج ماشياً في عمرة حتى دخل مكة فطاف وسعى فقد فرغ من مشيه ولا شيء عليه. م:] وإنما لزمه الهدي بخلاف من عجز في موضع المناسك؛ لأن هذا لم يوجب عليه العودة فجبر بعض مشيه بالهدي، والذي مشي في المناسك أوجب عليه العودة لمشيه في مواضع الحج، وخفف عليه في الهدي؛ لأن بعض الناس رأى: أن مشيه إذا بلغ مكة قد تم فلم يجمع عليه مالك مع العودة الهدي إيجاباً.

وقال ابن حبيب: من مشى في نذر لزمه فركب في بعض الطريق من غير ضرورة ولا ضعف يقتضي ذلك؛ فهذا يبتدأ في المشي بخلاف ذي العذر وجعله كمفطر في صوم متتابع، وحكاه عن بعض أصحاب مالك. م: وهذا خلاف ظاهر المدونة ولا فرق على مذهب ظاهر المدونة بين من ركب لعذر أو لغير عذر. وقد قال في كتاب محمد: من جهل فركب في المناسك فليرجع يمشي ما ركب، والجاهل عندنا كالعامد، وليس ذلك كصيام التتابع؛ لأنه لو لم يصل تتابع المشي ولكن كسر في كل منهل أياماً لا أجزأه ذلك المشي بإجماع. قال ابن حبيب: ولا يرجع في ركوبه اليوم فأقل منه، ويرجع في أكثر منه. ومن المدونة قال ابن القاسم قال مالك: وإذا عجز فركب ثم رجع ثانية فلم يتم مشيه في المرة الثانية لم يعد ثالثة وأهراق دماً. قال ابن المواز: وهدي واحد يجزيه في ذلك كله. ومن المدونة قال ابن القاسم قال مالك: ولو علم في الثانية أنه لا يقدر على تمام المشي قعد وأهدى؛ كانت حجة أو عمرة.

قال ابن حبيب: وهديه بدنة؛ فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة، فإن لم يجد صام عشرة أيام متى شاء، ولو أهدى في هذا شاة وهو واجد لبدنه أجزأه. ومن المدونة قال: ولو علم أول خروجه أنه لا يقدر أن يمشي كل الطريق في ترداده إلى مكة مرتين لضعفه أو بعده بلده، أو كان شيخاً زمناً [أو امرأة ضعيفة أو مريضاً أيس] من البرء فلا بد أن يخرج أول مرة ولو راكباً ويمشي ولو نصف ميل، ثم يركب ويهدي ولا شيء عليه بعد ذلك وإذا رجا المريض إفاقة يقدر بعدها على أن يمشي تربص للإفاقة إلا أن يعلم أنه غير قادر في إفاقته أن يمشي فهو بمنزلة الشيخ الكبير يمشي ما أطاق ثم يركب ويهدي. قال ابن القاسم: والمشي على الرجال والنساء فيما ذكرنا سواء. قال ابن المواز: قال مالك: ومن عليه مشي فأصاب طريقاً أخصر من طريق فليختصر. قال مالك: ولمن حنث من الأندلس أن يركب البحار للحجاز؛ لأنه لابد له من ذلك.

ومن المدونة قال مالك: ومن جعل مشيه في عمرة فعجز وركب فله أن يجعل الثانية في حج أو عمرة. قال فيه وفي كتاب ابن المواز: وكذلك لو جعل مشيه الأول في حج فعجز فله أن يجعل مشيه الثاني في عمرة. قال فيه وفي المدونة: لا تبال وإن خالف المشي الأول. قال أبو محمد: لعله يريد إذا لم يكن ركوبه أولاً في حجته في المناسك بمنى وعرفة والمزدلفة. وأما لو كان ركوبه في هذه الأماكن في حجته الأولى كيف ينبغي أن يجعل الثانية في عمرة وهو لا يصل أن يمشي ما ركب، وقد ذكر عن سحنون أنه قال: ليس له أن يجعل المشي الثاني في عمرة؛ لأن عمل العمرة أقصر من عمل الحج يريد وإن كان مشيه في غير المناسك. م: قال بعض فقهائنا: إن قيل: أليس من نوى شيئاً ودخل فيه يلزمه ما دخل فيه مثل إذا نذره فلم فرق بين ذلك في هذه المسألة؟ قال: قال بعض القرويين: إنما فرق بين ذلك لأنه إذا لم ينو حجاً ولا عمرة فجعل مشيه في حج وعمرة ورجع من أجل عجزه وركوبه فرجوعه إنما هو لوفاء النذر لا لأجل الحج والعمرة؛ فلذلك جاز أن يجعل الثاني خلاف الأول إذا كان ركوبه في غير المناسك،

وإذا نذر ذلك في حج أو عمرة فإنما رجوعه من أجل نذره فوجب أن لا يجعله خلاف الأول. م: كأنه يقول: الأول نذر مشياً فرجع لوفائه، والثاني نذر حجاً مشياً فرجع لوفائه. م: وإنما افترق ذلك لافتراق السؤال، وأما سؤاله: أليس من نوى شيئاً ودخل فيه مثل إذا نذره؛ فليس الأمر كما قال، وهذه المسألة تدل على خلافه؛ لأنه لو نوى مشياً في حج فله أن يجعله في عمرة، وقد قال ابن المواز: من أحرم بحجة الفريضة ونوى مشيها؛ لم يلزمه مشي إلا أن يوجب ذلك على نفسه بنذرٍ نذره. م: وكذلك من أحرم لنافلة ونوى أن يصليها قائماً، فله أن يصلها جالساً، أو نوى أن يقرأ فيها سورة كذا؛ فله أن يقرأ فيها غيرها، وإنما يلزم من هذا كله ما نذره نذراً على نفسه.

ولأبي عمران الفاسي نحو ذلك. وإنما افترقت المسألة الأولى لافتراق السؤال فأعلمه. ومن المدونة قال مالك إلا أن يكون نذر المشي الأول في حج فلا يجعل الثاني في عمرة، أو نذر الأول في عمرة فلا يجعل الثاني في حج. وقال ابن حبيب: إذا نذر المشي الأول في عمرة فلا يجعل الثاني في حجة؛ لأنه زاد ولم ير ذلك. ابن القاسم: وأجازه غيره من أصحاب مالك. ومن المدونة قال ابن القاسم: وليس له أن يجعل مشيه الأول ولا الثاني في فريضة عند مالك. قال مالك: وإن جعل مشيه في عمرة فحل منها فله أن يحج الفريضة من مكة. قال ابن القاسم: ويكون متمتعاً إن كانت عمرته في أشهر الحج ولو قرن، يريد بالعمرة المشي الذي عليه وبالحج فريضة، لم يجزه من الفرض وعليه دم القران. قال ابن حبيب: ويجزيه ذلك عن مشيه الذي وجب عليه. ومن المدونة قال ابن القاسم وقد قال مالك: فيمن نذر مشياً فحج ماشياً وهو صرورة ينوي بذلك نذره وفريضته؛ إنها تجزيه لنذره لا لفريضته وعليه قضاء الفريضة قابلاً.

ابن المواز: وهذا إذا لم ينو بنذره حين نذره حجاً ولا عمرة وأما إن كانت يمينه بحجة فحنث فمشى في حج نوى به فرضه ونذره فهذا لا يجزيه عن واحد منها؛ لأن هذا ممن لم يكن يجزيه أو يحرم عن نذره بعمرة. ولو مشى عن نذره في حج ففاته الحج لم يجزه إذا حل منها بعمرة عن مشيه، ولا بد أن يستأنف الحج عن مشيه من قابل، فكذلك إذا أشرك بينهما لم يجزه عن واحدة منهما؛ لأن كل واحدة قد نقصت عما وجبت عليه حين جعل لكل واحدة نصف حجة، وإما إذا لم ينو لنذره حين نذره حجاً ولا عمرة فمشى لنذره حتى بلغ ميقاته فأحرم بحجة نوى بها نذره وفرضه فهذه التي قال فيها مالك: تجزيه لنذره. ويقضي الفريضة؛ لأنه نقض الفريضة لما جعل بعضها لنذره ولا تجزي فريضة غير تامة لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وذلك يجزيه لنذره، وإن لم تكن حجة النذر تامة، كما قال مالك فيمن أحرم لنذره بحجة ففاته الحج أن ذلك يجزيه لنذره إذا طاف وسعى وحلق، وإن كان أحرم له بحجة فلم تتم فكذلك لا يضره في نذره معه من مشاركة فريضته التي ألزمناه فيها القضاء، ولم يختلف في قضاء الفريضة وحدها قول مالك وأصحابه إلا عبد الملك فإنه روى لنا عن مالك: أنه يعيدها جميعاً استحساناً، وقال أصبغ. قال عبد الملك وقال المغيرة: تجزيه عن الفريضة ويعيد النذر وبه أقول.

قال ابن المواز: والصواب قول مالك. وكان حجة عبد الملك فيه قياساً على من طاف بالصبي ينوي عن نفسه وعن الصبي؛ أنه يجزيه عن نفسه ولا يجزيه عن الصبي. وقد روى ابن القاسم عن مالك: أنه يجزي عن الصبي ويعيد عن نفسه وهو الصواب؛ لأن الطواف عن الصبي تطوع لا يضره نقصه وعن الكبير واجب فلا بد من تمامه. قال: ولو أن رجلاً حمل رجلاً فطاع به طوافاً واحداً عنه وعن الرجل؛ لم يجزه عن واحد منهما كان المحمول صحياً أو مريضاً. قيل لابن المواز: فالاعتكاف لا يكون إلا بصوم كما لا يكون المشي إلا في حج أو عمرة وأنت تجيز الاعتكاف وغيره في رمضان من الصيام الواجب، فلم لا تجيز المشي الذي نذر في الحج الواجب؟ قال: لأن الاعتكاف الذي يعتكفه في صوم واجب لم ينذره كما نذر المشي؛ وإنما يلزمه بالنية والدخول فيه، ولو نذر اعتكافاً لم يجز له اعتكافه في رمضان، ولا في صيام واجب من ظهار أو قتل نفس؛ لأن من نذر اعتكافاً فقد نذر صيامه فلا يجوز أن يقضيه في صيام واجب ويبطلان جميعاً كمن نذر مشياً بحج أو بعمرة لم يجزه أن يشرك معه فريضة. م: وذكر بعض أصحابنا: أن بعض الناس قال: إن قول ابن المواز: إذا نذر أن يمشي في حج بمشى ينوي فرضه ونذره، أنه لا يجزيه عن واحدة منها، خلاف قول ابن القاسم،

وما جرى في كتاب الحج الأول من المختلطة في مسألة العبد يحرم بالحج فيحلله سيده ثم يعتقه؛ فبحجة ينوي القضاء وحجة الفريضة؛ أنه يجزيه للقضاء لا للفريضة، يدل على هذا خلاف ما قال ابن المواز: م: وليس الأمر كما قال؛ لأن العبد لم ينذر حجة الأول ماشياً كما نذر الحر وإنما أحرم بحجة تطوع فهو كمن نذر مشياً فمشاه في حج ينوي بذلك فرضه ونذره؛ فهذه تجزيه عن نذره لا لفرضه، ولو نذر العبد أن يمشي في حج فمشى في حج ثم حلله السيد منه ثم عتق فمشى في حج ينوي به القضاء والفريضة؛ لوجب ألا يجزيه عن واحد منهما على قول ابن القاسم، والحر والعبد في هذا سواء. وأما سحنون وغيره فلا يلزم العبد في ذلك قضاء.

قال الشيخ: ويجب على قول سحنون هذا إذا حج العبد يعد عتقه ينوي بذلك القضاء والفريضة أنه يجزيه عن الفريضة؛ لأنه أشرك مع الفريضة ما لا يلزمه؛ كمن مشى عن غيره في فريضته؛ أن فريضته تجزيه. وقد قال ابن المواز قال مالك: وأما من مشى عن غيره وجعلها حجة عن نفسه وهو صرورة أجزأ عنه حجة الفريضة ولم يضره ما مشى عن غيره؛ إلا يجوز أن يمشي أحد عن أحد. قال ابن المواز: ومن أحرم بحجة الفريضة ونوى مشيها؛ لم يلزمه المشي إلا أن يوجب ذلك على نفسه بنذر نذره. م: يلزم على هذا أن من أحرم لنافلة ونوى أن يصليها قائماً أنه لا يلزمه وله أن يصليها جالساً وكذلك لو نوى أن يقرأ فيها أو في الفريضة سورة كذا؛ أن ذلك لا يلزمه وله أن يقرأ غيرها إلا أن ينذر ذلك كله فيلزمه، وكذلك من نوى أن يقرأ سورة فبدأ فيها فله أن لا يتمها، وكذلك من نوى جوار مسجد مثل جوار مكة لا يلزمه ولا اليوم الأول وإن دخل فيه بخلاف الاعتكاف والصلاة التي لا تتبعض. قال ابن المواز: قال: فإن أوجب مشياً فعجز فركب فعليه أن يرجع حتى يمشي ما ركب في حجة أو عمرة وقاله عبد الملك.

قال ابن المواز: وإن حلف بالمشي ولم ينو حجاً ولا عمرة فحنث؛ فخرج من بلده لحنثه خاصة ماشياً فلما بلغ الميقات أحرم بالحج عن فرضه خاصة فأتمه ماشياً؛ فإنه يجزيه لفرضه، ويرجع فيمشي لنذره من ميقاته الذي أحرم منه؛ كما لو بدا له فرجع من هناك إلى مصره أو غيره؛ فإنه يرجع راكباً ثم يمشي من الميقات الذي كان بلغ مشيه إليه. قال ابن المواز: وأحب لمن عليه المشي وهو صرورة: أن يبدأ بفرضه إذا كان في أشهر الحج ويمشي بعد قضاء حجه فإن أراد التخفيف بدأ بالمشي في العمرة فإذا حل منها أحرم بحج فريضته، وقاله مالك. محمد: وإن كان في غير أشهر الحج فلا بأس أن يبدأ بنذره. ومن المدونة قال مالك: ومن حلف بالمشي فحنث فمشى في حج ففاته الحج؛ أجزأه ما مشى وجعلها عمرة، ومشى حتى يسعى بين الصفا والمروة ويقضي الحج قابلاً راكباً ويهدي لفوات الحج. قال مالك في كتاب محمد وغيره: فإذا حج قابلاً فليس عليه أن يمشي من مكة إلى منى لأن مشيه قد صار في عمرة فقد قضاه. محمد: وقال ابن القاسم: يمشي المناسك في قضائه قابلاً، وقال سحنون. قال الشيخ: قال شيخنا القاضي أو الحسن: قول مالك أولى؛ لأنه لما فاته الحج رجع إلى عمل العمرة فكأنه فيها مشى، وإنما أوجب عليه الحج قابلاً؛ لأنه دخل فيه ففاته.

وقد قال ابن القاسم: فيمن تعدى ميقاته وقد أحرم بحجة وفاته الحج؛ فلا دم عليه لتعدي الميقات لأنه عمله صار إلى عمرة. م: أسقط الشيخ بعض احتجاج ابن القاسم وهو قوله: وإنما يقضي الحج قابلاً. م: وكأن ابن القاسم إنما أسقط عنه الدم للوجهين، وظهر لي أن قول ابن القاسم وسحنون في مسألة النذور أصح؛ لأنه لما جعل مشيه في حج لزمه تمامه في حج كما جعل على نفسه، فلا فرق بينه وبين من جعل مشيه في حج فركب في المناسك فقد قال فيه: يحج قابلاً راكباً، ثم يخرج من مكة ماشياً حتى يقضي مناسكه ويفيض فهذه أمثلة. ولأنه لما جعل مشيه في حج ففاته لزمه قضاؤه فلما وجب عليه قضاؤه [لزمه المشي فيما بقي عليه، كمن نذر اعتكاف رمضان فمرضه فوجب عليه قضاؤه فلما وجب عليه قضاؤه] وجب عليه اعتكافه، بخلاف ما لو نذر اعتكاف شعبان فمرضه؛ هذا لا يجب عليه قضاؤه فلا يلزمه اعتكافه؛ فالمشي بمنزلة الاعتكاف وهذا بيّن.

قال يحيى بن عمر عن ابن القاسم: في الرجل يجب عليه المشي فيمشي في حجة فيفسدها بالوطء بعرفة؛ فإنه يتم حجة ويقضي، ويعيد المشي من الميقات، ويركب ما قبله؛ لأن المشي الذي وقع له فيه الوطء يجزيه، ولا يعيده، وعليه هدي للفساد، وهدي لتبعيض المشي. فصل ومن المدونة قال مالك: ومن قال: علي المشي إلى بيت الله تعالى حافياً راجلاً فلينتعل، وإن أهدى فحسن، وإن لم يهد فلا شيء عليه، وهو خفيف. ابن وهب: وقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- امرأة تمشي حافية ناشرة شعرها فاستتر منها بيده وقال: «ما شأنها؟» فقالوا: إنها نذرت أن تحج حافية ناشرة شعرها فقال -عليه السلام-: «فلتختمر ولتنتعل ولتمش».

ونظر -عليه السلام- في حج الوداع إلى رجلين نذراً أن يمشيا في قران، فقال لهما: «حلا قرانكما وامشيا إلى الكعبة وأوفيا نذركما». ونظر -عليه السلام- إلى رجل نذر أن يمشي إلى الكعبة القهقري فقال: «مروه فليمش لوجهه». قال ابن القاسم عن مالك: وإن قال إن فعلت كذا فأنا أحمل فلاناً إلى بيت الله تعالى فحنث؛ فإنه ينوي فإن أراد التعب بحمله على عنقه حج ماشياً وأهدى وليس عليه إن حج بالرجل، وإن لم ينو ذلك حج راكباً بالرجل معه ولا هدي عليه، فإن أبى الرجل أن يحج؛ حج الحالف وحده راكباً، ولا شيء عليه في الرجل. قال علي عن مالك: وإن نوى إحجاجه من ماله فلا شيء عليه هو إلا إحجاج الرجل، فإن أبى الرجل الحج فلا حج على الحالف. م: وقول علي هذا ليس بخلاف لابن القاسم؛ لأنه إذا نوى إحجاجه معه من ماله فقد بين أنه لم يجعل على نفسه حجة.

م: قال بعض شيوخنا: وإذا قال: أنا أحمله وأراد التعب بذلك على عنقه؛ أمرنا أن يحج ماشياً ويهدي، فالهدي في هذا مستحب كقول مالك فيمن حلف أن يمشي إلى بيت الله حافياً راجلاً قال فيه: إن أهدى فحسن وإن لم يهد فلا شيء عليه. قال في الكتاب: وإن لم يرد حمله على عنقه فليحج راكباً ويحج بالرجل معه ولا هدي عليه. م: قال بعض فقهائنا: إنما يصح أن يكون عليه الحج بنفسه إن قصد ذلك، وإن لم تكن له نية في الحج بنفسه فليس عليه إحجاج الرجل. م: وأنا أقول: إن لم تكن له نية؛ أنه يلزمه هذا الحج؛ لأن ظاهر لفظه أنه أراد السير معه إلى بيت الله، ويدل على الحج يلزمه قوله في الكتاب: وقوله: أنا أحج بفلان أوجب من قوله: أنا أحمله لا يريد على عنقه. وقول علي أنه أيضاً إن نوى إحجاجه من ماله فليس عليه إلا إحجاج الرجل.

م: يدل قوله: إن لم ينو ذلك حج هو والرجل، وكذلك قول يحيى بن سعيد في التي قالت في جارية ابنها: إن وطئها الابن فأنا أحملها إلى بيت الله، فوطئها ابنها؛ أنها تحج وتحج بالجارية معها. م: كأنهم حملوا قوله: أحمله؛ الذهاب معه، فإذا لم تكن له نية لزمه الذهاب أيضاً به والله أعلم. قال ابن القاسم: وكذلك قوله: أنا أحج بفلان إلى بيت الله؛ فإنه أوجب من قوله: أحمله لا يريد على عنقه، وحجه به طاعة فإن أبى الرجل الحج فلا شيء عليه فيه. م: وحكي عن الشيخ أبي الحسن أنه قال: إنما قوله أنا أحج بفلان أوجب من قوله: أحمله، في إلزامه هو [الحج؛ لأن قوله: أنا أحمل فلاناً يحتمل أن يحمله من ماله ولا يخرج هو، وقوله: أنا أحج بفلان لا يحتمل ذلك، والجواب فيها واحد]. ومن المدونة قال مالك: فيمن قال: أحمل هذا العمود أو هذه الطنفسة ماشياً أو غيره إلى مكة، طلب بذلك المشقة على نفسه؛ فيحج ماشياً، أو يعتمر غير حامل شيئاً ويهدي.

ابن المواز قال مالك: فإن لم يقدر على المشي فركب لما عجز؛ فليس عليه غير هدي واحد وليس هذا من الأمور التي مضت فيها سنة. قال: وإن كان ذلك الشيء مما يقوى على حمله؛ حج راكباً أو اعتمر ولا شيء عليه فيما ترك من الحمل وإن كان مليئاً. ومن المدونة ابن وهب وقال يحيى بن سعيد: في امرأة قالت في جارية ابنها إن وطئها الابن فأنا أحملها إلى بيت الله فوطئها الابن. قال: تحج بها وتذبح ذبحاً؛ لأنها لا تستطيع حملها. م: لعله يريد إذا لم تكن بها نية في حملها أو إحجاجها؛ فلذلك أوجب عليها ما يجب في الوجهين الإحجاج والهدي لحملها وهو خلاف ما تقدم لمالك. وقال إبراهيم النخعي: من قال: أنا أهدي فلاناً على أشفار عيني فليحجه ويهدي بدنة. يريد: ولا يحج هو.

فصل قال مالك: ومن قال: علي المشي إلى بيت الله إلا أن يبدو لي وإلا أن أرى خيراً من ذلك؛ فعليه المشي ولا ينفعه استثناؤه. يريد: إلا أن يضمن يمينه بفعل فينفعه. قوله: إلا أن يبدو لي. يريد: إلا أن يبدو لي في الفعل، وكذلك هذا في يمينه بالطلاق والعتاق. [ولو قال: أنت طالق إن شئت فكان ذلك كله له جائز، إلا أن هذا لم يقع طلاقاً وإنما تقدير قوله: إن شئت فأنت طالق وهو لم يشأ بعد، فأشبه بع، فأشبه قوله: إن دخلت الدار فأنت طالق، ولو قال: أنت طالق إلا أن يشاء؛ لأوجب عليه الطلاق، وكان مثل قوله: إلا أن يبدو لي لأنه أوقع طلاقاً وأبقى لنفسه رده متى أراد، وذلك لا يصح ولو على الطلاق والمشي بفعل يصح استثناؤه في الفعل]. قال إسماعيل القاضي في المبسوط: هذا الذي حكاه ابن القاسم أن مالكاً قال: الاستثناء في المشي إنما هو أن يقول: علي المشي إلا أن يشاء الله، ولا يشبه هذا قوله: علي المشي إلا أن يبدو لي، وإلا أن أرى خيراً من ذلك.

م: واستحسن ذلك بعض فقهائنا وقال: وأما قوله: إلا أن يبدو لي، وإلا أن أرى خيراً من ذلك؛ إلا كقوله إلا أن يشاء فلان، أو إلا أن يرى فلان، فرد ذلك إلى نفسه كرده إلى فلان، فكما لا يرزمه إذا لم يشاء فلان فكذلك لا يلزمه إذا لم يشأ هو.

قال مالك: ولا ثنيا في طلاق ولا عتاق ولا صدقة ولا مشي. ولو قال: علي المشي إلى بيت الله تعالى إن شاء فلان؛ فلا شيء عليه حتى يشاء فلان، وكذلك هذا في الطلاق والعتاق. [قال أبو إسحاق: لأن هذا أمر لا يحكم عليه به فالقول قوله فيما يدعي أنه أراده. واختلف لو حلف به في حق أو وثيقة: فقيل: القول قوله أيضاً بكل حال؛ لأنه لا يقضى عليه. وقيل: لا ينتفع بنيته التي يدعيها إذا كان في حق أو وثيقة، وإن كان لا يقضى عليه بالمشي؛ لأن يمين من حلف على هذا في حق أو وثيقة إنما يكون على نية المحلوف له، ولا على نية الحالف، وهو مذهب أصبغ؛ لأن المحلوف له قصد الاستئناف منه وأن يضيق عليه، فإذا قصد الحالف ما يسقط يمينه لم يلتفت إلى قصد على مذهب هذا القول؛ لأنه قد طاع فإعطاء الوثيقة، وما ذكره ليس بوثيقة للذي له الدين. واختلف أيضاً: لو كانت يمينه في حق أو وثيقة بطلاق أو عتق: فقيل: ينوى فيه. وقيل: لا ينوى. والقياس لعمري في هذا: لا ينوى؛ لأن يمينه في حق، أو وثيقة، كشهادة البينة عليه بظواهر ألفاظ يدعي ما يسقطها فلا يقبل منه].

فصل قال مالك: ومن قال: علي المشي إلى بيت الله ينوي مسجداً من المساجد؛ فله نيته، وإن لم تكن له نية فعليه المشي إلى مكة. قال ابن القاسم: وإن قال: علي المشي ولم يقل إلى بيت الله؛ فإن نوى مكة مشى إليها وإن لم ينو ذلك فلا شيء عليه. وقال أشهب: عليه المشي قال مالك: ومن حلف بالمشي إلى مسجد الرسول أو مسجد بيت المقدس فحنث فليأتها راكباً، وإنما يمشي من قال: علي المشي إلى بيت الله تعالى. قال إسماعيل القاضي: لأن الرجل إذا قال: علي المشي إلى بيت الله؛ فظاهر قوله يدل على أنه أوجب على نفسه الحج ماشياً أو العمرة، وإن لم يكن له نية في أحدهما بعينه فقد أوجب على نفسه أن يأتي البيت محرماً، والإحرام لا يكون إلا بأحدهما فله أي ذلك أحب؛ إن شاء كان مشيه في حج وإن شاء في عمرة، والمشي والركوب في الحج والعمرة طاعة، فإذا أوجب المرء على نفسه أحدهما لزمه ذلك، فإذا جعل الرجل على نفسه المشي إلى بيت المقدس أو مسجد المدينة؛ لزمه أن يأتي ذلك إن شاء راكباً وإن شاء راجلاً، ولم يلزمه المشي؛ لأن المبتغى في مسجد المدينة ومسجد بيت المقدس الصلاة فيهما؛ لما في ذلك الفضل على سائر مساجد البلدان إلى مسجد مكة، ولولا ذلك ما لزمه إتيانهما؛ فألزمناه ما جعل

على نفسه من فضيلة الصلاة التي هي طاعة، ولم يلزمه المشي إذ لا طاعة فيه. ولو جعل على نفسه المشي إلى مسجد مكة يريد الصلاة فيه دون الإحرام؛ لكان كذلك، ويركب إن شاء. ومن المدونة قال مالك: ولو قال له علي أن آتي المدينة أو بيت المقدس، أو علي المشي إلى المدينة إلى بيت المقدس؛ فلا يأتيهما حتى ينوي الصلاة في مسجديهما، أو يسميهما فيقول: إلى مسجد الرسول ومسجد بيت المقدس، وإن لم ينو الصلاة فيهما؛ فليأتهما راكباً ولا هدي عليه، وكأنه لما سماها قال: لله علي أن أصلي فيهما. وابن وهي يرى أن يأتيهما ماشياً. وقال غيره: إن كان بينه وبين الأميال اليسيرة؛ فليأتهما ماشياً والمشي -ضعيف، وقاله أصبغ. ومن المدونة قال مالك: ولو نذر الصلاة في غير هذه الثلاثة مساجد لم يكن عليه أن يأتيه مثل قوله: علي المشي إلى مسجد البصرة، أو مسجد الكوفة فأصلي فيه أربع

.................................

ركعات؛ فليصل بموضعه أربع ركعات ولا يأتيه لقول الرسول عليه السلام: (لا تعمل المطي إلا إلى ثلاث مساجد فذكر مسجده ومسجد إلياء والمسجد الحرام). قال ابن المواز: وقد قيل: إلا أن يكون ذلك المسجد قريباً منه مثل الأميال اليسيرة فليأته ماشياً، يصلي فيه كما جعل على نفسه، والمشي في ذلك ضعيف. وقال ابن حبيب: إن كان المسجد الذي نذر أن يأتيه ماشياً: معه في موضع، ومثل مسجد جمعته، أو مسجده الذي يصلي فيه الصلوات؛ فيلزمه أن يمشي إليه ويصلي فيه ما

نذر وقاله مالك، وألزم ابن عباس من جعل على نفسه مشياً إلى قباء وهو بالمدينة: أن يمشي إليه.

قال ابن حبيب: لأن النبي -عليه السلام- كان يأتيه ماشياً وراكباً ويصلي فيه وهو على ثلاث أميال من المدينة. ومن المدونة قال مالك: ومن نذر أن يرابط أو يصوم بموضع يتقرب بإتيانه إلى الله سبحانه كعسقلان والإسكندرية لزمه ذلك فيه وإن كان من أهل مكة والمدين'. فصل قال ابن القاسم: لا يلزم المشي في قول مالك إلا لمن قال: علي المشي إلى مكة أو بيت الله أو المسجد الحرام والكعبة.

قال ابن القاسم: أو الحجر الأسود أو الركن، وأما غير ذلك كقوله: إلى الصفا والمروة أو منى أو عرفات أو المزدلفة أو ذي طوى أو الحرم أو إلى غير ذلك من جبال الحرم فلا يلزمه شيء. م: وإنما لزم المشي من قال: إلى مكة، أو إلى المسجد الحرام؛ لأن ذلك يحتوي على البيت، والبيت لا يؤتى إليه إلا في حج أو عمرة، والمشي والإتيان في ذلك طاعة؛ وإنما لم يلزمه ذلك إذا قال: إلى الحرم؛ فإن كان ذلك يحتوي على البيت كما تحتوي عليه مكة؛ لأن الذي يقول: إلى مكة؛ جرت مقاصد الناس فيه أنهم يريدون بمكة: البيت، وإذا لم تكن له نية حمل أمره على قصد الناس ولو نرى بيوت مكة؛ لم يلزمه شيء إلا أن تكون يمينه على وجه التوثقة، فلا يجزيه النية حتى يسمي بيوت مكة؛ لأن يمينه على نية من استحلفه، وأما إذا قال: علي المشي إلى الحرم؛ فلا مقصد فيه للناس ولا عادة. فإذا لم تكن له نية؛ أعطي اللفظ حقه في اللغة: فيحمل على أوائل الحرم؛ لأنه أقل ما يتناوله

الاسم؛ ولأن إلى للانتهاء عندهم؛ فلا يلزمه الإتيان إليه لقوله عليه السلام: (لا تعمل المطي إلا إلى ثلاث مساجد) وليس الحرم من ذلك ولا جباله إلا أن ينوي ما في الحرم من البيت فيلزمه، فهذا فرق ما بين ذلك عند ابن القاسم والله أعلم. قال ابن حبيب: وإن قال علي المشي إلى الحجر أو إلى الحطيم أو زمزم؛ لم يلزمه ذلك عند ابن القاسم، ويلزمه عند أصبغ. قال أبو محمد: إن قال: إلى الحطيم؛ لزمه ذلك على مذهب ابن القاسم في المدونة. يريد: وكذلك الحجر الأسود. قال أبو محمد: لاتصاله بالبيت، وأما إلى زمزم فلا شيء عليه. قال ابن المواز: إذا سمي من مكة موضعاً خارجاً من المسجد؛ فلا شيء عليه إلا أن يقول: مكة فيها، وهذا أصح ما روي لنا عن ابن القاسم. وقال أصبغ: كل ما سمي من الحرم أو من مواضع مكة فإنه يلزمه.

ابن حبيب: ولا يلزمه في خارج الحرم خلا عرفات فإنه يلزمه فيها وإن كانت في الحل. وقال أشهب: وإن قال علي المشي إلى الصفا والمروة أو ذي طوى أو عرفة فذلك عليه، إلا ينوي الموضع المسمى بعينه فلا شيء عليه. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن قال: إن كلمت فلاناً فعلي أن أسير أو أذهب أو أنطلق أو آتي أو أركب إلى مكة فلا شيء عليه إلا أن ينوي أن يأتيها حاجاً أو معتمراً فليأتها راكباً إلا أن ينوي ماشياً. وقال أيضاً ابن القاسم: من قال علي الركوب إلى مكة فذلك عليه. قال في كتاب ابن المواز: ولا يأتيها إلا في حج أو عمرة. محمد وقال أشهب: ولا أرى أن يأتيهما ماشياً؛ لأنه يخفف عن نفسه بترك الركوب نفقة وجبت عليه لله في طاعة. م: قيل: فإن مشى على قول أشهب ولم يقم راحلة يركب؟ فحكي عن بعض شيوخنا: أنه يخرج قدر ما كان ينفقه في ركوبه فيجعله في هدايا.

وقال غيره: يدفع ذلك المقدار لمن ينفقه في الحج حسبما كان ينفقه هو فيه والله أعلم. ومن المدونة قال سحنون: وأشهب يرى عليه إتيان مكة في هذا كله حاجاً أو معتمراً، وبه أخذ ابن المواز. م: والفرق عند ابن القاسم بين قوله: علي أن أسير أو آتي إلى مكة، وبين قوله: علي المشي إلى مكة؛ أنه إذا قال: علي المسير ونحوه إلى مكة؛ يحمل أنه أراد بيوت مكة إذا لم تكن له نية؛ لأنه لم تجر به عادة. وإذا قال: علي المشي إلى مكة لزمه؛ لأن هذا قد جاءت به السنة أن يحج أو يعتمر ولأن قصد الناس بذلك المشي إلى الكعبة، فيحمل على ذلك، ولو قال: علي أن أسير أو أذهب أو أنطلق إلى الكعبة لا ينبغي أن يلزمه أن يأتيها إن شاء ماشياً أو راكباً؛ ودليله من قال: أنا أضرب بمالي حطيم الكعبة: أنه يلزمه عند ابن القاسم أن يحج أو يعتمر؛ كقوله: علي أن آتي المسجد الحرام، أن ذلك يلزمه؛ لأنه قد قصد الإتيان إلى البيت فهو بخلاف قوله: إلى مكة لما قدمنا.

م: وسئل أبو عمران: ما الفرق بين من قال: علي المشي إلى المسجد الحرام فيلزم المشي حاجاً أو معتمراً، وبين من قال: علي المشي إلى الحرم؛ لا يلزمه؛ والجميع يتضمن الكعبة؟ فقال: أما الذي يقول: علي المشي إلى الحرم فلو أخذ بمقتضى قوله لكان بوصوله إلى أوائل الحرم يسقط نذره فلم يكن في ذلك طاعة فيلزمه، وأما القائل: علي المشي إلى المسجد الحرام؛ فقد خصص الموضع الذي فيه فرض من فروض الحج والعمرة وهو الطواف والمسجد منصوب للطائفين والركع السجود وذلك كله طاعة فوجب أن يلزمه، ألا ترى أن القائل: علي المشي إلى مسجد الرسول؛ أنه يلزمه أن يأتيه راكباً للصلاة فيه، ولو قال: علي المشي إلى المدينة؛ لم يلزمه أن يأتيها إلا أن ينوي الصلاة في مسجدها، وكذلك الحرم والمسجد الحرام، ولا يراعى أن ذلك يحتوي على البيت ويحدق بها، ولو روعي ذلك لروعي الحد المحدث بالحرم؛ لأن ذلك محدث بالكعبة. وسئل أبو عمران الفاسي: لم اختلف قوله في الكتاب في ذاكر الركوب إلى مكة ولم يختلف قوله في الانطلاق والذهاب ونحوه؟ فقال: يحتمل ذلك لقوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَاتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} فذكر المشاة والركبان معاً فكان الركوب في اللفظ أخا المشي وجاز في

المخاطبات، وكقولهم: حافياً ومنتعلاً؛ فقيس ناذر الركوب على ناذر المشي في هذا القول، ويحتمل إنما وجد له الاختلاف في الركوب منصوصاً فذكره وتدخل باقي الألفاظ الأخرى في الاختلاف، وقد ذكر عن ابن القاسم الخلاف في الجمع كقول أشهب. م: وفي كلام ابن عمران طول اختصرته وبالله التوفيق، والصلاة على سيدنا محمد وآله. جامع ما يلزم من نذر أو يمين في الهدي والصدق والنحر وغيره وصلى الله على محمد روى ابن وهب أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: من قال لرجل أنا أهديك؛ فليهد شاة. وقاله عطاء. قال ابن القاسم قال مالك: ومن قال لحر: إن فعلت كذا فأنا أهديك إلى بيت الله فحنث؛ فعليه هدي.

وقد تقدم قول النخعي فيمن قال: أنا أهدي فلاناً على أشفار عيني؛ أنه يحجه ويهدي بدنة، وهو خلاف لقول مالك هذا. ابن المواز قال أشهب: من نذر أن يهدي بدنة عوراء أو ما لا يجوز في الهدايا؛ فإن كان ذلك بعينه فليهده، وإن كان بغير عينه فيلهد ما يجوز؛ كمن نذر أن يهدي ابنه فإنه يهدي مكانه ما يجوز في الهدي. قال ابن المواز: وكذلك الذي نذر أن يهدي [بدنة عوراء وهي بعينها أو ما لا يجوز أن يهدي] فليهد بقيمتها ما يجوز. ومن المدونة قال مالك: ومن قال عبد فلان أو داره أو شيء من ماله هدي إن فعلت كذا فحنث؛ فلا شيء عليه لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا نذر في معصية، ولا فيما لا يملك ابن آدم». وأما إن قال: داري أو عبدي هدي أو حلف بذلك فحنث؛ فإنه يبيع ذلك ويهدي ثمنه. م: والفرق بين من قال: أنا أهديك أو قال ذلك لعبد غيره وهو لا ملك له على واحد منهما هو أن الحر قد جرت فيه سنة قياساً على ما جاء في إبراهيم مع ولده عليهما السلام، وقد روي أنه قال علي -رضي الله عنه- فيمن قال لرجل: أنا أهديك؛ فليهد عنه شاة. وقال نحوه ابن عباس.

ولم يكن عليه في عبد غيره شيء لقوله عليه السلام: (لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم) وأما في عبد نفسه فهو ملكه؛ فلما لم يصح أن يكون هدياً وصح أن يهدي عنه بثمنه جعلنا بذلك عوضاً وبالله التوفيق. وفي الواضحة قال ربيعة: من جعل جاريته هدياً فإنه يهدي مكانها هدياً وقاله مالك والليث. م: قال أبو محمد: لعله يريد أم ولده. فصل ومن المدونة قال مالك: ومن قال: إن فعلت كذا فعلي هدي فحنث؛ فإن نوى شيئاً فهو ما نوى، وإلا فعليه بدونة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد وقصرت نفقته؛ رجوت أن تجزي عنه شاة، وكان مالك يزحف بالشاة كرهاً، وقال: البقر أقرب شيء إلى الإبل. وقال مالك في كتاب الحج: من قال لله علي هدي فالشاة تجزيه. م: قيل: الفرق بين المسألتين أن هذه يمين، والتي في كتاب الحج بغير يمين، فلذلك كانت أخف.

وقيل: بل ذلك اختلاف قول، ولا فرق بين ما عقد بيمين أو كان نذراُ، وقد نقل أبو محمد هذه. وإن قال: علي هدي، ثم ذكر الجواب؛ فدل أنه عنده سواء، وكذلك في كتاب محمد وهو الصواب. ومن المدونة قال مالك: ومن قال: لله علي أن أهدي بدنة فلينحر بعيراً؛ لأن البدن من الإبل، فإن لم يجد بعيراً فبقرة، فإن لم يجد بقرة فسبعاً من الغنم، [ولا يجزيه شراء بقرة حتى لا تبلغ نفقته ثم بدنة، فإن لم يجد ثمن بقرة فسبع من الغنم]، وقاله خارجة بن زيد، وسالم بن عبد الله، وكثير من العلماء. وقال ابن المسيب: إذا لم يجد بقرة فعشراً من الغنم، وكذلك في كتاب محمد.

قال ابن القاسم في المدونة: فإن لم يجد الغنم لضيق وجده، فلا أعرف في هذا صوماً إلا أن يحب أن يصوم فليصم عشرة أيام، فإن أيسر يوماً ما كان عليه ما نذر. ابن حبيب وقال مالك: إن لم يجد الغنم صام سبعين يوماً. [وقال أشهب في كتاب ابن المواز: إذا لم يجد الغنم صام سبعين يوماً] أو أطعم سبعين مسكيناً كل مسكين مدا، وإن وجد شاة أهداها وصام ستين يوماً. ومن المدونة قال ابن القاسم: وقد قال مالك: فيمن نذر عتق رقبة فلم يستطعها؛ لأن الصوم لا يجزيه إلا أن يشاء أن يصوم فإن أيسر يوماً أعتق فهذا مثله. قال ابن المواز: إن شاء الله صام عشرة أيام. م: وقد قيل: بل يصوم شهرين إذا لم يستطع على الرقبة ولم أروه. ومن المدونة قال مالك: ومن قال لله علي أن أنحر بدنة، أو قال لله علي هدي، فينحر ذلك بمكة أو بمنى يوم النحر، وقاله ابن عمر وابن عباس. قال مالك: ومن قال: لله علي جزوراً أو أنحر جزوراً؛ فلينحرها بموضعه، ولو نوى موضعاً أو سماه فلا يخرجها إليه ولينحرها بموضعه الذي هو فيه.

قال مالك: وكذلك لو نذرها لمساكين البصرة، أو مصر وهو بغيرها؛ فلينحرها بموضعها وليتصدق بها على مساكين من عنده، كانت الجزور بعينها أو بغير عينها، وسوق البدن إلى غير مكة من الضلال. قال في كتاب ابن المواز: وهو مثل من نذر أن يصلي بمصر مائة ركعة وهو من أهل المدينة أو غيرها أنه لا يصلي إلا بموضعه. قال: وقد قال مالك مرة أخرى: إنه ينحرها حيث نوى، وقاله أشهب. قال أشهب: وإن لم تكن له نية نحرها بموضعه. قال ابن حبيب: وإن نذر أن ينحر الجزور بمكة كان عليه أن ينحرها بها وليس بها. ابن المواز: وقد قال ابن عمر: من نذر جزوراً من الإبل أو البقر فإنه ينحرها حيث شاء. فصل ومن المدونة قال مالك: ومن قال: بعيري أو بقرتي أو شاتي هدي؛ فيبعث ذلك بعينه.

وإن قال: داري أو عبدي أو دابتي أو شيء من مالي مما لا يهدى هو هدي أو حلف بذلك فحنث؛ فليبعه، ويبعث بثمنه وبما أهدى من العين فيبتاع به هدياً. قال ابن القاسم: فإن لم يبعه ويبعث به بعينه فلا يعجبني ذلك ويباع هناك فليشتر به هدياً، فإن لم يبلغ ذلك ثمن هدي وأدناه شاة أو فضل منه ما لا يبلغ ذلك، قال مالك: يبعثه إلى خزمة الكعبة ينفق عليها. قال في كتاب محمد: فإن لم يحتج إليه الكعبة تصدف به. وقال ابن القاسم في المدونة: أحب إلى أن يتصدق به حيث شاء؛ وذلك أن ابن عمر كان يكسو الكعبة بأجلة بدنة فلما كسيت تصدق بها. وقال أصبغ: أحب إلي أن يتصدق بها على أهل مكة خاصة. قال ابن القاسم في المدونة: وأعظم ملك أن يشرك مع الحجبة في الخزانة أحد؛ لأنها ولاية من النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دفع المفاتيح لعثمان بن طلحة.

وفي سماع ابن القاسم فيمن جعل شيئاً من ماله هدياً وهو مما لا يهدى: إن شاء باعه وأخرج ثمنه وإن شاء أخرج قيمته، وكذلك في كتاب محمد. قال أبو محمد: ومن قولهم في الصدقة لا يحبسه ويخرج قيمته وذلك مكروه له، ويثبه أن يكون الفرق: أنه لا يقصد في هدي متاعه إلا إلى عوضه، وفي صدقة متاعه يحسن أن يتصدق بذلك بعينه، فكأنه تصدق به بعينه. م: وحكي عن بعض شيوخنا القرويين أنه قال: إذا تصدق الرجل بعرض تطوعاً لم يكن له حبسه ويتصدق بقيمته ولو حلف بذلك فحنث أجزأه إخراج قيمته. والفقر بين ذلك: أن الحالف غير قاصد للقرية فلم يدخل في قول النبي -عليه السلام-: «العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه»، والمتطوع هو داخل في الحديث؛ لأنه قاصد للقربة به، والحديث إنما خرج في الفرس الذي حمل عليه عمر طوعاً فأمر ذلك مفترق. م: والحالف أيضاً إنما قال: إن فعلت كذا فأنا أتصدق بكذا لله، فقد عقد على نفسه إن فعل ذلك القربة بصدقته فهما سواء والله أعلم.

ومن المدونة قال مالك: وإن قال: إن فعلت كذا فغنمي وإبلي أو بقري هدي فحنث فليبعثها من ذلك الموضع إن كانت تصل، وتقلد الإبل وتشعر، والبقر لا تصل من إفريقية إلا من مصر فإذا خاف على هذه الهدايا أن لا تبلغ لبعد سفر أو لغير ذلك باعها وابتاع بثمن الغنم غنماً وبثمن الإبل إبلاً وبثمن البقر بقراص، وجائز أن يبتاع بثمن البقر إبلاً؛ لأنها لما بيعت صارت كالعين، ولا أحب له أن يشتري به غنماً حتى يقصر عن ثمن بعير أو بقرة أو يشتري ذلك من مكة أو من موضع تصل، فإن ابتاعها من مكة فليخرجها إلى الحل ثم يدخل بها الحرم. قال: وإن نذر هدي بدنة غير معينة أجزأه شراؤها من مكة أو المدينة فيتوقف بعرفة ثم ينحرها بمنى، فإن لم يتوقف بعرفة أخرجت إلى الحل إن اشتريت في الحرم ثم نحرت بمكة، فإن لم يجد ثمنها فذلك دين عليه. فصل قال مالك: ومن قال: إن فعلت كذا فلله علي أن أهدي مالي، أو قال جميع مالي فحنث، أو نذر ذلك بلا يمين أجزأه أن يهدي الثلث من ماله، وقد قال النبي -عليه السلام- لأبي لبابة حين انخلع من جميع ماله للذنب الذي أصابه يجزيك من ذلك الثلث.

ومن العتبية قال عيسى عبن ابن القاسم فيمن قال: مالي هدي. قال: يهدي ثلثه وينفق عليه حتى يبلغ من غير الثلث. وقال: مالك فيمن وجبت عليه صدقة ثلث ماله وهو بموضع ليس فيه مساكين: فيكر عليه من ماله، وكذلك إن قال: إبلي هدي فعليه أن يبلغها من ما له. م: [وفيها قول آخر إذا قال: مالي هدي؛ أنه يهدي ثلثه وتكون النفقة من الثلث ولو قال: ثلثي هدي فهاهنا لا اختلاف أنه ينفق عليه من ماله حتى يبلغه]. م: الصواب ألا فرق بين ذلك، ووجه من أوجب النفقة على ذلك من ماله؛ لأن من أوجب على نفسه هدياً وجب عليه أن يبلغه من ماله، إذ لا يجوز أن يهدي بعضه ولا يشرك فيه، ووجه النفقة عليه من الثلث: فقياسها على الزكاة تجب عليه وليس بموضعه مساكين فينقلها إلى أقرب البلدان إليه؛ أن النفقة عليها منها قاله ابن حبيب. ومن المدونة قال: مالك: وإن قال: إن فعلت كذا فعبدي هدي ولا مال له غيره فحنث؛ فعليه أن يهدي عبده يبيعه ويهدي ثمنه، وكذلك إذا سمي شيئاً من ماله بعينه

كقوله: داري أو دابتي أو ثوبي أو غيره هدي، أو حلف بذلك فحنث؛ أخرج ذلك فحنث كله وإن أحاط بماله كله، وكذلك إن قال: لله علي أن أهدي بعيري أو بقربي أو شاتي وهو جمع ماله فليهد جميع ما سمى، ولو قال: لله علي أن أهدي جميع مالي؛ أجزأه الثلث. قال مالك: وإنما هذا كمن قال: كل امرأة أنكحها فهي طالق فلا شيء عليه، وإن سمى قبيلة أو امرأة بعينها لزمه ذلك. م: وقال بعض المتأخرين من القرويين: من عم أو خص في الصدقة؛ أن الذي عين شيئاً من ماله فقد أبقى لنفسه شيئاً، ولو ثياب ظهره، أو ميراثاً لم يعلم به، والذي قال: مالي كله لم يبق لنفسه شيئاً وأدخل ثياب ظهره وما لا يعلمه من ماله، فكان ذلك من الحرج فوجب قصره على الثلث؛ لحديث أبي لبابة، ولولا ذلك لسقط عنه الجميع كما إذا عم في الطلاق أنه لا شيء عليه. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن قال: إن فعلت كذا فأنا أهدي عبدي هذا وجميع مالي فحنث؛ أدى العبد وثلث ما بقي، وكذلك هذا في الصدقة وفي سبيل الله. قال مالك: ومن قال: مالي في المساكين صدقة أو في سبيل الله أو حلف بذلك فحنث؛ أجزأه من ذلك الثلث.

وروى ابن وهب أن رجلاً تصدق في زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بجميع ماله فأجاز له منه النبي -صلى الله عليه وسلم- الثلث. وروي في كتاب محمد عن ابن عمر أنه يخرج ماله كله. وعن ابن المسيب ثلث ماله، وقال ابن مالك. وعن عائشة -رضي الله عنه-كفارة يمين. وعن عبد العزيز بن أبي سلمة زكاة ماله. ومن المدونة قال مالك: وإن سمي شيئاً من ماله فقال: داري أو دابتي أو ثوبي صدقة أو في سبيل الله ولا مال له غير ما سمى فحنث؛ فليخرج كل ما سمي ولا يجزيه منه الثلث. وقال ابن نافع: من تصدق بشيء بعينه وهو ماله كله أنه يخرج الثلث، وكذلك قال ابن وهب عن مالك إذا سمي أكثر من ثلث ماله اقتصر على الثلث.

ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو قال فرسي ومالي في سبيل الله؛ أخرج الفرس وثلث ما بقي من ماله، وإن قال: نصف مالي أو ثلاثة أرباعه صدقة أو أكثر؛ فليخرج جميع ما سمى ما لم يقل مالي كله. ومن الواضحة ولو قال: مالي كله صدقة إلا درهماً أن ذلك يلزمه وكذلك في جزء منه. ابن المواز قال ابن القاسم: ومن حلف بصدقة ماله فحنث ثم حلف بصدقة ماله فحنث؛ فليخرج ثلث الأول ثم ثلث ما بقي، ثم قال: يخرج ثلثه مرة واحدة ويجزيه، وقاله ابن كنانة، وبالأول أخذ محمد وقاله أشهب. قال مالك: ومن حلاف بصدقة ماله فحنث ونذر أداء ماله فعليه ثلثه يوم حلف، وإن نقص فثلثه يوم حنث، وإذا حنث ثم نموا ماله ثم حنث فيه يمين ثانية ثم نما ماله ثم حنث فيه يمين ثالثة ثم نما ماله؛ فليخرج ثلث ما معه الآن وهو ثلث الأول وثلث الزيادة ولو لم يزد ماله لم يخرج إلا ثلثاً واحداً، ولو حنث أولاً وماله مائة ثم حنث ثانية وماله ستون ثم حنث ثالثة وماله أربعوه؛ فليس عليه إلا ثلث المائة الأولى إلا أن يبقى بيده أقل من ثلثها فلا شيء عليه غير ما بيده إلا أن يذهب بإتلافه أو أكله فيلزمه ديناً، ولو تلف

بعضه بغير سببه لم يضمنه وإن فرط في إخراجه؛ لأنه كالشريك. وقاله مالك في التلف وقاله أصبغ كله، وما نما بعد الحنث فلا شيء عليه فيه فرط أو لم يفرط. قال ابن المواز: إذا حلف إن فعل أو لا أفعل؛ لم يضمن ما أكل أو أتلف قبل الحنث، ولو حلف لأفعلن أو إن لم أفعل فهو كتلفه بعد الحنث؛ يلزمه ما ذهب بسبب ولا يلزمه ما ذهب بغير سببه. [من كتاب أبي إسحاق: من قال: إن كلمت فلاناً كل ما أكسب صدقة؛ فلا شيء عليه كعموم الطلاق، وإذا قال: ما أكسب إلى عشر سنين صدقة؛ لزمه إخراج جميع ما كسب في العشر سنين، وكذلك إن عين بلداً، وقيل يلزمه ثلث ما اكتسب، وقيل: لا شيء عليه فيما يكتسب سمى البلد أو ضرب أجلاً أو لم يسم]. ومن كتاب الهبات ومن قال: مالي صدقة أخرج ثلثه من عين ودين وعرض وثلث قيمة كتابة مكاتبيه؛ فإن عجزوا يوماً ما وكان في قيمة رقابهم فضل عن قيمة كتابتهم؛ أخرج ثلث الفضل ولا شيء عليه في أم ولده ولا يخرج ثلث قيمة هدي به إذ لا يملك بيعهم.

قال سحنون: فيخرج ثلث قيمة خدمتهم، فإن لم يخرج ثلث ماله حتى ضاع ماله كله فلا شيء عليه فرط أو لم يفرط. وقال سحنون: إن فرط ضمن كالمفرط في الزكاة وغيرها أنه ضامن لما ذهب بتفريطه. م: قال بعض فقهائنا: وأرى ابن القاسم إنما لم يضمنه في اليمين بالصدقة؛ لاختلاف الناس فيها، وقول من قال: فيها بكفاءة يمين أو غير ذلك فلذلك لم يجعلها كالزكاة ونحوها من الواجبات. قال في كتاب الطلاق: فإن لم يكن له يوم حلف مال فلا شيء عليه فيما أفاد بعد ذلك. ومن الحمالة: ولا يجوز لذات الزوج في مالها هبة ولا صدقة ولا معروفة إلا قدر الثلث، فإن تصدقت بأكثر من ذلك فلم يجزه الزوج؛ بطل جميعه، وجعله المغيرة كالوصية يجوز منه الثلث. قال سحنون: وإن حلفت ذات الزوج بصدقة مالها كله فحنثت؛ فلتتصدق بثلثه وليس للزوج منعها من ذلك. وقال أصبغ: له منعها من ذلك.

م: فوجه قول سحنون: فلأن من تصدق بماله كله إنما يلزمه منه الثلث؛ فكأن الزوجة إنما تصدقت بالثلث. ووجه قول أصبغ: فلأنها تصدقت بمالها كله، فللزوج رده جميعه كما لو تصدقت ثلثها. قال ابن القاسم: وإن أعتقت ذات الزوج ثلث عبد لا تملك غير ذلك العبد؛ جاز ولا يعتق منه غير ذلك، ورواه عن مالك. وروي عن أشهب وعبد الملك: أن الزوج يخير؛ فإما أجاز فيعتق جميعه، أو يرد فلا يعتق منه شيء. م: وهذا أحسن؛ لأن الحكم يوجب عليها عتق جميعه؛ فكأنها قصدت ذلك، فللزوج إجازته أو رده. ووجه الأول: فلأنا لما كانت مقصورة على اثلث؛ فكأنه هو الذي تملك منه فلم يعتق عليها غيره ولم يكن للزوج حجة؛ لأنها لم ت دخل عليه ضرراً كهبة ذلك وصدقته. قال ابن القاسم: وإن حنثت بعتقه أو أعتقته كله فرد الزوج عتقها إذ لا مال لها غيره ثم مات الزوج عنها أو طلقها؛ فإنه يعتق عليها الآن جميعه بغير قضاء.

وفي النكاح والحمالة إيعاب هذا. ومن المدونة قال مالك: ومن جعل عبده صدقة أو في سبيل الله في يمين فحنث ولا مال له غيره؛ ففي الصدقة يبيعه ويتصدق بثمنه، وفي السبيل يدفع ثمنه إلى من يغزو به من موضعه إن وجد، فإن لم يجد فليبعث بثمنه، وإن كان فرساً أو سلاحاً أو شيئاً من آلات الحرب جعله في السبيل في يمين فحنث أو في غير يمين، فليبعث ذلك بعينه، فإن لم يجد من يقبله منه ولا من بلغه له؛ فليبعث بثمنه فيجعل في مثل المبيع من كراع أو سلاح وغيره، بخلاف البقر الهدي تباع إذا لم تبلغ فيجوز أن يشتري بثمنها إبلاً لأن تلك كلها للأكل، وهذا تختلف منافعه وإن جعل جميع هذه الأشياء صدقة في يمين فحنث أو في غير يمين؛ باع ذلك وتصدق بثمنه، وكذلك إن جعله هدياً فليبعه ويهدي ثمنه. قال مالك: ومن جعل مالاً أو غيره في سبيل الله فسبل الله كثيرة؛ ولكن إنما يعطى ذلك في مواضع الجهاد والرباط من السواحل والثغور، وليس جدة من ذلك، وإنما كان الخوف ونزل العدو بها مرة واحدة فلم يرها مثل السواحل التي هي مرابط.

فصل قال مالك: ومن قال مالي في رتاج الكعبة فلا شيء عليه؛ لا كفارة يمين ولا غيرها. والرتاج: هو الباب. وقد سئل عن ذلك عمر بن الخطاب فقال: لا حاجة للكعبة بأموالكم، ونحوه عن عائشة. ومن غير المدونة ابن وهب: وقالت عائشة عليه كفارة يمين، وقاله مالك والليث. ومن المدونة قال ابن القاسم: وكذلك إن قال مالي في الكعبة، أو في حطيمها، فلا شيء عليه؛ لأن الكعبة لا تنقض فتبنى، والحطيم فيما قال لي بعض الحجبة: ما بين الباب إلى المقام. قال ابن حبيب: الحطيم ما بين الركن الأسود إلى الباب إلى المقام عليه يتحطم الناس. قال أبو محمد: فعلى تفسير ابن حبيب أن ذلك كله حطيم الجدار من الكعبة والفضاء الذي بين البيت والمقام الآن.

ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن قال مالي في كسوة الكعبة أو طيبها دفع ثلث ماله إلى الحجبة لذلك. فصل وإن قال: أن أضرب بمالي حطيم الكعبة أو رتاجها فعليه حجة أو عمرة، ولا شيء عليه في ماله، وكذلك إذا قال: أنا أضرب بكذا وكذا الركن الأسود؛ فليحج أو يعتمر، ولا شيء عليه إذا لم يرد حملان ذلك الشيء على عنقه. قال ابن المواز: وإن أراد حملانه على ع نقه وكان يقوى على حمله فكذلك أيضاً يحج أو يعتمر راكباً ولا شيء عليه غيره، وإن كان ممكن لا يقوى على حمله مشى وأهدى. قال ابن حبيب: إذا قال: أنا أضرب بكذا وذكر الشيء من ماله الركن الأسود أو الكعبة، وأراد حمله على عنقه؛ مشى إلى البيت في حج أو عمرة [وأهدى ولا يحمله ثم يدفع ما سمى] إن كان لا يبلغ ثمن هدي إلى خزنة الكعبة تصرفه في مصالحها، وقاله ابن القاسم.

م: ومعنى قوله أنا أضرب بمالي حطيم الكعبة: أني أسير به وأسافر به إلى الكعبة، ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} أي سافرتم، ومنه قولهم: ضرب المقارض بالمال؛ لأنه يسير بالمال، أو يضرب به في الأرض لابتغاء الرزق ولم يرد به ما عند الناس من الضرب بماله للكعبة؛ لأن ذلك استخفافاً من فاعله وغير ما أمر به من التعظيم لها. فصل ومن المدونة قال مالك: [ومن قال إن فعلت كذا فأنا أنحر ولدي فحنث فعليه كفارة يمين، وقاله ابن عباس، ثم رجع مالك] فقال: لا كفارة عليه ولا غيرها، إلا أن ينوي به وجه الهدي، ان يهدي ابنه لله فعليه الهدي. قال ابن القاسم: وهذا أحب إلي من الذي سمعه منه، والذي سمعته منه: أنه لم يقل عند مقام إبراهيم فعليه كفارة يمين، وإن قال: عند مقام إبراهيم فليهد هدياً؛ لأن من قال: عند مقام إبراهيم قد أراد به الهدي. قال ابن عباس: من نذر أن ينحر ابنه عند مقام إبراهيم؛ فليذبح كبشاً.

وقال ابن عباس: فيمن جعل ابنه بدنة؛ فليهد ديته مائة من الإبل، ثم ندم بعد ذلك فقال: ليتني كنت أمرته أن يذبح كبشاً كما قال الله تعالى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}. ابن المواز: وقال ابن عباس: من نذر أن يذبح نفسه فليذبح كبشاً يهديه. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن قال: أنا أنحر ولدي بين الصفا والمروة أو بمنى فعليه هدي. وقد قال النبي -عليه السلام- عند المروة: «هذا منحر، وكل طرق مكة وفجاجها منحر» ومنى عندي منحر. قال: ويلزمه من نحر أبويه ما يلزمه في نحر ولده. ابن المواز قال ابن القاسم: وكذلك لو قال لأجنبي: أنا أنحرك عند مقام إبراهيم؛ فليهد عنه هدياً وابنه والأجنبي في ذلك سواء. قال ابن المواز: ولو قال لعدة من ولده أو غيرهم أنا أنحركم عند مقام إبراهيم؛ كان عليه أن يهدي عن كل واحد هدياً، وقد قيل: هدي واحد عن جميعهم، والأول

أحب إلينا وهو الحق والعلم، وقاله أصبغ، وكذلك الذي يقول لعبده: أنا أنحرك؛ عليه هدي. ولو قال: أنا له أهديك؛ فليبعث بثمنه أو بقيمته إلى مكة يشتري به هدياً. م: قال بعض فقهائنا القرويين في قوله: إن فعلت كذا فأنا أنحر ولدي، [إنما يكون فيه الهدي إذا ضمن ذلك بفعل فقال: إن فعلت كذا فأنا أنحر ولدي]، فأما إن لم يقل ذلك وإنما قال: علي نحر ولدي، أو لله علي نحر ولدي فلا شيء عليه؛ لأنه نذر في معصية إلا أن يقصد به وجه القربة فيلزمه الهدي، قال وهكذا في كتاب الأبهري. م: والأمر عندي سواء ضمن ذلك بفعل أو لم يضمنه، والصواب: أن لا شيء عليه إلا أن ينوي الهدي؛ لأن من قال: إن فعلت كذا فعلي أن أشرب الخمر، أو قال: لله علي أن أشرب الخمر؛ أنه سواء لا شيء عليه في ذلك، وقد قال ابن عباس في كتاب محمد: من نذر أن يذبح نفسه فليهد كبشاً.

في اليمين الغموس واللغو وأوجه الاستثناء ونية الحالف قال الله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} ثم ذكر الله تعالى الكفارة فدل أن غير اللغو فيما فيه الكفارة وهي اليمين بالله، وأن اللغو يمين غير منعقدة، ولا كفارة فيها، وإنما الكفارة في اليمين المنعقدة واتفق أن اليمين بالله داخلة في قوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} وهو اليمين التي أمر أن يحلف بها. قال الرسول -عليه السلام-: «من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت». ومن المدونة قال مالك: والأيمان بالله أربعة أيمان: يمين غموس، ولغو يمين، فلا كفارة في هذا، ويمين الرجل: والله لا أفعلن، والله لا فعلت ففي هذين القولين الكفارة، فإن رأى الحنث أفضل له أحنث نفسه، والغموس: الحلف على تعمد الكذب، أو على غير يقين، وهو أعظم من أن تكفره الكفارة؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ

بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إلى آخر الآية، ولقوله -عليه السلام-: (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار). قال أبو محمد عبد الوهاب: وإنما قلنا لا كفارة في اليمين الغموس خلافاً للشافعي لقوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} وهذه يمين غير منعقدة؛ لأن المنعقد ما أمكن حله إذا انعقد، ولأنها يمين لا يتأتى فيها البر ولا الحنث كاللغو، ولأن الكفارة معنى يرفع حكم اليمين في الفعل المستقبل فلم يتعلق بالحلف على الماضي أصله الاستثناء. [قال في الذي حلف: لقد لقي فلاناً أمس وهو شاك حين يمينه ثم تحقق أنه لقيه؟ قال: قد يرو إن لم يتحقق مع ذلك أو علم أنه لم يلقه فقد اتهم وفيه نظر؛ لأن أصل يمينه على الشك لا يجوز له وهو معصية، فإذا كشف الغيب أن الأمر كان كما حلف لم يسلم من إثم الجرأة على اليمين في أمر لا يتحققه وقت يمينه]. ابن حبيب: وقال عمر بن الخطاب: اليمين الغموس تدع الديار بلاقع. ابن حبيب: وهي اليمين الكاذبة متعمداً، وهي من الكبائر، وليتب الحالف بها إلى الله سبحانه ويتقرب إلى الله بما قدر عليه من عتق أو صدقة أو صيام.

ومن المدونة قال مالك: ومن قال: والله ما لقيت فلاناً أمس هو لا يدري ألقيه أم لا ثم علم بعد يمينه أنه كما حلف؛ بر، وقد خاطر وسلم، وإن كان خلاف ذلك أثم وكان كتعمد الكذب وهي أعظم من أن تكفر، وتلا ابن عباس {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ} وقال هي اليمين الكاذبة. قال ابن القاسم: ولغو اليمين ليس كقول الرجل: لا والله، وبلى والله، وإنما اللغو عند مالك أن يحلف على أمر يوقنه ثم يتبين أنه خلاف ذلك فلا شيء عليه كقوله: والله لقد لقيت فلاناً أمس، وذلك يقينه وإنما لقيه قبل ذلك أو بعده، فهذا اللغو ولا شيء عليه. وقالته عائشة وابن عباس وكثير من التابعين. ابن المواز قال ابن عباس ومجاهد: واللغو أن يحلف الرجل على أمر يرى أنه فيه صادق ولا يكون صادقاً.

قال بعض البغداديين: وقالت عائشة: هو قول الرجل: لا والله، وبلى والله، وهو في مثل معنى هذا؛ لأنه لا يعني تعمد الكذب ولكن على ما يظنه. م: يريد بالظن هاهنا اليقين وهذا يرجع إلى قول مالك وأما قولهم في الغموس هو أنه يحلف على أمر يظنه، يريد: وهو لا يوقنه، وقاله أبو محمد. وقال أبو محمد عبد الوهاب: اختلف أصحابنا في قول الرجل لا والله، وبلى والله: فقال ابن القاسم عن مالك: ليس بلغو. وقال إسماعيل ابن إسحاق وشيخنا أبو بكر وغيرهما: أنه من خير اللغو؛ لأنه لا يتأتى فيه البر ولا الحنث ولا يمكن الاحتراز منه. ومن المدونة قال مالك: ولا لغو في طلاق ولا عتاق ولا مشي ولا صدقة ولا غيره، وإنما يكون اللغو والاستثناء والكفارة في اليمين بالله أو بشيء من أسمائه أو صفاته أو نذر لا مخرج له، وكذلك العهد والميثاق.

قال ابن المواز: وقد يكون من النذر والعهد ما لا يكفر مثل ما خرج مخرج العقد والعهد، وكيمين البيعة ونحوه، يريد: فيلزم من غير تقية ولا إكراه. ابن المواز: وأما من حلف لبعض أهله يتهددهم بذلك وهو مجمع على أن يكفر ولا يريد الوفاء بيمينه؛ فلا يأثم بذلك إن شاء الله وتلزمه الكفارة. ومن المدونة قال مالك: ومن حلف بطلاق أو عتق أو غيره من الأيمان سوى اليمين بالله على شيء يوقنه ثم تبين له أنه خلاف ذلك فقد حنث وكذلك إن استثنى من شيء في هذا فحنث لزمه ما حلف عليه. فصل قال مالك: ولا استثناء إلا في اليمين بالله تعالى. قال ابن المواز: وقد روي عن مالك أن ابن عمر قال: من قال: والله لا فعلت كذا، ثم قال: إن شاء الله، ثم فعل ما حلف عليه؛ لم يحنث، وروى مثله ابن وهب عن ابن مسعود وابن عباس وجماعة من التابعين. قال عبد الوهاب: والأصل في الاستثناء قوله -صلى الله عليه وسله-: «من حلف واستثنى رجع غير حانث» ولا خلاف في ذلك.

ومن المدونة قال مالك: وكذلك من حلف بنذر لا مخرج له إلا فعل كذا، أو حلف بعهد الله أو ميثاقه أو بشيء من أسمائه أو صفاته، فقال: إن شاء الله فلا شيء عليه إن نوى به الاستثناء، وإن أراد به معنى قول الله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} غير مريد الاستثناء فليس يثنيا. ابن المواز: وكذلك إن قال: إن شاء الله سهواً أو استهتاراً، وقاله أشهب عن مالك. قال أشهب عن مالك في العتبية: وكذلك إن قالها لهجاً فلا ينفعه حتى ينوي بها الاستثناء. قال ابن المواز: ولا يكون الاستثناء إلا فيما فيه الكفارة فإذا استثنى سقطت عنه الكفارة.

قيل له: فكيف يسقط الاستثناء عنه الكفارة وإنما استثنى مشيئة من لا ينتهي إلينا علم مشيئته جل وعز؟ قال: هذا في اليمين بالله خاصة لما سبق فيه من الأثر، وأما غير ذلك من المشي والصدقة والعتق فقد ألزمه الرسول -عليه السلام- وجوب الفعل فيما نذر من الطاعة بقوله: «من نذر أن يطيع الله فليطعه»، وألزم الله تعالى الطلاق لموجبه على نفسه لقوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} فإذا ألزم ذلك نفسه واستثنى مشيئة الله فقد أظهر ما حلف عليه، وغاب عنا علم المشيئة إلا أن الظن ظناً، ولا يحل العمل في الدين بظن ونحن إذا ألزمناه ما حلف عليه علمنا أن الله شاء ذلك، وليس ما جعل من المشيئة إلى أحد من العباد مثل مشيئة الله؛ لأنه إذا قال: أنت طالق إن شاء فلان؛ فذلك تمليك وليس يملكه العباد دون الله الطلاق والعتاق ويعد ذلك ندماً حين استثنى مشيئة من لا يدري كيف مشيئته فلا يقبل استثناؤه.

م: واختصار ذلك أن الأصل فيمن أوجب على نفسه فعل شيء بيمين من الأيمان فلم يفعله أو حلف ألا يفعله ففعله؛ أن يلزمه ما حلف به ولا ينفعه الاستثناء بمشيئة الله فيه إذ لا علم لنا بمشيئته فخرج الاستثناء في اليمين بالله من ذلك بالسنة وبقي ما عداه على أصله. ومن المدونة قال مالك: ولا استثناء إلا واصل بيمينه محركاً به لسانه، فإما في نفسه أو تلفظ به بعد صمات فلا. قال مالك: وإن حدثت له نية الاستثناء قبل تمام لفظه باليمين أو بعد إلا أنه لم يصمت حتى وصل بها الاستثناء أجزأه. قال في كتاب ابن المواز: وهو مثل الذي يريد أن يحلف بالبتة فيقول: امرأتي طالق البتة ثم يبدو له فسكت عن تمام اليمين. م: يريد أن ذلك لا يلزمه؛ لأن الحكم لآخر اليمين، وقد أجمعوا أو من نسق الطلاق بفعل؛ أن الحكم لآخر الكلام فكذلك يكون الاستثناء.

وقال ابن المواز من رأيه: إن نوى الاستثناء بعد لفظه بآخر حرف من حروف يمينه لم ينفعه وإن وصله حتى يبدو له في الاستثناء قبل انقضاء آخر حرف من حروف يمينه؛ فيكون ذلك له إذا لم يكن بين ذلك صمات إلا النفس، كقوله: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة فإذا لم يلفظ بالهاء من الشهادة حتى أجمع على الاستثناء نفعه وإذا لم يجمع على ذلك حتى لفظ بالهاء لم ينفعه. قال ابو محمد وذكر ابن القاسم في المدونة خلاف ما ذكر محمد في هذا وقال: إن ذلك ينفعه إذا نسقه يمينه. قال ابن حبيب: إذا بدأ في يمينه لا يريد الاستثناء ثم عرض له في قلبه فأتبعه يمينه نسقاً قبل أن يقطع كلامه فذلك له، قاله مالك وأصحابه. ابن حبيب: ولا ينفع الاستثناء بالقلب دون اللسان وإن حرك به شفتيه أجزأه، وإن لم يجهر به وإن كان مستحلفاً لم يجزه إلا الجهر. قال ابن المواز: وأوجه الاستثناء التي لا تجزئ النية بها دون تحريكم اللسان ثلاثة: أن يستثني "بأن" و "بإلا إن" و "بإلا"؛ فأما "إن" فكقوله: إن شاء الله أو إن شاء فلان

إن فعل فلان ونحوه، وكذلك "إلا أن" مثل قوله: إلا أن يكون كذا، إلا أن يفعل فلان، إلا أن أرى غير ذلك ونحوه، وأما "إلا" فمثل يمينه إن صحبت اليوم قرشياً إلا فلاناً وما أكلت اليوم طعاماً إلا لحماً، ولو حرك "بإلا" لسانه ونوى في نفسه وفلاناً أجزأه؛ لأن الواو بخلاف ما ذكرنا من أحرف الاستثناء. وقد اختلف في "إلا" خاصة: فقيل: تجزئه بها النية كما تجزئه في محاشاة امرأته إذا قال: الحلال على حرام ونوى: إلا امرأتي، وقد قاله ابن أبي حازم.

م: وفي النوادر وقد قال ابن أبي سلمة: لا تنفعه المحاشاة في الحرام؛ لأنها نية في القلب. يريد: والنية لا تنفع في "إلا". واختلف فيها قول أشهب في العتبية. وقال في المجمعة: إذا قال الحلال عليه حرام وحاشى امرأته؛ فلا شيء عليه، ولو قال: الحلال كله علي حرام ونوى في نفسه إلا امرأته؛ لم ينفعه وهو مدع حتى يستثنيه متكلماً به. قال أبو محمد: كأنه يقول: إذا قال: الحلال علي حرام وحاشى امرأته، فمخرجه أنه جعل في نيته الحلال من الأشياء التي لم يدخل فيها امرأته ولم يستثنها، وإذا قال: الحلال كله عليه حرام ثم أخرج امرأته؛ فهذا استثناء، ولا ينفعه الاستثناء إلا باللفظ. قال ابن المواز: وما كان من الاستثناء في يمين بوثيقة حق، أو شرط في نكاح، أو عقد بيع، أو فيما استحلفه آخر عليه؛ فلا يجزيه حركة اللسان به حتى يظهر ليسمع منه.

ومنه ومن العتبية قال مالك فيمن استحلف رجلاً أن لا يخبر أحداً بما يخبر به فحلف لا أخبرت أحداً واستثنى في نفسه إلا فلاناً فلا ينفعه حتى يحرك به لسانه. قال ابن القاسم: فينفعه وإن لم يسمعه المحلوف له في هذا. وقال سحنون: لا ينفعه حتى يسمع الذي حلفه؛ لأن اليمين له، وتأول سحنون أنه لم يتطوع أن يخبره حتى حلفه فإنه حق له. قال ابن المواز: ولو [استحلفه أن لا يخبر إلا فلاناً فحلف له ونوى في نفسه: وفلاناً؛ فلا يحنث إن أخبر به من] نواه إلا أن يكون على يمينه بالطلاق بينة. قال: ومن أعطي في سلعته عشرة فحلف أنها قامت عليها بعشرة وقد قامت عليه بدون عشرة؛ فهو حانث إلا أن ينوي بالكراء والمؤونة، فذلك مخرج له وإن لم يسمعه. فصل وإذا عطف الاستثناء بالمشيئة على الفعل ويمينه بطلاق أو عتق؛ فقيل: ينفعه. وقيل: لا ينفعه. وذلك كقوله: إن فعلت كذا، أو إن أفعل كذا فامرأتي طالق أو عبده حر إن شاء الله، أو إلا أن يشاء الله: فقال ابن القاسم: لا ينفعه.

وقال ابن الماجشون وأصبغ: ينفعه إن نوى به الفعل وإن نوى به ما ذكر من طلاق أو عتق لم ينفعه. قال أصبغ: ولا شك في هذا. وكذلك هذا في جميع الأيمان سوى اليمين بالله وما جرى مجراه، ولا خلاف إذا رد إلى مشيئة نفسه؛ أنه ينفعه، كقوله: إن فعلت كذا، وإن لم أفعل كذا؛ فامرأته طالق، وعبده حر، إلا أن يبدو لي، وإلا إن أراد غير ذلك، يريد: يبدو لي في الفعل أو يرى غيره. قال ابن القاسم: وكذلك قوله: أو يريني الله غير ذلك، وأما إن قال: إلا أن يقضي الله، أو يريد الله؛ فهو كقوله: إن شاء الله، وإن لم يضمن يمينه بفعل لم ينفعه قوله إلا أن يبدو لي كقوله: علي المشي إلى مكة، أو امرأتي طالق إلا أن يبدو لي؛ فهو حانث بلا خلاف.

فصل قال ابن المواز: وهو مأخوذ من قول مالك: والنية مفترقة على ثلاثة أوجه: 1 - فمنها لا يقبل فيه نية في قضاء ولا فتيا. 2 - ومنها ما يقبل في الفتيا والقضاء. 3 - [ومنها ما يقبل في الفتيا دون القضاء]. فمها لا يقبل في قضاء ولا فتيا: كل يمين على وثيقة حق أو شرط أو لتأخير أجل دين مما كان يقضي فيه السلطان من طلاق أو عتق فلا تقبل فيه نية، وما كان لا يقضي به كيمين بصدقة أو مشي ونحوه فلا يلزمه، ويدين في نيته؛ مثل أن يقول: نويت المشي إلى المسجد نحوه، وقاله أشهب. قال أصبغ: وهذا إن لم يحكم عليه فيه، فيلزمه بينه وبين الله ولا ينفعه النية حلف أو استحلف وكذلك في العتبية. ابن المواز قال مالك: وإذا حلف بالحلال عليه حرام على حق لم ينفعه محاشاته زوجته. قال ابن القاسم: سواء استحلفه الطالب أو شيق عليه حتى بدر باليمين، أو خاف أن لا يتخلص منه إلا باليمين، فأما إن ابتدأه باليمين من غير أن يستحلفه أو يحرجه؛ فله

نيته، وإن [كان عن يمينه وقد قال مالك: إن ذلك سواء؛ لأنها وثيقة على كل حال فلا ينوي، وإنما النية والمحاشاة فيما حلف عليه من أمور يقينه] كان على يمينه بينة أو لم تكن. قال أشهب: وقد قيل في يمينه بالحرام: ليقضينه حقه إلى أجل كذا. فقال: حاشيت امرأتي، إن ذلك له، وإن كان على يمينه بينة، وكذلك روى ابن حبيب للاختلاف في هذه اليمين. م: فصار في ذلك ثلاثة أقوال: قول: أنه لا تنفعه المحاشاة بوجه. وقول: أنه تنفعه. وقول: فرق بين أن يكون فيه مستحلفاً أو متبرعاً فحنث؛ فيحنث المستحلف دون المتبرع. ومنه: ومن حلف للأمير طوعاً بطلاق امرأته في أمر كذب فيه وقال: أردت بذلك امرأتي الميتة أو المطلقة فلا ينوي في قضاء ولا فتيا؛ لأنه قال: امرأتي. م: وهذا في كتاب التخيير والتمليك من المدونة.

قال ابن المواز: وأما ما يقبل منه في الفتيا دون القضاء؛ فهو كل من حلف ألا يفعل شيئاً ولم يذكر تأبيداً ثم قال: نويت شهراً، أو حتى يقدم فلان، وذلك أنه أظهر يميناً تدل على التأبيد فادعاء، ما يقطع التأبيد؛ فيصدق في الفتيا ولا يصدق في القضاء، وكذلك لو حلف ألا يأكل سمناً وقال: نويت سمن ضأن، أو حلف لزوجته في جارية له إن كان وطأها وهو يريد بقدميه فله نيته في هذا وشبهه في الفتيا دون القضاء، وكذلك من قال لامرأته: أنت طالق وأنت طالق البتة إن راجعتك فأراد أن يرتجعها بنكاح جديد وقد خرجت من العدة وقال: إنما نويت ما كانت في عدتها، فإن كانت على يمينه بينة لم أدينه وإن لم تكن عليه بينة دينته، وقيل: إنما معنى هذا إذا جاء مستفتياً بلا مخاصمة ولا مرافعة، وأما إذا جاءت المرافعة فسواء كانت على أصل يمينه بينة أو لم يكن فإقراره بها كالبينة؛ لأنه ظاهر الإقرار مدع فيما يطرحه، فتطلق عليه، ولا يقبل قوله، وكذلك من قال: حكمة طالق، وله جارية وزوجة تسميان كذلك وقال: نويت جاريتي فله نيته في الفتيا وأما في القضاء إن قامت عليه بذلك بينة أو حلف به على وثيقة حق؛ فلا تنفعه بينته، وأكثر هذا في المدونة. قال ابن المواز: وأما ما يقبل فيه نيته في القضاء والفتيا مثل: أن يحلف لزوجته بطلاق من يتزوج في حياتها أو يكون ذلك شرط في أصل نكاحها فتبين منه، ثم يتزوج ويقول نويت ما كانت تحتي فيصدق. ومثل الذي يعاتب زوجته في دخول بعض قرابتها إليها

فتحلف بالحرية لا دخل علي من أهلي أحد، فلما مات قالت: نويت ما كانت حياً؛ فذلك لها في القضاء وإن قامت عليها بينة. م: وكذلك مسألة العاشر والذي تعجب من عمل عبده، فيقول: ما أنت إلا حر، وذلك في العتق مذكور. م: واختصار هذه الوجوه: إن كل من حلف بطلاق أو عتاق على توثقه حق، أو تأخير به، أو يحلف بذلك طوعاً في أمر كذب فيقول: نويت امرأتي أو جاريتي الميتة؛ فهذا لا ينفعه نيته في قضاء ولا فتيا. واختلف هل تنفعه المحاشاة في يمينه على ذلك بالحلال عليه حرام: فقيل: إن ذلك لا ينفعه حلف متبرعاً أو استحلف. وقيل: ينفعه. وقيل: ينفع المتبرع دون المستحلف. والثاني: أن يحلف بالطراق والعتاق لا يفعل كذا وقال: نويت شهراً، أو لا يأكل سمناً، فيقول: نويت سمناً ضأن، أو لا يلبس ثوباً وقال: نويت وشياً؛ فهذا ينفعه في الفتيا لا في القضاء. والثالث: أن يحلف لزوجته بطلاق من يتزوج عليها في حياتها فيفارقها ثم يتزوج فيقول: نويت ما كانت تحتي، أو يعاتب زوجته في دخول بعض قرابتها إليها فتحلف

بالحرية ألا دخل عليها منهم أحد فلما مات قالت: نويت ما كان حياً فذلك لها في القضاء والفتيا. جامع الأيمان وما يكره منها فيما يلزم من الحلف بها أم لا قال الله تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ}. ابن حبيب قال زيد بن أسلم: نهاهم أن يكثروا الحلف به وإن كانوا بررة مصلحين بين الناس. وفي كتاب ابن المواز قال: قال: هو أن يحلف على ما لا يصلح من أن لا يصل رحمه، ولا يصلح بين اثنين فقال الله تعالى: {أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} فهو خير مما يمضي على ما لا يصلح فينبغي أن يكفر ويأتي ما هو خير. ابن حبيب: وروي أن النبي -عليه السلام- قال: [«شر الفجار من كثرت أيمانه وإن كان صادقاً». ومن العتبية: روي أن موسى -عليه السلام- قال]: (لا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون).

قال عيسى -عليه السلام-: (وأنا أنهاكم أن تحلفوا بالله لا صادقين ولا كاذبين قولوا: لا ونعم). وروى محمد وابن حبيب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تحلفوا بذمة الله ولا بعهوده ولا بالكعبة ولا بآبائكم ولا بحدود الله ولا بالطواغيت، ومن كان حالفاً فليحلف بالله ومن حلف بالله فليصدق ومن حلف له بالله فليرض ومن لم يرض فليس منا». [قال في كتاب محمد: ومن حلف بغير الله فليس منا]. ابن حبيب وقال -عليه السلام-: «لا تحلفوا بالطلاق ولا بالعتاق فإنها من أيمان الفساق». وقال ابن عباس: لأن أحلف بالله فآثم أحب إلي من أن أضاهي، فقيل: معناه الحلف بغير الله، وقيل: يعني الإلغاز والخديعة بربه أنه حلف ولم يحلف. والأول أولى؛

لأنه عظم غير الله تعالى بالحلف به، كقوله عز وجل: {يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} أي ما يشبه قوله وقد بينه ابن عباس فقال: لأن أحلف بالله تعالى مائة مرة فآثم خير من أن أحلف بغيره مرة فأبر. ونحوه عن ابن مسعود. ومن المدونة قال ابن القاسم: والحلف بجميع أسماء الله تعالى وصفاته أنه لازم كقوله: والعزيز والسميع والعليم والخبير واللطيف فهي كلها أيمان. قال ابن المواز: غير أن كفارة واحدة تجزيه مثل قوله: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة لا فعلت كذا فحنث؛ فإنما عليه كفارة واحدة.

قال م: وكتكرير اليمين بالله مثل: والله والله والله لا فعلت كذا؛ فحنث فإنما عليه كفارة واحدة؛ لأنها كلها أسماء الله فذكرها كتكرير واحد منها. ومن المدونة قال ابن القاسم: وكذلك إن قال: وعزة الله وكبريائه وقدرته وعظمته وأمانته فهي كلها أيمان. قال ابن حبيب: وكفارة واحدة تجمعها كمن حلف بالله مراراً؛ لأن ذلك لله ومن نعت الله. م: وذهب بعض المتأخرين من أصحابنا: أن الحلف بصفات كثيرة يجمعها في يمينه فحنث؛ أن عليه لكل صفة كفارة بخلاف اليمين بأسماء الله كثيرة وهو قول حسن. م: قال بعض فقهائنا: وذلك يجري على قولين: فقول: أن من حلف بصفات جمعها في يمينه إنما يكفر كفارة واحدة كيمينه بأسماء الله عز وجل وهو ما تقدم لابن حبيب وغيره. وقول آخر: أنه إذا أطلق ذلك ولا نية له فعليه لكل صفة كفارة بخلاف إذا كرر اسم الله. ووجه هذا: أنه لما كان الاسم هو المسمى والمسميات عبارة عنه، فإنما هو حالف بشيء واحد وإن كرر التسمية، فكانت عليه كفارة واحدة، وأما الصفات إذا حلف بها

فهي أشياء فعليه لكل صفة كفارة واحدة، وليست الصفة هي الموصوف ولا هي غيره في الباري تعالى ولا كل صفة هي غير الصفة الأخرى على مذاهب أهل الحق. وقد اختلف أهل الحق في الصفات: هل يطلق فيها القول بأنها مختلفة؟ وإن كان فيها معنى الاختلاف عندهم ولم يختلفوا أنه لا يقال في الصفات أنها أغيار ولا أنها متماثلة ولا أنها متضادة؛ فبان بهذا الذي وصفناه أن الحالف بصفات جمعها في يمينه لا يكون كمن حلف بأسماء الله وجمعها في يمينه، والصفات يطلق عليها أنها أشياء، وإن كان لا يطلق فيها أنها متغايرة ولا متضادة ولا متماثلة على ما ذكرنا. قال: وينبغي عندي أن يكون الحالف بالعزة والجلال والعظمة إنما يكفر إذا حنث كفارة واحدة؛ لأن ذلك يرجع إلى صفة واحدة وهي القدرة، وكذلك الحالف بالعهد والميثاق إنما عليه كفارة واحدة؛ لأن ذلك يرجع إلى الكلام، وكذلك من حلف بغضب الله ورضاه وسخطه ورحمته؛ لأن هذا ونحوه إنما يرجع إلى الإرادة وليس هذا كمن حلف بالعلم والكلام والقدرة ونحو ذلك؛ لأن هذا لا يرجع إلا صفة واحدة فينبغي

أن يميز هذا. فهذا أصل إذا ركب كان قولاً حسناً وإن كان لا يقتضيه ما في بعض الروايات ولكن هو النظر والله أعلم. وهذا الذي ذكرنا إنما هو في صفات الذات لا في صفات الأفعال؛ لأن الصفات على ضربين: صفات ذات، وصفات أفعال. فصفات ذاته: فعلى نحو ما قدمنا ذكره في العلم والقدرة والكلام. وصفات أفعاله: نحو الخلق والرزق والإحياء والأمانة فلا كفارة على من حلف بشيء من صفات أفعاله. وأما لو قال: والخالق والرازق والمحيي والمميت؛ فهذا حالف بالله فعليه الكفارة وإن كانت تسمية تقتضي صفات الفعل؛ لأن الأسماء على مذاهب أهل الحق على ضروب: فمنها: ما يقتضي صفات الذات. ومنها: ما يقتضي صفات الفعل. ومنها: ما يقتضي إثبات وجود الباري وحقيقته. وهذا مبسوط في كتب أصحاب الأصول، وفيما ذكرنا منه كفاية وبالله التوفيق.

قال ابن المواز: وقد استعظم بعض الناس اليمين بأمانة الله وذكر لنا أن النبي -عليه السلام- نهى عن ذلك ونحن نكره اليمين بها فإن حلف بها ففيها الكفارة مثل العهد والذمة. قال أشهب: إن حلف بأمانة الله التي هي صفة من صفاته فهي يمين، وإن حلف بأمانة الله التي هي بين العباد فلا شيء عليه، وكذلك قال: في عزة الله التي هي صفة اذته، وأما بالعزة التي جعلها الله في خلقه فلا شيء عليه، وكذلك تكلم ابن سحنون في معنى قول الله سبحانه: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون} إنها العزة التي هي غير صفاته التي جعلها في خلقه. قال ابن المواز: ويمينه بالمصحف أو بالكتاب أو بالقرآن أو بما أنزل الله تعالى يمين؛ وفيها كفارة اليمين. قال هو وابن حبيب: كفارة وحدة تجمعها. ابن المواز: ولم ير عطاء [على من حلف بكتاب الله كفارة. قال أبو إسحاق: لعل عطاء أراد أنه حلف باللوحين اللذين فيهما الكتابة ولم يحلف بكلام الله القائم بذاته الذي هو صفة ذاته.

قال غيره: إن الناقل عن عطاء] شك فقال: سئل عن اليمين بالكتاب أو بالكعبة وهذا أشبه أن يجعل الوهم على الناقل. وذكر علي بن زياد عن مالك في العتبية: أن الحالف لا والقرآن لا والمصحف لا يكفر. أو محمد: وهي رواية منكرة والمعروفة عند غيرها. قال سحنون: ومن حلف بالتوراة والإنجيل في كلمة واحدة فإنما عليه كفارة واحدة. م: وكذلك لو حلف بالقرآن والتوراة والإنجيل في كلمة واحدة فإنما عليه كفارة واحدة؛ لأن ذلك كله كلام الله سبحانه وهو صفة من صفات ذاته فكأنه حلف بصفة واحدة فعليه كفارة واحدة واتفاق. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن قال: لعمر الله لأفعلن كذا؛ فهي يمين. قال عنه ابن المواز: وذلك بمنزلة: وحق الله، ولا يعجبني أن يحلف بذلك أحد. قال فيه وفي المدونة: وقوله: لعمري ليس بيمين.

ابن المواز: وهي تشبه: وحياتي؟: وقيل: إن ذلك في لغة النساء واليمين بذلك مكروهة. ومن المدونة قال مالك: وإن قال: علي عهد الله، أو كفالته، أو ميثاقه، وقال علي عشر كفالات، أو عشر مواثيق، أو عشر نذور، أو أقل أو أكثر؛ لزمه عدد ما ذكر من كفارة. قال مالك: وقوله علي نذر، أو لله علي نذر؛ سواء، وعليه إن حلف بذلك فحنث كفارة يمين إلا أن ينوي بنذره ذلك: صوماً أو صلاة أو حجاً أو شيئاً من أعمال البر فيلزمه ما نوى، وإن لم يكن له نية فكفارته كفارة يمين. [ابن وهب وقال الرسول -عليه السلام-: «ومن نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة يمين»] وقال جماعة من الصحابة والتابعين. وإن قال: علي يمين إن فعلت ولا نية له؛ فعليه كفارة يمين كقوله علي نذر أو عهد. ابن وهب: وقال ابن عباس وجماعة من الصحابة التابعين: من قال علي عهد الله؛ فعليه كفارة يمين. ابن المواز وإن قال: علي نذر لا يكفره صيام ولا صدقة، أو قال: علي نذر لا كفارة له؛ فليستغفر الله ويكفر كفارة اليمين، وقاله الليث.

ابن المواز ولو قال: علي نذر إن فعلت كذا فحنث؛ فعليه ثلاث كفارات، وكذلك إن قال: علي عهود، ولو قال: علي عهد الله وغليظ ميثاقه وكفالته [وأشد ما أخذ أحد على أحد فعليه في قوله عهد الله وغليظ ميثاقه وكفالته] ثلاث كفارات، وأما قوله: أشد ما أخذ أحد على أحد فإن لم تكن نية فليطلق نساءه ويعتق رقبة ويمشي إلى بيت الله ويتصدق بثلث ماله. [ولابن وهب في العتبية: في قوله: وأشد ما أخذ أحد على أحد، قال في ذلك: كفارة يمين]. وفي العتبية: وإن لم يرد الطلاق ولا العتاق وعزله عن ذلك فإنما عليه كفارة يمين. م: وهذا خلاف ما في كتاب محمد. ومن المدونة ومن قال: أقسم أو أشهد أو حلف أو لا أفعل كذا؛ فإن أراد بالله فهي يمين وإلا فلا شيء عليه. وإن قال: أعزم ألا أفعل كذا؛ لم يكن هذا يمين، إلا أن يقول: أعزم بالله، فهذه يمين. وإن قال الرجل: أعزم عليك بالله إلا ما فعلت كذا، فيأبى؛ فهو كقوله: أسألك بالله لتفعلن كذا، فامتنع؛ فلا شيء على واحد منهما.

ابن حبيب: وينبغي له أن يجيبه ما لم يكن معصية وهو من قول الله سبحانه {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} يريد: أن يسأل الله وبالرحم فإن لم يفعل فلا كفارة على واحد منهما. وأما قوله: أقسمت عليك بالله لتفعلن كذا فهذا يحنث الذي أقسم إن لم يجبه الآخر، وهذا كقوله: حلفت عليك بالله. قال سحنون: ومن قال: علم الله إن فعلت كذا، فإن أراد العلم فهي يمين كالحالف بصفة من صفات الله، وإن لم يرد العلم فليس فيه شيء. قال أشهب في العتبية: ومن قال لغريمه: الله يعلم إذ لا أضع لك من حقيق شيئاً فوضع له. قال: لو كفر بإطعام عشرة مساكين. قال أبو محمد: قال بعض أصحابنا: في معاذ الله؛ ليست يمين إلا أن يريد بها اليمين. وقيل في معاذ الله وحاشا لله: ليست يمين بحال.

ومن المدونة قال ابن القاسم: فيمن قال: علي حرام إن فعلت كذا، قال: قال مالك: لا يكون الحرام في شيء؛ لا في طعام ولا في شراب ولا في أم ولد إن حرمها على نفسه ولا في خادم ولا عبد ولا في غيره إلا أن يحرم امرأته فيلزمه الطلاق. ابن وهب: وذكر زيد بن أسلم أن النبي -عليه السلام- قال لأم ولده: «أنت علي حرام والله لا أمسك» فكر عن يمينه ولا يكفر لتحريمه. قال مسروق: عاتبه الله في التحريم وأمره بالكفارة في اليمين. فصل قال مالك: ومن قال: إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو كافر بالله أو بريء من الإسلام؛ فليست هذه أيمان، وليستغفر الله مما قال، ولا يكون كافراً حتى يكون قلبه مضمراً على الكفر وبئس ما قال. قال في العتبية: قال ابن مسعود: ما أحب أن أحلف: ألا أعبد هذا، إن البلاء موكل بالقول.

ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن قال: والصلاة والصيام والزكاة والحج لا أفعل كذا ففعله، لم يكن شيء من هذا يميناً. وإن قال: إن فعلت كذا فهو زانٍ أو سارق أو يأكل لحم الخنزير أو الميتة أو يشرب الخمر أو الدم أو يترك الصلاة وعليه لعنة الله أو غضبه أو أحرمه الله دخول الجنة أو أدخله النار وكل ما دعا به على نفسه لم يكن شيئاً من هذا يميناً. وكذلك قوله: وأبي وأبيك وحياتي وحياتك وعيشي وعيشك، قال مالك: هذا من كلام النساء وضعفاء الرجال. قال: وأكره اليمين بهذا أو بغير الله تعالى. ابن وهب: وسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- من يقول: لا وأبي، فقال النبي -عليه السلام-: «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت». قال مالك وبلغني أن عمر بن عبد العزيز قال: رغم أنفي لله، الحمد لله الذي لم يمتني حتى قطع مدة الحجاج. قال مالك: وما يجعبني أن يقول أحد: رغم أنفي لله، ومن كان حالفاً فليحلف بالله.

ابن حبيب: كره ذلك مالك، ولا بأس أن يتأسى بعمر بن عبد العزيز في مثل هذا. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن حلف ذمي بالله فحنث بها بعد إسلامه فلا كفارة عليه عند مالك. وقد تقدم أن الاستثناء واللغو جائز في النذر والعهد والميثاق كاليمين بالله. فيمن نذر طاعة أو معصية، أو حلف: لا فعلت كذا، أو ليفعله قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه». ابن وهب: ورأى النبي -عليه السلام- وهو يخطب أبا إسرائيل رجلاً من بني عامر قائماً في الشمس فقال: «ما شأنه؟» قالوا: نذر ألا يتكلم ولا يستظل ولا يجلس وأن يصوم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مروه فليتكلم وليستظل وليجلس وليتم صومه».

قال مالك: فأمره أن يتكلم، ويتم ما كان لله فيه طاعة، وأن يترك ما كان فيه معصية، ولم يأمره بكفارة. وقال النبي -عليه السلام-: «من نذر نذراً ولم يسمه فكفارته كفارة اليمين». وقال ابن عمر وابن عباس فيمن نذر ألا يدخل على أخيه: لا نذر في معصية؛ كفر عن يمينك وادخل على أخيك. م: يريد أنه قال: علي نذر إن دخلت على أخي فلذلك أمره بالكفارة، وأما لو نذر أن لا يدخل عليه فهذا يدخل ولا يكفر والله أعلم. قال ابن المواز: ومن قال: إن شفاني الله من مرضي فعلي أن لا أقرب امرأتي حتى أحج أو أغزوا أو أصوم؛ فإنه يطأ امرأته ويحج أو يغزو أو يصوم وليس في تركه وطء امرأته طاعة. ومن المدونة قال ابن القاسم: فيمن نذر أن يطيع الله في صلاة أو صوم أو حج أو غزو أو رباط أو عتق أو صدقة شيء يسميه أو فعل شيئاً من الخير تطوع بذلك الخير أو حلف به فحنث؛ فلا يجزيه إلا الوفاء به.

وإن قال: علي نذر إن لم أعتق رقبة أو لم أفعل كذا من البر، فإن شاء فعله فبر، وإن شاء تركه وكفر كفارة يمين. وإن ضرب لفعله أجلاً فجاوزه ولم يفعل ما حلف عليه؛ فعليه كفارة يمين إلا أن جعل لنذره مخرجاً من البر؛ مثل قوله: علي نذر صدقة دينار أو عتق رقبة أو صيام شهر إن لم أحج العام أو أغزو العام أو نوى ذلك وما أشبهه فيفوت الأجل ولم يفعل ذلك؛ فيجب عليه ما نذر وسمى. ابن المواز وإن قال: علي نذر أن أصوم العام رمضان بالمدينة فإن لم يفعل لشغل أو نسيان؛ لزمه ذلك من قابل، وإن حبسه عن ذلك مرض فلا شيء عليه، وكذلك إن قال: علي نذر أن أحج العام، فهو مثل الذي يقول: علي صيام شهر كذا،

فإن ترك صومه لمرض أو إغماء أو حيض فلا شيء عليه، وإن تركه لشغل أو تعمد فعليه قضاء ذلك. قيل: فإن تركه حتى كبر وأيس من الصوم؟ قال: يطعم عن كل يوم مسكيناً لأنه مفرط. ومن المدونة: وإن قال علي نذر إن لم أشرب الخمر أو أقتل فلاناً ونحوه من المعاصي؛ فلا يفعل ذلك ويكفر كفارة يمين إلا أن يجعل لنذره مخرجاً من البر فيؤمر أن يفعل ما سمى من البرد ولا يركب معاصي الله، فإن اجترأ وفعل ما قال من المعصية؛ فقد أثم وسقط عنه النذر كان له مخرج أو لم يكن. وإن قال: علي نذر شرب الخمر أو أن أشرب الخمر أو أن لا أشربها؛ فلا يشربها ولا كفارة عليه شربها أو لم يشربها. وإن قال: علي نذر إن شربت الخمر فلا يشربها ولا كفارة عليه، وهو على بر، فإن شربها فعليه كفارة يمين إلا أن يجعل لنذره مخرجاً من البر فيلزمه. م: فهذه خمسة أوجه ترجع إلى أربعة معان: الأول: جعل على نفسه نذراً إن لم يشربها. والثاني: جعل عليه نذراً إن شربها. والثالث: نذر شربها. والرابع: نذر أن لا يشربها.

قال ابن القاسم: ومن نذر ما ليس فعله بطاعة ولا تركة معصية مثل: المشي إلى السوق ونحوه فإن شاء فعل وإن شاء ترك. فصل ومن قال: والله لأضربن فلاناً أو لأقتلنه؛ فليكفر عن يمينه ولا يفعل، وإن فعل ما حلف عليه فلا كفارة عليه. وإن قال: امرأته طالق، أو عبده حر، أو عليه المشي إلى بيت الله إن لم أقتل فلاناً أو إن لم أضربه؛ فليمش إلى بيت الله ولا يضربه ولا يقتله، وأما العتق والطلاق: فينبغي للإمام أن يطلق عليه ويعتق إن دفع إليه ذلك بالقضاء ولا ينتظر به فيئته، فإن اجترأ ففعل ذلك قبل النظر فيه زالت عنه أيمانه ولا حنث عليه، وإن ضرب لفعله بالطلاق والعتق والمشي أجلاً فهو على بر، وإنما يحنث إذا حل الأجل ولم يفعل ذلك. م: ولا يطلق عليه الإمام يعتق عبد بغير عينه؛ لأنه لا ينفع تعجيل الحنث فيما هو فيه على بر إذ ذاك غير معين؛ وقد قال

فيمن قال لامرأته: أنت طالق إن لم أتزوج عيك إلى شهر: أنه على بر وله وطأها وليس له أن يحنث نفسه قبل الأجل؛ لأنه إنما يحنث إذا حل الأجل ولم يفعل ما حلف عليه ولو كانت يمينه في المسألة الأولى بالثلاث أو ببقية الثلاث أو يعتق عبداً بعينه لعجل الحنث عليه؛ لأن ذلك معين يصح تعجيل الحنث فيه وأن لا يترك للبر بقتل المحلوف عليه، ألا ترى أن من حلف بطلاق امرأته ألا يطأ امرأة له أخرى؛ فأراد تعجيل الحنث لزوال الإيلاء إنما ينفعه ذلك إذا كانت يمينه بالثلاث أو ببقية الثلاث قاله محمد فكذلك هذا. وإذا لم يضرب أجلاً ي هذه المسألة نفع تعجيل الواحدة؛ لأنه على حنث، كمن حلف بطلاق امرأته واحدة ليتزوجن عليها؛ فله أن يحنث نفسه ويطلقها واحدة ولا يتزوج عليها؛ لأنه في يمينه على حنث وهذا الصحيح من المذهب، وإن كان قد وقع لمالك في كتاب الظهار: فيمن حلف بعتق رقبة أن لا يطأ امرأته فأخبر أن الإيلاء وقع عليه فأعتق رقبة إرادة إسقاط الإيلاء قال مالك: أحب إلي أن يعتق بعد الحنث وإن أعتق قبله أجزأه ولا إيلاء عليه.

م: قال ابن المواز: وقد قال أيضاً مالك: لا يجزيه ذلك إلا في رقبة معينة، وهو الصواب إن شاء الله تعالى. وفي أول باب الكفارة إيعاب هذا. وفي كتاب الأيمان بالطلاق مسألة: الذي حلف لو كنت حاضر الشرك مع أخي لفقأت عينك؛ أنه حانث وهناك تمامها. ابن حبيب: ومن زم ثوب رجل فقال: له أرسله، فامرأته طالق لو شققته لشققت جوفك، قال مالك: فليحلف بالله إن فعل لفعل ثم لا شيء عليه. وقال ابن القاسم: لا يعجبني، وهو حانث كالذي حلف لو كنت حاضر الشرك مع أخي لفقأت عينك. ومن المدونة: قال مالك: ومن قال لامرأته: والله لأطلقنك؛ فليس بمولي ولا يمنع من الوطء فإن شاء طلق فبر في يمينه وإن لم يطلق لم يحنث إلا بموته أو موتها ولا يجبر على الكفارة.

وإن قال لها: أنت طالق إن لم أفعل كذا حيل بينه وبينها حتى يفعل ذلك وإلا دخل عليه الإيلاء، وإن كانت يمينه: لا فعلت؛ لم يحل بينه وبينها حتى يفعل ذلك؛ لأنه على بر حتى يفعل ذلك فيحنث. وكذلك إن قال: والله لا أضرب فلاناً فلا يحنث حتى يضربه. وأصل هذا: أن كل من حلف على شيء ليفعلنه فهو على حنث حتى يفعله لأنا لا ندري أيفعله أم لا، وإن من حلف على شيء أن لا يفعله فهو على بر حتى يفعله. قال بعض البغداديين: وإنما كان ذلك لأن الأيمان مترددة بين البر والحنث؛ فالبر بالموافقة، والحنث بالمخالفة؛ لأنه إذا حلف لا فعلت كذا فهو وقت حلفه غير فاعل فهو على بر؛ لأنه موافق لما حلف عليه، وإنما الحنث مترقب، فإذا فعل حنث؛ لأنه المخالفة حينئذ وجدت وكذلك قوله: إن فعلت، وأما قوله: إن لم أفعل أو لأفعلن فالمخالفة موجودة وقت الحلف لأنه إن قال: إن لم أضرب عبدي فهو في الحال غير ضارب فهو على حنث؛ لأنه مخالف لحلفه والبر مترقب فإذا فعل بر.

في اليمين على أشياء متفقة أو مختلفة ففعل بعضها فالكفارة في ذلك في تكرير اليمين، ومن حلف لأقضينك حقك إلى حين أو زمان أو دهر قال ابن القاسم: ومن قال لنسائه الأربع والله لا أجامعكن فجامع واحدة منهن حنث وله أن يطأ البواقي قبل أن يكفر كما كان له وأن يطأهن كلهن قبل أن يكفر. قال مالك: وإنما يلزمه إذا وطئ إحداهن أو كلهن كفارة واحدة، وكذلك لو قال: [والله لا أكلم فلاناً ولا أدخل دار فلان ولا أضرب فلاناً ففعل ذلك كله أو بعضه فإنما عليه كفارة واحدة وكأنه قال: والله لا أقرب شيئاً من هذه الأشياء و] لو قال: والله لا أكلم فلاناً والله لا أدخل دار فلان والله لا أضرب فلاناً فعليه هاهنا لكل صنف فعله كفارة؛ لأن هذه ثلاثة أيمان بالله على أشياء مختلفة ولو كانت يمينه على شيء واحد لكانت عليه كفارة واحدة كمن قال: لامرأته والله لا أجامعك والله لا أجامعك، والله لا أجامعكم فحنث؛ فإنما عليه كفارة واحدة. [قال ابن القاسم: فكل من حلف بالله ألا يفعل كذا ثم رد فحنث فإنما عليه كفارة واحدة].

قال ابن القاسم: فكل من حلف بالله ألا يفعل كذا ثم ردد اليمين في ذلك مراراً في مجلس واحد أو في مجالس ثم فحنث فكفارة واحدة تجزئه عن ذلك نوى باليمين الثانية غير الأولى والثالثة غير الأولى والثانية أو لم ينو شيئاً، فهي يمين واحدة إلا أن ينوي أن عليه ثلاثة أيمان كالنذور فتلزمه ثلاث كفارات سواء قال في يمينه: لله علي أم لا. قال ابن المواز: وذلك أن ينوي ثلاث كفارات فيلزمه ذلك، وأما من قال: لله علي ثلاث نذور فحنث فعليه ثلاث كفارات، وكذلك إن قال: علي نذر إن فعلت كذا، ثم قال: علي نذر إن فعلت كذا، ففعل؛ فعليه كفارتان إلا أن يريد بقوله الآخر النذر الأول فتلزمه كفارة واحدة. م: وهذا كاليمين بالطلاق لو قال: إن كلمت فلاناً فامرأته طالق ثم قال: إن كلمته فامرأته طالق ثم كلنه؛ لزمه طلقتان إلا أن يريد واحدة، وذلك أن الطلقة الأولى غير الثانية وكذلك النذر الأول غير الثاني، فلذلك لزماه جميعاً وفي اليمين بالله تعالى المحلوف به أولاً هو المحلول به آخراً فهذا فرق ما بينهما.

قال ابن المواز: ومن حلف بالله لا فعلت كذا، فقيل له: إنك ستحنث، فقال: والله لا أحنث، ثم حنث فعليه كفارتان. قال: ومن حلف لا باع سلعته هذه من فلان فقال له آخر: فأنا، فقال: لا والله لا أنت، فباعها منها جميعاً فعليه كفارتان، وفي الطلاق طلقتان، ولو باعها من أحدهما ثم ردها عليه فباعها من الثاني فعليه كفارتان قاله مالك وابن القاسم. ولو قال: والله لا بعتها من فلان ولا من فلان فكفارة واحدة تجزيه، باعها منهما أو من أحدهما أو ردها عليه فباعها أيضاً من الآخر فهو سواء. ومن المدونة: قال مالك: ومن قال والله لا أكلم فلاناً، ثم قال: علي حجة أو عمرة إن كلمته فهما يمينان إن حنث لزمتاه جميعاً. قال: ومن حلف ألا يكلم فلاناً عشرة أيام فكلمه فيها فحنث ثم كلمه فيها مراراً قبل أن يكفر أو بعد؛ لم تلزمه إلا كفارة واحدة. ومن العتبية: قال ابن القاسم: [ومن قال: والله لا كلمتك غداً أو والله لا كلمتك بعد غد فكلمه في اليومين فعليه كفارتان وإن كلمه في أحدهما فكفارة واحدة]، ولو قال:

والله لا كلمتك غداً والله لا كلمتك غداً ولا بعد غد فكلمه غداً لزمته كفارتان ثم إن كلمه بعد غد فلا شيء عليه ولو لم يكلمه غداً وكلمه بعد غد فإنما عليه كفارة واحدة. م: ووجه ذلك أنه لما حلف ألا يكلمه [غداً فقد انعقدت عليه في غد يمين فيها، ثم لما حلف ألا يكلمه] في غد ولا بعد غد فقد انعقدت عليه في بعد غد يمين غير اليمين الأولى؛ لأنه لما أضافها مع بعد غد ويمينه في بعد غد منعقدة وجب انعقادها عليهما جميعاً؛ لأنه لا يكون يمين منعقدة غير منعقدة، وهذا كمن قال لامرأته: إن تزوجتك فأنت طالق، ثم قال لها ولنساء معها: إن تزوجتكن فأنتن طوالق فإنه إن تزوجها لزمته طلقتان ولا ينوي؛ لأن اليمين الثانية انعقدت عليها مع غيرها فهي غير الأولى فلا ينوي أنه أراد الأولى بها، كما لو قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق ثم قال: لها إن كلمت زيداً فأنت طالق فحنث؛ ففيهما طلقتان، ولا ينوي أنه أراد باليمين الثانية الأولى، وكذلك يلزمه في اليمين بالله كفارتان. ووجه قولنا: ثم إن كلمة بعد غد فلا شيء عليه لأني عجلت حنثه في ذلك بكلامه في غد، كما لو كانت يمينه: والله لا كلمتك غداً ولا بعد غد فكلمه في غد فعليه كفارة ثم إن

كلمة بعد غد فلا شيء عليه؛ لأني قد عجلت حنثه فيهما فلا يتكرر عليه الحنث في يمين واحدة؛ [وهذا بين. ووجه قولنا: ولو لم يكلمه غداً وإنما كلمه بعد غد فإنما عليه كفارة واحدة]؛ لأنه حلف ألا يكلمه فيها وقد كلمه فوجب حنثه. م: ولو كان إنما قال: والله لا كلمتك غداً أو بعد غد، ثم قال: والله لا كلمتك غداً وكلمه في غد؛ فهذا إنما عليه كفارة واحدة؛ لأنه إنما كرر اليمين في كلامه في غد فهو كما لو كرره فيهما جميعاً فقال: والله لا كلمتك غداً ولا بعد غد فكلمه في غد أو بعد غد؛ فإنما عليه كفارة واحدة، فهو بخلاف أن لو قال: والله لا كلمتك غداً ووالله لا كلمتك غداً ولا بعد غد فاعرفه وقيس عليه ما يرد عليك منه فإنه خفي من العلم، وقد اختلف في الوجه الأول أصحابنا؛ والذي اتفق عليه الحذاق والمحققون للمسائل ما قدمت لك وبالله التوفيق.

فصل ومن المدونة: قال مالك: ومن قال: والله لأقضينك حقك إلى حين وزمان أو دهر فذلك كله سنة. وقال ابن وهب: إن مالكاً شك في الدهر أن يكون سنة. وقال ابن عباس فيمن حلف ألا يكلم فلاناً حيناً قال: الحين سنة، وتلا: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}. وقاله ربيعة وابن حبيب. وقال ابن المسيب: الحين ستة أشهر من طلوع النحل إلى حين ترطب. وروى مطرف عن مالك أن الدهر: أكثر من سنة. وقال مطرف: وسنتان قليل، وما أوقت فيه وقتاً. تم كتاب النذور الأول بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على محمد وآله.

كتاب النذور الثاني بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله وسلام جامع القول في كفارة اليمين بالله تعالى للحر والعبد قال الله تعالى في كفارة اليمين بالله وهي التي أذن في اليمين بها: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} إلى قوله {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} فجاز أن يطعم في الكفارة الوسط من المشبع وهو مد بمدة النبي عليه السلام، ولم يذكر في الظهار وسطاً، فعملنا فيه على الغاية وذلك مد بمد هشام وهو مدين إلا ثلث. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير». وروي: «فليأت الذي هو خير وليكفر». قال ابن وهب: وكان ابن عمر ربما قدم الكفارة ثم حنث وربما حنث ثم كفر

قال ابن القاسم وابن وهب: وهذا الذي استحب مالك أن يكفر بعد حنثه وإن كفر قبل أجزأه. قال ابن القاسم: واختلفنا في الإيلاء أيجزئ عنه إذا كفر قبل الحنث أم لا، فسألنا مالكاً عن ذلك؟ فقال: أعجب إلي أن يكفر بعد الحنث، وإن كفر قبله أجزأه، واليمين بالله أيسر من الإيلاء فهو أحرى أن يجزئ. قال ابن القاسم: وإن كفر بالصوم معسر قبل حنثه ثم حنث بعد يسره فلا شيء عليه وهو مجزئ عنه. ابن المواز قال ابن القاسم: ومن حلف بالله فأراد أن يكفر قبل الحنث فأما في يمينه لا أفعل كقوله: والله لا أكلم فلاناً؛ فأحب إلي أن يكفر بعد الحنث، فإن كفر قبله أجزأه لما جاء فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن ابن عمر وذكر الحديث. قال: وأما في يمينه لأفعلن كذا كقوله: والله لأضربن فلاناً، أو لأكلمنه فإن لم يضرب أجلاً فله أن يكفر ولا يفعل، وإن ضرب أجلاً فلا يكفر حتى يمضي الأجل،

كقول مالك فيمن قال: امرأته طالق واحدة إن لم يتزوج عليها أنه يطلقها واحدة ويرتجعها ولا شيء عليه، وإن ضرب أجلاً فقال لها: أنت طالق إن لم أتزوج عليك إلى شهر؛ فهو على بر ويطؤها ولا يطلقها حتى يأتي الأجل بحنثه. وقد قيل في يمينه والله لأفعلن سواء ضرب أجلاً أو لم يضربه، إن له أن يكفر قبل الأجل ولا يفعل كيمينه لا أفعل كذا الذي هو فيه على بر، وكذلك من قال لامرأته: انت طالق طلقة إن لم أتزوج عليك وسواء وقت أجلاً أو لم يوقته، وكذلك في يمينه بالمشي أو بالعتق أو بالصدقة له أن يحنث نفسه ضرب أجلاً أو لم يضربه. وقال ابن المواز: ولا يجوز أن يحنث نفسه إذا ضرب أجلاً؛ لأن الأجل يأتي بحنثه وقال لي عبد الملك وأصبغ، وهو قول ابن القاسم إلا أن يكون يمينه بالله فله أن يكفر قبل الحنث، والمستحب أن يكفر بعده، لأن الأشياء لا تقضي إلا بعد وجوبها وقاله مالك. فصل ومن المدونة قال مالك: وإذا حنث العبد في اليمين بالله تعالى فالصوم له أحب إلى، وإن كسا أو أطعم بإذن سيده بما هو بالبين وفي قلبي منه شيء.

قال ابن القاسم: فإن فعل رجوت أن يجزئ عنه. م: إنما استحب مالك للعبد الصوم لأنه غير مستقر الملك إذ للسيد انتزاع ماله ومنعه من التصرف فيه بالهبة والصدقة فهو بخلاف الحر في ذلك فلذلك منعه من الإطعام وإنما قال: وإن أطعم بإذن سيده فما هو بالبين، فلأن السيد أملك بماله عند كأنه هو المكفر عنه إذ لم يمكنه من ذلك إلا إلى الكفارة وتدخل هذه الكراهية فيمن كفر عن رجل بإذنه؛ لأنه لم يخرجه عن ملكه إلى بشرط كونه للمساكين فضارع ذلك شراء الرقبة بشرط العتق وإنما أجاز ابن القاسم الكفارة عن الرجل بإذنه؛ لأن النبي -عليه السلام- أعطى الواطئ في رمضان عرقاً من تمر فقال: «خذ هذا وتصدق به» وكان عديماً فكأنه لم يملكه إياه إلا ليتصدق به. قال ابن حبيب: إذا أذن السيد لعبده أن يكفر بالإطعام أو الكسوة فترك ذلك وصام ولم يجزئه لأنه بالإذن خرج من أهل الصيام. قال أبو محمد: وذلك يجزئه على مذهب المدونة، وإذن السيد ضعيف. م: قال بعض شيوخنا: وإن أذن السيد لعبده في الإطعام ثم بدا له قبل أن يطعم كان له ذلك.

م: لأنه باق في ملكه حتى يخرجه؛ لأنه لو ضاع ماله كانت الكفارة باقية عليه، فلما كان ذلك باقياً في ملكه جاز للسيد انتزاعه ومنعه من التصرف فيه، وسواء عندي كان العبد قد حنث ووجبت عليه الكفارة أم لا للعلة التي قدمنا. وقال بعض فقهائنا: إذا كان العبد قد حنث ووجبت عليه الكفارة لم يكن له منعه منه بعد الإذن ويصير ذلك كالنذر ينذره فيأذن له السيد أن يفعله فليس له أن يمنعه. م: إن كان نذراً بصدقة فله منعه منه والله أعلم. ومن المدونة قال ابن القاسم: وأما العتق فلا يجزئه في شيء من الكفارات وإن أذن له سيده إذ الولاء لسيده وصومه وفعله في كل كفارة كالحر. م: لأن الله تعالى قال: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} ولم يفضل بين حر ولا عبد ولا رجل ولا امرأة فكان ذلك على عمومه فتساووا فيها وإنما يختلف أمرهما في الحدود والطلاق والأجل في الإيلاء والاعتراض والفقر فله في ذلك كله نصف ما للحر وذلك أن الله تعالى قال في الحدود: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} والطلاق

من معنى الحدود، ويجر إلى ما يجر إليها، وأجل المولى وغيره يجر إلى الطلاق، وإنما ألزم العبد طلقتين والأمة في العدة حيضتين؛ لأن الواحدة من ذلك لا تنقسم. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو حنث العبد في رقة ثم كفر بالعتق بعد أن عتق أجزأه. فصل قال مالك: وليس عليه أن يغربل الحنطة في ك فارة اليمين بالله إلا أن تكون مغلوثة بتبن أو تراب فتغرب. والإطعام في ذلك مد قمح لكل مسكين عندنا بالمدينة؛ لأنه وسط عيشهم فأما سائر البلدان فإن لهم عيشاً غير عيشنا فليخرجوا وسطاً من عيشهم؛ كما قال الله تعالى. وقال ابن القاسم: حيث ما أخرج مداً بمد النبي -عليه السلام 0 - أجزأه. وكان ابن عمر يكفر عن يمينه [بإطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من حنطة] وكان يعتق المرار إذا وكد اليمين. ابن وهب: وكان يطعم مداً لكل مسكين: ابن عمر وابن عباس وابن عياش بن أبي ربيعة وجماعة من الصحابة والتابعين.

ابن المواز: وهذا بالمدينة لقصدهم ولبركة دعوة النبي -عليه السلام- في مدهم وصاعهم، ولو كفر به أحد في سائر الأمصار رجوت أن يجزيه. وأفتى ابن وهب بمصر بمد ونصف، وأفتى أشهب بمد وثلث. وقال ابن المواز: بمد وثلث وسط من عيش أهل الأمصار في الغداء والعشاء. قيل لمحمد: فما جاء أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أعطى أكثر من ذلك؟ فقال: وإن كان فلم يقل عمر أنه لا يجزئ إلا هذا، وإنما يقتدي بالأقل في مثل هذا، كمن كان عليه صيام ثلاثة أيام فصام ستة فكذلك من أطعم أكثر مما وجب عليه، فمد لكل مسكين يجزئه، وما فضل ثوابه له إن شاء الله. قال ابن المواز: ولا يعطي الذرة وهو يأكل الشعير ولا الشعير وهو يأكل البر ولو أعطى الشعير وهو يأكل الذرة أجزأه، وليس الذرة كالشعير ولا الشعير كالبر، وليعط من ذلك قدر ما بين ذلك وبين البر في الشبع، فإن أطعم خمسة مساكين البر ثم إلا السعر، أو انتقل إلى بلد عيشهم الشعير فأطعم خمسة من الشعير أجزأه.

ومن المدونة: ولا يجزئه عند مالك أن يخرج قيمة الطعام عرضاً. قال مالك: وإن غدا أو عشا في كفارة اليمين بالله أجزأه. وقاله القاسم وسالم. قال مالك: ولا يجزئ غداً دون عشاء ولا عشاء دون غداء، قال: ويطعم الخبز مأدوماً بزيت ونحوه. قال ابن حبيب: ولا يجزئه الخبز قفاراً ولكن بإدام زيت أو لبن أو لحم. قال ابن عباس: أعلاه اللحم وأوسطه اللبن وأدناه الزيت. قال: وإذا أعطي من الخبز؛ يريد: قفاراً قدر ما يخرج من كيل الطعام أجزأه في الفطرة والكفارة التي يطعم فيها طعاماً مصنوعاً وأما في الظهار وفدية الأذى فلا يجزيه. ومن المدونة قال مالك: ويعطي الفطيم من طعام الكفارة. قال ابن القاسم في كتاب الظهار ويعطي ما يعطى للكبير، وكذلك قال في العتبية يعطي الصغار من الطعام والكسوة مثل ما يعطي الكبير. ومن المدونة قال مالك: ومن عليه يمينان فأطعم عن واحدة مساكين فأراد أن يعطيهم أيضاً عن يمينه الأخرى مكانه أو بعد أيام فلا يعجبني ذلك وإن لم يجد غيرهم فليطلب سواهم.

قال ابن المواز عن ابن القاسم: فإن فعل أجزأه إذا لم يجد غيرهم. م: حكي عن أبي عمران الفاسي أنه قال: قال أبو محمد: إنما ذلك لئلا تختلط النية في الكفارتين، وأما لو صحت النية في كل كفارة وخلصت كل كفارة من الأخرى لجاز، وصوبه أبو عمران. ومن المدونة قال يونس بن عبيد: إلا أن تحدث عليه اليمين الثانية بعد ذلك؛ فليعطهم في غد إن شاء الله. قال ابن القاسم: ولا يعطي شيئاً من الكفارات لذمي أو عبد أو أم ولد لرجل وإن كان سيدهم محتاجاً فإن فعل وأعطي منها لمن فيه بقية رق ولم يعلم لم يجزه، وكذلك

الكسوة ولا يعطي إلا لحر مسلم فقير وإن أعطي لغني ولم يعلم به لم يجزه. وفي الأسدية: إذا أعطى غنياً زكاة أو كفارة وهو لا يعلم به أنه يجزيه. ومن المدونة قال مالك: ويعطى منها من له دار وخادم لا فضل في ثمنها عن سواهما كما يعطى من الزكاة. قال مالك: ولا يعجبني أن يعطي منها لذي قرابة منه لا تلزمه نفقته فإن فعل أجزأه إن كان محتاجاً، وكذلك الزكاة وجميع الكفارات.

قال حماد بن زيد: يعطي منها أخاه إن لم يكن في عياله، ويعطي لقرابته إلا الغني منهم، وأما الأب -يريد: ومن تلزمه نفقته- فلا يعطيه. فصل قال مالك: ومن حلف بالله فحنث فهو مخير في إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة مؤمنة ولا تجزئه الصوم وهو قادر على شيء من هذا كما قال الله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} وقال ذلك يحي بن سعيد وابن شهاب.

قال ابن عباس وابن المسيب وغيرهما: كل شيء في القرآن فيه أو فصحابه مخير أي ذلك شاء فعل. قال ابن عباس: وما كان فمن لم يجد يبدأ بالأول فالأول. قال مالك: وإذا لم يقدر وكان من أهل الصوم صام ثلاثة أيام فإن تابعها فحسن وإن فرقها أجزأه، وكان أبي ابن كعب يقرأ: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَات}.

ابن مهدي: وكذلك في قراءة عبد الله، وكان عطاء وغيره لا يرى بتفريقهن بأساً. قال مالك: وإن أكل أو شرب في صومها ناسياً قضاه، وإن حاضت فيه امرأة بنت إذا طهرت. قال ابن القاسم: ولا يجزئه صوم الكفارة في أيام التشريق إلا أن يصوم آخر يوم منها فعسى أن يجزئه وما يعجبني أن يصومه، فإن صامه أجزأه، وذلك كناذر صومها أنه لا يصوم إلا اليوم الرابع منها. قال ابن المواز: لا يجوز صومها وعليه قضاؤها، وقد سماها النبي -عليه السلام- أيام أكل وشرب. وقال أشهب قال: وقد نهى النبي -عليه السلام- عن صيام أيام منى.

ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا يجزئه الصوم وله مال غائب وليتسلف. قال ابن المواز: قال أشهب: وقيل: إن كان مجيء الدين قريب انتظر، وإن وجد من يسلفه تسلف، وإن كفر بالصيام ولم ينتظر دينه؛ أجزأه الصوم. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن كان له مال وعليه دين مثله؛ أجزأه الصوم ولا يجزيه الصوم إن كان يملك داراً أو خادماً وإن قل ثمنهما كالظهار. ابن المواز قال مالك: لا يصوم الحانث حتى لا يجد إلا قوته أو يكون في بلد لا يعطف عليه فيها. وقال ابن مزين عن ابن القاسم: إن كان له فضل عن قوت يوم ما يطعم أطعم إلا أن يخاف الجوع وهو في بلد لا يعطف عليه فيها فليصم.

فصل ومن المدونة قال مالك: وإن كسا في الكفارة لم يجزئه إلا ما تحل الصلاة فيه ثوب للرجل، ولا يجزئ عمامة وحدها. ابن مهدي: وقال سعيد بن المسيب: عمامة يلف بها رأسه وعباءة يلتحف بها. ابن حبيب: يكسى قميصاً أو إزاراً يبلغ أن يلتف به مشتملاً. ومن المدونة قال مالك: وتكسى المرأة درعاً وخماراً. قال ابن القاسم في العتبية: وإن كسا صغار الإناث فليعط درعاً وخماراً كالكبيرة والكفارة واحدة لا ينقص منها الصغير ولا يزاد فيها الكبير. قال عنه ابن المواز: ولا يعجبني كسوة المراضع على حال، وأما من أمر منهم بالصلاة فلا بأس أن يكسوه قميصاً بما يجزيه. محمد: يعطيه كسوة رجل. وقال أشهب: يعطي الإناث منهن إذا لم يبلغن الصلاة؛ ثوب رجل لكل واحدة فإذا بلغن وحضن فمثل النساء درعاً وخماراً.

فصل ومن المدونة قال مالك: ولا يجزئ أن يعتق في شيء من الكفارات إلا رقبة مؤمنة سليمة، ولا يجزئ من ليس بمسلم، ولم يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- القائل: علي رقبة بعتق السوداء حتى قال: لها «أتشهدين أن لا إله إلا الله؟» فقالت: نعم، فقال: «أتشهدين أني محمد رسول الله؟» قالت: نعم، قال: «أفتوقنين بالبعث بعد الموت؟» قالت: نعم، قال: «اعتقها». وسئل -عليه السلام-: أي الرقاب أفضل؟ قال: «أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها». وسئل مالك عمن أعتق صغيراً في كفارة اليمين بالله؟ فقال: عتق من صلى وصام أحب إلي فإن أعتق فطيماً أو رضيعاً لقصر النفقة رجوت أن يجزئه، وكذلك إن أعتق أعجمياً. قال سحنون: بعد إجابة الأعجمي إلى الإسلام. قال ابن المواز في كتاب العتق: وروي عن ابن القاسم: إن أعتق أعجمياً قبل أن يسلم؛ فإن كان ممن يجبر على الإسلام أجزأه. وقال أشهب: لا يجزئه حتى يجيب إلى الإسلام.

قال ابن المواز: وهذا أحب إلينا وهو مع ما روي عن مالك في عتق الأعجمي من قصر النفقة. قيل: يعتق الصغير أبواه كافران ولم يبلغ أن يصلي ويصوم؟ قال: أجاز ابن القاسم إذا كان يريد أن يدخله في الإسلام. ومن المدونة قال: ويجزئ في عتق كفارة اليمين بالله تعالى ما يجزئ في الظهار، وواجب الرقاب. قال النخعي: يجزئ الرضيع في كفارة القتل. قال ابن القاسم: ولا يجزئ مدبر ولا مكاتب ولا أم ولد ولا معتق إلى أجل عند مالك، ولا يجزئ أقطع اليد أو الرجل الواحد، وأما الأعرج فقد كرهه مالك مرة وأجازه مرة أخرى، وآخر قوله: لا يجزئ إلا أن يكون عرجاً خفيفاً. قال ابن شهاب: ولا يجوز عتق الأعمى ولا مجنون ولا أبرص. قال عطاء: ولا أشل ولا صبي لم يولد في الإسلام. قال هو وربيعة: ولا يجزئ إلا رقبة مؤمنة صحيحة سليمة. ومن كتاب الظهار: ولا يجزئ أقطع اليد الواحدة أو أصبعين أو أصبح أو الإبهامين أو الأذنين أو الأجذم أو الأبرص أو الأصم أو الأعمى ولا مفلوج يابس الشق، وأجاز غيره مقطوع الأصبع الواحدة أو من به برص خفيف، وأجاز مالك عتق الأعور في الظهار، وقاله النخعي والحسن.

ابن المواز: وقال عبد الملك: لا يجزئ الأعور. قال ابن المواز: وأجاز أشهب عتق الأصم. محمد: واختلف في عتق الخصي: فقيل: يجوز. وقيل: لا يجوز. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا يعجبني عتق الخصي في شيء من الكفارات. قال مالك: ولا يجزئ أن يعتق أباه أو ولده أو من يعتق عليه إذا ملكه من ذوي القرابة كولد الولد والأجداد والأخوة؛ لأنه لا يقع عليه ملك، إنما يعتق عليه باشترائه إياه. قال مالك: ولا أحب أن يعتق في واجب إلا ما كان يملكه بعد ابتياعه ولا يعتق عليه. قال في كتاب الظهار: وكذلك عبد قال: إن اشتريته فهو حر فاشتراه فأعتقه عن ظهاره فلا يجزئه. قال ابن المواز: ولو قال: إن اشتريته فهو حر عن يميني أو عن ظهاري أجزأه إن اشتراه لما ذكرنا. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اشترى زوجته وهي حامل منه فأعتقها قبل أن تضع في شيء من الكفارات لم يجزئه؛ لأن مالكاً قد جعلها أم ولد بهذا الحمل حين اشتراها.

ومن كفر عن أحد يعتق عن أمره أو بغير أمره أجزأه؛ لأن مالكاً قال فيمن مات وعليه كفارة في ظهاره أو غيره فكفر عنه أهله أو غيرهم: أنه جائز. وقال أشهب: لا يجزيه بغير أمره. وفي كتاب محمد قال أشهب وقيل: لا يجزئه أمره أو لم يأمره وليس كالميت؛ لأن الميت لا يقدر له على أكثر من ذلك فلابد من النظر له فيما يتخوف عليه منه. ومن المدونة قال مالك: أحسن ما سمعت في الرقبة الواجبة أنه لا يشتريها الذي يعتقها بشرط العتق؛ لأن تلك ليست رقبة تامة لما وضع عنه من ثمنها ولا بأس أن تشترى للتطوع، وقاله ابن عمر وفي كتاب الظهار أكثر معاني هذا الباب. فصل قال مالك: ومن كسا وأطعم وأعتق عن ثلاثة أيمان بالله عليه ولم ينو لأحد الأيمان بعينه صنفا من ذلك أجزأه، وكذلك إن أعتق عبد عن أحد الأيمان بغير عينه أجزأه، وإن نوى بعتقه عن جميعهم لم يجزه.

ابن المواز: ولو نوى بالكسوة وبالإطعام وبالعتق عن جميع الأيمان أجزأه من الإطعام عن ثلاثة مساكين ومن الكسوة عن ثلاثة وليطعم سبعة ويكسو سبعة ويكفر عن اليمين الثالثة التي أشرك فيها العتق. ومن المدونة: ولا يجزيه أن يكفر عن يمينه بإطعام خمسة مساكين وكسوة خمسة. قال ابن المواز: اختلف فيه قول ابن القاسم فقال مرة: يجزيه، ومرة: لا يجزيه. وقال أشهب: لا يجزيه. قال ابن المواز: ويضيف إلى أيهم شاء من يتمه ويجزيه؛ لجواز التفرقة فيه، وقاله ابن القاسم. م: وهذا أصوب لقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} فلا تكون إلا إطعاماً كلها أو كسوة كلها. ومن المدونة قال: ولا يجزيه عند مالك إخراج قيمة الكسوة عيناً ولا إخراج الكفارة في بناء مسجد أو كفن ميت أو قضاء دين عليه أو معونة في عتق ولا يجزيه إلا فيما قال الله تعالى: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}. وكره مالك أن يقبل الرجل هبة صدقته، أو يشتريها.

قال ابن القاسم: والذي يشتري كفارته أو توهب له أو يتصدق بها عليه أشد كراهية من ذلك. قال في كتاب ابن المواز: وقيل: لا يفسخ شراؤه كفارته ولا زكاته ولا صدقته التطوع، وإن كان لا نحب له ذلك ولا الرجوع في شيء وجب لله أو تطوع به. قال ابن المواز: إلا أن يرجع ذلك كله إليه بميراث فيجو. فيمن حلف ليفعلن شيئاً أو لا يفعله هل يبر أو يحنث بفعل بعضه أو ما تولد منه أو ضارعه أو وقع عليه اسمه قال أبو محمد: ولما حرم الله ما نكح الآباء والأبناء حرمنا بأقل ما وقع عليه اسم نكاح وهو العقد دون الوطء، وكأن إباحة نكاح المبتوتة لمن أبتها إذا نكحت زوجاً غيره لا يحلها العقد دون ذوق العسيلة فدل بذلك أن ما يباح به الشيء أقوى مما يحظر به فكأن البر والحنث في عقد الأيمان مفترقاً؛ فمن حلف ألا يفعل شيئاً حنث بفعل بعضه؛ لأن ذلك البعض قد حلف عليه أن لا يفعله ففعله، وإن حلف ليفعلنه لم يبرأ إلا بفعل جميعه؛ لأن ما أبقى قد حلف عليه ليفعلنه فلم يفعله، وكذلك من حلف على فعل

شيء أو تركه دخل في اليمين ما وقع عليه اسم المذكور إلا أن تقع النية فيفعل ما يجب قبوله، وذلك مذكور في مواضعه. فصل والأيمان في الفتوى على أربعة أقسام: فأول ذلك أن ينظر إلى نية الحالف إن لم تكن له نية نظر إلى بساط يمينه على ما جرت؛ فإن عدما جميعاً نظر إلى عرف الناس ومقاصدهم في أيمانهم فحمل على ذلك، فإن لم يكن ذلك كله أعطي لفظ يمينه حقه في اللغة وحمل على ذلك. قال ابن الماجشون في الواضحة: ينبغي صرف اللفظ إلى معنى مخارجه وإلا بطلت الأمور؛ قال الله سبحانه {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} وقال: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} فهذا أمر، والأول نهي واللفظ سواء، وهذا في القرآن كثير. ومن المدونة قال مالك فيمن حلف ألا يأكل من هذا الرغيف: حنث بأكل بعضه، وإن حلف ليأكلنه لم يبر إلا بأكل جميعه. قال ابن القاسم: وإن حلف ليأكلنه اليوم فأكل اليوم نصفه وفي غد نصفه حنث. وإن حلف ألا يهدم هذه البئر حنث بهدم حجر منها إلا أن ينوي هدم جميعها، وإن حلف

ألا يفعل فعلين حنث بفعل أحدهما: وإن حلف ألا يأكل خبزاً وزيتاً أو خبزاً وجبناً حنث بأكل أحدهما إلا أن ينوي جميعهما فلا يحنث. وفي كتاب الن المواز: قال: أشهب: وقيل: لا بأس بأكل أحدهما. م: إنما يستقيم هذا إذا نوى ألا يجمع بينهما، فإن لم تكن له نية؛ فالصواب أن يحنث بأكل أحدهما. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن حلف ألا يأكل طعاماً كذا أو لا يشرب شرباً كذا فذاقه فإن لم يصل إلى جوفه لم يحنث. ومن كتاب ابن المواز قال: ابن القاسم ومن حلف ألا يشرب خمراً فما شرب من الأنبذة الني يسكر كثيرها مثل السكركة والمطبوخ وغيره؛ فهو حانث، ولا ينفعه ألو حلف ألا يشرب الخمر بعينها قال مالك: كل ما خمر فهو خمر. ابن المواز: وقد كان ابن القاسم قديماً يقبل نيته إذا جاء مستفتياً وليس ذلك بشيء، ولو كانت النية تنفعه لنفعه لفظه بإفصاحه بالخمر بعينها.

قال مالك: وكذلك لو حلف ألا يشرب الخمر وقال: أردت خمر العنب. وقاله ابن القاسم، نحن نقوله حتى يقول: خمر العنب إفصاحاً ولفظاً فيدين في يمينه. قال: ومن حلف أن لا يحضر عرساً أبداً فعرس بعض إخوانه وفرغ من عرسه وصنيعه فصنع بد ذلك طعاماً فدعاه إليه فإن كان ذلك الطعام من أجل ذلك العرس أو كان إنما صنعه لمكان ما لم يحضر من عرسه أو صنيعه بحداثة العرس، وإن لم يكن لذلك سبب فلا يدخله، وإن كان إنما صنعه لغير ذلك ولا بحدثان العرس فلا بأس به. قال: ومن حلف بحرية عبده ألا يبعه فغصب منه فنقص عند الغاصب بأمر من الله، أو بجناية من الغاصب فأغرمه قيمة العبد فهو حانث، وإن أخذ العبد وأخذ ما نقصه لم يحنث. م: يريد: وكذلك لو هلك بيد الغاصب وكانت يمينه بعتق عبده أو بطلاق امرأته فأخذ منه قيمته لم يحنث؛ لأن ذلك ليس بيع، كأخذه قيمة أم الولد والمدبر إذا قتلا ولا يجوز بيعهما.

قال ابن المواز: ومن حلف ألا يبيع دابته حتى تأكل الربيع فأكلت منه يوماً أو يومين فلا شيء عليه في بيعها إلا أن تكون له نية. وقال أصبغ: ليس هذا الذي أراد بيمينه وهو حانث حتى يكون له الأمر الذي له القدر والبال والنفع به إلا أن تكون له نية في مثل اليوم واليومين وهو كمن حلف ليهدمن البئر فهدم منها حجرين أو ثلاثة فلا يبر إلا بهدم جميعها، أو هدم فساد وبطلان لها إلا أن تكون له نية. فصل ومن المدونة قال مالك: ومن حلف ألا يأكل هذا الدقيق أو هذه الحنطة [أو من هذه الحنطة فأكلهما بحالهما، أو أكل خبزاً منهما أو سويق الحنطة] حنث؛ لأن هذا هكذا يؤكل، ولا يؤكل ما اشترى من ثمنهما من طعام ولا ما أنبتت الحنطة إن نوى وجه المن، وإن كان لشيء في الحنطة من رداءة أو سوء صنعة في الطعام لم يحنث بأكل ما ذكرنا. ابن المواز وقيل: لا شيء عليه في ثمنهما ولا ما أنبتت.

ومن المدونة: وإن حلف ألا يأكل من هذا الطلع فأكل بسره أو رطبه أو تمره؛ حنث إلا أن ينوي الطلع بعينه. ابن المواز وقال أشهب: أستحسن في الطلع ألا يحنث بأكل بسره لبعد البسر والرطب من الطلع في الطعم والاسم والمنفعة. م: كالخل من العنب. ومن المدونة قال مالك: ومن حلف ألا يأكل من هذا اللبن فأكل من زبده أو جبنه حنث إلا أن تكون له نية، وإن حلف ألا يأكل بسر هذه النخلة أو بسراً منها فأكل من بلحها لم يحنث. ابن المواز: وكذلك لو حلف ألا يأكل رطباً لم يحنث بأكل البسر وهذا لا اختلاف فيه وإنما الاختلاف في أن يأكل مما يخرج من الذي حلف عليه فلم يره ابن القاسم إلا في خمسة: في الشحم من اللحم والنبيذ من التمر والزبيب، والعصير من العنب، والمرق من اللحم، والخبز من القمح، وأما سوى ذلك فلا شيء عليه فيما يخرج من المحلوف عليه إلا أن يقول: منه فيلزمه ذلك، هذا مذهب ابن القاسم وروايته.

ابن المواز: فيمن حلف ألا يأكل زبيباً ولا تمراً فشرب نبيذهما فهو حانث إلا أن تكون له نية، وكذلك العنب لا يشرب عصيره ولا بأس بخل ذلك كله. ومن حلف ألا يأكل لحماً فلا يشرب مرقه ولا تنفعه فيه نية إن ادعاها؛ لأن المرق لحم بما قد صار فيه من اللحم وذب وتقطع وتهرأ. ومن حلف ألا يأكل لحماً فأكل شحماً حنث؛ لأن الشحم يخرج من اللحم من قرب اسمه ومنافعه. قال: وقد قيل في القمح مثل ذلك أن من حلف ألا يأكل قمحاً فلا يأكل خبز قمح ولا سويقه لقربهما من القمح، وليس يراد من القمح إلا الخبز وما يصرف إليه وهو الغالب إلا أن تكون له نية؛ أي؛ لأنه ينبت التالول ونحوه، وقيل: ليس القمح من ذلك وأن من حلف ألا يأكل هذا القمح فأكل منه خبزاً فلا شيء عليه إلا أن يقول: من هذا القمح أو من هذا الدقيق فيأكل من ذلك خبزاً أو سويقاً فيكون حانثاً. قال محمد: وهذا أجود. قال: وأما من حلف ألا يأكل هذا اللبن، أو قال: لبناً؛ فلا بأس أن يأكل من زبده وسمنه وجبنه إلا أن يقول: من هذا اللبن فيحنث بأكله لما تولد منه، وكذلك لو

حلف ألا يأكل رطباً فليأكل تمراً، [أو حلف ألا يأكل عنباً فليأكل زبيباً] أو حلف ألا يأكل عسلاً فليأكل رُبّه، إلا أن يقول: من هذا الرطب أو من هذا العسل فيحنث بأكل ما تولد منه. [وفي كتاب محمد فيمن حلف ألا يأكل قصباً فلا بأس أن يأكل عسل قصب. قال أبو إسحاق: فما الفرق بين هذا وبين من حلف ألا يأكل تمراً فشرب نبيذ تمر؟]. وكذلك إن حلف: ألا يشرب لبن هذه الشاة فليأكل من زبدها وسمنها إلا أن يقول: من لبنها فلا يأكل ما تولد منه وسواء خرج ذلك من اللبن قبل يمينه أو بعد يمينه فإنه يحنث بأكله إلا أن يكون له سبب فيحمل على ذلك. قال أحمد بن ميسر: وقد اختلف في الحالف ألا يأكل من هذه الشاة فأكل من نسلها.

قال ابن المواز: وإن قال: لا أكلت من هذه الشاة فأكل من زبدها أو لبنها فلا شيء عليه إلا أن يكون نوى ذلك. م: يريد: لأنه إنما حلف ألا يأكل من لحمها ولحمها لا يتولد منه لبناً ولا زبداً، فهو كمن حلف ألا يأكل من اللحم فلا بأس أن يأكل من اللبن والزبد، وهو بخلاف ألو قال: لا أكلت من لبنها؛ وهذا كله مذهب ابن القاسم، أن لا يحنث بأكل ما تولد عمها حلف عليه إلا أن يقول: منه إلا في الشحم والمرق من اللحم والنبيذ من التمر والزبيب والعصير من العنب والخبز من القمح فإنه يحنث وإن لم يقل منه. وقال ابن وهب في الحالف على البسر يأكل الرطب أو التمر أو على الزبيب فيأكل السمن أنه حانث وإن لم يقل منه بمنزلة الشحم من اللحم. يريد: وكذلك كل متولد عن المحلوف عليه فإنه يحنث بأكله عنده وإن لم يقل منه. وقال ابن حبيب: إذا حلف ألا يأكل رطباً أو زهوراً فله أكل التمر، وكذلك إن قال: عنباً فله أكل الزبيب، وأما إن قال: هذا الرطب أو رطب هذه النخلة؛ فإنه

يحنث بأكل تمره، وكذلك هذا العنب أو عنب هذا الكرم؛ فإنه يحنث بأكل زبيبه، وسواء قال: من هذا الرطب أو قال: هذا الرطب ولم يقل منه، ولو قال: من هذه النخلة رطباً فليأكل منها تمراً، وكذلك من هذا الكرم عنباً لا يحنث بأكل زبيبه. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن حلف ألا يشرب هذا السويق فأكله؛ حنث إلا أن ينوي الشرب لما يعرض منه من نفخ وغيره فلا يحنث إذا أكله، وإن حلف ألا يأكل هذا اللبن فشربه؛ حنث إلا أن تكون له نية، وإن حلف ألا يأكل سمناً فأكل سويقاً لت بسمن؛ حنث وجد طعمه وريحه أم لا إلا أن ينويه خالصاً. ابن المواز قال أشهب: وقيل: ينظر إلى سبب يمينه فإن كان لمضرة السمن له فهو حانث؛ لأنه يتقي منه ما يتقي من الخالص، وإن كان إنما قيل له: إنك تشتهي السمن ولا تصبر عنه، فحلف عن ذلك فلا شيء عليه إن أكل سويقاً لت به. ومن المدونة: وإن حلف ألا يأكل خلاً فأكل مرقاً فيه خلٍ؛ فلا يحنث إلا أن يكون أراد ألا يأكل طعاماً دخله الخل.

ابن المواز: وقاله أشهب. قال ابن المواز: وأحب إلي أن يحنث إلا أن تكون له نية، وقاله سحنون وأصبغ. [قال أبو إسحاق: والأشبه أنه حانث؛ لأن غايته أن يؤكل مطبوخاً ونيئاً]. قال إسماعيل القاضي في المبسوط: إنما فرق ابن القاسم بين السمن والخل؛ لأن السمن الملتوت به السويق هو على حالته وإنما ألزق بالسويق إلزاقاً. قال غيره: ألا ترى أنه يقدر على استخراجه بالماء الحار؛ لأنه يصعد فوقه فيجمع ولا يقدر على استخراج الخل أبداً. قال إسماعيل: وأما الخل فقد انتقل عن الخل بما خالطه من الصنعة وصار اسمه غير اسمه ومعناه غير معناه ولكن لو حلف ألا يأكل هذا الخل بعينه فإنه متى أكل منه شيئاً في قدر أو غيرها وقد استحال أو لم يستحل فهو حانث.

قال سحنون: ومن حلف ألا يأكل زعفراناً فأكل طعاماً فيه زعفران حنث ولم ينو؛ لأن الزعفران لا يؤكل إلا هكذا ولا يؤكل وحده. ومن المدونة قال مالك: ومن حلف ألا يأكل لحماً فأكل شحماً حنث؛ لأن الشحم يخرج من اللحم مع قرب اسمه ومنافعه إلا أن تكون له نية في اللحم دون الشحم. قال: وسواء كان شحم ثرب أو غيره. وإن حلف ألا يأكل شحماً لم يحنث بأكل اللحم؛ لأن اللحم لا يخرج من الشحم [ولا يدخل اللحم في اسم الشحم]. قال أبو محمد: اللحم مع الشحم يقع عليه اسم لحم فقد دخل الشحم في اسم اللحم ولا يدخل اللحم في اسم الشحم منفرداً ولا مجتمعاً معه، وقد حرم الله سبحانه لحم الخنزير، يريد فناب ذكره للحمه عن ذكره لشحمه؛ لأنه يدخل تحت اسم اللحم، وحرم الله سبحانه على بني إسرائيل الشحوم بقوله تعالى: {حَرَّمْنَا

عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} فلم يقع عليهم بهذا تحريم اللحم ولم يدخل في اسم الشحم، فلهذا فرق مالك بين الحالف في الشحم والحالف في اللحم. ومن المجموعة قال ابن القاسم: والحالف على اللحم يحنث بكل ما أكل من الشاة من رأس أو كرش أو معا أو دماغ أو غيره وإن حلف على الرأس أو على الكرش لم يحنث بأكل اللحم، والحالف على اللحم يحنث بأكل القديد، والحالف على القديد لا يحنث بأكل اللحم. ومن المدونة قال مالك: ومن حلف ألا يأكل لحماً فأكل لحم حوت،- محمد: أو لحم طير-؛ حنث؛ لأن الاسم يجمع ذلك قال الله تعالى: {لِتَاكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا}، وقال: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} إلا أن تكون له نية فله ما نوى، وإن حلف ألا يأكل رؤوساً أو بيضاً فأكل رؤوس السمك أو بيض السمك أو بيض الطير سوى الدجاج؛ حيث إلا أن تكون له نية أو ليمينه باسطاً فيحمل عليه.

وقال أشهب في المجموعة: لا يحنث في اللحم والرؤوس إلا أن يأكل لحم الأنعام الأربع ورؤوسها؛ لأن عليها يقع أيمان الناس إلا أن ينوي اللحوم كلها من طير وحوت وغيره، وأما البيض فيحنث بكل بيض أكله استحساناً وليس بقياس. والفرق بين ذلك بعد ما بين رؤوس الضأن والطير وقرب ما بين بيض الدجاج والطير ومنه ما يشبهه في الخلق والطعم. وقال ابن حبيب: لا يحنث في الرؤوس بأكل رؤوس الحيتان والجراد إلا أن ينوي ذلك، وفي البيض يحنث بأكل بيض الطير، ولا يحنث ببيض الحوت حتى ينويه. م: وقول ابن حبيب هذا أقيس؛ لأنا إذا عدمنا النية والبساط نظرنا إلى عرف الناس ومقاصدهم في أيمانهم، والمعهود في الرؤوس عند الناس رؤوس الأنعام، وكذلك في البيض بيض الطير لا رؤوس السمك وبيضها. وقول ابن القاسم ومالك أحوط، ولأن الاسم يقع على جميع ذلك وبه أقول. م: ورأى أن النية تنفعه على قول مالك هذا إذا قال: لم أرد لحم السمك ولا رؤوسها ولا بيضها ولا رؤوس الطير، وإن كانت على يمينه بالطلاق بينة للمعهود من مقاصد الناس. قال أبو محمد: ومن حلف ألا يأكل إداماً فما ثبت في معرفة الناس أنه إدام فلا يأكله، قال: ولا أرى الملح من الإدام، وإن كان قد قاله بعض العلماء وأحنثه به.

قال ابن حبيب: ومن حلف ألا يأكل فاكهة ولا نية له فلا يأكل رطباً منها ولا يابساً ومن الفاكهة تمر النخل والأعناب والرمان وشبهه وخص الفواكه من قثاء وبطيخ وخريز وقصب وأخضر الفول والحمص والجلبان إلا أن تكون له نية خص بها نوعاً أو بساط يدل على ما ذكر. وذكر ابن المواز نحو قول ابن حبيب في الفاكهة، وقال: إذا حلف على يابسها ورطبها. م: وهذا أجود إنما يحنث في اليابس والرطب إذا ذكره والله أعلم. قال ابن حبيب: وإن حلف ألا يأكل خبزاً حنث بأكل الكعك، وإن حلف ألا يأكل كعكاً لم يحنث بأكل الخبز؛ لأن هذا أخص، والأول أعم. ومن كتاب ابن المواز وغيره: ومن حلف ألا يأكل غنماً حنث بأكل الضأن والمعز؛ لأن الاسم يجمعهما، وإن حلف على أحدهما من معز أو ضأن لم يحنث بأكل الآخر؛ للاسم الخاص به، وكذلك من حلف ألا يأكل دجاجاً فأكل دجاجة أو ديكاً حنث للاسم الجامع، وإن خص أحدهما فحلف ألا يأكل ديكاً لم يحنث بأكل دجاجة، أو حلف الا يأكل دجاجة لم يحنث بأكل ديك.

قال ابن المواز: ومن حلف ألا يأكل كباشاً أو لحم كباش فلا يأكل لحم النعاج صغارها وكبارها؛ لأنها داخلة في الاسم، ولو حلف ألا يأكل كبشاً ولم يقل كباشاً لم يحنث بأكل الصغار ذكوراً أو إناثاً؛ لأنه لا يقال للصغير كبش. قال م: وكذلك عندنا لو قال: كباشاً لم يحنث بأكل الصغار ولا الإناث الكبار لأن الاسم الأخص عندنا في الكباش كبار الذكور وذلك جمع كبش، وإنما حنثه محمد فيما يرى؛ لأنه اسم جامع عندهم والله أعلم. وأما عرف بلدنا فبخلافه. قال ابن المواز: وإن حلف ألا يأكل نعجة أو نعاجاً فلا بأس بصغار الذكور والإناث وكبار الذكور، وإن حلف ألا يأكل خروفاً فلا بأس بلحم الكبش الذي خرج من حد الخرفان، وإن حلف ألا يأكل خرفاناً فلا يأكل العتدان؛ لأنها عند الناس خرفاناً، ووقف عنها محمد. م: والاسم الأخص عندنا في الخرفان صغار الضأن.

قال ابن المواز: وإن حلف ألا يأكل تيساً أو تيوساً فلا يأكل عتوداً [ولا صغار ذكور المعز، وأما إن حلف ألا يأكل عتوداً] فلا بأس أن يأكل تيساً كبيراً أو كبار إناث المعز، وأما إناث صغارها فلا يأكله؛ لأنه من العتدان. م: وإنما ينظر في هذا الأصل إلى عرف الناس في الأسماء عند كل بلد فيعمل فيه على ما أصلنا وفيما ذكرنا من هذا كفاية وبالله التوفيق. فيمن حلف ألا يكلم رجلاً أو ليكلمنه قال مالك: ومن حلف ألا يكلم زيداً فأم قوماً فيهم زيد فسلم من الصلاة عليهم فلا يحنث. وقال ابن المواز: إن سلم اثنتين فأسمه الثانية حنث.

وقال أحمد ابن ميسر: لا يحنث. قال ابن المواز: وإن تعايا الحالف فلقنه المحلوف عليه لم يحنث، قال: وأما إن تعايا المحلوف عليه فلقنه الحالف فقد حنث. ومن المدونة قال مالك: ولو صلى الحالف خلف زيد وهو عالم به فرد عليه السلام حين سلم من صلاته لم يحنث، وليس مثل هذا كلاماً. ابن المواز وقيل: إن أسمعه رده حنث، قاله ابن القاسم وأشهب، وأما إن تعايا فرد عليه الحالف فقد حنث. ومن المدونة قال مالك: ولو سلم الحالف على جماعة وفيهم المحلوف عليه في ليل أو نهار حنث، علم به أو لم يعلم إلا أن يحاشيه. قال ابن المواز: ولو مر بالمحلوف عليه وحده في ليل فسلم عليه وهو ينوي إن كان غيره فقد حنث ولا ينفعه ما نوى إلا أن يكون جماعة فيحاشيه. قال: ولو رأى بعض القوم فسلم على من رأى منهم أو سلم عليهم ولم ير معهم المحلوف عليه لم يحنث؛ لأنه إنما سلم على من عرف، وأما إن لم يعرفهم أو لم يعرف إلا بعضهم فسلم على الجميع ولم يحاشه؛ فقد حنث.

ومن العتبية وكتاب محمد قال ابن القاسم: ولو مر بالمحلوف عليه وهو نائم، فقال له: الصلاة يا نائم فرفع رأسه فعرفه فقد حنث، وكذلك يحنث إن لم يسمعه وهو مستقل نوماً وهو كالأصم، وكذلك إن كلمه وهو مشغول يكلم رجلاً ولم يسمعه. محمد وقال أصبغ: إن أيقن باستثقاله ولم ينتبه لكلامه وأيقن أنه لم يسمعه؛ فلا يحنث، كمن كلم ميتاً وقد جعله الله أحد الميتين بقوله: {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} أو كمن ناداه من مكان بعيد لا يسمعه منه. محمد: ولو حلف ألا يكلم رجلاً فكلم رجلاً يظنه هو قاصداً للحنث فإذا هو غيره لم يحنث، ولو كلمه يظنه غيره حنث. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: ومن حلف ألا يكلم رجلاً إلا ناسياً فكلمه وهو لا يعرفه غير ناس فهو حانث، ومن حلف ألا يكلمه إلا ألا يعرفه فكلمه وهو يعرفه ناسياً ليمينه حنث أيضاً.

قال مالك: ولو حلف ألا يكلمه إلا ناسياً فكلمه وزعم أنه كلمه ناسياً قال ذلك إليه. م: وسواء كانت على يمينه بالطلاق بينة أولم تكن فإنه يصدق لاشتراطه النسيان والله أعلم. قال ابن القاسم: ولو حلف ألا يكلمه فأشار إليه فلا يحنث، ولا أحب أن يفعل ذلك. وقال غيره في المجموعة: يحنث؛ لأن الله تعالى يقول: {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا}. ابن حبيب وقال ابن الماجشون: يحنث في الإشارة التي يفهم عنه بها وإن لم تكن الإشارة في الصلاة كلاماً فهذا النفخ فيها كالكلام ولا يبر به الحالف على الكلام ولا يحنث به. ومن المدونة قال مالك: ومن حلف ألا يكلم فلاناً فأرسل إليه رسولاً أو كتب إليه كتاباً؛ حنث، إلا أن ينوي مشافهته. يريد: ويحلف، والكتاب أشد، قاله مالك، وهذا في

أيمان الطلاق والعتاق، ثم رجع مالك فقال: لا ينوي في الكتاب ويحنث إلا أن يرتجع الكتاب قبل وصوله فلا يحنث. م: وقد قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} فجعل تعالى كل ذلك كلاماً؛ فلذلك حنثه مالك بالرسول والكتاب. وفي كتاب ابن المواز قال مالك: يحنث في الكتاب ولا ينوي، واختلف قوله في الرسول: فقال: يحنث إلا أن ينوي مشافهته. وقال: لا شيء عليه. ابن المواز وقال أشهب: لا يحنث بالرسول ولا بالكتاب إلا أن يسمع ذلك الكلام الذي أرسل به الرسول فيحنث؛ لأنه لو حلف ليكلمنه فكتب إليه لم يبر. قال أشهب: ولو ارتجع الكتاب بعد أن وصل إلى الرجل وقرأ منه بقلبه ولم يقرأه بلسانه فلا شيء عليه؛ لأن من حلف ألا يقرأ ضهراً فقرأ بقلبه لم يحنث. ابن المواز: ولو كتب المحلوف عليه إلى الحالف فقرأ كتابه لم يحنث عند أشهب. واختلف فيه قول ابن القاسم: فقال مرة: لا يحنث. وقال أيضاً: يحنث. وما هو بالبين.

قال ابن المواز: والصواب ألا يحنث الحالف بقراءة كتاب المحلوف عليه، وقد أنكر هذا غير واحد من أصحاب ابن القاسم. ومن المجموعة قال ابن الماجشون: وإن حلف ليكلمنه لم يبر بالكتاب ولا بالرسول وإن سمع المرسل إليه ما قال الرسول والحالف لا يعلم فلا يبر بذلك ولا يبر إلا بأعلى الأمور مما لا شك فيه. وفي كتاب ابن حبيب: ولو أمر الحالف من يكتب عنه إلى المحلوف عليه بكذا فكتب ولم يقرأه على الحالف ولا قرأه الحالف فوصل الكتاب فلا يحنث، ولو قرأ الكتاب على الحالف أو قرأه الحالف أو أملاه لحنث إذا قرأه المحلوف عليه أو قرأ عنوانه وإن لم يقرأ ذلك المحلوف عليه أو قطعه ولم يقرأه أو سقط من الرسول فلا يحنث حتى يعلم أنه وصل إليه وقرأه، ولو قال الحالف للرسول: اقطع كتابي ولا تقرأه أو ورده علي فغطاه وأعطاه للمحلوف عليه [فقرأه فلا يحنث كما لو رماه راجعاً بعد أن كتبه فقرأه المحلوف عليه].

قال: ومن حلف على امرأته إن لم تفعل كذا لأهجرنك فلم تفعل ذلك فليهجرها ثلاثة أيام، وقال ابن الماجشون وأصبغ وقاله ابن القاسم في العتبية وسحنون في كتاب ابنه. قال سحنون: وأحب إلي أن لو زاد على ثلاثة أيام وإن كان الثلاثة تجزئه. وفي كتاب ابن المواز: ومن حلف ليهجرن زوجته، قال: يهجرها شهراً، ولو قال: لأطيلن هجرانك فليهجرها سنة. وقال ابن أبي مطر: الهجران ثلاثة أيام في الحديث، والطول عندي شهر.

فيمن حلف ألا يساكن رجلاً أو لا يجاوره أو لا يسكن هذه الدار أو لينتقلن منها أو لا يسكن دار فلان أو لا يدخل عليه بيتاً أو آكل من طعامه، وكيف إن أكره على ذلك كله؟ قال مالك: ومن حلف ألا يساكن فلاناً فسكن كل واحد منهما مقصورة في دار جمعتهم فإن كانا إذ حلف هذا في دار واحدة وكل واحد في منزله منها حنث. قال ابن القاسم: وإن كانا في بيت فلما حلف انتقل عنه إلى منزل في الدار يكون مدخله ومخرجه ومرفقه في حوائجه على حدة لم يحنث. وكذلك قال مالك فيمن حلف ألا تساكن أخته امرأته وكانتا ساكنتين في حجرة واحدة فانتقلا في دار فسكنت هذه في سفلها وهذه في علوها، وكل مسكن مستغن عن الآخر بمرافقة إلا أن سلم العلو في الدار ويجمعهما باب واحد؛ أنه لا يحنث. ومن حلف ألا يساكن فلاناً في دار فساكنه في قرية أو مدينة لم يحنث إلا أن يساكنه في دار، وإن كانا أولاً فلي قرية وليس في دار فساكنه في قرية أخرى حنث إلا أن ينوي في دار، وإذا كانا من أهل العمود فحلف ألا يجاوره أو لينتقلن عنه فانتقل إلى قرية والمضرب واحد فلا يجزيه إلا نقله بنية.

ابن المواز: حتى ينقطع ما بينهما من خلطة العيار والصبيان حتى لا ينال بعضهم بعضاً في العارية والاجتماع إلا بالكلفة والتعب ويكون رحله كرحلة جماعتهم من مكان إلى مكان. قال مالك في المجموعة: يتنحى عنه حيث لا تلتقي عبيدهم وأغنامهم في الرعي. ومن المدونة قال مالك: وإن حلف الا يساكنه فزاره فليست الزيارة بسكنى، وينظر إلى ما كانت عليه يمينه؛ فإن كان لما يدخل بين العيال والصبيان فهو أخف وإن أراد التنحي فهو أشد. قال في كتاب محمد: والزيادة تختلف ليس زيارة الحاضر كزيارة من انتقل من قرية هذا يقيم اليوم واليومين والثلاثة وإذا كانت يمينه لما يقع بين العيار فنحاهم وأقام ببدنه فهو أخف. وقال أشهب: ليست الزيارة مساكنة وإن طالت إذا صح أن ليس القصد فيها السكنى. وقال أصبغ في الواضحة: إذا أكثر الزيارة نهاراً في الحضر أو أكثر المبيت والمقام في شخوصه إليه -يعني- في غير الحضر؛ فهو حانث.

ومن المدونة: وإن حلف ألا يساكنه في دار سماها أم لا فقسمت وضرب بين النصيبين بحائط وجعل لكل نصيب مدخل على حدة فسكن هذا في نصيب وهذا في نصيب؛ فكرهه مالك وقال: لا يعجبني ذلك. وقال ابن القاسم: لا أرى به بأساً ولا حنث عليه. ابن المواز وقال أشهب: إن كان حلف وهو ساكن في هذا الموضع الذي هو فيه فهو حانث، وإن كان على ما وصفت إلا أن يكون قد باعد ما بينهما حتى انقطع ما كانت له اليمين فلا حنث عليه، وإن كان إنما كان ساكناً في غير هذا الموضع مما لا يشبه قرب هذا الآن فلا حنث عليه. ابن حبيب وقال ابن الماجشون: إذا حلف ألا يساكنه وكانا في دار فقسماها بجدار من جريد وسكن كل واحد في مسكنه وخرج على باب نصيبه فلا يعجبني ذلك إلا بجدار وثيق بالبناء فلا يحنث إذا ضرباه بينهما إلا أن ينوي ألا يجاوره فليبعد عنه ولا يجمعهما مقابلة ولا طريق، وسواء قال: إن ساكنتك فقط، أو قال: في هذه الدار فلا يساكنه فيها ولا في غيرها. ومن كتاب ابن المواز: ومن آذاه جاره فحلف لا ساكنتك، أو قال: لا جاورتك في هذه الدار أبداً، فلا بأس أن يساكنه في غيرها ولا يحنث إذا لم تكن له نية، وأما إن كره

مجاورته أبداً فإنه يحنث، وكذلك إن قال: لا ساكنتك بمصر أبداً فساكنه بغيرها مثل ذلك سواء، ولو حلف: ألا يجاوره فأما في أمهات القرى فليتنح عن طريقه التي تجمعهما في الدخول والخروج، وأما في البادية فإن افترقا في الشرب والمورد والمجتمع فلا شيء عليه. فصل ومن المدونة قال مالك: ومن حلف ألا يسكن هذه الدار وهو فيها خرج مكانه وإن كان في جوف الليل وإن أخر إلى الصباح حنث إلا ينوي ذلك فليجتهد إذا أصبح في مسكن وينتقل وإن تغالى عليه في الكراء، أو وجد منزلاً لا يوافقه فلينتقل إليه حتى يجد سواه فإن لم يفعل حنث. وقال أشهب في المجموعة: يخرج ساعة حلف ولكن لا يحنث في إقامة أقل من يوم وليلة. وكذلك قال في كتاب محمد: لا يحنث في إقامة أقل من يوم وليلة إلا أن ينوي تعجيل الخروج قبل ذلك.

[وقد قال ابن القاسم في الذي حلف لأقضينك حقك في الهلال: إن له يوماً وليلة ولم يجعل له القضاء في جملة ما يسماها ولا أوجب عليه الحنث بعد نذر القضاء، وانظر إذا حلف ألا يساكنه فابتدأ بالنقلة فأقام يومين أو ثلاثة ينقل قشة لكثرته ولأنه لا ينتهي نقله في يوم واحد ينبغي ألا شيء عليه لأنه كالمقصود باليمين وانظر لو كان له في الدار مطامير وقد أكرى الدار هل ينقل ما في المطمر وينبغي إذا كانت المطامر لا تدخل في الكراء إلا بالشرط وإن الناس يكرون المطامر وحدها لخزن الطعام فيها الا تدخل في اليمين وإن له تركها إذا كان قد أكرى المطامر على الانفراد ثم سكن أو سكن ثم أكرى المطامر إلا ألا يتق بالمطامر إلا لمكان سكناه فينبغي أن ينقلها مع قشة]. ابن المواز وقال أصبغ: حد المسكانة عندنا يوم وليلة بعد اليمين فإن زاد أكثر من ذلك حنث وإن انتقل فلا يرجع أبداً بخلاف يمينه لأنتقلن. قال يحيى: قل عبيد: لا أعلم أحداً يقول بقول ابن القاسم الذي ذكر عن مالك أنه إن لم يخرج ساعة حلف أنه حانث. قال أبو الحسن ابن القابسي: لا أدري ما قول عبيد هذا؟ قد قال ابن حبيب: لم يكن مالك يوسع عليه في تأخير ذلك، ولا علمنا أحداً وسع عليه في تأخير ذلك. لا ابن

القاسم ولا ابن الماجشون ولا غيرهما إلا أشهب وأصبغ، وكان أبو الحسن ربما استحسن قول أشهب وأفتى به. ومن المدونة قال مالك: ويرتحل بجميع أهله وولده وجميع متاعه وإن أبقى متاعه حنث. ابن المواز قال ابن القاسم: إلا أن يبقي متاعه صدقة على صاحب الدار أو غيره فلا يحنث. قال: وإن ترك من السقط مثل الوتد والمسمار والخشبة مما لا يحتاجه أو ترك ذلك نسياناً فلا شيء عليه. م: وحكي عن بعض فقهائنا أنه قال: هذا إن ترك ذلك على ألا يعود لأخذه لخفة أمره وأما إن تركه ليرجع إلى أخذه حنث. م: وقول ابن القاسم: إن ترك ذلك نسياناً يدل على خلاف ما قال، وإنما رأى أن مثل ذلك لا يعد به ساكناً لخفته، أو لا ترى أنه لو ترك متاعه على ألا تعود إلى أخذه أبداً

صدقة على صاحب الدار وغيره لم يحنث، فلا فائدة إذاً لذكره الوتد والسقاطة؛ إذ لا فرق بينهما عنده. وقد قال محمد عن أشهب أنه قال: لا يخلف شيئاً من متاعه، فإن فعل وخلف متاعه كله لم يحنث، وإن خلف أهله وولده حنث؛ لأنه ساكن بعد. م: فكيف بمن يحنثه بترك الوتد والسقاطة، وهذا إنما هو مذهب ابن وهب روى عنه عبد الملك بن الحسن في العتبية: أنه إن ترك مثل الزير الوتد والفخار وهو لا يريد الانصراف فيه لم يحنث وإن كان إنما نسيه حنث. م: وكذلك الجواب إذا حلف لينتقلن من هذه الدار؛ أنه ينتقل بأهله وولده وجميع متاعه، والخلاف فيه كما ذكرنا إذا حلف ألا يسكنها، وهذا في النقلة خاصة وأما في مقامه بعد اليمين ورجوعه إلى المساكنة فبخلاف ذلك.

قال ابن حبيب: في الحالف بالطلاق: لينتقلن فلا يحنث إن أخر انتقاله ولكن لا يمس امرأته حتى ينتقل. قال ابن المواز: فإن رفعته ضرب له أجل المولي من يوم ترفعه. قال محمد: وتعجيل النقلة أحب إلي. قال ابن حبيب: إلا أن يضرب للنقلة أجلاً فله مسها فيه، فإن جاوز ولم ينتقل حنث، قال: وإذا انتقل وأقام قدر الشهر فله أن يرجع. قال ابن الماجشون: ولكن لا أحب له أن ينتقل على نية شهر، ولينتقل على نية من غير توقيت ثم إن بدا له بعد شهر رجع. ابن المواز قال ابن القاسم: ولو رجع بعد خمسة عشر يوماً لم يحنث والشهر أحب إلي.

قال ابن الماجشون: وكذلك إن حلف ليخرجن فلاناً من داره فأخرجه فله رده بعد شهر. ابن المواز: ومن سكن منزلاً لامرأته فمنت به عليه فحلف بالطلاق لينتقلن ولم يؤجل؛ فأقام ثلاثة أيام يطلب منزلاً فلم يجد فأرجو ألا شيء عليه. قيل: فإن أقام قال: إن توانى في الطلب خفت أن يحنث. قال: ومن حلف ليخرجن من المدينة فإن لم ينو إلى بلد بعينه؛ فليخرج إلى ما تقر فيه الصلاة فيقيم نحو الشهر، قاله مالك استحساناً ولا يحمله القياس. وقيل فيه: يخرج إلى موضع لا يجب عليه فيه إتيان الجمعية فيقم فيه ما قل أو كثر ثم يرجع إن أحب، والأول أحب إلي وأحسن وأبرأ من الشك وهو رأيي إلا أن يكون ليمينه سبب فتقع اليمين له وعليه.

قيل: فإن حلف أن يسافر؟ قال: يسافر إلى ما تقصر فيه الصلاة ويقيم بها شهراً أحب إلي. وقيل: أما سفر القصر فلابد منه إلا أن ينوي دونه، وأما إقامته الشهر وأكثر فهو أحب إلي إلا أن يرى ليمينه وجه يريد به التغرب الطويل وإلا فعل ما ذكرنا كالانتقال، وإن رجع دون الشهر لم يحنث إذا صحت النقلة والمقام بعد النقلة إلى الغاية في الحضر والسفر. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن حلف ألا يسكن هذه الدار أو قال: دار فلان هذه فباعها فلان فسكنها في غير ملكه حنث إلا أن ينوي ما دامت في ملك المحلوف عليه، ولو

قال: دار فلان ولم يقل: هذه، فباعها فلان فسكنها الحالف في غير ملكه لم يحنث إلا أن يكون نوى ألا يسكنها أبداً. م: لأنه إذا قال: هذه الدار فكأنه إنما كره سكنى تلك الدار فلا يسقط عنه اليمين انتقال الملك إلا أن ينوي: ما دامت في ملك فلان، وإذا قال: دار فلان فبالبيع قد صارت غير دار فلان فوجب ألا يحنث إلا أن يريد عين الدار. قال ابن القاسم: وإن حلف ألا يسكن دار فلان فسكن داراً بين فلان ورجل آخر حنث، وقد قال مالك فيمن قال لامرأته: أنت طالق إن كسوتك هذين الثوبين ونيته أن لا يكسوها إياهما جميعاً فكساها أحدهما حنث، يعني: أن نيته ألا يكسوها إياهما لا مجتمعين ولا مفترقين. وقال أشهب: إذا نواهما جميعاً إما لحاجته لأحدهما أو لغير ذلك فلا حنث عليه، وإن لم تكن له نية فإنما أحنثه استحساناً. قال ابن القاسم: وإن حلف ألا يدخل دار فلان فقام على ظهر بيت منها حنث، وإن دخل بيتاً سكنه فلان بكراء حنث وهي كملكة، وقاله عنه أشهب في المجموعة.

قال: والبيت ينسب إلى ساكنه. قال أشهب: وإن حلف ألا يدخل منزل فلان فدخل على رجل يسكن بكراء في منزل فلان فلا شيء عليه، وإنما منزل الرجل حيث هو نازل. قال غيره: ومن حلف ألا يدخل بيت فلان فدخل داره دون البيت فإن كانت الدار لا تدخل إلا بإذن، ومن سرق منها قطع؛ حنث. وقال غيره: لا يحنث إلا أن يكون يقول: الدار، أو يقول: منزل فلان، فالدار هي المنزل. قالا: وإن كانت الدار مشتركة تدخل بغير إذن فهي كالطريق فلا حنث عليه. قال ابن حبيب: إذا حلف ألا يدخل دار فلان فلا يدخل حانوته ولا قرته ولا جنانه ولا موضعاً له فيه اهل أو متاع، وإن لم يملكه إلا أن يكره عين الدار لوجه ما فلا يحنث فيما ذكرنا، وهو قول مالك وما فسر لي أصبغ. م: لا يحنث عندي إذا دخل حانوته أو جنانه إذا لم تكن له نية؛ لأن داره ليست هي جنانه ولا حانوته.

ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن حلف ألا يدخل هذه الدار فهدمت أو خربت حتى صارت طريقاً فدخلها لم يحنث. قال في كتاب محمد: إن كانت يمينه من أجل صاحبها وكراهية فيه؛ فلا شيء عليه في المرور، وإن كانت كراهية في الدار خاصة فلا يمر بها. قال فيه وفي المدونة: فإن بنيت بعد ذلك فلا يدخلها. قال ابن المواز: فإن دخلها حنث وإن حولت مسجداً لم يحنث بدخوله. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن حلف ألا يدخل من باب هذه الدار أو من هذه الباب فحول الباب عن حاله وأغلق وفتح غيره، فإن دخل منه حنث إلا أن يكره الباب دون الدار إما لجواره على أحد أو لضيقه فلا يحنث. فصل قال مالك: وإن حلف ألا يدخل دار فلان فدخلها مكرهاً لم يحنث. م: يريد أن أجهد نفسه ولم يقعد بعد أن قدر أن يخرج.

قال ابن القاسم: وإن قال لهم: احملوني وأدخلوني ففعلوا فهذا حانث لا شك فيه. قال في العتبية: ولو كان واقفاً على دابته بقرب باب الدار فنفرت لشيء فاقتحمت به فدخلتها؛ فإن كان يقدر أن يمسك راسها ويملكها أو يثني رجله فينزل أو يترامى من غير عنت يصيبه فلم يفعل؛ حنث، وإن لم يقدر على شيء من ذلك لم يحنث. قال سحنون: وإن قال لزوجته: أنت طالق إن دخلت أنت هذه الدار؛ فأكرهها هو أو غيره على الدخول؛ فلا يحنث بإكراه غيره، وأما هو فأخاف أن إكراهه لها رضى منه بالحنث. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن حلف ألا يأكل هذا الرغيف فأكره على أكله لم يحنث، وإن أكره على اليمين فحلف ألا يأكل ثم أكل لم يحنث. قال مالك: والمكره على اليمين ليس يمينه بشيء. ابن المواز قال مالك: وكل من حلف على خوف من العذاب إلا أن في حق عليه حلف وهو يعلم أنه آثم فهو حانث ولا ينفعه الخوف. ابن المواز: كأنه يريد على شيء قد فعله أنه لم يفعله فهذا لا ينفعه ويحنث.

قال: ومن استغاث برجل مخافة القتل فأغاثه فطلبه عنده الذي يريد قتله وهو ظالم له، فقال: ما هو عندي، قال: فاحلف لي بالطلاق، فحلف له أنه ما هو عندي، قال: قد أجر وأحيا نفساً ولزمه الطلاق. وقال أشهب: لا شيء عليه. ومن المدونة قال مالك: ومن حلف ألا يسكن بيتاً فسكن بيت شعر وهو بادي أو حضري حنث؛ لأن الله تعالى يقول: {بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ}. ابن المواز: إلا يكون ليمينه معنى يستدل به عليه مثل أن يسمع بقوم انهدم عليهم المسكن فقتلهم فحلف عند ذلك فلا يحنث بسكن بيت الشعر. ومن المدونة قال مالك: ومن حلف بالطلاق ماله مال وقد ورث قبله يمينه مالاً لم يعلم به حنث إلا أن ينوي في يمينه أني أعلمه فلا يحنث.

ابن المواز: وقيل: إن استثنى علمه بحركة اللسان وإلا لم تنفعه النية. قيل: فإن كانت له عمرى ترجع غليه يوماً ما قال: هو حانث؛ لأنها ماله. قيل: فلو تصدق عليه بصدقة وهو لا يعلم فلم يقبلها؛ قال: لا شيء عليه، وإن قبلها حنث. وقيل: لا يحنث وإن قبلها؛ لأنها بالقبول صارت ماله. ومن المدونة قال مالك: ومن حلف ألا يدخل على فلان بيتاً فدخل عليه المسجد لم يحنث وليس على هذا حلف. قال ابن المواز: وكذلك إذا حلف ألا يجتمع معه تحت سقف فلا شيء عليه كالحلف على الدخول. قال عن ابن القاسم: ولو دخل معه الحمام لحنث؛ لأنه لو أراد ألا يدخله قدر. محمد: وليس هذا عنده بمنزلة المسجد. قال: ولو حلف ألا يأويه وإياه سقف بيت فمرا بسقيفة تحتها طريق، فإن كانت طريقاً نافذة يمر فيها بغير إذن فإنه ينوى ولا حنث عليه فيها.

وقال ابن حبيب: في الحالف لا يجمعه وفلان سقف؛ إن أراد اجتناب الجلوس معه وغيره، أو لا نية له فلا يجامعه في بقعة ولا موقف لا تحت سقف ولا صحراء فإن فعل حنث. م: يريد: ولا يحنث إن مر به ماراً ولم يقف معه، والقياس: ألا يحنث في مجامعته في [غير تحت سقف إذا لم تكن له نية. قال ابن حبيب: وإن لم يرد إلا مجامعته في] البيوت المسكونة فلا بأس أن يجلس معه في الدار والصحراء وحيث ما شاء عدا السقف. من: يريد: وينوى هاهنا وإن كانت على يمينه بالطلاق بينة لأنه لم نفس ما حلف عليه. قال ابن حبيب: ولا شيء عليه إن دخل معه في المسجد للصلاة والجلوس وليفترقا فيه ولا يجتمعان في مجلس، ويحنث في الحمام وأما في السجن فإن سجن الحالف لم يحنث بدخول المحلوف عليه طوعاً أو بسجن.

م: لأنه كالمكره. قال: وإن كان الحالف غير مسجون فكيفما دخل عليه المحلوف عليه حنث. وقال ابن الماجشون وأصبغ. وقال أصبغ في العتبية: إنه حانث وإن حبسه الإمام كرهاً إلا أن ينوي ألا جامعه طائعاً. قال ابن حبيب: وإذا حلف لا جامعه تحت سقف فدخل عليه المحلوف حنث، ولا ينفعه أن خرج مكانه إلا في يمينه: لا دخل علي فلان، وقاله أصبغ وغيره. قال مالك في العتبية: فيمن حلف بطلاق امرأته لا يأويهما سقف بيت حتى تأتي وتقبل رأسي وتعتذر، قال: إن دخلت عليه فقبلت رأسه واعتذرت برئ، وإن خرجت قبل أن تفعل ذلك حنث. وقال في التي بات زوجها عند ضرتها ليالي فحلفت بالحرية: إن بت معك تحت سقف حتى تبين معي مثل ما بت معها؛ قال مالك: يبيت معها في غير سقف ويدع الأخرى حتى تفرغ تلك الليالي.

[وقال أصبغ: يحنث حينما بات معها إذا مسها؛ لأنها قصدت الاجتناب ولكن يبيت معها في الحجرة مثل تلك الليالي] ولا يمسها فيها ثم يبيت في البيت إلا أن تنوي هي المصاب في الحجرة فلا يبر إلا به في تلك الليالي. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن حلف ألا يدخل على فلانٍ بيتاً فدخل الحالف عند جاره فوجد المحلوف عليه عنده حنث، وإن دخل المحلوف عليه على الحالف فخاف مالك عليه الحنث. وقال ابن القاسم: لا يحنث إلا أن ينوي أن يجامعه في بيت فيحنث. قال ابن المواز: وقيل: لا شيء عليه إلا أن يقيم معهم بعد دخوله عليه. قال بعض أصحابنا: وكذلك ينبغي على قول ابن القاسم: لا يجلس بعد دخول المحلوف عليه؛ فإن جلس وتراخى حنث، ويصير كابتداء دخوله هو عليه؛ كما قال في الحالف ألا يأذن لامرأته في الخروج فخرجت بغير إذنه فعلم بها فجعل تركه لها بعد علمه بخروجها كابتداء إذن. م: صواب، وذلك بين في كلام محمد وابن حبيب.

قيل لابن المواز: فإن احتمل الحالف فدخل به على المحلوف عليه كرهاً؛ قال: لا حنث عليه إذا لم يتراخ وأجهد نفسه، وكان إذا قدر على الخروج خرج مكانه، فإن أقام وهو لو شاء أن يخرج فخرج فقد حنث. ومن العتبية قال أشهب عن مالك: ومن حلف لا أدخل على فلان بيتاً فدخل عليه وهو ميت حنث. ابن سحنون: وقاله عبد الملك. وقال سحنون: لا يحنث. قال أصبغ وإن حلف لا أدخل بيت فلان ما عاش أو قال: حتى يموت فدخل بيته وهو ميت قبل أن يدفن أن حنث. م: ويجب أن يكون على قول سحنون: لا يحنث وهو في هذه أقوى من الأول؛ لأنه اشترط ما عاش أو حتى يموت فقد دخل بعد حلول الشرط فكان يجب ألا يحنث باتفاق، وقول من حنث بذلك ضعيف.

فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن حلف لا آكل من طعام فلان فباع فلان طعامه ثم أكل منه الحالف لم يحنث إلا أن يقول: من هذا الطعام؛ فلا يأكل منه وإن خرج من ملك المحلوف عليه وتداولته الأملاك فإن فعل حنث إلا أن يكون نوى ما دام في ملك فلان، وإن حلف لا أكلت من طعام فلان ولا ألبس من ثيابه ولا أدخل داره ثم ملك أشياء فلان هذه بشراء منه فأكل ولبس ودخل بعد الشراء فلا شيء عليه إلا أن يكره تلك الأشياء لأعيانها فيحنث، ولو وهبها له المحلوف عليه أو تصدق بها عليه فقبلها ثم أكل ولبس ودخل حنث إن كان ما كره من ناحية المن. ومن كتاب ابن المواز: إذا قبلها فأكل ولبس ودخل الدار فقيل: لا شيء عليه. وقال محمد: هو حانث، وقاله المخزومي وابن دينار وابن كنانة. ومن المدونة قال مالك: ومن حلف ألا يأكل لرجل طعاماً فدخل ابن الحالف على المحلوف عليه فأطعمه خبزاً فخرج به الصبي لأبيه فأكل منه الأب ولم يعلم به حنث.

[قال أبو إسحاق: ولم يجعل ملك ابنه تقرر على "ما أعطاه" فيصير الأب أكل من مال ابنه لا مال المحلوف عليه ولعله أراد أن ذلك يسير "للأب" يرده، وأما لو وهبه هبة كثيرة لها بال "لا يقدر الأب على ردها" فأكل منها الأب لانبغى ألا يحنث؛ لأنه مال لابنه لا يقدر على رده على الوهاب]. قال سحنون: وأما أنا فيتبين لي أنه لا يحنث؛ لأن الابن قد ملك الطعام دون الأب. م: قال بعض أصحابنا: إن كان الأب موسراً حتى يكون له رد ما وهب لابنه من طعام ولا ينتفع إلا بأكله في الوقت كالكسرة ونحوها؛ لأنه يقول: نفقة ابني علي فليس لأحد أن يحمل عني منها شيئاً فهذا إن أكل مما أعطي الصبي حنث ويعد ذلك قبولاً منه لخبز المحلوف عليه، وإن كان الأب معدماً حتى لا تلزمه نفقة ابنه وكان عيش الابن من عند غير الأب من الصدقات ونحوها فأعطاه ذلك الرجل خبزاً فأكل منه الأب لم يحنث. قال: وهذا معنى قول مالك والله أعلم.

قال: ولو دخل عبد الحالف على المحلوف عليه فأطعمه خبزاً فأكل منه الحالف ولم يعلم لحنث أيضاً، وعبده وابنه في هذا سواء؛ لأنه له رد ما وهب لعبده قل أو كثر إلا أن يكون على العبد دين فليس له رد ما وهب له من مال. ومن المدونة قال مالك: وإن حلف ألا يأكل من طعام اشتراه فلان فأكل من طعام اشتراه فلان وآخر معه حنث. [وكذلك إن حلف ألا يلبس ثوباً غزلته فلانة فلبس ثوباً غزلته فلانة وأخرى معها حنث]. م: قال سحنون: فيمن حلف ألا يأكل من مال فلان ولا ينتفع منه بشيء فانتفع بشيء من ماله بعد موته قبل جمع ماله أو بعد [قبل أن يدفن أو بعد]؛ فإن كان عليه دين فهو حانث، كان ديناً محيطاً أو غير محيط، وأما إن لم يكن عليه دين وقد أوصى بوصايا فلا يحنث؛ لأن ما تركه بموته لأهل الميراث ولأهل الوصايا وما جرى فيه من حادث فمنهم. قال: وقد أخطأ من ساوى بين الدين والوصية.

ومن سماع أشهب: ومن حلف ألا أخذ لفلان مالاً فمات فأخذ من تركته؛ فلا يحنث إلا أن يكون عليه دين أو أوصى بوصايا. قال سحنون: وكذلك قوله لا أكلت من طعامه، فأكل قبل قسم ماله فإن كان عليه دين أو أوصى بوصايا حنث. وقال أشهب في المجموعة: سواء كان عليه دين أم لا دين عليه. وقال ابن القاسم أيضاً في المجموعة: كان عليه دين محيط أو غير محيط. وقال ابن المواز: وقد قيل: لا يحنث وإن أحاط به الدين. قال أبو القاسم ابن الكاتب: في قولهم: يحنث إذا أوصى بوصايا، قال: معناه عندي: إذا أوصى له بمال معلوم فيحتاج فيه إلى بيع مال الميت ليعطى منه الموصى له؛ لأن ذلك المال لو ضاع قبل أن يعطاه لرجع الموصى له في ثلث ماله الذي بقي؛ لأنه لا

يتعين كما قال فيمن أوصى أن يشتري عبد [فلان فيعتق عنه فيموت بعد الشراء وقبل عتقه أن عليهم أن يشتروا غيرهم من] بقية الثلث، بخلاف عبد بعينه، وأما إن كانت الوصية بجزء من ماله كالثلث والربع ونحو ذلك؛ فهاهنا يكون الموصى له شريكاً للورثة كأحدهم ساعة يموت الميت فلا حنث على الحالف في هذا والله أعلم. قال مالك: ومن حلف بالطلاق ألا آكل من طعام فلان فسافر معه فاشتريا طعاماً فأكلاه فليحلف ما أراد إلا طعامه خالصا ولا شيء عليه. قال ابن القاسم: إذا علم أنه لا يأكل أكثر من صاحبه وكره أن يقربا سفرتيهما من غير شراء فيأكلان من الطعام وإن كان ذلك كفافاً. وقال أصبغ: لا يحنث وهو كالاشتراء إذا أكل مثل طعامه فدون. فيمن حلف على زوجته إن خرجت إلا بإذنه أو حلف إلا بإذنه لها وكيف إن خرجت كرهاً أو لأمر غالب قال ابن القاسم ومن قال لزوجته: أنت طالق إن خرجت إلا بإذني؛ فأذن لها في سفر أو حيث لا تسمعه، وأشهد بذلك، فخرجت بعد إذنه وقبل علمها بالإذن فهو حانث.

قال مالك في غير/ كتاب: وإن حلف لها لا خرجت سنة إلا بإذني فمر بأمها فسألته أن يأذن لها إليها، فقال: نعم أنا آذن لها وأبعثها غليك فبعثت الأم إليها أن قد أذن لك: فجاءتها قبل مجيء الزوج وإذنه فإن أراد بما قال للأم إذناً إني قد أذنت لها وتلك نيته فلا شيء عليه، وإن لم يرد ذلك فقد حنث. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن حلف ألا يأذن لها إلا في عيادة مريض فخرجت في العيادة بإذنه ثم مضت بعد ذلك إلى حاجة أخرى لم يحنث؛ لأن ذلك بغير إذنه وهي في كل ما خرجت بغير إذنه من حمام أو غيره لا يحنث إلا أن يتركها بعد علمه فيصير ذلك كابتداء إذن وإن هو حين علم بذلك لم يتركها فلا يحنث، وإن لم يعلم بذلك حتى رجعت فلا شيء عليه. ابن المواز وقال أشهب: وإن حلف ألا تخرج إلا غير عيادة مريض إلا بإذني فأذن لها في العيادة فذهبت منها إلى غيرها فقد حنث.

م: يريد: لأن ذلك بغير إذنه وهو في كل ما خرجت إليه سوى العيادة بغير إذنه حانت، وكذلك قال أصبغ في العتبية: إن حلف لا خرجت إلا بإذني فأذن لها في موضع فذهبت منه إلى غيره فقد حنث. قال أبو زيد عن ابن القاسم: وإذا أذن لها إلى موضع فخرجت ثم رجعت من الطريق لحاجة ذكرتها، مثل ثوب ذكرته تتحمل به ثم خرجت؛ فلا شيء عليه إلا أن ترجع إلى الدار تركاً لمخرجها الذي أذن لها فيه ثم تذكر فتخرج على الإذن الأول فهذا حانث. ابن المواز: وقاله ابن وهب. وقال ابن القاسم: إنه حانث على كل حال، وكذلك ذكر عنه ابن حبيب: وعن أصبغ وذكر عن مطرف وابن الماجشون: أنها إن رجعت لما ذكرت قبل بلوغ الموضع الذي خرجت إليه فلا شيء عليه، فأما لو بلغت الموضع ثم رجعت؛ فلا بد من تجديد إذن وإلا حنث، وبه قال ابن حبيب.

م: ورواية أبي زيد عن ابن القاسم أبينها. فصل قال ابن حبيب: ومن حلف لا خرجت امرأته إلا بإذنه فأراد سفراً فأذن لها أن تخرج كلما شاءت وحيث شاءت؛ فابن القاسم يقول: إذن واحد يكفيه إلا أن يقول: لا خرجت إلا موضع من المواضع، أو يقول: إلى موضع فقط، فإن قال ذلك؛ لم يجزه حتى يجدد الإذن في كل موضع عن علم منه بالموضع الذي تخرج إليه وحكاه عن مالك وقاله مطرف وأصبغ. وقال ابن الماجشون وأشهب: إذن واحد يجزيه في الوجهين، وقول ابن القاسم أحب إلي، فأنزل نزل ذلك لم أبلغ به الحنث وأخذت بقول أشهب وعبد الملك. وذكر ابن المواز وابن عبدوس عن مالك وابن القاسم مثل ما ذكر ابن حبيب. محمد: وقال ابن الماجشون في الحالف: إن خرجت إلا بإذني: إنه لابد من إحداث الإذن في كل مخرج إلا أن يقول نويت هذا الأمر جملة بعينه، وأن نويت إذناً واحداً فيحلف وينوي.

ابن المواز: وإن حلف لا أعارت امرأته شيئاً من بيته إلا بإذنه ثم يقول لها: قد أذنت لك أو تعيري كل ما شئت فلا ينفعه ذلك حتى يعرف كل ما تعير كمن قال: إن خرجت من موضع كذا إلا بإذني، وقيل: ليس هذا مثله، وليس بشيء حتى يقول: إن أعرت شيئاً من الأشياء فيكون مثل قوله: إن خرجت إلى موضع كذا، وأما يمينه: إن أعرت، فمثل قوله: إن خرجت. م: فصار في قوله: إن خرجت إلا بإذني قولان: قول: إن إذناً واحداً يجزيه. وقول: إن لابد من تجديد الإذن، وكذلك قوله: إن خرجت إلى موضع من المواضع الجواب سواء.

فصل قال ابن المواز: ومن حلف بطلاق امرأته البتة إن خرجت إلى أهلها إلا بإذنه إن لم يضربها، فخرجت مرة فضربها فلا شيء عليه إن هي خرجت بعد ذلك بغير إذنه إلا إن يكون نوى ذلك، ألا ترى أنها لو خرجت مراراً لم يكن عليه أن يضربها إلا مرة واحدة؛ فإن ضربها فقد بر في يمينه وسقطت كما لو حنث مرة لسقطت عند اليمين وليس يبر أحد ولا يحنث إلا مرة واحدة. م: يريد: وكذلك لو قال لها أنت طالق واحدة إن خرجت إلا بإذني فخرجت مرة بغير إذنه فوقعت عليها طلقة ثم إن خرجت ثانية لم يلزمه شيء؛ لأنها يمين حنث فيها فلا يتكرر الحنث إلا أن ينوي كلما خرجت. ابن المواز: ومن حلف إن نام حتى يوتر فعليه صدقة دينار، فنام ليلة قبل أن يوتر؛ فلزمه صدقة دينار ثم نام بعد ذلك. قال مالك: ما رأيت أحداً يفعل هذا، يريد بذلك مرة واحدة وما أراه إلا أن عليه في كل ماي فعل إلا أن ينويه. وقاله ابن القاسم وأصبغ. قال أشهب: وإن حلف على زوجته ألا تدخل الدار إلا بإذنه فأذن لها فلم تدخل حتى قال لها: لا تدخلي وإن دخلت حنث؛ لأنها دخلت بغير إذنه.

فصل قال ابن حبيب: وللرجل منع زوجته من الخروج إلى بيت أبويها ولا يحكم به عليه إن امتنع وإن لم يحلف ولكن يحكم عليه بالإذن لهما في الدخول إليها المرة بعد المرة، وليس له منع الوجهين ويقطع ما أمر الله به أن يوصل، فلا بد أن يتركها أن تخرج إليهما أو يدخلان إليها، يقضي عليه بأحد الأمرين إن طلبته هي ذلك أو أحد أبويها وهو حق لها أو لهما فإن حلف بالطلاق لا دخلا إليها ولا خرجت إليهما قضي بإحناثه بأحد الأمرين إن خوصم، وكذلك قال: من كاشفت قال: ويقضى عليه ألا يمنع أخاها وعمها وخالها وابن أخيها وابن أختها من دخولهم إليها أو خروجها إليهم فإن حلف في الوجهين فقد أساء وظلم ولا يبلغ بعد الحنث وكذلك سمعت.

ومن العتبية قال أشهب عن مالك: ومن حلف بطلاق أو عتق ألا تخرج امرأته أبداً فلا يقضى عليه بالخروج في جنازة أبيها وأمها، وأن تزورهما، قال: وإن لم يحلف قضي عليه أن تشهد جنازة أبيها وأمها وان تزورهما في الأمر الذي فيه الصلة والصلاح، فأمر الجنائز واللعب والعبث فليس ذلك عليه، قال: ويقضى عليه أن تخرج إلى الحج إن شاءت وكانت صرورة [وإن حلف ولكن لا أدري ما تعجيل الحنث في هذا يحلف بالأمس ويقول:] أنا أحج اليوم ولعله يؤخر ذلك سنة بسنة. قال: وإذا حلف لا خرجت إلا أن يقضي علي به سلطان فأراد أن يقضى به عليه سلطان، فأرجو إذا أخبر الإمام غيره فقضى عليه إلا أن يكون عليه شيء، وليس على السلطان بأس أن يفعل إذا علم أنه يجب ذلك. ابن المواز قيل لابن عبد الحكم: فإن جهل فأخبر هو بذلك الإمام، قال: ما أشبهه أن يحنث.

قال ابن القاسم في المجموعة: وإذا أخبر الإمام غيره قضى عليه فيما يلزم من جنازة أمها ولا ينبغي فأرجو ألا شيء عليه، وأما إن قضى عليه بغير الحق فأذن لها بحكم منه فلا شيء عليه، وأما إن أخبر بذلك الرجل فمضى الرجل إلى الإمام فأخبره فحكم عليه بغير الحق فهو حانث. قال أبو محمد: يريد إذا لم يقصد الحالف تحليل يمينه بما لا يجب فهو بار حتى إذا قصد القضاء عليه بذلك وكان بسببه فقد حنث؛ لأنه ليس من وجه القضاء الذي حلف عليه. فصل قال مالك في العتبية وكتاب محمد: فيمن حلف بالطلاق لا خرجت امرأته من الدار أبداً، فأتاها سيل أو هدم أو أمر لا قرار معه أو خرجها أهل الدار وهي بكراء قد انقضى فلا شيء عليه في خروجها هذا واليمين عليه في الدار التي انتقلت إليها وكذلك إن رجعت إلى الدار التي انتقلت منها. قال ابن القاسم: فإن ضرب أجلاً فحتى تبلغ إليه.

قال ابن سحنون عن أبيه: وكذلك لو أخرجها السلطان في يمين تحلفها عند المنبر لم يحنث. قال مالك في كتاب محمد: ولو انتقل الزوج ولم يخرجه رب الدار فلا شيء عليه إذا كان على سبيل النقلة، واليمين باقية حيث انتقل، وكذلك إذا انتقل لخوف سقوط البيت أو خرج إلى بادية وما كان مما يغشاه من أمر السماء فيغلبه فلا شيء عليه. م: لأن الأيمان في هذا إنما يقصد بها منع خروج التصرف لما يتقى عليه فيه من الفساد، وقد قيل: ما شيء أضر عليهن من الخروج فإذا كان المقصد ذلك لم يجب أن يحنث، لخروج الانتقال أو أمر غالب والله أعلم. وقال عنه ابن نافع في المجموعة: فيمن حلف بطلاق امرأته إن خرجت من باب بيتها حتى أصدر فغاب ونزلت بموضعها فتنة فخافت المرأة وخرجت من خوفها من دبر البيت إلى أمها ولم تخرج من بابه قال: أراه قد حنث.

م: وهذا خلاف لقوله في العتبية وكتاب محمد: إذا خافت على نفسها الهلاك والاغتصاب من أمر الفتنة، ولا فرق بين ذلك وبين السيل والهدم وهو كالإكراه على الخروج. فصل ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف على زوجته ألا يأذن لها إلى أهلها فأذن لها إليهم فلم تذهب فقد حنث سارت أو لم تسر. ابن المواز وإن قال لها: أنت طالق إن خرجت إلى أهلك فخرجت فلم تبلغ أهلها حتى أدركها فردها فقد حنث، وإن قال: لها إن حجبت فأنت طالق فخرج هو إلى سفر فخرجت تريد الحج فأدركها وقد أحرمت فردها فقد حنث، فإن لم تحرم حتى ردها لم يكن عليه شيء، ولو أحرمت ولم تخرج لكان حانثاً؛ لأن الإحرام هو الحج. قال ابن المواز: ولو قال لها: إن خرجت إلى الحج فخرجت تريد الحج فأدركها قبل أن تخرج فقد حنث، بخلاف قوله: إن حججت.

باب جامع لمسائل مختلفة من الأيمان

باب جامع لمسائل مختلفة من الأيمان قال ابن القاسم: ومن حلف ليقضين فلاناً حقه غداً فقضاه اليوم بر، ولو حلف ليأكلن هذا الطعام غداً فأكله اليوم حنث، إذ الطعام قد يخص به اليوم، والغريم إنما القصد فيه القضاء. قال أشهب في المجموعة: إن سئل في أكله الآن فقال: دعوني الآن فأنا والله آكله غداً فلا حنث عليه إن أكله اليوم لأن قصده لا تعيين اليوم وإن كان على غير ذلك حنث. [قال مالك في عبد سأله سيده عن خرجٍ فقال العبد: بعته من أخيك فخشي السيد أن يكون كذبه، قال: فاحلف لي بطلاق زوجتك ثلاثاً فقال العبد: امرأتي طالق ثلاثاً إن لم يكن أخوك أرسل لي فيه وبعته إياه وانتقدت ثمنه ثم ذكر [بعد ذلك فإذا أخو الرجل هو الذي لقيه في الخرج وباعه وانتقد ثمنه] وأنه لم يجئه فيه رسول، قال مالك: لا أرى عليه حنثاً إنما أراد وجه الكتمان]. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن حلف ألا يشتري ثوباً فاشترى وشيئاً أو صنفاً سواه فإن خص بنيته ذلك النصف فله نيته في الفتيا، وأما في القضاء: إن قامت عليه بنية.

فيما يقضى به عليه من طلاق أو عتق فلا ينوى، وكذلك إن حلف ألا يدخل هذه الدار ثم دخلها بعد شهر وقال: نويت شهراً فله نيته في الفتيا ولا ينوي في القضاء. قال ابن المواز: وإن حلف ألا يلبس ثوباً ونوى وشياً فله نيته، وإن نوى إلا وشياً فقيل: ينفعه كما يحاشي زوجته إذا قال: الحلال عليه حرام، وينوى إلا امرأتي وقيل: لا ينفعه حتى يحرك بها لسانه كأحرف الاستثناء، وأما: إن، وإلا أن؛ فهي أحرف الاستثناء لا اختلاف فيهما أن النية لا تنفعه إلا بتحريك لسانه بها كيمينه: إن شاء فلان [أو إلا أن يشاء فلان] وقد تقدم هذا. فصل ومن المدونة: وإن حلف ألا يلبس هذا الثوب وهو لابسه أو لا يركب هذه الدابة وهو عليها فإن نزل عنها أو نزع الثوب مكانه وإلا حنث.

قال في المجموعة: وإن قال لزوجته وهي في الدار: إن دخلت هذه الدار فأنت طالق فلا شيء عليه في تماديها وإنما اليمين على أمر مستقبل، وكذلك لو قال لحامل: إن حملت فأنت طالق لم تطلق عليه بذلك الحمل، ولكن بأمر مستقبل. ابن المواز وقال أشهب في يمينه: إن دخلت هذه الدار وهو فيها أنه إن لم يخرج فكأنه حنث. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن حلف ألا يلبس هذا الثوب فقطعه قباءً أو قميصاً أو سراويل أو جبة فلبسه حنث إلا أن يكون كره الأول لضيفه أو لسوء عمله فحوله فلا يحنث. وإن حلف ألا يلبس هذا الثوب وهو قميص أو قباء أو ملحفة فأتزر به أو لف به رأسه أو طرحه على منكبيه؛ حنث، ولو أصاب من الليل هراقة البول فجعله على فرجه ولم يعلم لم يحنث، وليس هذا لبساً ولو أداره عليه فهو لبس ويحنث. وقاله مالك. ومن العتبية من سماع أشهب: ومن حلف في فراش ألا يضطجع عليه ففتق فالتحف به مع امرأته حنث.

م: إن كان الفراش محشواً فكره سوء حشوه وأنه أذاه ذلك في الرقاد عليه ففتقه وأزال حشوه وجعله إزاراً لم يحنث في الالتحاف به. وقال أصبغ: فيمن حلف ألا يجلس على بساط فمشى عليه فإن أراد اجتنابه أو كره النفع به والجلوس عليه حنث إلا أن تكون له نية أو بساط. فصل ومن المدونة قال مالك: ومن حلف ألا يركب دابة فلان فركب دابة عبده حنث إلا أن تكون له نية لأن ما في يد العبد لسيده ألا ترى أن العبد لو اشترى من يعتق على سيده لعتق عليه. [وخالفه أشهب ورأى: أن الحالف لا حنث عليه في دابة العبد ولا يعتق من يعتق على السيد إذا ملكه عبده، وقال غيره: يحنث لأن ملك العبد له حتى ينتزعه سيده، وعلى مذهب ابن القاسم أن مال العبد لما كان ... فكأنه مال السيد سيما إن قصد المنة فهو من عليه بما أخذ من مال عبده إذ لو شاء لمنع عبده من ذلك]. وقال أشهب: لا يحنث في دابة عبده. قال عنه ابن المواز: كما لو ركب دابة لولده مما للأب اعتصارها لا يحنث.

فصل قد تقدم قول مالك فيمن حلف بالطلاق ماله مال وقد ورث قبل يمينه مالاً لم يعلم به؛ أنه حانث إلا أن ينوي، أي يعلمه فلا يحنث. قال بعض القرويين: ينوي في هذا وإن قامت على يمينه بينة؛ لأن نيته لما ذكر ممكنة غير مستبعدة. م: ولو كانت يمينه في ذلك بالله لم يحنث لأنها لغو. وقد قال ابن عباس: اللغو أن يحلف الرجل على أمرٍ يرى أنه فيه صادق فلا يكون صادقاً، فهذا مثله، وإنما يحنث في يمينه بالطلاق إذ لا لغو فيه. ومن المدونة قال مالك: ومن حلف بالله ماله مال وله دين عرض أو غيره أو له شواء أو خادم ولا ناض له حنث إلا أن تكون له نية. قال ابن القاسم: لأن العروض أموال، ألا ترى أن في الحديث: (فلم تغنم ذهباً ولا ورقاً إلا الأموال: المتاع والخرثي). قال: وإن استعير منه ثوباً فحلف بالطلاق: ما يملك إلا ثوباً هو عليه وله ثوبان مرهونان وهما كفاف دينه؛ لم يحنث إن كانت تلك نية. ابن المواز قال مالك: ويحلف أنه أراد ما يقدر عليهما للعارية وذلك نيته. قال فيه وفي المدونة: وإن لم تكن له نية؛ حنث كان فيهما فضل أم لا.

وقال يحيى بن عمر: إن كانت له نية لم يحنث كان فيهما فضل أم لا، يريد إذا حلف متبرعاً، وأما إن حلف لغريم فهو حانث إن كان فيهما فضل ولا تنفعه هاهنا نية. فصل ومن المونة قال مالك: ومن حلف ألا يكلم فلاناً عشرة أيام فكلمه فيها حنث ثم إن كلمه فيها مراراً قبل أن يكفر أو بعد لم يلزمه إلا كفارة واحدة. قال في العتبية: فيمن حلف بطلاق أو غيره لا يكلم أخاه عشرة أيام؛ فأحب إلي أن يلقي ذلك اليوم ولا يعتد به وقاله ابن القاسم. وروى عنه سحنون فيمن حلف ضحى لا كلم فلاناً يوماً، قال: يكف عن كلامه إلى مثل تلك الساعة من الغد. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن حلف لرجل إن علم كذا ليعلمنه أو ليخبرنه فعلماه جميعاً لم يبر حتى يعلمه أو يخبره وإن كتب به إليه أو أرسل إليه رسولاً بر. قال مالك: ولو أسر إليه رجلٌ سراً فأحلفه ليكتمنه ثم أسره المسر لآخر فذكره الآخر للحالف، فقال له الحالف: ما ظننت أنه أسره لغيري حنث.

فصل وقال مالك: وإن حلف ألا يتكفل بمال أبداً فتكفل بنفس رجل حنث؛ لأن الكفالة بالنفس كالكفالة بالمال إلا أن يشترط وجهه بلا مال فلا يحنث، ومن حلف ألا يتكفل لفلانٍ بكفالة فتكفل لوكيل له ولم يعلم أنه وكيله فإن لم يكن الوكيل من سبب فلان وناحيته لم يحنث. قال ابن المواز: إذا لم يعلم أنه من وكلائه أو من سببه؛ لم يحنث، وإن علم بذلك حنث. فصل ومن الدونة قال مالك: ومن حلف ليضربن عبده مائة سوط فجمعها وضربه بها ضربة واحدة لم يجزه واستأنف ضربه مائة سوط ولم تجزه تلك الضربة؛ لأنها غير مجانسة لضرب السوط المحلوف عليه فخاف ما لو جمع سوطين وضربه بهما خمسين [لعدت له خمسون] يتم عليها خمسين ويبر؛ لأن هذا يشبه ضرب السوط وجمعها كلها لا يكون كذلك.

[ومن كتاب أبي إسحاق] أو أخذ سوطاً له رأسين أو جمع سوطين فضربه بهما خمسين جلدة لم يبر، ولو ضربه بسوط مائة جلدة جلداً خفيفاً لم يبر إلا بضرب مؤلم، وإن حلف ألا يضرب عبده فأمر غيره فضربه حنث إلا إن ينوي بنفسه، [وإن حلف ليضربن عبده فأمر غيره فضربه بر إلا أن ينوي بنفسه]. ومن حلف ألا يشتري عبداً فأمر غيره فاشتراه له حنث، وكذلك لو حلف ألا يبيع سلعته فأمر غيره فباعها حنث، ولا يدين في شيء من هذا. قال ابن المواز: إذا كانت له نية في الشراء أو في البيع ألا يليه؛ لأنه قد غبن غير مرة فله نيته، وأما إن كره شراءه أصلاً؛ فقد حنث، وقاله أشهب، ولم يره ابن القاسم. فصل ومن المدونة قال مالك: ومن حلف ألا يبيع لفلان شيئاً فرفع فلان ثوباً لرجل فأعطاه الرجل للحالف فباعه ولم يعلم أنه ثوب فلان؛ فإن كان الرجل من سبب فلان وناحيته

مثل الصديق الملاطف أو من في عياله ونحوه حنث، وإلا لم يحنث، وكذلك إن حلف ألا يبيع منه فباع ممن اشترى له ولم يعلم؛ فإن كان المشتري من سبب فلان وناحيته حنث وإلا لم يحنث، ولو قال له عند البيع: إني حلفت ألا أبيع فلاناً فقال له: إنما أبتاع لنفسي، ثم صح بعد البيع أنه إنما ابتاع لفلان لزم الحالف البيع ولم ينفعه ذلك وحنث إن كان المشتري من ناحية فلان. وقال أبو إسحاق: وانظر إن قال: إنما أبيع منك بشرط أنك لو اشتريت لفلان فلا بيع بيني وبينك، فثبت أنه اشترى لفلان؛ لا ينبغي ألا يحنث، وأن لا ينعقد البيع، وانظر لو اشترى لنفسه ثم ولى المحلوف عليه بحضرة البيع في الموضع الذي يكون عهده المولى على البائع هل يحنث البائع لأن المحلوف عليه هو يطلب بعده استحقاق السلعة أم لا يحنث؛ لأن البائع الحالف لو حلف لا يطلب بثمنه إلا المولى، فكأنه وإن كانت العهدة عليه للمحلوف عليه فليس هو الطالب له بالثمن، وقد قيل فيمن حلف: ألا يشتري لامرأته ثياباً فاشترى لنفسه فسألته امرأته أن يوليه إياه قال: سمعت مالكاً يستثقل أن يوليها.

قال ابن القاسم: فإن فعل لم أر عليه حنثاً؛ لأن التولية هاهنا بيع إلا أن يكون عند مواجهة البيع وبحضرة البيع الأول، فكأنه حينئذ إنما اشتراها له. [قال أبو إسحاق: وهذا بين لأنه هاهنا هو القابض منه الثمن، كما يقبضه إذا وكلته على الشراء والعهدة لنا على من اشترى هو منه فأشبه الوكالة في الأمرين]. قال ابن المواز عن مالك: إذا كان المشتري من ناحية المحلوف عليه أو رسوله وقد عرف بذلك البائع حنث، وإن لم يعلم أنه من سببه لم يحنث في ذلك كله، وقاله أشهب في المجموعة. م: وهذا وفاق للمدونة. وقال ابن حبيب قوله: من ناحيته هو وكيله أو من يدبر أمره أو أب أو أخ ممن يلي أمره، فأما الصديق والجار والجلساء فلا، وإذا كان ممن ذكرنا أنه من ناحيته فلا يبالي علم به الحالف أو لم يعلم فإنه يحنث، وإن كان خليطاً أو جاراً أو صديقاً فلا يحنث علم به أو لم يعلم أنه إنما ابتاعه له إلا الخليط المعامل القائم ببعض أموره فهو يحنث، وهو كمن يسببه وقاله كله مالك.

ومن العتبية قال أصبغ عن ابن القاسم: فيمن حلف ألا باع بمائة دينار: فإنه يبر بزيادة الدينار فيه المائة وبنصف الدينار في الخمسين إلا أن تكون نية فيما يزاد. قال أصبغ: ولا يبر بخمس دينار في عشرين ولا بخمسين ونصف في ثلاثين، وإذا جزأ الدينار هكذا لم يقع لمثل هذا منه بال. قال: قال ابن سحنون قلت لسحنون: قال بعض الناس: إن ربع دينار يبر به في المائة لأنه يجب فيه القطع، قال: لا يبر بذلك ويحنث إن فعل. ومن كتاب آخر: أن محمد بن عبد الحكم يقول: يبر بأقل من ذلك. م: والرباعي عندنا في المائة رباعي يبر به عندنا كالدينار في المائة دينار عند غيرنا. في اليمين على قضاء الحق أو اقتضائه قد تقدم القول فيمن حلف لأقضين فلاناً حقه إلى حين أو زمان أو دهر: أن ذلك كله سنة، وأن من حلف ليقضين حقك غداً فقضاك اليوم؛ أنه بار.

قال مالك: ومن حلف لأقضين فلاناً حقه إلى أجل فقضاه إياه ثم وجد فيها صاحب الحق درهماً زائفاً نحاساً أو رصاصاً أو ناقصاً بين النقصان أو بما لا يجوز أو استحقت من يده فقام عليه بعد الأجل فهو حانث. [ولو كان له طعام من سلم فحلف ليقضينه ذلك إلى أجل فأحاله على من عليه طعام من سلم قبل الأجل فقبضه ومضى الأجل فوجب نقضه ورده إلى يد من كان عليه حتى يكتاله ثانية؛ فقيل: يحنث؛ لأن القضاء لم يتم لما نقص، وقيل: يبر؛ لأن الأجل قد مضى بالدين بيعاً يجب نقضه ... البيع فنقض بعد الأجل لكان كما قدمنا، ولو استحق ما قضاه لكان من هذا المعنى، أو رد بعيب وقد اختلف فيمن حلف ليبيعن ... إلى أجل فباعه وانقضى الأجل فرد بعيب فقيل: قد بر، وذهبت عنه اليمين ... مضى وكان قبل أن يرد بيعاً، وقيل: يحنث؛ لأنه لما انتقض فكأنه لم يبعه وقد ... الأجل فلا يقدر على بيعه إلا أن

يرد عليه قبل مضي الأجل فليبعه في بقية ... ، وقيل: إن كان عالماً بعيب حنث إن مضى الأجل، يريد: لأنه لما دلس دخل على هذا البيع لم يتقدر لخلاء ... بر]. قال مالك: ولو أعطاه قضاء من حقه عرضاً يساوي ما عليه أن لو يبيع لبر، ثم استثقله مالك. قال ابن القاسم: وقوله الأول أعجب إذا كان يساوي ذلك. قال: وكذلك من حلف ألا يفارق غريمه إلا بحقه فأخذ منه حقه ثم وجد فيه ما ذكرنا بعد أن فارقه فهو حانث. قال أشهب في المجموعة: إلا أن تكون نويت جهدك وقد اجتهدت فلا تحنث في الفتيا وإن قامت عليك بينة لم يقبل منك ذلك. قال ابن سحنون: عن أبيه ولو أعطاه ديناراً أفضل عيناً من ديناره الذي يسأله فبعد الأجل طلب منه فضل عينه فضة فإن كان على هذا أعطاه فقد حنث ويرد الدينار إليه

ويعطيه ما عليه وإن لم يكن بينهما وأيٌ ولا عادة وأعطاه متطوعاً فلا شيء عليه في يمينه وإن أعطاه الدينار كله. ومن المدونة قال مالك: وإن حلف ألا يفارق غريمه إلا بحقه ففر منه أو أفلت أو غصب الحالف نفسه فربط فهو حانث إلا أن يكون قوله: لا فارقتك كالقائل لا أتركه إلا أن يفر أو أغلب عليه. وإن قال لزوجته: أنت طالق إن ضاجعتك أو قبلتك فقبلته من ورائه وهو لا يعلم أو ضاجعته وهو نائم لم يحنث إلا أن يكون منه في القبلة استرخاء، وإن كانت يمينه: إن ضاجعتني أو قبلتني حنث بكل حال. قال ابن المواز: أما قوله: إن فارقتك وفي المرأة إن قبلتك أو ضاجعتك فلا يحنث إلا بطوعه ويحلف بالله ما هاذ الذي أراد إذا أكره.

وإن قال: إن فارقتني أو قبلتني أو ضاجعتني حنث، وإن أكره إلا أن يريد بقوله: إن فارقتني يريد: إن فارقتك أو ينوي إلا أن يغلب فلا يحنث. قال: وأما قوله: إن افترقنا مثل قوله: إن فارقتني. ومن المدونة قال مالك: وإن حلف لغريمه ألا يفارقه حتى يستوفي حقه فأحاله على غريم له لم يبر. قال بعض فقهائنا: وإذا حلف ألا يفارقه وله عليه حق فأحاله بحقه ثم افترقا فلا حنث عليه؛ لأنه فارقه ولا حق له عليه للحوالة الواقعة بينهما، قال: وهو منصوص لأهل المذهب وليس كمن حلف ألا يفارق غريمه حتى يستوفي حقه. م: والظاهر أنهما سواء لأنه إذا فارقه ولا حق عليه فقد استوفى حقه، فانظر. قال مالك: وإن حلف ليقضين فلاناً حقه رأس الشهر أو عند رأس الشهر أو إذا استهل الشهر فله يوم وليلة من أول الشهر، وإن قال: إلى استهلال الشهر أو إلى رمضان. فإذا انسلخ شعبان واستهل رمضان ولم يقضه حنث. ابن المواز قال ابن القاسم: وكذلك كلما ذكر فيه "إلى" فهو يحنث بغروب الشمس من آخر يوم هو فيه كقوله: إلى الهلال، أو إلى مجيئه أو إلى رؤيته ونحوه، وإن لم

يذكر "إلى" وذكر "اللام" أو "عند" أو "إذا" فله ليلة يهل الهلال ويومها، كقوله: لرؤية الهلال لدخوله لاستهلاله أو عند استهلاله أو عند رؤيته أو إذا استهل أو إذا دخل ونحوه. وأما إن قال: إلى انسلاخ الهلال أو لانسلاخه أو في انسلاخه فيحنث بالغروب. وإذا قال: عند انسلاخه أو إذا انسلخ فله ليلة ويوم. وقوله: في انقضائه أو في آخره كقوله: في انسلاخه سواء. وقال ابن وهب عن مالك: إن الانسلاخ والاستهلال أو إلى رؤيته أو إلى رمضان ذلك كله واحد وله ليلة ويوم. قال ابن القاسم: وإن قال: ليقضينك في رمضان فلا يحنث إلا بغروب الشمس من آخره. قال أشهب: وإن قال في نصفه فخاف أن ينقضي فليقضه يوم أربعة عشر فإن قضاه يوم خمسة عشر أول النهار أو آخره حنث. وقيل: لا شيء عليه وهو النصف المتعارف عند الناس.

ابن المواز وقال أيضاً أشهب: لا يحنث فإن قضاه يوم خمسة عشر وإن نقص الشهر. قال ابن القاسم: وإن قال: لأقضينك غداً يوم الجمعة أو قال: يوم الجمعة غداً وذلك ظنه فإذا هو يوم الخميس فإن لم يقضه غداً يوم الخميس إلى غروب الشمس وإلا حنث. وإن قال: لأقضينك غدوة أو بكرة فليوفه ما بينه وبين نصف النهار وإن زالت الشمس حنث. وكذلك إن قال: إلى الظهر، فإن قال: عند صلاة الظهر فله أن يصير ظل كل شيء مثله. وإن قال قبل أن أصلي فإذا انصرف الناس من الجامع ولم يقضه حنث، وإن لم يصل هو وإن قال: نويت حتى أصلي أنا لم ينفعه وإن لم يكن لهم مسجد جماعة لم يحنث حتى يخرج آخر الوقت. ومن المدونة قال مالك: وإن حلف لك غريمك ليقضينك حقك رأس الشهر فوهبت له حقك أو وضعته عنه صدقة أو صلة لم يبر.

قال ابن حبيب: إذا وهبه الحق أو تصدق به عليه قبل الأجل فإن قلبه حنث مكانه ولا ينفعه أن يقضيه إياه قبل الأجل ليتحلل من يمينه؛ لأن الحق سقط بالقبول وإن لم يقبله ثم قضاه بر، ثم لا قيام له فيما رد من الهبة والصدقة، وإن لم يظهر منه ردٌ ولا قبولٌ وقضاه عند الأجل أو قبل ذلك بر، ثم له القيام في أخذ ما وهب له أو تصدق به عليه ويقضى له به، وكذلك فسر لي أصبغ. قال مالك في غير كتاب: وأما إن ورثه الحالف فلا يحنث إذ لا يقدر على دفع الميراث. واستحسن في العتبية أن يأتي الإمام بالحق فيقضيه إياه ثم يرده عليه وإن لم يفعل لم يحنث. وقد قال ربيعة ومالك في المجموعة: إن الوراثة كالقضاء. ومن المدونة قال مالك: ولو باعك بالحق سلعة تسوى الدين لبر، ثم كرهه مالك. قال ابن القاسم: وقوله الأول أعجب إلي.

ولو حلف ليقضينك دنانيرك ولم يقل: حقك فذلك سواء ويبر إن دفع لك عرضاً يساوي دنانيرك إذا كانت يمينه على وجه القضاء ولم تكون على أعيان الدنانير ولو كانت يمينه على أعيان الدنانير لم يبر إلا بدفعها. يريد: وكذلك إن لم تكن له نية. ابن المواز: وإن حلف ليقضينه حقه إلى شهر أو رهناً بحقه فدفع إليه نصف الحق [ورهناً بنصف الحق الباقي فلا شيء عليه ولو قال: لأعطينك حقك] أو أرهنك داري فقضاه نصف الحق وأرهنه نصف داره بالباقي يحنث. محمد: جيدة. ومن المدونة قال مالك: وإن مات رب الحق قبل الأجل فقضى الغريم ورثته أو وصيه أو السلطان قبل الأجل بر. قال مالك: ومن حلف؛ يريد: بطلاق امرأته أو عتق ليقضين فلاناً حقه رأس الشهر فغاب فلان فليقض وكيله أو السلطان ويخرجه ذلك من يمينه، وأن احتجب عنه السلطان فلم يجده أو كان بقرية لا سلطان فيها أو خاف إن خرج إلى السلطان حل

الأجل قبل بلوغه، وإن جاء بالحق على شرطه إلى عدول فأشهدهم على ذلك بعد اجتهاده في طلبه بعلمهم فلم يجده لتغيبه أو سفر فلا شيء عليه إن شهدوا له بذلك. قال ابن سحنون عن أبيه: إذا لم يستطع الوصول إلى السلطان فلم يرفع إليه وأشهد عدولاً على إحضار الحق فذلك يبرئه، ولو جاءه الطالب يقتضيه فيه بعد الأجل فمطله به فلا شيء عليه في يمينه، وأما إن كان يصل إلى السلطان ولا يحتجب منه فتركه فلا يبرئه ذلك وإن أشهد. ومن المدونة قال مالك: وإن قضى وكيلاً له في ضيعته ولم يوكله رب الحق فتقاضى دينه أجزأه. قال في كتاب محمد وغيره: إذا لم يجد وكيلاً على الحق ولا سلطاناً مأموناً ودفع إلى ثقةٍ من أهل الطالب أو وكيل ضيعته أو إلى أجنبي؛ بر، ولكنه يضمنه حتى يصل إلى ربه. قال: وإن وجد وكيلاً بالحق أو سلطاناً مأموناً لم يبر بالدفع إلى غيرهما وقاله أشهب. وقد قال أيضاً مالك: يبر بالدفع إلى وكيل ضيعته. قال ابن المواز وقد قيل: لو دفع إلى بعض الناس بغير عذر من سلطان وأشهد بذلك لم يحنث.

قال مالك: وإن دفع إلى إمام غير عدل ممن يتلفها أو يأكلها وهو عالم بذلك ضمن، وإن لم يعلم بذلك لم يضمن، واليمين ساقطة عنه على كل حال، علم أنه غير عدل أو لم يعلم إذا صح دفعه. قال بعض فقهائنا: وإنما بر بدفعه إلى السلطان وإن كان السلطان لا يقبل ديناً لغائب إلا أن يكون مفقوداً؛ لأن ذلك حقاً للحالف لبراءة ذمته وبره في يمينه كما أن له ذلك في حضوره وإن لم يقبله منه. ابن حبيب: فإن كان الحالف هو الغائب وأراد بعض أهله أن يقضي عنه من ماله أو من مال نفسه فذلك يبر في الحالف من الحق ولا ينجيه من الحنث إلا أن يبلغه قبل الأجل فيرضى بذلك. وقاله ابن الماجشون وأصبغ. قال ابن القاسم في العتبية: وكذلك إن كان له وكيل على الشراء والبيع والتقاضي لم يبر بقضائه عنه إلا أن يكون أمره بذلك. ابن حبيب: ولو حلف لأقضين فلاناً حقه إلى أجل فجن الحالف عند الأجل فإن الإمام يقضي عنه ويبر، فإن لم يفعل حتى مضى الأجل فلا حنث عليه كما لو حلف حينئذ لم يلزمه. وقال أصبغ: هو حانث. والأول أحب إلي.

قال عيسى عن ابن القاسم: في الحالف على القضاء لو كان الحق ثمن عبد فاستحق العبد أو وجد البيع حراماً أو رده بعيب فلا تزول يمينه حتى يوفيه ما حلف عليه ثم يرده إليه وكذلك لو أسلفه درهماً بدرهمين وحلف ليوفيه لم يبر حتى يدفع إليه الدرهمين ثم يرد إليه الزائد. [ومن حلف ألا يضع لفلان فأنظره؛ هو حانث، وقيل: لا حنث عليه. وقد وقع في كتاب محمد أيضاً فيمن له على رجل مائة أردب شعير وعليه يمين بالطلاق ليوفينها إلى أجل فلما دنا ... قال له: قد تهيأ طعامك ولم أجد دواباً ... فقال المشتري: أنا أعيرك دواباً تحمله عليها، قال: لا شيء على الحالف من يمينه ... لا يعجبني وهو عندي بار]. ومن المدونة قال مالك: وإن حلف بعتق أو طلاق لأقضينك حقك إلى أجل إلا أن تشاء ولم تؤخرني فمات الطالب فإنه يجزيه تأخير ورثته إذا كانوا كباراً أو وصية إن كانوا صغاراً ولا دين عليه. ابن المواز: كما لا يسقط اليمين موت المحلوف له إذا مات قبل الأجل ويبر الحالف بالدفع إلى ورثته فكذلك للورثة أن يؤخروه إذا صاروا في ذلك بمثابة ميتهم وكذلك الوصي. ومن المدونة قال مالك: وإن كان عليه دين لم يكن لوصي ولا وارث تأخير مع الغرماء.

قال ابن القاسم: ويجزئه تأخر الغرماء إن أحاط دينهم بماله على أن تبرأ ذمة الميت. قال ابن المواز: وقال أشهب: يجزئه تأخير الوصي إذا كان الورثة صغاراً، وإن كان الميت مدياناً ثم إن قام عليه الغرماء قبل أجل تأخير الوصي قضي لهم بقبض دينهم ويسقط التأخير. ومن المدونة قال: ومن حلف ليقضين فلاناً حقه إلى أجل وقد مات فلان والحالف لا يعرف فليقض ورثته ولا يحنق؛ لأن أصل يمينه إنما وقعت على الوفاء بورثة الغريم مقامه، وإنما يحنث إن مضى الأجل ولم يقضهم فهو بخلاف من حلف ليضربن عبده إلى أجل فمات العبد قبل الأجل؛ لأن ورثة هذا مقامه ألا ترى ألو غاب فقضى وكيله لبر، ولو ضرب عبده غيره لم يبر.

قال مالك: وإن حلف بعتق أو طلاق يقضين فلاناً حقه إلى رمضان فمات الحالف في شعبان لم يحنث لأنه مات على بر. وقاله ابن أبي سلمة. قال ابن القاسم: وديونه التي عليه تحل بموته فإن لم يقض ورثته ذلك الحق إلا بعد الأجل لم يلحق الميت حنث وليس على الورثة يمين ولا حنث في يمين صاحبهم. فيمن حلف ألا يكسو امرأته أو رجلاً أو لا يهبهما وصلى الله على محمد قال مالك: ومن حلف ألا يهب فلاناً هبة فتصدق عليه حنث، وكل هبة لغير ثواب فهي كالصدقة، وكذلك كل ما ينفعه به من عارية أو غيرها فإنه يحنث؛ لأن أصل يمينه على المنفعة إلا أن تكون له نية في العارية. ابن حبيب قال ابن الماجشون: ومن حلف ألا يصل رجلاً فإنه يحنث بالسلف والعارية وبكل منفعة نوى قطع النفع عنه أو لم ينو. ولو قال: نويت الصلة بالدنانير والدراهم لم ينفعه إلا بتحريك لسانه؛ لأن الصلة اسم جامع فلا يتحول منه شيء إلا بحركة اللسان.

قال أبو محمد: والمعروف من قول أصحابنا: أن الذي لا يجزيه إلا حركة اللسان به إنما هو فيما ينوي فيه "إن" و "إلا أن" وفي "إلا" اختلاف. فأما إن حلف ألا يصله ونوى في نفسه بالدنانير والدراهم أو بشيء يخصه به فلا شيء عليه. وكذلك لو حلف ألا يكلمه ونوى في نفسه شهراً وأما إن نوى إلا شهراً ففيه اختلاف: قيل: ينفعه، يريد في الفتيا، وقيل: لا ينفعه. قال ابن حبيب: وإن حلف ألا يسلفه فلا يحنث إن أعاره أو وصله أو نفعه بمنفعة غير السلف فقد يكره السلف للعطل وغيره إلا أن ينوي قطع منافعه عنه فيحنث، وقاله عنه ابن الماجشون، وأصبغ. قال سحنون وابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن حلف الا ينفع فلاناً ما عاش فمات فلان فكفنه: إنه حانث وكان الكفن من أمور الحياة ومما يخصه وهو من رأس المال، وكذلك لو حلف ألا يدخل عليه ما عاش فدخل عليه ميتاً فقد حنث. وقال سحنون: أما الدخول عليه ميتاً فلا يحنث وترجح في الكفن ثم رأى أنه يحنث به. قال ابن الماجشون: وإن حلف ألا ينفعه بنافعة فوجده مع رجل؟؟؟؟؟ فنهاه عنه فلا يحنث، وإ، وجده متشبثاً به فخلصه منه حنث. قال ابن المواز: وإن أوصى له بوصية ثم رجع عنها أو صح فقد حنث.

ومن المدونة قال مالك: وإن حلف ألا يكسو فلاناً فوهبه دنانير، وحلف ألا يكسو امرأته فأعطاها ما اشترت به ثوباً حنث. قال مالك: وإن حلف إلا يكسوها فافتك لها ثيابها من الرهن حنث، ثم عرضت المسألة عليه فأنكرها وقال: امحها، وأبى أن يجيب فيها. وقال ابن القاسم: ينوى فإن كان نيته ألا يهب لها ثوباً ولا يبتاعه لها لم يحنث، وإن لم تكن له نية حنث. وأصل هذا عند مالك إنما هو على وجه المنافع والمن. قال مالك: وإن حلف ألا يهب لأجنبي أو لامرأته دنانير فكساها أو أعطى الرجل فرساً أو عرضاً حنث، فإن نوى الدنانير دون غيرها لم ينوى في الرجل ونوى في الزوجة إذ قد يكره هبتها العين لسوء نظرتها فيه. م: وكذلك ينوي عندي في الرجل إذا كان يعلم من حاله وسوء نظره في العين ما يعلم من الزوجة ولا فرق بينهما. قال أبو محمد: وإنما يعني في الزوجة أنه كساها غير ثياب المهنة التي تلزمه فأما إن كانت ثياباً تلزمه فليست بهبة فلا يحنث. قال مالك في المدونة: وإن وهبه رجل شاة ثم من عليه فحلف ألا يشرب من لبنها ولا يأكل من لحمها فباعها وأكل مما اشتراه بثمنها أو اكتسى منه حنث.

قال: ولا بأس أن يعطيه ما شاء غير تلك الشاة مما لا يكون ثمناً لها ولا عوضاً منها إلا أن يكون نوى ألا ينتفع منه بشيء أبداً. فيمن حلف لرجل ألا يفعل كذا إلا بإذنه أو إن رأى أمراً ليرفعنه إليه فيموت ذلك الرجل أو حلف ليفعلن كذا فيموت ما حلف عليه أو يدعي أنه قد فعله قال ابن القاسم: ومن حلف بطلاق أو عتق ألا يدخل دار زيد أو لا يعطي فلاناً حقه إلا بإذن فلان فمات فلان لم يجزئه إذن ورثته غذ ليس بحق يورث فإن دخل أو قضاه حنث. قال ابن المواز: وإن أذن له فلان فدخل فلا يدخل ثانية إلا بإذن ثان فإن مات فقد انقطع الإذن، وصرت ممن حلف لا يدخل الدار مبهما إلا أن يقول لك: قد أذنت لك أن تدخل كلما شئت، فيكون ذلك كذا. فإن أذن له أن يدخل فلم يدخل حتى نهاه: قال أشهب: فقد قيل: لا يدخل، فإن دخل حنث؛ لأنه دخل بغير إذنه. ابن المواز: وإن زوجت امرأة مملوكتها لعبد امرأة فعلمت سيدته ففرقت بينهما فحلفت سيدة الجارية بحريتها الا زوجتها إياه ثانية إلا برضى سيدته فهلكت سيدته

وورثها ورثتها؛ فلها أن تزوجها الغلام برضى الورثة الذين ملكوه لأن هذا حق لهم ورثوه فهم كميتهم. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن حلف رجل للأمير طوعاً لئن رأى أمراً كذا ليرفعنه إليه فعزل ذلك الأمير أو مات فإن كان ذلك نظراً للمسلمين أو عدلاً فعليه أن يرفعه إلى من ولي بعده. وكذلك قال مالك في الأمير يحلف قوماً ألا يخرجوا إلا بإذنه فعزل؛ فلا يخرجوا حتى يستأذنوا من ولي بعده؛ يريد: إذا كان ذلك نظراً. قال سحنون: وإنما يلزم الرجوع إليه إذا كان الذي استحلفهم عليه فيه مصلحة للمسلمين، وإن كان ليس فيه شيء من مصالح المسلمين إنما هو شيء لنفسه فليس عليهم في أ] مانهم شيء أرأيت لو أن قاضياً كتب إلى قاض في شيء من مصالح المسلمين ثم

عزل ذلك القاضي أو مات الذي كتب إليه لم يجب على القاضي الثاني أن ينقص مما كتب به إليه إلا أن يكون ليس فيه مصلحة للمسلمين فكذلك هذا. قال أشهب في المجموعة: إن كان ذلك مما يخص المعزول في نفسه فإذا رآه بعد عزله ليعلمه به وإلا حنث، وإن لم ير ذلك حتى مات فلا شيء عليه وليس عليه دفع ذلك إلى وارثه ولا إلى وصيه ولا إلى الأمير بعده. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن حلف ليضربن عبده أو زوجته أو ليركبن دابته غداً فهلكوا قبل غد، فلا شيء عليه؛ لأنه كان على بر بالتأجيل. وإن حلف ليأكلن هذا الطعام غداً أو ليلبسن هذا الثوب في غد فسرق ذلك قبل غد حنث إذا لم يقدر عليهما في غد إلا أن ينوي إلا أن يسرقا لا أحدهما.

قال ابن المواز: لا يحنث في موت ولا سرقة لأنه ضرب أجلاً بقوله: غداً ولو لم يقل: غداً ولا ضرب أجلاً فإن أمكنه الفعل فلم يفعل حتى هلك الرقيق أو سرقت الثياب فهو حانث، وقاله أشهب في المجموعة. قال ابن المواز: ومن حلف ليذهبن إلى قباء فيقطع منه عذق كذا فخرج من ساعته فوجد ذلك العذق قد قطع فلا حنث عليه ولو توانى قدر ما لو سار حتى حلف بلغ قباء فقطه لزمه الحنث وإن وجده قد قطع قبل أن يحلف فلا حنث عليه أصلاً توانى أو لم يتوانى. وكذلك من حلف على ابنته إن وضعت عن زوجها صداقها فثبت أنها وضعته قبل يمينه؛ فلا حنث عليه إلا أن يريد إن كنت فعلت. ومن المدونة قال ابن القاسم: وأخبرني ابن دينار أن رجلاً حلف ليذبحن حمامات ليتيمه وهو يظنها حية ثم قام مكانه فألفاها ميتة فلم يبق عالم بالمدينة إلا رأى أنه لا يحنث؛ لأنه لم يفرط، وأن وجه يمينه إن أدركها حية: قال ابن القاسم: وهو رأيي. م: لأن الأيمان إنما تقع على ما يتأتى من الأفعال وأما ما لا يمكن فلا يلزم به لأن الحالف لم يحلف عليه، ولو حلف على فلان لا فعل كذا فإذا فلان قد فعله أيضاً؛ لأن تقدير يمينه لا فعل فلان كذا إن كان لم يفعله فأما إذا تقدم فعله لم يحنث إذا لم يحلف الفاعل على ما قد فات مثل أن يقول: لا باع فلان سلعته فإذا فلان قد باعها قبل يمينه، ولو حلف هو لا بعت سلعتي فإذا بيعه قد تم بمثله لا حنث عليه إلا أن يكون

قصده الامتناع من تنفيذ ما باع فيحنث إذا حكم عليه بالبيع؛ لأنه كأنه قال: لأمتنعن من انعقاد البيع لك فيحنث. قال م: قال بعض أصحابنا: وإنما فرق ابن القاسم بين الموت والسرقة في المسألة المتقدمة؛ لأن الأجل إذا تم والدابة والعبد ميتان استحال أن يفعل فيه ما حلف عليه، وفي السرقة لو أمكنه السارق من ذلك عند الأجل أمكنه هو فعل ما حلف عليه فكونها عند السارق أمر لا يعذر به؛ لأن من أصل ابن القاسم: إن الحالف: ليفعلن؛ لا يعذر بالإكراه والغلبة إلا أن ينوي ذلك. قال: ومسألة الحمامات إنما لم يحنثه فيها؛ لأن الفعل فيها مستحيل، وهي بخلاف مسألة الحالف ليبيعن أمته فباعها فألفيت حاملاً منه، وقد ناقصه سحنون فيها بمسألة الحمامات، وقد ذهب إلى أنه لا يحنث الحالف على البيع إذا وجدها حاملاً كمسألة الحمامات وذلك لا يلزم ابن القاسم لافتراق المسألتين وذلك أن الأمة فعل البيع الذي حلف عليه فيها غير مستحيل لولا منع الشرع منه فصار منع الشرع له من البيع كمنع آدمي منعه من ذلك فهو كالسرقة فلا يعذر بالإكراه والغلبة كما قدمنا، ونحو هذا لأبي عمران قال: لأن إخفاء السارق لها كمنع غاصب من ركوبها أو مستحق استحقها أو ربط

أو سجن حتى فات الأجل، وهذا كمن حلف ليأخذن حقه من غريمه اليوم فمطله أو لد به حتى انقضى اليوم أو مرض أو حلف ليدخلن دار نفسه فحصر عن دخولها. وقد اختلف في الحالف على وطء الأمة الليلة فألفاها طامثاً فقيل: لا شيء عليه، وقيل: إن وطئ بر وأثم، وقيل: لا يبر، وإن وطئ، وهذه فروع يغلب فيها تارة دليل على دليل وربما تقاومت الأدلة وتقاربت في الاشتباه، وقد ذكر مسائل كثيرة من هذا اختصرتها. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن حلف بعتق عبده ليضربن فلاناً ولم يضرب أجلاً منع من بيعه حتى يبر أو يحنث، فإن مات المحلوف عليه والحالف صحيح قبل أن يضربه عتق العبد من رأس المال وإن مات والحالف مريض ثم مات الحالف من مرضه ذلك عتق العبد من ثلثه وهذا كله إذا عاش المحلوف عليه مدة لو أراد الحالف أن يضربه فيها ضربة ولو ضرب أجلاً فمات الحالف أو المحلوف عليه قبل الأجل لم يحنث لأنه على بر بالتأجيل. فصل ومن سماع ابن القاسم: ومن حلف بطلاق امرأته أو عتق عبده ليضربن امرأته أو عبده كذا وكذا ثم يقول: قد فعلت ذلك وأكذبه العبد أو المرأة؛ فالحالف مصدق مع يمينه.

قال مالك: ولو حلف على قضاء فلان حقه إلى أجل فحل الأجل فقال: قد قضيته فإن لم يقم بينة بأنه قد قضاه طلق عليه بالبينة التي على أصل الحق. م: والفرق بينهما أن ليس من شأن الناس أن يشهدوا في ضرب عبدهم ونسائهم وشأنهم الإشهاد في قضاء الحقوق فلما تركه لم يصدق عليه إلا ببينة؛ ولأن رب الدين لم يصدقه فلم يقبل قوله في قضاء الدين فوجب حنثه. قال عيسى عن ابن القاسم: وإن قال الطالب: بعد الأجل قد قضاني فإن كان من أهل الصدق حلف حلف مع شهادة صاحب الحق ولا شيء عليه، وإن كان من أهل التهم لم يقبل منه حتى يأتي بشاهدين أنه قد قضاه. قال سحنون في كتاب ابنه: لا أعرف هذا كان الحالف عدلاً أو غير عدل، وقوله: إذا قال الطالب قد قضاني برئ الحالف من يمينه. ومن العتبية وروى ابن وهب عن مالك: أنه قال: إنما هذا لم يكن على أصل يمينه بينة إلا إقراره أنه حلف وقد قضاه وأقر له رب الحق؛ فالقول قوله بلا بينة، وكذلك/

[قوله: حلفت بالطلاق لأضربن فلاناً وقد ضربته أو لأعطيته كذا وقد أعطيته فهو مصدق بلا بينة حين لم تكن على أصل يمينه بنية أما إذا كان على أصل يمينه بينة فيكون عليه المخرج بالبينة وقاله أصبغ. وقال ابن كنانة: إذا قال رب الحق: قد قضاني عند الأجل لم تقبل شهادته في ذلك، قال: وكل من كان بينه وبين رجل معاملة ومخالطة فشهد عليه أنه قد كان حلف له فبر فيها أو حنث لم تقبل شهادته في ذلك له أو عليه إلا أن يشهد بها غيره والله أعلم].

كتاب العتق الأول من الجامع

بسم الله الرحمن الرحيم اللهم عونك وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كتاب العتق الأول من الجامع باب ما يلزم من العتق في يمين أو بت أو مذر أو موعد أو غير ذلك قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}، وقال الرسول - عليه السلام -:» من نذر أن يطيع الله فليطعه «؛ فلزم بذلك كل من عقد على نفسه شيئاً من الطاعات أن يفي به والتعق من ذلك كان في يمين أو غير يمين. قال الله تعالى في زيد بن حارثة: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ}، يريد: أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه يا محمد بالعتق.

وندب في العتق بالكتابة بقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}، فالعتق من العقود التي يجب الوفاء بها وتجري مجرى الطلاق في أكثر وجوهه. وقد ألزم الله تعالى الطلاق لموجبه على نفسه بقوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}؛ فاتفقا في الإيجاب واشتبها في أن ملك اليمين كملك العصمة في أكثر وجوهه ولم يختلف في أن لا كفارة في اليمين بهما.

قال سحنون قلت لابن القاسم: فالتدبير والعتق بيمين أمختلف هو؟ قال نعم؛ لأن العتق يمين إذا حنث عتق عليه إلا أن يجعل حنثه بعد موت فلان أو بعد خدمة العبد إلى أجل كذا فيكون كما قال. م: وإنما سأله لما رأى العتق بيمين هو فيه على حنثه والتدبير يجتمعان في كونهما من الثلث بعد الموت فسأله: هل يختلفان في غير ذلك؟ فقال: [1/ ب. ص] نعم؛ لأن العتق بيمين إذا حنث فيه قبل الموت في الصحة عجل العتق وكان من رأس المال إلا أن يجعل حنثه بعد موت فلان أو بعد خدمة العبد إلى أجل كذا فيكون كما قال، والتدبير أبداً لا يكون إلا من الثلث فاختلفا وإن اتفقا في ذلك الوجه. ومن المدونة قال مالك: والعتق والتدبير لا زمان على من أوجبهما على نفسه. قال ابن القاسم: ومن قال لله عليّ عتق رقيقي هؤلاء فليف بما وعدهم، وإن شاء حبسهم ولا يجبر على عتقهم؛ لأن هذه عدة جعلها الله من عمل البر فيؤمر بها ولا يجبر

عليها، وإنما يعتقهم عليه السلطان أن لو حلف بعتقهم فحنث أو أبتَّ عتقهم بغير يمين، وأما إن كان نذراً أو موعداً فإنه يؤمر أن يوفي به ولا يجبر عليه. ابن المواز: وقال أشهب: إذا قال لله عليّ عتق رقيقي فأُمِر بعتقهم، فقال: لا أفعل. قُضِي عليه بعتقهم. وإن قال: أنا أفعل تُرِك وذلك. فإن مات قبل أن يفعل لم يعتقوا في ثلث ولا غيره. [قال ابن إسحاق: وكأنه عنده أوجب على نفسه هذا الفعل كما لو أوجب هبة لمعين أنه يجبر على إنفاذها وكان ابن القاسم ... لا يكون الإيجاب إلا بأن يعتق. وأما قوله: لله عليّ أن أعتق، فإنما هو كالعدة أن يفعل ... الإيجاب أن يقول لهم: أحرار، وهو يقول: لو قال: لله عليّ أن أصوم غداً، لوجب عليه صيامه وكان مؤثماً في تركه إلا أن الصوم لا يقضى به عليه]. [قال مالك: ومن قال لعبده: لأعتقنك إن قدمت من سفري فهو موعد فأرى أن يعتقه. م: ولما نهى عن خلف الموعد.

باب فيمن قال: إن بعت عبدي أو اشتريت عبد فلان فهو حر

قال ابن المواز: ولا يقضى به عليه. قال أبو محمد: ولو أراد النذر لسلامته وقدومه لزمه أن يعتقه بالقضاء، في قول ابن [القاسم] وبالقضاء إن امتنع في قول أشهب. وأما إن قال: أنت حر إن قدمت من سفر فهذا يعتق بالقضاء في قوليهما]. قال مالك: ولو قال لزوجته: إن قدمت من سفري لأطلقنك فلا شيء عليه؛ إذ ليس طلاقها طاعة لله عز وجل فلا شيء عليه فيؤمر بها، وأما العتق فهو طاعة لله عز وجل والله أعلم. باب فيمن قال: إن بعت عبدي أو اشتريت عبد فلان فهو حر قال مالك: ومن قال لعبد: إن اشتريتك أو ملكتك فأنت حر فاشتراه أو بعضه، عتق عليه جميعه، ويقوّم عليه نصيب شركائه إن كان مليئاً؛ كمن قال: كل مملوك له حر وله أنصاف مماليك؛ فإنه يعتق عليه ما يملك منهم ويقوّم/ عليه يقيتهم إن كان مليئاً، وإن

قال: إن اشتريت فلاناً فهو حر فاشتراه بيعاً فاسداً فإنه يعتق عليه وتلزمه قيمته ويرد الثمن، كمن اشترى عبداً بثوب فأعتقه ثم استحق عليه الثوب فعليه قيمة العبد. قال ابن سحنون عن أبيه: وإن حلف بحرية عبده إن باعه فباعه بيعاً فاسداً فلا أراه حانثاً. وقال ابن الماز: يحنث ويعتق. م: صواب. قالا: ولو باعه على أنه أو المبتاع بالخيار ثلاثاً فلا يحنث حتى ينقطع الخيار ويتم البيع. ومن المدونة قال مالك: ومن قال لعبده: إن بعتك فأنت حر فباعه عتق على البائع ورد الثمن، ولو قال له رجل مع ذلك: إن اشتريتك فأنت حر فاشتراه فعلى البائع يعتق؛ [2/ أ. ص] لأنه مرتهن بيمينه قبل الملك الثاني. قال ابن سحنون عن أبيه عن نافع عن عبد العزيز بن أبي سلمة: إنه كان يقول: من قال لعبده إن بعتك فأنت حر فباعه أنه لا شيء عليه. وقال عبد الملك قال: لأنه إنما

يحنث بعد ثبات البيع فكأنه إنما حنث فيه وهو في ملك غيره، وهو قول أهل العراق. قال سحنون: وقول مالك أولى؛ لأن ما يفعله البائع من البيع سابق لما يفعله المشتري من الشراء فهو أولى أن يعتق عليه، وكما أجمعوا في الموصى بعتق عبده بعد خروجه من ملكه فكذلك هذا، وبمثل هذا احتج ابن شُبرمة. م: ولو لزم أن لا يقع عتق بعد ثبات البيع لانتقال ملك المعتق وجب ذلك في الموصى بالعتق؛ إذ لا ينعقد عتقه إلا بعد الموت إذ له الرجوع فيه حتى يموت فلما صح

عتقه بما عقده في حياته في حين استقرار ملكه بإجماع فكذلك يصح عتق البائع بعد انتقال ملكه بما عقده في حال صحة ملكه، وقد اعتل بذلك ابن المواز فقال: إنما وجب عتقه وإن انتقل عنه ملكه؛ لأن البيع والعتق وقعا معاً فغلّبنا العتق لحرمته وليُقدم عتقه. م: ولأن البائع إنما علق عتقه بصفة يوقعها وهو لفظه عقد البيع فإذا أوقعه وجب حنثه كما لو قال لعبد غيره: إن اشتريتك فأنت حر، فقد علق عتقه، وإن كان في غير ملكه بفعل يفعله فإذا فعل وجب عتقه والله أعلم. قال سحنون: ومال العبد ها هنا للبائع؛ لأن العتق وجب وقد صح المال للبائع. م: قال بعض أصحابنا: ولو كان المشتري قد استثنى مال العبد كان المال تبعاً للعبد؛ لأن شراء المشتري قد انتفض من أجل العتق فلم يصح له المال الذي استثناه، والبائع لم يبقه لنفسه فكان تبعاً للعبد. م: ولأن المشتري إنما استثناه للعبد فإذا نقض البيع وعتق بقي المال كما هو للعبد، قيل: فإن كان البائع إنما باع نصفه ولم يستثن المشتري ماله فنصف مال العبد قد انتزعه البائع ببيعه إياه، كما يكون انتزاعاً لجميعه إذا باع جميعه والنصف الثاني باق في ملك العبد

فإذا عتق عليه النصف الذي لم يبعه بحكم تبع العبد نصف المال الذي بقي على ملكه؛ لأنه لم يطرأ عليه انتزاعه، وقاله أبو عمران. وروي عن سحنون فيمن قال لعبده: إن انتزعت شيئاً من مالك فأنت حر فبعه من عبد لعبده مأذون له في التجارة؛ إن العبد الأعلى حر والأسفل، وجميع مال العبد الأعلى للسيد؛ لأن الحنث إنما وقع بعد البيع ومال العبد إذا بيع للبائع إلا أن يستثنيه المشتري فقد وقع الحنث بعد أن صار المال للبائع، قيل: فإن لحق البائع دين يرد عتقه [2/ ب. ص] هل ينقص بيعه. فالجواب: لا ينقض بيعه إذا لم يكن فيه محاباة؛ لأنه لو رد بيعه لم يكن بد من بيعه للغرماء فلا فائدة في نقض بيعه، ولأنا إنما نقضنا بيعه لحرمة العتق، فإذا انتقض عتقه وجب إمضاء بيعه ونحوه لابن المواز. قال اصبغ عن ابن القاسم: ومن حلف حرية عبده ألا يبيعه فباعه وأهلك الثمن فليرد بيع العبد ويخرج حراً ويتبعه المبتاع بالثمن ديناً؛ لأنه وقعت حرية العبد وعنده به وفاء وهو الثمن ثم هلك ما في يده فلم يجب له رد العتق، وإن قال: إن بعت هذا الشيء فهو صدقة فباعه/ لم ينتقض بيعه بخلاف اليمين بالعتق؛ لأن الصدقة يجبر على

إخراجها كانت على رجل بعينه أو على المساكين؛ لأنها صدقة يمين ويستحب له الصدقة بالثمن. ابن المواز قال ابن القاسم: إن قال لأمته: إن بعتك فأنت حرة فباعها وأولدها المبتاع فإنها حرة على البائع وبرد الثمن على المشتري ويقاصه فيه بقيمة الولد، وقاله أصبغ. قال ابن المواز: لا ثمن على المبتاع في الولد؛ لأن البائع حنث فيها حين حملت فصارت حرة بما في بطنها بل قد صارت حرة يوم استقرت النطفة في رحمها فلا طلب له في الولد وإنما يجب على الأب قيمته حين خروجه حياً مستهلاً فيعتق على أبيه لملكه إياه فأما إذا أدركه العتق قبل خروجه فلا قيمة على الأب، وكذلك من اشترى جارية فحملت منه فأعتقها سيدها وهي حامل فلا قيمة في ولدها، ومثل أم الولد يعترفها سيدها وقد أولدها مشتريها فمات السيد قبل أن يحكم له بقيمة ولدها فلا شيء على أبيهم من قيمتهم. م: فوجه قول محمد: أنه لما كان لا يتم عتقها إلا بالحكم وأنه لو رهقه دين قبل إنفاذ عتقه وقبل الإيلاد لم يعتق فكان الإيلاد هو الذي أتم عتقها ورفع تسلط الرق عنها فكانت حرة بما في بطنها يوم استقرار النطفة في بطنها وتم حنث السيد فيها فلم يكن لديها في ولدها قيمة كما لو استحق أمة وقد ولدت من المبتاع فأعتقها فإنه لا قيمة له في ولدها. م: ووجه قول ابن القاسم وأصبغ أنه لما كان لا يعتق إلا بالحكم وأن حالها كحال

الأمة حتى تعتق فكان العتق إنما يتم فيها وفي ولدها على البائع لو كان الولد من غير المشتري يوم الحكم فإذا كان الولد من المشتري فقد لزمته قيمته يوم الوضع وذلك قبل لزوم البائع العتق فيه وفي أمه بالحكم، ولو حكم على البائع بعتق الأم قبل الوضع لم يلزم المشتري في الولد قيمة باتفاق والله أعلم. قال ابن المواز: ومن قال لعبده إن بعتك فأنت حر بعد أن أبيعك بسنه فإن [3/ أ. ص] باعه رد بيعه وعتق عليه لسنة فإن كان البيع والحرية وقعا معاً فالعتق أولاً وأوجب حرمة وقد بدأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - العتق على الوصايا لحرمته، وحكم في الشريك بعتق مصابه أن يعتق عليه بقيمته. وقال ابن حبيب مثله عن مطرف. م: قال بعض أصحابنا: ولو قال: أنت حر بعد أن أبيعك بسنة ينبغي ألا يلزمه العتق؛ لأنه لم يضمنه بفعل فانظر. قال ابن المواز: ولو كانت أمة فوطئها المشتري قبل رد بيعها فحملت فليرد البيع بكل حال ولا شيء عليه من قيمة الولد وتعتق على سيدها إلى سنة، كما لو باع معتقة إلى سنة فأولدها المبتاع. ابن المواز: وإن قال: غلامي حر إن بعته، وغلام فلان حر إن اشتريته، فباع غلامه بغلام فلان فإنهما يعتقان عليه جميعاً وعليه قيمة العبد الذي ابتاع، وإن قال: إن بعت عبدي ميموناً فهو حر ثم حلف بحرية آخر ليبيعن ميموناً فباع ميموناً فليعتق عليه البيع ويبر في الآخر؛ لأنه قد باع البيع الذي علم أن مرجعه إلى حرية فقد برّ حين باع ذلك،

كمن حلف ليبيعن فلاناً الحر فباعه ونقض بيعه، فقد برّ وبلغ أقصى ما حلف عليه، ولو بدأ فقال: كل مملوك لي حر إن لم أبع ميموناً، ثم قال: ميمون حر إن بعته فباعه فليردّ بيعه ويعتق عليه هو وسائر رقيقه؛ لأن ها هنا حلف أولاً على البيع النافذ. ومن العتبية قال ابن القاسم: ومن قال: عبدي حر إن بعته، وحلف آخر امرأته طالق لاشتريته، فباعه منه فإنهما يحنثان جميعاً البائع يحنث ببيع والمبتاع يحنث إذا لم يتم له البيع. م: وإن كان الحالف ليشترينه عالماً بيمين ربه، فيكون هذا خلافاً لما تقدم في كتاب محمد، وينبغي على ما أصّله محمد ألا يحنث الحالف ليشترينه؛ لأنه قد اشتراه الشراء الذي مرجعه إلى حرية وإن لم يعلم يمين صاحبه فها هنا يحنث باتفاق. م: وإن حلف بحرية عبده إن باعه بيعاً فاسداً، فقال ابن سحنون عن أبيه: أنه لا يحنث. م: يريد: أنه بيع غير منعقد، قال: ولو باعه على أنه بالخيار فيه أو المبتاع فلا يحنث حتى تنقطع أيام الخيار، وقال ابن المواز مثله في بيع الخيار، وأما إن باعه بيعاً فإنه يحنث.

باب فيمن قال: مماليكي أو رقيقي أو عبيدي أحرار

م: قال غيره: وهذا أحوط؛ لأن الضمان فيه من المشتري، وأما في بيع الخيار فإن الضمان فيه من البائع حتى ينقطع الخيار فيصير الضمان من المشتري ويجب الحنث عليه، والله أعلم. باب فيمن قال: مماليكي أو رقيقي أو عبيدي أحرار قال مالك: ومن قال: كل مملوك لي حر في غير يمين أو في يمين حنث بها عتق عليه [3/ب. ص] عبيده ومدبروه ومكاتبوه وأمهات أولاده وكل شقص له في مملوك، ويقوّم عليه بقيته إن كان مليئاً، ويعتق عليه أولاد عبيده من إمائهم ولدوا بعد يمينه أو قبلُ؛ لأن الأولاد ليس بملك لآبائهم إنما هم ملك للسيد، وأما عبيد عبيده وأمهات أولادهم فلا يعتقون ويكونون لهم تبعاً. قال ابن المواز: إنما يعتق عليه ما ولد لعبده بعد اليمين في يمينه لأفعلن لا في يمينه لا فعلت، وإلى هذا رجع ابن القاسم. م: لأنه في يمينه لأفعلن على حنث حتى يبر، فإذا فاته البر ولزمه العتق وجب أن يعتق عليه كلما ولد له من إمائه بعد اليمين لأن الأمهات مرتهنات باليمين لا يستطيع

بيعهن ولا طأهنّ وسواء كن حوامل يوم اليمين أو حملن بعد اليمين ولا خلاف في ذلك، وأما في يمينه لا فعلت فهو على بر فإن كن إماءه من يوم اليمين دخل الولد في اليمين، وأما ما حملن به بعد اليمين فقيل: يدخل، وقيل: لا يدخل. وهو أصوب. م: وحكي عن ابن القاسم في قوله: ويعتق عليه كل شقص له في مملوك ويقوّم عليه بقيته إن كان مليئاً، قال: معناه أن له شريكاً في كل عبد، وأما لو كانوا عبيداً بينه وبين رجل فإنهم يقسمون فما صار للحالف عتق عليه. م: وهذا إنما يجري على قول ابن المواز، وقد ذكرنا بعد هذا أن الكتاب يدل على خلافه. وحكي عن ابن الكاتب أنه قال: قول ابن المواز إنما يجري على قول أشهب في الأرض بين ارجلين يبيع أحدهما طائفة بعينها منها فإن الأرض تقسم فإن وقع المبيع في حظ البائع مضى البيع، وإن وقع في حظ شريكه نقض البيع. قال: وابن القاسم يأبى ذلك، قال: فلعل قول ابن المواز على قول أشهب وابن القاسم يخالفه في الوجهين جميعاً، والله أعلم. م: قال في هذا الكتاب: إذا قال: عبيدي أحراي لا يعتق عليه عبيد عبيده. وقال في كتاب النذور فيمن حلف ألا يركب دابة فلان: فركب دابة عبده، إنه حانث، فقيل: إن ذلك منه اختلاف قول، ومن الناس من فرّق بينهما، فقال: إن الأيمان

تُراعى فيها النِّيات والمنّ في دابة عبد المحلوف عليه ما يلحقه في دابة الرجل بنفسه، فلهذا ساوى بينه وبين عبده والله أعلم. ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: ومن قال مماليكي أحرار ولا نية له فإنه يعتق عليه ذكور رقيقه دون إناثهم ثم رجع فقال: يعتق الذكور والإناث. م: وهذا وفاق للمدونة؛ لأنه قال في قوله كل مملوك لي حر: يعتق عليه أمهات أولاده ولا فرق بين قوله: كل مملوك، وبين قوله: من مماليكي. ابن سحنون ولو قال [4/ أ. ص]: رقيقي أحرار عتق عليه ذكورهم وإناثهم، ولو قال: عبيدي أحرار لم يعتق عليه إلا الذكور دون الإناث. [قال أبو إسحاق: ولعل اسم العبيد عنده جرت العادة يراد به الذكور دون الإناث وإلا فلفظ العبيد يقع على الذكور والإناث، وما في القرآن من ذكر العبيد والعباد

باب فيمن قال لمملوك غيره: أنت حر من مالي، وكيف إن قال بكذا أو بقيمة؟

على ذكور الخلق وإناثهم]، ولو كان له إماء حوامل فإنه يعتق عليه ما أتين به من غلام لأقل من ستة أشهر من يوم قوله، وذلك إذا لم يكن الحمل ظاهراً وكان الزوج مرسلاً عليها، وإن لم يكن الزوج مرسلاً عليها أو كان الحمل ظاهراً فإنه يعتق عليه ما أتين به لخمس سنين. باب فيمن قال لمملوك غيره: أنت حر من مالي، وكيف إن قال بكذا أو بقيمة؟ أو قال لجارية غيره: إن وطئتك أو ضربتك فأنت حرة. قال مالك: ومن قال لعبد غيره: أنت حر من مالي لم يعتق عليه، وإن قال سيده: أنا أبيعه منه، وإنما يعتق/ عليه إذا قال: إن اشتريته أو ملكته فهو حر فهذا إن اشتراه أو ملكه عتق عليه. قال ابن حبيب قال ابن الماجشون فيمن قال: غلام فلان حر من مالي، فقال فلان: هو لك بخمسين ديناراً أو بقيمته لم يلزمه ذلك، ولو قال: غلام فلان حر بخمسين من مالي

فرضي فلان؛ لزم القائل عتقه، وكذلك لو قال: هو حر من مالي بقيمته فرضي بذلك صاحبه؛ لزمه عتقه، ويصح بالقيمة كبيع فاسد فات بالعتق وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. قال ابن القاسم: وإذا قال: هو حر في مالي بخمسين ديناراً، فقال سيده: قد رضيت فهو حر، ولا خيار للمبتاع كمن اشترى عبداً بإيجاب العتق فهو حر ولا خيار له. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن قال لأمة غيره إن وطئتك فأنت حرة فابتاعها فوطأها لم تعتق عليه إلا أن يكون أراد بقوله إن اشتريتها فوطئتك، وكذلك لو قال لحرة: إن وطئتك فأنت طالق؛ فتزوجها فوطأها فلا شيء عليه إلا أن يريد إن تزوجتك فوطأتك. ابن المواز وقال أشهب: وجه يمينه على الشراء أو التزويج وإن لم يذكره لا على الحرام إلا أن يكون نوى وطء الحرام؛ فلا شيء عليه إذا حلف على ذلك وإلا لزمه ويصير مولياً في الزوجة من يوم نكحها.

قال فيه وفي المدونة: وإن قال: إن ضربتها فهي حرة في الأمة أو طالق في الحرة؛ فلا شيء عليه إن اشترى أو تزوج [4/ ب. ص] فضربها. قال في كتاب محمد: ألا أن يكون على خِطبةٍ أو سومٍ في الأمة أو ينوي أن اشتريتها في الأمة وفي الحرة إن تزوجتها فيلزمه. قال ابن المواز: ومن باع عبداً فقيم عليه بعيب فحلف البائع بحريته إن كان به عيب فنظر فإذا هو به فلا شيء عليه؛ لأنه في ملك غيره، وقيل: إلا أن يرد عليه بالعيب فيعتق، وقاله أصبغ. وليس بصواب؛ لأن من أعتق عبداً قد باعه وبه عيب، للمبتاع به الرد لم يعتق وإن رده المشتري بذلك ولو أعتقه المشتري لزمه عتقه ورجع بقيمة العبد.

باب فيمن عم أو خص في عتق ما ملك أو يملك بعد ذلك في يمين أو غيره

باب فيمن عم أو خص في عتق ما ملك أو يملك بعد ذلك في يمين أو غيره قال: والعتق كالطلاق في عمومه يعتق ما يستقبل ملكه وهو غير لازم عندنا؛ لأنه عم تحريم ما أحل الله له وهذا والله أعلم من الحرج الذي رفعه الله سبحانه عن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بقوله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} أي من ضيق. ابن وهب: وقال ربيعة: وإن ناساً يرون ذلك بمنزلة التحريم إذا جمع تحريم النساء والأرقاء ولم يجعل الله الطلاق إلا رحمة ولا العتاق إلا أجراً؛ فكان في هذا هلكة من أخذ به. قال مالك: ومن قال كل مملوك أو كل جارية أو عبد اشتريه أو أملكه في المستقبل فهو حر من غير يمين أو في يمين حنث بها فلا شيء عليه فيما يملك أو يشتري كان عنده رقيق يوم حلف أو لم يكن، أعتق من كان عنده حينئذ أو باع أم لا؛ لأنه قد عم الجواري

والغلمان فلا يلزمه شيء إلا أن يعين عبداً أو يخص جنساً أو بلداً، أو يضرب أجلاً يبلغه عمره كقوله: من الصقالبة أو من البربر أو من مصر أو الشام أو إلى ثلاثين سنة، ويمكن أن يحيا إلى ذلك لأجل فيلزمه ذلك؛ لأنه قد ضرب أجلاً وسمى جنساً أو موضعاً ولم يعم، وهذا كمن عم أو خص في الطلاق وقاله ابن مسعود. م: والناس في هذا الأصل مختلفون على ثلاثة مذاهب: ذهب بعضهم إلى: أن الطلاق والعتاق يلزم؛ سواء عم أو خص لا فرق بين ذلك؛ لأنه أوجبه على نفسه أصله إذا خص. وذهب آخرون: إلى أن ذلك لا يلزمه سواء عم أو خص؛ واحتجوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:» لا طلاق إلا بعد نكاح ولا عتق إلا بعد ملك «. وقاله

أبان بن عثمان وغيره. ونحن نتأول معنى الحديث أن الطلاق الذي عقده على نفسه قبل النكاح لا يقع عليه إلا بعد النكاح وكذلك العتق لا يقع عليه إلا بعد الملك. م: فذهب مالك - رضي الله عنه - إلى التوسط بين [5/ أ. ص] القولين؛ فلم يلزمه شيء إذا عن بما ألزم نفسه من الحرج والضيق، وألزمه إذا خص إذ لا حرج فيه، وهو مذهب عمر وابن عمر وابن مسعود وغيرهم من صاحب وتابع. [م: إذا قال كل جارية اشتريتها ففي الموازية: يلزمه لأنه قد أبقى من يملكه ولا يشتريها، وفي كتاب ابن سحنون: ن ذلك لا يلزمه؛ لأنه عموم ووطء ملك فأشبه العموم بالتزويج].

ومن المدونة قال مالك: ومن قال: كل مملوك أملكه حر إن تزوجت فلانة، ولا رقيق له، فأفاد رقيقاً ثم تزوجها فلا شيء عليه فيما أفاد بعد يمينه قبل أن يتزوجها ولا بعد ما تزوجها. قال مالك: ومن قال: إن دخلت هذه الدار أبداً فكل مملوك أملكه حر فدخلها لم يلزمه العتق إلا فيما يملك يوم حلف، وإن لم يكن له يومئذ مملوك فلا شيء عليه فيما يملك قبل الحنث وبعده، وكذلك اليمين بالصدقة. قال أشهب: ولو قال: إن دخلت الدار فكل مملوك أملكه أبداً حر؛ فدخلها لم يلزمه العتق فيما عنده من عبيد؛ لأنه إنما أراد ما يملك في المستقبل كما لو قال: كل مملوك أملكه أبداً حر، وكل امرأة أتزوجها أبداً طالق فلا شيء عليه. م: وليس هذا خلاف ما تقدم من رواية ابن القاسم؛ لأن ابن القاسم إنما أوقع الأبد على الدخول وأشهب إنما أوقعه على الملك. ولابن القاسم رواية أخرى خلاف ما ذكر أشهب وهي عندهم خطأ. وأما من قال: كل عبد اشتريه حر، وكل امرأة أنكحها أو أتزوجها طالق، فلا شيء عليه وإن لم يقل ها هنا أبداً. م: لأن هذه الألفاظ لا تكون لما مضى لا يقول الإنسان: أشتري فيما هو مالكه بعد، وهو بخلاف قوله أملكه.

ومن المدونة قال مالك: ومن قال: إن كلمت فلاناً أبداً فكل مملوك أملكه من الصقالبة حر، فكلمه؛ لزمه العتق في كل ما يملك من الصقالبة بعد يمينه. م: يريد: فيما يملكه منهم يوم يمينه إذا لم تكن له نية، كما قال في الذي حلف: إن دخلت الدار أبداً فكل مملوك أملكه حر، فدخلها أنه يلزمه العتق فيما ملك يوم حلف فكذلك هذا، وإنما لزمه عتق ما يملك في المستقبل أيضاً لأنه قد خص جنساً ولم يلزمه الأول لأنه قد عم. قال ابن القاسم: وإن اشترى بعد يمينه وقبل حنثه عبداً صقلبياً ثم حنث بعد الشراء؛ فهو حر إلا أن يكون قد أراد بيمينه ما يملك بعد حنثه فله نيته. م: يريد إذا جاء مستفتياً ولم يكن على يمنه بينة. قال ابن المواز: وإن قال إن كلمته فكل مملوك أملكه من الصقالبة أبداً حر، لزمه في المستقبل ولا شيء عليه فيمن كان عنده يوم حلف لقوله: أبداً إلا أن يقول: نويتهم؛ فيلزمه في الوجهين، وإن لم يقل أبداً لزمه في الوجهين، ولو قال: أردت في المستقبل فلا شيء عليه فيما عنده [5/ ب. ص] إلا أن يكون عليه بينة.

ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن قال: كل عبد اشتريه من الصقالبة حر فأمر غيره فاشتراه له عتق عليه؛ لأنه إذا اشترى بأمره فكأنه هو الذي اشتراه. وقال في النذور: ولا يدين في شيء من هذا. قال ابن المواز: إذا كانت له نية في الشراء إلا يليه بنفسه؛ لأنه قد غبن فيه غير مرة فله نيته وأما إن كره شراءه أصلاً فقد حنث وقاله أشهب ولم يُنوِّه ابن القاسم. م: وأما إن أمره بشراء عبد ولم يقل له صقلبياً [ولا غيره فاشترى له عبداً صقلبياً] فإن كان عالماً بيمينه فله رد شرائه كما لو ابتاع له من يعتق عليه عالماً؛ لأنه قد قصد إتلاف ماله، وإن لم يعلم عتق على الأمر. الجواب في ذلك وفيمن اشترى من يعتق عليه سواء. وكذلك القول في مسألة كتاب الطلاق فيمن حلف ألا يتزوج من نساء بلد فوكل من يزوجه بزوجة من نساء تلك البلدة إنما قال يلزمه النكاح والطلاق؛ لأنه لم يعلم بيمينه، ولو علم بيمينه كان له فسخ النكاح ولم يلزمه فيه طلاق ولا صداق فأعلمه. ومن العتبية قال ابن القاسم: وكذلك إن قبله من واهب لثواب فإنه يعتق عليه حين قبوله إياه قبل أن يثبت منه سمى ثواباً أم لا، ويلزمه ما سموا من الثواب وإن لم يسموه فعليه قيمته إلا أن يرضى الواهب بدونها؛ لأنه الهبة للثواب عند مالك بيع من البيوع فلذلك عتق عليه إذا قبله.

قال: وإن وهب له عبد صقلبي لغير ثواب أو تصدق/ به عليه أو أوضى به أو ورثه فإن نوى في قوله إن اشتريته يريد الملك عتق عليه، وإن نوى الاشتراء أو لم يكن له نية لم يعتق عليه، وهو على الشراء حتى ينوي الملك. م: وإنما قال ذلك؛ لأنه قال في يمينه: إن اشتريته، ولو قال: أملكه [لكان على الملك حتى ينوي الشراء. قال مالك: وإن قال كل مملوك أملكه] إلى ثلاثين سنة فهو حر لزمه عتق ما يملك من يوم اليمين إلى تمام الأجل. م: يريد إذا أمكن أن يحيا إلى ذلك الأجل. ابن المواز: ولا يلزمه عتق ما كان يملك قبل ذلك، قال: وقال ابن القاسم: وإن قال: إن كلمت فلاناً إلى ثلاثين سنة فكل مملوك أملكه أبداً حر فلا شيء عليه.

ابن المواز: لأن قوله: أبداً يدل إنه إنما أراد المستقبل، ولو لم يقل أبداً؛ لزمه فيما عنده دون [ما يستقبل ملكه. م: أعرف هذه الأربعة أسئلة، الحكم] فيها مفترق. الأول: قوله: إن كلمت فلاناً أبداً فكل مملوك أملكه من الصقالبة حر. والثاني: قوله: إن كلمت فلاناً فكل مملوك أملكه من الصقالبة أبداً حر. والثالث: قوله: إن كلمت فلاناً أبداً فكل مملوك أملكه إلى ثلاثين سنة حر. والرابع: قوله: إن كلمت فلاناً إلى ثلاثين سنة فكل مملوك أملكه أبداً حر. ومن العتبية قال [6/ أ. ص] عيسى عن ابن القاسم: فيمن قال: كل رأس أملكه إلى ثلاثين سنة فهو حر فورث رقيقاً والرجل ليس بالكبير فما ورث فهو حر ولا يعتق عليه أيضاً أصحابه لكن ما ورث فقط إلا أن تكون له نية إنه أراد الاشتراء أو الهبة أو الصدقة خاصةً ولم يرد الميراث فيدين ويحلف. وقال أشهب: فيمن قال: كل مملوك أملكه بشهر رجب فهو حر، فورث نصف عبد فحنث؛ فإنه يعتق عليه ما ورث ويقوم عليه باقيه؛ لأنه إنما أعتق عليه بالحلف لا بالميراث وبه قال سحنون في كتاب ابنه.

باب فيمن حلف بعتق عبده أو شقص له في عبده إن فعل كذا

ولا خلاف بينهما إذا قال: كل رأس اشتريته إلى ثلاثين سنة فهو حر فابتاع نصف عبد؛ أنه يعتق عليه ويقوّم عليه بقيمته إن كان مليئاً. قال ابن القاسم: وإن قال: كل مملوك أملكه إلى ثلاثين سنة حر فاشترى مكاتباً لم يعتق عليه، وكذلك لو أن أخاً ورث أخاه وهو مكاتب لم يعتق عليه؛ لأنه إنما ورث مالاً. قال سحنون: وإذا قال: كل بعد ابتاعه إلى سنة فهو حر؛ فاشترى فيها كتابة مكاتب إنه إن عجز قبل مضيها حنث وعتق عليه وإن عجز بعد انقضائها: لم يعتق. وقال في العتبية: يعتق؛ لأن أصل شرائه في السنة. م: وهذا كله خلاف لما في المدونة. باب فيمن حلف بعتق عبده أو شقص له في عبده إن فعل كذا فباعه ثم ملكه أو بقيته بشراء أو غيره قال مالك رحمه الله: ومن قال: إن كلمت فلاناً فعبدي حرٌ فباعه هو أو فلس فباعه عليه الإمام ثم كلم فلاناً ث ابتاع العبد؛ فلا يحنث بذلك الكلام الذي كلمه وهو في غير ملكه ولكن إن كلمه بعد شرائه حنث، وكذلك لو قبله بصدقة أو وصية ثم كلمه فإنه يحنث،

وإن كلمه بعد أن ورث العبد لم يحنث؛ لأنه لم يجر الميراث إلى نفسه لكن الميراث جر العبد إليه وهو لا يقدر على دفع الميراث وأما في الشراء والهبة والصدقة فهو جر ذلك إلى نفسه ولو شاء لتركه. قال مالك: ولو باع العبد ثم اشتراه من تركة من يرثه ثم كلم فلاناً فإن كان العبد قدر ميراثه أو أقل لم يعتق عليه، وذلك كالمقاسمة، وإن كان أكثر من ميراثه عتق عليه كله. م: يريد لأنه صار مشترياً لبعضه فإذا حنث في ذلك البعض استتم عليه بقيته، وقال غيره وهو أشهب وأصحاب مالك: شراؤه بعد بيع السلطان له في الدين كميراثه إياه لارتفاع التهمة. ابن المواز: وقول ابن القاسم أعجب إلينا. م: ووجه ذلك أنه يتهم أنه يخفي ماله ويظهر العدم ليباع العبد في الدين ثم يرتجعه بالشراء فيكون كما لو باعه هو [6/ ب. ص] بنفسه فوجب أن يعود عليه اليمين.

[قال ابن إسحاق: وانظر على هذا لو باعه نقداً فتداولته الأملاك ثم اشتراه الحالف هل يبرأ من التهمة؛ لأنه لم يظهر أن هناك مواطأة بينه وبين من باع منه ولو باعه من رجل فمات فاشتراه من ورثته إذا لم يعد ابتداء اشترائه تهمة إذا صح البيع الأول]. قال ابن المواز: ولو باعه السلطان عليه بعد الحنث ثم ابتاعه لزالت عنه اليمين؛ لأنها قضية ترد العتق وقاله مالك وأصحابه إلا أشهب: فإنه رأى أن بيع السلطان عليه قبل الحنث وبعده سواء، وإن ذلك مزيلاً ليمينه رافعاً للتهمة ثم نقض ذلك فقال: في المولى عليه البالغ يحنث بعتق عبده ثم يرد ذلك وصيه فيبقى ذلك بيده حتى يلي نفسه أنه يسترقه؛ قال: ولو كان إنما فيه عقد يمين فإن يمينه تلزمه. م: يريد إن اشتراه بعد أن باعه عليه وليه وذكر عن أبي عمران فيمن حلف ألا يشتري عبد فلان بحريته فجنى العبد على الحالف جناية فأسلمه إليه سيده فيها؛ إن هذا كالميراث ولا حنث عليه وليس ذلك كابتداء شرائه. قيل له: فإنه يقدر على ترك الجناية فلا يأخذه. قال: وكذلك من له ميراث أو دين يقدر على تركه. وذكر عنه فيمن فلس وله أمة قد زوجها فباعها عليه السلطان قبل الدخول من زوجها، إنه قال: اختلف قول ابن القاسم في ذلك: فروى عنه أبو زيد: أن نصف الصداق للبائع بخلاف بيعه بنفسه.

قال أبو عمران: وهو ضعيف. وروى عنه عيسى: أنه لا شيء عليه للبائع من الصداق، وبيعه وبيع السلطان سواء. وفي العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حلف بحرية رقيقه إن كلم فلاناً فحنث فرد غرماؤه عتقه وبيع عليه ثم ابتاعه بعد ذلك أو تصدق به عليه: أن اليمين تعود عليه ويحنث إن كلمه ما لم يرجع إليه بميراث. م: انظر لم هذا؟ وهذه يمين حنث فيها مرة فكان ينبغي أن لا تعود؛ لأن الحنث في مثل هذا لا يتكرر والذي تقدم لابن المواز: أنها لا تعود هو الصواب والحق إن شاء الله، إلا أن يريد أن الغرماء ردوا عتقه وباعوه من غير مراجعة إلى الحاكم حتى لا يكون الحاكم هو الذي قضى برد عتقه فيكون الأمر كما قال، ولا يكون خلافاً لما في كتاب ابن المواز؛ والفرق بين بيع الغرماء وبيع الحاكم أن في الغرماء: يحتمل أن يكون قد أخفى ماله ليرد عتق العبد والحاكم لا ينقض عتقه إلا بعد أن ينكشف هل له مال فإن لم يظهر له مال؛ حلّفه أنه ما يملك شيئاً وقضى برد عتقه.

م: وذهب ابن بكير: إلى أنه إذا باعه هو بنفسه سقطت عنه اليمين ولا تعود عليه إن اشتراه بعد ذلك؛ لأن هذا ملك ثان كالقائل لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق ثلاثاً فطلقها ثلاثاً [6/ أ. ص] أو يحنث بذلك أن اليمين لا تعود عليه. م: والذي قال: لا يلزم ملكاً لأنه عين شيئه والفرق بينهما: أنه حلف في الزوجة بطلاق ذلك الملك فإذا طلقها فقد أذهب ذلك الطلاق الذي حلف به وانحلت عنه اليمين كما لو حنث، فإذا تزوجها بعد زوج صار له فيها طلاق ثان ليس فيه يمين، والعبد إنما خرج من ملك ربه ببيع وهو عين ما حلف به، ولو خرج من ملك ربه بالحرية التي حلف بها لم تعد عليه فيه يمين؛ مثل أن يحنث في العبد فيرد السلسطان عتقه ويبيعه لغرمائه ثم يبتاعه بعد ذلك، أو يحلف بعتق عبده النصراني أن لا أفعل كذا فيعتقه ثم

يذهب إلى بلد الحرب ناقضاً للعهد ثم يُسبى ثانية فيشتريه الحالف فإنه لا يعود عليه فيه يمين؛ لأنه كان أوقع ما حلف به؛ فهذا يشبه طلاق الزوجة ثلاثاً، وأيضاً فإنه إذا باع العبد ثم اشتراه اتهم أن يكون واطأً في بيعه ليزيل يمينه ثم يرده عليه، فكأن العبد كان باقياً في ملكه ولا يتهم أحداً أن يطلق زوجته ثلاثاً ثم يتزوجها بعد زوج لينحل من يمينه فافترقا. ابن المواز قال مال وقال ابن القاسم في العتبية: فيمن حلف بحرية جاريته إن وطئها فباعها ثم اشتراها أن اليمين تعود عليه وهو حانث إن وطأها، وكذلك إن صارت إليه بهبة أو صدقة أو وصية، ولو ورثها/ لم تعد عليه ويطأها إن شاء ولا شيء عليه. قال أبو زيد عن ابن القاسم: في الحالفة تعتق أمتها إن تزوجت فلاناً فباعت الأمة ثم تزوجت فلاناً ثم رُدّت الأمة عليها بعيب؛ فإنها تحنث لأن الرد بالعيب نقص بيع. م: كأنه يريد ولو اشترتها بعد ذلك لم تحنث؛ لأن الشراء ليس ينقص البيع. قال: وإن ردت إلى المشتري قيمة العيب حنث أيضاً. م: لأنه كأنه اليوم تم بيعها. قال: وإن [ردت إلى المشتري قيمة العيب] رضيها المبتاع بالعيب لم تحنث. م: يريد لتمام البيع الأول.

وفي كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: فيمن باع عبده ثم حلف بحريته أن لا يملكه أبداً، فرُدّ عليه بعيب فهو حانث، ولو أرضاه فدفع إليه قيمة عيبه؛ جاز ولم يحنث، وكذلك لو قال له: اذهب فبعه فما نقص من ثمنه فعليّ فلا شيء عليه في يمينه، وكذلك لو حلف بحريته أن لا يتزوج فباعه ثم تزوج فوجد المشتري به عيباً فإن رضي المشتري بقيمة عيبه أو بغير ذلك حتى لا يرده فلا حنث على البائع. م: ووجه هذا: إنما ينتقض البيع الأول بالرد فمتى لم يرده فما عليه، وقال في التي حلفت بعتق جاريتها إن تزوجت فلاناً فباعتها ثم تزوجت ثم اشترتها: إنها حانثة. وروي عن ابن القاسم فيمن حلف بحرية أمته إن تزوج فلانة فباعها ثم تزوج فلانة [7/ ب. ص] ثم اشتراها. فقال ابن القاسم: قد استثقل مالك ما يشبهه ولم يعجبه أن يشتريها ولا بأس بها عندي. قال ابن المواز: وإنما استثقل شراءها قبل البناء فأما بعده فلا بأس به. م: ولا فرق بين المرأة والرجل في هذا، وإنما هو اختلاف قول؛ فوجه قوله في المرأة: كأنها إنما كرهت أن يكون لها ذلك الرجل زوجاً حاكماً عليها مستديم التزويج لا عقد

التزويج له فمتى باعت الأمة ثم تزوجته ثم اشترتها حنث فيها؛ لأنها زوجة للمحلوف عليه بعد. م: ووجه قوله في الرجل: كأنه رأى أن لفظ التزويج إنما يقتضي العقد فإذا عقد النكاح ثم اشترى الأمة [لم يحنث لانقضاء الفعل الذي عليه مثلما لو حلف ألا يكلمها فباع الأمة] ثم كلمها ثم اشترى الأمة، لم يحنث بذلك الكلام. م: وهذا أقيس والأول أحوط والله أعلم. قال ابن المواز: ولو حلف بحريتها ألا يشارك فلاناً فباعها ثم شاركه فلا يشتريها وهو شريكه. م: ويدخلها القول الآخر. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن حلف بعتق عبده ألا يكلم فلاناً فكاتبه ثم كلم فلاناً عتق عليه كمن حلف بعتق رقيقه فحنث أنه يدخل عليه في ذلك المكاتب والمدبر وأمهات الأولاد، وقد قال الرسول عليه السلام:» المكاتب عبد ما بقي عليه درهم)).

قال ابن القاسم: وإن كاتبه مع غيره كتابة واحدة ثم كلّم فلاناً لم يعتق إلا برضاء صاحبه؛ لأنه لم ابتدأ عتق أحدهما الساعة لم يجز إلا أن يجيز ذلك صاحبه فيجوز. فصل قال ابن القاسم: فيمن حلف بعتق رقيقه إن فعل كذا فلا ينفعه إن وهبهم لولده الذي في ولايته ولا يبيعهم من أهله أو يهبهم لهم ولكن يبيع من غيرهم بيعاً لأمد السنة. فيه وقيه العتبية قال أبو زيد عن ابن القاسم: إن تصدق به على ولده وأمهم صدقة صحيحة تحاز عنه فأرجو أن يكون خفيفاً، وإن كان شيئاً يليه بنفسه فهو حانث إن فعل شيئاً مما حلف فيه. قال عيسى وسحنون وابن المواز: إن تصدق بهم على كبار ولده لم يحنث إن حيزوا، وأما على الصغار فيحنث ولي هو حيازتهم أو جعل من يحوزهم لهم. وقال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: فيمن حلف بحرية أمته إن باعها فتصدق بها على ابنة له في حجره ثم يبيعها لها في مصالحها؛ قال: إن باعها حنث وعتقت عليه وغرم القيمة لابنته.

فصل ومن المدونة قال مالك: من حلف بحرية شقص له في عبد إن دخل هذه الدار فابتاع باقيه ثم حنث عتق عليه جميعه؛ لأنه حين دخل الدار حنث في الثّقص فإذا عتق ذلك/ الشقص عتق عليه ما بقي من العبد إذا كان يملكه. قال ابن المواز: لا يعتق عليك بالدخول إلا شقصك الذي كنت تملكه يوم حلفت وأما الذي ابتعت فلا يعتق إلا بحكم أو تعتقه [8/ أ. ص] أنت وليس بأنك حانث فيه، ولكن من باب من أعتق نصف عبده، وكذلك لو ورثت مصابة صاحبك أو وهبه لك ثم حنث فهو كما وصفنا. قال في المدونة: ولو لم يبتع باقيه حتى حنث عتق عليه شقصه، قوّم عليه شقص شريكه إن كان مليئاً وعتق. قال ابن القاسم: ولو باع شقصه من غير شريكه ثم اشترى شقص شريكه ثم دخل الدار لم يحنث وهو كعبد آخر. قال ابن المواز: وإنما يصح جواب ابن القاسم إذا باع مصابته من غير شريكه ثم اشترى مصابة شريكه ثم دخل الدار فهذا لا يحنث، وأما لو اشترى نصيب صاحبه قبل بيع مصابته، ثم باع مصابته من غير شريكه ثم دخل الدار فهاهنا يعتق عليه ما بيده ويقوّم

عليه باقيه؛ لأن الذي باع بعد ما ملك جميعه شائع لا يقدر على تمييزه كما كان قد فعل أولاً، ونحوه عن ابن القاسم في العتبية قال فيها: ولو باع شقصه من شريكه بدنانير ثم اشترى شقص شريكه أو بادله نصيبه بنصيبه ثم دخل الدار لحنث. ابن المواز وقاله أصبغ. وقال ابن حبيب عن أصبغ: لا يحنث وهو كما لو باعه من غير شريكه. وقال ابن حبيب: بل يحنث. قال ابن المواز قال ابن القاسم: وكذلك لو كانا عبدين بينكما حلفت بحريتهما أن لا تدخل الدار فبعت مصابتك منهما ثم اشتريت مصابة صاحبك؛ فهو كما وصفت لك في العبد الواحد في جميع ذلك، غير أن العبدين إن قاسمته حتى صار لك أحدهما لم تكن يمينك إلا في الذي صار لك وحده. قال ابن المواز: بل لو حنثت قبل بيعك مصابتك لم أعتق عليك إلا مصابتك إن اعتدلت قيمتها فكانا سواء وتقاسمه بعد حنثك فيعتق عليك العبد الذي صار لك ما لم تكن فيه زيادة ولا نقصان. م: ويظهر لي أنه إن حنث قبل المقاسمة: أنهما يعتقان عليه ويغرم نصف قيمتها لشريكه إن كان مليئاً؛ لأنه قبل المقاسمة مالك لنصف كل عبد فهو كما لو أعتق نصف كل عبد وهذا أحوط للعتق والله أعلم.

باب فيمن حلف بالعتق إن فعل أو ليفعلن هو أو غيره ووطء التي فيها عقد يمين وبيعها وكتابتها وإيلادها

باب فيمن حلف بالعتق إن فعل أو ليفعلن هو أو غيره ووطء التي فيها عقد يمين وبيعها وكتابتها وإيلادها قال مالك رحمه الله: ومن حلف بعتق إن فعلت كذا أو لا أفعل كذا فهو على بر ولا يحنث إلا بالفعل ولا يمنع من بيع ولا وطء، وإن مات لم يلزم ورئته عتق، فأما إن قال: إن لم أفعل أو لأفعلن كذا فهو على حنث يمنع من البيع والوطء ولا يمنع من الخدمة، وإن مات قبل الفعل عتق رقيقه من الثلث إن هو حنث وقع بعد الموت. م: وإنما [8/ ب. ص] كان من حلف: إن فعلت أولاً فعلت كذا على بر؛ لأنه بفعله ذلك الشيء يحنث فدل أنه كان قبل أن يفعله على بر، وأما الحالف: إن لم أفعل أو لأفعلن؛ إنما يبر بفعل ذلك الشيء فدل أنه قبل أن يفعله على حنث، وقد ذكرت في كتاب النذور وجهاً غير هذا وكلٌ صواب إن شاء الله تعالى.

ابن حبيب وقال ابن كنانة: في الحالف بعتق أمته ليفعلن كذا ولم يضرب أجلاً لا أحب له وطأها فيما عسى أن يحنث فيه، وهو كيمينه ليضربن عبده أو لينحرن بعيره؛ إذ قد يموت العبد والبعير والحالف حي فيحنث، فأما ما لا يحنث فيه إلا بموته؛ مثل يمينه ليسافرن أو ليأتين بلد كذا فله أن يطأها؛ لأنها كالمدبرة إنما تعتق بعد الموت. قال ابن حبيب: فمن أخذ بهذا لم أعبه. وأما أصبغ فقال: ذلك كله سواء. وقال عيسى عن ابن القاسم: كل من حلف بالحرية ليفعلن كذا ولم يضرب أجلاً فلا يطأ ولا يبع ولا يهب ولا يتصدق ولا يضرب حتى يفعل، وما ولد للأمة في ذلك دخل في اليمين، وأما لو ضرب أجلاً؛ فله أن يطأ إما الأم وإما البنت ولا يبيع واحدة منهما/ ولا يهب ولا يتصدق حتى يحل الأجل؛ فإن برّ وإلا كانت الأم والبنت حرتين. قال غيره: وإن مات هو قبل الأجل لم يحنث بعد الموت؛ لأنه على برّ بالأجل، ولو لم يضرب أجلاً عتق في الثلث؛ لأنه كان على حنث.

قال عيسى عن ابن القاسم: وإن فلس قبل أن يفعل فإنهم يباعون؛ كان الدين قبل يمينه أو بعده بخلاف المدبر؛ لأن هذا يقدر على البر فيرجع العتق ولا يستطيع رفع التدبير فهو أضعف من التدبير. م: قال بعض أصحابنا: ولهذا بدأ بالمدبر في الصحة أو في المرض عند ضيق الثلث على المحلوف بحريته يمين هو فيها على حنث إذا مات ولم يبر. قال عيسى عن ابن القاسم: وأما الحالف إن فعلت فله البيع والوطء والتصرف فإن حنث وعنده الأم عتقت. واختلف قول مالك فيما يولد لها بعد اليمين فقال مرة: لا يدخل في اليمين، وقال مرة: يدخل. واستحسن ابن القاسم أن يدخل ولم يعب القول في الأول. ابن المواز وقال أصبغ: لا يدخل وإلى هذا رجع ابن القاسم ولا أرى روايته أنه يدخل إلا وهما. ابن المواز وقال أشهب: وإن حلف بحرية عبده إن عفا عن فلان؛ لم ينفعه أن يبعه ثم يعفو لأن معنى يمينه لأ عاقبنه فهو كالحالف لأفعلن لا كمن حلف إن فعلت.

ومن المدونة قال ابن القاسم، وإن قال لأمنه: إن لم تدخلي أنتِ الدار وتفعلي كذا فأنت حرة؛ فإن أراد إكراهها على ما يجوز له من دخول دار أو غيره فله إكراهها على ذلك، ويكون القول قوله ويبر في يمينه، وإن لم يرد ذلك وإنما فوض إليها فإنه يمنع من الوطء والبيع؛ لأنه على [9/ أ. ص] حنث ويتلوم له الإمام بقدر ما يرى أنه أراد من الأجل في تأخير ما حلف عليه وتوقف لذلك الأمة، فإن أبت الدخول أعتقها عليه السلطان ولم ينتظر موته. وكذلك قال مالك فيمن قال لزوجته: إن لم تفعلي كذا فأنت طالق، أو قال لرجل: إن لم تفعل كذا فأمتي حرة وزوجتي طالق؛ فإنه يمنع من الوطء والبيع وهو على حنث، ولا يضرب له في هذا أجل الإيلاء في الزوجة وإنما يضرب له في يمينه ليفعلن هو فأما هذا فإن الإمام يتلوّم له بقدر ما يرى أنه أراد من الأجل في تأخير ما حلف عليه وتُوقف لذلك الزوجة والرجل؛ فإن لم يفعلا ذلك عتق عليه وطلق ولا ينتظر في هذا في يمينه بالحرية موته. قال: ولو مات الحالف في التلوم مات على حنث وعتقت عليه الأمة في الثلث وترثه الزوجة؛ لأن الحنث وقع عليه بعد موته. وقال أشهب: لا تعتق عليه الأمة في التلوم كموته في أجل ضربه لنفسه.

ابن المواز: وكأنه وقت وقتاً؛ لأن السلطان إنما يضرب له ما يرى أنه أراد بيمينه من التأخير ولو لم يضرب له السلطان لكان حانثاً إذا بلغ أمراً ينتهي إليه. [قال أبو إسحاق: وهذا الذي ذكره أشهب هو الأشبه لأنا إذا قدرنا أن الحالف أراد قدراً معلوماً صار ذلك القدر الذي أراد وجرت به العادة أن الحالفين يريدونه كالأجل المضروب، وإذا مات قبل الأجل على برّ ويطأ على هذا في إيلام التلوم على مذهب من قال: فيمن قال إن لم أفعل كذا إلى أجل كذا؛ أن له الوطء، فأما من قال: هناك لا يطأ لعدم قدرته على البيع مع أنه يقول: لو مات في التلوم لم يعتق إذ عُدّ التلوم كالأجل المضروب. وفرّق ابن القاسم بين ما ينطق به هو من أجل وبين ما ضرب له مما يرى أنه أراده]. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن قال لزوجته: إن لم أتزوج عليك أو أفعل كذا فأنت طالق؛ فهو على حنث، ويتوارثان قبل البر، ولا يحنث بعد الموت بخلاف العتق إذ يوصي بالعتق ولا يوصي ميت بطلاق. قال مالك: وكل من حلف في صحته بعتق رقيقه ليفعلن شيئاً ولم يضرب أجلاً فمات قبل أن يفعله فإنما يعتق رقيقه من الثلث. قال ابن القاسم: لأن الحنث وقع بعد الموت وكل عتق كان بعد الموت فهو في الثلث؛ لأنه لم يزل على حنث حتى مات فلما ثبت على الحنث حتى مات علمنا أنه أراد أن يعتقهم بعد موته، وقد علمت: أن عتق المريض من الثلث فالذي بعد الموت أحرى أن يكون في الثلث.

فصل قال ابن القاسم: وللحالف بالعتق ليضربن عبده أن يضربه فيبر وليس له أن يبيعه [9/ ب. ص] حتى يضربه إلا أن يحلف على ضرب لا يباح مثله فإني أمنعه منه ويعتق عليه مكانه. قال سحنون: يريد يحنث مكانه بقضية سلطان. م: وحكى عن ابن القابسي: إنه إنما يُمكَّن مما يجوز في الضرب إذا كان الجرم اجترمه العبد، وأما إن حلف على ضربه لا لعلة؛ فلا يُمكّن منه قلَّ الضرب الذي حلف عليه أو كثر؛ لأن ذلك من الظلم فلا يمكَّن منه، وذهب أبو محمد إلى أنه يمكن من يسير الضرب وهو ظاهر الكتاب، والقياس قول ابن القابسي والله أعلم. ومن المدونة قال ربيعة: وإن حلف بحرية غلامه ليجلدنه مائة/ سوط فليوقف ولا يبيعه حتى ينظر أيجلده أم لا، قال ربيعة ومالك: فإن حلف ليجلدنه ألف سوط عجلت عتقه ولا ينتظر به ذلك. ابن حبيب وقال مطرف وابن الماجشون: إن حلف ليضربنه مائة سوط فقد أساء ويترك وإياه، وإن حلف على أكثر من مائة مما فيه التعدي والشنعة فليعجل الإمام عتقه، فإن ضربه قبل ذلك لم يعتق عليه وليباع عليه إلا أن يلحقه من ذلك أمر فظيع قد أشرف منه على الهلاك فليعتق عليه.

وقال أصبغ: أرى المائة مما يخاف عليه من العَطَب ومن التعدي وليعجِّل عتقه. وبالأول أقول. ابن المواز قال ابن القاسم: وإن حلف ليضربنه مائتي سوط أو ثلاثمائة ففعل فأنهكه فلا يعتق عليه إلا أن يبلغ منه مثلة شديدة مثل ذهاب لحمه وتآكله حتى يبقى جلد على عظم فليعتق عليه مثل قطع جارحة. ومن المدونة قال مالك: وإن حلف بحرية أمته ليضربنها ضرباً يجوز له؛ منع من البيع والوطء حتى يفعل فإن باعها نقض البيع؛ فإن لم يضربها حتى مات عتقت في ثلثه. وقال ابن دينار: ينقض البيع وتعتق عليه؛ لأني لا أنقض صفقة مسلم إلا إلى عتق تام.

[قال أبو إسحاق: ويصدّق إنه وجب عليها عنده ضرب، وإن أراد ضرباً كثيراً لوجب أن تعتق عليه؛ إذ لا يأذن الناس بمثله، ولو أقر أنه يريد ضربها بغير سبب أوجب ضربها لوجب أن تعتق عليه؛ لأن ذلك معصية لا تجوز أن يمكّن من فعله]. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ولو لم يضربها حتى كاتبها ثم ضربها لبرّ. وقال أشهب: لا يبر. قال عن مالك: وتمضي على كتابتها ويوقف ما تؤدي فإن عتق بالأداء تم فيها الحنث وصارت حرة وأخذت كلما أدّت؛ فإن عجزت ضربها إن شاء. وقال أصبغ عن ابن القاسم: مثله في العتبية. م: تعقب ابن الكاتب هذه المسألة، وأنا أذكر عمدة احتجاجه؛ قال: قولهم: إن ودّا وعتق رد السيد ما أخذ من كتابته، وقال: هو قد كان [10/ أ. ص] عبده وإنما عتق الآن والكتابة خراج فكيف يرد السيد إلى عبده ما أخذ من خراجه؛ لأنه لو لم يفعل حتى مات عتق في ثلثه فدل أنه قبل ذلك عتق، وقد قال ابن القاسم: فيمن استغل عبده ثم استحق بحرية أن ليس عليه ردّ ما استغله ولا ما كاتبه عليه فكيف بهذا، وطوّل في احتجاجه

فذكر هذا الكلام لأبي عمران ففرّق بين هذه المسألة وبين ما ألزم ابن القاسم، وقال: الفرق أن المكاتب مشروط له ألا ينتزع ماله وعلى ذلك دخل فكيف وقد أحرزه، وليس كذلك من حلف بحريته: ليفعلن؛ لأن هذا لم يحرز ماله والذي استُحق بحرية فإنه لا يرجع بما استغل منه، وأما ما استفاد أو وهب له فإنه يرجع به، والمكاتب لا يكون للسيد منه إلا قدر الكتابة فافترقا. وقول أبي عمران أصوب. وقد قاله ابن القاسم وأشهب وسحنون. قال سحنون في المجموعة: وإن مات السيد ولم تؤدِّ الكتابة وثلثه يحملها عتقت فيه وسقط عنها باقي الكتابة، وكان ما وقف ردٌ عليها، وإن كان عليه دين محيط مضت على الكتابة وكان للغرماء النجوم؛ فإن ودت تم عتقها، وإن عجزت كانت وما أخذ منها في دين سيدها. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون: ومن حلف بحرية أمته ليضربنها مائة سوط فلم يضربها حتى حملت منه فليس له ضربها وهي حامل وليمنعه السلطان من ذلك ويعتقها عليه؛ فإن ضربها قبل أن تضع برّ في يمينه وأثم عند ربه. ومن كتاب ابن المواز: وإن حلف ليضربنها فباعها قبل الضرب نسي يمينه أو لم ينس فلم يرد البيع حتى ضربها فقال أشهب: قد برّ، فإن نقصها ضربه غرم النقصان، قال:

وإن حملت من المبتاع لم يبرّ بضربها ويلزمه الحنث وهي حرة لفوتها بالحمل إن كانت على يمينه بينة أو صدَّقه المشتري ويرجع المشتري بجميع الثمن ولا يحاسب بقيمة الولد وقاله مالك. قال أشهب: فإن لم يصدِّقه المشتري ولا قامت بينة فهي له أم ولد، وينتظر البائع بالثمن تصديق المبتاع فإن آيس من ذلك جعل ثمنها في رقبة يعتقها، وكذلك ذكر ابن سحنون عن أبيه. ابن المواز وقال ابن القاسم: حملها فوت وهي أم ولد للمبتاع صدَّقه في يمينها أو قامت به بينة ولا تعتق وهي كالمدبرة تباع فتفوت بالحمل، وهذا إن لم يوقِّت لفعله أجلا، وإن لم تحمل فلا يبرّ يضربها عند المبتاع حتى تردّ فيضربها في ملكه/ بخلاف قضاء [10/ ب. ص] الدين، يريد: إذا حلف بحريتها ليقضين فلاناً دينه فباعها قبل القضاء فإنه يبرّ بقضاء الدين وهي عند المبتاع، وكذلك لو ضرب أجلاً فقضى قبل الأجل وهي عند المبتاع لبر قاله ابن الماجشون.

قال ابن حبيب عن أصبغ: فإن ضرب لضربها أجلاً فباعها قبل الأجل فأولدها المشتري فهي حرة عاجلاً على البائع، فمن باع معتقةً إلى أجل فأحبلها المشتري فهي حرة على البائع بغير قيمة ولدها، فإن لم يضرب أجلاً فقال أشهب: تعتق كالمسألة الأولى، وقال غيره - وبه أقول - إنها كالمدبرة تحمل من مشتريها فتمضي أم ولد. م: واختصار اختلافهم في هذه المسألة هو: إذا حلف بحرية أمته ليضربنها فباعها قبل الضرب؛ فقيل: ينقض البيع ويضربها، وقيل: ينقض البيع وتعتق عليه، وإن لم ينقض البيع حتى ضربها عند المشتري؛ فقيل: يبر به، وقيل: لا يبر به، وإن كان إنما كاتبها هو قبل الضرب؛ فقيل: يبر بضربها في الكتابة، وقيل: لا يبر حتى يضربها بعد العجز، وإن أدّت عتقت ورجعت فيما أدّت، فإن كان إنما أحبلها، فقيل: يبر بضربها وهي حامل ويجري على قول أشهب ألا يبرّ كضربها في الكتاب، وليعجل عليه عتقها، وإن كان إنما أحبلها المبتاع منه فلا يبر بضربها وتعتق إن صدّقه المبتاع في يمينه أو قامت له بينة وردّ إلى هذا ثمنه، وقيل: بل ذلك فوت، وتكون لهذا أم ولد كالمدبرة تباع فتلد من المبتاع والله أعلم بالصواب.

في العتق إلى أجل واليمين به وفي المديان يبتل عتق عبيده قال مالك رحمه الله: ومن أعتق إلى أجل آتٍ لابد منه فله أن ينتفع بمن أعتق بالخدمة إلى ذلك الأجل ويمنع من البيع والوطء. م: يريد لأنه وطء إلى أجل معلوم فأشبه نكاح المتعة وهذا بخلاف من حلف بالحرية: ليفعلن، أو إن لم يفعل إلى أجل كذا؛ فهو على بر، له أن يطأ؛ لأنه يستطيع على رفع اليمين جملة بفعل ما حلف عليه فخرج من نكاح المتعة. ومن المدونة قال مالك: ومن قال لرجل: إن لم أقضك حقك إلى سنة، أو إن لم يقضك فلان حقك إلى سنة فامرأته طالق، فإنه يطأ امرأته في السنة، فإن قضاه هو أو من حلف عليه بها بر، وإن مضت السنة ولم يقضه حنث، وإن طلق امرأته واحدة فانقضت عدتها قبل السنة أو صالحها فمضت السنة وليست له بامرأة ثم تزوجها بعد ذلك فلا شيء عليه. قال ابن القاسم: والعتق عندي مثله، ولو حلف بعتق جاريته إن لم يفعل فلان كذا إلى أجل سماه لم يحل بينه وبين وطئها في الأجل ويمنعه من بيعها. م: لأنها مرتهنة بيمين، ولو باعها ردت البيع، ولا أقبل رضاها بالبيع.

م: يريد ولو لم يردّ البيع [11/ أ. ص] حتى مضى الأجل ولم يفعل ما حلف عليه لم يردّ البيع؛ لأن بمضي الأجل حنث، وليست في ملكه فارتفعت عنه اليمين فيها فلا يردّ إذ لا يردّ إلى أمر يترقب فيه حنثه أو بره. قال ابن القاسم وروي عن مالك: أنه يمنع من وطئها لمنعه من بيعها، وقد قال ابن عمر: لا يجوز للرجل أن يطأ جارية إلا جاريته إن شاء باعها وإن شاء وهبها أو صنع بها ما يشاء. قال ابن القاسم: فإن كان الفعل في الأجل برّ، وكذلك لو مات في الأجل لم تعتق بموته؛ لأنه مات على بر، ولو لم يمت وحلّ الأجل ولم يفعله حنث وعتقت عليه الأمة بمنزلة: ما لو حلف على فعل نفسه إلا أن يكون عليه دين فيقضى له بحكم المديان يعتق، وقد قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عدنان: إنه لا يجوز لمن أحاط الدَّين بماله، عتق ولا هبة ولا صدقة، وإن كان الدين الذي عليه إلى أجل بعيد إلا بإذن غرمائه ولا يطأ أمة ردّوا عتقه فيها؛ لأن الغرماء إن أجازوا عتقه أو أيس قبل أن يحنث فيها بيعاً عتقت وأما بيعه وشراؤه ورهنه فجائز. قال مالك: وإن بتل عتق عبيده في صحته/ وعليه دين يغترقهم ولا مال له سواهم ولم يجز عتقهم، فإن كان الدين لا يغترقهم بيع من جميعهم مقدار الدين

باب فيمن حلف بطلاق إحدى امرأتيه أو عتق أحد عبديه أو قال: لعبدين له أو لعبد ولمن فيه بقية رق، أحدكما حر

بالحصص وعتق ما بقي، وما بيع في الدين منهم فهو رقيق، وإنما القرعة عند مالك في عتق الوصايا والبتل في المرض، وبعد هذا باب فيه إيعاب عتق المديان باب فيمن حلف بطلاق إحدى امرأتيه أو عتق أحد عبديه أو قال: لعبدين له أو لعبد ولمن فيه بقية رق، أحدكما حر قال مالك: ومن حلف بطلاق إحدى امرأتيه فحنث فإن نوى واحدة طلقت التي نوى خاصةً وهو مصدق، وإن لم تكن له نية، أو نوى واحدة فأنسيها طلقتا جميعاً. قال ابن القاسم: وإن جحد فشهد عليه كان كمن لا نية له. قال ابن القاسم: وإن قال: رأس من رقيقي حر، ولم ينو واحداً بعينه، فهو يخيّر في عتق من شاء منهم وهو كقوله: رأس منهم صدقة أو في السبيل فهو مخير فيمن شاء منهم، وكذلك قوله لعبديه: أحدكما حر بخلاف الطلاق.

ابن المواز: هذا قول المصريين وروايتهم عن مالك، وقال المدنيون ورواه بعضهم عن مالك: إن الطلاق والعتق سواء، ويختار في الطلاق كما يختار في العتق. قال ابن المواز: والأول أحب إلينا؛ لأن العتق يتبعض ويجمع في أحدهم بالسهم. قيل لابن المواز: وإن شهدوا عليه أنه قال: أحد عبديّ حر فأنكر الشهادة [11/ ب. ص] وأبى أن يعتق؟ قال: يقضي عليه السلطان وينفذ الحكم عليه، فإن أبى عتق عليه أدناهما ولم يعتق عليه الجميع وكذلك ورثته بعد موته. قال ابن المواز: ولو كان في شهادتهما أنه أقر أنه أراد أحدهما ونسيه حكم عليه بعتقهما جميعاً أو على ورثته بعد موته إذا كان قوله ذلك في صحته. وفي كتاب ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم: إذا قامت عليه بينة أنه قال: أحد عبدي حر وهو ينكر أنه يقضى عليه بعتقهما جميعاً، كما لو شهد عليه أنه قال: إحدى امرأتي طالق وهو ينكر. قال أصبغ: ولسنا نقول بهذا وهو مخيّر في عتق من شاء منهما بخلاف الطلاق أقر أو أنكر. م: يريد أصبغ: أنه مخير يخيره الحكم، فإن أبى أن يعتق عتق عليه أدناهما كما قال محمد والله أعلم.

قال ابن حبيب عن أشهب وأصبغ: ومن قال: امرأتي فلانة أو فلانة طالق إن فعلت كذا فحنث؛ فإنهما يطلقان عليه، ولو قال: إن فعلت كذا فعبدي فلان أو فلان حر فحنث؛ فليختر أحدهما يعتقه؛ لأنه يعتق بعض عبده ولا يطلق بعض امرأته. قال ابن المواز: وليس قوله في المرأتين هذه طالق أو هذه كقوله أحدكما طالق، وله أن يختار في إحداهما فيطلقها في قوله هذه طالق أو هذه؛ لأنه أفصح من الاختيار، وأما قوله: إحداكما طالق فيطلقان جميعاً وليس له أن يطلق من شاء منهما إلا أن يكون نوى واحدة بعينها، ولو قال: غلامي حر أو امرأتي طالق فهو مخيّر إما أن يطلق وإما أن يعتق؛ فإن مرض فهو على خياره، فإن أعتق فمن الثلث وإن طلق فهي ترثه. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن قال لعبدين له: أحدكما حر؛ فإن نوى أحدهما عتق عليه من نوى وصدّق في نيته بلا يمين، وإن لم تكن له نية أعتق أيهما شاء. قال ابن سحنون: وقال أشهب وسحنون: إذا قال: نويت هذا صُدِّق مع يمينه. قال أشهب: فإن نكل عتقا عليه جميعاً هذا بإقراره له وهذا بنكوله. قالا: وإن قال: لم أنو شيئاً حلف على ذلك واختار عتق أيهما شاء، وإن قال: نويت واحداً ونسيته عتقا عليه جميعاً.

ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو قال: في صحته أحدهما حر ثم قال في مرضه: نويت هذا صُدِّق وعتق من جميع المال إلا أن تكون قيمته أكثر من قيمة الآخر فيكون الفضل في الثلث. م: قال بعض فقهائنا: وتكون هذه الزيادة مبدأة على الوصايا وعلى العتق والزكاة التي فرط فيها ويحتمل أن تكون مبدأة على المدبرة في الصحة؛ لأنه أمر عقده في الصحة، وإنما جعلت الفضلة في الثلث للتهمة، وغيره يراه من رأس المال ويحتمل أن يبدأ المدبر في الصحة [12/ أ. ص] عليها/ إن كان التدبير عقده قبل أن يقول: أحد عبديّ حر، والله أعلم. وقال غيره: بل جميعه خارج من جميع المال، ابن المواز: وقاله أشهب وأصبغ. قال: فإن لم يختر حتى مات: فقال ابن القاسم وأشهب وأصبغ: فإن لورثته من الخيار ما كان له. وروى عيسى عن ابن القاسم: أنه إن مات ولم يختر أقرع بينهم فإن كانوا ثلاثة أعتق ثلث قيمتهم. وروى عنه أيضاً: أنه يعتق أثلاثهم بعد موته ويشرع العتق في جميعهم.

وروى عنه سحنون مثل رواية ابن المواز قال سحنون: وبلغني عن مالك أنه قال: إذا كانوا ثلاثة عتق ثلثهم بالسهم وإن كانوا أربعة فربعهم، قال: وأنا أقول بقول ابن القاسم: إن للورثة أن يختاروا إن اجتمعوا وإن اختلفوا أخذت بقول مالك. وقال ابن المواز عن ابن القاسم: إن اختلفوا عتقت الأدنى. قال سحنون: ولو قال في مرضه: أحدهما حر ثم مات عتق نصف قيمتها بالسهم إذا حمله الثلث فإن كانت قيمتهما سواء عتق من أخرجه السهم ورقّ الآخر، وإن كان قيمة أحدهما أكثر فإن أخرج السهم الكثير القيمة عتق منه مبلغ نصف قيمتهما ورقّ ما بقي مع الآخر، وإن أخرج الأقل عتق كله وعتق من الآخر تمام نصف قيمتهما، وهو قول مالك وأصحابه إلا المغيرة. قال سحنون: وكذلك الحكم إذا قال في مرضه: يزيد حر وله عبدان اسمهما يزيد يزيد ثم مات؛ فقال: المغيرة: يعتق نصف كل واحد منهما إن حمل ذلك الثلث وإلا فيقدر ما حمل منهما. سحنون: وضارع المغيرة في هذا قول العراقيين وزال عن قولنا. قال ابن حبيب: وقال ابن الماجشون: إذا قال عند موته لعبديه: أحدكما حر؛ فليعتق عليه نصف قيمتهما بالسهم، وإن قال: يزيد أو سالم حر؛ فليعتق جميع أحدهما

حر بالسهم إن خرج له كان أكثر من نصف قيمتهما أو أقل؛ لأن ما سمي ها هنا معرفة وفي الأول نكرة، وكذلك من قال: أسهموا بين عبدي فمن خرج له السهم فأعتقوه. م: وتحصيل الاختلاف في هذه المسائل المتقدمة. إذا قال في صحته لعبديه: أحدكما حر؛ عتق من نوى وصُدِّق فيه بغير يمين، وقيل: بل بيمين. وإن لم يختر حتى مرض فقال: نويت هذا؛ صُدِّق وعتق جميعه من رأس المال إلا أن تكون قيمته أكثر من قيمة الآخر فيكون الفضل في الثلث، وقيل: بل جميعه خارج من رأس المال. وإن لم يختر حتى مات: فقيل: لورثته من الخيار ما كان له، وقيل: يقرع بينهما ويعتق نصف قيمتهما بالسهم، وقيل: يعتق نصف كل واحد، وقيل: لورثته الخيار إن اجتمعوا وإن اختلفوا: عتق نصف قيمتهما بالسهم، [وقيل [12/ ب. ص] إن اختلفوا: عتق أدناهما. وإن قال في مرضه: أحدهما حر ثم مات؛ عتق نصف قيمتهما بالسهم إن حمله الثلث، وقيل: نصف كل واحد إن حمله الثلث. وإن قال في مرضه: يزيدٌ أو مباركٌ حر ثم مات: فقيل: يعتق جميع أحدهما بالسهم] إن حمله الثلث أو ما حمل منه.

فصل قال ابن المواز: ومن قال لعبديه في صحته: أحدكما حر فلم يختر حتى مات أحدهما فالباقي حر [وكذلك لو مات السيد قبل أن يختار فلم يختار الورثة حتى مات أحدهما والباقي حر] مكانه من رأس المال. قال: وإذا مات أحدهما ثم قُتل الآخر عمداً فإنه يقتل قاتله حراً كان أو عبداً، وإن قتله خطأ فدية الخطأ على عاقلة الحر، وكذلك لو قتل أحدهما فللباقي حكم الحر مكانه، ولو لم يختر حتى جنى أحدهما فله الاختيار؛ فإن اختار الجاني فليس له ذلك إلا أن يحمل عنه الجناية، وإن اختار لآخر فله فداء الجاني أو إسلامه، فإن مات الجاني قبل الخيار فالباقي حر بغير عتق مؤتنف ويوارث الآخران مكانه، وكذلك لو مات الذي لم يجن أعتق الجاني مكانه وأتبع بالجناية؛ لأنه نفذ فيه عتق كان معقوداً قبل الجناية كالمدبر يجني ثم مات السيد والثلث يحمله. وقال سحنون في كتاب ابنه: إذا قال لعبديه: أحدكما حر فلم يختر حتى مات أحدهما أو استحق بحرية فالباقي حر لا سبيل عليه.

وقال في موضع آخر من كتاب ابنه: فإن مات أحدهما أو مرض السيد وعليه في الصحة بذلك بنية فإنه يسأل؟ فإن قال: أردت الميت؛ حلف ولا عتق للحي، وإن قال: أردت الحي؛ عتق من رأس ماله بعد يمينه، وإن قال: ما أردت واحداً بعينه؛ عتق الحي في رأس المال، وفيه تنازع، وهذا أصح. ولو أقر بهذا في مرضه أنه كان قاله/ في صحته ولا بينة فيه فلا يعتق الحي في ثلث ولا في غيره، ولو قاله في الصحة فلم يختر قتلا جميعاً؛ فعلى القاتل قيمة عبد ودية حر، ولو قتل واحداً كان الباقي حراً، ولو قطعت يد أحدهما ومات الآخر؛ فعلى القاطع دية يد حر؛ لأنه لما مات صاحبه صار هذا حراً، ولا تقطع يد الجاني وإن تعمد القطع. قال ابن سحنون: ثم رأيته بعد ذلك نحا إلى أنهما قبل الاختيار لهما حكم العبيد. وكان محمد بن عبد الحكم وأشهب يقول: فيمن قال: أحد عبديّ حر فاستحق أحدهما أنه حر الأصل فلا شيء عليه في الباقي. [قال ابن المواز: ولو قال لعبده ولحر: أحدكما حر فلا شيء عليه].

فصل ومن كتاب ابن المواز وابن سحنون وابن حبيب: ومن له ثلاثة أعبد مبارك وميمون وزيد فقال في صحته لمبارك وميمون: أحدكما حر، ثم قال لميمون وزيد: أحدكما حر؛ فإنه يخيّر؛ فإن اختار الذي وقع له القول مرتين وهو ميمون؛ عتق، ورق الباقيان، وإن أرَقّه عتق الباقيان، وكذلك إن مات هذا العبد قبل أن يختار لعتق الأول والثالث؛ لأنه كان قريباً لكل واحد منهما [13/ أ. ص] فامتنع الخيار بموته وأما إن اختار عتق مبارك أو زيد؛ فلا بد من اختيار عتق أحد الباقيين. قال سحنون: ولو مات السيد قبل أن يختار: قال ابن القاسم: فالخيار لورثته؛ لأنه من عتق الصحة والعتق لا قرعة فيه. وقال غيره: يقرع بينهما، فعلى هذا يقرع بين الثلاثة؛ فإن خرج ميمون عتق ورق الباقيان، وإن خرج أحدهما دين أقرع بين الآخر وبين ميمون ومن خرج عتق، والعتق في ذلك من رأس المال.

فصل قال ابن سحنون عن أبيه في الصحيح يقول لمكاتبه وعبده: أحدكما حر؛ إنه يسأل فمن قال: أردت عتقه؛ عتق بعد يمينه في قولي، وغيري لا يحلفه. وإن قال: لم أرد واحداً بعينه أعتق من شاء منهما وحلف وإن غفل عن هذا حتى مرض فمن قال: أردته عتق من رأس المال وإن لم يعيِّن خيِّر فمن اختار عتق من رأس ماله وإن لم يكن هذا حتى مات خيّر ورثته ولو لم يسأل السيد حتى ودى المكاتب فيسأل فإن قال: أردت المكاتب ردّ عليه ما أخذ منه من يوم أعتقه، وإن قال: لم أعين أعتق القنّ كما قلنا في القائل ذلك لعبديه فيستحق أحدهما بحريّة أو يموت فالباقي عتيق. م: وعلى ما رواه ابن عبد الحكم عن أشهب: لا شيء عليه في الباقي. قال سحنون: ولو مات السيد قبل أن يسأل وقد أدى المكاتب عتق القن، كما لو مات المكاتب أو استحق بحرية.

فصل قال سحنون: ولو قال في صحته لمدبر وعبد: أحدكما حر سُئل؟ فإن قال: أردت هذا حلف وصدِّق، وإن قال: لم أرد واحداً بعينه فليتخير من شاء منهما ويعتقه فإن مات قبل أن يُسأل؛ نُظر: فإن حمل الثلث المدبر عتق وعتق الآخر من رأس المال، كمن قال: ذلك لعبدين فاستُحِق أحدهما بحرية، وإنما يعتق المدبر في ثلث ما ترك سوى القِّن ولا حجة للمدبر إذا حمله الثلث؛ فإن لم يحمله عتق منه ما حمل، وخيّر الورثة؛ بين أن يعتقوا ما بقي من المدبر، أو عتق جميع القنّ، كما لو كان لوليهم، فإن اختاروا باقي المدبر رقَّ القنِّ، وإن اختاروا القنّ عتق، وعلم أنه الذي كان له العتق في الصحة. قال ابن المواز وغيره: وإن قال ذلك لهما عند موته أو في وصيته: فليسهم على نصف قيمتهما؛ فإن خرج المدبر عتق فإن بقي من نصف قيمتهما شيء جعل في الآخر إن حمله الثلث، وإن خرج القنّ بدأ بالمدبر ثم عتق القن إن حمله الثلث إلا أن تكون قيمته

أكثر من نصف قيمتهما [فيعتق منه قدر نصف قيمتهما] في بقية الثلث، وإن كان المدبر قدر الثلث عتق كله وبطلت الوصية، ولأشهب فيها قول عابه محمد؛ تَرَكْتُه. فصل قال سحنون: ولو قال [13/ ب. ص] في صحته لأم ولده ولأمته: إحداكما حرة؛ أنه يحلف ويخيّر كما قال في المدبر والمكاتب ما لم يمت السيد فإن مات عتقت أم الولد وعتقت الأمة من رأس المال كالقائل ذلك لعبدين يستحق/ أحدهما بحرية. ولو قال ذلك في مرضه ثم مات؛ عتقت أم الولد من رأس المال وعتقت الأمة من الثلث أو ما حمل الثلث منها. ولو قال: أقرعوا بينهما فمن خرج فأعتقوه؛ فليقرع بينهما، فإن خرجت أم الولد رقّت الأمة، وإن خرجت الأمة عتقت في الثلث وأم الولد حرة من رأس المال. وإذا قال ذلك لعبدين وأحدهما موصى بعتقه: فهما كالمدبر والقنّ، وكذلك إن كان أحدهما موصى به لرجل والآخر قِنٌّ ما لم يمت السيد في هذا؛ فإن مات فلورثته من

باب في يمين العبد أو من يولى عليه بالعتق وغيره

الخيار ما كان له، فإن أعتقوا الموصى به فهو من رأس المال وتبطل فيه الوصية، وإن أعتقوا الآخر عتق أيضاً من رأس المال وتبقى الوصية في الموصى به. ولو قال هذا في مرضه ثم مات: نُظر إلى نصف قيمتهما وأسهم بينهما فيعتق من خرج في نصف قيمتهما إن حملها الثلث. ولو اجتمعت أم ولد ومكاتبة ومدبرة ومعتقة إلى أجل وأمة فقال في صحته: إحداكن حرة؛ فإن يخير في عتق واحدة منهن ويحلف، فإن مات عتقت أم الولد في رأس المال، والمدبرة في الثلث، وأدت المكاتبة، وحل أجل المعتقة؛ فليعتق الأمة من رأس المال، والمدبرة في الثلث؛ كما لو متن أو استحققن بحرية. وفيم ذكرنا كفاية وكله من النوادر وفيها إيعابه وتمامه وبالله التوفيق. باب في يمين العبد أو من يولى عليه بالعتق وغيره قال الله تعالى: {عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ}.

قال مالك: فلا يجوز للعبد عتق ما يملك إلا بإذن سيده فإن أعتق أو حلف بعتق فيحنث فيه فلم يردّ ذلك السيد حتى عتق العبد فذلك عتق نافذ، ولو ردّه السيد قبل عتقه وبعد حنثه لبطل ولم يلزمه إن عتق يوماً ما. ابن المواز: وكذلك المكاتب يرد سيده عتقه أو السفيه يردّ الولي عتقه ثم يرشد؛ أنه يبقى رقيقاً بيده بخلاف ما يردّ من عتق المديان ثم يفيد مالا قبل بيع العبد أو بقرب بيعه وقاله ابن القاسم وأشهب. قال أشهب: وكذلك الزوجة تعتق فتزيد على الثلث فيرده الزوج ثم تزول العصمة والعبد بيدها أنها تسترقه. وقال ابن القاسم: يعتق عليها بغير قضاء بخلاف السفيه والعبد. م: والفرق عنده بين عتق المولى عليه والعبد وبين عتق المديان والزوجة؛ أن المولى عليه ممنوع من إتلاف ماله وممنوع من [14/ أ. ص] التصرف في شيء منه إلا بإذن وليه فكان وليه هو المالك، فرده لعتقه إبطال له وكذلك العبد كالمولى عليه فكأنما ماله لسيده

فإذا أعتق فكأنما أعتق مال سيده فرد السيد إبطال له ورجوع إلى حالته الأولى فلا يعود وإن زال الحجر، وأما المديان والزوجة فهما مطلقان اليد في أموالهما من التصرف والتنمية وإنما للغرماء والزوج المنع من الإتلاف؛ لأن لهما حقاً في المال فكان ذلك علة لرد العتق فإذا ارتفعت العلة ارتفع الحكم بارتفاعها ووجب نفاذه، وإنما قال ابن القاسم: يعتق في الزوجة بغير قضاء وفي المديان بالقضاء؛ لأن الغرماء ليس حقهم في عين العبد وإنما لهم مال وإنما يتسلطون على العبد بعد عدم المال فردهم إيقاف للنظر؛ هل له مال؟ فإذا وجد المال نفذ العتق والزوج كان حقه في العبد وغيره وليس رده لأمر بيّن فيه، وإنما هو رد فعل لا رد إيقاف فكان أشبه لرد الولي من رد الغرماء ولذلك رأى أشهب أنه كرد الولي وهو قياسي، وكان عند ابن القاسم أضعف من رد الولي؛ إذ للزوجة التصرف في مالها وإتلاف ثلثه، ولا كلام للزوج وكانت أفعالها أقوى من أفعال المولى عليه ورد زوجها أضعف من رد المولى فتوسط أمرها وجعلها تعتق بغير قضاء، وبالله التوفيق. قال ابن المواز: وأما إن حلف المولّى عليه والعبد والمرأة بالعتق فلم يحنثوا حتى ملكوا أنفسهم فحنثوا فذلك يلزمهم.

وفي العتبية قال محمد بن خالد عن ابن القاسم في الصبي والعبد والنصراني يحلفون الآن ثم يحنثون بعد زوال ذلك من احتلام وعتق وإسلام؛ أنه لا شيء عليهم والعبد أشدهم/ فيه؛ لأنه إذا أعتق عبده فلم يعلم سيده حتى أعتقه أن ذلك يلزمه. وقال ابن حبيب قال ابن الماجشون في العبد يحنث بعتق عبده فصمت سيده وقد علم: فإن العبد لا يلزمه عتقهم بصمات سيده وعلمه. ومن المدونة وسئل مالك عن عبد قال: إن اشتريت هذه الأمة فهي حرة ثم أراد شراءها، قال مال: لا يشتريها ونهاه عن ذلك، وأعظم الكراهية فيه، ولم يذكر أن سيده أمر باليمين. م: وإنما كرهه مالك إذ للسيد رد عتقه فيها وتبقى بيده يطؤها وقد حلف بحريتها إن اشتراها، فكذلك لو أمره سيده باليمين ولم يأمره بالشراء وأما لو أمره باليمين فحلف وأذن له في الشراء فاشتراها لعتقت عليه ولم يكن للسيد رد ذلك لعتقه بإذنه. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن قال العبد: كل مملوك [14/ ب. ص] أملكه إلى ثلاثين سنة فهو حر فأعتقه سيده، ثم ابتاع رقيقاً قبل تمام الأجل فإنهم يعتقون عليه وهذا أبين من الآول ولكن ما ملك من العبيد، وهو في ملك سيده فلا يعتقوا عليه؛ إذ لا يجوز

باب فيمن قال لأمته: أنت حرة إن دخلت هاتين الدارين أو لأمتيه: أنتما حرتان إن دخلتما هذه الدار أو قال ذلك لزوجتيه، وكيف إن قالوا: دخلناها؟

عتق العبد لعبيده إلا بإذن سيده سواء تطوع بعتقهم أو حلف بعتقهم فحنث إلا أن يعتق وهم في يديه فيعتقون، وهذا إذا لم يردّ السيد عتقه حتى عتق [فأم إن ردّه سيد قبل عتقه وبعد حنثه لم يلزمه فيهم عتق، ولزمه بعد عتقه عتق] ما يملك بقية الأجل، وقد قال مالك في أمة حلفت بصدقة مالها ألا تكلم أختها فكلمتها: إن عليها صدقة ثلث مالها ذلك بعد عتقها. قال ابن القاسم: وهذا إذا لم يردّ سيدها ذلك حتى عتقت. باب فيمن قال لأمته: أنت حرة إن دخلت هاتين الدارين أو لأمتيه: أنتما حرتان إن دخلتما هذه الدار أو قال ذلك لزوجتيه، وكيف إن قالوا: دخلناها؟ قال مالك رحمه الله: ومن قال لأمته: إن دخلت هاتين الدارين فأنت حرة فدخلت إحدى الدارين حنث وعتقت عليه، وإن قال: لأمتيه إن دخلتما هذه الدار فأنتما حرتان أو

لزوجتيه فأنتما طالقتان فدخلتها واحدة منهما فلا شيء عليه حتى يدخلا جميعاً، وقاله ابن القاسم وسحنون. وروى عن ابن القاسم: إنه يحنث فيها بدخول إحداهما. وقال أشهب: تعتق الداخلة فقط ولا قول لمن قال: لا يعتقان إلا بدخولهما جميعاً ولا لمن قال: يعتقان جميعاً بدخول واحدة. م: فوجه قول ابن القاسم الأول: كأنه إنما كره اجتماعهما فيه لوجه ما وعلى هذا أوقعت يمينه فلا شيء عليه بدخول الواحدة. م: ووجه الثاني: أنه رأى قوله: إن دخلتما يقع على دخولهما مفترقتين ومجتمعتين، ثم قال: فأنتما حرتان؛ فكأنه قال لإحداهما: إن دخل هذه الدار فأنتما

حرتان، ثم قال كذلك للثانية؛ هذا معنى يمينه وإن جمعهما في يمين واحدة فلذلك حنّثه بدخول إحداهما، والله أعلم. م: ووجه قول أشهب كأنه رأى أن المحصول من يمينه أنه حلف على كل واحدة بحريتها إن دخلت هذه الدار وأن أجملهما في يمين واحدة، فإذا دخلت واحدة عتقت وكذلك الحكم في الزوجات. ومن المدونة قال مال: ومن قال لعبده: أنت حر إن دخلت هذه الدار أو لزوجته أنت طالق [إن دخلت هذه الدار] فقالت المرأة والعبد بعد ذلك: قد دخلناها؛ فإنه يؤمر فيما بينه وبين الله بفرق زوجته وعتق غلامه [15/ أ. ص]؛ لأنه قد صار في حال الشك في البر والحنث، وأما في القضاء فلا يجبر على طلاق ولا عتق، قال في كتاب الطلاق: ولو صدقها أو لا؛ لزمه الفراق بالقضاء وإن رجعت عن إقرارها.

وقال في كتاب العتق: وكذلك لو قال لهما إن كنتما دخلتما هذه الدار فأنت حرة وأنت طالق فقالاً: قد دخلناها فذلك سواء؛ أقرّا أو لم يقرّا؛ لا يعتق العبد ولا تطلق المرأة بقضاء؛ لأن الزوج والسيد لا يعلم صدق ذلك بقولهما فيؤمر بأن يطلق أو يعتق فيما بينه وبين الله تعالى لا بالقضاء/، وكذلك إن قال لأمته: أنت حرة إن كنت تبغضيني، فقالت: أنا أحبك، أو قال لها: أنت حرة إن كنت تحبيني، فقالت: أنا أبغضك، فإنه ينبغي له أن يعتقها إذ لا يدري أصَدَقَتْه أم لا ولا يقضي عليه. قال في المجموعة: وكذلك إن قال لعبده: إن كنت تبغضني فأنت حر. فقال العبد: أنا أبغضك. قال في كتاب الطلاق: وإن قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً إن كنت تحبين فراقي، فقالت: أنا أحبه، ثم قالت: كنت كاذبة أو لاعبة؛ فليفارقها ولا يقيم عليها، وإن قال لها: إن كنت تبغضيني فأنت طالق، فقالت: لا أبغضك فلا يُجبر على فراقها ولكن يُؤمر به.

باب فيمن ملك عبده العتق أو ملكه أجنبيا

قال في كتاب العتق: وكذلك إن كان فلان يبغضني فعليّ المشي إلى بيت الله، فقال فلان: أنا أحبك فعليه أن يمشي. وقد قال مالك فيمن سأل امرأته عن خبر؟ فقال لها: أنت طالق إن كتمتيني أن إن لم تصدقيني: فأخبرته، وقالت: قد صدقتك ولم أكتمك، ولا يدري أكتمته ذلك أم صدَقته فإنه يفارقها. قال ابن القاسم: وكذلك مسائلك هذه كلها وما أشبهها فلا يقضى عليه فيها بحرية ولا طلاق ولكن يؤمر بذلك ولا يُجبر. باب فيمن ملك عبده العتق أو ملّكه أجنبياً قال ابن القاسم: ومن ملّك عبده العتق فقال له: أعتق نفسك في مجلسك هذا أو فوّض ذلك إليه، فقال العبد: اخترت نفسي، فإن قال العبد: نويت بذلك العتق صدق وعتق؛ لأن هذا من أحرف العتق، وإن لم يرد به العتق فلا عتق له. وقال غيره: إذا قال لعبده: عتقك في يديك، أو قال له: أمرك في يديك في العتق فقال العبد: اخترت نفسي، أنه حر؛ وإن زعم أنه لم يرد بذلك العتق، كما يكون ذلك في المملكة طلاقاً وإن لم ترده.

م: وحكي عن بعض فقهائنا القرويين أن الفرق عند ابن القاسم بين قول العبد: اخترت نفسي وبين قول المملكة: اخترت نفسي، أن الزوج إنما ملكها في أن تقيم أو تفارق، والفراق لا يكون إلا بطلاق، فإذا قالت: اخترت نفسي؛ علمنا أنها أرادت الطلاق، وأما العبد فيمكن أن يختار لنفسه البيع؛ لأنا وجدناه يفارق سيده ويخرج من يده بألوان شتى من البيع [15/ ب. ص] والهبة والصدقة فلا يكون قوله اخترت نفسي عتقاً حتى يريده، وأما الزوجة فلا تخرج من عصمته إلا بالطلاق فهذا مفترق. وقال غيره: إنما فرّق بينهما؛ لأن العبد إنما ملكه عتقه صراحاً فأجاب بغير صريح العتق فلا يكون عتقاً حتى يريده، ولو أجابة بصريح العتق مثل أن يقول: قبلت عتقي، وأعتقت نفسي، كان قد أظهر لنا أنه قَبِل ما جُعل إليه ويكون حينئذ عتقاً

كالمخيرة التي أجابت ما جعل لها فلما عدل العبد أن يجيب بصريح العتق وأتى بلفظ محتمل كان كالمخيرة تقول: قبلت أمري؛ أنها تُسأل عما أرادت. م: وهذا كله استئناس ألا ترى أن المخيرة إذا قالت: قبلت نفسي أنها تطلق وإن أجابت بغير ما جعل إليها، وإنما فرّق بينهما؛ لأن هذه الألفاظ إنما وردت في تخيير النساء فقيس العتق عليها فكان أضعف رتبة مما ورد فيه النص والله أعلم، ومع ذلك فقول أشهب أقيس وأحوط للعتق وبه أقول. قال ابن المواز عن ابن القاسم: وإن قال العبد: قد اخترت أمري أو قبلت أمري، ونوى العتق فذلك له وإن لم ينوه، قيل له: ذلك بيدك إن شئت فأعتق نفسك أو دع. ومن المدونة: وإن قال العبد: أنا أدخل الدار - محمد: أو أسافر - وقال: أردت بذلك العتق؛ فلا عتق له إذ ليس هذا من حروف العتق. ولو قال السيد لعبده: أدخل الدار؛ يريد بلفظه ذلك العتق لزمه.

والفرق بينهما: أن العبد مدع للعتق إذ أجاب بغير حروفه والسيد مصدّق؛ لأنه مقر على نفسه بالعبد بخلافه، وهو كالمرأة تقول في التمليك: أنا أدخل بيتي/ ثم تدعي بعد ذلك أنها أرادت به الطلاق فلا يقبل قولها، ثم ليس للمرأة والعبد بعد ذلك خيار؛ لأنهما قد تركا ما جعل لهما حين أجابا بغير طلاق، ولا عتاق وهو بخلاف السكوت الذي يترقب فيه الجواب. ابن المواز وقال أشهب: لهما ذلك ما داما في المجلس، وقولهما الأول كالسكوت، ولا شيء لهما بعد التفرق. وقال غير ابن القاسم في المدونة: إذا قال العبد: أنا أدخل الدار أو أذهب أو أخرج لم يكن هذا عتقاً إلا أن يريد بذلك العتق فيعتق؛ لأنه كلام يشبه أن يراد به العتق.

قال محمد: وقول ابن القاسم أصوب وقاله عبد الملك. م: ظاهر كلام محمد أن قول الغير كله خلاف قول ابن القاسم فلم يتكلم على قول العبد: أنا أخرج أو أذهب، والذي يدل عليه الكتاب أنه لا يخالف الغير في ذلك، دليله: قوله فيمن قال لرجل أعتق جاريتي: فقال لها ذلك الرجل: اذهبي، وقال: أدرت بذلك العتق [16/ أ. ص] بأنها تعتق؛ لأنه من حروف العتق، وإن قال: لم أرد بذلك العتق صدّق فكذلك هذا. ومن المدونة قال ابن القاسم: والقول فيمن ملّك عبده أو أمته العتق كالقول تمليك الزوجة؛ إن ذلك في يد الأمة والعبد ما لم يفترقا من المجلس فإن تفرقا أو طال المجلس بهما حتى أنهما قد تركا ذلك أو خرجا من الذي كانا فيه إلى كلامٍ غيره

أنه تركٌ لما كان فيه بطل ما جعل في أيديهما من ذلك وهذا أول قول مالك، وبه أخذ ابن القاسم، وعليه جماعة الناس، ثم رجع مالك فقال: لها ذلك وإن قامت من المجلس ما لم توقف أو تتركه يطؤها أو يباشرها أو يتلذذ منها طائعة فيزول ما بيدا. وكذلك قال في العتق. وسئل ابن القاسم في باب بعد هذا فيمن قال لأمته: أنت حرة إن هويت أو رضيت أو شئت أو أردت، حتى متى يكون ذلك لها؟ [فقال: ذلك لها]، وإن قاما من مجلسهما مثل التمليك في المرأة ما لم تمكنه من وطء أو مباشرة أو تلذذ منها أو توقف الجارية لتختار حريتها أو تترك [إلا أن يكون شيئاً فوّضه إليها. م: يريد: مثل هذا الذي تقدم كأنه] قال: وأما أنا فلا أرى لها في التمليك بعد افتراق المجلس شيئاً إلا أن يكون شيئاً فوضه إليها مثل قوله: أنت حرة إن هويت أو شئت فذلك لها وإن قاما من المجلس، وكذلك قال في كتاب التمليك ففرّق بين المبهم وهو قوله: أمرك بيدك وبين قوله: أنت طالق إن شئت أو إذا شئت فجعل لها

القضاء في التمليك ما دامت في المجلس وجعل لها في إذا شئت وإن شئت وإن افترقا من المجلس وقال: لأنه تفويض فوضه إليها. فصل وقال ابن القاسم [في باب بعد هذا]: ومن أمر رجلين بعتق عبده فأعتقه أحدهما فإن فوّض ذلك إليهما لم يعتق العبد حتى يجتمعا وإن جعلهما رسولين عتق بذلك، وكذلك إن أمر رجلين يطلقان زوجته الجواب واحد. قال أشهب وغيره من كبار أصحاب مالك: وكذلك لو ملّك أمته مع أجنبي عتقها، أو ملّك ذلك لرجلين سواهما، فلا تعتق حتى يجتمعا على العتق؛ لأن إلى كل واحد منهما ما إلى صاحبه فإن وطأها بإذن أحدهما انتقض الأمر الذي جعله لهما. م: يريد وإن لم يكن برضا أحدهما فلا ينتقض ما بأيديهما من ذلك إلا أن يطأها بعلمهما ورضاهما.

باب ما يلزم من ألفاظ العتق وما لا يلزم، ومن أعتق عضوا من عبده

باب ما يلزم من ألفاظ العتق وما لا يلزم، ومن أعتق عضواً من عبده قال مالك: ومن قال لزوجته أو لأمته: ادخلي الدار وهو يريد بلفظه [16/ ب. ص] ذلك حرية الأمة وطلاق الزوجة؛ لزمه ذلك، وإن أراد أن يقول لزوجته: أنت طالق أو لأمته أنت حرة فزل لسانه فقال لها: ادخلي الدار أو نحوه؛ لم يلزمه شيء حتى ينوي أن الأمة حرة والزوجة طالق بما تلفظ به من القول قبل أن يتكلم به فيلزمه، وإن لم يكن ذلك الكلام من حروف الطلاق والحرية. [وقال أبو إسحاق: لأنه لم يرد الطلاق بالنية؛ فيلزمه على مذهب من ألزم الطلاق بالنية ولا نصيرها لفظا به الطلاق. واختلف فيمن أراد أن يقول: ادخلي الدار فالآن أنت حرة وأنت طالق؛ فقيل: يلزمه، ولا يعذر بالغلط، وقيل: لا يلزمه ذلك، وكذلك] إن قال لجاريته: أنت برية أو خلية أو بائن أو باتة، أو قال لها: كلي/ أو اشربي أو تقنعي أو اعزبي، يريد بذلك

اللفظ الحرية؛ فهي حرة. وقد تقدمت مسألة من قال لرجل: أعتق جاريتي، فقال لها ذلك الرجل: اذهبي، يريد به العتق أنها تعتق؛ لأنه من حروف العتق.

فصل قال مالك: ومن قال لعبده: يدك حرة أو رجلك حرة؛ عتق عليه جميعه، كما لو طلق عضواً من امرأته فإنها تطلق عليه. قال ابن القاسم: وكذلك إن شهدتعليه بذلك بنية وهو يجحد؛ فإنه يعتق عليه. قال ربيعة: ومن قال في أمته: أشهدكم أن ما ولدته فهو حر، أو قال: رحمها حر، فقال: أما قوله: كلما ولدته فهو حر فما ولدت بعد قوله فعسى أن يعتق، وإن مات الرجل، أو باعها، انقطع ذلك الشرط واسترقت هي وما تلد؛ لأن قوله ذلك لها لا يحرّم بيعها ولا ميراثها؛ لأنه لم يعتق شيئاً رقه يومئذ بيده، ولا ما يكون العتاقة في مثله، وأما قوله: رحمها حر؛ فهي حرة كلها. ابن حبيب قال أصبغ: إن كان محمل ذلك على الولد إن ما يخرج من رحمها حر فلا حرية لها، وإن أراد الرحم فهي حرة.

فصل ومن المدونة قال مالك: وإن قال لعبده: أنت حر اليوم؛ عتق للأبد، وكذلك قال ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن قال لعبده: أنت حر شهراً، وقال: لم أرد عتقاً وإنما أردت أن أمهله شهراً فلا يُنوى ويعتق عليه. قال ابن سحنون عن أبيه: ولو قال له: قد وهبتك اليوم نفسه فهو حر. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن قال لعبده: أنت حر اليوم من هذا العمل، وقال: إنما أردت أن أعتقه من هذا العمل، ولم أرد الحرية، صُدّق مع يمينه ولا يكون حراً. ابن المواز: وكذلك من قال لرجل: أعنِّي بعبدك اليوم، فقال: هو اليوم حر، وهو يوم بطالته؛ وأراد أنه حر من العمل في يومه حلف ولا شيء عليه. وقال [17/ أ. ص] أشهب في كتاب ابن المواز: ثم له أن يستعمله في ذلك العمل بعينه يومه ذلك؛ لأن قوله لا يلزمه إذا حلف؛ أنه أراد أن العبد رقيق في كل شيء إلا من ذلك العمل.

قال سحنون في كتاب ابنه: فيمن قال لرجل يساوم في عبد له: إن عبدك يزعم أنه حر فقال ربه: إنه زعم ذلك فهو صادق، فسُئل العبد فقال: نعم أنا حر؛ فقال السيد: إنما وثقت به وظننت أنه يقول الحق فلا حرية للعبد كقول مالك فيمن رضي بشهادة رجل فشهد عليه ثم رجع. قال محمد: وكان الغلام ينسب إلى صلاح وحسن حال. وفي العتبية روى عيسى عن ابن القاسم وذكره ابن المواز: فيمن سئل عن أم ولده فقال: ما هي إلا حرة، فلا شيء عليه إن لم يرد العتق، ومن قيل له: من رب هذا العبد؟ فقال: ما له رب إلا الله، أو قيل له: أمملوك هذا؟ قال: لا. أو قيل له: ألك هو؟ فقال: ما هو لي. فلا شيء عليه في ذلك كله؛ كمن قيل له: ألك امرأة؟ أو هذه امرأتك؟ فقال: لا؛ فلا شيء عليه في ذلك إن لم يرد طلاقاً. قال عيسى: ويحلف فيه وفي العتق. قال ابن المواز قال ابن القاسم: وإن شتم عبد حراً فاستعدى عليه الحر سيده فقال: هو حر مثلك قال: أراه حراً.

قال سحنون في كتاب ابنه: وإن قال لعبده: قد تصدقت عليك بخراجك وبعملك أو بخدمتك ما عشت أنا، فليس له منه إلا حياة السيد [ولا يكون حراً. م: ولو قال: ما عشت أنت] فهو حر مكانه. قال: ولو قال: تصدقت عليك بخراجك أو بعملك أو بخدمتك وأنت من بعدي حر؛ فهو كأم الولد، وقاله مالك. قال سحنون ولو قال: تصدقت عليك بعملك أو خراجك أو خدمتك ولم يزد على ذلك؛ فهو حر مكانه. محمد: وقاله ابن القاسم وأصبغ. فصل ومن المدونة قال مالك: ومن عجب من عمل غلامه أو من شيء رآه منه فقال: ما أنت إلا حر، أو قال له: تعال يا حر، ولم يرد بشيء من هذا الحرية إنما أراد أنك تعصيني فأنت في معصيتك إياي كالحر فلا شيء عليه في الفتيا ولا في القضاء/.

وقال مالك: في المرأة تقول لجاريتها: يا حرة، والرجل يقول لعبده: يا حر؛ إنما أنت حر على وجه أنك لا تطيعني فليس هذا بشيء. قال مالك" في عبد طبخ لسيده فأعجبه طبخه، فقال: إنك حر، فلا يلزمه بهذا حرية؛ لأن معنى قوله: أنت حر؛ الفعال أو عملت عمل الأحرار. قال ابن القاسم: وإن قامت للعبد بينة بذلك فلا يعتقه القاضي ولو مر على عاشر فقال في عبده: هو حر ولم يرد بذلك الحرية فلا يعتق عليه فيما بينه وبين الله تعالى؛ فإن [17/ ب. ص] قامت بذلك بينة لم يعتق أيضاً إذا علم أن السيد دفع بذلك القول عن نفسه ظلماً. ومن قال لعبده: أنت حر، أو لامرأته: أنت طالق، وقال: نويت بذلك الكذب لزمه العتق والطلق ولا يُنوى وإنما النية فيما له وجه فيما وصفنا من أمر العاشر ونحوه. ومن قال لعبده ابتداء: لا سبيل عليك أو لا ملك لي عليك؛ [عتق عليه] فإن علم أنه جواب لكلام كان قبله صُدِّق في أنه لم يرد بذك عتقاً ولا يلزمه

عتق، ومن قال لأمته: هذه أختي أو في عبده: هذا أخي؛ فلا شيء عليه إن لم يرد به عتقاً. قال مالك: وإن قال لعبده: قد وهبت لك عتقك أو تصدقت عليك بعتقك فهو حر. وقال غيره: إذا وهبه فقد وجب العتق ولا ينتظر في هذا قبوله مثل الطلاق إذا وهبها إياه فقد وهبها ما كان يملك منها. قال مالك: ومن وهب لعبده نصفه: فهو حر كله. قال ابن القاسم: وولاؤه كله لسيده، وكذلك إذا أخذ منه دنانير على عتق نصفه أو على بيع نصفه من نفسه فجميع العبد حر. وقد قال مالك في عبد بين رجلين أعتقه أحدهما على مال أخذه من العبد أنه ينظر في ذلك فإن أراد وجه العتاقة عتق كله وغرم حصة شريكه. قال ابن القاسم: ويرد المال إلى العبد ولا يكون له منه شيء؛ لأن من أعتق عبداً بينه وبين آخر واستثنى شيئاً من ماله لزمه عتق العبد كله [ورد ما استثنى من المال إلى العبد].

قال مالك: وإن علم أنه أراد وجه الكتابة فسخ ما صنع ورجع العبد بينهما وأعطى نصف المال لشريكه. ابن المواز قال أصبغ: وهو أبدا على العتق إذا أشكل حتى يظهر أنه على الكتابة. ابن حبيب: وقاله مطرف وابن الماجشون قالا: ويقوّم على المعتق بما له ويكون ما أخذ من العبد في إعتاقه له دون صاحبه ولا يرد إلى العبد؛ لأنه أعطاه إياه تطوعاً وبه أعتق إلا أن يكون معسراً ليس ممن يقوّم عليه نصيب صاحبه لعسره فيرد إلى العبد ما أخذ منه ويبقى بيده. وقد اختلف قول ابن القاسم في ذلك فقال مرة: يرد المال إلى العبد مثل ما في المدونة، وقال أيضاً: يرجع ذلك بينه وبين شريكه ولا يرد إلى العبد؛ لأنه أعطاه إياه تطوعاً وبه قال أصبغ. ويقول ابن الماجشون أخذ ابن حبيب.

ابن المواز وروى أشهب عن مالك: أنه إذا قاطعه بغير إذن شريكه ردّ ما أخذ وعاد العبد رقيقاً، قيل: إنه ليس بمكاتب. قال: وإن مات فلا تقويم عليه. م: ولا خلاف بينهما إذا أراد وجه العتاقة [أو وجه الكتابة أنه يكون كما أراد، واختلف إذا أراد وجه العتاقة] لمن يكون ماله فقيل: يكون للعبد، وقيل: للذي أعتق، وقيل: يكون بين السيدين. وأما إن لم تكن له نية فقيل: [18/ أ. ص] إنه محمول على العتاقة، وقيل: بل على الكتابة. ابن المواز قال أشهب: ولو أعتق أحدهما شقصه واستثنى ما له فليس له ذلك وليرد إلى العبد، وكذلك لو أعتق الآخر بعده واستثنى ماله عتق عليهما ورد المال إلى العبد وقاله مالك وقاله سحنون. ابن حبيب: وقاله مطرف وابن الماجشون وابن القاسم. قال مطرف وابن الماجشون: وسواء كان الأول معسراً أو موسراً.

باب جامع القول في الاستثناء في العتق وغيره

باب جامع القول في الاستثناء في العتق وغيره م: وأجمعوا أن الاستثناء بمشيئة الله عز وجل في عتق ولا طلاق؛ لأن الله تعالى ألزم الطلاق لموجبه على نفسه بقول: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}. وقال الرسول عليه السلام:» من نذر أن يطيع الله فليطعه «. والعتق من ذلك؛ فإن ألزم ذلك رجل نفسه لزمه، فإذا استثنى مشيئة الله فيه فقد أظهر ما حلف عليه وغاب عنا مشيئة الله، إلا أن يظن أن الله لم يشأ عتقه، فلا يحكم في الدين بظن، وإذا استوى الأمر في علم المشيئة غلبنا العتق لحرمته والطلاق للشك فيه، فنحن إذا ألزمناه ما حلف عليه علمنا أن الله شاء ذلك، وأما إن استثنى مشيئة نفسه أو مشيئة غيره فلذلك له؛ إذ لا

يغيب عنا علم المشيئة، وكذلك إن استثنى من العدد فهو جائز؛ لأنه شائع في الكلام قال الله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}. ومن المدونة قال مالك: وإذا قال: عبيدي أحرار إلا فلان أو نسائي طوالق إلا فلانة فذلك له، لو قال: إن شاء الله لم ينفعه استثناؤه ولزمه العتق والطلاق. وقال أشهب. قال مالك: ومن قال: غلامي حرٌّ إن كلمت فلاناً إلا أن يبدو لي، أو إلا أن أرى غير ذلك فذلك له، ولو قال: غلامي حر إن كلمت فلاناً إلا أن يشاء الله لم ينفعه ذلك. ابن المواز: وسواء صرف الاستثناء إلى العتق أو إلى الفعل. [قال ابن الماجشون وغيره: إن صرف الاستثناء إلى الفعل برّ، وإن صرفه إلى العتق لم ينفعه، وكذلك الطلاق. م: وقول ابن الماجشون أبين.

ومن المدونة قال مالك: وإن قال لامرأته: أنت طالق إن أكلت معي شهراً إلا أن أرى غير ذلك، فقعدت بعد ذلك لتأكل معه فنهاها ثم أذن لها فأكلت؛ فإن كان هذا الذي أراد وهو مخرج يمينه ورأى ذلك فلا شيء عليه. قال ابن القاسم: وإن قال لها: أنت طالق إن شئت أنا أو شاء فلان لم تطلق حتى ينظر إلى ما شاء هو أو ما شاء فلان، ولو قال: إن شاء الله لم ينفعه ثنيّاه وطلقت عليه مكانها، وليس ما جعل من المشيئة إليه أو إلى أحد من العباد ممن يشاء أو لا يشاء مثل مشيئة الله تعالى؛ إذ لا يصل إلى علم مشيئة الله فيلزمه ما ألزم نفسه [18/ ب. ص] وكثير من هذا المعنى في النذور.

باب فيمن دعا عبدا باسمه ليعتقه فأجابه غيره

باب فيمن دعا عبداً باسمه ليعتقه فأجابه غيره وفي العبد بين الرجلين يحلف أحدهما بحريته إنه فعل كذا، ويحلف الآخر أنه لم يفعله قال ابن القاسم: ومن دعا عبده ناصحاً فأجابه مرزوق فقال له: أنت حر يظنه ناصحاً؛ فإن قامت بذلك بينة عتقا جميعاً بالقضاء: مرزوقٌ بما شهدت له البينة، وناصحٌ بإقراره ونيته في لفظه. وأما فيما بينه وبين الله تعالى فلا يعتق إلا ناصح إن لم تكن له بينة. وقال أشهب: يعتق مرزوق في القضاء والفتيا، ولا عتق لناصح لأن الله حَرَمَهُ. وقال أصبغ: يعتقان جميعاً في القضاء والفتيا، كمن أوقع الطلاق على إحدى امرأتيه بظنها الأخرى فيطلقان جميعاً.

وقال ابن سحنون: وقيل: لا يعتق واحد منهما. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا كانا عبد بين رجلين فقال أحدهما: إن كان دخل المسجد أمس فهو حر، وقال الآخر: إن لم يكن دخل المسجد أمس فهو حر؛ فإن ادعيا علم ما حلفا عليه دُيِّنَا في ذلك. ابن المواز قال أشهب: وكل واحد يدعي القيمة على صاحبه ويحلف كل واحد منهما على علمه والله حسيبه. ومن المدونة: وإن قالا: ما نوقن أدخل أم لا؟ وإنما حلفنا ظناً فينبغي أن يعتق عليهما بغير قضاء ولا يسترقاه بالشك. وقال أشهب: بل يجبران على عتقه، وقد قال عبد الله بن عمر: يفرّق بالشك ولا يجمع به. م: اختلف قول ابن القاسم في الكتاب الثاني في أحد الشريكين يشهد أن شريكه/ في العبد أعتق حصته: فقال مرة هو وغيره: لا يعتق منه شيء سواء كان المشهود عليه موسراً أو معسراً.

وقال ابن القاسم أيضاً: إذا كان المشهود عليه موسراً فنصيب الشاهد حر؛ لأنه أقرّ أن ماله على المعتق قيمة؛ فينبغي على هذا القول أن ينظر: فإن كان الحالفان موسرين فليعتق عليهما إذا ادعيا اليقين؛ لأن كل واحد منهما مقر أن صاحبه حنث في العبد وإنما له عليه قيمة، وإن كان أحدهما موسراً عتق نصيب المعسر؛ لأنه مقر أنه إنما له على صاحبه قيمة. وذكر أشهب هذا القول الذي حكى في كتاب ابن المواز في مسألة الدين حلفاً وأعابه وخطأه، وقال: لا يعتق مصابة من لم يعتق أبداً إلا بعد القيمة وقبضها فإذا أعدم المتعق أو مات قبل ذلك لم يعتق فكذلك إذا جحد حتى منعنا من التقويم عليه؛ فلا حرية فيها، وهذا كالمتمتع لا يجد ثمن الهدي وله على رجل حاضر [19/ أ. ص] موسر مال فجحده فإنه يسقط عنه بذلك الهدي، [فكذلك هذا سواء].

باب في العتق بالسهم وما يجوز منه وما لا يجوز

باب في العتق بالسهم وما يجوز منه وما لا يجوز قال سحنون في كتاب ابنه لم يختلف العلماء: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق بالسهم ولذلك أصلٌ في كتاب الله سبحانه وهو قوله: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} وقال في يونس {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ}. وقد روى مالك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم بين الستة الأعبد الذين أعتقهم رجل عند موته ولا يملك غيرهم فأعتق ثلثهم وحكم بذلك في المدينة، قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت. واختلف في عتق ذلك الرجل فقيل: بتلهم، وقيل: أوصى بعتقهم، فنحن نستعمل القرعة فيما جاء فيه الخبر؛ من العتق في المرض، أو الوصية به عند ضيق الثلث، أو عتق جزء أو عدد من جملة عبيد. قال: ولا يسهم بين المدبرين في الصحة لأنا لا نعدوا ما جاء فيه الخبر من

القرعة في عتق المريض إذا كانت رخصة لا يقاس عليها كما لا يقاس على المسح على الخفين. وقال المغيرة: لا يقاس على العتق بالسهم ويعمل به فيما جاء، فأما في عتق الصحة فلا. وقال المغيرة: وإنما القرعة فيمن أعتق عبيداً عند موته ولا مال له غيرهم فليتبع فيه الحديث وليس هذا مما يقاس عليه. قال: ولو قال في وصيته أحد عبيدي حر وهم خمسة أعتق خمس كل واحد منهم. قال سحنون: ضارع المغيرة قول العراقيين. ابن المواز وقال أصبغ وأبو زيد والحارث: في المبتلين في المرض لا يحملهم الثلث: فليعتق من كل واحد منهم بغير مهم وإنما جاءت السنة بالسهم في الوصية. قال سحنون: ويفترق عندنا إذا سمى وإذا لم يسم؛ فإذا سمى فقال: ميمون ومرزوق حران؛ فليتحاصان في ضيق الثلث. وإن قال: عبديَّ حران أو قال: غلماني أحرار؛ أقرع بينهم.

وكذلك قال ابن المواز إذا قال: عبدَيَّ فلان وفلان حر وفلان حر حتى أتم جميعهم فهؤلاء يتحاصون في الثلث بلا سهم. قال أشهب: وقد قيل: يقرع بينهم. وكذلك قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: سواء سماهم أو لم يسمهم أنه يقرع بينهم. م: فوجه الحصاص: فلأنه لما سماهم فكأنه أراد شروع العتق في جميعهم ولولا ذلك لاختص فقال: عبيدي فلا بد أن يكون للتسمية فائدة. م: ووجه القرعة: فلأن قوله: فلان وفلان كقوله: عبدَاي لا زيادة معنى فيه فوجب أن يستويا. م: [19/ ب. ص] فصار إذا بتل عتق عبيده أو أوصى بعتقهم [وقد سمّى أو لم يسمِّ] ولم يحملهم الثلث؛ ففي كل وجه قولان: قيل: يقرع بينهم، وقيل: يتحاصون.

ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومما يكون فيه السهم في الصحة أن يعتق/ نصف رقيقة أو جزءاً يسميه كان ذلك في الصحة أو في الصحة أو في وصية سواء في إقامة السهم فَيُعتقُ من خرج إلى مبلغ قيمة الجزء الذي سمى فإن فضل من قيمة نصفهم أو الجزء الذي سمى فضلة حتى يقع ذلك في بعض عبد؛ فإن كان في وصية رقّ باقية وإن كان في صحته استتم عتق ما بقي منه. قال ابن المواز: وأما إن قال: أنصاف رقيقي أو أثلاثُهم فلا يُسهم في ذلك في الصحة ولا في الوصية، ولكن يعتق منهم الجزء الذي سمى من كل رأس إن حمل ذلك الثلث في الوصية، وأما في الصحة فيعتق ذلك ويستتم عليه باقيهم. وقال ابن الكاتب في القائل في مرضه: أثلاث رقيقي حر، هذا لم يرد تكميل عتق أحدهم ولا تمام حريته، وأما الموصي بعتق ثلثهم أو جميعهم والثلث لا

يحملهم؛ فهذا أراد تكميل العتق وتمام الحرية، فوجب تمييزهم بالقرعة ليحصل له مراده؛ لأنا متى لم نفعل ذلك وجعلنا العتق مشاعاً لم نستفد بذلك العتق حكماً من أحكام الحرية؛ لأن أحكام المعتق بعضه أحكام العبد، والذي أعتق جميع عبيده ولا يحملهم ثلثه فقد علمنا أراد تكميل الحرية فيهم وتمام حريتهم وليس كذلك من أوصى بثلث عبيده لرجل أنه يكون شريكاً؛ لأن الموصي إنما أقام الموصى له مقامه والحرية تنافي الرق، ويجب استئناف حكم لها، وحرمة العبيد وأحكامهم سواء شاعت حصة الموصى له أو انفردت. ومن المدونة قال مالك: ومن أوصى بعتق عبيده أو بتل عتقهم في مرضه ثم مات؛ عتق جميعهم إن حملهم الثلث، وإن لم يحملهم الثلث عتق منهم مبلغه بالسهم، فإن لم يدع غيرهم عتق ثلثهم بالسهم.

وإن قال: ثلث رقيقي أحرار أو نصفهم أو ثلثيهم عتق منهم ما سمى بالقرعة إن حمل الثلث وإلا فما حمل الثلث مما سمى. وإن قال في مرضه: عشرة من رقيقي أحرار وهم ستون؛ عتق سدسهم أخرج السهم أكثر من عشرة أو أقل، ولو هلك عبيده إلا عشرة لعتقوا إن حملهم الثلث وإن كثرت قيمتهم، فإن لم يحملهم الثلث عتق منهم مبلغه بالقرعة ورقّ ما بقي، وإن بقي منهم أحد عشر عتق منهم عشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً بالسهم إن حمل ذلك الثلث، وإن بقي منهم عشرون عتق نصفهم بالقرعة في الثلث وإن بقي ثلاثون [20/ أ. ص] عتق ثلثهم تجعل أبداً ما مات كأنه لم يكن منهم وينسب ما سمى مما بقي، وهذا كله قول مالك، والقرعة بين العبيد إنما هي على قيمتهم ولو سمى جزءاً فقال: سدسهم لم يعتق إلا سدس من بقي بالسهم ولو بقي واحد عتق سدسه. وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون: سواء سمى جزءاً أو عدداً فإنما يعتق ممن بقي جزء ما كان يعتق من الجميع، مثل: أن يوصي بعتق خمسة وهم ثلاثون فيهلكون إلا خمسة فإنما يعتق سدس الخمسة، وقاله ابن كنانة. وقال مطرف مثل قول ابن القاسم. [قال أبو إسحاق: وعلى مذهب عبد الملك أن التسمية لغو وكأنه أراد سدسهم لم يبق إلا واحد لم يعتق إلا سدسه، وعلى هذا: لو ولدوا لم يكن إلا سدسهم وعلى المعروف من

قول ابن القاسم ينبغي أن يكون يضرب بالسهم دون الأودلاد فمن خرج من الأمهات تبعه ولده]. ومن المدونة: ولو قال: رأس من عبيدي حر ولم يعينه فبالسهم يعتق منهم إن كانوا خمسة يوم يقوموا عتق خمسهم أو ستة فسدسهم أخرج السهم لذلك أقل من واحد أو أكثر. ابن المواز قال أشهب: ولو قيل: يعتق من كل رأس سدسه لجاز، وأحب إلى أن يعتق سدس قيمتهم، خرج لذلك رأس أو بعض رأس. محمد: وهو قول مالك وأصحابه. قال أشهب: ولو أوصى بذلك عن عتق رقبة لزمته في ظهار أو قتل نفس خطأ فليس كالأول قد يقع لذلك بعض رأس في السهم ولم يرد ذلك، ولكن استحسن في هذا أن ينظر إلى كل ما يجوز في الرقاب الواجبة منهم، فليسهم بينهم فيمن خرج له السهم عتق كله ولا عتق لمن بقي.

ابن حبيب وروى مطرف عن مالك: فيمن قال عند موته: رأس من رقيقي أو أحد عبيدي حر، وهم ثلاثة، فأقرع بينهم، فخرج أحدهم وهو أكثر من ثلث قيمتهم، فإنه يعتق/ كله إن حمله الثلث، وأخذ به مطرف. وقال: هو قول ابن أبي حازم. ابن حبيب: وأصحاب مالك كلهم على خلافه. م: وأما الصحيح يقول: من رأس رقيقي حر فليختر منهم واحداً فيعتقه فإن مات قبل أن يفعل فورثته بمثابته في اختيار أحدهم ويكون من رأس ماله، وقد تقدم الاختلاف في هذا. ومن المدونة قال مالك: وإذا انقسم العبيد على الجزء الذي يعتق منهم جزأتهم بالقيمة وأسهمت بينهم وأعتقت ما أخرجه السهم. قال ابن حبيب: وتفسير ذلك أنه إذا قال: عبيدي أحرار ولم يدع غيرهم فانقسموا على ثلاثة أجزاء معتدلة جزأتهم كذلك وكتبت [20/ ب. ص] أسماء كل جزء بطاقة،

وتلف كل بطاقة في طين، ويحضر لذلك العدول وتعطى لمن يدخلها في كمه من صغير أو كبير ثم تُخْرج واحد فتفضُّ فيعتق من فيها. وكذلك لو قال: ربع عبيدي أو خمسهم جزأتهم على أربعة أو خمسة، وتصنع كما ذكرنا. قال فيه وفي المدونة: وإن لم ينقسموا على الأجزاء علمت قيمة كل واحد وكتبت اسمه وقيمته في بطاقة - يريد - ثم تلفها في طين ويُعطى لمن يسهم بينهم كما وصفنا أولاً فمن خرج منهم اسمه نظرت: فإن كانت قيمته مبلغ الجزء الذي يعتق منهم، عتق، وإن زادت قيمته عتق منه مبلغه فقط، وإن نقص عتق كله وأعدت السهم لتمام ما بقي من جزء الوصية، فإما يقع لذلك عبد أو بعض عبد.

فصل قال مالك: ومن قال عند موته: أثلاث رقيقي أو أنصافهم أحرار أو ثلث كل رأس [أو نصف كل رأس]؛ عتق من كل واحد منهم ما ذكر، أن حمل ذلك ثلثه ولا يُبدّى بعضهم على بعض. قال ابن القاسم: وإن لم يحمل ذلك ثلثه عتق ما حمل ثلثه مما سمّى بالحصاص من كل واحد بغير سهم، وقال أشهب. م: يريد ولو وسعهم الثلث عتق جميعهم إلا أن تكون وصية. م: ويفترق في هذا الصحة من المرض أو الوصية: فإن قال ذلك صحيح: عتق عليه ثلث كل رأس واستتم عليه ما بقي من كل رأس؛ لأنه مالك لجميع ماله فاستتم عليه فيما يملكه. وإن قاله مريض فمات: عتق أيضاً ما سمى واستتم عليه باقيهم [في ثلثه وإن عاش أتموا من رأس ماله؛ لأنه أوقعه في مال لا يملك إلا ثلثه فاستتم عليه فيه] فإذا عاش صار مالكاً لجميع ماله واستتم عليه فيه.

وإن قاله في وصية: عتق من كل واحد منهم ثلثه فقط. م: لأنه أوقعه في حال صار ماله لورثته فلا يستتم عليه فيه كما لو أعتق شقصا له حينئذ قوّم عليه حصة شريكه فكذلك هذا. وأما إن قال: نصف عبيدي أحرار في الصحة: فقال سحنون: يحلف في قولي لا في قول ابن القاسم إنه لم يرد واحداً بعينه؛ فإذا حلف قيل له: اختر من تعتق حتى تبلغ النصف. وقال ابن القاسم: بالسهم يعتق منهم قدر نصف قيمتهم، فإن وقع تمام النصف في بعض عبد استتم على لاصحيح عتق جميعه، وأما إن قال في مرض أو وصية؛ فذلك سواء، ويعتق نصف قيمتهم بالسهم كما بينا.

ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن قاله في صحته إن كلمت فلاناً فرقيقي أحرار؛ فكلمه في مرضه ثم مات؛ عتقوا إن حملهم الثلث أو ما حمل منهم بالسهم، ورقّ ما بقي وهم كالمبتلين في المرض، ولو كانت يمينه لأفعلن كذا فمات ولم يفعله فها هنا يعتقون إن حملهم ثلثه، وإن لم يحملهم عتق مبلغ الثلث [21/ أ. ص] من جميعهم بالحصاص بلا سهم. قال أبو محمد: لأنه كان على حنث يمين في الصحة. قال ابن القاسم: ويدخل معهم كل ولد حدث لهم بعد اليمين من إمائهم فيقوّمون معهم في الثلث وهم كالمدبرين، وقاله مالك في دخول الأولاد معهم. م: واختلف المتأخرون في إن كانت يمينه في المرض فقال: إن لم أفعل كذا فعبيدي أحرار فمات قبل/ أن يفعل هذا: فقال القرويون: إنهم يعتقون بالحصاص كالمدبرين، وقال الصقليون: إنهم كالمبتلين يعتقون بالسهم بخلاف أن لو كانت بيمينه في الصحة. م: وهذا على نحو ما اعتل به الشيخ أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله من قوله؛ لأنه كان على حنث يمين في الصحة، فدل أن المرض بخلافه، ورجح بعض فقهائنا: القول الأول، والله أعلم.

باب في عتق المديان في صحة أو مرض، وتداينه بعد العتق، ورد عتقه، وبيع من أعتق، وملكه من يعتق عليه، وعتقه ما في بطن أمته، وعتق المريض ومحاباته، وعتق الأب عبيد ابنه

باب في عتق المديان في صحة أو مرض، وتداينه بعد العتق، ورد عتقه، وبيع من أعتق، وملكه من يعتق عليه، وعتقه ما في بطن أمته، وعتق المريض ومحاباته، وعتق الأب عبيد ابنه قال مالك رحمه الله: الأمر الذي لا اختلاف في عندنا: أنه لا يجوز لمن أحاط الدين بماله عتق. ولا هبة ولا صدقة، وإن كانت الديون التي عليه إلى أجل بعيد إلا بإذن غرمائه، ولا يطأ أمة ردّوا عتقه فيها؛ لأن الغرماء إن أجازوا عتقه فيها أو أيسر قبل أن يحدث فيها بيعاً، عتقت، وأما بيعه وشراؤه ورهنه فجائز. قال سحنون في المجموعة: وإن وطأ جارية ردّ الغرماء عتقه فيها، أو وطأ جارية قد أوقفها السلطان فحملت منه؛ إنه إن عُذِر بالجهالة في وطئه إياها بعد العتق لم يكن عليه

شيء وإن لم يُعذر أُدِّب، فإن وضعت ولم يفد مالا بيعت هي، وولدها حر، وكذلك إن وطأها بعد أن أوقفت وقبل العتق فإنها تباع وولدها حر تام الحرية إلا أن يفيد مالاً قبل أن تباع فتكون أم ولد. م: وقال بعض فقهائنا: إن رد الغرماء عتقه فتعدى فوطأها فحملت أنها تباع بعد الوضع. وقال غيره: ولا تباع إلا أن يكون الحكم قد انتزعها منه، وأوقفها للبيع فتعدى فوطأها فحملت فهاهنا تباع. قال بعض فقهائنا: والأول أصوب، وعليه يدل كلام سحنون المتقدم؛ ولأن ضمانها منه في الوجهين أوقفها الغرماء أو السلطان فلما تعدى على الغرماء وأراد الضرر بهم منع من ذلك وبيعت لهم. م: وكذلك عندي لو تشاور الغرماء في تفليسه فقال: أنا أقفها بالولادة وأمنعهم من بيعها وشهد عليه بقوله هذا بينة ثم عمد فأحبلها وغافصهم في ذلك

فإنها تباع بعد الوضع، لأنه أراد إتلاف أموالهم [21/ ب. ص] فوجب أن يحرم ذلك كمنع القاتل الميراث. قال في العتبية: فإن تصدق أو أعتق ثم قام غرماؤه في ذلك بعد حين فإن أقاموا البينة أنه حين تصدق لا وفاء عنده فيما يرون: قال ابن القاسم: فلهم رد ذلك، إذا لم يكونوا علموا بالصدقة، وإن كان في الصدقة فضل على دينهم لم يرد الفضل، وأما العتق فلا يرد إن طال زمانه، ووارث الأحرار وجازت شهادته. ابن المواز: قام مالك: ويرد ما تصدق به وإن طال الزمان إذا قامت البينة أنه تصدق وعليه هذا الدين ولا وفاء له فيما ترى البينة إلا أن يوسر في خلال ذلك فلا يرد، وإن أعدم بعد ذلك قبل قيام الغرماء، وأما العتق فاستحسن ألا يرد بعد طول الزمان إذا لم يقم الغرماء حتى وارث الأحرار وجرت له وعليه حدود وجازت شهادته.

قال ابن القاسم: وذلك إذا طال الزمان جرى مما يجري فيه مجاري الأحرار فيما ذكرنا. قال أصبغ: وذلك في التطاول الذي لعله أتت على السيد فيه أوقات أفاد فيها وفاء الدين وينزل أمر الغرماء على أنهم علموا بطول الزمان فلا يُصدّقوا أنهم لم يعملوا ولو استيقن بشهادة قاطعة أنه لم يزل عديماً متصل العدم مع غيبة الغرماء وعلى غير علمهم لرد عتقه ولو ولد له سبعون ولداً. وقال ابن عبد الحكم: إن قاموا بعد الثلاث سنين أو الأربع وهم في البلد، وقالوا: لم نعلم. فذلك لهم كانوا رجالاً أو نساءً حتى تقوم بينة أنهم علموا، وأما في

أكثر من الأربع فلا يقبل منهم، وإن قال الغريم: علمت بعتقه ولم أعلم أن عليه من الدين ما يغترق ماله، وله مال ظاهر؛ لم ينفعه، والعتق ماض ولا حجة لمن علم في رد شيء من عتقه، وينفذ من عتقه بقدر دين من علم/ من قدر دين من لم يعلم بالحصص. ومن المدونة قال مالك: ومن أعتق في صحته أو دبر أو كاتب وعليه دين وله يومئذ عرض سوى عبده فيه كفاف دينه؛ جاز ذلك كله، فإم لم يقم الغرماء حتى هلك العرض فلا رد لهم لما صنع وإن لم يعلموا به. وإن أعتق عبده وله مال سواه يغترقه الدين ويغترق نصف العبد فلم يقم عليه حتى أعدم لم يبع لغرمائه من العبد إلا ما كان يباع لهم يوم أعتق وذلك نصفه. قال ابن القاسم: والشريك عندي مثله؛ لجواز تدبير حصته من عبد بإذن شريكه. قال فهو إذا أعتق أو دبر وله مال لا يفي بدينه بيع من العبد بما بقي من دينه بعد المال وكان باقيه عتيقاً أو مدبراً، وأما إن كتبه وله مال لا يفي بدينه ردت الكتابة كلها؛ إذ لا

يكاتب بعض عبد وبيع [22/ أ. ص] في الدين إلا أن يكون في الكتابة إن بيعت أو بعضها كفاف للدين أو لقيمة الرقبة؛ فتباع لذلك ولا ترد الكتابة؛ لأنه لا ضرر على الغرماء في شيء من دينهم إذا كان فيما يباع من كتابته وفاء لدينهم، ولا يجوز لأحد الشريكين في عبد إن يكاتب نصيبه بإذن شريكه أو بغير إذنه؛ لأن ذلك ذا داعية إلى عتق النصيب بغير تقويم. قال مال: وأما إن دبّره بإذنه جاز، وإن دبره بغير إذنه قوّم عليه نصيب شريكه ولزمه تدبير جميعه ولا يتقاوياه. قال ابن القاسم: وكانت المقاواة عند مالك ضعيفة ولكنها شيء جرت في كتبه. وفي التدبير إيعاب هذا. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن أعتق عبده وله يوم أعتقه مال يفي بنصيب دينه أو أفاده بعد العتق ثم ذهب الآن فلا يرد من العتق إلا بقدر تمام نصف دينه. قال ابن المواز: ولو كان أفاد بعد تلف هذا المال ما يفي بنصف دينه أيضاً فلم يقُم الغرماء حتى ذهب لم يُردّ من العتق شيء وقاله كله ابن القاسم.

قال ابن القاسم: ولو أعتق عبدين معاً وعليه دين مثل نصف قيمتهما فلم يبع منهما شيئاً حتى مات أحدهما فلا يباع الثاني إلا ما كان يباع منه لو لم يمت الآخر، [وكذلك لو اعور أحدهما لم يبع منهما إلا ما كان يباع قبل العور]. قال: ولو أعتق واحداً بعد واحد فإن كان في الآخر كفاف الدين عتق جميع الأول، فإن كانت قيمته أقل من الدين بيع من الأول بقية الدين وعتق ما بقي؛ فإن لم يبع الآخر حتى نقصت قيمة الأول بحوالة سوق أو نقص بدن لم ينظر إلى ذلك وعتق الأول كله أو ما كان يعتق منه يوم العتق. قال ابن المواز: ولو حالت قيمة الآخر بزيادة ثم نقصت بعد ذلك فليحسب للمفلس أرفع قيمة بلغت الآخر. وقاله ابن القاسم وأشهب. قال: ومن أعتق عبده وعليه دين يغترق نصف قيمته يوم العتق؛ لم ينظر إلى ما زاد بعد ذلك أو نقص من القيمة، وينفذ عتق تلك الحصة ولا يرد.

أما في النقص فنعم، أما في الزيادة فينبغي ألا يُباع منه إلا بقدر الدين، ويعتق ما بقي؛ لأن زيادة قيمته كمال أفاده بعد العتق وذلك يزيد في عتقه. وقال ابن حبيب عن أصبغ فيمن عليه تسعمائة دينار، أعتق جارية قيمتها ألف دينار وإن بيع منها للدين [لم يكن في تبعيضها وفاء له وإن بيعت كلها بيعت بأكثر منه قال: تباع كلها ويصنع مما يبقى من ثمنها بعد قضاء الدين] ما شاء، ولا يؤمر إن يجعله [22/ ب. ص] في عتق ولو وجد أن يباع منها بتسعمائة وإن كان أكثر من تسعة أعشارها لبيعت وعتقت الفضلة، قال: ولو تأخر بيعها حتى حال سوقها فلا تساوي إلا تسعمائة فإنما يباع منها اليوم قدر ما كان يوفي منها الدين لو بيعت يومئذٍ غير كاملة ويعتق منها اليوم ما كان يعتق منها يومئذ ويبقى بقية الدين في ذمة الغريم، ولو حال سوقها بارتفاع حتى يكون نصفها يوفي التسعمائة لم يبع منها إلا مقدار ما يوفي الدين ويكون جميع ما بقي حراً، ولا حجة للغريم في نماء قيمتها إلا أن يقول: لا أعتق إلا ما كان يعتق يومئذ.

وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية: فيمن أعتق عبده وعليه دين إن بيع كله كان أكثر من الدين وإن بيع بعضه لم يكن فيه وفاء للدين لنقص ثمنه لدخول الحرية فيه قال: يباع كله ويجعل ما بقي بعد الدين في حرية، وقد سمعت مالك أن ذلك ليس عليه بواجب ولكن استحسنه. قال أبو محمد/ وقال محمد بن عبد الحكم: ومن أعتق عبدين له قيمة كل واحد مائة دينار وعليه من الدين خمسون ديناراً، وهما إن بيع من كل واحد منهما جزء للدين لم يبلغ ذلك الدين لدخول الحرية فيهما، ولو بيع كل واحد منهما على الرِّق كان في ثمن أحدهما أكثر من الدين؛ قال: يُقْرَع بينهما أيهما يباع للدّين فمن خرج سهمه بيع للدّين فقضي منه، فإن بقي من ثمنه شيء دفع إلى سيده يصنع به ما شاء وليس عليه أن يعتق به رقبة إلا أن يتطوع؛ فإن فعل فذلك حسن. محمد: ولا حجة لمن يباع منهم؛ لأن البيع وجب في جميعهم، وقال أشهب. م: يريد: ويعتق جميع الآخر.

قال ابن عبد الحكم: وكذلك من مات عن مدبّر قيمته مائة دينار وعليه من الدين عشرون ديناراً وهو إن بيع منه جزء للدّين لم يبلغ ذلك الدين فليبع كله فيقضى الدين من ثمنه، ويدفع ما بقي للورثة وليس عليهم فيه عتق إلا أن يتطوعوا. قال سحنون: ويباع في مثل هذا على التبعيض، فقال: من يشتري منه بالعشرين؟ فيقول واحد: أنا آخذ ربعه ويقول آخر أنا آخذ خُمسه بها. هكذا يناقص حتى يقف على شيء لا ينقص منه فهذا أعدل، وهو قول حسن لعبض أصحاب مالك. فصل قال ابن المواز: ومن أعتق رقيقه وعليه دين يحيط ببعضهم فلم يعلم الغرماء حتى أدّان ما يحيط ببقيتهم فقال ابن القاسم: لا يباع منهم إلا بقدر دين الأولين ثم يدخل معهم فيه الآخرون؛ لأنه قد حل للآخرين كما حل للأولين تفليسه [23/ أ. ص].

وقال أشهب: بل يباع جميعهم حتى يستوفي الأولون والآخرون؛ لأنه إذا دخل الآخرون مع الأولين بقي الأولون لم يستوفوا دينهم فلا يتم عتق ولا يتم دين الأولين فكلما بيع لتمام دين الأولين دخل فيه الآخرون فلا يزال كذلك حتى لا يبقى للأولين حق. قال ابن المواز: وقول ابن القاسم أصوب؛ لحجة العبيد أنه وجب لهم عتق ما ناب على الدّين الأول. قال أصبغ: وسألت ابن القاسم عن قول أشهب هذا فعرفه ولم يعجبه ورآه باطلاً وظلماً. قال أصبغ: وهو إغراق في القياس والإغراق فيه كالتقصير عنه ولا يباع منهم إلا مرة وحده للأوليم ويدخل في ذلك الآخرون وهو القياس والصواب. قال ابن القاسم: وأما إن دبّر عبده وعليه دين يحيط بنصفه ثم أدّان بعد التدبير مثل نصف قيمته؛ فإنه يباع منه بقدر الدّين الأول فيأخذه الأولون ولا يدخل فيه الآخرون ولا يباع لهم شيء. ابن المواز: وقد بقي لهم ما يباع بعد موت السيد.

قال ابن المواز: ومن ابتاع عبداً بيعاً فاسداً فأعتقه قبل دفع ثمنه، وقيمته أكثر من الثمن - يريد وليس له غيره -: فقال أشهب: يرد منه قدر الثمن فقط لأن القيمة إن كانت أكثر فلم يلزمه إلا بعد العتق ولكن يتبع بالزيادة، وقاله ابن القاسم. قال محمد: وهذا رجوع من أشهب إلى أصل ابن القاسم في غريم قبل العتق وغريم بعد العتق في دخول الآخر في ثمن ما ردّ الأول من العتق. [قال أبو إسحاق: فتأول محمد أن أشهب ها هنا لما قال: يباع منه بقدر العشرة الأولى مع أن له دينين دين قبل العتق/ وهو العشرة الأولى التي كانت قبل العتق ودين بقية القيمة التي حكم له بها كأنه حادث به العتق فكان عنده قياس أشهب: أنه إذا بيع منه بالعشرة الأولى حاصص نفسه فيها بالعشرة الثانية الحادثة مع العتق التي هي بقية القيمة فنقصت الأولى عن أن يأخذها في العشرة الأولى فوجب أيضاً بيع بقية العبد حتى يستتم عن الدين الأولى عشرة إذ لا فرق بين رجل واحد له دينان: أحدهما: قبل العتق، والآخر: بعد العتق، ولا بين رجلين. وهذا الذي أراد محمد ولا يلزم هذا أشهب؛ لأن أشهب يقول: إنما يجب التحاصص في دينين لا مزية لأحدهما عن الآخر والدين الأول الذي هو عشرة بيد البائع بها رهن فيجب ألا يدخل عليه فيما أخذه من بقية القيمة؛ فإذا لم يدخل عليه في الأول لم ينقض العتق لما حدث بعده، لأنا إنما نقضنا عناك ما حدث بعد العتق لانتقاض ما كان قبل العتق، ألا ترى في مسألة الدور: لو كان في يد الأولين قبل العتق رهن بدينهم ثم أعتق ثم تداين لكان الأولون أحق ولم يدخل عليهم الآخرون، فكذلك

مسألة البيع الفاسد بيد البائع العبد رهن بالعشرة الأولى ولا يدخل ببقية القيمة في العشرة الأولى التي فيها رهن بيده وهو العبد]. م: ووجه التشبيه: كان الثمن عشرة والقيمة عشرون فقد علمت أن عشرة من الثمن لزمته قبل العتق والعشرة تمام القيمة لزمته بعد العتق فوجب عتق نصف العبد ويباع نصفه لعشرة الثمن، ويتبع المبتاع بعشرة القيمة في الذمة، ولا حجة للبائع أن يقول: تدخل عشرة القيمة على عشرة الثمن لحلولها بالفلس؛ لأنه إنما له أخذ عشرة لوجوب عتق نصف العبد فأخذها عن الثمن، والاتباع بعشرة القيمة في الذمة كأخذ نصفها عن الثمن ونصفها عن القيمة والاتباع بالنصفين في الذمة فلا فائدة في القيمة. وعلى قياس قول أشهب: أن تدخل القيمة على الثمن لحلولها بالفلس فيقع للثمن

خمسة وللقيمة خمسة ثم يباع من العبد لتمام الثمن فتدخل عليه القيمة في ذلك/ فيأخذ نصفه هكذا حتى يباع جميع العبد كقوله في غريم قبل العتق وغريم بعده فقد بان تناقض قوله ورجوعه إلى قول ابن القاسم. قال أشهب: ولو لم يفت بيد المشتري حتى أعتقه البائع لم يجز عتقه. وقال ابن القاسم: عتقه جائز [38/ ب. ص] ما لم يفت بيد المشتري بحوالة سوق فأعلى، وقاله أصبغ وهو الصواب؛ لأنه لم يكن بيعاً ألا ترى: أن لو حلف بحريته ليبيعنه اليوم فباعه بيعاً فاسداً ثم جاز اليوم لرد بيعه وجاز عتقه إلا أن يكون قد دخله فوت في ذلك اليوم قبل الليل فيتم بيعه ويلزم المشتري قيمته ويبر البائع. ابن المواز: وأظن أشهب إنه لم يجز فيه عتق البائع؛ لأنه في ضمان المشتري ولا حجة له في ذلك ألا ترى: أن الضمان في بيع العهدة وفي الاستبراء من البائع ولو أعتق المشتري لزمه العتق ولا يجوز فيه عتق البائع وإن كانت في ضمانه؛ لأنه بيع صحيح. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن باع له عبده سلعة بأمره ثم أعتقه ثم استحقت السلعة ولا مال للسيد فليس للمبتاع رد العتق؛ لأنه دين لحق السيد بعد إنفاذ العتق.

ابن المواز: هذا إذا كان الثمن بيد السيد حين أعتق، وأما إن تلف الثمن أو أنفقه قبل العتق فليرد العتق؛ لأن السلعة لم تكن له ملك ولو كان له بالثمن رجوع على أحد لم يرد عتقه حتى يُؤَيس من الثمن، ولو كان إنما قام المبتاع في السلعة بعيب وقد هلك الثمن ولا شيء للبائع فلا ينقص من عتق العبد إلا قدر قيمة العيب وسواء ردها بعيبها أو فاتت وأخذ قيمة العيب إنه لا يرد من عتق العبد إلا قدر قيمة العيب ولا يكون ذلك أيضاً بإقرار بائع السلعة أنه عيب كان بها وهو بها عالم، ولكن بالبينة ويتبع بحصة العيب ديناً إن أقر. م: وهذا الذي ذكر ابن المواز من أن الثمن إذا كان بيد السيد يوم العتق لم يرد العتق وإن لم يكن بيده يومئذ ولا شيء له غيره رد العتق تفسير لقول ابن القاسم: لأنه لما باعه سلعة ليست له ولا يصح فيها بيعه ولا دفعه فكأنه أخذ الثمن باطلاص فهو دين عليه وفي ذمته قبل العتق فإن أعتق وهو بيده جاز العتق وإلا ردّ منه مقدار ثمن السلعة وإن استغرقه ردّ كله، وقد قال ابن القاسم: فيمن حلف ليقضين فلاناً دنانيره إلى أجل كذا فقضاه إياها قبل الأجل ثم استحقت الدنانير بعد الأجل فإنه حانث فجعل دفعه الدنانير

كلا دفع وأن الدين باقٍ في ذمته فكذلك هذا بيعه لهذه السلعة كلا بيع وإنما قبض من ثمنها دين عليه. والله أعلم. م: قال بعض فقهائنا القرويين: وهذه المسألة بخلاف مسألة كتاب الرهن في الذي زوج أمته وقبض صداقها ثم أعتقها ثم طلقها الزوج قبل البناء فوجب للزوج أن يرجع بنصف الصداق فوجد السيد عديماً فهاهنا لا يرد العتق؛ لأن نصف الصداق إنما وجب بعد العتق بطلاق الزوج واختياره ولو شاء لم يطلق، ولو طلق الزوج قبل البناء ثم أعتق السيد بعد الطلاق ولا شيء عنده فهاهنا يرد من العتق بقدر نصف الصداق؛ لأنه كمديان أعتق؛ إذ بالطلاق وجب نصف الصداق ديناً على [24/ أ. ص] السيد. ولو زوّج أمته تزويجاً يجب فسخه قبل البناء ثم أعتقها قبل فسخ النكاح ثم عثر على النكاح ففسخ ووجب رد الصداق فوجد السيد عديماً وجب رد عتقها؛ لأن النكاح كان غير مستقر، فالصداق من حين قبضة السيد دين عليه فإذا أعتق الأمة بعد ذلك فهو كمديان أعتق وبالله التوفيق.

قال ابن المواز: ومن حلف بحرية عبده إن باعه فباعه وقبض ثمنه فأتلفه ولا شيء له غيره؛ فهو حر يتبع بالثمن؛ لأنه إنما وقع الحنث/ قبل تلف ثمنه فقد أعتق وعنده وفاء دينه سوى العبد. م: انظر لم هذا؟ والعتق إنما يتم فيه بالحكم فقد لحقه الدين قبل إنفاذ العتق. قال: ولو باع سلعة من رجل واستحلفه بحرية عبده ليدفعن إليه الثمن إلى أجل كذا فحنث ولا شيء له غير العبد فللذي استحلفه أن يرد عتقه إذ لا عتق لمديان. وقاله أصبغ. وقال عن ابن وهب: إنه لا يرد عتقه استحساناً. قال أصبغ: بل يرد وليس استحلافه إسلاماً لعتقه ولا رضا منه به. فصل ومن المدونة قال مال: ومن أعتق عبيده وعليه دين يغترقهم ولا مال له غيرهم فقام عليه غرماؤه فليس له ولا لهم بيعهم دون الإمام. قال ابن القاسم: فإن باعوهم بغير أمر الإمام ثم رفع ذلك إلى الإمام بعد أن أيسر السيد فليرد بيعهم ويمضي عتقهم وإنما ينظر في ذلك الإمام يوم يرفع إليه فإن كان أعتق

وهو موسر ولم يقم غرماؤه ولم يعلموا حتى أعسر فلا رد لعتق؛ لأنه وقع في وقت لا يرد لو رفع وقاله مالك. ولو أعتق في عسره فلم يقم عليه غرماؤه حتى أفاد مالا فيه وفاه ديمه فعتقه جائز ثم إن ذهب المال الذي أفاد قبل قيام الغرماء عليه ثم قاموا فليس لهم إلى رد العتق سبيل. قال مال: ولو باعهم الإمام عليهم في دينه ثم اشتراهم بعد يسره كانوا له رقاً ولا يعتقون عليه. قال: ومن رد غرماؤه عتقه للرقيق فلم يباعوا حتى أفاد السيد مالاً فهم أحرار وليس ذلك رداً للعتق حتى يباعوا وكذلك لو باعهم السلطان ولم ينفذ البيع حتى أيسر السيد لنفذ العتق. قيل لابن القاسم: ما معنى قول مالك ولم ينفذ البيع؟ قال: بيع السلطان عندهم بالمدينة يشترط أنه إذا باع أنه بالخيار ثلاثة أيام فإن وجد من يزيده وإلا أنفذ البيع، قيل له: ويجوز هذا البيع في قول مالك؟ قال: نعم.

قيل لابن المواز: فإذا لم يكن له مال غيرهم فرد السلطان عتقهم وأمر ببيعهم فبيعوا وملكوا ثم أفاد الغريم مالاً؟ قال: إن كان أفاده بقرب بيعهم وحدثانه، وقبل أن يقسم ثمنهم على الغرماء رأيت أن يرد بيعهم وينفذ عتقهم ويأخذ الغرماء حقهم [29/ ب. ص] مما أفاد غريمهم، وإن فات بيعهم وطال أمرهم واقتسم الغرماء ثمنهم ثم أفاد سيدهم مالا لم يرد بيعهم ثم إن اشتراهم أو ورثهم؛ لم يعتقوا عليه، وحل له وطأهم وبيعهم، وكذلك في كتاب ابن سحنون عن ابن القاسم وأشهب: إن رَدَّ السلطان ليس بردّ حتى يباعوا ويقسم المال بين الغرماء إذا لم يفت وكان قريباً. وقال ابن نافع: لا أعرف هذه الرواية، والذي لم أزل أعرفه: أن ردّ السلطان ردٌّ للعتق إن لم يبعه في الدين ولا يعتق بعد ذلك وإن أفاد مالاً. م: وظاهر المدونة: أنه إذا نفذ بيعهم ثم أفاد السيد مالاً لم يرد عتقهم وله وجه في القياس من أجل حجة المشتري، وقد رأيت لسحنون: لا ينقض البيع وإن لم يقسم الثمن وهو ظاهر المدونة.

فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن أعتق عبده وعليه دين يغترقه ولم يعلم الغرماء وللعبد ورثة أحرار فمات بعضهم بعد عتقه فلا يوارثهم؛ لأنه عبد حتى يعلم الغرماء بالعتق فيجيزونه أو يفيد السيد مالاً؛ لأن للغرماء إجازة العتق أو رده، ولا يرث إلا من ليس لأحد أن يرده في الرق على حال، ولقد قال مالك فيمن بتل في مرضه عتق عبده ثم مات السيد وله أموال مفترقة: يخرج العبد من ثلثها إذا اجتمعت فهلك العبد قبل اجتماعها؛ إن ورثته الأحرار لا يرثونه؛ لأن العتق إنما يتم بعد جمع المال وخروج العبد من ثلثه؛ لأنه لو ضاع المال كله لم يعتق من العبد إلا ثلثه وإن بقي من المال ما لا يخرج إلا العبد من ثلثه عتق منه ما حمل الثلث ولم يلتفت إلى ما ضاع منه فهذا يدل على مسألتك. م: وحكى عن بعض فقهائنا القرويين في المديان يعتق عبده فيموت للعبد ولد حر أنه قال: سواء أجاز الغرماء عتق هذا العبد أو رده فإنه لا يوارث من كان مات له من ولد. قال: وأما من اشترى عبداً فأعتقه ثم مات له ولد حر أو شهد/ بشهادة أو جرى له أمر أقيم فيه مقام الحر، ثم استحقت رقبته فهذا إن أجاز المستحق البيع ونفذ العتق فإنه

يتم فيه ما تقدم للعبد من وراثه أو شهادة أو غير ذلك؛ فإن ردّ البيع ونقض العتق رد ميراثه وبطلت شهادته وسائر ما تقدم له مما أقيم فيه مقام الحر. قال: والفرق بين المسألتين: أن عتق المديان عتق عدا ففعله كلا فعل، والمشتري فعله غير عدا؛ لأنه إنما أعتق ملكه في ظاهر الأمر؛ فإذا أجاز المستحق البيع نفذ ما تقدم له من شهادة أو ميراث ولو كان المشتري يعلم أن العبد لغير البائع وتعدى في شرائه وأعتقه وجب أن يكون مثل مسألة الغرماء يجيزون العتق لا يتم للعبد ميراث [25/ أ. ص] ولا شهادة، وإن أجازه المستحق؛ لأن العتق وقع على طريق العداء لعلم المشتري أنه لغير البائع فهو كالغاصب. م: وهذا الذي قال في عتق المشتري ولم يعلم، ذكره ابن المواز: والمسألتان عندي سواء، وإنما اختلف الجواب فيهما لاختلاف السؤال، وذلك أنه سئل عن معتق المديان مات وله وارث وثم غرماء غيب لم يعلموا بعتقه؛ فقال: لا يرث؛ لأن لهم إجازة العتق أو ردّه ونحن لا ندري هل يجيزوا أو يردوا فلا ينبغي أن نورثه بالشك.

وسئل عن معتق المشتري مات له وارث فورقه إذ لا يعلم له مستحق ثم ظهر أن له مستحق؛ فقال: إن أجاز عتقه تمّ له ذلك الميراث وإن رده رد الميراث. م: وكذلك يقول في مسألة معتق المديان ولم يعلموا أن سيده مديان حتى ورث وارثه، ثم قامت الغرماء على سيده، ثم أجازوا عتقه؛ لتمّ له الميراث كمسألة المشتري. ولو أن المشتري أيضاً أعتق عبده ثم علمنا أنه مستحق، ثم مات له وارث لم ينبغ أن يرثه كمسألة المديان. وقد قال ابن المواز في مكاتب أعتق عبده ولم يعلم سيده حتى مات المعتق عن مال قال: إن أجاز السيد عتق مكاتبه ورث المعتق ورثته الأحرار أو سيد المكاتب إن لم يكن له ورثة [بمنزلة من سرق عبداً فبيع فأعتقه المشتري ثم مات للمعتق من يرثه ثم استحقه سيده؛ فإن أجاز عتقه ورث، وإن رده لم يرثه قال: وهذا أصل مالك. م: فمسألة عتق المكاتب بمنزلة عتق المديان ولا فرق بينهما وبين مسألة المتشتريـ، بل عتق المديان أقوى؛ لأن الغرماء ليس دينهم في عين العبد إذ لو أفاد السيد مالاً قدر الدّين

أو أدى العبد أو غيره ما على السيد من الدّين لم يكن للغرماء إلى نقض العتق سبيل، وكذلك لو طال زمانه حتى وارث الأحرار وجازت شهادته والمستحق لا يمنعه من نقض العتق مانع فوجب أن يكون عتق المشتري أضعف، وأيضاً فإن المديان أعتق عبده حقيقة وهذا أعتق غير عبده حقيقة؛ ولأن من أصل ابن القاسم أن فعل المستحق من يده في الشيء المستحق كلا فعل؛ كمن حلف ليقضين فلاناً حقه إلى أجل كذا فقضاه إياه قبل الأجل، ثم استحق ذلك الحق بعد الأجل؛ أنه حانث، ولم يعد قضاؤه؛ لأنه إنما قضاه مال غيره. وأما احتجاجه بأن فعل المديان فعل عِدا، فعتق المكاتب أيضاً فعل عدا، وأنا أريك ما هو أقوى في العدا: الأمة تكون بين الرجلين فيطؤها أحدهما فتحمل منه وهو معدم؛ إن لشريكه أن يُلزمه القيمة وتكون له أو ولد، فقد جعلوها بوطء العدا أو ولد، فكذلك ينبغي إن أجاز الغرماء عتق المديان أن يجوز ما تقدم له من إرث وشهادة؛ لأنهم إنما أجازوا فعلاً متقدماً وكأنه لم يزل حراً من ذلك الوقت، وقد قال مالك وابن القاسم في كتاب ابن حبيب: إن عتق المديان على الإجازة حتى يرد وكذلك قالا: في عتق المشتري: إن العتق منعقد بظاهر الشراء فلا فرق بينهما. وابن القاسم فلم يصرح في المدونة أنه لا يوارث الأحرار وإن أجاز الغرماء عتقه بل قال: لا أرى أن يرث؛ لأنه عبد حتى يعلم الغرماء فيجيزوا ذلك أو يفيد السيد مالاً فهذه إشارة إلى أنهم إن أجازوا ورث/ وإن أفاد السيد مالاً ورث، وإن كان قد قال قبل ذلك: ولا أورث إلا من قد بتل عتقه ولا يرجع في الرّق على حال، وهذا أيضاً فيه بعض

الاحتمال كأنه قال: إذا بتل عتقه المجيز من مديان أو مستحق ورثته؛ بمعنى]: أجزت ميراثه وبالله التوفيق. ومن المدونة قال مالك في باب بعد هذا: ومن بتل عتق عبده في المرض وقيمته ثلاثمائة درهم ولا مال له غيره، فهلك العبد قبله وترك ابنة حرة وترك ألف درهم فقد مات رقيقاً، وما ترك للسيد بالرق دون ابنته. ولو كان للسيد مال مأمون من دور أو أرضين يخرج العبد من ثلث ذلك؛ جاز عتقه، وكان ما ترك ميراثاً بين الابنة والسيد نصفين. وقال بعض الرواة: لا ينظر إلى فعل المريض إلا بعد موته كان له مال مأمون أو لم يكن. قال ابن القاسم: ولو احتمل المال المأمون نصف العبد لم أعجل عتق شيء منه وإنما يعتق إذا كان المال المأمون كثيراً أضعاف قيمة العبد مراراً. فصل ومن المدونة قال مالك: وإذا بتل المريض عتق عبيده أو أوصى بعتقهم وعليه دين يغترقهم؛ لم يجز عتقه، وإن كان الدين لا يغترقهم أسهم بينهم أيهم يباع للدين، ثم أسهم

بينهم فيمن يعتق في ثلث بقيتهم فإذا أخرج السهم للدين أحدهم وقيمته أكثر من الدين، بيع منه بقدر الدين، وأقرع للعتق على ما بقي منه بعد الدين مع ما بقي؛ فإن خرج بقية هذا العبد وفيه كفاف الثلث؛ اعتقتُ بقيته، وإن لم تف بقيته بالثلث أعتقت بقيته وأعدت السهم حتى أكمل الثلث في غيره، وكذلك يعاد السهم في الدين إن خرج [25/ ب. ص] من لا يفي بالدين حتى يكمل الدين، وإن بيع بعض عبد، ثم يقرع للعتق كما ذكرنا، وإنما القرعة في الوصية بالعتق والبتل في المرض كان عليه دين أو لم يكن أمرهما سواء. قال: وإن بتل عتقهم في مرضه وعليه دين وعنده وفاء به، فلم يمت حتى هلك ماله؛ فالدين يرد عتقه، بخلاف الصحيح؛ لأن فعل المريض موقوف، وذلك كوصيته بعتقهم، فإن اغترقهم الدين رقوا، وإن كان فيهم فضل عن الدين أسهم بينهم أيهم يباع للدين ثم أقرع بينهم فيمن يعتق في ثلث بقيتهم بالحصاص، كما قدمنا. وأما الصحيح يعتق رقيقه وعليه دين لايغترقهم فليبع منهم مقدار الدين بالحصص ويعتق جميع بقيتهم، وإن كان له يوم أعتق من المال مقدار الدّين فلم يقم عليه الغرماء حتى تلف ذلك المال، فعتقهم نافذ لا يرد بخلاف المريض وقد تقدم هذا.

قال إسماعيل القاضي في المبسوط: إنما لم يكن في هؤلاء قرعة لأن المعتق حي وقد أدخل على نفسه الضرر فلم يكن في أمر الرقيق شيء أعدل من أن يباع من كل واحد قسطه من الدين بالحصص ويعتق ما بقي من كل واحد، وأما إذا أعتق في مرضه الذي مات فيه أو أعتق في وصية فلو أعتق من كل واحد بعضه لدخل الضرر على الوارث فلذل كانت القرعة عند مالك في هؤلاء ولم تكن في الآخرين. قال ابن المواز عن مالك: في صفة بيعهم بالحصص مثل أن يكون له عبدان قيمة أحدهم ثلاثون والآخر عشرون فيباع من صاحب الثلاثين بثلاثة أخماس الدين ومن الآخر بخمس الدين. م: وأسهل من هذا أن ينظر كم الدين من قيمة جميعهم؟ فإن كان ربع أو ثلث أو نصف؛ بيع ذلك الجزء من كل واحد وهذا والأول في الحساب سواء. قال ابن المواز عن ابن عبد الحكم: إن تساووا في القيمة بيع بنصف الدين نصف أحدهما ثم رغب راغب في الآخر، فزاد في نصفه أربعة دنانير فليبع منه بنصف

الدين وزيادة دينارين ويرد هؤلاء هذين الدينارين على مشتري النصف الآخر، فيعتق بقدرهما من العبد الآهر، فيصير قد بيع من كل واحد نصفه إلا دينارين وعتق نصفه وما يخص الدينارين. م: جعل هذه الزيادة كمالٍ طرأ [فقسمتها بينهما، وليس ذلك كمال طرأ]؛ لأن القيمة في الطارئ لم تتغير، وهذه القيمة قد تغيرت فصار ما يخص دينارين من رقبة الغالي الثمن أقل مما يخص/ المنخفض فيظلم الغالي الثمن، وإنما ذلك كغلط في التقويم قوّم أولا على التساوي، ثم ظهر بعد ذلك أن قيمة أحدهما أكثر بثمانية دنانير فينبغي أن تجمع القيمتين، وينظر كم الدين [26/ أ. ص] من ذلك، فيباع من كل واحد مقدار ما يخصه من الدّين، ويعتق بقيته؛ مثال ذلك: أن يكون الدّين عشرين، وقوّم كل واحد

منهم بعشرين، فوجب أن يباع نصفهما فلما زيد في نصف الباقي أربعة صار كأن قيمته ثمانية وعشرين، فقيمتهما جميعاً ثمانية وأربعون، فالدين من القيمتين ربع وسدس، فيباع من كل واحد ربعه وسدسه وتعتق بقيته وهو الصواب إن شاء الله. قال ابن المواز: وإن نقصت قيمة الثاني بتغيير دخله في بدنه أو غيره، لم يبع منه إلا نصفه وهو القدر الذي وجب بيعه قبل أن يدخله النقص. م: لأن ذلك النقص كمال ذهب فلا ينقص ذهابه ما يوجب عتقه وهذا بين. ابن المواز قال أشهب: وإذا بتل المريض عتق رقيقه أو أوصى بعتقهم وعليه دين يغترقهم ولا مال له سواهم فأجاز له الغرماء ذلك وأنفذوا عتقه فلا يجوز على الورثة إلا عتق ثلثهم بالسهم. م: لأنهم إنما وهبوه دينهم فصار كمن لا دين عليه. ابن المواز: وكذلك لو هلك وترك مدبراً وعليه دين يحيط برقبته، فأجاز الغرماء عتقه؛ فلا يعتق منه إلا الثلث ويرق ثلثاه للورثة. فصل ومن المدونة: قال مالك: ومن اشترى أباه عوعليه دين يغترقه لم يعتق عليه. قال ابن المواز: ودينه أولى به من العتق، وكذلك في سماع ابن القاسم عن مالك.

قال في المدونة: وإن اشتراه وليس عنده إلا بعض ثمنه فليرد البيع. وقال ابن القاسم: بل يباع منه ببقية الدين ويعتق ما بقي. ابن المواز: وهو القياس على أصل مذهب مالك، وقال غيره في المدونة: لا يجوز له في السنة أن يملك أباه إلا إلى عتق، فإذا كان عليه دين يرده صار خلاف السنة أن يملكه فيباع في دينه ويقضي عن ذمته نماؤه. [قال أبو إسحاق: وينبغي على قول الغير ألا ينفذ فيه بيع على حال إذا كان عليه دين على هذا وأنه لو مات بعد عقد البيع كانت مصيبته من البائع وفي هذا نظر لإمكان أن يجيز الغرماء عتقه ويتبعوه بدينهم في ذمته]. م: والفرق بين المسألتين عند مالك: أن الأول اشتراه ودفع جميع ثمنه، فلا حجة للبائع إذا قبض جميع ثمنه، ولا عليه إذا باع جميع ما يجوز له بيعه ويباع في دين الابن إذا تلف فيه مال غرمائه، والمسألة الثانية: لم يدفع جميع الثمن للبائع فله نقض البيع وأخذ عبده؛ إذ لو بيع عليه في بقية الثمن لدخل فيه غرماء إن كان للولد.

وأما ابن القاسم: فقد احتاط للعتق ولم ير للبائع حجة إذا قبض بقية ثمنه، والدين أمر طارئ فلا يعتد به وهو القياس. م: وحكي عن أبي الحسن بن القابسي: أن المسألتين على مذهب المدونة عند مالك سواء؛ ينقض البيع فيهما وليس بشيء، والصواب أن يرد المجمل إلى ماله [26/ ب. ص] مفسّر في غير المدونة، وكذلك رأى أبو محمد ونقلها في مختصره [على هذا وهو صواب إن شاء الله. قال ابن المواز: ومن ورث أباه أو وهبه أو تُصدِّق به عليه وعليه دين؛ فقال أشهب: هو حر في ذلك كله، ولا يباع في الدين، لا في ميراث ولا في هبة ولا صدقة. وقال ابن القاسم: أما إذا ورثه؛ فإنه يباع للغرماء ولا يباع لهم في الهبة والصدقة؛ لأن الواهب يقول: لم أهبه ولم أتصدق عليه به إلا لعتق لا ليباع عليه في الدّين. ابن المواز: وكذلك عندي ما وُرث لا يباع أيضاً، وهو مثل الصبي والمولى عليه الذي يعتق عليه ما ورث أو أوصى له به أو تُصدّق به عليه. م: يريد ابن القاسم أنه إذا لم يعلم الواهب ولا المتصدق أنه ممن يعتق عليه؛ فليبع عليه في الدين كالميراث، وهو ظاهر في احتجاجه وقاله بعض فقهائنا.

فصل ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن أعتق في صحته ما في بطن أمته وهي حامل فولدته في مرض السيد أو بعد موته عتق من رأس المال. قال ابن القاسم: وهذا كمن أعتق في صحته عبده إلى أجل ثم مرض فمات من مرضه ذلك، أن العبد يعتق من رأس المال. قال مالك/: ولو لحق السيد دين بعد ما أعتق ما في بطنها فلم يقم الغرماء على السيد حتى وضعت؛ عتق الولد من رأس المال، وبيعت الأم وحدها في الدين، ولو قام الغرماء وهي حامل؛ أنها تباع بما في بطنها للغرماء إذا لم يكن للسيد مال غيرها، ويفسخ عتق السيد في الولد ويرق؛ إذ لا يجوز أن تباع أمة ويستثنى ما في بطنها، وقاله عبد العزيز بن أبي سلمة. م: لأن دين الغرماء قد وجب فلا يؤخذ لأمر قد يتم بخروج الجنين حياً، أو لا يتم بخروجه ميتاً، فلا يترك حقاً وجب لأمر يكون أو لا يكون وهذا أصلهم. قال ابن المواز: ومن قال في صحته: لأمته الحامل ما في بطنك حر فلا يبيعها في صحته ولا في مرضه إلا أن يقام عليه بدين، وأما إن مات وشاء الورثة بيعها من غير حاجة فذلك لهم.

قال ابن القاسم: والناس كلهم على خلاف مالك في هذا، ويقولون: لا تباع، وقال الليث: تباع ويستثنى ما في بطنها حر، وقاله لي سعد إن استثناءه خيرٌ من رِقِهِ. قال أصبغ: وأنا أتبع مالكاً وابن القاسم في هذا، وأحب أن لو تربصوا إلا في الدين المحيط أو الولادة البعيدة مما يضرهم في القسمة. وقال أشهب: إذا وضعت في حياة السيد فواثبهم الغرماء حين علمهم بوضعه بيع لهم؛ لأن عتق الجنين ليس بعتق، وقد استدان قبل أن تقع عليه الحرية بالوضع، قال: ولا يبيعها السيد إلا في دين يرهقه، ولو باعها في غير دين رددت البيع إلا أن تفوت بعتق. قال هو وابن القاسم: وللورثة بيعها بعد موته إن احتاجوا أو شاءوا؛ لأنها صارت لغير من أعتق الجنين، فإن لم تبع حتى وضعت كان حراً من رأس المال. قال أصبغ: وهو مذهب أصحاب مالك. قال ابن حبيب: اختلف قول أصبغ إذا وضعته في مرض السيد أو بعد موته، فقال مرة: يعتق من رأس المال، وقال مرة: من الثلث وإن قاله في صحته. وبالأول أقول.

م: ووجه هذا فلأن عتق الجنين إنما يصح بالوضع لأن له بيع الأم فبطل عتقه فيه فلما لم يصح إلا بالوضع صار كأنه أعتقه الوضع؛ فلذلك كان من الثلث. قال بعض فقهائنا: وأما لو أعتق ما في بطنها في مرضه والثلث يحملها لم يكن للورثة بيعها حتى تضع، وإن لم يحملها الثلث؛ خيّر الورثة بين إيقافها حتى تلد، فيعتق الجنين أو يعتقوا محمل الثلث منها بتلاً. م: كما لو أوصى بعتقه. قال]: والفرق بين عتقه في الصحة وبينه في المرض: أنه في الصحة إذا مات صارت الأمة ملكاً للورثة لا سبب له فيها؛ فمنعهم من بيعها ضرر بهم، وعتقه في المرض من الثلث ولا يعقب لهم في ثلثه، وقد انتقل جميعها بذلك فلزمهم الصبر إلى أن تضع إذا لم يجيزوا في ضيق الثلث كما ذكرنا. قال ابن المواز: ومن أوصى بعتق ما في بطن أمته فلم يحملها الثلث؛ فليخير الورثة، فإما أجازوا ذلك أو أعتقوا من الأمة محمل الثلث، وكذلك لو أوصى بالجنين لرجل وضاق الثلث؛ فإن أجازوا وإلا قطعوا له بثلث الميت إلا أن يشار وارث الميت

أن يأخذ ذلك في الأمة، ولو أوصى بعتق الجنين والثلث يحمله فأعتق الورثة الأمة فعتق الميت أولى وله ولاء الولد. قال أشهب: عتق الورثة أولى وولاء الأم والولد لهم، والله أعلم. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا اشترى المريض عبداً بمحاباة فأعتقه، فالعتق مبدّى على المحاباة؛ لأن المحاباة وصية، والعتق بيدّى على الوصايا، وقد قال مالك: ما حابى به المريض في شرائه وبيعه فهو وصية في الثلث. قال ابن القاسم: فإن كانت قيمة العبد كفاف الثلث، سقطت المحاباة، ولم يكن للبائع غير قيمة العبد من رأس المال، وإن بقي بعد قيمة العبد شيء من الثلث كان في المحاباة. وقد قال ابن القاسم أيضاً: يُبدى بالمحاباة؛ لأن العتق لا يتم إلا بها فكأنه أمر بتبديتها في الثلث؛ فإن بقي بعدها من الثلث شيء كان في العبد، أتم ذلك عتقه أم لا.

قال سحنون/: وهذا القول أحسن من الأول. قال مالك: ولو لم يحاب جاز شراؤه وعتقه إن حمله الثلث على ما أحب الورقة أو كرهوا، وإن لم يحمله الثلث عتق منه مبلغه ورقّ ما بقي. م: تعقب بعض الفقهاء هذه المسألة وقال: كيف يجوز هذا البيع والبائع لا يدري ما يحصل له؛ هل الثمن، أو أقل منه، أو قيمة العبد، وذلك مجهول؟ فالجواب عن ذلك: أن هذه المسألة ومسألة إقالة المريض من طعام فيه محاباة وشبهها، إنما وقع البيع فيه بينهما على المناجزة وجواز البيع، وإنما تعقب أمره بعد ثبات البيع وانعقاده. وأما لو قيل لهما في عقد البيع: أن في هذا البيع محاباة، ومحاباة المريض وصية من الثلث، ولا تدري أيها البائع ما يصح لك منهما؟ لم يجز أن يعقد الييع على ذلك. وقد ذكرنا شرح ذلك في كتاب السلم فأغنى عن إعادته. [قال أبو إسحاق: ما حاباه في شرائه فكمن بتلها في مرضه ثم أحدث بعدها عتقاً فأشبه أنها مبدأة؛ لأن كل ما بتله ليس له أن يحدث بعده ما ينقضه به، كما لو بتل عتق عبده في مرضه، ثم بتل عتق عبد آخر، لكان الأول أولى؛ لأنه لما كان ليس له الرجوع عنه فلا يجوز أن يدخل عليه ما ينقضه إلا على مذهب أشهب القائل: بأن المبتل في المرض، والموصى بعتقه يتحاصان وشبه ذلك كمن قال: إن مت فأنت حر، وإن عشت فأنت حر،

وقال لآخر: إن مت فأنت حر، قال فساوى بينهما في المرض، وفرّق بينهما إذا صح، ويلزم على قياس قوله أن له أن يرجع عن الذي قال له، إن عشت فأنت حر، وإن مت فأنت حر، كمساواته بينه وبين الثاني في الموت، كما له أن يرجع عن الذي قال له: إن مت فأنت حر، فإذا كان المبتل هكذا وجب أن يرجع عن التبتيل في المرض ولا رجوع له، فعل هذا يصح أن يبدأ بالعتق؛ لأن ما حباه به كأنه هبة منه وصّى له بها إن مات، وأوجبها له إن عاش، فإذا مات وقد أحدث بعدها عتقاً؛ كان العتق أولى، كوصية بهبة، وعتق مبتل، أو وصية بعتق؛ أن العتق أولى في كلا الأمرين فيصير على هذا قد وافق أشهب في هذه المسألة على قوله: إن العتق مبدّى، وكان غير ابن القاسم أخذ ذلك من باب أن العتق لا يجب إلا بثبوت المحاباة الموجبة للشراء فلهذا بدّاها على العتق، وقد يقول في غير هذه المسألة: المبتل أولى من الموصى بعتقه؛ لأن وجوب أحدهما غير متعلق بالآخر]. فصل ومن كتاب المكاتب والقسم قال مال: وإذا أعتق الأب عبد ابنه الصغير جاز عتقه إن كان مليئاً يوم أعتق، وغرم قيمته للابن، وإن لم يكن مليئاً ردّ عتقه إلا أن يتطاول زمانه، وتجوز شهادته ويناكح الأحرار [27/ أ. ص] فلا يردّ ويتبع الأب بقيمته. قال غيره: وإن أعتق ولا مال له فلم يرجع إلى الحكم حتى أيسر الأب؛ فإنه يقوّم عليه ويتم عتقه.

قال في كتاب محمد: وأما الابن الكبير الخارج من ولاية الأب فلا يجوز عتق الأب لعبده. قال في كتاب ابن المواز: وإن أعتق عبد ابنه الصغير عن الابن؛ لم يجز ذلك، وإنما يلزمه ويقوّم عليه إذا أعتقه في نفسه. قال عن أشهب: والوصي في عتق عبد يتيمه كالأب إن كان له مال قدر قيمته عتق عليه كله، وإن لم يكن له أو للأب ما يبلغ قيمة المملوك؛ لم يجز عتقهما في شيء منه؛ لأنهما يفسدان على الصبي ماله إلا أن يكونا مليئين بقدر قيمة المعتق، وإنما لزمهما ذلك؛ لأنهما يليان للصبي البيع والشراء، وأنهما لو باعا مملوكه ممن يعتقه جاز، فكذلك إذا أعتقاه عن أنفسهما. وكذلك عتق المرأة مملوك ابنها جائز إذا كان لها مال. قال ابن المواز: وكانت وصية.

قال مالك: ولو أعتق ولي الأيتام وصيفاً لهم ولأمهم فيه الربع؛ جاز عتقه، وغرم لهم قيمة مالهم فيه، وغرم للأم حقها إن لم تعتق معه. قال ابن المواز: فإن كانت قيمته يوم العتق: ستة دنانير، ويوم نظر فيه وتكلمت الأم: مائة دينار؛ كان عليه للأيتام قيمة حقهم على ستة دنانير، وللأم قيمة حقها على مائة دينار. فصل وما تصدق به الأب من مال ولده لم يجز، وإن كان الأب موسراً، ويردّ حيث وجد وإن طال الزمان إذا كان شيء له بال، وإن كان تافهاً جاز وغرمه الأب للابن. وقاله ابن القاسم. ولو تزوج الأب بمال ولده جاز ذلك للمرأة كان الأب موسراً أو معسراً دخل بها أم لا. قال ابن المواز: ولو كبر الابن فوجده بيد المرأة لم يتغير وأبوه معدم لم يأخذه، وأتبع أباه بقيمته يوم أصدقها إياه.

باب فيمن أعتق شقصا له في عبد بقيته له، أو لغيره، وعتق جنين الأمة بين الرجلين، واشتراه بعض من يعتق عليه، أو ورثه، أو وهب له

فصل ومن كتاب ابن سحنون قال المغيرة: فيمن أعطى ابنه الصغير عبداً ثم أعتقه، والابن صغير؛ فإن لم يُشهد أنه اعتصره، فللابن قيمته وإلا فلا، لأنه يعتصر العطية والنّحلَ، ولو كان صدقة، فعلى الأب قيمته. ولو أعتقه في مرضه وهو عطية فللابن قيمته، اعتصره أو لم يعتصره؛ إذ لا يعتصر في المرض، ويعتق من ثلثه، فإن لم يحمله كان ما ناب على الثلث لورثته. باب فيمن أعتق شقصاً له في عبد بقيته له، أو لغيره، وعتق جنين الأمة بين الرجلين، واشتراه بعض من يعتق عليه، أو ورثه، أو وهب له روى مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:» من أعتق شركاً له [27/ ب. ص] في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوّم عليه قيمة العدل

وأُعطي شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق/ منه ما عتق «. ورواه أشهب عن يحيى بن سليم ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال يحيى بن سليم: وقضى بذلك عمر بن عبد العزيز برأي عروة بن الزبير في امرأة اعتقت ثُمن عبدٍ وهو مصابها منه ولا مال لها غيره فجعل له عمر من كل ثمانية أيام يوماً وجُعِل له في يوم الجمعة، وللورثة سبعة أيام. م: قوله: وجُعِلَ له في يوم الجمعة: يحتمل أن يكون جُعل له ثُمن يوم الجمعة، وللورثة سبعة أثمانها، وقاسمه بقية الأيام له يوم وللورثة سبعة أيام، ويحتمل: أن يكون أراد أن ابتداء فرضه له كان يوم الجمعة، والله أعلم.

قال ابن القاسم قال مالك رحمه الله: فكل من أعتق بعض عبده أحرى أن يستتم عليه بقيته. ومن المدونة قال ابن القاسم قال مالك" وإذا أعتق المليء شقصاً له في عبيد فليس لشريكه أن يتماسك بنصيبه أو يعتقه إلى أجل إنما له أن يعتق بتلاً أو يقوّم على شريكه، فإن أعتق حصته إلى أجل أو دبّر أو كاتب، فسخ ما صنع، وقوّم نصيبه على شريكه إلا أن يبتله. قال غيره: فإن كان الأول مليئاً بقيمة نصف نصيب المعتق [إلى أجل قوّم ذلك عليه] وبقي ربع العبد معتقاً إلى أجل. م: يريد وكذلك [في التدبير والكتابة]، وقال غيره: [إذا كان الأول مليئاً] وأعتق الثاني إلى أجل فقد ترك التقويم وأراد إبطال السنة، واستثنى من الرق ما ليس له فأرى أن يعجل عليه العتق الذي ألزم نفسه. ابن المواز قال ابن القاسم: وقال الكوفيون: إذا أعتق الثاني فلا عتق له ولا بد من التقويم على الأول.

م: لقول النبي صلى الله عليه وسلم» من أعتق شركاً له في عبد وكان له مال قوّم عليه «ولم يقل: أن لشريكه أن يعتق؛ فهو على ظاهره، وحجة مالك: أنه إنما أوجب التقويم على المعتق بحجة الشريك فيما أدخل عليه من الضرر بعتقه لنصيبه، وأما إن أراد الشريك عتق نصيبه لم يكن للأول منعه؛ لأن هذا أولى بعتق نصيبه كسائر الملاّك. ومن المدونة قال: وإذا أعتق المليء شقصاً له في عبد فأخره شريكه بالقيمة على أن زاده فيها فذلك حرام. قال: ومن أعتق شركاً له في عبدٍ بإذن شريكه أو بغير إذنه وهو مليء؛ قوّم عليه نصيب صاحبه بقيمته يوم القضاء، وعتق عليه.

ابن المواز قال أشهب عن مالك ولو قال العبد: لا حاجة لي بعتق ما بقي مني لم يلتفت إليه. ابن المواز: وكذلك إذا قال الشريك: لا حاجة لي بتقويمه وأنا أرضى بالتمسك [28/ أ. ص]؛ فلا بد من التقويم، أعتقه بإذن صاحبه أو بغير إذنه. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن كان الأول مليئاً بقيمة بعض النصيب؛ قوّم عليه بقدر ما معه، ورقّ بقية النصيب لربه، وإن كان عديماً لا مال له، لم يعتق غير حصته ويبقى نصيب الآخر. وقاله ابن المواز. ولو شاء شريكه التقويم عليه وأتباعه فذلك له؛ لأن ضرر التأخير على الذي لم يعتق. م: يريد: فلا يُحمل الحديث على ظاهره، ألا ترى أن المعتق إذا كان مليئاً ن لشريكه أن يعتق ولا يقوم عليه وظاهر الحديث أن يقوم عليه، فإنما ذلك إذا شاء وإلا فله هو أن يعتق ولا يقوّم عليه، وظاهر الحديث: أن يقوّم عليه فإنما ذلك إذا شاء وإلا فله هو أن يعتق أيضاً. وقال غير ابن القاسم في كتاب أمهات الأولاد: ليس له ذلك بخلاف الغريم يطأ أمه بينه وبين شريكه، هذا له أن يقوّم عليه ويتبعه؛ لأنه وطأ حصته وحصة شريكه، وفي العتق إنما أعتق حصته فقط. م: وهذا ظاهر قول مالك وابن القاسم في المدونة وهو أشبه بظاهر الحديث.

وابن المواز قال أشهب: وإذا أعتق شركاً له في عبيد بينه وبين رجل أو رجال وعنده ألف وقيمة حصصهم ألفان فإن كان عتق ذلك في كلمة واحدة عتق من نصيب كل واحد نصفه، وإن كان إنما أعتق نصيبه أولاً من واحد ثم أعتق نصيبه من آخر حتى أتمهم؛ فالأول أحق بماله في التقويم قم من يليه حتى ينفذ ما في يديه، ثم أبطل عتق آخرهم وأبيعه في عتق أول باقي هؤلاء الباقين فإن خلصه وإلا انتقلت إلى بيع من يلي المبيع من المتأخرين فإن تمت عتق من ذكرنا من بقية الأولين وبقي من ذلك شيء جعل ذلك في عتق من يلي عتق هذا المعتق فلا يزال يباع هكذا نصيبه/ من آخر من أعتق في عتق ولهم حتى لا يبقى إلا معتق أو مباع فإن لم يبق ممن يباع إلا من في بيع بعضه وفاء بعتق من يليه بعت منه بقدر ذلك وأعتقت ما بقي. قال سحنون في كتاب ابنه: لا أقول بهذا وأرى إن لم يكن له مال غير الأشقاص؛ فلا أرد عتقه في [الثاني للتقويم] في الأول لأنه لا تجب في الأول قيمة إلا بالقيام عليه. وقال ابن القاسم في العتبية فيمن أعتق شقصاً له من عبد فلم يقوّم عليه باقيه لغيبة شريكه حتى أعتق عبداً آخر لا شريك معه فيه ولا مال له غيره؛ أنه لا يرد عتقه لتقويم الشقص؛ لأن القيمة عليه ليس كالدين؛ إذ لو كان ذا مال فلم يقوم عليه حتى داين الناس فقاموا عليه فلا يحاصصهم العبد، ولو أحدث بعد عتق الشقص صدقة أو هبة

فذلك ماض لا يُرد لتقويم الشقص، ولو كاتب عبداً لم تُرد كتابته وتباع كتابته لتقويم الشقص، ولو أحدث تدبير البيع [28/ ب. ص] المدبر لتقويم الشقص إلا أن يكون فيه فضل فيباع منه بقدر القيمة ويبقى الباقي مدبراً. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه وهو مليء ثم أعتق شريكه نصف نصيبه عتق باقي حصته عليه؛ لأنه قد أتلف نصيبه لعتقه بعضه ولا يقوّم على الأول إلا إذا قِيم عليه والعبد غير تالف، ألا ترى أنه لو مات العبد قبل التقويم لم يلزم المتعق الأول شيء، وكذلك لو أعتق الثاني جميع نصيبه لم يكن له أن يضمن الأول؛ لأنه قد أتلفه فكذلك إذا أعتق بعض نصيبه، قال: فإن مات المعتق لبعض نصيبه قبل أن يعتق عليه ما بقي قومنا بقيته على المعتق الأول. قال مالك: ولو كان العبد لثلاثة نفر؛ فأعتق أحدهم نصيبه ثم أعتق الآخر نصيبه وهما مليئان فأراد المتمسك بالرق أن يضمن المعتق الثاني فليس له ذلك، وإنما له أن يضمن الأول؛ لأنه هو الذي ابتدأ الفساد فإن كان الأول عديماً فلا تقويم على الثاني وإن كان موسراً إذ لم يبتدئ فساداً.

سحنون: وقاله جميع أصحاب مالك إلا ابن نافع فإنه قال: يقوّم على الثاني إن كان مليئاً، وقال: أرأيت إن أراد المتمسك ألا يقوّم ويرضى بالضرر وأبى العبد، أليس ذلك للعبد؟. ومن المدونة قال مالك: ولو اعتقا معاً قوّم عليهما إن كانا مليئين. قال ابن حبيب: وليس للتمتمسك أن يقوّم على أحدهما وإن رضي له من أراد أن يقوّم عليه، ولو جاز ذلك جاز له بيعه من أجنبي على أن يعتقه. ومن المدونة قال مالك: وإن كان أحدهما مليئاً والآخر معسراً قوّم جميع باقيه على الموسر. قال سحنون: وقاله أكثر أصحابنا، وقال آخرون: وقاله عبد الملك: لا يلزم الموسر من القيمة إلا ما كان يلزمه في ملاء صاحبه؛ لأنهما ابتدآ الفساد معاً. ومن كتاب ابن المواز روى أشهب عن مالك: في عبد لرجل نصفه ولآخر ثلثه ولآخر سدسه فأعتق صاحب السدس والثلث حصتهما معاً فليقوم عليهما باقيه بقد ما لكل واحد منهما كالشفعة في اختلاف الأنصباء؛ فإن كان أحدهما معدم قوّم جميعه على

الموسر كما إذا أسلم أحد الشفعاء نصيبه لم يكن للباقي أن يأخذ إلا الجميع أو يسلم، وقاله المغيرة ثم رجع إلى أن يقوّم بينهما نصفين كما لو قتلاه. سحنون: وقاله عبد الملك، ورواه ابن نافع عن مالك وهي رواية غير معروفة وهو قول الشافعي، وبالأول أخذ ابن سحنون وابن المواز. قال أشهب: وأجمعوا [29/ أ. ص] أن من عجز منهما عن بعض ذلك أنه يتم على الآخر. وذكر ابن حبيب عن عبد الملك: مثلما ذكر عنه سحنون، وقال عنه: وإن كان أحدهما عديماً لم يقوم على الثاني منهما إلا ما كان يلزمه لو كان مليئين. فصل ومن المدونة قال مالك: وإذا أعتق معسر شقصاً له في عبد فلم يقم عليه/ شريكه حتى أيسر؛ فقال مالك قديماً: أنه يقوّم عليه، ثم قال: إن كان [يوم أعتق]

الناس والعبد والمتمسك بالرق، إنه إنما ترك القيام؛ لأنه إن خوصم لم يقوّم عليه لعدمه، فلا يعتق عليه، وإن أيسر بعد ذلك، وأما إن كان سيد العبد غائباً فلم يقدم حتى أيسر المعتق لنصيبه لَقُوِّم عليه بخلاف الحاضر. ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون وابن القاسم وأشهب: إذا أعتق في عسره ثم أيسر قبل أن يرفع أمره إلى الإمام وينظر فيه، عتق عليه إلا أن يكون إعدامه بيناً عند الناس كلهم فلا تقويم عليه إلا أن يكون العبد غائباً. م: وهو قول مالك الثاني في المدونة، وقال ابن نافع: إنما ينظر إلى حاله يوم التقويم عليه؛ فإن كان له مال قوّم عليه، وإن كان يوم العتق معسراً أو اختلفت أحواله من يسر وعسر، والأول أحب إلينا. م: وقول ابن نافع هو قول مالك الأول. م: ذكر ابن الكاتب أن ابن المواز قال: لا يجوز أن يُقوّم العبد الغائب [وإن علم موضعه وصفته؛ لأنه لا بد من انتقاد قيمته والنقد في بيع الغائب لا يجوز] قال: وكذلك العبد المفقود لا يقوّم.

قال ابن القاسم: وإذا كان العبد قريب الغيبة مما يجوز في مثله اشتراط النقد في بيعه لزم تقويمه إذا عرف موضعه وصفته وينتقد القيمة لجواز بيعه. ومن المدونة [قال مالك: وإن أعتق في يسره ثم قيم عليه في عسره فلا شك أنه لا تقويم عليه]. قال مالك: وإن أعتق حصته في يسره فقال شريكه: أنا أقوّم عليه نصيبي، ثم قال بعد ذلك: أنا أعتق لم يكن له إلا التقويم. قال ابن حبيب: لا يقوّم على الأول حتى يعرض على شريكه أن يعتق، فإن أعتق فذلك له وإن أبى قوّم على الأول، وإن رجع بعد إبائه قبل التقويم على الأول فذلك له ما لم يقوّم. وقاله ابن الماجشون ورواه ابن القاسم وابن وهب عن مالك. ابن سحنون: قال أشهب: إذا أعتق الشريك وهو موسر فقال شريكه: أنا أقوّم عليه ولا أعتق فلما قام عليه وجده معدماً، فإن العبد عتيق على الأول ويتبعه هذا بالقيمة في ذمته؛ لأنه ضمنه في وقت له تضمينه فيه، كمن أعتق وعليه دين وعنده وفاء به. وقال ابن القاسم: له أن يرجع إلى نصف العبد فيأخذه.

ومن المدونة قال مالك: وإذا أعتق أحد الشريكين وهو معسر فرجع [29/ ب. ص] إلى الإمام فلم يقوّم عليه لعسره ثم أيسر بعد ذلك واشترى حصة شريكه لم يعتق عليه. قال ابن القاسم: ولو رفع ذلك إلى الأمام فلم يقوّم عليه ولا نظر في أمره حتى أيسر [لقوّم عليه]؛ لأن العتق إنما يقع حين ينظر السلطان فيه ليس حين يرفع إليه. قال سحنون: أجمع أصحابنا أن من أعتق شقصاً له في عبد أنه بتقويم الإمام عليه حر بغير إحداث حكم، وكذلك لو دبّر فقوّم عليه لشريكه، وأنكر قول عبد الملك في التدبير: إن قوّم عليه لم يكن مدبراً إلا بحكم، وقالوا: إن من أعتق بعض عبده لا يعتق عليه بقيته إلا بحكم. قال ابن المواز: وأما في المثلة فقيل: يعتق عليه بحكم، وقيل: بغير حكم، وأما من ملك من يعتق عليه فهو حر بتمام الشراء من غير حكم. ومن المدونة قال مالك: وإذا أعتق أحد الشريكين حصته وله شوار بيت فليبع ذلك عليه وتباع عليه الكسوة ذات البال ولا يترك له إلا كسوته التي لا بد له منها وعيشه الأيام.

قال سحنون: قال عبد الملك: وإذا لم يكن للمعتق مال ظاهر سئل عنه جيرانه ومن يعرفه، فإن لم يعلموا له مالاً أُحْلِف ولا يسجن، وقاله جميع أصحابنا إلا في اليمين فإنه لا يستحلف عندهم. ابن المواز: قال ابن القاسم عن مالك في العبد يعتق منه الشقص أو يعتقه سيده عند الموت وليس له منظرة وله محبرة ترتفع بها قيمته: فليس ذلك عندما يقوّم على الشريك أو في ثلث سيده، قال: وإن كان زراعاً وقيمته بموضعه أرفع؛ فليقوّم بموضعه ولا يجلب إلى غيره. قال عنه أشهب: ولو قال المعتق عندما أرادوا أن يقوّموا عليه؛ هو/ سارق آبق وشريكه يعلم ذلك؛ فإن أقر له شريكه قوّم عليه سارق آبق، وإن أنكر فلا يمين له عليه، ويقوم صحيحاً سليماً لا عيب فيه إلا أن تقوم له بينة بما قال. قال أشهب: ولو أقام شاهداً عدلاً حلف معه أنه سارق آبق وقوّم على ذلك، فإن نكل حلف شريكه ما يعلمه كذلك وبرأ، وإن كان الشاهد غير عدل لم يحلف معه المعتق ولكن يوجب له اليمين على شريكه ما يعلمه آبقاً ولا سارقا. ابن المواز: ولا يوجب الشاهد غير العدل شيئاً وكأنه كلا شيء.

فصل ومن المدونة قال مالك: وإذا أعتق أحد الشريكين حصته وهو موسر ثم باع الآخر نصيبه؛ نقض البيع وقوّم على المعتق. ابن المواز وقال أشهب: إلا أن يكون المعتق اليوم قد أعسر فلا يرد بيعه إذ لا يرد إلى تقويم، قال: ولو لم يرد حتى أعسر [30/ أ. ص] ثم أيسر فلا يرد إلا أن يكون عدمه الذي كان ليس بمنكشف ولا رفع إلى الإمام فهذا يرد بيعه ويقوّم عليه بقيمته الآن. وقال ابن المواز: لا يعجبني قوله في إجازة البيع إذا أعدم المعتق بعد البيع؛ لأن المبتاع اشترى نصفاً وجب فيه التقويم فكأنه أعطى عيناً أو عرضاً في قيمة مجهولة إذا اشترى وهو يعلم بوجوب القيمة. قال ابن المواز: وإن دخل العبد عيب أو نقص في سوق أو بدن أو زيادة في مال أو ولد له ولد من أمته؛ فقد فات فسخ البيع ولزم مشتريه قيمة النصف المبيع يوم قبضه ثم يكون للمشتري تقويم نصفه على المعتق بقيمته إلا إن اتصل يسره ويقوّك بماله وولده إن حدث له، ولو فات بموت أو عتق لزم المبتاع نصف قيمته يوم قبضه، وإن لم يكن علم المبتاع بعتق نصفه فالبيع صحيح، وهذا عيب له الرد به إلا أن يموت بعيب مفسد فإما رده مع ما نقصه وقوّم لبائعه على المعتق، وإما حبسه وأخذ قيمة العيب ثم قوّمه هو على المعتق،

وإن فات بذلك بعد عدم العتق فإن لم يكن اشتراه على أن يقوم؛ فلا حجة له إلا أن يقول لم أعلم أن نصفه حر فله الرد. قال: ولو [ترك حتى] تزوج التمسك بنصيبه؛ فقال أشهب: يغرّم المعتق نصف قيمته ويعتق وتستوفي المرأة من تلك القيمة قيمته يوم أصدقها إياه. قال ابن المواز: فإن لم يف لها بذلك أتبعت الزوج بالباقي. قال ابن المواز: وإنما يصح هذا الجواب إذا لم تعلم أن فيه تقويماً ولم يفت عندها بعيب مفسد، وإن كانت تعلم أن فيه تقويماً بملاء معتقه فليفسخ النكاح قبل البناء ويثبت بعده ولها صداق المثل ويقوّم على المعتق، ويأخذ الزوج القيمة، ولا بد لها من رده في عدم الزوج ويسره إلا أن يفوت عندها بموت أو عتق فعليهما قيمته يوم قبضته ولها صداق المثل ويترادان الفصل، ولها إن أعتقته نصف ولاء العبد وإن مات بيدها فلها جميع ما ترك، وعليها قيمته يوم قبضته، ولو فات بعيب مفسد أو حوالة سوق؛ غرمت للزوج نصف قيمته يوم قبضته، وأخذت من المعتق قيمة ذلك يوم الحكم، وإن لم تعلم يعتق الشريك لم يفسخ النكاح، وإن لم يبنِ بها، وترده وتأخذ نصف قيمته يوم نكحت إن كان المعتق مليئاً وإن كان عديماً لم يرد. أبو محمد: وهذا إذا علمت أن نصفه حر ولو لم تعلم أن نصفه حر كان لها الرد، وإذا لم تعلم بعتقه لم تفته حوالة الأسواق لصحة البيع فيه، ولها رده، وإن دخله

عيب [30/ ب. ص] عندها ردت ما نقصه وقوّم الزوج على المعتق أو حبسته ورجعت بقيمة عيبه وقوّم لها على المعتق، ولو أعدم المعتق يوم علمت أن فيه التقويم؛ فلا حجة له كعيب ذهب قبل علمها به. قال ابن سحنون عن أبيه قال بعض أصحابنا فيمن أعتق نصف عبده فلم يتم عليه حتى باع النصف الآخر فأعتقه المبتاع ثم علم بالبيع: ردّ ويعتق باقيه على بائعه. قيل: فإن استحدث ديناً، قال: لا بد من فسخ بيعه ويعود كما كان ويباع ما رد لأهل الدين، وإن كان مشتريه قد نقد الثمن/ كان أولا إذا بيع بمثل ما أخذ منه البائع، ويكون ما فضل للغرماء، وإن لم يكن دين غير الثمن الذي نقد فلا يعتق النصيب حتى يعطي المشتري ما نقد، ويباع في ذلك النصف إن لم يكن له غير الثمن الذي أخذ سيده، وإنما يباع منه بالثمن خاصة فيباع مناقصة، يقال: كم يُشترى منه بعشرة؟ فيقول واحد: أنا آخذ نصف العبد بها، ويقول آخر: أنا آخذ ثلثي النصف، ويقول ثالث: أنا آخذ نصف النصف بها حتى يقف، ثم يعتق ما فضل منه مع النصف الأول، ولا عتق للمشتري كان المعتق الأول مليئاً أو معدماً. قال أبو محمد: انظر قوله: أو معدماً.

قال ابن المواز: وإذا أعتق أحد الشريكين نصيبه في العبد ثم وهب الآخر نصيبه لرجل فلا بد من التقويم وليحلف الواهب ما وهب فتكون له القيمة، ثم هو أحق بها، وإن لم يحلف فهو للموهوب، وإن وهب عبداً فاستُحق للواهب الثمن على بائعه فلا يمين. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: وإذا أعتق نصف عبده ثم تصدق بنصفه على الآخر؛ فليقوم على المعتق ويلزمه نصف قيمته للمتصدق عليه، فإن مات عليه بنصفه قبل عتق النصف أو بعده؛ فالقيمة تلزمه في الوجهين؛ لأنه رضي أن يكون شريكاً معه. ومن العتبية وكتاب ابن سحنون قال ابن القاسم: من قال في كلام واحد: نصف عبدي صدقة على فلان، ونصفه حر؛ الصدقة ثابتة، ويقوّم عليه إن كان مليئاً، وإن بدأ بالعتق فهو حر كله، [ثم قال ذلك سواء، وهو حر كله]؛ لأن مالكاً قال: من تصدق بعيد ثم أعتقه قبل أن يحاز عنه فهو حر كله. قال سحنون: وهو أشبه بمذهبه.

وقال أصبغ في العتبية: القول الأول أولى، وليس ما ذكر بحجة، إنما يكون حجة إذا تصدق ثم لم يعتق [31/ أ. ص] إلا بعد حين يمكنه قبضه فيه فيصير ترك لمعطى أن يجوز صدقته بعد علمه بها حتى يعتق بعد حين حجة، فأما إن تصدق ثم يعتق في كلام واحد في مقامه فليس له ذلك، وعليه نصف القيمة كالشريك. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا كان معتق الشقص له من عبد معسر أو العبد غائب فباع المتمسك حصته منه على الوصف وتواضعا الثمن فقبضه المبتاع وقدم به والمعتق [مليء إذ لم يقدم به إلا أن العبد علم بموضعه فخاصمه في ذلك والمعتق] قد أيسر، فإن البيع ينقض ويقوّم على المعتق. م: يريد: إذا كان بموضع قريب يجوز فيه النقد، وقد ذكرناه قبل هذا. فصل قال مالك: وإذا أعتق أحد الشريكين حصته في صحته فلم يقم عليه حتى مرض قوّمنا عليه حصة شريكه في الثلث، وكذلك من أعتق نصف عبده في صحته فلم يعلم بذلك حتى مرض؛ فليعتق بقيته في ثلثه. ابن المواز وقاله ابن القاسم وأشهب. قال أصبغ: وإذا لم يعلم به حتى مرض فليُحكم عليه الآن بالتقويم، ويوقف المال لحياته أو موته، وينفذ الحكم عليه في ذلك؛ فإن صح لزمته تلك القيمة، وإن مات

أخرجت تلك القيمة من ثلثه أو ما حمل الثلث منها ويُبَدّى على الوصايا، وما أعتق أولا من رأس المال. وقال عبد الله بن عبد الحكم: لا يقوّم في مرضه وليوقف أبداً وإن أضر ذلك بشريكه حتى يموت فيعتق ما بقي من ثلثه، أو يصح فمن رأس ماله إلا أن يعتق معه الشريك. قال مالك: والموت والفلس سواء، والموت أبين. ومن المدونة: وقال غيره فيهما لا يقوّم عليه في الثلث نصيب صاحبه ولا يعتق عليه ما بقي من عبده؛ لأن عتقه كنا في الصحة فلا يدخل حكم الصحة على حكم المرض كما لو مات أو فلس. قال سحنون: وقد قال أبو بكر الصديق لعائشة رضي الله عنهما لو كنتِ حزتبه لكان لك ولكنه اليوم مال وارث، قاله وهو مريض، والمرض من أسباب الموت وفيه الحجر، وقد قال ابن عباس: لا يقوّم ميت ولا يقوّم على ميت.

وبهذا قال سحنون في كتاب ابنه. قال مالك/ وغيره: وإن لم يعلموا بذلك إلا بعد المعتق أو فلسه لم يعتق من العبد إلا ما كان أعتق. ابن المواز وقال أشهب: إذا أعتق حصته فلم يقوّم عليه حتى مات، فإن مات بحدثان ذلك قوّم من رأس ماله؛ لأنه حق ثبت لشريكه لم يفرط فيه، فإن فرط في ذلك لم يعتق في ثلث ولا رأس مال، قاله مالك. وكذلك من تمتع بالعمرة إلى الحج يموت عند قضاء حجه وعمرته ولم يهد هدي التمتع فليؤد ذلك عنه من رأس ماله، وإن كان قد [32/ ب. ص] فرّط لم يؤد من ثلث ولا رأس مال. قال سحنون: وأنا أقول في المعتق: لا تقويم عليه. م: يريد: وإن مات بحدثانه. قال أشهب قال مالك: ولو أعتق بعض عبده في صحته فلم يتم عليه حتى مات مكانه أو فلس؛ لم يعتق منه إلا ما كان أعتق.

قال سحنون: وهذا قول أصحابنا جميعاً. ابن حبيب وقال مطرف عن مالك: إن غافصه الموت عتق عليه باقيه، وإلا لم يعتق منه إلا ما أعتق؛ فأعلم. ومن المدونة: ومن أعتق نصف عبده ثم فقد السيد لم أعتق باقيه في ماله؛ لأن المفقود لا يُدرى أحي هو أو ميت فلا يعتق في ماله بالشك ولكن يوقف ما رقّ منه؛ كقول مالك في مال المفقود: أنه يوقف ماله إلى أمد لا يحيا إلى مثله؛ فإذا بلغ ذلك كان ماله لورثته يومئذ إلا أن تثبت وفاته قبل ذلك، فيكون لورثته يو صحة موته. ابن المواز: وروى أشهب عن مالك في معتق شقصه بفقدانه: إن فقد بحدثان العتق؛ فليقوّم نصيب شريكه في ماله الحاضر، وإن تباعد لم يقوّم عليه وفقد المعتق كموته. قال محمد: ويتلوّم في المفقود بأجل يختبر فيه حاله فإن جعل خبره مكّن المتمسك من حصته لبيع أو غيره، ثم إن جاء المفقود أو عُلِمت حياته وله مال حاضر نُقض البيع وقوّم عليه.

قال: ولو فُقد العبد أو كان غائباً يُعلم مكانه لم يقوّم عليه إلا بحضرته وهو بخلاف بيع الغائب على الصفة؛ لأن ذلك لا يجوز النقد فيه، وعتق هذا على الصفة إنما هو على النقد لا بد منه؛ لأن عتقه كقبض فلا يعتق أبداً إلا بدفع القيمة. وذكر عن ابن القاسم: إذا فقد المعتق لنصف عبده مثل ما في المدونة. قال: وقول أشهب: في ذلك أصوب، وعليه رأينا إن عُلم بحدثان فقد المعتق قوّم عليه في ماله وإن طال أمره قبل ذلك صنع شريكه بنصيبه ما شاء. قال ابن المواز: ولو فقد المتمسك بالرِّق لم يضر فقده وقوّم مصابه على المعتق إذا كان هو والعبد حاضرين، وضم قيمته مع سائر مال المفقود. ومن المدونة قال مالك: وإذا أعتق أحد الشريكين وشريكه غائب فإن كانت غيبته قريبة لا ضرر على العبد فيها، كُتب إليه؛ فإما أعتق أو قوّم، وإن بعدت غيبته قوّمناه على المعتق إن كان مليئاً ولم ينتظر قدومه. فصل قال ابن القاسم: وإذا دبّر أحد الشريكين جنين أمة بينهما تقاوياه بعد أن تضعه، وإن أعتق أحدهما جنينها أو دبّره وأعتق الآخر نصيبه من الجارية؛ قوّمت عليه وبطل عتق صاحبه وتدبيره للجنين. وقال بعد ذلك: إذا أعتق أحد الشريكين جنين أمة [32/ أ. ص] بينهما وهو موسر قوّم عليه بعد أن تضعه يوم حكم فيه، وإن ضرب رجلٌ بطنها فألقته ميتاً؛ ففيه ما في جنين

الأمة، وما أخذ فيه فهو بين الشريكين، وإن كان لهذا الجنين إخوة أحرار فلا شيء لهم من عقله؛ لأن حرمته لا تتم إلا بالوضع وعقله للشريكين كما ذكرنا. ابن المواز: قال ابن القاسم: وإن ضرب رجلٌ بطنها فخرج الولد حياً مُسْتَهِلاً فديته دية عبد الشريك الذي لم يعتق جملتها كعبد بينهما أعتق أحدهما نصيبه منه فقتل قبل التقويم، أن قيمته للمتمسك بالرِّق. فصل ومن المدونة قال مالك: ومن أعتق نصف أم ولده أو نصف أمته عتق عليه جميعهما، وكذلك كل من أعتق شقصاً له من عبد يملك جميعه عتق عليه كله. وروى سحنون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: جاءه رجلٌ فقال: إني أعتقت نصف عبدي، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: عتق عليك كله، ليس لله شريك، والرجل صحيح، وقاله جماعة من التابعين.

قال ربيعة: وقد قضى الرسول عليه السلام فيمن أعتق نصيباً له من عبد أن يقوّم عليه بقيته، فكذلك من أعتق بعض عبده؛ إذ لا يجتمع في يد رجل عتاقة ورق كل ذلك من قبله حتى تتبع أحد الحرمتين صاحبتها والرق أحق أن يتبع بعض العتاقة. ابن المواز: فإن لم يعتق عليه ما يفي حتى استدان السيد ديناً يحيط بماله وبما بقي من رقبة العبد أو فلس أو مات، لم يعتق من العبد إلا ما عتق. فصل ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا كان عبد بين مسلم وذمي فأعتق المسلم حصته قوّم عليه كان العبد مسلماً أو ذمياً، وإن أعتق الذمي حصته وكان العبد مسلماً قوم عليه وجبر على عتق جميعه؛ لأن كل حكم بين مسلم وذمي فإنه يحكم فيه بحكم المسلمين، وإن كان العبد كافراً لم يقوّم على الذمي حصة المسلم؛ لأن العبد لو كان جميعه لنصراني فأعتقه أو أعتق بعضه لم يحكم عليه بعتقه، فكذلك إذا كان بينه وبين مسلم فأعتق حصته، وهذا قول مالك، وقال غيره: تقوّم عليه حصة المسلم.

ابن المواز: وقاله أشهب، وهو أحب إلينا، واستحب في موضع آخر قول ابن القاسم. م: فوجه التقويم: لأنه أدخل الضرر بعتقه لنصيبه على المسلم، وهي العلة التي أوجبت التقويم بين المسلمين، فصار ذلك حكم بين مسلم وذمي فحكم بينهما فيه بحكم المسلمين. م: ووجه قول ابن القاسم: فلأن عتق النصراني لا يلزمه وله الرجوع فيه فهو كلا عتق فلذلك لم يقوّم عليه [32/ ب. ص]. قال بعض القرويين: إن أبى النصراني العبد عن نفسه حتى لو أراد ردّه في الرق لم يكن ذلك له فيجبر المسلم على أن يقومه عليه ويستتم عتقه، وإن لم يُبِن العبد عن نفسه ولو أراد رده في الرق كان له، فلا يقوم عليه إلا أن يشاء المسلم إلا أن يشهد النصراني أنه رده في الرقفلا تقويم فيه أصلاً، وإن شاء ذلك المسلم، وهذا استحسان. محمد: وأما النصراني بين مسلمين فمن أعتق منهما قوّم عليه، وكذلك مسلم بين نصرانيين، وأما نصراني بين نصرانيين فلا تقوم فيه إلا أن يرضوا بحكمنا، وإذا كانا عبد بين حر وعبد فأعتق الحر حصته قوّم عليه، وإن أعتق العبد فلا عتق له إلا أن يكون بإذن سيده فيقوّم على سيده كان للعبد مال أو لم يكن.

قال سحنون: ويباع في قيمته رقبة العبد وغير ذلك من مال السيد. ابن المواز: وكذلك إن كان بغير إذنه فأجاز. فصل ومن المدونة قال مالك: وإذا أعتق المريض شقصاً له في عبد أو اشترى نصف عبد فأعتقه بتلاً، فإن كان له مال مأمون من دور أو أراضين قوّم عليه نصيب صاحبه الآن، وعتق العبد كله، ولا ينتظر به موته، وإن لم يكن له مال مأمون لم يعتق نصيبه ولا نصيب شريكه إلا بعد موته فيعتق جميعه في ثلثه ويغرم قيمة نصيب شريكه. ابن المواز: لأنه قد وجب التقويم في مرضه وله حق في ثلثه؛ لأن ماله لا يجب لورثته إلا بعد موته فصار كمن أعتق شقصه وله مال. ومن المدونة قال ابن القاسم: وقد قال مالك: إذا بتل المريض عتق عبده كله وله ماله مأمون، عجّل عتقه وتمت حرمته في جميع أحكام الأحرار؛ من الموارثة والشهادة وغيرهما، وإن لم يكن له مال مأمون وكان يخرج من الثلث لم يعجّل عتقه، ووقف، وكان له حرمة العبد حتى يعتق بعد موت سيده في ثلثه.

قال ابن القاسم: وليس المال المأمون عند مالك إلا في الدور والأرضين والنخل والعقار، والمالك قول ثانٍ في المبتل في المرض: إن حكمه حكم العبد حتى يعتق بعد الموت في الثلث كان له مال مأمون أو لم يكن، وقد رجع عنه مالك إلى ما وصفنا. ابن وهب: وقال ربيعة فيمن أعتق شركاً له في عبد عند الموت: أنه يعتق منه ما أعتق من نصيبه ولا يكلف حق شريكه، وأن عمر بن عبد العزيز أجاز عتق ثلث عبد أعتقته امرأة عند موتها. وروى ابن المواز وابن حبيب عن مالك في المريض يعتق شقصاً له من عبد/ مثل ما في المدونة. ابن حبيب وقال ابن الماجشون: لا يقوّم عليه حتى يصح أو يموت، فإن صح قوّم عليه في ماله، وإن مات عتق ما أعتق منه في ثلثه، ولم يقوّم عليه نصيب صاحبه وإن حمله الثلث؛ لأن التقويم لا يلزم إلا في عقد يقضي إلى حرية ناجزة أو إلى أجل قريب لا يرده دين، وهذا قد يرده الدين وهو من الثلث إلا أن تكون لسيده أموال مأمونه قيقوّم عليه ويعجّل له العتق مكانه قبل أن يموت، وقاله ابن حبيب، وهو نحو قول ربيعة في

المدونة وحكى سحنون عن ابن القاسم نحو ما في المدونة، وبه قال، [قال: وسواء عتق عليه [33/ أ. ص] قبل الموت أو بعده]. قال: وقال آخرون: إن شاء الشريك التقويم ويقبض الثمن ويكون العبد عبداً بيد المريض إن مات عتق في ثلثه أو ما حمل منه، وكان ما بقي رقيقاً، وإن شاء لم يقوّم عليه ويمسكه ولا يبيعه من غيره؛ لأن بيعه من غيره خطر؛ لأن المشتري يؤدي هنا ثمناً على أن يأخذ قيمة مجهولة، فإذا مات المعتق عتق في ثلثه، وإن أراد المتمسك عتق حصته فذلك له ما لم يقوّم أو يعتق ويكون شريكاً له في الولاء إن أعتق معه ولم يقوّم. ابن حبيب: وقاله ابن الماجشون. وقال مطرف عن مالك: إنه ليس لشريكه أن يعتق، ويلزمه التقويم، كما لو الشريك جميعه.

وقال سحنون: لو أعتقه المريض كله في مرضه وأشهد بذلك فالشريك مخيّر أيضاً. ومن المدونة قال مالك: وإن كان إنما أوصى بعتق شقص له من عبد [أو اشترى شقصاً من عبد] فأوصى بعتقه فإنه لا يعتق عليه نصيب شريكه. سحنون: وقاله مالك وأصحابه. ابن المواز: وذلك إن عتقه لذلك الشقص إنما وجب بعد موته حين صار ماله لورثته فهو كمن أعتق شقصاً له ولا مال له غيره. قال ابن القاسم فيه وفي العتبية: إلا أن يرضى المعتق بالتقويم فيقوّم في ثلثه ويعتق جميعه إذا حمله الثلث أو ما حمل منه، شاء شريكه أو أبى، وقاله أصبغ. قال: ولو كان ذلك في مكاتب لم يكن له ذلك؛ لأنه ينقل عن شريكه الولاء، وإن رضي به الشريك. وقاله أصبغ. حتى يعجز ويرق فيعتق على الميت في ثلثه.

وروى يحيى عن ابن القاسم فيمن أوصى بعتق ثلث عبده ويعطى ثلث باقي ماله، فإنه لا يعتق منه إلا ثلثه ويأخذ بقية وصيته مالاً ولا يعتق فيه، بخلاف أن لو أوصى له بثلث ماله؛ هذا يعتق فيه. فصل ومن المدونة قال مالك: وإذا أعتق أحد الشريكين وهو معسر أو كان موسراً فلم يقوّم عليه حتى مات العبد عن مال؛ فالمال للمتمسك بالرق دون المعتق ودون ورثة العبد الأحرار؛ لأنه بحكم [33/ ب. ص] الأرقاء حتى يعتق جميعه، ولا يقوم بقية العبد بعد موته على المعتق وإن كان مليئاً. قال ابن القاسم: وإن مات العبد وترك مالاً ولرجل فيه السدس ولآخر فيه الثلث ونصفه حر فالمال بينهما بقدر ما لهما فيه من الرق؛ لصاحب السدس سهم ولصاحب الثلث سهمان. ابن وهب وقال ربيعة ومالك: وإن كان العبد بين ثلاثة فأعتق أحدهم نصيبه وكاتبه الثاني وتماسك الثالث بالرق، فمات العبد؛ فميراثه بين الذي تماسك بالرق وبين الذي كاتب على أن يرد الذي كاتب ما كان أخذ من كتابته قبل موته. [قال ابن القاسم: وإن مات العبد وترك مالاً ولرجل فيه السدس ولآخر فيه الثلث ونصفه حر؛ فالمال بينهما].

قال ابن القاسم في العتبية: في أحد الشريكين يعتق نصيبه من العبد وهو عديم ثم يولد للعبد ولد من أمته فولده بمنزلته؛ نصفه حر كأبيه ونصفه لمالك نصف أبيه، فإن عتق المتمسك حصته من الولد ثم مات الولد عن مال ولم يعتق أبوه فإن ولاءه وماله بين الشريكين. قال في كتاب ابن سحنون: ولو أعتق هذا العبد المعتق نصفه عبداً بإذن من له فيه الرِّق ثم مات ذلك العبد عن مالٍ فماله بين السيدين دون العبد الذي نصفه حر، وذكر في ولده مثل ما في العتبية. [وفي العتبية وفي سماع يحيى بن يحيى: أن ميراث ما أعتق هذا العبد الذي نصفه حر بإذن من له فيه الرق للمتمسك بالرق خالصا. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: فإذا أعتق أحد الشريكين حصته من العبد إلى أجل؛ قوّم عليه الآن ولم يعتق حتى يحل الأجل. سحنون: وروي عن مالك.

ابن حبيب: وروى أصبغ عن ابن القاسم وأشهب مثل ذلك وقالا: إلا أن يكون الأجل بعيداً جداً فيؤخر التقويم إلى حلوله، ولو قال قائل: يؤخر التقويم إلى حلوله في الوجهين لم أعبه. وقاله/ أصبغ. ومن المدونة وقال غيره: إن شاء تعجّل القيمة أو أخرها. ابن حبيب ورواه مطرف وابن الماجشون عن مالك والمغيرة وبه أقول، وكذلك في كتاب ابن سحنون عن عبد الملك قال فيه: وإن تماسك بنصيبه إلى أجل لم يكن له بيعه قبل الأجل إلا من شريكه، فإن لم يبعه منه وتم الأجل قوّم عليه بقيمته يوم تم إن كان مليئاً بقيمته يومئذ أو فيما هو مليء به منها ما لم يكن تافهاً. قال عبد الملك: ولو شاء التقويم عليه يوم العتق فألفاه عديماً فلا يكون ذلك قاطعاً للتقويم عليه يوم العتق عند الأجل إن كان يومئذ مليئاً، ولا ينبغي للشريك بيع حصته من غيره قبل تمام الأجل. وقال المغيرة وسحنون: إن عدمه اليوم قاطعاً للتقويم عليه بعد ذلك إن أيسر ويبيح للشريك بيع حصته، وقاله ابن حبيب عن مطرف.

ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن مات العبد عن مال قبل التقويم أو قتل فقيمته [34/ أ. ص] وما ترك من المال بين السيدين؛ لأن عتق النصف لم يتم حتى يمضي الأجل. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم: إذا أعتق أحدهما حصته إلى سنة ثم أعتق الآخر بتلاً؛ فإن بعض العلماء يقول: تقوم خدمته سنة فتؤخذ من المال بتل فتدفع إلى المخدم، ويعتق كله الآن، وأخذ به ابن القاسم ثم رجع فقال: يبقى على حاله يعتق نصفه الآن ونصفه إلى سنة ولا يؤخذ من هذا قيمة خدمته وولاؤه لغيره. ابن سحنون: عن أبيه وقاله جميع أصحابنا، وذكر ابن المواز عن أشهب مثل القول الأول. قال عن أشهب: ولو أعتقاه معاً إلى أجل، أو واحد بعد واحد، ثم بتله أحدهما فلا تقويم عليه؛ لأنه وضع خدمته. وكذلك روى ابن حبيب عن مطرف وقال: إن مات العبد قبل السنة فماله للذي بقيت له فيه الخدمة. وقال ابن سحنون عن أبيه: ولو أعتق الأول حصته إلى سنة، ثم أعتق الآخر بعده إلى ستة أشهر؛ فلا تقويم فيه، ويكون كما أعتقاه إذا مضت نصف سنة عتق نصفه، ولا تقويم للمعتق إلى سنة، وكان إليها حر كله.

ابن حبيب: وهو مثل ما لو أعتق الأول معجلاً والثاني إلى سنة، وقد فسرناه. ابن المواز قال ابن القاسم: ولو كان كله لرجل فأعتقه إلى سنة فاختدمه بعضها ثم قال له: نصفك حر الساعة؛ فإنه يعتق عليه جميعه. قال ابن القاسم: وإن أعتق أحد الشريكين إلى سنة ثم أعتق الثاني بعد موت فلان، فإنه إن مات فلان قبل السنة، عتق نصيب الثاني ولا يقوم عليه نصيب صاحبه، وإن حلّت السنة قبل موت فلان؛ عتقت مصابته وقوّم عليه نصيب الثاني، إن كان الأول صحيحاً: فمن رأس ماله، وإن كان مريضاً قوّم في ثلثه نصيب الآخر، وأما نصيبه فمن رأس ماله، وإن مات الأول قبل السنة: عتقت مصابته فقط عند السنة من رأس ماله. قال أصبغ: وإن أعتق أحدهما نصيبه إلى موت أبيه، ثم أعتق الثاني نصيبه إلى موت أبي نفسه فإن مات أبو الأول أولاص قوّم عليه نصيب الثاني، يريد: إلا أن يعتق الثاني نصيبه بتلاً. قال: وإن مات أبو الثاني أولاً لم يقوّم عليه شيء. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: وإن أعتق هذا إلى عشر سنين ودبّر صاحبه، فإن مات الذي دبّر قبل عشر سنين، وترك ما يخرج نصيبه من ثلثه عتق نصيبه وبقي نصيب الآخر إلى الأجل الذي سمى، وإن لم يدع مالاً، أو ترك شيئاً لا يخرج

نصيبه منه [34/ أ. ص] عتق ما حمل الثلث منه، ويقوّم باقي نصيبه على الآخر ويكون حراً إلى عشر سنين، وإن انقضت العشر سنين قبل موت الذي دبّر قوم نصيب الذي دبّر على المعتق وعتق كله وبطل التدبير إلا أن يشاء الذي دبّر عتق نصيبه بتلاً فذلك له. ابن المواز: وإن كان بين رجل وامرأته عبداً فابتدأ الزوج فأعتق نصيبه منه إلى موتها، ثم أعتقت هي نصيبها إلى موت زوجها؛ فإن مات الزوج أولاً عتق نصيب المرأة من رأس مالها كانت الآن مريضة أو مديانة إلا فين دين قبل عتقها، ويبقى نصيب الزوج يختدمه ورثته مع زوجته هذه إلى موتها فيعتق من رأس مالها، وإن ماتت المرأة أولاً عتق/ مصابة الزوج من رأس ماله، وقوّم عليه نصيب المرأة؛ لأنه هو ابتدأ العتق. ابن المواز: قال ابن القاسم: ولو قالا معاً: أنت حر إلى موت أولنا؛ فنصيب أولهما موتاً حر من ثلثه، ونصيب الحي من رأس ماله مكانه، فإن عجز ثلث الميت عن نصيبه استتم على الحي؛ إلا أن يكونا إنما قالا ذلك واحداً بعد واحد، فإن مات أولهما قولاً فعجز نصيبه عن ثلثه لم يتم على الثاني، وإن مات أولا آخرهما قولاً فلم يفِ ثلثه بنصيبه استتم على الأول الحي بقيته.

فصل ومن المدونة قال مال: ومن اشترى نصف ابنه أو نصف من يعتق عليه من رجل يملك جميعه أو كان لرجلين فاشترى حصة أحدهما أو تصدق به عليه أو وهبه له أو أوصى له به فقبله؛ فإنه يعتق عليه ما ملك منه بشيء من هذه الوجوه، ويقوّم عليه بقيمته إن كان مليئاً، وإن كان معسراً لم يعتق منه إلا ما ملك، ويبقى باقيه رقيقاً على حاله يخدم مسترق باقيه بقدر ما رقّ منه ويعمل لنفسه بقدر ما عتق منه ويوقف ماله بيده. قال في كتاب الولاء: إذا أوصى له ببعض ابنه فإن قبله قوّم عليه باقيه، وإن رده فروى علي عن مالك: أن الوصية تبطل. محمد: وقاله أشهب وابن دينار. وقال ابن القاسم: إذا رده عتق ذلك الشقص فقط قاله مالك وفي الولاء إيعاب هذا. ومن المدونة: وأما من ورث شقصاً ممن يعتق عليه فلا يعتق عليه منه إلا ما ورثه فقط ولا يقوّم عليه بقيته وإن كان مليئاً؛ لأنه لم يجر الميراث إلى نفسه ولا يقدر على دفعه، وفي الشراء والهبة والصدقة فهو جزء ذلك في نفسه؛ لأنه قادر على دفعها. ابن المواز: قال مالك: ثم إن اشترى بعض ما بقي منه بعد الذي [35/ أ. ص] ورث؛ لم يعتق عليه غير ما اشترى منه. قال سحنون في كتاب ابنه: قاله مالك وأصحابه.

وكذلك إن وهب له منه شقصاً بعد أن ورث منه شقصاً؛ لم يعتق عليه إلا ما ورث وما وهب، إلا ابن نافع فقال: إذا قبل منه شيئاً مما بقي منه قوّم عليه باقيه ولا أعلم من يقوله غيره. قال مالك: إن اشتريت أنت وأجنبي أباك في صفقة واحدة؛ جاز البيع، وعتق عليك، وضمنت للأجنبي قيمة نصيبه، غمزها سحنون وقال: كيف يجوز هذا الشراء وهذا الأجنبي لا يدري ما اشترى أدى ثمناً على أن يأخذ قيمة مجهولة؟ م: قال بعض أصحابنا: يحتمل أن يكون معنى كلام ابن القاسم: أن المشتري مع الولد أباه لم يعلم أنه أبوه وإنما انكشف ذلك بعد عقد البيع فلم يدخل على فساد، والله أعلم. ومن المدونة قال مالك: ومن وهب لصغير أخاه أو من يعتق عليه فقبله أبوه جاز ويعتق على الابن. قال: وإن أوصى لصغير بشقص ممن يعتق عليه أو ورثه، فقبل ذلك أبوه أو وصيه؛ فإنما يعتق عليه ذلك الشقص فقط، ولا يقوّم على الصبي بقيته، ولا على الأب أو الوصي الذي قبله، وإن لم يقبل ذلك الأب أو الوصي: فهو حر على الصبي، وكل من جاز بيعه وشراؤه على الصبي فقبوله له الهبة جائز، وذلك في الأب والوصي.

باب في العبد المأذون له في التجارة يملك ذا قرابة له أو لسيده ممن يعتق عليه

باب في العبد المأذون له في التجارة يملك ذا قرابة له أو لسيده ممن يعتق عليه قال مالك: وإذا ملك العبد المأذون له في التجارة من أقاربه ممن يعتق على الحر إذا ملكه، لم يبعهم إلا بإذن سيده. وقد قال مالك: لا يبيع المأذون له أم ولده إلا بإذن سيده، فولده أحرى ألاّ يبيعهم إلا بإذن سيده، ألاَ ترى أنه لو أعتق وهم في ملكه عتقوا عليه، وإن أم ولده لو أعتق وهي في ملكه كانت أمة له. قال أبو محمد: إنما لم يجز للمأذون له بيع أم ولده إلا بإذن سيده، لاحتمال أن تكون حاملاً وما في بطنها فهو للسيد/ فلا يبيع ملكاً للسيد إلا بإذنه.

وقد تأول غيره: إنما كره بيعها إلا بإذن السيد؛ لأن بعض الناس يقول: العبد إذا أعتق كانت له أم ولده بما كانت ولدت منه في حال الرِّق؛ فلهذا كره بيعها إلا بإذن السيد. م: وما ذكر أبو محمد أبين. وقال بعض شيوخنا: فإن باع أم ولده ولم يستأذن سيده [35/ ب. ص] جاز البيع ولم يفسخ إذا لم يظهر بها حمل، وأما إن باع من أقاربه من يعتق عليه على الحر إذا ملكه بغير إذن سيده فيفسخ بيعه، فإن العلة في أم الولد خوف الحمل فقد ظهر أنها ليست بحامل وأن السيد لا حق له فيها فوجب إمضاء البيع فيها، وأما من يعتق عليه يوماً فإنما كره له بيعهم إلا بإذن السيد رجاء أن يعتقوا إن بقوا بيده حتى يعتق. م: والذي أرى أنه إن باعهم بغير إذن السيد أن ينفذ بيعهم؛ لأن عتقهم أمر مترقب قد يكون أو لا يكون، وبيعه قد وجب لمبتاعه فلا يفسخ حقاً وجب لأمر يكون أو لا يكون، هذا هو أصلهم والله أعلم. وقال بعض المتأخرين من أصحابنا وعلى اعتلال أبي محمد رحمه الله في أم الولد: ينبغي ألا يبيع أمة له يطؤها إلا بإذن السيد إذ قد تكون حاملاً أيضاً. وحكي عن ابن موسى بن مناس أنه قال: لا يلزم هذا في الأمة؛ لأن أم الولد قد صارت خزانة للسيد إذ قد أوقفها للولد بخلاف الأمة.

م: ولأن الأمة إذا أتت بولد لم يلحق بالسيد إلا أن يقر بالوطء أو تقيم هي على ذلك بينة، وأما أم الولد فيلحق بالسيد ما أتت به من ولد إلا أن ينفيه ويدعي الاستبراء. قال ابن القاسم في غير هذا الكتاب: وكذلك المدبّر والمعتق إلى أجل إذا ملك أباه فلا يبيعه إلا بإذن السيد ما لم يمرض سيد المدبّر أو يفوت أجل المعتق إلى أجل، فلا يجوز حينئذ إذن السيد إذ لا يستطيع انتزاعه منه حينئذ، وليس له بيع ما ولد للمدبر والمعتق إلى أجل بعد عقد ذلك فيهما [وإن أذن له السيد. م: لأن السيد نفسه لا يستطيع بيعهم؛ لأنهم كآبائهم فآباؤهم أحرار لا يجوز لهم بيعهم، وهذا إذا كان حمل أمة المدبر وأمة المعتق إلى أجل بعد عقد ذلك فيهما]. ابن المواز قال أشهب: وليس لواحد منهم ولا للعبد شراء ذلك إلا بإذن السيد، وكذلك أم الولد والمعتق بعضها. قال ابن المواز: وأما المعتق بعضه يشتري ذلك بإذن السيد؛ فلا يبيعه وإن أذن له السيد، وأما المكاتب يأذن له سيده يشتري من يعتق على الحر، فإنهم يدخلون معه في

الكتابة، وقيل: لا يدخل إلا الولد والوالد، [وقيل: لا يدخل إلا الولد] وفي كتابة المكاتب إيعاب هذا. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا ملك العبد المأذون له من قرابة سيده من لو ملكهم سيده عتقوا عليه والعبد لا يعلم بهم؛ فإنهم يعتقون عليه، إلا أن يكون على سيد المأذون له دين يغترقهم [36/أ. ص]. قال في كتاب الرهن: وإن اشتراهم المأذون له وهو يعلم بهم؛ لم يجز ذلك على سيده، إذ ليس له أن يتلف مال سيده. قال ابن المواز: شراء المأذون له من يعتق على سيده من قرابته عامداً أو جاهلاً؛ سواء، وهم أحرار، قاله مالك.

ابن المواز: لأن إذن السيد له في الشراء والبيع إذن له باشترائهم. قال عن ابن القاسم: ولو كان على المأذون دين يحيط بماله؛ رأيت أن يعتقوا ويغرم سيده الثمن إلا أن يكون العبد غير مأذون له في التجارة، فلا يجوز شراؤه ولا يعتقوا ويرد الشراء. محمد: وهو أحب إليّ من قول أشهب. وقال أشهب: لا يشتري المأذون له أبا سيده إلا بإذنه، فإن اشتراه بإذنه لم يعتق عليه، ويبقى بيده حتى يصير للسيد بموت العبد أو بيعه، وليس له ها هنا بيعه بماله، وإن أعتقه أتبعه والد سيده رقاً له. قال ابن القاسم: وأما المكاتب فله ملك أبوي سيده، وبيعهما ووطء الأم، [وإن كانت ابنة سيده أو أمه؛ لأن المكاتب لا يقدر سيده أن يتصدق في ماله ولا يأخذه؛ فإن قيل: هو لو وطأ أمته لم يجز فلم تكن له شبهة قبل الوطء؛ إنما هو درأه حد الشبهة؛ لأن الأب لا تصرف له في ملك ابنه الكبير، ولو وطأ جارية ابنه الكبير ما حد، ولو أعتقها ما جاز عتقه، وإنما شبه هذا لو أعتق السيد عبد مكاتبه ما جاز عتقه إلا أن يعجز المكاتب والعبد باق في يده فيعتق بذلك العتق] وقاله سحنون في كتاب ابنه.

ابن المواز: قال ابن القاسم: وقد قال بعض الناس: هذا في العبد، وليس بشيء، فإن عجز المكاتب عتق من بيده ممن يعتق على سيده وقاله أصبغ [36/ ب. ص] [ابن الفرج رضي الله عنه. تم العتق الأول بحمد الله] /

بسم الله الرحمن الرحيم عونك يا الله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كتاب العتق الثاني جامع القول فيمن يعتق بالقرابة م: الأصل في منع استرقاق الأبوين قال الله تبارك وتعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}، قال تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}، وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}. فلما كان استرقاقهم من الإذلال وأعظم مما نهي عنه من التأفف وغير ما أمر به من الإحسان إليهما لم يجز أن يملكهما.

ودلنا الله تعالى أنه رفع الرّق عن الولد بقوله عز وجل: {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} إلى قوله: {إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}، وقال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} فدل أن الولد لا يكون عبداً، ولا خلاف في عتق الأبوين والولد، ودخل الجد للأب أو للأم مدخل الآباء بدخوله في قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} فلم يجز نكاح ما نكح الجد للأب أو للأم، ودخلت الجدات في الحرمة مدخل الأمهات، وأما الإخوة فيعتقون إذا ملكهم لقرب ولادتهم، وقد قال الله عز وجل حكاية عن موسى صلى الله عليه وسلم: {رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي} فلما لم يجز أن يملك نفسه فكذلك لا يملك أخاه، وقد وجدنا الإخوة يقومون مقام الولد في حجب الأم عن الثلث إلى السدس وهم في قسمة الميراث مثل قسمة الولد فأجروا مجراهم في العتق.

ومن المدونة قال ابن القاسم عن مالك: والقضاء إلا يعتق على الرجل من أقاربه إلا الولد ذكرهم وأنثاهم وولد الولد وإن سفلوا. قال أشهب عن مالك في العتبية: ولد الذكور والإناث. قال في المدونة: وأبويه وأجداده وجداته من قِبل الأم والأب وإن بعدوا، وإخوته دُنْيا لأبوين أو لأب أو لأم وهم من الفرائص في كتاب الله تعالى. م: قوله: وهم أهل الفرائض في كتاب الله عائد على الإخوة فقط. قال مالك: ولا يعتق عليه من ذوي محارمه غير هؤلاء لا عم ولا عمة ولا خال ولا خالة ولا بني أخ ولا بني أخت ولا أمة كان تزوجها فولدت منه ثم اشتراها بعد ما ولدت. فأما إن اشتراها وهي [36/ أ. ص] حامل منه فوضعت عنده بعد الشراء بيوم أو أقل أو أكثر كانت به أم ولد.

قال مالك: وإن اشترى من ذوي محارمه من الرضاعة؛ أمهاته وبناته وأخواته، أو محارمه من قِبل الصِّهر؛ أمهات نسائه وجداتهن أو ولدهن؛ فلا يعتق عليه شيء منهن ويبيعهن إن شاء. قال المشيخة السبعة: وهم سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد بن ثابت، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبيد الله بن عتبة بن مسعود، وسليمان بن يسار: إذا ملك الوالد ولده أو الولد والده عتق عليه، وما سوى ذلك من القرابة فيختلف الناس فيه. وقال يحيى بن سعيد: أما الذي لا شك فيه الوالد والولد والإخوة فمن ملكهم فهم أحرار. وقال ابن شهاب: مضت السُّنّة أنه لا يسترق الرجل والده ولا ولده ةلا إخوته، وإن مات قبل عتقهم فقد عتقوا عليه يوم ابتاعهم، وقال ابن شهاب: ومضت السُّنة باسترقاق الأب والأم من الرضاع إلا أن يرغب رجل في خير.

قال ابن القاسم: ومن اشترى أباه بالخيار له أو للبائع لم يعتق عليه إلا بعد زوال أيام الخيار؛ لأن البيع لا يتم بينهما إلا بعد الخيار، وإذا كان الخيار للبائع فهو أبين وكلٌّ سواء. ابن المواز: قال مالك: ومن ابتاع من يعتق عليه فهو حر بتمام الشراء قبل الحكم. ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وإذا اشتراه بيعاً حراماً لم يفسخ شراؤه وقد عتق عليه ساعة اشتراه، كما لو ابتدأ عتق عبد ابتاعه/ بيعاً فاسداً فهو فوت وفيه القيمة، وقاله ابن القاسم وأصبغ. م: فإن لم يكن دفع الثمن ولا مال له غيره؛ فليبع منه بالأقل من القيمة أو الثمن ويعتق ما بقي عليه؛ لأن القيمة إن كانت أقل: فهي التي وجبت له بفساد البيع فإذا أعطيها لم يظلمه، وإن كانت القيمة أكثر من الثمن، فلم تلزمه إلا بعد العتق، فالزائد على الثمن كدين طرأ بعد العتق فيتبع به في ذمته، وقاله ابن القاسم وأشهب في كتاب ابن المواز. ابن سحنون عن ابن الماجشون: ومن اشترى أباه على عهدة الإسلام فهو حر بعقد الشراء ولا عهدة فيه، وكذلك من أصدق امرأة أباها على العهدة؛ إنه حر إذا قبلته،

وكذلك إذا كان بمكان الأب عبداً حلف بحريته إن ابتاعه فابتاعه على العهدة لعتق ولم يكن فيه عهدة. قال ابن القاسم في العتبية: وإذا اشترى أباه فحبسه البائع للثمن فيهلك، فهو حر بالعقد وجراحه وميراثه وأحكامه وضمانه من الولد. م: وأما إن اشتراه وعليه دين فليبع في دينه، وكذلك إن ورثه وعليه دين عند ابن القاسم، وأما إن وهبه أو تصدق به عليه فليعتق عليه. وقال أشهب: لا يباع في الدين لا في ميراث ولا في هبة ولا في صدقة، وقد ذكرنا ذلك في الكتاب الأول بزيادة فيه. قال في العتبية: وأما إن أوصى له فقال: بيعوا ابنه وأعطوه ثمنه؛ فلا يعتق عليه في هذا وإن قبل. فصل ومن المدونة قال مالك: وعمة أمك لا تعتق عليك وهي محرمة عليك؛ لأنها أخت جدك لأمك، وأجدادك [36/ ب. ص] لأمك لو كانوا نساء كنّ محرمات عليك، فكذلك

أخواتهم وجداتك لأمك وأخواتهن محرمات عليك بمنزلة خالاتك، وإنما يقع التحليل في أولاد من ذكرنا، وقد تقدم في العتق الأول: إن اشترى المأذون من قرابة مولاه ممن يعتق عليه فإنه يعتق عليه. قال ابن القاسم ها هنا: وإن كان غير مأذون له في التجارة لم يجز شراؤه إياه بغير إذن سيده وله رده ولا يعتق عليه. فصل قال ابن القاسم: ولا يجوز للأب أن يشتري بمال ابنه من يعتق على الابن ولا يتلف مال ولده. قال أشهب: فإن اشتراهم تم البيع ولا عتق لهم، ويعجّل بيعهم لئلا يكبر الابن فيعتقون عليه. م: قال بعض فقهائنا القرويين: إذا اشترى لابنه من يعتق عليه؛ فإنه لا يعتق عليه بنفس البلوغ كما أشار إليه أشهب وله بيعهم؛ لأن غيره تولى شراءهم، وسواء كان الأب عالماً أنهم يعتقون على ولده أو غير عالم، وهو كما لو أعتق عبد ولده الصغير عن ولده؛ فإنه

لا يعتق عليه، قاله ابن المواز، وليس كالمقارض أو الوكيل يشتري أبا رب المال؛ لأن رب المال والأمر ممن يصح فعله في العتق ولا يصح عتقه المولى عليه. قال في كتاب الوكالات: وإن أمرت وكيلك بشراء عبد فابتاع من يعتق عليك غير عالم لزمك وعتق عليك، وإن كان عالماً لم يلزمك. قال يحيى بن عمر: يعني: ويلزم المأمور، ويسترقه، ويباع عليه في الثمن، وقاله لي عبيد بن معاوية، قال لي البرقي: إن علم المأمور؛ عَتَق العبد، وضمن للآمر الثمن، فإن لم يكن له مال، بيع العبد في ذلك أو بعضه، وعتق ما فضل منه والولاء للآمر.

قال في كتاب الفرائض: وإذا اشترى العامل أبا رب المال ولم يعلم، عتق على الابن، وكان له ولاؤه، وعليه للعامل حصةربحه إن كان فيه فضل، وإن علم العامل وهو مليء: عتق عليه؛ لضمانه بالتعدِّ، والولاء للابن، ويغرم العامل ثمنه للابن. قال ابن المواز: كان الثمن أكثر من القيمة أو أقل. قال ابن القاسم: فإن لم يكن له مال بيع منه بقدر رأس مال الابن وحصة ربحه، وعتق على العامل ما بقي منه، وإن اشترى العامل أبا نفسه عالماً وهو مليء عتق عليه، كان فيه فضل أم لا، ويغرم لرب المال رأس ماله وحصة ربحه إن كان فيه ربح. وإن اشتراه غير عالم وكان فيه فضل/ فكذلك أيضاً، وإن لم يكن فيه فضل لم يعتق، وبيع، وإن كان فيه فضل ولا مال له: بيع لرب المال برأس ماله وحصة ربحه وعتق ما بقي على العامل، علم أو لم يعلم. وفي كتاب الفرائض إيعاب هذا.

ومن العتق قال مالك: وإن أعنت رجلاً بمال في شرائه أباك لم يعتق عليه ولا عليك ويبقى رقا لمشتريه. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: فيمن قال لرجل: اشتر ابنتي وأنا أعينك فيها بمائة دينار فاشتراها بمال كثير أو بمثل المائة، قال: إن كان اشتراها على أن يعينه بذلك على شرط أن يحبسها للوطء أو للاتخاذ؛ فإن فرجها يحرم عليه بذلك، ويلزمه رد المائة إن أخذها، وإن كان ذلك بغير شرط ولا عِدة يفسد المسير، فلا بأس أن يأخذ منه المائة على ذلك، وكذلك إن كان ذلك [37/ أ. ص] بمعنى العون والصلة له؛ فإن شاء باعها معجّلاً فقام عليه الأب، فقال: رجوت حبسك إياها بما أعطيتك نُظِر في ذلك، فإن رأى أن مثله إنما يعين مثل المشتري لهذا فهو كالشرط، وإن كان مثله لا يعين المبتاع إلا بمعنى الصلة والمعروف حلت له وجاز أن يبيع أو يحبس.

في العتق إلى أجل أو موت فلان أو قبل موته أو بعد موته أو إلى قدومه أو إذا قدمت بلد كذا، أو إن قال: لأمته أنت حرة إذا حضت أو حملت والعتق إلى أجل مخالف للطلاق؛ إذ له في المعتقة إلى أجل الانتفاع بالخدمة، ولا خدمة له في الزوجة، وإنما له الوطء، فحرم ذلك عليه إذا هو وطأ إلى أجل، فأشبه نكاح المتعة، فوجب تعجيل الطلاق، وكذلك ينبغي أن يحرم وطء المعتقة إلى أجل، وهو شبيه بنكاح المتعة، وقاله جماعة من التابعين. وقال يحيى بن سعيد وغيره: لا يصلح وطء أمة أعتقت إلى أجل أو وهبت خدمتها إليه. قال مالك: ومن قال لأمته: أنت حرة إلى شهر أو إلى سنة؛ فلا تعتق إلا إلى الأجل، وليس له أن يطأها، وله أن ينتفع بخدمتها. ابن المواز: وإن أعتق أم ولده إلى أجل؛ فإنه يعجل عتقها، وقاله ابن حبيب عن ابن الماجشون. وسئل مالك في العتبية عما أوصى به محمد بن سليمان في جواريه أنهن أحرار بعد موته سبعين سنة؛ فقال: لا يجوز هذا، وإن رأى الإمام بيعهن فهل، وإن رأى أن يعتقهن أعتقهن معجلاً، وقاله ابن القاسم.

وقال ابن الماجشون: إن كان أجلاً يجاوز أعمارهن فإنهن يُبعن، وكأنه أعتقهن بعد موتهن، وإن كان أجلاً يبلغه أعمارهن وُقفن إلى الأجل. قال أبو محمد عن ابن الماجشون: من أعتق أمة إلى أجل لا يبلغه عمرها: فذلك باطل، ويصنع بها ما أحب من بيع أو وطء أو غيره، وإن كان يبلغه عمرها: فذلك عمره؛ فهي كالمدبرة إنما تعتق في ثلثه، وإن كان قوله ذلك في الصحة: فله وطأها ولا يبيعها، ولو كان يبلغه عمرها وعمره، فتلك معتقة إلى أجل تخرج من رأس المال ولهذا

المعنى قال مالك في مسألة محمد بن سليمان: إنهن يبعن؛ لأنه ضرب أجلاً لا يبلغه أعمارهن؛ لأن أجل الضرر كما قال ابن القاسم. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن قال لعبده: أنت حر إذا مات فلان: مُنع من بيعه؛ لأنه أعتق إلى أجل آتٍ، وله أن ينتفع به إلى ذلك الأجل، فإذا حل؛ عَتَقَ العبدُ. وإن كانت أمة فلا يطأها وينتفع بخدمتها إلى ذلك الأجل. قال ابن القاسم: وموت فلان أجل من الآجال وهذه لا يلحقها الدّين، فإذا مات سيدها خدمت ورثته إلى موت فلان، وهي بخلاف المدبرة، لأن المدبرة توطأ ويلحقها الدين، وهذه لا توطأ ولا يلحقها دين، وعتقها من رأس المال. قال في العتبية: وإن قال لعبده: أعمل على هذه الدابة فإذا ماتت فأنت حر، فماتت الدابة قبل السيد؛ فهو حر من رأس المال/، وإن مات السيد قبل الدابة: فهو من الثلث، كمن قال: اخدم فلاناً ما عشتُ أنا، فإذا مات فلانٌ قبلي فأنت حر، وإن مت قبل فلان: فأنت حر قبل موته؛ فإذا مات السيد قَبْلُ فهو حر من الثلث.

قال أصبغ: ليس [37/ ب. ص] كما قال، وما ناظر به ليس بنظير، والنظير صواب في ذاته؛ لأن ذلك استثناءً وقيد بعضه ببعض فله ثنياه، والأول أعتق إلى أجل فلا فرق بين عتق إلى موت إنسان أو إلى موت دابة، فهو حر من رأس المال عاش السيد أو مات. قال ابن القاسم: وللورثة بيع الدابة بموضوع لا يغاب عليها. قال: ولو قتل العبد الدابة خطأ عُجّل له في العتق، وإن قتلها عمداً خدم إلى مقدار ما كان تُعمّر الدابة إليه، وقاله أصبغ وكذلك إن بيعت وغيب عليها. قال في كتاب محمد: ولو قتلها أجنبي عمداً أو خطأ عتق مكانه. قال سحنون في العتبية: ولو عمل الغلام عليها وعنّف وحمّلها فوق طاقتها حتى ماتت أو قتلها عمداً فليعتق مكانه، كأم الولد تقتل سيدها فيعفى عنها أنها تعتق مكانها

وليس ما جنت يبطل ما عقد لها من العقد القوي، وكذلك قاتل الدابة؛ لأنه معتق إلى أجل ليس له بيعه، ولا يلحقه دين، فليس كالمدبر يقتل سيده عمداً؛ لأنه في الثلث ويتسلط عليه الدَّين. م: وقول ابن القاسم في قتل العبد الدابة عمداً أبْين؛ لأنه استعجل رفع الخدمة عن نفسه، فوجب أن يُمنع من ذلك، كمنع القاتل الميراث، وهو بخلاف أم الولد تقتل سيدها عمداً فيعفى عنها؛ لأن أن الولد لا خدمة فيها، وإنما فيها المتعة، وقد مات من له المتعة، فلماذا توقف؟ فوجب تعجيل عتقها. وبالله التوفيق. قال سحنون: وليس على العبد قيمة الدابة في قولي، وأما على مذهب ابن القاسم فقد قال في المدبر والمعتق إلى أجل: يجني على سيده أن سيده يختدمه في ذلك. فصل ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: اختلف أصحابنا فيمن قال لعبده أنت حر قبل موتي بشهر فقيل: يوقف له خراج شهر، فكل ما زاد عليه يوماً أطلق للسيد مثله من الموقوف، هكذا حتى يموت؛ فإن وافى الشهر مرضه الذي مات فيه كان من الثلث، وإن وافق صحته كان من رأس المال. وقال ابن القاسم في العتبية: إن كان السيد مليئاً أسلم إليه يختدمه، فإذا مات نظر؛ [فإن حل الأجل والسيد صحيح: كان من رأس ماله] وإن حلّ الأجل وهو مريض:

فهو من ثلثه ويلحقه الدين، ولا رجوع له بخدمته، وإن كان السيد غير مليء خورج العبد وأوقف له خدمة شهر إذا قال: قبل موتى بشهر، كما قال سحنون. وقال ابن المواز قال ابن القاسم مرة: يوقف له خراج شهر [إذا قال: قبل موتي بشهر] حتى يأتي الثاني، ويدفع إلى السيد الأول هكذا، وإن مات العبد أخذ السيد ما وقف. وقال مرة: لو قال قائل يعجل عتقه، لم يبعد، وأن أراه فإن غفل عنه حتى مات السيد فهو من رأس المال، ولا يلحقه دين استحدثه بعد قوله. وقال أشهيب فيه وفي العتيبة وكتاب ابن سحنون: لا يعتق إلا من الثلث، وله أن يطأ أمة. م: والمحصول من هذا أربعة أقوال قول: إنه يوقف له خراج شهر، فإذا زاد عليه يوماً أطلق له مثله، وإذا زاد عليه شهراً، وقف له الثاني وأطلق له الأول، فإن حل الأجل والسيد الصحيح: عتق من رأس المال، وإن حل وهو مريض: عتق من الثلث. وقيل: إنما ذلك في المعدم، وأما المليء: فيسلم إليه يختدمه، ثم ينظر في حلول الأجل كما تقدم. وقول: بل يعجل عتقه فإن غفل عنه حتى مات السيد: عتق من رأس المال.

وقول: إنه من الثلث على كل حال وتوطأ إن كانت أمة. قال في العتيبة والموازية: ولو قال أنت حر [38/ أ. ص] قبل موتك بخمس سنين؛ فلا حرية له أصل. فصل ومن المدونة قال مالك: ومن قال لعبده: أنت حر إذا قدم أبي؛ فلا يعتق حتى يقدم أبوه، وليس له أن يبيعه، ويوقف حتى ينظر أيقدم أبوه أم لا. قال ابن القاسم: وكان مالك يمر في بيعه، وأنا لا أرى بيعه بأساً، ويطأها إن كانت أمة، وهي في هذا كالحرة يقول لها: أنت طالق إذا قدم فلان، فله وطأها، ولا تطلق عله حتى يقدم فلان. م: لأن قدوم أبيه أجل قد يكون أو لا يكون فلا يحكم به إلا أن يكون. محمد: وإن قال لها أنت حر إن قدم أبي؛ فكان مالك يصرح بإجازة بيعها ويمرض في بيع التي يقول فيها: إذا قدم أبي؛ ثم جعلها سواء، ونحوه في كتاب الطلاق.

م: وإنما فرق بين "إن" و "إذا " في أحد قوليه؛ لأن "إذا" كأنها تختص بأجل يكون، وإن كان قد يمكن ألا يكون، قال تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وذلك كائن لابد منه، وإن أغلب موضوعها للشرط، وقد تكون بمعنى الأجل؛ قال تعالى: {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً} {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} فحمل مالك في هذا القول كل لفظ على الغالب من أمره. ثم رجع فساوى بينهما؛ لأن العامة لا تكاد أن تفرق بينهما فحمل الأمر على المساواة. م: ذكر عن الشيخ الجليل أبي عمران أنه يقال: يجب أن يمرض في الوطء كما مرض في البيع، وحكي عن الشيخ الجليل أبي الحسن القابسي رحمه الله أنه قال: إنما مرض مالك في بيعها لا في وطئها، وأما أبن القاسم فقد صرح في جواز وطئها.

ومن العتيبة: روى عيسى بن ابن القاسم قيمن قال لعبده: إذا قدمت الإسكندرية فأنت حر، قم بدا له ألا يخرج، قال: يعتق في مئل ذلك القدر الذي يبلغ فيه. قال: ولو قال: سر معي إليها وأنت حر فمصل ذلك، إلا أن يكون قال: إن أنا خرجت فلا شيء عليه. وقال سحنون في كتاب ابنه: فيمن قال لعبده أخرج معه إلى الحج وأنت حر وإن بلغت معي إلى الحج فأنت حر: فليس له بيعه خرج أو لم يخرج، وهو معتق إلى أجل من رأس المال، وإن مات قبل أن يخرج نظر: فإن كان من عبيد الخدمة خدم الورثة مقدار خدمة الحج، وذلك مقدار مسيره ورجوعه إلى منزله، وإن لم يكن من عبيد الخدمة خرج حراً إذا مات السيد. وقال المغيرة: فيمن قال لعبده- وهما متوجهان إلى مكة-: إذا دخلناها فأنت حر؛ فلها بلغا مر الظهران أراد أن يبيعه فليبعه إن شاء ما لم يدخل مكة، ولو أعتقه إلى أجل لم يكن له بيعه ويعتق بحلوله. م: والفرق بين قوله أنت حر إلى موت فلان أو قدومه وإذا بلغت موضع كذا وهو أن قوله: إلى موت فلان؛ أجل آت على كل حال، كقوله: إلى سنة، وقوله: إلى قدوم فلان: أمر يكون أو لا يكون فلا حكم له، وقوله: إذا بلغت موضع كذا فالبلوغ بيده،

فكأنه جعل أجل عتقه مقدار البلوغ وهو معروف، وهذا وجه من جعله معتقاً إلى أجل، ووجه من لم يوجبه؛ فلأنه أجل يكون أو لا يكون كقوله: إذا قدم أبي، أو إذا دخلت الدار، وما يكون أو لا يكون، فلا حكم له إلا أن يكون. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن قال لأمته: أنت حرة إذا حضضت؛ فلا تعتق حتى تحيض؛ لأنه أجل أعتق إليه ولا يحل له وطأها. قال عنه ابن المواز: وهي معتقه من رأس المال. وقال عن أشهب: له أن يطأها وليس بأجل، وإن حاضت في مرضه فهي من الثلث، فإن صح ولا دين عليه عتقت من رأس المال، وكذلك عنده: من أعتق إلى أجل يكون أو لا يكون جعله كاليمين، كقوله [38/أ. ص] إن دخلت الدار فأنت حرة. واختلف في الحامل يقول لها: إن وضعت: فأنت حرة، وللزوجة: فأنت طالق فجعله ابن القاسم كأجل آت. وقال أشهب: لا تعتق الأمة ولا تطلق الزوجة حتى تضع. وقال ابن عبد الحكم بقول أشهب ورواه عن مالك (رحمه الله).

ومن المدونة قال ابن القاسم/ ومن قال لأمة يطؤها: إذا حملت فأنت حرة؛ فله وطؤها في كل طهر مرة. قيل له في العتيبة: ولم لا يتمادى على وطئها؟. قال: قال مالك: كل النساء على الحمل إلا الشاذ. قال في كتاب الطلاق: ولو قال لزوجته: إذا حملت فأنت طالق؛ فإذا وطأها مرة طلقت عليه. وقال ابن الماجشون: له أن يطأها في كل طهر مرة كالأمة، وهذا في كتاب الطلاق مذكور. م: قال بعض القرويين: وإذا وطأ الأمة مرة فأوقفت حتى ينظر هل حملت أو تحيض؟ يجب أن يوقف خراجها معها إن كان السيد عديماً، فإن حملت دفع إليها ذلك، كما قال في الذي قال لعبده: أنت حر قبل موتي بشهر، قال: وتلزمه النفقة عليها من ماله؛ لأنها إن لم تحمل فهي أمته، وإن حملت لزمته النفقة لولده كالنفقة على الحامل البتوتة. قال ابن القاسم في العتيبة: ومن قال لأمته: إذا حملت فأنت حرة؛ فإن كانت حاملاً فهي حرة، وإن لم يتبين ذلك أوقفت وحبل بينه وبينها وأوقف خراجها فإن تبين حملها: أعتقت وأعطيت ما وقف من خراجها، إن حاضت ولم تكن حاملاً فله بيعها.

وذكر ابن عبدوس عن سحنون: في القائل لزوجته وهي حامل: إذا حملت فأنت طالق: أنها لا تطلق بهذا الحمل إلا بحمل مؤتنف. م: إن كان عالماً بحملها فأنويه أنه أراد حملاً مؤتنفا، وإن لم يكن عالماً: فالصواب أن يعتق أو يطلق؛ لأنه حامل بعد، والله أعلم. فيمن قال لعبده: إن جئتني بكذا، أو أديت إلي، أو إلى ورثتني: فأنت حر. قال ابن القاسم: ومن قال لعبده: إن جيتني أو متى ما أديت إلى، أو إذا أديت إلى أو إن أديت إلى ألف درهم؛ فأنت حر، فإنه إذا أتى بألف درهم عتق، وإن لم يأت لها فهو عبد ويتلوم له فيها الإمام، ولا ينجم عليه، وليس للعبد أن يطول بسيده، ولا السيد أن يتعجل بيعه إلا بعد تلوم السلطان له بقدر ما يرى، كقول مالك فيمن قاطع عبده على مال إلى أجل فمضي الأجل قبل أن يؤديه: أن السلطان يتلوم له، فكذلك هذا. قال في كتاب محمد: قوله: إن جئتني أو إذا جئتني؛ لازم مثل قوله: على أن عليك، ولا يبيعه ولا يهبه حتى يوقفه الإمام ويتلوم له ولا يعجزه، إلا أن يكون قد مضى ما لو رفعه إليه أو لا يؤدله أكثر منه أو لا يطمع له بشيء فليعجزه. قال: وكذلك يلزم ورثته. قال مالك: ما لزم العبد مما عتق به في قطاعة ونحوها فلا يحاص غرماءه بذلك.

ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا قال لعبده: إذا أديت إلى ألف درهم فأنت حر، فدفعها عن العبد رجل أجنبي جبر السيد على أخذها، وخرج العبد حراً، ولو دفع العبد ذلك إلى سيده من مال كان بيد العبد فقال السيد: ذلك المال لي، فليس ذلك له، لأنه العبد هاهنا كالمكاتب يتبعه ماله، ويمنع السيد من كسبه أيضا. م: قال أبو محمد: يريد [39/أ. ص]: من غير مال كان بيده لسيده. قال في باب بعد هذا: وإن قال لعبده: إن أديت إلى كذا فأنت حر، فأدى بعضه أو لم يؤد شيئاً ثم وضع عنه السيد ما عليه، عتق مكانه، يضع عنه السيد كتابته. وإن قال لأمته: إن أديت إلى اليوم ألف درهم اليوم فأنت حرة، فمضى اليوم ولم تؤد شيئاً؛ فلابد أن يتلوم لها الإمام بلا تنجيم، وأما إن قال لها: إن أديت إلى ورثتي، أو إذا أديت إلى ورثتي، أو أدي إليهم مائة دينار وأنت حرة ثم مات؛ فإن حملها الثلث وأدت المائة عتقت، ويتلوم لها الإمام في الأداء على قدر ما ينجمه عليها، كقول مالك فيمن أوصى أن يكاتب عبده ولم يسم ما يكاتب به، إنه يكاتب على قدر ما يرى من قوته وأدائه، وقدر ما يرى أنه أراد من إرفاقه ويوزع ذلك عليه.

قال ابن القاسم: فإن تلوم لها الإمام فلم تقدر على شيء وأيس منها، أبطل وصيتها، وإن لم يحملها الثلث خير الورثة في إجازة ما قال الميت، أو إبتال ما حمل الثلث منها الساعة. فيمن قال لأمته: أول ولد تلديه، أو إن ولدت غلاما، أو كل ولد تلدينه فهو حر، ولحوق الذين في ذلك، وحكم الجنين، وعتق الأمة، واستثناء حملها قال مالك: ومن قال لأمته: أول ولد تلدينه حر، فولدت ولدين في بطن واحد، عتق أولهما خروجا. قال ابن حبيب عن ابن القاسم: وسواء كانا غلامين، أو جاريتين، أو غلام وجارية، وقاله مالك وابن شهاب. وإن لم يعرف الأول فهما حران بالشك. ومن المدونة قال مالك: وإن خرج الأول ميتاً؛ فلا عتق للثاني، وهو رقيق؛ لأن العتق إنما كان في الأول الميت. وقال ابن شهب: يعتق الثاني إذ لا يقع على الميت الأول عتق.

ابن المواز قال مالك: وإن قال: إن ولدت غلاماً فهو حر، فوضعت غلامين، فالأول حر، قيل: فإن وضعت جارية ثم غلاماً في بطن؛ لزمه عتق الغلام وإن تأخر، وإن وضعت غلامين أولهما ميت؛ فالحي هو الحر، بخلاف قوله: أول ول تلدينه حر، فإن عاشا جميعاً فأشكل أيهما الأول عتقاً جميعاً، وشهادة النساء في هذا جائزة. قال ابن المواز: إذا لم يعرف الأول فالقياس أن قد يعتق من كل واحد نصفه، ويتم عتق باقية بالسنة فيعتقان جميعاً. ومن المدونة قال النخعي: ومن قال لأمته: إن ولدت غلاماً فأنت حرة، فولدت غلامين؛ فالأول رقيق، وهي والآخر حران، وإن كان الأول جارية والآخر غلاماً؛ فهي حرة دون الولدين. ابن المواز وقال ابن القاسم وأصبغ: ولو ولدت غلاماً ميتاً فإنها تعتق. قال ابن القاسم: وإن كان على وجه الشكر. ابن حبيب قال أصبغ: وإن قال: إن ولدت جارية فأنت حرة/ فولدت جارية؛ فالأم حرة، والجارية رقيق، وإن ولدت جايتين، فالأم والجارية الثانية حرتان، والأولى رقيق،

وإن لم تعرف الأولى: فهنا حرتان بالشك، وإن وضعت غلاما وجارية: فإن كان الغلام أولاً: فالولدان رقيق والأم حرة، وإن كان الغلام آخراً فهو وأمه حران والجارية رقيق، وإن جهل الأول عتقت الأم والغلام ورقت الجارية. م: وإن قال: إن ولدت جارية فأنت حرة، وإن ولدت الجارية أولاً فالغلام حر؛ لأنها بولادة الجارية حرة فولدها بعد ذلك حر، وإن كان الغلام أولاً؛ فالولدان رقيق، وإن لم يعلم الأول منهما فالغلام حر. ومن المدونة قال ابن شهاب: وإن قال لها: أول بطن تضعينه حر فوضعت توأمين فهما حران. قال ابن القاسم: ومن قال لأمته في صحته وهي غير حامل: كل ولد تلدينه حر؛ لزمه عنق ما ولدت، واستثقل مالك بيعها وقال: ليف بوعده. قال ابن القاسم: فأنا أرى بيعها جائز ألا أن تكون حاملاً حين قال ذلك؛ أو حملت بعد قوله، أو قال لحامل في صحته: ما في بطنك حر، أو إذا وضعته فهو حر؛ فإن الأم لا تباع حتى تضع إلا أن يرهقه دين فتباع فيه ويرق الجنين، ولو ولدته في مرض السيد أو بعد موته ولا دين على السيد وقد أشهد على قوله في صحته: عتق من رأس المال؛ لأنه كالمعتق إلى أجل، هذا إن كان الحمل في الصحة، وأما إن حملت به في مرض السيد فولدته في مرضه

أو بعد موته؛ فهو من الثلث؛ لأن المريض إذا أعتق إلى أجل إنما هو من الثلث، والأول كمعتق في صحته إلى أجل، فهو من رأس المال، كمن قال لعبده في صحته: إذا وضعت فلانة فأنت حر، فوضعت والسيد مريض أو بعد موته؛ فإن العبد حر من رأس المال. قال في كتاب محمد بن المواز في القائل لأمته وهي غير حامل: كل ولد تلدينه حر؛ فله بيعها ما لم تحمل، ولو قال: ما في بطنك حر، وليس في بطنها شيء، فلم يبيعها حتى حملت فله بيعها ولا عتق عليه، قيل: فإن تبين بعد قوله بها حمل ولا يدري أكان بها يوم القول أو حدث، قال: فلا عتق عليه إلا أن تضعه لأقل من ستة أشهر من يوم القول، ولو كان حملاً بيناً كان حراً، وإن لم تضعه إلا إلى خمس سنين. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا اعتق ما في بطن أمته أو دبره/ وهي حامل يؤمئذ؛ فما أتت به من ذلك الحمل إلى أقصى جمل النساء فحر أو مدبر، وإذا قال لها: ما في بطنك حر ولها زوج ولا يعلم أيها حمل أم لا؟ فلا يعتق هاهنا إلا ما وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم القول، كالمواريث إذا مات رجل وأمه تحت زوج، ولدت بعد موته ولدا فهو أخره لأمه، فإن وضعته لستة أشهر فأكثر من يوم موته؛ لم يرثه إذ قد تكون حملت به بعد موته فلا يورث بالشك. قال: وإن كان لأقل من ستة أشهر ورث؛ لأنها كانت به حاملا يوم موته لا شك، فالعتق بهذه المنزلة إذا لم يكن حملها يوم أعتقه بيناً، وإن كان حملها بينا يوم أعتقه فهو حر

وإن وضعته لأربع سنين، وقال غيره: إن كان الزوج مرسلا عليها، وليست بينة الحمل، فوضعته لأقل من ستة أشهر؛ فهو حر، وإن وضعته لأكثر من ستة أشهر؛ فلا حرية له، وإن كان الزوج غائباً أو ميتاً، فما ولدته إلى أقصى حمل النساء؛ فهو حر. وقال أشهب/ لا يسترق الولد بالشك؛ لأنه لا يدرى لعلها كانت حاملاً يوم أعتق ما في بطنها. م: ولا يخالف أشهب في الميراث؛ لأنه يعتق بالشك، ولا يورث بالشك. وفي كتاب ابن المنذر: عن علي بن أبي طالب ونحوه عن عمر: إذا مات رجل وأمه

تحت زوج فليعتن لها الزوج حتى تحيض حيضة في شأن الميراث. م: يريد: لئلا يدخل الشك في ميراث ما تلد. وقال [40/ أ. ص] عمر بن عبد العزيز: لا يقربها حتى ينظر أبها حمل أم لا؟ وقال سفيان: إن جاءت به لأكثر من ستة أشهر لم يرث، وإن كان لأقل من ستة أشهر ورث. م: يريد إذا كان الزوج مرسلا عليها وكل هذه الأقوال متفقة. وفي كتاب ابن المواز: ليس على الزوج أن يعتزلها ومن يصدقه أنه اعتزلها وما أرى لولدها ميراثاً إلا أن تكون بينة الحمل. ابن المواز: أو تضعه لأقل من ستة أشهر من يوم مات ابنها.

قال ابن القاسم: والذي يعتق ما في بطن أمته في صحته؛ لا تباع وهي حامل إلا في قيام بدين استحدثه السيد قبل عتقه أو بعد، فيباع إذا لم يكن له مال غيرها،/ ويرق جنينها إذ لا يجوز استثناؤه، فأما إن قام الغرماء بعد الوضع؛ فانظر: فإن كان الدين بعد العتق؛ عتق الولد من رأس المال ولدته في مرض السيد أو بعد موته، وتباع الأمة وحدها في الدين، وإن كان الدين قبل العتق بيع الولد للغرماء إن لم تف الأم بدينهم. ومن قال لأمته: ما في بطنك حر، فضرب رجل بطنها فألقت جنينها ميتاً؛ ففيه عقل حنين الأمة بخلاف أم الولد من سيدها تلد في جنينها عقل جنين الحرة؛ لأن جنين الأمة لا يعتق إلا بعد الوضع، وجنين أم الولد حر حين حملت به. م: يريد: ولو استهل جنين الأمة صارخاً ثم مات كانت فيه الدية، لأنه باستهلاله صار حراً مع القسامة. وكذلك في المسبوط لإسماعيل القاضي عن مالك. وكذلك لو أوصي لرجل بما في بطن أمته فهلك الموصي وأعتق الموصي له ما في بطن الأمة فضرب رجل ما بطنها فاستهل ثم مات: فعلقه عقل حر؛ [لأن مالكاً قال في رجل جرح عبده فأعتقه بعد ذلك فمات من ذلك الجرح؛ أن عقله عقل حر] فهذا مثله.

وفي كتاب ابن المواز: إذا استهل الجنين وقد أعتقه الموهوب له؛ أن عقله عقل حر. م: وغمز بعض فقهائنا مسألة العبد وقال: أظن في هذا الأصل اختلافا: هل يراعي حالة يوم الجناية، أو يوم الموت. م: والصواب عندي مراعاته يوم الموت كما قال مالك رحمه الله؛ لأنه لو كان نصرانياً فأسلم ثم مات من الجرح لوارث الإسلام ووارثوه إلا أن يكون الجرح أنفذ مقاتله، فكذلك يكون حكم عقله، والله أعلم. قال ربيعه: ومن أعتق أمة حاملاً عتق جنينها وإن لم يذكره ولا مرد له فيه ولو استثناه كان حراً ولم ينفعه استثناؤه. فيمن وهب أمته لرجل وجنينها لغيره، وعتق الأم في ذلك ومن وهب عبداً ثم أعتقه، وكيف إن قتل، ومن أعتق أمته على أن تنكحه قال ابن القاسم/ من وهب ما في بطن أمته لرجل أو تصدق به عليه أو أوصى له به ثم وهبها سيدها بعد ذلك لرجل آخر أو أعتقها هو أو وارثه بعد موته؛ قال: فالعتق أحق بها ويعتق جنينها وتسقط هبته وغيرها.

وذكر ابن المواز عن ابن القاسم: فيمن تصدق بأمته على رجل، وبما في بطنها على آخر: فوضعت؛ أن الولد للذي وهب له، والأمة لمن وهبت له، فإن أعتقها المتصدق عليه بها قبل الوضع؛ كانت حرة بما في بطنها. وقال أيضاً: يكون للمتصدق عليه بالولد قيمته على معتق الأم يوم يخرج إن خرج حياً، وإن خرج ميتاً، لم يكن له شيء، وقد فيها أيضا: لا عتق للمتصدق عليه بالأم حتى تضع، وعتقه باطل. قال ابن المواز: وهذا أحب إلينا، لأنه لم تصر له الأم إلا بعد الوضع. [قال ابن القاسم: كما لو أعتق صاحب الولد الولد [40/ب. ص] فلا عتق له إلا بعد الوضع]. قال ابن القاسم: ولو فلس صاحب الرقبة؛ يبعت بما في بطنها، وأن فلس صاحب الجنين؛ لم تبع حتى تضع. قال ابن المواز: لا تباع في دين صاحب الرقبة حتى تضع؛ لأنها يومئذ تجب له كما لو استثنى خدمتها سنة، وليس كسيدها الأول، ولو جنت فابتدأها صاحب الرقبة؛ لم يكن

لصاحب الجنين شيء، وأن أسلمها رقت مع جنينها للمخدوم، كان قد أعتق الجنين صاحبه أم لا، ولو أعتقها صاحبها ثم جنت: أتبعت بالأرش، وقال أصبغ. م: وسئل الفقيه الخير أبو عمران رضي الله عنه فيمن أعتق جنين أمته وعله دين والغرماء عالمون بعتقه، ثم قاموا بعد ذلك؛ هلى تباع لهم الأمة بما في بطنها؟ قال: نعم [تباع بما في بطنها] ولا يضرهم علمهم بعتقه للجنين؛ لضعف عتق الجنين، ألا ترى أنها تباع في الدين المستحدث بما في بطنها [فكذلك تباع في هذا]. وقد اختلف إذا باعها بعد عتق جنينها: هل يرد البيع أو ينفذ؟ قيل له: فإن بيعت للدين المستحدث بما في بطنها ثم وجد المشتري بالأم عيباً قديماً وقد ولدت فردها وولدها على الغرماء؛ هل تباع هي وولدها لهم؟ قال: لا يباع ولدها، ويعتق؛ لأن العلة التي أوجبت بيعه كونه في بطنها كعضو منها، وأما الآن فقد إنفراد الولد فيعتق بالعتق المتقدم، وسواء كان في الأم بالدين أو لم يكن، قيل له: فعلى قول من يقول: الرد بالعيب بيع مبتدأ، قال: ليس هو ابتداء بيع في كل الأمور.

ومن المدونة قال مالك: ومن وهب عبداً، أو تصدق به على رجل، أو أخدمه إياه حياته، ثم أعتقه المعطي قبل حوز المعطي جاز العتق وبطل ما سواه. قال ابن القاسم: سواء علم المعطى بالهبة والصدقة أو لم يعلم. قال عنه ابن المواز: وكذلك لو كانت أمة فحملت منه قبل الحيازة، وكذلك عنه في العتيبة في العتق والإيلاد. قيل له: فهل تؤخذ منه قيمة الأمة إذا حملت منه؟ قال: لعل ذلك يكون. قال عبد الملك بن الحسن وقال ابن وهب: إن كانت عطية حر فعليه القيمة للمعطى، وأما إن تصدق بعيده قم أعتقه قبل أن يقبضه المعطي فلا عتق له. ابن حبيب وقال أصبغ عن ابن القاسم عن مال: فيمن تصدق بعبده على رجل ثم أعتقه من ساعته أو بعد تفريط المعطي في قبضه: فهو سواء، والعتق أولى به، ولا شيء للمعطي على المتصدق. قلت لأصبغ: ولم ذلك؛ ولو مات العبد لكان ماله للمتصدق عليه، وقيمته له إن قتل، ولو حنث بعتق رقيقه عتق عليه، ولا يعتق فيما يحنث به المتصدق؟ قال: لأن جميع

العراقيين: يرون أن الصدقة لا تتم إلا بالقبض، وإنه يرجع فيها المتصدق قبل القبض، فراعى مالك الاختلاف ورأى هذا في العتق خاصة لحرمته. قال أصبغ: وكذلك لو دبره أو أعتقه إلى أجل أو كاتبه؛ فهو كالعتق، قلت: لم لا جعلت له خدمة المدبر والمؤجل وكتابة المكاتب وما يرق من المدبر في ضيق الثلث؟ قال: لأنه غير ما أعطى فلما رد عقد العتق عطيته رد ما وراء ذلك، وقد قيل ما قلته ولا أقول به وكذلك عندي: لو تصدق برقبة المدبر والمؤجل؛ لأبطلت ذلك، ولم أجعل له مرجع ذلك. قال أصبغ: وأنا أقول قيمن تصدق بعبده فلم يقبض منه حتى أعتقه؛ فإن غافصه في العتق بالعتق باطل [41/.ص] وكذلك إن غافصه بالبيع سقط البيع، وإن لم يغافصه مضى البيع، وكان الثمن للمتصدق عليه استحساناً، والقياس ألا شيء له لما بطلت الصدقة وتم البيع. م: فالمحصول من هذا الذي تصدق به ثم أعتق ثلاثة أقوال:

قول: إن العتق أولى. وقول: أن الصدقة أولى. وقول: فرق فيه بين أن يغافصه بالعتق أو لم يغافصه. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو تصدق بعبده على رجل فلم يقبضه حتى وهبه لغيره أو تصدق به عليه فقبضه الثاني، فالأول أحق به/ [وله أن يقوم فيعتقه إلا أن يموت الواهب، قبل قيام الأول، فيبطل حق الأول] ويصح قبض الثاني: وقال أشهب: بل الثاني أحق به إذا قبضه وإن لم يمت الواهب. قال ابن المواز: وبه أقول وليس قول ابن القاسم بشيء، والجواز أولى، وكذلك إن أحدث فيه ربه بيعا فالبيع أولى، لأن البيع حوز وإن لم يقبض؛ لأنه يضمنه، وتبطل الصدقة، ولا شيء للمتصدق عليه من الثمن. واضطرب قول ابن القاسم فقال مرة: إذا لم يقبضه المعطى حتى باعه المعطي لم يرد البيع. قيل: أفيأخذ الثمن المعطي؟ قال: لو قاله قائل ما أخطاً. وقال مرة: أرى أن يرد البيع، ويأخذ المعطي عطيته وكذلك في الهبة.

ابن حبيب وقال أصبغ: اختلف قول ابن القاسم: فيمن وهب عبداً ثم باعه قبل قبض المعطي، وأحب إلي: أنه إن فرط في قبضه فباعه مضي البيع، لشبهة التفريط، ويكون الثمن للمعطي استحسانا، ولا يقطع التفريط حقه، والقياس يكون الثمن للمعطي. قال: وأما إن لم يفرط فله رد البيع، وكذلك إن لم يعلم أو غافصه البيع. م: ونحوه في كتاب الصدقة من المدونة قال فيه ابن القاسم: إذا علم المتصدق بالصدقة فلم يقبضها حتى باعها المعطي، نفذ البيع، وكان الثمن للمتصدق عليه، وإن لم يعلمن فله نقض البيع في حياة المتصدق، وأخذ العبد، فإن مات المتصدق قبل أن يقبضه المتصدق عليه، فلا شيء له بيع أو لم يبع. وقال أشهب: إن خرج العبد من ملك المعطي بوجه ما وحيز عليه فلا شيء للمعطي. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو قتل العبد قبل حوز المعطي؛ فقيمته للمعطي وماله للمعطي، إلا أن يكون أدخل ماله معه في الهبة وشرطه، فيكون أيضاً للمعطي كالبيع. وقال: وإنما أبطل مالك الصدقة والهبة والحبس إذا مات المعطي قبل حوز المعطي، وأما إن مات المعطي فورثته بمنزلة موت المتصدق عليه، فإذا قتلت فعقلها للمعطي.

ابن المواز: قال مالك: مال العبد في البيع والهبة والصدقة لسيده إلا أن يشترطه من صار إليه. واختلف في قوله في الموصى به لرجل فقال مرة: ماله لسيده كالبيع، ثم قال: بل ذلك للموصى كالعتق. واختلف فيه قول ابن القاسم فقال مرة: هو كالعتق، وقال أيضاً هو أشهب وابن وهب وأصبغ: إن ماله لورثة الميت. م: والفرق بين العتق وبين الهبة والصدقة في هذا وإن كان أصله معروفاً كالعتق: إن العبد في الهبة والصدقة إنما يخرج من ملكٍ إلى ملك فأشبه البيع، وقال عمر في البيع، والإجماع على ذلك، وفي العتق العبد يخرج من ملكٍ إلى ملك إلى حرية وقد مضت السنة: أن العبد إذا أعتق تبعه ماله. م: وقد تقدم لابن حبيب أن ماله في الصدقة للمتصدق عليه. م [41/ب. ص]: ولم يختلف في البيع: أن ماله للبائع إلا أن يشترطه المشتري، ولا في العتق أن ماله للعبد إلا أن يستثنيه السيد.

واختلف في الصدقة والوصية: فقيل: للمعطي. وقيل: للمعطى له. م: وسئل الفقيه أبو عمران عمن وهب عبداً لرجلٍ فقتله رجل قبل أن يقبضه الموهوب فيدفع الجاني قيمته إلى الواهب أو لم يدفعها، ثم يموت الواهب قبل أن يقبض ذلك الموهوب؛ فنحى الشيخ الفقيه أبو عمران رحمه الله إلى أن الجاني إذا علم بالهبة فلم يدفع القيمة إلى الواهب حتى مات؛ أنه جائز للموهوب، فأما إن دفعها إلى الواهب وهو عالم بالهبة؛ فصرح أنه يضمن ذلك للموهوب؛ لأنه تعدى في الدفع، وإن لم يعلم فلا شيء عليه وشبهه برهن فلة/ الرهن لغير المرتهن أن يكون جائز للثاني إذا علم. وقال: فيمن حلف بحرية عبده لا يهبه، فوهبه؛ أنه لا يحنث حتى يقبل الموهوب، كما لو حلف بحريته ألا يبيعه فباعه على المشتري بالخيار؛ فإنه لا يحنث حتى ينقطع الخيار، وهو بمثابة من قال: إن قبل فلان عبدي فقد وهبته له، أو قال من جاءني بخمسين فهو

له، وقد كان حلف بحريته ألا يبيعه، فإذا لم يأته أحد بذلك الثمن فيها قرب؛ فلا حنث عليه، فكذلك الهبة لا يحنث إلا بالقبول، فإذا قبل تمت الهبة ووقع الحنث، وكان ماله للواهب؛ [لأنه لا تتم حرية إلا بتمام الهبة وبتمامها يصير المال للواهب] كما قال سحنون فيمن حلف بحريته ألا يبيعه فباعه؛ أن ماله للبائع؛ لأن الهبة كالبيع في بقاء المال للبائع والواهب. م: وأجاب فيها الشيخ الفقيه أبو بكر بن عبد الرحمن: أن العبد حر بنفس الهبة وإن لم يقبله الموهوب ويتبعه ماله. م: وقول أبي عمران أبين والله أعلم. فصل قال ابن القاسم: ومن أعتق أمته على أن تنكحه أو تنكح فلاناً، فامتنعت؛ فهي حرة، ولا يلزمها النكاح إلا أن تشاء.

م: إنما قال ذلك؛ لأن الأمة إذا أعتقت سقط إجبار السيد إياها على النكاح وصار لها الخيار في تزويج نفسها، فإذا شرطت على نفسها التزويج قبل الإعتاق فقد أسقطت بذلك حقها من الخيار قبل ثبوت ذلك الحق لها وإسقاط الحق قبل وجوبه لا يصح كالشفيع إذا أسقط حقه من الشفعة وسلمها قبل بيع الشقص أن ذلك لا يلزمه فكذلك الأمة فيما ذكرنا، وقاله بعض أهل العلم. فاعلم ذلك. قال مالك: ومن قال لرجل: خذ ألف درهم [على أن تعتق] أمتك وتزوجنيها، فأعتقها؛ فهي حرة ولها أن تنكحه، ولا يلزمها شيء، ويلزم الرجل الألف لسيد الأمة. قال ابن المواز: إلا أن يتبين أنه زاد على قيمتها لموضع النكاح، فيرد عليه ما زاد على قيمتها، وقاله أصبغ واستحسنه. في عتق السكران، والمعتوه، والصبي، والسفيه، والبكر، وذات الزوج، والعانس، والمكره، وطلاقهم. قال مالك: عتق السكران وتدبيره جائز إذا كان غير مولى عليه. ابن وهب: وأجاز طلاقه وعتقه جماعة من التابعين. قال مالك: ولا يجوز عتق المعتوه إذا كان مطبقاً لا يعقل.

قال: ومن حلف بعتق عبده إن فعل كذا فجن، ثم فعل ذلك في حال جنونه؛ فلا شيء عليه؛ لأن فعل المجنون ليس بفعل، ولا يجوز عتق الصبي ولا يمينه به، وإن حنث بعد الحلم والرشد؛ لم يلزم. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاثة: فذكر الصبي حتى يحتلم والمجنون حتى يفيق» فكل فعل [58/أ. ص] أو يمينٍ وقعت لها في حال الصبا والجنون فهي ساقطة. قال ابن القاسم: وإن قال الصبي: إذا احتلمت فكل مملوك لي حر، فاحتلم؛ فلا شيء عليه عند مالك. قال ابن المواز: ولا يجوز عتق المولى عليه وإن أجازه وليه. وروى مثله عيسى عن ابن القاسم في العتبية قال: وله رده إذا رشد كالصبي. قال ابن المواز: وإذا لم يرد وليه عتقه حتى رشد وولي نفسه [والعبد في يديه لم يلزمه فيه عتق، وإن كان زال عن يده فلما ولي نفسه] تركه وأمضى عتقه؛ فذلك يلزمه. قال مالك: وإذا كان السفيه لا يولى عليه وهو يلي نفسه فعتقه جائز. قال ابن القاسم: إلا البين السفه الذي يحجر على مثله فلا يجوز أمره.

وروى زياد شبطون عن مالك في كتابٍ آخر: أن البين السفه في إفساد ماله أفعاله جائزة حتى يحجر عليه، وهو قول أصحاب مالك إلا ابن القاسم. ابن المواز: قال أشهب عن مالك: وإذا حلف السفيه بعتق رقيقه فإن لم يحنث حتى ولي نفسه ثم حنث؛ لزمه/ الحنث، وإن حنث قبل أن يلي نفسه: لم أر عليه شيئاً. قال أشهب: إذا حنث قبل أن يخرج من الولاية؛ فإن رد وصية عتقه، لم يكن عليه شيء بعد ذلك، وإن لم يرده حتى ولي نفسه فعتقه نافذ، كالعبد يحنث بالعتق فيرده سيده

أو لا يرده حتى عتق. وروى ابن القاسم عن مالك: في إذا لم يحنث حتى ولي نفسه؛ فلا حنث عليه؛ لأنه يوم حلف كان سفيهاً. قال مالك: وإنما الأيمان حين وقعت، ولا أرى أنه خرج من المأثم. ابن المواز: ورواية أشهب عن مالك أحب إلينا، إن حنث قبل أن يلي نفسه ثم ولي نفسه فلا شيء عليه، وإن كان العبد قائماً بيده. قال ابن المواز: وسواء رد وليه عتقه أو لم يرد حتى ولي نفسه، بل لو أجاز وليه عتقه لم يجز ذلك عليه وإن ولي نفسه، بخلاف العبد في ذلك؛ لأن العبد لو أعتق عبده أو حنث فيه فأجاز ذلك السيد لنفذ ذلك عليه، والسفيه لو أجاز له وليه عتق ما أعتق أو حنث فيه ما جاز. وقد قال أشهب: إذا أعتق السفيه أو العبد عبده فلم يعلم السيد ولا ولي السفيه حتى عتق العبد وولي السفيه نفسه وما كانا أعتقا بأيديهما؛ فإنه يعتق على العبد ولا يعتق على السفيه. قال أشهب: وذلك أن السفيه [إذا أجاز له وليه عتقه؛ لم يجز، ولو أجاز السيد عتق عبده؛ جاز.

م: واختصار ذلك: أن السفيه] إذا حنث قبل أن يخرج من الولاية فلم يرد وليه عتقه حتى ولي نفسه؛ فقيل: يلزمه العتق، وقيل: لا يلزمه، كذلك إن حنث بتلك اليمين بعد خروجه من الولاية؛ فقيل: يلزمه، وقيل: لا يلزمه. قال ابن المواز: ولم يختلف مالك وأصحابه في عتق السفيه أم ولده أنه جائز عليه لما دخلها من الحرية، وإنه لم يبق له فيها إلا المتعة فليست بمالٍ ولا يلحقها دين. واختلفوا هل يتبعها مالها؟ فقال ابن القاسم: لا يتبعها مالها إلا أن يكون الشيء التافه، وقاله أصبغ. وقال أشهب: يتبعها مالها كما لو طلق امرأته ولها عليه المهر العظيم؛ فإنه يلزمه طلاقه، ويكون للمرأة مهرها، فكذلك إذا أعتق أم ولده ولم يستثن مالها؛ فإنها تعتق ويتبعها مالها. وقول ابن القاسم: في المال أبين لأنه كان قادراً على استثنائه، فتركه الاستثناء كابتدائه الهبة لها، ألا ترى أنه كان أملك بمالها منها لو رشد، فكذلك [42/ب. ص] في سفهه هو كماله، وأما المرأة فليس مهرها بمالٍ له ولا هو قادر على استثنائه فافترقا. م: وقال سحنون: لا يتبعها مالها تافهاً كان أو غير تافه.

وروى عنه ابنه عن المغيرة وابن نافع: إن عتق السفيه أم ولده لا يجوز بخلاف طلاقه. قال سحنون: وقول مالك وأصحابه: أنه جائز. ومن كتاب الحمالة قال ابن القاسم: والبكر التي في بيت أهلها ولم تنعس؛ لا تجوز كفالتها ولا بيعها ولا صدقتها ولا عتقها ولا شيء من معروفها ولو أجازه الوالد؛ لم ينبغ للسلطان أن يجيزه، وهي في هذا كالصبي وكالمولى عليه. قال: وإذا عنست في بيت أبيها وأنس منها الرشد؛ جاز عتقها وهبتها، وكذلك وجدت في كتاب عبد الرحيم. وهو رأيي. وقول مالك المعروف: أن ذلك ليس بجائز، وقد سئل عن الجارية العانس تعتق أجائز؟ قال: إن أجازه الوالد. قال: فإذل دخل بالبكر زوجها فلا يجوز لها فعل شيء من المعروف وإن أجازه الزوج حتى يتبين رشدها، فإذا تبين رشدها جاز بيعها وشراؤها، وإن كره زوجها ما لم تحاب؛ فإذا حابت وتصدقت أو أعتقت كان ذلك في ثلثها، فإن حمله جاز

وإن كره الزوج، إذ ليس بضرر، وإن جاوز الثلث؛ فاللزوج رد الجميع أو إجازته؛ لأن ذلك ضرر إلا أن يزيد على الثلث كالدينار وما خف، فهذا يعلم أنها لم ترد به الضرر. ومن الواضحة قال أشهب عن مالك: وإذا تصدقت بالثلث فأقل على وجه الضرر بالزوج فليرد كله. وقال ابن القاسم: تفعل به ما أحبت، وإن قصدت به ضرر الزوج. قال ابن المواز: قال أشهب عن مالك: وإذا تصدقت بالثلث ثم أرادت بعد ذلك أن تتصدق بثلث ما بقي في يدها، قال: ذلك لها، إلا أن يكون قريباً/ من الأول مما أنه قصدت به والضرر فيرد ذلك. وقال مالك: إن حضرتها الوفاة فأوصت بثلثها جاز. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في امرأةٍ لها ثلاثة رؤوس: أعتقت منهم رأساً ثم أعتقت ثانياً بعد زمان ثم الثالث بعد زمان والقيم مختلفة. وليس لها

غيرهم، فإن كان الأول قدر ثلث قيمته جاز عتقه، ثم ينظر: فإن قرب عتقها للثاني مما يعرف به الضرر بطل عتق الثاني، وإن بعد حتى لا تتهم بالضرر؛ قال في كتاب ابن حبيب: مثل الشهور، قال ابن القاسم: وقيمته قدر الثلث منه، ومن الثالث جاز، وأما الثالث فلا يعتق؛ لأنها أعتقته وهي لا تملك غيره، وإن كان الأول أكثر من الثلث لم يجز عتقه، ونظر: فإن كان الثاني أكثر من ثلث قيمة الثلاثة لم يجز أيضاً، وإن كان قدر الثلث قيمة الثلاثة فأقل جاز. وقال عنه عيسى: وإن أعتقت اليوم واحداً وفي غدٍ الثاني [وبعد غد الثالث] أو بعد يومين؛ فإن كان الأول الثلث جاز وحده وبطل عتق الآخرين، وإن كان الأول أكثر من الثلث؛ بطل عتق الكل. ومن كتاب ابن المواز: وإن أعتقت ثلث عبد وليس لها غيره: فقال ابن القاسم عن مالك: ذلك جائز ولا يعتق منه غير ثلثه. وقال أشهب وعبد الملك: إما أن يجيز الزوج؛ فيعتق جميعه أو يرد فلا يعتق منه شيء، وروياه عن مالك.

ابن المواز: وروى ابن القاسم عن مالك في ذات الزوج تدبر ثلث جاريتها، فقال: ينفذ عليها. يريد تدبيرها [43/أ. ص] كلها، وقاله ابن القاسم. قال أصبغ: يريد: وإن كره ذلك زوجها. ابن حبيب وقال ابن الماجشون: وما قضت فيه المرأة بأكثر من الثلث من عتقٍ أو صدقة؛ فهو مردود حتى يجيزه الزوج. وقال ابن القاسم عن مالك: هو جائز حتى يرده الزوج، كعتق المديان وعطيته. ومن العتبية والموازية: قال أشهب عن مالك: في رجلٍ أعطى لجارية امرأته مالاً عظيماً مخافة أن تبيعها فقالت: هي حرة إن بعتها إلى عشر سنين، ففسدت الأمة وحبلت، فقال: ليس لها مخرج إلا أن تعتقها أو تهبها لمن لا تريد منه ثواباً، قيل: فإنها ندمت فأرادت بيعها هل يرد زوجها يمينها وهي لا تملك غيرها؟ قال: لا والله. قال ابن المواز وابن حبيب: فلوزجها رد ذلك. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم في امرأةٍ حلفت بعتق رقيقها إن تزوجت فلاناً ثم تزوجته ورقيقها أكثر من ثلثها قال: إن لم يعلم زوجها بيمينها حتى تزوجها؛ فله رد عتقها، وإن كان قد علم فقدم على ذلك فليس له رده، وهو كالإذن لها.

وقال ابن المواز: قال ابن وهب: وليس للزوج رده علم بيمينها قبل النكاح أو لم يعلم؛ لأن اليمين قبل النكاح، وليست كالبكر، وقاله ابن المواز؛ لأن عقد نكاحه لم يكن قبل حنثها. م: يريد: أنهما وقعا معاً. قال أشهب: وكذلك لو حلفت بالعتق ألا تكلم أخاها ثم تزوجت ثم كلمت أخاها؛ فإن للزوج أن يرد عتقها إذا كان أكثر من ثلثها. ابن سحنون: وقرأت على سحنون لأصبغ وإن حلفت امرأة بعتق عبدها إن تزوجت فلاناً، فباعته، ثم تزوجت فلاناً ثم رد عليها العبد بعيب، فإن رد عليها قبل التزويج ثم تزوجت؛ حنثت، وإن رد بعد التزويج وكانت قد دلست حنثت، وللزوج رد ذلك إن لم تملك غيره، فأجازه سحنون، ثم رجع عنه وقال: لا تحنث إذا رد بعد التزويج دلَّست أو لم تدلِّس.

م: يريد؛ لأن عقد النكاح وقع وليست لها بأمة، وكذلك لو اشترتها على هذا، وفيه اختلاف: هل إنما يراعى وقت العقد أو استدامة النكاح، فمن راعى استدامة النكاح؛ أوجب حنثها إذا ردت عليها دلست أو لم تدلس؛ لأنها مالكة لها وهي متزوجة، فإن لم يكن لها غيرها/ كان للزوج رد عتقها. ومن العتبية قيل لابن القاسم: فإن قالت امرأة لزوجها: إن وطأتني الليلة أو إن ضربت أمتي الليلة فرقيقي أحرار، ولم يذكر جواباً. قال أبو محمد: وتبين لي في الوطء أن له رد العتق إذا وطأها، وأما إن ضرب الأمة فلا رد له. م: لأن له الوطء فمنعته منه يمينها فكان له تحنيثها ورد عتقها، والضرب فليس مباح له فلم يكن له تحنيثها ولا رد عتقها إن فعل. وفيما ذكرنا في هذا الباب في الحمالة شيء منه وبالله التوفيق.

فصل ومن المدونة قال مالك: ولا يجوز على المكره شيء من الأشياء لا عتق ولا طلاق ولا نكاح ولا بيع ولا شراء ولا وصية ولا غير ذلك. وإن أكره على الصلح لم يلزمه شيء، وإكراه السلطان عند مالك وغير السلطان سواء، والضرب عند مالك إكراه، والتهديد بالقتل، والتهديد بالضرب والتخويف [43/ب. ص] الذي لا شك فيه إكراه. ابن القاسم: والسجن إكراه، وإكراه الزوج زوجته إكراه. وقد قال مالك: إذا ضربها او أضر بها فاختلعت منه؛ أنه يرد إليها ما أخذ منها، فهذا بذلك أن إكراهه إكره. م: وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «حمل عن أمتي النسيان والخطأ وما استكرهوا عليه». في العبد يدس من يشتريه من سيده وهو لا يعلم وشراء العبد نفسه من سيده شراءً فاسداً قال مالك: وإذا دفع العبد مالاً لرجلٍ وقال: اشترني لنفسك، فاشتراه ولم يستثن ماله فليغرم ثمنه ثانيةً ويلزمه البيع، ويكون العبد له؛ لأنه إنما دفع إليه أولاً مال عبده.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع». قال في كتاب الوكالات: وإن استثنى ماله فلا شيء عليه غير الثمن الذي دفع فيه أولاً. قال في كتاب العتق: وإن دفع إليه العبد مالاً على أن يشتريه ويعتقه ففعل وأعتقه؛ لزمه أداء ثمنه ثانية والعتق له لازم. قال ابن القاسم: ولا يرجع هذا المشتري على العبد بشيءٍ من الثمن الذي غرمه ثانية. قال مالك: فإن لم يكن للمشتري مال رد عتق العبد وبيع في ثمنه؛ فإن كان فيه وفاء أعطيه السيد، وإن كان فيه فضل أعتق من العبد بقدر ذلك الفضل، ولو بقي من الثمن شيء يعد بيع العبد كان في ذمة الرجل، وهذا كله إن لم يستثن ماله، ولو استثناه لم يلزمه غير الثمن الأول.

قال ابن المواز: وإن قال له العبد اشترني بهذا المال لنفسي ففعل واستثنى له ماله فهو حر مكانه؛ لأنه ملك نفسه، وولاؤه لسيده البائع، وإن لم يستثن ماله عاد رقيقاً لبائعه والمال له ولا يتبع المشتري بثمنه كان مليئاً أو معدماً. ابن المواز: وهو على أنه اشتراه لنفسه حتى يعلم غير ذلك، فإن تداعيا هو والعبد فقال العبد: إنما دفعت إليك الثمن لتشتريني لنفسي، وقال هو: بل لنفسي. قال أصبغ: فالقول قول المشتري استثنى ماله أو لم يستثنه؛ لأنه ضامن غارم والشراء قد عرف منه حتى يعرف خلافه ببينةٍ للعبد على ما قال. م: يريد: ويحلف له المبتاع إن استثنى ماله؛ لأنه لو صدق العبد في دعواه كان العبد حراً، فإن حلف برئ، وإن نكل حلف العبد وكان حراً. م: وليس ذلك كدعوى العتق وإنما هي كدعوى تجر إلى العتق، كقول المكاتب يدعي أنه دفع إلى سيده آخر نجم، وسيده ينكر، فإن سيده يحلف على ذلك، ويبقى العبد على كتابته، فإن نكل: حلف المكاتب وكان حراً، فهذا مثله، ولو لم يستثن المشتري ماله لم يكن للعبد يمين على المشتري؛ لأنه إنما يدعي بذلك أنه باق على ملك مولاه الأول،

ومولاه لم يدع شيئاً، وكذلك لو ادعى السيد هاهنا لأنه إنما اشتراه لنفس العبد؛ حلف له المشتري على ذلك وغرم ثمن العبد ثانية، فإن نكل حلف السيد واستحق العبد. قال أصبغ/: وكذلك لو اختلفا السيد والمشتري فقال السيد: من مال عبدي دفعت إلي وصدقه العبد، وقال المشتري: من مالي. م: يريد: واتفقوا على أنه اشتراه لنفسه، فالقول قول المبتاع في ذلك كله استثنى ماله أو لم يستثنه، ولكن لا يحلف إذا استثنى ماله، ويحلف إن لم يستثنه، فإن نكل حلف البائع [44/أ. ص] واستحق الثمن ثانية. قال في المستخرجة: فإن لم يكن للمشتري مال وقد عتق العبد رد عتقه وبيع له في الثمن عرفت بينهما معاملة قبل ذلك أم لا. م: قال بعض أصحابنا: ولو دفع العبد عرضاً لرجلٍ وقال له: اشترني به لنفسك من سيدي، ففعل؛ فإن استثنى ماله فلا شيء عليه، وإن لم يستثن ماله، فالمشتري قد اشترى سلعةً بسلعة فاستحق السلعة التي دفع فلسيد العبد أن يرجع في عين عبده وإن كان قائماً لم يفت، فإن فات بحوالة سوق فأعلى؛ كان على المشتري قيمة العبد.

فصل ومن المدونة قال: قال ابن القاسم: وإذا اشترى العبد نفسه من سيده شراءً فاسداً فقد تم عتقه ولا يرد ولا يتبعه السيد بقيمته ولا بغيرها بخلاف شراء غيره إياه. م: يريد ويكون للسيد ما باعه به غرراً كان أو غيره، وكأنه انتزعه منه وأعتقه. قال ابن القاسم: إلا أن يبيعه نفسه بخمرٍ أو خنزير فيكون عليه قيمة رقبته. وقال غيره: وهو حر ولا شيء عليه. قال أحمد بن ميسر: إن اعتقه على خمرٍ في يديه فهو حر ويكسر عليه، وإن كان يتبعه به فالبيع فاسد وعليه قيمة رقبته. م: وقول ابن الميسر وفاق لما في المدونة، ومسألة المدونة إنما هو على أنه اشتراه بخمرٍ مضمون، وينبغي إذا كان بخمرٍ مضمون أن يعجل عتق العبد ويتبع بقيمته، فأعلمه. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن باعه من أجنبي بخمرٍ أو خنزير أو بما لا يحل فأعتقه المبتاع جاز عتقه ولم يرد ولزم المبتاع قيمته يوم قبضه؛ لأن مالكاً قال في البيع الحرام إذا فات بعتقٍ مضى ولزم المشتري القيمة. ابن المواز: وقال أشهب: وإن اشترى العبد نفسه من سيده ببعيرٍ شارد أو عبد آبق؛ فليس للسيد إلا اتباعهما. م: وهو كما بينا لابن القاسم.

قال ابن القاسم في كتاب العيوب: وإذا بعت عبدك من نفسه بأمةٍ له فقبضتها، ثم وجدت بها عيباً، لم يكن لك ردها وكأنك انتزعتها منه وأعتقته. قال ابن المواز: رجع ابن القاسم فقال: إن قاطع عبده على جاريةٍ بعينها فوجد بها عيباً أنه يردها ويتبعه بقيمتها، وقاله أشهب، وإنما لا يتبعه فيما أعتقه واستثناه بعيبه ليس على المبايعة والمكايسة. قال في المدونة: ولو بعته نفسه بها وليست به يومئذٍ، قال يحيى ابن عمر: وهي بعينها في ملك غيره. قال ابن القاسم: ثم وجدت بها عيباً ترد به رددتها عليه، وكان العبد تام الحرية، جائز الشهادة، وأتبعته بقيمة الجارية ديناً، بمنزلة المكاتب يقاطعه سيده على جاريةٍ ويعتقه ثم يجد بها عيباً أو تستحق؛ فإنما يرجع عليه بقيمتها. فيمن أعتق عبده على مالٍ ألزمه إياه، وحكم ولد الأمة في ذلك قال مالك وأشهب: ومن قال لعبده أنت حر الساعة بتلاً وعليه وعليك مائة دينار تدفعها إلى أجل كذا؛ فهو حر الساعة ويتبعه بالمائة أحب أو كره. وقال ابن القاسم: وهو حر ولا يتبع بشيء، وقاله ابن المسيب.

ابن المواز: وقال أصبغ: لم أجد لقول ابن القاسم هذا أصلاً، وليس بشيء، والصواب قول مالك وأصحابه وأهل المدينة، وقاله ابن شهاب، وكأنه باعه من نفسه وهو كاره، فذلك لازم له، كما يزوجه كرهاً، وينتزع ماله كرهاً. قال ابن المواز: وكما له أن يلزمه ذلك بغير حرية فلم تزده الحرية إلا خيراً. م: ووجه قول ابن القاسم: أنه لا يكون/ حراً [44/ب. ص] متبوعاً؛ لأن هذا من باب الاستسقار، [كما لو أعتقه] على أن يخدمه بعد العتق سنة أنه حر ولا شيء عليه، فكذلك هذا. قال مالك في كتاب المكاتب: وإذا أعتق عبده عليه مائة دينار جاز ذلك على العبد وكان حراً ويتبع بالمائة. قال سحنون في المستخرجة: قول مالك: أنت حر وعليك، وأنت حر على أن عليك، سواء، وهو حر وعليه ما سمى له، وبه أقول. وقال ابن القاسم في قوله: أنت حر وعليك، يخير العبد؛ فإن شاء بثبات العتق على أن يتبع بها، فذلك له، وإن كره أن يكون غريماً فلا حرية له.

ومن العتق قال مالك: وأما إن قال: أنت حر على أن تدفع إلي مائة دينار، لم يعتق إلا بأدائها، بخلاف قوله: أنت حر وعليك. قال ابن القاسم: وللعبد ألا يقبل ذلك الآن، ويبقى رقيقاً، في قول مالك. ابن القاسم: وسواء ذكر السيد أجلاً للمال أو لا، ولا يعتق إلا أن يرضى، وإن قال: أنت حر على أن تدفع مائة دينار إلى سنة، فقبل ذلك العبد، فإن لم يقل: أنت حر الساعة، ولا أراد ذلك؛ لم يعتق العبد إلا بالأداء، أي: عند الأجل ويتلوم له السلطان [عند محله]، فإن عجز رق، قال: وهذا كالقطاعة؛ والقطاعة: قول الرجل لعبده: إن جئتني بكذا إلى أجل كذا فأنت حر؛ فإن جاء بذلك فهو حر، وإن لم يأت بذلك نظر السلطان فيه بحال ما وصفنا، وإنما محمل هذا عند مالك محمل المكاتب سواء. م: والمحصول من قول مالك وابن القاسم في هذه المسألة وما جرى فيها من الكتب المذكورة أنه إذا قال لعبده: أنت حر الساعة بتلاً وعليك مائة دينار، أو على أن عليك، أو على أن تدفع إلي مائة دينار؛ أنه حر عند مالك الساعة في جميع ذلك، ويتبع بالمائة أحب أو كره؛ لأن له أن يلزمه المائة بغير حرية ويأخذها منه متى شاء ووجدها عنده، فلم تزده بالحرية إلا خيراً، كما قال محمد، وإن كان إنما قال: أنت حر ولم يقل الساعة بتلاً، ففي قوله: أنت حر وعليك، وعلى أن عليك، يعتق ويتبع أيضاً، مثل الأول، وفي قوله: أنت حر

على أن تدفع، لا يعتق حتى يدفع؛ لأنه لم يبتل عتقه إلا بعد دفع المال، وللعبد ألا يقبل ذلك، ويبقى رقيقاً، وهذا من ناحية الكتابة، وهذ من قوله يدل أنه لا يكرهه على الكتابة وفيه اختلاف. ومذهب ابن القاسم إذا قال: أنت حر وعليك فسواء، قال: الساعة بتلاً، أو لم فإنه حر في الوجهين جميعاً، ولا شيء عليه، ولو قال: أنت حر على أن عليك أيضاً فسواء، قال: الساعة بتلاً أو لم يقل، فليخير العبد فإن شاء بثبات العتق على أن تيبع بها، فذلك له، وإن كره أن يكون غريماً فلا حرية له، وفي قوله: أنت حر الساعة بتلاً على أن يدفع؛ فالعبد مخير في قبول ذلك أو رده، فإن رده لم يكن عليه شيء، ولإن قبله عتق، وأتبع، وإن لم يقل: في ذلك الساعة بتلاً، فهو مخير أيضاً، في القبول أو الرد، فإن رد فلا شيء عليه، وإن قبل لم يعتق إلا بالأداء، وقول مالك أصوب في ذلك كله، وفي الواضحة في هذه المسائل اختلاف تركته لئلا يتوعر حفظها على قارئها [45/أ. ص]، وقد اتفق على ما ذكرته حذاق أصحابنا. وبالله التوفيق.

فصل ومن المدونة قال مالك: ومن قال لأمته: إن أديتي إلي ألف درهم إلى عشر سنين؛ فأنت حرة، فليس له أن يبيعها. قال ابن القاسم: وما ولت في هذه المدة فمنزلتها إن أدت فعتقت عتق ولدها معها؛ لأن مالكاً قال: كل شرط كان في أمةٍ ولدت من ولد بعد الشرط أو كانت به حاملاً يوم شرط لها ذلك، فولدها في ذلك الشرط بمنزلتها. وقد قال مالك فيمن حلف بعتق أمته إن لم يفعل كذا [إلى أجل كذا]، فولدت قبل الأجل، ثم لم يفعل السيد ذلك فحنث: أن ولدها بمنزلتها يعتق معها، وليس له بيعها ولا بيع ولدها، فهذا يدلك على مسألتك. قال: وكذلك إذا قال لها: إن أديت/ إلي ألف درهم ولم يضرب لها أجلاً؛ أن ولدها بمنزلتها أيضاً. وقال ابن القاسم في المستخرجة: لا يكون ولدها بمنزلتها، ورواه عن مالك، وليست بكتابةٍ ولا عتقٍ إلى أجل، ولو مات لم يلزم ورثته عتقها إن جاءتهم بالمائة. م: يريد وسواء ضرب أجلاً أو لم يضربه. وقد تقدمت مسألة من قال لأمته: إن أديت إلي اليوم مائة ألف درهم فأنت حرة، فمضى اليوم ولم تؤد شيئاً، إنه لابد أن يتلوم لها، وإن وضع ذلك السيد عنها عتقت مكانها، والذي قال لأمته: إن أديت إلى ورثتي كذا؛ فأنت حرة فمات، وحملها الثلث: أنه

ينجم عليها، فإن أدت عتقت، وإن عجزت رقت، وإن لم يحملها الثلث: خير الورثة في إجازة ذلك، أو عتق محمل الثلث منها بتلاً. فيمن أعتق عبده ثم جحده العتق وقد استغله أو أقر بعتقه بعد أن جرحه وكيف إن استحق بحرية؟ قال مالك: ومن أعتق عبده أو أمته ثم جحده العتق فاستغل واستخدم ووطئ زماناً، ثم قامت عليه بالعتق بينة وهو يجحد فلا شيء عليه من ذلك إلا أنه يحكم عليه بالعتق. قال ابن القاسم: وإن أقر بذلك ولم ينزع فليرد الغلة على العبد، ويعطيه قيمة خدمته، ويحد في وطئه الأمة، كقول مالك فيمن ابتاع حرة وهو يعلم بها فأقر بوطئها ولم ينزع: أنه يحد ويغرم الصداق. وقال مالك فيمن حلف في سفره بعتق عبده إن فعل كذا، ومعه قوم عدول، فقدم المدينة بعبده ذلك، وتخلف القوم الذين كانوا معه، فحنث في عبده، ثم استغل العبد، ثم مات فكاتبه ورثته، وتأدوا بعض النجوم وهم لا يعلمون بحنث صاحبهم، ثم قدم الشهود بعد ذلك، وأخبروا بيمينه وحنثه: فإنه يقضى بعتق العبد الآن، ولا رجوع بغلةٍ ولا كتابة، وإنما تبت عتقه الآن. قال ابن القاسم: وكذلك إن جرحه السيد أو قذفه ثم ثبت أنه أعتقه قبل ذلك وهو جاحد؛ فلا شيء عليه، وجعل له ابن القاسم حكم الحر مع الأجنبيين بخلاف السيد.

وقال غيره: إذا ثبت أن السيد أعتقه قبل ذلك، والسيد جاحد؛ فعلى السيد رد الغلة إليه، وله حكم الحر فيما مضى من حدٍ أو جرح أو قذف له أو عليه مع أجنبي أو مع السيد ذلك سواء. ابن المواز وقال أشهب: جحود السيد مع البينة كإقراره إلا في الوطء فقط، فقال: لا شيء عليه فيه إلا أن يقر بالتعمد ويقام إذا لم يقر مقام الناسي [45/ب. ص]، وأما في غير ذلك فهو والأجنبي سواء، والسيد أقوى في التهمة؛ لما له فيه من المنفعة، والأجنبي يقول: لم أعلم، وقد أخطأ من قاس وطأه بفريته؛ لأنه لو وطأ امرأةً يظن أنها امرأته لم يحد، ولا يعزز في الفرية في هذا. م: والحجة لابن القاسم: أنه لو وطأ أو قذف امرأةً يظن أنها أمته؛ لم يحد، فلا يحتج عليه إذا وطأها أو قذفها يظنها امراته؛ لأن الزوجة يحد في قذفها، فكذلك يحد في قذف الأجنبية يظنها زوجته، والأمة لا يحد في قذفها، فكذلك لا يحد في قذف الأجنبية يظنها أمته، فمن قاس الأمة بالزوجة في هذا فقد أخطأ. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو جرح رجل عبد الرجل أو قذفه فأقر السيد أنه كان أعتقه قبل ذلك: فلا حد على الرجل في فرية، ولا قصاص بينهما إلا أن يعترف بما قال

سيده، فإن لم يقر وكان الجرح عمداً فعلى الجارح دية جرحه على أنه عبد، ويكون ذلك للعبد. م: لإقرار السيد أن دية الجرح له. قال ابن المواز: وإن كان خطأ فعليه الأقل من دية جرحه/ على أنه عبد أو على أنه حر، يكون ذلك للعبد، إلا أن يبلغ ذلك ثلث الدية فأكثر فلا شيء عليه أقر أو جحد، لأنه إنما أقر على العاقلة، والقياس: أن يكون عليه قدر ما يلزمه مع العاقلة. فصل ومن العتبية والمجموعة قال ابن القاسم: وإذا استحق العبد أنه حر الأصل؛ فإن من تقدم بما أخذ منه السيد من كتابةٍ أو غلةٍ أو خدمةٍ أو خراجٍ لا يرجع عليه بشيءٍ منه. وأما ما كان انتزع له من مالٍ فليرده إليه كان اشتراه به أو أفاده عنده من فضل جراحه، أو كان قد وهب له، ويرد عليه ما كان قبض من أرش جراحاته وقطع يده؛ لأنه لم يكن يضمنه لو مات عنده ولكن يرجع على بائعه بالثمن. فإن كان قيل: كذلك يرد كتابته وغلته، قبل له: الفرق بين ذلك: أنه يشتري العبد ليعتمله لا لينتزع ماله.

ومن غير المجموعة وقال المغيرة: يرد على ما اغتل منه، وكذلك يرى إن كانت أمة فاستحقة بحرية؛ أنها ترجع عليه بصداق المثل إذا وطأها، وابن القاسم لا يرى عليه صداقاً. م: فوجه قول ابن القاسم: أن مشتري الحر قد دفع فيه ثمناً انتفع به فوجب أن ينتفع هو بمثمونه؛ أصله إذا استحق بملك، ولما لم يرجع سيد العبد بمنافع مملوكه التي كان مالكها، وملكت عليه بغير حق فكذلك منافع الحر. والفرق عند المغيرة بين الحر والعبد: أن العبد لو هلك بيد مشتريه لكان ضمانه منه ولم يرجع بثمنه على بائعه، فوجب أن يكون له خراجه؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الخراج بالضمان»، والحر ليس ضمانه من أحد، وأنه لو هلك بيد مشتريه لرجع بثمنه على بائعه، فوجب ألا يكون له خراجه؛ لأنه لم يضمن فيه ثمناً أداه. م: وهذا بين والله أعلم. قال بعض القرويين: ويؤخذ هذا الاختلاف من اختلاف قول ابن القاسم وأشهب في مسألة الذي أعتق عبده ثم جحده العتق وشهدت عليه بينة بعتقه: فقد قال أشهب: يرد الغلة في هذا، ففي الذي ثبت أنه حر من أصله أحرى أن يرد الغلة.

فيمن أعتق أو زنا أو سرق من المغنم قال ابن القاسم: ومن اعتق عبداً من الغنيمة وله فيها نصيب: لم يجز عتقه؛ لأن مالكا قال: إذا زنا بجارية من الغنيمة [46/أ. ص] أقيم عليه الحد, وإن سرق من الغنيمة بعد أن تحرز قُطع. قال سحنون: وقال غيره: لا يحد للزنا, ويقطع إن سرق فوق حقه بثلاثة دراهم؛ لأن حقه من الغنيمة واجب موروث, بخلاف حقه في بيت مال المسلمين؛ لأنه إنما يجب له إذا أخذه, وإن مات لم يورث عنه. م: وهذا أقيس. قال أبو محمد: وهو وغيره لا يقولون في العتق إلاّ كقول ابن القاسم. م: وذُكر عن الشيخ أبي عمران رحمه الله أن ابن سحنون قال في كتابه عن غير ابن القاسم خلاف ما تأوله أبو محمد: وأنه إذا أعتق من الغنيمة عتق عليه.

م: وهذا هو القياس؛ لأنه إذا كان لا يقطعه إلا أن يسرق فوق حصته بثلاثة دراهم, وجعله كالشريك, فكذلك يكون حكمه في العتق عنده, وإنما لم يعتق عليه في رواية ابن القاسم؛ لأن حصته من الغنيمة غير معلومة فلا يعلم ما يعتق عليه منه, ولا ما يقوم عليه لشركائه وهذا والله أعلم: في الجيش العظيم الذي لا يُعرف عدده؛ لأن حصته غير معلومة, وأما السرية اليسيرة التي حصته منها معلومة؛ فيجب أن يعتق عليه حصته, ويقوّم عليه إن كان مليئاً نصيب شركائه كعتق أحد الشركاء, ولا يحد للزنا باتفاق, ويقطع إن سرق فوق حصته بثلاثة دراهم. م: واختلف قول سحنون فيما يقطع فيه؛ فقال مرة: يقطع إن سرق فوق حقه من الغنيمة كلها بثلاثة دراهم, وقال مرة: فوق/ حقه من المسروق بعينه. وكذلك اختلفوا في الشريك يسرق من متاع أودعاه من مال الشركة: فقال ابن المواز: إذا سرق أحد الشريكين ستة دراهم قطع. وقاله ابن حبيب. وقيل: لا يقطع حتى يجاوز نصيبه من الجميع بثلاثة دراهم. م: وأما لو سرق الشريك مما قد أغلقا عليه باباً لم يقطع, قاله في كتاب القطع.

في عتق النصراني وتدبيره وكتابته والسُّنة أن كل حكم وقع بين مسلم وذمي فإنه يحكم فيه بحكم المسلمين؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه, فلا يرد المسلم إلى أحكام النصارى يحكمون فيه فيكون ذلك إذلالاً للإسلام. قال مالك: وإذا أسلم عبد النصراني ثم أعتقه قُضي عليه بعتقه؛ لأنه حكم بين مسلم وذمي, وقد قال مالك في نصراني دبّر عبده النصراني ثم أسلم العبد: أن التدبير يلزمه ويؤاجر عليه ولا يختدمه هو ولا يباع عليه فالعتق آكد من التدبير, وهذا المدّبر الذي يؤاجر إذا مات سيده نصرانيا: عتق في ثلثه إن حمله الثلث, وإلا عتق منه مبلغ الثلث ورقّ ما بقي, فإن كان ورثته نصارى جُبروا على بيع ما صار لهم من هذا العبد, وإن كان له ولد مسلم أو لم يكن له ورثة؛ كان ما رقَّ منه لجميع المسلمين؛ لأن ولده المسلم لا يرثه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم». قال مالك: ولو دخل إلينا حربي بأمان فكاتب عبداً له أو أعتقه أو دبّره ثم أرد بيعه فذلك له, قال: وكذلك إذا كاتب النصراني عبده أو دبّره ثم أراد بيعه وفسخ الكتابة أو التدبير: لم يمنع من ذلك, كما له رده في الرَّق إذا أعتقه.

م: وقال بعض الرواة في كتاب المكاتب: ليس له نقض الكتابة: لأن هذا من التظالم لبينهم الذي لا ينبغي للحَكَم أن يتركهم لذلك. قال مالك في كتاب العتق: إلا أن يسلم العبد قبل ذلك فيلزمه كتابته وتدبيره. قال ابن القاسم في العتبية في نصراني أعتق عبده النصراني ثم أراد بيعه: فليس للإمام منعه [46/ب. ص] , فإن أسلم العبد قبل أن يرجع في عتقه؛ فإن كان العبد قد بان عنه حتى صار حاله كحال الأحرار فلا رجوع له فيه بعد إسلامه, وإن كان إذا أعتقه يستخدمه بحالته التي كان عليها حتى أسلم؛ فله الرجوع فيه كما لو طلّق امرأته ثم أسلم فله حبسها بعد الطلاق إذا لم تَبِنْ منه, وإن كان يوم طلقها انقطعت منه وبانت ثم أسلم؛ فليس له أن يرتجعها ولا يمكن من ذلك. قال: وأما النصراني يدبّر عبده ثم يسلم العبد؛ فليس له نقض التدبير, وإنما له أن يرجع فيه ما لم يُسلم العبد. م: والفرق بين المعتق والمدّبر: أن صفة العتق البينونة بنفسه فلما بقي بيده وفي خدمته ولم يبن عنه؛ فكأنه لم ينجزه له فلا يزده إسلامه قوة, والمدبَّر لا يستطيع أن يبن بنفسه, لأنه لم يجب له عتق ناجز فيفرط في استعجاله وهو لم يبين الرجوع في تدبيره قبل إسلامه فلذلك لزمه تدبيره.

م: وظاهر هذا خلاف المدونة وظاهر المدونة ألاّ فرق بين عتقه وتدبيره, وأن ذلك يثبت بإسلام العبد, وإن لم يبن عنه في العتق؛ لأن البينونة أمر يوجب عتقه, وإن لم يسلم فلا فائدة في ذكره, فإذا ثبت هذا دل على أن إسلامه يوجب أيضاً عتقه, وإن لم يبن عنه ولا حجة على العبد في أنه لم يبنه؛ لأنه يقول: لو طلبته بالبينونة لرجع في عتقي, وذلك سائغ له, فأسلمت لِأُلْزمه عتقي, [وكما لو أعتقه] فأسلم مكانه/ لكان يلزمه هذا والله أعلم؟ ومن المدونة قلت: فإن أعتق الذمي عبده أو دبّره ثم أسلم السيد أو حلف بذلك في نصرانيته ثم أسلم فحنث هل يلزمه العتق والتدبير؟. قال قال مالك: إذا حلف بذلك ثم أسلم فحنث: فلا شيء عليه؛ لأن يمينه كانت في حال الشرك. قال ابن القاسم: فأرى أن حنث فيه في حال نصرانيته ثم أسلم أنه لا يعرض له مثل الذي أخبرتك. م: وظاهر هذا أنه خالف بين إسلام العبد وإسلام السيد على مذهب المدونة, وهذا إذا لم يبن العبد عن نفسه. ووجه التفرقة قوله صلى الله عليه وسلم: «الإسلام يجب ما قبله» , فقد قطع إسلام السيد عتقه وحنثه في العتق, والعبد فلم يفعل شيئاً فيجبه إسلامه.

وفي كتاب ابن المواز: قال محمد: عتق النصراني لعبده باطل لا يثبت إلا بإسلام أحدهما. م: لأنه يصير حينئذ حكما بين مسلم وذمي فيحكم فيه بحكم المسلمين. ومن المدونة قال مالك: وإذا أعتق النصراني عبده النصراني ثم أبى أن ينفذه له, وأراد أن يرده في الرِّق أو يبيعه فذلك له, ولا يحال بينه وبين ذلك [وبيعه إياه جائز]. م: يريد إلا أن يكون أبانه عن يده, ونحوه في كتاب الجنايات. قال ابن القاسم: إلا أن يرضى. م: يريد في الذي يبنه أن يحكم عليه بحكم الإسلام فيحكم عليه بالحرية وكذلك التدبير. وقد قال مالك: إذا أعتق الذمي شقصاً له من عبد ذمي وبقيته له أو لذمي آخر؛ فلا يقضي عليه بالعتق ولا يقوم عليه حصة شريكه. م: قال بعض فقهائنا: إنما منع النصراني من ردِّ عتق عبده النصراني إذا بان عنه لتوجه الجزية عليه, وكونه مطلوبا فيها فيصير عليه حثاً للمسلمين فليس للنصراني إبطاله.

م: ويلزم على هذا التعليل: أنها إذا كانت أمة أو زوجة لا تنفعها البينونة عن يده في العتق والطلاق؛ لأنها ممن لا تتوجه عليها الجزية, وهذا خلاف قولهم, وإنما العلة في ذلك [47/أ. ص] والله أعلم: أنه إذا أبان ذلك عن يده فقد فعل وجه العتق والطلاق, وألزم نفسه حكمة وصيرّ كل واحد منهم مالكاً لأمره, وأبان لنا أنه نفذه له, فلم يجز له الرجوع فيه؛ لأن ذلك من التظالم بينهم, فلا يترك وذلك إذا أبقى ذلك بيده فليس ذلك صفة العتق والطلاق, فقد أبان لنا بفعله: أنه لم ينفذ له ولا ألزم نفسه حكمه, فوجب ألا يلزمه إلا أن يرضى بحكمنا والله أعلم. فيمن أخدم عبده أو آجره ثم أعتقه كيف إن لحقه دين قبل حوز المخدم؟ وجامع مسائل من المخدم قال مالك: ومن أخدم عبده رجلا سنين ثم هو حر ثم استدان السيد قبل أن يقبضه المخدم؛ فالغرماء أحق بالخدمة يؤاجر لهم, وليس لهم إلى المعتق سبيل؛ لأنه قبل الدين, قال: وإن لم يقم الغرماء حتى بتل الخدمة [فلا سبيل للغرماء على الخدمة].

قال يحيى: بحوز العبد لم يكن للغرماء في الخدمة شيء-, والعتق نافذ في الوجهين إلى أجله, وكذلك لو تصدق بصدقة أو وهب هبة أو أعطى عطية فلم يبتلها للمعطي حتى لحقه دين؛ فالغرماء أولى بذلك. ابن حبيب وقاله مطرف وابن الماجشون وقالا: والصدقة بيومِ تقبض لا بيومِ يتصدق بها, والفلس كالموت والمرض. وقال أصبغ: الصدقة أولى من الدين المستحدث بعدها, وإن لم تقبض, والصدقة بيومِ يتصدق بها لا بيوم تقبض ما دام حيا إذ لو أقيم عليه أخذت منه ما لم يمرض أو يموت, وليس ذلك مثل حدوث الفلس وهو كالعتق إذا أعتق وله مال يفي بدينه لم يضر/ ذلك ما يحدث من الدين. وقال ابن حبيب: لا تشبه الصدقة العتق؛ لأن العتق قبض والصدقة لم تقبض حتى حدث الدين. ومن المدونة قال مالك: ومن أجر عبده أو أخدمه سنة ثم أعتقه قبل السنة لم يعتق حتى تمضي السنة, وإن مات السيد قبل السنة لم تنتقض الإجازة والخدمة بموته, ويعتق العبد بعد السنة من رأس المال إلا أن يترك المستأجر أو المخدم للعبد بقية الخدمة فيعجل عتقه.

قال أشهب في رواية سليمان: إذا أعتقه السيد قبل السنة حلف بالله ما أراد عتقه إلا بعد تمام الإجارة؛ فإن نكل كانت الإجارة للعبد. قال ابن المواز: وإذا أعتقه قبل انقضاء الخدمة نظر فيه؛ فإن قال المستأجر: أنا أضع الخدمة على أن يرد على السيد, فأبى السيد, فليحلف بالله أنه لم يرد بذلك إلا إبطال ذلك عنه فإن نكل غرم ونفذ العتق إذا رضى المستأجر. قال أشهب عن مالك: فإن أبى المستأجر سئل السيد؛ فإن قال: أردت تعجيل عتقه ساعة نطقت به وأراد الإجارة فالإجارة يومئذ للعبد تدفع إليه, وإن قال: أردت عتقه بعد الأجل حلف وثبتت له الإجارة قبضها أو لم يقبضها. م: يريد وإن نكل كانت الإجارة للعبد.

ومن كتاب ابن سحنون قال مالك: فيمن قال لعبده أخدم فلانا سنة وأنت حر فوضع عنه فلان الخدمة: فإنه يعتق مكانه. وقال عبد العزيز: لا يعتق لحجة السيد إلا يعجل عليه فيزول ميراثه عنه وليس للمخدم من عتقه شيء. قال سحنون: وإن وضع عنه نصف الخدمة سُئل فإن أراد: تركت له خدمة ستة أشهر؛ لأن عتقه إلى سنة يبعد, فهو ذلك, [وإن أراد: أنها له ملك يشاركه فيها وتصير له ملكا, كان حراً مكانه كله, كمن وهب لعبده نصف خدمته]. وكذلك [47/ب. ص] في كتاب ابن المواز قال فيه: وإن قال: لم أرد شيئاً حلف بالله ما أراد أن يهب له نصف الخدمة ثم يختدمه نصف السنة. قال مالك فيه وفي العتبية: وما ولد العبد المستأجر من أمته بعد العتق فهو حر ساعة يولد لا ينتظر به السنة. قال في كتاب محمد: وكذلك الأمة المستأجرة. م: أمّا ولد العبد من أمته فلا يكون حراً إلا ما حملت به بعد العتق فيعتق إذا وضعته, إذا ليس فيه خدمة, وأما إن حملت به قبل العتق: فالولد رقيق للسيد إذ مسه الرّق في بطنها, والسيد إنما أعتق العبد فلا يتبعه ولده وتتبعه أمته, وأما ولد المستأجرة فسواء كانت حاملا قبل العتق أو بعده فهو حر إذا وضعته إذا لا خدمة فيه؛ ولأن كل من أعتق أمة

حاملاً فولدها حر بمنزلتها, ولو أعتقها عبده وله أمة حامل كان الولد رقيقا للسيد والأمة تبعا للعبد. قال ابن المواز: وإذا أعتق المستأجر قبل محل الإجارة فكانت الإجارة أولى به؛ فهو في حدوده كالعبد حتى يتم الإجارة فينفذ عتقه من رأس المال لا يرده دين يحدث. قال أشهب: وإن آجر نصف عبده سنة ثم أعتق نصفه وهو عديم؛ فلا يعتق نصف الإجارة حتى يتم إلا أن يشاء المستأجر أن يتبع سيده بالإجارة فذلك له ويعتق كله مكانه. م: ليس للمستأجر أن يتبعه في عدمه بالإجارة على مذهب المدونة, كما لا يتبعه شريكه في رقبة العبد إذا أعتق نصفه وهو عديم. قال أشهب: لو أخدم نصفه سنة أو حياته ثم أعتق نصفه وهو مليء, عتق كله, وغرم الأقل من نصف قيمته, أو نصف قيمة الخدمة. قال ابن المواز: وأحب إلينا أن يغرم السيد نصف قيمة رقبته ما بلغت فيوقف ذلك للمخدم فيختدم له به في خدمة نصف العبد سواء فإن نفذ ذلك قبل الوقت لم يكن له غيره, وإن فضل سن ذلك شيء رجع الفضل إلى سيده, وهذا مذهب مالك وأصحابه. قال ابن المواز: ولو مات العبد بعد أن عتق كله, أو قتله رجل, أو قتله السيد خطأ فإن ما بقي من القيمة الموقوفة/ للسيد وتنقطع الخدمة عن المخدم, وإن قتله السيد

عمدًا اختدم بالقيمة إلى نفاذها أو تمام الأجل. قال: وقتل السيد له عمدا قبل أن يعتقه مثل ما لو أعتقه لغرم قيمة رقبته يختدم بها. م: هذا نقل معنى ما في كتاب محمد وفيه زيادة من لفظي. قال ابن المواز: ولو كان العبد بين رجلين فأخدم أحدهما مصابته منه رجلاً حياته ثم أعتق الآخر حصته؛ فقد اختلف فيه ابن القاسم وأشهب وأصوب ذلك عندي: أن يعتق عليه مصابته من العبد ويقوّم عليه مصابه شريكه التي أخدمها, ويأخذ شريكه نصف القيمة, ولا يكون للمخدم من ذلك شيء بمنزلة ما لو استحق؛ لأنه قد استُحق بالحرية, وكذلك لو أراد الشريك الذي لم يخدم حصته البيع [لكلف هذا المخدم البيع] معه وتبطل الخدمة وقاله أشهب. قال ابن المواز: ولو أخدم عبده رجلاً حياته ثم مات السيد وترك ولدين فوهب أحدهما حصته من العبد للمخدم فأعتق المخدم تلك الحصة الساعة بتلاً؛ قال أصح الجواب عندي فيها: أن يقوّم مصابة الذي لم يهب على المخدم الذي أعتق كم يسوى مرجعها على غررها بالنقد على الاجتهاد لو كان يصلح بيع ذلك فيعجّل له ذلك, وقال

فيها ابن القاسم: إنه يغرم قيمة نصف مرجعه ويوقف, فإذا مات المخدم المعتق والعبد بان, كانت نصف القيمة للمتمسك بنصيبه, وإن مات العبد قبل المخدم رجعت نصف القيمة [48/أ. ص] إلى المعتق. ابن المواز: وهذا ظلم للمتمسك؛ لأن القيمة قد قوّمت على غررها وتعجيلها فنقصت لذلك فيجب أن تعجل له ولو قوّمت على أنها تكون مؤخرة لزادت فلا يجب أن تقوم على التعجيل, وتدفع مؤخرة. ومسائل المخدم كثيرة وقد أفردت لها باباً في كتاب المدبر. فصل قال في كتاب الرَّهن: ومن رهن عبداً ثم أعتقه؛ فإن كان مليئاً عجل الدين وعجل عتقه, وإن كان عديماً بقي العبد كما هو رهناً, فإن أفاد سيده قبل الأجل مالاً؛ أخذ منه الدين ونفذ العتق. قال في كتاب ابن المواز: إن كان في ثمنه فضل عن الدّين بِيع منه بقدره وعتق ما بقي, فإن لم يوجد من يشتري بعضه بيع كله وقضى الدين, ودفع إلى السيد ما بقي يصنع فيه ما شاء. م: إذا لم يوجد من يشتري بعضه لم يُبع منه شيء ويوقف حتى يحل الأجل لعل السيد يفيد مالا فيقضي منه الدين وينفذ عتقه, فإن لم يفد شيئا بِيع في الدين.

وقال أشهب: إن لم يكن فيه فضلٌ لم يُبع حتى يحل الأجل؛ فيباع حينئذ منه بقدر الدين إن وجد من يشتري بعضه ويعتق باقيه, وإن لم يوجد بِيع كله وقضي الدين وما بقي يصنع به السيد ما شاء. قال أبو الزناد: وإن لم يكن للسيد مالٌ فدفع العبد ذلك الدين من مال نفسه عجل عتقه ولم يرجع به على سيده وفي الرهن إبقاؤه. القضاء في مال العبد المعتق بعضه أو جميعه روي ابن وهب عن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعتق عبدا وله مال فمال العبد له إلا أن يستثنيه السيد». قال ربيعة وأبو الزناد: علم سيده بماله أو جهله. قال أبو الزناد: وإن كانت للعبد سرية وقد ولدت منه علم بذلك السيد أو لم يعلم, فإن سرية العبد للعبد, وأما ولده منها فرَّقٌ لسيده. قال في كتاب المكاتب: إذا أعتق العبد تبعه ماله في السُّنة ولا يتبعه ولده فيكون حرًا مثله

قال ابن القاسم: فيمن أعتق عبده وللعبد على سيده دين فله أن يرجع به عليه؛ لأن العبد يتبعه ماله فدينه يكون له إذا أعتق إلا أن يستثنيه فيقول: أشهدوا أني قد انتزعت الدين الذي/ لعبدي عليّ, أو أني أعتقته على أن ماله لي فيبقى المال للسيد, ويكون ذلك انتزاعاً لما في ملك العبد [وهو قول مالك]. قال مالك: وإذا كان بعض العبد حر فليس لمن ملك بقيته أن ينتزع شيئا من ماله وهو موقوف بيده؛ لأنه شريك لسيده في نفسه, والعبد إذا كان بين الرجلين لم يكن لأحدهما أن ينزع شيئاً من ماله إلا بإذن شريكه. قال مالك: وإذا كان بعض العبد حر فلمن ملك بقيته بيع حصته منه, ويحل المبتاع في مال العبد محل البائع, ولا يكون لمشتريه ولا لبائعه أن يأخذ من ماله شيئاً, فإن عتق العبد يوما ما؛ تبعه جميع ماله, وإن مات قبل ذلك كان ماله للمتمسك بالرّق خاصة دون الذي أعتق؛ لأنه لا يوارث بالحرية حتى تتم حريته, والقضاء أن العبد إذا كان بين الرجلين لا يتنازعان ماله إلا بإجماعهما, ولأحدهما بيع حصته من العبد دون الآخر. قال سحنون: إنما يجب لأحدهما بيع حصته من العبد على أن يستثنى المبتاع ماله وإلا لم يجز وهو كعبد بعضه حر إلا أن يبيعه من شريكه.

ومن الجنايات: وإذا أذن أحدهما لشريكه في أخذ حصته [48/ب. ص] من ماله وأبقى الآخر حصته بيده؛ جاز ذلك, فإن باعه واستثنى المبتاع ماله؛ فالثمن بينهما نصفين, لا يحاص هذا بما زاد المال في حصته إذ لا حصة لمن له من الثمن. ابن المواز: ولو لم يستثنِ ماله لكان بينهما بنصفين. قال أصبغ: لأن ما تركه شريكه صار مالاً للعبد, ولو أراد الذي ترك أن يأخذ منه شيئاً لم يكن ذلك له إلا باجتماعهما. القضاء في العتق بالمثلة روى ابن وهب عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كان لزِّنباغ عبد يُسمى شندر أو ابن سندر فوجده يقبل جارية له فجبه وقطع أذنيه وأنفه, فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم

فأرسل إلى زنباع فقال: «لا تحملوهم ما لا يطيقون, وأطعموهم مما تأكلون, وأكسوهم مما تلبسون, وما كرهتم فبيعوا, وما رضيتم فأمسكوا, ولا تعذبوا خلق الله». ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مثل بعبده أو حرقه بالنار؛ فهو حر وهو مولى الله ورسوله» فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال العبد يا رسول الله: أوص بي, فقال: «أوصي به كل مسلم». م: [قيل في قوله صلى الله عليه وسلم: «وهو مولى الله ورسوله» معنى ذلك: أن العتق فيه بسنتهما وليس يعني أن] الولاء للمسلمين. قال يزيد بن أبي حبيب: وزنباغ يومئذ كان كافرًا.

قال مالك: وبلغني أن عمر بن الخطاب أعتق أمة رمتها سيدتها بنار فأصابتها به. قال ابن وهب: وضرب عمر سيدتها. وأن رجلا أحمى رضقاً فأقعد عليه أمته فاحترق فرجها؛ فقال عمر: ويحك, أما وجدت إلاّ أن تعذبها بعذاب الله, فأعتقها عليه وجلده. وقال ربيعة: يعتق بالمثلة المشهورة. قال يحيى بن سعيد: ويعاقب من فعل ذلك. [قال مالك رضي الله عنه]: فمن مثّل بعبده فقطع له أنملة, أو حرق شيئاً من جسده بالنار على وجه العذاب؛ فهي مُثْلة يعتق بها, ولو كواه بالنار تداويا لم يعتق عليه. وقال مالك: في امرأة كوت فرج أمتها بالنار: فإن كان على وجه العذاب فانتشر وساءت منظرته؛ عتقت عليها, وإن لم يتفاحش لم يعتق. وقال في امرأة سحلت أسنان أمتها بالمبرد حتى أوهنتها: أنها تعتق عليها. قال ابن القاسم: ومعنى سحلت أسنانها: أنها بردتها. قال مالك: ولم يختلف [أحد منا يومئذ] أنها تعتق عليها. قال: ومن أخصى عبده, أو أقلع أسنانه, فهي مُثلة: يعتق بها.

قال ربيعة: وكذلك لو قطع حاجبيه فهي مُثلة. ابن المواز قال أشهب عن مالك: فيمن عمد لقطع أنملة عبده أو طرف أذنه أو أرنبته أو قلع سنه أو قطع بعض جسده عمداً عتق عليه وعوقب. قال أشهب: ويسجن. وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: وكذلك لو خرم أنف عبده, أو شرف أذنه أو قلع ظفره أو ضرسه أو سنه عمدا عتق عليه, وقاله ابن القاسم. وقال أصبغ: لا أراه في السن الواحدة أو الضرس مُثله/ إلا في جُلِّ الأسنان وجُلِّ الأضراس. قال ابن حبيب وبالأول أقول. قال أصبغ: فيمن وشم وجه عبده أو جبهته وكتب فيه أبق, أنه يعتق عليه, وقاله ابن وهب وأشهب. قال أصبغ: ولو فعل ذلك في ذراعيه أو في باطن جسده لم يعتق عليه بخلاف الوجه.

قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب: في العبد يعرف بالأباق يرشم سيده في جبهته عبد فلان, قال: يعتق عليه, قال: ولو وسمه بمداد أو إبرة, كما يفعل الناس لعتق عليه. وقال أشهب: لا يعتق عليه. ومن المدونة [49/أ. ص] قال ابن القاسم: وإن جز رؤوس عبيده أو لحاهم؛ لم تكن هذه مثلة يعتقون بها. قال ابن المواز: قال ابن وهب: ولكن يؤدّب في العبد والجارية, وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تحلق المرأة شعرها وقال: أنها مثلة. ابن حبيب وقال ابن الماجشون عن مالك: ليس حلق الرأس واللحية مثلة إلا في العبد التاجر النبيل الوجيه اللاحق بالأحرار في هيئته فإن حَلْق لحية مثل هذا مُثلة, وكذلك الأمة الفارهة الرفيعة البالغة يحلق سيدها رأسها. قال ابن المواز: ولا يعتق بالعض في الجسد ولكن يباع عليه. قال أشهب: ما لم يقطع بذلك شيء من جسده ويبين منه. قال أشهب: ولو كان ممن يرى أن ذلك منه فلتة لم يبع عليه.

فصل قال ابن المواز قال مالك: ومن مثّل بعبده؛ فلا يعتق عليه إلا بعد الحكم, وقاله ابن القاسم. وقال أشهب: بالمثلة صار حرا, وإن مات السيد قبل أن يعلم به فهو من رأس ماله. وقال عنه ابن عبد الحكم: أما المثلة المشهورة لا شك فيها؛ فهو بها حر بغير قضية, وأما مثلة يشك فيها فلا يعتق إلا بحكم كأجل نفس الإيلاء هو من وقت اليمين, وأما ما يدخل عليه بسبب فهو من وقت المرافعة. قال ابن المواز: أحب إليّ ألا يعتق إلا بحكم, أو بإنفاذ السيد, وفي بعض الحديث: (من مثّل بعبده فأعتقوه) ولم يقل فهو حر, وهو كمن أعتق بعض عبده أو شقصا له من عبد فلا يعتق باقيه إلا بحكم. م: وقد ذكر في الحديث في رواية المدونة من مثّل بعبده فهو حر, فهذا يؤيد قول أشهب. قال ابن المواز: وذكر البرقي عن أشهب مثل قول ابن القاسم: أن العبد إذا مات قبل الحكم بعتقه ورثه السيد دون أحرار ورثته.

ومن العتبية روى سحنون عن ابن القاسم فيمن قطع يد عبده فمات السيد قبل أن يحكم عليه: فلا يعتق على ورثته, وإن رفع أمره إلى الإمام قبل موت السيد؛ عتق عليه إلا أن يكون عليه دين محيط بماله. وقال ابن سحنون عن أبيه: إنما يعتق بالمثلة يوم القيام بذلك, فإما إن أفلس السيد قبل ذلك أو مات: فلا عتق عليه. فصل ومن المدونة قال مالك: وما أصاب به الحر عبده في ضربه به على وجه الأدب من كسر أو قطع جارحة أو فقء عين؛ فلا يعتق بذلك, وإنما يعتق ما فعله به عمدا. ابن المواز وقال أشهب: ويعتق بماله. قال: ولو حلف ليضربن عبده مائتي سوط أو ثلاثمائة فضربه فأنهكه؛ فلا يعتق عليه إلا أن يبلغ أمرا يكون مُثله بينة من ذهاب لحمه حتى يبلغ العظم ويتآكل فيعتق عليه. قال ابن القاسم: وإن لم يبلغ ذلك منه عوقب ولم يعتق عليه, ولو علم به قبل ضربه حنثه السلطان بأي الأيمان كانت يمينه. قال: ولو مات من ضربه ذلك على وجه الأدب أو العذاب: أدب ولزمه عتق رقبة. وقال أصبغ: في الجلد وإن أسرف صاحبه ليس فيه مثلة.

ابن المواز: وكذلك العض. قال سحنون: وإن ضرب رأس عبده فنزل الماء في عينيه؛ فليس بمثله. فصل قال ابن سحنون عن أبيه: في الممثول به إذا عتق: تبعه ماله. وقال ابن حبيب عن أصبغ: له استثناؤه عندنا مثّل به أو بعد المثلة, قبل أن يحكم عليه بعتقه, وقبل أن يشرف على الحكم فذلك له, وأما بعد الحكم فلا؛ ولأنه قبل الحكم يورث بالرِّق ويدركه الدين ولا يعتق إلا بحكم [49/ب. ص]. قال ابن الماجشون: لأنه له حكم الرقِّ حتى يعتق؛ ولأنه إنما يعتق بالاجتهاد, ومن الناس من لا يرى عتقه/ لذلك. ومن العتبية وكتاب ابن سحنون قال سحنون: وإذا فقأ عين عبده أو عين امرأته, فقال العبد أو المرأة: فعل ذلك معتمدا, وقال السيد والزوج: بل كنت مؤدباً فأخطأت, فالقول قول المرأة والعبد, بخلاف الطبيب يتجاوز ويقول: أخطأت, ويدعي المفعول به العمد؛ لأنه مأذون له في الفعل, والأول ظهر عداؤه. قال في العتبية: ثم رجع فقال: القول قول الزوج والسيد حتى يظهر العداء.

قال سحنون قال مالك: من مثّل بامرأته أنها تطلق عليه, كما لو باعها؛ لأنه لا يؤمن على عيبها. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن مثّل بأم ولده تعتق عليه, وكذلك إن مثّل بعبد عبده أو بأم ولد عبده, فإنه يعق عليه, وكذلك بعبد لابنه الصغير, فإنه يعتق عليه, إن كان مليئاً, ويغرم قيمته للابن؛ لأن مالكاً قال في الملئ يعتق عبد ولده الصغير. م: يريد: عن نفسه لا عن الصبي؛ فإن عتقه جائزٌ, وتلزمه القيمة لولده. قال ابن القاسم: وإن مثّل بمكاتبه عتق عليه, وينظر في جرحه المكاتب أو قطع جارحة من عمداً, فيكون عليه من ذلك ما على الأجنبي ويقاصه بالأرش في الكتابة, فإن ساواها عتق, وإن نافت عليه الكتابة عتق ولا يتبع ببقيتها, وإن ناف الأرش عليها: أتبع المكاتب سيده بالفضل وعتق. قال ابن سحنون عن أبيه: ليس شيء من الجراح التي تعود لهيئتها مُثْلة, وإنما المُثلة ما بان منه الأعضاء كاليد والرجل والأصبع. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن مثّل بعبد مكاتبه؛ فعليه ما نقصه, ولا يعتق عليه؛ لأن عبيد مكاتبه لا يقدر على أخذهم, إلاّ أن تكون مُثْلة فاسدة؛ فيضمنه, ويعتق

عليه, وكذلك إن مثّل بعبيد زوجته, أو بخدمها؛ فليعاقب؛ ويضمن ما نقصهم, ولا يعتقون عليه إلا أن تكون مثلة فاسدة فيضمنهم ويعتقون عليه, كعبيد الأجنبي في الوجهين. قال أصبغ عن ابن القاسم في العتبية وكتاب محمد فيمن قطع يداً أو يدين من عبد لرجل فاره صانع, أنه يضمن قيمته ويعتق عليه. م: وقيل: فيمن مثّل بأمة لغيره ثم وطأها قبل أن تقوّم عليه, فإن كانت مُثلةً فاحشة حتى لا يكون لسيدها أن يمسكها لكثرة المثلة؛ فلا يحد, وذلك شبهة توجب دراية الحد عنه. فصل قال ابن سحنون عن أبيه: اختلف قول ابن القاسم وأشهب في الذمي يمثل بعبده النصراني فقال أشهب: يعتق عليه بالمثلة, وقال ابن القاسم لا يعتق عليه إلا أن يمثل به بعد الإسلام. قالا: وإن كان السيد معاهدا حربيا نزل عندنا؛ فلا يعتق عليه بالمثلة إلاّ أن يمثل به بعد إسلام العبد. فصل ابن المواز قال أشهب وابن وهب في السفيه يمثّل بعبده: أنه يعتق عليه. قال ابن وهب: ويتبعه ماله.

ابن المواز: ولا شك أن أشهب يقوله؛ لأنه روى عن مالك: أنه إذا أعتق أم ولده أنه يتبعها مالها. وقال ابن القاسم: يعتق عليه ولا يتبعه ماله, كعتقه أم ولده, ثم رجع فقال: لا يعتق عليه, وكذلك عنه في العتبية. وقال: انظر: فإنه من يجوز إعتاقه فإنه يعتق عليه إذا مثّل, ومن لا يجوز إعتاقه فلا يعتق عليه بالمثلة. فصل ابن المواز: وقال أشهب: وإذا مثّل من أحاط [50/أ. ص] الدّين بماله بعبده عتق عليه؛ لأنها جناية جرها العتق, وكذلك العبد يمثّل بعبده وولاؤه لسيده الأعلى, ولا يرجع إلى العبد إن عتق, وكذلك المولى عليه والسفيه يمثّلان بعبيدهما وإنما ذلك عتق جناية وأدب فالعتق على من ركب ذلك وتعدى حدود الله تعالى, ألا ترى أن العبد يجرح أو يغتصب فيكون ذلك في رقبته وماله, فإنما العتق بالمثلة حد يؤدب به يقع على الحر والعبد والمسلم والنصراني إذا كان ذمياً تجرى عليه أحكام المسلمين. وقد أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم على زنباغ عبده حين أخصاه وكان زنباع كافرًا.

ابن المواز: وقد قيل: لا يعتق بالمثلة على المديان ولا على العبد. وقال ابن حبيب: اختلف ابن القاسم وأشهب/ في ذات الزوج والسفيه والمفلس والعبد والنصراني يمثلون بعبيدهم: فقال ابن القاسم: هو كابتدائهم العتق, وبه قال أصبغ. وقال أشهب: أرى أن يعتق عليهم. وبه أقول. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في المريض يمثل بعبده: أنه يعتق في ثلثه, وإن صح ففي رأس ماله, وأما المديان يمثل بعبده فلا يعتق عليه. جامع الدعوى في العتق وذكر اللقيط قال ابن القاسم: ومن حاز صغيرا حيازة الملك وعرفت حيازته له وخدمته له وخدمته إياه ثم كبر فادعى الحرية؛ فلا قول له, وكذلك إن ادعى الحرية في صغره وقد تقدم له فيه حوز وخدمة؛ فهو له عبد, وإن كان إنما هو متعلق به ولم يعلم له فيه حوز؛ فالصبي مصدق. قال ابن القاسم: وإذا بلغ اللقيط فأقر بالملك لرجل: لم يصدق؛ لأنه عرف أنه لقيط فهو حر, وقد قال عمر بن عبد العزيز: اللقيط حر, ونفقته من بت المال, وإن قال ملتقطه: إنه عبدي؛ لم يصدق إلا ببينة, ومن بيده عبد يدعه, فقال العبد: أنا لفلان, فهو لحائزه دون فلان, كقول مالك في جارية معها ثوب فقال سيدها: الثوب لي, وقال رجل أجنبي:

بل الثوب لي دفعته إليها لتبيعه, وصدقته الجارية أن الثوب له فقال مالك: الثوب لسيد الجارية إلا أن تكون للأجنبي بينة على ما ادعى. قال ابن القاسم: ومن ادعى على رجل أنه عبده لم يحلف, فإن جاء بشاهد حلف معه واسترقه, وقد قال مالك فيمن أعتق عبده ثم قضى على السيد بدين تقدم العتق بشاهد ويمين: أن ذلك يرد به العتق. قال مالك: ومن ادعى عبداً في يد رجل وأقام بينة شهدت أنه عبده, أحلفه القاضي بالله أنه ما باع ولا وهب ولا خرج من ملكه بوجه مما يخرج به العبد من ملك السيد. قال ابن القاسم: ومن ادعى بيد رجل عبدا أو حيوانا أو عرضا بعينه وذلك كله غائب وأتى ببينة تشهد أن ذلك له: فإن وصفت ذلك البينة وعرّفته وحلّته سُمعت البينة وقضيت له به. قال مالك: ومن أقام بينة على عبد قد مات بيد رجل أنه عبده؛ فلا شيء له عليه, [إلا أن يقيم بينة أنه غصبه إياه؛ لأن الرَّجل يقول: اشتريت من سوق المسلمين فلا شيء عليه].

فصل وإذا ادعى عبد على سيده أنه أعتقه؛ فلا يمين له عليه, وكذلك إذا ادعت امرأة أن زوجها طلقها, ولو جاز هذا للنساء والعبيد لم يشأ عبد ولا امرأة إلا أوقفت زوجها وأوقف العبد سيده كل يوم فأحلفه. قال ابن القاسم قال مالك: وإن قام شاهد عدل للزوجة بالطلاق وللأمة بالعتق, [أو شهد بذلك امرأتان ممن يقبلان في الحقوق للزوجة والأمة] مثل أن لا يكونا من الأمهات والبنات والأخوات والجدات والعمات والخالات والقرابات أو ممن هو منها بطنه, وهذا بخلاف غيره من الحقوق؛ فإنه لا يحلف العبد ولا المرأة مع الشاهد ولا مع المرأتين, ولكن [50/ب. ص] يحلف الزوج والسيد, ويوقف الزوج عن امرأته, والسيد عن أمته وعبده حتى يحلف. قال مالك: فإن نكل قضى بالطلاق والعتق, ثم مالك فقال: يسجن حتى يحلف.

قال ابن القاسم: وبه أقول, وأرى إن طال سجنه أن يخلي سبيله ويدّين ولا يعتق أو يطلق عليه, وروى عن مالك: أنه يسجن أبداً حتى يحلف, وروى عن مالك أن الطول في سجنه سنة. ابن المواز قال أشهب: وإن أقام العبد شاهدا وادعى شاهدا آخر غائبا غيبة بعيدة؛ فلا يقبل منه وأمكن منه سيده. وقال مالك: في الجارية: أحب إلى إن أقامت شاهدا أن يحال بينها وبين سيدها وتوقف ويضرب لها أجل مثل الشهرين, وإن كان مأموناً أمر بالكف عنها فقط. قال أصبغ: وإن كانت من الوخش فهي كالعبد تخلي بحميل يطلب منافعها, وأما المرتفعة فتوكل من يأتيها بذلك ويقيم لها السلطان محتسبا. ومن المدونة قال مالك: وإن شهد/ للأمة بالعتق زوجها وأجنبي؛ لم تجز الشهادة, إذ لا تجوز شهادة المرأة لزوجها ولا الرجل لزوجته. م: وروى لنا أن أبا بكر عن عبد الرحمن قال: ولا يسع الزوج وطأها؛ لأنه يرّق ولده, لكن يطأها في غير الفرج وطأً يؤمن فيه من الولد وذلك واجب عليه. قال: وإن قام عليه سيد الأمة في ترك الوطء فليفارقها, وإن أقر بترك الوطء وهو في سعة أن يقول: أطأ إذا لم تطلبه الزوجة في ذلك وهو مقبول القول ولا يمين عليه فيه. وقال غير واحد من القرويين: لا يجب عليه ترك الوطء, وإنما يستحب له ذلك, قال بعضهم وقد قالوا في الأسير: لا يجب عليه ترك وطء زوجته في دار الشرك, وإنما كرهوا له

ذلك على أن جاءه ولد في دار الشرك قد يكون كافرا, فهذه المسألة أخف, وسيد الأمة قد ظلم بجحده العتق فلا يجب على الزوج ترك الوطء والله أعلم. وفيما عُلِّق عن أبي عمران في العبد يقول لزوجته: سيدك أعتقك, فتقول: فأنا اخترت نفسي إذ أقررت لي بذلك, قال: ذلك لها. فصل قال مالك: وإذا أقام العبد بد موت سيده شاهدا أنه أعتقه؛ لم يحلف مع شاهده, وكان رقيقاً, ويحلف الورثة إن كانوا كبارا حضورا أنهم ما علموا أن الميت أعتقه. ابن المواز: وإن كان بعضهم صغيرا أو غائباً فمن يرى أنه لا علم عنده بعتقه فلا يمين على أحد منهم, لا من كان يرى أن مثله يعلم ذلك ولا غيره؛ لأنه لو أقر واحد من الورثة بذلك لم يعتق منه شيء الآن, وإن شهد له وارثان عدلان عتق. قال أشهب: وإن لم يقم العبد شاهدا [بعد موت سيده فلا يحلف له الورثة, وإن ادعى عليهم. قال أصبغ: ولا يحلفون إن كانوا أقاموا شاهدا]. قال محمد: يريد أن الشاهد لم يشهد على فعل الوارث فيحلف معه.

قال ابن الموّاز: أما بالشاهد فيحلف الورثة إن كانوا كبارا بالغين حضورا يمكنهم علم ذلك. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا قال سيد العبد: أعتقته أمس على مال, وقال العبد: على غير مال؛ فالقول قول العبد, ويحلف, كما تحلف الزوجة للزوج إذا ادعى أنه طلقها على مال. وقال أشهب: القول قول السيد ويحلف؛ لأني أقول: لو قال لعبده: أنت حر وعليك مائة دينار لزمه, ولو قال لزوجته: أنت طالق وعليك مائة دينار كانت طالقاً ولا شيء عليها. في أقرار بعض الورثة [51/أ. ص]: أن الميت أعتق عبداً بعينه, كيف إن قال غيره: بل أعتق هذا, أو سمى أحدهما وأبهم الآخر, وجامع اختلافهما في الإقرار بذلك قال مالك: وإذا أقر أحد الولد أو شهد أن أباه أعتق هذا العبد في صحته أو مرضه والثلث يحمله وأنكر ذلك بقيتهم؛ لم تجز شهادته, ولا إقراره, ولا يقوّم عليه, إذ ليس هو

المعتق فيلزمه التقويم, وإنما أقر على غيره, ولا يحلف العبد مع شاهد هذا, ولا يعتق منه نصيب هذا الولد, ولا نصيب غيره, ويكون حظه من العبد رقيقاً له. قال مالك: ويستحب للمقر أن يبيع حصته من العبد فيجعل ثمنه في رقبة يعتقها ويكون ولاؤها لأبي. قال ابن القاسم: ولا يقضي بذلك عليه. قال مالك: وما لم يبلغ رقبة أعان به في رقبة يعتقها, فإن لم يجد ففي آخر نجوم المكاتب, وكذلك في إقرار غير الولد من سائر الورثة من رجال ونساء. قال مالك: ولو ترك الميت عبيداً سواه فقال الورثة: لا نبيع ولكن نقسم, فذلك لهم: إن انقسم العبيد فإن وقع العبد الذي أقر الوارث أن أباه أعتقه في سهمه؛ عتق عليه جميعه. قال ابن القاسم: بالقضاء كما لو اشترى عبداً ردت شهادته في عتقه أو ورثة؛ أنه يعتق عليه. قال ابن المواز: ولو لم يملكه كله ولكن ملك مصابه وكل وارث مصابه؛ فليتورع عن خدمته في يومه, ولو قال: أجزت عتق مصابتي منه؛ عتق مصابته, ولم يقوم عليه. وروى أصبغ عن ابن القاسم نحوه, وقال في العتبية وكتاب ابن حبيب: لا تجوز شهادة أحد الورثة أن الميت/ أعتق هذا العبد, ولا يعتق منه شيء إلا أنه إن ملكه يوماً ما أو ملك بعضه, عتق عليه ما ملك منه, ولم يجز له ملكه قاله مالك.

قال ابن القاسم: فأما إن صار إليه فيه مال أو عرض فليؤمر أن يجعله في رقبة أو يعتق به فيها أو في قطاعة مكاتب, ولا يقضي عليه بذلك, ثم إن ملكه يوماً ما عتق عليه إن كان يحمله ثلث الميت أو ما حمل منه ليس عليه أن يعتق منه أكثر مما كان يحمل الثلث يوم مات الميت يعتق عليه ذلك بالقضاء رجع عن شهادته أو أقام عليها إذا قال: كان عتق الميت له في مرضه, ولو قال كان عتقه إياه في مرضه لم يُجِز مالكٌ منه شيء أبدا. ولو أعتقه في مرضه ومعه من الوصايا ما هو مُبديّ عليها والثلث يحمله فقط؛ فإنه متى ما ملك منه شيئاً عتق عليه ملكه كله أو بعضه, وإن كان معه من الوصايا من العتق أو غيره مما يكون غيره المبدّي عليه أو ما يشاركه ويبديان على باقيها؛ فإنما يعتق عليه إذا ملك ما كان يحصل له من العتق في تبديه غيره عليه أو مساواته له. كذلك إذا لم يملكه وإنما صار له منه دنانير أو دراهم أو عروض؛ فإن كان ذلك قدر ما يعتق منه في الثلث أو أدنى؛ جعل ذلك كله في عتق, وإن كان أكثر مما يعتق منه جعل منه مقدار ما يعتق في عتق, واحتبس الفضلة, وكذلك يضع كل من شهد في عتق عبد من جميع الورثة ذكراً كان أو أنثى قاطع الشهادة أو غير قاطعها إذا كان يملك ماله, ويجوز فيه قضاؤه, ولا يولي عليه, وكذلك لو ردت شهادة وارثين في عتق عبد: إما لأنهما غير عدلين [أو كانا عدلين] ومعهما بنات, والعبد يُرغب في ولائه أو كان دنيئاً وله ولد

يرغب في ولائه من امرأة حرة, فردت شهادتهما [51/ب. ص] لذلك, فليضعها فيما يصير لهما من رقبة العبد أو من ثمنه مثل ما وصفت لك في الشاهد الواحد منهم. قال: وإذا شهد واحد من الورثة في عبد بعضه حر؛ أن الميت أوصى بعتق باقيه؛ فليعتق منه نصيب الشاهد فقط؛ لأنه لم يدخل فسادا؛ لأن بعضه حر بخلاف الذي كله رقيق, وكذلك في كتاب ابن المواز, قال فيه: ويحلف الباقون على علمهم, قال: ولأن المعتق بعضه لو أعتق بعض الشركاء نصيبه فيه؛ لم يقوّم عليه باقيه. قال في العتبية: إلاّ أنه إن كان مع الوارث الشاهد فيه من لا يرث الولاء والعبد ممن يرغب في ولائه فشهد بذلك ولد أو ولدان للميت فلا تجوز شهادتهما وإن كان بعضه حر. م: يعني ولا يلزم بقية الورثة بشهادة هذا الشاهد يمينٌ. قال؛ وكل من ردت شهادته بمثل هذا في عتق عبد فملك شيئا منه فإنه يعتق عليه ما ملك منه فقط ولا يقوّم عليه نصيب من له فيه شرك, وما عتق منه بهذا الوجه فولاؤه للميت ولمن يرثه عنه, وإذا كان وارث واحد هو الشاهد بالعتق أو وارثان لم يرثه غيرهما فجميع العبد حرٌ؛ كان من شهد له ذلك عدلا أو مسخوطاً إذا كان غير مولى عليه. وكل ما ذكرنا من أول المسألة ممن ترد شهادته فإنه يُجْبر على عتق ما ملك منه [بالقضاء حسب ما أوجبت شهادته لو جازت ومن لم يملك منه شيئاً وإنما صار إليه في

مصابته دنانير أو دراهم؛ فإنه يؤمر فيما صار إليه من عوض أن يجعله في رقبته ولا يجبر على ذلك كما يجبر على عتق ما ملك منه]. م: ظاهر العتبية: أنه إذا قاسم الورثة فوقع له بعض ذلك العبد, أنه يعتق عليه ما ملك منه؛ لأنه مقر أنه حر فلا يجوز له استخدامه, وهو قول حسن, وهو خلاف المدونة وكتاب محمد, ولا يعتق عليه حصته منه قبل القسم؛ إذ قد لا يصير له منه شيء في المقاسمة؛ لأن له أخذ عوضه وذلك جائز له ولا فرق بين ملكه لبعضه بالميراث أو بالشراء بعد أن بيع, والعلة الجامعة بينهما: أنه لا يجوز له أن يملك عبداً أو شيئاً وهو يزعم أنه حر وهو كعبد ردت شهادته فيه. وقد فرَّق بعض أصحابنا المتأخرين بينهما وقال: لا يعتق عليه ما ملك منه بالميراث ويعتق عليه إن اشترى تلك الحصة بعد ذلك, قال: ويحتمل أن يكون الفرق بينهما: أن الميراث جر العبد إليه ولم يجره هو إلى نفسه. [وإذا باع تلك الحصة] ثم اشتراها [وقد استحدث ملكها] اختيارا منه فيجب أن يعتق عليه [إلا أن يملكه كله].

م: ولا أعلم في أصولنا أن عبدا يجوز للإنسان ملكه وبيعه فإذا اشتراه بعد ذلك عتق عليه من غير إحداث أمر فيه. م: ولا يعتق عليه على مذهب المدونة إذا اشترى بعضه إلا أن يشتريه كله, كما لا يعتق عليه بالميراث إلا أن يملكه, والعلة في ذلك: دخول الضرر على بقية الإشراك, وكذلك في كتاب محمد عن ابن وهب عن مالك: أنه لا يعتق عليه إذا اشترى بعضه إلا أن يشتريه كله. م: وقول ابن المواز عن ابن القاسم إذا قال هذا الوارث: قد أجزت عتق مصابتي منه, فيه نظر. وظاهره خلاف المدونة؛ لأنه إنما منعناه عتق مصابته عليه وأجزنا له استخدامه إلا أن يتورع لدخول الضرر على بقية الورثة بعتق بعضه وهم لا يصلون إلى التقويم عليه إذ ليس هو المعتق, فإذا قال: أجزت عتق مصابتي منه فقد أدخل الضرر الذي منعناه منه أولاً وصار ذلك أيضاً داعية إلى عتق النصيب بغير تقويم, والله أعلم. ومن كتاب ابن المواز: وإذا شهد وارث عدل أن الميت أوصى [52/أ. ص] بعتق عبده فلان والثلث يحمله: فإن كان في الورثة صغير أو سفيه أو من لا يلزمه يمين؛ لم يكن على بقية الورثة الأكابر يمين, إذ لا يعتق العبد إذا نكلوا بشهادة واحد, ولا يعتق أيضاً بإقرارهم وهم غير عدول, ويقال للمقر: إن صدقت فلا تختدمه, وكذلك يقال للشاهد منهم, وإن أخذ في حصته منه ثمنا أمر بأن يجعله في رقبة بغير قضاء إلاّ أن يملك هو رقبته؛ فيعتق عليه بالقضاء, ولو ملك بعض مصابة شركائه؛ لم يعتق عليه منه شيء, قال: ولا يعتق مصابته منه, وإن كان من العبيد الذي لا ينقصه عتق بعضه.

ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن ترك الميت عبيدا, وترك ابنين فقال أحدهما: أعتق أبي هذا, وقال الآخر: بل هذا؛ قسمت العبيد أيضا فمن وقع في سهمه العبد الذي أقر بعتقه عتق عليه جميعه بالقضاء أو ما حمل الثلث منه, وإن لم يقع له فليخرجه مقدار نصف ذلك العبد إذا كان الثلث يحمله فيجعل ذلك في رقبة أو يعين به فيها, ولا يؤمر هاهنا بالبيع لانقسام العبيد, ونقلها أبو محمد. وإن لم يقع لكل واحد العبد الذي أقر بعتقه أحببت لكل واحد إخراج قيمة ما أخذ عوضا في نصيبه من العبد الذي أقر بعتقه إن حمله الثلث أو ما قابل حصته بما حمل الثلث منه فيجعل ذلك في رقبة أو أعان به فيها, قال: وهكذا في كتاب ابن المواز إنما يُنظر إلى قيمة العبد الذي أخذ عوضا من الذي أقر به. م: لأن نصف العبد الذي أخذ عوضا استحقه بالميراث ونصفه الآخر أخذه عوضا من نصف العبد الذي شهد بعتقه فيجعل قيمة هذا النصف في رقبة أو يعين به فيها إذا حمله الثلث وإلا قيمة ما حمل الثلث منه. ابن المواز: قال ابن القاسم قال مالك: وإذا لم يترك غير هذين العبدين وقيمتهما سواء فاقتسمهما الولدان فوقع لكل واحد العبد الذي شهد له بالحرية؛ فليعتق منه ثلثيه مثل: أن تكون قيمة كل عبد ثلاثين فثلث الميت عشرون وهو ثلثا العبد الذي شهد له؛ لأن صاحبه لو صدّقه كذلك كان يعتق منه.

ابن المواز: وقال البرقي عن أشهب: إن لم يحمل العبدين القسم تقاوما هما؛ فإن صار لكل واحد العبد الذي لم يفر له: أمر أن يخرج ثلث قيمة الذي صار له فيجعله في رقبة بغير قضاء, وإن صار له العبد الذي أقر له: عتق عليه ثلثاه بالقضاء إذ قيمتهما سواء. قال محمد عن ابن القاسم: ولو لم يترك الميت إلا ابنا واحدا وترك ثلاثة أعبد, فقال الابن: أعتق أّبي هذا, ثم قال بعد ذلك: بل هو هذا, وقيمتهم سواء؛ فليعتق عليه الثلاثة الأعبد, وإن لم يترك الميت غيرهم, وإن كانت قيمتهم مختلقة أعتق/ من كل واحد جميع ثلث الميت, وهو ثلث جميع قيمة الثلاثة إذ لم يدع غيرهم. قال ابن المواز: هذا قول ابن القاسم إلا ما بينته أنا منه, وكذلك في العتبية وكتاب ابن حبيب عن ابن القاسم. قال ابن المواز: وقال مالك وأشهب: يعتق من الأول [ثلث قيمتهم أجمع] , ومن الثاني ثلث قيمة الاثنين وثلث ما بقي من الأول إن كان بقي منه شيء, ويعتق من الثالث ثلثه وثلث ما رقّ من صاحبيه إن رقّ منهما شيء. م: وإن كانت قيمتهم متساوية ولم يترك غيرهم, عتق الأول؛ لأنه ثلث الميت, وعتق ثلثي الثاني؛ لأنه ثلث ما بقي, وعتق أربعة أسباع الثالث؛ لأنه أيضا ثلث ما بقي.

ابن المواز قال أشهب: ومن لم يترك إلا ولداً واحداً وعبدين وألف دينار؛ فقال: الابن في أحد العبدين: هذا أخي, ثم قال بعد ذلك: بل هو هذا, لعبدٍ آخر؛ قال أشهب: فالمقر له أولاً؛ حر وله خمسمائة [52/ب. ص] ونصف العبد الآخر, ولا يعتق منه شيء؛ لأن معه فيه شريك وارث, ولكن وقد أقر أيضاً لهذا الآخر بما أقر به للأول, وبأنه أتلف عليه نصف العبد الأول وخمسمائة دينار, فيغرم له ذلك ويدفعه إلى هذا العبد يكون بيده. قال ابن المواز: وأحب إلى أن يوقف ذلك بيد ثقة غيرك وغير العبدين, فإن ملكته كله عتق عليك ودفع إليه ما وقف له, وإن بعتماه أمرت أن تجعل حصتك من ثمنه في رقبة بغير قضاء وإن أخدمتماه فلا تخدمه أنت في أيامك, ويبقى ما وقف في يد الأمين حتى يعتق فيأخذه أو يموت, فيكون بينك وبين أخيك الذي أقررت به أولاً. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في ميت هلك وترك بنين وثلاثة أعبد فقال ابنان: أعتق أبونا هذا العبد, وقال الثالث: بل هذا؛ فليعتق الذي شهد له

الاثنان في الثلث, ولا يعتق الآخر إلاّ أن يملكه من شهد له فيعتق منه محمل الثلث, وإن ملك بعضه: عتق عليه ذلك البعض إن حمله الثلث, ولم يقوّم عليه نصيب إخوته, وإن لم يصر له فيه إلاّ مال أن يجعله في رقبة فإن لم يحمل ففي قطاعة مكاتب. قال عيسى: هذا إن كان مكذباً؛ فإما إن صدقهما فلا يعتق عليه منه إن ملكه إلا ما كان يحمل الثلث منه مع العبد الآخر. قال ابن القاسم: ولو شهد أحد البنين أن أباه أعتق هذا, وشهد الآخر أنه قال: رأسٌ من رقيقي حرٌ, فلا شهادة لها, ويؤمر الذي شهد للعبد بعينه ألا يستخدم حصته منه, [وإن بيع أن يجعل ثمن حصته منه] في رقبةٍ فإن ملكه كله عتق عليه بالقضاء إن حمله الثلث. م: يريد: وكذلك إن ملك بعضه على مذهبه في العتبية قال: ويؤمر الذي شهد بعتق رأس منهم في ثلث قيمة الثلاثة أرؤس بمثل ذلك. وقال فيها ابن سحنون عن أبيه قال بعض أصحابنا: الشهادة باطل, وقال بعضهم: يقرع بينهم؛ فإن خرج العبد المسمى فقد اجتمع على عتقه رجلان؛ فيعتق, وإن خرج غيره؛ لم يعتق أحد منهم إلا أن يملك أحدهم العبد الذي أقر له أنه حر فيعتق عليه إن حمله

الثلث, وإن وقع لكل واحد غير العبد الذي أقر له: أمر أن يخرج بقدر نصيبه منه في رقبة. وكذلك في كتاب محمد ابن المواز: إن ترك ولدين وعبدين فقال أحدهما: أعتق أبي هذا, وقال الآخر: بل قال: أحدهما حر؛ فليسهم بينهما, فإن خرج الذي سماه أحدهما أعتق ثلثاه إن اتفقت قيمتهما ولا مال له غيرهما, وإن اختلفت قيمتهما عتق منه مثل ثلث قيمتهما, وإن جاء السهم للذي لم يعتق؛ كان كل واحد بمنزلة الذي شهد كلُّ واحد على عبدين معين, وقد فسرت لك ذلك. قال يحيى عن ابن القاسم في العتبية: إذا ترك ولدين وعبيداً, فقال أحدهما: أعتق أبي هذا, وقال الآخر: أعتق عبدا سماه فأنسيته؛ فليعتق الذي سمى أحدهما من الثلث عليهما ولا يسترقه الذي نسيه بالشك يؤمران بذلك ولا يقضي عليهما, ثم يقتسمان باقي العبيد فما صار للذي أبَتَّ الشهادة رقّ له, وما صار للشاك أُمِر أن يحتاط بالبراءة من جميعهم؛ لأنه لا يدري من الحر منهم.

وإن لم يدع إلا عبدين فليعتق/ من الذي قطع له الآخر بالشهادة مبلغ الثلث من العبدين فيه, فإن كان ثلثاه رقّ ثلثه بينهما ويطيب للذي ملك نصف باقيه, ويكون العبد الآخر بينهما, فيطيب للقاطع الشهادة ملك نصفه, ويقال للشاك: يخرج من ملك ما نابك من محمل الثلث منه, إذ لا يدري لعل العتق فيه؛ فإن كان ثلث الميت قدر ثلثي [53/أ. ص] هذا العبد, طاب له ملك سدسه, ويعتق ثلثه, ويطيب لأخيه؛ ملك نصفه, وإنما يؤمر بذلك من غير قضاء. وفي كتاب ابن المواز عن ابن القاسم نحوه: أن يعتق ثلثا المعين إن لم يدع غيرهما وقيمتهما سواء, ولا يعتق من الآخر شيء, ويقال للشاك: نصيبك في ثمن الآخر؛ إن بيع في رقبة تعتقها.

قال ابن المواز: وإنما أعتق ابن القاسم ثلثي المعيّن حين لم ينكر الآخر قول أخيه فيه, وأمر الشاك أن يجعل ما يأخذ من ثمن الآخر في رقبة لشكه. قال في كتاب آخر عن أشهب: يعتق ثلثي المسمى ويتقاومان الباقي؛ فإن صار للذي نصَّ العبد الآخر؛ لم يعتق عليه من هذا شيء, وإن صار للشاك: لم آمره أن يملك ثلثيه, بل يعتقه إذا قد يكون فيه العتق ويقضي بذلك عليك, وثلثه رقيق ما لم يرجع قبل أن يقضي عليه, فيقول: ذكرت أنه الذي قال أخي. ابن المواز: ولو ترك ولدين وعبدا يحمله الثلث, فقال أحدهما: أعتق أبي نصفه, وقال الآخر: بل أعتق جميعه؛ فإنه يعتق على القائل جميع نصيبه منه, وهو نصفه, وعلى الذي قال: أعتق نصفه؛ يعتق نصف مصابه منه, وذلك ربعه ويرق له ربعه. ابن الموز: وذلك أنهما قد اجتمعا في شهادتهما على عتق نصفه؛ فذلك النصف حر عليهما, ثم يعتق على الذي أقر بالكل مصابته مما بقي وهو ربعه؛ لأن ذلك ليس بضرر ولا فساد في العبد؛ لأنه قد سبق الفساد بعتق نصفه فليس يزيده ما عتق منه بعد ذلك إلا خيراً.

ولو كانا عبدين فأقر أحد الولدين أن أباه قد أعتقهما جميعا في مرضه: هذا, ثم هذا, وقال الآخر: إنما أعتق هذا بعينه, والثلث يحملهما, فليعتق الذي اجتمعا على عتقه ولا عتق للآخر. ابن المواز: وإن لم يدع غيرهما وقيمتهما سواء؛ أعتق من الذي اجتمعا عليه نصفه, فثلثه بينهما, وسدسه يعتق على الذي أفرده بالشهادة وذلك بالقضاء, ولو شهد أحدهما: أن أباه نصف أحدهما بعينه في صحته ثم شهد هو وأخوه: أن الأب أعتق الآخر كله في وصيته, وقيمتهما سواء, ولا مال له غيرهما؛ فليعتق الذي اجتمعا عليه بعتق الوصية نصف ونصف سدسه, أما نصفه فبينهما جميعا, وأما نصف سدسه فعلى الذي لم يشهد في الصحة بشيء, وكذلك لو قال أحدهما: أعتق أبي هذا في صحته, وقالا جميعاً: أعتق أبونا هذا الآخر في وصيته؛ لعتق ثلث صاحب الوصية بينهما, وسدسه على المنفرد له بالشهادة؛ لأن الشاهد بعتق في الصحة يقول: لم يدع الميت غير عبد الوصية؛ فثلثه حر, ولكل واحد منا ثلثه, والآخر يقول: بل ثلثاه حر؛ لأن التركة عبدان: فلي سدس هذا ونصف الآخر. قال ابن المواز: وأرى أن يقال للذي شهد بعتق الصحة: إنما صار لك ثلث العبد الموصى بعتقه ولم يصر لأخيك إلا سدسه لقولك: إنه لا حق لك ولا للميت في العبد

الذي زعمت أن أباك أعتقه في الصحة فإن أنت تمسكت بشيء رجعت عن قولك ولزمك أن تعتق من عبد الوصية السدس الذي صار لك زيادة على أخيك حتى يعتق ثلثاه, ولا يكون لك إلا سدسه ولأخيك سدسه وإلا فقف عن أخذ مصابتك من عبد الصحة أو جعل ما يصير إليك من ثمنه في عتق غيره, وإلا جُبرت على عتق السدس من عبد الوصية حتى يتم عتق ثلثيه. وإن شهد أحدهما أن أباه أعتقهما في وصيته واحداً بعد واحد, وقال الآخر: بل قال: أحدهما حر ولم يعينه؛ فليقرع بينهما, فمن جاءه السهمُ عتق نصفه؛ لأنه/ في قول الذي أبهم العتق يعتق ثلثاه وحده [53/ب. ص] , وفي قول الذي قال: أعتقهما, يعتق ثلثه وثلث الآخر, فثلث الذي أعتق أصابه السهم يعتق في قولهما, ويعتق سدسه على الذي أبهم العتق وحده, ولا يعتق من العبد الآخر شي؛ لأنه لم يشهد له إلا وارث واحد. قال أبو محمد: وإنما لم يعتق ثلثهما بالسهم؛ لأنه قال: واحد بعد واحد.

جامع الإقرار والشهادة في العتق قال ابن القاسم: ومن أقر في مرضه أنه كان أعتق عبده في مرضه هذا: فهو من ثلثه؛ لأن ذلك وصية, وما أقر في مرضه أنه كان فعله في صحته فلم يقم عليه المقر لهم حتى مرض أو مات؛ فلا شيء لهم, وإن كانت لهم بينة إلاّ العتق والكفالة, فإنه إن قامت عليه بينة بعد موته: أنه كان أقر بذلك في صحته؛ لزمه العتق في رأس ماله وأخذت الكفالة من ماله, كانت لوارث أو غير وارث؛ لأنه دين ثبت في ماله في الصحة. فصل قال ابن القاسم: وإن شهد أن شريكه في العبد أعتق حصته منه والشاهد موسر أو معسر؛ فإن كان المشهود عليه [موسراً؛ فنصيب الشاهد حرٌ؛ لأنه أقر أنه ماله على المشهود عليه قيمة, وإن كان] المشهود عليه معسرا؛ لم يعتق من العبد شيئا. [وقال غيره: وهو] أشهب: ذلك سواء, ولا يعتق منه شيء, كان المشهود عليه موسرا أو معسرا. قال سحنون: وهذا أجود وعليه جميع الرواة, وقاله ابن القاسم أيضاً.

قال أشهب: لأنه لا يعتق حصة شريكه إلاّ بتقويم ودفع ثمن, ولو جاز هذا لم يشأ شريك أن يعتق حصته بغير تقويم إلا فعل. وقال ابن حبيب عن ابن القاسم: يؤمر بالعتق في ملء الشريك ولا يقضي عليه. م: قال أبو محمد: وينبغي أن لو أعتق على الشاهد نصيبه لملء صاحبه؛ لقوّم عليه نصيب صاحبه, وقاله ابن الكاتب. قال ابن الكاتب: ومسألة العبد يشهد أحد الورثة أن أباه أعتقه أقوى من هذه؛ لأنه مقر أن الحرية تقررت فيه, وأن لا ملك له ولا لغيره عليه, وهم لا يقبلون قوله فيه, ولا استحبوا له عتق نصيبه, وإنما استحب له أن يعتقه بثمن حصته منه, فثمن أحد الشريكين أولى بأن لا يقبل. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: جوابه في مسألة الورثة هو الأصل أنه لا يعتق عليه نصيبه في ملء شريكه؛ لأن ذلك ضرر لغيره من الورثة, والقول في مسألة الشريك أنه لا يعتق عليه نصيبه في ملء شريكه: هو الصواب والقول الآخر ضعيف. وقال بعض القرويين: إن هذين القولين يدخلان في مسألة [الوارث المقر] ولا فرق بين المسألتين. قال ابن حبيب وروى أصبغ عن ابن القاسم: إذا شهد كل واحد منهما على صاحبه بعتق نصيبه وهما مليئان؛ لم ينبغ لهما ملكه على ناحية الورَع, وإن كان معسرين: فلا شيء

عليهما, وإن كان أحدهما معسرا؛ فلا شيء على الموسر, ولا ينبغي للمعسر أن يسترق نصيبه, ولو ملكه الموسر كله بعد ذلك لم يعتق عليه إلا حصة المعسر, وإن ملكه المعسر كله؛ عتق عليه جميعه وولاؤه للموسر. قال أصبغ: يعتق نصف الموسر على المعسر بالقضاء, كمن ردت شهادته في عتق عبد ثم اشتراه, وأما نصيبه فلا يعتق عليه بحكم, ولكن يؤمر بعتقه على التخرج. ابن المواز قال ابن القاسم: ولو كان بين ثلاثة: فشهد اثنان منهم على الثالث أنه أعتق نصيبه؛ فإن كان مليئاً لم تجز شهادتهما, وإن كان معدماً جازت شهادتهما. وقد بلغني عن مالك أنه [54/أ. ص] قال: لا تجوز شهادتهما في الوجهين والذي قلت لك أحب لى وأخذ به أصبغ. قال ابن المواز: أما هذه فجيدة صواب. م: قال بعض فقهائنا: إنما يصح طرح شهادتهما في الوجهين على قول من يقول لهما: التقويم عليه في العسر, ويتبعان ذمتهما بالقيمة لأنهما يصيران جارّين لأنفسهما,

وأما على قول من لا يرى طلبهما له في العسر بالقيمة في ذمته فلا تهمة في شهادتهما وهي/ جائزة فاعلم ذلك. فصل قال مالك: وإن شهد رجلان أن فلانا أعتق عبده فأعتقه السلطان عليه ثم رجعا عن شهادتهما؛ فالعتق ماض لا يرد. قال ابن القاسم: ويضمنا قيمته لسيده. سحنون: وقاله غير واحد من الرواة. ابن المواز: ويغرما قيمته يوم الحكم بعتقه لا يوم الشهادة ولا يوم الرجوع, وإن كان إنما رجع واحد غرم نصف قيمته, وإن كانوا أربعة فرجع واحد أو اثنان لم يغرما شيئا؛ لأن العبد يعتق بشهادة من بقي, ثم إن رجع أحد الاثنين الباقين: غرم الثلاثة الراجعون ثلاثة أرباع قيمته, رجعوا جميعاً أو مفترقين ولا شيء على الذي لم يرجع.

قال ابن المواز: ليس على الثلاثة الراجعين إلا نصف قيمته, والأول غلط, ثم إن رجع الرابع غرموا كلهم قيمته أرباعاً. م: هذا ونحوه في الرجوع عن الشهادات مستوعب. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم عن مالك: وإن شهد رجلان: أن فلان أعتق عبده فردّ القاضي شهادتهما ثم اشتراه أحدهما بعد ذلك عتق عليه. قال في الواضحة: وكذلك إن ملكه بأي وجه فإنه يعتق عليه. م: يريد: بالقضاء. قال غيره في المدونة: هذا إن قام على قوله بعد الشراء, وأما إن جحده وقال: كنت كاذباً, لم يعتق عليه. ابن المواز قاله أشهب وعبد الملك. قال أشهب: ويحلف على ذلك فإن نكل؛ عتق عليه, وكذلك إذا قال شهدت بالحق, ولكنهما قد رُدت, فإنه يعتق عليه أيضاً, ولا حجة له بذلك, ويكون ولاؤه للمشهود عليه, ثم إن مات العبد المعتق عن مال فليأخذ منه المشتري الثمن الذي أدى فيه لا يمنع من ذلك, وما بقي فللمشهود عليه بالعتق إن كان حياً وإن كان ميتا فجميع ما ترك المولى

لورثة المشهود عليه بعتقه, ولا يأخذ المشتري من هذا المال الثمن الذي أدى؛ لأن ذلك الثمن في ذمة وليهم, وهذا مال ليس من تركته فيأخذه منها إنما هو ميراث بالولاء الموروث عنه, ألا ترى أن لو كان على أبيهم دين لغير هذا المشتري لما قضي مما تركه هذا المولى فكذلك هذا. م: وأما لو ترك المشهود عليه مالاً؛ لأخذ الشاهد منه قدر ثمنه, وإن كان أقل أخذه كله؛ وهذا إذا كان الورثة رجالا يرثون الولاء, وكان ما تركه المولى أكثر من ثمنه, وأما إن كن نساء لم يكن للشاهد من تركة المشهود عليه شيء؛ لأنهن يقلن أبونا قد أنكر العتق فليس لك من تركته شيء. م: وكذلك إن لم يترك المولى شيئاً فلا شيء له من تركة المشهود عليه كان الورثة رجالا أو نساء, وإنما يأخذ الشاهد من تركة المشهود عليه الأقل من ثمن العبد أو ما تركه العبد أو ما تركه المشهود عليه إذا كان الورثة رجالا يرثون الولاء, وإن كن نساء فلا شيء للشاهد على حال. قال محمد: قال أشهب: وكذلك لو اشتراه من غير المشهود بعتقه ثم مات العبد عن مال؛ لأخذ من تركته أقل الثمنين, ودفع ما بقي للمشهود [54/ب. ص] عليه, وذلك أن المال كله له بالولاية, فيقال له: إن كان الشاهد عليك صدقا فميراثه لك بالولاء وادفع

إلى هذا ثمنه الذي أخذت منه وإن كان كاذباً فلا تأخذ ما ليس لك بحق, ويأخذ الشاهد من ذلك ثمنه, وليس لك أن تدفعه عن ذلك صدقته أم كذبته. قال ابن حبيب عن مطرف عن مالك: فيمن شهد في عتق فرُدت شهادته ثم اشترى بعضه؛ فليعتق عليه ما اشترى منه ولا يقوّم عليه باقيه. قال وقال ابن القاسم: فيمن أخبر عن رجل أنه أعتق عبده ثم اشتراه منه؛ فإن كان أخبره بمعنى أنه علم ذلك منه أو سمعه أعتقه ليس يخبر غيره؛ رأيت أن يعتق عليه, ورواه عيسى عن ابن القاسم في العتبية. فصل/ ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن شهد شاهد لعبد: أن سيده بتله في الصحة, وشهد آخر: أنه دبّره فقد اختلفا, فلا تجوز شهادتهما. قال غيره: لأن هذا صرفه إلى الثلث, وهذا إلى رأس المال, ويحلف السيد مع كل واحد منهما؛ فإن نكل سجن. قال في كتاب ابن المواز: إنما يحلف: إذا كان شهادة كل واحد منهما على حده, وأما إن شهدا أن ذلك كان شهادة واحدة ولفظ واحد فلا يمين عليه. قال في كتاب محمد ابن المواز: وإن شهد أحدهما أن سيده دبره وشهد آخر أنه أوصى بعتقه قال: أما إن كانت شهادتهما بعد أن مات فهي جائزة, ويعتق من الثلث أو ما حمل

الثلث منه, ولم يجب تبدئة المدبر, وإن كانت شهادتهما عليه في حياته في صحته أو مرضه؛ حلف بالله ما دبّر, وسقطت شهادتهما؛ لأن له أن يرجع في الوصية, ولو أقر بها. م: وإن شهد واحد أن سيده بتله في الصحة, وشهد آخر: أنه بتله في المرض جاز وعتق في الثلث. م: وروى لنا عن الفقيه أبي عمران رحمه الله في شاهدين شهدا على رجل في غير لفظ واحد سمعاه منه شهد أحدهما عليه أنه دبّر عبده, وشهد آخر: أنه كاتبه؛ فوجب أن يحلف, فنكل عن اليمين؟ قال: الجواب على قول مالك الذي يقضي عليه بنكوله: أنه يكون مدبراً مكاتباً, كما لو شهد بذلك شاهدان؛ لأن أصل هذا القول الاحتياط, وأن النكول أقيم مقام شاهد ثانٍ وهو ضعيف في الأصول, وفيه اعتراض ولا يجب أن يُحْكَم بالنكول إلاّ اليمين المردودة إلاّ في مسائل التهم عند أصحابنا. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: ينظر إلى دعوى العبد: فإن ادعى الكتابة وحلف مع شاهده, كان مكاتباً, لأن الكتابة كالبيع عند ابن القاسم, فإن نكل العبد فلا كتابة له, وأما

التدبير: فإن نكل السيد: لزمه التدبير على اختلاف من قول مالك والأجود ألا يلزمه شيء. ومن المدونة: وإن قال أحدهما: أعتقه بتلاً, وقال الآخر: بل إلى سنة؛ فقد اتفقا في العتق, ويحلف السيد مع شاهد البتل ويكون حرا إلى سنة, وإن نكل عن اليمين سجن, وإن أقر عجّل عتقه, وإن شهد أحدهما: أن هذا الميت عبد فلان وإنه أعتقه, وشهد آخر: أنه عبده وأنه كاتبه؛ فشهادتهما جائزة على إثبات الرّق لاجتماعهما عليه, وما اختلفا فيه من الكتابة والعتق لن تجز شهادتهم فيه, وإن شهدت بينة: أن هذا عبد فلان أعتقه, وشهدت بينة أخرى: أنه لفلان, رجل آخر ملكا, وتكافأ؛ قضيت بحريته؛ لأن العتق حيازة إلا أن يأتي الآخر بما هو أثبت. قال غيره: وهذا إذا لم يكن العبد في حوز أحدهما. وقال ابن القاسم: بل لو كانت في حوزة من شهد له بالملك فقط [55/أ. ص] لقضيت بحريته؛ لأنه عبد قامت له بينة أنه حر, فأما لو قالت بينة الذي ليس هو في يديه أنه عبده كاتبه أو دبره؛ لقضي لحائزه بملكه وبطل ما سواه.

قال غيره: هو لمن في يديه في ذلك كله إذ لا يصح عتق حتى يثبت الملك, وإذ لو أقام كل واحد منهما بينة أنه ولد عنده وتكافأ؛ لقضيت به لحائزه, وتسقط بينة المدعي إذا لم تثبت له ملكه, ولا عتق إلا بعد ثبات الملك, أرأيت لو قالوا: ولد عنده وأعتقه, أكان العتق يوجب له ما لم يملك؟ أرأيت لو شهدت بينة الحائز: أنه يملكه منذ سنة؟ وشهدت بينة المدعي أنه يملكه منذ عشرة أشهر, وأنه أعتقه أكان العتق يوجب له الملك؟ ابن المواز قال ابن القاسم: وإن شهد رجلان: أنه أوصى بعبدهَ هذا لفلان, وشهد آخر: أنه أوصى بعتقه, ولم تؤرخ البينتان, فأحب إلى أن يعتق؛ تكافؤا في العدالة أو لم يتكافئا, ثم رجع فقال: يعتق نصفه ويرق نصفه للمشهود له. قال أصبغ/: وقوله الأول أحب إلى. ومن العتبية قال ابن القاسم: ومن أوصى فقال: إن مت فغلامي حر, إن صححت فغلامي فلان حر لعبد آخر, فمات فأقام أحدهما بينة أنه مات وقد صح, وأقام الآخر بينة: أنه مات من مرضه فليعتق من كل واحد نصفه؛ لأن العتق قد ثبت لكل واحد منهما غير معروف إلاّ أن تكون إحدى البينتين آكد فيقضى بقولها. وقال أصبغ: بل الشهادة شهادة على الصحة, وهو على المثبت له الوصية إذا قطعوا الشهادة بصحته, فهذا العلم أغلب, كما لو شهدوا: أنه أوصى في مرضه بوصايا,

فقال بعضهم: صحيح العقل, وقال بعضهم: غامر العقل, فبينة الصحة أولى؛ لأنهم علموا ما لم يعلم الآخرون, والله أعلم. تم كتاب العتق الثاني بحمد الله وحسن عونه وتأييده ونصره.

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم وتسليما كتاب التدبير القضاء في المدبَر, وبيعه, ولزوم التدبير, وصفته, ومن دبَّر عبده عن غيره, واليمين بالتدبير. قال ابن سحنون: ولما أجمع المسلمون على انتقال اسم المدبر وجب انتقال حكمه كانتقال اسم المكاتب وحكمه, فإن قيل: إن ذلك كتسميتهم إياه موصى بعتقه. قيل: هذا صفة لفعل السيد. وقولهم: مدبر؛ اسم لعين العبد, ولما أجمعوا أنه يرجع في الموصى بعتقه بالقول وكان التدبير لا يرجع فيه بالقول, وإنما قال قوم: له بيعه وهبته افترقا, وحديث جابر يدل على أن بيع في دين لأن النبي عليه السلام دعا به فقال: «من يشتريه؟» فلما بطل أن يلي النبي صلى الله عليه وسلم الشيء لغير معنى؛ لم يبق إلا أنه بيع لوليه؛ لينفذ ما لزمه, واحتمل بيعه في دين بعد الموت أو في الحياة لدين قبل التدبير.

وتأول قوم إنما باع النبي صلى الله عليه وسلم خدمته للغرماء وذلك محتمل. وقد روي عن جابر أيضاً: أنه لم يكن له مال غيره؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يشتريه». واختلف فيه عن جابر: فروى: أنه أعتق رجل عبده وروى أنه دبّر. وقد قضى عمر بإبطال بيعه في ملأ خير القرون فما أنكروا عليه هذا وهذا كالإجماع, وهو حجتنا في منع بيع أمهات الأولاد. فصل قال ابن القاسم: والتدبير إيجاب لازم لموجبه على نفسه في يمين أو غير يمين, وليس لفظ التدبير يمين, ولكنه عتق بصفة وهي الموت. وقوله: إن فعلتَ كذا فأنت حر؛ قد يحنث أو لا يحنث, فلو كان لفظ التدبير يمين يحنث بها بعد موته؛ لبطل عتقه, إذ لا حنث على ميت, والقائل: إن لم أفعل كذا؛ كان على حنث [55/ب. ص] قبل موته ففارق هذا.

قال ابن القاسم: فيمن قال لعبده: أنت مدبّر, أو حر عن دُبرٍ مني؛ فهو مدبر يُمنع من بيعه, ويعتق في ثلثه. ابن وهب: وقال يعتق في ثلثه: علي بن أبي طالب وعمر بن عبد العزيز ويحيى بن سعيد وغيرهم. قال أبو الزناد وابن شهاب: فإن لم يكن له مال غيره عتق ثلثه. ومن المجموعة قال ابن نافع عن مالك فيمن كتب لجاريته: أنها مدبرة تعتق بعد موتي إن لم أحدث فيها حدثاً, قال: هذه وصية, له الرجوع فيها, لقوله: إن لم أحدث فيها حدثاً. قال ابن القاسم في العتبية: وإن قال: غلامي حر متى ما مت لا يغير عن حاله؛ قال هذا في مرض أو في صحة؛ قال: فهو تدبير ليس له بيعه ولا الرجوع فيه ولا يصدّق أنه أراد الوصية لقوله: لا يغير عن حاله. ومن الموازيّة: قلت: كيف التدبير؟ قال: مثل القول في الصحة: أنت مدبر, أو أنت/ حر عن دبر, أو أنت حر متى ما مت, أو إن مت, ولا مرجع لي فيك, وسواء أفرد ذلك في كتاب أو جعله مع ذكر وصاياه. م: ولو لم يقل: ولا مرجع لي فيك في قوله أنت حر متى ما مت, وإن مت: لكانت وصية؛ لأنه أتى بلفظ الوصية.

ومن المدونة قال سحنون: قلت لابن القاسم فمن قال لعبده في صحته أنت حر يوم أموت. قال: قال مالك: فيمن قال لعبده في صحته: أنت حر بعد موتي فأراد بيعه؛ فإنه يسأل: فإن أراد به وجه الوصية: صُدِّق, وإن أراد به التدبير صُدّق, ومنع من بيعه, والقول قوله في الوجهين جميعاً. قال ابن القاسم: وهي وصية أبداً حتى يتبين أنه أراد به التدبير. وقال أشهب في قوله: أنت حر بعد موتي, إذا قال هذا في غير إحداث وصية لسفر, أو لما جاء: أنه لا ينبغي لأحد أن يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة؛ فهو تدبير إذا قال ذلك في صحته. م: وظاهر جواب ابن القاسم: أنه سوّى بين قوله: أنت حر يوم أموت, وبين قوله: أنت حر بعد موتي, وقد جمعهم أبو محمد رحمه الله في مختصره على جواب واحد؛ وكأنه رأى أن قوله: أنت حر يوم أموت, كقوله: أنت حر إذا مت, ولم يرد اليوم. وقد روى ابن القاسم عن مالك في المجموعة: في صحيح قال لعبده: أنت حر يوم أموت؛ فإنه يُسأل: فإن أراد به الوصية صدِّق, وإن أراد به التدبير صُدِّق. م: كأنه رأى أن مفهوم قوله: أنت حر يوم أموت, أنت حر بعد موتي, وأنه لم يقصد ذلك اليوم, ولو قصد اليوم لكان ينبغي على أصلهم في الطلاق: أن يكون من قال: أنت حر يوم أموت؛ معتقاً إلى أجل, كمن قال: أنت حر قبل موتي بشهر؛ إذ قد يموت آخر النهار فيقع العتق على العبد أول النهار قبل موته, وقد جعل مالك جواب من قال: أنت

طالق يوم أموت كجواب من قال: أنت طالق قبل موتي بشهر, وقال يعجّل فيها الطلاق, لأنه طلاق إلى أجل, ويحتمل أن يكون الفرق بين الطلاق والعتاق في هذا: أن الطلاق يلزم إذا أوقعه إلى أجل, وأن يعجل عليه ولا يلزم إن أوقعه بعد الموت, فلما أتى بلفظ يحتمل أن يقع فيه الطلاق أو لا يقع أوقعناه عليه؛ لأن من أصلنا أن يحرم بالأقل, وأما العتق فيجوز أن يقع قبل الموت وبعده, ومنه ما يرجع فيه, ومنه ما لا يرجع فيه, فإذا أتى بلفظ يحتمل ذلك فيه وجب أن يرجع فيه إلى قوله, ولذلك ألزمه أشهب التدبير إذا عرى قوله من دلائل الوصية؛ لأن ذلك أشد عليه كما ألزمناه في الطلاق؛ لأن ذلك أشد عليه. وقال أشهب: في الذي قال: أنت طالق يوم أموت [56/أ. ص] أو قبل موتي بشهر: لا شيء عليه؛ لأنه أمر لا يكشفه إلا الموت, وكذلك يقول في العتق: لا يعتق إلا من الثلث

وقال ابن القاسم في العتق إذا قال: أنت حر قبل موتي بشهر, إنه يُنظر: فإن كان السيد مليئا؛ أسلم إليه العبد يختدمه, فإذا مات نُظِر: فإن حل الأجل والسيد صحيح كان من رأس ماله ورجع بكراء خدمته بعد الأجل في رأس ماله, وإن حلّ الأجل وهو مريض فهو من ثلثه, ويلحق الدين, ولا رجوع له في خدمته, وإن كان السيد غير ملئ خورج العبد وأوقف له خدمة شهر. قال سحنون في كتاب ابنه وفي العتبية: معناه فإذا زاد على الشهر يوم أطلق السيد مثله من الموقوف هكذا حتى يموت, فإن وافق الشهر مرضه الذي مات فيه كان من الثلث, وإن وافق صحته كان من رأس ماله, وفيها اختلاف, وقد ذكرناه موعباً في كتاب العتق الثاني. ومن المدونة قال مالك: وإن قال لعبده: أنت حر بعد موتي وموت فلان؛ فهو من الثلث. قال ابن القاسم: وكأنه قال: إن مات فلان فأنت حر بعد موتي, وإن مت أنا فأنت حر بعد موته وقاله/ أشهب. م: يريد ولا رجوع له فيه لذكر الأجنبي في ذلك وهي كمسألة الرُّقبي وهي في العبد يكون بين الرجلين فيحبسانه على أن من مات أولاً فنصيبه يخدم الثاني

حياته, فإذا مات فهو حر, فلم يجزها مالك إلا أنه ألزمها العتق إلى موت آخرهما, ومن مات أولاً فنصيبه يخدم ورثته دون صاحبه فكذلك يلزم العتق في هذه المسألة, ولا رجوع له فيه. م: وقال بعض أصحابنا: له الرجوع فيه كما لو أعتقه بعد موته بشهر. قال غيره: ولا تشبه مسألة الرّقبي؛ لأن مسألة الرّقبي خرجت على معنى المعاوضة [والالتزام, فبطلت المعاوضة] لفسادها ولزمهما العتق الذي أوجباه على أنفسهما. م: إذا فسدت المعاوضة وبطلت؛ وجب ألا توجب حكما, وإنما ألزمهما العتق لدخول الأجنبي في ذلك, فهو كعتق إلى أجل, وقد رأيت بعد ذلك لابن القصار نحو ما قلت وهو الصواب. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن قال: إن كلمت فلاناً فأنت حر بعد موتي, فكلمه لزمه عتقه بعد موته, كما لو حلف بالعتق ولم يقل بعد موتي فحنث فإنه يلزمه, وكذلك هذا يلزمه, ويعتق من ثلثه وصار حنثه بعتق العبد بعد الموت شبيها بالتدبير, فإن قال: أنت حر بعد موتي بيوم أو شهر أو أكثر فهو من الثلث ويلحقه الدين. م: يريد: وهذه وصية له الرجوع فيها.

ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ومن قال في مرضه: إن مت من مرضي فعبدي فلان مدبّر, فهو تدبير لازم لا رجوع له فيه. وكذلك قال هو وابن كنانة في كتاب ابن سحنون. قال ابن المواز: وقال أصبغ: هذا إن أراد وجه التدبير فيما يرى أنه أراد ذلك إذا مات, كالذي يريد التدبير ولا يعرفه فيقول: إذا متُ فغلامي مُدَبِّر؛ بمعنى أن يعتق بالتدبير, فهذا لا ردّ له فيه, وأما إن أراد به إذا مات فهو مدبَّر على غيره من ورثته أو غيرهم, فهذا له أن يرجع فيه, والقول في ذلك قوله فيما يدعي منه وإلا عمل على ما يستدل به. قال ابن القاسم: ولو قال مريض: غلامي حر, ولم يزد على هذا ثم رجع في مرضه أو بعد أن صح فقال: إنما أردت بعد موتي ولم أبتله, أنه مصدّق. وقاله أصبغ إلاّ أن يرى أنه أراد البتل.

فصل [56/ب. ص] قال ابن المواز قال ابن القاسم: وإن قال في مرضه غلامي هذا مدبر على أبي لزمه, ولا يرجع فيه إن كان منه على البتل لا على الوصية, ويخدم الأب ورثته حياة الابن, والولاء للابن, وإن كانت أمة لم يطأها الأب ولا الابن. وروى عنه أبو زيد فيمن قال: أنت مدبر على أبي؛ أنه مدبر على نفسه, ولا يعتق إلا بموته من الثلث, وأما بموت الأب فلا إلاّ أن يقول: أنت مدبر عن أبي, أو أنت حر عن دبر من أبي, فينفذ ذلك عن أبيه. ابن المواز: وذلك عندنا سواء قال: عن أبي, أو على أبي, وهو معتق إلى أجل إلى حياة أبيه, والولاء لأبيه, وإن كان أبوه ميتا فهو حر مكانه والولاء لأبيه. وقال عنه أبو زيد في العتبية: إذا قال لعبده: أنت مدبر عن أبي, فسواء كان الأب حياً أو ميتاً فلا يعتق إلا بعد موت الابن المدبِّر, إلا أن يقول: أنت حر عن دبر من أبي؛ فإن كان الأب ميتاً كان حراً الساعة, وإن كان حيا: فإنه يعتق إذا مات أبوه, وولاؤه للأب. قال: وإن قال مريض: جاريتي مدبرة عن ولدي إن مت ثم صح فلا شيء عليه, ولا تكون مدبرة عن ولده, ولو قال: جاريتي مدبرة فقط, ولم يستثن شيئا, ولم يقل: إن مت من مرضي؛ فهي مدبرة, وإن صح [ولا خلاف في هذا].

م: ولا خلاف إذا قال: أنت حر عن دبر من أبي, أنه يعتق عليه بموت الأب. واختلف إذا قال: أنت مدبر على أبي, أو عن أبي, فقيل: إن ذلك كالأول/, وقيل: أنه مدبر عن نفسه. والأول أصوب. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن قال: إن اشتريت هذا العبد فهو مدبر؛ فاشترى بعضه, فذلك البعض مدبر, ويتقاومانه هو وشريكه. قال سحنون: وإن أحب الشريك أن يقوّم عليه الفساد الذي أدخل فيه, أو يتماسك بنصيبه فعل؛ لأنه يقول: لا أخرج عبدي من يدي إلى غير عتق ناجز, وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتقويم فيمن يخرج العبد من رقّ إلى حرية تتم بها حرمته, وتجوز شهادته, ويوارث الأحرار, وليس التدبير كذلك, لأنه أراد بما فعل أن يخرج عبدي من يدي فيملكه دوني, ويقضي به دينه, ويستمع إن كانت جارية وليس كذلك قضى النبي صلى الله عليه وسلم.

في تبدئة بعض المديرين على بعض وحصاصهم وبيع بعضهم في الدين قال مالك: ومن مات وترك مدبرين؛ فإن كان دبّر واحدا بعد واحد في صحة أو مرض, [أو دبر في مرض] ثم صح, فدبر ثم مرض فدبر, فذلك كله سواء, ويبدِّي الأول فالأول إلى مبلغ الثلث, فإن بقي أحد منهم رق. قال ابن القاسم في العتبية: فإن كان عليه دينٌ؛ بيع في الدين الآخر فالآخر, فإذا قضى الدين أعتق الباقين الأول فالأول إلى تمام ثلث ما بقي. ومن المدونة قال مالك: ولو دبرهم في كلمة في صحة أو مرض؛ عتق جميعهم إن حملهم الثلث, وإن لم يحملهم الثلث لم يبديِّ أحدهم على صاحبه ولكن يقضي الثلث على جميعهم بالقيمة, فيعتق من كل واحد حصته منه, وإن لم يدع غيرهم؛ عتق ثلث كل واحد, ولا يسهم بينهم, بخلاف المبتلين في المرض: أولئك يقرع بينهم. قال مالك: ويبدّي المدبر في الصحة على المبتل في المرض.

ابن المواز قال مالك: المدّبر في الصحة مبدّي على كل وصية؛ من عتق واجب, أو زكاة, أو إبتال في مرض, وعلى صداق المريض, وقد اختلف فيه, ويدخل فيما علم به الميت من تركته وفيما لم يعلم, وفيما يبطل من إقرار بدين لوارث. قال ابن القاسم: وكذلك [57/أ. ص] المدبر في المرض يدخل فيما لم يعلم به الميت, ولا يدخل المبتل في المرض فيما لم يعلم به الميت ولا زكاة يوصي بها ولا غير ذلك. قال ابن القاسم: وإذا اجتمع ما يدخل في الطارئ وما لا يدخل فيه؛ فليبدأ بالمدبر في ثلث الحاضر, فإن لم يفِ به أتم من الطارئ, وإن خرج منه وفضل فضلة بدئ بما يبدأ من الوصايا بعده. وقال عبد الملك: يعتق المدبر في المالين بالحصص. [م: أبو إسحاق: لأن كلا المالين لو انفرد لا عتق فيه فلا يختص أحدهما دون الآخر] , فما بقي من ثلث الحاضر دخل فيه أهل الوصايا, وما فضل من الطارئ فللورثة. وقول ابن القاسم أحب إليّ. م: وقول ابن الماجشون: جيد؛ لأن المدبر لما كان يدخل في المالين صار كأنه مال

حاضر كله فيعتق فيهما جميعاً بالحصص, وإنما يختلف ذلك على من لا يدخل في الطارئ. ووجه قول ابن القاسم: إنه لما وجبت له التبدئة في الحاضر قبل قدوم الطارئ لم ينقله قدوم الطارئ عما وجب له من التبدئة في الحاضر. قال ابن القاسم في المستخرجة: فيمن دبّر في صحته وبتل في مرضه ودبر فيه وتزوج فيه ودخل وأوصى بعتق وزكاة: فليبدأ في الثلث بصداق المريض, ثم المدبر في الصحة, ثم الزكاة, ثم المبتل في المرض والمدبر فيه معاً, إلا أن يكون أحدهما قبل الآخر فيبدأ بالأول, ثم الموصى بعتقه, وكذلك عنه في كتاب ابن سحنون في المبتل والمدبر في المرض. قيل له فيه: فكتب وصيته فبدى أحدهما ثم قام لشغل ثم عاد فكتب الآخر, قال: يبدأ بالأول. [أبو إسحاق: ولو قال: كنتُ دبرتُ هذا العبد في صحتي وهو مريض؛ لنفذ ذلك من الثلث, بخلاف قوله: كنت أعتقت هذا العبد في صحته وهو مريض؛ لأن من أقر في مرضه أنه كان أعتق هذا العبد في صحته؛ أراد إخراجه من رأس المال, فبطل أن يكون من رأس المال, ومن الثلث في أحد الأقاويل. والذي قال في مرضه: دبرت في صحتي لم يرد إخراجه من رأس وإنما أراد إخراجه من الثلث؛ لأن ذلك سنة المدبر, فكأنه قال:

بدّوه من الثلث على من دبرته بعد قولي هذا, وأما لو تقدم تدبيره قبل قوله هذا؛ لبدئ بالذي دبّر قبل هذا القول؛ لأنه يريد بهذا الإقرار تقديم من ظهر تدبيره آخراً بالإقرار على من تقدم تدبيره بالبيّنة, كما لو دبّر اليوم في مرضه عبداً فيقر بما يرد تدبيره, قال: وإني كنت أمس دبرت هذا الآخر فبدّوه؛ لم يبدَّ, ولم يقبل قوله, وبُدّي بالذي ظهر تدبيره على الذي أقر أنه كان دبّره- وشَرَطَ رقّ ولدها الذي تلد]. وقال عن المخزومي: فيمن دبَر ثم أغمى عليه ثم أفاق فدبر آخر فهذا عذر ويتحاصان. م: قال بعض فقهائنا: إذا دبر وبتل في المرض في فور واحد جماعة عبيد تحاصوا عند ضيق الثلث فما ناب المدبرين في هذه المحاصة عتقوا فيه بالحصص, وما ناب المبتلين عتقوا فيه بالسهم. قال: وإذا اجتمع عليه زكاة وتبتيل عتق: يراعي أيّ ذلك قدم في مرضه؛ فإن قدم عتق المبتل بُدّي على الزكاة؛ لأنه قد انعقد عليه ولزمه, فليس له إحداث ما يطله أو ينقصه, وما جرى في المدونة: أن الزكاة تُبدّي عليه؛ فإنما ذلك إذا كانا/ في فور واحد وقدم الوصية بها.

م: ولابن الماجشون نحو هذا, وقد تقدم في كتاب الصوم شيء من ذكر التبدئة وإيعابها في كتاب الوصايا. فصل ومن المدونة قال مالك: وللمدبر حكم الأرقاء في [57/ب. ص] خدمته وحدوده وإن مات السيد حتى يعتق في الثلث. قال: وإنما ينظر إلى قيمته يوم النظر فيه لا يوم مات سيده. قال: وإن كانت مدبرة حمل فولدت بعد موت سيدها فليقوّم ولدها معها. قال مالك: ويعتق المدبر في الثلث أو ما حمل منه, فإن لم يدع غيره عتق ثلثه ورق ثلثاه, وما هلك من التركة قبل تقويم المدبر لم يحسب وكأنه لم يكن له. قال مالك: ومن مات وترك مدبرا وعيه دين يغترق نصف المدبر؛ بيع من مدبر نصفه للدين, وعتق ثلث النصف الثاني, ورق للورثة ثلثي نصفه الباقي. قال ابن القاسم: وإن أحاط الدين برقبته؛ بيع في ذلك الدين, فإن باعه السلطان ثم طرأ للميت مال نقض البيع, وعتق إذا كان ثلث ما طرأ يحمله. قال ابن حبيب عن أصبغ فيمن مات عن مدبر وعليه دين محيط فبيع فيه ثم طرأ للسيد مال: فإن حمله ثلثه بعد رد ثمنه رُدّ, وعتق عن الميت كان المشتري قد أعتقه أو لم

يعتقه, وإن لم يحمل إلا بعضه عتق منه ما حمل منه, وَنُظِرَ: فإن كان المبتاع لم يعتقه خيّر بين رد ما بقي منه أو التمسك به بحصته من الثمن, وإن كان قد أعتقه عتق منه عن الميت محمل ثلثه, ومضى عتق المبتاع لباقيه, وردّ عليه من الثمن بقدر ما عتق منه عن الميت, ومن قيمة العيب الذي دخله من العتق بقدر ما فوت بالعتق, يقال: ما قيمته على أنه لم يعتق من شيء؟ فيقال: ستون, وما قيمته على أنه قد عتق ثلثه؟ فيقال: ثلاثون, فينظر ما بين القيمتين؛ وذلك ثلاثون, فيفضي على ما عتق منه على الميت وعلى ما عتق منه على المبتاع, [فيقع على ما عتق منه المبتاع عشرون, فيرجع بها في مال الميت, ولا يرجع فيما يقع على عتق على الميت] لأنه قد أخذ ثمنه. م: لا أدري ما هذا, وهذا عبد دخله استحقاق بقيته وفات ردّ جميعه لعتق المشتري إياه, والصواب: أن يقال: كم قيمة جميعه يوم البيع؟ فيقال: ستون, وكم قيمته على أنه معتق ثلثه؟ فيقال: ثلاثون, فقد نقصه عتق ثلثه نصف قيمته فيرجع المبتاع بنصف ما دفع فيه من الثمن كان أقل من قيمته أو أكثر. قال: وكذلك لو باعه السيد في صحته ثم مات, فأعتقه المبتاع بعد موته, وفي ثلث البائع له محملا له أو لبعضه, لنقض ذلك على ما فسرنا, بخلاف عتق المشتري إياه في حياة البائع هذا يمضي عتقه؛ لأنه لم يكن أصابه من عتق البائع شيء بعد.

م: وذكر عن أبي عمران رحمه الله: في المدبرة تباع بعد موت السيد لدين استغرقها فيولدها المشتري ثم طرأ مال, فقال: يجب أن ترد إلى العتق وتعتق إن حملها ثلث المال الطارئ؛ لأنا إن أجزنا البيع صار نقل للولاء. م: إنما تعتق فيه؛ لأن المدبر يدخل فيما علمه الميت من المال وفيما لم يعلمه. قال الشيخ أبو عمران رحمه الله: ويجري القول فيها على الخلاف في ولد المستحقة ولو كان ثلث ما طرأ منها بعضها فإنما يعتق منها ما حمل الثلث بالتدبير, ويعتق باقيها على السيد الذي أولدها؛ إذ لا يصح له فيما بقي وطء, ويجري في الولد في النصيب المعتق من أمة الخلافة. قال العتبي عن سحنون: في امرأة تركت زوجها وأخاها ومدبرة قيمتها خمسون لم تدع غيره ولها على الزوج مائة وخمسون ديناراً وهو عديم: قال: يعتق ثلث المدبرة, وللأخ ثلثها, وللزوج ثلثها, فيؤخذ منه [58/أ. ص] ذلك الثلث فيكون بين الأخ والمدبرة فيعتق بذلك من المدبرة نصفها ونصفها يصير للأخ, فإن باع الأخ نصفه ثم أفاد الزوج مالاً, فليرد حتى يعتق جميع المدبرة أو بقدر ما أفاد, ثم إن أفاد بعد ذلك أتم منه حتى يتم

عتقها, قال: وإذا لم يبين الأخ حين باعها أن على الزوج ديناً إن أفاد يوماً مالاً عتقت فيه مدبرة فلا يكون ذلك عيبا تُرَدُّ به. م: لأن الفائدة أمر لا يتحقق/ طريانه كالاستحقاق, قال: فإن أفاد الزوج مالاً يعتق فيه بعضها فقال المشتري: أنا أرد النصف الذي اشتريت فقد فسد بتزيل العتق فيه, فإن كان الذي عتق منها الآن يسيراً فليس له ردها, وإن كان كثيرا فله ردها. قال سحنون: مثل أن يبقى له من صفقته يسيراً, وهذا بمنزلة السلع يُستحق بعضها؛ لأنه ليس فيما ابتاع وطء للشركة التي فإنما له فيها الحجة في أن يستحق أكثر ما اشترى, ورواها موسى بن معاوية عن ابن القاسم فذكر مثله.

قال: ويكون للأخ بيع حصته من الدين الذي على الزوج ويباع ما يصيب المدبرة من ذلك. م: يريد: وهو أحد وأربعون وثلثان؛ لأن المدبرة قد أخذت في نفسها خمسة وعشرين, وللأخ منها خمسة وعشرون أيضا, ويسقط عن الزوج من الدين الذي عليه في حصته خمسة وعشرون, فيبقى عليه مائة وخمسة وعشرون, هي بينهم أثلاثاً؛ لأن المدبرة لها ثلث الميت حتى تعتق منه, فإن فضل شيء رد على الورثة, وثلث المائة وخمسة وعشرين أحد وأربعون دينارا وثلثا دينار. وفي المستخرجة والنوادر اختلاف فيما يقع للمدبرة مما على الزوج وكله غلط في الحساب, والذي قدمناه أصح إن شاء الله. قال ابن القاسم: يباع ما يصيب الخادم من ذلك ليعجل عتق ما يصح لها من ذلك ولا يؤخر؛ لأن الزوج قد يموت فيورث أو يفلس فيبيعه أحب إليَّ ولا يستأنا به إلا أن يكون الزوج بموضوع بعيد ولا يُعرف ملاؤه من عدمه, [فلا يباع ما عليه حتى يكون قريبا يُعرف ملاؤه]. وذكر ابن المواز عن أبي زيد عن ابن القاسم مثله, وقال: قيمتها خمسون ومائة, ولها على الزوج خمسون ومائة.

قال ابن المواز: ولو لم يُبع شيء مما على الزوج حتى زادت قيمة الأمة أو نقصت وأيسر الزوج؛ فلا يؤتنف فيها قيمة بعد ذلك, وعلى قيمتها الأولى يعمل كحكم نفذ, وكذلك لو كانت قيمتها يوم الموت مائة والدين مائة فلا يعجّل من عتقها إلا الخمسين, وذكرها ابن سحنون عن أبيه إلا أنه قال: قيمة المدبرة خمسون, ولها على زوجها مائة, قال: فما أصاب الزوج من المدبرة يؤخذ منه فيكون بين الأخ وبين المدبرة, فيصير نصف المدبرة حر ونصفها للأخ, ثم للأخ بيع نصيبه إن شاء, فإن أفاد الزوج مالا نقض البيع حتى تعتق في ذلك, هذا قول أصحابنا, وقد صارت الشركة بينهم أثلاثاً للمدبرة خمسون, وللزوج مما عليه خمسون, وللأخ خمسون, فاتفق نصيب المدبرة والأخ؛ فلذلك قسم بينهما نصفين ما وقع للزوج من المدبرة, قال: وإن كان ما على الزوج خمسة ومائة؛ فحق المدبرة جميع قيمتها خمسون, وللزوج خمسة وسبعون, وللأخ خمسة وسبعون, فيعتق ثلث المدبر, ويصير للأخ ثلثها وللزوج ثلثها, فيؤخذ منه [58/ب, ص] ذلك الثلث فيقسم بين المدبرة والأخ على ما بقي لهما فبقي للمدبرة ثلاثة وثلاثون وثلث, وللأخ وثمانية وخمسون وثلث, وذلك أحد عشر جزءا, وللمدبرة أربعة أجزاء, وللأخ سبعة. م: لأن ما بقي لها يتفق بخمس الخمس, قال ثم طرأ للزوج من شيء قاسماه كذلك حتى يتم مالهما قِبَلَه.

قال: ولو كان هذا الدّين على أجنبي كان بخلاف ذلك, هذا يكون ثلث المدبرة حر وثلثها للأخ وثلثها للزوج, فإذا قُبض من الأجنبي شيء عتق في ثلثه ما بقي من المدبرة إلى تمام عتقها. م: وما تقدم من رواية موسى عندي أصوب, ولا فرق بين ما طرأ؛ أن يكون من أجنبي أو من وارث, وأن للمدبرة ثلث ما طرأ حتى يتم عتقها كما كان لها ثلث نفسها من نفسها والله أعلم بالصواب. ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا تركت زوجها وابنها ومدبرة لم تدع غيرها قيمتها خمسون ولها على زوجها مائة وهو عديم؛ فالفريضة من أربعة يحمل عليها نصفها للمدبرة وهو ثلث الجميع, فجميع التركة ستة أسهم؛ للمدبرة سهمان, وللابن ثلاثة أسهم, وللزوج واحد, فأسقط سهم الزوج إذ عنده/ أكثر من حقه, واقسم ما حضر من التركة وهي المدبرة على خمسة, للمدبرة سهمان وهما خمساها, يعتق ذلك منها, وثلاثة أخمامها للابن الرقيق, وكذلك لو كان على الزوج أربعمائة أو أكثر, وقيمة المدبرة مائة؛ لعتق خمساها الآن؛ لأن المدبرة تحاص بالثلث لنفسها لقيمة باقي التركة, فليسقط نصيب الزوج, ويتحاص المدبرة والابن, ولو كان الدين على الابن وهو أربعمائة أو أقل أو أكثر؛ فإنه يسقط سهام الابن بذلك.

يريد: إذا كان عليه مثل حظه ويبقى للزوج سهم وللمدبرة سهمان؛ فيُعتق منها ثلثاها, وثلثها للزوج. ولو كان مع الزوج ابنان والدين على أحدهما وهو مثل حقه فأكثر فتصح الفريضة من اثنى عشر؛ للمدبرة أربعة, وللزوج اثنان, ولكل ابن ثلاثة, فأسقط سهم الابن المديان ثلاثة من اثنى عشر فتبقى تسعة أسهم؛ للمدبرة منها أربعة فيعتق أربعة أتساعها, وللزوج منها سهمان, وللابن ثلاثة, ولو لم تدع إلا ابناً وزوجاً, ولها على الابن مائة [وقيمة المدبرة مائة] , فليعتق ثلثاها وهو ثلث جميع التركة, وللزوج ثلث المدبرة وهو حقه من التركة, والذي عند الابن كفاف حقه. في أولاد المدبر أو من فيه علقه رق وفي أموالهم روى ابن وهب أن علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وابن عمر وسعيد بن المسيب وعمر بن العزيز وسليمان بن يسار وغيرهم كانوا يقولون: ولد المدبرة بمنزلتها يرقون برقها ويعتقون بعتقها.

قال مالك: فيمن دبّر أمة حاملا فولدها مدبر بمنزلتها, وكذلك كل أم ولد أو معتقه إلى أجل مخدمة إلى سنين وليس فيها عتق؛ فولدها من زوجها بمنزلتها ومن السيد بمنزلته. قال مالك: وولد المعتق إلى أجل من أمته بمنزلته, وما ولدت المدبرة, أو ولد للمدبر من أمته بعد التدبير بمنزلتها, والمحاصة بين الآباء والأبناء في الثلث, ويعتق ما حمل الثلث من جميعهم بغير فرقة. م: يعني هاهنا أن المدبرة سواء كان [59/أ. ص] حملها به قبل التدبير أو بعده, وأما ولد المدّبر من أمته؛ فإن كان حملها به بعد التدبير كان بمنزلتها, وإن حملت به قبل تدبيره لم يكن بمنزلته, وكان رقاً لسيده وما وضعت لستة أشهر فأكثر من يوم التدبير فهو مدبر مع أبيه, وما كان لأقل فهو رقيق, وما ولدت المدبرة قبل التدبير فهو رقيق. ابن حبيب قال أصبغ: فن استحدث السيد ديناً محيطاً فلا يباع الولد وهو صغير ويوقف إلى حد التفرقة, فيباع حينئذ أو يموت السيد فيباع مع أمه, وكذلك لو كان الصغير هو المدّبر دونها.

ومن المدونة قال مالك: وما ولدت الموصى بعتقها أو ولد للموصى بعتقه من أمته قبل موت سيدهم فهو رقيق, وما ولد لهم بعد موته فهو بمنزلتهم يقومون معهم في الثلث فيعتق من جميعهم ما حمل الثلث يعني هاهنا أيضا: أن الموصى يعتقه إذا حملت أمته بعد موت سيدها فولدها بمنزلتها, وإن حملت منه قبل موت السيد كان الولد رقيقا, وأما ولد الموصى بعتقها فسواء [كانت حاملا] يوم الوصية أو حملت به بعد الوصية في حياة السيد فولدته بعد موته فولدها بمنزلتها. م: والفرق بين ولد المدبرة وبين ولد المدبر من أمته: هو أن أمة المدبر ليس فيها عقد تدبير, وإنما عقد التدبير في سيدها فهو كالمدبرة, فجعل ما في ظهر المدبر من ولد قبل التدبير بمنزلة ما في بطن المدبرة قبل التدبير فخروج النطفة من المدبر كولادة المدبر, [فولادة المدبر] كحمل أمة, وهذا بيّن. وكذلك الفرق بين ولد الموصى بعتقها وولد الموصى بعتقه من أمته والعلة واحدة/.

والفرق بين ولد الموصى بعتقها وبين ولد المدبرة؛ أن الموصى بعتقها: لما كان له الرجوع فيها, والتصرف بالبيع والهبة ونحوه, وكأن حالها لم يتغير عما كان عليه قبل الإيصاء دل على أن الذي جعل لها من الوصية أمرًا غير متعقد, وإنما ينعقد بالموت, فما ولدت قبل أن ينعقد فيها أمر الحرية فرقيق كما هي رقيق حينئذ, وما ولدت بعد الموت: بمنزلتها أيضاً يدخله من الحرية ما دخلها, وأما المدبرة, والمعتقة إلى أجل, فأمرهما منعقد من حين جعل لها ذلك لا يستطيع السيد نقضه ولا يتصرف فيها تصرف المالك, فلما كان أمرها منعقد كان ما ولد لهما بعد العقد بمنزلتهما, كما كان ولد الموصى بعتقها بعد تمام العقد الذي هو الموت؛ بمنزلتها, وما ولد لهما قبل العقد؛ فرقيق, بمنزلتهما حينئذ كما كان ولد الموصى بعتقها قبل الموت رقيق وهذا بين وبالله التوفيق. ومن المدونة قال ابن وهب عن مالك: في عبد دبره سيده ثم توفي ولم يدع غيره فأعتق ثلثه ثم وقع العبد على جارية له فولدت أولادا ثم توفي العبد وترك مالاً كثيراً أو لم يترك شيئاً, قال: يعتق من ولده مثل ما عتق منه ويرق باقيهم ويخدم مسترق باقيهم بقدر ما رق منهم.

فصل قال: ولا بأس أن توطأ المدبرة والموصى بعتقها, ولا يجوز وطء المكاتبة, ولا المعتقة إلى أجل, ولا المعتق بعضها, ولا المخدمة ولا أمة لا يملك جميعها. قيل لسحنون: وكيف توطأ المدبرة وفيها من تأكيد العتق [59/ب. ص] ما ذكرت؟ قال: أم الولد آكد حالاً منها وهي توطأ والوطء في المدبرة فزيد في تأكيد حالتها. م: يريد وكذلك العلة في الموصى بعتقها وكل من لا يعتق إلا بعد موت السيد؛ فجائز وطؤها كأم الولد وكل من قد يعتق في حياة السيد فلا يجوز وطؤها وهو شبيه بالمتعة. قال سحنون: ولا يجوز وطء المكاتبة؛ لأنها بالأداء تعتق والوطء يؤدي إلى إبطال تعجيل عتقها بالحمل فلما كان يصل إلى إرقاقها منع لما لزمه لها من شرط العتق بالأداء وهو أيضا مانع من السعي والكسب الذي تعتق به فلذلك منع منه وإن كانت قد أيس منها الحمل. م: إنما منع من وطئها لأنها قد تعتق قبل موت السيد بالأداء فضارع الوطء إلى أجل الذي هو شبيه بوطء المتعة المحرمة, وهذه علة جامعة في كل من فيه عقد عتق إلى أجل. قال سحنون: إنما منع من وطء المعتقة إلى أجل؛ لأنه يصل بذلك إلى منع ما جعل لها من تعجيل العتق بالحمل فيصير له مظنة في حياته.

م: وما ذكرنا من العلة أصوب؛ لأن إيلادها لا يحرم عتقها إذ حل الأجل, كما لو تعدى فوطأها فحملت: أن ذلك لا يبطل عتقها عند الأجل ولكان لا يزيدها الحمل إلا خيراً, وهو رفع الخدمة عنها فارتفعت علته بالحمل, وصح أن العلة أنه وطء إلى أجل فضارع نكاح المتعة المحرم والله أعلم. م: والعلة في منع وطء المعتق بعضها أو أمة لا يملك جميعها: أن البعض الذي هو ليس له لا يجوز له وطؤه, وهو لا يصل إلى وطء نصيبه إلا بوطء جميعها فمنع من ذلك. والعلة في منع وطء المخدمة؛ لأنه يفسد الحوز على المخدّم, ويبطل حقه بالوطء؛ لأنها قد تحمل فتبطل الخدمة, لأنهم أجازوا وطء المستأجرة, [فلو كانت العلة خوف الحمل كان يمنع هاهنا أيضا؛ لأنه يبطل الإجارة. والعلة في جواز وطء المستأجرة]: أنه ليس لها عقد عتق قد يكون في حياة السيد فيكون وطئاً إلى أجل ووطؤها قبل الإجازة كان جائزا فلا يمنع بالإجارة لخوف الحمل الذي قد يكون أو لا يكون, وهذا أصلهم: أنهم لا يمنعوا حقا واجبا لأمر يكون أو لا يكون كالاستحقاق في البيع ونحوه, وقد أجاز مالك للسيد عتق الزَّمِن من المكاتبين في كتابة واحدة ولا حجة لأصحابه إذ لا منفعة فيه اليوم, وإن كان قد يكون لهم ذلك إذا صح فلم يترك حقاً وجب لهم في العتق لأمر يكون أو لا يكون. قال ابن المواز: الذي يكري المرأة مع زوجها إلى الحج/ فيريد أن يمنعه منها ويقول: أخاف أن تحمل فتضع فأحبس عليها, فلا يمنع والحمل أمر طارئ.

[م: فإن قيل يلزمك ذلك في وطء المتعة مع إبطال حرمة العتق ولا ضرر كبير في إبطال الإجارة؛ لأنه يرجع يبقية حقه]. فصل ومن المدونة قال مالك: وعقل المدبرة وعملها وغلتها لسيدها, وأما مهرها ومالها ما كسبت منه قبل التدبير أو بعده: فهو موقوف بيدها ولسيدها انتزاعه ما لم يمرض, فإذا مرض لم يكن له ذلك, فإن لم ينتزع السيد مال المدبرة حتى مات قوّمت في الثلث بمالها فيقال: ما تسوى هذه الجارية؟ ولها من المال كذا, ومن العروض كذا, فإن حملها الثلث؛ عتقت, وتبعها مالها, وإن لم يحملها إلا نصفها, عتق نصفها, ويقر هذا المال كله في يدها. قال سحنون عن ابن القاسم: فإن كانت [60/أ. ص] قيمة المدبرة مائة دينار ومالها مائة دينار وترك سيدها مائة فإنه يعتق نصفها ويقر مالها [بيدها؛ لأن قيمتها] بمالها مائتان وثلث السيد مائة, وهي نصف المائتين التي هي قيمتها بمالها فقد حمل الثلث نصفها فيعتق نصفها وتقر المائة بيدها وقاله مالك. ابن حبيب وقاله مطرف وابن الماجشون عن مالك قال: وإن كانت قيمة المدبر في نفسه مائة وله من المال مائتان ولم يدع غيره فلا يعتق إلا ثلثه ويقر ماله بيده.

وقال ابن وهب عن ربيعة والليث ويحيى بن سعيد فيمن مات عن مدبر: فإنه يجمع هو وماله إلى مال الميت؛ فإن خرج المدبر بماله في ثلث ذلك عتق, وكان ماله في يديه, وإن كان الثلث يحمل رقبته وبعض ماله عتق, وكان له من ماله ما حمل الثلث مع رقبته, فإن لم يدع غير المدبر وماله وقيمة رقبته مائة وماله. ثمانمئة عتق المدبر, وكان له من ماله دينار فكذا يحسب. قال مالك: وكذلك من أوصى بعتق عبده وللعبد مال فهكذا يصنع فيه وهذا رأيي. ابن وهب: ورواه عنه عيسى بن دينار وأخذ به. قال ابن حبيب: وانفرد بهذا ابن وهب عن مالك وأصحابه ويقول مالك أقول. ومن كتاب ابن المواز والعتبية قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن دبر عبده في صحته واستثنى ماله: فإن ذلك جائز وقاله مالك. قال أصبغ يعني يستنيبه بعد موت نفسه إذ أعتق. قال ابن القاسم: فإذا مات السيد قوّم في الثلث بغير ماله, وأخذ ما بيده فحسب من مال السيد ثم يقوّم المدبر فيهما وقاله أصبغ. ومن المدونة قال مالك: وللسيد أن ينتزع أم ولد مدبرة فيبيعها ويأخذ لنفسه مالها ما لم يمرض السيد, فإذا مرض لم يكن له ذلك؛ لأنه إنما يأخذه لغيره, قال وله أن ينتزع مال المعتق إلى أجل ما لم يقرب الأجل, فإذا قرب لم يكن له ذلك. قيل له في كتاب التفليس: فإن بقيت سنة؟ قال: أرى أن يأخذ ماله ما لم يتقارب ولم ير السنة قريباً, قال: وليس للغرماء أن يجبروا المفلس على انتزاع مال أم ولده أو مدبره, وله

هو انتزاعه إن شاء لقضاء دينه أو ينتزعه على غير هذا الوجه إن شاء لنفسه, وأما إن مرض ولا دين عليه ليس له انتزاعه؛ لأنه إنما ينتزعه لورثته وفي التفليس ينتزعه لنفسه.

في تدبير أحد الشريكين أو كليهما أو عتق أحدهما قال ابن القاسم: ولما لم يكن التدبير بصريح العتق الذي جاء الأثر به في عتق الشقص كان من دبر شقصا له في عيد لا يلزمه التقويم إلا أن يشاء شريكه للضرر الذي أحدث عليه, فإن شاء قوّم عليه, وإن شاء تماسك بنصيبه ومضى تدبير شريكه في حصته, وإن شاء قاواه فيه, فإن صار لمن دبر كان جميعه مدبرا, وإن صار للمسترق كان رقيقا كله. قال في كتاب العتق وكانت المقاواة عند مالك ضعيفة ولكنها شيء جرت في كتبه وقد أفتى مالك مرة بخلاف هذا فقال: إن دبر حصته قوم عليه. وذكر ابن حبيب عن مطرف في كتاب عتق الشريكين مثل ما قال ابن القاسم: إن شاء قاواه أو قوّم عليه [60/ب. ص] أو تماسك بنصيبه, وقاله أصبغ/. وسواء كان المدبر مليئا أو معدماً. وروى أيضا عن مطرف وابن الماجشون في كتب العتق الأول في الشريك يدبر حصته بإذن شريكه أو يغير إذنه: ليس لشريكه الرضا بذلك ويتمسك بنصيبه, ولا بد من المقاواة وبه أخذ ابن حبيب. وكذلك روى ابن المواز عن أشهب عن مالك: وإن كان الذي جبر عديماً تقاوياه, فإن رقع عليه بيع من نصيب صاحبه.

م: يريد فما عجز عنه أتبع به, ولا يباع من نصيبه الذي دبر شيء, وقال ابن القاسم: لا مقاواة فيه. قال سحنون في العتبية: إذا دبر أحدهما ولا مال له فقد اختلفوا فيه وقولي: إن تدبيره باطل إن لم يرض شريكه؛ لأن المدبر لو قال: أقاويك, قيل له: فإن وقع عليك لم تجد ما تغرم, وليس كمن أعتق ولا مال له هذا يعتق عليه ما أعتق؛ لأن هذا ينتهي إلى عتق ناجز, والآخ لا يدري هل ينتهي إلى ذلك مع عاجل الضرر به. ابن المواز قال ابن القاسم: ولو أراد المتمسك مقاواة المعدم على أن يبيعه إن وقع عليه لكان ذلك له, ولو قاواه ولا يعلم بعدمه ثم علم بعدمه, بعد أن وقع عليه فله فسخ المقاواة. وقال أصبغ: لا يفسخ ويباع منه كله قدر ما عليه وما بقي كان مدبرا, كمن دبر وعليه دين, وهذا القياس, وأما الاستحسان: فلا يباع له إلا قد ما باع. قال ابن المواز: ولو رأيت ما قال لرأيت ألا يباع إلا جزء صاحبه, فما عجز أُتبع به وهو أحب إلىّ, وأما رضا الشريك بترك التقويم فلم أر له فيه حجة إلا أن مالكا قاله. وقال أشهب: لا بد من المقاواة دبّر بإذنه أو بغير إذنه. وقاله مالك في الذي دبر شريكه حرفاً بحرف.

م: وتحصيل اختلافهم في تدبير أحد الشريكين نصيبه: قول: أن يقوّم عليه. وقول: أنه يقاويه. وقول: إن الشريك مخير بين أن يتمسك بنصيبه أو يقوّم عليه أو يقاويه. واختلف في مقاواته في عدمه: فقيل: يقاويه وإن كان عديماً فإن صار على المدبر بيع عليه نصيب شريكه, فما عجز عنه أتبع به. وقيل: لا مقاواة في هذا وتدبيره باطل إلا أن يشاء أن يقاويه, فإن صار عليه أتبعه بذلك, ولو قاواه ولم يعلم بعدمه ثم علم بعد أن صار على المدبر؛ فله فسخ المقاواة. وقيل: لا يفسخ ويباع منه كله بقدر ما عليه وما بقي كان مدبرا. قال ابن حبيب عن مطرف: وتفسير المقاواة إذا حكم بها: أن يقام العبد قيمة عدل؛ فيقال للذي لم يدبر: أتزيد على هذه القيمة أو تسلمه بها إلى المدبر, فإن زاد قيل للذي دبّر: أتزيد أو تسلمه؛ هكذا حتى يصير إلى أحدهما وقال ابن الماجشون وأصبغ. قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا شاء المتمسك أن يلزمه للذي دبّر بالقيمة يقوّم عليه فإنه يصير جميعه مدبرا بالتقويم دون استئناف حكم ثاني.

وقال ابن الماجشون: لا يكون النِّصف المقوم مدبرا إلا بحكم جديد, وخالفه سحنون وقال: قد اجتمعنا في العتق أنه بالتقويم حر, ولا فرق بين ذلك واعتّل عبد الملك: أنه لو دبّر نصف عبده فلا يكون نصفه الآخر مدبرا إلا بحكم. قال سحنون: وكذلك نقول في العتق: إن من أعتق بعض عبده لا يعتق عليه بقيته إلا بحكم, فكذلك التدبير حكم تدبير بعض عبده وعتق بعضٍ سواء, وذلك بخلاف تدبيره [وعتقه لشقص له في عبده]. قال سحنون: وإذا مات الذي [61/أ. ص] لم يدبّر فيشاء ورثته مقاوة الذي دبّر؛ فذلك لهم إلا أن يكون الميت علم بتدبير صاحبه السنين وما يرى أنه تارك للقيام فلا مقاواة للورثة بخلاف العتق. م: وهذا على قوله: الشريك مخيرٌ, وأما على قوله: لا بد من المقاواة, أو لا بد من التقويم, فللورثة القيام عليه وإن طال, لأن ذلك حق للعبد والله أعلم. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا كان عبد بين ثلاثة فدبر أحدهم نصيبه, ثم أعتق الآخر, وتماسك الثالث؛ فإن كان المعتق مليئاً قوّم عليه حظ شريكه وعتق عليه جميعه, وإن

كان المعتق معسراً فللمتمسك مقاوة الذي دبّر إلاّ أن يكون العتق قبل التدبير والمعتق عديم, فلا يلزم الذي دبر مقاواة/ المتمسك, إذ لو أعتق بعد عتق المعدم لو يقوّم عليه وإن كان مليئاً. قال مالك: ولا بأس أن يدبّر أحد الشريكين نصيبه بإذن شريكه وإنما الحجة للذي لم يدبر فإذا رضي بذلك جاز ويكون نصف العبد مدبرا ونصفه رقيقا. قال ابن القاسم: وللمتمسك بيع حصته إذا بين أن نصفه مدبر وليس على المبتاع مع الذي دبّر مقاواة. قال مالك: زإذا دبّر رجلان أمة بينهما؛ جاز التدبير وهي مدبرة بينهما. قال ابن القاسم: وكذلك لو دبّرها أحدهما ثم دبّرها الآخر بعده؛ فهذا لا شك فيه أنه جائز, ولو دبّراها معاً ثم مات أحدهما: عتقت حصته في ثلثه, ولا يقوّم عليه نصيب صاحبه, فإن كان ثلثه لا يحمل حصته منها عتق منه ما حمل الثلث ورقَّ باقيه لورثته, وليس للورثة مقاواة الشريك, ثم إن مات السيد الثاني عمل في نصيبه كالأول. قال: ولو دبّر أحد الشريكين حصته ثم أعتق الآخر نصيبه, أو أعتق أحد الشريكين حصته من مدبر بينهما؛ قوّم على المعتق حصة شريكه قيمة عبد؛ لأن ذلك التدبير قد انفسخ, وقاله جميع الرواة؛ لأنه صار إلى أفضل مما كان فيه, ولأن الدّين كان يرده وعتقه

من الثلث, وربما لم يكن لسيده ثلث, وكذلك في المختصر الكبير قال فيه: وقد قيل: لا يعتق ولا يغيّر عن حاله؛ لأن ذلك بيع الولاء, والأول أحب إلينا. قال ابن سحنون قال سحنون وعبد الملك والمغيرة: ولو أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد ثم دبّر الآخر بعده: فإن نصيب المدبِّر يعتق عن الذي دبّر؛ لأنه لم يكن له إلا أن يعتق ناجزا أو يقوّم, فلما ترك التقويم لزمه نجاز العتق, قال: ولو تداعيا؛ فقال المدبر: أنا دبرت أولاً, وقال المعتق: بل أنا الأول, فالمعتق مدعى عليه وعلى صاحبه البينة, وعلى المعتق اليمين؛ فإن نكل حلف المدبر لقد دبّر أولاً ووجبت له القيمة على المعتق, فإن أبى أن يحلف فلا شيء له, ويعتق عليه نصيبه, ولو كانا ببلدين ولا علم عند أحدهما يدعيه ولا بينة للأول فلا شيء للمدبر على الآخر, ويعتق على المدبر حصته كنكوله عن اليمين. قال ابن سحنون وهذا على مذهب من ذكرنا, وأما مالك وابن القاسم: فإن على المعتق القيمة للمدبر؛ لأنه: إن كان العتق أولاً؛ فالتدبير بعد عتقه باطل ويقوم على المعتق, وإن كان التدبير أولاً؛ قوّم على المعتق بعده أيضاً, فعلى المعتق القيمة بكل حال علم ذلك أو جهل. م: وهو مذهب المدونة. ومن المدونة قال مالك: ويقوّم المدبر على المعتق قيمة عبد, وكذلك إذا جرح أو قتل أو أصابه ما يكون له عقل, فإنه يقوّم قيمة عبد وكذلك تقوم أم الولد والمعتق [61/ب. ص] إلى أجل في جراحهم وأنفسهم قيمة عبد.

في بيع المدبر وهل يرهن أو يكاتب وقد تقدم في الباب الأول الحجة في منع بيع المدبّر وهاهنا بقيتها. قل سحنون: وقد تأكد منع بيعه عند السلف من الصحابة والتابعين, ولقد جعله مسروق والشعبي: من رأس المال, وأهل العراق: لا يرون بيعه بعد الموت في الدَّين ولكن يعتق ويسعى في قيمته. قيل: فما ذكر عن عائشة أنها باعت مدبرة لها سحرتها, وأمرت أن تباع من أشرّ أهل بيت في العرب, قيل: لا حجة في هذا؛ لأن الحادث الذي فعلته من السحر يوجب قتلها فكيف بيعها, ولا نجد عن أحد من السلف إجازة بيعه لغير حادث ولا يعتبر بمثل هذا ما تأكد واستوطئ من منع بيعه في صدر هذه الأمة. وقد طلب عمر رد المدبرة التي باعت عائشة فلم يجدها فأخذ الثمن منها فاشترى به جارية فجعلها مكانها مدبرة. وذكر العتبي عن ابن القاسم عن مالك عن أبي الرجال

عن عمرة عن عائشة أن جارية لها مدبرة, وأن سِنْدِياً دخل عليها وهي مريضة/ وأنه قال: إنك سحرت, قالت له: من سحرني؟ قال جارية في حجرها صبي, وقد بال عليها, فدعت جاريتها فقالت: حتى أغسل بولاً في ثوبي, فقالت سحرتني؟ قالت: نعم, فقالت: وما دعاك إلى ذلك؟ قالت: أردت تعجيل العتق, فأمرت أخاً لها أن يبيعها من الأعراب ممن يسيء مملكتها, فباعها, ثم إن عائشة أريت في النوم أن اغتسلي من ثلاثة آبار تمد بعضها بعضاً فاستسقي لها فاغتسلت به فبرئت.

ومن المدونة قال مالك: ولا يباع المدبر في حياة سيده في فلس ولا غيره إلاّ في دين قبل التدبير, كما يباع المعتق في دين قبل العتق. قال: ويباع بعد الموت إذا اغترقه الدين كان التدبير قبل الدين أو بعده. قال مالك: ولا بأس أن تأخذ مالاً على أن تعتق مدبرك وولاؤه لك, ولا يجوز لك أن تبيعه ممن يعتقه. سحنون قال ابن شهاب وعمرو بن شعيب: لا يباع المدبر إلا من نفسه. ابن المواز قال مالك: وإذا أفسدت المدبرة بالزنا وكثرة الأباق فلا تباع وإن رضيت, وإن كان يبدل غيرها ولتؤدب على ذنوبها. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا بيع المدبر ففسخ البيع وقد أصابه عيب مفسد بيد المبتاع؛ فعليه ما نقصه. وقد قال مالك: فيمن باع مدبره فمات بيد المبتاع: فمصيبته من المبتاع, وينظر البائع إلى الثمن الذي قبض فيه فيحبس منه قدر قيمته أن لو كان يحل بيعه [123/ب] على رجاء

العتق له, وخوف الرق عليه, كمن استهلك زرعا لم يبدُ صلاحه فيغرم قيمته على الرجاء والخوف, فما فضل بعد ذلك بيد البائع فليشترِ به رقبة يدبرها. قال ابن القاسم: فإن لم يبلغ أعان به في رقبة. قال سحنون: بل يرجع المشتري عليه بذلك. م: يريد إذا لم يعلم المشتري بأنه مدبر؛ لأن ذلك عيب به, فإن علم أنه مدبر فلا يرجع بشيء, وقاله بعض فقهائنا. قال ابن القاسم: فإن أعتقه المشتري فجميع الثمن سائغ لبائعه لانفساخ التدبير بالعتق الأقوى أن المدبر إذا قتل أن لربه قيمته عبدا؛ لانفساخ التدبير فإذا باعه فأعتقه المبتاع أنفذ العتق في أحد قولي مالك, وولاؤه للمبتاع, وكذلك ينتقض تدبير المدبرة تباع فيولدها المبتاع [وتصير أم ولد له] ولا يرجع بشيء. ابن المواز قال مالك وابن القاسم وأشهب: لا يرجع المشتري [62/أ. ص] على البائع [بشيء إذا أعتقه علم أنه مدبر حين اشتراه أو لم يعلم. قال مالك وليس على البائع في ثمنه شيء ولو مات عند المبتاع] إذا جعل ما بين قيمته مدبرا على غرره, وقيمته عبدا في رقبة يدبرها. وله قول آخر في المختصر الكبير: يجعل ثمنه كله. م: فصار إذا باعه فمات بيد المبتاع أربعة أقوال:

قول: أن البائع يحبس من ثمنه قدر قيمته على الرجاء والخوف فما فضل جعله في رقبة يدبرها, فإن لم يبلغ أعان في رقبة. وقول: بل يرجع عليه المشتري بذلك. وقول: إنما يجعل ما بين قيمته مدبرا وبين قيمته عبدا في رقبة يدبرها. وقول: بل يجعل الثمن كله. ابن المواز قال ابن القاسم: فإن عمى خبره فلا يدري أمات أو عتق فليجعل ثمنه كله في مدبر. قال أصبع وهو استحسان, وهو القياس عندي: إذا ستقصى أمره فأيس منه أُنزل بمنزلة الموت كما تعتد امرأة المفقودة عدة الميت دون الحي. [قال محمد بن المواز]: وهذا غلط وقد طلب عمر ردّ التي باعت عائشة فلم يجدها فأخذ الثمن فجعله في مدبره مكانها. قال: وإذا لم يعلم بيع المدبر حتى مات سيده فإن كان عليه دين محيط لم يردّ ومضى بيعه, وإن كان لا دين عليه رُدّ فإن لم يدع غير ثمنه أعتق ثلثه, وللمبتاع رد الثلثين لضرر العتق فيه إلا أن يكون علم يوم الشراء أنه مدبر فلا حجة له. م: ذكر عن الشيخ الفقيه أبي عمران في المدبر إذا باعه وغاب عليه المشتري فجعل ثمنه في عبد آخر ودبّره ثم أتى المدبر الأول؛ فإنه ينقض فيه البيع, ويبقى على تدبيره, ويغرم الثمن لمشتريه ويمضي التدبير في العبد الثاني لفوته بالتدبير كالهدي الواجب يضل

عن صاحبه فيبدله غيره ويشعر الثاني ثم يجد الأول قبل/ نحر الثاني؛ أنهما ينحران جميعاً ولا يرجع في واحد منهما فكذلك هذا. م: قال إذا باع المدبر فمات بيد المبتاع فليجعل فضلة ثمنه في عبد يدبره وإذا غاب خبره فليعجّل ثمنه كله, فالفرق: أن الذي مات قد علمنا أنه كان ممن لا يدركه شيء من العتق لانفساخ تدبيره بموته قبل سيده, وإنما رأى أن يجعل فضلة الثمن في مدبر؛ لأن ذلك كعضو بقي منه والذي غاب عنه لم ينفسخ تدبيره إذ لعله حي ونحن لا نقدر عليه اليوم فلم يكن بُدّ من أن يجعل ثمنه كله في مدبر, كالهدي يبيعه ويغيب عنه, والفرق بين المدبر يبيعه فيموت فيجعل فضلة الثمن في مدبر وبين المكاتب يبيعه فيسوغ له جميع الثمن؛ أن المكاتب له تعجيز نفسه إذا لم يكن له مال ظاهر, وتنفسخ كتابته فرضاه ببيعه رضا منه بالعجز فساغ لسيده ثمنه, والمدبر ليس فسخ تدبيره, ولا يجوز رضاه رقبته فاقترفا. ابن المواز وقال ابن القاسم: وإن باعه الورثة بعد موت السيد بعرض أو غنم فليرد ويعتق في الثلث إن حمله, ويأخذ المبتاع عرضه أو غنمه إلا أن يتغير ذلك في سوق أو بدن فيأخذ قيمة ذلك ولو ولدت الغنم فذلك فوق يوجب فيها القيمة, ولو مات المدبر بيد المشتري أو أعتقه وقال السيد: مأمون, فليرد للورثة قيمة العرض في فوته؛ لأن المدبر تمت حريته بموت السيد, وإن لم يكن ماله مأمون فمات المدبر بحدثان بيعه قبل النظر في مال

الميت فهو من المبتاع [62/ب. ص] , وينفذ بيعه, وإن مات بعد زمن من شرائه وقد عرف أنه كان يخرج من ثلثه فمصيبته من الورثة, ويأخذ المشتري قيمة عرضه, وإن خرج بعضه في الثلث؛ رجع بقدر ذلك ومصيبته ما رقّ منه المشتري. قلت لمحمد: فإن قلت لرجل عليّ رقبة أعتقها فباعني مدبر وكتمني تدبيره فأعتقه ثم علمت بتدبيره, قال: قد اختلف في عتق المدبر عن رقبة واجبة إذا اشتراه: قال ابن القاسم: يجزئه من الرقية الواجبة, والولاء له ولا يرجع بشيء. وقال أشهب: لا يجزئه من الرقبة الواجبة, وإن لم يعلم أنه مدبر حتى أعتقه وينفذ عتقه ولا شيء له على البائع. وقال محمد: وهو الصواب أن يجزئ في عتقه عن الرقاب الواجبة بأن قد انتقض تدبيره بالعتق وصار الولاء لمشتريه. قال: من باع مدبرا أو مكاتبا بشرط على أن يعتقه؛ ردّ ما لم يفت بالعتق فإن عتق نفذ عتقه, والولاء للبائع؛ لأنه اشترط عتقه وهو الذي عقد تدبيره وكتابته. قلت: فإن جهل فباع رقبة المكاتب ولم يشترط عتقه فأعتقه المبتاع؛ فقال ابن القاسم وأشهب: يمضي عتقه, قال ابن القاسم: والولاء للمشتري, وقال أشهب: إن بيع بعلم المكاتب ورضاه على أنه عبد فالولاء للمشتري؛ لأنه ذلك صار من المكاتب رضي بالعجز, وإن لم يعلم فولاؤه للسيد الذي عقد كتابته. وقال عبد الملك: بل أراد بيعه وأنقض عتقه وأرده على كتابته لسيده.

ابن المواز: ومن وهب رقبة مدبره لرجل وحازه في صحة سيده, ثم مات السيد ولا مال له غيره؛ فإنه يعتق ثلثه, ويرق ثلثيه للموهوب له أو ما رقّ له منه. ورواه ابن حبيب عن ابن القاسم قال: وكذلك لو تصدق به على ابن له كبير جائز الأمر, وحازه في صحة أبيه, ولو كان الابن صغيرا؛ لعُتق ثلثه, ورُقّ ثلثاه للورثة, ولا تكون حيازة الأب له في مثل حيازة؛ لأنه فعل في المدبر ما لا يجوز له, ولأنه لو تصدّق على ابنه الكبير فحاز الصدقة ثم قام غرماؤه فقالوا: الدين قبل الصدقة فإن على الغرماء البينة, ولو كان على ابنه الصغير كان الدين أولى بها حتى يعلم أنها قبل الدين قاله مالك. قال أصبغ: إذا أشهد على حيازة ذلك لهم فهم كالابن الكبير وهم أحق بالصدقة حتى يعلم أنها كانت بعد الدين وقاله مطرف وابن الماجشون/. قال ابن القاسم: وإذا علم بصدقة مدبر على أجنبي أو ولد في حياة السيد فليرد ذلك وإن قبض. قال أصبغ: فليرد ذلك ولا تبقى له فيه خدمة, ولا خدمة ما عسى أن يرق منه بعد الموت, وكذلك لو وهب رقبة المكاتب أو المعتق إلى أجل لرُّد إذا عُثر عليه في حياة المتصدق, ولا شيء له في كتابة ولا خدمة, وقد قيل: إن المتصدق عليه أولى بذلك كله.

م: يريد بما رقّ منه بعد الموت, [وكذلك لو وهب رقبة المكاتب والمعتق إلى أجل] ولست أقوله؛ لأنه ليس الذي تصدق المتصدق فإن رددناه لوجه أجمع, وإن أجزته كانت عطيته لما بعد الموت على غير وصية. قال أصبغ: فإن لم يعثر على هذا حتى مات السيد؛ فليعتق في ثلثه, فإن لم يسعه فما رق منه لورثته دون المعطى إذ لا يجوز أن يعتق بعضه في ثلث سيده وباقيه لغير ورثته, وكذلك لو كان باعه فلا خيار للمشتري في أن يتماسك بما رقّ منه بحصته من الثمن, وقال ابن القاسم: إن المتصدق عليه [63/أ. ص] والمشتري أولى بما رقّ منه. والقول الأول الذي اخترته قول ابن الماجشون والمغيرة ومطرف. قال أصبغ: ولو كان الميت المتصدقّ به عليه وقد أوصى بعتقه فلا عاتق له ولا وصية له فيه, وإن خرج من ثلثه وليرد مدبر إلى سيده ولو أعتقه في صحته لم يجز ذلك أيضا وردّ, بخلاف أن لو ابتاعه فأعتقه, أو أوصى بعتقه, يعتق في ثلثه أو بعضه, فهذا يمضي ويردّ ما بقي للبائع, وهذا قد ضمنه بالشراء, وللناس في بيعه اختلاف ولم يقل فيما علمت في الصدقة: إن أعتقه المتصدق عليه؛ أنه يجوز عتقه.

م: والقياس أنه إذا أعتق بوجه ماء, أن يجوز عتقه؛ لأنه صار إلى الحرية فلا يرد إلى الرقّ لأمر قد يلحقه أو لا يلحقه والله أعلم. قال ابن المواز: إذا وهب مدبرة ثم مات السيد وعليه دين استحقه بعد الهبة؛ فهو رقٌ للموهوب إن أحاط به الدين, أو ما رقّ منه إن لم يحط به الدين, ولو كان الدين قبل الهبة كان أهل الدين أولى به, يباع لهم. ولو كان عليه دين قديم ودين مستحدث: فقال أشهب: لو كان الدين القديم [درهماً والدين المستحدث] يغترق بقيته؛ لبيع كله لسبب الدين القديم, والذي نأخذ به: ألاَّ يباع منه إلا قدر الدين القديم وحده وهو قول ابن القاسم وأصبغ. م: يريد: يباع منه بقدر الدين القديم ويدخل فيه معهم الآخرون ثم لا يباع منه شيء ويرد باقية للموهوب له عند ابن القاسم. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا تُمهر مدبرتك لزوجتك؛ لأن ذلك بيع وبيعها لا يجوز.

م: قال بعض فقهائنا: إذا تزوج امرأة بمدبر فالنكاح صحيح, ويرد إلى سيده, وترجع عليه بقيمته عبدا, كما لو استحق ذلك, وكذلك لو عثر على ذلك بعد موت السيد وثلثه يحمله فإنه يعتق وترجع عليه بقيمته عبدا, وإن لم يترك غيره عتق ثلثه ورجعت عليه بثلث قيمته, وخيّرت في إمساك ما رق منه أو رده ورجعت بقيمته جميعاً, هذا على قول من قال: إذا بيع ولم يعلم المشتري حتى مات سيده, ولم يحمله ثلثه, فللمشتري إمساك ما رقّ منه بحصته من الثمن, وإن علمت المرأة أنه مدبر فسد النكاح وفسخ قبل البناء ويثبت بعده, ولها صداق المثل؛ لأن فساده في صداقها, وإن عثر على ذلك بعد الدخول أو بعد موت السيد كان للزوجة صداق المثل, وعتق في ثلثه, وإن كان عليه دين يغترقه فأمسكته المرأة لأجل صداقها فيدخله الاختلاف في الذي اشترى عرضت شراء فاسدا ففلس البائع وطلب المشتري إمساك العرض في الثمن الذي دفع فيه فكذلك هذه المسألة. ومن المدونة: ولا بأس برهن المدبرة في قول مالك؛ لأن ذلك لا ينقصها من عتقها, وإن مات سيدها فيكون المرتهن بعد موت السيد أحق بها من الغرماء, فإن لم يدع غيرها بيعت للمرتهن في دينه؛ لأنه قد حازها, ولو لم يحزها أو لم تكن رهناً بيعت لجميع الغرماء.

فصل قال مالك: ولا بأس بكتابة المدبر فإن أدى عتق وإن مات السيد وله مال يخرج قيمة العبد في ثلثه انتقضت الكتابة وعتق/ بالتدبير إذا حمله الثلث, ويقوّم بماله في الثلث, ولا يؤخذ ماله في العتاقة, فإذا أعتق سقط سقط عنه باقي الكتابة, وإن لم يحمل الثلث رقبته, عتق منه محمل الثلث, وأُقِر ماله بيده [63/ب. ص] , ووضع عنه من كل نجم عليه بقدر ما عتق منه, وإن عتق نصفه وضع عنه نصف كل نجم بقي عليه, وإن لم يدع فيره عتق ثلثه ووضع عنه ثلث كل نجم بقي عليه, ولا ينظر إلى ما أدى قبل ذلك ولو لم يبق عليه إلا نجم واحد لعتق ثلثه وحط عنه ثلث النجم وسعى في بقيته, فإن أدى خرج جميعه حرا. قال: وإن اغترق الدين قيمة جميع رقبته كان كمكاتب تباع كتابته للدين؛ يعني: إذ لا فضل فيها, ولو كان فيها فضل: بيع منها بقدر الدين. قال: وإن أدى فولاؤه لعاقدها, وإن عجز رقّ لمبتاعه, وإن اغترق الدين بعض الرقبة؛ بيع من كتابته بقدر الدين ثم عتق من رقبته بقدر ثلث ما لم يبع من كتابته وحط عنه من كل نجم ثلث ما لم يبع من ذلك النجم, فإن أدى فولاؤه للميت, وإن عجز بقدر ما بيع من كتابته يرق لمبتاعه من رقبته وباقي رقبته بعد الذي عتق منه لورثته.

ومن كتاب ابن المواز: فإن كان عليه دين محيط برقبته وفي الكتابة فضل, سقط التدبير, وثبتت الكتابة, وبيع منها بقدر الدين, ثم عتق ثلث ما بقي, ويسقط من الكتابة بقدر ذلك. م: إذا لم يكن في الكتابة فضل وثمنها كثمن الرقبة فلتُبع كتابته لعله يعتق بأدائها ولا يتعجّل رقة ببيع الرقبة من غير فائدة الغرماء. قال ابن القاسم: وإن كان الدين محيط بالكتابة وحدها وفي الرقبة فضل, فقيل: لا بد من تعجيزه حتى يباع من رقبته بقدر الدين ثم يعتق ثلث ما بقي. وقال ابن القاسم: يترك على كتابته يؤديها لأهل الدين على نجومه, فإن أدى عتق وإن عجز عتق عنه ثلث ما فضل بعد قضاء الدين وقاله أصبغ. م: وإنما يترك مع كتابته عند ابن القاسم إذا كان في عدتها كفاف الدين فأزيد, وأما إن نقصت عن الدين فلا بد من تعجيزه عند ابن القاسم وإن لم يكن في ثمن الرقبة إلاّ كفاف الدين لحجة الغرماء عن نقص دينهم. [م: وقول الغير أبين إذ لا يلزم الغرماء تأخير دينهم]. م: قال بعض فقهائنا القرويين: لو كان الدين يغترق من الرقبة نصفها ومن الكتابة ثلاثة أرباعها فهي كمسألة محمد, فعلى قول غير ابن القاسم: لا بد من تعجيزه حتى يباع نصفه ويعتق نصفه خير من أن يباع ثلاثة أرباع كتابته فإن عجز رقّ ثلاثة أرباعه

وعتق ثلث ربعه الباقي, فعِتْق ثلث نصف أولى من عتق ثلث ربعه, وعلى قول ابن القاسم: لا يباع منه شيء, ويبقى على نجومه, فإن عجز كان كمدبر لا كتابة فيه, فيباع منه بقدر الدين, ويعتق ثلث ما بقي, قال: وإنما يباع من كتابته بقدر الدين عند ابن القاسم إذا كان الدين يغترق من الكتابة بقدر ما اغترق من الرقبة أو أقل. فصل قال ابن المواز: وإن كان المعتق إلى أجل ثم أفلس وعليه دين يحيط بأضعاف قيمته فلا تباع كتابته ولكن يؤديها إلى الغرماء, فإن أداها قبل الأجل عتق, فإن حل الأجل قبل أدائها عتق وسقط ما يبقى عليه. قال ابن المواز: ولا يباع من هذا ولا من كتابته شيء؛ قلّ الدّينُ أو كثر, فإن أدى الدّين وبقيت من الكتابة بقية لسيده أو لورثته, وإن حل الأجل قبل وفاء الدّين ووفاء الكتابة عتق وسقط باقي الكتابة وبقي على سيده بقية دينه. قال أحمد بن ميسر: وهذا إذا كان العتق قبل الدين. قلت [64/أ. ص]: أرأيت إن أعتق عبداً إلى أجل ثم دبّره, أو دبر قَبْلُ ثم أعتقه إلى أجل, قال: ذلك جائز لازم, قلت: فإن مات السيد قبل الأجل ماذا يقوّم منه في ثلث سيده أرقبته أم خدمته بقية الأجل؟ قال: بل خدمته بقية الأجل, وقد قيل: إن كان التدبير

قَبْلُ قُوّمت رقبته وليس بشيء؛ لأن هذا القول يستوعب ثلث الميت في عتقه وما عجز منه فهو/ من ثلثي الميت فهو يعتقه إلى تمام الأجل فيظلم الورثة. والصواب من ذلك إن شاء الله: ألاّ يقوّم في ثلث الميت مالا يملك, ألاَ ترى أن لو كان على السيد دين يحيط به لم يزل العتق إلى أجل فإن كان التدبير قَبْلُ ولم يكن له من رقبته شيء يباع له في دينه وينقض التدبير الدين [ولم ينقض عتق الأجل, وكان للغرماء خدمته فقط إلى الأجل, وليس للميت مال غير خدمته كان التدبير] قبل أو العتق إلى أجل, وإن كان معتقاً إلى أجل ثم فلس أو مات وعليه دين يحيط برقبته أدانه بعد عتق الأجل فلا تباع كتابته, وليؤدّها للغرماء على النجوم, فإن أدى الدين أدى ما بقي للورثة, وإن أداها قبل الأجل خرج حرا مكانه وقضى الدين أو ما بقي منه منها, وإن لم يؤدَّ حتى حل الأجل؛ عتق وسقط عنه ما بقي منها ولم يتبع بشيء من دين سيده عتق بالأداء أو بمحل الأجل, وإن كان الدين قبل عتق الأجل فالدين أولى به. فصل قال ابن القاسم في المستخرجة: ومن كاتب عبده ثم دبر جعل الثلث الأقل من قيمة الرقبة أو من قيمة الكتابة, وأما من دبر عبده ثم كاتبه فقيمة الرقبة خاصة. م: وإنما كان ذلك فلأن السُّنة في المدبر إذا لم يكاتبه أن يجعل في الثلث الأقل من قيمة الرقبة أو من قيمة الكتابة التي يملك منه قبل التدبير وإنما هو عبد أوجب له على نفسه عتقا بعد الموت فهو كالموصى بعتقه فإذا أدخل عليه الكتابة لم ينقله عما كان وجب

فيه, أَلاَ ترى أنه إن عجز عاد كما كان, وأما إن كاتبه أولاً فقد صار بعقد الكتابة لا يملك منه شيئا متقرر إذ قد يعجز فيملك رقبته أو يؤدي فتصح له كتابته, فتارة تصح له الرقبة, وتارة الكتابة, فإذا دبّره جعل في الثلث الأقل مما كان قد يصح له ملكه, وإنما جعل الأقل احتياطا لحرمة العتق فصار تدبيره إياه كإيصائه بعتقه, وهذا إذا كانت الكتابة في الصحة ثم دبر بعد هذا في صحة أو مرض, وأما إن كاتبه في مرضه ثم دبره فيه فهاهنا يجعل في الثلث قيمة الرقبة؛ لأن الكتابة في المرض إذا لم تقبض إنما يجعل في الثلث قيمة الرقبة, قال ابن القاسم؛ لأنها من ناحية العتق, وفي التدبير أيضا يجعل قيمة الرقبة فاتفقا, فلذلك جعل قيمة الرقبة وبالله التوفيق. م: وقال ابن المواز بل ذلك سواء, بدأ بالتدبير أو بالكتابة, لا يقوّم إلا بأقلها؛ لأن من أوصى بعتق مكاتبه إنما يجعل في الثلث الأقل من قيمة رقبته أو من قيمة كتابته, فلا فرق بين أن يوصي بعتق مكاتبه ولا بين أن يدبره, والتدبير في المكاتب أولى. م: وهذا أبين. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا بأس أن يكتب الرجل عبده مع مدبره كتابة واحدة, فإن مات السيد: مضت الكتابة على قدر قوتهما [64/ب. ص] على الأداء يوم الكتابة, ويعتق المدبر في الثلث, وتسقط حصته عن صاحبه, ويسعى العبد في حصته وحده, ولا يسعى المدبر معه؛ لأنه إنما دخل معه على أن يعتق بموت سيده, فلا حجة له؛

ولأن السيد لم يعتقه بأمر يبتدئه بعد الكتابة, إنما عتق عليه لزمه على ما أحب صاحبه أو كره, [فصار عيباً] , ولا يجوز أن يضمن حر كتابة مكاتب وذلك بخلاف عتق السيد لأحد العبدين في كتابة إذا لم يعقد على هذا, وإن لم يحمل المدبر الثلث عتق منه محمله وسقط عنه من الكتابة بقدر ذلك, وسعى هو وصاحبه في بقية الكتابة, ولا عتق لواحد منهما إلا بصاحبه, فإن عتقا رجع من أدى منهما أكثر على صاحبه بما أدى عنه إلاَّ أن يكون ذوي رحم لا يملك أحدهما الآخر فلا يتراجعان بشيء. وقال أشهب: لا يجوز أن يكاتب عبده مع مدبره كتابة واحدة؛ لأنه يؤول إلى خطر, ألاَ ترى أن الكتابة منعقدة عليهما لم يجز أن يعتق أحدهما؛ لأنه إذا أعتق أحدهما كان في ذلك وفاء لصاحبه؛ لأن بعضهم حملا عن بعض. قال ابن القاسم: ولو كاتب عبدين له كتابة واحدة ثم دبر أحدهما فإن أديا عتقا, وإن عجزا لزم السيد تدبير من كان دبّر, وإن مات السيد قبل عجزهما والمدبر يحمله الثلث وهو قوي على/ السعي حين مات السيد لم يعتق إلا برضا أصحابه, كما لو ابتدأ عتق أحد المكاتبين, وإن كان المدبر زَمِنَا يوم مات السيد؛ عتق في الثلث, ولا يوضع عن أصحابه من الكتابة شيء؛ لأن مالكاً قال فيمن لا قوة فيه من المكاتبين من صغير أو زمِن إذا أعتقه السيد: جاز عتقه وإن كره أصحابه, ولا يوضع عنهم من الكتابة شيءٌ, وفي المكاتب إيعاب هذا.

في وطء المدبرة بين الشريكين, وتدبير حمل الأمة, وردة المدبر قال مالك: ولو أن مدبرة بين رجلين وطأها أحدهما فحملت؛ فإنها تقوّم عليه, وتصير أم ولد إذ ذلك آكد لها. قال سحنون: وقاله جميع الرواة. قال غيره: فإن كان الواطئ معسراً؛ خير شريكه بين إتباعه بنصف قيمتها وتصير له أم ولد, وبين التماسك بحصته وإتباعه بنصف قيمة الولد يوم استهلاله, ثم لا قيمة عليه إن أيسر؛ فإن مات الواطئ عديماً عتق عليه نصيبه من رأس ماله؛ لأنه بحساب أم ولد, وبقي نصيب المتمسك مدبراً, وإن مات الذي لم يطأ وقد كان تماسك بنصيبه وعليه دين يَرُّد التدبير, بيعت حصته للدّين, فإن ابتاعها الواطئ ليسر حدث له حل له وطؤها, ثم إن مات بعد ذلك فنصفها عتيق من رأس المال, والنصف الذي اشترى رقيق للورثة. وقال مالك في المختصر الكبير: إذا وطأها أحدهما فحملت؛ قوّمت عليه, وقد قيل: يقوّم عليه الولد خاصة, وتبقى هي على حالها؛ فإن هلك الذي لم يطأ عتق نصفها في ثلثه, فإن لم يترك وفاء قُوِّمت على الواطئ, وكانت له أم ولد, والأول أحب إلينا. م: قال بعض فقهائنا في قول غيره: ويتبعه بنصف قيمة الولد يوم استهلاله. يريد: وكذلك إن تأخر الحكم حتى كبر الصبي؛ إنما القيمة فيه يوم الاستهلال. وقال في ولد المستحقة: تكون القيمة يوم الحكم.

والفرق: أن وطء الشريك وطء عِدَا [65/أ. ص] فلزمه القيمة حين العدا, فجعلنا القيمة فيه يوم خروجه إذ لا قيمة له قبل ذلك, وولد المستحقة الوطء فيه جائز؛ فإنما تكون فيه القيمة يوم يحكم في استحقاق أمه. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن دبر ما في بطن لم يكن له بيعها, كما لو أعتق ما في بطنها. قال: وله أن يرهنها كما يرهن المدبرة وقاله مالك. م: ذكر عن أبي عمران أنه قال: إنما يرهنها في دين قبل الحرية وقبل التدبير, وأما فيما استحدثه من الدين بعد قوله: ما في بطنك حر؛ فلا يكون له أن يرهنها في ذلك, وإنما تباع بما في بطنها إذا رهقه دين, فأما أن تعرض هو به للبيع فلا, ونحوه عن أبي محمد بن أبي زيد رضي الله عنه. فصل قال ابن القاسم: وإذا ولد المدبر ولحق بدار الحرب ثم ظفرنا به؛ استتيب, فإن تاب وإلا قتل, فإن تاب لم يقسم ورُدّ إلى سيده إن عرف سيده بعينه, وإن جهلوا أنه مدبر حتى اقتسموا ثم جاء سيده فله أن يفديه بالثمن, يرجع إليه مدبراً, وإن أبى خدم من صار إليه في الثمن الذي حسب به عليه؛ فإن أوفى وسيده الأول حي رجع إليه مدبراً, وإن

هلك السيد قبل وفاء ذلك خرج من ثلثه حرا, وأتبع بباقي الثمن, وإن لم يسعه الثلث عتق بما وسع الثلث منه, وأتبع بحصة ما يقع على الجزء العتيق منه من الثمن ورقّ ما بقي لمشتريه؛ لأن سيده أسلمه أولاً ولا قول للورثة فيه. وقال غيره: إن حمله الثلث عتق ولم يتبع بشيء, وإن حمل بعضه لم يتبع حصة البعض العتيق منه بشيء, وكان ما بقي رقيق لمن اشتراه, وإن لحق السيد دين أبطل الثلث حتى يرد عتقه, كان جميعه رقا لمشتريه, وليس ما اشتريت به رقبته كجنايته التي هو فعلها, هذا إذا عتق بعضه أتبع ما عتق منه بما يقع عليه من الجناية؛ لأن ذلك فعله, وذكر محمد عن ابن القاسم: مثل ما ههنا. قال وقال عبد الملك: إنما هذا فيمن اشترى من أيدي العدو, فأما/ من وقع في المقاسم فلا يتبع حصة ما عتق منه بشيء كالحر يقع في المقاسم فلا يتبع وإن باعه العدو أتبع. قال ابن المواز والقول ما قال عبد الملك: وكذلك في المكاتب والمعتق إلى أجل؛ لا يتبع إلا فيما يتبع به الحر. وقد تقدم كثير من هذا في كتاب الجهاد. [م: أبو إسحاق: ولو كان سيد المدبر هو الذي ارتد ولحق بدار الحرب؛ لوجب أن يبقى مدبره وينفق عليه من ماله, فإن لم يكن له مال استؤجر وأنفق عليه من إجارته, فإن لم تكن له إجارة وخيف عليه ولم يوجد من ينفق عليه لا نبغي أن يعتق إذا لم يمكن بيعه, كما

لو كان سيده حاضر فعجز عن نفقته أو عن نفقة أم ولده, ولم يكن في إجارته ما يفي بنفقته لوجب عتقه وعتق أم ولده؛ لأن بقاءهما من الضرر بهما ولا يقدر على بيعهما]. م: جعل ابن القاسم: إباقة إلى دار الحرب كجناية فعلها إلا في قوله: إذا لم يحمله الثلث رقّ ما بقي منه لمشتريه؛ لأن سيده أسلمه إليه. وقال في كتاب الجنايات: في هذا يخيّر الورثة فيما رقّ منه بين إسلامه رقاً للمجني عليه وافتكاكه بحصة ما يقع عليه ويكون رقاً لهم. وحكى عن بعض فقهائنا القرويين أنه قال: يحتمل أن يكون الفرق بينهما أن المشتري في مسألة كتاب [65/ب. ص] المدبر دخل في الأصل على مالك رقبته فلما اعترفه سيده وأسلمه له فقد أجاز له ما دخل عليه فيما قد يرق منه, وفي مسألة كتاب الجنايات إنما أسلم السيد إلى المجني عليه خدمته وعلى أنه إن أعتق في الثلث أتبع, وإن رقّ منه شيء خيّر الورثة في ذلك. م: هذا معنى قوله, وزدت فيه من لفظي.

ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن دبّر عبيده ثم ارتد السيد ولحق بدار الحرب, أوقفت مدبريه إلى موته كماله, ولا يعتقون إلا بعد موته؛ كقول مالك في الأسير ينتصر: أن ماله موقوف إلى أن يموت. م: قال بعض القرويين: وإذا وقف مال المرتد أنفق على مدبريه وعلى أم ولده منه ولا ينفق منه على صغار ولده؛ لأن الولد لا يرثه إن قتل على ردته فلذلك لا ينفق عليهم من ماله. في مدبر الذمي يسلم, وكيف إذا دبر عبدا له مسلماً؟ قال مالك: وإذا أسلم مدبر النصراني قال ابن القاسم: أو ابتاع مسلماً فدبره وأجّرناه له وقبض إجارته ولم يتعجل رقه بالبيع وهو قد يعتق بموت سيده؛ فإن أسلم النصراني رجع إليه مدبره, وكان له ولاء الذي دبر وهو نصراني, وأما ولاء الذي دبره وهو مسلم فقد انعقد الولاء للمسلمين, [وإن كان للنصراني ولد أو أخ مسلم لم يرجع إليه] , ولا يرجع إليه أيضا وإن أسلم. قال: فإن لم يسلم حتى مات عتق في ثلثه, وكان ولاؤهما للمسلمين إلا أن يكون للنصراني ولد أو أخ مسلم ممن يجر إليه ولاؤه ويرثه فيكون له ولاء الذي دبره وهو

نصراني دون جماعة المسلمين, كما كان يكون لسيده لو أسلم, وأما الذي دبره وهو مسلم؛ فولاؤه للمسلمين ولا يرجع إلى النصراني وإن أسلم, ولا إلى ولده المسلمين, وإن لم يحمله ثلثه بيع ما رقّ منه من المسلمين ودفع الثمن إلى ورثته إن كانوا نصارى, وإن كانوا مسلمين لم يرثوه وكان ذلك المال للمسلمين. وقال غيره: لا يجوز للنصراني شراء مسلم, فإذا أسلم عبده ثم دبّره عتق عليه, لأنه منعنا من بيعه بالتدبير. ابن حبيب وقاله مطرف وابن الماجشون: قالا: وكذلك لو أعتقه إلى أجل عجّل عتقه, ولو كاتبه بيعت عليه كتابته. م: وإذا أسلم فأجّرناه عليه وقبض السيد إجارته وأتلفها ثم مات قبل أن يخدم العبد من الإجارة شيئاً ولم يترك غيره, فإن رضي العبد أن يخدم مدة الإجارة لرغبته في عتق جميع ثلثه فذلك له, ويعتق ثلثه, ويخدم مدة الإجارة, ثم يبيع ثلثاه على ورثة سيده النصراني, ولا كلام لمن استأجره, وإن أبى العبد أن يخدم في حصة ما يعتق منه ولم يرضى الذي استأجره أن يختدم ما رقّ منه لاستحقاق بعض ما استأجر, كان البيع من جميعه بقدر الإجارة, وعتق ثلث ما بقي, وبيع على الورثة ما بقي بعد ذلك, وإن رضي المستأجر أن يختدم ما رقّ منه للورثة؛ فليبيع من ثلثه بقدر ثلث الإجارة, ويعتق ما بقي من ثلثه ويختدم المستأجر ثلثيه حصة ما رقّ منه للورثة, فإذا تمت الإجارة بيع على الورثة ما رقّ لهم منه إلا أن يسلموا قبل ذلك فيبقى لهم/.

في تدبير المولى عليه, وذات الزوج, والعبد, ومن فيه علقة رق, والدعوى في التدبير ومن العتبية قال ابن القاسم: في المولى عليه يدبر عبده فإن ذلك لا يلزمه ولا بعد رشده, وهو كقول مالك في عتقه. قال: وإن دبرت ذات [66/أ. ص] الزوج ثلث جاريتها لزمها تدبير جميعها, وقد قال مالك: إذا دبرت أمتها وليس لها غيرها فذلك جائز, ولا قول للزوج؛ لأنه لم يخرج من يدها شيء بخلاف عتقها, وهذا كالوصية في هذا المعنى. وقال سحنون ومطرف وابن الماجشون: لا يجوز ذلك إلا بإذن زوجها. قال ابن القاسم: وإذا دبّر العبد أمته بإذن سيده فلا يمسها السيد ولا العبد وهي معتقه إلى أجل, هي من رأس المال, ولا يلحقها دين, وولاؤها لسيدها وإن عتق العبد. وقاله سحنون. ولو وطأها العبد فحملت أوقفت هي وولدها حتى يموت العبد فتعتق, ولو وطأها السيد فحملت؛ لحق به الولد, ولا يقربها, وهي تعتق؛ إما بموت العبد, أو بموت السيد, من مات منهما أولاً عتقت, ولو قيل: يُعجل عتقها حين حملت لكان قولاً. قال عيسى: أرى أن تعتق الساعة. م: صواب, إذ لا خدمة فيها ولا وطأ, كمن أولد أخته من الرضاعة. وقال ابن القاسم: وليس للرجل وطء مدبرةٍ لِمُدَبَرِهِ, ولا لأم ولده, أو لمعتقه إلى أجل؛ وهي كالمعتقات إلى أجل إذ يعتقن من دبرهنّ, وليس لأحد من هؤلاء تدبير إلاّ بإذن السيد, وولاء ذلك للسيد.

قال ابن القاسم: في مكاتب دبر أمته, فعلم بذلك السيد فلم ينكر حتى عجز؛ فلا تدبير له إلا أن يكون أمَرَهُ بتدبيرها, وليس سكوته بشيء وإن علم. قال ابن حبيب عن أصبغ: ولو دبرها المكاتب بإذن سيده, لم يكن له وطؤها حتى يؤدي جميع الكتابة, إذ قد يعجز فترجع الأمة إلى سيدها معتقة إلى أجل. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن ادعى العبد أن سيده دبره أو كاتبه وأنكر المولى؛ لم يلزمه يمين, وهذا مثل العتق, إلا أن يقيم العبد شاهداً فيحلف له السيد, وإن نكل عن اليمين حُبس حتى يحلف. في المعتق إلى أجل والمخدم قال مالك وابن القاسم: ومن قال لعبده في صحته أنت حر بعد موت فلان, أو قال: بعد موته بشهر؛ فهو معتق إلى أجل من رأس المال ولا يلحقه دين, وإن مات السيد قبل موت فلان, خدم العبد ورثة السيد إلى موت فلان, أو إلى بعد موته بشهر إن قال ذلك, وخرج حر من رأس المال, ولو قال ذلك السيد في مرضه عتق العبد في الثلث إلى أجل وخدم الورثة حتى يتم الأجل ثم هو حر, وإن لم يحمله الثلث خيّر الورثة في إنفاذ الوصية أو يعتقوا من العبد محمل الثلاثة بتلا. قال مالك: كل من عال في وصيته على ثلثه فأبت الورثة أن يجيزوا؛ فإنه يقال لهم: أسلموا ثلث مال الميت إلى أهل الوصايا أو أنفذوا ما قال الميت.

فصل قال ابن القاسم: وإن قال لعبده: إذا خدمتني سنة فأنت حر, فخدم بعض السنة ثم مات السيد؛ فليخدم العبد ورثة السيد بقية السنة ثم هو حر في قول مالك. قال: ولو لم يمت السيد ولكن وضع الخدمة عنه؛ فهو حر مكانه, مثل المكاتب إذا وضع عنه سيده كتابته. قال مالك: وإذا قال: له أخدم فلاناً سنة وأنت حر, فمات فلانٌ قبل السنة, خدم العبد ورثة فلانِ بقية السنة, ثم هو حر. ابن المواز: وإن مات العبد قبل السنة وترك مالاً لسيده أو لورثته. ومن المدونة قال مالك: وأما إن قال: اخدم ولدي أو أخي أو ابن أخي أو ابن فلان سنة وأنت حر فيموت المخدم قبل السنة, فإن أراد به الحضانة [66/ب. ص] والكفالة: عجّل عتقه بموت المخدم وإن أراد به الخدمة خدم العبد/ ورثة المخدم بقية السنة ثم هو حر. وإن قال له: أنت حر على أن تخدمني سنة فإن أراد أن يكون العتق بعد الخدمة؛ فذلك له, ولا يعتق حتى يخدم, وإن أراد تعجيل العتقِ وشرط عليه الخدمة, عتق ولا خدمة عليه. وإن قال له: أنت حر بعد سنة, أو إذا خدمتني سنة, قال: هذه السنة بعينها أو لم يقل؛ فهو سواء وتحسب السنة من يوم قوله, وإن أبق العبد فيها أو مرض فصح أو أتى بعد

زوالها؛ عتق ولا شيء عليه, ألا ترى أن من أكرى داره أو دابته أو غلامه فقال أُكريك سنة, إنما يحسب من يوم قوله, ولو قال: هذه السنة بعينها؛ كان كذلك أيضاً. قال ابن القاسم في غير المدونة: فإن قال له السيد: اخدمني سنة وأنت حر فإن أبقت فيها فلا حرية لك أو عليك قضاء ما أبقت فهو كما شرط عليه. م: قال بعض فقهائنا: وكذلك من دبّر عبده وشرط عليه إن أبق فلا حرية له؛ ينفعه هذا الشرط, والمعتق إلى أجل أقوى من المدبر, فإذا جاز هذا الشرط فيه ففي المدبر أولى, وليس كالمكاتب يشترط عليه إن أبقت فلا حرية لك؛ لأن هذا إنما الغرض فيه أداء المال فلا يقدح الإباق في ذلك إن حضر بالمال, وهو إن عجز عن الأداء فسواء أبق أو لم يأبق يعجز بعد التّلوم, والمدبر والمعتق إلى أجل إنما الغرض فيها الخدمة فهو يخلّلها بإباقة للزمان الذي يمضي منها في حال إباقة, وقد ساوى بينهما بعض الناس وهو غلط للعلة التي ذكرنا. وقد قال بعض أصحابنا المتأخرين في المعتق إلى أجل يأبق في الأجل ثم يأتي بعده وقد اكتسب مالاً في حال إباقه: أن للسيد أخذه. وقال غيره: ليس له أخذه, والأول أحب إلينا.

جامع القول في عتق المخدم ومن الموازية: ومن قال لعبده: اخدم فلاناً حياتي فإذا مت فأنت حر؛ فقال ابن القاسم وابن كنانة: هو حر من الثلث؛ لأنه أعتقه بعد موت نفسه. وقال أشهب: هو من رأس المال؛ لأنه قد خرج من ماله في صحته وانقطع ملكه عنه آخر الدهر. قال ابن المواز ذهب أشهب: أن كل من خرج من يد صاحبه في صحته بتلاً لا يرجع إليه منه شيء في حياته ولا إلى ورثته من بعده بوجه من الوجوه, فهو من رأس ماله, وإن كان لا يعتق إلا بموت صاحبه, وهو أصل حسن. وذهب ابن القاسم: أن كل عتق يكون بموت السيد فلا يكون إلاّ من الثلث, وإن كان لا يرجع إلى سيده ولا إلى ورثته أبدا, فأما إن كان عتقه بغير موت السيد من مخدم أو غيره فلم يختلف فيه قول مالك وأصحابه: أنه من رأس المال. ابن المواز: وإن قال: اخدم فلانا حياته فإذا مت أنا فأنت حر؛ فلا اختلاف بينهما أنه من الثلث إذ قد يرجع إلى السيد إن مات المخدم قبله. وإن قال: اخدم فلانا حياتي؛ فإذا مات فأنت حر؛ فهذا من رأس المال؛ لأنه معتق إلى موت غير السيد فهو معتق إلى أجل, وإن كان قد يرجع إلى الورثة بموت السيد وهو كما لو لم يخدمه أحد وأعتقه إلى موت غيره. وإن قال: اخدم فلانا حياة زيد وأنت حر؛ فهذا أيضاً من رأس المال معتق إلى أجل؛ لأن حريته إلى موت غير السيد ويخدم المخدم ورثته على فرائض الله ما دام زيد حياً.

فإن قال: اخدم عبد الله حياة زيد فإذا مات سعيد فأنت حر من رأس المال؛ فإن مات [67/أ. ص] زيد قبل سعيد رجع العبد إلى سيده أو إلى ورثته إن مات يخدمهم على فرائض الله تعالى حتى يموت سعيد, فإن لم يمت زيد اختدمه عبد الله وورثته حتى يموت سعيد فيخرج حرا. وإن قال له: اخدم فلاناً حياته وأنت حر وإن مت أنا فأنت حر؛ فهذا عند أشهب من رأس المال؛ لأنه لا مرجع لسيده ولا لورثته فيه بوجه من الوجوه وعلى مذهب ابن القاسم: ينبغي أن يكون إن مات الأجنبي قبل سيده؛ خرج حرا مكانه من رأس المال, وإن مات السيد قبل الأجنبي خرج من ثلثه؛ فإن عجز الثلث عن شيء منه فرق كان ما رق منه يخدم الأجنبي حياته/, فإن مات خرج ذلك الجزء حرا من رأس المال, وإن كان على سيده دين يغترقه خدم جميعه الأجنبي حياته ثم يخرج حراً. ابن المواز: وإنما يجعل في ثلث سيده خدمته حياة المخدم على الرجاء والخوف كأنه لم يبق فيه رق غير الخدمة. م: وهذا الذي ذكره ابن المواز أنه قول ابن القاسم ذكره ابن سحنون عن أشهب وسحنون.

قال ابن المواز: وإن قال: اخدم فلانا حياته وأنت حر إلا أن أموت أنا فأنت حر؛ فهذا عند أشهب إن مات الأجنبي أولاً ولم يستحدث السيد ديناً يوم قال ذلك؛ عتق من رأس المال؛ وإن لحقه دين فالدين أولى به ولا يعتق, وإن مات السيد أولاً؛ عتق في ثلثه, فإن عجز رق باقيه لورثته؛ لأنه قد استثنى عليه رقاً بقوله إلاّ أن أموت, وهو كقوله: اخدم فلانا حياته وأنت حر إلا أن أموت وهو يخدمه حياته, فإن مات فلان عتق من رأس ماله, ويرده الدين المستحدث, وإن مات السيد قبله رق لورثته وسقطت الخدمة فصار قوله: إلاّ أن أموت رقاً له؛ [فكذلك إذا قال: إلا أن أموت فأنت حر في ثلثي, فإن كان له مال عتق في ثلثه وإلاّ رقّ منه ما عجز عنه الثلث] , وكذلك إذا قال: أنت حر إذا غابت الشمس إلا أن أدخل الدار فنجد فيها فلاناً؛ فالرق يلحقه إذا دخلها المغيب, وسقط أجل مغيب الشمس, وقد أبقى للرق موضعا باستثنائه هذا, فإذ كان فيه أبداً موضع الرق لحقه الدين, ولم يخرج إن مات سيده إلا من الثلث, وكذلك إن قال أنت حر إلى عشر سنين إلاّ أن أموت قبلها فأنت حر؛ فإن حلّت العشر سنين ولا دين عليه عتق من رأس المال, وإن مات السيد قبل ذلك؛ عتق من الثلث أو ما حمل منه ورق ما بقي وسقط عتق الأجل كقوله: أنت حر إلى عشر سنين إن بقيت إليها, وإن مت قبلها فأنت حر فهو من ثلثه وكأنه لم يذكره الأجل, كما لو قال: إلا أن أموت قبل ذلك ولم يذكر عتقاً؛ لأنه يرق ولا يعتق, وإن جاءت العشر سنين بعد موته فذلك يلحقه الدين؛ لأنه رجوع وطرح للأول وهذا كله في كتاب ابن سحنون عن أشهب وسحنون. وفي العتبية: فيمن قال: أنت حر إلى سنة إلاّ أن أموت قبلها فأنت حر حين أموت؛ فقال ابن القاسم: إن مات السيد قبلها عتق في ثلثه, وإن لم يسعه الثلث استخدم باقيه إلى

السنة وعتق, وهو كما قال مالك فيمن قال: أنت حر لأولنا لنفسه موتاً ولرجل آخر فمات السيد فليعتق عليه في ثلثه. قال ابن القاسم: فإن لم يسعه فما بقي استخدم إلى موت الآخر ثم عتق. وقال مالك تقوم رقبته في الثلث. وقال أشهب: بل إنما تقوّم خدمته؛ لأنه ليس فيه لاّ الخدمة. قال ابن المواز وإذا قال: اخدم فلانا حياته فإذا مات فأنت حر وإذا مت أنا فأنت حر؛ فقد تقدم [67/ب. ص] قول ابن القاسم وأشهب فيه, وهو بخلاف قوله: إلا أنه أُستثنى فإن لم يستثن فإنما سرد له العتق وزاد خيراً بمنزلة من قال: أنت حرٌ إلى سنة, وإن قدم أبي فأنت حر؛ فإنما زاده خيراً وهو معتق إلى أجل من رأس المال حلّت السنة وهو مريض أو ميت أو مديان, وأما إن قدم أبوه قبل السنة والسيد غير مريض ولا مديان عتق مكانه, [وإن قدم والسيد مديان عتق من ثلثه, فإن رقّ منه شيء انتظر بما رقّ منه تمام السنة ثم عتق] , وإن قدم والسيد ميت؛ لم يعتق بموته, وإن خرج من ثلثه وترقب السنة ثم هو حر من رأس المال, وإن قدم والسيد مديان بدين محيط؛ لم يعتق إلا أن يجيز ذلك الغرماء, وإلاّ فليؤاجر لهم إن لم يكن السيد أبتله في خدمة أحد فإن استوفوا دينهم من الإجارة قبل السنة عتق إن كان سيده حياً, وإن لم يستوفوا حتى تمت السنة؛ عتق مكانه, كان السيد مريضا أو ميتاً أو ذا دينٍ محيط, وما استحدث من دين بعد مؤاجرة العبد قبل السنة فإنه

يحاصّ به مع الدّين أُجِّر لهم حتى لا يبقى على السيد دينٌ قبل قدوم الأب ولا بعده ولا بعد مؤاجرة العبد إلا دخل في ذلك. وقد جرى من هذا المعنى في العتق, وفيما ذكرنا منه دليل عل ما يراد منه وبالله التوفيق. تم كتاب التدبير بحمد الله وحسن عونه وتأييده ونصره, والصلاة على محمد وآله. يتلوه كتاب المكاتب.

كتاب المكاتب الأول

بسم الله الرحمن الرحيم وصل الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا كتاب المكاتب الأول باب في التحضيض على الكتابة والوضيعة منها قال الله تبارك وتعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور:33] فكان ذلك ندب ندَبَ الله إليه وكذلك قوله: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:33] فضلٌ حض الله عليه. قال مالك: فالكتابة ندبٌ من الله تعالى وليست بواجبة, وبه قال سائر الفقهاء. وروي عن عطاء وعمرو بن دينار أنها واجبة.

والدليل لمالك أن الكتابة لا تخلو أن تكون: ضرباً من البيع؛ لأنه باع العبد من نفسه بالمال الذي جعله عليه, أو عتقاً؛ لأن العبد يفضي بها إلى الحرية. فلما أجمعوا: أنه لا يجبر أحد على بيع عبده, ولا على عتقه, كانت الكتابة كذلك إذ لا تخلو: أن تكون إما عتقاً أو بيعاً. قال ابن الجهم: وأما الوضيعة من أجر الكتابة؛ فأكثر أصحابنا يأمرون بذلك من غير قضاء, ولو كانت واجبة لكانت محدودة, ولا حد لها في كتاب الله ولا في سنة نبيه عليه السلام. وقال غيره: هذه عبرة مأخوذ فيها, والصواب أن يقال: لما كان ذلك غير مقرر في الحال ولا في الآل دل أنه ليس بواجب. ووجه الأخذ في العبارة الأولى: أن صداق المثل في نكاح التفويض وغيره مما يجب فيه صداق المثل واجب وهو غير مقرر في الحال لكنه مقرر في المآل, وكذلك أرش العيوب في البيوع غير مقرر في الحال وهو مقرر في الآل؛ فبان أن العبارة الثانية أحسن. قال بعض علمائنا: ولو كانت واجبة ومقدارها غير معلوم أدى ذلك إلى كون الكتابة مجهولة, ولا يجوز أن تكون الكتابة مجهولة عند العلماء, فاعلم ذلك.

ومن المدونة قال مالك: وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول في قول الله تعالى: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33]: أن يوضع عن المكاتب من آخر كتابته شيئا مسمى. قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت, وعليه أهل العلم وعمل الناس عندنا. قال مالك: وبلغني أن عبد الله بن عمر كاتب غلاماً بخمسة وثلاثين ألف درهم ثم وضع عنه من آخر كتابته خمسة آلاف درهم. قال ابن وهب: وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ربع الكتابة. وقال النخعي: هو شيء خُثََّ عليه المولى وغيره. م: واختُلف في قوله تعالى: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} أما الخير: فقال ابن عباس: إن علمت أن يقضيها. وقال مجاهد: الخير المال, وقال عطاء وتلا: {إِن تَرَكَ خَيْراً} [البقرة:180]. وقال طاووس: قوة وأمانة. ابن الموز: وقال مالك: الخير القوة على الأداء.

في إكراه العبد على الكتابة, وكتابة الصغير, ومن لا حرفة له. روى بعض البغداديين عن مالك: أن للسيد إكراه العبد على الكتابة كما يعتقه عند مالك على أن يبيعه بمال. قالوا: وكمان كان له أن ينكحه ويؤاجره ويعتقه مكرهاً, وهو لا ضرر عليه في الكتابة, وإنما يؤدي ما فضل عن نفقته, فإن قيل: يضر بالعبد لزوال النفقة عن سيده؟ قيل: لا ضرر فيه إذ لا يصلح مكانه من لا حرفة له ولا خير فيه, والخير: المال. وذكر ابن المواز عن أصبغ مثل قول مالك: أن للسيد أن يجبر عبده على الكتابة وإن كره العبد, ولا يكون له الخروج من الكتابة إلا بعجز ظاهر معروف. وقال أشهب وعبد الملك: لا يكاتب الرجل عبده إلا برضاه, ولا يجوز بغير رضاه, وكذلك روي عن ابن القاسم. م: قال ابن شعبان: والدليل أنه لا يُكرَه العبد على الكتابة قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] الآيه. فدل على أنه من لم يبتغها ويجيب إليها لم يلزمها.

والكتابة: أن يجعل بينه وبين عبده كتاباً بما يتفقان عليه لظاهر الكتاب. وقال ابن القاسم في باب بعد هذا/: لا بأس بكتابة الصغير؛ لأن مالكاً قال: لا بأس بكتابة من لا حرفة له, وإن كان يَسأل ويتصدق عليه. وقال أشهب وسحنون: لا يكاتب الصغير؛ لأن عثمان بن عفان قال: لا تكلََّفوا الصغير الكسب, فإنكم متى ما كلفتموه سرق إلا أن تفوت كتابته بالأداء, أو يكون بيده ما يؤدي عنه فيؤخذ من يده ولا يترك بيده فيتلفه بسفهه ويرجع رقاً. قال أشهب: قيل لمالك: فعل تكاتب الأمة التي لا صنعة بيدها ولا لها عمل معروف, فقال: كان عثمان يكره أن تخارج الجارية التي لا صنع بيدها ولا عمل معروف فما أشبه الكتابة بذلك.

ما يحل ويحرم من عقد وشرط في الكتابة روي أن النبي عليه السلام قال: «المكاتب عبد ولو بقي عليه عشرة دراهم». وقال عمر وعثمان وزيد بن ثابت وابن عمر وجماعة من التابعين: هو عبد ما بقي عليه درهم. قال ابن القاسم: والكتابة بالغرر جائزة؛ لأنه عبده يجوز فيما بينه وبينه من الغرر ما لا يجوز بينه وبين الأجنبيين ولا يشبه البيوع ولا النكاح. م: قال أبو محمد: وهذا بخلاف مراباة العبد سيده؛ لأن ذلك تبايع وهذا كالخراج فجائز. وقد قال مالك في غير المدونة: لا يجوز الربا بين العبد وسيده. ابن المواز [68/ب. ص] وقال أشهب: ومن كاتب عبده على عبد آبق أو بعير شارد أو جنين في بطن آمته, أو دين على غائب لا يعلم حاله, فلا أحب ذلك, ولا أفسخ الكتابة

به إن نزلت؛ لإجازة غير واحد الربا بين العبد وسيده, ولا يكون لهذا العبد عتق, حتى يكون لسيده ما شرط عليه ويقضيه. وقال ابن القاسم في العتبية: الكتابة بذلك كله جائزة, فإن لم يأت بذلك وأيس منه فقد عجز. قال أشهب: ولو كاتبه على أنه بريء منه الآن عتق مكانه, وإن لم يقدر السيد على ذلك أبدا. ومن المدونة قال ابن القاسم: وقد قال مالك فيمن كاتب عبده على وصف؛ حمران أو سودان ولم يصفهم: أنه جائز ويعطى وسطا من ذلك الجنس كالنكاح بهم. قال مالك: وإن كاتبه على وصيف أو وصيفين ولم يصفهم جاز وعليه الوسط من ذلك. م: فإن لم يصف الجنس وفي البلد سودان وحمران ولا غالب في ذلك أنه يعطى النصف من كل جنس كمسألة النكاح بذلك وقال نحوه الفقيه أبو عمران رحمه الله. قال بعض شيوخنا: ولم يسم العدد؛ فالكتابة باطل كما بينه في قول غيره: إذا كانت على لؤلؤ غير موصوف. م: وهو الصواب.

وقال غيره من شيوخنا: لا تفسخ الكتابة وتكون عليه كتابة المثل وصفاً ما لم تنقص الكتابة المثل عن وصيفين. قال وكذلك على قول غيره في مسألة اللؤلؤ: عليه كتابة المثل من ذلك ما لم تنقض عن لؤلؤتين, وجعله إذا أوصى أن يكاتب ولم يسم ما يكاتب به: أن الكتابة لا تفسخ ويكاتب بكتابة مثله. وقال غيره من شيوخنا: لا يجوز ذلك في الصحة, ويجوز في الوصية, ويكاتب بكتابة مثله احتياطاً لإنفاذ الوصية وينجم, ونظراً للمريض إذ لا يقدر على استحداث ما أراد من البر. قال ابن القاسم: وكذلك إن كاتبه على قيمته؛ جاز, وينجم عليه بالوسط من قيمته. قال مالك: إذا ما أوصى أن يكاتب عبده ولم يسم شيئاً؛ فإنه يكاتب على قدر ما يعلم الناس من قوته على الأداء, أو إن كاتبه على ألف درهم ولم يذكر أجلاً نجمَّت عليه, وشأن الكتابة: التأجيل والتنجيم, وكذلك إن أوصى أن يكاتب بألف درهم ولم يضرب لها أجلا, وإن كاتبه على عبد فلان جاز, ولا يجوز النكاح على ذلك. قال سحنون: فإن لم يصل إليه فعليه قيمته. قال ابن المواز: لا يتم شيء إلا بعبد فلان.

م: كما قال ابن القاسم: إذا كاتبه على عبد آبق, أو بعير شارد؛ فإن لم يأت بذلك وأيس منه فقد عجز. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن كاتبه على لؤلؤ غير موصوف؛ ولم يجز/لتفاوت الإحاطة بصفته. قال ابن المواز وقال غير ابن القاسم: ذلك جائز في اللؤلؤ وله وسط كالكتابة على وصف لم يسمهم. يريد: وقد ذكر العدد. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن كاتبه على وصيف موصوف فعتق بأدائه, ثم ألفاه السيد معيباً, فله رده, ويتبعه بمثله إن قدر, وإلا كان عليه ديناً ولا يرد العتق. وقد قال مالك في امرأة نكحت على عبد موصوف فألفته معيباً بعد قبضه: أن لها ترده, وتأخذ مثله على صغته فكذلك الكتابة به [69/ب. ص]. قال مالك: وإن كاتبه على طعام موصوف؛ جاز أن يصالحه منه على دراهم معجَلة. قال ابن القاسم: ولا خير في بيعه من أجنبي. قال سحنون: وإنما يجوز هذا على تعجيل عتق المكاتب. قال ابن القاسم: ومما يبين ذلك: أن مالكا قال: لا بأس أن تبيع ما على مكاتبك من ذهب أو ورِق أو عرض حل أو لم يحل من المكاتب بعرض مخالف للعرض الذي عليه أو من صنفه تتعجل ذلك أو تؤخره ولم يره من الدين بالدين, ولا يحل بيعه من أجنبي إلا بثمن معجل, وإن أخره دخله الدين بالدين.

فصل قال ابن القاسم: وإن كاتبه على خدمة شهر؛ فإن عجَل له العتق على خدمة شهر بعد العتق فالخدمة باطل, وهو حر, وإن أعتقه بعد الخدمة لزمت العبد الخدمة. قال أشهب: إذا كاتبه على خدمة شهر؛ جازت الكتابة ولا يعتق حتى يخدم, قال: وقال مالك: كل خدمة اشترطها السيد بعد أداء الكتابة فباطل, وإن شرطها في الكتابة فأدى العبد قبل تمامها؛ فإنها تسقط. م: إذا كاتبه على خدمة شهر فابن القاسم يسأله: هل أراد تعجيل العتق أو تأخيره بعد الخدمة؟ وأشهب يرى: أن العتق مؤخر بعد [الخدمة, كما هو مؤخر بعد أداء الكتابة, إلا أن يشترط تعجيل العتق قبل الخدمة؛ فلا يجوز عندهما, ويعتق مكانه] وتسقط الخدمة. وقال أشهب في كتبه: إذا كاتبه على خدمة شهر فعجَل للسيد قيمة الخدمة؛ لزمه أخذها وعتق مكانه. م: وحكى بعض أصحابنا عن غير واحد من شيوخنا أن ابن القاسم يخالفه في ذلك ويقول: ليس له تعجيل قيمة الخدمة. م: كأنهم رأوه معتقا إلى أجل, وقد قال ابن المواز: فيما يشبهه: أن له تعجيل قيمة الخدمة كقول أشهب ولم يذكر فيه اختلافاً.

وحكى بعض أصحابنا عن بعض شيوخنا القرويين في هذا الذي كاتبه على خدمة شهر: أن له حكم المكاتب لا حكم العتق إلى أجل؛ من أجل لفظهما بالكتابة, فكأن السيد إنما أجره على سنة الكتابة في حيازته ماله, ونفقته على نفسه. م: فإذا كان له حكم المكاتب؛ فينبغي أن يكون له تعجيل قيمة الخدمة, وهذا عندي أصح من الأول, وإنما لا يكون له تعجيل قيمة الخدمة إذا قال له: اخدمني شهراً وأنت من بعده حر؛ فهذا ليس له تعجيل قيمة الخدمة؛ لأنه معتق إلى أجل. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن كاتب عبده واشترط عليه أسفاراً وضحايا فأدى كتابته؛ فإنه إن أدى الضحايا وعجَلها خرج حرا وسقطت الأسفار. قال بعد ذلك: إذا أدى جميع الكتابة وبقيت عليه الضحايا ولم تحلَ؛ فإن عجل قيمتها عجل عتقه على ما أحب السيد أو كره. قال مالك: وليس قيمتها إلى محلها, ولكن قيمتها على أنها حلَت. وكذلك روى أشهب عن مالك في العتبية: أنه إذا عجل الكتابة؛ فكل ما بقي من خدمة وأسفار ساقط, وما كان من الضحايا والرقيق والكسوة؛ فليغرم قيمة ذلك معجلاً ويعتق. وقال أصبغ: عن ابن القاسم: إذا كاتبه وشرط عليه أن يخدمه أربعة أعوام كل يوم جمعة حتى يؤدي كتابته ثم لا خدمة عليه, وشرط عليه جزرة كل فطر وأضحى ما عاش المكاتب. قال: لا أحب الكتابة على هذا, فإن وقعت فهي جائزة.

قال: فإن أدى كتابته قبل محلها أو بعد سقطت الخدمة, ويعمر المكاتب, وينظر إلى قيمة الجزر في تعميره [69/ب. ص] , فإن أدى ذلك عجَل عتقه, وإن لم يكن له مال؛ لم يعتق حتى يؤدي قيمة ذلك قاله مالك. قال ابن القاسم: يؤدي قيمة الجزر حالَة لا إلى أجلها. ومن العتبية قال ابن القاسم: وإذا شرط ألا يخرج من خدمته حتى يؤدي؛ فلا تُفسخ بذلك الكتابة, والشرط لازم/ وإنما هو رجل. قال: إن أديت إلىَ عشرة دنانير في كل سنة مع خدمتك إياي فيها, فأنت حر, فهو جائز وغيره أحسن منه وقد أجاز مالك شرط الأسفار قال مالك: وما كان بعد الكتابة من خدمة فإنها تسقط. وقال أصبغ: لا يعجبني إلزامه الخدمة وذلك ساقط والكتابة جائزة كالشرط على أن يطأها أو يسترق ولدها, إلا خدمة غير مؤقتة لسفر وما أشبهه حتى يعتق. قال ابن المواز: وكل ما اشترطه في الكتابة من خدمة بدنه أو عمل يده فأدى الكتابة وبقى ذلك العمل أو بعضه؛ فإنه ساقط, ولا يؤدي لذلك عوضا؛ لأن خدمة بدنه بقية من رقه, فإذا دخلت الحرية رقبته سقط كل رقَّ يبقى فيه, وكذلك من بتلى عتق عبده لم يجز أن يجعل عليه خدمة يشترطها؛ لأن خدمته بقية من رقه, وكما كان من أعتق بعض عبده يستكمل عليه بقيته حتى لا يبقى فيه شيء من الرَّق, فكذلك كل خدمة تبقى على مكاتب بعد أداء نجومه, أو على عبد بتل سيد عتقه فهي ساقطة؛ لأن ذلك بقية من رقه.

وروى أشهب عن مالك: فيمن عبده على مال وأسفار فلا ينبغي ذلك؛ لأنه لا تتم حرمته وعليه بقية من الرق, وليعطه مكان الأسفار عينا ويتم عتقه. قال ابن المواز: ليس هذا بشيء, ورجع عنه مالك وجميع أصحابه إلا أنه لا يلزمه فيها عوض. قال ابن المواز: وإنما يلزمه ذلك ما دامت الكتابة إلا من جعل عتق عبده بعد قضاء الخدمة والأسفار فيلزمه ذلك ولا يعتق حتى يقضي ذلك أو يعجل قيمته. وروى ابن وهب وأشهب عن مالك فيمن قال لعبده: ابن لي هذه الدار وأنت حر, فمرض, فأراد أن يأتي بمن يعمل ذلك, فذلك له وإن أبى السيد. قال أحمد بن ميسر: في العمل المفهوم كالبناء ونحوه, وأما الخدمة فلا إلاَ أن يرضى السيد؛ لأنه معتق إلى أجل. قال ابن حبيب عن أصبغ في قول مالك: إن عجل الكتابة, سقطت الخدمة المشترطة. قال أصبغ: إلا أن يقول: أعتقك على خمسين دينارا إلى خمس سنين تؤدي إلىَّ كل سنة عشرة على أن تخدمني إلى تمام الخمس سنين على أنك إن أديت جميع النجوم قبل الخمس سنين لم تعتق حتى تنقضي؛ فذلك يلزمه, والشرط فيه جائز, وكذلك لو قال: أنت حر إلى خمس سنين إن أعطيتني خمسين دينارا أو على أن تعطنيها إلى خمس سنين, أو إلى دونها, أو حاُلة؛ فهذا يلزمه تمام الخدمة إلى آخر الأجل وإن عجل المال, فإن انقضت الخمس السنون ولم يؤدَّ المال فلا عتق عليه.

قال أصبغ: وأصله: إن جعل عتقه بعد أمد يسميه؛ فلا يعتق قبله وإن عجَل المال, وأما إن جعل عتقه بعد الغرم؛ فهذا إن عجَل المال عتق, وسقطت الخدمة كمبتل شرط خدمته. م: وحكى بعض أصحابنا عن بعض شيوخه القرويين في قول مالك: إذا عجل الكتابة؛ سقطت عنه كل خدمة, قال: إنما يصح ما قال في الخدمة اليسيرة؛ لأنها في حيَّز التبع فأما لو كان عِظَم الكتابة خدمة وأقلها مالا فعجّل المال, لم يستقم أن توضع عنه الخدمة. م [70/أ. ص]: وهذا الذي قال مخالف لما احتج به ابن المواز في علة إسقاط الخدمة إذ جعله كمن أعتق بعض عبده؛ لأنه جعل الخدمة إنما هي بقية من الرق فلو أعتق رجل عُشَر عبده لا ستتم عليه هتق بقيته, فكذلك إذا كانت الكتابة عُشر قيمة الخدمة فعجّلها؛ لسقطت الخدمة والله أعلم. فصل ومن المدونة قال مالك: ومن شرط على مكاتبه أنه إن عجز عن نجم من نجومه فهو رقيق, وإن لم يؤد نجومه إلى أجل كذا فهو رقيق؛ لم يكن للسيد تعجيزه بما شرط, ولا يعجزه إلا السلطان بعد أن يجتهد له في التلّوم بعد الأجل, فإن رأى له وجه إذا تركه وإلا عجّزه والقطاعة كذلك في التلوم بعد الأجل. قال ابن القاسم: ومن العبيد من يرجى له مال في التلَّوم ومنهم من لا يرجى له. ابن وهب وقد أُتي عمر عبد العزيز بمكاتب وقد أخنى/ ببعض شروطه التي شُرطت عليه.

م: يريد: عجز عنها, فقال عمر لسيد: خذه فهو عبدك, لعمري ما يشترط الناس إلا لتنفعهم شروطهم. وقال ابن شهاب: إن لم يف المكاتب بما اشترط عليه وخالف إلى شيء مما نهي عنه؛ فلسيده رد كتابته, ويطيب له ما أخذ منه, وإن رجل كاتب غلاما له صانعاً على عشرين ألف درهم وغلاما يعمل مثل عمله, فأدى العشرين ألف درهم ولم يجد غلاما يعمل كعمله فخاصمه إلى عمر بن الخطاب فقضى عمر على الغلام فعتقه سيده بعد أن قضى عليه عمر. م: وحكي عن بعض فقهائنا: فيمن شرط على مكاتبه أنك إن شربت خمراً أو نحو ذلك فأنت مردود في الرَّق؛ ففعل العبد ذلك؛ أن ليس للسيد أن يرده في الرق من أجل هذا الشرط, وليس كالمعتق إلى أجل يشترط عليه إن أبقت فلا حرية لك هذا له شرطه. والفرق بينهما: أن ما يفعله المعتق من الإباق ضرر على سيده؛ لأنه يخل بمنافعه, وما أحدث المكاتب من شرب الخمر فلا يخل بنجومه, فإذا لم يعجز عنها لم يقدح شرب الخمر فيها, فلا ينفع السيد شرطه والله أعلم. م: قول ابن شهاب إذا لم يوف المكاتب بما شرط عليه وخالف إلى شيء مما نهي عنه: فللسيد رد كتابته؛ خلاف ما قالوا, ووجب رد كتابته, والله أعلم. ومن المدونة قال ابن القاسم: وحكم المكاتب حكم الأرقاء في الميراث والشهادة والحدود وغيرها حتى يؤدي ما عليه.

وروى ابن وهب أن أمهات المؤمنين كان يكون لبعضهنَّ المكاتب فيكشف له الحجاب ما بقى عليه درهم, فإذا قضاه أرخيته دونه وقد تقدم الحديث: (أن المكاتب عبد ما بقى عليه درهم). فصل قال ابن القاسم: وإن كاتب عبد على ألف دينار على أنه إذا أدى وعتق فعليه مائة دينار؛ فذلك جائز؛ لأن مالكا قال: من أعتق عبده على أن للسيد على العبد مائة دينار ذلك جائز على العبد. قال ابن المواز: ويتبعه بالمال ولا يحاص به الغرماء. وقال سحنون في المستخرجة قول مالك: أنت حر وعليك, أو أنت حر على أن عليك؛ سواء, وهو حر وعليه ما سمي, وبه أقول. وقال ابن القاسم: في قوله: أنت حر على أن عليك: يخيّر العبد؛ فإن شاء بتات العتق على أن يتبع بذلك فذلك, وإن كره أن يكون غريما فلا حرية له. م: وقد تقدم إيعاب هذا في كتاب العتق الثاني. قال ابن القاسم: ومن كاتب أمته على ألف دينار نجّمها عليها على أن يطأها ما دامت في الكتابة [70/ب. ص]؛ بطل الشرط وجازت الكتابة, وقيل له: لم لا يُبطل الشرط الكتابة إنما باعها نفسها بما سمى من المال على أن يطأها, ويكون كمن باع جاريته على أن يطأها

البائع إلى أجل كذا؟ فقال: لا تشبه الكتابة البيع؛ لأن البيع لا يجوز فيه الغرر، والكتابة يجوز فيها الغرر، قد أخبرتك أنه إذا كاتب عبده على وصف أو لم يصفهم أنه جائز ولا يجوز ذلك في البيع، فلذلك يبطل الشرط هاهنا، وتصح الكتابة، وكذلك إن أعتق أمته إلى أجل على أن يطأه فيه؛ فالشرط باطل وهي حرة إذا مضى الأجل، وقد قال مالك: فيمن شرط على مكاتبته أن ما ولدت في كتابتها هو عبد؛ أن هذا ليس من سنة الكتابة، ولا تكون الكتابة إلا على سنتها، والسنة: أن ما حدث للمكاتب من أمته، وللمكاتبة من ولد بعد الكتابة فهو بمنزلتها يرق برقها ويعتق بعتقها، قلت: فمن كانت أمته واستثنى ما في بطنها قال من قول مالك: أن من أعتق أمته واستثنى ما في بطنها أنه لا يجوز، وتكون حرة بما في بطنها، وكذلك المكاتبة تثبت الكتابة ويسقط الشرط في ولدها. م: وذكر ابن المواز قول ابن القاسم في شرط وطئ المكاتبة واسترقاق ما تلد، وما يولد للمكاتب من أمته مثل ما في المدونة؛ أن الشرط يفسخ وتمضي الكتابة. قال وقال أشهب عن مالك في ذلك كله: تفسخ الكتابة ولو لم يبق منها إلا درهم واحد، إلا أن يرضى السيد بطرح الشرط، وإن لم يستبق لذلك حتى أدوا الكتابة؛ فولد المكاتب والمكاتبة حر معهما وكذلك ما في بطن المكاتبة. وقال ابن المواز في ذلك كله: إذا أدى ولو نجماً واحداً بطل الشرط، ومضت الكتابة، فأما قبل أن يؤدوا منها شيئاً؛ فالسيد مخير بين أن يبطل الشرط أو يفسخ الكتابة. قال ابن المواز وقال ابن القاسم وأشهب: لو كان الشرط من المكاتب على سيده: أن ما تلد زوجته وهو أمة للسيد فهم معه في الكتابة؛ فذلك جائز، وما تلد ففي الكتابة، فإن باعها السيد ووهبها لم يدخل بعد ذلك ما تلد في الكتابة. م: قال أبو محمد: يريد باعها ولا حمل بها.

قال ابن المواز: ولو كاتب السيد زوجته على حدة؛ سقط شرط المكاتب في ولدها. م: يريد ما تلد بعد كتابتها، ولا يجوز أن يشترطهم الأب، فإن لم يستفق لإبطال شرطه حتى ولدت فسد شرطه فيما لم يولد بعد، وما لم يولد قبل إبطال الشرط وبعد كتابة الأم فهو مع كتابة الأب والأم يعتق مع أولهما عتقاً، ويسعى معهما معونة لهما، ويرث من مات من أبويه قبل العتق، فإذا أعتق مع أولهما لم يبق له مع الثاني سعاية ولا موارثة وما ولد لها بعد إسقاط الشرط ففي كتابتها خاصة. في قطاعة المكاتب، وقطاعة أحد الشريكين له، وتبديته بأخذ حصته قال مالك: الأمر عندنا فيمن قاطع مكاتبه بذهب على إن وضع عنه مما عليه من الكتابة ويعجل ما قاطعه عليه: إنه لا بأس به، وإنما كره ذلك من كره؛ لأنه جعله كالدين يكون لرجل على رجل فيضع عنه منه وينقده، وليس الكتابة مثل الدين؛ لأنه إنما قاطع عبده على مال يعجل به عتقه، وتمت حريته في الشهادة والميراث، وهو كمن قال لعبده: إن جئتني بكذا فأنت حر، ثم قال له: إن جئتني بأقل منه فأنت حر، وليست الكتابة بدين ثابت، ألا ترى أنها لا يحاص بها السيد غرماء المكاتب في فلس ولا موت.

قال: ولا بأس أن يقاطعه على أن يؤخره ويزيده، أو يجعل ما عليه من دين حل أو لم يحل في عرض ويؤخره به إذ ليس بدين ثابت، وكذلك لو كانت الكتابة دراهم ففسخها في دنانير إلى أجل لم يكن به بأس، قال سحنون: وذلك إذا عجل عتقه. قال ابن شهاب: لم يكن أحد من الصحابة ينفي المقاطعة على الذهب والورق إلا ابن عمر فكره ذلك إلا أن يعطي عرضاً. قال مالك في العتبية وكتاب محمد: وكل من اشترى كتابة المكاتب فهو كالسيد في جميع ما ذكرنا. ومن المدونة قال مالك: ولا بأس أن يستأجر السيد مكاتبه بما عليه من الكتابة في عمل يعمله أو يقاطعه على أن يحفر له بئراً طولها كذا ويبني له بيتاً طوله كذا. قال سحنون: إذا كانت القطاعة يعملها بيديه فذلك لا يجوز؛ لأن كل خدمة تبقى عليه بعد عتقه فهي ساقطة، وإن كانت عليه ديناً عاش أو مات. والقطاعة جائزة إذا تعجل العتق بما قاطعه وإن لم يتعجل العتق لم يجز وكان ديناً بدين. وقد كره مالك الربا بين العبد وسيده فكذلك مكاتبه لا يجوز ذلك بينهما إلا أن يتعجل العتق. ومن الحوالة قال ابن القاسم: وإن أحالك مكاتبك بالكتابة على مكاتب له وله عليه دين مقدار ما على الأعلى؛ لم يجز إلا أن تبت أنت عتق الأعلى فيجوز، فإن عجز الأسفل

كان رقاً لك ولا ترجع على المكاتب الأعلى بشيء؛ لأن الحوالة كالبيع، وقد تمت حرمته. قال ابن القاسم: ولا تجوز حمالة بكتابة الأعلى تعجيل العتق، وأما الحوالة فإن أحالك على من لا دين له قِبَله لم يجز؛ لأنها حمالة فلا تجوز إلا على تعجيل العتق، وإن كان له عليه دين حل أو لم يحل جازت الحوالة إن كانت الكتابة قد حلت، ويعتق مكانه، وكذلك إن حل عليه نجم فلا بأس أن يحيلك به على من له عليه دين حل أو لم يحل ويبرأ المكاتب من ذلك النجم، وإن كان آخر نجومه كان حراً مكانه، وإن لم يحل النجم لم يجز أن يحيلك به على من له عليه دين حال؛ لأن ذلك ذمة بذمة، وربا بين السيد ومكاتبه، وكذلك إن لم تحل الكتابة لم تجز الحوالة بها وإن حل الدين؛ لأنه فسخ دين لم يحل في دين حل أو لم يحل، وقد كره مالك: بيع الكتابة من أجنبي بعرض أو غيره إلى أجل؛ لأنه دين بدين ووسِّع في هذا بين السيد ومكاتبه، فلذلك كرهنا الحوالة على الأجنبي إذا لم تحل الكتابة؛ لأنه يكون ديناً بدين. وقال أشهب: تجوز الحوالة وإن لم تحل الكتابة ويعتق مكانه؛ لأن ما على المكاتب ليس بدين ثابت وكأنه عجل عتقه على دراهم نقداً أو مؤجلة والكتابة دنانير لم تحل، وكمن قال لعبده: إن جئتني بألف درهم فأنت حر، ثم قال له: إن جئتني بخمس مائة درهم أو

بعشرة دنانير فأنت حر؛ فإن جاء بها كان حراً ولم يكن بيع فضة بذهب، ولا فسخ دين في أقل منه، وكأن لم يكن قبله إلا ما أدى. ابن المواز: وهذا أقيس القولين وأجوزهما، وإنما مكروهه عند ابن القاسم فيما أظن: فيما لا يخرج به المكاتب حراً كله مكانه فلم يجز أن يحيله إلا بما قد حل من نجومه، وأما ما لم يحل منها فلا يجوز عنده إلا أن يعتق بذلك مكانه فتنفذ الحرية ويجوز ذلك فيه. وقد قال: لا يجوز الضمان بالكتابة ولا الحول بها ولا الأخذ عليها إلا بتعجيل العتق، فإنه يجوز. قال ابن المواز: صواب كله إلا في الحوال على حق المكاتب على رجل برضا السيد؛ فهو جائز، وإن كان بعض النجوم، وقد برئ المكاتب من ذلك. وفي كتاب الحوالة زيادة في هذا. فصل ومن كتاب المكاتب قال مالك الأمر المجمع عليه عندنا في المكاتب يكون بين الرجلين: أنه ليس لأحدهما أن يقاطعه على حصته منه إلا بإذن شريكه؛ وذلك لأن العبد وماله بينهما فلا يجوز لأحدهما أن يأخذ من ماله شيئاً إلا بإذن شريكه، فإن أذن له فقاطعه من عشرين مؤجلة في حصته على عشرة معجلة ثم عجز المكاتب قبل أن يقبض هذا مثل

ما أخذ المقاطع؛ خُيِّر المقاطع بين أن يرد إلى شريكه نصف ما فضله به ويبقى العبد بينهما، أو يتماسك بما قبض، ويسلم حصته من العبد إلى شريكه رقاً. قال ابن المواز: ولو كان إنما قاطعه من العشرين على عرض أو حيوان؛ نظر إلى قيمة ذلك نقداً يوم قبضه، ثم رد فضلاً إن كان عنده، وأخذ حصته من العبد إن شاء، وإن كان قاطعه على شيء له مثل من مكيلٍ أو موزونٍ رد مثله ورد الآخر كلما قبض وكان بينهما نصفين مع رقبة العبد إلا أن يشاء أن يتماسك بما قاطعه به ويسلم حصته من العبد لشريكه فذلك له. ومن المدونة قال مالك: ولو مات المكاتب عن مال: فللآخر أن يأخذ جميع ما بقي له من الكتابة بغير حطيطة، حلت أو لم تحل، ثم يكون ما بقي من ماله بينه وبين الذي قاطعه على قدر حصصهم في المكاتب وقاله ابن المسيب. قال ابن المواز: إذا قاطع أحدهما بإذن شريكه فاقتضى المتمسك أكثر مما أخذ المقاطع أو مثله ثم عجز المكاتب؛ لم يرجع عليه المقاطع بشيء، وبقي العبد بينهما، ولو مات ولم يدع مالاً أو ترك شيئاً يسيراً ليس فيه مثل حق المتمسك ولا مثل ما أخذ المقاطع؛ لم يرجع المتمسك على المقاطع بشيء مما عنده من الفضل، ولو لم يأخذ المقاطع جميع ما قاطعه عليه حتى مات المكاتب ولم يترك إلا أقل مما بقي عليه من الكتابة لتحاصا فيه جميعاً؛ المقاطع مما بقي له من قطاعته، والمتمسك بجميع ماله في الكتابة. م: قال بعض أصحابنا: ولو لم يقبض المقاطع شيئاً مما قاطعه عليه، وقبض الذي لم يقاطعه شيئاً، ثم عجز المكاتب؛ فقال بعض شيوخنا من القرويين: إن كان الذي لم يقاطع

إنما قبض عند حلول كل نجم فلا رجوع للمقاطع عليه بشيء؛ لأنه رضي بتأخير المكاتب وترك لصاحبه ما أخذ وإن كان إنما عجل له المكاتب شيئاً قبل أجله فله فيه متكلم. م: قال بعض أصحابنا: فيكون للمقاطع أن يأخذ من صاحبه نصف ما اقتضى. م: والذي أدى إن اقتضى المتماسك نجماً مما حل عليه، فقام عليه المقاطع فيلتحاصا فيه؛ المقاطع بقدر ما قاطعه عليه، والمتمسك بقدر النجم الحال؛ لأن ذلك قد حل لهما جميعاً عليه فيتحاصا فيه بقدر ما حل لكل واحد، وأما إن عجل للمتمسك النجم قبل محله فللمقاطع القيام عليه فيأخذ منه قدر ما قاطعه عليه، فإن فضل شيء كان للمتمسك؛ لأن حق المقاطع قد حل، وحق الآخر لم يحل، فتعجيله له قبل أجله هبة منه له؛ فللمقاطع رد هبته وأخذها في حقه والله أعلم. وهذا إذا لم يكن له مال غيره فإن كان له مال يأخذ منه المقاطع حقه أخذه منه وتم للآخر ما عجل له، ولو كان إنما قاطعه بغير إذن شريكه، وعلم

بذلك قبل عجز المكاتب وقبل موته؛ فإن ما قبض المقاطع يكون بينهما إلا أن يسلمه له شريكه ويتمسك هو بالكتابة، فيصير كأنه قاطعه بإذنه، فإن لم يرض فله أخذ نصف ما أخذ المقاطع؛ لأن العبد وماله بينهما فليس لأحدٍ أن يأخذ من ماله شيئاً إلا بإذن شريكه. وقال بعض المتأخرين غير هذا، وهو خطأ. قال ابن المواز: ولو قاطعه بغير إذن شريكه ثم عجز المكاتب عن حق المتمسك أو مات وقد استوفى المتمسك مثل ما أخذ منه المقاطع، أو ترك الميت مالاً يأخذ الآخر منه ما بقي له، أو مثل ما أخذ المقاطع؛ فلا حجة للمتمسك على المقاطع، لا يختلف في ذلك ابن القاسم وأشهب، واخلفا: إذا عجز ولم يأخذ المتمسك إلا أقل مما أخذ المقاطع؛ لاختلاف قول مالك، فقال ابن القاسم: الخيار هاهنا للمتمسك؛ بين أن يرجع على المقاطع بنصف ما فضله به على ما أحب أو كره، ويكون العبد بينهما أو يتماسك بالعبد كله، ولا يكون للمقاطع أن يرد نصف الفضل، ويرجع بنصيبه في رقبة العبد، بخلاف المقاطع بإذن شريكه، ورواه عن مالك في موطئه. وقال أشهب: إذا تمسك هذا بالعبد رجع الخيار للذي قاطع، فله رد نصف الفضل ويكون له نصف العبد. قال ابن المواز: لأنه يصير كأنه قاطعه بإذنه أو علم به فرضي. ورواه عن مالك ابن المواز، وعليه من أرضى من أصحاب مالك. قال مالك: وكان ربيعة: يكره أن يقاطع أحد الشريكين وإن أذن شريكه، ويقول: إن فعل ثم مات العبد: فميراثه للذي لم يقاطع، والذي تقدم من قول مالك هو قول ابن المسيب وعليه جميع أصحاب مالك.

ابن المواز: قال مالك في مكاتب بين رجلين قاطعه أحدهما على نصف نصيبه على مائة وجميع الكتابة ثمانمئة وأبقى الربع الآخر مكاتباً بإذن شريكه؛ فذلك جائز، فإن عجز العبد قبل أن يستوفى المتمسك شيئاً، قيل للمقاطع: إن شئت فاردد على شريكك نصف ما فضلته به ويكون العبد بينكما، وإن أبيت من ذلك بقي لك ربع العبد ولشريكك ثلاثة أرباعه. قال: ولو قبض منه المتمسك مثل ما أخذ المقاطع في القطاعة وذلك مائة؛ كان المقاطع أيضاً بالخيار في عجزه إن شاء سلم للمتمسك ما أخذ وكان له نصف العبد شاء المتمسك أ, أبى، [وإن شاء أخذ منه ثلث المائة] وكان له ربع العبد، وللمتمسك ثلاثة أرباعه، وكذلك إن قبض المتمسك ما بقي فللمقاطع أخذ ثلثها وإن كره صاحبه، ويكون للمقاطع ربع العبد فقط، وإن شاء أخذ منه خمسين؛ نصف ما فضله به ليستويا في الأخذ، ويكون العبد بينهما نصفين. م: يريد ولو قبض المتمسك ثلاثمائة لرجع عليه المقاطع فأخذ منه مائة حصة ما بقي له من العبد مكاتباً، وبقي العبد بينهما نصفين؛ لاستوائهما في الأخذ. قال ابن المواز: وإنما خير المقاطع إذا قبض المتمسك ما يتبين أو أقل؛ لأن المقاطع لم يقبض غير ما قاطع عليه، وكان حقه أن يأخذ الثلث من كل ما يقتضي؛ لأن له ربع المكاتب مكاتباً، ولشريكه نصفه، فإن شاء أخذ ذلك ثم له أن يختار التماسك بما قبض ويكون له ربع العبد، أو يرد ما فضل به صاحبه ويكون له نصف العبد.

م: انظر لم هذا؟ وإنما كان ينبغي إذا عجز قبل أن يستوفي المتمسك شيئاً؛ أن يقال للمقاطع: إن شئت فاردد إلى شريكك نصف ما فضلته به ويكون العبد بينكما، وإن أبيت من ذلك بقي لك ثلث العبد ولشريكك ثلثاه؛ لأنك أبقيت ربع العبد مكاتباً لك، ولشريكك نصفه مكاتباً فله مثل مالك فيه فيكون بينكما أثلاثاً، كما لو كان العبد بين ثلاثة: لواحد نصفه، وللآخرين ربعاً ربعاً، فقاطعه واحد من الذين له ربعه بإذن شريكه ثم عجز العبد قبل أن يقبض المتمسكان شيئاً؛ فإنه يقال للذين قاطع: اردد إلى شريكيك ما فضلتهما به، ويبقى العبد بينكم حسب ما كان، فإن أبيت بقي العبد بين شريكيك أثلاثاً لصاحب الربع ثلث، ولصاحب النصف ثلثاه، فكذلك إذا كان بينهما فقاطع أحدهما نصف نصيبه؛ الحكم سواء. م: والمسألة في الموطأ نحو ما ذكر في كتاب ابن المواز. م: ووجه هذا: أن المقاطع لما رضي بما قاطعه به سيده فقد سلم ذلك الربع لشريكه خاصة؛ لأنه قد أخذ عوضه فوجب ألا يعود إليه منه شيء والله أعلم بالصواب. ابن المواز: ولو قاطعه أحدهما بإذن شريكه من الأربعمائة، حصته على مائة وقبضها منه ثم زاده الآخر في النجوم على أن يزيده المكاتب على حصته مائة ورضي بذلك شريكه فذلك جائز.

م: هذا لا يجوز على ما يتبين. سحنون: لأنه لم يتعجل عنقه. قال ابن المواز: وإن عجز قبل أن يأخذ المزاد شيئاً؛ خير المقاطع: بين رد نصف ما فضله به ويكون العبد بينهما، أو يتماسك ويسلم العبد لشريكه، وإن قبض المزاد مثل ما أخذ المقاطع أو أخذ جميع حقه الأول بلا زيادة بقي العبد بينهما، وإن كان إنما مات العبد قبل أن يأخذ المزاد شيئاً وترك مالاً فليأخذ منه المزاد جميع ماله عليه من حقه الأول والزيادة، فإن فضل بعد ذلك شيء كان بينه وبين المقاطع نصفين، وإن لم يترك شيئاً لم يرجع المزاد على المقاطع بشيء. وذكر عن الفقيه ابن عمران -رضي الله عنه-: في المكاتب بين الرجلين يقاطعه أحدهما بإذن شريكه ثم يقتل العبد فتؤخذ قيمته من القاتل. قال: قيمته مثل تركته وليست كرقبته؛ لأن القيمة مال كتركته ومن جنس ما أخذ المقاطع، والرقبة معينة تقع الرغبة فيها، فلذلك بديناه فيها فيكون المبدأ بأخذه ما بقي له الذي لم يقاطع، ويكون ما بقي بينهما. وقال غيره: القيمة عوض من الرقبة؛ فإن كان فيها مثل ما أخذ المقاطع أخذه المتمسك، وإن كان أقل أو أكثر كان كالجواب في عجزه. م: والأول أصوب؛ وذلك كالمكاتبين يقتل أحدهما أن قيمته كتركته يعتق فيها صاحبه أو ولده فكذلك قيمته هاهنا كتركته والله أعلم. ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم في مكاتب بين ثلاثة قاطع أحدهم بإذن صاحبه وتمسك الثاني ووضع الثالث ثم عجز العبد: فإن رد الذي قاطع نصف ما قاطع به

إلى المتمسك كان العبد بين الثلاثة بالسواء، وإن أبى كان العبد بين المتمسك وبين الذي وضع نصفين. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن حل نجمٌ من نجوم المكاتب بين الرجلين؛ فقال أحدهما لصاحبه: بدني به وخذ أنت النجم المستقبل ففعل ثم عجز العبد عن النجم الثاني؛ فليرد المقتضي نصف ما قبض على شريكه؛ لأن ذلك سلف منه له ويبقى العبد بينهما، ولا خيار للمقتضي، بخلاف المقاطعة، وهذا كقول مالك في الدين يكون لهما منجماً على رجل فبدّى أحدهما صاحبه بنجم على أن يأخذ هو النجم الثاني ثم أفلس الغريم في النجم الثاني؛ أنه يرجع على صاحبه لأنه سلف منه له. قال في كتاب ابن المواز: إلا أن يعجز المكاتب أو يموت قبل محل النجم الثاني فليس له أخذه به حتى يحل النجم الثاني. قال ابن المواز: ولو حل النجم الثاني قبل عجزه فتعذر على المكاتب وانتظر لما يرجى له كان على الشريك أن يعجل لشريكه سلفه ثم يتبعان المكاتب جميعاً بالنجم الثاني. وقال ابن القاسم في العتبية: إذا قدمه بنجم ثم حل نجم بعده فقال له: تقاض أنت وأنا واقضي ما أسلفتك، فليس ذلك عليه ولا له قبله شيء إلا أن يعجز المكاتب.

قال محمد: وكذلك لو حل على المكاتب نجم فلم يجد إلا نصفه فجاء به فقال الشريك: آثرني به وخذ أنت حقك في النجم الثاني، ففعل، كان أيضاً سلفاً منه لشريكه، يرجع عليه بحصته إن عجز المكاتب قبل أن يستوفي. ولو قال الشريك: آثرني به وانظر أنت المكاتب؛ فرضي على هذا الشرط، أو كان إنما سأله المكاتب أن يدفع ذلك لشريكه وينظره هو بحقه، لكان ذلك انتظاراً منه للمكاتب في الوجهين، ولا يرجع به على الشريك إن مات المكاتب ولا شيء له إن عجز، ويكون العبد بينهما، وهذا إذا لم يكن فيسما جاء به زيادة على حق أحدهما، فأما لو كان فيه زيادة فأخذ ذلك الشريك بإذن شريكه واشترط فيه انتظار المكاتب، لم يلزم ذلك في الزيادة؛ لأن الزيادة من مصابة الذي لم يقبض، وقبض هذا لها كقبض صاحبها فإنما قبضها عنه وأحال بها القابض شريكه فيما لم يحل له، فإن لم يدفع ذلك المكاتب رجع الشريك بذلك على شريكه، وإنما الإنظار فيما قد حل لا فيما لا يحل. قال: ولو سأل المكاتب أحدهم قبل محل شيء أن يؤخره بحصته من الكتابة كلها حتى يتم اقتضاء الآخر فرضي له بذلك؛ فذلك لازم لا رجعة له فيه بخلاف ما أحضره المكاتب؛ لأنه بإحضاره وجب لهما فإن كان جميع ما حل عليه من الكتابة فهو سلف من الشريك لشريكه لا يجوز فيه اشتراط أنه نظره منه للمكاتب لما قدمنا، وإن كان [نصف ما حل عليه] لا زيادة فيه فجائز للشريك أن يأس شريكه أن يسلم له ذلك، وينظر هو

المكاتب بحصته فيلزم ذلك، ولا رجعة له على شريكه حسب ما بيننا وبالله التوفيق. ومن المدونة: ولو أخذ أحدهما جمع حقه من المكاتب بعد محله بإذن صاحبه فأخره صاحبه ثم عجز المكاتب؛ فلا رجوع للذي أخره على المقتضي، ويعود العبد بينهما، وهذا كغريم لهما قبض أحدهما حقه منه بعد محله وأخره الآخر ثم فلس الغريم؛ فلا يرجع الذي أخره على المقتضي بشيء؛ لأنه لم يسلف المقتضي شيئاً فيتبعه به ولكنه تأخير لغريمه. قال ابن القاسم: وإن تعجل أحدهما جميع حظه من النجوم قبل محلها بإذن شريكه ثم عجز المكاتب عن نصيب شريكه؛ فهذا يشبه القطاعة عندي في عجز المكاتب إذا لم يكن له ذلك إلا بإذن شريكه، وقيل: ليس كالقطاعة، ويعد ذلك سلفاً من المكاتب للمتعجل وأما القطاعة التي أذن فيها أحد الشريكين لصاحبه فهي كالبيع؛ لأنه حظه على ما تعجل منه ورأى أنه ما قبض أفضل له من حظه في العبد إن عجز. م: وبهذا أخذ ابن المواز ولم يعجله قول ابن القاسم: أنه كالقطاعة، ولا قول عبد الملك، وذكر أن عبد الملك يقول فيها: أنه إن عجز المكاتب قبل أن يحل عليه شيء من النجوم فليرجع على شريكه بنصف ما قبض وهو سلف من الشريك له، وإن عجز وقد حل شيئاً منها؛ فإنه يمضي للقابض نصيبه مما قد حل، ويخرج ما فضل عنده من ذلك ومما لم يحل؛ فيكون بينه وبين شريكه مع رقبة العبد مثل أن يعجز وقد حل عليه نجمان كل نجم عشرة لكل واحد خمسة من كل نجم فليجلس المقتضي حقه من النجمين وهو عشرة

باب في كتابة الجماعة، والتراجع بينهم، وتعجيل أحدهم الكتابة، وعتق السيد بعضهم [وتدبيره أحدهم، وكتابة الجماعة لعبيدهم] والحمالة في ذلك

ويخرج ما بقي منهما وهو عشرة مع سائر النجوم التي لم تحل مما قد اقتضاه، فيكون ذلك بينهما نصفين مع رقبة العبد. ومن المدونة ابن وهب: وقال ربيعة: قطاعة الشريك بخلاف عتقه لنصيبه الذي يقوم عليه بقيته، ولكنه كشراء العبد نفسه. م: قوله ولكنه كشراء العبد نفسه يريد: كشرائه من أحد سيديه حصته منه؛ فإنه لا يقوم عليه كما لا يقوم على المعتق بغير عوض، ولكنه ينظر: فإن كان ذلك بمعنى الكتابة؛ فإنه يرجع رقيقاً ويقتسمان المال إن أحبا. باب في كتابة الجماعة، والتراجع بينهم، وتعجيل أحدهم الكتابة، وعتق السيد بعضهم [وتدبيره أحدهم، وكتابة الجماعة لعبيدهم] والحمالة في ذلك. قال مالك: ولا بأس أن يكاتب الرجل عبيده في كتابة واحدة ويكون كل واحد ضامن عن بقيتهم وإن لم يشترط ذلك السيد، ولا يعتق أحد منهم إلا بتمام أداء الجميع، ولسيد أخذهم بذلك؛ فإن لم يجد عند جميعهم فله أخذ المليء بالجميع، وهذا سنة الكتابة، بخلاف حمالة الديون، لو أن ثلاثة تحملوا لرجل ولم يشترط عليهم أن كل واحد حميل بما على صاحبه؛ لم يكن على كل واحد منهم إلا ثلث ذلك المال إلا أن يشترط عليهم: أن كل واحد حميل بجميع المال؛ فله أخذه به وتمام هذا في كتاب الحمالة.

قال ابن المواز: وله أن يكاتب كل واحد من عبيده في كتابة، ويتحمل بعضهم ببعض، ولكن لا يبيع واحداً منهم، ولا بعض كتابه، ولا يعتقه بغير إذن صاحبه وإسقاط ضمانه. قال أبو محمد: إنما يعني محمد: أن ذلك في عقد واحد، ويلزم على ما قال: إن أدى واحد قبل الآخر لم يعتق حتى يؤدي الآخر، قال: ولا بأس أن يتحمل عبد له بمكاتب له ويضمن عنه الكتابة بخلاف الأجنبي. ومن المدونة قال مالك: ولا يوضع عن المكاتبين في كتابة شيء لموت أحدهم. قال ابن القاسم قال مالك: وإذا كوتبوا جميعاً كتابة واحدة؛ قسمت الكتابة عليهم على قدر قوتهم عليها، وأدائهم فيها، لا على قيمة رقابهم. قال في كتاب ابن المواز: تفض الكتابة عليهم على قدر غنائهم ورجائهم يوم عقدت فقد يكون من لا يملك شيئاً أرجا لبعد اليوم ممن عنده اليوم الغناء فليجعل على كل واحد منهم بقدر ما كان يطيق. قال ابن القاسم: على قدر قوته وحدته واجتهاده يوم عقدت الكتابة. ابن المواز وقال عبد الملك: بحصته على العدد، وكذلك إن استحق أحدهم وهم أربعة سقط عنهم ربع الكتابة.

ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا أدى أحدهم الكتابة حالة رجع على أصحابه بحصصهم منها على النجوم. م: يريد: على ما يقع على كل واحد من الكتابة يوم عقدت على ما بيننا ويدخله الاختلاف. وكى ابن حبيب عن ابن القاسم: أنه يرجع عليهم على قدر قوتهم على الكتابة. وقال أشهب: على قدر قيمتهم يوم كوتبوا. وقال مطرف وابن الماجشون: على قدر قيمتهم يوم عتقوا ليس لوم كوتبوا. وقال أصبغ: على قدر قيمتهم يوم كوتبوا، أو حالهم يوم عتقوا، لو كانت هي حالهم يوم كوتبوا. وأخذ ابن حبيب بقول مطرف وابن الماجشون. م: وهو خلاف ما ذكر محمد عن ابن الماجشون. م: فصار في فض ما أدى عنهم خمسة أقوال: قول: على قدر قوتهم عليها. وقول: على قدر عددهم. وقول: على قدر قيمتهم يوم كوتبوا.

وقول: على قدر قيمتهم يوم عتقوا. وقول: على قدر قيمتهم يوم كوتبوا، أو حالهم يوم عتقوا، أن لو كانت هي حالهم يوم كوتبوا. م: وهذا فيما يرجع عليهم من أدى عنهم، وأما فيما يفضل عليهم في أداء الكتابة؛ فلا يصح إلا الثلاثة أقوال: على قوتهم عليها، وعلى عددهم، وعلى قيمتهم يوم كوتبوا. م: وقول ابن القاسم على قدر قوتهم وغنائهم ورجائهم هو أثبتها والله أعلم. قال ابن المواز قيل لأشهب: فإن كان فيهم صغير فبلغ السعي قبل أن يؤدوا؟ قال: فعليه بقدر ما يطيق يوم وقعت الكتابة على حاله. قال محمد: يعني على حاله يوم الحكم أن لو كان هكذا يوم الكتابة. قال أصبغ: ولا يعجبني هذا، ولكن على قدر طاقته يوم بلغ السعي، أن لو كان بهذا الحالة يوم الكتابة. قال في باي آخر: وإذا كان فيهم يوم عقد الكتابة زمن لا سعاية له أو صغير فلا شيء عليه. قال ابن القاسم: إلا أن يبلغ فينظر إلى حالته اليوم أن لو كان كذلك يوم وقعت الكتابة.

ابن المواز: وإذا أدى أحدهم الكتابة وعتقوا؛ فإن كانت الكتابة قد حلت رجع بذلك [حالاً إن كانوا أجنبيين، وإن كانت لم تحل رجع بذلك] على النجوم والحمالة قائمة عليهم كما كانت للسيد. قال ابن القاسم: فإن فلس أحدهم حاص بما أدى عنهم غرماؤه. قال ابن المواز: صواب؛ لأن ذلك سلف أخرجه عنهم من ماله فهو بخلاف السيد فيما يطالب من ذلك أو من قطاعة. قال محمد: وإنما يرجع عليهم إذا أدى عنهم جميع الكتابة وعتقوا، وأما ما لا يعتقون به فلا يرجع بذلك عليهم إلا بعد العتاقة؛ لأن أخذهم بذلك الآن يضعفهم، وإنما أدى عنهم لتفرغهم للسعاية فلا يشغلهم باتباعهم عن الكتابة، ولو أخذ ذلك منهم لأخذه منه السيد عن نفسه وعنهم فنجوم السيد أولاً. قال ابن القاسم فيه وفي المدونة: ولا يرجع على ما يعتق عليه أن لو ملكه بشيء. فصل قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا: أن للمكاتب تعجيل المؤجل من كتابته، ويلزم السيد أخذه، وتعجيل العتق، وذلك: أنه يوضع عن المكاتب كل خدمة وسفر وعمل؛ لأنه لا تتم عتاقة رجل فتجوز شهادته وميراثه وعليه بقية من رق. ابن وهب وقال ربيعة: ولأن مرفق التأجيل للعبد خاصة فإذا جاء بجميع كتابته فقد برئ، وقد أتى إلى عمر بن الخطاب مكاتب بكتابته وذكر أن سيده أبى أن يقبلها، فقال

عمر: خذها لا يرفأ فضعها في بيت المال، واذهب فأنت حر، فلما رأى ذلك مولاه قبضها، وكذلك فعل عثمان بن عفان. فصل قال ابن القاسم: ومن كاتب عبدين له أجنبيين كتابة واحدة ثم حدث بأحدهما زمانه فأدى الصحيح جميع الكتابة؛ فإن الكتابة تفض عليهما بقدر قوتهما على الأداء يوم عقد الكتابة فيرجع الصحيح على الزمن بما صار على الزمن منها. قال سحنون: لأنه عتق بالأداء، وقاله أشهب وأكثر الرواة. قيل: فإن أعتق السيد هذا الزمن قبل الأداء؟ قال: عتقه جائز، وإن كره الصحيح، وتبقى جميع الكتابة على الصحيح، ولا يوضع عنه لمكان عتق الزمن شيء إذ لا منفعة له فيه وإن ترك ورد عتقه من الضرر. م: ولأن عتق هذا قد وقع وانتقل به إلى حرمة الأحرار من الشهادة والموارثة وغيرها وهو اليوم لا منفعة لصاحبه فيه بل عليه ضرر نفقته، وإنما منفعته شيء يرتجيه قد يصح له أو لا يصح؛ فلا يسقط حقاً وجب لأمر غير متيقن.

م: قيل: فإن زمن أحدهما فأدى صاحبه عنه وعن نفسه زماناً ثم أعتق السيد الزمن بعد ذلك قبل تمام الكتابة، هل يرجع الذي أدى عن الزمن بما كان أدى عنه؟ فقال أبو عمران -رضي الله عنه-: يرجع عليه بذلك؛ لأنه إنما أسقط السيد بالعتق باقي الكتابة، وما أدى هذا عنه كدين لزم الزمن قبل العتق، وبمنزلة ما لو أخذ المكاتب مالاً من أجنبي فأداه في بعض كتابتهما ثم أعتق السيد الزمن بعد ذلك؛ فالدين باقي في ذمة المكاتب والزمن. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا كانا قويين على السعاية؛ لم يكن للسيد عتق أحدهما، ويرد ذلك إن فعل، فإن أديا عتقا، وإن عجزا لزم السيد عتق من كان أعتق، كقول مالك فيمن أعتق عبده وعليه دين: فرد غرماؤه عتقه ثم أيسر السيد قبل بيعه فأدى إلى الغرماء؛ فإن العبد يعتق بالعتق الأول الذي كان أعتق. قال سحنون: ومثل ذلك من أخدم عبده أو آجره ثم أعتقه قبل تمام المدة، فلم يجز المخدم ولا المؤاجر؛ فالعتق موقوف، فإذا تمت المدة عتق العبد بالعتق الأول الذي كان أعتق. ابن حبيب: قال أصبغ: وإذا أعتق السيد أحد المكاتبين فلم يجز الباقون ذلك فسعى معهم وأدى بعضه الكتابة ثم عجزوا وعتق الذي كان أعتق السيد؛ فلا يرجع على سيده بشيء مما كان أدى إليه بعد عتقه، وذلك كالغلة، وكذلك لو أدى معهم حتى عتقوا لم

يرجع على سيده بشيء مما أدى بعد عتقه مما كان ينويه إلا أن يكون له فضل فيرجع به على أصحابه. م: لو وجب أن يرجع على سيده بشيء مما أدى بعد عتقه؛ لكان يسقط ذلك عنه وهو في الكتابة ولكن السيد لما رد فعله بقي العبد مكاتباً على حاله فما أخذه منه كالغلة. م: وليحيى بن عمر مثل كلام أصبغ. وقال بعض القرويين: إن المسألة يدخلها القولان اللذان في مسألة من أجر عبده ثم أعتقه أنه إذا قال: أردت عتقه الآن؛ كانت بقة الإجارة للعبد، فكذلك المكاتب إذا قصد أعتقه للوقت فما يقتضى منه يرد على العبد، ولا فرق بين حق الإجارة وبين حق المكاتبين. م: إذا كان يقتضي منه يرد عليه في هذا القول فيجب أن يسقط ذلك عنهم، ويكون ذلك عوضاً من سعيه معهم، إذ ليس عليه أن يؤدي أكثر مما يخصه إذا كانوا يقوون على السعي، فإذا أدوا أعتقوا كلهم، وإن عجزوا ولهذا مال أدوا عنه بقية الكتابة، ورجع عليهم بذلك، وإن لم يكن له مال رقوا، وعتق هذا بالعتق لأول. وقال بعض أصحابنا: يسقط عنه حصته ويسعى معهم بعد ذلك ولا أدري ما وجه ذلك. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإنما مُنع السيد من عتق أحد المكاتبين وهما قويان على السعاية من أجل صاحبه الذي معه في الكتابة، فإن أجاز صاحبه عتقه

وكان صاحبه يقوى على السعاية كما ذكرنا ليس بصغير ولا زمن جاز عتقه ويوضح عن الباقي حصة المعتق من الكتابة، ويسعى وحده فيما بقي عليه، ولا يسعى معه المعتق، ولو أجاز على أن يسعى معه المعتق فيما بقي عليه لم يجز العتق وسعيا جميعاً في جميع الكتابة. وقال ربيعة: لا يجوز للسيد أن يعتق أحدهم أو يقاطعه، وإن أذن في ذلك أصحابه ويرد إن فعله؛ لأن سعاية العتق وماله عون لأصحابه في العتق. قال سحنون: وهذا أعدل. م: ينبغي أن ينظر في ذلك: أي ذلك أنفع لهم، من إجازة عتقه لضعفه عن السعي له، أو رده لقوته فيه فيفعل الأنفع لهم من ذلك. قال ابن المواز: إذا كانوا قد أشرفوا على العجز لولا هذا الذي أعتقه السيد لقوته على السعي أو لكثرة ماله وقد يكون قد تقارب عتقهم، فلا يجوز في مثل هذا إذنهم للسيد في عتقه. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو دبر السيد أحدهما بعد الكتابة ثم أديا؛ عتقا، وإن عجزا: لزم السيد تدبير من كان دبر، وإن مات السيد قبل عجزهما والمدبر يحمله الثلث وهو قوي على الأداء حين مات السيد؛ لم يعتق إلا برضى صاحبه على ما ذكرنا في العتق. قال أبو محمد بن أبي زيد: انظر إن رضوا هل يكون في الثلث الأقل من قيمته أو ما يقع عليه من بقية الكتابة كما لو كان وحده؟ م: نعم يكون في الثلث الأقل، ولا فرق بينهما.

م: ذكر عن بعض شيوخنا أنه قال: ولو دبر أحدهما وهو زمن لا سعاية فيه ثم مات السيد؛ فإنما يجعل في الثلث قيمة الرقبة، ولا ينظر إلى الكتابة إذ هو عاجز عنها. م: قال بعض أصحابنا: لا فرق بين الزمن وغيره؛ لأن الكتابة قائمة ومن معه في الكتابة يؤدي عنه فحكمها باق. م: وهو الصواب؛ لأن من لم يعجز بعد، حكمه حكم المكاتب، وهذا بين والله أعلم. وفي العتبية قال سحنون عن المغيرة: فيمن كاتب ثلاثة أعبد له كتابة واحدة وبعضهم حميل ببعض، فأبق أحدهم، وعجزهم السلطان، ثم قدم الآبق ومعه قوة على الأداء، والسلطان الذي عجزهم قائم، فالقادم على كتابته إن أداها عتق هو والمكاتبين معه ويرجع عليهم بما أدى عنهم. قال بعض أصحابنا: إما ذلك إذا لم يعلم الغائب أو جهل وجه الحكم فعجز أصحابه دونهم فوجب نقض حكمه، فأما لو علم بالغائب فتلوم له وعجز الجميع ثم قدم الغائب؛ فالحكم ماض عليه وعلى أصحابه ويرقون أجمعون. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن كان المدبر زمناً يوم مات السيد؛ عتق في الثلث، ولا يوضع عن أصحابه من الكتابة شيء كعتق الصغير والزمن.

قال عنه ابن المواز: وإذا زمن أحد المكاتبين فقال له السيد: إذا عجزت فأنت حر. فهو حر الساعة، إذ لا نفع في توقيفه وكذلك الصبي. ومن المدونة: وإذا أعتق السيد أحد المكاتبين، ودبر الآخر؛ فإن كان المعتق زمناً: جاز عتقه، وإلا لم يجز، فإن عجز ألزمه العتق والتدبير، وإن أديا [عتقا. فصل قال ابن القاسم وأشهب: ومن كاتب عبده على نفسه وعلى عبد للسيد غائب] لزم العبد الغائب وإن كره؛ لأن هذا يؤدي عنه ويتبعه إن لم يكن ذا قرابة له ممن يعتق على الحر بالملك، وتلزم الغائب الكتابة، كقول مالك فيمن أعتق عبده على أن عليه كذا وكذا فيأبى العبد: أن ذلك جائز، والمال لازم للعبد، وكذلك العبد يكاتب عن نفسه وعن أخ له صغير لا يعقل في ملك السيد أنه جائز. ابن المواز: وكذلك لو ألزم عبديه الكتابة على كذا، أو في كل نجم كذا، فرضي أحدهما ولم يرض الآخر؛ فذلك يلزمه عند ابن القاسم، ويرجع عليه بما أدى عنه، كما لو كان غائباً، وقاله أصبغ على الاستحسان والاتباع للعلماء، قال: وكذلك عندي في العبد

الواحد يلزمه السيد الكتابة فذلك يلزمه على ما أحب أو كره، ولا حجة له فيها إلا بعجز ظاهر. وقد تقدم في الباب الأول الاختلاف في إكراه العبد على الكتابة. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا كان لك عبد ولرجل آخر عبد؛ لم يجز لكما جمعهما في كتابة واحدة، كل واحد منهما حميل بما على صاحبه؛ لغرر الكتابة، إذ لو هلك أحدهما أخذ سيد الهالك مال الآخر باطلاً، فهذا غرر، وهو كقول مالك في دار بين رجلين حبساها على أنفسهما على أن من مات منهما أولاً فنصيبه حبس على الباقي منهما، فقال مالك: لا خير في هذا؛ لأنه غرر ومخاطرة؛ لأنه إن مات أحدهما أخذ الآخر نصيب الآخر باطلاً فكذلك مسألتك. قال سحنون: فإن نوى ذلك فالكتابة جائزة؛ لأنها حمالة والحمالة لا تبطل الكتابة. قال ابن المواز: وأما عبدان بين رجلين، أو ثلاثة أعبد بين ثلاثة نفر، لكل واحد ثلث عبد؛ فقد اختلف في جميعهم في كتابة واحدة. فلم يجزه أشهب قال: لأن كل عبد تحمل لغير سيده في عبد آخر، فهي كتابة منتقضة إلا أن يسقطوا حمالة بعضهم عن بعض؛ فيجوز إن لم يكن ثم عقد كتابة تلزم فتكون كتابة كل واحد على حدة، وعلى كل واحد ما يلزمه من الكتابة يوم عقدت.

قال أحمد بن ميسر: ليس كما احتج؛ لأن لكل واحد ثلث عبد، فإنما يقبض كل واحد عن ثلثه ثلث الكتابة، فلم يقتض أحدهم عن غير ملكه شيئاً. قال أشهب: وإذا كاتب الرجل عبديه كتابة واحدة؛ فهو جائز، فإن أراد بيع أحدهما فلا يجوز، وكذلك لا يجوز بيع نصفهما، ولا بيع نصف أحدهما؛ لأنه يصير مثل ما وصفت لك، وذلك أن النصف المبيع يصير متحملاً عمن لا يملكه سيده. قال: وله بيعها من رجل واحد لا من رجلين؛ لأن كل واحد من الرجلين تصير له حمالة بكتابة على من لا يملكه، وإن أسقطت الحمالة عنهم لم يجز؛ لأنه يعجزهم ويضعفهم. قال ابن المواز: أما بيعهما من رجلين أو من رجل نصف كتابتهما جميعاً؛ فجائز، ولو ورثهما رجال جاز لكل واحد بيع نصيبه منهما وهبته، وقد أجاز ابن القاسم وأشهب بيع بعض المكاتب أو نجماً بغير عينه، وأكره لمن اشتراهما أو للورثة قسمتهما أن يأخذ هذا مكاتباً وهذا مكاتباً ولهما قسمة ما عليهما. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية: أن الورثة لا يجوز لهم اقتسام ما على المكاتب إلا عند انقضاء كل نجم؛ لأنه ليس بدين ثابت فيقسم كاقتسام الديون. قال ابن المواز: وإذا كاتب الرجلان عبديهما كتابة واحدة؛ فجائز، لا تنقص خلاف ما قال أشهب.

قال مالك: ويوضع عن كل واحد منهما من الكتابة على قدر طاقته واجتهاده فيما يرى يوم الكتابة. فصل ومن المدونة ابن وهب وقال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا: أن العبد إذا كاتبه سيده لم ينبغ أن يتحمل له أحد بكتابته إن مات العبد أو عجز، وليس هذا من سنة الكتابة؛ لأن الكتابة ليست بدين ثابت، وإن مات المكاتب أو عجز لم ينتفع الحميل بما أدى في عتق ولا رق يملكه. قال غيره: إجازة الضمان فيها إصراف لها إلى الذمة وشبهها، إلا تكون في ذمة، فما أخرجه الحميل لا يكون له في ذمة العبد، وإن وجد عنده شيئاً أخذه، وإلا بطل حقه وذهب ماله باطلاً، وليس هكذا شروط المسلمين. في عجز المكاتب وتعجيزه نفسه قال ابن القاسم: وإذا غاب أحد المكاتبين في كتابة أو هرب وعجز الحاضر، لم يعجزهما إلا السلطان بعد التلوُّم.

قال مالك: وإذا غاب المكاتب وحل عليه نجم أو نجوم لم يكن للسيد أن يعجزه إلا عند السلطان. قال ابن القاسم: ولو أشهد السيد أنه قد عجز ثم قدم المكاتب بنجومه التي حلت عليه؛ فهو على كتابته، ولا يقبل قول السيد عليه، ولا يعجزه إلا السلطان. فصل قال مالك: فإن كان للمكاتب مالٌ ظاهر معروف فليس له تعجيز نفسه، وإن لم يظهر له مال ذلك له دون السلطان ويمضي ذلك. قال في كتاب محمد: وكذلك لو كان صانعاً لا مال له. قال في المدونة: وكذلك إن عجز نفسه قبل محل النجم بشهر فله ذلك، وإنما الذي لا يعجزه إلا السلطان: الذي يريد سيده تعجيزه بعد محل ما عليه وهو يأبى العجز، ويقول: يؤدي إلا أنه مطل سيده، فالإمام يتلوم له، فإن رأى له وجه أداء تركه، وإلا عجزه بعد التوم ولا يكون تأخيره عن نجومه فسخاً لكتابته، ولا يعجزه إلا السلطان، ما دام العبد متمسكاً بالكتابة، وأما من عجز نفسه وهو يرى أنه لا مال له فذلك له دون السلطان. قال سحنون في العتبية: لا يجوز التعجيز إلا عند السلطان. قال ابن حبيب: وقال ابن كنانة وابن نافع: إذا عجز نفسه وكره الكتابة وأشهد بذلك؛ رد مملوكاً وإن كان له مال ظاهر. وقول مالك أحب إلينا.

م: فصار في ذلك ثلاثة أقوال: قول: لا يعجزه إلا السلطان على كل حال. [وقول: له أن] يعجز نفسه على كل حال. وقول: إن كان له مال ظاهر لم يعجز نفسه، وإن لم يكن له مال فله تعجيز نفسه وهو أصوبها. ومن المدونة: وإن عجز نفسه وهو يرى أنه لا مال له ثم ظهر مال صامت أخفاه أو طرأ له؛ فهو رقيق، ولا يرجع عما رضي به أولاً. قال ابن المواز: وإنما له أن يعجز نفسه ولا مال له إذا كان وحده، وأما إن كان معه ولد فلا تعجيز له، ويؤخذ بالسعي عليهم صاغراًَ، ولو تبين منه لدد رأيت عقوبته، فإن كان له مال ظاهر فلا تعجيز له، ويؤخذ ماله فيعطى لسيده شاء أو أبى. أو محمد يريد: بعد محله ويعتق هو وولده. وروى ابن وهب في المدونة أن عبد الله بن عمر: كاتب غلاماً له يقال له شرف بأربعين ألف درهم فخرج إلى الكوفة فكان يعمل بها على حُمرٍ له حتى أدى خمسة

عشر ألفاً، فجاءه إنسان فقال له: أمجنون أنت؟ تعذب نفسك وابن عمر يشتري الرقيق يميناً وشمالاً ثم يعتقهم، ارجع إليه، وقل له: إني عجزت، فجاءه بصحيفته فقال: يا أبا عبد الرحمن قد عجزت فهذه صحيفتي امحها، فقال: لا والله امحها أنت إن شئت، فمحاها، ففاضت عينا عبد الله بن عمر، ثم قال له: اذهب فأنت حر، فقال: أصلحك الله: أحسن إلى ابني، فقال: هما حران، فقال أصلحك الله: أحسن إلى أمي ولدي، فقال: هما حرتان، فأعتقهم خمستهم في مقعد واحد. في أداء المكاتب وله أو عليه دين قال مالك: وإذا أراد المكاتب أن يؤدي ما عليه وسيده غائب ولا وكيل له على قبض الكتابة فليدفع ذلك إلى الإمام، ويخرج حراً حل الأجل أو لم يحل. قال ابن القاسم: وإذا حل على المكاتب نجم، وللمكاتب مثله على السيد، فله قصاصة، إلا أن يفلس السيد، فيحاص الغرماء بماله على سيده، إلا أن يكون السيد قاصه بذلك قبل قيامهم فذلك ماض.

فصل قال مالك: وإذا أدى المكاتب كتابته وعليه دين فأراد غرماؤه أن يأخذوا من السيد ما قبض منه؛ فإن عُلم أن ما دفع من أموالهم؛ فلهم أخذه من السيد. قال ابن القاسم: ويرجع رقاً. يريد: مكاتبه. م: هذا من قوله يدل: أنه إن دفع لسيده شيئاً تقدمت له فيه شبهة ملك، أنه يرد عتقه، ويرجع مكاتباً خلاف ماله، بعد هذا قال مالك: وإن لم يعلم أنه من أموالهم لم يرجعوا على السيد بشيء من ذلك. م: اختلف في معنى قوله: فإن علم أن ما دفع من أموالهم؛ هل يريد: أموالهم بعينها، أو دفع وقد استغرق الدين ما كان بيده؛ والذي أرى أنه إن دفع وهو مستغرق الذمة فلهم رده، وإن لم تكن أعيان أموالهم؛ لأنها أموالهم، أو ما تولد عنها، وكما لهم منع الحر من العتق والصدقة إذا كان استغرق الذمة فكذلك لهم منع هذا من أن يعتق نفسه بها، وقد قال مالك بعد ذلك: إذا كان المكاتب مدياناً فليس له أن يقاطع سيده، ويبقى لا شيء له؛ لأن غرماءه أحق بماله من سيده، فإن فعل لم يجز، فكذلك أداءه جميع كتابته. م: ولا فرق بين أعيان أموالهم أو أثمان ذلك، أو ما اعتاض المكاتب منها، إن ذلك كأعيان أموالهم سواء، والغرماء أحق بها؛ لأن دينهم في ذمته ودين السيد ليس في ذمته.

وأما قوله: وإن لم يعلم أن ما دفع من أموالهم لم يرجعوا على السيد بشيء من ذلك: فهو ما أفاده بعمل يده، أو أرش جرحه، أو دفعه مما بيده، وليس بمستغرق الذمة، أو فيما بقي بيده وفاء لدينه ثم تلف بعد ذلك ما بقي بيده فهذا الذي ليس لهم فيما دفع إلى السيد متكلم والله أعلم. م: وإنما كان ذلك؛ لأن عمل يده؛ كإجارته، وأرش جرحه؛ كرقبته، فكما كان الحر المديان لا يؤاجر ولا يباع في الدين فكذلك لا تسلط لهم على عمل يده ولا أرش جرحه، وكما كان لا رد للغرماء في عتق المديان إذا بقي بيده ما بقي بدينهم، [فكذلك المكاتب: إذا بقي بيده ما بقي بدينهم]، قيل: فإن أشكل فيما دفع المكاتب؛ هل ذلك من أعيان أموالهم وأعراضها وما تولد منها، أو من عمل يده وأرش جرحه، أو مال وهب له ليعتق؟ فقال بعض علمائنا: إذا أشكل ذلك، هل ذلك سن بعض الأسباب التي لا حق للغرماء فيها أو من أموالهم التي هم يبدون فيها على السيد؟ لم يكن إلى نقض العتق سبيل، ولو اعترف بذلك السيد؛ لكان القياس أن ينفذ العتق، ويرجع الغرماء على السيد بما قبض؛ لإقراره أنهم أولى بذلك منه إلا على قول سحنون فإنه زعم: أن كل ما اكتسبه المكاتب من عمل يده قبل عجزه فإنه للغرماء؛ لأنه أحرزه عن سيده، فلا يبقى له إلا أن يوهب له مال أو يوصى له بشرط أن يؤديه إلى سيده، أو يسلفه ليوم ما، ليتبعه به بعد براءة ذمته، وإن ما النظر لو قام الغرماء وبيد المكاتب مال مجهول الأصل فتنازع الغرماء والسيد فيه، وقد

عجز أو لم يعجز، وأشرف على العجز وهو باق على الكتابة؛ فالقياس أن يحتاط للغرماء بما لا يحتاط للسيد؛ لأنه قد عرض المكاتب بالكتابة للمداينات كالأحرار، فمهما أراد أن يمنع الغرماء من ما له، كان عليه البيان، لا سيما مع ما ذكرنا عن سحنون، وأما ما أداه إلى السيد وعتق به فالعتق حرّمه لاحتمال الأمرين، فإذا أنفذنا العتق لم نجد بداً من تمسك السيد بما قبض؛ لأنه فكاك الرقبة وغير معتدل أن ينتزعه من السيد ثم يمضي عليه العتق، وقال غيره: إذا كان ما على المكاتب يغترق ما في يديه؛ فهي أموال غرمائه حتى يعلم أن الذي دفع إلى سيده من عمل يده أو من ثمن خدمته. م: وهذا موافق لظاهر المدونة مع ما يسعده من قول أشهب وسحنون: أن عمل يده للغرماء، كما أن ما في يد الحر من عمل يده للغرماء، وهو نحو ما قدمنا في صدر المسألة والله أعلم بالصواب. وقال أشهب وابن نافع عن مالك: في مكاتب قاطع سيده فيما بقي عليه على عبد دفعه إليه فاعترف مسروقاً فأخذ منه؛ فليرجع السيد على المكاتب بقيمة العبد. قال ابن نافع: وهذا إذا كان له مال، فإن لم يكن له مال رد مكاتباً كما كان قبل القطاعة، وهذا رأيي، والذي كنت أسمع. وقال أشهب: لا يرد عتقه؛ لأن حرمته قد تمت، وجازت شهادته، ووارث الأحرار، ولكن يتبع بذلك.

قالا عن مالك: وإن قاطع سيده على وديعة أودعت عنده فاعترف بذلك سيده وأخذ منه؛ أنه لا يعتق المكاتب، وقال: أيعتق المكاتب هكذا بالباطل؟ لا يؤخذ الحق بالباطل. م: يريد: ويرجع مكاتباً. وقال ابن القاسم وغيره: إن غر سيده بشيء لم تتقدم له فيه شبهة ملك فهذا الذي لا يجوز له يعني: ويرد عتقه ويرجع مكاتباً. قالا: وأما ما كان بيده يملكه وله فيه شبهة لطول ملكه له ثم استحق ذلك مضى عتقه ورجع عليه بقيمته، فإن لم يكن له مال أتبع به ديناً. م: إن قيل: لِم لَم يرجع ببقية الكتابة التي قاطعه عليها كمن أخذ من دينه عوضاً ثم استحق؟ أنه يرجع بدينه قبل الكتابة [لأن الكتابة] ليست بدين ثابت؛ لأنها تارة تصح وتارة لا تصح، فأشبهت مالاً عوضه [معلوم من خلع أو نكاح، بعرض] يستحق؛ فأنه يرجع بقيمته فكذلك هذا. قال مالك: وإذا كان المكاتب مدياناً فليس له أن يقاطع سيده، ويبقى لا شيء له؛ لأن غرماءه أحق بماله من سيده، فإن فعل لم يجز ذلك، وإن مات المكاتب وترك مالاً وعليه

دين؛ فغرماؤه أحق لماله ولا يحاصهم السيد بما قاطعهم به، كما لا يحاصهم بالكتابة، وقاله زيد بن ثابت، وقال شريح: يحاصهم بنجمه الذي حل، قال ابن المسيب: أخطأ شريح. وإذا عجز المكاتب وعليه دين؛ كان رقيقاً لسيده، وبقي دين الناس في ذمته، لا في رقبته. قال ابن شهاب: وإن كوتب وعليه دين كتمه: فإن كان ديناً يسيراً بدأ بقضائه قبل أداء الكتابة وأقر على كتابته، وإن كان ديناً كثيراً يحبس نجومه؛ خير سيده بين فسخ الكتابة، أو تركه يقضي دينه ثم يستقبل نجومه وبالله التوفيق. في حكم المكاتب وتزويجه وسفره والحكم في ماله وأمته وولده وفيما فضل له مما أعين به قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «المكاتب عبد ما بقي عليه عشرة دراهم». وقال جماعة من الصحابة والتابعين: والمكاتب هو عبد ما بقي عليه درهم واحد؛ فوجب بذلك أن يكون حكم المكاتب حكم الأرقاء في الميراث والشهادة والحدود والجراح والحجابة وغير ذلك حتى يؤدي ما عليه. قال مالك: وليس للمكاتب أن ينكح إذا بإذن سيده؛ لأن ذلك يعيبه إن عجز. ابن المواز قال مالك: وله أن يزوج عبيده وإماءه، وقاله ابن القاسم: إذا كان على وجه النظر، ورجاء الفضل. وقال أشهب: لا يزوج عبده إلا بإذن سيده، وأما فإن خفف بذلك عن نفسه ثقلاً وأدخل مرفقاً يرى أن ذلك أفضل له جاز ذلك بغير إذن سيده.

قال أشهب: إن كان معه في الكتابة غيره؛ فليس للسيد إجازة نكاحه إلا بإجازة من معه إلا أن يكونوا صغاراً فيفسخ على كل حال، ويترك لها إن دخل ثلاثة دراهم، ولا يتبع إن أعتق بما بقي. ابن القاسم: وما رد من عتقه وصدقته فلا يلزمه إن أعتق، وإن كان ذلك بيده، ولا يتزوج الرجل مكاتبته وإن رضيت ويزوجها لغيره برضاها. ومن المدونة: ولا له أن يسافر أو يخرج من أرض سيده إلا بإذن اشترط ذلك عليه سيده أو لا. قال ابن القاسم: إلا ما قرب من السفر مما ليس على سيده فيه إذا غاب كبير خوف لحلول نجم أو غيره فذلك له. قال مالك: ولو شرط عليه السيد أنه إن نكح أو سافر بغير إذنه؛ فمحو كتابته بيده، لم يكن له محوها إن فعل المكاتب شيئاً من ذلك، وليرفع ذلك إلى السلطان. ابن وهب [وقال ربيعة: للسيد فسخ الكتابة في بعيد السفر بحكم الإمام، وإن تزوج فُرِّق بينه وبين امرأته وانتزاع ما أعطي]. وقال ابن شهاب: ولا ينبغي لأهل المكاتب أن يمنعوه أن يتسرر وقد أحل الله له ذلك حتى يؤدي نجومه.

فصل قال مالك: وإذا كاتب الرجل عبده تبع العبد ماله من رقيق أو عرض أو عين أو دين، كتم ذلك أو ظهره، ولم يكن للسيد أخذه بعد الكتابة إلا أن يشترط سيده حين الكتابة فيكون ذلك له. قال: والمكاتب مثل المعتق إذا أعتق تبعه ماله وأحرزه عن سيده. قال: ولا يتبع المكاتب ما تقدم له من ولد ولا حمل أمته، وإن كتم ذلك ويكون الولد إذا وقعته رقاً للسيد، والأمة تبعاً للمكاتب دون الولد وليس الولد كماله. والعبد إذا عتق تبعه ماله في السنة ولا يتبعه ولده فيكون حراً مثله، وإذا فلس أخذ ماله، ولا يؤخذ ولده، والذي يبتاع عبداً يشترط ماله لا يقضى له بولده، وأما الأمة إذا كوتبت وهي حامل فولدها مكاتب معها يعتق بعتقها، وقد تقدم هذا. قال ابن المواز: ولو كاتب عبده عليه وعلى أم ولده في كتابة واحدة أو مفترقين، فهو جائز، وتحرم على المكاتب أمته، وإن كاتبهما كتابة واحدة وهو انتزاع من السيد فلا تحل للمكاتب إلا بنكاح، وولدها للسيد، وإن مات المكاتب سعت وحدها؛ لأنها في عقد الكتابة، وإن ترك وفاء اعتقت فيه وأتبعها ولدها منه أو السيد إن لم يكن لها ولد بما أدى عنها، وذلك إذا ما لم يكن تزوجها، فإن كان المكاتب تزوجها بعد أن كاتبها السيد فلا يرجع عليها السيد ولا الولد بما أدى عنها من مال زوجه الميت، قال ابن المواز: وهو صواب إن شاء الله، ورواه أصبغ عن ابن القاسم.

فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: والمكاتب إذا أعانه قوم على كتابته بمال فأدى منها كتابته وفضلت منه فضلة؛ فإن أعانوه بمعنى الفكاك لرقبته لا صدقة عليه، فليرد عليهم الفضلة بالحصص، أو يحللونه منها، وفعله زياد مولى ابن عياش رد عليهم الفضلة بالحصص. قال ابن القاسم: وإذا عجز المكاتب فكل ما قبض السيد منه قبل العجز حل له، كان من كسب العبد أو من صدقة عليه. قال مالك: ولو أعين المكاتب بشيء على فكاك رقبته فلم يف ذلك بكتابته؛ كان لكل من أعانه الرجوع بما أعطى إلا أن يحلل منه المكاتب فيكون له. قال ابن القاسم: ولو أعانوه صدقة لا على الفكاك فذلك إن عجز حل للسيد. قال سحنون وقال أشهب: إن عرفهم رد عليهم. م: يريد: إذا أعانوه على الفكاك.

قال: وإن لم يعرفهم جعله في مكاتبين أو في رقاب. قال سحنون: ولست أرى ذلك، وأرى إن لم يعرفهم أن يوقف المال بيده أبداً وهو كاللقطة. م: يريد: في الإيقاف لا في المدة؛ لأنه قال: يوقف أبداً وفارق اللقطة في هذا؛ لأن هذا عرف أصحابه، واللقطة لا يعرف صاحبها، فأوقفت سنة كما جاء في الحديث، وهذا كالوديعة: يغيب صاحبها ولا يعرف له خبر فقد قيل: إنه يعمر ثم يتصدق بها ولا يقتصر في إيقافها على سنة. قيل: فإن قال الذين أعانوه: إنما أردنا إفكاك الرقبة، وقال السيد: بل الصدقة. نُظر إلى عُرف البلد: فيكون الأمر عليه؛ فإن لم يكن في ذلك عرف، فالقول قول الذين أعانوه: أنه منهم على الفكاك مع أيمانهم؛ حكي ذلك عن الفقيه أبي عمران، وقد تقدم في الباب الأول أن ابن القاسم: يجيز كتابة الصغير [ومن لا حرفة لهم]. وقال أشهب: لا تجوز كتابة الصغير ولا الأمة التي لا صنعة بيدها؛ لأن عثمان كان يكره مخارجتها.

فيمن أعتق بضع مكاتبه أو شقصاً له فيه صحة أو وصية قال مالك: ومن أعتق شقصاً له من مكاتب له، أو كان بينه وبين آخر؛ فليس يعتق وإن عجز، وإنما هو وضع مال إن كان أعتق نصفه وضع عنه نصف كل نجم، وإن ثلث فثلث وقاله يحيى بن سعيد وغيره. قال مالك: وإن أعتق ذلك عند الموت أو أوصى بذلك أو وضع له من كتابته؛ فذلك عتاقة؛ لأنه ينفذ من ثلثه على كل حال. م: يريد: لأنه لو جعل ذلك وضع مال ثم عجز فرق للورثة صاروا لم ينفذوا وصية الميت، والميت أراد إبتالها، وألا يعود إليهم شيء منها، والصحيح إنما أراد التخفيف عن المكاتب، وإنه إن عجز كان رقاً، على هذا محمل أمره؛ لأنه إنما يملك منه اليوم مالاً ولو قصد إلى إبتال عتقه كما قصد الموصي، وأنه إن عجز كان ذلك النصيب حراً؛ لوجب عتقه واستتم عليه بقية عتقه. وكذلك روى ابن سحنون عن مالك: أنه إذا أعتق نصف مكاتبيه فهو وضيعه، إلا أن يريد العتق ويعمد له فهو حر كله. قال ابن المواز: والفرق بين الصحة في هذا وبين الوصية أنه في الوصية أشرك بين المكاتب وبين ورثته على قدر ما أوصى له به من نفسه، فصار شريكاً للورثة بقدر ذلك، فليس أحدهم أولى من صاحبه، وكما لو أوصى بذلك الجزء لرجلٍ لكان شريكاً للورثة بقدر ذلك، والصحيح يقول: لم أعط من الرقبة شيئاً إنما أعطيته دنانير أو دراهم. م: فرق حسن.

ومن المدونة قال مالك: وإن كان المكاتب بينه وبين رجل فوضع عنه حصته، أو أعتق حصته منه في غير وصية؛ فإنه يوضع عنه حصته من كل نجم، فإن عجز رق لهما ولا يقو على الذي أعتق، وليس عتقه ذلك عتقاً إذ إنما يملك منه مالاً فعتقه وضع مال، وإن مات قبل أن يؤدي بقية كتابته وله مال، أخذ المتمسك مما ترك ما بقي له، ثم يقتسمان ما بقي بينهما، وقاله ابن المسيب، فلو كان ذلك عتقاً لكان ما ترك للمتمسك خاصة، ولكان إذا عجز يقوم على الذي أعتقه. قال ابن القاسم: وإذا زمن الكاتب فأعتق سيده نصفه لم يعتق عليه النصف الباقي إلا بأداء بقية الكتابة. م: يريد أنه لا يعتق منه شيء إلا بعد أداء بقية الكتابة. قال مالك: وإذا هلك سيد المكاتب فورثه ورثته فأعتق أحدهم نصيبه منه ثم عجز المكاتب كان رقيقاً كله، لأن عتقه إنما هو وضع مال، ومما يبين لك ذلك: أن الرجل إذا مات وترك مكاتباً وترك بنين وبنات، وأعتق أحد البنين نصيبه من المكاتب، أن ذلك لا يثبت له من الولاء شيئاً، ولو كانت عتاقة لثبت الولاء لمن أعتق منهم من رجالهم ونسائهم، وإن من سنة المسلمين التي لا اختلاف فيها: أن الولاء لمن عقد الكتابة، وأنه ليس لمن ورث سيد المكاتب من النساء من ولاء المكاتب شيء وإن أعتقن نصيبهن، إنما ولاؤه لذكور ولد سيد المكاتب أو عصبته من الرجال.

قال ابن المواز: ومن قال لعبده: إن كلمت فلاناً فنصفك حر، فكاتبه ثم كلم فلاناً فليوضع عنه نصف ما بقي من الكتابة يوم حنث، فإن عجز رق كله ولا يلزمه حنث. قال أشهب: كمن أعتق نصف مكاتبه، وكذلك لو حنث أحد الشريكين بعد أن كاتباه، وضعت عنه حصته، فلو كان عتقاً؛ لقوم عليه إن عجز، ولكنه يبقى رقيقاً بينهما، ولو كان إنما حلف بحرية جميع عبده ثم كاتبه مع آخر ثم حنث؛ فذلك عتق إن عجز، ولا يعجل عنقه حتى يعجز، وهو كمن أعتق أحد مكاتبيه. م: قال بعض شيوخنا: ولو أعتق عضواً من مكاتبه كقوله: يدك حرة، أو عينك، أو نحو ذلك؛ لعتق عليه جميعه؛ لأنه قاصد للعتق هاهنا لا لوضع المال، بخلاف إذا أعتق منه جزاء كالنصف والثلث، ألا ترى أنه لو قصد هاهنا العتق وعمد له؛ لوجب عتقه كما قال مالك. ابن سحنون: ومن قال لعبده: أخدم لاناً سنة فأنت حر، فوضع عنه المخدم نصف الخدمة؛ فإن أراد أنه ترك له خدمة ستة أشهر فهو كذلك، وإن أراد أنها ملك لك وتشاركني في الخدمة، وتصير لك ملكاً؛ كان حراً مكانه كله، كمن وهب لعبده نصف خدمته. قلت لسحنون: فلم قلت في هذا المخدم: إذا وهبه نصف خدمته أنه يعتق عليه وإن أعتق نصف مكاتبه لم يعتق عليه وكان وضع مال؟ قال: هو مفترق، ولا أقول فيه شيئاً. ابن سحنون: الخدمة مقام الرقبة.

م: فهبته بعضها كهبته بعض الرقبة؛ ولأن من عجل عتق عبده على خدمة سنة؛ أنه يعجل عتقه ولا خدمة عليه؛ لأن ذلك بقية رقة، فهو كمن أعتق بعض عبده، والمكاتب إنما يملك منه مال فعتقه نصفه وضع نصف ما عليه إلا أن يقصد إلى عتق الرقبة كما ذكرنا. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم: فيمن وضع عن مكاتبه نجماً من نجومه بغير عينه عند الموت؛ فإن كانت النجوم ثلاثة وضع عنه من كل نجم ثلثه، وإن كانت أربعة؛ وضع عنه من كل نجم ربعه، فإن أدى عتق، وإن عجز رق، فإن كانت النجوم ثلاثة عتق ثلثه، وإن كانت أربع عتق ربعه، ثم على هذا. وروى عنه أبو زيد ومثله في المدونة: وإن أوصى أن يوضع عنه النجم الأول؛ نُظر إلى قيمته لو بيع في قرب محله؛ فإن كانت قيمته خمسين وقيمة بقية النجوم على محل آجالها خمسين، علمت أن الوصية له بنصف رقبته، فيجعل في الثلث الأقل من نصف قيمة رقبته أو قيمة ذلك النجم، فأي ذلك حمل الثلث عتق نصفه، ووضع عنه ذلك النجم بعينه، وكذلك يعمل في النجم الآخر والأوسط، فإن لم يدع غير المكاتب خير الورثة بين أن يضعوا عنه ذلك النجم ويعتقوا نصفه، أو يعتقوا ثلثه، ويوضع عنه من كل نجم ثلثه. وفي المكاتب الثاني إيعاب هذا.

فيمن وطأ مكاتبته أو ابنتها قال مالك: ومن كاتب أمته فليس له وطؤها، فإن فعل درئ عنه وعنها الحد، أكرهها أو طاوعته، ويعاقب، إلا أن يعذر بجهل، ولا صداق لها ولا ما نقصها إن طاوعته. يريد: وإن كانت بكراً. قال ابن القاسم: وإن أكرهها فعليه ما نقصها. يريد: إن كانت بكراً، وكذلك قال سحنون: إنما ينقصها إذا كانت بكراً؛ فيغرم ما بين قيمتها بكراً وثيباً. قال ابن القاسم: وأما الأجنبي فعليه بكل حال ما نقصها طاوعته أو أكرهها، إذ قد تعجز فترجع إلى السيد ناقصة، فذلك حق للسيد لا يسقطه عنه طوعها. قال مالك: وإذا وطأها السيد طائعة أو كارهة فهي على كتابتها إلا أن تحمل فتخير؛ أن تكون أم ولد أو تمضي على كتابتها. قال سحنون وابن المواز: ولها إذا حملت أن تعجز نفسها وترجع أم ولد وإن كان لها مال كثير ظاهر وقوة على السعي، وليس ذلك للمكاتب أن يعجز نفسه إذا كان على هذه الصفة. م: للاختلاف فيها قد قال سعيد بن المسيب، إذا حملت بطلت كتابتها وصارت أم ولد فذلك كان لها أن تعجز نفسها عند مالك وإن كان لها مال ظاهر. قال سحنون في كتاب ابنه عن مالك: وإن اختارت المضي على كتابتها فنفقتها في الحمل على السيد ما دامت حاملاً كالمبتوتة.

قال ابن حبيب وكذلك سمعت من أرضى يقول؛ لأنه إنما ينفق على ولده. وقال أصبغ: نفقتها في الحمل على نفسها لا على السيد؛ لأنها اختارت المضي على كتابتها فلها حكم المكاتب إلا أن تعجز فتكون أم ولد. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو ضرب رجل بطنها فألقت جنيناً ميتاً؛ ففيه ما في جنين الحرة موروث على فرائض الله تعالى، كقول مالك في جنين أم الولد من سيدها. وروى ابن وهب عن ابن المسيب أنه قال: إذا وطأ السيد مكاتبته فحملت بطلت كتابتها وهي جاريته؛ يريد: أم ولد. وقال النخعي: تبقى مكاتبته إذا وطأها، فإن عجزة رقت، وإن حملت فهي أم ولد. وقال ربيعة: إن وطأها طائعة فولدت منه فهي أمة له ولا كتابة له فيها، يعني أم ولد، وإن أكرهها فهي حرة والولد لا حق به. قال ابن القاسم: وإذا ولدت المكاتبة بنتاً ثم ولدت ابنتها بنتاً أخرى فرقت البنت العليا فأعتقها السيد جاز عتقه، وبقيت الأم مع البنت السفلى فإن أدتا؛ أعتقتا، وإن عجزتا رقتا. قيل: فإن وطأ السيد البنت السفلى فأولدها؟ قال: ولدها حر، ولا تخرج هي من الكتابة، وتسعى معهم إلا أن ترضى هي وهم بإسلامها للسيد ويحط عنهم حصتها من الكتابة وتصير حينئذٍ أم ولد للسيد، فإن أبوا أو أبت: لم تكن أم ولد، وكانت في الكتابة على حالها. قال سحنون: وهذا إذا كان الذين معها في الكتابة ممن يجوز رضاه. قال: وإن كانت في قوتها وأدائها ممن يرجى نجاتهم بها، ويخاف عليهم إذا رضوا بإجازتها العجز؛ لم يجز ذلك إذ ليس لهم أن يرقوا أنفسهم.

قال سحنون وقال بعض الرواة: لا يجوز وإن رضوا ورضيت، وإن كان قبلهم من السعي والقوة مثل ما قبلها؛ لأنا لا ندري ما تصير إليه حالتهم من الضعف ولتبقى معهم على السعي، فإن عتقوا، وإن عجزوا كانت أم ولد. م: قال أبو محمد: معرفة ما يخصها من الكتابة هو أن يقال: كم يلزم هذه حين بلغت السعي أن لو كانت هكذا يوم عقد الكتابة فيحط عنهم قدر ذلك على قول من أجاز ذلك وقال أصبغ. ومن كتاب ابن المواز: وإذا كاتب المكاتب أمته بإذن السيد ثم وطأها المكاتب فحملت؛ فلا خيار لها في التعجيز وتمضي على كتابتها، فإن أدت خرجت مع ولدها أحرار، وإن أدى المكاتب قبلها خرج هو وولدها أحراراً وسعت هي فيما بقي عليها إن شاءت أو عجزت نفسها؛ فكانت له أم ولد. ولو مات في كتابته قبل خروجها وترك وفاء بكتابته؛ خرجت هي حرة وولدها، وإن بلغ الولد قبل عتقها سعى مع أقربها عتقاً فعتق بعتقه، ولو كان معه ما يؤدي عن أبويه؛ أخذ من ماله ما يؤدي عنهما وأعتقوا. وإن ماتت هي أولاً وتركت مالاً؛ أخذ المكاتب من مالها ما بقي عليه وعتق وولدها، وورث الولد ما بقي من مالها، وإن لم يكن فيه وفاء فللولد أخذه والسعاية فيه، وكذلك لو لم يدع شيئاً، فإن أدى عتق، وإن عجز كان في كتابة الأب. قال ابن القاسم: فإن كان سيد المكاتب هو الذي وطأ هذه المكاتبة فأحبلها قال: هذه لها الخيار في أن تعجز نفسها، وتكون أم ولد للسيد الواطئ، ويغرم قيمتها للمكاتب، ولا

شيء عليه في الولد، وليس للسيد أن يحاسب بالقيمة المكاتب في كتابته إلا أن يشاء المكاتب، وإن اختارت البقاء على كتابتها؛ غرم قيمتها يوم وطأها؛ قيمة أمة فتوقف تلك القيمة خيفة أن يعدم الواطئ عند العجز، ويكون ولداً حراً مكانه، فإن أدت عتقت وأخذ الواطئ القيمة التي أوقفت وإن عجزت؛ كانت القيمة لسيدها المكاتب، وكانت أم ولد للسيد الواطئ. قال ابن القاسم: وإن ماتت قبل أن تؤدي كانت القيمة لسيدها المكاتب أيضاً. وقال في العتبية: إن ماتت قبل الأداء أخذ من القيمة الموقوفة قيمة الولد فدفعت إلى المكاتب ورجع باقيها إلى الواطئ. م: وذكر محمد فيها جواباً لأصبغ وأعابه قال: والجواب عندي: أن تخير؛ فإن اختارت العجز: كانت أم ولد لمحبلها، وغرم لمكاتبه قيمتها يوم أحبها، كما لو وطأ أمته، وإن اختارت المضي على كتابتها؛ لم يغرم الواطئ الآن شيئاً؛ لأنها استقامت على نجومها ولم يدخل عليه فيها نقص ولا ضرر فلا حجة له حتى تعجز، وإن عجزت رجعت أم ولد للسيد الواطئ على ما أحب أو كره، وغرم القيمة يوم الوطء، أو ما بقي عليها من الكتابة، [يغرم الأقل منهما، فإن رضي يغرم ما بقي عليها من الكتابة]؛ خرجت حرة ولم يتبعها من ذلك شيء، وإن هو غرم قيمة رقبتها كانت أم ولد، قال: ولا معنى لإيقاف القيمة؛ لما يلحق الواطئ من الضرر بإحضارها فقد يوجب ذلك تفليسه وقيام غرمائه عليه فلا منفعة بتعجيلها المكاتب، وفي إيقافها أيضاً غرر؛ إذ قد تتلف، ولو كنت أرى إيقافها لأوقفت ما تؤدي للمكاتب بعد الإيقاف؛ لأني لا أغرمه إلا قيمتها يوم الوطء، فيجب إيقاف ما

تؤدي حتى ينظر ما يصير إليه أمرها؛ لأنها إن عجزت فقد كانت أم ولد لواطئها من يوم وطئها فلا شيء للمكاتب من كتابتها، فقد صار إيقاف القيمة ضرر عليهما، ولكن أرى أن تترك على حالها الذي اختارته، تؤدي كتابتها لسيدها، فإن عجزت غرم الواطئ القيمة، ولم يرد المكاتب ما تؤدي منها بعد الوطء؛ لأنه أخذ ذلك قبل أن يمضي فيها حكم فاقتضاه على أنها مكاتبة وملكه، فهو كالعلة قبل الاستحقاق، وكمن أعتق أمته أو كاتبها، ثم استحقت بحرية أو بملك، فلا يرد من كانت بيده شيئاً من ذلك إلا من يوم ينظر الحاكم فيها فيوقفها فيوقف العلة إلى وقت الحكم، قال وإن ماتت في نجومها فلا شيء على واطئها؛ لأنه ليس من سبب الوطء ماتت، قيل: فلم لا يغرم الواطئ قيمة الولد وتكون تلك القيمة معونة لأمة في كتابتها كما قالوا فيمن اشترى أمة فأولدها ثم استحقت أنها مكاتبته أن الأب يغرم قيمة الولد فيأخذه السيد ويحبسه لأمته من آخر كتابتها؟ قال: لأن هذه ترجع إلى رق الكتابة، ولا تكون أم ولد للواطئ، فولدها بمنزلتها؛ فلذلك غرم الأب قيمتهم، ولولا السنة التي جرت بحريتهم لكان مكاتباً مع أمه؛ فإنما فداهم أبوهم عن الكتابة، ألا ترى أنه لو تأخر الحكم عن الأب حتى أدت الأم الكتابة وخرجت حرة؛ لم يكن على الأب فيهم غرم فمسالتك يؤول أمرها إلى أن أم ولد لمحبلها إذا عجزت فيغرم قيمتها وأي قيمة عليه في ولدها، أو يؤول إلى الحرية بالأداء؛ فلا غرم عليه على حال. م: وذكر فيها ابن سحنون قولاً لسحنون تركته خشية التطويل.

ومن العتبية قال ابن القاسم: ومن وطأ مكاتبة ابنه فحملت؛ فإنها تخير بين أن تقوم عليه وتكون له أم ولد وتبطل كتابتها، وبين أن تسعى في كتابتها على حالها فإن أدت عتقت وإن عجزة قومت عليه. وقال سحنون: لا خيار لها؛ لأن هذا من نقل الولاء وليس لها نقل ولائها إلا بعجز بين. وقال: فإن عجزت فالابن مخير إن شاء قومها على أبيه. قال أبو محمد: والمعروف لأصحابنا: أنه لابد أن يقومها عليه؛ لأنها أم ولد له. قال ابن القاسم: وإن اختارت البقاء على كتابتها؛ أوقفنا القيمة من الأب، فإن أدت رجعت القيمة إليه، وإن عجزت أخذها الابن وصارت أم ولد للأب، وإنما توقفت القيمة لخوف عدمه، وإن جنى عليها جناية من ذهاب جارحة قبل عجزها؛ فإن كان في عقلها ما تعتق به عتقت ورجعت القيمة إلى الواطئ، وإلا سعت فيما بقي عليها، فإن أدت عتقت، وإن عجزت قوصص واطؤها بما أخذ سيدها من ثمن جسدها فيما عليه من القيمة، ولو أصابها ذلك بأمر من الله ثم عجزت أخذ الابن القيمة كلها بلا حطاط شيء. م: وفيما ذكرناه كفاية، وفي كتاب أمهات الأولاد من معاني هذا الباب كثير.

في بيع المكاتب وبيع كتابته قال مالك: لا تباع رقة المكاتب وإن رضي؛ لأن الولاء قد ثبت لعاقد الكتابة. قال ابن القاسم: فإن بيعت رقبته ولم يعجز؛ رد البيع ما لم يفت بعتق، فيمضي، وولاءه لمن أعتقه. وقد أخبرني الليث بن سعد أن يحيى بن سعيد باع مكاتباً ممن أعتقه، وأن عمرو بن الحارث دخل في ذلك حتى اشتراه، فلذلك أمضيت بيعه إذا فات العتق، وقاله الليث. قال سحنون: وهذا إذا كان العبد راضياً ببيع رقبته فكأنه رضي منه العجز. وقد تأول بعض أصحابنا أن يحيى بن سعيد إنما باع مكاتبه بعد عجزه.

قال ابن نافع: كما عجزت بريرة فاشترتها عائشة -رضي الله عنها-. وقال غيره: عقد الكتابة عقد قوي؛ فلا يجوز بيع رقبته ويرد بيعه، وينقض عتقه وقاله أشهب. وقال أشهب: وهذا إذا كان المكاتب لم يعلم بالبيع. قال ابن القاسم: وكان مالك يقول في المدبر يباع فيعتقه المبتاع: أن بيعه يرد، ثم قال: لا يرد. فصل قال مالك: أحسن ما سمعت في المكاتب: أن سيده لا يبيع كتابته إذا كانت عيناً إلا بعرض نقداً ولا يؤخره فيكون ديناً بدين، وقد نهى الرسول -عليه السلام- عن الكالئ بالكالئ.

قال: وإن كانت الكتابة عرضاً بيعت بعرض مخال له أو بيعت نقداً ولا يؤخر شيئاً من ذلك، قال: ويتبعه في بيعها مكاتبه وماله، ويؤدي إلى المبتاع، فإن أدى وعتق كان ولاؤه للبائع وإن عجز رق للمبتاع، وقاله عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار. قال ابن المسيب: والمكاتب أحق بكتابته إن بيعت بالثمن، وقضى به عمر بن عبد العزيز. وقال عطاء: وكذلك من عليه دين فبيع فهو أولى به بالثمن، وقاله مالك في سماع أشهب، قال: وذلك إذا بيعت جميع كتابته حتى يعتق بذلك، فأما ما لا يعتق به فلا يكون أحق به؛ فإنه لا يرجع إلى حرية. قال أصبغ عن ابن القاسم عن مالك فيمن اشترى كتابة مكاتب ثم مات المكاتب قال: ميراثه له لأنه لو عجز لاسترقه، وكذلك في الهبة والصدقة يرثه إن مات، وإن كان ما ترك أكثر من الكتابة فهو له. وروى الصمادحي والدمياطي عن ابن القاسم فيمن وهب كتابة مكاتبه لرجل فعجز: فهو رق للمعطىَ كالبيع.

وروى عنه أبو زيد: أنه يرجع للواهب وقاله أشهب. وروى عنه محمد مثل رواية الصمادحي عن ابن القاسم. م: وروي لنا عن أبي بكر بن عبد الرحمن فيمن اشترى كتابة مكاتبه ثم وجد بالمكاتب عيباً قال: ينتظر به؛ فإن أدى كتابته فلا رجوع للمشتري بشيء؛ لأنه قد حصل له ما اشترى، وإن عجز فرق له، فله رده بالعيب، ويرد معه جميع ما أخذ من كتابته، ولم يكن ذلك كالعلة ألا ترى أن لو اقتضى تسعة أعشار كتابته ثم عجز فرده بالعيب أيكون له ما اقتضى؟ بل يرد ذلك؛ لأنه إنما اشترى الكتابة فليست كالغلة. وقال غيره: ليس عليه أن يرد شيئاً مما قبض من الكتابة؛ لأن ذلك كالغلة. قال: وله رده وإن لم يعجز؛ لحجته؛ لأنه بالعجز يرق له، ثم لا يرد معه ما قبض من كتابته، واحتج بأن الأمر كان فيه مترقب لا يدري ما يحصل له؛ الرقبة بالعجز، أو مال الكتابة فلما عجز فكأنه إنما اشترى رقبته فكان ما قبض غلة له. م: والأول أبين؛ لأنه إنما اشترى الكتابة، والرقبة قد تصح له أو لا تصح، وما يكون أو لا يكون فلا حكم له. قال ابن القاسم: وإذا كاتب المكاتب عبداً له فباع السيد كتابة الأعلى تبعه مكاتبه؛ لأنه مال وأدى الأسفل للأعلى، فإن عجز الأسفل رق للأعلى، وإن عجز الأعلى وحده أدى الأسفل للمبتاع ولا يرجع إلى المكاتب بعد أن عجز، فإن أدى عتق وكان ولاؤه للبائع. ومن غير المدونة قال أشهب: بل الولاء للمبتاع؛ لأنه عبده.

وذكر ابن المواز عن ابن القاسم مثله وخالفه وقال: بل الولاء للبائع وهذا الصحيح. وقال ابن القاسم في رواية سليمان: وبلغني أن ربيعة وعبد العزيز كانا يريان بيع كتابة المكاتب غررا لا يجوز. وقال مالك في العتبية: ولا يجوز لأحد الشريكين بيع حصته وإن أذن له شريكه إلا أن يبيعا جميعاً. قال ابن القاسم: وكذلك لا يشتري المكاتب نصيب أحد الشريكين إلا أن يشتري جميعه. وقال ابن المواز: يكره بيع أحد الشريكين حصته في المكاتب من المكاتب؛ لأنه كالقطاع، وجائز من غيره. وأجاز ابن القاسم وأشهب في العتبية بيع نصف المكاتب أو جزء منه أو نجم بغير عينه؛ لأنه يرجع إلى جزء منه. في كتابة أحد الشريكين وتدبيره نصيبه بإذن شريكه أو بغير إذنه ومن كاتب بعض عبده قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا: أنه لا يجوز أن يكاتب الرجل شقصا له من عبد بإذن شريكه أو بغير إذنه إلا أن يكاتباه جميعاً كتابة واحدة؛ لأن ذلك ذريعة إلى عتق النصيب بغير تقويم؛ وذلك خلاف قول الرسول -عليه السلام-: «فيمن أعتق شركا له في عبد فإنه يقوم عليه نصيب شريكه».

قال مالك: فإن كاتب نصيبه بإذن شريكه أو بغير إذنه؛ فسخ ذلك ورد ما أخذ، سواء قبض الكتابة كلها أو بعضها، فيكون ذلك بينه وبين شريكه مع رقبة العبد على قدر حصصهما، وتبطل كتابته ويبقى عبداً لهما على حالته الأولى. قال غيره: إنما يكون ذلك بينهما إذا اجتمعا على قسمته، ومن دعا إلى رده إلى العبد فذلك له، إذ لا يجوز اقتسام مال العبد إلا بالرضا منهما. قال ابن القاسم: ولو كاتب هذا حصته ثم كاتب الآخر حصته بغير إذن شريكه ولم يعلم أحدهما بكتابة الآخر؛ لم يجز إذا لم يكاتباه جميعاً كتابة واحدة، ويفخ، كاتباه على مال متفق أو مختلف؛ لأن كل واحد يقتضي دون الآخر، وليس ذلك وجه الكتابة، ولو جاز هذا؛ لأخذ أحدهما ماله بغير إذن شريكه. وقال غيره: إن وافق الثاني كتابة الأولى في النجوم والمال؛ جاز ذلك وكأنهما كاتباه جميعاً، وإن اختلف لم يجز. وقيل: إن كاتبه هذا بمائة إلى سنتين، وهذا بمائتين إلى سنة، فإن حط صاحب المائتين مائة وأخره بالمائة الباقية سنتين؛ جازت، فإن أبى؛ قيل للمكاتب: أترضى أن

تزيد صاحب المائة مائة وتعجلها إلى سنة ليتفق الأداء؟ فإن فعل جاز أيضاً وإلا فسخت الكتابة. قال ابن اللباد: لم يروه يحيى ولكن هو لابن الماجشون. م: وهو عندنا من رواية يزيد بن أيوب. قال ابن القاسم: وأما إن أعتق هذا أو دبر، ثم فعل الآخر مثله أعتق أو دبر، ولم يعلم بفعل صاحبه؛ فذلك جائز. فصل قال ومن كاتب بعض عبده لم يجز ذلك ولا يكون شيء منه مكاتباً، وإن أدى لم يعتق منه شيء، كقول مالك: فيمن كاتب شقصا له من عبد والعلة في ذلك أيضاً: أنه يؤدي إلى عتق نصفه ولا يستتم عليه عتق بقيته، إذ ليس كتابته بصريح العتق، فمنع من ذلك؛ فئلا يكون خلاف السنة فيمن أعتق نصف عبده.

قال غيره: ومن عيب كتابة أحد الرجلين نصيبه بإذن شريكه؛ أنهما يتخاطران في ماله، فيقتضى هذا نجوماً وهذا خراجاً. وإذا كاتب نصف عبد هو له؛ فأصل الكتابة لا تكون إلا على المراضاة؛ كأنها بيع، ألا ترى أن العبد لو أراد أن يكاتبه سيده بكتابة مثله أو أقل أو أكثر، لم يلزم السيد ذلك، إلا أن يرضى، فكذلك لا يلزم السيد أن يكاتب ما بقي بعد ما كاتب إلا بالرضا، كما كان بدون الكتابة، ولا يعتق إذا أدى عما كوتب منه إذ ليست الكتابة عتقاً، وإن كانت تصير إلى عتق.

في مكاتبة الأب لعبد ولده، والوصي لعبد يتيمه، ومكاتبة المكاتب، والمأذون، والمديان، لعبيدهم. قال ابن القاسم: ولا بأس أن يكاتب الرجل عبد ولده على وجه النظر؛ لأن بيعه وشراءه على وجه النظر جائز، وقال مالك. قال مالك: وإذا أعتق عبد ابنه الصغير جاز عتقه إن كان مليئاً يوم أعتق ويقوم عليه. قال غيره: فإن لم يكن له مال فلم يرفع إلى الحاكم ولا نظر فيه حتى أفاد مالاً، تم عتقه للعبد، وكان كعبد بين شريكين، وأعتق أحدهما نصيبه ولا مال له، فلم يرفع إلى الحاكم حتى افاد مالاً؛ فإنه يقوم عليه ويتم عتق العبد كله. قال مالك في كتاب القسم: وإن لم يكن الأب موسراً يوم أعتق فرفع إلى الحكم؛ رد عتقه للعبد إلا أن يتطاول زمانه، وتجوز شهادته ويناكح الأحرار فلا يرد، ويتبع الأب بقيمته. قال في كتاب محمد: وإنما يلزمه العتق إذا أعتق عبد ابنه الذي في حجره وولايته، فأما الابن الكبير الخارج من ولايته فلا يجوز عتقه في عبده.

ابن المواز: وإن أعتق عبد ابنه الصغير عن الابن لم يجز ذلك، وإنما يلزمه، ويقوم عليه إذا أعتق عن نفسه، وفي كتاب العتق زيادة على هذا. ومن المكاتب قال ابن القاسم: وللوصي أن يكاتب عبد من يلي عليه على النظر، ولا يجوز أن يعتقه على مال يأخذه منه إذ لو شاء انتزعه منه، ولو كان على عطية من أجنبي جاز على النظر كبيعه عليهم، وكذلك الحكم في المكاتب يكاتب عبده. فصل قال ابن القاسم: وإذا كاتب المكاتب عبده على وجه النظر بنفسه ثم عجز الأعلى أدى الكتابة الأسفل للسيد الأعلى، فإن أعتق السيد الأعلى المكاتب الأعلى بعدما عجز لم يرجع بشيء مما أدى هذا المكاتب الأسفل؛ لأنه حين عجز صار رقيقاً وصار ماله لسيده بما كان له على مكاتبه فهو مال للسيد؛ ولأن مالكاً [قال: إذا عجز المكاتب] الأعلى فولاء المكاتب الأسفل إذا أدى عتق للسيد الأعلى، ولا يرجع إلى المكاتب [الأول على حال أبداً]، وكتابة المكاتب عبده على ابتغاء الفضل جائزة، وإلا لم

تجز، وكذلك قوله لعبده: إن جئتني بكذا فأنت حر، فإنما يجوز ذلك إذا كان على ابتغاء الفضل، إلا أنه يتلوم للعبد في هذا بلا تنجيم. قال في كتاب الولاء: ولا يعتق المكاتب عبده على مال يأخذه منه؛ لأنه يقدر أن ينتزعه منه، فأما على أخذ المال من أجنبي فجائز؛ كبيعه منه. قال في كتاب الخلع: إذا خالع أو تصدق بإذن سيده، فجائز. وقال في الحمالة: إن حمالته بالدين بإذن سيده جائزة. وقال غيره: لا تجوز؛ لأن ذلك دعاية إلى رقه. فصل ولا يجوز للمأذون أن يكاتب عبداً له أن يعتقه إلا بإذن سيده، فإن فعل بإذنه وعلى المأذون دين يغترق ماله؛ لم يجز ذلك إلا بإذن غرمائه؛ لأن ماله للغرماء، وكتابته من ناحية العتق إلا أن يكون في ثمن الكتابة إن بيعت كفافاً للدين أو لقيمة الرقبة فلا حجة للغرماء؛ لأنهم إذا قبضوا دينهم أو قيمة الرقبة التي كانت تباع لهم لو رُدت الكتابة لم يكن لهم حجة، وتباع لهم الكتابة فيستعجلونها إن شاءوا، فإن أدى المكاتب عتق، وإن عجز رق لمشتريه، وكذلك الجواب في الحر المديان يكاتب عبده.

م: سئل الفقيه أبو عمران: ما الفرق بين كتابة الوصي لعبد من يلي عليه، وبين كتابة المأذون لعبده؛ أن ذلك لا يجوز في المأذون إلا بإذن السيد؟ قال الفرق: أن الوصي أقامه الأب مقام نفسه وعوضاً منه، فهو كإياه في ذلك، والمأذون إنما أذن له في التصريف في المتاجرات والمبايعات بين الأجنبيين، وأما بيعه عبده من نفسه أو كتابته إياه فلم يأذن له فيه؛ لأن ذلك من ناحية العتق لا من باب المتاجرة، ألا ترى أنه لا يحاص الغرماء بالكتابة ولا بما أعتق عبده عليه؛ لأن ذلك من باب المعروف وليس في دمه، وذلك بخلاف متاجرته مع الأجنبيين، فحكم المتاجرة والكتابة مفترق. قال: وساوى أشهب بين الوصي وبين المأذون وبين المكاتب في كتابة العبد ورأى أن الكتابة هاهنا طريقها التجارة وابتغاء الفضل كسائر المتاجرات، وذهب إلى أن: المأذون أن يكاتب عبده على وجه النظر، وإن كره الغرماء، وليس لغرمائه في ذلك مقال؛ أذن له السيد أو لم يأذن. قال: وإن للحر المديان أن يكاتب عبده إذ وقعت بغير محاباة على وجه النظر وإن كره الغرماء، وأبى ذلك ابن القاسم في المديان. واختلفا في المريض: فأجاب فيه كل واحد منهما بضد قوله في المديان. قال ابن القاسم: كتابة المريض من ناحية البيع إذا لم تكن بمحاباة، وأبى ذلك أشهب في كتبه وإن غالاه ولم يحابه حتى يحمل رقته الثلث، وكان سحنون نحا أن الكتابة عنده من ناحية العتق في المريض والمديان؛ لأنه استشهد في المريض لما جاء بكلام أشهب بقول

ابن القاسم في كتابه المديان: أنه لا يجوز؛ لأن ذلك من ناحية العتق فصار ابن القاسم يجيزه في المريض ولا يجيزه في المريض ولا يجيزه في المديان. وقال أشهب بضده، وقال سحنون لا يجيزه فيهما. واحتج أشهب بمنع المريض من الكتابة إذا لم يحمله الثلث: بأنه حابى نفسه بما جر إليه وغلى ولده من الولاء، وقد اعترض عليه في ذلك بما يجوز من كتابة المديان؛ لأنه حابى نفسه أيضاً بالولاء، وهذا أصل مضطرب فيه؛ هل الكتابة من ناحية البيع، أو من ناحية العتق؟ فمهما دل عليه في النازلة غلب الحكم له. م: وهذا كله من كلام الفقيه أبي عمران الفاسي -رضي الله عنه- إلا ما اختصرت أنا منه وبينت. قال ابن القاسم ومن كاتب عبده وعلى السيد دين وقد جنى العبد جناية قبل الكتابة فقيم عليه بذلك الآن، فقال العبد: أنا أؤدي عقل الجناية والدين وأثبت على كتابتي فذلك له. م: قيل لأبي عمران: فهل يحاسب السيد في الكتابة بما أدى من دين أو جناية؟ قال: أما الدين فيحاسبه بذلك إذ لو صحت الكتابة ثم لحق السيد لم يكن على المكاتب منه شيء، وإنما تباع كتابته في الدين، فأما ما أدى في الجناية فلا يحاسب السيد

بشيء من ذلك؛ لأنه لو جنى بعد صحة الكتابة لم يكن على السيد منها شيء، وإنما يقال للمكاتب: قم بجنايتك وإلا عجزت، فلو كان يحاسبه بجنايته قبل الكتابة لحاسبه بها إذا كانت بعد الكتابة وهذا بين. قال ابن القاسم: ومن كاتب أمته وعليه دين يغترقها فولدت في كتابتها من غيره ثم قال الغرماء؛ فلهم فسخ الكتابة، ويرقها الدين وولدها، إلا أن يكون في ثمن الكتابة إن بيعت بنقد؛ مثل الدين أو مثل قيمة رقبتها، فلا تغير الكتابة، ولكن تباع في الدين. قال: ولو فلس سيد العبد بدين بعد الكتابة؛ بيعت الكتابة للغرماء، فيقبضون حقوقهم، ولا شيء لهم غير بيع كتابته وإن كثر الدين. في مكاتبة النصراني لعبده وإسلام مكاتبه قال ابن القاسم: وإن كاتب النصراني عبده النصراني، جازت كتابته، ثم إن أراد بيعه وفسخ الكتابة لم يمنع من ذلك، وليس هذا من حقوقهم التي يتظالمون فيها فيما بينهم، والعتق أعظم حرمة، ولو أعتقه ولم يبنه على يده ثم رده في الرق لم يمنع من ذلك، فكذلك الكتابة إلا أن يسلم العبد. م: يريد فتلزمه كتابته وعتقه وهذا خلاف قوله في العتبية. قال فيها في نصراني أعتق عبده ثم أراد بيعه: فليس للإمام منعه، فإن أسلم العبد أن يرجع في عتقه فإن كان بان عن يده حتى صار حاله كحال الأحرار فلا رجوع له فيه بعد إسلامه، وإن كان إذا أعتقه يستخدمه بحالته التي كان عليها حتى أسلم فله الرجوع فيه. م: فلم يجعل لإسلامه حكماً إلا بالبينونة، والبينونة عندنا تمنع من الرجوع فيه وإن لم يسلم، ولا فرق بين العتق والكتابة في هذا، وظاهر المدونة: أنه يلزم العتق والكتابة وإن لم

يُبنه؛ لأنه حكم بين مسلم وذمي، وأما إذا ابانه؛ فذلك يلزمه، وإن لم يسلما، فلو كان الحكم للبينونة لم يكن لذكر الإسلام معنى، والله أعلم وقد جرى في كتاب العتق من هذا والله الموفق للصواب. ومن المكاتب قال غيره: وإذا كاتب النصراني عبده النصراني، لم يكن له نقض الكتابة؛ لأن هذا من التظالم بينهم الذي لا ينبغي للحاكم أن يتركهم وذلك. ومن العتبية قال سحنون في النصراني يكاتب عبده النصراني بمائة قسط من خمر ثم أسلم المكاتب بعد أن أدى نصف الخمر قال: على المكاتب نصف قيمة نفسه عبداً قناً، أو يكون عليه نصف كتابة مثله في قوته على السعاية، وكذلك لو كان إنما أسلم السيد؛ الجواب واحد. وذكر ابن حبيب مثله عن ابن الماجشون إلا أنه قال: يكون عليه حصة ما بقي من كتابة مثله، إن ثلث فثلث وإن ربع فربع. ومن المدونة قال مالك: وإذا اشترى ذمي عبداً مسلماً؛ لم يفسخ شراءه، ولكن يباع عليه من مسلم، فإن كاتبه قبل أن يباع عليه أو كاتب عبده النصراني ثم أسلم العبد بعد الكتابة؛ فإن كتابة هؤلاء كلهم تباع من مسلم، فمن عجز منهم رق لمشتريه، وإن أدى عتق وكان حراً، وولاءه الذي كوتب وهو مسلم للمسلمين دون مسلمي ولد سيده الذمي، ثم إن أسلم سيده بعد ذلك، لم يرجع إليه ولاؤه؛ لأنه قد كان ثبت للمسلمين، وأما الذي أسلم بعد الكتابة فولاؤه لمن يناسب سيده من المسلمين من ولد ذكر أو عصبة، فإن لم يكونوا؛ فالجميع المسلمين، ثم إن أسلم سيده بعد ذلك رجع إليه ولاؤه؛ لأن ولاءه قد كان ثبت له حين عقد كتابته وهو على دينه.

قال سحنون: ومعنى رجوع الولاء في هذا؛ إنما هو الميراث، فأما الولاء فلا ينتقل عمن ثبت له. وإذا أسلمت أم ولد الذمي فقال مالك مرة: توقف حتى تموت، أو يسلم فتحل له، ثم رجع وثبت على أنها تعتق ولا شيء عليها من سعاية ولا غير ذلك وولاؤها للمسلمين إلا أن يسلم سيدها بعد أن أعتقت عليه فيرجع إليه ولاؤها. قال ابن القاسم في كتابة أمهات الأولاد: وإن أسلم سيدها بعد إسلامها وقبل أن تعتق؛ فهو أحق بها وتبقى له أم ولد، كما كانت، وإن طال ما بين إسلامها ما لم تعتق بقضية إمام. قال في المكاتب: وأما إن أسلم ولده بعد أن أسلمت؛ فإنها تعتق عليه، وولاؤها للمسلمين، ولا يرجع إليه ولاؤها إن أسلم. م: يريد وإن أسلم قبل أن تعتق عليه؛ فإنها تبقى له أم ولد، وولاؤها ثابت للمسلمين، لا يرجع إليه، كما لو دبر عبده بعد أن أسلم؛ فإنه يؤاجر عليه، فإن أسلم السيد أيضاً: رجع إليه مدبره، فإن مات وعتق في ثلثه كان ولاؤه للمسلمين، وبالله التوفيق. قال: فيها قولان: أحدهما: أن ميراثه كله للسيد كالعبد.

والقول الآخر: أن تؤخذ القيمة من السيد فيأخذ السيد منها باقي الكتابة، ثم يكون الفضل لقرابة السيد؛ فإن لم يكن له قرابة فهو للمسلمين. فقيل له: كيف يغرم القيمة ويأخذ منها الكتابة؟ فقيل: الكتابة كدين له فلذلك أخذها من القيمة؛ كالرجل يقتل غريمه عمداً، إن دينه لا يسقط عنه، ولم يصرح إذا كان الدين إلى أجل هل يبقى إلى أجله، أو يحل بقتله إليه؟ وكأنه نحا إلى أن دينه يحل على ما ذكره السائل. م: ومن مسائل ابن الكاتب -رضي الله عنه- قال: قول ابن القاسم إذا عجز المكاتب رجع ماله للسيد، وصار محجوراً عليه، ليس يريد عجزه عن الكتابة كالانتزاع، إنما أراد: أن العبد لا يجوز له التصرف في ماله، تدل على ذلك مسألة التدليس إذا وجد السيد عيباً فيما ولى المكاتب شراؤه وقد عجز، ومسألة أمهات الأولاد إذا أسلمت أم ولد المكاتب الذمي فإن عجز المكاتب؛ فإن كان مولاه مسلماً كان مثل النصراني يشتري أمة مسلمة فلو كان ماله يصير لسيده إذا عجز المكاتب لكانت أم ولده لسيده، ولم يحتج إلى بيعها. وقيل عن الشيخ ابن سعيد: إنما يرجع المكاتب على حالته التي كان عليها قبل الكتابة، إن كان مأذوناً له رجع كذلك، وإن كان غير مأذون له، رجع كذلك. والمشهور من قول ابن القاسم خلاف هذا. ومسألة عجز المكاتب الأعلى أن الأسفل يؤدي إلى السيد الأعلى، دليل على ما قلنا إذ لم يجعله يؤدي إلى المكاتب العاجز، فلو كان باقياً على ملكه لكان يؤدي إليه. تم المكاتب الأول بحمد الله وحسن عونه وتأييده ونصره].

بسم الله الرحمن الرحيم عونك يا الله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما كتاب المكاتب الثاني في إسلام أحد مكاتبي الذمي، وهروب مكاتبه إلى بلد الحرب قال مالك قال ابن القاسم: وإذا كاتب النصراني عبدين له نصارى كتابة واحدة فأسلم أحدهما فأحسن ذلك عندي: أن تباع كتابتهما جميعاً من مسلم ولا يفرقا لعقد الحماية رضيا أم كرها. وكذلك إن كاتب عبداً له نصرانياً، فولد لمكاتبه ولد في كتابته من أمته، ثم أسلم ذلك الولد دون أبيه؛ فإنه تباع كتابتهما جميعاً. م: ومعنى قوله: رضيا أم كرها: أي رضيا ببيع المسلم وحده؛ لأجل الحمالة، فلذلك لم يجزه؛ لأنهما يصيرا مكاتبين لرجلين أحدهما حميل بصاحبه، وأما لو رضوا بحل

الحمالة وفضوض الكتابة، وعلما ما يقع على كل واحد منهما؛ لجاز للسيد بيع كتابة المسلم منهما، كما لو أعتق السيد أحدهما، فرضي بذلك صاحبه: أنه يجوز. ويحتمل: أن يكون إنما أجازه في العتق خاصة لحرمته ويستأنس بأن لا يجيزه في البيع وإن رضيا بحل الحمالة لقول ربيعة الذي لا يجيزه في العتق وإن رضوا، والله أعلم. فصل قال ابن القاسم: وإن غنمنا مكاتباً لذمي أو لمسلم هرب أو أسر رد إلى سيده إن عرف سيده، غاب أو حضر، ولا يقسم وإن عرف أنه مكاتب ولم يعرف سيده أقر على كتابته، وبيعت كتابته في المقاسم مغنماً، ويؤدي إلى من صار إليه، فإن أدى كان حراً ولاؤه للمسلمين، وإن عجز رق لمن صار إليه. م: وإن لم يعلم أنه مكاتب ولا علم سيده فبيعت رقبته في المغانم، ثم أتى سيده، قال في العتبية يقال للمكاتب: أد ما اشتراك به هذا وقم بنجومك؛ فإن فعل فذلك له، وإن

ألقى بيده وعجز نفسه؛ فقيل لسيده: إن شئت فافده وهو عبد لك لا كتابة فيه، أو فأسلمه رقيقاً للذي هو في يديه كالجناية، وفي كتاب الجهاد إيعاب هذا. في الدعوة في الكتابة وبعثها إلى السيد قال ابن القاسم: وإذا قال السيد لمكاتبه قد حل نجم، وقال المكاتب: لم يجل؛ فالقول قول المكاتب؛ لأنه غارم، كقول مالك فيمن أكرى داره سنة، أو باع سلعة بدنانير إلى سنة، فادعى حلوها فالمكتري أو المبتاع مصدق إن أكذبه. قال ابن القاسم: وإن اتفقا أن الكتابة خمسون، وقال المكاتب: نجمتها على عشرة أنجم في كل نجم خمسة، وقال السيد: بل خمسة أنجم، في كل نجم عشرة؛ صُدِّق المكاتب مع يمينه، فإن أتيا ببينة؛ قضيت بأعدلهما، وإن تكافأتا صدق المكاتب، وكانا كمن لا بينة لهما، وقاله أشهب. وقال غيره: يقضى ببينة السيد؛ لأنها زادت ألا ترى أن لو قال السيد: الكتابة ألف درهم، وقال المكاتب: تسعمائة؛ صُدِّق المكاتب، وإن أتيا ببينة قضى ببينة السيد لأنها زادت. [قال أبو إسحاق: وقول ابن القاسم أعدل؛ لأن هذا تكاذب إذا كان في مجلس واحد، وكذلك القياس عنده في الزيادة أنها تكاذب، وأما جعل الغير أن الزيادة هاهنا لها حكم؛ وهي بينة السيد، فجعل الزيادة من جهة المعنى، وإلا فعشرة أشهر أكثر من خمسة في عدد الأشهر، ولكن من جهة هذا المعنى هذا المعنى أن الزيادة في الثمن إنما جاءت من جهة السيد وانظر

لو قال: كاتبني على عشرين ديناراً، وقال السيد: بل عبد موصوف أو عرض، فإذا قدرنا أن الكتابة فوق إذ لو لم يكن فوتاً لكانا يتحالفان ويتفاسخان في اختلافهما في القلة والكثرة مع اتفاقهما في الجنس الواحد، وإذا حكمنا في الجنس الواحد أن القول قول المكاتب مع يمينه وجب أن يرجع في اختلافهما في الجنس إلى قيمة، وانظر هل يرجع إلى كتابة مثله مؤجلة أو قيمة حالة؛ لأنا وجدنا في السلع إذا اختلف المتبايعان في جنسين أو في النكاح إذا اختلفا في جنسين؛ أن المرأة ترجع في الفوت إلى صداق المثل دراهم، والمتبايعان يرجعان إلى قيمة المبيع دراهم، ووجدنا اختلافهما في القلة والكثرة في المسلم فيه بعد الفوت يرجعان إلى الأوسط من سلم الناس على ما ذكره ابن المواز. م: وهذا الذي احتج به الغير من اختلافهما في عدد مال الكتابة خاصة لا يخالفه فيه ابن القاسم ولا يلزمه به في مسألة اختلافهما في عدد النجوم حجة؛ لأن كل بينة فيها قد زادت بينة المكاتب زادت عدد النجوم، فانتفع بالتأخير وبقلة ما يقع لكل نجم، وبينة السيد زادت بكثرة ما يقع لكل نجم وبقلة النجوم، فيجب عند تكافئهما أن يسقطا، وأما في اختلافهما في عدد المال خاصة فبينة السيد قد انفردت بالزيادة؛ فلذلك قضي بها، وبالله التوفيق. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن ادعى المكاتب أنه كوتب بمائة، وقال السيد: بمائتين؛ صدق المكاتب إن كان قوله يشبه؛ لأن الكتابة فوت، ولأن مالكاً قال فيمن اشترى عبداً فكاتبه أو دبره أو أعتقه واختلفا في الثمن: إن القول قول المشتري لأنه فوت. قال محمد بن عبد الحكم: قد اختلف في ذلك ابن القاسم وأشهب: فكان أشهب يرى أن القول قول السيد. والحجة له: أنه يقول: أنت مملوكي فلا تخرج إلى الكتابة إلا بما أقر لك، وذلك كالبيع، يختلفان فيه فالقول قول البائع، والمبتاع مخير.

والحجة لابن القاسم في قوله: إن القول قول المكاتب: إن الكتابة قد وجبت وهي فوت، فالسيد يدعي فضلاً، والعبد ينكر، فالبينة على المدعي، وعلى المنكر اليمين. واختار بن المواز قول بن القاسم واحتج بمثل حجته في المدونة. ومن المدونة: قال ابن القاسم وكان مالك مرة يقول: إذا قبض المبتاع السلعة وبان بها وهي قائمة بعينها؛ فهو مصدق في الثمن مع يمينه، ثم رجع إلى أن يتحالفان ويترادا إن لم تفت السلعة بحوالة سوق فأعلى. قال ابن حبيب عن أصبغ: فيمن قاطع عبده على مائة، وقال: هي حالة، وقال العبد: [إلى أجل؛ فالسيد مصدق مع يمينه، ولو كاتبه على مائة وقال: هي حالة، وقال العبد: هي] منجمة صدق العبد مع يمينه. م: لأن سنة القطاعة التعجيل، وسنة الكتابة التنجيم، وهو العرف فيهما فمن ادعى العرف فالقول قوله. م: ومن كان القول قوله حلف وقضى بما ادعى، فإن نكل حلف الآخر وقضى بما ادعى، فإن نكل لزمه ما ادعي عليه به، وذلك كاختلاف المتبايعين بعد فوت السلعة؛ لأن القطاعات والكتابة فوت.

م: وهذا على قول ابن القاسم في اختلاف المتبايعين يدعي البائع الحلول، والمبتاع الأجل؛ أن القول قول البائع، وأما على قوله القول قول المبتاع؛ فيجب أن يكون القول قول العبد؛ لأن القطاعة كفوت السلعة. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا بعث المكاتب بكتابته إلى سيده وأنكر قبضها؛ فإن لم يقم الرسول بينة بالدفع؛ ضمن، كمن بعث بدين عليه أو امرأة اختلفت من زوجها بما فبعثت به إليه؛ فإن لم يقم الرسول بينة بالدفع وإلا ضمن، وقاله مالك. ما يحل ويحرم في الكتابة من خيار أو رهن أو حمالة قال ابن القاسم: ومن كاتب عبده على أن السيد أو العبد بالخيار يوماً أو شهراً فلا بأس به، والخيار في الكتابة جائز كالبيع. ومن كاتب أمته على أن أحدهما بالخيار فولدت ولداً في أيام الخيار؛ دخل الولد في الكتابة معها، فإن كان الخيار لها: كانت وولدها على الكتابة إن أحبت، وإن كرهت رجعت رقيقاً، وإن كان الخيار للسيد: فله أن يدخل ولدها معها في الكتابة على ما أحبت أو كرهت، أو يردها وولدها في الرق كالأمة المبيعة بالخيار تلد في أيام الخيار أن ولدها يدخل معها في إمضاء البيع أو رده لمن له الخيار بالثمن المشترط، ولا شيء على المبتاع من نقص الولادة إن ردها. وولد المكاتبة في أيام الخيار أبين في دخوله معها في الكتابة على ما وصفنا.

وقال أشهب: الولد للسيد ولا يدخل في الكتابة إذا لم تتم إلا بعد الولادة، وكذلك أرش جنايتها، وما وهي لها فهو لمالكها قبل وجوب الكتابة، وكذلك الولد في البيع للبائع، ولا ينبغي للمبتاع أن يختار البيع للتفرقة، فإن اختاره وقبض الأم؛ قيل لهمام: إما أن يضم المشتري الولد إلى أمه، أو يأخذ البائع الأم فيجمعان بينهما في حوز أحدهما وإلا نقضنا البيع. وقال ابن القاسم: أما ما وهب للأمة أو تصدق به عليها في أيام الخيار؛ فهو للبائع بخلاف الولد. م: وهذا رجوع من ابن القاسم إلى أصل أشهب؛ لأن أشهب: يرى في بيع الخيار أنما انعقد يوم وقع الاختيار؛ فما ولدت أو وهب لها أو جني عليها فأخذت له أرشاً فللبائع؛ لأن البيع إنما انعقد بعد ذلك، وابن القاسم يرى إذا اختار البيع من له الخيار فكأنه إنما أمضى العقد الأول؛ فكأن البيع لم يزل منعقداً من حينئذ؛ فلذلك جعل الولد للمبتاع ومع المكاتبة، وكذلك يجب أن يكون ما وهب لها وأرش ما جنى عليها للمبتاع، وأراه إنما فرق بينهما: إنه لما ترجح وقت انعقاد البيع، وكان مال العبد في البيع للبائع جعل ما طرأ له من مال في أيام الخيار لمن له المال، والولد لمن تكون له الأم والله أعلم. وقول أشهب أبين وأقيس وبه أقول، وبالله التوفيق. [قال ابن القاسم: وكذلك أرش ما جني عليها في أيام الخيار أو في عهدة الثلاث فهو للبائع؛ لأن منه ضمانها، وعليه نفقتها، والمبتاع بالخيار في أخذها معيبة بجميع الثمن، أو

ردها، وكذلك إن دخلها عيب في أيام الخيار أو في عهدة الثلاث؛ فأما أخذها معيبة بجميع الثمن أو ردها. قال مالك: ولو هلك مال العبد في عهدة الثلاث وقد بيع به لم يكن للمبتاع رد العبد ولا يرجع بشيء. ولو هلك العبد في الثلاث انتقض البيع، وعلى المبتاع رد ماله، وليس له التمسك به ودفع الثمن، بخلاف ما دخله من عيب، هذا له أن يرده وماله، أو يمسكه وماله. م: لأن مال العبد إنما هو مستثنى للعبد فمتى انتقض البيع في العبد انتقض في ماله، وهذا مستوعب في كتاب بيع الخيار. ومن اشترى عبداً واستثنى ماله؛ كان ما وهب له في أيام الخيار له لا للبائع؛ لأنه استثنى ما عنده وما يصح له من كسب، وهذا هو المعروف من المذهب، وإنما وقع في كتاب محمد في العبد الرهن يرتهن بماله، فيوهب له مال أن ما وهب له لا يدخل في الرهن. م: قال أبو إسحاق: وفي ذلك نظر، ولعل هذا المفهوم في الرهن إذا رقبته لم تخرج من ملك سيده].

فصل قال مالك: ومن كاتب عبده وأخذ منه عند الكتابة رهناً يملكه مما يغاب عليه، فضاع بيد السيد؛ فإنه يضمن قيمته، فإن ساوت الكتابة عتق مكانه وكانت قصاصاً. قال ابن المواز: لأني لو أغرمت السيد ذلك لم أدفعه إلى المكاتب حتى تحل النجوم، إلا أن يأتي المكاتب برهن ثقة مكانه فيأخذ ذلك، ويثبت على كتابته، فإن لم يأت به تعجيل ذلك سيده، وجعل ذلك من أول نجم إن لم يكن كفافاً للكتابة، ولم يكن على المكاتب شيئاً حتى تنقضي نجوم ذلك، وإن كان فيه فضلٌ عتق وأخذ الفضل من سيده. ومن المدونة: وإن فلس السيد أو مات نظرت إلى الرهن؛ فإن كان في عقد الكتابة بشرط فهو انتزاع من السيد لا يحاص به المكاتب غرماء سيده كما لو كاتبه على أنه لو أسلف سيده دنانير أو باعه بيعاً بثمن مؤجل فذلك انتزاع لا يحاص به، ولو وجد الرهن بعينه في فلس أو موت فلا شيء له فيه، ولا محاصة له به، ولا لغرماء المكاتب فيه شيء، ولو كان الرهن بعد عقد الكتابة لنجم حل أو نحوه؛ فللمكاتب أخذه إن وجده بعينه، أو المحاصة بقيمته إن لم يجده فما صار له كان قصاصاً مما حل عليه، وما بقي له من قيمته ففي ذمة السيد يقاص به المكاتب فيما حل عليه. وفي كتاب محمد وما صار له في المحاصة قوصص به فيما حل عليه.

قال ابن المواز: فيأخذه الغرماء ثم تباع لهم بقية الكتابة؛ فإن أدى كان حراً، وإن عجز رق للمشتري كله، وأتبع المولى ببقية قيمة رهنه، وإذا بيعت كتابته فله أن يحاص الغرماء في ثمنها كما كان يحاصصهم فيما بيده. م: يريد: وإذا حاصهم فيما بيده فنابه أكثر مما حل عليه فليحسب ذلك من أول نجم ثم مما يليه، فإن كان فيه كفاف ما عليه من الكتابة؛ عتق مكانه، وكان قصاصاً؛ لأني لا أدفع ذلك للمكاتب حتى تحل النجوم إلا أن يأتي المكاتب برهن ثقة مكانه فيأخذ ذلك، ويثبت على كتابته، فذلك له واسع، ويتبع السيد بما بقي له من قيمة رهنه. قال: ولو كاتبه بمائة دينار؛ فأرهنه بما رهناً قيمته مائتي دينار، فضاع بيد السيد، وعلى السيد دين لرجل مائتي دينار ففلسفة الغريم، فوجد بيد السيد مائتي دينار فليحاصه المكاتب فيها بقيمة رهنه فإن شاء المكاتب تعجل العتق بما يقع له، قال له الغريم: عليك من الكتابة مائة، فآخذ أنا من هذه المائتين مائة أيضاً ويتحاصا في المائة الثانية؛ فيقع للمكاتب خمسون فيأخذها ويخرج حراً، ويتبع السيد بخمسين بقية قيمة رهنه، فإن شاء المكاتب أخذ ما يقع له في الحصاص، ويأتي برهن مكانه، ويؤدي على نجومه تحاصا في المائتين، فتقع له مائة ويأتي برهن قيمته مائة، ويأخذ المائة ويؤدي إلى نجومه إلا أن يكون حل عليه شيء منها؛ فيأخذ الغريم من المائتين مثل الذي على المكاتب، ويتحاصا فيما بقي، فيأتي المكاتب برهن مثل ما يقع له في الحصص، فهذا وجه الحصاص وتفسيره وبالله التوفيق.

قال غير ابن القاسم في المدونة وهو أشهب: ليس ذلك انتزاعاً كان الرهن في أصل الكتابة أو بعدها، ويضمنه السيد إن لم تقم بينة بهلاكه، فإن كانت القيمة دنانير والكتابة دنانير تحاصا؛ لأن في وقف القيمة ضرر عليهما، إلا أن يتهم السيد العبداء على الرهن لتعجيل الكتابة قبل وقتها فتوقف القيمة بيد عدل، وإن كانت الكتابة عرضاً أو طعاماً، أوقفت القيمة لرجال رخص ما عليه عند محله، ويحاص الغرماء بالقيمة في الفصل والموت. قال أبو إسحاق: ومذهب الغير أبين؛ لأن هذا إنما يكون انتزاعاً بأن بينهم ذلك، وأما شرطه الرهن في أصل الكتابة، فلا يفهم منه الانتزاع، وأما دعواه الضياع؛ فأوجب ابن القاسم المقاصة بظاهره، ولو أتى العبد برهن ثقة وذلك أنه لم يصح هلاك الرهن ولا غير هلاكه فكان الأمر مشكلاً، فلم يحمل عليه العداء فغرمه قيمته، فيوقف كما لو ثبت عداؤه ولم يسقط عنه ضمانه؛ لأنه مضمون فتوسط فيه إن ضمنه وجعله قصاصاً. وظاهر مذهب الغير: أنه لا فائدة في إيقاف القيمة فقد يقول: إنه لو أتى برهن ثقة أنه يصير عليه إلى الأجل إذا كانت عليه أن الإنفاق ضرر، فإذا كان إنما العلة أن الإيقاف لا فائدة فيه، فإذا أتى برهن أخذ القيمة. وعلة ابن القاسم غير هذا؛ أنه لما لم يتحقق علة العداء كان ذلك قصاصاً، وأنه لو تحقق أنه عداء لأوقفت القيمة. وذهب ابن المواز: إلى أن له الحصاص به، وإن كان في أصل الكتابة، قال: لأنه وإن اشترطه رهناً فهو مال للمكاتب لم يشترطه السيد لنفسه بل اشترط أنه للمكاتب فلا

يظلم، وما نابه في الحصاص فليس للسيد أن يتعجله لنفسه، ولا لغرمائه، ويكون رهناً، وكذلك لو كاتبه على أن يسلفه أو يبيعه سلعة محلها إلى بعد الكتابة، ففلس السيد؛ كان له أن يحاص بقيمتها حالاً ويقبض ذلك المكاتب، إلا أن يكون قد حل عليه شيء من نجومه، فيقاصه بذلك. م: سئل الشيخ أبو الحسن بن القابسي -رحمه الله-: ما وجه قول ابن القاسم: إذا كان الرهن في أصل الكتابة فضاع، أنه يرجع عليه بقيمته ما لم يفلس فإذا فلس لم يرجع عليه وراءه كالانتزاع؛ فإن كان انتزاعاً فيلزمه أن يقول: لا شيء للمكاتب فيه وإن لم يفلس، وإن لم يره انتزاعاً: فللمكاتب أن يحاص به غرماء سيده؟ فقال الشيخ أبو الحسن: إذا اشترطه في أصل الكتابة فكأنه انتزعه، وقوله: هو رهن؛ كأنه وعده أن يرده إليه بعد وفاء الكتابة، فصار كالهبة منه له، يقوم عليه بها ما لم يفلس. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا يجوز أن يكاتبه ويرتهن رهناً من غير المكاتب، فيصير كالحمالة، وذلك لا يجوز. قال ابن المواز: [ولا يجوز أن يكاتبه ويرتهن رهناً من عبيده]، ولا يجوز الرهن بالكتابة إلا أن يكون للعبد فيكون بمنزلة حمالة المكاتبين بعضهم ببعض في كتابة واحدة، وإن كان من غير ملك العبد ولم يعلم السيد كان باطلاً كحمالة غيره بها، والسيد بالخيار إن شاء أن يمضي الكتابة بلا رهن فذلك له؛ لأن الرهن بمنزلة الحمالة، وإن أبى نقضت الكتابة. ابن المواز: إلا أن يؤدي جل الكتابة فلا يفسخ، ويفسخ الرهن. قال: ولو علم السيد أن الرهن ليس لعبده فسخ الرهن ولم يفسخ الكتابة.

فصل ومن المدونة قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا: أن العبد إذا كاتبه سيده لم ينبغ أن يتحمل له أحد بكتابة عبده إن مات العبد أو عجز، وليس هذا من سنة المسلمين؛ لأن الكتابة ليست بدين ثابت، وإن مات المكاتب أو عجز؛ لم ينتفع الحميل بما أدى عنه في عتق ولا رق يملكه هو، وهذا من أكل المال بالباطل. قال غيره: ولأن سنتها لا تكون في ذمة وإجازة الضمان فيها إصراف لها إلى الذمة وليس للضامن أن يرجع بما أدى في ذمة العبد فلم يحرم، وضمان أحد المكاتبين عن الآخر جائز، بخلاف الأجنبي؛ لأنه إنما ضمن ملكه عن ملكه. وقال محمد بن عبد الحكم: لا بأس بالحمالة بالكتابة، كما لو تحمل رجل عند عبد غير مأذون له في التجارة بمال، أو عن رجل في ولاية وهو يعلم بشيء اشتراه أحدهما؛ أن ذلك يلزمه، وإن ذهب ماله باطل؛ فهو الذي رضي بهذا. م: ولا أعلم أن لي في هذا القول رواية. ومن المدونة: قال مالك: ومن زوج مكاتبته لرجل على أن ضمن له كتابتها فولدت منه بنتاً ثم هلك الزوج فالحمالة باطلة، وتبقى المكاتبة على حالها، وابنته أمة لا ترث أباها، وميراثه لأقرب الناس منه. ابن المواز قال ابن القاسم: إذا لم تؤد الحمالة حتى مات وترك مالاً كثيراً؛ قيل: يؤخذ ذلك من ماله بعد موته.

قال ابن المواز: لأنه شيء لم يحكم عليه به في حياته، إلا أنه لو أدى ذلك حتى يعتق ويفوت ذلك جاز للسيد، ورجع به الزوج عليه، ورجعت عليه هي بصداق مثلها يوم وقع النكاح، فيتقاصان، فمن كان له الفضل أخذه منه صاحبه. م: وفي الأول شيء من هذا. فيمن ورث شقصاً من مكاتب يعتق عليه أو أوصي له به قال ابن القاسم: وإذا ورثت مع أخيك لأبيك مكاتباً هو أخوك لأمك، وضع عنه حصتك، وسعي لأخيك في نصيبه، وخرج حرا، وإن عجز عتقت حصتك فيه، ولا يقوم عليك بقيته، وأما لو وهب لك نصفه، أو أوصى لك به فقبلته؛ فإن المكاتب إن لم يكن له مال ظاهر فهو مخير: في أن يعجز نفسه ويقوم عليك باقيه، ويعتق كله إن كان لك مال، وإن لم يكن لك مال أعتق نصيبك منه، ورق باقيه لشريكك فيه، وإن شاء ثبت على كتابته، وحطت عنه حصتك منها، فإن أدى فولاؤه لعاقدها، وإن عجز قوم باقيه [عليك إن كنت مليئاً وأعتق، وإن لم يكن لك مال أعتق نصيبك منه دون باقيه] مثل إذا عجز نفسه ولا مال له، سواء. قال: وليس له أن يعجز نفسه إن كان له مال ظاهر للتقويم عليك. م: وإن قيل ما الفرق بين من وهب له بعض مكاتب ممن يعتق عليه فقبله، وبين من أعتق حصته من كاتب بينه وبين آخر؛ أنه جعل عتقه في هذا وضع مال، وأنه إن عجز لا

يعتق عليه حصته، ولا تقوّم عليه حصة صاحبه، وفي الذي وهب له بعض مكاتب ممن يعتق عليه إن عجز تقوم بقيته عليه. قيل: الفرق بينها أن من يعتق عليه لما كان ممن لا يستقر ملكه عليه إن عجز ولابد من عتقه، جعلنا قبوله لما وهب له منه قصداً لعتق تلك الحصة من الرقبة، والآخر هو ممن إذا عجز يجوز له ملكه، وهو الآن لا يملك منه إلا مالاً؛ فإنما عتقه إياه وضع مال، ولو قصد إلى عتق الرقبة فيه، وإنه إن عجز كان ذلك الشقص حراً لاستوت المسألتان وبالله التوفيق. قيل لابن القاسم: فلِم إذا قبله ولم يعجز نفسه يوضع عنه حصته وهو لم يملك منه رقاً، ولو أدى لكان ولاؤه لعاقد كتابته؟ قال: لأنه إن عجز وصار له؛ عتق عليه. م: وإذا عجز فقوم على الأخ بقيته يكون ولاء هذا النصف للأخ وولاء النصف الموهوب للواهب؛ لأنه لو وهبه جميعه لأعتق، وكان ولاؤه للواهب، وكذلك هبة نصفه، وأما النصف الذي عتق على الأخ فولاؤه له؛ لأنه عتق عليه بعد أن صار رقاً، وبالله التوفيق. في من يدخل على الكتابة بالولادة والشراء من القرابة قال مالك: وكل ما ولد للمكاتب من أمته مما حملت به بعد الكتابة دخل في كتابته، وصاروا بمنزلته لا يعتقون إلا بأدائها، وإن بلغوا جازت بيوعهم، وقسمتهم بغير إذنه إن كانوا مأمونين، وليس له ولد له كشرائه إياهم بغير إذن السيد إذ لا يمنعه السيد وطأه أمته ولا استحاثه الولد منها.

قال: وكل ولد ولد له منها قبل الكتابة أو كوتب وأمته حامل منه؛ فلا يدخل ذلك الولد في كتابته إلا أن يكون عليه. قال ابن القاسم في العتبية: وأما إن كاتب أمته علم بها أو لم يعلم؛ فإنه يدخل معها في الكتابة. ابن المواز قال أشهب عن مالك: فإن خافت العجز لم يبع ولدها الذي حدث في الكتابة إلا بإذن السيد. قال أشهب: وكذلك المكاتب في بيع ولده من أمته. وكذلك في سماع أشهب. قال ابن المواز: والأب والأخ لا يبيعه وإن ظهر عجزه إلا بإذن السيد؛ لأن السيد إذا عجز اتبع الولد لنفسه، فإذا أذن لأبيه في بيعه فلا حجة للولد ولا للأخ؛ لأنهم قد وقفوا على العجز كلهم، والرجوع إلى الرق. م: فلا فرق بين ملك السيد لهم ولا بين ملك غيره، فلم تكن لهم حجة في بيعهم. قال ابن المواز: وأما أم ولده فله إذا تبين عجزه أن يبيعها وإن لم يأذن له سيده، وذلك في الوضع الذي لو لم يبعها لعجز، فمنع السيد من بيعها ضرر؛ واستدعا رقه.

وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون في مكاتب كاتب على نفسه وعلى ابنة له فعجز عن بعض نجومه فاستأذن سيده في بيعها فأذن له؛ قال: لا يجوز ذلك إذا لم يكن السلطان عجزه، فإن وقع ذلك وفاتت بحمل من مشتريها فلا ترد إليه؛ لأنها لا ترجع إلى أحسن من ذلك، وإن بقي بيد أبيها فضل عما أدى من ثمنها من الكتابة فهو له سائغ؛ كما لو قتلت. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا يجوز للمكاتب أن يشتري ولده أو أبويه إلا بإذن سيده فمن ابتاعه بإذنه من ولد أو ولد ولد، أو أبوين أو من يعتق على الحر بالملك دخل معه في الكتابة، وجاز بيعهم وشراؤهم وقسمتهم بغير إذنه ولا يبيعهم في عجزه، فإذا عجزا رقوا كلهم للسيد، ويصير إذا اشتراهم بإذن السيد؛ كأنه كاتب عليهم، وكأن السيد كاتبهم جميعاً كتابة واحدة، ولو مات الذي عقد الكتابة لسعى من دخل معه في الكتابة على النجوم بحال ما كانت، ولا تؤخذ منهم حالة، وإن اتباعهم بغير إذن السيد لم يفسخ بيعه ولا يدخلوا معه في الكتابة ولا يبيعهم إلا أن يخشى العجز، ولا بيع لهم ولا شراء ولا قسم إلا بإذنه، ويعتقون بأدائه، وكذلك أم ولده ليس لها أن تتجر إلا بإذنه، ولا له بيعها إلا أن يخاف العجز، وأما إن ابتاع من لا يعتق على الحر بالملك من القرابة بإذن السيد، أو بغير إذنه؛ لم يدخلوا معه في الكتابة وله بيعهم، وإن لم يعجز، ولا فعل لهم إلا بإذنه، وكل من اشتراه فدخل معه في الكتابة جاز شراؤه وبيعه ومقاسمته شركاءه، وكل من اشتراه فلم يدخل معه في الكتابة؛ فلا يجوز بيعه ولا شراؤه ولا مقاسمته إلا بإذن المكاتب. وقال أشهب عن مالك -رحمه الله-: يدخل الولد والوالد إذا اشتراهم بإذن السيد، ولا يدخل الأخ.

وقال ابن نافع وغيره: لا يدخل في الكتابة بالشراء بإذن السيد إلا الولد وحده فقط إذ له أن يستحدثه. وروي عنه أيضاً في غير المدونة: أنه يدخل الولد وإن اشتراه بغير إذن السيد إذ له أن يستحدثه. قال ابن القاسم: وإذا كان المكاتب مدياناً فابتاع ابنه؛ لم يدخل معه في الكتابة، وإن أذن سيده حتى يأذن غرماؤه، وهو بخلاف ما ولد له في كتابته؛ لأن ذلك بمنزلته، الا ترى أن ولد المعتق إلى أجل، والمدبر من أمته بعد ما عقد لهما ذلك بمنزلتهما، وأما ما ولد لهما قبل ذلك أو كانت أمتاهما حاملاً يوم العقد منه فرقيق، وإن اشتريا ما ولد لهما قبل ذلك لم يكونوا بمنزلتهما، ولهما بيهم؛ إذا أذن لهما في ذلك السيد، إلا أن يأذن في ذلك للمعتق إلى أجل عند تقارب الأجل، أو يأذن للمدبر والسيد مريض؛ فلا يجوز إذنه حينئذ، وإنما يجوز إذن السيد في ذلك الموضع الذي يجوز للسيد أن ينتزعهم؛ فإن لم يأذن لهم ولم ينتزعهم حتى أعتقوا؛ كانوا لهم تبعاً كأموالهم ويعتقون عليهم. وقال ابن القاسم: في باب بعد هذا: وللمكاتب أن يشري زوجته الحامل منه، وليس للسيد منعه، إلا أنه إذا ابتاعها بإذنه دخل حملها في الكتابة، وكانت به أم ولد، وإن ابتاعها بغير إذنه لم يدخل حملها في الكتابة ولم تكن به أم ولد. ومن كاتب عبده ثم كاتب زوجة العبد على حدة؛ فما حدث بينهما من ولد فهو في كتابة الأم؛ يعتق بعتقها، ويروق برقها، ولا يعتق الولد بعتق الأب.

قال في كتاب النكاح: ونفقة هذا الولد على الأم، ونفقة الأم على الزوج، ولو كانت كتابة الأبوين واحدة كانت نفقة الأم والولد على الأب. في سعي ولد المكاتب، وسعي أم ولده، وعتق السيد المكاتب دون ولده قال ابن القاسم: ومن أدخلناه في كتابه المكاتب؛ فله حكم من عقدت عليه الكتابة، فإن مات المكاتب الذي عقدت عليه الكتابة لم يؤخذوا بأداء الكتابة كالة، وسعوا على النجوم. قال: وما ولدت المكاتبة من ولد بعد الكتابة فهم بمنزلتها لا سبيل للسيد عليهم في السعاية ما دامت الأم على نجومها، ولها أن تستسعيهم معها؛ فإن أبوا آجرتهم، ولا تأخذ من أجارتهم ولا مما في أيديهم إلا ما تقوى به على الأداء والسعي، فإن ماتت سعوا، ولم يوضح عنهم شيء لموتها، ويسعى القوي على من أزمن منهم ثم لا يرجع عليه إن عتقوا. قال في الجنايات: وإذا كاتب عبده وزوجته فحدث لهما ولد؛ فليس لهما أخذ ماله وكسبه، وعليه أن يسعى معهما بقدر قوته وأداء مثله، فإن خاف العجز؛ فلهما الأداء من ماله كما يؤديهما عنه في عجزه ثم لا تراجع بينهم. ومن المكاتب: وإن ولد للمكاتب من أمته ولدان فاتخذ كل واحد منهما أم ولد؛ فأولدها، إلا أن أولادهما ملكوا ثم مات الجد فالولدان مع أمهما يسعون فإن أدوا أعتقت،

وإن مات أحدهما قبل الأداء ولم يدع ولداً وترك أم ولد؛ فإنها تباع، ويعتق أخوه في ثمنها ولا يرجع السيد عليه بشيء. قال سحنون: لأن حرمتها بسيدها وبولده، فإذا ذهب الذي ثبتت به حرمتها قبل أن تتم له حرمة صارت أمة يستعان بها في الكتابة. م: وبعد هذا باب فيه إيعاب هذا. فصل قال مالك: وإذا ولد للمكاتب من أمته ولد بعد الكتابة فأعتق السيد الأب؛ لم يجز عتقه إذا كان يقوى على السعي، وإن كان لا يقوى على السعي؛ وإن كان لا يقوى على السعي؛ جاز عتقه، ثم إن كان للأب مال يفي بالكتابة ولا سعاية في الولد أدى من مال الأب عن الولد حالاً وأعتقوا. قال غيره: هذا إذا رضي الأب بالعتق، وإلا لم يجز؛ لأن السيد يتهم على تعجيل النجوم قبل وقتها. م: وهذا تفسير وقاله جماعة من أصحابنا، وقال بعض أصحابنا: ولو لم يرضى الأب بالعتق وتمادى على الكتابة، ثم عجزوا؛ كان الولد رقيقاً ويعتق الأب بالعتق الأول [كمن أعتق أحد مكاتبيه فرده أصحابه ثم عجزوا أن ذلك المكاتب يعتق بالعتق الأول] وليس كمن جعل عتقه في يديه فرده؛ لأن هذا إنما رده لعلة استعجال المال، فهو كرد أصحابه عتقه.

م: وفيها نظر؛ وهو كمن عجل عتق مكاتبه على تعجيل كتابته، [فيأبى من ذلك ويتمادى على كتابته] ثم يعجز أنه يرق للسيد؛ لأنه لم يرض بما طلبه به سيده، وإنما أعتقه على صفة فلم يرضها فلم يلزم السيد عتقه والله أعلم. قال ابن القاسم: وإن لم يكن في مال الأب إلا قدر ما يؤدى عنهم إلى أن يبلغوا السعي أخذوا وأدى نجوماً إلى أن يبلغوا السعي، ولا يؤخذ حالاً؛ إذ لو ماتوا قبل بلوغ السعي كان المال لأبيهم، فإذا بلغ الولد السعي سعوا، فإن أدوا أعتقوا وإن عجزوا رقوا. قال: وإن لم يكن في مال الأب ما يبلغهم السعي؛ مضى عتق الأب، ورقوا. ولابن القاسم قول ثان: أنه يأخذه حالاً، وإن كان فيه ما يبلغهم السعي. قال ابن المواز: وهو مثل ما لو مات وترك مالاً. ومن المدونة قيل: أرأيت أن قووا على السعي حين عتق الأب وله مال؟ قال: قال مالك: إن أعتق السيد أحد الأولاد وهو قوي على السعي؛ لم يجز عتقه، وسعوا جميعاً ولا يوضع عنهم من الكتابة شيء، وإن كان الذي أعتق صغيراً؛ لا سعاية له، أو كبيرا فانياً، أو به ضرر، لا يقوى على السعي؛ جاز عتقه فيه، ولم يوضع عمن بقي من الكتابة شيء ولا يرجع الذي أدى على أخيه الزمن المعتق بشيء.

وقال غيره: إذا كان للأب الزمن مال والولد يقوى على السعي؛ لم يجز عتقه؛ لأن ماله معونة لهم كبدنه. م: وروي عن مالك: أنه تؤدى جميع الكتابة من مال الأب، ويكونون أحراراً، وإن كانوا أقوياء على السعي يوم عتق أبوهم وله مال. وقال ابن نافع: لا يجوز له عتق الصغير، ولا يعتق بغير رضاهم، إلا من لا يرجى نفعه يوماً ما ولا يزداد إلا ضعفاً. في المريض يكاتب عبده، أو يقر بقبض كتابته قال ابن القاسم: ومن كاتب عبده في مرضه والثلث يحمله؛ جاز، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة بين إمضاء كتابته أو عتق محمل الثلث منه بتلاً، ولو أجاز له الورثة ذلك قبل الموت وهم كبار لزمهم ذلك بعد موته وكذلك القول فيمن أوصى أن يكاتب عبده سواء، إن حمله الثلث كوتب كتابة مثله في جزائه وأدائه، وإن لم يحمله: خير الورثة في إجازة ذلك، أو أعتق محمل الثلث منه بتلاً. قال: وإن كاتبه في مرضه وقبض الكتابة في مرضه. قال في كتاب محمد: والثلث يحمله ثم مات. قال فيه وفي المدونة: فإن لم يحابه؛ جاز ذلك، وكان حراً، لا سبيل للورثة عليه، بمنزلة بيع المريض. وقد قال مالك: إن بيع المريض وشراءه جائز إذا لم يجاب؛ فإن حابى: كانت محاباته في الثلث.

وقال غيره: في الكتابة في المرض من ناحية العتق وقعت بمحاباة أو بغير محاباة. سحنون وكذلك قال ابن القاسم في المديان يكاتب عبده: لا يجوز؛ لأن ذلك من ناحية العتق. قال غيره: ويوقف المكاتب بنجومه، فإن مات السيد والثلث يحمله جازت كتابته، وإن لم يحمله: خيّر الورثة في الإجازة، أو عتق محمل الثلث منه بما في يديه من الكتابة. وقاله أكثر الرواة. ابن المواز وكذلك يقول أشهب: إن ذلك من ناحية العتق وليس كالبيع إذ لا تجوز كتابته، وإن غالاه في الثمن حتى يحمل الثلث رقبته، ولا يعجل عتقه إلا أن يكون للسيد مال مأمون، وإلا لم يعتق حتى يموت السيد ويحمله الثلث، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة في عتقه أو يردوا إليه ما قبضه منه السيد، ويعتقوا منه بحمل الثلث بتلاً، ويبقى ماله بيده، ويقوم في الثلث بما ردوا عليه وبغيره من ماله إن كان له وعلى حاله وهيئته يوم يقوم لا قبل ذلك. م: قال بعض شيوخنا القرويين: إذا كاتب عبده في مرضه وحابى، وقبض الكتابة؛ إنه يجعل في الثلث قيمة الرقبة كلها كما لو لم يحاب، بخلاف إذا حابى المريض في بيعه هاهنا إنما يجعل في الثلث المحاباة خاصة؛ لأن الكتابة في المرض عتاقة. قال: وإذا حابى فان الثلث يحمل رقبته؛ جاز ذلك، ولم يقوم في النجوم المقبوضة منه، ولا يضاف ذلك إلى مال السيد، وإن كان الثلث لا يحمله ردت النجوم المقبوضة إلى يد العبد، ثم يعتق محمل الثلث من رقبته بماله إذا لم يجز الورثة.

م: وإنما يفترق الحكم عند ابن القاسم: في أن يحابي أم لا، لأنه إذا لم يحاب وحمله الثلث عجل عتق العبد في حياة السيد، ويمضا فعله كما يمضا بيعه إذا لم يحاب، وإذا حابى وحمله الثلث أيضاً لم يكن بد من إيقافه إلى بعد الموت؛ لأن المحاباة وصية، وإن لم يحمله الثلث في الوجهين خير الورثة بين إجازة ما فعل الموصي أو يردوا إلى المكاتب ما قبض منه، ويعتق محمل الثلث منه بماله بتلا. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن كاتبه في صحته، وأقر في مرضه بقبض الكتابة؛ جاز ذلك، وكان حراً، ولم يتهم السيد إن ترك ولداً، فإن كان ورثته كلاله والثلث لا يحمله؛ لم يصدق إلا ببينة، وإن حمله الثلث صُدِّق؛ لأنه لو أعتقه جاز عتقه. وقال غيره: إذا اتهم بالميل والمحاباة معه إذا ورثته كلالة؛ لم يجز إقراره، حمله الثلث أو لم يحمله؛ لأنه في إقراره لم يرد به الوصية فيكون في الثلث، وإنما أراد أن يعتقه من رأس المال، فلما بطل ذلك لم يكن في الثلث، ولا يكون في الثلث إلا ما أريد به الثلث، وقاله ابن القاسم أيضاً غير مرة. م: وقد قال في الأول من الوصايا: وإن أقر المريض لصديق ملاطف بدين جاز إن ورثه ولده، وأما إن كان ورثته أبوين أو زوجة أو عصبة ونحوه؛ لم يجز إقراره له. قال سحنون في غير المدونة: لا في الثلث ولا غيره.

م: وهذا يشبه قول الغير هاهنا؛ لأن الإقرار بالدين كالإقرار بقبض الدين. وقال ابن حبيب في إقراره بدين للصديق: إنه إن حمله الثلث جاز؛ كان ورثته كلالة أو ولد؛ لأنه لو أوصى له بالثلث جاز؛ وهذا يشبه قول ابن القاسم في إقراره بقبض الكتابة، وبالله التوفيق. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن كاتبه في مرضه وأقر بقبض الكتابة في مرضه ذلك فإن حمله الثلث خير؛ كان ورثته كلالة أو ولد، وكان بمنزلة من ابتداء عتقه في مرضه. م: يريد: أنه كالمبتل في المرض؛ فإن كان مال السيد مأموناً عجل عتقه، وإن لم يكن مأموناً لم يعتق إلا بعد الموت. قال: وإن لم يحمله الثلث خير الورثة؛ فإما أمضوا كتابته، وإلا أعتق محمل الثلث منه، وكان ما بقي رقيقاً لهم. وقال غيره: يوقف بنجومه؛ لأن الكتابة في المرض عتاقة من الثلث، وليس من ناحية البيه؛ لأن ما يؤدي المكاتب إنما هو جنس من الغلة. في الوصية بالكتابة أو بنجم منها لرجل أو للمكاتب ووصية المكاتب قال ابن القاسم: وإن كاتبه في المرض بألف درهم وقيمته مائة درهم وأوصى بكتابته لرجل والثلث لا يحمل الكتابة؛ فإن حمل الثلث رقبته جازت الكتابة والوصية،

كالوصية أن يخدم فلاناً سنة ثم هو حر، فإن حمله الثلث جازت وصيته في العتق والخدمة، وإن لم يحمل الثلث رقبة المكاتب ولم يجز الورثة كتابته؛ فليعتق منه محمل الثلث، وتبطل الوصية بالكتابة لتبدية العتق عليها. م: وذكر ابن المواز هذا القول عن أشهب وأخذ به، وذكر عن ابن القاسم: أنه إنما يجعل الأقل في الثلث إذا أوصى بالكتابة للمكاتب؛ لأنه عتق، وأما الأجنبي فإنما يجعل الكتابة في الثلث. ابن المواز: ورواه عن مالك، قال وقول ابن القاسم جيد، وفيها نظر. قال: وقال ابن القاسم في المكاتب في المرض بألف وقيمته مائة وأوصى بالكتابة لرجل، والثلث يحمل رقبته، ولا يحمل كتابته؛ أن الكتابة جائزة؛ لأن الثلث يحمل الرقبة، ثم تقوّم الكتابة بالنقد، فإن كان لا يحملها الثلث بعد إسقاط قيمة الرقبة من مال الميت؛ خير الورثة بين إجازة ذلك أو القطع له بالثلث من جميع ماله. ومن المدونة قال ابن القاسم ومن أوصى لرجل بمكاتبه أو بما عليه، أو أوصى بعتق مكاتبه أو بوضع ما عليه؛ جعل في الثلث الأقل من قيمة الكتابة أو قيمة الرقبة على أنه عبد مكاتب في جزائه وأدائه، كما لو قتل، وقاله ابن نافع. وقال أكثر الرواة: ليس قيمة الكتابة ولكن الكتابة، قالوا كلهم: فأي ذلك حمل الثلث جازت الوصية.

قال: ومن أوصى لرجل بثلث ماله؛ كان الموصى له شريكاً للورثة في كل شيء تركه الميت من عين أو عرض أو كتابة مكاتب، وصار كأحد الورثة. م: يريد: إلا فيما يطرأ للميت من مال لم يعلم به؛ فإنه لا شيء للموصى له فيه، وفي الوصايا بيان هذا، وقد تقدمت مسألة من أوصى أن يكاتب والثلث حمله؛ أنه يكاتب كتابة مثله، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة في إجازة ذلك، أو عتق محمل الثلث منه بتلاً. فصل قال مالك: ومن وهب بمكاتبه من كتابته نجماً بعينه من أول الكتابة أو وسطها أو آخرها، أو تصدق به عليه، أو أوصى له به، وذلك كله في المرض، ثم مات السيد؛ قوم ذلك النجم وسائر النجوم بالنقد، يقال: ما يسوى هذا النجم وعدده وأجله كذا بالنقد؛ فيعلم ذلك، أو ما تسوى جميع النجوم، ومحل كل نجم منها كذا بالنقد؛ فينظر ما ذلك النجم من هذه النجوم، فيقدر حصة ذلك النجم من جميع الكتابة يعتق الآن من رقبة المكاتب، ويوضع عنه ذلك النجم بعينه إن حمله الثلث، ويسعى فيما بقي بعد ذلك، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة في إجازة ذلك أو عتق محمل الثلث من رقبة المكاتب، ويحط عنه من كل نجم بقدر ما أعتق منه، فإن كان الذي أعتق منه الثلثين وضع عنه من كل نجم ثلثاه، وإن كان أقل من ذلك أو أكثر فعلى هذا يحسب، ولا يحظ عنه النجم المعين إذا لم يحمله الثلث، ولم يخير الورثة؛ لأن الوصية قد حالت عن وجهها.

ومن كتاب ابن المواز وغيره قال أشهب: إنما يجعل في الثلث الأقل من قيمة النجم أو ما قابله من الرقبة؛ كما لو أوصى له بجميع الكتابة، وأخذ به سحنون، ورواه أبو زيد عن ابن القاسم. م: تفسيره: أن ينظر ما قيمة ذلك النجم من سائر نجوم الكتابة؛ فإن قيل: الربع: فالذي يقابله من الرقبة الربع، ثم ينظر الأقل من قيمة ذلك النجم ومن قيمة ربع الرقبة فيجعل الأقل في الثلث. ابن المواز قال أشهب: وإن لم يكن للسيد مال غير المكاتب، وقد أوصى له بالنجم الأول فشح الورثة عليه، فإن خرجت قيمته من قيمة ما في الكتابة من الثلث جاز ذلك عليهم ووضع النجم بعينه، وإن لم يسع ذلك النجم الثلث عتق منه محمله، ووضع عنه بقدر ما يحمل الثلث منه، فإذا عجز كان منه حراً بقدر ذلك. قال: ولا يخير الورثة في ذلك؛ لأنهم قادرون على بيع سائر الكتابة. وقال ابن القاسم: بل يخيرون، فذكر عنه مثل ما في المدونة. وقال ابن المواز بقول أشهب، قال: وتفسير ذلك: أن يقوم النجم الأول، فإن كانت قيمته خمسين وقيمة بقية النجوم مائة فقد حمله الثلث، فتوضع عنه بقيته، ويعتق ثلثه إن عجز، وإن كانت قيمة بقية النجوم خمسين وُضع عنه ثلثا النجم الأول، وعتق ثلث الرقبة إن عجز. وقيل: إذا عرف قيمة النجم الموصى له به سعى، فإن عجز أعتق قدره، فإن تمادى؛ لم يوضع عنه ذلك من أول الكتابة، فإذا لم يبق عليه إلا قدره؛ عتق.

ابن المواز: وليس هذا بشيء، وقول مالك صواب، ولا حجة للورثة أن يقولوا: يبدأ العبد علينا؛ لأن لهم بيع بقية الكتابة نقداً وقد عدل بينهم في القيمة. فصل قال ابن المواز قال مالك: ومن وهب لرجل وهو صحيح كتابة مكاتبه فعجز؛ فهو رقيق للذي وهبت له الكتابة، فإن وهب نصفها رق له نصفه إن عجز، وكذلك سائر الأجزاء كما لو باعه كتابته أو نصفها، وقاله أشهب واصبغ ورواه موسى بن معاوية في العتبية عن ابن القاسم. وروى عنه أبو زيد: أنه إن عجز كانت رقبته للمعطى، وروي نحوه عن أشهب. م: فوجه الأولى: أنه يكون له بقدر ذلك من القربة قياساً على البيع كما ذكر. ووجه الثانية: قياساً على هبة ذلك للمكاتب لا يعتق منه شيء إن عجز. قال ابن المواز قال أصبغ عن ابن القاسم وأشهب وكذلك إن وهبه نجماً من نجوم مكاتبه؛ فإنه يكون شريكاً له في النجوم كلها بقدر ذلك، كبيعه لنجم من نجومه ولم يسمه، فإنه شريك بقدر نجم من عدد نجوم الكتابة، وإن كانت خمسة أنجم للمشتري أو للموهوب خُمس كل نجم، فإن عجز كان له من رقبته خمسها، وقاله أصبغ. قال ابن المواز: كان ذلك في صحة السيد أو مرضه، فأما هبته لنجم مسمى بعينه في صحته فلا يكون للموهوب من رقبة المكاتب شيء إن عجز، وكأنه إنما وهبه مال ذلك

النجم بعينه إن تم، ولا يجوز بيع ذلك النجم المعين؛ لأنه إن عجز كان له من رقبة المكاتب رق بقدر ذلك النجم، ولا يدرى ما قدره من العبد، بخلاف النجم المبهم، لأن ذلك يرجع إلى جزء مسمى. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية: فيمن وهب لرجل نجماً من نجوم مكاتبه ثم عجز العبد؛ قال: يكون له في رقبة العبد حصة بقدر النجم الذي وهبه. قال ابن المواز: وأما لو أوصى بالنجم بعينه لرجل؛ لكان له إذا عجز حصته من رقبة العبد رقاً، كما يكون إن أوصى به للمكاتب عتقاً، وقاله مالك. قال ابن المواز: والفرق بين الحصة والوصية في هذا: أنه في الوصية قد أشرك بينه وبين ورثته على قدر ما أوصى له من نفسه، أوصى بذلك للرجل فصار العبد والرجل شريكاً للورثة ليس أحدهم أولى من صاحبه. والصحيح يقول: لم أعط من الرقبة شيئاً إنما أعطيته مالاً. قال ابن المواز: ولو اقتضى الموصى له ذلك النجم المعتق أو بعضهم ثم عجز وقيمته من سائر الأنجم نصف رقبة العبد ولا يرد مما أخذ شيئاً، قاله أشهب وذكر عن ابن القاسم: إنه إن رد ما أخذ للعبد رجع بنصيبه في رقبة العبد، وإن لم يرد؛ كان العبد للورثة. والأول هو الصواب، وعلمت أحداً قال هذا ممن أوصى؛ لأن الموصى له إنما أخذ غلة مصابته؛ لأنها معجلة، وغلة مصابة الورثة متأخرة، وعلى ذلك قوم وعدل في القيمة، فلا ينظر في ذلك إلا ما ينصرف إليه مصابة الموصى له، ولا مصابة الورثة من كثرة أو قلة، ألا ترى أنهم لو قبضوا بعد قبضه لأكثر نجومهم ثم عجز المكاتب فقد أخذوا أكثر من

الثلثين في العدد، وإنما ذلك كعبيد ثلاثة مكاتبين قيمتهم سواء، أوصى بأحدهم لرجل فعجز بعد إن قبض أكثر نجومه وعجز الآخران ولم يؤديا شيئاً، فلا يقال: إن الموصى له صار له أكثر من الثلث؛ لأنه أمر نفذ بالقيمة وكما لو قبض الموصى له جميع كتابة عبده وخرج حراً، وقبض الورثة أكثر كتابة عبيدهم ثم عجزا فقد صار للورثة في هذا الحساب أكثر من الثلثين وبالله التوفيق. قال ابن المواز: ولو لم يقبض الموصى له النجم حتى مات المكاتب وترك مالاً كثيراً؛ أخذ صاحب النجم نجمه، والورثة نجومهم على قدر المال لا على القيمة؛ لأن النجوم قد حلت بموته، واستوى المتقدم والمتأخر، فما فضل بعد ذلك كان بين الورثة وبين صاحب النجم نصفين؛ بقدر ما كان يقع له من رقبة العبد لو عجز، قال: ولو لم يترك المكاتب ما يفي بالكتابة لتحاصا؛ الموصى له بالنجم، والورثة في ذلك بقدر العدد لا على القيمة، ولو أوصى بألف درهم مما على مكاتبه، فقال الورثة: نحن نعجلها لك، فأبى، وقال: لعله يعجز فيصير لي من رقبته بحصته مع ما أخذت من نجم؛ فللورثة تعجيلها، كما لو عجلها المكاتب بإذن الورثة لجبر هذا على أخذها. وروى أصبغ عن ابن القاسم في العتبية: إذا أوصى لرجل بنجم من نجوم مكاتبه، فقالت الورثة: نحن ندفع إليك نجماً، وقال هو: لا أرضى، لعله يعجز فيكون لي فيه جزء، قال: إن لم يحل النجم فذلك له، وإن حل فذلك للورثة.

قال ابن المواز: وإن أوصى بالنجم الأول لرجل، وبالثاني لآخر، وخرج المكاتب من الثلث، ثم عجز؛ فلصاحب الأول من رقبته بقدر فضل قيمة نجمه، ولو قبض الأول نجمه ثم عجز قبل قبض الثاني، فرقبه المكاتب بينهما على ما وصفنا، وللأول ما اقتضى، ولا يرجع عليه الثاني بشيء، ولو كان ثم نجمٌ ثالث يبقى للورثة فقبض صاحب النجم نجميهما ثم عجز؛ فالعبد بينهما وبين الورثة على قدر قيمة النجم الأول والثاني والثالث، ولا يرجع الورثة عليها بشيء. وروي عن ابن القاسم في بعض مجالسه: أنهما إن ردا ما أخذا إلى المكاتب رجع فيه بأنصبائهما، وإن لم يردا فنصيبهما منه للورثة. والصواب ما تقدم وهو قول أشهب، وروى أصبغ القولين لابن القاسم في العتبية. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: ولو أوصى بالنجم الآخر لرجل قبل أن يتأدى من الكتابة شيئاً فتقاضى الورثة نجومهم، وسلموا المكاتب للموصى له ليأخذ نجمه، فعجز عنه؛ فإنه تكون قربته بينه وبين الورثة، بقدر قيمة نجمه من قيمة نجومهم؛ لأنهم كانوا له فيه شركاء، وهذا بخلاف أن لو كان السيد قد تأدى نجومه إلا النجم الآخر أوصى به لرجل فينقذه له، ثم يعجز عنه المكاتب أو يموت؛ أن جميع العبد يرق له، وكأنه أوصى بجميع الكتابة إذا كان ما بقي عليه به يعتق ولا شرك لأحد معه فيه، وله جميع تركة المكاتب، وكما لو أوصى به للمكاتب صار حراً.

في وصية المكاتب وبيعه أم ولده لخوف العجز وبيع ولده إياها وهلاكه وذكر من يرثه قال مالك: وإذا أدى المكاتب كتابته في مرضه؛ جازت وصيته في ثلث ما بقي من ماله، وإن مات قبل دفع الكتابة لم تجز وصيته. قال ابن القاسم: فإن أوصى أن يدفع إلى سيده الكتابة الساعة فلم تصل إلى سيده حتى مات، وقد كان أوصى بوصايا، فوصاياه باطل إذا لم يؤد كتابته قبل أن يموت. م: قيل للفقيه الجليل أبي عمران -رحمه الله- فلو بعث بكتابته في مرضه إلى سيده فلم يقبلها السيد حين وصولها إليه، هل يكون حراً ويرثه ورثته؟ فقال: لا حتى يقضى عليه بذلك، إلا أن يكون بموضع لا حكم فيه فيشهد عليه فيكون ذلك كالحلم. فصل قال ابن القاسم: وإذا ولدت أمة المكاتب قبل الكتابة فليست بأم ولد له وله أن يبيعها وإن لم يخف عجزاً، الا ترى أن ولدها لغير المكاتب وهي بمنزلة أم ولد العبد يعتقه سيده فلا تكون له بذلك أم ولد، وأما إذا ولدت من المكاتب أمته بعد الكتابة فقال مالك: هي أم ولد له ولا يبيعها إلا أن يخاف العجز فيبيعها حينئذ. قال ربيعة: وله أن يبيعها في عدمه لدين عليه.

قال ربيعة: وإن مات المكاتب عديماً وعليه دين للناس؛ فأم ولده في دينه وولده رقٌ لسيده. ومن كتاب ابن حبيب قال أصبغ: إذا خاف المكاتب العجز فباع أم ولده وهي حامل منه فولدت عند المشتري؛ فإن كان المكاتب بحاله لم يعتق ولم يعجز رد بيعها لتعتق بعتقه أو يعجز فيبيعها دون ولدها، قال: وإن كان الأب قد عتق بأدائه أو عجز فرد رقيقاً؛ مضى بيع الأمة بقيمتها على أن جنينها مستثنى ورد الجنين فكان بحال أبيه من عتق أو رق، فإن لم يعثر على ذلك حتى أعتقها المبتاع وولدها فسواء عجز الاب أو أدى أو كان على كتابته، فإن العتق في الأمة ماض، وعليه قيمتها على أن جنينها مستثنى، ويرد عتق الولد، ويكون سبيله سبيل أبيه من عتق أو رق أو كتابة، وليس هذا كمن باع مكاتبه فأعتقه المبتاع؛ لأن هذا باعه غير سيده. فصل ومن المدونة قال مالك: وإذا مات المكاتب وترك مالاً فيه وفاء بكتابته وترك أم ولد وولداً منها أو غيرها؛ عتقت أم ولده مع الولد فيه وإن لم يترك مالاً سعت أم ولده مع ولده منها أو من غيرها أو سعت عليهم إن لم يقووا وقويت هي على السعي وكانت مأمونة عليه. قال مالك: وإن ترك أم ولد ولا ولد معها، وترك مالاً فيه وفاء بكتابته؛ فهي والمال ملك للسيد، ولا عتق لأم ولده؛ لأن المكاتب لم يترك ولداً بعد موته فيعتق أم ولده بعتقه. قال ربيعة: وكذلك إن ترك ولداً ثم مات الولد؛ فهي والمال للسيد، قال في آخر الكتاب: وكذلك لو كان هو ولده في كتابة فمات ولده عن أم ولد لا ولد معها؛ فهي رق

للأب، وإن ترك مالاً ك ثيراً إلا أن يترك ولداً كاتب عليه أو حدثوا في الكتابة فتعتق أم ولده بعتقه ويرق برقهم، وكذلك الإخوان في كتابة يموت أحدهما ويدع أم ولده ولا ولد معها؛ أنها رقيق، ولا تعتق، وتسعى أم ولد المكاتب بعده إلا أن يدع منها أو من غيرها كاتب عليهم أو حدثوا في الكتابة. قال ابن المواز: وإن كان معهم أب أو أخ في الكتابة وترك أم ولد لا ولد معها؛ فقال ابن القاسم: هي رقيق للأب أو للأخ، وإن ترك وفاء بالكتابة. وقال أشهب: إن ترك وفاء بها؛ عتقت مع الأب أو الأخ، وإن لم يترك وفاء؛ رقت: ولا تعتق في سعيهما بعد ذلك، قال: ولا تسعى هي إلا مع الولد. ومن العتبية قال سحنون عن ابن القاسم: في مكاتب مات عن أم ولد وولد منها أو من غيرها وترك مالاً أعتقوا به، قال: لا يرجعون عليها بشيء، قال: وكذلك لو لم يترك مالاً فسعوا فعتقت كانوا ولدها أو غير ولدها فلا يرجعون عليها بشيء. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن مات المكاتب وترك أم ولد وولداً منها حدث في كتابته فخشي الولد العجز؛ فلهم بيعها، وإن كانت أمهم. قال عن مالك: وإن كان للأب أمهات أولاد سواها فخاف العجز الولد فلهم بيع من فيها نجاتهم كانت أمهم أو غيرها. قال ابن القاسم: وأرى الا يبيع أمه إذا كان في بيع سواها ما يغنيه.

ومن العتبية قال سحنون: يقرع بينهن أيتهن تباع غير أمه فلا تدخل في السهم. وقال أيضاً: يباع من كل واحدة بقدرها، يريد: غير أمه، إلا أن يكون لكل واحدة ولد فيباع من كل واحدة بقدرها. وقال في مكاتب مات وترك عليه من الكتابة مائة دينار وترك ثلاث أمهات أولاد من كل واحدة ولد وقيمة كل واحدة منهن مائة فتشاح البنون أيتهن تباع؟ قال: يباع من كل واحدة بثلث المائة، وإن اختلفت قيمتهن قضيت عليهن بقدر قيمتهن، فإن كانت قيمة الواحدة ثلاثمائة، والثانية مائتين، والثالثة مائة؛ فجميع قيمتهن ستمائة فالمائة الباقية من الكتابة من جميع القيم السدس، فيباع من كل واحدة سدسها فيقوم من ذلك المائة. م: وإن شئت قلت: يباع من التي قيمتها ثلاثمائة بنصف المائة، ومن التي قيمتها مائتين بثلث المائة [والتي قيمتها مائة سدس المائة] فهذا أعدل إذ قد ينقص ثمن الجزء لما يدخل الباقي من الحرية، ولابد أن يباع منهن بمائة. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا هلك المكاتب ومعه في الكتابة ولد وأجنبي وترك مالاً فيه وفاء بكتابته؛ فإن كتابته تحل بموته ويتعجلها السيد من ماله، ويعتق بذلك من معه في الكتابة، وليس لمن معه في الكتابة من ولد وأجنبي أخذ المال وأداؤه على النجوم إذا كان فيه وفاء يعتقون به الآن لما فيه من الغرر، فإن لم يف ببقية الكتابة فولده الذين معه في الكتابة أخذه إن كانت لهم أمانة وقوة على السعاية ويؤدون نجوماً.

قال مالك في كتاب الجنايات: وإن ترك ولداً لا سعاية فيهم ولم يدع مالاً؛ رقوا مكانهم إلا أن يكون فيما ترك ما يؤدي على النجوم إلى أن يبلغوا السعي فيفعل ذلك بهم أو يترك ولداً ممن يسعى فيدفع المال إليهم، وإن لم يقووا ومعهم أم ولد للأب دفع إليها المال إن لم يكن فيه وفاء، وكان لها أمانة وقوة على السعي؛ فإن لم يكن فيها ذلك وكان في المال مع ثمنها إن بيعت كفاف الكتابة؛ بيعت وأدت الكتابة، وعتق الولد، أو يكون في ثمنها مع المال ما يؤدي إلى بلوغ الولد السعي، وإن لم يكن ذلك رقوا أجمعون مكانهم. فصل قال ابن القاسم في كتاب المكاتب: ولا يدفع ذلك المال لمن معه في الكتابة غير الولد من قريب أو أجنبي وليتعجله السيد من الكتابة ويسعوا في بقيتها، فإن أدوا عتقوا وأتبع السيد الأجنبي بحصة ما أدى من مال الميت وحاص به غ رماءه بعد عتقه، وليس هذا كالمعتق على أن عليه مالاً بعد العتق؛ لأن السيد لم يخرج عنه مالاً فيجب له أن يحاص به، وفي هذا قد أدي عنهم مال المكاتب فهو كالسلف فلذلك حاص به غرماءه. وقال ربيعه: لا يدفع المال إلى ولد غيره وإن كانوا ذوي قوة وأمانة، إذ ليس لهم أصله، وهو لا يأمن عليه التلف إذا كان بأيديهم وليتعجله السيد ويقاصهم من آخر كتابتهم، فإ، كانوا صغاراً لا قوة فيهم على السعي فهم رقيق وذلك المال للسيد.

ابن المواز قال أشهب: يدفع ذلك المال إلى الولد وغيرهم من قريب أو أجنبي في كتابة واحدة إن كانوا مأمونين، وليس ذلك كالدين الثابت يحل بموتهم وهم قد كانوا يتقون بمكان الهالك وماله فإذا أخذ عنهم ما ترك ضعفوا وعجزوا، وإن لم يكونوا مأمونين: لم يتعجله السيد أيضاً، ودفع إلى أمين يؤديه إلى السيد على النحو. وقال ابن القاسم: لا يدفع ذلك المال إلا إلى الولد مثل ما في المدونة. فصل ومن المدونة قال مالك: وإذا مات المكاتب وترك ولداً حدث في كتابته ومالاً فيه وفاء بكتابته وفضل، أخذ السيد الكتابة منه وما بقي ورثه ولده الذين معه في الكتابة على فرائض الله تبارك وتعالى، ولا يرث منه ولده الأحرار الذي ليسوا معه في الكتابة ولا زوجته، وإن كوتبت معه ولا شيء للسيد مما فضل إذا كان الولد الذي حدث في الكتابة ذكر؛ لأنه يجوز جميع الميراث بعد أداء الكتابة. قال: وإنما لم يرثه ورثته الأحرار؛ لأنه مات قبل أن تتم حرمته فلا يرث الحر العبد؛ ولأنهم لا يسعون إذا مات أبوهم ولم يترك وفاء، فكما لا يكون عليهم السعي، فكذلك لا يكون لهم الفضل، وبذلك قضى عمر بن الخطاب ولم يرثه السيد لأنه لم يمت عاجزاً، ولم ينحل العقد الذي عقد له إذا ترك من يقوم بأداء الكتابة، وورث الفضل ولده الذين معه في الكتابة حدثوا أو كوتب عليهم؛ لأنهم ساووه في أحكامه بعقد الكتابة في

رقها وحريتها؛ ولأنهم يسعون في تمامها إن مات ولم يترك وفاء وقاله مالك وجماعة من الفقهاء. قال ابن المواز: وإذا ارتد المكاتب وقُتل على ردته ومعه في الكتابة ولد وأم ولد وترك مالاً فيه وفاء بالكتابة وفضلة؛ عتق بذلك ولده وأم ولده، وكان ما فضل للسيد، ولا يرث الولد من ذلك شيئاً لاختلاف الدينين ولا يرجع عليهم السيد بشيء مما عتقوا به من مال الأب ويرجع على الأجنبيين، قال: لأن السيد ورثه بالرق ولم يرثه الولد للردة، ولم يتبع بما عتق به لأنه يعتق عليه بالسنة. ومن المدونة قال: وإن كان ولده الذين معه في الكتابة ذكروا وإناثاً فللذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كان الود بنتاً أو ابنتين؛ أخذت البنت النصف، والابنتان الثلثين، وكان للسيد الباقي بعد النصف أو الثلثين بالولاء دون أحرار ورثة المكاتب، وإن ترك المكاتب ابنتين وابن ابن معها في الكتابة وترك فضلاً عن كتابته فلبنتيه مما فضل عن كتابته ثلثان ولابن الابن ما بقي. قال ربيعة: وذلك ولد المكاتبة فيما ذكرنا من السعاية والموارثة إذا ماتت. قال مالك: إنما يرث المكاتب من معه في الكتابة من أقربائه الولد وولد الولد والأبوان والجدود والإخوة؛ وهم الذي يعتقون عليه من أهل الفرائض دون أحرار ورثته ولا يرثه سواهم من عم أو ابن عم أو غيرهم من ع صبة ولا زوجته وإن كانوا معها في الكتابة.

قال ابن القاسم وأصل ما سمعت من مالك فيمن يرث المكاتب ممن معه في الكتابة من القرابة: إن كل من عجز منهم فأدى عنه لم يرجع عليه فهو الذي يرثه إن مات، وكل من يرجع عليه إن أدى عنه فهو لا يرثه إلا الزوجة فإنها لا ترثه، ولا يرجع عليها إن عتقت بأدائه أو بعد موته في ماله، ولا يرجع عليها من يرثه من وارث السيد، ويرجعون على من كان هو يرجع عليهم، وهو يرجع على خاله وخالته وبنت أخيه وعمته، ولا يرجعون على من ذكرنا، أنه يرثه في كتابته وهم الذين يعتقون عليه من الورثة. قال ابن المواز واختلف فيه قول مالك فيمن لا يرجع عليه من قرابته إذا أدى عنه: فروى عنه ابن القاسم: أنه لا يتبع إخوته ولا كل ذي رحم منه، ثم سئل بعد ذلك فقال: كل من كانت لهم رحم يتوارثون بها؛ فإنه لا يرجع بعضهم على بعض، [وإن كانوا أجنبيين رجع بعضهم على بعض] ثم سئل بعد ذلك فقال: أما الولد والإخوة؛ فإنهم لا يرجع بعضهم على بعض، وأما الأباعد فنعم. قال ابن القاسم: والذي آخذ به: أن كل من يعتق على الحر إذا ملكه بالقرابة؛ فذلك الذي لا يرجع عليه؛ لأن ذلك ثمن رقبته، وكل من لا يعتق عليه من ذوي رحمه، فإنه يرجع عليه، وقاله عبد الملك وابن عبد الحكم.

وقال أشهب: لا يرجع على كل رحم منه وإن كانوا ممن لا يعتق عليه بالملك ولا؟؟؟؟؟ وبينه ميراث لا خالته ولا عمته ولا أحد بينهم رحم. ابن المواز واختلف فيمن يرث المكاتب ممن معه في الكتابة: فقيل: لا يرثه إلا من يعتق على الحر بالملك، فأما عم أو ابن أخ فلا؟؟؟؟؟؟ أحق منهم، وقاله عبد الملك. وقاله ابن القاسم مرة، ثم قال هو وأشهب وابن عبد الحكم وأصبغ: يرثه من يرث الحر من عم وغيره من نساء ورجال، وأما امرأته؟؟؟؟؟؟؟ مرة: أنها ترثه، وآخر قوله: أنها لا ترثه، وتعتق فيما تركه، ولا تتبع بشيء استحساناً وقاله ابن القاسم وأشهب. م: وقال بعض الفقهاء: ومن الحجة لابن القاسم في أنه لا يرجع؟؟؟؟؟؟؟؟ من فدى زوجته من العدو وهو يعرفها أنه لا يرجع عليها وكأنه إنما فدى؟؟؟؟؟؟؟ كذلك المكاتب لا يرجع عيها لهذا المعنى، وإن كانت لا تعتق عليه بالملك. م: قال أبو إسحاق: وانظر على هذا لو أدت هي عنه؛ هل لها الرجوع عليه؟ فعلى قياس ما قلناه يجب أن ترجع عليه، وفي بعض الكتب: أنها لا تجرع عليه، كما إذا أدى عنها. وذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: أن زوجته لا ترثه ولا يرثها ولا يرجع عليها، ولا يرجع أحدهما على الآخر إذا أدى عنه ما يعتق به من الكتابة. م: سئل الفقيه أبو عمران: لم لا يرث المكاتب من معه في الكتابة إلا من لو أدى عنه لم يرجع عليه إلا الزوجة؟

قال: قد اختلف في ذلك؛ فقد ذكر مثل ما قدمنا هاهنا من الاختلاف، قال وذهب ابن نافع إلى أن لا يرث المكاتب أحد إلا الولد، قال: التوريث في هذا المعنى يحتاج التفريق بينه إلى توقيف إذ لا يُعلم بالعقل، وذلك أن العبيد إنما خرجوا من آية المواريث بالسمع، فكل من فيه بقية رق لا حق بهم إلا من قام الدليل على توريثه، أما ولد المكاتب الذي معه في الكتابة فقال مالك في موطئه أن عبد الملك بن مروان كتب به إلى عامل مكة، وذكر أشهب بإسناد حسن عن الشعبي أن ابن مسعود قال ذلك، وذكر مالك أنه الأمر عندهم، وروي عن ابن القاسم وأشهب: أن الأخوة بمنزلة الولد وقاس على ذلك ابن القاسم الأبوين والأجداد وهو قياس معتدل؛ لأن الأب أوجب ميراث من الأخوة المحجوبين بالأب؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ مساوون للأخوة في ميراث المال أو مقدمون عليهم فاقتصر ابن القاسم على؟؟؟؟؟؟؟؟ أحد قوليه، واستعمل في القول الآخر الذي وافقه عليه أشهب القياس وطرد؟؟؟؟؟؟؟ من ينتسب إلى المكاتب برحم ممن جمعته معه الكتابة، ولم يرد ذلك في؟؟؟؟؟؟؟؟؟ سببهما إلى الميراث بالنكاح لا بالرحم؛ فذلك خارج عن القياس عن الولد؛ لأن الزوجة تسقط بأن يعتق المكاتب فتختار نفسها، والرحم ثابت بكل حال، فلم تلحق الزوجة بذوي الارحام لمفارقتها لهم في بعض الوجوه، وهذه مسائل فروع محتملة الخلاف. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا هلك أحد الأخوين في كتابة وترك فضلاً عن كتابته كان ما فضل [عن الكتابة للأخ دون السيد، ولا يرجع السيد على الأخ بشيء مما أدى عنه؛ لأن الأخ لو كان حياً فأدى عن أخيه لم يتبعه بشيء، ولو كان لهذا المكاتب الميت ولد أحرار كان ما فضل] بعد الكتابة للأخ الذي معه في الكتابة دون ولده

الأحرار، ولو كان ولد هذا المكاتب الميت إنما حدث في كتابته فأدى الولد من ذلك المال جميع الكتابة، لم يرجع على عمه بشيء؛ لأن أباه لم يكن يرجع عليه لأن أخاه، وإن لم يكن معه في الكتابة إلا أجنبي، وترك وفاء بالكتابة تعجلها السيد، وكان له ما بقي بالولاء د دون ورثة المكاتب الأحرار، وأتبع السيد الأجنبي بجميع ما ينويه مما عتق به من مال الميت، وإن كان مع الأجنبي ولد للميت في الكتابة أتبعه الولد بذلك دون السيد، وورث الولد أيضاً بقة المال. وقال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: إذا لم يكن مع الأجنبي ولد للميت أتبعه السيد بجميع ما أخذ من باقي الكتابة من مال الميت ولا يحط عنه لموت الميت شيئاً، ويتأدى منه على النجوم إن كان قبضها هو قبل محلها. ولو كان مع الأجنبي ولد للمكاتب لم يتبعه إلا بنصف ما أدى من مال أبيه إذا كانت الكتابة بينهما نصفين، وذلك ما كان يبيعه به أبوه لو أدى عنه. وكذلك قال عبد الملك: إذا مات أحدهم لم يسقط عمن بقي شيء، وإن استحق أحدهم سقط عن الباقين حصته على العدد إذا كانوا أربعة سقط عنهم ربع الكتابة وقد تقدم الاختلاف في ذلك. فصل ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا مات المكاتب وترك مالاً فيه وفاء وفضل ولم يترك أحداً معه في الكتابة من ولد أو أجنبي وترك ولداً أحراراً؛ فالمال لسيده دون ورثته الأحرار؛ لأن المكاتب مات ولم يفض إلى الحرية، وقد مات هذا المكاتب عاجزاً ولم يترك

من يقوم بأداء الكتابة، فما ترك من مال فهو للسيد بالرق: وإن كان إنما مات المكاتب بعد موت السيد وترك مالاً فيه وفاء ولم يدع ولداً؛ فذلك بين ورثة السيد؛ يدخل فيه بناته وإخوته وأمهاته وزوجاته وغيرهم؛ لأنه موروث بالرق لا بالولاء. وإن ترك المكاتب بنتاً في الكتابة فلها النصف بعد الكتابة، ولولد السيد ما بقي. تم المكاتب الثاني بحمد الله وحسن عونه وتأييده ونصره.

كتاب أمهات الأولاد حكم أمهات الأولاد، وما تكون به الأمة أم ولد؟ وحكم ما بيدها من مال بعد موت السيد. روى حسين بن عبد الله عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في أم إبراهيم: أعتقها ولدها. وفي حديث آخر: «أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة إذا مات». وفي رواية أخرى: «فهي معتقة عن دبر». وروى مالك عن الخدري في أنهم لما أصابوا سبباً في غزوة بني المصطلق قالوا: يا رسول الله: ما ترى في العزل؟ فإنا نحب الأثمان. فلم يحرمه عليهم.

فقولهم: إنا نحب الأثمان، أنها إذا حملت أو ولدت بطل الثمن. قال سحنون: وقد قام من إجماع الصحابة بالمدينة في منع بيع أمهات الأولاد ما لا يسمع خلافه، وقضى به عمر -رضي الله عنه- بعد المشورة، ورأي عبي في ذلك، وحكم عثمان -رضي الله عنه- بمثله، واتصل ذلك، وتأكد عند العلماء في كل قرن، وما ذكر أن علياً -رضي الله عنه- رجع عن ذلك؛ فلم يثبت، ولو ثبت لكان رأيه مع عمر وعثمان والمهاجرين والأنصار أولى، وهو أثبت في الرواية، ولا يعرف أنه جرى ببيعهن حكم إمام، وعلى ذلك علماء الأمصار في القرن الثاني والثالث، ولم يختلف أحد أنها إذا حملت فلا يجوز بيعها فإذا وضعت وهي على الأصل في منع بيعها لا ينتقل عنه إلا بدليل. قال ابن القاسم: فأم الولد لا تباع ولا يردها دين وهي بعد الموت فارعة من رأس المال. [فإن قيل: لم لا يبطل الوطء فيها؟ قيل: لم يختلف في الوطء فيها، ولم يجب أن يبطل؛ لأنه السبب الذي أنزلها المنزلة التي ذكرنا. قال سحنون: ولما كشف عن أمرهن عبد الملك أخبره ابن شهاب أن ابن المسيب قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يبعن في دين ولا يعتقن من ثلث».

قال سحنون: ولو كان ما ذكر عن جابر من بيعهن في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما تظاهر الخليفتان والمهاجرون والأنصار على خلاف ذلك، ولم يكن يخفى عن جملتهم لا سيما بعد التشاور والإجماع]. فصل وروى ابن وهب عن مالك وغيره [أن عمر بن لخطاب] قال: ما بال رجال يطئون ولائدهم ثم يدعونهن يخرجن، لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد وطأها إلا ألحقت به ولدها. قال نافع فهذا قضاء عمر -رضي الله عنه-، وقاله ابن عمر، وكان ابن عمر إذا وطأ جارية له جعلها عند صفية بنت أبي عبيد ومنعها أن تخرج حتى يشتهر بها حمل، أو تحيض. قال مالك فيمن أقر بوطء أمته ولم يدع استبراء لزمه ما أتت به من ولد. قال ابن القاسم إلى اقصى ما تلد له النساء الولد أتت به في حياته أو بعد موته أو بعد أن أعتقها. قال مالك: وإن ادعى الاستبراء فقال: حاضت حيضة ولم أطئها بعدها حتى ظهر هذا الحمل وليس هو مني؛ فله ذلك ولا يلزمه هذا الولد إذا ولدته لأكثر من ستة أشهر بعد الاستبراء.

قال سحنون في كتاب ابنه: أو لستة أشهر، فأما إن ولدته لأقل من ستة أشهر من يوم الاستبراء فإنه يلزمه. قال ابن سحنون قلت لسحنون: روى عبد الملك أن مالكاً قال: إذا قال: استبرأت ثلاث حيض؛ حلف، وبرأ. فقال سحنون الذي ثبت عن مالك وعبد العزيز، حيضة، وأما اليمين ليست عليه عند ابن القاسم وأشهب. قيل لابن المواز: فلم سقطت عن السيد اليمين؟ قال: لأن ذلك كدعواهم كأنه أعتقها، ولا يلزمه في العتق ولا الطلاق ولا ما كان من باب الحدود كلها يمين لمدعيها. م: قال بعض أصحابنا وإنما رأى عبد الملك في هذا اليمين؛ لأن الحرائر يلزم فيهن اللعان فجعل اليمين في الإماء عوضاً من اللعان في الحرائر والله أعلم. قال: وقال بعض شيوخنا: ولو نكل عن اليمين دخله الاختلاف في إذا قام لها شاهد بالعتق؛ فيلزمه الولد، على قوله: يعتق بالنكول، وعلى القول الآخر يسجن حتى يحلف، حسب ما قال في قيام شاهد بالعتق. قال ابن سحنون: قلت لسحنون: قال عبد الملك كان مالك يقول في أقصى ما تحمل له النساء أربع سنين، وقال المغيرة: خمس سنين، وقال أيضاً مالك: لا أرى الخمس سنين بعداً. فقال سحنون: أما مالك فلم يوقت فيه وقتاً، وقال: أقصى ما تحمل له النساء.

[قال أبو إسحاق: فجعل المغيرة على هذا أن الأمة الباقية في ملك الإنسان لا ينتفع فيها بالاستبراء كما لا ينتفع في الحرة بعد الطلاق بالاستبراء إلا لم تتزوج غيره حتى يمر بها ما لا يلحق فيه الولد إذا جاءت به وذلك خمس سنين، وإذا وطأها ثم استبرأها بحيضة ثم ظهر بها حمل قبل ثلاثة أشهر من حين حاضت، أو تحرك لأقل من أربعة أشهر؛ لزمه الولد، ودل على الاستبراء وقع وهي حامل، إذ لا يمكن أن يظهر الولد الأقل من ثلاثة، ويتحرك لأقل من أربعة ودل أن مجيء الدم كان وهي حامل]. وقال ابن القاسم وغيره: خمس سنين أقصى ما يكون له الحمل. ومن كتاب الاستبراء: فإن أقر أنه كان يطؤها ويعزل؛ لحقه ما أتت به من ولد. وإن قال: كنت مخذولاً أنزل فيها: قال في العتبية: أو قال: كنت أطأ في الفرج ولا أنزل: لم يلزمه الولد. ابن المواز: وإن قال: كنت أطأ في الدم أو بين الفخذين فأنزل؛ لزمه، ولا لعان له في الحرة. ومن كتاب ابن حبيب قال ابن عباس: لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها، ولا يستأذن الأمة. وقاله ابن مسعود وابن المسيب وربيعة. قال ربيعة: وإن كانت زوجته أمة فلا يعزل عنها إلا بإذن أهلها.

فصل ومن المدونة قال مالك: وإن أقر في مرضه بحمل أمته، وبولد أمة له أخرى، وبوطء أمة ثالثة لم يدع استبراءها فأتت بولد يشبه أن يكون من وطئه فأولادهن لاحقون به أجمع، وهن بذلك أمهات أولاد يعتقن من رأس المال. قال مالك: وأما من قال في مرضه: كانت هذه الأمة ولدت مني ولا يعلم بذلك إلا بقوله ولا ولد معها، فإن كان ورثته ولده؛ صُدق، وأعتقت من رأس المال، وإن كان ورثته كلالة، إنما هم عصبة ولا ولد له، فلا يقبل قوله، ولا تعتق الأمة، وتبقى رقاً إلا أن يكون معها ولد، أو تشهد لها بينة. قال ابن القاسم: وإن كان ورثة هاهنا إخوة وأخوات فهم بمنزلة الكلالة، والأخوة والأخوات عند مالك كلالة في غير هذا الوجه. قال سحنون وقد قال أيضاً مالك: لا تعتق إذا لم يكن معها ولد من ثلث ولا رأس مال، كان ورثته ولداً أو كلالة، كقوله: أعتقت عبدي في صحتي، فلا يعتق من ثلث ولا رأس مال، لأنه اقر، وقد حجب عن ماله إلا من الثلث، ولم يرد به الوصية فيكون في الثلث، ولا يكون من الثلث إلا ما أريد به الوصية، أو فعله في المرض وليس له أن يعتق من رأس ماله في مرضه، وقاله أكثر الرواة. م: قال بعض فقهائنا: لِمَ اختلف فيه قوله في هذا؟

ويحتمل أن يكون الفرق بينه وبين الذي يقول: كانت ولدت مني: أن الولادة شأنها الإسرار في غالب الحال، والعتق فالغالب فيه الإشهار والإشهاد، فلما لم يعلم منه هذا العتق إلا بقوله في المرض قويت ربيبته وطرح قوله، وكان أشد ريبة من صاحب الأمة والله أعلم. م: قال: إذا قال: كنت أعتقت عبدي في صحتي؛ أنه لا يعتق في الثلث ولا في رأس مال، وقال في إذا كاتبه في صحته وأقر بقبض الكتابة في مرضه وورثته كلالة في أحد قوليه أنه إن حمله الثلث؛ جاز كما لو ابتدأ عتقه؛ فالفرق بينهما على هذا القول: فلأن كتابة هذا قد ثبتت في الصحة، فإقراره في المرض بقبض الكتابة كوصية بوضع الكتابة عنه في المرض وذلك يرجع إلى الثلث، وأما القائل: كنت أعتقت عبدي في صحتي؛ فلم يعلم ذلك منه حتى مرض فقويت التهمة فيه، أنه أراد أن يعتقه من رأس المال فطرح قوله، إذ لا حكم له في رأس ماله، والقياس في هاتين المسألتين وفي مسألة الذي قال في مرضه: كانت هذه الأمة ولدت مني ولا ولد معها ألا يعتقوا في ثلث ولا رأس مال؛ لأنه إنما قصد أن يعتقوا من رأس المال حين لا حكم له إلا في ثلثه ولا رأس مال؛ لأنه إنما قصد أن يعتقوا من رأس المال حين لا حكم له إلا في ثلثه وهو لم يقصد الثلث فوجب ألا يعقوا في ثلث ولا رأس مال. وقاله بعض أصحابنا. [قال أبو إسحاق: أما قوله: كنت أعتقت هذا العبد في صحتي:

فقيل: إنه باطل. وقيل: إنه من الثلث. وقيل: إن حمله الثلث جاز، وإن لم يحمله الثلث بطل كله؛ لأن الثلث إذا كان يحمله لم يكن في إقراره تهمة إذ لو شاء لأخرجه من الثلث]. فصل قال ابن القاسم: ومن باع أمته لولدت عند المبتاع للستة أشهر فأكثر مما يلحق فيه الأنساب فادعى البائع أنه ولده، وأقر بالوطء أو باعها وهي حامل، ثم ادعى الولد بعد الوضع، فإن الولد يلحق به إن لم يتهم، ويرد البيع، وتكون الأمة أم ولد. قال ابن المواز: إذا كان مليئاً ولم يتهم بهوىً فيها؛ فلا خلاف في رد البيع، وتكون له الأمة أم ولد، ولا ترد الأمة عند ابن القاسم حتى يسلم من خصلتين: العد، والتهمة بالهوى، فإن سلم من ذلك وإلا رد إليه الولد خاصة بما ينويه من الثمن، وخالفه أصبغ في الهوى. وقال: إذا كان معها الولد وكان مليئاً بثمنها فلا تهمة فيها. ابن المواز: وإن كان عديماً: فروى أشهب عن مالك: أنه يقبل قوله، ويرد البيع، وتكون له الأمة أم ولد، ويتبع بالثمن، وأخذ به أشهب وابن عبد الحكم. وروى أشهب أيضاً عن مالك: أنه يرد إليه الولد خاصة بما ينويه من الثمن وأخذ به. ابن القاسم وعبد الملك وأصبغ، إلا أن يكون ثم من يشهد على إقراره بالمسيس قبل بيعه فيرد إليه مع الولد ويتبع بالثمن ديناً.

من: وفي باب الاستحلاف هذه المسألة، وهذا أبين ما فيها. قال في كتاب محمد: ولا ادعاه المشتري وقد ولد عنده لستة أشهر فأكثر؛ فإنه يلحق به ويكون أحق من البائع. ومن المدونة قال مالك وإن باعها ومعها ولد ثم استحق الولد عند الموت بعد سنين كثيرة، فإنه يلحق به إن لم يتهم بانقطاع من الولد إليه، فإن اتهم أن يميل بميراثه إليه لانقطاع الصبي إليه؛ فلا يقبل قوله آخراً إذا كان ورثته كلالة ولا ولد له. وقال أشهب: وإذا ولد عنده من أمته ولم يكن له نسب معروف، فإقراره جائز، ويلحق به الولد ويرد الثمن وتكون أمته أم ولد كان ورثته ولد أو كلالة. وقاله كبار أصحاب مالك. قال سحنون: وهذا أصل قولنا وعليه العمل. ومثله قول ابن القاسم في استلحاق من أحاط الدين بماله وله أمة له؛ أنه يلحق به، وتكون هي أم ولد، ولا يلحقها الدين، وكذلك قال في كتاب أمهات الأولاد: إن الدين لا يلحقهن، ولا يردهن، بخلاف المديان يعتق، وقاله جميع الرواة. قال سحنون: فهذا كان أولى من التهمة من الذي أدى ولداً له إليه انقطاع، وورثته عصبة، لإتلاف أموال الناس، إلا أن استلحاق النسب يقطع كل تهمة.

قال أشهب: ألا ترى أن الرجل يطلق زوجته قبل البناء؛ فلا يجوز له ارتجاعها إلا بنكاح جديد مبتدأ، وولي وصداق ثم إن ظهر بها حمل فادعاه لحق به الولد وجاز له أن يرتجها بلا صداق ولا نكاح مبتدأ؛ فالولد قاطع للتهمة. م: قال بعض أصحابنا وما احتج به سحنون على ابن القاسم من استلحاق المديان ولد أمته في مسألة المريض لا يلزم من وجهين: أحدهما: أن المديان استلحق ولد أمته في ملكه، والمريض إنما استلحق ولد أمة قد باعها، وزالت عن ملكه. والآخر: أن المديان إنما أبقى لغرمائه ذمة يتخلد الدين فيها، والمريض لم يبق للورثة عوضاً لانقطاع ذمته؛ فهذا مفترق. ولو كان المديان إنما استلحق الولد بعد بيع الأمة؛ لكان ينبغي أن يكون كالمريض سواء والله أعلم. م: وهذا انتصار ضعيف واحتجاج منكر، وما قال أشهب وسحنون أصوب؛ وذلك أن ابن القاسم إنما جعل العلة في ذلك التهمة؛ لانتقال الملك الذي فرَّق هذا به،

ولا فرق عند ابن القاسم إذا لم تكن تهمة، بين أن يستلحق ولد أمة في ملكه أو بعد أن باعها، وكذلك لو استلحق ولد أمة في ملكه عند موته بعد سنين كثيرة من ولادته واتهم أن يميل بميراثه إليه لانقطاع الصبي وورثته كلالة، فإنه لا يلحق به عند ابن القاسم، فإذا صح أن العلة عنده إنما هي التهمة نظرنا في قوتهما؛ فوجدنا المديان أقوى تهمة؛ لأن ما بيده لغرمائه لا يستطيع فيه صنيع شيء من معروف وإن قل إلا بإذن غرمائه، والمريض يجوز معروفه في ثلثه وإن كره وارثوه فهو أملك بما في يديه من المال من المديان، فكان أضعف تهمة، كما قال سحنون. وأما احتجاجه: بأن المديان أبقى لغرمائه ذمته فيقال له: ومن يرضى بتلك الذمة، ولو كانت هذه حجتهم للزمهم ذلك في عتقه، ولكن العلة: أنهم إنما رأوا استلحاق النسب باباً لا يتهم الناس فيه لوجوه منها: إتلاف مال الأمة، والثاني: التزام نفقتها ونفقة الولد، ومئونته، وذلك شديد، والثالث: قطع ميراث رحمه وإعطاء ما أوجبه الله لهم للأجنبي وقد صار إلى دار الحق، فلما كان هذا مستبعداً في النفوس لم يتهم الناس فيه والله أعلم. ولذلك لم يتهموا المديان فيه وإن أتلف مال غرمائه فكان المريض أحرى ألا يتهم لما قدمنا وبالله التوفيق.

قال أبو محمد بن أبي زيد عن ابن القاسم: ومن بيده أمة لها ولد [وعليه دين محيط؛ فادعى الولد فهو مصدق فيه وفي الأمة بخلاف المبيعة ولو لم يكن لها ولد] لم يصدق مع الدين المحيط. قال عنه محمد وغيره: وكذلك لو ادعى أنها أسقطت منه؛ لم يُصَدق إلا أن يشهد به نساء، أو يكون فشا ذلك من قوله قبل ادعائه. فصل ومن المدونة قال مالك: ومن أقر بوطء أمته ثم باعها قبل أن يستبرئها فأتت بولد لما يشبه أن يكون من وطئه؛ فأنكره البائع، فهو لاحق به ولا ينفعه إنكاره، ويرد البيع، إلا أن يدعي استبراء. م: قال بعض فقهائنا: سألت الشيخ الفقيه أبا بكر بن عبد الرحمن -رضي الله عنه-: في الذي أقر بوطء أمته فأتت بولد فنفاه وادعى الاستبراء، فلم يلحق به الولد، هل تحد هذه الأمة؟ فوقف الشيخ -رحمه الله- عن الحد، وذكر أن الشيخ أبا الحسن وقف في ذلك. قال أبو بكر بن عبد الرحمن: وهي شبهة ترفع الحد وقد تهراق المرأة الدم على الحمل، قال: وكذلك قال غيره من شيوخنا القرويين، وقال: ألا ترى أن عبد الملك يُحلِفُه على ما ادعى من الاستبراء، قال: وأما لو أنكر أن يكون وطأها أصلاً؛ فهاهنا تحد الأمة، إذ لا يمين عليه عند أحد من علمائنا فاعلم ذلك.

ومن المدونة: قلت: فإن أقر بوطء أمته فأتت بولد فأنكر السيد أن تكون ولدته؛ قال: ذلك لا يكاد يخفى على الجيران والشأن أن يصدق النساء فيه. ولقد سئل مالك عن المطلقة ت دعي أنها قد أسقطت وانقضت عدتها ولا يُعلم ذلك إلا بقولها؟ فقال: الولادة والسقط لا يكاد أن يخفى على الجيران؛ وأنا لوجوه يصدق النساء فيها وهو الشأن، فذلك مسألتك في ولادة الأمة. قال في كتاب القذف وغيره: إذا أقر بوطء أمته فأتت بولد، فقال لها: لم تلديه، ولا علم لجيرانها بذلك فالولد به لاحق. قال باب آخر: وإن كان إنما ادعت أنها كانت أسقطت أو ولدت منه ولا ولد معها؛ فلا يمين على السيد، كدعواها العتق، ولا تكون أم ولد إلا أن تقيم رجلين على إقرار السيد بالوطء، ثم يقيم امرأتين على الولادة فتكون حينئذٍ أم ولدت، ويثبت نسب ولدها إن كان معها ولد إلا أن يدعي سيدها استبراء بعد الوطء؛ فذلك له. قال: وإن اقامت شاهداً واحداً على إقرار السيد بالوطء وامرأتين على الولادة؛ حلف السيد كما يحلف في العتق، وكذلك إن أقامت شاهدين على إقراره بالوطء وامرأة على الولادة؛ فليحلف؛ لأنها لو أقامت امرأتين بذلك لثبتت الشهادة. م: قال بعض شيوخنا القرويين: فإن نكل عن اليمين دخله اختلاف قول مالك إذا أقامت شاهداً على العتق وأبى أن يحلف. قال سحنون في كتاب ابنه لا أقول بهذا، والجارية مصدقة في الولادة إذا أقر سيدها بالوطء، ويلزمه ما ولدت إلا أن يدعي استبراء.

م: ساوى سحنون بين إقراره الآن بالوطء وبين أن تقوم عليه بذلك بينة وهو ينكر وهو القياس وفرق ابن القاسم بينهما؛ وذلك أنه إذا أقر الآن بالوطء؛ فهو مقر أنه أودع الأمة الولد فهي مصدقة أن هذه وديعتك، فإذا أنكر أن يكون أودعها شيئاً فلا تصدق إلا بامرأتين على الولادة فيه فتتم الشهادة من كلا الناحيتين. قال غيره: وأما لو أقامت شاهداً على إقراره بالوطء، وامرأة على الولادة، فلا يمين على السيد، وقد قيل: يلزمه اليمين. ومن المدونة قال مالك: وإذا ولدت أم ولد رجل ولداً فنفاه؛ جاز نفيه، إذا ادعى الاستبراء وإلا لزمه الوفد. م: ولا ينظر هاهنا إلى إقراره بالوطء بخلاف الأمة؛ لأنه قد جعل هذه خزانة للولد، فإذا أتت بولد لزمه إلا أن يدعي استبراء. قال ابن القاسم: وأم الولد إذا أعتقها سيدها أو مات عنها فأتت بولد لأربع سنين، ولما تلد له النساء لزم السيد الولد إلا أن يدعي الحي استبراء وينفى الولد، فلا يلزمه هو مصدق في الاستبراء.

فصل قال ابن القاسم عن مالك في العتبية: وإذا مات سيد أم الولد وبيدها حلي أو متاع فهو لها إلا الأمر المستنكر، وكذلك ما كان لها من ثياب إذا عرف أنها كانت تلبسها، وتستمتع بها في حياة سيدها، فهي لها، وإن لم تكن لها بينة على أصل عطية. وقال عنه أشهب: أما الحلي والثياب واللحاف والفراش فذلك لها، وإن ادعت متاع البيت: فأرى أن تكلف البينة، أن ذلك لها، وإن كان ذلك من متاع النساء بخلاف الحرة. قال: وما بيدها من متاع وهبه لها السيد فليس لهم أخذه. قال عنه ابن القاسم: وإذا أوصى عند موته إن هي قامت على ولده بدعوى، لها ما كان لها من حلي وكسوة، وإن لم تقم وتزوجت، فخذوه؛ ليس ذلك له، وذلك لها حين مات، وليس له في مرضه انتزاع ما كان أعطاها، وكذلك المدبرة.

فيمن وطأ أمته وهي زوجة لعبده أو لغيره، أو وطء أمة مكاتبة، أو أمة ولده، أو والده؛ فأتت بولد أم لا قال الرسول -عليه السلام-: «الولد للفراش وللعاهر الحجر». والعاهر: الزاني. وأما وطء الشبهة فليس من ذلك، وقد قال -عليه السلام-: «ادرؤوا الحدود بالشبهات». قال مالك: وإذا درأ الحد ثبت النسب.

قال ابن القاسم: فيمن زوج أمته من عبده أو من رجل أجنبي، ثم وطأها السيد، فأتت بولد؛ فالولد للزوج، ولا ينفيه لوطء السيد، ولا يُنفى إلا بلعان؛ لرؤية زنا، وأما لوطء السيد فلا، ويلحق بالزوج؛ لصحة وطئه وفساد وطء السيد، إلا أن يكون الزوج معزولاً عنها مدة ف يمثلها براءة الرحم. قال أصبغ: وذلك حيضة أو قربها. قال ابن المواز: ولقد نزلت فأفتى فيها بحضرتي: إن كان زوجها معزولاً عنها قدر الشهر ونحوه؛ فإنه يلحق بالسيد، ولا يحد، ويؤدب إن لم يعذر بجهل وترد الأمة إلى زوجها إذا وضعت، فإذا مات سيدها عتقت، ولها أن تختار نفسها إن كان زوجها عبداً. قال ابن المواز: ولا يقبل هاهنا قول الزوج إن أنكر قول السيد وادعى الولد لنفسه، وقال: كنت أغشاها من موضع عسير سراً إلا أن يقيم بينة على ما ذكر؛ فيكون أحق به من السيد، وإن مات زوجها أو طلقها رجعت إلى سيدها، وحل له وطؤها. قال ابن المواز: وكذلك وطؤه لأمة عبده إلا أن هذا من السيد انتزاع لها. ومن المدونة قال ابن القاسم: وكذلك لو أتت بولد لستة أشهر فأكثر من يوم زوجها، فادعاه السيد، فإنه يلحق بالزوج؛ فإن كان لأقر من ستة أشهر وقد بنى الزوج

بها؛ فسد نكاحه، ولحق بالسيد إن ادعاه، وإن نفاه جاز نفيه إن ادعى الاستبراء بعد الوطء. ومن العتبية وكتاب ابن حبيب قال مالك: فيمن مات عن أمة حامل منه فإن كان حملاً بيناً لا شك فيه فقد تمت حرمتها في الشهادة والموارثة والقصاص والحدود لها وعليها. قال غيره: وتعجب من قول من يقول لا تتم حرمتها حتى تضع. وقيل عن المغيرة: تُوقف أحكامها. فصل قال ابن القاسم: ومن وطأ أمة مكاتبه، ولم يكن المكاتب يطؤها، فأتت بولد؛ لحق به وكانت أم ولد، ولا يحد، إذ لا يجتمع الحد وثبات النسب، وعليه قيمتها يوم حملت، ولا قيمة عليه للولد. يريد: يأخذ المكاتب القيمة ويؤديها على نجومه ولا يقاصه بها؛ لأنها جناية على ماله إلا أن يرضى المكاتب بالمقاصة فيجوز، كما لو رضي بتعجيل الكتابة، وليس للسيد الامتناع من ذلك. قال: فإن كان عديماً، والذي على المكاتب كفاف قيمة الأمة، عجل عتقه، وقاص المكاتب سيده بذلك، وإن زادت القيمة؛ أتبع السيد بالزيادة. وقال غيره: ليس للسيد تعجيل ما على المكتب، ويغرم له القيمة في ملائه، وتباع الكتابة لذلك في عدمه، إن كان ثمنها كفاف قيمة الأمة؛ كانت أم ولد للسيد، وللمكاتب

أخذ قيمة أمته معجلاً، والأداء على نجومه إلا أن يشاء المكاتب أن يكون أولى بما بيع من كتابته بتعجيل عتقهن فذلك له، وإن لم يكن في ثمن الكتابة إلا قدر نصف قيمة الأمة؛ أخذه المكاتب، وبقي له نصف الأمة رقيقاً، ونصفها للسيد بحساب أم ولد، وأتبع السيد بنصف قيمة الولد. قال سحنون هذا كلام جيد. م: قال: بعض فقهائنا: ويحتمل أن يكون معنى قول ابن القاسم: يقاصه إن رضي المكاتب فاتفق القولان. وقد قال ابن القاسم في كتاب المكاتب في السيد يعتق الأب الزمن وله مال يفي بالكتابة: أن السيد يأخذه ويعتق الولد بذلك. وقال غيره: هذا إذا رضي الأب؛ لأن السيد يتهم على تعجيل النجوم قبل وقتها. م: وأصحابنا يرون ذلك وفاقاً لابن القاسم فكذلك هذا، والله أعلم. فصل قال ابن القاسم قال مالك: ومن وطأ أمة ابنه الصغير أو الكبير؛ درئ عنه الحد، وقوِّمت عليه يوم الوطء حملت أو لم تحمل، كان مليئاً أو معدماً. قال ابن المواز: ثم يحل له وطؤها. قال سحنون: بعد الاستبراء. قال ابن القاسم: وليس للابن التماسك بها إذا لم تحمل.

قال ابن المواز: ولا أن يأخذها منه فيما لزمه من قيمتها. قال مالك: وأما أحد الشريكين يطأ أمة بينهما؛ فإن لشريكه أن يتماسك بنصيبه إلا لم تحمل بخلاف الابن. م: لأنها تحل للشريك، وتحرم على الابن فاتقى أن يغيب عليها. قال ابن القاسم: فإن كان الابن كبيراً والأب عديماً؛ قومت عليه يوم الوطء، وبعناها عليه في تلك القيمة لم تحمل. قال: وكذلك المرأة تحل جاريتها لزوجها، أو لولدها، أو لأجنبي، فيطؤها فتحمل؛ فإن كان مليئاً غرم قيمتها يوم أحبلها، وكانت له أم ولد، ولا قيمة عليه في ولده، إن لم تحمل؛ غرم قيمتها يوم الوطء، وبقيت له أمة، وإن كان عديماً ولم تحمل؛ بيعت عليه، وإن لم تكن في الثمن تمام القيمة؛ أتبعوا بالقيمة ديناً، وليس للمحلل التماسك وإن لم تحمل. م: لأنها إذا ردت صح فيها عارية الفرج وخيف عليها أن يحبلها ثانية فمنعت من ذلك. قال ابن المواز: وقال عبد الملك وابن عبد الحكم: للابن التماسك بها إذا لم تحمل من الأب في عدم الأب وملائه إذا كان الابن مأموناً عليها، وليس كمن أحل جاريته لرجل.

م: يريد لأن المحلل فعل ذلك متعمداً فعوقب بأن لا تعود إليه، وخوفاً أن يحبلها ثانية؛ ولأن ذلك ذريعة إلى عارية الفرج، يطؤها المستعير ما بدا له ثم يردها، والابن فلم يبح وطء أمته للأب فيتقي عليه من ذلك، فإذا كان مأموناً عليها؛ ردت عليه، ولم تخرج من يده إلا أن يشاء، كأحد الشريكين يطأ أمة بينهما، وبالله التوفيق. ومن المدونة قال مالك: وإذا قومت على الأب أمة للابن، وقد حملت من الأب؛ فإن كان الأب وطأها قبل ذلك، عتقت على الأب إذ حرم عليه وطؤها وبيعها، ولحق الولد به، ولو لم تحمل من الأب حل له بيعها وحرم عليه وطؤها. ومن العتبية قال سحنون عن ابن الماجشون: فإن وطأها الابن بعد وطء الأب؛ فإنه يسقط القيمة عن الأب بمصاب الابن، وتباع على الابن، فيعطى ثمنها ما بلغ كان أقل من القيمة أو أكثر. وقال أصبغ: لا يعجبني، ولتقوم على كل حال، ويأخذ قيمتها يوم وطأها إن اختلفت القيم، وتباع على الواطئ. م: يريد على الابن لأنه وطأها بعد أن لزمت الأب بقيمتها يوم وطئها، وصارت في ضمانه. قال: فإذا بيعت على الابن، تحاسبا على ذلك، فمن كان له فضل أخذه، ومن كان عليه نقص أداه. قال ابن الماجشون: ولو وطئاها في طهر فأتت بولد؛ دُعي له القافة؛ فإن ألحقته بالابن وكان الواطئ الأول، عتقت عليه الجارية، وكان الولد ولده، وقاله أصبغ.

وقال ابن الماجشون: ولزم الأب قيمتها له؛ لأنه أفسدها عليه، وإن كان هو الأب، فالولد ولده، والأمة منه بالقيمة. م: يريد ويلزم الابن قيمتها للأب يوم وطأها الابن، ويتحاسبان بالقيمتين، فمن كان له فضل أخذه. قال ابن الماجشون: وإن ألحقته بالثاني كان هو الابن؛ تحاسبا بالقمتين، وإن كان هو الأب؛ غرم قيمتها للابن على كل حال بما أفسدها. قال في كتاب السرقة: وإن وطأ الابن أمة والده وحُدّ، وأما الحد من قبل الأب والأم فإنهم لا يحدوا فيما وطئوا من إماء أبناء أبنائهم، ولا يقطعوا فيما سرقوا من أموالهم؛ لأنهم آباء، فإن قيل: إن الجد يحد ويقطع؛ لأن نفقة ولد ولده لا تلزمه، قيل له: فالأب لا تلزمه نفقة ولده الكبير ولا ابنته الثيب وهو لا يقطع فيما سرق من أموالهما، ولا يحد فيما وطأ من جواريهما، فكذلك الحدود لا حد عليهم، ولا قطع، ولا نفقة. قال ابن المواز: وقال أشهب: يحد فيهما كالأجنبي، وإنما جاء: (أنت ومالك لأبيك) في الأب خاصة، وبذلك ألزم الولد نفقة الوالدين، ولا يلزمه أن ينفق على أحد من أجداده أو جداته لأب أو لأم. وقاله سحنون. ابن المواز وقال عبد الملك: في الحر يطأ أمة ابنه العبد فتحمل، قال: عليه قيمتها، ولا يحد، وهي له أم ولد، وإن كان عديماً بقيت رقاً للابن، وأتبعه بقيمة الولد بعد وضعه، فإن أعتق الابن وهي حامل بعد النظر فيها، بقي الأمر على ما ذكرنا، ثم لو أيسر -الأب فاشتراها، كانت له أمة يبيعها إن شاء، وإن عتق الابن قبل النظر فيها، كانت له أم ولد، وأتبعه بقيمتها، فقط في عدمه. وكذلك عنه في كتاب ابن سحنون.

وقال فيه ابن القاسم: إنه يضمن قيمتها حملت أو لم تحمل، ولا يكون لسيد العبد خيار، فإن كان مليئاً أعطي لسيد العبد قيمة الجارية، وإن كان معسراً أتبعه بقيمتها ديناً إن حملت، وبيعت إن لم تحمل. قال ابن المواز: وإن كان الأب هو المملوك، لم تكن له أم ولد؛ لأنه عبد ولا يتبع بقيمتها؛ لأنه ليس من معنى الغصب ولا الجراح ولا حد عليه، ولو قال الابن: نسلمها إليه ونتبعه بقيمتها إذ حرمها علي؛ لم يجز ذلك؛ لأن ما في بطنها قد عتق على أخيه، ولو أسلمها إليه بلا ثمن لم تكن له أم ولد، وكذلك في كتاب ابن سحنون عن ابن الماجشون وقال فيه ابن القاسم: إنه الجناية، وقيمة الجارية في رقبة العبد فإن شاء سيد العبد فداه بقيمة الجارية، وتكون الجارية للعبد، والعبد للسيد، وإن شاء أسلمه وكان حراً، وتتبه الجارية، وتكون أم ولد له إن كانت حاملاً؛ لأنها مال من ماله، والولد لسيد العبد أسلمه أو فداه، وليس للابن خيار في أن يقول: أعطوني الجارية، وإن ماتت الجارية قبل أن يخير السيد بمصيبتها من العبد، تكون في رقبته، وكذلك ذكر عنه ابن المواز أنه كالجناية؛ فإن فداه السيد بقيمة الجارية، كانت الجارية للسيد، وإن أسلمه كان حراً على أبيه.

قال ابن المواز: فلم يعجبنا هذا، وأي جناية هي إلا ما حرمها على الابن، ولا قيمة للوطء، كما لو رجع شاهدا الطلاق بعد الحكم، لم يغرما شيئاً إذا كان قد بنى، ولو كانت بكراً فافتضها؛ لم يلزمه شيء، كما لا يرزم الأجنبي؛ لأنها طاوعته. م: هذا على قول أشهب في الوطء. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن وطأ الأب أم ولد ابنه؛ غرم لابنه قيمتها على أنها أمة، وعتقت على الابن لثبوت الولاء له، وإنما عتقت؛ لأنها حرمت عليها، وبلغني ذلك عن مالك. قال ابن القاسم، وأما إن وطأ الأب زوجة ابنه؛ لم تحرم على الابن، يريد في أحد قولي مالك، بخلاف أم الولد؛ لأن الأب لا حد عليه في وطء أم ولد ابنه، ويحد في وطئه زوجة ابنه، ويرجم إن كان محصناً، وإن ولدت أم ولد الابن بعد وطء الأب إياها؛ لحق الولد بالابن إلا أن يكون الابن معزولاً عنها قبل وطء الأب مدة في مثلها استبراء فيلحق بالأب. وحكى لي بعض أصحابنا عن بعض شيوخه قال: وإن لم يكن الابن معزولاً عنها حتى وطء الأب ثم أتت بولد يشبه أن يكون من وطئه؛ دُعي للولد القافة من ألحقته به كان ابناً له؛ لأنه كوطء مالكين، بخلاف وطء السيد أمته، وهي زوجته لعبده أو الأجنبي، والزوج مرسل عليها، هذه يلحق الولد بالزوج؛ لأن فراشه أولى؛ لصحته.

م: وهذا الذي ذكر إنما هو قول عبد الملك، وما نقل أبو محمد هو ظاهر المدونة، وكذلك في كتاب ابن المواز؛ ونصه قال ابن المواز: وإن ولدت أمته ولداً فدعاها أبو سيدها أنه ولده، قال: يلحق به، وتقوم عليه الأمة، وتكون له أم ولد، وسواء أنكر ذلك الابن أو الأمة أو أقر، إلا أن يدعيه الابن فهو أحق به؛ للفراش. م: وهذا الصواب؛ لأن فراش الابن أصح. ابن حبيب قال أصبغ عن ابن القاسم: ولو كان الأب عبداً؛ لم يحد، وتكون قيمة أم ولد ابنه في رقبته، فإما فداه سيده أو أسلمه، وتعتق أم الولد على الابن؛ لأنها حرمت عليه، ولا يتهم الأب أنه أراد أن يكون عبداً لابنه، كما لو قطع له عضواً؛ لكان ذلك في رقبته، وكذلك وطؤه لأمته البكر إذا نقصها إن ذلك في رقبته، ولو كان ثيباً لم يلزم رقبته شيء. قال محمد بن عبد الحكم: في نصراني وطأ أم ولد لابنه النصراني ثم أسلما؛ فإنها تعتق على الابن حين حرمت عليه، ولا قيمة له على أبيه؛ لأن الابن لو وطأها بعد وطء أبيه لم أمنعه في نصرانيتهما، فلما أسلما لم يلزم الأب قيمتها وهي حرة، ولو كانت أمة فأسلما وهي حامل، فيعتق ما في بطنها على أخيه، ولا تقوم على الأب وهي أمة للابن. ومن كتاب العتق لابن سحنون: ومن وطأ مدبرة ابنه فحملت منه؛ ضمن قيمتها أمة للابن، وتكون أم ولد للأب، وإن لم تحمل؛ فلتخرج القيمة فتوقف، فإن مات الابن

وخرجت من ثلثه رجعت القيمة إلى الأب، وإن لحقه دين يرقها كانت للأب بالقيمة الأولى. فصل قال ابن المواز: ومن زوّج أمته، وقال: هي ابنتي، فأصابها الزوج فأولدها، ثم ظهر على ذلك؛ لم يحد، والولد لازم بقيمته. م: ولا تكون له الأمة أم ولد، وهي زوجة له إن شاء فارقها؛ وكان عليه قدر ما يستحل به فرجها، ويرجع ببقية الصداق على سيدها الذي غره، وإن شاء ثبت على نكاحه بالصداق المسمى، وما ولدت له قبل أن يعلم فهم أحرار، ويلزم قيمتهم يوم الحكم وما ولدت بعد علمه ورضاه فرقيق للسيد. قيل: فإن كان إنما زوجه ابنته بعينها ثم أدخل عليه جاريته فوطأها وحملت ولم يعلم، قال: هذه تكون له أم ولد، ويلزمه قيمتها يوم حملت، ولا قيمة عليه في ولده، بمنزلة من أحل جاريته لرجل. قلت: فلو علم الزوج قبل الوطء أنها ليست زوجته. قال: سواء علم أو لم يعلم، لا حد عليه، ويلزمه قيمتها حملت أو لم تحمل وتكون ملكاً له.

فصل قال ابن المواز: ومن أوصى لرجل بجاريته وله مال مأمون، فوطأها الموصى له قبل موت الموصي، ثم مات الموصي، ودفعت إلى الموصى له. قال: هو زانٍ، وعليه الحد، وولده ولد زنا لا يلحق به، وإن كان إنما وطأها بعد موت السيد، وعلى السيد دين يغترقها ولا مال له غيرها، فلا حد عليه، والولد لاحق به فإن كان موسراً؛ غرم قيمتها، وكان له أم ولد، وإن كان معدماً؛ بيعت بعد الوضع، ولم يبع ولدها، وأتبع بقيمته ديناً، كالابن يطأ من تركة أبيه أمة، وعلى الأب دين يغترقها، فعلى الأب قيمة، فإنه يغرم القيمة في الملاء، وتباع بعد الوضع في العدم، ويتبع بقيمة الولد ديناً. م: وهذه في الجنايات. م: والفرق بين وطئه قبل الموت وبعده: أنه قبل الموت لا شيء له في الجارية؛ لأن للموصي أن يرجع فيها ويضع بها ما أحب، وإنما وطأ هذا أمة الموصي، وأما بعد الموت فهي جارية الموصى له إن حملها الثلث، أو له منها ما حمل الثلث، وإن كان على الموصي دين؛ فللموصى له أداء الدين، ولا شيء للغرماء فيها؛ لأن دينهم ليس في عين الجارية، وإنما الموصى له كالمديان، أو كأحد ورثته، وهذا بين.

فيمن اشترى أمة ولدت منه أو من ابنه أو أخيه بنكاح وإنما السنة في أم الولد أن تلد منك وأنت تملكها وليس لغيرك رق في حملها، فمن ابتاع زوجته لم تكن له أم ولد بما ولدت منه قبل الشراء، إلا أن يبتاعها حاملاً فتكون بذلك الحمل أم ولد؛ لأن ما ولدته قبل الشراء رق للبائع، وما كانت به حاملاً فهو للمشتري، وهو حر عليه، فبالولد الحر تكون أم ولد. ولو كانت زوجته أمة لأبيه فابتاعها حاملاً؛ لم تكن بذلك الحمل أم ولد؛ لأن ما في بطنها قد أعتق على جده، بخلاف الأجنبي؛ لأن الأب لو أراد بيع أمته لم يجز له؛ لأنه قد أعتق عليه ما في بطنها، فلا يجوز أن تباع ويستثنى ما في بطنها، والأجنبي لو أراد بيع أمته الحامل وهي تحت زوج، فإن له بيعها، ودخل حملها في البيع معها، وقال غيره: لا يجوز للابن شراءها من ولده وهي حامل؛ لأن ما في بطنها قد عتق على جده، فلا يجوز أن تباع ويستثنى ما في بطنها؛ لأن ذلك غرر؛ لأنه وضع من ثمنها لما استثناه وهو يدري أيكون أم لا يكون، فكما لا يجوز بيع الجنين؛ لأنه غرر فكذلك لا يستثنى، وهذا الجنين لا يرق، ولا يلحقه دين؛ لأنه عتق بالسنة، وليس هو عتق اقتراف. م: وقول الغير هذا كله ليس بخلاف لابن القاسم، وإنما تكلم ابن القاسم إذا اشتراها وفات ذلك؛ كيف يكون الحكم؟ وأما [بدءاً] فليس له أن يبتاعها ندباً على قوله، فإن ابتاعها فسخ البيع إلا أن تضع؛ فيلزم الولد قيمتها يوم قبضها على أن حملها حر؛ لأنه بيعٌ فاسد فات بالوضع.

ونحوه حكى بعض شيوخنا عن أبي الحسن بقي القابسي وكان يعيب قول من يجعله خلافاً. ابن المواز: ومن تزوج أمة والده، فمات الأب فورثها وهي حاملٌ؛ فإن كان حملاً ظاهراً أو لم يكن حملاً ظاهراً إلا أنها وضعته لأقل من ستة أشهر لم تكن به أم ولد؛ لأنه قد أعتق على جده في بطنها قبل أن يرثها أبوه، فلم يملكه أبوه، ولا تكون أم ولد أبداً إلا لمن ملك رقبتها بما في بطنها حتى يعتق الجنين عليه لا على غيره. قال: وإن وضعته لستة أشهر فأكثر؛ فهي به أم ولد، إلا أن يقول: لم أطأها بعد موت أبي، فلا تكون به أم ولد، وهو مصدق بغير يمين. وكذلك لو وضعته بعد ستة أشهر من يوم موته وقال: لم أطأها إلا منذ خمسة أشهر، لم تكن به أم ولد، ونحوه عن ابن الماجشون في كتاب ابن سحنون. ابن الولد: ومن اشترى زوجته بعد أن أعتق السيد ما في بطنها فشراؤه جائز، وتكون بما تضع أم ولد؛ لأنه عتق عليه بالشراء ولم يكن نصيبه عتق السيد إذ لا يتم عتقه إلا بالوضع؛ ولأنها تباع في فلسه، ويبيعها ورثته قبل الوضع إن شاءوا؛ وإن لم تكن عليه دين والثلث يحملها.

ولو ضربها رجل فالقته ميتاً؛ فإنما فيه جنين أمة، ولو كان ذلك بعد أن تشاره الزوج؛ كان فيه ما في جنين الحرة، وولاؤه إن استهل لأبيه، ولا ينظر في ذلك كله إلى عتق السيد إلا أنه لا يشتريها أجنبي بعد عتق السيد جنينها من قبل أن يرهقه دين ويرده إن فعل. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن ابتاع زوجة والده حاملاً؛ انفسخ نكاح الأب، إذ لا ينكح أمة ولده، ولا تكون أم ولد للأب، وتبقى رقيقاً للابن، ويعتق عليه ما في بطنها، ولا يبيعها حتى تضع؛ إلا أنه يرهقه دين فتباع وهي حامل، وقاله أشهب. وقال غيرهما: لا تباع في الدين حتى تضع؛ لأن عتق هذا ليس هو اقتراف من السيد، وإنما أعتقه السُّنة، وعتق السنة آكد من عتق الاقتراف وأشد. وهذه بخلاف من اشترى زوجته الحامل وهي أمة لأبيه عند ابن القاسم: تلك لا يرق جنينها، ولا يلحقه دين. والفرق بينهما عنده والله أعلم: أن الولد في المسألة الأولى خلق حراً لم يمسه رق قط، وفي هذه قد مسه الرق في بطنها، وإنما أعتق باشتراء الولد لأمه، فأشبه العتق المبتدأ، وغيره لم يفرق بينهما؛ لأنه كله عتق سُنة، فوجب أن يتساوى الحكم فيهما.

ومن المدونة قال ابن القاسم ولو اشترى زوجة أخيه حاملاً، فهي والولد رقيق له، والنكاح ثابت، والشراء جائز، إذ لا يعتق عليه بنو أخيه. في أم ولد المرتد ومدبره وأم ولد الذمي تسلم وحكم ولدها من غيره قال ابن القاسم: ومن ارتد ولحق بدار الحرب؛ وقف ماله، ومدبره، وأم ولده، ولا تعتق عليه أم ولده؛ إذ لا يقسم ماله الذي في دار الإسلام بين ورثته، وكل من لا يقسم ماله [الذي في دار الإسلام] بين ورثته فلا تعتق عليه أمهات أولاده، وكذلك قال مالك في الأسير ينتصر؛ فهذا مثله. قال ابن القاسم: ويحرم على المرتد أم ولده في حال ردته حتى يسلم، فتحل له، وأما النكاح فتنقطع عصمته بارتداده، وليس لأم الولد عصمة فتنقطع فإن ندم فأسلم؛ رجعت إليه أم ولده، وعاد إليه ماله ورقيقه. ابن المواز وقال أشهب: تعتق عليه أم ولده بالردة، كما تطلق عليه بذلك زوجته. م: وهذا أقيس؛ لأن من أصلها من أم الولد إذا حرم وطؤها؛ وجب عتقها، إذ لا خدمة فيها، وهذه كالنصراني تسلم أم ولده، فالذي ثبت عليه مالك: أنها تعتق إذا حرم وطؤها، ولا خدمة فيها، والارتداد أشد، ألا ترى أن من أسلمت زوجته هو أملك بها؛ إذا أسلم في عدتها، وإن من ارتد انقطعت عصمته، وبانت منه؛ فلا تحل له إلا بنكاح جديد

بعد إسلامه؛ ولأن المرتد هو الذي أدخل الارتداد على نفسه، وأوجب الفراق لزوجته، والنصراني لم يوجب لها فراقاً، ولا غير حكماً؛ فوجب أن يكون حكمه أخف، وحكم المرتد أشد، والله أعلم. م: ويحتمل أن يكون الفرق عند ابن القاسم بين إسلام أم ولد النصراني، وارتداد المسلم وله أم ولد؛ أن المرتد إذا قدر عليه استتيب ثلاثاً؛ فإن تاب وإلا قتل، ولا كبير ضرر على أم ولده في ذلك الإيقاف لقربه، وأما أم ولد النصراني يسلم؛ فهو ممن لا يجبر على الإسلام، فإلى أي أجل يوقف عليه؟ فعتقها أولى؛ لأن طول إيقافها ضرر، وهو لا منفعة له اليوم فيها، وبالله التوفيق. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن قتل المرتد على ردته؛ أعتقت أم ولده من رأس ماله، وأعتق مدبروه في الثلث؛ لأنه أمر عقده له في حال إسلامه وصحته، ولم يكن يستطيع نقضه، وأما كل وصية له ردها وهو مسلم فإنها تسقط، وكأنه أوصى بها في حال ردته، إذ كان قادراً على الرجوع عنها، ووصيته في حال ردته لا تجوز؛ لأنه قد حُجب عن ماله حتى يسلم، وإن مات على ردته؛ كان ماله لجميع المسلمين، وكذلك الأسير إذا تنصر -في جميع ما وصفنا. فصل وإذا أسلمت أم ولد الذمي فقال مالك مرة: يوقف حتى يموت، أو يسلم؛ فتحل له، ثم رجع وثبت على أنها تعتق، ولا يبيعها في قيمتها.

ابن المواز: إذا أسلمت عرض على سيدها الإسلام، فإن أبي؛ عتقت عليه بحكم، قاله مالك وأصحابه. وقال ابن عبد الحكم: في أم ولد الذمي تسلم: توقف له حتى تحيض، فإن أسلم قبل الحيضة أعتقت، وجعل ذلك كإسلام زوجته إن أسلم قبل انقضاء عدتها؛ كان أحق بها، وإن انقضت العدة؛ فقد بانت منه. م: وحكي لنا عن بعض شيوخنا في أم ولد الذمي إذا أسلمت فوقفت حتى يموت أو يسلم؛ أن نفقتها في حال الإيقاف على سيدها؛ لأنها من أجله أوقفت. قال بعض فقهائنا: فإن لم يكن له مال ولا مال بيدها ينفق عليها منه، فينبغي أن تعتق عليه، وقد ذهب بعض الناس في أم ولد المسلم إذا لم تجد ما ينفق عليها: أنها تعتق عليه، كما تطلق عليه زوجته؛ لعدم النفقة، وقد رأيت في كتاب القزويني: أن أم الولد إذا لم يقدر سيدها أن ينفق عليها؛ فليزوجها ممن ينفق عليها، وهي في ملكه، وليس في عتقها عليه فائدة، ولا سبيل له إلى بيعها؛ لما فيها من عقد الحرية، وليس كذلك الزوجة؛ لأنها ما دامت في حباله لا تصل إلى تزويج من ينفق عليها، ولذلك فرقنا بينهما. ومن المدجونة قال ابن القاسم: وإذا أسلم بعدها قبل أن تعتق؛ فهو أحق بها، وتبقى له أم ولد كما كانت، وإن طال ما بين إسلاميهما، ما لم تعتق بقضية إمام، وكذلك إن كان إنما أولدها بعد أن أسلمت؛ فإنها تعتق عليه، إلا أن تسلم قبل ع تقها فتبقى له أم ولد على حالها، وتعتق بعد موته من راس ماله، ويكون ولاؤها للمسلمين؛ لأنه أولدها بعد إسلامها؛ فهي كما لو دبرها، أو كاتبها، بعد أن أسلمت، ثم أسلم هو؛ فإن ولاءهما إذا

أعتقا للمسلمين، وأما لو أسلمت بعد أن أعتقت أم ولده؛ فلا يرجع إليه أولادها، وهي على دينه، أو بعد أن أسلمت ويرجع إليه، ولا التي أولدها وهي على دينه، ولا يرجع إليه، ولا التي أولدها بعد أن أسلمت. ابن المواز: ولو أسلم هو وحده بقيت له أم ولد بما تقدم، وإن لم تلد بعد إسلامه حتى مات؛ فهي حرة من رأس ماله، وإن يسلما فله بيعها، وإن مات فأراد ورثته بيعها: فقال ابن وهب: إن تحاكموا إلينا منعناهم من ذلك، فإن أبوا وأرادت هي حكمنا؛ فليس لها ذلك، وإن رضوا بحكمنا ثم بدا لهم؛ فليس لهم ذلك. وقال المغيرة في كتاب ابن سحنون: إذا مات [فاستأذنت حاكم] المسلمين سن بها سُنة أم الولد للمسلم. وكذلك يقول: إن حنث بطلاق امرأته أو حرية غلامه فرجعت المرأة والغلام ذلك إلى حكم المسلمين فليطلق عليه ويعتق. قال سحنون: وهذا خلاف مالك وأصحابه [وما علمنا منهم من يقوله غيره في ذلك كله]. ومن الواضحة قال ابن الماجشون: إذا أسلمت أم ولد الذمي؛ فإن أنفق عليها، أوقفت له على يدي مسلم، ولم تعتق، فإن مات: أعتقت، وإن أسلم كانت له أم ولد. وقال ابن عبد الحكم: توقف حتى ت حيض حيضة، فإن أسلم فيها وإلا أعتقت. وابن القاسم يعجل عتقها.

فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: وما ولدت أم ولد الذمي من غير سيدها بعد أن أولدها فلا يعتقون بإسلامها كانوا صغاراً أو كباراً، كما لا يعتقون لو عجل السيد عتقها، وإنما يعتقون بموت سيدها، ولا يكونون مسلمين بإسلامها؛ لأن الولد تبع للأب في الدين وللأم في الرق. وإن أسلم كبارهم وآجرناهم عليه، ولم يعتقوا إلا موت السيد، ولو جنت الأم؛ لجبر سيدها على افتكاكها، ولو جنى ولدها؛ لم يجبر على افتكاكهم، وإنما عليه أن يفديهم بدية الجناية، أو يسلم خدمتهم، فيختدمهم المجروح حتى يستوفى أرش جرحه؛ فيرجعون إلى سيدهم، أو يموت السيد قبل ذلك فيعتقون، ويتبع ببقية الجناية. وإن أسلمت أمة الذمي ولها ولد من زوج؛ لم يكن ولدها مسلم بإسلامها صغيراً كان أو كبيراً إذا كان أبوه نصرانياً، وتباع الأم وحدها دون الولد، إلا أن يكون الولد صغيراً لم يستغن عنها فيباع معها من مسلم، وليس لمشتريه أن يجعله مسلماً إذا كره ذلك أبوه، وبقي على دين أبيه. وقد قال مالك في مسلم زوج أمته من عبده وهما نصرانيان فحدث لهما ولد فأراد السيد أن يجبر الولد على الإسلام والولد صغير؛ فليس ذلك للسيد. قال ابن القاسم: وإن أسلمت أم ولد المكاتب الذمي؛ وقفت، فإن أعتق؛ أعتقت عليه، وإن عجز وكان سيده نصرانياً رق وبيعت عليه.

م: يريد وكذلك إن كان سيده مسلماً وأبقاها بيده؛ فإنها تباع إلا أن ينتزعها منه، وللمكاتب بيعها إذا خاف العجز وطلب ذلك، وإن لم يطلبه؛ فهي موقوفة عنده كما ذكرنا، وقاله أصبغ. قال أبو إسحاق: وهذا يدل: أن المكاتب بالعجز لا يكون منتزع المال؛ لأنه لو كان منتزع المال لم يبع عليه؛ لأنها ملك لسيده، وسيده مسلم. في أم الولد تكاتب أو تعتق على مال أو تباع قال مالك: ولا يجوز أن يكاتب الرجل أم ولده؛ لأنه يستسعيها في الكتابة، ولا خدمة له فيها، وأما إن أعتقها على مال يعجله منها فجائز. ابن القاسم: لأن القطاعة كأنه أخذ مالها وأعتقها وقد كان له أن يأخذه ولا يعتقها، وأما الكتابة فكأنه باعها خدمتها ورقها إذ يستسعيها في ذلك، وأمهات الأولاد لا سعاية فيهن، ولا غلة، ولا أن يستخدمها في مثل استقاء الماء والطحين وشبهه، وإنما له فيهن المتعة. [قال أبو إسحاق: وانظر لو رضيت بالكتابة فقد يجوز ذلك؛ لأنها إن أدته في حياة

السيد أعتقت، وإن ماتت بطلت بقية الكتابة، ولا ضرر في ذلك]. قال ابن القاسم: وإن كاتبها فسخت الكتابة إلا أن يفوت بالأداء، فتعتق ولا ترجع فيما أدت؛ لأن له انتزاع مالها ما لم يمرض فإذا مرض لم يكن له ذلك؛ لأنه إنما ينتزعه الآن لورثته. قال بعض فقهائنا: ولو كاتبها في مرضه ودفعت إليه شيئاً فينبغي أن ترجع عليه بذلك، وتطلب تركته إن مات في ذلك. قال: وأعرف لسحنون فيمن أعتق بعض عبده ثم أخذ من العبد مالاً، وأعتق باقية؛ أنه يرد المال، ولو مات كان ذلك في تركته يطلبه به العبد، فكذلك مسألة أم الولد هذه والله أعلم. ومن المدونة قال مالك: وأما ولدها من غيره ممن ولدتهم بعد ولادتها منه فله أن يستخدمهم، ويقتلهم، ويسلم في الجناية خدمتهم، بخلاف أمهم، وهم بمنزلتها في العتق بعد موت السيد، يعتقون من رأس المال.

وفي كتاب ابن سحنون قال مالك رحمه الله وكان ربيعة يقول: إنهم أحرار في حياة سيدها، قال: ولم يؤذن له في إنكاحها. قال مالك وأحب إلي الا يعتقوا إلا بعتق أمهم بعد موت السيد، وأكره له أن يزوجها، وربما كان له منها الولد الكبير فيريد بذلك مساءته. ومن المدونة قال ابن القاسم: وللسيد أن يعجل عتق أم ولده على دين يبقى عليها برضاها وليس له ذلك بغير رضاها إذ ليس له أن يستعملها وإذا كانت برضاها جاز كامرأة اختلعت من زوجها بدين جعله عليها إذ ليس له فيها إلا الاستمتاع. وقال يحيى بن سعيد وغيره: لا تجوز كتابة أم الولد وأما إذا قاطعها سيدها بشيء يتعجل به عتقها فجائز، وإن مات السيد وعليها الذي اشترت به نفسها أتبعت به ولو كانت كتابة سقطت، وعتقت من رأس المال. قال ابن القاسم: وإذا كاتب الذمي أم ولده الذمية ثم أسلمت عتقت وسقطت عنها الكتابة. م: قال بعض فقهائنا هذا بناه على قول مالك في أم ولد الذمي تسلم أنها تعتق عليه وأما على قوله توقف حتى يسلم أو يموت فتعتق فيجب إذا كاتبها فأسلمت أن يخير بين أن تتمادى على كتابتها فتعتق بأدائها أو تعجز نفسها فتبقى موقوفة له، وأما على القول

الذي قال فيه: إن أم ولد الذمي إذا أسلمت تباع ويدفع إليه ثمنها؛ فهي كأمة له كاتبها، تباع كتابتها من مسلم، ولا تكون أسوأ حالاً من الأمة. فصل وقد تقدم في الباب الأول الحجة في منع بيع أمهات الأولاد بالسُّنة والإجماع. قال مالك: فيمن باع أم ولده فأعتقها المبتاع؛ نقض البيع والعتق وعادت له أم ولد، وإما إن ماتت بيد المبتاع قبل أن يردها فمصيبتها من البائع ويرد الثمن. قال ابن القاسم: وإن لم يعلم للمبتاع موضعاً؛ كان على البائع طلبه حتى يرد إليه الثمن، ماتت أم الولد أو بقيت، وكذلك إن مات البائع أو المبتاع أو ماتت هي بعد موت السيد أو قبله، أولم يمت السيد وهي مليء أو معدم؛ فالثمن في ذمته حتى يرده إلى المبتاع أو إلى ورثته. قال ابن حبيب قال مطرف عن مالك: ولو أولدها المبتاع فالوالد به لاحق، ولا قيمة عليه فيه؛ لأن البائع أباحه فرجها وإنما له قيمة الولد، لو بيعت عليه بغير طوعه. وقاله أصبغ. وقال ابن الماجشون: عليه قيمة الولد عبيد. وقال ابن عبد الحكم: بل على أنهم يعتقون بموت البائع. قال ابن الماجشون: ولو زوجها المبتاع لعبده فولدت له لردت مع ولدها للبائع، ويكون لولدها حكم ولد أم الولد.

وقال أصبغ: ذلك سواء أولدها المشتري أو زوجها فولدت لا شيء للبائع من ولدها ولا قيمة؛ لأنه هو أباحها. قال أبو محمد بن أبي زيد: قوله في ولد الزوج فيه نظر. قال أصبغ: ولو باع أم ولده على أنها حرة بشرط مشروط لم ترد وولاؤها لسيدها، ويسوغ له الثمن كما لو أخذ مالاً على أن يعتقها، ولو باعها على أن يعتقها المبتاع على أنها حرة ساعتئذٍ فهذه ترد ما لم تفت بالعتق فتمضى، والولاء للبائع، ويسوغ له الثمن؛ لأن المبتاع علم أنها أم ولد، وشرط فيها العتق، فكأنه فكاك، ولو لم يعلم أنها أم ولد لرجع بالثمن. قال أصبغ: ومن قال لأم ولده: إن وطئتك فأنت حرة؛ لم تعتق عليه؛ لأنه بقي له فيها تلذذه بغير الوطء، وبقي له فيها وطؤه حلال، ولو ان يملك أختها لم يحل له وطء أختها حتى يحرم فرج هذه بغير هذه اليمين، وقد قال جل الناس إلا مالكاً رحمه الله في أم الولد إذا حرم فرجها حل له استخدامها إلى موته. في أم ولد المأذون، والمكاتب والمدبر إذا عتقوا وأجمعوا أن حمل كل ذات رحم إذا كان من زوج بمنزلة أمه، وأن كان من ملك بمنزلة أبيه في الحرية والرق، وهو في الوجهين بمنزلته في الدين والانتساب.

قال مالك: فإذا اشترى العبد المأذون له في التجارة أمة بإذن سيده أو بغير إذنه، ثم عتق وقد كانت ولدت منه أولاداً أو كانت حاملاً منه يوم العتق فهي تبع له كماله، ولا تكون له بذلك أم ولد؛ لأن ذلك الولد رق للسيد إذ أولدها وهو عبد فولده من أمته مثله. قال ابن القاسم: إلا أن يملك المأذون حملها قبل أن تضعه. م: يريد: بهبة أو صدقة أو بشراء، وإن كان لا يجوز شراؤه إلا أنه إذا وقع البيع فقد وقع الفوت في الجنين بحصول الحرية فيه؛ لأنه معتق بنفس الشراء، لا كما زعم بعض أصحابنا: أنه لا يفوت إلا بالوضع، فإذا ملك حملها بأحد هذه الوجوه كانت بذلك أم ولد. م: وأما لو اشترى المأذون زوجته حاملاً منه ثم أعتقه السيد فإن الولد وأمه يتبعانه؛ لأن الولد في هذا الموضع كماله، ويعتق عليه، وتكون أمه بذلك أم ولد، بخلاف الذي يولد أمة نفسه. والفرق بينهما: أن هذا الولد بمنزلة أمة؛ لأنه من نكاح وأمه قد صارت بالشراء أمة للعبد، فكذلك ولدها، ألا ترى أنهما يباعان عليه في الدين وإن زايلها، فإذا عتق تبعته بما في بطنها وعتق عليه جنينها فوجب أن تكون به أم ولد، وكذلك عندي إن ولدته قبل العتق

ثم عتق الأب؛ لأن الولد عنده حتى ينتزعه منه سيده، فإذا أعتق تبعه الولد وأمه؛ لأنه ماله وكانت الأمة بذلك أم ولد والله أعلم. وأما إذا أولد العبد أمة نفسه فولده بمنزلته، وهو عبد للسيد، فكذلك ولده، فإذا أعتق لم يتبعه، فهذا فرق ما بينهما. قال ابن المواز: ولا تباع الأمة في دينه قبل أن تضع. م: يريد عتق أو لم يعتق، وقاله أصبغ عن ابن القاسم في العتبية. ومن المدونة قال مالك: لو أن العبد حين أعتقه سيده أعتق هو جاريته وهي حامل منه ثم أعجل لها ذلك، وكانت حدودها حدود أمة حتى تضع فيرق الولد للسيد الأعلى وتعتق هي بالعتق الأول فيها بغير إحداث عتق، ألا ترى: أن من دبر عبده أو كاتبه وللعبد أمة حامل منه؛ أن جنينها رق، ولا يدخل في تدبير ولا كتابة، والأمة بعد الوضع تبع للمكاتب كماله، إلا أن يشترطه المكاتب، أو يدخله السيد في التدبير. قال سحنون في الذي أعتقها المأذون بعد عتقه توقف أحكامها، فإن وضعت كانت حدودها حدود أمة؛ لأنه اليوم تم عتقها، وإن أنفش فحدود حرة؛ لأنها حرة من يوم العتق إذ لو علم أنه ريح لم توقف. واختلف قوله في أم ولد المأذون فقال: له بيعها. وقال: لا يبيعها إلا بإذن السيد.

وكذلك قال ابن القاسم في المدونة ورواه عنه ابن حبيب قال وقال أصبغ: له بيعها بغير إذن السيد، ورواه أشهب عن مالك. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: وكلما ولد لمدبر أو مكاتب من أمته مما حملت به بعد عقد التدبير أو الكتابة فهو بمنزلته يعتق مع المكاتب بالأداء أو مع المدير في الثلث، وإذا عتقا كانت الأمة أم ولد بذلك لهما، كان الولد الآن حياً أو ميتاً وقاله مالك. قال ابن القاسم: لأن ولدها بمنزلة أبيه فوجب أن يجري فيها ما جرى في ولدها. قال سحنون ولملاك قول ثان: إنها لا تكون أم ولد بذلك، وقاله أكثر الرواة في المدبر خاصة، إذ كان لسيده انتزاعها إن لم تكن حاملاً، وأن المدبر لا يبيعها إلا بإذن السيد. قالوا: وأما المكاتب فهي له أم ولد إذا عتق إذا كان السيد ممنوعاً من ماله، وليس للمكاتب بيعها وإن أذن له سيده حتى يخاف العجز. ابن المواز وقال أشهب وعبد الملك لا تكون أم ولد بما حملت بعد عقد التدبير وعقد الكتابة وعتق الأجل وإن ولدته بعد تمام الحرية في الولد إلا أن للولد حكم الأب، وإن شك في الحمل؛ فإن ولدته لأقل من ستة أشهر من تمام عتق الأب لم تكن به أم ولد؛ قالا: لأن ما في بطنها لم يملكه الأب، وقد جرى لغيره فيه حرية، فلا تكون أم ولد بما جرت لغيره فيه حرية.

قال ابن المواز: وأن القياس، وربما غلب الاستحسان في بعض العلم، وقول مالك وابن القاسم أحب إلي؛ لأن كل ولد تلده الأمة من سيدها فله حكم أبيه، وما ولدته من غير سيدها فهو بمنزلتها. ومن المدونة: وسأل ابن كنانة مالكاً عن مدبر اشترى أمةً فوطأها فحملت ثم عجل سيده عتقه وقد علم أن ماله يتبعه أترى ولده يتبع المدبر؟ فقال: لا، ولكن إذا وضعته كان مدبراً على حكم ما كان عليه الأب قبل أن يعتقه السيد والجارية تبع للعبد؛ لأنها ماله. قال ابن القاسم: واختلف قول مالك هل تكون هذه الأمة بهذا الولد أم ولد أم لا؟ وإذا مات المدبر وترك ولداً حدث في تدبيره من أمته ثم مات السيد كانت أم ولد المدبر وما ترك من مال لسيده ويعتق ولده في ثلث السيد بعد موته؟ قال في كتاب ابن المواز: ولو مات المدبر وأمته حامل منه رقت وكان ولده مدبراً، ولو مات السيد والمدبر حتى عتق مع ولده ومع ما في بطن أمه بالحصص، فإن خرجوا بقيت أم ولد المدبر أم ولد. م: يريد: على الاختلاف، وإن أعتق بعضهم بقيت له رقيق إن شاء، وإن أولدها بعد ذلك لم تكن له أم ولد؛ لأن نصفه رقيق ولو أعتق باقية وهي حامل منه لم تكن به أم ولد بخلاف المعتق إلى أجل يعتق وأمته حامل منه أنه تكون له أم ولد؛ لأنه كتمام

الأجل فيه، ولو مات قبل الأجل؛ رقت وكان ولدها معتقاً إلى أجل، والأجل فيه كموت السيد في المدبر، وموته قبل الأجل كموت المدبر قبل سيده، وأما أم ولد المكاتب إن مات فبخلاف ذلك؛ هذه تعتقد فيما ترك إن ترك ولداً، أو فيما تسعى هي وهم. واختلف فيه إن ترك أخاه أو أباه معه في كتابة: فابن القاسم يرقها. وأشهب: يعتقها معهما فيما ترك لا في سعايتها، وهذا في الكتاب مذكور. ابن المواز: وقال عبد الملك: في العبد والمدبر والمعتق إلى أجل أو ابن أم ولد من أجنبي دبر أمته بإذن السيد ثم أحبلها السيد؛ فإنها حرة حين تبين حملها؛ لأن إذن السيد بتدبيرها كالانتزاع، فصارت كمعتقة إلى أجل، لا تحل للسيد ولا للعبد، ثم صارت أم ولد للسيد، لا يحل لها وطؤها فعتقت. جامع القول في استلحاق الولد قال الله سيحانه: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} إلى قوله {وَمَوَالِيكُمْ} فكل جائز النسب أو مستلحق به فهو على ذلك حتى يتبين كذبه. م: واستلحاق الولد عند ابن القاسم على ثلاثة أوجه: وهو أن يستلحق ولداً ولد عنده من أمته أو ولدته بعد أن باعها لمثل ما تلحق فيه الأنساب، ولم يطأ المبتاع ولا زوج، ولا يتبين كذب المستلحق له؛ فهذا يلحق به بلا خلاف.

والثاني: أن يستلحق ولداً لن يولد عنده ولا علم أنه ملك أمة بشراء ولا نكاح؛ فهذا يلحق به عند ابن القاسم إذا لم يتبين كذبه ولا يلحق به عند سحنون. والثالث: أن يستلحق ولداً في ملك غيره أو بعد أن أعتقه غيره؛ فهذا لا يلحق به عند ابن القاسم إذا أكذبه الجائز لرقه أو لولائه. وقال أشهب: يلحق به، ويكون ابناً لهذا، ومولى لمن أعتقه، وعبداً لمن ملكه، وإن أعتق مولاه؛ ورث أباه وورثه. قال سحنون في كتاب ابنه: وما علمت بين الناس اختلافاً أن إقرار الرجل يولد الولد أو بالأجداد أو بالإخوة أو غيرهم من سائر القرابات؛ لا يجوز ولا يثبت به نسب مع وارث معروف أو م غير وارث. قال هو أصبغ: وإنما يجوز إقراره بولد الصلب خاصة؛ أقر به في صحته أو مرضه، كان له ولد غيره أو لم يكن له، فإذا كان له أخ أو ابن أخب معروف فأقر بأخ آخر أو بابن عم؛ فإقراره باطل، وميراثه للوارث المعروف، وإن لم يكن له وارث معروف، ولا موالي غير هذا المقر به؛ فإنه يجوز إقراره له، ويستوجب ميراثه ولا يثبت به نسب، وإن أتى بعد ذلك آخر فأقام بينة أنه وارثه؛ كان أحق بالميراث من المقر له. وقال أيضاً سحنون: لا يجوز إقراره له، ولا يرثه، وإن لم يكن له وارث معروف؛ لأن المسلمين يرثونه فذلك كالوارث المعروف. قال ابن سحنون وإنما اختلاف أصحابنا وأهل العراق في مثل هذا لاختلافهم الأصل؛ لأنهم قالوا: إذا لم يكن له وارث معروف، كان له أن يوصي بماله كله لمن أحب،

فذلك جوزوا إقراره لمن ذكرنا من القرابات، وأصحابنا لا يجيزون له أن يوصي إلا بالثلث، وإن لم يكن له وارث معروف. قال أصبغ: ولو أقر بأن هذا الرجل وارثه وله ورثة معروفون فلم يمت المقر حتى مات ورثته المعروفون؛ فإن ميراثه لهذا الذي كان أقر له أنه وارثه؛ وكأنه أقر ولا وارث له. فصل ومن المدونة قال مالك فيمن باع صبياً ولد عنده ثم أقر بعد ذلك أنه ابنه؛ لحق به، ورد الثمن إلا أن يتبين كذبه، وقد نزلت بالمدينة فقضي بها بعد خمس عشرة سنة. م: اختلف فقهاؤنا القرويين: هل يرجع المشتري على البائع بنفقة الولد إلى يوم استلحاقاً؟ فحكى لنا عن الشيخ أبي بكر بن عبد الرحمن: أنه يرجع عليه بالنفقة [وهو كمن تعمد طرح ولده فأنفق عليه، وهل أنه يرجع عليه بالنفقة؟] فكذلك هذا، هذا أشد؛ لأن الذي يطرح ولده متأول في طرحه لغرض يريده، والمستلحق لا تأويل له. وقال غيره: لا يرجع بالنفقة إذ له غلته، وكما لو اشترى عبداً فاستحق بحرية؛ أنه لا يغرم أجر خدمته، وتكون خدمته بنفقته. قيل: فلو كان صغيراً لا خدمة فيه؟

قال: لا نفقة له، وإن كان صغيراً؛ لأنه ممن تكون فيه الخدمة في المستقبل، وليس كمن طرح ولده. وقال غيرهما: إن كان فيه خدمة وأقر المبتاع بخدمته أو ثبت أنه خدمة؛ فلا نفقة له، والنفقة بالخدمة، وإن كان صغيراً لا خدمة فيه رجع بالقيمة. م: وهذا أعدلها؛ لأنه اشتراه للخدمة، والنفقة عليه فقد حصل له غرضه فلا تباعة له. م: وذكر مثل هذا عن سحنون. قال ابن القاسم: وكذلك لو لم يولد عنده، أو لم يعرف أنه ملك أمه بشراء أو نكاح؛ فإنه يلحق به، وكذلك إن استلحق عبده أو أمته؛ فقال: إنهما ولداي لحقا به إلا أن يتبين كذبه في ذلك كله؛ فلا يلحق به. وقد قال مالك: من ادعى ولداً لا يعرف كذبه فيه؛ لحق به. قال سحنون: هذا كله لا أعرفه، وسيأتي له خلافه. قال ابن القاسم: والذي يتبين به كذبه؛ مثل أن يكون له أب معروف، أو هم من المحمولين من بلد لا يُعلم أنه دخلها كالزنج والصقالبة، أو تقوم بينة أن الأم لم تزل زوجة لغيره حتى ماتت. قيل له: فإن قالوا: لم تزل ملكاً لغيره؟ قال: لا أدري ما هذا، ولعله تزوجها، وأما إن كان استلحق مسلماً محمولاً من بلد دخلها؛ لحق به.

قال أشهب في كتاب ابن سحنون: ولو سُبي رجل وصبي فأعتقا فادعاه ابناً؛ لم يتوارثا بذلك. ودعوى الصبي من أب أو ابن أخ أو أم سواء، جاء ذلك عن عمر مجمل أنه لا يلحق نسب إلا من ولد في الإسلام. ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: ولو باع رجلٌ عبده فاتخذ الجواري عند المشتري، وتوالد له الأولاد، ثم يستلحقه البائع؛ فإنه يلحق به هو وكل ولد له، ويصير جداً لهم، ويرجع إلى البائع بجميع ما عنده من مال، ويرد البائع الثمن، ولا قيمة عليه في ولد العبد، وكذلك لو مات العبد ثم استلحقه؛ فإنه يلحق به ولد العبد، ويأخذ ماله، ويغرم الثمن، وإن كان إنما زوجه المشتري أمته، أو أمة غيره، لم يأخذ البائع الولد، وإنما يأخذ العبد وماله إلا أن ولده ينسبون إليه هو وأبيعهم، وقاله أصبغ. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن ولد عنده صبي فأعتقه ثم استلحقه بعد أن كبر الصبي؛ لحق به، وإن أكذبه الولد. قال: وإن استلحق صبياً في ملك غيره أو بد أن أعتقه غيره؛ لم يصدق إذا أكذبه الحائز لرقه، أو لولائه، ولا يرثه إلا ببينة ثبتت، وكذلك إن استلحق ابن أمة لرجل وادعى نكاحها وأكذبه السيد؛ لم يلحق به، ولا يثبت نسبه منه إلا أن يشتريه فيلحق به ويكون حراً؛ كمن وردت شهادته بعتق عبد ثم اشتراه؛ ولأنه أقر بأنه ولد بنكاح لا بحرام، وإن ابتاع الأم لم تكن به أم ولد.

م: لأنه أولدها في ملك غيره، ولو اشتراها حاملاً، وادعى أن حملها منه بنكاح؛ فإن الولد يلحق به وتكون هي به أم ولد، والله أعلم. قال ابن القاسم: ولو أن سيد الولد أعتقهم قبل أن يشتريهم مستلحقهم؛ لم يثبت نسبهم من هذا الذي ادعاهم، ولا يوارثهم إلا بأمر يثبت؛ لأن الولاء قد ثبت لسيدهم، فلا ينتقل عنه إلا ببينة. ابن المواز وقال أشهب يلحقون بمن ادعاهم قبل أن يعتقوا أو بعد، ويثبت نسبهم منه ألا أن ولاءهم لسيدهم، ومتى أعتقهم ورثوا أباهم وورثهم. ومن المدونة قال: ومن ابتاع أمة وولدها، أو ابتاعها بلا ولد، فولدت عنده لما يلحق فيه الأنساب، ولم يدعه فادعاه البائع؛ فإنه يلحق به، ويرد البيع، وتعود هي أم ولد إن لم يتهم فيها. قال ابن المواز: لا تهمة في هذا إذا كان مليئاً والولد معها. وقال ابن القاسم: إن اتهم فيها وهو مليء، لم يرد إليه إلا الولد بحصته، ولا ترد هي حتى يسلم من خصلتين: العدم، والصبابة فيها. ابن المواز واختلف فيها إن كان عديماً: فروى أشهب عن مالك: أنه يصدق فيه وفيها، ويرد أو يتبع بالثمن ديناً، وأخذ به أشهب وابن عبد الحكم.

ابن حبيب: وقاله أصبغ. ابن المواز: وروى أشهب أيضاً: أنه لا يصدق فيها ويصدق في الولد، ويرد بحصته من الثمن، وبه قال ابن القاسم إلا أن تقوم بينة أنه أقر قبل بيعها بالمسيس، فيرد بيع الأم والولد في عدمه، ويتبع بالثمن، وذكره ابن حبيب عن عبد الملك. قال: وإذا كان الولد حملاً ثم وضعته؛ حُسب بقيمته يوم وضعته. قيل: فلم لا كان قيمته يوم أقر به؟ قال: ليس كالمستحقة؛ لأن ولد تلك لو مات لم يلزم أباه قيمة، ولو مات ولد هذه لزم اباه حصته من الثمن. قال: وإن كان بيع معها فقيمته يوم البيع، وذلك في الوجهين بقدر ما ينويه من الثمن، ولو لم يكن معها ولد، أو كان معها ولد فمات، ثم أقر أنها ولدت منه؛ فهو مصدق إلا أن يتهم فيها بصبابة أو يكون عديماً، فلا يصدق، وهذا كله: إن لم يعرف مسيسه إياها إلا بإقراره اليوم، فأما إن قيد إقراره بذلك قبل بيعها؛ فإنه مصدق في ملائه وعدمه، كان معها ولد أو لم يكن، ورفيعة كانت أو وضيعة، كأم ولد بيعت. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية فيمن باع أمة حاملاً، ثم أقر أن الحمل منه؛ فإن اتهم فيها بصبابة؛ لحق به الولد خاصة، وأدى قيمته يوم أقر به.

م: وتفسير ذلك: أن يقال: كم قيمته يوم عقد الصفقة على هيئته الآن، ثم تقوم الأم بلا ولد، ثم يعرف كم قيمته من قيمة الأم، فيرد من الثمن ما يخص الولد، وهذا خلاف ما ذكره ابن حبيب من أن يرد قيمة الولد يوم الوضع، وهذا يجري على اختلافهم في المكاتبة تلد بعد الكتابة؛ فيبلغ الولد السعي قبل أداء الكتابة؛ ماذا يكون على الولد من الكتابة؟ فقيل: عليه ما يخصه يوم الحكم أن لو كان هكذا معها يوم عقد الكتابة. وقيل: بل عليه قدر طاقته يوم بلوغ السعي، أن لو كان هكذا معه يوم عقد الكتابة، وهذا يشبه قول ابن حبيب يوم الوضع في هذه المسألة، والأول يشبه قول ابن القاسم. قال ابن القاسم: وإن كان المستلحق عديماً؛ لحق به وتبع بقيمته، وإن لم يتهم فيها بصبابة، ولأنها صلحت في بدنها وفرهت وهو مليء؛ فلترد إليه، ويرد الثمن، ولا قيمة عليه في الولد، وإن كان غير متهم وهو عديم؛ لحق به، وأتبع بقيمته يوم أقر به. م: يريد على الحصة ولا ترد الأمة إليه. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن ادعى الولد بعد عتق المبتاع الأمة؛ لم أقبل قوله فيها، وإن كان لا يتهم فيها؛ لأن عتقها قد ثبت، ولا ترد إليه إلا ببينة إلا ببينة ابن حبيب وقاله ابن الماجشون وأصبغ. ابن القاسم وقد قال مالك فيمن اشترى جارية فأعتقها ثم ادعى البائع أنه كان أولدها: أنه لا يقبل قوله إلا ببينة، فكذلك مسألتك؛ لا يقبل قوله في الجارية بعد العتق إلا ببينة، ويقبل دعواه في الولد؛ ويلحق به، ويرد الثمن لإقراره أنه ثمن أم ولده، ولو كان الود خاصة هو المعتق، أثبت الولاء لمعتقه وأحلقت النسب بمستلحقه، ووارثه، وأخذ الأم إن لم يتهم فيها لدناءتها، ورد الثمن، وإن اتهم فيها؛ لم ترد إليه.

قال أبو محمد وغيره: ولا يرد الثمن حينئذٍ إذا اتهم فيها. م: يريد: وهذا إذا كان الولد يوم البيع حملاً؛ لأن البائع لم يأخذ له حصة، فيجب عليه ردها، والمشتري قد أعتقه؛ فلا حجة له، ولو لم يعتقه لكانت له حجة؛ لأن عبده أخذ من يديه، وأما لو كان مولوداً وبيع معها؛ لرد حصته من الثمن؛ لأنه استلحقه ورد إليه، وقد كان أخذ له حصة، فوجب عليه ردها؛ لأنه ثمن ولده، ولا حجة على المبتاع في رده الولد، كما لا حجة عليه في عتقه الأم، ويرد البائع ثمنها؛ لأنه ثمن أم ولد، فكذلك يرد حصة الولد؛ لأنه ثمن ولده، وأما الحمل؛ فلم يأخذ له حصة، وإنما أخذ ثمن الأم، وقد أبقيت للمبتاع، فلا يرد إليه شيء من الثمن. قال بعض شيوخنا: وإذا باع صبياً ثم استلحقه فتبين كذله فلم يرد إليه؛ فإنه لا يرد الثمن، كقول الشيخ أبي محمد في الأمة. وحكى عن بعض شيوخنا إذا قامت بينة أن أم الصبي المستلحق لم تزل زوجة لفلان حتى ماتت؛ وجب على المستلحق الحد، وكذلك إذا عُرف للولد نسب؛ فإنه يحد مدعيه، وكأنه نفاه من نفسه؛ لأنه قال: لست ابن فلان. م: والفرق بين استلحاق الرجل واستلحاق المرأة: أن الرجل يُلحقه بنفسه، والمرأة تلحقه بغيرها. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن ادعاه بعد عتق المبتاع الأم والولد، مضى ذلك، وألحقت به نسب الولد، ولم أزل عن المبتاع ما ثبت له من ولائهما، ويرد البائع الثمن؛ لأنه

ثمن أم ولده، وكذلك إن استلحقه بعد موتها؛ فإنه يرد الثمن؛ لأنه ثمن أم ولد. قيل لابن القاسم في باب آخر: أرأيت من باع صبياً وُلد عنده فأعتقه المبتاع ثم التلحقه البائع أقبل دعواه وينقض البيع فيه، ولا يعتق؟ قال: أرى إن لم يتبين كذب البائع فالقول قوله. قال سحنون: هذه المسألة أعدل قوله في هذا الأصل. قال ابن القاسم: والذي يبتاع الجارية فتلد بعد الشراء بيوم؛ فيدعيه [فهذا ممن قد] تبين كذبه، ولا تكون به أم ولد، ولا يعتق عليه ولد، ولا يثبت نسبه إلا أن يكون أصل الحمل في ملكه، وإن كان أصل الحمل في غير ملكه؛ لم يقبل دعواه إلا أن تكون الأمة كانت له زوجة، ثم ابتاعها وهي حامل؛ فيجوز دعواه. قال سحنون هذا كلام جيد. وقال غيره يعني أشهب ومن ابتاع أمة وولدها وقد ولدت عنده أو عند المبتاع لمثل ما تلد له النساء ولم يطأها المبتاع ولا زوج، أو باع الولد وحبسها، ثم استلحق الولد، وهو الأم عند المبتاع أو أحدهما، وقد أحدث فيهما أو في أحدهما عتقاً أو تدبيراً أو كتابة، أو لم

يحدث شيئاً؛ فذلك كله منتقض، ويردا أحدهما إلى البائع، ولد لاحق، وأم ولد، ويرد هو الثمن. قال سحنون: فإن كان عديماً فبعض أصحابنا يقول: يتبع بالثمن ديناً. وقال آخرون وقاله مالك: يرد إليه الولد خاصة بما ينوبه من الثمن للحوق النسب، وأنه يرد إلى حرية، ولا ترد الأم؛ لأنه يتهم أن يردها للمتعة بغير أداء ثمن. قال: وإذا لم يورد الولد عند بائع أو مبتاع، لما يلحق إلى مثله الأنساب، ولم أنقض لذلك صفقة مسلم، أحدث المبتاع في ذلك عتقاً أم لا؛ لأن النسب لا يلحق به أبداً، إلا أن تلد الأمة وهي في ملكه، أو عند من ابتاع منه لما يلحق فيه الأنساب، ولم يحز الولد نسباً معروفاً، أو كانت عنده زوجة فزالت، أو أتت بولد لما يلحق به الأنساب، وإلا لم يلحق به. قال سحنون: هذا أصل جيد. قال في كتاب ابنه: ولو استلحق الولد بعد أن مات وصدقه المشتري؛ فإن كان أحدث في الأمة عتقاً أو تدبيراً أو كتابة أو إيلاداً فلا ترد إليه، وإن لم يحدث شيئاً؛ ردها وأخذ الثمن، وكذلك لو لم يصدقه ولم يكذبه؛ فليرجع عليه بالثمن، وإن أكذبه لم يرجع

عليه بشيء، واستحسن إن صدقه وقد أعتقها أو دبرها أو أولدها لم يرجع إليه بالثمن، وتقر على حالها، وأما إن كاتبها فلتسأل هي، فإن أقرت به انتقضت الكتابة، وعادت إليه إم ولد، ورد الثمن، وإن كذبته، سعت في الكتابة، فإن أدتها أعتقت، ورجع المبتاع على البائع بالثمن، وما أدت من الكتابة لها وهي حرة، وهذا استحسان. فصل ومن كتاب ابن ميسر: ومن أقر بولد أمة عبده؛ فهو به لاحق إذا ولدته وهي في ملك عبده، ولم ينسبه العبد إلى نفسه، وهي أم ولد، وإن كان ولدته في غير ملك العبد؛ فالولد أيضاً لاحق بالسيد، والأمة أمة لعبده إن تركها له السيد، وكذلك أمة مدبره. م: معنى قوله: وإن ولدته في غير ملك العبد: إن العبد اشترى الأمة وولدها فادعى السيد أنه كان تزوجها عند البائع من العبد، وأن هذا الولد منه؛ فهذا يلحق به الولد، ولا تكون أمه أم ولد، كما لو اشتراهما السيد لنفسه ثم استلحق الولد وادعى نكاح الأمة؛ فإن الولد يلحق به، ولا تكون له الأمة أم ولد، وقد تقدم هذا. وأما أمة مكاتبه؛ فإن لم يدعه المكاتب؛ لحق بالسيد وأدى قيمة المكاتب، وكانت به أم ولد، وإن ولدته في غير ملك المكاتب انتظر بالمكاتب؛ فإن عجز لحق الولد بالسيد وله أخذ الأمة، وليست بأم ولد، وإن أعتق المكاتب فإن صدق سيده؛ لحق به الولد في قول ابن القاسم، ولو استلحق ولد أمة ولده؛ لحق به إن لم يدعه الولد لنفسه، ولم يحزه نسب معروف، ويغرم قيمة الأمة لولده في ملائه، ويتبع في عدمه، وهي له أم ولد، وعليه

الأب إن لم يعذر بجهل، وإن ولدته في غير ملك الابن؛ فأمه أمة للولد، والولد عتيق على أخيه، وأما أمة والده؛ فهي كأمة أجنبي إن استلحقه بما يجوز به الاستلحاق وصدقة الأب؛ عتق على الجد، ولم تكن هي به أم ولد، وإن لم يصدقه، لم يلحق به إلا أن يملكه يوماً ما، وإن استلحقه بما لا يجوز به الاستلحاق لم يلحق به وعليه الحد إن ثبت على قوله. ولو استلحق الجد ولد أمة ابن ابنه فقد اختلف فيه: فقيل: هو كالأب في الحرمة ودراية الحد. وقيل: ليس ذلك إلا في الأب خاصة. فصل ومن كتاب ابن سحنون: ومن ابتاع أمة فأولدها ثم قامت بينة أن البائع كان أقر قبل بيعها أنها ولدت منه؛ فالترد إلى الأول أم ولد، ويأخذ من المبتاع قيمة ولده مرسلة، كولد المستحقة، وكذلك لو ماتت بيده؛ لرجع المبتاع بالثمن على البائع، ورد إليه قيمة الولد فيتقاصان ويترادان الفضل، ولو لم تمت حتى مات البائع؛ قضي بحريتها من يوم موته، فإن أصابها المبتاع بعد ذلك؛ لزمه لها صداق المثل في قول المغيرة، وابن القاسم لا يرى عليها مهراً. قال سحنون: ويرجع بالثمن في مال الميت، ولها حكم الحرية في قول مالك والمغيرة. وقد اختلف في المشكوك في حملها بعد موت السيد الواطئ لها تقذف أو يموت لها ولد حر: فقيل: إن صح الحمل ووضعت؛ فلها حكم الحرة في ذلك من يوم مات السيد. وروى ابن القاسم وغيره عن مالك: أن لها حكم الحرة من يوم يتبين حملها، وإن لم تضع.

قال سحنون: وإن بيعت من عبد مأذون فأولده، ثم ثبت إقرار بائعها الحر قبل البيع أنها أم ولد له؛ فلترد إليه أم ولد، ويرد معها ولد العبد يكون بمنزلتها، ولا يوطأ شيء من بناتها بملك اليمين؛ لأنهن معتقات إلى أجل وإنما يوطأن بالنكاح. م: انظر قوله: ولا يوطأ أحد من بناتها بملك يمين، وكيف يجوز أن يملكهن أحد غير سيد أمهن، وهو أيضاً لا يجوز له وطأهن؛ لأنهن كالربائب المدخول بأمهاتهن، فقوله: يوطأن بملك يمين؛ يوهم أنه يملكهن غير سيد أمهن وذلك لا يصح؛ لأنهن لا يجوز بيعهن، ويعتقن بموت سيد أمهن من رأس المال. فصل ومن العتبية قال سحنون فيمن قال في ثلاثة أولاد من أمته أحدهم ولدي: يريد: ثم مات قال: فالصغير منهم حرا على كل حال؛ لأنه كان المستلحق الكبير، فالأوسط والصغير حران بحرية الأم، وإن كان المستلحق الأوسط؛ فالصغير حر، وإن كان الصغير؛ فالكبير والأوسط عبدين، ففيهما الشك ولهم تفسير. وقال المغيرة في موضع آخر: إنه يعتق الأصغر وثلثا الأوسط وثلث الأكبر؛ لأنه إن كان أراد الأكبر فكلهم أحرار، وإن أراد الأوسط؛ فهو والأصغر حران، وإن أراد الأصغر؛ فهو حر وحده، فالأصغر لا تجده في هذه الأحوال إلا حراً، والأوسط ثابت

العتق في حالين، ويرق في حال، فيعتق ثلثاه، والأكبر ثابت العتق في حال ويرق في حالين، فيعتق ثلثه. وقال ابن عبد الحكم: يعتقون كلهم بالشك. قال ابن المواز: ولو قالت الأم هم من سيدي؛ فأقر السيد بالصغير، وقال في الأول والأوسط: لم تلديهما أنت؛ فالقول قوله، [ولو أقر بالأوسط] وقال في الأول: لم تلديه، أو ولدتيه قبل أن تلدي مني؛ فذلك له، وهي مصدقة في الأصغر أنه منه، ويلحق به إلا أن يدعي الاستبراء فيه، وإن أقر بالأول فقط لزمه الثاني والثالث، إلا أن يدعي استبراء فيهما أو في أحدهما فلا يلزمه. يريد: ويكون ابن أم ولد ويعتق بعتقها بعد موت السيد. ومن العتبية قال سحنون: ومن أقر عند موته أن فلانة جاريته ولدت منه، وأن ابنتها فلانة ابنتي، وللأمة ابنتان غير التي أقر بها، فمات ونسيت البينة والورثة: قال إذا أقر بذلك الورثة؛ فهن كلهن أحرار، ولهن ميراث واحدة من البنات يقسم بينهن، ولا يلحقه نسب واحدة منهن. قال: وإن لم يقر بذلك الورثة، ونسيت البينة اسمها؛ فلا تعتق واحدة منهن.

فصل قد تقدم في الباب الأول ذكر الأمة تدعي أنها ولدت من سيدها؛ أنها لا تلحقه إلا أن تقيم شاهداً على إقراره بالوطء، وامرأتين على الولادة، أو شاهدين على إقراره بالوطء، وامرأة على الولادة؛ فتحلف ولو أقامت شاهدين على إقراره بالوطء، وامرأتين على الولادة؛ لثبت نسب الولد، وكانت هي أم ولد. قال ابن المواز ومحمد بن عبد الحكم: ومن شهد عليه شاهد: أنه أولد أمته هذه؛ هذا الولد، وشهد آخر: أنه أقر أنه أولدها هذا الآخر لولدٍ أصغر من الأول، وشهد الثالث: أنه أقر أنه أولدها ثالثاً بعينه أصغر من الاثنين. قال في كتاب ابن المواز: وقد مات السيد قالا: فقد أجمعوا على إقراره أنها أم ولد، ولكن لم يجتمع بذلك شاهدان إلا من يوم إقراره بالحبل الثاني؛ فصارت بشهادتهما من يومئذٍ أم ولد، وإن اختلفا في الولد وصار الابن الثاني كابن أم ولد؛ فوجب أن يلحق بسيدها، وكذلك الثالث، يريد: وإن لم يقم لها شاهدان؛ لأنه ابن أم ولد لم يعلم من السيد أنه أكره وادعى الاستبراء. قال ابن عبد الحكم: ولو شهد شاهد أنه أقر أنها ولدت منه [هذا الولد، وشهد آخر أنه أقر أنها ولدت منه] آخر بغير عينه ولا يعرف الأول منهما؛ فلا يلحق به واحد منهما، وتكون أم ولد لاجتماعهما على إقراره أنها أم ولد، ولو عرفنا الصغير ألحقناه به. وبعد هذا باب في الأمة يطؤها المتبايعان في طهر فتلد فتدعى له القافة.

في اللقيط وفي الحملاء يدعون المناسبة قال الله سبحانه {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}. وقال عمر بن الخطاب: اللقيط حر، وولاؤه للمسلمين، وعقله على بيت المال. قال مالك: ومن التقط لقيطاً فأتى رجل فادعى أنه ولد لم يصدق، ولم يلحق به إلا أن يكون لدعواه وجه؛ كرجل عرف أنه لا يعيش له ولد، فزعم أنه [رماه؛ لأنه] يسمع قول الناس: أنه إذا طرح عاش ونحوه مما يدل على صدقه؛ فإنه يلحق به، وإلا لم يصدق إلا ببينة. وقال غيره: إذا علم أنه لقيط لم يقبل فيه دعوى أحد إلا ببينة. وقيل لابن القاسم: فإن صدقه الملتقط؟ قال: أراه شاهداً، ولا تجوم شهادة واحد من اليمين في النسب، قيل: فإن ادعاه ملتقطه؟ قال: هو وغيره سواء، لا يقبل دعواه إلا على ما وصفنا. ابن المواز قال أشهب: يقبل قول من ادعاه ملتقطه أو غيره إلا أن يتبين كذبه. م: خالف كل واحد من ابن القاسم وأشهب في اللقيط أصله في الاستلحاق، وابن القاسم يقول إذا استلحق ولداً لم يولد عنده ولا عرف أنه ملك أمه بشراء، ولا نكاح، ولا تبين كذبه؛ فإنه يلحق به، فينبغي على هذا أن يقبل استلحاقه للقيط، وقد قال: لا يقبل.

وقال أشهب في الاستلحاق: إنه لا يلحق به حتى يكون أصل الحمل عنده، أو بعد خروج أمه من عنده لمثل ما تلحق فيه الأنساب، وإلا لم يقبل قوله، وكل واحد خالف قوله. م: فيحتمل أن يكون هذا من ابن القاسم على قوله الذي يوافق فيه أشهب في الاستلحاق. ويحتمل أن يكون الفرق بينهما على قوله الآخر: إن اللقيط صار ولاؤه للمسلمين، فذلك كنسب حازه، فلا ينتقل عنه إلا بأمر يثبت وبما يدل أنه ابنه والمستلحق لم يحزه نسب، فوجب أن يلحق. وأما أشهب: فيحتمل أن يكون هذا منه على ما له في كتاب ابن المواز فيمن استلحق صبياً في ملك غيره أو بعد أن أعتقه غيره؛ فإنه قال: يلحق بمن ادعاه قبل أن يعتق أو بعد، ويثبت نسبه منه إلا أن ولاء المعتق لسيده، ومتى أعتقد المملوك ورث أباه وورثه، فذلك على هذا، والله أعلم. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن ادعت امرأة لقيطاً أنه ولدها؛ لم يقبل قولها، [وإن جاءت بما يشبه من العذر. قال ابن المواز: وقال أشهب: يقبل قولها؛ وإن قالت: من زنا؛ حتى يعلم كذبها. ابن المواز: إن ادعته من زنا قبل قولها، وأقيم عليها الحد، وإن ادعته من زوج؛ لم يقبل قولها] إلا أن يقر به الزوج فيلحق به.

وقال أيضاً ابن المواز: وأحسن من بلغني إن كان لها زوج حاضر فيلحق به الولد إلا أن ينفيه بلعان، فإن كانا ممن قدما من بلد؛ لم يقبل قولهما إلا أن يقر أنها زوجة فيكونا كالحاضرين، وإن أنكرا؛ لم يلحق به، وتحد المرأة. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن ادعى لقيطاً نصراني وقد التقطه مسلم؛ فإن شهد له مسلمون؛ لحق به، وكان على دينه إلا أن يسلم قبل ذلك، ويعقل الإسلام فيكون مسلماً. قال ابن المواز: التقطه عبد أو نصراني وعليه زي النصارى؛ فإنه يكون حراً مسلماً، إلا أن يلتقطه في قرى الشرك ومواضعهم فهو مشرك. وفي كتاب تضمين الصناع: إن التقطه نصراني ي قرى الإسلام ومواضعهم فهو مسلم، وإن كان في قرى أهل الشرك ومواضعهم فهو مشرك، وإن وجد في قرية ليس فيها إلا الاثنان والثلاثة من المسلمين؛ فهذا إن التقطه نصراني فهو نصراني ولا يعرض له، وإن التقطه مسلم فهو مسلم. قال ابن المواز وقال أشهب: بل هو مسلم، وكذلك إن التقطه مسلم في قوى أهل الشرك، وإن كان في كنيسة، كما أجعله حراً. قال ابن المواز: يريد إن كان في أرض الإسلام ومن حكمهم.

ومن تضمين الصناع: قال ومن التقط لقيطاً فكابره عليه رجل فنزعه منه فرعفه إلى الإمام؛ نظر الإمام فأيهما أقوى على مئونته وكفايته، وكان مأموناً فدفعه إليه. قال مالك: والنفقة على اللقيط احتساباً فإن لم يجد الإمام من يحتسب فيه، أنفق عليه من بيت المال، ولا يتبع اللقيط بشيء مما أنفق عليه، وكذلك اليتامى الذين لا مال لهم. وفي كتاب ابن المواز: من التقط لقيطاً لزمته نفقته حتى يبلغ ويستغني، وليس له أن يطرحه. قال ابن القاسم فإن استلحقه أحد ببينة أو بغيرها؛ فليرجع عليه بما أنفق إن تعمد طرحه وكان يومئذ مليئاً، وإن طرحه غيره فلا شيء على الأب. وقال أشهب: لا شيء على الأب بكل حال؛ لأن هذا أنفق حسبةً، وكذلك من أنفق على يتامى يرى أنه لا مال لهم، ثم تبين لهم مال، فلا يتبعهم؛ لأنه أنفق حسبة. فصل ومن المدونة قال مالك: وحدثني الثقة عنده عن ابن المسيب بأن عمر بن الخطاب أبى أن يورث أحداً من الأعاجم إلا من ولد في أرض العرب. وقال مالك: وذلك الأمر المجتمع عليه عندنا. م: واختلف الناس فيما معنى قول عمر هذا: فذهب أكثرهم وجمهورهم: أنه لا يورثهم بقولهم، فأما إذا قامت البينة العادلة على تحقيق نسبهم؛ فإنهم يتوارثون بذلك، فلا فرق بين ولادة الشرك إذا ثبتت وبين ولادة الإسلام.

وذهب [ابن حبيب عن بعض] شيوخه إن معنى قول عمر: أن لا يتوارث بولادة الشرك، وإن ثبتت بالبينة العادلة، قال: ولو كان ثابت بالبينة لما كان بين ولادة الإسلام والشرك فرق. والدليل للقول الأول: قوله تعالى: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} فلم يخص ولادة من ولادة، وقد أجمع المسلمون على إيجاب التوارث بين أصحاب [رسول الله -صلى الله عليه وسلم-] بالولادة التي كانت قبل الإسلام، وهي ولادة في الشرك، إذ كانت أنسابهم معروفة مشهورة ثابتة، فدل أن من قلناه أولى، وبالله التوفيق. [قال ابن حبيب: وهذا الاختلاف في العدد القليل، وأما في الكثير كالعشرين ونحوهم يسلمون أو يفتتحون في قرية أو حصن ثم يقرون في مكانهم فيسلمون؛ فهم يتوارثون بأنسابهم وولادتهم، وإن لم يعرف ذلك إلا بإقرار بعضهم لبعض، لا أعلم فيه اختلافاً. م: فهذا من قوله يرد قوله في العدد القليل؛ أنهم لا يتوارثون وإن شهد بذلك بينة مسلمون؛ لأنه احتج بظاهر الحديث، فيدخل ذلك عليه في القليل والكثير، وإن احتج:

أن العدد الكثير لا يتواطئون على الكذب، فيلزمه في شهادة البينة العادلة من المسلمين، أرأيت لو شهد ذلك عشرون من المسلمين أترد شهادتهم وتجيز شهادة الذين أسلموا؟ فهذا تناقض بين، وخطأ من القول وبالله التوفيق]. قال ابن شهاب وقد قضى بذلك عمر وعثمان. قال مالك في الحملاء إذ أعتقوا، أو ادعى بعضهم أنهم إخوة بعض أو عصبته، فأما الذين أسروا أهل بيت أو نفر يسير، تحملوا إلى الإسلام فيسلمون؛ فلا يتوارثون بقولهم، كما فعل عمر، ولا تقبل شهادة بعضهم لبعض؛ [إلا أن يشهد من كان ببلدهم من المسلمين، وأما إن تحمل أهل حصن، أو عدد كبير فأسلموا؛ فإنه تقبل شهادة بعضهم لبعض] ويتوارثون بتلك الولادة. قال ابن القاسم في المستخرجة: والعشرون عدد كثير، وأباه سحنون. [قال أبو إسحاق: وفي هذا الكلام نظرٌ؛ لأنه إذا كانوا عدولاً فالأشبه أن تحوز شهادة رجلين، وإن شهد الرجلان المشهود لهما للشاهدين؛ لأن ذلك حقوق مختلفة، كما أجيز شهادة المسلوبين؛ بعضهم لبعض على من سلبهم، وأهل المركب؛ بعضهم لبعض في عقد الكراء، وإنما الذي لا يجوز: أن أشهد لنفسي ولغيري في حق واحد، وأما إذا شهد رجلان لرجلين في ذكر حقٍ، ثم شهد المشهود لهما للشاهدين في حق آخر على ذلك الرجل بعينه، فلا يضر ذلك، وإن كان ابن القاسم إنما أراد العشرين يقع بهم العلم الضروري، فتخلص إلى السامع العلم بصدق ما قالوه، فلا يحتاج كان إلى عدالتهم، ولا إلى كونهم مسلمين؛ لأن العلم الضروري لا يختص بعدول يخبرونه، ولا مسلمين، ولم يذكر أن بعضهم

ادعى /أن فلاناً ابنه، وقد كان يجب أن يلحق النسب بالدعوى إذ النسب لا يتهم عليه، وإن الاستلحاق فيه جائز. وفي كتاب محمد: إن المحمول إذا ولد في بلاد الكفر وهو من غير العرب فقال له رجل: ليست لأبيك؛ إنه لا يحد حتى تكون ولادة أبي أبيه في بلاد الإسلام؛ فعلى هذا يلحق الأنساب في الأعاجم بالاستلحاق إذا كانت الولادة في أرض الشرك، وفي هذا نظر]. م: قال ابن حبيب: وإنما لم تقبل شهادتهم بعضهم لبعض في العدد القليل؛ لدخول حمية البادية فيهم، فاتهموا لذلك، وأما في تحامل العدد الكثير فتزول التهمة فيه؛ إذ لا يكاد أن تتواطأ الجماعة على الكذب. م: اختلف شيوخنا في علة منع جواز شهادة العدد القليل: فقال بعضهم: إنما ذلك إذا شهد هؤلاء لهؤلاء [وهؤلاء لهؤلاء] فأما إن شهد عدلان منهم لغيرهم؛ جازت شهادتهم في العدد القليل والكثير. وقال غيره: لا تجوز في العدد [القليل، وإن شهد عدلان على نسب وإن لم يشهد لهم الآخرون لما ذكرنا لدخول الظنة وذلك مرتفع في العدد] الكثير. وهذا هو الصواب.

ونحوه للشيخ الفقيه -رحمه الله- أبي بكر بن عبد الرحمن. قيل له: فهل يراع في العدد الكثير العدالة؟ قال: نعم. قيل: وإن كانوا كالمائتين أو الألوف؟ قال: لا يراعى في مثل ذلك العدالة، إذ لا يتواطأ مثل هؤلاء على الكذب. وفي المسألة تنازع، وهذا أثبتها. قال ابن القاسم: وإن ولدت المتحملة توأماً؛ توارثا من قبل الأب والأم، وكذلك توأم الملاعنة، وأما توأم المغتصبة وتوأم الزانية؛ فإنما يتوارثان من قبل الأم خاصة؛ لأن المغتصب والزاني لو استلحقهم لم يلحقوا به، ولو استلحقهم الملاعن؛ لحقوا به، وأما توأم المتحملة فيحمل على أنه من زوج إذا كان في شرك، وقد ألاط ما كان في الشرك، وهو زنا؛ يريد: بالقافة، وقاله مالك في العتبية. وقال المغيرة وابن دينار في كتاب ابن سحنون: إن توأم الملاعنة والمسبية يتوارثون من قبل الأم خاصة، ووجه ذلك: إن الملاعن نفسه قد نفاه عن نفسه فهما لا يرثانه، فكذلك لا يتوارثان به، وأما توأم المسبية فحكمه حمكم توأم الزانية المتفق فيها أنهما لا يتوارثان إلا من قبل الأم.

م: والأول أصوب. وروي عن مالك في توأم المغتصبة: أنهما يتوارثان من قبل الأب والأم. قال أحمد بن نصر: هذا خطأ ولا يتوارثان من قبل الأب لأنه زنا. م: وتحصيل ذلك أنه لم يختلف في توأم الزانية أنهما يتوارثان من قبل الأم خاصة، واختلف في توأم الملاعنة والمسبية والمغتصبة. م: والصواب أن توأم المحتملة والملاعنة يتوارثان من قبل الأب والأم، وتوأم المغتصبة والزانية من قبل الأم خاصة، وهو قول ابن القاسم.

في لحاق النسب بالقافية وذكر ميراث المستلحق بهم روي أن الرسول -عليه السلام- قال لعائشة: ألم تري أن مجززاً نظر إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: إن بعض هذه الأقدام لمن بعض، فسُّر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن ليُسَر بالباطل، وقضى عمر -رضي الله عنه- وغيره بقول القافة. قال مالك: وإنما القافة في ولدٍ من وطء مالكين، ولا لعان في وطء رق، وإما اللعان بين الأزواج، وإذا كان الولد من وطء زوجين؛ فالولد للأول إلا أن تنكح بعد حيضة؛ فهو للآخر إن وضعته لستة أشهر فأكثر. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا كانت الأمة بين حرين أو عبدين أو أحدهما عبد أو ذمي والآخر حر مسلم فوطأها في طهر واحد فأتت بولد. م: يريد: لستة أشهر فأكثر، يريد: من يوم وطء الثاني فادعياه جميعاً دُعي له القافة، فمن ألحقوه به كان بسبيله، مسلماً كان أن نصرانياً أو عبداً، وإن أشركوهما فيه؛ وإلى إذا كبر أيهما شاء، فإن والى الذمي لحق به، ولم يكن الولد إلا مسلماً لاشتراكهما فيه، وكذلك قال عمر: يوالي أيهما شاء.

ومن العتبية قال سحنون وقال غير ابن القاسم: إذا بلغ يبقى ابناً لهما، ولا يوالي واحداً منهما دون الآخر، ولا يزول النسب بشوة الولد، ويكون له من كل واحد نصف بنوة، وكذلك الجواب على قول ابن القاسم إن قال الولد: لا أوالي واحداً منهما، أو قال: أولهما جميعاً. ابن حبيب وقال مطرف: إذا أشركوهما فيه قيل للقافة: ألحقوه بأنصحهما شيبهاً، ولا يترك وموالاة من أحب، وقاله ابن نافع وابن الماجشون. قال مالك: والقائف الواحد يجزئ إذا كان عدلاً ولم يوجد غيره، وقد أجازه عمر -رضي الله عنه-. وروى عنه أشهب: أنه لا يجزئ إلا قائفين في الشهادة؛ ولأن الناس قد دُخلوا. م: وإذا لم توجد القافة أصلاً بعد الاجتهاد في طلبها؛ فإن الولد يترك إلى بلوغه فيوالي من شاء منهما، كما لو قالت القافة: اشتركا فيه، وليس هو لواحد منهما، وقاله بعض علمائنا، وهو اولى من قول من قال: إنه يبقى موقوفاً حتى توجد القافة. وسئل الفقيه أبو عمران -رحمه الله-: لم خصت القافة في الإماء دون الحرائر في المشهور من قول مالك؟ قال: لأن القافة إنما يحكم بها من تساوي الفراشين، وهذا إنما يوجد في الإماء، لأن الأمة قد تكون بين جماعة فيطؤونها في طهر واحد فقد تساووا في الوطء والملك، وكذلك ما

حكم فيه عمر بالقافة في وطء الزنا في الجاهلية لتساوي الوطأين في الزنا، وليس أحدهما أقوى من الآخر، وكذلك الأمة باعها رجل من رجل وقد وطأها البائع والمبتاع في طهر واحد؛ لأنهما استويا في الوطء والملك، والحرة لا تكون زوجاً لاثنين في حال واحدة، فلا يصح فيها فراشان متساويان؛ لأنه إن نعي لها زوجها الأول فتزوجت غيره، فليس تقصير الثاني في البحث بما بثبته زوجاً، وكذلك إن كانت في عدة فتزوجت، والثاني غير عالم فتركه الباحث ليس مما يقدح في فراش الأول؛ فلذلك كان الفراش الأول أولى. ووجه آخر: أن ولد الحرة لا ينفي إلا بلعان، وولد الأمة ينفى بغير لعان، والنفي بالقافة إنما هو ضرب من الاجتهاد فلا ينقل ولد الحرة عن اليقين بالاجتهاد، ولما جاز نفي ولد الأمة بمجرد الدعوى، جاز نفيه بالقافة. وأما مال روي عن مالك: أن القافة في الحرائر كالإماء؛ فإنما ذلك لصحة علمهم، فوجب استواء الحرائر فيه والإماء. م: وهذا أقيس، والأول أحوط. قال سحنون: إذا قالت القافة: ليس لواحد منهما؛ دعي له أيضاً آخرون ثم آخرون وهكذا أبداً؛ لأن القافة إنما دعيت لتلحق لا لتنفي. قال ابن القاسم في العتبية: وإذا قالت القافة: اشتركا فيه؛ عتقت عليهما الأمة مكانها، ولا يحل لأحدهما وطؤها بملك اليمين، فإذا بلغ الصبي وإلى من شاء منهما فألحق به.

ومن المدونة قال ابن القاسم: فإن مات الولد قبل الموالاة عن مال وُهب له، أو ورثه؛ فهو بين الأبوين نصفين؛ كانا حرين أو عبدين، أو أحدهما عبداً أو ذمياً والآخر حراً مسلماً، كما تداعياه. قال في العتبية: وإن مات الأبوان قبل بلوغه وقف له قدر ميراثه منهما حتى يبلغ فيوالي من شاء منهما ويرثه وينتسب إليه ويرد ما وقف للآخر. قال ابن حبيب عن الماجشون: يبقى لا أب له وتعتق عليهما الأمة، قلت: ولما ورثتهما منه ولم تورثه منهما؟ قال: إنما قسمت ماله بينهما؛ لأنه مال ادعاه رجلان فلم أجد بداً من ذلك، وهذا لا يكون في موتهما. وقال أصبغ: يرث من كل واحد منهما نصف ميراث ولد. قال ابن حبيب: وهذا توريث بالشك. وبقول ابن الماجشون أقول. قال ابن القاسم في العتبية: ولو كان إنما مات أحدهما فإنه يوقف للصبي ميراثه منه حتى يبلغ فإن والى الميت ورثه وإن والى الحر رد ما وقف له وإن مات الصبي بعد موت أحدهما وميراثه من الأول موقوف قال: فميراث الصبي للأب الباقي وليس ذلك للأب الميت ولا لورثته شيء ويرد ما وقف للصبي من ميراث الأول إلى ورثته ولو أدخلت الأب الباقي فيما يورث عن الأول لأدخلت ورثة الأول في ميراث الصبي، وهذا

لا يكون بل ميراث الصبي للأب الباقي كله، وقاله محمد بن عبد الحكم. وقال سحنون: الباقي يرث نصف ما ترك الصبي ونصف ما ورث الصبي من الأول فالذي يصح من الأول للصبي نصف وما وقف له، وإن كان للأول عصبة ورثوا مع الباقي من الأبوين ما ترك الصبي. قال سحنون: وإذا وقف له ميراثه من الأول ثم مات الثاني فوقف له ميراثه منه أيضاً ثم مات الصبي قبل الموالاة؛ فإن نصف ميراثه من كل أب موروث من قبل أبويه جميعاً لكل فريق نصف ميراثه يقتسمونه على الفرائض. وقال ابن القاسم في العتبية إذا مات الصبي بعدهما رد ما كان أوقف له من ميراثهما إلى ورثتهما دونه، ولا يرث هو منهما شيئاً وميراث الصبي يكون لمن يرث الصبي من الأبوين جميعاً لأقعد الناس به منهما نصف لكل فريق منهما على قدر قعددهم بالصبي. قيل لعيسى ابن دينار: فمن ينفق على هذا الصبي إلى أن يبلغ حد الموالاة؟ قال: الشريكان، فإن بلغ فوالى أحدهما فلا يرجع عليه الذي لم يواله بشيء مما أنفق. وقال أصبغ: أما المشتري فالنفقة عليه حتى يبلغ، فإن والاه فذلك، وإن والى البائع رجع عليه بالنفقة. وقال محمد بن عبد الحكم: ينفق عليه الشريكان، وإذا مات أحدهما أنفق على الصبي مما أوقف له من ميراثه منه نصف نفقته ونصفها على الحي منهما.

وقال أصبغ لا ينفق عليه منه؛ لأنه إنما يأخذه بعد الموالاة، وقاله أبو زيد. قال ابن القاسم: فإذا ماتا قبله فأوقف له ميراثه منهما فوالاهما جميعاً فليأخذ النصف من كل واحد وتأخذ عصبة كل واحد النصف الآخر وهو كابن تام في حجب الكلالة به. وذهب ابن الماجشون في الواضحة: إنه إذا مات قبل الموالاة عن مالك فهو بين الأبوين نصفين، وإن ماتا قبله بقي لا أب له ولم يرثهما. قيل: ولم ورثتهما منه ولم تورثه منهما؟ قال: إنما قسمت تركته بينهما؛ لأنه كمال تداعياه رجلان فلم أجد بداً من ذلك، وهذا لا يكون في موتهما. قال سحنون: ولو مات الصبي وترك ولداً قبل أن يوالي أحد الأبوين وهما حيان بعد فلولده أن يوالي من شاء من الجدين، ولو ترك ولدين فليواليا جميعاً واحداً من الجدين ولا يوالي هذا واحداً وهذا واحداً، كما لم يكن ذلك لأيهما أن يواليهما جميعاً. ومن قول ابن القاسم: إن له أن يواليهما جميعاً، وكذلك لو وضعت من وطئهما توأماً فليواليا من أحبا ولكل واحد من الوالدين أن يوالي من شاء من الأبوين. قال سحنون: وإذا وضعت ولدين في بطن فقالت القافة: هذا ابن هذا وهذا ابن هذا فإن كان الأول ملياً؛ قومت عليه وهي له أم ولد ويغرم نصف قيمتها يوم حملت ويرجع على الثاني بقيمة ولده ولد أم ولد، وإن كان الأول عديماً رجع عليه الثاني بنصف قيمة ولده ولا يرجع هو على الثاني بشي، قال وقد قيل: يرجع عليه، قال: وتعتق عليهما الأمة.

فصل ومن العتبية قال سحنون في أمة بين حر وعبد وطأها في طهر فحملت فإنه يدعى للولد القافة فإن ألحق بالعبد فالحر مخير إن شاء ضمن العبد قيمة نصيبه يوم وطأها وإن شاء تماسك به؛ لأنها لا تخرج من رق إلى عتق، كما لو كانت بين حرين فوطأها أحدهما فلم تحمل أن لشريكه أن يتماسك بنصيبه. قيل: فهل يكون له نصف ولد العبد رقيقاً؟ قال: نعم، قال: فإن أحب الشريك أن يقومها عليه وهو معسر ويتبع جميعها في نصف قيمتها يوم وطأها ليس يوم أولدها إنما يغرم قيمتها في الوجهين كان له مال أو لم يكن. قال: ولا يباع الولد معها إن لم يف ما بيعت به اليوم بنصف قيمتها يوم وطأها؛ لأن الولد ليس بمال للعبد ويتبع ببقية القيمة في ذمته وليست بجناية فتكون في رقبته؛ لأنه كان مأذوناً له في ذلك. قال يحيى بن عمر قال ابن عبد الحكم: ويقع في قلبي أنها جناية. وفي كتاب ابن سحنون: أنها جناية. قال في العتبية: وإن ألحقته القافة بهما أعتق الصبي على الحر؛ لأنه أعتق عليه نصف ابنه، ويقوم عليه نصف العبد منه ويغرم ذلك لسيد العبد ويقوم عليه أيضاً نصيب العبد من الأمة فيصير له نصفها رقيق ونصفها لحساب أم الولد، فإن أولدها بعد ملكه جميعاً صارت كلها أم ولد له.

قال: فإذا بلغ الصبي وإلى أيهما شاء؛ فيكون ابناً له، فإن والى العبد لم يكن إلا حراً، فإن أعتق العبد بوماً ما ورثه. وقال أصبغ: إذا قالت القافة: اشتركا فيه فنصيب الحر من الأمة عتيق ونصيب العبد مقام أم ولد يوقف بيده لا يطؤها ولا يبيعها لا بإذن سيده وتباع لغرمائه في دينه، فإن كبر الصبي ووالى الحر لحق به وغرم نصف قيمته لسيد العبد، وإن والى العبد لحق به وبقي نصفه رقيقاً لسيد العبد، ونصفه حر، ولا يقوم على الحر إذ ليس بعتق ابتدأه وإنما هو حكم لزمه كما لو ورث نصفه. [قال أبو إسحاق: وفي هذا نظر؛ لأن العتق ليس من سبب الأب الذي يقوم عليه فإن كان من سببه فتمادى آخر تقويمه حتى يواليه]. قال في كتاب ابن سحنون: وإذا كان أحدهما مسلماً والآخر كافراً، وألحقت القافة الولد بالمسلم لحق به وكانت الأمة أم ولد له وغرم نصف قيمتها للكافر وإن أحلقته بالكافر لحق به وكان ولده على دينه يوارثه وينتسب إليه وكانت الأمة أم ولد له وغرم نصف قيمتها للمسلم فإن كانت كافرة أقرت عنده أم ولد وإن كانت مسلمة أعتقت عليه، وإن قالت القافة: اشتركا فيه؛ فالأمة أم ولد معتقة منهما والولد موقوف حتى يبلغ فيوالي أيهما شاء؛ فإن والى المسلم فهو ولده، وإن والى الكافر فهو ولده ولا يترك على دينه بل يكون مسلماً، وإن مات الكافر قبل بلوغ الصبي وقف له قدر ميراثه منه [فإن والاه

أخذه، وإن والى الآخر انتسب إليه، ورد ما وقف لورثة الكافر، وإن ماتا جميعاً قبل بلوغ الصبي وقف له قدر ميراثه منهما]، فأيهما والى أخذ ميراثه على الإسلام بكل حال، وهو استحسان وليس بقياس، وإن مات الصبي بعد موتهما وقبل البلوغ رد ما وقف من مالهما إلى ورثتهما ثم إن ترك مالاً وهب له أو ورثه كان نصفه لعصبة أبيه المسلم بعد فرض ذوي الفرض، والنصف الآخر لعصبة أبيه الكافر المسلمين، فإن لم يكن لأبيه الكافر ورثة مسلمون فذلك لبيت المال. قال: ولو أنهم ثلاثة؛ مسلم، وعبد، ونصران، فحملت الأمة مسلمة فقالت القافة: اشتركوا فيه؛ فإنها تعتق على المسلم والنصراني ويقوم عليهما نصيب العبد، ولو كانت الأمة نصرانية أعتق جميعها على الحر المسلم وقوم نصيب العبد والنصراني عليه، وإن قالت القافة: ليس هو لواحد منهم رفع أبداً إلى غيرهم، فإن قالوا مثلهم رفع أبداً إلى آخرين، فإن ت مادى الإشكال واتفقت القافة فإن كان الآباء مقرين بالوطء في طهر فليوالي أيهم شاء وتكون أمه تبعاً له إذا وضعته لستة أشهر فأكثر من وطء آخرهم، وسواء ادعوه أو لم يدعوه. وكذلك إن ادعاه أحدهم وأنكر من سواه فلينظر إلى مكره ويكشف عن وطئه، فإن كان فيما يصف من وطئه ما يمكن فيه الإنزال كانوا مشتركين فيه، وإن لم يمكن ذلك وكان

يدعي الخلسة بالعزل من الوطء الذي أقر به فإني أستحسن أن أجعله للآخر والقياس أن يكونا سواء، إذ لعله غلب والوكاء ينفلت، وربما كان الاستحسان أولى من القياس. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا كانت أمة بين رجلين فوطأها أحدهما في طهر والآخر بعده في طهر؛ فأتت بولد فهو للآخر إن وضعته لستة أشهر فأكثر من مسيسه، وعليه لشريكه إن كان ملياً نصف قيمتها فقط يوم الوطء، ولا صداق عليه ولا قيمة ولد في ملائه، وإن كان عديماً لزمه نصف قيمة الأمة يوم حملت مع نصف قيمة الولد، وبيع عليه نصفها في نصف قيمتها وإن كان ثمنه كفافاً لذلك تبعه بنصف قيمة الولد، وإن كان أنقص أتبعه بما نقص. م: يريد: وإن كان فيه فضل لم يبع منها إلا ما يفي بنصف قيمتها ويكون باقيها بحساب أم ولد وأتبع بنصف قيمة الولد، والولد حرٌ لاحق النسب لا يباع منه شيء. قال ابن المواز: إن كان وطأها مرة فيوم الحمل هو يوم الوطء، وإن وطأ مراراً فإن شاء شريكه القيمة يوم الوطء، أو يوم الحمل فذلك له. م: وهو تفسير لما في المدونة. ومن المدونة قال مالك: ومن وطأ أمته ثم باعها فوطأها المبتاع في ذلك الطهر فأتت

بولد لأقل من ستة أشهر من يوم البيع فهو للبائع وهي أم ولد له، فإن وضعته لستة أشهر فأكثر من يوم البيع فادعياه؛ دُعي له القافة فيكون ابناً لمن ألحقته القافة به، وأمة أم ولد له، فإن أشركوها فيه والى إذا كبر أيهما شاء، وكذلك فعل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ونكلهم جميعاً، وقضى عند ذلك أن من ابتاع جارية قد بلغت المحيط فليتربص بها حتى تحيض. وقال الرسول -عليه السلام-: «[من كان يؤمن بالله واليوم الآخر] فلا يغشى رجلان امرأة في طهر». قال يحيى بن سعيد: ولو أسقطت أعتقت عليهما وقضي بالثمن عليهما وجلدا خمسين خمسين وكذلك لو ماتت قبل أن تضع فمصيبتها منهما. قال: وبهاذ كان سلفنا يقضون وبه مضى أمر الولاة. وقال ابن القاسم في العتبية وكتاب ابن حبيب وقال فيه مطرف وابن الماجشون: إذا ظهر بها حمل ثم ماتت قبل أن تضعه فمصيبتها من البائع طال الحمل أو لم يطل ويأخذ المبتاع ماله ويعاقب إن لم يعذر بجهل.

قال في كتاب ابن حبيب ولو أقر المشتري بوطئها والبائع منكر للوطء فأوقفها السلطان فماتت قبل أن يتبين حملها أو بعد أن يتبين ولم يمض للحمل ستة أشهر فالمصيبة من البائع أقر بوطئها أو أنكر حتى إذا مضى للحمل ستة أشهر فقد لحقت المشتري ولدت أم لم تلد، ماتت أو عاشت، مات ولدها أو عاش، ولا تنظر إليه القافة إذا لم يقر البائع بوطئها في ذلك الطهر، وأما إذا وطأها في طهرها ثم ماتت قبل أن يتبين الحمل أو بعد أن تبين فهي من البائع بخلاف الأمة بين الشريكين يطآنها في طهر ثم يموت بعد بيان الحمل أو قبل، فهذه مصيبتها منهما. قالوا في الكتابين: فإن وضعت لأقل من ستة أشهر في وطء المتبايعين في طهر واحد فهي من البائع كان سقطاً أو تاماً حياً أو ميتاً فهو ولده، وهي أم ولده. واختلف إذا وضعته لستة اشهر إلا يوماً أو يومين؛ هل يكون للمشتري أو للبائع؟ هل ذلك افتراق أم لا؟ [وهو ولد له، وهي أم ولد له]. ] وإن وضعته لستة أشهر من وطء المبتاع: قال في العتبية أو مقدار نقصانها بالأهلة فصاعداً تقارب الوطآن في ذلك أو لم يتقاربا أو وطأ هذا اليوم وهذا غداً والولد ساقطاً أو تاماً فهي من المبتاع والولد له وهي أم ولد له، ولا قافة في الأموات، ولو كان حياً دُعي له القافة فمن أُلحق به فهو ولده وأمه أم ولد له].

[قال أبو إسحاق: والأشبه أن يكون ضمانها من البائع ولو وضعته لستة أشهر؛ لأنها لا تنتقل عن ضمان البائع إلا بيقين فليس وضعها لتمام ستة أشهر فالذي تحقق أن الحبل من المشتري، والأشبه أن اليوم واليومين في الستة أشهر ليس افتراق، ألا ترى أن لو تزوج رجل امرأة فجاءت بولد بعد دخوله بها لستة أشهر إلا يوم أو يومين أكانت تحد؟ والأشهر قد ينقص هذا القدر أو أكثر منه وقد جعل أقل الحمل ستة أشهر؛ لقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} فأزيل من ذلك حولان كاملان للرضاة وبقيت ستة أشهر للحمل فإذا كان الحمل ستة أشهر وجب أن يدخل في ذلك نقص الشهور كاليومين والثلاثة، كما أن الرضاع إذا كان حولين كاملين كان ما قارب الحولين في حكم الحولين في التحريم]. وقال سحنون: إن مات بعد أن وضعته حياً دُعي له القافة. قال في كتاب ابنه في الأمة في وطء الشريكين أو المتبايعين يظهر بها حمل ثم تموت قبل الوضع فضمانها منهما، ماتت قبل تمام ستة أشهر من يوم وطء الثاني أو بعد، إلا أنه إنما يضمن المشتري في البيع الأكثر من نصف قيمتها يوم وطأها أو نصف الثمن، ولو أسقطت قبل تمام سنة أشهر أو بعد؛ أعتقت عليهما ويضمن المشتري الأكثر مما ذكرنا، ولو وضعته حياً بعد ستة أشهر من وطء الثاني ثم مات قبل أن يدعى له القافة فليدعى له القافة ميتاً إذ لا يغير الموت شخصه، فإن مات أعتقت الأمة عليهما وغرم المشتري الأكثر مما ذكرنا، ولو لم يمت الولد ومات أحد الأبوين قبل نظر القافة فلينظروه مع الثاني فإن ألحقوه به لحق به

فإن كان مشترياً فعليه الأكثر كما ذكرنا. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون وإن لم يلحقوه به لم يلحق به ولا بالميت إذ لو كان الميت حياً فلعل القافة تنفيه عنه، وتقول: ليس بابن لواحد منهما. قال: توقف الأمة بحال أم ولد، فإذا مات الثاني أعتقت، وخالفه ابن حبيب وقال: بل يلحق بالميت إذا برئ منه الحي؛ لأن الميت أقر بالوطء فلولا وطء الثاني؛ لحق به من غير قافة. قال ابن حبيب وتعتق الأمة بموت الأول على أنها أم ولد وقاله أصبغ. قال سحنون: وإن قالت القافة بعد موت أحدهما: للحي فيه شرك؛ فإن له من الحي نصف الأبوة ويرث نصف ميراثه إن مات قبل أن يبلغ الولد فيواليه فإن بلغ وهذا الأب حي فوالاه كان ابنه وكان له ميراث هذا الأب كله ولا يرث من الميت الأول شيئاً لأن القافة لا تلحق بأبٍ ميت.

فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: وكان المشتري إنما وطأها بعد أن استبرأها بحيضة لحق الولد بالمبتاع إن ولدته لستة أشهر فصاعداً من يوم وطئها وإن ولدته لأقل من ذلك لم يلحق بالمبتاع وإن ادعاه لأنه قد بان كذبه ولا يحد ويلحق بالبائع إلا أن يدعي استبراء وقد تقدم هذا. قال: وإنما القافه في الأمة يطؤها بالملك كما ذكرنا. قال مالك: ولا قافة في الحرائر. قال سحنون وروى عنه علي: أن القافة في الحرائر مثل الإماء, ومن المدونة قال وإذا تزوجت المطلقة قبل حيضة فأتت بولد لحق بالأول؛ لأن الولد للفراش والثاني لا فراش له إلا فراش فاسد وإن تزوجت بعد حيضة ودخل بها لحق الولد بالآخر إن وضعته لستة أشهر فأكثر. قال مالك وإنما لاط عمر -رضي الله عنه- في الحرائر بالقافة أولاد الجاهلية بآبائهم من الزنا. يريد: حين أسلموا، واحتج به مالك في المرأة تأتي حاملاً من العدو فتسلم وتلد توأماً أنهما يتوارثان من قبل الأب والأم. قيل لابن القاسم: فلو أسلم قوم من الحربيين أتليط بهم أبناءهم من الزنا بالقافة؟

قال: لم أسمع من مالك فيه شيئاً ولكن وجه ما جاء عن عمر -رضي الله عنه- أن لو أسلم أهل دار من أهل الحرب كان ينبغي أن يصنع بهم ذلك؛ لأن عمر فعله، وهو رأي ابن حبيب. وقال ابن الماجشون: لا يؤخذ بقولهم فيما كان من ولادة الجاهلية والنصرانية. وروي مثله عن أشهب. في الأمة والمدبرة والمكاتبة والمعتقة إلى أجل بين الشريكين يطؤها أحدهما أو كلاهما فتحمل أم لا قال مالك: وإذا وطأ أحد الشريكين أمة بينهما فلم تحمل فشريكه مخير في التماسك بنصيب أو إتباع الواطئ بنصف قيمتها. قال ابن القاسم يوم وطأها وإنما قومت عليه يوم الوطء؛ لأنه كان ضامناً لها لو ماتت بعد وطئه حملت أو لم تحمل. قال مالك: ولا حد على الواطئ ولا عقد عليه وكذلك إن تماسك بها فلا صداق لها ولا ما نقصها؛ لأن القيمة وجبت له فتركها وتمسك بنصيبه ناقصاً. قال أبو إسحاق: وقيل له ما نقص. قال مالك: وإن حملت قوِّمت على الواطئ يوم حملت إن كان مليا. يريد: لأنه أفاتها بالحمل لما أدخل فيها من العتق.

قال ابن المواز: فإن شاء قوَّمها عليه يوم الوطء، أو يوم الحمل، إلا أن يكون إنما وطأها مرة واحدة، فيوم الوطء هو يوم الحمل. ومن المدونة قال مالك، ولا تماسك لشريكه إذا كان الواطئ مليا، ويلحق الولد بأبيه وهي به أم ولد. قال ابن القاسم: وإن كان الواطئ عديماً فقد بلغني أن مالكاً قال قديماً: تكون له أم ولد ويتبع بنصف قيمتها ولا قيمة عليه في الولد، وآخر قوليه -وبه آخذ- أن يقوم عليه نصفها يوم حملت ويباع عليه نصفها بعد الوضع فيما يلزمه من نصف قيمتها فيكون رقيقاً لمن اشتراه وما نقص من ذلك أتبعه مع نصف قيمة الولد. محمد ابن المواز يوم وضعت. وقال سحنون: لا شيء له من قيمة الولد إذا اختار قيمتها؛ لأن الولد جاء بعد أن ضمّنه القيمة. قال ابن القاسم: ولا يباع من الولد شيء وهو حر ثابت النسب وإن شاء تمسك بنصيبه وأتبعه بنصف قيمة الولد. ابن المواز: لأن نصيب الأب منه حر مكانه فيستتم على أبيه ما بقي منه بقيمته يوم وضعته ويتبع به. قال: واختلف قوله هل يتبعه بنصف ما نقصتها الولادة؟ فقال مرة: لا يتبعه بشيء؛ لأن القيمة وجبت له فتركها وتمسك بنصيبه، وقال أيضاً:

إن يتبعه بما نقص من ثمنها إن هو باع مصابته بأقل مما كانت تسوى بسبب ما نقصها. قال ابن المواز: وهذا عندنا أصوب، وليس بسبب ما منعه بيع حملها. ومن المدونة قال ابن القاسم: ويعتق عليه نصف الأمة الذي بقي في يديه إذ لا منفعة له فيه وقد قال مالك فيمن أولد أمته فإذا هي أخت رضاة: أن الولد يلحق به ويدرأ عنه الحد وتعتق عليه؛ لأن وطأها قد حرم عليه ولا خدمة له فيها. ابن المواز وروى أيضاً أصبغ عن ابن القاسم: أن نصيب الوطء لا يعتق عليه وتوقف لعله يملك باقيها فيحل له وطؤها. قال ابن المواز وهو أصوب. ومن المدونة وقال غيره: إذا وطأ أحد الشريكين أمة بينهما فولدت فلا حد عليه ويعاقب إن لم يعذر بجهل وتقوم عليه إن كان مليا وإن كان عديماً خير شريكه بين أن يتماسك بنصيبه منها ويتبع الواطئ بنصف قيمة الولد ديناً أو يضمنه ويتبعه في ذمته وليس هو كعديم أعتق حصته من عبد فأراد شريكه أن يضمِّنه فليس ذلك له؛ لأنه إنما أعتق نصيبه فقط وفي الوطء وطأ حظه وحظ شريكه فإن تماسك بنصيبه بقي نصيب الواطئ بحال أم ولد ولا يعتق عليه إذ لعله يملك باقيه فيحل له وطؤها إلا أن يعتق المتمسك بالرق نصيبه فيعتق على الواطئ نصيبه إذ لا يطؤها بملك أبداً، وإذا تماسك الشريك

بنصيبه وترك تضمين الواطئ لعدمه ثم أراد التقويم عليه بعد يسره أو شاء ذلك الواطئ وأباه المتمسك لم يلزم منهما ولو أطاعا بذلك لم تكن للواطئ كلها فحمل أم ولد للرق الذي يرد فيها إلا أن يولدها ثانية. قال سحنون: والاختلاف بين أصحابنا في هذه المسألة كثير، وهذا أحسن ما سمعت من ذلك. قال ابن المواز: ولو كان الواطئ أبا أحد الشريكين فهو كالشريك نفسه في جميع ما وصفت لك غير أن ابنه يتبعه بقيمة مصابته مع ما يتبعه الشريك من نصف قيمة الولد ونصف ما نقصتها الولادة إذا كان معدماً. قال ابن المواز: وإذا أعتق أحد الشريكين في الأمة حصته وهو موسر فلم تقوم عليه حتى أحبلها الثاني، قال: تكون حرة كلها ساعة حملت والولد لاحق بأبيه بلا قيمة عليه فيه وهذا أعجب إلينا من قول من قال: إنها تقوم على المعتق الأول ويغرم له هذا نصف ما نقصها ونصف قيمة الولد وهذا وهم. قال ابن المواز: ويكون ولاء الولد لأبيه، وقد وهم بعض أئمتنا فقال: يكون نصف ولاء الولد لمعتق نصف الأم، كما له نصف ولاء الأم فاحتججت على من روى ذلك عته، فقلت له: أرأيت لو كانت كلها لمعتق نصفها فأعتق جميعها ثم حملت من غيره بنكاح أيكون لمعتقها من ولاء ولدها شيء؟ قال: لا، فقلت له: هذا يبين لك الوهم؛ فرجع عن ذلك، وبان له الغلط. ابن المواز وقال ابن القاسم في الأمة بين الشريكين يطؤها أحدهما فتحمل ثم تضع في عدمه فيلزم نصف قيمة الولد يوم وضعته ونصف ما نقصها وبقي نصفها بحساب أم

ولد فوطأها الثاني فأحبلها فإنها تعتق مكانها حين حملت ولا تبع الثاني في الولد بشيء وإن كان مليا والحكم على الأول كما هو. ابن المواز وقيل إن لم يكن نظر في أمر الثاني حتى وضعت فإنه يكون على الثاني غرم نصف قيمة ولده أيضاً موسراً كان أو معسراً. ابن المواز: وهذا غلط، وبقول ابن القاسم أقول: أن ليس على الثاني من نصف قيمة ولده شيء وإن لم يكن نظر في أمرها إلا بعد الوضع لأن الأمة حرة باستقرار النطفة في رحمها. وقال عبد الملك: إذا حكم على الأول ثم أحبلها الثاني كان عليه قيمة الولد على أنه ولد أم الولد على الرجاء والخوف. م: أراه يريد: نصف قيمة الولد على أنه ولد أم الولد لأن نصفها للأول بحساب أم ولد ونصفها للثاني رقيق فإذا أحبلها الثاني فإنما يغرم له في الولد على قدر حصته من الأم على هذا القول. قال ابن المواز: فلم يعجبنا هذا لأنها بثبوت النطفة في رحمها حرة فلم يجب في الولد يوم الوضع للأول شيء. قال ابن المواز: وإذا لم ينظر في أمر الأول الذي أولدها حتى أولدها الثاني عتقت عليهما ولا شيء على الأول ولا على الثاني من قيمة ولد ولا غيره ولا يكشف الأول عن عسر ولا يسر؛ لأن الأول يقول: قوّموا عليّ مصابة صاحبي يوم وطئت حتى لا يلزمني

للولد قيمة شيء فلا يقدر على ذلك لفوتها بحمل الثاني فتكون حرة منهما ولا قيمة ولد على واحد منهما وغير هذا لا يعجبني. قال ابن القاسم في العتبية وهو في ك تاب ابن سحنون: إذا ولدت من الأول ثم وطأها الثاني فأولدها فإن كان الأول مليا غرم نصف قيمتها فقط وكانت له أم ولد ونُكلا والثاني أشدهما نكالاً، ودرئ عنه الحد للشبهة ولحق به ولده. قال سحنون في كتاب ابنه: وعليه للأول نصف قيمة الولد على أنه ولد أم ولد يقاص بذلك الأول فيما لزمه من نصف قيمة الأمة. م: والصواب: أن يكون على الثاني قيمة الولد كاملة على أنه ولد أم ولد؛ لأن [الأول قد لزمته نصف قيمة الولد يوم] أحبلها، فإنما وطأ هذا الثاني أم ولد الأول فدرأنا عنه الحد للشبهة، [وألزمناه لقيمة ولده ولد أم ولد فانظر] الأصل. قال ابن القاسم في العتبية: فإن لم يكن للأول مال لم يقوَّم على واحد منهما، ويعتق عليهما [ويلحق بهما أولادهما ونُكِّلا].

قال سحنون في كتاب ابنه: ويكون للثاني على الأول نصف قيمة الولد على أنه رقيق ولا شيء على الثاني من قيمة ولده. وقال أيضاً: للأول على الثاني نصف قيمة ولده على أنه ولد أم ولده. قال سحنون في العتبية وكتاب ابن سحنون: ولو كانت الأمة بين ثلاثة نفر وطأها أحدهم فولدت منه، ثم وطأها الثاني وهو يعلم فولدت منه، [ثم وطأها الثالث وهو لا يعلم فولدت منه]، قال: فقد ضمنها الأول؛ وهي له أم ولد، وعليه لشريكيه ثلثا قيمتها يوم وطأ، وعلى كل واحد من الشريكين للأول قيمة ولده ولد أم ولد فيتقاصا هو وهما فيما لكل واحد على الآخر ويترادون الفضل، فإن كان الأول عديماً عتق نصيبه، وعليه ثلثا قيمة ولده رقاً لشريكيه، وعلى الثاني في ولده ثلث قيمة ولده رقاً للثالث، ولا شيء عليه للأول؛ لأن نصيبه من الأمة يوم وطأ الثاني حر، ويعتق نصيب الثاني والثالث عليهما، ولا شيء على الثالث في قيمة ولده للأول. م: يريد على أحد قوليه وهو كقول ابن المواز وهو الصواب لأن باستقرار نطفة الثاني في رحمها أعتق نصيب الأول ولا قيمة له في ولدها من الثاني وعلى قوله الثاني وهو قول عبد الملك يكون للأول على الثاني ثلث قيمة ولده على أنه ولد أم ولد، وعليه للثالث ثلث قيمة ولده على أنه رقيق، وعلى الثالث للأول وللثاني ثلث قيمة ولده؛ لكل واحد منهما على أنه ولد أم الولد.

قال سحنون: ولو لم يطأ الثالث؛ فإن كان الأول ملياً: غرم لشريكيه ثلثي قيمتها يوم الوطء، وأخذ من الثاني قيمة ولده ولد أم ولد، وفيها قول آخر وهذا أعدل. قال في كتاب ابنه: وإن كان الأول عديماً؛ أعتق نصيبه ونصيب الثاني، وعلى الأول ثلثا قيمة ولده عبداً لشريكيه، وعلى الثاني ثلث قيمة ولده للثالث الذي لم يطأ، وبقي ثلثها الثالث رقيقاً، وإن شاء ضمن الأول ثلث قيمة الأمة [ويبقى ثلثها للثالث] وأتبعه بذلك فإن ضمنه عتق ثلثا الأمة على الأول وعتق نصيب الثاني عليه بالولد، وغرم الثاني للأول ثلث قيمة ولده ولد أم ولد من سبب هذا الثالث الذي قوم عليه. م: أراه يريد: وعلى الأول للثاني ثلث قيمة ولده رقيق فيتقاصّان ويترادان الفضل وليس للثلث أن يقوم على الثاني في عدم الأول إذ لم يبتد فساداً وفيها غير هذا تركته خيفة التطويل. فصل ومن كتاب المدبر قال مالك: وإذا كانت مدبرة بين رجلين، وطأها أحدهما، فحملت؛ فإنها تقوم عليه، وتصير أم ولد إذ ذلك آكد لها. سحنون وقاله جميع الرواة. قال غيره: وإن كان الواطئ معسراً خير شريكه بين أتباعه بنصف قيمتها وتصير له أم ولد ويتماسك بحصته ويتبعه بنصف قيمة الولد يوم استهلاله ثم لا يقوم عليه إن أيسر

فإن مات الواطئ أعتق عليه نصيبه من راس ماله لأنه بحساب أم ولد وبقي نصيب المتمسك مدبراً وإن مات الذي لم يطأ وقد كان تمسك بنصيبه وعليه دين يرد التدبير يبعث حصته للدين فإن ابتاعها الواطئ ليسر حدث له حل له وطؤها فإن مات فنصفها عتيق من رأس المال والنصف الذي اشترى رفيق لورثته. ومن كتاب ابن سحنون: ولو أنن مدبرة بين ثلاثة وطئوها واحداً بعد واحد فأولدها كل واحد منهم ولداً فإن كان الأول ملياً فعليه لشريكه ثلثا قيمتها أمة وتكون أم ولد له ويرجع على شريكيه بقيمة ولده ولد أم ولد ويترادان الفضل، وإن كان عديماً أعتق عليه نصيبه وغرم لشريكه ثلثي قيمة ولده ولد ويترادان الفضل، وإن كان عديماً أعتق عليه نصيبه وغرم لشريكه ثلثي قيمة ولده ولد مدبرة على الرجاء أن يعتق أو يرق ويعتق على الثاني نصيبه وعليه للثالث ثلث قيمة ولده ويعتق نصيب الثالث ولا شيء عليه في ولده لها وفيها قول آخر تركته ولو كان الثالث لم يطأ قوِّمت على الأول في ملائه وتكون له أم ولد ويغرم ثلثي قيمتها لشريكه وعلى الثاني للأول قيمة ولده ولد أم ولد، وإن كان عديماً؛ أعتق نصيبه، وللثالث إن شاء أن يقوم عليه ويبيعه، فإن فعل أعتق ثلثاها على الأول، وكان للأول على الثاني ثلث قيمة ولده ولد مدبرة من سبب هذا الثلث الذي

قوّم عليه للثالث، ويرجع الثاني على الأول بثلث قيمة ولده ولد مدبرة، ويعتق أيضاً نصيب الثاني منها وإن تمسك الثالث بنصيبه فليس له تقويم على الثاني وله على الأول ثلث قيمة ولده [وعلى "الثاني" كذلك، ويكون للثاني" على الأول ثلث قيمة ولده وليس" للأول على الثاني] من قيمة ولده شيء؛ لأن نصيبه فيها أعتق قبل أن يطأ الثاني. قال ابن المواز [واختلف قوله] في ولد الأمة في رجوع الثاني على الأول بثلث قيمة الولد والمدبرة مثل الأمة. قال سحنون وهذا على قول كثير من أصحابنا. فصل وقال في معتقة إلى أجل بين ثلاثة وطئوها متفاوتين كل واحد يولدها ولا يعلم بصنيع من قبله. قال: تعتق عليهم كلهم إذ لا سبيل إلى وطئها وإن كان الأول ملياً، وأرى أن تعتق ليهم في ملائهم وعدمهم وعلى الأول لشريكه ثلثا قيمة ولده على أنه معتق إلى أجل وعلى

الثاني للثالث ثلث قيمة ولده كذلك ولا شيء على الثالث ولا شيء للأول ولو لم يولدها غير واحد لم تقوم عليه وعليه لصاحبيه ثلثا قيمة ولده ولد معتقة إلى أجل. أو لا ترى لو عجل أحدهم عتقها لم تقوم عليه إلا في وقل لعبد الرحمن تعجل عليه قيمة الخدمة لشريكه ويعجل عتقها. وقال كثير من أصحابنا فيمن وطأ معتقة إلى أجل فأولدها: إنه يعجل عتقها عليه إذ زالت له منها الخدمة بالولادة والوطء بعتق الأجل. قال سحنون: وكذلك من أذن لمدبره في تدبير أمته ثم أولدها السيد فإنها تعتق؛ لأنها معتقة إلى أجل أولدها السيد. قال في المعتقة إلى أجل: وإن بقي الثالث لم يطأ أعتق نصيب الواطئين، وللثالث على كل واحد ثلث قيمة ولده للثاني على الأول ثلث قيمة ولده ويبقى نصيب الثالث بيده معتقاً إلى أجل ولا شيء على الثاني للأول؛ لأنه وطأ نصيبه وهو حر. فصل قال ولو كانت مكاتبة بين ثلاثة وطئوها كما ذكرنا؛ فأتت من كل واحد بولد وهو لا يعلم ما فعل من قبله؛ فعلى مذهب ابن القاسم وأشهب: إن كان الأول مليئاً خيرت بين أن تعجز نفسها وتقوم على الأول وبين أن يتمادا، فإن قومت عليه غرم ثلثي قيمتها أمة

لشريكيه وصارت له أم ولد وإن تمادت على كتابتها فأدت أعتقت وإن كان الأول عديماً أعتقت عليهم كلهم. سحنون قاله ابن القاسم وأشهب وأن أرى: إن كان لها مال لها ظاهر والأول مليئاً فليس لها تعجيز نفسها ولتتمادى مكاتبة. قال ابن القاسم: فإذا وطأ مكاتبة بينه وبين شريكه فاختارت التمادي أخذت نصف قيمتها من الواطئ فوقفت، فإن أدت ردت القيمة إليه وإن عجزت بقيت له أم ولد وأخذ الآخر القيمة. وقال في كتاب ابن المواز: إنما يوقف نصف قيمة الكتابة ثم ذكر مثل هذا وفيها قول آخر تركته/.

في وطء المخدمة، ومن زنا بأمة فأولدها؛ هل يطأ ابنتها منه؟ قال ابن القاسم: ومن أخدم أمته سنين -قال سحنون أو عمرها- ثم وطأها السيد، فحملت؛ فإن كان مليئاً: كانت له أم ولد، وأخذت منه مكانها أمة تخدم في مثل خدمتها، فإن ماتت هذه والأولى حية فلا شيء عليه، وقيل: تؤخذ قيمتها وتؤاجر منها خادم؛ فإن ماتت الأولى أو انقضت السنون وقد بقي من القيمة شيء أخذه السيد، وإن نفدت القيمة والأولى حية ولم تنقض المدة فلا شيء على السيد. وقال عبد الملك في كتاب ابن سحنون: يغرم له قيمة الخدمة على الأقل من عمر الأمة ومن مدة الخدمة من عمر أو أجل. [قال أبو إسحاق: في هذا كله نظر؛ لأن القيمة إذا أخذت فنفدت والأولى حية لم يجب كان أن يسقط عن الواطئ الطلب؛ لأن المخدم يقول: خدمتي في غير هذه الجارية ... بالإيلاد وهي باقية العين، فيجب عليه أن تخدمني ما دامت حية، وأما بقية القيمة فلا حق لي فيها، ولو قيل: يكون عليه قيمة الخدمة على الرجاء والخوف لكان أشبه]. قال ابن القاسم في العتبية: وإن كان عديماً أخذ ولده وتخدم الجارية إلى تمام الأجل.

م: وسئل أبو عمران عما تقدم من قول ابن القاسم وقول غيره في أخذ أمة تخدم أو أخذ قيمة الأمة يؤاجر بها، ولو لم يجعلوا عليه قيمة الخدمة في تلك السنين، كمن أفسد على رجل عرضاً؛ أن عليه قيمة. قال الشيخ: إنما لم يحسن أن يضمن قيمة الخدمة لإمكان موت هذه الأمة [قبل انصرام الأجل] فيكون قد ضمن الرجل مالا يلزمه ولو قومناها على الرجاء والخوف أدى ذلك إلى تحويل ما جعل له من كفاية خدمة عشر سنين إذ [لا يحصل له] في القيمة ما يحمل ذلك والواجب على المتعدي إغرام المثل لقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} وقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} فإن كان جنس المستهلك لا يتحصل مثله عدل فيه إلى القيمة للضرورة ولا شيء في مسألتك أخصر من الإتيان بمثل الخدمة نفسها فأغرمنا ذلك للمتعدي كما قدمنا.

وإن ماتت الأولى فقد كشف الغيب أن الواطئ لم يبطل على المخدم إلا الأيام التي حبستها الموطأة وقد أغرمنا له ذلك، وأما ما قاله الغير من إغرام القيمة يؤاجر بها فقد رواه ابن القاسم أيضاً عن مالك في قتل السيد لعبد المخدم، وذكر سحنون أن لابن القاسم فيه قولين ثم قال: وكذلك أمة يحبلها. قال الشيخ: وهذا القول أيضاً حسن وقريب من الأول إذ لا فرق بين إغرامه أمة تخدم، أو إيقاف القيمة يستأجر منها من يخدمه، ولا ضرر أيضاً على الواطئ؛ لأنه إن قال: قد تنجز القيمة لغلاء الإجارة وطول المدة ولو كانت أمة لرجعت إلى. قيل له: وقد ترخص الإجارة فيبقى من المدة أكثر، ولو كانت أمة لماتت قبل انقضاء الخدمة، فإذا اجتهد الحاكم وصنع أحد الوجهين كان صواباً. قال الفقيه أبو عمران: والذي قلت: لِمَ لم يغرم القيمة كعرض أفسده؟ فقد قال سحنون فيمن أخدم رجلاً نصف عبده ثم أعتقه بعد قبض المخدم له، قال: فليغرم له قيمة ما بقي له من الخدمة. وروي عن أشهب: أنه يغرم له الأقل من نصف قيمة الخدمة أو قيمة الرقبة. وذكر عن ابن الماجشون ما قدمنا في صدر المسألة. قال: وإذا ماتت الأولى سقط العوض في بقية المدة، وذلك كرجوع بقية اليمة إلى الواطئ بموت الأولى.

قال: وموت الثانية قبل موت الأولى، كنفاد القيمة أو تلفها والأولى حية. قال: وقد ذكر بعض المتأخرين: إن الثانية تخدم بعد موت الأولى، وذلك غير معتدل. قال: وأما إن كان الواطئ عديماً؛ فلا أعلم فيه رواية، وذكر أمثلة تدل على أنها تخدم وإن كانت قد حملت. قال: وينبغي أن يتبع الواطئ بنقص خدمتها لأجل الولد إن أنقص ذلك خدمتها. م: وقد اختصرت كثيراً من كلامه لطوله وهذا معناه. وذكر فيها كلاماً لأبي بكر ابن عبد الرحمن نحو ما ذكرنا، وإن اختلف التعليل، وفيما ذكرنا من ذلك كفاية، وبالله التوفيق. [قال عبد الملك في كتاب ابن سحنون: يغرم له قيمة الخدمة على الأقل من عمر الأمة ومن مدة الخدمة من عمر أو أجل. قال ابن القاسم في العتبية: وإن كان عديماً أخذ ولده، وتخدم الجارية إلى تمام الأجل]. قال سحنون: ولو وطأها المخدم، فإن كانت الخدمة كثيرة مثل: التعمير، أو سنين كثيرة؛ فإنه يدرأ عنه الحد، ويلحق به الولد، وتكون له الأمة أم ولد. م: يريد: ويغرم قيمتها يوم المرجع على الرجاء والخوف. قال سحنون: إلا أن يكون عديماً فتكون لربها، ولا تكون به أم ولد، ويلحق الولد بأبيه، ولو ابتاعها بعد يسره؛ لم تكن به أم ولد.

قال: وإن وطأها في الخدمة القليلة مثل شهر أو نصف شهر، فلا شبهة لها بهذا؛ ويحد، ولا تكون له أم ولد، ولا يلحق به الولد. وقال ابن وهب في كتاب ابن المواز فيمن أخدم أمته رجلاً كسنه، فوطأها المخدم؛ فإنه كان عالماً حد، وإن عذر بالجهل عوقب، وقوَّمت عليه، وإن وطأها ربها فحملت بقيت تخدم تمام السنة. قيل: أتخدم أم ولد؟ قال: أرأيت إن أعتقها واستحب محمد أن يغرم قيمتها فيؤاجر منها من يخدم بقية السنة بما فضل رده إليه، وما عجز فلا شيء عليه. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن أقر أنه زنا بأمة لغيره، فأتت بولد؛ لم يلحق به، ويحد، وإن ابتاعها؛ لم يلحق به الولد أيضاً، ولا يعتق عليه، فإن كان الولد جارية؛ لم يحل له وطؤها أبداً. وقال عبد الملك: يجوز لها وطؤها. قال أبو محمد: وهذا قول مرغوب عنه. [قال أبو إسحاق: وظاهر الحديث يخالف ما قال عبد الملك في ابن وليدة زمعة، وأما لو أضعت بذلك صبية ما حرمت عليه؛ لاختلاف الناس في لبن الفحل، فكيف لبن الزنا فذلك أبعد والله أعلم]. م: وقال لي بعض شيوخنا: قول عبد الملك هو القياس؛ لأنها ليست ابنته وإنما هي بنت الشيطان، ألا ترى أنها تلحق به ولا ترثه ولا تناسبه، وقول ابن القاسم استحسان، وكذلك بلغني عن الأبهري -رحمه الله-.

م: والاستحسان في هذه المسألة قول ابن القاسم وهو أولى أن يؤخذ به والله أعلم. تم كتاب أمهات الأولاد والحمد لله على ذلك كثيراً كما هو أهله.

كتاب الولاء والمواريث في ولاء من أعتقه الرجل من نفسه أو عن غيره أو سائبة قال الله سبحانه: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} ولا خلاف أن مولى النعمة ممن له السلطان في الدم، ومولى النعمة: هو المنعم بالعتق. قال الله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} يريد: أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعمت عليه يا محمد بالعتق. وقال الرسول -عليه السلام-: «الولاء لمن أعتق». قال سحنون: يعني من أعتق عن نفسه، كما بينا في قوله: «كل ذي مال أحق بماله»، معناه: ما لم يحدث فيه تحبيساً على غيره. وقد أجمعوا: أن الوصي يعتق عن الموصي عبده الذي أوصى به وأن الولاء

للميت، وكما تعتق أم ولده بعد موته، وليس بمعتق يومئذٍ. وروى الزهري عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: أتت بريرة إلى فقالت: كاتبت أهلي على تسعة أواق، كل عام أوقية فأعينيني، ولم تكن قضت من كتابتها شيئاً، فقالت عائشة: إن أحبوا أن أعطيهم ذلك جميعاً ويكون ولاؤك لي فعلت، فعرضت ذلك بريرة على أهلا فأبوا وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل، ويكون ولاؤك لنا، فذكرته عائشة للنبي -عليه السلام- فقال: «لا يمنعنك ذلك منها، ابتاعي فأعتقي؛ وإنا الولاء لمن أعتق» ففعلت، وقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد: فما بال أقوام يشترطون شرائطاً ليست في كتاب الله، ومن اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط؛ قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق». قال سحنون: وإنما أمر النبي -عليه السلام- بشراء بريرة ويشترط الولاء للبائع ليبين رد ذلك، إذ لا يحل الحكم من القلوب محل القول، وكما قال: «إني لأنسى أو أنسى لأسن» يريد: أن الفعل يحل من قلوبهم غير محل التعليم.

وقال غيره: من أهل العلم إنما قال النبي -عليه السلام-: «اشترطي لهم الولاء» بعد أن حرّم اشتراط الولاء، وإنما هو لمن أعتق، وأن ذلك معلوم عندهم؛ فقال لعائشة -رضي الله عنها -: «اشترطي لهم الولاء» فإن اشتراطهم إياه بعد علمهم بأن اشتراطه لا يجوز، غير ضار لك ولا نافع لهم، لا أنه -عليه السلام- أمر باشتراط الولاء لهم؛ ليتم بينها وبينهم البيع؛ فيبطل الشرط، ويصبح البيع وهم غير عالمين؛ فإن اشتراط ذلك لأنفسهم لا يجوز؛ لأن ذلك كان يكون مكراً بهم، وخديعة لهم، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبعد أن يفعل ما ينهى عنه، أو يرضى لنفسه ما لا يرضاه لغيره. وروى ابن اعمر وجابر بن عبد الله أن الرسول -عليه السلام- «نهى عن بيع الولاء وعن هبته». م: واتفق فقهاء الأمصار جميعاً أن الولاء نسب ثابت للمعتق من معتقه، وأن حكم المولي المعتق، حكم العصبة، يعتق عن مواله من أسفل، ويرثه إذا لم يكن له عصبة ولا موالي دونه، وأن ليس للمولى أن يبيع ولاءه ولا يهبه، ولا ينبغي منه؛ لأن الولاء عندهم

لحمة كلحمة النسب؛ لا يباع ولا يوهب، وقاله علي -رضي الله عنه-: أن الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب، أقروه حيث جعله الله. قال ابن مسعود: أيبيع أحدكم نسبه؟ ومن المدونة قال مالك ومن أعتق عبداً عن نفسه: فله ولاؤه، ولا يجوز بيعه، ولا هبته، ولا صدقته، ولا اشتراطه، وله ولاء ما يجر إليه بولادة أو عتق. فصل قال مالك: ولو أعتق عبده عن غيره من ميت أو حي بأمره؛ فالولاء للمعتق عنه. قال سحنون: والدليل على أن ولاءه للمعتق عنه وميراثه له: أن من أعتق سائبة لله فولاؤهم للمسلمين، وعليهم العقل، ولهم الميراث، ولو كان ولاؤه للذي أعتقه لورثه، ولكان العقل على عاقلته، وقد أعتق جماعة من الصحابة سوايبا فلم يرثوهم، وكان ميراثهم للمسلمين، وأن عمر بن الخطاب قال: ميراث السائبة لبيت المال. وكتب به عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله. قال سحنون: ومعنى السائبة كأنه أعتق عن المسلمين. قال في كتاب ابنه: والسائبة التي نزل القرآن بالنهي عنها هي من الأنعام لا عتق العبد سائبة؛ لأنهم أجمعوا: أن من أعتق سائبة أن عتقه ماض، ولو كان فيه النهي لرُد كما يرد ما سيِّب من الأنعام.

قال مالك في كتاب انب المواز: وقد ترك الناس عتق السوائب، وإن فعله أحد فولاؤه للمسلمين. قال ابن القاسم: ورأى عمر بن عبد العزيز: أن ولاءه لمعتقه خلاف ماله في المدونة. قال ابن القاسم: والسنة أن ولاءه للمسلمين؛ لأنه أعتق عنهم. قال ابن القاسم: والسائبة أن يقول لعبده: اذهب فأنت سائبة، يريد الحرية فهو حر، وإن لم يسم الحرية. م: ولم يختلف فيما أنفذه الوصي عن الميت من عتق بأمره، أن الولاء للميت، وكذلك ما يعتق عنه بغير أمه. وقد روى مالك أن سعد بن عبادة قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن أمي هلكت وليس لنا مال، أينفعها أن أعتق عنها؟ فقال -عليه السلام-: «نعم». فأعتق عنها.

قال في حديث آخر: «أعتق عنها وتصدف فإنه سينالها». وأن عائشة -رضي الله عنها-: أعتقت عن عبد الرحمن بن أبي بكر رقاباً كثيرة بعد موته فكان وراؤهم لمن يرث الولاء عن أخيها، وهذه حجتنا على الشافعي في قوله: إن أعتقهم عنه بأمره فالولاء للمعتق عنه، وإن كان بغير أمره فالولاء للمعتق. وعلى أبي حنيفة: أن الولاء للمعتق أعتقه عن الآخر بأمره أو بغيره. وما قاله مالك أصوب لما قدمنا.

م: وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن ولاء المعتق سائرة لمن أعتقه على ما روي عن عمر بن عبد العزيز وحجتهم في ذلك قوله -عليه السلام-: «إنما الولاء لمن أعتق». ولا فرق بين قوله: أنت حر سائبة، ولا بين قوله أنت حر؛ ولم يقل سائبة؛ لأنه إذا أعتقه فقد سيبه، ولو كان لا يكون له ولاؤه [الضارع ذلك ما سيّب] من الأنعام في الجاهلية؛ لأنهم حرموا الانتفاع بها فنهاهم الله تعالى عن ذلك. م: وقول مالك أولى لما بينا وبالله التوفيق. ومن المدونة قال مالك في قول الله سبحانه: {وَفِي الرِّقَابِ} هي الرقبة تعتق من الزكاة؛ فولاؤها للمسلمين. قال ابن المواز: ومن أعتق عبده بشرط على أن ولاءه لفلان فشرطه باطل، وولاؤه لمن أعتقه، إلا أن يقول: أنت حر عن فلان؛ فيكون ولاؤه للمعتق عنه، ولو قال: أنت حر عن

فلان، [وولاؤك لي؛ فشرطه الولاء لنفسه باطل، وولاؤه للمعتق عنه. قيل: فإن كان [مدبراً] قال له سيده: أنت حرٌ عن فلان] قال: هو حر وولاؤه لسيده، كما لو باع مدبره من يعتقه؛ لكان ولاؤه لمن دبره، وليس لمن اشتراه. قال ابن القاسم في العتبية: ولا أحب ابتداء ذلك. قال في الكتابين: وهو بخلاف من باع مدبرة بغير شرط العتق فأعتقه المشتري؛ هذا ولاؤه لمن اشتراه، ولا يرد عتقه. [قال أبو إسحاق: وانظر إذا باع مدبره لمن يعتقه، فكان الولاء للبائع، هل يرد البائع الثمن؟ ويمضي له؛ لذهاب المدبر من يده، وقد كان له الانتفاع بخدمته، ويمكن إلا بعتق يطرأ بعد الموت]. وكذلك لو أعتق أم ولده عن رجل؛ لنفذ فيها العتق، وولاؤها لسيدها، وكذلك لو باعها ممن يعتقها؛ لنفذ فيها العتق وولاؤها لسيدها. ابو محمد وقال أصبغ في غير كتاب محمد: العتق ماض والولاء للبائع، ويبقى له الثمن، وكما لو أعطاه مالاً على عتقها.

قال ابن الماجشون: بل يرد الثمن. وقال سحنون: العتق باطل ويرد إلى ربها أم ولد. قال ابن المواز: ولو باعها بغير شرط العتق، فأعتقها المشتري؛ لنقض عقتها، ورجعت أم ولد لسيدها، ويرد الثمن إذا كان عنده، وإلا أتبع به ديناً، وهي في هذا بخلاف المدبر، يريد: لتأكيد العتق فيها. ومن المدونة قال مالك: ومن جعل له مالاً نقداً أو مؤجلاً على تعجيل عتق عبده أو تعجيل عتق مدبره ففعل؛ جاز ذلك، ولزمه المال، والولاء للذي أعتق وأخذ المال. قال: وإن كان عتق العبد إلى أجل والمال حال أو إلى أجل، فلا خير فيه، كمن أخذ مالاً من رجل على تدبير عبده أو كتابته، أنه لا يجوز؛ لأنه غرر، إذ لو هلك العبد قبل تمام الأجل الذي أعتق إليه، أو مات المدبر، قيل للسيد الذي دبره، أو مات المكاتب قبل أداء الكتابة، لذهب مال ذلك الرجل باطلاً؛ لأن العبد لم يفض إلى حرية ولا نال عتقاً. قال ابن المواز: فإن نزل ذلك بعد العتق إلى أجل، والتدبير والكتابة، ويرد ما أخذ من المال، ولا يكون له من ثمنه شيء. وقال أشهب يمضي ذلك كله، ويتبع السيد الرجل بما ألزم نفسه من المال.

قال ابن المواز ولم يعجبني قول أشهب. قال ابن القاسم في كتاب البيوع الفاسدة: وأما إن باعه على أن يدبره المبتاع أو يعتقه إلى أجل لم يجز أيضاً للغرر يموت السيد أو العبد قبل تمام ذلك، ولحدوث د ين يرد المدبر، فإن فات التدبير والعتق بذلك أو غيره، فالولاء للمبتاع، وللبائع الأكثر من القيمة يوم القبض أو الثمن، ولا حجة للمبتاع إن كانت القيمة أقل من الثمن، ولا يرجع على البائع بشيء؛ لأنه رضي أن يأخذها بذلك، وإنما الحجة للبائع، وكذلك إن باع الأمة على أن يتخذها أم ولد. قال في كتاب الولاء من المدونة: وإن أعتقت عبدك عن عبد رجل، فالولاء للرجل ولا يجره عبده إن أعتق؛ لأن مالكاً قال في عبد أعتق بإذن سيده ثم أعتقه سيده بعد ذلك: أنه لا يجر ولاء عبده الذي أعتق بإذن سيده. وقال أشهب: يرجع إليه الولاء؛ لأن يوم عقد عتقه لا إذن للسيد فيه ولا رد. م: وهو أحسن، ألا ترى أن السيد لما كان ممنوعاً من انتزاع مال المكاتب، [ومن التصرف فيه، وكان المكاتب] إذا أعتق عبده بإذن سيده، ثم عتق المكاتب رجع إليه ولاء عبده، وإن كان له أن يمنعه من العتق، فكيف بهذا الذي لا يستطيع رده، ولما لم يكن للسيد رد هذا العتق، أشبه ما أعتقه العبد بغير علم سيده، فلم يعلم بعتقه حتى أعتق هو؛ أن ولاء العبد الأسفل لهذا العبد الأعلى. م: وحكي عن السيد أبي الحسن بن القابسي أن معنى قول ابن القاسم: أن السيد علم بعتق الرجل عن عبده فصار كعتق العبد بإذن سيده، فأما لو لم يعلم بالعتق عن عبده

حتى أعتق هو عبده؛ فإن الولاء للعبد المعتق عنه بمنزلة ما لو أعتق العبد عبده، فلم يعلم به سيده حتى أعتق وذلك بين. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن كان له عبد وللعبد زوجة حرة فأعتقه عنها؛ فولاؤه لها بالسنة، ولا يفسخ النكاح؛ لأنها لم تملكه، ولو دفعت مالاً لسيد زوجها على أن أعتقه عنها؛ فسخ النكاح؛ لأن ذلك شراء لرقبته، وولاؤه لها. وقال أشهب: لا يفسخ النكاح؛ لأنها لم تملكه. قال عنه ابن المواز: وكما لو سألته عتقه عنها بغير شيء أعطته. قال سحنون: وهو أحسن. قال مالك: ومن أعتق عبده عن أبيه أو أخيه المسلم فالولاء للمعتق عنه، وإن أعتق عبداً مسلماً عن أبيه النصراني؛ فلا ولاء له عليه، ولو كان العبد نصرانياً؛ فولاؤه لأبيه إن أسلم أبوه. قال بعض القرويين: فائدة قوله إن أسلم أبوه: أنه إذا أسلم حكم له بولائه، وإن لم يسلم فهم نصارى؛ لأن يعرض لهم ولا يحكم بينهم، إلا أن يرضوا بحكمنا، فنحكم للمعتق عنه بولائه. م: وقيل: إنما ذلك معطوف على المسألة التي قبلها، إذا أعتق عبداً مسلماً عن أبيه النصراني؛ فلا ولاء له، وإن أسلم أبوه؛ لأن ولاءه للمسلمين، فلا يرجع إلى أبيه، وإن أسلم أبوه، وحكي ذلك عن أبي محمد وأبي الحسن رحمهما الله.

وقال ابن أبي زمنين: قوله إن أسلم أبوه: لفظ مستغنى عنه وبسقوطه تصح المسألة. وقال ابن كنانة في العتبية: في رجل أعتق ابن أمته عن رجل عربي: أنه ينتسب إلى أبيه وعشيرته، ولا يرثه الذي أعتقه. وقاله سحنون. قال أبو بكر بن اللباد: وقاله مالك. في ولاء من أعتق الذمي، وولاء أم ولده، ومدبره، ومكاتبه، وإسلام العبد، أو السيد في ذلك. قال الرسول -عليه السلام-: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم». قال ابن القاسم: وإذا أعتق النصراني عبداً له نصرانياً، فأسلم العبد المعتق وللسيد ورثه أحرار مسلمون رجال يرثون مثل أب، أو أخ، أو عم، أو ابن عم أو ابن ابن؛ فولاء العبد وميراثه لورثة سيده المسلمين دون السيد، وإن كان حياً؛ لأن الولاء للسيد إذا كان العبد نصرانياً، فإذا أسلم لم يرثه سيده؛ لاختلاف الدينين، والسيد في هذا الحال بمنزلة الميت؛ لا يحجب ورثته عن أن يرثوا ماله، ولا يرث هو، وكل من لا يرث فلا

يحجب عند مالك. قال ابن القاسم: فإن أسلم السيد رجع إليه ولاء مولاه. قال سحنون: ومعنى رجوع الولاء في هذا الباب؛ إنما هو الميراث، وأما الولاء فهو قائم لا ينتقل عنه. م: صواب؛ لأن الولاء كالنسب، فكما لا تزول عنه الأبوة إن أسلم وله، فكذلك لا يزول عنه الولاء إن أسلم مولاه. قال ابن القاسم: ألا ترى ألو مات لهذا النصراني ولد مسلم، وللنصراني عصبة مسلمون، أن عصبة النصراني المسلمون يرثون الولد، وكذلك ولاء مواليه. قال: ولو أن نصرانياً من العرب من بني تغلب أعتق عبيداً له نصارى، ثم أسلموا وهلكوا عن مال؛ فميراثهم لعصبة سيدهم إن كانوا مسلمين يعرفوا وما جنى هؤلاء العبيد بعد إسلامهم؛ فعقلهم على بني تغلب. ابن المواز وقال أشهب: ولو كان السيد النصراني ذمياً أعتق نصرانياً، فأسلم العتيق ثم جنى وسيده نصراني؛ فلا يلزم ذلك عصبة سيده، وإن كانوا مسلمين، ولا قرابته، ولا على سيده ولو أسلم، وذلك على بيت المال؛ إذ لو أسلم سيده ثم جنى جناية خطأ تبلغ ثلث

الدية فأكثر؛ لم يكن على عصبته وقومه شيء، وذلك على بيت المال، وذلك بخلاف العربي. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا أعتق النصراني عبداً له نصرانياً إلى أجل، أو دبره، أو كاتبه، ثم أسلم العبد قبل الأجل؛ فإنه يؤاجر المؤجر والمدبر، وتباع كتابة المكاتب، فإذا حل الأجل وأدى المكاتب كتابته كان حراً، وولاؤه للمسلمين إلا أن يسلم سيده، فيرجع إليه ولاؤه؛ لأنه عقد له العتق، والعبد على دينه، فلا أنظر إلى تمام حرمته، وأما المدبر فإن مات سيده على النصرانية؛ أعتق في ثلثه، وكان ولاؤه للمسلمين، إلا أن يكون لهذا النصراني ورثة مسلمون فيكون لهم ولاؤه. قال: وإن حمل الثلث نصف هذا المدبر؛ أعتق منه محمل الثلث، ورق ما بقي؛ فإن كان ورثته نصارى: بيع عليهم ما رق منه، [وولاء ما أعتق منه للمسلمين، وإن كانوا مسلمين؛ كان ما رق منه] للمسلمين؛ لأن ورثته لا يرثونه، وكذلك إن لم يكن له ورثة؛ فإن ما رق منه للمسلمين. م: والفرق بين ما تركه النصراني من الموالي للمسلمين، وبين ما تركه من مال أو عبد؛ إن ولده المسلمين يرثون الموالي ولا يرثون ما تركه من المال، هو: [أن ما ترك من الموالي هو] كولد حدث له فاسلم؛ لأن الولاء كالنسب، فإخوته المسلمون يرثونه، فكذلك يرثون الموالي؛ لأنه كنسب كان منعقداً لهم قبل موت أبيهم، فهو بخلاف ما تركه؛ لأن ما تركه مال، يورث عنه، فلا يرثه إلا من كان على دينه، لقول النبي -عليه السلام-: «لا يرث

المسلم الكافر»، وأما الموالي فليس بمال لهم، وإنما هم كولد له أسلم فيرثه أخوه المسلم، وإنما كان بيت مال المسلمين أولى بما تركه النصراني من ولد المسلمين؛ لأن السنة منعت أن يرثه عصبته المسلمون، فصار كمن لا وارث له، وكل من لا وارث له من جميع الأمم؛ فماله لبيت مال المسلمين، كما أن عليهم عقل ما جنى، وبالله التوفيق. ومن المدونة قال: وإذا أولد النصراني أمته ثم أسلمت فعتقت عليه؛ فولاؤها للمسلمين، ثم إن أسلم سيدها بعد ذلك؛ رجع إليه ولاؤها؛ لأنه أولدها، وهي على دينه، كمكاتب الذمي يسلم ويؤدي كتابته، أن ولاء للمسلمين ويؤدي كتابته، أن ولاءه للمسلمين إلا أن يسلم سيده، فيرجع إليه ولاؤه. فصل لما كان النصراني ممنوعاً من ملك المسلم في القضاء، لم يجب أن يملك ولاءه إن أعتقه بعد إسلامه؛ فلو أن نصرانياً من العرب، أو من أهل الذمة أعتق عبيداً له قد أسلموا، أو ابتاع مسلماً فأعتقه بتلاً، أو إلى أجل، أو كاتبه، فولاء العبيد إذا أعتقوا لجميع المسلمين دون السيد، ولو أسلم السيد بعد ذلك لم يرجع إليه ولاؤهم؛ لأنه يوم أعتقهم، أو عقد لهم

العتق، لم يكن لهم من ولائهم شيء، ولأنهم يومئذ ممن لا يجوز له ملكهم، وأما إذا أعتقهم وهم على دينه؛ فولاؤهم منعقد له؛ لأنهم ممن يجوز له ملكهم، فإن اسلموا بعد ذلك لم يرثهم؛ لاختلاف الدينين، فإذا أسلم ورثتهم. [قال أبو إسحاق: وقد قيل: يرجع إليه إذا أسلم، ذكره في كتاب محمد؛ لأن الولاء عنده ثبت بصحة المالك، ولا يرثه لاختلاف الدينين، فإذا أسلم النصراني ورثة المعتق]. قيل: فإن أسلمت أمته فأولدها بعد إسلامها؟ قال: يعتق عليه، ويكون ولاؤها لجميع المسلمين، فإن أسلم سيدها، لم يرجع إليه ولاؤها؛ لأنه أولدها وهي مسلمة لا يجوز له ملكها. م: يريد: لو أسلم السيد قبل أن تعتق عليه لبقيت في ملكه أم ولد، وتعتق من رأس ماله بعد موته، يكون ولاؤها لجميع المسلمين، كما لو دبر عبده، أو كاتبه بعد أن أسلم؛ فلم يؤاجر المدب، ولا بيعت كتابة المكاتب، حتى أسلم السيد؛ فإنهما يبقيان على حالهما بيده، فإذا أعاقا كان ولاؤهما للمسلمين؛ لأنه عقد لها ذلك وهم مسلمون. وقال الشافعي وأهل العراق: وإذا أسلم عبد نصراني فبدر فأعتقه قبل أن يباع عليه، فإن ولاءه له، مثلما لو أعتقه وهو على دينه؛ قالوا: لأنه أعتق قبل زوال ملكه، ويعتقه كان حراً، وقد قال النبي -عليه السلام-: «إنما الولاء لمن أعتق».

والحجة لمالك: أنه لما كان النصراني ممنوعاً من استدامة ملك عبده إذا أسلم، وأنه يباع عليه، وإذا بدر فأعتقه، فقد منعنا من بيعه، وأراد أن يتمسك بشيء من رقة وهو الولاء، فوجب أن يمنعه منه، كما منع من استدامة ملكه. فصل ولما كان المسلم غير ممنوع من ملك الكتابي، وجب أن يملك ولاءه إن أعتقه، ولكن لا يرثه لاختلاف الدينين، فإن أسلم العبد ورثه بالولاء. قال ابن القاسم: فإذا أعتق المسلم نصرانياً فله ولاؤه، ولا يعقل عنه ما جنى فهؤلاء قومه؛ لأنهم لا يرثون؛ لاختلاف الدينين، ولكن يعقل عنه المسلمون، ويرثونه، إذا لم يكن له قرابة يرثونه من أهل دينه. قال مالك: ولا جزية عليه، ولو قتله أحد؛ كان عقله للمسلمين. قال في كتاب محمد: إذا أعتق المسلم نصرانياً فله ولاؤه، ولا يرثه؛ لاختلاف الدينين، وقد مات مولى لعمر بن عبد العزيز نصرانياً فجعل ماله في بيت المال، وأمضاه فيئاً للمسلمين ولم يوقفه. قال ابن سحنون: وقد روي عن عمر بن عبد العزيز وربيعة ولليث: أنهم كانوا يقولون: يرثه معتقه كما يرثه بالرق. قال ابن المواز: واختلف قول مالك إن ترك ورثة نصارى:

فروى عنه أشهب: أنه لا يرثه أحد من ورثته، وميراثه للمسلمين، يريد: إلى ان يسلم ويسلموا، قال: وإنما جعلت ميراثه للمسلمين؛ لأن عمر بن عبد العزيز فعله؛ لأنه مولى لمسلم. وروي عنه أيضاً: أنه يرثه ولده الذي عله دينه. قال أشهب: وهو رأيي، فإن لم يكن له إلا أخوة أو غيرهم لم يرثوه، ولو ورثهم لورثته أهل دينه، وإنما ورثت ولده؛ لأنهم موالي من أعتق أباهم؛ لأن أباهم يجر ولاؤهم إلى معتقه. وروي عن ابن القاسم أنه قال: أما ولده ووالده فيرثونه ولا يرثه غيرهم. وروي عنه أيضاً: أنه يرثه إخوته. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن يرثه كل من يرث الرجل من قرابته، فإن لم يكن له وارث فبيت المال، وجرائره على بيت المال، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. وقال المخزومي في العتبية: لا يرثه مولاه أبداً، وإنما يرثه والده، فإن لم يكونوا فبنو عمه؛ فإن لم يكن له أحد من الناس، فمن أخذ ميراثه من النصارى، وقال: هكذا مواريثنا لم يعرض له فيهم، لأنهم لا يكلفون في أصل دينهم البينة، ولو كلفوها لم يأتوا إلا بمثلهم، فإن لم يطلب ميراثه أحد، وقعناه في بيت المال معزولاً، ولا يكون فيئاً حتى يرثه الله أو يأتي له طالب. م: فصار الاختلاف إن لم يترك ورثة ثلاثة أقوال: قول: إن ماله للمسلمين. وثاني: لمولاه.

والثالث: لمن طلبه من أهل دينه. وإن ترك ورثة فخمسة أقوال. قول: إنه للمسلمين دون ورثته. والثاني: إنه لولده الذي على دينه. والثالث: إنه لوالده وولده. والرابع: إنه لولده ووالده أو إخوته. والخامس: إنه يرثه كل من يرث من القرابة، وهو مذهب المدونة. قال ابن المواز: وأما من مات من أهل الذمة الأحرار، ولا وارث له من أهل دينه فقال مالك: ميراثه لأهل دينه؛ لأن عليهم كلهم الجزية، ولا تكون في بيت المال. وقال ابن القاسم: بل في بيت مال المسلمين؛ إذا لم يكن له عصبة يرثونه. قال ابن المواز: وأما إن كان هذا النصراني أعتقه مسلم فمات ولم يترك من يرثه بالرحم؛ فلم يختلف أن ميراثه لبيت المال. م: وقد تقدم لابن سحنون أن عمر بن عبد العزيز وغيره يقولون: يرثه معتقه، كما يرثه بالرق، وقول المغيرة المتقدم.

فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا كاتب المسلم عبده النصراني، وكاتب المكاتب عبداً له نصرانياً، ثم أسلم الأسفل، ثم لم يبع كتابته، وجهل ذلك حتى أديا جميعاً قعتقا؛ فولاء المكاتب الأعلى لسيده، ولا يرثه؛ لاختلاف الدينين، ويرثه المسلمون، ولو أسلم كان ميراثه لسيده، يريد: إن لم يكن له من يرثه بنسب. قال ابن القاسم: وولاء المكاتب الأسفل للسيد الأعلى ما دام سيده نصرانياً، ولو ولد للمكاتب الأعلى ولد بعد العتق فبلغ وأسلم ثم مات؛ لورثه مولى أبيه، وأما لو أعتق عبيداً مسلمين ثم ماتوا عن مال؛ فميراثهم لبيت مال المسلمين؛ لأن ولاءهم لمن يثبت لهذا النصراني حين أعتقهم فيجره إلى سيده، ولو كان العبيد إنما أسلموا بعد أن أعتقوا؛ لورثهم سيد مولاهم، أو ولد مسلمون إن كانوا لهذا المكاتب النصراني، وكل من لا يرجع إلى النصراني ولاؤه إذا أسلم هو، فليس لسيده من ذلك الولاء شيء، وكل ولاء إذا أسلم النصراني يرجع إليه؛ فذلك الولاء ما دام نصرانياً لسيده الذي أعتقه. في ولاء من أعتقه عبد أو أم ولد، أو مكاتب، وولاء ولد الأمة، والمكاتبة، والمكاتب، وجر الولاء فيه. قال الله سبحانه: {عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ}. قال مالك: ولا يجوز عتق عبد بغير إذن سيده، فإن أعتق أو دبر أو كاتب أو تصدق بغير إذن سيده؛ فللسيد رد ذلك، فإن رده؛ بطل، ولم يلزم ذلك العبد إن أعتق، وإن لم يعلم بذلك السيد.

ابن المواز: أو علم فلم يرد، ولم يرض، حتى أعتق العبد؛ مضى ذلك، وكان الولاء للعبد. قال ابن القاسم: لأن العبد حين أعتقه سيده تبعه ماله، فجاز عتقه لعبده، وكان ولاؤه له إلا أن يكون السيد استثنى مال عبده حين أعتقه، فيرد فعل العبد، ويكون أعتق متقدماً رقاً للسيد. [م: وإنما قال محمد: إذا علم السيد بعتقه فلم يرد ولم يرض حتى أعتق العبد، مضى ذلك، وكان الولاء للعبد؛ لأن العبد عندنا يملك، وأفعاله في ماله على الجواز حتى يرد، ألا ترى أنه إذا لم يعلم بعتقه حتى أعتقه: إن عتقه ماض لا يرد، فإذا كانت أفعاله في ماله على الجواز؛ فلا يبطلها إلى رده إفصاحاً، وليس علمه وسكوته في ذلك إذناً ولا رداً، إلا أن العبد لم يستأذن في ذلك، فتطلب إجازته أو رده، وإنما فعل فعلاً جائزاً، فهو على ذلك حتى يرد والله أعلم]. وما أعتق العبد بإذن السيد فهو جائز، والولاء للسيد إذ كأنه هو المعتق، ولا يرجع إلى العبد إن عتق. قال: وعتق أم الولد لعبدها، مثل ما وصفنا في عتق العبد لعبده. قال مالك: وكذلك المكاتب لا يجوز عتقه، ولا تدبيره، ولا صدقته، بغير إذن سيده، وللسيد رد ذلك، فإن رده بطل، ولم يلزم المكاتب شيء منه إن أعتق، وإن لم يعلم بذلك السيد حتى أعتق المكاتب، مضى ذلك، وكان الولاء للمكاتب، وأما إن أعتق بإذن سيده فالولاء للسيد؛ إلا أن يعتق المكاتب فيرجع إليه الولاء، إذ ليس للسيد انتزاع ماله، بخلاف العبد وأم الولد؛ إذ له انتزاع مالها.

قال ابن المواز: فأصل مالك وابن القاسم في هذا: أن كل من للرجل أن ينتزع ماله من أرقائه فولاء ما أعتق بإذنه له، وأما من ليس له انتزاع ماله؛ فولاء ما أعتق بإذن السيد راجع إليه إن أعتق. قال: وقد اختلف: فيما أعتق المدبر وأم الولد، في مرض السيد بإذنه: فقال أصبغ: الولاء لهما، وإن صح السيد؛ لأنه يوم أعتق لم يكن للسيد انتزاع ماله، وإنما ينظر إلى ساعة وقع العتق، وليس كذلك المكاتب إذا عجز بعد أن أعتق عبده؛ فالولاء في هذا للسيد، ولا يرجع إلى المكاتب إن أعتق. وقال عبد الله بن عبد الحكم: اختلف في ولاء ما أعتق المدبر وأم الولد في مرض السيد بإذنه، وأحب إلي: أن يكون للسيد وإن مات من مرضه لا يرجع إليهما وإن أعتقا؛ لأنه كان له أخذ مالها بسبب صحته إن صح، وكذلك المعتق بعضه. ابن المواز وقاله أشهب: في المعتق بعضه يعتق بإذن السيد، قيل له: ولا تراه مثل المكاتب؛ لأنه ممن لا ينتزع ماله، فقال: لا، للمكاتب سُنةٌ، وللعبد سُنةٌ، وهذا عبد. قال ابن المواز: ولم تكن له حجة أكثر من هذا. وقد قال ابن القاسم إن ولاء ما أعتق المعتق بعضه للعبد، وهو الصواب، ولم يعجبنا قول أشهب، ولا أصبغ ولا غيره في ذلك كله، وهو خلاف قول مالك وابن القاسم: لأن من لا ينتزع ماله فولاء ما أعتق بإذن السيد راجع إليه إن عتق، وما روي عن ابن القاسم غير هذا فغلط عليه، وإنما هو عن أشهب. قال ابن المواز: والمدبر وأم الولد لا تنتزع أموالهما في مرض السيد، فإن انتزعه ثم مات؛ فذلك ردٌ، وإن عاش بقي له، وكذلك عتقهما بإذنه في المرض موقوف، فإن مات علمنا أنه

يوم أعتقهما ممن لم يكن له انتزاع مالهما، فالولاء لهما، وإن صح علمنا أنه ممن له أن ينتزع مالهما، فصار له الولاء، ثم لا يرجع إليهما وإن أعتقا، وكذلك المكاتب الذي لم يختلف فيه يعتق بإذن السيد ثم يعجز ثم يعتق بكتابة أخرى أو غيرها؛ فلا يرجع إليه الولاء. وقال ابن القاسم في عبد بين رجلين أعتق عبداً له بإذن أحدهما ولم يعلم الآخر حتى أعتقاه: إن ولاء ذلك العبد له دون سيديه ما بقي عندهما الذي أعتقاه، أو أحد من عصبته الأحرار؛ لأنه لم يكن أحدهما أخذ شيء من ماله دون صاحبه، وكذلك عنه في العتبية. قال: وإن أعتق المعتق بعضه عبداً بإذن من له بقيته؛ فولاء ما أعتق بين الذي كان أعتق نصفه وبين مالك بقيته إن كان له نصفه، فالولاء بينهما نصفين، فإذا أعتق العبد الذي له نصفه حر، يوماً ما؛ رجع إليه ولاء ما كان أعتق، وإن كان أعتق بغير إذن من له نصفه؛ كان له رد عتقه. وروى عنه يحيى بن يحيى: أن ولاء ما أعتق هذا العبد المعتق نصفه بإذن الذي له فيه الرق خالصاً وهو أحق بميراث مواليه من الشريك الذي كان أعتق نصفه كما أنه أحق

بميراثه لنفسه. م: وهذا مثل قول أشهب الذي ذكره محمد وأنكر أن يكون ابن القاسم قاله. ابن المواز قال [مالك: وإن أعتق] المدبر، أو الموصى بعتقه، عبداً له بعد موت سيده، وقبل أن يقوّم في ثلثه، فليوقف عتقه، فإن خرج المدبر، أو الموصى بعتقه، من الثلث؛ نفذ عليه ما كان أعتق، أو حنث بعتقه، وإن لم يخرج من ثلث سيده إلا بعضه؛ لم يعتق من العبد الذي أعتقا قليل ولا كثير، ولو أعتق بعد ذلك بقية المدبر، أو الموصى بعتقه، وذلك العبد في يده لم يعتق منه عليه شيء، وقاله أشهب وابن القاسم. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا أعتق المكاتب عبده على مال، فإن كان المال للعبد لم يجز؛ لأنه قادر على انتزاعه، وإن لم يكن له؛ جاز على وجه النظر؛ لأن له أن يكاتب عبده على وجه النظر، وإن كره سيده، فإن أدى كتابته؛ كان له ولاء مكاتبه، وإن عجز كان ولاء مكاتبه لسيده. قال: ومن قال لمكاتب أو عبد مأذونٍ له في التجارة: أعتق عبدك هذا عني على ألف درهم ففعل؛ جاز ذلك؛ لأنه بيع، وبيعهما جائز.

قال ابن المواز: فإن خفف عنه من القيمة؛ غَرِم المشتري ما خفف عنه، فإن كان عديماً بيع من العبد بقدر ذلك إلا أن يشاء السيد أن يتبع المبتاع بذلك، فذلك له، ويتم عتق العبد. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن قال للمكاتب: أعتق عبدك هذا على ألف درهم، ولم يقل عني؛ فالعتق جائزٌ؛ إذا كانت الألف ثمناً للعبد أو أكثر من ثمنه، والولاء للمكاتب إن أعتق، وإن عجز؛ فالولاء للسيد ولا شيء للذي أعطى الألف من الولاء ويلزمه الألف درهم، كمن قال لرجلك أعتق عبدك على ألف درهم، ولم يقل: عني، [فأعتقه، فلزمته الألف، والولاء للذي أعتق. قال ابن المواز: ولو أن المكاتب هاهنا حابى المشتري في الثمن حين قال له: أعتقه، ولم يقل: عني، لم يكن للسيد إلا أن يجيز ذلك أو يرد بيعه وينقض عتقه]. م: وإنما فرق بين ذلك؛ لأنه إذا قال له: أعتقه عني، فكأنه اشتراه وأعتقه، فواجب عليه غرم المحاباة، فإن لم يكن له مال رد من عتق العبد بقدر ذلك؛ لأنه دين قبل العتق، وإذا لم يقل عني؛ فهو إنما دفع إليه المال ليعتقه عن نفس المكاتب، فهو كعتق المكاتب عن نفسه، فإذا كان فيه محاباة، فأما أجاز ذلك السيد، أورد عتقه وهذا بين. وحكي لنا عن بعض شيوخنا: فيمن أعطى لرجل مالاً على أن يعتق عبده فقال الدافع: شرطت عليك على أن يكون الولاء لي، وقال رب العبد: بل على أن الولاء لي؛

فالقول قول سيد العبد، ولا يمين عليه؛ لأن ولاءه له في ظاهر الأمر؛ لأنه هو المعتق، ولو أوجبنا عليه اليمين فنكل؛ لم ينتقل الولاء عنه. م: ولأنه لو أقر له بذلك لكان الولاء للمعتق، وهي كمسألة عائشة -رضي الله عنها- في شراء بريرة وعتقها واشتراط الولاء للبائع، ولو كان اختلافهما على أن قال الدافع: دفعت إليك المال على أن تعتقه عني، وقال سيد العبد: لم تشترط علي شيء، أو قال: بل على أن أعتقه عن نفسي فالقول أيضاً قول السيد؛ لأن كل من قال: كان الأكر كذا، وقال صاحبه: لم يكن، فالقول قول من قال: [لم يكن، وعلى] صاحبه البيان. م: ويلزم السيد هاهنا اليمين؛ لأنه لو أقر بدعوى الدافع؛ لكان الولاء للدافع، فلذلك ألزمناه اليمين، فإن نكل حلف الدافع، وكان له الولاء والله أعلم، وليس هذا من نقل الولاء؛ لأنه لو ثبت الشرط لصح الولاء للدافع، ولو ثبت في الأولى لكان الولاء للسيد، فافترقا.

فصل قال ابن القاسم: ومن أعتق أمه حاملاً من زوج حر أو عبد، فولاء ما في بطنها للسيد. قال عطاء بن أبي رباح: وميراثه لابن الحر. قال ابن المواز: وإذا أعتق السيد أمته الحامل من العبد، فوضعت بعد العتق، ثم حملت بآخر وولدته بعد العتق؛ فميراث الولدين جميعاً لمعتق الأم، فإن لم يموتا حتى عتق الأب، فإنه يجر ولاء الذي حملت به بعد عتقها لمواليه، ويبقى ولاء الذي عتقت وهي حامل به لمعتق الأم والأب، ويرثهما جميعاً بالنسب، وإن مات قبلهما ثم ماتا بعده؛ ورث الأول مولى الأم، وورث الثاني مولى الأب. ومن المدونة قال يحيى بن سعيد: في عبد تزوج أمة بغير إذن سيده فأولدها، فأعتق الولد قبل أبويه ثم أعتقا؛ فإنهما يرثانه ما بقيا. قال مالك: فإن مات فولاء الولد لمن أعتقه، ولا يجر الوالد ولاء ولده إلى سيده، وإنما يجر إليه ولاء ولده من زوجة حرة، وأما من الأمة فولاؤهم لمعتقهم؛ لقول النبي -عليه السلام-: «إنما الولاء لمن أعتق». قال مالك: وما ولد للمدبرة والمكاتبة من زوج حر، أو مكاتب لغير سيدها، فإن ولدها منه بمنزلتها في الرق والعتق وولاؤهم لسيدها دون سيد الأب.

قال ابن القاسم: وكذلك لو وضعته المكاتبة بعد الأداء إذا مسه الرق في بطنها، ألا ترى أن مالكاً قال فيمن أعتق أمته الحامل من زوج عبد؛ فولدت بعد العتق، وولده عبد، ثم أعتق: أن ولدها حر، وولاؤه لسيد الأمة، ولا يجر الأب ولاءه. قال: وإذا مات مكاتب وترك ولداً من زوجة حرة، وولداً حدثوا في الكتابة من أمته، وترك وفاء بالكتابة أو لم يترك شيئاً، فأدى عنه ولده الذين حدثوا في الكتابة، فلا يجر إلى سيده ولا ولده الأحرار في الوجهين؛ لأنه مات قبل تمام حرمته، ولا يجر الولد الذي حدثوا في الكتابة إلى السيد ولا إخوتهم. قال مالك: ولو كاتب المكاتب عبداً له، ثم هلك المكاتب الأول وترك ولداً حدثوا في الكتابة، أو كاتب عليهم وولداً أحراراً فسعى ولده الذين في الكتابة حتى أدوها، كان ولاء المكاتب الأسفل إذا أدى الولد المكاتب الأول الذين في الكتابة دون ولده الأحرار كفاضل ماله. وقال ابن الماجشون: ولاء الأسفل للسيد الأعلى دون ولد المكاتب الذين أدوا بقية الكتابة بعد موت أبيهم؛ لأن أباهم مات قبل تمام حرمته. قال ابن القاسم: ولو أدى المكاتب الأسفل قبل الأعلى، ثم أدى المكاتب الأعلى؛ لرجع إليه ولاء المكاتب الأسفل عند مالك.

في ولاء من أسلم من عبيد الحربيين، وأبنائهم، أو نقص العهد من معتق، أو معتق ثم غنمناه، وولاء من أسلم من ذمي، أو حربي، أو غيرهم. قال مالك: وإذا أسلم عبد الحربي ثم خرج إلينا أو أسلم بعد خروجه إلينا، فهو حر، وولاؤه للمسلمين، ثم إن أسلم سيده بعده وقدم، لم يرده في الرق، ولم يرجع إليه ولاؤه؛ لأنه قد ثبت للمسلمين، فأما إن أعتقه في بلد الحرب، ثم أسلم العبد وخرج إلينا، ثم خرج سيده بعده فأسلم؛ فإنه يرجع إليه ولاؤه إن ثبت [عتقه إياه ببينة] مسلمين من أسرى أو تجار أو أهل حصن مسلمين؛ لأن الولاء بمنزلة النسب. ولو قدم إلينا حربي فأسلم، ثم قدم أبوه بعده، وشهدت أنه أبوه بينة مسلمون ألحقته بنسبة، فكذلك الولاء. ابن المواز وقال أشهب: ليس عتقه بعتق، ولا ولاء له فيه بعتقه إياه بدار الحرب، والسيد ليس بمسلم، وإنما أعتق هذا العبد خروجه إلينا، ولو مات عندما ما بعثنا بما ترك إلى مولاه الذي أعتقه. قال ابن المواز: صواب؛ لأن عتق النصراني باطل إلا أن يسلم أحدهما، فلما خرج إلينا أعتق بخروجه وحده.

م: وإنما يصح كلام أشهب: إذا أسلم العبد بعد خروجه، وعليه يدل كلام ابن المواز. وأما إن أسلم العبد قبل خروجه، فينبغي ألا يختلفا في ذلك؛ لأن أشهب يجعله حراً بإسلامه؛ وإن لم يخرج إلينا، ولم يعتقه سيده، فكيف إذا أعتقه مولاه؛ فهو أحرى أن يكون حراً باتفاق، ويكون لمولاه ولاؤه؛ لأنه أعتقه وهو على دينه، فإذا قدم مولاه فأسلم؛ فإنه يرجع إليه ولاؤه إن ثبت عتقه إياه ببينة مسلمين؛ في قول ابن القاسم وأشهب والله أعلم. قال ابن المواز وهو في المدونة: واختلف أيضاً ابن القاسم وأشهب في من أسلم من عبيد الحربيين بأيديهم: فقال ابن القاسم: لا حرية له بذلك إلا أن يخرج قبل سيده، فيكون حراً بخروجه، ثم إن جاء سيده وأسلم؛ فلا ملك له عليه ولا ولاء، ولو جاء سيده قبله كافراً أو مسلماً، كان له رق، وكذلك لو قدم معه، ويأمر ببيعه من مسلم إن لم يسلم، وذلك أنه إذا خرج قبل سيده فقد غنم نفسه، كما لو غنم غيره. قال: ولو أسلم سيده قبل خروج العبد الذي أسلم؛ لبقي ملكه عليه، وإن خرج العبد قبله، وجعله أشهب حراً بإسلامه وإن لم يخرج إلينا. قال ابن القاسم: ولو كان ذلك ما كان ولاء بلال لأبي بكر، وقد أعتقه إسلامه.

قال ابن المواز فاضطرب أشهب إلى أن قال: لم يكن ولاؤه لأبي بكر، وقد قال مالك: بلغني أن بلالاً طلب الخروج إلى الشام في الجهاد فمنعه أبو بكر؛ فقال له بلال: إن كنت أعتقتني [لنفسك فاحبسني، وإن كنت أعتقتني] لله فخل سبيلي، فقال له: خليتك. م: فهذا يؤيد ما قال ابن القاسم. ابن المواز قال أشهب: ولو أسلم سيده بعده بساعة ما كان له ولاؤه حتى يسلم معه أو قبله. قال ابن المواز وقول ابن القاسم أحسن أن بخروج العبد إلينا يكون حراً خرج وهو مسلم أو كافر ثم أسلم، ثم جاء سيده مسلماً أنه لا ولاء له عليه، ولو ثبت كافراً حتى جاء سيده فولاؤه له. قال ابن المواز: وأجمع ابن القاسم وأشهب أنا إذا دخلنا دار الحرب وقد أسلم العبد وحده، أنه بذلك حر. قال ابن القاسم: وذلك استحسان، ورأيت ذلك كخروجهم إلينا. فصل وفي المدونة قال ابن القاسم: وإن قدمت إلينا حربية بأمان فأسلمت؛ فولاؤها للمسلمين، فإن سبي أبوها بعد ذلك فعتق وأسلم وثبت أنه أبوها ببينة مسلمين جر ولاؤها لمعتقه، إذ لم يملك ولاءها أحد برق تقدم فيها أو في أبيها. م: وهذا جار على أصله في الحربي: يعتق عبده ببلد الحرب ثم يسلم العبد ويخرج

[إلينا ثم يخرج سيده بعد ويسلم بعده ويسلم، فإنه يرجع إليه ولاؤه؛ لأنه أعتقه وهو على دينه قبلت له ولاءه، والولاء كالنسب. قال سحنون: في الحربية لا يجر الأب ولاءها إلى معتقه؛ لأنه قد ثبت للمسلمين. م: وقد قال ابن القاسم في الذمي يولد له ولد فيسلم قيل أبيه، ثم يلحق الأب بدار الحرب ناقضاً للعهد فيسبى ويباع ويعتقه المبتاع ويسلم، فلا يجبر ولاء ولده إلى معتقه؛ لأن ولائهم قد ثبت للمسلمين، فهذا يشبه قول سحنون في الحربية التي قدمت بأمان. م: ويحتمل أن يكون الفرق عند ابن القاسم بين هذه الحربية، وبين ولد الذمي الذي نقض العهد: أن ملك أبي الحربية ملك مجتمع عليه، فغذا أعتق قوي في جر الولاء، وملك الذمي الذي نقض العهد ملك مختلف فيه؛ لأن أشهب يقول: هو حر لا يجوز استرقاقه، وأن ولاءه قائم للمسلمين، فلما كان ملكه ملك مختلف فيه ضعف عن جر الولاء والله أعلم. وإن كان فالمسألة في كتاب ابن المواز خلاف ما في المدونة والذي في كتاب ابن المواز جارية على أصل واحد، وهي الحق إن شاء الله، وأنا أذكرها بعد ذلك مسألة المدونة.

قال ابن القاسم في المدونة: وإذا أعتق الذمي عبيداً له نصارى ثم أسلموا، ثم لحق السيد بدار الحرب ناقضاً للعهد، فسبي ثم أسلم، رجع إليه ولاؤهم، ولا يرثه لما فيه من الرق، ويكون ميراثهم للمسلمين، إلا أن يعتق قبل موتهم فيرثهم، ولا يرثهم سيده الذي اشتراه ما دام هو في الرق، ولا يشبه هذا المكاتب الأسفل يؤدي قبل الأعلى، ثم يموت عن مال؛ هذا يرثه السيد الأعلى؛ لأنه أعتقه مكاتب هو في ملكه، وهذا أعتق ما ولى وهو حر قبل أن يملكه هذا السيد، فإن أعتق العبد كان ولاؤهم له، ولا يجره إلى معتقه الآن، وإنما يجر إليه ولاء ما يعتق أو يولد له من ذي قبل، فأما ما تقدم له من عتق أو ولد؛ فأسلموا قبل أبيهم، فلا يجر ولاءهم إلى معتقه؛ لأن ولاءهم قد ثبت للمسلمين. م: فهذا ما في المدونة. والذي في كتاب ابن المواز قال: وإذا أعتق النصراني عبيداً له نصارى، ثم هرب السيد إلى دار الحرب ناقضاً للعهد، ثم سبي فأتبع وأعتق، فإن عتقه يجر ولاء ما كان أعتق من قبل لحوقه بدار الحرب، وهذا خلاف ما في المدونة، وهو كجوابه في مسألة الحربية وهو الصواب؛ لأنهما سواء لم يملك ولاءهما أحد ثمنه عتق. قال: فإن هرب ثانية إلى دار الحرب وحارب وسبي وبيع وأعتقه مشتريه، فإنه يكون

ولاء نفسه لهذا الذي أعتقه آخراً، ولا يجر إليه ولاء ما كان أعتق قبل لحوقه الثاني بدار الحرب، ولا ولاء ولده؛ لأن ولاءهم قد كان ثبت للأول الذي كان أعتقه أولاً ومن عليه بالعتق، ولكن ما أعتق من ذي قبل أو ولد له؛ فولاؤهم لسيده الآخر. وقال ابن القاسم فيه وفي المدونة: في المسلم يعتق عبده النصراني فيهرب هذا النصراني إلى بلد الحرب ناقضاً للعهد لغير عذر، فإن سبي فهو فيء؛ فإن اشتراه أحد فأعتقه فولاؤه له، وما كان تقدم له من ولد من امرأة حرة، أو أعتق من عبد قبل نقضه، فقد ثبت ولاؤهم للمعتق الأول، والولاء نسب ثابت، ولم ينقضوا العهد، قينقض ولاؤهم وحريتهم، كما انتقضت حرية من كان أعتقهم، ورجع إلى الرق، فإذا أعتق كان ولاؤه وولاء ما يولد له أو يعتق الآن لمولاه هذا الثاني، ولا يجر إليه ما كان من ذلك قبل الرق الثاني، وإنما يجر هذا العبد يتزوج حرة فيولدها، والأملاك تتداوله حتى يعتق فيجر ولاء كل ولد له منها إلى معتقه. ابن المواز وقال أشهب في النصراني الذي أعتقه مسلم فنقض العهد وحارب: لو كنت أقول: إن حريته الأولى تنتقض لكنت أقول: هذا، فوصف مثل قول ابن القاسم بعينه، ولكنني أقول: يرد إلى حريته الأولى شاء أو أبى، وولاؤه الأول على حاله. قال ابن المواز: وقول ابن القاسم أحب إلينا. وقيل لابن القاسم: لم قلت ذلك؟ وقد قلت في التي قَدِمَت بأمان فأسلمت

فصار ولاؤها للمسلمين، ثم يسبى أبوها وأعتق؛ أنه يجر ولاءها؟ قال: لأن هذه لم يملك ولاءها أحد بمنة عتق، ولو سبيت هي أولاً فعتقت لبقي ولاؤها وولاء من أعتقت لمعتقها، ولا ينتقل إلى من أعتق أباها. رجع محمد وقال: في النصراني المعتق قول أشهب أحب إلينا؛ لأن الولاء قد ثبت للمسلم الذي أعتقه، وهو نسب ثابت لا ينتقل أبداً، فوجب ألا تنتقل حريته، وليس مثل النصراني يعتق عبداً له نصرانياً فيهرب العبد إلى دار الحرب ناقضاً للعهد ثم يسبى؛ فإنه يكون رقيقاً لمن اشتراه، فإن أعتقه؛ كان له ولاؤه، ولو أسلم سيده النصراني، والعبد في دار الحرب ثم غنمه المسلمون؛ لرد إلى حريته، وولاؤه لسيده الذي أسلم. وقال إسماعيل القاضي في المبسوط: لا يشبه أن يكون الولاء إلا للأول على معاني قول مالك؛ لأن الولاء نسب قد كان ثبت للأول، وإذا سبي هذا المولى واسترق، انقطع الولاء ما دام في حال رقه، فإذا أعتق رجع الولاء إلى من قد ثبتن كما أن الابن المملوك لا يوارث أباه الحر، فإذا أعتق وجبت الموارثة بينهم بالنسب. م: وهذا الذي شبه به إسماعيل لا يشبهه؛ لأن هذا الابن إذا عتق ورثه أبوه بالنسب، والولاء قائم لمعتقه، والعبد المعتق أولاً عتقه قد انتقض وعاد عبداً قد اعتقه الآن غيره عتقاً لم ينتقض، فهو أولى من العتق الأول المنتقض، والصواب عندي ما قاله أشهب: إن الولاء قد ثبت للأول كالنسب، ولا ينقض عتقه، ولا يسترق، ويبقى على حريته الأولى، وولاؤه الأول إذ ليس له معتق غيره. وقال ابن القاسم في المدونة وفي كتاب ابن المواز: ولو أعتق النصراني عبداً له نصرانياً ثم نقض السيد العهد وحارب، فأسر وأسلم مولاه فاشترى سيده وأعتقه، ثم أسلم بعد

أن أعتقه مولاه فولاء كل واحد منهما لصاحبه. قال ابن المواز: وميراث الميت منهما أولاً للباقي، وميراث الثاني للمسلمين. قال: وقال أشهب: ويرجع الأول حراً ويرد إلى ذمته، وله ولاء مواليه، ولو قلت: إنه يسترق، لقلت: لا يرجع إليه ولاء هذا الذي اشتراه ولا ولاء أحد ممن كان أعتق أولاً، كما لم يرجع إلى حرية نفسه، وكان ولاؤه لهذا الذي أعتقه، إلا أن الذي كان عبداً له ولا ولاء له هو عليه، ويكون ولاء هذا وكل ولاء تقدم للمسلمين. قال ابن المواز: أما من لم يقل أنه يُرد إلى حريته، فإنه يجر إلى معتقه الآن ولاء ما تقدم له من عتق أو ولد من حرة إن لم يمس رقبته ولاء قط بمنة عتق، وأما لو مسه أولاً رق فأعتق منه، فهذا لا يجر ما تقدم له من ولاء عتق أو ولد إلى معتقه أحداً. فصل ومن المدونة قال مالك: وكل من أسلم من أهل الذمة فإن ولاءهم للمسلمين، وعقلهم وجرائرهم وجرائر مواليهم على بيت المال، ويرثهم المسلمون إن لم يكن لهم ورثة مسلمون يعرفوا، وكذلك من أسلم من أهل الأعاجم والبربر والسودان والقبط، ولا رحم لهم يتوارثون به كتوارث أهل الإسلام ولا موالي؛ فعقلهم على المسلمين وميراثهم لهم، وقال زيد بن ثابت وابن مسعود.

وقد كتب أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب: أن ناسا يموتون ولا يتركون رحماً لهم ولا ولاء، فكتب عمر: أن ألحق أهل الرحم برحمهم، فإن لم يكن رحم فولاء، فإن لم يكونا فأهل الإسلام يرثونهم ويعقلون عنهم، وقاله عمر بن عبد العزيز فيمن أسلم من أهل الملل. قال مالك: وليس إسلام الرجل على يد الرجل بالذي يجر إليه ولاءه. قال يحيى بن سعيد: وولاؤه للمسلمين عامة، كما كانت حرية للمسلمين. م: وقال إسحاق بن راهويه: يكون مولى للذي أسلم على يديه فيرثه ويعقل عنه، واحتج بما روى عن تميم الداري أنه قال يا رسول الله: الرجل يسلم على يدي؟ فقال: «أنت أولى الناس يمحياه ومماته»، وقال أبو حنيفة: له أن يوالي من شاء.

م: والصواب قول مالك لقول النبي -عليه السلام-: «إنما الولاء لمن أعتق»، وليس إسلامه على يدي أحد عتقاً له].

في ولاء العبد يشتريه من شهد له أنه حر، أو أم ولد أو من يعتق عليه أو يوصى له به قال ابن القاسم: ومن شهد على رجل أنه أعتق عبده فردت شهادته ثم ابتاعه منه، يريد: أو من غيره؛ فليعلق عليه بالقضاء. قال سحنون وقال أشهب: لا يعتق على الشاهد إلا أن يقيم بعد شرائه على قوله ذلك، فأعتقه عليه وأجعل ولاءه لهذا الذي قضيت عليه بعتقه. وقال أشهب في كتاب ابن المواز: إن قال شهدت بباطل؛ لم أعتقه عليه بعد أن يحلف، فإن أبى اليمين أعتق عليه، وكذلك إذا قال: شهد بالحق ولكنها ردت؛ فإنه يعتق عليه، ويكون ولاؤه لمن شهد عليه بعتقه، ثم إن مات العبد المعتق عن مال؛ فليأخذ منه هذا المشتري الثمن الذي أدى فيه، ولا يكون للمشهود عليه القضاء له بولاية أن يمنعه، ومن بقي للمشهود عليه إن كان حياً. م: يريد: إن ادعاه وصدق الشاهد، وإلا كان موقوفاً. قال أشهب: وإن كان المشهود عليه ميتاً، فجميع ما ترك المولى لعصبة المشهود عليه بعتقه، ولا يأخذ المشتري من هذا المال الثمن الذي أدى؛ لأن ذلك الثمن في ذمة الميت، والورثة يقولون: نحن لم نظلمك ولا أخذنا ثمن هذا الحر، وإنما نرثه بالولاء، واطلب أنت تركة الميت إن كان له مال، أو صار إلينا منه شيء. م: فدل بذلك ألو ترك المشهود عليه مقدار الثمن أو أكثر، لم يكن للورثة أخذ ما ترك العبد حتى يدفعوا إلى المشتري ثمنه، أو مقدار ما ترك البائع إن ترك أقل من الثمن،

فإذا دفعوا ذلك أخذوا ما ترك العبد، وهذا إذا كان الورثة رجال يرثون الولاء، وإن لم يكن له ورثة إلا نساء أو من لا يرث الولاء؛ فلا شيء للشاهد من تركة الميت؛ لأن الورثة لا يرثون ما تركه المعتق، والمشهود عليه مات منكر للعتق، [ويكون ما ترك العبد المعتق للمسلمين]، وكذلك إن ترك الورثة ممن يرثون الولاء، وترك العبد المعتق من يرثه ويجوز ماله للنسب، فليس للشاهد من تركه العبد، ولا من تركة المشهود عليه شيء وبالله التوفيق. ومن المدونة قال ابن القاسم: وكذلك الحكم فيمن أقر بعد أن اشترى عبداً أن البائع كان أعتقه؛ فإنه يعتق عليه وولاؤه للبائع. م: والحكم فيما ترك المعتق قبل موت المشهود عليه أو بعده مثلما ذكرنا فيمن ردت شهادته بعتقه ثم اشتراه. قال ابن القاسم: وكذلك لو شهد بعد أن اشترى عبداً أنه حر الأصل، أو شهد على أبيه بعد موته أنه أعتق عبداً له في وصيته ثم ورثه عنه بأسره وكان الثلث يحمله، أو قال: كنت بعت عبدي هذا من فلان فأعتقه، وفلان يجحد، فإن العبد في ذلك كله حر بالقضاء، وولاؤه لمن زعم هذا أنه أعتقه. ابن المواز قال أشهب في الذي قال بعت عبدي من فلان فأعتقه وفلان يجحد قال: إن كان المشتري مليئاً بالثمن؛ لم أر للبائع استرقاقه، ويحكم عليه بعتقه، فإن كان معدماً ولا فضل في قيمته، فلا بأس أن يسترقه واستحسنه أصبغ.

ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اشترى أمة ثم أقر أنها أم ولد لبائعها، كذلك يلزمه ولا سبيل له عليها، فإن أقر بذلك البائع؛ ردت إليه، ورد الثمن، وإن أنكر لم أعجل عتقها حتى يموت البائع، إذ لعله يقر بذلك، فتعود إليه أم ولد، فإن مات ولم يقر بذلك: كانت حرة من رأس المال، وولاؤها لمن يرث الولاء عن البائع، فإن ماتت عن مال قبل موت البائع؛ أخذ هذا منه قدر الثمن، وما بقي فللبائع إن أقر، وإن أنكر كان موقوفاً، وإن مات قبلها فكل ما تركت لمن يرث الولاء عن البائع، كما ذكرنا في مسألة العبد قبل هذا. [م: وحكى بعض فقهائنا عن بعض شيوخنا أنه قال: إن نفقة هذه الأمة في الحال الإيقاف. يريد: إن لم يقدر على نفقة نفسها على البائع الذي أوقفت له، فإن أبى عتقت عليه. قال بعض فقهائنا: كما قلنا في إيقاف أم ولد الذمي تسلم: إن نفقتها عليه، فإن لم يقو على ذلك عتقت عليه. م: والذي يظهر لي: أن نفقة هذه الأمة على المشتري؛ لأنه بتمام شرائها ودخولها في ضمانه، وجبت عليه نفقتها، فيريد بإقراره: أن يسقط نفقتها، واسترجاع ثمنها، فلم يقبل ذلك منه في الوجهين؛ لأنه يعد نادم في شرائها، فأقر بذلك ليرد بيعها؛ ولأن إقراره أوجب إيقافها، فتجب نفقتها عليه؛ ولأنه ظالم في شراء ما لا يحل له، والظالم أحق أن يحمل عليه، ولا تعلق على البائع يمين بشهادة المشتري؛ للتهمة التي تلحقه، ولا نجد أحد يلزم إخراج ولد الذمي كانت على سيدها وليست بمتعدية في إسلامها، ولا أزال ذلك ملك سيدها عنها، وإنما أوقفت عليه فهي على النفقة المتقدمة، فإن اختار ذلك أنفق، وإن كرهته أعتقها، وبالله التوفيق].

فصل قال ابن القاسم: ومن اشترى أباه فأعتق عليه؛ كان ولاؤه له عند مالك، وكذلك لو اشترت امرأة أباها؛ لأعتق عليها وكان ولاؤها. وبعد هذا باب فيه ذكر مواريثهم. قال مالك: ومن أوصى له بمن يعتق عليه إذا ملكه والثلث يحمله أعتق عليه قبله أم لا، وله ولاؤه. قال غيره: ويبدي على الوصايا. قال أشهب: وهو مضار في ترك قبول الوصية إذا كان الثلث يحمله. قال مالك: وإن لم يسع الثلث إلا بعضه، فإن قبله قوم عليه بقيته، وغرم عتق جميعه وكان الولاء له، وإن لم يقبله، فروى علي عن مالك: أن الوصية تسقط، وكذلك إن أوصى له ببعضه والثلث يحمله، فإن قبله؛ قوّم عليه باقيه، وأعتق عليه جميعه، وبدي على الوصايا، وكان له ولاؤه. ابن المواز وروي عن مالك: أن ذلك الشقص يعتق عليه وإن لم يقبله، وولاءه لسيده، ثم رجع فقال: بل للموصى له، وكذلك في الهبة، والصدقة، والوصية به أو ببعضه، وقاله أصبغ في الوصية. وأما في الصدقة فقال: لا يعتق إلا أن يقبله كله أو بعضه.

قال ابن المواز: بل الصدقة والوصية واحد، والصدقة ببعضه آكد؛ إنه إن قبله أعتق عليه كله، وإن لم يقبله؛ فهو حر كله على سيده. ابن حبيب وقال ابن الماجشون: الوصية والهبة سواء، قبلها أو ردها لا تقويم عليه لباقيه؛ لأن ذلك الشقص يعتق بكل حال، وولاءه للمعطي؛ لأنه عنه أعتق. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن أوصى لمولى عليه بمن يعتق عليه، ولم يحمله الثلث، فقبله وليه؛ لم يعتق منه إلا ما حمل الثلث، ولا يقوم عليه باقيه، وليس للوصي ألا يقبله، ويكون للمولى عليه، ولا ما أعتق منه؛ لأنه عليه أعتق. م: وكثير من معاني هذا الباب في آخر العتق الثاني، وبالله التوفيق. في ولاء العبد يعتقه قرشي وقيسي أو مسلم وذمي وولاء اللقيط والعبد [يعتق من ... وجر الولاء، وموالي المرأة. قال ابن القاسم: وإذا أعتق قرشي وقيسي عبداً بينهما معاً؛ فجريرته على قريش وقيس، ويكتب شهادته مولى فلان القرشي، وفلان القيسي. ابن المواز: ولو كان بين رجل وامرأة فيكتب: مولى فلان وفلانة، ولو أعتقه رجل، وأعتق أباه آخر؛ فليكتب: فلان بن فلان مولى فلان، فيذكر مولى نفسه، فيجمع ذلك النسب والولاء.

ومن المدونة: وإذا كان ... عبد مسلم بين ذمي وبين مسلم قرشي، فأعتقاه معاً؛ فولاء حصة الذمي للمسلمين، ولو كان العبد نصرانياً فأعتقاه ثم جنى جناية -م: يريد تبلغ ثلث دينه، أو ثلث دية المجني عليه-، كان نصفها على أهل خراج مولاه الذمي الذين يؤدون معه الجزية، ونصفها على بيت المال لا على المسلم؛ لأن هذا المسلم لا يرثه لأنه نصراني، ولو أسلم العبد بعد العتق ثم جنى، كان نصف عقل جنايته على قريض قوم مولاه؛ لأن القرشي حين أسلم العبد صار وارثاً لما أعتق منه، ويكون عقل نصف الآخر من جنايته على المسلمين؛ لأن الذمي انقطعت وراثته من حصته التي أعتقها الإسلام، فصار جريرة ذلك النصف في بيت مال المسلمين، كما لهم ميراثه ونصفها على قوم القرشي. م: قال بعض فقهائنا: وعلى هذا العبد الذي أعتقه المسلم والنصراني ما دام نصرانياً نصف الجزية على النصف الذي يخص النصراني في مذهب ابن القاسم. فصل قال الله سبحانه: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}. قال مالك -رحمه الله-: فاللقيط لهذا حر، وولاؤه لجميع المسلمين، وليس له أو يوالي من شاء، والمسلمون يعقلون عنه ما جنى ويرثونه. قال الشيخ: وإلى هذا ذهب عمر بن عبد العزيز، وأهل المدينة، وجل فقهاء الأمصار.

وذهب إسحاق بن راهويه: إلى أن ولاءه لملتقطه. واحتج من ذهب إلى هذا: بخبر واثلة بن الأسقع أن النبي -عليه السلام- قال: «تجر المرأة لقيطها وعتيقها والولد الذي لاعنت عليه». ويخبر سنين أن سعيد بن المسيب وجد لقيطاً على عهد عمر فقال عمر: هو حر، ولك ولاؤه، وعليك رضاعه. وذهب أبو حنيفة: أنه يوالي من شاء، فيرثه، ويعقل عنه، وروي ذلك عن علي أبي طالب. والدليل على صحة ما ذهب إليه مالك قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}. واللقيط لا يُعلم له أب ولا رحم فهو مولى للمسلمين، واللقيط لا يخلو أن يكون حراً أو عبداً لغير الملتقط، وليس التقاطه يوجب ملكه، فبأي وجه يجب ولاء ملتقطه وهو لم يثبت له ملكه ولا عتقه، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما الولاء لمن أعتق»، وهي حجتنا على أبي حنيفة؛ لأن من والاه اللقيط ليس هو بمعتق له، وأما خبر سُنينٍ فسنين مجهول لا يعرف غير هذا الحديث.

وروي عن عمر من طريق صحيح أنه قال: اللقيط حر، وولاؤه للمسلمين، وعقله عليناً. وكذلك خبر واثلة لم يثبت ... المعرفة بالحديث، ولو ثبت لكان ما أسعده الكتاب والقياس أولى أن يتبع. ويحمل أن خبر واثلة ... بقوله: «إنما الولاء لمن أعتق»، وبالله التوفيق. وحكي عن بعض شيوخنا في اللقيط: لا يكتب شهادته أنه مولى المسلمين، إذ ليس بمولى لهم، وقد يأتي أحد فيثبت أنه ابنه، وإنما يكتب فلان فقط. ومن المدونة قال مالك: والنفقة على اللقيط احتساباً، فإن لم يجد الإمام من يحتسب له أنفق عليه من بيت المال. قال في تاب محمد: وإن التقطه أحد لزمته] نفقته حتى يبلغ ويستغني، وليس له أن يطرحه. قال في المدونة: ومن أنفق عليه لم يرجع عليه [شيء؛ لأن النفقة عليه، على وجه الحسبة، إلا أن يكون له مال وهب له فليرجع عليه] بما أنفق في ماله، يعني: إذا كان المال

الذي وهب له في يديه يوم النفقة عليه، وقد علم به المنفق، وأنفق على أن يرجع عليه فيه، وفي كتاب أمهات الأولاد إيعاب هذا. فصل قال مالك: تفسير قول الله تبارك وتعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} هي الرقبة تعتق من الزكاة، فولاؤها لجميع المسلمين. قال في كتاب محمد: وأما من أعتق عن كفارة لزمته فولاؤها له؛ [لأنه عن نفسه أعتقه]. م: قيل الفرق بين من أعتق عبداً عن زكاته: أنه ولاءه للمسلمين، وبين من أعتقه عن ظاهره، أو يمينه، أن ولاءه له إن أعتقه عن ظهاره أو يمينه، هو أدخل ذلك على نفسه، فهو كاستحداثه عتق العبد، والزكاة؛ الله تعالى أوجبها للفقراء والمساكين، فكان ما يعتق لها المسلمين دونه والله أعلم. وأعلم: أن العبد إذا أعتق من الزكاة أو سائبة؛ فيكتب شهادته فلان مولى المسلمين [ابن فلان]، ولا يكتب [شهادته] فلان ابن فلان مولى المسلمين؛ لأنه يصير قد أدخل أباه في ولاء المسلمين، وليس بمولى لهم وهذا بين، [والكفارة لزمته فولاؤها له].

قال في المدونة: ولو تزوج عبدٌ حرةٌ، فولدت منه أولاداً، فأعتق العبد من الزكاة؛ لجر ولاء ولده الأحرار للمسلمين؛ لأنه مواليه هم يرثونه ويعقلون عنه. قال مالك -رحمه الله-: وكذلك من أسلم، فكان ولاؤه من المسلمين، فتزوج امرأة من العرب، أو من الموالي معتقه؛ فولدت أولاداً؛ فولاء الولد للمسلمين، والولاء هاهنا تبع للأب، فإن مات الأب ثم مات ولده بعده، كان ميراثه للمسلمين. قال مالك: وكل حرة من العرب أو معتقة تزوجها حر عليه ولاء؛ فإنه يجر ولاء ولده منها إلى مواليه، ويرث ولده من كان يرث الأب، إن كان الأب قد مات. قال في كتاب محمد: إذا مات أبوه ورثته أمه وإخوته لأمه؛ ترث الأم السدس، وإخوته الثلث، وما بقي لبيت المال، إن كانت أمه عربية، أو لمولاها إن كانت معتقة. قال في المدونة: وإذا تزوجت الحرة عبداً، فولدت منه أولاداً؛ كان ولاء ولده لمولى الأم، إن كانت معتقة، وإن كانت عربية فلبيت مال المسلمين، ما دام الأب عبداً، فإن عتق الأب جر ولاءهم لمعتقه، وهذا كولد الملاعنة ينتسب إلى مولى أمه، فهم يرثونه، ويعقلون عنه، ثم إن اعترف به أبوه حد، ولحق به، وصار ولاؤه إلى مولى أبيه، وميراثه لهم، وعقله عليهم. قال سحنون: وقاله جماعة من الصحابة والتابعين. وقال ابن المواز: ولو أن ولد هذا العبد من الحرة كبر، فاشتراه أباه فعتق عليه؛ فإنه يكون ولاء هذا الأب لابنه، يجره إلى موالي أمه، كما لو اشتراه غير الابن فأعتقه؛ لجر ولاء ولده إلى مواليه، فولاء الأب هاهنا وولاء ولده لموالي أمه الذين أعتقوها.

[قيل لمالك في العتبية: لو ناساً شكوا في ذلك وقالوا: نراه كالسائبة؛ فأنكر ذلك. قال سحنون في كتاب ابنه: وهذا قول جميع أصحابنا إلا ابن دينار فإنه قال: فهو كالسائبة وولاؤه للمسلمين. قال بعض فقهائنا عن بعض شيوخنا: ويكتب هذا الولد شهادته فلان ابن فلان عند فلان الذي جرت أمه ولاءه لفلان. وقال غير من شيوخنا القرويين: إذا كتب: إن أباه عبداً، وكتب: الذي جرت أمه ولاءه، فأحد الوجهين؛ يعني: ويجزئه، قال: وعندي لو قال: مولى فلان دون أن يذكر جر الولاء؛ لما كان عليه شيء، وإن أعتق الأب لجر ولاءه لقوم آخرين، رجع بعد ذلك فذكر أنه مولاهم، ولا يضره ذلك؛ لأن التواريخ تنبئ عن أنه كان مولى قوم فانتسب إليهم ثم انتقل إلى آخرين فانتسب إليهم]. ومن المدونة قال مالك: ولو كان لولد العبد من الحرة وهو جد أو جد جد قد أعتق قبل الأب، لجر ولاءهم إلى معتقه، يريد: ما لم يعتق الأب. قال ابن القاسم في العتبية: فإن مات الجد بعد أن جر إلى مواليه وباء ابن ابنه العبد، ثم ولد لابنه ولد آخر بعد موت الجد، فإن ولاءه لموالي أمه ما دام الأب عبداً، وولاء الولد الأول لموالي الجد، ما لم يعتق الأب أيضاً، فإذا أعتق الأب؛ جر ولاء الجميع إلى مواليه.

قال في كتاب محمد: ولو مات الجد وزوجة ولده الحرة حامل؛ لجر ولاء حملها إلى مواليه، ما لم يعتق الأب. قال ابن سحنون: قال ابن الماجشون: وإذا كان الأب والجد عبدين، وأبو الجد حرٌ؛ جر ولاء ولد ولده إلى مواليه، ما لم يعتق الجد، فيصير ولاؤهم لمواليه، ما لم يعتق الأب، فيرجع ولاؤهم إلى موالي الأب. قال: ولا يجر أحد من الأقارب الولاء إلا الأب وآباؤه من الذكور، وما ذكرنا من جر الولاء فقد قاله عمر، وعلي، وابن عمر، وابن مسعود، وغيرهم. وقال مالك: هو الأمر المجتمع عليه عندنا. م: وبه قال أبو حنيفة والشافعي. وروي عن قبيصة بن ذؤيب وعبد الملك بن مروان: أن الولاء لا ينتقل إلى موالي الأب؛ لأنه قد ثبت لموالي الأم. م: وقول مالك أولى؛ لما ثبت في الرواية عن الصحابة والتابعين.

م: ولأن الولاء إنما كان لموالي الأم؛ لعلة كون الأب عبداً؛ لأن العبد لا يرث الحر، فإذا ارتفعت العلة رجع إليه الولاء. م: ومعنى رجوع الولاء عندي في هذا إنما هو الميراث، فأما الولاء فهو للأب منعقد، ولكن لا يرثه، ولا يعقل عنه، هو ولا مواليه لما فيه من الرق. كما قال سحنون في النصراني يعتق نصرانياً فيسلم العبد المعتق؛ فيكون ولاؤه لورثة سيده من المسلمين، فإن أسلم السيد رجع إليه ولاء مولاه. قال سحنون: ومعنى رجوع الولاء: إنما هو الميراث، وأما الولاء فهو قائم لا ينتقل عنه، فهذا مثله، والله أعلم. فصل قال مالك: وللمرأة الحرة ولاء من أعتقت، وعقل ما جر مواليها من جريرة على قومها، وميراثهم إن ماتت هي لأولادها الذكور دون الإناث، فإن لم يكن لها ولد؛ فذلك لذكور ولد ولدها الذكور دون الإناث. قال ابن القاسم: وينتمي مولاها إلى قومها، كما كانت هي تنتمي، فإذا انقرض ولدها وولد ولدها؛ رجع ميراث مواليها فعصبتها، الذين هم أقعد بها، يوم يموت الموالي، دون عصبة الولد.

وروى ابن وهب أن علي بن أبي طالب والزبير بن العوام اختصما في موالي أم الزبير وهي صفية بنت عبد المطلب، فقال علي: أنا عصبتها وأنا أولى بمواليها منك يا زبير، وقال الزبير: أنا ابنها وأنا أرثها وأولى منك بمواليها، فقضى عمر بن الخطاب للزبير بموالي أم الزبير وبميراثهم؛ وهم إلى إبراهيم؛ منهم عطاء، ومسافر بن إبراهيم، وقضى عمر: بالعقل على عصبة أمه.

قال ابن شهاب: ثم اختصم الناس فيهم حين هلك ولد ولد المرأة الذكور، [وولد ولدها]، فردوا إلى عصبة أمهم، ولم يكن لعصبة ولد المرأة من ولائهم شيء، وقضى به أبان بن عثمان، وقاله علي وابن شهاب. وقد تقدم في الباب الأول: أن الولاء لا يباع ولا يوهب، وقد قال علي وابن عباس وابن مسعود: أو الولاء لُحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب. قال ابن مسعود: أيبيع أحدكم نسبه؟ جامع القول في الشهادة على الولاء والنسب قال أبو محمد: والنسب والولاء كالحدود لا يجوز في شيء من ذلك شاهد ويمين. قال مالك: ولا تجوز فيه شهادة النساء على علم أو سماع. قال مكحول: لا تجوز شهادتهن إلا حيث أجازها الله تعالى في الدَّين. قال مالك: أو ما لا يطلع عليه أحد إلا هن للضرورة إلى ذلك، وتجوز الشهادة على الشهادة في الولاء، وشهادة رجلين تجوز على عدد كثير.

قال مالك: وإن شهد رجلان على السماع: أن هذا الميت مولى فلان أعتقه، تأنى الإمام؛ فإم لم يأت له من يستحق ذلك، قضى له بالمال مع يمين الطالب، ولا يجر بذلك الولاء. وقال أشهب: يكون له ولاؤه وولاء ولده بشهادة السماع. قال في كتاب محمد: بعد الثاني ورواه عن مالك. وروى عنه ابن القاسم: أنه يؤخذ بذلك المال، ولا يثبت له به ولاء ولا نسب، وأخذ به أصبغ. ابن المواز: ولم يعجبنا ذلك، وأكثر قول مالك وابن القاسم وأشهب: أنه يقضي له بالسماع بالولاء والنسب، وكذلك في الأحباس والصدقات فيما تقادم. م: قال بعض المتأخرين وجه قوله: أنه يقضى له بالمال دون الولاء: لاحتمال أن يكون هذا السماع أصله عن واحد، وشهادة واحدة لا تجوز في الولاء ولا في النسب. ومن المدونة قال أشهب: وكذلك لو أقر رجل أن فلاناً مولاه ثم مات ولم يسأل أمولى عتاقة أو غيرها، رأيته مولاه ويرثه بالولاء، وقاله ابن القاسم أيضاً. قال ابن القاسم: وإذا شهد شاهد واحد على السماع، لم يحلف معه، ولم يستحق به من المال شيئاً؛ لأن الشهادة على السماع، إنما هي شهادة على شهادة، ولا تجوز شهادة وحد على شهادة غيره. قال في المدونة وكتاب محمد: وأما لو شهد شاهد على البت في الولاء؛ فإني أقضى له بالمال مع يمينه بعد الثاني خوفاً أن يأتي للمال طالب ولا يجر بذلك الولاء.

وقال غيره وهو أشهب: لا يستحق المال بيمينه مع شاهد البت في ولاء ولا نسب؛ لأن المال لا يستحق حتى يثبت الولاء والنسب، وثبوتهما لا يتم إلا بشاهدين، أولا ترى أن مالكاً قال في أخوين أقر أحدهما بأخ وأنكر الآخر: أن المقر به لا يحلف، ويثبت مورثه من جميع المال؛ لأنه لا يثبت المال إلا بثبات النسب، ولكن يعطيه المقر ثلث ما في يديه. وقال غيره: إنما يستحسن في شاهد على البت في الولاء، أو شاهدين على السماع، أن أقضي له بالمال مع يمينه بعد الاستثناء؛ لأن المال ليس له طالب، ولا نسب معروف، كما إن إقرار أخ بأخذ يوجب له أخذ المال، ولا يثبت له النسب، وقد قال مالك نحو هذا في كتاب الشهادات. فصل قال ابن القاسم: وإن شهد لرجل أعمامه أن فلاناً الميت مولى أبيه أعتقه، فإن لم يدع ولداً ولا موالي وإنما ترك مالاً؛ جازت الشهادة لارتفاع التهمة، وإن ترك ولداً أو موالي يُتهمون بذلك على جر ولائهم يوماً ما لقعددهم، لم تجز شهادتهم، وقد قال مالك في ابني عم شهدا لابن عمها على عتق، أنه إن [كان ممن يتهمان لقربهما منه في جر الولاء، لم يجز

ذلك، وإن لم يتهما الآن في جر الولاء لبعدهما منه؛ جازت الشهادة، وإن كان الولاء قد يرجع إليهما يوماً ما. [قال بعض فقهائنا: سألت أبا بكر بن عبد الرحمن عن الذي أقام شاهداً أنه أعتق هذا الميت، فحلف واستحلف ماله؛ على قول ابن القاسم ثم مات لهذا الميت مولى، فقال: الرواية إن أتى بشاهد آخر استؤنف له الحكم، وحلف أنه مولى مولاه، وأخذ المال خاصة، وإنما نعني أن الشاهد شهد أن الثاني مولى الأول، ولو شهد بما شهد به الشاهد الأول للفق إليه، وتمت الشهادة، ولا يحلف. قال: ورأيت في بعض التعاليق أن في كتاب ابن المواز لأصبغ: إذا شهد له شاهد أنه وارث فلان الميت، وحلف استحق، ثم إن طرأ له مال آخر لا يستحقه إلا بيمين أخرى، فجعله يكرر اليمين مع الشاهد، وأنكر هذا ابن الكاتب وقال: لا يمين عليه، والملك الثاني مثل الأول، وقد حلف له؛ فهو يستحق بذلك كل مال لهذا الميت]. قال ابن القاسم: ومن أقام بينة أن هذا الميت مولاه لا يعلمون له وارثاً غيره، لم تتم الشهادة حتى يقولوا: إنه أعتقه أو أعتق أباه، أو يشهدون على إقرار الميت أن هذا مولاه، أو على شهادة بينة أن هذا مولاه. وقال أشهب: إن قدر على البينة لم يقض بها حتى يكشفوا عن ذلك، وإن لم يقدر عليهم حتى ماتوا قضي له بالمال وبالولاء. قال الشيخ: وقول أشهب هذا لا يخالفه ابن القاسم وإنما تكلف ابن القاسم على أنهم حضور يقدر على كشفهم، [فإذا لم يقدر على ذلك لغيبتهم جازت الشهادة، كنقلهم عن

غيرهم؛ لأنهم إذا لم يُقدر على كشفهم]، فلا يثبت قولهم إلا بشهادة غيرهم [أنهم شهدوا أن هذا مولاه فقد ثبتت الشهادة بشهادة غيرهم على شهادتهم، وهذا قد تقدم لابن القاسم في آخر جوابه في المسألة: أن الشهادة تتم إذا شهدوا على شهادة بينة؛ أن هذا مولاه، وقد قال أشهب: إذا أقر رجل أن هذا مولاه، ثم مات ولم يسأل أمولى عتاقة أو غيرها؟ رأيته مولاه، ويرثه بالولاء، وقد تقدم مثل هذا في جواب ابن القاسم. م: وقد كان ذهب بعض أصحابنا: أن قول أشهب خلاف ولكن جميع أصحابنا على خلافه، وأن ذلك تفسير، ويؤيد ذلك أيضاً: مسألة في كتاب العارية فيمن اعترف دابة وأقام بينة أنها له. قال ابن القاسم: فليسألهم القاضي عن علمهم؛ فإن شهدوا أنهم لا يعلمون أنه باع ولا وهب، قضي له بها بعد يمينه على البت؛ أنه ما باع ولا وهب. قال: وإن شهدوا أن الدابة له، ولم يزيدوا على ذلك؛ حلف كما ذكرنا، ويقضى له بها. وقال أشهب في مدونته: هذا إذا لم يقدر على كشفه إلا بالبينة، وأما إن وقفوا وأبوا أن يقولوا شيئاً فلا شهادة لهم، وقد اتفقنا أن هذا تفسير لقول ابن القاسم فدل أن الشهادة لا تتم إذا حضروا لإتمامها، وبالله التوفيق.

في الإقرار والدعوى في الولاء قال ابن القاسم: ومن أقر أن فلاناً أعتقه، وفلاناً يصدقه، فإنه يستحق بذلك ولاءه، وإن كذبه قومه إلا أن تقوم بينة بخلاف ذلك؛ فيؤخذ بها. [قال أبو إسحاق: اختلف في استلحاق الجد ابن ابنه: فقيل: لا يلحق ذلك به. وقيل: لأن أباه قد ينكر ذلك، وهو الصواب، وهو لسحنون، وفي كتاب ابن حبيب. وقيل: يلحق به؛ لأنه مُقر بنسب بُنُوةٍ لحقت به، فأما الإقرار بالأخوة فلا يتم؛ لأنه يلحق هذا المقر بأبيه. ولكن إن مات ولم يترك وارثاً غير أخيه الذي أقر به، أو ابن عمه الذي أقر به: فعند ابن القاسم: أنه يرثه. وعند سحنون: أنه لا يرثه؛ لأن بيت المال كوارث معروف، فكما لا يجيز إقراره بابن عم مع أخ معروف النسب، كذلك لو يجوز إقراره بأخ أو ابن عم مع بيت المال. قال: وإنما أجاز ذلك من أجازه على قول من رأى أن هله أن يوصي بماله كله إذا لم يكن له وارث، وانظر إنما أقر أن هذا ابن عمه ثم أقر بعد ذلك أن هذا أخوه فمات، هل يكون الأخ أولى وإن تقدم إقراره لابن عم؟ وكأنه أشبه إذ هو كله إقرار لا يثبت به نسب. وقد قال عبد الملك: إذا قال: هذا مولاي، وهذا أخي، في إقرار واحد؛ أن مولاه يرثه دون أخيه، يريد: لأن الإقرار بالمولى كالإقرار بالنسب، فأشبه قيام البينة، والإقرار بالأخوة لا يثبت نسباً، فمن ثبت له الولاء أولى ممن لم يثبت له نسب، وإن كان قد وقع في المستخرجة لأصبغ ما ظاهره خلاف هذا إن الأخ مقدم على الولاء وإن تقدم الإقرار بالولاء فقال: النسب أولى من الولاء، ولعله يريد: إذا ثبتا جميعاً فأما إذا تقدم إقراره

بالولاء فهو كقيام البينة؛ لأنه ولاء يثبت؛ وإذا أقر بعد ذلك بالأخوة فيجب أن يكون الولاء أولى؛ لأنه كقيام البينة، كما لو قامت البينة على الولاء ثم أقر بأخ فمات لكان الولاء أولى أن يورث به]، وكذلك إن قال عند موته: فلان مولاي أعتقني وهو وارثي ولا يعلم ذلك إلا بقوله؛ فإنه يصدق ويرثه فلان إن لم تقم بينه بخلاف ذلك، [وقاله أشهب. وقال ابن سحنون: الإقرار بالولاء جائز ثابت بإجماع العلماء. وقال أيوب: لا يثبت الإقرار بالولاء إلا عند البصريين. ابن حبيب قال ابن الماجشون: فيمن إن اقر أن ولاءه لفلان وله ولد أصاغر وأكابر، فأنكر ذلك الأكابر؛ فإن ولاء المقر وولاء ولده الأصاغر للذي أقر الأب له وليس له ولاء الأكابر. م: انظر لم هذا؟ وكان ينبغي أن يكون للمقر له ولاء الأصاغر والأكابر؛ لأنه قد ثبت بهذا الإقرار أنه مولى أبيهم، فهو مولاهم، إلا أن يقول الأكابر: إن فلاناً أعتقنا نحن، فيصح في هذا، إلا أن يكون ولاءهم لمن أقر له الأب، وقد قدمنا: إذا قال الابن: أعتقني فلان، وقال الأب بل أعتقك فلان، إن الأب مصدق، وولاء الابن لمن قال الأب؛ فهذا يرد ما قاله ابن الماجشون. م: وأنا أستحب في ذلك إذا قال الابن: فلان أعتقني وهو مولاي، وقال الأب بل أعتقك فلان أن يكون القول للابن المقر على نفسه، كما لو استلحق الابن ولداً، واستلحق له الأب غيره، أن القول قول الابن المستلحق والله أعلم]. قال ابن القاسم: ومن أقر أن أباه أعتق هذا العبد في صحة أو مرض، والثلث يحمله؛ فإن لم يرث الأب غيره جاز العتق ولزمه، وكان ولاؤه للأب، وإن كان معه وارث غيره؛ لم يجز قوله.

قال ربيعة لأنه داعية إلى عتق النصيب بغير تقويم ولو شهد معه غيره جاز ذلك على الورثة وهذا في كتاب العتق مذكور. قال ابن القاسم: وإذا أعتقت أمة وهي تحت حر؛ فولدت ولداً، وقالت: عتقت وأنا به حامل، وقال الزوج: بل حملت به بعد العتق؛ فولاؤه لمولاي، فالقول قول الزوج. قال أشهب ولو أقر الزوج بقولها لم يصدق إلا أن تكون بينة الحمل يوم العتق، أو تضعه لأقل من ستة أشهر من يوم العتق. قال في كتاب محمد لأن الظاهر أنها ولدت وهي حرة والشك في أن تكون حاملاً يوم العتق. قال ابن المواز: ولأن أحقهم بالولاء الأب؛ لأنه يجره عمن كان له إلى مواليه، فلا يزول عنه بالشك. قال مالك: ولا يكف زوجها عن وطئها إذا أعتقت لاختيار الحمل. م: لأن الوطء حق له فلا يمنع منه لأمر يكون أو لا يكون. ومن المدونة ابن القاسم: ومن ادعى ابن فلان أو أبوه، أو أنه مولاه من فوق أو من أسفل وفلان يجحد؛ فله إيقاع البينة عليه ويقضى له، وكذلك في الأمهات والأخوة. ومن مات وترك ابنتين وادعى رجل أنه أعتق هذا الميت، وأنه مولاه وأنكرت البنتان؛ لم يكن مولاه إلا أن يقيم بينة على ذلك، فإن صدقته إحدى البنات؛ لم يأخذ مما

في يديها شيئاً، ولا شيء له من المال لأنها إنما أقرت له في غير مصابها، ولا يثبت له ولاء، فإذا ماتت ولم تدع وارثاً غيره ولا عصبة فإنه يحلف ويرثها. قال ابن المواز: بعد الثاني واليمين في ذلك خفيف. قال ابن القاسم: ولو أقرت البنتان أنه مولى أبيها، وهما عدلتان حلف معها، وورث الثلث الباقي، إن لم يأت أحد بأحق من ذلك، من ولاء ولا عصبة، ولا نسب معروف ولا يستحق بذلك الولاء. م: كأنه رأى أنها شهدتا له بمال؛ وهو الثلث الباقي فيحلف مع شهادتهما؛ لأنهما كرجل، ويستحق ذلك الثلث، ولا يستحق الولاء. قال غيره: لا يحلف مع إقرارهما ولا يرث الثلث الباقي؛ لأنهما شهدتا على العتق وشهادتهما في العتق لا تجوز ولو أقرتا أنه مولاهما ورثهما إذ لم يعرف باطل قولهما، كمن أقر أن فلاناً مولاه ولا يعرف كذبه فهو مولاه. ومن قال: فلان مولاي أعتقني، وأنكر فلان ذلك؛ فلا يمين عليه. قلت: فإن أقام شاهداً؛ أتحلفه؟ فإن نكل سجنته؟ قال: لا، ولكن لا يقال لهذا: ائت بشاهد آخر، وإلا فلا ولاء له عليك. محمد: ولا يحلف.

قال ابن القاسم: والرجلان يدعي كل واحد منهما أنه مولى فلان من فوق وفلان مقر بأحدهما وأقاما البينة فإنه يقضي بأعدلهما بينة. ولا ينظر إلى إقرار المولى لأحدهما وإن تكافأت البينتان سقطتا، وكان الولاء له منهما، وقد قال مالك: إذا تكافأت البينتان والحق في يد أحدهما؛ فالحق لمن هو في يديه، فإقرار هذا بمنزلة من في يديه الحق. قال: ومن ورث رجلاً بولاء يدعيه، ثم أقام آخر البينة أنه مولاه وأقام قابض الميراث مثله، وتكافأتا فالمال بينهما. قيل: لم؟ وقد قال مالك: إذا تكافأت البينتان فالمال لمن هو في يديه. قال إنما قال ذلك مالك: إذا لم يعرف أصل المال، وهذا مال قد عرف أصله. قال أبو محمد وهذا بخلاف حق حازه أحدهما؛ لأن الولاء الذي تداعياه لمن يحزه، وإنما حاز مالاً قد علم أصله. وقال غيره: المال لمن هو في يديه، كمن في يديه ثوب فادعاه رجل وأقام بينة: أن ذلك الثوب كان لزيد يملكه، وأن المدعي اشتراه منه، وأقام حائزه بينة مثلها، وقد مات البائع ولم تؤرخ البيتان وهما في العدالة سواء؛ فإنها تسقط، ويبقى الثوب لحائزه ويتحالفان.

م: قوله: ويتحالفان: إنما يريدان: يحلف الحائز أولاً، فإن نكل؛ حلف الآخر واستحق الثوب، فإن نكل فلا شيء له. م: وهذه المسألة لا يخالفه فيها ابن القاسم، وقاله في كتاب الشفعة في الدار بيد أحد الرجلين يقيم كل واحد منهما بينة؛ أنه ابتاعها من فلان. م: والفرق عنده بينها وبين مسألة الولاء الذي تداعياه لم يحزه وإنما حاز مالاً قد عرف أصله كما قال أبو محمد والثوب الذي تداعياه في هذه المسألة قد حازه أحدهما؛ فلا يخرج من يده إلا بأمر هو أقوى مما أحتج به صاحبه. في ميراث الولاء بالقعدد، وما يرث النساء من الولاء، ودور الولاء وقضت الأئمة من الصحابة والتابعين أن الأقرب من المعتق من عصبته أحق بالولاء من ورثة من حازه بعده بميراث. قال مالك: فمن مات وترك موالي ورث ولاءهم أقعد الناس بالميت من الذكور، فإن ترك ابنين؛ ورثا ولاء مواليه ثم إن مات أحدهما وترك ولداً ذكرا فولاء الموالي للابن الحي دون ولد أخيه. م: لأنه ابن المعتق وابن الأخ ابن ابنه وابنه أولى من ابن ابنه. قال: وإن مات الابنان جميعاً، وترك أحدهما ابناً والآخر أربعة بنين كان ولاء الموالي بينهم أخماساً.

ابن وهب: وقاله سعيد بن المسيب، وأبو الزناد، وأن عمرو بن عثمان وأخاه أبان ورثا موالي عثمان بالسواء، ثم توفي عمرو فخلص الولاء لأبان، ثم توفي أبان فرجع الولاء لنبي أبان وبني عمرو فكانوا فيه شرعاً سواء، وقال مثله ابن عمر. م: والأصل في هذا أن ينظر يوم مات المولى؛ فمن كان أقرب إلى العتق فهو أحق بميراث مولاه ولا ينظر إلى من حاز الولاء قبله كالحكم في حيازة النسب، لو أن رجلاً مات وترك ولدين وابن عم أو أخاً؛ فميراث الابن عم أو الأخ إن مات الآن لولدي الميت أولى، فإن لم يمت ابن العم ولا الأخ حتى مات أحد الولدين وترك ولداً ثم مات ابن العم أو الأخ؛ فميراثه للابن الحي دون ابن أخيه، فإنما ينظر أبداً إلى الأقرب بالميت يوم يموت، فهو أحق بميراثه دون ورثة من كان أقرب منه، ومات قبل موت هذا

الموروث من مولى أو قريب. م: ولو أن أخوين كاتباً عبداً فأدا كتابته وعتق ثم مات أحدهما وترك أولاداً ذكوراً ثم مات المعتق ولم يترك من يرثه من نسب فماله بين الأخ وبين ولد أخيه نصفين؛ لأنهم يرثون سهم أبيهم. م: لأن ولاء كل نصف لمعتق لا ولاء للآخر فيه، فهو بخلاف مولى أبيهم؛ لأن هذا كل واحد من الولد هو مولاه، ولو كان إنما كاتبه أبوهم ثم مات الأب، [ثم مات أحد ولديه وترك أولاداً] ثم مات المكاتب قبل أداء كتابته؛ لكان ما ترك بين الابن الحي وبين بني أخيه نصفين؛ لأنهم هاهنا إنما يرثونه بالرق؛ لأن الحر الذي كاتبه مات وتركه مكاتباً، والمكاتب عبد، فهو عبد لولدين، فإن مات أحد ولديه فنصفيه في الكتابة ثابت إن مات قبل الأداء؛ فورثته أحق بميراث نصيبه من أخيه، ويرث منه بناته مع أخوتهم. ولو كان المكاتب قد أدى كتابته في حياة الحر أو بعد موته، ثم مات بعد عتقه فإن مات ترك هاهنا لابن مولاه الأعلى دون بني ابنه الذي مات، ولو مات الابن الثاني قبله ثم مات المولى؛ لورثة بنو الابن الذكور دون الإناث؛ لأنه هاهنا موروث بالولاء، وقبل الأداء موروث بالرق؛ فافترقا. وأكثر هذا وأصله في كتاب محمد وهو بين فاعرفه.

ومن المدونة قال مالك: والابن وابن الابن أولى بالولاء من الأب، ولا يرث مع أحدهما سدس ولا غيره، بخلاف النسب. م: وذهب شريح والنخعي والأوزاعي: أن للأب السدس، وما بقي فللابن، وكذلك إن كان مكان الأب جد؛ فله السدس عندهم كالنسب. والصواب ما ذهب إليه مالك وهو قول علي وزيد وابن المسيب وعطاء والزهري. م: والحجة في ذلك أن الولاء إنما يرثه العصبة لا أصحاب الفرائض المسمى، ألا ترى: أن النساء لا يرثن من ولاء ما أعتق غيرهن لأنهن أهل فرائض مسماة، وكذلك الزوج والزوجة لا يرثان من الولاء شيئاً؛ لأنهما من ذوي السهام، [والأب له حالان: حال يكون فيها من ذوي السهام]؛ فلا يرث فيها من الولاء شيئاً، وهو مع الولد الذكر وولد الولد؛ [كذوي السهام] وحال يكون من العصبة؛ وهو: أن ينفرد بالميراث أو يكون مع من لا يستكمله؛ مثل البنت والزوج والزوجة، فيرث الولاء؛ لأنه يرث في ذلك التعصيب، مع أن قولنا هو قول جمهور العلماء. ومن المدونة قال مالك: والأب أولى من الأخ. قال غيره: والإجماع على ذلك.

قال مالك: والأخ والابن والأخ أولى من الجد. م: وقيل: إن الجد أولى من الأخ، وقيل: إن المال بينهما نصفان. م: فوجه قول مالك وإليه ذهب الشافعي: أن الأخ يلتقي مع المعتق في صلب أبيه، وكذلك عنده ابن الأخ وإن سفل، فالأب يجمعهم، ويلتقي مع الجد في صلب أبي الجد، فمن يلتقي معه في صلب أبيه أقرب ممن يلتقي معه في صلب أبي جده. ووجه من قال: إن الجد أولى: فلما روي أن الجد أب. ولأنه يحرم عليه ما نكح ابن ابنه لقوله تعالى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} كالأب. ووجه قول من قال: الميراث بينهما نصفين: اعتباراً بميراث النسب. قال ابن المواز: والجد أولى من العم. م: لأن العم إنما يدلي بقرابة أبيه وهو الجد؛ فلا شيء له مع من يدلي بقرابته.

ومن المدونة قال مالك: والأخ الشقيق أولى من الأخ للأب والأخ للأب أولى من ابن الأخ الشقيق وابن الأخ الشقيق أولى من [ان الأخ لأب، ... الأخ للأب أولى من ابن ابن أخ شقيق، والعم الشقيق أولى من العم للأب، وابنه أولى من] العم للأب [وابنه أولى من ابن العم للأب]. م: هكذا أبداً إذا استوت الطبقة فالشقيق أولى، وإن اختلفت فالأعلى أولى. م: والحجة في ذلك ما روي عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد رحمهم الله أنهم قالوا: الولاء للأكبر، والأكبر أقرب العصبة إلى المعتق. وروي أن العاص بن هشام

ترك ثلاثة بنين؛ اثنان شقيقان، والآخر لعلة يعني من أم أخرى، ثم هلك أحد الشقيقين، وترك مالاً وموالي، فورث أخوه شقيقه ماله وولاء مواليه، ثم هلك الوارث وترك ابناً له وأخاه لأبيه؛ فقال ابنه: قد أحرزت ما كان أحرزه أبي من المال والولاء، وقال أخو الميت ليس هو كذلك: إنما أحرزت المال، والولاء لي فاختصما إلى عثمان بن عفان؛

فقضى لأخي الميت وبالولاء دون ابن الميت. وروي أن علياً وزيداً قالا: في رجل ترك أخاه شقيقه وأخاه لأبيه، وترك مولى من أسفل؛ أن الولاء للأخ الشقيق. ومن المدونة قال مالك: ولو أعتقت امرأة عبداً ثم ماتت؛ وتركت ولداً ذكراً ثم مات ولدها هذا وترك أخاه لأبيه، ثم مات المولى بميراثه لعصبة المرأة التي أعتقته دون أخي ولدها لأبيه، وكذلك لو ترك الولد خاله وعمه؛ لورث الولاء خاله دون عمه؛ لأن خاله عصبة أمه المعتقة. م: لأن خاله أخو المعتقة، وعمه أخو زوجها، وزوجها لو كان حياً لم يرث مولاها، فكيف بأخيه؟ قال مالك -رحمه الله-: هكذا حكم الولاء؛ أن يرثه الأقعد بالميت المعتق دون ورثة من حازه بعده على ما ذكرنا، ولا يرث الأخ للأم من الولاء شيئاً، وإن لم يترك الميت غيره والعصبة أحق منه إلا أن يكون هذا الأخ للأم من الصعبة فيرث معهم. م: مثل أن يترك المالك ابن عم مولاه أحهما أخ لأم فيكون الميراث بينهما نصفين لبنوه العم وتسقط ولادة الأم. ابن ال مواز قال أشهب: بل يكون الأخ للأم أولى بالولاء لأنه أقعد بالرحم، كما لو ترك المالك أخاً شقيقاً وأخاً لأب؛ فإن الميراث للأخ الشقيق، وكما لو ترك ابن عم شقيق وابن عم لأب؛ لكان الشقيق أولى بالولاء والميراث.

م وهذا أقيس. ومن المدونة قال مالك: وإذا أعتق رجلان عبداً بينهما فمات أحدهما وترك عصبة أو بنين ثم مات المولى؛ كان نصف ميراثه للحي، ونصفه لورثة الميت المذكور. قال سليمان بن يسار وغيره: لا يرث الرجل ولا موالي امرأته ولا المرأة ولا موالي زوجها. فصل قال سحنون: أجمع المسلمون أن النساء لا يرثن من الولاء شيئاً، إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو ولد من أعتقن وإن سفل من ولد الذكور خاصة، كان ولد الولد ذكراً أو انثى. قال غيره: وروي أن النبي -عليه السلام- قال: لا يرث النساء من الولاء شيئاً إلا ما أعتقن أو ولد من أعتقن. وقد ورث النبي -عليه السلام- بالولاء ابنة حمزة من مولاها، وورث ابنته النصف ومولاته ما بقي وهو النصف. قال ابن القاسم: فمن مات وترك بنات لصلبه، وابن ابن أو عصبة وترك موالي؛ كان ولاؤهم لبني الابن أو للعصبة دون البنات، وكان ابن عمر يرث موالي عمر دون بنات عمر.

قال مالك: ولا يرث أحد من النساء ولا ما أعتق أب لهن أو أم أو أخ أو ابن والعصبة أولى بالميراث منهن، فإن مات مولى الأب لهن أو لأخ ولم يدع وارثاً ولا عصبة لمولاه فميراثه لبيت مال المسلمين دونهن. قال مالك ومولى النعمة أحق بميراث الميت من عمة الميت وخالته، ولو أنفردتا لم ترثا عند مالك، ويكون ما ترك الميت للعصبة؛ فإن لم تكن له عصبة فبيت المال. قال ابن القاسم: وإذا أعتقت امرأة امرأة فتزوجت المعتقة فولدت منه فلاعنها ونفاه عن نفسه؛ كان ميراث هذا الولد بعد فرض الأم للمرأة التي أعتقت أمه، وكذلك لو ولدت هذه الأمة المعتقة من الزنا لورثته مولاة أمه. فصل قال مالك وإن اشترت امرأة أباها؛ فعتق عليها، ثم مات ولم يدع وارثاً غيرها ورثت جميع المال النصف بالنسب والنصف بالولاء ولو كان الأب بعد عتقه اشترى ابناً له فأعتق عليه، ثم مات الأب ورثه الابن والبنت بالنسب للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم إن مات الابن ورثت أخته النصف بالنسب والنصف بالولاء؛ لأن الابن مولى أبيه، والأب مولى لها، وهي ترث بالولاء من أعتقت أو أعتق من أعتقت. ابن المواز: قال ابن الماجشون قال مالك في ابن وابنة اشتريا أباهما فعتق عليهما ثم أعتق الأب عبداً، ثم مات الأب ثم مات مولاه فميراث الأب بينهما على الثلث والثلثين،

وميراث المولى للابن وحده، وكذلك لو كان البنت هي المعتقة للأب كله؛ لأنه إنما يورث بالولاء إذا عدم الميراث بالنسب؛ فولد الرجل يورث مواليه دون من أعتق أباه، وكما لو أن هذا الابن وأجنبياً معه اشتريا الأب فأعتقاه ثم مات الأب عن موالي أعتقهم؛ فمن مات من الموالي كان ميراثه للابن وحده دون الأجنبي إذ لو يورث بالولاء ما دام نسب. قال: ولو أن الابن والابنة اللذين أعتقا أباهما مات الابن أولاً فورثه أبوه، ثم مات الأب عن موالي أعتقهم؛ فللبنت من ميراث أبيها النصف للرحم، ونصف النصف الباقي بالولاء؛ لأنها أعتقت من الأب نصفه، والنصف الباقي وهو الربع لأخيها فهو لموالي أبيه وموالي أبيه هو وأخته؛ فلها نصف ذلك الربع؛ فيصير لها سبعة أثمان ما ترك أبوها والثمن الباقي يكون لموالي أم أخيها إن كانت أمه معتقة، وإن كانت عربية فلبيت مال المسلمين ثم إن مات موالي أبيها فلها من ميراثه النصف، والنصف الباقي لأخيها، وهو لموالي أبيه، وموالي أبيه هو وأخته فلها نصفه؛ يصير لهما ثلاثة أرباع ميراث الموالي، يريد: ويكون لموالي أم أخيها الربع. ومن المدونة قال مالك: ولو أن ابنتين اشترتا أبيهما فأعتق عليهما ثم مات؛ ورثا منه الثلثين بالنسب والثلث بالولاء إذا لم يكن له وارث غيرهما.

قال في كتاب ابن سحنون وابن المواز وهو في العتبية لابن وهب وفي الواضحة لأصبغ وابن الماجشون قالوا: إن ماتت إحداهما ولا وارث لها غير أختها فلها منها النصف بالرحم ونصف النصف بالولاء فقط، بما جر إليها الأب، والربع الباقي لموالي أم أختها. وفي رواية ابن حبيب عن ابن القاسم: أنها تأخذ سبعة أثمان ما تركت؛ النصف بالرحم والربع بشركة الولاء والثمن بجر الولاء إليها. قال ابن الماجشون: وهذا غلط. قال في كتاب ابن المواز: فإن ماتت الثانية ولا وارث لها فنصف ميراثها لموالي أمها، [والنصف لموالي أم أختها؛ فإن كانت الأم واحدة فكله لموالي أمها] قالوا في هذه الكتب: ولو ماتت إحداهما أولاً ثم مات الأب وترك الثانية فلها سبعة أثمان ميراثه، والنصف لها بالرحم، والنصف الباقي لها نصفه بما أعتقت من أبيها، ولأخيها نصفه يكون لموالي أبيها هي وأختها؛ فتأخذ الحية نصفه فيصير لها سبعة أثمان المال، ويبقى ثمن يكون لموالي أم الميتة، وإن كانت عربية لبيت مال المسلمين. وهذا الباب يتسع فيه القول، وأنا أذكره موعباً إن شاء الله في كتاب أفردته للمواريث إذ لا يستغني الفقيه عن الاتساع فيه. م: وأنا أذكر في هذا الباب أصلاً يعتمد عليه ويسهل عليه عمل مثل هذه المسائل: وهو أن يقسم ما تركه الميت لمن يرثه بالنسب فإن استكملوه فرغت المسألة،

وإن لم يستكملوه مثل أن يترك الميت بنات أو أخوات؛ فيورث منه أولاً بالنسب ثم يقول وما بقي فلمواليه، فإن كانوا أحياء أخذوه وفرغت المسألة، وإن كان مواليه ابنتين إحداهما ميتة؛ أخذت الحية نصيبها، وما بقي لموالي أبي الميتة فتجده الحية والميتة، فتأخذ الحية نصيبها من ذلك، ونصيب الميتة يكون لموالي أبيها هكذا يصنع أبداً؛ يجعل القسمة على أربع رتب؛ فالأولى للنسب وما بقي لمواليه وما بقي لموالي ابن الوارث وما بقي لموالي أمه، وبالله التوفيق. جامع القول في المواريث وذكر الميراث بالشك والتداعي والشهادة في ذلك وميراث ابن الملاعنة والمرتد والمسلم للنصراني وذكر الإقرار بوارث قال مالك: لا يرث أحد إلا بنسب قرابة أو بولاء عتاقة. قال مالك: وإذا ماتت امرأة وتركت: زوجها وأمها، وأختاً شقيقة أو لأب، وجد؛ فهي الغراء؛ فلزوجها النصف وللأم الثلث وللجد السدس ويربى للأخت بالنصف، أصلها من ستة تعول إلى تسعة ثم يضم الجد سهمه وذلك [واحد إلى نصيب الأخت

وذلك] ثلاثة فتكون أربعة فيقتسمون ذلك على ثلاثة للجد سهمان وللأخت سهم فالأربعة لا تنقسم على ثلاثة ولا توافقها بشيء، فتضرب ثلاثة في أصل الفريضة بالعول وذلك تسعة فتكون سبعة وعشرين: فللزوج ثلاثة من تسعة في ثلاثة بتسعة، وللأم اثنان في ثلاثة بستة، وللجد والأخت أربعة في ثلاثة باثني عشر للجد لثلثاها ثمانية وللأخت أربعة. م: وهذا تفسيرها على مذهب زيد وبه أخذ مالك، فأما علي بن أبي طالب فيقيمها من تسعة ولا يخلط سهم الجد مع نصيب الأخت. وذهب ابن مسعود أن للزوج النصف وللأم السدس وللجد السدس وللأخت النصف تبلغ ثمانية وإنما أعطي للأم السدس لأنه كان لا يفضل أما على جد. قال بعض أهل الفرائض: وإنما سميت الغراء لأن الجد أغرى بسهمه على نصيب الأخت فشاركها فيه. وقال غيره: إنما سميت بذلك لأنه لا يربى في مسائل الجد على مذهب زيد إلا فيها فسميت الغراء لانفرادها كغرة الفرس. قال ابن حبيب وتسمى الأكدرية وإنما سميت الأكدرية لأن عبد الملك بن مروان طرحها على رجل يقال له الأكدر كان يحسن الفرائص فأخطأ فيها. من المدونة قال مالك ولو تركت الهالكة أختين لم تكن غراء؛ لأن الأم ترجع إلى السدس فيها فيبقى للجدات السدس ولا يربى لهن بشيء، وتصح المسألة من اثني عشر لانكسار السدس على الأختين.

م: وعلى قول علي وابن مسعود يكون للزوج النصف وللأم السدس وللجد السدس وللأختين الثلثان أصلها من ستة تبلغ تسعة. فصل قال مالك: وكل بلد افتتحت عنوة فأقر أهلها فيها ثم أسلموا فشهد بعضهم لبعض فإنهم يتوارثون بأنسابهم التي كانت في الجاهلية وهم على أنسابهم التي كانوا عليها، كما كانت العرب حين أسلمت يُتوارث بأنسابها، وكذلك الحصن يفتح وشبهه بخلاف العدد القليل يتحملون إلينا فهؤلاء لا تقبل شهادة بعضهم لبعض إلا أن يشهد سواهم من المسلمين من أسارى أو تجار كانوا عندهم فيتوارثون بذلك، وقد أبى عمر بن الخطاب أن يورث أحداً من الأعاجم إلا من ولد في العرب، وقاله عمر بن عبد العزيز وغيره؛ يريد: إلا أن يثبت أن بعضهم ورثة بعض ويرثونهم كما ذكرنا وفسرنا. قال ابن القاسم في العتبية والعشرون عدد كثير، وأباه سحنون. قال ربيعة: وإن قدمت إلينا امرأة حامل فولدت عندنا لورثها ولدها، ومن قذفها بها فهو مفتر، وإن جاءت بغلام مفصول فادعت أنه ولاها فإنه لا يلحق بها في ميراث ولا يجلد من افترى عليه بها.

قال مالك في كتاب أمهات الأولاد: وتوأم المحتملة وتوأم الملاعنة يتوارثان من قبل الأب والأم، وأما توأم المغتصبة وتوأم الزانية؛ فإنهما يتوارثان من قبل الأم خاصة. قال في كتاب الولاء: ومن مات من قيس وغيرها لم يرثه إلا عصبته دنيا ممن يحصى ويعرف وإن التقوا معه إلى أب جاهلي بعد عشرة آباء أو أكثر؛ لأن ذلك أمر معروف وذلك إذا كان هؤلاء الذين يلتقون معه إلى الجد يحصون ويعرفون، ولا أورث القبيلة؛ إذ لا يعرف عددهم ولا من يستحق منهم، ولا كم يجب لمن قام يطلب ذلك منهم من جملة المال. [وفي كتاب ابن المواز بأثر كلام أشهب: ولا أرى ميراثه للمسلمين إن لم يعرف له وارث؛ لأن له وارث بعينه لابد، ولكن يوقف حتى يعرف بعينه، أو يُيأس منه فيتصدق به عن صاحبه الذي كان يستحق للفقراء والمساكين ولا يكون فيئاً. وقال إسماعيل القاضي: إنه يجعل في بيت المال. وحكي أن ابن الكاتب قال كلام إسماعيل أصح؛ لأنه يلزم على ما قاله أشهب: إن من مات وترك موالي أن الموالي لا يرثونه لأنه يخلو أن يكون له وارث من نسبه والنسب أولى].

فصل قال مالك: ولا يرث أحد إلا بيقين. قال ابن القاسم: وإذا ماتت امرأة وابنها، فقال زوجها وهو أبو الولد ماتت قبله، وقال أخو المرأة ماتت بعده؛ فإن لم يعلم أولهما موتاً، لم ترث المرأة الولد ولا الولد المرأة ويرث كل واحد منهما أحياء ورثته. قال: ولا يرث الموتى بعضهم من بعض، إذا لم يعرف أولهما موتاً. قال: وإذا أعتقت أمة تحت حر؛ فمات زوجها فقالت: أعقت قبل موته، وكذلك قال سيدها، وقال ورثة الزوج بل أعتقت بعد موته فلا يرث منه شيئاً لأنه ميراث بالشك ولا يرث أحداً إلا بيقين. قال: وإذا مات المولى ومعتقه وجهل أولهما موتاً؛ لم يتوارثا، وميراث المولى الأسفل لأقرب الناس من سيده من الذكور، ولا يرث [المولى الأسفل] المولى الأعلى على حال علم الموت أو جهل. وإذا مات المتوارثان بقتل أو بغرق أو بهدم ولا يدرى أولها موتاً؛ فلا يتوارثا، ويرث كل واحد منهما ورثته الأحياء.

قال مالك وسمعت ربيعة وغيره ممن أدركت من أهل العلم: لم يتوارث من قتل يوم الجمل وأهل الحرة وأهل صفين وأهل قديد؛ فلم يورث بعضهم من بعض؛ لأنهم لا يدرى من قتل قبل صاحبه. قال ابن شفاعة: روي خارجة بن زيد بن ثابت قال: أمرني أبو بكر الصديق حين قتل أهل اليمامة أورث الأحياء من الأموات، ولا أورث الأموات بعضهم من بعض، وقاله زيد بن ثابت. قال خارجه: وقسمت ميراث أهل الحرة فورثت الحي من الميت وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومئذٍ متواجدون ولم يعب أحد منهم ذلك علي. وقال ابن اللباد الفارض وروى علي بن أبي طالب وغيره أنه ورث بعضهم من بعض من صلب أموالهم ولم يورث ميتاً مما خرج من يده لصاحبه ويرث ذلك أحياء ورثته. م: وبيان ذلك أن يهلك أخوان ويتركا أخاً لهما، وأما فعلى قول الجماعة للأم الثلث مما ترك كل واحد منهما وما بقي لأخيهما الحي. وعلى قول علي: يُحيي أحدهما ويميت الآخر؛ فيكون لأمه السدس وما بقي للأخوين فتصح فريته من اثنى عشر: للأم اثنان ولكل أخ خمسة، فتوقف خمسة الميت، ثم يمات الذي أوقف خمسته ويحيا الآخر؛ فتصح أيضاً فريضته من اثني عشر؛ للأم اثنان وللحي

خمسة وللميت خمسة فيصير في يد الأم اثنان من تركة كل واحد، وفي يد الأخ خمسة من تركة كل واحد وفي يد كل واحد من الميتين خمسة من تركة صاحبه، ثم يماتا جميعاً ميتة واحدة فيكونا قد تركا أخاً وأماً؛ فللأم الثلث وللأخ ما بقي وفي يد كل واحد خمسة لا تنقسم على ثلاثة فتضرب الاثنا عشر التي كانت فريضة كل واحد في ثلثه يكون ستة وثلاثين ففي يد الأم اثنان من تركة كل واحد في ثلثه تكون بستة وفي يد الحي من تركة كل واحد خمسة في ثلاثة بخمسة عشر وفي يد كل واحد من الميتين خمسة في ثلاثة بخمسة عشر أيضاً فلأمه ثلثها خمسة، ولأخيه الحي ما بقي عشرة. فجميع ما يصير للأم اثنان وعشرون من اثنين وسبعين، وللأخ الحي خمسون، والحجة لمالك: أنا قد تيقنا أن الحي وارثه اليوم وشككنا في الميت؛ هل هو وارثه؟ فالموقن بميراثه أنه أولى، وإذ قد يمكن يكون ماتا جميعاً معاً، فإن نحن ورّثنا بعضهم من بعض فقد ورّثنا من لا ميراث له ومنعنا من له الميراث. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن مات وترك ولدين؛ مسلماً ونصرانياً كلاهما يدعي أن الأب مات على دينه وأقاما على ذلك بينة مسلمين فتكافأت في العدالة أو لم

تكن لهما بينة؛ فالمال ينقسم بينهما كمالٍ تداعياه، وإن كان قد صلى هذا المسلم على أبيه ودفنه في مقبرة المسلمين؛ فليس الصلاة بشهادة ولو لم يأتيا ببينة وقد كان يعرف بالنصرانية فهو على ذلك وابنه النصراني أحق بميراثه حتى يثبت المسلم أنه مات مسلماً. قال غيره: إلا أن يقيما جميعاً البينة وتتكافأ فأقضي بالمال للمسلم. قال في كتاب الشهادة بعد أن يحلف على دعوى النصراني. م: وحكى عن بعض شيوخنا: إذا دفن في مقابل المسلمين وصلي عليه والكافر حاضر لا ينكر كان ذلك قطعاً لدعواه، وكذلك لو مضى به إلى مقبرة المشركين ودفن فيها، والمسلم حاضر لا ينكر لكان ذلك قطعاً لدعواه، وذلك منصوص للمتقدمين. قال بعض فقهائنا: ولو شهد إحدى البنتين: إنا رأيناه يصلي في المسجد، وقالت الأخرى: إن رأيناه يؤدي الجزية؛ فإن لم تؤرخ البينتان قضي بالمال للمسلم؛ فأنا نقول: يكون أن يكون كان كافراً فأسلم فيكون المال للمسلم خاصة في هذا الوجه، ويمكن أن يكون ارتد بعد إسلامه فلا شيء للمسلم ولا للكافر، فحصل الكافر في الوجهين لا شيء له، والمسلم [يكون تارة له وتارة لا يكون له، فجعلنا للمسلم إذ لا منازع له. م: ويحتمل أن يكون له النصف وللمسلمين النصف لأن المال] تارة يكون له وتارة يكون للمسلمين فوجب قسمه على ذلك والله أعلم.

وقال إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه المبسوط: يشبه أن يكون ابن القاسم أراد بتكافؤ البينة أن تشهد بينة المسلم: أن أباه لم يزل مسلماً حتى توفي، وتشهد بينة النصراني أن أباه لم يزل نصرانياً حتى توفي؛ وكان الأب لا يعرف حاله هل هو على الإسلام أم على النصرانية؛ فإذا كان هكذا فإن الشهادتين قد دفعت إحداهما الأخرى وكان كمن لم يشهدا، وأما إن شهدت بينة المسلم أن أباه كان نصراني فأسلم وشهدت بينة النصراني أن أباه لم يزل نصرانياً حتى مات فإن البينة بينة المسلم لأنها قد أثبتت أن إسلام الميت قد حدث بعد أن كان نصرانياً وبينة النصراني تزعم أنه لم يسلم؛ فالشهادة شهادة من أثبت أن شيئاً قد كان، ولا يلتفت إلى من شهد أن ذلك لم يكن، إذ قد يمكن أن يكون ولم يعلموا. م: ولو ترك معهما ولداً صغيراً لا يعقل ولم يقيما بينة فليعطيا للصغير نصف المال ويأخذ كل واحد منهما ربعاً ربعاً لأن كل واحد منهما يدعي أن المال بينة وبين الصغير فلا شيء للآخر فيه وأنه لا يستحق منه شيئاً إلا وللصغير مثله فوجب على كل واحد أن يعطيه نصف ما يصح له لو لم يكن الصغير فيصير له نصف المال، وكذلك لو كان مع الكبير ابن ثالث كبير يهودي يدعي أن الأب مات على دينه فليقسم المال بينهم أثلاثاً؛

فإن كان معهم أخ صغير فيعطيه كل واحد نصف ما بيده فيصبح له نصف المال وللكبار سدساً سدساً لأن كل واحد يدعي أن له نصف المال وصفه للصغير فقد سلموا للصغير نصفه وتداعو في النصف الباقي فيقسم بينهم أثلاثاً. قال أصبغ: ويجبر الصغير على الإسلام. قال سحنون وإن مات الصبي قبل البلوغ عن مال حلفوا واقتسموا ماله. قال أبو إسحاق ولو كانت معهما أخت صغيرة لم تكن إلا مسلمة، [وأعطاها المسلم ثلث ما في يده؛ لأنه يقول: ما صار في يد أخي النصراني ظلم ظلمت أنا وأخي به وكذلك النصراني يعطيها أيضاً ثلث ما في يده إذا كان في دينهم أن ميراث الأبناء مثل نصف ميراث الذكر؛ لأنه يقول: هي نصرانية على ديني يجب أن نكون قد ظلمنا المسلم فيما أخذ منا فجاء بحقه علينا جميعاً]. فصل ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن أقام بينة أنه ابن فلان الميت، أو أنه مولاه أعتقه، لا يعلمون له وارثاً غيره، قضيت له بميراثه ولم آخذ منه كفيلاً بالمال، فإن أتى بعد ذلك غيره يدعي الولاء في المولى وجاء ببينة سمعت حجته وقضيت بأعدل البينتين. قال سحنون في كتاب ابنه فإنه استويا في العدالة فالمال بينهما نصفان.

م: وهي كمسألة من ورث رجلاً بولاء يدعيه، وأقام آخر بينة أنه مولاه، وأقام قابض الميراث مثله؛ ويدخلها الخلاف الذي دخل تلك. قال سحنون ولو أتى أحدهما ببينة على إقراره بالولاء وآخر بينة أنه أعتقه كان الذي شهدت له البينة بالعتق أولى [بميراثه ونحوه في المدونة]. ومن المدونة قال ابن القاسم ومن أقام بينة في دار أنها لأبيه وقد ترك أبوه ورثة سواه غياباً؛ فإنه يمكّن من الخصومة في الدار، فإن استحق حقاً لم يقبض له إلا بنصيبه منها، ولا ينزع باقيها من يد المقضي له، إلا بنصيبه منها، ولا ينزع باقيها من يد المقضي عليه؛ إذ لعل الغياب يقرون بها للمحكوم عليه بأمر جهله هذا المدعي، فإذا قدموا وادعوا كدعوى الحاضر كان ذلك القضاء لهم ناجزاً، فإن قدموا قبل القضاء وبعد أن عجز الأول عن منافعه كانوا على حجتهم إن كانت لهم حجة غير ما أتى بها الأول. قال أشهب ينزع الحق كله من يده فيعطي لهذا حقه، ويوقف حق الغائب له. وكذلك كتب مالك إلى ابن غانم، ورواه أشهب وابن نافع عن مالك.

فصل قال ابن القاسم قال مالك: وإذا هالك ابن الملاعنة وترك مالاً ولا وارث له غير مولى أمه كان ميراثه له. م: وقاله علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت. قال مالك: وإن ترك أمه كان لها الثلث ولمواليها ما بقي. م: هذا مذهب زيد وعروة بن الزبير وابن المسيب ومالك والشافعي وكان علي بن أبي طالب يقول: إذا كان له ذو أسهم من ذوي رحمه فبقية المال ردٌ عليه. وكان ابن مسعود يجعل عصبة أمه فإن لم تكن فعصبته عصبة أمه. وعن ابن عباس وابن عمر ونحوه. ومن المدونة قال مالك ولا يرثه خاله ولا ابن خاله ولا أجده لأمه، وإن ترك أمه مع أخ لأمه فلأمه الثلث وللأخ السدس وإن ترك معها أخوين لأم فصاعداً فلها السدس وللأخوين فصاعداً الثلث بينهم سواء حظ الانثى والذكر فيه سواء لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}.

قال مالك: وما بقي فلموالي أمه إن كانت مولاه وإن كانت عربية فلبيت مال المسلمين ولو كان له ولد ذكر أو ولد ولد كان لأمه السدس، وما بقي لوالده أو لولد ولده الذكور. وقال ابن القاسم: وإن ترك ابن الملاعنة موالي أعتقهم كان ولاؤهم لذكور ولده، أو لذكور آبائهم وإن لم يكونوا فليس لأمه ولا لأخيه لأمه ولا لخاله ولا لجده لأمه من ولاء مواليه شيء وولاؤهم لموالي أمه إن كانت معتقه وإن كانت عربية فلبيت مال المسلمين. قال عروة بن الزبير وغيره: وكذلك ولد الزنا في جميع ما ذكرنا. فصل قال مالك ومن ارتد ولحق بدار الحرب؛ وقف ماله حتى يعلم أنه مات، فإن رجع إلى الإسلام كان أحق به، وإن مات على ردته كان ماله للمسلمين ولا يرثه المسلمون ولا النصارى، وقاله علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وغيره. وذكر بعض القُرَّاض، ولم أروه: أن مذهب علي وابن مسعود أن ميراث المرتد لورثته من المسلم، وبه قال ابن المسيب وعطاء والشعبي والأوزاعي. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو أن رجلاً أعتق عبداً له ثم ارتد السيد فمات العبد المعتق عن مال وسيده في حال ردته ورثه أولى الناس بالمرتد من ورثته المسلمين ممن يرث الولاء عنه ثم إن أسلم لم يرجع بذلك عليهم وكذلك من مات له من ولد وغيره فليرثهم ورثته المسلمون ولا يرجع عليهم أيضاً وإن أسلم لأنه إنما ينظر في هذا إلى الميراث يوم

وقع فيجب لأهله يوم يموت الميت. قال مالك وإذا ارتد الأسير لم يقسم ميراثه حتى يعلم موته، فإن عُلم أنه ارتد طائعاً أولم يعلم طائعاً أو مكرهاً؛ بانت منه زوجته، وإن عُلم أنه ارتد مكرهاً؛ لم تبن منه زوجته. قال ابن القاسم في غير المدونة وميراث المرتد لورثته. وقال غيره: لبيت المال. فصل قال ابن القاسم ولا يتوارث أهل الملل. وروى ابن وهب أن النبي -عليه السلام- قال: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ولا يتوارث أهل ملتين شتى». وفي كتاب محمد لمالك: من أقر أن أباه كان يعبد الشمس وكان أبوه مظهراً لإسلام؛ أنه يرث أباه، واحتج بالمنافقين الذين كانوا في زمن النبي عليه السلام فورثهم ورثتهم لما بقوى على ما أظهروا من الإسلام.

واختلف في ميراث الزنديق: إذا أنكر الزندقة وقد شهد عليه بها: فقيل إنه يورث على ما أظهر، وأما لو أقر بذلك وتمادى على الكفر الذي كان أسره لوجب ألا يورث. قال أبو إسحاق: والأشبه في الذي مات على الزندقة وورثته يعلمون بذلك ألا يورث؛ لأنه كافر، وقد ثبت أن المسلم لا يرث الكافر والمنافقون الذين في زمن النبي عليه السلام لم يستعمل النبي عليه السلام فيهم علمه ليبين ذلك لمن بعده ألا يحكم الحاكم بعلمه وإلا فقد علم النبي -عليه السلام- ذلك منهم، ولأنه أراد دخول الناس في الإسلام فقال: «لا يتحدث الناس أني أقتل أصحابي»، فقد يرد في ذلك إلى النفير عنه عليه السلام. وأما من شهد عليه بالكفر وهو ينكره وكان مظهراً للإسلام فيُقتل حداً ويورث لإنكاره الكفر ويصلى عليه والله أعلم بسريرته، ولم تقبل توبته بخلاف المرتد لأنه شيء أخفاه فأشبه الزنا والسرقة والمرتد أظهر ما اعتقد فاستتيب كما تقبل توبة المحارب المظهر للحرابة. ومن العتبية عن مجوسي تزوج ابنته فولد له منها ولدان فأسلمت الأم والولدان، فمات أحد الولدين. قال: فللأم السدس لأن الميت ترك أمه وهي أخته وترك أخاه فتعاد نفسها بنفسها؛ فكأنه ترك أخاً وأختاً حجبا الأم عن الثلث. قال أبو إسحاق: وفي هذا نظر وذلك أن من أسلم من المجوس إنما يتوارثون بأقرب القرابتين؛ فإذا تزوجها أبوها ولدت ولدين فهما ولداها وهما أخواها فنسبتها في ميراث أحدهما بالأمومة أولى، فإذا كانت هي أمه سقط أن تكون أختاً له، وإذا سقط كونها أختاً أخذت ثلث ما ترك لأنه ترك أمه وأخاه فكيف حسبها أماً أختاً في حال واحده فحجبها عن ميراث الثلث بنفسها أن جعلها أختاً للميتة وللباقي فصارت أماً أختاً في حالة واحدة

ولم يسقط حكم الأمومة فيكون كأنه ترك أخته وأخاه، وكان يجب أيضاً أن يكون لها الثلث مع اخيها الذي هو ابنها؛ لأنها مع أخ واحد؛ فإن قدرتها أنها أما منفردة كان لها الثلث؛ لأنها مع أخ واحد وإن قدرتها أنها أختاً منفردة كان لها الثلث؛ لأن الميت ترك أخته وأخاه وهو فقد قدرها أماً أختاً في حال واحدة فصارت كأنها أختاً أخرى تركها مع أمه وأخيه فلذلك جعل لها السدس. قال ابن القاسم: وإذا تظالم أهل الذمة في مواريثهم لم أعرض لهم إلا أن يرضوا بحكم أهل الإسلام فأحكم بينهم فيه، وإن أبوا ذلك ردوا إلى أهل دينهم. وقال مالك: إذا كانوا نصارى كلهم ورضوا بحكم الإسلام [حكم بينهم به، وإن كانوا مسلمين ونصارى لم يردوا إلى حكم النصارى، وحكم بينهم بحكم الإسلام، ولم ينقلوا عن موارثهم، يريد: أسلم أحدهم بعد موت المورث فصار حكم بين مسلم وكافر. وفي رواية يحيى: يحكم بينهم بحكم دينهم والمعني واحد. وروى ابن وهب: أن مسلمين ونصارى اختصموا إلى عمر بن عبد العزيز في مورث فقسم بينهم على فرائض الإسلام، وكتب إلى عامل بلدهم إن جاءوك فاحكم بينهم على فرائض الإسلام وإن أبوا فردهم إلى أهل دينهم. وقال النبي -عليه السلام-: «كل ميراث قسم في الجاهلية فهو على قسم الجاهلية وكل ميراث أدركه الإسلام ولم يقسم فهو على قسم الإسلام».

قال مالك: معناه في غير الكتابين: من مجوس وزنج وغيرهم، وأما لو مات نصرانياً ثم أسلم وارثه قبل أن يقسم ماله فإن يقسم على قسم النصارى وإن مات مسلم وله ورثة نصارى فأسلم وارثه له قبل أن يقسم ماله فلا يرثه وإنما يرثه من كان مسلماً يوم مات. وقال ابن نافع وغيره من كبار أهل المدينة: الحديث عام في الكتابيين وغيرهم من أهل الكفر. قال ربيعة: ولو مات مسلم ثم تنصر ولده بعده قبل قسم ماله لقتل إن كان قد بلغ الحلم وجعل ميراثه في بيت المال لأنه قد وجب له. فصل قال مالك: وهذا مات العبد النصراني عن مال فسيده أحق بماله. قال ابن القاسم: وكذلك إذا ارتد العبد أو المكاتب فقتل على ردته فسيده أحق بماله؛ لا أنه يستحقه بالملك لا بالتوارث. ابن المواز وكذلك لو أسلم عبد لمجوسي أو لكتابي ثم مات قبل أن يباع عليه لورثة سيده الكافر بالرق. ومن المدونة قال مالك: [ومن ورث من] عبده النصراني ثمن خمر أو [خنزير فلا بأس بذلك وإن ورث منه خمراً أهراقها]، أو خنازير سرحهم.

قال سحنون: بل يقتلهم. وروى ابن وهب أن عبد الله بن عمر ورث عبداً له نصرانياً كان يبيع الخمر ويعمل بالربا، فقيل له في ذلك، فقال: ليس الذي عمل في دينه بالذي يحرم علي ميراثه. فصل قال مالك ومن مات وترك ابنين فأقر أحدهما بأخت فليعطها خمس ما في يده ولا تحلف مع الأخ المقر لها؛ لأنه شهد، ولا يحلف في النسب مع شاهد واحد. م: وبيان ذلك أن تعمل المسألة على الإنكار فتكون من اثنين وعلى الإقرار فتكون من خمسة فتضرب اثنين في خمسة فتكون عشرة فإذا قسمتها على الإنكار كان لكل أخ خمسة وإذا قسمتها على الإقرار كان لكل أخ أربعة، فيستفضل المقر واحدٌ وهو خمس ما بيده. [ومن العتبية: وإن أقر أحد الابنين بأخ لهما فإنه يعطيه ثلث ما في يديه ثم إن مات بعد ذلك المقر له قال: يرثانه جميعاً؛ المقر له والمنكر له، وهو بمنزلة رجل قال: أخي مات وترك ألفاً وهو أخوك أيضاً فإن الألف بينهما. قال يحيى بن عمر: وأرى أن يأخذ المقر له بدءاً من تركه مثل ما كان أعطاه ثم يكون ما بقي بينهما نصفين]. ومن المدونة قال مالك: وإن أقر أحد الابنين بزوجة لأبيه أعطاها ثُمن ما في يديه.

م: لأن أصلها في الإنكار من اثنتين وفي الإقرار من ثمانية فتصح من ستة عشر فتقسمها على الإنكار فيكون لكل ابن ثمانية وتقسمها على الإقرار للزوجة الثُمن ولكل ابن سبعة فيفضل للمقر واحد وهو ثمن ما في يديه فيعطيه للزوجة. ومن المدونة قال مالك: وإن هلكت امرأة وتركت زوجها وأختها فأقر الزوج بأخ لها وأنكرت الأخت فلا شيء على الزوج؛ لأنه إنما أقر لها بشيء في يد الأخت، فلا شيء له يعني ولو أقر بأخت للميتة لأعطاها سبع ما في يديه؛ لأن أصل الفريضة في الإنكار من اثنين وفي الإقرار من سبعة فتضرب اثنين في سبعة تكن أربعة عشر، فتقسم على الإنكار؛ تكون للزوج سبعة وتقسم على الإقرار تصح للزوج ستة، فيفضل له واحد وهو سبع ما في يديه. م: وهذا باب واسع أوعبه إن شاء الله في كتاب الفرائض. تم رُزمَةُ العبيد بحمد الله وحسن عونه وتأييده وتسديده ويتلوها إن شاء الله كتاب النكاح الأول.

كتاب النكاح الأول

[الباب الأول] في الحضِّ على النكاح، والخِطْبة فيه [فصل 1: في الحضِّ على النكاح وذكر حكمه] والنكاح مندوبٌ إليه لقول الله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تناكحوا تناسلوا»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا فإني مُكاثرٌ بكم الأممَ يوم القيامة»،

وليس بواجب، وهو مذهب مالك رحمه الله خلافًا لداود في الحُرَّة، والدليل لمالك قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] فقد خيرنا تعالى في النكاح أو ملك اليمين، وليس في الواجب تخيير، واعتبارًا بنكاح الأمة، ولأنه عقد معاوضةٍ فلم يجب ابتداءً بالشرع كعقد

البيع. وقال بعض البغداديين: النكاح في الجملة مندوبٌ إليه، وربما تعيَّن فرضه إذا خاف العنت ولم يجد ما يتسرَّى به، وهو قادرٌ على النفقة والمهر، وربما كُرهَ له ذلك وهو أن يكون غير محتاجٍ إليه وهو قليل المال والكسب فَيَغُرُّ المرأة ويَضُّرها. قال ابن حبيب: وحضَّ النبي صلى الله عليه وسلم على نكاح الأبكار وقال «فإنهن أطيب أفواهًا وأنتَق أرحامًا وأطيب أخلاقًا».

قال ابن حبيب: انتق أرحامًا: أقبلُ للولد. ورغَّب في نكاح الولود، وفي حديثٍ آخر: «الولود الودود العوود». قال ابن حبيب: ويستحب أن يُستنجَب الخال، وقد يُتَّقى رضاع الفاجرة فكيف بهذا! وقد قال صلى الله عليه وسلم: «تُنكح المرأة لمالها ولجمالها ولحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تَرِبَت يداك».

وأمر أن تُنْكَحَ في الأكفاء، وقد قال عمر رضي الله عنه: لا يزوج الرجل وليَّته للقبيح الذميم ولا للشيخ الكبير. ابن المواز: قيل لمالكٍ: فما جاء عن عمر: لا تزوجوهن إلا الأكفاء، وأنه فَّرق بين رجلٍ وامرأةٍ كان قد زُوِّجها وهو غير كفءٍ؟ قال: قد جاء عنه غير هذا، قوله: دين الرجل حَسبُه، وكرمُه تقواه، ومروءته خُلقُه، فليس الشرف والحسب إلا في الإسلام والتقوى.

[فصل 2 - في الخطبة في النكاح] قال ابن المواز: واستحب أهل العلم الخطبة في عقد النكاح. قال مالك: وهي من العمل القديم، وما نرى لأحدٍ تركها، وما قلَّ منها فهو أفضل. قال محمد بن إبراهيم: وقد خطب عروة بن الزبير إلى عبد الله بن عمر ابنته سودة، فقال: يا نافع ادع عبيد الله وسالمًا ابنيه، فلما أتياه قال: إن

عروة خطب إليَّ أختكما وإني أزوجه إياها بما جعل الله تعالى للمسلمات على المسلمين من الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان، وأن يستحلَّها بما تستحلُّ به المسلمة، / قالا: كذلك يا عروة؟ قال: نعم، قال: فقد زوجناكها على بركة الله عز وجل.

[الباب الثاني] في نكاح الشغار وما يتعلق به

[الباب الثاني] في نكاح الشغار وما يتعلق به [فصل 1 - في حكم نكاح الشغار وبيان معناه] ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن نكاح الشغار، وقال: «لا شغار في الإسلام». قال مالك: وهو أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق. والشغار خلوُّ العقد من المهر، يقال: بلدٌ شاغرٌ، أي خَالٍ، ويقال: شَغَر الكلب إذا رفع رِجلَه ليبول.

ولا يحل عقد الشغار بإجماع، فإذا وقع فسخ قبل وبعد الدخول، وروي عنه ثبوته بعد الدخول وإنما لم يَختلف قوله في المدونة في الشغار بخلاف إذا تزوجها على أن لا صداق إذا اختلف قوله؛ لأن الموهوبة إنما فسد الأمر فيها إذا لم يسم لها صداقًا، فإذا فات الأمر بالدخول فقد استوجبت المهر بالمسيس فلا معنى للفسخ على أحد قوليه، والشغار ليس كذلك. وقال بعض المحققين: إنما اختلف قوله في فسخ الشغار بعد الدخول لاختلافهم في النهي، هل يقتضي فساد المنهي عنه بعد أن يقع؟ وأما المنع منه ابتداءً فليس فيه خلاف.

قال عبد الوهاب: ونكاح الشغار فاسدٌ لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه، ولأنه مَلَّك بُضْعَ ابنته بصداقٍ لا تملكه، وذلك يوجب فساد العقد؛ لأن المهر يجب أن يكون ملكًا للمنكوحة. ومن المدونة: قال مالك فيمن قال لرجل: زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي، أو: زوجني أمتك على أن أزوجك أمتي، ولا مهر بيننا: فذلك شغارٌ يفسخ أبدًا وإن ولدت الأولاد ورضياه، فللمدخول بها صداق المثل، ولا شيء لغير المدخول بها. قال مالك: والشغار بين العبيد كالشغار بين الأحرار. قال ابن القاسم: وأحب ما فيه إليَّ أن يفسخ بطلاق، ويقع به الطلاق والموارثة قبل الفسخ لاختلاف الناس في إجازته أو فسخه. قال سحنون: والذي عليه أكثر رواة مالكٍ أن كلَّ عقدٍ كانا مغلوبين على فسخه فالفسخ فيه ليس بطلاقٍ، ولا ميراث فيه، وقد ثبت من نهي النبي صلى الله عليه وسلم في الشغار ما لا يُحتَاج فيه إلى حُجة.

قال الشيخ: قال بعض شيوخنا من القرويين: روى عن علي بن زياد عن مالك: أن نكاح الشغار إذا دخلا ثبت النكاح، وكان لهما صداق المثل. قال الفقيه أبو الحسن بن القايسي: إنما اختلف قول مالك في ذلك لاختلاف الناس في تأويل الشغار. قيل: وكيف اختلاف الناس فيه وهو في حديث ابن عمر مفسَّرًا أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق؟ فقال: المتفق عليه من لفظ الحديث إلى قوله: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار» وباقي الحديث إنما يحملونه على أنه من تفسير نافع، ولو كان عن النبي صلى الله عليه وسلم ما اختلف فيه.

وذكر عن أبي عمران أنه قال: إنما اختلف الناس في الشغار بعد الدخول لاختلافهم في النهي هل يقتضي فساد المنهيَّ عنه بعد أن يقع أم لا، وأما المنع منه ابتداءً فما اختلف فيه. قال: وتفسير الشغار في رواية ابن عمر إنما هو من تفسير نافع عن ابن عمر ومعنى الشغار لأنهم رفعوا الصداق، من قولهم: بلدٌ شَاغِرٌ، إذا ارتفع سلطانه، وقولهم: شغر الكلب إذا رفع رجله للبول. [فصل 2 - في تسمية الصداق في نكاح الشغار وما يترتب على ذلك] قال مالك: وإن قال الرجل لرجل: زوجني/ ابنتك بمئة على ابن أزوجك ابنتي بمئة، أو قال: بخمسين، فلا خير فيه، وهو من وجه الشغار.

قال ابن القاسم: ويفسخ قبل البناء ويثبت بعده، ويكون لكل واحدةٍ الأكثر من التسمية أو صداق المثل، وليس هذا بصريح الشغار لدخول الصداق فيه إلا أن بعض الصداق لا يجوز فصار كمن نكح بمئة درهمٍ وبخمرٍ، أو بمئة نقدًا ومئة إلى موتٍ أو فراقٍ، فإنه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده، ويكون لهما صداق المثل إلا أن يكون أقل من المئة النقد فلا يُنقَض من المئة شيئًا. وقال في غير المدونة: أو يكون أكثر من المئتين فلا يزاد. قال ابن حبيب: قاله ابن القاسم. وقال ابن الماحشون: لهما ذلك، , وإن زاد على المئتين، ورواه مُطْرَف عن مالك. قال الشيخ: فوجه هذا: فلأنها صفقةٌ جمعت حلالاً وحرامًا ففسد جميعهما، فوجب أن يكون فيها صداق المثل ما بلغ إذا فاتت كالقيمة في البيع الفاسد.

ووجه قول ابن القاسم: أن النكاح لما كان طريقه المكارمة والبيع طريقه المكايسة لم يجر مجراه في جميع وجوهه، ألا ترى أنه يجوز أن يتزوجها على وَصِيفٍ أو شاةٍ ولا يصف ذلك ولا يضرب له أجلا، ويكون عليه الوَسَط من ذلك حالَّاً، ويجوز أن يتزوجها على عّرَضٍ موصوف، ولا يضرب له أجلاً، ويكون حالَّاً، ولا يجوز مثل هذا في البيوع. فإذا ثبت ذلك وجب إذا كان صداقها أكثر من مئتين لم يزد عليها، لأنها رضين بالمئة إلى موتٍ أو فراقٍ، فإذا أعطيت هذا لم تُظلَم. وقد قال أصبغ: إنها إذا تركت المئة للغرر أو رضي الزوج أن يعجِّلها، وذلك قبل البناء ثبت النكاح، وهذا لا يجوز في البيع، وبالله التوفيق. قال ابن حبيب: ولو تزوجها بمئةٍ نقدًا ومئةٍ إلى أجلٍ معلومٍ، ومئةٍ إلى موتٍ أو فراقٍ فلم يفسخ حتى دخل بها فلها صداق المثل، فإن كان أقل من المئتين فلها مائتان، مئةٌ منها إلى أجلها، وإن كان أزيد من مئتين فالزائد على المئتين حالٌ مع المئة الحالة، ومئةً إلى أجلها، واختلف في الزائد على ثلاثمئة. فقال ابن المواز: لا يزاد على ثلاثمئة، وقال ابن الماجشون ومُطرف: تزاد بالغًا ما بلغ نقدًا إلا المؤجل المعروف.

قال الشيخ: كان يجب إذا كان فاسدًا عندهما أن يكون فيه صداق المثل حالاً كله بالغًا ما بلغ لا يكون فيه تأخير كالبيوع، فيكون قول ابن القاسم في هذا أولى. قال الشيخ: قال بعض فقهائنا: حكي عن أبي سعيد ابن أخي هشام: إنما يقوم صداق المثل على أن فيه مئة إلى سنة. قال ابن حبيب: وسواءٌ فيما ذكرنا من أول المسألة كان بعضه مؤخرًا إلى غير أجلٍ، أو إلى موتٍ، أو فراقٍ، أو إلى ميسرةٍ، أو إلى أن تطلبه المرأة به وهو الآن ملئٌ أو معدمٌ، وقاله ابن الماجشون وأصبغ. وقال ابن القاسم في قوله: إلى ميسرةٍ أو إلى أن تطلبه المرأة به، إن كان يومئذ مليئًا فجائزٌ، وكذلك قال ابن القاسم في العتبية: إذا تزوجها إلى ميسرةٍ، فإن كان يومئذٍ مليئًا فالنكاح جائزٌ، وليؤخَّر بقدر ما يُرى من التوسعة على مثله، وإن كان يومئذٍ مُعْدَمًا فُسِخ، إلا أن يبنى فيثبت، ولها صداق المثل. قال عنه عيسي: ولو ادعت امرأةٌ على زوجها أنه تزوجها بمئةٍ نقدًا أو مئةٍ إلى موتٍ أو فراقٍ، وذلك قبل البناء لم يقبل في الفسخ شهادة واحدٍ مع يمينها إذا أنكر الزوج، وإن أقامت بذلك شاهدين فسخ وبطل الصداق، ولو أقامت الشاهد بعد البناء حلفت وأخذت / الأكثر من المئة النقد أو صداق المثل.

ابن حبيب: وقال أصبغ: لها أن تحلف مع شاهدها قبل البناء؛ لأن الفسخ لا يجب بذلك مكانه حتى يخير الزوج في تعجيل ذلك كله، فإن أبي خُيِّرت الزوجة في أن تترك المؤخر، وإن أبت فسخ النكاح. ولو ادعت أنه تزوجها بجنينٍ أو بآبقٍ أو بثمرٍ لم يبد صلاحه لم تحلف مع شاهدها، لأن هذا فسخٌ لا خيار للزوج فيه. قال الشيخ: وذكر عن أبي عمران في رجلين عقد كل واحدٍ منهما نكاح أخته من صاحبه في مجلسٍ واحدٍ -يريد بصداقٍ معلوم- قال: هو جائزٌ إذا لم يفهم أنه إن لم يزوج أحدهما صاحبه لم يزوجه الآخر، فإن فهم ذلك لم يجز وكان من الشغار لدخول الصداق فيه. قال: وإنما فُرِّق بين وجه الشغار ومِن الشغار بخلاف وجه الدَّين بالدَّين الذي جُعِل كالدَّين بالدَّين؛ لأن وجه الدَّين بالدَّين يوجد فيه الربا كما يوجد في نفس الدَّين بالدَّين، والشغار حقيقته البُضْع بالبُضْع فلا صداق يدخل في ذلك، ووجه الشغار الصداق يدخل فيه، فإن كان قُرِنَ إلى ذلك البُضْع بالبُضْع فلا يبلغ مبلغ نفس الشغار. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وأما من خالع زوجته على حلالٍ وحرامٍ بطل الحرام وجاز منه الحلال، ولم يكن للزوج غير ذلك، وإن خالعها على حرامٍ كله مثل الخمر والخنزير والربا فالخلع جائز، ولا شيء للزوج من ذلك، ولا يَتبع المرأة بشيءٍ منه. قال الشيخ: والفرق بين النكاح والخلع في هذا هو أن النكاح لا يجوز إلا بعوض، فيجب أن يفسد بفساده، والخلع يجوز بغير عوض فلم يكن لعوضه تأثيرٌ في فساده.

ومن المدونة: وإن خالعها على ثمرةٍ لم يبد صلاحها، أو عبدٍ آبقٍ، أو جنينٍ في بطن أمُّه، أو بعيرٍ شاردٍ جاز ذلك. وقال ابن القاسم: وإن قال له: زوجني ابنتك بمئةٍ على أن أزوجك ابنتي بلا مهر، ففعلا، ووقع النكاح على هذا ودخل كل واحدٍ منهما بامرأته، فنكاح التي سمي لها المهر ثابت، ويكون لها مهر مثلها، ويفسخ نكاح التي لم يسم لها صداق، ودخل بها أو لم يدخل بها. قال الشيخ: يريد: أن نكاحها قبل البناء يفسخ ولا صداق لها، وإن دخلا فسخ نكاح التي لم يسم لها صداقًا، وأخذت مهر مثلها، ويثبت نكاح المسمى لها، وأخذت الأكثر من التسمية أو صداق المثل. قال عبد الوهاب: لا خلاف أعلم أن الصداق لا يجوز أن يكون غررًا، أو مجهولاً، أو مما لا يصلح تملُّكه، ولكن الخلاف في النكاح إذا وقع على صداقٍ هذه صفته، هل يصح ويبطل الصداق أو لا يصح أصلاً؟ فعن مالك في ذلك روايتان: إحداهما: أن العقد يبطل، ويفرق بينهما قبل الدخول وبعده، والأخرى: أنه إن أُدْرِكَ قبل البناء فسخ، وإن أُدْرِكَ بعد الدخول لم يفسخ. واختلفت عبارة أصحابنا في معنى الفسخ قبل الدخول، فظاهر قول متقدميهم وجوب الفسخ على معنى الردع، لئلا يُقْدِمُوا عليه، لا على أن العقد وقع فاسدًا ثم صحَّ بالدخول، أو أن الدخول أجاز الإقرار على عقدٍ فاسدٍ على ما اعترض به علينا أغبياء المخالفين، وألزمونا على ذلك أن الدخول يجب أن يصحَّح كلَّ عقدٍ فاسد، كالمتعة والشغار ونكاح المرأة على عمتها وخالتها وغير ذلك. وذلك كله غير لازمٍ لنا، ولا مفهومٌ / من قولنا، وإنما مراد أصحابنا وجوب الفسخ على طريقة العقوبة لهم والردع عما فعلاه، لئلا يعودوا إلى مثله.

ولا معنى لقول من قال: إنه ليس في هذا ردع ولا عقوبة لهما، لأنهما إذا فسخ [نكاحهما] عقداه في الحال، لأن فائدة الفسخ أنه يعد طلاقًا، فإذا نكحها عادت عنده على اثنتين، وهذه فائدة صحيحة. قال الشيخ: ولأنها واحدة بائنة تملك الزوجة بها نفسها، فقد لا تشاء نكاحه، أو تشاء بأضعاف الصداق الأول، وفي ذلك ردع بين. قال عبد الوهاب: وأما المتأخرون فإنهم قالوا: لما حققنا النظر علمنا أن ذلك استحباب من مالك واحتياط ليقع العقد صحيحًا بإجماع، ولإمكان أن يستأنف بصداق صحيح، فإذا وقع الدخول وفات بالوطء وجب فيه صداق صحيح وتقرر، فلا معنى [للفسخ] لزوال الصداق الذي كان الفسخ من أجله لوجوب صداق صحيح، كما لو تزوجها وبها أحد العيوب الأربعة، لكان له الرد، فلو زال ذلك قبل أن يرد لسقط حقه من الرد لزوال ما من أجله كان له أن يرد. فأما من تزوج بصداق مغصوب فمن أصحابنا من فرق بينه وبين المجهول والغرر، لأن ذلك ممنوع لحق الآدمي، ولو أذن له لجاز، وهذه الأشياء ممنوعة لحق الله تعالى.

ومن أصحابنا من ساوى بينهما وقال: يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده كما يقول فيمن صلى في دارٍ مغصوبةٍ أنه يُعيد في الوقت لا بعده. قال الشيخ: وقد قيل: لا يعيد في وقتٍ ولا غيره، وهو الصواب فيه، وفي أن لا يفسخ النكاح، وبالله التوفيق.

[الباب الثالث] في إنكاح الرجل ابنته البكر والثيب وابنه الصغير ومملوكيه ومن يلي عليه غائبا أو حاضرا وتزويج اليتيمة قبل البلوغ

[الباب الثالث] في إنكاح الرجل ابنته البكر والثيب وابنه الصغير ومملوكيه ومن يلي عليه غائبًا أو حاضرًا وتزويج اليتيمة قبل البلوغ [فصل 1 - في تزويج البكر] قال الله عز وجل حكايةً عن شعيبٍ عليه السلام: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص: 27] ولم يذكر مشورة. وزوَّج النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه لعثمان ولم يستشرهما، وتزوج

عائشة رضي الله عنها وهي بنت سبع سنين، وقيل: بنت ست سنين ودخل بها بنت تسع. قال بعض البغداديين: ويستحب له استئذانها، لقوله صلى الله عليه وسلم «شاوروا النساء في أبضاعهن»، ولأن ذلك أطيب لقلبها من غير ضررٍ يلحقه به. وقيل: إنه ربما كان بها عيبٌ لم يَعلم به ولو علمه لم يزوجها، فإذا استأذنها أعلمته به فَتَحَرَّز منه. وعنه في اَلمَعنَّسة روايتان: إحداهما: بقاء الإجبار عليها، والثانية: زواله. فوجه بقائه: اعتبارًا بغير المعنَّسة لِعلَّة البكارة، ووجه زواله: أن المعنى الموجب للإجبار في الصغيرة التي لم تعنَّس قِلَّة خبرتها بالأمور، وعدم معرفتها بمصالحها، وذلك منتفٍ في المعنَّسة لبروز وجهها ومعرفتها بمصالحها، فقام ذلك مقام الثيوبة في رفع الإجبار عنها.

فصل: [2 - في تزويج الثيب] وقال صلى الله عليه وسلم: «الأيُّم أحقُّ بنفسها من وليَّها»، وروي: «الثيب» مُفسَّرًا. وقوله: «ليس للولي مع الثيب أمر». وقال صلى الله عليه وسلم: «البكر تُستأذن في نفسها، وإذنها صماتها». قال مالك: وذلك عندنا في البكر اليتيمة، وكذلك هو مفسرٌ في رواية ابن وحب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اليتيمة تُستأمر في نفسها، فإن

سكتت / فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها». ابن وهب: وجاء عن عمر بن عبد العزيز وابن شهاب: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «كل يتيمة تُستأمر في نفسها فما أنكرت لم يَجُز عليها، وما صمتت عنه وأقرَّت عليه جاز عليها وذلك إذنها». قال إسماعيل القاضي: الأيِّم التي لا زوج لها، بالغًا كانت أو غير بالغ، بكرًا كانت أو ثيبًا، ولو كان كما توهَّم قوم أنها الثيب خاصة لكانت الثيب أحقَّ بنفسها من وليها، والبكر ليست بأحقَّ بنفسها من وليها، ولكن الاستئمار إنما هو على الترغيب لا على الإيجاب، وإنما في الحديث معنيان: أحدهما: أن الأيامى

أحق بأنفسهن، والمعنى الآخر: تعليم كيف تستأذن البكر منهن، وأن إذنها صماتها، لأنها تستحي أن تُجيب بلسانها. [فصل 3 - فيمن له حق الإجبار في النكاح] ومن المدونة: قال مالك: وإذا ردَّت المرأة الرجال رجلاً بعد رجلٍ لم تجبر على النكاح، ولا يُجْبِرَ أحدٌ أحدًا على النكاح إلا الأب في ابنته البكر، وفي ابنه الصغير، وفي أمته، وفي عبده، والولي في يتيمة -يريد الوصي. قال مالك: ولا يزوج البكر [اليتيمة] وليها وإن كانت سفيهةً إلا برضاها، للحديث. قال ابن القاسم: ومن زوج ابنته الصغيرة بأقلَّ من مهر مثلها جاز إن كان على وجه النظر، وقد أتت امرأةٌ مطلقةٌ إلى مالكٍ فقالت له: إن لي ابنةٌ في حجري موسرةً مرغوبًا فيها، وقد أُصَدِقتْ صداقًا كثيرًا، وأراد أبوها أن يزوجها من ابن أخٍ له فقير؟ فقال لها مالك: إني لا أرى لكِ في هذا مُتكلَّمًا. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن نكاح الأب إياها جائزٌ إلا أن يأتي من ذلك ضررٌ فيُمْنَع. قال سحنون: الضرر في البدن من الجنون أو غير ذلك، فأما الفقر فلا، وتزويجه جائز.

فصل [4 - في تزويج الأب ابنته المطلقة أو التي مات عنها زوجها] قال مالك: ومن زوج ابنته البكر فطلقها الزوج قبل البناء، أو مات عنها فلأبيها أن يزوجها كما يزوج البكر. قال مالك: فإن بنى بها الزوج ثم طلقها أو مات عنها فهي أحق بنفسها. قال ابن القاسم: وتسكن حيث شاءت إلا أن يخاف عليها الضيعة والمواضع السوء، ويخاف عليها الفضيحة من نفسها وهواها فيكون للأب أو للولي أن يمنعها من ذلك. ومن كتاب الخلع قال: ولو رجعت هذه الثيب إلى الأب قبل بلوغها فله إنكاحها كالبكر، لأن النفقة ترجع على الأب لها. قال ابن المواز: ولأن الذي أثبت ولاية أبيها عليها الصغر والبكورية، فإذا سقط سبب البكورية بقي ولاية الصغر، فإذا ذهب الصغر انقطع بقية سبيله عليها، لأنها قد افْتُضَّتْ بنكاحٍ وبلغت المحيض. وكذلك عن ابن القاسم وأشهب: أن الأب يزوجها إذا رجعت إليه ثيبًا ما لم تحض. وقال سحنون: يزوجها بغير رضاها وإن حاضت. قال الشيخ: ووجه هذا: أنها صغيرة. مالك: للأب إجبارها على النكاح، فلا يزيله من يده بلوغها أصله البكر، ولأنها رجعت إليه وملك منها ما كان يملكه / قبل الدخول، وصارت كمن دخل بها، فلا يزيل ما بيده منها البلوغ، كالتي لم يُدْخَل بها.

ومن النكاح قال مالك: وإذا احتلم الغلام فله أن يذهب حيث شاء، وليس لأبيه منعه. قال ابن القاسم: إلا أن يخاف من ناحيته سفهًا فله منعه. [فصل 5 - في تزويج الأب ابنته التي زنت والتي زوجت تزويجًا حرامًا] قال: وإن زنت البكر فحُدَّت أو لم تُحَد فلأبيها أن يزوجها كما يزوج البكر. وإن زوجها تزويجًا حرامًا ثم بنى بها الزوج وجامعها ثم طلقها أو مات عنها بالقرب لم يكن لأبيها أن يزوجها كما يزوج البكر؛ لأنه نكاحٌ يُلحق فيه الولد، ويُدرأ فيه الحد. قال مالك: وتعتد منه في بيت زوجها الذي كانت تسكن فيه. قال ابن القاسم: فجعل العدة فيه كالعدة في النكاح الحلال، فهذا يدلُّك أنه خلاف الزنا في تزويج الأب إياها. قال عبد الوهاب: لأنه رفع الإجبار بالثيوبة هو لزوال الحياء والانقباض الذي يكون في البكر، وهذا منتفٍ في المزنيِّ بها أو المغصوبة؛ لأن الحياء يغلب عليها أشدُّ من غلبته على البكر، لقبيح ما رَكِبَتْه أو رُكِبَ منها، وللعار الذي لحقها ويزهد في مثلها، فوجب بقاء الإجبار عليها؛ ولأن ذلك لما لم يرفع عنها ولاية المال فكذلك لا يرفع إجبار النكاح.

قال الشيخ: وليس ما يرفع إجبار النكاح يرفع ولاية المال. وقال ابن حارثٍ الأندلسي: إن محمد بن عبد الحكم قال: لا يزوجها أبوها إلا برضاها كالثيب. قال عبد الوهاب: وألزمت في مجلس النظر بحضرة ولي العهد أنه إذا كانت العلة في المزنيِّ بها الحياء فإذا تكرر منها الزنا فقد ارتفع حياؤها وزالت علة الإجبار ولم يكن لأبيها أن يزوجها إلا برضاها، فالتزمتُ ذلك للمُخَالف وبالله التوفيق.

[فصل 6 - في تزويج الأب من فارقها زوجها بعد إقامتها معه وقبل المسيس] ومن المدونة: قال مالك: ومن زوج ابنته البكر فدخل بها، ثم فارقها قبل أن يمسها، فإن طالت إقامتها مع زوجها وشهدت مشاهد النساء فلا يزوجها أبوها إلا برضاها، وأرى السنة طول إقامة، وإن كان أمرًا قريبًا فله أن يزوجها. قال ابن القاسم في المستخرجة: وإن فارقها بعد ستة أشهرٍ فليؤامرها الأب إن زوجها، فإن لم يؤامرها فالنكاح جائز. قال مالك: وإن فارقها بعد شهرين فلا يؤامرها. قال عبد الوهاب: إنما ذلك؛ لأن عودتها إلى الأب إذا كان عن قُرْبٍ فكأنها على الحال التي كانت عليها عنده من الحياء وقلة خبرتها بالأمور، وقلة معرفتها بمصالحها، فهي كالتي لم يدخل بها، وإذا طال أمرها طُولاً تَخْبَرَ به مواضع حظوظها، وتعرف مصالحها، وبرز وجهها فقد صارت كالثيب، فانقطع الإجبار عنها. قال: وفي حدَّ الطول روايتان: إحداهما: سنة، والأخرى: لا حدَّ فيه أكثر من العُرف. فوجه السنة: أنها مدة جُعِلَتْ في الشرع حَدَّاً لأمور منها العنَّة، وفي

الأدواء الثلاثة في عَهْدَة الرقيق، وانقطاع الشُّفْعَة بعد العام، فكذلك ها هنا. ووجه نفي التحديد أن كلَّ أمرٍ احتيج فيه إلى اختبارٍ وتَعَرُّفِ حالٍ ولم يرد فيه توقيفٌ بتحديد مدةٍ وجب الرجوع فيه إلى العرف. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكذلك إن زوجها أبوها وهي بكرٌ فدخل بها زوجها ثم مات عنها، أو طلقها فقالت الجارية: / ما جامعني، وقد كان الزوج أقر بجماعها، فإن كانت إقامته معها أمرًا قريبًا جاز إنكاح الأب عليها؛ لأنها تقول: أنا بكر، وتُقِرُّ بأن صُنْعَ الأب جائزٌ عليها، ولا يضرها ما قال الزوج من وطئه إياها، وإن طالت إقامتها معه فلا يزوجها أبوها إلا برضاها، أقرَّت بالوطء أو لم تُقِر.

فصل: [7 - في سكوت البكر والثيب عند استئذانهما في النكاح] قال مالك: وإذا قال للبكر وليها: إني مزوجكِ من فلان، فسكتت فذلك رضىَّ منها. قال غيره: إذا كانت تعلم أن السكوت رضى. قال مالك: وإذا سكتت فذهب الولي فزوجها من ذلك الرجل، ثم أنكرت، لزمها النكاح، ولم ينفعها إنكارها بعد سكوتها. قال لاشيخ: لقوله صلى الله عليه وسلم: «فإن سكتت فهو إذنها». قال مالك: وأما الثيب إذا قال لها أبوها أو ليها: إني مزوجك من فلان، فسكتت، فلا يكون سكوتها إذنًا ولا رضىَّ إلا أن تتكلم وتستخلف الولي على إنكاحها. قال عبد الوهاب: وإنما خُصَّت البكر بالصمات لقوله عليه الصلاة والسلام في البكر: «إذنها صماتها»؛ ولأن الحياء يغلب عليها لئلا تَتْسَبَ متى نطقت إلى الشهوة والميل إلى الرجال فيكون ذلك مُزَهِّدًا فيها، وأما الثيب فلقوله صلى الله

عليه وسلم: «الثيب تُعْرِبُ عن نفسها»؛ ولأن الثيب قد زال عنها الحياء ببروز وجهها ومعرفتها بما يُرادَ منها. قال: وينبغي أن تعلم البكر إذا صمتت أن ذلك إذنٌ منها احتياطًا لجواز أن تظن أن ذلك ليس بإذن، وليس ذلك بشرطٍ في صحة الإذن. ومن المدونة: قال مالك: وليست المشورة بلازمةٍ للأب في الأبكار، وروى ابن وهب أن النبي عليه الصلاة والسلام زوج عثمان ابنتيه ولم يستشرهما. قال مالك: وبلغني أن القاسم بن محمد وسالمًا كانا يُنَكِحَان بناتهما الأبكار ولا يستأمرانهن. قال مالك: وذلك الأمر عندنا في الأبكار.

فصل: [8 - في تزويج الأخر أخته بغير أمرها] قال ابن القاسم: ومن زوج أخته البكر أو الثيب بغير أمرها فبلغها ذلك فرضيت، فبلغني أن مالكًا قال مرة: إن كانت بغير البلد أو فيه فتأخَّر إعلامها لم يجز، وإن قَرَبَ جاز. قال سحنون في المستخرجة: إن كانت عن البلد غائبةً مثل البَرِيد واليوم وشبهه، والقُلْزُم من مصر وبينهما يومان فهو قريبٌ إذا أرسل إليها في فور ذلك فأجازت، فأما مثل الإسكندرية وأسوان فلا يجوز وإن أجازت، وقاله أصبغ. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وسألنا مالكًا ونزلت بالمدينة في رجلٍ زوَّج أخته فقالت حين بلغها: ما وكَّلت ولا أرضى، ثم كَلَّمَتَ في ذلك فرضيت؟ فقال لا يجوز هذا النكاح، ولا يُقام عليه حتى يأتنفا نكاحًا جديدًا.

قال في كتاب ابن المواز: إذا علمت فأنكرت، ثم أجازت لم يجز النكاح ولم يُقَرَّا عليه. قيل لمالك: فإن قالت حين بلغها: ما وكَّلته ولم أرض، ثم أقرت بعد ذلك بوكالته، وبأنها كانت راضيةً وهي وكَّلته؟ فقال مالك: لا يجوز ولا يثبت إلا بنكاحٍ جديدٍ. [فصل 9 - في تزويج الأب ابنه الكبير وابنته الثيب وهما غائبان] ومن المدونة: قال مالك: ومن زوج ابنه الكبير المنقطع عنه أو ابنته الثيب وهما غائبان، فرضيا بفعل أبيهما لم يجز النكاح؛ لأنهما لو ماتا لا يتوارثان. قيل لابن المواز: فيفسخ النكاح قبل أن يعلما؟ قال: إن كان ذلك عن قُرْبٍ لم يفسخ حتى يعلما فيجيزا أو يَرَدَّا، وإن كان على بُعدٍ فُسِخَ مكانه إذا علم أنه أُفْتِيْتَ عليهما بغير علمهما. قال ابن المواز: وأحب إلينا في الابن الكبير البائن [عنه] ألا يفسخ بعد البناء إذا رضي حين بلغه، وقال ابن القاسم. وقال أيضًا أصبغ: إنما يؤمران قبل البناء بالفسخ بغير حكمٍ للاختلاف فيه -يريد: في البعيد الغيبة.

قال ابن القاسم: قال مالك: فأما إذا قال الخاطب: هو أمرني بذلك، أو هي أمرتني، ثم قال المتزوج منهما الحاضر: لا حاجة لي بنكاح من إذا قدم كان عليَّ بالخيار، لم يكن ذلك له حتى يقدم الغائب، فإن أقر لزمه، وإن أنكر لم يقبل منه إنكاره بتوكيله مَنْ زوَّجه حتى يحلف أنه ما أمره ولا بعثه، وإذا حلف سقط عنه النكاح. قال الشيخ: ظاهره أنه إن نكل لزمه النكاح. وذكر ابن حبيب: إنه إن لم يحلف لم يلزمه النكاح بنكوله. وذكر عن غير واحدٍ من أصحاب مالك: أنه لا يمين في ذلك. ابن المواز: قيل: فإن أقر الرسول بعد العقد بأن ذلك بغير أمر الغائب؟ قال: إذا كان ذلك بعد النكاح لم يقبل قوله حتى يثبت ذلك بأمرٍ لاشك فيه، أو يقدم الغائب فيحلف. [فصل 10 - في تزويج اليتيمة قبل البلوغ] ومن المدونة: قال مالك: ولا تتزوج اليتيمة التي مُولَّي عليها حتى تبلغ وتأذن في ذلك، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر باستئذان اليتيمة، ولا إذن إلا للبالغة.

قال ابن المواز: وكذلك وصيُّ أبيها لا يزوجها حتى تبلغ ويشاورهما. قال: ولو رضيت في الصغر فزوجت ما كان ذلك تزويجًا، ويفسخ إلا أن يتقادم ذلك بعد الدخول فيُقرَّا عليه. -قال الشيخ: يريد وإن كرهت-. قال ابن القاسم: فإذا لم يدخل فإنه يفسخ أبدًا وإن طال ورضيت. وسئل عن التي بنى بها وقد ولدت؟ فقال: مُنذْ كم بنى بها؟ قال: منذ ثمانية عشر شهرًا. قال: أرى أن يفسخ. قيل: فاليتيمة تبلغ حد الوطء وهي محتاجةٌ فتخطَب وتبلغ النكاح؟ قال: لا يزوجها وصيٌّ ولا وليٌّ حتى تبلغ المحيض. قيل لابن القاسم: فإن قاربت وأَشعَرت؟ قال: إذا جرت عليها المَواسِي وشارفت الحيض فَلْيُنْكِحْها وصيها برضاها فإن لم يكن وصيها فوليها برضاها، وقاله أصبغ، ثم رجع أصبغ، فأباه حتى تبلغ سنَّاً لا يبلغه أحدٌ إلا حاض، فإن زوَّجت قبل ذلك فسخ. قال ابن المواز: وأحب إلي ألا يفسخ إذا زوجت بعد الإشعار. وقد سئل مالك عن صبيةٍ من الأعراب صغيرةٍ محتاجةٍ تطوف وتَسأل، ولَّت أُمُّها رجلاً فزوجها في غنى؟ قال مالك: بِنتُ كم هِي؟ قيل له: بنت عشر سنين.

قال: إذا كانت هكذا في حاجةٍ مُلحَّةٍ تتكفَّف، / يُعرفُ ذلك منها، فلا بأس بذلك إذا رضيت، ولو كانت صغيرةً لم يجز. [فصل 11 - في تزويج اليتيمة بعد البلوغ بغير أمرها] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا بلغت اليتيمة فزوجها وليها بغير أمرها ثم أعلمها بالقرب فرضيت جاز، ولا يكون سكوتها ها هنا رضى. قال الشيخ: وإنما لم يجعل سكوتها ها هنا رضى لتعدِّيه في العقد عليها قبل إعلامها، فزال الحياء عنها الذي أوجب أن يكون صمتها رضى، والأول إنما عَقَدَ بعد إعلامها، فَجُعِلَ سكوتها رضىَّ كما جاء في الحديث. قال الشيخ: ولو زوجها بغير أمرها ثم أعلمها بذلك فسكتت، فأعلمها أن سكوتها وترك ردها له نطقًا يكون رضىَّ به، وأَشهد عليها بذلك، وكل ذلك هي ساكتة، لَعُدَّ ذلك منها رِضىَّ، ولا كلام لها بعد ذلك. والله أعلم. ابن المواز: قال أشهب عن مالكٍ في امرأةٍ زوَّجها أخوها، ثم مات

الزوج قبل البناء، فقال ورثته: لم تكن هي رضيت، فقال: تُسأل هي الآن، فإن قالت كنت رضيت، فذلك لها. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن كانت بغير البلد، أو فيه فتأخَّر إعلامها لم يجز وإن رضيت. قال سحنون: وهذا قول مالكٍ الذي عليه أصحابه. قال شُريح: تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن مَعَّضَت لم تُنكَح، وإن سكتت فهو إذنها. قال سليمان: معنى معَّضَت: عبَسَت وقَطَّبت.

[الباب الرابع] في وضع الأب بعض الصداق، وفي دفعه إليه

[الباب الرابع] في وضع الأب بعض الصداق، وفي دفعه إليه [فصل 1 - في وضع الأب بعض الصداق] قال الله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237]، قال مالك رحمه الله: فإذا زوج الأب ابنته البكر ثم طلقها الزوج قبل البناء فلأبيها أن يعفو عن نصف الصداق الذي لها، وكذلك فيما يُرَى موقعه من القرآن، له أن يعفو عنه، ولا يجوز ذلك لغيره من وصيٍّ أو غيره، فأما قبل الطلاق فلا يجوز للأب أن يضع من صداقها شيئًا. قال ابن القاسم: إلا أن يفعل ذلك الأب على وجه النظر، مثل أن يُعَسِر الزوج عن المهر فيخفِّف عنه ويَنَظِرَه فيجوز ذلك، فأما أن يضع عنه لغير طلاقٍ ولا وجه نظر لها فلا يجوز، وقد قال الله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] وهو الأب في ابنته البكر، والسيد في أمته، وقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] هي المرأة الثيب، وقال ذلك ابن عباس وربيعة وغيرهم.

قال عبد الوهاب: وقال أبو حنيفة والشافعي: ليس للأب أن يعفو عن نصف الصداق، ودليلنا قوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} وهو الأب، ولا يصلح حملها على الزوج، لأنه ليس بيده بعد الطلاق عُقدة إلا أن يضمر فيه: الذي كان بيده، وحملها على الأب غير محتاجٍ إلى ذلك، ولأن الأب وليٌّ يملك الإجبار فجاز له العفو عن صداقها، أصله السيد في أمته. فصل [2 - في قبض ولي اليتيمة صداقها وفي دفع الصداق إلى الأب ثم ادعائه تلفه] ومن المدونة: قال: وإذا زوج البكرَ اليتيمة وليُّها بغير أمرها فقبض صداقها لم يجز قبضه عليها، إلا أن يكون وصيّا، فإن كان وصيَّاً جاز قبضه عليها، لأنه الناظر لها، ومالها في يديه، وإن بلغت حتى تنكح، ويُؤْنس مع ذلك / منها الرشد والإصلاح لنفسها في مالها. قال مالك: وإذا زوج الثيب أبوها ثم قبض صداقها بغير إذنها فادعى تلفه ضمنه الأب. قال ابن القاسم: وإنما ضمَّنه مالك لأنه كان متعديًا في قبض الصداق، إذ لم توكِّله ابنته على قبضه، وهذا كدينٍ لها على رجلٍ فقبضه الأب بغير أمرها، فلا يبرأ الغريم، والأب ضامن، ولها أن تتبع الغريم. قال ابن حبيب: إذا قبضه الأب بغير توكيلها على التقاضي ضمنه للزوج، وإن كان الأب رسولاً للزوج لم يضمن.

وأما الأب يقبض صداق ابنته البكر ثم يزعم أنه ضاع، فإن كان قبضه ببينة كان ضياعه من الابنة ولا شيء على الزوج ولا الأب، ويدخل الزوج بها، وإن قبضه بغير بينة لم يكن للزوج البناء إلا بدفع الصداق إليها ثانية، ولا شيء للزوج على الأب، وقاله ابن وهب وأشهب ونحوه لابن المواز. قال ابن القاسم في العتبية: إذا أقر الأب بقبضه وضاع منه ولا بينة للزوج على دفعه، أن الأب مصدق وضياعه منها، ولا شيء على الزوج. قال الشيخ: وهذا هو القياس، لأن الأب الذي له قبضه بغير توكيل عليه أقر بقبضه، فوجب أن يبرأ بذلك الزوج كوكيل البيع الذي له القبض بغير توكيل يقر بقبض الثمن ويدعي تلفه، أن ذلك يبرئ المشتري، فكذلك هذا، وكما لو باع لها سلعة وأقر بقبض ثمنها. ووجه الأولى: فلأن تصديق الأب لقبضه ودعواه تلفه ذريعة إلى إجازة نكاح بغير صداق، وكما لو وكلته الثيب على قبضه فيدعي قبضه وتلفه، أن الزوج لا يبرأ إلا ببينة أو لا ترى أن الأب إذا صمن الصداق لابنته ثم مات عديمًا فلا يدخل الزوج إلا بدفعه، فهذا كان أحرى أن يدخل بلا غرم، لأن الصداق في ذمة غيره، ولكن من حق الزوجة ألا تسلَّم سلعتها إلا بقبض ثمنها، وهذا القول أحوط، وهو جار على مذهب المدونة لما بينَّا. وبالله التوفيق.

[الباب الخامس] في إنكاح الأولياء وتزويج ابنة الغائب أو العاضل

[الباب الخامس] في إنكاح الأولياء وتزويج ابنة الغائب أو العاضل [فصل 1 - في إنكاح الأولياء] قال أبو محمد: ولما خاطب الله سبحانه الأولياء فقال: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32]، وقال: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 232] دلَّ أن لهم مع النساء إذنًا في أنفسهن. قال غيره: لأن هذه الآية نزلت في شأن مَعْقِلِ بن يَسار لما عَضَلَ أخته فنُهَي عن ذلك.

وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: «لا تنكح المرأة بغير إذن وليها فإن نكحت فنكاحها باطلٌ، فنكاحها باطلٌ، فنكاحها باطلٌ -ثلاث مرات- فإن أصابها فلها مهرها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فالسلطان وليُّ من لا وليَّ له». وقال عمر: لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها، أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان. قال مالك: وذو الرأي من أهلها: الرجل من العصبة أو العشيرة أو الفخذ، وكذلك مولى النعمة إذا كان له الصلاح -يريد المنعم عليه بالعتق- وليس العبد والمرأة من الأولياء. قال الشيخ: ولما كانت المرأة لا تعقد على نفسها كان العقد على امرأةٍ غيرها أحرى أن لا يجوز، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «لا تُنْكِحُ المرأة المرأة، ولا تُنْكِحُ المرأة نفسها». وروى ابن وهب أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «لا يحلُّ النكاح إلا / بصداقٍ ووليٍّ وشهودٍ عدول». قال عبد الوهاب: وإنما كان الولي شرطًا في النكاح حياطةٌ للفروج لئلا تحمل المرأةَ شهوةَ النكاح إلى وضع نفسها في غير كُفءٍ، فتُلْحِقُ عارًا بأوليائها.

قال: والولاية على ضربين: ولايةٌ عامةٌ وولايةٌ خاصةٌ، فالعامة ولاية الدين والأصل فيها قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71]. والولاية الخاصة ولاية النسب أو الحكم، والولاية بالنسب مقدمةٌ على الولاية بالحكم. وإذا استخلفت المرأة أجنبيًا فزوَّجها مع القدرة على أحد الوليين، فقيل: إنه غير جائز، وقيل: إنه ماضٍ إذا تزوجت كُفْؤًا. فوجه الأولى: قوله عليه الصلاة والسلام: «فإن اشتجروا فالسلطان وليُّ من لا وليَّ له». فنفى بذلك أن تكون لغيره ولايةٌ مع وجوده، ولأن في إجازته ذريعةً إلى الفتيات على الأولياء وإسقاط حقهم. ووجه الثانية: أن الولاية الخاصة لا تسقط الولاية العامة جُملةً، وإنما لها مزيَّةٌ عليها في التقديم، فإذا حصل العقد بها على وجهٍ لو عقده الخاصُّ لجاز ولم يفسخ، اعتبارًا بتقديم بعض العصبة على بعض. ومن المدونة: قال مالك: وإذا اختلف الأولياء في إنكاح المرأة وهم في القُعْدَد سواء، نظر السلطان في ذلك، فإن كان بعضهم أَقْعَد من بعض فالأقعدُ أولى بإنكاحها، فالابن وابن الابن أولى بإنكاحها وبالصلاة عليها من الأب، والأب أولى من الأخ، والأخ وابن الأخ أولى بإنكاحها من الجد.

وقال عبد الوهاب: إنما قلنا: إن الابن ولي، وأنه أولى من الأب لقوله عليه الصلاة والسلام لِعُمر بن أبي سَلمة: «قُمْ فزوِّجْ أُمَّك»، ولأن الابن وابن الابن أقوى تعصيبًا في الميراث والولاء من الأب، وإنما قلنا: إن الأب أولى من الأخ للإجماع على ذلك، ولأنه أقوى تعصيبًا، ولا يرثون معه شيئًا. وإنما قلنا: أن الأخ وابن الأخ أولى من الجد خلافًا للشافعي، لأن تعصيبهم أقوى، لأنهم يُدْلون بالبنوة، والجد بالأبوة، لأن الأخ يقول: أنا ابن أبيها، والجد يقول: أنا أبو أبيها، وقد بينَّا أن تعصيب الابن أقوى من تعصيب الأب. ومن المدونة: قيل لابن القاسم: أليس هذا إذا فوَّضت إليهم فقالت: زوجوني، أو خطبت فرضيت، فاختلف الأولياء في إنكاحها وتشاحوا على ذلك؟ قال: نعم.

قال مالك: وإذا كان أولياء المرأة حضورًا كلهم وبعضهم أقعد من بعضٍ، منهم ولد الولد والوالد نفسه والأخ والجد والعم وغيرهم، فزوَّجها العم أو الأخ برضاها وهي ثيب وأنكر والدها وسائر الأولياء لم يُرَدْ النكاح، فليس للأب ها هنا قول، لأنها قد ملكت أمرها. قال مالك: وكذلك إن كانت بكرًا بالغًا لا أب لها ولا وصي، ولها من الأولياء من ذكرنا فزوَّجها الأبعد برضاها وأنكر الأقعد، فالنكاح جائزٌ، وقد قال مالك: إن الرجل من الفخذ يزوج وإن كان ثَمَّ مَنْ هو أولى منه. قال ابن القاسم: وذو الرأي من أهلها يجوز إنكاحه إياها إذا كان له فضلٌ وصلاحٌ وإن كانت من العرب ولها من الأولياء من ذكرنا. وكذلك مولى النعمة يجوز أن يزوج ملاته من نفسه ويلي عقد نفسه، أو يزوجها من غيره برضاها، فيجوز / ذلك على الأقعد من أخ أو غيره، وهو من ذوي الرأي من أهلها إذا كان له الفضل والصلاح، وكانت المرأة ثيبًا، أو بكرًا بالغًا لا أب لها ولا وصي. وقال عليٌّ عن مالكٍ في الأخ يزوج أخته لأبيه، وثَمَّ أخوها لأبيها وأمها أن النكاح جائز إلا أن يكون الأب أوصى بها إلى الأخ الشقيق، فلا تُنْكَحُ حينئذٍ إلا برضاها، وإنما الذي لا ينبغي لبعض الأولياء أن يُنْكِحَ وثَمَّ مَنْ هو أولى منه، إذا لم يكونوا إخوة، وكان أخًا وعَمَّاً، أو عَمَّاً وابن عَم، ونحو هذا وهم حضورٌ.

قال سحنون: وقال أكثر الرواة: لا يزوِّج وليٌّ وَثَمَّ مَنْ هو أولى منه حاضر، فإن فعل نظر السلطان في ذلك. وقال آخرون: للأقرب أن يجيز أو يرد، إلا أن يطول مكثها عند الزوج، وتلد الأولاد، لأن العقد لم يخرج من أن وَلِيَهُ وَلِيٌّ، وهذا في ذات المنصب والقدر. وقال ابن المواز: وليس الخال من الأولياء. قال ابن وهب: وقاله مالك وغيره من العلماء. قال ابن حبيب: الأقرب امضاؤه، أو فسخه ما لم يبن. قال ابن حبيب عن مالك: وذلك ما لم يكن الولي الأقرب حاضرًا يعلم أن غيره عقد على وليته فلا يتكلم، فإن ذلك منه رضى. فصل [2 - في تزويج ابنة الغائب] ومن المدونة: قال ابن القاسم وعلي بن زياد: قال مالك: من غاب عن ابنته البكر غيبة انقطاع كمن خرج إلى المغازي إلى مثل إفريقية

والأندلس وطَنجَة فأقام بها، فرفعت أمرها إلى الإمام، فلينظر لها ويزوجها. قيل لابن القاسم: فهل للأولياء أن يزوجوها بغير أمر السلطان؟ قال: إنما سمعت مالكًا يقول: ترفع أمرها إلى السلطان. -قال ابن المواز: وقال أشهب عن مالك: أن للإمام حينئذٍ أن يزوج - قال ابن القاسم: وأما إن خرج تاجرًا إلى مثل إفريقية ونحوها، ولم يُرِدْ المقام بتلك البلدة، فلا يزوجها ولي ولا سلطان وإن أرادته الابنة، لأن مالكًا لم يوسِّع أن تزوج ابنة الرجل [البكر] وهو غائبٌ إلا أن تكون غيبة منقطعة. قال عبد الوهاب: إذا غاب الأب غيبة انقطاع، فإن كانت حياته معلومة، ومكانه معروفًا، إلا أن استئذانه يتعذَّر، وهي بالغ، فقد اختلُف في جواز إنكاحها: فقال مالك: يزوجها الإمام إن رفعت إليه. وقال عبد الملك: لا يجوز إنكاحها بوجه في حياة الأب. وقال ابن وهب: إن قطع عنها النفقة جاز إنكاحها برضاها، وإن أجراها عليها لم يجز. فوجه قول مالك: أن طول غيبته ضرر بها، فهو كما لو عَضَلَها.

ووجه قول عبد الملك: أنها ذات أبٍ غير عاضلٍ، فلا تُزوج عليه، ولا تسقط ولايته لغيبته كالقريب الغيبة فهو كالحاضر. ووجه قول ابن وهب: أن المراعي في ذلك دخول الضرر البين، وذلك موجود مع انقطاع النفقة، فيكون كالعَضَل. قال: واختلف فيمن ينكحها، فقيل: لا يزوجها إلا السلطان، وقيل: للأولياء أن يزوجوها برضاها. فوجه الأول: أن إنكاحها مع بقاء الأب هو لإزالة الضرر عنها كالعضل، فكان كالحكم على الأب، وذلك يختص بالسلطان. ووجه الثاني: أنها بكر جاز تزويج غير الأب إياها برضاها، فجاز ذلك لسائر الأولياء، أصله إذا مات. وأما إذا انقطع خبر الأب فلم تعلم حياته ولا موته جاز إنكاح الأولياء إياها برضاها. وقال عبد الملك: ليس ذلك لهم إلا بعد سنين / من يوم فُقِد. فوجه الأول: أن الظاهر من أمره الموت، فجاز إنكاحها، وأحسن أحوالها أن يُجْرَى مجرى العضل، فيجب إزالة الضرر عنها. ووجه قول عبد الملك: أنه أنزلها بمنزلة امرأة المفقود من حيث كان الضرر يلحقها بانتظاره، فوجب وقف ذلك على ضرب الأجل له كامرأة المفقود.

قال ابن حبيب من قول مالكٍ في غيبة الولي أنه إن كان قريبًا كتب إليه الإمام، وإن سافر انتظره، فإن بعدت غيبته زوجها الإمام إلا في الأب، فلا يزوجها إلا أن تطول غيبته جدًا فيزوج الأيم، وأما البكر فلا إلا أن ينقطع بالسكنى في بلدٍ منقطع بعيد قد يُئِسَ من رجعته، وطال ثواه بها، كالعشرين والثلاثين سنة، فيزوجها السلطان ولا يفعل ذلك أحد من الأولياء، فإن زوجها وليٌّ لها بإذن السلطان في الغيبة البعيدة مضى النكاح، وإن جَهِل السلطان أو الولي فزوجها في الغيبة القريبة لم يجز، وفسخ إذا جاء الأب وإن ولدت الأولاد، وإن أجازه الأب لم يجز، وقال ابن القاسم. [فصل 3 - في تزويج ابنة العاضل] ومن المدونة: وإذا رضيت ثيب بكفءٍ في دينه، وهو دونها في النسب والشرف وردَّه أبٌ أو ولي، زوَّجها من الإمام. ولقد سألنا مالكًا عن نكاح الموالي في العرب؟ فقال: لا بأس به. قال عبد الوهاب: والكفاءة المعتبرة عندنا هي الدين دون النسب، خلافًا لأبي حنيفة والشافعي

في أنها للنسب لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] , وقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير» , فاعتبر الدين والأمانة دون النسب. وقوله: «تُنْكَحُ المرأة لدينا ومالها وجمالها, فعليك بذات الدين تربت يداك» , فأخبر عن أغراض النكاح, وأمر بذات الدين وجعله العمدة. قال الشيخ: قيل لابن المواز: ما تقول في الذي جاء عن عمر: لا تزوجوا النساء إلا الأكفاء, فأي امرأةٍ من قريشٍ تزوجت غير كفؤ لها فَرَّقَ عمر بينهما, وقال: لا تنكحوا ذوات الأحساب إلا من الأكفاء؟ قال: قد قال عمر غير هذا, قال: دين الرجل حسبه, وكرمه تقواه, ومروءته خلقه, فليس الحسب والشرف إلا في الإسلام والتقوى وما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس لأحد معه حُجة.

وروى ابن وهب أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فانكحوه» , قالوا: يارسول الله: وإن كان أسود, فقال عليه الصلاة والسلام: «إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». وذكر ابن وهب أن بلالاً خطب بنتاً لبُكَير, فأباه أخوتها, وكانوا بدرييَّن, فأخبر بلال رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك, فغضب رسول الله, فبلغهم الخبر, فأتوا أختهم فقالوا: مالقينا من غضب رسول الله من أجل بلال؟ فقالت: قد جعلت أمري لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً. ومن المدونة: قيل لابن القاسم: فإن رضيت بعبد وهي امرأة ثيب من العرب, وأبى الأب أو الولي أن يزوجها منه, [أيزوجها منه السلطان أم لا]؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئاً إلا ماأخبرتك / من نكاح الموالي في العرب [50/ب] ولقد قيل لمالك: إن بعض هؤلاء القوم فرقوا بين عربية ومولاة, فأعظَمَ ذلك إعظاماً

شديداً, وقال: أهل الإسلام بعضهم لبعضٍ أكْفاء, لقول الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]. وقال غيره: ليس الوليُّ بعاضل في منعه ذات القدر نكاح العبد ومثلِه, لأن للناس مناكح قد عُرِفَتُ لهم وعُرِفُوا بها. وقال المغيرة وسحنون: يفسخ. قال عبد الوهاب: وهذا هو الصواب, لأن الحرية من الكفاءة, ولأن العار يدخل على الأولياء بوضع وليَّتهم نفسها تحت عبد, فكان لهم منعُها. فصل [4_متى يعدُّ الأب عاضلاً لابنته؟] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا يكون الأب عاضلاً لابنته البكر البالغ في ردِّ لأول خاطبٍ أو خاطَبيْن حتى يتبيَّن ضرره, وإذا لم يُعْرف من الأب في ذلك ضرر لم يهجم السلطان على ابنته في إنكاحها, ولا حدَّ في ردِّ الأب عنها الواحد والاثنين إلا أن يعَرف ضرره وإعضاله لها, فإذا تبيَّن ذلك منه فأرادت الجارية

النكاح قال له الإمام: إما أن تزوجها, وإما زوجناها عليك, لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «لا ضَرَرَ ولاضِرَار».

[الباب السادس] في إنكاح الأوصياء

[الباب السادس] في إنكاح الأوصياء [فصل 1_ في تزويج الوصي البالغة] قال مالك: وللوصي ووصي الوصي أن يزوج البكر البالغ برضاها وإن كسره الولي, ولا نكاح للأولياء مع الوصي ووصي الوصي, وهما أولى من الأولياء. قال الشيخ: لأنها ولاية كان للأب على ابنته, فكان له نقلها إلى من شاء بعد وفاته, كولاية المال. قال مالك: ولو رضيت الجارية ووليها برجل والوصي ينكر فلا نكاح لها ولاهم إلا بالوصي, فإن هم اختلفوا نظر السلطان في ذلك. قال مالك: وإن زوجها الولي برضاها من رجل وقد حاضت, ولها وصي أو وصي وصي فلا يجوز نكاحه. قال ابن المواز: قال مالك: إذا زوجها أحد أوليائها برضاها كان للوصي أن ينقض نكاحها. ومن المدونة: قال يحيى بن سعيد: الوصي أولى من الولي, ويشاور الولي.

قال: والوصي العدل مثل الأب. قال ابن القاسم: ووصي الوصي في البكر وإن بَعُدَ كالوصي. قال مالك: ويزوج الثيب الولي برضاها وإن كره الوصي, وإن زوجها الوصي أيضاً برضاها جاز وإن كره الولي, وليس هو كالأجنبي فيها. قال ابن المواز: قال أشهب: وإنما الوصي في الثيب كالأب في الثيب. فصل [2_ في تزويج الوصي الصغيرة] ومن المدونة: قال مالك: وليس لأحدٍ أن يزوج الطفلة قبل بلوغها من قاض أو وصيٍّ أو وليٍّ إلا الأب وحده, لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر باستئذان اليتيمة, ولاإذن إلا للبالغة. قال في كتاب ابن المواز والواضحة: وإذا قال الأب للوصي: زوِّج ابنتي فلاناً, أو ممن ترضاه, أو قال: زوِّجها فقط, فهذه يزوجها الوصي قبل البلوغ, وله إكراهها على ذلك بعد البلوغ كالأب. وإن قال: فلان وصيٌّ فقط, أو قال: وصيٌّ على بُضْعِ بناتي, أو على تزويجهن, فلا يزوجهن هذا حتى يبلغن ويرضين. ابن المواز: قال أصبغ: ولو كان الذي أمره الأب بتزويجه لها رجلاً فاسقاً سكِّيراً لم يجز ذلك عليها, ولا يجوز ذلك للأب لو فعله بها, وكان للسلطان أن

يرد نكاحه عليها, لأنه من الضرر, وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الضرر. وكما لو دعت هي إلى تزويج مثل هذا لم يجز أن تُجاب إليه. قيل: فلو أوصى إليه فقال له /: زوِّج ابنتي من فلا بعد عشر سنين [أو بعد أن تبلغ] أو قال له: ممن ترضاه؟ قال: ذلك جائز لازم إذا فرض لها صداق مثلها, وليس لها ولا للوصي أن يأبيا ذلك إذا طلب ذلك من سمَّاه الأب, ويحكم له بذلك, إلا أن يكون لها في ذلك حجة, مثل أن يكون يوم أمره الأب بتزويجه مأموناً مرضيَّاً حسن الحال, ثم خرج بعده إلى الفسق والدَّعارة والتلصُّص, فيبطِل الحاكم عنها وصية الأب فيه سواءً أحبته أو كرهته. قيل: فلو كانت حجتها أن قالت: إن هذا الرجل يوم أمر أبي بإنكاحي منه خلوٌّ من النساء, وهو الآن قد تزوج بعده, أو قالت: اتخذ السراري, فلست أُدْخِلُ عليَّ الضرر؟ قال: ليس هذا مما ترد به النكاح عن نفسها, والأمر لها لازم. قال الشيخ: وقع في بعض روايات المدونة فيمن قال: إن مت من مَرضي فقد زوجتُ ابنتي من ابن أخي. قال فيها سحنون: إنما يجوز ذلك إذا قبل النكاح ابن الأخ بِقُرْبِ ذلك ولم يتباعد.

قال الشيخ: وهذه بخلاف مسألة أصبغ, لأن هذا زوَّج ابنته بعد, وأنما بقي إعلام الزوج ورضاه, فلذلك اشترط إن قَبِلَ بالقرب, وأما الآخر فإنما أوصاه أن يعقد ذلك الوصي إن رضي الزوج, فلذلك جاز بعد الطول وهذا بيِّن. وفي بعض حواشي الكتاب: إذا قال في صحته: إذا مت فقد زوجت ابنتي فلانةً من فلانٍ ابن أخي, أنه لا يجوز هذا عند ابن القاسم, وبه قال أصبغ وابن المواز, لأنه نكاح إلى أجل, كما لو قال: إذا مضت سنة فقد زوجت ابنتي من فلان, وأشهب يجيز هذا. قال أصبغ: وإن في المرض لَمَغّمَزاً أيضا ولكن أهل العلم متفقون على إجازته وهو من أمر الناس ومن وصايا المسلمين في أمراضهم. [فصل 3_في تزويج الأب أو الوصي الطفل الصغير] ومن المدونة: قال مالك: وأما الطفل الصغير فلأبيه أو وصيه أن يزوجه قبل بلوغه, وليس ذلك لغيرهما من الأولياء, ووصي الوصي في ذلك كالوصي. قال: ولأن للطفل أن يطلِّق إذا بلغ وليس ذلك للطفلة.

فصل [4 - في استخلاف الأم من يزوج ابنتها] قال مالك: وللأب أو للولي أن يستخلف من يزوج, وليس للأم أن تستخلف من يزوج ابنتها البالغ اليتيمة, إلا أن تكون الأم وصية, فإن كانت الأم وصية عليها أو على صَبَيَّة غير ابنتها فهي أحقُّ بعقد النكاح من الأولياء, غير أنها لا تلي هي عقد نكاحها, ولكن توكِّل بذلك رجلاً بعد بلوغ الصبيَّة ورضاها, فأما قبل بلوغها فلا.

[الباب السابع] في المرأة يتزوجها رجلان ولا يعلم الأول منهما وولي المعتقة, والاولي يرضى بغير كفء ثم لا يرضى به في نكاح ثان

[الباب السابع] في المرأة يتزوجها رجلان ولا يعلم الأول منهما ووليَّ المعتقة, والاولي يرضى بغير كفءٍ ثم لا يرضى به في نكاح ثان [فصل 1_في المرأة يتزوجها رجلان ولا يُعلم الأول منهما] قال مالك: وإذا وكَّلت المرأة كلَّ واحدٍ من ولييها يزوجها فزوَّجها هذا من رجلٍ وهذا من رجلٍ أخر, فالنكاح لأوَّلهِما إذا عُرَفَ الأول, إلا أن يدخل بها الأخر فهو أحقُّ [بها] وكذلك قضى عمر رضي الله عنه. قال عبد الوهاب: وقال أبو حنيفة: تردُّ للأول على كل حال, ودليلنا: أنه إجماع الصحابة, روي عن ذلك عمر والحسن بن علي

ومعاوية, وقيل: مرويٌّ عن عليٍّ رضي الله عنهم ولا مخالف لهم. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن لم يدخل بها واحد منهما ولم يعرف الأول فسخا بطلقة طلقة, ولا قول لها إن قالت: هذا هو [الأول] , ثم تبتدئ نكاح من أحبت منهما أو من غيرهما. قيل لابن المواز: فإن مات الأول منهما أو طلق قبل أن يدخل الآخر بها ثم دخل الآخر بعد موته أو بعد طلاقه؟ قال: إن لم يعلم بذلك حتى دخل الآخر ثبت نكاحه / كما لو دخل بها والأول حي لم يمت ولم يطلق, ولا ميراث لها من الأول ولا عدة عليها منه, وإن علم بذلك قبل دخول الآخر فسخ نكاح الآخر واعتدت من الأول وورِثَته, وكذلك إن طلق فإنه يفسخ نكاح الآخر على كل حال, وذلك إذا كان عقد

الآخر في حياة الأول قبل أن يموت أو يطلق, وأما لو عقد بعد موته أو طلاقه, فإن تزوجها في عدة موته فسخ نكاحه, لأنه ناكح في عدة, وأما في طلاقه فيثبت نكاحه, إذ لا عدة عليها, لأنه قبل البناء. قيل: فإن دخل الآخر والأول حيٌّ لم يطلق, فأقر الولي الذي زوَّج الآخر أنه كان عالماً بتزويج الأول؟ قال: لم يقبل قوله بعد دخول الآخر إلا أن تقوم بينة أنه كان أقر عندهم قبل تزويجه بعلمه, فيفسخ حينئذ نكاح الآخر فسخاً بغير طلاق. ولكن لو أقر الآخر نفسه بعد دخوله بأنه قد كان بتزويج الأول عالماً قبل أن يدخل بها لم يحتج إلى بينة, وفسخ نكاحه بطلقة بائنة, فكان لها الصداق كاملاً. وقال عبد الملك: فسخاً بغير طلاق. فصل [2_في وليِّ المعتقة من رجلين] ومن المدونة: وإذا أعتق الأمة رجلان فكلاهما وليَّاها, فإن أنكحها أحدهما بإذنها جاز على الآخر وإن لم يرض. فصل [3_في الولي يرضى بغير كفءٍ ثم لا يرضى به في نكاح ثان] قال مالك: وإذا رضي الولي برجل ليس بكفءٍ للمرأة, فصالح ذلك الرجل زوجته فبانت منه, ثم أرادت المرأة نكاحه بعد ذلك فامتنع الولي وقال: لست بِكُفْءٍ لها, فليس ذلك له, وإذا رضي به مرة فليس له أن يمتنع منه أخرى.

قال ابن القاسم: ألا أن يَظَهَر منه على فسق, أو تلصُّص, أو ما فيه حجة غير الأمر الأول, فذلك للولي, وكذلك إن رضي بعبد على ما ذكرنا.

[الباب الثامن] في توكيل المرأة أجنبيا يزوجها أو قالت لوليها: زوجني ممن أحببت

[الباب الثامن] في توكيل المرأة أجنبيا يزوجها أو قالت لوليها: زوجني ممن أحببت [فصل 1_في توكيل المرأة أجنبياً يزوجها] قال ابن القاسم: وإذا وكلت المرأة الدنية مثل المعتقة والمسلمانية والسوداء والمسكينة أجنبياً فزوجها وهي ببلد لا سلطان فيه, أو فيه سلطان يعسر عليها تناوله ولا ولي لها جاز ذلك. وفي رواية أشهب عن مالك: أن الدنَّية وغيرها سواء, ولا يزوجها إلا ولي أو سلطان. قال الشيخ: فوجه الأول: أنه لما لم يكن لها ولي, وكان متناول السلطان بعيداً صار ذلك ضرورة أباحت تزويج الأجنبي إياها, لأنه ولي عام, لقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71]. ووجه الثانية: أن الولي العام لا يزوج مع حضور الخاص, أصله في غير الدنِّية. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكذلك إن ولَّت من أسلمت هي على يديه, فإنه يجوز إنكاحه إياها, وأما من أسلم على يديه أبوها وتقادم ذلك حتى

يكون لها من القدر والغناء والإباء في الإسلام ما يتنافس الناس فيها فلا يزوجها وهو كالأجنبي فيها. قيل لمالك: فرجال من الموالي يأخذون صبياناً من العرب تصيبهم السنة فيكفلونهم ويربونهم حتى يكبروا, فتكون فيهم الجرية فيريد أن يزوجها؟ فقال: ذلك جائز, ومن أنظرُ لها منه. قال الشيخ: يريد إذا بلغت وأذنت, وهذا إذا لم يكن لها أب, وأما إن كان لها أب فلا ينكحها بغير رضى أبيها إلا أن يَجعل ذلك الأب بيده, ونحوه في كتاب محمد. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وأما كل امرأة لها بال وغناء وقدر, فإن تلك لا يزوجها / إلا وليها أو السلطان. قيل لمالك: فلو أن امرأة لها قدر تزوجت بغير أمر ولي, فوَّضت أمرها إلى رجل فرضي الولي بعد ذلك, أيثبت النكاح؟ فوقف فيه. وقال ابن القاسم: إذا أجازه الولي بالقرب جاز, وسواء دخل الزوج أم لا وإن أراد فسخه بحدثان الدخول كان ذلك له وفسَخَه, فأما إن طالت إقامتها معه وولدت الأولاد أمضيته إن كان ذلك صواباً ولم يفسخ, وقاله مالك وغير واحد من الرواة. قال سحنون: وقال غيره: لا يجوز وإن أجازه الولي, لأنه عقده غير الولي.

قال ابن وهب عن مالك في موضع آخر: يفرق بينهما بطلقة, دخل بها الزوج أم لا, إلا أن يجيز ذلك الولي أو السلطان إن لم يكن لها ولي, فأما المرأة الوضيعة مثل المعتقة والسوداء والمسلمانية فإذا كان نكاحها ظاهراً معروفاً فذلك عندي أخف من المرأة لها الموضع. قال الشيخ: وهذا كله موافق لرواية ابن القاسم, وتحصيل مذهب ابن القاسم فيها: هو أنه إذا طال قبل البناء فلابد من فسخه, وإذا طال بعد البناء فلابد من إجازته, وإنما يجيز الولي في القرب, كذلك كان يدرّسه بعض شيوخنا, وهو بيِّن-. قال ابن القاسم: وإذا استخلفت المرأة على نفسها رجلاً فزوجها ولها وليان أحدهما أقعد بها من الآخر, فلما علما أجازه الأبعد ورده الأقعد فلا قول هاهنا للأبعد, بخلاف التي زوجها الأبعد وكره الأقعد, لأن ذلك نكاح عقده ولي, وهذا نكاح عقده غير ولي فلا يكون فسخ هذا إلا بيد الأقعد, وقاله مالك. قال ابن القاسم: وإن غاب الأقعد وأراد الأبعد فسخه نظر فيه السلطان, فإن كانت غيبة الأقعد قريبة بعث إليه وانتظره ولم يعجل, وإن كانت غيبته بعيدة نظر السلطان كنظر الغائب في الرد أو الإجازة, وكان أولى من الولي الحاضر. فصل [2_في المرأة إن قالت لوليها: زوجني ممن أحببت] قال مالك: وإذ قالت المرأة لوليها: زوجني ممن أحببت, فزوجها من نفسه أو من غيره لم يجز حتى يسمي لها من يزوجها, ولها أن تجيز أو ترد. وقد قال ابن القاسم: إن زوجها من غيره جاز وإن لم يسمه, وإن زوجها من نفسه فبلغها ذلك فرضيت به جاز, لأنها قد وكلته بتزويجها.

قال الشيخ: فصار الخلاف إنما هو في الأجنبي خاصة, فأما في نفسه فلا يجوز عليها إلا أن ترضى. قال الشيخ: فوجه قوله: إذا زوجها من غيره لم يجز حتى يُعلمها به, لاختلاف أغراض النساء في أعيان الرجال, وإن تساووا في الكفاءة. ووجه قوله للثاني: فلأن تفويضها ذلك إليه رضى بما صنع. وأما إذا زوجها من نفسه لم يجز حتى يعلمها في القولين, لأنه يتَّهم في تقديم حظِّه ومحاباته نفسه, وكما لو أمرته ببيع سلعتها فباعها من نفسه أنها مخيرة عليه.

[الباب التاسع] في القاضي يزوج المرأة من نفسه والأب يزوج ابنه وهو صامت ثم ينكر وتزويج مواليه الصغار, والوصي إماء اليتامى

[الباب التاسع] في القاضي يزوج المرأة من نفسه والأب يزوج ابنه وهو صامتٌ ثم ينكر وتزويج مواليه الصغار, والوصي إماء اليتامى [فصل 1_في القاضي يزوج المرأة من نفسه] قال ابن القاسم: وإذا لم يكن للمرأة وليٌّ فزوَّجها القاضي من نفسه أو من ابنه برضاها جاز, لأنه وليُّ من لا ولَّي له, وإن كان لها وليٌّ فزوَّجها القاضي من نفسه أو من ابنه برضاها, وأصاب وجه النكاح ولم يكن / منه جور فليس لوليها فسخ ذلك, لأنه في حديث عمر: لا ينكح لامرأة إلا وليها أو ذوي الرأي من أهلها أو السلطان, فقد جعل إليهم النكاح بينهم في هذا الحديث. قال الشيخ: ولما جاز عقده عليها للأجنبي برضاها جاز عقده عليها لنفسه برضاها, وقد أعتق النبي عليه الصلاة والسلام صفيَّة وتزوجها.

ابن المواز: قال ابن وهب: وأخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة ابن الزبير أنه سأل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:3] فقالت: هي البكر اليتيمة تكون في حجر وليها فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط لها في صداقها, فَنُهُوا عن أن يَنْكِحُوهنَّ إلا أن يقسطوا لهنَّ ويبلغوا بهنَّ أعلى سُنَّتِهِنَّ من الصداق, وإلا فلينكحوا ما طاب لهم من النساء سِوَاهن. فصل [2_في الأب يزوج ابنه وهو صامت ثم ينكر] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن زوَّج ابنه البالغ المالك لأمره وهو حاضرٌ صامت, فلما فرغ الأب من النكاح قال الابن: ما أمرته ولم أرض, ولكن صمتُّ لأني علمت أن ذلك لا يلزمني, فليحلف ويكون القول قوله. وقد قال مالك فيمن زوَّج ابنه البالغ وهو غائب فأنكر إذا بلغه النكاح: سقط النكاح والصداق عنه وعن الأب. فهذا عندي مثله وإن كان حاضراً, وابنه وأجنبي في ذلك سواء إذا كان الابن قد ملك أمره:

قال الشيخ: فإن نكل عن اليمين لزمه النكاح, فإن شاء طلَّق وودى نصف الصداق, وإن شاء ثبت عليه. وقد سئل ابن القاسم في المستخرجة عن الرجل يخطب امرأة إلى وليها فيزوجه ويشهد له, فتنكر المرأة أن تكون علمت أو رضيت أتستحلف؟ قال: إن كان الإشهاد على ذلك في المسجد, وحيث يُرَى أنها لم تعلم فلا يمين عليها, وإن كان الإشهاد ظاهرا, أو إطعاماً لوليمة أو إشهاراً في دارها. وحيث يُرى أنها عالمة فأرى أن تحلف بالله ما وكَّلته ولا فوَّضت إليه ذلك, وما ظننت أن ذلك اللَّعب ولا ذلك الطعام الذي صُنِعَ إلا لغيري, ثم لا شيءَ عليها, فإن نكلت عن اليمين لزمها النكاح. قال الشيخ: فكذلك مسألة الابن. وقد حكى عن أبي محمد: أن اليمين إنما هي على الولد استظهاراً, فإن نكل فلا يلزمه شيء. وقال غيره: إذا نكل طلق عليه ولزمه نصف الصداق. والصواب ما قدمنا عن ابن القاسم, وبالله التوفيق. قيل لابن القاسم: فإن رضي الابن بالنكاح وهو كبير, وهو في عياله, إلا أنه قال: لا أغرم من المهر شيئاً, وقال الأب: إنما أردت أن يكون المهر عليك؟ قال: قال مالك: لايكون على واحد منهما من المهر شيء, وتقع الفرقة بعد أيمانهما.

قال ابن القاسم: إلا أن يكون قد دخل فإنه يحلف الأب ويبرأ، ويكون ذلك على الابن وإن كان عديما، إلا أن يكون الابن ممن يُوْلَى عليه فيكون ذلك على الأب، إلا أن يكون للابن مال. فصل [3 - في تزويج المعتق مواليه الصغار وتزويج الوصي إماء اليتامى] ومن المدونة: قال مالك: ومن أعتق صبَّيًا صغيرًا فزوَّجها قبل البلوغ لم يجز عقده عليها بخلاص الوصي الذي يجوز عقده على الصغير ولا يجوز عقده على الصغيرة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باستئذان اليتيمة، ولا إذن إلا للبالغة. وللوصي إنكاح إماء اليتامى وعبيدهم على وجه النظر لليتامى وطلب الفضل لهم، وكما يجوز بيعه وشراؤه على من يلي عليه فكذلك يجوز إنكاح إمائهم وعبيدهم بعضهم من بعض أو من الأجنبي. وقد تقدم أن للرجل أن يُنْكِحَ عبده أو أمته وإن كَرِهَا، وله جبرهما على النكاح.

[الباب العاشر] فيمن أرسل من يزوجه فضمن الرسول الصداق

[الباب العاشر] فيمن أرسل من يزوجه فضمن الرسول الصداق أو زاد فيه [فصل 1 - فيمن أرسل من يزوجه فضمن الرسول الصداق] قال مالك: ومن أتى إلى امرأة وقال: إن فلانًا أرسلني أخطبك له، وأمرني أن أعقد له نكاحه إن رضيت، فقالت: قد رضيت، ورضي وليها فأنكحه وضمن الخاطب الصداق، ثم قدم فلان فقال: ما أمرته، فلا يثبت هذا النكاح، ولا يلزم الرسول شيئًا مما ضمن. قال الشيخ: يعني بعد يمين الغائب أنه ما أمره، لأنه لو أقر له لزمه النكاح. وقد قال مالك في كتاب ابن المواز في امرأة زوَّجها وليها وزعم أنها أمرته، ثم إن المرأة أنكرت ذلك لمَّا بلغها، قال مالك: عليها اليمين، فإن حلفت سقط عنها النكاح، فهذا مثله. قال الشيخ: وإنما لم يضمن الرسول؛ لأنه إنما ضمن لها على تمام النكاح فإذا انفسخ النكاح انفسخ الضمان. وقال علي بن زياد: ويضمن الرسول ما ضمن لها. قال الشيخ: يعني أنه يضمن نصف الصداق، لأنه فسخ بطلاق قبل البناء، فإنما يضمن ما كان على الزوج لو طلق.

[فصل 2 - في ضمان الرسول الصداق وزيادته فيه] ومن المدونة: قال مالك: ومن قال لرجل: زوجني فلانة بألف، فذهب المأمور فزوجه إياها بألفين، فعلم بذلك قبل البناء، قيل للزوج: إن رضيت بألفين وإلا فُرِّق بينكما، إلا أن ترضى المرأة بالألف فيثبت النكاح. قال الشيخ: أراه يريد إنما هذا بعد أن يحلف الزوج أنه إنما أمر الرسول أن يزوجه بألف، فإذا حلف قيل للمرأة: إن رضيت بألفٍ وإلا فُرِّق بينكما، فإن نكل الزوج عن اليمين لزمه النكاح بألفين، وهذا إذا كان على عقد الرسول بألفين بينة، وإن لم يكن على عقده بألفين بينة إلا قول الرسول فهاهنا يكون الحكم فيها كاختلاف الزوجين في الصداق قبل البناء، تحلف الزوجة أن العقد كان بألفين، ثم يقال للزوج: ترضى بذلك، أو فاحلف أنك إنما أمرته بألف، وينفسخ النكاح إلا أن ترضى الزوجة بالألف. قال ابن القاسم: وتكون فرقتهما تطليقة. وقال المغيرة: بغير طلاق. قال ابن القاسم: وسواء في ذلك قال له: زوجني فلانة، أو قال: زوجني، ولم يقل: فلانة. قال: وإن قال الرسول: أنا أغرم الألف التي زدت، وأبي الزوج لم يلزمه النكاح بذلك، لأنه يقول: إنما أمرتك أن تزوجني بألف درهم، فلا أرضى أن يكون صداقي ألفين. -قال الشيخ: ولا أرضى حَمْلُك عنِّي، ولا منَّتك علي-. قال مالك: وإن لم يعلما حتى دخلا لم يلزم الزوج غير الألف، ولا يلزم المأمور شيئًا، لأنها صدَّقة، والزوج جحدها الألف الزائدة، والنكاح بينهما ثابت -يريد وعلى عقد النكاح بينهما بألفين بينة، وليس على رضى الزوج

والزوجة بالتسمية بينة. قال ابن القاسم: وإن أقر المأمور بعد البناء بالتعدي غرم الألف الثانية، والنكاح ثابت. وإن دخل الزوج بعد علمه بتعدي المأمور لزمته الألفان، علمت المرأة بتعديه أو لم تعلم. وكذلك من أمر رجلاً أن يشتري له أمة بمئة درهم فاشتراها له بمئتين، فوطئها الآمر بعد علمه بما زاد المأمور، والبائع عالم بذلك أو غير عالم، فعلى الآمر غرم مئتين. ومن كتاب ابن المواز: قال: وإذا بنى الزوج قبل أن يعلم فإنه يحلف الزوج ما أمره إلا بالألف وما علم بما زاد إلا بعد البناء، فإن نكل غرم، وإن لم يكن على أصل النكاح بالألفين بينة / غير قول الرسول حلف الزوج أيضًا، إلا أنه إذا نكل هاهنا لم يغرم حتى تحلف المرأة على أن أصل النكاح كان بألفين، لا على أن الزوج أمر الرسول بألفين، فإن حلف الزوج أولاً فلها أن تحلف الرسول أنه أمره بألفين، فإن نكل غرم الألف [الأخرى].

قال أصبغ: ولو نكل الزوج فغرم في الوجهين فله أن يحلف الرسول، فإن نكل غرم. قال ابن المواز: وهذا غلط، لا يمين للزوج على الرسول، إذ لو أقر بالتعدي لم يكن بُدٌ من يمين الزوج، لأنه لما ترك اليمين فقد ألزم ذلك نفسه. -قال الشيخ: يريد محمد: لابد من يمين الزوج أنه ما علم بما زاد إلا بعد البناء فإذا نكل عن ذلك لزم الغرم، فلذلك لم يكن له على الرسول يمين-. قال أصبغ: وهذا فيما يشبه أن يكون صداقًا وإن كان دون صداق مثلها وقد بنى، فيحلف وعليه ما أقر به، وإن لم يشبه أن يكون صداقًا وجاء بأمر مُفْرِط مثل الدينارين والثلاثة والخمسة في ذوات القدر واليسار فليحلف قبل البناء، وإن بنى حلف وبلغ بها صداق مثلها على تزويج التخفيف والصلة والقريب المواصل. قال ابن القاسم: وإذا أنكر الآمر ما زوجه به، ثم أقر ورضي بعد ذلك، فإن كان إنكاره ردَّاً وفسخًا لفعله فلا يجوز أن يجيزه، قَرُبَ أو بَعُدَ إلا بنكاح جديد، وإن لم يكن على الرد مثل أن يقول: أكثرتم علي، وما أحِبُّ هذا، وما أَرَاني أرضى، وشِبه هذا فلا بأس أن يجيز، وإن طال الأمر ولا يُعلم منه رضى ولا سخط فلا يجوز إلا أن يأتنفا نكاحًا جديدًا حين لم يُجْزِه حين علم، ولأنهما لا يتوارثان، وأما ما قُرب فيتوارثان استحسانًا. وقال: وتحرم على آبائه وأبنائه، ردَّ ذلك أو رضيه، وقال أصبغ، وذلك كله ما لم يدخل.

[الباب الحادي عشر] في النكاح يعقده ذمي أو عبد أو امرأة

[الباب الحادي عشر] في النكاح يعقده ذمي أو عبد أو امرأة [فصل 1 - في النكاح يعقده ذمي] قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71]، وقال: {لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} [المائدة: 51]. قال مالك: فلا يجوز لنصرانيٍّ عقد نكاح مسلمة أَبَاً كان أو غيره. قال ابن القاسم: ويعقد النصراني نكاح وليته النصرانية لمسلمٍ إن شاء، لأنه وليٌّ لها، وإن كان لهذه النصرانية أخ مسلم فلا يعقد نكاحها من مسلم إن كانت من نساء أهل الجزية، لقول الله تعالى في أهل الكفر: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72]. قال ابن المواز: وإذا زوَّجها مسلم فقد زوجها غير وليٍّ، كان أَبَاً أو غيره. قال ابن القاسم: وإن لم تكن من نساء أهل الجزية وقد أعتقها مسلم جاز أن يزوجها وليها المسلم ومولاها بإذنها، لأن ولاءها للمسلمين. وأما إن كانت من نساء أهل الجزية فلا يزوجها مسلم من مسلم ولا من نصراني، فإن زوجها المسلم من مسلم فُسِخ نكاحه، لأنه زوَّجها غير وليٍّ، وإن

زوجها من نصراني لم أفسخه، لأنه نصراني تزوج نصرانية بغير ولي، ولسنا نعرض لهم في نكاحهم، إلا أن المسلم الذي عقد نكاحها منه ظلم نفسه لما أعان على ذلك ودخل لهم فيه. قال ابن المواز: قيل لأشهب: فالنصراني تكون له البنت النصرانية أيعقد نكاحها مع مسلم؟ قال: نعم. قيل له: فإن كان الأب مسلمًا أيعقد نكاحها مع مسلم؟ قال: لا. قال أصبغ: إن وقع لم أفسخه، وهو نكاح، لأن النصراني لا يعقد نكاحًا إلا كان عقد المسلم أصح منه وأفضل، وإنما ولايتها في الحكم أولى من وليها المسلم فإن لم يرغبوا فولت مسلما عقد نكاحها فهو أحب إلى من وليها الكافر. قال ابن المواز: وهذا غلط، وخلاف لقول مالك / وابن القاسم [وأشهب] مع غفلة عن الحجة، لأن المسلم ليس بولي لها، فإذا أنكحها من مسلم صار هذا المسلم قد تزوجها بلا ولي فنكاحه باطل. قيل لابن القاسم: فإن كانت هذه النصرانية لا ولي لها أرادت نكاح مسلم، أتولي مسلما يزوجها منه؟ قال: لا، ولا يزوجها إلا أهل دينها أساقفتهم أو بعض ولاتهم. قيل له: هل للسيد المسلم أن يزوج أمته النصرانية من نصراني أو غيره؟ قال: نعم، وليس هذا من قبل الولاية ولكن من قبل أنها ماله. قال الشيخ: وأما تزويجه إياها من غير مسلم فجائز، وأما من مسلم

فلا يجوز، لأن المسلم لا يجوز له نكاح الأمة الكتابية ولا يطؤها إلا بملك اليمين، كان حرًا أو عبدًا، كانت لمسلم أو ذمي، ولا يزوجها سيدها من غلام له مسلم، قال مالك في النكاح الثالث. فصل [2 - في النكاح يعقده عبد] ومن المدونة: قال مالك: والعبد والمكاتب والمدبَّر والمعتق بعضه والنصراني والمرتد ليس منهم مَنْ يلي عُقْدَةَ النكاح، فإن عقد أحدهم نكاح ابنته البكر أو الثيب برضاها، وابنة النصراني ملسمة لم يجز ويفسخ وإن دخل بها، وللمدخول بها المهر بالمسيس. قال مالك: ولو كانت ابنة العبد حرة فأراد أولياؤها إجازة ذلك لم يجز، ولابد من فسخه، لأن العبد والمكاتب والمدبر لا يجوز لهم أن يعقدوا نكاح بناتهم ولا أخواتهم ولا أمهاتهم.

قال مالك في كتاب محمد فيما عقده الأب العبد على ابنته أو غيرها، أو فيما عقدته المرأة على ابنتها أو ابنة غيرها أو على نفسها: يفسخ قبل البناء أو بعده، وإن ولدت الأولاد وطال زمانه أجازه الأولياء أو كان بإذنهم، كان [لها] خَطْبٌ أو لم يكن، ويفسخ بطلقة، ولها المسمى إن دخلت. قال أصبغ: ولا ميراث فيما عقدته المرأة أو العبد وإن فسخ بطلاق، لضعف الاختلاف فيه. قال ابن القاسم: وكذلك عَقَدُ مَنْ فيه بقية رق. قال مالك: وكذلك إن كانت المرأة أو العبد وصيين على التي عقدا عليها، فلا يجوز عقدهما، إلا أن للعبد الوصي أو المرأة الوصية أن يولِّيا أجنبيًا على العقد، فيجوز وإن كره الأولياء، وإن لم يكونا وصيين فلا يجوز عقدهما ولا استخلافهما. قال ابن القاسم في العتبية: وإن كان العبد ذا نَفَاذ ونَظَر فليحضر وليُسمع من رأيه، وليس له في الاستخلاف شيئًا. وقال في الواضحة: وإن جَهِلَ العبد فاستخلف غيره فعقد نكاح ابنته الحرة فسخ ذلك، وإن فات بالبناء مضى ولم يفسخ. قال في العتبية: وكذلك النصراني لا يزوج ابنته المسلمة ولا يستخلف من يزوجها، ولا يطلب في ذلك رضاه إلا أن يكون وصيَّاً لرجل مسلم وأجازه الإمام

فله أن يستخلف مسلمًا يلي عقد نكاح بنات الميت. قال عبد الوهاب: وإنما لم يجز عقد العبد على النساء، لأن الرق ينافي ولاية عقد النكاح، لأن العبد ناقص نقصًا أوجبه الكفر، وهو أصل رقِّه، فهو كالكافر فيه، ولأن كلَّ نقص منع وجوب صلاة الجمعة وتقلَّدَ الحكم منع ولاية عقد النكاح على النساء كالنساء. ومن المدونة: قال مالك: والعبد إذا استخلفه حر على البُضْعِ فليوكِّل غيره على العقد. قال مالك: وللمكاتب إنكاح إمائه على ابتغاء الفضل، وإلا لم يجز إذا ردَّ ذلك السيد. ولا يتزوج المكاتب إلا بإذن سيده. فصل [3 - في النكاح تعقده امرأة] قال مالك: ولا تعقد المرأة نكاحًا على أحد من الناس ولا ابنتها ولكن تستخلف رجلاً يعقد لها النكاح إن كانت وصيةً، ولها أن تستخلف أجنبيًا وإن كان أولياء الجارية حضورًا.

قال سحنون: قال بعض / الرواة: وذلك أن جميع من سميت ليس بولي، فإذا استُخلف أحد منهم على النكاح فليستخلف هو غيره، بذلك جاءت الآثار والسنة. وروى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ميمونة، فجعلت ميمونة أمرها إلى أمُّ الفضل، فولَّت أمُّ الفضل العباسَ فزوَّجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى ابن وهب عن أبي هريرة أنه قال: لا تُزوِّجَ المرأةُ المرأة، ولا تُزوِّجُ المرأةُ نفسها، فالزانية هي التي تُنكِحُ نفسها.

قلت لابن القاسم: فحديث عائشة رضي الله عنها حين زوجت حفصة بنت أخيها عبد الرحمن من المنذر بن الزبير، أليس قد عقدت عائشة رضي الله عنها النكاح؟ قال: لا أعرف تفسيره، إلا أني أظنُّ أنها وكَّلت مَنْ عقد نكاحها. قال ابن المواز: ولا يثبت أنها عقدته، فلا يحتج بمثل هذا، وقد يقال فيمن فعل بأمره أن الآمر فعله، وكما جاء في بريرة أنها كانت مكاتبة فاشترتها

عائشة رضي الله عنها، فصار ولاؤها لها، وليس في الحديث أنها عجزت، فلم يستقم إلا أن يقال: إنها عجزت، لأنه لا اختلاف في أن ولاء المكاتب لمن عقد كتابته، إلا أن يعجز، فعلى هذا يُحْمَلُ أمر عائشة في التزويج أنها أمرت من عقد النكاح، وذكر حديث أبي هريرة أنه قال: لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج نفسها، فإن الزانية هي التي تنكح نفسها. قال الشيخ: وذكر هذا الحديث عبد الوهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تنكح المرأة نفسها». وقال غير ابن القاسم في المدونة: قد جاء حديث عائشة رضي الله عنها ولكن لم يصحبه عمل، فهو كغيره من الأحاديث مما لم يصحبه عمل، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن»، وقد أُنزِل حدُّه على الإيمان، وقَطْعُه على الإيمان،

وروي عن الصحابة رضي الله عنهم أحاديث لم يعمل بها، وأخذ عامة الناس والصحابة بغيرها، فبقي الأول غير مُكَذَّب ولا معمول به، فاترك ما تُرِكَ العمل به، ولا تكذِّبه، واعمل بما عُمِلَ به، وصَدِّقه، وقد صَحِبَ العملَ قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تتزوج المرأة إلا بولي»، وقول عمر: لا تتزوج المرأة إلا بولي، وإن عمر فرَّق بين من يَزَّوَّجُ بغير ولي. وقال عيسى عن ابن القاسم: وللرجل أن يستخلف من شاء امرأة أو عبدًا أو نصرانيًا يعقد نكاحه. قال: فتعقد المرأة على عبدها نكاحه، ولا تعقد على أمتها، وكذلك قال ابن حبيب: إن للمرأة أن تليَ عقد نكاح من تلي عليه من الذكور، وكذلك في عبدها، وأنها لا تعقد على من لا يعقد على نفسه أبدًا. قال الشيخ: وإنما يعقد على من له حِلُّ ما عقدت عليه يومًا مَا.

[الباب الثاني عشر] في نكاح بغير إذن الولي

[الباب الثاني عشر] في نكاح بغير إذن الولي [فصل 1 - في ذكر ما يدل على تحريم النكاح بغير إذن الولي وعقوبة فاعله] روى ابن وهب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنكح المرأة بغير إذن وليها، فإن نكحت فنكاحها باطل، وأعادها ثلاث مرات، فإن أصابها فلها مهرها بما أصاب منها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له». قيل لمالك فيمن يزوج امرأةً بغير أمر الولي بشهود: أَيُضْرب أحد منهم؟ فقال: أو دخل بها؟ قالوا: لا، وأنكر الشهود أن يكونوا حضورًا. فقال: لا عقوبة عليهم. قال ابن القاسم: إلا أني رأيت منه أنه لو دخل عليها لعوقبت المرأة والزوج والذي / أَنْكَح، ويؤدَّب الشهود أيضًا إن عَلِمُوا. قال ابن وهب: وروي عن عمر بن الخطاب في رَكْبٍ جمعتهم الطريق، قولَّت امرأة أمرها غير وليِّ فأنكحها رجلاً منهم، ففرَّق عمر بينهما، وعاقب النَّاكِحَ والمُنْكِح. وكتب به عمر بن عبد العزيز إلى أيوب بن شرحبيل: أَيُّما رجل نكح

امرأة بغير إذن وليِّها انتَزِعْ منه امرأته، وعاقِبِ الذين أَنْكَحُوا. [فصل 2 - في ما يترتب على النكاح بغير إذن الولي إن فعل] قال مالك: ويكره للرجل أن يتزوج امرأةً بغير إذن وليها. قال ابن القاسم: فإن فَعَل كُرِهَ له وطؤها حتى يعلم وليُّها فيجيز أو يفسخ، ولو أن امرأة استخلفت رجلاً فزوجها بغير إذن الولي، فسخه الإمام أو وليها عند الإمام، فليفسخه بطلقة بائنة، سواء دخل بها أو لم يدخل، ثم إن أرادته زوَّجها إياه الإمام مكانها وإن كَرِهَ الولي، إذا دعت إلى سداد وإن لم يساوِ حَسَبَها ولا غِناها، وكان مرضَّيًا في دينه وعقه، وهذا إذا لم يكن دخل بها. قال الشيخ: يريد: ولو كان دخل بها لم يُنكِحْها حتى تستبرأ بثلاث حيض. قال الشيخ: وذكر عن أبي عمران في قوله: وهذا إذا لم يكن دخل بها، قال: إن كان الاشتراط من قول ابن القاسم فهو خلاف الذي ذكر ابن حبيب. والذي ذكر ابن حبيب قال: قال مالك: إن كان نكاحًا ليس لأحد إجازته فلا يتزوجها في الاستبراء منه، وإن كان للولي أو السلطان إجازته فله أن يتزوجها في عدتها منه قبل تمامها. قال أبو عمران: فإن كان هذا الاشتراط من لفظ سحنون فقد مرَّ على مذهبه، لأنه قال في العبد يتزوج بغير إذن سيده فيجيز السيد نكاحه: أنه يستبرئ بعد إجازة السيد، وقاله ابن الماجشون معه.

وكذلك كل عقد كان فاسدًا ثم أجيز فلابد فيه من الاستبراء، بخلاف من تزوج بصداق فاسد، هذا إذا ثبت بالدخول لا استبراء فيه. وكذلك الذي يكون عقده صحيحًا ثم يطؤها وطأ فاسدًا مثل وطء الحائض والصائمة في رمضان، لا استبراء في هذا الوطء. قال الشيخ: لأن الاستبراء في مثل هذا إنما يقع في ابتداء النكاح أو ما ضارعه مما للولِيِّ فسخه أو إجازته كابتداء نكاح، وأما نكاح لا تعقُّبَ لأحد في إجازته فلا استبراء في وطئه. قال الشيخ: يريد: ولو كان دخل بها لم يُنكِحْها حتى تستبرأ بثلاث حيض. قال ابن القاسم: وإن كان وليها غائبًا وقد استخلفت رجلاً فزوَّجها فرفعت هي أمرها إلى الإمام قبل قدوم وليها، نظر الإمام في ذلك وبعث إلى وليها إن قرب، وإن بَعُدَ نظر كنظر الغائب في الردِّ والإجازة. وقال غيره: إن كانت غيبة الولي بعيدةً لم ينتظر، وينبغي للإمام أن يفرق بينهما ويأتنف نكاحها منه إن أرادته، ولا ينبغي أن يُثْبِتَ نكاحًا عقده غير وليٍّ في ذات الحال والقدر. قال ابن القاسم: وإذا تزوجت امرأة بغير إذن الولي فأراد الولي أن يفرق بينهما فالفرقة في مثل هذا لا تكون إلا عند السلطان، إلا أن يرضى الزوج بالفراق دونه. وإن تزوجت ولم تستخلف أحدًا لم يقر هذا النكاح في دنيئة ولا غيرها، ويفسخ وإن ولدت الأولاد، لأنها هي عقدت النكاح، ولا يجوز ذلك على حال.

قال / ابن القاسم: ويدرأ عنها الحد. وإن زوجها وليها من رجل، ثم طلقها ذلك الرجل ثم خطبها فليس له نكاحها إلا بعقد الولي أيضًا، والنكاح الأول والثاني سواء. وقال ابن القاسم: من أعتق أم ولده وله منها أولاد رجال ثم أنكحها سيدها من نفسه أو من غيره برضاها جاز وإن كره ولدها، لأن المَوْلى ولي. وبالله التوفيق.

[الباب الثالث عشر] في النكاح الذي يفسخ بطلاق أو بغير طلاق

[الباب الثالث عشر] في النكاح الذي يفسخ بطلاق أو بغير طلاق [فصل 1 - في النكاح الذي يفسخ بطلاق] قال مالك: كل نكاح يكون للولي أو لأحد الزوجين أو لغيره إمضاؤه أو فَسخُه، فإن فَسْخَه إياه بطلاق، وتكون تطليقة بائنة. قال ابن القاسم: ويقع فيه الطلاق والمواريثة قبل الفسخ، مثل التي تتزوج بغير أمر الولي، فيطلقها الزوج قبل البناء أو بعده، فإنه يلزمه ما طلقها، وكذلك إن خالعها على مالٍ أخذه منها قبل أن يجيز الولي، ثم أبى الولي أن يجيز، فإن الزوج يحل له ما أخذ منها، لأن طلاقه يقع عليها بما أعطته. قال ابن القاسم: لأن فسخ هذا النكاح عند مالك لم يكن على وجه تحريم النكاح، ولم يكن عنده بالأمر البين، وقد سمعته يقول: مَا فَسْخَه بالبين ولكنه أحب إلي. فقلت له: أترى أن يفسخ وإن أجازه الوي؟ فوقف عنه، فعرفت أنه عنده ضعيف. وقال غيره في التي خالعها على مال: يرد المال، لأن للولي الإجازة أو الفسخ، مثل التي تتزوج رجلاً فتختلع منه، ثم يظهر أنه كان مجنونًا أو مجذومًا، فالخلع ماض، وترجع عليه بما أخذ منها، لأنها أملك لفراقه.

[فصل 2 - في النكاح الذي يفسخ بغير طلاق] وقال ابن القاسم غير مرةٍ هو وأكثر الرواة: إن كلَّ نكاحٍ كانا مغلوبين على فسخه مثل نكاح الشغار ونكاح المريض والمحُرِم، وما كان صداقه فاسدًا، أو عُقِدَ على أن لا صداق فيه فأُدْرِكَ قبل البناء فكانا مغلوبين على فسخه، فالفسخ في ذلك كله بغير طلاق، ولا يقع فيه طلاق، ولا ميراث فيه. قال ابن القاسم: وما عقدته المرأة على نفسها أو على غيرها، وما عقده العبد على غيره، فإن هذا يفسخ قبل البناء وبعده بلا طلاق، ولا ميراث فيه، وهكذا قال مالك: إن كل نكاح يفسخ على كل حال فالفسخ فيه بغير طلاق. قال الشيخ: وقد تقدم لمالك في كتاب محمد: أن ما عقدته المرأة على نفسها فالفسخ فيه بطلاق.

قال ابن القاسم: وكل ما فسخ بعد البناء مما فسد لعقده ففيه المسمى، وما فسخ من جميع ما ذكرت قبل البناء فلا صداق فيه، وترده إن قبضته. قال الشيخ: وإنما قال ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «فإن أصابها فلها مهرها بما أصاب منها»، وفيه دليلٌ أنه إن لم يصبها فلا مهر لها. قال ابن القاسم: وإن قذفها الزوج في النكاح الذي لا يقرَّان عليه على حال لَاعَن، لثبوت النسب فيه، وإن ظاهر منها لم يلزمه ظهار إلا أن يريد بقوله: إن تزوجتك، من ذي قبل، فهذا إن تزوجها تزويجًا صحيحًا لزمه الظهار. وإن آلى منها لم يلزمه الإيلاء، لأنه أمر بفسخ، ولكن إن تزوجها بعد هذا النكاح المفسوخ لزمه الإيلاء، لأنه لو قال لأجنبية: أنت طالق، لم يلزمه شيء، ولو قال لها: والله لا أطؤك، ثم تزوجها كان مُوليًا منها عند مالك، وإنما الظهار بمنزلة الطلاق. ولو قال لأجنبية: أنت طالق، لم يلزمه شيء إلا أن يريد بقوله: إن تزوجتك فأنت طالق، فهذا إن تزوجها فهي طالق، وكذلك الظهار، ثم قال ابن القاسم لرواية / بَلَغَتْه عمن يرضاه من أهل العلم: إن كلَّ نكاح نصَّ الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام على تحريمه لا يختلف فيه فإنه يفسخ بغير طلاق، وإن طلق فيه قبل الفسخ لم يلزمه، ولا يتوارثان كمتزوج الخامسة أو أخته من الرضاعة، أو المرأة

في عدتها، أو على عمتها، أو على خالتها، أو على أمها قبل أن يدخل بها، ولا تحرم بهذا النكاح إن لم يمسَّ فيه على آبائه وأبنائه، ولا يكونان به إن مسَّها فيه مُحصَنَيْن. وقال غيره في الذي يتزوج امرأة ولم يدخل بها حتى تزوج ابنتها فَعَلِمَ بذلك وفسخ نكاح الابنة: أن الابنة لا تحلُّ لآبائه ولا لأبنائه لشبهة العقد. قال الشيخ: وقول الغير يدخل في التي تتزوج على أختها أو عمتها أو خالتها وإن دخل بهن، لأنها تحل له بعد الفسخ إن فارق الأولى، وأما لو دخل بالأم ثم تزوج البنت فسخ نكاحه قبل البناء، فإنه لا تحرم هذه الابنة على آبائه ولا أبنائه في قول ابن القاسم وغيره. قال ابن القاسم: وكل ما اختلف الناس في إجازته أو رده فالفسخ فيه بطلاق، ويقع فيه الطلاق والموارثة قبل الفسخ كالمرأة تُزوج نفسها، أو تُنْكَحُ بغير ولي، والأمة تتزوج بغير إذن السيد، لأن هذا قد قال خلق كثير: إن أجازه الولي جاز، ألا ترى أنه لو زوجت امرأة نفسها فرفعت ذلك إلى قاض يجيز ذلك، وهو رأي [بعض] أهل المشرق، فقضى به وأنفده حين أجازه الولي، ثم أتى قاض ممن لا يجيزه أكان يفسخه؟ ولو فسخه لأخطأ في قضائه.

وهكذا كلُّ نكاح اختلف الناس في إجازته أو فسخه إذا رُفع إلى قاض فحكم بإجازته، ثم رُفع بعد ذلك إلى غيره، لم يكن له نقضه، لأن غيره قد حكم به، وهو مما اختُلِف فيه. قال ابن القاسم: وكذلك نكاح المحرِم والشغار بعينه أحب ما فيه إليَّ أن يفسخ بطلاق، ويكون فيه الميراث، لأنه قد اختُلف فيه. قال الشيخ: وتحصيل ما يفسخ بطلاق أو بغير طلاق في قول ابن القاسم، هو: أن كل نكاح لأحد الوليين أو الزوجين إجازته أو فسخه فلم يَختلف قوله أن الفسخ فيه بطلاق، وأن كلَّ ما نصَّ الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام على تحريمه لا يختلف فيه، فالفسخ فيه بغير طلاق، واختلف قوله فيما اختلف الناس فيه فقال: يفسخ بغير طلاق، وقال: بل بطلاق، وكل ما فُسخ بطلاق ففيه الميراث على قوله هذا، وكل ما فسخ بغير طلاق فلا ميراث فيه. [فصل 3 - في تطليق العبد امرأته قبل إجازة السيد نكاحه] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا نكح عبد بغير إذن سيده وطلق امرأته قبل أن يجيز السيد نكاحه، أو أُعتقت أمة تحت عبد فطلقها زوجها قبل أن تختار، فالطلاق لازم، كان واحدة أو البنات، فإن فسخ السيد نكاح عبده قبل البناء لم يجز للعبد أن يتزوج أمها، وكذلك كل ما فسخ نكاحه قبل البناء مما اختلف

الناس فيه، فإنها لا تحل لأبيه ولا لابنه، لأن كل نكاح اختلف الناس فيه فالحرمة تقع فيه كالحرمة في النكاح الصحيح الذي لا اختلاف فيه. [فصل 4 - في تزويج الغائب بغير أمره] وقد روي عن مالكٍ في رجل زوَّج ابنه البالغ المالك لأمره وهو غائب بغير أمره، ثم أتى الابن فأنكر ما صنع أبوه، قال: لا ينبغي للأب أن يتزوج تلك المرأة. قال مالك: وإن زوَّج أجنبي غائبًا بغير أمره فأجاز إذا بلغه لم يجز هذا النكاح / وإن رضي إذا طال ذلك، ولا يتزوجها أبوه ولا أجداده ولا ولده ولا ولد ولده. قال ابن القاسم: ولا ينكح هو أمها، وينكح ابنتها إن لم يبن بالأم. وقال المغيرة وابن الماجشون وابن دينار: إذا قدم الغائب فلم يرض فلا يقع بذلك التحريم، وروي لمالك. قال عبد الملك: وإن أجازه القادم ففسخناه فإن الحرمة تقع به حينئذ. قال الشيخ: فوجه قول ابن القاسم: أنه نكاح اختلف في جوازه إن أجازه الزوج، ولأنه يجوز عندنا إن أجازه بالقرب، فوجب أن تقع به الحرمة كالنكاح الذي لأحد الزوجين إجازته أو فسخه.

ووجه رواية عبد الملك: أنه إنما تقع الحرمة في نكاح اتفق الزوجان على عقده بغير مؤامرة الولي، وكان للولي الخيار فيه، أو كان بأمر الولي فوجد أحد الزوجين بالآخر عيبًا فوجب له الخيار في فسخه، فهذا تقع الحرمة فيه لاتفاق الزوجين على عقده، وأما الغائب فلم يأمر بنكاحه من هذه ولا رضيه فلا يجب أن تقع الحرمة فيه. قال الشيخ: وإذن لا يشأ أحد أن يمنع رجلاً نكاح امرأة أراد نكاحها إلا ذهب إليها ورغَّبها في الصداق، وأنكحها من أبيه أو ابنه بغير أمره فأوقع الحرمة بينهما وهذا من الضرر. فصل: 5 - [في حق السيد في التطليق على عبده إن نكح بغير إذنه] ومن المدونة: قال مالك: وإذا نكح عبد بغير إذن سيده فللسيد أن يطلق عليه واحدة بائنة أو طلقتين جميع طلاق العبد. قال الشيخ: لأنه لما نكح بغير إذن السيد صار طلاقه بيد السيد، فله أن يُبَيِنُهَا منه كما كان ذلك للعبد. قال مالك: فإن طلق عليه طلقتين، لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره. وقال أكثر الرواة: لا يطلق عليه إلا واحدة، لأن الواحدة تُبِينَهَا وتُفْرِغُ له عبده. قال مالك: وللأمة إذا عتقت تحت العبد أن تختار نفسها بالبتات.

قال ابن القاسم: وإنما جَعَلَ ذلك لها مالك لأنه ذَكَرَ عن ابن شهاب في زبراء أنها قالت: ففارقْتُه ثلاثًا، فبهذا الأثر أخذ مالك، وكان يقول مرة: لا تختار إلا واحدة بائنة، وقاله أكثر الرواة. قال الشيخ: فوجه الأول: أنها ملكت ما كان يملكه من الفراق، فلها أن تفارقه بما شاءت كَهُوَ. ووجه الثانية: أن الواحدة تبينها منه، وتملك نفسها بها، فالزيادة على ذلك ضرر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» فَمُنِعَتْ أن تُضِرَّ به.

[الباب الرابع عشر] في إنكاح الرجل أم ولده ومكاتبته ومدبرته وأمته وعبده كرها وفي تزويج الأمة والعبد بغير إذن سيده

[الباب الرابع عشر] في إنكاح الرجل أم ولده ومكاتبته ومدبرته وأمته وعبده كرها وفي تزويج الأمة والعبد بغير إذن سيده [فصل 1 - في إكراه الرجل أم ولده ومكاتبته ومدبرته على النكاح] قال ابن القاسم: وكره مالك أن يزوج الرجل أم ولده. قال ابن القاسم: فإن فعل لم يفسخ. قال ابن حبيب: اختلف قول مالك في جواز إكراه إياها على النكاح، فأجازه مرةً إذا زوَّجها ممن يشبهها، ثم رجع فقال: لا يزوجها إلا برضاها، وكان أحب إليه أن لا يزوجها أصلاً على وجه التنزُّه. قال ابن المواز: له أن يُكْرِهَ أم ولده ومكاتبته ومدبَّرته على النكاح. وقال في كتاب المكاتب: ولا يزوج مكاتبته إلا برضاها. [فصل 2 - في إكراه الرجل عبده وأمته على النكاح] ومن المدونة: قال مالك: وله أن يُكْرِه عبده أو أمته على النكاح. قال في كتاب ابن المواز: وليس له أن يضر به / فيزوجه ما لا خير فيه.

قال عبد الوهاب: وقال الشافعي: ليس له أن يُكْرِهَ العبد. ودليلنا: قوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] ولم يشترط رضاهم، ولأنه عقد على منفعة كالإجارة، ونقيس العبد على الأمة. ابن المواز: قال مالك في العبد نصفه حر: لا يزوجه سيده إلا برضاه، ولا يتزوج هو إلا برضى سيده، وكذلك الأمة نصفها حر لا يتم نكاحها إلا برضاها. [فصل 3 - في تزويج السيد معتقته إلى أجل] واختلف قوله في المعتقة إلى أجل فقال: يزوجها بغير رضاها، وقال: لا يزوجها إلا برضاها. قال أشهب: له أن يزوجها كما له أن ينتزع مالها، وكذلك روى ابن القاسم عن مالك. قال ابن المواز: مَنْ له انتزاع مالها فله إكراهها ما لم يطلب بذلك ضررها. قال الشيخ: يريد: فإذا قرب أجل عتقها لم يكن له أن يزوجها كُرْهَاً كما له أن ينتزع مالها.

وكذلك في العتبية عن ابن القاسم قال فيها في الموصى بعتقها إلى أجل وهي تخدم الورثة: فليس لهم إكراهها على النكاح ولكن برضاها، ولا لهم انتزاع مالها قرب الأجل أو بعد. وقال سحنون، ولأنها به قوِّمت في الثلث. فصل [4 - في تزويج السيد عبده على أن الطلاق بيد السيد] ومن الواضحة: قال ابن الماجشون: ولا يجوز أن يزوج عبده على أن الطلاق بيد سيده ويفسخ، وإن بنى بها مضى ويبطل الشرط. فصل [5 - في زواج العبد والأمة بغير إذن السيد] ومن المدونة: قال مالك: ولا يتزوج عبد أو أمة بغير إذن سيده. قال الشيخ: لقوله تعالى في آخر الآية بعقب ذكر الإماء: {فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ} [النساء: 25]، وقال صلى الله عليه وسلم: «أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر» وهذا أبلغ شيء في الحظر عليه، رواه عبد الوهاب.

ومن المدونة: قال مالك: ومن تزوج أمة رجلٍ بغير إذنه لم يجز النكاح وإن أجازه السيد، ويفسخ وإن ولدت الأولاد. قال ابن القاسم: ولو أعتقها السيد قبل علمه بالنكاح لم يكن بُدٌ من فسخه. قال مالك: وإذا فرِّق بينهما بعد البناء فلا ينكحها الزوج إلا بعد العدة من مائة الفاسد، وإن كان نسبُ ما في بطنها يثبت منه. قال ابن القاسم: وكذلك إن اشتراها الزوج في تلك العدة فلا يطؤها حتى تنقضي عدتها لفساد مائة. قال مالك: وكل وطءٍ كان فاسدًا يُلحق فيه الولد ففرق بين الزوج والمرأة فلا يتزوجها حتى تنقضي عدتها. ولو باع الأمة رجل، أو باعت هي نفسها بغير إذن السيد فأجازه السيد جاز، فإن قال المشتري: لا أقبل البيع، فلا كلام له، والبيه له لازم. قال عبد الوهاب: تزويج الأمة بغير إذن السيد على وجهين: فإن باشرت العقد على نفسها لم يجز وإن أجازه السيد، فالنكاح فاسد، ولا يلتفت إلى إجازة السيد، لأن فساده في العقد لحقِّ الله تعالى، وإن ردت أمرها إلى رجل فعقد عليها فروايتان: إحداهما: أنه كعقدها على نفسها، لأن السيد يزوج بالملك، وغيره يزوج بالولاية وذلك غير متفق. -قال الشيخ: وهذا مذهب المدونة-. والأخرى: أنه يجوز بإجازة السيد كما لو أذن لهذا العاقد لجاز عقده، وكإذنه لعبده أن يعقد على نفسه، فوقوعه بغير إذنه موقوف على الإجازة والرد

قال ابن المواز: ومن اشترى جارية / من رجل وهو يعلم أنها ليست له فوطئها فهو زان، وعليه الحد، وولده رقيق لسيد أمهم، بخلاف أن لو زوجته الأمة نفسها وأخبرته أنها حرة وهو يعلم أنها كاذبة فيطؤها بعد العلم، فلا يكون على هذا حد، ويلحق به نسب ولده، وهم وأمهم رقيق لسيدها، ويفسخ نكاحها، لأنه تزوجها بغير إذن السيد، وجعلتُ الولد رقيقًا، لأنه تزوجها وهو عالم أنها أمة، وهذا إذا أشهد على إقراره قبل تزويجه إياها فلا، لأنه يُتهم أن يُرِقَّ بذلك ولده، ويدفع عن نفسه غرم النفقة فيهم، فلا يصدق، ويكونون أحرارًا وتلزمه قيمتهم. قال أشهب: وإن كان عديمًا أُتْبِعَ بقيمتهم دينًا، ولا قيمة عليه فيمن مات منهم قبل ذلك ولا على الولد الموسر قيمة نفسه وإن كان الأب عديمًا. [فصل 6 - في تزويج الأمة أو العبد بين السيدين] ومن المدونة: قال: ولا تنكح أمة ولا عبد بين رجلين إلا بإذنهما، فإن عقد للأمة أحد الشريكين بصداق مسمَّى لم يجز وإن أجازه الآخر، ويفسخ وإن دخلت، ويكون بين السيدين الصداق المسمى إن دخلت، فإن نقص عن صداق المثل تم للغائب نصف صداق المثل إن لم يرض بنصف التسمية. [قال الشيخ]-يريد إن أخبر العاقد الزوج أنه إنما يملك نصفها، فأما إن غره فقال: هي حرة، أو قال: هي لي وحدي، فهاهنا يرجع الزوج على العاقد بكل ما غرمه للشريك الغائب، ويرجع على العاقد أيضًا بما دفع إليه إلا نصف ربع دينار.

قال ابن حبيب: وإذا نكح عبد بإذن أحد سيديه فللآخر أن يفسخ نكاحه، ويأخذ من المرأة جميع ما أصدقها، فيكون ذلك بيد العبد مع ماله إلا أن يجتمعا على قسمه، ولا يترك لها منه ثلاثة دراهم [ولا حجة لها] إذا كانت تعلم أن الآذن فيه شريك، فإن اقتسما الصداق أو ماله فلها أن تأخذ من الآذن حصته من الصداق، ولو غرَّها الآذن ولم يعلمها ردت إلى العبد جميع ما أصدقها ورجعت هي بمثله على الآذن، وإن استهلكته اتبعها الذي لم يأذن بجميعه واتبعت هي الآذن بمثله، ولها اتباع ذمة العبد بجميع ما أخذ منها إلا أن يسقط عنه الذي لم يأذن فيسقط كله، لأن الذمة لا تنقسم. قال الشيخ: قول ابن حبيب كله موافق لأصله في المدونة إلا قوله: ويأخذ من المرأة جميع ما أصدقها، ولا يترك لها ثلاثة دراهم إذا كانت تعلم أن الآذن فيه شريك فهذا خلاف للمدونة، ففي المدونة بعد هذا: أنه يترك لها ربع دينار. قال الشيخ: وهو صواب، لئلا يعرى البضع من صداق. [فصل 7 - في إجازة السيد نكاح عبده] ومن المدونة: قال مالك: ولو نكح العبد بغير إذن سيده فأجاز نكاحه جاز. ابن القاسم: وهو في هذا بخلاف الأمة، لأن العبد يعقد نكاح نفسه بإذن سيده وهو رجل، ولا يجوز للأمة أن تعقد نكاح نفسها، فإن فعلت لم يجز وإن أجازه السيد.

قال عبد الوهاب: وقال أبو الفرج: القياس أن لا يصح نكاح العبد بوجه كالأمة، وهو قول الشافعي، ودليلنا: أن العقد لا يمتنع أن يقع على الفسخ كنكاح العنِّين، والخصي، والحرة للعبد، وغير ذلك، فإذا ثبت هذا فإن أجازه السيد جاز. قال: وإن طلق فيما أجازه السيد فله أن يرتجع وإن كره السيد، لأن الرجعة من حقوق النكاح. ومن المدونة: قال مالك: وإذا نكح العبد بغير إذن سيده فقال السيد: لا أجيز، ثم قال قد أجزت، فإن أراد بأول قوليه فسخًا تم الفسخ ولم يجز النكاح وإن أجازه السيد إلا بنكاح مستقبل، وإن أراد أنه لم / يرض ثم كُلِّمَ فأجازه فذلك جائز إذا كان ذلك قريبًا. ابن المواز: قال ابن القاسم: ويصدَّق السيد إن لم يرد عزم الفراق في المجلس ما لم يَقُمَ، وإن شك السيد على أي وجه خرج [ذلك] منه فهو فراق

واقع. قال مالك: وأما البيع فبخلاف ذلك إذا قال فيما بيع عليه، قد رضيت، فقد تم للمشتري. [فصل 8 - فيمن أعتق عبده أو باعه قبل علمه بنكاحه] قال ابن القاسم: وإن أعتقه السيد قبل علمه بنكاحه جاز نكاحه، ولم يكن للسيد رده، فإن باعه السيد قبل علمه بنكاحه لم يكن للمبتاع فسخه، وله أن يرضى بالعبد أو يرده، فإن رده كان للبائع إذا رجع إليه أن يفسخ نكاحه أو يجيز. قال الشيخ: قال بعض فقهائنا: ولو علم المشتري بنكاحه فأقره ورضي به ثم اطلع على عيب قديم، إنه إذا رده بالعيب القديم رد معه ما نقصه النكاح، لأنه لما رضي به فأقره صار كأنه عيب حدث عنده، وإذ لا يستطيع البائع إن رد عليه بالعيب فسخ نكاحه فوجب لذلك ألا يرده إلا بما نقصه، ونحوه لأبي عمران، وهو بين. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: يُخرَّج ذلك على القولين في الرد بالعيب

فمن رأى أنه نَقْضُ بيع فليس على المشتري ما نقصه، لأنه إذا رده يرجع الخيار للبائع في فسخ النكاح أو إجازته، ولا يُلتفت إلى ما تقدم من رضى المشتري به، لأن البيع قد انتقض. قال الشيخ: فإن قيل: يلزم على هذا القول أن لو زوجه المشتري، ثم رده بعيبٍ أن يفسخ البائع نكاحه لانتقاض شراء المشتري. قيل: هذا لا يلزم، لأن الأول نكاح عقده العبد على نفسه، وكان للبائع نقضه أو إجازته، فإذا انتقض بيعه بقي على خياره كما لو لم يعلم بيعه، وهذا عقد نكاحه مالكه، ولم يكن لأحد بعد عقده نقضه، فوجب ألا ينقضه البائع كما لا ينقض عتقه. ولو أعتقه المشتري ولم يعلم بنكاحه فأراد الرجوع على البائع بقيمة عيب النكاح فذكر عن أبي عمران أنه قال: ليس له ذلك لحجة البائع أن لو لم يعتقه المشتري ثم ردَّه عليه بعيب النكاح لكان للبائع نقض نكاحه، فلما أفاته المشتري بالعتق لم يكن له الرجوع عليه بقيمة عيب لو رجع إليه لأمكنه زواله. ولو مات السيد قبل علمه بنكاحه كان لورثته من الخيار في ردِّ نكاحه أو إجازته مثل ما كان للسيد، وقد قال مالك فيمن حلف ليقضينَّ غريمه حقه إلى أجل كذا إلا أن يشاء أن يؤخِّره فيموت الذي له حق؛ فإنه يجزئه تأخير ورثته كما كان لصاحبهم.

[الباب الخامس عشر] في إنكاح الأخ أخته بغير إذن أبيه ونكاح الصغير والسفيه بغير إذن وليه والوكالة على النكاح وقبض الصداق

[الباب الخامس عشر] في إنكاح الأخ أخته بغير إذن أبيه ونكاح الصغير والسفيه بغير إذن وليه والوكالة على النكاح وقبض الصداق [فصل 1 - في إنكاح الأخ أخته بغير إذن أبيه] قال مالك: ومن زوج أخته البكر بغير أمر الأب لم يجز وإن أجازه الأب، إلا أن يكون ابنًا قد فوَّض إليه الأب جميع شأنه، فقام بأمره فيجوز بإجازة الأب وكذلك في أمة الأب. قال ابن القاسم: وكذلك الأخ والجد يقيمه هذا المقام. قال ابن حبيب: وكذلك سائر الأولياء إذا أقامهم الأب هذا المقام. قال ابن المواز: والحجة في هذا حديث عائشة رضي الله عنها حين زوَّجت بنت أخيها عبد الحمن، فكُلِّم في ذلك فرضي. قال مالك: وإنما كان ذلك لمثل / عائشة رضي الله عنها لمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن المواز: وإنما لم يجز نكاح الابن غير المفوَّض إليه وإن أجازه الأب

ولا في إجازة السيد تزويج أمته، لأنه لا ولي لهما غيرهما ولا شركة لهما معهما في أنفسهما ولا مشورة، فهما بخلاف من لها المشورة مع الأولياء، تولي أمرها غير الولي فلا يجوز، إلا أن يجيزه الولي، فإن لم يجزه فرَّق بينهما بطلقة. قال مالك: إلا أن يطول مكثه معها، وتلد الأولاد، فلا أرى أن يفسخ. فصل [2 - في نكاح الصغير بغير إذن وليه] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا تزوج صبي صغير بغير إذن أبيه أو وصيه، ومثله يقوى على الجماع، فإن أجازه من يلي عليه جاز، كبيعه وشرائه بغير إذنه يجيزه على وجه النظر له، وإن أراد فسخه فسخه، وإن فسخه قبل البناء أو بعده فلا صداق لها. وكذلك رأى مالك فيمن بعث يتيمًا في طلب آبق فأخذه فباعه وأتلف الثمن، أن لربْ العبد أخذه، ولا شيء على اليتيم من المال الذي أتلف، ولا يُتبع به دينًا، بخلاف ما أفسد أو كسر. قال ابن المواز: وكما لو اشترى شيئًا فأكله أو أتلفه لنزع من البائع الثمن كله، ولم يتبع الصغير بشيء. قيل: فإن تزوج الصغير واشترط عليه شروطًا فأجاز ذلك وليه، أو زوجه أبوه أو وليه بشروط فيها طلاق أو عتاق أو تمليك. قال ابن المواز: لا يجوز من ذلك كله شيء إلا أن يكبر ويلزمها نفسه، ويرضى بعد أن يبلغ.

قال ابن القاسم: وإن كَبِرَ وعَلِمَ بالشرط قبل الدخول فدخل عليه لزمه، وإن علم به فلم يرضه قيل له: إما أن ترضى وإما أن تطلق ويكون عليك نصف الصداق. ابن المواز: هذا قوله في كتابه في السماع، وفي كتابه في المجالس: إذا بلغ وعلم قبل الدخول، فإن شاء دخل وإن شاء فسخ ولا شيء عليه من الصداق ولا على أبيه إن كان يوم زوَّجه لا مال له. ابن المواز: وهذا أحب إلينا إلا أن ترضى المرأة بإسقاط الشرط فيثبت النكاح على ما أحب الزوج أو كره، وسقط عنه الشرط كان تمليكًا أو غيره، لأنه لم يكن يلزمه قط، وهو بمنزلة الرسول يزيد على ما أمره أن يزوجه به، أو يشترط عليه غير ما أمره به فيعلم بذلك قبل البناء، فإن رضي بذلك تم النكاح، وإن كره لم يلزمه شيء، وفسخ النكاح، إلا أن ترضى المرأة بإسقاط الشرط. قال ابن المواز: وإذا لم يرد نكاح الصبيِّ حتى كَبِرَ وخرج من الولاية جاز النكاح. فصل [3 - في نكاح السفيه بغير إذن وليه] قال ابن حبيب: والسفيه كالصغير يجوز عليه إنكاح أبيه إياه وإن كَرِه. وقال ابن الماجشون: لا يزوجه من يلي عليه إلا برضاه.

قال الشيخ: ورواية ابن حبيب عن ابن الماجشون موافقة لظاهر المدونة، وذلك أنه قال في كتاب الخلع: إذا زوَّج الوصيُّ يتيمه وهو بالغ سفيه بأمره، أو زوج السيد عبده بغير أمره، فذلك جائز عليه. فشرطه في السفيه دون العبد بأمره دليل على أنه لا يكرهه، وهو الصواب إذ لا يؤمن منه أن يطلِّق إذا أجبره على النكاح، فيؤدي ذلك إلى إتلاف ماله. ووجه قول ابن حبيب: أن الولاية ثابتة له عليه في المال والبيع والشراء، فله أن ينكحه اعتبارًا بالصغير. قال ابن حبيب: وإذا زوج السفيه - / بغير إذن وليه فلوليه إجازته أو رده، فإن رده بعد البناء رد إليه جميع ما كان أصدقها إلا قدر ما كان يستحل به مثلها ولم يحدُّ مالك. وقال ابن القاسم: يجتهد في ذلك السلطان فيترك للدنيَّة ربع دينار، ولذات القدْر أكثر من ذلك بما يراه. وقال ابن الماجشون: ولا يترك لها شيء، لا ربع دينار ولا غيره وإن كان لها قدر. قال ابن حبيب: وهذا القياس، وقول مالك استحسان.

قال الشيخ: الجاري على أصل المدونة أن يترك لها ربع دينار كانت دنَّية أو جيدة، وهو قدر ما يستحل به فرجها كالعبد بتزوج بغير إذن السيد، وهو الصواب إن شاء الله. قال ابن حبيب: وإن لم يعلم بتزويجه حتى مات أحدهما، فإن مات هو فلا ميراث لها منه ولا صداق، وإن ماتت هي فالنظر لوليه، فإن أجازه ودى الصداق وأخذ الميراث، وإن فسخه لم يرثها. قال الشيخ: وذكر أصبغ عن ابن القاسم أنهما يتوارثان ويمضي الصداق، لأن النظر فيه قد فات بالموت. وذكر ابن المواز عنه خلاف هذا، قال: قال أصبغ: إن مات هو لم ترثه، وردت كل ما أعطاها إلا ربع دينار إن أصابها، وكذلك في حياته إن فسخه. قال ابن القاسم: هذا في الدنية، ويجتهد في الزيادة لذات القدر. قال أصبغ: بما يرى مما لا يبلغه صداق مثلها. قال ابن المواز: ورواية ابن وهب عن مالك في السفيه: لا يترك لها إلا ربع دينار. قال الشيخ: فصار في فسخه ثلاثة أقوال، قول لا يترك لها شيء، وقول يترك لها ربع دينار، وقول فرَّق بين الدنيَّة وغيرها.

قال ابن المواز: ولو كان غير بالغ لم يترك لها شيئًا. قال: وإ، لم يُرَدْ نكاح الصبي حتى بلغ، وخرج من الولاية جاز النكاح. فصل [4 - في تزويج بنات السفيه وإمائه وأخواته] ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ولا يزوج المُوْلِيّ عليه ابنته إلا بإذن وليه، إلا أن يكون سفيهًا ضعيفًا فلا يكون له سخط ولا رضى، وبناته كمن لا أب لهن. قال ابن وهب: والولي أولى بإنكاح بناته وإمائه، ولا أمر له مع وليه فيهن ويستحب له أن يحضر النكاح، فإن لم يحضره لم يضره. قال: وإن زوج هذا السفيه منهم أحدًا بغير أمر الولي كان للولي إجازته أو رده. قال: وإن لم يكن له وليٌّ فأنكح بناته جاز إذا كان ذلك صوابًا. قال أصبغ: كله صواب جيد. قال ابن المواز: إلا قوله: إذا لم يكن له ولي، فهو والأول سواء، لابد من نظر السلطان فيه كنظر الولي، فيجيز أو يرد على حسن النظر. ومن العتبية: قال أصبغ: قيل لأشهب: السفيه يزوج أخته؟ قال: نعم، وحسبته قال: إن كان ذا رأي ولا مَولِىَّ عليه فذلك جائز وإن كان سفيهًا.

فصل [5 - في الوكالة على النكاح وقبض الصداق] ومن المدونة: قال: وإذا وكَّلت المرأة وليًا يزوجها من رجل، فقال لها الوكيل: قد زوجتك من فلان، فأقرت أنها أمرته وقالت: لم تزوجني، فلا قول لها، والنكاح يلزمها إن ادعاه الزوج. وكذلك الوكيل على بيع سلعة. وإن وكلته المرأة على العقد وقبض الصداق فقبضه ثم ادعى تلفه، كان كدين لها وكَّلته على قبضه فقبضه ثم ادعى تلفه، فصدقته في الوكالة وكذبته في القبض. فإن أقام الزوج أو الغريم بينة أنه دفع ذلك إلى الوكيل / صُدِّق الوكيل على التلف، وإن لم يقيما بينة بالدفع ضَمِنَا، ثم لا شيء لهما على الوكيل، لأنهما صدَّقها على الوكالة. وأما الوكيل على بيع سلعةٍ يقول: قبضت الثمن وضاع مني، فهو مصدق، لأن وكيل البيع له قبض الثمن وإن لم يؤمر بذلك، وليس للمبتاع أن يأبى عليه، والوكيل على عقد النكاح ليس له قبض الصداق إلا بتوكيل عليه خاصة، ولا يلزم الزوج دفع ذلك إليه، فإن فعل ذلك ضمن. قال الشيخ: وإنما كان وكيل البيع له قبض الثمن وإن لم يؤمر به وليس للمبتاع أن يأبى ذلك عليه، لأن وكيل البيع يُسلِّم ما باع إلى المبتاع، فعلى المبتاع تسليم الثمن إليه كما يتسلَّم السلعة منه، ووكيل النكاح لا يسلِّم البُضْعَ إلى الزوج، فلا يلزم الزوج تسليم الصداق إليه.

ولو أن وكيل البيع إنما وُكِّل على عقد البيع خاصة وتسليم السلعة على ربِّها لم يلزم المبتاع تسليم الثمن إلى الوكيل إلا بتوكيل عليه، ويكون كوكيل النكاح. قال الشيخ: فالعلة في ذلك أن مَنْ سلَّم السلعة له أن يتسلَّم ثمنها كما سلَّمها، ألا ترى أن البائع إذا سلَّم ما باع، له انتقاد جميع ثمنه وإن لم يشترط نقده. والمُكْرِي داره أو عبده أو نفسه مدة لا يلزم المكتري نقد جميع الكراء إذا لم يكن عُرْف ولا شرط، لأنه لم يتسلَّم جميع ما اكترى، فإنما يلزمه أن ينقد كراء ما قبض. وبالله التوفيق.

[الباب السادس عشر] فيمن نكح بغير بينة، أو سرا أو نكح بغير صداق

[الباب السادس عشر] فيمن نكح بغير بينة، أو سرا أو نكح بغير صداق [فصل 1 - في إعلان النكاح] ونهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن النكاح بغير بينةٍ أو بغير صداق، ونهى عن نكاح السر، وأمر بإعلان النكاح. ومرَّ عليه الصلاة والسلام هو وأصحابه ببني زُرَيْق فسمعوا غناءً ولهوًا ولعبًا فقال: ما هذا؟ قالوا: نكح فلان يا رسول الله، فقال: «كَمُلَ دينه، هذا النكاح لا السفاح، ولا نكاح السر حتى يُسمع دُفٌ، أو يُرى دُخَانٌ».

وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لا يجوز نكاح السر حتى يُعلن به ويُشهد عليه. قال ابن وهب: وإن عمر بن عبد العزيز رحمه الله كتب إلى أيوب بن شرحبيل أن مُرْ مَنْ قَبِلَكَ أن يظهروا عند النكاح الدُّفَوف، فإنها تفِّرق بين النكاح والسفاح، وامنع الذين يضربون بالبرابط. قال سحنون: والبرابط: الأعواد. ومن كتاب محمد وابن حبيب: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أظهروا النكاح واضربوا عليه بالغِرْبَال» يعني: الدفَّ المدوَّر، وقال غيره: وهو مغشيٌّ من جهة واحدة. قال ابن المواز: قال مالك: لا بأس بالدفِّ والكَبَر.

قال أصبغ: يعني في العُرْسِ خاصة، ولا يعجبني المِزْهَر المربَّع، قال: ولا يجوز الغناء في العُرْس ولا غيره، إلا مثل ما كان يقول نساء الأنصار أو رجز خفيف لا بمنكَر ولا طويل. قال ابن حبيب: وقد أُرخِص في العُرْس إظهار الكَبَر والدُّفِّ والمِزْهَر، ويُنْهى عن اللهو بذلك في غير العُرس. [فصل 2 - في الوليمة في النكاح] قال: وكان النبي عليه الصلاة والسلام يستحبُّ الإطعام على النكاح عند عقده، وعند البناء، ولم يدَع الوليمة على أحد من نسائه قلَّ أو كثر.

قال أنس: ولم يولم على واحدةٍ منهنَّ مثل ما أولم على أم سلمة، وكان ذلك الخبز واللحم، وأولم على صفية بالصَّهبَاء بالسَّويق والتمر، وقال صلى الله عليه وسلم: لابن عوف: «أَوْلِمْ ولو بشاة»، وقال: «أعينوا بلالاً على وليمته».

وقد أبيح أن يولم أكثر من يوم، وروي: «أن اليوم الثاني فضل، والثالث سمعة». وأجاب الحسن رجلاً دعاه في اليوم الأول، ثم في الثاني، ثم دعاه في الثالث فلم يُجبه، وفعَل ابن المسيب مثله.

قال ابن حبيب: وإن دعاه في الثالث من لم يكن دعاه، أو دعاه مرة فذلك واسع سائغ، وقد أولم ابن سيرين ثمانية أيام، فمن وسَّع الله عليه فليولم من يوم ابتنائه إلى مثله. [فصل 3 - فيمن نكح بغير بينة] ومن المدونة: قال مالك: ومن تزوج بغير بينة على غير استسرار فالنكاح جائز، ويُشهدان فيما يَستقبلان. وإن أقر الزوج والولي بالعقد ثم قالا أو أحدهما: لم نُشْهِد، أَشْهَدا الآن، وليس لأحدهما فسخه -يريد في هذا كله- قبل البناء. قال ابن المواز: قال مالك: ولو دخل الزوج قبل أن يُشْهِدَ فرِّق بينهما بطلقةٍ بائنة، وخطبها إن أحب بعد استبرائها بثلاث حيض. قال ابن حبيب: ولا يحدَّان إن كان أمرهما فَاشِيًا كانا عالمين أو جاهلين وإن لم يكن فاشيًا حُدَّا، كانا عالمين أو جاهلين.

قال: والشاهد الواحد لهما بالنكاح، أو معرفة ابتنائهما باسم النكاح وذكرِه وإشهاره فهو كالأمر الفاشي من نكاحهما، قاله ابن الماجشون وأصبغ. وقال ابن القاسم: إذا لم يعذرا بالجهالة حُدَّا وإن كان أمرهما فاشيًا ولم أجد من يقول ذلك. قال عبد الوهاب: يصح عندنا عقد النكاح من غير إشهاد خلافًا لأبي حنيفة والشافعي. دليلنا: لأنه عقد من العقود فأشبه سائرها، ولأنه معنى يقصد به التوثُّق، فلم يكن شرطًا في العقد كالرهن والكفالة، فإذا ثبت أنه ليس بشرط في الصحة فإنه شرط في الكمال والفضيلة، لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا نكاح إلا بوليٍّ وشاهدي عدل». ومن المدونة: وذكر ابن وهب أن حمزة بن عبد الله خطب [على ابنه] إلى سالم بن عبد الله ابنته فزوجه إياها وليس معهما غيرهما.

وقد ذكر مثل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لرجل: ألا أنكحك أميمة بنت ربيعة بن الحارث، فقال: بلى يا رسول الله، فقال: «قد أنكحتكها»، ولم يُشْهِد. ابن المواز: وقد فعل ذلك ابن عمر حين زوج ابنته سودة من عروة، أخبرنا به غير واحد. [فصل 4 - فيمن نكح بغير صداق] ومن المدونة: قال مالك: ولا يزوج الرجل عبده أمته إلا ببينة وصداق. قال ابن القاسم: فإن زوجه بغير بينة أَشْهَدا فيما يَستقبلان وجاز النكاح، وهذا إذا لم يكن دخل بها. وإن زوجه إياها على أن لا صداق عليه فسخ النكاح قبل البناء، وثبت بعده وكان لها صداق مثلها.

قال في الثاني: وقيل: يفسخ بعد البناء. قال عبد الوهاب: والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: 24]، وقوله تعالى: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: 24]، وقال عليه الصلاة والسلام للذي خطب المرأة: «هل معك ما تستحلها به؟». ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو زوجه ولم يذكر الصداق ولا شرط إسقاطه فهذا التفويض، والنكاح جائز، ويُفرض للأمة صداق مثلها، لأن مالكًا قال ذلك في النساء، والنساء يجتمع فيه الحرائر والإماء.

فصل [5 - فيمن نكح سرًا] قال ابن القاسم: ومن عقد نكاحه ببينة، واستكتم البينة ذلك عند العقد فالنكاح فاسد. قال عبد الوهاب: خلافًا لأبي حنيفة والشافعي، دليلنا قوله عليه الصلاة والسلام: «هذا النكاح لا السفاح»، ونهيه عن نكاح السر، ولأن التواصي بالكتمان من صفة الزنا، وذريعة إلى إضاعة الأنساب. ومن الواضحة: وقول عمر في نكاح السر: لو تقدَّمتُ فيه لَرَجَمْت، تشديدًا في الزجر عنه. وفي كتاب ابن المواز: إن عمر قال ذلك في نكاح عُقِدَ بشهادة امرأتين ودخل بها.

قال ابن حبيب: ويفسخ نكاح السر وإن دخل إلا أن يتطاول بعد الدخول فلا يفسخ، هذا قول مالك وأصحابه. قال: وكل نكاح استكتمه الشهود وإن كثروا، أو عُقِدَ على وجه الاستسرار أو سئل الشهود أن يكتموا ذلك من امرأة له أخرى، أو يكتموا ذلك في منزل التي نكح، ويظهروه في غيره، أو يظهروه في المنزل ويكتموه في غيره، أو يكتموه ثلاثة أيام ونحوها، فذلك كله من نكاح السر يفسخ أبدًا ما لم يطل ذلك، وكذلك أخبرني من سمعه من مالك. ومن العتبية: قال أصبغ: وسألت أشهب عمن عَقد فلما فرغ استكتم البينة؟ قال: إن لم تكن تلك نيته ولا عليه نكح في ضميره فلا بأس به. قلت: فإن نكح على ذلك في ضميره؟ قال: فليفارق. قال أصبغ: لا أرى أن يفسخ النكاح إن لم يكن إلا ضميره في نفسه، لأنه لا بأس أن يتزوج ونيته أن يفارق، ولكن إن كان مع ضميره مواطأة بينه وبين المرأة أو الأولياء وأخذاه مأخذ الاستسرار فهو فاسد وليفارِق. ومن المدونة: وقال ابن شهاب فيمن نكح سرًا وأشهد رجلين: أنه يفرق بينهما وإن دخلا، ولها مهرها بالمسيس، وتعتد، ثم إن شاءت نكحته بعد العدة وإن فرق بينهما قبل البناء فلا صداق لها ويعاقب الزوجان والشاهدان بما كتما من ذلك.

وفي كتاب ابن المواز: روى ابن وهب عن مالك فيمن نكح بشاهدين واستكتمهما ذلك أنه يفرق بينهما بطلقة، ويكون لها صداقها إن دخل بها، ولا يعاقب الشاهدان إن جهلا ذلك، وإن أتيا ذلك بمعرفة أنه لا يصلح عوقبا. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن زوج ابنته الثيب فأنكرت ذلك، فشهد عليها الأب ورجل أجنبيٌّ أنها قد فوَّضت ذلك إلى أبيها فزوجها من هذا الرجل لم يجز إنكاحه، لأنه إنما شهد على فعل نفسه وهو خصم. وقد قال مالك في رجل وجد مع امرأة في بيت، فشهد أبوها وأخوها أن الأب زوجها إياه، فلا يقبل ذلك، ولا يجوز نكاحه ويعاقبان. -قال في كتاب الحدود: وإن ثبت الوطء حُدَّا-. وإذا نكح مسلم ذمية بشهادة ذميين لم يجز نكاحه، فإن كان لم يدخل أشهد الآن مسلمين ولزمه النكاح. قال يحي بن سعيد: تجوز شهادة الأبداد في النكاح والعتاق.

[الباب السابع عشر] فيمن نكح على أنه بالخيار أو إلى أجل أو بصداق مجهول، أو بعضه مؤجل

[الباب السابع عشر] فيمن نكح على أنه بالخيار أو إلى أجل أو بصداق مجهول، أو بعضه مؤجل [فصل 1 - فيمن نكح على أنه بالخيار] قال ابن القاسم: ومن نكح على أن الخيار له أو للولي أو للزوجة أو لجميعهم يومًا أو يومين لم يجز، ويفسخ قبل البناء، إذ لو ماتا قبل الخيار لم يتوارثا وإن بنى بها ثبت النكاح وكان لها المسمى. وكذلك الجواب فيمن تزوج امرأة على أنه إن لم يأت بالصداق إلى أجل كذا فلا نكاح بينهما، وقد كان مالك يقول: إن النكاح يفسخ بعد البناء، لأن فساده في عقده، ثم رجع فقال: يثبت بعده. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: يفسخ قبل البناء ويثبت بعده ولها صداق المثل. قال ابن المواز: وإن شرط إن لم يأت به إلى أجل كذا فأمرها بيدها، فروى ابن القاسم عن مالك: أنه يفسخ ما لم يدخل، وروى عنه أشهب: أنه جائز. وكذلك قال ابن القاسم وأشهب وأصبغ دخل أو لم يدخل، لأنه شرط لازم.

[فصل 2 - فيمن نكح بصداق مجهول] ومن المدونة: قال: ومن نكح امرأة على أحد عبديه أيهما شاءت المرأة جاز ذلك، وإن كان أيهما شاء الزوج لم يجز، وكذلك البيع. قال سحنون: هما سواء إذا قال: أيهما شئت أنت، أو شئت أنا، فالنكاح جائز في الوجهين، وكذلك في البيع. قال ربيعة ومالك: الصداق ما وقع به النكاح. فصل [3 - فيمن نكح إلى أجل] قال مالك: ولا يجوز النكاح إلى أجل قَرُب أو بَعُد وإن سمى صداقًا ورضي بذلك الولي فالنكاح باطل ويفسخ، دخل بها أو لم يدخل، وهذه المتعة، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام تحريمها. قال ابن القاسم: ومن قال لامرأة: إذا مضى شهر فأنا أتزوجك، فرضيت ورضي الولي، فهذا النكاح باطل لا يقام عليه، ومن نكح وفي نفسه أن يفارق فليس من ذلك.

[فصل 4 - فيمن نكح بصداق بعضه مؤجل] قال مالك: ومن تزوج امرأة بصداقٍ بعضه معجَّل وباقيه مؤجَّل إلى سنة فلا يعجبني هذا النكاح، وليس هذا من نكاح من أدركت. قال ابن القاسم: فإن نزل ذلك جاز النكاح، وكان للزوج إذا أتى بالمعجَّل أن يدخل بها، وليس لها منعه، ويتأخر بقية الصداق إلى أجله، وإن كان إلى أجل بعيدٍ جاز ما لم يتفاحش بعد ذلك، وإن تزوجها بصداقٍ نصفه نقد ونصفه على ظهره، فإن كان الذي على ظهره يحلُّ عندهم بالبناء جاز، وإن كان لا يحل إلا إلى موت أو فراق لم يجز النكاح، وفسخ قبل البناء وثبت بعده، وكان لها صداق المثل إلا أن يكون صداق مثلها أقلَّ مما عجِّل فلا يُنقص من المعجَّل، ولمالك قول أن لها المعجَّل وقيمة المؤجَّل، ولا يعجبني. قال الشيخ: وذكر عن أبي عمران فيمن تزوج بصداقٍ على ظهره إنه إنما عمل ذلك على العادة عندهم، فإن كانت العادة فيه الحلول أخذ حالاً، وإن كانت العادة فيه إلى أجلٍ معلوم فهو إلى ذلك الأجل، وإن كان عرفهم أن يكون إلى موت أو فراق فالنكَاح مفسوخ قبل البناء، لأنهم وإن سمَّوه على ظهره فليس ذلك بأكثر من أن يسموه دينًا عليه، وإنما يُحمل الأمر فيه على عادة بلدهم، والذي يحلُّ عند مالكٍ بالدخول فإنما تكلَّم على أن الدخول معلوم عندهم، ولو تأخر عن العادة التي يعرفونها لكان يلزمه أداء الصداق عند مالك، إلا على قول

سحنون الذي يقول: إنهم إذا جعلوا المهر إلى أجل فحلَّ الأجل قبل الدخول فلا يؤخذ ذلك حتى يدخل. قيل له: فما ترى في قول سحنون أن الصداق بعد الدخول بالقرب لا يؤخذ؟ قال: كنا قد تكلمنا في هذا ثم وقع عندي أن ذلك لو كان كما قال سحنون لكان يقال: إن الصداق يكون إلى أجل مجهول إذا رددنا الأمر فيه إلى اجتهاد الحاكم، فلا يجوز النكاح على هذا. قال ابن المواز عن أصبغ: ومن تزوج بمئة نقدًا وبمئة إلى موت أو فراق، فتركت المرأة المئة الغرر، أو رضي الزوج أن يعجِّلها وذلك قبل البناء ثبت النكاح، وكذلك لو نكحت ببعير شارد، أو عبد آبق، أو جنين في بطن أمه، ومع ذلك ربع دينار فصاعدًا، فإن رضيت بربع الدينار وإسقاط ما معه من الغرر جاز، ولو رضي الزوج بتعجيل قيمة العبد الآبق على غير إباق نقدًا تمَّ النكاح، وإذا لم يكن مع الآبق أو الجنين شيء فلابد من فسخه وإن رضيا بصداق صحيح إلا أن يدخل، وإن كان مع ذلك ربع دينار فلم يفسخ حتى رجع الآبق والشارد وخرج الجنين حيًا، فإن لم ترض بربع الدينار وحده فسخ النكاح، إلا أن يرضى الزوج أن يدع لها ذلك فيجوز. قال أصبغ: وإن في هذا لمغمزًا ولكنه قول أصحابنا، والقياس فيه الفسخ إلا أن يبني. قال الشيخ: وهو ظاهر المدونة أنه يفسخ.

[الباب الثامن عشر] في شروط النكاح وجده وهزله

[الباب الثامن عشر] في شروط النكاح وجده وهزله [فصل 1 - في شروط النكاح] وقد أبطل الرسول عليه الصلاة والسلام كلَّ شرطٍ ليس في كتاب الله عز وجل، وروى ابن وهب أن رجلاً تزوج امرأة على عهد عمر بن الخطاب وشرط لها ألا يخرجها من أرضها، فوضع عنه عمر هذا الشرط وقال: المرأة مع زوجها. قال مالك: وليس لما يفسد به النكاح من الشروط حد. قال ابن القاسم: ومن تزوج امرأة على شروط تلزمه فصالحها، أو طلقها طلقة فانقضت عدتها، ثم تزوجها بعد ذلك بنكاحٍ جديد لزمته تلك الشروط ما بقي من طلاق ذلك الملك شيء، ولو شرط في نكاحه الثاني أنه إنما ينكح على أن لا يلزمه من تلك الشروط شيء لم ينفعه شرطه، وهي لازمة له في بقية طلاق ذلك الملك. قال مالك: ومن تزوج امرأة على أن لا يتزوج عليها ولا يتسَّرى جاز النكاح وبطل الشرط.

قال مالك: ومن تزوج امرأة على شروط، وحطَّت عنه من مهر مثلها لتلك الشروط، فإن كان كل ما حطَّت من ذلك في عقد النكاح لم ترجع به على الزوج وبطل الشرط إلا أن يكون فيه عتقٌ أو طلاق، وإن حطَّت ذلك عنه بعد عقد النكاح على أن شرطت عليه تلك الشروط لزمه ذلك، فإن أتى شيئًا مما شرطت عليه رجعت عليه بما وضعت عنه من المال فأخذته منه، مثل ما تشترط ألا يخرجني من مِصْري، ولا يتسرَّى علي، ولا يتزوج علي. وقال علي بن زياد في النكاح الثاني: إن حطَّته في العقد من صداق مثلها لما شرطت عليه لزمه ما حطَّته إن فعل من ذلك شيئًا، وإن كانت الحطيطة مما ناف على صداق المثل لم يلزمه شيء، ورواه ابن نافع عن مالك. ابن المواز: ورواه أيضًا أشهب عن مالك وأخذ به ابن عبد الحكم، وأخذ أصبغ وجميع أصحاب ابن القاسم برواية ابن القاسم وبه أقول. ابن المواز: قال أشهب: وسئل مالك عمن خطب امرأة فواطأها على ستين دينارًا، فلما أراد أن يتزوجها بذلك قال له أبوها: هل لك أن أصغ عنك عشرين دينارًا وأزوجكها بأربعين على أن لا تخرجها من المدينة؟

قال مالك: ذلك له وعليه العشرون التي وضعت له لمكان الشرط. قيل له: إنه لم يقع النكاح بستين وإنما كانت مذاكرة، أفتكون صداقًا؟ قال: نعم، وإنما الذي لا يكون لها عليه أن تقول: أتزوجك بمئتي دينار، ثم أضع عنك مئة على أن لا تفعل، فهذا الذي ليس بصداق، وله أن يفعل، يخرجها ويتزوج. قيل له: فإن طلقها قبل أن يمسها؟ قال: قال مالك: إذًا لا تأخذ إلا نصف الأربعين، وليس لها في هذا حجة، لأنه قد تركها على شرطها ووفَّي به لها ولم ينقضه حتى فارقها. ابن المواز: وإنما قال ذلك مالك لأنه قد كان رضي بالستين لو لم تطرح عنه منها شيئًا للشرط، وهو مذهب أشهب وابن القاسم وابن وهب وعبد الملك، وهو الصواب إن شاء الله. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن أعطته مالاً على أن لا يتزوج عليها، فإن فعل فهي طالق ثلاثًا، فإن فعل وقع الطلاق وبانت منه، ولم ترجع عليه بشيء لأنها اشترت طلاقها بما وضعت عنه. فصل [2 - في جد النكاح وهزله] قال ابن القاسم: وإذا قال الخاطب للأب في البكر، أو الولي المفوَّض إليه: زوجني فلانة بمئة دينار، فقال: قد فعلت، ثم قال الخاطب: لا أرضى، لم

ينفعه ذلك، ولزمه النكاح، بخلاف البيع، لأن ابن المسيب قال: ثلاثٌ ليس فيهن لعبٌ، هَزْلُهنَّ جِدُّ: النكاح، والطلاق، والعتاق. وقال أبو بكر بن اللبَّاد: وروى ابن وهب أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «ثلاثٌ جِدُّهُنَّ وهَزْلهُنَّ جِدُّ: النكاح، والطلاق، والعتاق». وقال علي بن زياد في المستخرجة: لا يجوز نكاح هزلٍ ولا لعبٍ، ويفسخ قبل البناء ويثبت بعده. وبالأول أقول وأُلزمه النكاح.

[الباب التاسع عشر] في نكاح الخصي والمجبوب والعبد ومن فيه بقية رق

[الباب التاسع عشر] في نكاح الخصي والمجبوب والعبد ومن فيه بقية رق [فصل 1 - في نكاح الخصي والمجبوب] قال الله عز وجل: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]، قال مالك: ويجوز نكاح الخصيِّ وطلاقه، ويجوز نكاح المجبوب، لأنه يحتاج إلى أشياء من أمر النساء. [فصل 2 - في نكاح العبد] قال مالك: أحسن ما سمعت أن للعبد أن يتزوج أربعًا إن شاء حرائر أو إماء، لقول الله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] الآية. قال مالك: وحدُّ العبد في الفِرْيَة أربعون جلدة، وطلاقه طلقتان. قال أبو محمد: وجعل الله حدَّ العبد نصف حدِّ الحر، لقوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]، والطلاق من معنى الحدود ويجرُّ

إلى ما يوجبها. قال مالك: وأجله في العِنَّة والاعتراض والإيلاء نصف أجل الحر. -قال الشيخ: لأنه مما يجرُّ إلى الطلاق- قال مالك: وكذلك سائر حدوده، وكفارته في الظهار والإيلاء وفي كل الكفارات كالحر. -قال الشيخ: لعموم الآية- قال مالك: إلا أنه لا يجزيه العتق في الكفارات، إذ الولاء لغيره. قال مالك: والصوم له في كفارة اليمين أحب إلي، فإن أطعم أو كسا بإذن سيده رجوت أن يجزيه. واستثقل مالك أن يتزوج العبد ابنة مولاه. قال الشيخ: وإنما استثقله مالك خوفًا أن يَهلك مولاه فترثه ابنته وتملك العبد وينفسخ النكاح.

وأجاز ابن القاسم للعبد والمكاتب أن يتزوج ابنة مولاه. قال الشيخ: لأنه حين النكاح ليس بعبدٍ لها، فنكاحه جائزٌ، ولا يراعى موت سيده، لأن من أصلنا ألَّا يُتْرك أمرٌ واجبٌ لأمر قد يكون أو لا يكون. [فصل 3 - في الصداق في نكاح العيد] قال ابن القاسم: ومن زوج عبده فالمهر على العبد إلا أن يشترطه السيد على نفسه. قال الشيخ: لأن سبيل العوض أن يكون على المُعَوِّض إلا أن يكون شرط فَيُعمل عليه. قال ربيعة: وإن خطب عليه السيد وسمى [صداقًا] فالصداق على السيد وإن أذن له فنكح فذلك على العبد، فللحرة ما سمى، وكذلك للأمة إلا أن يجاوز ثلث قيمتها. قال الشيخ: ووجه هذا: أنه إذا خطب عليه وسمى فهو كالوكيل على الشراء فالثمن عليه وإن قال: أشترى لفلان، إلا أن يقول: فلانٌ يَنقُدُك دُوني، وإن أذن له فنكح فالعبد هو المشتري وعليه الثمن.

وقوله في الأمة: إلا أن يجاوز ثلث قيمتها، فكأنه رأى أن ذلك أعلى صداق الأمة، لأن النكاح إنما عمدة الغرض فيه الوطء، فشبَّه الوطء بالجائفة التي فيها ثلث الدية، وفي الأمة ثلث القيمة. قال الشيخ: وقول ربيعة كله خلاف لقول مالك. ومن المدونة: وإذا تزوج عبد أو مكاتب بغير إذن سيده ونقد المهر وبنى، فللسيد فسخه، ويترك للزوجة ربع دينار، وترد ما بقي، فإن أُعمدت أُتبعت به. فإن عتق العبد أو أدى المكاتب اتبعته الزوجة بما أدت إن غرَّها، وإن بيَّن لها أو أخبرها أنه عبد فلا شيء لها، وإن أبطله السيد عنه أو السلطان قبل العتق لم يلزمه شيء إن عتق، وكذلك ما تداينه العبد بغير إذن سيده. وإن لم يعلم السيد بنكاح عبده أو مكاتبه إلا بعد العتق فلا كلام له، والنكاح ثابتٌ، وكذلك ما أعتقه أو وهبه أو تصدق به. وكل ما لزم ذمة العبد -يريد من صداق نكاح بإذن السيد أو تجارة أذن له فيها- فلا يأخذه الغرماء من خراجه وعمل يده. قال ابن القاسم: ولا مما فضل من ذلك بيده. قال مالك: وإنما يأخذون ذلك مما أفاده العبد بهبة أو صدقة أو وصية فإن عتق العبد يومًا ما أُتبع بذلك، وكل دين لحق المأذون له في التجارة كان دينه فيما

في يديه وفي كسبه في التجارة دون خراجه وعمل يده، ويَضرب فيه السيد بدينه مع الغرماء. يريد: ما داينه به لا ما استنجده به.

[الباب العشرون] في ملك أحد الزوجين صاحبه وهما عبدان أو حران

[الباب العشرون] في ملك أحد الزوجين صاحبه وهما عبدان أو حران وأجمعوا أنه لا يجوز نكاح بين امرأة وعبدها أو بين حرٌ وأمته، فوجب بذلك إذا ملك أحد الزوجين صاحبه بعد النكاح أن يفسخ النكاح، ولا يجتمع ملك ونكاح. قال الشيخ: وإنما لم يجتمع ملك ونكاح لأن الحقوق فيه تتعارض، فيؤدي ذلك إلى بطلانها، وذلك أن الحرة إذا تزوجت عبدها فمعلوم أن نفقة الزوجة على زوجها ونفقة العبد على سيده، فإذا طلبت الزوجة في هذا نفقتها من زوجها الذي هو عبدها طلبها هو بنفقته، فأدى ذلك إلى إبطال النفقة عن كل واحد منهما، وذلك خلاف السنة، وذلك إذا تزوج. ولأن الرجل إذا تزوج أمته فالزوجة لها عليه حق في الوطء، وليس ذلك للأمة، فإذا طلبته بالوطء بالزوجية طلبها برفعه عنه بالملك، وليم يصح لها مرافعته في الإيلاء منها، فخالف في ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وبالله التوفيق.

قال مالك: وإذا اشترى المكاتب والمأذون له زوجته انفسخ النكاح فسخًا بغير طلاق. قال الشيخ: لأنه أمرٌ مجتمعٌ على فسخه، فهو كمتزوج الخامسة أو أخته من الرضاعة. قال مالك: ويطؤها بملك اليمين. قال مالك: وإذا اشترت المرأة زوجها بعد البناء فسخ النكاح. قال ابن القاسم: وتتبعه بمهرها، لأن مالكًا قال فيمن داين عبدًا ثم اشتراه: أنه يتبعه بدينه، قال: وإن اشترته قبل البناء فلا مهر لها. قال سحنون: ألا ترى أنها وسيده اغتزيا فسخ نكاحه، فلا يجوز شراؤها له، وتبقى له زوجة، إذ الطلاق بيده، فلا تخرج من عصمته بالضرر. وفي النكاح الثاني شيء من هذا. قال مالك: ولا يتزوج الرجل مكاتبته ولا أمته، ولا المرأة مكاتبها وهو عبده مادام في حال الأداء، لا بأس أن يرى شعرها إن كان وَغْدَاً دنيئًا لا خَطْبَ له، وإن كان له خطبٌ ومنظرٌ فلا يرى شعرها، وكذلك عبدها. قال مالك: وإن كان عبدًا لها فيه شركٌ فلا يرى شعرها وَغْدَاً كان أو غير وَغْد.

قال ابن القاسم: والوَغْد الذي لا منظر له ولا خطب. قال: ولا يتزوج الرجل أمة ولده وإن كان الأب عبدًا وكأنها أمته، إذ لو زني بها لم يحد، وجائزٌ أن يتزوج أمة والده أو أمة أُمِّه أو أخيه، إذ لو زني بها حُد. قال: وإذا اشترى الولد زوجته من أبيه لم تكن بما ولدت منه قبل الشراء ولا يحمل إن كان بها يوم الشراء أم ولد، لأن ذلك الحمل قد عتق على جده، ولو كانت أمة أجنبيٌ فاشتراها وهي حاملٌ كانت به أم ولدٍ، لأنه عليه عَتَق. وقال غيره: لا يجوز للابن شراؤها، لأن ما في بطنها قد عتق على جده. وهذه في كتاب أمهات الأولاد مُستوعَبة. قال ابن القاسم: وإذا كان للعبد المأذون له في التجارة أو المحجور عليه أمةٌ فأراد سيده أن يزوجها منه، فوجه الشأن في ذلك -وهو أحب إلي- أن ينتزعها منه ثم يزوجها له بصداق، فإن زوجها إياه قبل أن ينتزعها فالنكاح جائز، وكان ذلك انتزاعا، وكذلك إن أراد السيد أن يطأها فأحب إلى أن ينتزعها منه ثم يطؤها، فإن وطئها قبل أن ينتزعها منه كان ذلك انتزاعًا.

[الباب الحادي والعشرون] في نكاح الحر الأمة ونكاحه إياها على الحرة أو الحرة عليها وكيف إن كان عبدا، وفي تسري العبد والمكاتب ونكاحه

[الباب الحادي والعشرون] في نكاح الحر الأمة ونكاحه إياها على الحرة أو الحرة عليها وكيف إن كان عبدًا، وفي تسري العبد والمكاتب ونكاحه [فصل 1 - في نكاح الحر الأمة] قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] إلى قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] فعلَّقه بشرطين، عدم الطَّول، وخشية العنت. قال ابن حبيب: وهي محكمةٌ فلا تحل له الأمة إلا بعد عدم الطول، وخوف العنت، وهو الزنا، وهو قول علي وابن عباس وابن مسعود وأصحاب مالك، ورواه ابن وهب عن مالك. قال غليه: وقد اختُلف في نسخها. وكان من قول مالك فيمن تزوج أمةٌ على حرةٍ وهو يجد طولاً أن يفرق بينهما وإن خشي العنت، قال: ويضرب، ثم رجع فأجازه وجعل الخيار للحرة، وقال: لولا ما قاله مَنْ قبلي من العلماء رضي الله عنهم -يريد ابن المسيب

وغيره - لأجزته، لأنه حلالٌ في كتاب الله جل وعز. قال الشيخ: يريد قوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32]. قال ابن القاسم: فللحر أن يتزوج من الإماء ما بينه وبين أربع، وذلك إذا لم يجد طولاً لحرةٍ وخشي العنت، وذلك للعبد وإن لم يخش العنت. قال عبد الوهاب: لنقصه بالرق كَهِي، ولأنه لا عار عليه في استرقاق ولده، لأن ذلك ليس بأكثر من استرقاق نفسه، وليس للحر استرقاق ولده مع الاستغناء عنه. قال: وللعبد عندنا أن يتزوج أربع حرائر أو إماء خلافًا لأبي حنيفة [والشافعي] لقوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] الآية فعم.

[فصل 2 - في نكاح الحر الأمة على الحرة أو الحرة عليها] ومن المدونة: قال مالك: ولا ينكح الحر أمةَّ على حرة فإن فعل جاز النكاح وخيرت الحرة في أن تقيم معه أو تختار نفسها. ابن وهب: وكره ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما أن ينكح على الحرة أمة، وأن يجمع بينهما، وقاله جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وقال: وله أن ينكح الحرة على الأمة. قال ابن المسيب: إذا تزوج الحرة على الأمة ولم تعلم الحرة فهي بالخيار في أن تفارقه أو تقيم معه ويكون لها الثلثان من نفسه وماله، وقاله ابن شهاب. قال ابن القاسم: فإذا تزوج الحرة على الأمة، ولم تعلم فاختارت فراقه فلا نقضي إلا بواحدةٍ وتكون بائنة، بخلاف خيار المعتقة. -قال ابن المواز: فإن فسخت بالثلاث لزمت وقد أساءت، وقال أصبغ-. قال مالك: وإن رضيت بالمقام مع زوجها ساوى بينهما في القسم. ورأى ابن المسيب أن للحرة الثلثين.

قال عبد الوهاب: وقال عبد الملك: الحرة مخيرة في أن تجيز نكاح الأمة أو تفسخه، فوجه قول مالك: أنها إزالة الضرر عن نفسها بما لا تضر به غيرها، فإما أقامت أو فارقت فلا سبيل لها على نكاح الأمة. ووجه قول عبد الملك: أن الضرر الذي دخل عليها كون الأمة ضرةً لها فلها أن تزيله، وأما الخيار في فسخ نكاح نفسها، فليس ذلك إزالة ضررٍ بل زيادةٌ فيه. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن تزوج على الحرة أمةً فرضيت ثم تزوج عليها أخرى فأنكرت كان لها الخيار أيضًا. قال مالك: ولا بأس بنكاح حرةٍ على أمة، وللحرة الخيار إن لم تكن علمت أن تحته أمة. قال ابن القاسم: فإن كان تحته أمتان فعلمت بواحدةٍ فلها الخيار بعد علمها بالأخرى، فإن رضيت فلها ثلث القسم. قال مالك: وإنما جعلنا للحرة الخيار في ذلك لما قالت العلماء، ولولا ما قالوه لرأيته حلالاً، لأنه في كتاب الله حلال. قال سحنون: هو قوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32]. وقال ابن القاسم: إنما جعلنا الخيار للحرة إذا تزوج عليها أمة، أو تزوجها هي على الأمة والحرة لم تعلم، لأن الحر ليس من نكاحه الأمة إلا أن يخشى العنت، فإذا خشي العنت وتزوج أمةً كانت الحرة بالخيار.

وقال عبد الوهاب: إنما كان للحرة الخيار للنقص الداخل عليها بأن تكون ضرتها أمة. قال: وإذا تزوج الحرة على الأمة ولم تكن علمت فقيل: لها الخيار بين أن تقيم أو تفارق. وقيل: لا خيار لها. فوجه أن لها الخيار فلرفع الضرر عنها بأن تكون ضرتها أمة. ووجه أن لا خيار لها فلأنها فرضت في استعلام ذلك. قال الشيخ: فصار في نكاحه الأمة على الحرة ثلاثة أقوال: قول: أن الحرة مخيرة في أن تقيم أو تفارق، والثاني: أن تقيم مع الأمة أو تطلقها عليه، والثالث: أنه يفسخ على كل حال. وصار في نكاحه الحرة على الأمة قولان: أحدهما: إن لم تعلم الحرة خيرت الحرة بين أن تقيم أو تفارق. والثاني: لا خيار للحرة. وذكر في الواضحة أحاديث عن عمر وغيره من الصحابة إذا تزوج الحرة على الأمة فرق بينه وبين الأمة، واختار ذلك عبد الملك بن حبيب واستحسنه. قال: إلا ألا يكتفي بالحرة ولا يجد ما ينكح به حرةً أخرى فلا تحرم عليه الأمة التي عنده.

فصل [3 - في شروط نكاح الحر الأمة] ومن المدونة: قال ابن وهب: قال مالك: ويجوز للحر أن ينكح أربع مملوكات إذا كان على ما ذكره الله تعالى في كتابه في قوله: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25]. قال: والطَّول عندنا المال، فمن لم يستطع طولاً وخشي العنت فقد أرخص الله له في نكاح أمةٍ مؤمنةٍ. وروى ابن وهب وابن القاسم وعلي بن زياد عن مالكٍ أنه قال: لا ينبغي للحر أن يتزوج أمةً وهو يجد طولاً لحرة، ولا في عدم الطول إلا أن يخشى العنت كما قال الله تعالى. وقال غيره: لا ينكح أمةً على حرةٍ إلا أن تشاء الحرة، وهو لا ينكحها على حرة، ولا على أمة، وليس عنده شيء، ولا على حالٍ إلا أن يكون ممن لا يجد طولاً وخشي العنت. قال مالك: وليس الحرة تحته بطولٍ يمنعه نكاح أمةٍ إذا خشي العنت، لأنه لا يتصرف فيها تصرف المال فينكح بها. قبل لابن القاسم: فإن لم يخش على نفسه العنت وتزوج أمة؟ قال: كان مالك يقول: ليس له أن يتزوجها إذا لم يخش العنت، وإن كان تحته حرةً فلا يتزوج أمة، فإن تزوجها على حرةٍ فرق بينه وبين الأمة، ثم رجع فقال: إن تزوجها خيرت الحرة.

قال عبد الوهاب: فوجه القول الأول بأنه يفرق بينه وبين الأمة، لأن الحرة تحته من الطول، لأن الطول كونه قادرًا على صداق الحرة، فكون الحرة تحته أولى بأن تكون طولاً. ووجه قوله أنه يصح وتخير الحرة: أن الطول القدرة على صداق حرة، لا على حرةٍ متقدمةٍ كما قال مالك، لأنه لا يتصرف فيها تصرف المال فينكح بها. فصل [4 - في نكاح العبد حرة على أمة، أو أمة على حرة] ومن المدونة: قال مالك: وإذا نكح عبدٌ حرةً على أمةٍ، أو أمةً على حرةٍ فلا خيار للحرة، لأن الأمة من نسائه. قال مالك: ويقسم العبد بين الحرة والأمة بالسواء. فصل [5 - في تسرِّي العبد والمكاتب] وللمكاتب والعبد التسري في أموالهما بغير إذن السيد. ابن وهب: وقاله غير واحدٍ من العلماء والتابعين. قال الشيخ: يريد إذا كان العبد مأذونًا له في التجارة، وأما المحجور فلا إلا بإذنه. قال مالك في المختصر الكبير: إن كان بيد العبد مالٌ للسيد فليس له أن يتسرَّى فيه وإن أذن له إلا أن يهب له المال فله حينئذٍ أن يتسرَّى وإن لم يذكر له التسري فيه.

فصل [6 - في نكاح المكاتب والمكاتبة بغير إذن السيد] قال ابن القاسم: ولا يتزوج مكاتبٌ ولا مكاتبةٌ بغير إذن السيد لرجاء فضلٍ أو غيره، لأن ذلك يعيبها إذا عجزا، فإن فعلا فللسيد فسخه. ولا يجوز لمن عليه رقٌ لغيره أن ينكح إلا بإذن من له الرق فيه، قال الله تعالى {فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ} [النساء: 25].

[الباب الثاني والعشرون] في الأمة والحرة والعبد يغرون من أنفسهم أو يغر منهم أجنبي

[الباب الثاني والعشرون] في الأمة والحرة والعبد يغرون من أنفسهم أو يغر منهم أجنبي [فصل 1 - في الأمة تَغُرَّ من نفسها وحكم ولدها] وقد قضى عمر وعثمان في ولد الأمة الغارَّة لسيدها بمثلهم. قال مالك: وذلك يرجع إلى القيمة. قال ابن القاسم: ومن تزوج امرأةً أخبرته أنها حرةٌ ثم علم قبل البناء أنها أمةٌ أذن لها السيد أن تستخلف رجلاً على إنكاحها، فللزوج الفراق، ولا صداق لها، وإن كان قد بنى بها فلها المسمى إلا أن يزيد على صداق المثل فلترد ما زاد. قال ابن القاسم: وإن شاء ثبت على نكاحها وكان لها المسمى. قال الشيخ: وبيانه أن لها الأقل من المسمى أو صداق المثل. قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: فإن نقص المسمى عن صداق المثل فعلى الزوج تمامه. وقال أشهب: لا شيء عليه فيما نقص عن ذلك، ولا حجة للسيد كما لو زنى بها طائعةً.

قال الشيخ: يريد: فلا يكون عليه شيء، فكذلك ما زاد على المسمى لا شيء للسيد فيه. قال الشيخ: وهو ظاهر قول ابن القاسم في المدونة. ومن العتبية: قال أصبغ: قال ابن القاسم: وإذا قال الزوج: ظننتها حرة، فهو على قوله، قال أصبغ: والسيد مدَّعٍ فعليه البينة، وليس على الزوج بينةٌ أنه نكح على أنها حرة. قال في كتاب محمد: وإذا زوج الحر امرأةً ولم يشترط أنها حرة فله الخيار إذا ظهر أنها أمة. قال أصبغ في العتبية: ولو أقر الزج الآن أنه نكحها عالمًا أنها أمة، وقد فشا أنها غرته من الحرية، والسماع على ذلك أو الشك فلا يصدق الأب على ما يدفع عن نفسه من غرم قيمة ولده ويريده إرقاقهم. ومن المدونة: قال مالك: وللسيد على الأب قيمة الولد يوم الحكم، ولا شيء على الأب فيمن مات منهم قبل ذلك، ومن قَتَل ولدها فأخذ الأب منه دية حر، ثم استحقَّت الأم فعليه الأقل من قيمته يوم القتل عبدًا أو ما أخذ في ديته.

ابن المواز: وقال أشهب: لا شيء للمستحق من قيمة الولد، كما لو اقتص الأب من قاتله، أو هرب قاتله، وكما لو مات الولد وترك مالاً كثيرًا لكان ذلك لأبيه خاصة. قال أصبغ: إذا قتل الولد فأخذ الأب ديتهم فاستهلكها ثم أعدم في قيام السيد فلا يرجع السيد على غارم الدية بشيء، لأنه ودى ذلك بحكمٍ لزمه. ومن المدونة: وإن استُحِقَّت وفي بطنها جنينٌ فعلى الأب قيمته يوم الوضع وهو حر، ولو ضرب رجلٌ بطنها قبل الاستحقاق أو بعده فألقت جنينًا ميتًا فللأب عليه غرة عبد أو وليدة، لأنه حر، ثم للمستحق على الأب الأقل من ذلك أو من عُشُر قيمة أمه يوم ضُربت، ولا يكون على الأب أكثر مما أخذ، ولا على الضارب أكثر من الغرة. ابن المواز: وقال أشهب: لا شيء للمستحق كما قال في القتل. ومن المدونة: قال ابن القاسم: قال مالك: وولدها لاحق النسب، له حكم الحر في النفس والجِراح، وفيه الغرة قبل الاستحقاق وبعده. وإن استحقت الأمة بعد موت زوجها ولم يدَع مالاً، أو كان زوجها حيًا وهو عديمٌ وله منها ولد موسر، فللمستحق على الولد قيمته، وإن كان عديمًا فذلك عليه إن أيسر، وقيل: لا شيء على الولد من قيمة نفسه.

قال ابن القاسم: والقول فيها وفي ولدها كالقول في المستحقة بيد مشترِ سواء، وذلك في كتاب الاستحقاق مستوعب. ولو استحق الأمة عم الولد أخذ قيمتهم، إذ لا يعتق عليه بنوا أخيه ولو كان جدهم لم يأخذ قيمتهم، لأنهم يعتقون عليه، ولا شيء له من ولائهم، لأنهم أحرارٌ، وإنما أُخذت القيمة منهم بالسنة. قال ابن المواز في كتاب الغصب: ويكون ولاؤهم لأبيهم. قال الشيخ: ولو كان إنما زوَّجه أبوه أمته وهو عالمٌ فهاهنا يكون ولاء ولده لجدهم، لأنهم عليه عتقوا، لأنه لو كان الزوج أجنبيًا لكانوا لسيد الأمة أرقاء، فإذا كان ولده عتقوا على الجد لأنهم ولد ولده، وفي الغارة هم أحرارٌ، وفي الولد وفي الأجنبي لم يعتقوا على أحدٍ، وإنما أخذت القيمة فيهم بالسنة، فالموضع الذي يكونون فيه أحرارًا يكون ولاؤهم في مسألة الولد للوالد، والموضع الذي يكونون فيه أرقاء يكون في مسألة الولد ولاؤهم لجدهم. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو غرَّت أمة الأب ولده فتزوجها فولدت منه ثم استحقها الأب فلا شيء له من قيمة ولدها، إذ لو ملكهم عتقوا عليه وكذلك إن غرت أمة الولد والده فتزوجها فولدت منه.

قال سحنون في المجموعة: إذا غرت أمة الابن والده فتزوجها على أنها حرة فإن الأب يغرم قيمتها لولده، وتكون أم ولد للأب، وليس للابن أخذها، ولا شيء على الأب من قيمة الولد، والتزويج فيها ليس بتزويج. وأما الابن الذي غرته أمة الأب فهو مثل الأجنبي يكون لها صداق مثلها، ويأخذها الأب ولا قيمة عليه في الولد. فصل [2 - في ولد الغارَّة إن كانت أم ولد] ومن المدونة: قال مالك: ولو كانت الغارَّة أم ولد فلمستحقها قيمة الولد على أبيهم على رجاء العتق لهم بموت سيد أمهم وخوف أن يموتوا على الرق قبله، وليس قيمتهم على أنهم عبيدٌ، لأنهم يعتقون إلى موت سيد أمهم، ولو مات سيد أمهم قبل القضاء لم يكن لورثته من قيمة الولد شيء، لأنهم بموت السيد عتقوا. قال مالك: وإن وجد السيد ولدها مقتولاً فديته لأبيه دية حر، ويكون لسيد الأمة على أبيه الأقل مما أخذ أو من قيمتهم يوم القتل على الرجاء والخوف. قال الشيخ: هكذا نقلها أبو محمد: قيمتهم على الرجاء والخوف، وهو الصواب، لأن الأب يقول: لو لم يقتلوا ما كان يلزمني إلا قيمتهم على الرجاء والخوف، فإذا كان ذلك أقل مما أخذت من الدية لم يلزمني غيره. قال الشيخ: وقال بعض أصحابنا: بل يغرم الأقل مما أخذ أو قيمة الولد عبدا، لأن ولد أم الولد إذا قتل إنما تجب على القاتل قيمته عبدًا. قال الشيخ: وتشبيهه قتله بما يلزم أباه فيه غلط، لأن ولد الغارة قد جعل قيمتهم على الأب على الرجاء والخوف تخفيفًا عنه، بخلاف ما يلزم القاتل فيهم.

[فصل 3 - في ولد الغارة إن كانت مدبرة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن غرت مدبَّرةٌ ففي ولدها القيمة على الرجاء [والخوف] أن يعتقوا أو يرقوا، بخلاف ولد أم الولد. قال الشيخ: يريد قيمتهم على أنهم يعتقون بموت السيد إذا حملهم الثلث ولا دين على السيد، أو على أن يعتق ما حمل الثلث منهم، أو يرقوا إن كان على السيد دين، أو يموتوا قبل ذلك، فالخوف في رقهم أشد منه في ولد أم الولد، لأن العتق إنما يلحقهم في حال ويمتنع في أحوال، فلذلك قال: بخلاف ولد أم الولد. وقال ابن المواز: بل يغرم الأب قيمتهم رقيقًا، لأنهم يرقون أحيانًا ولا ينفذ لهم العتق إلا بعد الموت من الثلث، والعتق فيهم اليوم أو كد من التدبير، كما لو اشترى رجلٌ مدبَّرًا فأعتقه وهو لا يعلم، ثم علم أنه مدبرٌ، ما كان من البائع أن يرد شيئًا من ثمنه على المشتري وإن كان قد غرَّه. فصل [4 - في ولد الغارة إن كانت مكاتبة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن كانت مكاتبةٌ غرت من نفسها فولدت فلتؤخذ من الأب قيمتهم. -قال ابن المواز: عبيدًا-.

قال ابن القاسم: فتوضع تلك القيمة على يدي رجل [عدل] فإن عجزت أخذ السيد القيمة، وإن ودت رجعت القيمة إلى الأب. قال ابن المواز: واختلف فيه أصحابنا، وأحب إلي أن تعجل فيه القيمة للسيد فيحسبها في الكتابة إن كانت أقل منها أو مثلها، وإن كانت أكثر لم يلزم الأب إلا الأقل من بقية الكتابة، أو من قيمة الولد. قال: وزعم ابن القاسم أن القيمة توقف، والذي يدخل عليه في ذلك أن يقال: أليس كل ما ولدته المكاتبة مدة الكتابة داخل في كتابتها؟ فكتابتها أحق بقيمة ولدها، كما لو قتل، وكما لو أعتقه السيد وهو ممن يسعى برضى الأم لسقط عنها ما يقع عليه من الكتابة، وولد هذه المستحقة دخله عتق لابد منه، وقد كان في كتابة أمه لولا هذه الحرية، فقيمته عوض منه. قال ابن المواز: وأما المعتقة إلى أجل فولدها بمنزلتها، وعلى الأب قيمتهم على أنهم أحرار إلى ذلك الأجل. قال ابن المواز: وإنما لزم الأب في ولد المستحقة قيمتهم يوم الحكم، لأنه ليس بغاصب، وقد قال عمر وعثمان: إنه يحكم لمستحق أُمِّهم بأمثالهم، فجعلت القيمة موضع ذلك، قال مالك: القيمة أعدل.

فصل [5 - في المغرور إن كان عبدا] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن غرت الأمة عبدًا أنها حرةٌ فتزوجها فولدت منه، فولدها يرق برقها، إذ لابد من رقِّه مع أحد الأبوين، فجعلتهم تبعًا للأم، لأن العبد لا يغرم قيمتهم. قال في كتاب ابن المواز: ويرجع العبد على من غرَّه بالمهر، ثم لا يرجع من غره عليها، وإن لم يغره منها أحدٌ رجع عليها بالفضل على صداق مثلها، لحجته أنه رغب في حرية ولده، وهذا إن اشترط أنها حرةٌ، أو ظهر وجهٌ عُلِم به أنه عمل على أنها حرة، وإلا فلا يرجع بشيءٍ من الصداق، بخلاف الحر لا يشترط حريتها ثم يظهر أنها أمة. فصل [6 - في الغار إن كان أجنبيا] ومن قال لرجل: فلانة حرة، ثم زوجها إياه غيره فولدت أولادا، ثم إنها استحقت أنها أمةٌ فلا يكون المخبر هاهنا غارًا، ولا يرجع الزوج عليه بشيء، علم المخبر أنها أمةٌ أم لا، وكذلك إن ولي المخبر العقد ولم يعلم أنها أمة، وأما إن ولي المخبر العقد وهو يعلم أنها أمة فهاهنا يكون غارًا، ويرجع الزوج عليه بما ودى من الصداق. ابن المواز: كان المخبر وليًا لها أم لا، فإنه يغرم إذا علم ثم عقد، ولا يترك لها ربع دينارٍ، وكأنه باعه البُضْع فاستُحِق.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا يرجع عليه بما يغرم من قيمة الولد، إذ لم يغرم من ولده. قال: ولو أنه إذ غره عالمًا وولي العقد أعلمه أنه غير وليٍّ لها لم يرجع عليه الزوج بشيء. قال الشيخ: لأنه دخل على أمرٍ للولي فيه الخيار عنده وإن لم يعلم أنها أمة. [فصل 7 - في العبد يغر من نفسه] قال مالك: ولو غر عبدٌ حرةٌ فتزوجته على أنه حر، وأجاز السيد نكاحه، فلها أن تختار فراقه ما لم تدعه يطؤها بعد علمها به أنه عبد. قال ابن القاسم: وإذا كرهته فرق السلطان بينهما إلا أن يتطوع الزوج بالفراق دونه. قال ابن شهاب: ويُجلد العبد نكالاً بما كذبها وخَلَبَها.

ومن كتاب ابن المواز: لأنها إذا أقامت سنين مع مكاتبٍ تزوجها، ثم قالت: لم أعلم أنه مكاتبٌ، وقد غرَّني، فلتحلف أنها ما علمت ولها الخيار. قال أصبغ: تحلف أنها ما علمت أنه مكاتبٌ، ولا ينفعها أن تقول: ظننت المكاتب حرًا. قال ابن حبيب: ولو قالت: جهلت أن لي الخيار، لم تُعذر بذلك. [فصل 8 - في النصرانية تغر المسلم، والمسلم يغر النصرانية] ومن تزوج نصرانيةً ولم يعلم فلا حجة له في ذلك حتى يشترط أنها مسلمة، أو يظهر ويعلم أنه إنما تزوجها على أنها مسلمةٌ لما كان يسمع منها، فيكون منها الكتمان وإظهار الإسلام، فهذا كالشرط، وأما المسلم يغر النصرانية فيقول لها: إني على دينك، فيتزوجها ثم تعلم بذلك أن لها الخيار، لأنه غرها ومنعها من كثير مما يبيحه لها دينها من شرب الخمر وغيره، قاله مالك. وقال ربيعة: لا خيار لها وليس الإسلام بعيب.

[الباب الثالث والعشرون] ما ترد به المرأة والرجل من عيب، ومن غر من ذلك وذكر العنين والخصي والمجبوب

[الباب الثالث والعشرون] ما تُردُّ به المرأة والرجل من عيب، ومن غر من ذلك وذكر العنين والخصي والمجبوب [فصل 1 - فيما تُردُّ به المرأة من العيوب] روي أن الرسول عليه الصلاة والسلام زوج امرأة من بني غِفار، فوجد بكَشْحِهَا بياضًا، فردها وقال: «دلَّستم علي». ورأى عمر بن الخطاب وعلي رضي الله عنهما وغيرهما ردَّ النساء من العيوب الأربعة: الجنون، والجذام، والبرص، وعيب الفرج. قال الشيخ: ولا مخالف لهم، لأنها عيوب تؤثر في الاستمتاع المقصود، وتنقص كمال اللذة فوجب أن يثبت معها الخيار، أصله الجب والعنة.

قال مالك في كتاب محمد: وسواءٌ كان البرص الذي بالمرأة قليلاً أو كثيرًا. قال في المدونة: ولا صداق لها إن لم يبن بها، وإن بنى بها فلها الصداق، ويرجع به الزوج على وليها إن كان الذي أنكحها أبٌ، أو أخٌ، أو من يرى أنه يعلم ذلك منها، لأنه غر الزوج منها. قال ابن القاسم: ثم لا يرجع به الولي عليها. قال مالك: وإن كان الذي أنكحها ابن عم، أو مولى، أو السلطان، أو من لا يظن به علم ذلك فلا شيء عليه، وترد المرأة ما أخذت إلا ربع دينار، لأنه هي الغارَّة. قال عبد الوهاب: وخالفنا الشافعي في ذلك وقال: لا يرجع على المرأة ولا على الولي بشيء، ودليلنا ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: أيُّما رجلٍ نكح امرأةً وبها جنونٌ أو جُذامٌ أو بَرَصٌ فمسَّها فلها صداقها، وذلك لزوجها غرمٌ على وليِّها، ونحوه عن عليَّ رضي الله عنه ولا مخالف لهما من الصحابة ولأننا لو قلنا: إنه لا رجوع له عليه لألزمناه العوض من غير أن يحصل له في مقابلته الاستمتاع الذي دخل عليه، لأنه دخل على التأبيد لا على مرةٍ واحدة. وإنما قلنا: يرجع على الولي بجميع الصداق، وعلى المرأة به إلا ربع دينار، لئلا يعرى البضع من عوض، ومن الولي يبقى لها جميعه فلم يعر من عوض.

ومن كتاب ابن المواز: وإذا كان الولي الذي يرجع عليه عديما، أو مات ولا شيء له، لم يرجع على المرأة بشيء، وليس عليها أن تخبر بعيبها ولها ولي، والبكر والثيب في ذلك سواء، وقال أصبغ عن ابن القاسم في العتبية. وقال ابن حبيب: بل يرجع على المرأة إن كانت مليئة، وإن كانت عديمةً رجع على أوَّلهِما يُسَرا. قال في كتاب ابن المواز: وإذا كان الولي البعيد يعلم ذلك منها حين عقد، فعليه يرجع الزوج، ويبقى للمرأة مهرها، وهذا إن أقر، أو قامت بينةٌ عليه، وإلا لم يحلفه إلا أن يدعي الزوج علمه بأمرٍ علمه فليحلف، فإن نكل حلف الزوج لقد علم وغره، وإن نكل فلا شيء له عليه ولا على المرأة، لإقراره بعلم الولي به وأنه غره. ابن المواز: وأما الولي القريب فذلك عليه ويغرم المعجَّل، فإذا ودى الزوج المؤجل رجع حينئذٍ به عليه. قال: وإن زوجها الأخ وهي بكرٌ بإذن الأب فالغرم على الأب، وإن كانت ثيبًا فعلى الأخ، وإن كان زوجها غير ولي عالمًا بعيبها وكتمه عليه فعليه يرجع، إلا أن يعلمه أنه غير ولي، أو يعلم ذلك الزوج فلا شيء عليه وإن كتمه، كالمنادي على السلعة يخبر أنها لغيره فالعهدة على ربها. قال مالك: وليس على الولي أن يخبر بعيب وليته ولا بفاحشةٍ لها إلا العيوب الأربعة، ومثل أن يعلم أنها لا تحل له من رضاعٍ أو نسبٍ، أو معتدة.

قال ابن حبيب: وتفسير داء الفرج: ما كان في الفرج والرحم مما يقطع اللذة في الوطء، فإن علم بذلك أو ببقية العيوب الأربعة ثم دخل بها فلا خيار له، وإن بنى بها قبل أن يعلم ثم علم فأمسك فهو مخير، فإن ادعت أنه مسها أو تلذَّذ بها وبعد العلم، فأنكر، حلف وصُدِّق، فإن نكل حلفت وصُدِّقت، وإن لم تدَّع ذلك عليه فلا يمين عليه. ابن المواز: قال مالك: إذا قال الزوج: كان بها الجذام قديمًا، وقال الأب: بل زوجتك صحيحةً، فالأب مصدقٌ. ابن المواز: مع يمينه. ومن المدونة: قال ربيعة: إذا وطئها بعد العلم بعيبها فقد لزمته. قال ابن وهب: وكتب عمر بن عبد العزيز في الذي رأى في زوجته وَضَحَاً من بياضٍ فردها به أن استحلفه بالله في المسجد ما تلذذ منها بشيءٍ منذ رأى ذلك بها، واستحلف إخوتها أنهم لم يعلموا بالذي كان بها قبل أن يزوجوها، فإن حلفوا فأعط المرأة من صداقها ربعه. قال الشيخ: وهذا خلاف ما تقدم وهو اجتهادٌ منه واستحسان. قال مالك: ولا ترد المرأة إذا وجدت عمياء، أو عوراء، أو مقعدة، أو قطعاء، أو شلَّاء، أو سوداء، أو قد ولدت من زنا، ولا من شيءٍ سوى العيوب الأربعة.

قال الشيخ: لما جاء في ذلك من السنة، ولأن العيوب الأربعة: البرص وعيب الفرج مما يخفى، والجنون والجذام ضررٌ شديدٌ، وأما غير ذلك من العيوب فالغالب منها أنها لا تخفى، فالزوج مُفَرِّطٌ في استعلام ذلك، ولأن له أن يشترط السلامة، فلزمه ذلك بتفريطه. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن اشترط السلامة مما ذكرنا ثم يجد ذلك بها فلا صداق لها إن لم يبن بها، وإن بنى بها فلها المهر، ويرجع به على الولي الذي شرط له ذلك. قال مالك: وما علم أهل المعرفة أنه من عيوب الفرج رُدَّت به وإن جامعها وقد تجامَع المجنونة. قال في كتاب محمد: وإذا كان الرتْق من قِبَل الختان فإنه يُبَطُّ على ما أحبت أو كرهت إذا قال النساء: إن ذلك لا يضرها، وإن كان خِلْقةً فإن رضيت بالبطِّ فلا خيار له، وإن أبت فالخيار إليه. قال أصبغ: وإذا أقامت للعلاج وهو يتمتع بها، فإن طال ذلك كطول أمد العنين في علاجه فلها جميع الصداق، كالسنة وما قاربها من كثير من الأشهر. قال ابن حبيب: وإن زعم أن بها رتقًا، أو غيره من داء الفرج فأكذبته فهي مصدقٌ، وإن طلب أن ينظر إليها النساء فليس ذلك له، فإن فارق وادعت المسيس

فلها جميع الصداق، فإن أتي بامرأتين فشهدتا أنهما رأتاها رتقاء، ولم يكن ذلك عن أمر الإمام جازت شهادتهما، إذ الطلاق بيده لم توجبه شهادتهما إنما أوجبت ترك الصداق إن فارق. فإن قيل: فإذا لم تمكنهما من النظر فقد صار نظرهما تعمدًا جَرْحةً. قيل: هذا يعذران بجهالته. قال أبو محمد: وأخبرنا أبو بكر قال: قال سحنون: إن ابن القاسم يقول: لا ينظر إليها النساء في عيب الفرج يدعيه الزوج، وقد قال: ترد به، فكيف يعرف إلا بنظرهن. وروى ابن سحنون عن أبيه: أنه ينظر إليها النساء إذا ادعى ذلك الزوج. -قال الشيخ: ويردها، وبه أقول-. قال ابن حبيب: وأما من بنى بزوجته فادعى المسيس فأكذبته، وشهد لها امرأتان أنها عذراء، فلا تقبل شهادتهما، لأنه يؤول إلى الفراق، وقد كذبهما من له الفراق، فافترق من الأول، وقاله مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ.

فصل [2 - فيما يرد به الرجل من العيوب] ومن المدونة: قال ابن المسيب: وإن كان بالزوج جنونٌ، أو ضررٌ، فالمرأة مخيرةٌ بين أن تقيم أو تفارق. قال مالك: وأرى الضرر الذي أراد ابن المسيب هذه الأشياء التي ترد منها المرأة. قال الشيخ: لقول الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، ولأن لها حقًا في الاستمتاع، فإذا وَجدت مانعًا منه أو من كماله كان لها الخيار كالرجل، واعتبارًا بالجبِّ والعنَّة، فإن فارقت قبل الدخول فلا صداق لها، لأن الفسخ من قِبَلِهَا، وإن كان بعد الدخول فلها المهر كاملاً لاستمتاعه بها. فصل [3 - في حدوث العيب بعد النكاح] قال ابن حبيب: قال مالك وأصحابه: وما حدث بالزوجة عند الزوج من العيوب الأربعة فلا خيار له في فراقها إلا بغرم الصداق، النصف قبل البناء، والجميع بعده. قال ابن المواز: وما حدث بالزوج بعد العقد من البرص فلا يرد به وإن كان شديدًا.

وقال ابن حبيب: يُرد به إن كان فاحشًا مؤذيًا. قال مالك في النكاح الثاني من المدونة: وإذا حدث بالزوج جنونٌ بعد العقد عُزِلَ عنها وأُجِّل سنةً لعلاجه، فإن صحَّ وإلا فرق بينهما، والمجذوم البيَّن الجذام يفرق بينه وبين امرأته إذا طلبت ذلك. قال ابن القاسم: فإن كان مما يرجى برؤه وعلاجه فليضرب له أجل سنة. قال الشيخ: وفي الثاني إيعاب هذا. فصل [4 - في أحد الزوجين يغر صاحبه في النسب] قال مالك: ومن تزوج امرأةً فإذا هي لِغِيةٌ، فإن زوجوه على نسبٍ فله ردها وإلا لزمته. قال ابن القاسم: فإن ردها فلا صداق عليه إن لم يكن بنى بها، وإن بنى بها فعليه صداقها، ويرجع به على من غرَّه، فإن كانت هي الغارة ترك لها ربع دينارٍ وردت ما بقي، وإن انتسب لها فألفته لِغِيًا خيرت بين أن تقبله أو ترده. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن تزوج امرأة على نسبٍ انتسب لها إلى فخذٍ من العرب ثم يوجد من غير ذلك الفخذ، فإن كان مولى فلها الخيار إذا

كانت عربية، وإن كان عربيًا وهو من غير القبيل الذي سمى فلا خيار لها إلا أن تكون قرشيةً تزوجته على أنه قرشيٌ فإذا هو من قبيلٍ من العرب، أو تكون عربيةً تزوجته على إدعائه، فذلك لها. وذكر عن أبي بكر بن عبد الرحمن فيمن تزوج امرأة وشرطت في عقد النكاح على الزوج أنه عربيٌّ من أنفسهم ثم وجد من مواليهم قال: فأجبت أنا وجميع أصحابنا أن للمرأة القيام بشرطها وفسخ النكاح. قال الشيخ: قال بعض فقهائنا: ولم يذكر في هذا السؤال أنها عربيةٌ أو مولاة، والأمر عندي سواء، وللمرأة شرطها بخلاف ما تقدم في رواية أبي زيد، والله أعلم. وسئل أبو محمد بن أبي زيد عما يكتب الناس في صدقاتهم: وهي صحيحة العقل والبدن، ويجدها بعد ذلك عمياء أو شلَّاء، هل له أن يردها بهذا الذي كتب في الصداق؟ فقال: لا ينفعه ذلك، وليس كالشرط حتى يبين فيقول: لا عمياء ولا شلَّاء، قال: ولو كان في موضع صحيحة العقل سليمة البدن لرأيت له أن يردها إذا وجدها عمياء أو شلَّاء أو غير ذلك، وبهذا كان يفنيّ علماؤنا ونُفيّ نحن. فصل [5 - فيمن غر فنكح امرأة في العدة] قال مالك: ومن غَرَّ من وليَّته فزوجها في عدة ودخلت، ثم علم بذلك الزوج فالنكاح مفسوخ، ويضمن الولي الصداق كله.

قال ابن القاسم: ولو كانت هي الغارة ترك لها ربع دينار وردت ما بقي. قال في رواية العسَّال أبي زيد عن ابن القاسم في مسألة المرأة تغره: إنه يرجع عليها بالصداق الذي دفع إليها، وليس يأخذ ما اشترت. -قال الشيخ: يريد: وإن كان مما يصلح لجهازها، لأنها متعدية في التصرف فيه قبل إعلامه بما غرته به فيرضى أو يرد-. قال ابن القاسم: فإن لم يعلم الزوج بذلك حتى طلقها أو ماتت فلا رجوع له عليها بشيءٍ من الصداق، كالعبد المعيب يبيعه مشتريه، فلا يرجع بشيءٍ من قيمة العيب، وروي ذلك عن مالك. فصل [6 - في عيوب الفرج التي يرد بها الرجل] وعيوب الفرج التي يردُّ بها الرجل أربعة وهي: الجَبُّ، والخِصَاء، والعِنَّة، والاعتراض. فالمجبوب: هو المقطوع ذكره وأنثياه، والخصي، هو المقطوع منه أحدهما، والعنين: هو الذي له ذكرٌ شديد الصغير لا يمكن الجماع بمثله، والمعترض: هو الذي لا يقدر على الوطء لعلة تعترضه وهو بصفة من يمكنه الوطء، وربما اعترض عن امرأةٍ دون أخرى، وأصحابنا يسمون العنين لهذا النوع من الرجال، وكذلك

من تقدم من الصحابة والتابعين، وحقيقة اسمه المعترض، كذلك ذكر ابن حبيب وعبد الوهاب. ومن المدونة: قال مالك وأصحابه: وإن تزوج خَصيٌّ أو مجبوبٌ امرأةً ولم تعلم به، ثم علمت فلها الخيار في أن تقيم معه أو تفارقه، والمجبوب أشد. قال عبد الوهاب: وإنما قال ذلك لعدم الاستمتاع، والأصل فيه قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، ولأنه لو آلى منها لكان لها أن توقفه وتطالبه إذا امتنع من الوطء بالوطء أو الفراق، فكان الخصي والمجبوب أولى. ومن المدونة: قال مالك: وإنما لها أن تفارقه بواحدةٍ بائنةٍ لا بأكثر منها، ويتوارثان قبل أن يختار فراقها، فإن فارقته بعد أن دخل بها فعليها العدة إن كان يطؤها، وإن كان لا يطؤها فلا عدة عليها. وروى ابن وهب أن ابن سُندَر تزوج امرأةً وكان خصيًا فلم تعلم به، فنزعها منه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

قيل لابن القاسم: فإن كان مجبوب الذكر قائم الخُصى فاختارت فراقه بعد أن دخل بها؟ فقال: إن كان يولد لمثله فعليها العدة، ويسأل عن ذلك، فإن كان يحمل من مثله لزمه الولد، وإلا لم يلزمه ولا يلحق به، وإن علمت به حين تزوجته أنه مجبوبٌ، أو خصيٌ، أو عنينٌ لا يأتي النساء رأساً أو أخبرها بذلك فلا كلام لها. وإن لم تعلم بذلك في العقد ثم علمت به فتركته وأمكنته من نفسها فلا كلام لامرأة الخصي والمجبوب، وأما العنين فلها أن ترافعه ويؤجل سنة، لأنها تقول: تركته لرجاء علاجٍ أو غيره، إلا أن تتزوجه وهي تعلم أنه لا يأتي النساء رأساً كما وصفنا، فلا كلام لها بعد ذلك، وفي الثاني إيعاب هذا. تم كتاب النكاح الأول، والحمد لله وسلامٌ على جميع أنبيائه.

[الكتاب الثاني] كتاب النكاح الثاني

[الكتاب الثاني] كتاب النكاح الثاني [الباب الأول] في الصداق يقارنه بيع، أو يدخل فيه غرر أو مجهول وكل غرر أو خطر أو فساد بشرط [فصل 1 - في الصداق يقارنه بيع] قال ابن القاسم: ومن تزوج امرأةٌ بعبدٍ على أن تعطيه داراً أو مالاً لا يجوز هذا النكاح عند مالك، وهو مفسوخٌ، وسمعت مالكاً يقول: إن تزوجها على أن تعطيه خادمها بكذا وكذا درهماً لم يجز، ولا يجتمع في صفقةٍ واحدةٍ نكاحٌ وبيع. قال سحنون: وقال بعض الرواة- هو ابن الماجشون- في هذه المسألة: إن كان يبقى مما يعطي الزوج ربع دينارٍ فصاعداً جاز النكاح. قال عبد الوهاب: وقال أشهب: يجوز نكاحٌ وبيع، فوجه قول مالك: أن النكاح عقدٌ مخصوصٌ من سائر عقود المعاوضة بأحكامٍ لا توجد في غيره، فوجب ألا يضم إليه عقدٌ غيره كالصرف والقراض، ولأنه يجوز أن

يكون العوض في مقابلة البيع فيعرو البضع من عوض، وتكون ذريعةً إلى الإباحة في إسقاط المهر. قال الشيخ: ولأنه لا يدرى ما يخص البضع من ذلك فيصير نكاحاً مجهولاً. قال عبد الوهاب: ووجه قول عبد الملك: أن المنع من خيفة أن يعرو النكاح من عوض، فإذا أمن ذلك جاز. ووجه قول أشهب: أنه ليس في ذلك أكثر من الجهالة بمقدار المهر، وذلك لا يمنع صحة العقد، كما لو تزوجها على حكم زيد. قال الشيخ: ولأن للرجل بيع سلعتين بثمنٍ معلومٍ، ولا يضره جهل ما يخص كل سلعةٍ من الثمن، فكذلك هذا ولا يدخل عليه ما اعتل به ابن الماجشون من أن يفضل مما يعطى المرأة ربع دينار، لئلا يعرو البضع من عوض، لأن ما يعطي الزوج مقبوض على ما تعطي المرأة، وعلى مقدار صداق مثلها، فمتى حصل للبضع على ذلك ربع دينارٍ فصاعداً جاز هذا على قياس البيوع، وإذا جاز ذلك في البيوع اقتضى أن يكون في النكاح أجوز، لأن طريقة النكاح المكارمة وطريقة البيوع المكايسة، ألا ترى أنه يجوز أن يتزوج بعبدٍ وبشرار بيتٍ ولا يصف ذلك، ولا يضرب لها أجلاً، فيكون لها الوسط من ذلك حالاً، ويتزوجها ولا يذكر صداقاً فيعطيها صداق المثل فيلزمها، ولا يجوز مثل هذا في

البيوع، وما قال أشهب هو القياس، والله أعلم، وقول ابن الماجشون أيضاً حسن، وهو على قياس ابن نافعٍ في مسألة الموضحتين إذا صالح من موضحة عمداً وموضحةٍ خطأً على شقص من دار. قال ابن نافع: فيه الشفعة بقيمة الشقص ما لم ينقص عن دية موضحة الخطأ وذلك أنه جعل ممن الشقص معلوماً هو دية موضحة الخطأ، ومجهولاً وهو دية موضحة العمد، فأعطى للمعلوم حقه من قيمة الشقص، وكان ما بقي للمجهول، فكذلك يصنع في النكاح، يجعل ما يعطي الزوج ثمناً للبضع وثمنه مجهولٌ، وبما تعطي الزوجة وثمنه معلوم، فأعطى للمعلوم قيمته مما يعطي الزوج وما بقي للبضع، فإن بقي ربع دينارٍ فأكثر جاز عنده وإلا لم يجز. وذكر عن ابن الكاتب أنه قال: إن كان اعتبار ما يفضل للبضع بعد عقد النكاح فكأنه إنما نكحها بالذي يفضل، وذلك مجهولٌ، فإن كان اعتبار ذلك قبل العقد فأحسبهما لا يختلفان في جوازه، لأنه يصير للبضع شيء مسمى، وللسلعة شيء مسمى، فهو كما لو تزوج امرأتين في عقدٍ واحدٍ، وسمى لكل واحدةٍ صداقها

ولا يشبه ذلك السلع التي يجوز ذلك فيها وإن لم يسم، لأن السلع مما تقوم، فيقع لكل سلعةٍ من الثمن ما يخص قيمتها إن وقع استحقاق، والأبضاع لا يصح تملكها ولا وقع فيها وطءٌ قبل التسمية فيقضى عليه بصداق المثل، فوجب ألا يصح إلا بعد التسمية لها، وإن أجملهما في صداقٍ واحدٍ لم يجز، وغيره يجيز ذلك، ويقسم المسمى على صداق مثل كل واحدة، اعتباراً بالسلع، وإلى مثل هذا نحى أشهب في جواز نكاحٍ وبيع، وهذا معنى كلام ابن الكاتب دون لفظه. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وهذا النكاح الذي وقع مع البيع في صفقةٍ يفسخ قبل البناء ويثبت بعده، ويكون لها صداق المثل. فصل [2 - في الصداق يدخل فيه غرر أو مجهول أو محرم] قال مالك: وإن تزوجها على عبدٍ آبقٍ، أو بعيرٍ شاردٍ، أو جنينٍ في بطن أمه، أو بما تلد غنمه، أو بثمرةٍ، أو زرعٍ لم يبد صلاحهما فالنكاح يفسخ في ذلك كله قبل البناء ويثبت بعده، ويكون لها صداق المثل، ويكون الذي سمى لها من الغرر لزوجها، إلا أن تقبض الجنين بعد ولادته، أو الآبق أو الشارد وغيره، فلترده إلا أن يموت عندها في بدنٍ أو سوقٍ فيكون لها وتغرم قيمته يوم قبضته لزوجها، فأما الثمرة فما جنت منها، أو حصدت من الحب فعليها أن ترد مكيلته وما هلك من ذلك كله قبل أن تقبضه فهو من الزوج، وما هلك من ذلك بعدما قبضته وإن لم يتغير في سوقٍ أو بدنٍ فهو من المرأة أبداً حتى ترده، لأنه في ضمانها يوم قبضته.

قال ابن المواز: وإن نكحها بثمرةٍ لم يبد صلاحها على أن تجدها بلحاً جاز النكاح، فإن تأخرت الثمرة حتى طابت فجدتها بسراً أو رطباً أو تمراً فلا يفسخ النكاح وإن لم يدخل بها، ويكون لها قيمة ذلك البلح مجدوداً يوم النكاح وترد ما جدت منها، وما أكلت ردت مكيلته، وإن لم تعرف فقيمته، وإن طلقها قبل البناء فلها نصف قيمة البلح مجدوداً يوم النكاح. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن تزوجها بما تلد غنمه، أو بخمرٍ، أو خنزيرٍ، أو على دار فلان، أو على أن يشتريها لها فليفسخ هذا النكاح قبل البناء ويثبت بعده، ولها صداق المثل. وقد اختلف قول مالك في المختصر الكبير في فسخ النكاح بعد البناء إذا عقد بخمر، أو خنزير، أو بثمرةٍ لم يبد صلاحها، أو بجنينٍ في بطن أمه، أو ببعيرٍ شاردٍ، أو بعبدٍ آبق. قال عبد الوهاب: لا خلاف في منع ابتداء العقد بما لا يصلح أن يتملك كالخمر والخنزير، ولا بغررٍ كالعبد والآبق والجمل الشارد والجنين في بطن أمه، والثمرة التي لم يبد صلاحها على التبقية، وما أشبه ذلك، فإن وقع فقيل: يفسخ قبل البناء وبعده، لأن فساده في عقده، وقيل: يفسخ قبل البناء ويثبت بعده ويجب فيه صداق المثل، لأن فساده في صداقه. وعند أبي حنيفة والشافعي: العقد صحيحٌ لا يفسد بفساد المهر، ويجب فيه صداق المثل.

فوجه قول من أفسده: قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ}، فعلق الإحلال بالمال، والخمر والخنزير ليسا بمالٍ لنا، ولأنه عقد معاوضة يجب أن يفسد بفساد العوض كالبيع، ولأن المعقود به إذا كان فاسداً وجب فساد العقد، أصله نكاح الشغار. ووجه التصحيح: أن عقد النكاح مفارق لعقد البيع في موضوعه، لأن البياعات طريقها المغابنة والمكايسة، والنكاح طريقه المواصلة والمكارمة، ألا ترى أنهما إذا عقدا من غير تسمية صداقٍ جاز، بخلاف البيع والإجارة. واختلف أصحابنا في تأويل قول مالك: إنه يفسخ قبل الدخول، فمنهم من حمله على الإيجاب تغليظاً وعقوبةً لهما، لئلا يعودا إلى مثل ذلك، ومنهم من حمله على الاستحباب احتياطاً وخروجاً من الخلاف، فإن وقع الدخول لم يفسخ، لأن الصداق قد وجب، فلا يوجد المعنى الذي لأجله فسخ قبل الدخول. وقد تقدم في الأول بعض هذا. [فصل 3 - في الصداق إذا كان غائباً موصوفاً معه دراهم أو لا] ومن كتاب ابن المواز وابن حبيب: قال ابن القاسم: لا بأس بالنكاح بعبدٍ غائبٍ بعيد الغيبة إذا وصفه، كان معه عينٌ أو لم يكن إلا ما بعد جداً مثل

خراسان، والأندلس. ابن حبيب: ومثل إفريقية من المدينة، كان مع ذلك عينٌ أو لم يكن فلا خير فيه، ويفسخ. ابن المواز: قال ابن القاسم: وأما مسيرة الشهر ونحوه فجائز، والضمان من الزوج حتى تقبضه، وله أن يدخل إن كانت الغيبة قريبة، ولا يدخل بها في البعيدة وإن قدم إليها ربع دينار، وإن سماه مع العبد، لأن النقد في البعيد لا يجوز والدخول انتقاد. قال الشيخ: هذا إن كان الدخول بشرطٍ في العقد، وأما إن لم يشترط في العقد فجائزٌ التطوع به كالبيوع. قال: فإذا كان قريباً ووصفه ثم هلك العبد قبل قبضه فلها قيمته على تلك الصفة. قال أبو العباس الأبياني: وإذا تزوجها على عبدٍ موصوفٍ فقبضته، ثم استحق رجعت بعبدٍ مثله في صفته، وإن مات بيدها ثم علمت بعيبٍ كان به

عند الزوج، فعلى المرأة غرم قيمة العبد معيباً للزوج يوم قبضته، وترجع عليه بعبدٍ مثله في صفته، وفيه اختلاف، وهذا أحسن. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن تزوج امرأة، أو اشترى سلعةً بدراهم بعينها غائبة، فلا خير في ذلك إلا أن يشترط أن عليه بدلها إن تلفت، ولو حضرت الدراهم ونقدها إياها جاز النكاح، وكذلك البيع، فإن وجب البيع والنكاح بها ثم استحقت في يد المرأة والبائع فعلى المشتري والزوج مثلها، وتم النكاح والبيع. قال مالك: ومن تزوج امرأةً على دارٍ أو أرضٍ أو عبدٍ، كل ذلك غائب، فإن وصف ذلك جاز النكاح، وإن لم يصفه فسخ النكاح قبل البناء، ويثبت بعده، ولها صداق المثل. ابن المواز: وإن وصفه فلا يدخل في العبد البعيد الغيبة حتى يدفعه، والضمان منه. قال: وابن القاسم يرى أن تباعد الغيبة مثل خراسان والأندلس لم يجز، وأما مثل المدينة من مصر فجائز. ومن المستخرجة: قال ابن الماجشون فيمن تزوج بثمرةٍ بدا صلاحها فأجيحت الثمرة كلها: إن مصيبتها من الزوج، وترجع عليه المرأة بقيمة الثمرة وإنما يحمل ذلك محمل البيوع.

وابن القاسم يقول: لا جائحة فيها، والمصيبة من المرأة، ولا ترجع على الزوج بشيء. قال الشيخ: وإنما فرق بينه وبين البيوع، لأن طريقة النكاح المكارمة، وطريقة البيوع المكايسة. ولكن قد قال في كتاب العرايا: إن الجائحة في العرية، وهو باب رخصةٍ ومرفقٍ لا باب مكايسة. فجعل ذلك كالبيوع، وكان ينبغي ألا يجعله في العرايا كالبيوع؛ لأنه معروفٌ لا معاوضةً فيه، ويجعله في النكاح كالبيوع، لأنه معروفٌ، معاوض فيه، وقد قال مالك: أشبه شيءٍ بالبيوع النكاح. ومن المدونة: قال مالك: وإن تزوجها على بيتٍ أو خادمٍ ولم يصف ذلك جاز النكاح ولها خادمٌ وسط، والبيت الناس فيه مختلفون، إن كانت من

الأعراب فلهم بيوتٌ وشورةٌ قد عرفوها، وشورة الحضر لا تشبه شورة البادية. قال مالك: وإن تزوجها على شوار بيتٍ إذا كان الشوار شيئاً معروفاً عند أهل البادية والحاضرة. قال ابن القاسم: ولكلٍ قدره من الشوار. قال الشيخ: وذكر عن أبي عمران فيمن تزوج ببقعةٍ على أن يبنيها للمرأة، فإن كانت بقعةً بعينها في ملكه ووصف الطول والعرض والبناء فذلك جائزٌ، وإن كان البيت الذي يبنيه مضمونٌ عليه فقد أفتى أبو محمد أن ذلك لا يجوز. قال الشيخ: وكذلك السلم في البيت. قال الشيخ: لأن ذلك يرجع إلى السلم في شيءٍ معين، لأنه لابد أن يصف البناء والموضع، فيؤدي ذلك إلى تعيينه، وهذا ظاهر ما في كتاب ابن حبيب، وعند ابن المواز ما يدل على خلافه.

[فصل 4 - في الصداق إذا كان غير موصوف] وإن نكح على مئة بعيرٍ، أو شاةٍ، أو بقرةٍ، ولم يصف ذلك جاز النكاح، وعليه وسط من الأسنان، وكذلك على عبدٍ بغير عينه ولم يصفه ولا ضرب له أجلاً فالنكاح جائزٌ ولها عبدٌ وسطٌ حالٌ، وليس للزوج دفع قيمته إلا أن ترضى المرأة. قال في كتاب ابن المواز: ومن نكح من رقيقٍ ذكر العدد، ولم يذكر حمراناً ولا سوداناً فلها الوسط من الأغلب في البلد، وكذلك في المستخرجة. قال ابن المواز: فإن استويا في البلد نظر إلى وسط السودان ووسط الحمران، فأعطيت نصف ذلك. - قال الشيخ: يريد من كل جنسٍ نصفه. قال: وذلك على قدر قيمة ذلك يوم وقع النكاح، وكذلك إن طلق قبل البناء، وقال أصبغ، وقال: هي جيدة. وفي العتبية عن مالك: وتعطى الإناث دون الذكور، وكذلك شأن الناس. قال سحنون في كتاب ابنه: ومن نكح على خادمٍ لم يجز حتى يسمي جنس الأمة، فيكون عليه وسطٌ من ذلك الجنس لا من العلية، ولا من الوخش، وإذا كان مجملاً لم يجز، وفسخ النكاح قبل البناء، ويثبت بعده ولها صداق المثل.

قال عبد الوهاب: وقال محمد بن عبد الحكم: لا يجوز إلا على معلومٍ مقدرٍ وهو قول الشافعي، ودليلنا قوله عليه الصلاة والسلام: "الصداق ما تراضى عليه الأهلون"، فلم يفرق، ولأن طريق النكاح المكارمة والمواصلة بخلاف البيع الذي طريقه المكايسة والمغابنة، بدليل أنه لا يفسد لعدم ذكر العوض في العقد، وهو التفويض. ومن المدونة: قال مالك: وكذلك إن تزوجها على عرضٍ موصوفٍ ليس بعينه ولم يضرب له أجلاً، فالنكاح جائزٌ، وهذا لا يحمل هاهنا محمل البيوع وهو على النقد، ألا ترى أنه يتزوج المرأة بمئة دينارٍ، ولا يسمي أجلاً فتكون نقداً، وكذلك إن اختلعت منه امرأته على عبدٍ فلم تسمه له، ولا وصفته، فعليها عبدٌ وسطٌ.

فصل [5 - في الصداق إذا فسد بالشرط] ومن نكح امرأةً بألف درهمٍ على إن كانت له امرأةً أخرى فصداقها ألفان، فهذا من الغرر، وهذا مثل البعير الشارد فيما فسرنا. قال مالك: وإن نكحها بألفين فوضعت عنه في هذا النكاح ألفاً على أنه لا يخرجها من بيتها، ولا يتزوج عليها، فله أن يخرجها ويتزوج عليها وليس لها إلا ألف. قال ابن القاسم: وكذلك إن نكحها بألفٍ على أنه إن أخرجها من بلدها فمهرها ألفان، فله أن يخرجها ولا شيء عليه غير الألف. قال الشيخ: يريد: وكذلك على أنه إن تزوج عليها فصداقها ألفان، فله أن يتزوج ولا شيء عليه غير الألف، بخلاف قوله: إن كانت له امرأةٌ أخرى. قال مالك: ولو انعقد النكاح عليه بألف درهمٍ ثم حطت بعد ذلك نصفه على أن لا يخرج بها، أو لا يتزوج عليها ونحوه، ففعل ذلك، فلها أن ترجع عليه بما وضعت عنه إن فعل من ذلك شيئاً، وله أن يفعله. وقال علي بن زياد: إن حطته في العقد من صداق مثلها لما شرط عليه لزمه ما حطته إن فعل من ذلك شيئا، وإن كانت الحطيطة مما ناف على صداق المثل لا يلزمه، ورواه ابن نافع عن مالك.

[الباب الثاني] في الصداق يوجد به عيب أو يؤخذ بشفعة أو يؤخذ به رهن وفي صداق السر

[الباب الثاني] في الصداق يوجد به عيب أو يؤخذ بشفعة أو يؤخذ به رهن وفي صداق السر [فصل 1 - في الصداق يوجد به عيب] قال ابن القاسم: ومن تزوج امرأةٌ على تلالٍ خلٌ بأعيانها فوجدتها خمراً فهي كمن نكحت على مهرٍ فأصابت به عيباً، فلها رده، وترجع به، إن كان يوجد مثله، أو بقيمته إن كان لا يوجد مثله. قال الشيخ: ذكر عن أبي عمران أنه قال: نحا سحنون في التي تزوجت على قلال خلٌ فأصابتها خمراً إلى ما ذكر ابن المواز: أنهما إذا دخلا على الجزاف في الصبرة ثم علم بعد ذلك كيلها، ثم استحق ما في يد البائع أنه يرجع بقيمة صبرته ولا يرجع بمثلها وإن عرف كيلها. قال أبو عمران: والصواب أن يرجع في القلال بمثلها إذا كانت موجودة،

وكذلك في الصُّبْرَة. قال الشيخ: يريد في القلال أنها تراق وتغسل جيداً وتملأ ماءً ثم يكال ذلك الماء فتعطى مثل كيله خلاً، وإن كانت للنصارى مكاييل مثل مكايلنا أكتيل ذلك الخمر بها، وأعطي مثله خلاً بمكايلنا، لأن تلك القلال نجسةً فلا يكال بها، وتكسر بعد ذلك لأنها لمسلم. وقال غيره على قول سحنون: إنما لم يكن لها مقدار القلال، لأن من نكح بشيءٍ بعينه كصبرة بعينها فاستحقت فعليه قيمتها. وفي المجموعة: قال ابن الماجشون: إذا تزوجها بشيءٍ يكال أو يوزن بعينه فاستحق رجعت بمثله. قال الشيخ: فصار في هذا إذا تزوجها بجزافٍ مما يكال أو يوزن قولان: أحدهما: يرجع بمثله، والثاني: بقيمته. قال مالك: وإن تزوجها على عبدٍ بعينه فقبضته ثم وجدت به عيباً فلها رده وترجع على الزوج بقيمته- يريد يوم عقد النكاح بخلاف البيع. - ابن حبيب: كان ذلك قبل البناء أو بعده-. قال مالك: وإن فات العبد عندها بعتق، أو بشيءٍ يكون فوتاً رجعت بقيمة عيبه، وإن حدث به عندها عيبٌ مفسدٌ فلها رده، وما نقصه وأخذ قيمته، أو حبسه وأخذ قيمة العيب القديم. قال ابن القاسم: والخلع عندي مثل النكاح سواء، يكون للزوج في العيب مثل ما وصفنا للمرأة سواء. وإن تزوجها على أمةٍ فأصابتها ذات زوجٍ ولم يخبرها به فذلك عيبٌ، ولها ردها وأخذ قيمتها، وكذلك الخلع في هذا سواء.

[فصل 2 - في الصداق يستحق بشفعة] فإن تزوجها على غير مهرٍ مسمى، ففرض لها نصف دارٍ له فرضيت بذلك ففيه الشفعة بقيمته يريد إذا فرض لها ذلك قبل البناء، وأما إن دخل بها ثم فرض لها ذلك فإنما يأخذه الشفيع بصداق مثلها، وهي منصوصةٌ هكذا، وذلك بين. [فصل 3 - في الصداق يؤخذ به رهن] وإن تزوجها على صداقٍ مسمى، أو تزوجها ولم يفرض لها صداقاً، فأعطاها رهناً بالصداق المسمى أو بصداق مثله فهلك الرهن بيدها، فإن كان الرهن حيواناً فلا شيء عليها، والمصيبة من الزوج، وإن كان مما تغيب عليه المرأة فهو منها. فص [4 - في صداق السر] قال مالك: وإذا أظهر الزوجان مهراً وأسرا دونه أخذا بما أسرا إن شهد به عدول.

[الباب الثالث] في ضمان الصداق عن ولده أو أجنبي في صحة أو مرض وكيف إن لم يضمن

[الباب الثالث] في ضمان الصداق عن ولده أو أجنبي في صحة أو مرض وكيف إن لم يضمن [فصل 1 - في ضمان الأب الصداق عن ولده] ومن المدونة: قال مالك: ومن زوج ابنته وضمن لها الصداق في عقد النكاح أجزته. قال ابن القاسم: ولا يرجع به الأب على الزوج، لأن ضمانه الصداق هاهنا على وجه الصلة والصدقة. قال مالك: فإن مات الأب قبل أن تقبض البنت صداقها استوفته من مال أبيها، فإن لم يترك الأب شيئاً فلا شيء لها على الزوج إذا كان قد دخل بها. قال ابن القاسم: فإن لم يكن دخل بها فلا سبيل للزواج إليها حتى يعطيها مهرها، وكذلك قال مالك فيمن قال لرجل: بع من فلانٍ فرسك والثمن لك علي، فباعه ثم هلك الضامن قبل أن يقبض البائع الثمن أن للبائع الثمن من مال الضامن فإن لم يدع شيئاً فلا شيء له على المبتاع، وكذلك من ضمن لأحدٍ شيئاً ليخرج من يده لأخر شيئاً على وجه الصلة. وقال مالك فيمن زوج ابنه الصغير في حجره ولا مال للابن، أن الصداق على الأب، فإن مات الأب أخذته الزوجة من ماله، ولا يحاسب الورثة الابن بذلك ويدفع إليه ميراثه كاملاً مما بقي، فإن كان على الأب دينٌ كان للمرأة أن تحاصهم بصداقها.

قال: فإن كان للابن مالٌ لم يكن على الأب شيءٌ إلا أن يشترطه الأب على نفسه، ويضمنه عنه، فهو على الأب ولا يرجع به على الابن. قال ابن المواز: إلا أن يكون ذلك من الأب على وجه الحمالة لا على وجه الحمل، فيكون للأب أو لورثته بعده الرجوع على الابن، وهذا إذا كان له يوم زوجه الأب مال، فإن لم يكن له يومئذٍ مال فإن ذلك على الأب على كل حال. [قال ابن القاسم]: وكذلك لو كتبه على الابن فهو على الأب ولا ينفعه ما كتب. وقال أصبغ: بل يكون ذلك على الابن. قال ابن المواز: وقول ابن القاسم أحب إلينا أنه على الأب إلا أن يقول الأب: إني لست منه في شيء، وإنما لكم ذلك على ابني، فهذا إن علم [به] الابن بعد البلوغ وقبل الدخول كان فيه بالخيار إن شاء أن يلزمه نفسه ويثبت النكاح، وإن شاء لم يلتزمه ويفسخ النكاح، وإن دخل قبل أن يعلم وبعد البلوغ أسقط عنه ما فوق صداق مثلها، ويثبت النكاح.

[فصل 2 - في ضمان الأب الصداق عن أجنبي] ومن المدونة: قال مالك: والرجل الذي له الشرف يزوج رجلاً ويضمن صداقه، فهذا لا يتبعه بشيءٍ أيضاً. قال ابن القاسم: وليست هذه الوجوه فيما سمعنا من مالك بمنزلة حمالة الديون التي يرجع من تحمل بها على الذي تحمل عنه، وإنما ذلك بمعنى الحمل والصلة، وليس كهبةٍ لم تقبض، وهو كمن وهب لرجلٍ مالاً فلم يدفعه إليه حتى قال لرجل: بعه فرسك بالذي وهبت له، وأنا ضامنٌ له حتى أدفعه إليك، فقبض الرجل الفرس فأشهد على الواهب بالذهب، فإن هذا يثبت للبائع على الواهب، فإن لم يقبض البائع الثمن حتى مات الواهب ولم يدع مالاً فلا يرجع البائع على الموهوب بشيءٍ من ثمن الفرس، وإنما وجب ثمن الفرس للبائع على الواهب، وكذلك الصداق، وعلى هذا ينبني، وهذا محمله. قال مالك: وإن ضمن الأب صداق ابنه البالغ ودفعه عنه، ثم طلق الابن قبل البناء رجع نصف الصداق إلى الأب وليس للابن منه شيء، ولو لم يدفعه الأب رجعت عليه المرأة بنصفه ولا يرجع الأب على الابن بشيءٍ مما ودى عنه. قال ابن حبيب: وإن ألفي النكاح فاسداً رجع إلى الأب ما ودى عنه، ولو تبارء الزوجان قبل البناء على المتاركة والنكاح صحيحٌ رجع الأب بما وداه، وسقط عنه إن لم يود، قاله ابن القاسم.

وقال ابن الماجشون: يرجع إلى الزوج النصف الذي يجب لها بالطلاق، كما لو باراها بعد البناء على رد الجميع الذي وجب لها بالبناء كان ذلك للزوج. قال الشيخ: قال بعض فقهائنا: سألت أبا بكر بن عبد الرحمن عن العطايا إذا كانت في أصل عقد النكاح هل تفتقر إلى القبض؟ فقال: لا تفتقر إلى القبض، ولا تبطل بموت المعطي قبل القبض، لأنه باب معاوضةٍ لما نكح الزوج عليها. قيل: فإن كان فيها غررٌ لعدم الصفة لما يعطى ونحوه أيبلغ به الفسخ؟ قال: لا، لأن العطايا إنما هي مشترطةٌ للمرأة لا للزوج، فلا يضر النكاح كونها مجهولة. قيل: فإن طلق الزوج قبل البناء، أو ماتت، هل ترجع هذه العطايا إلى المعطي لسقوط النكاح الذي لأجله كانت العطايا؟ فقال: لا ترجع إليه، لأنه قد منع منها مرةً فلا ترجع إليه بطلاق المرأة، ولا بموتها كالاعتصار إذا طرأ ما يمنع منه ثم زال المانع أنه لا يرجع، وإن كان قد اختلف في بعض ذلك إذا زالت موانع الاعتصار، ولكن لا يدخل هذا الاختلاف في مسألتك. قيل: فهذه العطايا إنما كانت مشترطةً بهذا النكاح ولأجلها نكح الزوج وزاد في الصداق، وإذا زال النكاح وجب زوالها بزواله، كما إذا حمل صداق ولده ثم طلق الولد قبل البناء أن نصف الصداق يرجع إلى الأب؟

فقال ليس هذا سواء، لأن الصداق هاهنا عوض البضع، فإذا زال ملك الزوج عن البضع زال الصداق الذي بسببه أعطيه الزوج، وفي مسألتك العطايا لست عوض البضع إنما هي عطايا للزوجة فليس له رجوعٌ فيما أعطي لها، وليس له حكمٌ بينه وبين الزوج. قال الشيخ: قال بعض فقهائنا من أهل بلدنا: إذا انفسخ النكاح قبل البناء رجعت العطايا إلى الأب كالذي حمل الصداق عن ابنه الكبير ثم طلق قبل البناء أن نصف الصداق يرجع إلى الأب، وأعاب بعض فقهائنا هذا القول وغلطه وصوب قول الشيخ أبي بكر بن عبد الرحمن، واحتج بمثل حجته، وزاد بأن قال: الصداق عوضٌ عن البضع، وإنما يجب جميعه بالبناء فمتى سقط منه شيءٌ رجع ذلك إلى الحامل، وليس الصداق في الحقيقة عوضاً عن العطايا وعن البضع، ولا الزوج كالمشتري لها إذا زاد من أجلها، ولو كان ذلك لكان النكاح فاسداً، وإنما زيادته في الصداق من أجلها كزيادته لجمالها. قال الشيخ: وظهر لي أن القياس ما قاله بعض شيوخنا، وأنه لا فرق بين حمله عن ولده الصداق- وبذلك انعقد نكاحه- وبين إعطائه عراً، وإعطاء ابنته عرضاً، وعليه انعقد النكاح، فإذا انفسخ العقد الذي من أجله كانت العطايا

يوجب انفساخها، وكأن الأب قال للزوجة: تزوجي ابني وأنا أصدق عنه من مالي مئة دينارٍ، أو قال لرجلٍ: تزوج ابنتي وأنا أعطيها من مالي مئة دينارٍ، فعقدا على ذلك، ثم انفسخ النكاح، لوجب أن يرجع في عطيته، وهكذا كمن قال لرجل: بع من فلانٍ سلعتك بمئة، وأنا أعطيك المئة، فانعقد الأمر على ذلك ثم استحقت السلعة، أو وجد بها عيباً فردت، أنه يرجع في عطيته، لأنه إنما أعطاه ذلك من أجل البيع فلم يتم، فلا تتم عليه العطية. وأما قوله: وليس الصداق في الحقيقة عوضاً عن البضع والعطايا، ولو كان كذلك كان فاسداً. فنقول: إن الصداق في الحقيقة عوضٌ عن البضع والعطايا، ألا ترى أن الأب إذا أعدم بالعطايا كان للزوج فسخ النكاح، فلو لم يكن عوضاً لما وجب فسخه، ولم يفسد ذلك النكاح، لأن العطية ليست للزوج، وإنما هو كمن قال: أعط فلاناً ثوباً وأنا أشتري سلعته بمئة دينار، فإذا انفسخ البيع انفسخت العطية، لأن الهبة للبيع تنفسخ بانفساخه، سواءٌ كانت للمشتري أو لغيره، وهذا بين، والله أعلم بالصواب. ومن المدونة: ابن وهب: قال ربيعة: ومن زوج ابنه الصغير، والابن مليءٌ فالصداق على الابن وإن لم يكن مليئاً فعلى الأب.

قال أبو الزناد: أو جعله على الابن فيلزمه. وقال يحيى بن سعيد: ومن زوج ابنه صغيراً أو كبيراً ولا مال له فالصداق على الأب عاش أو مات، فإن كان لواحد منهما فلذلك عليه إلا أن يشترطه الأب على نفسه. قال الشيخ: قال بعض فقهائنا: معنى قول يحيى: أو كبيراً، يريد: سفيهاً. قال الشيخ: وذلك عندي سواء، لأنه هو عقد عليه، فالصداق عليه إلا أن يظهر أنه على الابن كالوكيل يشتري سلعة فالثمن عليه إلا أن يقول: الموكل ينقدك دوني. ومن المدونة: قال ابن وهب عن مالك: إذا كان الولد صغيراً لا مال له فزوجه الأب فالصداق على الأب، ولا يلزم الابن منه شيء وإن أيسر، ولا يرجع به الأب على الولد إذا أيسر الابن، وإنما ذلك بمنزلة ما أنفق عليه. وإن زوجه بنقد ومؤخر، فدفع النقد ثم أيسر الولد فأراد الأب أن يجعل مؤخر الصداق على الابن فليس ذلك له، وهو على الأب كله.

قال عبد الوهاب: إذا زوج الأب ابنه الصغير، فإن سمى الأب الصداق عليه لزمه وكان ديناً عليه للمرأة، وإن أطلق فلم يسم على من الصداق نظر، فإن كان للصبي مالٌ فالصداق عليه، لأن من شرط عقود المعاوضات أن يكون العوض على من يملك المعوض، كما لو اشترى له ثوباً أو عقاراً، وإن لم يكن له مالٌ فالصداق على الأب، لأنه ليس من النظر أن يلزم الأب ذمة الابن ديناً لا يحتاج إليه، لأن الصبي لا يحتاج إلى التزويج، فإن أيسر الابن لم ينتقل الوجوب إليه، لأنه استقر على الأب، وإن أعسر الأب بعد بلوغ الابن وقبل دخوله، وقالت المرأة: لا أسلم نفسي إلا بعد قبض الصداق، قيل للابن: إن أردت فأد الصداق وادخل، وإلا فطلق ولا يلزمك شيء. [فصل 3 - في ضمان الأب الصداق في مرضه] ومن المدونة: قال ابن القاسم عن مالك: ومن زوج ابنه الصغير في مرضه وضمن صداقه لم يجز الضمان، لأنه وصيةٌ لوارث، وجاز النكاح، فإن شاء الابن البناء وهو كبيرٌ ودى الصداق ودخل بزوجته، وإلا لم يلزمه الصداق، وفسخ النكاح. ابن المواز: قيل لمالك: فإن بلغ الابن في مرض أبيه فدخل بها، وقبضت المرأة صداقها من الأب، ثم مات الأب؟

قال: فالصداق مردود على ورثة الأب، ولا يكون ذلك لها، لأنها عطية لوارث، فيكون صداقها ديناً على زوجها تتبعه به. قال ابن المواز: ولا يحال بينه وبينها لذلك، وذلك إذا بقي في يديها ربع دينار، وإلا حيل بينهما حتى يدفع ربع دينار. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن كان الولد صغيراً وله مال نظر فيه وليه أو وصيه، فإن رأى في إجازة ذلك غبطة دفع إليها الصداق من مال الولد، وثبت النكاح، وإن رأى غير ذلك فسخه، وإن طلبت الزوجة ذلك في مرض الأب لم يكن لها شيء من مال الأب، وقد قال مالك فيما يضمن الأب عن ابنه في مرضه: لا يعجبني هذا النكاح. قال ابن القاسم: وإن صح الأب لزمه الضمان ثم إن مرض بعد صحته فقد ثبت عليه الضمان. قال ابن المواز: وإن ضمن الأب صداق ابنته في مرضه فابن القاسم وأشهب يريانه كالوصية لابنته فهي باطلة إن مات. وقال ابن وهب وعبد الملك: هو وصية للزوج من الثلث، وقاله مالك. ابن المواز: وهو القياس إلا أن يكون أكثر من صداق مثلها فترد الزيادة، فإن طلقها قبل البناء وقبل موت الأب فلها نصف المهر من ثلثه، ولا شيء للزوج في النصف الباقي، لأنها عطية لزمته في نكاحه، فما لم يجب عليه فهو عطية لم تقبض، وما وجب عليه فهو كالمقبوض. قال ابن الماجشون: وقال ابن دينار وغيره من أصحابنا: إن طلقها قبل البناء فلا شيء لها من تركة الأب، لأنه أعطاها على أنه إن هي دخلت تمت لها وإن طلقت أخذت بمعنى الوصية للوارث.

وخالف ذلك عبد الملك وأخذ بقول مالك. قال ابن المواز: وهو الصواب. وقد سئل أشهب فيمن أقر في مرضه أنه قبض صداق ابنته، ولم يدخل بها زوجها، ثم مات الأب؟ فقال: إن ترك مالاً أخذ من ماله. قال ابن المواز: فقد ترك قوله الأول لهذا، لأنه لو كانت الأولى عطيةً لابنته كانت هذه مثلها، لأنه إنما يخرج ذلك من ماله لابنته، فهو بمنزلة ما لو قال: ادفعوا ذلك لها عن زوجها. قال الشيخ: قال بعض أصحابنا: إذا زوج ابنه الصغير ولا مال للابن وشرط في عقد نكاحه أن يعطيه داراً أو مالاً نحا بعض شيوخنا من أهل بلدنا أن الصداق يكون على الابن لا على الأب، لأنه صار موسراً بما أعطاه الأب. قال: وفي المسألة نظر، لأنه لم يتقدم يسره بهذا المال قبل عقد النكاح، وإنما صار موسراً بعد عقد النكاح. قال الشيخ: والصواب ما قال الشيخ، لأنه معلوم أنه لم يتم العقد إلا بيسره، فهو كالموسر قبل العقد، وإنما العلة أن يكون له مالٌ، وبالعقد يؤخذ منه الصداق، وذلك موجودٌ في هذا، وأما الفقير فالأب كالمشتري له، فالثمن عليه، إذ لا حجة بأن يقول: يدفع ذلك من ماله، وهو لا مال له. والله أعلم.

ابن حبيب: ومن زوج ابنه الصغير أو الكبير أو أجنبياً وضمن صداقه ثم قال الأب: إنما أردت الحمالة، أو قاله ورثته بعد موته، وقالت الزوجة أو الابن أو الأجنبي: بل أراد الحمل، فإن لم تذكر البينة تفسير ذلك فهو على الحمل حتى ينص على الحمالة نصاً، قال ابن الماجشون. قال الشيخ: لأن العرف في ضمان الصدقات أنه على الحمل حتى يشترط غيره. ابن المواز: قال ابن القاسم: وإذا تزوج الصغير واشترط عليه شروط بتمليكٍ وعتقٍ وطلاقٍ فأجاز وليه ذلك، أو زوجه وليه على ذلك فلا يلزمه منها شيء إلا أن يلزمها نفسه بعد البلوغ، وإذا بلغ قبل البناء وعلم بالشروط ودخل عليها لزمته، وإن بنى ولم يعلم بها لم يلزمه منها شيء. قال: وإذا لم يرض قبل البناء بالشروط قيل له: إما أن ترضى، أو تطلق وتغرم نصف الصداق. قال أصبغ: وإذا اختار الفسخ فلا شيء عليه ولا على أبيه إذا لم يدخل، ولو كان يوم زوجه لا مال له. ابن المواز: وهذا أحب إلينا، إلا أن تسقط المرأة الشروط فيلزمه النكاح كرسول الرجل يزوجه بشرط، فإن بنى بعد العلم لزمه، وإن لم يبن ولم يرض فإما رضيت بغير شرطٍ وإلا فسخ ولا شيء عليه.

قال أصبغ: ولا على الرسول إن كان زعم أنه أمره بذلك. قال في غيره: ولو قال الصبي: شرط هذا علي وأنا صغيرٌ، وقال أولياء المرأة: بل وأنت كبيرٌ، فعلى الزوج البينة وإلا حلف أولياء المرأة، ولزمته تلك الشروط.

[الباب الرابع] في حد الصداق وفي الصداق بأقل من ربع دينار

[الباب الرابع] في حد الصداق وفي الصداق بأقل من ربع دينار [فصل 1 - في حد الصداق] قال بعض البغداديين: لا حد لأكثر الصداق إجماعاً، وأقله عندنا ربع دينار من الذهب، أو ثلاثة دراهم من الورق، أو ما يساوي أحدهما، بناءً على القطع في السرقة، لأنه عضو محرم، تناوله بحق الله تعالى، لا يستباح إلا بمال، فوجب أن يكون مقدراً كمثل ما يقطع فيه السارق، ولأن المهر في النكاح حق لله بدليل أنهما لو تراضيا على إسقاطه لم يجز، وحقوق الله في الأموال مقدرة كالزكاة والكفارات. [فصل 2 - في الصداق بأقل من ربع دينار] ومن المدونة: قال ابن القاسم: فأقل الصداق ربع دينارٍ، فمن نكح بدرهمين أو بما يساويهما فإن رضي الزوج أن يتم لها ثلاثة دراهم ثبت النكاح، وإن أبى فسخ النكاح قبل البناء، وإن كان قد دخل بها جبر على أن يتم لها ثلاثة دراهم، ولا يفسخ لاختلاف الناس في هذا الصداق، لأن منهم من قال: ذلك صداقٌ جائزٌ، ومنهم من قال: لا يجوز.

وقال غيره: يفسخ قبل البناء، وإن أتم الزوج ربع دينار، ويفسخ أيضاً بعد البناء، ولها صداق مثلها، وهو كمن تزوج بلا صداق. قال ابن القاسم: وإن طلقها قبل البناء فلها نصف الدرهمين لاختلاف الناس في أنه صداق. قال ابن المواز: قال مالك: أقل الصداق من الذهب ربع دينار، ومن الورق ثلاثة دراهم، ومن العروض ما قيمته ثلاثة دراهم، ومن تزوج بدرهمين فإن لم يدخل خير، فإن أتم لها ثلاثة دراهم وإلا أوقعت عليه طلقة، وكان لها نصف الدرهمين، وإن دخل فقال عبد الملك: يلزمه تمام صداق المثل. وقال ابن القاسم وأشهب: يتم لها ثلاثة دراهم. قلت: فقول ربيعة: يجوز بدرهم، وقال يحيى بن سعيد: يجوز بسوطٍ ونعلين؟ قال: ولو أجزته بدرهم لأجزته بأقل منه إلى ما لا يكون صداقاً. وقد أجمل الله سبحانه ما يقطع فيه اليد في السرقة، فوقت النبي عليه الصلاة والسلام فيه ربع دينار، فهو مما له بالٌ، فلا يباح الفرج بما لا بال له، وهو يأتي كالعضو. وأما يحيى بن سعيد في قوله: بسوطٍ ونعلين، فقد استثنى إن كان ذلك صداقاً.

قال الشيخ: وقال الأبياني في كتابه: إن أبى أن يتم لها ربع دينارٍ فرقنا بينهما بطلقةٍ، ولا شيء لها، لا نصف الدرهمين ولا غيره. ورجح ابن الكاتب هذا، وقال: هو الذي يوجبه النظر، لأنه إذا كان الفسخ من الصداق من أجل أنه عندنا ليس بصداقٍ فكيف يعطى نصف ما وجب الفسخ من أجله؟ ولأنه إنما يفسخ بحكمٍ فكيف يكون حكمه بالفساد، ومن أجل فريضته حكم بصحة الفريضة، إذ لا تستحق الزوجة إلا نصف ما يصح، وليس الفسخ كطلاقه إياها، كاختلاف الزوجين في مقدار الصداق قبل البناء لأنهما إذا تحالفا انفسخ النكاح، ولم يكن عليه من الصداق شيء، وإذا طلق قبل التحالف لزمه نصف ما أقر به وإن كان قادراً إذا حلفت الزوجة على أن لا يحلف ويتم لها ما قالته وتبقى على نكاحه، فهو كالمتزوج بدرهمين، إذ له البقاء على النكاح بتمامه ربع دينار، فإذا لم يتمه فسخ، وإن طلق لزمه نصف الدرهمين. قال الشيخ: والصواب ما قاله ابن المواز وإليه ذهب أبو الحسن، وإنما كان لها في الفسخ نصف الدرهمين لأن بعض العلماء يراه نكاحاً صحيحاً لا يجوز فسخه، ويسعده حديث الموطأ، وإنما فسخه عندنا على طريق

الاستحباب، إذ لو كان فاسداً لم يجب الثبات عليه وإن أتم ربع دينار، فراعينا الخلاف فيه لقوته، وجعلنا حكمه حكم من طلق، إذ لو شاء الثبات عليه لأتم ربع دينار، فإن لم يتمه صار كمختارٍ للطلاق، فوجب عليه لذلك نصف الدرهمين، وليس ذلك كالاختلاف في قدر الصداق، لأن هذا لو رضيت الزوجة بقول الزوج لتم، ولا يجوز لها الرضى بالدرهمين، ولأن النكاح في الاختلاف في الصداق صحيحٌ بإجماع، وإنما اختلفنا في ثمنه كاختلاف المتبايعين في الثمن، والعلل مفترقةٌ، وعلى العلل يقاس لا على الجواب. وما روى مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأةٌ فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك، فقامت قياماً طويلاً، فقال رجل: يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل عندك من شيءٍ تصدها إياه؟ " فقال: ما عندي إلا إزاري هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك، فالتمس شيئاً"، فقال: ما أجد شيئاً، قال: "التمس ولو خاتماً من حديد"، فالتمس فلم يجد شيئاً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل معك من القرآن شيء؟ " قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا، لسورٍ سماها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "قد زوجتكها بما معك من القرآن"، قال مالك: ليس عليه العمل.

قال عبد الوهاب: ويستحب لمن تزوج أن يدفع شيئاً من الصداق قبل الدخول، وأقله أقل ما يستباح به الفرج وهو ربع دينار، لأنه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك لما زوج فاطمة من علي رضي الله عنهما.

[الباب الخامس] في المرأة تحدث في الصداق هبة أو عتقا أو بيعا أو شراء أو زكاة أو غير ذلك

[الباب الخامس] في المرأة تحدث في الصداق هبة أو عتقاً أو بيعاً أو شراء أو زكاة أو غير ذلك [فصل 1 - فيما تملك به المرأة الصداق ملكاً مستقراً] قال بعض أصحابنا البغداديين: الأصل عندنا أن المرأة تملك الصداق بالعقد والتسمية ملكاً غير مستقر، وإنما يستقر بالموت أو بالدخول، لأنه لو كان ملكاً مستقراً لم يجز أن يبطل بعد استقراره، وقد ثبت أنها لو ارتدت أو كانت أمةً فعتقت فاختارت نفسها قبل الدخول لم تستحق شيئاً، لأن الفسخ من قبلها، ولو طلقت قبل البناء لملكت النصف، فدل أنه غير مستقر، وإنما يستقر بالموت أو بالدخول. [فصل 2 - في المرأة تحدث في الصداق هبة] ومن المدونة: قال مالك: وإذا وهبت المرأة صداقها للزوج بعد أن قبضته أو قبل وهي جائزة الأمر ثم طلقها قبل البناء فلا رجوع له عليها بشيء، ولو وهبته نصفه فله الربع عليها إن قبضته، أو لها عليه إن لم تقبضه، وكذلك في هبتها ستين من مئةٍ أو أربعين وقبضت الباقي فإنما عليها نصف ما قبضت. قال الشيخ: وكان لم يصدقها غيره.

ومن كتاب محمد: وإذا وهبته قبل البناء جميع صداقها جبر على أن لا يدخل بها حتى يعطيها ربع دينار فأكثر، فإن لم يفعل حتى طلق فلا شيء عليه، ولو قبضته ثم وهبته فلا شيء لأحدهما على الآخر. ومن العتبية: ابن القاسم: ومن تزوج بكراً بمئة دينارٍ فأعطته ذلك من عندها، ثم علم الأب فالنكاح ثابت بنى بها أو لم يبن، ويرد ما أخذ منها، ويغرم المئة من ماله، كالعبد يعطي مالاً لمن يشتريه. قال في رواية عيسى: ومن أعطته امرأةٌ مئة دينارٍ يتزوجها بها، فإن كانت ثيباً فزادها على ما أعطته ربع دينار فالنكاح جائز، وإن كانت بكراً ولم يبن بها فإن أتم لها الصداق وإلا فسخ، وأصل النكاح صحيح، وإن بنى فلها عليه صداق المثل. ثم رجع فقال: النكاح ثابتٌ بنى أو لم يبن، فإن كانت بكراً فعليه أن يعطيها من ماله مثل ما أعطته، وإن كانت ثيباً فزادها من ماله ربع دينارٍ لم تكن لها حجة. قال الشيخ: ذكر عن أبي عمران فيما جرى من عادتهم بالقيروان في رد النقد إلى الزوج، أن ذلك نكاحٌ وسلفٌ لا يجوز إذا وقعت الغيبة على النقد، ولو لم يغب عليه واشترط ذلك كان النكاح صحيحاً.

فإذا فسد النكاح فيما ذكرناه فسخ قبل البناء وثبت بعده، لأنه فسادٌ في الصداق، ويكون لها صداق المثل. ومن المدونة: قال مالك: وأن وهبت مهرها لأجنبيٍّ قبل قبضه وهي جائزة الأمر فإن حمله ثلثها جاز، وإن جاوز الثلث بطل جميعه إلا أن يجيزه الزوج. وقال ابن القاسم: إذا حمله الثلث وكانت جائزة الأمر فلم يقبضه الموهوب له حتى طلقت قبل البناء، فإن كانت موسرةً يوم طلقها فللموهوب أن يأخذ من الزوج جميع الصداق، وللزوج الرجوع عليها بنصفه، وإن كانت يوم طلق معسرةً حبس الزوج نصفه ودفع نصفه إلى الموهوب له، ولو قبض الأجنبي جميعه قبل الطلاق لم يرجع عليه الزوج بشيء، كانت الزوجة يوم الهبة موسرة أو معسرة، أو الآن، لأن دفعه ذلك إليه وهي معسرةٌ إجازةٌ لما فعلته، ويتبع الزوج المرأة بنصفه. ابن المواز: وروي لابن القاسم: أن للمرأة أن ترجع على الموهوب بما تغرم للزوج، وهذا خلاف لقوله الأول. ومن المدونة: قال غيره: إذا كانت يوم الهبة موسرةً ولم يقبضه الموهوب حتى طلقت لم ينظر إلى عسرها يوم الطلاق، وعلى الزوج دفع جميعه إلى الموهوب وللزوج متابعتها بنصفه.

قال الشيخ: فوجه قول ابن القاسم: أنه لما كان ملكها للصداق ملكاً غير مستقر وأن للزوج أن يطلق فيستحق نصفه كانت هبتها لذلك النصف ضعيفة لحق الزوج فيه، ولقول من يرى أن الهبة لا تتم إلا بالقبض فلما ضعفت لهذا استحسن ابن القاسم أنها إن كانت موسرة يوم الطلاق كان على الزوج دفعه إلى الموهوب، لأن الزوجة أملك به قبل الطلاق، وإذ لا ضرر عليه في ذلك، لأنه يرجع عليها بحقه، وإن كانت معسرة كان له حبس نصفه لحقه فيه، ولمراعاة الخلاف، ولما يلحقه من الضرر. ووجه قول غيره: أن الزوجة لما كانت أملك بجميع الصداق قبل الطلاق، وكان ثلثها يوم الهبة يحمله، كانت هبتها فيه جائزة، ولا كلام للزوج فيه، فلا ينظر إلى ما حدث بها بعد ذلك، وعلى الزوج دفعه إلى الموهوب، لأنه كان له ديناً عليه. قال الشيخ: وذكر أن أبا عمران قال: قول الغير أقيس، لأن هبة الدين إذا كان في ذمة فهو مقبوض، سواء مات الواهب أو أعدم، وابن القاسم ضعف أن يكون مقبوضاً وكأن الزوج عنده أدرك عين شيئه فهو أولى به. وانتصر ابن الكاتب لابن القاسم فقال: الحيازة التي كانت من الزوج قد انكشف أنها لم تكن للموهوب في جميع الصداق، وإنما كانت في نصفه لظهور استحقاق الزوج، فإن كانت موسرة مضى فعلها، لأنها فعلت ما يجوز لها وهي معطية عوضاً مما وهبت- يريد وإذا كانت معسرة بحق الزوج في النصف أبد الاستحقاق ذلك بالفراق يوم الطلاق، وأن الزوجة لا تستحق إلا نصفه، فكان الزوج أولى بأخذ ما نص له في القرآن من موهوب لا يستحق ذلك واهبه.

وقد أطال في ذلك الحجاج فاقتصرت على بعضه ومفهومه. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو أصدقها حيواناً بعينه فقبضت ذلك المرأة، ثم وهبته لأحدٍ وهي جائزة الأمر، ثم طلقها الزوج قبل البناء، كان له عليها نصف قيمته يوم وهبته، نما عند الموهوب أو نقص. وقال بعض الرواة: بل نصف قيمته يوم قبضته، لأنها ضامنة له لو هلك. قال الشيخ: وقول مالك أولى، لأنها لم تضمنه بالقبض فيلزمها إذا تعدت فيه قيمته يوم قبضت كالغاصب، أو كالبيع الفاسد، بل كان ضمانه منه، لأنه لو مات ثم طلق الزوج قبل البناء لم يرجع عليها بشيء، فقبضها وغير قبضها سواء، فإنما يلزمها قيمته يوم أحدثت فيه ما أحدثت. [فصل 3 - في المرأة تحدث في الصداق بيعاً أو عتقاً] قال ابن المواز: ولو باعته ثم طلقها قبل البناء جاز بيعها، ورجع الزوج عليها بنصف الثمن.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: قال مالك: ولو نكحها بعبدٍ بعينه فدفعه إليها فأعتقته ثم طلقها قبل البناء، فله عليها نصف قيمته يوم أعتقته. ابن المواز: وقال عبد الملك: بل نصف قيمته يوم قبضته، ولا يعجبنا ذلك، لأن ضمانه منه. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا يرد العتق موسرة كانت أو معسرة، لأنها إن كانت يوم أعتقته موسرة لم يكن للزوج كلام، وإن كانت معسرة وقد علم الزوج بعتقها فلم يغير ذلك جاز العتق فإن علم ذلك وأنكر عتقها وهي معسرة كان له رد العتق، ولا يعتق من العبد شيء، لأن مالكاً قال: إذا أعتقت المرأة عبدها وثلثها فإنه يعتق عليها النصف الذي صار لها. وقال أشهب في غير المدونة: لا يعتق إذا رد الزوج عتقها أولاً. وقال أشهب وعبد الملك: وروي لمالكٍ أن ذات الزوج إن أعتقت ثلث عبدٍ لا تملك غير ذلك العبد، خير الزوج، فإما أجازه فيعتق جميعه، أو يرده فلا يعتق منه شيء. وقال ابن القاسم: يعتق ثلثه فقط وإن كره الزوج، ورواه عن مالك. ومن المدونة: ابن القاسم: ولو تزوجت ولها عبدٌ لا مال لها غيره، فأعتقته كله فرد الزوج عتقها ثم مات عنها أو طلقها، فإنه يعتق عليها الآن جميعه. وقد قال مالك في المفلس إذا رد الغرماء عتقه ثم أفاد مالاً: أن العبد يعتق عليه، فأرى الزوجة في عتقها بمنزلة المفلس في عتق عبده فيما وصفنا.

وقد بلغني عن مالكٍ أنه قال في الزوجة: يعتق عليها العبد إذا مات زوجها أو طلقها، ولا أدري هل كان يرى أن يقضى بذلك عليها أم لا؟ والذي أرى ألا تستخدمه ويعتق عليها بغير قضاء. قال الشيخ: وفي العتق الأول وجه ذلك والفرق فيه. وفي كتاب محمد قال ابن القاسم: وإن كانت غنماً فزكتها، رجع بنصفها ناقصة، ولو كانت مئتي درهم فزكتها، رجع بمئةٍ كاملة. ابن المواز: لأنها في العين ضامنة، والنماء فيها لها، وما ادعت أنه تلف مما قبضت صدقت فيما يصدق فيه المستعير والمرتهن مع يمينها، وما يغاب عليه من عين أو عرض فلا تبرأ من ضمانه إلا ببينة، قال ابن القاسم وعبد الملك. قال أصبغ: وأرى في العين خاصة أنها تضمنه وإن قامت ببينةٌ بهلاكه بغير تفريط. قال ابن المواز: لا يعجبني قول أصبغ، ولا تضمن إذا قامت البينة بهلاكه إلا أن تحركه لغير جهازها، وهو كالوديعة. قال عبد الملك: ولو لم يطلقها فادعت تلف ما يغاب عليه، وطالبها أن تتجهز بالصداق فليس ذلك له، لأنه مالها ضاع، فلا تضمن مالها، وعليها اليمين، وبالطلاق يصير مالاً له. وقال عبد الملك في العتبية: عليها أن تخلف ذلك من مالها إذا لم تقم بينة بهلاكه لتشتري به جهازها.

ابن المواز: قال أصبغ: ولو اشترت بالعين جهازها بأمرٍ معروفٍ ظاهرٍ فضاع أو تلف لم تضمن، كما لو أصدقها ذلك بعينه. قال ابن المواز: وما أكلت من مهرها فإن طلق قبل البناء حوسبت به، وإن لم يطلق وبنى فلا شيء عليها، وقال ابن عبد الحكم عن مالك في المرأة المحتاجة: لها أن تأكل من صداقها بالمعروف وتكتسي، وروي مثله عن ابن القاسم في العتبية. [فصل 4 - في المرأة تحدث في الصداق شراء] ومن المدونة: قال مالك: ومن تزوج امرأةٌ بألف درهم، فاشترت منه بها داره أو عبده أو ما لا يصلح لجهازها، ثم طلقها قبل البناء، فإنما له نصف ذلك، نما أو نقص، وهو بمنزلة ما لو أصدقها إياه، ولو أخذت منه الألف درهم ثم اشترت ذلك من غيره، رجع عليها إذا طلقها بنصف الألف درهم، وكان لها نماؤه وعليها نقصانه ومنها مصيبته. قال الشيخ: لأنها انفردت بمنفعته دونه، ولم يدخل على ذلك. قال مالك: إلا أن يكون ما اشترت من غير الزوج مما يصلحها في جهازها مثل خادمٍ وعطرٍ وثيابٍ وفرشٍ وأسرةٍ ووسائد وكسوةٍ ونحوه، فليس للزوج إذا طلقها إلا نصف ذلك.

قال عبد الوهاب: لأن العرف شراء الجهاز بالصداق، فقد دخل الزوج على ذلك، وصارت كأنها فعلت ذلك بأمره وتصريحه، لقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَامُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، ولأنه عليه الصلاة والسلام أخذ صداق فاطمة فصرفه في جهازها من طيبٍ وفرشٍ ووسائد على ما روي في الخبر، وفعله على الوجوب، ولأن علياً رضي الله عنه حكم بذلك في قضيةٍ ارتفع إليه فيها فقضى على الأب تجهيز ابنته بالصداق، وقال للزوج لما طلق وطلب نصف ما دفعه وقال: أعطيت دراهم وأخذت صوفاً وخرقاً قال: أنت أضعت مالك، ولم يخالف عليه أحد. ومن المدونة: قال ابن وهب عن مالك: وليس للمرأة أن تحبس ذلك وتدفع إلى الزوج نصف ما نقدها، لأنه كان لذلك ضامناً، فلا يباع عليه ماله وهو كارهٌ إلا أن يرضى بذلك. قال إسماعيل القاضي: إذا اشترت بصداقها من زوجها داراً أو عبداً فإنما ينزل أمرها على التخفيف عنه، إلا أن يتبين أنها إنما قصدت الشراء منه كما تشتري من غيره، للرغبة في ذلك، فيرجع عليها حينئذ بنصف الصداق.

وذكر عن بعض شيوخنا: إذا تزوجها بدنانير ثم أعطاها فيها عرضاً فاستحق فإنما ترجع عليه بقيمة العرض، وكأن النكاح إنما وقع بذلك العرض والدنانير ملغاة، كما قال: إذا طلقها قبل البناء إنما له نصف العرض بمنزلة ما لو تزوجها به، وهذا بخلاف البيوع، لأن النكاح قد تظهر فيه التسمية في العلانية، ويكون في السر غير ذلك، وليس البيوع كذلك. كما قال: لو تزوجها بثلاثين ديناراً عشرةٍ منها نقداً وعشرةٍ إلى أجلٍ، وسكتا عن العشرة الثالثة، فالرواية: أن هذه العشرة المسكوت عنها حالةً، وإنما فارق النكاح البيع في هذا، لما ذكرنا أن فيه سراً وإعلاناً، فأمره في غيرها ما وجهٍ يخالف البيوع فاعلمه.

[الباب السادس] في نماء الصداق ونقصه وغلته وجنايته

[الباب السادس] في نماء الصداق ونقصه وغلته وجنايته [فصل 1 - في نماء الصداق ونقصه وغلته] قال مالك: وكل ما أصدقه الرجل امرأته من حيوان أو رقيق بعينه تعرفه المرأة، أو دار أو غير ذلك مما هو بعينه، قبضت ذلك المرأة أو لم تقبضه فحال سوقه، أو نقص في بدنه، أو نما، أو توالد ثم طلقها قبل البناء، فللزوج نصف ما أدرك من هذه الأشياء يوم طلق على ما هو به من نقص أو نماء، لأنه في ذلك شريك لها. قال ابن القاسم: ولا ينظر في هذا إلى قضاء قاض، لأنه كان ضامناً لنقصها. قال مالك: ولو هلكت هذه الأشياء بيد المرأة ثم طلقها قبل البناء لم يرجع عليها بشيء، ولو هلك ذلك بيده كان له أن يدخل بها ولا صداق عليه، وتكون مصيبتها من المرأة. قال ابن القاسم: ولو نكحها بعرض بعينه فضاع بيده ضمنه، إلا أن تعلم ذلك فيكون منها. قال مالك: وإن تزوجها على حائط، فأثمر الحائط عند الزوج، أو عند المرأة، ثم طلقها قبل البناء والثمر قائم، فللزوج نصف ذلك كله وللمرأة نصفه.

قال ابن القاسم: وما استهلك أحدهما من الثمر ضمن حصة صاحبه من ذلك، وما سقى أحدهما في ذلك كان له بقدر علاجه وعمله. وكذلك إن نكحها بعبدٍ بعينه فلم يدفعه إليها حتى اغتله ثم طلقها قبل البناء فالغلة بينهما أيضاً. وكذلك إن نكحها بأمةٍ بعينها فولدت الأمة عند الزوج أو عندها، أو اكتسبت مالاً، أو وهب لها، أو تصدق به عليها فذلك كله- إن طلقت قبل البناء- بينهما. وكذلك ما غل أو تناسل من إبلٍ أو بقرٍ أو غنمٍ أو من جميع الحيوان، أو أثمر من شجرٍ أو نخلٍ أو كرمٍ فذلك كله بينهما. ومن استهلك من ذلك شيئاً ضمن حصة صاحبه منه، إلا أنه يقضي لمن أنفق منهما بنفقته التي أنفقها فيه، ثم يكون له نصف ما بقي. وقد قيل: إن كل غلةٍ أو ثمرةٍ للمرأة خاصة بضمانها، كانت في يدها أو في يد الزوج. قال الشيخ: فوجه قول ابن القاسم: قوله عليه الصلاة والسلام: "الخراج بالضمان"، فلما كان ضمان هذه الأشياء قبل البناء منهما كانت الغلة بينهما،

وهذا بين. ووجه قول غيره: لما كان أن لو هلكت هذه الأشياء قبل البناء كان للزوج أن يدخل ولا شيء عليه صح أن ضمانها من الزوجة، فوجب أن تكون غلتها لها. قال الشيخ: وقول ابن القاسم أصح، لأن ملك الزوجة للصداق ملك غير مستقر قبل البناء، فإذا وقع البناء صح ملكها له، ووجب عليه ضمانه، ولها غلته، فإذا طلق الزوج قبل البناء صح ملكها لنصفه، وملكه لنصفه، فوجب أن تكون الغلة بينهما. قال ابن المواز: وقد قيل: الغلة والنفقة على المرأة، وأحب إلينا أن تكون النفقة من الغلة، فإن لم تكن غلة فلا نفقة على الزوجة. قال: وما اغتلت فهلك بيدها من غير سببها لم تضمنه، وهي فيه مصدقةٌ مع يمينها إن أخذت في الغلة حيواناً، ولا تصدق في هلاك العين إلا ببينة. وأما الزوج فهو ضامن لما اغتل من عينٍ وغيره، لأنه متعدٍ فيما يستغل وفي حبسه. قال الشيخ: ولأن للمرأة استعجال العين، لأن ضمانه منها، سواء طلبت الزوج بالدخول أم لا، وسواءٌ كان الزوج صغيراً أو كبيراً، قاله ابن حبيب. ابن المواز: وما فره أو نما في بدنه فلا رجوع لمن أنفق عليه منهما بما أنفق إلا من غلةٍ إن كانت لا تعدوها، وكذلك لو داوى مريضاً به.

قال ابن القاسم: ولو أنفقت على العبد في تعليم صنعةٍ نفقةً عظيمةً فلا رجوع لها بشيٍ من ذلك. وكذلك قال مالك في رده بعيبٍ في البيع، وكذلك ما أنفقت في أدب الجارية وتعليمها الأدب والرقم، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية. قال الشيخ: يدل قوله، لو أنفقت عليه في مطعمٍ وملبسٍ رجعت بذلك لأن بذلك قوامه وحياته. وقال ابن حبيب: لا ترجع بذلك، وهو خلاف.

فصل [2 - في جناية الصداق] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن تزوج امرأةً بعبدٍ فجني عليه جنايةً ثم طلقها قبل البناء فأرش ذلك بينهما، ولو جنى العبد وهو في يد المرأة فدفعته بالجناية ثم طلقها بعد ذلك فلا شيء للزوج في العبد، ولا على المرأة إلا أن يحابي في الدفع لا يجوز محاباتها على الزوج في نصفه إلا برضاه، وإنما يجوز إذا دفعته على وجه النظر. قال ابن المواز: وإذا حابت على الزوج كان الزوج على خياره في نصفه، إن شاء أجاز ذلك، وإن شاء غرم نصف الجناية وكان له نصف العبد، فإن مات العبد قبل خياره رجع عليها بما زادت نصف قيمته على نصف الأرش. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن كانت المرأة قد فدته- يريد قبل الطلاق لم يأخذ الزوج منها نصفه، إلا أن يدفع إليها نصف ما فدته به. ابن المواز: وإن حابت. قال أبو محمد: يريد إلا أن تعطي أكثر من الأرش. قال الشيخ: يريد لأنها إذا فدته بالأرش وإن كان أكثر من قيمته لم يكن للزوج حجة، لأنها لو أسلمته في الأرش لم يكن للزوج أن يأخذ نصفه إلا بدفع نصف الأرش، وذلك لها عليه إذا فدته به فلم تدخل عليه ضرراً.

فأما إن باعته وحابت في بيعه فإنه يرجع عليها بنصف المحاباة، والفرق أنه في البيع لا يستطيع الرجوع في نصفه، لأنها باعته في وقت كان لها البيع جائزاً، وقد أتلفت عليه بعض ثمن نصفه، فوجب له الرجوع به، وفي الجناية لم تتلف عليه شيئاً، لأنه على خياره في نصفه، وليس عليها واجبٌ أن تفتديه، فتكون قد أتلفت عليه شيئاً، لأن المجني عليه استحق رقبته، إلا أن تفديه بالأرش، وافتداؤه كاشترائه، وليس واجب عليها أن تشتريه، فلا تتكلف إخراج ثمنه، وقد فرق فيه بغير هذا، وهذا أبين. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو جنى العبد وهو بيد الزوج- يريد قبل الطلاق- فليس للزوج دفعه، وإنما ذلك للمرأة، فإن طلقها قبل أن تدفعه وهو عنده أو عندها كان بمنزلتها في نصفه.

[الباب السابع] في الصداق يستحق أو بعضه، وزيادة الزوج فيه وتزويجه بمن يعتق عليها

[الباب السابع] في الصداق يستحق أو بعضه، وزيادة الزوج فيه وتزويجه بمن يعتق عليها [فصل 1 - في الصداق إن استحق كله أو بعضه] قال ابن القاسم: ومن تزوج امرأةً على عبدٍ بعينه، أو أمةٍ بعينها، أو دارٍ بعينها فاستحق بعض ذلك، فإن كان الذي استُحِق من الدار في ضرر، كان لها أن ترد ببقيتها وتأخذ قيمتها، أو تحبس ما بقي وترجع بقيمة ما استحدث، فإن استحق منها مثل البيت أو الشيء التافه الذي لا ضرر فيه رجعت بقيمته فقط، وكذلك العروض. وأما ما استحق من العبد أو الأمة من جزءٍ قل أو كثر فهي مخيرة في أن ترد في بقيته وترجع بقيمة جميعه، أو تحبس ما بقي منه وترجع بقيمة ما استحق. وكذلك قال مالك في البيوع: إذا استحق من الدار أو النخل أو الأرضين الشيء التافه الذي لا ضرر فيه، لزم المشتري البيع ورجع بثمن ما استحق، وإن استحق من ذلك ما فيه ضرر- يعني عن الأجزاء- خير المبتاع بين أن يحبس ما بقي ويرجع بثمن ما استحق، أو يرد ما بقي ويرجع بجميع الثمن. وأما إن استحق جزء يسير من عبدٍ أو أمةٍ فللمبتاع أن يحبس ما بقي ويرجع بثمن ما استحق، أو يرد ما بقي ويأخذ جميع الثمن لضرر الشركة في العبد من منع السفر به، ومن الوطء في الأمة بخلاف الدار.

قال الشيخ: وأما لو استحق من الدار بيت أو ناحية بعينها وذلك يضر به في صفقته، فيفترق الحكم فيه في النكاح من البيوع عند ابن القاسم. أما في البيوع فليس له أن يحبس ما سلم بحصته من الثمن، لأن حصة ذلك مجهولة لا تعلم إلا بعد التقويم، وهو قد وجب له الرد فصار الرضى بأخذه بحصته من الثمن بيعاً مؤتنفاً بثمنٍ مجهول. وأما إذا استحق جزء شائع كالنصف أو الثلث فحصة ذلك معلومة، وفي النكاح يجوز الرضى بما بقي، كان المستحق جزءاً شائعاً أو معيناً، لأنه إنما يرجع في الوجهين بقيمة ما استحق كما لو استحقت الدار كلها، فإنما يرجع بقيمتها ولا ينفسخ النكاح. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن تزوجها على عروضٍ أو رقيقٍ لها عدد فاستحق منها شيء فمحمله محمل البيوع، لأن مالكاً قال: أشبه شيء بالبيوع النكاح. قال الشيخ: وهذه أيضاً مثل الأولى، إنما يستوي البيوع والنكاح إذا استحق من ذلك جزء شائع. فأما إن استحق شيء معين وهو كثير مما يضر به في صفقته، ويوجب له رد جميع الصفقة، فيفترق البيوع من النكاح. ففي البيوع لا يجوز له الرضى بما بقي، لأن حصته مجهولة، وفي النكاح يجوز لأنه في البعض وفي الجميع إنما يرجع بقيمة ما استحق. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم فيمن تزوج بمالٍ فاستحق بعينه: فالنكاح ثابت، وإن بنى لم يمنع منها، واتبعته بمثله إن كان مما يقضى بمثله، أو

بقيمته إن كان مما يقوم، وإن كان لم يدخل تلوم له السلطان فإن جاء به وإلا فرق بينهما. قال أصبغ: وأرى إن كان قد دخل فاستحق الجميع أن يمنع منها حتى يدفع ولو ربع دينار، أو يكون قد بقي منه لم يستحق ربع دينارٍ فلا يمنع، وتتبعه بما بقي. ابن المواز: ولو استعار شيئاً أو سرقه فتزوج به لحيل بينه وبين امرأته وإن دخل حتى يدفع إليها جميع مهرها، كالمكاتب يقاطع سيده بشيءٍ سرقه. - قال الشيخ: ولو كان شيئاً تقدمت له فيه شبهة ملك، وقد بنى فاستحق اتبعته به، كالمكاتب يقاطع سيده به-. وإن لم يبين تلوم به السلطان، فإن جاء به وإلا فرق بينهما، وكذلك/ في كتاب ابن المواز. وقال أشهب عن مالك فيمن تزوج بعبدٍ بعينه ودخل بها فاعترف أنه مسروق أو استعاره، فإنه يحال بينه وبينها حتى يدفع إليها مهرها، وقاله أشهب. قال: ولو تزوج بعبدٍ ولده الصغير فلا سبيل لأحدٍ عليه، والمرأة حق به قرب ذلك أو بعد، موسراً كان الأب أو معدماً، ويتبع به في ذمته، وقاله مالك، وذلك كشرائه ذلك لنفسه، وكجواز عتق رقيقهم عن نفسه، فهو كأنه اشتراه لنفسه وأعتقه، أو تزوج به. قيل: فلم كان إذا أعتقه عن نفسه يرد في عدمه، ولا يرد إذا أصدقه امرأته وهو عديم؟

قال: لأن من أعتق وهو عديم وعليه رد عتقه للدين، وهذا قد صار لولده عليه دين وهو ثمنهم، فلذلك رددت عتقه إلا أن يطول أمرهم، وأما المرأة فكأنه باعهم منها، وقد اشتراهم لنفسه من نفسه، فخرجوا من يده بالبيع، فليس ينقص على الغريم بيعه وشراؤه كما ينقص عليه عتقه. ومن العتبية: قيل: فمن نكح بمالٍ حرام أتخاف أن يضارع الزنا؟ قال: إي والله، ولكن لا أقول به. قال سحنون: ومن تزوج بعبدٍ اغتصبه فالنكاح ثابت وعليه قيمته، بخلاف الحر يتزوج به، إذ لا ضمان عليه في الحر، ويضمن العبد للعبد، ولو كانت الزوجة عالمة بغصبه فسخ قبل البناء ويثبت بعده، ولها صداق المثل. وقد روى أصبغ عن ابن القاسم فيمن نكح بعبدٍ لغيره أو بحر، فلا يفسخ ذلك بحال، تعمد ذلك بمعرفته أو لم يتعمد. قال أصبغ: وكذلك لو علمت هي بحرية الحر ولم يعلم هو إلا أن يعلما جميعاً فيفسخ قبل البناء ويثبت بعده، ولها صداق المثل. فصل [2 - في زيادة الزوج في الصداق] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن تزوج امرأةً على صداقٍ مسمى ثم زادها فيه بعد ذلك طوعاً فلم تقبضه حتى مات، أو طلق قبل البناء، فلها نصف الزيادة إن طلق، وإن مات لم تأخذ منه شيئاً، لأنها عطية لم تقبض.

قال عبد الوهاب: وقال شيخنا أبو بكر الأبهري وغيره من أصحابنا: القياس أن تجب لها الزيادة بالموت، لأنه لا يخلو أن تكون الزيادة حكمها حكم المهر أو حكم الهبة التي لا تستقر إلا بالقبض، فإن كانت كالمهر وجب استحقاقها بالموت وإن كانت كالهبة وجب ألا يجب لها نصفها بالطلاق قبل الدخول، لتأخير القبض، فلما وجب نصفها بالطلاق دل على أنها في حكم الصداق. قال الشيخ: ولأنها لو كانت كالهبة لم يثبتها الدخول، لأن الهبات لا تستقر إلا بالقبض، وإنما هي كالهبة بعد البيع للبيع، حكمها حكم الثمن أنها وإن قبضت ثم ردت السلعة بعيبٍ فإنها ترد مع الثمن، ولو كانت هبة خالصة لم ترد، لأنها قد قبضت، فكذلك الزيادة في الصداق يجب أن يكون حكمها حكم الصداق. فصل [3 - في نكاح المرأة بمن يعتق عليها] ومن المدونة: قال مالك: ومن نكح امرأةً على أبيها أو من يعتق عليها عتق عليها بالعقد، فإن طلقها الزوج قبل البناء رجع عليها بنصف قيمته.

قال ابن القاسم: وبلغني عن مالكٍ أنه استحسن أن لا يرجع الزوج على المرأة بشيء، وقوله الأول أحب إلي، أنه يرجع عليها بنصف قيمته، كانت معسرة أو موسرة، ولا يتبع العبد بشيء، ولا يرد عتقه، كقول مالك في معسر أعتق عبده فعلم غريمه فلم ينكر الغريم وسكت، ثم أراد الغريم بعد ذلك رد العبد في الرق من أجل دينه فليس ذلك له. قال ابن القاسم: والزوج حين أصدقها/ إياه قد علم أنه ممن يعتق عليها، فلذلك لم أرده على العبد بشيء. قال عبد الملك في غير المدونة: وإنما عتق على الزوجة لأنها قبلته وهي تعلم أن عتقه لها لازم، فهي كمن قالت لرجل: أصدقني عبداً بعينه على أنه حر إذا ملكته، فعليها نصف قيمته إذا طلقت قبل البناء، وقد استحسن مالك أن لا يرجع عليها بشيء. قال: لأنه أعطاها وهو يعلم أنه لا يثبت بيدها ولا طرفة عين، فكأنه أعطاها على أن لا يرجع به إن طلق. قال مالك: وإن لم يعلم به الزوج أنه ممن يعتق عليها إلا عند الطلاق فله أخذ نصفه، ويمضي عتق نصفه، إلا أن يشاء اتباعها بنصف قيمته، فيمضي لها عتقه كله فذلك له. قال الشيخ: ولو أصدقها إياه عالماً بانه ممن يعتق عليها وهي لا تعلم لعتق عليه ويغرم لها قيمته كالمقارض يشتري أبا رب المال عالماً، فإن طلق الزوج قبل البناء فعليه نصف قيمته.

ومن الواضحة: ومن نكح امرأةً على أبيها أو من يعتق عليها وهي تعلمه أو لا تعلمه، فإنه يعتق عليها، بكراً كانت أو ثيباً، فإن طلقها قبل البناء رجع عليها بنصف قيمته بوم أصدقها إياه، فإن لم يجد لها غيره فانظر، فإن كان علم هو يوم العقد أنه ممن يعتق عليها فليس له رد العتق ويتبعها بذلك، وإن لم يعلم به إلا عند الطلاق فله أخذ نصفه ويمضي عتق نصفه إلا أن يشاء اتباعها بنصف قيمته فذلك له فيمضي عتقه كله، وقال [لي] من كاشفت مكن أصحاب مالك. قال الشيخ: قال بعض فقهائنا: تأول بعض الناس في مسألة الكتاب إذا تزوجها بمن يعتق عليها، إنما يصح ذلك في الثيب، فأما في البكر فلا يجوز ذلك للولي، لأنه يعتق عليها، وذلك ضرر، كما لا يجوز للوصي أن يشتري لمن يلي عليه من يعتق عليه. قال الشيخ: وهذا خير من كلام ابن حبيب في البكر، وقوله أيضاً: إن كانت الزوجة معسرة فله أن يتبعها بنصف قيمته، خلاف لقول ابن القاسم، وهو كقول ابن المواز في أحد الشريكين يعتق حصته من عبد وهو معسر، فللشريك أن يتبعه بنصف القيمة ديناً، وهذا لا يقوله ابن القاسم، وقيل غير هذا، وهذا أحسن. قال ابن الماجشون: فإن نكحها على أن يعتق لها أباها فالنكاح مفسوخ، وإن كان على أن يعتقه عنها فالولاء لها ولا شيء عليها، لأنها لم تملكه، وإن كان

على أن يعتقه عن نفسه فالولاء له، ويفسخ النكاح قبل البناء، ويثبت بعده، ولها صداق المثل.

[الباب الثامن] في صداق الذمية، والمجوسية تسلم وصداق الأمة والمرتدة والغارة

[الباب الثامن] في صداق الذمية، والمجوسية تسلم وصداق الأمة والمرتدة والغارة [فصل 1 - في صداق الذمية والمجوسية إن أسلمتا وصداق الأمة إن عتقت تحت عبد] قال مالك: وإذا أسلمت الكتابية أو المجوسية ولم يسلم الزوج فهو فسخ بغير طلاق، فإن لم يبن بها فلا صداق نقداً ولا مؤخراً، فإن قبضته ردته، لأن الفرقة جاءت من قبلها، ولو بنى بها كان لها جميع صداقها مقدمه ومؤخره. وكذلك الأمة تعتق تحت عبدٍ فتختار نفسها، فإن كان قد بنى بها أخذت جميع صداقها مقدمه ومؤخره، وإن لم يبن بها فلا شيء لها من الصداق، وإن كانت أخذت منه شيئاً ردته، وفرقة هذه تطليقه. فصل [2 - في صداق الأمة المبعضة] قال مالك: وإذا كانت أمة نصفها حر فصداقها/ موقوف بيدها كمالها، وليس لمن له فيها الرق أن يأخذ منه شيئاً، ويلي عقد نكاحها من له فيها الرق برضاها. قال الشيخ: وهي كالأمة بين الشريكين فليس لأحدٍ أن يأخذ شيئاً من مالها أو يزوجها إلا أن يجتمعا على ذلك، وكذلك هذه، لأنها شريكة لسيدها في نفسها.

وحكي عن بعض شيوخنا أنه قال: الفرق بين صداق هذه الأمة وبين أرش جرحها: أن ذلك بينها وبين السيد، لأن ذلك ممن عضو هو بينها وبين السيد، فوجب أن يكون ثمنه بينهما، والصداق قد سماه الله نحلة، والنحلة كالهبة، فكان ذلك موقوفاً بيدها كسائر مالها، ولأن الصداق ثمن بضع استباحه بإذن السيد، والجراح استباحه بغير إذنه فوجب له ثمن حصته، والله اعلم. فصل [3 - في صداق الأمة إن ابتاعها سيدها] قال مالك: ومن تزوج أمة ثم ابتاعها من سيدها قبل البناء فلا صداق لها، وإن قبضه السيد رده؛ لأن الفسخ من قبله، وإن ابتاعها بعد البناء فالصداق لسيدها البائع كمالها إلا أن يشترطه المبتاع. قال: وإن ابتاعها غير الزوج فمهرها للسيد البائع، إذ النكاح قائم بنى بها الزوج أم لا، بمنزلة مالها إلا أن يشترطه المبتاع. قال مالك: وإذا أعتقت أمة تحت عبدٍ بعد البناء وقد كان الزوج فرض لها- يريد واختارت نفسها أو المقام مع زوجها- فلها مهرها كمالها، إلا أن يشترطه السيد فيكون لها. قال: وكذلك إن أعتقت قبل البناء، وقد كان الزوج فرض لها قبل العتق فاختارت المقام مع الزوج فمهرها لها يتبعها إذا عتقت إلا أن يكون السيد أخذه قبل العتق، أو اشترطه فيكون له.

قال الشيخ: فهذا يدل على أن للسيد حبس صداقها ويتركها بلا جهاز. وقال في كتاب الرهن من المختلطة: لا يحبس السيد صداق أمته، ولمن يجهزها به كالحرة. قال سحنون: وابن القاسم يرى أن للسيد انتزاع صداق أمته، ولست أقوله، وقد قال مالك: وليس للحرة أن تقضي منه الدين إلا الشيء اليسير. وقيل: يحتمل أن يكون معنى ما في كتاب الرهن: أنه بوأها مع زوجها بيتاً فلزمه أن يجهزها بصداقها، وهاهنا لم تبوأ معه بيتاً، فليس على السيد أن يجهزها به فجاز له انتزاعه، والله أعلم. وروي عن سحنون: أنه يترك لها منه ثلاثة دراهم، إذ ليس له أن يزوجها بلا صداق. وروى أبو زيد في العتبية عن ابن القاسم فيمن زوج أمته ففلس السيد قبل البناء فباعها عليه السلطان فاشتراها زوجها أن الصداق للبائع. - قال الشيخ: يريد نصف الصداق، لانفساخ النكاح بشراء الزوج لها- قال: ولا يرجع به الزوج، لأن السلطان هو الذي باعها، بخلاف بيع السيد. قال الشيخ: وعاب ذلك أبو عمران وضعفه وقال: قد اختلف قول ابن القاسم في ذلك.

وقد روى لنا الباجي مما أخرج في سماع عيسى أن لا شيء للبائع من الصداق، وبيعه وبيع السلطان سواء. وقد تأول بعض الناس أن معنى قوله في رواية أبي زيد: ليس للزوج رجوع على سيد الأمة بالصداق- يريد: لا يرجع به في ثمن الأمة فيحاص به غرماء سيدها لأن النكاح إنما انفسخ بعد عقد البيع، فهو كدينٍ طرأ من معاملةٍ حدثت. ومن النكاح: قال/ مالك: فإن اختارت هذه نفسها قبل البناء فلا صداق لها، وإن قبضه السيد رده، فإن كان قد اشترطه بطل شرطه، لأن الفسخ جاء من قبله. قال ابن القاسم: وأما التي زوجها سيدها بتفويضٍ ثم أعتقها قبل البناء، ثم فرض لها الزوج بعد العتق، واختارت المقام معه، فهذه يكون لها جميع ما فرض لها ولا سبيل للسيد عليه، إذ لم يكن ذلك بمالٍ لها فيشترطه، وإذ لو مات الزوج أو طلق قبل الفريضة لم يكن لها شيء، فلما رضي الزوج بالفريضة قبل البناء كان شيئاً تطوع به الزوج لم يكن وجب عليه في أصل النكاح. قال مالك: ومن زوج أمته فله منعها من الزوج حتى يقبض صداقها.

ابن وهب: وقال بكير وغيره: للسيد أخذ صداقها إلا قدر ما يستحل به فرجها، وله أن يضع من مهرها لزوجها بغير إذنها. ابن شهاب: هو كمالها، وللسيد أخذه إذا احتاج إليه كما يأخذ مالها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع". فصل [4 - في صداق المجوسية تسلم] قال مالك: وإذا أسلم أحد الزوجين المجوسيين بعد البناء ففرق بينهما، فللمرأة صداقها المسمى كاملاً. [فصل 5 - في صداق المرتدة] ابن القاسم: وكذلك المرتدة إذا بنى بها زوجها قبل أن تستتاب، فلها صداقها المسمى.

[فصل 6 - في صداق من اشترط في نكاحها أن ما ولدت فهو حر] قال: وكذلك من زوج أمته وشرط أن ما ولدت فهو حر، لم يقر هذا النكاح على حال، ويكون لها إن دخل بها المسمى. قال الشيخ: قال بعض فقهائنا: وقيل: لها صداق المثل، وهو أقيس، وذلك أن الصداق وقع للبضع ولحرية الولد، وما يخص كل واحدٍ من ذلك مجهول، فهو كمن تزوج بصداقٍ مجهول، فوجب لذلك صداق المثل. قال الشيخ: ووجه الأخرى: فلأن الصداق إنما وقع على البضع المتيقن، والولد أمر يكون أو لا يكون فلا حق له. ابن المواز عن مالك: إن نكح على هذا فسخ قبل الدخول وبعده، سواء زوجها من حرٍ أو عبدٍ له أو لغيره، ويكون الولد حراً، وولاؤه لسيد الأمة الذي أعتقه. ابن حبيب: ولو شرط أول ولدٍ تلده حراً، فإن عثر على ذلك قبل الولد فسخ قبل البناء وبعده، وإن لم ينظر فيه حتى ولدت عتق الولد، وثبت النكاح، إذ لم يبق فيه شرط.

ابن المواز: ولو كانت اغتصبت فزوجها الغاصب من رجلٍ على أن ولدها منه حر، فولدت ثم استحقها سيدها، فليأخذها ولا حرية لهم. - قال الشيخ: إذ لا ينعقد عليه ما شرط غيره في أمته-. قال ابن القاسم في المستخرجة: وليس لأبيهم أن يعتقهم إلا أن يشاء السيد ولا للسيد أن يلزم ذلك الأب إذا أباه الأب. قال يحيى بن عمر: وهو بخلاف ولد الذي تزوج الأمة على أنها حرة. قال الشيخ: والفرق بينهما: أن الأول شرط له حرية الولد غير مالكه، فلم يتم له شرطه، ومتزوج الغارة إنما تزوج حرةً في ظنه، وأن ولده منها حر من أصله، لا شرط فيه لأحدٍ، فوجبت بذلك حريته كولد المشتري للأمة تستحق بملك، لأنه إنما أولد أمته في ظنه، وأن ولده منها حر من أصله، فوجب بذلك حريته/ وبذلك قضى عمر بن الخطاب، وألزم الأب قيمتهم لمولى الأمة عبيداً يوم الحكم، إذ لا سبيل إلى رقهم، وهذا بيِّن فاعلمه.

[فصل 7 - في صداق الغارة] ومن المدونة: ابن القاسم: والأمة تغر من نفسها فتتزوج: فإنها سترد ما فضل عن صداق مثلها وتأخذ صداق المثل، لأن ذلك حق لسيدها، فليس ما صنعت يبطل ما وجب على الزوج للسيد من حقه في وطئها، والحرة التي غرت من نفسها فتزوجت في عدتها يكون لها قدر ما يستحل به فرجها، لأنها هي الغارة فليس لها أن تجر إلى نفسها هذا الصداق بما غرت. والله أعلم.

[الباب التاسع] ما جاء في نكاح التفويض

[الباب التاسع] ما جاء في نكاح التفويض [فصل 1 - في جواز نكاح التفويض وما يجب به الصداق فيه] وقد أذن الله سبحانه في نكاح التفويض بقوله: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}. قال مالك: فنكاح التفويض جائز، وهو أن يقولوا: قد انكحناك، ولا يسمون صداقاً، فهو بالخيار إن شاء دفع مهر مثلها ودخل، وإن شاء فارق ولم يلزمه غير المتعة، وهذه سنة نكاح التفويض، فإن بنى بها فلها صداق مثلها وليس كصداق أختها، أو ذات رحم، ولكن مثلها في مالها وجمالها وشبابها وحالها في زمانها. ابن القاسم: وقد تكون واحدة لها مال وجمال وشطاط، وأختها لا مال لها ولا جمال فليس صداقهما عند الناس، وتشاح الناس فيهما سواء.

قال الشيخ: وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "تتزوج المرأة لمالها وجمالها ودينها"، فدل أن الاعتبار بهذا دون غيره. قال مالك: وينظر في هذا إلى ناحية الرجل أيضاً، فقد يزوج فقير لقرابته، وأجنبي لماله، فليس صداقها عند هذين سواء، فيخفف عن القريب ويكمل على الأجنبي صداق المثل. قال مالك: ولا يجب صداق المثل في نكاح التفويض إلا بالبناء، إذ لو مات الزوج قبل البناء التسمية لم يكن لها صداق ولا متعة ولها الميراث. قيل لمالك في كتاب ابن المواز: فما جاء عن ابن مسعودٍ فيمن تزوج امرأةً فهلك عنها قبل أن يفرض لها وقبل أن يدخل عليها، فأقام ابن مسعودٍ شهراً ينظر فيها، ثم قال: أرى لها صداق مثلها؟ فقال: ليس عليه العمل، وقد حدثني نافع عن عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت: أن لها الميراث ولا صداق لها. قال مالك: وبيان ذلك في كتاب الله تعالى حيث يقول: {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}، فإذا طلقها فلم يكن لها فيه شيء، فكذلك إذا مات عنها لم يكن لها شيء.

[فصل 2 - في ما تستحقه المرأة إن نكحت بتفويض] ومن المدونة: قال مالك: وإذا طلق قبل البناء وقبل أن يتراضيا على صداق لم يكن لها غير المتعة. ابن حبيب: ولا ينبغي أن يبني في التفويض ولا يخلو بها حتى يقدم ربع دينار فأكثر، فإن مسها ثم طلقها لزمه صداق المثل. ومن المدونة: وإذا أرادت الزوجة أن يفرض لها قبل البناء لم يكن له أن يدخل حتى يفرض لها صداق المثل إلا أن ترضى منه بدون ذلك، فإن لم ترض إلا بصداقٍ مثلها كان ذلك عليه، فإن شاء أتم لها صداق مثلها أو طلق. قال مالك: وإن فرض لها بعد العقدة فريضة أقل من صداق مثلها فرضيت بها، أو فرض لها صداق المثل فأكثر ثم طلقها قبل البناء كان لها نصف ما سمى، وإن مات الزوج كان لها جميع ما سمى، وإن ماتت هي كان ذلك عليه. ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم فيمن تزوج بتفويضٍ فبعث إلى أهلها بشيءٍ فسخطوه، فقال: فإن لها صداق مثلها، ثم إن طلق ولم يدخل فإن لها نصف صداق المثل. ومن كتاب محمد: قال ربيعة فيمن فوض إليه فبعث ثياباً ومتاعاً فأدخلت عليه، ثم ماتت فليس لهم إلا ما أرسل إليها. وقال يحيى بن سعيد: إذا كان الأب قد قبله وأدخلها.

ابن المواز: وإذا نكح على أن لها نقد عشرين ديناراً، أو على أنه مفوض إليه في بقية مهرها، ثم لم يرضوا بما فرض لها ولا بما زاد لأنه أقل من صداق مثلها حتى فارق فله أخذ العشرين ولا يلزمه شيء، وليمتعها، وكذلك لو تزوجها على تفويضٍ وعلى مالٍ دفعه إلى أبيها خاصة، ثم طلق قبل البناء فعليه المتعة، ويأخذ من الأب كل ما أعطاه. [فصل - في المريض ينكح بتفويض ثم يموت، أو تموت المرأة] ومن المدونة: قيل لمالك: فالرجل المفوض إليه يمرض فيفرض وهو مريض؟ فقال: لا فريضة لها إن مات من مرضه ذلك، لأنها وصية لوارث إلا أن بطأها في مرضه فيجوز ذلك ويكون لها ما سمى من رأس ماله، إلا أن يكون ذلك أكثر من صداق المثل فيرد إلى صداق المثل. قال الشيخ: يريد لأنها وصية لوارث، لأن عقده كان في الصحة فهي وارثة. قال ابن المواز: قال مالك: إلا أن تكون ذمية لا ترثه فتكون لها الزيادة في ثلثه. قال ابن المواز: ولو سمى للذمية أو للأمة في مرضه ولم يبن بها فذلك كله لها في ثلثه تحاص به أهل الوصايا. وقال عبد الملك: لا شيء لهذه، لأنه لم يسم لها إلا على المصاب. قال ابن المواز: ولا يعجبنا ذلك. قال أصبغ: وإن سمى للحرة المسلمة في مرضه، ثم ماتت هي، ثم صح هو بعدها لزمته التسمية لورثتها.

وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية. وقال ابن المواز: لا يعجبني قول أصبغ. [فصل - في رضى الولي بما يفرض للمرأة وعدم ضاه] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا زوج الثيب وليها، ثم فرض لها الزوج أقل من صداق مثلها فرضيت هي بذلك ولم يرض الولي لزمها ذلك، لأن الرضى في ذلك لها، فلا قول لوليها. قال: وإذا زوج البكر أبوها بتفويضٍ ثم فرض لها الزوج بعد ذلك أقل من صداق مثلها فرضيت، لم يكن لها ذلك إلا أن يرضى الأب بذلك فيجوز ولا ينظر إلى رضاها مع الأب. وإن زوجها غير الأب فرضيت بأقل من صداق مثلها لم يجز ذلك لها ولا للزوج، لأنه لا قضاء لها في مالها حتى تدخل بيتها ويعرف أنها مصلحة في مالها. ولا يجوز لأحدٍ أن يعفو عن شيءٍ من صداقها لا وصي ولا غيره إلا الأب وحده. قال ابن القاسم: إلا أن يكون ذلك نظراً لها فيجوز إذا رضيت مثل أن يعسر الزوج فيسأل التخفيف ويخاف الولي الفراق، ويرى أن مثله رغبةً لها فيجوز ذلك، وما كان على غير هذا لم يجز وإن أجازه الولي. ولو فرض الزوج صداق المثل لزم ذلك المرأة والولي ولا قول لمن أباه منهما. قال مالك: / وإن فرض الزوج بعد عقده النكاح قبل المسيس أو بعده ما رضيت به المرأة وهي ممن يجوز أمرها، أو رضي به الولي وهي بكر والولي ممن

يجوز أمره عليها، وهو الأب في ابنته البكر فذلك جائز، ويكون صداقها هذا الذي تراضيا عليه، ولا يكون لها صداق المثل. قال غيره: إلا أن يدخل بها فلا تنقص المولى عليها بأبٍ أو وصي من صداق مثلها. قال الشيخ: وقول الغير ليس بخلافٍ لابن القاسم، وقول ابن القاسم: فلو فرض لها الزوج بعد عقده النكاح قبل المسيس أو بعده، عائد على الثيب خاصة، ألا ترى أنه قال: أو رضي به الولي، وهو الأب في ابنته البكر، فقد بين أو المولى عليها بكر، فلا تكون بكر ممسوسة، فإنما أراد إذا فرض الزوج ما رضيت له الثيب قبل الدخول فيكون ذلك من صداقها وإن كان أقل من صداق المثل. قال الشيخ: وقد كان بعض مشايخنا يقول: معنى قول ابن القاسم إذا فرض الزوج أكثر من صداق المثل، ويرى أن قوله: قبل المسيس أو بعده، عائد على الثيب والبكر، وما ذكرته أبين، وهو الذي أراد ابن القاسم وإن كان المعنى واحداً، وبالله التوفيق. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا كان ولي البكر ممن لا يجوز أمره عليها فلا يجوز رضاه لأقل من صداق مثلها، ولا يجوز ما وضعت للزوج بعد الطلاق قبل البناء من النصف الذي وجب لها، وإنما يجوز ذلك للأب وحده. وقد قيل: إذا رضيت بأقل من صداق مثلها أو وضعت للزوج ما وجب لها بعد الطلاق جاز ذلك، إذ لا يولى عليها، وإنما لا يجوز ذلك لمن يولى عليها بوصي، وطرحه سحنون.

[الباب العاشر] في نكاح الموهوبة أو بغير صداق

[الباب العاشر] في نكاح الموهوبة أو بغير صداق [فصل - في نكاح الموهوبة] وقد منع الله سبحانه من النكاح بغير صداق فقال في النساء: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}، وقال تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ}، وخص الله رسوله عليه الصلاة والسلام بالموهوبة بقوله: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}. قيل لابن القاسم: فلم أجزت نكاح التفويض ولم تجز الهبة إذا لم يسموا مع الهبة صداقاً؟ قال: إنما الهبة عندنا كأنه قال: قد زوجتكها بلا صداق، فهذا لا يصلح ويفسخ قبل البناء ويثبت بعده، ولها صداق المثل. قال سحنون: وقد كان يقول: يفسخ وإن دخل. ابن المواز: وقاله أشهب وابن واهب وابن عبد الحكم وأصبغ. قال أصبغ: لأن فساده في البضع. قال أشهب: ويكون لها إذا فسخ بعد البناء ثلاثة دراهم، وقال ابن وهب وأصبغ: لها صداق المثل.

وقال ابن القاسم وعبد الملك: لا يفسخ إذا دخل، ويكون لها صداق المثل، وروي عن مالك. ومن المدونة: ابن وهب عن يونس أنه سأل ابن شهابٍ عن امرأةٍ وهبت نفسها لرجل؟ فقال: لا تحل هذه الهبة، لأن الله تعالى إنما خص بها نبيه دون المؤمنين، فإن أصابها فعليهما العقوبة، ولها الصداق من أجل ما يرى بهما من الجهالة، ويفرق بينهما. وقال ربيعة: يفرق بينهما وتقاضى وهبت نفسها أو وهبها أهلها فمسها. وفي بابٍ بعد هذا قال ابن القاسم عن مالك: ومن وهب ابنته وهي صغيرة لرجلٍ لم يجز ذلك، ولا تحل الهبة لأحدٍ بعد النبي عليه الصلاة والسلام إلا أن تكون هبته إياها ليس على نكاحٍ، إنما وهبها له ليحضنها ويكفلها، فلا بأس بذلك ولا قول لأمها إن فعل ذلك لحاجةٍ أو فاقة. قال في المستخرجة عن مالك: إذا كان ذا محرمٍ وإلا فلا.

ومن المدونة: ابن القاسم: فإن وهبها له بصداقٍ مسمى وأراد بالهبة وجه النكاح جاز ذلك، وقد قال مالك فيمن وهب سلعته لرجلٍ على أن يعطيه شيئاً مسمى أن ذلك بيع جائز، فأرى الهبة بالصداق مثل البيع، وإنما يكره من ذلك الهبة بلا صداق. [فصل - في النكاح بغير صداق] قيل لابن القاسم: فإن قالوا: قد أنكحناك فلانة بلا صداق؟ قال: إن دخل بها ثبت النكاح وكان لها صداق مثلها، فإن لم يدخل بها فرق بينهما، وهذا الذي استحسن، وقد بلغني ذلك عن مالك، وقد قيل: يفسخ قبل البناء وبعده.

[الباب الحادي عشر] في نكاح التحكيم

[الباب الحادي عشر] في نكاح التحكيم [فصل 1 - في جواز نكاح التحكيم] قال ابن القاسم: ومن تزوج امرأةً على حكمه أو على حكمها أو على حكم فلانٍ جاز النكاح، فإن وقع الرضى بالحكم فيه قبل البناء وإلا فرق بينهما ولا شيء لها، ويلزم المرأة النكاح إن فرض لها الزوج قبل البناء صداق المثل كالتفويض وقد كنت أكره هذا النكاح حتى بلغني أن مالكاً أجازه على ما فسرت لك، وأخذت به وتركت رأيي فيه. قال سحنون: وقال غيره ما قال عبد الرحمن أول قوله: لا يجوز ويفسخ ما لم يفت بالدخول، لأنه خرج عن حد ما أرخص فيه من التفويض. ابن المواز: وقال عبد الملك: أما على حكمها فالنكاح يفسخ ما لم يدخل، وأما على حكمه فهو كالتفويض الجائز. قال الشيخ: فوجه الإجازة في الوجهين: اعتباراً بنكاح التفويض، ووجه الفسخ فيهما: فلأن التفويض رخصة، فلا يقاس عليها، ووجه التفرقة:

فلأن التفويض في فرض الصداق إنما هو للزوج، لقوله تعالى: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} فإذا رد الفرض إلى الزوجة لم يجز، لأنه خلاف النص. [فصل 2 - في الصداق في نكاح التحكيم] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن بنى بها في نكاح التحكيم قضي لها بصداق المثل وثبت النكاح. ومن الواضحة: روى ابن حبيب عن ابن القاسم فيمن تزوجها على حكمها فلم يرضها فلا يلزمها الرضى بصداق المثل إذا لم يبن بها، وقاله أشهب. وقال ابن عبد الحكم وأصبغ: أن ذلك كالتفويض للزوج، إن فرض لها صداق المثل لزمها، وإلا فرق بينهما، وروى أيضاً عن ابن القاسم، والأول أحب إلينا. قال الشيخ: فوجه قول ابن القاسم وأشهب على ما رواه ابن حبيب: فلأنها اشترطت أن يكون الحكم لها، فلا يلزمها الرضا بحكم غيرها، ولأن تعليقها الرضى بحكمها احترازاً من أن تلزم لما لم ترض له، فلو كان ذلك يلزمها ما نفعها اشتراطها. ووجه قول ابن عبد الحكم وأصبغ، وهي رواية المدونة: قياساً على نكاح التفويض.

قال أو محمد وغيره: وإذا تزوجها على حكمها ففرضت للزوج صداق المثل لم يلزم الزوج ذلك إلى أن يرضى، بخلاف الزوج يفرض لها صداق المثل، هذه يلزمها ذلك كواهب السلعة إذا أعطي قيمتها لزمه، وليس يلزم الموهوب غرم قيمتها إلا برضاه أو فوتها عنده. قال الشيخ: وأما إن تزوجها على حكم فلان، ففرض فلان صداق المثل فينبغي أن يلزمها، لأنهم قد جعلاه حكماً، ففرضه صداق المثل عدل من الحكم. وقد حكي عن أبي الحسن في قوله: إذا تزوجها على حكم فلان، معنى قوله: إذا رضي الزوج بذلك، إنما ذلك إذا فرض لها فلان أكثر من صداق مثلها، فأما إذا فرض لها فلان صداق المثل فلا كلام له. قال الشيخ: وهذا لا يختلف فيه.

[الباب الثاني عشر]

[الباب الثاني عشر] [فصل 1 - في الدعوى في الصداق] قال ابن القاسم: أصل القضاء في تداعي الزوجين في الصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة فالقول قول البائع والمبتاع بالخيار"، وفي حديثٍ آخر: "فالقول قول البائع، ويتحالفان ويتفاسخان"، والتداعي كله يرجع إلى قوله عليه الصلاة والسلام: "البينة على المدعي وعلى من أنكر اليمين"، وقوله: "شاهداك أو يمينه".

ابن القاسم: فإذا اختلف الزوجان في الصداق قبل البناء عن غير موتٍ ولا طلاق، فادعت المرأة أكثر مما أقر له الزوج، ونسي الشهود تسمية الصداق قال مالك: فالقول قول المرأة- يريد مع يمينها. قل ابن القاسم: لأنها بائعة لنفسها. قال مالك: ويخير الزوج في إتمام ما ادعت، وإلا حلف وسقط عنه ما ادعت وفسخ النكاح، ولا صداق لها. قال مالك: وإن اختلفا في هذا بعد البناء، فالقول قول الزوج مع يمينه. قال ابن القاسم: لأنها أمكنته من نفسها فصارت مدعية، وهو مقر لها بدين، فالقول قوله مع يمينه. ابن المواز: قال مالك: ولا يقبل قول المرأة بعد البناء: أنها لم تقبض صداقها ويصدق الزوج مع يمينه. وكذلك من قبض رهنه وقال: قضيتك الحق، فهو مصدق مع يمينه وقبضه الرهن كالشاهد، لأنه الغالب والعرف بين الناس، وقاله مالك وأصحابه. ومن العتبية: قال ابن القاسم: وإذا تحمل للمرأة رجل بالصداق فطلبته به بعد البناء، وزعم الزوج والحميل أنها قبضته قبل البناء، قال: يحلف الحميل ويصدق. قال سحنون: ولو أخذت بالصداق رهناً ثم بنى فهو كالحميل، ويتم له الدخول، وهو كالإبراء، ويأخذ رهنه.

ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن زوج ابنته الصغرى على صداق أختها الكبرى، فادعى الأب أنه مئتان، وقال الزوج: إنه مائة، فالقول قول الزوج، ويحلف، فإن نكل حلفت الجارية وقضي لها. ابن المواز: وهذا بعد البناء، وأما قبل البناء فليتحالفا ويفسخ النكاح، والأيمان بين الأب والزوج. ويبدأ الأب باليمين فإن حلف لزم الزوج إلا أن يحلف فيبرأ ويفسخ، كالوكيل في البيع ويحلف دون رب السلعة وهي لم تفت، لأن رب السلعة لم يلِ شيئاً، وكذلك الجارية لم تعلم، ولو علمت ما كان لها فيه حكم ولو كانت ثيباً حتى لا يتم الأمر إلا بها وعلمها وحضورها، فاليمين عليها، وقاله أصبغ. ومن المدونة: وإن اختلفا في قلة الصداق وكثرته بعد الطلاق وقبل البناء فهي طالبة له، فعليها البينة، وهو مدعى عليه، فالقول قوله فيما يقر به مع يمينه. قال: فإن نكل حلفت المرأة وأخذت ما تدعيه، لأن مالكاً قال: إذا ماتت الزوجة قبل البناء فادعى ورثتها تسمية صداق، وادعى الزوج تفويضاً فالقول قوله مع يمينه، وله الميراث، وعلى ورثة المرأة البينة على ما ادعوا من التسمية. وفي كتاب محمد: ومن زوج ابنه الصغير من ابنة رجلٍ صغير، فمات الصبي، فطلب أبو الصبية المهر، فقال أبو الصبي: لم أسم مهراً، وأن ذلك كان منك على الصلة لابني، قال محمد: لا يصدق، ولها ما ادعى أبوها إن كان صداق مثلها. قال مالك: ليس لها إلا الميراث، [قال محمد]: إذا حلف أبوه.

قال أبو محمد: وذكرها في كتاب الشهادات، ولم يذكر قول محمد: إن لها ما ادعى أبوها. قال مالك: وإن كان لها شاهد على تسمية المهر أخر ذلك حتى تبلغ الجارية فتخلف وتأخذ. ابن المواز: بعد يمين أبيه الآن، وهذا بخلاف مبايعته لها، ويقيم شاهداً فيحلف الأب معه، لأنه إن لم يحلف ها هنا لزمه غرم ما نكل عنه، لأنه أتلفه، إذ لم يتوثق، ولأنه لا يبيع إلا بثمنٍ معلوم وبينة، والنكاح على التفويض يجوز فلم يتعد، وإنما عليه أن يشهد في أصل النكاح لا في تسمية الصداق. وذلك عندي ما لم يدع أبوها التسمية مع الشاهد، فإن ادعى هذا فقد ضيع في التوثق، فإن شاءت بعد أن تكبر أن تلزم ذلك أباها، فيكون لأبيها أن يحلف، ويأخذ من تركة الصبي، وإلا غرم أبوها من ماله، فإن شاءت أن تترك أباها وتحلف مع شاهدها وتأخذ ذلك من مال زوجها لمنزلة ما لو مات أبوها، أو كان معدماً، فإذا حلفت فالصداق على أبي الصبي إلا أن يكون للصبي يوم العقد مال فلا شيء على أبيه. قال ابن حبيب في اختلاف الزوجين قبل البناء: تحلف الثيب، وإن كانت بكراً حلف الأب، ثم للزوج الرضى بذلك، أو يحلف ويفسخ النكاح، كان اختلافه في قلة الصداق أو كثرته أو في نوعه، وأما بعد البناء فيحلف الزوج، ويبقيا زوجين إن اختلفا في العدد، فإن كان في النوع تحالفا، وردت الزوجة إلى صداق المثل، إلا أن يرضى هو بما ذكرت أو ذكر الأب في البكر. وإنما كان يحلف الأب في صداق البكر، لأنه كوكيلٍ مفوض إليه، وهو وليه دونها، ولم يكن لها فيه رأي ولا أمر، وكذلك قال ابن المواز: يحلف الأب في البكر.

قال الشيخ: ذكر عن أبي عمران إذا اختلف الزوجان في الصداق قبل البناء فتحالفا، ثم أراد الزوج إتمام النكاح بما قالته المرأة، أو أرادت ذلك المرأة بما قاله الزوج قبل الفسخ: أن النكاح تام كالبيع، ويجري ذلك على الاختلاف الذي في البيع قال: وقد نص على ذلك المغيرة: أنه إذا رضي أحدهما بما ذكرناه تم النكاح. أبو عمران: يراعى في اختلافهما إذا أتى أحدهما بما يشبه والآخر لما لا يشبه. وقيل: لا يراعى ذلك، كما اختلف في ذلك في البيوع. قال سحنون في كتاب ابنه فيمن تزوج امرأةً فادعى أنه تزوجها على أمها وهي عالمة بها، وقالت المرأة: بل على أبي، وهو مالك لأبويها، وحفظت البينة العقد، ولم تحفظ على أيهما عقد. قال سحنون: الشهادة ساقطة، فإن لم يدخل بها تحالفا وفسخ النكاح، ويلزمه عتق الأم، لأنه أقر أنها حرة، وكذلك إذا نكلا، وإن كان قد دخل بها حلف أيضاً، وعتقت عليه الأم بإقراره، فإن نكل حلفت المرأة وعتق الأب بقولها، وعتقت عليه الأم بإقراره. قال الشيخ: قال بعض أصحابنا: وهذا خلاف ما تقدم لابن حبيب إذا اختلفا في نوع الصداق بعد البناء أنهما يتحالفان ويكون لها/ صداق المثل.

فصل [2 - في الدعوى في دفع الصداق] ومن المدونة: قال مالك: وإذا قال الزوج بعد البناء: قد دفعت الصداق، وأنكرت الزوجة فالقول قوله، وإن لم يكن دخل بها فالقول قولها. - قال الشيخ: وإنما ذلك لأن العرف عندهم ألا يدخل الزوج حتى يدفع الصداق-. قال مالك: وليس يكتب الناس في الصداقات براءات، ومن نكح على نقدٍ ومؤجل فادعى بعد البناء أنه دفع المؤجل، وأكذبته الزوجة، فإن بنى بها بعد الأجل صدق. - قال الشيخ: لأن الأجل حل قبل دخوله فصار كمن تزوج بنقد، والعرف فيه ألا يدخل حتى يدفعه، ولأن الزوجة قد أمكنته من نفسها، فلذلك كان القول قوله-. قال مالك: وإن بنى بها قبل الأجل فالقول قولها، كان المؤجل دنانير أو حيواناً مضموناً مع الأيمان فيما ذكرنا. قال الشيخ: لأنه دخل والصداق متقرر في ذمته فلا يلزمه إلا البينة بدفعه، وكذلك المهر الحال بالبناء القول قول المرأة أنها لم تقبضه، وكان الزوج دخل قبل حلوله، لأنه لا يجب إلا بعد الدخول. قال بعض أصحابنا: وكذلك إن تزوجها بصداقٍ حال، وكتبا به كتاباً، فدخل الزوج، وادعت المرأة أنه لم يدفع إليها شيئاً من صداقها، وقامت عليه البينة بذكر الحق أن القول قوله، لأن العرف جارٍ بأخذ ذكر الحق منها بعد قبض حقها وأنها لا تستلمه إلا إذا استوفته، فلذلك كان القول قولها. ومن كتاب محمد: قال مالك: وإذا ادعت المرأة بعد دخولها أنه بقي لها من صداقها خادم، أو غير ذلك وقال الزوج: قد دفعته، فيحلف الزوج ويبرأ، وليس يكتب الناس في الصدقات البراءات.

قال ابن المواز: لا يقبل قولها، وما يدخل النساء إلا بعد القبض، وذلك هو المعروف والغالب، إلا الخاص، وإنما يحمل الأمر على الغلب، والدخول كالشهادة، فإذا حلف برئ إلا ما لم يحل منه إلا بعد دخوله، وكذلك الرهن إذا قبض المرتهن رهنه ثم قال: قد قضيتك ولم يصل إلي الرهن إلا بقضائي إياك حقك، فيحلف ويبرأ، وكان قبضه للرهن كالشاهد، ولأنه الغالب من عمل الناس، وهذا كله قول مالكٍ وأصحابه. قال بعض أصحابنا: سألت أبا بكر بن عبد الرحمن عمن تزوج امرأةً وادعى أن وليها شرط في عقد النكاح لوليته شروطاً وعطايا سماها، وأنكر الولي أن يكون شرط ذلك، فطالبه باليمين على ذلك فنكل، هل يحلف الزوج ويجب ذلك لها؟ وكيف يحلف في شيءٍ يستحقه غيره؟ فقال: الذي عندي لأنه إذا نكل الولي حلف الزوج، ويرجع إلى صداق المثل ويرجع بما زادت التسمية على صداق المثل على وليها، وتأخذ هي الصداق كاملاً مثل الولي يقر بالعيوب في وليته، أنها تأخذ الصداق كاملاًـ، ويرجع الزوج على من غره، فكذلك هذا. قال الشيخ: والذي أرى إذا نكل الولي حلف الزوج واستحق ما شرط على الولي يكون ذلك للزوجة، لأنه هو ولي معاملته، فهو كالوكيل يدعي في معاملته شيئاً لموكله، فتجب اليمين على المدعي عليه فينكل، أن الوكيل يحلف ويستحق لك لمن وكله. وأما قول الشيخ: يحلف الزوج ويرجع إلى صداق المثل، أرأيت إذا كان/ صداق المثل أكثر من التسمية أيزاد عليه لدعواه أو يهب دعواه باطلاً، هذا ليس بشيء.

ومن المدونة: قال مالك: وإذا مات فادعت امرأة بعد موته أنها لم تقبض صداقها فلا شيء قد دخل بها، وإن لم يكن دخل بها فالقول قولها. قال ابن القاسم: وكذلك إن مات الزوجان فتداعيا ورثتهما في دفع الصداق فلا قول لورثة المدخول بها، وإن لم يدخل بها صدق ورثتها، وإن قال ورثة الزوج في المدخول بها: قد دفعه لها، أو قالوا: لا علم لنا، فلا شيء عليهم، فإن ادعى ورثة المرأة أن ورثة الزوج قد علموا أن الزوج لم يدفع الصداق، حلفوا أنهم لا يعلمون أن الزوج لم يدفع الصداق، ولا يمين على من كان منهم غائباً، أو من يعلم أنه لا علم عنده. فصل [3 - في دعوى الزوج أن المهر فيه سر وعلانية] ومن كتاب محمد: وإذا ادعى الزوج أنهم أسروا من المهر دون ما أعلنوه، لم يصدق إلا ببينةٍ أو شاهدٍ يحلف معه، فإن شهدت بذلك بينة، فقال الولي: كان ذلك كلاماً سراً وقد صرنا إلى غيره بعده وزوجناه عليه، وقال الزوج: بل هو الأمر الأول، والثاني سمعة، قال: أحب إلي أن لو أشهدوا حين سموا المهر القليل أن هذا الذي أنكحوه به، وإنما سمي في العلانية غيره، فإن لم يكن هذا وأشكل الأمر فالقول قول الزوج مع يمينه حتى يعلم من السبب ما يعلم به أن الأول قد انقطع، وأن على الثاني وقع النكاح، وكذلك لو كان ذلك من الثيب بغير علم الولي. ابن المواز: ولا يكون ذلك من أبيها إلا برضاها. قال مالك في البكر: ذلك إلى الأب دونها، فإن لم يكن أب فليس ذلك

لها تاماً إلا بإذن وليها مع رضاها، وقاله الليث. قال ابن حبيب: ولا يضر الشاهدين على السر أن تقع شهادتهما على العلانية، لأنهما يقولان: على هذا أشهدنا أن يكون سراً كذا وفي العلانية كذا للسمعة، ولم يختلف في هذا مالك وأصحابه. وقد تقدم القول في مسألة من وهب ابنته بجميع وجوهها فأغنى عن إعادتها.

[الباب الثالث عشر] في صداق النكاح الفاسد وطلاقه وميراثه

[الباب الثالث عشر] في صداق النكاح الفاسد وطلاقه وميراثه قال ابن القاسم: كل ما فسد من النكاح لصداقه كالنكاح بالآبق والشارد والثمرة التي لم يبد صلاحها ففسخ قبل البناء فلا صداق فيه ولا متعة، وكذلك إن لم يفسخ حتى طلقها قبل البناء ولا متعة لها عليه، ويلزم فيه الطلاق، فلو طلقها فيه ثلاثاً لم تحل له إلا بعد زوج، ولو مات أحدهما قبل البناء أو بعده توارثا، لأنه نكاح قد اختلف العلماء في فسخه وثباته، وكذلك كل ما يفسخ قبل البناء ويثبت بعده، والتي تتزوج بغير ولي مثل ذلك، لأن مالكاً وقف في فسخه بعد البناء. قال سحنون: وقد كان قال لي: كل نكاحٍ كانا مغلوبين على فسخه فهو فسخ بغير طلاق، ولا ميراث فيه، ويرد فيه الخلع، وترجع عليه الزوجة بما أخذ منها، لأنه لا يأخذ مالها إلا بما يجوز به إرساله من يده، وهو لم يرسل من يده إلا ما هي أملك به منه، وقد بينا اختلاف قوله في هذا النكاح الأول. وإذا تزوج العبد والمكاتب بغير إذن سيدهما فالسيد مخير في إجازته أو فسخه فإن فسخه بعد الدخول أخذ منها/ جميع المهر ويترك لها ربع دينار، فإن عتق اتبعته بالصداق إن غرها بأنه حر، إلا أن يفسخه عنه السيد قبل العتق، فإن عتق قبل أن يعلم السيد بتزويجه ثبت النكاح. قال: وللمكاتب تزويج أمته على ابتغاء الفضل، ويلي العقد غيره. وقد تقدم جميع هذا في الكتاب.

[الباب الرابع عشر] في نكاح المريض والمريضة

[الباب الرابع عشر] في نكاح المريض والمريضة [فصل 1 - في حكم نكاح المريض والمريضة] قال أبو محمد وغيره: ولما منع الرسول عليه الصلاة والسلام المريض من الحكم في ثلثي ماله الموروث بما ينقص ورثته منه كان ممنوعاً أن يدخل عليهم وارثاً، أو يخرج منهم وارثاً. قال غيره: فإن قيل: فيلزم على هذا ألا يستلحق ولداً. قيل له: ليس استلحاقه بإدخال وارث، وإنما هذا إخباره عن وارثٍ متقدم على حال المرض لزمه الإقرار له، وغرضه في مسألتنا أن يثبت له زوجة تزوجها في الصحة، فيلزم وترث، ولا يكون في ذلك إدخال وارثٍ على ورثته. قال مالك: ولا يجوز نكاح المريض أو المريضة، ويفسخ قبل البناء وبعده. ابن القاسم: فإن تزوجها ودخل با وهي مريضة ثم ماتت كان لها الصداق ولا يرثها، فإن صحت ثبت النكاح، وقاله مالك: وهو أحب قوليه إلي، وقد

كان يقول مرة: يفسخ، ثم عرضته عليه فقال: امحه، والذي أرى إذا صحا أن يثبت النكاح، دخلا أو لم يدخلا، ولها المسمى. قال الشيخ: قال بعض البغداديين: وهذا مبني على أصل فساده، هل هو في عقده، أو لحق الورثة؟ فإذا قلنا: إنه في العقد لم يصح الثبوت عليه، وإن قلنا: إنه لحق الورثة، صح بعد زوال المرض لزوال حقوقهم منه كنكاح العبد بغير إذن سيده، وهذا اعتلال عبد الملك. قال الشيخ: وقال ابن القاسم في نكاح المحرم: أنه يفسخ وإن حل من إحرامه، والفرق بينه نكاح المريض إذا صح: أن نكاح المحرم إنما يفسخ لعلةٍ في نفسه وهو الإحرام، وقد حرمه النبي عليه الصلاة والسلام، ونكاح المريض إنما حرم لعلةٍ في غيره، وهو إن دخل على الورثة وارثاً، فإذا ارتفعت العلة لم يكن للورثة حجة في فسخ النكاح. فإن قيل: ينبغي أن يمنع المريض من الوطء لئلا يدخل على الورثة زيادة وارثٍ كما منع من التزويج. قيل: التزويج قد أدخل وارثاً حقيقة، والوطء قد يكون منه الولد وقد لا يكون، فوجب أن لا يمنع حق واجب لأمرٍ غير متيقن، هذا أصلهم، وكذلك العلة في المكتري وزوجته إلى الحج أنه لا يمتنع من الوطء لحجة احتمال أن تنفس فيجلس عليها، إذ ليس من كل وطء يكون الولد، فلا يترك حق واجب لأمرٍ يكون أو لا يكون.

وقالوا في المخدمة: إنه لا يجوز لسيدها وطؤها، لأنه يبطل الحوز، فمنعوه الوطء لعلة حالةٍ متيقنة. [فصل 2 - في الصداق في نكاح المريض] ومن المدونة: قال مالك: ومن تزوج امرأةً في مرضه ودخل بها فرق بينهما، وكان صداقها في ثلثه مبدءاً على الوصايا والعتق، ولا ترثه، وإن فسخ قبل البناء فلا صداق لها ولا ميراث. قال في كتاب محمد: وإذا بنى المريض فلها المسمى في ثلثه- وإن زاد على صداق المثل- مبدءاً على الوصايا بالعتق الواجب وغيره، ويدخل فيما علم وفيما لم يعلم، ولا يبدأ عليه [إلا] المدبر في الصحة. وله قول: إنه مبدأ على المدبر في الصحة، وليس بشيء. قال سحنون في كتاب الإقرار: إذا كان المسمى أكثر من صداق المثل لم يكن/ لها إلا صداق المثل في قول ابن القاسم فيكون ذلك مبدءاً على الوصايا وعلى المدبر في الصحة، واختلف في الزائد، فقيل: يسقط، قال ابن القاسم، وقيل: تحاص به الوصايا.

قال الشيخ: وهذا أيضاً بناءً على الميراث، فمن رأى أنهما لا يتوارثان رأى أن لها الزائد على صداق المثل، إذ ليس فيه أكثر من أن تكون وصيةً لغير وارث، ومن رأى أنها ترثه لم يعطها الزائد على صداق المثل، لأنه وصية لوارث. واختلف في نكاحه الأمة والكافرة، فقال أبو مصعب: يجوز، لأنه لم يدخل وارثاً، وقال عبد الملك: لا يجوز، لأن الأمة قد تعتق، والكافرة قد تسلم قبل الموت فتصيران من أهل الميراث. قال بعض البغداديين: وهذا القول أصح. قال الشيخ: والأول أولى، لأنه أوقع النكاح في حالٍ لم يدخل به على الورثة ضرراً، لأنهما غير وارثين، وما يترقب من العتق أو الإسلام قد يكون أو لا يكون، فلا يمنع أمر واجب له لأمرٍ قد يكون أو لا يكون، هذا أصلهم. قال الشيخ: وإذا فوض في نكاحه في مرضه فسمى لها ثم مات فلا شيء لها إلا أن يدخل لها فذلك في ثلثه وإن كان أضعاف صداق المثل مبدءا على الوصايا وكذلك لو نكح بتسمية.

وقال أصبغ: يبدأ قدر صداق المثل والزائد تحاص به. قال ابن المواز: وأحب إلى قول عبد الملك: أن لها صداق المثل مبدءاً، ويبطل ما زاد عليه- يريد في التفويض في المرض- لأن الواجب لها بالوطء صداق المثل، فما زاد فليس بوصية، لأنه لم يرد به الوصية، وأما التي تزوجها بتسميةٍ فبتلك التسمية رضيت فلها جميعه في الثلث، وهذا التفسير من غير رواية ابن أبي مطر عن ابن المواز. قال الشيخ: وذكر عن أبي عمران أنه قال: أجمع أصحابنا أن صداق المريض لا يكون في رأس المال، قال: وذكر أبو الحسن عن المغيرة أنه قال: ذلك في رأس المال، ولا أدري أين رآه، وقد رأيت في كتاب المغيرة: أنه من الثلث، وجعل الشيخ أبو الحسن ربع دينار من رأس المال، فعلى هذا تحاص أهل الدين بالربع دينار. قال بعض فقهائنا: وهو قول حسن، إذ لا يستباح البضع بأقل من ربع دينار، ويدل على صحته قوله في العبد يتزوج بغير إذن سيده ويدخل فيفسخه السيد: إنه يترك لها ربع دينار، فإذا لم يكن للسيد في ذلك حجة فالورثة والمديان أحرى أن لا تكون لهم حجة.

[الباب الخامس عشر] فيمن أراد نكاح امرأة أو شراء أمة فزعم أبوه أنه قد وطئها ومن أدخلت عليه غير زوجته، وهل يبوأ من الأمة بيتا والحكم في الخنثى، ونكاحه امرأة زنى بها أو قذفها

[الباب الخامس عشر] فيمن أراد نكاح امرأة أو شراء أمة فزعم أبوه أنه قد وطئها ومن أدخلت عليه غير زوجته، وهل يبوأ من الأمة بيتاً والحكم في الخنثى، ونكاحه امرأة زنى بها أو قذفها [فصل 1 - فيمن أراد نكاح امرأة أو شراء أمة فزعم أبوه أنه قد وطئها] قال ابن القاسم: ومن اشترى جاريةً، أو أراد شراءها، أو خطب امرأةً فقال له أبوه: قد نكحت الحرة ووطئت الأمة بشراء، وأكذبه الابن، فلا يقبل قول الأب إلا أن يكون ذلك من قوله فاشياً قبل الشراء أو النكاح، فأرى له أن يتنزه عنها، ولو فعل لم أقض به عليه، وقد قال مالك: لا تجوز شهادة امرأةٍ واحدةٍ في الرضاع إلا أن يكون قد فشا وعرف في الأهلين والمعارف والجيران، فأحب إلي أن لا ينكح، ويتورع. قال ابن القاسم: فشهادة الولد في مسألتك مثل شهادة امرأةٍ في الرضاع، وكذلك الأم إذا لم يزل يسمعونها تقول: قد أرضعت فلانة، فلما كبرت أراد الابن تزويجها، فلا يفعل، ولا تجوز شهادة امرأتين في الرضاع إلا أن يكون قد فشا وعرف، فإذا كان كذلك رأيتها جائرة. فصل [2 - فيمن أدخلت عليه غير زوجته] قال مالك: وإذا تزوج أخوان أختين فأخطئ بهما، فأدخل على كل واحدٍ منها زوجة أخيه فوطئها، ردت كل واحدةٍ إلى زوجها ولا يطؤها إلا بعد ثلاث حيض.

قال ابن القاسم: وعلى العالمة منها الحد ولا صداق لها. قال الشيخ: وذكر عن أبي عمران أنه قال: لا نفقة لكل واحدةٍ في الاستبراء على زوجها، لأنه لم يدخل بها، ولا على الواطئ، لأنه غير زوجته، إلا أن يظهر حمل فترجع عليه بما أنفقت. وأما من وطئ زوجة رجلٍ في ليلٍ يظن أنها زوجته ولم تحمل، فنفقتها في استبرائها على زوجها، كما لو مرضت فإنه ينفق عليها، قال: وسواء كان للتي أدخلت على غير زوجها مال أم لا، لا نفقة لها على أحدٍ منهما. وذكر في بعض التعاليق: أن نفقة كل واحدةٍ على زوجها الحقيقي، والأول أصوب. قال ابن القاسم: فإن قالت: لم أعلم وظننت أنكم زوجتموني منه، فلا صداق مثلها على الواطئ، ويرجع هو به على من غره. قال مالك في الواضحة: فإن لم يغره منها أحد وإنما كان خطأ منهم، فصداق مثلها على الواطئ- يريد: ولا يرجع عليها بشيء- إذ ليست عالمة، والخطأ لازم لا يعذر به، وفي العمد الحد مع صداق المثل.

ومن كتاب محمد وكتاب ابن سحنون: ومن زوج ابنته لرجلٍ فأدخل عليه أمته على أنها ابنته، فهذه تكون له بما تلد أم ولد، وعليه قيمتها يوم الوطء، حملت أو لم تحمل، ولا قيمة عليه في الولد بمنزلة من أحل أمته لرجل، وتبقى ابنته زوجة له، ولو علم الواطئ أن التي أدخلت عليه غير زوجته ثم وطئها فهو سواء، ولا حد عليه. وقال ابن حبيب: ومن أدخل أمته على زوج ابنته فوطئها درء عنه الحد، ولزمته القيمة، وتحد الأمة، إلا أن تدعي أن سيدها زوجها منه، ويعاقب السيد. ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم فيمن طلب الدخول فأدخلت عليه جارية بكر بامرأته، وامرأته ثيب، وقيل له: لا تقربها الليلة، فحلف بعتق رقيقه لأوطئها الليلة، وهو يظنها امراته، فوطئها تلك الليلة واستمرت حاملاً، وعليه شرط لزوجته بعتق كل جاريةٍ يتخذها أم ولد وأمرها بيدها. قال: يلحق به الولد ولا حد عليه ولا عليها، ويعتق عليه رقيقه، وليس عليه طلاق ولا تمليك لزوجته، وعليه بزوجته قيمة الولد إن لم تعلم زوجته بما صنع أهلها ولا تقوم عليه الجارية، ولا يرجع الزوج على الذي غره بقيمة الولد، ولا يكون أشد من المستحقة من يده تحمل فيؤدي قيمة الولد، ولا يرجع على الغاصب، ولو كان ذلك بعلم زوجته، لم ترجع بقيمة الولد، ولا تقوم عليه الجارية إلا أن يشاء هو ذلك. قال الشيخ: هذا كلام جيد، وهو خير من كلام سحنون الذي ألزمه في الأمة القيمة وإن لم تحمل، وخير من كلام ابن حبيب الذي ألزم الأمة الحد، لأن الأمة في ذلك كالمكرهة، فيجب أن يسقط عنها الحد. والله أعلم.

[فصل 3 - في زوج الأمة هل يبوأ معها بيتاً؟] ومن المدونة: من نكح أمةً فليس له أن تبوأ معه بيتاً، وتبقى في خدمة ساداتها، وليس للسادة منعه الوطء إذا أراده، ولا يتضرروا به، ويمنع هو من الضرر بهم، وللسيد بيعها، وليس للمبتاع منع زوجها منها، وإن بيعت بموضعٍ لا يصل إليها الزوج فله طلبها، والخصومة إن منع منها، ويتبعه البائع بمهرها أو بنصفه إن طلقها قبل البناء. [فصل 4 - في حكم الخنثى] ومن المدونة: ابن القاسم: والحكم في الخنثى بمخرج البول، فإن كان يبول من ذكره فهو رجل، وإن كان يبول من فرجه فهو جارية، لأن النسل من المبال وفي الوطء/ فيكون ميراثه وشهادته وكل أمره على ذلك، وما اجترأنا على سؤال مالكٍ عنه. قال الشيخ: وقيل: إن أول من حكم بذلك في الجاهلية عامر بن الظرب العدواني برأي جارية له راعية غنم، ثم حكم به علي بن أبي طالب في

الإسلام بأن جعل الحكم للمبال. وروى أيوب الأعور الفرضي في كتابه أن الرسول عليه الصلاة والسلام سئل عن مولودٍ له قبل وذكر من أين يورث؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "من حيث يبول"، وكذلك قال رضي الله عنه: إذا بال من ذكره ورث ميراث ذكر، وإن بال من فرجه ورث ميراث أنثى، فإن خرج منهما جميعاً فمن أيهما أسبق، وذلك قول جابر بن زيد وغيره من التابعين.

قال أيوب: فإن خرج منهما جميعاً معاً فقال أبو يوسف وبعض أصحاب أبي حنيفة: ينظر من أيهما خرج أكثر فيكون الحكم له به. قال الشيخ: قال شيخنا أبو بكر عتيق بن عبد الجبار: أنكر ذلك الشعبي فقال: أيوازن البول؟ أيكال البول؟ لا علم لي إذا بال منهما جميعاً، والأولى ما قالته الجماعة، لأن الأقل يتبع الأكثر في أكثر الأحكام، قال: فإن بال منهما جميعاً متكافئاً فهو مشكل في حال الصغر، ثم ينظر في كبره وبلوغه، فإن نبتت لحيته ولم ينبت له ثدي فهو رجل، لأن اللحية علامة التذكير، وإن لم تنبت له لحية وخرج له ثدي فهو امرأة، لأن الثدي يدل على الرحم وتربية الولد، فإن لم تنبت له لحية ولا ثدي أو نبتا جميعاً نظر، فإن حاضت من فرجها فهي امرأة، وإن احتلم من ذكره فهو رجل، وإن احتلم وحاض أو لم يكن من ذلك شيء فهو

مشكل عند من تكلم في الخنثى إلا على قولةٍ شاذةٍ ذهب إليها بعض الناس أنه ينظر إلى عدد أضلاعه، قال: وذلك أن أضلاع الرجل أقل من أضلاع المرأة بضلع، أضلاع المرأة ثمانية عشر ضلعاً من كل جانب، وأضلاع الرجل ثمانية عشر ضلعاً في الجانب الأيمن، وفي الأيسر سبعة عشر ضلعاً، وذكر أن الله تعالى لما خلق آدم جعل له ثمانية عشر ضلعاً من كل جانب، ثم ألقى عليه النوم فنام فاستل من جانبه الأيسر ضلعاً فخلق منه حواء، فالمرأة تزيد ضلعاً على الرجل، وعند هذا القائل لا يكن مشكلاً في صغرٍ ولا كبر. قال أيوب: وإليه كان يذهب الحسن البصري، وتابعه على ذلك عمرو بن عبيد، قال: والجماعة على خلافهما.

واختلف أهل العلم إذا كان مشكلاً كيف يكون ميراثه، فذهب أكثرهم وحذاقهم إلى أن يكون له نصف نصيب ذكر ونصف نصيب أنثى. قال ابن حبيب: فيكون له على ذلك ثلاثة أرباع المال، فجعل له هذه الثلاثة أرباع عند مقارنة غيره من الولد، فإن كان معه ذكر قسم المال بينهما على سبعة، ثلاث للخنثى وأربعة للذكر، وإن كان معه أنثى المال بينهما على خمسة. وذهب أكثر القائلين بنصف نصيب ذكر ونصف نصيب أنثى أنه يورث بالأحوال، وذلك أن الخنثى في حال يكون ذكرًا، وفي حال يكون أنثى، فيعمل على الحالين. قال الشيخ: وسأذكر بيان ذلك في كتاب الفرائض، وأذكر فيه بقية اختلافهم فيه، وكيفية حساب توريثه/ إن شاء الله. قال الشيخ: قال بعض فقهائنا: ولا يصلي إلا مستتراً في آخر صفوف الرجال وأول صفوف النساء، ولا يطأ ولا يوطأ بنكاح. وقيل: له أن يطأ أمته، وذكر حمديس نحو ما ذكرنا. وذكر عن ابن أخي هشام في الخنثى المشكل إذا مات اشترى له خادم تغسله واستحسنه أبو عمران.

قال الشيخ: وذكر أنه إذا غزا فُرِضَ له ربع سهمٍ، لأن له في بعض الأحوال سهماً، وفي بعض الأحوال لا شيء له، بخلاف الوراثة، وذكر أنه إذا زنى بذكره أن لا حد عليه، لأن ذكره كأصبع، وإذا وطئ في فرجه كان عليه الحد. [فصل 5 - في نكاح الرجل امرأة زنى بها أو قذفها] ومن المدونة: قال ابن القاسم: فلا بأس أن ينكح الرجل امرأة كان زنى بها بعد الاستبراء، أو امرأة قذفها فحد لها أو لم يحد.

[الباب السادس عشر] في الدعوى في النكاح

[الباب السادس عشر] في الدعوى في النكاح [فصل 1 - في دعوى النكاح إن أنكرها المدعى عليه منهما] قال ابن القاسم: وإذا ادعت امرأة نكاح رجل، أو ادعاه هو عليها، فلا يمين على المنكر، إذ لا يقضي عليه بنكوله. ومن غير المدونة قال غيره: وفارق البيوع ها هنا، لأنه لا يستباح فرج في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام إلا بصدقٍ وبينةٍ وولي، فلا ينعقد النكاح بأيمان، ولو أقام الزوج شاهداً فاستخلفت المرأة فنكلت لم يلزمها النكاح، ولا تسجن كما يسجن الزوج في الطلاق. [فصل 2 - في المرأة يتنازعها رجلان] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا ادعى رجلان امرأة، كل واحدٍ يدعى أنها زوجته، وأقاما البينة، ولم يعلم الأول منهما، والمرأة مقرة بأحدهما أو بهما، أو منكرة لهما، فإن عدلت البينتان فسخت نكاحيهما وكانت مطلقةً، ونكحت من أحبت منهما أو من غيرهما، وإن كانت إحدى البينتين عادلة والأخرى غير عادلةٍ قضيت بالعادلة. قيل: فإن كانت واحدةٍ أعدل من الأخرى وكلهم عدول؟ قال: يفسخان جميعاً، بخلاف البيوع، لأن السلع لو ادعى رجل أنه ابتاع

هذه السلعة من فلانٍ، وأقام بينة، وادعى آخر أنه ابتاعها من فلانٍ وأقام بينةً، قال مالك: يقضى بأعدل البينتين. قال الشيخ: لعله يريد أن شهادتهما كانت في مجلسٍ واحدٍ، ولفظٍ واحدٍ، فتقول بينة كل واحدٍ: أنه باعها ممن شهدوا له، فهذه قد تهاترت، ويقضي فيها بأعدل البينتين. فأما لو شهدت بينة كل واحدٍ أنه ابتاعها من فلانٍ ولم تؤرخ، ولا عُلِم من هو الأول، فهذه لم تتهاترا، إذ يمكن أن يبيعها من أحدهما، ثم يبيعها من الآخر ويخير كل واحدٍ منهما في أن يأخذ نصف السلعة، ويرجع على البائع بنصف الثمن إن كان نقده، أو يرد ويأخذ ثمنه، وإن شاءا رداها وأخذ ثمنيهما، فإن رداها فللبائع أن يلزمها أيهما شاء. وإنما قسمتها بينهما، لأن شراء واحدٍ منهما صحيح، لم يعلم قسمت بينهما إذا شاءا، وكذلك العلة في النكاح أن نكاح واحدٍ منهما صحيح فلما لم يعلم واستحال أمر القسمة فسخ، وهذا بين. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن صدق البائع إحدى البنتين وكذب الأخرى لم ينظر إلى قوله. قال ابن المواز: فإذا كانت الزوجة مقرة لأحدهما جعلتها له زوجة ولم أفسخ نكاحها منه، لأني لو فسخت نكاحها ثم رجعت إلى الذي أقرت له أنه الأول بغير ائتناف نكاحٍ لم أمنعهما، إذ لم يبق لهما خصم ينفي قولهما، وإن لم توقت بينة الآخر وقتً فهي زوجة من أقرت أنه الأول حتى يأتي ما يبطل ذلك، وإن

كانت منكرة لهما كان لها أن تتزوج أيهما شاءت، فمن تزوجته منهما لم يلزمه الطلاق، لأنه إن يكن الآخر منهما فلم تكن امرأته فيلزمه الطلاق، ولو كان هو/ الأول فقد رجعت إليه على حالها ولم يضره دعوى الآخر، إلا أني أحب أن يتزوجها بصداقٍ وولي احتياطاً لما عمي من أمره، ولا يضره ذلك، وأما الآخر فإنه متى تزوجها بعد هذا الذي تزوجته فإن تلزمه طلقة، وكذلك إن تزوجت غيرهما ودخلت لزم من تزوجته منهما طلقة. قال الشيخ: وذكر عن بعض شيوخنا: أن قول ابن المواز هذا خلاف لقول ابن القاسم، قال: ولسحنون أنه يقضي بأعدل البينتين كالبيع، ومثله لأبي إسحاق البرقي. وإنما يصح هذا عندي في التهاتر أن يشهدا في مجلسٍ واحدٍ، ولفظٍ واحدٍ، فإنه يقضي بأعدل البينتين، لأن كل بينةٍ قد كذبت صاحبتها، فأما إن شهدا في مجلسين فلم يؤرخا ولا علم الأول فالصواب قول ابن القاسم كما بينا في صدر المسألة، وفرقنا فيه بين النكاح والبيع، فتأمله تقف على صوابه إن شاء الله تعالى.

[الباب السابع عشر] في ملك أحد الزوجين صاحبه

[الباب السابع عشر] في ملك أحد الزوجين صاحبه [فصل 1 - في أسباب منع الرجل من نكاح أمته والمرأة من نكاح عبدها] وأجمعوا أنه لا يجوز نكاح الرجل أمته ولا المرأة عبدها، لأن الرجل يستبيح منافع البضع في أمته بملكه ويتصرف بها بالبيع والهبة وغير ذلك، والتزويج إنما هو عقد معاوضة على استباحة منافعٍ ليست مملوكة، فلو أبحنا له تزويج أمته لحرمنا عليه التصرف فيها بالبيع وغيره، ولم يجز تزويج المرأة لعبدها، لأن منافع البضع يملكها الزوج على المرأة، وذلك يستحيل في العبد أن يملك شيئًا من سيدته، لأنها تملك رقبته وذلك يوجب تعارض الحقوق، لأنه يملكه بضعها تلزمها طاعته، وتلزمه طاعتها بالرق، ويلزم كل واحدٍ نفقة صاحبه، وفي ذلك تعارض الحقوق وبطلانها، وقد بينا ذلك في الكتاب الأول أيضاً، فإذا ثبت هذا وجب إذا ملك أحد الزوجين صاحبه أن يفسخ نكاحه. [فصل 2 - في الحكم إن ملك أحد الزوجين صاحبه] قال مالك: وإذا ملك أحد الزوجين صاحبه أو شيئًا منه قل أو كثر فسخ النكاح فسخاً بغير طلاقٍ، ملكه بشراء أو ميراث أو صدقةٍ أو وصيةٍ. وقاله علي وابن مسعودٍ رضي الله عنهما.

قال أبو الزناد: وهي السنة. قال ابن القاسم: وإذا اشترت امرأة زوجها فسد النكاح واتبعته بمهرها ديناً إن كان دخل بها، وإذا لم يؤذن للأمة في التجارة لم يكن لها أن تشتري زوجها إلا بإذن سيدها، فإن اشترته بغير إذنه فلم يجز سيدها شراءها بقيا على نكاحهما. فصل [3 - في تطليق السيد على عبده، وتزويجه العبد أمته ثم هبتها له والإيلاء والظهار ممن يملك من امرأته شقصا] ولا يطلق السيد على عبده بغير إذنه. قال ابن نافع عن مالك: ومن زوج أمته من عبده ثم وهبها له يغتزي فسخ النكاح وأن يحلها لنفسه أو لغيره لم يجز، ولا تحرم بذلك على الزوج، ولا تنزع منه. قال ابن القاسم: ومن ملك من امرأته شقصاً ثم آلى منها أو ظاهر لم يلزمه الظهار، إذ ليست بأمةٍ تامةٍ ولا زوجة، ويلزمه الإيلاء إن نكحها يوماً ما. ومن ضمن صداق عبده ثم دفع السيد العبد إلى الزوجة في صداقها فرضيت فسد النكاح، فإن لم يكن بها رجع العبد إلى سيده. ابن حبيب: وإن كان قد بنى بها انفسخ النكاح وملكته، وقاله ابن القاسم وفي كتاب النكاح الاول شيء من هذا.

[الباب الثامن عشر] القضاء في الصداق والعجز عنه

[الباب الثامن عشر] القضاء في الصداق والعجز عنه [فصل 1 - فيما يقضي به عند العجز عن الصداق أو كان الفراق من قبل المرأة] قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}، وقال: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}. وقال/ مالك وابن القاسم: وللزوجة منع نفسها حتى تقبض صداقها إن كانا بالغين، فإذا أعسر الزوج بنقدها قبل البناء تلوم له الإمام، وضرب له أجلًا بعد أجل، ويختلف في التلوم فيمن يرجى له وفيمن لا يرجى له، فإذا استأصل التلوم له ولم يقدر على نقدها فرق بينهما وإن أجرى النفقة. ولو أعسر به البناء لم يفرق بينهما إذا أجرى النفقة وابتعه به دينًا. قال ابن حبيب: إذا لم يجد الصداق ولم يبن بها كلف النفقة وقصر له في أجل الصداق، فإن لم يجد أيضًا النفقة أُجِّل أجلًا دون أجل ذلك في الصداق، مثل الأشهر إلى السنة، وإن وجد النفقة أجل السنة أو السنتين. قال الشيخ: وإذا فرق بين زوجين قبل البناء لعدم الصداق أو النفقة فللمرأة نصف الصداق، قاله ابن القاسم وابن وهب.

وقال سحنون عن ابن نافع: إذا طلق عليه قبل البناء لعدم الصداق فلا صداق لها، لأن الفراق من قبلها، وكذلك من جن قبل البناء ففرق بينهما فلا صداق لزوجته. قال الشيخ: قال بعض الفقهاء: ولا خلاف في المجنون، لأن عذره قائم، وأما المعدم بالنفقة أو بالصداق يمكن أن يخفي ماله ويظهر العدم، أو يقدر على ذلك بوجهٍ ما، فيصير الطلاق كأنه هو اختاره، فوجب عليه نصف الصداق عند من رأى ذلك. وإذا أسلمت ذمية تحت ذمي أو عتقت أمة تحت عبدٍ فاختارت نفسها، وذلك قبل البناء فلا صداق لها. قال إسماعيل القاضي: لأن الطلاق من قبلها لا من قبل الزواج، وقد قال الله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}، فالزوج ها هنا لم يكن مطلقًا، وذلك بخلاف المملكة والمخيرة قبل البناء، فهذه لها نصف الصداق، قاله مالك، لأن الطلاق ها هنا من قِبَل الزوج، إذ جعله لها. وذكر عن أبي عمران فيمن باع أمته من ظالمٍ قبل أن يدخل بها زوجها، فمنع الزوج من الدخول بها ولم يقدر عليه قال: لا صداق على الزوج، وإن قبضه منه السيد لزمه أن يرده عليه، وبالله التوفيق.

[فصل 2 - في الصداق إن كان موخراً] ومن المدونة: قال مالك: ولها أخذه بالمهر بعد تمام العقد إن نكحها مثل نكاح الناس على النقد، فأما ما كان مهرٍ إلى موتٍ أو فراقٍ، فإن هذا يفسخ قبل البناء ويثبت بعده. قال مالك مرة: يكون لها قيمة المهر المؤخر نقدًا- يريد مع المعجل- وقال مرة: يكون لها صداق المثل نقداً لا تأخير فيه. قال ابن القاسم: وهو أحب قوله إلي، أن تعطي مهر مثلها ويحسب فيه ما أخذت من العاجل ويسقط الآجل. فصل [3 - في الدخول بالمرأة قبل أن يقدم الزوج شيئاً من الصداق] ابن حبيب: وإذا رضيت المرأة بالبناء قبل أن يقدم شيئاً فليس بحرام، وهو معنى قول الله تعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ}، وقيل: هو ما أعطته أو وضعت عنه من صداقها، وأجاز ابن المسيب وغيره أن يدخل قبل أن يقدم شيئاً، وكرهه آخرون، وكرهه مالك حتى يقدم ولو ربع دينار.

وكره ابن القاسم أن يدخل بالهدية التي أهداها حتى يقدم ربع دينار، وأجازه مالك وابن المسيب وابن شهاب.

[الباب التاسع عشر] في نفقة الزوجات والعجز عنها، والدعوى في ذلك ومن أنفق على أجنبي

[الباب التاسع عشر] في نفقة الزوجات والعجز عنها، والدعوى في ذلك ومن أنفق على أجنبي [فصل 1 - في وجوب النفقة، وبيان ما يوجبها] قال الله تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}. قال عبد الوهاب: وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: "تقول لك امرأتك: أنفق علي أو طلقني"، ولأن الزوجية عقد منافع، والنفقة في مقابلة تلك المنافع، فهي واجبة بالعقد/ والتمكين من الاستمتاع. ومن المدونة: قال مالك: ومن تزوج امرأة لم تلزمه نفقتها حتى يدعى إلى البناء فحينئذ يلزمه الإنفاق، فإذا منع من الدخول فلا نفقة عليه. فإن كانت صغيرة لا يجامع مثلها لصغرها، فقيل له: ادخل عليها أو أنفق، فلا تلزمه نفقتها ولا صداقها. - قال الشيخ: لأن الاستمتاع غير متأتٍ منها. قال مالك: حتى تبلغ حدَّ الجماع وإن لم تحض. - قال الشيخ: لأن الاستمتاع حينئذٍ متأتٍ كالبالغ. قال مالك: والصبي إذا زوجه أبوه امرأةً فدعته إلى البناء فلا يلزمه نفقتها ولا صداقها حتى يبلغ حد الجماع، وهو الاحتلام.

- قال الشيخ: لأن الصغير لا يتأتى منه الاستمتاع الذي تعاوض عليه لصغره فلا يلزمه شيء حتى يحتلم وإن كان مثله يطأ، والزوجة قد يكون مثلها توطأ وإن لم تحتلم. قال ابن القاسم: ولو دعا الزوج إلى البناء، وزوجته صغيرة لا يجامع مثلها فقال له أبوها أو أولياؤها: لا نمكنك منها، لأنك لا تقوى على جماعها، فلهم أن يمنعوه حتى تبلغ حد الجماع. وقد قال مالك فيمن تزوج امرأة وشرطوا عليه ألا يدخل بها إلى سنة، قال: فإن كان لصغر، أو كان الزوج غريباً يريد أن يظعن بها وهم يريدون أن يستمتعوا منها، فذلك لهم، والشرط لازم، وإلا بطل الشرط. وذكر أصبغ هذه الرواية في العتبية، قال أصبغ: وما هو بالقوي إذا احتلمت الوطء. قال فيها أشهب: ومن دفع الصداق وطلب البناء فمنعوه أهلها حتى يهيئوها، قال: الوسط من ذلك، ليس له أن يقول: أدخلوها الساعة، ولا لهم حبسها عنه، ولكن وسط بقدر ما يجهزونها ويهيئون أمرها. قال في كتاب محمد: ولو شرطوا عليه ألا يدخل إلى خمس سنين، قال: بئس ما صنعوا، والنكاح جائز والشرط باطل، ويدخل متى شاء، وقاله ابن وهب عن مالك.

[فصل 2 - فيمن دعي إلى البناء وعجز عن الجماع هل تلزمه النفقة؟] ومن المدونة: وإذا دعي الزوج إلى البناء وزوجته رتقاء لا يقدر على جماعها خير الزوج بين أن يقيم معها أو يفارقها، فإن فارقها فلا صداق لها إلا أن تعالج نفسها بأمرٍ يصل به إلى جماعها، ثم تدعوه إلى البناء فلها الصداق والنفقة، ولا تجبر هي على العلاج، ومن دعته زوجته إلى البناء والنفقة، وأحدهما مريضٌ مرضًا لا يقدر معه على الجماع، لزمه أن يدخل أو ينفق، ولا يشبه هذا الصبي أو الصبية، وإذا كانا صحيحين في العقد لم ينظر إلى ما حدث بهما من مرض، إلا أن يكون مرضًا بلغ من المرأة حد السياق، فلا يلزم الزوج حينئذ أن يدخل عليها إن دعته، لأن دخول هذا وغير دخوله سواء، والصداق أوجب من النفقة في هذه المسائل، ولها أخذه به حين تزويجها، دخل بها أو لم يدخل. ولو جذمت الزوجة بعد النكاح جذاماً لا يستطاع الجماع معه، فدعته إلى البناء، قيل له: ادفع الصداق وأنفق وادخل أو طلق. قال الشيخ: لأن المنع لم يكن من قبلها، وقد كانت يوم العقد ممن يمكن الاستمتاع بها، وتلزمه النفقة عليها، فلا يسقطها ما حدث من أمر الله بها. [فصل 3 - في نفقة المرأة الناشز] ولا نفقة لناشز، لما بينا أنها في مقابلة التمكين والاستمتاع، فإذا منعته نفسها ولم تمكنه لم يجب لها نفقة.

ابن المنذر: وقاله الشعبي وحماد ومالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، ولا أعلم أحدًا خالف هذا إلا ابن عبد الحكم فإنه قال في امرأةٍ خرجت من بيت زوجها عاصية: لها النفقة، والأول أصح. وفي/ كتاب ابن المواز: وإذا غلبت امرأة زوجها فخرجت من منزله وأبت أن ترجع وأبي أن ينفق عليها حتى ترجع، فأنفقت من عندها، قال مالك لها اتباعه بذلك.

ولسحنون في التي تهرب من زوجها من القيروان إلى تونس، أو تنشز عنه الأيام فتطلبه بالنفقة قال: إن نشزت، لأنها تدعى أنه طلقها، فلا نفقة لها، وإن قالت: إنما فعلت ذلك بغضة [له] فلها النفقة كالعبد الآبق نفقته على سيده. وفي كتاب أبي بكر الوقار: فإذا احتجبت المرأة عن زوجها وطلبت منه النفقة فلا نفقة لها ما حجبت نفسها عنه، فإذا كانت معه في منزل ومنعته من نفسها فعليه النفقة، وعليه الاحتيال في الوصول إليها، وإذا مرضت فعليه النفقة، وليس عليه أن يجاوز ما يلزمه لها في صحتها، ليس عليه دواء، ولا أجر طبيبٍ، ولا علاج إلا أن يتطوع بذلك. قال عبد الوهاب: لا يخلو حال المرأة من ثلاثة أوجه: أن يعدم منها الوطء من قبل الله تعالى من مرضٍ ونحوه، أو من قبل الزوج من سفرٍ، أو تركٍ، فلا تسقط النفقة في هذين الوجهين، أما ما يكون من قبلها من نشوزها ومنع الزوج من وطئها، فلا تلزمه لها نفقة. [فصل 4 - فيما يلزم العبد والمكاتب والمكاتبة من النفقة] ومن المدونة: قال مالك: وبياع على الرجل فيما يلزمه من نفقة امرأته عروضه وربعه إن لم يكن له عين.

قال مالك: ويلزم العبد نفقة امرأته حرة كانت أو أمةً وإن كانت الأمة تبيت عند أهلها. قال: ونفقة زوجة العبد في ماله إن كان له مال، ولا نفقة لها من كسبه وغلته، وذلك لسيده، فإن لم يجد غيره فرق بينهما إلا أن يتطوع السيد بالنفقة، ولا يباع العبد في نفقة زوجته. قال مالك: ولا يلزم العبد نفقة أولاده الأحرار ولا العبيد. قال عنه ابن وهب: وليس على العبد أن ينفق من ماله على من لا يملك سيده، وذلك الأمر عندنا. ابن القاسم: ولا تجبر أم الولد على نفقة ولدها كالحرة، وإذا كان زوج المكاتبة عبدًا فحدث لها في كتابتها ولد فنفقتهم عليها، لأنهم كأنهم عبيدها، ونفقتها هي على زوجها. وكذلك إن كان زوجها في كتابةٍ أخرى على حِدَة، فحدث بينهما ولد، كانت نفقتهم عليها، ونفقتها هي على الزوج، فإن لم ينفق عليها فرق بينهما، فإن كانت كتابة الأم والأولاد واحدةً فنفقتها ونفقة الولد على الأب، حدثوا في الكتابة أو كاتب عليهم، وليس عجز المكاتب عن نفقة ولده الصغار كعجزه عن الكتابة والجناية. فصل [5 - في مقدار نفقة الزوجة] قلت لابن القاسم: وإذا خاصمت المرأة زوجها في النفقة كم يفرض لها، أنفقة سنةٍ، أو نفقة شهرٍ بشهر؟

قال: إنما ذلك على الاجتهاد الإمام في عسر الرجل ويسره، وليس الناس في ذلك سواءً، وينظر الإمام في ذلك أيضًا، فيفرض لها قدر حالها وحاله في عسره ويسره. قال الشيخ: قال سحنون: يجري عليها بقدر ما يرى السلطان من جدته، فمن الناس من يجري عليه يومًا بيومٍ، ومنهم جمعةً بجمعةٍ، ومنهم شهرًا بشهر. قال ابن المواز: وإذا لم يجد إلا قوت شهرٍ لم يفرق بينهما، ويتلوم له إذا فرغ. قال ابن حبيب: وإن لم يجد إلا الخبز وحده وما يواري به عورتها ولو بثوبٍ واحد- قال مالك: من غليظ الكتان- لم يفرق بينهما، كانت غنيةً أو فقيرةً، فإن عجز عن هذين أو أحدهما فرق بينهما بطلقة. [فصل 6 - فيما إذا عجز الزوج عن النفقة أو أيسر في حال العجز] ومن المدونة:/ قال ابن القاسم: فإن لم يقدر أن ينفق عليها فرق السلطان بينهما بعد التلوم، ويختلف في التلوم فيمن يرجى له ومن لا يرجى له. قال مالك: فإن أيسر الزوج في العدة ارتجع إن شاء، وإن لم ييسر فلا رجعة له، ورجعته باطلة. ابن المواز: عن ابن القاسم: وإذا وجد نفقة شهرٍ كان أملك بها في العدة، وإن لم يجد إلا مثل نفقة العشرة الأيام، أو خمسة عشر يوماً فلا رجعة له، لأن ذلك

لا قدر له، وهو يصير إلى ضرر، وقاله أصبغ وابن حبيب، وهذا إذا كان الفرض عليه شهراً شهرًا، فأما من كان الفرض عليه بالأيام لقلة ماله فإذا وجد الذي لو جاء به لم تطلق عليه فله الرجعة. [فصل 7 - في اشتراط الزوجة حميلاً بالنفقة] ومن المدونة: قال مالك: وإذا كان الزوج حاضرًا ففرض لها السلطان نفقة شهرٍ بشهرٍ فأرادت منه حميلًا فلا يلزمه أن يعطيها بذلك حميلًا، ومن طلق وأراد سفرًا فقالت له امرأته: أخاف حملاً فأقم لي بالنفقة حميلًا لم يلزمه حميل إلا في حملٍ ظاهر، فإن ظهر بها حملٌ بعد أن سافر اتبعته بما أنفقت إن كان في حال حملها موسراً. ابن المواز: قال مالك: لا يمنع من السفر، ولا عليه وضع النفقة إن ادعت الحمل. وقال أصبغ: إن تبين طول سفره، وهي ممن يخاف عليها الحمل، فليعطها حميلاً بالنفقة، أو يوقف لها مالًا، وإن لم يكن بها ما وصفت لك فلا شيء عليه، ولا يمنع من السفر. قال مالك: فإذا أنفق عليها بغير قضيةٍ وقد ادعت الحمل ثم بطل الحمل لم يرجع عليها إذا أنفق عليها بدعواها، أو بقول القوابل، وإن أنفق بقضيةٍ رجع عليها.

ابن المواز: لأنه انكشف أن ما قضي به غير حق. وقال عبد الملك: إن أنفق بغير قضاءٍ فله أن يرجع، ورواه عن مالك، وإن أنفق بحكم لم يرجع عليها بشيء. ابن المواز: وأحب إلى أن يرجع في الوجهين إن تبين ذلك بإقرارٍ منهما أو بغير إقرار. ومن المدونة: وإن أراد الزوج سفراً فطلبته امرأته بالنفقة، فرض لها بقدر ما يرى من إبعاده ومقامه فيدفعه إليها أو يقيم لها به كفيلاً يجريه لها. فصل [8 - في دعوى المرأة عدم الإنفاق عليها] ومن أقام مع امرأته سنين بعد البناء بها وهو مليء، فادعت أنه لم ينفق عليها فلها أخذه بها إن صدقها، وإن أنكر فالقول قوله ويحلف. قال ابن القاسم: وإذا قدم الغائب فقال: كنت أبعث إلى زوجتي بالنفقة وأجريها عليها، وكذبته فالقول قوله مع يمينه، إلا أن تكون المرأة رفعت ذلك إلى السلطان، واستعدت في غيبته، فمن يومئذٍ تلزمه النفقة إن كان مليًا، ولا يقبل دعواه الإرسال بعد قيامها إلا أن يأتي بالمخرج. قال مالك في كتاب محمد: وليس عليه أن يحلف أنه بعث بذلك إليها، إنما يحلف أنها قبضت ذلك ووصل إليها ويبرأ. قيل: وكيف يعلم وهو غائب عنها؟ قال: يكون قد دفعه إليها قبل خروجه، أو جاء بذلك كتابها إليه، أو قدم من عندها من يخبره.

قال الشيخ: وذكر لنا عن أبي بكر بن عبد الرحمن: إذا طلق على الغائب لعدم النفقة، ثم أتى فأثبت أنه ترك لها النفقة، فإنها ترد إليه، كان قد دخل بها أم لا، وهي لمحمد. قيل: فإن تزوجت ودخل بها الثاني؟ قال: ترد إليه أبداً. وقد قال ابن المواز فيمن له زوجة تدعى عائشة، فقال: عائشة طالق، وقال: أردت زوجة لي غائبةً تسمى عائشة، فطلقت الحاضرة، إذ لم يعلم صدقه، ثم ظهر أنه صادق فيما/ زعمه أن المطلقة ترد إليه وإن تزوجت ودخل بها الثاني فكذلك مسألتك. قال الشيخ: وذكر عن الشيخ أبي الحسن أنه قال فيمن غاب عن زوجته ولا مال له ينفق عليها منه: فقد قال بعض أصحابنا: أنها تطلق، ولا أرى ذلك، وليس هو كالحاضر، لأن الحاضر قد استأصل الحكم حجته، والغائب عسى أن تكون له حجة. وقال أبو محمد: لا فرق عندي بين الحاضر والغائب، وأرى أن يفرق بينهما إذا لم يكن له مال ينفق عليها منه، وبالناس اليوم ضرورة إلى ذلك. وذكر لنا عن أبي بكر بن عبد الرحمن أنه قال فيمن فقد عن زوجته قبل البناء، وهي بكر في حجر أبيها، فطلب الأب الصداق والنفقة والكسوة وجميع لوازمها في مال الزوج، فقال: له أن يأخذ جميع ذلك إذا كان يسع، هذا قول ابن القاسم، ورواه أصحابه المصريون والأندلسيون، عيسى وأصبغ.

وقال أصبغ: وإنما كان له الصداق كاملاً، لأنه لو كان معها وامتنع من الدخول لزمه أن يدفع إليها جميعه، فإذا امتنع منها ببعد الغيبة لزم ذلك في ماله، وهذا لا اختلاف فيه وإنما الخلاف في امرأة المفقود إذا رفعت أمرها إلى السلطان وأرادت الخروج من عصمته، فضرب له أجل أربع سنين من بعد الكشف عنه فلم يعرف له خبر، فاعتدت منه عدة الوفاة ولزمها الإحداد، فصار حكمها معه كحكم الميت، فأوجبوا لها الصداق، فإن قدم وقد تزوجت ودخل بها الثاني فقال مالك وابن القاسم وغيرهما: لا ترد من الصداق شيئاً. وقيال: بل ترد نصف الصداق، لأنه قد ثبت أن طلاق حقيقة. قال ابن دينار: يدفع إليها نصف الصداق ويوقف نصفه، فإن حكم بموته رد إليها، ففي هذا الوجه اختلف، وليس يدخل في هذا ما ذكر عن سحنون أنها إذا طلبت الزوجة مهرها عند دخوله بها، فرأى أن تصبر عليه، لأن ذلك عرف الناس، لأن في مسألتنا قد أطال الغيبة وانقطع خبره. فإذا لم يقدر على إيقافه لبعد غيبته، أو لجهالة موضعه صار حكمه حكم من لزمه الدخول فامتنع فلزمته النفقة والصداق، وهذا القول في العتبية والموازية، ولم يذكر محمد في هذه المسألة اختلافاً، ولا العتبي. وفي السليمانية قال: لا نفقة لها في ماله، لأنه لم يدخل بها ولم يدع إليه لغيبته، ولا يجب لها عليه صداق إلا من بعد ضرب السلطان له الأجل أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهرٍ وعشراً، فعند ذلك يجب لها نصف الصداق، وتتزوج إن أرادت النكاح، وأما قبل ذلك فلا. ومن المدونة: قال مالك: وإذا أنفقت المرأة على نفسها وزوجها حاضر، وقد ظهر بها حمل، فلم تطلبه بذلك حتى وضعت حملها، كان لها أن تتبعه بما

أنفقت في الحمل، وما أنفقت على نفسها في غيبته أو حضرته وهو معدم فلا شيء لها عليه، وإنما لها إن لم يقدر الزوج على النفقة أن ترضى بالمقام معه، أو يفارقها، فإذا أنفقت الزوجة على نفسها وعلى صغار ولدها وأبكار بناتها من مالها والزوج غائب، فلها اتباعه بذلك إن كان في وقت نفقتها موسراً، وتضرب بما أنفقت على نفسها مع الغرماء/ ولا تضرب معهم بما أنفقت على الولد قال الشيخ: وإنما فرق بين ما أنفقت على نفسها وبين ما أنفقت على ولدها لأن نفقتها عنده أوجب من نفقة الولد، لأن نفقة الزوجة تسقط الزكاة، كانت بقضية أو بغير قضية، فهي كالدين عليه لأجنبي، ونفقة الولد لا تسقط الزكاة لأنها لا تجب لهم حتى يبتغوها. قال الشيخ: ويجب على قول أشهب الذي يرى أن نفقة الولد كالزوجة وتسقط بها الزكاة، أن تضرب مع الغرماء بما أنفقت على نفسها وعلى ولدها. قال ابن حبيب: وتضرب بما أنفقت على نفسها في الفلس والموت، قاله مالك وابن القاسم. وقال مالك أيضًا: تضرب في الفلس لا في الموت. قال مالك: وإنما تضرب بما أنفقت في غيبته من يوم ترفع ذلك إلى السلطان إلى يوم مات أو فلس، وما كان قبل ذلك فلا، لأنها من يوم يحكم لها بالنفقة لا يقبل قول الزوج بعد ذلك أنه كان يبعث إليها بالنفقة، لكنها تحلف أن ما ذكر باطل، وتبرأ من دعواه. وكذلك قال مالك في كتاب ابن المواز: أنها إنما تحاص بما أنفقت بعد أن رفعت إلى السلطان، لا ما أنفقت قبل ذلك.

ومن العتبية: قال سحنون في زوجة الغائب تنفق من مالها على نفسها: أنها تحاص غرماءه بما أنفقت على نفسها في الدين المستحدث، فأما في دينٍ قبل نفقتها فلا تحاص به. ابن حبيب: فإذا رفعت امرأة الغائب أمرها إلى الإمام في النفقة، وله مال حاضر، حلفها أنه ما ترك لها نفقة، ولا بعث إليها نفقة، ولا وضعتها عنه ثم فرض لها. قال: والغائب أبداً من أهل النفقة حتى تثبت بينة أنه عديم من يوم خرج، أو أعدم في وقتٍ يذكره فتزول عنه في عدمه، وإذا خرج معدمًا فالقول قوله أنه كذلك- يعني وعليها هي البينة بملائه- وإن خرج ملياً فعليه البينة أنه أعدم، فإن أشكل أمره يوم خرج فعليه البينة أنه معدم في غيبته، قاله ابن الماجشون في ذلك كله. وقال ابن المواز عن ابن القاسم: إن قدم معسراً وقال: ما زلت كذلك منذ غبت، وأكذبته، فهو مصدق مع يمينه حتى تقوم بينة بخلافه. ولو قدم موسراً وادعى مثل ذلك لم يصدق إلا ببينة. وقال في العتبية عن ابن كنانة وسحنون: إذا قدم وقال: كنت معدماً في غيبتي، فالقول قوله، وعلى المرأة البينة.

ومن المدونة: قال: فإن أنفقت عليه في ذاته وهو حاضر مليء أو معدم فلها إتباعه بذلك إلا أن يرى أن ذلك بمعنى الصلة، وكذلك من أنفق على أجنبي مدةً فله إتباعه بما أنفق، إلا أن يرى أنه أراد بذلك معنى الصلة والضيافة فلا شيء له، ومن قضي له بذلك لم يأخذ بما أنفق من السرف كالدجاج والخراف ونحوه، ولكن بنفقةٍ ليست بسرف. فصل [9 - في الرجوع على الصبي بما أنفق عليه] ومن أنفق على صبي صغيرٍ لم يرجع عليه بشيء إلا أن يكون للصبي مالٌ حين أنفق عليه- يريد والمنفق به عالم- فيرجع بما أنفق عليه في ماله ذلك، فإن تلف ذلك المال وكبر الصبي فأفاد مالًا لم يرجع عليه بشيء. قال مالك: وإذا أنفق الوصي التركة على الطفل ثم يطرأ دين على أبيه يغترقها ولم يعلم به الوصي فلا شيء عليه ولا على الصبي وإن أيسر الصبي. وقال المخزومي: يتبع الصبي بما أنفق عليه، لأن صاحب الدين لم ينفقه على اليتيم فيرى أن ذلك من حسبه. فصل [10 - في قدرة الرجل على نفقة امرأته دون ولده] وإذا قوي الرجل على نفقة امرأته دون صغار ولده منها لم تطلق عليه، إذ لا تلزمه النفقة على ولده إلا في يسره، ويكون الولد من فقراء المسلمين.

فصل [11 - في محاصة الرجل بالدين على امرأته] ومن له على امرأته دين وهي معسرة فلا يحاصمها به في نفقتها، وعليه أن ينفق عليها، ويتبعها بدينه، وإن كانت مليئةً فله محاصتها بدينه في نفقتها. فصل [12 - في اختلاف الزوجين في قدر النفقة المفروضة] وإذا فرض القاضي للزوجة ثم مات، أو عزل، فادعت امرأة قدراً، وادعى الزوج دونه، فالقول قوله إذا أشبه نفقة مثلها، وإلا فقولها فيما يشبه، فإن لم يأتيا بما يشبه ابتدأ لها الفرض. فصل [13 - في اختلافهما في ثوب أنه هدية أو نفقة مفروضة] ومن دفع إلى زوجته ثوباً فادعت أنها أخذته هدية، وقال الزوج: بل في فرضك، فالقول قوله إلا أن يكون الثوب لا يفرض مثله لمثلها فالقول قولها. فصل [14 - في تلف النفقة بعد القبض، وموت أحد الزوجين بعده، وفرض النفقة على الغائب] وإذا قبضت نفقة شهرٍ فتلفت قبل الشهر أو أنفدتها، أو تخرقت الكسوة، أو سرقت قبل مدتها، فلا شيء لها على الزوج، وكذلك إن دفع إليها نفقة سنةٍ

عنها أو عن ولدها فقد ضمنتها بالقبض، وإن هلك الزوج أو هلكت الزوجة قبل المدة رجع الزوج بما بقى في المحاسبة. ومن كتاب القذف: قال مالك: فإذا دفع إليها نفقة سنةٍ أو كسوتها بفريضة قاضٍ أو بغير فريضة، ثم مات أحدهما بعد يوم أو يومين أو شهرٍ أو أشهرٍ فلترد بقية النفقة بقدر من السنة، واستحسن في الكسوة ألا ترد إذا مات أحدهما بعد أشهر. قال ابن القاسم: وأما بعد عشرة أيامٍ ونحوها فهذا قريب. ووجه ما قال مالك إذا مضت الأشهر. قال سحنون: ولا يعتدل هذا، يعطيها الكسوة تلبسها ثلاثة أشهرٍ لا تتبع بشيء. ومن النكاح قال: ولا يفرض على الغائب النفقة لزوجته إلا أن يكون له مال يعدا فيه، وتباع فيها عروضه وربعه إن لم يكن له عين، ولا يؤخذ منها بما تأخذ كفيل، ويبقى الزوج على حجته إذا قدم، وهكذا يصنع فيه إذا أقيم عليه بدين وهو غائب، وإن كان للزوج ودائع وديون فرض للزوجة نفقتها في ذلك، ولها أن تقيم البينة على من جحد ذلك من غرمائه أن لزوجها عليهم ديناً، ويقضي عليهم بنفقتها، وكذلك لمن قام عليه بدين، وإذا لم يكن للزوج مال يعدل فيه فأنفقت من عندها حتى قدم، فإن كان في غيبته مليئًا رجعت عليه وإلا فلا. قال ابن حبيب: وإن خرج معدمًا فالقول قوله أنه كذلك بقي في غيبته، وعليها البينة بملائه، وإن خرج مليئاً أو أشكل أمره يوم خرج فعليه البينة أنه

كان معدمًا في غيبته، وقال ابن الماجشون في ذلك كله. فصل [15 - في نفقة المجوسية إن أسلم زوجها] ومن المدونة: قال مالك: وإذا أسلم المجوسي فلا نفقة لزوجته المجوسية، إذ لا تؤخراً إما أن تسلم وإلا فرق بينهما. فصل [16 - في التفريق بين الزوجين للعجز عن النفقة وما يضرب للزوج من الأجل] قال مالك: كان من أدركت يقولون: إنه إذا لم ينفق الرجل على امرأته فرق بينهما. قال ابن القاسم: وإذا لم يقدر الزوج على نفقة امرأته وهما حران أو عبدان أو أحدهما لم ترض الزوجة بالمقام معه تلوم له الإمام، فإن قدر على نفقتها وإلا فرق بينهما. قال مالك: والناس في هذا مختلفون، منهم من يطمع له بقوةٍ ومنهم من لا يطمع له. ابن وهب: وأمر عمر بن عبد العزيز أن يضرب للزوج في التلوم في النفقة أجل شهرٍ أو شهرين، وقاله سعيد بن المسبب، قالا: فإن لم ينفق عليها إلى ذلك الأجل فرق بينهما.

قيل لابن المسيب: يا أبا محمد: أسنة هذه؟ فأقبل بوجهه كالمغصب، وقال: سُنَّة، سُنَّة، نَعَمُ سُنَّة. قال عبد الوهاب: وقيل: بتلوم له الإمام الأيام اليسيرة كالثلاثة/ ونحوها، فإن أنفق وإلا طلقت عليه قال: وإنما قلنا: إنه يفرق بالإعسار خلافاً لأبي حنيفة لقوله تعالى: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}، وفي إمساكه إياها بغير إنفاقٍ ضرر بها وتضييق عليها. وقوله تعالى: {فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}، وقوله عليه الصلاة والسلام: "تقول لك امرأتك: أنفق علي أو طلقني"، ولأن النفقة في مقابلة الاستمتاع، فلما كانت إذا أنشزت لا نفقة لها لمنعها الاستمتاع كان لها إذا لم تجد النفقة مفارقته، ولأنه لما كان لها مفارقته في الإيلاء والعنة وضررهما أيسر من ضرر النفقة كان في عدم النفقة أولى. [فصل 17 - في إنفاق الزوج الفقير، وإنفاق السيد على أم ولده ومدبره] ومن المدونة: قال يحيى بن سعيد، وإذا افتقر الزوج ووجد ما يقيمها به من الخبز والزيت وغليظ الثياب لم يفرق بينهما.

قال ربيعة: وأما الشعلة والعباءة فعسى أن لا يؤمر بكسوتها. - قال الشيخ: يريد ولا يجزئه، وليس عليه خادم إلا في يسره ويتعاونان على الخدمة في عسره. قال ابن القاسم: وليس على المرأة من خدمة بيتها شيء. قال ابن المواز: قال مالك: فإن علمت المرأة أنه فقير عند نكاحه إياها فلها عليه القيام بالنفقة، إلا أن تعلم أنه من السؤال قبل نكاحه فلا حجة لها. قال الشيخ: وروي لنا عن أبي بكر بن عبد الرحمن في الرجل لا يجد ما ينفق على أم ولده، أو يغيب إلى بلدٍ ولا يترك لها نفقة، فقال: تعتق عليه ولا تزوج، لأن تزويج السيد إياها مكروه، فكيف يأمر الحاكم بفعلٍ مكروه. وذكر عن أبي بكر بن اللباد عن يحيى بن عمر أنه قال: إذا لم يكن في عملها ما يكفيها في نفقتها فلتعتق عليه. قال أبو بكر: وكذلك قال أشهب: تعتق عليه. وقال بعض القرويين: تزوج عليه إن كان غائباً، أو يزوجها هو إن كان حاضراً وعجز عن نفقتها، لأنا نجد سبيلاً إلى النفقة بهذا فهو أولى من إخراجها عنه بالعتق.

قال: والمدبر إذا لم يكن في خدمته وإجارته كفاية نفقته، ولم يجد السيد ما ينفق عليه فإنه يعتق عليه. وذكر أبو عمران عن الصيرفي في سماع ابن القاسم: إذا أعسر الرجل لخدمة امرأته طلقت عليه.

[الباب العشرون] في العنين والمجنون والأجذم وتأجيلهم

[الباب العشرون] في العنين والمجنون والأجذم وتأجيلهم [فصل 1 - في الحكم إن كان الزوج عنيناً أو مجنوناً] وقضي عمر وابن مسعودٍ رضي الله عنهما في الرجل يبني بامرأته فلا يستطيع أن يمسها أن يضرب له أجل سنةٍ من يوم ترافعه، فإذا مضت سنة ولم يصبها اعتدت وكانت طلقة بائنة، وقاله ابن المسيب وابن يسار. قال عمر: وكذلك المجنون يضرب له أجل سنةٍ بتداوي فيها، فإن يرى وإلا فرق بينهما. قال مالك: والعنين الذي يؤجل هو المعترض عن امرأته، وإن أصاب غيرها من حرةٍ أو أمةٍ يضرب له السلطان أجل سنةٍ من يوم ترافعه، فإن لم يصبها في الأجل فإما رضيت بالمقام معه وإلا فرق بينهما بتطليقةٍ واعتدت؛ لأن العدة حق الله لأنه قد خلا بها، ولو كان في ذلك ولد للحق به إلا أن ينفيه بلعانٍ ولا رجعة له لأنه قبل الدخول، ولها الصداق لطول المدة. قال مالك: وقال ناس: لها نصفه، وإنما أرى لها نصفه إذا طلقها هو بقرب البناء.

قال عبد الوهاب: وفي تكميل الصداق روايتان، إحداهما: أنه يكمل، والأخرى: أنه إن طال مقامه معها وتلذذه بها أكمل لها، وإن كان بحدثان دخوله لزمه نصفه. فوجه الإطلاق: فلأنها فعلت ما يلزمها من التمكين، فعجزه عن استيفاء حقه لا يسقط ما وجب لها. ووجه التفصيل: أنه دخل على/ أنه يستمتع بلا وطء، فلا يجوز أن يكمل عليه الصداق من غير استيفائه ذلك، وأما إن طالت إقامته وتلذذه فقد استمتع، فأشبه السليم إذا وطيء فيه بقرب البناء. قال الشيخ: قال ابن الماجشون وغيره، وإنما الذي لا يؤجل وتطلق عليه مكانه مثل المجبوب والعنين غير المعترض فلا صداق لها؛ لأن الفراق من قبلها، وهذا إذا كان بقرب البناء. وقال ابن حبيب: حال العنين والحصور والمعترض مختلف، فالعنين: الذي لا ينتشر، ذكره كالأصبع في جسده، لا ينقبض ولا ينبسط، والحصور: الذي يخلق بغير ذكر، أو بذكر صغير كالزر وشبهه، لا يمكنه به وطء، فهذان إن أقرا بحالهما فطلبت الزوجة الفراق بينهما بطلقة، وكذلك المجبوب، ولا تأجيل فيهم، وإنما يؤجل المعترض، فيؤجل سنة من يوم ترافعه إذا أقر بالاعتراض، فإذا تمت السنة ولم ينطلق من اعتراضه وطلبت زوجته الفراق طلق عليه السلطان طلقةً بائنةً. قال عبد الوهاب: العنين الذي له ذكر شديد الصغر لا يمكن الجماع بمثله، والمعترض: هو الذي لا يقدر على الوطء لعلةٍ به، وهو بصفة من يمكنه الوطء.

[فصل 2 - في الأجل الذي يضرب للمعترض] قال: ويضرب للمعترض أجل سنةٍ للحر من يوم ترافعه، وللعبد ستة أشهر، وقيل: سنة، فإن أصاب في الأجل وإلا أطلق عليه السلطان، وإنما قلنا: يضرب للمعترض الحر أجل سنة، لإجماع الصحابة على ذلك، روي عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وغيرهم، ولا مخالف لهم، ولأن الاعتراض مرض يرجى برؤه، فضرب له السنة لرجاء علاج، إذ قد يكون مرضًا يؤثر فيه الزمان، والسنة تجمع الفصول الأربعة، فلعله بالانتقال من زمانٍ إلى زمانٍ يزول عنه، ولأنها قد جعلت حداً في النكاح وغيره لاختبار أمورٍ منها: طول إقامة البكر عند الزوج، وعهدة الرقيق في الأدواء، وغير ذلك. وأما العبد فوجه القول بأنه سنة: اعتباراً بالحر، ولأن الغرض اختباره بتأثير الأزمنة في مرضه، وذلك يستوي فيه الحر والعبد. ووجه القول بأنه ستة أشهر: لقربه من الفراق كأجل الإيلاء. وإنما قلنا: إن الأجل من يوم ترافعه بخلاف المولي نفسه الإيلاء، لأن المولي لا عذر له في أن يستأنف له الأجل، لأنه قادر على رفع الإيلاء، فهو في تماديه عليه مضار، والمعترض لا يقدر على رفع اعتراضه، وهو معذور بترك العلاج، لأنه يقول: لم أعلم أنها ترافعني، فكنت أقدم الاجتهاد في العلاج.

[فصل 3 - في تداعي الزوجين في الجماع] قال: ولا يحكم بالعنة بدعواها إذا أنكر، خلافاً لأحمد بن جنبل، لأن الأصل السلامة، والدعويان إذا تعارضتا، وإحداهما ترفع العقد أو تثبت خيارًا فيه فالقول قول مدعي الصحة والاستقرار منهما كدعوى عيبٍ بالمبيع، وكذلك إذا قال: جامعتها في الأجل، وأنكرت فالقول قوله مع يمينه إن كانت ثيباً، خلافًا للأوزاعي، لأنها مدعية عليه استحقاق الفراق وهو منكر، ولأن ذلك موكول إلى أمانته، إذ لا يقدر على الإشهاد على وطئه، كما أن القول قولها في تداعيهما المسيس. وأما البكر ففيها روايتان: إحداهما: أنها كالثيب، والأخرى، أن ينظر إليها النساء فإن قلن: بها أثر إصابة، فالقول قوله، وإن قلن: إنها على النكاح، صدقت عليه، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي، فوجه أنها كالثيب: لأن إدعاء المعترض الوطء في الأجل موكول إلى أمانته كالثيب، ووجه الأخرى: أنه إذا وجدنا طريقاً يوصل إلى العلم بذلك يقيناً فهو/ أولى من الرجوع إلى أمانته ومالا يعلم صدقه فيه.

ومن المدونة: وإذا قال المعترض في الأجل: جامعتها، وأكذبته، فقد نزلت بالمدينة فتوقف فيها مالك، وأفتى غيره بالمدينة أن تجعل الصفرة في قبلها، وقال ناس: يجعل النساء معها. قال ابن القاسم: إلا أني رأيت وجه قول مالك: أن يدين الزوج في ذلك ويحلف، وسمعته منه غير مرة، وهو رأيي، فإن نكل حلفت المرأة وفرق بينهما، فإن نكلت بقيت له زوجة. فصل [4 - في الحكم إن حدث الاعتراض أو الجنون أو الجذام بعد النكاح] قال مالك: ومن تزوج امرأة فوطئها مرةً واحدةً في ذلك النكاح، ثم اعترض عنها أو حدث له ما يمنعه الوطء من علةٍ أو زمانةٍ فلا حجة لها. وقد تقدم في كتاب النكاح الأول ذكر امرأة الخصي والمجبوب والعنين تعلم به فتتركه ثم ترافعه قال: فلا كلام لامرأة الخصي والمجبوب، قال: فأما امرأة العنين فلها أن ترافعه ويؤجل سنة، لأنها تقول: تركته لرجاء علاجٍ أو غيره، إلا أن يتزوج بها وهي تعلم أنه لا يأتي النساء رأساً فلا كلام لها. قال في الثاني: ويجوز ضرب ولاة المياه وصاحب الشرطة الأجل للعنين والمفقود.

ومن تزوج امرأة فوصل إليها مرة ثم طلقها ثم نكحها ثانيةً فاعترض عنها فلها مرافعته وضرب الأجل. قال عبد الوهاب: ولو طلق عليه أولاً بالاعتراض ثم تزوجته بعد ذلك عالمةً بعيبه فلها أن ترافعه، ويضرب له الأجل ثانية، بخلاف الخصي والمجبوب، لأن الاعتراض مرضٌ يرجى زواله، فإذا تزوجته تقول: رجوت أن يكون قد زال مرضه عنه، فلم يوجب ذلك رضاها به لا محالة. ومن المدونة: قال مالك: وإذا حدث بالزوج جنونٌ بعد النكاح عزل عنها وأجل سنة لعلاجه، فإن صح وإلا فرق بينهما، وقضي به عمر رضي الله عنه. قال ربيعة: إن كان يؤذيها ولا يعفيها من نفسه لم توقف عليه، ولم تحبس عنده، وإن كان يعفيها من نفسه ولا يرهقها بسوء صحبته لم يجز طلاقه إياها. قال مالك: والمجذوم البين جذامه يفرق بينه وبين امرأته إذا طلبت ذلك. قيل لابن القاسم: فهل يضرب له أجل سنةٍ للعلاج مثل المجنون؟ فقال: إن كان ممن يرجى برؤه وقدر على العلاج فليضرب له الأجل. ابن المواز: قال مالك: وإذا اختارت الزوجة فراق الزوج لما حدث به بعد العقد من جنونٍ أو جذامٍ فلا صداق لها إذا فرق بينهما قبل البناء.

[الباب الحادي والعشرون] في اختلاف الزوجين في متاع البيت

[الباب الحادي والعشرون] في اختلاف الزوجين في متاع البيت قال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَامُرْ بِالْعُرْفِ}، فالعرف أصل يقضي به. قال مالك: وإذا اختلف الزوج والمرأة في متاع البيت وقد طلقها، أو لم يطلقها أو ماتا أو مات أحدهما فاختلف الورثة، فإن لم تقم بينة قضي للمرأة بما يعرف أنه للنساء. - قال ابن حبيب: مع يمينها. مالك: ويقضي للرجل بما يعرف أنه للرجال، أو للرجال والنساء، لأن البيت بيته. ابن حبيب: مع يمينه. وقال سحنون: بغير يمينٍ فيما يعرف لأحدهما، وما كان يعرف لهما فهو للزوج مع يمينه. مالك: فإن نكل حلفت المرأة وكان لها. وقال المغيرة: ما كان يعرف بالرجل ويعرف بالمرأة فهو بينهما بعد أيمانهما، وقاله ابن القاسم. ومن المدونة: قال مالك: وما ولي الرجل شراءه من متاع النساء وأقام بذلك/ بينة أخذه بيمينه أنه ما اشتراه إلا لنفسه، إلا أن يكون لها أو لورثتها بينه أنه اشتراه لها. قال مالك: وما كان في البيت من متاع الرجل فأقامت المرأة فيه بينة أنها اشترته فهو لها- يريد مع يمينها أنها اشترته لنفسها- وورثتها في اليمين والبينة بمنزلتها

إلا أنهم إنما يحلفون على علمهم أنهم لا يعلمون أن الزوج اشترى هذا المتاع الذي يدعي من متاع النساء، ولو كانت المرأة حيةً حلفت على البتات، وورثة الرجل بهذه المنزلة. قال: والمتاع الذي يعرف للنساء مثل: الطست والتور والمنارة والبسط والقباب والحجال والوسائد والمرافق والأسرة والفرش. قال ابن القاسم: وجميع الحلي لا شيء للرجل فيه إلا السيف والمنطقة والخاتم- يريد الفضة- وللرجل جميع الرقيق ذاكراناً وإناثاً، لأن الذكور مما يكون للرجال، والإناث مما يكون للرجال والنساء، فالرجل أولى بهن، إلا أن يكون للمرأة فيهم حيازة تعرف، فيكونون لها. قيل لابن القاسم: فالحيوان: الإبل والبقر والغنم والدواب؟ قال: هذا مما لم يتكلم الناس فيه، لأن هذا ليس من متاع البيت، وإنما لمن حازه، وكذلك ما كان في المرعى أو ما كان في المرابط من خيلٍ أو بغالٍ أو حميرٍ

فهي لمن حازها، ولا أبالي في هذا الاختلاف كانت رقبة الدار لهما أو لغيرهما، وإن اختلفا في الدار بعينها كانت للرجل. قال في الواضحة: والخص كالدار. ابن القاسم: وكذلك إن كان الزوجان عبدين أو أحدهما عبدًا أو مكاتب والآخر حر، أو كان الزوج مسلمًا وهي كافرة، فاختلفا في متاع البيت وهما زوجان، أو عند طلاقٍ أو خلعٍ أو لعانٍ أو فرقٍ بإيلاءٍ أو غيره، فهما في ذلك كالحرين فيما وصفنا. ومن المختصر عن مالك: وما نسجته هي من الصوف، والصوف من عنده فهو بينهما، لها بقدر قيمة العمل، وله بقدر قيمة صوفه.

[الباب الثاني والعشرون] في القسم بين الزوجات

[الباب الثاني والعشرون] في القسم بين الزوجات [فصل 1 - في مشروعية القسم بين الزوجات وبيان المراد به] قال الله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} الآية. قال عبد الوهاب: فيلزم الزوج العدل بين نسائه في القسم في الصحة والمرض بحسب الإمكان من غير ميلٍ ولا جورٍ، لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وقوله عليه الصلاة والسلام: "من كان له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل". ومن المدونة: قال مالك: فالقسم بين الزوجات يوم بيومٍ لا أكثر، ويعدل في المبيت. قال ابن القاسم: ولم يبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحدٍ من أصحابه أنه قسم إلا يومًا بيوم، وقد كان عمر بن عبد العزيز ربما غاضب

بعض نسائه فيأتيها في يومها فينام في حجرتها، فلو كان يجوز أن يقسم يومين بيومين أو أكثر لأقام عن التي هو راضٍ عنها فإذا رضي عن الأخرى أوفاها أيامها. قال مالك: وإن نكح بكرًا أو ثيباً أقام عند البكر سبعًا وعند الثيب ثلاثاً. قال ابن القاسم: وذلك حق لها دون نسائه، ثم يأتنف القسم، وليس ذلك بيد الزوج. وذكر أشهب عن مالكٍ أن ذلك بيد الزوج. قال عبد الوهاب: فوجه القول بأنه حق لها عليه: ما روي أنه عليه الصلاة والسلام جعل للبكر سبعًا وللثيب ثلاثاً، ولأن الغرض تأنيثها وبسطها وذهاب انقباضها، وهذا حق لها. ووجه القول بأنه حق له: أنه معنى يعود إلى الالتذاذ، فكان حقًا له غير مستحق عليه كعدد الوطء.

[فصل 2 - في الحكم إن تزوج امرأة وعنده غيرها] ومن المدونة: روى سحنون وغيره أن النبي عليه الصلاة والسلام لما تزوج أم سلمة بنت أبي أمية أقام عندها ثلاثاً، ثم أراد أن يدور فأخذت بثوبه، فقال: "ما شئت، إن شئت زدتك ثم قاصصتك بعد اليوم"، ثم قال عليه الصلاة والسلام "ثلاث للثيب وسبع للبكر". ابن وهب: عن رجالٍ من أهل العلم قالوا: هي السنة. قال مالك: في كتاب ابن المواز: ومن تزوج امرأة وعنده امرأة غيرها فليقم عن البكر سبعاً وعند الثيب ثلاثاً. قال مالك: وهو حق لازم لها وليس بيد الزوج، وقال أيضاً: ليس بلازم. قال أصبغ: قال أشهب: هو حق لها لا يقضي لها به، قال أصبغ: كالمتعة. وقال محمد بن عبد الحكم: يقضي به. ابن المواز: وليبدأ بالقسم بالتي أقام عندها بعد الثلاث أو السبع إن شاء، وإن شاء بغيرها، ويبدأ بغيرها أحب إلينا، وقاله مالك في القادم بإحداهن من السفر. وقال ابن حبيب: إنما يقيم عند البكر سبعاً وعند الثيب ثلاثاً إن كان له غيرها، ثم هو في ذلك يتصرف في حوائجه، وإلى المسجد وغيره، وإن لم يكن عنده غيرها فليس عليه أن يقيم عندها بكراً كانت أو ثيباً. ومن التعبية: ابن القاسم عن مالك: ولا يتخلف العروس عن الجمعة، ولا عن حضور الصلوات في جماعة.

قال سحنون: وقد قال بعض الناس: لا يخرج، وذلك حق لها بالسنة. قال بعض فقهائنا: لعله يريد لا يخرج لصلاة الجماعة، وأما الجمعة فلا يدعها لأنها فرض عليه، فلا يدعها في هذا القول. [فصل 3 - في الحكم إن أراد السفر من عنده أكثر من زوجة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن سافر لحاجةٍ أو حجٍ أو غزوٍ سافر بأيتهن شاء بغير قرعةٍ إذا كان على غير ضرورةٍ ولا ميل، فإن كانت القرعة ففي الغزو لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام فعله فيه، فإذا قَدِم ابتدأ القسم. وقال عبد الوهاب: إذا أراد سفراً وفيهن من لا يصلح للسفر وفيهن من يصلح له لرفقها به وامتثالها لأمره كان له السفر بها وعدوله عن الأخرى، وإن تساوين أو تقاربن، فإن كان سفر حجٍ أو غزوٍ أقرع بينهن فسافر بمن خرج لها السهم ثم لا يلزمه قضاء من لم يسافر بها رجوعه، بل يستأنف القسم، وفي سفر التجارة روايتان: إحداهما: القرعة، والأخرى: الخيار له.

وإنما يُقْرِع لهن في الحج والغزو، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام فعله فيهما، والقرعة إتباع. ووجه التسوية في سائر الأسفار: اعتباراً بسفر الحج والغزو، وتساويهما في الحاجة والرفق. قال الشيخ: ووجه التفرقة: فلأن القرعة رخصة فلا يعداً بها بابها. [فصل 4 - في الحكم إن أقام عند واحدة دون الأخرى بعض آداب الجماع والحكم إن عاد من سفره وغير ذلك] ومن المدونة: قال مالك: ولو سافر إحداهن لحج أو لضيعتها وأقام الزوج مع صاحبتها، ثم قدمت فطلبت أن يقسم لها عدد الأيام التي أقام مع صاحبتها، ثم قدمت فطلبت أن يقسم لها عدد الأيام التي أقام مع صاحبتها فلا شيء لها. وإن تعمد المقام عند واحدةٍ جميعاً لم يحاسب به، ونهى عن ذلك وابتدأ العدل، وإن عاد نكل، لأن مالكًا قال في العبد المعتق بعضه يأبق: إنه لا يقاض بما أبق فيه، وإنما يستقبل بينه وبين سيده/ من يومئذ.

قال ابن القاسم: وهذا كان أحرى أن يؤخذ منه تلك الأيام التي أبق فيها، لأنه حق للسيد. قيل له: فلم أسقط مالك ذلك عن العبد؟ قال: قال مالك: هو إذاً عبد كله. ومن كتاب محمد: قال مالك: ولا بأس إذا أتى منزل امرأته فطردته وأغلقت الباب دونه أن يذهب إلى الأخرى، وإن قدر أن يبيت في حجرتها أو في بيتها فليفعل. قال: وليس له أن يجمع بينهما في بيتٍ إلا برضاهما، ولا يجوز أن يجمعهما على فراشٍ واحدٍ وإن رضيا، وكرهه في الإماء، أو يتعروا بغير ثيابٍ، وكره أن يطأ امرأته أو أمته ومعه في البيت من يسمع حسه. ابن حبيب: عن ابن الماجشون: لا ينبغي أن يكون معه في البيت أحد نائم أو غير نائم، صغير أو كبير، وكان ابن عمر يخرج الصبي في المهد. وكره في بعض الأخبار أن تكون معه البهيمة. وقال: وله في أمتيه أن ينام معهما في فراشٍ واحدٍ، ولكن لا يطأ إحداهما والأخرى معه في بيتٍ، ولا بأس أن يتوضأ أو يشرب من ماء إحدى زوجتيه في غير يومها، ويأكل من طعام تبعثه إله من غير تعمد ميلٍ، ويقف ببابها ويسلم من غير أن يدخل عندها أو يجلس. قال مالك في كتاب محمد: ولا يأتي الواحدة في يوم اللأخرى إلا في حاجةٍ أو عيادةٍ، وله أن يجعل ثيابه عند إحداهما ما لم يرد ميلاً أو ضرراً.

مالك: ولا ينبغي أن يقيم هو في بيتٍ له وتأتيه فيه كل واحدةٍ، وليأتهن في بيوتهن كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن يرضين بذلك. قال محمد بن عبد الحكم: ويقضي عليه بذلك، وأن يسكن كل واحدةٍ في بيت. قال ابن حبيب: وإذا رجع نهاراً من سفره فله أن يتعمد ببقية يومه أيتهما شاء، وليس عليه أن ينزل عند التي خرج من عندها إلا أن يشاء، ولا يحسب ذلك، ويأتنف القسم إذا أمسى، وأحب إلى أن ينزل عند التي خرج من عندها ليوفيها بقية يومها، وما ذلك عليه بواجب، قاله مالك وأصحابه. وإذا كان لواحدةٍ شبابٌ أو غني، أو ذات شرفٍ فأراد إيثارها، فأما في المبيت وما يصلح لكل واحدةٍ من نفقة مثلها بقدر حالها فليعدل، ثم له أن يؤثر الأخرى بعد ذلك باليسير من غير ميل، ويكسوها الخز والحلي ما لم يكن ميلاً. وكذلك إن كانت واحدةً ألطف به من الأخرى في إتحافه بطرائف الطعام والطيب فيؤثرها، فأرجو أن لا بأس به، والمساواة أحب إلينا. وقيل: إن معاذ بن جبل كان له امرأتان فلم يكن يشرب الماء من عند واحدةٍ في يوم الأخرى، وإنهما ماتتا معًا فأقرع بينهما أيهما تدفن أولاً.

قال مالك في العتبية: له أن يكسو إحداهما الخز والحرير والحلي دون الاخرى ما لم يكن ميلاً. [فصل 5 - في إسقاط المرأة حقها في المبيت وهل يسوي بينهن في الجماع، وفي تركه] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن كره زوجته وأراد فراقها فقالت له: لا تفارقني واجعل أيامي كلها لصاحبتي، أو للتي تتزوج علي، فلا بأس بذلك ولا يقسم لها. ابن القاسم: فإن رجعت عن هذا وطلبت القسم، فذلك لها متى شاءت، أو يخير الزوج، فإما قسم لها أو فارق. وقد قال الله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا}. مالك: ولو شرط في عقد النكاح أن يؤثر عليها، أو لا مبيت لها، فلا خير فيه، وإنما يجوز هذا الشرط بعد العقد. ابن القاسم: ويفسخ هذا النكاح قبل البناء، ويثبت بعده، ويبطل الشرط، ويكون لها ليلتها. وليس عليه المساواة في الجماع ولا بالقلب، ولا حرج عليه أن ينشط للجماع/ في يوم هذه دون يوم الأخرى، إلا أن يفعل ذلك لغرض أن يكف عن هذه لوجود لذته في الأخرى فلا يحل له ذلك. ومن سرمد العبادة وترك الوطء لم ينه عن تبتله، وقيل له: إما وطئت أو فارقت، إن خاصمته.

وكذلك إن ترك الجماع لغير ضرورةٍ ولا علةٍ إلا أن ترضى المرأة بالمقام على ذلك. فصل [6 - في ذكر ما لا يمنع من القسم، وقسم المريض والمجبوب والقسم بين الحرة والأمة] وقسم الحر بين نسائه المسلمات والحرائر والإماء والكتابيات سواء، والقسم بين صغيرةٍ جومعت، أو كبيرةٍ صحيحةٍ، أو مجنونةٍ، أو بإحداهن رتق، أو داءٌ، أو مرض لا تجامع معه، أو حيض سواء، لكل واحدة منهن يومها وليلتها. مالك: ويقسم المريض بين نسائه إن كان مرضًا يقدر أن يدور عليهن فيه، فإن لم يقدر أقام عن أيتهن شاء لإفاقته ما لم يكن حيفًا، فإذا صح ابتدأ القسم، وليس لأم الولد مع حرةٍ قسم، وجائز أن يقيم عند أم ولده ما شاء ما لم يضار. والمجبوب ومن لا يقدر على الجماع يقسم بين نسائه بالعدل، إذ له أن يتزوج. قال مالك في النكاح الأول: فإن كان حر له أمةٌ حرةٌ ساوى بينهما في القسم كسائر حقوق الزوجة. ورأى ابن المسيب أن للحرة الثلثين وللأمة الثلث.

قال الشيخ: فوجه ذلك: لحرمة الحرة، ولأن ديتها مثلاً دية الأمة، وعدتها في الموت مثلاً عدتها، وكذلك حدودها فكذلك في القسم. تم كتاب النكاح الثاني بحمد الله وحسن عونه والصلاة والسلام على محمدٍ وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً

[الكتاب الثالث] كتاب النكاح الثالث

[الكتاب الثالث] كتاب النكاح الثالث [الباب الأول] فيمن تزوج امرأتين في عقدة أو أماً وابنتها في عقدة أو عقدتين [فصل 1 - فيمن نكح امرأتين في عقدة واحدة] قال ابن القاسم: ولا بأس أن يتزوج الرجل امرأتين في عقدةٍ واحدةٍ إذا سمى لكل واحدةٍ صداقها، فإن أجملهما في صداقٍ واحدٍ لم يعجبني ذلك، وقد بلغني أن مالكاً كرهه، لأنه لا يُدرى ما صداق هذه من صداق هذه. قيل: فإن طلق إحداهما أو مات عنها قبل البناء، كم يكون صداقها؟ أيقسم المهر الذي سمى بينهما؟ أيقسم بينهما على قدر مهورهما؟ قال: نكاحهما غير جائز. قال أبو محمد وغيره: ولا شيء لهما قبل البناء عنده. وقال سحنون: هذا جائز وإن لم يسمِّ لكل واحدةٍ صداقها، وكذلك جمع الرجلين سلعتيهما في البيع. قال ابن دينار: ويقسمان ما سمى لهما بقدر صداق مثل كل واحدة. قال الشيخ: وهذا أصوب، وكذلك لو دخل بهما على هذا القول، وعلى ظاهر قول ابن القاسم يكون لكل واحدةٍ صداق مثلها ويثبت النكاح. وقد اختلف قوله في هذا البيع فكذلك يجري في النكاح.

قال الشيخ: ويحتمل على قياس قوله فيمن نكح بدرهمين فطلق قبل البناء أن يكون لها نصف الدرهمين، أن يكون لها في هذا القول نصف ما يخصها في هذا المسمى لهما، لأنه كان يراعي قول مَنْ يُجِزْهُ بالدرهمين فمراعاته قول نفسه، وقول غيره أولى. فإن قيل: إن ما يخصها من هذا المسمى مجهول، فهو كالنكاح بالغرر، والدرهمان لا غرر فيهما، وهو لو أتم لها ثلاثة دراهم لثبت نكاحه؟ قيل له: على القول الذي يجيزه فلا يراه غرراً ولا يكون أسوأ حالاً من نكاح التفويض الذي يقضي فيه بصداق المثل، وذلك لا يعلم إلا بعد النظر فيه، فكذلك قسمة هذا المسمى على/ مثل صداق كل واحدةٍ منهما. وأيضاً هو وأصحابه لا يجيزون نكاحها بدرهمين على حال، وهو في أحد قوليه يجيز ابتداء النكاح في جميعها في صداقٍ واحددٍ، وقاله غيره من أصحابه فمراعاة هذا القول أولى. قال الشيخ: ويجوز أن يتزوج امرأتين إحداهما بصداقٍ مسمى والأخرى على تفويضٍ وذلك في عقدٍ واحد، لأنهما صداقان يجوزان في الانفراد فكذلك يجوزان في الاجتماع. وكذلك لو جمعهما جميعاً في عقدٍ واحدٍ على تفويضٍ فإنه جائز، وقاله أبو عمران.

[فصل 2 - فيمن نكح حرة وأمة في عقد] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن نكح حرةً وأمةً في عُقدةٍ وسمى صداق كل واحدةٍ فقال مالك: يفسخ نكاح الأمة ويثبت نكاح الحرة، ثم رجع فقال: إن علمت الحرة بالأمة فنكاحها ونكاح الأمة ثابت، ولا خيار لها، وإن لم تعلم خيِّرت بين أن تقيم أو تفارِق. قال سحنون: وقد بينا هذا الأصل في الكتاب الأول. قال سحنون: إذا كان واحداً للطول فُسٍخَا جميعاً، وكذلك لو تزج امرأةً في عدتها وأخرى في غير عدتها في عقدةٍ واحدة، لفسد النكاحان جميعاً، كصفقةٍ جمعت حلالاً وحراما. قال الشيخ: قال بعض أصحابنا: ليس ذلك كصفقة جمعت حلالاً وحراماً لأن فسخ نكاح الأمة لم يتفق الناس عليه، ومالك قد اختلف قوله فيه، إذ قال بعض الناس: إن الآية منسوخة فلم يبلغ الأمر في ذلك إلى صفقةٍ جمعت حلالاً وحراماً.

[فصل 3 - فيمن نكح أما وابنتها في عقدة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن نكح امرأةً وابنتها في عقدةٍ وسمى لكل واحدةٍ صداقها، ثم تبين أن الأم لها زوجٌ فسخ نكاحهما، ولم يثبت نكاح الابنة لأن من قول مالكٍ أن كلُّ صفقةٍ جمعت حلالاً وحراماً فلا يجوز ذلك عنده في البيوع، قال مالك: وأشبه شيءٍ بالبيوع النكاح. قال ابن القاسم: وكذلك إن لم يكن للأم زوجٌ ولم يدخل بواحدةٍ منهما فلابد من فسخه، وليس له حبس إحداهما وفراق الأخرى، ثم ينكح بعد ذلك من أحب منهما، إن شاء الأم أو الابنة. وقيل: لا يتزوج الأم للشبه التي في البنت. قال مالك: وإن كان قد بنا بهما قبل الفسخ حرمتا عليه للأبد، ولو بنى بواحدةٍ منهما فُسخا وخطب التي بنا بها بعد الاستبراء، أُمَّاً كانت أو بنتاً، ولم يحل له نكاح الأخرى أبداً. [فصل 4 - فيمن نكح أما وابنتها في عقدتين] ومن المدونة: ومن تزوج امرأةً فلم يبن بها حتى تزوج ابنتها وهو لا يعلم، فدخل بالابنة، فارقهما جميعاً. قال مالك: ولا صداق للأم، ويتزوج الابنة إن شاء بعد ثلاث حيض، أو وضع حمل، وتحرم عليه الأم أبدا، لأنها صارت من أمهات نسائه، وإن كان نكاح البنت حراماً فالحرمة تقع فيه كما يثبت فيه النسب والصداق، ويرفع الحد.

وإن نكح الأم آخراً وهو لا يعلم فبنى بالأم أو بهما، فارقهما وحرمتا عليه للأبد، لأن الأم قد دخل بها فصارت الربيبة محًّرمةً، والأم هي من أمهات نسائه فلا تحلان له أبداً. وروى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَيُما رجلٍ نكح امرأةً فدخل بها أو لم يدخل بها فلا يحل له نكاح أمها أبداً، أَيُما رجلٍ نكح امرأةً فدخل به فلا يحل له نكاح ابنتها، وإن لم يدخل بها فلينكحها"، وقاله زيد بن ثابت، قال: لأن الأم مبهمة لا شرط فيها، وإنما الشرط في الربائب- يريد: قول الله تعالى في آية التحريم بعد قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} ثم قال في الآية: {وأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ ورَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}. قال ابن القاسم: وإذا نكح البنت فدخل بالأم فسختا النكاح فلا صداق للابنة إن لم يبن بها وإن كانت الفرقة والتحريم من قِبَلِ الزوج، لأنه لم

يتعمده وصار نكاح الابنة لا يقر على حال، فلما فسخ قبل البناء لم يكن لها مهرٌ لا نصف ولا غيره. قال مالك في ثمانية أبي زيد: إذا نكح الأم بعد البنت أو البنت بعد الأم فوطئ بالثانية وحدها فسخ نكاحهما بغير طلاق، وكان للأولى نصف الصداق. وقال عبد الملك وغيره: ما كان من فسخ غالبٍ قبل البناء فلا صداق فيه. قال الشيخ: وحكى عن أبي عمران أنه قال: ولو تزوج الأم بعد البنت عامداً عالماً بتحريم ذلك ودخل بها كان عليه نصف صداق البنت، لأنه كأنه قصد طلاقها، وهذا على قوله، إن الزنا يحرِّم الحلال، وكذلك على قوله: إن الزنا لا يحرِّم الحلال إذا فارق البنت تورُّعاً، يكون أيضاً عليه نصف الصداق، لأنه نكاح يقَرُّ عليه، وكذلك من زنا بختنته قبل الدخول بابنتها ففرِّق بينه وبين البنت بالغلبة، ويكون عليه نصف الصداق. وأما على قول عبد الملك وغيره فلا صداق لهما، لأنه فسخٌ غالبٌ قبل البناء، وقد نصَّ ابن المواز: أنه لا يفسخ في الزنا بالجبر، وقاله بعض شيوخنا القرويين: إنه

إنما يؤمر بذلك ولا يجبر عليه، فإذا تورع وفارق لزمه نصف الصداق على القولين جميعا، خلاف ما قاله أبو عمران. قال الشيخ: واختلف فيمن مَرَّ بيده على فخذ ابنته وظنَّ أنها زوجته قاصداً اللَّذة، أو وطئها بالليل غَلَطاً، فقال جماعة من الفقهاء القرويين وأئمتهم: إنها تحرم عليه زوجته، وقال سحنون والليث وغيره: لا تحرم عليه. ومن المدونة: قال مالك: وإن لم يبن بالثانية ثبت على نكاح الأولى، أُمَّاً كانت أو ابنة، دخل بها أم لا، ويفسخ نكاح الثانية. قال: وإن تزوج الأم ودخل بها ثم تزوج الابنة ودخل بها حرمتا عليه جميعاً، ومحمل الجدات في التحريم محمل الأمهات، ومحمل بنات البنات وبنات الأبناء محمل البنات. فصل [5 - فيما يكون سببا في تحريم المرأة على آباء الناكح وأبنائه] ومن وطئ امرأةً أو قَبَّل أو باشر أو نظر للذَّة بملكٍ أو نكاحٍ صحيحٍ أو فاسدٍ أو حرامٍ بشبهةٍ أو في عدة فإنها تحرم على آبائه وأبنائه، وتحرم عليه ابنتها بنكاحٍ أو ملك. وإن تزوجها في عدةٍ فلم يبْن بها حتى تزوج أُمَّها أو أختها، أقام على نكاح الثانية، لأن نكاح المعتدة غير منعقد، وهي تحل لآبائه وأبنائه ما لم يتلذَّذ منها بشيء.

وروى ابن وهب: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال في الذي تزوج المرأة فيغمزها ولا يزيد على ذلك: لا يتزوج ابنتها. وقال ابن مسعود: إذا قَبَّلها أو جلس بين فخذيها فلا يتزوج ابنتها.

[الباب الثاني] في المحرمات من النساء، ومن وطئ امرأته أو ابنتها بزنا أو نكاح، وما تجب به الحرمة

[الباب الثاني] في المحرمات من النساء، ومن وطئ امرأته أو ابنتها بزنا أو نكاح، وما تجب به الحرمة [فصل 1 - في المحرمات من النساء] قال تعالي: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وبَنَاتُكُمْ وأَخَوَاتُكُمْ وعَمَّاتُكُمْ وخَالاتُكُمْ وبَنَاتُ الأَخِ وبَنَاتُ الأُخْتِ} فهؤلاء بالقرابة سبع، وقال: {وأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ ورَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ} إلى قوله: {وأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} وقل تعالى قبل ذلك: {ولا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} وقوله تعالى: {وحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} / لم يعنِ به دون أبناء الرضاع، لكن دون من يدَّعي ابناً بالتبني، لأن النبي عليه الصلاة والسلام

قد كان تبنى زيد بن حارثة، ثم تزوج زوجته زينب بنت جَحش، فأنزل الله تعالى فيهما، وأمر أن يدعوا لآبائهم.

فحرَّم الله تعالى من النسب سبعاً، ومن الصهر والرضاع سبعاً، وحرَّم الرسول عليه الصلاة والسلام من ذلك بالرضاع ما يحرم من النسب، فهؤلاء محرماتٌ على التأييد، إلا الجمع بين الأختين فإنما هو تحريمٌ في حال جَمْعِهِما، وحرَّم غير هؤلاء في حالٍ دون حالٍ، فمن ذلك نكاح الخامسة، وحرَّم المحصنات من النساء- يقول ذوات الأزواج- إلا ما ملكت أيمانكم، يقول: بالسبي ولهن أزواجٌ بدار الحرب. قال ابن حبيب: أو سُبين معهم. وحرَّم نكاح المشركات حتى يؤمن، فهن محرمات بنكاحٍ أو ملكٍ، وحرَّم نكاح المعتدة حتى تنقضي عدتها، والمبتوتة على الذي أبتَّها حتى تنكح زوجاً غيره.

ونهى النبي عليه الصلاة والسلام عن نكاح المتعة، ونكاح المُحْرِم، ونكاح المحلِّل، ونكاح الشغار. وقد مضى تفسير بعض ذلك، ويأتي تفسير باقيه في مواضعه إن شاء الله تعالى. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن تزوج امرأة بنكاحٍ صحيحٍ، أو في إجازته اختلاف حرمت بالعقد دون الوطء على آبائه وإن بعدوا وأبنائه وإن سلفوا بنسبٍ أو رضاع، وحرمت عليه أمهاتها، ولا تحرم عليه ابنتها بالعقد على الأم دون الوطء أو الالتذاذ. وأما إن تزوج ذات محرمٍ أو رضاعٍ أو معتدةٍ لم تحرم بالعقد فقط على آبائه ولا أبنائه، ولا تحرم عليه أمها.

فصل [2 - فيمن وطيء أم امرأته أو ابنتها بزنا أو نكاح] ومن المدونة: قال مالك: ومن زنى بأم زوجته أو بابنتها فليفارق زوجته ولا يقيم عليها. وقال في الموطأ: لا يُحرِّم الزنا حلالاً. قال سحنون وأصحابه على ما في الموطأ: لا اختلاف بينهم فيه، وهو الأمر عندهم فيه وقاله عددٌ من الصحابة والتابعين. قيل لابن القاسم: فإن تزوج أُم امرأته وهو يعلم أنها أمها أتحرم عليه زوجته؟ قال: قد أخبرتك أن مالكاً كره أن يقيم عليها بعد الزنا بأمها، فنكاحه لأمها وزناه بها في هذا سواء، إلا أن يُعذَر بجهالةٍ في تزويجه ولا يُحد، ويُلحق يه الولد، ويكون هذا آكد في التحريم من الزنا للحوق النسب وزوال الحد. يريد وإذا لم يعذر يجهلٍ في نكاحه لزمه الحد وفارق زوجته على أحد قولي مالك، وإذا عُذِر بالجهالة لم يحد ولزمه فراقها بلا اختلاف من قول مالك.

[فصل 3 - فيما تجب به الحرمة] قال: ومن زنى بامرأةٍ أو تلذَّذ منها حراماً فلا أحب له أن يتزوج أمها ولا ابنتها، ولا أحب لابنه ولا لأبيه أن يتزوجها أبداً، وإن كانت في عصمة أحدهما فليفارقها- يريد على أحد قولي مالك- ولا بأس أن يتزوجها هو نفسه بعد الاستبراء من مائه الفاسد. قال الشيخ: وقوله تعالى: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} إلى قوله {وحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ}، فالنكاح هاهنا الزنا، أي لا يزني بها إلا زانٍ أو مشرك، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال ابن المسيب، إنها منسوخةٌ بقوله تعالى: {وأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ}. قال ابن حبيب: ولا يجوز نكاح الزانية المجاهرة وذات الخدن، ويستحب لمن تحته امرأة تزني أن يفارقها، وإن بُلي بحبِّها فليحبسها، وروي ذلك عن النبي

صلى الله عليه وسلم، وما عُلم من ذلك فعليه الاستبراء بثلاث حيض، وفي مملوكته بحيضة. وفي كتاب ابن المواز: قال ابن وهب عن مالك عن المرأة المُعلِنة بالسوء: لا أرى للرجل أن يتزوجها، ولست أراه حراماً.

[الباب الثالث] في وطء الأختين بنكاح أو ملك والجمع بين النساء

[الباب الثالث] في وطء الأختين بنكاح أو ملك والجمع بين النساء [فصل 1 - في الجمع بين الأختين بنكاح] قال الله تعالى: {وأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ}، قال ابن حبيب: يقول: في الجاهلية: يقول: فإنه مغفورٌ لكم، وكانت مُضرُ تحرِّم من ذلك ما حرم الإسلام إلا امرأة الأب، والجمع بين الأختين أخذوه من ملة إبراهيم عليه السلام. قال غيره: وأما الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها فمحرَّم بدليل القرآن وبنص السنة، فدليل القرآن قوله تعالى: {وأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ}، والسنة: نهيه عليه الصلاة والسلام أن يجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، ولا خلاف في ذلك. قال ابن بَكير: والمعنى الجامع بينهن أن كل امرأتين من ذوات المحارم لو

كان موضع إحداهما ذكَراً لم تحل له الأخرى لم يجز لجامعٍ أن يجمع بينهما، وهذه علة لا تنكسر البتة، وإنما جاز الجمع بين امرأة الرجل وابنته من غيرها لانخرام ذلك وذلك أنا إذا جعلنا موضع الابنة ابناً لم تحل له زوجة أبيه، وإذا جعلنا موضع الزوجة رجلاً لم يحرم عليه أن يتزوج ابنة رجلٍ أجنبي، فلهذه العلة أجزنا الجمع بينهما، وفي الأختين لا ينخرم ذلك من الجهتين. ومن المدونة: قال مالك: ومن تزوج أختاً بعد أختٍ فلم يبن بهما أو بنى بإحداهما او بهما فليثبت على الأولى ويفارق الأخرى فسخاً بغير طلاق، وكذلك كل من يحرم الجمع بينهن ممن يجوز له نكاح إحداهما بعد صاحبتها، وللمدخول بها المسمى أو المثل إن لم يسم. قال أشهب: فإن بنى بهما ثم مات ولم تعلم الأولى منهما، وكلاهما تدعى أنها هي الأولى فلتحلفا، ويكون لكل واحدةٍ صداقها المسمى، والميراث بينهما نصفين، وعلى كل واحدةٍ عدة الوفاة مع الإحداد. محمد: ومع ثلاث حيض. قال الشيخ: فإن حاضت في الأربعة أشهر وعشرٍ أجزأها ذلك. ابن حبيب: فإن لم يبن بهما فالميراث بينهما، ولكل واحدةٍ نصف صداقها وإن بنى بواحدة معروفةٍ فلها الصداق ونصف الميراث، وللأخرى نصف الصداق ونصف الميراث. وإن نكحهما في عقدة فلا ميراث لهما، ومن بنى بها فلها الصداق ولا صداق للأخرى

قال أشهب في كتاب محمد فيمن نكح أختاً بعد أخت ولكل واحدةٍ شهود ولم تُؤرخ البينة ولم تُعرف الأولى: فالزوج مصدَّق فيمن قال: إنها الأولى، ويفارق الأخرى بغير صداقٍ ولا طلاق. محمد: وهذا صواب، وذكر عنه أنه قال: ولو قال في إحداهما: ما تزوجتها، قبل قوله. محمد: وهذا لا يعجبني. فإن لم يذكر الآخرة بعينها فرِّق بينه وبينهما كالقائل: جَهِلْتُ الأولى. ومن المدونة: قال مالك: ومن تزوج أخته في الرضاعة ففرق بينهما بعد البناء فلها المسمى. قال مالك: ومن نكح أختين في عقدةٍ ولم يَعلم هو ولا هما بذلك فلم يبن بهما أو بنى بإحداهما أو بهما ثم علم بذلك فليفارقهما، وينكح أيتها شاء بع استبرائها إن مسها، ولا خيار له في حبس إحداهما. قال ابن القاسم: ومن وطئ أمةً بالملك ثم تزوج أختها لم يعجبني ذلك، لأن مالكاً قال: لا ينبغي للرجل أن ينكح إلا امرأةً يجوز لها وطؤها إذا نكحها. قال ابن القاسم: وهده عندي لا يستطيع إذا تزوجها أن يطأها ولا يقبِّلها ولا يباشرها حتى يحرِّم فرج أختها، ولا يجوز له أم ينكح إلا في الموضع الذي يجوز له الوطء فيه، إلا أنه إذا نكحها لم أفرق بينها وبينه، وأوقفته عنها حتى يحرم فرج أيتهما شاء. قال سحنون: وقد قال عبد الرحمن: إن النكاح لا ينعقد، وهو أحسن قوليه.

وقال أشهب في كتاب الاستبراء: عقد النكاح تحريمٌ للأمة كان يطؤها أو لا. ابن المواز: وقاله ابن عبد الحكم، قالا: لأنه لو لم يكن وطئ الأولى لم يكن مخيراً في وطء من شاء، كما لو اشتراهما، وإنما له وطء المتزوجة، ولو وطئ الأولى لم تحرم بذلك المتزوجة. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن باع أمةً وطئها ثم تزوج أختها فلم يطأها حتى اشترى المبيعة، لم يطأ إلا الزوجة، وليس عليه أن يحرِّم فرج جاريته، والعقد هاهنا في الزوجة كالوطء في الملك. [فصل 2 - في الجمع بين الأختين بملك اليمين] قال عبد الوهاب: أما الجمع بين وطء الأختين بملك اليمين فعندنا أنه كالنكاح في المنع، واختلف فيه الصدر الأول، فذهب قوم إلى جواز المنع بينهما بملك اليمين، ودليلنا: قوله تعالى: {وأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} فعم، لأن وطء الملك أحد نوعي استباحة الفرج في الشرع، فهو كالنكاح، ولأن الذي له مُنع ذلك في النكاح خيفة العداوة والتباغض وقطع الأرحام، وذلك يستوي فيه النكاح والملك.

ومن المدونة: قال مالك: ومن اشترى أختين فوطئ إحداهما فلا يطأ الأخرى حتى يحرم فرج التي وطئ، فإن باع التي وطئ، ثم وطئ الباقية، ثم اشترى المبيعة تمادى على وطء الباقية. قال ابن القاسم: ولو لم يطأ الباقية حتى اشترى المبيعة وطئ أيتهما شاء، ولو أن حين وطئ إحداهما وثب على الأخرى فوطئها قبل أن يحرم عليه التي وطئ وقف عنهما حتى يحرِّم أيتهما شاء. قال في كتاب الاستبراء: فإن حرَّم فرج الثانية أقام على وطء الأولى، وإن حرم فرج الأولى لم يطأ الثانية حتى يستبرأ لفساد وطئه، وليحرِّ فرج إحداهما ببيع، أو بنكاح، أو عتقٍ إلى أجلٍ، أو بما تحرم عليه. قال ابن المواز: فإن باعها فلا يطأ الباقية حتى تخرج المبيعة من الاستبراء. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن ظاهر منها لم تحل له أختها، إذ له الكفارة، وكذلك إن باعها من عبده أو ابنه الصغير أو يتيم في حجره، إذ له الاعتصار والانتزاع والبيع من نفسه، وكذلك 'ن زوجها تزويجاً لا يقرِّان عليه، أو باعها من أجنبي بيعاً فاسداً، إلا أن تفوت في البيع الفاسد فتحل له أختها، وإن باعها وبها عيوبٌ حلَّت له أختها، وهو بيعٌ حتى ترد، وإن أُسرت أو أبقت إباق إياس حلت له أختها. قال ابن حبيب: ولو أخدمها شهراً وشهه لم تحل له أختها، وإن أخدمها سنين كثيرة أو حياة المخدم فذلك يحل له أختها، قاله ابن الماجشون.

ومن كتاب النكاح قال ابن القاسم: ومن اشترى أختاً بعد أختٍ فله أن يطأ الأولى أو الأخيرة، وأما من تزوج امرأةً فلم يمسها حتى اشترى أختها فليقِم على وطء الزوجة، ولا يطأ الذي اشترى حتى يفارق زوجته، فإن وطئ المشتراة كفَّ عن الزوجة حتى يحرم فرج الأمة، ولا يفسد هاهنا النكاح على حال الصحة عُقدة الزوجة. ابن المواز: قال أشهب: إذا وطئ المشتراة فلا يكفُّ عن وطئ زوجته، بل يطؤها، لأن فرج أختها حرامٌ بالنكاح في هذه. ومن المدونة: ومن زوَّج أم ولده ثم اشترى أختها فوطئها، ثم رجعت إليه أم الولد، أقام على/ وطء الأمة، ولو ولدت منه الأمة ثم زوجها وأختها ثم رجعتا إليه جميعاً وطئ أيتهما شاء، إلا أن يطأ أولاهما رجوعاً، وما وجب في أختي النسب وجب مثله في أختي الرضاع في هذا، وكثير من هذا في كتاب الاستبراء. فصل [3 - في نكاح أخت مطلقة طلاقاً بائنا في عدتها] ومن طلق امرأته طلاقاً بائناً فله تزويج أختها في عدتها، وكذلك خامسةٍ في عدة رابعةٍ مبتوتة، وإن طلقها طلقةً فادعى أنها أقرت بانقضاء العدة، وذلك في أمدٍ تنقضي في مثله العدة فأكذبته فلا يصدَّق في نكاح الخامسة، أو الأخت، أو قطع النفقة والسكنى، لأن مالكاً قال: القول في العدة قول المرأة، فإن نكح

الأخت أو الخامسة فسخ النكاح الثاني إلا أن يأتي هو على قولها ببينةٍ أو بأمرٍ يُعرف به انقضاء العدة. [فصل 4 - في الجمع بين النساء] ولا يجمع بين أختين من نسبٍ أو رضاع، ولا بين المرأة وبنات أخيها أو بنات أختها، أو مع بنات بينهم الذكور والإناث من نسبٍ أو رضاع، والأصل في ذلك قوله تعالى: {وأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ}، ولأن المرأة خالة بنت أختها، وعمة بنت أخيها، وقد روى ابن وهب عن علي بن أبي طالب وأبي هريرة رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جمع الرجل بين المرأة وعمَّتها وبين المرأة وخالتها. قال ابن شهاب: ولا بينها وبين من لأبيها أو لأمها من عمةٍ أو خالةٍ من عصمة نكاحٍ ولا في وطءٍ بملكٍ أو بنكاح.

قال الشيخ: لأنها تقع من عمة الأب بنت ابن أخيها ومن خالته بنت ابن أختها، وحكم بنات الإخوة وإن سلفوا في الجمع حكم الإخوة. وقد جعل العلماء لذلك أصلاً وهو أن ينظر إلى المرأتين اللتين يريد الجمع بينهما أن لو كانت إحداهما رجلاً والأخرى امرأة، فإن حرم تناكحهما فيحرم الجمع بينهما، وإن حل تناكحهما حل الجمع بينهما، وهذا في النسب لا في الصهر. ومن المدونة: قال مالك: ويجمع بينهن في الرق، فإن وطئ إحداهن لم يطأ الأخرى حتى يحرم فرج التي وطئ. وقال يحيى بن سعيد: لا ينكح الرجل بنت ابن امرأته ولا بنت ابنتها من غيره ولا شيئاً من أولادهما وإن بعدن عنها. قال الشيخ: لأن حكم بنت البنت وبنت الابن وإن سفلتا حكم البنت في التحريم، فبنت ابن امرأة الرجل وبنت ابنتها كابنتها، وبنتها ربيبة، فكذلك أولئك لهن حكم الربائب، وهذا بين. قال ابن حبيب: ومن قول مالك: أنه لا يجوز لأبيك نكاح ابنة زوجتك من غيرك، كانت زوجتك حينئذ في عصمتم أم لا. قال ابن مواز: ويجوز أن ينكح ما نكح أبو زوجتك أو ابنها من النسب.

قال الشيخ: لأن أبا زوجتك ليس هو أبوك، ولا ابنها ابنك، وليس كل من يحرم عليك نكاحه أن لو كان امرأةً يحرم عليك ما نكح، أل ترى أن الأخ يحرم عليك نكاحه أن لو كان امرأةً، لأنها أخت، ولا يحرم عليك ما نكح من النساء فكذلك الربيب، وإنما يقع التحريم فيما نكح الابن والأب خاصة. ومن المدونة: قال عمر بن عبد العزيز: لا يجمع بين المرأة وابنتها من ملك اليمين، فقد نزل في القرآن النهي عنه، وإنما استحل ذلك من استحلَّه لقول الله تعالى: {إلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، وسئل عنه عثمان رضي الله عنه فقال: لي يحل ذلك، ونهى عنه علي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما وقالا: إنما أحل الله لك ما سمى لك سوى هؤلاء مما ملكت أيمانكم. ابن القاسم: ومن وطئ أمةً له أو لولده فلم تحمل وامرأته أم لها/ حرمت عليه امرأته، لأنه ممن لا حد عليه فيها، وهذا لا اختلاف فيه، والتي لا حد عليه فيها أشد في التحريم ممن عليه الحد. فإن حملت منه الأمة عتقت عليه- يريد إن بنى بالأم- وعليه قيمتها للابن، وكذلك من ملك من ذوات المحارم فوطئها فحملت منه، فإنه لا حد عليه وتعتق عليه، إذ حرم عليه ما كان له فيها من المتعة، وليس له أن يبقيها في الخدمة. ومن مختصر المدونة لأبي محمد: قال ربيعة ويحي بن سعيد: ولا بأس أن يجمع بين ابنتي العم أو الخال، وليس أبوهما واحداً. قال مالك: ما اعلمه حراماً، وغيره أحسن منه. وقال يحي بن سعيد: إنما كره لعلة التقاطع بينهما.

قال ربيعة ومالك: ويجمع بين المرأتين بينهما نسب يحل لإحداهما أن لو كانت رجلاً نكاح الأخرى، ولا يجوز إن لم يحل أن يتناكحا، وأما من قبل الصهر فذلك جائز، حل لإحداهما لو كانت رجلاً تزويج الأخرى أم لا. قال مالك: ولا بأس أن يجمع بين المرأة وربيبتها، وقد جمع عبد الله بن جعفر بين امرأة علي وبين ابنته من غيرها.

[الباب الرابع] ما يحصن الزوجين، ويحل المبتوتة وحكم الردة في ذلك

[الباب الرابع] ما يحصن الزوجين، ويحل المبتوتة وحكم الردة في ذلك [فصل 1 - في معاني الإحصان] وفرض الرسول عليه الصلاة والسلام الحكم بالرجم فيمن أُحصن بنكاحٍ من الأحرار البالغين، وقضى به هو الخلفاء بعده. وحرَّم الله تعالى في كتابه المبتوتة بالثلاث على التي أبتَّها حتى تنكح زوجاً غيره، وأبان ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: "حتى تذوق

العسيلة". والإحصان على وجوه: إحصان حريةٍ، وإحصان نكاحٍ، وإحصان عفافٍ، وإحصان إسلامٍ. فإحصان الحرية قوله تعالى: {والْمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ والْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ}، وقوله تعالى: {ومَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ}، وقوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المُحْصَنَاتِ مِنَ العَذَابِ} أي الحرائر. وإحصان التزويج قوله تعالى: {والْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} يعني بالسبي ولها زوج، وقوله: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ}. وإحصان العفاف قوله تعالى: {والَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا}، {والَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}.

وإحصان الإسلام قوله تعالى: {فَإذَا أُحْصِنَّ} أي أسلمن، وقاله ابن مسعودٍ وغيره. قال الشيخ: وحكى عن أبي عمران في قوله تعالى: {فَإذَا أُحْصِنَّ فَإنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ} أنه قال: من قرأ (أحصن) بضم الهمزة فتأويله: تزوجن، وهو إحصان النكاح، فيكون حد الأمة المتزوجة على هذه القراءة بنصِّ القرآن، وحد غير المتزوجة بالحديث الذي رواه أبو هريرة وزيد بن خالدٍ رضي الله عنهما وعن النبي صلى الله عليه وسلم. ومن قرأ (أحصن) بفتح الهمزة فيحتمل تأويله أن يكون، أسلمن، فتكون المتزوجة، وغير المتزوجة على هذا التأويل داخلة في الآية. قال الشيخ: وإحصان النكاح يجب بخمسة أوجه: بالإسلام والحرية والبلوغ والعقل والنكاح الصحيح، واختلف في وجهٍ سادسٍ وهو الوطء الفاسد، فقيل: لا يحصِّن، وقيل: يحصِّن.

[فصل 2 - في الإحصان والإحلال بوطء الصغيرة والمجنونة] قال ابن القاسم: ومن تزوج صغيرةٍ لم تُحصن، ومثلها يُجامع، فوطئها أحصنته ولم يحصنها ولكنه أحلها، والمجنونة المغلوبة على عقلها تحصن واطئها ولا يحصنها، وقال بعض الرواة: يحصنها، لأنها بالغةٌ مسلمة ونكاحها حلال. قال الشيخ: يريد ابن القاسم إذا كان العقد في الصحة ووطئها في حال جنونها ثم أفاقت فلم يطأها حتى زنت، أن وطئها في حال جنونها لا يحصنها حتى يطأها بعد إفاقتها، وفي قول غيره: يحصنها وطؤه ذلك وإن لم يطأها بعد إفاقتها. [فصل 3 - في الإحصان والإحلال بوطء الصبي] ومن المدونة: قال ابن القاسم:/ وإن لم يحتلم الصبي ومثله يقوى على الجماع، فزوَّجه أبوه أو وصيه امرأةً فبنى بها وجامعها لم يحصنها ولا يحلها، ولا يجب لها بوطئه مهرٌ ولا عدةٌ عليها إن بارا عنه أبٌ أو وصي، لأن وطء الصبي ليس بوطء، وتقع الحرمة بعقد نكاحه بين آبائه وأبنائه وبين هذه المرأة. قال مالك: ولا حد على كبيرةٍ زنت بصبيٍ صغيرٍ لم يبلغ، وأما الصبية فهي تحصِّن الكبير. قال ابن المواز: وعلى هذا جماعة أصحاب مالك، وقاله مالك. ابن وهب: وقاله يحيى بن سعيد، وقال: إنما ذكر الصبي بمنزلة الأصبع، ولو زنى رجل بصبيةٍ مثلها يوطأ إلا أنها لم تحصن لحد، ولم تحد الصبية، وقاله الأوزعي ومالك والليث.

[فصل 4 - في الإحصان والإحلال بوطء الخصي والمجنون] ومن المدونة: وإذا تزوجت المرأة خصياً قائم الذكر فوطئها قبل علمها به ثم علمت به، فاختارت فراقه لم يحلها وطؤه ذلك، ولم يكن إحصاناً لها ولا له، ولا يكون الإحصان عند مالك إلا ما يقام عليه الحد ولا خيار فيه. وإن وطئها بعد علمها به ورضاها انقطع خيارها وأحلها وطؤه ذلك، وكانا به محصَنين، لأنه نكاحٌ يُغتَسل منه، ويجب بوطئه الصداق والحد. وكذلك إن تزوجت مجنوناً ولم يعلم بها فلها الخيار في فراقه، وإن وطئها بعد علمها به ورضاها أحصنها ذلك، لأنه نكاح صحيح، ووطؤه يوجب الصداق والحد. قال الشيخ: قال بعض شيوخنا: وسواءٌ كان مقطوع الخشفة أو غير مقطوعها. قال الشيخ: وهذا هو ظاهر المدونة، وذكر عن سحنون انه قال: إنما يكون لها الخيار إذا كان مقطوع الخشفة، لأن اللذة فيها، وأما إن كان غير مقطوع الخشفة فلا خيار لها، ولا حجة لها انه لا يولد لمثله كما لا حجة لها إذا تزوجت رجلاً فوجدته عقيماً لا يولد له.

وقال أبو القاسم بن الكاتب: انظر إن كان إنما جعل لها الخيار لأنه لا ينزل الماء الدافق فصار وطؤه ناقصاً لذلك، ويؤيد ذلك إجماعهم أن ليس للرجل أن يعزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها، فدل أن الإنزال من حق الزوجة، وليس كذلك الرجل العقيم لتكامل وطئه بإنزاله، وإذ قد يولد له بعد ذلك. قال ابن المواز: مذهب ابن القاسم إذا صح العقد ثم وطئها بعد ذلك في حال جنونه أحلها وأحصنها، ولم يحصنه ذلك. وقال أشهب: لا يحلها ولا يحصنها، وإن كان سليم وطئ مجنونة في حال جنونها فذلك يُحصنها ويُحلها، لأن الوطء للرجل وإليه يُنظر. وقال عبد الملك: لا أبالي من كان منهما مجنوناً أو كانا مجنونين جميعاً في حال الوطء، فذلك يُحل ويحصن إذا صح العقد في الإفاقة، ويعقد من يجوز عقده عليها. [فصل 5 - في الإحصان والإحلال بوطء العبد للحرة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن تزوجت الحرة عبداً أذن له سيده في النكاح، فوطئها قبل علمها به لم يحصنها ولم يُحلها ولها الخيار في فراقه حتى تعلم، فإن وطئها بعد علمها به ورضاها أحلها وأحصنها، ولا خيار لها بعد. ابن المواز: قال مالك: وإذا تزوجت عبداً بغير إذن سيده ودخل بها لم يحلها وطؤه حتى يجيزه السيد، ثم يطأ العبد بعد ذلك. وقال أشهب: إذا أجازه أحلها الوطء الأول.

[فصل 6 - في الإحصان والإحلال بنكاح المجبوب] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا يحصن المرأة ولا يحلها مجبوب، إذ لا يطأ. ابن حبيب: قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن تزوجت شيخاً فلم ينتشر فأدخلت ذكره بأصبعها ثم فارقها/ قال: إن انتشر بعد أن أدخلته وعمل أحلها ذلك لمن أبنها، وإن بقي كذلك فلا يحلها. ابن المواز: قال ابن القاسم: ولو وطئ فوق الفرج فأنزل ودخل ماؤه في فرجها وأنزلت هي أيضاً فلا يحلها ولا يحصنها. [فصل 7 - في الإحصان والإحلال بوطء الحر للأمة المسلمة والحرة الكتابية] ومن المدونة: ويحصن الحر وطء الأمة المسلمة والحرة الكتابية بنكاح صحيح، وإن فسد النكاح لم يحصن.

ابن المواز: وروى ابن وهب أن عبد الملك بن مروان سأل عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، هل تحصن الأمة الحر؟ قال: نعم، فقال له: عمن تروي هذا؟ قال: أدركت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون ذلك. ومن المدونة: قال ربيعة: يحصن الحر المملوكة وتحصن الحرة بالعبد، وقاله علي بن أبي طالب وجماعة من الصحابة والتابعين. والأمة المسلمة والحرة الكتابية يحلهن وطء العبد أو الحر المسلم بنكاح، ولا يكونان به محصنين حتى توطأ هذه بعد الإسلام، وهذه بعد العتق، والعبد لا يحصنه ذلك حتى يطأ بعد عتقه، والوطء بعد عتق أحدهما يحصن المعتق منهما، والعبدان إذا عتقا وهما زوجان فلم يجامعها بعد العتق حتى زنيا لم يكونا به محصنين حتى يطأها بعد العتق.

[فصل 8 - في الإحصان والإحلال بمجرد الخلوة، وبزنا المرأة] ومن المدونة: قال مالك: ومن بنى بزوجته ثم طلقها فادعت المسيس وأنكره، فالقول قول المرأة في الصداق، وعليها العدة، ولا يملك الرجعة، ولا يحلها ذلك لزوج كان طلقها البته، إلا بتقاررهما على الوطء. قال ابن القاسم: أما في الإحلال فلا أمنع المطلق منها وأدينها وأخاف أن إنكار الزوج ليضر بها في نكاحها، ولا يكون الزوج محصناً، لأنها لا تصدق عليه في الإحصان. قال بعض الرواة: وإن أخذت منه الصداق، لأنه إنما أخذ منه الصداق بما مضى به الحكم الظاهر وهو لم يقر بأنه أصابها. قال مالك: ولا تكون هي محصنة إن زنت. قال غيره: ولها أن تسقط ما أقرت به من الإحصان قبل أن تؤخذ في زنا أو بعد ما أخذت وتقول: أقررت لأخذ الصداق. قال الشيخ: يريد: فإذا رجعت عن إقرارها بالإحصان رجع عليها الزوج بنصف الصداق، وقاله أبو الحسن بن القابسي. وقال بعض فقهائنا: يحتمل أن يكون هذا في الرشيدة، وأما السفيهة فالصداق صار مالاً من مالها فليس لها إتلافه.

قال الشيخ: والرشيدة عندي والسفيهة سواء في ذلك، لأن ذلك إنما يُعلم من جهتها، وبدعواها أخذته، فإذا رجعت عن ذلك وجب رده، لأنها لو شاءت أولا لم تدعه، وأمور الصدقات في هذا المعنى إنما تؤخذ من قبل الزوجات. قال الشيخ: وحكي عن بعض شيوخنا فيمن لم تعلم له بزوجته خلوة، فظهر بها حمل فلاعن منه فإن ذلك يحصنها لإقرارها بالإحصان، ولا يحلها. قال بعض فقهائنا: ولو رجعت هذه فقالت: ليس الولد منه، فيحتمل أن يقال: لا يقبل رجوعها في نقص الإحصان، لأن الولد لا يزول نسبه بقولها، ولو استلحقه الزوج لحق به، ولم يُلتفت إلى رجوعها، ومن نفى هذا الولد على غير وجه الخبر حُد، فصار كالولد الحلال في الحكم لا كولد الزنا، فلهذا لا يقبل رجوعها، والله أعلم. قال الشيخ: أما قوله في الولد فصواب، لا يُنفى بروجوعها، وللأب أن يستلحقه، وأما في الإحصان فيظهر لي أن لها أن تسقطه وتقول: ادعيت الوطء لئلا أحد، فيجب أن يقبل ذلك منها وتحد، وكما يقبل قولها في مسألة الكتاب إذا قالت: إنما أقررت بالوطء لآخذ الصداق، ويسقط بذلك/ بالإحصان، وكذلك يسقط إذا قالت: إنما ادعيت وطء الزوج خوفاً من الحد، فهذه أعذر من الأولى، والله أعلم.

[فصل 9 - في الإحصان بزنا أحد الزوجين بعد إقامته مع الآخر وإنكاره الوطء] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن أقر بجماع امرأته من عنين أو غيره، وأنكرت هي ثم طلقها البته، كانت مخيرة في أخذ الصداق أو تركه. قيل له: فإن زنت المرأة بعد ذلك، أتكون محصنة؟ قال: لا تكون محصنة إلا بأمر يعرف به المسيس بعد النكاح. قال ابن القاسم: وإذا أقامت امرأة مع زوجها عشرين سنة، ثم أخذت تزني فقالت: لم يكن الزوج جامعني، والزوج مقر بالجماع فهي محصنة. قال سحنون: وكذلك يقول غيره: أنها محصنة، وليس لها إنكار، لأنها إنما تدفع حدا قد وجب عليها، ولم يكن منها قبل ذلك دعوى. قال في كتاب الرجم: وإن طالت إقامة الرجل مع زوجته ثم زنى فقال: لم أجامعها، فإن لم يعلم وطؤه بولد يظهر، أو بإقرار فلا حد عليه. قال مالك: ويحلف، وإن علم منه إقرار بالوطء رجم. قال يحيى: هذا خير مما في كتاب النكاح، قال ابن المواز: وهو قول أصحابنا. قال الشيخ: كأنهما أشارا إلى أن هذا منه اختلاف قول، وكذلك نحا إليه أبو محمد ولم يتعقبه، وذكر عن بعض المتأخرين من أصحابنا: أن ذلك ليس

باختلاف قول، وإنما اختلف جوابه فيهما لاختلاف السؤالين، وذلك أنه في مسألة كتاب النكاح هذه، الزوج فيها مقر بجماعها، فقد وجب الرجم عليها فلا ينفعها إنكارها بعد وجوب الرجم، وفي مسألة الحدود لم تدع المرأة أنه جامعها ولا أقر الزوج بجماعها، فلذلك لم يرجم. قال الشيخ: والأظهر أنه اختلاف قول، هذا ظاهر قولهم، لأنهم إنما عللوا المسألة باختلافهما في الوطء بعد الزنا أو قبله. ونص ما في كتاب ابن المواز قال: فإذا أقام معها عشرين سنة ثم فارقها، فزنت، وقد اختلفا في الوطء؟ قال: قال ابن القاسم وابن عبد الحكم: إن اختلفا بعد الزنا لم يقبل قول من أنكر الوطء والرجم قائم، وكذلك لو لم يقم معها إلا ليلة واحدة. قال عبد الملك: فإن كان اختلافهما قبل الزنا فعليهما حد البكر وإن طالت إقامته معها، كانت تحته أو فارقها، كما لو قالت بعد طول السنين وهي تحته: لم يمسني، وطلبت أجل العنين وصدقها، أن ذلك لها. قال الشيخ: فجعلوا العلة الاختلاف قبل الزنا وبعده، لأنه بعد الزنا يريد رفع حد وجب، فلا يُقبل منه، وليس العلة إقرار الزوج بالجماع، لأن إقراره بذلك لا يوجب إحصانها إذا أنكرت ذلك قبل الزنا، ولا يكون هو محصناً بدعواها هي الوطء أيضا قبل الزنا، وإنما العلة أن الحد إذا وجب فلا يقبل قول من أراد رفعه. قال الشيخ: فالقول الآخر أصوب لقول النبي عليه الصلاة والسلام:

"ادرؤا الحدود بالشبهات". [فصل 10 - في الوطء الذي يحصن الزوجين ويحل المبتوتة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن تزوج امرأة فلم يدخل بها حتى مات فادعت أنه طرقها ليلاً فجامعها، لم تصدق، ولا يُحلها ذلك لزوج كان طلقها البته إلا بدخول يُعرف، وإن زنت لم تكن محصنة بقولها ذلك، وهي مثل الأولى لها طرح ما ادعت. قال ابن القاسم: ولا يحصن الزوجين ويحل المطلقة ثلاثاً إلا نكاح يصح عقده ويصح الوطء فيه، ولا يجزئ من الوطء إلا مغيب الحشفة وإن لم ينزل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "حتى تذوق العسيلة"، وقاله مالك. قال ابن القاسم: ولا يكون بوطء الملك [محصناً] ولا بنكاح لا يقران عليه وإن رضي المولي، كمن تزوج ذات محرمٍ منه، أو حرة زوجت نفسها، أو أمة زوجت نفسها بغير إذن السيد، أو تزوج امرأة على عمتها أو خالتها أو أخت

امرأته، ودخل بها، أو بجمعهما في عقدة، ولم يعلم بذلك/ كله، فلا يُحلها ذلك ولا يُحصنها، وكذلك ماللولي أو أحد الزوجين إجازته أو فسخه، كاستخلاف الحرة أجنبياً يزوجها من رجلٍ بغير إذن وليها فيدخل بها، ونكاح العبد بغير إذن سيده، فلا يحلها ذلك الوطء ولا يحصنها، وإنما يُحلها ويحصنها إذا وطئها بعد إجازة الولي أو السيد. قال الشيخ: وقد تقدم قول لأشهب في ذلك. قال ابن القاسم: وكذلك الزوج في عيوب المرأة لا يحلها وطؤه ولا يحصنها قبل علمه بعيوبها حتى يطأها بعد العلم، وكل وطءٍ أحصن الزوجين أو أحدهما فإنه يحل المبتوتة، وليس كل ما يحل يحصن، وذلك في الصغيرة والنصرانية والأمة فإن ذلك يحلهن، ولا يحصنهن إلا مسيس معروف ليس لأحد فسخه، ولو صح العقد وفسد الوطء ما أحصن ولا أحل كوطء الحائض، أو أحدهما معتكف أو صائم في رمضان أو محرم، وكل وطءٍ نهى الله سبحانه عنه حتى يطأ بعده وطئاً صحيحاً. قال المغيرة: قال الله تعالى: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} وقد نهى الله تعالى عن وطء الحائض، فلا يكون ما نهى عنه يُحِلُّ ما أمر به.

قال الشيخ: وسئل أبو عمران عن المرأة ترى القصة البيضاء فيطؤها زوجها قبل أن تغتسل، هل يحصنها ذلك؟ فقال: أما على مذهب ابن بكير الذي يجعل الإمساك عنها استجاباً فلا شك في ذلك، وأما على مذهب أصحابنا فإنهم شددوا في وطئها، وهم يقولون في الإحصان: إن كل ما اختلف فيه من النكاح لا يحل ولا يحصن، فهذا من ذلك المعنى. قال ابن المواز في وطء الحائض والمعتكف والصائم في رمضان ووطء المحرم وكل وطءٍ نهى الله عنه فقول أصحاب مالك المصريين كلهم ابن القاسم وأشهب وابن وهب وابن عبد الحكم وأصبغ: أن ذلك لا يحل ولا يحصن، ورووه عن مالك، وقال المغيرة وابن دينار: أن ذلك يحصن ولا يحل، وروياه عن مالك، وقال لي عبد الملك: هو عندي يحل ويحصن. قال الشيخ: فوجه قول ابن القاسم: أنه وطء فاسد ممنوع منه كالعقد إذا وقع على وجهٍ فاسدٍ ممنوعٍ منه، فإنه لا يحل ولا يحصن بإجماعٍ منهم. ووجه قول المغيرة: أنه لا يحل، فلأنه وطء منهي عنه فلا يحل ما أمر الله به، وكان ذلك يحصن، فلأنه حر مسلم وطئ في عقد نكاحٍ صحيحٍ يعف به، فوجب أن يحصنه كالوطء الصحيح.

قال الشيخ: ولو عكس المغيرة قوله فقال: يحل ولا يحصن، لكان أبين، ووجه ذلك: فلأنها ذاقت العسيلة في عقد نكاح كالوطء الصحيح، ولم يحصن لحرمة النفس، ولمراعاة الخلاف، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "ادرؤا الحدود بالشبهات" فنقله من الرجم إلى الجلد من دراية الحد. ووجه قول عبد الملك: فلأنه حر مسلم بالغ صحيح العقل وطئ في عقد نكاحٍ صحيحٍ وطئاً لأحد عليه فيه، تعففت به، وذاقت العسيلة، فوجب أن يحل ويحصن كالوطء الصحيح. قال ابن حبيب: وإن وطئها في صوم تطوعٍ أو قضاء رمضان أو نذرٍ لأيامٍ بغير أعيانها [جاهلاً] فوطؤه يحل ويحصن إجماعاً من قول مالك وأصحابه، لأنه لو أفطر يوماً من قضاء رمضان، أو من نذرٍ بغير عينه ساهياً جاز له فطر باقيه إن شاء ويقضيه. وذكر سحنون في العتبية عن ابن القاسم: إن وطئ الصائم في فرضٍ أو نذرٍ لا يحلها ولا يحصنها، ووقف في صوم التطوع، ثم قال: قال مالك: لا يحصن ولا يحل إلا في عقدٍ صحيحٍ لا خيار فيه/ لأحد، ووطءٍ صحيحٍ لا في اعتكافٍ أو حيضٍ أو إحرامٍ أو صومٍ وشبه ذلك.

[فصل 11 - في عدم الإحصان بوطء النصراني للنصرانية وعدم الإحلال بنكاح المحلل] ومن المدونة: قال مالك: والنصرانية يبتها مسلم فلا يحلها وطء نصرانيٍ بنكاحٍ إلا أن يطأها بعد إسلامه، لأن ذلك ليس بنكاحٍ إلا أن يسلم الزوج وحده، أو يُسلما جميعاً فيثبت النكاح. ولا يحصن الوطء بين النصرانيين حتى يطأها بعد إسلامهما. وإن طلق الحر زوجته ثلاثاً أو العبد طلقتين لم تحل له إلا بعد زوج، ولا يحلها نكاح المحلل حتى يكون نكاح رغبةٍ غير مدالسة، وقاله عثمان وعلي وابن عباس، وكثير من التابعين. قال ابن المسيب: لو فعلت لكان عليك إثمهما ما بقيا. قال الوليد: كنت أسمع أن الزناة ثلاثة: الرجل والمحلل والمرأة. وقال بعضهم: اتق الله ولا تكن مسمار نارٍ في كتاب الله تعالى.

فقلت لمالك: إنه يحتسب في ذلك؟ قال: يحتسب في غير هذا. ومن كتاب ابن حبيب: وإذا نوى أن يتزوجها فإن أعجبته أمسكها وإلا كان قد احتسب في تحليلها للآخر لم يجز ذلك أيضاً إذا خالطت نيته التحليل، ولا تحل بذلك للآخر إن علم، وعلى هذا أن يعلمه بما اعتقد حتى يجتنبها. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإنما يفسد ذلك بعلم المحلل وإرادته وإن لم يعلم الزوجان، ولو نكح على الصحة ولم يرد ذلك لم يضره علم الزوجين وإرادتهما، ويحلها ذلك. قال مالك: لا يضره ما نوت هي، لأن الطلاق ليس بيدها. قال مالك: وإذا فسخ نكاح المحلل وقد بنى فله نكاحها بعد ذلك، وأحب إلي أن ينكحها أبدا. قال ابن عبد الحكم عن مالك: ويفسخ نكاح المحلل وإن بنى بها فلها صداق المثل، قال ابن المواز: بل المسمى، وهو قول مالك. وقال: ويفسخ بطلقةٍ بائنةٍ بالقضاء إن كان بإقرار منه، ولو ثبت عليه أنه أقر بذلك قبل النكاح فليس بنكاح، ولو تزوجها بذلك زوجها الأول فسخ ذلك بغير طلاق إذا علم بذلك، وإن لم يعلم فإثمهما على من علم ذلك ما بقيا.

فصل [12 - في أثر الردة على الإحصان والإحلال] ومن المدونة: والردة تزيل إحصان المرتد من رجل أو امرأة، ويأتنفان الإحصان إذا أسلما، لقول الله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}، ومن زنى منهما بعد رجوعه إلى الإسلام وقبل تزويجه لم يُرجم، وقد قال مالك: إذا ارتدت وقد حجت ثم رجعت إلى الإسلام استأنفت الحج، ولم يجزها ما حجت قبل ردتها. ابن المواز: ولو طلق رجل امرأته البتة فتزوجت غيره فحلت للأول ثم ارتدت لسقط ذلك الإحلال كما يسقط الإحصان. قال الشيخ: يريد لأنها أبطلت فعلها في نفسها وهو نكاحها الذي أحلها كما أبطلت نكاحها الذي أحصنها، بخلاف ارتداد الزوج الذي أحلها، لأن ذلك فعل فعله في غيره فلا يبطله ارتداده. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا ارتد وعليه يمين بالله أو بعتقٍ أو بظهارٍ فالردة تسقط ذلك عنه. قال ابن المواز: وكذلك يمينه بالطلاق وبالعتق وبالمشي أنه إذا ارتد ثم تاب سقط ذلك عنه، وقد ذكر عن ابن القاسم أنه يلزمه أيمانه بالظهار، ولم يعجبنا. ابن المواز: ولو حنث في ظهارٍ مجردٍ فلزمته الكفارة، ثم ارتد، ثم أسلم لسقطت الكفارة عنه، ولو لم يحنث لم يسقط الظهار عنه كالطلاق.

قال الشيخ: لأنه إذا حنث صارت الكفارة كنذرٍ نذره للمساكين، فإذا ارتد ثم أسلم سقط ذلك عنه، وإذا لم يحنث فالظهار باقٍ عليها منه كالطلاق، ولأنها مخاطبة ألا يقربها في الطلاق ثلاثاً إلا بعد زوج، وفي الظهار حتى يكفر، فلا يزيل ذلك عنها ارتداده إلا أن ترتد هي أيضاً فسقط ذلك عنهما. ومن المدونة:/ قال سحنون: وقال بعض الرواة: لا تطرح ردته إحصانه في الإسلام، ولا أيمانه بالطلاق، ألا ترى أنه لو طلق زوجته ثلاثاً قبل أن يرتد ثم رجع إلى الإسلام أكان يكون له تزويجها بغير زوج؟ وكذلك لو نكح امرأة قد كان طلقها زوجها ثلاثاً فوطئها قبل ردته فحلت لمن أبتها لم تبطل ذلك ردته. قال الشيخ: وهذا احتجاج منكسر، لأن التي أحلها لزوجها قد تم الإحلال فيها قبل ردته، فلا تسقطه ردته، لأن ردته إنما تسقط أفعاله في نفسه لا أفعاله في غيره، ألا ترى أنه لو أعتق عبداً أو أعطى عطيةً ثم ارتد، ثم أسلم أكان يبطل ذلك ردته؟ وكذلك المرأة التي طلقها ثلاثاً لا ترجع إليه، لأنه فعل فعله في غيره، ولأنه وإن حل ذلك له فهي لا يحل لها أن تتزوجه إلا بعد زوج، إلا أن ترتد هي أيضاً ثم تسلم، فيحل له أن يتزوجها قبل زوج، وقاله ابن عبد الحكم في ارتدادهما جميعا: إنها تحل له قبل زوج. قيل: فإن كانت الزوجة نصرانية فطلقها، ثم ارتد، ثم رجع إلى الإسلام؟ فقال أبو محمد وغيره: لا تحل له، لأنها مخاطبة بالإسلام وأحكامه، وهو فيها كالمسافر يقدم مفطراً في رمضان فلا يحل له وطؤها. قال الشيخ: والعلة المستمرة أنها إنما تسقط عنه بردته ما فعله في نفسه، لا ما فعله في غيره، أصله العتق.

[الباب الخامس] في مناكح المشركين وإسلام أحد الزوجين

[الباب الخامس] في مناكح المشركين وإسلام أحد الزوجين [فصل 1 - في حكم أنكحة المشركين] ونكاح المشرك عندنا فاسد، وإنما يصح منه بالإسلام ما لو ابتدأ العقد عليها بعد الإسلام لجاز، وما لا يجوز أن يبتدئه بعد الإسلام لم يصح البقاء عليه كالعقد على ذوات المحارم. والدليل على فساده أن صحة العقد مفتقرة إلى شروط هي معدومة في أنكحتهم منها الولي، ورضى المنكوحة، وأن لا تكون في عدة، وبصداق مما يجوز تملكه، وبشهود، وأنكحتهم خالية من ذلك فوجب فسادها، وإنما تصح لهم بالإسلام، لقوله عليه الصلاة والسلام: "الإسلام يجب ما قبله"، ولأنه عليه الصلاة والسلام أقر من أسلم على نكاحه.

[فصل 2 - في النصراني ينكح النصرانية بخمر أو خنزير أو بغير مهر] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا تزوج نصراني نصرانية بخمرٍ أو خنزيرٍ أو بغير مهرٍ أو شرطا ألا مهر لها، وهم يستحلون ذلك في دينهم ثم أسلم أو أسلما جميعاً بعد البناء ثبت النكاح، فإن كانت قد قبضت قبل البناء ما ذكرنا فلا شيء لها غيره، وإن لم تكن قبضته وقد بنى بها فلها صداق المثل، وإن كان لم يبن بها حتى أسلما وقد قبضت ما ذكرنا أو لم تقبضه خير بين إعطائها صداق المثل ويدخل بها أو الفراق ويكون طلقة، ويصير كمن نكح على تفويض. وقال غيره: فإن قبضته مضى ذلك ولا يكون لها غيره بنى بها أو لم يبن. وقاله ابن القاسم في كتاب محمد، قال محمد: وهذا عدل. قال ابن المواز: وإن وجد بيدها - يريد محمد: وقد أسلمت - كسر عليها الخمر وقتلت الخنازير. قال: وقال ابن القاسم في الأسدية: سواء قبضت أو لم تقبض إذا لم يبن، فإن شاء بنى وودى صداق المثل وإلا فارق وكانت طلقة ولا شيء عليه، وهذا غلط، وقال أشهب: يفسخ إذا لم يدخل إلا أن يعطيها ربع دينار، واستحبه أصبغ. قال الشيخ: قول أشهب: يعطيها ربع دينار، يريد إذا كان قبل البناء وقد قبضت ذلك، وكذلك فسره في غير هذا الموضع. وقال البرقي عن أشهب: يعطيها صداق المثل. قال أبو محمد: وقول ابن القاسم وعبد الملك هو المعمول به/ أنه كالتفويض فإن قبضت نصفه كان لها نصف صداق المثل، وكذلك فيما قل أو كثر على هذا الحساب.

أبو محمد: يريد إن شاء البناء ولم يكن بنى. قال الشيخ: إنما يصح هذا في قول ابن القاسم إذا بنى، وأما إذا لم يبن فهو يقول: إذا قبضت جميعه لم يكن للزوج أن يدخل حتى يعطيها صداق المثل أو يفارق بطلقة، وهو كمن نكح على تفويض. -قال الشيخ: وسواء قبضت جميعه أو بعضه أو لم تقبض شيئاً لا يكون للزوج أن يدخل حتى يدفع صداق المثل-. قال أبو محمد: ولو وهبت نفسها لرجعت إلى صداق المثل، وهذا كله قبل البناء، فأما إن بنى ولم تقبض شيئاً فلا شيء لها في الخمر والخنزير ولا في الهبة. قال أبو محمد: وهذا خلاف ما في المدونة. قال الشيخ: يريد أنه خلاف المدونة في الخمر والخنزير، وأما في الهبة أو بغير صداق فلا، وظاهر المدونة ألا شيء لها عليه كما قال أبو محمد، وإن كان ابن حبيب قد قال: إذا تزوجت بغير صداقٍ شرط مشروط ثم أسلم قبل البناء خير بين إعطائها صداق المثل أو فارق، وإن أسلم بعد البناء أعطاها صداق مثلها وثبت النكاح. قال الشيخ: وهذا خلاف ظاهر المدونة، لأنه أسلم بعد البناء ولا تباعة لها عليه، فهي كمن قبضت الخمر والخنزير فلا تتبعه بشيءٍ إذا أسلما، وقاله أبو الحسن ابن القابسي. ابن حبيب قال: وإن أسلمت هذ دونه قبل البناء فسخ النكاح ولا شيء عليها فيما قبضت من خمرٍ أو خنزيرٍ لا نصف ولا غيره. قال الشيخ: وحكي عن بعض شيوخنا من القرويين أن عليها قيمة ما قبضت وإن كان قائماً، ويراق الخمر عليها وتقتل الخنازير، لأنها منعته من ذلك

بإسلامها، وكانت كالمسلم يستهلك ذلك للنصراني أن عليه قيمته، ونحو هذا روى عيسى عن ابن القاسم في المستخرجة. ووجه قول ابن حبيب هذا: أنها غير متعديةٍ عليه في ذلك، إذ هي مأمورة بالإسلام، فهي بخلاف من أتلف عين ذلك تعدياً، والله أعلم. قال الشيخ: قال بعض شيوخنا: ولو تبايعا سلعة بخمرٍ ثم أسلما وقد قبض الخمر ولم تقبض السلعة فالبيع تام ولا يدخله اختلافهم في مسألة النكاح، لأن البضع لا يستباح في الإسلام إلا بعوض، وملك السلعة يجوز بغير عوض، فحكم ذلك مفترق. قال بعض فقهائنا: ولو أسلما قبل التقابض لاحتمل أن يفسخ البيع بينهما، ولا يقال للمشتري: عليك قيمة السلعة، فيكون كبيع سلعةٍ بقيمتها. قال الشيخ: ويحتمل أن ينظر فإن أسلم مشتري السلعة أولا فقد أتلف على البائع ثمن سلعته، فيرجع في عينها، وإن أسلم بائع السلعة أولاً فهو الذي أتلف ثمن سلعته، فلا شيء له على مبتاعها، ويكون ذلك كقبضه ويتم البيع في السلعة، والله أعلم. قال ابن المواز: قال ابن القاسم: ولو أصدقها ثمن خمرٍ [له] على رجلٍ فلم تقبضه حتى أسلما فلها قبضه والنكاح ثابت، لأنه إذا أسلم وله دين من ثمن خمر فحلال له قبضه.

قال عبد الملك: ولا يدخل بالزوجة حتى يقدم ربع دينار، ولو أصدقها ديناً له من رباً ديناراً بدينارين فلم تقبضه حتى أسلما فليس لها على الزوج شيء، وله البناء إن لم يكن بنى، ولا تأخذ من/ الغريم إلا ديناراً كما كان هو يقبض منه لو أسلم، وكذلك لو كان رأس المال درهمين في ثلاثة فلا تقبض من الغريم إلا درهمين، ولا ترجع على الزوج بشيء وله البناء، لأنه كان صادقاً يوم أصدقها، وإن أصدقها خمراً بعضه نقداً وبعضه مؤجلاً فأسلما أو أسلم الزوج قبل قبضها المؤجل، فإن بنى فلا شيء لها، وإن لم يبن نظر ما المؤجل منه، فإن كان الثلث بالقيمة رجعت عليه بثلث صداق المثل معجلا. قال الشيخ: وهذا على أصله في كتاب ابن المواز، وهو قول الغير في المدونة، وأما على قول ابن القاسم في المدونة يكون لها ثلث صداق المثل إن بنى وأما إن لم يبن فإنه مخير بين إعطائها المثل أو يفارقها، كما قال إذا قبضت جميع الخمر. قال عبد الملك: ولو أصدقها خمراً مع خنازير فقبضت الخمر ثم أسلما قوم هذا من هذا، فترجع من صداق مثلها بمقدار ما بقي مما لم تقبضه. ابن المواز: وإذا تزوج مسلم نصرانية بخمر فقبضته وفات بيدها، فإن لم يبن فسخ ولم يتبعها بشيء، وإن بنى فقيل: يفرق بينهما، ولا أقوله، ولكن يثبت ولها صداق المثل، قاله ابن القاسم، وقال أشهب: يعطيها ربع دينار، قال أصبغ: وقولي: على قول ابن القاسم، استحساناً، وأما قوله: إن لم يبن، فهو القياس.

[فصل 3 - في تحريم المسلمة على الكافر] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا يطأ كافرٌ مسلمةٌ بنكاحٍ أو ملكٍ ويتقدم في ذلك إلى أهل الذمة أشد التقدمة ويعاقب فاعله بعد التقدم، ولا يحد وإن تعمداه، ومن عُذِرَ بجهلٍ فلا يعاقب، وتباع الأمة على مالكها ويفسخ النكاح وإن أسلم الزوج. قال الشيخ: ولا تباع عليه الأمة إذا أسلم السيد. قال الشيخ: قال بعض شيوخنا: وإن لم تعذر المسلمة بجهلٍ في النكاح حدث، ويكون كمتزوج الخامسة، ونحو ذلك مما يُحرم بالقرآن. وقوله في الكتاب: ولا حد في ذلك وإن تعمداه، يريد: لاحد على الزوج، لأنه نصراني، ولا حد عليها في الملك. قال سحنون: الملك مخالف للنكاح، لأن بالشراء انعقد له الملك في الأمة، ولا ينعقد بالنكاح، فلذلك أجاب أن تضرب المرأة الحد. وفي كتاب ابن المواز فيمن تزوج مجوسية وهو عالم بتحريم ذلك: فإنه يُرجم.

ومن المدونة: قال عمر بن الخطاب: ينكح المسلم النصرانية ولا ينكح النصراني المسلمة، وقال علي بن أبي طالب: لا ينكح النصراني ولا اليهودي المسلمة، قال سليمان بن يسار وأبو سلمة بن عبد الرحمن: فإن فعلا ذلك فرق السلطان بينهما، قال ربيعة: وإن نكحها وزعم أنه مسلم فلما خشي الظهور عليه أسلم وقد بنى بها فلها الصداق ويفرق بينهما وإن رضي أهل المرأة، لأن نكاحه كان لا يحل، ثم إن رجع إلى الكفر قُتل. فصل [4 - في إسلام أحد الزوجين] قال مالك: وإذا أسلم مجوسي أو ذمي وتته مجوسيةٌ عُرِضَ عليها الإسلام حينئذ، فإن أبته وقعت الفرقة بينهما، وإن أسلمت بقيت له زوجة. قال الشيخ: يريد بني أو لم يبن، قال ابن القاسم في أب الزوج الصغير المجوسي يسلم، فهذا مثله. قال ابن القاسم: إلا أن يبعد ما بين إسلامهما فلا تكون امرأته وإن أسلمت، وتنقطع العصمة فيما بينهما إذا تطاول ذلك ولم يجد البعد في ذلك، وأرى الشهرين/ وأكثر من ذلك قليلاً ليس بكثير. وفي بعض الروايات: وارى الشهر وأكثر من ذلك ليس بكثير، وكذلك في كتاب ابن المواز.

قال ابن اللباد: وذلك إذا غُفِل عنهما. وحجة ابن القاسم: أن أبا سفيان بن حرب أسلم ثم أسلمت هند بعد شهر وبقيت له زوجة. وقال أشهب في كتاب ابن المواز: لا يفرق بينهما في المدخول بها حتى تخرج من العدة، وأصحابنا على قول ابن القاسم. وروي أبو زيد عن ابن القاسم: أنه يعرض عليها الإسلام اليومين والثلاثة فإن أبت استبرأت نفسها بحيضة. قال الشيخ: فوجه قول ابن القاسم: إذا أبت الإسلام فرق بينهما مكانه، قوله تعالى {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِر} [الممتحنة:10]، ولأنه إما أن يفسخ النكاح عقب إبائها أو تبقى مستدامة النكاح. ووجه قوله: يعرض عليها الإسلام اليومين والثلاثة اعتباراً بالمرتد. ووجه قول أشهب: اعتباراً بإسلام الزوجة. قال ابن المواز: وذكر ابن القاسم عن مالك: إن المجوسي إذا أسلم قبل البنا ولم تسلم امرأته، أنه يعرض عليها الإسلام، فإن أسلمت مكانها وإلا فرق بينهما. وقال أشهب: إسلام الزوج قبل البناء يقطع العصمة بينهما، وبه أخذ ابن المواز.

ومن المدونة: قال مالك: وإذا أسلمت الزوجة بعد البناء وزوجها مجوسي أو كتابي فلا يعرض عليه الإسلام، ولكنه إن أسلم في عدتها كان أملك بها، وإن أسلم بعد انقضاء عدتها فلا سبيل له عليها، وقد قال الله تعالى في اللاتي أسلمن دون أزواجهن وهاجرن: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّار} [الممتحنة:10]، وأبانت ذلك سنة النبي عليه الصلاة والسلام أن ذلك مالم يسلم الزوج في العدة، لما أقر صفوان إذ أسلم في العدة بعد شهر من إسلام زوجته، وأقر صلى الله عليه وسلم ابنته زينب تحت أبي العاص إذ أسلم في عدتها بعد إسلامها.

ومن المختصر: وإذا أسلمت النصرانية فأراد زوجها أن يسلم فقالت: أنا افتدي منك بكذا على أن لا تسلم حتى أملك أمري، أو على أن لا رجعة لك علي ثم أسلم فهو أحق بها، وما أخذ منها رد إليها. قال ابن زمنين: وإذا أسلمت فكان الزوج أولى بها في العدة إن أسلم اختلف قول ابن القاسم في النفقة عليها قبل إسلامه مادامت في العدة، فروى عنه أصبغ أنه قال: أحب إلي أن ينفق عليها من يوم إسلامها، لأنه أحق بها مادامت في العدة، وروى عنه عيسى: أنه لا نفقة لها عليه، لأنها منعته فرجها بإسلامها، قال: وهذه الرواية أحسن عند أهل النظر من رواية أصبغ. ومن المدونة: قال مالك، وقال أيضاً ابن القاسم وأشهب: وإن أسلمت قبل البناء والزوج مجوسي أو كتابي فقد بانت منه، ولا رجعة له إن أسلم.

قال الشيخ: ولا خلاف بينهم في إسلام الزوجة بعد البناء أن الزوج أحق بها إن أسلم في عدتها للسنة المأثورة، ولا خلاف أيضاً بينهم إن أسلمت قبل البناء أنه لا سبيل إليها إلا أن يسلما معاً، وذلك أن إسلامه ينزل منزل رجعته، لأن النبي عليه الصلاة والسلام جعل إسلام الزوج في العدة كرجعة المسلم فيها إذا طلق واحدة، فلما لم يكن في غي المدخول بها عدة ولم يكن فيها رجعة لم يكن لزوجها إذا أسلم بعدها عليها سبيل، إذ لا عدة عليها، وكذلك إن أسلم في التي بنى بعد إسلامها وبعد انقضاء عدتها، فقد بانت منه، لأن إسلامه أقيم مقام ارتجاعه فكان موقوفاً على العدة. ومن المدونة: قال مالك: وإذا وقع الفراق بإسلام/ أحد الزوجين كان فسخاً بغير طلاق. قال ابن المواز: والفرق بين إسلام أحد الزوجين أنه فسخ بغير طلاق، وبين ردته أنه تلزمه طلقة، لأن المسلم يلزمه طلاقه فكذلك يلزمه لما أحدث من الردة الطلاق، والكافر لو طلق لم يلزمه طلاقه إن أسلم فلم يلزمه بما فعل طلاق. ومن المدونة: وإن أسلم كتابي بدار الحرب أو بعد قدومه إلينا لم تزل عصمته عن نسائه، وهن على نكاحهن، ويقع طلاقه عليهن، فافتراق الدارين ليس بشيء. قال ابن القاسم: وأكره له الوطء بدار الحرب بعد الإسلام كما كره مالك أن ينكح بها خوفاً أن تلد ولداً فيكون على دين الأم، فإن خرجا إلينا بأمان فأسلم أحدهما كانا في الفرقة والاجتماع كالذميين يسلم أحدهما.

قال: وإن أسلم ذمي وتحته كتابيه بنى بها أم لا ثبت نكاحه وبقيت له زوجة، وإن كانت صغيرة زوجها إياه أبوها فهما على نكاحهما، ولا خيار لها إن بلغت. قال: وإن أسلن الصبي الذمي وقد زوجه أبوه مجوسية لم بفسخ نكاحه فسخ نكاحه إلا أن يثبت على إسلامه حتى يحتلم فتقع الفرقة بينهما، إلا أن تسلم هي عند ذلك فتبقى له زوجة، لأنه لو أرتد عن الإسلام قبل بلوغه لم يقتل. وإذا أسلم الزوج قبل البناء وهما مجوسيان ففرق بينهما فلا صداق عليه، لأنه فسخ بغير طلاق، وإذا وقعت الفرقة بين الزوجين بإسلام أحدهما، وذلك قبل البناء فلا صداق للمرأة ولا متعة. قال الشيخ: لأن الفراق من قِبلها. قال: فإن بنى بها وهما مجوسيان أو ذميان فوقعت الفرقة بينهما بإسلام أحدهما فرفعتها حيضتها فلها السكنى، لأنها إن كانت حاملاً اتبعه ما في بطنها، وكذلك من نكح ذات محرم منه ولم يعلم ففرق بينهما بع البناء فلها السكنى لأنها تعتد منه وإن كان فسخاً. وإذا سبيت ذات زوج فعليها الاستبراء بحيضة، لأنها صارت أمة، وإن أسلمت امرأة في دار الحرب ثم قدمت إلينا، أو قدمت إلينا بأمان ثم أسلمت فلا تنكح مكانها، ولكن تستبرأ في نفسها بثلاث حيض كاستبراء الحرائر، فإن أسلم زوجها فيها كان أملك بها إن ثبت أنها زوجته، ولو كان إسلام هذه الزوجة في دار الحرب أو عندنا وذلك قبل البناء لبانت ولا سبيل له إليها، ولا متعة لها ولا صداق، وإن فبضته ردئه، وإن بنى بها فلها المسمى. وإذا أسلمت النصرانية وزوجها نصراني ثم طلقها في العدة، ثم أسلم فيها لم يعد طلاقه طلاقاً، وكان على نكاحه، وإن انقضت عدتها فنكحها بعد ذلك كان جائزا، وطلاقه في شركه باطل.

[الباب السادس] في سبي أحد الزوجين أو كليهما ورجعة زوج الأمة في سفره

[الباب السادس] في سبي أحد الزوجين أو كليهما ورجعة زوج الأمة في سفره [فصل 1 - في سبي أحد الزوجين أو كليهما] روى ابن وهب عن أبي سعيد الخدري أنه قال أصبنا سبياً يوم أوطاس ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:24]، فاستحللناهن، فلما أباح الله عز وجل وطء المسبية لها زوج بهذه الآية دل بذلك أن السبي يهدم النكاح. قال ابن القاسم وأشهب: السبي فسخ النكاح /قال أشهب: سُبياً جميعاً أو مُفْتَرِقَين.

قال الشيخ: يريد وإن علم أنها زوجته بالبينة، على مذهب ابن القاسم وأشهب، وهو أشبه بظاهر التنزيل. قال ابن قسيط: وإن ابتاع رجل عبداً وامرأة من السبي قبل أن يفرق بينهما السلطان فليفرق بينهما إن شاء ويطأ الأمة. قال الشيخ: اختلف شيوخنا في قول ابن قسيط، فقال بعضهم: ما معناه إذا لم يقرهما السلطان على النكاح، وليس بيعهما مجتمعين مما يمنع التفرقة حتى يقرهما بلفظٍ منه يقتضي ذلك. وقال غيره من شيوخنا: إن قول ابن قُسيط خلاف، أنه إذا باعهما جميعاً إنما ينادي على العبد وزوجته فذلك إقرار للنكاح. وفي كتاب ابن المواز: من اشترى عِلجة وزوجها من المقاسم فلا يفرق بينهما في النكاح، فإن هرب العِلجُ لم يكن لسيدها وطؤها إن كانا أقرا على النكاح وعلى ذلك يبعث. قال مالك: وإن قدم إلينا تجار من أهل الحرب فباعوا منا رقيقاً، فذكر الرقيق أم بينهم تناكحا، فإن زعم ذلك الذين باعوهم أو عُلِم صدق قولهم ببينة, كانوا على تناكحهم ولا يفرق بينهم.

قال الشيخ: وظاهر هذا أنه خلاف السبي، لأن النص إنما أنزل في السبي، وهذا ليس بسبي، وإن كان وقع لمالك في كتاب ابن المواز في السبي مثل هذا الجواب، ولكن الأشبه عندي بظاهر التنزيل أن السبي خلاف هذا، ومالك أعلم وأهدى للصواب، ويحتمل أن يحمل قوله في السبي استحباباً وقياساً على هذه المسألة والله أعلم. وإن لم يعلم ذلك إلا بقول الرقيق فلا يصدقون ويفرق بينهم. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا سُبي جميعاً أو سبي أحدهما قبل صاحبه فهما على نكاحهما إذا علم ذلك بالبينة مالم تستبرأ بحيضة، ويطؤها السيد، فإن وطئها السيد قبل أن يدركها الزوج ويعلم ذلك فالنكاح منقطع. قال ابن بكير: قال مالك: وإن سبيت قبل الزوج انفسخ النكاح وحلت لمالكها، إذ لا عهد لزوجها، وإن سبيا جميعاً فاستبقى الزوج أقرا على نكاحهما، إذ صار لزوجها عهد حين استبقى، فصارا أحق من المالك بها لهذا- يريد إذا علم ذلك بالبينة، وكله عندي خلاف المدونة والله أعلم. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو سبيت المرأة ثم قدم الزوج بأمان أو سبي وهي في الاستبراء فلا سبيل له إليها لزوال العصمة بالسبي.

ولو أسلم الزوج بدار حرب وأقام بها، أو قدم إلينا مسلماً، أو بأمان فأسلم وخلف أهله على النصرانية فسباها المسلمون فهي في عصمته والنكاح بينهما ثابت إن أسلمت. ابن المواز: قال ابن القاسم: أو أعتقت. قال في المدونة: وإن أبت الإسلام فرق بينهما، إذ لا تنكح أمة كتابية، وهي وولدها وما في بطنها من ولدن ومهرها الذي على الزوج، وجميع ما للزوج بدار الحرب فيء لذلك الجيش. وقال غيره: ولده الصغير تبع له، وكذلك ماله هو لم يزل ملكه عنه، فإن أدركه قبل القسم أخذه، وإن قسم فهو أحق به بالثمن. فصل [2 - في رجعة زوج الأمة في سفره] قال ابن القاسم: ومن طلق زوجته وهي أمة ثم ارتجعها في سفره قبل انقضاء عدتها وأشهد بذلك فوطئها سيدها بعد عدتها قبل علمه برجعة الزوج، ثم قدم الزوج فلا رجعة له, إذ وطء السيد بالملك كوطئها بالنكاح.

[الباب السابع] ما يحل ويحرم من وطء الكوافر بملك أو بنكاح

[الباب السابع] ما يحل ويحرم من وطء الكوافر بملك أو بنكاح [فصل 1 - فيما يحل ويحرم من وطء الكوافر] قال الله سبحانه: {وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة:221] فعم الحرائر والإماء، إذ الوطء يسمى نكاحاً، واستثنى نكاح الحرائر الكتابيات بقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة:5] وهذا إحصان الحرية. ولم يحل الأمة بالنكاح إلا مؤمنة لقوله تعالى: {ومَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء:25]، فلم يحل نكاح الأمة إلا مؤمنة. وأحل الله تعالى وطء الكتابيات بالملك بقوله في تحريم ذوات الزواج {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24]، وهذا إحصان نكاح ثم استثنى فقال: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:24]، وهن اللاتي ملكناهن بالسبي ولهن أزواج كفار بدار الحرب، قاله مالك. قال ابن حبيب: أو سبوا معهن. وبقي تحريم المجوسيات بنكاح أو ملك بالتحريم الأول العام.

قال عبد الوهاب: ولأن كل جنس تؤكل ذبائحهم يجوز نكاح نسائهم كالمسلمين. وقال في وطء الإماء الكتابيات: ولأن كل من يجوز وطء حرائرهم بالنكاح يجوز وطء إمائهم بالملك كالمسلمين. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكره مالك وطء نساء أهل الحرب، وقال يدع ولده في أرض الشرك ثم ينتصر أو ينصر، ولا يعجبني. قال ابن القاسم: فأرى أن يطلقها ولا يقيم عليها من غير قضاء. قال ابن القاسم: ويجوز للمسلم نكاح حرة كتابية، ويكره له ذلك، وإنما كره له مالك ذلك ولم يحرمه، لما تتغذى به من خمر وخنزير وتغذى به ولده، وهو يُقبِل ويُضاجع، وليس له منعها من ذلك، ولا من الذهاب إلى الكنيسة. قال غيره: ولأنه سكون إلى الكفار ومودة لهم، لأنه تعالى قال في الزوجين {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21]. ومن المدونة: قال مالك: ولا يجوز لمسلم أن يطأ مجوسية بنكاح أو بملك يمين. قال ابن شهاب: ولا يقبلها ولا يباشرها. قال الشيخ: لقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة:221]،ولأن كل من لا تؤكل لحوم ذبائحهم لا يجوز نكاح نسائهم.

ومن المدونة: قال مالك: والأمة الكتابية لا يحل لمسلم أن يتزوجها ولا يطأها إلا بملك اليمين، كان حراً أو عبداً كانت لمسلم أو ذمي، ولا يزوجها سيدها من غلام له مسلم. فصل [2 - في تناكح الكفار فيما بينهم] ولا يمنع النصراني من نكاح المجوس ولا المجوسي من نكاح النصارى.

[الباب الثامن] باب في إسلام أبوين أو أحدهما وحكم الولد في ذلك

[الباب الثامن] باب في إسلام أبوين أو أحدهما وحكم الولد في ذلك وقال النبي عليه الصلاة والسلام: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه". وقال مالك: إسلام الأب إسلام لصغار بنيه، ولو أسلمت ألم وحدها دون الأب بقي الولد على دين أبيه، وكذلك لو أسلمت وهي حامل ثم ولدت إن الولد على دين الأب، ويتركون في حضانتها. قال أبو بكر بن اللباد: روى الليث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أيهما أسلم من الأبوين كان أولى بالولد"، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وبه قال غير واحد من أهل العلم، وقال ابن وهب. ومن المدونة: قال مالك: ولو تزوج مجوسي نصرانية فولدت منه كان الولد تبعاً للأب في الدين وأداء الجزية، وتبعاً للأم في الملك والحرية. وإذا زوج النصراني ابنته الطفلة لكتابي ثم أسلم الأب وهي صغيرة، كان ذلك فسخاً لنكاحهما، لأن إسلام الأب إسلام لها. ولو زوج المجوسي ابنه الطفل مجوسية ثم أسلم الأب، وابنه صغير، عُرِضَ على/ زوجة الصبي الإسلام، فإن أسلمت وإلا فرق بينهما ما لم يتطاول ذلك.

وإذا كان الغلام أو الجارية في حد المراهقة في إسلام الآباء من أبناء اثنتي عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة فلا يجبران على الإسلام، ويترك الأمر إلى بلوغهما فمن أقام منهما حينئذ على دينه الذي كان عليه ونكاحه لم يُعرض له، وإن أسلم حُكِم فيه بما ذكرنا في إسلام أحد الزوجين البالغين. قال مالك: ومن أسلم وله ولد صغار فأقرهم حتى بلغوا اثنتي عشرة سنة وشبه ذلك فأبوا الإسلام فلا يجبرون. وقال بعض الرواة: يُجبرون, وهم مسلمون، وهو أكثر مذاهب المدنيين. قال مالك: ومن أسلم وله ولد مراهق من أبناء ثلاث عشرة سنة وشبه ذلك، ثم مات الأب، أوقف ماله إلى بلوغ الولد، فإذا بلغ وأسلم وَرِث، وإن لم يسلم حين بلغ لم يُعرض له، وكان ذلك المال للمسلمين، ولو أسلم الولد قبل احتلامه لم يتعجل أخذ ذلك حتى يحتلم، لأن ذلك ليس بإسلام، ألا ترى أنه لو أسلم ثم رجع إلى النصرانية اُكره على الإسلام ولم يُقتل. قال الشيخ: وقيل: إسلامه إسلام، وله الميراث، لأنه لو رجع إلى النصرانية جُبِرَ على الإسلام بالضرب حتى يسلم أو يموت. قال مالك: ولو قال الولد: إني لا أسلم إذا بلغت، لم يُنظر إلى ذلك ولابد من إيقاف المال إلى احتلامه. ولو كان الولد لا يعقل دينه، ابن خمس سنين أو ست فهم مسلمون بإسلام الأب، ويرثون مكانهم، وقاله أكثر الرواة.

[الباب التاسع] فيمن أسلم على أكثر من أربع نسوة، أو على أم وابنتها ونكاح المشرك وطلاقه إذا أسلم عليه

[الباب التاسع] فيمن أسلم على أكثر من أربع نسوة، أو على أم وابنتها ونكاح المشرك وطلاقه إذا أسلم عليه [فصل 1 - فيمن أسلم على أكثر /ن أربع نسوة] وقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم أبا العاص وصفوان على نكاح الشرك، وخير غيلان بن أبي سلمة الثقفي إذ أسلم على عشر نسوة في أربع منهن، وخير فيروز الديلمي إذ أسلم على أختين في أحدهما. قال مالك: وإذا أسلم حربي على أكثر من أربع نسوة نكحهن في عقدة أو عقد فليختر منهن أربعاً، كن أول من نكح أو آخرهن، ويُفَارِق باقيهن.

قال ابن المواز: والمجوسي إذا أسم وتحته عشر نسوة لم يبن بهن، وأسلمن كلهن أنه بختار منهن أربعاً ويفارق باقيهن. قال ابن حبيب: ويفارقهن بطلاق، ويعطى لكل من فارق نصف صداقها. قال الشيخ: وإنما قال ذلك، لأنه عنده لما كان له أن يختار كل واحدة صار كأنه مختار لطلاقها، فكان عليه نصف صداقها، وابن القاسم لا يرى عليه فيمن فارق صداقاً، لأنه عنده فسخ قبل البناء. قال ابن المواز: فإن لم يختر منهن أربعاً حتى مات فإنهن يرثنه كلهن الربع إن لم يكن له ولد، ويكون لكل واحدة ممن لم يدخل بها خمسا صداقها، وللمدخول بها صداقاً كاملاً. قال الشيخ: وإنما قال ذلك، لأن له أن يقيم على أربع منهن فأقل، فلما مات ولم يختر منهن واحدة كان الربع بيم جميعهن، لأنه ليس لواحدة أحق بالميراث من صاحبتها، فلذلك قسم بينهن، وأما الصداق فإنما عليه أربع صداقات، فلما لم تعلم المختارة منهن قسم الأربع صدقات على عشرة فيقع لكل واحدة خمسا صداقها، وأما المدخول بها فقد استحقت صداقها بالمسيس. قال أبو محمد [بن إسحاق]: فإن طلق منهن أربعا بغير أعيانهن، قبل أن يختار/ أن يطلقهن، فعليه لكل واحدة من العشر خمس صداقها، هذا إن كان قبل البناء، وإن طلق منهن واحدة معلومة لم يكن له أن يختار من البواقي إلا ثلاثا، وإن طلق واحدة مجهولة ثلاثا لم يكن له أن يختار من البواقي إلا واحدة.

قال الشيخ: وإنما قال ذلك إذا طلقهن كلهن أن يكون لكل واحدة خمس صداقها، لأنه إنما له أن يقيم على أربع منهن، فيكون لهن أربع صدقات، فإذا طلقهن قبل البناء كان عليه نصف ذلك، صداقان نصف الأربعة وهو خمس العشرة فيكون لكل واحدة خمس صداقها. وإنما قال: إذا طلق واحدة معلومة لم يكن له أن يختار من البواقي إلا ثلاثاً، لأنه بقصده لطلاقها صار كأنه يختارهم ثم طلقها، فلم يكن له أن يختار إلا بقية الأربع. قال الشيخ: وإنما قال: وإن طلق واحدة مجهولة ثلاثاً لم يكن له أن يختار من البواقي إلا واحدة، لأن الطلاق يُشرع في جميعهن، وكأنه قال: إحداكن طالق، ولم ينو واحدة بعينها، فوجب طلاقهن أجمع، وهذا على قول المصريين، وأما على قول المدنيين فله أن يختار واحدة فيطلقها كالعتق، فإذا اختار واحدة كان له اختيار ثلاث ممن بقي كالمسألة الأولى. [فصل 2 - فيمن أسلم وعنده أم وابنتها] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن أسلم حربي أو ذمي وتحته أم وابنتها تزوجهما في عقدة أو عقدتين، فإن لم يكن بنى بهما فله اختيار إحداهما وفراق الأخرى. وقال غيره: إذا أسلم وعنده أم وابنتها ولم يبن بهما لم يجز له أن يحبس واحدة منهما. ونقلها أبو محمد: قال غيره: لابد أن يفارقهما ثم ينكح الابنة إن شاء.

وقال أشهب: تحرم الأم ويثبت على الأبنة، ولو مس الأم وحدها حرمتا عليه جميعا للأبد، ولو مس الابنة ثبت عليها وحرمت الأم. فوجه قول ابن القاسم: اعتباراً بالذي أسلم عن عشر نسوة، أن له أن يختار منهن أربعاً وإن كانت الخامسة أو السادسة فيهن، ونكاح الخامسة محرم كنكاح ذوات المحارم، فلما جاز له البقاء على الخامسة بذلك العقد جاز له أن يثبت على الأم أو البنت بذلك العقد. ووجه قول أشهب: أنه لما كان عقده شبهة حرم الأم ولم يحرم البنت، لأنه لم يدخل بالأم. قال الشيخ: وقول ابن القاسم أبينهما، وبه أقول. ومن المدونة: قال ابن القاسم: فإن حبس الأم وفارقت البنت، فأراد ابنه نكاح البنت التي خلاها فلا يعجبني ذلك. قال الشيخ: لأنه عقد شبهة. قال ابن القاسم: ,عن كان قد دخل بهما فارقهما ولا تحلان له أبداً، فإن بنى بواحدة أقام عليها وفارق الأخرى، ولم يكن له أن يختار التي لم يمس، وقاله ابن شهاب. قال ابن القاسم: وكذلك المجوسي يسلم وعنده أم وابنتها قد أسلمتا جميعا، فالجواب واحد. قيل له: فالذمي إذا تزوج امرأة فماتت قبل أن يمسها فتزوج أمها ثم أسلما جميعاَ؟ وكيف إن كان هذا رجل من أهل الحرب ثم أسلم؟

فلم يذكر جواباً، وأتى بنظير يدل على جواز النكاح وثباته، فذكر مسألة المجوسي وعنده أم وابنتها قد أسلما جميعا. قال أبو محمد وغيره: نكاحهما ثابت. ومن كتاب ابن المواز: وإذا أسلم وقد نكح أربعا في عدتهن، فإن أسلم بعد خروجهن/ من العدة ثبت عليهن، وقاله ابن القاسم وأشهب. قال أشهب: بنى بهن أو لم يبن. ولو أسلم قبل انقضاء عدتهن لفارقهن، وعليهن ثلاث حيضات- يريد وقد مسهن. ولو أسلم وقد انقضت عدة بعضهن فسخ نكاح من لم تنقض عدتها، كن في عقدة، بنى بهن أو لم يبن بهن. وإن وطيء بعد إسلامه من لم تنقض عدتها لم تحل له أبداً. وإن تزوج نكاح متعة فأسلم قبل الأجل فسخ نكاحه، وإن أسلم بعد الأجل ثبت، بنى أو لم يبن.

فصل [3 - في نكاح المشرك وطلاقه إذا أسلم عليه] قال ابن القاسم: وكل صداق نكاح استحله أهل الشرك فيما بينهم فهو جائز إذا أسلموا عليه وقد بنى، وإن لم يبن وقد تزوجها بخمر أو خنزير ثبت النكاح وحملتهما في الصداق على سُنة المسلمين، ويصير كمن نكح على تفويض، فإن شاء البناء وأدى صداق المثل وإلا فارق ولا شيء عليه، وقد تقدم هذا. قال ابن القاسم: وما كان في شروطهم من أمر مكروه فإنه لا يثبت من ذلك إلا ما كان يثبت في الإسلام، ولا يفسخ من ذلك إلا ما كان يفسخ في الإسلام، وفي غير رواية جبلة: فإنه لا يثبت من ذلك ما كان يفسخ في الإسلام، ولا يفسخ من ذلك ما كان في الإسلام. قال يحيي بن عمر: وهذه رواية سحنون وهي الصواب. قال الشيخ: وتفسي ابن القاسم للمسألة التي بعد هذه يدل على صحة رواية سحنون، وهي: قال ابن القاسم: وما كان لها من شرط بطلاقٍ فيها أو

في غيرها أو بعتاقٍ إن تزوج عليها من أهلها، أو أخرجها من بلدها، فهذا كله يسقط عنه ولا يثبت عليه، ولو شرط لها أيضاً ألا نفقة لها عليه، وان لها نفقة محدودة، أو فساداً لا يحل لفساد العقد، ونكاح الشرك إذا أسلما لم يكن ذلك فساداً لنكاحهم. قال في كتاب ابن المواز: وإن بنى ثبت النكاح وكان لها صداق المثل، ولها نفقة مثلها، قال: وهو كصداق مجهول حين اشترط هذا الصداق. قال أصبغ: ولولم يدخل بها وتطارحا الشرط ثبت النكاح ولم يفسخ، كمن تزوج بصداق معجل، وصداق إلى موت أو فراق، أو إلى أجل مجهول. ومن المدونة: وإذا تزوج ذمي زوجة ذمي سواه فرافعه زوجها إلينا منع من ذلك، وهذا من التظالم الذي أمنعهم منه. وإذا تزوج ذمي ابنته أو أمه أو قام على مبتوتة لم يعرض له إذا كان ذلك ما يستحلونه في دينهم. قال مالك: وإن أعلنوا بالزنا أُدبوا وإذا تزوج صغيران من أهل الذمة بغير إذن أبويها أو زوجهما أجنبي ُم أسلما بعد البلوغ ثبتا على نكاحهما، ولا يُعرض لأهل الذمة إذا أسلموا في نكاحهم، إلا أن يكون تزوج من لا يحل له فيفرق بينهما. قال مالك: وإذا طلق الذمي امرأته ثلاثاً ولم يفارقها فرفعت زوجته أمرها إلى السلطان فلا يعرض لهما، ولا يحكم بينهما إلا أن يرضيا جميعا بحكم الإسلام، فالحاكم مخير إن شاء حكم أو ترك، فإن حكم حكم بينهم بحكم الإسلام. قال مالك: وأحب إلي ألا يحكم بينهم.

وطلاق [أهل] الشرك ليس بطلاق، وكذلك إن طلق النصراني زوجته ثلاثاً ثم تزوجها قبل زوج ثم أسلما، فليقيما على نكاحهما. ولا يحصن الوطء بين النصرانيين حتى يطأها بعد إسلامهما، وقد تقدم هذا. والله الموفق للصواب.

[الباب العاشر] باب جامع مسائل مختلفة، وأحكام المرتد والأسير

[الباب العاشر] باب جامع مسائل مختلفة، وأحكام المرتد والأسير [فصل 1 - في وطء المسبية ونكاح رابعة في دار الحرب] قال ابن القاسم: وإذا قُسم المغنم بدار الحرب فصار لرجل في سِهمانه جارية فستبرأها بحيضة، فجائز له أن يطأها بدار الحرب وإن كان لها زوج حربي، قال ابن القاسم: وقد كرهه بعض الناس خيفة أن تهرب منه حاملاً. ومن كان عنده ثلاث نسوة في دار الإسلام ثم خرج تاجرا إلى دار الحرب فتزوج رابعة ثم قدم وتركها، فأراد نكاح خامسة فليس له ذلك، لأن الحربية في عصمته. قال الشيخ: يريد إلا أن يبت طلاقها أو يصالحه عنها أحد، وإن طلقها واحدة لم يجز له أن يتزوج إلا بعد خمس سنين من يوم خرج منها، وثلاث سنين من يوم الطلاق لأنها إن كانت حاملاً يوم خرج فأقصى ما يمسكها الحمل خمس سنين، وإن لم تكن حاملاً وطلقها فلابد من ثلاث سنين من يوم الطلاق، لاحتمال أن تستراب فتعتد بالسنة فتأتيها الحيضة قبل تمام السنة بيوم أو يومين، فترجع إلى الحيض، ويصيبها كذلك في السنة الثانية والثالثة، فلا تنقضي عدتها إلا بعد ثلاث سنين. فصل [2 - الشرط في جواز وطء المسبية غير الكتابية] ومن المدونة: قال مالك: ولا توطأ المسبية من غير أهل الكتاب حتى تجيب إلى الإسلام، بأن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، أو تصلى، أو تجيب بأمر يُعرف أنها قد دخلت في الإسلام بعد الاستبراء.

قال ابن القاسم: وتجزئه حيضتها عنده قبل الإسلام، كمن اشترى مودعة عنده قد حاضت. وإن كانت المجوسية صغيرة لم تحض، فإن كانت ممن تعرف الإسلام لم يطأها حتى يجبرها على الإسلام وتدخل فيه إذا كانت قد عقلت ما يقال لها. ولبأس أن يزوج الرجل عبده النصراني أمته النصرانية، فإن أسلم العبد فالنكاح يفسخن إلا أن تسلم الأمة مكانها، مثل المجوسية يسلم زوجها، لأنه لا ينبغي لمسلم عبد أو حر أن يتزوج أمة ذميه، فإن أسلمت الأمة فالعبد أحق بها إذا أسلم في عدتها. فصل [3 - في أحكام نكاح المرتد والأسير] ولا يجوز نكاح المرتد ولا المرتدة، لأن كل معنى إذا طرأ على النكاح أوجب فسخه فإذا وجد في الابتداء منع العقد أصله الملك والرضاع. قال مالك: وإذا ارتد الزوج انقطعت العصمة حينئذ، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:10]، يريد: من كفر من أزواجكم، فلا تمسكوا بعصم أولئك الكوافر. قال مالك: ورِدة الزوج طلقة بائنة، ولا رجعة له إن أسلم في عدتها. قال في كتاب العدة: وكذلك ردة المرأة طلقة بائنة.

ابن المواز: وقاله ابن القاسم وأشهب، وبه أقول، واختلف فيه قول أشهب، فقال أيضاً: إن رجعت إلى الإسلام بقيت له زوجة. وقال المغيرة: للزوج الرجعة إن رجع إلى الإسلام في عدتها. وروى عن مالك: أن الردة فسخ، رواه ابن أبي أويس وابن الماجشون. قال أبن حبيب: قال ابن الماجشون: وإن ارتد الزوج ثم عاد إلي الإسلام في عدتها فهو أحق بها بالطلاق كله، ولو ثبت المرتد حتى انقضت عدتها لزمته فيها طلقة، وكذلك لو أسلمت ثم أسلم بعد عدتها لزمته طلقة. ابن سحنون عن أبيه فيمن رفع زوجته إلى الإمام ويقول: إنها ارتدت، وهي تنكر، قال: يفرق بينهما، لأنه مقر بزوال العصمة، وإن كان مسلم تحته نصرانية فقال: قد أسلمت، وأنكرت هي ذلك، فليفرق بينهما لإقراره بارتدادها. ومن المدونة: قال ابن شهاب: والأسير يُعلم تنصره فلا يُدرى أطوعاً أو كُرهاً فلتعتد زوجته، ويُوقف ماله وسريته/,فإن أسلم عاد إليه ذلك كله إلا الزوجة فلا رجعة له عليها، وإن مات قبل أن يسلم كان في ماله حكم الإمام المجتهد- يريد أنه يحكم فيه بحكم المرتد- فإن ثبت أنه أكره ببينة لم تطلق عليه

زوجته وكان بحال السلم في نسائه وماله ويرث ويورث. قال بعض شيوخنا في الذي لم يعلم ارتداده أطوعاً أو كرهاً، ففرق بينه وبين زوجته، ثم ثبت أنه أُكره: فحاله كحال امرأة المفقود يَقدُم، فإنه أحق بزوجته مالم يدخل بها الثاني، فإن دخل بها بقيت له زوجة. قال الشيخ: وهو عندي صواب، لأن الحكم عليه بالفراق خوفاً أن يكون تنصر طائعاً، كالحكم على المفقود خوفاً أن يكون مات، فأهما متفق. وعاب ذلك بعض أصحابنا وقال: ترد إليه وإن دخل بها الثاني، كمسألة محمد فيمن قال: عائشة طالق، وله زوجة حاضرة تسمى عائشة، وقال: أردت زوجة لي غائبة بعيدة تسمى عائشة، فلم يُقبل قوله، وطلق عليه الحاضرة، ثم ظهر صحة قوله، أن الحاضرة ترد عليه وإن تزوجت، فكذلك مسألة الأسير. قال الشيخ: ومسألة المفقود والذي ارتجع في سفره فلم تعلم به أشبه بمسألة الأسير من هذه. والله أعلم. قال ابن القاسم: وإن ارتد وتحته ذميه وقعت الفرقة بينهما بارتداده وحرمت عليه وإن ارتدت إلى مثل دينها. ولو تزوج في حال ارتداده ذميه لم يجز نكاحها إياها رجع إلى الإسلام أو لم يرجع. قال ابن حبيب: إذا تزوج بعد أن حبس للاستتابة فسخ، وإن قُتِل على ردته فلا صداق لها بنى أولم يبن، مسلمة كانت أو نصرانية، لأنه حُجِرَ عن

ماله، وإن رجع إلى الإسلام قبل أن يفسخ ثبت نكاحه، لأنه إنما كان يفسخ للحجر في ماله وقد زال، وكذلك قال ابن الماجشون. قال الشيخ: قوله: وإن رجع إلى الإسلام ثبت نكاحه، خلاف ما تقدم في المدونة. وفي كتاب محمد: قال ابن القاسم: إذا تزوج في حال ارتداده ودخل ومس فلا صداق لها. قال أصبغ: وكذلك عندي إذا تزوج بعد الحجر والتوقيف، وإنما هو بمنزلة بيعه وشرائه. قال أبو الحسن: معنى قول ابن القاسم عندي: أنها كانت عالمة بارتداده، ولو لم تعلم لم يسقط عن ماله ما يجب به استحلال فرجها، ولو تزوجها بعد الحجر ما منُعت من ربع دينار، ولكن لا يمكن ذلك، لأنه مسجون، ولو رجع إلى الإسلام كان لها جميع ما أصدقها، تزوجها قبل الحجر أو بعده، وإن كان أضعاف صداق المثل، والنكاح منسوخ على كل حال. وذكر عن أبي القاسم ابن الكاتب أنه قال: لا صداق لزوجة المرتد التي تزوج في ردته، ودخل بها، سواء علمت بارتداده أم لا، لأنه إذا قُتِل على ردته كان ماله للمسلمين، لأنه بعد ارتداده محجور عن ماله إلا أن يعاود الإسلام، ألا ترى أنه لا ينفق على ولده منه، فدل أنه لا يملك التصرف فيه، وقالوا ف] نكاح المريض وإصابته زوجته: أن صداقها يكون في الثلث الذي له التصرف فيه. ولما أجمعوا ألا ثلث للمرتد يوصي فيه ولا ما يتصرف فيه دل إجماعهم ألا صداق لزوجته علمت أو جهلت، لأن جهلها لا يوجب لها حقاً فيما لا يملكه زوجها.

ومن المدونة: وثم رجع إلي الإسلام فإنه يوضع عنه كل ما كان لله إذا ارتد عليه مما تركه قبل ارتداده من صلاة، أو صوم، أو زكاة، أو كفارة، أو حد، وما كان عليه من نذر، أو يمين بعتق، أو بالله، أو بظهار فإن ذلك كله يسقط، ويؤخذ بما كان للناس من قذف أو سرقة، أو قتل، أو قصاص أو غير ذلك مما لو فعله في كفره لأخذ به، فإن قتل على ردته فالقتل يأتي على كل حد، أو قصاص مما وجب عليه للناس إلا القذف فإنه يحد ثم يقتل، وذلك لحجة المقذوف من لحوق عار القذف إن لم يحد له. وإذا أسلم المرتد لم يجزه ما حج قبل ردته، وليأتنف الحج، لقوله تعالى {لَئِن أَشركتَ لَيَحبطَنَ عَمَلُكَ} [الزمر: 65]، ويأتنف الإحصان، وقد تقدم هذا، وليستأنف بعد رجوعه إلى الإسلام ما كان يستأنفه في الكافر إذا أسلم. قال ابن القاسم: وهو أحسن ما سمعت. وإن قتل المرتد لم يرثه ورثته من السلمين ولا من أهل الدين الذي ارتد إليه، وميراثه للمسلمين وتبطل وصاياه قبل الردة وبعدها، لأن الرجل إنما تجوز وصاياه في ماله، وهذا المال ليس هو للمرتد، وقد صار لجماعة السلمين، وماله محجور عليه إذا ارتد. قال مالك: وإن ارتد المريض فقتل لم ترثه زوجته، ولا يتهم أحد أن يرتد لئلا يرثه ورثته وميراثه للمسلمين. وإن مات لمرتد، أو لذمي، أو لعبد ولد حر مسلم لم يرثوه ولم يحجبوا، ثم إن أسلم المرتد أو الذمي أو عتق العبد قبل أن يقسم ميراث الابن فلا شيء لهم منه،

وإنما الميراث لمن وجب له يوم مات الميت. وقد جرى كثير من أحكام المرتد في كتب العبيد. قال الشيخ: فذكر عن ابن الكاتب في قوله: وإذا ارتد وعليه يمينٌ بالعتق فإنه يسقط, قال: إنما ذلك في العتق غير المعين, وأما المعين فقد انعقد عليه في ماله حقً لإنسانٍ معينٍ قبل ردته, فلا يسقطه ارتداده, وقد قالوا: يلزمه تدبيره فكذلك يمينه بعتقٍ معين. قال الشيخ: ويظهر لي أن تدبيره كعتقه وطلاقه, وذلك بخلاف أيمانه, ألا ترى أن النصراني إذا أسلم يلزمه تدبيره ولا تلزمه أيمانه, فكذلك المرتد, والله أعلم. وروى عن سحنون أن ردته لا تُسقط عنه حد الزنا, لأنه لا يشاء من وجب عليه حدٌ أن يُسْقِطَه إلا أَسقطه بالردة. قال الشيخ: وظاهر هذا خلاف المدونة, وإنما أَستَحِبُّ إن علم منه أنه إنما ارتد ليسقط الحد قاصداً لذلك, فإنه لا يسقط عنه, وإن ارتد لغير ذلك سقط عنه. قال ابن حبيب: قال أصبغ: إذا ارتد سقطت وصاياه, فإن رجع إلى الإسلام ثم مات فإن كانت هذه الوصايا مكتوبةً جازت, وإلا لم تجز. وروى على بن زياد عن مالك في المرأة ترتد تريد بذلك فسخ النكاح: أنه لا يكون طلاقاً, وتبقى على عصمته.

قال الشيخ: وأخذ به بعض شيوخنا قال: وهو كاشترائها زوجها تغتزي فسخ نكاحها. ابن المواز: وإذا وجد للمرتد امرأةٌ فقال: تزوجتها في حال الردة, وقالت هي: بل بعد أن رجع إلى الإسلام, فالقول قولها, لأنها مدعية للحلال, ويفسخ نكاحها بإقراره, ويُحكم لها عليه بنصف الصداق. تم كتاب النكاح الثالث من الجامع لابن يونس بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على محمدٍ نبيَّه وآله.

[الكتاب الرابع] كتاب الرضاع

[الكتاب الرابع] كتاب الرضاع [الباب الأول] جامع ما يحل ويحرم من الرضاع [فصل 1 - في أدلة التحريم بالرضاع] قال الله -عز وجل: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء:23] , وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «يَحُرُم من الرضاع ما يحرم من الوِلَادة» , والإجماع على ذلك, وسقط حديث: «خمس رَضعات» لأن عائشة رضي الله عنها التي روته خالفته, واختلف الروايات عنها في عدد الرضعات, وقد أخذت بعد الرسول عليه الصلاة والسلام بأكثر من خمس رضعات ولأنها أحالته على القرآن, فلما لم يؤخذ القرآن بأخبار الآحاد بطل استعمال

هذا الحديث, إذا لا يكون قرآنٌ مختلَفً فيه ولم يُجتمَع على العمل به فيؤخذ بإجماع, وحديث/ ابن الزبير: «لا تحرِّم المصَّة والمصَّتان» , وروى من طريق صحيح عن ابن الزبير عن عائشة فَعُلِم أنه مستخرج من حديث (خمس رضعات) , وما روي عنها في توقيت ذلك من الاضطراب فسقط التوقيت بما ذكرنا, وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المصَّة والمصَّتان تُحِّرم» , وقال: «لا رَضَاع بعد فِطَام». ابن وهب: وقال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم: إن قليل

الرضاعة وكثيرها يحرَّم في المهد. قال ابن عباس وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير: إذا كان في الحولين فمصَّة واحدة تحرم, وما كان بعد الحولين فلا يحرَّم. قال عبد الوهاب: وأخذ الشافعي بحديث «خمس رضعات». ودليلنا قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء:23] فأطلق, وقول النبي صلى الله عليه وسلم «يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة» , وتحريم النسب لا يفتقر إلى عدد من الوِلادات, فكذلك الرضاع, ولأن كل معنىً أوجب حرمة مؤبدة, فالمعتبر وجوده من غير عدد كالعقد والوطء, واعتبار بالخمس لعلة الارتضاع من آدمية في مدة الحولين قبل الاستغناء بالطعام.

[فصل 2 - في المدة التي يكون الرضاع فيها مُحرِّماً] ومن المدونة: قال مالك وغيره: ولا يحرِّم ما رَضِعَ بعد الحولين. قال مالك: إلا ما قارب الحولين ولم يُفْصَل بمثل شهرٍ أو شهرين. قال غيره: لقوله سبحانه: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة:233] , وروى ابن عبد الحكم: وما زاد على الحولين بالأيام اليسيرة. قال الشيخ: وهذا أصح, لأن ما قارب الشيء له حُكمه. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو فَصَلته أمُّه بعد الحولين حتى استغنى بالطعام لم يحرِّم ما أُرضِع بعد ذلك, وكذلك لو فَصَلته بعد حولٍ وانقطع رضاعه واستغنى بالطعام فأرضعته أجنبية بعد ذلك قبل تمام الحولين لم يكن رضاعاً يُحرِّم. ابن حبيب: وقال مطرف وابن الماجشون: يحرِّم إلى تمام الحولين. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو فُصِل بعد الحولين بيسير أو قبل الحولين فأَرضع بعد فِصَاله بيومٍ أو يومين لَحرَّم, إذ لم يستغن بالطعام إلا أن يقيم أياماً يستغني فيها بالطعام معاشاً له فلا يحرِّم.

قال مالك: ولو أرضعته أمه ثلاث سنين ولم تَفْصِله, ثم أرضعته أجنبيةً لم يكن ذلك رضاعاً يحرِّم. قال ابن حبيب: وقد رأى بعض العلماء الأخذ برضاعة الكبير في الحِجَابَة خاصة لحديث سَهَلَة بنت سُهَيْل في رضاع سَالمٍ وهو كبير. قال ابن المواز: فلو أَخذ به أحدٌ في الحِجَابة خاصةً لم أَعِبْه كل العيب, وتَرْكُه أحبُّ إلينا, وليس في الحديث أنه يُحرِّم, وإنما قال: «أَرضِعيه يَذهَبُ ما في

وجه أبي حذيفة» , وفي حديث آخر: «تذهب غيرته» , فليس تقوم بهذا حجةً لمن أطلق التحريم, وما علمت من أخذ به عامَّاً إلا عائشة رضي الله عنها وخالفها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم, ورأين ذلك خاصاً بسالم. قال الشيخ: واحتج لذلك الحديث بعض أصحابنا البغداديين بقوله عز وجل: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة:233] فدل أن ما زاد على الحولين بالأمر البين ليس من الرضاعة, لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا رضاع إلا ما فَتق الأمعاء» , وقوله عليه الصلاة والسلام: «الرضاع

ما أنبت اللحم وأنشز العظم» , وكل ذلك مُنتفٍ عن رضاعة الكبير. [فصل 3 - في الرضاع في الشرك] ومن المدونة: قال ابن القاسم: والرضاع في الشرك والإسلام سواء يقع به التحريم, ولبن المشركات والمسلمات سواء يقع به الحرمة. [فصل 4 - في طرق وصول اللبن إلى الجوف وأثرها في التحريم] قال مالك: والوَجُور يُحرِّم. قال ابن أبي زمنين: والوَجور -بنصب الواو- ما صُبَّ في وسط الفم, واللَّدود: ما صُبَّ في أحد جانبي الفم, مأخوذ من لَدِيدَي الوادي وهما جانباه. ومن المدونة:/ قال ابن القاسم: والسَّعوط إن وصل إلى جوف الصبي فإنه يحرِّم.

وقال عطاء الخراساني: لا يحرِّم السَّعوط ولا الكَحُل باللبن, وروى مثله لابن عباس. وأطلق ابن حبيب التحريم به. وقول ابن القاسم أصح, لأن الاعتبار في الرضاع بما يقع به الاغتذاء وهو إذا لم يصل إلى الجوف كان وصوله إلى الدماغ كجريانه على ظاهر البدن. وكذلك أطلق ابن حبيب التحريم بالحُقْنَة, وعلَّق ابن القاسم الجواب فيها بوصول اللبن إلى الجوف حتى يكون غذاءً له, وقول ابن القاسم أصح في ذلك كله لما قدمناه, والله أعلم. قال ابن حبيب: وإن مِيعَ كُحْلُّ في لبنٍ وَكُحِلَ به الصبي, فما كان دواء ينفذ مثل المُرِّ والصَّبِر والعَنْزَرُوت وشبهِه

فإنه يحرِّم, وما كان مما يتردَّد في العين لم يحرِّم. قال الشيخ: وسواءٌ عند ابن القاسم كان مما ينفذ أو يتردَّد فإنه لا يحرِّم؛ لأنه لا يكون منه غذاء, وقد دخل من غير مدخل الطعام والشراب فلا يحرُّم حتى يكون غذاءٌ للصبي, كما قال الحَقَنَة. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن حُقِنَ بلبنٍ فوصل إلى جوفه حتى يكون غذاءً له لو لم يُطعم ولم يُسقَ فإنه يحرُّم وإلا فلا يحرِّم. وقد قال مالك في الصائم يحتقن: إن عليه القضاء إن وصل ذلك إلى جوفه.

[الباب الثاني] في لبن الفحل ولبن البكر واليائسة والميتة والبهيمة

[الباب الثاني] في لبن الفحل ولبن البكر واليائسة والميتة والبهيمة [فصل 1 - في التحريم بلبن الفحل] وحرَّم الرسول صلى الله عليه وسلم بلبن الفَحّل وقال: «لقد همت أن أنهي عن الغِيّلَة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضرُّ أولادهم شيئاً».

قال مالك: فإنما يغيل اللبن ويكون فيه غذاء, والوطء يدرُّ له اللبن ويستنزله, فهو يحرَّم. قيل لمالك فما الغيلة؟ قال: أن يطأ الرجل امرأته وهي ترضع, وليست بحامل. ولا يكره ذلك, إذ لم ينه عنه النبي صلى الله عليه وسلم, وليس كما قال ناس: إن الغيلة أن يغتال الصبي فيرضع بلبن قد حملته أمه عليه؛ فيكون لما أرضته بذلك اللبن قد اغتاله. قال ابن القاسم: فلم يكرهه مالكٌ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه. قال أبي حبيب في الواضحة: الغيلة وطء المرضع حملت أم لم تحمل, أنزل الرجل أو لم ينزل فيها. وقال: العرب تتقيه شديداً وتقول: لو لم يبق من عُمُرِ المُغْيَل إلا يومٌ لتبين ذلك فيه بصَرعٍ في جسم أو عِلةٍ من سَقَمٍ, وإنما هَمَّ النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عنها لِمَا عَلِمَ من ضررها. قال أبو عمران: وما أدري قوله: أنزل فيها أو لم ينزل, وما الغيلة إلا الوطء مع الإنزال, إلا أن يريد أن ماءها هي يُضعِف اللبن.

ومن المدونة: قال مالك: فلو أن امرأة رجلٍ ولدت منه فأرضعت ابنه عامين ثم فطمته؛ ثم أرضعت بلبنها بعد الفطام صبياً, فهو ابنً لزوجها. قال ابن القاسم: ولو حملت من زوجها فأرضعته وهي حامل, كان اللبن للفحل. قال مالك: ولو لم تلد قط وهي تحت زوجٍ فدرَّت فأرضعت صبياً قبل أن تحمل كان اللبن للفحل. قال ابن القاسم: وإن طلقها زوجها وهي ترضع ولدها منه؛ فانقضت عدتها وتزوجت غيره؛ ثم حملت من الثاني فأرضعت صبياً, فإنه ابنً للزوج الأول والثاني, واللبن لهما جميعاً إن كان اللبن الأول لم ينقطع, وقاله ابن نافعٍ عن مالك. ومن كتاب ابن المواز: وإذا أرضعت بلبن الزنا [صبياً] فهو ابنً لها, ولا يكون ابناً للذي زنى بها, ولو أرضعت صبيةً فتزوجها الذي زنى بها؛ لم أقض بفسخه, وأحب إلى أن يجتنبه من غير تحريم, وأما ابنته من الزنا فلا يتزوجها/ وإن كان أجازه ابن الماجشون, وأباه أصبغ وابن عبد الحكم في ظني, ومكروهه بيِّنٌ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسودة في الولد:

«احتجبي منه» , وقد ألحقه بأبيها وصار لها أخاً في الميراث, وحجبها عنه لشَبَهِه بعُتبة, فكيف يتزوجها عتبة لو كانت جارية؟ وأما لبن الزنا فلا يحرِّم -يريد من قبل الفحل- وأما كل لبن من وطء بفساد نكاح مما لا حد فيه, أو وطء لا يجوز بالملك فالحرمة تقع فيه من قِبَل الرجل والمرأة, وكذلك اللبن في ولد الملاعنة يحرم من الرجل والمرأة. وقال ابن حبيب: اللبن في وطء صحيح أو فاسد أو حرام أو زنا فالحرمة فيه من قِبَل الرجل والمرأة, وكما لا تحل له ابنته من الزنا؛ كذلك لا يحل له نكاح من أرضعته المزني بها من ذلك الوطء, لأن اللبن لبنه والولد ولده وإن لم يلحق به وقد كان مالك يرى أن كل وطء لا يلحق فيه الولد فلا يُحِّرم لبنه من قِبَل فحله, ثم رجع إلى أنه يحرِّم, وذلك أصح, وقاله أئمة من العلماء.

وقال سحنون: كل نكاحٍ حرامٍ لا يلحق فيه الولد كنكاح الخامسة, أو الأخت من الرضاعة, أو متزوجة وهو يعلم بزوجها, وهو عالمٌ بتحريم ذلك, ولا يعذر بجهلٍ أن الحرمة تقع فيه من قِبَلِ الرجل والمرأة. قال: وقال عبد الملك: لا تقع بذلك حرمةٌ حين لم يلحق به الولد, ولا يحرم عليه الولد إن كانت ابنه. قال سحنون: وهذا خطأٌ صُرَاح, ما علمت من قاله من أصحابنا غيره. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم سّودة أن تحتجب من ولدٍ ألحقه بأبيها لِما رأى من شَبَهِهِ بِعُتبة. قال: وكذلك من زنى بها غصباً [فولدت] فما أرضعت بذلك اللبن يحرم بذلك على الواطئ, ولا يحرم عليه بذلك شيءٌ عند عبد الملك. قال عبد الوهاب: ودليلنا أن لبن الفحل يحرِّم, قوله عليه الصلاة والسلام: «يحرُم من الرضاعة ما يحرُم من الولادة» , وحديث عائشة رضي الله عنها لمَّا أبت أن تأذن لعمها من الرضاعة, وقالت: «إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل» فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه عمُّك فَلَيَلِجُ عليك» , ولأنهما يشتركان في اللبن, ولأنه تحريمٌ يثبت بالنسب فيثبت بالرضاع كتحريم الأمومة. ومن كتاب ابن المواز: ويحرَّم بلبن الفحل؛ فإذا أرضعتك امرأةٌ كان زوجها أبوك من الرضاعة, وأخوه من النسب أو الرضاعة عمك.

قال: وأبوك من النسب إن كان له أخٌ من الرضاعة فهو عمُّك من الرضاع وإن كان لعمِّك من الرضاع أخٌ من نسبٍ أو رضاعٍ آخر لم يكن بينك وبينه تحريم. -قال الشيخ: كما لا يكون بينك وبين أخت من أرضعته أمُّك تحريم, وإن كانت أخت أخيك من الرضاعة-. قال ابن المواز: وأخوك من النسب إن كانت له أختٌ من الرضاع فهي لك حلال, وحلالَّ لولدك, وهي أخت عَمَّه وليست بِعمَّتِه. قال محمد: وأخوك من الرضاع يحل لك نكاح أخته من النسب والرضاع ما لم ترضعك أمها, وإلا فلك نكاحها ونكاح أُمِّها. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون: وإذا أرضعت امرأةٌ صبياً فكل ولدٍ تقدم لها أو يكون لها أبداً بولادةٍ أو رضاعٍ إخوةٌ له, وحرامٌ عليه, وهم حلالٌ لإخوته. قال الشيخ: فالأصل في هذا أن كلَّ من اجتمعا على ثديٍ واحدٍ فهما أخوة رضاع, والتحريم واقعٌ بينهما, وأما أخو أخيك من الرضاع فأجنبيٌ منك, إذ لم ترضع أنت أمَّه, وحلالٌ لك أمُّه وأخته, وهو كما تقدم لمحمَّد بن المُنَذِر: أجمع كل من يحفظ عنه العلم أن حكم لبن الزوج الأول ينقطع إذا ولدت من الزوج الثاني, وإنما الاختلاف إذا حملت من الثاني ولم تلد./

وفي كتاب محمد عن مالكٍ خلاف ما ذكر ابن المنذر: أنها وإن وضعت من الثاني لا ينقطع حكم لبن الأول إذا لم ينقطع اللبن. وذكر عن ابن عمران أنه قال: لم يختلف أصحابنا في التي تتزوج في العدة ويدخل بها الزوج فتلد ولداً لأقل من ستة أشهر؛ أن لبن هذا الولد للزوجين جميعاً, وكذلك إذا نفى الولد أحد الزوجين أو كلاهما أن اللبن لهما. وذكر أن سحنون يقول: إذا طلق الزوج زوجته وتمادى بها اللبن أنها إذا جاوزت خمس سنين وهي المدة التي تلحق فيها الأنساب, فلا يكون اللبن للزوج. قال أبو عمران: وما أعرف هذا لسحنون, ولم أره في كتاب ابنه, وقد استقصى الرضاع فيه, فإن كان هذا صحيحاً فإنما حدَّ هذا, لأن الرضاع لا يكون أقوى من النسب, فإذا انقطع النسب لذلك؛ فانقطاع الرضاع أحرى, ويصير كأن هذا اللبن من رجلٍ آخر, أو يكون هذا خِلّقَةً في المرأة فلا يكون ذلك من قِبَلِ الزوج, وقد يُعترض على هذا بالتي أيست وقعدت عن الولد فتزوجت فدرَّت, ثم طلقها الزوج, أو لم يطلقها أليس اللبن له؟ فليس العلة الحمل. فترجيح الشيخ في ذلك, وكأنه نحا إلى أن قول سحنون خلاف المدونة, إذ ذكر فيها إذا لم ينقطع اللبن من غير حد, والله أعلم.

[فصل 2 - في التحريم بلبن البكر واليائسة] ومن المدونة: قال مالك: وإذا درَّت بِكرٌ لا زوج لها أو يائسة من المحيض فأرضعت صبياً فهي أمٌ له, لأن لبن النساء يُحرِّم على كل حال. وفي كتاب ابن الجّلاَّب في الصغيرة التي لا يوطأ مثلها: أن لبنها لا تقع به حُرمة. ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم: لو أن امرأة دَرَّ من ثدييها ماء فأرضعت به صبياً فلا يُحَّرم به, ولا يُحرَّم إلا باللبن الذي يكون له غذاءً يُغْني عن الطعام, وأما ماء أصفر ونحوه فلا. قال: وإن أرضع رجلٌ صبياً ودَرَّ عليه لم تقع به الحرمة, لأن الله عز وجل قال: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء:23] , فإنما يحرِّم لبن بنات آدم لا ما سواه. [فصل 3 - في لبن البهيمة هل يحرِّم أم لا؟] قلت: فلو أن صبيتين غُذيتا بلبن بهيمةٍ أتكونا أختين؟ قال: لا تكون الحرمة في الرضاعة إلا بلبن بنات آدم لا ما سواه.

[فصل 4 - في التحريم بلبن المرأة الميتة] قال: وإذا حَلِبَ من ثدي المرأة لبنٌ, ثم ماتت, فَأُوَجِرَ بذلك اللبن صبيٌ, أو حُلِبَ من لبنها بعد موتها فأُوجِرَ به صبيٌ فالحرمة تقع بذلك, ولبنها في موتها وحياتها سواء, وكذلك إذا دَبَّ صبيٌ إلى امرأة وهي مَيَّتةٌ فرَضَعها وقعت به الحرمة إذا عُلِم أن في ثديها لبناً وأنه قد رضعها, ولا يحل اللبن في ضروع الميتة. قيل: فكيف أوقعت الحرمة بلبن هذه المرأة الميتة ولبنها لا يحل؟ فقال: لأن من حلف ألاَّ يشرب لبناً فشرب لبناً ماتت فيه فأرةً, أو شرب لبنٍ شاةٍ ميتةٍ أنه حانث إلا أن ينوي اللبن الحلال, ونكاح الأموات لا يحل, ويُحَد من وطئ ميتة. ابن المواز: ولا صداق عليه. قال بعض البغداديين: ويدل على أن لبن الميتة يحرِّم قوله صلى الله عليه وسلم: «لا رَضاع إلا ما فَتق الأمعاء» , وقوله: «الرضاع ما أَنبت اللحم وأَنشز العظم» , ولأن الاعتبار في الرضاع وقوع الاغتذاء به, وذلك كله موجودٌ في لبن الميتة.

[فصل 5 - في لبن المرأة يجعل فيه طعام أو دواء] ومن المدونة: قال: ولبن المرأة إذا جُعِلَ فيه طعامٌ حتى يغيب اللبن فيه, أو صُنِعَ فيه طعامٌ فكان الطعام الغالب, ثم طُبِخَ على النار حتى غاب اللبن, أو صُبَّ في اللبن ماءً حتى غاب اللبن وصار الماء الغالب, أو جُعِل/ في اللبن دواء, فغاب اللبن في ذلك الدواء فأُطْعِم الصبي ذلك أو سُقِيَه لم تقع الحرمة به, لأن اللبن قد ذهب, وليس فيما أُكل أو شُرب لبن يكون به عَيْشُه. ابن حبيب: وقال مطرف وابن الماجشون: أنه يحرِّم وإن غلب عليه ما خرج معه. قال عبد الوهاب: وهذا قول الشافعي, وقول ابن القاسم هو قول أبي حنيفة. فوجه قول ابن القاسم: أن استهلاك اللبن يبطل حكمه, إذا لا يحنث به الحالف إلاَّ يشرب لبناً, ولأن تعلُّق التحريم بالكثير كتعليق وجوب الحد بشرب الخمر, ثم ثبت أن النقطة من الخمر إذا استهلكت في الماء أنه لا يحد شاربه. ووجه قول مطرف وابن الماجشون: أن اختلاط اللبن لا ينفي حكمه كما لو لم يستهلك فيه, ولأن الغذاء يحصل للطفل بالمختلط كله.

قال الشيخ: وقول ابن القاسم أصح, لأن الاعتبار في الرضاع الغذاء وليس في هذا المستهلك غذاء. ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم: ولو أن امرأةٌ دَرَّ من ثديها ماءٌ أصفر ونحوه فأرضعت به صبياً؛ فلا يحرَّم به, ولا يحرَّم إلا باللبن الذي يكون به الغذاء ويُغني عن الطعام.

[الباب الثالث] في الشهادة على الرضاع والإقرار به

[الباب الثالث] في الشهادة على الرضاع والإقرار به [فصل 1 - في الشهادة على الرضاع] وحضَّ النبي صلى الله عليه وسلم على اجتناب الشبهات, ولقد ألحق الولد بَزْمعَةَ لفراشه, وأمر سَوْدَة بنت زَمْعَة أن تحتجب منه لمَّا رأى من شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ مُدَّعيه, وهذا من تَوقَّي الشبهات. قال مالك: وإذا قالت امرأةٌ عدلٌ: كنت أرضعت فلاناً وزوجته, لم أقض بفراقهما. ابن وهب: وقاله عمر بن الخطاب. قال ابن القاسم: وإن عُرِف ذلك من قولها قبل النكاح لم يفرَّق بينهما.

قال مالك: ويؤمر بالتنزُه عنها إن كان يثق بقولها, ولو شهد بذلك امرأتان بعد العقد, وهما أُمُّ الزوج وأُمُّ الزوجة, أو أجنبيتان لم يُقبل إلا أن يكون ذلك قد فشا من قولهما قبل النكاح عند الأهلين والجيران فيقضي بالفراق بينهما. قال ابن المواز: وإذا لم يكن ذلك من قولهما فاشياً فأحبُّ إليَّ أن ينزِّه نفسه عنها ويتورَّع. وذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون وغيره: أنه يقضي بالفراق وإن لم يكن قولهما فاشيا. قال: وكذلك رجلٌ وامرأةٌ واحدةٌ وإن لم يكن فاشيا في الأهلين إذا قاموا حين علموا بالنكاح, ولم يأت عليهم حالٌ يُتَّهمون فيها, وقاله أصبغ, وعليه جماعة من الناس. ومن المدونة: قال مالك: ولو خطب رجلً امرأةٌ فقالت له امرأةٌ: قد أرضعتكما -وفي رواية يحيى فقالت أمُّ المرأة: قد أرضعتكما- قال مالك: فليتنزَّه على وجه الاتقاء لا على وجه التحريم, فإن تزوجها لا يفرق القاضي بينهما. وإن قال الأب: رضع فلانٌ أو فلانةً مع ابني الصغير أو ابنتي, قم قال: أردت اعتذارا, أو قال: كنت كاذباً, لم يقبل منه.

قال ابن القاسم: فإن تزوجها فرق القاضي بينهما, ويؤخذ بإقراره الأول. قال الشيخ: كالمقرِّ على نفسه, لأنه هو العاقد عليها. قال في كتاب النكاح الثاني: ومن اشترى جاريةً أو أراد شراءها, أو خطب امرأةً فقال له أبوه: قد نَكَحْتُ الحرة, أو وطئت الأمة بشراء, وأكذبه الابن, فلا يقبل الأب إلا أن يكون ذلك من قوله فاشياً قبل الشراء أو النكاح؛ فأرى له أن يتنزَّه عنها, ولو فعل لم أقض عليه. قال الشيخ: لأنه ليس هو العاقد عليه فيؤخذ بإقراره. وقال مالك: وكذلك الأم إذا لم يزل يسمعونها تقول: قد أرضعت فلانة/ فلما كبرت أراد الابن تزويجها فلا يفعل. قال الشيخ: فإن فعل لم يقض بفراقها, لأن الأم ليست بعاقدةٍ فيؤخذ بإقرارها. [فصل 2 - في الإقرار بالرضاع] ومن الرضاع: وإذا أقر أحد الزوجين أن الآخر أخوه من الرضاعة قبل أن يتناكحا فسخ نكاحهما إذا شهدت على إقرارهما بذلك بينة.

قال ابن القاسم: وليس قول الرجل: هذه أختي, أو قول المرأة: هذا أخي كقول الأجنبي فيهما, لأن أقرارهما على أنفسهما بمنزلة البينة القاطعة. قال أبو القاسم بن الكاتب: وإذا قالت المرأة المدخول بها لزوجها: إنك أخي من الرضاعة, وصدقها؛ يجب أن يرجع عليها بجميع الصداق إلا ربع دينار, كالتي غرت من نفسها وتزوجته في العدة, ولو لم يصدقها لم يقبل ذلك منها لأنها تتهم على فراقه, ولو لم يدخل بها وصدقها لم يترك لها شيئاً من الصداق. وإذا قالت الأم لرجل: أرضعتك مع ابنتي, ثم قالت: كنت كاذبة أو معتذرة لم يقبل قولها الثاني, ولا أحب له أن يتزوجها. قال ابن المواز: فإن تزوج هذا الرجل هذه الصبية بعد قول أمها هذا, فرق القاضي بينهما, وقاله ابن حبيب. قال أبو محمد وغيره: إنما يؤمر بالتنزه عنها من غير قضاء بخلاف قول الأب. قال الشيخ: وهو مذهب المدونة, والفرق بين الأب وبين الأم في هذا القول؛ فلأن الأب هو العاقد على ابنه الصغير وعلى ابنته الصغيرة فصار ذلك كإقراره على نفسه. فإن قيل: فيلزم على هذا ألا يقبل في ابنه الكبير لأنه يعقد على نفسه؟ قيل: قد مر به حال لا يعقد عليه إلا الأب فهو على ذلك. قال ابن المواز: قول أحد الأبوين, أو أحد الزوجين قبل النكاح مقبول ويفسخ به النكاح وإن لم يفش في المعارف, ولا يقبل بعد النكاح قول الأب أو الأم

وإن كانا عدلين, ولا قول الجارية, ولا امرأتين عدلتين من غير أمرٍ فاشٍ, ويؤمر بالتنزُّه, وإن كان مع المرأتين أمرً فاشٍ في المعارف قضى بالفسخ, وأمُّ الزوج وأُمُّ الزوجة بعد النكاح كالأجنبيتين, والأجنبيات قبل النكاح وبعده سواء.

[الباب الرابع] فيمن يحرم نكاحه بالرضاع من النساء

[الباب الرابع] فيمن يحرم نكاحه بالرضاع من النساء قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «يَحرُم من الرَّضاعة ما يحرُم من الوِلَادة». قال ابن القاسم: فلا يُجمع بين المرأة وعمتها وخالتها من الرضاعة كالولادة. قال مالك: والملك والتزويج في الرضاعة سواء في الحرمة, والأحرار والعبيد في حرمة الرضاع سواء, ويحرم على الرجل امرأة أبيه وابنه من الرضاعة كالنسب. ومن تزوج صغيرةٌ بعد صغيرةٍ فأرضعتهما أجنبية فليختر واحدةً ويفارق الأخرى, ولا يفسد نكاحهما كما يفسد عقد متزوج الأختين في عُقدةٍ لفساد العقد فيهما وصحته في هاتين. ولو تزوج أربع مراضع فأرضعتهن كلهن فله أن يختار أولهن رضاعاً أو آخرهن أو من شاء ويفارق البواقي, فإن أرضعت واحدة منهن فهن على نكاحهن, وإن أرضعت ثانية؛ اختار أيتهن شاء وفارق الأخرى, فإن فارق الأولى ثم أرضعت ثالثة؛ اختار, فإن فارق الثانية ثم أرضعت رابعة حبس الثالثة إن شاء أو الرابعة وفارق الأخرى, وإن أرضعتهم كلهن قبل أن يختار واحدةً منهن فله أن يختار واحدةً منهن؛ إن شاء أولتهن رضاعاً أو آخرتهن أو ما شاء منهن ويفارق البواقي. قال أبو محمد: وابن القاسم لا يرى لمن اختار/ فراقها من الأربع صداقاً كالفسخ.

وقال ابن المواز: يعطيها ثَمُن صداقها, إذ لو فارقهن جميعاً لم يكن لهن إلا نصف صداقٍ بينهن. وقال ابن حبيب: يعطي لكل واحدةٍ ممن يفارق نصف صداقها, لأنه طلاقٌ باختياره وليس كالفسخ. ابن القابسي: ومن اختار فراقها فهن فسخ بلا طلاق عند ابن القاسم لأنه لا يرى لهن صداقا, ومن رأى لهن من الصداق شيئاً أوجب عليه في كل واحدةٍ طلقة. قال الشيخ: قال بعض شيوخنا: وعلى قول ابن القاسم يكون فراقه طلاقاً لأنه هو الذي اختار الفسخ فيمن أراد منهن -يريد: وليس كل موضع يكون الفراق بطلاقٍ يلزم فيه الصداق, بل يوجد في غير ما مسألةٍ الفسخ بطلاقٍ ولا يكون في ذلك صداق, فاعتبر ذلك تجده. قال الشيخ: ولا شيء على المرضعة لهن من الصداق وإن تعدت على ذلك, على مذهب ابن القاسم, لأن الزوج لم يجب عليه صداق, لأنه غير مطلق, وأما على قول من يرى لهن شيئاً من الصداق فيجب للزوج الرجوع على المتعدية لما غرم كرجوعه على الشاهدين عليه بالطلاق قبل البناء إذا رجعا عن شهادتهما, وقاله ابن الكاتب. قال بعض فقهائنا: ولو مات الزوج قبل أن يختار واحدةً من الأربع لم يجب عليه إلا صداقً واحدً للجميع, وتتفق هاهنا الأقوال كلها, لأن واحدةً يصح

نكاحها والثلاث محرمات, فوجب عليه صداقً واحدً يُقسم على سائرهن, ولو طلق الأربع قبل أن يختار لوجب عليه نصف صداقٍ يقسم على سائرهن, وتتفق الأقوال أيضاً فتدبَّر ذلك. ابن حبيب: وكذلك المجوسي يسلم وعنده عشر نسوةٍ لم يبن بهن فيختار أربعاً منهن؛ أنه يعطي لكل من فارق نصف صداقها. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن تزوج امرأةً ورضيعتين في عُقدةٍ وسمى لكل واحدةٍ صداقها, أو في عقودٍ مفترقة, فأرضعت الكبيرة إحداهما قبل بنائه بالكبيرة وهي في عصمته, أو بعد أن فارقها حرمت الكبيرة للأبد, لأنها من أمهات نسائه, ولا تحرم عليه الصغيرة المرضعة, لأنها من الربائب اللاتي لم يُدخَل بأمهاتهن, وإن كان بعد بنائه بالكبيرة حرمت الكبيرة والصغيرة, وللكبيرة الصداق بالمسيس, ولا صداق للصغيرة, تعمَّدت الكبيرة الفساد أو لم تتعمَّده. ومن كتاب ابن المواز: ومن نكح امرأةً فمسَّها أو تلذَّذ منها, ثم فارقها فبعد عشرين سنةً تزوج رضيعةً فأرضعتها تلك المرأة التي كانت له زوجة لحرُمَت الرضيعة عليه, ولو أرضع زوجته الرضيعة نساء أهل الأرض لحرُمْن عليه, لأنهن يصِرّن أمهات نسائه, والرضيع إذا زوجه أبوه أو وصيهُ امرأةً ثم بارا عنه زوجته فتزوجت رجلاً فأولدها ثم أرضعت الصبي الذي كان زوجها وهو في الحولين لحُرمت على زوجها, لأنها من حلائل أبنائه, إذ صار هذا الصبي ابناً له من الرضاعة, وكذلك في العتبية عن ابن القاسم.

ومن المدونة: ومن تزوج صبيةً فأرضعتها أمه, أو أخته, أو جدته, أو ابنته, أو ابنة ابنه, أو امرأة أخيه, أو ابنة أخيه, أو ابنة أخته وقعت الحرمة بذلك, وفرق بينهما, ولا صداق للصبية على الزوج ولا على التي أرضعتها, وإن تعمَّدت ذلك, ولكن تُؤدَّب/ المتعمدة. قال مالك: وكل ما فسد من نكاح مَنْ حَرُم بالرضاع بعد البناء فلها المسمى ولا يُلتفت إلى صداق مثلها.

[الباب الخامس] جامع القول في الظؤورة

[الباب الخامس] جامع القول في الظؤورة ومن كتاب ابن حبيب: روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استرضاع الفاجرة, وأنه عليه الصلاة والسلام قال: «اتقوا إرضاع الحمقى فإنه يُعدِي». قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن اللبن يَنزع لمن يُسْتَرضَع؛ فَليُسْتَحسن, وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح استرضاع النصرانية.

وقال مالك: لا بأس باسترضاعها إن أُمِنَت ما تغدِّي به الولد من خمرٍ وخنزيرٍ وقد يكون في النصرانية طِبَاعٌ حسنةٌ من عفافٍ وسَخاءٍ ومحاسن أخلاق, فليس الطباع في الدين وهي في الغرائز. ومن المدونة: وكره مالك اتخاذ الظؤورة من اليهود والنصارى والمجوس من غير أن يَرى ذلك حراماً وقال: إنما غذاء الصبي مما يأكلن, وهن يأكلن الخنزير ويشربن الخمر, ولا آمنُها أن تذهب بالصبي إلى بيتها فتطعمه ذلك, وكره استرضاع الفاجرة ولم يُحرِّمه.

[الباب السادس] في رضاع الولد وأجر الرضاع في الطلاق وغيره

[الباب السادس] في رضاع الولد وأجر الرضاع في الطلاق وغيره [فصل 1 - في إرضاع غير المطلقات أولادهن] قال الله تبارك وتعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة:233] , وقال تعالى في المطلقات: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ...} [الطلاق:6] إلى قوله تعالى: {فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق:6] , فدلَّ بذلك أن ذوات الأزواج يلزمهن رضاع أولادهن دون المطلقات, لأن العرف جارٍ في أغلب أحوال الناس أن المرأة تلي رضاع ولدها من غير تكليف الزوج أُجرة, والعرف كالشرط. قال مالك: فتُجبر ذات الزوج على رضاع ولدها بلا أجرٍ إلا أن تكون ممن لا تُرضع لشرفها فذلك على الزوج. قال الشيخ: لأن العرف أن ذوات القدر والشرف لا يكلَّفن رضاع أولادهن وأن ذلك على الزوج, والعرف كالشرط. قال مالك: وإن مات الأب وللصبي مالٌ فلها ألاَّ ترضعه, وتستأجر له من يرضعه من ماله إلا أَلاَّ يقبل غيرها فتُجبر على أن ترضعه بأجرها من ماله.

قال مالك: وإن لم يكن للصبي مالٌ لزمها رضاعه -يريد: وإن كان يقبل غيرها- بخلاف النفقة التي لا يقضى بها عليها, ولكن يستحب لها أن تنفق عليه إن لم يكن له مال. وقال عبد الوهاب: إذا لم يكن للصبي مالٌ لم يلزمها رضاعه وهو من فقراء المسلمين إلا أَلاَّ يقبل غيرها حينئذٍ على رضاعه, كان له مالً أو لم يكن, لأن في ترك رضاعه حينئذٍ إتلافه, وقد قال الله تعالى: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة:233]. قال الشيخ: وكذلك نقول, إن لم يقبل غيرها وليس له مالً أنه يلزمها رضاعه, لأن جَعَلَه من فقراء المسلمين إضرارً به, وقد لا يَتكَفَّل به أحد, فيكون في ذلك إتلافه, وقد قال الله عز وجل: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة:233] , وقد قال مالك في غيره المدونة: وإذا لم يكن لليتيم مالً وليس للأم لبن, أو لها لبنً لا يكفيه لرضاعه, فعليها رضاعه, بخلاف النفقة. ابن المواز: لقول الله -عز وجل: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة:233]. قال الشيخ: قال ابن الكاتب: واستدل سحنون أن على الأم رضاعة/ إذا لم يكن له مالٌ ولا أبٌ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للتي اعترفت بالزنا: «اذهبي فأرضعيه ...» , قال: فأَخَّر عنها النبي صلى الله عليه وسلم الحدَّ لرضاع ولدها

وأَمْرُه لها على الوجوب عليها, إذ لا يؤخَّر حدٌ وجب لأمرٍ يُتَطوَّع به. وقال إسماعيل القاضي: إنما وجب على الأم رضاعة لقول الله عز وجل: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرى:233] , ولا يسقط ذلك عنها ما كان يجب لها على الزوج من النفقة والكسوة لقوله عز وجل: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة"233] , لأن الأب مات عديما, أو أعدَم وهو حي, ورضاعها قائمٌ في ثدييها, فإن انقطع دَرُّها بمرضٍ أو غيره لم يكن عليها سبيل, فإن خِيف عليه الموت لعدم الرضاع, وجب عليها أن تستأجر من مالها من يرضعه, وذلك من باب الإعانة, لأن من خاف على جائعٍ أو عاطشٍ الموت وجب عليه أن يُطعمه ويسقيه إن أمكنه ذلك, وكذلك كل مضطرٍ فإن إعانته واجبة. [فصل 2 - في إرضاع المطلقات أولادهن] ومن المدونة: قال: والرضاع عليها إن طلقت طلاقاً فيه رجعةً إذا كانت ممن يرضع مثلها ما لم تنتقض العدة, فإذا انقضت, أو كان الطلاق بائناً ولم تنقض العدة فعلى الأب أجر الرضاع. قلت: فإن قالت بعدما طلقها ألبتة: لا أرضعه إلا بمئة درهمٍ كل شهر, وأصاب الزوج من يرضعه بخمسين؟ قال: قال مالك: الأم أحق به بما يرضع به غيرها, وليس للأب أن يفرق بينه وبينها, فإن أبت أن ترضعه بذلك فلا حقَّ لها إلا أن يكون الولد لا يقبل غيرها وخيف عليه الموت فإنها تجبر على رضاعه بأجر مثلها.

قال الشيخ: وقوله: إذا وجد الأب من يرضعه بخمسين وقالت الأم: لا أرضعه إلا بمئه, فقال مالك: الأم أحق به بما يرضعه بما يرضعه به غيرها -يريد: بأجر مثلها لا بخمسين, وقاله بعض القرويين, وإليه رجع ابن الكاتب, وهو الصواب, وسواءً وجد من يرضعه غير الأم أم لا, لأنها وإن كانت عند الأم فهي التي تباشره بالرضاع والمبيت وذلك تفرقة بينه وبين أمه, فلذلك كانت الأم أحق به بأجر مثلها وهذا بيَّن. قال مالك: ولو كان الأب معدماً لا يجد شيئاً وقد طلقها ثلاثاً فوجد مِن قرابته مَن يرضعه باطلاً فله ذلك, ويقال للأم: إما أن ترضعيه باطلاً أو فأسلميه, وكذلك إن كان الأب ليس بالواحد لا يقوى إلا على دون الأجر وأصاب من يرضعه بدون ذلك فللأم أن ترضعه بما وجد أو تسلمه إن قَبِلَ غيرها وإن كان الأب موسراً ووجد من يرضعه باطلاً فليس له ذلك, وللأم أن ترضعه بمثل ما يرضعه به غيرها. قال ابن المواز: وكذلك إن وجد الملئ مَنْ يرضعه بدون الأجر فللأم أخذه بجميع الأجر, وهذا الذي أَخْتَاره من قول مالك, وروى عنه: أنها لا تأخذه إلا بما وجد, والأول أحسن, وقد قال الله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق:6]. تم كتاب الرضاع بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً.

[الكتاب الخامس] كتاب إرخاء الستور

[الكتاب الخامس] كتاب إرخاء الستور [الباب الأول] في تداعي المسيس بعد إرخاء الستر [فصل 1 - في تصديق المرأة في المسيس والمراد بإرخاء الستر] ولما ارتفع أن توجد بينه بعد إرخاء الستر صُدّقت عليه في الوطء كما صُدِّق المعترض في دعوى الوطء مع ما نصَّ الله عز وجل من تصديقهن على أمور الأرحام وقطع ما أوجب من الرجعة للأزواج بقولهن, لقوله سبحانه: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة:228] , واحتج في ذلك زيد بن ثابت أنها تصدَّق في حملٍ إن ظهر بها,

وقضى به عمر بن الخطاب, وقاله علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وغيرهم من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم. قال ابن أبي زَمنِين: المراد بذكر إرخاء الستور خلوة الرجل بأهله والتخلية بينه وبينها, ولم يُرد به إرخاء الستر ولا غلق باب. وسواءً في هذا الأصل كانت المرأة صغيرةً أو كبيرةً, بكراً أو ثيباً, يتيمةً أو ذات أبٍ, ممن يُولَى عليها أو لا يُولَى عليها, حرةً أو أمةً, مسلمةً أو نصرانية, فالقول في ذلك قولها, لها وعليها وإن لم تبلغ الصغيرة المحيض إذا بلغت الوطء, ولا كلام للأب في ذلك ولا للوصي, لأن هذا مما لا يُعرف صدقه ولا كذبه إلا بقولهن فيهن فيه مأمونات مقبولٌ قولهن كما هُنَّ مأموناتٌ على الحيض والعدة والسَّقْطِ والولادة, فقد جعل الله ذلك إليهم في قوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [الطلاق:6] , كذلك قال عبد الملك في جميع هذا. وذكر عن سحنون أنه قال: إن كانت بكراً أو أمةً فلا قول لها: إن الزوج لم يطأ, بل يكون لها صداقها كاملاً إلا أن يكون والد البكر يجيز تصديقها

- يريد: وكذلك سيد الأمة إذا أجاز تصديقها- ولا يكون ذلك لوليٌّ أو وصيًّ في البكر, ولا يحلف الولي في هذا, بخلاف الاختلاف في الصداق, لأن الوطء لا يُعلم إلا من جهتها, وأما في الصداق فالولي هو الذي عقد النكاح, فيحلف ولي البكر في ذلك على ما عقد به النكاح من الصداق الذي يذكره. [فصل 2 - في ما تستحقه المرأة إن طلقت بعد الدخول وقبل المسيس] ومن المدونة: قال مالك: ومن تزوج امرأةٌ ودخل بها وأرخى الستر عليها ثم طلقها واحدةً فقال: لم أمسَّها, وصدقته, فلها نصف الصداق وعليها العدة ولا رجعة له. قال الشيخ: وإنما لم يكن لها إلا نصف الصداق لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة:237] , وإنما كان عليها العدة لأنها حقٌ لله فلا يُسقطه إقرارهما, وإنما لم تكن له رجعةً لأنه أقر أنه لم يمسها وأنه لا عدة عليها عنده, والرجعة إنما تكون فيمن تعتد منه لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة:228] يعني العدة, فلما لم تكن عليها عدةٌ عنده لم تكن له عليها رجعة. ومن المدونة: قال مالك: وكذلك إن تصادقا أنه قَبَّل أو باشر أو جَرَّد أو وطئ دون الفرج فإنما لها نصف الصداق إلا أن يطول مُكثه معها يتلذَّذ بها. قال مالك فيكون لها عليه الصداق كاملاً.

وقال ناسٌ: لها نصفه. قال مالك: وكذلك الذي لا يقدر على امرأته؛ فيضرب له أجل سنة, أن عليه الصداق كاملاً إذا فرق بينهما. وقال ناس: لها نصفه. قال الشيخ: فوجه قول مالك: فلأنه لما طالت إقامته معها وتلذَّذ بها, فأشبه الوطء في الفرج, ووجه القول الآخر: فلأنهما متقارران على نفس المسيس وقد قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة:237]. [فصل 3 - في دعوى الجماع] ومن المدونة: قال مالك: وإذا قال الزوج بعد أن دخل بها وأرخى السَّتر عليها: لم أجامعها, وقالت المرأة: قد جامعني, صدَّقت عليه, كان الدخول عنده أو عندها إذا كان دخول اهتداءٍ, وعليه المهر كاملاً. قال ابن المواز: وعلى المرأة اليمين في ذلك, فإن نكلت حلف الزوج, ولم يلزمه لها إلا نصف الصداق, وإنما جُعِل الستر كالشاهد, وكذلك في كتاب ابن الحكم.

[فصل 4 - فيمن تعلقت برجل وهي تُدمى] وقال مالك في التي تعلَّقت برجلٍ وهي تُدمَى: إن لها الصداق بغير يمين, وقال في الواضحة: عليها اليمين. قال الشيخ: فوجه ألاَّ يمين عليها: لأنها قد بلغت من فضيحة نفسها, وأتت بشاهد الافتضاض -وهو الدم- فقام ذلك مقام الشاهدين/ فوجب تصديقها عليه بغير يمين. ووجه إيجاب اليمين: أن تعلُّقها به, وظهور الدم عليها يقوم لها مقام الشاهد كإرخاء الستر على الزوجة, وتسليمها للزوج, فلا يكون أحسن حالاً من الزوجة, إذ قد يحتمل في هذه أن يكون غيره فَعَله بها ثم فَرَّعَنها فتعلَّقت بهذا, أو تكون كانت رضيت به فلما افْتَضَّها تعلَّقت به فلا بد أن يكون عليها اليمين. قال الشيخ: وهذا عندي أعدل. [فصل 5 - في تداعي الزوجين في المسيس] ومن المدونة: قال مالك: وإن خلا بها في بيت أهلها غير دخول البناء فطلقها وقال: لم أطأ, وقالت المرأة: قد مسَّني, صدق الزوج إلا أن يكون دخوله عليها دخول اهتداء, والاهتداء هو البناء. قال مالك: وكان ابن المسيب يقول: إذا دخل الرجل بامرأته في بيتها صُدِّق عليها, وإذا دخلت عليه في بيته صدَّقت عليه.

قال مالك: وذلك في المسيس. قال ابن المواز: وكان مالك مرَّةً يأخذ بقول ابن المسيب أنه إذا خلا بها في بيتها لم تصدَّق عليه إلا بدخول الاهتداء, وبه أخذ ابن القاسم. وروى ابن وهب عن مالكٍ أيضاً أنه قال: حيث ما أخذهما القلق وإن كانت زيارةً فالقول قول المرأة وبه أخذ ابن وهب وأشهب وأصبغ, وهو أشبه بحديث عمر رضي الله عنه. قال عبد الوهاب: وقيل: إن كانت ثيباً فالقول قولها, وإن كانت بكراً نظر إليها النساء, فإن رأين افتضاضاً صدَّقت عليه وإن لم يرين افتضاضاً لم لكن لها إلا نصف الصداق. فوجه الأولى: أن النزاع في التداعي يرجع إلى العرف, والعرف جارٍ بأن الرجل ينقبض في غير بيته إذا كان زائراً, غير مطمئنٍ, ولا ينشَط, ويستحي من إطلاع أهلها, فكان القول قوله في أنه لم يطأ لشهادة العرف, وإذا خلا بها في بيته كان القول قولها, لأن العرف يصير معها, لأن الإنسان ينشط في بيته ولا ينقبض, والعادة إقدامه على الوطء, ولا يتوقف عنه, فلذلك صدَّقت عليه.

ووجه الثانية: أنها فعلت التسليم والتمكين من الاستمتاع وليست بمنسوبةٍ إلى تفريطٍ بترك التوثيق بالإشهاد, إذ لا يمكنها ذلك, فلو لم تصدق عليه لأدَّى ذلك ألاَّ يثبت على أحدٍ صداقً بوطء إلا باعترافه, وفي ذلك إضاعة المهور وأعواض الاستمتاع. ووجه الثالثة: أنه إذا وجدنا طريقاً إلى اليقين كان أولى من الظن, وذلك ممكنً في البكر على ما ذكرنا من اختبارها بنظر النساء إليها, وجاز ذلك للضرورة كالعيوب, ولمَّا لم يكن ذلك في الثيب رُجِعَ إلى قولها, وكل من حُكِم بقوله فلا بد من يمينه, وهذا الاختلاف إنما في تكميل الصداق, فأما العدة فإنها تجب ولا تسقط, لأنها حقً لله تعالى فلا يُقبل قولها في إسقاطها. ومن المدونة: قال ربيعة: الستر بينهما شاهدً على ما يدعيان, وله الرجعة إن قال: وطئتها. قال ابن المواز: الموضع الذي يُقبل فيه قولها في إيجاب الصداق يُقبل قوله في إيجاب العدة عليها, وله الرجعة, وفي دعواه دفع الصداق إليها. قال الشيخ: وبيان كلام محمد: أن الرجل إذا خلا بها في بيته أو كانت خلوة بناءٍ في بيت أحدهما في رواية ابن القاسم, أو كانت خلوةً في بيت أحدهما في رواية ابن وهب, أن القول قول الزوجة في أنه وطئها, وأن لها الصداق كاملاً, وأنها إن أنكرت الوطء في هذه المواضع وادعاه الزوج كان عليها العدة, وكان له الرجعة فيها, ويصدق في دفع الصداق إليها, وإنما تكون له الرجعة إذا ادعى وطأً صحيحاً.

قال ابن القاسم في العتبية: إن دخل بها ووطئها وهي حائض, ثم طلقها بعد طهرها فلا رجعة له, لأن ذلك ليس بوطء -يريد: وفيه الصداق والعدة. قال الشيخ: أما الصداق فوجب لانتهاكه البضع, وأما العدة/ فلِلحوق الولد فيه, وأما الرجعة فلا تجب له, لأن الله تعالى نهى عن وطء الحائض فلا يكون ما نهى عنه يحل ما أمر به, كما قالوا في الإحصان والإحلال, ويحتمل على قول عبد الملك الذي يحل به الطلقة أن يحل له به الرجعة. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن دخل بها في بيت أهلها غير دخول البناء فطلقها وأنكر الوطء, وادعته هي فجعلت القول قوله فعلى المرأة العدة إن كان قد خلا بها وليس معها أحد. قلت: فإن دخل بها في بيت أهلها غير دخول البناء فأقر بالوطء, وقالت المرأة: ما جامعني؟ قال: إن كان خلا بها وأمكن منها, ولم تكن خلوة بناء فعليها العدة ولا رجعة له ويلزمه الصداق كاملاً, فإن شاءت أخذته به كله أو نصفه. وقال سحنون في العتبية: لا تأخذه أبداً حتى تصدق الزوج, فإن صدقته أخذته كله وإلا فليس لها إلا نصفه.

قال الشيخ: وليس هذا بخلافٍ لابن القاسم, وقاله بعض فقهائنا, قال: ويدل على ذلك قولهم في الذي طلق قبل أن يُعلم له بزوجته خلوة, فادعى الوطء, وأراد ارتجاعها, قال: لا رجعة له وعلى المرأة العدة إن صدقته ولها السكنى والنفقة, وإن لم تصدقه فلا عدة عليها ولا كسوة لها ولا نفقة. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكذلك إن خلا بها في بيت أهلها وليس معها أحدٌ فأنكرا الوطء جميعاً فلا بد من العدة في الخلوة, ولها نصف الصداق, ولو كان معها نساءً حتى قَبَّل وانصرف بمحضرهن فلا عدة عليها, ولها نصف الصداق وإن أقر بالوطء بعد أن طلق ولا يُعلم له بها خلوةً وكذبته فلا عدة عليها, ولها أخذه بالصداق كاملاً أو بنصفه. قال مالك: وكذلك إن خلا بها ومعها نسوة, ثم طلقها فادعى الوطء وأكذبته, صدقت ولا عدة عليها. قال بعض أصحابنا: وامرأةً في ذلك وأكثر سواء, لأن الخلوة لم تثبت فلا عدة عليها. قلت: فإن تزوجها وهي صائمةً في رمضان, أو صيام تطوعٍ, أو نذرٍ, أو كفارةٍ فيبنى بها نهاراً في صومها ذلك, ثم طلقها من يومه, أو خلا بها وهي محرِمةٌ, أو حائضٌ فطلقها قبل انقضاء إحرامها, أو قبل غُسلها من حيضتها فادعت هي في ذلك كله أنه وطئها وأنكر الزوج, قال: قال مالك: هي مصدقة ولها الصداق إذا أرخيت الستور عليهما وإن كانت حائضاً.

قال ابن القاسم: فكل من خلا بامرأةٍ لا ينبغي له أن يجامعها في تلك الحال فادعت أنه قد مسها صُدِّقت إذا كانت خلوة بناء, لأنه قد خلا بها وأمكن منها, وكذلك قال مالك في المغصوبة يحتملها رجلً فيدخلها بيتاً بمُعاينة بينه, ثم تخرج فتقول: وطئني غصباً, وهو ينكر, فلها الصداق ولا حد عليه. قال في كتاب ابن المواز: مع يمينها, وعليه الأدب الوجيع. قال الشيخ: وحكى لنا عن الشيخ أبي الحسن القابسي فيمن نكح ببعيرٍ شاردٍ, أو بثمرةٍ لم بيد صلاحها فبنى بها وقالت: وطئني, وقال: وما وطئتها, فلها صداق المثل بإرخاء الستر عليها, ويفسخ النكاح, لأنه مقرٌ أنه ما وطئها, فقد أقر أن النكاح باقٍ على الفسخ. ولو قال: وطئتها, وأكذبته صُدِّق وبقيا على الزوجية. قال بعض فقهائنا: وإنما صُدِّقت المرأة أن الزوج وطئها وإن كانت حائضاً أو صائمة ونحو ذلك, وإن كانت هي تدعي الحرام, لأن السَّتر لها كالشاهد, فذلك مثل ما لو قام شاهدٌ لمدعي الحرام في البيع أن المدعي يحلف مه شاهده وكذلك قال أبو عمران: لو ظهر أنها أخته من الرضاع أو النسب فادعت أنه وطئها عالماً بها لصُدَّقت عليه, ووجب لها الصدق. قال مالك من المدونة: ومن تزوج امرأةً فدخل بها, ثم طلقها واحدةً قال: ما جامعتها, وقالت: قد جامعني,/ صدَّقت ولها الصداق وعليها العدة ولا يملك الرجعة ولا يُحلِها ذلك لزوج كان طلقها ألبتَّه إلا باجتماعٍ منهما على الوطء.

قال ابن القاسم: وقد استحسن مالكً هذا القول, ولا يحمله القياس, وأنا أرى أن تُدَيَّن ويخلَّى بينها وبين نكاحها, وأخاف أن يكون هذا من الذي طلقها ضرراً منه بها في نكاحها. ولو مات الزوج بعد البناء بيومٍ من غير مناكرةٍ ومثله يطأ, فادعت الوطء كان أبين في إحلالها بذلك. والله أعلم.

[الباب الثاني] جامع ما جاء في الرجعة

[الباب الثاني] جامع ما جاء في الرجعة ودعوى انقضاء العدة وما يحل من المطلقة [فصل 1 - في ما جاء في الرجعة] قال تعالى: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق:1] , وهو الرجعة, فزجر الله عن إيقاع الثلاث لئلا يندم فلا يكون له سبيل إلى الارتجاع. ولا تكون الرجعة إلا في المدخول بها فيما دون الثلاث لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة:228] يعني في العدة, ولا عدة في غير المدخول بها, وقوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [الطلاق:229] , وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: «مُرْهُ فليراجعها» , فال: فقلت: أرأيت لو طلقها ثلاثا؟ قال: «إذن عصى ربَّه وبانت منه زوجته». وقال تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة:234] يريد: قاربن بلوغ أجلهن {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2].

وجعلهن تعالى مؤتمناتٍ على انقضاء العدة بقوله: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة:228] , والزوج ممنوعً منها حتى يرتجع بدليل القرآن, ولها النفقة والسكنى, ويتوارثان ما لم تنقض العدة, ولا ينبغي أن يتلذَّذ منها بنظرٍ أو غيره, ولا يخلو معها. ولمالك قول: أنه يدخل عليها ويأكل معها إذا كان معها من يتحفَّظ بها, ثم قال: لا يفعل وإن كان معها حافظ, ولينتقل وقد انتقل ابن عمر. قال عبد الوهاب: وهي مُحرِّمةٌ ما لم يراجعها خلافاً لأبي حنيفة, لأنها جاريةٌ إلى البينونة, أصله الكتابية إذا أسلمت بعد الدخول. ولا خلاف أن الرجعة تصح بالقول وتصح عندنا بالوطء والقُبلَةِ والمباشرة إذا نوى به الرجعة خلافاً للشافعي في أنها لا تكون إلا بالقول, لأن الوطء يقوم مقام القول, أصله قول البائع إذا كان له الخيار: قد اخترت ردَّ هذه الأمة إلى

ملكي, وهو لو وطئها قبل القول كان وطؤها اختياراً. ومن المدونة: قلت: فمن طلق امرأته طلقةً يملك فيها الرجعة, ثم قَبَّلَها في العدة, أو لامس لشهوةٍ أو جامع في الفرج, أو فيما دون الفرج, أو جَرَّدها, أو نظر إليها, أو إلى فرجها أيكون ذلك رجعة؟ قال: قال مالك: إن وطئها في العدة ينوي بذلك الرجعة وجهل أن يُشهد فهي رجعة, وإن لم ينوي ذلك فليست برجعة, وقاله عبد العزيز بن أبي سلمة. قال الشيخ: لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرءٍ ما نوى» , فلم تصح الرجعة بالوطء إلا بنية. قال أشهب في مدونته: وكذلك إذا لمسها في عدتها, أو قَبَّلها, أو باشرها أو نظر إلى فرجها لشهوةٍ ونوى بذلك كله الرجعة فهي رجعةٌ وإلا فلا. قال مالك في المختصر: ولا يطؤها إلا بعد الاستبراء من وطئه إن وطئ ولم ينو به الرجعة.

وقال الليث: وطؤه رجعةٌ وإن لم ينو به الرجعة. قال الشيخ: فإن قيل: لِمَ لَمْ يكن وطء المطلق رجعةً وإن رجعةً وإن لم ينوها عند ابن القاسم كما كان وطء مبتاع الأمة بخيار اختياراً وإن لم ينوه؟ قيل: لأن البائع قد جعل له الخيار وأباح له الوطء به, فإذا وطئ فقد قبل ما جعل له وتم به ملكه, ولأنه لو لم يطأ وتمادى على إمساكها حتى ذهبت أيام الخيار وانقطعت عُدَّ بذلك/ مختارا, والزوج لم يجعل له شراء الرجعة فيطالبها بقبولها ولأنه لو تمادى على إمساكها حتى انقضت مدة الرجعة لبانت منه, بخلاف انقضاء أيام الخيار فدل أن وطأه أضعف من وطء المختار, وهذا بيَّن. ومن المدونة: ومن طلق فليُشْهِد على طلاقه ورجعته كما قال الله عز وجل, وكذلك فعل ابن عمر, وقاله ابن المسيب وغيره. وقال مالك في امرأة طلقها زوجها ثم ارتجعها فمنعته نفسها حتى يُشهِد على رجعتها: قد أصابت.

قال مالك: ومن قال لامرأته: قد راجعتك, ولم يُشهد فهي رجعة, وليُشهد فيما يُستقبل, فإن أشهد قبل انقضاء العدة فهي رجعة, وإن أشهد بعد انقضائها فليست برجعةٍ وإن صدقته إلا أن يُعلم أنه كان يخلو بها ويبيت معها فيقبل قوله, كذبته أم صدقته. قال عبد الوهاب: لأن الإشهاد عندنا استحبابً وليس بشرطٍ خلافاً للشافعي, لأنه حقً من حقوق النكاح كالظهار والإيلاء, ولأن الإشهاد معنىً يبيح الوطء كشراء الأمة وليس بآكد من عقد النكاح, وقد بينَّا أن الإشهاد ليس بشرطٍ فيه. ومن المدونة: وإن قال لها: قد ارتجعتك, ثم قال: لم أُرِدْ بقولي رجعةً وإنما كنت لاعباً, لزمته الرجعة إن كانت في عدتها فلا رجعة له إلا أن تقوم على ذلك بينة, يعني تقوم بينةً بعد العدة على قوله ذلك في العدة. وإن قال لها في العدة: كنت ارتجعتك أمس, صدَّق إن كذبته, لأن ذلك يعدُّ مُراجعةً الساعة, وإن قال لها ذلك وقد انقضت عدتها؛ لم يصدَّق, وقاله أشهب. قال مالك وأشهب: وإن قال لها: إذا كان غداً فقد راجعتك. لم تكن هذه رجعة. قال أشهب: وإن قال لها بعد العدة: كنت راجعتك في العدة, فصدقته أو كذبته لم يصدق ولا رجعة له إلا ببينة, أو يُعلم أنه كان يدخل عليها في العدة, ويبيت عندها, فيقبل قوله وإن كذبته, وإقرارها له بالمراجعة بعد العدة إذا لم

تُعلم له بها خلوة, داعية إلى إجازة نكاح بغير صداقٍ ولا ولي. قال: وإن أقام بينةً بعد العدة أنه أقر بالوطء في العدة فهي رجعةً إن ادعى الآن أن وطأه أراد به الرجعة. قال عنه ابن المواز: ولو أقام بعد العدة بينةً تَشهد أنه أقر عندهم أنه أغلق عليها باباً, أو أرخى عليها سِتراً في عدتها, لم تكن تلك رجعةً إن ادعى ذلك الآن بخلاف إقراره بالوطء. قال ابن المواز: وليس ذلك كالشهادة على الخلوة حتى يكون المقام والدخول والخروج ويُعلم ذلك بغير إقراره. ومن المدونة: قال أشهب: وإن طلقها قبل أن تُعلم له بها خلوة, ثم أراد أن يراجعها وادعى الوطء واكذبته, فأقام بينةً على إقراره قبل الفراق بوطئها لم ينتفع بذلك ولا رجعة له وإن صدقته, إذ ليس ببناءٍ معلوم, ويُتَّهم الزوج أن يقدم هذا القول عُدَّةً ليملك رجعتها, فلا يقبل قوله, وعلى المرأة العِدة إن صدقته, ولها السكنى والنفقة, وإن لم تصدقه فلا عدة عليها ولا كسوة لها ولا نفقة, وكذلك إن أقام بينةً على إقرارهما بذلك قبل الفراق فلا يصدَّقان ولا رجعة له, ولها النفقة والكسوة حتى تنقضي عدتها. وإن قال لها بعد العدة: كنت راجعتك في العدة, فاكذبته وهي أمة, وصدقه السيد فلا يقبل ذلك إلا بشاهدين سوى السيد, إذ لا تجوز شهادته على نكاح أمته ولا على/ رجعتها. قال مالك: وإذا وضعت الحامل ولداً وبقي في بطنها آخر فزوجها أحق برجعتها حتى تضع آخر ولدٍ في بطنها.

قال ابن وهب: وقاله ابن عباس وابن المسيب وغيرهما, وله الرجعة في عدة المرتابة بالحِسَّ إلى أقصى جلوس النساء, وإن طلقتها قبل البناء فظهر بها حملٌ فلم ينفِهِ فهي له زوجة, وهي في عدةٍ منه, وله الرجعة ما لم تضع. قال سحنون في كتاب ابنه: ولو ظهر الحمل بعد موت الزوج فقالت: هو منه, فإنه يلحق به ويرث أباه ولا ترث هي الزوج, وليس لها إلا نصف الصداق الذي قبضت. قال أشهب: ومن طلق امرأته واحدةً أو اثنتين فله عليها الرجعة ما لم ترَ أول دم الحيضة الثالثة, فإذا رأته فقد مضت الثلاثة الإقراء التي قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] , ولأن الإقراء إنما هي الأطهار وليست بالحيَض, وكذلك قالت عائشة رضي الله عنها وغيرها, فإذا طلقها وهي طاهرً فقد طلقها في طهر تعتد به, فإذا حاضت حيضةً فقد تمَّ قُرؤُها, فإذا طهرت فهو قرءً ثان, فإذا حاضت الثانية فقد ثمَّ قرؤها الثاني, فإذا طهرت فهو قرؤٌ ثالث, ولزوجها عليها الرجعة حتى ترى أول قطرة دمٍ من الحيضة الثالثة, فإذا رأت ذلك فقد تمَّ قرؤها الثالث وانقضت الرجعة عنها وحلَّت للأزواج, غير أني أحب ألا تعجل بالتزويج حتى يتبين أن الدم الذي رأت في آخر الحيض دم حيضةٍ يتمادى بها فيها, لأنها ربَّما رأت الدم ساعة, أو يوماً ثم ينقطع عنها فيُعلم أن

ذلك ليس بحيض تعتد به, فإذا رأت امرأةً هذا في الحيضة الثالثة فلترجع إلى بيتها, والعدة قائمة, ولزوجها الرجعة حتى تعود إليها حيضةً صحيحةً مستقيمة. قال أشهب وابن وهب: وبه قضى زيد بن ثابت, وقالته عائشة رضي الله عنها: إن لها أن تنكح في دمها من الحيضة الثالثة. قال أشهب: وقاله عمر وابن عباس, وكذلك قال ابن القاسم: أن للزوج الرجعة ما لم تر دم الحيضة الثالثة في الحرة, والثانية في الأمة. [فصل 2 - في دعوى انقضاء العدة] قال: ومن قال لمعتد: قد راجعتك, فأجابته نَسَقَاً بكلامه: قد انقضت عدتي؛ فإن مضت مدةً تنقضي في مثلها العدة صدَّقت بغير يمينٍ وإلا لم تصدَّق. وقضى أَبان بن عثمان في مطلقةٍ ادعت بعد خمسةٍ وأربعين يوماً أن عدتها قد انقضت أنها مصدقة وتحلف. وليس العمل على أن تحلف إذا ادعت ما تحيض في مثله.

وذكر عن سحنون أنه قال: أقل ذلك أربعون ليلة. قال الشيخ: وقيل: شهرً إن أمكن ذلك, وكذلك يجب أن يكون معلَّقاً بالإمكان في أغلب العادة. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن أشهد على رجعتها فصمتت, ثم ادعت بعد يومٍ أو أقل أن العدة قد انقضت قبل رجعته لم تصدق وتمت الرجعة, وإذا قالت المعتدة: قد دخلت في أول دم الحيضة الثالثة, ثم قالت: كنت كاذبة, ونظرها النساء فلم يرين بها حيضاً؛ لم يُنظَر إلى قولهن, وبانت بأول قولها إن مضت مدةً تنقضي في مثلها العدة, وإن ادعت أنها أسقطت فذلك لا يخفى على الجيران, ولكن الشأن أن تصدق بغير يمين وإن بعد يومٍ من طلاقه أو أقل أو أكثر, ولا ينظر إلى الجيران, لأنهن مأموناتً على فروجهن, ولو رجعت فقالت: كنت كاذبة, ونظرها النساء فلم يرين بها حيضاً لم ينظر إلى قولهن, وبانت بأول قولها, لأن ذلك داعيةً إلى إجازة النكاح بغير صداقٍ ولا ولي. قال مالك: وتنقضي العدة بما أسقطت المرأة مما يعلم النساء أنه ولدٌ من دمٍ أو مُضْغَةٍ أو عَلَقَة, وتكون/ به الأمة أم ولد, وإذا قالت المطلقة: حضت ثلاث حيض في شهر, سئل النساء فإن أمكن ذلك عندهن صدَّقت. قال أشهب: وإن قالت: حضت ثلاث حيض في شهرين, فقال لها الزوج: قد قلت بالأمس أو قبله: أنك لم تحض شيئاً, فصدقته, لم يقبل قولها الثاني إلا أن يقيم الزوج بينةً أنها قالت ذلك, فتكون له الرجعة إن لم يمض من يوم القول ما تحيض فيه ثلاث حيض, وإن مضى ذلك فلا رجعة له عليها وإن رجعت عن قولها: إنها قد حاضت ثلاث حيض.

ومن العتبية: قال مالك فيمن طلق امرأته طلقةً واحدةً وأعطته مالاً في العدة على ألاَّ رجعة له عليها قال: أراه خُلعا, وتلزمه طلقةً بائنةً, وقاله ابن القاسم. وقال أشهب: إن شاء راجعها, فإذا راجعها ردَّ إليها ما أخذ منها. وروى الدَّمْياطي أن ابن وهب قال: لا تلزمه غير الطلقة الأولى ولا رجعة له عليها. فصل [3 - في رجعة المريض والمحرم والعبد] قال ابن المواز: وللمريض أن يرتجع وكذلك المحرم, أو هي محرمة -يريد بالإشهاد- ويرتجع العبد بغير إذن سيده وإن كره, كانت زوجته أمةً له أو لغيره. قال: والرجعة أن يُشْهِدَ بها, أو يطأ, أو يُقَبِّل, ينوي بذلك الرجعة, ولو نوى الرجعة بقلبه لم ينفع إلا بفعلٍ مع النية مثل جَسَّةٍ لشهوةٍ, أو ضَمَّةٍ, أو ينظر إلى فرجها وما قارب ذلك من محاسنها, فإن لم يفعل ذلك لم تنفعه النية. قال: والأمة لا تقبل شهادة سيدها بعد العدة بالرجعة وإن صدقته الأمة. قال أشهب: إلا أن يشاء الزوج أن يدفع ثلاثة دراهم فتكون امرأته, شاء السيد أو أبى, لأنه أقر أنها امرأته.

وذكر أن أبا عمران قال: وكذلك إذا تقارر الزوجان بعد العدة على أن الزوج ارتجع في العدة فليقدم الزوج ربع دينارٍ ويزوجها وليها, وتجبر الزوجة على ذلك, كقول أشهب في مسألة الأمة, وترجح في ذلك. قال أبو عمران: وإذا أقر الزوج في العدة أنه راجع ثم أنكر الرجعة أنه يكون ذلك منه كطلاق ابتدأه. وسئل عن الذي يطلق امرأته واحدة, ثم يتمادى على وطئها من غير أن يريد الرجعة حتى ثلاث حيض ثم يحنث بطلاقها ثلاثاً هل يلزمه ذلك الطلاق؟ فقال: يلزمه ذلك كالنكاح المختلف في فساده يطلق فيه, وقد قال الليث: إن وطأه رجعة وإن لم ينو به الرجعة, وقاله ابن وهب في الدمياطية, فلا أقل أن يكون هذا كالنكاح المختلف فيه.

[الباب الثالث] جامع القول في متعة المطلقة

[الباب الثالث] جامع القول في متعة المطلقة [فصل 1 - في مشروعية متعة المطلقة] قال الله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:241] , وقال: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة:237] فقصرت هذه على ذلك, ودلَّ أن الأمر بالمتعة ندب لا فرض قوله تعالى: {بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:236] , ولأن الطلاق تأثيره الإسقاط دون الإيجاب, دليله سقوط نصف المسمى قبل الدخول ولأنه نوع من الفراق كالموت. [فصل 2 - فيمن تستحق المتعة ومن لا تستحقها] ومن المدونة: قال ابن القاسم: قال مالك: ولكل مطلقة المتعة؛ طلقت واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً, إلا المطلقة قبل البناء وقد سمَّى لها صداقها فحسبها نصفه ولا متعة لها, وإن لم يسم فليس لها إلا المتعة.

ابن وهب: وقاله ابن عمر. قال ابن القاسم: وإن كانت مدخولاً بها وقد سمى لها في أصل النكاح مهراً أخذته به مع المتعة, وإن لم يسم لها أخذت صداق مثلها مع المتعة. قال: ولا متعة للمختلعة ولا للمصالحة ولا للمفتدية وللمبارية. قال ابن القاسم: ولم يختلف في هذا عندنا, دخل بها أو لم يدخل, سمَّى لها صداقاً أو لم يسمه, لأنها اشترت/ منه الطلاق بالذي أعطته فكيف ترجع وتأخذ منه, ولقد سئل مالك عن المفتدية قبل البناء بمالٍ دفعته لزوجها على أن خلَّى سبيلها ففعل, ثم قامت بعد ذلك تطلبه بنصف صداقها؟ فقال مالك: لا شيء لها, هي لم تخرج من حِبَاله إلا بأمرٍ غرمته له؛ فكيف تطلبه بنصف الصداق. وقال الليث مثله. قال ابن القاسم: ولا متعة للملاعنة ولا للأمة تعتق فتختار نفسها, دخل بهن أم لا, سمى لهن صداقاً أم لا. قال ابن وهب: قال ابن عمر: ليس من النساء شيءٌ إلا ولها المتعة إلا الملاعنة والمختلعة والمبارية والتي تطلق ولم يبن وقد فرض لها فحسبها فريضته. قال ابن شعبان: وجعلت المتعة بدلاً من غمٌّ الطلاق وهمَّه عليهن وسقط المتاع عن المختلعات والمفتديات والمباريات, لأنهن يُعْطِيْن فكيف يأخذن, ولأنهن مختاراتٌ للطلاق فقد سقط عنهن همَّه, وسقط ذلك عن الملاعنات لأن ما يُعطَين غير

مُسْقطٍ لما أُصِبْن به ولا أضعافه, ولأنهن غير مطلقاتٍ, إذ كنَّ لا يحللن أبداً, ولو كنَّ مطلقاتٍ لحللن بعد زوجٍ أو قبله. قال الشيخ: قال بعض فقهاء القرويين: للمخيَّرة والمملّكة المتعة إذا قضت بالفراق, لأن الفراق إنما صار إليها من قِبَلِ الزوج, وكذلك الذي تزوج على الحرة أمةً فتختار نفسها لها المتعة, لأن الطلاق بسببه, وليست كالمعتقة تحت عبدٍ فتختار نفسها, لأن هذا أمرً لا صُنْعَ للزوج فيه, وأما المفتدية فلا شيء لها وإن كان بسبب الزوج لأنها تُعطِي فمُحالٌ أن تُعطَى. [فصل 3 - في إمتاع العبد مطلقته] ومن المدونة: قال مالك: وعلى العبد إذا طلق امرأته المتعة ولا نفقة عليه. قال الشيخ: قيل: إنما ذلك إذا كان الطلاق بائناً؛ وإما إذا كان رجعياً فعليه النفقة, وهذا معنى ما في المدونة والله أعلم. قال مالك في كتاب ابن عبد الحكم: ليس للسيد أن يمنعه من المتعة. قال أبو بكر الأبهَري: لأنها من حقوق النكاح وليس للسيد منعه من حقوق النكاح والطلاق وأشباه ذلك, وقد قال الله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:241] , وقال تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة:236] فَعَمَّ الأزواج, سواءً كان حراً أو عبداً.

[فصل 4 - في أن التداعي في المسيس يسقط المتعة] قال مالك: ومن خلا بزوجته وأغلق بابه وأرخى الستر عليها وقد سمى لها فطلقها وقال: لم أمسها, وقالت: قد مسني؛ فالقول قولها في الصداق. قال ابن القاسم: ولا متعة لها, لأنه يقول: طلقت قبل أن أَمَس وقد فرضت فليس عليَّ إلا نصف الصداق, فلا يصدق في الصداق ويصدق في المتعة. قال الشيخ: إذ لا يقضي بها. [فصل 5 - فيمن لهن حكم الحرة المسلمة في المتعة ومن لا متعة عليه] قال مالك: وللصغيرة والأمة والمدبرة والمكاتبة وأم الولد والذمية حكم الحرة المسلمة في المتعة والطلاق. ومن النكاح الثاني: وكل ما فسخ قبل البناء لفساد صداقه فلا متعة فيه, وكذلك إن لم يفسخ حتى طلقها قبل البناء فلا متعة عليه.

ومن إرخاء الستور: قال ربيعة: إنما يؤمر بالمتاع مَنْ لا رَدَّة له عليها -يريد من لا رجعة له عليها. قال فَضْل: فإذا طلق واحدةً أو اثنين لم يؤمر بالمتعة حتى تنقضي العدة قال ابن وهب: ولو ارتجعها فلا متعة لها, لأن المتعة عوضٌ من الفرقة. ابن القاسم: ولا متعة في نكاح مفسوخ. -ابن المواز: إذا فسخ- ولا فيما يدخله الفسخ بعد صحة العقد مثل ملك أحد الزوجين صاحبه. قال: ولا يحاصُّ الغرماء بالمتعة. قال ابن القاسم: وإن جهل المتعة حتى مضت أعوامً فليدفع ذلك إليها وإن تزوجت, أو إلى ورثتها إن ماتت. قال أصبغ: لا شيء عليه إن ماتت, لأنه عوضً لها, وتسليةً من الطلاق فقد/ انقطع ذلك.

قال الشيخ: وإذا دخل بزوجته فقال: ما وطئتها, وقالت: وطئني, فوجب لها عليه نصف جميع الصداق فطلقها, فله أن يحسب المتاع في نصف الصداق, أو في صداق المثل إن كان نكح على تفويض, لأنه يقول: لا صداق علي في التفويض وإنما عليَّ من المسمى نصفه؛ فله أن يحسب المتعة في ذلك, ونحوه لأبي عمران. [فصل 6 - في قدر المتعة] ومن المدونة: قال مالك: وليس للمتعة حدٌ معلوم. قال ابن المواز: وهي على قدر حال الرجل مع قدر حال المرأة. ومن المدونة: قال مالك: ولا يجبر من أباها, لأن الله تعالى إنما جعلها حقاً على المتقين, وعلى المحسنين فلذلك خُفَّفت ولم يُقضّ بها. قال غيره: وإذا كان الزوج غير مُتَّقٍ ولا مُحسنٍ فلا شيء عليه.

وقال ابن أبي سلمة: المتاع أمرٌ رغَّب الله فيه وأمر به, ولم يُنزَّل بمنزلة الفرض من النفقة والكسوة, وليس تعدي عليه الأئمة كما تعدى على الحقوق. وقال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: أعلى المتعة خادمً أو نفقةً, وأدناها كسوة. وقال ابن حُجَيْرَة: على صاحب الديوان متعة ثلاثة دنانير. [تمَّ كتاب إرخاء الستور]

[الكتاب السادس] كتاب الخلع

[الكتاب السادس] كتاب الخلع [الباب الأول] في الخلع والصلح والفدية والمباراة وكيف إن وقع بغرر [فصل 1 - في الخلع وأدلة مشروعيته وبعض مسائله] قال الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] , وقال تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء:4] , وقد أباح الرسول صلى الله عليه وسلم لثابت بن قَيس رضي الله عنه أن يأخذ منها ما أعطاها, وقد زادته على حديقته التي أخذت منه, وأمرها النبي صلى الله

عليه وسلم بالعدة, وقال: هي واحدة. قال مالك: لم أزل أسمع إجازة الفدية بأكثر من الصداق لهذه الآية ولهذا الحديث, وقال الشافعي: إنه فسخَّ بغير طلاق. قال الشيخ: ودليلنا: قوله صلى الله عليه وسلم: «هي واحدة» وهذا نص, ولأن كل فرقةٍ يجوز الثبوت على النكاح مع الحال الموجبة لها فإنها طلاقً لا فسخ, اعتباراً بفرقة العنِّين والمولي عكسه الرضاع والملك. وروى عيسى عن ابن القاسم في المرأة الناشز تقول: لا أصوم ولا أصلي ولا أتطهَّر من جنابة, فلا يجبر على فراقها, فإن شاء فارق وحل له ما أخذ منها. قال الشيخ: واختلف شيوخنا إذا ثبت ضرر الزوج وقد أخذ بالدَّرَك جميلاً. فقيل: له متابعة الحميل, لأنه هو أدخله في زوال عصمته, وقيل: لا يرجع بشيءٍ لسقوط ذلك عنها, وهذا كاختلافهم في الحمالة في البيع الفاسد, قاله بعض فقهائنا.

ومن المدونة: قال مالك: وإذا كان النشوز من قِبَلِهَا جاز للزوج ما أخذ منها بالخلع وإن كان أكثر من الصداق ورضيت ولم يضر بها, وإن كان لخوف ضرره, أو لظلمٍ ظلمها, أو أضرَّ بها لم يجز أخذه, وإن أخذ شيئاً رده ومضى الصلح. قال القاضي عبد الوهاب: وقال الشافعي: لا يرد شيئا. فأما نفوذ الطلاق فلأنه هو ألزم نفسه, وأما رد ما أخذه منها فلأنه كان عليه إزالة الضرر عنها بغير عوض, وما لزم الإنسان إزالته بغير عوضٍ لم يجز له أخذ العوض عليه. ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم: إذا صالحته على شيءٍ أعطته إياه وعلى رضاع ولده؛ ثم جاءت بعد سنةٍ بامرأتين شهدتا أنها خالعته عن ضررٍ فقال: تحلف معهما ويرد عليها/ ما أعطته وتأخذ منه أجر رضاع ولده. ابن المواز: قال ابن القاسم: وإذا أقامت بعد الخلع بينةً يشهدون على السماع أنه كان مُضراً بها فذلك جائز, وهل يُشهَد في ذلك إلا في السماع, ليسمع الرجل من أهله ومن الجيران, ويكون فاشياً, ويجوز في ذلك شاهدان على السماع البين والأمر بالمعروف, ولا يمين في ذلك. قيل: فإن شهد واحدً على البتات أن زوجها كان يضر بها ويضيَّق عليها أتحلف معه؟ قال: كيف يعرف ذلك؟ قال: يقول سمعت سماعاً منتشراً واستبان لي.

قال عيسى له: وانظر فيه. وقال أصبغ: هو جائزٌ وإن لم يكن غيره, فإن كان معه سماعً منتشرً وإلا حلفت ورد عليها ما أخذ منها ومضى الفراق. وقد سألت ابن القاسم عنه بعد ذلك فقال: هذا لأن يمينها على مالٍ, وإذا أقامت بينةً أنه كان يبغضها لم ينفعها إلا بالبينة على الضرر, وقد يبغضها ولا يظلمها, ومن الضرر الموجب لرد ما أخذ منها أن يؤثِر عليها أخرى ولا يفي بحقها في نفسه ولا في ماله. ويجب عليه إذا لم ترض بالأثرة عليها أن يفارقها بغير فداءٍ أو يعدِل. ومن المدونة: ابن وهب: قال ابن شهاب: وإذا استخفت المرأة بحق زوجها فنشزت عليه وأساءت عشرته وأحنثت قسمه, أو خرجت بغير إذنه, أو أذنت في بيته لمن يكره وأظهرت له البغض, فإن ذلك مما يحل له بالخلع, وإن كانت هي تؤتي من قِبَلِهِ فلا يجوز خلعها. وقال بُكَير بن الأشج: لا أرى امرأةً أبت أن تخرج مع زوجها إلى بلدٍ من البلدان إلا ناشزاً. [فصل 2 - في الصلح وأدلته] قال ابن القاسم: ويجوز أن يأخذ منها على إمساكها, أو يعطيها ما ترضى به معه على أن تقيم معه على الأثرة في القسم من نفسه وماله وذلك الصلح

الذي قال الله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} [النساء:128] ولا يأثم في الأثرة بعد ذلك, وقاله جماعةً من التابعين. قال ابن وهب عن ابن شهاب: أن رَافع بن خَدِيج تزوج جاريةً شابَّةً وعنده بنت محمد بن مَسْلَمة وكانت قد جَلَّت فآثر الشابة عليها, فاستأذنت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رافع اعدل بينهما وإلا فارقهما» فقال لها رافع في آخر طلقة: إن أحببتِ أن تقرِّي على ما أنتِ عليه, وإن أجببت أن أفارقك فارقتك, فقالت: بل استقرُّ على الأثرة, ولم يرَ رافعً أن عليه إثماً حين رضيت بأن تستقر عنده على الأثرة, قال: فنزل القرآن: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء:128].

قال ابن وهب عن يونس عن أبي الزناد قال: بلغنا أن سودة أم المؤمنين كانت أسنَّت, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكثر منها, وعرفت ذلك منه فتخوّفت أن يفارقها فقالت: يا رسول الله أرأيت يومي الذي كان يصيبني منك فهو لعائشة, وأنت منَّي في حلٍّ, فقَبِل ذلك منها. قال ربيعة: إن رضيت بغير نفقةٍ ولا كسوةٍ ولا قَسمٍ فما رضيت به من ذلك جاز عليها. قال مالك: والمَختَلِعة: التي تختلع من كل الذي لها, والمُبارية: التي تباري زوجها قبل البناء فتقول: خذ الذي لك وتاركني, والمفتدية: التي تفتدي ببعض مالها وتحبس بعضه. وذلك كله سواءً وهي طلقةً بائنةً. قال: والخلع والمباراة عند السلطان أو غيره جائز. قال القاضي عبد الوهاب: وقال أبو ثور في الخُلع: هو طلقةً رجعيةً, والدليل لمالك: أن المرأة إنما تبذل العوض لإزالة الضرر عنها وفي ثبوت الرجعة عليها تبقية الضرر, ولأن ثبات/ الرجعة في ذلك جمع للزوج بين العوض والمُعوَّض وذلك ما لا سبيل إليه.

ابن وهب: وقال عثمان بن عفان وجماعة من الصحابة. والتابعين: إنها طلقة بائنة.

[الباب الثاني] في الخلع بمجهول أو غرر أو حرام أو يقارنه بيع

[الباب الثاني] في الخلع بمجهول أو غرر أو حرام أو يقارنه بيع [فصل في الخلع بمجهولٍ أو غرر] قال الله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] فعَم, فذلك جاز الخلع عندنا بالغرر والمجهول كالعبد الآبق والجمل الشارد فإن سلم أخذه وإلا فلا شيء له خلافاً لأبي حنيفة والشافعي في منعهما ذلك, ولأنه يجوز أن يملك في الهبة والوصية فجاز في الخلع. ومن المدونة: قلت: فمن خالع زوجته على عبدٍ لها بعينه ولم تصفه له ولا رآه الزوج قبل ذلك, أو تزوجها على مثل هذا؟ قال: قال مالك: يفسخ هذا النكاح قبل البناء ويثبت بعده, ولها صداق المثل. قال ابن القاسم: وأما الخلع فيجوز, ويأخذ العبد الذي خالعها عليه كمن خالع على ثمرة لم يبد صلاحها, أو على بعيرٍ شاردٍ, أو عبدٍ آبقٍ, أو جنينٍ في بطن أمه, أو بما تلد غنمها, أو بثمرة تخلها العام, فذلك جائزً لازمً له, وله مطالبة ذلك كله على غرره بخلاف النكاح. قال غيره: ولأنه يرسل من يده بالغرر ولا يأخذ به.

ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: وإذا خالعها على جنينٍ في بطن أمه فهو له إذا خرج, ويجبران على الجمع بينهما فيباع مع أمه. قال أصبغ: ولا أحب الخلع بالجنين ولا الثمرة غير مُزهِيَةٍ فإن وقع مضى, وهو آخر قولَي ابن القاسم. ومن كتاب ابن المواز: وإن قالت له: خالعني على ما في يدي, فرضي ففتحت يدها فلم يجد شيئاً فقال أشهب: لا يلزمه طلاق, وكذلك إن وجد حَجراً فإن وجد ما يُنتفع به كالدرهم ونحوه لزمه الخلع. وقال عبد الملك: يلزمه الخلع بما غرَّته, وقاله محمد وسحنون. قال عبد الملك: ولو قالت له: خالعني بهذا العبد, وليس هو لها لم يلزمه الفراق, لأنه طلق على أن يتم له ذلك, فأما لو كان بيدها بشبهة ملك, ثم استحق فالفراق لازمً ويطلبها بقيمته. ومن المدونة: قال ابن القاسم: فإن خالعته على ثوبٍ هَرَوِي, ولم تصفه جاز, وله ثوبٌ وَسَطً من ذلك, وإن خالعها بدنانير, أو بدراهم, أو بعروضٍ موصوفةٍ إلى أجلٍ فجائز, وإن خالعها على مالٍ إلى أجلٍ مجهول, كان حالاً, لأن مالكاً قال فيمن باع إلى أجلٍ مجهول: أن القيمة فيه حالةٌ في فَوْتِ السلعة. قال ابن القاسم: وإن خالعها على عبدٍ لها, على أن زادها الزوج ألف درهم جاز, بخلاف النكاح, لأنه إن كان في قيمة العبد فضلً عن الألف فقد أخذت منه نصفها بذلك الفضل, وإن كانت كفافاً فهي مباراةً, وقد أجاز مالك

أن يتابرءا بغير شيءٍ وهي طلقة بائنةً, وإن كانت قيمته أقل من الألف فهو كمن صالح زوجته على أن يعطيها من عنده مالاً فالصلح جائز ولا يرجع عليها بشيءٍ مما دفع إليها. قال ابن المواز: قال أصبغ: فإن كان هذا العبد آبقاً فصالحها عليه على أن زادها عشرة دنانير فسد الصلح بينهما, ويرد الآبق/ والدنانير. قال ابن المواز: هذا إن كانت قيمة الآبق عشرة دنانير فأقل لم يكن للزوج فيها شيءً وارتجع دنانيره وبقي العبد للمرأة, وإن كانت قيمة هذا الآبق خمسة عشر ديناراً كان للزوج ثلثه في الخلع ويرجع ثلثاه للمرأة, وترد العشرة دنانير إلى الزوج وتكون المرأة والزوج شريكين في العبد على الثلث والثلثين, لأن الخلع إنما وقع بما فضل من قيمته عن العشرة دنانير, وكذلك إن صالحها ببعيرٍ شارد, أو بجنينٍ في بطن أمه, أو بثمرةٍ لم يبد صلاحها على أن زادها عشرة دنانير, فإن كانت في الجنين والبعير والثمرة فَضْلةً عما دفع الزوج من الدنانير كانت الفضلة للزوج بالخلع فإن لم يكن في ذلك فضل لم يكن للزوج شيءٌ من ذلك وارتجع دنانيره منها. قيل لابن المواز: فمتى تكون القيمة؟ قال: يوم يخرج الجنين, ويوجد العبد والبعير, وتُجد الثمرة. قال الشيخ: وقول ابن المواز هذا على قياس قول ابن نافع في مسألة من صالح من مُوضِحَةٍ عمداً ومُوضِحَةٍ خطأً على شقص, لأن المرأة دفعت العبد عن معلومٍ ومجهولٍ وهو الدنانير والبَضْع, فجعل للدنانير من قيمة العبد قدرها, فإن فضلت فضلةً من قيمة العبد كانت للخلع, كما جعل في مسألة الموضحتين, فضلة قيمة الشقص على الخمسين دية موضحة الخطأ, وما فضل لموضحة العمد, فإن لم يكن في قيمة الشقص فضلة عن الخمسين لم يكن للعمد شيء, وأما على قياس

قول ابن القاسم فيكون في هذا المسألة نصف الآبق للعشرة دنانير فيفسح فيه البيع, وترد المرأة العشرة دنانير, ويكون نصفه الآخر للزوج لحق الخلع, وهذه المسألة في العتبية, وفي كتاب ابن سحنون زيادات يطول شرحها وهذا أحسن ذلك. ومن المدونة: وإن خالعها على دراهم أرتها إياه فوجدها زُيْوفَاً فله البدل كالبيع, وإن كان على عبدٍ بعينه فاستُحِق رجع بقيمته كالنكاح به.

[الباب الثالث] في نفقة الحامل المختلعة والمبتوتة والوكالة على الخلع

[الباب الثالث] في نفقة الحامل المختلعة والمبتوتة والوكالة على الخلع [فصل 1 - في نفقة الحامل المختلعة والمبتوتة] قال الله تعالى في المطلقات: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:6] فأوجب الله تعالى السكنى لكل مطلقةٍ بائنةٍ بلا نفقة إلا أن تكون حاملاً فجعل لها السكنى والنفقة, وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قَيس وهي مبتوتةً ولا حمل بها: «لا نفقة لك». قال مالك: فكل حاملٍ بانت من زوجها ببتاتٍ أو خُلعٍ, أو غيره وقد علم بحملها أم لا, فإن لم تتبرأ من نفقة حملها, فلها النفقة في الحمل والسكنى والكسوة, وليس لنفقتها حدٌ معلومٌ على غني, ولا مسكن في القرى ولا في المدائن لغلاء سِعْرٍ ولا لِرُخْصة, وذلك على قدر عُسره ويُسره, وإن اتسع أخدمها. وإن مات قبل أن تضع حملها فقد انقطعت نفقتها.

ابن وهب: وقاله جابر بن عبد الله وأبو أُمَامة بن سَهل بن حَنِيف وابن المسيب وابن يسار وغيرهم. قال مالك: وإن بانت منه بما ذكرنا وهي غير حاملٍ فلا نفقة لها ولا كسوة, ولها السكنى في العدة, ولا رجعة له عليها, ولا يتوارثان, وإن كان طلاقه فيه رجعةً فلها النفقة والكسوة والسكنى كانت حاملاً أم لا, ويتوارثان ما تنقض العدة. [فصل 2 - في الوكالة على الخلع] قال مالك: ومن وكَّل من يصالح عنه زوجته لزمه صلح الوكيل في غيبته. ابن القاسم: وإن وكَّل بذلك رجلين, فخالعها أحدهما, لم يجز إلا باجتماعهما جميعا, كما لو وكَّلهما على بيعٍ أو شراءٍ بخلاف رسُولَي الطلاق./

[الباب الرابع] في خلع غير المدخول بها

[الباب الرابع] في خلع غير المدخول بها قال الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] فعم, فسواء كانت الزوجة مدخولاً بها أو غير مدخولٍ بها فإنه يحل للزوج ما أخذ منها إذا كانت الإساءة من قِبَلِهَا. قال ابن القاسم: فإن صالحته, أو بارءته على المتاركة, أو خالعته على أن أعطته عبداً أو مالاً وذلك قبل البناء فليس لها أخذه بنصف الصداق, وإن قبضته جميعه ردته, وقلنا ذلك في المتاركة بغير شيء, فإذا ردت كان أبعد أن ترجع بشيء وقاله مالك والليث. ولو سألته الطلاق قبل البناء على عشرة دنانير من صداقها -ابن المواز عن مالك: أو خالعته عليها من صداقها- فإن لها نصف ما بقي بعد العشرة, قبضتها أو لم تقبضها. قال ابن المواز عن مالك: وأما في الخلع المبهم فلا شيء لها من المهر, أعطته على الخلع شيئاً أو لم تعطه, قاله مالك وأصحابه وغيرهم في التي لم يدخل بها خلا أشهب فإنه جعل أن ترجع عليه بنصف صداقها ويكون له ما أعطته ما أعطته. قال ابن القاسم: وأما المدخول بها فتصالحه على شيءٍ من مالها, فإن لها أن ترجع بمؤخر صداقها, بخلاف التي لم يبن بها. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وأما إن قالت له قبل البناء: طلقني طلقةً على عشرة دنانير, ولم تقل: من صداقي, ففعل, غرمت العشرة دنانير التي شرطتها, لأنها اشترت بها طلاقها, وكان نصف صداقها, وكذلك إن قالت

له قبل البناء: طلقني طلقة بغير؛ فإنها تتبعة بنصف الصداق وإن لم ينقدها إياها. -ابن المواز: وذلك بخلاف الخلع المبهم-. ابن القاسم: ولا تخرج العشرة من المهر إلا أن يشترط ذلك. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن قال لها: أنت طالق على عبدك هذا, فإن قبلت قبل التفرق وإلا فلا قبول لها بعد ذلك. وإن قال لها: إذا أعطيتني ألف درهم فأنت طالقً ثلاثاً؛ فذلك لها متى ما أعطته, وكذلك إن قال لها: أمركِ بيدكِ متى ما شئت, أو إلى أجل؛ فأمرها بيدها إلى ذلك الأجل إلا أن توقف قبلة فتقضي, أو ترد, أو توطأ طوعاً فيبطل ما بيدها ولا يكون لها أن تقضي بعد ذلك.

[الباب الخامس] فيمن أعطى على أن يطلق ويشترط الرجعة أو خالع وشرط إن طلبت شيئا عادت له زوجة ونيته في طلاق الخلع ومن قال: أنت طالق طلاق الخلع

[الباب الخامس] فيمن أعطى على أن يطلق ويشترط الرجعة أو خالع وشرط إن طلبت شيئا عادت له زوجة ونيته في طلاق الخلع ومن قال: أنت طالق طلاق الخلع [فصل 1 - فيمن أعطى على أن يطلق ويشترط الرجعة] قال النبي صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس رضي الله عنه حين خالع زوجته: «إنها واحدة». ابن وهب: وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: هي طلقةً بائنةً إلا أن يسمَّى شيئاً فهو [على] ما سمَّى, وقاله عددً من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم. وقد أبطل الرسول صلى الله عليه وسلم كلَّ شرطٍ ليس في كتاب الله تعالى فكذلك ينبغي أن يبطل كل شرطٍ خلاف السنة. قال ابن القاسم: فإن أعطته شيئاً على أن يطلق ويشترط الرجعة فشرطه باطلٌ والخلع يلزمه ولا رجعة له إلا بنكاحٍ مُبتدأٍ إلا أن شرطه لا يحيل سُنَّة الخلع, قاله مالك.

وروي عن مالك: أن له الرجعة, وقاله سحنون. قال عبد الوهاب: ووجه ذلك: أن العوض يكون في مقابلة ما يسقط من عدد الطلاق دون زوال العصمة, لأنها لما أجابته إلى ذلك دل على أنها على هذا عاوضت. ومن المدونة: قال ابن القاسم: والخلع طلقةً بائنةً, سمَّي طلاقاً أو لم يسم, وتعتد عدة المطلقة وله أن ينكحها/ في عدتها إن تراضيا, لأن الماء ماؤه بوطءٍ صحيح إلا أن يتقدم له فيها طلاقٌ يكون بهذا ثلاثاً للحرة, واثنتين للعبد فلا تحل له إلا بعد زوج. ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم: وإن خالع امرأته وهي حاملٌ فله هو دون غيره أن يتزوجها في هذا الحمل ما لم تثقُل فتصير كالمريضة فلا يجوز ذلك له ولا لغيره حتى تضع. [فصل 2 - فيمن خالع وشرط إن طلبت شيئاً عادت له زوجة] ومن المدونة: قال مالك: وإذا خالعها وشرط أنها إن طلبت شيئاً عادت له زوجة, فشرطه باطل, والخلع يلزمه ولا رجعة له إلا بنكاحٍ مبتدأٍ.

قال في كتاب ابن المواز: فإن ظنا أن ذلك يلزم فطلبته بذلك فعادت تحته بذلك ووطئها فليفارقها, وليس لها بإصابته إلا ما كان رده إليها يكون ذلك صداقها, كان أقل من صداق مثلها أو أكثر, ولا يتزوجها لأنه كالنكاح في عدة. وقال محمد: هي حلالٌ له بعد الاستبراء, وإن كانت حاملاً فعد الوضع, وليس النكاح في عدة. قال الشيخ: قال بعض علمائنا: يريد ما لم يكن ذلك أقل من ربع دينارٍ فلا بد أن يتم لها ربع دينار. قال في كتاب ابن المواز: ولو أنها حملت منه فصالحها ثانيةً على شيءٍ آخر, أو على أن أبرأته من نفقة الحمل والرضاع كان الصلح الآخر باطلاً ويرد عليها ما كان أخذ منها وتكون عليه النفقة. قال: ومن خالع زوجته, ثم نكحها في العدة, ثم طلقها قبل البناء والمسيس فهي تبني على عدتها ولها نصف الصداق بخلاف من ارتجع من طلاقٍ رجعيً ثم طلق قبل أن يمس فهذه تأتنف العدة. قال الشيخ: وإنما قال ذلك لأن الرجعة تهدم العدة بخلاف النكاح المبتدأ. قال الشيخ: والفرق بينهما: أن الزوجة في الطلاق الرجعي, أحكام الزوجية باقيةٌ بينهما, فإذا ارتجع عادت زوجة مدخولاً بها كما كانت قبل الطلاق فإذا طلق ثانيةً وجبت عليها العدة لهذه الطلقة, فإن كان بقي من العدة الأولى شيءً فهو داخلً في هذه العدة المؤتنفة, وإذا كانت الطلقة الأولى بائنة فهو لا يرتجعها إلا بنكاحٍ جديدٍ بصداقٍ وولي, فإذا طلق فيه قبل أن يمس فقد طلق قبل البناء فلا عدة عليها لهذا الطلاق الثاني فوجب أن تتم العدة للأول, وبالله التوفيق.

[فصل 3 - في النية في طلاق الخلع] ومن المدونة: قال مالك: وإن خالعها واشترط رجعتها فالخلع ماضٍ ولا رجعة له. قال ابن القاسم: وإن أخذ منها شيئاً وانقلبت وقالا: ذلك بذلك, ولم يسميا طلاقاً فهو طلاق الخلع, وإن سمَّيا طلاقاً لزم ما سمَّياه من الطلاق, وإن نوى بالخلع ثلاثاً أو اثنتين لزمته وإن لم يلفظ بها, وكذلك إن شرطت هي في الخلع أن تكون طالقاً تطليقتين فذلك يلزم. قال مالك: وإذا لم يكن لها عليه مهرٌ ولا دينٌ فخالعها عل أن أعطاها شيئاً أو لم يعطها فذلك جائز ولا رجعة فيه وذلك خلعٌ, وقاله ابن القاسم. وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك فيمن طلق امرأته وأعطاها: أن له الرجعة وليس بخلع, وروى عنه: أنها واحدةٌ بائنةٌ, وأكثر الرواة على أنها غير بائن, لأنه إنما تختلع بمال يأخذه منها, فلزمه بذلك سنة الخلع, وإذا لم يأخذ منها فليس بخلعٍ وهو رجلٌ طلَّق وأعطى. قال ابن المواز: وإذا جرى ذلك بينهما بمعنى الخلع والصلح وإن لم يقولاه فهي واحدةٌ بائنة. -قال الشيخ: كمن خالع على ما لا يصح تملُّكه كالخمر والخنزير-. قال ابن المواز: وأنا إن لم يجر على ذلك فله الرجعة. قال الشيخ: وكمن طلق بغير عوض.

[فصل 4 - فيمن قال: أنت طالق طلاق الخلع] ومن المدونة: وقال غيره فيمن قال لمدخول بها: أنتِ طالقٌ طلاق الخلع, فهي ألبته, لأنها لا تكون واحدةً/ بائنة إلا بخلع. ومن الواضحة: هذا قول ابن الماجشون. وقال ابن القاسم في الذي قال لامرأته: أنت طالقً طلاق الخلع: إنها واحدةً بائنةً. وقاله أصبغ في قوله: أنت طالقٌ طلاق الخلع, أو كما طلق فلانً زوجته, وفلانً خالعها. قال أصبغ: وإن كان فلانً إنما طلقها واحدةً قبل البناء فتلزم هذه طلقةً كما طلقت تلك طلقة, ولكن لا تبين بها, لأن عليها العدة وإنما بانت تلك إذ لا عدة عليها. وقال مطرف: قوله: أنت طالقً طلاق الخلع, كقوله: أنت طالقً واحدةً لا رجعة لي عليك فيها, فهي واحدةً وله الرجعة, لأن الخلع والمباراة لا تكون إلا بشيءٍ يأخذه منها أو تضعه عنه, وما عدا ذلك فطلقةً رجعية, وذكر الخلع ساقطً بقوله: أنت طالقً واحدةً بائنةً. قال ابن حبيب: وبقول ابن الماجشون أقول.

[الباب السادس] في الخلع على أخذ الولد أو على نفقته أو على طرح سكناها

[الباب السادس] في الخلع على أخذ الولد أو على نفقته أو على طرح سكناها [فصل 1 - في الخلع على أخذ الولد] قال مالك: وإذا خالعها على أن يكون الولد عنده, فالخلع جائز, وله شرطه إلا أن يضر ذلك بالصبي ويُحَاف عليه إن نُزِعَ منها, مثل أن يكون يرضع وقد عَلِقَ فلا سبيل له إليه. قال ابن القاسم: وإذا خرج الصبي من حدِّ الاضرار به والخوف عليه كان له أخذه منها حينئذٍ بشرطه. قال ابن الماجشون: إن كان الولد صغيراً ألزمه الخلع ولها أن ترجع في ولدها فتأخذه ولا يلزمها الشرط, لأن الحضانة حقً للولد فليس للأم قطعها, وهذا لا اختلاف فيه عندنا. وذكر عن أبي عمران في قول ابن القاسم إن ذلك جائزً إذا لم يضر ذلك بالولد, هل ذلك له فيمن ليس له جَدَّة, أو يتم ذلك له ولا حق للجدة فيه؟ فقال: القياس أن لا يسقط حق الجدة مثل ما إذا خالعها أو طلقها وتركت حقها في الولد من غير شرطٍ أن الجدة أولى به.

[فصل 2 - في الخلع على نفقة الولد] ومن المدونة: قال مالك: وإذا خالعها على أن ترضع ولده وتنفق عليه ما دام في الحولين جاز ذلك, وإن ماتت كان الرضاع والنفقة في مالها, وإن مات الولد قبل الحولين فلا شيء للزوج عليها. قال مالك: ولم أَرَ أحداً طلب ذلك. ابن المواز: كمن صالح على إسقاط نفقة الحمل فأسقطت سَقْطَاً فلا تُتَبع. قال عبد الملك: لأنها على ذلك ضمنت, ورواه أشهب عن مالك, وروى أبو الفرج أن قول مالك أنه يتبعها في موت الصبي. قال مالك: إن عجزت هي عن نفقة الولد رجعت النفقة على الأب ويتبعها بها, وقاله أشهب وعبد الملك وابين القاسم, وقال أيضاً ابن القاسم: لا يتبعها, وقاله أصبغ. ومن المدونة: قال مالك: وإن شرط عليها نفقة الولد بعد الحولين أمداً سمياه تم الخلع ولزمها نفقة الولد في الحولين فقط, ولا يلزمها ما ناف على الحولين. قال ابن القاسم: وكذلك إن شرط عليها الزوج نفقة نفسه سنة أو سنتين تم الخلع, ولم يلزمها من نفقة الزوج شيء.

وقال المخزومي: يلزمها نفقة الزوج ونفقة الولد بعد الحولين كالخلع بالغرر وقاله سحنون. قال الشيخ: وهو الصواب, وقد احتُجَّ لقول ابن القاسم احتجاجً ضعيفً فتركتُه. [فصل 3 - في الخلع على ألا سكنى لها] قال ابن القاسم: وإن خالعها على ألاَّ سكنى لها عليه, فإن أراد إلزامها كراء المسكن جاز ذلك/ إن كان المسكن لغيره, أو كان له وسمَّى الكراء, وإن كان على أن تخرج من مسكنه تم الخلع ولم تخرج, ولا كراء له عليها.

[الباب السابع] في الخلع على دين مؤجل أو سلف أو خمر أو حلال وحرام

[الباب السابع] في الخلع على دين مؤجل أو سلف أو خمر أو حلال وحرام [فصل 1 - في الخلع على دينٍ مؤجل أو سلف] ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عمَّا جرَّ نفعاً من السَّلف. قال مالك: وإذا كان لأحد الزوجين على الآخر دينً مؤجلً فخالعها على تعجيله قبل محله جاز الخلع ورد الدين إلى أجله. قال غيره: وإن كان الدين عليه وهو عينً [مما] له تعجيله قبل محله فذلك جائزً وليس بخلع, وهو كرجلٍ طلق وأعطى فهي طلقةً واحدةً وله الرجعة عنده, وإن كان الدين عرضاً أو طعاماً من بيعٍ مما لا يجوز للزوج تعجيله إلا برضى المرأة ولا تستطيع المرأة قبضه إلا برضى الزوج فهذا يكون بتعجيله خلعاً ولا رجعة له, ويرد الدين إلى أجله, لأنه إنما طلق على أن تحط عنه الضمان الذي كان عليه إلى أجل, وإنما طلاقه إياها على أن يعجَّل لها ذلك, كما لو زادها دراهم أو عرضاً سواه على أن يعجل لها ذلك لم يجز, وكان حراماً, ورد الدين إلى أجله, وأخذ منها ما أعطاها, وكما لو طلقها على إن أسلفته سلفاً لزمه الطلاق, ورد السلف لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عما جرَّ نفعاً من السلف.

قال بعض فقهائنا: إذا كان لها الدين عيناً, فخالعها على تعجيله, فهو رجلً طلق وأعطى كما قال غيره, ولا يدخل هاهنا سلفً جرَّ منفعةً لسقوط النفقة عنه في العدة, لأنه له أن يخالعها من نفسه بلا مال, أو يقول لها: أنت طالق طلاق الخلع؛ فتكون طلقة تملك بها نفسها ولا نفقة لها فيثبت بذلك أنها ما أسقطت عنه ما لا يقدر على إسقاطه؛ هذا على قول ابن القاسم الذي يرى أن الخلع من غير أن تدفع المرأة, وأما على قول غيره الذي يرى أن الخلع إنما يكون بشيء تدفعه المرأة فتدخله علة إسقاط النفقة لتعجيل دينها فيدخله سلفٌ جرَّ منفعةً إذا كانت مدخولًا بها. قال: ورأيت لابن الكاتب أنه قال: وجه قول مالك في تعجيل ما على الزوج من العين أنه سلفٌ جرَّ منفعةً إذا كانت مدخولاً بها, لأنه لو لم يخالعها على هذا كانت طلقة غير بائنة, ولزمته النفقة في العدة, فتعجيله الدين سلفً جرَّ منفعةً وهي إسقاط النفقة, يوضَّح ذلك أنه إنما تكون طلقةً بائنةً إذا جرى ذلك بينهما على وجه المباراة, إذ لو طلقها هو من غير أن تجري لها في ذلك أمرً لم تكن طلقةً بائنةً بإجماعهم وإن أعطاها في ذلك مالاً, وإنما اختلف قول مالك إذا أعطى وطلق فيما جرى منهما جميعاً على جهة المباراة, فلما كانت البينونة لا تصح إلا برضاهما كانت كأنها لم ترض له بإسقاط نفقة عدتها إلا باستعجال دينها. ومن كتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون: إذا صالحها على أن عجَّلت له بعض دينه وأسقط عنها البعض بطل التعجيل والوضيعة, وتمَّ الفراق, لأنه إنما فارق ووضع على أن تُعجِّل وذلك حرامٌ كله.

قال مالك: وإن كان الدين عليه فصالحها على أن يعجَّل لها بعض دينها ووضعت عنه بقيته؛ فالوضعية نافذة, وترد إليه ما عجَّل لها لتأخذه منه إذا حل أجله. قال الشيخ: كمن خالع على حلالٍ وهي الوضيعة وحرامٍ وهو التعجيل فيُرد الحرام ويمضي الحلال, وهو نحو ما قدمناه لابن المواز. قال ابن القاسم: وكذلك إن صالحها على إن أخرته بدينٍ لها عليه إلى أجلٍ فالخلع جائز ولها أخذه/ بالمال حالا. قال ابن القاسم: وكل ما رددنا من مثل هذا أو أجزنا الخلع فيه لم يرجع عليها الزوج بصداق المثل ولا غيره. قال ابن المواز: إذا صالحها على أن عجَّل لها دينها, فإن لم يكن في ذلك وضيعة, ولا جرَّ نفعاً, فذلك جائزً, وكذلك إن أخرها بدينٍ له عليها ولا نفع له في ذلك, وإن حطته بعض دينها وعجَّل لها بعضه, أو أخرته به, فالحطيطة ماضيةً في الخلع, ويرد ما عجل لها ويبطل التأخير. قال الشيخ: كمن خالع زوجته على حلالٍ وحرامٍ فإنه يجوز منه الحلال ويبطل الحرام. قال ابن المواز: وإن تزوجت على عشرةٍ نقداً وعشرين إلى أجلٍ فصالحته قبل أن ينقدها شيئاً, وقبل البناء بها على العشرة النقد وطرحت ما بقي, فالطلاق ماضٍ وترد خمسةً وتبقى عليه الأجل ثم تأخذها منه.

قال الشيخ: لأن الواجب لها بالطلاق نصف صداقها وهو خمسةً نقداً أو عشرةً إلى أجل فقد أعطاها الآن الخمسة النقد, وعجَّل لها خمسةً من العشرة المؤجلة على إن حطته الخمسة الأحرى فألزمناها الحطيطة للخلع ورددنا الخمسة إلى أجلها لأنها من ضَعْ وتَعَجَّل. قال ابن المواز: وإن كان على ستةٍ ردت ديناراً يبقى لها إلى أجله, وأما على خمسة عشر فهي لها, ولا ترد شيئاً, إذ ليس في ذلك وضيعة شيء. [فصل 2 - في الخلع على الخمر] ومم المدونة: قال ابن القاسم: وإن خالعها على خمرٍ تم الخلع ولا شيء له, وإن قبضها أُهرِيْقَت عليه. قال عبد الوهاب: وقال الشافعي: يرجع عليها بصداق المثل, ودليلنا: أنه لما رضي أن يعتاض مالا يصح تملُّكه كان راضياً بسقوط العوض فلم يجب له بدل ولأنه معنىً يصح أن يوقع بغير بدل, ويفوت بنفس وقوعه, فإذا أوقعه بما لا يصح تملُّكه كان كمن أوقعه بغير شيء. وقال أبو حنيفة: تكون طلقةً رجعيةً, ودليلنا عليه: أنه طلاقً أوقعه على وجه الخلع فكان بائناً كما لو صح العوض.

قال الشيخ: قيل في قول ابن القاسم: فإن تخلَّلت الخمر بيد الزوج فإنها له لأنها قد عادت حلالاً, وسواءٌ كانت الزوجة مسلمةً أو نصرانيةً. [فصل 3 - في الخلع على حلالٍ وحرام] ومن المدونة: وإن خالعها على حلالٍ وحرامٍ جاز منه الحلال وبطل الحرام كمالٍ وخمر. وفي الباب الأول من الخلع تفسير الخلع والمباراة والفدية وأن ذلك كله طلقةً بائنة.

[الباب الثامن] فيمن قالت لزوجها: خالعني بكذا أو قال له ذلك أجنبي وكيف إن وجدت عديمة أو أتبع الخلع طلاقا والخلع يقع بعد بتات طلاق أو فساد نكاح أو عيب والدعوى في الخلع

[الباب الثامن] فيمن قالت لزوجها: خالعني بكذا أو قال له ذلك أجنبي وكيف إن وجدت عديمة أو أتبع الخلع طلاقاً والخلع يقع بعد بتات طلاق أو فساد نكاح أو عيب والدعوى في الخلع [فصل 1 - فيمن قالت لزوجها: خالعني, وكيف إن وجدت عديمة] قال مالك: وإن قالت له: خالعني أو بارني, أو طلقني على ألف درهم أو بألف درهم, فهو سواء, وإن أصابها عديمة جاز الخلع واتبعها بالدراهم, وإنما ذلك إذا صالحها بكذا وكذا, أو ثبت الصلح ورضي بالذي تعطيه يتبعها به. قال ابن القاسم: وأما أن يكون إنما صالحها على أنها أن أعطته الألف تم الصلح فلا يلزمه الصلح إلا بدفع. قال في كتاب ابن المواز: أو يقول: على أن تعطيني الساعة, أو أخالعك على أن تعطيني, فلم تعطه فهذا لا يلزمه الصلح. ومن المدونة: وإن قالت له: يعني طلاقي بألف درهم, ففعل جاز ذلك. قال مالك: وإن قالت له: خالعني ولك ألف درهم, فقال لها: قد خالعتك, لزمتها الألف, وإن لم تقل بعد قولها الأول شيئاً, وإن قال له رجل: طلق امرأتك ولك ألف درهم, ففعل لزم ذلك الرجل الألف.

فصل [2 - فيمن أتبع الخلع طلاقا] قال مالك:/ وإذا أُتِبع الخلع طلاقاً من غير صُمَاتٍ نسقاً لزم ذلك, وإن كان بين ذلك صُمَاتً أو كلامٌ يكون قطعاً لذلك لم يلزم الطلاق الثاني. ابن وهب: وقد قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: الخلع مع الطلاق اثنتان, وقال ابن أبي سلمة: إذا لم يكن بينهما صمات, ومن فعل ذلك فقد أخطأ السنة, وإنما الخلع واحدةً إذا لم يسمِّ طلاقاً. فصل [3 - في الخلع يقع بعد بتات طلاق أو فساد نكاح, أو عيب] قال ابن القاسم: وإن خالعها على شيءٍ ثم تبيَّن أنه قد أبتَّها قبل ذلك أو حلف بطلاقها ألبتة أن لا يخالعها, أو أنه نكحها وهو محرِمً, أو أنها أخته من الرضاعة, أو مما لا يقرَّان عليه, أو انكشف أن بالزوج جنوناً أو جُذَاماً فالخلع في ذلك كله ماضٍ وترجع عليه بما أخذ منها, لأنها كانت أملك بفراقه, وفراقها إياه من أجل الجنون والجذام فسخَ بطلاق. قال الشيخ: وذكر عن بعض فقهائنا القرويين: إن قيل ما الفرق بين أن يخالعها على مالٍ ثم يظهر أنها مطلقة, أو كاتب عبده ويتأدى منه ثم يظهر أنه كان أعتقه وهو منكِرً في الوجهين فألزمه أن يرد في الخلع ولم يلزمه أن يرد في الكتابة؟ فالفرق: أن للسيد أن يستسحي عبده وينتزع ماله ولا يزيل ملكه عنه إلا

الحكم عليه, والزوجة ليس له سبيلً إلى مالها وهو كأجنبيً فلا يصل إليه إلا بحق, فإذا ثبت طلاقه قبل ذلك فقد أخذه بغير حقٍ فافترقا. ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم: وإن قال لها: أنت طالق واحدةً إن صالحتك, ثم صالحها قال: لا ترجع بشيءٍ وهو كمن قال لعبده: إن قاطعتك قبل السنة فأنت حر, ثم قاطعه فلا يرجع عليه بشيء. قال عيسى: لأنه لما حنث بطلاقه كانت له الرجعة, وصارت عطية المرأة فيما قطعت عنه ماله من الرجعة, وكذلك عطية العبد فيما تعجل من العتق قبل السنة. ولو قال: إن صالحتك فأنت طالقٌ ألبته, ثم فعل؛ فهذا يرد ما أخذ, وكذلك في العبد إذا لم يقل إلى سنة, فهو يرد ما أخذ إذا قاطعه. وإن انكشف بعد الخلع أن بها جنوناً أو جُذاماً أو بَرَصَاً كان له ما أخذ منها وتم الخلع لأن له أن يقيم, ولو تركها أيضاً بغير خلعٍ كان فسخاً بطلاق. وقال في كتاب النكاح الثاني: وإن ثبت أنه نكح بغررٍ أو بغير وليًّ فاختلعت قبل البناء بمال فذلك ماضٍ وله ما أخذ. قال سحنون: هذه ترد إلى ما في كتاب الخلع أنه يرد ما أخذ منها.

قال ابن المواز: وليس له رجوع بالصداق على من غرَّه كعيبٍ ذهب. قال ابن المواز: وإنما لا يرد ما أخذ فيما لأحدهما المقام عليه. قال الشيخ: فيصير هذا قولاً ثالثاً, لأنه إذا وجدت بالزوج جنوناً أو جُذامَاً فللزوجة الرضى بذلك, فإذا خالعته على شيءٍ دفعته إليه ثم اطلعت على الجنون أو نحوه لم يكن لها أن ترجع عليه بشيءٍ خلاف قول ابن القاسم, وإن تزوج بغررٍ أو بغير ولي, ثم خالعها قبل البناء فإنه يرد ما أخذ منها كما ذهب إليه سحنون. قال الشيخ: وما قاله سحنون أبينها, والله أعلم. [فصل 4 - في الدعوى في الخلع] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن قالت له امرأته: إنك كنت طلقتني أمس على ألف درهم وقد قبلت, وقال الزوج: كان ذلك ولم تقبلني؛ فالقول قولها. وكذلك قال مالك في الذي ملك امرأته ثم خرج, فلما رجع ليدخل عليها أغلقت الباب دونه وقالت: كنت قد ملَّكتني فقد اخترت نفسي, وقال الزوج: لم تختاري؛ إن القول قولها, واختُلف فيها في المدينة, ومن قول مالك يومئذ: لا يقضي في التمليك إلا في المجلس. قال بعض شيوخنا: ولا يمين عليها في ذلك, إلا إذ لو نكلت عن اليمين لم ترد إليه وإنما تحلف إذا تداعوا فيما وقع به الخلع, لأنها إذا نكلت حلف هو وغرمت له.

وقوله في الكتاب: ومن قول مالك يومئذ أنه لا يقضي في التمليك إلا في المجلس, إنما ذكر هذا لئلا يَتَوهَّمً/ مُتَوهَّمً أنه إنما كان القول قولها؛ لأنها إذا لم تكن قضت فقولها الساعة قضاءً على قول مالك أن لها أن تقضي وإن افترقا من المجلس. قال ابن القاسم: وإذا قال لزوجته: خالعتيني على هذا العبد, فقالت المرأة: بل على هذا الثوب؛ فالقول قولها, وتحلف إلا أن يأتي الزوج ببينة, لأن مالكاً قال فيمن صالح زوجته على شيء فيما بينهما, فلما أتى ببينةٍ ليشهد عليها جحدت المرأة أن تكون أعطته شيئاً على ذلك: إن الخلع ثابت ولا يلزمها إلا اليمين, ولو جاء الزوج بشاهدٍ على ما يدعي حلف معه واستحق. قال الشيخ: إن قيل: إن ادعى الزوج أن زوجته خالعته على شيءٍ فأنكرت فأحلفها وألزمته الخلع, هل للزوجة نفقة لأنها تقول: إنما أقررت بالخلع لتسقط نفقتي في العدة؟ فالجواب: عن ذلك: أنها إن أقرت له بالمخالعة لكنها قالت: إنما كانت على غير شيء؛ فلا نفقة لها, لأنها واحدة بائنة باتفاق, وإن أنكرت الخلع أصلاً فيجب على قول ابن القاسم في قوله: أنت طالقٌ طلاق الخلع ألاَّ نفقة لها لأنها واحدة بائنة, وكذلك على قول من يرى أنها ألبته, وأما على قول من يرى

أنها واحدة رجعية فلها النفقة, وتكون واحدةٌ بائنة, لأنه مقرٌ أنه خالعها على مالٍ وهي تقول: إنما أراد بدعواه ذلك أن يسقط عن نفسه نفقة العدة, ولا ينفعك قولك: إنكِ خالعتيني, على قول من يرى أنها واحدةً رجعية. ومن العتبية: قال أصبغ: وإذا أقام بينةً أنها صالحته على عبدها فأنكرت, وأقامت بينةً أنها صالحته على عشرة دنانير, وكل بينةٍ تقول: إنها كانت لفظةً واحدةً ومجلِساً واحداً, فالبينتان تسقط, والصلح ماض, وليس له إلا العشرة إن شاء, وكذلك إن ادعى أنه صالحها بالأمرين جميعاً. قال سحنون عن ابن القاسم: وإذا صالحته على عبدٍ غائبٍ فمات أو وَجَد به عيباً فقالت: كان ذلك به بعد الصلح, وقال هو: قبل الصلح, فالمرأة مدعية, وعليها البينة, وإن ثبت أنه مات بعد الصلح فلا عُهدة فيه بخلاف البيع.

[الباب التاسع] في خلع الأب والوصي والسيد والأمة وأم الولد والمكاتبة

[الباب التاسع] في خلع الأب والوصي والسيد والأمة وأم الولد والمكاتبة [فصل 1 - في خلع الأب والوصي] قال الله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة:237]. قال مالك: وهو الأب في ابنته البكر والسيد في أمته. قال مالك: ويجوز للأب أو الوصي المباراة على الصغير على النظر والحظَّ فيما يأخذ له, كما يُنكِحُه نَظَرا. قال ابن القاسم وغيره: ألا ترى أنهما ينكحانه وهو كاره, لما يريان له من الحظ في النكاح من المرأة الموسرة, فكذلك يطلقان عليه بالمال وشبهه, ولا يلزم الصبي أن يطلَّقا عليه على غير الخلع وأخذ المال. قال ابن القاسم: وإن لم يكن للطفل اليتيم وصيَّ فأقام له القاضي خليفةً كان كالوصي في جميع أموره ولو كان الأب هو الذي عقد نكاح ولده, ثم مات الأب والابن صغير, فصالح الوصي عنه امرأته, جاز ذلك على الصبي, وتلزم الصبي طلقةً بائنةً في مباراة أبيه أو وصية, فإن تزوجها بعد بلوغه أو قبله, ثم

طلقها بعد بلوغه أو قبله طلقتين, لم تحل له إلا بعد زوج. فصل [2 - في خلع السيد] وإذا زوج الوصي يتيمةً وهو بالغٌ سفيهٌ بأمره أو زوج السيد عبده البالغ بغير أمره فذلك جائزٌ عليه, أو زوج ابنه أو يتيمة قبل البلوغ ثم بلغ سفيهاً لم تجز المباراة على أحدٍ من هؤلاء بغير إذنه لأنه ممن يلزمه طلاقه/ إن طلق, ولا يُكرهون على الطلاق. وقال أبو محمد: وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية أنه يباري عن السفيه ويزوجه بغير أمره. وقد تقدم في كتاب النكاح الأول الاختلاف في إكراهه على النكاح من كلام ابن حبيب ومن كتاب الخلع: قال ابن القاسم: وإذا زوج السيد عبده الصغير لم يطلق عليه إلا بشيء يأخذه له. وروى ابن نافع عن مالك, فيمن زوج وَصِيْفَه مِنْ وَصِيْفَتِهِ ولم يبلغا, أنه جائز, فإن فرق السيد بينهما على وجه النظر والاجتهاد, جاز ذلك ما لم يبلغا. قال ابن نافع: لا يجوز من ذلك إلا ما كان على وجه الخلع.

قال مالك: وللأب أن يخالع على ابنته الصغيرة, وإن كان على إسقاط جميع المهر, فذلك جائزً عليها, وليس لوصيً أو غيره أن يخالعها من زوجها, بخلاف مباراة الوصي عن يتيمه, والفرق بينهما: أن الوصي يزوج يتمه ولا يستأمره ولا يزوج يتيمته إلا بإذنها بعد بلوغها, فكذلك يباري عن يتمه ولا يباري عن يتميته إلا برضاها. وروى ابن نافع في صغيرةٍ زوَّجها أبوها أن للخليفة أن يباري عنها على وجه النظر, ويلزمها ذلك إذا كبرت, فأنكره سحنون وأسقطه, ولم يقرأه عند السماع, ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في التي لم تبلغ المحيض وقد بنى بها الزوج فصالحته على مالٍ أعطته فذلك نافذ, وله ما أخذ إن كان ما [أعطته] يصالح به مثلها. وقال أبو بكر بن اللبَّاد: المعروف من قول أصحابنا أن المال مردودً والخلع ماض. وقال سحنون في اليتيمة البالغة تفتدي من زوجها قبل البناء: فذلك جائز, وله ما أخذ, ولا رجوع لها فيه. قال في كتاب ابنه: ومَنْ يُجزْه لم أُعَتَّقْه فيما اختار.

وقال أصبغ: لا يجوز مباراة الصغيرة غير البالغ أو السفيهة, وكذلك بعد موت أبيها قبل البناء؛ ويرد ما أخذ منها, ويمضي الفراق ولو أخذ الزوج حميلاً بما يدركه في نصف الصداق الذي بارأته به فغرمه؛ رجع به على الحميل كالتي يباري عنها أبً أو أخً بغير علمها, إلا أن هذه يرجع فيها الزوج بما ودى فيأخذه ممن يباري عنها, ولا يرجع في مباراة الصبية الحميل بما غرمه للزوج على أحد. [فصل 3 - في خلع الأب على ابنته بعد البناء] ومن المدونة: قال مالك: وإذا خالع الأب على ابنته الثيب بعد البناء وهي بالغً على أن ضمن للزوج الصداق فلم ترض الابنة بطلب الأب؛ أخذت به الزوج ورجع به الزوج على الأب, وكذلك الأخ في هذا بمنزلة الأب, -قال ابن القاسم: وكذلك الأجنبي- وإن خالعها الأب بعد البناء وقبل بلوغها على أن تترك لزوجها جميع المهر جاز ذلك عليها, ثم لأبيها إذا رجعت إليه قبل البلوغ أن يزوجها كما يزوج البكر, ويجوز إذنه عليها. قال ابن القاسم وأشهب: وذلك ما لم تحض. وقال سحنون: يزوجها وإن حاضت. قال الشيخ: وقد تقدم إيعاب هذا وشرحه في كتاب النكاح.

فصل [4 - في خلع الأمة] قال مالك: ولا تختلع أمةً ولا أم ولد من زوجٍ بمالٍ إلا بإذن السيد, فإن فعلا بغير إذنه كان له رد العطية ولزم الزوج الصلح, ويرد ما أخذ, ولا يتبع به الأمة إن عتقت, وأكره أن يزوج الرجل أم ولده, فإن جهل وفعل لم يفسخ إلا أن يكون أمرًا بيناً من الضرر بها فيفسخ, وقد تقدم هذا في كتاب النكاح. [فصل 5 - فيما تبذله المكاتبة في الخلع] ويجوز ما خالعت به المكاتبة, أو وهبت من مالها بإذن السيد. سحنون: وذلك في الشيء اليسير التافه, وأما ماله القدر فلا, لأن ذلك داعيةً إلى عجزها.

[الباب العاشر] في الخلع في المرض

[الباب العاشر] في الخلع في المرض قال مالك: ومن خالع زوجته في مرضه جاز له ما أخذ منها, فإن مات في مرضه ذلك ورثته, وإن ماتت هي لم يرثها. قال/ أبو عمران: وترث المرأة من المال الذي أعطته, ومثله لابن المواز. قال مالك: وكذلك إن ملَّكها في مرضه, أو خيرها فاختارت نفسها, أو طلقها طلاقاً بائناً في مرضه بأي وجهٍ كان فإنه لا يرثها إن ماتت, وهي ترثه إن مات من ذلك المرض, لأن الطلاق جاء من قِبَلِه. قال مالك: وإن اختلعت منه في مرضها وهو صحيحً بجميع مالها لم يجز ولا يرثها. قال ابن القاسم: وأنا أرى إذا اختلعت منه على أكثر من ميراثه فله قدر ميراثه, وأما على قدر ميراثه منها فأقل فذلك جائزً ولا يتوارثان. وقال ابن نافع: إذا خالعها على أكثر من ميراثه لزمه الطلاق ولا يجوز له من ذلك إلا قدر ميراثه مثل ما فسَّر ابن القاسم. قال ابن نافع عن مالك: ويوقف المال حتى تصح أو تموت. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك حتى تصح في المريض يخالع امرأته: فذلك جائزٌ وله ما أخذ منها وترثه -مما أخذ منها ومن غيره -.

قال مالك: وإن كانت هي المريضة لم يجز الخلع. ابن المواز: ولمالك قول آخر أبين من هذا, وروى عنه ابن عبد الحكم أنه يكون له منه خلع مثلها ويرد ما بقي. ابن المواز: وثم جواب أحسن من هذا, إذ لا تهمة فيه وهو قول ابن القاسم إن ماتت من ذلك المرض فله ميراثه منها, وقال أصبغ. وقال: يوقف ذلك ولا يمكن منه, فإن صحت أخذه, وإن ماتت أخذ منه قدر ميراثه من التركة يوم ماتت لا يوم الصلح, وإن كان أقل من ميراثه فله الأقل, ولا تحسب عليها ما أنفقت على نفسها في مصالحها. ابن المواز: ولا ما تلف, ويُحسب ما صالحته به من التركة, وليس لها تعمد تلف مالها من غير مصلحة, وإن أوصت بشيء فذلك في ثلث بقية تركتها بعد عزل ما صالحوا به, ثم يضاف ذلك إلى ما بقي بعد الوصايا فيأخذ قدر ميراثه منه إلا أن يكون ما صالح به أقل فيأخذ الأقل. ومن العتبية: روى يحيى بن يحي عن ابن القاسم: قال مالك: إنما ينظر؛ فإن كان قدر ميراثه منها قدر الصلح أو أقل نفذ ذلك للزوج, ولا تبالي كان أكثر من ميراثه منها يوم الموت أو أقل, هلك مالها أو بعضه قبل أن تموت؛ أو بقي ولا شيء للورثة عليه, وقد انقطع الأمر بينهم يوم وقوع الصلح, وكأنه حكم مضى بأمر جائز, ولأن الذي أخذ الزوج لو هلك لم يرجع على الورثة بشيء من قيمته, ومصالحتها بالذي أعطته كبيع من البيوع.

[الباب الحادي عشر] فيمن خالع ثم ظاهر أو آلى أو حنت في يمين بطلاقها وجامع مسائله منه

[الباب الحادي عشر] فيمن خالع ثم ظاهر أو آلى أو حنت في يمين بطلاقها وجامع مسائله منه [فصل 1 - فيمن خالع ثم ظاهر أو آلى] قال ابن القاسم: ومن صالح امرأته ثم ظاهر منها في عدتها أو آلى منها لزمه الإيلاء ولم يلزمه الظهار, إلا أن يقول: إن تزوجتك, أو يُجري قبل ذلك من الكلام ما يدل عليه, فيلزمه الظهار إن تزوجها, لأن مالكاً قال فيمن خالع إحدى امرأتيه فقالت له الأخرى: ستراجعها؟ فقال: هي طالقً أبداً, ولا نية له, قال: فإن تزوجها طلقت عليه مرةً واحدة, وكان مخاطباً؛ لأن مالكاً جعله جواباً لكلام امرأته. وفي غير المدونة: من قال لامرأته: أنت طالقً أبداً, إنها ثلاث. قال الشيخ: وحكى عن بعض القرويين: أن هذا ليس بخلافٍ لما في المدونة وأن معنى مسألة المدونة: أنه إنما وقع له التأبيد على الرجعة, كأنه لما قالت له امرأته: ستراجعها؟ قال: إن راجعتها أبداً فهي طالقً, فلذلك لزمه طلقةً, وصوَّب هذا القول بعض أصحابنا. قال الشيخ: وظاهر المدونة خلاف ذلك, وأنه إنما وقع التأبيد على الطلاق/ لأنه لما قالت له امرأته: ستراجعها؟ قال: هي طالقً أبداً, يريد إن راجعتها, فعلة هذا التأويل يصير في قوله: أنت طالقً أبداً, قولان؛ قولٌ: إنه واحدةً, وقولٌ: إنه ثلاثٌ. والله أعلم.

[فصل 2 - فيمن حنث في يمين بطلاق زوجته] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق, فصالحها ثم دخلتها بعد الصلح, لم يلزمه طلاق. قال مالك: وإن قال لها: إن لم أقضِ فلاناً حقه إلى وقت كذا فأنت طالق ثلاثاً, فلما جاء الوقت وخاف الحنث صالحها فراراً من أن يقع عليه الطلاق فبئس ما صنع, ولا يعجبني أن يفعل ذلك, فإن فعل لم يحنث إن لم يقض فلاناً حقه, لأن الوقت مضى وليست بامرأة. قال ابن القاسم: ولو تزوجها بعد الوقت لم يحنث, قضى فلاناً حقه أم لا, وإن صالحها بدراهم أو طعامٍ أو عرضٍ موصوفٍ إل أجل جاز, وله أن يأخذ بذلك رهناً أو كفيلاً, ولا يبيع الطعام قبل قبضه, لأنه محمل البيع, وإن صالحها على دينٍ فباعه منها بعرضٍ إلى أجل, أو صالحها على عرضٍ موصوفٍ إلى أجلٍ فباعه منها بدينٍ إلى أجلٍ لم يجز, لأنه دينً بدين, ويرجع فيكون له الدين الأول, وإن صالحها على عبدٍ بعينه على ألا يقبضه إلا إلى أجل من الآجال فهو حالً, والخلع جائزٌ, والأجل فيه باطل. قال سليمان: قال سحنون: الخلع جائزٌ, والعبد إلى أجله كما إذا خالعته بجنينٍ في بطن أمه فلا يكون له إلا إذا خرج.

قال الشيخ: والفرق عند ابن القاسم بين العبد المعين وبين الجنين والعبد الآبق والثمرة التي لم يبد صلاحها: أنه في هذه الأشياء لا يقدر الآن على قبضها وإزالة الغرر فيها فَعُذِرَ بإجازة ذلك في الخلع, لأن له أن يخالعها بغير عوضٍ فكأنه في الغرر خالعها بغير شيء, وأما العبد المعين, فهما قادران على قبضه, فترك ذلك تعمداً غررً دخلا فيه من غير عُذرٍ, فلذلك مُنِع, وإجازة ذلك في الخلع -كما قال سحنون- أبين, والله أعلم.

[الباب الثاني عشر] جمع القول في حضانة الولد

[الباب الثاني عشر] جمع القول في حضانة الولد [فصل 1 - في حضانة الأم لولدها] روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى للأم بالحضانة على الأب وقال لها: «أنتِ أحقُ به ما لم تنكحي» , وقضى به أبو بكر وعمر رضي الله عنهما, وقضى أبو بكر على عمر أن أُمَّ الأم إذا نكحت الأمُّ أحقُ منه في حضانة ولده, وكانت كل مَنْ هي أقرب رَحماً بالأم من النساء فذلك لها بعد الأم, ولأن المراعاة في ذلك حفظ الولد والإشفاق عليه والقيام بمصالحه ومراعاة أموره؛ والأم أقوم بذلك من الأب ومن كل أحد. واختُلف عن مالك هل هذا حقً للأم أم للولد عليها؟ فإذا قلنا: إنه حقً للأم فلقوله صلى الله عليه وسلم: «أنتِ أحقُ له ما لم تنكحي» , ولأنها يلحقها ضررٌ بالتفرقة بينها وبين ولدها مع كونها أحَنَّ عليه وأرفق به. وإذا قلنا: أنه حقٌ للولد, فلأن الغرض حفظ الصبي ومراعاته ومصلحته

دون مراعاة الأم, ألا ترى أنه يؤخذ منها إذا تزوجت وإن لحقها الضرر بأخذه, وكذلك إذا غاب الولد غيبة استقرار. ومن المدونة: قال مالك: ويُترك الغلام في حضانة الأم حتى يحتلم ثم يذهب حيث شاء, وللأب أن يتعاهد عند أمِّهم ويؤدبهم ويبعثهم إلى الكُتَّاب, ولا يبيتون إلا عندها إلا أن تتزوج الأم والولد صغير يرضع أو فوق ذلك فإنه ينزع منها إذا دخل بها زوجها لا قبل ذلك, ثم لا يرد إليها إذا طلقت أو مات زوجها, ولا حق لها فيه إذا سلمته مرة. وقال عبد الوهاب: يرد إليها لزوال المانع. قال الشيخ: وما في المدونة أصوب كزوال نفقته عن الأب بالبلوغ ثم إن مرض لم ترجع إليه, وكالثيب ترجع إليه بعد أن دخل بها/ زوجها, لأن الحضانة والنفقة إذا سقطت مرة لم تعد, وإنما تجب باستصحاب الوجوب, وقد قال ابن المواز: قال ابن القاسم: وإذا تزوجت الأم أو الجدة فلم يؤخذ الولد منها حتى فارقها الزوج فلا ينزع منهما بخلاف أن لو أخذ منهما. قال مالك: ولو ردتهم استقالاً من غير نكاحٍ ثم بدا لها فليس لها أخذهم إلا أن تأتي بعُذرٍ له وجهٌ. قال في رواية أشهب: مثل أن تكون مَرِضت أو انقطع لبنُها, وإلا فليس ذلك لها.

قال مالك: وإذا بقي الولد مع أبيه والأم مُتَنَحيَّةٌ عنه فلما مات الأب أرادت أخذه فليس ذلك لها لاستصحاب الحال. فهذا يؤيده ما قلناه, وبالله التوفيق. ومن العتبية: قال أشهب عن مالك فيمن توفي زوجها فتركت أولادها خمسة أشهرٍ أو سبعةً ثم قيل لها: أنت أحق بهم ما لم تنكحي, فقالت: والله ما عَلِمْتُ بهذا, فقال: الشأن في هذا قريب, فقد تجهل السنة. وسئل عمن فارق امرأته ولها منها بنتً فطرحتها إليه ولحقت بأهلها فتأيَّمت عندهم ما شاء الله ثم تزوجت, لا تَعُرضُ لابنتها ولا تريدها حتى ماتت, فقامت أمها تطلب ابنة ابنتها؟ فقال: إن كان لذلك سنة فأكثر فلا شيء لها, قد تركوها ورفضوها, وإن كان ليس لذلك إلا يسير فأرى لها أخذها. قال الشيخ: قال بعض أصحابنا: واختلف شيوخنا إذا تزوجت الأم تزويجاً فاسداً لا يقرَّان عليه, ودخل بها الزوج ونزع منها الولد, ثم علم بفساد النكاح ففسخ, فقال بعضهم: يرجع إليها الولد, وقال غيره: لا يرجع, وهو أصوب, وفسخ نكاحها كطلاق زوجها في النكاح الصحيح.

وقال بعض شيوخنا: إذا كان للولد وليَّان, وهما في القُعْدُدِ سواء, فسافر أحدهما ليس له الرحلة بالولد, والمقيم أولى لبقاء الولد مع أمه, وكذلك إن لم يكن لها أم, ولأنه هو المقدم في نكاحها إن كانت أنثى. أبو محمد: قال ابن القاسم: فإن نكحت الأم أحدهما لم ينزع منها إذا كان ذلك أرفق به. قال أصبغ: إلا أن يخاف عليه عندها ضيعةً وجفوةً فيكون الولي الآخر أولى وأحق به. قال مالك: ومن تزج امرأة, ومعها بنتٌ صغيرٌ قد بها بها, ودخل بها وهي معها, ثم قال: أخرجيها عني, فليس له ذلك. [فصل 2 - في أخذ الأب أو وصية الولد ممن يحضنه] ومن المدونة: قال مالك: وتُترك الجارية في حضانة الأم في الطلاق والموت حتى تبلغ النكاح ولا يخاف عليها, فإذا بلغت وخِيف عليها نُظِر, فإن كانت الأم في حِرْزٍ وتحصينٍ فهي أحق بها أبداً حتى تنكح وإن بلغت أربعين سنة, وإن لم تكن الأم في حرزٍ وتحصينٍ في موضعها, أو كانت غير مَرضيَّةٍ في نفسها أو نكحت فدخلت, فأب أخذها منها, وكذلك للأولياء وللوصي أخذ الولد بذلك إذا أخذ إلى أمانةٍ وتحصين. قال ابن المواز: قال مالك: ووصي الأب كالأب في أخذ الولد إذا نكحت وليس له جدةً ولا خالة.

قال: وللعم والجد أخذ الصبية إذا نكحت أمها, وأما الوصي فليس بينه وبينها مَحْرمٌ مع زوج أمها أحب إلي, لأنه ذو محرمٍ منها إلا أن يخاف عليها عنده فالوصي أحق. ومن العتبية: قال ابن القاسم: الوصي كالأب في الولد إلا في نكاح البكر قبل البلوغ. قال أصبغ: وإن تزوجت الأم فالوصي أحق بالولد جواري كنَّ أو غِلماناً -وإن حضن الأبكار- وهو أحق من الأخ والعم وابن العم إن كان رَضيَّا, وإذا انتقل الوصي من البلد فله أن يرتحل بهن جواري كن أو غلماناً, وليس لإخواتهم/ وأعمامهم وجدودهم منعه. أشهب: وسئل مالك عمن أوصى بابنته إلى وليًّ فتركها مع عمتها إلى أن بلغت الجارية أو كادت أن تبلغ, ثم تزوجت العمة فطلبتها الجدة أم أمها وأرادت أخذها, فأرادت الجارية أن تكون مع عمتها, ورضي بذلك الولي, قال: أرى أن تترك مع عمتها إذا أحبت الجارية ورضي بذلك الولي, ولا تأخذها الجدة. قال الشيخ: يدل قوله هذا أن الأم إذا كانت وصيةً تزوجت أن الولد لا ينزع منها, لأن العمة لما كانت إذا تزوجت ورضيت الصبية الولي بكونها مع عمتها؛ لم يضر التزويج وكانت أولى من جدتها لأمها, فالأم أحرى أن لا ينزع الولد منها إذا رضيت, إذ لها الولاية والحضانة, ولا يضرها التزويج كما لم يضر العمة, والله أعلم. ويحتمل إنما كانت العمة أولى لترك الجدة حضانتها أولاً كالأم إذا تركت حضانتها للأب ثم مات فليس لها أخذهم.

ومن المدونة: قال مالك: وكل من له الحضانة من أب أو رحم أو عصبة ليس لها كفاية, ولا موضعه يحرز ولا يؤمن في نفسه, فلا حضانة له, والحضانة لمن فيه ذلك وإن بعد, وينظر السلطان في ذلك للولد بالذي هو أكفى وأحرز, فربَّ والد يضيع ولده, ويدخل عليهم رجالاً يشربون فينزعون منه. ويترك الولد في الحضانة عند غير الأم إلى حدً ما يترك عند الأم. قال مالك في كتاب ابن المواز: وإذا نكحت الأم فالجدة للأم أولى بحضانة الولد إذا كان لها منزل تضمهم فيه ولا تضمهم مع أمهم. ومن العتبية: قال أشهب: ولا يكلف الأب مع النفقة على الولد النفقة على الجدة أو الأم ولا أجر حضانتها إذا أبى ذلك, وإنما عليه نفقة الولد خاصة وإن قامت عليهم وحضنتهم إلا أن يصالحها على شيء يرضاه. قال مالك: وإذا قال الأب: ما عندي ما أنفق على الولد, والولد ابنةً بنت أربع سنين قال: ولكن أرسليها إليَّ تأكل معي, قال مالك: يُنظر؛ فإن كان ما ذكر أمرًا معروفاً قيل للأم: أرسليها تأكل مع أبيها وتأتيك بالليل, وإن خيف أن يضر بالأم وهو واحد فليس له ذلك. فصل [3 - في حضانة غير الأم] والأم أحق بحضانة الولد في الوفاة والطلاق حتى يبلغوا ما وصفنا, فإن ماتت الأم أو نكحت فدخلت فالحضانة لمن هي أقعد بالأم إذا كانت ذا محرم من الصبيان فالجدة للأم أحق وإن قعدت بعد الأم, ثم الخالة.

ابن المواز: وخاله الخالة كالخالة. وروى عن مالك: أن الأب أولى من الخالة. قال أصبغ: وليس هذا بشيء, وقوله المعروف أن الخالة أحق. ومن المدونة: قال مالك: ثم الجدة للأب ثم الأب, والأب أولى من الأخوات والعمات وبنات الأخ, فإن لم يكن الأب فالأخت ثم بنت الأخت ثم العمة ثم بنات الأخ. قال مالك في كتاب محمد: فإن لم تكن بنت أخٍ فالأخ ثم الجد ثم ابن الأخ ثم العصبة, قال في المدونة: وهم الأولياء, ومن هؤلاء الأولياء الجد والأخ وابن الأخ والعم وابن العم ومولى النعمة, لأنه وارث, والمولى عتاقة, وليس من يسلم على يديه بمولَىَّ ولا ينتسب إليه وإن ولاَّه, وإذا تزوجت الأم ولها أولادٌ صغارٌ وجدتهم لأمهم في بلدٍ ثانٍ وخالتهم معهم حاضرةً؛ فالخالة أحق, وإذا كان الولد ليس لهم جدةً من قِبَلِ أمهم, أو لهم جدةً لأمًّ لها زوجٌ أجنبيٌ فالحضانة لمن هي أقعد بالأم على ما ذكرنا. قال عبد الوهاب: وإنما قُدِّمت قرابات الأم على قرابات الأب في الحضانة كما قدمت الأم على الأب, وإنما قدمت الجدة على الخالة لأنها أقرب وهي والدة, ولذلك قدمت أم الأب على العمة لأنها والدة.

واختلف إذا انتقلت الحضانة عن جهة الأم أيهما أقرب الأب أو قرابته من النساء؟ فإذا قلنا: إن الأب أولى فلأن به يدلون والأصل أولى, وإذا قلنا: إنهن أولى فلأنهن بالصبي أرفق وألطف به تَأتَّياً في مصلحة, ولا يمكن ذلك للأب, لأن ذلك لا يليه الرجال وإنما يليه لهم النساء. ابن وهب: إن كان للجدة أم الأم زوج فلا حق لها في الحضانة. ومن المدونة: قال مالك: وكل من خرج من بلده, متنقلاً لسكنى بلدٍ آخر غير بلد الأم, من أبٍ أو أحدٍ من أولياء الولد الذين ذكرنا؛ فله الرحلة بالولد إذا كان الولد معه في كفاية, تزوجت الأم أم لا, ويقال لها: اتبعي ولدك إن شئت أو دعيه. قال: وأما من خرج من الأولياء لسفرٍ من غير سكنى فليس له الرحلة بالولد الذين ذكرنا. قال ابن زمنين: كان بعض شيوخنا المقتدى لهم يفتون أن ليس للأب أن يرتحل بالولد لسكنى بلدٍ آخر حتى يثبت عند الحاكم [بالبلد] الذي فيه الحاضنة أنه قد استوطن البلد الذي رحل إليه, وخالفهم بعض أصحابنا وقال: إنه إذا أراد الرحيل أخذ ولده ساعة يرتحل. وعلى هذا القول يدل لفظ الكتاب.

وقد أعاب القول الآخر بعض العلماء وقال: أرأيت إن أراد الرحلة إلى العراق أيمضي إليها فيوطن, ويشهد هناك ثم يرجع ويأخذ ولده. وليس هذا بشيء؟ ومن المدونة: قال مالك: وليس للأم أن تنقل الولد من الموضع الذي فيه والدهم أو أولياؤهم إلا ما قَرُبَ كالبريد ونحوه حتى يبلغ الأب أو الأولياء خبرهم. قال ابن القاسم: ثم لها أن تقيم هناك. قال في العتبية: وإن كان مسكن الأب بالإسكندرية فأرادت الأم لما طلقها أن تنقلهم إلى الفُسْطَاط وبينهما ثلاثة أيام؟ قال: ليس لها ذلك. وسئل عمن كانت يسكن معها زوجها بمكانه, ثم هلك زوجها وله منها ابنه بنت ثمان سنين وللمتوفي إخوةً فأرادت الأم أن تنتقل بها إلى أخوتها إلى المسكن الذي كانت تسكنه قبل أن تتزوج هذا؛ وبينهما مرحلتان, وأبى ذلك عمومة الجارية. قال مالك: ليس للأم أن تخرجها من عند ولاتها.

فصل [4 - في حضانة الذمية والمجوسية] ومن المدونة: وللذمية إذا طلقت أو المجوسية يسلم زوجها وتأبى هي الإسلام -فيفرق بينهما- من الحضانة ما للمسلمة إن كانت في حرزٍ وتُمنع أن تغذَّيهم بخمرٍ أو بخنزيرٍ, فإذا خيف أن تفعل بهم ذلك ضُمَّتُ إلى ناسٍ من المسلمين ولا ينزع منها إلا أن تبلغ الجارية وتكون عندها في غير حرز. وروى ابن وهب: أن لا حق للنصرانية في حضانتهم, لأن المسلمة لو أثنى عليها ثناء سوءٍ أو كانت تطوف لنزعوا منها فكيف بهذه؟ وقال ابن المواز: الحضانة لها واجبة, وكذلك الجدة النصرانية. [فصل 5 - في حضانة الأم وأم الولد] ومن المدونة: قال مالك: وإذا أعتق ولد الأمة وزوجها حرً فطلقها فهي أحق بحضانة ولدها إلا أن تباع بها إلى غير بلد الأب فالأب أحق به, أو يريد الأب انتقالاً إلى غير بلد الأم فله أخذه وليس العبد في انتقاله بولده كالحر, والأم أحق بهم كانت أمةً أو حرةً؛ لأن العبد لا قَرار له ولا مسكن. قال ابن القاسم في النوادر: وأرى في الاستحسان إن كان العبد التاجر له الكفاية أن يكون أحق بولده إذا تزوجت أمه وأما العبد المخَارَج فلا.

ومن المدونة: ولأم الولد تعتق ما للحرة من الحضانة. ابن المواز: وقال ابن وهب في أم الولد تعتق: لا حضانة لها في الولد وإنما ذلك للحرة يطلقها الزوج. فصل [6 - في التفريق بين الأمة الحاضنة وولدها] ومن المدونة: قال مالك: وإذا بيعت أمةً مسلمةً أو كافرةً لم يفرق بينهما وبين ولدها, وبيع معها إلا أن يستغنى الولد عنها في أكله وشربه ومنامه وقيامه, وحد ذلك إذا بلغ الأثَغَار ما لم يعجل به, جواري كن أو غِلماناً, بخلاف حضانة الحرة. وقال الليث: حدُّ ذلك أن ينفع نفسه ويستغني عن أمه, فوق عشر سنين ونحو ذلك. قال مالك: ويفرق بين الولد الصغير وبين أبيه وجده وجداته لأمه أو لأبيه في البيع متى شاء سيده, وإنما ذلك في الأم خاصة. قال الشيخ: وفي كتاب "التجارة بأرض الحرب" إيعاب هذا.

[الباب الثالث عشر] جامع من يلزم الرجل النفقة عليه

[الباب الثالث عشر] جامع من يلزم الرجل النفقة عليه [فصل 1 - في النفقة على المطلقة من أجل الولد] قال الله سبحانه في النفقة على المطلقات من أجل الولد: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:6] , وقال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق:6] , فهذا إيجاب نفقة الولد, ويدل عليه أيضاً قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء:31] , وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «تقول لك امرأتك: أنفق عليَّ أو طلقني, ويقول لك عبدك: أنفق علي أو بعني, ويقول لك ولدك: إلى من تكلني» , فبين أن النفقة تلزم لكل واحدٍ ممن ذُكِر, وأنه يحتج بما ذكره, ولا خلاف في ذلك. وقال الله تعالى في النفقة على الزوجات في العصمة وما أوجب عليهن من الرضاع: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة:233].

قال زيد بن أسلم: لا تلقيه له وهو لا يجد من يُرضعه منها وهي تريد رضاعه وعلى الوارث مثل ذلك. قال غيره: وقوله تبارك اسمه: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233] معطوفٌ على قوله: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة:233] , وذلك أولى في اللسان من أن يكون معطوفاً على ذكر النفقة للزوجات. وذكر ابن القاسم عن مالك: أن الآية منسوخة. [فصل 2 - فيمن لا نفقة لها] وقال الله سبحانه في الزوجات: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق:7]. قال عبد الوهاب: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تقول لك امرأتك: أنفق علي أو طلقني» , ولأن الزوجية عقدٌ على منافع, والنفقة في مقابلة تلك المنافع, وهي واجبةٌ للزوجة بالعقد والتمكين والاستمتاع.

ولا نفقة على الزوج غير البالغ, لأنه لا يتأتىَّ منه الاستمتاع الذي يُعَاوض عليه لصغره, ولا للصغيرة التي لا يوطأ مثلها, لأن الاستمتاع غير مُتأتً منها, وإن كانت تطيق الوطء لزمته النفقة عليها, لأنها كالبالغ ولا نفقة لناشزٍ لما بينَّا أنها في مقابلة الاستمتاع والتمكين منه, فإذا عُدِمَ لم تجب. وقال أبو عمران: اختلف في الناشز على زوجها هل لها النفقة؟ فعند ابن المواز وهو لمالكٍ وأراد لابن القاسم وقاله سحنون: إن لها النفقة. وقال البغداديون من أصحابنا: لا نفقة لناشز, لأنها منعته الوطء الذي هو عوض النفقة, واعتلوا بإيجاب النفقة على الزوج إذا ادعى إلى البناء, وأن ذلك لا يلزمه إذا لم يمكن من البناء. قال أبو عمران: فأنا أستحسن في هذا الزمان أن يقال لها: إما أن ترجعي إلى بيتك وتحاكمي زوجك وتناصفيه وإلا فلا نفقة لك, لتعذر الأحكام والإنصاف في هذا الوقت, فيكون قول البغداديين في هذا حسناً, ويكون الأمر على ما قاله الآخرون إذا كان الزوج على محاكمتها فلم يفعل, فيؤمر بالنفقة حتى إذا لم تمكنه المحاكمة ولم يتمكَّن/ له حاكمٌ يُنْصِف, ولم تُجبه هي إلى الإنصاف فاستحسن أن لا نفقة لها. وكذلك الهاربة إلى موضعٍ معلومٍ هي مثل الناشز, وأما إلى موضعٍ مجهولٍ فلا نفقة لها.

[فصل 3 - في النفقة على الولد] قال ابن القاسم في كتاب ابن سحنون: إذا لم يكن للأب ما ينفق منه على ولده إلا دار, فإن كان فيها فَضْلٌ وإلا فلا نفقة عليه. قال بعض أصحابنا: وليس هو كمن أعتق شركاً له في عبدٍ ولكن لزمته كفارة, لأن الله تعالى قال في الكفارات: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [البقرة:196] وهذا واجد, وقال في العتق: "فإن لم يكن له مال", وهذا له مال, فلذلك وجب البيع عليهما وإن كان لا فضل في الدار, وأما النفقة على الولد فإنما هي مواساة, وإنما يواسي من له مال وكان غنياً, وإذا لم يكن في داره فضلٌ فهو فقيرٌ, ألا ترى أنه يأخذ الزكاة كما يأخذها الفقراء فلم تتوجَّه عليه نفقةٌ لهذا, والله أعلم. قال مالك: ويلزم الأب المليء نفقة ولده الصغير الفقير, قال: وإذا أخذ الولد من له الحضانة فعلى الأب نفقتهم وكسوتهم وسكناهم ما بقوا في الحضانة, ويخدمهم إن احتاجوا إلى ذلك وكان الأب مليئاً, ولحاضِنَتهم قبض نفقتهم, وإن كان الأب عديماً فهم من فقراء المسلمين, ولا يجبر أحدً على نفقتهم ولا الأم وإن كانت موسرةً, إلا الأب وحده إذا قَدِر.

وقال ابن القاسم في الدمياطية فمين طلق امرأته وله منها ولدٌ وهو مليءٌ فعليه أن يخدم الولد, والسكنى عليه وعليها. وقال يحيى بن عمر: يريد على الجماجم. وقال أيضاً ابن القاسم: ليس عليه للولد إلا النفقة, وليس عليه أن يكتري لهما. وقد تقدم من العتبية, وهو في كتاب محمد: أن ليس عليه للولد إلا النفقة ولا يكلف نفقة للجدة ولا للأم إلا أجر حضانتهما. ومن المدونة: قال: وتلزمه نفقة الذكور حتى يحتلموا, والإناث حتى يدخل بهن أزوجهن. -قال الشيخ: لعجزهن عن التكسب, بخلاف الذكور-. قال مالك: إلا أن يكون للصبي كسبٌ يستغنى به, أو له مالٌ فينفق عليه منه. وإن طلقت الجارية بعد البناء أو مات زوجها فلا نفقة لها على الأب وإن كانت فقيرة. قال الشيخ: وذلك لما قلنا: إن النفقة إنما تجب باستصحاب الوجوب, فإذا سقطت مرةً فلا تعود. ومن المدونة: قال مالك: وإن طلقت قبل البناء فهي على نفقتها, قال: وعليه نفقة من بلغ من ولده, أعمى, أو مجنوناً, أو ذا زمانةٍ لا حِرَاك له.

- قال الشيخ: لأن ذلك يمنع التكسب, فإن صحوا سقطت ثم لا تعود إن عاد ذلك, لأن نفقتهم إنما تجب باستصحاب الوجوب-. قال مالك: وإن بلغوا أصحاء ثم أثابهم ذلك بعد خروجهم من ولاية الأب فلا نفقة لهم عليه. ابن المواز: قال مالك: ولو بنى بالبكر زوجها وهي زَمِنَةٌ, ثم فارقها فالنفقة باقيةً على الأب كالصغيرة تطلق بعد البناء وقبل المحيض, واختلف في نفقة هذه بعد المحيض. وقال ابن وهب في الولد يبلغ أعمى أو مبتلىً أو مكسوراً: فلا نفقة على أبيه وعلى كل محتلمٍ نفقة نفسه. قال الشيخ: وقول مالك أولى لما بينَّاه, وإنما كان البلوغ في الذكور حداً لأنه قد بلغ حد التكسب والقيام لنفسه, فإذا بلغ زَمِنَاً فلم يبلغ بعد حد التكسب, فهو على امره حتى يبلغه ويطيقه. فصل [4 - في إنفاق الأب على الولد وله مال في يد أبيه] ابن المواز: قال مالك: وإذا أنفق الأب على الولد من عنده وللولد مال عين بيد الأب أو غيره فله الرجوع فيه, فإن مات الأب قبل أخذه فأراد الورثة الرجوع عليه بالنفقة مذ كان له مال, فإن كان مال الولد عيناً وهو يمكنه أخذه فلم يفعل لم يكن للورثة الرجوع عليه وإن كتبه عليه الأب إلا أن يوصي به, وذلك أن من/

شأن الآباء أن ينفقوا على الأبناء وإن كانت لهم أموال, وأما إن كان مال الولد عروضاً أو حيواناً فللورثة محاسبة الابن بذلك إذا كتبه. قال ابن القاسم في العتبية: إلا أن يقول في مرضه: لا تحاسبوه, فذلك جائزً نافذ, ولا تكون وصيةً لوارث, لأنه شيءً فَعَله في صحته. ابن المواز: وروى لمالكٍ أيضاً أنه قال: يحاسبوه إن كان المال عروضاً, ولم يذكر كتبه أو لم يكتبه, ويحسب كل وقتٍ بسعره. وقال ابن القاسم: إن كان مال الولد عيناً لم يحاسبوا وإن كان عروضاً حوسبوا, ولعله لم يمكنه البيع حتى مات. وقال أشهب: أرى أن يحاسب في العين والعرض وإن أوصى أن لا يحاسب. فصل [5 - في النفقة على الأبوين الفقيرين] ومن المدونة: قال ربيعة: والنفقة على الأبوين الفقيرين مما يراه المسلمون, لقول الله سبحانه: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء:36]. قال الشيخ: وقول الله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان:15].

قال مالك: فيلزم الولد المليء نفقة أبوية الفقيرين, كانا مسلمين أو كافرين والولد صغيرً أو كبيرً, ذكرً أو أنثى, كانت البنت متزوجة أم لا وإن كَرِهَ زوج الابنة, وكذلك من مالٍ يوهب للولد أو يُتصَدَّق به عليه. قال عبد الوهاب: وإنما قل ذلك لقوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان:15] , وقوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء:36] , قال: وسواءً كان الأب صحيحاً, أو مريضاً, أو زَمِنَاً, وأمرهما أوكد من الولد. [فصل 6 - في النفقة على زوجة الأب وعلى خادمه وخادم الزوجة] ومن المدونة: قال مالك: ويُنفِق على امرأةٍ واحدةٍ لأبيه لا أكثر وإن لم تكن أُمُّه. قال الشيخ: وحكى لنا عن بعض شيوخنا القرويين أنه قال: اختلف إذا كان للأب امرأتان, إحداهما أم الولد وهي فقيرة, والأخرى أجنبية, فقيل: تلزمه نفقتهما, فأمَّه لأنها فقيرة ولو فارقها الأب لزمه نفقتها, والأخرى فلأنها لو كانت وحدها لزمته لها النفقة. وقيل: لا نفقة عليه لزوجة أبيه الأخرى.

قال الشيخ: وهذا أشبه بظاهر الكتاب إذ ليس عليه أن ينفق له إلا على امرأةٍ واحدة, فإذا كانت أًمُّه تقوم بالأب وموافقته فليس عليه أن ينفق على الأخرى كما ليس عليه أن ينفق على امرأتين. ومن المدونة: ويُنفِق على خادم أبيه وعلى خادم زوجة أبيه, لأن خادم زوجة أبيه تخدمه, إذ على الابن إخدامه إن قدر. [فصل 7 - في النفقة على الأم] قال مالك: وينفق على أُمِّه إن كان لها زوجً فقيرً, ولا ينفق على زوجها, ولا حجة للولد إن قال: يفارقها الزوج حتى أنفق عليها. قال ابن حبيب: قال مطرف: إذا كانت الأم فقيرةً والولد صغار يتامى فالنفقة لها في مال الولد على قدر المواريث, على الذكر مثلا ما على الأنثى, لأن النفقة إنما وجبت في أموالهم لصغرهم. وقال أصبغ: بل هي عليهم بالسواء في صِغرهم وكِبرهم. وبقول مطرف أقول. قال أبو محمد: وفي كتاب أبي الفرج في الأب يكون له بنون: إنه إن كان كل واحدٍ منهم تلزمه النفقة على انفراده لزمتهم النفقة أجمعين بالسواء, وإن كان بعضهم لا يلزمه على انفراده شيءً فنفقته على باقيهم. وكان ابن المواز أشار إلى أن على كل واحدٍ منهم بقدر يساره وجِدَتِه.

قال الشيخ: وما في كتاب أبي الفرج أبين, وذلك كالحُمَلاء بدينٍ لرجل, وكل واحدٍ حميلً بصاحبه, فإنه إن لقي أحدهم أخذه بجميع الدين, وإن لقيهم جميعا أملياء أخذ كل واحدٍ بما ينوبه. قال الشيخ: ووجه قول أصبغ: فلأن كل واحد لو انفرد لوجبت عليه النفقة كاملة, صغيراً أو كبيراً, ذكراً أو أنثى, فإذا اجتمعوا وزعت عليهم بالسواء وله وجهً في القياس. ومن المدونة: قال مالك: وما أنفق على الوالدين من مال الولد فلا يُتبعان به إذا أيسر, وإن كان الأب أو الابن فقيراً لم يلزم أحدهما نفقة صاحبه, وينفق على من له خادم/ من الأبوين عليه وعليها, وكذلك إن كانت له دارٌ لا فضل في ثمنها فله النفقة كما يعطي من الزكاة, ويعدي على الغائب في بيع ماله للنفقة على من ذكرنا. ومن أسلم وله بناتٌ قد حِضن فاخترن الكفر فعليه نفقتهن. قال الشيخ: قال هاهنا: ينفق على خادم الأب, وقال: لا ينفق على خادم الولد, فيقال له: إما أنفقت أو بِعت. والفرق بينهما: أن الأب هو المحتاج للخادم إما للخدمة أو لوطء, فهي كالزوجة, والولد ليس به حاجةٌ إلى الخدمة, فإن كان الولد محتاجاً إلى الخدمة لزم الأب النفقة عليه وعلى خادمه, إذ عليه إخدامه, ولا فرق بينهما إذا اتفق السؤال.

فصل [8 - في النفقة على من رحلت مع زوجها] قال مالك: وللزوج أن يظعن بزوجته من بلدٍ إلى بلدٍ وإن كرهت وينفق عليها, وإن قالت: حتى آخذ صداقي, نُظِر, فإن كان قد بنى بها فله الخروج بها وتتبعه به ديناً. قال الشيخ: يريد في عدمه, وأما إن كان موسراً فلا تخرج حتى تأخذ صِداقها, وقاله أبو عمران. قال مالك في العتبية: يُنظَر إلى صلاحه وإحسانه إليها, إذ ليس له أن يخرج بها ثم يطعهما شوط الحِيتَان. فصل [9 - في النفقة على الجد ونفقته على ولد ولده] ومن المدونة: قال مالك: ولا يلزم الجد نفقة ولد الولد كما لا تلزمهم نفقته. قال عبد الوهاب: لأن النفقة على الأقارب لا تلزم انتقالاً وإنما تجب ابتداءً, ونفقة الجد كانت لازمةً للأب فلا تنتقل إلى ولده, وكذلك نفقة الولد كانت لازمةً للأب فلا تنتقل إلى الجد.

فصل [10 - في النفقة على خادم زوجته والنفقة على الأخ] ومن المدونة: قال: ويلزم الزوج نفقة زوجته وخادمٌ واحدةً من خَدَمِها لا أكثر, قال: ولا تلزمه نفقة أخٍ ولا ذي رحمٍ منه. فصل [11 - في نفقة الأب على خادم ولده] قال مالك: وإذا كان للبكر خادمٌ ورثتها عن أمها ولا بد لها ممن يخدمها فعلى الأب أن ينفق على الأبنة, ولا تلزمه نفقة خادمها. قال ابن القاسم: ويقال للأب: إما أنفقت على الخادم أو بعتها. قال سحنون: لا يلزمه لها ولا للخادم نفقة, لأنها مليئة. وكذلك قال ابن المواز عن أشهب: أنه لا نفقة عليه لابنته, لأن لها خادماً, ويبيعها لينفق عليها, ويزكي زكاة الفطر عنها. قال ابن المواز: وإن كان الولد لا بد له ممن يخدمه فعلى الأب أن ينفق ويزكي عن الولد والخادم ويجبر على ذلك, وإن كان الولد غنياً عن الخادم فلا شيء على الأب إلا أنه ينفق ويزكِّي ويكتب ذلك عليه, فإذا باع استوفى, وإلى هذا رجع ابن القاسم وأشهب.

[الباب الرابع عشر] ما جاء في الحكمين

[الباب الرابع عشر] ما جاء في الحكمين قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35]. وبعث عثمان بن عفان رضي الله عنه ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهما حكمين في قصة عقيل ابن أبي طالب وامرأته فاطمة بنت عُتبة بن ربيعة. وقال علي رضي الله عنه للحكمين: أتدريان ما عليكما؟ إن رأيتما أن تجمعا جمعتما, وإن رأيتما أن تفَّرقا فرَّقتما. وتفريقهما على وجه الحكم لا على وجه الوكالة خلافاً لأبي حنيفة والشافعي, لقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء:35] وذلك خطاب للأئمة والحكام دون الزوجين, ولأنه تعالى سمَّاهما حَكَمَين, وذلك يفيد تعلق الحكم بهما دون الوكالة.

ومن المدونة: قال مالك: وأحسن ما سمعت من أهل العلم أنه يجوز أمر الحكمين عليهما. قال: وبلغني أن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قال: إليهما أن يفرَّقا بينهما وأن يجمعا. قال مالك: وإنما يبعثهما الإمام إذا قَبُحَ ما بين الزوجين حتى/ يُجْهَلَ حقيقة أمرهما, ولا يثبت ذلك بالبينات, فيبعث الإمام حينئذٍ حكماً من أهله وحكماً من أهلها من أهل العدل والنظر, فإن لم يكن في أهلها من يراه لذلك أهلاً, أو لا أهل لهما بعث من غير الأهلين, وإذا وجد من الأهلين كان أولى لعلمهما بالأمر فإن استطاعا الصلح أصلحا بينهما وإلا فرَّقا بينهما, ثم يجوز فراقهما دون الإمام. قال: وللزوجين أن يرضيا ببعثهما دون الإمام, فإن جعلا ذلك إلى رجلٍ عدلٍ فحكم مضى ذلك عليهما, ولا يجوز في ذلك تحكيم عبدٍ أو صبيٍ أو مشركٍ أو سفيهٍ أو امرأةٍ ببعث الإمام أو ببعث الزوجين دونه أو من يليهما إن كانا في ولاية, لأن ذلك خارجً عمَّا أراد الله سبحانه من الإصلاح إلى الضرر, وهؤلاء لا يجوز منهم اثنان فكيف بواحد. وقد قال ربيعة: لا يبعث الحكمين إلا السلطان فكيف يُجّاز تحكيم المرأة والعبد والصبي والنصراني والمسخوط. ولو حكم الزوجان من ذكرنا أنه لا يحكم ففرق لم يمض ذلك ولا يكون ذلك طلاقا, لأن ذلك لم يكن على وجه تمليك الطلاق, ويدل على ذلك دخول الزوجة فيه بتحكميها, ولا مدخل للزوجة في تمليك الطلاق. ابن المواز: أما المسخوطان وهما غير ذوي عدلٍ فيمضي ما حكما كما لو قضي بشهادتهما ثم تبين ذلك لم يُرد.

ومن المدونة: وإذا كان أحد الزوجين أو كلاهما في ولايةٍ فذلك في بعث الحكمين إلى من يليهما دون العصبة. قال مالك: وإذا حكما بالفراق كانت بائنةً, حكما بأخذ مالٍ أو بغير مال, قال: ولا يفرِّقا بأكثر من واحدة. قال: فإن حكما بالفراق بغُرمٍ على المرأة لنفي الضرر عنها جاز, وإن حكما بغرمٍ على الزوج لم يجز. قال ربيعة: إن كان الظلم منه فرَّقا بغير شيء, وإن كان منهما أعطى الزوج على الفراق بعض الصداق, فإن كان الظلم منها خاصة جاز ما أخذ له منها. قال أبو عمران: قول ربيعة هذا إن كان الظلم منها أو منه أو منهما, وِفَاقً وليس بخلافٍ للمذهب إن تأوَّل أن بمعنى قوله: اضرَّ بها, أي في دعواها. قال الشيخ: وظاهر قوله: أن معنى قوله: أضرَّ بها, وثبت ذلك عليه لا بدعواها, وكأنه أجاز للحكمين أن يأخذا له منهما إن كان الضرر منها, وقد قال بعض شيوخ أفريقية: لا يجوز أن يخالع/ الرجل زوجته على أن يأخذ منها إذا كان الضرر من قِبَلِ الزوجين جميعا, وهو منصوصٌ لمن تقدم من علمائنا. قال: وليست كمسألة الحكمين إذا كان الضرر منهما جميعاً, لأن النظر هاهنا لغير الزوجين فيحكمان في ذلك بالاجتهاد, فإذا رأيا من النظر أن

يعطى بعض شيءٍ من مالها على أن تخرج من عصمته جاز ذلك, وأما إذا ابتدأ هو الخلع بشيءٍ يأخذه فلا يجوز له ذلك وقبله شيءٌ من الضرر. قال الشيخ: فدل قوله هذا أن الحكمين أن يعطيا الزوج شيئاً من مالها وإن كان الضرر من قِبَلِهمَا وعُرف ذلك وثبت, والله أعلم. وقال في كتاب ابن المواز: وإذا نَزَعَ أحد الزوجين أو هما جميعاً قبل حكم الحكمين فذلك لمن نزع إلا أن يكون السلطان هو الباعث, أو يكون نزوع من نزع بعد أن استوعبا الكشف عن أمرهما وعزما على الحكم بينهما, فلا نزوع لمن نزع في هذا ويلزمه. قال الشيخ: لعله يريد إذا نزع أحدهما في هذا, وأما لو نزعا جميعاً ورضيا بالاصطلاح والبقاء على الزوجية فينبغي ألا يفرَّق بينهما. قال الشيخ: إن قيل: لم جاز الزوجين أن يحكَّما رجلاً واحداً ولم يجز في جزاء الصيد إلا رجلان وقد ورد النص أن يكونا حكمين في الوجهين؟ فالجواب عن ذلك: أن الحكمين في جزاء الصيد إنما هما لحق الله تعالى لا حق للمحكوم عليه فيهما, فوجب اتباع النص في ذلك, وأما الزوجان فالحكم في ذلك إليهما, لأنهما الخصمان ولهما أن يدفعا ذلك بالاصطلاح, فلما كان الأمر إليهما جاز أن يرضيا بحكمين أو بحَكَم واحدٍ أو يصطلحا على أنفسهما ولا يحتاجان إلى حَكَم, ولأنه لما جاز لهما أن يجعلاهما من غير الأهلين والنص إنما ورد أن يكونا من الأهلين دل أن الأمر إليهما, وأن لهما أن يجعلا رجلاً واحداً كسائر المتحاكمين, فالأمر في ذلك مفترق.

قال ابن القاسم: فإن حكم أحدهما بالطلاق ولم يحكم الآخر, أو حكم أحدهما على مالٍ والآخر على غير مالٍ لم يلزم شيءٌ إلا باجتماعهما إلا أن ترضى الزوجة بالمال الذي قال أحدهما واجتمعا على الفراق فيلزم, وإن حكم أحدهم بواحدةٍ والآخر بائنتين, أو اجتمعا على واحدة, أو على الثلاث, أو حكما بلفظ ألبتة أو خليَّةٍ أو بريَّةٍ ونوى بها الحكمان ثلاثاً لم يلزم الزوج في ذلك كله إلا واحدةً بائنة, دخل بها أم لا, لأن ما زاد على الواحدة خارجٌ عن معنى الإصلاح. وروى عن ابن القاسم أن الثلاث تلزم إن اجتمعا عليها, وقاله أصبغ على حديث زُبْرَاء. ومن المدونة: وحكم التي لم يدخل بها في الحكمين حكم المدخول بها إلا أنهما لا يبطلان ما للزوج من الرجوع بنصف الصداق إن قبضته كما لا يفرِّقان على الأخذ منه, ولو حكما يأخذ الزوج منها جميع المهر على الفراق جاز ذلك. قال أبو محمد: وأكثر ما في باب الحكمين يذكر أنه لعبد الملك إلا ما ذكرت لمالكٍ فيه. والله المستعان وهو حسبي ونعم الوكيل تم كتاب الخلع بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على سيدنا محمدٍ وآله وسلَّم تسليماً كثيراً.

[الكتاب السابع] كتاب طلاق السنة والعدة

[الكتاب السابع] كتاب طلاق السنة والعدة [الباب الأول] في طلاق السنة والطلاق ثلاثاً أو في الحيض [فصل 1 - في أدلة طلاق السنة وصفته] قال الله تبارك وتعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَاتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق:1] , وقرأ ابن عمر رضي الله عنهما: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِقَبْلِ ِعِدَّتِهِنَّ}.

فندب الله عز وجل من أراد أن يطلق زوجته أن يوقع الطلاق في حالٍ تعتد فيه, وهو حال الطهر لا حال الحيض, وأن يكون رجعياً لئلا يندم فلا يمكنه التلاقي. وقال تعالى: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:1] فدلَّ بذلك أنه لا يجوز الطلاق في الحيض ولا الطلاق ثلاثاً, ودلَّنا الله عز وجل أن من طلق/ ثلاثاً عاصٍ ولزمه ذلك بقوله تعالى: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق:1] وهي الرجعة, فجعلها الله عز وجل فائتةً لمن أوقع الطلاق الثلاث في كلمةٍ واحدة, وألزمه ما أوقع, ونهى الرسول عليه الصلاة والسلام عنه إيقاع الثلاث في كلمة واحدة, وقد عاقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره من طلق ألبته, وقد قال ابن عباس فيمن فعل: عصى الله فأندمه, وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا. وقال ابن عمر: عصى الله وخالف السنة, وذهبت منه امرأته. ونهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الطلاق في الحيض, وقال في طلاق ابن عمر امرأته في الحيض: «مُرْهُ فليراجعها» - وإنما الرجعة بعد لزوم الطلاق «ثم ليمسكها» فدل على أن معنى الإمساك غير المراجعة.

وقال القاضي عبد الوهاب: الطلاق في الحيض محرَّمٌ بالإجماع, ومن أوقعه فيه لزمه, خلافاً لمن قال: لا يلزمه, ودليلنا: قوله صلى الله عليه وسلم لعمر في طلاق ابنه في الحيض: «مُرْهُ فليراجعها» , وفي حديث آخر أنه قال: أفتعتد بها؟ قال: نعم, وأن ابن عمر قال: يا رسول الله: أرأيت لو طلقتها ثلاثاً؟ قال: «إذا بانت منك وعصيت ربَّك». وفي هذه الأخبار أدلةٌ أخَر على المراجعة, ولا تكون إلا مع نفوذ الطلاق ووقوعه. والثاني قوله: أفتعتد بها؟ قال: «نعم» , وهذا نص. وقول ابن عمر: أرأيت لو طلقتها ثلاثاً؟ قال: «إذا بنت منك وعصيت ربك» وهذا نص. قال عبد الوهاب: لا خلاف أن من فرقَّ الثلاث أنها تلزمه, لقوله تبارك وتعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229] إلى قوله عز وجل: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230].

وكذلك عندنا أن من أوقعها في كلمةٍ فقد عصى ويلزمه, خلافاً لمن منع إيقاعه في كلمة, ودليلنا قوله عز وجل: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] إلى قوله: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق:1] , فَنَدَبَنا إلى طلاق تُمَلك فيه الرجعة, لئلا نندم فلا يمكننا التلافي, وهذا يتضمن الوقوع. وحديث ابن عمر: قلت: أرأيت لو طلقتها ثلاثاً؟ قال: «إذاً تبين منك وتكون معصية». قال: وذهب الشافعي إلى أن إيقاع الثلاث في كلمةٍ مباح. ودليلنا عليه أنه عصيان: حديث ابن عمر هذا وما ندب الله عز وجل إليه من الطلاق الرجعي, وقال عز وجل: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:1] , وروى محمود بن لبيد قال: أُجبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ طلق امرأته ثلاث تطليقاتٍ جميعاً فقام غضبان وقال: «يُلعبُ

بكتاب الله وأنا بين أظهُرِكُم» , ولأنه إجماع الصحابة, وروى عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وعِمران بن حُصين ولا مخالف لهم فيه. ومن المدونة: قال مالك: وطلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته طلقةً في طهرٍ لم يمسَّ فيه وإن كان في آخر ساعةٍ منه, ولا يُتبعُها ذلك طلاقاً ثم يمهلها حتى تنقضي عدتها برؤية أول دم الحيضة الثالثة في الحرة والثانية في الأمة, فيتم للحرة ثلاثة أطهار وللأمة طُهران, وهي الأقراء التي ذكر الله عز وجل. قال أبو محمد وغيره: وإنما قلنا: أن يطلقها في طهر لم يمس فيه, لأنه إذا مسها فيه لبَّس عليها العدة, فلم تدرِ بما تعتد أبالوضع أو بالأقراء, لأنها قد تحمل فتعتد بالوضع, أو لا تحمل فتعتد بالإقراء/ فكَرِهَ له أن يَدخل اللَّبْس عليها. قال غيره: وفي حديث ابن عمران: «ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن يطلَّق لها

النساء». قال بعض مُتَّبعي مالك: وإنما قلنا: أن الأقراء هي الأطهار خلافاً لأبي حنيفة في أنها الحِيض, لأن القرء مذكَّر, ولو عنى به الحَيْضَ لقال: ثلاث قُرُوء' والقُرْء جمع الرحم للدم, ولا يجمعه إلا في الطهر, ومنه: قَرَيْتُ الضيف, أي جمعته إليك. قال الشاعر: (ذِرَاعَي حُرةٍ أدماء بِكْر ... هَجانِ اللَّون لم تَقْرَأ جِنَينا) قال عبد الوهاب: وفي قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] الآية أدلةً على ذلك: أحدها: أن القراء اسمٌ يقع على الطهر والحَيض, والمراد أحدهما, فيجب إذا قعدت المرأة ثلاثة قروءٍ أن يطلقَ عليها الاسم وتَبينُ منه.

والثاني: أن الحكم يتعلق بأوائل الأسماء. والثالث: أن جمعه بصيغة التذكير, لأن جمع المؤنث فيما دون العشرة بغير هاء, وذلك يفيد أن جمع قُروءٍ هو طُهْرٌ لا حَيْضَة. والرابع: أن إطلاق الأوامر والإخبار عن الوجوب على الفور, ولا يمكن ذلك إلا على ما نقوله من أن يطلقها, فتعتد عُقَيب الطلاق, ولا يمكن ذلك في الحيض. وقوله -عز وجل: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] أي: في حالٍ يعتدن فيها, وعندهم أن حال الطهر ليست بحال عدة. وقوله في حديث ابن عمر: «مُرْهُ فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر, ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك فتلك العدة التي أمر الله أن يطلَّق لها النساء» , وهذا نص.

[فصل 2 - في الطلاق في طهر جامع فيه, وطلاق الثلاث] ومن المدونة: وكره مالك مالك أن يطلقها في طهر قد جامع فيه, فإن فعل لزمه وتعتد بذلك الطهر وإن لم يبق منه إلا يومً واحد, ولا يؤمر برجعتها. -قال الشيخ: لأنه مطلقٌ للعدة فلم يوجد فيه التطويل كما وُجِد فيمن طلق في الحيض- وكره أن يطلقها ثلاثاً في مجلسٍ واحد, أو في كل طُهرٍ طلقه, فإن فعل لزمه. قال أشهب: وقال ابن مسعود: إن أراد أن يطلق ثلاثاً فليطلقها في كل طهرٍ طلقة. قال أشهب في غير المدونة: لا بأس به ما لم يرتجعها في خلال ذلك وهو يريد أن يطلقها ثانية, فلا يسَعُه ذلك, لأنه يُطَوِّل العدة عليها ويضرُّ بها. قال الشيخ: فوجه كراهة مالكٍ أن يطلقها في كل طهر طلقة: لأن ذلك ليس بطلاق السنة الذي أرشد الله عز وجل إليه وهو الرجعي, لأنه بإيقاع الثالثة في الطهر الثالث لا يمكنه الارتجاع وهي في العدة, ولم تحل له إلا بعد زوجٍ فأشبه إيقاع الثلاث في كلمة.

ووجه قول أشهب: أنه كان ممن يمكنه الارتجاع في الطهر الأول والثاني, ولأنه ليس في ذلك تطويلً فأشبه الطلاق الرجعي. [فصل 3 - في طلاق الحامل] ومن المدونة: قال مالك: وطلاق السنة في الحامل أن يطلقها واحدةً متى شاء, وتحل بالوضع لآخر ولدٍ في بطنها, وله رجعتها ما لم تضع آخر ولدٍ في بطنها. قال: ولا يطلقها ثلاثاً في مجلس واحدٍ أو في مجالس, فإن فعل لزمه. قال ابن عمر لامرأة قالت له: إن زوجي طلقني ثلاثاً في كلمةٍ واحدة؟ قد بنتِ منه, ولا ميراث بينكما, وقد عصى ربَّه وخالف السنة. [فصل 4 - في طلاق الصغيرة والآيسة] ومن المدونة: قال مالك: والتي لم تبلغ المحيض يطلقها واحدةً متى شاء للأهِلَّة أو لغير الأهلَّة, وعدتها ثلاثة أشهر, وكذلك التي يئست من المحيض. قال ابن شهاب: وقد/ كان يُقال: يستقبل بطلاقها الأهلَّة فهو أَسَد.

قال الشيخ: إذ قد يكون الشهر تسعة وعشرين يوماً فتعتد به, وإذا طلقها لغير الأهلَّة كانت عدتها تسعين يوما, فالطلاق للأهلة أخفُّ عليها. ومن المدونة: قال مالك: فإن طلقها قبل الهلال أو بعده اعتدت من حين طلقها ثلاثة أشهر, ثلاثين يوماً كل شهر. [فصل 5 - في طلاق المستحاضة] قال مالك: ويطلق المستحاضة واحدةً متى شاء, وعدتها سنة. قال ابن القاسم: كان في ذلك يطؤها أم لا. قال الشيخ: يريد: لأنه ليس لها قرؤً يُعلم به براءة رحمها, فيُنهى عن وطئها لئلا يُدخل عليها اللبس في العدة. قال: وله رجعتها ما لم تنقض السنة, فإذا مضت السنة حلَّت للأزواج إلا أن ترتاب -يريد: يحِسِّ البطن- فتقيم إلى زوال الريبة. قال مالك: فإن كان لها قرؤ يعرف تَحَّراه فطلقها عنده واحدةً قبل أن يمس كغير المستحاضة. قال في كتاب الاستبراء: ويكون ذلك لها قُرءاً , وتَحسب به إذا لم يشك النساء أنه دم حيض, وتحل به الأمة في البيع -يريد: أنه يطلقها إذا طهرت من الدم الذي تنكره وعادوها دم الاستحاضة, ولو طلقها في الدم الذي تنكره لجُبِرَ على الرجعة.

قال مالك في كتاب ابن المواز: لا يبرؤها إلا السنة, لأن استحاضتها ريبة وإن رأت دماً تُنكِره. قال: ولو طلقها في ذلك الدم لجبر على الرجعة. قال بعض فقهائنا: جعلها تعتد بالسنة احتياطاً خوفاً أن لا يكون ذلك الدم دم حيضة, وجبره إذا طلق فيه على الرجعة احتياطاً أيضاً خوفاً أن يكون دم حيضة. وفي النوادر: باقي كلام ابن المواز. قال: وكل نكاحٍ يفسخ بعد البناء لحَرَامِه, أو كان مما يفسخ بطلاقٍ للاختلاف فيه, فإن ذلك كله يفسخ في الحيض, وتأخيره أعظم, وكل ما يفسخ قبل البناء لصداقة فإنه يفسخ في الحيض عند ابن القاسم وأشهب, وأما ما للولي إجازته أو فسخه فإن بنى فإنه لا يفرق فيه إلا في الطهر بطلقةٍ بائنةٍ, ويؤخَّر ذلك سيد العبد وولي السفيه حتى تطهر ثم يطلقها عليه بطلقةٍ بائنةٍ, ولو أعتق العبد ورشد السفية قبل الطلاق لم تطلَّق عليه.

[فصل 6 - في طلاق غير المدخول بها] ومن المدونة: قال مالك: وله أن يطلقها قبل البناء واحدةً متى شاء وإن كانت حائضاً أو نفساء, إذ لا عدة عليها, ونهى عنه أشهب. قال ابن المواز: وقول مالك أحبُّ إلينا. قال عبد الوهاب: وإنما يطلق الصغيرة واليائسة من المحيض متى شاء لأن أوقاتها متساويةً بثلاثة أشهر, فيؤمَن فيهما ما يُخاف في الحائض والنفساء والطهر الذي قد مس فيه, إذ ليس في ذلك تطويل عدة ولا إلباس فجاز في كل وقت, وكذلك الحامل, لأن عدتها وضع الحمل, وكذلك المستحاضة, لأن عدتها سنة فلا تطويل في ذلك. وفي طلاق غير المدخول بها حائضاً روايتان: الجواز والمنع, فوجه الجواز: أنه حالٌ لا يلحقها ضررً بالطلاق فيها, إذ لا عدة عليها, ففارقت المدخول بها. ووجه المنع: فلأنه طلاقٌ في الحيض, وقد نُهِىَ عنه. [فصل 7 - في الطلاق في الحيض] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن قال لامرأته وهي حائض/ أنت طالقٌ للسنة, أو قال: فإذا طهرت فأنت طالقٌ, لزمته مكانه طلقةً, وجبر على الرجعة ولو قال: ثلاثاً للسنة, وقعن به ساعتئذٍ كانت طاهراً أو حائضاً وبانت منه. ابن وهب: وإن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض, فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك, فقال له: «مُرْه فليراجعها, ثم ليمسكها, حتى

تطهر, ثم تحيض, ثم تطهر, ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة/ التي أمر الله تعالى أن يطلَّق لها النساء". قال مالك: وإذا طلق المدخول بها طلقةً وهي حائض أو نفساء لزمه ذلك, وجبر على الرجعة وإن طهرت وحاضت الثانية وطهرت ما لم تنقض العدة فتحل له وقاله ابن القاسم. ابن المواز: وقاله ابن الماجشون, وهو أحب إلي, لأنها رجعةٌ وجبت. وقال أشهب: يحبر على الرجعة ما لم تطهر ثم تحيض ثم تطهر, فإذا صارت في الحال التي أباح النبي صلى الله عليه وسلم طلاقها لم يجبر على الرجعة. قال عبد الوهاب: فوجه قول ابن القاسم: قوله صلى الله عليه وسلم: «مره فليراجعها» فأطلق ولم يقيد, ولأن العدة باقية, أصله ما لم تطهر الطهر الثاني. ووجه قول أشهب: أنها صارت إلى حالٍ لو أراد طلاقها فيه لجاز له, فلا معنى للإجبار على الارتجاع, مع إباحة الطلاق. وإنما شرطنا أنه إن كان رجعياً جبر على الارتجاع, خلافاً لأبي حنيفة والشافعي لحديث ابن عمر, ولأن فيه تطويلاً على المرأة فنهى عن الضرر بها, فلما اقتحم وأضرَّ بها عُوقب بالإجبار على الرجعة وردها إلى حال الزوجية ليزول الضرر عنها, فإن شاء الطلاق طلق للعدة التي أمر الله بها.

وإنما قلنا: يمسكها حتى تطهر, ثم تحيض, ثم تطهر, ثم يطلق في الطهر الثاني إن شاء للحديث, ولأنا إنما أمرناه بالرجعة نظراً للمرأة, لئلا يضر بها في تطويل عدتها, فيجب أن يُنظر له أيضاً ليكون له حظٌ في الرجعة من الاستمتاع, فإذا حصل منه الاستمتاع في الطهر الذي يلي الحيض لم يطلق فيه على ما بينَّا أنه لا يطلق في طهر مسَّ فيه, فإذا طهرت طُهراً ثانياً جاز له الطلاق قبل أن يمس, ولأنا لو ألزمناه بالارتجاع ولم نُبِحُ له الوطء لم يجز ذلك, وإذا وطئ منعناه الطلاق, إذ لا يطلق في طهر قد مسَّ فيه, وإذا تعقَّبه بالطلاق في الحيض صار ممنوعاً, فإذا طهرت الثانية لم يبق سببٌ يُمنع الطلاق لأجله. والله أعلم. قال أبو عمران: إنما مُنع أن يطلق في الطهر الذي يلي الحيض الذي جبر فيه على الرجعة عقوبةً له إذا أراد تطويل العدة عليها, فمُنع حتى يمرَّ له زمانً يجوز له الوطء فيه وإن لم يطأ, ولو أنه رغب فراجعها في ذلك الحيض من غير إجبارٍ لكان له أن يطلقها في الطهر الذي يليه. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا يطلقه بعد طهرها من الدم الذي ارتجع فيه بالقضاء, فإن فعل لزمه, ولا يجبر على الرجعة. قال الشيخ: لأن الإمساك فيه إنما كان لكون له حظٌ في الاستمتاع, فهو الذي ترك حظه, وطلق طاهراً فلم يجبر على الارتجاع. قال عيسى بن دينار: وإن طلقها وهي حائضً ثم طهرت من حيضتها فأردفها طلقةً في ذلك الطهر قبل أن يرتجع فإنه يجبر على رجعتها, ولا ينجيه ما أردف من الطلاق من الرجعة التي لزمته, وهو يجبر ما كانت في عدتها على الرجعة ما لم يرتجع.

وكذلك في العتبية من سماع أصبغ عن ابن القاسم. قال بعض فقهائنا: إذا طلق في الحيض فجبر على الرجعة ثم طهرت وحاضت فأردفها طلقةً ثانيةً فإنه يجبر أيضاً على الرجعة, وكذلك لو لم يجبر أولاً على الرجعة حتى طهرت ثم حاضت فأردفها طلقةً لجبر على الرجعة, لأنها زوجته ما لم تنقض العدة من الطلقة الأولى. وإذا أجبر على الرجعة سقط ما مضى من العدة, لأن الرجعة تهدم العدة, فإن لم يجبر على الرجعة في الطلقة الثانية حتى انقضت العدة من الطلقة الأولى فقد بانت منه, ولا تبتدئ العدة من الطلاق الثاني, لأنه لم ينهدم ما مضى, وهذا بيَّن والله أعلم. ومن كتاب ابن المواز: قال/ عقيب كلام أشهب: ومن طلق في حيض أو نفاس, ابتدأ ذلك أو حنث فيه, جبر على الرجعة, وإن أبى هدَّدته بالسجن, فإن أبى سجنته, فإن فعل بالقرب وإلا ضربته بالسوط, فإن تمادى لزمته الرجعة وكانت له رجعة, وقاله ابن القاسم وأشهب. قال أبو عمران في الذي يمنع من الرجعة فيجبر عليها: له الوطء بعد ذلك كالمتزوج على طريق الهزل أن النكاح يلزمه, وله الوطء, ويكون نكاحاً صحيحاً ورجعةً صحيحةً. وقال بعض البغداديين في المطلق في الحيض إذا امتنع من الرجعة وجبر على الرجعة وليس له نيةً في ارتجاعه: لم يكن له أن يستمع بها, فإن نوى ذلك جاز له الاستمتاع, وهذا خلاف ما تقدم لأبي عمران.

قال سليمان بن يسَار وغيره: إذا طلقت النفساء أو الحائض لم تعتد بدم نفاسها ولا بدم حيضها, واستقبلت ثلاثة قروء. قال ابن القاسم: ولا تطلق التي رأت القَصَّة البيضاء حتى تغتسل بالماء, فإن فعل قبل ذلك لزمه, ولا يجبر على الرجعة. قال الشيخ: لأنها طاهرٌ لم يبق عليها إلا الغُسْل كالجُنب. قال ابن القاسم: وإن كانت مسافرةً لا تجد الماء فتيمَّمت جاز له أن يطلقها بعد التيمم لجواز الصلاة لها حينئذ. قال في كتاب اللعان: ومن قذف زوجته أو انتفى من حملها وهي حائضٌ أو نفساءٌ فلا يتلاعنا حتى تطهر, وكذلك إن حل أجل التلوم في المعسر بالنفقة أو العنِّين أو غيره والمرة حائضٌ فلا تطلق عليه حتى تطهر, إلا المولي فإنه يطلق عليه عند الأجل إن قال: لا أفيء. قال ابن المواز: ويجبر على الرجعة. وقال أشهب عن مالك: لا تطلق عليه حتى تطهر. قال الشيخ: فوجه قوله: تطلق عليه الأجل, لأن الله عز وجل جعل أجله أربعة أشهر, فإذا قال: لا أفيء, تطلق عليه, ولا يزيد فيما أجَّل الله عز

وجل, ولأن غيرنا يقول بمضي الأجل تبين منه, ولا يُنظَر إلى فيئته بعد ذلك فلذلك تطلق عليه عند الأجل إذا قال: لا أفيء, وإن كانت حائضاً. ووجه قول أشهب: أنه طلاقٌ في الحيض, وقد نُهي عنه, واعتباراً بأجل العنَّين والمعسر بالنفقة. قال ابن المواز: وإن قال: أنا أفيء, أمهله السلطان حتى تطهر, ولا خلاف في هذا بين أصحاب مالك. ولا تختار المعتقة تحت العبد في الحيض حتى تطهر, وكذلك المخيَّرة فإن فعلت لزم. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في المطلق في الحيض إذا جبر على الرجعة أيطؤها إذا طهرت وهو يريد أن يطلقها في الطهر الثاني؟ قال: نعم. وروى عنه أصبغ فيمن طلق امرأته فقالت: طلقني في الحيض, فقال: بل وأنت طاهر, فالقول قوله. وقال ابن سحنون عن أبيه: إذا طلقها فقالت: إني حائضٌ, أنها مصدقةٌ, ولا تُكشَف, ويجبر على الرجعة, ولا أرى أن ينظر إليها النساء.

قال الشيخ: ولو قال قائل: يَنظر إليها النساء بإدخال الخِرقَة في نفسها ولا كُشْفَة في ذلك, لرأيته صواباً, لأن ذلك حق للزوج كعيوب الفرج والحمل, ولأنها تُتَّهم على عقوبة الزوج بالارتجاع, ولا ضرر عليها في الاختبار, فوجب أن تُتختبر, والله أعلم. وذكر عن ابن عمران في الحامل إذا حاضت على حملها: للزوج أن يطلقها في ذلك الحيض, لأن عدتها إنما هي بوضع الحمل, وإنما كُرِه الطلاق في الحيض, لأنها لا تعتد بذلك فتطول عليها بذلك العدة. وجرى لابن القَصَّار في كتابه لما عورض بقول المخالف: لو كانت الحامل تحيض لَحَرُم الطلاق فيه, قال: فكذلك نقول: إنه حرام. قال بعض فقهائنا: وقول أبي عمران أصح, لأن العلة في منع الطلاق في الحيض/ تطويل العدة, وذلك منتفٍ في الحامل. وكذلك ينتفي في التي تلد ولداً ويبقى في بطنها آخر, فيطلقها في ذلك الدم أنه لا يجبر على الرجعة, إذ ليس فيه تطويل العدة, لأنها تنقضي بوضع الولد الآخر, وسواءً في ذلك على قول من قال: حالها حال النفساء, أو حال الحامل. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن القَرَوي وغيره: إذا انقطع الدم عن المرأة فطلقت, ثم عاودها الدم بالقرب, أن الزووج يجبر على الرجعة, لأنه دمٌ مضافٌ إلى الأول, وحكمه حكم حيضةٍ واحدة, وقاله أبو عمران. وقد قيل: إنه لا يجبر على الرجعة, لأنه طلق طاهراً, ولم يتعد, والأول أصوب, لأنها كحيضةٍ واحدة.

فصل [8 - في تحريم المطلقة على نطلقها حتى يراجعها] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن طلق زوجته طلاقاً يملك فيه الرجعة فلا يتلذَّذ منها بنظرٍ أو غيره وإن كان يريد رجعتها حتى يراجعها. ابن وهب: وقد طلق ابن عمر زوجته في مسكن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم, وكان طريقة إلى المسجد في حجرتها, فكان يسلك طريقاً آخر كراهية أن يستأذن عليها حتى راجعها. قال ابن القاسم: وكان مالك يقول: لا بأس أن يدخل عليها ويأكل معها إذا كان معها من يتحفَّظ بها, ثم رجع فقال: لا يدخل عليها ولا يرى شعرها, ولا يأكل معها حتى يراجعها, وإن كان معها فلينتقل عنها. ابن وهب: وقد انتقل ابن عمر وعروة بن الزبير. قال الشيخ: فهذا يؤيد أنها محرمةٌ بالطلاق حتى يراجعها.

[الباب الثاني] في طلاق الحر والعبد, وعدة الحرة والأمة وجامع القول في العدة

[الباب الثاني] في طلاق الحر والعبد, وعدة الحرة والأمة وجامع القول في العدة [فصل 1 - في طلاق الحر والعبد] قال الله تبارك وتعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229] إلى قوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230]. قال مالك: فجميع طلاق الحر المسلم ثلاث تطليقات, كانت زوجته حرةً أو أمةً مسلمةً, أو كتابيةً لعموم الظاهر. قال مالك: وعدة الحرة المسلمة والكتابية المدخول بها في الطلاق إذا كانت ممن تحيض ثلاثة قروءٍ كما قال الله عز وجل, وسواءٌ كان زوجها حراً أو عبداً. قال: وجميع طلاق العبد ومن فيه بقية رِقً طلقتان, كانت زوجته حرةً أو أمةً, وعدةً, وعدة الأمة قُرآن, كان زوجها حراً أو عبداً, لأن الله عز وجل جعل حدَّ الأرقاء نصف حدِّ الأحرار, والطلاق والعدة من معاني الحدود ويحرُّ إلى ما يوجبها فلما كانت الطلقة والقرء لا ينقسم جبر ذلك عليها وعليه, فجُعِل عليه طلقتان وعليها قُرءان.

قال بعض البغداديين: ولما كان الطلاق مضافاً إلى الرجال وجب أن يُعتبر بالرجال, ولما كانت العدة مضافةً إلى النساء وجب أن تُعتَبر بالنساء, فإذا كان المطلق حراً كان طلاقه ثلاثاً كانت زوجته حرةً أو أمةً, مسلمةً أو كتابيةً, كما أن عدة الحرة ثلاثة قروءٍ, والأمة قرءان, ولا يُلتفت إلى زوجها هل هو حرٌ أو عبدٌ. فصل [2 - في عدة الحرة والأمة] قال مالك: فعدة الحرة المسلمة أو الكتابية المدخول بها في الطلاق إذا كانت ممن تحيض ثلاثة قروء, وهي الأطهار كما ذكرنا, لقول الله عز وجل: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]. قال مالك: وعدة اليائسة من المحيض والصغيرة التي لم تبلغ المحيض في الطلاق إذا بنى بها ثلاثة أشهر, لقول الله عز وجل: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:4] , ويستوي في هذه الحرة والأمة لعموم الظاهر, ولأن طريقة براءة الرحم كوضع الحمل. قال مالك: وقوله تعالى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} يقول: إن شككتم فلم تَدرُوا ما عدتهن.

قال مالك: وعدة الحامل وضع آخر حمل في بطنها. قال الشيخ: لقوله عز وجل/: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [البقرة:4] فعم, ويستوي فيه الحرة والأمة والمسلمة والكتابية والمطلقة والمتوفي عنها زوجها, لعموم الظاهر, ولأنه يُعلم به براءة الرحم بيقين, ولأن سَبَيعَة الأسلمية ولدت بعد وفاة زوجها بنصف شهر, فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد حللتِ فانكحي من شئت». قال: وليس على المطلقة قبل البناء عدة. قال الشيخ: لقوله عز وجل: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49]. وقال: وعدة الحرة في الوفاة أربعة أشهرٍ وعشراً, بنى بها زوجها أم لا

قال الشيخ: لقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234] , فَعَمَّ, ولأن طريقها العبادة المحضة دون براءة الرحم, فلذلك كانت على غير المدخول بها. قال: وعدة الأمة ومن فيها بقية رقٍ في الوفاة إذا كانت ممن تحيض, أو غير مدخولٍ بها, أو صغيرةً لا يوطأ مثلها شهران وخمس ليال. قال الشيخ: لأنها عدةٌ يمكن تبعيضها فكانت على النصف من الحرة كالإقراء. قال: وإن كانت يوطأ مثلها ولم تحض أو يائسة من المحيض وقد بنى بها رُفعت إلى تمام أشهر, وقاله في غير المدونة. قال الشيخ: وقد احترزنا من وضع الحمل, لأن الوضع لا يتنصَّف, ومن الثلاثة أشهر, لأنها براءة رحم, وهي أقل ما يُعلم به براءته فلم يمكن تنصيفه. قال: وعدة أم الولد ومن فيها بقية رقٍ في الطلاق كعدة الأمة, إن كن يحضن فحيضتان, إذ لا تنقسم الحيضة فجُبرت عليها, وسواء كان الزوج في جميعهن حراً أو عبداً, وإن كن لم يحضن أو يئسن من المحيض فثلاثة أشهر, إذ لا يبرأ رحمً بأقل من ذلك إلا في حيض. ابن وهب: وقاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعمر بن العزيز وغيرهما من أهل العلم.

قال أبو بكر الأَبَهِري: العدة في المطلقة المدخول بها, للاستبراء لا عبادة فيها وإنما جعل الاستبراء على حسب حُرمة المستبرأة, فإن كانت أمةً ليست بزوجة استبرئت بحيضة, وإن كانت أمةً زوجة استبرئت بحيضتين, وإن كانت حرةً استبرئت بثلاث حِيَض كالحدود, وإنما هي موضوعةً على حسب حُرمة المحدودين من العبيد والأبكار والمحصنين من الأحرار. قال: والدليل على أنها لا عبادة فيها أن الله عز وجل لم يوجبها على المطلقة قبل البناء, لأنها لا تحتاج إلى براءة رحم, وأوجب الله عز وجل العدة في الوفاة التي هي عبادةً على المدخول بها وغير المدخول بها, فَعُلِم بهذا فصلُ ما بين العدتين. قال بكر القاضي: إن القرء الأول لاستبراء الرحم, والقرءان الآخران عبادة. قال الشيخ: وما ذكره الأبهري أبين والله أعلم.

فصل [3 - جامع القول في العدة] قال مالك في كِرَاء الدور: وإن طُلقت التي عدتها بالشهور, أو مات عن امرأةٍ زوجها في بعض الشهر, اعتدت الشهر الأول بالأيام ثلاثين يوماً, وباقي الشهور بالأهلة. ورواه ابن وهب عن مالك. وذكر أنه اختلف قوله في بعض اليوم, فقال: يحسب إلى مثل تلك الساعة, ثم رجع فقال/ نُلغيه. قال الشيخ: فوجه الأول: قوله عز وجل: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق:4] , ووجه أننا نلغي ذلك اليوم: احتياطاً لصعوبة ضبط الوقت, والأول أقيس, قاله بعض فقهائنا. ومن المدونة: قال مالك: وإذا بلغت المرأة الحرة عشرين سنة, أو ثلاثين فلم تحض فعدتها في الطلاق ثلاثة أشهر, ولو تقدم لها حيضةً مرةً لطالبت الحيض ما بينها وبين تسعة أشهر, فإن لم يأتها اعتدت بسنةٍ من يوم الطلاق, تسعة أشهرٍ منها براءة تأخير الحيض. قال الشيخ: لأنها غالب مدة الحمل./ قال مالك: ثم ثلاثة أشهر عدة, لأنها صارت من ذوات الاعتداد بالشهور, والأصل في هذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أيُّما امرأةٍ

طُلقت فحاضت حيضةً أو حيضتين ثم رفعتها حيضتها فإنها تنتظر تسعة أشهر, وينظر إليها النساء, فإن قلن: بها حملٌ فذلك, وإلا اعتدت بعد التسعة بثلاثة أشهر, وهذا قول إمام صحابي لا مخالف له, ووجهه ما ذكرناه. قال ابن المواز: إلا أن تعتد بالسنة من زوج قبله فتصير ممن عدتها ثلاثة أشهر, حتى يعاودها حيضً فتطالبه, أو تعاود السنة. قال الشيخ: فوجه ذلك: أنها جلست للريبة تسعة أشهرٍ غالب مدة الحمل فصارت من أهل الاعتداد بالشهور واعتدت بها, فلا تنتقل عنها إلا أن يعاودها حيضٌ فتطالبه أو تجلس سنةً كأول مرة. ومن المدونة: قال مالك: وإذا حاضت بعدما مضى من السنة عشرة أشهرٍ رجعت إلى الحيض, فإن ارتفع ائتنقت سنةً من يوم انقطع الدم عنها, ثم إن عادوها الدم في السنة رجعت إلى الحيض, هكذا تصنع حتى تتم حِيَض أو سنةً لا حيض فيها. قال الشيخ: لأنها إذا تم لها ثلاث حيض فقد اعتدت بالإقراء, وإن تمت لها سنة ولم تحض فقد اعتدت عدة المرتابة, واعلم أنها إذا حاضت قبل تمام السنة ولو بيومٍ فإنها ترجع تطالب الحيض, وإن حاضت بعد السنة ولو بيوم حلَّت بتمامها. قال ابن المواز: فإن كان شأنها أن تحيض من سنة إلى سنة, أو إلى أكثر من سنة, أو من ستة أشهرٍ إلى مثلها فلتعتد بالسنة, فإن جاء وقت الحيضة فيها فلم تحض حلَّت بتمامها, وإن مرَّت السنة ولم يأت وقت حيضتها انتظرتها, فإن جاء وقتها ولم تحض حلَّت بتمامها وإن حاضت كالغد, وإن جاء وقتها فحاضت

استقبلت بعد طهرها منها سنة, فإن تمت السنة ولم يأت وقت حيضتها انتظرت وقتها, فإن انتهى ائتنقت أيضاً ووقت مجيء حيضتها, فإن انتهى عند وقتها فقد حلت, لأنها قد تم لها ثلاثة قروء, فإن لم تأتها عند وقتها فقد حلت أيضاً, لأنها قد مضى لها السنة ووقت حيضتها ولم تحض. ومن العتبية: قال ابن القاسم: وإن كانت ممن لا تحيض إلا من ستة أشهر إلى مثلها أو من خمسة أشهر إلى مثلها فانقضت عدتها في الوفاة ولم يأت وقت حيضتها المعتادة فقد حلت وإن قرُب وقت حيضتها, إلا أن ترتاب بحسَّ البطن, فإن مرَّ وقت الحيضة ولم تحض رفعت إلى التسعة من يوم الموت. محمد: وقال أشهب عن مالك: إنها إذا يأت وقت حيضتها في شهور العدة, أنها تقيم حتى تحيض, ثم رجع إلى ما ذكرنا. وقال سحنون عن أشهب في أم الولد يموت سيدها أو يعتقها, والأمة تعتق أو تباع, وشأنها أن تحيض في كل ستة أشهر, أو في كل سنةٍ مرة: إنهن يحللن بثلاثة أشهرٍ إذا نظرهن النساء فلم يرين بهن شيئاً, بخلاف الحرة, لأن تلك عدةً وهذا استبراء. قال أشهب: وهذا على آخِرِ قول مالك, وعلي أول قوله: يبلغن تسعة أشهر.

قال الشيخ: يريد: إلا أن يحضن قبل ذلك. قال عبد الوهاب: وأما التي ترتفع حيضتها لرضاعٍ فلا تعتد إلا بالإقراء, فتمكث متوقفةً حتى تراه, طال الوقت أم قصر, والإجماع على ذلك, والمعنى. فأما الإجماع فإن حَبَّان بن منقِذ/ طلق امرأته وهي ترضع, فمكثت نحو سنةٍ لا تحيض من أجل الرضاع, ثم مرض فخاف أن ترثه إن مات فخاصمها إلى عثمان رضي الله عنه وعنده علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما, فقال لهما: ما تريان؟ فقالا: نرى أنها ترثه, لأنها ليست من القواعد اللاتي يئسن من المحيض, ولا من الأبكار اللاتي لم يحضن, فهي عنده على حيضتها ما كان من قليلٍ أو كثير, لم يمنعها إلا الرضاع, فانتزع حَبَّان ابنه, فلما حاضت حيضتين مات حَبَّان فورِثَته, فاعتدت عدة الوفاة, فأجمعوا أن التأخير بالرضاع لا يسوغ لها الاعتداد بغير الحيض, وعللوا ذلك بأنها ليست ممن لم تحض ولا آيسة. والمعنى هو: أن جري العادة بأن الرضاع يؤثر في تأخير الحيض, فلا يكون ذلك ريبة, فإذا كان كذلك وجب انتظار زواله. وأما تأخير الحيض بمرض ففيه روايتان: إحداهما: أنه كالرضاع, والأخرى: أنه ريبة. فوجه القول أنه كالرضاع: أن سبب تأخير الحيض معروف, وذلك لأن المرض يؤثر في ذلك, لأنه يُضعف القوة, أو يكون فيه ما يحرق الدم أو يحبسه فكان كالرضاع.

ووجه القول بأنه ريبة: أنه ليس فيه عادةٌ متقررةٌ بتأخير الحيض, ولا اختصاص في ذلك ببعض الأمراض دون بعض فكان ريبة. قال الشيخ: ونحو هذا كله في كتاب ابن المواز. قال: وقاله في المرضع عثمان وعلي وزيد ومالك وأصحابه رضي الله عنهم. قال عن مالك: وإذا طلب الزوج انتزاع ابنه الرضيع ليتعجَّل حيضتها خوفاً أن ترثه فذلك له في الطلاق الرجعي خاصة. ولو قال: لأني أريد نكاح أختها أو عمتها, أو كانت رابعةً فقال: أريد نكاح غيرها, فذلك له بالقضاء إذا عُلم صدقه, وأنه لتأخير الحيض ولم يطلب ضرراً بها ولا بالولد. قال مالك: وهذا في صبيً يقبل غير أمه, وأما إن خيف عليه إن نُزع منها مات فهذا لا ينزع منها, وكذلك فيما ذكرنا إن كانت هي الطالبة لطرحه, وكله قول مالكٍ في طلاق الرجعة. وأما البائن وفي الوفاة فلا.

قال الشيخ: وذكر له اختلاف القول في ارتفاع الحيض لمرض. قال فروى ابن القاسم عن مالك: أن عدتها سنة, وقاله ابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ. وقال أشهب: عدتها بالإقراء وإن تباعدت. ابن المواز: وهذا أحب إلينا. قال الشيخ: لأن علتهما واحدة, أعني المرض والرضاع. قال بعض فقهائنا: وقد فرق بعض الناس بين المرضع والمريضة على قول ابن القاسم من أجل أن المرضع تستطيع رفع ذلك بإسلام الولد, ولا تستطيع رفع المرض. ابن المواز: قال مالك, وذكره ابن سحنون عن أشهب وعبد الملك وسحنون أنهم قالوا: عدة المرضع والمريضة في الوفاة أربعة أشعر وعشرً, وإن كانت أمةً فثلاثة أشهر, لأنه أقل ما يبرأ به الرحم. ومن المدونة: قال مالك: والتي لم تحض قط قبل الطلاق, وأما اليائسة من المحيض ترى الدم بعدما أخذت في عدة الأشهر, فلترجع إلى عدة الحيض وتلغي الشهور, وتصنع كما وصفنا في المرتابة, هذا إن قال النساء فيما رأته اليائسة: إنه دم حيض, وإن قلن: إنه ليس بحيض, أو كانت في سنً من لا تحيض, من بنات السبعين أو الثمانين لم يكن حيضاً, وتمادت في الأشهر. وقال أشهب في غير المدونة: ولا تعتد به ولكنها تدع له الصلاة وتطهر منه, وعدتها ثلاثة أشهر.

ومن المدونة: قال مالك: والعدة في الطلاق بعد الريبة, وفي الوفاة قبل الريبة. قال الشيخ: وإنما كان ذلك لأن المطلقة إذا كانت/ ممن تحيض مأمورة بمطالبة الحيض لِتَعلم الأقراء فتعتد بها كما أمرها الله عز وجل, فإذا فقدت الحيض فقد ارتابت, فوجب أن تختبر ذلك بحلوس غالب مدة الحمل, والحمل تسعة أشهر, فإذا جلستها ولم يتبين بها حملٌ فقد صارت من القواعد اللاتي لا يحضن, فوجب أن تنتقل عدتها إلى الشهور, فلذلك قال: عدتها في الطلاق بعد الريبة. وأما المتوفى عنها زوجها فإنما عدتها بالشهور, فإذا مات زوجها أخذت في العدة, إذا ليست الشهور أمراً يغيب عنها كالحيض, فإن جاء وقت حيضتها فلم تحضها رفعت إلى تسعة أشهر خوف الحمل, فإن لم يتبين أمره حلت, فصارت الريبة طارئةً على العدة, فلذلك قال مالك فيها: إن العدة قبل الريبة. وبعد هذا بابٌ فيه إيعاب عدة المتوفى عنها زوجها. ومن المدونة: قال مالك: وإذا أتمت المرأة أربعة أشهرٍ في الوفاة, ثم استبرأت نفسها انتظرت حتى تزول الريبة عنها, ثم تحل. قال مالك: وإن كانت الأمة ممن تحيض فرفعتها حيضتها لم يطأها المبتاع حتى يمضي لها ثلاثة أشهر, إلا أن ترتاب فيرتفع بها إلى تسعة أشهر, فإن زالت الريبة قبلها حلت, وإن تمادت بعدها لم توطأ حتى تذهب الريبة. وفي كتاب الاستبراء إيعاب هذا.

قال مالك: وإذا اختلفت الدم على المطلقة فرأته يومين أو ثلاثة, ثم رأت الطهر مثل ذلك, ثم رأت الدم كذلك, فهي إن تمادى بهما كالمستحاضة, إلا أن يكون ما بين الدمين من الطهر ما لا يضاف بعضه إلى بعضٍ فيكون الثاني حيضاً مؤتَنقاً. قال مالك: وليس الأربعة الأيام والخمسة وما قرب [منها] بطهر. قال: وعدة المستحاضة من حرةٍ أو أمةٍ في الطلاق سنة, إلا أن ترتاب فتقيم إلى ذهاب الريبة, وإن كان قرءٌ معلومٌ اعتدت به, لأنها حينئذٍ من ذوات الأقراء. وروى عن مالك: أن عدتها سنةً على كل حال, لأن استحاضتها ريبة. وأما المرتابة بتأخير الحيض في الطلاق وهي أمة فكما ذكرنا في الحرة تعتد بالسنة, تسعة أشهر براءة الرحم, وثلاثة أشهرٍ عدة. وكذلك قضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المرتابة والمستحاضة, وأما في الوفاة فهما مأمورتان من يوم الوفاة بعدة الشهور, أربعة أشهرٍ وعشرٍ للحرة, وشهران وخمس ليالٍ للأمة, فإن حدثت ريبةً بتأخير الحيض أكملتا من يوم الوفاة تسعة أشهر ثم حلتا. قال ابن المواز: قال مالك: عدة المستحاضة في الوفاة أربعة أشهرٍ وعشرً, والأمة ثلاثة أشهرٍ إلا أن تحسَّ بريبةٍ فتتربص إلى زوالها. وروى عنه أيضاً: أن المستحاضة تقيم في الوفاة تسعة أشهر, لأن استحاضتها ريبة.

قال: وإذا نكحت الأمة في عدة الوفاة بعد شهرين وخمس ليالٍ وقبل ثلاثة أشهرٍ فُسخ, ولم يعاقبا إلا أن تنكح قبل شهرين وخمس ليال, وقبل شهرٍ ونصف في الطلاق. هذا كله قول أشهب, لأنه لا يبرأ رحِمٌ ولا يستبين حملٌ في أقل من ثلاثة أشهر. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية في الأمة المرضع: أن عدتها في الوفاة شهران وخمس ليال, وتحلَّ بها وإن لم تحض, إلا أن تستريب بالحِس. ابن المواز: قال أصبغ: وإن تزوجت الحرة المستحاضة, أو المسترابة بتأخير الحيض بعد أربعة أشهرٍ وعشرٍ في الوفاة وقبل تمام تسعة أشهر لم يفسخ نكاحها, لأنها/ اعتدت بما أمرت به, وقد أبهم الله ذلك, وقد عَلِم أن منهن من تحمل, وإنما الزيادة استظهار, إلا أن تجد من بطنها حركةً فيفسخ إن نكحت قبل ذلك وقبل زوالها. وإذا استبرأت معتدةً بحِسِّ بطنها جلست خمس سنين, فذلك أقصى كل عدةٍ يلحق فيها ولدً, أو استبراء, وهذا في الطلاق والوفاة وغير ذلك. قال عبد الوهاب: وعنه في أكثر مدة الحمل ثلاث روايات: إحداها: أربع سنين, والثانية: خمس سنين, والثالثة: سبع سنين, وفائدة الخلاف امتداد التربُّص بالمرتابة, وأن المطلقة إذا أتت بولدٍ لأكثر من مدة الحمل من وقت الطلاق لم يُلحق به.

فوجه الأولى: ضرب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لامرأة المفقود أربع سنين, لأن أكثر مدة الحمل, وروى مثله عن عثمان وعلي رضي الله عنهما, ولا مخالف لهم. وقد ذكر أصحابنا المدنيون: أن نساء الماجشون كن يلدن لأربع سنين. ووجه الاعتبار بالخمس: إن ذلك قد وُجد, وذُكر عن ابن عجلان وجوده. قال: وأما السبع سنين فلم نقف على وجهٍ لها. قال الشيخ: ومن الدولة: أن امرأة ابن عجلان ولدت له أيضاً في سبع سنين, وهذا وجه الثالثة.

[الباب الثالث] في الانتقال من عدة إلى عدة ومن أين تحسب عدة الوفاة والطلاق؟

[الباب الثالث] في الانتقال من عدة إلى عدة ومن أين تحسب عدة الوفاة والطلاق؟ [فصل 1 - في انتقال الحرة من عدة إلى عدة] قال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234] فوجب لذلك إذا مات الزوج وزوجته في عدة من طلاق غير بائن, والطلاق في صحته أو في مرضه أن تنتقل إلى عدة الوفاة, وترثه, لأن أحكام الزوجية جارية عليها, وقاله مالك. ابن وهب: وقال ابن عباس وسليمان بن يسار: عليها أقصى الأجلين قال الشيخ: ووجه ذلك: أن كلا العدتين لزمتها, فاحتاط لها بأن تبلغ أقصاها. وفي كتاب ابن المواز: إن الموت يهدم العدة كما تهدمها الرجعة. ومن المدونة: قال مالك: وإن مات وهي في عدة من طلاق بائن, والطلاق في صحته أو في مرضه لم تنتقل إلى عدة الوفاة, وتمادت على عدة

الطلاق, لأن الموت صادفها وهي أجنبية, وورثته في طلاق المرض لا في طلاق الصحة. وكذلك إن مات بعد العدة, والطلاق بائنٌ أو غير بائنٍ, فلا عدة عليها لوفاته, وترثه في طلاق المرض لا في طلاق الصحة. فصل [2 - في انتقال الأمة من عدتها إلى عدة الحرائر وعدمه] قال مالك: وإذا مات عن الأمة زوجها, فلما اعتدت شهراً أو شهرين عتقت, فإنها تبني على عدة الأمة, ولا تنتقل إلى عدة الحرائر, وكذلك إن طلقت طلاقاً بائناً فاعتدت حيضةً أو شهرين ثم عتقت, فلتبن على عدتها ولا تنتقل إلى عدة الحرائر. قال الشيخ: لأن العدة الأولى قد لزمتها عدة أمة, فلا تأثير للعتق فيما قد لزمها, بخلاف الموت, لأن الموت لم ينقلها من عدة الأمة, وإنما نقلها من عدة طلاق إلى عدة موت, لأنها زوجة مخاطبةً بعدة الموت كالحرائر, وفي العتق, يريد: أن تنتقل من عدة أمةٍ إلى عدة حرةٍ فلم يجب, ولأن الموت أمرً يوجب العدة كالطلاق, فوجب أن تنتقل إلى عدته كل زوجة, لأنها مخاطبةٌ بها, والحرية لا توجب عدة, فلا تنقلها عما كان يلزمها, والله أعلم. وقال أبو حنيفة: تنتقل إلى عدة الحرائر في الطلاق الرجعي قياساً على الموت.

قال ابن المواز:/ إذا طلقت واحدة, قم عتقت, ثم مات الزوج فإنها تنتقل إلى عدة الوفاة عدة الحرائر, ولو عتقت بعد موته انتقلت إلى عدة الوفاة عدة الأمة. قال الشيخ: لأنه لما وجب الانتقال راعت حال نفسها لبطلان العدة الأولى. قال ابن المواز: قال مالك: ومن طلق زوجته واحدةً ثم ارتجع فلم يطأها حتى طلقها ثانيةً فلتأتنف العدة. ولو خالعها ثم نكحها في العدة فلم يطأها حتى طلقها في العدة ثانية, فلتبن على عدتها. ولو نكح بعد الخلع ثم مات قبل البناء كان عليها أقصى الأجلين مع الإحداد من يوم موته. قال الشيخ: وذكر عن الشيخ أبي عمران أنه اعترض قوله: عليها أقصى الأجلين, فقال: لا يلزم هذا إما أن يجعلها تمضي على عدة الطلاق, أو يجعل النكاح قد هدم عدة الخلع, فتعتد عدة الوفاة فقط. قال: ويلزمه على هذا أن الحامل إذا خالعها زوجها, ثم تزوجها وتوفي عنها قبل الدخول أن يوجب عليها أقصى الأجلين. فكأنه نحا أن وضع الحمل تنقضي به عدتها, وأن غير الحامل انقضاء عدتها أربعة أشهر وعشر من يوم مات زوجها.

قال الشيخ: ووجه قول محمد: أنها بالخلع صارت أجنبية, ولو مات قبل تزويجها لم تعتد منه, فهي بخلاف غير البائن, لأن تلك زوجة تعتد, وموته يهدم عدتها, ولا يهدم عدة هذه, فهي على تلك العدة حتى يدخل بها, ألا ترى أنه لو طلقها قبل أن يدخل بها لثبت على العدة الأولى, فلما كان الأمر كذلك رأى أن كلا العدتين قد لزمتها, فجعل عليها أقصى الأجلين, إذ لا تدخل عدة الحيض في عدة الشهور. وأما الحامل فعدتها في الموت والخلع واحد, وهو وضع الحمل, فلم يغير الحمل عليها شيئاً, فلم يلزمه الاعتراض بالحامل لما بينَّاه, والله أعلم. [فصل 3 - في عدة من مات زوجها الذمي بعد إسلامها] ومن المدونة: قال مالك: وإذا أسلمت ذمية تحت ذمي, ثم مات زوجها لم تنتقل إلى عدة الوفاة. قال الشيخ: لقوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة:234] والذمي ليس مِنَّا حتى يُسلم.

[فصل 4 - في عدة الوفاة والطلاق من أين تحسب؟] قال مالك: وإذا بلغ المرأة موت زوجها فعدتها من يوم مات. قال الشيخ: كما أوجب الله عز وجل, لأن الأوامر عندنا على الفور. قال مالك: وإن يبلغها ذلك حتى انقضت عدتها فقد حلَّت, ولا إحداد عليها, وكذلك لو طلقها وهو غائب فعدتها من يوم طلق, إذا قامت على الطلاق بينة, وإن لم يكن على ذلك بينة إلا أن الزوج قال لما قدم: كنت طلقتها, فالعدة من يوم إقراره. قال الشيخ: لأنها حق لله عز وجل فلا يصدق في إسقاطها. قال مالك: ولا رجعة له في ما دون الثلاث إذا تمت العدة من يوم دعواه, ولا يرثها. قال الشيخ: لأنه أقر أنها بانت منه. قال مالك: وترثه في العدة المؤتنفة, لأنها في ظاهر الحكم معتدة من طلاق رجعي. [فصل 5 - فيما ترده المعتدة من مال زوجها] قال: ولو كان الطلاق بائناً لم يتوارثا بحال, ولا يرجع عليها بما أنفقت من ماله بعد طلاقه قبل علمها لأنه فرَّط. قال ابن المواز: ولو قدم عليها رجل فشهد بطلاقها وأعلمها, أو رجل وامرأتان فليس ذلك بشيء حتى يشهد غيره ممن بحكم به السلطان في الطلاق, وترجع بما تسلَّفت عليه.

وكذلك روى أشهب عن مالك في العتبية. وقال سحنون عن ابن نافع: لا ترجع بما تسلَّفت عليه, بخلاف ما أنفقا من ماله. ومن المدونة: وأما المتوفى عنها زوجها فإنها ترد ما أنفقت من ماله بعد وفاته, لأن ماله صار لسائر ورثته, فليس لها أن تختص بشيء منه دونهم. قال مالك في المطلقة واحدة تقيم سنة ثم يهلك زوجها فتقول:/ لم أحض إلا حيضة واحدة, وتطلب الميراث, فإن كانت تُرضع صدَّقت, وإلا لم تصدَّق, إلا أن تكون كانت تذكر تأخير حيضها وتظهر ذلك فتصدق. وذكر عيسى عن ابن القاسم في العتيبة قال: أما المرضع فتصدَّق حتى تفطم ولدها وبعد فطامه سنة. وأما غير المرضع فتصدَّق حتى تأتي علها سنة, ذكرت ذلك أو لم تذكره, وعليها اليمين, إلا أن يكون سمع منها أنها حاضت ثلاث حيض.

[الباب الرابع] جامع القول في الإحداد

[الباب الرابع] جامع القول في الإحداد [فصل 1 - في معنى الإحداد ومشروعيته] أصل الإحداد في كلام العرب المنع, كقولهم: أحدَّت المرأة على زوجها, أي: مَنعَت نفسها من الزينة. وفيها لغتان: أَحَدَّت, وحَدَّت, ومنه الحد في العقوبات, لأنه يمنع من إتيان ما يوجبها من سرقهٍ أو زناً أو فِرَّيَة. وروى مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحلُّ لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الأخر أن تَحِدَّ على ميتٍ قوق ثلاث ليالٍ إلا على زوجٍ أربعة أشهرٍ وعشرا». وجاءته صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: إن ابنتي توفي عنها زوجها, وقد اشتكيت عينيها أفتكحلهما؟ قال: "لا", قالت ذلك مرتين أو ثلاثاً, كل ذلك يقول: "لا", ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما هي أربعةُ أشهرٍ وعشرً, وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبَغَرة على رأس الحول»

قالت: زينب بنت أبي سلمة: كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها دخلت حِفْشَاً لها, ولبِست شرَّ ثيابها, ولم تمسَّ طِيباً ولا شيئاً حتى تمرَّ سَنَةً, ثم تُؤتَى بدابة, حمارٍ أو شاةٍ أو طيرٍ, فتَفَتَضُّ فقلما تفتَضُّ بشيء إلا مات, ثم تخرج فتُعطى بَعَرَةً فترِمي بها من وراء ظهرها, ثم ترجع يَعْدُ ما شاءت من الطيب وغيره. قال عبد الوهاب: إنما مُنعت الحادُّ من الطيب وغيره من الزينة لأنهما داعيان إلى النكاح, فمُنعت من ذلك كما مُنع المُحرِم منه, ولأنها لما مُنعت من التصريح بالقول كانت بأن تُمنع مما هو أبلغ مما يدعو إلى ذلك أولى.

[فصل 2 - في المطلقة هل عليها إحداد؟] ومن المدونة: قال مالك: ولا إحداد على مطلقةٍ بثلاثٍ أو واحدة, قال: وعلى كل معتدةٍ من وفاة زوجها الإحداد, وإن كانت صغيرةً أو ذميةً تحت مسلم, لعموم الخير. وإنما لم يكن على المطلقة إحداد لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر أن تَحِدَّ على ميتٍ إلا على زوج» , ولأن المطلقة لها من يحرسها ويمنعها من التزويج وهو الزوج, فلم تمنع من الطيب والزينة الداعيين إلى النكاح, والمتوفى عنها زوجها بخلافها. [فصل 3 - في إحداد الكتابية] ومن المدونة: وابن نافع لا يرى على الكتابية إحداد. قال الشيخ: فوجه قول مالك: عموم الخبر, ولأنها زوجةٌ متوفى عنها زوجها كالمسلمة, ولأن عدتها في الوفاة والطلاق كعدة الحرة المسلمة, فكذلك الإحداد. ووجه قول ابن نافع: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدَّ على ميتٍ إلا على زوج» , فجعل من وصف الحَادِّ الإيمان.

وقول مالكٍ أصح لما قدمنا. [فصل 4 - في إحداد الأمة] ومن المدونة: قال مالك: وعلى الأمة الإحداد. قال الشيخ: لعموم الأخبار, واعتباراً بالحرة لعله كونها زوجةً متوفي عنها. قال مالك: وتعتد حيث كانت تبيت, وليس لساداتها منعها من ذلك, ولهم أن يخرجوها نهاراً للبيع, لا يبيعونها إلا ممن لا يخرجها من الموضع الذي تعتد فيه حتى تتم العدة, ولا يزينوها للبيع بما لا تلبسه الحاد. قال ابن الحبيب: قال مطرف وابن القاسم عن مالك: ولا/ إحداد على المرتابة حتى تنقضي الريبة وإن بلغت خمس سنين. [فصل 5 - فيما لا تلبسه الحاد ولا تستعمله] ومن المدونة: قال مالك: ولا تلبس الحادَّ شيئاً من الأصباغ, قال عروة: إلا أن تصبغ بسواد. قال مالك: ولا تلبس رقيق عَصب اليمن, ووسَّع في غليظه, وتلبس رقيق البياض كله, وغليظه من الحرير والكتان والقطن.

قال: ولا تلبس خَزَّاً, قال مالك في المختصر الكبير, إلا الأبيض منه, والأسود. ومن المدونة: قال مالك: ولا تلبس ما صبغ من ثيابٍ أو جِبَاب, حريرً أو كَتَّانً أو قِطْنَّ أو صوفً وإن كان أخضر أو أدكن إلا أن لا تجد غيره فتضطر إليه. قال ابن القاسم: وهذا إذا كانت بموضعٍ لا تجد استبدالاً به فيجوز لها لبسه للضرورة, وإن وجدت بدله ببيع فليس لها لبسه. قال مالك: ولا تلبس حُلْيَّاً, ولا قُرْطَاً, ولا خاتِماً, ولا خَلَخَالاً, ولا سِواراً, ولا خاتم حديد, ولا خُرْص ذهبٍ أو فضة, ولا تمسُّ طيباً. قال ابن عمر: ولا تختضِب, قال ربيعة: ولا تُحِنَّط ميتاً. قال مالك: ولا تَدَّهِن بزَنْبّق, ولا بَنَفْسَج, ولا خَيري, ولا شيء من

الأدهان المربَّيَة, وتدَّهِن بالزيت والشَّيْرَج. قال: ولا تمشط بحنَّاءٍ ولا كَتَم, ولا بما يختمر في رأسها, وتمتشط بالسَّدْر وشبهه مما لا يختمر في رأسها. قال: ولا تكتحل إلا من ضرورةٍ فلا بأس به وإن كان فيه طيب, ودين الله يُسر. ابن المواز: قال مالك: وتكتحل بالليل وتمسحه بالنهار, وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: ولا تحضر عمل الطيب, ولا تبيعه, ولا تتَّجر به وإن لم يكن لها تكسبً إلا فيه حتى تحل. وروى أشهب عن مالك في التي مات زوجها وقد امتشطت: لا تنقبض مشطها, أرأيت لو اختضبت, وقاله ابن نافع.

قال ابن أبي زمنين: وروى البرقي عن أشهب أنه قال: لا تدخل الحادَّ الحمَّام, ولا تطلي بالنَّورَة, ولا بأس أن تستَحِد. وقال غيره: لها أن تدخل الحمَّام, ولا بأس أن تنظر في المرأة وتقلم أظفارها, وتدهن رأسها بالزيت وما لا طيب فيه. وسبيل الأمة وأم الولد والمكاتبة والمدبرة سبيل الحرة المسلمة البالغة في الإحداد ولزوم العدة من الأزواج, إلا أن عدة من فيها بقية رقٍ في وفاة زوجها على النصف من أمد عدة الحرة. وقد تقدم هذا ووجهه.

[الباب الخامس] في عدة أم الولد من وفاة سيدها وزوجها

[الباب الخامس] في عدة أم الولد من وفاة سيدها وزوجها [فصل 1 - في عدة أم الولد من وفاة سيدها أو عتقه إياها, أو وفاة زوجها] قال مالك رحمه الله: وعدة أم الولد من وفاة سيدها أو عتقه إياها حيضة, وقاله ابن عمر وزيد بن ثابتٍ وكثيرً من السلف. قال نافع: وقد أعتق ابن عمر أم ولده, فلما حاضت حيضة زوجها. قال ابن القاسم: وأم الولد إذا مات زوجها وسيدها ولم يَعلم أيهما مات أولاً فلتعتد من أحدث المرتين أربعة أشهرٍ وعشراً, مع حيضة. قال سحنون: وهذا إذا كان بين الموتين أكثر من شهرين وخمس ليال, أو لم يُعلم كم بينها, وإن كان بينهما أقل من شهرين وخمس ليال -يريد: أو شهرين وخمس ليالٍ سواء- فعليها أن تعتد أربعة أشهرٍ وعشراً فقط. قال الشيخ: وإنما قال ذلك لاحتمال أن يكون الزوج مات أولاً, فيجب عليها لوفاته شهران وخمس ليال, فإذا كان بين الموتين أو أقل لم يجب عليها لموت السيد حيضة, لأنها لم تحل له بعد, وإن كان بين الموتين أكثر من ذلك فقد حلت للسيد, فيجب/ عليها بموته حيضة, فوجب عليها في هذا الوجه شهران وخمس ليالٍ مع حيضة, وإن كان موت السيد أولاً فقد صارت حرة, ثم مات

زوجها فعدتها منه أربعة أشهرٍ وعشرً, فلما أشكل ذلك أحتيط لها, فجُعِل عليها أربعة أشهرٍ وعشراً مع حيضة, إذ الشهور من جنسٍ واحدٍ, فأغنى الأكثر عن الأقل, والحيضة ليست من جنس الشهور, فلا بد منها, فإن حاضتها في الشهور أجزأتها, وإلا طالبتها بعد الشهور, وإنما لم يجب عليها حيضة, إذ ليس بين الموتين شهران وخمس ليالٍ فأدنى, فالأربعة أشهرٍ وعشرً تجزئ من الشهرين وخمس ليال, وبالله التوفيق. قال الشيخ: وبلغني أن غير واحدٍ من القرويين قال: إنما هذا على رواية ابن وهبٍ عن مالكٍ في الأمة تباع فيرتفع دمها: أنها تستبرئ بتسعة أشهر. وأما على قول ابن القاسم الذي يرى أنه يبرئها ثلاثة أشهر, فلا حيضة عليها وإن كان بين الموتين أكثر من شهرين وخمس ليال, لأنها تعتد من أحدث الموتين أربعة أشهرٍ وعشراً, فإن عدمت الحيضة فيها فقد زادت على الثلاثة أشهر التي تبرئها. قال الشيخ: وهذا الذي ذكروه غير صحيح, لأن الحيضة في أم الولد من وفاة سيدها, أو عتقه إياها عدة, لقوة الاختلاف فيها, فهي بخلاف الأمة في هذا, فإن كانت عدة لها من سيدها, وعليها عدة من زوجها أربعة أشهرٍ وعشراً احتياطاً, فلا بد من مطالبة أقصى الأجلين كقول ابن القاسم فيمن نكح في عدة وفاة ودخل بها, ففرق بينهما: أنها تعتد أربعة أشهرٍ وعشراً من يوم توفي عنها زوجها مع ثلاث حيض, فتطالب أقصى الأجلين, فكذلك أم الولد في مسألتنا, لأنها تعتد من اثنين. قال بعض القرويين: وإن جاءت بولدٍ فإنه ابنٌ للزوج.

ومن المدونة: قال مالك: ولا ميراث لها من زوجها, لأنه توريثٌ بالشك حتى يُعلم أن السيد مات قبل زوجها. قال مالك: وعدة أم الولد من وفاة سيدها أو عتقه إياها حيضة, وإن كانت ممن لا تحيض فثلاثة أشهر , إذا لا يبرأ رحمً بأقل من ذلك. قال سليمان بن يسار: أو تكون حاملاً فحتى تضع. ومن غير المدونة: ومن أعتق أمته أو أم ولده في عدة وفاةٍ أو طلاقٍ حلت بتمام العدة ولو لم يبق منها إلا يوم, ولو أعتقها بعد خروجها من العدة فأم الولد تأتنف حيضة, والأمة تحل مكانها. [فصل 2 - في أم الولد إن مات سيدها في أول حيضتها] ومن المدونة: قال مالك: ولو مات سيد أم الولد وهي في أول دم حيضتها أو غاب عنها فحاضت بعده حِيَضاً كثيرة, ثم مات في غيبته فلا بد لها من استئناف حيضة بعد موته. قال ابن القاسم: لأنها عدةً لها, بخلاف استبراء الملك, ولقوة الاختلاف فيها قد قال بعض العلماء: عليها أربعة أشهرٍ وعشراً, وقال بعضهم: ثلاث حيض. قال عبد الوهاب: فالذي قال: أربعة أشهرٍ وعشراً عمرو بن العاص,

وسعيد بن المسيب, والذي قال: ثلاث حيض, أبو حنيفة, فدليلنا على عمرو قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234] , فأوجب ذلك على الزوجات فدل أن الإماء بخلافهن. ودليلنا على أبي حنيفة قوله عز وجل: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] , فأوجب ذلك في حق الطلاق فانتفى وجوبه عن الوفاة. [فصل 3 - في مسائل مختلفة] ومن المجونة: قال مالك: ولا إحداد عليها في عدتها من وفاة سيدها, لأنها ليست بزوجة. قال: ولا أحب لها المواعدة فيها, ولا تبيت فيها إلا في بيتها. قال: وإن زوجها سيدها, ثم مات عنها لم يكن على زوجها استبراء. قال مالك: وليس للرجل أن يزوج أن ولده, أو أمة قد وطئها إلا بعد الاستبراء, ولا يجوز نكاح إلا حيث يجو الوطء, إلا في دم حيضٍ أو نفاسٍ من غير معتدة, فإن النكاح يجوز في ذلك, ولا توطأ حتى تطهر.

قال ابن القاسم: ولو اعتدت أم الولد من وفاة زوجها وحلت, فلم يطأها السيد حتى مات, أو كان غائباً يعلم أنه لم يقدم منه بعد وفاة الزوج فعليها حيضة, ألا ترى أنها لو تمت عدتها من الزوج ثم أتت بولدٍ لا يشبه أن يكون من سيدها, فزعمت أنه من السيد لَلَحِق به في حياته وبعد وفاته, إلا أن يقول السيد قبل موته: لم أمسها بعد موت زوجها, فلا يلحق به, وكل ولدٍ جاءت به أم الولد لرجل, أو أمة أقر بوطئها لمثل ما تلد له النساء وهو خمس سنين فأدنى, فهو بالسيد لاحق, وتكون به أم ولد, أتت به في حياته, أو بعد وفاته, أو بعد أن أعتقها, إلا أن يدعي السيد في حياته الاستبراء, فينتفي منه بلا لعان, لأن ملك اليمين لا لعان فيه.

[الباب السادس] جامع النكاح في العدة وذكر العدة من زوجين

[الباب السادس] جامع النكاح في العدة وذكر العدة من زوجين [فصل 1 - في النكاح في العدة] قال الله سبحانه: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة:235]. وقضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه, وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه فيمن نكح في العدة بالفراق, ولا يتناكحان أبداً, وجلدهما عمر رضي الله عنه, وأعطى المرأة ما أمهرها الرجل بما استحل منها. فنهى الله عز وجل عن النكاح في العد ة وأذن بالقول المعروف, فقيل: إن ذلك كقوله: إني بك لمُعجَب, ولكِ مُحِب, وفيكِ رَاغب, وإن يقدَّر الله أمراً يكن, ونحو ذلك, وقاله جماعةٌ من التابعين. قال بعضهم: وجائز أن يهدي لها, ولا تجوز المواعدة لها, ولا لوليها في عدة طلاقٍ أو وفاةٍ, حرةً كانت أو أمةً. قال عطاء: وأكره مواعدة الولي وإن كانت المرأة مالكةً أمرها.

قال ابن المواز: وأما الأب في ابنته البكر, والسيد في أمته فكمواعدة الحرة, وأما وليَّ لا يزوج إلا بإذنها فيكره, وإن نزل لم أفسخه. [فصل 2 - فيمن واعد في العدة ونكح بعدها] ومن المدونة: قال مالك: ومن جهل فواعد امرأةً في العدة, وسمى الصداق ونكح بعد العدة, فأحب إلى أن يفارق بطلقة, دخل بها أم لا, ويخطبها بعد عدتها منه إن كان دخل بها. وروى عنه أشهب إيجاب الفراق. واختلف ابن القاسم فيه في غير المدونة, فقال: يفسخ بقضاء, وقال: بغير قضاء. فوجه إيجاب الفراق: قوله عز وجل: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة:235] , والنهي يقتضي الفساد, ولأن السبب إذا منع الخِطْبة جاز أن يؤثر في الفراق, أصله خِطبة الرجل على خِطبة أخيه. ووجه الاستحباب: أن الخطبة ليست بعقد, وإنما هي استدعاءٌ والتماس, فوقوعها لا يوجب الفراق إذا وقع العقد بعد العدة كخطبة المُخرِمَة ومواعدة المريضة./

[فصل 3 - فيمن نكح في العدة وبنى فيها] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن نكح وبنى في العدة, أو قبَّل, أو باشر لم تحل له أبداً, وحرُمت على آبائه وأبنائه. قال بعض البغداديين: وإنما قال ذلك لحديث عمر وعلي: أنهما لا يتناكحان أبداً, ولا مخالف لهما, فهو كالإجماع, ولأنه أدخل شبهةً في النسب فتأبَّد التحريم عليه كالملاعن. قال الشيخ: ولأنه استعجل النكاج قبل حلوله, فمُنِعه عقوبةً كمنع القاتل الميراث, وإنما حرمت على آبائه وأبنائه لأنه قد مسَّ بشبهة نكاح. [فصل 4 - فيمن نكح في العدة وبنى بعدها] ومن المدونة: قال غير ابن القاسم: قال مالك وعبد العزيز: ومن نكح في العدة وبنى بعدها فسخ نكاحه, وكان كالمصيب فيها. وقال المغيرة وغيره: لا يحرم عليه نكاحها إلا الوطء في العدة. وقال ابن القاسم: قال مالك: يفسخ هذا النكاح وما هو بالحرام البين. قال الشيخ: فوجه تأبيد التحريم: قول عمر رضي الله عنه: فإن دخل بها فلا ينكحها أبداً, ولم يفرَّق.

ووجه نفيه: أنه لم يطأ في العدة, فلم يدخل شبهة في النسب, وهذا علة التأبيد. ومن غير المدونة قال سحنون: أخبرني ابن نافع عن عبد العزيز بن أبي سلمة أنه كان يقول فيمن تزوج في العدة ودخل بها فيها, ثم فرق بينهما: إنه يجوز له أن يتزوجها بعد ذلك إذا انقضت عدتها. قال بعض أصحابنا: ويحتمل أن يكون قوله هذا موفقاً لقوله في المدونة, لأنه لم يبين في المدونة حكم المصيب في العدة, وبيَّنه في غيرها أنه لا تحرم عليه للأبد وإن أصاب فيها فإصابته بعدها أحرى أن لا يتأبد التحريم عليه. ومعنى قول مالك: إنه يتأبد التحريم فيها. قال الشيخ: فيحتمل أن يكون قوله في المدونة موافقاً لقول مالك, والله أعلم. قال ابن القاسم في التي زنت فتوطأ بنكاحٍ قبل الاستبراء, أو وضع حملٍ لا تحرم بذلك عليه بعد اليوم, ثم رجع فقال: أما في الحمل فتحرم عليه ولا تحرم في غيره, وروى ذلك عن مالك. وقال أصبغ: أكرهه في الحمل, والقياس أنه وغيره سواء, فلا أحب أن يتزوجها في ذلك كله. ومن زنت امرأته فوطئها زوجها في ذلك الماء فلا شيء عليه. قال ابن المواز: ولا ينبغي أن يطأها في ذلك الماء. قال أشهب: والحامل من زوجها حملاً بيَّناً إذا وطئت غضباً لم أرَ بأساً أن يطأها زوجها فيه. قال أصبغ: أكرهه وليس بحرام, وأرى أن مالكاً كرهه.

قال ابن حبيب: وإن لم تكن بينة الحمل فلا يطؤها إلا بعد ثلاث حيض. [فصل 5 - في العدة من زوجين] ومن المدونة: قال مالك: ومن طلقت بخلع فتزوجت في العدة, ودخل بها الثاني فليفرق بينهما, وتأتنف ثلاث حيض من يوم فسخ نكاحها الثاني, فيجزئها عن الزوجين. قال ابن القاسم: وإن كان عدتها بالشهور أجزأها منهما جميعاً ثلاثة أشهرٍ مستقبلة. قال مالك: وإن كان قد جاء عن عمر: أنها تتم عدة الأول وتأتنف عدة الثاني. قال الشيخ: فوجه الأول: أن الغرض في العدة إنما هي لبراءة الرحم, وذلك يحصل مع تداخل العدتين, أصله الحمل. ووجه أنها تتم عدة الأول وتأتنف عدة الثاني: لأن الثاني أيضاً وطئ وطأً له حرمة, فوجب استيفاء عدته كالأول. ومن المدونة: قال مالك: وأما الحامل فالوضع يبرئها من الزوجين جميعاً وإن كان من الآخر.

قال الشيخ: لقوله عز وجل: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] , ولأنه أبلغ ما يبرأ به الرحم, فوجب أن يبرئها من الزوجين. قال ابن المواز: هذا إذا كان الحمل من الأول, وذلك أن تنكح قبل حيضةٍ أو تضعه لأقل من ستة أشهرٍ من يوم نكاح الثاني, فإنه يبرئها, وإن كان من الأخر مثل أن يتزوجها بعد/ حيضة, وتضعه لأكثر من ستة أشهر, أو لسته أشهرٍ من يوم نكاحها الثاني, فلا يبرئُها ولا بد لها من ثلاث حيض. قال: وروى أشهب عن مالك: أن ذلك يبرئها. قال ابن المواز: وهو عندي ضعيف. قال الشيخ: فوجه قول ابن المواز: أنه قد لزمها عدة الأول ثلاث حيض, ولا يسقط لأجل حملٍ من غير من تعتد منه, كالتي منعها مرضٌ أو رضاعٌ من الحيض, فلا تبرأ إلا بالحيض. ووقع في نقل أبي محمد: أنه إن كان الحمل من الآخر فلا يبرئهما, ولا بد من ائتناف ثلاث حيض. وفي الأمهات: ولا بد من بقية الثلاث حيض, وهذا هو الصواب, لأن الحمل لا يكون من الأخر إلا أن تتزوجه بعد حيضة, وتضعه لستة أشهرٍ فأكثر, فقد مضت لها حيضة, فتتكم بقية الثلاث حِيَض, وهذا بيَّنٌ فاعلمه.

قال ابن المواز: وأما إن كان الحمل من زنا لم يبرئها ذلك بحال من عدة لزمتها, ولا تبرأ بوضع من لا يلحق بأبيه إلا في الملاعنة فإنها تبرأ به, لأنه إذا استلحقه لحق به. قال أبو محمد: انظر كيف يكون الحمل من زنا وثمَّ فراش, والولد به لاحق إلا أن ينفيه بلعان. قال الشيخ: إنما يصح قول ابن المواز عندي في امرأة الخصي القائم الذكر, إذ لا يلحق به ولد وتلزم منه العدة, لأنه يطأ. قال بعض أصحابنا: ويصح على قوله إذا تقاررا أنه من زنا ونفي بلا لعان, أو يكون الزوج قد لاعن ثم أقرت المرأة بالزنا. [فصل 6 - في الحكم إن نكح في عدة طلاق غير بائن أو في عدة وفاة] ومن المدونة: قال مالك: ومن نكح في عدة طلاق غير بائن فسخ ذلك, بنى بها أم لا. وقال غيره: وهو ناكح في عدة. قال مالك: وللأول الرجعة قبل فسخ نكاح الثاني وبعده, فإن ارتجعها فلا يقربها إن بنى بها الثاني إلا بعد ثلاث حيض, أو وضع إن كان من الثاني.

قال ابن القاسم: ومن نكح في عدة وفاةٍ ودخل بها ففرق بينهما فلتعتد أربعة أشهرٍ وعشراً من يوم توفي عنها زوجها مع ثلاث حيض, تطالب أقصى الأجلين, لأنهما عدتان مختلفتان. قال: وإن كانت مرتابةً أو مستحاضةً فعليها من يوم الوفاة أربعة أشهرٍ وعشرا, وسنةً من يوم فسخ نكاح الثاني. قال الشيخ: هذا يدل على أن مذهبه في المدونة: أن عدة المستحاضة والمرتابة في الوفاة أربعة أشهرٍ وعشر, ولو قال: عليها سنةً من يوم فسخ نكاح الثاني لأجزأ, لأن الأربعة أشهر وعشراً داخلةٌ فيها. [فصل 7 - في المًنْعي لها زوجها تتزوج ثم يقدم الأول أو يموت أو يطلق] ومن المدونة: قال مالك: وإذا غاب عن المرأة زوجها سنين, ثم نُعيَ لها فاعتدت وتزوجت, ثم قدم زوجها الأول رُدَّت إليه وإن ولدت الأولاد من الثاني إذ لا حجة لها إلا باجتهاد إمام, أو بيقين طلاق, ولا يقربها القادم إلا بعد العدة من ذلك الماء بثلاث حيض, أو بثلاثة شهور, أو وضع حملٍ إن كانت حاملاً من الآخر. وإن مات القادم قبل وضعها اعتدت منه عدة الوفاة, ولا تحل بالوضع دون تمامها, ولا بتمامها دون الوضع, وكذلك قضى عمر بن عبد العزيز. قال ابن المواز عن ابن القاسم: لو طلقها الأول حين قدم وهي حاملٌ فلا يبرئها الوضع, ولتأتنف بعده ثلاث حيض للأول, كالتي منعها مرضٌ أو رضاعٌ من الحيض.

هذا قولهم إلا أشهب فإنه قال: وضعها يبرئها من الزوجين, وأما ابن القاسم قال: ليست كالناكحة في العدة تلد من الثاني أو الأول فيبرئها من الزوجين. قال أصبع: لأن الطلاق والعدة في امرأة المنعي وجبت بعد الحمل, والحمل من غير من تعتد منه, وغير هذا خطأ. قال ابن المواز: وإذا اعتدت المنعي لها زوجها, ثم تزوجت فلم يبن بها الثاني حتى مات/ المنعي أو طلق, ثم دخل بها الآخر بعد خروجها من عدة الأول فليفرق بينهما, ويؤمر بالتورع عنها, وهي أخف ممن نكح في العدة ودخل بعدها وكمن يواعد فيها ونكح بعدها, وهذا قد عقد وهي ذات زوج, فعقده كلا عقدٍ ولكنه وطئ في نكاح كانت فيه عدة, فليتنزه عنها أحب إلي. وفي العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في التي نُعي لها زوجها تنكح ثم يقدم فتقول: قد نعى لي. ولم يكن ما ادعت فاشياً, قال مالك: لا ترجم, ودعواها شبهة, ويفسخ نكاحها وترد إلى الأول, وتعتد من مسيس الثاني. قال بعض فقهائنا عن شيوخنا القرويين فيمن طلق زوجته طلاقاً رجعياً فتزوجت في العدة, وحملت من الثاني قبل انقضاء عدتها: فنفقتها على الزوج الثاني لأن الحمل له, وهي محبوسةً عن الأول فلا تلزمه نفقة. وحكى أن غيره يرى أن النفقة على الأول لبقاء عصمته, وسواءٌ ارتجعها في العدة أم لا.

قال الشيخ: قال بعض فقهائنا: ولو كان الأول راجعها في العدة ثم تزوجت في العدة ولم تَعلم برجعته, ولا يكون الثاني ناكحاً في عدة, لأنه إنما تزوج زوجة رجل, ولو لم يراجعها الأول حتى نكحها الثاني ودخل بها في العدة ففسخ نكاحها, وأخذت في العدة منه فراجعها زوجها الأول بقية من عدتها, ووطئها في الثلاث حيض التي اعتدت بها من الزوج الثاني لم يكن الأول واطئا في عدة, لأن الزوجية بينهما قائمة, وإنما عليه أن يستبرئها من وطء هذا الذي تزوجها في العدة, وهذا بيَّن فاعلمه. [فصل 8 - فيمن بني بأم ولد مات عنها سيدها أو معتقة قبل مضي الحيضة] ومن المدونة: قال غير ابن القاسم: ومن نكح أمَّ ولدٍ قد أعتقها سيدها, أو مات عنها, أو أمةً أعتقها ربَّها وقد وطئها, فدخل بها الزوج قبل أن تمضي الحيضة, فذلك يحرم كالوطء في العدة. وروى لمالك في أم الولد يموت سيدها فيتزوجها رجلٌ قبل حيضة, أنه متزوجٌ في عدة. وروى عنه: أنه ليس كالناكح في عدة. قال الشيخ: فوجه الأولى: أنهم جعلوا الحيضة في أم الولد كالعدة في الحرة فكان الناكح فيها كالناكح في العدة, لأنه أدخل شبهةً في النسب, فوجب تأبيد التحريم عليه كالوطء في العدة.

ووجه الثانية: أن حقيقة هذه الحيضة استبراءٌ لا عدة, لأنها عن وطءٍ بملك, وإنما ذكر الله عز وجل العدة في الزوجات, ولو كانت عدةً لكانت قُرءَين أو شهرين وخمس ليال, لأنها في حكم الإماء, فلما كان غالب حكمها الاستبراء كان الوطء بنكاحٍ فيها كوطء مبتاع الأمة قبل الاستبراء, وذلك لا يوجب تأييد التحريم. [فصل 9_في وطء السيد لأمته المعتدة] ومن المدونة: قال مالك: وإذا وطاء السيد أمته في عدةٍ من زوجٍ حرٍ أو عبدٍ, حرمت عليه للأبد. قال: وكل وطءٍ بملكٍ أو شبهة نكاحٍ في عدة نكاح يحرم, ألا ترى أن من طلق زوجته البتة, ثم ابتاعها لا يحل له وطؤها بالملك حتى تنكح زوجاً غيره. قال ابن وهب عن مالك: ومن وطاء أمةً بنكاحٍ في عدة نكاح, ثم ابتعاها لم تحل له بعد أبداً. ومن العتبية: روى أبو زيد عن ابن القاسم: ومن نكح أمةً فبنى بها وهي حاملٌ من السيد فسخ ذلك, وليس بواطاءٍ في عدة, ولا تحرم عليه, والوطء بملكٍ أو نكاح ممن ليست في عدة نكاحٍ أو وفاةٍ فليس يحرم.

[فصل 10 - في تأبيد التحريم على الناكح في العدة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: فرق عمر بين المتناكحين في العدة في العمد والجهل, وقال: لا يتناكحان أبداً. ابن وهب: وقد قال عمر فيمن نكح في العدة فلم يدخل بها حتى فرق بينهما: أنها تتم العدة الأول, ويخطبها الثاني إن شاء, وإن دخل بها لم تحل له أبدا. قال عبد الوهاب: لأنه إذا لم يدخل بها لم يدخل في النسب شبهة, وهذا الظاهر, وقد قيل: يتأبَّد التحريم عليه. ووجه ذلك: قوله / عز وجل: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة:235] , فارتكب النهي فعوقب بتأبيد التحريم. قال الشيخ: لأن من أصلنا أنَّا نحرِّم بالأقل, وقد حرم الله عز وجل ما نكح الآباء, فكان العقد على الزوجة تحريماً على الأبناء كالدخول, فكذلك هذا.

[الباب السابع] فيمن أتت بولد بعد العدة وقد نكحت زوجا أم لا

[الباب السابع] فيمن أتت بولد بعد العدة وقد نكحت زوجا أم لا روى ابن وهب عن اللَّيث بن سعد عن ابن عجلان أن امرأته وضعت له ولداً في أربع سنين, ووضعت له آخر في سبع سنين. وسئل أبو عمران عما يقال أن مالكاً أقام في بطن أمه سنتين؟ فقال: ذكره الواقِدي, وأخذه عنه ابن قُتيبة. وقيل لابن القاسم: فمن طلق نفسه ثلاثاً أو واحدةً فأتت بولدٍ لأكثر من سنتين أيلزم الزوج الولد؟ قال: نعم يلزمه عند مالك إذا جاءت به في ثلاث سنين أو أربعٍ أو خمس, وهو رأيي.

قال: وكان مالك يقول: إذا جاءت به لما يشبه أن تلد له النساء لزمه. وقد ذكرنا وجه ذلك قبل هذا. قال ابن القاسم: كل معتدةٍ من وفاةٍ أو طلاق بائنٍ أو غير بائنٍ تأتي بولدٍ وقد أقرت بانقضاء عدتها أو لم تُقر, فإنه يلحق بالزوج ما بينها وبين خمس سنين فأدنى, إلا أن ينفيه الحي بلعان, ويدعي أنه استبرأ قبل طلاقه, فلا يضرها ما أقرت به من انقضاء العدة, لأنها تقول: حضتُ وأنا حاملٌ ولا علم لي بالحمل, وقد قُهراق المرآة الدم على الحمل. وكذلك إن طلقت وارتابت بتأخير حيض فاعتدت بسنة, فإنها تحل إلا أن تستراب بعد ذلك فتنتظر حتى تذهب ريبتها, فإن تمادت الريبة جلست ما بينها وبين خمس سنين, فما وضعت بعد ذلك لم يلحق بالزوج وإن أتت به بعد ذلك لشهرين أو ثلاثة, وتحد المرأة, وإن مضى لهذه المطلقة خمس سنين إلا خمسة أشهرٍ ولم تقر بانقضاء العدة ثم تزوجت, فإن قالت: إنما تزوجت بعد العدة وبعد زوال الريبة صدقت, ولا تنكح المسترابة البطن إلا بعد زوال الريبة, أو بعد خمس سنين, فإن نكحت قبل خمس سنين بأربعة أشهرٍ فأتت بولدٍ لخمسة أشهرٍ من يوم نكحت لم يلحق بأحد الزوجين وحُدَّت, وفسخ نكاح الثاني, لأنه نكح حاملاً. قال الشيخ: وحكي لنا عن بعض شيوخنا القرويين: أن الشيخ أبا الحسن كان يستعظم أن يُنفى الولد من الزوج الأول وأن تحد المرأة حين زادت على الخمس سنين بشهر, وكان يقول: كأن الخمس سنين فرضٌ من الله عز وجل ورسوله!.

وقد اختلف قول مالكٍ وغيره في مدة الحمل, فقال مرة: يلحق الحمل إلى سبع سنين, وقال: إلى دون ذلك, فكيف ينفي الولد وترجم المرأة فيمن كان القول فيها على مثل هذا, هذا عظيم! قال مالك: وإن نكحت امرأةٌ ودخلت في العدة قبل حيضة, ثم ظهر بها حملٌ فهو للأول, وتحرم على الثاني, ولو نكحت بعد حيضةٍ فهو للثاني إن وضعته لستة أشهرٍ فأكثر من يوم دخل بها الثاني, فإن وضعته لأقل فهو للأول, وهذا حكم النكاح, وإنما القَافَة في الأمة يطؤها السيدان في طهرٍ واحدٍ فتأتي بولد. قال: وكذلك من نكح في عدة وفاةٍ بعد حيضة, أو قبل في لحوق الولد. قال ابن القاسم: وعدتها منهما وضع الحمل / ألحقت الولد بالأول أو بالثاني, وهو فيها أقصى الأجلين. قال ابن المواز: ومن تزوج امرأةً في العدة قبل حيضة فأتت بولد _يريد لستة أشهر_ فهو للأول إلا أن ينفيه بلعان, فإن التعن لم تلتعن هي وكان بالثاني لاحقاً إلا أن ينفيه, فإن نفاه بلعانٍ التعنت هي, وإن نكلت حُدَّت, ولو التعن الثاني ثم استلحقه الأول لحق به ولم يُحد, إذ لم ينفه إلى زنا, وإذا كان الثاني هو مستلحقه دون الأول لحق به وحُد, لأنه كان نفاه إلى غير أب. ومن استلحقه منهما أولاً لحق به, ثم لا دعوى للثاني فيه, ولو ادعاه الأول قبل لعان الثاني لم يقبل منه, لأنه ابنٌ للثاني, ولو استلحقاه كلاهما بعد التعانهما كان الأول أحق به.

[الباب الثامن] في امرأة الخصي والصبي تأتي بولد, وعدتها منه وعدة الذمية تسلم تحت ذمي, والعدة في النكاح الفاسد وتصادق الزوجين على نفي المسيس

[الباب الثامن] في امرأة الخصي والصبي تأتي بولد, وعدتها منه وعدة الذمية تسلم تحت ذمي, والعدة في النكاح الفاسد وتصادق الزوجين على نفي المسيس [فصل 1_ في امرأة الصبي تأتي بولد, وعدتها منه] قال مالك: وإذا كان الصبي لا يولد لمثله وهو يقوى على الجماع, فظهر بامرأته حملٌ لم يلحق به وتحدُّ المرأة, وإن مات هذا الصبي لم تنقض عدتها من الوفاة بوضع حملها, وعليها أربعة أشهرٍ وعشراً من يوم مات, وإنما الحمل الذي تنقضي به العدة الحمل الذي يثبت به نسبه من أبيه, خلا الملاعنة خاصةً فإنها تحل بالوضع وإن لم تلحقه بالزوج, وإذا مات الزوج وهي في العدة لم تنتقل إلى عدة الوفاة _يريد وكذلك المختلعة والمنعي لها زوجها والمعتدة من وفاةٍ فتتزوج فتحمل من الآخر أو تكون حاملاً من الأول فيلحق الولد بأحدهما, فإنه تنقضي به عدتها من الآخر وإن لم يلحق به, وقد تقدم هذا. قال مالك: وإذا دخل الصبي بزوجته ومثله يقوى على الجماع ولا يولد لمثله ثم صالح عنه أبوه أو وصيه, فلا عدة على امرأته, ولا صداق لها, ولا غُسْل عليها من وطئه إلا أن تَلْتَذَّ_ يعني: اُنزلت. فصل [2_في امرأة الخصي تأتي بولد, وعدتها منه] قال مالك: والخَصِي لا يلزمه ولدٌ إن أتت به امرأته إلا أن يُعلم أنه يولد لمثله فيلزمه.

قال ابن حبيب: وإن كان الخصي مقطوع الخصا والعسيب ممسوحاً فلا عدة عليها من طلاقه, وهي داخلةٌ في قوله تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49]. وإن جاءت بولدٍ لم يُلحق به, وعلى امرأته الحد. وإذا بقي معه أنثياه أو اليسرى وبقي معه من عَسِيبه بعضه فالولد لا حقٌ به إلا أن ينفيه بلعان, وعليها العدة, وروى ذلك عن مالك. [فصل 3_في عدة الذمية تسلم تحت ذمي] ومن المدونة: قال مالك: وإذا أسلمت ذميةٌ تحت ذميٍّ, ثم مات وهي في عدتها لم تنتقل إلى عدة الوفاة, وتمادت على عدتها ثلاث حيض. قال غيره: وناكحها ناكحٌ في عدة. قال مالك: ولا شيء لها من المهر إن لم يكن دخل بها, مات أو لم يمت. قال في المستخرجة: فإن تزوجها مسلمٌ بعض حيضةٍ لم يفسخ نكاحه, دخل بها أم لا, لأن مالكاً كان يقول قديماً: عدتها حيضة. وقال أصبغ في كتاب ابن المواز كقول ابن القاسم.

ابن المواز: وقال ابن وهب يفسخ نكاحه. [فصل 4_في العدة في النكاح الفاسد] ومن المدونة: قال: وما فسخ من نكاحٍ فاسدٍ, أو ذات محرمٍ, أو المنعي لها تنكح, أو أمةٍ بغير إذن سيدها: فالعدة في ذلك كله كعدة النكاح الصحيح, ويعتددن في بيوتهن./ فصل [5_في تصادق الزوجين علي نفي المسيس] ومن المدونة: وإذا تصادق الزوجان بعد الخلوة في النكاح الفاسد أو الصحيح على نفي المسيس لم تسقط العدة بذلك, لأنه لو كان ولدٌ لثبت نسبه إلا أن ينفيه بلعان, ولا يكون لها صداقٌ ولا نصفه, لأنها لم تطلبه, وتُعَاضُ من تلذُّذه بها إن كان تلذَّذ منها بشيء, وقيل: لا تُعَاض.

[الباب التاسع] في امرأة المفقود والأسير وماله وميراثه وفي التي يبلغها الطلاق ولم تبلغها الرجعة

[الباب التاسع] في امرأة المفقود والأسير وماله وميراثه وفي التي يبلغها الطلاق ولم تبلغها الرجعة [فصل 1_في امرأة المفقود وما يضرب لها من الأجل] وقد ضرب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لامرأة المفقود أربع سنين, ثم تعتد عدة الوفاة ثم تحل. قال مالك: وبلغني عنه في امرأة المفقود, وفي التي علمت بالطلاق ولم تعلم بالرجعة أنها إن تزوجت ثم قدم الأول فإنه أحق بها ما لم يدخل بها الثاني, وهذا أحب ما سمعت إلى فيها وفي امرأة المفقود. قال: وإنما يضرب السلطان الأجل لامرأة المفقود بعد أن ترفع إليه, وإن لم تقم إلا بعد سنين, وإنما يضرب لها بعد الكشف عنه, وإن علم إلي أي جهةٍ خرج إليها كتب إليها في الكشف عنه, فإذا أيس من عِلُمِ خَبَرِه ضرب لها من يومئذٍ للحر أربع سنين, وللعبد سنتين, وسواءٌ كانت الزوجة حرةً أو أمةً. قال: ثم تعتد هي بعد ذلك دون أمر الإمام كعدة الوفاة, كان زوجها دخل بها أم لا, وعليها الإحداد. قال ابن الماجشون: لا إحداد عليها, ولها ذلك في يقين الموت. قال الشيخ: وروي لمالك: إذا كان للمفقود امرأتان فرفعت أحداهما أمرها إلى السلطان, فضرب له أجل أربع سنين, ثم بعد ذلك رفعت المرأة الأخرى أمرها, قال مالك: لا يستأنف لها ضرباً.

وذكر لنا عن بعض شيوخنا مثل هذا. قال: وكذلك إن قامت بعد مضي الأجل والعدة فإنه يجزئها, وضرب الإمام الأجل لواحدةٍ من نسائه كضربه لجميعهن, كما أن تفليس المِديان لأحد الغرماء تفليسٌ لجميعهم, وقيام واحدٍ كقيام الجماعة. وذكر عن أبي عمران أنه يضرب للثانية الأجل حين ترفع إليه من غير أن يكشف عن أمر المفقود, لأنه قد كشف عنه للأولى. قال بعض فقهائنا: وهذا أصح, والله أعلم. قال عبد الوهاب: وإنما قلنا: أن الإمام يكشف عن خبره إذا رفعت زوجته ذلك إليه ثم يضرب له أجل أربع سنين ليزيل الضرر عنها, ولا يجوز له ضرب الأجل قبل السؤال والبحث, لجواز أن يكون حياً, وإنما يضرب له الأجل أربع سنين لاجتماع الصحابة على ذلك, وروي عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم: أنه يضرب له أجل أربع سنين, ومثله عن جماعةٍ من التابعين, ولم يحفظ خلافٌ عن أحدٍ من الصدر الأول في ذلك, ولأن أصل ضرب الأجل إنما هو للغالب من مدة الحمل, وغالبه هذا المقدار, ولأنه لما كان لها الخيار في الفرقة مع العِنَّة والإيلاء ولم يكن فيهما إلا فقد الوطء دون فقد العشرة والنفقة, كان في مسألتنا الجامعة لفقد ذلك أولى, وإنما جعلنا عليها عدة الوفاة دون عدة الطلاق,

لأن الغالب من شأنه الموت, إذ لو كان حياً لكان في طول البحث يعلم حاله, ولا يجوز لمحكومٍ لها بالمفارقة أن تتزوج إلا بعد العدة, لأن الطلاق لا يوجب عدةً قبل الدخول / فاحتبط بهذا للزوج الأول وللنسب, فبني أمره على الغالب وهو الموت ولم تكن لها نفقةً في هذه العدة, لأنها عدة وفاة, ولا نفقة للمتوفى عنها زوجها, وهو في ذلك بخلاف الأجل الذي لها النفقة فيه, وإنما قلنا: إذا انقضت العدة كان لها التزويج, لأن الخبر ورد بذلك عن عمر وعثمان رضي الله عنهما, ولأن العدة لو لم تُفِدْ إباحة تزويجها لكان لا معنى لها, وإنما لم تحتج فيه إلى إذن الإمام لأن إذنه قد حصل بضرب الأجل, لأن فائدة حبسها عن التزويج قبل انقضائه زوال المنع بانقضائه. قال أبو عمران: أحسن ما يعتمد عليه في تصحيح أربع سنين للمفقود أن يقال: إن عمر وعثمان وغيرهما من جميع من ذهب إلى إبانة المرأة من عصمته مع تجويز حياته اتفقوا على توقيت أربع سنين, والمخالفون لهم قالوا: لا تنكح أبداً حتى تتيقن وفاته, كان للسلف قولان لم يجز إحداث قولٍ ثالثٍ بعد انقراضهم, وإنما يجوز لمن بعدهم التمسك بما رأوه أصوب من ذلك, وضعَّف

قول الأبهري: إن توقيت أربع سنين إنما هو لأنه أقصى مدة الحمل, وذلك منتقِضٌ بقول مالكٍ في العبد: أنه يضرب له أجل نصف ذلك, وأنه اختلف قوله في أقصى مدة الحمل. [فصل 2_في الحكم إن قدم المفقود قبل نكاحها أو بعده] ومن المدونة: قال مالك: فإن قدم أو صحَّت حياته قبل أن تنكح مُنعت من النكاح, وكانت زوجةً بحالها, وكذلك لو تزوجت ولم يدخل بها لفسخ نكاح الثاني وردت إلى الأول, وكذلك التي يبلغها الطلاق ولم تبلغها الرجعة, فإن لم تعلم هي ولم يقدم هو حتى دخل بها الثاني, فالثاني أحق بها. وأول قولي مالك فيها: إن عقد نكاح الثاني دون البناء يُفِيتُها على الأول, وأخذ به المغيرة وغيره. وأخذ ابن القاسم وأشهب بقوله الآخر: إن الأول أحق بها ما لم يدخل بها الثاني. قال الشيخ: وعلى هذا القول الذي لا يُفِيتُها إلا دخول الثاني بها, فيجب أن تقع به الحرمة وإن لم يدخل بها. وقد اختلف هل يقع التحريم في النكاح المختلف في فسخه؟ وهذا أقوى في التحريم لقوة الاختلاف فيه. قال عبد الوهاب: وإنما قال: إذا جاء زوجها في الأجل أو في العدة أو قبل تزويجها فهو أحق بها, لأن الأجل إنما ضرب لمجيئه, والعدة لوفاته فلم يكن ذلك ولم تَفُت بتزويج, فلذلك كانت باقيةً على زوجيته, وإنما قال: وإن جاء

بعد عقد الثاني ودخوله فلا مقال له, لأنها قد فاتت بالوطء وحكم الحاكم, لأن اعتدادها بأمره حكم بالفراق عليه, وأما إن جاء بعد التزويج وقبل الدخول فوجه قول مالك الأول: أنها نكحت بعد الاعتداد وضرب الأجل كما لو دخل. ووجه الآخر: أنه عقد نكاحٍ مختلَف فيه طرأ عليه عقد النكاح صحيحٍ تقدمه, فوجب أن لا يفيتها إلا بأن يُضمَّ إليه دخول, أصله نكاح الوليين. قال الشيخ: وأيضاً فإن النكاح الثاني من نكاحٍ صحيحٍ لم يدخل فيه, والأول نكاحٌ صحيحٌ دخل فيه, فقد زاد مزيَّة الدخول على الثاني فكان أولى, وإن دخل الثاني فقد استوت مزيتهما وزاد عليه الثاني الحيازة فكان أولى. قال ابن الجلَّاب: وإن فقد قبل الدخول أعطيت المرأة نصف صداقها, قال: فإن ثبتت بعد ذلك وفاته أكمل لها صداقها, وكذلك إن مضى عليه من الزمان ما لا يحيا لمثله دفع إليها بقية صداقها. _قال الشيخ: وقاله عبد الملك_. وقيل: يدفع لها أولاً صداقها كله, فإن جاء بعد ذلك زوجها حياً رجع عليها بنصفه, وقيل: لا يرجع عليها بشيء. قال الشيخ: فوجه قوله: يدفع إليها نصف صداقها خوفاً أن يكون زوجها حياً فتعد فرقته طلاقاً. ووجه أنه يدفع إليها جميعه: / لأنه أنزله بمنزلة الميت, واعتدت لوفاته فكان لها جميعه كالمتوفى عنها زوجها.

ووجه إن جاء حياً رجع عليها بنصفه: لأنه قد بان صحة الفرقة أنها كانت طلاقا. ووجه أنه لا يرجع عليها بشيء: لأنه حكمٌ نفذ فلا يُنقَض. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: إذا قضى لزوجته بجميع الصداق قبل البناء, ثم قدم _[يريد] وقد تزوجت_ ردت نصفه, ثم رجع فقال: لا ترد شيئاً كالميت والمعترض. قال ابن المواز: وهذا استحسان, والأول أقيس, وهو أحب إلي, وقاله أصبغ. [قال الشيخ]: قال أبو بكر بن عبد الرحمن: وإذا ضرب لها الأجل واعتدت ثم أرادت أن تبقى على عصمة المفقود فليس لها ذلك, لأنها صارت مباحةً للأزواج, ولا حجة أنه لو قدم لكان أحق بها, لأنها إنما أمرت بالعدة للفراق, فتجبر على ذلك حتى تظهر حياته, ألا ترى أنها لو ماتت بعد العدة لم يوقف له منها ميراث, وإن كان لو علمت حياته ردت إليه. وكذلك قال أبو عمران: إذا اعتدت أو مضت بعض العدة لم يكن لها أن ترجع إلى عصمته, وقد وجبت عليها العدة والإحداد, فليس لها أن تسقط ما وجب عليها باختيارها. وأما في الأربع سنين فلها ذلك, لأنها لم تجب عليها عدة. قال: ومتى ما رفعت بعد ذلك, ابتدأ لها الضرب.

قال الشيخ: وحكى ابن عَيشُون الطُّلَيطِلي عن ابن نافع: أنها إذا اعتدت ثم قدم المفقود أنه لا سبيل له إليها, لأنها أبيحت للأزواج إلا بصداقٍ مبتدأ. قال أبو عمران: وتواليف ابن عَيشُون الطُّلَيطِلي مُختَلَّةٌ ونقلُه ضعيف. [فصل 3_في الحكم إن رجعت إلى الأول قبل بناء الثاني أو مات الثاني بعد البناء] ومن المدونة: قال مالك: فإذا رجعت إلى الأول قبل بناء الثاني كانت عنده على الطلاق كله, وإنما تقع عليها طلقة بدخول الثاني, فأما قبل ذلك فلا, لأنه قد وقع الفراق, وقبل الدخول قد فسخ نكاح الثاني, وبقيت على الزوجية الأولى. قال مالك: وإذا مات عنها الثاني بعد البناء ثم تزوجها الأول رجعت عنده على تطليقتين إلا أن يتقدم له فيها طلاق. قال ابن القاسم: وإذا علم أن المفقود مات بعد نكاح الثاني وقبل دخوله فموته هاهنا كقدومه حينئذ, فيفسخ نكاح الثاني, وترث الأول, وتعتد لوفاته من يوم صحة موته, لأن عصمة الأول لم تسقط, وإنما تسقط بدخول الآخر. قال الشيخ: وهذا على قوله الآخر: انها لا تفوت إلا بالدخول, ولأن موته في هذا القول قبل دخول الثاني يصير الثاني كأنه نكاحٌ في عدة, لأنها باقيةٌ على عصمة الأول, وتلزمها بموته عدة الوفاة, وقد صارت في حال العدة متزوجةً لغيره لم يُدخَل بها.

[فصل 4 - في الحكم إن مات الثاني قبل البناء أو علم موت الأول بعده] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن مات الثاني قبل البناء فورثته, ثم عُلِمَ أن الأول حيٌّ ردت ميراثها من الثاني, ورجعت إلى حكم عصمة الأول في حياته وموته, ولو علم أن الأول مات بعد بناء الثاني فهو كمجيئه حينئذ, فتثبت عصمة الثاني ولا ترث الأول. ابن المواز: ولو دخل بها الثاني ثم علم أن المفقود مات قبل دخول الثاني كان نكاح الثاني مفسوخاً. قال الشيخ: لأنه يصير كالناكح في العدة, إذا مرَّ بها زمن العدة وهي معقودٌ عليها, فكان ذلك كالعقد فيها, كالرامي من الحلِّ تخرق رميته الحرم فتصيب الصيد في الحل, أنه كالرامي في الحرم. قال الشيخ: وقد تقدم لابن المواز ما يدل على خلاف هذا. قال: إذا اعتدت المنعي لها زوجها وتزوجت ودخل بها, ثم ثبت أن الأول مات بعد عقد الثاني وقبل دخوله فليفرق بينهما, ويؤمر بالتورُّع عنها, وهي أخفُّ ممن نكح في العدة ودخل بعدها, / وهو كمن يواعد في العدة ودخل بعدها لأنه عقد نكاحها وهي ذات زوج, فعقده كَلَا عَقْد, ولكنه وطيء في نكاحٍ كانت فيه عدة, فليتنزه عنها أحب إلي. قال الشيخ: وما قدمت أقيس, لأنه عقدٌ لو قدم بعد الدخول فيه لم تُرد إليه, وليثبت على ذلك العقد, وإن كانت يوم العقد ذات زوجٍ فإذا مات الأول

قبل دخول الثاني فقد صادفتها العدة وهي معقودٌ عليها, فهي كمن عقدت في العدة ودخلت بعدها, أصله الرامي من الحل تخرق رميته الحرم ثم تصيبه في الحل, والله أعلم. [فصل 5_في الحكم إن نكحت في عدتها من الأول, أو بعدها] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو مات الأول بعد الأجل والعدة, ثم نكحت في وقتٍ تكون فيه في عدةٍ من الأول في صحة موته فسخ نكاح الثاني, فإن لم يكن دخل بها كان خاطباً من الخُطَّاب بعد انقضاء عدة الأول, وإن كان قد بنى بها في عدة الأول لم تحل له أبداً, وترث الأول في الوجهين, وإن صح أنها نكحت بعد تمام عدة الأول من يوم موته ورثته, وثبتت مع الثاني, واسلك بالتي تعلم بالطلاق ولا تعلم بالرجعة حتى تعتد وتنكح هذا المسلك في فسخ النكاح والموت والميراث وجميع أحكامها. قال عبد الملك: وذلك إذا أقام بينةً أنه ارتجع قبل عقد الثاني, فأما بقوله بعد عقد نكاح الثاني: إني ارتجعت قبل عقد الثاني, فلا يقبل منه. قال ابن المواز: وامرأة المفقود لو تزوجت الثاني, ودخل بها, ثم وجد نكاحه نكاحاً فاسداً يفسخ بغير طلاقٍ, وقدم المفقود, فإنها ترد إليه, ولو كان نكاحاً يفسخ بطلاقٍ لم ترد إليه.

ولو قدم بعد أن خلا بها الثاني خلوةً توجب عليها العدة وقال: لم أمسها, لحرمت على الثاني _يريد في هذا النكاح_ ولا تحل للآخر إلا بنكاحٍ جديدٍ بعد ثلاث حيض. قال: وإن نكحت امرأة المفقود في شهور العدة فهي ناكحةٌ في عدةٍ ما لم يظهر للمفقود خبر, ويفسخ نكاحها, وتؤمر بتمام الشهور مع ثلاث حيض من الثاني, فإن نكحت في الثلاث حيض فهي ناكحةٌ في العدة ظهر للمفقود خبرٌ أو لم يظهر, ولكن يكون الناكح في الشهور ناكحاً في عدةٍ إن عَمِيَ خبره, وإن ظهر أنه حيٌّ أو أنه مات في وقتٍ لا تكون تلك الأشهر عدة, أو أنه مات بعد الشهور لم يكن ناكحاً في الشهور ناكحاً في عدة, ولو تزوجت ثالثاً بعد الثلاث حيض من الثاني وبعد الشهور, ودخل بها الثالث, صار متزوجاً في الشهور ناكحاً في العدة إذ لا سبيل للمفقود إليها بعد الدخول الصحيح قبل العلم بخبره. قال أبو محمد: إذا كان يلزم المفقود طلقةً فقد انكشف أن عدتها عدة الطلاق, فالأول جاهلٌ نكحها بعد تمام عدة الطلاق في بقية من الأربعة أشهرٍ وعشر, فسلم من النكاح في العدة, أو قبل ذلك فيكون ناكحاً في العدة. قال ابن المواز: ولو ظهر أنه مات في وقتٍ يكون الثالث ناكحاً في عدةٍ من وفاة كان الثالث والثاني ناكِحَين في عدة, والناكح أولاً في الشهور غير ناكحٍ في عدة. قال مالك: وإن نكح في الأربع سنين ودخل بها فليفرق بينهما, ثم يقيم تمام الأربع سنين ثم تعتد أربعة أشهرٍ وعشراً, ولابد في ذلك من ثلاث حيض, وليس بناكحٍ في عدة.

وذكر عن أبي عمران: إذا تزوجت في الأجل أو قبل ضربه فليفرق بينهما وتحد إن لم تعذر بجهلٍ كالمنعي لها زوجها. قال: وعند إسماعيل القاضي: أن امرأة المنعي لها زوجها بمنزلة امرأة المفقود في اختلاف قول مالك في دخول من تزوجها وغير دخوله. وقال: ولا تكون أسوأ حالاً من امرأة المفقود, وتكون البينة التي نعت إليها زوجها / وما فعلت هي كحكم الحاكم في المفقود. قال الشيخ: وقد تقدم لمالكٍ وأصحابه خلاف ذلك, وإنها ترد إلى الأول وإن فاتت وولدت الأولاد من الثاني, إذ لا حجة لها باجتهاد إمام, أو بيقين طلاق. وذكر عن أبي عمران: إذا تزوجت في الأربعة أشهرٍ وعشر ففرق السلطان بينهما إذ تزوجت في العدة, ثم ثبت أن المفقود مات, وانقضت عدتها منه قبل الأربعة أشهرٍ وعشرٍ وقبل تزويجها, قال: لا يلزم ذلك الفسخ, وترد إلى هذا الزوج, ولو كانت قد تزوجت غيره لفسخ نكاح الثالث, وردت إلى الثاني. وكذلك مسألة المنعي لها زوجها, وكذلك لو غاب عن امرأةٍ زوجها فتزوجت ففسخ السلطان نكاحها, لأنها زوجة رجلٍ ثم انكشف أن الغائب مات أو طلقها وانقضت عدتها منه قبل نكاح هذا الزوج, أن هذا الفسخ لا يلزمه, وترد إليه, وهي كامرأة المنعي لها زوجها ترد إلى زوجها على كل حال. قال: ولو أخبرها ثقتان بموت زوجها الغائب فاعتدت وتزوجت ولم ترفع إلى حاكم, فلا يفسخ ذلك النكاح إذا كانت البينة عدلة, والأمر على الصحة حتى يظهر خلاف ذلك, وإنما يفسخ ذلك إذا كانت غير عدلة, أو لم يعلم ذلك إلا

لقولها فيفسخ نكاحها, إذ لسنا على صحة من استباحتها, وإذا ثبت موته عندها برجلين ثقتين لم يلزمها أن ترفع إلى الحاكم, ولها أن تتزوج. قال ابن حبيب عن أصبغ: وإذا نكحت بعد الأجل والعدة وبنى بها ثم طلق أو مات, ثم قدم الأول فأراد نكاحها وقد تقدم له فيها طلقتان فلا تحل له إلا بعد زوج, لأنها ثالثة بعد دخول الثاني بها. وفي السليمانية: قال أشهب: له أن يتزوجها بعد أن فارقها زوجها الثاني, لأنه أحلها له_وقاله بعد شيوخنا القرويين_. قال: لأن بدخول الثاني انكشف لنا أن الطلقة وقعت عليها بعد العدة, ولو وقعت عليها بعد دخوله لوجب أن تستقبل العدة. وقال أبو عمران: قول أصبغ صواب, لأن الطلقة الثالثة إنما تقع بدخول الثاني, وهي لم تحدث بعدها نكاحا, فلا تحل له من بعد حتى تنكح بعده زوجاً غيره, وكذلك القول على أول قول مالك: أن عقد النكاح يُفِيتُها, أنها لا تحل للمفقود إلا بعد زوجٍ ثان, فهذا وجه قول أصبغ, والآخر وجه قول أشهب. [فصل 6_في النفقة على امرأة المفقود وولده] ومن المدونة: قال مالك: وينفق على امرأة المفقود في الأربع سنين من ماله ولا نفقة لها بعد ذلك في الأربعة أشهرٍ وعشر, لأنها معتدة, ولولده النفقة ما كانوا صغارا, إن لم يكن لهم مال, فإن كان لهم مالٌ أنفق عليهم منه, لأن مالكاً قال: إذا كان للصغير مالً لم يجبر الأب على النفقة.

قال ابن القاسم: وما أنفق على ولد المفقود وزوجته فلا يؤخذ منهم بذلك كفيل. قال مالك: وإذا أنفقت المفقود من ماله في الأجل, ثم ثبت أنه مات قبل ذلك, غرمت ما أنفقت من يوم مات, لأنها قد صارت وارثة, ولم يكن منه تفريط, ونفقتها من مالها. قال ابن القاسم: وكذلك إن مات قبل الأجل فإنها ترد ما أنفقت من يوم مات, وكذلك المتوفى عنها زوجها ترد ما أنفقت بعد الوفاة, وكذلك ما أنفق على ولد المفقود, ثم ثبت أنه مات قبل ذلك, فإنهم يردون ما أنفقوا بعد موته. فصل [7_في مال المفقود وميراثه] قال مالك: ولا يقسم ورثة المفقود ماله حتى يأتي عليه من الزمان ما لا يحيا إلى مثله, فيقسم بين ورثته حينئذٍ لا يوم فُقِد. قال الشيخ: لأنه لا ضرر في إيقافه فهو / مفارقٌ للزوجة. قال مالك: أو يصح وقت موته فيرثه ورثته يوم صحة موته. ابن المواز: قال ابن القاسم وغيره: وترثه حينئذٍ زوجته هذه التي ضرب لها الأجل, واعتدت إن لم تتزوج ويبني بها, ولو علم أنه مات قبل بناء الثاني لها لورثت الأول كانت الآن حيةً أو ميتة, وأحب إلينا ما قاله ابن وهب: أنهما يتوارثان مالم تنكح زوجاً غيره. _قال الشيخ: لأنه لو أتي لكانت على زوجيتها معه_. واختلف في تعميره, فقال مالك وابن القاسم: سبعون.

قال عبد الوهاب: وهذا هو الظاهر, لقوله صلى الله عليه وسلم: «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين, وقلَّ من يجاوز ذلك» , وهذا إخبارٌ عما يتعلق به الحكم من الأعمار. وقال مالك وابن القاسم أيضاً: ثمانون. وقال ابن الماجشون: تسعون, وقيل عنه: مئة. وقال أشهب: مئة من يوم مولده. وسئل الشيخ أبو عمران عن الذي يفقد وهو ابن الثمانين سنة؟ قال: يضرب أجل عشر سنين, وكذلك إن كان ابن تسعين, وأما إن كان ابن خمسٍ وتسعين فإنما يضرب له خمس سنين, وإذا فُقِدَ ابن مئةٍ اجتهد فيما يضرب له, قال غيره: كالسنة ونحوها. وفي كتاب ابن سحنون: إذا فُقِد ابن ثمانين, أو تسعين, أو مئة, استحب أصحابنا أن يزاد على ذلك عشر سنين. قال بعض أصحابنا: والأول أصوب.

[فصل 8 - في الحكم إن مات للمفقود ولد] ومن المدونة: قال مالك: وإذا مات للمفقود ولدٌ وُقِفَ ميراثه منه, فإن أتى أخذه, وإن موِّت بالتعمير رُدَّ ذلك إلى ورثة الابن يوم مات, وورث هذا المفقود وورثته يوم جعلته ميتاً, ولا يرثه ولده الذي مات قبل ذلك. قال مالك: ولا يرث أحدٌ أحداً بالشك, وكذلك لا أورِّث بالشك من لا يُعلم أولُّهما موتاً بغرقٍ أو هَدْمٍ, ويرث كل واحدٍ ورثته. وقال ابن الماجشون: وإذا مُوِّت الأب بالتعمير بقي ميراثه من الابن موقوفاً إلى يقين أولِّهما موتاً, وبدَّأنا إياه على ورثة الابن توريثاً بالشك. [فصل 9_في العبد المفقود يعتقه سيده] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا فُقِد عبدٌ فأعتقه سيده وله ولدٌ أحرارٌ لم يجر ولاءهم حتى يُعلم أن العتق أصابه حيَّاً, ولا يوقف للعبد ميراث من مات من ولده الأحرار, وهو بخلاف الحر في هذا, لأنه على أصل المنع الموارثة بالرق حتى يصح عتقه, وأحسن ذلك أن يدفع إلى ورثة الابن بحميلٍ يعطونه, فإن جاء أبوهم دفعوا إليه حظه من ذالك, وإنما أوقعته للحر ولم أدفعه بحمالة, لأنه على أصل توارث الأحرار, إلا أني أورِّث بالشك. وينظر الإمام في مال المفقود, ويجمعه ويوقفه, كان بيد وارثٍ أو غيره, ويوكِّل به من يرضاه, وإن كان في ورثته من يراه لذلك أهلاً أقامه له, وينظر في ودائعه وقراضه, ويقبض ديونه, ولا يبرأ من دفع من غرمائه إلى ورثته, لأنهم لم يرثوه بعد, وما أسكن, أو أعار, أو أجَّر إلى أجلٍ أُرجي إليه, وإن قارَض إلى

أجلٍ فسخ, وأخذ المال وما لحقه من دين, أو اعتراف, أو عهدة ثمن, أو عيب, قضي به عليه, ولا يقام له وكيل, وتباع عروضه في ذلك, / وإن أقام رجل البينة أنه أوصى له بشيءٍ أو أسند إليه الوصية, سمعت بينته, وإذا قضي بموته بحقيقةٍ أو بتعميرٍ جعلت الوصي وصيه, وأعطيت الموصى له وصيته إن كان حياً, وحملها الثلث, ولا أعيد البينة, وكذلك إن أقامت المرأة بينةً أنه زوجها قبلت بينتها, لأنه مالكاً يرى القضاء على الغائب. فصل [10_في امرأة الأسير] قال ابن القاسم: وأما الأسير فلا تؤجل امرأته بخلاف المفقود, علمنا بموضع الأسر أم لا, لأنه معلومٌ أنه قد أُسِر, ولا يصل الإمام من كشف حاله إلى ما يفعله في المفقود, ولا تنكح امرأته إلا أن يصح موته, أو تنصُّره أما طائعاً, أو لا يُعلم أطائعاً أو مُكْرهاً, فيفرق بينهما, ويوقف ماله, فإن مات مرتداً كان للمسلمين, وإن أسلم كان له, وإن ننصَّر مكرهاً كانت في عصمته وينفق عليها من ماله. فصل [11_فيمن دخل بلاد الحرب هل هو كالمفقود أم لا؟] قال أصبغ: ومن أَدْرَبَ في البر إلى بلد الحرب فليس كالمفقود في ضرب

الأجل, وأما من فُقِدَ إليها في البحر فكالمفقود بعد الكشف والتربص يضرب له الأجل. وقال أشهب في المُدرِب في البر إلى بلد الحرب كمفقودٍ في بلد الإسلام, ولا أقوله. وقال عيسى عن ابن القاسم عن مالك: المفقود على ثلاثة أوجه: فمفقودٌ لا يُدرى موضعه, فهذا يكشف عنه الإمام, ثم يضرب له بعد الكشف أربع سنين ثم تعتد زوجته أربعة أشهرٍ وعشراً, وتأخذ جميع الصداق, ثم تتزوج إن شاءت. ومفقودٌ في صَفِّ المسلمين في قتال العدو في بلادهم, فهذا لا تنكح امرأته أبدا, وتُوقَف هي وماله حتى يأتي عليه من الزمان ما لا يحيا لمثله. _قال الشيخ: وذلك كالأسير_. قال: ومفقودٌ في فتن المسلمين بينهم البين, فهذا لا يضرب له أجل, وإنما يتلوَّم الإمام لزوجته باجتهاده بقدر انصراف من انصرف, وانهزام من انهزم, ثم تعتد وتتزوج. قال ابن القاسم: وأنا أرى إن كانت الغيبة التي فُقِد فيها بعيدةً من بلده كإفريقية ونحوها ضرب له سنةً ونحوها, ثم تعتد زوجته, ويقسم ماله. قال سحنون: وإذا فقد في مُعتَركٍ بين المسلمين, وشُهِدَ أنه قُتِلَ ممن حضره ممن لا يعدَّل؟ , قال: فإن ثبت حضوره المعترك بالعدول فله حكم الميت وإن لم يُشهَد بموته, ويقسم ماله وتعتد زوجته من يوم المعترك, وإن كان إنما رأوه خارجاً مع العسكر ليس في المعترك, فهو كالمفقود, ويُضرب له أجل الفقد.

فصل [12 - فيمن فقد في معارك المسلمين] قال ابن حبيب: ومن فُقِدَ في معارك المسلمين التي تكون بينهم, فسواءٌ كانت في بلده أو بائنةً عن بلده فلتتربص زوجته سنةً أو ما قاربها, ثم تعتد عدة الوفاة, ثم تحل للأزواج, ويؤخَّر ميراثه إلى التعمير. [قال أصبغ]: إلا أن يكون المعترك في موضعٍ لا يظن أَحدٌ له بقاء لقُربِهِ وإيضاح أمره، فلا تتربص زوجته حينئذٍ أكثر من العدة ويقسم ماله. قال ابن حبيب: وقيل: إن كانت المعركة في بلده أو قربٍ منها لم تؤمر امرأته بأكثر من العدة، وقسم ماله، وإن كانت بائنةً عن بلده تربصت زوجته سنةً ثم حلَّت، وقُسم ماله. قال ابن حبيب: والأول أحب إلينا. واختلف قول ابن القاسم في كتاب محمد، هل العدة داخلةٌ في السنة أو بعدها في الذي يضرب له السنة؟

[الباب العاشر] في عدة الوفاة وعدة امرأة الخصي والمجبوب والصبي، وعدة الصغيرة

[الباب العاشر] في عدة الوفاة وعدة امرأة الخصي والمجبوب والصبي، وعدة الصغيرة [فصل 1_في عدة الحرة للوفاة] قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:234]. وقال عزَّ وجل: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] فهذه عامَّةٌ لكل معتدة، وقيل: إنها نزلت بعد الأولى. قال مالك: فعلى كل معتدةٍ لوفاة زوجٍ تربُّص أربعة أشهرٍ وعشرٍ إن كانت حرةً مسلمةً أو كتابيةً، بنى بها أو لم يبن، صغيرةً كانت أو كبيرةً، والزوج صغيرًا أو كبيرًا، حرًا أو عبدًا، مجبوبًا أو سليمًا. قال: وإذا عُلم بعد وفاة الزوج بفساد نكاحه، وأنه مما لا يقرَّان عليه، فلا عدة عليها ولا إحداد، وعليها ثلاث حِيَض استبراءً إن كان قد بنى بها، ويلحقه ولدها، ولا ترثه، ولها الصداق المسمى كله مقدَّمه ومؤخَّره.

فصل [2_في عدة الأمة للوفاة] قال: وعدة الأمة وأم الولد ومن فيها بقية رقٍ في وفاة زوجها شهران وخمس ليال، وقاله ابن المسيب وسليمان بن يسار وغيرهما. وقال يحيي بن سعيد: إن كانت الأمة لم تحض اعتدت في وفاة زوجها أربعة أشهرٍ وعشرًا، إلا أن تحيض حيضةً قبل شهرين وخمس ليالٍ فذلك يكفيها. ومن غير المدونة: قال مالك: وإن كانت الأمة لا يوطأ مثلها، أو لم يبن بها فقد حلَّت بتمام الشهرين وخمس ليال، وإن كانت يوطأ مثلها ولم تحض، أو يائسة من المحيض وقد بني بها رفعت إلى تمام ثلاثة أشهر، إذ لا يبرأ رحمٌ بأقل من ذالك. قال أشهب: فإن نكحت بعد تمام شهرين وخمس ليالٍ فُسِخَ ولا عقوبة فيه إلا أن تنكح قبل شهرين وخمس ليالٍ في الوفاة، وقبل شهرٍ ونصف في الطلاق فتُعَاقب. وقال أصبغ: إن تزوجت الحرة المستحاضة أو المستبرأة بتأخير الحيض بعد أربعة أشهرٍ وعشرٍ في الوفاة، وقبل تمام تسعة أشهرٍ لم أفسخ نكاحها، لأنها اعتدت بما أُمِرَت به، وقد أبهم الله عزَّ وجلَّ ذالك، وقد عَلم أن منهن من تحمل وإنما الزيادة استظهار إلا أن يوجد في بطنها حركةٌ فيفسخ إن نكحت قبل زوال ذلك.

قال أشهب: وإن كانت ممن تحيض فأتى للحرة في أربعة أشهر وعشرٍ، وللأمة في الشهرين وخمس ليال _وقت حيضها فحاضتها فقد حلَّت بتمام العدة، وإن لم تأتها فهي مسترابة، فترفع الحرة والأمة إلى التسعة أشهر وتحل. قال أشهب: إلا أن تحسَّ تحريكًا فتقيم إلى خمس سنين. قال مالك: إلا أن تحيض الحرة قبل التسعة أشهرٍ وبعد الأربعة أشهرٍ وعشرٍ أو الأمة بعد شهرين وخمس ليالٍ فتحلَّ حينئذ. قال أشهب: وإن كانت الحرة أنها تحيض في أكثر من أربعة أشهرٍ وعشرٍ، أو الأمة في أكثر من ثلاثة أشهر، فإنهما يحلَّان بهذه الشهور وإن قَرُبَ وقت حيضتها، إلا أن ترتاب بحسّ البطن. [قال الشيخ]: وهذا كله قد قاله مالكٌ في المختصر. وفي باب عدة المستحاضة من معاني هذا الباب، وفيه عدة المستحاضة في الوفاة. فصل [3_في عدة امرأة الخصي والمجبوب] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وتعتد امرأة الخصي في الطلاق. قال أشهب: لأنه يصيب ببقية ذكَرِه ويتحاصنان بذالك. قال ابن القاسم: وأما المجبوب إن كان لا يمسُّ امرأته فلا عدة عليها من طلاقه.

قال ابن أبي زمنين: إذا كان ممسوح العسيب والخُصي فلا عدة عليها من طلاقه، وهي داخلةٌ في الآية: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب:49] وإن جاءت بولدٍ لم يُلحق به وحُدَّت، وإذا بقيت معه أنثياه أو اليسرى، وبقي معه من عسيبه بعضه فالولد لاحقٌ به إلا أن ينفيه بلعان، وعليها العدة، كذلك فسَّره عبدالملك. فصل [4_في عدة الصغيرة] ومن المدونة: قال مالك: ومن دخل بزوجته وهي صغيرةٌ لا يوطأ مثلها فلا عدة عليها من طلاقه، وإذا دخل الصبي بزوجته، ثم بارّا عنه أبٌ أو وصيٌ فلا عدة على امرأته، وقد تقدم هذا.

[الباب الحادي عشر] في مقام المعتدة في بيتها وانتقالها إلى غيره

[الباب الحادي عشر] في مقام المعتدة في بيتها وانتقالها إلى غيره قال الله سبحانه: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق:1] يقول عز وجل: في العدة، وقوله: {إِلَّا أَنْ يَاتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق:1]، قال وَكِيع: هو أن تبدو على أهل الزوج. وقال غيره: ذلك أن ترتكب فاحشةً أو حدَّاً تخرج إليه. وقال آخرون: خروجها هي تلك الفاحشة. وقال الرسول عليه الصلاة والسلام للفُرَيْعَة بنت مالك حين قُتل زوجها: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله»، وقضى به عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما يشددان في ذالك، وينهَيَان أن

تخرج أو تبيت معتدةٌ في غير بيتها إلا لعذر. وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قَيس حين قتل زوجها أن تنتقل إلى بيت ابن أُمَّ مَكْتُوم، وقال عائشة رضي الله عنها: وكانت فاطمة تبيت في مكانٍ وَحْشٍ يُخاف عليها فيه، فلذلك أرخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنتقل. وقد انتقلت عائشة بأختها أُمُّ كَلثوم حين قتل زوجها طَلحَة من المدينة إلى مكة خوفًا عليها من فتنة المدينة بعد قتل عثمان رضي الله عنهم أجمعين. قال مالك: فتعتد المرأة في الطلاق والوفاة في بيتها ولا تنتقل منه إلا لضررٍ لا قرار معه من خوف سقوطه، أو خوف لصوصٍ بقريةٍ لا مسلمين فيها ونحوه، وإن كانت في مدينةٍ فلا تنتقل لضرر جوارٍ ولترفع ذلك إلى الأمام، وإذا انتقلت لعذرٍ إلى منزلٍ ثانٍ أو ثالثٍ لزمها المقام حيث انتقلت حتى تنقضي عدتها، والكِرَاءُ في ذالك كله للمطلقة على الزوج، وإن انتقلت لغير عذرٍ ردَّها الإمام

بالقضاء إلى بيتها حتى تتم عدتها, ولا كِرَاء لها فيما أقامت في غيره. وذكر لنا عن أبي بكر بن عبد الرحمن: إنما قال: لا كراء لها فيما أقامت في غيره, وفرق بينها وبين إذا هربت من زوجها أن لها النفقة, لأن السكنى حقٌ لها فتركته وسكنت في موضعٍ آخر, فأما التي هربت من زوجها فقد كان له أن يرفعها إلى الحاكم فيردها إلى بيتها, فحكم النفقة قائمٌ عليه, ولو كان لا يعلم أين هربت أو تعذَّر عليه رفعها ونحو هذا من الأعذار فلا شيء عليه من النفقة. قال الشيخ: وقد تقدم الاختلاف في النفقة على الناشز فأغنى عن إعادته. ولربَّ الدار إخراجها منها في عدتها إذا انقضى أجل الكراء, وإذا انهدم المسكن فدعت / المرأة إلى سكنى موضعٍ ودعا الزوج إلى غيره فذلك لها إلا أن تدعوه إلى ما يضُّر به لكثرة كراءٍ أو سكنى فتُمنع. قال الشيخ: يعني بقوله: أو سكنى, مثل أن يسكن بموضعٍ يبعُد منه, أو بموضعٍ فيه قوم سوءٍ ونحو ذلك, لأنه له التحفظ لِنَسَبِه في مثل هذا. ولو أسقطت عنه الكراء سكنت حيث شاءت _يريد: حيث يُعرف أنها معتدة, وموضوعٌ لا يخفى عنه خبرها لاحتفاظه على نسبه_. وإذا هلك الأمير عن امرأة, أو طلقها وهي في دار الإمارة, فلا يخرجها الأمير القادم من دارها حتى تنقضي عدتها, ودار الإمارة وغيرها في هذا سواء, وكذلك قال مالكٌ فيمن حُبِسَت عليه دار, وعلى آخر بعده فهلك وترك زوجته: أنه لا يخرجها من صارت إليه الدار حتى تتم عدتها.

ابن المواز: ولو تأخرت حتى تنقضي الريبة ولو إلى خمس سنين, لأن العدة من أسباب أمر الميت, وهذا بخلاف سنين معلومة, ويُسكنها إياها فإذا انقضت قبل تمام عدتها فلربِّ الدار إخراجها. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن بني بزوجته الصغيرة ومثلها يُجَامَع, ثم طلقها, أو مات عنها, فليس لأبويها أن ينقلاها إليهما في العدة, ولتعتد حيث كانت تسكن يوم مات الزوج أو طلق, ولو خرج أبواها إلى الحج أو لسكنى بلدٍ آخر, فلا يخرجاها حتى تتم العدة, إلا البدوية فإن مالكاً قال فيها وحدها: إنها تَنْتَوي مع أهلها حيث انتَووا لا حيث انتوى أهل الزوج, وتُتم هناك بقية العدة, وقاله عروة بن الزبير وربيعة بن عبد الرحمن. وقال يحيى بن عمر: يريد بالبدوية أنهم أهل الخُصُوص. قال ابن وهب: قال مالك: وإن كانت في قرارٍ فانتوى أهلها لم تنتوِ معهم وإن تبدَّا زوجها فمات فإنها ترجع, ولا تقيم تعتد في البادية. قال ابن القاسم: وتعتد الأمة في الموت والطلاق حيث كانت تبيت, فإذا انتجع سيدها إلى بلدٍ آخر كان له أن يخرجها معه, فتتم بقية عدتها في الموضع الذي انتقل إليه كالبدوية. قال حَمْدِيْس: هذا خلاف ما روي عن مالكٍ في أول الكتاب أنه لا يجوز بيعها إلا ممن لا يخرجها في العدة, وإذا لم يجز ذلك لمشتريها فلبائعها أولى.

قال ابن المواز: قال ابن القاسم: فإن كانت الأمة منقطعةً إلى زوجها وليست ممن تأتيه من الليل إلى الليل فانتقل أهلها فلا تنتقل معهم حتى تتم عدتها. ومن المدونة: وتجبر الذمية في العدة من مسلمٍ على العدة في بيتها ولا تنتقل منه حتى تنقضي عدتها, وهي في كل شيءٍ من أمرها في العدة والإحداد مثل الحرة المسلمة. ولا تبيت معتدةٌ من وفاةٍ أو طلاقٍ بائنٍ أو غير بائنٍ إلا في بيتها الذي كانت تسكنه, ولها التصرف نهاراً والخروج سَحَرَاً قُرْب الفجر, وترجع ما بينها وبين العشاء الآخرة, وقاله ابن عمر, وقال: إنها تخرج إلى المسجد, ولأكثر مُؤَنِهَا, ولا تبيت إلا في بيتها. وقال الرسول عليه الصلاة والسلام للمعتدات المتجاورات في دار: «تحدَّثْنَ عند إحداكن ما بدَا لكن, فإذا أرتدن النوم فلتأت كل امرأةٍ إلى بيتها». ابن المواز: يعني والله أعلم أن يقمن إلى وقت ينام الناس. ومن المدونة: قال مالك: والمطلقة واحدةً أو اثنتين لا إذن لزوجها في خروجها من بيتها حتى يراجعها. قال ابن القاسم: ولا يسافر بها حتى يراجعها. قال / مالك: ولا تحجُّ في عدتها من وفاةٍ أو طلاقٍ حَجَّة الفريضة حتى تتم عدتها, وتبيت المعتدة في دارها حيث كانت تبيت قبل ذلك في مشْتَاها ومصِيفِها,

ولو كان في الدار بيوتٌ في إحداها متاعها وسكناها فلتعتد فيه, وتبيت من بيتها هذا واسطَوانِها وساحة حجرتها حيث شاءت, ولو كان في الدار مقَاصِير فلا تبيت إلا في مَقْصُورَتِها. قال مالك: وإذا كانت المطلقة ثلاثاً أو واحدةً ليس لها ولا لزوجها إلا بيتٌ واحدٌ يكونان فيه فليخرج عنها ولا يقيم معها في حجرة. قال: ولا بأس أن تنتقل في أحد البيوت الجامعة, يكون هو في بيتٍ وهي في بيت, ولا يدخل عليها فيما فيه الرجعة حتى يراجعها. وإذا خرجت امرأةٌ مع زوجها في زيارةٍ أو إلى الحصَاد أو إلى السواحل والرِّبَاط لإقامة الأشهر والرجوع, أو إلى حاجةٍ ما قبض دينٍ أو نحوه, ولا يريد انتقالاً فمات زوجها في الطريق, فلترجع إلى بيتها تعتد فيه, قرُبت أو بعُدت, أو قد وصلت, ولا ترجع إذا بعُدت إلا مع ثقة, وإلا قَعَدت حتى تجد ثقة, وإن خرج بها على رفض سكنى لموضعه اعتدت بموضعٍ نقلها إليه, وإن مات في الطريق وهي أقرب إلى الموضع الأول أو الثاني فلها المصير إلى أيهما شاءت إن كان قريباً, وإن كان بعيداً فلا تمضِ إلا مع ثقة, ولها المقام بموضع موته, أو تعدل إلى حيث شاءت فتتم هناك عدتها, لأنه مات, ولا قرار لها لرفض قراره, ولم تصل بعد إلى قرار, وكذلك هي في الطلاق البائن وغيره, وهي كمعتدةٍ أخرجها أهل الدار فلها أن تعتد حيث أحبت, أو بمنزلة رجلٍ خرج من منزلٍ كان فيه بكِرَاء, فنقل المرأة إلى أهلها فتكارى منزلاً يسكنه, فلم يسكنه حتى مات, فلها أن تعتد حيث شاءت.

وإذا مات زوجها في مخرجها إلى الحج, وقد سارت اليومين والثلاثة وماقرُب, وهي تجد ثقةً ترجع معه, فلترجع, وترجع من مَلَل وذي الحُلَيْفْة إلى المدينة, وقد ردَّهن عمر رضي الله عنه من البَيْدَاء. ولا يفسخ كراءٌ كريها, ولتكرَ الإبل في مثل ما أُكرِيَت. ولو بعدت كإفريقية من الأندلس, والمدينة من مصر نفذت, وقاله ابن عمر. ابن المواز: بخلاف غير الحج فإنها ترجع فيه وإن بعُدت إن وجدت ثقة, وكان يبقى لها بعد الرجوع بقية. قال أبو بكر بن عبد الرحمن: وكذلك في خروجها لحج غير الفريضة ترجع وإن بعدت كخروجها إلى الرباط ونحوه, وإنما لا ترجع إذا أبعدت في حجَّة الفريضة.

وذكر عن أبي عمران في الذي يسافر بزوجته ثم طلقها فيلزمها الرجوع إلى بيتها قال: عليها الكراء في رجوعها, لأنها إنما رجعت من أجله, وحُبِست له, فذلك بمنزلة ما يجب لها السكنى عليه. ومن المدونة: قال: وأما إذا أحرمت فلتنفذ قرُبت أو بعُدت, ثم إن رجعت في بقية العدة اعتدت في بيتها, وكل من أمرتها بالرجوع إلى بيتها فكانت لا تصل حتى تنقضي عدتها فلا ترجع, ولتقم بموضعها أو حيث شاءت إلا أن تعلم في التقدير أنها يبقى من عدتها بقيةٌ بعد وصولها, فلترجع, وكذلك هذا كله في الطلاق البائن وغيره.

[الباب الثاني عشر] في سكنى المعتدات ونفقة المطلقات

[الباب الثاني عشر] في سكنى المعتدات ونفقة المطلقات [فصل 1_ في سكنى ونفقة المطلقات] وأوجب الله سبحانه وتعالى السكنى لكل مطلقةٍ بقوله عز وجل: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق:6] / وقوله عز وجل: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق:1] , ولأن السكنى لحرمة النسب , ولوجوب حفظه, فلا تزول بالبينونة, كما قال ابن أبي ليلى, وتُفارق النفقة لأنها عِوضٌ من الاستمتاع, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المبتوتة: «لا نفقة لها». فأما ذوات الحمل فلهن النفقة, كان الطلاق ثلاثاً أو واحدة, لقوله عزَّ وجل: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:6]. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في المبتوتة: إذا أنفق عليه بغير قضيةٍ وقد ادعت الحمل ثم بطل الحمل لم يرجع عليها إذا أنفق عليها بدعواها أو بقول القَوابل, وإن أنفق بقضيةٍ رجع عليها.

- قال الشيخ: لأنه انكشف أن ما قضى به بغير حق_. وقال عبد الملك: إن أنفق بغير قضاء فله أن يرجع, ورواه عن مالك. قال في كتاب النكاح: وإن أنفق بحكم لم يرجع بشيء عليها. قال محمد: وأحب إلى أن يرجع عليها في الوجهين إن تبين ذلك بإقرار منها أو بغير إقرار. قال مالك: والغائب إذا طلق ثم أنفقت من ماله لم يرجع عليها بشيء، بخلاف الموت، لأن الحي فرَّط. ولو قدم عليها رجل واحد وشهد بطلاقه فأعلمها، أو رجل وامرأتان فليس ذلك بشيء حتى يشهد عندها من يحكم به السلطان في الطلاق. وفي منتخب الأحكام: لابن القاسم سماع يحيي قال في المطلقة المبتوتة وهي حامل تطلب الكسوة: إنها إن كانت في أول الحمل فذلك لها، وإن كان لم يبق من أجل الحمل إلا ثلاثة أشهر أو نحوها قوم ما كان يصير لها لتلك الشهور من الكسوة لو اكتست في أول الحمل ثم أعطيت تلك القيمة دراهم. ومن المدونة: قال مالك: فكل مطلقة لها السكنى، وكل بائنة بطلاق أو ببتات أو بخلع أو بمباراة أو بلعان ونحوه فلها السكنى، ولا نفقة لها ولا كسوة إلا في الحمل البين، فذلك لها ما أقامت حاملاً، إلا الملاعنة فإنها لا نفقة لها في حملها، لأن ما في بطنها لا يلحق بالزوج.

قال عيسى في كتاب ابن مُزَيْن: وإذا بلغ الإمام من معتدةٍ أنها تبيت في غير بيتها في عدتها فليُعلمها بما جاء في ذلك، ويأمرها بالكفِّ عن ذلك، فإن أبت إلا ذلك أدبَّها على ذلك وأجبرها عليه. قال أبو بكر الأبهَري: وإذا توفي عنها زوجها في دارٍ فيها بيوتٌ كثيرةٌ فلا تَصِيفُ إلا حيث كانت تَصِيفُ قبل موته، هذا هو الاختيار، فإن خرجت من بيتٍ إلى بيت، أو إلى قاعة الدار فلا بأس بذلك إذا كنت الدار غير مشتركة، فأما المشتركة المسكونة فلا يجوز لها أن تبيت في غير بيتها. ابن المواز: قال مالك: والكسوة: الدِّرعُ والخِمَار والإِزَار، وليس الجُبَّةُ عندنا من الكسوة. قال ابن القاسم: ونحن نقضي هاهنا بالجُبَّة، وكذلك في العتبية. قال فيها يحيي بن يحيي عن ابن القاسم في المبتوتة الحامل تطلب الكسوة: فإن طلقها في أول الحمل فذلك لها، وإن كان في آخره وقد بقي منه شهران أو ثلاثة قُوِّم لها ما يصير لتلك الأشهر من الكسوة لو اكتست من أول الحمل، فتعطاه دراهم.

قال مالك: وإذا طلق امرأته وهي حاملٌ مرضعٌ فعليه نفقة الحمل ونفقة الرضاع جميعًا، وكذلك في كتاب ابن المواز. [فصل 2_في سكنى ونفقة المطلقة الرجعية والكتابية والصغيرة] ومن المدونة: وكل طلاقٍ فيه رجعةٌ فلها النفقة والكسوة والسكنى حتى تنقضي عدتها، كانت حاملاً أو غير حامل. -قال الشيخ: لثبوت أحكام الزوجية عليها، وكذلك امرأة المُولي إذا فرِّق بينهما، لأن فرقة الإمام فيها غير بائنة، وهما يتوارثان ما لم تنقض العدة. قال: / وتجب السكنى في فسخ النكاح الفاسد وذات محرمٍ بقرابةٍ أو رضاعٍ كانت حاملاً أم لا، لأنه نكاحٌ يلحق فيه الولد، وتعتد فيه حيث كانت تسكن، ولا نفقة عليها ولا كسوة، إلا أن تكون حاملاً فذلك عليه. قال: وللكتابية الحرة على الزوج المسلم من السكنى والنفقة إذا طلقها ما للمسلمة. قلت: فمن دخل بصبيةٍ يجامَع مثلها فجامعها أو لم يجامعها فطلقها البتة هل لها السكنى؟ فقال: إذا لزمت الجارية العدة لمكان الخلوة بها فلها السكنى. قال مالك: وإن خلا بها في بيت أهلها فطلقها، ثم قال: لم أطأ، فصدقته أو كذبته فالقول قوله في طرح السكنى، كما أقبله في [طرح] نصف الصداق، وعليها العدة لهذه الخلوة، وإنما تلزم الزوج السكنى إذا لزمه الصداق كاملاً بحيث يجب جميع الصداق تجب السكنى، إلا أنه إن لم يعلم له بها خلوةٌ فلا عدة عليها في طلاقٍ وإن ادعى المسيس.

قال: وإن دخل بها وهي لا يجامَع مثلها لصغرٍ فلا عدة عليها ولا سكنى لها في الطلاق، وليس لها إلا نصف الصداق، وعليها في الوفاة العدة ولها السكنى إن كان ضمَّها إليه والمنزل له، أو قد نَقَدَ كِرَاءه، وإن لم يكن نقلها فلتعتد عند أهلها. قال أبو بكر بن عبد الرحمن: فإن كان إنما أخذها ليكفلها ثم مات لم يكن لها سكنى، وأظنُّ ابن المواز ذكره، وهو بيِّنٌ فاعلمه. وكذلك الكبيرة يموت عندها زوجها قبل البناء وهي في مسكنها فلتعتد فيه، ولا سكنى لها عليه، إلا أن يكون أسكنها دارًا، لو اكتراها ونَقَدَ الكراء، فتكون أحق بذلك المسكن حتى تنقضي عدتها. [فصل 3_في سكنى الأمة المطلقة] ومن المدونة: إذا عتقت الأمة تحت عبدٍ فاختارت نفسها، أو لم تعتق فطلقها طلاقًا بائنًا فإن كانت بُوِّئت مع زوجها بيتًا فلها السكنى عليه ما دامت في عدتها، وإن لم تُبَوَّأ معه فلتعتد عند سيدها، وكذلك إن أخرجها سيدها في العدة فسكنت في موضعٍ آخر، فلا شيء على زوجها إذا لم تكن تبيت عنده، ويجبر سيدها على ردها حتى تنقضي عدتها، إلا أن ينقلها من البلد وإن باعها بشرط أن لا يخرجها حتى تنقضي عدتها. وقال حَمديس: وإذا انتجع سيدها إلى بلدٍ آخر كان له أن يخرجها معه كالبدوية، وهذا خلاف ما روي عن مالك: أنه لا يجوز بيعها إلا لمن لا يخرجها في العدة، وإذا لم يجز ذلك لمشتريها فبائعها أولى.

قال الشيخ: وهذا لا يلزم ابن القاسم، لأن بائعها لا يخرجها إلا أن يضطر إلى الخروج بها، وليس هو مضطرًا في بيعها أن يبيعها ممن يخرجها وهو يجد من لا يخرجها، لأن المشترين كثير، ولو اضطر المشتري بعد شرائها إلى الخروج لأمرٍ حدث غير مختارٍ لذلك لرأيت له أن يخرج بها معه كسيدها والله أعلم. قال أبو عمران في الأمة إذا بُوِّئَتْ مع زوجها بيتًا: فليس لأهلها أن ينقلوها، وهو لمحمد، قال: ولم يذكر فيه اختلافا، وأشار إلى أنه ليس بخلافٍ لما في المدونة. ومن المدونة: قلت: فلو انهدم السكن فتحولت إلى موضعٍ آخر بكراء، أو أعتق العبد في العدة هل عليه شيءٌ من السكنى؟ قال: لا سكنى عليه إذا لم تبوَّأ معه بيتًا، وإنما يلزم الزوج ما كان يلزمه حين طلقها، فما حدث بعد ذلك لم يلزم الزوج منه شيء. قال الشيخ: فإن قيل: هلَّا جعل عليه السكنى إذا عتق كما قال في نفقة الحمل إذا عتق ثم عتقت الأمة، أو كانت حرةً أنه ينفق من يومئذ، وقد ذُكِر عن ابن الكاتب أنه قال: عليه / السكنى من يوم عتق؟ قال الشيخ: يحتمل عندي إنما لم يكن عليه السكنى لحق السيد في كونها عنده، ولو عتقا جميعًا لكان عليه السكنى لزوال حق السيد، وكما تلزمه النفقة في الحمل إذا عتقا. والله أعلم.

[فصل 4_في نفقة الحامل] ومن المدونة: قال: وليس للأمة الحامل نفقةٌ على زوجها إذا طلقها البتة إذ الولد رقَّ لغيره، كان الزوج حرًا أو عبدًا، وكذلك حرةٌ طلقها عبدٌ البتة وهي حامل، فلا نفقة لها إلا أن يعتق العبد قبل وضعها فينفق على الحرة من يومئذ، وإن كانت أمةً فلا، إلا أن تعتق هي أيضًا بعد عتقه فينفق عليها في حملها، لأن الولد ولده. فصل [5_في سكنى ونفقة المتوفى عنها زوجها] قال: وليس للمتوفى عنها زوجها نفقةٌ في عدتها وإن كانت حاملاً، ولها السكنى في العدة إن كانت الدار للميت أو بكِرَاءٍ وقد نَقَدَه. وقال أبو حنيفة: لا سكنى للمتوفى عنها زوجها، ودليلنا: قوله صلى الله عليه وسلم للفُريَعة حين قتل زوجها: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله» ولأن ذلك يتعلق بحق الله عز وجل، وحق الميت، وحق النسب فأشبه الكَفَن. ومن المدونة: قال مالك: وهي أحق بسكن دار الميت من غرمائه، وتباع للغرماء وتشترط سكناها على المشتري.

قال ابن المواز: قال مالك: فإن ارتابت فهي أحق بالمقام حتى تنقضي الريبة وتحل، وأحب إلينا أن يرجع المشتري على البائع، فإن شاء فسخ بيعه وأخذ الثمن، وإن شاء تمسك بغير شيءٍ يرجع به، لأن البيع إنما وقع على استثناء العدة المعروفة أربعة أشهرٍ وعشرًا، ولو وقع بشرط زوال الريبة كان فاسدًا. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية: أنه لا حجة للمبتاع. قال سحنون: ولو تمادت الريبة إلى خمس سنين فلا حجة للمبتاع، لأنه قد علم أن أقصى العدة خمس سنين، فكأنه دخل على علم. ولابن عبد الحكم: أن بيع الدار وشرط سكنى المرأة في عدتها غررٌ لا يجوز عنده، لجواز أن تستريب المرأة. ومن المدونة: قال مالك: وهي أحق من الغرماء بما فقد كراءه، وإن كانت الدار بكراءٍ ولم ينقد الزوج الكراء وهو موسرٌ فلا سكنى لها في ماله، وتؤدي الكراء من مالها، ولا تخرج إلا أن يخرجها رب الدار، ويطلب من الكراء مالا يُشبه. قال الشيخ: يريد: إذا كانت مدة الكراء الميت قد انقضت. وقال بعض القرويين: معنى هذه المسألة: أنه أكرى كل سنةٍ بكذا، ودليله قوله: إذا لم ينقد الكراء فتغرم المرأة الكراء إلا أن يطلب منها صاحب المسكن ما لا يشبه، فشرطه إلا أن يطلب ما لا يشبه يدل على ما قلناه أنه لم يكر سنةٌ بعينها، ولذلك فرق بين أن ينقد وبين ألاَّ ينقد، ولو كانت سنةً بعينها فلا وجه للتفريق بين ذلك، لأن عقد الكراء قد لزم ووجب على الميت في تركته.

وهذا التأويل خلاف النص. وذكر غيره من القرويين: أن أبا قُرَّة روى عن مالك أنه فرَّق بين أن يكري في السنة بكذا أو يكري سنةً بعينها, فهذا يؤيد ما تقدم أنه إنما يراعي النقد إذا لم ينقد على سنةٍ بعينها, لأنه إذا نقد صارت كالمعينة, وإذا لم ينقد فالكراء غير منعقدٍ لأن لما شاء الفسخ فسخ, وأما إذا عقد سنةً بعينها فسواءٌ نَقَدَ أم لا, لأن الكراء منعقدٌ بينهما وقد لزم ذلك زمته, وهذا خلاف ما في كتاب ابن المواز وغيره من أنه إن أكرى سنةً بعينها لا تكون المرأة أحق بها إلا أن يكون الميت قد نقد الكراء, وهذا التأويل خلاف النص. وقد قال مالك في كتاب ابن المواز: إذا اكتراها مدةً فمات وبقي من المدة بقيةٌ ولم ينقد الكراء فالكراء لازمٌ للميت في ماله, ولا تكون الزوجة / أحق بذلك, ثم تُحاصُّ الورثة في ذلك, فللورثة إخراجها إلا أن تحب أن تسكن في حصتها, وتؤدي كِرَاء حصتهم. _قال الشيخ: يريد: برضاهم_. وإن نقد بعض الكراء سكنت في حصة ما نقد بأسره وكان الحكم فيما لم ينقد كما ذكرنا. وإن شاء الورثة أن يُكْرُوا منها لزمها المقام, وإن شاؤا إخراجها فذلك لهم, وكذلك صاحب الدار بعد المدة. فهذا يدل على خلاف التأويل المتقدم.

وذكر عن أبي عمران أنه إذا أكرى الرجل منزلاً ونقد كراءه قبل أن ينتقل إليه ثم مات قبل أن ينتقل إليه فليس للمرأة أن تنتقل إليه وتعتد في الموضع الذي هي فيه. ومن المدونة: قال مالك: فإن أخرجت أقامت بموضعٍ تنتقل إليه لا تخرج منه ولا تبيت إلا فيه حتى تنقضي عدتها, وكذلك إن أخرجت من المسكن الثاني فاكترت ثالثاً ففيه تعتد وتبيت. قال ابن القاسم: وأما إن طلقها زوجها طلاقاً بائناً فلزمه السكنى ثم مات في العدة فقد وجب لها السكنى في مال الزوج قبل الوفاة دينا, فلا يسقطه موته, بخلاف المتوفى عنها لو لم يطلقها, وكذلك بلغني عن مالك, وقد روى ابن نافع عن مالك أنهما سواءٌ إذا طلق ثم مات, أو مات ولم يطلق. قال سحنون: وهذا أعدل. قال يحيى بن عمر: كما تنقطع النفقة بموته عن الحامل. قال الشيخ: وفي سماع ابن القاسم عن مالك: أن الحامل إذا اختلعت من زوجها أو طلقها طلاقاً بائناً فلزمته نفقتها ثم مات قبل أن تضع أن النفقة تسقط عنه بموته. وقد مضى في إرخاء الستور عن ابن نافع عن مالك: أن الحامل إذا اختلعت من زوجها مثل هذا, فيلزم ابن القاسم عند أهل النظر أن يقول في السكنى أنها تنقطع عنها كما تنقطع النفقة.

قال بعض فقهائنا: لا يلزم ابن القاسم هذا, لأن النفقة إنما سقطت بموته لأنها بسبب الحمل, وقد صار الحمل الآن وارثاً, فلذلك وجب سقوطها, وأما السكنى فهي للمرأة وقد وجبت لها عليه في صحته فلزمته كدينٍ لها, فلا يُسقط ذلك موته, والله عز وجل أعلم. قال الشيخ: لأن السكنى لا تسقط في الموت ولا في الطلاق البائن إن كان المسكن له, أو نقد كراءه, وتسقط في ذلك النفقة, فدل أن السكن أقوى. [فصل 6_في المطلقة إن كانت في بيت بكراء] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو طلقها وهو في بيتٍ بكراءٍ فأَفلس قبل انقضاء العدة فلرب الدار إخراجها, لأنه أحق بمسكنه. قال مالك: وقال ابن المسيب: الكراء على الزوج, فإن لم يكن عنده فعليها, وإن لم يكن عندها فعلى الأمير. قال ابن القاسم: وإذا كانت المرأة في منزلٍ بكراءٍ اكترته فطلقها زوجها فلم تطلب الزوج بالكراء إلا بعد العدة فذلك لها, وكذلك إن كان زوجها لم يفارقها فطلبت منه كراء المسكن الذي اكترته بعد تمام السكن فذلك لها إن كان موسراً حين سكنت, وإن كان عديماً فلا شيء عليه. قال ابن أبي زمنين: معنى هذه المسألة عندي: أنها إنما اكترت المسكن بعدما تزوجها, فأما إن تزوجها وهي في بيتٍ بكراءٍ فقد قال في كتاب كراء

الدور والأرضين: لا كراء على الزوج إلا أن تكون بيَّنت له أنها إنما تسكن بكراء, وإن لم يكن هذا معناه تناقضٌ من القول, والله أعلم. [فصل 7_في السكنى والنفقة على الزوج المعدم وفي سكنى ونفقة أم الولد من وفاة سيدها وعتقه لها] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا سكنى على معدمٍ في عدة, ولا نفقة في حملٍ إلا أن يوسر في حملها فتأخذه بنفقة ما بقي, وكذلك / السكنى, وإن وضعت قبل يسره فلا نفقة لها في شيءٍ من حملها. ولأم الولد السكنى في الحيضة إن مات السيد أو أعتقها, ولا نفقة لها, وكل شيءٍ تُحبس عليه فيه من عدةٍ أو استبراءٍ فلها فيه السكنى. قال مالك: وإن كانت حاملاً حين أعتقها فلها النفقة مع السكنى. قال غيره: إذا كانت حاملاً في الوفاة فلها السكنى ولا نفقة لها. ابن المواز: قال ابن القاسم: وإن لم تكن حاملاً فلا سكنى لها, ورآها لها أشهب استحساناً من غير إيجاب. قال ابن القاسم: وإن كانت حاملاً فلها النفقة والسكنى إن أعتقها, ولها أن تبيت في غير بيتها, مات سيدها أو أعتقها. وقال أصبغ مثل قول أشهب وأشد, ويرى ذلك لها وعليها, ولو كانت حاملاً في الوفاة فلها السكنى ولا نفقة لها.

[فصل 8 - في سكنى ونفقة المرتدة] ومن المدونة: قال مالك: وللمرتدة الحامل النفقة والسكنى مادامت حاملاً. قال أبو بكر بن اللباد: ليس لها السكنى، وإن لم تتب تسجن حتى تضع. قال مالك: فإن لم تكن حاملاً لم تؤخر واستتيبت، ولا نفقة لها في هذه الاستتابة، لأنها قد بانت منه، فإما أن تقتل أو ترجع إلى الإسلام، فيكون ذلك طلقة بائنة ويكون لها السكنى. وذكر الباجي: أن علي بن زياد قال: إذا ارتدت المرأة رغبة في فسخ النكاح، وعلم ذلك منها أن ذلك لا يفسخ النكاح، وتبقى زوجة له على حالها. [فصل 9 - في سكنى زوجة المعترض والمجوسية إن أسلم زوجها إذا فرق بينهما] ومن المدونة: قال مالك: والمعترض عن امرأته إذا فرق بينهما عند الأجل فلها عليه السكنى في عدتها. والمجوسيان إذا أسلم الزوج فوقعت الفرقة بينهما وقد بنى بها فلها السكنى

ومن كتاب ابن المواز: وقيل: إن أسلم أحد الزوجين المجوسين فلا نفقة لها ولها السكنى. قال أصبغ: وإن أسلمت ذمية تحت ذميّ فلها النفقة؛ لأن إسلامه في العدة كالرجعة. قال ابن المواز: ولا نفقة لها كالمجوسية تسلم تحت مجوسي؛ لأنه لا رجعة له حتى يسلم، وهذا الصواب عندنا. [فصل 10 - في سكنى المستحاضة] ومن المدونة: قال مالك: وللمستحاضة السكنى في عدتها، ولا ينقطع ما وجب لها من السكنى كمطلقة، أو متوفى عنها زوجها وبها ريبة حتى تزول عنها الريبة.

[الباب الثالث عشر] جامع مسائل مختلفة من الاستبراء وأمهات الأولاد

[الباب الثالث عشر] جامع مسائل مختلفة من الاستبراء وأمهات الأولاد قال مالك: ومن كانت له أمة يطؤها ولم تلد منه فمات عنها، أو باعها فاستبراؤها حيضة وإن كانت مستبرأة قبل ذلك؛ لأنها خرجت من ملك إلى ملك، وأما إن أعتقها فإنها تستبرأ بحيضة إلا أن يكون السيد استبرأها قبل ذلك فيجزئها ذلك. - قال الشيخ: لأنها خرجت من ملك إلى حرية- وتنكح مكانها إن أحبت، ويحل للزوج وطؤها حينئذ كما لو زوجها السيد وهي ملكه حل للزوج وطؤها مكانه، ويجزؤها استبراء السيد، ولا يجوز للسيد تزويجها حتى يستبرئها. قال: ولو أعتق أم ولده بعد الاستبراء، أو مات عنها لم يجزها حتى تستأنف حيضة بعد عتقها، بخلاف الأمة. وإن اشترى المكاتب زوجته بعد البناء، فلم يطأها حتى مات، أو عجز، فرجعت إلى السيد فعدتها حيضة، قاله مالك، ثم رجع، فقال: أحب إلي أن تكون حيضتين، وبهذا أخذ ابن القاسم: أن السيد لا يطؤها إلا بعد حيضتين من يوم الشراء، ولو وطئها المكاتب بعد الشراء انفسخت العدة وحلت بحيضة الاستبراء، ولو مات المكاتب، أو عجز بعدما مضى لها عنده حيضتان من يوم الشراء، فصارت الأمة لسيدها لم ينبغ لسيدة أن يطأها حتى تحيض حيضة وإن كان المكاتب قد قال: لم أطأها بعدها، وإن هي خرجت حرة بعد حيضتين لم يكن للسيد وطؤها، ونُكحت مكانها ولا استبراء عليها؛ لأنها خرجت من ملك إلى حرية.

قال مالك: ومن اشترى زوجته قبل البناء وطئها بملك يمينه ولا استبراء. قال مالك: وإذا اشترى المأذون له في التجارة أمة بإذن سيده أو بغير إذنه فوطئها، ثم عتق وقد ولدت منه أولادًا وهي حامل منه، فهي تبع له كماله، ولا تكون له أم ولد بما ولدت قبل عتقه، ولا بما كانت به حاملاً حين عَتَق؛ لأن ذلك الولد رق للسيد. قال ابن القاسم: إلا أن يملك المأذون حملها قبل أن تضعه بهبة فتكون به أم ولد. قال مالك: ولو أن العبد حين أعتقه سيده أعتق هو جاريته وهي حامل منه لم أعجل لها ذلك، وكانت حدودها حدود أمة حتى تضع فيرق الولد للسيد الأعلى، وتعتق هي بالعتق الأول بغير إحداث عتق. وسأل ابن كِنَانَة مالكًا عن مدبر اشترى أمة فوطئها فحملت، ثم عجل السيد عتقه هل يتبعه ولده كمَالِه؟ فقال: لا ولكن إذا وضعته كان مدبرًا على حال ما كان عليه الأب قبل العتق، والجارية تبع للعبد، لأنها ماله. قال ابن القاسم: واختلف قول مالك هل تكون بهذا الولد أم ولد أم لا؟ وقد تقدم جميع مسألة المأذون له إلى آخر الكتاب في أمهات الأولاد، وهناك زيادة شرح فيها فاعلمه. تم طلاق السنة والعدة بحمد الله وحسن عونه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا أثيرًا إلى يوم الدين.

[الكتاب الثامن] كتاب الأيمان بالطلاق

[الكتاب الثامن] كتاب الأيمان بالطلاق [الباب الأول] فيمن أخبر بطلاق زوجته، أو قال لها: أنت طالق إن فعلت كذا أو شئت، وتكرير الطلاق واليمين به قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت"، فمن عصى الله وحلف بالطلاق فحنث لزمه كمن طلق، وقد قال الله سبحانه: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] وهي الرجعة، فجعلها ثابتة كغير من أوقع الطلاق الثلاث في كلمة واحدة وألزمه ذلك. فصل [1 - فيمن أُخبر بطلاق زوجته] قال ابن القاسم: ومن طلق زوجته فقال له رجل: ما صنعت؟ فقال: هي طالق، فإن نوى إخباره فله نيته- يريد: ويحلف. قال الشيخ: وحكي لنا عن بعض شيوخنا أنه قال: إنما يحلف إذا كان قد تقدمت له فيها طلقة، أو طلق بعد ذلك طلقة؛ لأنها ثلاث في الظاهر، وعلى دعواه طلقتان، فلم يمكن من رجعتها إلا بيمينه، فإن لم يحلف فلا سبيل له إليها فإن طلبته بالنفقة لزمته؛ لإقراره أنها على عصمته، فينفق عليها مادامت في العدة إن

كان مقيمًا على إقراره إلا أن يلتزم الثلاث أو يستأنف طلقة اختيارًا منه، فتصير بائنًا لا نفقة لها عليه، والله أعلم. وفي كتاب ابن المواز فيمن لقي رجلاً فقال: اشهد أن امرأتي طالق، ثم لقي آخر فقال له ذلك، وقال: أردت بذلك كله طلقة واحدة، قال مالك: يحلف ويُدين، وهذا بين أن اليمين عليه فاعلمه. فصل [2 - فيمن قال لزوجته: أنت طالق إن فعلت كذا] ومن قال لزوجته: إن دخلت الدار، أو أكلت، أو شربت، أو ركبت، أو قمت، أو قعدت، أو نحو هذا فأنت طالق، فهذه كلها أيمان. قال الشيخ: يعني: إن أكلت أو شربت شيئًا بعينه، أو قمت أو قعدت إلى وقت كذا، وأما إن لم يكن هذا فيعجل عليه الطلاق الآن، إذ لابد لها من الأكل والشرب والقيام والقعود. قال مالك: وإذا قال لها: إذا حضت فأنت طالق، لزمه الطلاق مكانه، وإن قال لحامل: إذا وضعت فأنت طالق، طلقت الآن. قال أبو محمد: قال مالك: لأنه أجل آت في أكثر النساء. وقال أشهب: لا تطلق عليه حتى تحيض أو تضع، واختلف فيه قول مالك.

قال الشيخ: فوجه قول ابن القاسم: أنه لما كان ذلك غالبًا في أكثر النساء حمل أمره على أنه أجل آت لابد منه؛ لأن ذلك أصلهم، كمنع المريض من أكثر ثلث ماله إذا كان الغالب من مرضه الموت، وكذلك الاستثقال في النوم إذا كان الغالب منه خروج الحدث. ووجه قول أشهب: اعتبارًا بما يمكن أن يكون أو لا يكون، كقوله: أنت طالق إذا دخلت الدار، أو دخلتها فلانة، أو إذا أقدم زيد ونحوه، فإنها لا تطلق حتى يكون ذلك. [فصل 3 - فيمن قال: إذا طهرت، أو حضت فأنت طالق] ومن المدونة: قال مالك: وإن قال لامرأته وهي حائض: إذا طهرت فأنت طالق، طلقت الآن، وجبر على الرجعة. قال ابن القاسم: وإن قال لها: إذا حضت، أو إذا حاضت فلانة- وفلانة ممن تحيض- فأنت طالق، طلقت الآن، وتأخذ في العدة، وتعتد بطهرها الذي هي فيه من عدتها، فإن ارتابت بتأخير الحيض فاعتدت سنة ثم نكحها بعد العدة فحاضت عنده واليمين فيها لم تلزمه بذلك طلقة ثانية، لأني عجلت حنثه بذلك. فصل [4 - فيمن قال: أنت طالق إذا شئت] وإذا قال لها: أنت طالق إذا شئت، أو إن شئت، فذلك بيدها وإن افترقا حتى توقف أو توطأ أو يتلذذ منها طائعة، وكانت (إذا) عند مالك أشد من (إن)

ثم ساوى بينهما، ولو قبلته قبل القضاء كان تركًا لما جعل لها. فصل [5 - فيمن قال: إن كنت تبغضينى، أو إن كنت تحبين فراقي فأنت طالق] وإن قال لها: إن كنت تبغضينى فأنت طالق، فقال: لا أبغضك، فلا يجبر على فراقها ولكن يؤمر به، وإن قال لها: إن كنت تحبين فراقي فأنت طالق، فقالت: إني أحبه، ثم قالت: كنت كاذبة، فيفارقها ولا يقيم عليها. فصل [6 - فيمن قال: إن كلمت فلانًا فأنت طالق] وإن قال لها: إن كلمت فلانًا فأنت طالق، ثم قال لها ذلك ثانية في ذلك الرجل فهي إن حنث طلقتان حتى يريد واحدة، ولو كان ذلك في يمين بالله فقال والله لا أفعل كذا، ثم قال بعد ذلك: والله لا أفعل كذا، لذلك الشيء بعينه، فحنث لم يلزمه إلا كفارة واحدة بخلاف الطلاق. قال ابن القاسم: ألا ترى أنه لو قال: والله والله لا أكلم فلانًا، فكلمه، لم يلزمه إلا كفارة واحدة، ولو قال لها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق إن كلمت

فلانًا، فكلمه طلقت عليه ثلاثًا إلا أن ينوي واحدة، ويريد بالبقية إسماعها، وأما إن قال لها: إن كلمت فلانًا فأنت طالق، ثم حلف بمثل ذلك في رجل آخر فكلمها كانت طلقتين، ولا ينوى إلا أن يكون المحلوف عليه/ رجلاً واحدًا فينوى كما وصفنا، وبعد هذا باب في تكرير الطلاق. فصل [7 - فيمن حلف بالطلاق على أن فلانًا قال كذا وكذا] قال مالك: ومن قال لرجل: امرأتي طالق، لقد قلت لي كذا وكذا، فقال الآخر: امرأته طالق إن قلته، فليدينا ويتركا إن ادعيا يقينًا. فصل [8 - فيمن قال: إن لم أطلقك فأنت طالق] قال ابن القاسم: وإن قال لها: إن لم أطلقك فأنت طالق، لزمه مكانه طلقة إذ لابد له من الطلاق. وقال غيره: لا يلزمه الطلاق إلا أن ترفعه إلى السلطان ويوقفه. فصل [9 - فيمن حلف بالطلاق على ما لا يمكن فعله] ومن قال لرجل: امرأتي طالق لو كنت حاضرًا لِشرك مع أخي لفقأت عينك، فإنه حانث؛ لأنه حلف على شيء لا يبر فيه ولا في مثله.

ومن الواضحة: قال أصبغ فيمن حلف على أمر قد سلف أن لو أدركه لفعل كذا: فهو حانث، كان مما يمكنه فعله أو لا يمكنه، مثل أن يحلف لغريمه: لو جئتني أمس لقضيتك حقك، فهو حانث؛ لأنه غيب لا يدري أكان فاعلاً أم لا، وإنما يفترق ما يمكن وما لا يمكن في المستقبل، فما كان يمكن فعله من قضاء دين، أو عطية مال، أو شق ثوب، أو ضرب وشبهه، فلا شيء فيه حتى يفعل أو لا يفعل، وما لا يمكن من شق جوف أو فقء عين، أو قتل، أو قطع وشبهه فهو حانث مكانه، وقاله ابن القاسم. وقال ابن الماجشون: سواء حلف على أمر سلف أو أمر مستقبل، فإن كان يمكن فعله فلا شيء عليه، وإن كان غير ممكن فهو حانث في الوجهين إلا أن تكون له نية في فعل غير ما سمى، وقاله مالك فيهما، ألا ترى أن مالكًا قال في الذي حلف بالطلاق في شيء كان بينه وبين رجل لو أدركه البارحة لفعل كذا وكذا من أمه، وأمه ميته، وقال: إنما نويت أن أشجه لو أدركته، أو أصنع به شيئًَا، وقد علمت وفاة أمه، فدينه مالك ولم يحنثه. قال ابن الماجشون: فهذا فيما سلف، ولو لم تكن له نية فيما قد لفظ به مما لم يمكن فعله لحنثه مالك كما حنث القائل: لو كنت حاضرًا لشرك مع أخي لفقأت عينك. قال الشيخ: وهذا أشبه بظاهر المدونة، ألا ترى قول مالك وعلته في المسألة لأنه حلف على شيء لا يبر فيه ولا في مثله.

[الباب الثاني] فيمن طلق إلى أجل أو وقت أو حلف به على عيب

[الباب الثاني] فيمن طلق إلى أجل أو وقت أو حلف به على عيب [فصل 1 - في الطلاق إلى أجل] ولما أجمعوا على إبطال النكاح إلى أجل، وعجلوا المؤجل من حل العقدة وجب مثله في الطلاق المؤجل أن يعجل إيقاعه، وقاله عدد كثير من الصحابة والتابعين، بخلاف العتق إلى أجل، إذ قد بقي له في المملوكة الخدمة، ولم يكن في الزوجة غير الاستمتاع الذي حرم عليه. قال ابن القاسم: فكل من طلق إلى أجل آت لزمه الطلاق مكانه، وأما من قال لامرأته: إذا قدم فلان، أو إن قدم فلان فأنت طالق، فلا يلزمه طلاق حتى يقدم فلان، وليس هذا من الشك الذي يفرق به، ولا هو أجل آت على كل حال وإنما الشك الذي يفرق به لو قال رجل: امرأته طالق إن كلم فلانًا، ثم شك فلم يدر كلمه أم لا، فهذا تطلق عليه، إذ لعله في يمينه حانث وهو لا يوقن أنه فيها بار، وكل يمين بالطلاق لا يعلم صاحبها أنه فيها بار فهو فيها حانث، وإن قال لها: أنت طالق بعد قدوم فلان بشهر، طلقت عليه حين قدومه، ولا ينتظر به الأجل، وإن قال لها: أنت طالق إذا مت أنا، أو إذا مت أنت، لم يلزمه شيء، إذ لا تطلق ميتة ولا يوصي ميت بطلاق. وإن قال لها: إن مات فلان فأنت طالق، أو قال لها: أنت طالق قبل موته بشهر، لزمه الطلاق من ذلك كله مكانه.

ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم: ومن طلق امرأته إلى مئة سنة، أو إلى مئتي سنة، فلا شيء عليه، وأراه من قول مالك. وقال ابن الماجشون في المجموعة: إذا طلقها إلى وقت لا يبلغانه، أو لا يبلغه عمر أحدهما لم يلزمه. قال سحنون: وإذا أعتق عبدًا إلى وقت لا يبلغانه أو لا يبلغه العبد لم يلزمه، وإن كان يبلغ مثله العبد ولا يبلغه السيد فهي وصية من الثلث، وإن كان إلى وقت يشبه أن يبلغه عمر أحدهما فهو من رأس المال. وإذا قال: إذا ماتت ابنتك فأنت طالق، ثم ماتت مكانه عند تمام كلامه قبل القضاء عليه من غير مرض لم يتوارثا؛ لأن الطلاق وقع عليه عند تمام كلامه، وقاله ابن عبد الحكم. ولو قال: يوم أموت فأنت طالق، فهو مطلق إلى أجل. قال الشيخ: إذ قد يموت آخر النهار فيقع الطلاق عليها أول النهار. قال عيسى: وكذلك لو قال: يوم تموتي أنت، وقال أشهب: لا شيء عليه. قال أشهب في المجموعة: وكذلك قبل موتي بشهر، وهو أصله في العتق إلى مثل هذا أنه من الثلث لأنه لا يكشفه إلا الموت. ابن المواز: وقال ابن القاسم وابن وهب: وإن قال: إن مت إلى خمسة أشهر فأنت طالق، فلا شيء عليه، كأنه قال: إن مت أنا إليها فأنت طالق بعدها، وإن قال قوله يريد: لا أموت فيها، طلقت مكانها. سحنون: وإن قال لها: أنت طالق إذا صليت أنا، أو إذا صليت أنت، طلقت عليه الساعة، لأنه أجل آت، ولابد من الصلاة.

قال محمد بن عبد الحكم فيمن قال: أنت طالق اليوم إن كلمت فلانًا اليوم، أو: أنت طالق اليوم إن كلمت فلانًا غدًا، قال: إن كلمه اليوم طلقت عليه بواحدة، وإن كلمه غدًا فلا شيء عليه. قال أبو محمد: هذا خلاف أصل قول مالك، والطلاق يلزمه إذا كلمه غدًا وليس لتعلق الطلاق بالأيام وجه. ابن حبيب: قال ابن الماجشون: إذا قال لزوجته ولم تحض: إذا حضت فأنت طالق، طلقت عليه الآن، ولو كانت قد قعدت عن المحيض لم تطلق عليه إلا أن تحيض. أبو محمد: ويقول النساء: إنه دم حيض. [فصل 2 - فيمن قال: أنت طالق كلما حضت] ومن المدونة: وإن قال لها: أنت طالق كلما حضت، طلقت عليه الآن ثلاثًا. وقال سحنون: إذا قال لها ذلك وهي طاهر لزمته طلقتان. ووجه قول سحنون هذا: كأنه قال لها: إذا حضت حيضة فأنت طالق، وإذا حضت الثانية فأنت طالق، وإذا حضت الثالثة فأنت طالق، فهي إذا حاضت الثالثة بانت منه، فكأنه أوقع الثالثة بعد أن بانت منه، فلا يلزمه، ونحو هذا التعليل لسحنون. قال الشيخ: ووجه قول ابن القاسم: كأنه قصد إلى تكثير الطلاق كمن قال: أنت طالق مئة مرة.

[فصل 3 - فيمن قال: أنت طالق كلماء جاء يوم أو شهر أو سنة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن قال لها: أنت طالق كلما جاء يوم أو شهر أو سنة، طلقت عليه الآن ثلاثًا، ولم تعد عليه اليمين إن نكحها بعد زوج؛ لأن الملك الذي طلق فيه قد ذهب. وإن قال لأجنبية: أنت طالق غدًا، فتزوجها قبل غد فلا شيء عليه إلا أن ينوي إن تزوجتك فتطلق عليه إذا تزوجها مكانه. قال سحنون: بعضها صواب وبعضها خطأ. قال الشيخ: قال أبو عمران: إنما الصواب قوله: كلما جاء يوم، وأما كلما جاء شهر، أو سنة، فمذهبه في ذلك: أن تطلق الساعة طلقة، ثم يُنظر هل تذهب عدتها في الشهر، أو في السنة، فإن ذهبت لم يقع عليها طلاق، كما قال في قوله: أنت طالق كلما حضت. فصل [4 - فيمن قال: إذا حملت فأنت طالق] قال ابن القاسم: ومن قال لزوجته: إذا حملت فأنت طالق، لم يُمنع من وطئها، فإذا وطئها مرة طلقت عليه حينئذ، ولو كان قد وطئها في ذلك الطهر قبل مقالته طلقت عليه مكانه، وتصير بعد وطئه أول مرة كالتي قال لها زوجها: إن كنت حاملاً فأنت طالق، وقد قال مالك في مثل هذا: هي طالق؛ لأنه لا يدري أحامل هي أم لا.

وقال ابن الماجشون في المسألة الأولى: له وطؤها في كل طهر مرة، مثل العتق. وقال أشهب: لا شيء عليه حتى يكون ما شرط. قال الشيخ: فوجه قول ابن القاسم: فلأنه إذا وطئها صار من حملها في حال الشك لا يدري أحملت فيجب عليه الطلاق، أو لم تحمل فلا يجب عليه، وكل من حنث أم لا فهو حانث. ووجه قول أشهب: أن من أصله أنه لا يطلق إلا على من طلق إلى أجل آت لابد منه، وأما ما يمكن أن يكون أو لا يكون فلا يلزم به طلاق، ولا نقل: حكم هذا أصلهم، وكما لو قال لحامل: إذا وضعت فأنت طالق عنده، وكقوله: إذا قدم فلان فأنت طالق، فلا تطلق عليه إجماعًا منهما. ووجه قول ابن الماجشون: أن ليس من كل وطء يكون الحمل، فوجب أن لا تطلق عليه حتى يُختبر أمر هذا الوطء ويمسك عن وطئها، إذ لا يدري هل حملت منه فيحنث أم لا، قياسًا على الأمة إذا قال لها: إذا حملت فأنت حرة. والفرق عند ابن القاسم بين الأمة والحرة أنهم أجمعوا أنه لا يجوز الطلاق إلى أجل، ويجوز العتق إلى أجل، هذا مذهب مالك وأصحابه. ومن المجموعة: قال أشهب: وإن قال لها: وإن لم أحبلك فأنت طالق، أنه يطؤها أبدًا حتى تقعد عن الحمل، ويؤيس لها منه، وكذلك إن قال في أمته: إن لم أحبلك فأنت حرة.

[فصل 5 - فيمن قال: إذا حملت فوضعت فأنت طالق] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن قال لها وهي غير حامل: إذا حملت فوضعت فأنت طالق، فإن كان وطئها في ذلك الطهر طلقت عليه مكانها، ولا ينتظر أن تضع، ولا أن تحمل، وقد قال مالك: لا تحبس ألف امرأة لامرأة واحدة يكون أمرها في الحمل غير أمرهن. ومن المجموعة: قال سحنون: إذا قال لحامل: إذا حملت فأنت طالق، فلا تطلق بهذا الحمل إلا بحمل مؤتنف. [فصل 6 - فيمن قال: إن لم يكن بك حمل او إذا وضعت فأنت طالق] ومن المدونة: وإن قال لها: إن لم يكن بها حمل، أو: إذا وضعت فأنت طالق، طلقت مكانها، ولا ينتظر بها حتى يعلم أحامل هي أم لا، إذ لو ماتت قبل أن يتبين ذلك لم يرثها. وأخبرني ابن دينار: أن مالكًا قال في رجل قال لزوجته وهي حامل: قد أكثرت علي من ولادة الجواري، إن لم يكن في بطنك غلام فأنت طالق، أنها تطلق عليه الساعة، ولا ينتظر بها أن تضع، فإن ولدت غلامًا لم ترد إليه، وهذا عند مالك كقوله: إن لم تمطر السماء في وقت كذا فأنت طالق البتة، قال مالك: فإنها تطلق عليه الساعة؛ لأن هذا من الغيب، ولا ينتظر به إلى ذلك الوقت لينظر أيكون فيه المطر أم لا، ولو مطر في ذلك الوقت لم ترد إليه.

قال مالك: وأما إن قال لها: إن لم يقدم أبي في وقت كذا فأنت طالق، فبخلاف ذلك، إذ قد يدعي علم قدومه بالخبر يأتيه، أو غيره، وليس هذا كمن حلف على غيب. قال ابن حبيب: من قال لحامل: إذا وضعت جارية، أو إذا مطرت السماء غدًا فأنت طالق، فلا شيء عليه حتى يكون ذلك، بخلاف قوله: إن لم تلد جارية، أو لم تمطر السماء غدًا، أو إن لم تحض غدًا، أو شبه ذلك فهذا يعجل حنثه، فإن لم يرفع ذلك إلى الإمام حتى ولدت، أو كان المطر فلا شيء عليه، وأما إذا قال: أنت طالق إذا مطرت السماء، أو إذا خسفت الشمس فإنها تطلق عليه الساعة؛ لأنه أجل آت لا محالة، وقال ابن الماجشون وأصبغ.

[الباب الثالث] باب آخر من اليمين بالطلاق

[الباب الثالث] باب آخر من اليمين بالطلاق وتكرير الطلاق فيه وعودته في ملك ثان [فصل 1 - فيمن قال: إن لم أفعل كذا فأنت طالق] قال ابن القاسم: ومن قال لامرأته: إن لم أدخل هذه الدار، أو أفعل كذا فأنت طالق، لم يقع عليها الطلاق حين تكلم بذلك، ولكن يمنع من وطئها حتى يفعل ما حلف عليه، وإن رفعته امرأته ضرب له من يوم ترفعه إلى أجل المولى، ولا ينظر إلى ما مضى قبل ذلك من الشهور، وإنما يضرب له الأجل من يوم حلف، لو حلف بيمين من الأيمان أن لا يطؤها فلا تحتاج في هذا إلى رفعه إلى الأمام؛ لأنه لو وطئ قبل أن ترفعه زال إيلاؤه وبر، والأول لو وطئ قبل أن ترفعه لم يسقط عنه اليمين التي عليه إذا لم يفعلها. قال الشيخ: حكي عن أبي محمد وغيره: إذا حلف بالطلاق إن لم يفعل كذا، وقف عن وطء زوجته حتى يفعل، فتعدى فوطئ، ثم فعل ما حلف عليه، أنه لا يلزمه استبراؤها من ذلك الوطء؛ لأن الوقف ها هنا ضعيف. وبعض العلماء يقولون: إن له أن يطأها حتى يفعل، ولا يحال بينه وبينها، وهي بخلاف من وطئ في الطلاق الرجعي. قال ربيعة ويحيى بن سعيد: إن وطئ في الطلاق الرجعي ولم ينو بوطئه الرجعة، فهذا لا يطأ حتى يستبرئ؛ لأنه طلق والحالف لم يطلق.

فصل [2 - في تكرير الطلاق] وإن قال لامرأة: إن تزوجتك فأنت طالق، ثم قال: كل امرأة أتزوجها من بلد كذا- لبلدها- فهي طالق، أو قال لها بعد ذلك والنساء معها: إن تزوجتكن فأنتن طوالق، فإن نكحها لزمته طلقتان ولا ينوي. وإن قال لأجنبية: إن تزوجتك، أو: يوم أتزوجك فأنت طالق طالق طالق، أو قال لها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق إن تزوجتك، وقدم ذكر الطلاق قبل التزويج فهي ثلاث إن تزوجها، إلا أن يريد واحد فيدين. قلت: فإن قال لامرأته: أنت طالق، وأنت طالق، وأنت طالق؟ قال: وقف فيها مالك، وقال: في النسق بالواو إشكال. قال ابن القاسم: ورأيته يريد بقوله: إنها ثلاث تطليقات، ولا ينوى، وهو رأيي. قال مالك: وأما إن قال لها: أنت طالق، ثم أنت طالق، ثم أنت طالق، فهذه بينة أنه لا ينوى، وهي ثلاث البتة، ولا ينوى، وكذلك إن قال ذلك لأجنبية وقال معه: إن تزوجتك، والواحدة تبين غير المدخول بها، والثلاث تحرمها إلا بعد زوج، وقاله جماعة من الصحابة والتابعين.

قال ربيعة: ومن قال لامرأته قبل البناء: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، كلامًا نسقًا فهي ثلاث ولا يُنوى ولا تحل له إلا بعد زوج. فصل [3 - في عودة ما حلف به على المرأة في ملك ثان] قال ابن القاسم: ومن قال لزوجته: إن أكلت هذا الرغيف فأنت طالق، فلم تأكل منه شيئًا حتى طلقها واحدة، فبانت منه وتزوجت غيره فأكلت بعضه لم يحنث بذلك، فإن طلقها فتزوجها الحالف فأكلت بقيته، أو بعضه وهي في عصمته حنث ما بقي من طلاق ذلك الملك الذي عقد فيه اليمين شيء، فإذا تم رجعت عنده على ملك مبتدأ، ولم يحنث بما أكلت عنده في الملك الثاني؛ لأن الملك الأول لما ذهب طلاقه صار بمنزلة من لا يمين عليه- يريد: ولو أكلت عنده في العصمة الأولى بعض الرغيف لم يعد عليه حنث إن أكلت منه في الملك الثاني؛ لأنه حنث مرة، وكل يمين حنث فيها مرة بطلاق فلا تعود إليه في التي حنث فيها إن نكحها. وإن قال لها: أنت طالق إن دخلت الدار، فصالحها، فدخلتها بعد الصلح في غير ملكه لم يلزمه شيء إن نكحها. قال مال: وإن قال لها: أنت طالق ثلاثًا إن دخلت هذه الدار، فطلقها ثلاثًا، ثم تزوجها بعد زوج، ثم دخلتها فلا شيء عليه. قال الشيخ: لأنه إنما كان حلف بطلاق ذلك الملك الذي طلقها فيه ثلاثًا، فقد ذهب الطلاق الذي حلف به، ولا يحنث بطلاق قد ذهب، ولو كان إنما طلقها واحدة أو اثنتين لحنث بدخولها الآن، لباقي طلاق ذلك الملك، تزوجها قبل زوج أو بعد زوج، ثم لا تحل له إلا بعد زوج، ولا يحنث بدخولها في ملك غيره، وكذلك أكلها للرغيف في ملك غيره.

وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين: من طلق دون الثلاث، ثم ارتجع بنكاح، أنها تكون عنده على بقية طلاق الملك الأول، ولو كان الطلاق ثلاثًا رجعت على طلاق مبتدأ. وإن قال لعبده: أنت حر إن كلمت فلانًا، فباعه هو، أو باعه عليه السلطان في فلس، ثم كلمه، ثم اشتراه، أو وهب له، أو تصدق به عليه، ثم كلمه حنث بكلامه الآن لا بكلامه وهو في غير ملكه، وإن ورثه، أو ابتاعه من ميراث أبيه وهو قدر مورثه فأقل، ثم كلمه لم يحنث، واشتراؤه إياه بمنزلة مقاسمته إخوته، وإن بان أكثر من مورثه حنث. قال سحنون: هذه المسألة ضعيفة جدًا، ورأى أشهب: أن بيع السلطان له في الفلس يزيل التهمة كالميراث، ولا تعود بعده اليمين عليه. وقد تقدمت هذه المسألة في كتاب العتق. ومن الخلع: وإن حلف بالطلاق ثلاثًا إن لم أقض فلانًا حقه إلى يوم كذا فلما قرب الأجل وخاف الحنث طلقها واحدة، فانقضت العدة قبل ذلك الأجل، أو صالحها قبل ذلك الأجل، ثم نكحها بعد الأجل، في الوجهين لم تعد عليه اليمين وإن لم يقض فلانًا حقه، وكره له مالك أن يفعل هذا هربًا من الحنث، فإن فعل فلا شيء عليه.

ومن الأيمان بالطلاق: ابن القاسم: وإن قال لها: أنت طالق يوم أدخل دار فلان، فدخلها ليلاً، أو حلف على ليل فدخلها نهارًا حنث، إلا أن ينوي نهارًا دون ليل، أو ليلاً دون نهار، فينُوى. وقد ذكر الله عز وجل الليالي بدلاً من الأيام فقال تعالى: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 2] وإن قال لها: أنت طالق إن دخلت دار فلان، ودار فلان، فدخلت إحداهما حنث، ثم إن دخلت الثانية لم تطلق ثانية. وفي الباب الأول: مسألة من قال لزوجته: إذا طرهت فأنت طالق، أنها تطلق الآن ويجبر على الرجعة.

[الباب الرابع] في الشك والمجهول في الطلاق

[الباب الرابع] في الشك والمجهول في الطلاق وقد أمر الرسول عليه الصلاة والسلام الشاك في صلاته أن يبني على يقينه فكذلك يجب على كل شاك الانتقال إلى حال يرتفع فيه شكه، والطلاق أحق ما احتيط فيه، إذ روي: "أن هَزله جِد". وقد قال ابن عمر وغيره: يُفرق بالشك ولا يُجمع به. قال مالك: ومن لم يدرِ كم طلق، أواحدة، أو اثنتين، أو ثلاثًا فهي ثلاث. قال ابن القاسم: فإن ذكر في العدة أنها أقل فله الرجعة، وإن ذكر بعد العدة كان خاطبًا، ويصدق في ذلك، وإن بقي على شكه حتى تزوجها بعد زوج ثم طلقها واحدة لم تحل له إلا بعد زوج، لأنه لا يدري لعل طلاقه أولاً إنما كان طلقتين، ثم طلق أخرى فصارت ثلاثًا، فلا تحل له إلا بعد زوج، فإن تزوجها أيضًا بعد زوج ثم طلقها أيضًا طلقة لم تحل له أيضًا إلا بعد زوج؛ لأنه لا يدري لعل طلاقه أولاً كان طلقة، وطلق أخرى وهذه الثالثة، فلا تحل له إلا بعد زوج، فإن تزوجها أيضًا بعد زوج، ثم طلق واحدة لم تحل له أيضًا إلا بعد زوج، إذ قد

يمكن أن يكون الطلاق الأول ثلاثًا فرجعت عنده في النكاح الثاني على ملك مبتدأ ثم طلق ثلاثًا مفترقات، فلا تحل له إلا بعد زوج، وكذلك يصنع بعد خامس وسادس ومئة زوج، إلا أن يبت طلاقها وهي تحته في أي نكاح كان، فتعود إن رجعت إليه على نكاح مبتدأ يقينًا. وقاله ابن نافع في غير المدونة. وروي عن مالك: أنه إن نكحها بعد ثلاثة أزواج زال الشك فيها، وقاله أشهب وأصبغ. وقال ابن وهب: إذا طلقها ثلاثًا وإن كن مفترقات فإنها ترجع على ملك مبتدأ. قال الشيخ: فوجه قول أشهب: أنه لا يخلو أن يكون الطلاق الأول طلقة، أو طلقتين، أو ثلاثًا، فإن كان ثلاثًا فقد تزوجها بعد زوج، وإن كان اثنتين فقد طلقها بعد أن تزوجها بعد زوج طلقة فصارت ثلاثًا، ثم تزوجها بعد زوج، وإن كانت واحدة فقد طلقها بعد الزوج الأول واحدة وبعد الزوج الثاني ثانية، وطلقة الشك الأولى ثالثة، فوجب أن يزول الشك بعد ثلاثة أزواج، والله أعلم. ووجه قول ابن وهب: أنه إذا طلقها ثلاثًا مفترقات يقينًا فقد زال الشك كما لو طلقها الثلاث في كلمة. ومن المدونة: ومن لم يدر بما حلف، بطلاق، أو عتق، أو مشي، أو صدقة، فليطلق نساءه، ويعتق رقبة، ويتصدق بثلث ماله ويمشي إلى مكة، يؤمر ذلك كله ولا يجبر من غير قضاء، وكذلك إن حلف بطلاق فلم يدر أحنث أم لا، أمر بالفراق. وقيل: يقضى عليه، في غير المدونة.

قال الشيخ: ذكر عن أبي عمران: أن ذلك يؤخذ من المدونة: قال في الذي حلف بطلاق زوجته: إن كلم فلانًا، ثم شك بعد ذلك، فلم يدر أكلمه أم لا، أن زوجته تطلق عليه، فظاهر هذا أنه على الجبر. وذكر في غير هذا الكتاب: أنه يؤمر ولا يجبر. قال أبو عمران: وأما مسألة من شك فلم يدر كم طلق، فها هنا يستحسن القضاء؛ لأن هذا شاك في بقاء عصمته عليها- يريد لأنه أيقن بالطلاق وإنما شك في العدد، فهو أشد ممن لا يدري هل وقع عليه طلاق أم لم يقع. وقال بعض القرويين في مسألة الذي لم يدر كم طلق، أثلاثًا أو أقل: ليس يقال ها هنا إنها ثلاث بالحكم، لأنه لو حكم عليه بالثلاث ما نفعه أن يذكر في العدة أنه إنما كان طلق أقل من الثلاث فيكون أملك بها. قال ابن القاسم في المدونة: وإن كان ذا وسوسة في هذا فلا شيء عليه. قال ابن حبيب: وإن قال: لا أدري أحلفت فحنثت، أو لم أحلف ولم أحنث فلا شيء عليه. ابن المواز: قال مالك فيمن قال لامرأته: أنت طالق، فقيل له: ما نويت؟ فقال: لا أدري، فهي البتة. قال ابن المواز: لأنه لم يقل: لم أنو شيئًا، وإنما قال: لا أدري ما نويت، فكأنه نوى شيئًا فنسيه.

قال الشيخ: وقيل عن أبي عمران في الذي يقول: جميع الأيمان تلزمني، قال: تلزمه جميع الأيمان من الطلاق والعتق وغير ذلك. فقيل له: ما يلزمه من الطلاق؟ فقال: هي مسألة متنازع فيها، والذي أرى أن الواحدة عليه بلا شك، ويستحب له أن يلزم نفسه الثلاث. فقيل له: من الأيمان خليه وبرية ونحوه؟ فقال: هذا ما لا غاية له، ويلزمه أيضًا: كلما تزوجتك فأنت طالق. قال بعض فقهائنا: وقال أبو بكر بن عبد الرحمن القروي: تطلق عليه زوجته بالثلاث عندي؛ لأن الخلية والبرية والحرام وغير ذلك مما تحرم به الزوجة، فدخل تحت يمينه لقوله: جميع الأيمان تلزمني، وأنكر ما ذهب إليه غيره من أنه تلزمه طلقة. واستحسن بعض فقهائنا قول أبي عمران قال: ولا يكون أسوأ حالاً ممن حلف بالطلاق قصدًا إليه، ولا نية له أنه إنما يلزمه المباح من الطلاق، وهو واحدة. قال الشيخ: فظهر لي أن قول أبي بكر بن عبد الرحمن أقوى؛ لأن الذي يقول: جميع الأيمان تلزمني، إنما قصد التشديد، فيجب أن يلزم ذلك، وإذ أكثر عادات الناس الأيمان بالثلاث في وقتنا؛ لأن أكثرها إنما يقع على الجهر، فيجب أن يلزم ذلك؛ ولأن الخلية والبرية تدخل تحت ذلك، وليس كمن قال: أنت طالق؛ لأن هذا قد خص جنسًا من الطلاق، والذي قال: جميع الأيمان، قد جمع الأيمان، ومن الأيمان الطلاق واحدة، والطلاق ثلاثًا، والخلية والبرية والبتة فكيف يقصره على أقلها مع ما بينا أن الثلاث أكثر أيمان أهل وقتنا، وأن الذي يقول: جميع الأيمان: إنما قصد التغليظ سفهًا منه، والله أعلم.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن قال لزوجته: أنت طالق إن كنت دخلت الدار، فقال: قد دخلتها، فكذبها، ثم قالت: كنت كاذبة، أو: لم تقل، فإنه يؤمر بفراقها ولا يقضى عليه به، ولو صدقها أولاً لزمه الفراق بالقضاء وإن رجعت عن إقرارها. وقال مالك في من سأل زوجته عن شيء فقال لها: إن لم تصدقيني، أو إن كتمتيني فأنت طالق البتة، فأخبرته، فليفارقها ولا يقيم عليها، وما يدريه أصدقته أم لا، وقاله الليث. وإن قال لها: إن كنت تحبين فراقي فأنت طالق ثلاثًا، فقالت: إني أحبه، ثم قالت: كنت كاذبة، أو لاعبة، فليفارقها ولا يقيم عليها، فإن قال لها: إن كنت تبغضينى فأنت طالق، فقالت: لا أبغضك، فلا يجبر على فراقها ولكن يؤمر به.

[الباب الخامس] في تبعيض الطلاق، ومن طلق عضوا من امرأته أو قال: إحدى نسائي طالق، أو طلقتك قبل أن أتزوجك أو أنا صبي، أو مجنون، أو طلق بالعجمية

[الباب الخامس] في تبعيض الطلاق، ومن طلق عضوًا من امرأته أو قال: إحدى نسائي طالق، أو طلقتك قبل أن أتزوجك أو أنا صبي، أو مجنون، أو طلق بالعجمية [فصل 1 - في تبعيض الطلاق] ولما لم تنقسم الطلقة الواحدة لزم من طلق بعض طلقة جميع الطلقة كما لم تنقسم الحيضة في الأمة فاعتدت لحيضتين. قال ابن القاسم: ومن طلق بعض طلقة لزمه طلقة كاملة. قال ابن شهاب: ويوجع ضربًا من قال ذلك وهو أملك بها. قال ربيعة: وإن قال لها: أنت طالق طلقة ونصفًا، لزمه طلقتان، وإن قال لها: طلقتين ونصفًا فهي ثلاث. قال ابن القاسم: ومن قال لأربع نسوة له: بينكن طلقة إلى أربع، طلقن واحدة واحدة، وإن قال: خمس إلى ثمان، طلقن اثنتين اثنتين، وإن قال: تسع إلى ما فوق، طلقن ثلاثًا ثلاثًا. فصل [2 - فيمن طلق عضوا من امرأته] ومن قال لامرأته: يدك، أو رجلك، أو أصبعك طالق، طلقت كلها، وكذلك العتق.

قال الشيخ: لأنه إذا اجتمع الخطر والإباحة في شخص غلب حكم الحظر على الإباحة كالأمة بين الشريكين، والمعتق بعضها، والشاة يذبحها المجوسي والمسلم. قال سحنون في كتاب ابنه: ولو قال لها: شعرك طالق، أو حرام، فلا شيء عليه، ولو قال لعبده: شعرك حر، لم يلزمه عتق، وليس الشعر بشيء. قلت: قال بعض أصحابنا: تحرم إذا حرم شعرها؛ لأنه من محاسنها ومن خلقها حتى يزايلها. وكذلك لو قال: كلامك علي حرام، لحرُمت؛ لأنه من محاسنها. قال سحنون: لا أرى عليه شيئًا في الكلام والشعر، وكذلك قال ابن المواز عن ابن عبد الحكم. وقال أشهب: إنها تحرم عليه. وقال بعض القرويين: إذا طلق كلام امرأته لزمه الطلاق؛ لأن من كلام المرأة ما لا يحل أن يسمعه إلا الزوج، فقد حرم ذلك النوع على نفسه، فيلزمه الطلاق لهذا، والله أعلم. [فصل 3 - فيمن قال: إحدى نسائي طالق] ومن المدونة: ومن قال: إحدى نسائي، أو امرأة من نسائي طالق، أو كان ذلك في يمين حلف بها فحنث، فإن نوى واحدة بعينها طلقت التي نوى خاصة، وصدق في القضاء والفتيا، وإن لم ينوها طلقن كلهن بغير ائتناف طلاق؛ لأن الطلاق لا يختار فيه بخلاف العتق.

ابن المواز: وهذا قول المصريين وروايتهم عن مالك، وقال المدنيون ورواه بعضهم عن مالك: إنه يختار منهن واحدة كالعتق، والأول أحب إلينا؛ لأن العتق يُبعض ويُجمع في أحدهم بالسهم، وليس ذلك في الطلاق. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكذلك لو نوى واحدة فأُنسيها، طلقن كلهن بغير ائتناف طلاق. قال الشيخ: ولا خلاف في هذا، وكذلك في العتق إذا قال: أحد عبيدي حر، ونوى واحدًا، ثم أُنسيه، فإنه يعتق عليه جميعهم. قال ابن القاسم: وإن جحد في الطلاق كان كمن لا نية له ويطلقن كلهن. قال الشيخ: وفي العتق يختار من تعتق منهم إذا لم ينو واحدًا بعينه. فصل [4 - فيمن قال: طلقتك قبل أن أتزوجك، أو أنا صبي أو مجنون، أو طلق بالعجمية] ومن قال لامرأته: طلقتك قبل أن أتزوجك، أو: أنا صبي، فلا شيء عليه، وكذلك إن قال: وأنا مجنون، إن عرف أنه كان به جنون. وقال سحنون: يلزمه الطلاق، وذلك ندم منه. ومن طلق بالعجمية لزمه إن شهد بذلك عدلان يعرفان العجمية.

[الباب السادس] جامع القول في الاستثناء في الطلاق

[الباب السادس] جامع القول في الاستثناء في الطلاق [فصل 1 - في تعليق الطلاق بمشيئة الله أو بمشيئة غيره] ولما أجمعوا أن من نسق يمين الطلاق بفعل كان الحكم لآخر الكلام، كان كذلك الاستثناء فيه. قال مالك: فمن قال لزوجته: أنت طالق إن شاء الله، لزمه الطلاق ولا ثنيا له، لأنه لا علم لنا بمشيئة الله عز وجل، فإذا طلقناها عليه علمنا أن الله عز وجل شاء طلاقها. قال الشيخ: ولأنا لا نعلم بمشية الله عز وجل، ولما لم يكن لنا طريق إلى علمها غلبنا التحريم، كما إذا اجتمع في شيء الحظر والإباحة غلبنا الحظر. قال ابن القاسم: وإن قال لها: إن شاء فلان، فذلك له؛ لأنه ممن يوصل إلى علم مشيئته، وينظر إلى ما يشاء فلان، فإن مات فلان قبل أن يشاء وقد علم بذلك أو لم يعلم، أو كان ميتًا قبل يمينه، فلا تطلق عليه. قال الشيخ: لأنه لم يشأ إذا مات قبل أن يشاء. قال ابن القاسم: وكذلك إذا قال: أنت طالق إن شاء هذا الحجر، أو الحائط، فلا شيء عليه. قال الشيخ: لأن هذه الأشياء ليس لها مشيئة فيطلقها بها. وقال سحنون: يلزمه في الحجر ونحوه ولا ثنيا له، ويُحمل على أنه نادم.

قال الشيخ: قال عبد الوهاب: تعليق الطلاق بالمشيئة على ثلاثة أضرب: بمشيئة الله عز وجل، وبمشيئة إنسان، وبمشيئة من لا يشاء كالحجر ونحوه، فأما قوله: أنت طالق إن شاء الله، فلا يؤثر في رفع الطلاق عندنا خلافًا لأبي حنيفة والشافعي؛ لأنه لو أثر في ذلك لم يخل أن يكون تأثيره من حيث الشرط أو الاستثناء، فإن كان من حيث الشرط فلا يصح؛ لأنه لا سبيل لنا إلى العلم بحصوله، فإذا كان كذلك فتعليق الطلاق به هزل وعبث، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث هَزلهُن جِد، فذكر الطلاق"، وإن كان من حيث الاستثناء فلا يصح أيضًا لأن الاستثناء إنما يدخل على مستقبل الأفعال دون ماضيها، وقوله: أنت طالق، إيجاب وإيقاع فلا مدخل للاستثناء فيه. قال الشيخ: ولأن الاستثناء معنى يحل اليمين المنعقدة كالكفارة، وقد ثبت أنه لا مدخل للكفارة في الطلاق، فكذلك الاستثناء؛ ولأن الكفارة أقوى من الاستثناء؛ لأنها تؤثر متصلة ومنفصلة، والاستثناء لا يؤثر إلا متصلاً، فإذا لم تعمل الكفارة في الطلاق كان الاستثناء أحرى أن لا يعمل فيه، ولأنه استثناء يرفع جميعه في الحال، فوجب أن لا يعمل فيه، كما لو قال: أنت طالق ثلاثًا إلا ثلاثًا، وأما تعليق الطلاق بمشيئة زيد فيصح؛ لأنه يتوصل إلى علم مشيئته، فكان كسائر الشروط، كقوله: أنت طالق إن دخل زيد الدار ونحوه، وأما الاستثناء بمشيئة الحجر فروايتان: فوجه أن الطلاق يلزمه: فلأنه هزل، ووجه أنه لا يلزمه:

فلأنه عدم الشرط الذي علق الطلاق به، والأول أصح. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو كان استثناؤه في يمين بالطلاق على فعل شيء بعد ذكر الفعل أو قبله فلا ثنيا له. قال الشيخ: وابن الماجشون يرى أن له ثُنيا إذا رد الثُنيا إلى الفعل دون الطلاق، ولو قال: أنت طالق إلا أن يبدو لي، لم ينفعه ذلك، فإن ضمنه يمينًا فقال: أنت طالق إن فعلت كذا إلا أن يبدو لي، فذلك له، وقوله: إلا أن يبدو لي يريد في ذلك الفعل خاصة، وإن قال: إن شاء الله، لم ينفعه ذلك. فصل [2 - فيمن طلق واستثنى بعض الطلاق] ومن كتاب ابن سحنون: فإن قال: أنت طالق الطلاق كله إلا نصفه، أو قال: طالق ثلاثًا إلا نصفها، لزمته طلقتان. قال الشيخ: وكأنه قال لها: أنت طالق طلقة ونصفًا، فجبر عليه النصف الباقي من الطلقة فلزمه طلقتان. قال: ولو قال: الطلاق كله إلا نصف الطلاق، لزمته الثلاث؛ لأن الطلاق المبهم واحدة، فاستثناؤه من الواحدة لا ينفعه. قال الشيخ: وكأنه قال لها: أنت طالق طلقتين ونصفًا، فتلزمه الثلاث، وإن قال لها: أربعًا إلا ثلاثًا، أو مئة إلا تسعًا وتسعين، فإن الثلاث تلزمه كمن قال: ثلاثًا إلا ثلاثًا؛ لأن اللازم من المئة ثلاث، ثم رجع في المجموعة قال: لا تلزمه إلا واحدة، ولو كانت اللوازم من المئة تكون في المستثنى لكان لو قال:

إلا اثنتين، تلزمه واحدة، وهذا تلزمه الثلاث، وتكون اللوازم فيما أبقى. قال في كتاب ابنه: وإن قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق إلا واحدة، فإن نوى بقوله: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق واحدة يكررها ليُسمعها، لزمتة واحدة، كالقائل: أنت طالق واحدة إلا واحدة، وإن لم يرد يُسمعها، أو لم تكن له نية، فهي ثلاث استثنى منها واحدة، فتلزمه طلقتان. وإن قال: أنت طالق البتة إلا واحدة، لزمته طلقتان، لأن البتة صفة الثلاث بنى بها أم لا، وأنكر قول من قال: إن البتة لا تتبعض. قال بعض أصحابنا: ويلزم من قال هذا لو شهد شاهد بالبتة، وشهد آخر بالثلاث، أن تكون شهادة مختلفة، وهذا خلاف قول أهل الحجاز. وقال سحنون في المجموعة: إذا قال: أنت طالق البتة إلا واحدة، لزمته الثلاث؛ لأن البتة لا تتبعض. وقال أشهب: تتبعض. ومن العتبية: قال أصبغ فيمن قال لإحدى نسائه الثلاث: أنت طالق البتة ثم قال للثانية: وأنت شريكتها، ثم قال للثالثة: وأنت شريكتها، فإنهن طوالق البتة كلهن؛ لأنها لا تتبعض. ولو قال للأولى: أنت طالق ثلاثًا، وللثانية: وأنت شريكتها، وللثالثة: وأنت شريكتها، فإن الأولى والثالثة تقع عليهما ثلاث ثلاث، وعلى الوسطى

اثنتان، يريد: أن الأولى لزمها الثلاث بأول قوله، والثانية لزمها طلقتان، وكأنه قال لها: أنت طالق طلقة ونصفًا، والثالثة لزمتها ثلاث؛ لأنها لزمها من الأولى طلقتان ومن الثانية طلقة، فأكملت عليها ثلاث تطليقات. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ولو قال لأربع نسوة له: بينكن طلقة، أو قال: اثنتان، أو قال: ثلاث، أو قال: أربع، لزم كل واحدة طلقة. ولو قال: أشركتكن في ثلاث، لزم كل واحدة ثلاث، ولو قال: أشركت بينكن في طلقتين، طلقت كل واحدة طلقتين طلقتين. قال الشيخ: كأنه إذا قال: بينكن كذا، فإنما تقسم الجملة المسماة بينهن، فإذا قال: أشركتكن في ثلاث، أو في اثنتين، فكأنه أشركهن في كل طلقة على انفرادها. قال الشيخ: ولو قال قائل: ذلك سواء كله، لم أَعِبُه، إذ لا فرق بين قوله: بينكن، أو أشركتكن. قال أبو محمد: ورأيت لأبي عُبيد القاسم بن سلام مسألة في الاستثناء [قال]: على أصولنا فيمن قال: أنت طالق ثلاثًا إلا اثنتين إلا واحدة، أنها

اثنتان؛ لأنه استثنى من الاستثناء لقول الله عز وجل: {إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلاَّ امْرَأَتَهُ} [الحجر 59: 60] فاستثنى من الاستثناء.

[الباب السابع] في الطلاق قبل الملك واليمين به

[الباب السابع] في الطلاق قبل الملك واليمين به [فصل 1 - في لزوم الطلاق قبل الملك وهل يلزمه إن خص قبيلة] وقد رأى عمر وابن عمر وابن مسعود وغيرهم وعدد كثير من التابعين أن من حلف بطلاق امرأة إن تزوجها أن ذلك يلزمه، وكذلك إن خص قبيلة، قال بعضهم: أو ضرب أجلاً، وأما إن عم فلا شيء عليه. قال ربيعة: لأن الله عز وجل لم يجعل الطلاق إلا رحمة ولا العتاقة إلا أجرًا، فإلزامه هذا من الهلكة. قال غيره: وهذا من الحرج الذي رفعه الله عز وجل عن هذه الأمة بقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، يقول: من ضيق. قال عبد الوهاب: وقال الشافعي: إن ذلك لا يلزمه سواء عم أو خص، وقال أبو حنيفة: إن ذلك يلزمه سواء خص أو عم، والدليل على الشافعي أنه إن خص أو عم أن ذلك لا يلزمه، قوله عز وجل: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]؛ ولأنه

أضاف الطلاق إلى حال يملك فيه ابتداء إيقاعه، فصح ذلك اعتبارًا به إذا أضافه إلى حال طريق الملك، مثل أن يقول لزوجته: إذا دخلت الدار فأنت طالق. والدليل على أبي حنيفة في أنه يلزمه وإن عم: قوله عز وجل: {لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87]؛ ولأنه سد على نفسه طريق استباحة البضع، فوجب أن لا يلزمه؛ لأن في ذلك تعريض نفسه للزنا، وما أدى إلى ذلك فهو ممنوع، أصله عدم الحر لمهر الحرة أنه يجوز معه نكاح الأمة؛ لأنه لو لم يجز له ذلك لأدى إلى التعريض للزنا، وكذلك مسألتنا. [فصل 2 - فيمن قال: كلما تزوجتك، أو عن تزوجتك أبدًا فأنت طالق] ومن المدونة: قال مالك: ومن قال لامرأة: كلما تزوجتك فأنت طالق ثلاثًا، فالطلاق يعود عليه أبدًا كلما تزوجها، وولو قال: إن تزوجتك أبدًا، أو إذا أو متى ما، فإنما يحنث بأول مرة، إلا أن يريد أن (متى ما) مثل (كلما)، فتكون مثلها. وإن قال لأجنبية: إن وطئتك، أو يوم/ أكلمك فأنت طالق، ثم تزوجها وفعل ذلك فلا شيء عليه إلا أن ينوي إن تزوجتك.

فصل [3 - فيمن طلق قبل الملك وعم] قال مالك: ومن عم فقال: كل امرأة أتزوجها طالق، فلا شيء عليه؛ لأنه عم تحريم ما أحل الله عز وجل له، كان له يومئذ أربع زوجات فأدنى أو لا زوجة له طلق بعض زوجاته أو لا، قال ذلك في يمين مُضَمنة بفعل، أو في غير يمين مُضَمنة وله أن ينكح حتى يُكمل أربعًا، ولو طلق كل امرأة في عصمته لزمه ذلك، وله أن يتزوج إن شاء. وإن قال لزوجته: إن دخلت أنا، أو أنت الدار فكل امرأة أتزوجها طالق، أو بدأ يذكر التزويج قبل دخول الدار، ثم تزوج امرأة، ثم دخل الدار، أو دخلت هي فلا شيء عليه فيها، ولا فيمن نكح بعدها. فصل [4 - فيمن طلق قبل الملك وعم واستثنى مدينة] وإن قال: كل امرأة أتزوجها إلا من الفسطاط طالق، لزمه، أو قال: إن لم أتزوج إلا من الفسطاط فكل امرأة أتزوجها طالق، لزمه الطلاق فيمن تزوج من غيرها. قال سحنون في قوله: إن لم أتزوج من الفسطاط فكل امرأة أتزوجها طالق، إن تزوج من غير وُقِف، ودخل عليه الإيلاء. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها بمصر، ثم حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها بغير مصر، فلا يلزمه اليمين الثانية، وليتزوج بغير مصر ما شاء، ولو كانت يمينه أولاً على غير مصر، ثم حلف بطلاق من يتزوج بمصر، فاليمين الثانية ساقطة، ويتزوج من مصر.

قال ابن سحنون عن أبيه في الحالف بطلاق من يتزوج من قرطبة، قال: لا يلزمه إلا في قرطبة وأرباضها، ولو قال: من القيروان لم يلزمه إلا من المدينة نفسها. ولو تزوج من منزل العلويين لم يلزمه شيء، ولم ير بعض أصحابنا أنه يلزمه فيمن يلزمه السعي إلى الجمعة إلا أن ينوي إعمالها فيلزمه إعمالها؛ لأن القياس أن يلزمه فيما تقصر في مثله الصلاة، فعاب سحنون هذا كله، وقال: هذا القائل لو تزوج هذا من أبعد ما يلزمه فيه الجمعة ودون ما تقصر فيه الصلاة لم أفسخه، وأنهاه قبل وقوعه. قال سحنون: وهذا من قوله صواب. ومن العتبية والموازية والواضحة: قال ابن القاسم: وإن قال: كل امرأة أنكحها بأرض الإسلام طالق، فإن كان يقدر على دخول أرض العدو والنكاح بها وإخراجها لزمه، وإلا لم يلزمه اليمين. قال ابن المواز: وقال أصبغ: لا يلزمه وإن قدر على دخولها: كمن استثنى قرية صغيرة، أو عددًا قليلاً. قال أبو محمد: في أرض الحرب/ ما يأتيه المسلمون وهي مُتجر لهم، فإن أراد هذا لزمه، وإن أراد مثل إفرنجة ونحوها لم يلزمه. ومن المدونة: قال مالك: وإن قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق إلا من قرية كذا، لقرية صغيرة ليس فيها ما يتزوج، فلا شيء عليه.

قال مالك: وكذلك إن قال: إلا فلانة، وهي ذات زوجٍ أم لا، فلا شيء عليه. قال ابن القاسم: وكذلك إن قال: إن لم أتزوج فلانةً فكل امرأة أتزوجها طالق، فلا شيء عليه. فصل [5 - فيمن طلق قبل الملك وعم وضرب لذلك أجلاً] قال مالك: وإن قال: كل امرأةٍ أتزوجها إلى ثلاثين سنة، أو أربعين سنة طالق، فذلك يلزمه إذا أمكن أن يحيا إلى ما أجل من الأجل، فإن خشي العنت في التأجيل ولم يجد ما يتسرر به فله أن ينكح ولا شيء عليه. قال ابن المواز: قيل لابن القاسم: في كم من الأجل إذا ضربه تعذُره إن خاف العنت؟ قال: لا أحده، ولا أشك أن عشر سنين كثيرةٌ يعذر بها. قال أصبغ: بعد تصبر وتعفف. وقال أشهب وابن وهب: لا يتزوج وإن خاف العنت في تأجيل ثلاثين سنة. قال ابن القاسم: نكاحه أولى من الزنا، وقد اختُلف في هذا النكاح فأجازه ابن المسيب وغيره. ولو حلف بعتق ما يملك من الجواري في هذا الأجل لم يُعذر بخوف العنت. ابن المواز: قال أصبغ: وهما في القياس سواء، ولكن قوله أحب إلى لقوة العتق وضيقه، وسَعة الناس في النكاح.

قال ابن القاسم في العتبية: إن صاحب الشرط كتب إلي في رجلٍ تزوج امرأةً حلف بطلاقها إن تزوجها، فكتب إليه: لا يفسخ نكاحه، وقد أجازه ابن المسيب، وكان المخزومي ممن حلف أبوه على أمه بمثل هذا. قال ابن القاسم: ومن قال: إن تزوجت فلانة بمصر فهي طالقٌ، فتزوجها فطلقت عليه، ثم تزوجها، قال: يلزمه الطلاق كلما تزوجها. وقال ابن المواز: لا يحنث إلا مرةً واحدة. ابن سحنون: ومن حلف بطلاق من يتزوج على امرأته فذلك يلزمه، وكذلك إن قال: إن تزوجت عليك فلانة فهي طالق، أو شرط ذلك في أصل النكاح، ويتكرر فيها الحنث متى ما تزوجها، وإن كانت بعينها، ومخرج هذا [كأنه قال]: كل امرأة أجمعها معك طالقٌ، فصارت كغير معينة، وكذلك قال ابن القاسم: المعينة وغيرها في هذا سواء. وروى عنه عيسى: أنه لا يحنث في المعينة في هذا إلا مرةً واحدة، ثم لا شيء عليه. ومن المدونة: قال مالك: وإن قال: إلى مئتي سنة، أو كان شيخاً وضرب أجلاً يعلم أنه لا يبلغه فلا شيء عليه. قال: وإن خص قبيلةً أو بلدةً كقوله: كل امرأةٍ أتزوجها من مصر، أو هَمَدَان، أو الشام فهي طالقٌ، فتزوج بها امرأةً طلقت عليه، ثم كلما

تزوجها أبداً ولو بعد ثلاث عادت عليه فيه اليمين وطلقت، لأنه لم يحلف على عينها، وترجع إذا طلقت عليه كإحدى نساء تلك البلدة، وكذلك إن قال: من الموالي، وتحت امرأة منهن، فلا تطلق عليه، فإن طلقها، ثم تزوجها طلقت عليه. وإن قال: كل امرأةٍ أتزوجها ما عاشت فلانة فهي طالق، لزمه، لأنه أجلٌ آت، كانت فلانة تحته أم لا، فإن كانت فلانة تحته فطلقها. فإن نوى بقوله: ما عاشت، أي: ما دامت تحتي فله أن يتزوج، ويقبل منه، كانت على يمينه بينة أم لا، وإن لم تكن له نية في يتزوج ما بقيت. قال ابن القاسم: إلا أن يخشى العنت. فصل [6 - فيمن طلق قبل الملك ثلاثاً وخص ثم تزوج ودخل] قال مالك: ومن قال: كل امرأةٍ أتزوجها من الفسطاط طالقٌ ثلاثاً، فتزوج منها ودخل، فعليه صداقٌ واحدٌ، لا صداق ونصف، كمن وطئ بعد حنثه في الطلاق ولم يعلم، فإنما عليه المهر الأول الذي سمي. قال ابن القاسم: وليس عليها عدة الوفاة إن دخل بها ثم مات، إنما عليها ثلاث حيض. قال عبد الوهاب: وقال أبو حنيفة: لها مهرٌ ونصف، ودليلنا: أنا اتفقنا أنه واطئٌ بشبهة العقد الأول، ولا حد عليه، إلا يجتمع الحد والمهر، فإذا

كان واطئاً بشبهة العقد الأول لم يلزمه إلا مهرٌ واحدٌ اعتباراً بسائر الأنكحة الفاسدة إذا وطئ فيها. قال لشيخ: قال ابن المكاتب: وقد أجمع المسلمون على أن النكاح الفاسد وإن تكرر الوطء فيه ليس فيه إلا صداقٌ واحدٌ، وهو الذي وجب أولاً، فكان ما بعده داخلاً في حكمه وإن كان لا يجوز [ذلك] فكذلك ما قلناه. [فصل 7 - فيمن طلق قبل الملك ووكل من يزوجه] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن وكل من يزوجه، ولم يحضر عليه، فزوجة من الفسطاط، لزمه النكاح، وطلقت عليه إلا أن ينهاه عن الفسطاط. -قال الشيخ: يريد: فلا يلزمه النكاح إذا ثبت النهي- قال ابن القاسم: وقد قال مالك فيمن حلف ألا يبيع سلعة كذا، فوكل غيره فباعها: إنه حانثٌ، فهذا عندي مثله. قال ابن حبيب: ومن حلف بطلاق من يتزوج بقرطبة، فوكل من يزوجه، فعقد عليه نكاح امرأةٍ بقرطبة، فإنها تطلق عليه، ولها عليه نصف الصداق، ثم يُنظر فإن كان ذكر للوكيل يمينه فضمان نصف الصداق على الوكيل، وإن لم يذكر ذلك له فلا يضمن الوكيل شيئاً، وذلك على الحالف. قال أبو محمد: إذا نهان عن نساء قرطبة لم يلزمه طلاقٌ ولا نكاح.

فصل [8 - فيمن حلف بطلاق من يتزوجها على زوجته ثم طلق زوجته ثلاثاً ثم تزوج امرأة ثم تزوج الأولى] ومن المدونة: قال مالك: ومن قال لزوجته: كل امرأةٍ أتزوجها عليك طالق، فطلق المحلوف لها ثلاثاً، ثم تزوج امرأةً ثم تزوج المحلوف لها بعد زوج، أو تزوجها قبل زوج، ثم تزوج عليها، فلا شيء عليه فيهما. قال الشيخ: وكأنه رأى أنه إذا طلق المحلوف لها ثلاثاً، ثم تزوجها بعد زوجٍ فكأنها غيرها لزوال العصمة التي حلف لها فيها، وأما إن طلق المحلوف لها واحدةً فانقضت عدتها ثم تزوجها، ثم تزوج عليها أجنبية، أو تزوج الأجنبية، ثم تزوجها هي عليها، فإن الأجنبية تطلق عليه في الوجهين ما بقي من طلاق الملك الأول شيء، ولا حجة له إن قال: توجتها على غيرها ولم أنكح غيرها، ولا أنويه إن ادعى نية، لأن قصده ألا يجمع بينهما. قال ابن المواز: والذي هو أثبت عندنا إذا طلقها البنة، ثم تزوجها بعد زوجٍ فإنما يزول عنه كل يمينٍ حلف بطلاقها نفسها، أو كل شرطٍ فيه، أو يملكها نفسها، فأما ما كان بطلان غيرها كقوله: كل مرأةٍ أتزوجها عليك طالقٌ، أو: إن تزوجت عليك فلانة فهي طالقٌ، فطلقها ثلاثاً، ثم نكحها بعد زوجٍ، أن ذلك لازمٌ له، ورواه ابن وهب عن مالكٍ فيما أظن، وقاله أشهب، وأخذ به أصبغ.

قال أشهب: وكذلك قوله: إن تسررت عليك فهي حرة، أو: تزوجت عليك فعبدي حرٌ، قال: أبداً، أو لم يقل، فهو على الأبد حتى ينوي غير ذلك، وهو كالحالف بالله عز وجل، أو بالمشي ألا أطؤك، فلا يزيل يمينه هذه طلاقه إياها البتة إن تزوجها بعد زوج، إلا أن يكون نوى هذا الملك، قال: وإنما يسقط أيمانه بطلاقها وظهارها. [فصل 9 - فيمن قال: إن تزوجت عليك فأمرها بيدك] ومن المدونة: قال مالك: وكذلك إن قال: إن تزوجت عليك فأمر التي أتزوج عليك بيدك، على وجوه المسألة الأولى، يكون ذلك بيدها ما بقي من طلاق ذلك الملك الأول شيء، سواء كان مشترطاً في عقد النكاح أو تبرع به بعد العقد. قال ابن حبيب فيمن شرط أن الداخلة على امرأته طالق، فجهل فنكح عليها فليفرق بينهما متى ما عُثر عليه، ولها نصف الصداق، وإن بنى بها فلها جميعه ولا ميراث لها إن مات قبل الفراق، وإن كان ولدٌ لحق به وورثه، ولو عُثر عليه قبل موته وهو مقرٌ بالشرط لم يلحق به الولد ورجم. قال أبو محمد: انظر قوله: ويرجم، وهذا نكاح مختلف فه، وابن القاسم يقول: يتوارثان قبل الفسخ.

قال ابن حبيب: ولو أنكر وقامت عليه بذلك بينةٌ فرق بينهما ولم يُحد، كمن شُهِد عليه بالطلاق وهو يجحد. قلت: فمن طلق في سفر، ثم قدم فجحد فتقوم البينة بعد موته فقد قال مالك: ترثه، وقلت أنت في المسألة الأولى: لا ترثه؟ قال: لأن التي فيها الشرط بانت منه العقد، فلم يملك عصمتها إلا مع طلاق قارن العصمة، والأخرى فارقها بعد عصمةٍ مستقرةٍ، فإنما يثبت ذلك عليه بعد موته. [فصل 10 - فيمن شرط لها إن تزوج عليها فأمر نفسها بيدها] ومن المدونة: قال مالك: وإن شرط عند نكاحه إن تزوج عليها فأمر نفسها بيدها، ففعل، فلها أن تطلق نفسها بالثلاث، ولا مناكرة له هاهنا، بنى بها الزوج أو لم يبن. قال ابن القاسم: لأنها حين اشترطت إنما اشترطت ثلاثاً، فلا تبالي دخل بها أم لا، فإن طلقت نفسها بالثلاث بانت منه، وإن طلقت نفسها واحدةً وقد بنى فله الرجعة، وإن لم يبن بها بانت منه بالواحدة. قال أبو محمد: أعرف لسحنون وغيره: أن الطلقة لا رجعة له فيها، لأنها تشترط في أصل النكاح. قال ابن القاسم: وإن طلقت [نفسها] واحدةً ولم تُوقف فليس لها أن تزيد عليها كالتي توقف فتطلق واحدةً فقد تركت ما زاد عليها.

قال: ولو نكح عليها امرأةً فلم تقض فلها أن تقضي إن نكح ثانية أي الطلاق شاءت وتحلف: ما رضيت إلا بالأولى، وما تركت الذي كان لها من ذلك. قال: ولو طلق الأولى، ثم راجعها بنكاح فللملكة القضاء، وليس رضاها أولاً، بلازمٍ مرة أخرى. وقد ذكرنا هذه المسألة موعبةً في كتاب التخيير. [فصل 11 - فيمن طلق ثلاثاً إن لم يتزوج عليها اليوم فنكح نكاحاً فاسداً] ومن قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً إن لم أتزوج عليك اليوم، فتزوج نكاحاً فاسداً طلقت عليه، لأن مالكاً قال فيمن قال لأمته: أنت حرةً إن لم أبعك اليوم، فباعها فألفيت حاملاً منه: أنها تعتق عليه. قال حمديس: يُنظر في فساد النكاح، فإن كان مما يقر بعد البناء، فبنى بها من يومه بر في يمنه، وإن لم يبن بها حتى مضى ذلك اليوم حنث، وإن كان النكاح مما يفسخ قبل البناء وبعده، فلا يخرجه ذلك من يمينه على حال.

قال الشيخ: يريد إلا أن يفسخ ذلك النكاح، ثم يتزوجها نكاحاً صحيحاً في ذلك اليوم، فإنه بر، وكذلك إن تزوج غيرها فيه. وقال سحنون في الأمة التي حلف ليبيعها فباعها فألفيت حاملاً: ينبغي إن كانت مستبرأة عنده حين يمينه وبيعه أن لا تعتق عليه، لأنه حلف على ما يجوز له. قال سليمان: قال سحنون: والذي احتج بها رواية غير معتدلة، ولا تعتق عليه الأمة كمسألة مالكٍ في الحمامات. ومن المدونة: قلت: فإن نكح على الزوجة الحرة أمة؟ قال: آخر ما فارقت مالكاً عليه: أن نكاح الأمة على الحرة جائز، والخيار في هذا للحرة، في أن تقيم معه، أو تفارقه بطلقة. قال حمديس: يبر في يمينه إن كانت الأمة من نسائه.

[الباب الثامن] فيمن كتب إلى زوجته أو أرسل إليها بالطلاق وطلاق الأخرس والسكران والمكره والسفيه والصبي والكافر والعبد

[الباب الثامن] فيمن كتب إلى زوجته أو أرسل إليها بالطلاق وطلاق الأخرس والسكران والمكره والسفيه والصبي والكافر والعبد [فصل 1 - فيمن كتب إلى زوجته أو أسلف إليها بالطلاق] قال مالك: ومن قال لرجل: أخبر زوجتي بطلاق، أو أرسل إليها بذلك رسولاً، وقع الطلاق حين قوله للرسول، بلغها الرسول أو لم يبلغها ذلك وكتمها وإن كتب إليها بالطلاق، ثم حبس كتابه، فإن كتبه مُجمِعاً على الطلاق، لزمه حين كتبه، وإن كان ليشاور نفسه، ثم بدا له، فذلك له، ولا يلزمه طلاق. قال ابن القاسم: ولو أخرج الكتاب من يده عازماً، وقد كتبه غير عازم، لزمه حين أخرجه من يده، وإن كان أخرجه غير عازمٍ فله رده ما لم يبلُغها، فإن بلغها لزمه. قال أبو محمد: وروي عن مالكٍ أنه قال: إذا أخرجه من يده لزمه كاللفظ بالطلاق، والإشهاد به. قال ابن المواز فيمن أراد أن يكتب إلى زوجته بالطلاق: فأما أشهب فأجاز أن يكتب إليها: إذا طهرت من حيضتك فأنت طالقٌ، ولم يجعل لذلك أجلاً، ورآه ابن القاسم كالمطلق إلى أجل. قال ابن المواز: وأحب إلي أن يكتب إليها: إذا جاءك كتابي هذا فإن كنت حضت بعدي حيضة، ثم طهرت، وأتاك كتابي وأنت طاهرٌ فأنت طالقٌ، وإن كانت حاملاً كتب إليها: وإن أدركك كتابي وأنت حاملٌ، أو قد وضعت وطهرت فأنت طالقٌ، وإن كانت يائسةً أو لم تحض طلقها متى شاء، وكتب إليها بذلك.

وروى ابن حبيب: عن النخعي: إذا كتب إلى زوجته: إذا جاءك كتابي فأنت طالقٌ، فلم يأتها الكتاب فليس بشيءٍ، وإن كتب إليها: فأنت طارقٌ، فذلك جائز. فصل [2 - في طلاق الأخرس] قال مالك: وما علم من الأخرس بإشارةٍ أو كتابٍ من طلاقٍ، أو خلعٍن أو عتقٍ، أو نكاحٍ، أو بيعٍ، أو شراءٍ، أو قذفٍ، لزمه حكم المتكلم، ويُحد قاذفه، ويُقتص منه وله في لجراح. فصل [3 - في طلاق السكران] قال مالك: ويلزم السكران طلاقه وخلعه وعتقه، وإن قتل قُتِل، لأن معه بقية من عقلة، ولم يرفع القلم عنه. قال البخاري: وقال عثمان وابن عباس: ليس للسكران طلاق. ومن العتبية: قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن أسقى السكران، ثم حلف بطلاقٍ، أو عتقٍ: فلا شيء عليه، وهو كالبرسام، وهو لم يدخله على نفسه، وقاله أصبغ.

وقال أصبغ: ولو قصد شربه على سبيل الدواء والعلاج فأصابه ما بلغ ذلك منه، فلا شيء عليه، وليس كشارب الخمر. فصل [4 - في طلاق المبرسم والمجنون] وقال مالك: وما طلق المُبرسم أو المحموم في هذيانه وعدم عقله لم يلزمه، والمجنون الذي يفيق أحياناً، فما طلق في حال إفاقته يلزمه وما طلق في حال جنونه لم يلزمه، وكذلك المعتوه المطبق لا يلزمه ما طلق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:» رُفع القلم عن ثلاث -فذكر- المجنون حتى يفيق، والصبي حتى يحتلم والنائم حتى ينتبه «، ولأن من لا يصح نكاحه لا يصح طلاقه، اعتباراً لأحد الطرفين بالآخر. فصل [5 - في طلاق المكره] قال مالك: ولا يلزم المُكَره ما أُكْرِه عليه من طلاقٍ، أو نكاحٍ، أو خلعٍ، أو عتقٍ، أو غيره.

وقد رفع الله سبحانه الإثم بالإكراه في القول بقوله عز وجل: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106]، وقال تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28]، وقال الرسول عليه الصلاة والسلام:» رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه «، وقال ابن مسعود: ما من كلامٍ يدرأ عني سوطين إلا كنت مكلماً به. فصل [6 - في طلاق السفيه] قال مالك: والسفيه في حاله، والمخدوع في عقله يلزمه طلاقه. قال الشيخ: لأنه من أهل التكليف، وإذ ليس ف ذلك إتلاف ماله، وعتقه أم ولده. فصل [7 - في طلاق الصبي] قال مالك: ولا يجوز طلاق الصبي حتى يحتلم، لأنه رفع عنه القلم إلى ذلك الوقت، قال الله عز وجل: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَاذِنُوا} [النور: 59] الآية، فجعل الفرض عليهم بالبلوغ، ولأن طاقه إزالة ملكٍ كالعتق، فكما لا يلزمه العتق كذلك لا يلزمه الطلاق.

قال الشيخ: انظر إلى الفرق بين طلاقه وعتقه. فصل [8 - في طلاق الكافر] قال مالك: وإذا أسلمت الذمية وزوجها ذمي، فطلقها وهي في عدتها لم يلزمه طلاقه، وإن أسلم بعد ذلك. وقد أحبط الله عز وجل عمل أهل الكفر في كتابه، وقال صلى الله عليه وسلم:» الإسلام يجُب ما قبله «. فصل [9 - في طلاق العبد] قال في كتاب النكاح: وطلاق العبد طلقتان، وأجله في الفقد والاعتراض والإيلاء نص أجل الحر. قال الشيخ: وإنما قال ذلك لأن هذه الأشياء كالحدود، وتجر إلى ما يوجبها وقد قال الله عز وجل في الحدود: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]، فوجب أن يكون طلاقه طلقتين، لأن الواحدة لا تنقسم فجُبرت عليه. قال في كتاب الإيلاء: ولو طلق العبد زوجته تطليقة، ثم عتق فإنما تبقى له عليها طلقة واحدة، لأنه كان طلق نصف طلاقه.

[الباب التاسع] في اللغو في الطلاق ومسائل من الأيمان به مختلفة

[الباب التاسع] في اللغو في الطلاق ومسائل من الأيمان به مختلفة ولم يذكر الله عز وجل لغو اليمين إلا في اليمين بالله عز وجل، فلا يكون ذلك في طلاقٍ ولا غيره، وكذلك الاستثناء بمشيئة الله عز وجل. قال مالك: ومن حلف بالطلاق على ما يوقن أنه كذلك، ثم ظهر خلافه لزمه الطلاق، وقاله عدد من السلف، وبه قضى عمر بن عبد العزيز في الحالف بطلاق إحدى نسائه على ناقةٍ أقبلت أنها فلانة، فإذا هي ليست هي أن تطلق التي نوى من نسائه، وإن لم ينو واحدةً طلقن كلهن. قال ربيعة: ومن ابتاع سلعةً فحلف لرجلٍ بالطلاق ليخبرنه بكم أخذها، فأخبره أنه أخذها بدينارٍ ودرهمين، ثم ذكر أنه أخذها بدينارٍ وثلاثة دراهم، قال: إن ذكر أنه أقل أو أكثر فهو حانث. أبو محمد: يريد أن المحلوف له مات قبل أن يخبره، أو ضرب له أجلاً فجاوزه.

قال الشيخ: ونحوه لبعض فقهائنا القرويين أنه قال معنى قول ربيعة: ليخبرنه، أي: ليخبرنه الساعة، فلذلك حنثه، هذا معنى قوله. ومن المدونة: قال ابن شهاب: ومن حلف بالطلاق إن كلم فلاناً، فكلمه ناسياً فقد حنث. قال الشيخ: واحتج البخاري في النسيان والغلط في الطلاق بقول النبي صلى الله عليه وسلم:» [إنما] الأعمال بالنيات ولكل امرئٍ ما نوى «، قال: وتلا الشعبي قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَانَا} [البقرة: 286]. ومن المدونة: قال عطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب ومالك والليث لا استثناء في الطلاق بمشيئة الله عز وجل. قال ربيعة: وإن حلف بطلاق امرأته إن ضرب جاريتها، فرماها بحجرٍ فشجها، أن زوجته تطلق عليه.

قال: ومن حلف على معصيةٍ كقوله: أنت طالق لأشربن خمراً، أو بعض ما حرم الله عز وجل عليه، ثم رفع إلى الإمام فليطلق عليه مكانه. وكذلك قوله: لأضربن فلاناً، إلا أن يجب له ضربه بحقٍ فيدخل عليه الإيلاء. قال ابن شهاب: وإن حلف بالطلاق ليفعلن كذا -يريد مما يجوز له- إلى أجل، لم يحل بينه وبين امرأته، فإن لم يؤجل، ضرب له أجل الإيلاء، فإن فعل ما حلف عليه فبسبيل ذلك وإلا فرق بينه وبين امرأته صاغراً قميئاً. قال ابن وهب: قال ربيعة والليث فيمن حلف بطلاق امرأته ليتزوجن عليها إنه يوقف عن وطئها، ويضرب له أجل المولي. قال الليث وعطاء بن أبي رباح: فإن لم ينكح عليها حتى يموت توارثا. قال عطاء: وأحب إلى أن يبر في يمينه [قبل ذلك]. وهذا مستوعب في كتاب الإيلاء.

[الباب العاشر] في خيار الأمة تعتق وهي تحت عبد

[الباب العاشر] في خيار الأمة تعتق وهي تحت عبد [فصل 1 - في مشروعية تخيير الأمة التي تعتق وهي تحت عبد] روى ابن وهب أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لبريرة إذا عتقت وكانت تحت عبد:» أنت أملك بنفسك، فإن شئت أقمت مع زوجك، وإن شئت فارقته ما لم يمسك «، وقال جماعة من الصحابة رضي الله عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:» إن الأمة إذا عتقت وهي تحت عبدٍ فأمرها بيدها، فإن هي أقرت حتى يطأها فهي امرأته لا تستطيع فراقه «. قال ربيعة ويحيى بن سعيد: وإن مسها ولم تعلم بعتقها فهي على خيارها حتى يبلغها.

قال عبد الوهاب: وإنما كان لها الخيار لأن حرمتها زادت على حرمته، فلها أن لا ترضى به، ولا خيار لها تحت الحر، خلافاً لأبي حنيفة، لقول عائشة رضي الله عنها: خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة وكانت تحت عبد، ولو كان زوجها حراً ما خيرها، ومثل هذا لا يكون غلا بتوقيف، ولأن حرمتها ليست بزائدةٍ على حرمته، بخلاف العبد. قال: واختيارها نفسها طلاق، لأنه ليس بفسخٍ غالباً، إذ لها المقام عليه، وتكون طلقةً بائعة، لأنه خيار في زوال العصمة كالخلع، ولو كان له الرجعة لم يفدها الخيار شيئاً، وفي تطبيقها نفسها زيادةً على الواحدة روايتان. فوجه قوله: إن لها ذلك، فلأنها ملكت من أمرها ما كان الزوج يملكه، فكان لها أن تُوقع ما كان له أن يوقعه. ووجه قوله: إنه ليس لها أكثر من واحدة، هو أن الغرض إزالة العصمة، فإذا زالت بالواحدة فالزيادة عليها إضرار لا فائدة فيه. [فصل 2 - فيما يكون به خيارها من الطلاق] ومن المدونة: قال مالك: وإذا عتقت الأمة -ابن المواز: أو من فيها بقية رق- وهي تحت عبدٍ حيل بينهما حتى تختار، ولها الخيار بطلقة، وتكون بائنة ولا رجعة له إن عتق في العدة، لأن كل فرقةٍ من قِبَلِ السلطان فهي طلقةٌ بائنةٌ وإن لم يؤخذ عليها مال.

قال ابن القاسم: وإن قالت حين عتقت: اخترت نفسي، ولا نية لها، فهي طلقة بائنة، إلا أن تنوي أكثر فيلزم ما نوت، لأن مالكاً كان يقول مرة: ليس لها أن تطلق نفسها أكثر من واحدةٍ بائنة، فلذلك رأيت إذا لم تكن لها نيةٌ أنها واحدةٌ بائنة. قال مالك: ولو طلقت نفسها أكثر من واحدة، أو ألبتة بعد البناء، لزم، ولم تحل له إن طلقت اثنين فأكثر إلا بعد زوجٍ، لأن لاثنتين جميع طلاق العبد، وكذلك إن فارقت بواحدةٍ وقد تقدم له فيها طلقة، فلا تحل له إلا بعد زوج. وأول قول مالك: إنه ليس لها أن تختار بأكثر من واحدة، ثم رجع إلى أن ذلك لها على حديث زبراء. وقد ذكر مالك أن زبراء حين عتقت تحت عبد، قالت لها حفصة: إن لك الخيار، فطلقت نفسها ثلاثاً. ابن المواز: وإذا كان الزوجان نصرانيين لمسلمٍ فأعتقت الأمة فلها الخيار، لأنها لمسلم. ابن سحنون: واختلف إن كانا لنصراني.

[فصل 3 - فيمن لم تختر حتى عتق زوجها] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولها الخيار عند غير السلطان، فإن لم تختر حتى عتق زوجها، أو كان عتق الزوجين في كلمةٍ واحدةٍ، فلا خيار لها. قال: ولا تختار في الحيض، فإن فعلت لزم. قال في العتبية: فإن لم تختر حتى عتق زوجها قبل أن تطر فلا يقطع ذلك خيارها، ولها الخيار إذا طهرت، لأنه كان وجب لها وإنما منعت منه حيضتها. قال الشيخ: ولو قال قائل: ألا خيار لها، لا أعبه، لأن زوجها قد عتق قبل خيارها، وساوت حرمته حرمتها، فوجب سقوط خيارها كما لو جهلت أن لها الخيار فلم تختر حتى عتق زوجها أنه لا خيار لها. ابن المواز: ولو بيع زوج الأمة بأرض غربة فظنت أن ذلك فراق، ثم عتقت فلم تختر [نفسها] حتى عتق زوجها فلا خيار لها، وقاله مالك. [فصل 4 - فيمن تأخر علمها بالعتق] ومن المدونة: قال مالك: ولو بلغها العتق بد زمان، وهو يطؤها فلها الخيار حين علمت. قال: ولها الخيار في مجلسها الذي علمت بالعتق به، أو بعد ذلك ما لم توطأ.

ابن المواز: وإذا علمت بالعتق فادعى الزوج بعد أيامٍ أنه وطئها فأنكرت، فإن علم أنه كان يخلو بها، أو أقرت به بالخلوة، فهو مصدقٌ مع يمينه، وإن لم يعلم ذلك ولم تقر له بها صُدقت بغير يمين. [فصل 5 - فيمن وقفت سنة بعد العتق ولم توطأ] ومن المدونة: ولو وقفت سنة فمنعت نفسها ولم توطأ، ثم قالت: لم أسكت رضىً بالمقام، صدقت ولا يمين عليها كالتمليك. وقد قال مالك: لا يحلفن النساء في التمليك، ثم لها الآن أن تختار، فإن كان وقوفها رضىً بالزوج فلا خيار لها بعد أن تقول: رضيت بالزوج. قال مالك: ولو وطئها بعد علمها بالعتق وجهلت أن لها الخيار، أو علمت فلا خيار لها بعد ذلك. [فصل 6 - فيمن عتقت تحت عبد وهو غائب] ومن كتاب محمد: وإذا أعتقت أمةٌ تحت عبدٍ وهو غائبٌ فاختارت نفسها، قال أصبغ: قال ابن القاسم: أمر هذه وأمر النصرانية التي تسلم وزوجها غائب سواء، إن كان الزوج قريب الغيبة كتب في أمره خوفاً أن يكون عتق قبلها، وإن كان بعيداً فخافت على نفسها الضرر في التوقيف رأيت أن تتزوج إذا انقضت عدتها، فإن قدم بعد انقضاء العدة قبل أن تتزوج، أو بعد أن تزوجت وقبل أن يدخل بها الآخر كان أحق بها، كان قد أسلم، أو عتق قبل إسلامها أو عتقها،

أو بعد فهو أحق بها إلا أن يدخل بها الثاني، فيكون الثاني أحق بها، وإن كان إسلام الأول أو عتقه قبل إسلامها، أو عتقها فالأول أحق بها وإن دخل بها الثاني وولدت الأول، وليس ذلك عندهما مثل إذا كان إسلامه بعد إسلامها، أو عتق بعد عتقها. قال ابن المواز: وهذا أحب إلينا، وهو مما لم يكن يجب عليها فيه عدة. قال أصبغ: وتصير كالمنعي لها زوجها، وكالعبد يجب له وعليه حكم العبيد، ثم يثبت أنه حرٌ قبل ذلك بعتق سيده، أو بغير ذلك، أنه يرجع إلى حكم الأحرار، ولا يضر ذلك الجهالة. وكذلك في الطلاق والعدة، وترد الأمة والعبد إلى بقية الطلاق للحر، وبقية عدة الحرة. وإذا بادرت المعتقة في القريب الغيبة فاختارت نفسها لزم ذلك واكتفى به، ثم إن نكحت وثبت أنه عتق في عدتها فلا سبيل للقيام إليها، وكذلك لو لم تتزوج ولا حجة له بقرب غيبته، وهو كالحاضر. وكذلك التي أسلمت والزوج قريب الغيبة فيستحب أن يتربص لاستبراء أمه فإن بدرت فنكحت، ثم قدم وثبت أنه أسلم في عدتها فلا حجة له، ويكتفى بتلك العدة لها عدة. وروى ابن حبيب عن أصبغ: إن ظهر عتقها ولم يظهر عتقه وهو حاضرٌ فاختارت نفسها، وقد كان أعتق زوجها قبلها، ثم تزوجت الآن فزوجها الأول أحق بها وإن دخلت، وإن كان غائباً لم يكن أ؛ ق بها إلا أن يدركها قبل الدخول.

[فصل 7 - فيمن أعتق نصفها، وفي الخيار قبل العتق] ومن المدونة: قال: وإن أعتق نصفها تحت عبد، أو جميعها تحت حرٍ فلا خيار لها. قال ابن شهاب: وإن أعتقت قبل أن يدخل بها وقد فرض لها فاختارت نفسها فلا صداق لها، لأنها هي تركته ولم يتركها، وإنما قال الله عز وجل: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الآية، فليس هو فارقها ولكن هي فارقته، وقاله ربيعة ويحيى بن سعيد. قال مالك في العتبية في أمةٍ تحت عبدٍ أشهدت أنها متى ما عتقت تحته فقد اختارت نفسها أو زوجها: فليس ذلك بشيء. قال في كتاب ابن سحنون وغيره: وأما الحرة ذات الشرط في النكاح والتسري تقول: أشهدوا متى فعل زوجي كذا فقد اخترت نفسي، فذلك لها. وقال المغيرة: هما سواء، ولا شيء لهما، وهاتان المسألتان اللتان سأل عبد الملك مالكاً عن الفرق بينهما فقال له مالك: أتعرف دار قُدامة؟

قال الشيخ: والفرق عندي بينهما: أن الأمة إنما يجب لها الخيار إذا عتقت، والعتق لم تقع بعد فقد سلمت، أو أوجبت شيئاً قبل وجوبه لها، فلم يلزم كتارك الشفعة قبل أن يستوجبها، والحرة قد أوجب لها زوجها الشرط إن فعل، وملكها منه ما كان يملكه، فلها أن تقضي به عليه قبل أن يفعل إن فعل كم كان ذلك له أن يلزمه نفسه قبل أن يفعله متى فعله، وبالله التوفيق.

[الباب الحادي عشر] في طلاق المريض ونكاحه وغير ذلك من أحكامه

[الباب الحادي عشر] في طلاق المريض ونكاحه وغير ذلك من أحكامه [فصل 1 - في طلاق المريض] ولما منع الرسول عليه الصلاة والسلام المريض من الحكم في ثلثي ماله الموروث بما ينقص ورثته منه، كان ممنوعاً أن يدخل عليهم وارثاً، أو يخرج منهم وارثاً، ولما منع الرسول عليه الصلاة والسلام القاتل الميراث بما أحدث من القتل انبغى أن لا يكون المريض مانعاً لزوجته الميراث بما أحدث من الطلاق، ولا فرق بين وارثين أحدهما يدخل في الميراث بوجهٍ فيمنع من أجله، وآخر قد أخرج بمثل ذلك الوجه. قال الشيخ: لأن القاتل أراد أن يستوجب بفعله حقاً لم يجب له بعد، فمُنِعَه، وكذلك المريض أراد أن يمنع بفعله حقاً عن من وجب له فمُنِعَه، وكما لم يكن للمريض أن يدخلها في الميراث بتزويجه إياها فيه، كان كذلك لا يخرجها من الميراث بطلاقها فيه.

وقد قضى به عثمان رضي الله عنه بمحضر المهاجرين والأنصار، وقاله عمر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما. قال مالك: وإذا طلق المريض امرأته قبل البناء فلها نصف الصداق، وترثه إن مات من مرضه ذلك، ولا عدة عليها لوفاته، لأنها مطلقة، ولا عدة عليها لطلاق، لأنه قبل البناء، وإن دخل بها، ثم طلقها من مرضه طلاقاً بائناً فعليها عدة الطلاق، وترثه، ولا تنتقل إلى عدة الوفاة إن مات في العدة، لأن الطلاق بائناً، ولو كان طلاقاً يملك فيه رجعتها انتقلت إلى عدة الوفاة إن مات في العدة، وإن انقضت العدة قبل الوفاة فلها الميراث ولا عدة عليها من الوفاة. والمطلقة في المرض لو تزوجت أزواجاً كل يطلقها في مرضه لورثت كل من مات منهم وإن كانت الآن تحت زوج. قال مالك: ومن طلق في مرضه واحدة، ثم صح، ثم مرض فمات من المرض الثاني ورثته إن مات وهي في العدة. وإن كان طلاقه إياها البتة لم ترثه وإن مات في عدتها إذا صح فيما بين ذلك صحة بينة، لأنه يصير كأنه أوقع الطلاق في الصحة. قال: وإن طلقها واحدة في مرضه، ثم صح، ثم مرض فأردفها طلقة، أو أبتها لم ترثه إلا أن يموت وهي في العدة من الطلاق الأول، لأنه في الطلاق الثاني ليس بفارٍ إلا أن يرتجعها من الطلاق الأول، ثم يطلقها في مرضه الثاني فترثه وإن انقضت عدتها، لأنه بارتجاعها صارت كسائر أزواجه، وصار بالطلاق الثاني فاراً من الميراث.

والمبتوتة في المرض إن ماتت قبله، ثم مات من مرضه ذلك لم ترثه، ولا يرث ميتٌ من حي مات بعده، ولا يرثها إن كان طلقها ألبتة، أو واحدةً فانقضت عدتها. وإن قال لها في صحته: إن قدم فلان، أو قال: إن دخلت بيتاً فأنت طالق، فقدم، أو دخلت في مرضه، لزمه الطلاق، وورثته إن مات فيه. وكذلك كل طلاقٍ وقع في مرضه بخلعٍ، , تخييرٍ، أو تمليكٍ، أو إيلاءٍ، أو لعانٍ فإنها ترثه. قال مالك: وإن أقر المريض أنه طلق في صحته ورثته، وعليها عدة الطلاق من يوم أقر، فإن كان إقراره بطلاقٍ غير بائن، ثم مات وهي في العدة انتقلت إلى عدة الوفاة وورثته، وإن انقضت عدتها من يوم أقر بما أقر به فلها الميراث ولا عدة عليها. فصل [2 - فيمن له حكم المريض في طلاقه] قال مالك: ومن قُرب لحدٍ من قطع يدٍ، أو رجلٍ، أو جلدٍ فطلق امرأته حينئذ، ثم مات من ذلك، فإن خيف عليه من ذلك الموت فهو كالمريض. قال مالك: وحاضر الزحف، ومن حبس للقتل له حكم المريض في ذلك. قلت: فمن طلق زوجته وهو في سفينة في لُجَج البحر، أو النيل، أو الفرات أو الدجلة، أو بطائح البصرة؟

قال: قال مالك: إذا أصاب أهل البحر النواء والريح الشديد فخافوا الغرق، فأعتق أحدهم عبداً في تلك الحال فهو من رأس المال، ولا يشبه هذا الخوف. وقد روي عن مالك: إن أمر راكب البحر في الثلث. -قال ابن المواز: والطلاق على نحو هو من الاختلاف-. وأما المفلوج، وصاحب حُمى الربع، والأجذم، والأبرص، والمقعد، وذو الجراح والقروح، فما أرقده من ذلك وأضناه وبلغ به حد الخوف عليه فله حكم المريض، وما لم يبلغ به ذلك فله حكم الصحيح، فرب مفلوج، أو يابس الجذام يتصرف ويسافر. قال ابن القاسم: فكل من لا يجوز قضاؤه في جميع ماله فطلق في حالته تلك، فلامرأته الميراث منه إن مات من مرضه ذلك. فصل [3 - في الوصية للمطلقة في المرض، وفيمن نكح فيه] ولا تجوز الوصية للمطلقة في المرض وإن تزوجت أزواجاً، لأنها وارثة، فإن قتلته في مرضه خطأً بعد أن طلقها فلدية على عاقلتها، وترث من ماله دون الدية،

وإن قتلته عمداً لم ترث من ماله وقتلت به، فإن عفي عنها على مالٍ لم ترث منه أيضاً. قال مالك: ومن تزوج في المرض، ثم طلق فيه، أو لم يطلق فلا ترثه، وهو نكاحٌ لا يقر، ولا صداق لها إلا أن يكون قد دخل بها في مرضه فلها الصداق في ثلثه مبدءاً على الوصايا. قال ابن القاسم: وإن سمى لها أكثر من صداق مثلها كان لها صداق مثلها مبدءاً في الثلث على الوصايا بالعتق وغيره، إلا الدين فإنه يبدأ عليه، لأنه من رأس المال. وقيل: إن لها المسمى في الثلث مبدءاً وإن كان أكثر من صداق المثل، وروي عن مالك. واختلف في الزائد على صداق المثل، فقيل: يبطل، قاله ابن القاسم، وقيل: تحاص به الوصايا. واختلف فيه قول مالك إذا صح، فقال: يثبت النكاح، وقال: يفسخ وقد تقدم هذا في كتاب النكاح.

[فصل 4 - فيمن ارتد في مرضه ومن طلق نصرانية أو أمة فيه] ومن كتاب الأيمان بالطلاق قال: ومن ارتد في مرضه فقتل على ردته لم ترثه ورثته المسلمون ولا زوجته، إذ لا يتهم أحد بالردة على منع الميراث. ومن كتاب ابن المواز: وإن رجع مسلماً، ثم مات في مرضه فلا ترثه. قال ابن القاسم: وإن طلق المريض نصرانية، أو أمةً، ثم أسلمت النصرانية أو عتقت الأمة بعد العدة، ثم مات من مرضه ذلك لورثتاه، وكذلك روى عنه أصبغ في العتبية. وقال سحنون: ولا يرثانه، ولا يتهم في ذلك، وكذلك في طلاق ألبتة إلا أن يطلق واحدةً ويموت في العدة بعد أن أسلمت هذه، وعتقت هذه فيرثانه. وكذلك عنه في كتاب ابنه. قال: وإن مات بعد العدة ولم يرتجع لم يرثاه

[فصل 5 - فيمن لاعن في مرضه ثم مات والمريض يطلق زوجته قبل البناء ثم يتزوجها قبل صحته] ومن المدونة: وإن قذفها في مرضه فلاعن، ثم مات من مرضه ذلك ورثته وإن طلق زوجته قبل البناء، ثم تزوجها قبل صحته فلا نكاح لها إلا أن يدخل بها، فيكون كمن نكح في المرض وبنى فيه. قال سحنون في كتاب ابنه: يريد أن هذا النكاح فسخ قبل البناء لعلة الصداق الذي يعطيها، فإذا دخل بها لم يفسخ، لأن الصداق وجب بالبناء وأما الميراث فهو ثابت- يريد: فيكون الصداق من الثلث مبدءاً-. وقد أنكر بعض فقهائنا القرويين قول سحنون هذا وقال: يفسخ نكاحه وإن دخل، لأن صداقه إنما هو من الثلث، ولا يدري ما يحمل الثلث منه، فكيف يقر نكاحه ويباح له وطء امرأةٍ صداقها غير مستقر، وليس كالنكاح بالغرر، لأن الغرر إذا بنى فيه وجب صداق المثل لا ينقص منه شيء، وهذا من الثلث، ولا يدري ما يحمل الثلث منه، وظاهر الكتاب أنه يفسخ، لأنه قال: وهو كمن نكح في المرض وبنى فيه. قال الشيخ: إلا أن يكون له مال مأمون يكون ثلثه أضعاف صداقها، فيصح قول سحنون. قال أبو عمران: ولو حمل أجنبي عن الزوج صداقه فلا يفسخ النكاح، لأن الصداق قد ثبت للمرأة في مال الأجنبي، والميراث ثابت بالنكاح الأول، ولو

كان ذلك على وجه الحمالة، فهي كمسألة الكتاب، لأن الأجنبي إنما يطالب بالصداق في عدم الزواج. قال الشيخ: يجب أن يثبت، لأن الصداق ثابت لها على كل حال، فانظر. [فصل 6 - في إرث المطلقة ممن لم يصح صحة بينة وممن طلق في مرضٍ غير مخوف] ومن المدونة: قال ربيعة: ومن طلق في مرضه، ثم تماثل، ثم نكس، ورثته إلا أن يصح صحة بينة. قال ابن شهاب: ومن كان به مرض لا يعاد منه، رمد، أو جرب، أو ريح، أو لقوة، أو فتق، فطلق حينئذٍ فإنها لا ترثه. قال ربيعة: إنما ترثه في المرض المخوف.

[الباب الثاني عشر] فيمن طلق إحدى زوجتيه ثم مات ولم تعلم المطلقة أو مات عن أم وابنتها ولم تعلم الأولى أو عن خامسة غير معلومة

[الباب الثاني عشر] فيمن طلق إحدى زوجتيه ثم مات ولم تعلم المطلقة أو مات عن أمٍ وابنتها ولم تعلم الأولى أو عن خامسةٍ غير معلومة [فصل 1 - فيمن طلق إحدى زوجتيه ثم مات ولم تعلم المطلقة] قال ابن القاسم: وبلغني عن بعض أهل العلم فيمن نكح امرأتين فبنى بواحدةٍ ولم يبن بالأخرى حتى طلق إحداهما طلقة، ثم مات ولم تنقض العدة، وجهلت المطلقة، فللمدخول بها الصداق كاملاً، وثلاثة أرباع الميراث، وللتي لم يبن بها ثلاثة أرباع الصداق وربع الميراث. قال الشيخ: ووجه/ ذلك: أن المدخول بها قد وجب لها صداقها بالمسيس وتتداعى هي وصاحبتها في الميراث، فتقول لها: أنت المطلقة ولا ميراث لك، ولي جميعه، وتقول التي لم يدخل بها: بل أنت المطلقة ولي نصفه، فقد سلمت التي لم يبن بها لصاحبتها نصف الميراث، وتنازعا في النصف الباقي، فيقسم بينهما نصفين بعد أيمانهما، فيصير للمدخول بها ثلاثة أرباعه، وللأخرى ربعه، وتتداعى أيضاً الورثة مع التي لم يبن بها في الصداق، فيقولون لها: أنت المطلقة فلك نصف صداقك، وتقول هي: بل صاحبتي المطلقة وليه جميعه، فقد سلموا لها النصف بلا منازعة، وتداعوا في النصف الباقي فيقسم بينهما نصفين بعد أيمانهما، فيكون لها ثلاثة أرباع صداقها. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو مات بعد انقضاء العدة، أو كان الطلاق ثلاثاً، أو مات قبل انقضائها فالصداق على ما ذكرناه، والميراث بينهما نصفين.

قال الشيخ: وعلة ذلك: أن كل واحدةٍ تدعي أن صاحبتها المطلقة، والميراث لها خاصة، فيقسم بينهما نصفين بعد الأيمان، والعلة في الصداق كما تقدم. ومن كتاب ابن سحنون: ولو كانت الواحدة مفوضاً إليها ولم تعلم، وطلق واحدةً ولم تعلم، فللمدخول بها النصف المسمى، نصف صداق المثل، وللتي لم يدخل بها ثلاثة أثمان المسمى. قال الشيخ: ووجه ذلك: أن المدخول بها تارةً يجب لها المسمى وتارةً صداق المثل، فأعطيت نصف كل صداق، والتي لم يبن بها يقول لها الورثة: أرأيت لو كنت أنت المسمى لك، وجهل طلاقك، أليس يجب لك ثلاثة أرباع الصداق، على ما قدمنا؟ فتقول: نعم، فيقولون لها: إنك أنت المفوض لها، ولا شيء لك منه، وتقول هي: بل صاحبتي، ولي ثلاثة أرباع الصداق، فيقسم بينهما نصفين بعد الأيمان، فيكون لها ثلاثة أثمان المسمى، والميراث بينهما كما تقدم في المسألة الأولى. قال: ولو كانت المسمى لها معروفة والمدخول بها مجهولة فالميراث بينهما وللمسمى لها سبعة أثمان صداقها، لأن نصفه ثابت بكل حال، ونصفه يثبت في ثلاثة أحوال، ويزول في حال. - قال الشيخ: يريد أن يثبت في أن لا تكون مطلقة، ومات قبل البناء، ولا تكون مطلقة، ومات بعد البناء، أو تكون مطلقة بعد البناء، ويزول في حال أن تكون المطلقة قبل البناء- قال: فيسقط ربعه، وللتي لم يسم لها نصف صداق مثلها، لأن الصداق يثبت لها في حالين ويزول في حالين.

- قال الشيخ: يريد أن يثبت أن تكون مدخولاً بها مطلقةً أو غير مطلقة، ويزول إلا أن تكون مدخولاً بها مطلقةً أو غير مطلقة-. قال: فإن لم تعرف المسمى لها أيضاً، قيل لهما: معكما مسمى لها مجهولة وجب لها يبعة أثمان المسمى كما ذكرنا، ومفوض إليها مجهولة لها نصف صداق المثل، فيقسم ذلك كله بينهما، فإن كان صداق مثلهما مختلفاً، صداق هذه ستون وصداق هذه أربعون، فاجمع نصف هذا ونصف هذا يصير خمسين يكون بينهما مع سبعة أثمان المسمى كما ذكرنا. [فصل 2 - فيمن مات عن أمٍ وابنتها ولم تعلم الأولى] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو نكح أماً وابنتها في عقدين، ثم مات ولم تعلم الأولى منهما، فإن بنى بهما فلكل واحدةٍ/ صداقها المسمى ولا ميراث لهما. - قال الشيخ: لأن الصداق استحقاه بالدخول، وإنما لم يكن لهما شيء من الميراث، لأن بالدخول بهما حرمتا عليه، ووجب فسخ نكاحهما، فهما في حكم البائنتين قبل الموت، فلم يجب لها شيء من الميراث-. قال ابن القاسم: وإن لم يبن بهما فالميراث بينهما، ولكل واحدةٍ نصف صداقها اتفق أو اختلف. قال ابن المواز: بعد أن تحلف كل واحدةٍ لصاحبتها أنها هي الأولى. قال الشيخ: لأن صداق الأولى وميراثها صحيح، فلما لم تعرف، وادعت كل واحدةٍ منهما أنها الأولى أعطيت كل واحدةٍ نصف صداقها، لأنه يجب لها تارةً، ويسقط تارةً، فوجب أن تعطى نصفه بعد يمينها، وكذلك الميراث.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكذلك إن مات عن خامةٍ غير معلومة. قال ابن اللباد: وعلى الأم والابنة عدة الوفاء، لأن نكاح واحدةٍ صحيح، ولا يدرى أيتهما هي، ولو بنى بهما لم يلزمهما غير ثلاث حيض استبراء، وإن بنى بواحدةٍ معروفةٍ فلها صداقها كله، ونصف الميراث، لأنها تنازع الورثة فيه، وقاله ابن حبيب. وقال ابن المواز: لا شيء لها من الميراث لاحتمال أن تكون هي الآخرة، فلا تورث بالشك. قال: وقيل: لها نصفها، ولا يعجبني. قال ابن اللباد: وعليها من العدة أقصى الأجلين، ولا شيء للتي لم يدخل بها من صداقٍ ولا ميراث، ولا عدة عليها. قال: وإن بنى بواحدةٍ ولم تعرف فلكل واحدةٍ نصف صداقها ونصف الميراث بينهما نصفين. قال الشيخ: وإنما ذلك لأن المدخول بها إن كانت الأولى فنكاحها ثابت، وإن كانت هي الآخرة بطل نكاحها ونكاح الأولى، فلما ثبت الميراث مرةً وسقط أخرى أعطيناهم نصفه، والصداق تنازع كل واحدةٍ فيه الورثة، فيكون لها نصف صداقها، ونحوه لابن سحنون.

[فصل 3 - فيمن مات عن خمس نسوةٍ ولم تعلم الخامسة] قال الشيخ: وقال شيخنا عتيق بن عبد الجبار الفقيه: وإذا هلك عن خمس نسوة ولم تعلم الخامسة، فالميراث بينهن أخماساً، دخل بهم أو ببعضهن، أو لم يدخل بواحدةٍ منهم، وأما الصداق فإن دخل بجميعهن فلكل واحدةٍ صداقها المسمى، لأنها استوجبته بالمسيس، وإن لم يدخل بواحدةٍ منهن فليس لهن إلا أربع صدقات بينهن، فيجب لكل واحدةٍ أربعة أخماس صداقها، اختلفت الصدقات أو اتفقت. وإن دخل ببعضهن فقد اختلف أصحابنا في ذلك، فقال بعضهم: يكمل لمن دخل بها جميع صداقها، وتبقى من لم يدخل بها على أصل القسمة، يكون لها أربعة أخماس صداقها. وقال بعضهم: وهو الصواب: ونحوه لابن سحنون: يكون لمن دخل بها جميع صداقها، ويتداعى الورثة مع من لم يدخل بها، فيقسم ما تداعيا فيه بينهم، وبيان ذلك: إن دخل بواحدة، أن الورثة يقولون للأربع البواقي: إنما لكن ثلاثة صدقات، لأن الخامسة فيكن، ويقلن النسوة: بل لنا أربع صدقات والخامسة هي المدخول بها، فلهن ثلاث صدقات بلا منازعة، ويتداعون في الرابع، فيقسم بينهم فيكون للنسوة ثلاث صدقاتٍ ونصف، فيقسم ذلك بينهن على أربعة، فيكون لكل واحدةٍ سبعة أثمان صداقها. وكذلك على قوله/ لو دخل باثنتين، لكان للبواقي تارةً صداقان إن كانت الخامسة فيهن، وتارةً ثلاث صدقاتٍ إن كانت الخامسة في المدخول بهما، فيكون لهن صداقان ونصف، تأخذ كل واحدةٍ منهن خمسة أسداس صداقها، ولو دخل

بثلاثٍ لكان للاثنتين الباقيتين تارةً صداقان، وتارةً صداق، فلهما صداق ونصف، يكون لكل واحدةٍ ثلاثة أرباع صداقها، ولو دخل بالأربع لقال الورثة للباقية: أنت الخامسة فلا شيء لك، وتقول هي: بل الخامسة في أولئك ولي جميع صداقي، فيكون لها نصفه. قال الشيخ: فيكون على هذا القول إذا دخل ببعضهن للنسوة أربع صدقات ونصف أبداً، فيعطى للمدخول بها جميع صداقها، ويقسم ما بقي على من لم يدخل بها. قال ابن حبيب: يعطى لكل واحدةٍ ممن لم يدخل بهن نصف صداقها، لأن المنازعة فيه بينها وبين الورثة، والأول أصوب. ولو طلق واحدةً منهن معلومة، ثم مات ولم يدخل بواحدةٍ منهن لكان لهن أربع صدقات إلا ربع، لأن الورثة يقولون للمطلقة: إن كنت الخامسة فلا شيء لك، وإن لم تكوني فلك نصف صداقك، فتعطى ربع صداقها، ويقولون للبواقي: إن كانت الخامسة فيكن فلكن ثلاث صدقات ونصف، وإن كانت هي المطلقة فلكن أربع صدقات، فيعطين ثلاث صدقات ونصفاً، فيكون لكل واحدة سبعة أثمان صداقها، وإن جهلت المطلقة فسمت الأربع صدقات للأربع بينهن، فيكون لكل واحدةٍ صداقها إلا نصف ثمنه. والله أعلم.

[الباب الثالث عشر] في الشهادة في الطلاق والإقرار به والدعوى فيه

[الباب الثالث عشر] في الشهادة في الطلاق والإقرار به والدعوى فيه [فصل 1 - في الشهادة في الطلاق واختلاف الشهود به] قال الله عز وجل: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ}، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ادعت المراة طلاق زوجها فجاءت على ذلك بشاهد عدلٍ استحلف زوجها، فإن حلف بطلت شهادة الشاهد، وإن نكل فنكوله بمنزلة شاهدٍ آخر، وجاز طلاقه». قال ابن القاسم: وإن شهد رجلان على رجلٍ أنه طلق واحدةً من نسائه معينة وقالا: أنسيناها، لم تجز الشهادة إن أنكر الزوج، ويحلف بالله ما طلق واحدةً منهن. - وقال ابن المواز: لا يمين عليه -.

قال ابن القاسم: وإن شهدا أنه قال: إحداهن طالق، قيل للزوج: إن نويت واحدةً تذرها وإلا طلقن عليك كلهن، فإن شهد أحدهما بتطليقة، والآخر بثلاث، لزمته تطليقة، ويحلف على البتات، فإن نكل طلقت عليه ألبتة، قاله مالك، ثم رجع فقال: يسجن حتى يحلف. قال ابن القاسم: والطلقة الواحدة لزمته حلف أو لم يحلف. قال مالك في الواضحة: وإن شهد عليه رجل بطلقةٍ وآخر بالبتة فقد اختلفا فيحلف على تكذيب كل واحدٍ منهما ولا يلزمه شيء. قال الشيخ: وقد قال سحنون في هذه المسألة فيمن قال مثل هذا القول هذا خلاف قول أهل الحجاز. قال الشيخ: ويحتمل أن يكون معنى هذه المسألة في رواية ابن حبيب: أنهما شهدا في مجلسٍ واحدٍ ولفظةٍ واحدة، فيكون هذا تهاتراً، أو يكون في مجلسٍ على قول من قال: إن ألبتة لا تتبعض، وأما قول من قال: إن ألبتة تتبعض، فإن تلزمه واحدة ويحلف على البتات كمسألة الكتاب. ومن المدونة: قال مالك: وإن شهد أحدهما أنه حلف بالطلاق/ أن لا يدخل الدار، وأنه دخل، وشهد الآخر أنه حلف أن لا يكلم فلاناً، وأنه كلمه، لم تطلق عليه لاختلافهما.

قال ابن القاسم: ويلزم الزوج في قول مالك اليمين أنه لم يطلق، فإن نكل سجن [حتى يحلف] كما ذكرنا، وفي قول مالك الأول: أنه إذا نكل طلقت عليه. قال الشيخ: يريد: أنه يلزمه بنكوله هاهنا طلقتان. قال مالك: وكذلك الحرية في هذا، وإن شهد أحدهما أنه طلقها يوم الخميس بمصر في رمضان، وشهد الآخر أنه طلقها يوم الجمعة بمكة في ذي الحجة، طلقت عليه، وكذلك الحرية- يريد: لأنه من وجه الأقوال بخلاف الأفعال. قال الشيخ: لأن الأقوال تتكرر وتعاد، فيكون الحكم في الثاني إعادة للأول كالإقرار بالأموال، وذلك خلاف الأفعال، لأن كل فعلٍ له حكم في نفسه لا يكون تكراراً للأول، وعدتها من يوم شهد الآخر، لأنه بشهادته وقع الحكم بالطلاق، والعدة تتعقب بالطلاق المحكوم به لا تتقدم عليه. قال الشيخ: وإنما تصح الشهادتان في البلدين إذا كان بينهما من المدة قدر مسافة ما بين البلدين فأكثر، فأما لو شهد أنه طلقها يوم الخميس في رمضان بمصر، وشهد الآخر أنه طلقها في الخميس الثاني بمكة، فهذا تكاذب، فتسقط الشهادتان، هذا بيِّن.

ومن المدونة: قال مالك: وإذا شهد أحدهما أنه قال في رمضان: إن دخلت دار عمرو بن العاص فامرأتي طالق، وشهد الآخر أنه قال ذلك في ذي الحجة وشهدا عليه هما أو غيرهما أنه دخلها بعد ذي الحجة طلقت عليه، وإن شهدا عليه جميعاً في مجلسٍ واحدٍ أنه قال: إن دخلت دار عمرو بن العاص فامرأتي طالق، وشهد أحدهما أنه دخل في رمضان، وشهد الآخر أنه دخلها في ذي الحجة طلقت عليه كمن حلف بالطلاق ألا يكلم فلاناً، فشهد عليه رجل أنه كلمه في السوق، وآخر أنه كلمه في المسجد حنث. وكذلك يمينه بالعتق، وإنما الطلاق حق من الحقوق وليس هو حداً من الحدود. قال الشيخ: يريد بالحد الشهادة على الزنا أنها لا تجوز إلا على فعلٍ واحد ووقتٍ واحد. ابن المواز: ولو شهدوا أنه دخلها لزمته اليمين، ولو شهد واحد على يمينه وآخر على دخوله، فلا يمين عليه حتى يشهد اثنان على فعلٍ أو يمين، فيحلف على تكذيب الشاهد الباقي، ولو شهد واحد بيمينه وبدخوله، فيحلف أنه ما حلف أو ما دخل، يحلف على أيهما شاء. ومن المدونة: وإن شهد أحدهما بالبتة والآخر بقوله: أنت علي حرام، أو بالثلاث، لزمته الثلاث، وكذلك واحد بخليةٍ وأخر ببريةٍ أو بائن، قال مالك: وإذا اختلفت الألفاظ في الشهادة، وكان المعنى واحداً كانت شهادةً واحدة، وإن شهد

واحد أنه طلق ألبتة، وشهد الآخر أنه قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، وشهد هو وآخر أنه دخلها، لم تطلق عليه، لأن هذا شهد على فعل، وهذا على إقرار، وإن شهد أحدهما أنه طلقها على عبدها فلان، وشهد الآخر أنه طلقها على ألف درهم، فقد اختلفا، فلا تجوز. قال سحنون في غير المدونة: هذا إذا كان الزوج والزوجة منكرين لشهادتهما، وأما إن ادعى الزوج أحدهما فإنه يحلف معه ويأخذ ما شهد له به، ويحلف على شهادة الآخر أنه ما طلقها- يريد إذا انكرت المرأة شهادة شاهده، وادعت شهادة الآخر. قال ربيعة: ومن شهد عليه ثلاثة، يقر كل واحدٍ بطلقةٍ ليس معه صاحبه، فأمر أن يحلف فأبى فليفرق بينهما، وتعتد من يوم نكل، ويقضى عليه بالطلاق. قال أبو محمد: أراه يريد أنه يلزمه بالنكول الثلاث. قال الشيخ: وقول ربيعة هذا خلاف لقول مالك، لأن مالكاً لا يحلفه، ويلفق عليه الشهادات، فيلزمه واحدة، لأنه من وجه الإقرار، كما قال في الذي شهد عليه رجل أنه طلق يوم الخميس وشهد عليه آخر أنه طلقها يوم الجمعة ففلق عليه الشهادة وألزمه طلقة، فكذلك يلزم في هذا. قال أبو محمد: ولو شهدوا أن ذلك في وقتٍ واحد لزمته واحدة ولو يلزمه يمين، وإن ورخوا كلهم وقتاً واحداً كانت العدة منه،/ لا من يوم الحكم، ولو ورخ كل واحدٍ منهم تاريخاً لاعتدت من التاريخ الثاني، ولو اتفق اثنان على تاريخٍ قديم، أو حديثٍ كانت العدة منه.

ولو أقر الزوج بتاريخٍ قديم، والبينة بتاريخٍ حديث كانت العدة من الحديث. قال ابن المواز: وإن شهد شاهد أنه طلقها طلقةً عام أول، وشهد الآخر أنه طلقها طلقةً العام لزمته واحدة. قال: وقال ابن القاسم: وإن شهد شاهدان بطلقةٍ وآخران بطلقة، وآخران بطلقةٍ في مجالسٍ متفرقة، والزوج يقول: هي واحدة أشهدتهم بها، فلا ينفعه، وهي ثلاث، وذلك كشهادتهم بالمال. وقال أصبغ: أرى أنه يحلف، ولا يلزمه إلا طلقة إذا كان قوله لكل شاهدين: اشهدا أني طلقتها، ولو قال: اشهدا أنها طالق، لزمته ثلاث. قال الشيخ: ولو قال قائل: إن ذلك سواء، ولا يلزمه إلا طلقة واحدة ويحلف، لكان صواباً، كما لو قال لها في مجلسٍ واحد: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، أنه ينوي، وكالذي طلق امراته فقال له رجل: ما صنعت؟ فقال: هي طالق، أنه نواه إن نوى إخباره، فكذلك هذا. قال أصبغ: وأما الديوان فإن كانت بغير كتابٍ فذلك مال واحد إذا تقاربت أوقات الشهادة، كمن يشهد هاهنا، ثم يقوم فيشهد هاهنا، ولو كانت بكتابٍ واحدٍ كان مالاً واحدا، ولو كانت بكتبٍ متفرقة كانت ثلاثة أموال. ومن المدونة: قال ابن شهاب: وإن شهد واحد بواحدة، وآخر باثنتين وآخر بثلاث، لزمته اثنتان، يريد: ويحلف على الطلقة الثالثة مع الذي شهد بثلاث.

فصل [2 - في شهادة الأعمى والمحدود في القذف ومن لا تجوز شهادته في الطلاق] قال مالك: وتجوز شهادة الأعمى على معرفة الصوت في الطلاق وغيره، وكذلك من سمع جاره من وراء جدارٍ يطلق وإن لم يره ولو يشهده، وكذلك القذف يمر به فيسمعه، فليشهد به وإن لم يشهده. وتجوز شهادة المحدود في القذف على الطلاق إذا حسنت حالته، وكان صالحاً فزاد صلاحاً. ولا تجوز شهادة ذمي على مسلم، أو ذمي، ولا تجوز شهادة السيد على طلاق عبده زوجته، وهي أمة للسيد أو لغيره، أو حرة، ولا مع رجلٍ يشهد معه، لأنه عيب يتهم على إزالته. ولا تجوز شهادة النساء في الطلاق وإن شهدن مع رجل، لأنها شهادة على حكمٍ يثبت في البدن كالقتل، ولا تجوز شهادتين إلا في الأموال، وفيما يغبن عليه كالولادة والاستهلال والعيوب، وتمام هذا في كتاب الشهادات. [فصل 3 - فيمن شهد عليه رجلان أنه أمرهما بكذا وهو ينكر ومن حلف بالطلاق على نفي ما أقر به] ولو شهد رجلان على رجلٍ أنه أمرهما أنه ينكحاه، أو يبيعا له بيعاً، أنهما قد فعلا، وهو ينكر، لم تجز شهادتهما، لأنهما خصمان، ولو أقر لهما بالوكالة وقال لهما: لم تفعلا، وقالا: قد فعلنا، فالقول قولهما. وإن شهد قوم على رجلٍ أنه أعتق عبده، والعبد والسيد ينكران، فالعبد حر إذ ليس للعبد أن يرق نفسه.

ومن أقر أنه فعل كذا، ثم حلف بالطلاق أنه ما فعله، وقال: كنت كاذبا في إقراري، صدق مع يمينه، ولا يحنث، ولو أقر بعد يمينه أنه قد فعل ذلك، ثم قال: كنت كاذباً لم ينفعه، ولزمه الطلاق بالقضاء. قال الشيخ: لأن الأول إنما حلف بالطلاق أنه كذب فيما أقر به، فلا تطلق عليه امرأته، ويحلف بالله عز وجل أنه كذب، والثاني أنه أقر أنه حنث في يمينه بالطلاق، فوجب أنه يطلق عليه. قال ابن القاسم: فإن لم تشهد/ البينة على إقراره بعد اليمين، وعلم هو أنه كاذب في إقراره عندهم بعد يمينه، حل له المقام عليها بينه وبين الله تعالى، ولم يسع امرأته إن سمعت إقراره هذا المقام معه إلا أن لا تجد بينة، ولا سلطاناً، فهي كمن طلقت ثلاثاً ولا بينة لها، فلا تتزين له، ولا يرى لها شعراً ولا وجهاً إن قدرت، ولا يأتيها إلا وهي كارهة، ولا تنفعها مرافعته، لا يمين عليه إلا بشاهد. [فصل 4 - فيمن شهد عليه بالطلاق وهو ينكر] قال مالك: ومن طلق زوجته في سفره ثلاثاً ببينة، ثم قدم قبل البينة فوطئها ثم أتت البينة فشهدوا بذلك، وهو منكر للطلاق ومقر بالوطء فليفرق بينهما، ولا شيء عليه. قال يحيى بن سعيد: ولا يضرب- يريد الحد-. قال سحنون: ولو شهد أربعة أنه طلقها، وأقر الزوج بالوطء بعد وقت الطلاق، وحد الطلاق، حددته. ولو قالوا: نشهد أنه طلقها، ثم وطئها حددته أيضا. وقد روي عن مالكٍ فيمن شهد عليه أربعة عدول أنه طلق امرأته ألبتة، وأنهم رأوه يطؤها بعد ذلك، وهو مقر بالمسيس، أنه يفرق بينهما ولا حد عليه.

قال سحنون: وأصحابنا يأبون هذه الرواية، ويرون عليه الحد. قال الشيخ: وقال سحنون في إيجاب الحد عليه خلاف للمدونة في التي شهدت عليه البينة في سفره. وقد اختلف قول ابن القاسم وأشهب في الأمة بعتقها في سفره، وتشهد بينة على ذلك، ثم يقدم فيطؤها، ويستغلها، فاختلفا في الغلة، واتفقا أن لا حد عليه، ولا فرق بين هذه وبين الحرة، والله أعلم. [فصل 5 - في الدعوى في الطلاق] ومن المدونة: وإن ادعت امرأة أن زوجها طلقها، وأقامت شاهداً، لم تحلف معه، ولا يقضى بشاهدٍ ويمينٍ في طلاقٍ، ولا قذفٍ، ولا نكاحٍ، ولا عتقٍ إلا في الأموال، وجراح العمد والخطأ يحلف مع شاهده ويقتص في العمد ويأخذ العقل في الخطأ، كما يقسم مع الشاهد الواحد في قتل العمد والخطأ ويستحق مع ذلك القتل العمد، والدية في الخطأ. قال يحيى بن سعيد: من طلق وأشهد، ثم كتم هو والبينة ذلك إلى حين موته، فشهدوا بذلك حينئذ، فلا تجوز شهادتهم إن كانوا حضوراً، ويعاقبون، ولها الميراث. ومن كتاب ابن المواز: وإذا ماتت المرأة فشهدوا أن الزوج كان طلقها ألبتة فلا يرثها، وإن كان إنما مات هو ورثته.

قال الشيخ: جعله ابن القاسم كالمطلق في المرض، لأن الطلاق إنما يقع يوم الحكم، ولو كان يوم القول لكان فيه الحد، وقال مالك في الذي طلق في سفره، ثم قدم فوطئ ثم قامت عليه البينة، وهو منكر، لا يحد، ويفرق بينهما، وكذلك في سماع ابن القاسم: أنه إن ماتت لم يرثها، وإن مات ورثته. قال سحنون: لعل البينة كانوا حضوراً معه فلم يقوموا عليه حتى مات. - قال الشيخ: يجب على ذا أن لا يثبت طلاقه، وترثه ويرثها- وقد رواها عيسى عن ابن القاسم عن مالك: إن الشهود إن كانوا غيباً سنين، ثم أتوا بعد موته فشهدوا، قال: ترثه، وما يدريك ما كان يدرأ به عن نفسه، أرأيت لو كان حياً ولم يقر أترجمه؟ وقال يحيى بن عمر: لا ترثه. وذكر الأبهري هذه المسألة على ما قد بينا من التفرقة بين موته وموتها، ثم قال: يحتمل أن يكون معنى المسألة إذا طلقها في مرضه، بل المسألة كذلك أن يطلقها في مرضه ثلاثاً فترثه ولا يرثها. ومن المدونة: ومن ادعى نكاح امرأةٍ وأنكرت، فلا يمين له عليها/ وإن أقام شاهداً، ولا تحبس، ولا يثبت النكاح إلا بشاهدين- وقد تقدم هذا في كتاب النكاح أتم مما هاهنا-. وإن ادعت امرأة أن زوجها طلقها، لم يحلف الزوج، وترك وإياها. - قال الشيخ: لأن ذلك طريق إلى دعوى من تريد أذى زوجها، وفراقه وإعناته في كل وقت-. قال ابن القاسم: وإن أقامت شاهداً حلف الزوج، ومنع منها حتى يحلق، وكذلك روي في الحديث، فإن نكل، فروي عن مالكٍ أنها تطلق عليه مكانه، وعدتها من يوم الحكم.

- قال الشيخ: لأن نكوله كشاهدٍ آخر، وروي ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام- وروي عن مالكٍ أيضاً أنه يحبس أبداً حتى يحلف، أو تطلق عليه. قال ابن القاسم: وبلغني عنه أنه قال: إذا طال سجنه دين، وخلي بينه وبينها، ولم تطلق عليه وإن لم تحلف، وهو رأيي. قال الشيخ: فوجه قوله: إنه يحبس حتى يحلف، لأن الشاهد والنكول أضعف من الشاهد واليمين، فلما لم يحكم بشاهدٍ ويمينٍ في الطلاق كان أن لا يحكم بالشاهد والنكول أولى، والحديث إذا وردت فيه زيارة تردها الأصول كانت الأصول أولى. قال الشيخ: قال بعض فقهائنا: اعلم أن المرأة إذا أقامت على زوجها شاهداً واحداً بالطلاق فحلف الزوج، ثم وجدت شاهداً آخر أنه يلفق إلى الأول، ويقضى بشهادتهما على الزوج بالطلاق. وكذلك العبد يقيم شاهداً على سيده بعتقه، فينكر ويحلف، ثم يجد العبد شاهداً آخر، فإنه يلفق مع الأول، ويقضى بعتق العبد، وهذا منصوص لأهل المذهب. وإذا أقامت بطلاقه شاهداً فأبى أن يحلف، فسجن على أحد الأقاويل، فقال ابن نافع في كتاب ابن مزين: إذا أبى أن يحلف وطال ذلك على المرأة ضرب له أجل الإيلاء. وقال الشيخ أبو عمران: لا يدخل عليه الإيلاء في هذا على ما في المدونة، ألا ترى أنه قال: يسجن أبداً حتى يحلف، ففي قوله هذا دليل على أن لا مدخل للإيلاء في هذا، ألا ترى أن الغائب إذا لم يترك لزوجته نفقة، أو الحاضر إذا امتنع من الوطء لا يكون فيه الإيلاء.

قال بعض فقهائنا: وما اعتل به أبو عمران لا يلزم، لأن الزوج إن امتنع من الوطء مطلوب به، ومطلوب بالنفقة، فالحاكم يطلق عليه إن لم تصل المرأة إلى ذلك، فيرتفع الضرر عنها. وفي مسألة ابن نافع: إن لم يدخل عليه الإيلاء، فالمراة تبقى أبداً بلا وطء، والزوج يستطيع دفع ذلك باليمين، فتركه ضرر بها. فقول ابن نافع لذلك حسن، ولا حجة لمسألة المدونة أنه يسجن أبداً، لأن المرأة لم تقم عليه بالوطء، ولو أقامت عليه لضرب له أجل الإيلاء، والله أعلم. ومن المدونة: وامرأتان في ذلك بمنزلة رجلٍ واحدٍ تحلف إذا كانتا ممن تجوزان شهادتهما في الحقوق، وكذلك في الحرية. قال في كتاب العتق: ولا تجوز في ذلك شهادة أم المرأة، أو عمتها، أو خالتها، وليس ذلك مثل الحقوق، ولا تحلف الزوجة، أو العبد مع الشاهد في هذا ولا يقضى بشاهدٍ ويمين في ذلك، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما قضى به في الأموال، والطلاق من معنى الحدود. ومن العتبية: قال سحنون في المرأة تدعي أن زوجها طلقها ولا بينة لها، ثم مات الزوج، فطلبت ميراثها منه، وقالت: كنت كاذبة فيما ادعيت، قال: لها الميراث.

قال: وكذلك إذا جحدت النكاح، ثم أقرت بعد موته، فلها الميراث، ثم قال: لا أرى لهذه ميراثاً بخلاف المدعية الطلاق، لأن هذه لم يثبت لها عقد نكاح. قال أبو بكر بن اللباد: وقال بعض رواة أهل المدينة: إن أكذبت نفسها بعد موت زوجها مدعية الطلاق فلا ميراث لها، وإن أكذبت نفسها في حياته ثم مات فلها الميراث. وقال سحنون في التي تدعي طلاق زوجها ألبتة ولا تثبت ذلك، ثم تفتدي منه ثم تريد تزويجه قبل الزوج، وتزعم أنها كذبت أولاً، قال: لا يقبل قولها، ولا تنكحه إلا بعد زوج، وليس كالميراث، وروى أصبغ عن ابن القاسم نحوه. ومن كتاب ابن المواز: قال في أمة تعتق وهي تحت عبدٍ فتختار نفسها ولا نية لها: فهي واحدة بائنة. قلت: فإن قالت بعد أن اختارت: إنما أردت ألبتة؟ قال: لا يقبل منها ما لم يتبين ذلك عن اختيارها/ في الحكم، ويقال لها: إن كنت صادقة فلا تتزوجيه إلا بعد زوجٍ والأمر في ذلك إليك، وليتورع هو عنها. قال محمد: ولم يعجبنا هذا الجواب، بل يمنع منها إلا بعد زوج، وهي كالمرأة تغر وقد ملكت نفسها بخلعٍ، أو صلحٍ أن زوجها كان طلقها ألبتة، فلا تمكن منه إلا بعد زوج. وكذلك التي تدعي أن زوجها كان طلقها ألبتة، وهو ينكر، ثم يصالحها، وتبين منه بعد طلقةٍ فتريد تزويجه، وتقول: كنت كاذبة، وإنما أردت الراحة منه، فإن لم تكن ذكرت ذلك بعد أن بانت منه لم تمنع من نكاحه، وأمرها إلى الله عز

وجل، وإن أقرت بعد أن بانت منه بأنه طلقها ألبتة منعت منه، حتى تنكح زوجاً غيره. قال ابن المواز: والتي تزعم أن زوجها طلقها ولا بينة لها فلتفتد منه بما قدرت عليه، وإن قدرت على ضربه وقتله إذا أرادها فلتفعل، وهو كالعادي والمحارب. وبالله التوفيق، لا رب غيره لا إله إلا هو. كمل كتاب الأيمان بالطلاق بحمد الله وحسن عونه وتوفيقه الجميل وبمنه، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

[الكتاب التاسع] كتاب الظهار

[الكتاب التاسع] كتاب الظهار [الباب الأول] باب جامع القول في الظهار وما يلزم منه ولا يلزم [فصل 1 - في الظهار وأدلة تحريمه] قال الله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}. وقال القاضي عبد الوهاب: فالظهار يحرم بهذه الآية، وفيها على تحريمه أدلة: أحدها: إكذابهم في تشبيهم الزوجة بالأم، والثاني: إخباره بأنه منكر من القول وزور، والثالث: إخباره تعالى بأنه يغفر ويعفو عنه.

قال أبو داود: ونزلت آية الظهار في شأن خويلة بنت مالك، وقالت: ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه ويقول لي: اتقي الله فإنه ابن عمك، فما برحت حتى نزل القرآن: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ}. قال الشيخ: ومن أوجبه على نفسه لزمه لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} فقد ألزمه الله تعالى الظهار وأوجب عليه الكفارة إن أراد العودة من قبل أن يتماسا، والدليل أن العودة إرادة الوطء لا نفس الوطء أنه أوجب في الكفارة قبل الوطء، لقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وهو الصحيح/ من قول مالك.

قال الشيخ: ويحتمل أن يكون أراد به الوطء، لأنهم حرموا على أنفسهم الوطء بالظهار، فإذا عادوا إليه لزمتهم الكفارة من قبل أن يتماسا ثانية، ولا وجه لقول من قال: إن العودة إعادة قول الظهار، لأن القول الأول إما أن يكون أوجب التحريم فالكفارة تجب بإزالة التحريم، وهو بالعزم على الوطء، أو بالوطء نفسه، أو يكون القول [الأول] لم يوجب تحريماً فالقول الثاني مثله، ولا تجب في الوجهين كفارة، وذلك خلاف القرآن فيبطل ما قالوه. [فصل 2 - فيما يكون ظهاراً من القول] ومن المدونة: قال ابن القاسم فيمن قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي. فهو مظاهر. - قال الشيخ: وهذا صريح الظهار-. قول مالك: ومن ظاهر بشيءٍ من ذوات محارمه من نسبٍ أو رضاعٍ فهو مظاهر. قال ابن القاسم: وإن ظاهر من صهرٍ فهو مظاهر. - قال الشيخ: لأن هؤلاء كلها محرمات على التأييد كالأمهات-. قال: وإن قال لها: أنت علي كرأس أمي أو كقدمها أو كفخذها ونحوه، فهو مظاهر. - قال الشيخ: لأنه عضو من ذات محرم كالظهر-. قال: وقد قال مالك فيمن قال: أنت علي مثل أمي، أنه مظاهر.

وقال بعض كبار أصحاب مالك: إذا وجدت القائل لزوجته: رأسك طالق، أصبعك طالق، يدك حرام، فرجك حرام، قدمك حرام، يجب عليه في هذا الطلاق كما أن القائل لزوجته: رأسك علي كظهر أمي، مظاهر، وكذلك في العضو والبطن والفرج والظهر، وكذلك في ذوات المحارم، ويلزمه بكل ذلك الظهار. قال مالك: وإن قال لها: أنت علي حرام مثل أمي، ولا نية له فهو مظاهر. قال ابن القاسم: وقوله: حرام كأمي، عندي مثله، وهذا مما لا اختلاف فيه. قيل له: لم جعله مالك مظاهراً ولم يجله ألبتة، وهو يقول في الحرام أنه ألبتة؟ قال: لأنه جعل للحرام مخرجاً حين قال: مثل أمي. قال غيره من كبار أصحاب مالك: ولا تحرم به، لأن الله عز وجل أنزل الكفارة في الظهار، ولا يعقل من لفظ به شيئاً سوى التحريم، وروى ابن نافع عن مالكٍ نحوه. قال ابن القاسم: ولو لم يذكر أمه كان البتات في قول مالك. قال مالك في كتاب ابن المواز: قوله: أنت علي حرام كأمي، أو مثل أمي، ظهار ما لم يرد به الطلاق، وكذلك عنه في سماع ابن القاسم، وقاله ابن القاسم. وروى عنه عيسى في "أنت أحرم من أمي" أنها ألبتة. قال ابن المواز: قال عبد الملك في قوله: أنت أحرم من أمي، ينوي الطلاق أنه الظهار، وقد قصد القائلون بالظهار التحريم، ولم يعرفوا غيره، فأنزل الله عز وجل فيه الكفارة.

قال ابن المواز: إنما هذا فمن سمى الظهر عند مالك، فأما من لم يسمه فيلزمه ما نوى، فإن لم ينو شيئاً فهو مظاهر. [فصل 3 - فيمن قال: أنت علي كظهر فلانة، لامرأةٍ أجنبية] ومن المدونة: قال مالك: وإن قال لها: أنت علي كظهر مالك، لامرأةٍ أجنبية فهو مظاهر. قال ابن القاسم: وسواء كانت ذات زوجٍ أم لا. وقال غيره: هي طالق ولا يكون مظاهراً، وهو قول عبد الملك. قال الشيخ: فوجه قول ابن القاسم في ثبوته: أنه شبه امرأته بظهرٍ محرمٍ عليه كالأم. ووجه قول عبد الملك: أن الظهار يتعلق بتحريمٍ مؤبد وذلك منتف في الأجنبية، والتشبيه بها يقتضي أن تحرم عليه كتحريمه، وذلك لا يكون إلا بالطلاق، ولأن الظهار إنما نزل في التشبيه بذوات المحارم، فلا يعدى به بابه، ويلزم من ظاهر بغيرهن ما ألزم نفسه من أنها تحرم عليه كالأجنبية، وذلك لا يكون إلا بالطلاق بالتشبيه إياها بالدم ولحم الخنزير. قال الشيخ: ولا ينوى به غيره وإن نوى به الظهار، إلا أنه إن قال:

نويت به الظهار، لزمه الظهار، وإن تزوجها بعد زوجٍ أخذه بالبتات بإقراره وبالظهار بنيته. قال الشيخ: وقول ابن القاسم أولى، لأن الأم تحريمها تحريم مؤبد، والأجنبية قد تحل له يوماً ما، فلا تكون أشد حالاً من الأم إذا سمى الظهر. [فصل 4 - فيمن قال: أنت علي كفلانة الأجنبية، ولم يذكر الظهر] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن قال لها: أنت علي كفلانة الأجنبية، ولم يذكر الظهر فهو البتات، وإن قال: كفلانة، في ذوات المحارم فهو ظهار، لأن ها وجه الظهار، إلا ان يريد التحريم فهو البتات. قال الشيخ: اعرف قوله: إلا أن يريد التحريم فهو البتات، أنه بخلافه إذا سمى الظهر في ذوات المحارم أنه ظهار وإن نوى به التحريم. قال الشيخ: قال بعض أصحابنا: وإن جاء مستفتياً وقال: أردت في الأجنبية الظهار، صدق، قال: وإنما معنى مسألة الكتاب إذا قال: لم تكن لي نية، أو شهدت عليه بذلك بينة فقال: أردت بذلك الظهار، فإنها تطلق عليه، ثم إن تزوجها بعد زوجٍ لزمه الظهر بما نوى في أول قوله. وقال ابن المواز: قال مالك وأصحابه: إذا سمى الظهر في الأجنبية فهو ظهار وإن نوى به الطلاق، وإن قال: كفلانة، وهي أجنبية، فقال عبد الملك: هو طلاق، ولا ينفعه إن أراد الظهار، وكذلك قوله: أحرم من فلانة، وقال أشهب: هو ظهار إلا أن يريد به الطلاق.

قال الشيخ: وهذه الرواية أعدل إذا سمى الظهر في الأجنية أنه يكون مظاهراً بلا اختلاف من مالكٍ وأصحابه. قال ابن سحنون: قال أصبغ: وقيل في التظاهر بالأجنبية لا يلزمه ظهار، لأنه يحل له نكاحها، وقال مالك وأصحابه: هو مظاهر، لأنها في وقته عليه حرام. قال سحنون: وإن قال لامرأته: أنت علي كظهر فلانة الأجنبية إن دخلت الدار، ثم تزوج فلانة، ثم دخل الدار، فلا شيء عليه. قال أبو محمد: انظر: إن دخل الدار ثم تزوجها قبل يكفر. قال الشيخ: والذي أرى أن الظهار قد لزمه بدخول الدار، ولا يلزمه تزويج الأجنبية كما لو ماتت الأجنبية بعد دخوله الدار. [فصل 5 - فيمن قال: أنت علي كظهر أبي أو غلامي] قال ابن القاسم: وإن قال لها: أنت عليه كظهر أبي أو غلامي، فهو مظاهر وقاله أصبغ. وقال ابن حبيب: لا يلزمه ظهار ولا طلاق، وإنه لمنكر من القول. قال: وإن قال: أنت علي كأبي أو غلامي، فهو تحريم. قال الشيخ: والصواب ما قاله ابن القاسم، لأن الأب والغلام محرمان عليه كالأم وأشد، ولا وجه لقول ابن حبيب، لا في أنه لم يلزمه الظهار ولا الطلاق إذا سمى الظهر، ولا في أنه ألزمه التحريم إذا لم يسم الظهر، لأن من يلزمه فيه شيء إذا سمى ظهراً لا يلزمه شيء إذا لم يسم الظهر كتشبيه زوجته بزوجةٍ له أخرى أو أمةٍ له.

[فصل 6 - فيمن قال: أنت علي مثل كل شيء حرمه الكتاب أو أنت علي كبعض ما حرم من النساء] ومن المدونة: قال ربيعة: وإن قال لها: أنت علي مثل كل شيء حرمه الكتاب، فعليه الظهار، لأن الكتاب حرم عليه أمه وغيرها مما حرم الله عز وجل. قال الشيخ: وقال بقول ربيعة ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ، وقال ابن نافع: بل هو البتات، لأن الكتاب حرم الميتة والخنزير وغيرهما. قال الشيخ: والقياس عندي أن يلزمه الظهار والطلاق ثلاثاً، وكأنه قال لها: أنت علي كأمي وكالميتة والدم ولحم الخنزير، فيلزمه الظهار بتشبيهه بالأم والتحريم بالميتة والدم وغيرهما، فتطلق عليه الآن ثلاثاً، فإن تزوجها بعد زوجٍ لزمه الظهار. ومن المدونة: قال ربيعة وابن شهاب: وإن قال لها: أنت علي كبعض ما حرم علي من النساء، فذلك ظهار. قال سحنون في العتبية: إن قال لها:/ أنت أمي، في يمينٍ أو في غير يمين، فهو ظهار.

قال محمد: إلا أن ينوي به الطلاق فيكون البتات، ولا ينفعه إن نوى واحدة. قال سحنون: وإن قال: إن وطئك وطئت أمي، فلا شيء عليه، وإن قال: يا أمه ويا أخته، فلا شيء عليه، قاله ابن القاسم في المدونة. [فصل 7 - في الظهار من الإماء، والذمي يظاهر ثم يسلم] ومن الظهار قال مالك: ومن تظاهر من أمته، أو من أم ولده، أو من مدبرته، فهو مظاهر، لعموم الآية، وقاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره. قال ابن شهاب: قال الله تعالى: {وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}، فالسرية من النساء وهي أمة. وقال أبو حنيفة والشافعي: لإظهار في ملك اليمين، والحجة عليهما ما قدمنا من الكتاب والسنة. ومن المدونة: ومن تظاهر من معتقةٍ إلى أجلٍ لم يكن مظاهراً. قال أبو محمد: وكذلك من أمةٍ يملك بعضها، لأنهما لا يحلان له.

قال مالك: وإذا تظاهر الذمي من امرأته، ثم أسلم لم يلزمه الظهار كما لا يلزمه طلاقه في الشرك، والظهار من ناحية الطلاق. قال مالك: وكل يمين كان عليه من طلاق أو عتاق أو صدقة أو شيء من الأشياء فهو موضوع عنه إذا أسلم. قال الشيخ: قال الله -عز وجل- {لئن أشركت ليحبطن عملك} فكما كان الشرك يحبط جميع أعماله في الإسلام، كان الإسلام يحبط جميع أعماله في الشرك، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «الإسلام يجب ما قبله». [فصل 8 - في المجوسي يظاهر من زوجته المجوسية بعد إسلامه] ومن «المدونة»: قال مالك: والمجوسيان إذا أسلم الزوج، ثم ظاهر منها أو طلق مكانه، ثم أسلمت بقرب إسلامه، فذلك يلزمه؛ لأنها لم تخرج من ملك النكاح الذي ظاهر فيه أو طلق، ألا ترى أنها تكون عنده لو لم يطلق على النكاح الأول بلا تجديد نكاح من ذي قبل. قال ابن المواز: ولا يلزمه ذلك عند أشهب. قال الشيخ: لأنها قبل إسلامها غير زوجة، وقول ابن القاسم أولى؛ لأن إسلامها بالقرب يقر نكاحها الأول بغير تجديد نكاح، فكأن الفرقة لم تقع بعد.

قال بعض الفقهاء: والفرق بين من ظاهر من مكاتبته ثم عجزت بقرب ظهاره منها أنه لا شيء عليه، وبين المجوسي يسلم عن مجوسية فظاهر منها ثم تسلم هي بالقرب أن الظهار يلزمه: أن المكاتبة اشترت نفسها، وتميزت عن وطئه وهذه هي زوجة بعد إسلامه في حال ظهاره لم تخرج من عصمته بعد، والمكاتبة كالأجنبية، وإن كان قد تعجز، والأجنبية قد تتزوجه ثم لا يلزمه فيها ظهاره المتقدم. قال الشيخ: وعلى قول أشهب: إن المسألتين سواء، لا يحتاج فيهما إلى فرق. قال الشيخ: وقال بعض أصحابنا: إنه إن تظاهر من معتقة إلى أجل، أو مكاتبة، أو أم ولد، أو أمة فيها شرك فتزوجهن بعد العتق أن ذلك الظهار يلزمه فيهن فلا يطأ حتى يكفر، وكذلك إن عجزت المكاتبة. وهذا عندي غلط؛ لأن الله تعالى إنما ألزم الظهار فيمن يحل له وطؤها وتصح منه العودة، لقوله تعالى: {ثم يعودون لما قالوا} فأما من ليس له فيها عودة، ولا يحل له وطؤها فليس من ذلك؛ ولأنه إنما حرم حرامًا، فلم ينقلها عما كانت عليه، والآخر حرم حلالا، فأباحت له الكفارة ما حرَّم، ولا فرق بينها وبين الأجنبية لعلة اجتماعهما في منع الوطء وتحريمه، ولا حجة له بارتفاع الحد عنه في وطء المكاتبة؛ لأنه وطء حرام لا تصح العودة فيه. [فصل 9 - في ظهار المرأة من زوجها] ومن «المدونة»: وإذا تظاهرت امرأة من زوجها لم تكن مظاهرة. ابن المواز: وكذلك إن أجابته به في تمليك.

قال الشيخ: لأن الله تعالى إنما جعل الظهار والطلاق للرجال بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}، وبقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}، وقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ}، ولا مدخل للنساء مع الرجال في ظهارٍ أو في طلاقٍ أو تمليكٍ إلا أن يجعل لهن ذلك. [فصل 10 - في ظهار الصبي والمعتوه والمكره] ومن المدونة: ولا يلزم الصبي ولا المعتوه الذي لا يعقل ولا المكره ظهار ولا طلاق ولا عتق. قال الشيخ: لقوله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاثة- فذكر الصبي حتى يحتلم، والمجنون حتى يفيق»، وقال صلى الله عليه سلم: «حمل عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»، ولأن المكره غير قاصد لما استكره عليه وقد قال عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيات»، وقال تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}.

فصل [11 - في ظهار السفيه] ومن كتاب ابن المواز: والسفيه إذا ظاهر لزمه ونظر له وليه في أن يكفر عنه أو يطلق عليه ويزوجه غيرها، وقاله سحنون. ابن المواز: وقيل: يصالح عنه. قال أصبغ: ولا يجزيه إلا العتق إن كان له مال، فإن لم يكن له مال صام، ولا يمنع من الصوم، فإن أبى فهو مضار. وقال ابن المواز: إذا لم ير له وليه أن يكفر بالعتق فله هو أن يكفر بالصيام قال: ولو رأى له وليه أن يكفر عنه بالعتق فكفر به ثم ظاهر ثانيةً فلا يعتق عليه ثانيةً، قال: فإن لم ير له أن يكفر بالعتق طلق عليه من غير أن يضرب له أجل الإيلاء. ابن المواز: وأحب إلي أن لا يطلق عليه إلا بتوقيف الإيلاء إن طلبت المرأة ذلك فيوقف لها بعد أربعة أشهر، فإن قال: أنا اصوم شهرين، ترك وأجزأه، لأنه في ملائه ممنوع من ماله، وله أن يبدأ في الصوم من الآن، لأنه يقول: كنت أرجو أن يعتق عني وليي، فإن لم يصم طلقت عليه. قال: وقال ابن وهب في العتبية: وله أن يعتق بغير إذن وليه إن كان (؟؟)، فإن لم يكن إلا رأس لم أحب له إلا الصيام. [فصل 12 - في ظهار السكران] ومن المدونة: قال مالك: ويلزم السكران الطلاق. قال ابن القاسم: وكذلك الظهار عندي يلزمه، لأن الظهار إنما يجر إلى الطلاق.

قال الشيخ: ولأنه إنما ألزمه ذلك؛ لأنه هو الذي أدخل السكر على نفسه؛ ولأن معه بقية من عقله ولم تأت فيه سنة كما أتت في غيره، وقد روي أن ابن عمر قضى عليه بطلاقه في سكره. [فصل 13 - في ظهار المجبوب والمعترض والشيخ الفاني] ومن كتاب ابن سحنون: قال علي بن زياد: ولا يلزم المجبوب ولا المعترض ولا الشيخ الفاني ظهار، إذ لا يصلون إلى الوطء. قال الشيخ: واعتباراً بالإيلاء. [فصل 14 - فيمن قال عن امرأة أجنبية: هي أمي ومن قال لمطلقته: لا راجعتك حتى أراجع أمي] قال مالك: من عرض عليه نكاح امرأة فقال: هي أمي، فهو ظهار، إن تزوجها قال: وإن قال: في امرأة طلقها والله لا راجعتك حتى أراجع أمي فلا شيء عليه إن فعل إلا كفارة يمين. ومن «العتبية» قال ابن القاسم فيمن قال لأمته: لا أعود أمسك حتى أمس أمي فلا شيء عليه.

[فصل 15 - فيمن قال لامرأته: إن شئت الظهار فأنت علي كظهر أمي] ومن المدونة ومن قال لامرأته: إن شئت الظهار فأنت علي كظهر أمي، فهو مظاهر إن شاءت الظهار، قلت: أذلك لها ما دامت في المجلس أو حتى توقف؟ قال: بل حتى توقف. وقال غيره: إنما هذا على اختلاف قول مالك في التمليك في الطلاق. قال مرة: حتى توقف. وقال أيضاً: ما داما في المجلس فكذلك الظهار. قال الشيخ: ومذهب ابن القاسم في كل ما يكون تفويضاً إليها في تمليك، أو طلاق، أو ظهار، أو عتق، أن ذلك بيدها. وإن قاما في المجلس ما لم توقف. والغير يرى أن اختلاف قول مالك يدخل في ذلك كله، وفي كتاب «التخيير والتمليك»، بيان هذا. قال الشيخ: وفرق بعض القرويين على قول ابن القاسم بين قوله: أنت طالق إن شئت، وأمرك بيدك إن شئت، قال: وذلك أن القائل: انت طالق إن شئت، لو لم يقل: إن شئت كان طلاقاً لا خيار فيه، فأفاد بقوله: إن شئت، التفويض إليها في ذلك، وأما الذي يقول: أمرك بيدك. فسواء عليه ذكر إن شئت، أو يسكت عنها، قد فهم أن مراده: إن شئت الطلاق، فزيادة إن شئت لا تؤثر شيئاً، ووجودها وعدمها سواء، فكان الحكم لذلك مختلفاً. قال الشيخ: وهذا قول له وجه، ولكن ظاهر قول ابن القاسم ما قدمنا، وقاله أيضاً بعض القرويين.

[فصل 16 - فيمن نوى بالظهار الطلاق] ومن المدونة: قيل لابن القاسم: فكل كلامٍ تكلم به رجل ينوي به رجل ينوي به الظهار أو الإيلاء أو التمليك أو الخيار أيكون كما نوى به؟ قال: نعم، إذا اراد أنك بما قلت مخيرة أو مظاهر منها [أو مطلقة]. ابن المواز: أما إذا قال: أنت علي كظهر أمي، بنوي الطلاق فهو مظاهر، ولو نوى أنك بما أقول من ذلك طلق لم يلزمه إلا الظهار. قال: وقاله لي ابن عبد الحكم، قال: وقد أنزل الله عز وجل الكفارة في الظهار فيمن قصد به الطلاق، وكانوا في الجاهلية يجعلونه طلاقاً، وقاله كله مالك. قال ابن سحنون: وروى عيسى عن ابن القاسم أنها ثلاث، ولا ينفعه إن نوى أقل من ذلك، وقال سحنون: له ما نوى من الطلاق. [قال الشيخ]: فوجه قول مالك أنه لا يكون طلاقاً وإن نواه: فلأن الظهار قد جعل فيه الكفارة لمن قصد به التحريم فهو على ذلك لا يتغير عنه. ووجع قول ابن القاسم أنه يلزمه البتات: فلأنه نوى بما يلزمه فيه ظهار البتات، فوجب أن يلزمه، أصله إذا قال: أنت كأمي، وإنما لم ينو، لأنه جعلها كأمه، ولا تحرم كأمه إلا بالطلاق ثلاثاً. ووجه قول سحنون أن له ما نوى: فلأنه نقلها بنيته من الظهار إلا الطلاق وهو أقوى، فيلزمه ما نوى، ولأنه بلفظ لا يلزمه فيه الطلاق فوجب أن يلزمه ما نوى كقوله: ادخلي الدار، يريد به الطلاق، أن ذلك يلزمه وينوى فيه. قال الشيخ: وقول مالك أولى لما بينا، وبالله التوفيق.

قال ابن المواز: قال مالك: وأما إن قال لها: أنت علي كأمي، أو أنت أمي، فهو ظهاراً، إلا أن يريد به الطلاق فيكون ألبتة، وإن نوى واحدةً فيه ألبتة وإن لم تكن له نية فهو ظهار. ولو نوى الطلاق فطلقت عليه، ثم تزوجها بعد زوجٍ فلا كفارة عليه للظهار. قال أبو بكر البهري: مذهب مالك رحمه الله أن صريح الظهار لا يكون طلاقاً، وصريح الطلاق لا يكون ظهاراً، مثل أن يقول: أنت علي كظهر أمي، يريد به الطلاق، أو: أنت طالق، يريد به الظهار، من قبل أنه لا يجوز أن (؟؟) أصلاً من الأصول التي جعلها لله تعالى لحكمٍ ما إلى أصلٍ آخر أوجب فيه حكماً خلافه. قال: وإن كنى الظهار مثل قوله:/ أنت كأمي، أو مثل أختي، إذا أراد به الطلاق كان طلاقاً، لأنه نقله إلى ما هو أقوى منه، لأن الطلاق يزيل العصمة، ومكنى الظهار لا يزيلها. قال: إن كنى الطلاق مثل قوله: أنت برية، أو خليه، لا يكون ظهاراً، لأن مكني الطلاق يزيل العصمة أيضاً، الظهار إنما يحرم الوطء، فهو أضعف منه فلا ينقله إلى ما هو أضعف منه. قال ابن المواز: ما كان في الزوج ظهاراً فهو في الأمة ظهار، وإن نوى به العتق لم يكن عتقاً، وما خرج إلى الطلاق في الزوجة فهو يخرج إلى الحرية في الأمة، إذا كان على وجه التحريم واليمين.

[الباب الثاني] في الظهار إلى أجل، أو من جماعة نساء أو كرره في زوجته [فصل 1 - في الظهار إلى أجل] قال مالك: ومن قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي اليوم، أو هذه الساعة أو هذا الشهر، فهو مظاهر منها، وإن مضى ذلك الوقت، ولا يطؤها حتى يكفر؛ لأن الظهار قد لزمته باللفظ، كما لو قال لها: أنت طالق اليوم، أو هذه الساعة، كانت طالقاً أبداً. وإن قال: لها: انت كظهر أمي إن دخلت هذه الدار اليوم، أو كلمت فلاناً اليوم، أو قال: أنت علي كظهر أمي اليوم إن كلمت فلاناً أو دخلت الدار، فهذا إذا مضى اليوم ولم يفعل ذلك لم يكن مظاهراً، فإنما يجب عليه الظهار بالحنث، وكذلك إن قال لها: إن دخلت الدار اليوم فأنت طالق، أو قال: أنت طالق إن دخلت الدار اليوم، فمضى اليوم ثم دخل الدار لم يلزمه طلاق. قال ابن القاسم: وإن قال لها: أنت علي كظهر أمي إلى قدوم فلان، لم يلزمه ظهار حتى يقدم فلان فيلزمه الظهار، وإن لم يقدم فلا شيء عليه لأن مالكاً قال: من قال لأمرأته: أنت طالق إلى قدوم فلان، أنها لا تطلق عليه حتى يقدم فلان، فإن لم يقدم لم تطلق عليه، وإن قال لها: أنت علي كظهر أمي من الساعة إلى قدوم فلان فهو مظاهر منها الساعة؛ لأن من ظاهر من امرأته ساعة واحدة لزمه الظهار تلك الساعة وبعدها ولا يطؤها حتى يكفر وكذلك قال مالك: إن قال لها: أنت طالق من الساعة إلى قدوم فلان فهي طالق الساعة وبعدها.

فصل [2 - في الظهار من جماعة نساء] قال مالك: ومن تظاهر من أربع نسوة له في كلمة واحدة فكفارة واحدة تجزئه. قال أبو محمد: كمن جمع أشياء في يمين واحدة، وروي ذلك عن مر وغيره. وإن تظاهر منهن في مجالس مختلفة، ففي كل مرة كفارة، وإن كان في مجلس واحد، فقال لواحدة: أنت علي كظهر أمي، ثم قال للأخرى، وأنت علي كظهر أمي حتى أتى على الأربع فعليه لكل واحدة كفارة، مثل لو قال: والله لا آكل هذا الطعام، ولا ألبس هذا الثوب، ولا أدخل هذه الدار ثم حنث في شيء واحد من ذلك، أو في ذلك كله فليس عليه إلا كفارة واحدة، ولو قال: والله لا آكل هذا الطعام، ثم قال: والله لا ألبس هذا الثوب، ثم قال: والله لا أدخل هذه الدار، فعليه لكل واحدة كفارة، فهذا احتج مالك في الظهار. ابن القاسم: وإن قال لإحدى امرأتيه: أنت علي كظهر أمي، ثم قال للأخرى: أنت علي مثلها، لزمه الظهار في هذه الثانية أيضاً، وعليه لكل واحدة كفارة.

فصل [3 - فيمن كرر الظهار في زوجته] قال مالك: وإن قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي، قال لها ذلك مراراً في شيء واحد، أو في غير شيء، فليس عليه إلا كفارةٌ واحدةٌ، وإن قال لها ذلك في أشياء مختلفة، مثل أن يحلف بالظهار إن دخل هذه الدار، ثم يحلف به إن لبس هذا الثوب، ثم يحلف به إن أكل هذا الطعام، فعليه لكل شيء يفعله من ذلك كفارة، لأن هذه أشياء مختلفة، فصارت أيماناً بالظهار مختلفة. قال ابن القاسم: وإن قال لها: أنت علي كظهر أمي، أنت علي كظهر أمي، أنت علي كظهر أمي، أنت علي كظهر أمي، ثلاث مرات، ينوي بقوله الظهار ثلاث مرات، فلا تلزمه إلا كفارةٌ واحدةٌ، إلا أن ينوي ثلاث كفارات، فتلزمه ثلاث كفارات، مثل ...... حلف بالله تعال ثلاث مرات ينوي ثلاث كفارات فيلزمه ذلك إن حنث. قال الشيخ: وذكر عن أبي محمد بن أبي زيد أنه قال: لا يطأ حتى يؤدي الثلاث كفارات. قال أبو الحسن القابسي: فإن كفر كفارة واحدة حل له الوطء، والباقي إنما هو كطعام نذر، ولو وطئ ثم مات وأوصى بهذه الكفارات وضاق الثلث فإن واحدة منها تبدأ ككفارة الظهار، والاثنتان تبدأ عليهما كفارة اليمين بالله تعالى، لأنهما نذور، ونحو قول أبي الحسن ذكر عن أبي عمران، وهو الصواب إن شاء الله عز وجل. ابن المواز: ولو كرر الظهار في وقت بعد وقت فكفارة واحدة تجزئه، ولو أخذ في الكفارة عن الظهار، ثم قال لها: أنت علي كظهر أمي، فليبتدئ من الآن كفارة واحدة وتجزئة، وقيل: بل يتم الأولى ويبتدئ كفارة ثانية.

قال ابن المواز: وهذا أحب إلي إذا كان لم يبق من الأولى إلا اليسير، وأما إن مضى منها يومان أو ثلاثةٌ فليتمه وتجزئه لهما، لأنه قل ما تفاوت منه. وقال أصبغ: ي المستخرجة: سواء مضى أكثر الكفارة أو أقلها فإنه يجزئه أن يبتدئ الكفارة عن الظهارين إذا كان نوعاً واحداً، مثل أن يقول: أنت علي كظهر أمي، ثم يقول وقد أخذ في الكفارة مثل ذلك. قال: وكذلك لو كان الأول بيمين حنث فيها، والثاني قولاً بغير يمين فإنه يجزئه أن يبتدئ الكفارة من يوم ظهاره الثاني، والثاني كالتوكيد للأول. قال: ولو كان الأول قولاً بغير يمين، والثاني بيمينٍ حنث فيها فليتم الكفارة الأولى ويبتدئ كفارةً ثانية للظهار الثاني. قال الشيخ: فوجه قول من قال: إنه يبتدئ من الآن كفارةً واحدةً وتجزئه، فلأن تكرار الظهار المجرد إنما يوجب كفارةً واحدةً، فهو لو لم يبتدئ الأولى حتى ظاهر منها ثانيةً لم تكن عليه إلا كفارة واحدة، فإذا ابتدأ الأولى لم يكن عليه إلا إسقاط ما مضى، لأنه قبل لزوم الثانية فلا تجزئ عنها، وابتداء الكفارة من الآن، وتجزئ عن الظهار الأول والثاني، وهذا كحد القاذف إذا كرر قذفه لرجلٍ واحدٍ أو لجماعةٍ، فإنما عليه لذلك كله حد واحد، فلو أخذ في حده ثم قذف في خلال حده الذي حد له أو غيره لابتداء الحد عليه من الآن ويجزئه، وكالأحداث التي يجب الوضوء لأحدها أو لجميعها، فلو أخذ في الوضوء ثم أحدث لأجزأ ابتداء الوضوء لها، وهذا بين صواب. ووجه قول من قال: بل يتم الأول ويبتدئ الثانية، فلأن الكفارة إنما تبتدئ [بعد] العودة، لقوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3]، فهذا

[فهذا إنما ابتدأ الكفارة بعد نية العودة فقد لزمه تمامها، وتخلدت في ذمته، وهذه رواية أشهب عن مالك، وهو قول ابن أبي سلمة، فلما تخلدت الأولى في ذمته لم يكن له أن يشرك فيها ثانية، كما لو وطيء المظاهر منها فأخذ في الكفارة عنها، ثم ظاهر منها ثانية، فإنه يبتديء الكفارة للظهار الثاني بعد تمام الأولى؛ لأن الأولى واجبة عليه مات، أو ماتت أو فارقها، فلا يشرك معها غيرها فيصير كأنه لم يكفر عن الثانية، وكمن قال: إن اشتريت فلاناً فهو حر، فاشتراه فأراد أن يعتقه عن ظهاره فلا يجزئه؛ لأنه وجب عتقه بما عقد له قبل الشراء فهذا مثله، وهو بين أيضاً على هذا القول. ووجه قول أصبغ: إن كان الأول بيمين حنث فيها، والثاني قولاً بغير يمين، فإنه يجزئه أن يبتديء الكفارة من ظهاره الثاني، فصواب؛ لأنه إذا حنث في الأولى لزمه الظهار كالظهار المجرد، ولا يسقطه طلاقه ثلاثاً إن تزوجها بعد زوج، فهو كتكرير الظهار المجرد، ولأنها بالحنث صار مظاهراً منها، فلم يزدنا بقوله: أنت علي كظهر أمي إلا الإخبار أنها عليه كظهر أمه، فهو كتكرير الظهار. قال: وإذا كان الأول ظهاراً مجرداً، والثاني يمين فيها فليتم الكفارة الأولى ويبتديء كفارة ثانية للظهار الثاني فهو كما قال؛ لأنهما ظهاران لا يتداخلان، وعليه إن حنث فيهما كفارتان؛ لأن الأولى لزمته لزوماً لا يسقطه الطلاق ثلاثاً، والثاني بيمين حنث فيها فهو كما لو كان الأولى بيمين والثاني بيمين خلافها، فهما ظهاران لا يتداخلان ويلزمه لكل واحدة منهما كفارة كاليمين بالله في ذلك.

قال الشيخ: وقيل: بل كفارة واحدة تجزئه؛ ووجه هذا: أنه بالحنث يصير كالظهار المجرد، كما لو كان هو الأول، ولأنه إنما حلف بالظهار على امرأة هو مظاهر منها، فقال: إن فعلت كذا فهي علي كظهر أمي فقد كانت عليه كظهر أمه قبل اليمين بالله فلم تزدنا مزية، وهذا أبين والله عز وجل أعلم. قال الشيخ: والمحصول من هذا، والذي عليه العمل أن كل ما لزم فيه كفارتان فحدث عليه الثاني بعد أن أخذ في الكفارة عن الأولى فلا يجزئه إلا أن يتم الأولى ويبتديء الثانية، وكل ما لزم فيه كفارة واحدة فإنه: يجزئه أن يبتديء من وقت ظهاره الثاني مضى أكثر الكفارة الأولى، أو أقلها، وقول ابن المواز استحسان وتوسط في القولين، وكأنه جعل القليل تبعاً للكثير مضى أقلها، فكأنه لم يعمل منها شيئاً، وإن مضى أكثرها فكأنه أتمها فيتمها، ويبتديء وهذا استحسان؛ لأن كثيراً في أصولنا أن نجعل القليل تبعاً للكثير، ولكن القياس ما قدمنا. وزاد ابن حبيب عن أصبغ: إذا كان الظهار الأول بحنث والظهار الثاني فحنث، فلا بد من كفارتين، كان ذلك بفعل في شيء واحد أو في شيئين مفترقين. قال الشيخ: وهذا كاليمين بالله عز وجل إذا حلف ألا يفعل شيئاً فحنث بفعله، ثم حلف ألا يفعله بعد ذلك فحنث أيضاً، أن عليه كفارتين، ولو لم يحنث في الأولى حتى حلف ثانية فحنث فيها فإنما عليه كفارة واحدة، وكذلك الظهار في ذلك كله. وقد روى أبو زيد، عن ابن القاسم فيمن قال: أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك، فأخذ في الكفارة، ثم قال لها: أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك، فهذا يبتديء شهرين من يوم الظهار الثاني.

قال أبو زيد عن ابن القاسم: ولو أنه لما صام أياماً أراد أن يبر بالتزويج فتزوج، فقد أسقط عنه الكفارة ويبطل عنه الصيام. قال الشيخ: وعلى قول من قال: يلزمه تمامها إذا ابتدأ فيها، لا يسقط التزويج عنه تمامها. وفي مختصر ابن عبد الحكم قال: وإذا ظاهر منها ووطئ، ثم ظاهر ثانيةً فعليه أيضاً الكفارة ثانية. [فصل 4 - في دليل لزوم كفارة واحدة على من ظاهر من جماعة نساء] ومن المدونة قد تقدم: أن من قال لأربع نسوة: أنتن علي كظهر أمي، فإنما عليه كفارة واحدة. قال الشيخ: وذهب الشافعي: أن عليه لكل واحدةٍ كفارة. ودليلنا: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] الآية، فجميع النساء إذا ظاهر الرجل منهن فإنما عليه كفارة واحدة.

ولأن الظهار يمين تكفر كالإيلاء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمظاهر:» كفر عن يمينك «، فدل ألفها يمين كالإيلاء بخلاف الطلاق. وقد روى ابن وهب: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره قال في رجلٍ تظاهر من أربع نسوةٍ في كلمةٍ واحدةٍ: أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة، ولم يختلف عليه أحد، فهذا الإجماع. ومن العتبية قال: روى عيسى عن ابن القاسم فيمن تظاهر من جماعةٍ فظن أنه لا يجزئه إلا عن كل واحدةٍ كفارة واحدة فكفر بالصوم عن واحدة منهن، قال: قال مالك: يجزئه ذلك عن جميعهن.

[فصل 5 - في الظهار من أربع نسوة قبل نكاحهن] ومن «المدونة: ومن قال لأربع نسوة: إن تزوجتكن فأنتن علي كظهر أمي، فتزوجهن كلهن، فإنما عليه كفارة واحدة، ولا يقرب واحدة منهن حتى يكفر، فإن تزوج واحدة لزمه الظهار، ولا يقربها حتى يكفر، فإن كفر فتزوج البواقي فلا ظهار عليه فيهن. قال الشيخ: وهذا كمن حلف بالله سبحانه ألا يفعل أشياء سماها، ففعل بعضها، فقد حنث في جميعها، ثم إن فعل باقيها فلا حنث عليه؛ لأنه قد حنث أولاً بفعل بعضها، فلا يتكرر عليه الحنث. ومن «المدونة»: قال: وإن تزوج الأولى فلم يطأها ولم يكفر حتى ماتت، أو فارقها، سقطت عنه الكفارة، ثم إن تزوج البواقي لم يطأ واحدة منهن حتى يكفر؛ لأنه لم يحنث في يمينه بعد، وإنما يحنث بالوطء، لأن من تظاهر من امرأته ثم طلقها أو ماتت قبل أن يطأها فلا كفارة عليه، وإنما يوجب عليه كفارة الظهار بالوطء، فإذا وطيء فقد لزمته الكفارة، ولا يطأ في المستقبل حتى يكفر، ولو كان هذا قد وطيء الأولى ثم ماتت، أو طلقها، أو لم يطلقها، فقد لزمته الكفارة، فإن تزوج البواقي فلا يطأ واحدة منهن أيضاً حتى يكفر، ومن قال لأربع نسوة له: من دخلت منكن هذه الدار فهي علي كظهر أمي. فدخلنها كلهن أو بعضهن فعليه لكل واحدة تدخل كفارة كفارة. قال الشيخ: لأن من للتبعيض، فهو كمن قال ذلك لواحدة مفردة. قال ابن القاسم: وكذلك لو قال لهن: أيتكن كلمتها فهي علي كظهر أمي، فإن كلم واحدة منهن لزمته كفارة، ولم يلزمه فيمن لم يكلم منهن ظهار وإن

وطئها حتى يكلمها وله وطؤهن قبل أن يكلمهن، ثم إن كلم أخرى لزمته كفارة ثانية بمنزلة مالو. م: قال لأربع نسوة: من تزوجت منكن فهي علي كظهر أمي فتزوج واحدة منهن كان منها مظاهراً، ثم إن تزوج أخرى كان منها أيضاً مظاهراً بخلاف قوله: إن تزوجتكن. قال ابن المواز: وكذلك قوله: من تزوجت من النساء فهي علي كظهر أمي فلكل من تزوج كفارة، بخلاف قوله: كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي هذا تجزئه كفارة واحدة. قال الشيخ: وهذا على ما قلنا: أن من للتبعيض، وكأنه قال لكل واحدة مفردة: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي، كل امرأة أتزوجها، مثل قوله إن تزوجتكن؛ لأنه جمعهن في الوجهين. [فصل 6 - فيمن قال كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي] ومن «المدونة»: قال مالك: ومن قال: كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي، لزمه ذلك فإن تزوج فلا يطأ حتى يكفر كفارة الظهار، وكفارة واحدة تجزئه من ذلك كله، وقاله عروة بن الزبير. وذكر ابن حارث الأندلسي عن ابن نافع في قوله: كل امرأة أتزوجها

فهي على كظهر أمي، أن عليه لكل امرأة يتزوجها كفارة، وصوبه بعض أصحابنا وقال: ألا ترى أنه إذا تزوج واحدةً كفر عن ظهاره، ثم تزوج أخرى فقد حصل مكفراً عن ظهاره في هذه الثانية قبل لزوم الظهار فيها. قال الشيخ: وهذا يلزمه فيمن قال لأربع نسوة: إن تزوجتكن فأنتن علي كظهر أمي، لأنه إذا تزوج واحدةً وكفر عنها، ثم تزوج ثانية فقد حصل مكفراً عن هذه الثانية قبل لزوم الظهار فيها، وليس الأمر كما توهم، لأن الظهار يمين كاليمين بالله عز وجل، فإذا جمع في يمينه جماعةً فحنث في واحدةٍ فقد حنث في جميعهن، فكفارة عن واحدةٍ كفارة عن جميعهن، وقوله: إن تزوجتكن، وكل امرأة أتزوجها، سواء، لأنه جمع النساء في يمينه، ...... أن قول مالك أولى. قال مالك: وأما إن قال: فهي طالق، لم يلزمه شيء. قال ابن القاسم: والفرق بين الظهار في هذا وبين الطلاق: أن الظهار يمين تكفر ولا تحرم النكاح عليه، والطلاق يحرم، فليس له أن يحرم على نفسه جميع النساء. قال ابن المواز: ولو تزوج امرأة ثم ماتت أو طلقها قبل أن يكفر فتزوج أخرى فلا يقربها حتى يكفر كفارةً واحدة عن كل من يتزوج أبداً.

قال الشيخ: وهذا على ........ فيمن قال لأربع نسوة: إن تزوجتكن، وقد تقدمت. قال ابن المواز: ولو كفر بعد زوال الأولى وقبل نكاح الثانية لم يجزه إلا أن يكون قد مس الأولى قبل أن تزول عنه، فقد لزمته الكفارة بكل حال وزال الظهار. قال الشيخ: يريد: ولكن لا يطأ الثانية حتى كفر الكفارة التي لزمته إن لم يكن كفر.

[الباب الثالث] في اليمين بالظهار، وعودته في ملك ثان ووقوعه مع طلاق أو إيلاء، وظهار الرجل من امرأته وهي أمة أو صبية أو محرمة أو حائض أو ارتقاء أو كتابية وظهار العبد من امرأته [فصل 1 - في اليمين بالظهار] قال مالك: ومن قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي إن لم أضرب غلامي اليوم، ففعل، لم يلزم ظهار. قال مالك: وإن قال: إن تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي، لزمه الظهار إن تزوجها. وقاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه. [فصل 2 - في عودة الظهار في ملك ثان] ومن قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي، فطلقها واحدة أو اثنتين فبانت منه، ودخلت الدار وهي في غير ملكه لم يحنث بدخولها، وهي في غير ملكه، فإن تزوجها فدخلت الدار وهي تحته عاد عليه الظهار، إلا أن يكون طلقها أولاً ألبتة، فإن الظهار يسقط عنه إن تزوجها بعد زوج، ولو حنث بدخولها قبل أن يفارقها أو كان إنما ظاهر منها على غير يمين، ثم أبتها قبل أن يكفر فهذا؛ إن نكحها بعد زوج عاد عليه الظهار، ولم يطأها حتى يكفر.

قلت: فمن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي أو قال لها: أنت طالق، وأنت علي كظهر أمي إن تزوجتك. قال: قال مالك: ومن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي، فتزوجها طلقت عليه، ثم إن تزوجها بعد ذلك لم يقربها حتى يكفر كفارة الظهار؛ لأن الطلاق والظهار وقعا بالعقد فلزماه. قال ابن القاسم: والذي قدم الظهار في لفظه أبين عندي. قال الشيخ: قال غيره: وكذلك لو قال لزوجته: إن دخلت الدار فأنت طالق، وأنت علي كظهر أمي، فبدخول الدار وقع الحنث في الطلاق والظهار معاً فلزماه. [فصل 3 - في وقوع الظهار مع طلاق] ومن «المدونة»: قال مالك: وأما إن قال لزوجته: أنت طالق ألبتة، وأنت علي كظهر أمي، طلقت عليه، ولم يلزمه فيها ظهار وإن تزوجها بعد زوج؛ لأنه أوقعه بعد أن بانت منه. وقال أبو محمد: وليس ذلك كالطلاق، إذا نسق على طلاق مثله في التي لم يدخل بها. وهذا معنى، والظهار معنى آخر وذلك بخلاف إذا بدأ في لفظه بالظهار فهذا يلزمه الظهار إن تزوجها بعد زوج.

[فصل 4 - في وقوع الظهار مع إيلاء] ومن المدونة: ومن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت على كظهر أمي، والله لا أقربنك، أو قال لها: والله لا أقربك إن تزوجتك وأنت علي كظهر أمي، فتزوجها لزمه الإيلاء والظهار، مثل من قال لزوجته: والله لا أقربنك وأنت علي كظهر أمي، أنه .... منها مظاهر. فصل [5 - في ظهار الرجل من امرأته وهي أمة] ومن تظاهر من امرأته وهي أمة ثم اشتراها فهو مظاهر منها. قال الشيخ: يريد فإن كان بيمينٍ لم يحنث فيها، وهو كمن طلق زوجته واحدةً وقد كان ظاهر منها بيمينٍ أنه يعود عليه إن تزوجها. قال الشيخ: وقاله جماعةً من أصحابنا، وقال بعض أصحابنا: معنى المسألة أنه ظاهر منها ظهاراً مجرداً بغير يمين، فلذلك عاد عليه الظهار كما يعود ذلك عليها إذا طلقها ثلاثاً، وأما إن كان بيمين لم يحنث فيها فإنه إذا اشتراها لا يعود عليه اليمين، لأن هذا ملك بيمين لا ملك عصمة، فهو غير الملك الأول كملك العصمة بعد الطلاق ثلاثاً. قال: ولكن لو باعها ثم تزوجها فإنه يعود عليه اليمين، لأنه بقي له طلقتان فاليمين تعود عليه ما بقي من طلاق ذلك الملك شيء. قال الشيخ: والأول أصوب، لأنه ظاهر من زوجته بيمينٍ لم يحنث فيها، فلا يلزمه إلا الطلاق ثلاثاً، أصله لو كانت حرة.

[فصل 6 - في ظهار الرجل من امرأته وهي صبية أو محرمة أو حائض أو رتقاء أو كتابية] ومن المدونة: قال: وإن تظاهر من امرأته وهي حرة، أو أمة، أو صبية، أو محرمة، أو حائض، أو رتقاء، أو كتابية لزمه ذلك وكفارته منهن سواء، ويلزم المسلم الظهار والطلاق في زوجته الكتابية كما يلزم ذلك في الحرة المسلمة. وإن تظاهر الرجل من امرأته قبل البناء أو بعده وهو رجل بالغ فذلك سواء ويلزمه، ألا ترى أنه لو ظاهر من أمةٍ له لم يطأها قط لزمه الظهار في قول مالك، فالزوجة أحرى وأشد في الظهار. [فصل 7 - في ظهار العبد من امرأته] وإن تظاهر العبد من امرأته وهي حرة أو أمة لزمه، وكفارته منهما سواء ابن شهاب: ويلزمه الظهار كالحر. قال ابن سيرين: وليس عليه أن يكفر إلا بالصيام. ابن حبيب: قال ابن القاسم عن مالك: ولا يدخل على العبد في تظاهره الإيلاء إلا أن يكون مضاراً لا يريد أن يفيء، أو يمنعه أهله الصيام بأمرٍ لهم فيه عذر، فهذا يضرب له أجل الإيلاء إن رفته. قال أصبغ: إذا منعه أهله الصيام فليس بمضار، ولا كلام لامرأته ولتصبر. وقال ابن القاسم: إن منعه سيده الصيام وأذن له في الإطعام أجزأه. وقال ابن الماجشون: ليس لسيده منعه الصيام وإن أضر به ذلك في عمله. قال الشيخ: لأن إذنه له في النكاح إذن له في الظهار. وفي الباب الأول مسألة المجوسي يسلم ثم يظاهر من زوجته فتسلم هي بقرب ذلك أنه يلزمه.

[الباب الرابع] في منع المظاهر الوطء قبل الكفارة ودخول الإيلاء عليه في تركها [فصل 1 - في منع المظاهر الوطء قبل الكفارة] قال الله تعالى: {ثم يعودون لما قالوا} الآية فدل أن العود إرادة الوطء لا الوطء لقوله تعالى: {من قبل أن يتماسا}. قال مالك فيمن ظاهر من زوجته: فلا يطؤها حتى يكفر، ويجب عليها أن تمنعه من جماعها. قال ابن القاسم: فإن خشيت منه على نفسها رفعت ذلك إلى الإمام، ويمنعه الإمام من وطئها، إن خاصمته حتى يكفر، ويؤدبه إن اراد جماعه قبل الكفارة. قال مالك: ولا يقبل ولا يباشر، ولا ينظر إلى صدرها، ولا إلى شعرها حتى يكفر؛ لأن ذلك لا يدعو إلى خير، وقد قال تعالى: {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا}، فعم. وقال أصبغ في العتبية: إن قبلها في شهري صيام الكفارة، فلا شيء عليه.

وقاله سحنون بعد أن كان يقول بقول عبد الملك: إن ذلك يقطع التتابع كالمعتكف، ثم رجع وقال: ليس هو أشد من رمضان وفرق بينه وبين المعتكف؛ لأن المتظاهر يحل له غيرها. وقال عبد الملك وسحنون: وإنما يكره للمتظاهر أن يقبل أو يباشر أو يتلذذ بالنظر إلى المحاسن، لأن ذلك داعية إلى الوطء وتغرير خيفة أن يفعل الوطء الذي ينهاه الله عز وجل عنه قبل أن يكفر. قال الشيخ: وكمنع المحرم من دواعي الوطء خيفة أن يقع فيه، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه. ومن «المدونة»: قال مالك: وجائز أن ينظر إلى وجهها، وقد ينظر غيره إليه. قال ابن القاسم: وجائز ان يكون معها في بيت ويدخل عليها بلا إذن، وإن كان تؤمن ناحيته. [فصل 2 - في دخول الإيلاء على المظاهر إن لم يكفر] قال مالك: فإن امتنع من الكفارة وهو قادر عليها، دخل عليه الإيلاء؛ لأنه مضار، ووقف لتمام أربعة أشهر من يوم التظاهر، فإما كفر أو طلقت عليه. قال ابن القاسم: فإن كفر، زال عنه حكم الإيلاء وإن لم يطأ.

قال الشيخ: وحكي لنا عن بعض شيوخنا القرويين في المتظاهر المضار إذا ضرب له الأجل لامتناعه من الكفارة وهو قادر عليها: إنما يضرب له الأجل من وقت تبين ضرره، ورأى أن هذا الذي يقتضيه مذهب الكتاب. ونقل عن غير واحدٍ من المختصرين المسألة على غير هذا، إنما يضرب له الأجل من يوم المتظاهر، ومثل هذا الذي نقلوه في كتاب محمد فاعلمه. ومن المدونة: قلت: ولم أدخل عليه مالك الإيلاء إذا علم أنه مضار وهو لم يحلف على ترك الوطء؟ قال: لأن مالكاً قال: كل يمين منعت الجماع فهي إيلاء، وهو إذا كف عن الوطء وهو يقدر على الكفارة علم أنه مضار، فيدخل عليه الإيلاء، وليس الظهار بحقيقة الإيلاء، ولكنه مثل من حلف بالطلاق ليفعلن كذا، وهو قادر على فعله، فيمنع من الوطء، لأنه في يمينه على حنثٍ فيدخل عليه الإيلاء، وقاله ربيعة وابن شهاب. قال ابن القاسم: وإن قال: أنا أكفر، ولم يقل: أنا أطأ، فذلك له، لأن فيئته الكفارة ليس الوطء، فإذا كفر كان له أن يطأها بلا كفارة، وإن كان لا يعلم منه ضرر وكان يعمل في الكفارة فلا يدخل عليه الإيلاء. وإذا كان من أهل الصوم فمضت أربعة أشهرٍ ولم يصم فلها إيقافه. وروى غيره: أن وقفه لا يكون إلا بعد ضرب السلطان له الأجل، وكلٌ لمالك، والوقف بعد ضرب السلطان الأجل أحسن، فإذا أوقفه فقال: أنا أصوم شهرين عن ظهاري، أو كان ممن يقدر على عتقٍ أو إطعامٍ فقال: أخروني حتى أعتق أو أطعم، أخره الإمام مرة أو مرتين أو ثلاثاً، فإن لم يأخذ في ذلك بعد التلوم فرق بينهما، لأنه مضار كالمولي إذا وقف فقال: أنا أفئ، فاختبره الإمام مرة

بعد مرةٍ فلم يفء وعرف كذبه ولم يكن له عذرٌ طلق عليه، وهذا المعنى مستوعب في كتاب الإيلاء. ومن قال لامرأته: إن وطئتك فأنت علي كظهر أمي، فهو مولٍ حين تكلم بذلك، فإن وطئ سقط عنه الإيلاء ولزمه الظهار بالوطء، ولا يقربها بعد ذلك حتى يكفر كفارة الظهار، فإن لم يكفر كان سبيله كما وصفنا في المظاهر الضار. قال ابن المواز: وليس لهذا المولي أن يحنث بالإصابة، لأن بقية وطئه يقع في امرأة ظاهر منها، وهو ممن لا تنفعه الكفارة قبل وطئه، لأنه لم يصر فيها مظاهراً حتى يطأ، وقد قيل: تعجل علي طلقة الإيلاء، إذ لا بد منها. وقد قيل: حتى يتم أربعة أشهرٍ كالحالف ألا يطأ البتة. قال الشيخ: فعلى مذهب ابن المواز إذا وطئ في هذه المسألة فالكفارة تلزمه وإن ماتت المرأة أو طلقها. وقال ابن القاسم في العتبية: إذا وطئها مرة ثم ماتت أو طلقها البتة فليس عليه كفارة إلا أن يطأها ثانية، فهذا قد لزمته الكفارة، بانت منه أو ماتت.

قال الشيخ: وهذا هو ظاهر قوله في هذا الكتاب، والمسألة تجري على اختلافهم في الذي قال لزوجته: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثاً، فقد روي عن ابن القاسم: أن له أن يحنث نفسه بالوطء، ويتمادى حتى ينزل؛ لأنه إنما أراد وطئاً تاماً، فبتمامه يحنث، وعلى قول مالك الذي رأى: أنه لا يمكن من الفيء بالوطء إذ باقي وطئه حرام لا يمكن أيضاً في هذه المسألة من الوطء، إذ باقي وطئه في امرأة ظاهر منها، ويكون الأمر كما قال ابن المواز وفي كتاب الإيلاء إيعاب هذا.

[الباب الخامس] فيمن ظاهر وهو معسر ثم أيسر قبل الكفارة أو بعدما أخذ فيها وكفارة العبد في الظهار وغيره [فصل 1 - فيمن ظاهر وهو معسر ثم أيسر قبل الكفارة أو بعدما أخذ فيها] وكفارة الظهار مرتبة بالتنزيل فعلى المكفر فيه أن يعتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب الفاحشة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً. قال ابن القاسم: وإنما ينظر إلى حاله يوم يكفر، ولا ينظر إلى حاله يوم جامع ولا يوم ظاهر، وقاله مالك. قال: ومن تظاهر وهو معسر ثم أيسر لم يجزه الصوم. قال ابن القاسم: وإن أعسر بعد ما أيسر أجزأه الصوم. قال مالك: ولو أيسر بعد ما أخذ في الكفارة في صوم أو إطعام فإن كان بعد صوم اليومين أو نحوهما أحببت له أن يرجع إلى العتق ولا أوجبه عليه، وإن كان قد صام أياماً ذات عدد فما ذلك عليه وليمض على صومه، وكذلك الإطعام مثل ما وصفنا في الصيام.

قال ابن القاسم: وكذلك في كفارة القتل. قال: ومن صام ثلاثة أيام في الحج ثم وجد ثمن الهدي في اليوم الثالث فليمض على صومه, وإن وجد ثمنه في أول يوم فإن شاء أهدى أو تمادى في صومه. ابن المواز: وكذلك في كفارة اليمين بالله عز وجل. وقال ابن عبد الحكم: صيام اليمين بالله والظهار والقتل والتمتع كله سواءً إن لم يصم إلا يومين ثم أيسر فليرجع إلى ما يجب عليه. فصل [2 - في كفارة العبد في الظهار وغيره] ومن المدونة: قال مالك: وإذا تظاهر العبد فليس عليه إلا الصوم ولا يطعم وإن أذن له سيده, والصوم أحب إلي. قال ابن القاسم: بل هو الواجب عليه, ولا يُطعم من قدر أن يصوم.

الأبهري: معنى قول مالك: عن العبد عجز عن الصيام فأذن له سيده في الإطعام, فقال: أحبَّ إلي أن يؤخر ذلك حتى يقدر على الصيام. ابن المواز: والعبد إنما عليه أن يكفَّر بالصوم, فإن منعه سيده وكان يَضرَُ ذلك به بقي على ظهاره حتى يجد سبيلاً إلى الصيام, فإن تركه كان حينئذٍ مُضاراً يدخل عليه الإيلاء. قال: فإن لم يضر الصوم بالسيد وأراد منعه ليفَّرق بينه وبين امرأته جُبر على أن لا يمنعه من الصيام. ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك: وإذا كان عبد مَخَارَج يؤدي خراجه فلا يمنعه, وإذا قوي فلا يمنعه. وفي الموطأ قال مالم: لا يدخل على العبد الإيلاء في ظهاره, لأنه لو دخل عليه الإيلاء في تظاهر لطَلَّق عليه قبل أن يفرغ من صيامه. ومن المدونة: قال مالك: وأما العتق فلا يجزئه في شيء من الكفارات وإن أذن له السيد, إذ الولاء لسيده. قال مالك: وإن أذن له أن يطعم في اليمين بالله تعالى أجزأه. وفي قلبي منه شيء, والصيام أبين عندي. قال ابن القاسم: وإن أطعم بإذن سيده أجزأه, لأن سيده لو كفَّر عنه بالطعام, أو رجل كفَّر عن صاحبٍ له بالطعام بإذنه أجزأه.

[الباب السادس] فيمن ظاهر من امرأته ثم ماتت أو طلقها

[الباب السادس] فيمن ظاهر من امرأته ثم ماتت أو طلقها أو كفر عنها وليست له زوجة / قال الله تعالى:} ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ {[المجادلة:3] أي: مؤمنة, فإنما أوجب الكفارة بعد نية العودة, ومعنى العودة فيما قاله كثير من التابعين: إرادة الوطء وليس الوطء, لأن الله تعالى منع منه قبل الكفارة بقوله:} مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا {[المجادلة:4] , فإن نوى عودة الجماع كفر, ولو كفَّر قبل مراده لذلك لم يجزه وإن أراده بعد الكفارة. قال الشيخ: وقيل: إن العودة الوطء, لأن الظهار إنما اقتضى تحريم الوطء والعودة هو الإقدام عليه دون العزم, لأن الإقدام هو مخالفة الكف والامتناع, وكذلك وجهه بعض البغداديين. قال ابن سحنون عن أبيه: والمتظاهر إذا كفر بغير نية العودة, لكن يريد أن يطلقها ويقول: متى راجعتها حلَّت لي بغير ظهارٍ علي, قال: لا يجزئه حتى ينوي العودة, وأكثر قول أصحابنا: أن من كفَّر نية العودة لا يجزئه. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن ظاهر زوجته ثم طلقها واحدةٌ أو ثلاثاً فبانت منه ثم أعتق عن ظهاره منها, أو صام, أو أطعم, ثم تزوجها بعد ذلك لم تجزه تلك الكفارة, لأنه أخرجها قبل وجوبها ومتى تزوجها رجع عليه الظهار.

ومن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي, وكفر عن ظهاره هذا, ثم تزوجها لم تجزه تلك الكفارة, لأنه كفَّر قبل نية العودة, ولا ينوي ذلك فيمن ليست في عصمته ولا يكفَّر قبل حنثه, وقد قال الله تعالى:} ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا {[المجادلة:3]. قال ابن القاسم: والعودة إرادة الوطء, والإجماع عليه, فمن كفر قبل إرادتها كان كمن كفَّر عن غير شيءٍ وجب عليه. قال مالك: وإن وطئ المتظاهر منها قبل أن يكفَّر ناسياً أو عامداً في ليلٍ أو نهار لزمته الكفارة لِجمَاعِه ذلك ماتت بعد ذلك زوجته هذه أو مات عنها أو طلقها. قال: وإن طلقها واحدةً أو ثلاثاً قبل أن يطأها فلا كفارة عليه إلا أن يتزوجها يوماً ما, فيعود عليه الظهار ولا يطأ حتى يكفَّر, ولو طلقها قبل أن يمسها وقد عمل في الكفارة لم يلزمه تمامها. - قال الشيخ: يريد: وإن كان الطلاق رجعياً-. - قال ابن نافع: وإن أتمها أجزأه إذا أراد العودة قبل الطلاق. - قال الشيخ: يريد وإن كان الطلاق ثلاثاً. - أبو محمد: وروى أشهب عن مالك, وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: إذا نوى العودة ثم طلق: أو ماتت فقد لزمته الكفارة. - وروى ابن القاسم خلافه: أنه إن أجمع على إمساكها يريد الوطء ثم أخذ في الكفارة ثم طلقها أو ماتت قبل تمامها أنه لا شيء عليه إلا أن يتزوج الحية فعليه الصيام من أوله, ورواه أيضًا أشهب.

ولو كان طعام فقال أصبغ: بيني، وقال أشهب: يبتدئ. وذكر ابن المواز عن مالك في المظاهر إذا طلق بعدما أخذ في الكفارة فتمادى في الكفارة حتى أتمها في العدة أجزأه ذلك إن كان طلاقه رجعياً، ارتجع بعد ذلك أو لم يرتجع، كانت الكفارة صياماً أو طعاماً، وإن كان الطلاق بائناً لم يجزه تمام الكفارة صياماً أو طعاماً، وإن كان الطلاق بائناً لم يجزه تمام الكفارة في العدة، ثم إن تزوجها يوماً ما، أو كانت الكفارة صوماً ابتدأها، وإن كانت طعاماً بنى على ما كان أطعم قبل أن تبين منه لجواز تفرقة الطعام. قال ابن المواز: وهذا قول مالك وابن القاسم وابن وهب، وأصح ما انتهى إلينا.

[الباب السابع] في الصيام في كفارة الظهار

[الباب السابع] في الصيام في كفارة الظهار ومن أكل في صومه، أو وطئ، أو مرض قال الله تعالى: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}، قال ابن القاسم: فمن أكل ناسياً، أو لمرض في صوم ظهار، أو قتل نفسٍ، أو مذر متتابعٍ، أو أُكرِهَ على الفطر، أو تقيَّأ، أو ظنَّ أن الشمس قد غابت فأكل، أو أكل بعد الفجر ولم يعلم، أو وطئ نهاراً غير التي تظاهر منها ناسياً، فليقض في ذلك كله يوماً ويصله بصومه، فإن لم يفعل ابتدأ الصوم من أوَّله. قال: وله أن يطأ غير التي تظاهر منها في خلال الكفارة ليلاً في الصوم، أو نهاراً في الإطعام، كانت الموطوءة زوجته أو أمته، وإن وطئ التي تظاهر منها ليلاً، أو نهاراً، أول الصوم أو آخره، ناسياً أو عامداً ابتدأ الشهرين. وكذلك حكم الإطعام إذ أطعم بعض المساكين، وإن لم يبق إلا مسكين واحد ثم جامع استأنف الطعام، لقوله تعالى: {قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}. وكذلك من وطئ في الحج ناسياً أو عامداً فعليه أن يتمَّ حجَّه ويقضيه من قابل. قال ابن القاسم: ومن صام عن ظهاره شهراً ثم مرض، وهو لا يجد رقبةً لم يكن له أن يطعم، وإن تمادى به المرض أربعة أشهرٍ لم يدخل عليه الإيلاء، لأنه غير مضار، وتُنتظر إفاقته، فإن صح صام، إلا أن يعلم أن ذلك المرض لا يقوى صاحبه على الصوم بعده، فيصير حينئذٍ من أهل الإطعام.

وقال أشهب: إذا مر صار من أهل الإطعام. قال في بابٍ يعد هذا: ومن تظاهر وهو مريض مثل الأمراض التي يصح من مثلها الناس فلينُظر حتى يصح ثم يصوم إذا كان لا يجد رقبة، وكل مرضٍ يطول بصاحبه ولا يدري أيبرأ منه أم لا لطول ذلك المرض به، ولعله يحتاج إلى أهله، فليطعم ويصيب أهله، ثم إن صح أجزأه ذلك الإطعام، لأن مرضه كان إياساً. وقال أشهب: إذا طال مرضه فإن رُجِيَ برؤه وقد احتاج إلى أهله فليُطعم. قال مالك: ومن تظاهر من امرأته وليس له إلا خادم واحدة، أو دار لا فضل فيها، أو عرض قيمته ثمن رقبة، لم يجزه إلا العتق، ولا يجزئه الصوم، لأنه يقدر على العتق، وقد قال الله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ}، وهذا واجد. قال: ومن تظاهر من أمته ولم يكن له غيرها لم يجزه الصوم، وأجزأه عتقها عن ظهاره، وله أن يتزوجها بعد ذلك إن رضيت به. قال: ومن صام شهراً وأطعم ثلاثين مسكيناً عن ظهاره لم يجزه، وكذلك لو أعتق نصف رقبةٍ وأطعم ثلاثين مسكيناً أو صام شهراً لم يجزِه.

[الباب الثامن] في الإطعام في كفارة الظهار

[الباب الثامن] في الإطعام في كفارة الظهار قال الله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}، فلم يستثن الوسط من الشبع كما ذكر في كفارة اليمين بالله عز وجل، فينبغي أن يكون الشبع مُدَّين إلا ثلثاً بمد النبي صلى الله عليه وسلم عدل من الشبع، وهو عِيَارُ مُدِّ هِشَام، فمن أخرج به أجزأه، وقاله مالك. وروى ابن وهب ومطرف عن مالك: مُدَّين لكل مسكينٍ بمدِّ النبي صلى الله عليه وسلم في الظهار. وروى البغداديون: أن مُدَّ هشام مُدَّان النبي صلى الله عليه / وسلم، وقالوا: لما أبهم الله عز وجل كفارة الظهار وفدية الأذى فلم يذكر فيها وَسَطَاً، ونص الرسول عليه الصلاة والسلام على مُدَّين في فدية الأذى، كان الظهار مثله، والله أعلم.

وروى ابن حبيب: أن مُدَّ هشام الذي جعله لفرض الزوجات مُدُّ وثلث. وروى ابن القاسم: أنه مُدَّان إلا ثلث، وروى البغداديون: أنه مُدَّان بمُد النبي صلى الله عليه وسلم. ومن المدونة: قال ابن القاسم: فإن كان عيش بلدهم تمراً أو شعيراً أطعم منه في الظهار عّدلُ شِبَعِ مُدِّ هشام من الحِنطَة. قال مالك: ويطعم من التمر أو الشعير في كفارة الإيمان إذا كان عيشهم عشرة مساكين وَسَطَاً من شِبَع الشعير والتمر، لأن إطعام الأيمان فيه شرط، ولا شرط في إطعام الظهار، فلا يكون إطعامه إلا شبعاُ، ولا أحب أن يغَذِّي ويُعَشِّي في الظهار، لأن الغذاء والعشاء لا أظنه يبلغ مُدَّاً بالهاشمي، ولا ينبغي ذلك في فدية الأذى أيضاً، ويجزي ذلك فيما سواهما من الكفارات، ويكون في الخبز إدام، فإن كان الخبز وحده وفيه عدل ما يخرج من الحب أجزأه. ومن كتاب ابن المواز: ومن غدَّى أو عشَّى خبز البُرِّ والإدام في الظهار لم ينبغ ذلك له ولا إعادة عليه، وإن أطعم عن ظهاره شعيراً وهو يأكل القمح، أو ذُرَةً وهو يأكل الشعير لم يجزه. قال: وإن أطعم شعيراً وهو يأكل الذرة أجزأه إذا زاد مبلغ شبع القمح، وقاله أشهب.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: ويُخرج في كفارة الأيمان وسائر الكفارات، والطعام في الجزاء، وفي الإفطار في رمضان وفي كل شيءٍ مُدَّاً لكل مسكينٍ بُمدِّ النبي عليه الصلاة والسلام خلا فدية الأذى وكفارة الظهار، فإنه يُخرج في فدية الأذى مُدين لكل مسكينٍ بمُد النبي صل الله عليه وسلم، ويُخرج في كفارة الظهار مُدَّاً بِمُدِّ هشام لكل مسكينٍ كما وصفنا. قال سحنون: فأما كفارة قتل النفس فلا إطعام فيها. قال ابن القاسم ومن أعطى في سائر الكفارات من الذي هو عيشهم أجزأه، ولا يجزئ في ذلك دقيق أو سويق أو عروض أودراهم فيها وفاء بقيمة الطعام. وقال ابن حبيب: إذا أخرج الدقيق برَيعِة أجزأه. قال الشيخ: ولا يخالفه ابن القاسم في ذلك، لأنه أعطى ما يلزمه، وتطوَّع لهم بطحنِه، كما أجزأه إذا أعطاهم خُبزاً، فكذلك يجزيه دَقِيقاً. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن أعطى في الظهار ستين مُدَّاً بالهاشمي لعشرين ومئة مسكين، نصفَ مُدٍ نصف مُدٍ لم يجزه، إلا أن يزيد ستين منهم لا من غيرهم، نصف مُدٍ لكل واحدٍ فيجزيه، وإن أعطى ذلك لثلاثين مسكيناُ لكل

مسكين مُدَّين لم يجزه حتى يعطي لكل مسكينٍ مُدَّاً مُدَّاً. قال الشيخ: يريد ويجزيه أن يعطي ثلاثين من غيرهم مُدَّاً مُدَّاً. قال ابن القاسم: ولا يجزئ في فدية الأذى أن يعطي إثنى عشر مسكيناً مُدَّاً مُدَّاً، ولكن يطعم سنة مساكين مُدَّين مُدَّين بمدَّ النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك في كفارة الإفطار في رمضان لا يجزيه أن يعطي ثلاثين مسكيناً مُدَّين مُدَّين ولا عشرين ومئة، نصق مُدٍ نصف مُدٍ، ولكن يعطي سنين مسكيناً لكل مسكينٍ مدَّاً بمد النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وإن أطعم في كفارة الظهار حِنطةً ثم ضاق السعر حتى صار عيشهم التمر أو الشعير، أو خرج إلى بلدٍ عيشهم ذلك أجزأه أن يطعم من ذلك ثلاثين مسكينا، وكذلك هذا في جميع الكفارات. قال الشيخ: يريد: إذا لم يتعمد الخروج إلى ذلك البلد ليخفف عن نفسه، وقاله سحنون. قال: وإن أطعم في كفارة الظهار ثلاثين مسكيناً ثم لم يجد في بلده غيرهم لم يجز أن يعطيهم في غدٍ بقية الكفارة، ولبيعت بها إلى بلدٍ آخر. قال مالك: ومن عليه كفارتان عن يمينين فأعطى اليوم مساكين عن أحد يمينه، ثم لم يجد في غدٍ غيرهم فلا يعجبني أن يعطيهم عن اليمين الأخرى. قال ابن القاسم: كانت اليمين الأولى أو مخالفةً لها كيمين بالله مع ظهارٍ ونحوه. قال ابن المواز عن ابن القاسم: فإن فعل أجزأه إن لم يجد غيرهم.

قال يونس بن عُبيد: إلا أن تحدث عليه اليمين بعد ذلك فليطعمهم في غدٍ إن شاء. قال ابن القاسم: ولا يطعم في شيء من الكفارات مَنْ فيه عَلَقَة رقٍ ولا ذمياً ولا غنياً، فإن فعل أعاد. قال الشيخ: لأن الله تعالى جعلها للمساكين فلا تكون في غيرهم. قال مالك: ولا يجزئ أن يطعم في الكفارات كلها إلا حراً مسلماً مسكيناً. قال: ولا يطعم في شيءٍ من الكفارات أحداً من قرابته وإن كانت نفقتهم لا تلزمه، فإن أطعم من لا تلزمه نفقتهم أجزأه إن كانوا محاويج. قال: ويطعم الرضيع من الكفارات إذا كان قد أكل الطعام. قال ابن القاسم: ويُعطَى ما يُعطَى الكبير، فإن كان في يمينٍ بالله أعطى مُدَّاً بُمِدِّ النبي صلى الله عليه وسلم.

[الباب التاسع] في العتق في كفارة الظهار

[الباب التاسع] في العتق في كفارة الظهار [فصل 1 - فيما يجزئ من الرقاب في الكفارات] ولما ذكر الله عز وجل في عتق النفس رقبةً مؤمنةً كان كذلك في الظهار وغيره من الكفارات. وفي حديث السوداء ما دلَّ على ذلك، إذ قال ربُّها للنبي صلى الله عليه وسلم: عليِّ رقبةَ أفأعتها؟ ولم يذكر عمّاذا لزمته، فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم يعتقها حتى سألها: «أين الله»؟ فقالت: في السماء، فقال: «من أنا»؟ فقالت: رسول الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أعتقها»، وفي غير حديث مالك: «إنها مؤمنة».

ولا تجزئ ذات العيب البين في رقبةٍ ولا هدي أو نسكٍ، ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذوات العوار في النسك. وسئل عليه الصلاة والسلام: أيُّ الرقاب أفضل؟ فقال: «أغلاها ثمناً وأنفسُها عند أهلها». قال مالك: لا يجزئ في الظهار وغيره من الكفارات إلا رقبةً مؤمنةً سليمةً من العيوب الفاحشة. قال أصبغ: ومن اعتق منفوساً عن ظهاره ثم كَبُر فكان أخرس، أو مُقَعداً أو أصمَّاً أو مُطبِقاً جنوناً فلا شيء عليه، وقد أجزأه، وهذا شيء يحدث، وكذلك في البيع لا يُرد بذلك.

[فصل 2 - فيمن أعتق بعض عبد عن ظهاره] ومن المدونة: ومن أعتق عن ظهاره نصف عبدٍ لا يملك غيره ثم أيسر بعد ذلك فابتاع باقيه فأعتقه عن ظهاره لم يجزه لتبعيض العتق، وهو حين ملك بقيته لا يعتق عليه وكان له ملكه. وكذلك قال ماكل فيمن أعتق شقصاً له من عبدٍ وهو معدم، ثم أيسر فاشتر نصيب صاحبه، أو ورثه، أو تُصُدَّق به عليه، أو وُهِب له، أو أوصَِ له به فَقبِله، أنه لا يعتق عليه، ولو أعتق نصفه عن ظهاره وهو موسر فقُوم عليه بقيته ونو به الظهار لم يجزه، لأن الحكم يوجب عليه عتق بقيته. ابن المواز: قال ابن القاسم: وإن أعتق حميع عبدٍ بينه وبين شريكه وهو موسر أجزاه عن ظهاره، أو كفارة يمينه، وقد قال مالك فيمن أعتق جميع عبد بينه وبين شريكه: إن ذلك يلزمه، وليس لشريكه أن يعتق نصيبه إذا كان الذي أعتق جميع ميتاً. قال الشيخ: وهذا على الرواي المذكورة في كتاب الرجم، وقد قال فيها أشهب وسحنون: إن لشريكه أن يعتق نصيبه، وهذا هو الصواب، فعل هذا القول ينبغي ألا يجزي عتقه في الظهار، لأن شريكه مُقدَّم عليه في الرد والإجازة، وقاله سحنون وأصبغ. ومن العتبية: قال عيس عن ابن القاسم فيمن أعتق نصف عبده عن ظهاره ثم أعتق باقيه عن ذلك الظهار: إنه يجزيه، فإن لم يعتق باقيه ورفعه إل السلطان: قال: يأمره بذلك، فإن أعتقه عن ظهاره أجزأه ذلك وإلا أعتقه عليه.

ابن حبيب: وقال ابن الماجشون وأصبغ: لا يجزئه أن يعتق باقيه عن ذلك الظهار، وليعتق عليه بالسنة. وعاب أصبغ قول ابن القاسم، وكذلك قال سحنون في كتاب ابنه. قال الشيخ: وهو الجاري عل أصله في المدونة: أن ذلك لا يجزئه. [فصل 3 - في ذكر ما لا يجزئ إعتاقه في الكفارة] ومن المدونة: ولا يجزئه أن يعتق عن ظهاره أو غيره من الكفارات رقبةً يشتريها بشرط العتق، وقاله ابن عمر ومَعفل بن يَسار صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهما من أهل العلم. قال الشيخ: ولأنها ليست برقبةٍ لما وُضِع له من ثمنها بشرط العتق فيها. قال مالك: ولا يجزئه أن يعتق مدبَّراً ولا مكاتباً، وإن لم يؤد من كتابته شيئاً ولا معتقاً إلى أجلٍ، ولا أم ولدٍ، أو عبدٍ قال: إن اشتريته فهو حر، فاشتراه فأعتقه عن ظهاره فلا يجزئه ذلك، ولا تجزئه إلا رقب يملكها قبل أن تعتق عليه.

ابن المواز عن ابن القاسم: ولو قال: إن اشتريت فلاناً فهو حر عن ظهاري، فاشتراه فهو يجزيه عن ظهاره. قال الشيخ: وذكر أن أبا عمران غَمَزَ المسألة فقال: لا يجزئه إذا كان قد ظاهر قبل قوله: إن اشتريت فلاناً فهو حر عن ظهاري، من أجل أنه لا يستقر ملكه عليه، ويعتق بنفس الشراء، قال: وأما لو لم يكن ظاهر لأجزأه ذلك، وكأنه قال: إن اشترينك فأنت حر عن ظهاري إن وقع مني شيء ونويت العودة، فإن لم ينو العودة فلا يعتق عليه. قيل له: والذي في كتاب ابن المواز قد حصل منه الظهار، وكأنه أراد العودة حين قال: إن اشتريتك فأنت حر عن ظهاري فقال ابن القاسم: لا يراعي نية العودة، وقد ظهر ذلك منه في مسائل كثيرة، وإنما يلزمه نية العودة عند عبد الملك وسحنون. قال الشيخ: والمسألتان سواء، ونية العودة في مسألة محمدٍ أمكن لحصول الظهار فيها، وكل مُكفرٍ عن ظهاره فإنما يريد حل الظهار الذي منعه الوطء ليطأ، فهذه نية العودة، فلا فرق بين قوله لعيد: إن ملكتك ثم ظاهرت فأنت حر عن ذلك الظهار، وبين قوله: فأنت حر، عن ظهار لزمه، لأن كليهما عقد فيهما الحرية لظهارٍ كان أو إن كان، وهو في الذي كان أبين، لتمكن نية العودة في ظهارٍ قد حصل، والله أعلم. قال مالك: وإن أعتق ما في بطن أمته عن ظهاره لم يجزه، ويعتق إذا وضعته وإن أعتق عبده عن ظهاره على مالٍ يكون عليه ديناً لم يجزه، وإن كان المال في يد العبد فاستثناه السيد جاز عتقه عن ذلك الظهار، إذ له انتزاعه، كقول مالك فيمن أوصى بعتق رقبةٍ فوجد الوصي عبداً يباع، وأب ربه / بيعه حتى يتعجل من العبد مالاً، فذلك جائز وهو يجزئ عن الميت.

قال: ومن أعتق عبده عن رجلٍ عن ظهارٍ عليه، عل جُعل له فولاؤه للمعتق عنه، وعليه الجُعلُ كاملاً، ولا يجزئه عن ظهاره، كمن اشتر رقبةً بشرط العتق فأعتقها عن ظهاره، فلا يجزئه عن ظهاره، وهو حر، والولاء له. وسئل أبو عمران عن الرجل يعتق عن رجلٍ عن ظهارٍ لزمه؟ فقال: يجزئه. قيل له: لم أجزأه وهو لم يرد العودة؟ فقال: ابن القاسم لا يراعي فيه العودة. قيل له: أرأيت لو لم يرض بالعتق؟ فقال: لا يجزئه عن الظهار. فقيل له: فإن الولاء له فكيف لا يجزئه؟ فقال: كما يعتق المكاتب والمدبر، فيكون له الولاء ولا يجزئه عن ظهاره. وسئل عن الذي ظاهر من أمته وليس له غيرها فأعتقها عن ظهاره، وكيف أجزأه ذلك وهو إذا أعتقها حُرم عليه فرجها؟ فقال: نية العودة إلى الوطء توجب عليه الكفارة، فإذا أعتقها زال عنه الظهار، وحرُم عليه فرجها إلا بتزويج. قيل له: فإن بعض الناس يضعف هذه المسألة؟ فقال: إنما يضعفها من لا يعرف ما للسلف في ذلك، والقاسم بن محمدٍ وسالم وغيرهما يقولون: إن الظهار في الإماء، ويعتقن عن ظهارهن، وقال غير

واحد من القرويين: إنما تصح المسألة إذا كان قد وطئ، أو على القول الذي يسري أن بإرادته العودة لزمته وإن الكفارة وإن ماتت أو طلقها. قال الشيخ: والكفارات إنما وضعت تحل الأيمان، فإذا كفَّر لِحِلَّ يمينه فقد انحل، فلا تراعي حرمت عليه بهذه الكفارة أم لا، ومتى ما حل له وطوَّها ولم يكن عليه فيها يمين تمنعه الجماع، والله أعلم. قال الشيخ: وفرق بعض أصحابنا بين من أعتق عن رجل لظاهر لزمه أو غيره، وبين من أدي عن رجل زكاة لزمته. فقال: تجزئ في الكفارة لا تجزئ في الزكاة، قال: لأن الزكاة ليست في ذمته، والعتق لزم ذمته كالدين، فلو عكس ذلك لكان أولى، وذلك أن الكفارة قبل الحنث غير لازمة، والزكاة إذا حلت فقد وجبت، فإذا كان يجزئه العتق عنه في الكفارة التي لم يحنث فيها إذا كان بأمره، ففي الزكاة التي لزمته إذا أداها عنه بأمره أحرى أن تجزئه، لأنها كدين عليه وهذا بين. فإن قال: أردت في كفارة لزمته بالحنث؟ قيل: ذلك كزكاة حلَّت ووجبت، وأما قبل الحنث وقبل حلول الزكاة فالحكم معكوس يجزئ في الظهار لجواز أدائها قبل الحنث، ولا يجزئ في الزكاة، لأنها لا تؤدي قبل حلولها. فصل [4_ فيما يمنع الإجزاء من العيوب] ولا يجزئ أقطع اليد الواحدة أو أصبع أو أصبعين أو الإبهام أو الإبهامين أو الأذنين أو أشلََّّ أو أجذم أو أبرص أو أصم أو مجنون وإن أفاق أحيانًا، ولا أخرس ولا أعمى ولا مفلوج يابس الشق.

وأجازه غيره مقطوع الأصبع الواحدة، أو من به برص خفيف ولم يكن بمرض. قال ابن القاسم: ولا يعجبني عتق الخصي في شيء من الكفارات. ابن المواز: واختلف في ذلك، فقيل: يجوز، وقيل: لا يجوز. [فصل 5 - في عتق الأعور في الظهار] ومن المدونة: وأجاز مالك عتق الأعور في الظهار، وقاله النخعي والحسن. ابن المواز: وقال عبد الملك: لا يجزئ عتق الأعور في الظهار. قال الشيخ: فوجه قول مالك: هو أم العين الواحدة تقوم مقام الأثنين، ويري بها ما يرى بالأثنين، ولذلك ديتها كدية العينين جميعا ألف / دينار، فهو (170/أ) كالصحيح. ووجه قول عبد الملك: فلأنه فقد ما يجب فيه شطر الدية كأقطع اليد. [فصل 6 - في عتق الأعرج، ومن به عيب خفيف والصغير، والأعجمي] ومن المدونة: قال مالك: ويجزئ عتق الأعرج في الكفارات إذا كان عرجاً خفيفاً.

قال ابن القاسم: وإن كان به عيب خفيف كجدع في أذن، أو قطع أنمله، أو قطع طرف أصبع فأرجو أن يجزئ في كل الكفارات، وما كان من عيب فاحش أو ينقصه فيما يحتاج إليه من عنائه أو جزائه لم يجيزه. وقال مالك: ويجوز عتق الصغير في كفارة الظهار إذا كان من قصر النفقة، وعتق من صلى وصام أحب إلي. قال ابن القاسم: يريد من عقل الصلاة والصيام. قال مالك: ومن اشتري أعجمياً فأعتقه عن ظهاره، فإن كان من ضيق النفقة فأرجو أن يجزئه، وعتق من صلي وصام أحب إلي. وفي نقل أبي محمد عن ابن المواز: قال ابن القاسم: ويجزئ الأعجمي عند مالك وغيره، وهو أحب إلي، وذلك الأمر عنده، لأنهم على دين من اشتراهم. قال ابن القاسم: وهو رأيي. ابن المواز: وقال أشهب: لا يجزئ حتى يجيب إلى الإسلام وهو أحب إلي.

قال الشيخ: قال بعض أصحابنا: وينبغي على قول ابن القاسم أن يوقف عن امرأته حتى يسلم، وإن مات قبل أن يسلم لم يجزه. وقلت أنا: بل له وطء زوجته حيث أعتقه، ولو مات قبل أن يسلم لأجزأه، لأنه علي هذا القول على دين من اشتراه، ولما كان يجبر على الإسلام ولا يأباه في غالب أمره حمل الأمر علي الغالب فيه فكأنه مسلم بعد، كالصغير الذي هو على دين أبيه بل إن قول أشهب أحسن. [فصل 7 - في عتق الرضيع وولد الزنا] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وأجازه عتق الرضيع في الكفارات عدد من التابعين، وأجاز أبو هريرة وغيره عتق ولد الزنا في الكفارات. ابن المواز: وقيل: لا يجزئ. [فصل 8 - فيمن أعتق عبده عن ظهار غيره] قال ابن القاسم في المدونة: ومن أعتق عبده عن رجلٍ عن ظهاره أو عن شيء من الكفارات بأمره أجزأه، والولاء للمعتق عنه، وإن كان بغير أمره قبل أن يطأ أو يريد العودة لم يجزه، وإن كان بعد وطء أو إرادة العودة فبلغه ذلك فرضي أجزأه، لأن مالكا قال فيمن اعتق عبده عن ميت لظهار لزمه أو ودي عنه كفارة لزمته: أن ذلك يجزئه، فكذلك الحي إذا بلغه فرضي به.

سحنون: وقد قال ابن القاسم وغيره: لا يجزئه إلا بأمره، لأنه عتقُ لا يُرد، رضي هذا أوكَرِه، وإذا قال: قد أجزت، فإنما أجاز شيئًا قد فات فيه العتق، وهو أحسن إن شاء الله.

[الباب العاشر] فيمن صام عن ظهاره في رمضان أو ذي الحجة أو سافر في صومه فمرض

[الباب العاشر] فيمن صام عن ظهاره في رمضان أو ذي الحجة أو سافر في صومه فمرض. [فصل 1 - فيمن صام عن ظهاره في رمضان أو ذي الحجة] قال ابن القاسم: ومن صام شعبان ورمضان ينوي بهما الظهار ويريد أن يقضي رمضان في أيام أخر لم يجزه رمضان لفرضه ولا لظهاره. وقال ابن حبيب: إذا صام شعبان لظهاره ورمضان لفرضه ثم أكمل ظهاره بصيام شوالٍ أن ذلك يجزئه، فيحتمل أن يكون ذلك موافقا لقول مالك فيمن صام ذا القعدة وذا الحجة لظهار عليه جاهلا فعسي أن يجزئه. وقال بعض شيوخنا: أن ذلك / لا يجزئه، لأنه تفريق كثير والأول أولى، (170/ب) لأن الجهالة غرر كالمرض في غير وجه. قال مالك: ومن صام ذا القعدة وذا الحجة لظهار عليه، أو قتل نفس خطأ لم يجزه إلا من فعله بجهالة وظن ذلك يجزئه، فعسي أن يجزئه. قال أبو محمد: يريد ويقضي أيام النحر التي أفطر ويصلها. قال مالك: وما هذا بالبين، وأحب إليَّ أن يبتدئ.

وقال سحنون: لا يجزئه. ونقل أبو محمد في النوادر عن مالك: أنه إن افطر يوم النحر وصام أيام التشريق رجوت أن يجزئه. وهذا اصح من قوله: أفطر أيام النحر. قال ابن القصار: لأن صوم هذه الأيام. إنما هو علي الكراهة، لأن مالكا قال فيمن صام شهري التتابع وهو يعلم أنه يمر بيوم النحر ووصل ما بعده أجزأه، فدل أنها تصام كما يصومها المتمتع. وقال أبو القاسم بن الكاتب: معنى مسألة المدونة أنه صام يوم النحر وأيام التشريق فيقضها ويبني، وأما لو أفطرها لم يجزه البناء، لأنه صوم غير متوال، والأول. وإن كانت أياما لا تصام فهو لم يأكل فيها ونوى صيامها وإن كانت لا تجزئه. قال الشيخ: فصار في ذلك ثلاثة أقوال، قول تجزئه البناء وإن أفطر أيام النحر كلها إذا جهل ذلك. وقول لا يجزئه إلا أن يفطر يوم النحر خاصة ويصوم أيام التشريق. وقول لا يجزئه إلا إن يصومها كلها، ويقضيها ويبني، وهو أضعفها. [فصل 2 - فيمن سافر في صوم الكفارة فمرض] قال مالك: ومن سافر في شهري ظهاره فمرض فأفطر فيهما فأخاف أن يكون السفر هيج عليه مرضه حراً أو برداً أصابه، ولو أيقنت أن ذلك لغير حرٍ أو بردٍ أهاجه السفر لأجزأه البناء، ولكني أخاف.

وقال سحنون: يجزئه. قال مالك: ومن صام لظهاره ثم مرض فأفطر فليبين إذا صح، فإن أفطر يوما متعمدا بعد قوته على الصوم ابتدأ. قال: وإن حاضت امرأة في صوم عليها متتابع ولم تصل قضاء أيام حيضتها فلتبتده. قلت: فقول الله تعالى:} فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً {[المجادلة:4]، ومن هذا الذي لا يستطيع؟ فقال: هو الصحيح الذي لا يقوى علي الصوم من كِبَر أو ضعف، ومن الناس من هو صحيح لا يقوى علي الصوم. ومسألة من تظاهر وهو مريض قد قدمت في باب الصوم في الظهار فأغني عن إعادتها.

[الباب الحادي عشر] في كفارة من ظاهر من جماعة نساء أو يمين بالله، أو إيلاء

[الباب الحادي عشر] في كفارة من ظاهر من جماعة نساء أو يمين بالله، أو إيلاء قال مالك: ومن ظاهر من أربع نسوة له في غير مرة واحدة لزمه في كل واحدة منهن كفارة. قال ابن القاسم: فأنه أعتق عنهن أربع رقاب في مرة واحدة أجزأه وإن لم يعين التي أعتق عن كل واحدة، لأنه لم يشرك بينهن في العتق، وليس لهن من ولائهم شيء. وكذلك إن أعتق ثلاث رقاب عن ثلاث منهن غير معينات وحاشى واحدة من نسائه لم ينوها بعينها أجزأه ذلك، إلا أنه لا يطأ واحدة من الأربع حتي يعتق رقبة رابعة. ولو ماتت منهن واحدةً أو طلقها كان كذلك أيضًا لا يطأ واحدة نمهن حتى يعتق رقبة رابعة. قال الشيخ: يريد فإن وطئ فقد أساء, ولم يكن له أن يطأ واحدة منهن حتى يكفر، وقد تخلدت هذه الكفارة في ذمته لا يزيلها موتهن أو طلاقهن، بخلاف لو لم يطأ. / ... (171 / أ)

ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب: إن أعتق عن الأربع أربعة أرؤس أجزأه وإن لم يعين عن كل واحدة رأساً، ولو أعتق اليوم رأسين، وفي غد رأسين ولم يسم في ذلك واحدة بعينها لم يجزه، وإن أعتق ثلاثة أرؤس وأطعم ستين مسكينًا في مجلسٍ واحدٍ لم يجزه. قال ابن المواز: لم يعجبنا قوله. قال الشيخ: وهذا خلاف قول ابن القاسم المتقدم. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن أعتق ثلاث رقابٍ عن الأربع استأنف عتق أربع رقاب، لأنه أشركهن في كل رقبة، ولا يجزئه هاهنا عتق رقبةٍ رابعةٍ، ماتت إحداهن، أو طلقها، أو لم يطلقها، وكذلك الجواب في تظاهره في امرأتين وعتقه عنهما. قال: ولو صام ثمانية أشهر متتابعات عن الأربع نسوة ينوي لكل واحدةٍ منهن لم يعينها كفارةً أجزأه، وكذلك الإطعام. فإن أشركهن في كل يوم في الصيام أو في كل مسكين في الإطعام لم يجزه، إلا أن ينوي به مدًا لكل مسكين في كفارته، وإن لم ينوِ امرأة بعينها ولا كفارة كاملةً فيجزئه ذلك، لأن الإطعام يجزئه أن يفرق فيطعم اليوم عن هذه أمدادًا، وفي غد عن الأخرى أمدادًا، ثم يتم بعد ذلك كفارة كل واحد فتجزئة وإن كان متفرقًا بخلاف الصوم، لأن فيه شرط التتابع. وإن ماتت واحدةً وقد أطعم عن جميعهن مئة وعشرين مسكينًا ولم ينو مالكل واحدةٍ من ذلك, ولا أشركهن في كل مسكين سقط حظ الميتة من ذلك وذلك ثلاثون مُدَّاً، وُجِبر علي ما بقي بعد ذلك تمام ثلاث كفارات.

ولو تظاهر منهن في كلمةٍ ثم وطئ واحدةً منهن لزمته كفارةً واحدةً، فإن صام شهرين ونوى بصومه التي وطئ، وأدخل الباقيات في نيته، أو نسبهن فذلك يجزئه عنهن. ولو جامع ليلاً في صوم غير التي نوى الصوم عنها ابتدأ، لأن صومه كان يجزئ عن جميعهن، كمن حلف بالله في أشياء سماها ألاَّ يفعلها فحنث يفعل أحدها فكفارةً تجزئ عن جميعها، وإن نوى بالكفارة الشيء الذي حنث به ناسيًا لباقيها، أو ذاكرًا فلا شيء عليه فيما بقي مما كان حلف عليه ألا يفعله لو فعله، وكذلك لو كفَّر قبل حنثه في اليمين بالله تعالى ونوى بكفارته أحد هذه الأشياء التي حلف لا فعلها ولم يدخل باقيها في كفارته أجزأه ذلك عن جميعها، ثم لا يلزمه شيء من فعل باقيها، وقد استحب مالك الكفارة في اليمين بالله تعالى بعد الحنث. قال: وعن كفَّر قبل الحنث رجوت أن يجزئ عنه. وقد سئل مالك عمن حلف بعتق رقبة ألا يطأ امرأته، فأخبر أن الإيلاء عليه فأعتق إرادة إسقاط الإيلاء؟ قال مالك: أحب إلي أن يعتق بعد الحنث، فإن أعتق قبله أجزأه، ولا إيلاء عليه. قال ابن المواز: وقال أيضا مالك: لا يلزمه ذلك إلا في رقة معينة. [تمَّ كتاب الظهار بمحمد الله وحسن عونه وصلى الله على نبينا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا]

[الكتاب العاشر] كتاب التخيير والتمليك

[الكتاب العاشر] كتاب التخيير والتمليك [الباب الأول] باب جامع في تخيير الزوجة وجوابها [فصل 1 - في معني التخيير وأدلته وما يلزم به] وقد خيَّر الرسول عليه الصلاة والسلام نساءه كما أمر الله سبحانه، وقالت عائشة رضي الله عنها: فبدأ بي رسول الله صلي الله عليه وسلم وتلا هذه الآية: } يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا {[الأحزاب:28 - 29]، فقلت له: إني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قالت عائشة رضي الله عنها: ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل

ما فعلت، فلم يكن ذلك طلاقاً. وقال عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم. قال زيد بن ثابت وربيعة: واختارت ابنة الضحاك العامري نفسها، فكان ذلك البتات. فكان ما دل عليه الكتاب وبينته السنة في الخيار أن تبين الزوجة أو تقيم، ولا تبين المدخول بها بدون الثلاث إلا في طلقة بائنة يوجبها حكم، أو خلع، والله أعلم. ومن الأحكام لإسماعيل اختصار [بكر] القاضي قال: وقد ظن قوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نساءه في الطلاق، وهذا ظن سوء أن يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخير في الطلاق يكون ثلاثا، وإنما خيرهن بين الدنيا والآخرة، فإن اخترن الآخرة كن علي ما كن عليه ولهن ما اخترن، وإن اخترن الدنيا طلقهن حينئذ طلاق السنة الذي علمه الله تعالى، ألا تري إلي قوله تعالى:

{فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} [الأحزاب:28]. قال الشيخ: وهذا من قوله يدل علي خلاف اختيار ابنة الضحاك نفسها لأنه كان يكون اختارت ما جعل لها، فلا يلزم ما أختارته. وقال بعض البغداديين: إنما يكره التخيير كما يكره التطليق ثلاثا، فإنه فعل لزمه كما يلزمه تطليقه ثلاثا. وحكي لنا عن أبي عمران أنه قال: لا يكره للرجل أن يخير زوجته كما يكره له التطليق ثلاثا، وإنما يكره ذلك للمرأة أن تطلق نفسها ثلاثا. فقيل: إنما يكره ذلك للمرأة أن تطلق نفسها ثلاثاً. فقيل: إنما صار ذلك إليها بسببه؟ فقال: أليس الذي يقصد إلى البدعة كالذي لا يقصد إليها؟ فقيل له: ما ذكر أبو محمد عن بعض البغداديين أنه التخيير كما يكره التطليق ثلاثا؟ فقال: هذا شيء ذكره بكر القاضي وما في الحديث يرده، لان النبي صلي الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها:" لا تعجلي حتى تستأمري أبويك "، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فلو علم أنها تختاره لم يقل لها:

"لا تعجلي". وقد ذكر في بعض الحديث أن امرأة بدوية اختارت نفسها، فلا يكره ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم واستعمله السلف بعده. قال مالك رحمه الله: ومن قال لامرأته بعد البناء: اختاري نفسك، فقالت: اخترت نفسي، فهل ثلاث، ولا مناكرة للزوج، وإن قال لها: اختاري، فقالت قبلت أمري، سئلت ما الذي قبلت، فإن قالت: ما جعل لي من الخيار ولم أطلق، قيل لها: فطلقي إن أردت، أو فردى، فإن طلقت ثلاثا لزمته ولا مناكرة له، وإن طلقت دون البتات لم يلزمه شيء، وإنما لها الخيار أن تطلق ثلاثا، أو ترد ذلك، وإن قالت: أردت بذلك الطلاق، سئلت أي الطلاق أرادت، فإن كان دون البتات بطل، ولم يلزم الزوج بشيء، وإن كان البتات لزم ولا مناكرة للزوج. قال ابن المواز: قال مالك وأصحابه: إذا طلقت واحدة فليس بشئ، إلا عبد الملك فقال: تكون ألبتة. قال الشيخ: فوجه قول مالك: أنها اختارت ما لم يجعل لها، فلم تكن بذلك مختارة ما جعل لها، أصله لو اختارت شيئا آخر مخالفا لما هما فيه، فلا خلاف أن ذلك قطع لخيارها.

ووجه قول عبد الملك: أن اختيار البعض فيما لا يتبعض اختيار له بكماله،/ (172/أ) كمن طلق بعض طلقة أنه تلزمه طلقة كاملة، إذا لا يتبعض الطلاق. قال ابن المواز: وإذا اختارت واحدة فتبين من الزوج الرضى بها فتلزمه، وله الرجعة ليس من قبل الخيار، لأن لا خيار طلاق لا رجعة فيه. قال الشيخ: يريد: ولكن لرضاه بما طلقت به نفسها، فهو كما لو طلقها ذلك. ومن المدونة: قال مالك: وإنما ينظر في الخيار والتمليك إلي ما قال الزوج، فإنه قال: اختاري، فهذا خيار، وإن قال: أمرك بيدك، فهذا تمليك، ولتسأل المرأة في الخيار والتمليك كما وصفنا، وليس للزوج مناكرة المدخول بها في الخيار وله مناكرتها في التمليك إذا قضت باكثر من الواحدة إن ادعي نية في ذلك، فالفرق بينهما أن الخيار إنما جعل لها فيه أن تقيم عنده، أو تبين منه، والواحدة لا تبينها، فلما كانت الواحدة لا تبينها علمنا أنه إنما جعل ذلك إليها في الثلاث. - وقد جرت فيه السنة التي قدمناها - وأما التمليك فلم يجعل لها الخيار في أن تبين منه أو تقيم عنده، وإنما جعل لها أن تطلق واحدة، أو اثنتين، او ثلاثا، إلا أن يناكرها فيعلم أنه لم يجعل لها إلا ما قال مع يمينه، ويكون أملك بها، وإن قضت المملكة بواحدة، فقال الزوج كذلك أردت، كان مالك بها. أبو محمد: وقال ابن أبي سلمة: التخيير والتمليك سواء، وله فيه المناكرة.

ومن المدونة: قلت: فإن لها: اختياري في أن تطلقي نفسك تطليقة واحدة وفي أن تقيمي، فقالت: أخترت نفسي؟ فقال: سئل مالك عنها فقال لزوجها: احلف بالله ما أردت بقولك اختاري في واحدة، إلا واحدة وتكون أملك بها. قيل لابن القاسم: فكيف كانت المسالة التي سألوا مالكا عنها؟ قال: سألوا مالكا عن رجل قال لامرأته: اختاري في واحدة، فأخبرهم بما أخبرتك. قال ابن المواز: وإنما استحلفه مالك فيما نري خوفاً أن يكون إنما قال لها: اختاري في واحدة، أي مرة واحدة، فتكون ألبتة، فأما إن بين لها فقال لها: اختاري في أن تطلقي من الطلاق واحدة، فلا يمين عليه. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن قال لها: اختاري في تطليقة، فقالت قد اخترتها، أو اخترت نفسي، لم تلزمه إلا واحدة، وله الرجعة، ولا يكون لها أن تختار أكثر من واحدة. قال الشيخ: وإنما لزمته واحدة إذا قالت: اخترت نفسي، لأنها قد اختارت ما جعل لها وزادت عليه، فلزمه ما جعل لها وزادت عليه، فلزمه ما جعل لها وسقط عنه الزائد. ابن حبيب: وقال مطرف عن مالك فيمن ملك امرأته في واحدة فقضت بالبتة، فلا شيء لها، لأن ألبتة لا تتبعض، ولو قالت بالثلاث لزمته واحدة، وساوى بينهما المغيرة، فقال في ألبتة كما قال مالك: أنها تلزمه واحدة. وقال أصبغ: إن ملكها ثلاثا، أو قال: البتة، فقضت بواحدة، او ملكها واحدة فقضت بالبتة، أو بالثلاث، فذلك كله باطل، لأنه غير ما أعطاها.

قال الشيخ: وقد وجه مطرف قوله، ووجه قول المغيرة: إن ألبتة كناية عن الثلاث، ألا تري أنه أوقعها عليها لم يتزوجها إلا بعد زوج كالثلاث، فله في هذا حكم الثلاث. ووجه قول أصبغ فيما إذا جعل لها واحدة فقضت بالثلاث: إنه لا يلزمه شي لأنه غير ما جعل لها، أصله إذا جعل لها الثلاث فقضت بواحدة. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكذلك إن ملكها فقضت بواحدة أنه يملك رجعتها إلا أن يكون مع ذلك فداء فيكون بائنا. قال/ مالك: وإن قال لها: اختاري، فقالت: قد اخترت طلقة، أو طلقتين، فلا شيء لها إلا أن تختار ثلاثا. قال ابن القاسم: وكذلك إن قال لها: اختاري تطليقتين، فاختارت واحدة لم يقع عليا شيء، وكذلك إن قال لها: طلقي نفسك ثلاثًا، فقالت: قد طلقت نفسي واحدة، لم يقع عليها شيء من الطلاق/ وإن خيرها بعد البناء فقالت: خليت سبيلك، ونوت واحدة لم يقع عليها شيء من الطلاق، وإن لم تكن لها نية فهي البتات. فصل [2 - فيمن قال لزوجته: اختاري اليوم كله] قال ابن القاسم: ومن قال لزوجته: اختاري اليوم كله، فمضي اليوم ولم تختر فلا خيار لها. قال أبو محمد وغيره: يريد في قولي مالك جميعا, بخلاف افتراقهما من المجلس، لأن المجلس أخذ فيه بالاجتهاد، فأحتمل فيه التأويل، واليوم بالتوقيف فأرتفع التأويل منه.

قال: وهكذا كان علماؤنا يقولون في هذه المسألة. قال الشيخ: وهو الصواب وإن كان خلاف ظاهر الكتاب، ونص ما في الكتاب: قلت: أرأيت إن قال لها: اختاري اليوم كله، فلم تختر حتى مضي اليوم كله؟ قال: أرى أن ليس لها أن تختار إذا مضى ذلك اليوم كله، لأن مالكا قال: إن خيرها فلم تختر حتى تفرقا من مجلسهما فلا خيار لها، فكذلك مسألتك إذا مضى الوقت الذي جعل لها الخيار إليه. وأما قول لآخر: فإن لها الخيار وإن مضى ذلك الوقت لأن مالكا قال في الرجل يخير امرأته فيفترقا قبل أن يقضي حتى يوقف: أو حتى يجامعها، وقوله الأول أعجب إلي وبه آخذ، وعليه جماعة الناس. فظاهر الكتاب يبين أن اختلاف قول مالك يدخل في الوجهين. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكذلك إن خيرها ولم يوقت يوما، ثم افترقا من المجلس قبل أن تختار فلا خيار لها في قول مالك الأول، وبه أقوال، وعليه جماعة الناس وروي مثله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره.

وقول مالك الآخر: إن لها أن تختار وإن مضى الوقت وتفرقا ما لم توقف أو توطأ. قال الشيخ: فوجه قول الأول: أن ذلك إيجاب يقتضي قبولا، فإذا لم يحصل الجواب الحال بطل لفظ الإيجاب كالإيجاب في البيع والنكاح. ووجه قول الثاني: قياسًا بعتق الأمة تحت العبد، لأنه معنى نقل طلاقه بيدها كما نقله العتق. [فصل 3 - فيمن جعل التخيير إلي وقتٍ أو أمرٍ مستقبل] ومن المدونة: قال مالك: وإن قال لها: إذا جاء غد فقد خبرتك، وقفت الآن، فتقضي أو ترد، وإن وطئها قبل غد فلا شيء بيدها. وإن قال لأجنبية: يوم أتزوجك فاختار، فتزوجها فلها الخيار، وإن قال لها: كلما تزوجتك فلك الخيار، أو فأنت طالق: فالخيار لها، والطلاق واقع عليها كلما تزوجها، وإن نكحها بعد ثلاث تطليقات لقوله: كلنا، وإن قال لامرأته: إذا قدم فلان فاختاري، فذلك لها إذا قدم فلان، ولا يحال بينه وبين وطئها، وإن وطئها الزوج بعد قدوم فلان ولم تعلم المرأة بقدومه إلا بعد زمن، فلها أن تختار حيت تعل، وإن خيرها ثم خاف أن تختار نفسها فأعطاها ألف درهم علي أن تختار لزمته الألف إن اختارته وكذلك إن شرط في عقد نكاحها أنه إن تسرر عليها فأمره بيدها، ففعل، فأرادت أن تطلق نفسها، فقال لها: لا تفعلي ولك ألف درهم، فرضيت بذلك، لزمته الألف درهم، وإن خيرها فقالت: اخترت

نفسي إن دخلت علي ضرتي، فلها أن توقف فتختار، أو تترك. وقال سحنون في المجموعة: ليس لها قضاء، لأنها أجابت بغير ما جعل لها. قال الشيخ: وذكر عن أبي عمران فيمن قال لزوجته: اختاري نفسك، فقالت: اخترت نفسي وزوجي، قال: هذا أمر محتمل ومشكل، والنص في إذا قالت: اخترت نفس وزوجي، أن طلقها وقع عليها. قال الشيخ: الحكم في هذا: لأول قولها، والثاني يعد ندما منها، فإذا قدمت اختيار زوجها فقد أسقطت ما جعل لها في نفسها. وف العتبية: قال يحيى عن ابن القاسم فيمن قال لامرأته: قد خيرتك، فقالت: قد طلقت نفسي بواحدة بائنة قال: ليس بشي، ولو كان تمليكا كان له أن يناكرها، وتكون واحدة غير بائنة، وله الرجعة، وإن لم يناكرها فهي ألبتة. قال الشيخ: وينبغي علي هذا أن يكون في الخيار ألبتة أيضا، ويكون كمن خبرها فقضيت بالبتة، ويكون كمن قال لزوجته: أنت طالق واحدة بائنة، أنها طالق ثلاثا.

فصل [4 - في مناكرة الزوج لزوجته فيما قضيت بالتخيير] ومن المدونة: وإن خيرها قبل البناء فقالت: اخترت نفس، أو طلقت نفسي ثلاثا، قالت له: قد خليت سبيلك، تريد الثلاث، فله أن يناكرها، فإذا قال: لم أرد بذلك إلا واحدة، صدق. - قال الشيخ: يريد مع يمينه - لأن الواحدة تبينها، والخيار والتمليك في هذا سواء، وإن لم تكون له نية حيت خيرها فهي الثلاث ولا يناكرها، وقاله ابن عمرو غيره. قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإن اختارت واحدة فقال هو: لم أخيرك إلا في الثلاث، فله ذلك، ولا شيء لها، وكذلك لو لم تكن له نية. قال سحنون: فإن قال: خليت سبيلك ونوت واحدة، أو اثنتين سئل الزوج، فإن نوى مثل ذلك فالقضاء فيه مثل ما قضت، وإن قال: نويت ثلاثا، فلا شيء لها، وكذلك إن قال: لم انو شيئا، ولا يمين عليه/ لأن مخرج "اختاري" الثلاث. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا أجابت المملكة بالظاهر لم يلزمه (شيء) لاظهار ولا غيره، ولا ظهار للنساء، وليس لها أن توجب عليه كفارة.

قال مالك: وإذا ملكها فبكت وقالت: طلقني زوجي، فأخبرت أنه ليس بطلاق فقالت: ظننته طلاقا، فلا شيء عليه. ابن المواز: والمملكة إذا فارقت المجلس ولم تقض فقالت: نويت الفراق في المجلس، فلا ينفعها ذلك إلا أن تفعل ما يشبه جواب الفراق، مثل أن تقوم من مكانها فتنقل متاعها، أو تخمر رأسها وتنتقل، فتصدق إذا قالت: نويت بذلك الفراق ووصله بكلامه فهو كالجواب، وهي واحدة وله الرجعة إلا أن تقول: نويت بفعل الثلاث، فذلك لها إلا أن يناكرها بنية كانت له وقت القول ويحلف، وقاله عبد الملك. وقال أصبغ: يحلف يمينين، يمين أنه ما علم أن ما فعلته به ألبتة ولا رضيه، ويمين أنه نوى واحدة. وقال ابن المواز: يمين واحدة تجزئه يجمع ذلك فيها.

[الباب الثاني] في التمليك وما دخل فيه من معاني التخيير

[الباب الثاني] في التمليك وما دخل فيه من معاني التخيير [فصل 1 - في معني التمليك وما يلزم به] روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: من ملك امرأته أمرها فلم تقبل نفسها فليس هو بشيء، وقاله علي وابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم وكثير من التابعين. والتمليك يفارق الخيار، لأنه إذا ملكها مبهما كان له أن يقول: ملكتك بعضا دون بعض، ويحلف علي ذلك، وكان لها أن تقضي بالبعض فيما ملكها منه الجميع، والخيار أبان الله عز وجل القصد فيه فحمل علي ما ظهر معناه. قال: والتمليك قوله: أمرك بيدك، أو طلاقك بيدك، أو طلقي نفسك، أو نحوه. قال مالك: ومن ملك زوجته قبل البناء أو بعده ولا نية له، فالقضاء ما قضت، ولا مناكرة له إلا أن تكون له نية حين ملكها في كلامه الذي ملكها فيه فله ذلك، ويحلف على ما نوى.

ابن المواز: قال أصبغ: والنية التي ينتفه بها في هذا ما نواه أولا في أول كلامه الذي ملكها فيه، وأخرج التمليك عليه، فأما ما جدده من النية عندما سمعها تقضي أو بعدما ملكها فلا ينتفع بها. ابن المواز: ويحلف مكانه في المدخول بها، لأن له الرجعة مكانه، فإن لم يكن بني فلا يلزمه الآن يمين، لأنها قد بانت منه، فإذا أراد نكاحها حلف علي ما نوى، ولا يحلف قبل ذلك، إذ لعله لا يتزوجها. قال عبد الوهاب: وإنما يكون له مناكرتها بثلاثة شروط وهي: أن يزعم أنه نوى ذلك عند التمليك، وأن يكون تمليكه إياها من غير شرط، وأن يناكرها في الحال، وإنما ذلك لأن ظاهر تمليكه أنه ملكها جميع ما بيده فإذا أدعى ما يخالف ذلك لم يقبله منه إلا أن يكون نواه، ويحلف علي ذلك فيقبل قوله/ لأ، الطلاق بيده فلا يهرج عنه إلا ما أقر به أنه أراده، لأن تمليكه يحتمل ما قاله/ وإنما شرطنا أن يكون ذلك في الحال، لأن إمساكه عنها دلالة على رضاه بما قضت، ولو كان بخلاف ما أراد لبادر بالإنكار، وإنما شرطنا أن يكون تمليكها طوعاً لا عن شرط، لأنه إذا كان عن شرط فالغرض منه تمليك ما يزيل العصمة لا نقصان عدد الطلاق ببقاء العصمة، ولا تستفيد بشرطها شيئًا، إذ العصمة باقية، وذلك كالعوض في الخلع، لأن المقصود منه زوال العصمة وإلا لم تستفد بالعوض شيئا. قال الشيخ: وقد قال بعض فقهائنا: سألت أبا بكر بن عبد الرحمن عن الرجل يملك زوجته فقضت بالثلاث فلم يناكرها، هل له مناكرتها بعد المجلس على

قوله في المملكة أن لها أم تقضي بالفراق بعد المجلس؟ فقال: لا يدخل الخلاف في المناكرة، وسكوته التزام جوابها علي القول الذي لم يقل به ابن القاسم. ومن العتبية: قال ابن القاسم عن مالك فيمن قال لامرأته: أمرك بيدك، فتقول: قد طلقت نفسي بثلاث، فيقول: لم أرد طلاقا، ثم يقول بعد ذلك: إنما أردت واحدة، قال: يحلف علي نيته وتلزمه تطليقة. قال أصبغ: هذا وهم عندنا من السامع لا تقبل منه نية بعد أن قال: لم أرد شيئا، والقضاء ما قضت المرأة من البتات. قال عنه أشهب: ومن قال لامرأته وهو يلاعبها: أمرك بيدك، فقالت: قد تركتك، فقال الرجل: لم أرد طلاقا، ما قلت ذلك إلا لاعبا، وقالت المرأة: مثل ذلك، قال: أري الرجل حرجا أن يحلف أنه إنما أراد واحدة والله يعلم أنه ما أراد شيئا؟ قيل: فترى علي الرجل حرجا أن يحلف أنه إنما أراد واحدة والله يعلم أنه ما أراد شيئا؟ قال: لابد له من هذا فيكيف يصنع. فيحلف ما أراد بقوله الطلاق، وتكون واحدة.

قال الشيخ: وهذه مسألة ضعيفة, والطلاق هزله جد, والتمليك يجر إلى الطلاق, فيؤخذان بقولهما, ويكون قولها: قد تركتك, كقوله: قد خليتك وفارقتك. وقد قال ابن المواز فيهما: إنها واحدة حتى ينوى أكثر من ذلك, فأجعل قولها: قد تركتك, واحدة, ولا أجعلها أكثر, إذ لا يحلف النساء في التمليك, والله اعلم. ] فصل 2 - في أثر الافتراق من المجلس بعد التمليك أو التخيير [ ومن المدونة: قال مالك: وإن خيرها, أو ملكها فذلك لها ما دامت في مجلسها, فإن تفرقا فلا شيء لها, وقاله عمر وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم وكثير من التابعين. ابن ألمواز: وكذلك إن ملك أمرها أجنبيا ما لم يقيد التمليك فيقول: قد قبلت, أو أنظر, أو شبهه, فلا يضر الافتراق ولا يزول ما بيده إلا بإيقاف/] 174 / أ [السلطان, أو تمكنه من نفسها.

ولو قال لها الزوج: لا أفارقك حتى تبيني فراقك أو ردك, فليس ذلك له إلا بتوقيف السلطان, أو ترضى هي بتركه, أو يطؤها غير مكرهة, وقاله مالك في العتبية. ومن المدونة: قال مالك: وإن وثب حين ملكها يريد قطع ذلك عنها لم ينفعه, وحد ذلك إذا قعد معها قدر ما يرى الناس أنها تختار في مثله, ولم يقم فرارا فلا خيار لها بعد ذلك. وقال في باب بعد هذا: إذا طال المجلس وذهب عامة النهار وعلم أنهما قد تركا ذلك, أو قد خرجا مما كانا فيه إلى غيره فلا قضاء لها. ابن المواز: وقال أشهب: ذلك بيدها ما أقاما في المجلس , واحتج بحديث عمر: ما داما في المجلس ومن المدونة: ثم رجع مالك إلى أن ذلك بيدها حتى توقف أو وطأ , قالت في المجلس: قد قبلت, أولم تقل, وأخذ ابن القاسم بقوله الأول, وعليه جل أهل العلم.

قال أشهب في المجموعة: وإنما قال مالك: إن ذلك لها بعد المجلس, مرة, ثم رجع عنه إلى أن مات. قال ابن سحنون عن أبيه: ولو خيرها وهى في صلاة فريضة فأتمتها, أو في نافلة فصلت أربع ركعات, فلا يقطع ذلك ما بيدها, وإن زادت على أربع ركعات حتى تبلغ من الصلاة ما يرى أنها تاركة لما جعل لها, وقد تستشير نفسها في أكثر من مقدار عشر ركعات. قال: ولو خيرها فدعت بطعام فأكلت, أو امتشطت, أو اختضبت في مجلسها فليس بقطع لخيارها إلا أن يكون في ذلك كلام غير الخيار يستدل به على ترك ما جعل لها مع طول المجلس والخروج عما كانا فيه. ابن حبيب: وإذا قالت المملكة: عجل على ولم يجلس مقدار ما أختار في مثله, أن القول قول الزوج وهى مدعية تريد فراقه. قال بعض فقهائنا: وكذلك ينبغي لو وطئها فقالت: أكرهني, وأكذبها الزوج, أن القول قوله وهى مدعية للإكراه, وهى بخلاف مسألة كتاب إرخاء الستور: إذا خيرها فقالت: كنت اخترت نفسي , وقال الزوج: لم تختر, لأن الزوج أقر بما جعل لها وادعى عليها ترك ذلك فلم يقبل منه. وإذا قالت: عجل عليَّ, وأنكر فقد تقاررا أن المرأة ما قضت, والظاهر أنهما قد افترقا من مجلسهما فكانت المرأة هي المدعية على الزوج أنه عجل عليها, إذ تحب استئناف فراقه بعد الوقت الذي كان لها, وكذلك في دعواها الإكراه, لأنها قد أقرت بالوطء الذي يزيل ما بيدها, فدعواها الإكراه لا يلتفت إليه فذلك مفترق, والله أعلم.

ابن المواز: ولو أرسل إلى زوجته بالتمليك أو بالخيار فلم تختر ولم تجب حتى فارقها الرسول فقال مالك: ذلك بيدها بخلاف حضور الزوج على أن يطول الزمان او يتبين من أفعالها فعل الراضية بالزوج, لأن المشافهة من الزوج كلام, بعضه جواب لبعض, والمرسل أعطى من ذلك مالا ينتظر له جوابا وليس للزوج ان يبدو له بعد أن أرسل إذا أرسل مجمعا كالكتاب. ابن الماجشون: ومن قال لأجنبية: إذا تزوجتك فاختاري, فلها الخيار إذا تزوجها وإن لم تقل في مجلسها قبل النكاح: قد قبلت, ولها الخيار بعد النكاح في مجلس النكاح وفيما قرب منه ويبطل فيما بعد. ] فصل 3 - في ذكر بعض ألفاظ التخيير وجواب المرأة وما يلزم بذلك [ ومن المدونة: قال ابن القاسم: وغن قال لها: أنت طالق إن شئت / فكأنه] 174 / ب [ تفويض فوضه إليها, فذلك بيدها, وإن افترقا من مجلسهما ما لم توطأ, وأرى أن توقف فتقضي أو ترد, فإن قال لها: اختياري, أو اختاري نفسك, فقالت: قد اخترت نفسي, فقال: لم أرد الطلاق وإنما أردت أن تختاري أي ثوب أشتريه لك, فإن تقدم كلام دل على ذلك فذلك له ويدين, وإلا فهو البتات, وإن خيرها فقالت: قد طلقت نفسي, سئلت أي الطلاق أرادت, فإن كان ثلاثا لزمه ولا مناكرة له, وإن كان أقل لم يلزمه, وإن قالت: قد فعلت, أو قبلت أمري, أو اخترت أمري, سئلت ما أرادت بذلك, فإن قالت: ما أردت به الطلاق,

صدقت فإن قالت: أردت به طلاقا دون الثلاث, لم يلزمه , وإن أرادت الثلاث لزم ولا مناكرة له. ابن المواز: إذا قالت: اخترت أمري, فقال عبد الملك: لا يقبل منها وإن قالت: لم أرد الطلاق, ولو علم أنها ممن تعلم الفرق بين ذلك وبين الطلاق وقصدت ذلك لقبل منها, ولا يكاد يفرق بين ذلك من الرجال إلا من تفقه, فرأيت مذهب عبد الملك: أنها البتة, وقال أشهب: تسال , فإن قالت: أردت زوجي, لم تصدق, وكان طلاقا إلا أن تأتي بأمر يعرف به صدقها, وإن قالت: حتى أنظر في أمري, فذلك مخرج, وإن قالت: كنت لاعبة, أو: لم أرد شيئاً, دنيت. وقال أصبغ: هذا فراق في التخيير والتمليك, ولا تسأل عما أرادت, ولا تحل له إلا بعد زوج. ومن المدونة: وتسأل المرأة في جوابها بما لها وجه يعرف ما أرادت به في خيار, أو تمليك, إلا أنه يناكرها في التمليك خاصة إن ادعى نية, ويحلف على ما نوى, فإن لم تكن له نية حين ملكها فقضت بالثلاث لزمه ولا مناكرة له, فإن أجابت بألفاظ ظاهرة المعاني كقولها: اخترت, أو قبلت نفسي, أو طلقت نفسي منك ثلاثا, أو طلقتك ثلاثاً, أو بنت منك, أو بنت مني, أو حرمت

عليك, أو حرمت علي, أو برئت منك, أو برئت مني, أو نحو هذا فهو البتات, ولا تسال فيه المرأة عن نيتها في خيار ولا تمليك إلا أن للزوج أن يناكرها في التمليك على ما وصفنا. ابن المواز: وقولها: قبلت نفسي, مثل: اخترت نفسي, في قولهم أجمع, إلا أشبهت بغير حجة كان يقول: قبلت أمري, وقبلت نفسي, سواء, لا يراه طلاقا حتى توقف ولم يره مثل: اخترت نفسي. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن قال لزوجته: اختاري أباك, أو أمك فإن أراد بذلك الطلاق فهو الطلاق, وإن لم يرد به الطلاق فلا شيء عليه. وقد سئل مالك عمن كانت له زوجة تكثر التردد إلى الحمام, أو إلى غرفة في دار جيرانها تغزل فيها , فقال لها: اختاريني أو اختاري الحمام, أو الغرفة؟ فقال مالك: إن لم يرد بذلك طلاقا فلا شيء عليه. قال في كتاب ابن المواز: ويحلف على ذلك. قال مالك: وإن أراد به الطلاق فهو الطلاق. قال ابن القاسم: ومعنى قوله: إن أراد به الطلاق فهو الطلاق, إنما ذلك إن اختارت الشيء الذي خيرها فيه بمنزلة مالو خيرها نفسها, وإن لم تختر ذلك فلا شيء لها. قال ابن المواز عن ابن القاسم: وإن أراد الطلاق فهو البتات, لأنه خيار.

[فصل 4 - فيمن قال لرجل: خير امرأتي, ومن وطئ زوجته قبل علمها بالتخيير ومن قال لزوجته: أمرك بيدك, وجواب ذلك وما لم يلزم به] ومن المدونة: ومن قال لرجل: خير امرأتي, فسمعته المرأة فاختارت نفسها قبل أن يخيرها فذلك لازم إن جعله رسولا, وإن أراد تفويضه إليه كقوله: خيرها إن شئت, أو بكلام دل به على ذلك, فل خيار لها حتى يخيرها الرجل, وإن شهد أنه خير امرأته ثم ذهب فوطئها قبل أن تعلم فلها الخيار إذا علمته, ويعاقب الزوج في وطئه إياها قبل أن يعلمها, لن مالكا قال فيمن شرط لامرأته إن تزوج عليها/ أو تسرر فأمرها بيدها, ثم فعل ذلك وهى لا تعلم: لم ينبغ له أن] 175 / [يطأها حتى يعلمها فتقضي أو تترك. قال ابن القاسم: وإن وطئها قبل أن علم فلها الخيار إذا علمت. قال مالك: وكذلك الأمة تعتق تحت عبد فلها أن تمنعه من وطئها حتى تختار أو تترك, فإن وطئها قبل أن تعلم فلها الخيار إذا علمت, فإن أمكنته بعد العلم من وطئها فلا خيار لها. وإن قال لها: أمرك بيدك, فطلقت نفسها واحدة فهي واحدة وله الرجعة, وإن قال لها الزوج: إنما أردت أن تطلق نفسها ثلاثا, أو تقيم , فالواحدة تلزمه, ولا قول له, وإنما يكون للزوج مناكرتها إذا زادت على الواحدة, أو على الاثنتين, وإن قالت: قد طلقت نفسي البتة, أو اخترت نفسي, أو قبلت نفس , فهي ثلاث إلا أن يناكرها مكانه ويحلف فيلزمه ما نوى من واحدة أو أكثر, ولا تسأل المرأة ها هنا كم أرادت من الطلاق, لأنها قد بينت, وليس لها أن تقول

في هذه الألفاظ: أردت دون الثلاث - يريد بعد البناء - وإن قالت: قد قبلت, أو قبلت أمري, أو طلقت نفسي, سئلت عن نيتها, فيلزم ما نوت إلا أن يناكرها الزوج فيما زاد على الواحدة, فإن جهلوا سؤالها في المجلس حتى مضي شهر, أو شهران, ثم سألوها فقالت: أردت ثلاثا, فللزوج مناكرتها فيما زاد على الواحدة وإن قالت: لم أرد بقولي: قبلت, أو قبلت أمري, طلاقا, صدقت وكان لها أن تطلق نفسها الآن, أو ترد وإن كان بعد شهرين, لأن قبولها ما جعل لها لا يزيله من يدها إلا إيقاف من إمام, أتترك هي ذلك, أو توطأ طوعا, وإن وطئت كرها فهي على أمرها. وقال المغيرة في المجموعة: إذا لم تشترط: أستخير, أو أنظر, لم يكن إلا الثلاث. وقال عبد الملك: إذا قالت: لم أنو شيئا بقولي: قد قبلت, وقال الزوج: لم أنو شيئا حين ملكتها, لزمته الثلاث. ومن غير المجموعة: فإذا قال لها: اختاري, أو أمرك بيدك, ولا نية له, فقالت: قد طلقت نفسي, ولا نية لها, أنها طلقة, كالزوج إذا قال لها: أنت طالق, ولا نية له أنها طالق واحدة, ففي التخيير يسقط, وفي التمليك تلزمه الواحدة. ابن المواز: وإذا قالت: طلقت نفسي, فلتسأل في التمليك: كم أرادت.

وروي عن ابن القاسم: أنها لا تسأل, وهى في التمليك طلقة واحدة, فأما في الخيار فتسأل في المجلس فإن قالت: واحدة, سقط خيارها, وإن افترقا سقط أيضا. ابن المواز: وأحب إلى أن تكون في التمليك طلقة, ولا تسأل في الخيار بعد جوابها, لأنه هو الجواب. قال الشيخ: تحصيله: إذا خيرها أو ملكها فقالت: قد طلقت نفسي , فظاهر المدونة أنها تسال في المجلس وبعده: كم أرادت, فإن قالت: واحدة, لزم في التمليك وسقط في الخيار, وإن قالت: ثلاثا, لزم في الخيار وكان له مناكرتها في التمليك إن ادعى نية. وقيل: لا تسأل في خيار ولا تمليك في مجلس ولا بعده, وهى واحدة, وتسقط في الخيار وتلزم في التمليك. وقيل: تسأل في الخيار في المجلس, ولا تسأل بعده ويسقط خيارها. ] فصل 5 - فيمن قال: قد ملكتك الثلاث أو اختاري في ثلاث, ونحو ذلك [ ومن المدونة: وإن قال لها: قد ملكتك الثلاث, فقالت: أنا طالق ثلاثا, فذلك لها. قال الشيخ: يريد وأن قضت بدون الثلاث لم يلزم كالخيار.

وقال ابن حبيب: قال اصبغ: إن قال لها: اختاري في ثلاث, فاختارت واحدة فذلك لها, وإن قال لها: من ثلاث, فهو/ أبينه, وإن قال: اختاري ثلاثا,] 175 / ب [أو ملكتك ثلاثا, ولم يقل: في, ولا: من, فإن اختارت أقل من الثلاث لم يلزمه شيء. قال ابن سحنون عن أبيه: وإن قال لها: اختاري في ثلاث, أو في الثلاث, أنها واحدة, ولها الخيار في واحدة, أو اثنتين, أو ثلاث, ولو قال من الثلاث, أو من ثلاث, لم يكن لها الخيار إلا في واحدة واثنتين لا في ثلاث, ولو قال لها: أمرك بيدك, ثلاثا, فليس لها إلا الثلاث, إن لم تقبل منه الواحدة فليس لها ذلك, وإنما لها جواب واحد. وفي كتاب ابن القصار: إذا قال لها: طلقي نفسك ثلاثا, فقالت: قد طلقت واحدة, أو قال لها: طلقي نفسك واحدة, فقالت: قد طلقت نفسي ثلاثا, لم يقع عليها شيء من الطلاق. ومن المدونة: وإذا قال لها: أنت طالق واحدة إن شئت, فقالت: قد شئت ثلاثا, لزمته واحدة. فهذا خلاف قول ابن القصار, ووجه قول ابن القصار: فلأنها لم تفعل الصفة التي شرط لها.

[فصل 6 - في تكرير التمليك وما يلزم به [ ومن المدونة: وإن قال لها: أمرك بيدك في أن تطلقي نفسك ثلاثا, أو قال لها: طلقي نفسك ثلاثا فطلقت نفسها واحدة لم يلزمه كالخيار, وإن ملكها في تطليقتين - يريد أو في ثلاث - فقضت بواحدة لزمته طلقة إلا أن يريد بذلك معنى الخيار في أن تطلقي اثنتين , أو تدعى, وإن قال لها: أمرك بيدك, أمرك بيدك, أمرك بيدك, فطلقت نفسها ثلاثا, سئل الزوج ماذا أراد, فإن نوى واحدة حلف وكانت واحدة, وإن أراد الثلاث فهي الثلاث فهي الثلاث, وإن لم تكن له نية فالقضاء ما قضت من واحدة فأكثر ولا مناكرة له. ابن ألمواز: قال مالك: وإذا ملكها فقالت: كم ملكتني؟ فقال: مرة ومرة ومرة, فإن قال: أردت واحدة, حلف وصدق. وقال ابن القاسم في المجموعة: هي ثلاث إذا اختارت نفسها ولا مناكرة له كالقائل: قد طلقتك مرة ومرة ومرة قال الشيخ: وهذا أبين. ومن المدونة: وإن قال لها: أمرك بيدك , وأراد ثلاثا, فطلقت نفسها واحدة فذلك لها وتلزمه طلقة وله الرجعة, وإن قال لها: أمرك بيدك, وكرر ذلك ثلاثا, ينوى بالتكرار ثلاثا, فقالت قد طلقت نفسي واحدة, أو ملكها أمرها مرة ونوى الثلاث, أو لا نية له حين ملكها فقضت بتطليقه أنها واحدة وله الرجعة.

وفي المجموعة: إذا قال: قد ملكتك, وقد ملكتك وقد ملكتك, فقضت بالثلاث فهي ثلاث, ولا ينوى, وإن قضت بدون الثلاث فهو ما قضت به, وكذلك إذا قال: قد ملكتك مرة ومرة ومرة, فاختارت نفسها فهي ثلاث ولا مناكرة له, كالقائل: قد طلقتك مرة ومرة ومرة. قال مالك: وإن ملكها ولا نية له فقالت: قد حرمت نفسي, أو أبنت نفسي, فهي الثلاث, وإن قال لها: أمرك بيدك, ثم قال لها أيضا قبل أن تقضي, أمرك بيدك على إلف درهم, فلها القضاء بالقول الأول بلا غرم, وقوله الثاني ندم منه, كقول مالك قيمن قال لزوجته: إن أذنت لك إلى أمك فأنت طالق البتة, ثم قال لها بعد ذلك: إن أذنت لك إليها إلا أن يقضي على به سلطان فأنت طالق ثلاثا, قال مالك: يلزمه قوله الأول, والثاني ندم منه. قال الشيخ: وحكي لنا عن بعض فقهائنا القرويين في الذي قال لامرأته: أمرك بيدك, ثم قال لها: أمرك بيدك على ألف درهم, فقضت بالثلاث, فإن ناكرها الزوج فقال لها: أردت بالكلام الثاني الأول, وحلف على ذلك لزمته واحدة, فإن أرادت المرأة ودت الألف, وبانت منه, لأنها طلقة بمال, وإن لم ترد دفع / الألف فهي واحدة, وللزوج الرجعة, ولو قال: أردت بالكلام الثاني] 176 / أ [غير الأول, فناكرها في الأول لما قضت بالثلاث, فكانت واحدة , فإن أرادت المرأة أن تؤدي الألف وتأخذه بقوله الثاني فذلك لها وتلزم طلقتان وتبين منه, لأنها طلقت على مال وإن لم ترد أن تدفع الألف فهي طلقة وله رجعة, وهذا بين إذا قال الكلام الثاني بفور الأول, وأما بعد طول فلا يقبل منه انه أراد بالكلام

الثاني الأول, والثاني تمليك مستأنف, وتلزمه طلقتان إن دفعت الألف وتمليك نفسها إذا لم يفترقا من المجلس, وأمل إن افترقا ولم تقض في الأول والثاني تمليك مستأنف في قوله الأول, ولها أن تقضي فيهما في الثاني وتكون طلقتان إن دفعت الألف وتملك نفسها. وإن ملكها قبل البناء أو بعده فقالت: قد خليت سبيلك, فإن نوت بذلك واحدة أو اثنتين أو ثلاثا: لزمه ذلك إلا أن يناكرها قيما زاد على الواحدة ويحلف إن ادعى نية, وإن لم تنو شيئا فهي الثلاث إلا أن تكون للزوج نية فله ما نوى مع يمينه. قال ابن وهب: وروى مالك وغيره: أن رجلا من ثقيف ملك امرأته نفسها فقالت: قد فارقتك فسكت, ثم قالت: قد فارقتك, فقال: بفيك الحجر, ثم قالت: قد فارقتك , فقال: بفيك الحجر, فاختصما إلى مروان فاستحلفه ما ملكها إلا واحدة, وردها إليه.

قال مالك: وكان القاسم بن محمد يعجبه هذا القضاء ويراه أحسن ما سمع. فصل] 7 - فيمن ملك أمر زوجته رجلين [ قال ابن القاسم: ومن ملك أمر زوجته رجلين وقال لهما: أمر زوجتي إليكما, أو بأيديكما, لم يجز طلاق أحدهما دون الآخر, ورواه ابن وهب وعلي وأشهب عن مالك. قال ابن القاسم: إلا أن يكونا رسولين فيلزم الزوج ما طلق أحدهما, وكذلك الوكيلان في البيع والشراء لا يلزم فعل أحدهما إلا باجتماعهما. ومن العتبية: قال ابن القاسم: وإن قال: طلقا امرأتي, فأيهما طلق جاز طلاقه, لأنهما رسولان, وإن طلقا البتة فقال الزوج: لم أرد إلا واحدة, صدق, وإن قال في ذلك: إن شئتما, لم يجز إلا باجتماعهما. قال ابن حبيب: قال أصبغ في قوله: طلقا امرأتي: فهو على وجه التمليك حتى يريد الرسالة, فإذا أرادها وقع الطلاق بقوله وإن لم يخبراها به. وقال ابن القاسم: هو على وجه الرسالة حتى يريد التمليك ويقول: لا يقع الطلاق في الرسالة حتى يبلغاها.

قال أشهب فيمن جعل أمر امرأته بيد رجلين فطلق عليه أحدهما بالبتة والآخر بالواحدة قال: لا شيء عليه. وقال ابن الماجشون: تلزمه واحدة, وهو أحب إلينا, وقاله مطرف وأصبغ. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن ملك أمر امرأته ثلاثة رجال فطلقها واحد واحدة, والثاني اثنتين, والثالث ثلاثا: فإنما تلزمه واحدة لاجتماعهم عليها. ] فصل 8 - في تمليك الأمة [ ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن كان حر على أمة فملكها ولا نية له, أو نوى الثلاث, فقضت بالثلاث فهي الثلاث, لأن طلاق الحر الأمة ثلاث, ولو كان عبدا لزمته طلقتان, لأن ذلك جميع طلاقه. فصل] 9 - فيمن نوى التمليك بقوله: حياك الله [ قلت: فمن قال لامرأته: حياك الله, يريد بذلك التمليك, أو قال لها: لا مرحبا بك, يريد بذلك الإبلاء أو الظهار؟ قال مالك: كل كلام ينوي به الطلاق فهو طلاق, فكذلك هذا.

[الباب الثالث] جامع التمليك والتخيير وذلك الأجل ولشرط فيه

[الباب الثالث] جامع التمليك والتخيير وذلك الأجل ولشرط فيه [فصل 1 - جامع التمليك والتخيير وذكر الأجل وغير ذلك] قال مالك: وإن قال لها: طلقي نفسك, أو طلاقك بيدك, فذلك كالتمليك إن قضت بالبتات, أو طلقت نفسها ثلاثا, وقال الزوج: أردت واحدة , فالقول قوله إذا رد ذلك عليها مكانه ويحلف, وغلا فالقضاء ما قضت, ولو قال لها: طلقي نفسك. فقالت له: اخترت نفسي, أو حرمت نفسي, أو برئت منك, أو أنا بائنة منك, فذلك كله ثلاث إن لم يناكرها في مجلسه, وله مناكرتها فيما زاد على الواحدة إن ادعى نية ويحلف, ولو قال لها: أنت طالق ثلاثا إن شئت, فذلك كالخيار لا تلزمه الواحدة إن قضت بها, وإن قال لها: أنت طالق واحدة إن شئت, فقالت: قد شئت ثلاثا, لزمته الواحدة, وإن قال لها: أنت طالق كلما شئت, فلها أن تقضي مرة بعد مرة, ولا يزول ما بيدها إلا أن ترد ذلك, أو توطأ طوعا أو توقف فلا قضاء لها بعد ذلك. قال ابن المواز: وإن قال لها: طلقي نفسك متى شئت, فلها أن تطلق نفسها متى شاءت مرة واحدة في المجلس أو بعده, وله أن يناكرها فيما زاد على الواحدة, وإن قال لها: ما شئت, فغنما لها ذلك في المجلس خاصة

تطلق نفسها متى شاءت وكم أرادت في المجلس لا في غيره, وليس له أن يناكرها. قال الشيخ: فهذه ثلاثة أوجه حكمها مفترق, وإن ملكها إلى اجل فلها أن تقضي مكانها. قال مالك: وغن قال لها: أمرك بيدك إلى سنة, فإنها توقف متى ما علم بذلك ولا تترك تحته, وأمرها بيدها حتى توقف فتقضى أو ترد. قال ابن القاسم وكذلك إن قال لها: إذا أعطيتني ألف درهم فأنت طالق, فإنها توقف الآن فتقضي أو ترد إلا أن يطأها في الوجهين طائعة فيزول ما بيدها ولا توقف. قال ابن حبيب: قال أصبغ: إذا جعل أمرها بيدها إلى أجل, أو بيد غيرها فلا يقطع ذلك وطؤه إياها, وإن جعله إلى غير أجل فوطؤه يقطعه وافتراق المجلس. وقال ابن الماجشون: وإن جعله بيد غيرها فلا يقطعه الوطء وإن علم به, وبه أقول. ومن المدونة: وإن قال لها: أنت طالق غدا إن شئت , فقالت: أنا طالق الساعة, أو قال لها: أنت طالق الساعة إن شئت, فقالت: أنا طالق غداً, وقع الطلاق فيهما جميعا الساعة. قال مالك: ومن ملك امرأته أمرها نقضت بالطلاق إلى أجل فهي طالق مكانها, وإن قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق, فردت ذلك فلا رد لها, لأن هذا يمين متى دخلت وقع الطلاق, بخلاف قوله: أنت طالق كما شئت, لأن هذا

غير يمين, وهو من وجه التمليك, وإن قال لها: أمرك بيدك, ثم قال لها: أنت طالق, فإن قضت بواحدة لزمته طلقتان, وإن قضت بالثلاث فله أن يناكرها إن كانت له نية انه ما ملكها إلا واحدة, وتكون اثنتين, وإن خيرها, أو ملكها فلم تقض حتى طلقها ثلاثا أو واحدة ثم نكحها بعد زوج أو بعد عدتها من الطلقة فلا قضاء لها , لأن هذا ملك مستأنف, ولا ينظر هاهنا إلى ما بقى من طلاق الملك الأول, إذ ليست بيمين انعقدت عليه. قال الشيخ: ويعد رضاها بنكاحه قطعا لما جعل لها كالوطء في الملك. قال مالك: وإذا ملكها أمرها أو ملك أمرها أجنبيا ثم بد له, فليس ذلك له, والأمر إليهما, فإن قاما من المجلس قبل أن يقضيا - اعني المرأة أو الأجنبي - فلا شيء لهما بعد ذلك المجلس في قول مالك الأول , وبه آخذ. ابن القاسم: ولهما ذلك في قول مالك الآخر ما لم يوقفا, أو توطأ الزوجة, وإن خلى هذا الأجنبي بينها وبين زوجها وأمكنه منها زال ما بيده من أمرها, وإن جعل أمرها بيد رجل يطلق أمرها بيد رجل يطلق متى شاء فلم يطلق حتى وطئها الزوج / زلا ما بيد] 177 / أ [الرجل. قال ابن المواز: إلا أن يطأها بغير رضاه وعلمه. قال الشيخ: وحكي عن أبي محمد: إذا ملك المدخول بها ثم طلقها في المجلس طلقة فلها أن تقضي ما داما في المجلس في قول مالك الأول, ولها أن تقضي في قوله الآخر ما لم توقف أو يرتجعها, فتتركه يطؤها غلا أن تنقضي العدة قبل ذلك وإن هى قيدت الخيار بلفظ كقولها: قبلت أمري, فلها أن تقضي في القولين ما لم توقف, أو توطأ, أو تنقضي العدة, قال: وهذا معنى مسألة الكتاب.

وحكي عن أبي عمران أنه قال: إذا ملكها ثم طلقها واحدة فانقضت عدتها قبل أن تقضي, ثم تزوجها بعد ذلك لم يكن لها أن تقضي, وغنما كان ذلك لأنه هو لو طلقها بعد انقضاء عدتها لم يلزمه, لأنها قد ملكت نفسها فلا تكون هي اقوي منه حالا, وسواء قيدت ذلك بقولها: قبلت, أو لم تقيده. قال: ولو ملكها ثم خالعها قبل أن تقضي ثم تزوجها في العدة لم يكن لها أن تقضي, لأنها قد ملكت نفسها بالخلع فلا يراعي العدة كما لو طلقها بعد الخلع في العدة لم يقع عليها شيء فلا تكون هي أقوى حالا منه في إيقاع الطلاق. ومن المدونة: قال ابن القاسم: فإن لم يطأ الزوج حتى مرض فطلقها الوكيل في مرض الزوج لزمه الطلاق وترثه, لأن مالكا قال في التي تفتدي من زوجها في مرضه: إنها ترثه, والتي لها في صحته: إن دخلت دار فلان فأنت طالق البتة, فدخلتها وهو مريض أناه ترثه. قال ابن المواز: ومن ملك رجلا فملك الرجل غيره وطلق, فذلك غير لازم , وكذلك لا يوصي به إلى غيره. وقد قال ابن القاسم في التي جعل أمرها بيد أمها إن غاب, فماتت الأم, فإن أوصت الأم بذلك بعينه غلى أحد فذلك له, وإن لم توص به إلى احد فذلك للابنة فيما رأيت من قول مالك. وقال أشهب وابن عبد الحكم وأصبغ: ليس لها أن توصى به إلى أحد, والشرط ساقط يوم ماتت الأم.

ومسألة الأم في كتاب بيع الخيار من المدونة. [فصل 2 - شرط التمليك في عقد النكاح أو بعده] ومن المدونة: وإن شرط لها في عقد النكاح إن تزوج عليها فأمرها بيدها فتزوج فقضت بالثلاث فلا مناكرة له وذلك لازم. قال في كتاب الأيمان بالطلاق: بنى بها أم لا. قال الشيخ: ولو قالت: اشهدوا متى ما فعل زوجي ذلك فقد اخترت نفسي، فذلك يلزمه، قاله مالك، وقيل: لا يلزمه، فلأول أصوب. ومن المدونة: وإن طلقت نفسها واحدة وقد بني بها فله الرجعة، وإن لم يبن بها بانت بالواحدة، وإن طلقت واحدة ولم توقف فليس لا أ/ تزيد عليها كالتي توقف فتطلق واحدة فقد تركت ما زاد عليها، ولو نكح عليها امرأة فلم تقضي فلها أن تقضي إن نكح عليها ثانية أي الطلاق شاءت، وتحلف ما رضيت إلا بالأولي وما تركت الذي لها، ولو طلق الأولى ثم رادعها بنكاح فللمملكة القضاء، وليس رضاها بها أولا يلازم لها مرة أخرى.

ومن كتاب التخيير: قال ابن القاسم: وإن كان تبرع بهذا الشرط بعد العقد فله أن يناكرها فيما زاد علي الواحدة ادعى نيه ويحلف. قال ابن المواز: وإن شرك في عقد نكاحها إن تزوج عليها فأمر التي يتزوج بيد الأولي فتزوج فقضت بالثلاث فناكرها، فإن كان بعد بنائه بالثانية فلا مناكرة له وإن كان قبل بنائه فله أن يناكرها. قال سحنون: وروي بعض/أصحابنا عن ابن القاسم فيمن شرط لامرأته إن تزوج عليها فأمر الحديدة بيدها، فتزوج عليها سرا ولم تعلم حتى طلق القديمة قال: لها أن تقضي، وقال سحنون: إن كان طلاقه إياها بائنا فلا شيء لها، وإن كان غير بائن فلها أن تقضي. ومن العتبية: روي عيسى بن القاسم فيمن شرط لزوجته إن تزوجت عليك فأمرها بيدك، أو قال لها، بيد أبيك، فلم تقضى هي أو الأب شهرا، قم أراد من ذلك بيده أن تقضى قال: إن أشهد أن ذلك بيده ينظر فيه فذلك له ما لم يدخل بالجديدة فلا شيء لهما، وإن يشهد حتى نكح الثانية فقد زال ما بأيديهما. قال ابن المواز: وإذا كان لها شرط تمليك إن تسرر أتزوج عليها فأذنت له فقال مالك وابن القاسم وأصبغ: ذلك جائز له، وقال أشهب: لا يحوز، فإن فعل فأمرها بيدها إلا أن يكون في الشرط: إلا أن يتزوج بإذنها. ابن المواز: ومن حجته أنها أذنت فيما لم تملكه.

قال الشيخ: كتسليم الشفعة قبل الشراء. قال ابن المواز: وإن أعطته مالا على أن يطلقها ثلاثا فطلقها واحدة، أو على أن يملكها ففعل فقضت بواحدة فالمال له وهي لازمة له واحدة بائن، ولا حجة لها، إذ نالت بهاما نالت بالثلاث، وإن أعطته مالا على أن يخيرها ففعل فقضت بالثلاث فله أن يناكرها ما دام في المجلس. قال الشيخ: لأن الواحدة تبينها، لأنه كالفدا، فهي كالتي لم يدخل بها.

[الباب الرابع] جامع القول في الحرام وألبتة والبرية والخليه والبائن وما يلزم من معاني الطلاق، أو أراد أن يحلف فصمت بعد ذكر الطلاق، أو خطاب زوجته بما بيس من ألفاظ الطلاق ونيته في ذلك الطلاق وذكر الطلاق بالقلب

[الباب الرابع] جامع القول في الحرام وألبتة والبرية والخليه والبائن وما يلزم من معاني الطلاق، أو أراد أن يحلف فصمت بعد ذكر الطلاق، أو خطاب زوجته بما بيس من ألفاظ الطلاق ونيته في ذلك الطلاق وذكر الطلاق بالقلب [فصل 1 - في أن الطلاق بلفظ الحرام وألبتة ثلاث] وسمى الله سبحانه الطلاق بغير اسم، فقال:} فَطَلِّقوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ {، وقال:} أَو فَارِقُوهُنَّ {, وقال} أَوْ سَرِّحُوهُنَّ {، فكل ما قارب ذلك من ألفاظ الطلاق فله حكمه. وقال الرسول عليه الصلاة والسلام:" من بت امرأته فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره".

وقال عمر وابن عمر وابن عباس وعائشة وغيرهم من الصحابة والتابعين: إن ألبتة كالثلاث. قال علي بن أبي طالب: ويعاقب من طلق ألبتة. وقال عمر وعلي وابن عمر في الحرام: إنها ثلاث، وكذلك قال علي وابن عمر في البائن والخلية والبرية. قال زيد بن أسلم في قول الله تعالي:} يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ {: إنما سبب ذلك أنه صلى الله عليه وسلم حلف بالله أن يطأ أمُّ ولده

إبراهيم واسمها مَارٍية القِبطية، ثم قال بعد ذلك: هي علىَّ حرام، فأمره الله سبحانه أن يكفِّر بقوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}، فكانت كفارته ليمينه لا لتحريمه. والطلاق من حدود الله سبحانه ومما يُرهَب أن يُتعدى فيه حدود الله، وقد جاء أن هَزلَه جِد. قال مالك: ومن قال لزوجته قبل البناء أو بعده: أنت علي حرام، فهي ثلاث، ول ينَّوى في المدخول بها، وله نبته في غير / المدخول بها في واحدةٍ فأكثر منها. قال الشيخ: لأنها تبين منه وتحرم عليه بالواحدة، وأمت المدخول بها فلا تحرم أو تبين إلا بالثلاث إلا في طلقةٍ يكون معها فداء، فذلك فرَّق بين المدخول بها وغير المدخول بها.

قال ابن القاسم: وإن قال لها: لم أُرِد بذلك الطلاق وإنما أردت الظهار، لم يصدَّق. قال الشيخ: وهذا لما قدمنا في كتاب الظهار أن مكاني الطلاق لا تكون ظهاراً وإن نوى به الظهار، والحجة في ذلك كتاب الظهار. فصل [2 - في الطلاق بألفاظ التحريم وبألبتة] ومن المدونة: قال مالك: وإن قال: كل حلالٍ على حرام، ونوى عموم التحريم فلا يلزمه شيءُ إلا في زوجاته، نَواهنَّ حين تكلم بذلك أم لا، وبَيِنَّ منه إلا يُحاشيهن بقلبه أو بلسانه فيكون ذلك له وينَّوى، ولا شيء عليه في غيرهن مما حرم عليه من ماله، أو أمهات أولاده، أو لبس ثوبٍ، أو طعامٍ، أو غيره، قال: ولا تلزمه في ذلك كفارة يمين، قال ابن القاسم: وإن نوى به اليمين. وقال ربيعة: من قال: الحلال على حرام، فهو يمينُ إذا حلق أنه لم يرد بها امرأته، ولو أفردها كانت طالقاً ألبتة، وقال ابن شهاب إلا أن يُجعل فيها يميناً، وقال: يُنكَّل على أيمان اللًّبس. قال الشيخ: وقوله: إلا أنه لم يجعل فيها يميناً، يريد والله أعلم أنه لا تُجعل فيها كفارة يمين، لا أنه لا يحلف، لأنه من أصل ابن شهاب أن يحلف في مثل هذا. وروى نحوه عن أبي عمران قال: ورواه أشهب عن مالك.

قال الشيخ: فمذهب مالكٍ في المدونة في القائل: الحلال علىَّ حرام، أن الزوجة داخلة حتى يخرجها بقلبه أو بلسانه. ومذهب ربيعة وابن شهاب: أنها خارجة حتى يدخلها بنيته، غير أن ربيعة يحلفه، فإذا حلف جعل عليه كفارة يمين، ورواه أشهب عن مالك، وابن شهاب يحلفه ولا يجعل عليه كفارة يمين، ولمالك نحوه. قال ابن حبيب: قال أصبغ: إذا قال: الحلال على حرام، أو حرام على كل ما أحل الله، أو كل ما انقلب إليه حرام، أو انقلب إلى حرام، فذلك كله تحريم، إلا أن يحاشي امرأته، وأما قوله: عليَّ حرام، فلا شيء عليه. قال الشيخ: إلا أن يقصد بذلك زوجته. قال الشيخ: وأما القائل: كل ما أعيش فيه حرام، ولا نية له فقد قال ابن المواز: لا شيء عليه. قال بعض فقهائنا: وأعرف فيها قولاً آخر: أن زوجته تحرم عليه، كالقائل: الحلال على حرام، وأظنه في السليمانية. وقيل لأبي عمران: إن الناس يقصدون بذلك تحريم الزوجة؟ فقال: إذا صار ذلك عادةً لهم لزم به الطلاق. قال أبو عمران: وإذا قال لزوجته: يا حرام، فقال محمد بن عبد الحكم: لا شيء عليه، ولا نص فيها لغيره، وذلك إذا كان في بلدٍ لا يريدون به الطلاق، وهو كقوله: إنك سحتُ وحرامُ، وهو كقوله ذلك لماله.

قال ابن المواز: قال أشهب عن مالك فيمن قال لزوجته: رأسي من رأسك حرام، قال: يلزمه الطلاق. قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية: إذا قال لها: وجهي من وجهك حرام، قال: فهي ألبتة. قال ابن القاسم: وإن قال لزوجته: قد حرمتك علي، أو حرمت نفسي عليك، فهي سواء. قال ابن القاسم: قال مالك: وكذلك: طلقتك، وأنا طالق منك، سواء، وهي طالق، وإن قال لها: أنت علي حرام، ثم قال: لم أرد بذلك الطلاق وإنما أردت الكذب، أردت أن أخبرها أنها حرام وليست بحرام، فإن التحريم يلزمه ولا يُنَّوى. قال ابن القاسم: وقد سئل مالك / عما يشبه هذا فلم يجعل له نية، أخبرني من أثق به أن مالكاً سئل عن رجلٍ لاعب امرأته فأخذت بفَرجِه على وجه التلذذ، فنهاها فأبت، فقال لها: هو عليك حرام، وقال: أردت أن أحرم أن تمسه ولم أرد بذلك تحريم امرأتي، فتوقف فيها مالك وتخَّوف أن يكون قد حنث فيها. ورأى غيره من أهل المدين أن التحريم يلزمه، وهذا عندي أخف ممن نوى في الكذب في التحريم، ولم أقل لك أن التحريم يلزم صاحب الفرج ولكن في مسألتك في التحريم يلزمه ولا يُنَّوى. قال مالك: وإن قال لزوجته: أنت طالقُ ألبتة، فهي ثلاث، فإن قال: أردت واحدة، لم يقبل منه قبل البناء ولا بعده، ويؤخذ الناس بما لفظت به ألسنتهم من أمر الطلاق، قال ابن القاسم: ولا يُدين فيه.

وقد قال عمر لشُريح: من قال: ألبتة، فقد رمى الغرض الأقصى. وقد قال عمر بن عبد العزيز: لو كان الطلاق ألفاً ما أبقت ألبتة منه شيئاً. قال الشيخ: وقيل: يُنوَّى قبل البناء، ووجهه: أن بتات العصمة قبل البناء يحصل بالواحدة، فوجب أن يقبل منه، ولأن البتة كناية عن زوال العصمة كالخليَّة والبريَّة. ووجه قول من قال: لا يقبل منه: أن ألبتة كناية عن الثلاث، فوجب أن لا تقبل فيه النية كما لو نطق بالثلاث، ولأن البتة لا تتبعض، فقوله: أردت بها واحدة، كقوله: أدرت بعض طلقة، أنه يلزمه جميعها. [فصل 3 - فيمن قال: أنت علي كالميتة أو نحوها أو حبلك على غاربك] ومن المدونة: قال مالك: ومن قال لزوجته: أنت علي كالميتة، أو كالدم، أو كلحم الخنزير، فهي ثلاث وإن لم ينو به الطلاق. وإن قال: حَبلُك على غَارِبك، فهي ثلاث ولا يُنوَّى، لأن هذا لا يقوله أحد وقد أبقى من الطلاق شيئاً. قال ابن المواز: وهذا بعد البناء، وأما إن قال قبل البناء: أردت واحدة، فله نيته ويحلف، وإن لم تكن له نية قبل البناء فهي ثلاث.

وقد ذكر مالكُ في المدونة والموطأ أنه بلغه عن عمر أنه نَوَّاه. قال مالك في كتاب ابن المواز: ولو ثبت عندي أن عمر قاله ما خالفناه. قال غيره: ولم يبين في حديث عمر دخل أو لم يدخل. قال الشيخ: فيحتمل إن صح أنه في التي لم يدخل بها. [فصل 4 - في الطلاق بلفظ الخلية والبرية والبائنة والهبة ونحوها] ومن المدونة: وإن قال لهت: أنت خلسَّةُ، أو برَّية، ثم قال: مِنِّي، أو أنا منك، أو لم يقل، أو وهبتك، أو رددتك إلى أهلك. قال عبد العزيز: أو إلى أبيك - فذلك في المدخول بها ثلاث ولا يُنوَّى في دونها، قَبِلَ الموهوبة أهلها، أو ردُّوها، وله نيته في ذلك كله إن لم يدخل بها في واحدةٍ فأكثر منها، فإن لم تكن نية فذلك ثلاث فيهن. قال يحيي بن سعيد وأبو الزناد وربيعة وابن شهاب وزيد بن أسلم في الموهوب: إنها ثلاث، وقاله مالك.

قال ابن المواز: قال ابن القاسم في القائل: وهبت لك طلاقك: إنها ألبتة، ولا ينفعه إن قال: نويت واحدة، وكذلك إن قال: وهبت لم نفسك، أو فراقك، ولا ينظر إلى المرأة قبلت أو لم تقبل، إلا عند خلع فيقبل منه، وكذلك في العتبية. قال: ولا ينظر إلى قبولها إلا أن يقول: إن أعطيتني كذا وهبت لك طلاقك، أو فراقك، فلا شيء عليه حتى تقبل هي وتنفعه النية أنه أراد واحدةً وإلا لزمته الثلاث. ومن المدونة: قال ربيعة في الخليَّة والبريَّة / والبائنة: إنها ثلاث في المدخول بها، وإن لم يدخل بها فهي واحدة. قال ابن القاسم: وأما قوله: أنا منكِ بات، أو أنتِ مني باتَّة، فلا ينوَّى قبل البناء ولا بعده أنه أراد واحدة، وتلزمه الثلاث، وإن قال: برئت مني، أو بنت مني، أو أنت خليَّة وقال: لم أرد بذلك الطلاق، فإن تقدم كلام يكون هذا جوابه، يدل على أنه لم يرد به الطلاق صُدق، وإلا فقد بانت منه إذا كان كلاماً مبتدءاً، وإن قال: أردت به الظهار، لم يصدق - وقد تقدم هذا. وإن قال لها: أنا خلي، أو برَّية، أو باتنة، قال: مني، أو لم يقل، إلا أنه قال في هذا كله: لم يرد به الطلاق، فإن تقدم كلام من غير الطلاق يكون هذا جوابه فلا شيء عليه ويُدَّين، وإلا لزمه ذلك، ولا تنفعه نيته.

وإن قال لها بعد البناء: أنت طالق واحدةً بائتةً، فهي ثلاث، وكذلك إن قال لها: الحقي بأهلك، أو استتري، أو ادخلي، أو اخرجي، أو تقنعي، يريد بقوله ذلك واحدةً بائتةً فهي ثلاث. وإن قال: أنت طالق طلقةً لا رجعة لي عليك فيها، فهي واحدة، وله الرجعة ولا يضره ما قال، أو نو، إلا أن ينوي بقوله: لا رجعة لي عليك فيها، الثلاث، فيكون ذلك. قال محمد بن عبد الحكم: وإن قال: أنت طالق ولا رجعة لي عليك، فله الرجعة، وإن قال: لا رجعة لي عليك، فهي البتات. قال الشيخ: كقوله: أنت طالق واحدةً بائنةً. قال الشيخ: قال أبو القاسم ابن الكاتب: مسألة ابن عبد الحكم ليست كمسألة الكتاب، لأن مسألة الكتاب قد بين أنه إنما طلقها طلقةً واحدةً، وفي مسألة ابن عبد الحكم لم يذكر طلقة، وإنما قال: أنت طالق طلاق الخلع، لأن طلاق الخلع إنما هو واحدة بائنة - يريد عل مذهب ابن القاسم - وفي كتاب إرخاء الستور إيعابها.

ومن المدونة: وإن قالت له: أَودُّ لو فرَّج الله لي من صُحبتك، فقال لها: أنت بائنة، أو خليَّة، أو باتَّة أو قال لها: أنا منك بائن، أو خلِيُّ، أو برِيَّ، أو باتُّ، ثم قال: لم أرد به الطلاق، وإنما أردت بالبائن فُرجة بيننا، لزمه الطلاق ولا يُنوَّ كما لو سألته الطلاق فقال لها: أنت بائن، ثم قال: لم أرد الطلاق، لم يصدق، لأنه جواب لسؤالها، وإن قال: قد خليت سبيلك، وقد بنى أو لم يبن، فله نيته في واحدةٍ فأكثر منها، وإن لم تكن له نية فهي ثلاث. قال ابن وهب عن مالك: وقوله: قد خليت سبيلك، كقوله: قد فارقتك. قال ابن المواز: وروي عن مالكٍ في قوله: قد خليت سبيلك، وفي قد فارقتك: إنها واحدةً حتى ينوي أكثر منها، بنى بها أو لم يبين، وهو أصح قوله، وقال ابن القاسم وابن وهب وأشهب. قال أبو محمد: وقاله ابن عبد الحكم. وقال أشهب في "قد خليت سبيلك": إنها ثلاث، ولا أنويه إلا أن يكون لم يدخل بها، وسرَّحتك" واحدةً حتى يريد أكثر. قال ابن المواز: "سرحتك" مثل "خليتك" إن قال فيهما: لم أُرِد طلاقاً، فذلك له، ويحلف إلا أن يكون جواباً لسؤالها في الطلاق.

فصل [5 - فيمن قال لزوجته: اعتدي أو كرر الطلاق] وكل ما قرُب من ألفاظ الطلاق فهو طلاق، وكذلك من أراد بغير / ألفاظ الطلاق طلاقاً فهو طلاق كما جعل الله الرمز وهو الإيماء كالكلام بقوله عز وجل: {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا}، وكما كان ما فعله المتلاعنان من تلاعنهما وتفرقتهما طلاقاً وإن لم يلفظ به، وكذلك روي في المختلعة لما ردَّت عليه الحديقة فأخذها كان ذلك طلاقاً. قال ابن القاسم: ومن قال لزوجته: اعتدي اعتدي اعتدي، ولم تكن له نية فهي ثلاث عند مالك. قال مالك: وهذا مثل: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، نسقاً فهي ثلاث إلا أن ينوي واحدة، بنى بها أو لم يبن، وإن قال لها: أنت طالق، اعتدي، فهي طلقتان، إلا أن ينوي إعلامها أن عليها العدة فتلزمه واحدة. قال ابن حبيب: وروي عن الحسن فيمن قال لزوجته: أنت طالق فاعتدي، فهي واحدة، وإن قال: أنت طالق واعتدي، فهي طلقتان ولا يُنوَّى. وقال ابن القاسم في المجموعة: وإن قال لها: أنت طالق واعتدي، فهي طلقتان ولا يُنوى، وإن قال: أنت طالق اعتدي، أو أنت طالق فاعتدي، لزمته طلقتان إلا أن ينوي واحدة.

قال الشيخ: وما تقدم للحسن من قوله: أنت طالق فاعتدي، أنها واحدة، فصواب. وإن قال كلاماً مبتدءاً: اعتدي، لزمه الطلاق، وسئل عن نيته كم نوى أواحدة أو أكثر، فإن لم تكن له نية واحدة، وإن لم يرد به الطلاق وكان جواباً لكلامٍ قبله كدراهم ونحو فلا شيء عليه. وإن قال لها: أنت طالق، ونوى اثنين أو ثلاثاً فهو ما نوى، وإن لم ينو شيئاً فهي واحدة. قال الشيخ: لأن قوله: أنت طالق، كلام محتمل للواحدة والثلاث، واللفظ المحتمل يُرجَع فيه إلى نية قائلة، فإن لم تكن له نيةُ فاحمله على أول أسماء الطلاق، وذلك طلقة. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن قال لها: أنت طالق الطلاق كله، فهو ثلاث. فصل [6 - فيمن أراد أن يحلف فصمت بعد ذكر الطلاق] وإن أراد أن يطلق ثلاثاً أو يحلف بها فقال: أنت طالق، ثم سكت عن ذكر الثلاث، أو تمادى في يمينه إن كان حالفاً فهي واحدة إلا أن ينوي بلفظة "طالق"

الثلاث فيكون ثلاثاً، ولو أخذ ليحلف على شيءٍ فلما قال: أنت طالق ثلاثاً، بدا له فصمت فلا شيء عليه. فصل [7 - فيمن تلفظ بالطلاق ونوى غير ما تلفظ به] وإن قال: حكيمة طالق، وله جارية وزوجة تسميان حكيمة فقال: نويت الجارية، فإن كان عليه بين لم يقبل منه وتطلق الزوجة، وإن لم يكن عليه بينة فله ذلك في الفُتيا. قال مالك: ولو حلف للسلطان بطلاق امرأته طائعاً في أمرٍ كذَب فيه وقال: نويت امرأتي الميتة، فلا يُنوَّى في القضاء ولا في الفتيا، لأنه قال: امرأتي، وتطلق امرأته. وإن قال لزوجته: أنت طالق البتة، ثم قال: والله ما أردت بقولي: ألبتة، طلاقها وإنما أردت واحد فزل لساني فلفظت بالبتة، فهي ثلاث. قال مالك: واجتمع رأيي فيها ورأي غيري من فقهاء المدينة أنها ثلاث ألبتة. قال سحنون: والذي قال: ألبتة، قد كانت عليه بينة، فلذلك لم ينوِّه مالك. وقال عن ابن القاسم في غير المدونة: إنها ألبتة، ولا يُنوَّى في قضاءٍ ولا فُتيا.

قال: وقال ابن نافع إنه يُدَّين فيما بينه وبين الله، وكل هذه الأقوال عن مالك. [فصل - فيمن قال لزوجته: أنت طالق وقال: نويت من وثاق] ومن المدونة: قلت لابن القاسم: فمن قال لامرأته: أنت طالق، وقال: نويت من وِثَاق، ولم أرد به الطلاق ولا بينة عليه وجاء مستفتياً؟ قال: أرى الطلاق يلزمه، وقد قال مالك فيمن قال لامرأته كلاماً مبتدءاً: أنت بريَّة، / ولم ينو به الطلاق، فهي طالق ولا ينفعه ما أراد من ذلك بقلبه، فكذلك مسألتك، وقد قال مالك: يؤخذ الناس في الطلاق بألفاظهم ولا تنفعهم نياتهم في ذلك إلا أن يكون جواباً لكلامٍ كان قبله فلا شيء عليه. قال الشيخ: وقال مطرف وابن نافع وابن عبد الحكم: إذا كانت في وِثاقٍ: أنت طالق، يعني من الوِثَاق ديَّتُه ونَوَّيُته. ولا يخالف ابن القاسم ذلك إذا سئل في تركها فقال لها: أنت طالق، وقال: أردت من الوثاق، لأنه بساط جوابه، وأما لو كانت في وِثَاقٍ فقال لها كلاماً مبتدءاً: أنت طالق، ثم قال: أردت من الوثاق، فهذا يحتمل أن لا ينويه ابن القاسم، ويخالف مطرفاً في ذلك.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن خطب إلى رجلٍ ابنته فقال له: هي أختك من الرضاع، ثم قال لعا بعد ذلك: والله ما كنت إلا كاذباً، فقال مالك: لا يتزوجها. فصل [9 - فيمن خاطب زوجته بما ليس من ألفاظ الطلاق] ومن قال لزوجته: الحقي بأهلك، ولم ينو طلاقاً فلا شيء عليه، وإن نوى طلاقاً فهو ما نوى من واحدةٍ فأكثر. وكذلك إن قال لها: يا فلانة، أو أنت حرة، أو اخرجي، أو ادخلي، أو تقنَّعي، أو أخزاك الله، أو كُلي، أو اشربي، أو كلاماً ليس من ألفاظ الطلاق فلا شيء عليه إلا أن ينوي بذلك الطلاق، فيلزمه ما نوى من واحدةٍ فأكثر. قال عبد الوهاب: وقيل: لا يكون طلاقاً وإن نوى به الطلاق. فوجه الأول: أنه لفظ قصد به الطلاق، وأمر الطلاق مبنيُّ على الاحتياط والتغليط، فوجب أن يلزمه كما لو هزل بالطلاق فإنه يلزمه. ووجه القول أنه لا يلزمه: الاتفاق أنه لو ضربها، أو لمسها بيده وقال: أردت الطلاق، أنه لا يكون طلاقاً، لأن ذلك ليس بصريح طلاقٍ ولا كنايةٍ عنه، فكذلك هذا.

[فصل 10 - في الطلاق بالقلب] وأما الطلاق بالقلب بغير نُطقٍ فروايتان، فوجه إيقاعه: أن اعتقاد القلب لما كان لابد منه، وكان حط النطق إفهام الغير وتعبير ما في النفس جرى مجرى الخط والرمز وغير ذلك مما وُضع للإخبار عما في النفس القائل، ولأنه نوع تحرم به الزوجة فجاز أن يقع بالاعتقاد وإن عرى من النطق أصله الكفر. ووجه نفيه: قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تنطق به أو تعمل به، ولأنه أحد طرفي العقد فكان نُطقاً كالنكاح، ولأنه معنىَّ يتعلق به تحريم الوطء، فلم يقع باعتقادٍ كالبيع». وقال أبو جعفر الأَبهَري محتجاً أن الطلاق يقع بالقلب فقال: إن حقيقة الكلام في القلب، واللسان هو المعَّبر عنه والتُرجمان له، فقال الشاعر: إن الكلامَ لفي الفُؤادِ وَإنما ... جُعِلَ اللسَان عَلى الفُؤادِ دَليلا

قال: وكما تكون الردة بالقلب وإن لم يلفظ بذلك، ويكون كافراً، فكذلك هذا. وذكر عن ابن الكاتب أنه قال: الردة لا تشبه هذا، لأن الإيمان من أعمال القلب، فإذا اعتقد الكفر الذي هو ضده كان كافراً، والطلاق ليس من أعمال القلب، قال الله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، وسميع لا يكون إلا للنطق، فقد بين أن الطلاق لا يلزم إلا باللفظ لا بالاعتقاد. [فصل 11 - فيما لا يقع به الطلاق من الألفاظ إلا بالنية] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وأما إن أراد أن يلفظ بأحرف الطلاق فتلفظ بما ليس من ألفاظه غلطاً فلا شيء عليه حتى ينوي أنها بما يلفظ به طالق، / فيلزمه أرادت بذلك الطلاق، لأنها مدعية، وكذلك تمليك، العتق، والزوج إذا نوى بغير ألفاظ الطلاق طلاقاً مقر على نفسه، فيؤخذ بذلك الإقرار. قال مالك: وإن قال لها: يا أُمّة، أو يا أُخته، أو يا عَمَّه، أو يا خاله، فلا شيء عليه، وذلك من كلام السفه، وإن قال لها: لست لي يا امرأة، أو ما أنت لي يا مرأةٍ أو لم أتزوجك، أو قال له رجل: ألكَ زوجة؟ فقال: لا، فلا شيء عليه في ذلك إلا أن ينوي بذلك الطلاق، وإن قال لها: لا ملك لي عليك، أو لا سبيل لي عليك

ولا نكاح بيني وبينك، فلا شيء عليه إذا كان هذا الكلام عِتاباً إلا أن ينوي بقوله هذا الطلاق. قال أبو محمد: ظاهر كلامه يدل أنه لو لم تكن له نية، أو لم يكن الكلام عتاباً أنه يلزمه الطلاق، وقوله: إلا أن ينوي به الطلاق، يريد وإن كان عتاباً ونوى بهذه الألفاظ الطلاق أنه يلزمه. قال في كتاب العتق الأول: ومن قال لعبده: لا سبيل لي عليك، أو لا ملك لي عليك، فإن تقدمه كلام قبل هذا يدل على أنه لم يرد به الحرية صُدَّق السيد، وإن كان كلاماً مبتدءاً عتق عليه العبد. قال ابن القَرطِي والأَبياني: ومن قال: لا عصمة لي عليك، فهي ثلاث إلا أن يكون معها فداء فتكون واحدةً بائنةً. قال أبو محمد: وذلك صواب كما قلنا إذا قال لزوجته: لا ملك لي عليك، ولم يكن الكلام عِتاباً، وكما يكون ذلك في العبد حرية.

ومن الواضحة: قال مطرف وابن الماجشون وابن نافع وابن عبد الحكم وابن القاسم: ومن قال لامرأته: اجمعي عليك ثيابك، أو لا حاجة بي إليك، أو لا حاجة بي إليك، أو لا نكاح بيني وبينك، أو لا سبيل لي إليك، أو اذهبي لأهلك، أو لا تحلين لي، أو احتالي لنفسك، أو أنتِ سائبةً، أو مني عتيقة، أو ليس بيني وبينك حلال ولا حرام، أو يا مطلقة، أو اعتزلي، أو تأخري عني، أو انتقلي عني، فذلك كله - سواء بنى بها أو لم يبن - لا شيء عليه إلا أن ينوي طلاقاً، فيكون ما نوى. ومن المدونة: قال ابن شهاب: وإن قال لها: أنت سائبة، أو مني عتيقة، أو ليس بيني وبينك حلال ولا حرام، فليحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما أراد بذلك طلاقاً ولا شيء عليه، فإن نكل وزعم أنه أراد به الطلاق كان ما أراد من الطلاق، ويحلف على ذلك، ويُتكَّل من قال مثل هذا بعقوبةٍ مُوجِعةٍ، لأنه لبَّس على نفسه وعلى حكام المسلمين. وذكر القاسم بن محمد أن عبداً كانت تحته حرة، فكلَّمه فيها أهلها، فقال: شأنكم بها، قال القاسم: فرأى الناس ذلك طلاقاً. وقال في الموطأ: فرأى الناس ذلك تطليقة.

قال مالك في كتاب محمد: وليس العمل على هذا، ولا أدري أي الناس رأى في هذا أنها تطليقةً واحدةً، وأنا أرى أنه إن كان لم يدخل بها فهي واحدة، إلا أن ينوي أكثر، وإن كان بعد البناء فهي ثلاث ولا ينوى. وفي مختصر ابن عبد الحكم الكبير: إنه إذا قال في المدخول بها: نويت بها واحدةً، فذلك له. ومن المدونة: قال ربيعة: وإن قال لامرأته: لا سبيل لي عليك، دُيًّن، وكذلك إن قال: لا تحلين لي، فإنهُ يديًّن، لأنه إن شاء قال: أردت الظهار أو اليمين. قال ابن المواز: ويحلف. ومن المدونة: قال عطاء بن أبي رباح: / ومن قال: والله ما لي امرأة، فهي كِذبة، وقاله عمر وابن عمر. قال ابن شهاب وربيعة: وإن قال لها: أنت السراح، فهي واحدةً إلا أن ينوي بذلك الطلاق، وروي عن الأوزاعي. وقال جماعةً من الصحابة في الخليَّة والبرَّية والبائنة: إنها ثلاث.

وقد ذكرنا ذلك قبل هذا. تمَّ كتاب التخيير والتمليك بحمد الله تعالى وحسن عونه وتوفيقه. يتوله كتاب الإيلاء، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد المصطفى الكريم وعلى آله وصحبه وعِنزنه الطاهرين الطيبين وسلم كثيراً أثيراً.

[الكتاب الحادي عشر] كتاب الإيلاء

[الكتاب الحادي عشر] كتاب الإيلاء [الباب الأول] في الإيلاء، وما يكون به من الإيمان موليا [فصل 1 - في معنى الإيلاء وحكمه] قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}، والإيلاء هو الامتناع من فعل الشيء بيمين، يقال: تألى فلان ألا يفعل كذا، إذا حلف ألا يفعله، ومنه قوله تعالى: {وَلَا يَاتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} أي: لا يمتنع. وقيل: إن الإيلاء هو اليمين، ويدل عليه قول النابغة: فآليتَ لا آتِيكَ إِن كُنتُ مُحرِماً ... وَلا أبتغِي جَاَراً سِوَاكَ مُجَاوِرَا

قال القاضي عبد الوهاب: والإيلاء الشرعي: هو الحلف بيمين يلزم بالحنث فيها حكم على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر. كالحلف بالله، أو بصفاته أو بالصدقة، أو بالعتق، أو بالمشي، أو بالطلاق من غير المولى منها، وأما إن ترك الوطء غير مضارٍ بيمينٍ لا يلزم بها حكم، كاليمين بالكعبة، أو بالنبي، فليس بإيلاء. ولا خلاف أن اليمين بالله وبصفاته ذاته [هو] الذي يتعلق به الإيلاء، وأما الحلف بغيرها فيلزم عندنا، خلافاً للشافعي في أنه لا يلزمه. دليلنا: قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} فعمَّ، ولأنها يمين يلزمه بالحنث فيها حكم كاليمين بالله. [فصل 2 - في أجل الإيلاء والحكم بعد انقضائه] ومن المدونة: قال مالك: إذا حلف حر ألا يطأ امرأته أربعة أشهر، أو العبد شهرين فليسا بموليين.

قال القاضي عبد الوهاب: وإنما قال: أجل العبد شهران خلافاً لأبي حنيفة والشافعي، لأنه معنىِّ يتعلق به حكم البينونة، فوجب نقصانه فيه عن الحر، أصله الطلاق. قال الشيخ: قيل لأبي عمران رحمه الله: فإن حلفت ألا يطأ أربعة أشهر ويوماً؟ قال: هو مول، فإن انقضت الأربعة أشهر قيل له: طأ، فإن قال: لا، طلقت عليه، وإن قال: أطأ، ولكنه اعتذر في ذلك اليوم، تُلٌوِّم له، فإذا مضى ذلك اليوم زال عنه الإيلاء لزوال يمينه. ابن المواز: قال مالك في المولي نفس الإيلاء وهو الحالف فيه ألا يطأ: فالأجل فيه من يوم حلف، ضربه الإمام أو لم يضربه، فإن ضربه الإمام فلم ترفعه ثانية بعد الأجل ليوقف، فلا تطلق عليه حتى توقفه ثانية، وليس هو من ذلك في حلِّ أن تطرح ذلك عنه، وتقولك: لا حاجة لي بإيقافه، فهو حق تركته، إلا أن لها أن ترجع متى شاءت، فيوقف لها مكانه بغير أجلٍ ليفيء أو يطلق.

وقال أشهب عن مالك: وإن طال الزمان. قال أصبغ: وتحلف ما كان تركها على التأييد، ولا أرتضي بإسقاط ذلك ألا على أن تنظر وتعاود رأيها، ثم يوقف مكانه، فإما فاء أو طلق عليه في مجلسه/ ذلك. وقاله أشهب عن مالك في العتبية: أنه إذا جاوز الأجل ثم رفعته وقف مكانه فإما فاء أو طلق عليه. قال فيها: وإذا أرادت الأمة ترك زوجها حين آلى منها فلسيدها إيقافه، وقاله ابن القاسم عن مالك. [فصل 3 - فيما يكون به من الأيمان موليا] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن حلف ألا يغتسل منها من جناية، فهو مُولٍ، لأنه لا يقدر على الجماع إلا بكفارة. قال الشيخ: وحكي عن بعض شيوخنا أنه إذا حلف ليعزلنَّ عن زوجته فليس بمولٍ، لأن الوطء موجود منه وإن كان يعزل. وعاب ذلك بعض أصحابنا وقال: لأن الإنزال من حقوق الزوجة، إذ لا يجوز أن يعزِل عنها إلا بإذنها.

وقد اختُلف فيمن حلف ألاَّ يبيت مع امرأته هل تطلق عليه أم لا لأنه يأتيها نهاراً؟ قال: فإذا كان اختلف في هذا ففي العزل أولى أن تطلق عليه. قال الشيخ: إنما تطلق على هذا الذي حلف ألاَّ يبيت مع زوجته لأجل الضرر عليها بذلك، فليس هو بمولٍ ولا يضرب له أجل المولي، لأنه غير ممتنع، فبان أن قول الفقيه صواب، والله أعلم. قال مالك: وإن آلى منها بحجٍ، أو بعمرةٍ، أو بصومٍ، أو بطلاقٍ أو بهديٍ أو بعتقٍ فهو مول. وإن قال لها: إن وطئتك فعلى نذرً أويمين أو كفارة يمينٍ فهو مولٍ، وإن حلف ألاَّ يطأها حتى يقدم فلان، أو حتى يموت فلان فهو مولىٍ. قال: وإن حلف ألا يطأها حتى يقدم أبوه، وأبوه باليمن، أو حلف لغريمٍ له بالله ألا يطأ امرأته حتى يوفيه حقه فهو مولٍ، وكل من حلف ألا يطأ امرأته حتى يفعل كذا فهو مولٍ، كان ذلك الشيء مما يقدر على فعله أم لا. قال مالك: وإن قال لها: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثاً، فهو مولٍ، إذ لها أن تقيم بلا وطء. قال الشيخ: لأنه حالف على ترك وطئها بيمين يلومه بالحنث فيها حكم، كما لو حلف بطلاق غيرها، ويمكن منها فإذا ابتدأ بالإيلاج نزع، ووقع عليه الثلاث فلم تحل له إلا بعد زوج. وروى أكثر الرواة أنه لا يمكَّن من الفيء بالوطء، إذ باقي وطئه حرام.

وروي عنه أيضاً: أن السلطان يطلق عليه حين ترافعه، فلا يضرب له أجل المولي، ولا يمكَّن من فيئته، وقاله ابن القاسم، رفعته قبل أربعة أشهرٍ أو بعدها. قال سحنون: وهذا أحسن. قال الشيخ: ووجه ذلك: أنه لا يمكنه الفيء إلا بالحنث، ولا تصل إلى الحلال منه إلا بالحرام، فوجب أن يمنع من ذلك، وإذا لم يكن الفيء وجب الفراق ولا معنى لضرب الأجل، لأن مالَه يُراد مُتعذر. ابن المواز: وروي عن مالك: أن له أن يحنث نفسه بالوطء فتطلق بالبتة. قال ابن القاسم: وله أن يتمادى حتى ينزلِ، وأحب إلي ألا يفعل، فإن فعل لم يكن عندي حرجاً. قال أصبغ: وينزل فيها، وذلك ما لم يخرج ذكره ثم يعاوده فلا يحل له ذلك. وقال غير ابن القاسم: إذا التقى الختانان قطع، ورواه ابن وهب، وقاله عبد الملك. قال الشيخ: وهو مثل ما بينا أولاً. قال ابن المواز: وإذا كانت يمينه بواحدةٍ فهو مول، وإن وطئ فلينو ببقية مصابه الرجعة، لأنه يحنث بأول الملاقاة، فإن كان ذلك قبل البناء ضرب له أجل الإيلاء، وله الفيئة بالوطء على أن ينوي ببقية وطئه الرجعة، فإن وطئ على هذا وإلا طلق عليه. قال مالك والليث: وإن قال: إن لم أطأك فأنت طالق، فهو مولٍ، وقاله ابن القاسم، ثم رجع فقال: لا يكون مولياً، لأنه ليس عليه يمين تمنعه الجماع. قال ابن المواز: قال ابن القاسم: وإن قال: إن وطئتك فوالله لا أطؤك، فليس بمولٍ حتى يطأ، وكذلك روى عنه عيسى في العتبية.

قال الشيخ: وهذا / عندي على قول ابن القاسم في مسألة الذي حلف بالبتة لا يطأ أن له أن يحنث نفسه بالوطء ويتمادى حتى يُنزِل، لأنه كأنه رآه إنما أراد وطأ تاماً، فبتمامه يحنث. وأما على قول مالكٍ الذي رأى لا يمكن من الفيء بالوطء، إذ باقي وطئه حرام ينبغي ألا يكون مولياً بعد تمام وطئه، لأنه بأول الملاقاة يكون مولياً، وببقية وطئه يحنث، وتلزمه الكفارة ويزول عنه الإيلاء. وكذلك اختلفوا في مسألة الذي حلف بالظهار ألا يطأ، فقال ابن القاسم: إن وطئ كان مظاهراً ولم تلزمه كفارة الظهار إلا أن يطأ ثانية. وقال ابن المواز: لا يجوز له أن يطأ، لأنه يحنث بأول الملاقاة، ويصير بقية وطئه في امرأة قد ظاهر منها - يريد فإذا وطئ فقد لزمته الكفارة للظهار - فهذه المسأل تجري على هذين القولين، والله أعلم. وإن قال: والله لا أطؤك حتى أعتق، فهو مول عند ابن القاسم، وقال عبد الملك: ليس بمول. قال الشيخ: وقول ابن القاسم أصح، لأنه امتنع من الوطء بيمين يلزمه إن حنث فيها حكم، كاليمين بالله تعالى مجرداً. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن قال لها: إن وطئتك حتى أنسَّ السماء فعلىَّ كذا، فهو مول، إذ لها أن تقيم بلا وطء، فإن قامت عليه قبل أجل الإيلاء لم يوقف حتى يحل الأجل فيوقف، لأن فيئته بعد الأجل بالوطء، فلما فاء حنَّث نفسه، وإلا طلق عليه السلطان.

قلت: فإن حلف بالله ألاَّ يلتقي معها سنة أيكون مولياً؟ قال: قال مالك: كل يمين منعت من الجماع ولا يقدر صاحبها على الجماع لمكانها فهو بها مولى. قال ابن شهاب: وإن حلف ألاَّ يكلمها، وهو في ذلك يمسها فهو غير مول. قال مالك: وليس في الهجران إيلاء. ومن النذور: وإن قال لها: والله لأطلقك، فليس بمولٍ، ولا يمتنع من الوطء، فإن شاء طلق أو كفر، ولا يجبر على ذلك، ولا يحنث إلا بعد الموت. ومن الإيلاء: وإن حلف بالله ألا يطأ واستثنى، فرآه مالك مولياً، وله أن يطأ بلا كفارة، وقال غيره: لا يكون مولياً. قال الشيخ: وإنما جعله مالك مولياً لاحتمال أن يريد بالاستثناء حِلُّ اليمين أو يريد بها قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}، فوجب ألاَّ يسقط حق المرأة، ويزول الإيلاء بأمرٍ محتمل. فإن قيل: فهو يقول: إذا كفَّر المولي قبل الحنث سقط عنه الإيلاء.

ويحتمل أن يكون كفَّر عن يمينٍ سلفت له، فما الفرق. قيل: يحتمل أن يكون الفرق أن الكفارة تسقط اليمين حقيقة، فقوىَ عنده أن الاستثناء لا يُحل اليمين حقيقة، للاحتمال الذي قدمناه، والله أعلم. ومن المدونة: وإن حلف ألا يطأ بعهد الله، أو بميثاقه، أو كفالته، أو ذمته أو قدرته، أو عظمته، أو جلاله، فهذه كلها أيمان، فما حلف به من ذلك فهو به مولٍ نفس الإيلاء، والأجل فيه أربعة أشهرٍ من يوم حلف للحر، وشهران للعبد، كانت زوجة أحدهما حرةً أو أمةً، مسلمة أو كتابية، وإنما ينظر في الأجل للرجال لأن الطلاق على الرجال والعدة على النساء. وإن قال لها: أشهد ألا أقربك، أو أعزم على نفسي، أو أقسم، فلا يكون بذلك مولياً إلا أن يريد بالله. قال مالك: وقوله: أشهد، ولعمري، ليسا بيمين. وإن قال لها: إن وطئتك فهو يهودي أو نصراني أو زانٍ، لم يكن مولياً، وليست هذه أيماناً. وإن حلف ليغيظها أو ليموءنها، / فترك الوطء أربعة أشهرٍ فليس بمول. وإن قال لها: والله لا أطؤك، فلما مضت أربعة أشهرٍ وُقِف فقال: أردت ألا أطأها بقدمي، قيل له: فإن وطئت صدقك، وأنت في الكفارة أعلم، إن شئت فكفَّر إذا وطئت وإن شئت فدع.

وكذلك إن قال: أردت ألاَّ أطأها في هذه الدار، قيل له: فأخرجها وجامعها إن كنت صادقاً، ثم لا كفارة عليك، ولا يترك من غير أن يجامعها، فإن بيَّن فقال: والله لا أطؤك في هذه سنةَّ، وهو فيه ساكن مع امرأته، فليس بمولٍ، ولكن يؤمر بالخروج منها ليجامعها إذا طلبت ذلك المرأة، لأني أخاف أن يكون مضاراً، إلا أن تدعه المرأة. قال سحنون: فأما إن قال: لا أطؤك حتى أخرج من هذا البلد أو المصر، فهو مولٍ يضرب له الأجل، كقوله: حتى أقضى فلاناً حقه. قال ابن القاسم وغيره: فإن قال لها: والله لا أطؤك في هذا المِصر أو في هذه البلدة، فهو مول. قال غيره: وكأنه قال: والله لا أطؤك حتى أخرج منها، فإن كان خروجه يتكلف، فيه المؤونة والكلفة فهو مول. قال ابن القاسم: وإن قال لها: إن وطئتك فكل مملوكٍ أملكه فيما يستقبل حر، أو قال: كل مملوكٍ أملكه من ذي قبل فهو صدقة، فليس بمولٍ، لأن مالكاً قال: لو حلف بهذا لم يكن عليه أن يتصدق بثلث ما يفيد، ولو قال: كل مملوكٍ أشتريه فهو حرَّ، لم يعتق عليه ما يشتري. قال ابن القاسم: وإن حصَّ بلداً لم يكن مولياً حتى يملك من تلك البلدة مالاً أو عبداً، فيكون مولياً حينئذ. وقال غيره: هو مولٍ قبل الملك، إذ يلزمه بالوطء عقد يمينٍ فيما يملك من رأسٍ أو مالٍ، وقاله ابن القاسم أيضاً.

وإن قال لها: إن جامعتك فعليَّ صوم هذا الشهر، فليس بمولٍ إلا أنه إن جامعها فيه صام بقينه، وإن لم يطأها فيه حتى انسلخ فلا شيء عليه، كمن حلف بعتق عبده إن جامع امرأته، فباع عبده أو مات ثم جامعها لم يكن مولياً. قال الشيخ: وكذلك إن قال: إن جامعتك فعليَّ صوم هذين الشهرين، أو الثلاثة، أو الأربع فليس بمولٍ إن كان حراً حتى يزيد على الأربعة، وكأنه قال: لا أجامعك حتى تنسلخ هذه الأربعة أشهر، فلا شيء عليه حتى يزيد على ذلك. وإن قال: إن جامعتك فعليَّ صوم رمضان، كان مولياً، لأنه غير معين، وكأنه في المعين ضرب لوطئها أجلاً، فلا يكون مولياً حتى يكون الأجل الأكثر من أربعة أشهرٍ من يوم يمينه، إلا أن يعين شهراً بعد أربعة أشهرٍ فإنه يكون مولياً، كقوله وهو في أول المحرم: إن وطئتك فعليَّ صوم جمادى الأولى، فكأنه قال: لا أطؤك حتى ينسلخ جمادى الأول، والأصل في هذا أن ينظر، فإن مضى أجل الإيلاء ولا يمين له تمنعه من الجماع فليس بمولٍٍ، وإن مضى الأجل واليمين بقاية عليه فهو مولٍ. ومن كتاب ابن المواز: وإن قال: إن قربتك فعلىَّ صوم هذا الشهر، أو شهرٍ بينه وبين آخره أربعة أشهر، فليس بمولٍ حتى يكون بينه وبين آخره أكثر من أربعة أشهر، وهو نحر ما بينَّا، وبالله التوفيق. ومن المدونة: وإن قال: والله لا أطؤك في هذه السنة إلا يوماً واحداً، لم يلزمه إيلاء إلا أن يطأ وقد بقي منها أكثر من أربعة أشهر، وقد اختلف فيها بالمدينة.

ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف ألا يطأ امرأته في هذه السنة إلا مرة، فقال ابن القاسم: إن وطئها وقد بقي من السنة أكثر من أربعة أشهرٍ صار مولياً. وقال أيضاً: إن مضى / من السنة أربعة أشهرٍ ولم يطأ وقف، فإما فاء وإما طُلِّق عليه، وهو أحب إلى ابن القاسم وأصبغ إلينا. فإن فاء فهو فيما يستقبل مولياً لا شك فيه، ويوقف ثانيةً لأربعة أشهرٍ أخرى وقاله أشهب. قال: فإن لم ترفعه حتى بقي من السنة أربعة أشهر يريد ولم يطأ بعد - فلا حجة لها إلا أن يكون وطئ قبل ذلك فيكون مولياً. قال ابن القاسم: ولو قال: إلا مرتين، لم يكن مولياً، لأنه إن شاء تركها أربعة أشهرٍ ثم وطئها ثم تركها أربعة أشهرٍ ثم وطئها، فلا يبقى من السنة إلا أربعة أشهر. وقال أصبغ: هو مول. قال محمد: غلط أصبغ: وهو مول، لأنها يمين على كل حال، ولأن الوطئين إن عجَّلهما بقى باقي السنة أو أكثرها لا يقدر على الوطء، ولو شاء أن يعجِّلهما عجَّلهما فهو يؤخرهما لذلك. وإن قال: إذا وطئتك، أو إذا وطئتك كذا وكذا فأنت طالق ألبتة، فذلك سواء، هو مولٍ تطلق عليه إذا مضت عليه أربعة أشهرٍ من يوم حلف، وقاله أصبغ

ومن المدونة: قال مالك: وإن حلف ألا يطأها حتى تفطم ولدها فليس بمولٍ، لأن هذا ليس على وجه الإضرار، وإنما أراد صلاح ولده، وقاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ومن كتاب ابن المواز: ومن حلف إلا يطأ امرأته التي ترضع سنتين وقال: أردت تمام الرضاع، فليس بمولٍ إلا أن يموت الصبي وقد بقي من السنتين أكثر من أربعة أشهر، فيلزمه الإيلاء من يومه. قال الشيخ: واعترض بعض أصحابنا قوله: من يومه، وقال: إنما حمل عليه أولاً أنه غير مضار، فإذا مات الولد ولم يطأ تبين أنه إنما أراد الضرر، فينبغي أن يكون أجله من يوم حلف. قال الشيخ: وليس بصواب، لأنه يحتمل أن يكون اليوم أراد الضرر بامتناعه، إذ لا عذر له، ويحتمل أن يكون أراده من الأول، وما يكون أولا يكون لا حكم له، فحمل أنه اليوم أراد الضرر بلا شك فيه. ابن المواز: ولو حلف بطلاقها لأتزوجن عليك إذا استغنى ولدك عنك، وذلك في الحولين، فليكلف عن وطئها، ولا وقت في ذلك إلا أن ينويه. قال محمد: لا يكف عن الوطء إلا بعد الحولين، وبعد الحولين يكون مولياً إن رافعته.

وفي كتاب ابن سحنون: إذا حلف بطلاقها ألبتة ألا يطأها حتى تفطم ولدها فليس بمولٍ، وإن مات ولده فليس بمولٍ، وإن مات قبل الفطام فله وطؤها، ولا يحنث إن كانت نيته في ذلك صلاح ولده، وإن كانت نيته إلاَّ يمسها حولين كاملين فهو مول، وتطلق عليه إذا أوقفه السلطان بعد أربعة أشهر، لأنه لا يقدر أن يمسها، ولا يفيء، لأن في يمينه بالبتة، وإن هي لم توقفه حتى مضت الحولين فقد خرج من يمينه. ومن المدونة: وإن حلف ألا يطأها سنةً فمضت السنة قبل أن يوقف فلا إيلاء عليه. وإن حلف ألاَّ يطأها ثمانية أشهرٍ فوقف لأربعة أشهرٍ فأبي أن يفيء فطلق عليه ثم ارتجع، فإن انقضت عدتها وقد بقي من الأشهر الأخرى فليس برجعة، وإن انقضت الأربعة أشهر قبل تمام العدة، ولم يمس فرجعته ثابتة، لأنه ليس ها هنا يمين تمنعه من الجماع. قال ابن القاسم: وإن قال لها: والله لا أطؤك، ثم قال بعد ذلك بشهر: على حِجَّة إن قربتك، فوقف الأربعة أشهرٍ من اليمين الأولى فطلق عليه ثم ارتجع فلا إيقاف عليه لليمين الثانية، إذ لو حنث بالوطء لزمته اليمينان جميعاً، فكذلك التطليق عليه لليمينين جميعاً، وقاله غيره.

[الباب الثاني] فيمن حلف بالطلاق ليفعلن هو أو غيره كذا ودخول الإيلاء عليه

[الباب الثاني] فيمن حلف بالطلاق ليفعلن هو أو غيره كذا ودخول الإيلاء عليه [فصل 1 - فيمن حلف بالطلاق ليفعلن هو أو غيره كذا] قال ابن القاسم: ومن حلف بالطلاق ليجلدن / عبده جلداً يجوز له، فباعه قبل أن يجلده ضرب له أجل المولي إن رفعته، فإن حلَّ الأجل قبل أن يملكه بشراءٍ أو غيره فيجلده طلقناها عليه واحدةً، فإن ملكه بانت منه، ثم إن نكحها عاد مولياً ووقف إلا أن يملكها فيضربه فيير. قال الشيخ: يريد: وإن قامت عليه فضرب له أجل المولي فحل قبل أن يملكه فإنها تطلق عليه ثانية، ثم إن نكحها ثالثةً عاد مولياً وطلقت لتمام الأجل، ثم إن نكحها بعد زوجٍ لم يكن مولياً لزوال العصمة التي حلف بها، ولو أراد أولاً أن يطلقها واحدةً ليزيل يمينه كان ذلك له، ثم إن ارتجعها لم يكن مولياً، كما قال فيمن حلف بطلاق امرأته واحدةً ليتزوجن عليها: فأحب ألاَّ يتزوج عليها، فإنه يطلقها واحدة ويرتجعها فتزول عنه يمينه فكذلك هذا، ولا يرفع يمينه طلقة الإيلاء، لأنه لم يحنِّث نفسه فيما حلف عليه، وإنما طلق عليه بسبب الإيلاء، كما لو حلف بطلاق زوجته ألا يدخل الدار، ثم حلف بطلاقها ألا يكلم زيداً، فكلمه فطلقت عليه، فلا يُزيل ذلك يمينه على دخول الدار إذا ارتجعها.

ومن المدونة: وقال ابن دينار: ساعة باعه طلقت عليه. قاله ابن دينار: ومن حلف بحرية غلامه ليضربه، فباعه قبل الضرب نقضت البيع وأعتقه عليه، إذ لا أنقض صفقة مسلمٍ إلا إلى عتقٍ ناجزٍ. [فصل 2 - في دخول الإيلاء عليه] قال ابن القاسم: ومن دخل عليه الإيلاء لضررٍ أو غيره ولم يحلف على ترك الوطء مثل أن يقول: إن لم يفعل، أو لأفعلن كذا فأنت طالق، فهو على حنثٍ ولا يطأ، فإن رفعته ضرب له الأجل من يوم ترفعه. قال غيره: وهذا إذا تبين للسلطان ضرره بها، فأما إن لم يمكنه فعل ما حلف عليه لم يُحَلْ بينه وبينها، ولا يضرب له أجل، فإذا أمكنه فعل ذلك حيل بينهما، وضرب له أجل المولي إن رفعته كالحلف بالطلاق ليحجن ولم يوقِّت سنة بعينها، وهو في أول السنة، أو لأخرجن إلى بلد كذا ولا يمكنه الآن خروج لخوف طريقٍ أو نحوه، ولا يستطيع الحج في أول السنة، فهذا لا يحال بينه وبين امرأته، فإذا أمكنه الخروج أو جاء وقت الحج فتركه إلى وقتٍ إن خرج لم يدركه منع حينئذٍ من الوطء وضرب له أجل المولي من يومئذٍ إن رفعته. قال الشيخ: يريد وكذلك إن رفعته في إبَّان الخروج الذي يدرك فيه الحج فإنه يمنع من الوطء أيضاً، ويضرب له أجل المولي، وقاله ابن نافع بعد هذا، وهو تفسير، والله أعلم. قال: فإن فعل ما يبرُّ به من الحج إن كان يدركه، أو الخروج إلى البلد قبل الأجل بَرَّ، وإن حل الأجل ولم يفعل ما أمكنه من ذلك طلق عليه، فإن ارتجع وفعل

الحج، أو الخروج إلى البلد قبل انقضاء العدة ثبتت رجعته، لأنه فيئته ها هنا فعله، وأما في نفس الإيلاء فالوطء فيئته. وقال ابن نافع عن مالكٍ في الحالف بالطلاق ليحجن، ولم يسمِّ العام الذي يحج فيه: إن له الوطء ما بينه وبين أول حجة، فإذا جاء إبان الخروج الذي يدرك فيه الحج من بلده، فحينئذ لا يمسها حتى يحج. وقال ابن القاسم في المستخرجة: لا يطأ حتى يحج، وإن كان بينه وبين ذلك زمان فليحرم ويخرج، وإن رضيت امرأته أن تقيم بلا مسيس فليحج متى شاء وإن رفعت أمرها إلى السلطان وطلبت المسيس، قيل له: أحرم وإن كان ذلك في الحرم، فإن أبى أن يحِرم ضرب له أجل المولي، فإن أحرم في ذلك الأجل لم يطلق عليه، وإن حل أجل الإيلاء ولم يحرم طلق عليه، وذكر سحنون في كتاب ابنه هذه الرواية / وذكر رواية ابن نافع وقال بها. قال الشيخ: ولو سمَّى العام الذي يحج فيه لم يكن مولياً، لأنه لا يمنع من الوطء، لأنه ضرب لفعله أجلاً، فهو على برَّ بالتأجيل. ابن المواز: وكل من حلف على فعلٍ أو خروج إلى بلدٍ، وذلك لا يمكنه حينئذٍ لم يكن على حنثٍ حتى يأتيه وقت يمكنه، فمن يومئذٍ يكون على حنث، وكذلك إن لم يكن لخروجه وقت إلا أن منعه فساد طريقٍ أو غلاء كراءٍ، فهو عذر، وكذلك يمينه ليكلمن فلاناً وهو غائب، فلا يوقف حتى يقدم فلان وإن طالت غيبته، وإن مات في غيبته ما كان عليه شيء، وإن كان حاضراً وطال مقامه بما يمكنه الفعل فلم يفعل حتى مات فلان فقد حنث، والحالف على خروج لو أمكنه فمنعه من الوطء لم يرجع إليه، وإن جاء بعد ذلك وقت لا يمكنه لفوات

ما كان أمكنه، فإن وطئ جهلاً لم ينفعه ذلك، ويضرب له أجل المولي إن طلبت ذلك، فإذا حلَّ طلقت عليه، والحالف ليحجن إذا جاء إمكان الخروج للحج منع الوطء حينئذ، ثم إذا فات وقت الخروج فرفعت أمرها ضرب له أجل الإيلاء ثم طلق عليه لحلوله، لأنه لا يقدر على الفيئة، ولا يحج وسط السنة، ورواه عبد الملك عن مالك، وهو أحب ما فيه إلي. وقال ابن القاسم: إذا أمكنه الخروج فلم يخرج حتى فاته طلق عليه. وقال أشهب: وقال: يمنع وقت إمكان الخروج، فإن فاته الخروج رجع إلى الوطء حتى يأتي وقت الخروج أيضاً. وقال عبد المكل: لا يمنع حتى يفوته الوقت ويعلم أنه لو خرج لم يلحق، فيمنع حينئذٍ ويكون مولياً إن رفعته، وروايته عن مالكٍ أحب إلينا. قلت: فإن تأخر ضرب الأجل بتأخير رفعها حتى صار يمكنه الخروج ثانية؟ قال: يضرب له الأجل حينئذ، لأنه ممن منع الوطء مرة، فإن لم يتم حجه قبل الأربعة أشهرٍ طلق عليه. والحالف: لأ أطؤك حتى أخرج إلى الحج، هو من يوم حلف مولٍ، والأجل من يوم يمينه، ويطلق عليه لحلوله إن لم يخرج. ابن القاسم: وإن حلف بالطلاق ليحجنَّ فُلان، لم يمنع منها حتى يأتي إبَّان الحج، فإما حجَّ أو طُلق عليه. ابن المواز: إذا زال وقت الخروج طلق عليه، بخلاف الخالف على نفسه ليحجَّن، فيذهب إبَّانه، فهذا مولٍ. وقال عنه عيسى في العتبية: والقائل: إن لم يحج فلان، كالقائل: إن لم أحج أنا، ويضرب له أجل الإيلاء، وأما إن قال: إن حج فلان، أو فعل كذا، فلا شيء عليه في رواية محمد وعيسى حتى يفعل فيحنث.

ومن المدونة: قال ابن القاسم عن مالك: ومن قال لرجل: امرأته طالق إن لم تهب لي ديناراً، أو قال لامرأته النصرانية: أنت طالق إن لم تسلمٍ، حيل بينه وبينها، ولم يدخل عليه في هذا إيلاء، ولكن يتلوَّم له الإمام على قدر ما يرى أنه أراد بيمينه، فإن أسلمت، أو وهب له الأجنبي الدينار وإلا طلقت عليه. ابن المواز: ولا يكون الاجتهاد في التلوم فيما زاد على أجل الإيلاء، بل من الناس من يرى أن وجه يمينه شهر، أو أكثر من ذلك، أو أقل على قدر ما يرى أنه أراده. ومن المدونة: وإنما يدخل الإيلاء في هذا على من حلف ليفعلن هو نفسه فعلاً يجوز له، وأما أن يحلف على معصيةٍ كقوله: أنت طالق لأقتلنَّ فلاناً، أو لأشربنَّ خمراً، فلا يتلوَّم في هذا ويطلق عليه السلطان مكانه، ويعتق عليه إن كان عتقاً. ربيعة: وكذلك قوله: لأضربنَّ فلاناً، إلا أن يجب عليه ضربه بحقٍ، فيدخل عليه الإيلاء. قال ابن شهاب: وإن حلف ليفعلن ما يجوز له إلى أجل، لم يُحَل بينه وبينها، فإن لم يؤجل ضرب له الأجل فإن فعل ما حلف عليه فبسبيل ذلك، وإلا فُرِّق بينه وبين امرأته / صاغراً قَمِبئاً. قال ربيعة: وإن حلف بطلاق امرأته ليخرجنَّ إلى إفريقية، أو ليتزوجن عليها، فإنه يوقف عن وطئها، ويضرب له الأجل.

[الباب الثالث] فيمن آلى من أجنبية أو صغيرة أو مطلقة أو أربع نسوة أو حلف بعتق عبده ألا يطأ امرأته أو بطلاق امرأة له أخرى

[الباب الثالث] فيمن آلى من أجنبية أو صغيرة أو مطلقة أو أربع نسوة أو حلف بعتق عبده ألا يطأ امرأته أو بطلاق امرأة له أخرى [فصل 1 - فيمن آلى من أجنبية] قال مالك: ومن قال لأجنبية: والله لا أطؤك، وأنت علي كظهر أمي، ثم نكحها لزمه الإيلاء، ولم يلزمه الظهار، إلا أن يريد بقوله إن تزوجتك، فيلزمه الظهار. فإن قال لها: إن تزوجتك فأنت طالق، ووالله لا أقربك، فإن نكحها طلقت عليه، ثم إن نكحها ثانيةً لزمه الإيلاء. وإن قال لها: إن تزوجتك فوطئتك فأنت طالق، كان مولياً يوم التزويج، فإن وطئها طلقت وسقط عنه الإيلاء، ويصير إذا تزوجها كمن قال لزوجته: إن وطئتك فأنت طالق، وقد تقدم الجواب فيها. ولا يجوز لرجلٍ أن يطأ أُمَّ جاريةٍ له قد وطئها بملك اليمين. فصل [2 - فيمن آلى من صغيرة] ومن آلى من صغيرةٍ لا يوطأ مثلها لم يؤجل حتى تبلغ حدَّ الوطء، فمن يومئذٍ يضرب له الأجل.

فصل [3 - فيمن آلى من رجعية] ومن طلق امرأته طلقةً يملك فيها الرجعة، ثم آلى منها، فهو مولٍ، فإن مضت أربعة أشهرٍ قبل انقضاء العدة وقف، فإما فاء وإلا طُلِّق عليه. فصل [4 - فيمن آلى من أربع نسوة] ومن قال لنسائه الأربع: والله لا أقرب واحدةً منكن، ولا نية له لواحدةٍ بعينها، فيمينه على جميعهن، فإن ماتت إحداهن أو طلقها ألبتة كان إيلائه فيمن بقي، فإن وطئ منهن واحدة حنث في جميعهن ويكفِّر، ثم لا كفارة عليه فيمن وطئ من البواقي، لأنه لما وطئ من البواقي، لأنه لما وطئ حنث ولزمته الكفارة بوطئها، وسقطت عنه اليمين، فإذا وطئ أخرى فإنما يطأ بغير يمين. فصل [5 - فيمن حلف بعتق عبده ألا يطأ امرأته] ومن قال لزوجته: إن وطئتك فعبدي ميمون حر، فباعه فله أن يطأها، فإن اشتراه عاد مولياً، ولا يحنث إلا بالوطء وهو في ملكه. وإن بيع في تفليسٍ ثم اشتراه فقد قيل: لا تعود عليه اليمين، وقال ابن القاسم: تعود عليه.

قال الشيخ: كمسألة من حلف بحرية عبده ألا يكلم فلاناً ففلس فباعه عليه الإمام، ثم اشتراه ثم كلمه، فقال ابن القاسم: يحنث، وقال أشهب: لا يحنث، فهي هذه بعينها. قال ها هنا: فأما إن رد الغرماء عتقه فبيع لهم ثم اشتراه فلم يختلف مالك وأصحابه أنه لا شيء عليه، وإن رجع إليه العبد بميراثٍ فلا شيء عليه. فصل [6 - فيمن حلف بطلاق إحدى امرأتيه ألا يطأ الأخرى] ومن قال: زينب طالق إن وطئت عزَّة، فطلق زينب واحدةً، فإن انقضت عدتها فله وطء عزَّة، ثم إن تزوج زينب بعد زوجٍٍ زينب بعد زوجٍ أو قبل زوجٍٍ عاد مولياً في عزَّة، فإن وطئ عزِّة بعد ذلك أوطئها في عدة زينب من طلاق واحدةٍ حنث، ووقع على زينب طلقتان الآن تمام الثلاث. ولو طلق زينب ثلاثاً ثم نكحها بعد زوجٍ لم يعد عليه في عزَّة إيلاء، لزوال طلاق ذلك الملك، فلو طلق عزَّة ثلاثاً ثم تزوجها بعد زوج، وزينب عنده عاد مولياً ما بقي من طلاق زينب شيء، كمن آلى أو ظاهر ثم تزوجها بعد زوجٍ فلذلك يعود عليه أبداً حتى يكفر أو يفيء - يعني ظهاراً مجرداً بلا يمين حلف بها -.

وإن قال: زينب طالق واحدةً إن وطئت عوَّة، فطلق زينب واحدة ثم وطئ عزة في عدتها أو بعد أن نكحها ثانية طلقت زينب طلقة أخرى. ومسألة من حلف ألا يطأ حتى يموت فلان، أو يقدم أبوه فقد تقدمت في الباب الأول.

[الباب الرابع] في إيقاف المولي وفيئته / والطلاق عليه

[الباب الرابع] في إيقاف المولي وفيئته / والطلاق عليه قال سبحانه: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، قوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا} يريد: فإن رجعوا عما حلفوا عليه من ترك الوطء، لأن الفيء في لسان العرب هو الرجوع. وقوله: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ} يدل [على] أن الفراق لا يقع عليه بتمام الأجل، إذا لو كان الطلاق واقعاً بحلول الأجل ما قال: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ}، فلم يقع الفراق بالإيلاء بتمام الأجل حتى يوقفه السلطان، وقاله عمر، وعثمان، وابن عمر، وعائشة، وبضعة عشر من الصحابة، وكثير من التابعين رضي الله عنهم أجمعين.

قال ابن القاسم: وإذا مضت سنة للمولي ولم يقف لم يطلق عليه، فإن وقف عند الأجل فلم يفئ طلق عليه الإمام واحدة، فإن قال: أنا أفيء، لم يعجل عليه بالطلاق واختبره مرةً ومرتين فإن تبين كذبه طلق عليه. ومن حلف ألا يطأ امرأته إلا في بلد كذا، ومسافتها أقل من أربعة أشهرٍ أو أكثر، أو حتى يكلم فلاناً أو يقضيه حقه فهو مولٍ، فإن وقف بعد الأجل فقال: دعوني أخرج، فإن كانت البلدة قريبة، أو الرجل في موضعٍ قريبٍ مثل ما يختبر بالفيئة فذلك له، وإن بَعُدَ ذلك طلق عليه، ولا يزاد فيما أجل الله في الإيلاء، وقيل له: ارتجع إن أحببت. وإن جامعها المولي بين فخذيها بعدما أوقفته، أو قبل أن توقفه فلا يفيء إلا بالجماع في الفرج إذا لم يكن له عذر، ولا يفيء بالوطء دون الفرج، إلا أن يكون نوى الفرج فلا تلزمه كفارة، كقول مالك فيمن حلف بعتق أمته إن وطئها فإنه يحنث بالوطء دون الفرج، وتُحمل أيمانهم على الاعتزال حتى يخص بنيته الفرج. قال في كتاب الرجم: وإن جامع المولي في الدبر حنث، وزال عنه الإيلاء، ولزمته الكفارة. قيل: أيسقط عنه الإيلاء وهو لم يكفِّر؟ قال: نعم، لأن هذا جماع لا شك فيه، إلا أن يكون نوى الفرج فلا كفارة عليه وهو مول بحاله - وطرحه سحنون ولم يقرأه. قال فيه: وإن وطئها بين الفخذين فكفَّر زال عنه إيلاؤه، لأنه لو كفَّر قبل أن يطأ لسقط عنه الإيلاء، فكيف إذا كفَّر للإيلاء.

ومن كتاب الإيلاء: قال مالك: وأحسن للمولي أن يكفر لليمين بالله بعد الحنث، فإن كفّر قبل الحنث أجرأه وزال عنه الإيلاء. وقال أشهب: لا يزول عنه الإيلاء حتى يطأ، وهو أعلم في كفارته، إذ لعله كفر عن يمين بالله سلفت، إلا أن تكون يمينه في شيء يعينه فيزول. قال ابن القاسم وغيره: وإذا وقف المولي فعجل حنثه زال عنه إيلاؤه، مثل أن يحلف بطلاق امرأته ألا يطأ امرأة له أخرى - محمد: ثلاثاً أو بقية الثلاث-. قال ابن القاسم: أو بعتق عبدٍ له بعينه، فإن طلق المحلوف بها ثلاثاً أو بقية الثلاث، أو أعتق العبد أو حنث فيها زال الإيلاء عنه، وكذلك إن حل الأجل وهو مريضَّ، أو مسجون، أو غائب، وكانت يمينه بما ذكرنا، أو بصدقة شيء بعينه، أو بالله لم يطلق عليه، ولكن يوقف المريض أو المسجون في موضعه، ويكتب إلى الغائب، فإن كانت بلده مسيرة شهرٍ أو شهرين فيوقف أيضاً في موضعه، وإلا عجَّلوا الكفارة، أو إيقاع ما ذكرنا من المعينات من عتقٍ أو طلاقٍ أو صدقة، وإلا طلق على كل واحد التي آلى منها، فإن قالوا: نحن نفعل، اختبروا مرةً وثانيةً، فإن لم يفعلوا طلِّق عليهم. وقد قال ابن القاسم في يمينهم بالله: أنهم إن فاؤوا بألسنتهم أجزأهم. قال سحنون: وهذه الرواية أصح من كل ما كان من هذا الصنف / على غير هذا الوجه، وعليه أكثر الرواة. قال ابن القاسم: فإذا أمكنهم الوطء فلم يطؤوا طلق عليهم، ولو كفَّروا في تلك الحال المتقدمة ثم أمكنهم الوطء فلم يطؤوا فلا إيلاء عليهم، فإن آلوا بما لا يكفر قبل الحنث أو بما لا ينفعهم تعجيل الحنث فيه قبل الوطء كاليمين إن وطئ

بعتق عبدٍ بغير عينه، أو يمشي، أو بطلاقٍ فيه رجعة فيها أو في غيرها، فالفيئة لهم بالقول حتى يمكنهم الوطء، فيطؤوا أو يطلق عليهم، وبعض هذا من غير المدونة. قال مالك في كتاب الظهار: ومن حلف بعتق رقبةٍ غير معينةٍ بأن لا يطأ، فأعتق قبل الوطء إرادة إسقاط الإيلاء عنه أنه يجزئه، وأحب إليَّ أن يفعل بعد الحنث. قال ابن المواز: قد قال هذا، وقال أيضاً: لا يجزئه ذلك إلا في رقبةٍ معينة. قال أبو محمد: يريد محمد في الأحكام وزال الإيلاء عنه، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فيجزئه أن يكفَّر عنه به قبل الحنث. ومن الإيلاء: ولا يحنث المريض إذا فاء بلسانه، وإنما يحنث إذا جامع، فإن أوقف المولي وهي حائض، فقال: أنا أفيء، أُمهلِ حتى تطهر. ومن غير المدونة: وإن قال في الحيض: لا أفيء، فروي عن مالك: أنها تطلق عليه - محمد: ويجبر على الرجعة - وروى عنه أيضاً: أنها لا تطلق عليه حتى تطهر.

قال الشيخ: وذكر عن أبي القاسم بن الكاتب في قول محمد: ويجبر على الرجعة: ما أرى هذا على قول مالك، لأن الجبر على الرجعة فيمن طلق في الحيض إنما العلة فيه تطويل العدة، والمرأة ها هنا في الطالبة له في ذلك، وأيضاً فلو كان يجبر على الرجعة ما أوقفه السلطان، لأنه كيف تطلق عليه طلاقاً لا ينبغي ثم يجبر على الرجع، ولو كان يجبر على الرجعة عند مالك لذكره. قال الشيخ: وإنما جبره محمد على الرجعة، لأن الطلاق الواقع في الحيض بسببه، إذ قال: لا أفيء، وكأنه قال: لا أفيء إذا طهرت، فوجب إيقاع الطلاق عليه الآن، إذ لا يزاد فيما أجل الله، فلما وقع الطلاق بسببه في الحيض، فكأنه هو أوقعه، فوجب جبره على الرجعة، ويحتمل ألا يخالف ذلك مالك، كما لو جعل طلاقها بيد رجلٍ فطلقها في الحيض، أنه يجبر على الرجعة، والله أعلم. قال ابن القاسم في المدونة: وإن آلى صحيح ثم مرض فلم يفيء بالكفارة فطلق عليه ثم مات من مرضه ذلك ورثته. ابن المواز: ومن تظاهر من امرأته ثم آلى منها ثم وقف الأجل فله عذر بالظهار كالعذر بالمرض ونحوه، ولكن لا يقبل منه إن قال: أنا أفيء بالوطء، فإن كانت يمينه يقدر أن يسقطها أو يكفرها أُمِرَ بذلك، فإن فعل بقي مظاهراً، ثم لا يدخل عليه الإيلاء حتى يتبين صدقه، وذلك أن يقدر على الكفارة فلا يقعل ولا يفيء بالمصاب ولا يمكَّن منه، ولا ينفعه إن فعل.

قال الشيخ: لأنه ممنوع من الوطء كما لو لم يطأ، ولكن تلزمه كفارة الظهار، فإن كفر زال عنه الإيلاء، أي له الوطء. ومن العتبية: قال أصبغ: وإذا حل أجل المولي وقد فقد وكشف عنه الإمام وصار ممن يضرب له أجل الفقد فليأتنف له أجل المفقود، ولا يطلق عليه بالإيلاء، إذ لعله ميت. وأما إن جُنَّ أو أغمي عليه فليوكل الإمام به من ينظر له، فإن رأى ألا يفيء طلق عليه، وإن رأى له أن يفيء كفَّر عنه إن كانت يمينه تمنعه الوطء، أو يعتق عنه إن كانت يمينه بعتق رقبة، ولو وطئها في حال جنونه كان ذلك له فيئة، ويكفَّر عنه وليه إن كانت يمينه بعتق رقبة في صحته، ويخلي بينه وبين وطئها إلا أن يخاف أذاه. ولو كانت يمينه بالطلاق أن / لا يطأها إلا في بلد كذا، أو حتى يعزز فلوليه أن يلزمه هذه الطلقة، وله أن يخرج إلى البلد الذي حلف على الوطء به أو يعزو به ثم يرده فيطأ.

[الباب الخامس] فيمن ترك وطء زوجته، أو آلى وهو خصي أو شيخ أو شاب ثم قطع ذكره

[الباب الخامس] فيمن ترك وطء زوجته، أو آلى وهو خصي أو شيخ أو شاب ثم قطع ذكره [فصل 1 - فيمن ترك وطء زوجته] قال مالك رحمه الله: ومن ترك وطء زوجته لغير عذرٍ ولا إيلاءٍ لم يترك، فإما وطئ أو طلق وبذلك يقضي - يريد ويتلَّوم له مقدار أجل الإيلاء أو أكثر إذ لو حلف على مقدار أجل الإيلاء لم يطلق عليه، فكيف إذا ترك من غير يمين. قال مالك: وقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى قوم غابوا بخُراسان وخلفوا أهليهم، فكتب إلى أمرائهم: إما أن يقدموا أو يرحَّلوا نساءهم إليهم أو يطلقوا. قال مالك: وذلك رأي، وأرى أن يقضي به. قال مالك: ومن تزوج امرأة بكراً أو ثيباً فوطئها مرة، ثم حدث له من أمر الله ما منعه من الوطء، وعلم أنه لم يترك ذلك وهو يقدر عليه، ولا يمين عليه، فلا يفرق بينه وبينها أبداً.

فصل [2 - فيمن آلى وهو خصي، أو شيخ أو شاب ثم قطع ذكره] وإن آلى خصي أو شيخ كبير وقد تقدم له فيها وطء، أو آلى الشاب ثم قطع ذكره لم يوقفوا ولا حجة لنسائهم. قال في العتبية: ولو قطع ذكر المعترض في الأجل فرِّق بينهما مكانه، وليس كالمولي يقطع ذكره في الأجل، فلا حجة لهذه، لأنه قد تقدم له فيها وطء.

[الباب السادس] في رجعة المولي وعودة الإيلاء عليه

[الباب السادس] في رجعة المولي وعودة الإيلاء عليه قال مالك: وإذا طلق السلطان على المولي، وقد بنى فله الرجعة في بقية العدة، ويتوارثان ما لم تنقض العدة، وإن ارتجعها بالقول فواسع أن يخلي بينه وبينها فإن لم يطأ حتى دخلت في أول دم الحيضة الثالثة حلت، ولك تكن تلك الرجعة إلا لمعذورٍ بمرضٍ أو بسجنٍ أو سفرٍ، فرجعته رجعة بالقول، ثم إذا أمكنه الوطء بعد العدة فلم يطأ فرق بينهما، وأجزأتها العدة الأولى إلا أن يكون خلا بها وأقر أنه لم يطأ فلتأتنف العدة، ولا يكون له عليها رجعة في هذه العدة المؤتنفة، لأنه أقر أنه لم يطأ، وإن قال أو لا: وطئتها، وأنكرت، فالقول قوله مع يمينه. قال مالك: وإذا طُلِّق على المولي قبل البناء فلا رجعة له، قال: وإن طُلِّق عليه وقد بنى، ثم لم يرتجع بالوطء حتى تمت العدة ثم العدة ثم تزوجها بعد ذلك فعاد الإيلاء عليه ولم يطأ، فأوقفته لتمام الأجل من يوم نكاحه الثاني فلم يفيء فطلق عليه فإنه لا رجعة له ها هنا، إذ لا عدة عليها، لأنه لم يبن لها في النكاح الثاني. قال مالك: وإن طلق على المولي للأجل وهي مستحاض فارتجع ولم يطأ حتى مضت أربعة أشهرٍ ثانيةً ولم تتم العدة، لأن عدتها سنة فلا يوقف ثانية ولكنه إن وطئ في العدة فهي رجعة، وإن لم يطأ حتى تمت العدة لم تكن رجعةً. وإن آلى من امرأته بعد البناء ثم طلقها واحدةً فحل أجل الإيلاء قبل تمام العدة وقف، فإن طلق عليه الإمام كانت طلقة أخرى، فإن تمت العدة قبل الأجل فقد بانت منه، ثم إن نكحها بعد ذلك عاد مولياً، ووقف لأربعة أشهرٍ من يوم نكحها هذا النكاح الثاني لالتمام الأجل الأول.

قال ابن المواز: وكذلك يمينه: لا راجعتك، فليوقف، فإن ارتجع وإلا طلق عليه طلقةً أخرى، وتثبت على عدتها. ومن المدونة: قال مالك: والمولي إذا لم يفيء فيطلق عليه فكلما نكحها عاد مولياً، وطلقت عليه بعد الوقوف وإن بعد ثلاث مراتٍ / فأكثر ما لم يطأ أو يكفِّر، كالظهار يعود عليه أبداً أيتَّها ما لم يكفر - يريد ظهاراً مجرداً، أو حنث بظهارٍ لأمرٍ حلف به ولم يحنث. قال مالك: وإن آلى منها إلى أجلٍ بعيدٍ فطلق عليه لأجل الإيلاء، ثم نكحها بعد ذلك، فإن بقي من أجل يمينه أكثر من أربعة أشهرٍ عاد مولياً، وإن لم يبق منه إلا أربعة أشهرٍ فأدنى لم يكن مولياً.

[الباب السابع] في إيلاء العبد والكافر

[الباب السابع] في إيلاء العبد والكافر [فصل 1 - في إيلاء العبد] وقد جعل الله تعالى حد العبد نصف حد الحر، والطلاق والإيلاء من معاني الحدود، ويجرَّان إلى ما يوجبها. قال مالك: وطلاق العبد تطليقتان، إذ لا تنقسم الطلقة، وأجله في الفقد والاعتراض والإيلاء نصف أجل الحر. قال ابن القاسم: وإذا آلى العبد، ثم عتق وقد بقي من أجل إيلائه شهر فلزوجته إيقافه لتمام أجل العبد، ولا ينتقل إلى أجل الحر كانت هي حرةً أو أمةً ألا ترى أن مالكاً قال في عبدٍ طلق زوجته تطليقةً وهي حرةً أو أمةً ثم عتق بعد ذلك: فإنما يبقى له من طلاقه فيها تطليقةً واحدةً. ابن المواز: ولو كان إيلاؤه مما يؤتنف فيه ضرب الأجل بالرفع فرفعته بعد عتقه، ضرب له أجل الحر. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا آلى العبد من زوجته وهي أمةً فرفعته بعد الشهرين فلم يفيء فطلقها عليه السلطان، ثم عتقت وهي في عدتها لم تنتقل إلى عدة الحرائر، لأن مالكاً قال في الأمة تعتق وهي في العدة من طلاق يملك الزوج فيه الرجعة أم لا: إنها تبني على عدة الأمة ولا تنتقل إلى عد الحرائر، لأن العدة قد لزمتها يوم طلقها زوجها وهي أمة، فلاُ يلتفت إلى العتق في ذلك.

قال ابن القاسم: وإذا آلى العبد من نسائه بعتقٍ أو صدقةٍ كان مولياً، لأنه لو حنث ثم عتق لزمته اليمين، وسئل مالك عن عبدٍ حلف بعتق جاريةٍ إن اشتراها ولم يذكر أن سيده أمره باليمين؟ فقال مالك: لا أحب أن يشتريها وإن لم يأمره سيده باليمين ونهاه عن ذلك. قال الشيخ: يريد: سواء أمره سيده باليمين أو لم يأمره، إذ لم يأمره بالشراء لأنه يقول: أنت معتدٍ في شرائك، إذ لم آذن لك فيه، فله أن يرد شراءه، ولو أذن له في شرئاها فها هنا إن كان قد أمره باليمين وجب عتقها، وإن كان لم يأمره فله رد عتقها. فصل [2 - في إيلاء الكافر] ومن المدونة: قال مالك: وإذا حلف الذمي بعتقٍ، أو طلاقٍ، أو بالله، أو بصدقة ما يملكه، أو بغير ذلك من الإيمان ألا يقرب امرأته، ثم أسلم لم يكن مولياً، وسقط عنه بإسلامه هذا كله، ألا ترى أن طلاقه لا يلزمه، فكذلك إيلاؤه، لأن الإيلاء يجرُّ إلى الطلاق. [كَمُل كتاب الإيلاء بحمد الله وحسن عونه، وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً]

[الكتاب الثاني عشر] كتاب اللعان

[الكتاب الثاني عشر] كتاب اللعان [الباب الأول] ما يوجب اللعان، وصفته وعلى من يجب [فصل 1 - في مشروعية اللعان] قال الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}. قال ابن شهاب: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزوجين فحلفا بعد العصر عند المنبر، وفرَّق بينهما.

فكانت بعد سنة الملاعنين ألا يجتمعا أبداً، وألحق الولد بالأم، وقاله عمر وابن عمر. قال الشيخ: وأجمع الناس على ذلك، فثبت اللعان بدليل الكتاب والسنة وإجماع / الأمة، وكان ذلك لأن النسب يلحق بالفراش، ولا يمكنه إقامة البيئة أنه ليس منه، ودعت الضرورة إلى نفي نسبٍ ليس منه، فجُعِل له طريقً إلى نفيه باللعان، ولولا ذلك لم يكن له طريقً إلى قطعة عنه، ولفسدت الأنساب، واختلط الصحيح منها بالفاسد، فهذا سببه والله أعلم. واللعان موضوع لشيئين، لرفع النسب وسقوط الحد بالقذف عن الزوج. [فصل 2 - فيما يوجب اللعان] ومن المدونة: قال مالك: واللعان يجب بثلاثة أوجه، فوجهان مجمع عليهما، وذلك أن يدعي أنه رآها تزني كالمِروَد في المُكْحُلة ثم لم يطأها بعد ذلك، أو ينفي حملاً يدعي قبله استبراءً. قال محمد: بحيضة فقط، لأنا نعلم بها براءة الرحم، قاله مالك وأصحابه إلا عبد الملك فقال: ثلاث حيض، ورواه عن مالك.

والوجه الثالث: أن يقذفها بالزنا ولا يدعي رؤية، ولا نفي حملٍ، فأكثر الرواة يقولون إنه يحد ولا يلاعن، وقاله ابن القاسم مرة، وقاله المخزومي وابن دينار، وقالا: إن نفي حملاً ولم يدع استبراءً جلد به الولد. وقال ابن القاسم مرة أخرى: إنه إن قذف، أو نفى حملاً لا عن ولم يكشف عن شيء، وقاله ابن نافع. قال الشيخ: وذكر عن أبي عمران رحمه الله أنه قال: إذا نفى حملاً ولم يدع استبراءً فلا يمكن من اللعان. ولا تكون الحرة أخفض رتبةً من الأمة، لأن الأمة إذا نفى سيدها حملها ولم يدَّع استبراءً لم يتنف الولد بهذا. قال ابن القاسم في كتاب الرجم: قال مالك: من ادعى رؤيةً وأقر أنه وطئ بعدها حُدَّ ولحق به الولد. قال الشيخ: واختلف في وصف الرؤية، فقيل: يجب أن يقول: رأيته كالمِروَد في المكحلة، وقيل: تكفي دعواه الرؤية فقط. قال الشيخ: فوجه الأول: أن لعانه يحصل به المعرَّة على المرأة، ويلزمها الحد ويتنفي عنه الولد، فغلظ في تبيين الصفة ردعاً إن كان غير مُحقٍ، كما غُلِّظ في الشهادة. ووجه الثانية: قوله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} وظاهر هذا أن هذا القدر كافٍ، والفرق بينه وبين الشهود أن به ضرورةً إلى القذف لنفي ولدٍ ليس منه، ولا ضرورة بهم إليه.

ووجه قوله: يلاعن إذا قذف من غير إدعاء رؤية قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فعم، ولأنه قذف مضاف إلى الزوجة فجاز تخفيفه باللعان كالمضاف إلى الرؤية. ووجه قوله: بأنه لا يلاعن ويحد، لأن اللعان يُتَخلَّص به عن حد القذف، فوجب أن يحتاج إلى رؤية، أصله الشهادة، ولأن اللعان واقع على أفعالٍ يدعيها، وذلك يتضمن الشهادة، واعتباراً بالشهود. وإنما قال: إذا اعترف أنه وطئ بعد أن قال: رأيتها تزني، إنه يحد ولا يلاعن لأن اللعان موضوع لرفع النسب، ولا يمكن رفعه مع اعترافه بالوطء، لأن الاعتراف بالوطء يوجب إثباته، ويرفع ما ينفيه وهو اللعان، فلما ارتفع اللعان لم يبق إلا أنه قاذف، فوجب حده، وأكثر هذا التوجيه للقاضي عبد الوهاب. [فصل 3 - في صفة اللعان] ومن المدونة: قال مالك: ويبدأ الزوج باللعان فيشهد أربع شهادات بالله، يقول في الرؤية: أشهد بالله إني لمن الصادقين لرأيتها تزني - قال أصبغ: كالمرود في المكحلة - ويقول في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وتقول المرأة: أشهد بالله لمن الكاذبين ما رآني أزني، أربع مرات، وتقول في الخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.

قال ابن القاسم: ويقول الزوج في نفي الحمل: أشهد بالله لزنيت، وتقول هي: أشهد / بالله ما زنيت. أصبغ: وإنه لَمِنه. ابن المواز: وروى عيسى عن ابن القاسم أن يقول في نفي الحمل: أشهد بالله إني لمن الصادقين ما هذا الحمل مني. أصبغ: وأحب إلي أن يزيد: وَلَزَنيتِ. قال أبو محمد: قول أصبغ: ولقد زنيت، يُعَارَض فيه، فقد تكون اغتُصِبت. قال أصبغ: وإن قال في الخامسة مكان "إن كنت من الكاذبين": إن كنت كذبتها، أجزأه، ولو قالت المرأة في الخامسة في مكان "إن كان من الصادقين": إنه لمن الكاذبين، أجزأها، وكذلك لو استحلفها الإمام بذلك، وأحب إلينا مثل لفظ القرآن. وقيل: إن كان مريضاً بعث إليه الإمام عدلاً، وكذلك المريضة إن لم تقدر أن تخرج. ابن حبيب: واللعان في المرض كالطلاق فيه، وترثه الزوجة إن مات من مرضه ذلك، وقاله مالكٌ وأصحابه.

وقال القاضي عبد الوهاب: وإنما بدئ بالتعان الزوج لو رود النص بذلك وقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم هِلال بن أميَّة في اللعان، فإن نكل حَدَّ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}، وقوله صلى الله عليه وسلم هِلال بن أمية: "البينة، وإلاَّ حّد في ظهرك"، فغن التعن سقط عن الحد وانتقل إليها إلا أن تلتعن هي أيضاً، وإنما ذلك لأن التعانه جُعل بمنزلة إقامة البينة، فلما كانت البينة تُسقط الحد عنه فكذلك اللعان، ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى عقيب ذكر لعان الزوج: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ}، وهي حجتنا على أبي حنيفة في قوله: لا حد عليها.

قال الشيخ: وذكر عن ابن القاسم بن الكاتب رحمه الله أنه قال: إن بدأت الزوجة باللعان فقال ابن القاسم: لا يعاد عليها اللعان بعد التعان الزوج، وقال أشهب: يعاد، قال: وهو أحسن، لأنها التعتت قبل أخذها بما يوجبه لعان الزوج من حدها أو التعانها، وقد قال الله سبحانه: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ}، فموضوع لعانها إنما هو ليُدرأ به العذاب عنها، وقبل التعان الزوج هو المطالب بقذفها، إلا أن يلتعن فيسقط عن نفسه حد القذف، وتصير هي المطالبة بما أوجبه لعانه، فليس يمينها قبل لعانه مزيلاً ما يوجبه لعانه بعدها. [فصل 4 - فيمن يجب عليه اللعان] ومن المدونة: قال مالك: واللعان يكون بين كل زوجين، كانا مملوكين أو أحدهما، أو محدودين، أو كتابية تحت مسلمٍ، إلا أن الكافارين لا لعان بينهما. قال القاضي عبد الوهاب: وقال أبو حنيفة: لا يكون إلا بين زوجين يكونان - أو أحدهما - من أهل الشهادة، لأنه عنده شهادة، وعندنا يمين، وديلينا أنه بين كل زوجين: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} الآية،

فهذا عام، ولأن الضرورة إلى نفي النسب داعية إلى ذلك، وفائدة قولنا: إنه يمين، أنه يصح ممن تقبل شهادته وممن لا تقبل شهادته، ودليلنا قوله عليه الصلاة والسلام في حديث هلال بن أمية: "إن جاءت به على نعت كذا فهو لشَريك، فجاءءت به على النعت المكروه، فقال صلى الله عليه وسلم: «لولا الأيمان لكان لي ولها شأن»، ولأنه مخالف للشهادة بخول النساء فيه، ولا مدخل لهن في الشهادة على الزنا وتكرار لفظه، ولعن الملعتن نفسه إن كان ما يشهد به خلاف ما هو به، وجوازه من الفاسقين ومن ليس من أهل الشهادة، وكذلك الأعمى.

[فصل 5 - في ملاعنة الأمة والكتابية] ومن المدونة: قال مالك: وأما الأمة والكتابية / فلا يلاعن الزوج في قذفها بغير رؤيةٍ كان حراً أو عبداً، إذ لا يجد قاذفها ويلاعن فيهما إن أحب إذا نفى حملاً وادعى استبراءً، أو ادعى رؤيةً لم يمس بعدها لخوف الحمل، ولو شاء أن يلاعن في قذفها ليحق ذلك عليهما لم أمنعه من ذلك. ومن غير المدونة: قال سحنون في حرٍ تحته أمةً فابتاعها ثم ظهر بها فأنكره أيلاعن؟ قال: إن وضعت لأقل من ستة أشهرٍ من يوم اشتراها وقد أصابها بعد الشراء فاللعان بينهما، لأنه زوج، وإن وضعته لستة أشهرٍ فأكثر من بعد الشراء أو الوطء لحق به، لأنه مما يشبه أن يكون من مسيس الملك، وإن لم يمسها بعد الشراء فإن وضعته لما يشبه أن يكون من مسيس الملك، وإن لم يمسها بعد الشراء فإن وضعته لما يشبه أن يكون من وطئه إن كان زوجاً وذلك لخمس سنين فأدنى فاللعان بينهما، والله أعلم. [فصل 6 - في مكان اللعان] ومن المدونة: ويلتعن المسلم في المسجد عند الإمام في دبر الصلوات بمحضرٍ من الناس، وروى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الزوج والزوجة فحلفا بعد العصر عند المنبر.

قال مالك: وتلاعن النصرانية في كنيستها حيث تُعظم، وتحلف بالله وللزوج أن يحضر معها إن شاء أو يدع. قال ابن القاسم: ولا تدخل هي معه المسجد لأنها تُمنع من المسجد. قال ابن حبيب: قال مطرف: معنى قول مالكٍ في المسلم تحته النصرانية فينفي حملها: إنهما يتلاعنان - يعني إن طاعت، ولا تجبر لأنها لو أقرت بالزنا لم تحد، وكذلك إن قال: رأيتها تزني، فشاء اللعان خوفاً من ولدٍ فيلتعن، وترد عي في النكول في هذا إلى أهل ديتها، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. وقال ابن الكاتب: إنما جعل لها أن تلتعن إن شاءت لأن ذلك موجب لرفع عصمته عنها، ولنفي المعرَّة التي لزمتها بالتعانه، وقد يكون التعانه يوجب عليها في دينها حُكماً فكان لها أن تلتعن لرفعه. [فصل 7 - في حكم الصغير والصغير في اللعان] ومن المدونة: قال: ولا لعان في قذف الصبي لامرأته الكبيرة، إذ لا حد عليه إذا قذف أو زنى، ولأنه لا يلحقه ولدَّ إن كان. وإذا قذف الحر امرأته الحرة فقال: رأيتها تزني، وهي لا يحمل من كبرٍ أو صغرٍ، فإنه يلاعن إذا كانت الصغيرة قو جومعت وإن لم تبلغ المحيض، وكذلك في قذفهما إن كانتا حرتين مسلمتين ليزيل حد قذفه، وتلتعن الكبيرة ولا تلتعن الصغيرة إذ لا تحد إذا نكلت أو أقرت أو زنت، كما يلتعن المسلم زوجته الكافرة، ولا تحد الكافرة إن نكلت أو أقرت أو

زنت، وقد قال الله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ}، والصغيرة ممن لا عذاب عليها في إقرارها ولا في زناها. قال سحنون في كتاب ابنه: وتبقي له زوجةً إذا لاعن أنه نفى عن نفسه الحد، ولا تلتعن هي، وكذلك لولا عن نصرانية وأبت هي أن تلتعن لبقيت له زوجة إلا أن تلتعن هب فتقع الفرقة بينهما، وكذلك في كتاب ابن المواز. [فصل 8 - في لعان الأعمى والأخرس] ومن المدونة: ويلتعن الأعمي في الحمل بدعوى الاستبراء، وفي القذف لأنه من الأزواج فيحمل ما تحمل. قال غيره: بعلمٍ يدله على المسيس لا برؤية. قلت: فالأخرس هل يلاعن إذا قذف بالإشارة أو بالكتاب؟ قال: نعم، إن فَقِه ما يُقال له وما يقول.

فصل [9 - في ذكر الأحكام المترتبة على اللعان] قال مالك: وبتمام اللعان تقع الفرقة بين الزوجين وإن لم يفرق بينهما الإمام ثم لا تحل له أبداً، وإن أكذب نفسه بعد تمام اللعان لم تحل له أبداً ولكن يُحد ويُلحق به الولد. قال مالك: وتلك السنة عندنا لا شك فيها. قال القاضي عبد الوهاب: وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للزوجين لما التعنا: «حسابكما على الله، أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها». ومن المدونة: قال ابن القاسم: إلا أن يكذب نفسه وقد بقي من لعان الزوجة ولو مرةً واحدةً، فيُحد، وتبقى له زوجة، ولولا عن من نفي حملٍ ثم انقشَّ لم تحل له أبداً إذ لعلها أسقطته وكتمته. قال القاضي عبد الوهاب: وينتفي النسب بالتعان الزوج وحده، ولا يفتقر إلى التعان المرأة، لأن التعانها إنما هو لإكذاب الزوج وإسقاط الحد عنها، ولا يجوز أن يُثبت الشيء بما ينفيه.

قال ابن القصَّار: وفُرقة المتلاعنين عندنا فسخ، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: هي طلة بائنةً، وعندنا وعند الشافعي هو تحريم مؤبد، وقال أبو حنيفة: إن أكذب نفسه جاز أن يتزوجها. وفي كتاب ابن الجلابَّ: أن الملاعنة قبل البناء لا صداق لها، وهذا بناءً على أصلهم أنه فسخ، فلذلك لم يجعل لها نصف الصداق. ولمالكٍ في الموطأ: أن لها نصف الصداق، وهو مذهب المدونة. وقال ابن الجلَّاب فيمن اشترى زوجته قبل البناء: أن لها نصف الصداق، وهذا خلاف قول مالكٍ وأصحابه في المسألتين فاعلمه. قال الشيخ: وذكر عن أبي عمران أنه قال في أهل الكتاب إذا تراضوا أن يحكم بينهم في اللعان يحكم الإسلام فلكنت المرأة عن اللعان: فعلى قول عيسى تُرجم، وعلى ما قال البغداديون لا تُرجم، لأن أنكحتهم فاسدة، وإنما يجب على من نكل منهم الحد كالمتلاعنين قبل البناء.

[الباب الثاني] في نفي الحمل بعد رؤيته مدة، والإقرار به وما يلزم في ذلك

[الباب الثاني] في نفي الحمل بعد رؤيته مدة، والإقرار به وما يلزم في ذلك [فصل 1 - في نفي الحمل بعد رؤيته مدة] قال مالك: وكل مقيمٍ مع زوجته ببلدٍ يرى حملها ولا ينتفٍ منه حتى وضعته فليس له أن ينتفي منه بعد ذلك كانت امرأته حرةً، أو أمةً، أو كتابيةً، وإن انتفى منه حين ولدته وقد رآها حاملاً فلم ينتف منه جلد الحد إن كانت زوجته حرةً مسلمةً، لأنه صار قاذفاً، وإن كانت كتابيةً أو أمةً لم يُحد، إذ لا يُحد قاذفهما. قال ابن القاسم: وإذا ظهر الحمل، وعَلِم به ولم يدعه ولا انتفى منه شهراً، ثم انتفى منه بعد ذلك لم يقبل قوله، وضُرب الحد إن كانت زوجته حرةً مسلمةً، وإن كانت كتابيةً أو أمةً لم يُحد ويُلحق به الولد، ويجعل سكوته ها هنا إقراراً منه بالحمل. قلت: فلو رآه يوماً أو يومين وسكت، ثم انتفى منه بعد ذلك؟ قال: إذا ثبتت البينة أن قد رآه فلم ينكر، أو أقر به ثم أنكر بعد ذلك، لم يكن له ذلك، وأما إن قدم من سفره فله أن ينتفي من الحمل وإن كان ظاهراً

فصل [2 - في الإقرار بزنا زوجته وما يلزم في ذلك] قال مالك: ومن قال: رأيت اليوم امرأتي تزني ولم أجامعها بعد ذلك، إلا أنى قد وطئتها قبل الرؤية في اليوم أو قبله، ولم يستبرى فإنه يلاعن، ولا يلزمه ما أتت به من ولدٍ إلا أن يطأها بعد الرؤية فلا يلاعن ويحد. قال مالك: وإذا لاعن كما ذكرنا نفي بذلك الولد، فإن قال: لا أدري هل هو مني أم لا، لأني كنت أطأ ولم أستبرئ، فالولد إذا لاعن منفي. وقد اختلف في ذلك قول مالك، فمرةً ألزمه الولد، ومرةً لم يلزمه الولد ومرةً قال: ينفيه كانت حاملاً. قال الشيخ: فوجه قوله: إذا ظهر حمل بعد التعانه بالرؤية فإنه لا يلحق به: لأن أصل اللعان لنفي النسب ورفع الحد عنه، فإذا كان فقد سقط عنه ويضمن ذلك نفي حمل إن حدث. ووجه القول بأنه / يلحق به: أن الالتعان المضاي طان لإسقاط الحد، لأنه لم يكن هناك حمل بعلم به فيقصد نفيه، فإذا حمل احتاج في نفيه إلى التعان يخصه، فإذا لا التعن على الشط الذي يلتعن به رفع النسب سقط وإلا لَحِق به. ووجه قوله: ينفيه وإن كانت حاملاً: لأنه كان قصد نفيه بالتعانه إذا كان ظاهراً والتعن ولم يدعه.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: وأحب ما فيه إلى أنه إن كان بها يوم الرؤية حمل ظاهر لا شك فيه أو وضعته لأقل من ستة أشهرٍ من يوم الرؤية أن الولد يلزمه ويلحق به إذا التعن على الرؤية. قال الشيخ: لأنه قد بان أن الولد ليس بهذه الرؤية، وهو إنما التعن لها خاصةً فوجب أن يلحق الولد به. ابن المواز: وقال أشهب وعبد الملك وابن عبد الحكم: لا ينفيه إلا بلعان يدعي قبله استبراء، ولا يُنفى ولد برؤية. قال ابن المواز: ولو ادعى مع الرؤي استبراء كان منفياً لا شك فيه. قال الشيخ: يريد: لأنه إذا ادعى الاستبراء عَلم براءة الرحم من مائة. وقيل: ينفيه باللعان. ووجه قوله: ينفيه وإن لم يدَّع استبراءً؛ فلأن دعواه الاستبراء لا يُعلم حقيقته إلا من جهته؛ فوجب أن يقبل قوله في هذا، إذ لو شاء: قال: كنت استبرأت. قال الشيخ: والأولين أبين. ومن المدونة: وقال المخزومي: إن أقر بالحمل وادعى الرؤية لاعن؛ فإن وضعته لأقل من ستة أشهرٍ من يوم الرؤية فالولد منه. فإن كان لستة أشهرٍ فأكثر فهو للعان، وإن ادعاه بعد ذلك لحق به وحُد. قال الشيخ: معنى قول المخزومي - والله أعلم -: إن أقر بالحمل وادعى الرؤية، أي: أقر أنها حملت بهذا الولد وأنه ولدها، ولكن رأيتها تزني منذ مدة

كذا، فاعتبرنا إيلاده بعد الرؤية لأقل من ستة أشهرٍ فيُعلم أنه ليس لتلك الرؤية، وإن ولدته لستة أشهر فأكثر جاز أن يكون لتلك الرؤية، وقد التعن لها، وادعى أن هذا الولد لها، فهو كما لو التعن عليه. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ويلاعن في الرؤية من لا يدعي استبراء، فإن وضعت لأقل من ستة أشهرٍ من يوم الرؤية لحق به الولد، ولا ينفعه إن نفى ولا يحد ولو قال بعد بعد الوضع لأقل من ستة أشهر: كنت استبرأت، ونفاه كان للعان الأول. ابن المواز: وقاله أشهب. قال الشيخ: لأنه ادعى مع الرؤية استبراء فقُبل قوله في ذلك كما لو ادعاه من يوم الرؤية. وقال عبد الملك وأصبغ: لا ينفي إلا بلعانٍ ثانٍ. قال الشيخ: لأن اللعان الأول إنما كان للرؤية خاصة. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ثم ادعاه وأكذب نفسه في الاستبراء لحق به الولد وحُد، إذ باللعان نفيناه فصار قاذفاً. ابن المواز: لا يحد إذا نفى بلعان الرؤية.

قال الشيخ: يريد محمد: أن لعان الرؤية الذي رفع به الحد عن نفسه بأن لم يرجع عنه، ولا أكذب نفسه فيه، وإنما أكذب نفسه في الاستبراء فلذلك لم يحد عنده، لأنه لا يحد إلا من رجع عما رفع به الحد عن نفسه، وهو الصواب. [فصل 3 - في ملاعنة من ولدت ولدين] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا ولدت المرأة ولدين في بطن [واحدٍ] أو وضعت ولداً ثم وضعت آخر بعده لخمسة أشهرٍ فهو حملً واحدً، فإن أقر الزوج بأحدهما ونفى الآخر حُد فأُلحقا به جميعاً، ولو وضعت الثاني لستة أشهرٍ فأكثر؛ فهما بطنان فإن أقر بالأول ونفى الثاني وقال: لم أطأها بعد ولادة الأول، لاعن ونفى الثاني، إذ هنا بطنان، وإن قال: لم أجامعها من بعد ما ولدت الأول وهذا الثاني ولدي، فإنه يلزمه؛ لأن / الولد للفراش، وسئل النساء؛ فإن قلن: إن الحمل يتأخر هكذا، لم يحد، وكان بطناً واحداً، وإن قلن: لا يتأخر، حُد ولحق به، بخلاف الذي يتزوج امرأة فلم يبن بها حتى أتت بلد لستة أشهرٍ من يوم تزوجت؛ فإن أقر به الزوج وقال: لم أطأها منذ تزوجتها؛ هذا يحد ويلحق به الولد. قال في كتاب ابن المواز: وكأنه قال: حُمِلت من غيري، ثم أكذب نفسه باستحقاقه.

قال الشيخ: يريد: ولا يسأل في هذا النساء كما يسألن في الأول. ومن المدونة: ومن قدم من سفرٍ فولدت امرأته ولداً فنفاه فالتعن، ثم ولدت آخر بعد شهرٍ كان منفياً باللعان الأول، فهذا اللعان الأل ينفي كما ولدٍ لهذا الحمل، فإن ادعى الولد الثاني حُد ولحقا به جميعاً، ومن ولدت امرأته ولداً ميتاً، أو مات بعد الولادة ولم يَعلم به الزوج، أو كان غائباً، فلما قدم انتفى منه فإنه يلاعن، لأنه قاذف.

[الباب الثالث] جامع مسائل مختلفة من اللعان

[الباب الثالث] جامع مسائل مختلفة من اللعان [فصل 1 - في ملاعنة المغتصبة] قال ابن القاسم: ومن زنت زوجته فحدث، ثم قال: رأيتها تزني، ولم يقذفها بالزنا الذي حدث له التعن، فإن أكذب نفسه نكل ولم يحد، لأنه إنما قذف زانية، ومن قذف امرأته وقد كانت اغتُصبت التعن، قال غيره: إن قذفها برؤيةٍ غير الغصب تلاعنا جميعاً، وإن لم يقذفها وإنما غُصبت واستمرت حاملاً فنفى الولد؛ لم ينف الولد إلا بلعانٍ ولا تلتعن هي إذ تقول: إن لم يكن منك كان من الغاصب. قال ابن المواز: هذا إن عُرف الغصب بأن تُرى مُتعلقةً به تُدمى، أو غاب عليها، فأما إن لم يُعرف إلا بدعواها فلابد لها من اللعان وإلا رُجمت. قال مالك في المختصر: وتقول في الخامسة: إن غضب الله عليها إن كانت من الكاذبين. قال: ولا يسقط الحد عن المغتصب بتقاررهما مع الزوج بالغصب وإن بان الحمل إلا أن يعرف الغصب كما ذكرنا.

[فصل 2 - في إلحاق الولد لمن أنكر الحمل أو طلق قبل البناء] قال: ومن أنكر حمل امرأته قبل البناء ثم مات فهو به لاحق، وقاله أشهب قال: ولها جميع الصداق ولا لعان عليها ولها الميراث. قال ابن القاسم: وإذا طلق قبل البناء وتقاررا أنه لم يمس، ثم مات، ثم ظهر بها حمل فقالت: هو منه، فإنه لاحق به ووارث له، ولا ترثه هي، ولا يتم لها صداقها. قال محمد: الصواب أن يتم لها للحوق الولد، ولو مات قبل انقضاء العدة ورثته إذا كان الطلاق واحدةً ولا حد عليها، ولو ظهر في حياته واستلحقه لحق به ولم يحد ويصير لها الصدق وله الرجعة، وإن تمادى على إنكاره لاعن وزال عنه، وإن نكل لحق به، وإذا لاعن وزال عنه لم تكن له رجعة ولا تزاد على نصف الصداق، وإن قبضت جميعه رددنا نصفه. قال ابن المواز: وتحد هي إن لم تلاعن.

[فصل 3 - فيمن تزوج امرأة في العدة ثم أنكر الولد منها] ابن المواز: ومن تزوج امرأةً في العدة قبل حيضةٍ فأتت بولدٍ فهو للأول إلا أن ينفيه بلعان، فإن التعن هو ولم تلتعن هي كان بالثاني لاحقاً إن ولدت لستة أشهرٍ فأكثر من يوم دخل بها الثاني إلا أن ينفيه، فإن نفاه بلعان التعنت هي، فإن نكلت حُدَّت، ولو التعنا ثم استلحقه الأول لحق به ولم يحد، إذ لم ينفه إلى زنا. وقال أصبغ في المستخرجة: من استلحقه منهما / لَحق به وحد. قال ابن المواز: ولو كان الثاني هو مستلحقه دون الأول لَحق به وحُد، لأنه كان نفيه له إلى غير أب، ومن استلحقه منهما أولاً لحق به ثم لا دعوى للثاني فيه، ولو دعاه الأول بعد لعانه وقبل لعان الثاني لم يقبل منه، لأنه ابن للثاني حتى ينفيه، ولو استلحقه كلاهما بعد التعانهما كان الأول أحق به وتحرم على الثاني للأبد التعن أو لم تلتعن لأنه ناكح في عدة. قال سحنون: ولا تحرم على الأول وإن التعن، لأنها لم تلاعنه كالتي تغتصب فينفي الزوج حملها أنه يلاعن ولا تحرم عليه. وقال أصبغ: إذا تلاعنا جميعاً على الأول والثاني. قال الشيخ: قول سحنون أصوب.

قال أصبغ في المستخرجة: ولو كان إنما تزوجها بعد حيضةٍ فأتت بولدٍ لستة أشهرٍ فأكثر فهو للآخر إلا أن ينفه بلعان، فإن التعن لم تلتعن هي وكان بالأول لاحقاً إلا أن ينفيه بلعان، وتلتعن هي فإن نكلت حُدَّت. وقد تقدم صدر هذه المسألة في كتاب العدة وهذا تمامها. [فصل 4 - في نكول أحد الزوجين عن اللعان] ومن المدونة: قال مالك: ومن نكل من المتلاعنين عن اللعان حُدَّ مكانه، حد القذف على الزوجٍ، والرجم على الزوجة إن كانت ثيباً، ولا تؤخر إلا في الحمل، فإن كانت بكراً فمئة جلدة. قال ابن القاسم: وإذا أقامت المرأة بينةً أن الزوج قذفها وهو منكرً حُد إلا أن يدعي رؤية فيلتعن، ويقبل منه بعد جحوده. قال في كتاب ابن المواز: بخلاف الحقوق، ويقول: أردت الستر بإنكاري. وقال غيره في المدونة: لا يقبل منه رجوعه لأنه أكذب نفسه، ويحد.

قال الشيخ: واختلف إذا لاعن الزوج وأبت المرأة اللعان ثم رجعت فقالت: تلاعن، فقال أبو بكر بن عبد الرحمن: لها ذلك كالتي تقر بالزنا على نفسها ثم ترجع أن لها ذلك، فلا فرق بينهما. قال الشيخ: ولأن نكولها تصديق للزوج أنها زنت فهو كإقرارها بالزنا، فكما كان لها الرجوع في الإقرار المحض؛ فكذلك الرجوع في هذا، كالمرأة تقيم على زوجها بينةً بقذفه إياها وهو ينكر فيجب حده، فكما كان له أن يحق عليها الزنا وتلتعن، فكذلك هذه لها الرجوع إلى اللعان، لأنهما في الوجهين يدفعان بذلك حداً وجب عليهما، فهو بخلاف الحقوق، وإن كان قد اختلف في رجوع الزوج؛ فكذلك يجيء الاختلاف في هذه المسألة. وسئل عنها أبو عمران فقال: قد جرت هذه المسألة قديماً واختلفنا فيها فقال فيها شيخنا أبو علي بن خلدون رحمه الله وغيره: لها الرجوع بمنزلة المُقرَّة بالزنا ترجع عن إقرارها. قال: وكتب فيها الشيخ أبو القاسم بن الكاتب رحمه الله شيئاً وبعثه إليَّ فوفقته عليه، وهو خلاف قول غيرنا، وذلك أن الرجم يجب عليها بعد نكولها وإن رجعت، لأن الزوج لما أحق ذلك عليها بشهادته أربع شهاداتٍ صارت تلك الشهادات كالشهداء الأربعة الذين حضروا الزنا فعليها أن تأتي بما يقابل ذلك

ويكافئ شهادته، فإن نكلت لم تكافئ شهادته لنكولها. قال الشيخ: وقد ألف فيها الشيخ أبو القاسم بن الكاتب رحمه الله وأطال فيها الاحتجاج وكَثُر، فتركته لطوله، والقولان محتملان لما قدمناه. وبالله التوفيق. ومن قذف زوجته ثم بانت منه وتزوجت ثم أقامت بالقذف، فإنهما يتلاعنان، ومن أبى منهما اللعان حد. فصل [5 - في تصادق الزوجين على نفي الولد] وإذا تصادق الزوجان على نفي الولد نفي بلا لعان وحدت الزوجة إن كان لها معه قبل ذلك سنين، وقاله مالك والليث. وقال أكثر الرواة: لا ينفي إلا بلعانٍ وإن تصادقا على نفيه، ورووه أيضاً عن مالك. قال الشيخ: يعنون إنما / يلتعن الزوج ولا تلتعن المرأة لأنها مقر بالزنا، وإنما تلاعن المرأة لتدفع عن نفسها حد الزنا لا لنفي الولد: إذ لا يصح نفي ما ولدته، بخلاف الزوج.

ابن المواز: قال ابن القاسم: وهذا إذا ثبتت على قولها حتى تحد، ثم لا يقبل منها قولها إن رجعت، ولو رجعت قبل أن تحد عاد اللعان بينهما، فإن نكل الزوج لحق به ولا يُحد لأنها مقَّرة. فصل [6 - فيمن عرض بزنا زوجته] ومن المدونة: من قال في زوجته: وجدتها مع رجلٍ في لِحَافٍ، أو تجرَّدت له، أو ضاجعته، لم يلتعن إلا أن يدعي رؤية الفرج في الفرج، فإن لم تكن له بينة على ما ذكر فعليه الأدب ولا يحد. قال ابن المواز: وهذا تعريض لو قاله لأجنبيةٍ لَحُد، وقد قيل: يحد ولا يلاعن، وقيل: يؤدَّب ولا يلاعن، ولو رجع إذا قامت عليه فقال: بل رأيتها تزني، كان له أن يلاعن، قاله لي عبد الله بن عبد الحكم. فصل [7 - في قذف الملاعنة أو ابنها] ومن المدونة: قال مالك: وعلى قاذف ابن الملاعنة أو قاذف أُمِّه الحد، وقاله علي بن أبي طالبٍ وابن عمر وغيرهما.

ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ولو قذفها أحد بعد لعان الزوج وحده لأخرته حتى تلتعن هي أو تنكل، فإن التعنت حُدَّ لها، وإن نكلت لم يحد، وكذلك لو قذفها أحدَّ بعد موتها وبعد لعان الزوج وحده لم يحد، لأنه قد ثبتت عليها بلعان الزوج حد الزنا حتى تخرج منه بالتعانها، وقاله عبد الملك. وقال أشهب: من قذفها بعد لعان الزوج وحدّه عُوجل بالحد. وقول ابن القاسم وعبد الملك أحب إلي، وأما لو قذفها أحد قبل تمام لعان الزوج لَحُدَّ ولم يؤخر، وإن تأخر حتى التعن الزوج فلا يسقط عنه الحد إذا التعنت. ومن المدونة: وإن قال رجل لابن الملاعنة: ليس أبوك فلاناً؛ فإن كان على وجه المشاتمة حُدَّ له. قال ربيعة: ومن لاعن زوجته ثم قذفها بعد تمام اللعان حُدَّ لها. ومن كتاب ابن المواز: وإذا لاعتها ثم قال: والله ما كذبت عليها، أو قذفها، قال محمد: لا يحد لأنه إنما لاعن لقذفه إياها. قال سحنون في الذي قذف امرأته برجلٍ معينٍ فضرب لذلك الرجل الحد: سقط عنه اللعان. قال الشيخ: لأنه لما حُدَّ للرجل سقط عنه حده لزوجته كمن قذف رجلين فحُدَّ لأحدهما فلما سقط عنه الحد لها لم يجب عليه لعانها، إذ لا يرفع به حداً وجب عليه لها، وكما لو طلب باللعان لها فنكل فحُدَّ لها لسقط عنه الحد للرجل.

فصل [8 - في نفي الولد، أو الإقرار به بعد لعانه منه] قال ابن القاسم: ومن قامت عليه بينة أنه أقر بولدٍ لاعن منه وهِو منكر لَحِق به وحُد، ومن نفى ولداً بلعانٍ ثم زنت امرأة بعد ذلك ثم أقر بالولد لَحِق به ولا يحد إذ صارت زانية، ومن نفى ولداً بلعانٍ ثم ادعاه بعد أن مات الولد عن مالٍ، فإن كان لولده ولدً لحق به وضُرب الحد. قال ابن القاسم: وإن لم يترك ولداً لم يقبل منه، لأنه يُتَّهم في ميراثه ويُحد ولا يرثه. ومن انتفى من حمل زوجته بلعانٍ ثم أقر به بعد ما ولدته حُد ولَحِق به، فإن كان موسراً في مدة الحمل أو في بعضها رجعت عليه بالنفقة في مدة يُسرِه، وإن كان يومئذ معسراً لم ترجع عليه بشيء. فصل [9 - فيمن أنكر لون ولده] قال مالك: ومن أنكر لون ولده لزمه ولم يلاعن وذلك عِرق نَزعه، وروى ابن وهب أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي ولدت غلاماً أسود فأنكرته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «هل لك من إبل؟» قال نعم، قال: / «ما ألوانها؟» قال: هي حُمرُ، قال: «هل فيها من أَورَق؟» قال: إن فيها

لَوَرِقَاً، قال: «فأتَّى ترى ذلك جاءها؟» فقال: يا رسول الله عِرق نَزَعَها، قال: «فلعل هذا عِرق نزعه» ولم يُرخِّص له في الانتفاء منه. فصل [10 - فيمن قذف رجلاً معيناً بزنا] ومن قال: رأيت فلاناً يزني بامرأتي، لاعن وحُدَّ لفلان. فصل [11 - في المرأة إن ضرب بطنها فألقت جنينا وفي موت أحد الزوجين قبل التعانه أو بعده] ومن ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً فانتفى منه الزوج والتعن فالغُرَّة للأم ولم يرث الجنين معها، وهذا مثل ابن الملاعنة إذا مات عن مالٍ ورثته أمه وعصبته، وإذا ماتت امرأة بعد التعان الزوج أو بعد أن نفى من لعانها مرةً واحدةَ ورثها الزوج. قال مالك: وإن مات الزوج بعد التعانه قيل للمرأة: التعني، فإن أبت ورثته ورُجمت، وإن التعنت لم ترثه.

ابن وهب: قال مالك: وإن ماتت بعد تمام لعانه وقبل لعانها ورثها، إذ لعلها كانت تصدقه. سحنون: قال مالك: إذا وجب اللعان فماتت قبل لعان الزوج فلا لعان عليه. ابن المواز: قال مالك: وإذا مات الزوج قبل تمام لعانه فلا لعان عليها ولا عذاب وترثه، وإن أتم لعانه ثم ماتت هي ورثته أيضاً، وإن لم تمت قيل لها: التعني، فإن التعنت فلا ميراث لها ولا عدة للوفاة، وإن نكلت ورثته ورجمت، وروى البرقي عن أشهب: أنها ترثه وإن التعنت، لأنها الآن بانت منه. ابن المواز: قال ابن القاسم: وإذا التعنت قبله ثم ماتت هي فذلك مما لم يكن ينبغي، فإما إذا كان فإنه يقال للزوج: التعن، ثم لا ميراث لك ولا حد عليك، فإن نكل ورثها وعليه الحد. قال ابن القاسم: ولو لم تمت لم أعد اللعان عليها. وقال أشهب: بل يعاد اللعان عليها بعد لعان الزوج، وكذلك في الحقوق إذا بدأ الطالب باليمين. وذكر ابن حبيب عن مطرف عن مالك إذا التعن ثم مات قبل لعانها مثل ما ذكر ابن المواز وغيره. قال: وقال ربيعة: ترثه التعنت أو لم تلتعن. قال: وبهذا نأخذ، ألا تراه لو رجع قبل لعانها لبقيت له زوجة وحُد، أو لا ترى لو ماتت قبل لعانها لورثها عند مالك.

ومن كتاب ابن المواز: ولا لعان بعد طلاقٍ بائنٍ إلا في نفي حمل، ولو قال في العدة من طلاقٍ بائنٍ: رأيتها تزني، وأراد أن ينفي ما ينفى من حمل فهذا يلاعن وإن لم يدَّع فيه استبراء، وأما إن لم يذكر رؤية ونفى الحمل فإن ادعى الاستبراء ها هنا لاعن ثم تلتعن هي فإن نكلت رجمت. وقال ابن سحنون عن أبيه في الذي طلق امرأته ألبتة ثم قال في العدة: رأيتها تزني، فقال ابن القاسم وروى مثله ابن وهب: أنه يلتعن، وإن مات هو بعد التعانه قيل لها: التعني. قال ابن القاسم: وعدتها ثلاث حيض ولا تنتقل. وقال المغيرة: لا يحد ولا يلاعن، وسحنون يميل إلى هذا. وقال ابن المواز: إذا قذفها في العدة حد ولم يلاعن. وذكر عن أبي القاسم بن الكاتب أنه قال: إذا لاعن ثم قال: ما كنت إلا صادقاً، لم يحد، والقاذف إذا قال بعد ما حُد: ما كنت إلا صادقاً، فإنه يُحد. والفرق: أن المتلاعنين أحدهما صادق، فلم يحد إذا لعله كان صادقاً، والقاذف إنما حُدَّ تكذيباً له، فإذا قال: كنت صادقاً، فهو كالقاذف المبتدئ فوجب حده.

[فصل 12 - في المرأة إن شهد عليها بالزنا أربعة أحدهم زوجها] ومن المدونة: وإن شهد على امرأةٍ بالزنا أربعة أحدهم زوجها لاعن الزوج وحُدَّ الثلاثة، وقاله ابن عباس وأبو الزَّناد وابن شِهاب وابن قُسيط وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد. ابن المواز: / قال مالك: فإن رجمها الإمام ثم علم بذلك لم يحد الثلاثة ويلاعن الزوج، فإن نكل حد ويرثها إلا أن يعلم أنه تعمد الزور ليقتلها أو يقر بذلك فلا يرثها. وإن قال: شهدت بالحق، لاعن وإلا حُدَّ ولادية عليه ولا على الثلاث، ولا حد ولادية على الإمام لأنه مختلف فيه، فليس هو بخطأٍ صريحٍ، كشهادة العبد والنصراني، وقال أصبغ إلا في الميراث، فقال: لا يرثها لأنه التعن وليس بشاهدٍ فلا يخرج من تهمة العامد لقَت وارثه. قال محمد بن أبي زمنين: وإذا شهد على المرأة بالزنا أربعة أحدهم زوجها وعلم بذلك؛ فإنه يقال للزوج: التعن، فإن التعن قيل للزوجة: التعني، فإن التعنت حد الشهود الثلاثة، وإن نكلت عن اللعان وجب عليها الحد وسقط الحد عن الثلاثة، لأنه قد حق عليها ما شهدوا به، وهكذا فسَّره ابن الماجشون.

[فصل 13 - فيمن لم يرفع إلى السلطان بقذفه وفيمن أنكر ولد زوجته التي لم يدخل بها] ومن المدونة: قال مالك: ومن قذف زوجته أو أجنبيةً فلم يرفعاه إلى السلطان فلا شيء عليه. قال مالك: ومن لم تُعلم له بزوجته خلوةُ حتى أتت بولدٍ فأنكره وأنكر المسيس، وادعت هي أنه منه، وأنه غَشِيها، وأنكر قولها وأنن به لستة أشهرٍ فأكثر من يوم العقد وقد طلق أو لم يطلق، لزمه إلا أن ينفيه بلعانٍ فلا يلزمه، ولا يكون لها إذا لاعن إلا نصف الصداق ولا سكنى لها ولا متعة، وإن نكل حُدَّ، يعني: ويلحق به الولد ويغرم الصداق. ابن المواز: قال ابن القاسم وابن وهب: وإن قال الزوج: عقدت منذ خمسة أشهر، وقالت هي: منذ أكثر من ستة أشهر، وجاء حمل فلابد من اللعان. [فصل 14 - في سكنى الملاعب] ومن المدونة: قال مالك: وللملاعنة السكنى. قال ابن القاسم: لأنها في عدةٍ من الزوج، ولا تُنكح حتى تنقضي عدتها

[فصل 15 - في عدم استحقاق الملاعنة للمتعة] قال مالك: ولا متعة للملاعنة على [كل] حالٍ كانت مدخولاً بها أم لا سمى لها صداقاً أم لا. قال ابن القاسم: لأن الفراق لم يكن من فعل الزوج وإنما جاء من قِبلِهَا حين أنكرت ما قال. وقال ابن الكاتب: إنما مُنعت الملاعنة من المتعة لأن اللعان ليس بطلاق، والمتعة إنام تكون للمطلقات، كذا قيل فيها. [فصل 16 - فيمن قذف زوجته وهي حائض أو نفساء] قال: ومن قذف زوجته وانتفى من حملها وهي حائض أو في دم نفاسها فلا يتلاعنان حتى تطهر.

قال أبو محمد: يلاعن الزوج ويُتَأَنى بها حتى تطهر. قال ابن القاسم: وكذلك إن حل أجل التلوم في المعسر بالنفقة، أو العنِّين، أو غيره والمرأة حائض فلا تطلق عليه حتى تطهر إلا المولي فإن كان مالكاً قال فيه: إذا حل أجله فأوقفه السلطان وزوجته حائض فلم يفئ طلق عليه. وروى أشهب عن مالك: لا تطلق عليه حتى تطهر، وقد تقدم هذا. كَمُلَ كتاب اللعان بحمد الله وحسن عونه، وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.

[الكتاب الثالث عشر] كتاب الاستبراء

[الكتاب الثالث عشر] كتاب الاستبراء [الباب الأول] في استبراء الإماء في البيع وغيره [فصل 1 - في مشروعية استبراء الإماء] روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال سبي أو طاس: لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض، وقال عليه الصلاة والسلام: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقينَّ ماءه غيره، فوجب أن كل من انتقل إلى

ملكه ملك أمة كانت في حوز غيره، بأي وجهٍ ملكها، أن يستبرتها بحيضةٍ إن كانت ممن تحيض، ملكها ببيعٍ، أو إرثٍ، أو هبةٍ، أو صدقةٍ، أو وصيةٍ، أو من مغنمٍ، أو بغير ذلك. قال ابن وهب: / وقال ابن عمر وابن مسعود وفُضَالة بن عبيد وكثيرُ من التابعين: من اشترى أمةً فلا يقربها حتى يستبرئها بحيضة. قال ربيعة وابن شهاب: هي السنة. قال أبو بكر الأبهَري: الاستبراء يجب بأربعة أوصاف: بالملك - يريد لا بالتزويج - قال: وأن لا تعلم براءة الرحم - يريد مثل أن يشتري مودعةً عنده تخرج - قال: وأن يكون له الوطء مباحاً في المستقبل - يريد مثل أن يشتري ذات زوج. قال: وأن لا يكون له الفرج حلالاً قبل الملك - يريد مثل أن يشتري زوجته - قال: فمتى سقط أحد هذه الأوصاف لم يكن بُد من الاستبراء.

قال عبد الوهاب: وإنما كتفها حيضةُ واحدةً بقوله صلى الله عليه وسلم: «حتى تحيض»، ولأنها تدل على براءة الرحم في الغالب، ولا يتعلق بها عبادة كالعدة. ومن المدونة: قال مالك في آخر الكتاب: وأحب ما سمعت إلى في التي لم تحض من صغرٍ ومثلها يوطأ، أو اليائسة من الحيض إذا بيعت أن تستبرأ بثلاثة أشهر، إذ لا يبرأ رحم في أقل من ذلك، وعلى هذا أمر الناس. قال ابن وهب: وقاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره. قال الشيخ: لأن أقل ما يتبين فيه أمارات الحمل ثلاثة أشهر. ومن الواضحة: قال مالك: وتستبرأ الصغيرة إذا بلغت أن توطأ وإن أُمِن منها الحمل. قال ابن حبيب: وهذا شديد، وقد روي عن كثيرٍ من السلف أنها إنما تستبرأ إذا قاربت البلوغ وخشي الحمل على مثلها، لأنها قد تحمل قبل المحيض إذا قاربته، فأما إن لم تقاربه ولا يحمل مثلها فلا تستبرأ، وروي ذلك عن عمر وعلي وكثير من التابعين من الفقهاء، وإذا قاربت الحيض ففي مبلغ استبرائها اختلاف. فقال سليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز وجماعة من الفقهاء ومالك وأصحبه: بثلاثة أشهر.

وروي عن عمر وعلي وابن المسيب وغيرهم: شهر ونصف، وقال بعض العلماء: شهر، وقال بعضهم: شهران، سمعت ابن الماجشون يقوله، ولا أعلم من قال بتسمية. [فصل 2 - في استبراء المستحاضة والمكاتبة] ومن المدونة: قال مالك: ومن اشترى أمةً مستحاضةً، فعلم بذلك فاستبراؤها ثلاثة أشهر، إلا أن لا يبرئها ذلك وتشك فيرفع بها إلى تسعة أشهر، والتي رفعتها حيضتها بمنزلتها. قال الشيخ: لأن التسعة أشهرٍ هي الغالبة من مدة الحمل، فالبراءة تقع بها في الغالب. قال ابن القاسم: إلا أن ترى المستحاضة دماً توقن هي والنساء أنه دم حيضٍ فتحل متى تراه، لأن مالكاً قال في المستحاضة ترى دماً وهي في عدة موتٍ، أو طلاقٍ توقن هي والنساء أنه دم حيضٍ فذلك قرء تحتسب به. قال: ومن كاتب أمته، ثم عجزت أحببت له استبراءها إلا التي في يديه لا تخرج فلا شيء عليه. قال ابن حبيب: لا يطؤها حتى يستبرئ، لأن فرجها كان ممنوعاً من وطئه، فكأن ملكه زال عنها.

[فصل 3 - في استبراء المغتصبة] ومن المدونة قال: وعليه في المغصوبة ترجع إليه الاستبراء إن غاب عليها الغاصب، ولو اشتراها الغاصب بعد أن وطئها فليستبرئها من مائه الفاسد. وؤأيت لسحنون: إذا رجعت لسيدها فليستبرئها لنفسه بلا مواضعة، لأنه قد أخذ ما نقصها، وهذا إذا كانت من الوَخْش، وأما إذا كانت رائعةً رأيت سيدها بالخيار في أخذ القيمة، أو أخذها وما نقصها، لأن ذلك في الرائعة عيبُ شديد يوجب له قيمتها. [فصل 4 - في استبراء من استحقت بحرية] ومن المدونة: قال مالك: ومن اشترى أمةً فغاب عليها، ثم اسْتُحِقَّت بحريةٍ لم تنكح إلا بعد ثلاث حِيضٍ وإن تقاروا أنه لم يطأ، ولو وطئها فلا صداق عليه، لأنه وطئ بالملك / إلا أن يطأ عالماً بحريتها فعليه الصداق والحد. قال ابن القاسم في غير المدونة: ولا تحد هي إن أقرت بالملك. قال أبو بكر بن اللبَّاد: وقال المغيرة وابن الماجشون: وعليه لها صداق مثلها وإن وطئ غير عالم. قال سحنون: وقد قال ابن القاسم: ما تبين لي قولهما.

وقال في الأخوين يتزوجان أختين فيغلطان بهما، فَتُدخَل على كل واحدٍ زوجة أخيه فيطؤها، ثم ظهر على ذلك: إن لكل واحدةٍ صداق مثلها على الذي وطئها. وقد اختلف في الحر إذا بيع فاغتلَّه المشتري، فقيل: يكون للمشتري غلته مع كونه غير ضامنٍ له لو هلك، وقيل: لا غلة له. ومن كتاب الاستبراء: وإذا سبى العدو أمةً، أو أمَّ ولدٍ، أو مدبَّرةً، أو حرةً، ثم رجعن، لم توطأ الحرة إلا بعد ثلاث حيض، وأولئك بعد حيضة، ولا يصدقن كلهن في نفي الوطء، لأن أهل الحرب قبضوهن على وجه الملك لأعلى وجه الوديعة. [فصل 5 - في استبراء المرهونة والمودعة والموهوبة] ومن رهن جاريةً، أو أودعها فلا يستبرئها إذا ارتجعها، ولو ابتاعها المودع بعد أن حاضت عنده أجزأه من الاستبراء إن كانت في بيته لا تخرج، وإن كانتت تخرج إلى السوق لم يجزه. ومن وهب أمةً لرجلٍ، ثم ارتجعها بعد غيبة الموهوب له عليها، فليستبرئها لنفسه، لأنها قبضت على الحَوز. قال الشيخ: ومعنى ارتجعها: أن الموهوب ردها إليه فصارت كهبةٍ منه للواهب، ولو وهبها له الأول على غير ثوابٍ فأثابه أقل من قيمتها فلم

يرضه فردها عليه، فيكون عليه الاستبراء بلا مواضعة، لأن الموهوب قبضها على الحوز، ولو سَّميا ثواباً لم يكن له أن يرتجعها منه إلا أن ينقضي الأمر الأول، فتكون إقالة، وإن أثابه بعد خروجها من المواضعة فعليه الاستبراء، والمواضعة كالبيع. [فصل 6 - في إستبراء من بيعت على المواضعة ثم رجعت إليه من وهبها لولده] ومن باع أمةً على المواضعة ثم رجعت إليه في المواضعة قبل أن تحيض أو يذهب معظم حيضتها فلا استبراء عليه، ولو قبضها المبتاع لنفسه على الحوز لا على الأمانة في المواضعة، ثم أقاله فليستبرئ لنفسه وإن أقاله بعد يومٍ من مغيبه، والهبة كذلك. ومن وهب لابنه الصغير أو الكبير في عياله جاريةٌ، ثم اعتصرها فإن لم تمن تخرج وهي بيد الأب ولم يغب الكبير عليها لم يستبرئ، وإن كانت تخرج، أو قبضها الكبير وغاب عليها فليستبرئ. قال مالك: وإن وطئها الابن فلا اعتصار الآن فيها. قال الشيخ: أعلم أنه إذ قال الابن الكبير: ما وطئتها، فللأب اعتصارها، لإقرار الولد أن اعتصار الأب لها جائز، ولو قال الابن: وطئتها، لم يكن للأب أن يعتصر، وإنما مُنع الأب من اعتصارها لأنه قد حرَّمها عليه وتغيَّر حالها بذلك كحوالة عينها، وحوالة عينها تمنعه من الاعتصار، فكذلك هذا. وحكى عن الشيخ أبي الحسن أنه قال في قوله: إذا اعتصرها الأب بعد غيبة الكبير عليها فليستبرئها الأب: إنما فال ذلك لغيبتها عن حوز الأب ونظره، لا نت أجل خفية وطء الابن، إذ لو كان كذلك لأمره ألا يطأها أصلاً، فاعلم ذلك.

[فصل 7 - في استبراء من باعها على ابنه الصغير أو اشتراها من زوجته أو خالعها عليها أو وهبتها له] ومن المدونة: ومن باع على ابنه الصغير من نفسه أمةً، أو رجل ابتاع أمة زوجته، أو خالعها عليها، أو وهبتها له. فإن كانت عنده لا تخرج لم يستبرء، وإن كانت تخرج فعليه الاستبراء. ابن المواز: قال أشهب: إن كانت معه في دارٍ وهو الذابُّ عنها والناظر في أمرها أجزأه، كانت تخرج أو لا تخرج. قال الشيخ: ووجه / هذا. فلأنها إذا كانت عنده وهو القائم بأمرها أشبهت أمته، فكما لا استبراء عليه في أمته إذا كان تخرج، فكذلك هذه. ووجه قول ابن القاسم: إنما راعى انتقال الملك مع كونها ليست في يد المشتري، أو في يده لا تتصرف، إذ قد يمكَّن السيد من وطئها إذا كانت تتصرف. [فصل 8 - في استبراء من لم توطأ] ومن المدونة: قال مالك: ومن اشترى جارية مثلها يوطأ من رجلٍ لم يطأها أو من صبيٍ، أو امرأةٍ فلابد من مواضعتها للاستبراء. ومن أبضع مع رجلٍ في شراء جاريةٍ فبعث بها إليه فحاضت في الطريق فلا يقربها حتى يستبرئ لنفسه.

وقال أشهب: بل تجزئه حيضتها في الطريق، أو عند الوكيل، ولا يستبرأ من سوء الظن. قال الشيخ: قيل معنى قول ابن القاسم: أن الوكيل تعدَّى في بعثه إياها مع غير من ائتمنه الآمر، فلذلك قال: لا تجزئه حيضتها في الطريق حتى يستبرئ لنفسه. [فصل 9 - في استبراء من بيعت فحبست بالثمن] ومن المدونة: ومن باع أمةً فحبسها بالثمن أو لم يمنع المشتري من قبضها، ولا سأله هو في ذلك، وذهب هو ليأتي بالثمن، فأتى فألفاها طامثاً ففي أول الدم يجزئه، وإن ألفاها في آخره وقد بقي منه يوم أو يومان، أو بعد الطهر [فلا] ولتواضعاها إلا في الوخش فليقبضها وليستبرء لنفسه، ولو أمكنه البائع من الرائعة فتركها عنده أجزأته حيضتها على كل حالٍ، لأن استيداعه إياها بمنزلة أو لو وضعها عند غيره. ومن العتبية: قال ابن القاسم: ولو حبسها البائع بالثمن ثم وطئها فحملت فلا حد عليه للشبهة، ويأخذها المبتاع وقيمة الولد كالمستحقة.

قال الشيخ: يريد أنه وطئها بعد أن خرجن من الاستبراء، وأما إن وطئها قبل خروجها من الاستبراء فحملت فإنها تكون له أم ولد، ويعاقب، كما قال في التي أمكنه منها-. قال ابن القاسم: ولو أنه أمكنه منها فتركها المبتاع عنده فإن وطئها بعد أن استبرأها حُدَّ، وإن كان قبل استبرائها لم يُحد، وعُوقب عقوبةً مُوجِعة، وكانت له أمَّ ولد. قال سحنون: وإن كانت من وَخْش الرقيق ومنعه البائع من قبضتها حتى يأتيه بالثمن، فوطئها البائع فأولدها كانت له أم ولد، لأن مصيبتها منه وعتقه فيها جائز إذا حبسها بالثمن، وكذلك يقول جميع أصحابنا: إن المصيبة من البائع، إلا ابن القاسم وحده فإنه كان يقول: المصيبة فيها من المشتري، فإن كان تركها عند البائع على وجه الوديعة فوطئها لزمه الحد، ولا يلحق به الولد، لأن مصيبتها من المبتاع. [فصل 10 - في استبراء من بيعت في أيام حيضتها] ومن المدونة: قال مالك: ومن ابتاع أمةً في أول الدم أجزأه من الاستبراء، وأما في آخره وقد بقي يوم، أو يومان فلا، وله المواضعة، وإن ابتاعها فرأت عنده دماً لخمسة أيامٍ من حيضتها عند البائع لم يجزه من الاستبراء، وهو كدمٍ واحدٍ، وتدع له الصلاة، وإن رأته بعد أيامٍ كثيرةٍ يكون لها حيضاً مؤتنفاً فرأته يوماً أو بعض يوم، أو يومين، ثم انقطع، فإن قال النساء: إن مثل ذلك حيضة، أجزأتها وإلا لم يكن استبراء، وإن لم تصل فيه حتى تقيم في الدم ما يستيقن ويُعرف أنه استبراءٌ لرحمها.

قال في كتاب ابن المواز: إلا أن تكون حيضتها قبل ذلك أكثر من هذا فلا يبرؤها حتى تقيم ما يُعرف أنه استبراء لرحمها. وقال في كتاب آخر: لا تكون الحيضة يوماً في عدةٍ ولا استبراءٍ. واختلف في أقلِّ الحيض وأقلِّ الطهر: أقلُّ الحيض خمسة أيامٍ، وقيل/: ثلاثة، وقيل: أقلُّ الطهر عشرة، وقيل: ثمانية، وقيل: خمسة، وهذا في العدوة والاستبراء، وأما في غير ذلك فَدُفْعَة من دمٍ توجب ترك الصلاة. ومن المدنة: قال مالك: والثلاثة أيام والأربعة الأيام والخمسة أيامٍ إذا طهرت فيهن ثم رأت الدم بعد ذلك فهو من الحيضة الأولى. قال: ويسأل النساء في عدة أيام الطهر، فإن قلن: هذه الأيام تكون طهراً فيما بين الحيضتين، وجاء على هذه الأمة بعد هذه الأيام من الدم ما يقول النساء: إنه دم حيضةٍ، ولا يشككن فيه، أجزأه ذلك من الاستبراء وإلا فلا.

[الباب الثاني] في استبراء الأمة تباع ثم يستقال منها أو يفسخ بيعها، أو تتبرع من عبد أو ترد بخيار أو بعيب

[الباب الثاني] في استبراء الأمة تباع ثم يستقال منها أو يفسخ بيعها، أو تتبرع من عبد أو ترد بخيار أو بعيب [فصل 1 - في استبراء الأمة تباع ثم يستقال منها] قال ابن القاسم: ومن باع أمة رائعة ثم تقايلا قبل التفرق فلا استبراء عليه وإن أقاله، ومن غاب المبتاع عليها فإن أقامت عنده أياماً لا يمكن فيها استبراءُ ولو يوماً واحداً فلا يطؤها المبتاع إلا بعد حيضةٍ، ولا مواضعة على المبتاع فيها، إذ لم تخرج من ضمان البائع بعد، ولو كانت وَخْشَاً فقبضها على ثبات البيع والحوز ثم أقاله بعد مدة الاستبراء فليستبرئ البائع لنفسه إذا ارتجعها قبل أن تحيض، أو يذهب عظم حيضها، ولو كانت عند أمين فلا استبراء عليه في الإقالة قبل حيضة ولو بعد طول المدة عند الأمين، ولو تقايلا بعد حيضةٍ عند الأمين أو في آخرها فللبائع على المبتاع فيها المواضعة لضمانه إياها. قيل له: لم أوجبت على البائع أن يستبرئ لنفسه وجعلت له المواضعة على المبتاع إذا أقاله في آخر دمها، وهي لم تحل للمشتري حتى تخرج من دمها؟ قال: لأنها إذا دخلت في أول الدم فمصيبتها من المشتري وقد حلَّ له أن يُقَبِّل، ويصنع بها ما يصنع الرجل بجاريته إذا حاضت، ولأنها قد تحمل إذا وطئها في آخر دمها، ولا أدري متا أحدثت إلا أن يقبله في أول دمها ومعظمه فلا أرى عليه استبراء ولا مواضعة فيها كبيعٍ مؤتنفٍ من غيره، وكذلك في بيع الشقص منها والإقالة منه.

ومن ابتاع شقصاً [من رائعة] فله المواضعة. وفي كتاب محمد: لا استبراء على البائع ولا مواضعة له على المشتري. قال الشيخ: جعل كونها بيد أمينٍ كما لو ائتمن المبتاع على استبرائها ثم أقالة فيها قبل أن يذهب عظم حيضتها أنه لا استبراء عليه. [فصل 2 - في استبراء الأمة تباع ثم يفسخها بيعها أو يشتريها من عبده] ومن المدونة: قال: ومن باع أمَّ ولده أو مدبرته فسخ البيع ورُدت فلنستبرأ إذا كان قد دفعها على الحوز وترك المواضعة. ومن اشترى من عبده جاريته، أو انتزعها منه فليستبرئ - يريد إذا انتزعها منه فليستبرئ ولا مواضعة فيها، وإذا اشتراها لنفسه من ففيها المواضعة. [فصل 3 - في استبراء الأمة تباع ثم ترد بخيار] ومن ابتاع جاريةً بالخيار ثلاثاُ فتواضعاها، أو كانت وَخشاً فقبضها فاختار الرد من له الخيار فلا استبراء على البائع، لأن البيع لم يتم فيها، وإن أحب البائع أن يستبرئ التي غاب عليها / المشتري وكان الخيار له خاصة، فذلك حسن، إذ لو

وطئها المبتاع كان بذلك مختاراً وإن كان منهياً عن ذلك، كما استُحِت استبراء التي غاب عليها الغاصب. [فصل 4 - في استبراء الأمة تباع ثم ترد بعيب] قال ابن القاسم: ومن اشترى جاريةً فردَّها بعيبٍ فعلى البائع أن يستبرئ إذا كانت قد خرجت من الحيضة ومصيبتها من المبتاع. قال ابن المواز: وفيها المواضعة. وروى أشهب عن مالك: أن ضمانها من البائع في الرد بالعيب، وإنما تتواضع ليعرف أبها حمل أم لا، فإن ماتت قبل ذلك فهي من البائع، وطئها المبتاع أم لم يطأ، لأن البيع قد انتفض، فكأنه لم يكن فيها بيع قط. قال: وإن كانت من الوَخش فلا توقف وليقبضها المبتاع مكانه. ابن المواز: وبالأول أقول. قال مالك وابن القاسم: إنها من المبتاع ونفقتها عليه في الإيقاف في الرد بالعيب حتى تحيض. قال الشيخ: واعلم أن الرد بالعيب نقص بيعٍ عند ابن القاسم أيضاً، وقد قال: إذا رُدَّت السلع بعيبٍ ردَّ السِّمْسَار الجُعْلَ، وإنما وجبت المواضعة في هذه

المسألة، لأن المشتري قبضها بريئة الرحم، فيجب أن يردها، كذلك قاله بعض فقهائنا. قال الشيخ: وظاهر قوله: إنه كبيعٍ مبتدأٍ، لأنه جعل ضمانها من المبتاع ونفقتها عليه حتى تحيض، وهذه صفة المبيع المبتدأ. وقد قال ابن عبدوس: قال أشهب في الذي اغترقه الدين إذا أعتق فرد الغرماء عتقه فبيع لهم، ثم رده مبتاعه بعيبٍ قديمٍ وقد استفاد سيده مالاً: إنه لا يعتق عليه، وقال ها هنا في مسألة الجارية: إن الرد بالعيب نقض ببيعٍ ولا مواضعة فيها. فابن القاسم ههنا جعله كشراءٍ مبتدأٍ، وقال في مسألة المفلس: إنه يعتق، وجعله نقض بيعٍ ولم يجعله كبيعٍ مبتدأٍ، وقد خالفا أصليهما. قال الشيخ: وقد جعل ابن عبدوس أن ابن القاسم جعله في مسألة الأمة كبيع مبتدأ، وإنما تكون الحجة التي قدمنا لابن القاسم إنه قبضها بريئة الرحم فعليه أن يردها كذلك، وعلى ما بيَّنه ابن عبدوس أن كل واحدٍ من ابن القاسم وأشهب اختلف قوله في ذلك، فمرةً رأى الرد بالعيب كنقض بيع، ومرة رآه كبيع مبتدأٍ، فاعلم ذلك. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن لم تكن خرجت من الحيضة فلا استبراء عليه - يريد أن لا مواضعة للبائع على الذي يرد بالعيب، لأنها لو هلكت قبل أن تحيض كانت المصيبة فيها من البائع. وقال أشهب: لا مواضعة على الذي يرد بالعيب خرجت من الحيضة أم لا، لأن الرد بالعيب نقض بيعٍ وليس هو كبيعٍ مبتدأٍ.

[الباب الثالث] فيمن لا مواضعة فيها من حامل أو وخش والتبري من الحمل وهل تصدق الأمة في حيض الاستبراء؟

[الباب الثالث] فيمن لا مواضعة فيها من حامل أو وخش والتبري من الحمل وهل تصدق الأمة في حيض الاستبراء؟ [فصل 1 - فيمن لا مواضعة فيها من حامل أو وخش] قال مالك: ومن استبرأ جاريةً حاملاً فلا يتواضعاها حتى تضع حملها، وليقبضها المبتاع، وينقد ثمنها، ولا يطؤها حتى تلد، وإن ألقت دمَاً أو مُضْغَةً أو شيئاً يستيقين النساء أنه ولد فاستبراؤها ينقضي به كما تنقضي به عدة الحرة، وتكون به الأمة أُمَّ ولد. وإن أدعت الأمة أنها قد أسقطته لا يخفي دمه، وينظر إليها النساء فإن كان بها من ذلك لا يعلم أنها قد أسقطته أجزأها ذلك إذا ظهر، وإلا لم تصدق خوفاً أن يكون ريحاً فانفش، وكذلك إن قالت: أسقطت من مدة عشرة أيام، وانقطع عني، فلا تصدق،/ ولا يطؤها المبتاع حتى يستبرئ لنفسه بحيضة، ولا حجة له في رد الثمن وطلب المواضعة، لأن البائع يقول: بعتكها وهي ظاهر الحمل يعرفه النساء ويشهدن عليه، والنقد فيها جائز، وقد انتقدت ولا أدري ما صار إليه أمر الحمل، وإذا كانت الأمة من وَخش الرقيق و [لم] يطأها البائع جاز بيعها بالبرائة من حملٍ غير ظاهرٍ، كان البائع قد استبرأها أم لا، ويجوز فيها اشتراط ترك المواضعة وانتقاد الثمن، ويقال للمبتاع: استبرئ لنفسك بحيضةٍ مستقبليةٍ قبل أن تطأ، ثم لا ردَّ للمبتاع إن ظهر حملُ، لأن البائع قد تبرَّأ منه.

[فصل 2 - في التبري من الحمل] وإن كانت رائعةً ولم يطأها البائع فلا يجوز بيعها بالبراءة من حملٍ غير ظاهرٍ وإن كان البائع قد استبرأها، ويفسخ البيع بينهما. وفي هذا البيع أيضاً وجه آخر: أنه اشترط النقد في المواضعة ولابد فيها من المواضعة، وإن كانت بينة الحمل جاز تبري البائع من الحمل إن لم يكن منه، وجاز فيها النقد، ولا تصدق إلا في حيض الاستبراء إن ادعت الحيضة ولا في السَّقط حتى يراها النساء، لأن العهدة على البائع، ولا تسقط بقول الجارية إلا بالبينة التي تجوز في مثلها، أو تبرئه المشتري مما له أوقفت. وفي كتاب محمد وابن حبيب: إن البيع جائز والشرط باطل كبيعها بشرط ترك المواضعة، وقبضها كالوَخْش ولم يتبرأ من حملٍ غير ظاهرٍ أن البيع جائز ويلزمان حكم المواضعة، فكذلك هذا. [فصل 3 - في الأمة هل تصدق في حيض الاستبراء؟] ومن المدونة: وأما الحرة فهي في ذلك كله مصدقة ولا ينظر إليها أحد، لأن الله عز وجل ائتمنها عليه فقال: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ}، وهي الحيضة والحمل. قال الشيخ: ابن عبدوس: قال غيره: ومن باع جاريةً زانيةً أو معتدةً فإن كان الزنا معروفاً أو الزوج فالبيع جائز، ولا مواضعة فيها، ولا تُرد بحملٍ إن أمكن

أن يكون من ذلك الزنا لقُربه، وإن كان الزنا والزوج لا يُعرف فالبيع فاسد، لأنه أراد بذلك تجويز بيع الرائعة بلا مواضعة، وبالبراءة من الحمل. قال بعض فقهائنا: وقيل في المغتصبة: لا مواضعة فيها كما قيل في الزانية المعلوم زناها وإنما عليه الاستبراء، وهو واجب إذا غاب عليها الغاصب، ولفظ الاستحباب الذي جرى في الكتاب إنما أراد به الإيجاب. قال: ولا مواضعة في أم الولد إذا بيعت فَرُدَّ بيعها، إذ لو هلكت في يد المبتاع كان ضمانها من البائع، وأما المدبرة إذا بيعت فَرُدَّ بيعها ففيها المواضعة، لأنها لو حملت من المبتاع كانت له أُمَّ ولدٍ، ونفقتها على المبتاع، فلا رجوع له على البائع بما أنفق عليها في حال المواضعة إن خرجت من المواضعة. قال الشيخ: وعلى القول الذي بيعت وعتقت يرد بيعها فلا مواضعة فيها كأم الولد، وكذلك القول في المكاتبة والمدبرة.

[الباب الرابع] في المواضعة وعدتها والنقد فيها

[الباب الرابع] في المواضعة وعدتها والنقد فيها [فصل 1 - في المواضعة وسببها] قال مالك في العتبية والواضحة: أرى أن يُحمّل الناس على المواضعة في الرائعة وفيما وطئه البائع من الوخش. قال ابن حبيب: ويؤدب تاركها. قال ابن عبدوس: تتواضع لما يُتقى من الحمل فيها وإذا لم يلزم المبتاع تعجيل الثمن فيها لذلك لم يلزم البائع دفعها إلى المبتاع، وفارق الحمل فيها سائر العيوب، لأن الظاهر من العيوب السلامة، ولا يظهر له سببب يُتَّقى، وهذا الغالب أن لا يؤمن منها الحمل وسببه قائم /، فيصير النقد تارةً سلفاً، وتارةً ثمناً، وتصير البراءة لها فيها غرر بين، بخلاف سائر العيوب التي منها السلامة، وخرجت الوخش من ذلك، لأن الغالب من حالها غير الوطء، فصار ذلك فيها كسائر العيوب في تعجيل قبضها، وكذلك في البراءة من الحمل فيها فلم يكن لها حكم الرائعة.

[فصل 2 - في المواضعة على يد النساء] ومن المدونة: قال مالك: ومن اشترى جاريةً من أعلى الرقيق فأحب إلي أن تكون مواضعتها على يد النساء وهو الشأن. وذكر عن أبي موسى بن مناس: لا يجزئ في المواضعة امرأة واحدة، ولابد من امرأتين تشهدان [أن] الأمة حاضت - أجراه مجرى حكم الشهادة -. قال ابن الكاتب وابن عبد الرحمن: يجزئ في ذلك قول امرأةٍ، ولا يحتاج أن توضع على يد أكثر من امرأةٍ، وإنما هو من باب نقل الخبر لا من باب الشهادة. [فصل 3 - في المواضعة على يد رجل] ومن المدونة: وإن وضعاها على يد رجلٍ له أهل ينظرون إليها أجزأه ذلك، وكره مالك ترك المواضعة وائتمان المبتاع على الاستبراء.

قال ابن القاسم: فإن فعلا أجزأهما إن قبضا على الأمانة، لأن البائع ائتمنه على ذلك ورضي بقوله، وهي من البائع حتى تدخل في أول دمها. ابن المواز: قال ابن القاسم: ووضعها على يدي رجلٍ عدلٍ له أهلُ ينظرون إليها أحسن من وضعها على يد المشتري، فإن وضعت على يد المشتري فجائز، وهو مُصدَّق، إلا أن للبائع أن يبدو له فيضعها على يد غيره، ولو وضعاها بيد أجنبيِّ لم يكن لأحدٍ منهما أن ينقلها عنه إلا أن يرى لذلك وجهاً. قال مالك: وإن اختلفا في الثمن وضع أيضاً بيد عدلٍ، ولا يجوز أن يوضع بيد البائع وإن طبع عليه، بخلاف الرهن يشترط الطبع عليه، إذ ليس الرهن عين حقه، وإنما هو توثقة، والثمن في المواضعة هو عين حقه، وكذلك الثمن في بيع الخيار وبيع الشيء الغائب لا يجوز انتقاده وإن طبع عليه، لأنه غين حقه. وأجاز في كتاب ابن المواز في بيع الخيار قبض المثمون الذي لا يعرف بعينه بشرط الطبع، وإذا أجاز في المثمون جاز في الثمن، وهذا أقيس في السلامة من تارةٍ سلفاً وتارةٍ بيعاً. وقال في العتبية: ليس عليه أن ينقده حتى تحيض، وليس عليه مواضعة الثمن إن طلب ذلك للبائع. قال عيسى عن ابن القاسم: ولو تطوع بالنقد من غير شرطٍ جاز، ثم إن استبرئت فليس له استرجاعه إلا أن تستمر حاملاً.

قال في كتاب [محمد]: وليس له أخذه ليجعله بيد غيره. وقيل في قول محمد: لا يجوز أن يجعل بيد البائع وإن طبع عليه: إنه إن نزل فبقي الثمن مطبوعاً عليه لم يفسخ، وإن تعدَّى عليه وانتفع به فهنا يفسخ. قال الشيخ: وإنما أرى أنه إن نزل مضى، لأن العقد وقع صحيحاً، باشتراط الطَّبع عليه، وإنما كُرِه خوف التعدي عليه. وقد روي عن مالكٍ فيمن أخذ ثوباً من البزَّازين ونقد الثمن حتى يريه فإن لم يرضه رده؟ قال: وإن كان قريباً وطبع على الثمن، أو جعله على يدي عدلٍ فجائز. قال أصبغ: وما بيع على المواضعة، أو على معرفة المواضعة والاستبراء فإن شرط النقد فيه يفسد البيع إلا أن يتطوع به بعد العقد فيجوز، فأما ما بيع على البتِّ ممن لا يعرف المواضعة، مثل بيع أهل مصر، ومن لا يعرفها من البلدان يتبايعون على النقد ولا يشترطون نقداً ولا مواضعة، فهو بيع لازم لا يفسخ، ويقضى عليهما بالمواضعة. قال مالك في العتبية: لو انصرف بها المبتاع وغاب عليها / رد إلى المواضعة ولا حجة للبائع بغيبته عليها وهو قد ائتمنه عليها.

[فصل 4 - فيمن قبضت على شرط الحيازة وسقطت المواضعة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: فإن قبضها على شرط الحيازة وسقوط المواضعة ولم يشترط استبراءً في المواضعة، أو جَهِلا وجه المواضعة فقبضها كالوخش ولم يتبرأ البائع من حملٍ لم يفسد البيع وألزمتهما حكم المواضعة، فإن هلكت في أمرٍ لا يكون في استبراء فهي من البائع، وإن هلكت بعد مدةٍ يكون فيها استبراء فهي من المبتاع. ابن المواز: وذلك قدر الشهر ونحوه. [قال الشيخ]: وفي كتاب محمد قول آخر: أن البيع فاسد، خيفة أن البائع حطَّ من الثمن لمكان ضمان المشتري إياها بالعقد، فأوجب على المشتري نقد الثمن، فإذا طرحنا شرطه وأوجبنا الضمان على البائع وحرمناه نقد الثمن الذي مقتضي البيع يوجبه مضى ما حطَّ من الثمن بغير فائدةٍ، قاله بعض القرويين. وإن باع بالمواضعة ثم أسقطها بعد عقد البيع فأجازه ابن القاسم وأوجب نقد الثمن، ولم يجز ذلك سحنون، لأنه يؤدي إلى رفع الضمان بانتفاعه بالمبيعة ويُعدُّ هذا زيادةً فيها.

[فصل 5 - فيمن زعم بائعها أنه لم يطأ أو قال: وطئت واستبرأت] ومن المدونة قال: وإن تبرَّأ البائع في العقد من الحمل وليس بظاهرٍ، وشرط قبضها كوخش الرقيق، وزعم أنه لم يطأ، أو قال: وطئت فاستبرأت، وهي رائعةً فسد البيع، وهي من المبتاع من يوم قبضها، وترد إلا أن تفوت فيلزم المبتاع قيمتها يوم القبض، أقامت عنده مدة الاستبراء، أو يوماً، أو يومين. ابن المواز: وهي من البائع حتى تخرج من الاستبراء في البيع الصحيح ففي الفاسد أحرى، وكمن شرط النقد في بيع الخيار. [فصل 6 - فيمن أقر بائعها بالوطء وشرط ترك المواضعة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو أقر البائع بوطئها ولم يدَّعِ استبراءً وتبرَّأ من الحمل وشرط ترك المواضعة، فهذا أيضاً فاسد، فإن هلكت في مدةٍ لا يكون فيها استبراء فهي من البائع، وما ولدت فهو به لاحِق، ولا ينفعه شرطه، وإن هلكت بعد مدةٍ فيها استبراءً فهي من المبتاع، وعليه قيمتها يوم جعلناها تحيض في مثله، لأن من ذلك اليوم وجب عليه ضمانها، ولا ينفعه إن ادعى أنها لم تحض. قال الشيخ: والفرق عند ابن القاسم والله أعلم: أنه إذا أقر بالوطء فقد عليقها بنفسه، وإن أتت بولدٍ لحق به، فوجب أن تكون في ضمانه إلى انقضاء أمدٍ يكون فيه الاستبراء، وإذا أنكر فلم يعلقها بنفسه، فلا يلحقه ولد وإن أتت به، فوجب أن تكون بالقبض في ضمان المبتاع كساشر البيوع الفاسدة، وفارقت

أيضاً مسألة بيع الخيار الذي احتج عليه بها محمد، لأن أمد الخيار الذي الضمان فيه من البائع اتفقا على إيقافه، وفي هذه المسألة قد أسقطت أمد المواضعة الذي الضمان فيه من البائع، وشرط قبضها كالوخش، وإنما يشبه مسألة الخيار أن لو باع الجارية على المواضعة وشرط النقد فيها فها هنا تشبه المسألتين، والله أعلم. قال ابن حبيب: إذ هلكت في مثل ألا يكون فيه استبراء فهي من البائع بعد يمين المبتاع أنها لم تحض عنده، وقاله مالك - يريد: إذا أمكن أن تحيض عنده-. قال ابن حبيب: ومعنى ما فيه استبراء إن كان وقت أيام حيضتها معروفةً فذهب قدرها فيه استبراء، وإن لم تكن معروفةً جُعِلَ على أغلب أحوال النساء، وذلك شهر، فإن مضى شهرً قبل أن تموت فهي من المبتاع، وإن ماتت قبله فمن البائع، وإن لم تمت وجاء بها بعد شهرٍ أو أكثر وقد حدث بها عيب فقال: لم تحض /، فهو مصدق، ويردها بعد شهرين وثلاثةٍ بالعيب الذي زعم أنه حدث قبل أن تحيض، والعيب تبع للحيضة، فهو مصدق أيضاً أنها لم تحض ما لم تَفُتْ، ولأنه لو لم يحدث بها عيب كان له ردها بعيب تأخير الحيض. ومن كتاب البيوع الأول لابن المواز قال: إذا اشترط البراءة من الحمل، أو ترك المواضعة رد البيع. قال الشيخ: فأفسد البيع باشتراط ترك المواضعة، وذلك خلاف المدونة. قال بعض فقهائنا: وهو القياس، لأنه غررُ ووضيعةً من الثمن لسقوط الضمان عن البائع وطرح النفقة، والله أعلم.

وذكر عن أبي بكر بن أبي عبد الرحمن فيمن باع أمةً على المواضعة بثمنٍ مؤجلٍ: إن الأجل إنما يحسب من يوم خروجها من الاستبراء، وتصير في ضمان المشتري، بمنزلة السلع الغائبة. وأجاب فيها أبو عمران: إن الأجل من يوم العقد، إلا أنه لابد أن يوسَّع الأجل توسعاً تنقضي المواضعة قبله، لئلا يصير إلى النقد في المواضعة.

[الباب الخامس] فيمن ابتاع زوجته، وكيف إن باعها أو استبرئها من فسخ نكاحها، أو بيعت بغير إذن ربها ومن وطئ جارية ابنه

[الباب الخامس] فيمن ابتاع زوجته، وكيف إن باعها أو استبرئها من فسخ نكاحها، أو بيعت بغير إذن ربها ومن وطئ جارية ابنه [فصل 1 - في استبراء من اشتراها زوجها وكيف إن باعها أو استبرأها من فسخ نكاحها] قال ابن القاسم: ومن اشترى زوجته قبل البناء أو بعده لم تستبرأ، فإن ابتاعها قبل البناء باعها قبل أن يطأها، أو بعد إن وطئ فليستبرئ المبتاع بحيضة. قال الشيخ: يريد وفيها المواضعة. وكذلك إن ابتاعها بعد البناء ثم باعها بعد أن وطئها فليستبرئها مشتريها منه بحيضة، لأن وطأه فسخ لعدتها منه، ولو باعها قبل الوطء ها هنا لم تحل له إلا بحيضتين عدة فسخ النكاح. قال غيره في كتاب ابن عبدوس: وفيها المواضعة، لأنها إن كانت حاملاً رجعت له أم ولد. قال أبو الحسن وغيره: إن الحيضة الأولى تكون في مواضعة، وتبرئها للمشتري والثانية تتم بها عدة فسخ النكاح. وضمانها من المشتري، لأنها تعتد. فإن قيل: فلم كان فيها الاستبراء ولم تكن كذات الزوج إذا بيعت والمعتدة؟

قيل له: لأنه لما اشتراها زوجها صارت كأمةٍ له كان يطؤها، فإذا باعها فلابد فيها من المواضعة خوفاً أن تكون حاملاً منه فتكون أُمَّ ولدٍ له، فإن وطئها الزوج بعد الشراء ذهبت العدة ولم يبق إلا أمة مبيعة توطأ، فوجب فيها المواضعة. وقد قال مالك: ليس عليها إلا حيضة، وطئ أو لم يطأ، ووجه هذا: كأنه رأى أن العدة إنما تكون في الطلاق، وأما في فسخ النكاح فإنما فيه حيضة كاستبراء المبيعات. وأما إذا اشترى ذات زوج طلقها زوجها قبل البناء فقال ابن القاسم: لا يطؤها المشتري إلا بعد حيضةٍ، لأنها أمةً مبيعةً. وقال سحنون: يطؤها مكانه كما كان لبائعها أن يطأها مكانه. قال في كتاب ابن عبدوس: ولو باعها سيدها الأول وهي تحت زوجٍ، أو في عدةٍ من زوجٍ لم تكن فيها مواضعة، وقبضها مكانها، وإن ظهر بها حمل لم تُرد وكان رقيقاً، وهي مخالفةً للمسألة الأولى. ومن المدونة: ولو طلقها بعد البناء واحدةً ثم ابتاعها في العدة، ثم باعها، فإن كان قد وطئها بعد الشراء استبرأها منه بحيضةٍ، وإن لم يطأها بعد الشراء لم تحل لمشتريها إلا بحيضتين من يوم طلاقه، ولو باعها بعد حيضةٍ لم تحل له إلا بعد حيضةٍ ثانية، / ولو باعها بعد انقضاء العدة فاستبراؤها حيضةً، كان الطلاق واحدةً أو ثلاثاً. ومن كتاب العدة: ولو اشترى مكاتبُ زوجته بعد البناء، ثم لم يطأها حتى مات أو عجز فعلى السيد فيها حيضتان من يوم الشراء، وكان مالك يقول: حيضة، ثم رجع إلى هذا وهو أحب إل]، لأنها معتدةً، كمن باع معتدةً من

طلاق - يريد: إنها قولة لمالكٍ في كل من اشترى زوجته من حرٍ أو عبدٍ، ثم باعها أو أعتقها فإنها تستبرئ بحيضةٍ، ثم رجع إلى حيضتين، ذكر ذلك في المختصر الكبير وكتاب ابن المواز. ومن الاستبراء: وإن تزوجت أمة بغير إذن سيدها ففسخ النكاح بعد البناء لم يمسها إلا بعد حيضتين، لأنه استبراءً من نكاحٍ يُلحق فيه الولد، ويدرأ عنه الحد ولا عدة عليها. وقد قال بعض الناس: إنه نكاح. ومن باع أمةً بغير إذن ربها ثم أجاز ربُّها البيع بعد أن حاضت عند المبتاع أجزأه كالمودعة. فصل [2 - في استبراء جارية الابن إن وطئها الأب] قال ابن القاسم: ومن وطئ جارية ابنه فقومت عليه فليستبرئها إن لم يكن الأب قد عزلها عنده واستبرأها. وقال غيره: لابد أن يستبرئها وطئه وإن كانت مستبرأةً عند الأب. قيل لابن القاسم: فلم جعلته يستبرئ والولد يلحق بالأب؟ قال: لأنه وطء فاسد، وكل وطءٍ فاسدٍ فيه حتى يستبرئ. قال الشيخ: وحكي عن ابن القابسي: إن قول ابن القاسم أحسن، قال: لأن الأب إذ تلذَّذ بجارية ابنه حَرُمت على الابن، ووجبت على الأب القيمة،

وهذه لما كانت مستبرأة عند الأب فأول وضع يده عليها وجلوسه بين فخذيها وجبت عليه القيمة، وصار وطؤه في أمةٍ مستبرأةٍ. قال الشيخ: وهذا معنى قوله دون لفظه.

[الباب السادس] في تزويج الرجل أمته وقد وطئها أم لا

[الباب السادس] في تزويج الرجل أمته وقد وطئها أم لا قال مالك رحمه الله: وللرجل أن يزوج أمته [التي] لا يطؤها بغير استبراء. قال عنه ابن وهب: ولا تستبرأ الأمة في النكاح، ولا يتزوج أمةً قد وطئها حتى تحيض حيضةً من يوم وطئها. قيل لمالك: أفلا يزوجها ويكف عنها الزوج حتى تحيض؟ قال: لا، فإن زوجها بعد وطئها قبل أن تحيض حيضة، ثم لم يطأها الزوج حتى حاضت حيضةً فالنكاح مفسوخ، ولا يجوز نكاح إلا حيث يجوز الوطء إلا في دم النفاس، أو في دم الحيض من غير معتدةٍ، أو من دخلت من المعتدات في الحيضة الثالثة في الحرة، أو الثانية في الأمة، فإن النكاح يجوز في ذلك، ولا توطأ حتى تطهر. ومن زنت أمته لم يطأها ولم يزوجها إلا بعد حيضة. ومن ابتاه أمةً رائعةً فأقر البائع بوطئها أو لم يقر ولم يجحد لم يزوجها حتى تخرج من الاستبراء، إذ يلحق بالبائع ما تأتي به من ولدٍ إن ادعاه. ومن باع أمةً من وَخْش الرقيق ولم يطأها وتبرأ من الحمل إن كان بها فلا يطؤها المبتاع حتى تحيض، وله أن يزوجها قبل أن تحيض إن لم يكن بها حمل [ظاهر] كما كان لبائعها، وأصل هذا أن تنظر إلى كل جاريةٍ كان للبائع أن يزوجها قبل أن يستبرئها فذلك أيضاً جائز للمبتاع إذا قِبلها بعد الشراء، فإذا لم يكن ذلك حتى يستبرئها كان المبتاع مثله.

قلت: فإن كانت رائعةً فابتاعها وتواضعاها أيجوز للمبتاع أن يزوجها؟ قال: إذا قال البائع: لم أطأها وإن كان حمل فليس مني، ولم يتبرأ من الحمل، جاز البيع، وللمبتاع قبولهما في المواضعة قبل حيضها، وقبضها / على الرضي بالحمل إن كان بها، ولا يجوز ذلك في أصل التبايع. قال ابن عبدوس: إن دفع البائع الرائعة إلى بعد صحة العقد على أن المبتاع راضٍ بما ظهر بها من حملٍ أو غيره ولم يكن البائع وطئها فابن القاسم يرى أنه يتعجَّل قبضها على ما أحب البائع أو كَرِه، كما له الرضى بحملٍ لو ظهر، وإذا قبضها على ذلك يرضى البائع أو بغير رضاه فعليه تعجيل الثمن، ولم ير سحنون للمشتري تعجيل قبها قبل المحيض، لأنه يسقط الضمان عن البائع لتعجيل منافعه بها، وكذلك إن طاعا جميعاً بذلك، فكأنه عجَّل له الثمن بما تعجَّل من منفعتها، فهو كسلفٍ بنفعٍ. قال أبو محمد: إنما تصح هذه العلة لو كان ليس له تعجيلها إلا برضى البائع وأما على ما يجب له من ذلك وإن كره البائع فلا يصح، فإن قلت: ولم كان ذلك؟ قيل: كما له أن يرضى بحملٍ قبل أن يظهر. ومن المدونة: قال ابن القاسم: فإذا قبلها المبتاع جاز له أن يزوجها مكانه قبل أن يستبرئها كما كان للبائع، ويحلُّ للزوج وطؤها مكانه. قال سحنون: كيف يزوج من لا يحل له وطؤها؟ قال ابن القاسم: وقد قال مالكً فيمن باع أمةً رائعةً مثلها يتواضع للاستبراء فظهر بها حمل فقِبلها المبتاع به: إن ذلك له، وهو كعيبٍ حدث بها وليس للبائع ردها إلا أن يدعي أن الحمل منه.

[الباب السابع] في استبراء ذات الزوج والمعتدة والمرتابة وما يحدث للأمة في المواضعة

[الباب السابع] في استبراء ذات الزوج والمعتدة والمرتابة وما يحدث للأمة في المواضعة [فصل 1 - في استبراء ذات الزوج] قال ابن القاسم: ومن ابتاع أمةً ذات زوجٍ فطلقت قبل البناء فلا يطؤها حتى تستبرئ بحيضة. وقال سحنون: يطأ مكانه. وقال عبد الملك: لا مواضعة في ذات الزوج وإن لم يبن بها الزوج، ولا ترد بحملٍ إن ظهر إلا أن تضعه لأقل من ستة أشهرٍ من يوم تزوجها، فلا يلحق به، ويفسخ النكاح، وللمشتري ردها بعيب هذا الحمل ويفسخ البيع. وجرى لابن المواز في بعض الروايات: إذا اشترى زوجته ثم ظهر بها حمل لم يردها به، ويرجع بقيمة عيب الحمل. قال بعض أصحابنا: فهذا خلاف المشهور من قولهم: إنه لا مواضعة في ذات الزوج، وهي بعقد الشراء في ضمان المبتاع، ولا درك فيها بعيبٍ على حال. قال الشيخ: لا أدري لم هذا، وإنما ينبغي ألا تُرد بعيبٍ حدث من يوم الشراء، إذ لا مواضعة فيها، وأما بعيبٍ قديمٍ لم يطَّلِع عليه المبتاع فله الرد به كشراء العبد الذي هو بعقد الشراء من المبتاع.

[فصل 2 - في استبراء المعتدة والمرتابة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن اشترى معتدةٌ من وفاة زوجٍ فحاضت قبل تمام شهرين وخمس ليالٍ لم يطأها حتى تتم عدتها، فإن انقت عدتها أجزأتها من العدة والاستبراء، وإن تمت عدتها ولم تحض بعد البيع انتظرت الحيضة، فإن رفعتها حتى مضت ثلاثة أشهرٍ ويئست من نفسها انتظرت تمام تسعة أشهرٍ من يوم الشراء، فإن زالت الريبة قبلها حلَّت، وإن ارتابت بعدها بحسِّ البطن لم توطأ حتى تذهب الريبة، فإن استبرأت معتدةُ من طلاقٍ وهي ممن تحيض فارتفعت حيضتها فإذا مضت سنةُ من يوم الطلاق وليوم الشراء ثلاثة أشهرٍ فأكثر حلَّت. قال سحنون: لا مواضعة في معتدةٍ كذات الزوج وهي بعقد الشراء في ضمان المبتاع. قال ابن وهب عن مالك: ولا يجردها المبتاع لينظر إليها عند البيعـ ولا يتلذَّذ بشيءٍ منها حتى تنقضي / عدتها من طلاق، أو وفاة. وقال عبد الملك فيمن ابتاع معتدةً من وفاةٍ فانقضت عدتها بعد شرائه بيومٍ فلا يقربها حتى تحيض، ولا مواضعة في هذه الحيضة على البائع، ولو حاضت بعد البيع قبل تمام العدة أجزأته، وحلَّت بتمام العد، ولو ظهر بها حمل لم ترد به وإن وضعته لستة أشهرٍ من يوم البيع. قال الشيخ: لأنه على ذلك دخل، لأن الزوج كان مطلقاً عليها فلم يكن له في الحمل حجة. وحكي عن القابسي أنه قال: إن كانت معتدةً من طلاقٍ فرفعتها حيضتها فلا توطأ إلا بعد سنةٍ، وإن قال القوابل بعد ثلاثة أشهرٍ وقبل سنة: لا حمل بها، فلا توطأ إلا بعد حيضتين، أو سنةٍ لا حيض فيها، وليست كالمعتدة من وفاة، هذه

إن قال القوابل بعد ثلاثة أشهرٍ وقبل تمام التسعة أشهر: لا حمل بها، حلَّ للمشتري وطؤها، لأن العدة من الوفاة قد انقضت بمضي شهرين وخمس ليال، والتربص لزوال الريبة فمتى زالت حلَّت، والمطلقة عدتها بعد التسعة أشهر التي لزوال الريبة، فأمرهما مفترق. ومن المدونة: قال سحنون: وقد روي عن مالكٍ اختلاف في التي تستبرأ وهي ممن تحيض، فرفعتها حيضتها بعد الشراء، فروى عنه ابن وهب: إنها تستبرأ بتسعة أشهر. وروى عنه ابن غانم: إنها إذا مضت لها ثلاثة أشهرٍ دُعي لها القوابل، فإن قلن: لا حمل بها، فقد حلت. قال أشهب: وهي أحب إلي، لأن رحمها يبرأ بثلاثة أشهرٍ كما يبرأ بتسعة أشهر. وقال مالك في موضعٍ آخر: إذا رفعتها حيضتها انتظرت ثلاثة أشهر، إلا أن ترتاب فترفع بها إلى تسعة أشهر، فإن زالت الريبة قبل التسعة حلت، وإن تمادت بعدها لم توطأ حتى تذهب الريبة، فإن تأخر حيض الأمة في البيع لمرضٍ حدث بعد العدة فرضيه المبتاع أجزأتها ثلاثة أشهر.

وحكي أن أبا موسى بن مناس سئل: ما فائدة التسعة أشهرٍ وهي لا تبرأ إلا بعد زوال الريبة؟ فقال: معنى ذلك: أنها إذا حسَّت شيئاً عند ثلاثة أشهرٍ فارتفعت إلى تسعة أشهر كفتها التسعة أشهر إذا لم تزد تلك الريبة وبقية بحالها، فأما إن زادت الريبة بالحسَّ والتحريك فحينئذٍ تزيد على التسعة أشهرٍ حتى تذهب الريبة. [فصل 3 - فيما يحدث للأمة في المواضعة] ومن المدونة: وكل ما حدث بالأمة في المواضعة من مرضٍ، أو هلاكٍ، أو عيب، أو غيره فمن البائع حتى ترى حيضةٌ مستقيمة، والمبتاع بالخيار في حدوث العيب في قبولها بجميع الثمن، أو ردِّها، فإن قبلها المبتاع فلا حجة للبائع. ابن وهب: وقضى عمر بن الخطاب أنها إذا ماتت في المواضعة فهي من البائع. [قال الشيخ]: قال بعض فقهائنا القرويين: وبأول دخولها في الدم صارت في ضمان المشتري عند ابن القاسم، وحل له أن يقبِّل ويتلذَّذ، وخالفه ابن وهبٍ وقال: حتى تستمر الحيضة لإمكان انقطاع الدم، فلا تدخل في ضمان المشتري إلا بعد استحقاق واستمراره. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم قال: واستبراء المستحاضة والتي رفعتها حيضتها ثلاثة أشهرٍ إلا أن تستريب فتبلغ بها تسعة أشهر، وأما التي لا تحيض

إلا في ستة أشهرٍ أو في الحول فثلاثة أشهرٍ تبرئها إذا لم ترتب، ولأنها والمرضع تبريان / في عدة الوفاة بتمام أيامها إذا لم ترتابا. وروى عنه يحيي بن يحيي في التي لا تحيض إلا بعد التسعة في نحو السنة فثلاثة أشهرٍ تبرئها في الاستبراء، إلا أن ترتاب فتبلغ التسعة. وأما المرضع فاستبراؤها ثلاثة أشهرٍ، فإن ارتابت التسعة، وكل من رفعت منهن إلى التسع فهي في ضمان البائع إلى تمامها، ولا توطأ دون ذلك.

[الباب الثامن] فيمن وطئ جارية ثم اشترى أختها أو تزوجها

[الباب الثامن] فيمن وطئ جارية ثم اشترى أختها أو تزوجها [فصل 1 - فيمن وطئ جارية ثم اشترى أختها] روي أن على بن أبي طالب رضي الله عنه قال: من وطئ جاريةٌ بملك يمينه وعنده أختها فلا يطأ الثانية حتى يعتق الأولى. قال ابن عمر: أو يخرجها من ملكه. قال ابن شهاب وغيره: بعتقٍ أو تزويجٍ أو بيعٍ. وقد كره الجمع بين الأختين في المِلك عثمان بن عفان والزبير بن العوَّام والنعمان بن بَشير صاحب النبي صلى الله عليه وسلم.

قال مالك فيمن وطئ لأمةً ثم ابتاع أختها، أو عمَّتها، أو خالتها لم يطأ الثانية حتى يحرِّم فرج الأولى، فإن وطئ الثانية قبل تحريم فرج الأولى وقف عن معاودة كل واحدةٍ منهما حتى يحرّم فرج واحدة. قال ابن القاسم: فإن حرَّم فرج الثانية أقام على وطء الأولى، وإن حرَّم فرج الأولى لم يطأ الثانية حتى يستبرئ لفساد وطئه، وليحِّرم فرج إحداهما ببيعٍ، أو نكاحٍ، أو بعتقٍ إلى أجلٍ، أو بما تحرم عليه. قال ابن المواز: ولا يطأ الباقية حتى تخرج المبيعة من الاستبراء. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن ظاهر منها لم تحل له أختها، إذ له الكفارة، وكذلك إن باعها من عبده أو ابنه الصغير أو يتيمٍ في حِجره، إذ له الاعتصار والانتزاع بالبيع. ومن المدونة: قال: وكذلك إن زوجها تزويجاً لا يُقَرَّان عليه، أو باعها من أجنبي بيعاً فاسداً إلا أن تفوت بالبيع الفاسد، فتحل له أختها، وإن باعها وبها عيوبُ حلَّت له أختها، وهو بيع تان حتى يردَّها، فإن أُسِرَت أو أَبَقَتَ إباق إياسٍ حلت له أختها. قال: ومن اشترى أختين وطئ أيتهما شاء، فإن وطئهما، ثم باعهما، ثم اشتراهما في صفقةٍ واحدةٍ وطئ أيتهما شاء، فإن وطئهما ثم باع واحدة، أو زوجها فلم يطأ الباقية حتى رجعت إليه تلك فلا يطأ إلا الباقية لا الراجعة، فإن وطئ إحداهما، ثم باعها، ثم وطئ الباقية، ثم اشترى تلك المبيعة فلا يطؤها حتى يحرِّم فرج الأخرى، وكذلك إن باع أمةً وطئها، ثم اشترى أختها فوطئها، ثم اشترى تلك المبيعة فلا يطؤها حتى يحرِّم فرج الأخرى، ولو لم يكن وطئ الباقية حتى اشترى المبيعة وطئ أيتهما شاء.

قال أبو بكر بن عبد الرحمن: ولو وهب إحداهما لابنه الكبير أو لأجنبيٍ لم تحل له أختها حتى يقبضها الموهوب له، لأن الواهب لو أعتقها قبل قبض الموهوب له، أو أحبلها لمضى فعله فيها وانتقضت الهبة، فلذلك شرطنا القبض فيها. قال بعض فقهائنا: ولو اشترى الأختين في صفقةٍ ولم يَعلم أنهما أختان فهو عيبُ يرد به، لأنه إذا وطئ إحداهما لم تحل له الأخرى حتى يحرَّم فرج الأولى. وقيل: هذا خفيف، إذ يبقى له فيها أكثر المنافع سوى الوطء، والأول أبين. وكذلك لو وجدهما أُمَّاً وابنةً ولم يَعلم، فهو عيبُ أشدُّ من الأول، إذ يتأبَّد التحريم في الواحدة بوطء الأخرى. ولو ماتت واحدة قبل الوطء لم يكن له الرد على قول ابن القاسم وذلك كعيبٍ ذهب. قيل: فإذا كانتا / متكافئين فأراد ردَّ إحداهما ليزول العيب؟ قال الشيخ: فالذي يظهر لي أنه ذلك عند من يراه عيباً كمبتاع عبدين متكافئين يجد بأحدهما عيباً أن له أن يمسك السالم بحصته من الثمن، فكذلك هذه، والله أعلم.

[فصل 2 - فيمن وطئ جارية ثم تزوج أختها] قال ابن القاسم: ومن وطئ أمة بملك يمينه، ثم تزوج أختها لم يعجبني هذا النكاح، لأن مالكاً قال: لا يجوز للرجل أن ينكح إلا في المواضع التي يجوز له فيها الوطء. وقال أيضاً ابن القاسم: إن تزوج كان تزويجه جائزاً، وأوقفته عنهما حتى يحرِّم أيتهما شاء. قال سحنون: وقال أشهب: إن نكح ثم وطئ الأخرى لم يضر ذلك النكاح وحرمت الأمة، وإن وطئ الأمة تزوج الأخت فعقد النكاح تحريم للأخت والنكاح جائز. قال بعض كبار أصحاب مالكٍ منهم عبد الرحمن: إذا كان يصيب المملوكة فليس له أن ينكح أختها حتى يحرِّمها، وله أن يشتري أختها قبل أن يحرِّمها، لأن الشراء يكون لغير الوطء، والنكاح لا يكون إلا للوطء، فلا ينعقد نكاح أختٍ على أختٍ كان يُصيبها، ولأن الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء مقيس على ما نهى الله عز وجل عنه في جمع الأختين في النكاح، فكما لا ينعقد نكاح أختٍ على أختٍ، فكذلك لا ينعقد نكاح أختٍ على أختٍ كان يصيبهما بملك اليمين. وفي النكاح الثالث إيعاب هذا المعنى.

[الباب التاسع] في استبراء الأمة قبل البيع، ومواضعتها وتوليتها من وضعت على يديه واشتراط النقد، ومواضعة الثمن

[الباب التاسع] في استبراء الأمة قبل البيع، ومواضعتها وتوليتها من وضعت على يديه واشتراط النقد، ومواضعة الثمن قال مالك: ومن وطئ أمةً فلا يبعها حتى يستبرئها، ثم لابد إن باع الرائعة من المواضعة، كان قد استبرأها أم لا، والحيضة فيها تجزئ المتابعين. ولو أن من وضعت على يديه تولاَّها بعد أن حاضت عنده تلك الحيضة ولم تخرج من يده أجزأته ووطئ مكانه. وكذلك المودعة عنده، والشريك تحبض عنده ثم يبتاع نصيب شريكه - يريد: وهي في حرزه لا تخرج. قال: ولو وطئها البائع ولم يدَّع استبراء لم يجز له بيعها بالبراءة من الحمل، كانت رائعة أم لا، ولابد فيها من المواضعة، وقد تقدم هذا. قال مالك: ومن ابتاع جاريةً وهي من تستبرأ لم يجز اشتراط النقد فيها من عقد البيع، وضعت على يد المشتري أو على يد أجنبي، واشتراط النقد فيها يفسد البيع. قال أبو محمد: إذ لعلها أُمُّ ولدٍ للبائع، أو حاملً من غيره فيرد الثمن، فيصير تارةً وتارةً سلفاً، فضارع ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه من بيع العُربَان.

قال مالك: وإن لم يشترط في عقد البيع وتبرع المبتاع بنقد الثمن في المواضعة جاز ذلك، ولا بأس أن يشترطا مواضعة الثمن، فإن هلك قبل محيضها ارتُقبت، فإن خرجت من الاستبراء فهو من البائع، وإن لم تخرج حتى هلكت، أو ظهر بها حمل من المبتاع. ابن المواز: قال مالك: فإن ظهر بها حمل من غير البائع، أو حدث بها عيب قبل الحيضة، وقد هلك الثمن قبل ذلك فالمبتاع مخيَّر في قبولها بالعيب أو الحمل بالثمن التالف، فيصير من البائع، وإن شاء ردها وكان الثمن منه، وقاله ابن القاسم وأشهب في العتبية. وذكر ابن عبدوس عن عبد الملك أن المشتري بالخيار في قبولها بغُرم ثمنٍ ثانٍ، أو ردها، وكذلك لو رضيها قبل علمه بتلف الثمن، وهما سواء. قال عنه ابن حبيب: إن الثمن من المشتري والجارية للبائع، وانفسخ البيع.

وحكي عن أبي بكر بن عبد الرحمن أنه قال: إنما يصح قول من قال: ينفسخ البيع إذا كان الثمن عرضاً بعينه، لأنه / لا يأخذها بثمنٍ آخر، ولابد من فسخ البيع بينهما، وأما إذا كان الثمن عيناً فهو إما أن يأخذها بثمنٍ ثانٍ أو بالثمن التالف، على الاختلاف، ولا وجه لفسخ البيع في ذلك. قال بعض القرويين: واختار سحنون أن لا يأخذها إلا بغرم ثمنٍ ثانٍ، لأنه لما كان مخيراً في الأخذ أو الرد لحدوث العيب صار كأنه مبتدئ للشراء بثمنٍ قد ضاع، بخلاف ما لو حدث عيب قبل تلف الثمن، ثم تلف الثمن لكان له الخيار ها هنا، لأن الخيار قد وجب له قبل تلف الثمن وقبل حدوث العيب ولم يعلم بتلفه فاختار الأخذ لم يلزمه ثمن ثانٍ، وكان على خياره إن شاء رد، لأنه يقول: إنما اخترت على ذلك الثمن، وإن شاء وغرم ثمناً ثانياً. قال الشيخ: والصواب قول ابن القاسم وأشهب. وقد تقدم القول في التي لم تحض، واليائسة من الحيض، والمرتابة، وفيمن ابتاع أمةً ممن لم يطأها، أو من صبيٍ، أو امرأةٍ، أو أبيه، أو زوجته، أو أبضع في شراء جاريةٍ فحاضت في الطريق، في الباب الأول مع [ما] شاكله فأغنى عن إعادته.

[الباب العاشر] في وطء الجارية في أيام الاستبراء وإلحاق الولد

[الباب العاشر] في وطء الجارية في أيام الاستبراء وإلحاق الولد [فصل 1 - في وطء الجارية في أيام الاستبراء] قال مالك: ولا ينبغي للمبتاع أن يطأ في الاستبراء ولا يُقبِّل ولا يُجس، أو ينظر للذَّة، ولا بأس أن ينظر لغير اللذة، وإن وطئ المبتاع الأمة في الاستبراء قبل حيضةٍ نُكل إن لم يعذر بجهلٍ، حاضت بعد ذلك أو لم تحض، وإن افتضَّها وهي بِكرُ في الاستبراء ثم حدث بها عيب قبل حيضةٍ، ذهاب جارحةٍ، أو حُمَّى، أو داءُ فله ردها بذلك، فإن ردها [رد معها] ما نقصها الافتضاض، وإن لم ينقصها فلا غرم عليها، ولا صداق إلا في الحرة، وأما الأمة فهي كسلعة، فعلى واطئها غصباً ما نقصها الوطء، ثيباً كانت أو بكراً. قال الشيخ: قال بعض فقهائنا القرويين: وإن تمسك بها مظاهر المدونة وكتاب محمد: لا شيء عليهما نقصها وقد وطئها، وهي في ضمان البائع، فلو لم يكن ذلك كجنايةٍ جنى عليها في الاستبراء أن الأرش للبائع، ولا فرق بين جناية المشتري عليها وجنية غيره [إلا] أن الأرش يكون للبائع وإن رضي بها المبتاع، كما قالوا في الجناية عليها في أيام الخيار: إن الأرش للبائع، وإن كان ابن حبيب يرى أن الأرش للمشتري إذا اختار التمسك.

قال الشيخ: والقياس أن يكون الأرش للبائع، لأنها في ضمانه، وأرى ابن القاسم رأى أن جناية المشتري كأنه رضي بامساكها، كما جعل جنايته عليها في أيام الخيار رضي بها، وألزمه الثمن، والصواب أن لا يعد ذلك منه رضى، ولو كان رضيَّ لما كان له أن يردها بالعيب، كما لو رضيا جميعاً باسقاط المواضعة وتعجيلها، لأن ما يحدث بعد ذلك من المشتري. ومن المدونة: روى ابن وهب عن مالك: إن من ابتاع أمةً حاملاً فلا يجوز له وطؤها كانت عنده أو عند غيره، من زوجٍ أو زناً، ولا ينبغي له أن يباشرها، أو يقبلها، أو يغمِزَها، أو يجسَّها، أو يجرِّدها للذةٍ حتى تضع، وكذلك إن بيعت بالبراءة حاملاً أو غير حامل، فلا يُقبِّل ولا يباشر قبل أن يتبين حملها أو بعد حتى تضع. ورواية ابن وهب هذه ليست عند جَبَلة، ورواها غيره. قال ابن حبيب: وأما المسببة تقع في سهمه، أو يبتاعها في المقاسم فله أن يتلذَّذ منها بالقُبلَة والمباشرة والتجريد وغيره عند الوطء، لئلا يسقي ماءه زرع / غيره، وهذه قد تم ملكه فيها، وبيع المقاسم بيع براءةٍ، وإن ظهر بها حمل لم ترد به. قال أبو محمد: وهذا الذي ذكر ابن حبيب أنه تدخل البراءة من الحمل في بيع السلطان ليس بقول مالكٍ إلا أن يعني في الوَخْش.

وقد قال ابن المواز: بيع الرائعة بالبراءة مطلقاً جائز، ولا يدخل في ذلك الحمل، وإن تبرأ منه [بشرط] فسد البيع. قال الشيخ: وما ذكر أيضاً ابن حبيب من أنهُ يقبِّل المسببة ويباشرها ويتلذَّذ بها عدا الوطء، فليس ذلك على الأصل، لأن كل طاهرٍ مُنِعَ من وطئِِها مُنِعَ أيضاً من التلذذ بها بشيءٍ من دواعي الوطء كالمبيعة غير المسببة، والمُحْرِمَة، لأن ذلك ذريعة إلى الوطء كالراعي حول الحمى يوشِك أن يقع فيه. وإن كان قد وقع لسحنون في العاشر فيمن اشترى أمةً بالبراءة من حملٍ ظاهرٍ أنه لا بأس له أن ينال منها ما ينال من الحائض إذا كان من غير السيد، وكذلك إن قال بعد البيع: أنا أرضى بحمل إن كان بها، ولم يكن البائع يطأ. قال الشيخ: لعله يُرخَّص في هذا للشيخ، لأنه يملك نفسه، كما أرخص له النبي صلى الله عليه وسلم في القُبلَة في الصيام، وأما الشاب فل يملك نفسه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض». وقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقينَّ ماءه زرع غيره»، فإذا منع من الوطء وجب أن يمنع من دواعية، لأن الراعي حول الحِمَى يوشك أن يقع فيه.

[فصل 2 - في إلحاق الولد] ومن المدونة: قال مالك: وإن وطئها المبتاع في الاستبراء فوضعت لستة أشهرٍ من يوم وطئها، فإن كان البائع يطأ دعي للولد القَافَة، فإن ألحقوه بالمبتاع كانت له أُمَّ ولد، وإن وضعت لأقل من ذلك فسخ البيع وألحق بالبائع إذا أقر بالوطء، وينكَّل المبتاع حين وطئ في الاستبراء، وإن أنكر البائع الوطء كان الولد لغية، وكذلك إن كانت بكراً والبائع ينفي الولد فإنه يكون لِغيةَ، ويخير المبتاع في قبولها بجميع الثمن، أو ردها مع ما نقص وطؤه للبكر. قال ابن المواز: إذا اختار حبسها فله الرجوع بما نقص عيب حملها. قال الشيخ: كمن اطلع على عيبٍ وقد حدث عنده عيب. ومن المدونة: قال مالك: وكذلك الثيب إن كان نقصها شيء، وإلا فلا غرم عليها، ويخير في أخذها بجميع الثمن، أو ردها، وعليه العقوبة إن لم يعذر بجهل. قال مالك: ولو استلحقه البائع لحق به وفسخ البيع وصارت له أم الولد. ابن المواز: ولو افتضها المبتاع ثم حدث بها عيب في الاستبراء فله ردها مع ما نقص افتضاضها، فإن ماتت فهي من البائع، وإن لم تمت وأتت بولدٍ لأكثر من ستة أشهرٍ من يوم وطئ المشتري ردت إليه أمَّ ولد بالقيمة يوم وطئ لا بالثمن، لأنه قد ردها بالعيب أولاً، ولو لم يكن ردها بما حدث بها في المواضعة حتى وضعت لما ذكرنا من المدة فله إن شاء ردها بالعيب الحادث فتلزمه قيمتها يوم وطئها وتصير أُمَّ ولد، وإن شاء رضيها بالعيب وألزمها نفسه بالثمن كاملاً.

قال ابن المواز: وإن أعتق المبتاع الأمة في الاستبراء من وطء البائع لم يعجل عليها حتى تحيض كما ليس له تعجيلها وترك الاستبراء بخلاف عتقه إياها في عهدة الثلاث، لأنه له ترك بقية العهدة إلا أن يكون الاستبراء من غير وطء السيد فينفذ عتقه، ويتعجلها، ولو أعتقها البائع والمبتاع أو حنثا فيها بعتقٍ، والاستبراء / فيها من وطء البائع تربَّصا، فإن ظهر بها حمل عتقت على البائع، وإن حاضت عتقت على المبتاع، ولو حدث بها عيب فليس له تعجيل ردها للعتق، ولو كان الاستبراء ليس من وطء البائع عتق المبتاع ثم إن ظهر بها حمل رجع بقيمة حمل رجع بقيمة عيب الحمل، لأنه لو ظهر بها عيب أو حمل ولم يكن عتق لكان لها الرضي به وتعجيل قبضها. قال الشيخ: قوله: إذا كان استبراؤها من وطء البائع وقد أعتقا جميعاً أنه يُتربَّص بها، يريد: يتربص أن يجعل العتق على أحدهما، لأنه إن جعل عتقها من البائع قطع ولاء المبتاع عنها ومنع البائع من قبض ثمنها وألزم المبتاع غرم الثمن وقد لا يجب عليه، فأوقفت الحكم فيها على أحدهما لهذا. وأما الأمة فهي بعتقها حرة، إذ لابد من عتقها على أحدهما، إن حاضت فعلى المبتاع، وإن حملت فعلى البائع، وإنما يوقف الحكم فيها على من يكون العتق وهذا بيَّنُ، وقاله بعض القرويين. ومن المدونة: قال مالك: وإذا قال البائع: كنت أُفَخِّذ ولا أُنْزِل، وولدها ليس مني، لم يلزمه الولد. وإن قال: كنت أطأ في الفرج وأعُزِل، فأتت بولدٍ لما يجئ به النساء من يوم وطئه لزمه الولد، ولا ينفعه أن يقول: كنت أعِزلُ عنها.

قال سحنون: قال أشهب: وقد نزل هذا على عهد [أصحاب] رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: كنت أَعْزِل، فقال له صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الوِكَاء ينفلت، وألحق به الولد. [يتلوه كتاب السلم الأول]

كتاب السلم الأول

كتاب السلم الأول [الباب الأول] في السلم وما يحل ويحرم من سلم الحيوان والعروض بعضها في بعض. [الفصل 1 - في أدلة مشروعيته وفي جواز بيع العين الغائبة على الصفة] والأصل في جواز السلم قول الله عز وجل {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275]

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282]، قال ابن عباس: ذلك في السلم. وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين قدم المدينة وهم يسلفون الثمار «سلفوا في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم»، وهذا نص وبيان صفة. واشترى -صلى الله عليه وسلم- عبداً بعبدين أسودين، وباع علي بن أبي طالب رضي الله عنه جملاً بعشرين بعيراً إلى أجل واشترى ابن

عمر راحلة بأربعة أربعة إلى أجل والإجماع على جواز السلم وبيع الشيء الحاضر. واختلف في بيع الشيء الغالب على الصفة. فنحن نجيزه ومنع منه الشافعي.

[فصل 2 - في قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} هل هو من الألفاظ العامة أو من الألفاظ المجملة؟] قال عبد الوهاب: واختلف في كم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} فقيل: هو من خير المجمل، وقيل: هو من خير العموم، واختلف الذين قالوا إنه من خير العموم، فقال بعضهم: إنه من قبيل ما يدخله التخصص فهو على ظاهره وعمومه إلا ما قام الدليل على خروجه منه كقوله تعالى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:5] وسائر الظواهر، وهذا مذهب أكثر الفقهاء، وقيل بل هو من قبيل ما لا يدخله التخصيص، وقيل غير هذا، والأول أصح؛ لأنه عام محمول على ظاهره إلا ما قام الدليل على

خروجه منه، وإن تخصص بعضهم ليس بمانع من التعلق بظاهره، ولا موجب لإجماله، والدليل عليه أن البيع اسم معقول في اللغة وهو: نقل الملك على وجه العوض. وقد ورد الظاهر بإباحته مطلقاً غير مقيد مقروناً باللام الداخلة للجنس أو للمعهود، فإذا لم يكن معهوداً وجب حملها على الجنس، وأمكن التعلق بظاهره. [فصل 3 - عموم التحريم فيما جر من السلف نفعاً وفي حكم القضاء في القرض بالأفضل] قال أبو محمد: ولما قامت السنة بتحريم ما جر من السلف نفعاً كان ذلك عاماً في العين والطعام والعروض والحيوان وغيرها، إلا من رد أفضل

صفة أو وزناً من غير شرط ولا عقد كما استلف النبي صلى الله عليه وسلم بكراً فقضى جملاً خياراً رباعياً. فكل من أسلف لينتفع إما بزيادة مقدار أو لجودة صفة أو ينتفع بتضمين فغير جائز له، لخروجه عن معروف القرض إلى مكايسة البيع وإنما يجوز ما يراد به نفع مستقرضه، فجرت الحيوان والعروض هذا المجرى في تحريم الزيادة في قرضها، وإذا أقرض الصنف منها في مثله لا نفع فيه إلا لأخذه جاز، وإن كان على وجه بيع شيء بأكثر منه حرم في الجنس الواحد، وليس ما سميا من البيع محللاً ما أضمرا من الزيادة في السلف في جنس واحد، حتى إذا اختلف الأصناف وتباعدت خرجت من معنى القرض إلى البيع الجائز، فجاز بعضها في بعض لرجاء نفاق صنف وكاد الآخر، ولا يرجى ذلك في الصنف الواحد بل يصير المقرض على يقين من النفع الذي شرط أو اعتقد فافترقا.

فصل [4 - في سلم واحد في اثنين من جنس واحد] ولا يجوز سلم واحد في اثنين من جنس واحد إذا اتفقت المنافع، فأما إذا اختلفت فجائز. وقال أبو حنيفة: لا يجوز بحال. وقال الشافعي: يجوز على كل حال إذا كان مما لا ربا في نقده. فدليلنا على أبي حنيفة قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} وحديث ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أمره أن يأخذ البعير بالبعيرين إلى أجل الصدقة».

وروي ذلك عن علي وابن عمر ولا مخالف لهما؛ ولأن ما اختلفت منافعه وأغراضه جاز سلم الواحد منه في الاثنين، أصله الجنسان. ودليلنا على الشافعي نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن سلف جر منفعة، وأجارتنا سلم شيء في مثليه ذريعة إلى سلف جر نفعاً فمنع منه، كما منع من قرض الجواري لأنه ذريعة إلى إعارة الفروج، وقد وافقونا على ذلك ووجه الذريعة في ذلك كأنه

قال له: أقرضني ثوباً وأرد عليك ثوبين إلى شهر، فيقول له الآخر: هذا قرض جر منفعة، ولكن اجعله بيعاً أبيعك ثوباً بثوبين إلى شهر، فيحصل من القرض في الباطن ومن البيع في الظاهر فمنع منه لقوة التهمة. م وأكثر هذا الاحتجاج للقاضي عبد الوهاب إلا ما بينت واختصرت وبالله التوفيق. فصل [5 - السلم في الإبل والبقر والغنم] وفي المدونة قال ابن القاسم: ولا بأس أن تسلم الإبل في البقر وفي الغنم وتسلف البقر والغنم في الإبل. وتسلف الغنم في البقر وتسلف الحمير في الإبل والبقر والغنم والخيل.

[فصل 6 - في سلم الحمير في البغال وسبب اختلاف قول مالك فيه] وكره مالك أن تسلف الحمير في البغال لتقارب منافعها إلا أن تكون من الحمير الأعرابية التي يجوز أن يسلم فيها الحمار الفاره النجيب، وكذلك إذا أسلفت الحمير في البغال والبغال في الحمير فاختلفت، كاختلاف الحمار الفاره النجيب بالحمار الأعرابي فجائز أن يسلف بعضها في بعض. م فجعل في هذا الكتاب الحمير والبغال صنفاً واحداً خيفة أن يقع في سلف جر منفعة، ليسلمه شيئاً في مثليه فاحتاط من ذلك وجعلها في كتاب القسم صنفين احتياطاً أيضاً، وخيفة أن تكون مختلفة فيقع التخاطر في قسمها بالقرعة، فإذا كانت الحمير تنقسم على حيالها والبغال تنقسم على حيالها قسم كل صنف منها

على حده فبنى كل أمره على الاحتياط في الوجهين. وقال ابن حبيب: الحمير والبغال صنفان يجوز التفاضل فيهما إلى أجل. قال: ولا أحد [يقول] بقول ابن القاسم في ذلك قال: والبغال كبارها صنف مما بلغ الحمل والركوب، وصغارها صنف، والحمير كذلك صغارها مما لم يبلغ الحمل والركوب صنف وكبارها صنف. قال: وإذا اختلفت الحمير والبغال في سيرها وجريها اختلافاً بيناً جاز منها واحد في اثنين، وأباه ابن القاسم. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إن الحمير على اختلاف أجناسها وأثمانها وسرعة سيرها صنف واحد، والحمير مع البغال صنف. قال مالك: إلا الحمير الأعرابية، فإنها صنف على حدتها تسلم في الحمير المصرية وفي البغال، قال: وصغار الحمير صنف وكبارها

صنف، وكذلك البغال. والحولي صغير، والربا والقارح كبير. م وقول ابن القاسم أحوط، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «اتقوا الربا والريبة» وقال -صلى الله عليه وسلم- «الراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه»، وقوق ابن حبيب أخف وأقرب للتيسير، وقد قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] أي من ضيق، فمن أخذ به لم أعبه وليس بضيق والاحتياط أحب إلينا. [فصل 7 - السلم في الخيل] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وتسلف كبار الخيل في صغراها، ولا تسلم كبارها في كبارها إلا أن يكون فرساً جواداً له سبق فلا بأس أن يسلم في غيره مما ليس مثله في جودته وإن كان في سنه.

قال في كتاب محمد: وليس الفرس الحميل السمين العربي صنفاً حتى يكون جواداً سابقاً، فيجوز أن يسلم فرسين جوادين في فرس ليسا مثله. ولا يدخله زيادة الضمان حتى يكون من نوعه ويقرب من صفته، وأما سلم صغارها في كبارها فيجوز إن كان بمعنى البيع لا بمعنى السف لتقاربهما في الأصل، فيسلم كبير في صغيرين فأكثر أو صغيران في كبير، ولا خير في صغير في كبير ولا في كبيرين فأكثر، وهذا من الزيادة في السلف، قال: والحولي صغير والجذع كبير. [فصل 8 - في سلم الصغار في الكبار من البهائم] وقال عيسى عن ابن القاسم في العتبية: لا خير في صغير في كبير من جنسه من البهائم كلها؛ لأنه من الزيادة في السلف، ولا كبير في صغير، لأنه زيادة على ضمان الأدنى، والذي يشبه التبايع سلم كبير في صغيرين في كبير، وكذلك صغيرين في كبيرين أو كبيرين في صغيرين. م جعل صغيرين في كبيرين بمعنى البيع، وصغيراً في كبير بمعنى السلف، وأجاز في موضع آخر من كتاب محمد أن يسلم حولي في قارحين، إذ ليس

في الحولي منفعة ركوب ولا حمل. م وهذا عندي وفاق لما في المدونة وهو قول ابن حبيب وهو القياس إذ لا يخلو أن تكون الكبار والصغار صنفاً واحداً أو صنفين مختلفين، فإن كانت صنفاً واحداً فينبغي أن لا يجوز كبير في صغيرين، لأنه زيادة في السلف وقد جوزوه باتفاق. وإن كانت صنفين فينبغي أن يجوز صغير في كبيرين وكبير في صغيرين كما جوزوا فرسين جوادين في فرس ليس مثلهما، وجاريتين طباختين في جارية لا عمل بيدها. [فصل 9 - في سلم كبار الحيوان في صغارها] ومن المدونة: وتسلم كبار الإبل في صغارها -يريد صغارها التي لا محمل فيها ولا ركوب-، ولا يسلم كبارها في كبارها إلا ما عرف فبان في النجابة والحمولة، فلا بأس أن يسلم في حواشي الإبل وإن كانت في سنة، كما باع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- جملاً له يدعى (عصيفيرا) بعشرين بعيراً إلى أجل، واشترى ابن عمر راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه، يوفيها صاحبها بالزبدة. وروى الحديثين مالك في الموطأ. قال ابن القاسم: وتسلم البقرة القوية على العمل الفارهة في الحرث [وما أشبهه] في حواشي البقر إن كانت مثل أسنانها.

[فصل 10 - السلم في الغنم والضأن] قال مالك: والغنم لا تسلم صغارها في كبارها ولا معزاها في شأنها ولا شأنها في معزاها؛ لأنها كلها لا منفعة فيها إلا للحم لا للحمولة إلا أن تكون غنماً غزيرة اللبن موصوفة بالكرم فلا بأس أن تسلف في حواشي الغنم. وإنما ينظر مالك في الحيوان إذا اختلفت المنافع فيها جاز أن يسلف بعضها في بعض، اتفقت أسنانها أو اختلفت. م وكذلك ذكر ابن حبيب قال: وإنما تختلف في غزر لن المعز خاصة فيجوز بيعها بحواشي المعز وبالعدة من الضأن إلى أجل؛ لأنه لا يعرف من غزر لبن الضأن ما يعرف في المعز، وقاله مالك وأصحابه، وقال بعض الفقهاء: وهو تفسير لما في المدونة. م وظاهر المدونة أن الضأن والمعز سواء ما عرف من ذلك بغزر اللبن والكرم جاز أن يسلم في غيره.

وقد قال يحيى بن سعيد أن الشاة الكريمة ذات اللبن تباع بالأعنق من الشاء إلى أجل. م وإن كانت المعز أغزر لبناً، فالضأن أفضل لبناً وأزكى في قطعه للجبن والزبد، وهو مقدم عند أهل المعرفة ببلدنا، المثل من الضأن بالمثلين من المعز في عمل الجبن والزبد هذا بصقلية عندنا، وأما بمصر والمشرق فيحكى أن معزاها كثيرة اللبن جداً، ومع ذلك يحتمل أن يكون بعضها أفضل من بعض في اللبن وإن كانت أفضل من معزنا، وكذلك الغنم يحتمل أن يكون بعضها أفضل من بعض في اللبن، فإذا جاز ذلك جاز أن يسلم بعضها في بعض، وعلى مثل هذا تكلم مالك والله أعلم .. فصل 11 - في السلم في الطير] ومن العتبية من سماع عيسى عن ابن القاسم قال: والطير كله ليس في الجنس الواحد منه من الاختلاف ما يجوز بعضه

ببعض إلى أجل، فلا يجوز دجاجه بيوض في اثنتين ليستا مثلها في كثرة البيض، وكذلك الأوز. [قال] ابن المواز: قال ابن القاسم: والديكة والدجاج صنف، قال أصبغ: فلا يسلم بعضها في بعض إلا الدجاجة ذات البيض فإنها صنف، فتسلم البيوض أو التي فيها بيض في ديكين أو ديك في دجاجتين منها. فصل 12 - السلم في الرقيق وبم يكون الاختلاف بينهم] ومن المدونة: قال مالك: والعبيد صنف إلا ذو النفاذ والتجارة فيسلم في الأشبانيين لا تجارة لهما، وكذلك الصقلي الكاتب التاجر بالنوبيين غير التاجرين، وكذلك البربري الفصيح التاجر الكاتب

بالنوبيين غير التاجرين، وكذلك الكاتب -بالنوبيين الأعجميين لا بأس به. قال ابن القاسم: ولا يلتفت إلى الأسنان في ذلك. وقال يحيى بن سعيد: إذا كان ما يأخذ مخالفاً لما يعطي جاز في الإبل والغنم والرقيق وغيرهما فتباع الناقة بالكريمة بالقلائص إلى أجل، والعبد الفاره بالوصفاء إلى أجل. وكذلك غلاماً جسيماً حاسباً كاتباً بوصفاء يسميهم من البربر والسودان لا بأس به. وقال ابن القاسم في المستخرجة ونحوه في كتاب ابن المواز: إن الرقيق على اختلاف أجناسها وأثمانها، ذكرانها وإناثها، صغارها وكبارها، جميلها وقبيحها، صنف واحد لا يجوز فيها التفاضل إلى أجل إلا أن يختلف بغير ذلك، فالاختلاف في الذكور: التجارة، والنفاذ في الأمور وإن لم يكن فصيحاً كاتباً، ومن تمام نفاذه أن يكون فصيحاً تاجراً

كاتباً نحريراً حاسباً، وليس الفصاحة وحدها فيهم اختلاف، والأصل في ذلك التجارة كان فصيحاً أو غير فصيح، والاختلاف في الجواري الخبز والطبخ والرقم، وليس الغزل وعمل الطيب صنعة توجب أن تكون صنفاً واحداً؛ لأن عمل الطيب ليس بشيء وجميع الجواري يغزلن. م قال أبو إسحاق: ولعله يريد بعمل الطيب علم ذلك لا عمل اليد الذي يحتاج إلى عمل ومعرفة كالخبز والرقم فهذا يجب أن يكون صنعة. قال ابن القاسم: ولأن عمل الطيب ليس بشيء، وجميع الجواري يغزلن،

وكذلك القراءة والكتابة والحسن والفصاحة ليس ذلك كله اختلافاً يبيح التفاضل فيهن، فلا يجوز جارية نوبية ليس في يديها صنعة وإن بلغ من حسنها ما يكون ثمنها ألف دينار بجاريتين صقليتين أو بربريتين ليس في أيديهما أيضاً صنعة، ويجوز أيضاً جاريتين أو ثلاث إذا كانت طباخات أو خبازات بجارية ليس في يديها عمل، ولا خير في الطباخة بالخبازتين لتقارب ذلك إلا أن تكون الطباخة صباغة أو رقامة، ولا بأس بالعبد التاجر بالطباختين إلى أجل لاختلاف صنائعهم. [قال] ابن المواز: قال أصبغ: أرى إن كانت جارية قارئة كاتبة نحريرة أن تسلم في غيرها من الإماء، وكذلك في الجارية الجميلة للحاف تسلم في جاريتين من سائر الإماء.

وفي رواية ابن وهب أن الجمال في الجواري صنف يجوز سلمهن فيما كان للخدمة. قال أبو إسحاق: وهذا أشبه في القياس، لأن الغرض في الوطء غير الغرض في لخدمة وذلك تباعد كثير. [قال] ابن المواز: وهذا استحسان والقول ما قاله ابن القاسم وهو القياس وهو أحب إلينا، ولو أخذت به فيما تقارب نفعه لدخل في غيره. م والصواب ما قاله أصبغ؛ لأن الجمال يتفاوت النساء فيه حتى إن الفائقة في الجمال تساوي عشر طباخات وعشرين طباخة وأكثر، ولا تساوي طباخة جليلة الطبخ أو خبازة جليلة الخبز قبيحة المنظر جارية فائقة في الجمال، وأكثر أغراض الناس في الجواري الجمال، كما أن أكثر أغراضهم في الخيل الجري والفراهة، وفي الإبل الحمولة لا الجمال،

وكذلك في العبيد النفاذ والتجارة، وكذلك الصنعة الجليلة باليد عندي صنف يبيح التفاضل، خلاف ما قاله ابن القاسم وإنما ينظر في هذا إلى أغراض الناس وتنافسهم في الأثمان لما تجره إليهم من المنافع ويشتهونه غالباً ويتباين من غيره تبايناً متباعداً فيكون ذلك صنفين والله أعلم .. وقد ذكر ابن حبيب هذا الذي قال أصبغ في القارئة والفارهة أنه قاله بعض أصحاب مالك إلا أنه قال: الفائقة الجمال. وقال ابن حبيب: والقراءة والكتابة والصنعة باليد في الذكور -إذا كان في ذلك نافذاً- صنف، يجوز الواحد منه في اثنين مما ليس ذلك فيه، إلا أجل. وكذلك الخياط والبناء والصائغ والخراز بهذه المنزلة. م وبه أقول، وقد قال يحيى بن سعيد: لا بأس بغلام حاسب كاتب بوصفاء يسميهم من البربر أو السودان. وقد روى ابن وهب أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- (اشترى عبداً بعبدين أسودين) وإن كان ليس في الرواية إلى أجل، ولكن يستأنس به، إذ قد يحتمل أن ذلك كان إلى أجل.

ومن المدونة: قال يحيى بن سعيد: ومن باع غلاماً معجلاً بعشرة أفراس إلى أجل وعشرة دنانير نقداً فلا بأس به، ومن سلف في غلام أمرد، جسيم صبيح، فلما حل الأجل لم يجد عنده أمرد، فأخذ مكانه وصيفين أو حيواناً أو رقيقاً أو عروضاً، وبريء أحدهما من صاحبه في مقعد واحد فلا بأس به. [فصل 13 - السلم في الخشب] قال ابن القاسم: والخشب لا يسلم منها جذع في جذعين مثله حتى يتبين اختلافهما، كجذع نخل طويل كبير غلظه كذا، وطوله كذا في جذوع صغار لا تقاربه فيجوز؛ لأن هذين نوعان مختلفان. م قال بعض أصحابنا: غمز بعض الناس هذه المسألة وقال: لأنه يمكن أن يقطع الجذع الكبير جذوعاً صغاراً، فكأنه أعطاه إياه على أن يضمن له ما نقص وله ما زاد. قال بعض فقهائنا: وإنما محمل المسألة عندي على أن

الكبير لا يصلح أن يجعل على معنى ما يصلح من الصغار فلذلك أجازه، ولو كان الكبير يمكن فيه ذلك لكان الأمر على ما قال فيه هذا القائل والله أعلم. وإن أسلمته في مثله صفة وجنساً فهو قرض، فإن ابتغيت به نفع الذي أقرضته جاز ذلك إلى أجله، وإن ابتغيت به نفع نفسك لم يجز، ورد السلف، قال: ولا يسلم جذع نخل في نصف جذع من جنسه، وكأنه أخذ جذاعاً فيمن أسلم ثوباً في ثوب دونه أن رأساً في رأس دونه إلى أجل: أنه لا خير فيه. م يريد إذا كانا من صنف واحد، وأما لو كانا من صنفين لجاز سلم الجيد في الدنيء في الجيد، وقد أجاز في باب بعد هذا أن يسلم ثوباً من غليظ الكتان مثل الزيقة وشبه في ثوب قصبي مؤجل وقرقبي

معجل، وكلاهما من رقيق الكتان، وكجوازهم طباخين في غير طباخة. فأما إذا اختلفت الأصناف جاز ذلك كله، قال ابن أبي زمنين: وقوله لا يصلح أن يسلم جذعاً في نصف جذع من جنسه ولو كان الجذع من نوع من الخشب مثل الصنوبر، ويكون النصف جذع من النخل، أو نوع آخر غير الصنوبر لم يكن به بأس على اصل قول ابن القاسم. وقال في الواضحة: والخشب صنف وإن اختلفت أصوله إلا أن تختلف المنافع والمصارف، ومثل الألواح والخشب الجوائز وشبهها. م وهذا كأنه يريد ما قال ابن أبي زمنين إذ القصد في الخشب المنافع لا الجنس إلا أن يكون من جنس لا يدخل فيما يدخل فيه الأول فيجوز والله أعلم.

[الباب الثاني] في السلم في حائط بعينه أو نسل حيوان بعينها أو في لبنها أو صوفها

[الباب الثاني] في السلم في حائط بعينه أو نسل حيوان بعينها أو في لبنها أو صوفها [فصل 1 - في النهي عن بيع الثمار حتى تزهي وعن بيع الغرر والأجنة] (ونهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الثمار حتى تزهي وعن بيع الحب حتى يبيض)، قال مالك: وذلك إن ييبس وينقطع عنه شربه الماء حتى لا ينفعه الشرب (ونهى -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الغرر) (وعن بيع الأجنة). [فصل 2 - في النهي عن بيع حائط بعينه قبل زهوه ومتى يجوز السلم فيه أو بيعه] قال مالك: ولا يجوز السلم في حائط بعينه قبل زهوه بحال وهو طلع أو بلح

إذا اشترط أخذه بسراً أو رطباً أو تمراً، وإنما يصلح السلم فيه إذا أزهى وصار بسراً وشرط أخذه بسراً أو رطباً، ويضرب لأخذه أجلاً، ويذكر ما يأخذ كل يوم، وسواء قدم النقد أو ضرب له أجلاً لأنه يشرع في أخذه حين اشتراه أو إلى أيام يسيره وهذه عند مالك محمل البيع لا محمل السلف. قيل لمالك: فإن كان أخذه يتأخر عشرة أيام وخمسة عشرة يوماً في الحائط قال: هذا قريب. قال بعض القرويين: إذا اشترط ما يأخذ كل يوم أنه إما من وقت عقد البيع أو من بعد أجل ضربه، فذلك جائز. وإن لم يضرب أجلاً ولا ذكر ما يأخذ كل يوم من وقت العيد ولا متى يأخذه، فالبيع فاسد لأنه لما سماه

سلماً وكان لفظ السلم يقتضي التراخي، علم أنهما قصدا التأخير ففسد ذلك. وأما إن سمياه بيعاً، فقال له: بع مني من حائط كذا ولم يذكر أجلاً لما يأخذ فهذا على الفور، وبعقد البيع يجب له قبض جميع ذلك وهو جائز لا فساد فيه. قال: وإن أسلم فيه بعد زهوه وشرط أخذ ذلك ثمراً، لم يجز لبعد ذلك وقلة أمن الحوائج فيه، فصار يشبه المخاطرة ولا يدري كيف تكون الثمرة. م وذكر عن ابن شبلون أنه إن نزل فسخ، وليس كالذي يسلم فيه وقد أرطب وشرط أخذ ذلك ثمراً؛ لأن التمر من الزهو بعيد والرطب قريب. وقال أبو محمد: إنما يكره ذلك بدياً، فإن نزل

وفات مضى ولم يرد، وكذلك في كتاب ابن المواز. قال مالك: فإن نزل وفات لم يرد. م وهو الصواب كقوله إذا أسلم في الزرع وقد أفرك وشرط أخذه حباً فقد جعله إذا فات مضى، فكذلك هذا. [فصل 3 - في شراء الثمرة جزافاً بعد طيبها وهل يشترط قطعها حالاً] قال فيه وفي المدونة في كتاب القسم: ولو اشترى الثمرة جزافاً بعد أن طابت جاز تركها حتى تيبس، والسقي على البائع بخلاف ما اشترى على الكيل. م والفرق بينهما أن مشتري الثمرة جزافاً بطيابها، وإمكان جذاذها ترتفع الحاجة منها، ويصير المشتري حينئذ قابضاً لها فهو كالذي يشتريها على الكيل ويشترط أخذها رطباً وأما إن اشتراها على الكيل واشترط أخذها تمراً فالجائحة فيها أبدا من البائع حتى يقبضها المبتاع بعد الإثمار والجذاذ فهو أشد

غرراً لطول أمره ويبقى حينئذ أن يكون النقد في ذلك تارة سلفاً إن أجيحت الثمرة وتارة بيعاً إن سلمت الثمرة. وقال محمد ابن أبي زمنين: وإن اشترى الثمرة ولم يذكر جذاذها فهي على التعجيل حتى يشترط التأخير. كذلك قال ابن حبيب. وفي كتاب ابن القصار وإن ذلك عندنا وعند الشافعي على التبقية، وعند أبي حنيفة هي على القطع في الحال. قال: وأما بيع الثمار قبل بدو صلاحها ولم يشترط القطع فلا يجوز عندنا ولا عند الشافعي، وعند أبي حنيفة البيع جائز ويطالب

المشتري بالقطع في الحال. [فصل 4 - سبب جواز اشتراط أخذ الثمرة بعد أزهائها بسراً ورطباً] ومن المدونة: قال ابن القاسم وإنما وسع مالك أن يشترط أخذه بسراً أو رطباً لقرب ذلك وقلة الخوف فيه؛ لأن أكثر الحيطان إذا أزهت فقد صارت بسراً، فليس بين زهوها وبين أن ترطب إلا يسير. [فصل 5 - في انقطاع الثمرة بعد قبض المسلم بعضها وكيفية المحاسبة في ذلك] قال ابن القاسم: وإذا اشترط أن يأخذ رطباً وقبض بعض ثمره ثم انقطع ثمر ذلك الحائط، لزمه ما أخذ بحصته من الثمن ورجع بحصة ما بقي من الثمن معجلاً بالقضاء. م وقد وجبت المحاسبة بلا اختلاف من قول مالك في ذلك، وهو بخلاف

الثمر المضمون، ينقطع بعدما أخذ بعض سلمه فهذا قد اختلف قول مالك فيه وسيأتي شرحه إن شاء الله. قال: وله أن يأخذ بتلك الحصة ما شاء من طعام أو غيره معجلاً. قال ابن المواز: وكذلك صبرة يشتري منها طعاماً كيلاً فلا يجد فيها تمامه، والمسكن ينهدم قبل تمام المدة في الكراء وشبهه. قال ابن أبي زمنين: وذكر بعض الرواة عن ابن القاسم أنه قال: له أن يأخذ منه ما شاء من السلع معجلاً إلا ما كان من صنف الثمرة التي أسلم إليه فيها فلا يجوز له أن يأخذ منه إلا مثل ما بقي له من الكيل؛ لأنهما يتهمان أن يكونا عملاً على التأخير ليأخذ منه أكثر من كيله. قال ابن أبي زمنين: قال بعض القرويين: ويجب على هذا ألا يأخذ بما بقي له من رأس المال ذهباً عن ورث أو ورقاً عن ذهب؛ ويخشى أن يتعاملا على الصرف المستأخر والله أعلم.

م قال بعض أصحابنا القرويين: أما إن ذهبت ثمرة الحائط بجائحة بأمر من الله عز وجل فالتهمة تبعد فيما ذكرنا. قال ابن القاسم: فإن تأخذ قبض ما يأخذ بحصة ما بقي له لم يجز، وكان فسخ الدين في الدين وقد نهى عنه، ولو أجيح بعض الحائط، كان جميع سلمه في بقيته؛ لأنها مكيلة معلومة، وكذلك السلم في لبن غنم معينة. وفي كتاب ابن مزين: قلت كيف يتحاسبان إذا انقطع اللبن والثمرة،

أعلى قيمة ما قبض وما بقى أم على الكيل الذي قبض والذي بقي؟ قال: بل على كيل ما قبض وما بقي، ولا ينظر في هذا إلا القيمة وإنما ينظر إلى القيمة في الذي يبتاع لبن الغنم جزافاً أياماً معدودة فيحلبها أياماً ثم تموت أو يموت بعضها. وحكى عن ابن القابسي أنه قال: بل إنما يحسب ذلك على القيمة لأن الكيل؛ لأنه إنما كان يأخذه شيئاً فشيئاً إلا أن يشترط عليه أن يجده من يومه. م يريد أو في يوم واحد مسمى، فهذا يحسب على الكيل. [فصل 6 - في موت المسلم إليه قبل أن ترطب الثمرة المسلم فيها] م وحكي لنا عن بعض فقهائنا إذا أسلم في حائط بعينه وشرط أخذ

ذلك رطباً فمات المسلم إليه، ولم تصر الثمرة رطباً فإنه يصبر حتى تصير الثمرة رطباً؛ لأن حقه في شيء معين ولا يستطيع قبضه الآن، وهو عن قريب يقبضه، فذلك بخلاف الديون التي في الذمة، تلك تحل بموته للقدرة عليه. م قال بعض فقهائنا: وينبغي أن يكون للورثة قسمة التركة وترك الثمر حتى يصير رطباً لحق الذي له السلم، وليس للذي له السلم منعهم من القسمة خوف طريان جائحة فيرجع إلى رأس ماله. م والجائحة أمر يكون أو لا يكون، وهذا لا حكم له ولو روعي ذلك لكان لا يجوز النقد فيه. وقال بعض أصحابنا: ولأن الصبر إلى أن يصير رطباً أمر قريب، والغالب أيضاً السلامة. قال: ولو كان على الميت ديون فقال أهل الدين: بيعوا ثمرة الحائط في ديننا ونستثني قدر حق هذا، والمستثنى شيء كثير ففي هذا نظر. م ويظهر لي أن ليس لهم ذلك، لأن الذي له السلم يبدأ بحقه فيه، والصبر إلى أن يرطب قريب ولا ضرر فيه على الغرماء في الصبر إليه.

[فصل 6 - إذا اشترط مشتري الحائط أخذه رطباً فاستهلكه البائع] قال بعض أصحابنا: انظر إذا اشترط أخذه رطباً فاستهلكه صاحب الحائط قبل أن يصير رطباً أو باعه. م ويظهر لي أنه يلزمه أن يأتي بقدر ما استهلك أو باع رطباً يوفيه المبتاع على الكيل، كمن تعدى على صبرة باعها على الكيل فاستهلكها أو باعها فإنه يكلف غرم مثل ما استهلك أو باع فيوفيه المبتاع على الكيل، وكذلك هذا والله أعلم. [فصل 7 - السلم في الفواكه] ومن المدونة: قال: ويجوز السلم في حائط بعينه وفي جميع رطب الفواكه إذا طاب أول ذلك مثل التفاح والرمان والسفرجل والقثاء والبطيخ وشبهه، ويذكر ما يأخذ كل يوم، ولا يجوز أن يشترط أن يأخذ كل يوم ما شاء لأنه مجهول، ويجوز أن يشترط أن يأخذه كله في يوم واحد مسمى، وإن لم يقدم نقده فجائز، ثم إن قدم البائع الثمرة قبل الأجل فرضي المبتاع، جاز إن كان على الصفة، ومن مات من هذين المتبايعين لزم البيع ورثته لأنه بيع قد تم.

[فصل 8 - السلم في لبن غنم بعينها أو أقطها أو جبنها أو سمنها] قال مالك رحمه الله: والسلم في لبن غنم بعينها أو أقطها أو جبنها أو سمنها كالسلم في ثمر حائط بعينه لا يصلح إلا أن يسلم في ذلك في إبان حلابها ويشترط أخذه في ذلك الإبان، وأشهب يكره السلم في سمنها. قال سحنون: كأنه نحا بها ناحية شراء زيتون على أن على البائع عصره. قال أبو محمد: وإنما تدخل علة سحنون لأشهب لو أسلم في كيل لبن على أن يخرج له البائع منه أقطاً أو سمناً، وهذا إنما اشترى أقطاً أو سمناً معلوماً قدره. م وأرى أشهب إنما كره ذلك لبعده، كاشتراط أخذ الزهو ثمراً، ويحتمل أن يكون إنما كرهه؛ لأنه يختلف خروجه كمن اشترى زيت زيتون معين على الكيل والله أعلم. [فصل 9 - جواز تقديم النقد أو تأخيره إذا شرع في أخذ المتعاقد عليه] ومن المدونة: قال مالك: وسواء قدم النقد أو ضرب له أجلاً بعيداً، لا بأس بذلك إذا شرع في أخذ ذلك في يومه أو إلى أيام يسيرة، وهذا كالبيع

لا كالسلف، وإن أسلف في ذلك قبل إبانه، واشترط أخذه في إبانه لم يجز لأنه معين. م ولأنه إن نقده فهو كالنقد في معين، ولا يقبض إلا إلى أجل فيدخله تارة ثمناً إن سلمت، وتارة سلفاً إن هلكت، وإن لم ينقده صار كأنه زاده في الثمن على ضمان ذلك إلى الأجل، فصار للضمان جزء من الثمن، وذلك من الغرر المنهي عنه. [فصل 10 - السلم في الأصواف] ومن المدونة: قال مالك: وكذلك السلم في أصوافها لا يصلح إلا في إبان جزازها، ويشترط أخذه في إبانه، قال مالك: واشتراء الصوف على ظهور الغنم جائز إذا كان بحضرة جزازها ويرى الغنم. قال مالك في المستخرجة في الضأن يباع صوفها فيصاب منها الأكبش قبل أن تجز، قال: أراها من البائع ويوضع قدر ذلك عن المشتري. قال ابن القاسم: وذلك إذا سرقت أو أخذها السبع وأما إن ماتت لم يكن له إلا صوفها، إلا أن يكون صوف الميتة عند الناس لا يشبه

صوف الحي، فيوضع ذلك عنه. قال بعض أصحابنا: لعله يعني إذا اشترى ذلك على الوزن، وأما لو اشتراه جزافاً لم يوضع عنه شيء من الثمن. وفي المختصر الكبير في بيع الصوف على ظهور الغنم: لا بأس أن يشترط الجزاز على البائع. فدل أن الجزاز على المشتري. وأرى ذلك إذا اشترى جزافاً، ولو كان على الوزن لكان الجزاز على البائع كالكيل في الطعام، ويكون ما جاء من هذه الروايات إنما مرجعه على هذا التفصيل بين شرائه على الوزن أو جزافاً. م ولا يختلف في ذلك والله أعلم. [فصل 11 - السلم في أصواف غنم واشتراط جزز نوع منها وكيفية السلم في الصوف] ومن المدونة: قال مالك: ومن أسلم في أصواف غنم واشترط جزز فحول كباش أو نعاج وسطة لم يجز.

م لأنه يختلف في الكبر والطيب. قال: ولا يجوز أن يسلم في أصوافها إلا وزناً لا عدد جزز إلا أن يشترط ذلك عند إبان جزازها ولا تأخير لذلك، ويرى الغنم فلا بأس به. فصل 12 - السلم فيما لا يملك] قال: وإن أسلمت إلى رجل في لبن غنم بعينها أو في صوفها أو في ثمرة حائط بعينه وليس شيء من ذلك في ملك الرجل لم يجز، كما لو ابتعت منه سلعة وليست له وأوجب لك على نفسه خلاصها من ربها، فذلك غرر بين، وبيع ما ليس عنده، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الغرر. ومن الغرر شراء شيء بعينه لا يقبض إلا إلى أجل بعيد إذ قد يهلك ذلك الشيء فيرد الثمن وقد انتفع به باطلاً، وإن لم ينقده فقد يزيد في الثمن على أن يضمنها له إلى ذلك الأجل، وقد تهلك قبله فذلك غرر. قال محمد بن أبي زمنين في الذي باع سلعة ليست له، وأجب له على نفسه خلاصها، إن نزل ذلك، فقد جاء

لسحنون أن صاحب السلعة أن أجاز البيع وأراد أخذ الثمن لزم ذلك المشتري بمنزلة من غصب سلعة رجل فباعها والمشتري عالم بالغضب ثم أتى صاحبها فأجاز البيع أن ذلك لازم للمشتري. وقد جاء لأشهب خلاف ما قاله سحنون في الغصب. أشهب يقول: إذا علم المشتري بالغصب لم يكن لصاحب السعة أن يجيز البيع؛ لأن الغاصب والمشتري دخلا على الغرر. م وهذا هو القياس. وكذلك يجب في الذي أوجب على نفسه خلاص هذه السلعة، والعلة الجامعة بينهما أن المشتري دخل على إن خلص هذه السلعة أو أجاز المغصوب منه البيع تم ذلك، قال: فإن لم يقدر هذا على خلاصها ولا أجاز هذا رد البيع، فذلك غرر، ويصير النقد في ذلك تارة ثمناً وتارة سلفاً. م وعاب بعض فقهائنا قياس ابن أبي زمنين مسألة خلاص السلعة على

مسألة بيع الغاصب، والمسألتان واحد؛ لأن كل واحد باع سلعة ليست له والمشتري عالم فلا فرق، والمسألة تجري على القولين والله أعلم. [فصل 13 - السلم في نسل الحيوان بعينها] قال مالك رحمه الله: ولا يجوز السلم في نسل حيوان بعينها من الأنعام والدواب بصفة وإن كانت حوامل. م لأنه من بيع الأجنة وقد نهي عنه. قال مالك: وإنما يكون السلم في الحيوان مضموناً لا في حيوان بعينها ولا في نسلها. قال: ومن سلف في لبن غنم بعينها أو في صوفها وشرط أخذ ذلك إلى أيام قلائل، فهلك المتبايعان أو أحدهما لزم البيع ورثة المالك لأنه بيع قد تم.

[فصل 14 - السلم في لبن غنم معينة كل قسط بكذا] ومن كتاب التجارة بأرض الحرب: ولا بأس بالسلم في لبن غنم معينة على الكيل، كل قسط بكذا، كانت الغنم كثيرة أو يسيرة كشاة أو شاتين، بعد أن تكون في أيام لبنها، وسمى أقساطاً معلومة، وما يأخذ كل يوم، ويضرب أجلاً لا ينقضي اللبن قبله، وسواء نقده الثمن أم لا شرع في أخذ اللبن أو كان يشرع فيه إلى أيام يسيرة، وجائز أن يبتاع لبنها ذلك كله جزافاً شهراً أو شهرين أو إلى أجل لا ينقضي اللبن قبله، وذلك جائز فيما كثر من الغنم كالعشرة ونحوها إذا عرفا وجه حلابها. وروى أشهب أن مالكاً أجازه في شاة واحدة. قيل: فإن ابتاع لبن عشرة شياه ثلاثة أشهر في إبانه، فماتت خمس بعد أن حلب جميعها شهراً. قال: ينظر فإن كانت الميتة تحلب قسطين قسطين، والباقية قسطاً قسطاً، نظر أيضاً، كلم الشهر من الثلاثة أشهر في قدر نفاق اللبن ورخصه، نظر أيضاً، كم الشهر من الثلاثة أشهر في قدر نفاق اللبن ورخصه، فإن قيل: النصف فقد قبض نصف صفقته بنصف الثمن، وهلك ثلثا

النصف الباقي قبل قبضه، فله الرجوع بحصته من الثمن وهو ثلثا نصف الثمن، وذلك ثلث الثمن أجمع، ولو كان موت هذه الميتة قبل أن يحلب شيئاً لرجع بثلثي جميع الثمن، وعلى هذا يحسب أن لو كانت حصة الميتة الثلث أو النصف أو الثلاثة أرباع. م يريد وله فسخ البيع، لأنه هلك جل صفقته. فصل 15 - السلم في ثمر قرية صغيرة] ومن السلم قال مالك: والسلم في ثمر قرية صغيرة مما ينقطع طعامها أو ثمرها في بعض السنة كالسلم في حائط بعينه، لا يصلح السلم في ثمرها إلا إذا أزهى، ويشترط أخذه بسراً أو رطباً ولا يجوز أن يشترط أخذه تمراً، لأن تلك القرية غير مأمونة. قال أبو محمد: ولا يجوز هاهنا تأخير رأس مال السلم لأنه مضمون في الذمة بخلاف حائط بعينة. قال غيره: السلف في القرية الصغيرة يوافق السلم في الحائط بعينه

في وجهين أحدهما أن لا يسلم في ثمرها إلا بعد زهوه. والثاني: أنه يشترط أخذه بسراً أو رطباً ولا يجوز تمراً. ويخالفه في وجهين: أحدهما: أنه يجوز أن يسلم إلى من ليس له في تلك القرية حائط والثاني: أنه لا يجوز تأخير رأس مال السلم لأنه مضمون وذلك بين. وقال محمد بن زمنين: وينبغي على أصل قوله أن لا يجوز التسليف في ثمر قرية صغيرة إلا أن يكون ثمرها للمسلف إليه، وإلا كان بمنزلة من باع ثمرة لغيره، واشترط تخليصها فتدبر ذلك فهو بين إن شاء الله. وقال بعض القرويين: ذلك جائز وإن لم يكن له فيها ثمر، ولا يدخله بيع ما ليس عندك؛ لأن الغالب أن جملة أهل القرية لا يجتمعون على أن يبيعوا. م فهو في هذا كالسلم في القرى الكبار، وعليه يدل قول أبي محمد؛ لأنه جعله مضموناً في الذمة وهو بين والله أعلم.

[فصل 16 - في السلم في زرع أرض بعينها] قال مالك رحمه الله: ولا يجوز السلم في زرع أرض بعينها وإن بدا صلاحه أو أفرك، ولا يصلح السلم في الحنطة والحب كله إلا مضموناً لا في زرع بعينه، بخلاف السلم في [تمر] حائط بعينه؛ لأن ذلك إنما يشترط أخذه بسراً أو رطباً، ولا يجوز أن يشترط أخذه تمراً، وهذا الزرع إنما يشترط أخذه حباً فهو كاشتراط أخذ الزهو تمراً فلا يصلح. قال: ومن أسلف في حائط بعينه بعد ما أزهى أو أرطب. أو في زرع بعد أن أفرك واشترط أخذه حنطة أو تمراً فأخذ ذلك، وفات البيع -يريد بالقبض- لم يفسخ؛ لأنه ليس من الحرام البين الذي أفسخ هـ، ولكن أكره أن يعمل به فإذا فات لم أفسخه. قال في كتاب محمد: أكرهه، فإن وقع لم يرد؛ وكذلك في زبيب كرم

بعينه أو في تينه يكره، فإن وقع لم يرد وقاله أشهب. [فصل 17 - في وقت بيع الحب والسلم فيه] ومن المدونة: قال مالك: وبلغني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال «لا تبيعوا الحب حتى يشتد في أكمامه» وفي حديث آخر (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يشتري الحب حتى يبيض). قال مالك: وذلك أن ييبس، وينقطع عنه شرب الماء حتى لا ينفعه الشرب.

[قال] ابن المواز: وقال ابن شهاب: حد ذلك أن يفرك، ولم يأخذ به مالك إلا أنه قال: فإن نزل لم يفسخ. وقال ابن القاسم: يفسخ ما لم ييبس فيمضي. ومن المدونة قال مالك: ولا بأس بالسلم في الحنطة الجديدة قبل الحصاد، وفي التمر الجديد قبل الجذاذ ما لم يكن زرعاً بعينه أو حائطاً بعينه. [فصل 18 - السلم في ثمر القرى المأمونة وفي حديد معدن بعينه] قال مالك رحمه الله: وإذا كانت القرية مأمونة مثل مصر وخيبر ووادي القرى ونحوها من القرى العظام التي لا ينقطع ثمرها ولا حبها من أيدي

الناس، فلا بأس بالسلم في ثمرها أو في غير ذلك من حبها قبل إبانه أو في أي إبان شاء، ويشترط أخذه في أي إبان شاء، وإن أسلم في رطبها أو بسرها فليشترط أخذه في إبانه وفي أي إبان شاء، وإن أسلم في ذلك إلى رجل ليس له في تلك القرية أرض ولا زرع ولا طعام ولا نخل ولا تمر فذلك جائز. قال ابن القاسم: والسلم في حديد معدن بعينه كالسلم في قمح القرى المأمونة إن كان المعدن مأموناً لا ينقطع حديده من أيدي الناس لكثرته في تلك المواضع، فالسلم فيه جائز على وزن معلوم وصفة معلومة وإلى أجل معلوم.

[الباب الثالث] في السلم في الثمار والخضر والبقول والحبوب واللحم

[الباب الثالث] في السلم في الثمار والخضر والبقول والحبوب واللحم [فصل 1 - اشتراط تعجيل النقد وكون المسلم فيه موصوفاً مؤجلاً] قال مالك رحمه الله: سئل ابن عباس عن السلم في الطعام فتلا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282]. قال مالك: فهذا يجمع الدين كله. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار سلفوا في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم. (ونهى -صلى الله عليه وسلم- عن الكالئ بالكالئ)، فوجب تعجيل النقد في المضمون. قال ابن القاسم: ولا بأس بالسلم في الفواكه والثمار إذا وصفه وأجله، وعجل نقده. [قال] ابن المواز: وإن لم يذكر موضع القضاء لم يفسد به السلم، ويلزمه أن يقضيه بموضع التبايع بسوق تلك السلعة.

ومن المدونة [قال] ابن القاسم: وإن لم يصف ذلك ولا ضرب له أجلاً والثمن عرض أو عين فالسلم فاسد. [فصل 2 - في السلم فيما ينقطع من أيدي الناس وما لا ينقطع] قال: وكل ما لا ينقطع من أيدي الناس، فأسلم فيه أي إبان شئت واشترط أخذه في أي إبان شئت. وأما من ما ينقطع من أيدي الناس في بعض السنة من الثمار الرطبة وغيرها فأسلم فيه في غير حائط بعينه، فلا بأس أن يسلم فيه في إبانه أو في غير إبانه ولكن لا يشترط الأخذ إلا في إبانة، وإن اشترط فيه الأخذ في غير إبانة، فإنه لم يجز، أسلم فيه في إبانه أو قبل إبانه، لأنه يشترط ما لا يقدر عليه. قال: وإن اشترط أخذه في إبانه ثم انقطع إبانه قيل أن يأخذ ما أسلم فيه، فقال مالك مرة يتأخر الذي له السلف إلى إبانه المقبل من السنة

المقبلة ثم رجع فقال: لا بأس أن يأخذ بقية رأس ماله. وقال ابن القاسم: من طلب التأخير منها فذلك له إلا أن يجتمعا على المحاسبة فلا بأس به بخلاف السلم في حائط بعينه؛ لأن ذلك معين، فإذا ذهب انفسخت الصفقة ووجبت المحاسبة، وهذا مضمون في الذمة. وقال أشهب: ذلك سواء، ولا يجوز التأخير وليس له إلا بقية رأس ماله.

وقال سحنون: ليس ذلك لواحد منهما، وقال بقي ففي ذمته إلى قابل وقال أصبغ: من شاء المحاسبة منهما فذلك له إلا أن يجتمعا على التأخير. م قال بعض فقهائنا: ومعنى قول مالك لا بأس أن يأخذ بقية رأس ماله، يريد إذا اتفقا وهو وفاق لابن القاسم، وإنما جوز لهما الاجتماع على المحاسبة لضرورة فوت الإبان الداخلة عليهما، فلم يتهما على قصد البيع والسلف وهو استحسان.

ووجه قول أشهب أن كل ماله إبان عنده ثم ينقطع، فحكمه حكم الشيء المعين، وأن انقطاعه كفوات عين المعين، إذ لا سبيل إلى وجود مثله. وأن إلزامه التأخير إلى قابل ظلم له، فوجب لذلك المحاسبة عنده والله أعلم. ووجه قول سحنون الذي ألزمهما التأخير: لأنه إذا أخذ بقية رأس ماله صار بيعهاً وسلفاً وهما قادران بالتأخير على التحرز منه، وإذ قد يتهمان إلى قصد التراخي على قبضه في الإبان ليتم لهما رد بقية رأس المال فمنعا منه حماية الوجهين وهو القياس. ووجه قول أصبغ أن الواجب عنده المحاسبة كفوت الشيء المعين ثم أباح لهما التأخير للضرورة التي دخلت عليهما بفوات الإبان، وحمل أمرهما على السلامة، ولم يتهما أن يكونا قصداً البيع والسلف والله أعلم. م وهذا قول معيب عندهم؛ لأنه إذا كان الواجب عنده المحاسبة، ويجبر الآبي منهما عليها، فاتفقا على التأخير هو فسخ الدين في الدين وبالله التوفيق.

وفي كتاب محمد عن ابن القاسم: أنه يخير إن شاء أن يأخذ بقية رأس ماله وإنشاء أن يؤخره. وهذا يدخله ما دخل قول أصبغ. وكذلك عنه في إذا اكترى إلى الحج فلم يأت بالكراء حتى فات الإبان أن المكتري مخير، إن شاء بقي إلى قابل وإن شاء فسخ الكراء وقيل أنه يفسخ الكراء فقط. وجعل ذلك كالأيام المعينة فهذا يوهن قوله أنه مخير؛ لأنه وجب له أن يأخذ نقده فأخره إلى حج قابل، وحكم الأيام المعينة إذا فاتت فسخ الكراء ولا يأخذ غيرها عوضاً، والفسخ في ذلك يجري على قول أشهب في مسألة الكتاب. وكذلك قال في من أسلم في ضحايا فأتى بها بعد الوقت أنه يبطل السلم لفوات الإبان، فصارت ضرورة أوجبت الفسخ، وهذا كله جاء على قول أشهب، وقيل غير هذا.

ووقع لأشهب فيمن غصب شيئاً فلم يوجد مثله أن ربه مخير إن شاء أن يؤخره حتى يجده، وإن شاء أن يغرمه قيمته. وهذا نحو ما قدمناه لابن القاسم، وإنما كان ينبغي على ذهب أشهب أن يغرمه القيمة، ولا يجوز رضاه بالتأخير. وذكر عن مالك في مسألة الكتاب أنه إن قبض أكثر السلم جاز أن يؤخره بما بقي إلى قابل، وإن قبض اليسير فلا يجوز ذلك ويتحاسبان فاعلم ذلك. [فصل 3 - موت المسلم إليه قبل الإبان] م قال بعض فقهائنا القرويين: ولو مات المسلم إليه قبل الإبان فلتوقف تركته حتى يأتي الإبان، ولا سبيل إلى قسم ماله حتى يأخذ هذا حقه. قيل: فإن كان عليه دين يغترق ماله؟ قال: يتحاصون في تركته، ويضرب لصاحب السلم بقيمة ذلك الشيء الذي أسلم فيه في وقته على ما يعرف منه في أغلب الأحوال من غلاء أو رخص.

م يريد ثم يوقف ما صار له في المحاصة أو التركة كلها إن لم يكن عليه دين حتى يأتي الإبان، فيشتري له ما أسلم فيه، فإن نقص عن ذلك أتبع بالبقية ذمة الميت إن طرأ له مال، وإن زاد لم يشتر له إلا قدر حقه، وترد البقية، إلى من يستحق ذلك من وارث أو مديان ولو هلك ما وقف له في حال الإيقاف، كان من المسلم إليه؛ لأن له نماءه فعليه تواؤه، وحق هذا في غير عين ما وقف له. [فصل 4 - السلم في القصب الحلو والموز والأترج وشبه ذلك] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا بأس بالسلم في القصب الحلو وفي الموز وفي الأترج وشبه ذلك إذا اشترط فيه شيئاً معروفاً، وسبيل السلم فيه كما اشترطنا فيما ينقطع وفيما لا ينقطع. قال مالك: ولا بأس بالسلم في الرمان عدداً إذا وصف مقدار الرمانة. [قال] ابن القاسم: وكذلك في التفاح والسفرجل إذا كان يحاط بمعرفته، ولا بأس بالسلم في ذلك كله إذا كان شيئاً معروفاً.

قال مالك: ويجوز السلم في الجوز على العدد والصفة قال ابن القاسم: أو على الكيل إذا عرف فيه. م والعرف في بلدنا في الجوز الكيل فلا يجوز السلم فيه إلا على الكيل، أو بيعه نقداً، والسلم فيه على العدد خطر إلا فيما قل. قال مالك: ويجوز بيع الجوز على النقد جزافاً؛ لأنه مرئي وكذلك البيض وما يكثر عدده. قال مالك ولا يسلف في البيض إلا عدداً بصفة، وهو العرف فيه، ولا بأس بالسلم في القصيل والبقول إذا اشترط جرزاً أو حزماً أو أحمالاً معروفة، ويسلم في ذلك في إبانه وقبل إبانه ولا يشترط الأخذ إلا في إبانه، ويجوز أن يشترط الأخذ في غير إبانه،

وكذلك القضب والقرط الأخضر، إلا أن يكون القرط الأخضر لا ينقطع من البلد الذي أسلم فيه، فيجوز أن يشترط أخذه في أي إبان شاء، ولا يجوز في شيء من ذلك اشتراط فدادين معروفة بصفة طول وعرض وجودة ورداءة؛ لأنه مختلف لا يحاط بصفته، ولا يكون السلم في هذا إلا على الأحمال والحزم. [قال] ابن المواز: وقال أشهب: ذلك جائز كله ووجه من لم يجزه أن الجيد مختلف والوسط مختلف، ويلزمه ذلك في الحبوب، ولا مقا له في ذلك. م وهذا الذي ذكر ابن المواز عن أشهب خلاف قول شيوخنا المتأخرين

أن السلم فيما لا زوال له من الدول والأرضين والحوائط لا يصلح؛ لأن المواضع تختلفن فلا بد أن يصف الموضع ويحده حداً لا يختلفان فيه، فيؤدي ذلك إلى السلم في شيء بعينه وبيع ما ليس عنده، وكذلك السلم في القصيل فدادين؛ لأنه لابد أن يحده فيقول بالموضع الفلاني ومجاور لفدان فلان، وطوله وعرضه كذا، فيؤدي ذلك إلى السلم في بدان بعينه، لا بد من ذلك فيفسد من هذه الجهة، لا من أجل أنه مختلف في الجودة والرداءة وهذا قول واضح والله أعلم. فصل [5 - السلم فيما يتعذر وجوده وفي الدور] ومن كتاب أبي إسحاق: ولا يجوز السلم فيما يتعذر وجوده، ولا في الدور؛ لأن السلم إنما يصح فيما يزال فيه، إذا لو وصف له صفة موضع الدار فقد يتعذر عليه شراؤها هنالك.

وكذلك كلما يتعذر عليه وجوده من الصفات، إذ لو كلف شراؤه لتعذر عليه. فصل [6 - في السلف في الثمار من غير ذكر جنسه أو صفته] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن سلف في تمر ولم يذكر برنيا من صيحاني ولا جنساً من التمر بعينه، أو يذكر الجنس ولم يذكر صفة جودة أو رداءة، فالسلم فاسد حتى يذكر الجنس ويصفه، فإن نزل ذلك على غير وصف ثم اتفقا على أخذ الأرفع لم يجز لفساد عقده، وكذلك السلم في الزبيب وسائر الحبوب إذا كان يختلف.

قال أبو إسحاق: واجتزئ في وصف الطعام أن يقول جيد، ولم يجز في وصف الحيوان بأن يقول فارها ولا في الثياب بجيد. والفرق بينهن أن الطعام يعرف الجيد منه، ولا يختلف الجيد منه اختلافاً متبايناً، ويكون له الوسط من الجيد والفاره، والجيد من الثياب مختلف اختلافاً كثيراً لا يتقارب. وكذلك السلم في الزبيب وسائر الحبوب إذا كان يختلف. قال: ومن أسلم بمصر في حنطة ولم يذكر جنساً قضي له بمحموله وإن كان بالشام قضي له بسمراء -يريد لأنه الذي فهما- قال: ولا بد في

ذلك من الصفة في الجودة والرداءة فإن لم يصف فالسلم فاسد. [قال] ابن المواز: وقد روى ابن القاسم عن مالك أنه قال: إن أسلم ولم يسم بمصر سمراء من بيضاء لم يجز، وقاله ابن عبد الحكم وهو أحب إلينا. وقال أصبغ: ذلك جائز لأن جل طعام مصر البيضاء إلا ما أصابته منه عاهة. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن أسلم في الحجاز حيث تجتمع السمراء والمحمولة ولم يسم جنساً فالسلم فاسد حتى يسمي سمراء من محمولة ويصف جودتها فيجوز. قال ابن حبيب: وهذا في مثل بلد تحمل إليه وأما في بلد ينبت فيه أسمر وأبيض فيجزيه، وإن لم يذكر ذلك وذكر جيداً نقياً وسطاً أو مغلوثاً وسطاً.

م وقول ابن حبيب هذا لا وجه لاه، وسواء كان بلد ينبت فيه الصنفان أو يحملان إليه، لابد في ذلك من ذكر الجنسين إذا كانا مختلفين، لا يجزئ ذكر أحد الجنسين، ثم يذكر الجودة والرداءة كما قال ابن القاسم؛ لأن المسلم فيه أبداً لا يكون إلا موصوفاً بصفة لا يختلفان فيه عند القضاء إلا أن يكون لهم عرف فيما يسلفون فيه فيحملان عليه وكأنه عليه دخلا؛ لأن العرف كالشرط. م وذكر لنا عن أبي بكر بن عبد الرحمن القروي أنه قال: لا يحتاج في السلم في الطعام أن يشترط حنطة حصيد عامه، قال: والرواية أنه إذا أتاه بقمح قديم أنه يجبر على أخذه، فهذا يدل على أنه لا يراعي قديم من جديد، ولو روعي لم يجبر على أخذ قديم وقد اشترط جديداً.

قال: وذلك لا يختلف عندنا بأفريقية. م وهو يختلف عندنا بصقلية، فلا يجوز حتى يشترط قديماً من جديد. قال ابن حبيب: وإن أسلم في زيت الماء أو زيت المعصرة، وإن كان يجتمع في ذلك البلد زيت بلدان كثيرة ذكر من أي بلد، ويذكر جيداً أو دنيئاً أو وسطاً، وإلا لم يجز ذلك، وكذلك السمن. فصل [7 - السلم في أصناف من الطعام كثيرة صفقة واحدة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن أسلم مئة درهم في أرداب معلومة من حنطة وأرداب معلومة من شعير وأرداب معلومة من سمسم ولم يذكر ما لكل صنف من الثمن، أو سلم ما ذكرنا في جميع صنوف الأمتعة والطعام والشراب والقطاني والرقيق والحيوان ولم يسم رأس مال لكل صنف

على حده، فذلك جائز إذا وصف كل ما أسلم فيه ونعته وسمى كيل ما ينبغي كيله منه أو وزنه، ولا يبالي كان أجل ما أسلم فيه متفقاً أو مختلفاً فهو جائز لأنها صفقة واحدة. وكذلك إن أسلمت عروضاً في عروض تخالفها أو في طعام على ما ذكرنا. م قال بعض العلماء: أجاز الشافعي بيع سلع حاضرة وإم لم يسم ما لكل سلعة من الثمن، ولم يجزه إذا أسلم في ذلك حتى يسم ما لكل سلعة، ثمناً معلوماً. وهذا تناقض منه. فصل [8 - السلم في الرؤوس والأكارع واللحم والشحم] قال مالك: ولا بأس بالسلم في الرؤوس إذا اشترط صنفاً وقدراً معلوماً، صغاراً وكباراً، وكذلك في الأكارع، ولا بأس بالسلم في اللحم والشحم إذا اشترط لحماً أو شحماً معروفاً، ويذكر الجنس من ضأن أو معز ونحوه وإلا لم يجز. قيل: ولم؟ ولحم الحيوان كله نوع واحد.

قال: والتمر أيضاً كله نوع واحد، ولكن لا يجوز السلم في حتى يسم الجنس برنياً أو صيحانياً. م يريد لأنه لا يجوز السلم إلا على صفة لا يختلفان عند القبض فيها. قال ابن حبيب: وإن لم يذكر من أين يأخذ، من جنب أو فخذ أو كتف بجائز ذلك، وإن ذكره فحسن. قال ابن المواز: قيل لابن القاسم أفيحتاج أن يسمي الناحية التي يأخذ منها يداً أو جنباً أو فخذاً؟ قال: لا وإنما يقول ذلك أهل العراق وهذا باطل، وإنما يسمي السمانة والنحو ماعزاً وأو ضأناً، وقاله مالك. قال أصبغ: ولو اشترط وسطاً من السمانة جاز. قال ابن المواز: وإن اشترط سميناً ولم يشترط أي السمين ولم يجد السمين جاز، كقول مالك في الطعام جيد - وهي صفة-، بعد أن يسمي ماعزاً أو غيره، ثم يكون

له السمن المعروف عند الناس والجيد من الطعام العام عند الناس. قيل لابن القاسم: فإن قضاه مع ذلك بطوناً فأبى أن يأخذه قال: أفيكون لحم بلا بطون. فقيل بكم قدر ذلك؟ فقال: قد جعل الله عز وجل لكل شيء قدراً، والبطن من الشاة، فكأنه يقول: على قدر البطن من قدر الشاة. قال: وهذه أشياء قد عرف الناس ناحيتها ووجهها. ومن المدونة: قال: ويشترط إذا أسلم في اللحم وزناً معلوماً معروفاً، وإن اشترط تحرياً معروفاً جاز إذا كان لذلك قدراً قد عرفوه،

لجواز بيع اللحم بعضه ببعض تحرياً والخبز بالخبز تحرياً. م قيل معنى قوله في اللحم تحرياً أن يقول له: آخذ منك ما إذا تُحرى كان في وزنه رطل أو رطلان أو نحو ذلك، وذلك فيما يقل ويستطاع تحريه. قال الأبهري: وإنما جاز بيع اللحم باللحم تحرياً لحاجة الناس إليه، ولو منعوا منه حتى يزنوه لتعذر عليهم وضاق، ولأن الموازين قد تقل. قال بعض شيوخنا: إنما أجازه مالك عند عدم الموازين للضرورة إلى ذلك، فأما حيث توجد الموازين فإنه لا يجوز حتى توزن، كما لا يجوز بيع الطعام على التحري.

قال محمد بن أبي زمنين: وإنما يجوز على التحري فيما قل من ذلك، ويجزيه أن يقول له: أسلم إليك في لحم يكون قدره عشرة أرطال أو ما سميا، وكذلك هذا في الخبز. فصل [9 - السلم في الحيتان] ومن المدونة: قال مالك: والسلم في الحيتان الطرية جائز إذا سمي جنساً من الحوت وشرط ضرباً معلوماً صفته وطوله وناحيته إذا أسلم في ذلك قدراً أو وزناً معلوماً. قال أبو إسحاق: السلم في الحيتان الطرية جائز، [إذا] سمى الجنس والنحو -أي القدر- لأن الحوت يختلف صغيره وكبيره، والناحية؛ لأن المواضع قد يختلف طعم حوتها في تساويه في القدر، ويرغب في بعضها ما لا يرغب في بعض، فلا بد من صفة تخص ذلك حتى تميزه من غيره.

قال: وما كان ينقطع من طري الحوت فليسلم فيه في إبانه أو قبل إبانه، ويشترط الأخذ في إبانه. قال ابن المواز: فإن انقطع إبانه قبل أن يأخذ ما أسلم فيه فليأخذ برأس ماله ما شاء من الطعام نقداً، وكذلك في ماله إبان من اللحم فينقطع، فلا بأس أن يأخذ ببقية رأس ماله لحم معز من ضأن أو بقر، رطلاً برطلين، وكذلك العنب يزول إبانه فله أن يأخذ ببقية رأس ماله زبيباً أو عنباً شتوياً، رطلاً برطلين، وهذا كله بعد معرفتهما بما بقي من رأس المال. م وهذا على قول أشهب فيمن أسلم في الثمار التي تنقطع من أيدي الناس في بعض السنة؛ لأنه يقول إذا انقطت فليس له إلا بقية رأس ماله. م ويدخل في هذه المسألة الاختلاف الذي دخل في مسألة بيع الثمار اليت تنقطع، لا فرق بينهما. م وإنما يصح ما قال محمد إذا حكم بينهما بهذا القول أو تراضوا بالأخذ به.

[فصل 10 - من أسلم في صنف فلما حل الأجل أراد أن يأخذ غيره] ومن المدونة: قال مالك: ومن أسلم في صنف من الحوت، فلما حل الأجل أراد أن يأخذ غيره من جنس الحيتان جاز ذلك. قال ابن المواز: وكذلك من أسلم في لحم ضأن أن يأخذ كل يوم وزناً معلوماً فله أن يأخذ في يومه لحم بقر، ولا يتعجل منه في ذلك اليوم أكثر مما شرط. م يريد فيدخله بيع الطعام بالطعام إلى أجل، كأنه عجل له مما له عليه من المعز لحم بقر، وإذا أخذ منه مثل ما حل له عليه كان بدلاً. قال في الواضحة: ومثله في كتاب ابن المواز ومعناه في المدونة في غير هذا الباب. قال: وإذا اشترط أن يأخذ في كل يوم من اللحم بوزن كذا وأخذ منه يوماً أكثر من الشرط وودى ثمن الزائد، فإن كان ما أخذ مثل صفة

شرطه فجائز، وإن كان بخلاف الصفة من سمن لحم، أو عظم في الحيتان أو صنف من اللحم غير ماله عليه مثل لحم ضأن من معز، ولم يجز أن يشتري منه زيادة في الوزن. ولو جاء بمثل الوزن دون الصفة، أو خلاف الجنس ويعطيه معه عرضاً أو عيناً، فم يجز ولا يأخذ أكثر وزناً وأدنى صفة، ويأخذ ثمناً، ويدخل ذلك كله بيع الطعام قبل قبضه. قال ابن المواز: إلا أن يكون استوفى مثل حقه بغير شرط ثم فضل له فضل، فله أن يشتري تلك الفضلة مثل أن يكون له عليه مئة أردب سمراء فجاءه بمئة بيضاء أو شعير، فقضاه من ذلك حقه ثم أراد أن يشتري منه فضله، ذلك فلا بأس به ما لم يكن شرطاً أو تعاملاً على ذلك، فأما إذا صح اقتضاؤه على غير شرط فلا بأس به، وإنما ذلك في الطعام خاصة، وأما غير الطعام مما يجوز بيعه قبل قبضه فلا بأس به أن يشتري الزيادة بشرط.

فصل [11 - السلم في الطير] ومن المدونة: قال مالك: ولا بأس بالسلم في الطير وفي لحومها بصفة معلومة وجنس معلوم، ومن أسلف في لحم دجاج فحل فلا بأس أن يأخذ لحم الطير كله. م ولحم طير الماء إ ذا أخذ مثله، ولا يجوز أن يأخذ طير الماء باتفاق من ابن القاسم وأشهب. قال: وأما إن أسلم في دجاج أو في أوز فأخذ مكانها بعد الأجل طيراً من طير الماء لم يجز، وأجازه أشهب. قال: وأما إن أسلم في دجاج أو في أوز فأخذ مكانها بعد الأجل طيراً من طير الماء لم يجز، وأجازه أشهب. قال ابن القاسم: لأن طير الماء إنما به الأكل، فإنما هو لحم، ولا يباع الحيوان باللحم من صنفه، وأجازه أشهب؛ لأنه حي بعد. ومن العتبية: قال ابن القاسم: والدجاجة التي قد فسدت لا تبيض ولا تراد إلا للذبح فلا بأس بها بما لا يستحيا من الطير، يداً بيد على التحري؛ لأنه لحم كله. م ويجوز عند أشهب أيضاً وإن لم يتحر؛ لأنه لحم كله، وقال في

السلم الثالث: وإنما نهى عن اللحم بالحيوان للفضل والمزابنة، فكل ما جاز في لحمه التفاضل، جاز منه الحي بالمذبوح، وفي السلم الثالث إيعاب هذا. قال مالك في السلم الأول: ومن أسلم في دجاج جاز أن يأخذ مكانها قبل الأجل أو بعده أوزاً أو حماماً وشبه ذلك من الداجن المربوب عند الناس؛ لجواز بيع بعضها ببعض نقداً أو إلى أجل، لأنهما صنفان وكذلك العروض كلها ما خلا الطعام والشراب فإنه لا يجوز بيعه من الذي عليه السلم ولا من غيره حتى يستوفيه لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، إلا أن يعطيك الذي عليه السلم من صنف طعامك مثل ما أسلمت فيه، سمراء من محمولة بعد الأجل، فيجوز على وجه البدل. وفي السلم الثالث إيعاب هذا. قال مالك رحمه الله: ويجوز بيع دجاجة بدجاجتين يداً بيد. قال ربيعة: ومن أسلف صياداً دنانير على صنف من الطير، كل

يوم كذا وكذا طيراً، فأتاه فلم يجد عنده من ذلك الطير الذي أسلف فيه شيئاً فأخذ منه عشرة عصافير بطير واحد مما اشترط عليه جاز. قال سحنون في كتاب ابنه: معناه أن الطير الذي أسلم فيه مما لا يقتني إنما هي اللحم، والعصافير التي أخذ منه بدله كذلك، فلذلك جاز أن يأخذها على التحري مثل أن تكون العشرة مساوية لذلك الطير الواحد، ولو كان ذلك الطير مما يقتني مثل الداجن المربوب فأخذ فيه طيراً أو عصافير مما لا يقتني لم يجز؛ لأنه اللحم بالحيوان، المنهي عنه، ولو أخذ بدل الطير المقتنى طيرين أو ثلاثة مما تقتني أيضاً كان حلالاً لجواز التفاصيل فيها. م ولو أسلم إليه في عشرة عصافير مما لا تحيا وشرط أن يأتيه بها حيه، فأتى بعشرة عصافير من ذلك الجنس مذبوحة لم يجز له الرضا بها؛ لأنه اللحم بالحيوان، ولو شرط أن يأتيه بها مذبوحة فأتاه بها حية لم يجز له أخذها حتى تذبح؛ لأنها حية من مذبوحة.

الباب الرابع في السلم في العروض والصناعات وتراب المعادن والصياغة

الباب الرابع في السلم في العروض والصناعات وتراب المعادن والصياغة [فصل 1 - في السلم في العطر والجوهر والزجاج واللبن وفي الحطب والجلود ونحوها] قال مالك رحمه الله: ولا بأس بالسلم في المسك والعنبر وجميع العطر إذا اشترط من ذلك شيئاً معلوماً، وكذلك في الجوهر واللؤلؤ وصنوف الفصوص والحجارة إذا ذكر صنفاً معروفاً بصفة معلومة، وكذلك آنية الزجاج يصفها، وكذلك لا بأس بالسلم في اللبن والجص والزرنيخ والنورة وشبه ذلك مضموناً معلوم الصفة، وفي الحطب إذا اشترط من ذلك قناطير معلومة أو قدراً معروفاً بصفة معلومة، وكذلك في الجذوع وخشب البيوع ونحو ذلك من صنوف العيدان، وفي جلود البقر والغنم، وفي جميع الرقوق والأدم والقراطيس إذا اشترط من ذلك كله شيئاً معلوماً. ويجوز السلم في نصول السيوف والسكاكين وفي العروض كلها إذا كانت موصوفة مضمونة وضرب لها أجلاً معلوماً وقدم النقد فيها.

[فصل 2 - السلم في ما يصنع في الأسواق] قال بن القاسم: ومن استصنع طستاً أو توراً أو قمقماً أو قلنسوة أو خفين أو لبداً أو استنحت سرجاً أو قارورة أو قدحاً أو غير ذلك مما يعمل الناس في أسواقهم عند الصناع، فإن جعل ذلك موصوفاً مضموناً إلى مثل أجل السلم، جاز ذلك إن قدم رأس المال مكانه أو إلى يوم

أو يومين إذا لم يشترط شيئاً بعينه يعمله منه، أو عمل رجل بعينه، فإن شرط عمله من ناحس أو حديد بعينه أو ظواهر معينه، أو عمل رجل بعينه لم يجز، وإن نقده، لأنه [غرر] لا يدري أيسلم ذلك الحديد والنحاس والظواهر، أو يسلم الرجل إلى ذلك الأجل أم لا؟ فذلك غرر إذ قد يسلم فيعمله له أو يموت قبل الأجل، فيبطل سلف هذا، وقد انتفع المسلم إليه بذهبه باطلاً. [قال] ابن المواز: وقال أشهب: إذا شرع في عمله أو في مثل الأيام اليسيرة جاز، قال: وإنما يكره ذلك إذا كان إلى أجل بعيد، إذ لا يصح السلم فيه في شيء بعينه، فأما من أتى إلى رجل عنده عشرة أرطال حديدة أو نحاس، فاشتراه بعينه على أن يعمل له ذلك النحاس أو الحديد قدراً أو قمقماً بعشرين درهماً، ووصف ذلك، فلا بأس به إذا كان يشرع في عمله عاجلاً، قال: ولا بأس أن يشتري منه تور نحاس على أن يعمله له إذا أراه النحاس: ووزنه ووصف هذا ما يعمله له.

وكذلك ظهارة على أن يعملها له قلنسوة، والحذاء على أن يحذو له، ويشرع في ذلك، قال: ويجوز لمشتري ذلك بعينه بيعه قبل قبضه، قال ابن المواز: بل لا يصلح بيعه قبل قبضه؛ لأنه إذا بيع لم يكن له بد من الضمان فيه، وضرب الأجل، وذلك لا يصلح في شيء بعينه. قال: والفرق بين الثوب يشتريه على أن يتم له نسجه، والتور النحاس على أن يتم له عمله، أن النحاس إن جاء بخلاف الصفة أعاده إليه، والثوب لا يمكن ذلك فيه، ولا يدري كيف يخرج بقيته. فصل [3 - السلم في تراب المعادن والصواغين] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا يسلم في تراب المعادن عيناً ولا عرضاً؛ لأن صفته لا تعرف، ولو عرفت صفته جاز سلم العروض فيه، ولا يجوز بالعين؛ لأنه يدخله الذهب بالذهب والفضة بالفضة إلى أجل والله أعلم، وقد

قال -صلى الله عليه وسلم- «لا تبيعوا منها غائباً بناجز». قال ابن القاسم: وجائز أن يشتريه يداً بيد بخلافها من العين أو بالعروض؛ لأنها حجارة معروفة ترى قال: ولا يسلم في تراب الصواغين ولا يشتريه يداً بيد؛ لأنه رماد لا يدري ما فيه، وشراؤه غرر. قال ابن حبيب: فإن بيع تراب معدن الذهب بذهب أو تراب معدن الفضة بفضة رد، فإن فات واستخرج ما فيه فهو للمبتاع وعليه قيمة التراب. قال: وأما تراب الصواغين فإن بيع وفات واستخرج ما فيه، رد ما خرج منه إلى البائع وودى أجرة تخليصه إلى المبتاع مع ثمنه.

م قيل فإن لم يخرج للمبتاع منه شيء، فلا بد أن يكون له على البائع الأجرة، وهذا غلط، والصواب أن لا أجرة له إن لم يخرج منه شيء؛ لأنه لم يستأجره عليه، وقد دخلا على الغرر جميعاً، ويرجع بجميع الثمن، وإن خرج له منه شيء فالبائع مخير إن شاء دفع له أجره وجميع ثمنه وأخذ منه ما يخرج أو سلم ذلك إليه ورد إليه جميع ثمنه. م والفرق بين تراب المعادن وتراب الصاغة، أن الأصل فيما بيع بيعاً فاسداً ففات بيد مشتريه، أن يغرم المثل فيما له مثل له، والقيمة فيما لا مثل له، فلما أفات تراب المعادن أغرمناه قيمته؛ لأنه مما له قيمة، ويجوز بيعه نقداً بخلافه، فأجريناه على الأصل، وأما تراب الصاغة فلا مثل ولا قيمة فيه، فوجب رد الثمن فيه إذا فات ولا يرجع بشيء إن لم يخرج منه شيء وهذا أمر بيِّن.

وقال بعض أصحابنا: لابد أن تكون له قيمة فإذا أفاته بالعمل كان ما خرج له، وعليه قيمته على غرره. وقد قال ابن أبي زمنين: قال غير ابن حبيب ولو ادعى مشتري الرماد تلفه قبل تخليصه، لكان تلفه من المشتري وعليه قيمته على الرجاء والخوف، فإذا كان عليه قيمته في تلفه، فكذلك تكون عليه قيمته إذا أفاته بالعمل. م والقول الأول أبين، إذ لا يتحصل له قيمة على غرره. وقال ابن حمدون: تراب الفضلة يجوز بيعه بالذهب؛ لأنها حجارة تسيل فيستخرج ما فيها بالعمل، وأما تراب الذهب فإنما هو تراب وذهب مختلط، ليس في التراث منه شيء وإنما يميز الذهب منه بالغسل فإن بيع قبل ذلك كان بيعاً مجهولاً، لا يجوز بيعه حتى يميز ترابه ويعرف قدره فيباع.

قال بعض أصحابنا: وإذا كان الأمر على ذلك لم ينبغ أن يكون فيه خلاف، ومن جمع بين تراب الذهب والفضة فإنما ظن أن أمره واحد. م ويحتمل هذا، ويحتمل أن معدن الذهب على جنسين، فمنه تراب مختلط كما قال ابن حمدون، ومنه حجارة كما قال من تقدم، وهو ظاهر قولهم، ويحتمل أن يكون تخليص الذهب من التراث كتخليص الفضة من الحجارة فيجوز بيعه وإن لم يدر ما فيه، كما يجوز بيع الحجارة وإن لم يدر ما فيها والله أعلم. قال ابن المواز: ولا بأس بقسمة اتراب المعدن كيلاً، وقال يحيى بن عمر: لا يجوز اقتسامه وهو غرر؛ لأنه لا بد أن يكون في أحد النصيبين أكثر ذهباً من الآخر، قال: ولو جاز اقتسامه لجاز سلفه. وهو قول محمد بن عبد الحكم. م كما جاز بيعه جازت قيمته؛ لأنه مرئي وأما السلف فيه فهو غير مرئي والله أعلم.

[الباب الخامس] في تسليم الفلوس والسلم فيها وتسليم الحديد في الحديد والثياب في الثياب أو فيما تولدت منه وبيع الكتان بالغزل وفي قرض العروض والجواري

[الباب الخامس] في تسليم الفلوس والسلم فيها وتسليم الحديد في الحديد والثياب في الثياب أو فيما تولدت منه وبيع الكتان بالغزل وفي قرض العروض والجواري [فصل 1 - السلم في الفلوس] قال مالك رحمه الله: ويجوز سلم الفلوس في الطعام، والطعام في الفلوس، قال: ولا يجوز أن يسلم الدنانير والدراهم في الفلوس؛ لأن الفلوس عين وهذا صرف، ولا تباع الفلوس وزناً ولا كيلاً ولا جزافاً بعين ولا بعرض نقداً ولا إلى أجل؛ لأن شأنها العدد. قال مالك رحمه الله: ولا خير في بيع فلوس من نحاس بنحاس يداً بيد؛ لأنه من المزابنة؛ إلا أن يتباعد ما بينهما، وتكون الفلوس عدداً فيجوز.

وأجاز يحيى بن سعيد بيع رطل نحاس برطلين مضروبين فلوساً أو غير مضروبين يداً بيد، هكذا نقلها أبو محمد. قال ابن القابسي: معنى قوله مضروبين أي ضربت قدوراً أو نحوه، ولا يكو خلافاً لابن القاسم. ونقل أبي محمد أسعد بظاهر الكتاب وهو خلاف لقول ابن القاسم. قال مالك: ولا خير في سلم فلوس من نحاس أو من صفر في نحاس إلى أجل، لأن الصفر والنحاس نوع واحد، وكذلك الرصاص والآنك وهو القزدير صنف واحد، قال: ويجوز سلم الفلوس من نحاس في حديد إلى أجل؛ لأنهما صنفان. فصل [2 - السلم في الحديد ونحوه من المعادن] قال مالك: ولا يجوز سلم حديد تخرج منه السيوف في سيوف، أو سيوف في حديد، تخرج منه السيوف أم لا؛ لأنه نوع واحد.

قال سحنون: ولا بأس أن يسلف الحديد الذي لا يخرج منه السيوف في السيوف. قال مالك: ولا يجوز سلم حديد السيوف في السيوف ولا في الحديد الذي لا يخرج منه السيوف لتقاربهما؛ ولو أجزت ذلك لأجزت الكتان الغليظ في الكتان الرقيق، والصوف كذلك؛ لأنه يختلف، فمنه ما يغزل منه الرقيق ومنه ما لا يغزل منه الرقيق أبداً فلا يسلم بعضه في بعض لتقاربهما. قال أسو إسحاق: ولعله يقول: إن غليظ الكتان إذا دهن صار يخرج منه الرقيق من الثياب، وأن الحديد قد يبالغ في عمله فيخرج منه السيوف، فلما قرب الأمر هكذا لم يجزه. قال في كتاب محمد: الكتان كله جيده ورديئه صنف واحد حتى ينسج فيصير الرقيق صنفاً والغليظ صنفاً وكذلك القطن.

م وكذلك عندي القطن إن غزل، فيصير الرقيق صنفاً والغليظ صنفاً، وصنعة الغزل قد أحالته إحالة بينة، فأوجبت فيه التفاضل إلى أجل. قال في الواضحة: والحري كله صنف واحد. قال ابن المواز: والحديد كله جيده ورديئه صنف واحد حتى يعمل منه سيوفاً أو سكاكين، فيجوز سلم المرتفع منها في غير المرتفع. قلت: فما صنع من الحديد حتى يكون سيوفاً أو سكاكين أو أعمدة أو مرايا وغير ذلك؟ قال: إذا صنع الحديد فقد افترق وصار أصنافاً مختلفة باختلاف المنافع فيه، وكذلك النحاس وأصنافه كله صنف واحد حتى يعمل فيصير أصنافاً، وكذلك غير ذلك من الأشياء إذا عملت واختلفت منافعها. قال في المدونة: ولا خير في أن يسلف سيفاً في سيفين دونه لتقاربهما في المنافع، إلا أن يبعد ما بينهما في الجوهر والقطع كتباعد في الرقيق والثياب فيجوز. ولم يجزه سحنون. م والصواب جوازه لأنها تتباين تبايناً متباعداً لا يتباينه حيوان ولا غيره، فهو أجوز من سلم الخيل في الخيل والثياب في الثياب. ومن المدونة: قال ربيعة: ويجوز بيع الصفر بالحديد متفاضلاً يداً بيداً أو إلى أجل، ولا يجوز بيع الصفر بالصفر ولا الحديد بالحديد متفاضلاً إلى أجل وكذلك سائر الأشياء.

قال: والصفر عرض ما لم يضرب فلوساً، فإذا ضرب فلوساً جرى مع الذهب والورث مجراهما فيما يحل ويحرم، والشب والكحل بمنزلة الحديد والرصاص وسائر العروض في البيع. قال في كتاب محمد: ولا خير في أرطال نحاس في قدور نحاس إلى أجل، ولا بأس بنحاس بتور نحاس، يداً بيد. [قال] ابن المواز: على الوزن وإن تفاضل، ولا يصلح جزافاً حتى يبين الفضل بأمر بين. فصل [3 - السلم في الكتان والصوف ونحوهما] ومن المدونة: قال مالك: ولا يسلم كتان في ثوب كتان؛ لأن الكتان يخرج منه الثياب، ولا بأس بثوب كتان في كتان أو ثوب صوف في صوف؛ لأن الثوب المعجل لا يخرج منه كتان ولا صوف. قال أبو محمد: إلا ثياب الخز في الخز لأنه ينقض، وكذلك تور نحاس في نحاس، وكذلك في كتاب محمد. قال ابن المواز: وكره مالك ثوب صوف بصوف يداً بيد أو إلى أجل قريب لا يعمل مي مثله ثوب للمزابنة،

وكذلك الكرسف يغزله يداً بيد، وكتان منفوش بمغزول، قال: أو جلد بعشرة أحذية مقطعة من جلده أو من جلد غيره. م [قال] محمد: وهذا فيما تقارب، وأما لو دفع رطلين من صوف في ثوب صوف، أو رطلين صوف بعشرة أرطال مغزولة -يريد نقداً- أو جلداً كبيراً بزوج أو زوجين حذاء، يداً بيد، لجاز ويدخله فيما تقارب نقداً المزابنة أو إلى أجل سلف جر منفعة؛ لأنه يدفع صوفاً فيأخذه مغزولاً أو ثوباً معمولاً. قال ابن حبيب: لا يباع شيء بما يتولد منه إلى أجل مثل صوف في ثياب صوف، أو كتان أو قطن في ثيابه، أو جلود في نعال أو نحاس في قدور نحاس أو جلود في فرو، ولون الحرير بمغزوله أو بمعموله إلى أجل ولو عجلت الثياب فيما يتولد منه لجاز، ويجوز كله يداً بيد، أيهما كان بالآخر.

قال: ولا خير في جلد بقري بأزواج نعال مسماة، ولا ثوب شيء بظهائر لا نقداً ولا مؤجلاً؛ للمزابنة وإذ لا صنعة فيه تخرجه إلى إجازته، بخلاف صوف بثوب صوف يداً بيد، أو كتان بثوب كتان، أو جلود بأحذية معمولة، هذا جائز نقداً، ولأن فيه صنعة بينة ولا يتأخر ما قابلها إلى أجل يعمل فيه فيدخله المزابنة. م وإنما يدخله في الأجل سلف جر منفعة. قال ابن أبي زمنين: قول ربيعة في الكتان المنسوج بالغزل هو بمنزلة الحنطة بالخبز والدقيق بالسويق، معناه: أن النسج في الغزل صناعة يجوز معها بيعه بالغزل إلى أجل كما أن الخبز والسويق فيه صنعة تبيح له التفاضل بالحنطة وبالدقيق يداً بيد. وقوله: في الغزل والكتان أنه بمنزلة الحنطة بالدقيق معناه:

أن الغزل ليس بصنعة تبيح بيعه بالكتان إلى أجل، كما أن الطحين ليس بصنعة تبيح أن يباع بالقمح متفاضلاً. وقوله وهذا بين ما بينهما من الفضل: يريد أن الحنطة إذا طحنت تريع، فكان الفضل فيها بيناً. وقوله: ولذلك كره إلا مثلاً بمثل: يريد ومع ذلك يكره إلا مثلاً بمثل. قال الشاعر: فلما تفرقنا كأني ومالكاً ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معاً أي: مع طول اجتماع، جعل اللام بمعنى مع. والله أعلم. ومن المدونة: وأجاز يحيى بن سعيد رطل كتان برطلي غزل كتان يداً بيد، قال: وأما عاجل بأجل فلا أحب أن أنهي عنه ولا آمر به، وأكره أن يعمل به أحد.

وقال ابن المواز: وأما سلف أحدهما في الآخر فلا خير فيه، أيهما كان المعجل منهما. قال ابن أبي زمنين: من أهل العلم من يقول أن الكتان المعجل المغزول والكتان غير المغزول صنفان مختلفان، فمن هنا قال يحيى بن سعيد: لا أنهى عنه، ولا آمر به عاجلاً بآجل. وهو عند أصحاب مالك كله صنف واحد. قال: ومن أهل العلم من يقول أن النسج ليس بصنعة في الغزل، وإلى هذا كان يذهب أشهب في ديوانه، فكان لا يجيز الثوب بالغزل إلى أجل ولا يجيزهما أيضاً يداً بيد بمعنى المزابنة إلا أن يتبين الفضل أن أحدهما أكثر غزلاً من الآخر كالغزل إذا بيع بالكتان جزافاً. وقد جاء لمالك في النسج ما يقوي قول أشهب، قال مالك فيمن اشترى غزلاً فنسجه، ثم فلس المبتاع، أن النسج ليس يفوت به الغزل.

م والذي أذهب إليه في هذا أن الغزل صنعة تبيح التفاضل فيه نقداً أو إلى أجل إذا كان المعجل الغزل، إذ لا يخرج من ذلك كتان. فصل [4 - السلم في الثياب] ومن المدونة: قال مالك: وثياب القطن لا يسلم بعضها في بعض إلا أن تسلم الغلاظ [منها] مثل الشقائق وغليظ الملاحف اليمانية في رقيق ثياب القطن مثل المروى والهروي والقوهي والعدني فلا بأس به، وكذلك رقيق الكتان كله صنف واحد القرقبي والشطوي والقصبي والتنيسي لا بأس أن يسلف في غليظ ثياب

الكتان مثل الزيقة والمريسية والقيس والفسطاطي، إلا ما كان من الفسطاطي الرقيق مثل المعافري وشبهه، فإنه يضم إلى رقيق الكتان، ولا يجوز أن يسلم رقيق ثياب القطن في رقيقه مثل العدني في المروي، وكذلك رقيق الكتان لا يسلم في رقيقه مثل الشطوي في القصبي. م وجائز أن يسلم رقيق القطن في رقيق الكتان، لأنهما صنفان مثل المروي في القرقبي، قاله في السلم الثالث، وروي عن مالك أيضاً أنه لا يجوز؛ لأنه رقيق كله. وقال في السلم الأول: ومن أسلم فسطاطية في مروية معجلة

ومروية مؤجلة وهو غليظ من الكتان في اثنين من رقيق القطن جاز، وكذلك لو أسلم ثوباً من غليظ الكتان مثل الزيقة وما أشبهها في ثوب قصبي مؤجل وقرقبي معجل وهما اثنان من رقيق الكتان ومن رقيق القطن جاز لأنهما صنفان. م قال أبو محمد: انظر ينبغي أن يكون رقيق الكتان في غليظه وغليظه في رقيقه كقولهم في صغار الخيل في كبارها وكبارها في صغارها وقد قال: لا يسلم ثوب في ثوب دون وكذلك ينبغي أن لا يسلم ثوب غليظ كتان في ثوب رقيق كتان أرفع منه، ولا في ثوبين أرفع منه. وأرى معنى قوله: لا بأس بثوب من الزيقة في ثوب قرقبي معجل وقصبي مؤجل، إنما هو على أحد قولي مالك، فإنه روى عنه ابن عبد الحكم في جمل بجملين مثله أحدهما مؤجل والآخر معجل أنه أجازه وكرهه.

قال ابن عبد الحكم: وكراهيته أحب إلينا، وأجازه ابن القاسم إن لم يكن في المنفرد فضل عن المعجل من الجملين، وقال سحنون: هذا الربا. قال أبو محمد: وأحسب قوله ها هنا في الثبات على تلك الرواية الشاذة والله أعلم. م ونحن نحمل قوله هاهنا في الثياب أنه جار على الأصل وأنه جائز، سلم الغليظ في الرقيق الواحد أو في رقيقين لأنهما صنفان، وكذلك عندي صغار الخيل في كبارها جائز على مذهبه في المدونة؛ لأنهما صنفان. ومعنى قوله: لا يسلم ثوب في ثوب دونه ولا رأس في رأس دونه: أي من صنف واحد، فيكون مذهبه في المدونة كله جارياً على أصل واحد، وخلافاً لرواية ابن عبد الحكم؛ لأن ذلك رباً كما قال سحنون والله أعلم.

ومن المدونة: قال: ومن أسلم فسطاطية في فسطاطية معجلة ومروية مؤجلة جاز ذلك، قال: ولو كانت المروية معجلة والفسطاطية مؤجلة لم يصلح ذلك؛ لأنه قرض وزيادة مروية. وكذلك قال مالك: ولا بأس بالجمل بالجمل مثله وزيادة دراهم، الجملان نقداً والدراهم مؤجلة أو معجلة، وإن تأخر أحذ الجملين لم يجز عجلت الدراهم أو أجلت، وهذا رباً؛ لأن كل شيء أعطيته إلى أجل فرد إليك مثله وزيادة فهو رباً. قال مالك: وإن أسلمت فسطاطية في فسطاطية إلى أجل فهو قرض، فإن ابتغيت به نفع الذي أقرضته جاز وإن ابتغيت به نفع نفسك بطل السلم. فصل [5 - في ما يجوز فيه القرض من العروض ونحوها] والقرض عند مالك رحمه الله جائز في الثياب والرقيق والحيوان

والخضر وجميع الأشياء كلها إلا الجواري وحدهن. م لأنه يأخذ الجارية يطأها ثم يردها: فلا يستطيع المقرض أن يمتنع من أخذها منه، فيؤدي ذلك إلى عارية الفروج فمنع منه، وأجاز ابن عبد الحكم القرض في الجواري على أن يرد غيرهن. م قال بعض علمائنا: ويجوز على مذهب ابن القاسم أن يقرض جارية لامرأة أو لذي محرم منها؛ لأنه ليس من عارية الفروج وكذلك من أمر رجلاً أن يشتري له سلعة بكذا، فاشتراها المأمور بجارية له فذلك جائز، وهو قرض للآخر وليس من عارية الفروج لأنها لا تصل إلى يد الآمر.

قال بعض أصحابنا: انظر أن نزل قرض الجواري على الوجه الذي لا يجوز هل يجري ذلك مجرى البيوع الفاسدة فتكون حوالة الأسواق عند القابض فيها فوتاً يوجب عليه قيمتها، وكذلك لو غاب عليها وإن لم يحل سوقها خيفة أن يكون وطئها فيحصل من ذلك عارية الفروج. وقد قال شيوخنا القرويون: إن القرض إذا كان فاسداً كان حكمه حكم البيوع الفاسدة وكذلك قرض الجواري، وأظن أن الأبهري قال في قرض الجواري يرد المثل، والأول أصوب، والله أعلم. [فصل 6 - في السلم في الرائطة من نسج الولائد] ومن المدونة: قال ربيعة: ولا خير في رائطة من نسج الولائد في اثنتين منها ولا سابرية في سابريتين، والحلال منه الرائطة السابرية بالرائطتين من نسج الولائد عاجلاً وآجلاً لاختلافهما.

قال ابن المواز: لا يسلم شيء في شيء مثله وزيادة ولو أنها الحصباء، ولا بأس أن يسلم الشيء فيما يخالفه خلافاً بيناً، وقال مالك: ولا خير في التبن في القصب وجعله كله صنفاً واحداً، وقال: هو كله علف، وقد قيل: إنهما نوعان وهما أشد تباعداً من رقيق ثياب الكتان وغليظها وقد أجاز مالك القضب بالنوى إلى أجل. ومن المدونة: قال يحيى بن سعيد: وإذا أسلمت في رائطة فأعطاك بها قميصاً أو قميصين أو قطيفة أو قطيفتين فلا بأس بذلك، وجدت الرائطة أم لا؛ لأنك لو أسلمت الرائطة فيما أخذت منه جاز. م وإنما تصح هذه العلة أن لو قضاه ذلك قبل الأجل، وأما بعد الأجل فالعلة أنه قد وجب له عنده رائطة فجائز أن يبيعها منه بقميص أو بقميص أو رائطتين من جنسها أو خلافها؛ لأنه من بيع النقود. الرائطة هي الملحفة والرداء.

[الباب السادس] في بيع الطعام إلى أجل

[الباب السادس] في بيع الطعام إلى أجل [فصل 1 - من الربا بيع الطعام بالطعام إلى أجل] ومما بين الرسول صلى الله عليه وسلم من أبواب الربا في بيع الطعام بالطعام نساء نحو ما بين من تحريم ذلك في الذهب والفضة فقال عليه السلام: «البر بالبر ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء» وكذلك «الملح بالملح» في حديث آخر، فجرى الطعام كله عند العلماء في تحريم جنس بخلافه إلى أجل مجرى الذهب بالفضة إلى أجل، وهذا مجتمع عليه من علماء دار الوحي. قال القاضي عبد الوهاب: وقال أبو حنيفة يجوز أن يفترقا من غير قبض، ودليلنا قوله عليه السلام:

«إنما الربا في النسيئة». قال ابن القاسم: أصل قول مالك أن الطعام بالطعام إلى أجل لا يصلح الآجال فيه، كان من صنف واحد أو من صنفين مختلفين، كانا أو أحدهما مما يدخر أو لا يدخر أو مما يكال أو يوزن أو يعد، وكذلك جميع التوابل اللحمان وجميع الإدام والأشربة عدا الماء إلا أن يقرض رجل رجلاً طعاماً أو إداماً في مثله إلى أجل على وجه المعروف فيأخذ مثله في كيل أو وزن وجنس وصفة وجوده، ولا تبتغي بذلك نفع نفسك فيجوز، ولا يجوز بمعنى التبايع وإن كان النفع فيه للآخذ للحديث، وكذلك رطب الفواكه والخضر كالمدخرات لا يجوز الأجل في شيء من ذلك بصنفه أو بخلافه من الطعام.

قال: ولا يجوز سلم بيض في بيض أو في طعام أو في رطب الفواكه أو البقول، ولا حنطة في عسل أو جراد أو صير أو بطيخ أو قثاء أو بصل أو غيره من سائر الطعام إلى أجل. [فصل 2 - في سلم الحنطة في القصيل والقضب ونحوه] قال ابن القاسم: ومن أسلم حنطة في قصيل أو قضب أو قرط أو فيما يعلف للدواب، فإن كان يحصده ولا يؤخره حتى يصير حباً فلا بأس بذلك، وإن أخره لم يجز؛ لأنه طعام بطعام إلى أجل. م هكذا قال مالك في الأمهات إن أسلم حنطة في قصيل أو قضب ثم قال: فإن كان يحصده ولا يؤخره، فدل بذلك أنه أسلم حنطة في فدان قصيل، وقد تقدم له أن السلم في القصيل لا يجوز إلا على الحزم والأحمال، لا على الفدادين، فهذا منه كقول أشهب الذي يجيز السلم في القصيل على فدادين، وقد بينا فساده إلا أن يريد القصيل والقضب هو المعجل فيصح جوابه والله أعلم.

[فصل 3 - سلم الحنطة في الشعير وثوب موصوف وحكم من باع بيعاً بعضه حلال وبعضه حرام] قال مالك: ومن أسلم حنطة في شعير وثوب موصوف أو أسلم عدماً في ثوب إلى أجل وشعير معجل لم يجز ذلك، ولا تجوز من ذلك حصة الثوب؛ لأن الطعام بالطعام لا يصلح الآجال فيه، فكل شيء يضم مع أحد الصنفين أو معهما في صفقة واحدة فلا يتأخر، كمن صرف دنانير بدراهم معها سلعة يسيره فتناقدا العين، فلا يصلح أن تتأخر السلعة. قال ابن شهاب: ومن باع بيعاً بعضه حلال وبعضه حرام في صفقة واحدة فسخ البيع كله، وإن كان كل بيع على حدته جاز منه الحلال ورد الحرام. [فصل 4 - سلم الثياب في الحنطة ونحوها إلى شهر] قال مالك: ومن أسلم ثوباً في عشرة أرداب حنطة إلى شهر وعشرة دراهم إلى شهر آخر، فلا بأس به متفقة كانت آجالهما أو مختلفة.

[فصل 5 - في بيع أرض فيها زرع صغير بطعام وبيع اللبن بالجدي وبيع الكبش الخصي باللحم] قال ابن القاسم في العتبية: لا يجوز بيع أرض فيها زرع صغير بطعام؛ لأن ذلك يصير طعاماً بأرض نقداً وطعام مؤجل، قيل فهل يجوز اللبن بالجدي إلى أجل؟ قال: إن كان الجدي يستحيا فلا بأس به وجائز نقداً أو إلى أجل، وإن كان لا يستحيا لم يجز؛ لأنه يصير طعاماً بطعام إلى أجل. ويجوز يداً بيد، قال: ولا يجوز بيع الكبش الخصي بالطعام إلى أجل إلا أن يكون كبشاً يقتنى لصوفه، وأما التيس الخصي بالطعام إلى أجل فلا يحل؛

لأنه لا يقتنى لصوف إنما هو للذبح. قال ابن المواز: وأجاز ذلك أشهب وأصبغ كانت فيهما منافع أو لم تكن، وليس الخصي كاللحم وهو بخلاف الشارف والكسير. قال مالك: وليس كل شارف سواء وإنما ذلك في الشارع الذي قد شارف الموت، فأما شارف يقبل ويدبر ويرتع فلا.

[الباب السابع] في السلف في سلعة بعينها

[الباب السابع] في السلف في سلعة بعينها [فصل 1 - النهي عن بيع الغرر] (ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر) ومن بيع الغرر شراء شيء بعينه على أن لا يقبضه المبتاع إلا إلى أجل بعيد وكأنه زاده في الثمن ليضمنه إلى الأجل، إلا ماله وجه ولهما به عذر، ولا غرر فيه كبيع دار واستثناء سكناها شهراً أو دابة ويستثنى ركوبها شيئاً قريباً كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جابر وكان

بقرب المدينة، أو زرعاً على الكيل وقد يبس ويتأخر حصاده العشرة أيام والخمسة عشر يوماً، أو تمراً قد طاب ويتأخر جداده إلى مثل ذلك، وأما شراءه القصيل يتأخر حصاده شهراً أو إلى وقت يتحبب فيه فلا يجوز، وكذلك صوف على ظهور الغنم على أن يتأخر جداده الأيام الكثيرة لأنه شرط زيادة النبات وليس كتأخير ثمرة تباع بعد الزهو؛ لأن هذا مباح بيعه إذ لا كبير غرر فيه. [فصل 2 - السلم في سلعة بعينها إلى أجل بعيد] قال مالك: ومن أسلم في سلعة بعينها وضرب لأخذها أجلاً بعيداً لم يجز. قال ابن القاسم: وسواء قدم النقد أم لا؛ لأنه غرر لا يدري أتبلغ السلعة إلى ذلك الأجل أم لا؟ ويدخله في النقد أنها إن هلكت رد الثمن بعد النفع به باطلاً وإن لم يقدم النقد صار كأنه زاده في ثمنها على أن يضمنها له البائع إلى الأجل، وذلك غرر، قال أشهب: فصار للضمان ثمن من الثمن.

[فصل 3 - الضمان يجعل] ولا يصلح لرجل أن يضمن سلعة رجل إلى أجل بشيء يأخذه لأنه قمار، إن سلمت السلعة أخذ الضامن مالاً باطلاً وإن عطيت غرم قيمتها فيما لم يجز فه فيه منفعة. قال أشهب: وإن شرط قبض السلعة إلى يوم أو يومين جاز ذلك؛ لأن ذلك قريب، شرط ذلك البائع أو المبتاع، وكذلك إن كانا في سفر وكانت دابة تركب، وشرط أن يركب الدابة ذينك اليومين كما فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم-. قال ابن القاسم: ولا بأس أن يشترط قبض السلعة المعينة إلى يومين أو نحوهما. وقد قال مالك فيمن اشترى طعاماً بعينه وشرط أن يكتاله إلى يومين أو ثلاثة، أنه لا بأس به، فكذلك السلع كلها عندي وهو فيها أبين.

[فصل 4 - في اشتراء الحيوان الغائب] قال مالك وعبد العزيز: وما اشترى من الحيوان بعينه غائباً عنه فلا يجوز فيه النقد بشرط قبل أن يُقبض، وهو من أبواب الربا إلا أن تكون غيبته قريبة جداً فإن ذلك مأمون ولا يخشى منه ما يخشى من البعيد، ومكروهه في البعيد كأنه حطه من الثمن على أن قدمه له سلفاً، فإن سلمت السلعة أخذها به وإن هلكت رده بعد النفع به باطلاً، فذلك غرر وسلف جر نفعاً. قال مالك: وكذلك هذا في جميع السلع والطعام المعين إن كان موضع ذلك قريباً اليوم واليومين فلا بأس بالنقد فيه وإن تأخر فلا خير في النقد فيه.

[الباب الثامن] ذكر ما يجوز من الأجل في السلم

[الباب الثامن] ذكر ما يجوز من الأجل في السلم [فصل 1 - في بيع الرجل ما ليس عنده] قال ابن القاسم: ولا يجوز لرجل أن يبيع ما ليس عنده بعين ولا بعرض إلا أن يكون على وجه السلم مضموناً عليه إلى أجل معلوم تتغير في مثله الأسواق، ولم يحد مالك من ذلك حداً وأرى الخمسة عشر يوماً والعشرين في البلد الواحد جائز -لا أقل منها- وأما إلى اليومين أو الثلاثة فلا خير فيه قدم النقد أم لا؛ لأن هذا ليس من آجال السلم. قال ابن المواز: وقد روى ابن وهب عن مالك رحمه الله أنه أجازه إلى يومين أو ثلاثة بعد أن كرهه، وقاله ابن المسيب. قال أصبغ: فإن وقع لم يفسخ لأنه ليس بحرام قائم ولا مكروه بين، [قال] ابن المواز: وفسخه أحب إلينا. وقال ابن عبد الحكم: في اليوم أنه جائز قال أبو إسحاق: وهذا يؤدي إلى بيع ما ليس عندك؛ لأن بيع ما ليس عندك إنما أجيز في الآجال التي تختلف فيها الأسواق، فأما إن أسلم إليه في شيء ليس عنده

يأخذه بالغد فمكروه، كما تقول: اشترى منك سلعة فلان على أن تخلصها فإن كان هذا أكرِه، لأن هذا مقصور على سلعة فلان وهي معينة وقد لا يبيعها صاحبها. ومن أسلم إلى رجل في ثوب يأخذه غداً قد لا يتعذر عليه ذلك في الغالب شراؤه. م فوجه قوله: "لا يجوز إلا إلى أجل معلوم تتغير في مثله الأسواق" أن المقصود في السلم الارتفاق من انتفاع البائع بتقديم المال والمبتاع بما يرتخصه ليحصل له من تغير الأسواق ما يريده، فإذا ضربا أجلاً لا يوجد فيه هذا المعنى المذكور لم يحصل الرفق المقصود الذي أجيز السلم من أجله وكان في معنى الحال، ومن بيع ما ليس عندك المنهي عنه.

م ووجه قوله يجوز السلم في الأجل القريب والبعيد فلقوله عليه السلام «سلفوا في كيل معلوم إلى أجل معلوم» فعم الأجل. [فصل 2 - في اشتراط قبض المسلم فيه في بلد آخر] ومن المدونة: قال مالك وأما إن اشترط قبضه في بلد آخر مسافته يومان أو ثلاثة فجائز لاختلاف سعريهما، فصار كبعيد الأجل في البلد الواحد إلا ما أجازه الناس من شراء ما في الأسواق من اللحم وغيره بصفة وسعر معلومين، وليسم ما يأخذ كلا يوم من وزن معلوم، ويشرع في الأخذ وإن تأخر الثمن فقد استخفوه. قال ابن القاسم: ومن اشترى من رجل مئة إردب حنطة جيدة حاله بعبد فنقده وليس عند الرجل عام لم يجز، وقد قال مالك فيمن اشترى من رجل طعاماً أو حيواناً أو ثياباً مضمونة بغير عينها على أن يقبضها منه إلى يوم أو يومين أنه لا خير فيه إلا إلى أجل أبعد من هذا كما ذكرنا.

[الباب التاسع] في رأس المال يتعدى عليه أحد أو يوجد به عيب أو يتأخر إلى أجل

[الباب التاسع] في رأس المال يتعدى عليه أحد أو يوجد به عيب أو يتأخر إلى أجل [فصل 1 - في التعدي على رأس مال السلم] قال ابن القاسم: وإن أسلمت إلى رجل عرضاً يغاب عليه في حنطة إلى أجل فأحرقه رجل في يديك قبل أن يقبضه المسلم إليه، فإن كان تركه وديعة في يدك بعد أن دفعته إليه فهو منه، ويتبع الجاني بقيمته والسلم ثابت، وكذلك إن كنت لم تدفعه إليه حتى أحرقه رجل بيدك وقامت بذلك بينة، وإن لم تقم هاهنا بينة كان منك، وانتقض السلم، قال أبو محمد: يعني ويحلف. فإن نكل عن اليمين خير الذي عليه السلم بين أن يغرمه قيمته ويثبت عليه السلم أو لا يغرمه ويفسخ السلم.

وفي كتاب ابن المواز: إذا لم يعلم ذلك إلا بقول البائع خير الذي عليه السلم بين نقض السلم أو إغرامه القيمة. قال بعض فقهائنا المتأخرين: القياس أن لا يكون مخيراً ولا يكون له إلا القيمة؛ لأنه يحتمل أن يكون بائعه استهلكه أو باعه وفات فتجب عليه القيمة، فإذا أوجبت له لم يصلح فيه الإقالة؛ لأنه بيع الطعام قبل استيفائه لأنه رد تلك القيمة وهي بخلاف رأس المال. م ولا تصلح الإقالة إلا بمثل رأس المال. قال محمد: ولو تعدى عليه البائع فأحرقه لزمته قيمته والسلم بحاله ولا تصلح فيه الإقالة.

م قال بعض أصحابنا: وإذا ترك الثوب بيد الذي له السلم وديعة فأحرقه رجل، فشهد عليه الذي بيده الثوب، فإن كان المسلم إليه مليئاً جازت شهادته عليه إذ لا تهمة فيها، وإن كان المسلم إليه معدماً لم تجز شهادته عليه؛ لأنه يتهم أن يحيله عليه فيصير له مالٌ يأخذ سلمه منه. م وقد قيل لا تجوز شهادته عليه إذ قد اختلف في يمينه لأن لا يدري ما يذهب إليه الحكم في ذلك. قال غيره: ولأنه يتهم أن يزيل عنه عيب التهمة عن نفسه لما يقع في النفس من أنه قد يتهم في إمساكها فلا تجوم شهادته بحال.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن كان رأس المال حيواناً فقتلها رجل بيدك قبل أن يقبضها المسلم إليه أو كان دوراً أو أرضين، فعدا عليها رجل بهدم البناء، أو احتقار، الأرضين فأفسدها، فللمسلم إليه طلب الجاني والسلم ثابت. [فصل 2 - في رأس مال السلم يوجد به عيب أن يتأخر إلى أجل] وإذا أصاب المسلم إليه رأس المال نحاساً أو رصاصاً بعد شهر أو شهرين فله البدل ولا ينتقض السلم. قال أشهب: إلا أن يعملا على ذلك ليجيزا بينهما الكالئ بالكالئ فيفسخ قال أشهب: ولو لم يبق من أجل السلم إلا يومان أو ثلاثة لم يكن به بأس أن يؤخر البدل شهراً أو أكثر من ذلك ويكون بمنزلة من اشترى طعاماً نقداً بثمن إلى أجل، وإن كان

الذي بقي من أجل السلم كثيراً فلا يجوز له أن يؤخر البدل إلا اليومين أو الثلاثة؛ لأنه يدخله الدين بالدين. م قال بعض أصحابنا: وإذا بقي من أجل السلم اليومان والثلاثة فجائز البدل إلى شهر، ولم يدخله بيع ما ليس عندك؛ لأن عقد السلم قد تقدم على الصحة فليس هو بمنزلة ابتداء شراء ما ليس عندك، وإذا قال سأبدلها لك إلى شهر أو شهرين فينبغي أن يفسخ للشرط، ويجيز على البدل معجلاً وإن تأخر البدل على ما شرطا فينبغي أن ينتقض السلم كله؛ لأنه قد أخر بعض رأس المال. وقد قيل ينتقض بقدر الزائف فقط، قاله بعض أصحابنا من القرويين. م ويحتمل أن لا ينتقض شيء من السلم لصحة العقد الأول فلا

يفسخ بالتهمة، ولو لزم هذه للزم الفسخ إذا وجدها بعد الشهرين رديئة، ولا يبدلها للتهمة أن يكون تعاملا على ذلك، قيل: فإن قيل لم لا ينتقض السلم إذا وجد بعض رأس المال رديئاً بعد شهر؟ وقد قال: إذا تأخر رأس المال إلى الأجل البعيد وهو عين أنه ينتقض السلم ويكون كالصرف يجد فيه درهماً زائفاً أنه ينتقض إذا رده. م فالجواب عن ذلك: إن تأخر رأس المال لم ينقد فيه شيئاً وهذا نقد، ولا يحمل عليه أنه تعمد نقد الزيوف فأجيز له البدل ولا يشبه ذلك بالصرف؛ لأن باب الصرف أضيق من باب تأخير رأس المال في السلم، ألا ترى أنه أجاز في أحد قوليه تأخير رأس المال اليوم واليومين والثلاثة بشرط، وأجازه ابن المسيب إلى أمد الأجل، واختلف قول مالك في تأخير رأس المال إلى الأجل بغير شرط، وهذا كله لا يجوز في الصرف.

قال ابن القاسم: وليس من وجد برأس المال عيباً بعد مدة كمن فارق صاحبه قبل أن يقبض رأس المال وأقام شهراً ثم جاء يطلب راس المال؛ لأن السلم إليه هاهنا إن رضي بما انتقد أو الزيوف والرصاص كان ذلك له وثبت السلم عليه. قال: وإذا ردها عليك فقلت له سأبدلها لك بعد يوم أو يومين جاز؛ لأن مالكاً أجاز تأخير رأس مال السلم العين بشرط إلى يومين أو ثلاثة لا أكثر، وإن قلت له سأبدلها لك إلى شهر أو شهرين لم يجز؛ إذ لا يصلح أن يشترط تأخير رأس مال السلم شهراً أو شهرين فكذلك هذا، وإن قلت له حين ردها عليك ما دفعت إليك إلا جياداً، فالقول قولك وتحلف ما أعطيته إلا جياداً في علمك ولا تعرفها من دراهمك إلا أن تكون إنما أخذها منك

على أن يريها فالقول قوله مع يمينه وعليك بدلها له. قال أشهب: القول قول الدافع في الوجوه كلها. قال: أبو إسحاق: إلا أن يحقق الدافع أنها ليست من دراهمه فليحلف على البت، فإن نكل حلف قابضها على البت؛ لأنه موقن.

[الباب العاشر] فيمن أمر رجلا له عليه دين أن يسلمه له في طعام أو غيره

[الباب العاشر] فيمن أمر رجلاً له عليه دين أن يسلمه له في طعام أو غيره [فصل 1 - في تأخير الدين على نفع أو زيادة أو الوضع منه على تعجيله] (ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدين بالدين) (وعن ما جر من السلف نفعاً) فمنه التأخير بدين على نفع أو ميادة، أو الوضع منه على تعجيله، فما جرى من هذا أو شبهه بين المتعاملين حرم. [فصل 2 - في صرف الدين ثمناً لسلم] قال مالك: فيمن له على رجل مال فقال له: أسلمه لي في طعام أو عرض، أنه لا يجوز حتى يقبضه منه ويبرأ من التهمة ثم

يرجعه إليه بعد ذلك إن شاء. قال ابن القاسم: لأنه يخاف أن يكون تأخيره سلفاً جر منفعة أو يعطيه من عنده، فيدخله فسخ الدين في الدين. قال في كتاب الصرف: فإن قبضت في غريمك ديناً فلا تعده له في مكانك سلماً في طعام أو غيره، ويكره ذلك بحد ثانه. م وهذا بخلاف وما لو قال له: أسلمه لي إلى غيرك، هذا إن قبضه منه ثم أعاده إليه في الوقت جاز. م والفرق بينهما أن الذي قبض منه دينه ثم أعاده إليه في الوقت حين أعاده إليه سلماً أنهما يتهمان أن يكونا أضمرا على ذلك. فيعد دفعه للمال لغواً وقد رجع إليه ماله، وحصل م فعلهما أن الدين الذي عليه فسخه في غيره.

م وأما الذي أمره أن يسلمه إلى غيره، إنما اتهمه أن المال لم يكن عنده فأخره لكي يشتري له به سلعة فهو سلف جر منفعة، وأما إذا قبضه منه فليس هاهنا تأخير يعد سلفاً، إنما أمره أن يشتري له بمال قبضه منه فهو جائز. [فصل 3 - فيمن كان له على رجل مال فأمره أن يشتري له به سلعة] ومن المدونة: قال مالك: وإن قاله له: اشتر لي به سلعة نقداً؛ فإن كان الآمر والمأمور حاضرين جاز ذلك، إذ لا تأخير في ذلك يفسده. قال مالك: وإن كانا غائبين لم يجز. يريد: لأن المأمور غائب عن الآمر، والدين باق في ذمته، وقد لا يشتري له إلا إلى أيام، فيعد ذلك سلفاً جر منفعة. م عند ابن القاسم يجوز إن كان حاضراً البلد وإن لم يكن حاضراً عند الشراء.

قال ابن أبي زمنين: قال ابن جعفر: قال ابن القاسم: وإن كان غائباً في بلد آخر لم يجز أن يأمره بشراء سلعة بدينه الذي له عليه إلا أن يوكل وكيلاً في ذلك البلد يقبضها منه. قال: ولو ادعى المأمور أنه اشتراها فتلف ما اشترى، فإن كان الآمر أو وكيله معه في البلد فالقول قول المأمور، لقد اشترى وتكون المصيبة من الآمر، وإن كان الآمر ليس معه في البلد ولا وكيله، فإن أقام المأمور بينة على الشراء، كان القول قوله في التلف، وإلا فهو ضامن. وفي المستخرجة فيمن له على رجل دين فأمره أن يشتري

له به سلعة أو عبداً وهو في بلد آخر، فلما قدم قال: إني تشتريه وهلكت السلعة أو أبق العبد، فالمصيبة من الآمر. قال بعض شيوخنا القرويين: إذا قال له اشتريتها فضاعت فظاهر ما في السلم الثاني أنه لا يقبل منه؛ لأنه اشترط فيه إذا اكتال الطعام ببينة ثم قال ضاع: فإنما أبرأه منه لقيام البينة، وفي المستخرجة: أن القول قوله ويحلف، وهو ظاهر ما في كتاب الوكالات في مسألة اللؤلؤ أنه يصدق أنه اشتراه، وإن لم يقم له بينة على هذا، فجعل ما في المدونة على قولين في هذا، ولا فرق بين ما يزيله على ذمته ولا بين ما يجب له أن يشغل به ذمة غيره، فهذا على قولين عنده فاعلم ذلك.

قال مالك: وإن كتبت إلى رجل يشتري لك سلعة بذهب من عنده ففعل وبعث بها إليك، وكتب إليك أن تشتري له بذلك الذهب سلعة من موضعك، وتبعث بها إليه، فلا بأس به وهذا من المعروف. قال ابن القاسم في كتاب الوكالات: وهذه والمسألة الأولى في القياس سواء، ولكن أجازها إذا كان أصلها معروفاً. قال مالك: ولو كان لك على رجل دين فكتبت إليه أن يشتري لك به شيئاً احتجت إليه فلا خير فيه إلا أن توكل بذلك وكيلاً. يريد: وكيلاً يقبض له السلعة. قال ابن أبي سلمة: كل شيء كان لك على غريم كان نقداً فلم تقضبه أو إلا أجل فحل الأجل أو لم يحل فأخرته عنه وزادك عليه شيئاً قل أو كثر فهو رباً ولا تبعه منه بشيء ولو بوضعية من سعر الناس وتؤخره عنه، فإن ذلك ربا إلا أن ينقدك يداً بيد مثل الصرف، وبالله التوفيق.

[الباب الحادي عشر] في الاقتضاء من ثمن الطعام طعاما أو أسلم في طعام وأخذ من ثمنه طعاما

[الباب الحادي عشر] في الاقتضاء من ثمن الطعام طعاماً أو أسلم في طعام وأخذ من ثمنه طعاماً [فصل 1 - في الاقتضاء من ثمن الطعام طعاماً] ولما كان الاقتضاء من ثمن الطعام طعاماً ذريعة إلى إجازة الطعام بالطعام إلا أجل، ويصير الثمن محللاً لم يجز كالذرائع في بيوع الآجال حماية لحمى الله تعالى، وحمى الله دينه، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الشبهات، وشبهها بالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وأما الأخذ من الطعام من بيع بعد حلوله طعاماً يخالفه، فيدخله أيضاً بيعه قبل قبضه، وقد نُهي عنه، وأما إن أخذه من صنفه فيعد ذلك بدلاً فهو جائز. قال مالك: ومن أسلم في محمولة فلما حل الأجل أخذ منه سمراء مثل مكيلتها لم يكن به بأس.

قال ابن القاسم: وأما إن بعت محمولة بثمن إلى أجل، فأخذت بالثمن بعد الأجل سمراء أو شعيراً أو سلتاً مثل كيل المحمولة لم يجز. والفرق بينهما أنك في سلمك في الطعام إنما كان لك عليه عند حلول الأجل سمراء، فأعطاك بها مثل مكيلتها بيضاء، فيعد ذلك بدلاً يداً بيد، والذي باع المحمولة بالدنانير إلى أجل، هو إذا ألغى الدنانير وأخذ بها سمراء، صح من فعلهما أنه دفع بيضاء إن كان عليه بيضاء فأخذ بها بعد الأجل سمراء فهو غير جائز وأما إن أخذ بخلاف الصنف فهو بيع طعام بطعام يخالفه إلى أجل. وكذلك التمر العجوة والصيحاني والبرني والزبيب أحمره وأسوده بمنزلة ما وصفنا من الحنطة وألوانها، أنه لا يجوز لمن باع طعاماً أن يقبل في ثمنه شيئاً من الطعام كان من صنفه أو من غير صنفه إلا أن تأخذ منه بثمن طعامك

بعد الأجل طعاماً مثل طعامك الذي بعت منه صفة وكيلاً، إن محمولة فمحمولة وإن سمراء فسمراء فهو جائز، وهي إقالة. قال ابن المواز: قال مالك: وأما إن ابتعت من غير غريمك طعاماً يخالف طعامك بمثل ثمن طعامك جاز أن يحيله بالثمن عليه. قال في السلم الثالث: ولو أحلت على ثمن ذلك الطعام من له عليك مثل ذلك الثمن من بيع سلعة أو من قرض لم يجز للمحال به أن يأخذ منه من الطعام إلا ما جاز لك. قال في المستخرجة: وإن كان إنما له عليك ثمن طعام ابتعته منه مخالفاً للطعام الذي بعت من غريمك فلا يجوز له أن يأخذ من غريمك طعاماً كان من صنف طعامك أو مخالفاً له. م لأن المحال لا يجوز له أن يأخذ من غريمك طعاماً إلا مثل ما يجوز لك أنت أن تأخذه، وهو صنف طعامك، فإذا أخذه كان مخالفاً

للطعام الذي باع منك وهو لا يجوز له أيضاً أن يأخذ غريمك طعاماً منك أو ممن أحلته عليه إلا مثل الذي باع منك، فلذلك لم يجز له أن يأخذ من غريمك طعاماً على حال، ويجوز له أن يأخذ ما عدا الطعام من غرض وغيره، وفي السلم الثاني كثير من هذا. [فصل 2 - قضاء المحمولة أو السمراء أو الشعير أو السلت بعضها من بعض أو بالدقيق وكذلك أجناس التمر] ومن السلم الأول قال: وإن أسلمت إليه في محمولة أو سمراء أو شعيراً أو سلتاً أو أقرضت ذلك فلا بأس أن تأخذ بعض هذه الأصناف قضاء من بعض مثل المكيلة إذا حل الأجل، وهو بدل جائز، وكذلك أجناس التمر. قال مالك: ولا يجوز ذلك كله قبل محل الأجل في بيع أو قرض.

قال ابن المواز: ويجوز في القرض أن يأخذ قبل الأجل سمراء من سمراء أجود منها مثل المكيلة، إذ له تعجيله أجود، ولا يأخذ أردأ فيصير ضع وتعجل. ومن المدونة: قال مالك: وإن أسلمت في حنطة فلا تأخذ منه دقيق حنطة، وإن حل الأجل فلا بأس به من قرض بعد محله، وقال أشهب. قال ابن المواز: قال أشهب: إنما كره ذلك مالك لاختلاف الناس في الدقيق بالقمح متفاضلاً نقداً، فأجازه عبد العزيز ورأى أن الطحن صنعة. م فيدخله على ذلك بيع الطعام قبل قبضه. وقال مكحول: لا يجوز قمح بدقيق على حال.

وقال ابن الماجشون عن مالك: إنما يجوز بيع القمح بالدقيق في الشيء اليسير بين أهل الدور، ولا يجوز فيما كثر. وفي كتاب ابن القصار اختلف قول مالك في بيع الحنطة بالدقيق فقال: لا يجوز إلا مثلاً بمثل: وقال: لا يجوز، قال: وعندي أن قوله يجوز إذا وزناً جميعاً، وقوله: لا يجوز إن كيلا فيكون اختلاف قوله في حالين لا في حال واحدة، قال: ولم يفصل أصحابنا هذا التفصيل وحملوه على الاختلاف في حال واحدة. قال ابن أبي زمنين: ولا تؤخذ القطاني بعضها من بعض في التسليف لا قبل الأجل ولا بعده؛ لأن كل نوع منها صنف على حده في البيع، ويدخله بيع الطعام قبل قبضه، كذلك قاله ابن حبيب مثل أن يسلم في فول فيأخذ حمصاً، وقاله أصبغ عن ابن القاسم.

[فصل 3 - القضاء في السلم في لحم ذوات الأربع] من المدونة: قال مالك: وإن أسلمت في لحم ذوات الأربع جاز أن تأخذ لحم بعضها من بعض أو شحمها قضاء عن بعض؛ لأنه بدل وليس هو بيع الطعام قبل قبضه؛ لأنه كله نوع واحد، ألا ترى أن التفاضل لا يجوز فيه، فكأنه أخذ ما أسلف فيه، وإنما يجوز بيع جميع ما ذكرنا من الحنطة والتمر واللحم بعد الأجل من الذي عليه السلم، ولا يجوز بيعه من غيره بنوعه وكيله وصفته، ولا بشيء من الأشياء حتى يقبض، وكلما أسلمت فيه من الأشياء كلها عدا الطعام والشراب على كيل أو عدد أو وزن فجائز بيعه قبل قبضه من غير بائعك بمثل رأس مالك أو أقل أو أكثر أو بما شئت من الأثمان مما يجوز أن يباع به، ولا تبع ذلك السلم من بائعك إلا بمثل الثمن فأقل منه نقداً قبل الأجل أو بعده، إذ لا يتهم أحد في أخذ قليل من كثير، واتقى عبد العزيز أن يأخذ من بائعه فيه أقل من الثمن للذريعة. قال: ولا يجوز أن يأخذ أكثر وإنما يأخذ مثل رأس ماله وهي إقالة. وفي السلم الثالث كثير من هذا. تم كتاب السلم الأول بحمد الله وحسن عونه.

كتاب السلم الثاني

كتاب السلم الثاني

كتاب السلم الثاني من الجامع لمسائل المدونة والمختلطة [الباب الأول] في فساد السلم والحكم فيه إن نزل بعد ذلك [فصل 1 - ما يجب للمسلم في السلم الفاسد بدل رأس ماله] ومما يبين الرسول عليه السلام في السلف قوله «سلفوا في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» (ونهى عن الكالئ بالكالئ) وهو الدين بالدين فوجب تعجيل النقد في المضمون، فكل من أسلم في غير كيل معلوم أو أسلم إلى أجل غير معلوم أو أخر النقد فيه بشرط فالسلم فاسد. قال ابن القاسم: ومن أسلم في حنطة سلماً فاسداً فله أن يأخذ برأس ماله تمراً أو طعاماً غير الحنطة إذا قبض ذلك كله ولم يؤخره. وقال مالك فيمن أسلم في طعام أو غيره سلماً فاسداً فإنما له رأس ماله. قال ابن القاسم: ويجوز له أن يأخذ به من البائع ما شاء من طعام أو غيره سوى الصنف الذي أسلم في إذا لم يؤخره.

م: واختلف هل يأخذ برأس ماله شعيراً أو سلتاً والسلم في الحنطة؟ فحكى عن أبي العباس الإبياني: أن ذلك لا يجوز؛ لأن ذلك كله صنف واحد في الزكاة والبيوع. وقال ابن أبي زمنين: أن ذلك جائز. قال: وكذلك لو أخذ سمراء من محمولة. م والأول أحوط، وهذا أقيس لأنه لم يأخذ نفس ما عاقده عليه وهو غيره لا ش فيه، وإنما لا ينبغي أن يأخذ سمراء من سمراء أو محمولة من محمولة، ويحملان على أنهما لا يتفاسخا وبقيا على العقد الأول. م وظاهر الكتاب يدل أن له أن يأخذ شعيراً أو سلتاً؛ لأنه شرط أن له أن يأخذ منه غير الحنطة التي أسلم فيها، وكذلك لو أخذ سمراء من محمولة؛ لأنها غير ما أسلم فيه، ولا يجبر على أخذها في السلم الصحيح؛ لأن له شرطه. قال بعض القرويين: وإن أخذ من حنطة فولاً أو عدماً، فإن كان السلم حراماً جاز وإن كان مختلفاً فيه لم يجز إلا بعد فسخه بحكم أو بإشهاد خوفاً أن يكون من باب بيع الطعام بالطعام قبل قبضه لمذهب من أجاز ذلك.

م وقد اختلف هل يجزئ الفسخ بالتراضي والإشهاد عليه دون حاكم يحكم بذلك؟ والصواب أن لا يجزئ إلا بحكم فيحكم بما رآه صواباً من فسخ أو إجازة؛ لئلا يدخلا في بيع الطعام قبل قبضه، فأخذ غير ما أسلم فيه. قال ابن المواز: وإن كان رأس المال ذهباً فلا يأخذ به فضة ولا يأخذ برأس ماله إلا ما يجوز له أن يسلمه فيه إلى أجل. ووقع في المستخرجة ما يدل أنه يجوز أن يأخذ دراهم من دنانير واختلف في ذلك القرويون، فذكر عن ابن الكاتب أنه أجاز ذلك، قال: وهو كالدين يصارفه به. واحتج بمسألة كتاب الصلح إذا باع عبداً بدنانير ففات بعد قبض الثمن، واطلع المبتاع على عيب به، أنه إن شاء أن يأخذ بقيمة العيب ورقاً.

وقال غيره: لا تشبه هذه المسألة مسألة العيب؛ لأن سبب العيب من واحد، فلا يتهمان أن يعقدا على هذا، وإنما التهمة فيما يفعلانه جميعاً كالإقالة أو البيع الفاسد والرد بالعيب يشبه انهدام الدار. قال ابن حبيب: ولو فسخه السلطان بينهما جاز أن يأخذ برأس ماله مثل ما أسلم فيه نقداً. م ويجوز حينئذ أن يأخذ دراهم من دنانير لارتفاع التهمة بفسخ السلطان، فصار رأس المال ديناً على الذي عليه السلم فجاز أن يأخذ به المشتري ما تراضيا عليه مما يجوز له شراؤه بالنقد. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ويجوز [أن يصالحه على] أن يؤخره برأس المال أو يأخذ نصفه ويحط ما بقي. م يريد وذلك بعد أن يثبت الفسخ بحكم أو يتراضيا به وهو مما لا اختلاف في فسخ، وأما المختلف فيه فلا يجوز ذلك إلا أن يفسخ بحكم لئلا يدخله بيع الطعام قبل قبضه.

فصل [2 - اشتراط الأجل المعلوم في البيع والسلم] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكلما اشتريت من الثياب والحيوان أو غير ذلك موصوفاً فلا يجوز لك موصوفاً فلا يجوز لك أن تجعله مضموناً إلى غير أجل، كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وسواء كان رأس المال عيناً أو عرضاً. قال: ومن أسلم في طعام ولم يضرب لرأس المال أجلاً، فافترقا قبل أن يقبضه البائع، فهو حرام إلا أن يكون على النقد فلا بأس به. م: حمل أمرهما أنهما أرادا التأخير لما ظهر من فعلهما ففسخه حماية، وكذلك أصله في المبهمات أنه يحملهم فيها على الفساد، حتى يشترطون الحلال. قال في الأكرية فيمن اكترى داراً بثوب بعينه ولم يشترط نقده فتشاحا في ذلك، وسنة البلد عندهم في الكراء ليس على النقد، أن الكراء لا يجوز

وإن عجل الثوب إلا أن يشترطا النقد في العقد. وقال ابن حبيب: الكراء جائز وهو على النقد حتى يشترطا تأخيره تصريحاً، فكذلك مسألتنا. م ينبغي على أصل ابن حبيب أن يكون السلم جائزاً ويقضى عليه بالنقد حتى يشترطا تأخيره تصريحاً. م وقال بعض أصحابنا: وينبغي على أصل ابن القاسم أن لا يفسد السلم بإبهام النقد، وإنما أفسده لأنهما قصدا التأخير وهذا بخلاف عقد الكراء؛ لأن عقد السلم يوجب النقد وعقد الكراء لا يوجبه، فإذا أبهم الأمر حمل كل واحد منهما على موجبه. [فصل 3 - تأخير النقد المشترط في العقد إلى يوم أو يومين ونحوهما] ومن المدونة قال: ابن القاسم: وإذا وقع البيع على النقد فقبض رأس المال بعد يوم أو يومين ونحو ذلك جاز. قال في كتاب الخيار: أو ثلاثة أيام، فذلك جائز، ولا يجوز أكثر من ذلك إلا أن يتأخر من غير شرط فيجوز ما لم يحل الأجل فإذا حل فلا يجوز.

[قال] ابن المواز: ثم رجع ابن القاسم فأجازه؛ إذ ليس بشرط وقاله أشهب. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون: إن تأخر رأس المال كثيراً أو حتى حل الأجل -يريد في العين- فإن كان ذلك بامتناع من المشتري أو التواني، فالذي عليه السلم بالخيار في أخذ ثمنه ودفع ما عليه أو فسخ السلم، وإن كان بترك من الذي عليه السالم لأخذه أو توان منه، فالسلم ثابت؛ لأن نفع تعجيل الثمن للبائع ولذلك زاد في السعر. وقال أشهب: سواء كان ذلك بهرب أو غير هرب فهو جائز ما لم يكن بشرط. [فصل 4 - تأخير رأس مال السلم إذا كان غير نقد يوماً أو يومين ونحوهما] وفي المدونة: قال ابن القاسم: وإن أسلمت عبداً بعينه في طعام إلى أجل سنة فلم يقبضه إلا بعد شهر أو شهرين أو إلى الأجل فالبيع نافذ ما لم يكن بشرط. قال مالك: وإن كان رأس مال السلم عرضاً أو طعاماً أو حيواناً بعينه فتأخر قبضه يوماً أو يومين ثم قبضه بعد ذلك فلا بأس به، وإن تأخر

قبضه الأيام الكثيرة أو الشهر أو إلى الأجل فإن كان بشرط فسد البيع، وإن لم يكن بشرط أو كان هرباً من أحدهما بالبيع نافذ مع كراهية مالك لهما في ذلك التأخير البعيد بغير شرط. م قال بعض أصحابنا: هذه المسألة على ثلاثة أوجه: [1] إن كان رأس المال رقيقاً أو حيواناً فتأخر قبضه الأيام الكثيرة أو إلى الأجل فالبيع نافذ بغير كراهية؛ لأن ضمانه لو هلك من مشتريه، لأنه مما لا يغاب عليه. [2] وإن كان عيناً فتأخر كثيراً أو إلى الأجل فسد البيع؛ لأنه لا يتعين، فأشبه ما في الذمة فضارع الدين بالدين. قال بعض القرويين: وهذا إذا كان الثوب غائباً فإن كان حاضراً حين العقد لا نبغي أن يكون كالعبد، لا كراهية في تأخيره، والطعام أثقل منه، إذ لا يعرف بعينه والعين أشد من الطعام؛ لأن الطعام يشترى لعينه والعين لا يراد لعينه فهو كغير العين فتأخيره يكون ديناً بدين.

قال ابن القاسم في باب اختلاف المتبايعين: وإذا ادعى المسلم إليه أن رأس المال تأخر شهراً أو قال: شرطنا أن يدفعه بعد شهر أو شهرين، وقال الآخر: بل نقدتك عند عقد البيع فالقول قول مدعي الصحة. قال ابن أبي زمنين: كان بعض مشايخنا يقول: إذا كان رأس المال عيناً فتأخر من غير شرط فالسلم مفسوخ ويحتج لقوله في هذه المسألة إذا قال لم أقبض رأس المال إلا بعد شهر أو شهرين وقوله هذا جيد؛ لأن العين في الذمم، ويدخله الدين بالدين ويحتج أيضاً بقوله في السلم الثالث: إذا أخر النقد حتى حل الأجل أن ذلك لا يجوز لأنه الدين بالدين. وقال بعض أصحابنا: وينبغي على قوله في غير المدونة أن السلم يجوز إلى ثلاثة أيام ونحو ذلك أن لا يجوز تأخير رأس مال المسلم اليومين والثلاثة لأنه يحصل ديناً بدين وبينا القول في تأخير رأس مال السلم على اختلاف

قوله في أجل السلم، ومثله لأبي القاسم بن الكاتب وهو بين. قال في كتاب كراء الرواحل والدواب: وإن اكترى بهذه المعينات من عروض ونحوه وشرط عليه ألا ينقده إلا بعد يومين أو ثلاثة لم يعجبني ذلك إلا لعذر من ركوب دابة أو لبس ثوب أو توثق حتى يُشهد، وفذلك جائز، وإن لم يكن لشيء من ذلك كرهته ولا أفسخ به البيع، فكذلك هذا. ومن السلم الثاني قال: وإن أسلمت إلى رجل مائة درهم في طعام، نقدته منها خمسين درهماً، وأخرك بخمسين إلى أجل، أو كان لك عنده خمسون، ونقدته خمسين لم يجز وفسخ البيع؛ لأنه الدين بالدين وفسخ الدين في الدين، ولا يجوز من ذلك حصة النقد؛ لأن الصفقة إذا بطل بعضها بطلت كلها. قال مالك: ومن أسلم عبداً في طعام بعينه إلى أجل بعيد لم يجز وبطل البيع إذ قد يهلك الطعام قبل الأجل، فيرد العبد بعد النفع به باطلاً إلا

أن يكون الأجل إلى يومين فلا بأس به، وإن كان الطعام مضموناً فلا خير فيه إلا أن يتباعد الأجل مثل خمسة عشر يوماً ونحوها فلا بأس به. وقد تقدم في كتاب السلم الأول أن من أسلم في حنطة ونقد وضرب الأجل ولم يذكر جيدة ولا رديئة أنه فاسد.

[الباب الثاني] في مجهلة رأس المال ومجهلة المكيال في البيع وبيع الجزاف

[الباب الثاني] في مجهلة رأس المال ومجهلة المكيال في البيع وبيع الجزاف [فصل 1 - في مجهلة رأس المال] ونهى الرسول عليه السلام عن الغرر في البيع وقال -صلى الله عليه وسلم-: «من استأجر أجيراً فليعلمه أجره». قال مالك: ومن اشترى داراً على أن ينفق على البائع حياته لم يجز. م: لأن أجل حياته مجهول فهو غرر. قال مالك: فإن نزل وقبضها المبتاع واستغلها كانت الغلة له بضمانه وترد الدار إلى البائع ويرجع عليه بقيمة من أنفق. قال ابن القاسم: إلا أن تفوت الدار بهدم أو بناء فيغرم قيمتها يوم قبضها.

م يريد ويرجع عليه المبتاع بقيمة ما أنفق فيتقاصان فمن كان له فضل قبل صاحبه أخذه، وأجاز ذلك أشهب. قال أبو إسحاق: ومعنى ذلك عنده أنه التزم نفقة عمره بعد أن علم ما مضى من عمره وما بقي على التعمير الذي علماه، فصار كأنها نفقة سنين معلومة عاش أو مات، وهي مأخوذة على كل حال، ولو كان هذا المعنى هو الذي أراده المتعاقدان ما منع من ذلك مالك، وإنما تكلم مالك على أنه إن مات سقطت النفقة، فإذا كان هكذا وأنفق، استرجع ما أنفق عليه، وانظر لو أنفق عليه أكثر من النفقة التي تشبه، مثل أن يسرف في النفقة لا نبغي ألا يرجع عليه إلا بالقدر الذي كان يلزمه في تعاقدهما أن ينفقه؛ لأن الزائد معروف طاع به. فإن قيل: إنما دفعه لمكان البيع فأشبه ما لو قال له هذا لمكان البيع، فاستحق المبيع أنه يرجع فيما دفع. قيل: ما أنكرت أن يرجع فيه إذا كان قائماً، فإن أكله أو ضاع لم

يرجع به كمن أثاب من صدقة ظناً أن ذلك يلزمه، فلا يرجع إلا في قيامها مع يمينه أنه ظن أن ذلك يلزمه لما أكلها الذي أكلها على غير معاوضة، لتمكين دافعها وهو المالك، ومع أنه في ذلك السؤال أنه بيّن له. فقال: هذا لمكان ما بعتني، فيلزمه على ذلك، وفي هذا السؤال إنما أنفق عليه وأكل ولم يقل له شيئاً. واختلف في المفلس هو يكون أحق بالدار من الغرماء حتى يستوفي ما أنفق أم لا، لأنه لم يرض أن ينفق إلا على أن تكون الدار له؟ قال: ولو كان إنما أسكنه إياها على أن ينفق عليه حياته فهو كراء فاسد، فيرجع عليه بقيمة ما أنفق عليه، وعليه كراء ما سكن ويتقاصان في ذلك أيضاً.

قال بعض أصحابنا: وإنما يرجع عليه بقيمة ما أنفق إذا كان لا يحصي النفقة أو كان في جملة عياله، وأما لو دفع إليه مكيله معلومة من الطعام أو دنانير أو دراهم معلومة لرجع عليه بمثل ذلك. م واختلف إن أنفق عليه سرفاً هل يرجع عليه بالسرف؟ فقال بعض أصحابنا: يرجع عليه؛ لأن الزائد على النفقة الوسط كهبة من أجل البيع إذا انتقض البيع وجب الرجوع فيها، وقال غيره: لا يرجع إلا بنفقة وسط، كمن أنفق على يتيم وله مال؛ فإنما يرجع عليه بالوسط، فكذلك هذا. م والأول أقيس واولى لما قدمنا. فصل [2 - في مجهلة المكيال في السلم] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن أسلم في طعام موصوف إلى أجل معلوم ونقد وشرط قبضه بمكيال عنده أو عند رجل أو بقصعة أو بقدح أو بقصعة، ليس بمكيال الناس أن ذلك لا يجوز، فكذلك السلم فيه [بتلك المنزلة] أو أشد. قال مالك: وإنما يجوز هذا بموضع ليس فيه مكيال معروف كالأعراف يشتري منهم العلف والتبن والخبط.

وقد قال أشهب مثله في الكراهة إلا أنه يقول إن نزل لم أفسخه. وقال غيره: إنما يجوز أن يشترط قبض ذلك في السلم وفي الشراء بالمكيال الذي جعله الوالي للناس في الأسواق، وهو الجاري بينهم يوم السلم ويوم الشراء، فأما مكيال قد ترك ولا يعرف قدره من المكيال الجاري في الناس فلا يجوز ويفسخ. فصل [3 - في بيع الجزاف] وبيع الجزاف جائز فيما يباع على الوزن أو الكيل، خلا المسكوكة من ذهب أو فضة أو فلوس في بلد تجوز فيه، فأما ذهب وفضة غير مسكوكين نقداً أو مصوغاً أو آلية منهما أو من نحاس، فالجزاف جائز فيه. قال في المختصر: ولا خير في أن تباع الدراهم المعدودة جزافاً.

م والأصل في هذا أن كل شيء عُدل به عن بابه الذي عرف فيه إلى أمر لم يعرف فيه دخله الخطر. قال ابن القاسم: ومن أسلم نقار فضة أو تبراً مكسوراً جزافاً لا يعلم وزنه في سلعة موصوفة إلى أجل، جاز ذلك؛ لأن التبر هاهنا بمنزلة السلعة، ولا يجوز أن يسلم فيها دنانير أو دراهم جزافاً، عفا عددها أم لا، إذا لم يعرفا وزنها، وذلك قمار ومخاطرة. يريد إلا ببلد يجوز فيها عدداً، فليس في بيعها عدداً مخاطرة لأنه أمر قد عرفوه. قال: ولا بأس يبيع التبر المكسور من الذهب والفضة جزافاً، والحلي من الذهب والفضة جزافاً، إن كان ذهباً بيع بفضة وبجميع السلع، وإن كان فضة بيع بذهب وبجميع السلع. قال: ومن أسلم في حنطة دراهم يعرفان وزنها مع دنانير لا يعرفان وزنها لم يجز، لا حصة الدراهم ولا غير ذلك وفسخ ويرد البائع الثمن وهو مصدق في وزن ما قبض مع يمينه إن اختلفا فيه، فإن نكل حلف المبتاع وأخذ ما ادعى.

ومن كتاب محمد: وما عرف البائع كيلَة مما بيع جزافاً فالمبتاع مخير في حبسه أو رده. قال مالك: ولو قال البائع: إني أعرف كيله، فيقول المبتاع: رضيت أخذه جزافاً بكذا وكذا، فلا يجوز ذلك. قال عبد الوهاب: لأنهما قصدا بهذا العقد الخطر والغرر؛ لأن بيع الجزاف ضرب من الغرر أجيز للرفق ولخوف المشقة، فإذا كان البائع يعرف قدر المبيع فقد صار للمشتري طريق إلى معرفة ذلك من غير مشقة، فإذا رضي بأن لا يعلمه فكأنه قد رضي بالتغرير، وأن يعاوض على ما لا يعلمه مع القدرة على علمه بغير مشقة. قال: وكأن القاضي رحمه الله قال لي أن هذا الممتنع في المذهب؛ لأنه قال: إذا باعه ولم يعلمه كان ذلك عيباً يكون للمشتري معه الخيار، ثم قال: إذا رضي المشتري بأن لا يعلمه فإن البيع لا يصح بهذا، فهذا يناقض ما قاله من أنه يكون عيباً، لأن البائع لو أوقف المشتري على العيب فرضيه لجاز. قال عبد الوهاب: وهذا الذي قاله فيه نظر، والمسألة صحيحة غير ممتنعو، ووجه ذلك أن يقال: أنه ليس ممتنعاً أن يقع العقد على صفة يكون للمشتري

الخيار إذا لم يعلم بها، ثم لو علم بها في حال العقد لم يجز أن يعقد على اشتراطه، لافتراق الحال في الأمرين؛ لأنه يكون إذا رضي غرراً أو مؤدياً إلى وجه يوجب المنع، ولا يكون كلك إلا لم يعلم به، يشهد لذلك ما قاله سحنون أنه لو باع أمة فخرجت مغنية لكان له الخيار، والبيع صحيح، وإن اشترط في بعض العقد أنها مغنية لم يجز، وكذلك لا باع سلعة لا يملكها تعدياً، ولم يبين ذلك للمشتري، فإن البيع موقوف على إجازة المالك، ولو أعلمه أنه غاصب فدخل المشتري على ذلك لم يجز. فعلم بهذا أن البيع لا يمتنع أن يصح العقد على صفة لو شرطها المشتري لم يصح ويثبت الخيار له، والله أعلم.

[الباب الثالث] ذكر موضع القضاء في السلم والقضاء قبل الأجل وتصديق البائع فيه في الكيل وتوكيله على قبضه فيدعي ضياعه

[الباب الثالث] ذكر موضع القضاء في السلم والقضاء قبل الأجل وتصديق البائع فيه في الكيل وتوكيله على قبضه فيدعي ضياعه [فصل 1 - ذكر موضع القضاء في السلم] قال ابن القاسم: ومن أسلم في طعام على أن يقبضه بمصر لم يجز حتى يسمي أي موضع من مصل، لأن مصر ما بين البحر إلى أسوان. م بخلاف أن يكترى دابة من موضع إلى مصر، فذلك جائز ومنزله بالفسطاط؛ لأنه العرف عندهم ولا عرف لهم في القضاء. قال ابن القاسم: ولو قال على أن تقبضه في الفسطاط جاز، وإن تشاحا في موضع يُقبضه الطعام من الفسطاط، قال مالك: فليقبضه ذلك في سوق الطعام. قال ابن القاسم: وكذلك جميع السلع إذا كان لها سوق معروف فاختلفا، فإنما يوفيه ذلك في سوقها، فإن لم يكن لها سوق فحيث ما أعطاه

بالفسطاط لزم المشتري قبضها فيه. وقال سحنون: يوفيه بداره كان لها سوق أو لم يكن. قال أبو إسحاق: وهذا المحكوم به اليوم؛ لأن الناس اعتادوا ذلك. قال ابن المواز: ولا يفسد السلم إذا لم يذكر موضع القضاء، ويلزمه أن يقضيه السلم بموضع التبايع في السوق تلك السلعة. ومن المدونة: قال مالك: وإن أسلمت في طعام على أن تقبضه في الفسطاط لم يجز أن تقبضه بغيرها، وتأخذ كراء المسافة؛ لأن البلدان بمنزلة الآجال. قال ابن القاسم: وكأنك بعته قبل قبضه أو أسقطت عنه الضمان على مال تعجلته، فإن فعلت ذلك رددت الكراء عليه، ومثل الطعام بموضع قبضته إن فات وابتعته بطعامك بالفسطاط. قال مالك: وإن أسلمت إليه على أن يوفيكه بالفسطاط وعلى أن

يحمله إلى القلزم جاز: قال مالك: وإذا كان لك على رجل طعام من سلم وأتاك به قبل الأجل لم تجبر على أخذه، وإن كان من قرض جبرت على أخذه. فصل [2 - تصديق البائع في قدر سلعته كيلاً أو وزناً أو عدداً] ومن الواضحة: وقد استثقل القاسم بن محمد وغيره بيع الطعام على التصديق، وأجازه كثير من التابعين قال مالك: وإنما كرهوه إذا بيع بالتأخير، والذريعة فيه أبين. م يريد كأنه أخذه على أن عليه نقصانه، والكيل له نقصان وزيادة، فكره ذلك للذريعة إلى الربا أن يدان على هذا، قاله مالك.

قال: ولا يجوز بيع الطعام كيلاً أو جزافاً بشيء من الطعام على التصديق مما يجوز فيه التفاضل أو لا يجوز؛ لأنه طعام بطعام غير ناجز؛ لأنه يختبر كيله بعد التفرق. قال مالك وسحنون: لا يجوم التصديق في تبادل الطعامين أو الذهبين أو الفضتين، ولا في الصرف. والعلة في ذلك كما ذكره ابن حبيب أنهم لم يتناجزوا، ولأنه يختبر ذلك بعد التفرق. قال ابن حبيب ومن ابتاع طعاماً على التصديق فلا يبعه على الكيل ولا على التصديق قبل أن يكيله هو أو يغيب عليه، ويدخله بيعه قبل قبضه، إذ لا يتم فيه البيع الا بكيله أو الغيبة عليه، وقاله مالك وابن كنانة وأجازه ابن القاسم وابن الماجشون.

وكره مالك في العتبية لمن ابتاع زقاً فيه سمن بقمح جزافاً وزعم أن الزق فيه عشرة أقساط، أن يأخذه بقول صاحبه، وقاله المخزومي، وبه أخذ سحنون وأجازه ابن القاسم. م وذكر لنا عن بعض فقهائنا القرويين أنه سمع أبا محمد وأب الحسن رحمهما الله يقولان: لا بأس أن يسلف ديناراً في طعام ويصدقه المسلم إليه في وزنه بخلاف التصديق على الوزن في الصرف، والتصديق في كيل الطعام إذا بيع بثمن مؤجل أو كان قرضاً، قالا: لأن السلم وقع بوزن معلوم بخلاف ما لو أسلمه ولا يعلمان وزنه؛ لأن هذا قد تخاطر فيه، والأول لا مخاطرة فيه. قال بعض أصحابنا: وكره ذلك بعض أصحابنا القرويين؛ لأنه يدخله علة منع جواز التصديق في البيع بثمن إلى أجل، لأنه قد يجد نقصاً فيغتفره لما يرجو من التأخير بالسلم.

ولأبي القاسم بين الكاتب في الذي أخذ من غريمه الطعام على التصديق: يحتمل الا يجوز تصديقه قبل حلول الأجل لما يدخل ذلك من أنه إنما صدقه من أجل تعجيله له قبل أجله، فيدخله سلف جر منفعة وهو بمعنى ضع وتعجل. ومن المدونة: قال مالك رحمه الله: إذا قبضت من رجل طعاماً من بيع، أو سلم وصدقته في كيله جاز ذلك، وليس لك رجوع بما تدعي من نقص إن كذبك إلا أن تقيم بينة أنها لم تفارقك من حين قبضته حتى وجدت فيه النقص، فإن كان الذي وجدت فيه بمحضرهم نقصاً أو زيادة، كنقص الليل أو زيادته فذلك لك أو عليك، وإن زاد على المتعارف رجع البائع بما زاد ورجعت عليه أنت بما نقص [طعاماً] إن كان عليه مضموناً، وإن كان بعينه فإنك ترجع بحصة النقصان من الثمن، وإن لم تكن بينه حلف البائع لقد أوفاه جميع ما سمى له إن كان اكتاله هو، ولقد باعه على ما كان فيه من الكيل الذي يذكر فيه، ولا شيء عليه.

وإن بعث به إليه فليقل في يمينه: لقد بعته على ما كتب به إلي أو قيل لي فيه من الكيل الذي يذكر فيه ولا شيء عليه، وإن نكل حلفت أنت ورجعت عليه بما ذكرنا فإن نكلت فلا شيء لك. م قال بعض أصحابنا: إنما يحلف المبعوث به إليه إذا بين للمشتري أنه بعث به إليه وإلا فالمشتري يقول إنما رضيت بأمانتك أنت، ولم أظن أنك لم تقف على كيله، فإذا لم يعلمه أنه بعث به إليه حلف المشتري أنه وجده على ما ذكره ورجع على البائع بما يجب له. من العتبية وكتاب محمد قال ابن القاسم: ومن لقي رجلاً في سفر فابتاع منه دهناً معه، ونقده الثمن وقبض منه الدهن وقال له وزنه كذا وكذا، فإن صدقه فذلك جائز، وإن قال له ربه زنه وأنت مصدق، وما نقص فعليّ، فإن كان يزنه إلى قريب من موضع عقد البيع

مثل الميل ونحوه كان ما يزيده من عصير الدهن الذي باعه. قال أبو محمد: يرد وهو عنده فجائز، وإن كان يتأخر وزنه أياماً إلى بلد يبلغها أو إلى غاية سفره لم يجز؛ لأنه ضمنه له وضمن له نقصاً لا يدري مبلغه، نقده الثمن أو لم ينقده، قال: فإن كان ما يتم له من الدهن ليس من عصيره ولا من صفته لم يجز وإن وزنه بحضرته وقربه، لأنه التزم نقصاً لا يعلم مبلغه يوفيه من صنف غيره. وقال في كتاب محمد، وإن لم يقل فما نقص فعلي ولكن قال يحط عنك حسابه، وكان يزنه عن قريب فذلك جائز غير أنه لا ينقده إلا إلى قدر ما لا يشكان فيه.

فصل [3 - في التوكيل على القبض وادعاء الوكيل الضياع] ومن المدونة قال: وإن أسلمت إلى رجل في مدي حنطة فلما حل أجله قلت له: كله لي في غرائرك أو في ناحية بيتك أو في غرائر دفعتها إليه، فقال بعد ذلك: قلد كلته وضاع عندي، قال مالك: ما يعجبني هذا. -يريد مالك ولا يبيعه بذلك القبض- قال ابن القاسم: وأنا أراه ضامناً للطعام إلا أن تقوم [له] بينة على كيله أو تصدقه أنت في الكيل، فيقبل قوله في الضياع؛ لأنه لما اكتاله صرت أنت قابضاً له. قال غير واحد من أصحابنا: وإذا قامت بينة على كيله جاز أن يبيعه بذلك القبض، وأما إن صدقه على كيله فلا يبعه بذلك القبض؛ لأنه مهتم فيه فيحتاج في بيعه، وإن كان الضمان يرتفع عنه.

[الباب الرابع] في القضاء في اختلاف المتبايعين في السلم وغيره

[الباب الرابع] في القضاء في اختلاف المتبايعين في السلم وغيره [الفصل 1 - في الاختلاف عند الأجل أو قبله في الكيل أو الوزن] روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اختلف المتبايعان استحلف البائع» وفي حديث آخر «فالقول ما قال البائع أو يترادّان» فاحتمل ذلك فيما لم يفت، لأن ما فات بيد المبتاع لا سبيل إلى رده. وقوله عليه السلام (ليترادان) إشارة إلى رد الأعيان فإذا ذهبت العين أو تغيرت خرجت عن ظاهر الحديث والله أعلم، وصار المبتاع مقراً

بثمن يدعي عليه البائع أكثر منه، وكذلك في السلم في المثمون يدعي عليه أكثر منه، فدخل في باب الحديث الآخر أن اليمين على المدعى عليه. قال مالك: وإذا أسلم رجل إلى جل في طعام مضمون إلى أجل فاختلفا عند الأجل في الكيل والوزن واتفقا في النوع فقال البائع: بعتك ثلاثة أرادب بدينار، وقال المبتاع: بل أربعة أرادب بدينار، فالقول ما قال البائع إن ادعى ما يشبه مع يمينه. قال ابن القاسم: وإن ادعى ما لا يشبه فالقول قول المشتري فيما يشبه. م لأن كل مدع ما يشبه فالقول قوله لأنه مدع للعرف،

قال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَامُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف:199] فكل من ادعى العرف كان القول قوله وإن كان العرف فاسداً. قال ابن المواز عن ابن القاسم: فإن أتيا بما لا يشبه حملا على الوسط من سلم الناس يوم أسلم إليه. قال ابن المواز: ولو اختلفا في ذلك بقرب مبايعتهما تحالفا وتفاسخا. م جعل اختلافهما بقرب البيع كاختلافهما في بيع النقد والسلعة قائمة، وبعد حلول الأجل كفوت السلعة. وقال: إن أتيا ما لا يشبه، حملا على سلم الناس، كقول بائع الجارية بعتكها بحنطة، وقال المبتاع: بل بشعير، أنهما يتحالفان ويتفاسخان إن لم تفت الجارية، فإن فاتت كان على المبتاع قيمتها، فحمله على سلم الناس يشبه إلزامه قيمة الجارية.

م وقال بعض شيوخنا: الذي يجري على قول ابن القاسم إذا أتيا بما لا يشبه أن يتحالفا ويتفاسخا. م كقوله في اختلافهم في موضع القضاء فقد قال: إذا ادعيا غير موضع التبايع وتباعدت المواضع حتى لا يشبه قول واحد منهما تحالفا وتفاسخا، وكذلك قالوا في اختلافهم في الآجال. وقد اختلف في ذلك قول ابن القاسم في الأسدية فقال مرة: يحملان على الوسط من سلم الناس يومئذ، ثم رجع إلى أنهما يتحالفان ويتفاسخان. وقول ابن المواز: وإن اختلفا في ذلك بقرب مبايعتهما تحالفا وتفاسخا، إنما يجري ذلك على قول الذي أخذ به ابن القاسم إذا اختلفا والسلعة قائمة وقد قبضها المبتاع أنهما يتحالفان ويتفاسخان، وأما عل رواية ابن وهب فالقول في ذلك قول المسلم إليه إذا قبض النقد وغاب عليه وكذلك إن كان قبل

حلول الأجل بمدة طويلة، كقبضة السلعة المعيبة وهو فوت عنده كفوت السلعة في رواية ابن القاسم. وقال ابن حبيب: إذا اختلفا قبل الأجل في كيل الطعام صدق البائع إلا أن يأتي بما لا يشبه، فصدق المبتاع فيما يشبه، فإن لم يأت بما يشبه حملا على الوسط من سلم الناس إلى الأجل الذي تقاررا به. م وظاهر هذا خلاف قول محمد إذ قد يكون اختلافهما بقرب مبايعتهما، وابن حبيب لم يفصل، وأبو محمد بن أبي زيد حمله على أنه وفاق والله أعلم. [فصل 2 - في اختلاف المتبايعين في صفة المبيع ونوعه] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكذلك كلما تقاررا أن السلم كان فيه من بغل أو حمار أو رقيق أو عرض أو حيوان فاختلفا في الصفة واتفقا في التسمية أن القول قول البائع إذا أتى بما يشبه ويحلف والمبتاع مدع. قال مالك: وإن اختلفا في النوع فقال هذا: أسلفتك في حنطة وقال هذا: في شعير، أو قال هذا: في فرس أو قال هذا: في حمار، تحالفا وتفاسخا وإن بعد محل الأجل، ورد إلى المبتاع /رأس ماله.

قال ابن القاسم: ومثل اختلافهما في الكيل إذا تصادقا في النوع المسلم فيه، بمنزلة من ابتاع جارية ففاتت عند المبتاع، فقال البائع بعتها بمئة دينار، وقال المبتاع بل بخمسين ديناراً. قال مالك: المبتاع مصدق مع يمينه إذا أتى بما يشبه أن يكون ثمناً للجارية يوم ابتاعها، فإن تبين كذبه حلف البائع إن ادعى ما يشبه، وإن أتى بما لا يشبه كان على المبتاع قيمتها يوم اشتراها. قال ابن القاسم: واختلافهما في السلم في الجنس كقول بائع الجارية بعتها بحنطة، وقال المبتاع بل بشعير، فإنهما يتحالفان ويترادان إن لم تفت، فإن فاتت عند المبتاع ودى قيمتها يوم قبضها، لأنه لو باعها أو أعورت أو نقصت ضمنها، فله نماؤها وعليه نقصانها. م قال أبو محمد: قوله في هذه المسألة يوم قبضها يعني يوم باعها؛ لأنه بيع صحيح.

وقال ابن شبلون: القيمة في اختلافهما في النوع يوم القبض وجعله فاسداً، والصواب قول أبي محمد. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: إنما قال يوم القبض؛ لأنها جارية فيحتاج فيها إلى المواضعة، فلذلك لم يقل يوم العقد، وقد تكون أيضاً في أول دمها فيكون يوم القبض يوم العقد. قال أبو محمد: ولا يفسد البيع الدعوى، ولأن كل واحد يدعي أن البيع صحيح. وإنما صحيح خالفه في قوله. م وروي عن أبي الحسن القابسي إذا قال بائع الجارية: أسلفتها في مئة إردب حنطة، وقال المبتاع في خمسين وقد فاتت الجارية ولم يشبه ما قال واحد منهما، قال يلزم المبتاع قيمتها -ولا يقال فيها يحملان على سلم الناس يوم التبايع- كما قال: إذا كان رأس المال عيناً؛ لأن الجاري في الناس والغالب في أمورهم أنهم يتبايعون بالأثمان.

[قال] ابن المواز: وقال أشهب: إذا لم يعرف كذب واحد منهما في السلم -يريد أتيا بما يشبه- تحالفا وتفاسخا، اختلفا في الجنس أو في القلة والكثرة أوفي الصفة والنوع واحد، وإن عرف كذب أحدهما صدق الآخر مع يمينه أو يحملان على الوسط من سلم الناس. قال أبو محمد: قوله: أو يحملان على الوسط: أراه أراد إذا أتيا بما لا يشبه، وقوله: يتحالفان في القلة والكثرة على أصله في اختلافهما في الثمن أنهما يتحالفان وإن فاتت السلعة. وقال ابن حبيب: إذا اختلفا في الصفة في جيد ووسط أو في سمراء أو بيضاء وقد انتقد البائع وتفرقا، صدق البائع بيمينه ولم يجعل ذلك كاختلافهما في الجنسين. وقال فضل بن سلمه: إنهما يتحالفان ويتفاسخان وجعل ذلك كاختلافهما في الجنسين. م قال بعض أصحابنا: وإذا اختلفا في جنسين فوجب أن يتحالفا ويتفاسخا، فحلف البائع ونكل المشتري ورضي أن يأخذ ما كان حلف عليه البائع وهو غير مصدق له.

قال بعض الناس: إن كان اختلافهما عند حلول الأجل جاز، لأنه كالمبادلة وإن كان قبل حلول الأجل لم يجز. م: وإذا لم يجز فينتظر الأجل، فإذا كان عند حلول الأجل، فيؤخذ من البائع ما أقربه، فيشتري منه للمشتري مثل دعواه، فإن نقص لم يكن له غيره، وإن فضل منه شيء تصدق به إذ لا يدعيه واحد منهما. قال بعض أصحابنا: وإذا كان اختلافهما عند حلول الأجل وكان مما لا يجوز أن يبدل بعضه ببعض مثل حنطة وتمر قال: فيؤخذ من البائع ما حلف عليه، ويشتري منه للمشتري ما ادعاه، فإن كان [فيه] فضل أوقف، فإن ادعاه البائع أخذه، وإلا تصدق به عن من هو له، وإن نكل البائع وحلف المشتري أغرم البائع ما قال المشتري، سواء كان هاهنا من صنف ما قال البائع أو من غير صنفه، لأنه محكوم عليه لنكوله بما قال المشتري لأنه لا قدرة له على الامتناع من دفع ذلك لنكوله.

[فصل 3 - في اختلاف المتبايعين في مقدار المبيع] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن كان رأس مال الطعام عرضاً فاختلفا في كثرة الطعام وقلته واتفقا في جنسه وكان اختلافهما بقرب مبايعتهما أو عند حلول الأجل، فإن لم يحل سوق الثوب ولا تغير، تحالفا وتفاسخا لقوله عليه السلام: «إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال البائع أو يترادان» قال: وإن تغير سوق الثوب أو حال فالقول قول الذي عليه السلم؛ لأنه ثمن الثوب صار ديناً عليه. [فصل 3 - مسائل من اختلاف المتبايعين في السلم وغيره] قال مالك: وإذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة تحالفا وتفاسخا. م: واختلف إن قبضها المبتاع وبان بها فقال ابن القاسم في كتاب المكاتب: إن أول قولي مالك في المبتاع مصدق مع يمينه، وإن لم يفت السلعة ولم تتغير ف يسوق أو بدن، ورواه عنه ابن وهب. وقال ابن القاسم: في هذا الكتاب وغيره: إن البائع مصدق بعد أن يتحالفا ويتفاسخ. وقال أشهب: إنهما يتحالفان ويترادان، وإن فاتت السلعة بيد المبتاع، إلا أنها إذا لم تفت السلعة بحوالة سوق فأعلى ردت السلعة إلى ربها،

وإن فاتت بذلك ردت إلى القيمة يوم قبضها بعد إيمانهما. قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك نحوه، قال: ويلزم المشتري قيمته يوم بيع إذا فات بعد إيمانهما. م فوجه قول مالك الأول أن المبتاع إذا أسلمت إليه السلعة فقبضها وصارت ملكاً له، وإنما للبائع عليه ثمن، فهو الغارم، فالقول قوله فيه؛ ولأن الأصول موضوعة أن اليمين في جهة أقوى المتداعين سبباً، والمشتري بعد القبض أقوى سبباً، لأنه حائز، ألا ترى أنه إذا تساوت الدعوى في الشيء وتكافأت البينة فيه أن القول قول الحائز. ووجه قوله يتحالفان ويترادان إذا لم تفت وهو قول أبي حنيفة أنه لما قال في الحديث القول قول البائع أو يترادان فمتى وجدنا إلى رد السلعة سبيلاً ولم يدخلها فوت، وجب ردها بعد التحالف لظاهر الحديث.

قال عبد الوهاب: وقد رُوي أنه عليه السلام قال: «إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال البائع، فإن استهلكت فالقول قول المشتري»، ورُوي: «إن كانت السلعة قائمة تحالفا وتفاسخا وترادا». ولأنا لو أوجبنا التحالف بعد الفوت لأوجبنا على المشتري القيمة وربما كانت أضعاف ما يدعيه البائع من الثمن فنكون قد ألزمناه ما لم يدع عليه خصمه. ووجه قول أشهب وهو قول الشافعي أنا لما وجدناها إذا كانت قائمة ترد بعد التحالف. وجب رد قيمتها في الفوت بعد التحالف كالبيع الفاسد ترد عين السلعة فيه إذا لم تفت، وقيمتها إن فاتت ويتبع في ذلك ظاهر الحديث أن القول قول البائع أو يترادان، ولم يفصل فاتت أو لم تفت. قال ابن القاسم في كتاب تضمين الصناع: إذا اختلف المتبايعان في قلة الثمن وكثرته، والسعلة بيد البائع، أُحلف البائع أولاً أنه ما باع إلا بكذا، فإن حلف، خير المبتاع في أخذها بذلك أو يحلف أنه ما ابتاع إلا بكذا، فإن حلف ردت.

[قال] ابن المواز: وذلك أن كل واحد منهما يدعي على صاحبه وهذا قول مالك وأصحابه، وعليه مان مضى من علماء أهل المدينة. م فإن قيل من أين قالوا يتحالفان ويتفاسخان وإنما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث «استحلف البائعٍ» وفي آخره «القول قوله أو يترادان». قيل لولا ما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- أو يترادان لزم المبتاع الثمن الذي حلف عليه البائع. فلما قال ذلك دلت الأصول أن يمين البائع أوجبت على المبتاع ثمناً، فلا يكون له رد السلعة إلا بيمينه كاللعان أن يمين الزوج أوجبت على الزوجة حداً إلا أن يسقطه ما وجب عليها بيمينها. وقد روي في حدي آخر «يتحالفان ويتفاسخان». قال ابن القاسم: إلا أن يرضى المبتاع قبل الفسخ بالحكم أخذها بما قال البائع، فذلك له. وقال سحنون: بل بتمام التحالف ينفسخ البيع كاللعان وقال ابن عبد الحكم: إذا تحالفا ثم أراد البائع أن يرزمها المشتري بما ادعى المشتري فذلك له. م: وهذا على قول ابن القاسم.

قال أبو إسحاق: وكأن ابن القاسم أراد أن المشتري إنما حلف ليحقق صدقه فيما ادعى، ثم يقول بعد ذلك أنا أرضى أن آخذها بما قال البائع، وإذا فسخ البيع بعد إيمانهما، جاز للبائع أن يطأها إن كانت جارية مع أنه يقر إنها ملك للمشتري وأنه ظلمه في امتناعه من دفع ما ادعى عليه من الثمن؛ لأن الحديث قد أوجب رد البيع، ورد البيع يقتضي انتقاضه وبقاء السلعة ملكاً للبائع. قال سحنون: قال شريح: إن حلفا يترادا وإن نكلا ترادا وإن حلف أحدهما ونكل الآخر ترك البيع على قول الحالف، وقاله ابن القاسم في كتاب محمد. وقال ابن حبيب: إذا حلفا فسخ البيع وإن نكلا كان القول قول البائع وذكره عن مالك. م فوجه قوله إذا نكلا ترادا، فلأنهما قد استويا في الحال، كما لو حلفا؛ لأنه ليس أحدهما أرجح من الآخر.

ووجه قول ابن حبيب أن القول قول البائع إذا نكلا، فلأن البائع أقوى سبباً؛ لأنه المبدأ باليمين والأصل في كل من كان القول قوله فنكل عن اليمين أن يحلف الآخر ويكون الأمر على ما ادعى، فإن نكل كل القول على ما ادعاه الأول. م وهذا على رواية ابن القاسم في قيامها فأما على رواية ابن وهب الذي يرى القبض كالفوت فإذا قبضت فالقول قول المشتري ويحلف وحده ويأخذها بما ادعى، فإن نكل حلف البائع ولزم المبتاع الثمن الذي ادعاه البائع، فإن كل بقيت بيد المشتري. ورأيت لعبد الوهاب أنهما إذا نكلا يدخله الاختلاف: قول أنهما يترادان، وقول أن القول قول المشتري لأنه المبدأ باليمين. م: وقله يترادان غلط. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكذلك إن قبضها المبتاع ولم تفت فإنهما يتحالفان ويتفاسخان، فأما إن قبضها وفاتت بيده بحوالة سوق أو نماء أو نقص أو بيع أو كتابة أو عتق أو هبة أو هلاك أو تقطيع في الثياب فالقول قول المبتاع مع يمينه فيما يشبه فإن أتى بما لا يشبه فالقول قول البائع فيما يشبه فإن أتى بما لا يشبه أيضاً كان له قيمتها.

وقال محمد بن أبي زمنين: إذا فاتت السلعة وأتيا بما لا يشبه وجب على المشتري قيمتها يوم اشتراها بعد أيمانهما، فإن نكل أحدهما وحلف الآخر فالقول قوله، أشبه أو لم يشبه، وكذلك روى أصبغ عن ابن القاسم عن مالك، وذكره ابن مزين. قال ابن ابي زمنين: فإن نكلا جميعاً فينبغي على أصل قول ابن القاسم أن تكون على المشتري قيمة السلعة، وعلى [أصل] قول ابن حبيب أن يلزم البائع ما قاله المشتري. قال ابن المواز: وإنما يراعى ما يشبه إذا فاتت السلعة بيد المبتاع، فأما إن كانت قائمة بيد المبتاع لم تفت فلا بد من التحالف والتفاسخ، وإن أتى أحدهما بما يشبه والآخر بما لا يشبه. قال: وسواء كانت هذه السلعة حيواناً أو طعاماً يكال أو يوزن أو عرضاً وسواء نقد ثمنها أو لم ينقده، فإنهما يتحالفان ويتفاسخان إن لم تقبض، فإن قبضها المبتاع كان القول قوله. يريد على قول مالك الأول.

م وقيل أنهما يتحالفان ويتفاسخان إذا أتيا جميعاً بما يشبه أو بما لا يشبه، وأما إذا أتى أحدهما بما يشبه والآخر بما لا يشبه فالقول قول من أتى بما يشبه، وقاله ابن الماجشون. وقد تقدم لأشهب في كتاب محمد ما يؤيد هذا، قال: إذا اختلفا في السلم، فإن لم يعرف كذب واحد منهما -يريد ابتاعا بما يشبه- تحالفا وتفاسخا، اختلفا في الجنس أو في القلة والكثرة أو في الصفة والنوع واحد، وإن عرف كذب أحدهما صدق الآخر مع يمينه. فهذا من قوله يدل أن كل موضع يتحالفان فيه ويتفاسخان يراعى فيه من أتى بما يشبه. فصل [4 - اختلاف المتبايعين في الأجل] ومن المدونة: قال مالك: ومن أسلم في سلعة إلى أجل فادعى حلوله، وقال البائع لم يحل، فالقول قول البائع قيما يشبه -يريد مع يمينه-. قال ابن القاسم: فإن لم يأت بما يشبه صدق المبتاع فيما يشبه، وقد قال مالك فيمن ابتاع سلعة وفاتت عنده وادعى أن الثمن إلى أجل كذا، وقال البائع إلى أجل دونه. أن القول قول المبتاع، والبائع كمقر بأجل يدعي حلوله. قال ابن القاسم: وهذا إذا أتى بما يشبه وإلا صدق البائع.

قال في كتاب تضمين الصناع: وإن لم تفت تحالفا وردت السلعة. ولو قال البائع بعتها حالة، وقال المبتاع بل إلى شهر فإن لم تفت حلفا وردت، فإن فاتت فالقول قول البائع، والمبتاع مدع للأجل. ومن رواية يحيى بن يحيى: وقال أيضاً إن فاتت بيد المبتاع باختلاف سوق أو غيره فالقول قوله. وروى البن وهب فيها وفي الأولى أن المبتاع مصدق مع يمينه إن قبضها، وإن لم تفت اختلافهما في قلة الثمن وكثرته. وقد قال مالك في كتاب الوكالات في قول البائع بعتها حالة وقال المبتاع إلى أجل وقد فاتت: إن ادعى المبتاع أجلاً يقرب لا يتهم فيه، صدق مع يمينه وإلا صدق البائع. وكذلك قال في كتاب الرهن. وقال فيه ابن القاسم لا يصدق المبتاع في الأجل ويؤخذ بما أقر به من المال حالاً إلا أن يقر بأكثر مما ادعاه البائع، فلا يكون للبائع إلا ما ادعى.

م والأصل في هذا وهو قول مالك أن القول قول الغارم في جميع هذه المسائل إذا أتى بما يشبه، فإنه أتى بما لا يشبه كان القول قول الآخر فيما يشبه إلا ما ذكرنا من اختلاف قول ابن القاسم في قول البائع بعتها حالة، والصواب قوله أن القول قول المشتري؛ لأنه جار على الأصل فاعرفه وابن عليه وبالله التوفيق .. فصل [5 - في اختلاف المتبايعين في دفع الثمن أو قبض المبيع] ومن المدونة: قال مالك: وإذا اختلفا في دفع الثمن في الربع والحيوان والرقيق والعروض وقد قبضه المبتاع وبان به، فالبائع مصدق مع يمينه إلا أن تقوم بينة إلا في مثل ما يبتاع الناس على النقد كالصرف، وما بيع في الأسواق من اللحم والفواكه والخضر والحنطة والزيت ونحوه -وقد انقلب به المبتاع- فالقول قوله أنه دفع الثمن مع يمينه واختلف فيه إن لم يفارقه. قال ابن حبيب: أما الرقيق والدواب والربع والعقار فالبائع مصدق وإن تفرقا ما لم يطل، فإن مضى عام أو عامان فالقول قول المبتاع ويحلف، وليس يباع مثل هذا على التقاضي فأما البر وشبهة من التجارات مما يباع على التقاضي وعلى الآجال، فإن قام البائع على المبتاع ما لم يطل جداً فزعم أنه لم

يقبض الثمن حلف وصدق، وإن قام بعد طول مثل عشر سنين أو أقل منها مما لا يباع ذلك إلى مثله صدق المبتاع ويحلف، وقال ذلك مطرف وابن الماجشون عن مالك وقالا به. وساوى ابن القاسم بين البر والربع وغيره ما عدا الزيت والحنطة ونحوه، وجعل القول قول البائع في ذلك كله وإن بعد عشرين سنة حتى يجاوز الوقت الذي يجوز البيع إليه. وبالأول أقول. وذكر ابن أبي زمنين فيما يباع على النقد مثل ما تقدم، ثم قال: وسواء عند ابن القاسم كان ذلك قليلاً أو كثيراً وأنكر ذلك يحيى بن عمر فيما كثر، وقال ذلك مثل السلع والقول فيه قول البائع.

م والأصل في ذلك كله أن يحمل على العرف في تلك السلعة فيقضى به. ومن العتبية: قال ابن القاسم: وإذا طلب البائع الثمن فقال المشتري لم أقبض السلعة، وقال البائع قد قبضتها، فإن كان قد أشهد له بالثمن فليؤده ولا يصدق أنه لم يقبضها. قال أصبغ: ويحلف له البائع إن كان بحرارة البيع والإشهاد، فأما أن يكف حتى يحل الأجل وشبهه فلا قول له ولا يمين له على البائع. وقال ابن أبي ليلى على البائع البينة بدفع السلع، وخالفه سحنون وقال: إذا أشهد المبتاع على نفسه بالثمن، فلا يصدق أنه لم يقبض السلعة. وقال محمد بن عبد الحكيم: إذا شهد شاهدان على رجل أن لفلان عليه مئة دينار من ثمن سلعة اشتراها منه لم أقبل ذلك، ولم ألزمه إياها حتى يقولا: إنه قبض السلعة، وكذلك لو قال: باعه سلعة بمئة دينار، لم يقبض بذلك عليه؛ لأنه ليس في شهادتهما ما يوجب أنه قبض السلعة. قتل أبو إسحاق: والأشبه أنه إذا أشهد على نفسه بالثمن أن البائع مصدق في دفع السلعة إذ الغالب أن أحداً لا يشهد على نفسه بالثمن إلا وقد قبض العوض عنه.

ومن الواضحة: وإذا أشهد على البيع وقبض الثمن ثم قال البائع: أشهدت لك بقبضه ثقة مني بك، ولم توفني جميعه فاحلف، فقال المشتري: أوفيتكه ولا أحلف ولي بينه، فقال مالك وأصحابه: لا يمين عليه، وقال ابن حبيب: إلا أن يأتي بسبب يدل على ما ادعاه أو يتهم فيحلف. وفي كتاب محمد: أنه يحلف، ولم يراع ذلك. ومن المدونة قال: وإذا ادعى أحدهما في السلم أنه لم يضربا له أجلاً وأن رأس المال تأخر شهراً بشرط، وأكذبه الآخر، فالقول قول مدعي الحلال منهما مع يمينه؛ لأنه ادعى بيع الناس الجائز بينهم إلا أن تقوم بينة بخلاف ذلك. وإن تناقضا السلم واختلفا في مبلغ رأس المال، فالقول قول الذي عليه السلم، لأنه غارم.

قال سحنون في كتاب ابنه: إذا سلم في طعام أو عرض ثم تقايلا واختلفا في رأس المال أن الإقالة منفسخة، ولا يتحالفان قال: وهو قول أصحابنا، قال: ومسألة المدونة تناقضا السلم، يريد بفساد. قال أبو محمد: انظر مسألة ابن سحنون في البائع يقول بعتك بخمر ويقول المبتاع بل بدنانير، أنهما يتحالفان ويتفاسخان بخلاف أن يدعي أحدهما حلالاً والآخر حراماً. م وحكي لنا عن بعض شيوخ أفريقية في دعوى أحدهما الحلال والآخر الحرام أنه قال: إن كان الفساد المدعى فيه فساداً في العقد كبيع يوم الجمعة أو بيع غرر، فالقول قول مدعي الصحة، وإن كان اختلافاً في الثمن أو فيما يؤدي إليه كالاختلاف في الأجل ونحوه؛ -لأنه يريع إلى الاختلاف في الثمن- فإنهما يتحالفان ويتفاسخان. قال غيره: والذي يبدأها هاهنا مدعي الفساد باليمين، فإن حلف، نقضت البيع؛ لأني لو بدأت مدعي الحلال فحلف، لحلف مدعي الحرام

وفسخ البيع فصارت يمين مدعي الحلال لا تفيد شيئاً، وإن نكل مدعي الحرام أو لا حلف مدعي الحلال ويصح البيع. م وهذا كله على قول من لا يراعي ما يشبه إذا كانت السلعة قائمة، وأما على قول من يراعي ما يشبه، فالقول قول مدعي الحلال، كان الاختلاف في الثمن أو في العقد؛ لأن مدعي الحلال ادعى ما يشبه من بيوع الناس الجارية بينهم وبالله التوفيق. قال بعض أصحابنا: ونحا الشيخ أبو بكر بن عبد الرحمن إلى أنه إنما يكون القول قول مدعي الصحة إذا فاتت السلعة، وأما إذا كانت قائمة فيتحالفان ويتفاسخان. وذهب إليه بعض حذاق أصحابه. وذكر أن مسألة الكتاب إذا قال أحدهما شرطنا تأخير رأس مال السلم، وقال الآخر بل شرطنا النقد، إنما ذلك إذا حل الأجل، وأما إذا كان بقرب عقد السلم فإنهما يتحالفان ويتفاسخان. قال: وقال بعض شيوخنا من القرويين: إذا ادعى أحدهما صحة والآخر فساداً أن القول قول مدعي الصحة فاتت السلعة أو لم تفت. م وهذا على ما قلانه في مراعاة ما يشبه أم لا. وفي كتاب محمد: إذا اختلفا في ذلك في اليمن أنهما يتحالفان ويتفاسخان. وقاله بعض شيوخنا ولا يقال هاهنا القول قول مدعي الصحة؛ لأن اختلافهما في الثمن يوجب التحالف، فكيف إذا ادعى أحدهما مع ذلك فساداً، قال: وترتيب

تحالفهما في قيام السلعة أن يحلف مدعي الصحة، فإذا حلف قيل لمدعي الفساد، إن نكلت لزمك ما قال وإن حلفت فسخ البيع وإن نكل مدعي الصحة فلا معنى ليمين مدعي الفساد؛ لأنه سواء حلف أو نكل، البيع يفسخ. ومن المدونة: ومن قال لرجل أسلمت إليك هذا الثوب في مئة إردب حنطة، وقال الآخر بل هذين الثوبين سواء في مئة إردب حنطة، وأقاما جميعاً البينة على ذلك، لزمه أخذ الثلاثة الأثواب في مئتي إردب حنطة لأنهما صفقتان. م يريد وسواء كانا في مجلس أو مجلسين؛ لأن ل بينة أثبتت حكماً غير ما أثبتت صاحبتها ولا وق لمن نفى ما أثبت غيره، وفي كتاب ابن حبيب اختلاف في هذا الأصل ولو لم يقيما بينة لتحالفا وتفاسخا. قال ابن القاسم ولو قال المسلم إليه: أسلمت إليّ الثوب الذي ذكرت مع هذا العبد فيما سميت، وأقاما البينة، فهذا سلم واحد إلا أني أقضي بالبينة الزائدة، فيأخذ الثوب والعبد وتلزمه المئة إردب كشاهد له على خمسين وآخر على مئة، فإن شاء حلف وأخذ المئة، يريد أو أخذ الخمسين بغير يمين ورد اليمين في الخمسين الباقية على المشهود عليه، فإن حلف برئ، وإن نكل غرمها.

م وقد اختلف القول في المدونة في مثل هذا النوع هل هو تهاتر أو يقضي بالزيادة، والصواب أن يقضي بالزيادة. ومن المدونة: ولو قال أسلمت إليّ الثوب مع العبد في مئة إردب شعير، وكذلك قالت بينته. قُضي بأعدل البينتين، فإن تكافأتا كانا كمن لا بينة لهما، فيتحالفان ويتفاسخان لاختلافهما في الجنس. قال: وإن ادعى الذي له السلم أنه اشترط الوفاء بالفسطاط، وقال الآخر: بل بالإسكندرية، فالقول قول من ادعى موضع التبايع مع يمينه، فإن لم يدعياه فالقول قول البائع لأن المواضع كالآجال. وإن تباعدت المواضع حتى لا يشبه قول واحد منهما تحالفا وتفاسخا وترادا. وقال سحنون: القول قول البائع، وإن ادعى على المبتاع القضاء بحيث دفع الثمن. م لأنه غارم.

[الباب الخامس] في الوكالة في السلم والبيع والتعدي فيه

[الباب الخامس] في الوكالة في السلم والبيع والتعدي فيه [الفصل 1 - في السلم والبيع والشراء عن الغير بإذنه وبغير إذنه] وقد قامت السنة بإجازة الوكالة، وأن من تعد على مال غيره فقد ضمنه، قال مالك: ومن أخذ لرجل سلماً بأمره لزمه. قال: وإن شرط عليك المبتاع، أنه إن لم يرض الرجل فالسلم عليك، جاز. قال: وكذلك إن

ابتعت لرجل سلعة بأمره من رجل يعرفه، فاشترط عليك البائع أن الرجل إن أقر له بالثمن وإلا فهو عليك نقداً أو إلى أجل فلا بأس بذلك. وقال سحنون: لا يجوز ذلك، وقاله أشهب. م وهو القياس؛ لأن البائع في حين البيع لم تتقرر له ذمة يطلبها. ووجه قول مالك: كأنه حمل الوكيل على الصدق، وأن ذمة الآخر هي المبتوعة إلا أن يطرأ منه إنكار فيتبع الوكيل، فكأن الوكيل تكفل له بذلك إن أنكر الآمر، فهو كقول الرجل: بع من فلان سلعتك وأنا به كفيل، فالثمن متقرر في ذمة المبتاع إلا أن يطرأ عدم أو غيبة فتبع الكفيل، فطريان إنكار الآمر كطريان عدم المبتاع. قال بعض القرويين: إنما ينبغي أن يجوز هذا إذا استوت الذمتان، وأما أن اختلفتا لم يجز. قال: ووقع له في كتاب الاستحقاق في الذي أكرى داراً سنة ثم استحقها رجل بعد ستة أشهر، فأراد أن يجيز الكراء ويأخذ كراء بقية الشهور وقد كان نقد الكراء، أنه إن كان ثقة أو أتى بحميل فذلك له. وقال في

المغصوب منه إذا جاز البيع في سلعته فلا خيار للمشتري في ذلك، فيحتمل أن تكون ذمة المستحق مثل ذمة البائع أو خيراً منها، فلذلك لم يجعل له خياراً. وفي كتاب محمد: إذا باع من رجل سلعة ثم أقر بعد البيع أنها لغيره، فإن ثبت ذلك، فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ على أن تكون عهدتها على صاحبها وإن شاء رد، إلا أن يكتب له هذه العهدة على صاحبها، قال: وهذه بخلاف من أراد شراء سلعة من رجل فقال له: إني حلفت أن لا أبيعها من فلان، فقال له: إنما أبتاعها لنفسي ثم ثبت أنه ابتاعها لفلان فقد حنثه في اليمين ولم يجعل له خياراً في نقض البيع. والفرق بين ذلك أن هذا إنما باع بدراهم، والدراهم لا تستحق في أغلب العادة؛ فكأنه بخلاف السلع فافترقا. م وقول ابن القاسم في مسألة الكتاب فيه ضعف وما قدمت له من التوجيه أبين في ذلك والله أعلم.

[فصل 2 - فيمن وكل من يشتري له جارية أو ثوباً أو نحوهما ولم يصف ذلك] ومن المدونة قال مالك: ومن أمر رجلاً يشتري له جارية أو ثوباً ولم يصف له ذلك، فإن اشترى له ما يصلح أن يكون من ثياب الآمر أو خدمة جاز ولزم الآمر، وإن ابتاع له ما لا يشبه أن يكون من خدمة ولا من ثيابه، فذلك لازم للمأمور ولا يلزم الآمر إلا أن يشاء، قال: ومن أبضع مع رجل أربعين ديناراً في شراء جارية ووصفها له فاشتراها له بأقل من الثمن أو بنصفه أو بزيادة دينار أو دينارين أو ما يشبه أن يزاد على الثمن لزمت الآمر إن كانت على الصفة وكانت مصيبتها منه إن ماتت قبل أن يقبضها، ويغرم الزيادة للمأمور في الوجهين؛ لأنها جاريته لا خيار له فيها.

قال أبو إسحاق: وإذا قال إني زدت الدينار والدينارين في السلعة التي أشتري على الأربعين ولم يعلم ذلك إلا من قوله، لحلف وكان له الرجوع بذلك على الآمر؛ لأنه كالمأذون له في ذلك، فأشبه ما لو قال له: اشتر لي سلعة من عندك وأسلفني ثمنها، فقال: اشتريتها وضاعت، يحلف وكان له الرجوع بذلك على الآمر وإن لم يظهر شراؤه. وهذا أبين لظهور الشراء، إلا أن فيه إشكالاً؛ لأن الشراء هاهنا قد يكون بأربعين خاصة، فليس ظهور الشراء يحقق أنه أسلف، وأما ظهور الشراء فيما قال له أسلفني واشتر لي فيسقط عنه اليمين، ويرجع عليه بالثمن إلا أن يكون من أهل التهم فيحلف على الضياع الذي ادعاه. قال: وإن كانت زيادة كثيرة لا يزاد مثلها على الثمن، خير الآمر في دفع تلك الزيادة وأخذ الجارية، فإن أبى لزمت المأمور وغرم للآخر ما أبضع معه، وإن هلكت قبل أن يختار الآمر فمصيبتها من الأمور، ويغرم للآمر ماله، وتمام هذا في كتاب الوكالات. قال بعض القرويين: هذه المسألة على أربعة أوجه: أما أن يسمى له الثمن والصفة أو لا يسميها، أو يسمي له أحدهما، فأما إن لم يسم له ثمناً ولا صفة فما اشترى له مما يشبه من ثيابه أو خدمة لزمه، وإن سماها فاشترى بالثمن أو فوقه بيسير أو دونه بقليل أو كثير فإنه يلزمه، وإن وصف له ولم يسم الثمن فلا يبالي بما اشترى له من الثمن، وإن سمى الثمن خاصة ولم يصف فلا يبالي بما اشترى له كان مما يشبه

أو لا يشبه؛ لأنه قد أبان له قدر ذلك. قال بعض أصحابنا: ينبغي أن لا يلزمه إلا إذا اشترى له ما يشبه، وإن سمى الثمن خاصة. فصل [3 - فيمن وكل رجلاً ليسلم لك في طعام فأسلم إلى نفسه أو إلى من يتهم بالمحاباة معه] قال ابن القاسم: وإن دفعت إلى رجل مالاً وأمرته أن يسلمه لك في طعام، فأسلمه إلى نفسه، أو إلى ولده، أو ولد ولده، أو شريك له مفاوض، أو شركة عنان أو إلى زوجته أو أحد أبويه أو جده أو جدته أو مكاتبه أو مدبره أو أم ولده -يريد المأذون لهم في التجارة- أو عبده المأذون له في التجارة أو عبد ولده الصغار أو عبد أحد ممن ذكرنا أو إلى ذمي، فذلك كله جائز إن صح بغير محاباة ما خلا نفسه أو من يلي عليه من ولد أو يتيم أو سفيه وشبهه أو شريكه المفاوض، إذ كأنه أسلمه إلى نفسه.

قال سحنون: إلا أن يكون في غير المال الذي فاوضه فيه، قال: ويجوز إلى ابنه الصغير أو يتيمه، لأن العهدة في أموالهما. قال يحيى بن عمر: ولا يجوز عندي إلى عبده أو مدبره وأم ولده أو من هو في ولايته من الأحرار. م قال بعض شيوخنا: وإنما لم يجز أن يسلم ذلك إلى نفسه أو من يلي عليه وإن أحضر الثمن في وقت العقد؛ لأن العرف في هذا يقتضي أن من أمر أن يسلم في شيء أو يشتري ويبيع شيئاً إنما يقتضي أن يفعل ذلك مع غيره لا مع نفسه، وإذا فعل ذلك صار كالمتعدي الذي لم يؤذن له فيه. وصار الثمن ديناً عليه في ذمته فرضاه بذلك فسخ دين في دين. قال أبو إسحاق: لو لم يفطن لذلك حتى حل الأجل لجازم له أن يجيز ذلك ويأخذ الطعام إن شاء أو يأخذ رأس المال.

[فصل 4 - في توكيل النصراني واستئجاره وهل لسيده المسلم منعه من المحرمات] قال مالك: ولا يجوز لمسلم أن يستأجر نصرانياً إلا للخدمة فأما البيع أو شراء أو تقاض أو ليبضع معه فلا يجوز، فعلمهم بالربا واستحلالهم له. قال بعض شيوخنا من القرويين: ولأنه في وكالته على الاقتضاء يتسلط على المسلمين. قال: ولا يمنع المسلم عبده النصراني أن يأتي إلى الكنيسة ولا من شرب الخمر أو أكل الخنزير أو يبيعها أو يشتريها؛ لأن ذلك من دينهم. قال بعض أصحابنا: يريد وذلك في الشيء اليسير الذي يبتاعه لقوته وإلا فهو يمنعه فيما يحل له تملكه من بيعه وشرائه، فكيف بالخمر والخنزير. قال ابن القاسم: ولا يشارك المسلم ذمياً إلا أن يغيب على بيع أو شراء بحضرة المسلم، قال: ولا بأس أن يساقيه إذا كان الذمي لا يعصر خمراً، قال: ولا أحب لمسلم أن يدفع لذمي قراضاً لعمله بالربا ولا يأخذ منه قراضاً لئلا يذل نفسه -يريد وإن وقع لم يفسخ-.

قال: ومن وكل عبداً مأذوناً له في التجارة أو محجوراً عليه يسلم له في طعام، ففعل فذلك جائز. فصل [5 - في الوكيل يوكل غيره] قال مالك: ومن وكل رجلاً يسلم له في طعام ففعل فوكل الوكيل غيره لم يجز. يريد: لا يجوز للآمر أن يرضى بفعله، إذ بتعديه صار الثمن ديناً في ذمته ففسخه فيما لا يتعجله، فذلك فسخ الدين في الدين وقد نُهي عنه إلا أن يكون أجل السلم قد حل وقبض ما أسلم له فيه فلا بأس أن يأخذه منه؛ لأنه سلم من الدين في الدين ومن بيع الطعام قبل قبضه. وقال سحنون: لا يجوز للآمر أن يرضى بفعل المأمور إلا أن يكون مثله لا يتولى السلم بنفسه، فيجوز للآمر أن يرضى بفعل المأمور. م يريد لأنه فعل ما يجوز له فلم يتخلد في ذمته دين فيكون رضاه بفعله، ففسخ الدين في الدين.

قال بعض أصحابنا: ويعلم الآمر بذلك، وأما إن لم يعلم فيضمن هذا إلا أن يوكل الرجل الشريف الحال الذي يعلم الناس أنه يوكل غيره ولا يمكن أن يباشر ذلك بنفسه، فلا يصدق الآمر أنه ما علم بذلك؛ لأنه ادعى ما لا يخفى علمه عليه ولا عليه غيره في أغلب العادة، والله أعلم. قال أبو إسحاق: انظر لو لم يعلم ذلك رب المال بأن مثله لا يلي هذه الأمور، لجهله بحاله، وكان الوكيل مشهوراً فإنه لا يتولى مثل هذا، فيقول الوكيل: ليس جهل من وكلني -مع اشتهار حالي- بالذي يوجب عليّ لا يضمن ولا يصدق الدافع أن ذلك خفي عليه من أمره، وأما غير المشهور فرضاه بالوكالة يدل على أنه هو المتولي حتى يعلم رب المال أنه لا يتولى. وذكر ابن حبيب أن ابن القاسم روى عن مالك أنه إذا وكل الوكيل الأول غيره أن للآمر أن يجيز ذلك ويكون الطعام له أو يأخذ رأس ماله

من الوكيل الأول، قال: وأنكر ذلك أصبغ ومن لقيت من أصحاب مالك، وقالوا: إن أسلف المأمور الآخر إلى أهل الثقة، وتوثق وصنع ما ينبغي له، لزم ذلك الآمر ولا خيار له، وإن لم يكن على ذلك غرم الوكيل الأول الثمن للآمر، وبقي له الطعام ولم يكن للآمر الخيار في أخذه. وبه أقول. [فصل 6 - في الوكيل يُدفع له مال لسلم أو لشراء فيخالف ما أمر به] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن دفعت إليه دراهم ليسلمها في ثوب هروب فأسلمها في بساط شعر، أو ليشتري لك بها ثوباً فأسلمها في طعام أو في غير ما أمرته به أو زاد الثمن ما لا يزاد على مثله، فليس لك أن تجيز فعله وتطالب ما أسلم فيه من عرض أو طعام وتدفع إليه ما زاد، لأن الدراهم لما تعدى عليها المأمور وجبت عليه ديناً ففسخها فيما لا يتعجله وذلك دين بدين، ويدخل في أخذك للطعام الذي أسلم فيه مع ما ذكرنا بيعه قبل قبضه، لا شك فيه؛ لأن الطعام قد وجب للمأمور بتعديه، وليس له بيعه حتى يقبضه، وسلم المأمور لازم له، ليس له ولا لك فسخه، ولا شيء لك أنت على البائع وإنما لك أنت على المأمور ما دفعت إليه من الثمن.

م يريد إلا أن يكون في البساط إن بيع بنقد فضل، فله بيعه وأخذ جميع الفضل؛ لأن كل مأذون له في حركة المال لا يجوز له أن يستبد بشيء من الفضل، والآمر مقدم عليه، هذا أصلهم وقاله غير واحد من أصحابنا. وقال أشهب في غير المدونة في الدنانير يأمره فيها بشراء شيء فيسلم ذلك في عرض أو حيوان أو غيره، فإنه يؤخذ منه الدنانير الآن ويستأنى بالدين، فإذا قُبض بِيعَ، فإن كان فيه فضل أخذه وإن كان نقص فعلى المأمور، واستحسن ذلك يحيى بن عمر. [فصل 7 - في الوكيل يؤمر بسلم أو بشراء ولم يدفع له مال فيخالف ما أمر به] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو لم تدفع إليه ثمناً وأمرته أن يسلم لك من عنده في قمح أو جارية أو ثوب، فأسلم في غير ما أمرته به من طعام أو عرض أو فيما لا يشتري لمثلك من جارية أو ثوب، فلك أن تترك ذلك ولا يلزمك من الثمن بشيء، أو ترضى به وتدفع إليه الثمن؛ لأنه لم يجب لك عليه دين ففسخته، وكأنه ولاك ذلك ولا يجوز هاهنا أن يؤخرك بالثمن يوماً أو ساعة، وإن تراضيتما بذلك، لأنه لا يلزمك ما أسلم فيه إلا برضاك فكأنه يبيع مؤتنف لدين له وتولية، فتأخير الثمن فيه دين بدين.

م قال بعض أصحابنا: لم يذكر هاهنا حضور الذي عليه الطعام، والطعام لا تجوز فيه التولية إلا أن يكون الذي عليه الطعام حاضراً مقراً، فتحمل هذه المسألة على الأصل ويكون معناها والذي عليه الطعام حاضراً مقراً. [فصل 8 - فيمن وكل يبيع سلعة بنقد فباعها نسيئة] قال مالك: وإن أمرته ببيع سلعة فأسلمها في عرض مؤجل أو باعها بدنانير مؤجلة لم يجز بيعه، فإن أدرك البيع فسخ، وإن لم يدرك بيع العرض بعين نقداً أو بيعت الدنانير بعرض نقداً ثم بيع العرض بعين نقداً، فإذا كان ذلك مثل القيمة أو التسمية إن سميت فأكثر كان ذلك لك، وما نقص من ذلك ضمنه المأمور. ولو أسلمها في طعام أغرمته الآن التسمية أو القيمة إن لم تسم له ثمناً، ثم استئوني بالطعام، فإذا حل أجله استوفى ثم بيع، فكانت الزيادة لك والنقص عليه. م قال بعض أصحابنا: وإنما يكون على المأمور أن يبيع من الطعام بمقدار القيمة أو التسمية التي لزمته، والزائد ليس عليه بيعه إلا أن يشاء؛ لأن باقي الطعام للآمر فاعلمه.

ومن كتاب أبي إسحاق التونسي رحمه الله: ولو أمره أن يبيع بعشرة أقفزة إلى أجل فباعها بعشرة نقداً فلا كلام لربها؛ لأن الدراهم لو عجلت له لم يكن له كلام، ولو أمره ببيعها بعشرة أقفزة نقداً لكان له فسخ البيع إن كانت قائمة أغو إغرامه القيمة إن كانت فائتة إذ لا يقدر من عليه الطعام أن يعجله فيقول إنما أردت أن يكون لي طعام في ذمته ولم أرد أن يكون نقداً. ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم: وإن أمره أن يبيعها بعشرة نقداً فباعها بخمسة أن عليه تمام العشرة لإتمام القيمة، وإن باعها بخمسة عشر إلى أجل قال: يباع الدين بعرض نقداً، فذكر مثل ما في المدونة. قال: ولو قال المأمور للآمر: أنا أعطيك عشرة نقداً وأقبضها من الخمسة عشر إذا حلت وتقبض أنت خمسة، فإن كانت الخمسة عشر لو بيعت بيعت بعشرة فأقل جاز ذلك إذا عجل العشرة.

م لأن الذي يصح للآمر لو بيعت الخمسة عشر حينئذ عشرة نقداً، فإذا دفعها المأمور إليه وزاده خمسة مؤجلة فقد أحسن ولا نفع له في ذلك، ولأن للمأمور شراءها إذا بيعت كالأجنبي، فلا يغرم إلا عشرة، فإذا دفع إليه العشرة الآن والخمسة الزائدة عند الأجل فقد أحسن. قال ابن القاسم: وإن كانت الخمسة عشر تساوي أحد عشر أو اثني عشر لم يجز؛ لأنه كأنه فسخ دينارين في خمسة إلى أجل. م يريد لأنه وجبت له الآن الإثنا عشر ثمن الخمسة عشر، فقبض منها عشرة وفسخ الاثنين في الخمسة التي يقبضها عند الأجل. قال عيسى: وقال أشهب: لا يجوز ذلك إن سويت الخمسة عشرة أقل من عشرة؛ لأنه سلف جر منفعة. م يريد وإن سويت عشرة سواء جاز، لأنه إذا سويت أقل من عشرة غرم المأمور تمام العشرة، فكأنه قال له: لا تبعها فتغرمني تمام العشرة وأنا أسلفك الآن عشرة وأقبضها من الخمسة عشر إذا حلت، ويكون لك الخمسة الباقية. قال ابن المواز: قال مالك: ولو رضي الآمر أن يجيز فعله ويأخذ الخمسة عشر المؤجلة كلها لم يجز؛ لأن المأمور قد ضمن العشرة التي سمي له فدفع فيها

الخمسة عشر المؤجلة قيل: فإن رضي الآمر أن يأخذ من المأمور العشرة التي أمره بها نقداً ويسلم إليه الخمسة عشر قال: لا يجوز أيضاً لأنه باع الخمسة عشر ثمن سلعته التي هو أملك بها العشرة النقد التي قبض منه. قال ابن المواز في كتاب آخر: وإن لم يسم له ثمناً فباعها بثمن مؤجل فري به الأمر، فإن كانت السلعة قائمة بيد المشتري لم تفت فرضاه جائز. م يريد لأنه لما كان قادراً على ردها فكأنه هو اليوم باعها. قال: وإن فاتت لم يجز. م يريد وهذا إذا كانت قيمة السلعة أقل مما باعها به؛ لأنه قد وجبت له القيمة نقداً ففسخها في أكثر منها، وكذلك في العتبية من رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم قال فيها: وإن كان باعها بمثل القيمة فأقل جاز أن يرضى به؛ لأنه مرفق منه بالمتعدي إذا فسخ ما وجب له عليه في مثله أو أقل. قال: وإن باعها بأكثر من القيمة فرضي المعتدي أن تعجل له القيمة ويقبض ذلك لنفسه عند الأجل ويدفع ما زاد على القيمة إلى الآمر، أجبر الأمر على ذلك، ولم يكن من بيع الدين بالدين. م وهذا خلاف ما تقدم في صدر المسألة من رواية عيسى عن ابن القاسم وأشهب في إذا سمى له ثمناً، لأنهما إنما راعوا فيه قيمة الخمسة عشر المؤجلة، هل ذلك أقل من التسمية أو أكثر؟ فعلى قياس هذا ينبغي أن ينظر كم قيمة الثمن

المؤجل الذي باعها به، هل هو أكثر من قيمة السلعة أو أقل؟ والمسألتان سواء، يدخلهما القولان فيما إذا سمى له ثمناً أو لم يسمه فاعرفه. [فصل 9 - فيمن وكل ببيع سلعة بعين فباعها بغير ما أمر به] ومن المدونة قال مالك: وإن باعها المأمور بغير العين من عرض أو غيره وانتقد، فأحب إليّ أن يضمن المأمور إلا أن يجيز الآمر فعله ويأخذ ما باع به. فإن باعها من نفسه ووجدها في يديه لم تفت أخذها، وإن فاتت بنماء أو نقصان أو اختلاف أسواق كان مخيراً بين أن يأخذ منه ما أمره أن يبيعها به وبين أن يأخذ قيمتها إذا كان أمره أن يبيعها بالعين، وإن كان أمره أن يبيع بالعرض لم يكن له عليه إلا القيمة ولم يجبر، وإن ابتاعها لنفسه بمثل العرض كان ربها بالخيار إن شاء أخذ العرض وإن شاء أخذ قيمة السلعة. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم أنه لا يكون الفوت هاهنا حوالة الأسواق ولا الصبغ ولا الخياطة إنما الفوت هاهنا ذهاب السلعة.

[ومن العتبية] قال في كتاب محمد: الآمر مخير في أن يجيز ذلك أو تباع له السلعة المأخوذة، فإن كان فيها زيادة أخذها، وإن نقصت عن القيمة غرم المأمور تمامها، وذلك إذا كانت سلعة الآمر لم تتغير بسعر ولا بدن. وقال غير ابن القاسم في كتاب الوكالات من المدونة: فإن باعها بطعام ولم تفت فليس له تضمينه وليأخذ سلعته أو يجيز البيع، وإن فاتت فله إن شاء القيمة أو ما بيعت به. م وهذا أجود، وإنما يصح ما ذكر ابن المواز من تضمين المأمور وإن كانت السلعة قائمة إذا لم يعلم أنها للآمر إلا بقول المأمور، فلم يكن له سبيل إلى نقض صفقة المشتري وضمن المأمور لإقراره بالتعدي، وأما إن علم بالبينة أنها للآمر لم يكن له سبيل إلى تضمين المأمور، وليس له إلا أن يجيز فعله أو يرد، وعلى هذا التأويل يتفق ما في كتاب محمد وما في كتاب الوكالات، فاعلم. [فصل 10 - فيمن وكل ببيع سلعة إلى أجل فباعها بنقد أو بغير ما أمر به] ومن كان السلم قال مالك: ولو أمرته أن يبيع لك سلعة إلى أجل فباعها فنقد فعليه الأكثر مما باعها به أو القيمة لما تعدى، قال ابن القاسم: وسواء سميت له ثمناً أم لا. قال في العتبية: إذا أمره أن يبيعها بعشرة إلى شهر فباعها بسلعة إلى شهر، فإن السلعة المؤخرة تباع بعين ثم للآمر الأكثر من ذلك أو من قيمة سلعته ما لم

تكن قيمة سلعته أكثر من العشرة التي أمره أن يبيع بها، فلا يكون له إلا عشرة لأنه قد رضي أن يبيع بعشرة إلى أجل، فإذا أعطيها نقداً لم يظلم. م وهذا خلاف قوله في المدونة. قال في العتبية: وإنما تباع السلعة إذا قال: لي فيها فضل، وإن قال لا أريد الفضل وأريد القيمة، كان ذلك له إلا أن تكون أكثر من عشرة، وقد قيل لا يلتفت إلى عدد ما سمي له من الثمن وإنما إلى قيمة سلعته. م يريد أو ثمن ما باعها به، وهذا مثل ما في المدونة، ووجه ذلك: أن الآمر يقول جهلت قيمة سلعتي فسميت له ثمناً لئلا ينقص منه، فإذ قد تعدى علي، في أن أطالبه بالتعدي وألزمه قيمة سلعتي، وقد تقدم وجه القول الآخر أنه رضي أن يبيع بعشرة إلى شهر، فإذا أعطيتها نقداً لم يظلم ولو أمره أن يبيعها بعشرة نقداً فباعها بذلك وقيمتها أكثر، فلا كلام للآمر في ذلك؛ لأنه فعل ما أُذن له فيه، وهي في كتاب البضائع لابن المواز، وإنما الاختلاف إذا أمره أن يبيعها بعشرة إلى أجل فباعها بعشرة نقداً وقيمتها أكثر، لأن هذا تعدى أمره.

[فصل 11 - فيمن وكل بشراء سلعة فاشتراها بغير العين] ومن المدونة: قال مالك: ولو أمره بشراء سلعة فاشتراها بغير العين فلك ترك ما اشترى أو الرضا به وتدفع إليه مثل ما ودى، ولو اشترى لك أو باع بفلوس فهي كالعروض إلا أن تكون سلعة خفيفة الثمن إنما تباع بالفلوس وما أشبه ذلك، فالفلوس فيها بمنزلة العين. م لأنه إنما اشتراها بالعرف من ثمنها فلم يتعد. م قال هاهنا: إذا أمرته أن يشتري لك بعين فاشتراها بغيره، فلك ترك ما اشترى أو الرضا به، وتدفع إليه مثل ما ودى، وقال بعد هذا: إذا صالح عنك الكفيل الغريم عن مئة دينار بشيء يرجع فيه إلى القيمة جاز، ورجع عليك الكفيل بالأقل من الدين أو قيمة ما صالح به. م فيحتمل أن يكون ذلك منه اختلاف قول، ويحتمل أن يكون الفرق أن الآمر إنما أمره أن يسلفه دنانير ويشتري له بها سلعة كذا، فأسلفه هذا عرضاً

فاشترى له به ما أمره به فإن رضي بالسلعة دفع إليه ما ودى عنه أو أسلم إليه ما اشترى والكفيل لم يأمره أن يسلفه ويقضي عنه، وإنما هو تطوع، واشترى له ما عليه من الدين بسلعته ليأخذ هو ذلك الدين، فقد صار بائعاً لسلعته لا مسلفاً لها، فإذا أعطى قيمتها لم يظلم وإذا أعطاه الغريم ما عليه لم يظلمه ولو كان إنما سأله الغريم أن يقضي عنه الدين، فدفع فيه هو عرضاً لأشهب مسألة الآمر، ويكون الغريم على الكفيل مخيراً، إما دفع إليه مثل ما ودى عنه من العرض؛ لأنه أسلفه إياه أو أدى عنه ما عليه من الدين الذي أمره أن يقضيه عنه، ويدخله من الاختلاف الذي دخل إذا أدى عنه ما يقضى بمثله والله أعلم. وقد قيل إن معنى قوله في مسألة الآمر إذا رضي ما اشترى له أن يدفع إليه مثل ما ودى يعني إن كان المدفوع مكيلاً أو موزوناً، وإن كان عرضاً دفع إليه قيمته كالحميل يصالح عن الغريم بعرض وكمن ابتاع شقصاً بعرض أن للشفيع أن يأخذه بقيمة العرض لا بمثله، وكل محتمل والله أعلم.

[فصل 12 - فيمن دفع له دنانير ليسلمها في طعام فلم يسلمها حتى صرفها دراهم] ومن المدونة: قال: وإذا دفعت إليه دنانير يسلمها لك في طعام أو غيره فلم يسلمها حتى صرفها بدراهم، فإن كان هو الشأن في تلك السلعة؛ لأنه يسلم الثلث دينار درهم ونصف ونحوه، أو كان ذلك نظراً لأن الدراهم فيما تسلم فيه أفضل، فذلك جائز، وإلا كان متعدياً وضمن الدنانير ولزمه الطعام، ولا يجوز أن تتراضيا على أن يكون الطعام لك إلا أن يكون قد قبضه الوكيل، فأنت مخير في أخذه أو أخذ دنانيرك منه. [فصل 13 - فيمن وكل ببيع سلعة بعشرة وقال الآمر بل باثني عشر] قال مالك: وإذا باع الوكيل السلعة بعشرة، وقال بذلك أمرني ربها أو فوض فيها إلي، وقال الآمر: بل أمرتك باثني عشر، فإن لم تفت حلف الآمر من شاء وأخذها. قال ابن المواز: فإن نكل فله عشرة بغير يمين، وقال ابن ميسر إذا نكر حلف المأمور ومضى البيع بعشرة. م يريد فإن نكل غرم دينارين تمام الاثنى عشر التي قال الآمر.

ومن المدونة: قال مالك: وإن فاتت حلف المأمور وبرئ لأنه مدعى عليه الضمان. م يريد فإن نكل حلف الآمر وغرم له المأمور دينارين فإن نكل فلا شيء له. م وفواتها في هذا ذهاب عينها؛ لأن الآمر بيمينه يستحقها فلا يفيتها عتق ولا كتابة ولا هبة ولا صدقة كالاستحقاق. [فصل 14 - في قبض ما أسلف فيه الوكيل بغير حضرته] قال مالك: ولك قبض ما أسلم لك فيه وكيلك بغير حضرته ويبرأ دافعه إليك إن كانت لك بينة أنه أسلمه لك، وإن لم تكن لك بينة أنه أسلمه لك فالمأمور أولى بقبضه منك. م حكي عن الشيخ أبي الحسن بن القابسي أنه قال: ولو أقر الذي عليه الطعام بأن المأمور أقر عنده أن الطعام المسلم فيه لفلان الآمر ولا بينة له بذلك فلا يجبر المقر أن يدفع الطعام للمقر له ولا يكون شاهداً لأن في شهادته منفعة لنفسه؛ لأنه يجب أن يفرغ ذمته، قال: وقد رأى بعض أصحابنا أنه يؤمر بالدفع إلى المقر له، فإن جاء المأمور فصدقه برئ وإلا غرم له ثانية.

م قال بعض أصحابنا عن بعض شيوخه القرويين: إن الذي قال الشيخ أو الحسن نحوه في كتاب ابن سحنون عن أبيه قال: إن من عليه الحق لا يكون شاهداً. م قال بعض أصحابنا: قال بعض شيوخنا القرويين: شهادته في هذا جائزة إذا كان عدلاً ويحلف المقر له معه ويستحق ولا تهمه له في ذلك، لأنه إذا كان الأجل قد حل لو شاء أن يدفع الطعام للسلطان لكان ذلك له، فلا يتهم لما كان له دفعه وزواله عن ذمته بخلاف شهادته في مال الغائب لبقاء ذلك في يديه فاعلم ذلك، والله أعلم.

[الباب السادس] في الرهن في السلف والمقاصة فيه إن تلف

[الباب السادس] في الرهن في السلف والمقاصة فيه إن تلف [الفصل 1 - إذا كان السلف في عرض وأخذ عليه رهناً فهلك] ودل الكتاب على إباحة الرهان بقوله تعالى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]. قال ابن القاسم: وإن أسلمت إلى رجل في عرض، وأخذت به رهناً، فهلك بيدك بل محل الأجل وهو مما لا يغاب عليه فضمانه من الراهن لقوله عليه السلام «الرهن من الراهن له غنمه وعليه غرمه»

فكل ما له غنم أي غلة فهو من الراهن وهذا في الغالب فيما لا يغال بعليه. قال ابن القاسم: وإن كان مما يغاب عليه فهو منك إذا ادعيت هلاكه بغير بينة. م: قياساً على العارية، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- «العارية مؤداة». قال ابن القاسم: والسلم إلى أجله في الوجهين. قال فإن أردت أن تقاص الراهن من سلمك بالذي صار له عليك من قيمة الرهن جاز ذلك ما لم يكن الرهن دنانيراً أو دراهم فلا خير فيه إلا أن يكون المال غير الذهب والورق.

قال أبو محمد: إنما يعني في أصل المسألة أن رأس المال كان دنانير والرهن عرض يخالف العرض المسلم فيه، فمتى ادعى المرتهن ضياعه وأراد أن يقاص الراهن قبل الأجل من سلمه بما لزمه من قيمة الرهن جازم ذلك؛ لأنه صار قد أخرج دنانير ورجع إليه الرهن الذي أخذ وادعى ضياعه، ودنانيره التي أخرج يجوز سلمها فيه، فلذلك جازت المقاصة، والرهن الذي أخذه إنما هو من غير جنس ما أسلم فيه فكان ذلك أجوز في المقاصة به، فأما إن كان الرهن من جنس ما أسلم فيه وهو أرفع مما شرطه أو أدنى لم تجز المقاصة به قبل الأجل، ويدخله حط عني الضمان وأزيدك في الأرفع، وفي الأدنى ضع وتعجل، وإن كان الرهن مثل ما شرطه سواء، لم يكن به بأس. وقوله: إذا كان الرهن دنانير أو دراهم فلا خير فيه، يعني إذا كان رأس المال دنانير وكان الرهن دنانير أكثر منها ولا بينة له على ضياعه فلا يجوز أن يجعل هذا الرهن عوضاً مما أسلم فيه، فيصير قد أخرج دنانير ورجع إليه أكثر منها، وكذلك إن كان الرهن منها دراهم لم يجز له أن يقاصه بها؛ لأنه يصير أخرج دنانير ورجع إليه دراهم. فأما إن كان الرهن دنانير مثل دنانير رأس ماله أو أقل منها فلا بأس أن يتقاصا بها إذ لا تهمة فيه.

قوله إلا أن يكون رأس المال غير الذهب والورق، فهذا بين أن رأس المال إذا كان عرضاً والرهن عيناً فلا بأس بالمقاصة فيه؛ لأنه يصير آخر أمره أنه أخرج عرضاً ورجع غليه عيناً، فلا بأس بهذا والله أعلم. م وإنما يعرف فساد المقاصة من صحتها بأن يعتبر هل يحسن أن يؤخذ الرهن عوضاً في رأس المال، وهل يحسن أيضاً أن يؤخذ عوضاً من السلم، فإن كان ذلك يصلح أجزت المقاصة، وإن كانت الوجهان لا تصلح أو في أحدهما لم تجز المقاصة كما بين أبو محمد. وما لم تجز فيه المقاصة لما شرحنا، أو كان السلم في طعام فإنه يقال للمرتهن أخرج قيمة الرهن أو مثله إن كان مما له مثل، فإذا أخرج ذلك قيل

للراهن: أعطه رهناً وثيقة من حقه وخذ أنت هذه القيمة، فإن لم يفعل طبع على القيمة وكانت رهناً بالحق إلى أجله، وقاله يحيى بن عمر، ونحوه في كتاب الرهن. قال بعض الفقهاء بالقيروان: فإن قيل: فإن كان رأس المال دنانير والرهن دنانير مثل رأس المال فهلا كان هذا إقالة ولا يكون بيع الطعام قبل قبضه. فالجواب: أن هذا السلم لا يصح إذا كان الأمر على هذا وكان الرهن في أصل عقد البيع، لأنه يصير كإيقاف رأس المال في السلم، ولو كان ذلك بعد عقد البيع لجازت المقاصة وتصير كالإقالة. [فصل 2 - إذا كان السلم في طعام وأخذ عليه رهناً فهلك] ومن المدونة: قال مالك ولو كان سلمك في طعام لم يصلح أن تقاصه بالذي صار له عليك من قيمة الرهن على حال وإن حل الأجل؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه، وليس هذا بإقالة ولا شركة ولا تولية. قال أبو محمد: ولو كان الطعام من قرض جاز لهما أن يتقاصا في ذلك لجواز بيعه قبل قبضه. قال ابن المواز: إذا كان السلم في طعام فلا خير في مقاصته كائناً ما كان الرهن وكائناً ما كان رأس المال، وإن كان الذي يلزمك من قيمة الرهن مثل رأس المال سواء فلا يجوز؛ لأنه لو علم أن الرهن تلف يقيناً ببينة لم يكن له عليك شيء في الرهن وكان طعامك ثابتاً عليه على حالته لا يحل له حبسه، وإن

كان رهنه لم يتلف فهو إذاً عندك فلا يحل أن يقال لغريمك أحبس ما عليك من الطعام بسلعة هي لك، وإنما يحكم لك بقيمة الرهن حين لم يظهر تلفه تهمة على أنه لم يتلف. قال ابن المواز: ولو كان للذي عليه الطعام عشرة دنانير على رجل، ولذلك الرجل على الذي له الطعام مثلها، فأحال ذلك الرجل بها للذي عليه الطعام على الذي له الطعام جاز أن يتقايلا بها إن كانت مثل رأس المال. ومن الدونة: قال مالك: ولو كان سلمك في طعام فأخذت به رهناً طعاماً من صنفه أو من غير صنفه أو دنانير أو دراهم فإنما يجوز ذلك إذا قبضته مطبوعاً عليه خوفاً أن تنتفع به وترد مثله فيصير بيعاً وسلفاً أو تضعان ذلك على يدي عدل وما أخذت به رهناً في طعام أسلفت فيه أو في غيره، وذلك الرهن حيوان أو دور أو رضوان أو تمر في رؤوس النخل أو زرع لم يحصد أو ثمر أو زرع لم يبد صلاحه، فلا بأس بذلك، ولا تضمن ما هلك من ذلك أن أصابته جائحة من زرع أو تمر؛ لأنه مما يغاب عليه وهلاكه ظاهر، وسواء هلك قبل قبضه أو بعده، وما أخذته رهناً مما يغاب عليه من عرض أو عين فهلك بيدك ضمنته ولا تضمن ما قامت بينة بهلاكه مما يغاب عليه، ولا ما كان بيد أمين والسلم بحاله. ولا بأس برهن أو كفيل أو بهما معاً في السلم، فإن مات المسلم إليه قيل الأجل، حل الأجل بموته، وأنت أحق بالرهن من غرمائه حتى تقبض حقك. م لأنه إذا مات وجب فسخ ما له بالميراث، ولا ميراث قبل قضاء دين، فوجب لذلك أن كل من مات حلت ديونه. قال: ولا يحل الأجل بموتك وتكون ورثتك مكانك.

[الباب السابع] في الكفالة في السلم وصلح الكفيل وإقالته وقبضه وغرمه لما تكفل به ومطالبته

[الباب السابع] في الكفالة في السلم وصلح الكفيل وإقالته وقبضه وغرمه لما تكفل به ومطالبته [الفصل 1 - في صلح الكفيل وشرائه للدين الذي على الغريم] ودل الكتاب على إباحة الحمالة بقوله تعالى: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:72] والزعيم الكفيل، وقامت السنة بإجازة الصلح بين المسلمين إلا ما حرم حلالاً أو أحل حراماً. قال ابن القاسم: فإن أسلمت مئة دينار في عروض موصوفة إلى أجل وأخذت بها كفيلاً، فصالحك الكفيل منها قبل الأجل على طعام أو عروض

يخالفها أو عين نقداً اشتراه لنفسه جاز ذلك إن كان الغريم حاضراً مقراً حتى لا يكون للكفيل عليه إلا ما لك عليه. قال ابن المواز: وكذلك إن كان غائباً قريب الغيبة حتى يعرف ملاؤه من عدمه. وكذلك لو كان الدين طعاماً من قرض وسائر الديون إلا الطعام من بيع. إن وليته رجلاً لم يجز حتى تجمع بينه وبين الغريم وتحيله عليه. [قال] ابن المواز: ومن لم يكن عليه بينة لم يجز شراء ما عليه من الدين حتى يحضر ويقر، ولو كانت عليه بينة وهو حاضر منكر لم يجز شراء ما عليه من الدين؛ لأنه خطر. م وقال بعض أصحابنا القرويين: إنما اشترط ابن القاسم حضور الغريم وإقراره في شراء الكفيل لنفسه؛ لأن أجل الدين لم يحل وأما إن كان أجل الدين قد حل فيجوز له شراؤه، وإن كان الغريم غائباً؛ لأن الكفيل مطلوب عند الأجل بما تحمل به، وقبل الأجل لا يتوجه عليه الطلب فهو كأجنبي اشترى ديناً فلا يجوز له شراء ما على غائب حتى يحضر ويقر والله أعلم.

[فصل 2 - شراء الحميل للدين الذي على الغريم] قال في كتاب محمد: ولا يجوز للحميل أن يشتري الدين بأكثر من رأس ماله كالذي عليه الدين؛ لأن الحميل مطلوب الدين مع يسر الغريم في أحد أقاويل مالك، فهو بخلاف الأجنبي. قال بعض القرويين: وينبغي في القياس أن يجوز في الكفير كالأجنبي؛ لأن الذي له الدين إنما أخذ دنانير أكثر من دنانيره من غير الذي دفع إليه كالأجنبي. وقال غيره في المدونة، يدل على ما قاله محمد، فذكر مسألة من أسلم إلى رجلين في طعام على أن كل واحد منهما حميل بصاحبه فقد قال فيها: لا يجوز أن يقيل أحدهما مما عليه إذا كان الحق كله على واد فأقاله من بعضه، فهذا يدل على أن الكفيل إذا اشترى ما على الغريم بأكثر من رأس المال أو بورق ورأس المال ذهب أن ذلك لا يجوز، ويصير بمنزلة الغريم يشتري ما عليه بأكثر من رأس ماله، أو دفع ورقاً ورأس المال ذهب والله أعلم.

ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن صالحك الكفيل بأمر يكون الغريم عليه فيه بالخيار إن شاء أجاز صلحه أو أعطاه ما له عليه، فلا خير فيه. م يريد صالحك عن الغريم، لا شراءً لنفسه وسواء كان صلحه عن الغريم في هذه المسألة بما يقضى بمثله أو بما يرجع إلى القيمة؛ لأن السلم في عروض إلا أن يصالحك على عروض مثل مالك على الغريم سواء فيجوز. [فصل 3 - صلح الكفيل قبل محل الأجل] قال ابن القاسم: وإن صالحك الكفير لنفسه أو عن الغريم قبل محل الأجل على ثياب في صفتها وعددها جاز، وإن كانت أقل أو أكثر أو أجوز رقاعاً أو اشر فلا خير فيه، ويدخله في الأدنى الزيادة في السلف، وفي الأرفع زيادة على ضمان الأدنى، وكذلك إن قضى عن الغريم يدخل في الأرفع حط عني الضمان وأزيدك، وفي الأدنى ضع وتعجل. قال ابن المواز: إلا أن يأخذ الغريم من الكفيل من صنف الدين بعد محله قضاء أقل أو أكثر فيجوز، ولا يرجع الكفيل بالزيادة لأنه تطوع بها. قال: ولو كان ذلك عن نفسه لم يجز بأرفع أو أدنى، وإن حل الأجل؛ لأنه دفع عرضاً في أدنى منه أو أجود [منه] غير يد بيد، ولا يجوز إلا بمثل الصفة سواء كما قال إذا لم يحل الأجل. ومن المدونة قال: وإن كان دينك مئة دينار من قرض فصالحك الكفيل منها قبل الأجل أو بعده بشيء يرجع إلى القيمة.

[قال] ابن المواز: أو بجزاف ما يوزن أو يكال، لأن ما يقضي به من القيمة كالعين -فيجوز ويرجع الكفيل على الغريم بالأقل من الدين أو قيمة ما صالح به. قال بعض القرويين: يرد إذا كان هذا العرض يباع بالدنانير، وفي هذا اعتراض، وذلك أن الكفيل بائع لهذا العرض بثمن لا يدري ما هو ولا يدري هل تصح له القيمة أو الدين، فكان ينبغي ألا يجوز؛ لأنه غرر مثل إذا كان الدين عرضاً فصالح عنه بدنانير أنه لا يجوز؛ لأن الحميل لا يدري بما يرجع إما بالدنانير أو بالعرض فإذا فسد هذا فكذلك إذا دفع عرضاً عن دنانير. وقال غيره: إنما جاز ذلك لأن رب السلعة في أغلب العادة يعرف قدر قيمة سلعته على التقريب، فإن كانت القيمة أكثر علم أنه متطوع بما زادت قيمة سلعته وإن كانت أقل علم أنه لا يربح في الكفالة والله أعلم. وقال غيره: إنما جاز ذلك لأن أصل الكفالة معروف لا مكايسة كالهبة للثواب لما كان طريقها المكارمة خرجت عن البيع المجهول بخلاف من باع سلعة بقيمتها أو بثمن مجهول والله أعلم. وإن صالحك الكفيل بطعام أو بما يقضى بمثله لم يجز لأن الغريم عليه بالخيار إن شاء أعطاه مثله أو الدين، وأجازه في كتاب الحمالة، وإن كان الغريم عليه بالخيار فوجه قوله أنه لا يجوز؛ لأن ذلك غرر لا يدري الدافع بما يرجع.

ووجه إجازته: أن أصل الحمالة المعروف لا المكايسة فهي كهبة الثواب لما كان طريقها المعروف خرجت عن بيع المجهول وفارقت حكم من باع سلعة بقيمتها، وإذا نزل الأمر على ما لا يجوز رجع الكفيل على الطالب بما دفع إليه ويكون للطالب أصل دينه على الغريم، والحميل به حميل. [فصل 4 - من تكفل بمئة درهم هل يجوز صلح الكفيل أو الغريم على أقل منها أو على عروض ونحوها قبل الأجل أو بعده] ومن المدونة: قال ابن القاسم ولو تكفل لك بمئة درهم لم يجز صلحك الكفيل أو الغريم على عشرة دراهم من المئة قبل الأجل، لأنك وضعت على إن تعجلت، وذلك جائز منهما بعد الأجل، ويرجع الكفيل بما ودى، وكذلك لو تطوع أجنبي بعد الأجل فدفع إليك عشرة دراهم بغير أمر الغريم على أن هضمت على الغريم ما بقي جاز، ويرجع الأجنبي على الغريم بما ودى. قال: وإن دفع الكفيل العشرة ثمناً للمئة لنفسه لم يجز وليرجع فيأخذ عشرته وليس لك حبسها من المئة إلا في عدم الغريم أو في غيبته. قال بعض أصحابنا: ولو فلس الكفيل -وهو دافع العشرة- لم تكن للقابض خاصة دون الغرماء، ونحو هذا في كتاب محمد.

قال: ويحتمل عندي أن يجري على الاختلاف فيمن ابتاع بيعاً فاسداً فوجب نقضه وأن يرجع بما دفع من الثمن، فكان المدفوع إليه مغترق الذمة بدين وفلس. فقد اختلف، هل يكون أولى بالسلعة من سائر الغرماء أم لا؟ م والقياس أنها مثلها لا فرق بينهما. قال بعض أصحابنا: ويحتمل أن يفرق بينهما لشبهة البيع الفاسد، وأنها لو قالت لملكها المشتري، فهي أقوى في إمساكه إياها وأنه أولى بها من الغرماء والله أعلم. وإن صالحك الكفيل عن الغريم على خمسة دنانير نقداً بعد محل الأجل لم يجز؛ لأن الغريم مخير إن شاء دفع الخمسة دنانير أو المئة درهم ويدخله تأخير الصرف. واختلف فيه قوله في كتاب الحمالة فقال مرة مثل ما هاهنا، وقال أيضاً: ذلك جائز ويكون عليه الغريم بالخيار، إن شاء دفع ما عليه أو ما دفع هذا عنه.

قال بعض أصحابنا: فإن أبى الغريم أن يدفع إلا ما عليه من الدراهم، قبضت منه واشترى للحميل بها مثل ما ودى من الدنانير، وكذلك لو غاب الغريم فحكم على الحميل بالدراهم فدفع فيها دنانير جاز ويرجع على الغريم بالدراهم التي كانت قبله إن أبى أن يدفع إليه دنانير ثم يشتري بالدراهم للكفيل مثل ما دفع. م وينبغي إن كان في الدراهم فضل أن تكون للغريم؛ لأن الكفيل إذا أخذ مثل ما ودى لم يظلم، ولو أخذ الزيادة لربح في السلف وإن كان فيها نقصان فعلى الكفيل؛ لأن الغريم ليس عليه أن يغرم أكثر مما عليه والله أعلم. م ولو طلب الكفيل في غيبة الغريم بالدراهم فلم يكن عنده فكلف أن يشتريها له فاشتراها بدنانير لرجع هاهنا على الغريم بالدنانير كقول ابن المواز إذا تحمل له بطعام، فكلف أن يشتريه لغيبة الغريم، فإنه يرجع على الغريم بالثمن الذي اشترى فكذلك هذا. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا بأس بصلحه عن الغريم منها على عروض أو حيوان ويرجع الكفيل [على الغريم] بالأقل من المائة أو من قيمة ما أعطاه بالدراهم.

[قال] أبو محمد: قال يحيى هذا إذا كان العرض مما يباع بالدراهم أو في بلد بيعهم بالدراهم. قال ابن القاسم: وإن ابتاعها الكفيل لنفسه بهذا العرض جاز ويرجع على الغريم بالمئة كلها. قال أبو محمد: يريد إن كانت المئة قرضاً، فأما إن كانت من ثمن سلعة فصالحه الغريم بعرض لا يجوز أن تسلم السلعة فيه لم يجز، وإن كانت مما تسلم فيه فجائز. ولو صالحه لنفسه الغريم جاز ذلك كله بعرض نقداً، أي عرض كان. م قال إذا ابتاعها الكفيل لنفسه بهذا العرض جاز. م قال بعض شيوخنا: واختلف أبو محمد وأصحابه هل يحتاج في ذلك إلى حضور الغريم، فقال أبو محمد: لا يجوز شراء الكفيل بهذه الدراهم حتى يكون الغريم حاضراً مقراً كالمسألة الأولى في شرائه عروضاً. وقال ابن أخي هشام: ترد مسألة العروض إلى هذه ولا يحتاج إلى حضور الغريم؛ لأن الحميل غريم بخلاف الأجنبي.

وقال ابن شبلون: كل مسألة على حيالها، لأن العروض تختلف في صفاتها فتنتفي فيها الخصومة بخلاف الدراهم. م ويحتمل إنما لم يشترط حضور الغريم في هذه المسألة؛ لأن الأجل قد أحل وصار الكفيل مطلوباً بالغرم، وفي المسألة الأولى الأجل لم يحل، والكفيل حينئذٍ غير مطلوب، فصار كالأجنبي إذا اشترى ديناً. كذلك وجه بعض القرويين المسألة الأولى، وهو قول حسن إن شاء الله. وقال بعض أصحابنا: وينبغي أن يزاد في ذلك، ويكون الغريم معدماً ليتوجه الطلب على الكفيل وأما لو كان الغريم مليئاً فلم يتوجه الطلب على الكفيل فلا يجوز إلا بحضور الغريم، وهذا على اختيار ابن القاسم من قولي مالك، وأما على قوله له طلب الحميل وإن كان الغريم مليئاً مقراً فيجوز وإن لم يحضر الغريم؛ لأن الكفيل مطلوب في الوجهين، فلو بنيت المسألة الأولى على هذا في الوجهين لكان صواباً. قال ابن حبيب: وإن تحمل بطعام من قرض جاز للحميل شراؤه لنفسه، وإن صالح منه عن الغريم بعرض أو بطعام مخالف لما عليه أو بدراهم فذلك جائز والغريم مخير إن شاء دفع إليه ما عليه أو دفع ما ودى عنه من دراهم أو طعام مخالف له أو قيمة العرض، ولا يدخله طعام بطعام مؤخر؛ لأنه إنما صار بيعاً.

يوم رضي به المطلوب، فحينئذٍ لا يتأخر كحميل بدنانير، دفع دراهم فالمطلوب مخير ولا يكون صرفاً مؤخراً، وقال كله ابن كنانة وابن القاسم ثم رجع ابن القاسم فقال لا يصالح عنه بما يكون فيه مخيراً عليه إلا أن يؤدي عرضاً يرجع إلى القيمة عن مال تحمل به، فيأخذه بالأقل. [م] والأول أبين لأنه لم يعامل المتحمل له على شيء وهو كمن ودى عن غريمه شيئاً، فإن شاء رضي وودى مثل ما وُدي عنه، وإلا ودى ما عليه، ثم لا رجوع للحميل فيما عمل به مع الطالب إذ ليس في ذلك فساد، ولو اشتراه لنفسه حمل على ما يحل ويحرم في البيع، لأن الطالب حينئذٍ بائع غير مقتضي. [فصل 5 - مصالحة الكفيل لنفسه قبل الأجل لا تصح إلا بمثل رأس المال إذا كان المكفول طعاماً من سلم] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن تكفل له بطعام من سلم لم يجز للكفيل أن يصالحك لنفسه قبل الأجل إلا بمثل رأس مالك. [قال] ابن المواز: قال ابن القاسم وأشهب: ويجمع بينه وبين الغريم ويحيله عليه. قال فيه وفي المدونة: فتكون توليته [له] كأجنبي أو على أن ذلك إقالة للذي عليه السلم برضاه، فيصير الكفيل أسلفه الثمن، كما يجوز لأجنبي أن يعطيك ذهبك على أن تقييل البائع برضاه وتتبعه بما ودى.

م والصحيح عندي أن ذلك تولية؛ لأنه دفع رأس المال ليكون له الطعام، وذلك معروف من الذي له السلم. وقوله إقاله: إنما أراد أن ذلك يجوز، كما يجوز للكفيل أن يعطيك رأس مالك على أن تقيله برضاه؛ لأن ذلك معروف صنعه مع الذي عليه السلم، تحمل عنه ثم أسلفه، فهو معروف في الوجهين، فلم يعد ذلك سلفاً جر منفعة كما لم يعد في التولية أن يكون بيع الطعام قبل قبضه. م قال بعض أصحابنا: ولو حكم على الكفيل بالطعام ثم رضي الذي له السلم بعد ذلك أن يأخذ منه فيه مثل رأس المال لانبغى أن لا يجوز؛ لأن الكفيل يرجع بما ودى، فيدخله بيع الطعام قبل قبضه. م وهذا والأول عندي سواء وهو جائز؛ لأنها تولية وإقالة كما يجوز ذلك مع الذي عليه السلم إذا أخذ بغرم الطعام ثم بعد ذلك أقاله وأخذ منه رأس المال فيجوز في الوجهين. [فصل 6 - إقالة الكفيل والأجنبي دون الغريم] قال: ولا تجوز الإقالة لكفيل أو أجنبي بغير إذن الذي عليه السلم إذ له الخيار، ولا نقد فيما فيه خيار، فكأنه أسلف البائع الثمن على أن يرضى بذلك فليرد مثله أو يغرم له طعاماً فقبحت الإقالة، ويصير إن رضي بها بيع الطعام قبل قبضه.

ولا بأس أن تأخذ من الكفيل قبل الأجل أو بعده مثل طعامك صفة وكيلا، ولا يجوز لك أن تأخذ ذلك من أجنبي وتحيله على غريمك حل أجلك أم لا؛ لأن ذلك منه بيع، ومن الكفيل قضاء. ولو استقرض الذي عليه السلام مثل طعامك من أجنبي وسأله أن يوفيكه وأحالك به ولم تسأل أنت الأجنبي ذلك، جاز قبل الأجل وبعده، ولا يجوز أن تستقرض أنت من أجنبي مثل طعامك وتحيله به على الذي عليه السلم أو يوفيكه على ذلك حل الأجل أم لا. وقال أشهب في غير المدونة: لا بأس أن يعطيكه رجل وتحيله عليه. قال ابن القاسم في المدونة: ولا تأخذ من الغريم قبل الأجل إلا مثل طعامك في كيله وصفته لا أقل ولا أكثر ولا أجود ولا أدنى ولا تأخذ منه إلا مثل رأس مالك لا أفضل منه ولا تأخذ منه ولا من الكفيل قبل الأجل سمراء من محمولة أو محمولة من سمرا أو سلتاً أو شعيراً من قمح فيدخله بيع الطعام قبل قبضه مع ضع وتعجيل في تعجيل الأدنى، وفي الأرفع حط عني

الضمان وأزيدك، وذلك جائز من الغريم إذا حل الأجل، لأنه بدل، وتبرأ ذمته ولا يجوز ذلك من الكفيل، إذ لا يجرع بما ودى، ويدخله بيع الطعام قبل قبضه؛ لأن المطلوب عليه بالخيار إن شاء أعطاه مثل ما ودى أو ما كان عليه، وأما في القرض فجائز أن يأخذ من الكفيل بعد الأجل مثل المكيلة أجود صفة أو أردى. قال ابن المواز: ومن تحمل لك بقمح من سلم فكلف أن يشتريه لك فاشتراه فيرجع الكفيل بالثمن الذي اشتراه به على الغريم، قال محمد: ولو أخذ الكفيل بالطعام فيغرمه، فلا بأس أن يأخذ فيه من الغريم ثمناً إذا رضيا. قال: ولو دفع الغريم إلى الحميل دنانير ليبتاع به طعاماً ويقضيه عنه، فطلب أن يعطيه طعاماً من عنده، وأعلم بذلك الغريم فرضي لم يجز حتى يقبضه منه الغريم أو يوكل من يقضبه منه ثم يقضيه عنه. [قال] محمد: وللكفيل شراؤه من غيره وقضاؤه بغير محضر الغريم. ولو دفع الكفيل الطعام من عنده بغير أمر الغريم وحبس الثمن فأجاز ذلك الغريم لما علم، فذلك جائز لأنه سلف من الكفيل باعه منه الآن بذلك الثمن، وكذلك لو لم يكن قبض الثمن من الغريم جاز أن يأخذ منه الثمن؛ لأنه بيع الطعام من قرض.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا ودى، الكفيل ما تكفل به من الطعام قبل الأجل لم يرجع به على الغريم حتى يحل الأجل. [فصل 3 - في ما يضمنه الكفيل وما لا يضمنه في القبض من الغريم] قال ابن القاسم: وليس للكفيل أخذ الطعام من الغريم بعد الأجل ليوصله إلى ربه، وله طلبه حتى يوصله هو إلى ربه، ويبرأ الحميل من حمالته، وإذا حل الأجل والغريم مليء حاضر فليس على الكفيل أن يقضيك، ولا أن يطالبه بذلك لك، وإن كان الغريم غائباً أو عديماً أو عليه دين كثير خفت المحاصة في قيامك أو أن يأتي غرماء آخرون، فحينئذٍ لك أخذ الكفيل. فإذا قبض الكفيل الطعام بعد الأجل من الغريم ليؤديه إلى المشتري فتلف عنده، فإن كان أخذه على الاقتضاء ضمنه قامت بهلاكه بينة أو لم تقم، كان مما يغاب عليه أم لا؛ لأنه متعدٍ، وسواء قضاه ذلك الغريم متبرعاً أو باقتضاء من الكفيل بقضاء سلطان أو غيره.

قال ابن المواز عن ابن القاسم: لأن ذلك من السلطان إن قضى به خطأ. م ومعنى قوله: قضى ذلك الغريم متبرعاً: أنه اقتضاه، فدفع ذلك إليه متبرعاً ولم يكلفه إلى أن يقضي به عليه السلطان، وأما لو لم يقتضه فتبرع الغريم فدفعه إليه ليوصله فظاهر هذا أنه على الرسالة. ومن المدونة: وأما إن قبضه الكفيل بمعنى الرسالة فضاع فإنه لا يضمنه وهو من الغريم حتى يصل إلى الطلب. قال ابن المواز: والقول قول الحميل في ضياعه بلا بينة، لأنه مؤتن، فإن اتهم حلف. وقال يحيى بن عمر: ليس للطالب ها هنا أخذ الكفيل بذلك الطعام إن كان الغريم حاضراً مقراً مليئاً. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو قبض الكفيل الطعام فباعه لم يكن لك أن تجيز بيعه لأنك لم توكله على قبضه، ويدخله بيع الطعام قبل قبضه

قال أبو محمد: يعني هاهنا قبضه الوكيل على الاقتضاء أو الرسالة. قال ابن المواز: ولو وكله بقبضه ولم يأمره ببيعه فقبضه وتعدى فباعه، فللطالب أن يرضى ببيعه. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا لم يوكله فله أن يتبع بطعامه الغريم أو الكفيل إذا قبضه على غير اقتضاء ولا ضمان عليه. وحكي عن أبي عمران الفاسي أنه قال: إنما أبان ابن القاسم موضع الإشكال فقال: يضمن إذا قبضه على الرسالة وأما لو قبضه على الاقتضاء فهو أبين في الضمان، والأمر سواء إذا تعدى فباعه أنه يضمن قبضه على الاقتضاء أو الرسالة، وقاله يحيى بن عمر.

قال أبو محمد: وللطالب هاهنا أن يغرم الكفيل، والغريم حاضر مليء لتعديه في بيعه، فيقول أنا أرضى بقبضه وأتبعه به ديناً لأنه كغريم غريمه، والذي قبض بمعنى الرسالة فهلك الطعام بيده خالي الذمة فليس للطالب اتباعه إلا في عدم الغريم قاله يحيى بن عمر. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا قبض الكفيل الطعام على الرسالة فباعه، فقلنا إن للطالب أن يأخذ بطعامه الكفيل أو الغريم، فإن أخذ به الغريم، فللغريم أن يأخذ الثمن من الكفيل بالقضاء. -يريد لأنه مأذون له في قبضه كالمأذون له في حركة المال، فليس له أن يستبد بشيء من ربحه- قال: وإن أحب أخذه بمثل طعامه. قال ابن المواز: وإن أخذ به الكفيل فللغريم أن يغرمه الثمن الذي أخذ فيه أو يدفع إليه مثل الطعام. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن قبضه على الاقتضاء لم يكن للغريم أخذ الثمن من الكفيل ويدفع غليه مثل الطعام، لأنه ضمنه قبل البيع فساغ له الثمن. قال: ومن أسلم دراهم في طعام وأخذ برأس المال كفيلاً لم يجز البيع. قال سحنون: لأنه في أصل العقد. م يريد فهو غرر إذ لا يدري الذي له السلم ما يحصل له، رأس ماله أو ما أسلم فيه من طعام أو غيره.

قال سحنون: ولو كانت الحمالة بعد العقد لم يفسخ البيع وفسخت الحمالة إلا أن على الحميل مثل رأس المال يُشترى به للطاب طعام، فإن لم يكن فيه وفاء لم يلزمه غير ذلك. م وإنما فسدت الحمالة؛ لأنه كأنه قال له إن لم يوفك غريمك الطعام في الأجل لأنه أعطيك رأس مالك، إقالة له، فهذه إقالة، ويلزم الحميل ما تطوع به من مثل رأس المال، فيشترى به طعاماً، فإن لم يعلم لم يكن على الحميل غير ما تحمل به، ويرجع بمثل ذلك على الذي عليه السلم، ويرجع عليه المبتاع أيضاً بما بقي له من الطعام، ولو تحمل له في العقد أو بعده على أنه إن لم يوفه الغريم طعامه، كان على الحميل مثل رأس المال يشتري به طعاماً، فإن لم يف لم يكن على الحميل شيء، ويتبع المبتاع البائع ببقية طعامه، لجاز في الوجهين جميعاً والله أعلم. م قال بعض القرويين: إنما قال إذا أخذ برأس المال حميلاً أنه حرام، لأنه فهم عنه أنه إنما يأخذ رأس المال ولا يشتري له به طعاماً فهو إذاً بيع

فاسد؛ لأنه تارة بيع وتارة سلف ولا يلزم الحميل شيء عند ابن القاسم، ولو فهم عنه أن يشتري له برأس المال طعاماً لجاز. وينبغي على قياس قول ابن القاسم إذا فهم أن لا يأخذ من الكفيل إلا رأس المال أن لا تلزمه الحمالة؛ لأن مذهبه إذا وقعت الحمالة في أصل بيع فاسد لا تلزم، وعلى مذهب غيره تلزمه الحمالة؛ لأنه لم يدفع رأس المال إلا لمكان حمالة هذا، وسواء كان السلم في طعام أو غيره. ومن كتاب ابن المواز: وإذا قال الحميل لا أضمن قميحاً ولكن أدفع مئة درهم إن لم يأت بوجهه غداً، قال: ذلك لازم له إن لم يأت بوجهه غداً، غرم المائة فاشترى له بها قمحاً فإن فضل من المئة شيء رد على الحميل، وإن عجزت لم يكن عليه غير المئة درهم. قيل لابن القاسم: فإن ضاعت المئة قبل أن يشتري بها [طعاماً]. قال: فهي من الغريم الذي عليه القميح يتبعه بها الكفيل ويتبعه أيضاً صاحب القمح بقمحه، ولا يكون لصاحب القمح على الحميل شيء من المئة درهم؛ لأنه قد أداها مرة.

[الباب الثامن] في الزيادة في السلف والصفة فيه والإقالة في السلم أو في الصرف وهو عرض أو طعام منه أو من بعضه ورأس المال قائم أو فائت والحكم فيه ذلك

[الباب الثامن] في الزيادة في السلف والصفة فيه والإقالة في السلم أو في الصرف وهو عرض أو طعام منه أو من بعضه ورأس المال قائم أو فائت والحكم فيه ذلك [الفصل 1 - في الزيادة في السلم أو الصفة فيه بعد العقد] وقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن (بيع السلف) (وعن الدين بالدين) ومما يعد من أبواب الربا التأخير بدين على نفع أو زيادة أو الوضع منه على أن يتعجله أو يتعجل أزيد منه على أن تسقط عن غريمك ضمانه، أو تقيل من المضمون على أن تأخذ من صنف رأس مالك أفضل منه، فما جرى من هذا وشبهه بين المتعاملين حرم. قال مالك: وإن أسلمت إلى رجل في ثوب موصوف، فزدته بعد الأجل دراهم على أن يعطيك ثوباً أطول منه من صنفه أو من غير صنفه جاز إذا تعجلت ذلك.

م وكأنك أعطيت فيه الدراهم التي زدت والثوب الذي أسلمت فيه فلا بأس بذلك، يريد وإن تأخر ذلك كان ذلك بيعاً وسلفاً، وتأخيره بما كان عليه سلفاً، والزيادة بيعاً بالدراهم، ولو أعطاه من غير صنفه مؤخراً كان الدين بالدين. قال مالك: وإن زاده قبل الأجل دراهم نقداً على أن زاده في طول ثوبه جاز، لأنهما صفقتان، ولو كانت صفقة واحدة ما جاز. م يريد وإنما يجوز ذلك إذا كان قد بقي للأجل مثل أجل السلم فأكثر، لأنها صفقة ثانية، ولو زادة على أن أعطاه خلاف الصفة لم يجز، ويدخله فسخ الدين في الدين؛ لأنه نقله عما أسلم إليه فيه إلى ما لا يتعجله، وفي الأول لم يخرجه عن الصفة؛ لأنه أبقى الأذرع المشترطة وإنما زاده في الطول، فالزيادة صفقة ثانية. فإن قيل: فلم قال في المسألة التي حل الأجل فيها: إذا أخره لم يجز أو جعله بيعاً وسلفاً، وثوباً ودراهم بثوب أطول منه من صنفه، وذلك الحق فيه،

وأجازه في هذه المسألة قبل الأجل، ولم يجعله ثوباً مؤجلاً، ودراهم نقداً بثوب مؤجل أطول منه، فيكون ديناً بدين كما قال سحنون؟ قيل الفرق بينهما عنده والله أعلم أنه في المسألة الأولى ملك تعجيل ثوبه، فتأخيره به سلف، والزيادة بيع بالدراهم التي يعطيه، وفي هذه المسألة لم يملك استعجال ثوبه ولكنه أبقاه على حاله، وقال له زدني في طوله بدراهم دفعها إليه فهي كصفقة ثانية كما لو أسلم إليه في ثوب آخر فكذلك زيادة الطول والله أعلم. ومن المدونة: قال مالك: وكذلك إن دفعت إليه غزلاً ينسجه ثوباً ستة أذرع في ثلاثة أذرع ثم زدته دراهم وغزلاً على أن يزيدك في طول أو عرض، فلا بأس بذلك؛ لأنهما صفقتان. قال ابن القاسم: والإجارة بيع من البيوع يفسدها ما يفسد البيع. قال سحنون ولا يجوز في السلم، وأخاف أن يكون ديناً بدين، ويجوز في الإجارة، لأنه شيء بعينه والسلم مضمون. قال ابن القاسم: وإن أسلمت إلى رجل مئة درهم في مئة إردب حنطة ثم استردته بعد تمام البيع أرادب معجلة أو مؤجلة إلى الأجل أو أبعد منه جاز

ذلك، وكأنه في العقد، وإنما هذا رجل استغلى شراءه، فاستزاد بائعه فزاده وهو قول مالك. قال سحنون في غير المدونة: كان يموج فيها -يترجح- مرة يجيزها ومرة يبطلها، وإبطالها خير. قال ابن أبي زمنين: وينبغي على أصولهم أنه إن مات البائع قبل أن يقبض منه الزيادة أنها تبطل؛ لأنها هبة لم تقبض. قال بعض أصحابنا: المسألة فيها نظر، وكيف تجوز هذه الزيادة بعد العقد، وهي كهدية مديان، وقد يزيده لما يخشى من طلبه عند الأجل، فيرجو بذلك أن يؤخره ويصبر عليه، وقد يقال أيضاً لا تهمة في هذا لكثرة الزيادة، فيخرج عن باب الهدية. وقال بعض الناس: هدية المديان ما ابتدأه بغير سؤال، وهذا إنما استزاده في السلم، فصار سؤاله مسترخصاً لما أسلم فيخرج هذا عن هدية المديان، وهذا يقتضي أن الزيادة سواء كانت يسيرة أو كثيرة إذا كان إنما فعل

ذلك لسؤاله إياه، وقد قال عبد الملك في الزيادة بعد العقد إنها لاحقه بالعقد ولها حكمه، وكالزيادة في الصرف بعده فيه وهذا كله يجري على قولين، هل يلحق بالعقد أم لا؟ فلذلك ترجح فيها. [فصل 2 - فيمن أسلم في ثياب موصوفة بذراع رجل بعينه ونحو ذلك] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن أسلم في ثياب موصوفة بذراع رجل بعينه سماه إلى أجل جاز ذلك إذا كان أراه الذراع، وليأخذ قياس الذراع عندهما، فإذا حل الأجل أخذه بذلك، وقد أجاز مالك شراء ويبة وحفنة بدراهم إن أره الحفنة؛ لأنها تختلف وكذلك الذراع. قال بعض شيوخنا: ولو اشترى ويبات واشترط لكل ويبة حفنة لم يجز ذلك، بخلاف شرائه ويبة واحدة وحفنة لأن هذا غرر يسير، إنصاف إلى جائز كثير فاستحق.

وإذا كثرت الويبات والحفنات اتسع الغرر فلا يجوز. وقال في الكتاب في شراء ويبة وحفنة يجوز إذا أراه الحفنة. قال محمد ابن أبي زمنين: ولابن القاسم في غير المدونة وإن لم يره الحفنة لم يفسخ وله حفنة بحفنة العامة. م قال بعض أصحابنا: وإذا أسلم في ثياب بذراع رجل فمات ودفن قبل أن يأخذ قياس ذراعه واختلفا في مقدار ذراعه فينبغي أن يكون ذلك مثل ما إذا اختلفا في مقدار كيل الطعام المسلم فيه فإن كان بقرب العقد تحالفا وتفاسخا، وإن كان بعد حلول الأجل فالقول قول الذي عليه السلام، وإذا أتيا بما لا يشبه فله ذراع وسط على ما ذكر محمد في ذلك، أنهما يحملان على الوسط من سلم الناس، ويجري الاختلاف في هذه على قدمنا. ومن العتبية: روى أصبغ عن ابن القاسم فيمن أسلم في قراطيس طولها عشرون ذراعاً واختلفا في ذلك عند الأجل أيأخذ بذراع البائع أو بذراع المشتري؟ قال: يحملان على ذراع وسط ولا ينظر إلى قولهما. قال أصبغ: وهذا قول حسن، والقياس الفسخ، وكذلك ذكر عنه ابن المواز. م قال بعض أصحابنا: وهذه بخلاف المسألة المتقدمة لأن في هذه تصادقا أنهما لم يذكرا تقدير الذراع وأن الأمر نزل مبهماً.

وفي المسألة التي قبلها كل واحد منهما يدعى أنه نص على تقدير وخالفه فيه صاحبه. [ومن المدونة] وإن أسلم في ثوب حرير واشترط طوله وعرضه ولم يشترط وزنه جاز ذلك إذا وصفه ووصف صفاقته وخفته. وأنكر ذلك سحنون. قال ابن القاسم: وإن اشترط صفة ثوب أراه إياه فحسن، وإن لم يره ذلك أجزأته الصفة. قال ابن القاسم: ولا أعرف من قول مالك في صفة الثوب جيداً، ولا فارهاً في الحيوان وإنما السلف في الثياب والحيوان على الصفة ويلزم المشتري أخذه إن كان على الصفة. فصل [3 - الإقالة في الصرف قبل القبض] قال: وإن صارفت رجلاً ثم لقيته بعد ذلك فأقلته ودفعت إليه دنانيره وفارقته قبل أن تقبض دراهمك منه لم يجز، وكذلك إن ابتعت منه سيفاً محلى

نصله تبع لفضته بدنانير ثم أقلته منه بعد ذلك ودفته إليه وفارقته قبل أن يقبض الدنانير لم يجز الإقالة، وهي هاهنا بيع حادث. قال سحنون: اختلف قوله في ذلك، فمرة كان يجيزها ومرة كان يبطلها، وإبطالها خير، وفي الإقالة في الطعام نحوه. فصل [4 - السلم في الثياب] قال مالك: وإن أسلمت إلى رجل في ثبات موصوفة، فلا يجوز لك قبل الأجل أو بعده أن تأخذ منه أدنى من ثيابك أو بعض ثيابك وتسترجع بعض الثمن إن كان الثمن عيناً أو ما يعرف بعينه وقد غاب عليه ويدخله بيع وسلف منك له، ما أمضيت من الثمن فهو بيع، وما استرجعت سلف، وإن لم يفترقا جازت الإقالة وكأن البيع إنما وقع على ما بقي، فأما بعد التفرق فلا تأخذ منه شيئاً إلا ما أسلفت فيه أو رأس مالك. قال: وكذلك إن كان رأس مالك عروضاً واسترجعت عروضاً مثلها من صنفها مثل رأس مالك أو أقل أو أخذت دون ثيابك أو بعضها لم يجز، ويدخله -إن كانت مثل عدد رأس مالك- سلف جر منفعة، وإن كانت أقل دخله بيع وسلف.

قال وإن استرجعت عرضاً من غير صنف رأس مالك جاز، وعد الجميع بيعاً مما دفعت. قال: وإن كان رأس مالك عروضاً تعرف بعينها. فأقلته من نصف ما أسلفت فيه على أن تأخذ نصف رأس مالك بعينه بعد أن تفرقتما أو قبل جاز، حل الأجل أم لا، وكذلك إن أخذت بعض رأس مالك بعينه وجميع ما أسلفت فيه بعد الأجل لا بأس به، لأن هذا إنما ارتجع بعض رأس ماله بعينه فلم يعد سلفاً ويكون ما بقي ثمناً لجميع ما أسلف فيه. يريد ولو تعجل سلمه هاهنا قبل أجله لم يجز ودخله حط عني الضمان وأزيدك. فصل [5 - الإقالة من السلم في الطعام وغيره وأثر الفوات في ذلك] قال ابن القاسم: ومن أسلم في طعام فلا يجوز له أن يأخذ منه إلا راس ماله إقالة أو الطعام الذي أسلم فيه. قال: وإن أسلمت إلى رجل ثياباً في طعام فأقلته من نصف الطعام قبل الأجل أو بعده على أن يردع عليك نصف ثيابك التي دفعت إليه بعينها وقد حال سوقها أم لا فلا بأس بذلك، بخلاف أن يكون رأس المال دراهم أو ما لا يعرف بعينه. وروى عنه أبو زيد في العتبية فيمن رباع ثوبين بعشرة أرادب

قمح إلى شهر ثم أقاله بعد الشهر من خمسة، ورد أحد الثوبين، فإن استوت قيمة الثوبين جاز وإلا لم يجز. وقال سحنون في المجموعة: أخاف أن يكون بيع طعام قبل استيفائه؛ لأنه قد يدخله الغلط في التقويم، وقد كره ابن القاسم بيع أحد الثوبين مرابحة بنصف الثمن وقد ابتاعها في صفقة واحدة، وصفتهما واحدة حتى يبين. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن أسلمت عروضاً أو حيواناً في طعام فأقلته منه على أن تأخذ رأس مالك وقد تغير في سوقه جاز، ولا ينظر إلى ذلك وقد أجاز مالك لمن أسلم دابة في طعام أن يقيل منه بعد شهرين ويأخذها، والدواب تحول أسواقها في شهرين أو ثلاثة، فلا يفيت الإقالة حوالة سوق رأس المال إلا أن يحول رأس المال في عينه بنماء أو نقصان بين، مثل عور أو عيب يكبر، وذهاب بياض العين، وزوال صمم به، فهذا يفيت الإقالة.

ولو كان رأس المال جارية فتغيرت في بدنها بهزال أو سمن لم تفت الإقالة، ولو كانت دابة كان الهزال والسمن مفيتاً للإقالة؛ لأن الدواب تشترى لشحمها، والرقيق ليسوا كذلك. وقال يحيى ذلك في الأمة والدابة سواء ولا يجوز. م وهذا هو الصواب. قال ابن القاسم: وإن أسلمت ثوباً في طعام فهلك الثوب بيد البائع لم تجز الإقالة لا على قيمته ولا على ثوب مثله. قال: ولو لم يهلك الثوب جازت الإقالة إن قبضت الثوب مكانك ولم يتأخر. قال ولو هلك بعد الإقالة انفسخت الإقالة، وبقي السلم بحاله، ولا يجوز أخذ ثوب مثله قبل أن يفترقا. قال بعض أصحابنا: ولو قامت بهلاك الثوب بينة لانفسخت الإقالة؛ لأن الإقالة في هذا تفتقر إلى المناجزة، فإذا لم يناجزه حتى هلك وجب فسخها بخلاف البيع الحادث؛ لأن ما في الذمة لا تصح الإقالة فيه إلا بالقبض، ولو تراخى القبض فيه لبطلت بخلاف البيوع في المعينات، وهذا حكم الدين إذا باعه بثوب أو حيوان فهلك قبل أن يقبضه الذي اشتراه فمصيبته من الذي باعه وهو الذي عليه الدين، وقاله الشيخ أبو عمران.

وذهب بعض القرويين إلى خلاف هذا وقال إنما معنى المسألة إذا هلك الثوب ولا بينة له على هلاكه فأما لو ثبت أنه هلك بأمر من الله لكان ضمانه من الذي له السلم كما يستعمل في البيوع؛ لأن الإقالة بيع من البيوع. قال بعض أصحابنا: هذا القول ليس بصواب لما قدمنا. قال ابن القاسم: لو قبضت الطعام بعد محله ثم أقلت منه فتلف الطعام عندك بعد الإقالة قبل أن تدفعه فهو منك وتنفسخ الإقالة. م وهكذا في الأمهات فتلف الطعام عندك بعد الإقالة وهو الصواب، ونقلها أبو محمد ولو قبضت الطعام ثم أقلت منه، وتلف الثوب عندك قبل قبض البائع إياه، فلا إقالة بينكما. يريد: ولا بيع، وعليك رد الطعام إلى ربه. وإنما يصلح هذا إذا ابتاع طعاماً نقداً بثوب نقداً، فقبض الطعام قيل دفع الثوب، ثم أقاله ثم وجد الثوب قد تلف فلا إقالة بينهما ولا بيع، وأما في السلم فلا يصح تأخير الثوب إلى الأجل. قال ابن القاسم: وأصل قول مالك، أن من أسلم حيواناً أو رقيقاً أو عروضاً لا تؤكل ولا تشرب، وهي مما يكال أو يوزن أم لا، في طعام إلى أجل ثم تقايلا، وقد حالت أسواقها فالإقالة جائزة إلا أن تهلك أو يدخلها نقص في

أبدانها فلا تجوز الإقالة حينئذٍ، وإن دفع إليه مثلها وهي مما يقضى بمثله، قبل أن يفترقا لم يجز. وقال أشهب في المجموعة: إذا كان رأس مال الطعام عرضاً يكال أو يوزن فهلك العرض، فالإقالة بعد هلاكه جائزة إذا كان المثل حاضراً عندك، ولا يجوز أخذك أرفع منه أو أدنى في وزن أو صفة ولا تؤخره به، ولم يجز ابن القاسم الإقالة بعد هلاك ذلك، وإنما أجازه في الإقالة من طعام قبضه ثم أقال منه بعد هلاكه. يريد: والمثل حاضر عنده. فصل [6 - الإقالة في بيع العبيد وسلم الطعام بعد وجود عيب فيها] قال ابن القاسم: ومن باع جارية بعبد فتقابضا ثم مات العبد فتقايلا لم يجز الإقالة إلا أن يكونا حيين سالمين. وكذلك إن حدث بالعبد عيب لم تجز الإقالة إلا أن يعلم دافع العبد ينقصه فتجوز. وإن أسلمت إليه دراهم في طعام أو غيره ثم أقالك قبل التفرق ودراهمك بيده، فأراد أن يعطيك غيرها مثلها، فذلك له، وإن كرهت، شرطت استرجاعها بعينها أم لا. م لأنه لما قبضها صارت في ذمته، فإذا أعطاك مثلها لم يظلمك.

يريد: وكذلك في البيع الناجز. ومن غير المدونة، أن ابن القاسم رجع وقال: له أخذ دراهمه. م وهذا أحسن لقوله -صلى الله عليه وسلم «المسلمون عند شروطهم»، وإذ قد يكره مال البائع ويرغب في دراهمه لحله فله شرطه. ومن المدونة: ولو كان رأس المال عرضاً يكال أو يوزن أو يعد، أو طعاماً أسلمه إليك في عرض فأقالك لم يكن له أن يعطيك إلا ذلك بعينه، لأن ذلك يباع لعينه، والدراهم لا تباع لعينها. قال: وكل ما ابتعته مما يكال أو يوزن من طعام أو عرض فقبضته فأتلفته فجائز أن تقيل منه وترد مثله بعد علم البائع بهلاكه وبعد أن يكون المثل حاضراً عندك وتدفعه إليه بموضع قبضته [منه] وإن حالت الأسواق، وكذلك لو اغتصبته فأتلفته فإنما عليك مثله لا قيمته، وإن حال سوقه، وتدفعه إليه بموضع غصبته منه.

م قيل: وهذا إذا كان الموضع الذي نقله إليه قريباً، وأما إن كان الموضع بعيداً صارت إقالة على تأخير فلا يجوز ذلك. وذكر عن الإبياني فيما كان بالقرب، وكان لنقله ثمن فإن كان الذي له الطعام هو السائل في الإقالة فعليه أن يرده إلى الموضع الذي أخذه منه، وإن كان هو البائع فعليه أن يأخذه في الموضع الذي وجده، واستحسن ذلك أبو محمد وأبو الحسن. م وإن كان الطعام بغير البلد لم تجز الإقالة، لأنه يحتاج إلى أن يأتي به وهو في ضمانه إلى أن يصل. قال بعض أصحابنا وقال بعض القويين: إذا اشترى سلعة وحملها بثمن ثم ظهر على عيب فهو مخير بين أن يرد أو يرجع بقيمة العيب؛ لأن ما ودى في الحمل أوجب له التخيير، فيصير كعيب حدث عنده. ولو اشترى سلعة فحملها ثم ظهر أن البائع دلس فليس على المشتري أن يردها إلى الموضع الذي اشتراها فيه، لتدليسه عليه، وقيل إن كراء ردها على المشتري في ماله؛ لأن البائع يقول له أعطني سلعتي وخذ ثمنك كالإقالة.

فصل [7 - في الرجلين إذا أسلما إلى رجل في طعام ونحوه فأقاله أحدهما] قال ابن القاسم: وإن أسلم رجلان إلى رجل في طعام أو عرض فأقاله أحدهما جاز ذلك وإن لم يرض شريكه، إلا أن يكونا متفاوضين فيما أسلما فيه من عرض أو طعام خاصة أو في جميع أموالها فلا تجوم الإقالة حينئذٍ؛ لأن ما أقاله منه أو أبقاه فبينهما، وكذلك إن ولى حصته، ولا حجة لشريكه عليه في إقالة أو تولية إن لم يفاوضه، وإنما حجته على البائع -أي طلبه على البائع- ولا يرجع فيما أخذ شريكه، ولا يتهم البائع أن يبيع من أحدهما على أن يسلمه الآخر. قال أبو إسحاق: وقد يشبه على ما هاهنا أن أحد الشريكين إذا باع نصيبه من دين بينهما أن شريكه لا دخول له عليه كعبد بينهما باع أحدهما حصته -نصيبه- فلا كلام لصاحبه، وقد قال ذلك غير ابن القاسم في أحد الوليين في الدم أن أحدهما إن صالح على عبد لنفسه أنه يكون له، ولا يدخل عليه فيه شريكه، وليس هذا ببعيد في القياس؛ لأنه إنما باع القدر الذي يخصه من الذي عليه الدين فأشبه بيعه ذلك من غيره.

وكذلك إن كان رأس المال في الطعام ثوباً ولم يتغير في عينه فأقاله أحدهما جاز، ويكونان شريكين فيه. قال سحنون: أما التولية فنعم ولا تجوز إقالته إلا بإذن الآخر، كما لا يقتضي إلا بإذنه. قال غيره: لعله يعني أنه أقاله من حصته أو ولاها بعد إن اقتسما ما على الغريم، فإن لم يكن هكذا خلاف ما قال في كتاب الصلح، في صلح أحد الشريكين من حصته عن دين بينهما أن لشريكه أن يدخل معه فيه. قال بعض أصحابنا: وقال الشيخ أبو عمران: إنما أجاز ابن القاسم إقالة أحد الشريكين بغير إذن شريكه ولم يجعل له الرجوع في ما أخذ كالاقتضاء كما قال سحنون؛ قال: لأنا لو خيرنا الشريك في ذلك آلت الإقالة إلى فساد؛ لأن الإقالة على خيار لا تجوز لخروجها عن حدها، فيصير بيع الطعام قبل قبضه، فلما كان ترقب إجازة الشريك يؤدي إلى هذا الفساد، وكان أصلها المعروف سامح فيها ابن القاسم فأنفذها، وأجاز فعل الشريك والله أعلم. وقال فضل بن سلمة إنما أجاز مالك إقالة أحدهما من جميع نصيبه؛ لأن شريكه لو أراد الدخول على صاحبه فيما أخذ من البائع منهما لم يجز ذلك؛ لأنه يرجع إلى أن يقيل من بعض حقه ويبقى بعضه فيصير بيعاً وسلفاً، وبيع

الطعام قبل قبضه، فلما لم يجز هذا لم يوجب له مالك الدخول على شريكه فيما تقاضى من رأس المال، وصحت إقالة شريكه. فقول مالك أبين من قول سحنون والله أعلم. وذكر عن الشيخ أبي الحسن أنه قال: رأي مالك رحمه الله عندي في هذه المسألة إقالة أحد الشريكين؛ البائع كأنه ولى نصيبه رجلاً، صار شريكاً مع الآخر، وبقي الدين على حاله على البائع، والبائع في الإقالة شريك فيما على نفسه للشريك الذي لم يول. وهو وجه صحيح حسن مفارق لتقاضي الشريك وصلحه؛ لأن الصلح كالاقتضاء، والتولية والإقالة كالبيع، ولو أن أحد الشريكين باع مصابته فيما يجوز بيعه قبل استيفائه من أجنبي، ما كان للشريك على شريكه حجة؛ لأن الدين بقي على حاله. وقال نحو هذا أبو القاسم ابن الكاتب، قال: وإنما لم يكن للشريك على شريكه حجة؛ لأنه لم يقبض من دينه الذي حصل بينهما شيئاً ولو قبض شيئاً منه لكان له الدخول معه فيه، وأيضاً فلم يجز ما قبض منه على معنى الصلح فيشاركه فيه؛ لأن الصلح منه بيع له، وإنما إقالته في ذلك تولية منه لما عليه فحصل البائع فيما تولى شريكاً مع الشريك الآخر الذي لم يول،

وصار ذلك كما لو ولى ذلك أجنبياً، فليس لشريكه الدخول معه فيما أخذ، لأن الذي كانا فيه شريكين باق كما كان في ذمة الغريم ولم يقبض منه أحد شيئاً، ولأن الشركة إنما حصلت فيما على الغريم، فلو قبض منه شيئاً أو ما يكون عوضاً منه، لدخل في ذلك الشريك، والإقالة ليست عوضاً من الدين ولا بيعاً له ممن هو عليه، إذ لو كان كذلك ما جازت الإقالة فيه؛ لأنه من بيع الطعام قبل استيفائه، وإنما هي إسقاط لما تعاقدا، وإبراء لذمة البائع من الدين، ألا ترى أن المبتاع إنما أخذ مثل رأس ماله فلم يكن لصاحبه فيه شركه، وإنما له الكلام فيما كانت له فيه شركة، والمقال قد قام مقام المقيل. م وهذه كلها وجوه صحيحة، واحتجاج بين، وقد اعترض ذلك بعض اصحابنا باعتراض ضعيف، ومالك وابن القاسم أعلم ممن اعترض في ذلك وبالله التوفيق .. [فصل 8 - في الرجل يسلم إلى الرجلين في طعام أو غيره فأقاله أحدهما] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن أسلم رجل إلى رجلين في طعام أو غيره فأقاله أحدهما فإن لم يكن شرط حمالة أحدهما بالآخر أيهما شاء أخذ بحقه فذلك جائز؛ لأنه لا يتبع كل واحد منهما إلا بحصته، ولو شرط ضمانهما لم تجز الإقالة إذ الحق كله كأنه على واحد أقاله من بعضه.

وذكر عن الشيخ أبي القاسم ابن الكاتب أنه إن اشترط الحمالة لم يشترط أيهما شاء، أخذه بحقه، فالذي يظهر لي أن الإقالة لأحدهما جائزة إلا أن يكون الذي لم يقل عديماً، ويحل أجل ما عليه، فلا تجوز إقالة الآخر، لأن لرب السلم هاهنا أن يأخذه بجميع السلم، كما لم يجز إذا شرط أن يأخذ أيهما شاء لاجتماعهما في العلة التي من أجلها لم يجزه إلا أن يكون على أحد قولي مالك في أن لرب الدين أن يأخذ الحميل أو الذي عليه الدين وإن كان الذي عليه الدين حاضراً مليئاً. قال بعض أصحابنا: وذهب بعض شيوخنا إلى أنه إذا اشترط أن بعضهما حميل ببعض لم تجز الإقالة لأحدهما، وسواء اشترط أيهما شاء أخذ بحقه أم لا، فقد يفلس أحدهما عند الأجل فيصير حقه على واحد، فكأنه أقاله من البعض. م قال بعض أصحابنا والأول أصوب.

وقال بعض شيوخنا من القرويين: ولا يجوز أن يقيل أحدهما وإن لم يغيبا على رأس المال، لأن كل واحد حميل بما على الآخر، فلا يقبله على أن يبقى حميلاً بما على صاحبه أو على أن يسقط الحمالة، فتحول الإقالة عن حالها ويصير بيع الطعام قبل قبضه، ويصير بيعاً على طرح الضمان فتفسخ الإقالة، قال: وكذلك ذكر لي أبو محمد وأبو الحسن فاعلم ذلك. م يريد ولو لم يقله، جاز أن يشترط حمالة أحدهما بالآخر ولم يجعل ذلك كسلعتين باعهما رجلان في صفقة؛ لأن السلم المنعقد عليهما متساو، فهو كسلعة بينهما باعها على أن أحدهما بالآخر حميل، ولا غرر في ذلك ولا فساد، ولو زاد أحدهما في ثمن سلعته على أن تحمل له بالآخر، وأعيان الغرضين في البيع الناجز لا تكاد تتساوى أو تتفق قيمتها، فهو مختلف، وكأنه في البيع الناجز ابتاع عبداً لمليء على إن تحمل له بالمعدم فزاده في ثمن سلعته على أن تحمل له بالمعدم فذلك حمالة بجعل فلا يجوز، ولأنه غرر وأكل المال بالباطل، ولو كانا شريكين في السلعتين جميعاً أو في سلعة واحدة جاز بيعهما على أن أحدهما بالآخر حميل. م لأن السلعة بينهما نصفان والثمن كذلك، فلم يزد أحدهما على أن تحمل له بالآخر. فسلما من الحمالة بجعل، وهذا بين وبالله التوفيق. تم كتاب السلم الثاني من الجامع وبالله التوفيق.

كتاب السلم الثالث

كتاب السلم الثالث

كتاب السلم الثالث [الباب الأول] ما يحل ويحرم من الإقالة والشركة والتولية في الطعام والعروض وغيره [الفصل 1 - في التصرف في الطعام قبل قبضه بالإقالة والشركة والتولية] وروي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال «من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه إلا ما كان من شركة أو إقالة أو تولية». م لأن ذلك كله معروف صنعه فرخص له فيه. قال ابن حبيب: والإقالة والتولية بالشركة في الطعام مستخرجة برخصة النبي -صلى الله عليه وسلم- من نهيه عن بيعه قبل قبضه، كما أخرج بيع العرية من نهيه عن بيع التمر قبل بدو صلاحه والحوالة من نهيه عن بيع الدين بالدين.

قال: وكل ما بيع من الطعام بعرض يرجع فيه إلى القيمة فلا تجوز فيه الشركة ولا التولية [لا] بالقيمة ولا بالمثل، وتجوم فيه الإقالة والعرض قائم، فإن فات لم تجز الإقالة، قال: وإن كان عرضاً يكال أو يوزن جازت فيه الإقالة والشركة والتولية مثل ما يجوز في العين. م لعله يريد والمثل حاضر عنده، كما قال أشهب، وخالف ذلك ابن القاسم وقال لا تجوز الإقالة إذا فات وإن أعطاه مثله، وقد تقدم هذا في الكتاب الثاني. [فصل 2 - في إقالة المريض] ومن الثالث قال ابن القاسم: وإن أسلم إليك رجل مئة درهم في مئة إردب حنطة فيمتها مئتا درهم، فأقالك في مرضه ثم مات ولا مال له غيرها، فإما أجاز الورثة وأخذوا من رأس المال وإلا قطعوا لك بثلث ما عليك من الطعام، فإن حمل الثلث جميع الطعام -يريد طعام المحاباة- جازت الوصية وإن كانت قيمة الطعام مئة درهم، جازت الإقالة؛ لأنه ليس فيه محاباة، وبيع المريض وشراؤه جائز إلا أن تكون فيه محاباة، فتكون تلك المحاباة في ثلثه.

وقال سحنون: لا تجوز إقالته بمحاباة؛ لأن فعل المريض بمحاباة وصدقته موقوفة، وإنما ينظر فيها بعد موته، والإقالة في الطعام لا تجوز إلا يداً بيد، وقبض الثمن عند الإقالة بلا تأخير، وغلا فقد خرجت عن حدها وكانت بيع الطعام قبل قبضه. قال أحمد بن نصر: كلام سحنون أصح إن لم يقبض المريض الدراهم في حياته، فأما لو قبض المريض الدراهم عند الإقالة كان كما قال ابن القاسم يخير الورثة في إجازة الإقالة أو القطع بثلث مال الميت وهو ثلث الطعام. وذكر عن الشيخ أبي الحسن أن معنى المسألة أنه أقاله في مرضه في وصيته. قال بعض فقهائنا القرويين: يحتمل هذا ويحتمل أن يكون أقاله، وأنفذ الإقالة في مرضه، وذلك يختلف فإذا أوصى بأن يقال ينظر إلى الطعام فإن حمله الثلث جازت الوصية، وإن لم يحمله خير الورثة بين أن يجيزوا أو يقطعوا له

بثلث الطعام أو بما حمل الثلث منه إن كان له مال غيره، وإن لم يكن على باب الوصية فأنفذ الإقالة في مرضه فإنما ينظر إلى المحاباة، فإن حملها الثلث جاز ذلك. م لأنهما لم يقصدا بذلك التأخير وإنما قصدا التناجز فلذلك لم تفسد الإقالة. وقد قال أصبغ في الواضحة في مريض باع من رجل ذهباً بورق وفي ذلك محاباة، أن ذلك جائز وإن كان ينظر في ذلك بعد الموت، قيل له: فقد قيل إن ذلك حرام لما فيه من التأخير، فقال: ما أراه إلا حلالاً؛ لأنهما لم يريدا بذلك التأخير فيه، فهذه مثل مسألة ابن القاسم في الإقالة في الطعام. وقال أبو بكر بن اللباد: لعل ابن القاسم يعني أن المريض أقاله ثم مات مكانه، فتصير ضرورة تبيح الإقالة، ولو قيل تفسخ الإقالة ما لم يمت، فإذا مات صارت ضرورة كمن أقال وهرب فقد قالوا تصح الإقالة. م إنما صحت الإقالة في الهارب لأنه قصد بهروبه فسخ الإقالة، فحرم ذلك، كما قالوا في قوم اشتروا قلادة ذهب وفيها لؤلؤ على النقد، فلم ينقدوا حتى فصلت، وتقاوموا اللؤلؤ وباعوا الذهب، فلما وضعوا أرادوا نقض البيع لتأخير النقد.

قال مالك لا ينتقض ذلك البيع، وقاله ابن القاسم؛ لأنه باع على النقد ولم يرض بتأخيرهم، وقال سحنون: جيدة. م والمريض لم يقصد الفسخ وإنما صحت إقالته؛ لأنه لم يقصد التأخير، وقد قيل في مسألة القلادة يفسخ الأمر بينهم لأنه آل إلى التأخير، فهذا الأصل كله يجري على قولين، ووجه كل قول ما فسرنا، وفي كتاب الصرف، وفي كتاب البيوع الفاسدة زيادة في هذا وبالله التوفيق .. قال أبو محمد: ولو أقال الذي عليه الطعام في مرضه وقيمة الطعام الذي عليه خمسون ثم مات ولا مال له غير المئة التي قبض فلم يجز الورثة، فليبدأ بدينه فيضى وهو الطعام كله، فما بقي كان له ثلثه. وحكي عن ابن أخي هشام أنه قال: يكون له ثلث ما بقي يشترى له به طعام ولا يعطاه عيناً فيدخل ذلك البيع والسلف. م وهذا استحسان والقياس أن لا يدخله البيع والسلف لأنهما لم يقصداه، والحكم أوجبه. م قال بعض أصحابنا: وإذا لم يكن في بيع المريض وشرائه محاباة يوم وقع ذلك، ثم حالت الأسواق، فكان في ذلك يوم النظر فيه محاباة لم ينظر إلى ذلك.

م لأنه إنما ينظر فيه يوم وقع البيع وكأنه بيعاً جائزاً لا تعقب فيه كبيع الصحيح فلا ينظر إلى ما يطرأ، ولو كان يوم العقد فيه محاباة ثم حالت الأسواق فصار لا محاباة فيه ثم حال فرجع إلى المحاباة يوم النظر فيه لوجب أن يمضي، ورجوعه إلى ما لا محاباة فيه كصحة المريض حينئذٍ؛ لأنه لو نظر فيه يومئذٍ لم يكن سبيل إلى رده كما لو صح. قال بعض أصحابنا: ولو اختلف الحال في المحاباة لنظر إلى أقل المحاباة، فيجعل ذلك في الثلث، والله أعلم فاعلم ذلك. [فصل 3 - في الرجل يسلم في الرقيق والدور والثياب ثم يقيل المسلم إليه بعد الاستخدام] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن أسلمت رقيقاً أو حيواناً أو نخلاً أو دوراً أو ثوباً في طعام ثم أقلته بعد شهرين أو ثلاثة وقد استغل واستخدم وسكن وحالت الأسواق، فذلك جائز ما لم يتغير البدن بنقص أو نماء، وإن كانت أمة فولدت، فذلك يفيت الإقالة، والولد بمنزلة النماء في البدن. ولا تجوم الإقالة فيها نفسها، ويحبس مشتريها ولدها؛ لما يدخله من التفرقة، ولو كان عبداً فأذن له في التجارة فلحقه دين فذلك عيب يمنع الإقالة، علمت به أم لا، وحوالة سوق رأس المال في ذلك كله لا تمنع الإقالة إلا أن يتغير في بدنه بنقص أو نماء

فيصير كأنه ليس بعين شيئه، فيكون أشبه بالبيع من الإقالة. م جعلوا حوالة الأسواق في رأس مال الطعام لا تفيت الإقالة إذا ليست بتأثير في الجسم، وجعلوا الدين يلحق العبد مفيتاً للإقالة، وإن كان لا تأثير له في الجسم، لكنه عيب كالتأثير في الجسم، وليست حوالة الأسواق عيباً. قال بعض أصحابنا: وينبغي أن لو زال الدين عنه قبل الإقالة أن تجوز الإقالة إذا لم يداينه في فساد. م وهذا يجري على قول ابن القاسم في العيب يزول. قال: وقيل الدين وكثيره سواء يمنع الإقالة كالتأثير في الجسم، أن قليله وكثيره سواء يمنع الإقالة، بخلاف إذا رده بعيب وقد حدث عنده عيب يسير أو دين يسير أنه يرده ولا شيء عليه. قال: وقال بعض أصحابنا القرويين: ولو حدث بالعبد نقص في جسمه ثم ذهب ذلك لم تجز الإقالة، بخلاف سقوط الدين، قال: وقد تأول إذا

حدث بعينه بياض ثم ذهب، فأقاله بعد ذهابه أن الإقالة تجوز؛ لأنه ليس بنقص في الجسم، إنما هو كالساتر للموضع، فلما ذهب الساتر ورجع إلى ما كان عليه جاز ذلك بخلاف الجرح. م والقياس أن ذلك كله سواء؛ لأنه عيب زال فهو كما لو لم يحدث به وهو عين شيئه لا نقص فيه ولا زيادة كما لو باعه ثم اشتراه، فإن له أن يقيله به. قال بعض أصحابنا: ولو كان رأس المال غنماً عليها صوف فجزه، أو كان لا صوف عليها فنبت، أو كانت نخلاً بثمرتها فجده أو كان لا ثمر فيها فأثمرت، فذلك كله سواء يفيت الإقالة، كالنماء والنقص، وكذلك لو كان عبداً فوهب له مال لم تجز الإقالة، كما تمنع الإقالة، إذا أدان وهذا بين. [فصل 4 - الإقالة من السلم بزيادة من أحدهم] [ومن المدونة] ومن أسلم عرضاً في طعام ثم تقايلا على أن زاد أحدهما الآخر شيئاً لم يجز، ودخله بيع الطعام قبل قبضه. م لأن الإقالة إنما جازت لأن أصلها معروف، فإذا تزايدت فقد تكايسا

وخرجت عن المعروف الذي أجازها وكانت أشبه بالبيع من الإقالة، فيدخلها بيع الطعام قبل قبضه. قال ابن القاسم: وكذلك لو أسلم عيناً في طعام فأقاله، وأخذ برأس المال عرضاً بعد الإقالة، لم تجز الإقالة؛ لم تجز الإقالة؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه بعرض، وذكر الإقالة لغو. [فصل 5 - في الرجل يبيع السلعة وينقد ثم يستقيله المشتري فيقيله] قال مالك: وإن ابتعت من رجل سلعة بعينها، ونقدته ثمنها ثم أقلته وافترقتما قبل أن تقبض رأس مالك أو أخرته به إسى سنة جاز؛ لأنه بيع حادث، والإقالة تجري مجرى البيع فيما يحل ويحرم. م يريد وهذا في بيع النقد لأن السلعة فيه معينة فلذلك جاز بيعها بالنسيئة قال مالك: وإن أسلمت إلى رجل في حنطة أو عرض فأقلته، أو وليت ذلك رجلاً، أو بعته، إن كان مما يجوز لك بيعه لم يجز لك أن تؤخر بالثمن من وليته ذلك أو أقلته أو بعته يوماً أو ساعة بشرط أو بغير شرط؛ لأنه دين بدين ولا تفارقه حتى تقبض الثمن كالصرف. وروى سحنون عن أشهب أن الإقالة جائزة، وإن تأخر الثمن شهراً. م ووجه قول أشهب أن الإقالة معروف فرخص له في تأخير رأس المال لأن ذلك كله معروف. قال ابن المواز: قال مالك: إنه إن أقاله ثم افترقا قبل قبض رأس المال فليس له إلا طلب رأس المال ولا حجة له في فسخ الإقالة بتأخير الثمن.

يريد: إذا لم يعملا على ذلك. قال ابن المواز: ولم يأخذ بهذه الرواية أحد من أصحابه وقد روي عنه أن الإقالة فاسدة، وكذلك في التولية إلا أن يتأخر مثل دخول البيت فهو خفيف، وإلا فليرجع بالطعام إلا أن يقيله ثانية، وكذلك في العرض في ذمته يقيل منه أو يوليه أو يبيعه من غيره فلا يتأخر رأس المال إلا مثل دخول البيت من السوق. وقال ابن القاسم: فأرجو هذا في الإقالة. قال مالك: وأما بيع دين على رجل يجوز تأخير رأس المال فيه يومين أو ثلاثة كتأخير رأس مال السلم، والإقالة غير هذا. [فصل 6 - في تأخير رأس مال السلم حتى يحل الأجل أو تأخير دفعه بعد الإقالة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن أسلم في طعام أو غيره فلا يجوز تأخير رأس المال حتى يحل الأجل، وهو دين في دين. قال: ولا يجوز أن يقبله من الطعام ويعطيك برأس الما رهناً أو كفيلاً أو يحيلك به على آخر أو يؤخرك به يوماً أو ساعة لأنه يصير ديناً في دين، وبيع الطعام قبل قبضه، فإن أخرك به حتى طال، انفسخت الإقالة،

وبقي البيع بينكما على حاله، وإن قبضت الثمن من الذي أحالك به عليه قبل أن تفارق الذي أقالك فلا بأس به. ولو وكل البائع من يدفع إليك رأس المال وذهب، أو وكلت أنت من يقبضه وذهبت، فإن قبض وكيلك منه مكانه أو قبضت أنت من وكيله مكانك قبل التفرق جاز، وإن تأخر القبض لم يجز. م وكذلك كان ينبغي في الحوالة أن يجوز إذا قبضت من الذي أحالك عليه قبل أن تفارقه، وإن فارقت الذي أحالك كالوكالة، لأن يده كيده، وإنما فرق بينهما، لأنه في الحوالة تبرأ ذمته ولا مبايعة بينه وبينه، فقد فارقه قبل القبض، وفي الوكالة الأمر بينكما قائم حتى تقبض، وقد أقام وكيله مقامه وأنت لم تفارقه حتى تقبض منه، فلذلك جاز والله أعلم. قال: وكذلك لو كان رأس المال عرضاً فتقايلا، ثم افترقا قبل أن يقبض عرضه لم يجز تأخيره، وهو مثل العين في هذا. م يريد عرضاً لا يعرف بعينه.

قال ابن المواز: وأما إن كان رأس المال عرضاً يعرف بعينه حاضراً فلا بأس به. فصل [7 - في الإقالة من بعض السلم بعد الأجل أو قبله] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن أسلم إلى رجل دراهم في طعام أو عرض أو في جميع الأشياء، فأقاله بعد الأجل أو قبله من بعض، وأخذ بعضاً، لم يجز ودخله فضة نقداً بفضة وعرض إلى أجل، وبيع وسلف، مع ما في الطعام من بيعه قبل قبضه، ولا بأس أن يولي به بعضه أو يشرك فيه. قال في العتبية والواضحة: وإن قبض بعض الطعام لم يجز أن يولي ما بقي من الطعام مع ما قبض؛ لأنه لم يأخذ منه ما بقي إلا بما قبض. م: يريد لأنهما يتفاضلان في القيمة، فيخص ما قبض من رأس المال أكثر مما يخص ما بقي؛ لأن المقبوض أثمن، إذ لا اقتضاء فيه ولا مبايعة، فذلك زيادة نفع ازداده، فحالت التولية

عن وجهها؛ ولأنهما قد تماسكا البيع فصار بيع الطعام قبل قبضه، ولو كان ذلك في عرض لجاز. قال ابن القاسم: ولا بأس أن يولي ما بقي خاصة، وقال أصبغ في كتاب محمد: لا يجوز ذلك. م: فوجه قول ابن القاسم فلأنه ولاه ما لم يقبضه فجاز، أصله إذا لم يقبض الجميع، ووجه قول أصبغ؛ فلان ما قبض أفضل مما بقي، فكأنه ربح عليه في التولية، فدخله بيع الطعام قبل قبضه. وقال ابن المواز: لا يجوز أن يقيل مما بقي. م: ويدخله البيع والسلف. قال: ولو ورد إليه ما اقتضى، وأقاله من الجميع لم يجز، وهو بيع الطعام قبل قبضه؛ لأنه أقاله مما بقي، على أن ولاه ما قبض، وساغ له فيه الربح، قال مالك: إلا أن يكون ما قبض يسيراً كخمسة أرادب أو عشرة من مئة فأرجو أن يكون خفيفاً. قال أشهب في المجموعة: هذا استحسان. قال ابن القاسم في العتبية وأنا أكرهه في القليل والكثير. قال: وإذا نقد بعض الثمن في طعام أو في عرض ثم تفرقا جاز أن يقيله مما نقد لا من بعضه أو يقيله مما لم ينقد ومن بعضه أو مما لم ينقد.

فصل [8 - الإقالة من بعض السلم بعد تغير رأس مال السلم] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن أسلمت إلى رجل ثوباً في حيوان موصوف فقطعه جاز أن تقيله من نصف الحيوان بنصف ثوبك مقطوعاً حل الأجل أم لا، إلا قبضت ذلك كان القطع قد زاده أو نقصه. م يريد لأنه نصف ثوبه بعينه فلم يدخله بيع وسلف. قال: ولو أخذت ثوباً غير ثوبك من صنفه وزيادة معه لم يجز، ودخله سلف بزيادة، ولو أخذت ثوبك بعينه وقد دخله عيب وزادك معه ثوباً من صنفه أو من غير صنفه أو حيواناً أو دنانير أو دراهم إقالة من جميع الحيوان الذي لك عليه، جاز ذلك حل الأجل أم لا، قال: إلا أن يزيدك شيئاً من صنف ما أسلفت فيه، فيجوز ذلك بعد الأجل لا قبله. م يريد ويدخله قبل الأجل بيع وسلف وضع وتعجيل وحط عني الضمان وأزيدك، فوجه البيع والسلف كأنه أسلم إليه الثوب في عشرة أفراس، فإذا أعطاه قبل الأجل الثوب وخمسة أفراس جعل الثوب ثمناً لخمسة أفراس من العشرة

التي عليه، والخمسة أفراس المعجلة سلف منه للمشتري فقبضها البائع من نفسه إذا حل الأجل. ووجه ضع وتعجيل أن يكون الثوب أن يسوى الخمسة أفراس الباقية كأنه يساوي أربعة، فدفعه إليه عوضاً من أربعة أفراس ودفع إليه خمسة أفراس، فكأنه دفع إليه تسعة أفراس معجلة ووضع عنه فرساً وذلك حرام، وهو من باب سلف جر نفعاً، ووجه حط عني الضمان وأزيدك أن يكون الثوب يساوي أكثر من خمسة أفراس كأنه يساوي ستة أفراس فدفعه إليه عوضاً من ستة وخمسة أفراس، فذلك أحد عشر فرساً فزاده فرساً على أن حط عنه ضمانه بعشرة إلى الأجل. وهذا التوجيه كله مأخوذ من مسألة الفراس لابن القاسم في كتاب بيوع الآجال، وهي كمسألة الذي أسلم فرساً في عشرة أثواب، فأعطاه خمسة منها قبل الأجل من الفرس أو مع سلعة سواه على إن أبرأه من بقية الثياب. وتفسيرها في كتاب بيوع الآجال. قال ابن القاسم: ولا بأس أن تأخذ ثوبك بعينه ببعض ما أسلفت فيه، وتترك بقيته إلى أجله ولا تقدم قبل الأجل ولا تؤخره. م ويدخله في الوجهين بيع وسلف إن قدمه كان السلف من المسلم إليه وإن أخره كان من الذي له السلم، وإن لم يقدم ولم يؤخر جاز، فكأن رب الثوب اشتراه ببعض ما له عليه إن أسلفه الآخر بقية ما له عليه، ويقبض ذلك من نفسه إذا حل الأجل، وإن أخره ببقية ماله عليه صار رب الثوب قد أسلف ذلك للمسلم إليه، فإذا لم يقدم ولم يؤخر جاز. قال ابن القاسم: كما لو بعت عبداً بمئة دينار إلى أجل، ثم أخذت العبد بعينه بخمسين مما لك عليه، وتركت ما بقي إلى الأجل [فلا بأس به]

فقس جميع العروض على هذا. قال مالك: وإن ابتعت عبدين في صفقة كل واحد بعشرة دراهم -يريد إلى الأجل- جاز أن يقيلك من أحدهما على أن يبقى الآخر عليك بأحد عشر درهماً؛ لأنه لا بأس أن يبيع منه أحدهما بدرهم أو أقل أو أكثر. -يريد مقاصة مما لك عليه-. فصل [9 - في الشركة والتولية والإقالة في الطعام وجرة الكيل فيه] قال ابن القاسم ومحمل نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- فيمن ابتاع طعاماً أن لا يبيعه حتى يستوفيه إلا ما كان من رك أو تولية أو إقالة، إنما هو عندنا فيما يشتري على الكيل أو الوزن. قال مالك: وأجمع أهل العلم أنه لا بأس، بالشركة والتولية والإقالة في الطعام قبل أن يستوفى إذا انتقد الثمن مكانه ممن يشركه أو يقيله أو يوليه. قال بعض فقهائنا: وأجرة الكيل في طعام أشرك فيه أو ولاه بعد إن اكتاله له البائع منه على الذي أشركه أو ولاه، كالبيع سواء كما أن عليه العهدة فيه بخلاف طعام استقرضه، هذا كيله على مستقرضه وإن كان

أصله كله معروفاً، لكن الشركة والتولية شبيهة بالبيع فتحكمها حكمه. وقال غيره من القرويين: قوله إذا هلك هذا الطعام المشرك فيه قبل أن يكتاله أن مصيبته منهما جميعاً، يدل على أنه ليس على الذي أشركه أن يكيله له؛ لأنه لو كان ذلك لكان ضامناً له حتى يكتاله. م وهذا أبين من الأول؛ لأن أصل ذلك معروف فأشبه القرض، ألا ترى أن الشركة والتولية والقرض تجوم وإن لم يكل ذلك مشتريه، ولا يدخله بيع الطعام قبل قبضه؛ لأن ذلك كله معروف، فهو بخلاف أن لو باعه وهذا أبين فاعلمه. قال: فإن أراد أحدهما أخذ حصته فهي قسمة، وأجرة الكيل فيها عليهما؛ لأنه يكتال لهما جميعاً ويقسم بينهما، ولهما زيادة الكيل وعليهما نقصه. ومن المدونة: قال: ومن اشترى طعاماً بثمن نقداً، فنقد ثمنه ولم يكتاله حتى أقاله منه أو أشرك فيه أو ولاه رجلاً على أن الثمن إلى أجل لم يصلح؛ لأنه يصير بيعاً مؤتنفاً وإنما أرخص في ذلك إذا انتقد ممن ذكرنا قبل التفرق مثل ما نقد فيحلوا في الطعام محله؛ لأن ذلك من المعروف، فإذا أحيل

عن موضع رخصته لم يصلح. قال: ومن اشترى طعاماً كيلاً بثمن إلى أجل فلم يكتله حتى ولاه رجلاً أو أشركه، فإن كان لا ينتقد الثمن إلا إلى الأجل فجائز، وإن تعجله قبل أجله لم يجز، ولو أشركه أو ولاه بعد أن اكتاله وقبضه وشرط تعجيل الثمن جاز؛ لأنه بيع مؤتنف، وإن لم يشترط النقد لم يكن له أخذه به إلا إلى الأجل الذي ابتاع إليه. قال ابن حبيب فيمن ابتاع طعاماً حاضراً بعينه على كيل أو وزن أو عدد بثمن مؤجل فإنه يجوز فيه الإقالة قبل قبضه ولا تجوم فيه الشركة ولا التولية لا نقداً ولا إلى أجل لعينه بخلاف ما في الذمة مما ينقد ثمنه؛ لأنه لا يجوز له تعجيل الثمن فيه فيصير بيعاً، والذمتان لا بد أن تختلفا في الملاء ويختلف منهما القضاء. قال ابن حبيب: وإن كان الطعام من إجارة أو كراء لم يجز فيه شركة ولا تولية، انقضت المدة أو لم تنقض، عمل أو لم يعمل لأن الأعمال من الناس تختلف، وتجوز فيه الإقالة وإن لم يعمل، فإن عمل بعض العمل جاز أن يقيله مما بقي خاصة إذا أحيط بمعرفته، وقاله ابن الماجشون وأشهب وذكره كله ابن المواز وابن عبدوس عن أشهب. قال ابن المواز: قال أشهب: وكذلك أن ابتاع الطعام بعرض لم تصلح فيه الإقالة، فإن فات العرض أو تغير بزيادة أو نقص لم تجز الإقالة أيضاً.

قال أبو إسحاق البرقي: لو ابتاع الطعام بثوب فقبضه البائع وباعه، فسأل مشتري الثوب مشتري الطعام أن يوليه ذلك الطعام قبل أن يكتاله بذلك الثوب جاز؛ لأنه ثوبه بعينه. فصل [10 - في الرجل يبتاع السلعة ويشترك فيها رجلاً فتتلف قبل القبض] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اشترى سلعة بنقد فلم يقبضها حتى أشرك فيها رجلاً أو ولاه إياها، وقد نقد أو لم ينقد فلا بأس بذلك عند مالك، ولو هلكت قبل قبض المشتري فهلاكها منهما جميعاً. وقد قال مالك فيمن اشترى طعاماً واكتاله في سفينته ثم أشرك فيه رجلاً ثم غرقت السفينة وذهب الطعام قبل أن يقاسمه، فهلاكه مهما جميعاً، ويرجع عليه بنصف الثمن.

قال ابن القاسم: إذا أشركته فضمانه منكما وإن لم يكتله المشرك. قال سحنون: يريد وقد اكتلته أنت قبل شركته. م يريد وإلا كان ضمانه من البائع. قال ابن المواز: وإنما كان الضمان منهما، لأن ذلك شركه فقد حل المشرك محل من أشركه. قال: ولو كان على وجه الشراء لكان ضمانه من البائع حتى يكتال إلا أن يشترط عليه رضاه يكيله أو يعلم ذلك من رضى المشتري فيكون منهما. [فصل 11 - في الرجل يشتري طعاماً ويقبضه ثم يشرك فيه أو يولي على التصديق في الكيل] ومن المدونة: قال مالك: وإن ابتعت طعاماً فاكتلته ثم أشركت فيه رجلاً أو وليته على تصديقك في كيله جاز، وله أو عليه المتعارف من زيادة الكيل أو نقصانه، فإن كثر رجع عليك بحصة النقصان من الثمن ورد كثير الزيادة.

[فصل 12 - فيمن أسلم إلى رجل في طعام ثم سأله آخر أن يوليه ذلك] قال: وإن أسلمت إلى رجل في طعام، ثم سألك أن توليه ذلك ففعلت، جاز إذا نقدك وتكون إقالة، وإنما التولية لغير البائع. قال: وإن اسلمت في حنطة أو عروض جاز أن تولي بعضها قبل الأجل، ربعها بربع الثمن، أو نصفها بنصفه. قال مالك: وتجوز الشركة والتولية والإقالة في السلم في الطعام وفي جميع الأشياء إذا انتقدت، وكل ما اشتريت من جميع الطعام والعروض فلا يجوز عند مالك أن تشرك فيه رجلاً قبل قبضك له أو بعد على أن يقد عنك، لأنه بيع وسلف منه لك. قال: وإذا ابتاع رجلان عبداً فسألهما رجل أن يشركاه فيه ففعلا فالعبد بينهما أثلاثاً. وقيل يكون للذي أشركاه نصفه؛ لأن كل واحد أشركه في نصفه فيكون له وحده النصف، ولكل منهما ربع ربع. م قال بعض أصحابنا: إنما كان ذلك إذا لقي كل واحد منهما على انفراده فسأله في الشركة فأشركه، فها هنا يكون له نصف العبد؛ لأن كل واحد أشركه في نصيبه على انفراده، وأما لو أشركاه مجتمعين فيكون هاهنا بينهم أثلاثاً كما قال في الكتاب، وهذا إذا استوت أنصباء الأولين فيه، وأما لو اختلفت أنصباؤهما لكان للمشرك نصف نصيب كل واحد والله أعلم.

فصل [13 - فيمن اشترى سلعة ثم ولاها لرجل قبل أن يسلمها له أو يسمي له ثمنها] قال مالك: وإن اشتريت سلعة ثم وليتها لرجل ولم تسمها له ولا ثمنها أو سميت له أحدهما، فإن كنت ألزمته إياها إلزاماً لم يجز؛ لأنه مخاطرة وقمار، وإن كان على غير الإلزام جاز وله الخيار إذا رآها وعلم الثمن، وإن أعلمته أنه عبد فرضي، ثم سميت له الثمن فسخط ولم يرض فذلك له، وهذا من ناحية المعروف، يلزم المولي ولا يلزم المولى حتى يرضى بعد الرؤية وعلم الثمن، كان الثمن عيناً أو طعاماً أو عرضاً أو حيواناً وعليه مثل صفة العرض بعينه أو الحيوان أو العين ونحوه. م يريد والمثل حاضر عنده لئلا يدخله بيع ما ليس عنده. قال مالك: وأما إن بعت منه عبداً في بيتك بمائة دينار ولم تصفه له ولا رآه قبل ذلك ولم تجعله بالخيار إذا نظر إليه فالبيع فاسد، ولا يكون المبتاع بالخيار إذا نظره لأن البيع وقع فيه على الإيجاب والمكايسة، ولو كنت جعلته فيه بالخيار إذا نظره جاز وإن كان على المكايسة.

[الباب الثاني] في بيع الطعام قبل قبضه وما يجوز فيه من مقاصة أو حوالة

[الباب الثاني] في بيع الطعام قبل قبضه وما يجوز فيه من مقاصة أو حوالة [الفصل 1 - في بيع الطعام قبل قبضه] قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه» وهو في الموطأ، وقال في حديث آخر «حتى يقبضه» فلم يمنع من بيع القرض منه لخصوصيته للمبيع ودل بقوله حتى يستوفيه أن ذلك فيما يقبض بكيل أو وزن ونحوه. قال الله سبحانه {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين:2]. وقال عز وجل {أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} [هود: 85]، وإنما النهي فيما يستوفى من كيل أو وزن أو عدد من الجزاف، إذا الجزاف بعد البيع داخل في ضمان المبتاع. م وخالف ذلك أبو حنيفة والشافعي.

قال عبد الوهاب: وقد روى أصحابنا من حديث أبي هريرة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال «من ابتاع طعاماً كيلاً فلا يبعه حتى يستوفيه»، فدل أن ما عداه بخلافه. وروى ابن وهب عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يبيع أحدٌ طعاماً اشتراه بكيل حتى يستوفيه. قال عبد الوهاب: ولأن الجزاف إذا رفع البائع ملكه عنه فقد استقر في ملك المشتري ولم يبق فيه حق توفيه فجاز بيعه كالمقبوض، ودل أن الخبر لا يتناول الجزاف. قال غيره: وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربح ما لم يضمن. [قال] ابن المواز: قال مالك إنما هو في الطعام خاصة عند أكثر أهل المدينة، وقد خصه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالذكر في النهي عن بيعه قبل قبضه، وقد رد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بيع حكيم بن حزام الطعام باعه قبل أن يستوفيه. وقال مالك: الأمر المجتمع عليه والذي لا اختلاف فيه عندنا بالمدينة أن من اشترى شيئاً من الطعام فلا يبعه حتى يقبضه، وهذا كله في الموطأ.

قال ابن حبيب: وذهب عبد العزيز ابن أبي سلمة إلى أن كل مبيع على كيل أو وزن أو عدد من غير الطعام لا يجوز بيعه قبل قبضه كالطعام، وجعل العلة الكيل والوزن والعدد؛ لأن جزاف الطعام يجوز بيعه قبل قبضه. وروي ذلك عن عثمان -رضي الله عنه- وابن المسيب والقاسم وسالم وربيعة ويحي بن سعيد. قال: وقد روي النهي عن ربح ما لم يضمن. م يريد فهذا مثله. قال غيره: ظاهر هذا بيع ما في ملك غيرك. قال ابن المواز: ومن ربح ما لم يضمن أن تبيع لرجل شيئاً بغير أمره ثم تبتاعه منه وهو لا يعلم بفعلك بأقل مما بعته به، وكذلك كلما ابتعته بخيار فلا تبعه حتى تعلم البائع أو تشهد أنك رضيته، فإن لم تعلمه فربح ذلك للبائع، قاله ابن القاسم إن

أقررت أنك بعته قبل أن تختار؛ لأنه في ضمان البائع، وإن قلت بعت بعد أن اخترت صدقت مع يمينك ولك الربح. ومن المدونة قال مالك: وكل طعام ابتعته بعينه أو مضموناً على كيل أو وزن أو عدد، كان مما يدخل أو لا يدخل فلا يجوز أن تبيعه من بائعك أو غيره حتى تستوفيه إلا أن تقيل منه أن تشرك فيه أو توليه وكذلك كل طعام أو شراب عدا الماء. قال عبد الوهاب: وروى ابن وهب عن مالك أن ما لا ربا فيه يجوز بيعه قبل قبضه؛ لأنه أخفض رتبة من المقتات، قال: وإذا باع تمراً واستثنى منه كيلاً معلوماً دون الثلث ففيه روايتان عن مالك إحداهما أن له بيعه قبل قبضه وجذاذه، والأخرى أن ليس له ذلك، فوجه الجواز: أنه لم يبع ما استثنى وإنما أبقاه على ملكه؛ ووجه المنع: أنه صار شريكاً للمشتري بمقداره من الكيل. م يريد وكما لا يجوز ذلك للمشتري، فكذلك لا يجوز ذلك لك لأنك شريكه فلك حكمه.

م ولأن استثناءه كاشترائه من المشتري، وكما منعوا من استثناء ما لم يؤبر من الثمرة، لأنه بالبيع وجب للمشتري، فصار استثناؤه كشراء البائع له من المشتري، وكاستثناء الجنين لأنهم جعلوا استثناءه كشرائه من المشتري، فكذلك استثناء بعض الثمرة وبالله التوفيق. [فصل 2 - من باع طعاماً قبل قبضه فقبضه مشتريه ولم يستطع رده] [قال] ابن المواز قال ابن القاسم: ومن باع طعاماً من بيع قبل استيفائه، فقبضه مبتاعه وغاب عليه فلم يقدر عليه ليرده فإنه يؤخذ الثمن من البائع الآخر، فيبتاع به طاماً مثله فيقبضه، فإن نقص عن مقدار طعامه، فله اتباع الغائب بما نقص، وإن كان أكثر لم يشتر له إلا مثله، ويوقف ما فضل من الثمن للغائب فيأخذه إن جاءه وإن كان كفافاً برئ بعضها من بعض.

فصل [3 - في بيع البذر قبل قبضه] ومن المدونة وغيرها: ويجوز بيع زريعة الفجل الأبيض وزريعة السلق والكرات والجزر وهو الاسفنارية والخريز وهو البطيخ المدور الفارسي، وكذلك زريعة البطيخ وغيره والقثاء وشبهه اثنين بصنف واحد من صنف قبل قبضه؛ لأنه ليس بطعام، قبل قيل فإنه يزرع فينبت منه ما يؤكل؟ قيل له: فإن النوى قد زرع فينبت منه النخل فيخرج منه ما يؤكل قال: وأما زريعة الفجل الأحمر الذي يخرج منه الزيت فلا يصلح بيعه قبل قبضه؛ لأنه طعام، ألا ترى أن الزيت فيه. [قال] ابن المواز قال ابن القاسم: ومثله حب القرطم -وهو زريعة العصفر؛ لأن فيه الزيت- قال: والفلفل والقرفاء والسنبل والكزبر والقرنباد وهو الكروية

والشونيز وهو الكمون الأسود والملح، هذا كله طعام لا يباع إذا اشترى على اكليل أو الوزن حتى يستوفى، ولا يصلح منه اثنان بواحد إلا أن تختلف الأنواع منه؛ لأنه من المدخرات. قال ابن المواز قال ابن القاسم: الشمار وهو زريعة البسباس والأنيسون، وهو الحبة الحلوا، والكمونات كلها صنف واحد وهو طعام. وقال أصبغ ومحمد في هذه الأربعة: إنها ليست من الأطعمة وهو من الأدوية. قال أشهب: قال مالك: كل واحد من ذلك صنف على حده. وقال ابن القاسم: والحلبة من الطعام. وقال ابن حبيب: ليست من الطعام. [قال] ابن المواز: وقال أصبغ: أما اليابسة فلا وأما الخضراء -[قال] محمد والمنبوتة ينبتها أهل المنازل للأجل- فمن الطعام وبمجرى البقول.

قال ابن حبيب: والحرف وهو حب الرشاد، ليس من الطعام وجائز بيعه قبل قبضه، وأما الخردل فمن الطعام. قال ابن سحنون: وأجمع العلماء أن الزعرفان ليس من الطعام وجائز بيعه قبل قبضه. فصل [4 - في بيع الماء قبل قبضه] ومن المدونة: قال مالك: والماء ليس من الطعام ويجوز بيعه قبل قبضه، ومتفاضلاً يداً بيد وبطعام إلى أجل. قال عبد الوهاب: وروى ابن نافع عن مالك أنه منع بيعه بالطعام إلى أجل. قال بعض أصحابنا: يجيء على هذا أن يجرم بيعه قبل قبضه وأن يحرم التفاضل في جنسه، فوجه نفي الربا عنه أن التفاضل إنما حرم حراسة للأموال وحفظاً عليها، فلذلك قصر

على ما تمس الحاجة إليه من المأكولات دون غيره، والماء أصله مباح غير متشاح فيه، فكان منافياً لموضوع القصد في الربا. ووجه إثباته أنه في معنى القوت؛ لأن الحاجة إليه أمس منها إلى الخبز؛ لأن غير الخبز يقوم مقامه، والماء لا يقوم غيره مقامه، فكان تحريم التفاضل فيه أولى. قال ابن حبيب: والعذب من الماء والشريب صنف واحد لا يسلم بعضه في بعض، ولا بأس -به في الأجاج إلى أجل. فصل [5 - في الرجل يكاتب عبده بطعام إلى أجل فيريد بيعه منه أو من غيره قبل أن يستوفيه] ومن المدونة: قال مالك: وإن كاتبت عبدك بطعام موصوف إلى أجل جاز أن تبيعه من المكاتب نفسه خاصة قبل الأجل بعرض أو بعين وإن لم يتعجله، ولا تبع ذلك من أجنبي حتى تقبضه.

قال ابن حبيب: إلا أن يكون يسيراً تافهاً بيع مع غيره مما كاتبه عليه، فلا بأس به. ومن المدونة: قال مالك: وإنما جاز من المكاتب، لأن الكتابة ليست بدين ثابت، ولا يحاص بها [السيد] غرماء المكاتب وكما يجوز ببيع الكتابة من المكاتب نفسه بدين إلى أجل، ولا تباع من أجنبي بدين مؤجل، وقد تباع خدمة المدبر منه ولا تباع من غيره، فأما أن يبيع من المكاتب نجماً مما عليه من الطعام فلا يجوز لأنه بيع الطعام قبل قبضه، وإنما يجوز أن يبيعه جميع ما عليه فيعتق بذلك، فيجوز لحرمة العتق، وقاله سحنون. م وقيل يجوز ذلك وإن لم يتعجل عتقه؛ لأن الكتابة ليست بدين ثابت. [فصل 6 - في الطعام إذا كان ثمناً لكراء أو صلح أو غيره فلا يجوز بيعه قبل قبضه إلا أن يكون مصبراً] قال مالك: وكل ما أكريت به أو صالحت به من دم عمداً أو خالعت به من طعام بعينه أو مضمون على كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه إلا أن يكون الذي بعته مصبراً فيجوز بيعه قبل قبضه لجواز بيع ما يشترى من الطعام جزافاً قبل قبضه.

ومن الواضحة: وكل ما ارتزقه القضاة والكتاب والمؤذنون وصاحب السوف من الطعام: فلا يباع حتى يستوفى. فأما ما كان لصلة أو عطية -يريد أو هبة أو ميراث- قال مالك في العتبية: أو مثل ما فرض عمر -رضي الله عنه- لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأرزاق من الطعام فلا بأس أن يباع ذلك كله قبل قبضه، وكذلك طعام الجار. وقال ابن حبيب: إنما نهي عن بيع صكوك الجار، وهي عطايا من طعام، فإنما نهي مبتاعها عن بيعها قبل قبضها ولم ينه من أعطيت له. قال: وقال: مالك: وكل طعام من بيع ورثته أو وهب لك أو تصدق به عليك أو أعطيته سلفاً أو أخذته قضاء من سلف فلا تبعه حتى تقبضه، وأخفه عندي الهبة والصدقة، وقال عمر بن عبد العزيز في الميراث.

[فصل 7 - السلم في الطعام المشترى قبل قبضه] ومن المدونة: قال مالك: وإن ابتعت طعاماً فلم تقبضه حتى أسلفته لرجل فقبضه المتسلف فلا يعجبني أن تبيعه منه -يريد ولا من غيره- قبل أن تقبضه، وأراه بيع الطعام قبل قبضه. ابن المواز: قال مالك بعد ذلك أما الشيء اليسير من الكثير فلا بأس به، وكأنه وكيل على قبضه. قال: ولا يجوز لمن أسلفته إياه أن يبيعه من الذي عليه الطعام أو من غيره إلا أن تأخذ فيه مثل رأس مالك فيه فيكون ذلك كالإقالة أو التولية. ولو أحلت به من له عليك طعام من بيع على طعام لك من قرض فلا يبعه هو من قبل قبضه إلا أن يأخذ فيه مثل رأس المال. ومن المدونة: قال مالك: وإن ابتاع ذمي طعاماً من ذمي فأراد بيعه قبل قبضه فلا أحب لمسلم أن يبتاعه، ولا يدخل فيه، قال في كتاب الصلح: ويفسخ ذلك إن نزل. فصل [8 - فيمن ابتاع طعاماً بعينه أو بغير عينه فيريد بيعه قبل قبضه] قال مالك: وما ابتعت من الطعام بعينه أو بغير عينه كيلاً أو وزناً فلا تواعد فيه أحداً قبل قبضه، ولا تبع طعاماً أن تقضيه من هذا الطعام الذي

قال سحنون: هذه مسألة ابن المسيب والعجيب منهم كيف كرهوها وهي في حال الفقه لا تضر. قال ابن المواز: قال أشهب عن مالك ومن أسلم في طعام ثم أسلم غليه في طعام وهو ينوي أن يقضيه من السلم الذي له فلا خير فيه، وهو الذي نهى عنه ابن المسيب، وكذلك في المجموعة عن ابن المسيب. وقال أشهب فيها: لا بأس أن تقضيه منه ما لم يشترط ذلك، ولا تضر النية، كما لو نوى أن يشتري طعاماً يوفيه منه أو مما لم يبد صلاحه من الحب. قال مالك: لم يكن بالحجاز أعلم بالبيوع في التابعين من ابن المسيب، ومنه أخذ ربيعة علم البيوع، ولم يكن بالمشرق أعلم بها من محمد بن سيرين.

[فصل 9 - البيع على التصديق في الكيل] ومن المدونة: قال مالك: فإن اشتريت طعاماً فاكتلته لنفسك، ورجل واقف على غير موعد، فلا بأس أن تبيعه منه على كيلك أو على تصديقك في الكيل إن لم يكن حاضراً ولم يكن بينكما في ذلك موعد أن يقول اشتريه وأنا آخذه منك بكيلك. [قال] ابن المواز: وقيل أيضاً عن مالك لا يأخذه أيضاً منه على تصديق الكيل ولا أن يحضره فيأخذه بكيله وكرهه، وأجازه ابن القاسم إلا أن المواعدة، وكره مالك بيع الطعام بثمن إلى أجل على تصديق الكيل، للذريعة للربا أن يدان على هذا. وكذلك لو حضر كيله قال: فيما ابتاعه بنقد على التصديق في الكيل. قال فيه وفي المدونة: وما وجد فيه من نقص بين أو زيادة بينة فيما ابتاعه بنقد على التصديق في كيله فللبائع أو عليه.

ومن المدونة قال: وإن أسلمت في كر حنطة فلما حل الأجل اشترى هو كراً من حنطة، وقال لك: أقبضه منه لم يصلح حتى يستوفيه؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه، ولو كان هو قد قبضه منه جاز أن تأخذه على كيله أو على تصديقه، وكذلك إن قبضه بمحضرك إلا أن تواعده، فتقول له: اشتر هذا الطعام وأنا آخذه بما لي عليك فلا خير فيه، ويدخله بيع الطعام قبل قبضه مع بيع ما ليس عندك. قال ابن حبيب: وكأنه اشتراه له، فكأنه قضاه ثمناً، قال: ولا ينبغي للطالب أن يدله على طعام يبتاعه لقضائه أو يسعى له فيه أو يعينه عليه وقد نهى عنه سعيد بن المسيب ويحيى بن سعيد وربيعة وابن شهاب.

فصل [10 - هل يصح توكيل المسلم إليه عبده أو زوجته أو ولده في قبض الطعام من المسلم إليه] ومن المدونة قال مالك: وإن أسلمت إلى رجل في طعام فحل فلا ينبغي أن توكل على قبضه منه عبده أو مدبره أو أم ولده أو زوجته أو صغار ولده. م يريد ثم تبيعه بقبضهم، قال: وهذا كتوكيلك إياه على قبضه من نفسه، قال: وإن كان ولده أكابر -يريد قد بانوا بالتجارة عنه- فلا بأس بذلك وتبيعه بقبضهم إن شئت. قال أشهب في المجموعة: لا يعجبني أن توكل الذي عليه السلم أن يقبض لك من نفسه، وإن أشهد على ذلك. قال في كتاب محمد: ولا يجوز أن توكل الذي لك عليه الطعام أن يوكل من يقبضه منه فإن فعل وأشد على كيله فجائز، فإن أمره ببيعه لم أحب ذلك، فإن نزل لم أفسخه.

قال: وإن قلت له وكل فلاناً على قبضه منك، فإذا قبضه فبعه أنت فهذا أخفه، وتركه أحب إلي، ولو قلت له قد وكلت أنا فلاناً فأعلمه فإذا قبضه فمره ببيعه أو بعه أنت، فذلك جائز وإن لم يكن على ذلك إشهاد -يريد محمد في القبض والبيع- قال والإشهاد أحب إلينا. [فصل 11 - في الرجل يكون له طعام من سلم على آخر فيأمره ببيعه وإحضار الثمن] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن لك عليه طعام من سلم فلا تقل له بعه وجئني بالثمن، وهو من ناحية بيعه قبل قبضه مع ما يدخله من ذهب بأكثر منه إن كان رأس المال ذهباً، وإن كان ورقاً دخله ورق بذهب إلى أجل. وإن أعطاك بعد الأجل عيناً أو عرضاً فقال لك: اشتر به طعاماً وكله ثم اقبض حقك منه لم يجز؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه إلا أن يكون رأس مالك ذهباً أو ورقاً فيعطيك مثله صفة ووزناً، لأنه بيع الطعام قبل قبضه إلا أن يكون رأس مالك ذهباً أو ورقاً فيعطيك مثله صفة ووزناً، فيجوز بمعنى الإقالة، وإن كان رأس المال لا يسوى الطعام الذي لك عليه لأنك لو هضمت عنه بعض الطعام وأخذت بعضه جاز، وإن أعطاك أكثر من رأس مالك أو أقل لم يجز؛ لأن خرج عن الإقالة فصار بيعه قبل قبضه. قال أبو إسحاق: فإن قيل ينبغي إذا جاءه بمثل رأس ماله لا أزيد ولا أنقص أن يجيز ذلك.

قيل قد لا يجوز هذا لأنها قد تصير إقالة غير متناجزة، إذ قد يرضى أن يعطي الدراهم التي هي رأس المال، ثم تراخى بدفعها مدة، ثم يأتي فيقول الآن بعت. قال ابن المواز: وإن أعطاه أكثر من رأس ماله أو أنقص، وزعم أنه ابتاع به مثل الذي له وقبضه، فإن كان ببينة أنه ابتاع ذلك باسمك ثم قبضه، وفات نفذ ذلك بينكما، وإن لم يكن إلا قوله لم يجز، ورد ما أخذ وطالب بحقه. وقال أشهب: إن دفع إليه في الطعام مثل رأس ماله أو أقل ليشتري ذلك لنفسه، فزعم أنه فعل وقبض حقه أجزت ذلك، فإن زعم أنه بقي له شيء يكون له أكثر من رأس المال لم أصدقه، ونقضت ذلك بينهما. قال في المجموعة: لأنه إن أعطاه ما بقي طعاماً أو دراهم يبتاع بها ما بقي [له] فقد صار بيعاً ويدخله الربا في الزيادة [على رأس ماله] إن أخذ أكثر.

[قال] ابن المواز: قال مالك: ومن اشترى نصف ثمرة جزافاً أو نصف صبرة فلا بأس ببيع ذلك قبل أن ينقل وأحب إلى أن ينقل قبل البيع لحديث ابن عمر، ولا أراه حراماً، وكذلك الصبرة تشترى لأنها في ضمانه بالعقد لقد استوفاها وعلى ذلك من أدركت. قال ابن القاسم في العتبية: وقد كان مالك يقول إذا اشترى جزءاً من ثمرة فلا يبعه حتى يقبضه ثم رجع عنه. [فصل 12 - إذا كان السلم في عروض جاز أن يأخذ المسلم مثل رأس ماله أو أقل] ومن المدونة: قال ولو كان سلمك في عروض جاز أن يعطيك مثل رأس مالك أو أقل، إذ لا يتهم أحد في أخذ قليل من كثير، وأما أكثر منه فلا يجوز بحال؛ لأنه دفع إليه ذهباً فرجع إليه أكثر منها. فصل [13 - في المقاصة والحوالة في السلم] قال: وإن كان لك عند رجل طعام من سلم، وله عليك طعام من سلم مثله لم يجز أن تتقاصا، حلت الأجل أم لم تحل؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه وهو بمنزلة ما لو كان على رجلين.

م قيل معنى قوله: وهو بمنزلة ما لو كان على رجلين مثل أن يكون لك على رجل طعام ولصاحبك طعام مثله على رجل آخر فكما لا يجوز أن تتقاصا، بأن تأخذ أنت ما كان له على غريمه على أن يأخذ هو ما على غريمك، فكذلك إذا كان لك عليه وله عليك، هو بمنزلة كون ذلك لكما على رجلين، وقيل هو مثل أن يكون عليك طعام من سلم ولك على رجل طعام من سلم وأحلت الذي له عليك الطعام على الذي لك عليه الطعام، فقد بعته منه قبل قبضه، وكذلك في المقاصة أنت بعت منه مالك عليه بماله عليك وهو كذلك. قال ابن القاسم: ولو كان أحدهما من قرض والآخر من سلم وأجلهما واحد، والصفة والمقدار واحد جاز أن يتقاصا إن حل الأجلان. م لأنه لما حل الأجل، إنما له عليك أن توفيه سلمه فإذا أعطيته فيه القرض الذي لك عليه جاز، إذ لا يكره لك بيع ذلك القرض قبل قبضه. قال: ولا يجوز إن لم يحلا ولا إن لم يحل إلا أحدهما بمنزلة ما لو كان على رجلين.

م يريد مثل أن يحيل من له عليك طعام من قرض على من لك عليه طعام من سلم، فيجوز إن حلا ولا يجوز إن لم يحلا كما بينا أولاً. قال: ويدخله بيع الدين بالدين وبيع الطعام قبل قبضه. قال في الآجال: ولو كان الذي له عليك من قرض والذي لك عليه من قرض ككيله وصفته حالين أو مؤجلين جاز أن يتقاصا اختلفت الأجلان أو اتفقا، ولم يحلا أو حلا أو حل أحدهما، لجواز بيع طعام القرض قبل قبضه، ولبراءة الذمتين بالمقاصة إلا أن يكون الذي عليك سمراء والذي لك محمولة فتجوز المقاصة إن حلا؛ لأنه بدل، فأما إن لم يحلا أو لم يحل إلا أحدهما لم يجز، إذ لا يجوز عند مالك قضاء سمراء من بيضاء ولا بيضاء من سمراء قبل الأجل من بيع أو قرض وفي كتاب الآجال وكتاب الهبات كثير من هذا. ومن السلم قال مالك: وإذا أحلت على ثمن طعام لك من له عليك مثل ذلك الثمن من بيع سلعة أو من قرض لم يجز للمحال به أن يأخذ فيه في الطعام إلا ما جاز لك وهو مثل طعامك صفة وكيلاً.

يريد وإن كان إنما له عليك ثمن طعام بعته منه مخالفاً للذي بعت من غريمك، لا يجوز أن تأخذ من غريمك طعاماً كان من صنف طعامك أو من صنف طعامه، لأنه لا يجوز لمن أحلته أن يأخذ إلا مثل صنف طعامك فإذا أخذ هذا مثل صنف طعامك كان مخالفاً لصنف طعامه وهو لا يجوز له أن يأخذ منك ولا ممن أحلته عليه إلا مثل صنف طعامه، وقد تقدم هذا في السلم الأول.

[الباب الثالث] في بيع العروض قبض قبضها وذكر العينة وبيع الطعام الجزاف وهلاكه قبل قبضه

[الباب الثالث] في بيع العروض قبض قبضها وذكر العينة وبيع الطعام الجزاف وهلاكه قبل قبضه [فصل 1 - في اختلاف الأئمة في النهي عن بيع الطعام قبل قبضه مقصور على الطعام أن يجري في غيره] ولما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- «من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه» دل بذلك أن ما عدا الطعام بخلافه. قال عبد الوهاب: وقال أبو حنيفة لا يباع ما ينقل ويزال به من سائر الأشياء قبل قبضه. وقال الشافعي: لا يجوز بيع شيء قبل قبضه، ودليلنا قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275] وقوله -صلى الله عليه وسلم- «من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه» فدل أن ما عداه بخلافه، ولأنه أحد نوعي المبيعات، فعدم القبض لا يمنع بيعه، أصله بيع المنافع والإجارات، ولأن الشراء نوع يملك به فجاز أن يبيع ما ملك قبل قبضه كالميراث والوصية، ومنع أبي حنيفة قياساً على العقار.

م فصار في بيع الأشياء قيل قبضها أربعة اقوال: [1] قول مالك، إنما ذلك فيما بيع من الطعام على الكيل والوزن، [2] قوله عبد العزيز فيما بيع من الأشياء كلها على كيل أو وزن. [3] قول أبي حنيفة فيما بيع مما يزال به من الأشياء، [4] قول الشافعي لا يباع شيء قبل قبضه. [فصل 2 - ما عدا الطعام والشراب من العروض التي تعد أو تكال أو توزن فيجوز التصرف فيها قبل قبضها] ومن المدونة: قال مالك: فكلما ابتعته أو أسلمت فيه عدا الطعام والشراب من سائر العروض على عدد أو كيل أو وزن فجائز بيع ذلك كله قبل قبضه وقبل أجله من غير بائعك بمثل رأس مالك أو أقل أو أكثر نقداً أو بما شئت من الأثمان إلا أن تبيعه بمثل صنفه فلا خير فيه. من يريد أقل أو أكثر فأما مثل عدده أو كيله أو وزنه فقد قال مالك في كتاب الهبة: إن كانت المنفعة للمبتاع لم يجز وإن كانت للبائع جاز وهو قرض. قال في كتاب السلم الثاني: فإن بعت ذلك من رجل بما يجوز لك بيعه وانتقدت ثم فلس من ذلك في ذمته فليس للمبتاع منك رجوع عليك، وله

اتباع بائعك ومحاصة غرمائه. قال ابن المواز وابن حبيب: وكل دين بعته بما يجوز لك بيعه فإنما يجوز ذلك إذا كان الذي هو عليه حاضراً مقراً أو قريب الغيبة حتى يعرف ملاؤه من عدمه. [فصل 3 - بيع السلم للبائع] ومن المدونة: قال: وجائز بيع ذلك السلم من بائعك بمثل الثمن فأقل منه نقداً قبل الأجل أو بعده إذ لا يتهم أحد في أخذ قليل من كثير. قال سحنون في السلم الأول: واتقاه عبد العزيز أن يأخذ من بائعه فيه أقل من الثمن. قال مالك: وأما بأكثر من الثمن فلا يجوز بحال، حل الأجل أم لا؛ لأن سلمك صار لغواً ودفعت ذهباً فرجع إليك أكثر منها، فهذا سلف جر نفعاً. قال مالك: وإن كان الذي لك عليه ثياب فرقيبة جاز أن تبيعها منه قبل الأجل بما يجوز أن تسلف فيها من ثياب القطن المروية والهروية والحيوان والطعام إذا انتقدت ذلك كله ولم تؤخره، ولا تأخذ منه قبل الأجل ثياباً فرقبية إلا مثل ثيابك صفة وعدداً، فأما أفضل من ثيابك رقاعاً أو أشر فلا خير

فيه، اتفق العدد أو اختلف ويدخله في الأرفع حط عني الضمان وأزيدك وفي الأشر ضع وتعجل إلا أن يحل الأجل فيجوز ذلك كله. ولو كان رأس مالك عرضاً أسلمته فيما يجوز أن تسلمه فيه، أو بعته بثمن إلى أجل فلا تأخذ منه فيه إلا ما يجوز أن تسلم فيه عرضك أو أسلمت فيه، وإن حل الأجل فأعطاك مثل صنف رأس مالك صفة وعدداً أو أدنى فلا بأس به، فإن أعطاك أكثر لم يجز؛ لأنه سلف جر منفعة. قال: وإن بعت عرضك بمئة درهم إلى شهر جاز أن تشتريه بعرض مخالف له أو بطعام نقداً، كان ثمن العرض أقل من المئة أو أكثر، وإن اشتريته بعرض مؤجل إلى مثل أجل المئة أو دونه أو أبعد منه لم يجز، لأنه دين في دين وقد نهى عنه. قال مالك: وما ابتعته من الطعام أو الشراب جزافاً أو اشتريته من سائر العروض بعينه أو مضموناً على كيل أو وزن أو جزاف من عطر أو زنبق أو مسك أو حديد أو نوى أو شبهه فلا بأس ببيعه قبل قبضه من بائعك أو غيره وتحيله عليه إلا أن يكون ذلك بين أهل العينة فلا يجوز بأكثر مما ابتعته به إلى أجل.

فصل [4 - في التعريف بالعينة وبعض صورها] وأصل العينة أن يأتي الرجل إلى الرجل فيقول له أسلفني، فيقول لا أفعل ولكن اشتري لك سلعة من السوق -يريد أو سلعة بيده- فأبيعها منك بكذا إلى أجل كذا، ثم ابتاعها منك بكذا نقداً بدون ما باعها به منه، أغو يشتري من رجل سلعة بثمن نقداً، ثم يبيعها منه بأكثر مما ابتاعها، به إلى أجل. م وهذه المسألة الثانية هي التي لا تجوز بيه أهل العينة، وتجوز بين غيرهم، وأما المسألة الأولى فلا تجوز بين أهل العينة ولا غيرهم؛ لأنها من بيوع الآجال الممنوعة، والثانية من بيوع النقود فلا يتهم فيها إلا أهل العينة.

ومن العتبية: قال مالك: كان رجال من أهل الفضل يتجرون في العينة ثم تركوها وهم يرون فضلها لما استرابوا منها. قال: ومن ابتاع طعاماً أو غيره وهو ممن يغبن بثمن إلا أجل ثم جاء يستوضعه، وشكى الوضعية فوضع له، فلا خير فيه، لأن هذا في أهل العينة يتراضون على ربح، فلعشرة اثنا عشر أو أقل أو أكثر، فإذا باعها فنقص ذلك عن تقديرهما، حطه حتى يرجع إلى ما تراوضا عليه، وكرهه ابن هرمز. قال مالك: ولو باعه -وهو ممن يغبن- طعاماً بثمن إلى أجل على أن ينقده منه ديناراً فذلك مكروه، وقد كرهه ربيعة وغيره.

قال ابن القاسم: إنما مكروهه كأنه قال له بع من هذا الطعام بدينار وأعطنيه وما بقي من الطعام فهو لك بما بقي من الثمن. قيل له فإن أعطاه الدينار من عنده؟ قال: وإن، فهو يخلفه من الطعام. [قال] ابن المواز: قال مالك: وهذا في أهل العينة ولا بأس به في غيرهم. قال فيه وفي الواضحة وهذا فيما يشتريه ليبيعه لحاجته إلى ثمنه، فأما من يشتريه لحاجته من ثوب يلبسه أو دابة يركبها أو خادم تخدمه فلا بأس بذلك. وفي العتبية قال مالك: فيمن يعين، يبيع السلعة بثمن إلى أجل فيقبضها المبتاع ثم يبيعها من رجل معهما في المجلس، ثم يبتاعها من بائعها الأول مكانه فهو كمحلل بينهما فلا خير فيه. قال ابن دينار: وهذا مما يضرب عليه عندنا ولا يختلف في كراهيته.

فصل [5 - في بيع الجزاف قبل قبضه والضمان فيه إن هلك بعد العقد] ومن المدونة: قال مالك: وإن اشتريت صبرة طعام جزافاً، فلا بأس ببيعها قبل قبضها، لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما نهى عن بيع الطعام قبل أن يستوفي، فدل أن الاستيفاء هو كيله. فكان ذلك عندنا فيما بيع على الكيل، فأما ال صبرة فهي كسلعة بعينها وضمانها بالعقد من المشتري. قال ابن المواز: هي مثل ما لا يغاب عليه أو ما صدقته في كيله. ومن المدونة: قال مالك وإن هلكت بعد العقد فهي منك، فإن كان ذلك بتعدي أحد اتبعته بقيمتها من الذهب أو الفضة، كان بائعك وغيره. قال: ولو ابتعتها على الكيل كل قفز بكذا فهلكت قبل الكيل بأمر من الله عز وجل كانت من البائع وانتقض البيع، وإن هلكت بتعدي البائع أو أفاتها ببيع فعليه أن يأتي بمثلها تحرياً يوفيكها على الكيل ولا خيار لك في أخذ ثمنك أو الطعام، ولو استهلكها أجنبي غرم مكيلتها إن عرفت وقبضته أنت.

على ما اشتريت، وإن لم يعرف كليها أغرمنا البائع قيمتها عيناً ثم ابتعنا بالقيمة طعاماً مثله فأوفيناكه على الكيل، وليس ببيع منك للطعام قبل قبضه؛ لأن التعدي على البائع وقع، وأما التعدي بعد الكيل فمنك. قال بعض أصحابنا: وإذا أغرم الأجنبي قيمة تلك الصبرة فاشترى بمثلها طعاماً، وفضلت من القيمة فضلة لرخص حدث، فإن الفضلة للبائع؛ لأن القيمة له أغرمت، ألا ترى أن المتعدي لو أدم أو ذهب فلم يوجد كانت المصيبة من البائع، فلما كان عليه التوى كان له النماء، والمشتري إذا أخذ مثل صبرته التي اشترى لم يظلم. قال: وإن لم يوجد بالقيمة إلا أقل من الصبرة الأولى كان ما نقص كالاستحقاق، فيراعى إن كان كثيراً، فللمشتري فسخ البيع وإن كان يسيراً سقط عنه ما يخص ذلك من الثمن. قال ابن أبي زمنين: فالذي يدل عليه لفظ الكتاب أن البائع هو الذي يتولى الشراء بالقيمة؛ لأن له أغرمت. قال: وقد قال أشهب في غير

المدونة أن البيع يفسخ، وأراه إنما قال ذلك: لأن البائع إذا كلف مؤنة شراء الطعام وبيعه ظلم لغير شيء تعدى فيه، فهو يريد أن البائع يتولى الشراء. م قال بعض أصحابنا: ويحتمل إنما قال أشهب بفسخ البيع، لأنه اشترى طعاماً معيناً، فذهب، أصله كما لو ذهب بأمر من الله. م قال بعض أصحابنا في قوله في الصبرة يستهلكها أجنبي فيغرم القيمة ويبتاع به طعاماً فيوفيكه على الكيل وليس ببيع منك لطعام قبل قبضه، قال فيه الشيخ أبو بكر بن عبد الرحمن: يريد فليس ببيع للطعام الذي يشترى بالقيمة التي أخذت من الأجنبي، وليس يعني بيع الطعام المستهلك قبل قبضه. وقال غيره من القرويين: بل إنما أراد الطعام المستهلك قول الشيخ أبي بكر بن عبد الرحمن في ذلك، وعلى هذا الآخر يدل ظاهر الكتاب.

قال بعض أصحابنا: فرق في هذه الصبرة بين أن يستهلكها البائع أو أجنبي، فقال في البائع يغرم مثل كيلها على التحري وقال وفي الأجنبي يغرم قيمتها، فقال بعض شيوخنا من القرويين: كان الأصل أن يقضى في العداء على هذه الصبرة بمثلها، كان المتعدي أجنبياً أو بائعاً، لكن القيمة تنضبط ما لا تنضبط المماثلة فيها، هذا في الأجنبي، ولما كان البائع للصبرة هو مستهلكها أتهم أن يكون يعرف كيلها فاستهلكها ليفسخ البيع فيها أو ليغرم قيمتها، وقد حالت أسواق الطعام، فيشتري بتلك القيمة أقل من المكيلة، فألزم أشد الأمرين وهو المثل، وهو العلة لا توجد في الأجنبي فكان بخلاف البائع في ذلك. م الأصل كان أن يغرم المثل في الوجهين، لأن القيمة لا تعرف إلا بعد أن يقدر مثلها، فيغرم ذلك التقدير، فإغرامه ذلك التقدير أجوز من إغرامه قيمته، لكن أُتقي ذلك في الأجنبي خوفاً أن يكون المثل أكثر أو أقل فيدخله التفاضل في الطعامين، فإذا أغرم القيمة أمنا من ذلك، وفي البائع إنما استهلك طعامه وما منه ضمانه وإنما أغرمناه ذلك لحجة المبتاع، فإذا أغرم مثله لم يدخل ذلك تفاضل فلذلك فرق بينهما والله أعلم.

وأما احتجاجه بأنه ألزم أشد الأمرين لتعديه، فقد يكون حالت الأسواق بزيادة، فيشتري بأقل من القيمة مثلها فيربح. قال ابن المواز: ومبتاع الصبرة جزافاً أو على التصديق في الكيل فذلك من المبتاع كالحيوان ولم يثبت مالك فيها على أمر. قال محمد ومن اشترى طعاماً فسمى له كيله أو كان حاضراً فهو أبدا على الكيل. ابن المواز: والمصيبة ها هنا من البائع حتى يشترط أخذه بكيله أو تصديقه فيه، كالقائل كم في طعامك هذا؟ فيقول خمسين إردباً، فيقول أخذتها بكذا فيرضى به فهذا على الكيل حتى يشترط تصديقه، ولا اشترى على الكيل ثم أراد تصديقه في كيله فذلك جائز، ثم إن بدا له أن يرجع إلى الكيل فليس له ذلك وقاله أصبغ. م لأنه بتصديقه إياه رفع عنه مؤنة الكيل فليس له أن يرجع فيه إلا أن يشاء أن يكتاله هو لنفسه، فذلك له، وإن وجد نقصاناً فإن كان كثيراً رجع به.

قال ابن المواز: وإن لم يسم له معرفة كيله فأراد أن يسلمه له بما يتوخى من كيله لم يجز، لأنه أخذ طعاماً جزافاً من كيل وجب له. قال أشهب ولو ابتاع الصبرة على الكيل فاستهلكها أجنبي قبل الكيل فيغرم القيمة للبائع ويفسخ البيع، وليس للمبتاع إلا الثمن إلا أن يقر المستهلك بعدد الكيل، فإن شاء بائعها أغرمه عدد من أقر به واستحلفه، وإلا فالقيمة ثم يخير المشتري فإن شاء أخذ الملكية التي أقر بها المستهلك، وإن شاء اشترى له بالقيمة طعاماً فاكتاله، وإن شاء فسخ البيع وأخذ الثمن، واستحب محمد قول ابن القاسم، وذكره بمثل ما تقدم في المدونة.

[الباب الرابع] في تسلم الثمن أو المثمون في غير بلد التبايع وحكم سفر المدين

[الباب الرابع] في تسلم الثمن أو المثمون في غير بلد التبايع وحكم سفر المدين [فصل 1 - فيمن ابتاع سلعة من رجل أو طعاماً بدنانير أو دراهم إلى أجل ببلد على أن يقبض الثمن والطعام ببلد آخر] قال مالك رحمه الله: وإن ابتعت من رجل سلعة أو طعاماً بدنانير أو دراهم إلى أجل على أن توفيه الثمن ببلد آخر، فله إذا حل الأجل أن يأخذك بالثمن حيث ما وجدك. قال في كتاب المرابحة: ولو لم يضرب للثمن أجلاً لم يجز، فإن ضرب أجلاً جاز سمى البلد أو لم يسمه. قال في السلم: وأما إن أسلمت إليه في سلعة لا حمل لها ولا مؤنة مثل اللؤلؤة وشبهها وشرطت قبض ذلك ببلد آخر فليس لك أن تأخذه بذلك إلا في البلد الذي اشترطت أخذه فيه، لأن سعر ذلك مختلف [في البلدان] بخلاف العين. قال في كتاب ابن المواز: وما أسلمت فيه من العروض على أن تأخذه ببلد آخر لم تحتج مع ذلك إلى ذكر الأجل. م كأنه جعل غاية بعدها أجلاً. قال ابن المواز: وإن ذكرت مع ذكر البلد أجلاً فسم أجلاً يبلغ في مثله إليه.

قال ابن أبي زمنين فيمن أسلم في طعام أو في غيره من العروض على أن يقبضه في بلد آخر لا يجوز إلا أن يضرب لقبض ذلك في البلد أجلاً أو يشترط أن يكون الخروج إليه حالاً فيكون بمنزلة الأجل. م وهذا أحسن مما ذكره محمد. قال ابن أبي زمنين وهذا إذا كان طريقها في البر، وأما إن كان في البحر فلا يجوز هذا؛ لأن السير في البحر ليس له وقت معروف. [الفصل 2 - في قضاء المسلم فيه في غير بلد التبايع بشرط أو بدونه] ومن المدونة: قال وإن أسلمت إلى رجل في طعام ببلد على أن تأخذه في بلد آخر مسافته ثلاثة أيام -قال في كتاب محمد: أو يومين- جاز ذلك بخلاف البلد الواحد لاختلاف أسواق البلدان، وأما البلد الواحد فلا يختلف سوقه، في يومين أو ثلاثة وقد تقدم هذا. قال مالك: وإن ابتعت طعاماً بعينه بالإسكندرية على أن يحمله لك إلى الفسطاط، فإن كان على أن يوفيكه بالفسطاط لم يصلح؛ لأنه شراء شيء

بعينه إلى أجل واشتراط ضمانه على البائع، وإن كنت تقبضه بالإسكندرية ويحمله لك إلى الفسطاط جاز؛ لأنه بيع وكراء في صفقة واحدة وذلك جائز. قال: وإن أسلمت إليه في طعام على أن تقبضه بأفريقية وضربت لذلك أجلاً جاز وليس لك أخذه به بعد الأجل إلا بأفريقية بخلاف أن تقرضه طعاماً ببلد على أن يوفيكه ببلد آخر، هذا لا يجوز؛ لأنه ربح الحملان، فهو سلف جر نفعاً. قال ابن القاسم: فإن أبى الذي عليه الطعام من سلم أن يخرج إلى أفريقية لما حل الأجل أو عند حلوله، جبر على الخروج أو يوكل من يوفيك الطعام بأفريقية. قال أبو محمد: وكذلك إن بقي من الأجل مقدار مسافة البلد، جبر على الخروج أو الوكالة، قال مالك: وليس له أن يوفيك الطعام في غير أفريقية، وإن فات الأجل. يريد لأن مسافة البلد هي كأجل أيضاً فكأنه قضاكه قبل الأجل، فلا يجوز أن ترضى بذلك إلا أن يكون مثل طعامك لا أجود ولا أردى فيجوز.

قال يحيى بن عمر عن أصبغ فيمن لك عليه طعام من قرض أو بيع فقضاك بغير البلد مثله، وقد حل فذلك جائز، ولا يجوز أدنى ولا أجود، وإن لم يحل لم يجز مثل ولا أدنى ولا أجود بغير البلد وكذلك قال ابن القاسم في كتاب محمد. ولا يجوز أن يقضيك بغير البلد عرضاً أو طعاماً من بيع أو قرض قبل الأجل وإن كان مثل دينك سواء، ويجوز في البلد قبل الأجل مثله ويجوز في القرض أجود منه. قال فيه وفي المجموعة ابن القاسم وأشهب: وكذلك من لك عليه دين من حيوان أو عرض إلى أجل فلقيته في غير البلد، فلا بأس أن تأخذه منه إذا رضيتما وحل الأجل، وكان كصفته لا أرفع ولا أدنى، قال أشهب: لأنه في الأرفع زيادة على رفع الضمان وفي الأدنى ضع وتعجل. قال ابن القاسم: وإن لم يحل فلا تأخذ منه بغير البلد [لا] مثل ولا أدنى ولا أرفع ويدخله في أخذ مثله قبل الأجل بغير البلد ما يدخل في أربع وأدنى. قال ابن عبدوس قال سحنون: ذلك جائز إذا كان مثل الصفة حل أو لم يحل.

م وهذا أجود وإن كان القياس ألا يجوز أن يقضيكه بغير البلد على حال؛ لأن البلدان بمنزلة الآجال فكأنه قضاكه قبل أجله وزادك حمله إلى غير البلد على أن أسقطت عنه ضمانه فلا يجوز وإن كان مثل دينك كقولهم إذا قضاكه قبل الأجل والله أعلم. [فصل 3 - هل للدائن منع المدين من السفر عند قرب حلول الأجل] ومن المدونة: قال مالك: ولك منع غريمك من بعيد السفر الذي يحل دينك قبل قدومه ولا يمنع من قريبه الذي يؤب منه قبل محل أجل دينك. قال ابن أبي زمنين: وعليه أن يحلف أنه ما يريد الفرار من الحق الذي عليه وأنه ينوي الرجوع عند الأجل ليقضي ما عليه كذلك. قال عيسى عن ابن القاسم قال بعض أصحابنا الفقهاء: وإنما يكون اليمين على المتهم بذلك.

[الباب الخامس] في الاقتضاء من الطعام أو من ثمنه طعاما

[الباب الخامس] في الاقتضاء من الطعام أو من ثمنه طعاماً [الفصل 1 - عدم جواز الاقتضاء من ثمن الطعام طعاماً قبل التقابض] ولما كان الاقتضاء من ثمن الطعام طعاماً ذريعة إلى إجازة الطعام بالطعام إلى أجل، ويصير الثمن محللاً لم يجز، كالذرائع في بيوع الآجال، حماية لحمى الله عز وجل الذي حذر الرسول -صلى الله عليه وسلم- من المرتع حوله. قال مالك في الموطأ: ونهى سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وأبو بكر بن محمد وابن شهاب أن يبيع الرجل حنطة بذهب إلى أجل ثم يبتاع بالذهب ثمراً قبل أن يقبض الذهب. قال ابن المواز: كل ما خرج من يدك بمناجزة مما له مثل فلا تأخذ في ثمنه إلا ما كان يجوز لك أن تعبيه به إلا أجل ولا يدخل ذلك في القرض الذي

ليس على متاجره. قال ابن القاسم: ولا يدخل ذلك في الثياب في المتاجرة ولا فيما لا يجب فيه إلا القيمة في التعدي. مثل أن لو بعته ثوباً فرقيباً بدينارين إلى شهر ثم اشتريت منه قبل الأجل ثوباً فرقيباً مثل صفة ثوبك بدينار نقداً لم يكن به بأس وهي مبايعة ثانية، كما لو بعته من غيره، وكذلك لو أخذت بدينار مما لك عليه لم يكن به بأس. م انظر لما لا يدخله ثوب بثوب ودينار إلى أجل، والصواب في هذا أن كل ما خرج من يدك بمتاجرة فلا تأخذ في ثمنه إلا ما يجوز أن تسلمه فيه كان مماله مثل أو قيمة إلا أن تأخذ مثله سواء فيعد إقالة أو قرضاً. [فصل 2 - من عليه مئة دينار مؤجلة قيمة مئة إردب فله أن يقضي بمئة إردب مثلها لا أقل] ومن المدونة: قال مالك: وإن بعت من رجل مئة إردب سمراء بمئة دينار إلى أجل، فلما حل أخذت منه بالثمن مئة إردب سمراء جاز ذلك كالإقالة وإن أخذت به خمسين لم يجز، وأخاف أن تكون الخمسون ثمناً للمئة أو تكون

مائة إردب سمراء بخمسين سمراء إلى أجل. قال ابن المواز: وقد أجاز مالك مرة أن تأخذ بذلك الثمن أقل كيلاً من طعامه الذي باعه ثم اتقاه بعد ذلك. وقال ابن القاسم لا يعجبني أن تأخذ إلا مثل كيل حنطتك. وصفتها بمثل الثمن أو أكثر منه ولا يجوز بأقل منه، فيدخله سلف جر منفعة. وقال ابن القاسم في المستخرجة: استثقل مالك أن يأخذ أقل من مكيلته وهو سهل ولو قاله قائل لم أره خطأ ولم أر به بأساً، وأجازه أشهب. ومن المدونة: قال مالك: ولا تأخذ خمسين إردباً سمراء من نصف الثمن فيصير بيعاً وسلفاً. قال: ولا تأخذ بالمائة دينار محمولة أو شعيراً أو سلتاً حل الأجل أم لا، كما لو بعت برنياً فلا تأخذ في ثمنه عجوة أو صيحانياً، ويجوز أن تأخذ برنياً مثل كيله وصفته. قال: وأما من له عليه مئة إردب سمراء إلى أجل فلما حل الأجل أخذ منه خمسين محمولة، حطه ما بقي فإن كان ذلك بمعنى الصلح والتبايع لم يجز، وإن كان ذلك اقتضاء من خمسين منها ثم حطه بعد ذلك ما بقي بغير شرط جاز.

قال ابن القاسم: وكذلك في أخذه خمسين سمراء من مئة محمولة وحطه ما بقي. قال سحنون إنما المراعاة في أخذه السمراء من المحمولة. قال ابن القاسم: ولو صالحه بعد الأجل من المئة السمراء على مئة إردب محمولة إلى شهر، لم يجز إلا أن يصالحه على أن يقبضها منه يداً بيد، فيجوز لأنه بدل. قال ابن المواز: قال ابن القاسم: وإن أخذت بثمن طعامك كفيلاً فغرم ذلك الثمن بعد محله، فلا بأس أن يأخذ هو في ذلك من غريمك طعاماً من صنف طعامك أو أقل أو أكثر أو من غير صنفه، وكذلك لو تبرع رجل وودى الثمن بغير حمالة فلا بأس أن يأخذ فيه طعاماً مثل ما ذكرناه. وكذلك في الواضحة وغيرها. قال ابن حبيب: ومن وكلته على قبض ثمن طعام فقبض الثمن فأكله فلك أن تأخذ منه فيه طعاماً. قال: من ابتاع بدرهم لحماً أو طعاماً، فوجد درهمه ناقصاً فقال للبائع: خذ بما نقص من اللحم لم يجز، ودخله أربعة أوجه: بيعه قبل قبضه والثاني: الأخذ من ثمن الطعام طعاماً، والثالث التفاضل بين

الفضتين والرابع: التفاضل بين الطعامين. م وبيان قوله في ذلك؛ فأنه باع ما يخص بعض الدراهم من اللحم قبل قبضه، وأما الأخذ من ثمن الطعام طعاماً؛ فلأنه وجب له عليه من ثمن اللحم درهماً فأعطاه فيه درهماً ناقصاً ولحماً فقد أخذ لحماً وفضة من ثمن لحم، وأما التفاضل بين الفضتين فلأنه باع درهماً وازناً وجب له بدرهم ناقص ولحم، وأما التفاضل بين الطعامين، فلأن الآخر اشترى لحماً بدرهم ناقص ولحم أنقص من اللحم الذي اشترى. م وهذه كمسألة ابن المسيب في الذي ابتاع طعاماً بدينار ونصف درهم، وفي كتاب الصرف إيعاب شرحها. قال ابن حبيب: ولو كان غير الطعام دخله الفضل بين الفضتين وكذلك لو رد فلوساً، ولو كان هذا بعد قبض الطعام دخله كل ما تقدم إلا بيعه قبل قبضه. م وقول ابن حبيب في صدر المسألة ويدخله الأخذ من ثمن

الطعام طعاماً، قال فيه ابن المواز: لا يدخل ذلك فيما كان قبل التفرق. وقال أبو محمد: إذا لم يفترقا فالإقالة من بعضه جائزة، ولا يدخله الأخذ من ثمن الطعام طعاماً ولكن إذا كان الدرهم قائماً دخله ما ذكر من التفاضل. م لأنه يصير قد أخذ درهماً ناقصاً ولحماً من درهم وازن، وقد قال ابن المواز: فإن بعت طعاماً فلك أن تأخذ في ثمنه قبل تفرقكما طعاماً يخالفه إن كان اكتال الطعام وإلا فليكله. م لأن العلة في منع الأخذ من ثمن الطعام طعاماً الذريعة إلى بيع الطعام بالطعام إلى أجل، فإذا أخذ من ثمن الطعام طعاماً يخالفه قبل أن يفترقا أمن فيه من بيع الطعام بالطعام إلى أجل، فوجب أن يجوز، لأنك إن قدرت أن الطعام الثاني ثمن للأول أو لقيمته جاز.

[فصل 3 - فيمن ابتاع حنطة بدينار وازن فأعطاه ديناراً ناقصاً والمقاصة والمصالحة في بيع الطعام] م ولمالك في العتبية فيمن ابتاع حنطة بدينار وازن فأعطاه ديناراً ناقصا ورد عليه من الحنطة، فلا ينبغي ذلك إذا ثبت البيع بوازن، ولو ثبت بناقص، فلا يعطيه وازناً ويأخذ فضل شيء من الأشياء، فأما إن لم يثبت البيع إلا مراوضة فلا بأس به. وقال قبل هذا في الباب بنفسه فيمن ابتاع بدرهم كيلاً شيئاً، فيدفع الدرهم فيجده ينقص حبتين، فقال للبائع أعطني بما فيه، وحاسبني بقدر نقصه. قال مالك: لا بأس بذلك إنما هذه بمنزلة رجل اشترى حنطة بدرهمين ثم قال له بعد ذلك: اعطني بدرهم وأقلني من درهم قلت: بعد الوجوب قال نعم، قال: كأنه حمله على المساومة، وفيه تفسير من البيع. م وفي كتاب الصرف في شرح مسألة ابن المسيب إيعاب هذا. قال ابن المواز: وإن بعت بدينار قمحاً من رجل ثم جئته فابتعت منه بدينار تمراً فأراد بعد ذلك مقاصتك؟ قال مالك: لا أحبه، وليرد الثمر الذي اشتراه. قال ابن القاسم: بل يؤدي دينار التمر ويأخذ منه ثمن قمحه وإن رد إليه

ذلك الدينار بعينه، كما لا تستعمل غريمك بدينك عليه، ولكن تستعمله بدينار تدفعه إليه ثم يقضيك إياه. قال ابن حبيب: ومن استهلك لرجل زرعاً استحصد أو لم يستحصد أو طعاماً جزافاً، جاز إن يصالحه من الطعام بما شاء من صنفه وغير صنفه وبما شاء من عرض نقداً كله، وهذا إن كان الاستهلاك معروفاً أو بحريق ظاهر أو بغيره، وإن كان بالغيبة عليه والانتقال له لم يجز صلحه على طعام. ومن باع طعاماً بثمن مؤجل فلا يأخذ به جبحا فيه نحل، إذ لا يخلو من عسل إلا أن يكون فيه عسل تغتذيه فلا بأس بذلك. ومن العتبية: قال ابن القاسم: قال مالك: ولا بأس أن يأخذ الرجل النوى والقضب والتين من ثمن الطعام وكذلك في سماع أشهب عن مالك.

[الباب السادس] في بيع الطعام بالطعام إلى أجل وما دخل في ذلك من بيع الثمار بالطعام أو التمر بالبسر

[الباب السادس] في بيع الطعام بالطعام إلى أجل وما دخل في ذلك من بيع الثمار بالطعام أو التمر بالبسر [الفصل 1 - الطعام إذا كان مكيلاً لا يجوز بيعه بجنسه إلا متساوياً ويداً بيد وأدلة ذلك] ومما بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الربا في بيع الطعام بالطعام قوله: «إنما الربا في النسيئة» وقوله «البر بالبر رباً إلا هاء وهاء والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء» وذكر الملح في حديث آخر فجرى الطعام كله عند العلماء في تحريم جنس بخلافه إلى أجل هذا المجرى وحرم، كما حرم بالسنة الذهب بالفضة إلى أجل. قال مالك في الموطأ: الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا تباع الحنطة بالحنطة ولا التمر بالتمر ولا الزبيب ولا الحنطة بالزبيب ولا شيء من الطعام كله والإدام كله إلا يداً بيد، فإن دخل ذلك كله شيء من الأجل لم يصلح وكان حراماً. قال عبد الوهاب: وقال أبو حنيفة يجوز أن يفترقا من غير قبض ودليله قوله -صلى الله عليه وسلم- «إنما الربا في النسيئة» وقوله «البر بالبر والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء».

م ولما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي قتادة وغيره «ولا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير إلا يداً بيد»، وقال في حديث آخر «الذهب بالورق رباً إلا هاء وهاء» دل أن القمح بخلافه إلا أجل مجرى الذهب بالفضة إلى أجل، وهذا مجتمع عليه من علماء دار الوحي. [الفصل 2 - في بيع التمر على رؤوس النخل بالحنطة أو بعرض] ومن المدونة قال مالك: ولا بأس بشراء التمر والرطب والبسر في رؤوس النخل بحنطة نقداً إن جد ما في رؤوس النخل وتقابضا قبل التفرق وإلا لم يجز؛ لأنه طعام بطعام إلى أجل. قال ابن القاسم: ولو اشتراه بعين أو عرض مؤجل وتفرقا قبل أن تجد ما في النخل جاز -وليس هذا ديناً بدين- لأن الثمار إذا طابت حل بيعها بنقد أو دين -لأنها معينة- ولا يمنع مشتريها بخلاف بيعها بالطعام.

وقد سئل مالك عمن كان يبيع الزيت والخل والسمن فباع ذلك بحنطة فاكتالها على باب حانوته، ودخل الحانوت لإخراج ذلك، فقال مالك: ما يعجبني، ولكن يدع الحنطة عند صاحبها ثم يخرج ذلك، ويأخذ ويعطي كالصرف -فالذي اشترى تمراً بحنطة أشد من هذا، وهو مما لا اختلاف فيه أنه غير جائز- ولا خير في بيع حنطة حاضرة بتمر أو شعير غائب في دار صاحبك يبعث فيه أو هما جميعاً غائبان، وإن تقابضتما قبل التفرق إلا أن يكون ذلك كله حاضراً فيجوز. [فصل 3 - في بيع الرطب بالتمر والرطب باليابس والرطب بالرطب] ونهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الرطب بالتمر لما يدخله من التفاضل والمزابنة وهي المخاطرة، وكذلك رطب كل شيء من الثمار بيابسه من صنف واحد لا يجوز مثلاً بمثل ولا متفاضلاً. قاله مالك في غير المدونة. قال ابن القاسم في العتبية: لا يباع شيء من الثمر رطبه بيابسه كان مما يدخل أو لا يدخر كان مما يجوز فيه التفاضل أم لا، لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الرطب باليابس، وروى عنه أبو زيد في التفاح الأخضر بالمقدد، لا بأس إذا تبين الفضل في أحدهما.

قال أبو عمران: وما وقع لهم مجملاً أنه لا يجوز يرد إلا هذا لزوال الحظر إذا تبين الفضل كثيراً، وهو معنى الحديث، فأما ما لا يجوز فيه التفاضل فيدخله الوجهان: المزابنة والتفاضل؛ لأن الرطب ينقص إذا يبس، فيدخله التفاضل، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يبادل الجمع بالتمر الجنيب متفاضلاً. قال عبد الوهاب: وإنما منعنا من بيع الرطب بالتمر خلافاً لأبي حنيفة لقوله -صلى الله عليه وسلم-، وقد سئل عن ذلك أينقص الرطب إذا يبس؟ فقالوا: نعم قال (فلا إذاً) وروى فنهى عن ذلك

وروى «لا تبايعوا التمر بالتمر» وأنه نهى -صلى الله عليه وسلم- عن المزابنة والمزابنة بيع التمر بالرطب، فأن المماثلة شرط فيه، وهي معدومة في التمر بالرطب، لأن الرطب غير مقتات كالتمر، فأما الرطب بالرطب فيجوز عندنا خلافاً للشافعي وعبد الملك. ودليلنا قوله -صلى الله عليه وسلم- «لا تبايعوا التمر بالتمر حتى يبدو صلاحها»؛ ولأنها ثمرة بيعت بمثلها وهما على حال متساو فجاز، أصله التمر بالتمر، ولأن كل جنس جاز بيع بعضه ببعض في حال جفافهما جاز في حال رطوبتهما كالبر بالبر.

[فصل 4 - في بيع التمر بالرطب أو بالبلح أو بالتمر أو بالبسر] ومن المدونة: قال مالك رحمه الله: ولا يجوز بيع تمر برطب أو ببسر أو بكبير البلح، ولا كبير البلح برطب أو ببسر، ولا بسر برطب على حال لا متفاضلاً ولا متماثلاً، قال: ولا بأس بالتمر بالتمر والرطب بالرطب والبسر وبالبسر والبلح الكبير بالبلح الكبير مثلاً بمثل يداً بيد، ولا يجوز متفاضلاً. قال: ويجوز التفاضل في صغير البلح بكبيره أو ببسر أو برطب أو بتمر يداً بيد -لأن صغير البلح علف لا طعام. م إنما اشترط فيه يداً بيد يعني إذا كان في شجرة إذ لا يجوز بقاؤه، وإنما يجوز على الجد، ولو كان مجدوداً جاز أن يسلم في رطب أو بسر أو تمر بصفة معلومة إلى أجل معلوم، وقاله بعض شيوخنا القرويين وذلك بين؛ لأن البلح الصغير ليس بطعام. ومن المدونة: قال في موضع آخر: ويجوز بطعام إلى أجل على أن يجده مكانه. [فصل 5 - بيع النوى بالتمر أو بالطعام وبيع الطلع بالطلع أو الجنان بالجنان وشجرة الخوخ بالخوخ] قال ابن القاسم: واختلف قول مالك في النوى بالتمر فمرة أجازه ومرة لم يجزه.

م لأن التمر فيه النوى، فيدخله المزابنة، وليس ذلك من باب الطعام بالطعام؛ لأن النوى ليس بطعام وإن أكل في حال الاضطرار، وقاله القاضي إسماعيل في كتاب المبسوط. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا أرى أنا به باساً يداً بيداً أو إلى أجل. [قال] ابن المواز: ما لم يكن حشفاً. قال ابن القاسم: ولم يختلف قول مالك في إجازة النوى بالطعام إلى أجل. ومن كتاب ابن المواز: ولا بأس بالطلع بالطلع متفاضلاً وكصغير البلح وكذلك الجمار، والطلع طعام فلا يصلح بالطعام إلا يدا ًبيد. قال مالك: فلا يجوز جنان بجنان مثله وفيهما طلع أو بلح، [قال] ابن المواز فإن شرط جد البلح لم يجز أيضاً حتى يتبين فيه الفضل -يريد والبلح صغير- فيجوز وإن شرطا أن يجد أحدهما ما صار له جاز ذلك. قال ابن القاسم: وكذلك إن لم يكن في أحدهما شيء. قال أشهب في شجرة خوخ يمثلها، وفيهما خوخ، بأن كان يجد كل واحد منهما ما صار له قبل التفرق جاز إن تبين الفضل بين الخوخين وإلا لم يجز ذلك.

[الباب السابع] في بيع اللحم بالحيوان والشاة وغيرها بالطعام أو بما يخرج منها

[الباب السابع] في بيع اللحم بالحيوان والشاة وغيرها بالطعام أو بما يخرج منها [الفصل 1 - في بيع اللحم بالحيوان] ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع اللحم بالحيوان، رواه مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن ابن المسيب عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال أبو الزناد: وكان ذلك يكتب في عهود العمال في زمان أبان بن عثمان وهشام بن إسماعيل ينهون عن ذلك.

ومن المدونة قال مالك: ومحمل النهي في ذلك إنما هو في الصنف الواحد لموضع التفاضل فيه والمزابنة، فذوات الأربع الإبل والبقر والغنم الوحش كلها صنف واحد لا يجوز فيه التفاضل في لحومها وشحومها ولا حي منها بمذبوح. قال: والطير كلها صغيرها وكبيرها وحشيشها وأنسيها صنف واحد لا يجوز التفاضل في لحومها ولا حي منها بمذبوح. قال: ولحم الحوت كله صغيره وكبيره صنف واحد لا يجوز التفاضل فيه. قال: فيجوز لحم الطير بحي من الأنعام والوحش، قال: ويجوز لحم الأنعام والوحش والحوت بالطير كلها أحياء نقداً أو إلى أجل. قال: وما كان من الطير والأنعام والوحش لا يحيى وشأنه الذبح فلا خير فيه بالحوت ولا بلحم من غير صنفه إلا يداً بيد، ولا يجوز إلى أجل. قال: وما كان من ذلك يستحيا فلا بأس به بلحم الحوت إلى أجل، قال: وكل ما كان من اللحم يجوز فيه التفاضل فجائز فيه الحي بالمذبوح. قال: ومن أراد ذبح عناق كريمة أو حمام أو دجاج فأبدلها منه رجل بكبش وهوي علم أنه أراد ذبح ذلك، فذلك جائز، وأما المدقوق العنق أو الصلب أو الشارف وشبه ذلك مما يصير إلى الذبح ولا منفعة فيه إلا اللحم فلا أحب شيئاً منها، وإن عاش بطعام إلى أجل ولا بلحم من صنفه يداً بيد. م أعرفه أنه جعلها لحماً مع الطعام، وحياً مع اللحم احتياطاً، وكذلك قال مالك فيمن اشترى شاة يريد ذبحها بطعام إلى أجل، فإن كانت حية صحيحة مثلها يقتنى وليست بشاة لحم جاز، وإن كانت شاة لحم فلا خير فيه إلى أجل.

ومن كتاب ابن المواز: وكره مالك وابن القاسم الشارف والمكسور من الأنعام باللحم، ثم أجازه مالك وخففه أصبغ. [قال] ابن المواز: ولا خير فيه، وبيعه باللحم أكره منه بالحي. [الفصل 2 - في بيع الحيوان بالطعام] ومن العتبية: قال ابن القاسم: فلا يجوز بيع الكبش الخصي بالطعام إلا أجل إلا أن يكون كبشاً يقتنى لصوفه. قال مالك: وأما التيس الخصي بالطعام إلا أجل فلا يحل؛ لأنه لا يقتني لصوفه وإنما هو للذبح. [قال] ابن المواز: وأجازه أشهب وأصبغ كانت فيهما منافع أو لم تكن، فليس الخصي كاللحم بخلاف الشارف والكسير. قال مالك: وليس كل شارف سواء وإنما لك في الذي قد شارف الموت، فأما شارف يقبل ويدبر ويرتع فلا. قال ابن القاسم: ومن ذبح له رجل شاة، لم أحب له أن يأخذ منه بقيمتها لحماً ولا شاة حية. فأراه يريد وهي قائمة لم تفت بعد لأنها إذا كانت قائمة فقد وجب له أخذها أو قيمتها، فإن أخذ فيها شاة حية فقد أخذ حية عن مذبوحة

كان له أخذها، وإن أخذ فيها لحماً فقد أخذه من شاته المذبوحة وهي بجلدها، فيدخله التفاضل بين اللحم. [فصل 3 - في بيع لحم الأنعام بالخيل وسائر الدواب] ومن المدونة: قال مالك ولا بأس بلحم الأنعام بالخيل وسائر الدواب نقداً أو مؤجلاً؛ لأنها لا تؤكل لحومها. قال ابن القاسم: وأما لحوم الأنعام بالهر والضبع والثعلب فمكروه لاختلاف الصحابة في أكلها، ومالك يكره أكلها من غير تحريم، قال ولا بأس بالجراد بالطير، وليس هو لحم، ويجوز واحد من الجراد باثنين من الحوت يداً بيد. وأجاز أشهب التفاضل فيه، وجعله كحكم الخضر لا حكم المدخرات من الأطعمة. فصل [4 - في بيع اللبن وما يشتق منه بالشاة اللبون وكذلك إذا كان مع اللبن عرض أو دراهم هل يباع الشاة اللبون والدجاج بالبيض وغيرها؟] قال مالك: ولا بأس بشاة لبون بلبن أو بسمن أو بزبد أو بجبن أو بحالوم يداً بيد، ولا ينبغي إلا أجلن أيهما عجلت.

هذا معنى ما في المدونة. وكذلك في العتبية قال ابن القاسم: عن مالك لا خير في الشاة اللبون باللبن إلى أجل أيهما عجل أو أخر صاحبه. وقال سحنون: الذي عرفناه وقاله [لي] ابن القاسم غير مرة اللبن بالشاة اللبون إلى أجل لا بأس به وهو عندي أحسن. م يريد لأنه يسلم من بيع الشيء بما يخرج منه، إذ لا يخرج من اللبن إلى أجل شاة. قال سحنون: وأما الشاة اللبون باللبن إلى أجل فلم يختلف فيه قوله أنه حرام لا يجوز وقاله أصبغ. ووجه حرامه؛ أن قبض الشاة واللبن الذي يحلبه منها في كل يوم على أن يدفع لبناً مؤجلاً فهو شاة ولبن بلبن إلى أجل، وإذا كان بيعها باللبن يداً بيد فهو إنما دفع لبناً في شاة فلا يراعى ما في ضروعها. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو كان مع اللبن المعجل أو السمن أو الجبن عرض أو دراهم لم يجز إلا أن يكون يداً بيد.

قال مالك: ولا بأس بشاة لا لبن فيها بلبن أو سمن إلى أجل وإن كان يمكن أن يكون في الشاة لبن إلى ذلك الأجل. م والفرق بين هذه وبين الشاة واللبون باللبن إلى أجل أن الشاة اللبون اللبن فيها يتحقق بحلبه في يومه أو غده، فيدخله اللبن باللبن إلى أجل، وهذه لا لبن فيها اليوم، وقد يمكن أن لا يكون لها لبن إلى ذلك الأجل، فلا يمنع بيعاً جائزاً لأمر يكون أو لا يكون، وهذا أصلهم. قال في المستخرجة: وكذلك الدجاجة البياضة لا بأس بها بالبيض يداً بيد، فلا يجوز إلى أجل، وإن لم تكن بياضة، فلا بأس بها بالبيض إلى أجل، وإن كانت تبيض قبل الأجل. وروى عنه أبو زيد في جامع العيوب أنه لا بأس بالدجاجة البياضة بالبيض إلى أجل، وكذلك روى البرقي عن أشهب في كتاب محمد أنه أجاز شاة حلوباً بلبن إلى أجل، قال: ولا يصلح لبن معجل بشاة مؤجلة.

م ووجه هذا فلأنه إنما دفع شاة وأخذ لبناً فلا يراعى ما في ضروعها كما جوزوه يداً بيد، ولو راعوا ذلك لدخله في يد بيد التفاضل في اللبن وذلك لا يجوز. ووجه قوله أنه لا يصلح لبن معجل في شاة لبون إلى أجل فلأنه دفع لبناً، فقبض فيه شاة يحلب منها في يومه وغده لبناً، فقد باع لبناً بشاة ولبن إلى أجل، وكما لو دفع إليه مع الشاة لبناً فيدخله التفاضل في اللبن والطعام بالطعام إلى أجل. م وما تقدم أصوب. قال ابن أبي زمنين: رأيت كثيراً من أهل العلم قالوا: إنما جاز بيع النخل التي لا تمر فيها بالتمر إلى أجل، يكون للنخل فيه تمر قبله، والدجاجة غير البياضة بالبيض إلى أجل، يكون للدجاجة قبله بيض، والشاة غير اللبون باللبن إلى أجل، يكون للشاة قبله لبن؛ لأن هذا لا تقع فيه المزابنة في المبيع نفسه كما يقع في الكتاب بثوب كتان إلى أجل يعمل فيه من ذلك الكتان ثوب وفي الشعير وبالقصيل إلى أجل بعيد يمكن أن يكون منه قصيل. قال: وهذا الذي قاله من جيد العلم فافهمه.

م كأنه يريد أن النخل المعجل والدجاجة والشاة ليس هي نفس ما يخرج منها؛ لأن ذلك غيرها منه لذهاب عينه فيه، إلا ترى أن لو عجل الثوب في الكتان لجاز، إذ لا يخرج منه كتان، وليس هو بعض ذلك الثوب، وكذلك القصيل المعجل ليس هو نفس الشعير الذي يعطيه والله أعلم. [فصل 5 - في بيع الشاة اللبون بالطعام وبيع الصوف بشاة موصوفة] ومن المدونة: قال مالك رحمه الله: وأما شاة لبون بطعام إلا أجل فجائز؛ لأنه لا يخرج ذلك منها. قال: ويجوز شراء شاة عليها جزة صوف كاملة بجزة صوف. م يريد نقداً ولا يجوز إلا أجل كشاة لبون بلبن إلى أجل. قال في المستخرجة: فإن لم يكن للشاة صوف فباعها بصوف إلى أجل، فإن كان أجلاً قريباً لا يكون للشاة فيه صوف فلا بأس به، وإن كان أجلاً يكون لها فيه صوف فلا خير فيه. قال: وكذلك لا يصلح للرجل أن يبيع نخلاً بثمر إلى أجل يثمر النخل فيه. وأجاز في كراء الدور من المدونة بيع النخل بثمر إلى أجل يثمر النخل إليه كشاة لا لبن فيها بلبن إلى أجل يصير للشاة فيه لبن.

م والفرق عندي على ما في المستخرجة بين الشاة بالصوف والنخل بالتمر وبين الشاة باللبن والدجاجة بالبيض، أن الشاة بالصوف لابد أن يكون للشاة إن حييت صوف إلى ذلك الأجل، لأنه نبات، وكذلك النخلة لا بد أن يكون فيها ثمرة، والشاة باللبن والدجاجة بالبيض قد يخلف ذلك فيهما وليس أمنه كأمن الصوف، والثمرة والصوف آمن. [فصل 6 - في بيع زريعة البطيخ والقصيل والتبن والقرط والشعير والبرسيم] قال في المستخرجة: ولا خير في زريعة البطيخ بالبطيخ إلى أجل يكون فيه من الزريعة بطيخ، ولا بالبطيخ بزريعته إلى أجل أيهما عجلت لم يجز. م يريد لأن في البطيخ زريعة يكون منها البطيخ إلى ذلك الأجل. قال مالك: وأما الكرات بزريعته إلى أجل فلا بأس به. -يريد لأنه ليس فيه زريعة- ولا خير في زريعة الكرات نقداً بالكرات إلى أجل ولا بأس بذلك كله يداً بيد. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا بأس بالقصيل والتبن بالشعير نقداً، والقرط الأخضر واليابس بزريعته نقداً، ويجوز قصيل يقصله نقداً بشعير إلى أجل، ولا خير في شعير نقداً بقصيل إلى أجل إلا أن أجل لا يصير الشعير فيه قصيلاً ويكون مضموناً بصفته حزماً أو أحمالاً لا فدادين.

قال: وإن بعت حب قضب أو غيره إلى أجل فلا تقبض في ثمنه شيئاً مما ينبت ذلك الحب، وهذا إذا تأخر إلى أجل بنيت من ذلك الحب قضب، ولو كان شراؤه نقداً أو إلى أجل قريب لا ينبت فيه من الحب قضب جاز، وكذلك كتان بثوب كتان، أو صوف بثوب صوف أو نحاس بتور نحاس لا بأس بذلك كله نقداً ولا يجوز إلى أجل يعمل فيه من الكتان والصوف ثوب.

[الباب الثامن] جامع ما يجوز من بيع الطعام بالطعام متساويا أو متفاضلا

[الباب الثامن] جامع ما يجوز من بيع الطعام بالطعام متساوياً أو متفاضلاً [الفصل 1 - في ذكر الأجناس الربوية وعلة الربا فيه] قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «البر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح رباً إلا هاء وهاء مثلاً بمثل فمن زاد أو استزاد فقد أربا». فلم يذكر في الحديث إلا المدخرات، ولما ذكر أعلى الأقوات هو البر، وأدنى المؤتدمات وهو الملح، ألحق العلماء بذلك ما لم يسم من قوت أو إدام مما يشبهها في تحريم التفاضل في الجنس الواحد من المدخرات بما سمى، وكان أظهر العلل في المسميات أنها اقوات مدخرات، وقد نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- المصدق أن يبادل الجمع من التمر بالجنيب متفاضلاً، فلما لم يجز ذلك في الجنسين منه وهما اسمان إلا أنهما في الخلقة والنفع مشتبهان، كان كذلك ما أشبهه من الطعام، وليس إفراد الشعير بالذكر مما يمنع أن يكون له حكم البر لما ذكرنا، وقد قال الله عز وجل {مِنَ الضَّانِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} [الأنعام: 143]، وقد جمع المسلمون بينهما في الزكاة، وما روى في حديث عبادة «بيعوا القمح بالشعير كيف شئتم» قيل أنه فتياً من لفظ من نقل الحديث، وكذلك روي ملخصاً،

وهذا السلت منفرد باسم، وقد حكم له بحكم الشعير من خالفنا، وكذلك العلس بالبر وقد حكم له بكحكم البر. قال عبد الوهاب التحريم عندنا يتعلق بمعاني هذه المسميات دون أعيانها، خلافاً لداود ونفاة القياس في قصرهم ذلك عليها دون غيرها من الأرز الذرة والدخن والزبيب وغير ذلك، ودليلنا قوله عز وجل {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275]، والربا الزيادة فيا للغة، ونهيه -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلاً بمقل وقوله «إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم يداً بيد» وقوله «لا تبيعوا الذهب بالذهب -إلى أن قال- حتى الملح».

فجعل الملح غاية لما ابتدأ به، وقد ذكر البر، فدل على أن ما بينهما في حكمهما فإذا ثبت أن هذه المسميات معللة وأن التحريم متعلق بمعانيها، فالعلة عندنا أنها مأكورة مدخرة للعيش غالباً. وقال أبو حنيفة العلة الكيل والوزن مع الجنس. وقال الشافعي العلة كونه مطعوماً جنساً. ودليلناً نصه -صلى الله عليه وسلم- على البر وما ذكر معه ليفيد معنى لا يعلم مع عدمه، فلو أراد مجرد الأكل على ما يقوله الشافعي لاكتفى بالأكل دون النص على كل واحد منهما، إذ الأكل يجمعها، وكذلك لو أراد الكيل لكان يكتفي أن ينص على واحد منهما إذ الكيل متساوٍ في جميعها. وعلى قولنا لا يخلو نصه على كل واحد منها من فائدة، فنصه على البر ليفيد كل مقتات تعم الحاجة إليه، وتقوم الأبدان بتناوله، ونصه على الشعير ليبين مشاركته البر في ذلك وأنه يكون قوتاً في حال الاضطرار

إليه، فنبه به على الذرة والدخن وغيرهما، ونصه على التمر لينبه به على كل حلاوة مدخرة غالباً كالعسل والزبيب والسكر وما في معناه، ونصه على الملح تنبيه على أن ما أصلح المقتات من المأكولات في حكمها كالأبازير وما في معناها، فبان صحة ما اخترناه، ولأن التفاضل يحرم عندنا في قليل المنصوص عليه وكثيره، وعند أبي حنيفة لا يحرم إلا فيما يتأتى كيله فيجوز عندهم الكف من الحنطة بالكفين والعموم يمنعه، لأن كل جنس حرم التفاضل في كثيره حرم في قليله كالذهب والفضة، ولأن علتهم فاسدة؛ لأنها ترفع الأصل الذي انتزعت منه وهو عموم الخبز في منع التفاضل، والعلة إذا عادت لمخالفة أصلها وجب فسادها. [الفصل 2 - في عد القمح والشعير والسلت جنساً واحداً وأحكام التفاضل في الدقيق والخبر] ومن المدونة قال مالك: والقمح والشعير والسلت هذه الثلاثة هي نوع واحد.

[قال] ابن المواز: قال ذلك العلماء وعمل به الصحابة منهم سعد ابن أبي وقاص وابن معيقيب الدوسي وعبد الرحمن بن الأسود. قال ابن حبيب: ويجمع مع البر والشعير والسلت العلس وهي صنف واحد في الزكاة، وفي تحريم التفاضل في بيع بعضها ببعض أو دقيق أحدهما بالآخر أو بدقيقه، ولا يجوز فيها جزاف بجزاف ولا جزاف بمكيل، وخبز جميعها صنف واحد لا يجوز مثلاً بمثل إلا تحريراً لا وزناً. قال ابن المواز: يتحرى دقيق ذلك، وكذلك رطب الخبز بيابسة، يتحرى دقيقهما. قال أشهب: والأرز والذرة والدخن أصناف حبه ودقيقه، فإذا صار

خبزاً تقاربت منافعه وحرم فيه التفاضل، وكذلك خبز قمح أو شعير أو سلت بخبز أرز أو ذرة أو دخن لا تفاضل فيه، فأما خبز شيء من ذلك بخبز شيء من القطنية، فذلك صنفان يجوز متفاضلاً، وخبز القطنية كلها صنف لا يجوز فيها التفاضل لتقارب المنافع. [قال] ابن المواز: وهذا أحب إلينا من قول ابن القاسم الذي جعل خبز القطنية ودقيقها مختلفاً مثل حبها، قال: إلا البسيلة والجلبان فهما صنف. وكذلك اللوبيا والحمص. قال: وسويق القطنية كلها صنف لا يجوز التفاضل بين سويق عدس وسويق حمص أو فول لتقارب منافعه. م وكل خبز أصله مختلف فلم يجز فيه التفاضل، فانظر فإن كان الأصل يجوز فيه التفاضل كخبز قمح وخبز أرز، فإنما يراعى فيه وزن الخبزين لا تماثل الدقيقين، وإن كان الأصل لا يجوز فيه التفاضل كخبز قمح وخبز شعير، فإنما يراعى تماصل الدقيقين وكذلك خبز القطنية على القول الذي جعلها أصنافاً يراعى تماثل الخبزين، وعلى القول الذي جعلها صنفاً واحداً يراعى تماثل الدقيقين، قاله بعض فقهائنا وهو حسن.

قال: ولا يجوز أن يباع خبز لا يجوز في أصله التفاضل بمثله وزناً بوزن، وخفف ذلك لأهل البيوت يستقرضون الخبز بالوزن؛ لأن ذلك باب معروف، وتقع فيه الضرورة، وتحري الدقيق يصعب. قال محمد: ومن سأل رجلاً أن يبدل له طعاماً بأجود منه يداً بيد، فإن كان على المعروف ليس بشرط لازم كالبيع إذا قال نعم لزمه، لكن إذا شاء تم ذلك وإن شاء رد ما أخذ، فذلك جائز إذا كان مثل الكيل [سواء] وكان يداً بيد. م جعلوا ذلك بخلاف العروض والبيع في الإيجاب لئلا يشبه البيع في الإيجاب، فيحرم والله أعلم. [فصل 3 - في بيع اللبن بعضه ببعض وبيعه بالسمن والسمن بالزبد وغير ذلك] ومن المدونة: قال مالك رحمه الله: ولبن الإبل والبقر والغنم صنف واحد لا يجوز فيه التفاضل ولا يجوز إلا مثلاً بمثل يداً بيد، كلحومها. قال: ويجوز بيع لبن الغنم الحليب وفيه زبدة بلبن مضروب قد أخرج زبدة أو بلبن اللقاح، لأنه لا زبد فيه مثلاً بمثل كما جاز بيعه دقيق بقمح مثلاً بمثل، وللقمح ريع بعد طحنه، ولا يجوز التفاضل في شيء منذ ذلك. قال: ويجوز السمن بلبن قد أخرج زبده، وأما بلبن فيه زبدة فلا يجوز، إذا لا يجوز الزبد بالسمن لا متساوياً ولا متفاضلاً لما فيه من المزابنة وهو

كالرطب بالتمر، لأن الزبد ينقص إذا ذوب، كما ينقص الرطب إذا يبس، فإن قيل فلم لا يكون كالقمح بالدقيق يجوز مثلاً بمثل؟ قيل ليس في القمح بالدقيق رطب إذا يبس نقص، وإنما للقمح ريع إذا طحن، كما أن ريعه أكثر من ريع الشعير إذا طحن، وقد أجاز الصحابة القمح بالشعير مثلاً بمثل فالدقيق بالقمح مثله. قال: أو إسحاق: وأما الجبن بالمضروب ففيه اختلاف، فمن أجازه فعنده أنه لا يمكن أن يخرج من المضروب جبن بحال، ومن كرهه أمكن أن يخرج منه الإقط عنده، والجبن بالإقط لا يجوز التفاضل فيه. قال مالك: ولا خير في زيت زيتون [كان] مما يخرج منه الزيت أم لا. م لأنه لا بد أن يكون فيه زيت، فيدخله التفاضل. قال مالك: وكذلك لا خير في الجلجلان بزيته، ولا في العصير بالعنب ولا في النبيذ بالتمر، ولا خير في رُب القصب بالقصب الحلو، ولا خير في

رب التمر بالتمر ولا في البسر بالتمر إلا أن يدخل ذلك إبزار وما أشبهه، كاللحم المطبوخ إذا دخله الإبزار، فيصير صنعة تبيح التفاضل فيه، وصنعة رب التمر أن يطبخ فيخرج ربه فهو إذا منعقد. وأجاز البان بحب البان لما يدخله من الصنعة. قال في كتاب محمد: لا يجوز القصب الحلو بعسله ولا يرب عسله، ولا عسله برب عسله إلا أن يدخل ربه إبزار، فيصير صنعة تبيح التفاضل فيه. [فصل 4 - في الخل بالخل والسويق بالدقيق والحنطة والخبر بالحنطة وغيرها] ومن المدونة: قال ولا يجوز خل بخل العنب إلا مثلاً بمثل، وكذلك نبيذهما، ولا يجوز متفاضلاً لاتفاق المنافع في ذلك، بخلاف زيت الزيتون وزيت الفجل وزيت الجلجلان لاختلاف نفعهما، قال: وأما التمر والعنب يخلهما بجائز لطول أمر الخل والحاجة إليه.

[قال] ابن المواز: قال أشهب عن مالك وخل التمر بنبيذه أبعد شأناً من الخبز بالحنطة. قال ابن القاسم في العتبية: ولا يصلح خل التمر بنبيذه متفاضلاً لتقارب منافعه، ولا خل التمر بنبيذ الزبيب متفاضلاً. وفي كتاب أبي الفرج أن نبيذ التمر ونبيذ الزبيب صنفان. ومن المدونة قال مالك: ولا بأس بالسويق بالدقيق أو بالحنطة متفاضلاً للصنعة في ذلك، وكذلك سويق السلت والشعير لا بأس به بالحنطة متفاضلاً. اقال في كتاب محمد: ولا تصلح الحريرة بالسويق إلا مثلاً بمثل. قال الأبهري: الحريرة جليل السويق. قال أبو إسحاق: وأما السويق بالخبز فلم أر فيه رواية وينبغي أن يكون التفاضل فيه جائزاً لاختلاف منافعه.

ومن المدونة: ولا بأس بالخبز بالعجين أو بالدقيق أو بالحنطة متفاضلاً؛ لأن الخبز قد غيرته الصنعة. قال ابن القاسم: فأما عجين بحنطة أو بدقيق فلا خير فيه؛ لأن الصنعة لم تغيره. قال ابن المواز: يريد متفاضلاً، وأما على التحري فجائز وقاله كله مالك. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ويجوز القمح بدقيقه أو بدقيق شعير أو سلت مثلاً بمثل، ولا يجوز التفاضل في أحدهما بدقيق الآخر. قال أبو إسحاق: غير أنه لا يقتضي من سلم للاختلاف فيه. م وقد رأيت في المستخرجة جواز اقتضائه من سلم عن ابن القاسم من رواية عيسى. قال: ومن له عليك مئة إردب من قمح من بيع فأخذ تسعين قمحاً وعشرة شعيراً أو دقيقاً، فإن حل الأجل لذلك جائز. قال مالك في كتاب محمد: ذلك جائز متساوياً، وإن كان للحنطة ريع، وهذه السمراء أكثر دقيقاً من البيض، وهي بها مثلاً بمثل جائزة. قال ابن المواز: وعبد العزيز بن أبي سلمة يرى أن طحينة صنعة تبيح التفاضل فيهما. وقال مكحول: لا يجوز الدقيق بالقمح على حال. وقال ابن الماجشون في

الواضحة: وإنما أجازه مالك فيما قال فيما بين الجيران والرفقاء، فأما ما كثر مما يدخله التكايس وتدعو إليه الرغبة في المعاملة فكرهه ونهى عنه، لما فيه من الريع إذا طحن. [فصل 5 - في مقلو الحنطة بيابسها ومبلولها بيابسها] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ويجوز مقلو الحنطة بيابسها ومبلولها بدقيقها متفاضلاً، وقد غمزه مالك حتى يطحن المقلو، فيجوز مقلو الأرز بيابسه ومبلوله مثلاً بمثل ومفاضلاً. قال مالك: ولا يجوز فريك الحنطة الرطبة بالحنطة اليابسة للنهي عن الرطب باليابس لما يدخله من المزابنة قال: ولا يجوز الحنطة المبلولة للنهي عن الرطب باليابس لما يدخله من المزابنة قال: ولا يجوز الحنطة المبلولة بالحنطة اليابسة أو المبلولة ولا بالشعير ولا بالسلت، ولا متفاضلاً ولا متساوياً. قال: ويجوز مبلول حنطة أو شعير أو سلت بجميع يابس القطاني أو بارز أو دخن أو سمسم، ما خلا الحنطة والشعير والسلت متساوياً متفاضلاً، ويجوز مبلول الأرز بغيره من سائر القطاني والحبوب متفاضلاً يداً بيد، ولا يجوز الأرز المبلول بالأرز المبلول أو اليابس، فأما المبلول من القطنية بيابس من صنف منها فجائز على أول قول مالك فيها أنها أصناف مختلفة في البيع يجوز التفاضل فيها. وبه أخذ ابن القاسم ولا يجوز ذلك في قول مالك الآخر الذي رجع إليه فجعلها صنفاً واحداً وكره التفاضل فيها.

[قال] ابن المواز: والذي ثبت عليه مالك وقاله أصحابه أن القطاني أصناف يجوز بيع أحدها بصاحبه متفاضلاً إلا اللوبيا والحمص فإنهما صنف وكذلك البسيلة مع الجلبان صنف، لا يصلح التفاضل بينهما. قلت: ولم أنت تجمع بين القطنية كلها في الزكاة؟ قال: كما جمعت الذهب والورث في الزكاة وهما مفترقان في البيع. [فصل 6 - في مبلول العدس بيابسة] ومن المدونة: ولا يجوز مبلول العدس بيابسه أو مبلوله كالحنطة؛ لأن البلل يختلف، ويكون بعضه أشد انتفاخاً من بعض. م وإنما منع من المبلول بالمبلول وأجاز العفن بالعفن إذا تساويا؛ لأن المبلول إذا جف اختلف إذ قد يكون بعضه أشد انتفاخاً من بعض، والعفن إذا تساوى في عفنه لم يختلف بعد ذلك كما يختلف في المبلول.

[فصل 7 - في بيع اللحم الطري باليابس والني بالمطبوخ والمشوي والقديد والصير بلحم الحيتان] [ومن المدونة]: ولا خير في اللحم الني الغريض بقديد يابس أو مشوي، لا متساوياً ولا متفاضلاً وإن تحرى إذ لا يحاط بتحريه. قال ابن القاسم: وإلى هذا رجع مالك، وهو أحب قوليه إلى بعد أن كان أجازه -يعني تحرياً- ثم رجع عنه. ولا يجوز لحم طري بلحم مالح أو بممقور أو بمنكسوذ -وهو لحم مالح- ولا طري السمك بمالحها لا متساوياً ولا متفاضلاً ولا يتحرى. إذ لا يستطاع ذلك، ولا خير في يابس القديد بمشوي اللحم وإن تحرى لاختلاف التيبيس فيه، ولا بأس بلحم مطبوخ بقديد يبسته الشمس أو بلحم غريض أو بمشوي على النار بلا صنعة متساوياً ومتفاضلاً، وأما المشوي في المقلا مع خل وزيت

وتابل وربما كانت له مرقة فله حكم المطبوخ، فلا يباع بمطبوخ يريد متفاضلاً -ولا بأس به متساوياً وتحرياً- ولا بأس به بالنيء على كل حال. م حكي لنا عن أبي محمد أنه قال في المطبوخ بالمطبوخ يتحرى اللحمان وما معهما من المرق، لأن المرق من اللحم، قال: وكذلك الهريسة بالهريسة. وقال غيره: إنما يتحرى اللحم خاصة حيث كان نيئاً ولا يلتفت إليه بعد ذلك ولا إلى ما معه من المرق، وكما يتحرى في الخبز بالخبز ما دخل في ذلك من الدقيق، ولا يراعى أعيان الخبز. م قال بعض أصحابنا: ولم يذكروا هل يراعى اللحمان هل هي مما يجوز التفاضل فيه أم لا؟ قال والذي يظهر لي أن ذلك لا يراعى؛ لأنه صار مطبوخاً كله لتقارب منفعته، فهو كصنف واحد، يدل على ذلك قولهم أنه لا يجوز التفاضل في خبز الأرز بخبز القمح، لأنه خبز كله، وإن كان أصله يجوز فيه التفاضل. م وظاهر قولهم خلاف هذا، لا سيما في قول من قال يتحرى اللحمان، ويلزم على هذا أن لا يجوز حوت مشوي بلحم مشوي إلا مثلاً بمثل، ولا يجوز حوت مسلوق بلحم مسلوق إلا مثلاً بمثل، وكذلك المملحين، وهذا عندي بين أنه يجوز فيه التفاضل لأنهما صنفان، فكذلك إذا كانا مطبوخين، والخبز بخلاف ذلك؛ لأنه جمعة الاسم وتقاربت المنفعة، وهذا مختلف منافعه والله أعلم.

ومن المدونة قال: والمطبوخ كله صنف وإن اختلفت صفة طبخه كقليه بعسل وآخر بخل أو لبن فلا يجوز فيه التفاضل. ولا خير في شاة مذبوحة بشاة مذبوحة إلا مثلاً بمثل تحرياً إن قدر على تحريمها في جلودهما قبل السلخ قال ابن أبي زمنين: وينبغي على أصولهم أن لا يجوز حتى يستثنى كل واحد منهما جلد شاته وإلا فهو لحم وسلعة بلحم وسلعة وهذا أيضاً إذا كان في موضع يجوز فيه استثناء الجلد. ومن المدونة: قال وما أضيف إلى اللحم من شحم وكبد وكرش وقلب ورثة وطحال وكلى وخصاء وكراع ورأس وشبهه، فله حكم اللحم فيما ذكرنا، ولا يجوز باللحم ولا بعضه ببعض إلا مثلاً بمثل، ولا بأس بأكل الطحال، ولا يجوز رأس برأسين إلا أن يكون رأس كبير يساويه في التحري والوزن رأسان صغيران فيجوز، ولا خير في الصير بلحم الحيتان متفاضلاً، ولا صغار الحيتان بكبارها متفاضلاً.

[فصل 8 - في البقول والفواكه بعضها ببعض وكذلك البيض] قال مالك: وكل طعام أو إدام يدخر فلا يجوز فيه التفاضل بصنفه وإن كان يداً بيد، وأما ما لا يدخر من ذلك مثل رطب الفواكه كالتفاح والرمان والموز والخوخ -وإن ادخر- وكذلك جميع الخضر والبقول فلا بأس بصنف من ذلك كله بصنفه أو بخلافه يداً بيد متفاضلاً. قال ابن حبيب: واللوز والجوز والجلوز والفستق والصنوبر وأنواع الفاكهة كلها التي تدخر. يريد كل واحد منها صنف على حدته، لا يجوز فيه التفاضل، ولا يجوز إلا مثلاً بمثل يداً بيد، وإن اختلف الصنفان جاز التفاضل فيه، ولا بأس بقفيز زبيب بقفيزين تيناً أو قفيز من الوز بقفيزين جوزاً. قال ابن حبيب وابن المواز والزفيزف وعيون البقر والتفاح من رطب الفواكه وإن يبس بعضه ليس بالغالب، ولا ييبس لأصل معاش بل

ليتداوى به فله حكم رطب الفواكه، ولا بأس بالتفاضل في رطبه برطبه ويابسه بيابسه وكذلك الموز. قال مالك: ولا بأس بحامض الرمان بحلوه متفاضلاً، ولا يجوز في العنب التفاضل بعضه ببعض وإن كان أحدهما لا يتزبب وكذل التين وأحدهما لا ييبس ويحكم فيه بالأغلب من أمره. قال مالك: والثوم والبصل بخلاف البقول، والغالب فيهما أن ذلك ييبس ويدخر فلا يصلح التفاضل في رطبه ولا يابسه. قال ابن المواز: وبيض الطير كله صنف واحد لا يصلح إلا مثلاً بمثل على التحري حتى يكون قدراً واحداً، وأجاز بيضه ببيضتين، وكذلك بيض النعام ببيض الدجاج جائز تحرياً حتى يكون قدراً واحداً. قال ابن المواز: بعد أن يستثني صاحب بيض النعام قشره، لأن له قدراً من الثمن، فيصير البيض بالبيض بينهما فضل. [فصل 9 - في السكر بالسكر والصبرة بالصبرة والإردب بالإردب] ومن المدونة: قال: ولا يجوز السكر بالسكر متفاضلاً قال: ولا يجوز صبره قمح بصبرة شعير، ولا يجوز إلا كيلاً مثلاً بمثل، ولا يجوز تحرياً.

يريد وكذلك كلما أصله الكيل لا يجوز فيه التحري إذ لا يفقد الكيل ولو بالحفنة. ومن العتبية: وأما ما أصله الوزن فيجوز فيه التحري مثل اللحم والخبز والبيض، يجوز بعضه ببعض تحرياً. قال ابن القاسم: وذلك إذا بلغه التحري ولم يكثر حتى لا يستطاع تحريه. م وهذا إذا لم يحضرهما ميزان. يؤيد ذلك قولهم لا يجوز ذلك فيما يكال، إذا لا يفقد فيه الكيل ولا بالحفنة، قال: وكل صنف من طعام أو غيره يجوز فهي التفاضل بصنفه فلا بأس بقسمته على التحري، كان مما يكال أو يوزن أم لا. [قال] ابن المواز: قال مالك: ما يكال أو يعد من طعام أو غيره فال يقسم تحرياً وما لا يمكن فيه إلا الوزن فيقسم تحرياً ويباع بعضه ببعض تحرياً مثل اللحم والخبز والحيتان. ومن المدونة قال مالك رحمه الله: ولا يجوز إردب من حنطة وإردب من شعير بمثلهما ولا مد من حنطة ومد من دقيق بمثلهما كانت

الحنطتان بيضاء أو أحدهما سمراء والأخرى بيضاء، وهو ذريعة إلى أن يأخذ فضل شعيره في حنطة صاحبه، ويأخذ صاحبه فضل حنطته في شعير صاحبه، وهو على الانفراد جائز. قال ابن المواز في مدينه من حنطة أو مدين من دقيق بمد من حنطة ومد من دقيق: فإن كان مد الحنطة ومد الدقيق كلاهما أجود أو أردى مما قابلهما، أو أحدهما أجود أو أردى والآخر مثل ما قابلهما فذلك جائز. قيل لابن المواز: فقد كره مالك مداً من حنطة ومداً من دقيق بمثلهما، وهو مثل ما أجزت من هذا؟ قال: كرهه مالك للذريعة ولا بأس به عندي أن يكون قمح وشعير بمثلهما كيلاً وجودة، أو يتفق القمحان في الجودة وشعير أحدهما أدنى أو أرفع من الآخر، أو اتفق الشعيران خاصة، فأما أن يكون أحدهما أجود مما قابله من بر وشعير والآخر أدنى مما قابله فلا يجوز كما قلنا في المراطلة بالذهبين والفضتين. قال أحمد بن ميسر: لا يجوز من ذلك شيء ولا يعجبني قول محمد. م قول محمد أقيس وقول مالك أحوط. ومن المدونة قال مالك: ولا يجوز مدان من طعام مدخر بمد من صنفه ودراهم أو عرض، وذلك كالذهب بالذهب والفضة بالفضة، لا ينبغي أن يكون معهما أو مع أحدهما عرض أو خلافه من ذهب أو فضة، وكذلك ما يدخر من الطعام ولا يصلح فيه التفال فإنه يجري مجرى الذهب بالذهب والفضة بالفضة فيما ذكرنا.

[الباب التاسع] في بيع الفلوس بالفلوس والحديد بالحديد وما يجوز فيه الجزاف من ذلك

[الباب التاسع] في بيع الفلوس بالفلوس والحديد بالحديد وما يجوز فيه الجزاف من ذلك [الفصل 1 - في بيع الفلوس بالفلوس أو بالنحاس] قال ابن القاسم ولا يصلح الفلوس بالفلوس جزافاً ولا وزناً ولا كيلاً مثلاً بمثل يداً بيد ولا إلى أجل، ولا يجوز إلا عدداً فلساً بفلس يداً بيد، ولا يصلح فلس بفلسين يداً بيد ولا إلى أجل، والفلوس هاهنا في العدد بمنزلة الدنانير والدراهم في الوزن، وإنما كره ذلك مالك في الفلوس ولم يحرمه كتحريم الدنانير والدراهم، ولا خير في بيع رطل فلوس برطلين نحاس يداً بيد، إل لا تباع الفلوس إلا عدداً، وبيعها وزناً أو كيلاً أو جزافاً بعين أو عرض من المخاطرة والقمار، ولا خير في الفلوس بالنحاس إلا أن يتباعد ما بينهما وتكون الفلوس عدداً، وإن كانت الفلوس جزافاً لم يجز شراؤها بشيء. فصل [2 - ما يجوز فيه الواحد باثنين من صنفه فلا يجوز فيه الجزاف بينهما] قال مالك: وكل شيء يجوز واحد باثنين من صنفه إذا كايله أو راطله أو عادة فلا يجوز الجزاف فيه بينهما، لا منهما ولا من أحدهما ولا أن يكون أحدهما كيلاً ولا وزناً ولا عدداً والآخر جزافاً -؛ لأنه من المزابنة إلا أن يعطي أحدهما أكثر من الذي

يأخذ بشيء كثير فلا بأس به- وإن تقارب ما بينهما لم يجز وإن كان تراباً لأنه مزابنة. م وقوله لا يجوز الجزاف بينهما يريد إلا فيما قل مما يوزن ولم يحضرهما ميزان فيجوز كما يجوز بيع اللحم باللحم تحرياً؛ لأن ذلك يباع بعضه ببعض جزافاً فلا فرق. [قال] ابن المواز: قال مالك: لا يباع جزافاً إلا ما يكال أو يوزن إلا الدنانير والدراهم والفلوس وكبار الحيتان، ولا يباع ما يعد من الرقيق والثياب والحيوان وسائر العروض التي لا تكال ولا توزن جزافاً، وقد يكون شيء مما يباع عدداً يباع جزافاً كالجوز والبيض والرمان والفرسك والقثاء والتين والموز والأترج والبطيخ وصغار الحيتان وذلك فيما كثر وشق عدده، فأما ما عظم مما سميناه مما إذا نظره الناظر أحاط بعدده فلا يباع جزافاً. قال ابن حبيب: وكذلك الطير المذبوح يجوز بيعه جزافاً فيما كثر ولا يجوز فيما قل، وأما الطير حياً في الأقفاص فلا يباع جزافاً، قل أو كثر حتى يعد، لأنه يموج ويلوز ويدخل بعضه تحت بعض فيعمى أمره.

ومن كتاب ابن المواز: ولا بأس ببيع برج الحمام بما فيه جزافاً، ولا أعرف شراءه أجلاً مسمى. قال ابن القاسم: وإذا باع جميع ما فيه أو باعه بما فيه ونظر إليه وإن لم يعرف عدده جاز. قال أصبغ: وبعد أن يحيط به بصره وحزره، فرب برج كبير قليل العمارة وصغير عامر. وما علمت في شيء يباع وزناً يجوز بيعه كيلاً. قال ابن القاسم: ولا يباع القمح بوزن إلا أن يكون عرف وجه ذلك، قال عيسى عن ابن القاسم: ولا خير في صبرة قمح وعشرة أرادب شعير بدينار، قاله مالك؛ لأنه خطر، ولا يشتري كيلاً مع جزاف من غيره، قال عنه أصبغ من طعام واحد أو من صنفين اتفق السعر أو اختلف، وإن كان المكيل قليلاً مثل إردب أو ويبه، فإني أكرهه، ولا يباع جزاف [كيلاً] وعرض معه، ما كان من شيء لا يباع مع الجزاف ولا يباع جميع ما في الصبرة على الكيل مع العرض؛ لأنه لا يُدرى ما يبلغ كيلها. قال في كتاب ابن المواز: إلا أن يسمي ما يأخذ من الكيل. ولا يصلح عدد وجزاف. قال أصبغ: وأنا اقوله خوف الذريعة للمزابنة استحساناً واتباعاً، وليس بالبين، ولا أعلم من قاله قبله، وقد أجازه أشهب. قال أصبغ: قلت فطعام واحد في الجودة، وهما صبرتان ابتاعهما في صفقة إيجاباً بسعرين، هذه ثلاثة أرادب بدينار، قال لا خير فيه

إلا أن يسمي بكم من دينار يأخذ من كل واحدة، قال أصبغ: وهذا إغراق وأرجو أن يكون خفيفاً. م والصواب منعه؛ لأنه مخاطرة إذ لا يدري ايهما أكثر، الغالي أم الرخيص، فإن كان الغالي أكثر غبن المشتري، فقد تخاطرا في ذلك، فلذلك لم يجز. قال: وما عرف كيله أو وزنه فلا يباع جزافاً، فإن باعه وهو يعلم كيله فالمبتاع مخير في حبسه أو رده. قال عبد الوهاب: وخالفنا في ذلك أبو حنيفة والشافعي ودليلنا قوله -صلى الله عليه وسلم- «من غشنا فليس منا» وهذا غش؛ لأن المبتاع دخل على أن البائع بمثابته في الجهل بمقدار المبيع، وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال «من علم كيل طعامه فلا يبعه جزافاً حتى يبين ما فيه» وهذا نص. قال عبد الوهاب: ولو قال البائع إني أعلم كيله فيقول المبتاع رضيت بأخذه جزافاً بكذا لم يجز. وكذلك في كتاب محمد.

قال عبد الوهاب: لأنه رضي بالمخاطرة وقصدها مع الاستغناء عنها، وذلك مفسد للبيع. [قال] ابن حبيب: قال ابن المسيب: إذا علمت كيل طعامك ثم اكتلت منه صدراً فلا تبع ما بقي منه جزافاً. قال ابن حبيب: وذلك إذا عرفت كيل ما بقي على التقدير، فأما إن جهلته بكثرة ما اكتلت منه فذلك جائز. قال: ولا يباع ما يعرف أحدهما كيله أو وزنه أو عدده جزافاً إلا في القثاء والبطيخ والأترج وما تختلف مقاديره، فلا بأس بذلك. قال أبو محمد: يريد ابن حبيب: لأن العدد لا يؤدي فيه إلى تعريف لاختلاف مقاديره. وقال ابن المواز: لا يجوز أن يباع ما يعلم أحد المتبايعين عدده من جميع الأشياء جزافاً لا قثاء ولا غيره، وهو كالعيب يرد به إن شاء ولا يجوز له أن يقول له: املأ لي هذه الغرارة بدينار؛ لأنه جزاف غير مرئي. ولو ابتاع غراره مملوءة طعاماً جزافاً بدينار، فذلك جائز، فإن قال: فرغها واملأها لي بدينار لم يجز في موضع المكيال. قال ابن القاسم: وكذلك البيت يشتريه مملوء طعاماً فلا يجوز أن يقول املأه لي ثانية بدينار وكذلك الصبرة إذا اشتراها بدينار فلا يجوز أن تعطيه مثل

كيلها بدينار، كان ذلك في حضر أو سفر. قال أصبغ: يريد إ ذا كان قبل أن يعرف كيل الصبرة الأولى. قال ابن حبيب: وكذلك قارورة مملوءة دهناً يجوز شراؤها جزافاً، ولا يجوز أن يقول له املأها لي من هذا الدهن بدينار. قال في العتبية: ولو وجد عنده سللاً مملوءة تيناً فقال: أنا آخذها منك بكذا واملأها ثانية بدرهم فهو خفيف، بخلاف غرارة القمح، ألا تراه أنه لا يسلم في غرائر قمح، ويسلم في سلال تين؛ لأنه معروف. م فكذلك عندي هذه القارورة المملوءة بدرهم ويملأها له ثانية بدرهم فهو خفيف؛ لأنه كالمرئي المقدر. ولو قاله قائل في الغرارة ما بعد ولكنه في القارورة أبين؛ لأنه لا يختلف ملؤها فليس فيه كبير خطر والله أعلم. والغرر اليسير إذا انضاف إلى أصل جائز جاز بخلاف إذا انفرد

وحده فانظر، وهذا في الغرارة كمن أسلم في طعام وشرط قبضه بمكيال عنده أنه لا يجوز، وأجازه أشهب إن نزل. [فصل 3 - في بيع الحديد بالحديد والنحاس بالنحاس والرصاص بالرصاص] ومن المدونة قال مالك: ولا بأس أن يبيع الحديد بالحديد والنحاس بالنحاس والرصاص بالرصاص متفاضلاً يداً بيد. قال: وإن بعت من رجل رطل حديد بعينه في بيته ثم افترقتما قبل قبضه ووزنه جاز، ولكل واحد منكما قبض ما ابتاع ولا يكون ذلك ديناً بدين؛ لأنه بعينه، فإن تلف الحديدان أو أحدهما قبل الوزن انتقض البيع ولا شيء لأحدكما على صاحبه، ولو قبض أحدكما شيئاً من الحديد رده. بلغت تم كتاب السلم الثالث من الجامع بحمد الله وحسن توفيقه والحمد لله وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.

كتاب الصرف

كتاب الصرف بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم [الباب الأول] في الربا ومناجزة الصرف وكراهية التأخير فيه وما ضارعه من معاني البيوع [الفصل 1 - في الربا وتحريم التفاضل في الجنس الواحد من الأجناس الربوية] م السبب في نزول آية الربا، كان الرجل في الجاهلية يكون له الحق على الرجل فإذا حل الأجل أتاه فقال له أتقضي أم تربي، فإن قضاه والازاده فيه وأخره عنه،

فنهى الله عز وجل عن ذلك في الإسلام فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَاكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] وقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278 - 279] قال مالك رحمه الله في كتاب محمد في قوله تعالى {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] يقول {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: 279]، قال قتادة في الواضحة فيمن أسلم وبقي له دين بربا فله رأس ماله فقط. قال ابن حبيب: هذا إن فات ولا يقدر على رده وما لم يفت فليس فيه إلا الفسخ وقاله مالك وأصحابه. ومن في يديه ربًا لا يقدر على رده ولا يعرف مبايعه فليتصدق به عنه. م قال بعض البغدادين: وقد ورد النص وانعقد الإجماع على أن التفاضل في الجنس الواحد من الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح ربًا، والأصل فيه

قوله -صلى الله عليه وسلم- «الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم [لا فضل بينهما]» وقوله -صلى الله عليه وسلم- «لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين» وقوله «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها شيئًا غائبًا بناجز» وقال ابن عمر -رضي الله عنه- (الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما، هذا عهد نبينا -صلى الله عليه وسلم- إلينا وعهدنا إليكم). وما روى عن ابن عباس في ذلك فقد ثبت رجوعه عنه، وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-

«الذهب بالورق ربًا إلا هاء وهاء» وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (ذروا الربا والريبة فإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره) وأما الأربعة المسميات، فالأصل فيها فيها حديث عبادة وغيره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال «لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء، عينًا بعين، فمن زاد أو استزاد فقد أربى». [الفصل 2 - في مناجزة الصرف وكراهية التأخير فيه] ومن المدونة: قال مالك رحمه الله: ولا يجوز في الصرف إلا المناجزة، والحلي والتبر والمسكوك سواء، لا يجوز في شيء من ذلك تأخير ولا نظرة إلا يدًا بيد. قال: ومن اشترى حليًا مصوغًا -يريد- بدراهم فنقد بعض ثمنه وتأخر البعض بطلت الصفقة كلها لأنه صرف. قال مالك: وكذلك من كان له على رجل مائة دينار فباعها منه بألف درهم فقبض تسع مئة درهم وفارقه قبل قبض الباقي لم يصلح، ويرد الدراهم وتبقى له المائة دينار على حالها، ولو قبض الدراهم كلها جاز ولو كان

له عليه ألف درهم حالة فباعها منه بطوق ذهب ثم فارقه قبل قبضه فلا خير فيه، ويرد الطوق ويأخذ دراهمه. ومن صرف من رجل مائة دينار بألفي درهم فنقده خمسين دينارًا وقبض ألف درهم ثم فارقه، فالجميع منتقض ولا يجوز منه حصة الخمسين النقد، ولو تقابضا الجميع ثم وجد من الدنانير خمسين دينارًا رديئة انتقض من الصرف حصة الخمسين الرديئة فقط. قال ابن القاسم: لأن هذا صرف صحت عقدته، ولو رضي الرديئة تم جميعه، والذي لم ينقد إلا الخمسين وقعت الصفقة فاسدة كلها. [قال] ابن المواز: قال ابن القاسم: فإن وجد الدنانير تنقص دينارًا ففارقه حتى يأتيه به قال: ينتقص صرف ذلك الدينار. وقال محمد: بل تنتقض كلها. قيل لابن القاسم فإن قبضت نصفها ولم يجد من المائة دينار إلا خمسين دينارًا؟. قال: ينتقض الصرف كله إلا أن يشاء أن يأخذ ما وجد منها كمبتاع مئة قفيز قمح فلم يجد إلا خمسين. وقال أصبغ: بل ينتقض الصرف كله وإن لم يعجز منه إلا خروبة واحدة، وليس ما ناظرة به بشيء، لأن ذلك في غير الصرف عيب بخلاف الصرف الذي لا يتأخر.

قال في كتاب الصلح: وإن صرفت دنانير بدراهم ثم وجدت فيها عيبًا درهمًا زائفًا انتقض صرف دينار، فإن وجدت أكثر من صرف دينار، وإن قل انتقض صرف دينارين هكذا على هذا الحساب. م وإنما لم ينتقض صرف الجملة لأن كل دينار كأنه على حدته منفرد بنفسه إذ لا تختلف قيمته من قيمة صاحبه ولم ينتقض إلا ما يخص الزائف فقط إذ لا يجوز كسر دينار، ولا يجوز أن يشتركا في الدينار بمقدار ما وجد رديئًا؛ لأنه لا يجوز في الصرف أن يفترقا وبينهما عمل ولا تباعة، ولا يجوز بدل الدراهم فيكون صرفًا مستأخرًا، فوجب لذلك أن ينتقض صرف دينار. قال ابن الجلاب وغيره: وهذا إذا رتبا لكل دينار شيئًا معلومًا حين العقد وأما إن صادفه جملة دنانير بجملة دراهم فلينقض الصرف كله. م وليس ذلك بشيء؛ لأن الدنانير لا تختلف قيمتها إذا كانت سكة واحدة، وإنما يقع لكل دينار حصته من الدراهم على العدد، إن كانت خمسة وقع لكل دينار خمس الدراهم، وإن كانت ستة فسدس الدراهم، فالحكم يوجب الترتيب وإن لم يرتباه، ولأن الترتيب لا حكم له، لأن من أصلهم في البيوع إذا رتب لكل سلعة ثمنًا وبيعت في صفقه أن ذلك الترتيب لا حكم له في طريان الاستحقاق والرد بالعيب. قال ابن أبي زمنين في أصل المسألة: وهذا إذا كانت سكة الدنانير

كلها واحدة فينتقض صرف دينار كما وصفنا بوجود درهم [واحد] ردئ، فأما إن كانت السكة مختلفة فقال أصبغ: ينتقض صرف أجود الدنانير. وقال سحنون: ينتقض الصرف كله؛ لأن الدرهم الردئ له حصة من كل دينار، وقول سحنون أقيس. م وإن كانت الدنانير سكة واحدة وهي نقص مجموعة في الوزن، فإنما ينتقض صرف أنقص الدنانير؛ لأن الدراهم إنما هي مفضوضة على وزن الدنانير، ولا حكم للعين يوجب أن ينتقض أصغر قطعة من الدنانير إلا أن يخصها أقل من درهم فينتقض الأصغر بعدها أيضًا، وكذلك في كتاب محمد وهو مذكور بعد هذا. [فصل 3 - المبادلة في الصرف والتصديق فيه] ومن المدونة [قال] ابن وهب: وأجاز ابن شهاب البدل في الصرف إذا كان بغير شرط، وأباه مالك. قال عطاء: ولو قال له اذهب بها فما ردوا عليك فأنا أبدله لك لم يجز. قال ابن حارث: إذا شرط له إن كان فيها ناقص فعلى بدله فهو

ربًا. قال مالك في سماع أشهب: إذا قال له إن وجدت فيها رديئًا فرده، فوجدها جيادًا قال: أصل الصرف لا يصلح، وليردها كلها، قال: ولو قال له زنها عند هذا الصراف وأراه إياها أو قاما إليه لذلك، فهو خفيف إن كان قريبًا، ونحوه من كتاب محمد. قال مالك: وإن قال له الصراف في الدارهم هي جيادًا فأخذها بقوله وهو لا يدري جيادًا هي أم لا؟ فنهى عنه. قيل له: فإنا لا نبصرها وأنت تكره أن يفارقه. قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]. ولا يجوز التصديق في الصرف، ولا تبادل الطعامين. قال: ولا يجوز أن يصارفه سوارين على أن يصدقه في وزنهما. وينقض البيع، وإن افترقا ووجدهما كذلك فلابد أن ينقض، ولو وزنهما قبل التفرق فوجد بهما نقصًا فرضيه أو زيادة فتركها الآخر فذلك جائز.

قال محمد: وقال أشهب: في افتراقهما على التصديق فيجد زيادة أو نقصانًا فترك الفضل من هوله، جاز ذلك. قال: وكذلك إن كانت دراهم فوجد فيها رديئة أو دون ما قاله له من الوزن، فيترك ذلك ولا يتبعه أن ذلك جائز بينهما وقاله لي مالك. قال محمد: وإذا وجد في الدراهم رديئًا أو نقصانًا يسيرًا فتجاوزه فلا بأس بذلك، وكذلك كلما افترقا فيه على الفراغ لا على أن يزن ولا على أن يتجاوز عنه فلم يطلبه ببدل ولا نقصان فهو جائز، وكذلك لو جاءه ليبدل عليه فأرضاه حتى لا يبدل لجاز ذلك. وقد قال ابن القاسم وأشهب فيمن باع طوق ذهب بألف درهم فتقابضا، ثم أصاب بالطوق عيبًا بعد ذلك يرد به، فصالحه بائع الطوق على دنانير أو دراهم دفعها إليه أن ذلك جائز. قال ابن القاسم: إذا كانت الدراهم من نوع الدراهم التي قبض منه وإن كانت من غير سكة ما قبض منه لم يجز. وكذلك لو صالحه على نقرة. وقال أشهب: لا بأس بذلك كله؛ لأن بيهما كان على الصحة، وإنما استوجب بها البائع الرد عليك بهذه المئة أو النقرة التي قبضت.

م وهذه المسألة في كتاب الصلح. فصل [4 - من صرف دنانير بدراهم وقبض عرضًا عن بعض الدراهم] ومن المدونة: ومن صرف من رجل دينارًا بعشرين درهمًا فقبض منه عشرة دراهم، وقال له اعطني بالعشرة الباقية عشرة أرطال لحم كل يوم رطل لحم لم يجز، ولا يجوز تأخير ما مع من الدراهم من عرض أو غيره وإن تعجل ذلك جاز. قال: ولو اشترى منه سلعة إلى أجل بنصف دينار نقدًا، فأعطاه بعد الصفقة دينارًا ليرد عليه نصفه دراهم بغير شرط فلا خير فيه؛ لأنه صرف فيه سلعة تأخرت، ولم يجز مالك اجتماع بيع وصرف في صفقة واحدة إلا أن تكون دراهم يسيرة كالعشرة ونحوها، وإن كثرت الدراهم لم يجز. ومن اشترى ثوبًا وذهبًا يسيرًا -لا يكون صرفًا- بدراهم، فتأخر درهم منها أو تأخر الثوب بطل البيع، وإن كانت الذهب كثيرة لم يجز وإن انتقد جميع الصفقة. فصل [5 - التأخير في صرف الفلوس والمناجزة في الصرف] قال مالك: ولا بأس بصرف دينار بدراهم وفلوس، قال: ومن اشترى فلوسًا بدرهم أو بخاتم فضة أو ذهب أو تبر ذهب أو فضة فافترقا قبل أن يتقابضا لم يجز؛ لأن الفلوس لا خير فيها بالذهب ولا بالورق نَظِرةً وليست بحرام بين، ولكني أكره التأخير فيها إذا جرت بين الناس، ولو جرت الجلود مجرى العين

المسكوك، لكرهنا بيعها بذهب أو ورق نَظِرةً، ولم يجز مالك بيع الفلوس فلس بفلسين نقدًا ولا مؤجلاً، وقاله ربيعه ويحي بن سعيد. قال ابن القاسم: وإن اشتريت من رجل عشرين درهمًا بدينار وأنتما في مجلس واحد ثم استقرضت أنت من رجل إلى جانبك دينارًا أو استقرض هو الدراهم من رجل إلى جانبه فدفعت إليه الدينار وقبضت الدراهم فلا خير فيه. قال سحنون: هذه خير من المسألة التي تحتها. قال ابن القاسم: ولو كانت الدراهم معه واستقرضت أنت الدينار، فإن كان أمرًا قريبًا كحل الصرة ولا تقوم لذلك ولا تبعث وراءه جاز. ولم يجزه أشهب. قال بعض فقهائنا القرويين: إنما يصح قول ابن القاسم إذا لم يعلم صاحب الدراهم أنه لا شيء عند صاحب الدينار، فأما إن علم أنه لا دينار عنده فلا يجوز الصرف عند ابن القاسم وأشهب، ونحوه ذكر عن ابن القابسي. وقال بعض شيوخنا من أهل بلدنا: سواء علم أو لم يعلم، وليس بصواب، والله أعلم. ولأبي القاسم بن الكاتب في المسألة الأولى إذا لم يكن عند واحد منهما شيء، قال: هاهنا قد أقر كل واحد منهما بفساد الصرف حتى إذا كان أحدهما لم يصدقه الآخر [على] أنه ليس معه شيء فيتهم فيما أظهره أن يكون أراد فساد الصرف فمنعه.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكره مالك للصيرفي أن يدخل الدينار تابوته أو يخلطه، ثم يخرج الدراهم ولكن يدعه حتى يزن الدراهم فيأخذ ويعطي، وكره أن يصارفه في مجلس ويناقده في آخر أو يجلسا ساعة ثم يتناقدا قبل أن يتفرقا، فإن طال المجلس بطل الصرف. م وقال أبو حنيفة والشافعي لا يبطل العقد بترك التقابض ما لم يفترقا. ودليلنا قوله -صلى الله عليه وسلم- «الذهب بالورق ربًا إلا هاء وهاء يدًا بيد» وهذا لم يوجد، ولأن القبض قد تراخى عن العقد فأشبه ما إذا افترقا. ومن كتاب محمد: ومن اشترى ألف درهم بدنانير فوزن ألف درهم، فأراد أن يزن ألفًا أخرى قبل دفع دنانير الأولى فكرهه ابن القاسم إلا أن يقبضه كلما وزن له ألفًا. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن لقي رجلاً معه دراهم فواجبه عليها ثم مضى معه إلى الصيارفة ليتناقدا لم يجز، ولو قال له المبتاع اذهب بنا إلى السوق

بدراهمك، فإن كانت جيادا أخذتها منك كذا وكذا درهما بدينار لم يجز ولكن يسير معه على غير موعد، فإن أعجبه شيء أخذ وإلا ترك. م وذكر عن أبي موسى بن مناس أنه كان يجيز في الصرف التعريض، كما يجوز في عدة المرأة التعريض لها دون التصريح، أو المواعدة مثل أن يقول: إني لمحتاج إلى دراهم أصرفها ونحو ذلك من القول. وقيل إنما كرهت المواعدة لأنه نهي عن خلف الوعد فيصبر ذلك شبه عقد. قال: وأعرف أن محمد بن عبد الحكم يجيز المواعدة في الصرف إذا لم يقطع الصرف. ومن المدونة: وقد قال مالك فيمن اشترى حليًا من ميراث ثم قام إلى السوق ليدفع ثمنه ولم يفترقا أنه لا خير فيه ويفسخ بيعه. قال ابن المواز: وكذلك من اشترى حليًا ثم تفرقا لليل غشيهم أو لتعذر ما يزن به فهو منتقض، وأما من اشترى سوارين من ذهب بدراهم على أن يريها لأهله فإن أعجبهم رجع إليهم فاستوجبها وإلا ردهما، فقد خففه مالك وكرهه.

قال ابن المواز: والكراهية من قول مالك أحب إلينا إلا أن يأخذهما على غير إيجاب ولا على أن يشتريهما. وفي الواضحة: ومن ابتاع حليًا بدراهم فلا يقوم إلى صراف ليريه ذلك وينقده، فإن نزل ذلك فهو مردود، وليس في الصرف مشورة ولا حوالة، وإن عجل قضاه. [قال] ابن المواز: قال ابن القاسم عن مالك عن قوم اشتروا قلادة من ذهب وفيها لؤلؤ على النقد، فلم ينقدوا حتى فصلت، وتقاوموا اللؤلؤ وباعوا الذهب، فلما وضعوا أرادوا نقض البيع لتأخير النقد. قال: لا ينتقض ذلك. وقال ابن القاسم؛ لأنه باع على النقد ولم يرض بتأخيرهم إنما هو رجل مغلوب وكذلك عنه في العتبية، قال سحنون جيدة. م قال بعض أصحابنا: وقد قيل يفسخ الأمر بينهم لأنه آل إلى التأخير المحرم. م وقد قال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن اشترى فصيلاً فاستغلاه فاستقال منه فلم يقله، فقال: لا تركته حتى يصير حيًا، فليرفعه البائع إلى الأمام

حتى يأمره بقصله، فإن تراخى حتى تحبب أو تحبب وهما في الخصومة فلا بيع بينهما. قال أصبغ: ولو قضى عليه الإمام ثم لم يقصله حتى تحبب أو تحبب وهما في الخصومة فلا بيع بينهما. م وقوله في مسألة القلادة يفسخ الأمر بينهما جار على قوله في مسألة الزرع وعلى قوله في مسألة الصرف لا يفسخ الأمر بينهم ينبغي ألا يفسخ الأمر بينهم في مسألة الفصيل، المسألتان سواء يدخلهما القولان. م والصواب ألا يفسخ الأمر بينهم؛ لأن أصل البيع وقع على الصحة وإنما المبتاع استغلى فأراد بالتأخير فسخ البيع فوجب أن يُحرمه، لأن ذلك ذريعة إلى حل العقود اللازمة فلا، يريد من استغلى وندم في شرائه إلا أخر ذلك ليفسخه فوجب أن يُحرم ذلك كمنع القاتل الميراث والمتزوجين في العدة أن لا يتناكحان أبدًا، وقد قالوا فيمن تصدق عليه بصدقة فقام يطلبها فمنعه المتصدق من قبضها فخاصمه في ذلك فلم يقض للمتصدق عليه حتى مات المتصدق أو فلس ثم أثبت المتصدق عليه بذلك البينة أنه يقضي له بالصدقة ولا يدخل عليه الغرماء فيها، فكذلك ينبغي أن يمضي العقد بينهم، ولا يمكن هذا من فسخه فيكون ذريعة إلى من طلب فسخ عقد لزمه أن يفسخه وبالله التوفيق ..

وحكي لنا عن الشيخ أبي بكر بن عبد الرحمن القروي أنه قال: معنى مسألة القلادة هذه، أن الذهب فيها يسير تابع للحجارة فلذلك قال: لا يفسخ البيع، ولو كانت الحجارة يسيرة والذهب كثير لفسخ البيع، وكذلك تأولها غيره من حذاق أصحابه. م وما ذكرناه أبين، ولو كانت العلة ما ذكروه لبينه مالك وابن القاسم. فصل [6 - فيمن صارف رجلاً دينارًا بعشرين درهمًا فلما قبض الدينار تسلف العشرين ممن صرف له ثم دفعها له ونحوها] قال ابن القاسم: وإن صرفت من رجل دينارًا بعشرين درهمًا، فلما قبضت الدينار، تسلفت منه عشرين درهمًا ثم رددتها عليه في صرف ديناره لم يجز؛ فكأنك أخذت منه دينارًا في عشرين درهمًا إلى أجل، فقد كره مالك ما هو أبعد من هذا، فقال فيمن راطل رجلاً دنانير ناقصة بوازنة فلا خير في أن يصرف أحدهما من الآخر دينارًا مما أُخذ منه مكانه، ولا بعد يومين حتى يبعد ذلك، فكذلك لو صرف منه دراهم بدنانير ثم ابتاع منه دراهم غير دراهمه وغير عيونها -يريد أنقص أو أوزن- قال: وكذلك إن قضاك غريمك دينًا فلا تعده إليه مكانك سلمًا في طعام أو غيره، وكذلك لو أسلمت إليه دنانير في طعام ثم قضاكما بحدثان ذلك من دين لك عليه بغير شرط لم يجز، ويكره ذلك كله بحدثانه كمسألة الصرف.

م واعتبار فساد هذه المسائل بين، وهو أن يجعل كل من خرج من يده شيء فعاد ليه مكانه أو بالقرب لغوًا كأنه لم يخرجه من يده، ثم ينظر إلى ما يصح من فعلهما بعد ذلك، فإن كان ذلك صوابًا أمضيته وإن كان حرامًا نقضته حماية أن يكون قصدا ذلك، فتجده في مسألة الصرف قد رد العشرين درهمًا التي تسلفها إلى مخرجها فصارت لغوًا كأنها لم تقبض، وصح من فعله أن قبض دينارًا في عشرين درهمًا إلى أجل، وكذلك تجده في مسألة الصرف الثانية قد رد إليه دنانيره فصارت لغوًا، وصح من فعله أنه ابتاع منه دراهم من غير عيون دراهمه أقل من دراهمه أو أكثر، وتجده في مسألة المراطلة قد رد بعض ما راطله به فصار لغوًا، وصح من فعله أنه دفع دنانير ودراهم في دنانير، وتجده في مسألتي السلم أن قضاءه للدين صار لغوًا لرجوعه إلى مخرجه، وصح من فعلهما أنه فسخ دينه فيما لا يتعجله. ومن المدونة قال ابن أبي سلمة: وإذا أردت أن تبيع ذهبًا نقصًا بوازنة فلم تجد من يراطلك، فبع نقصك بورق ثم ابتع بالورق وازنة، ولا تجعل ذلك من رجل واحد فإن ذلك ذهب بذهب وزيادة. فصل [7 - فيمن اشترى سيفًا محري بفضة نصله تبع لحليته وكذلك الخاتم والمصحف المحلي ونحوها] قال ابن القاسم: ومن اشترى سيفًا محلى بفضة، كثير الفضة، نصله تبع لفضته بعشرة دنانير فقبضه ثم باعه مكانه من رجل إلى جنبه قبل النقد ثم نقد الثمن، فكان ينبغي أن لا يبيع السيف حتى يدفع الثمن، فأما إذا وقع ذلك ونقده

مكانه لم ينقض البيع، ورأيته جائزًا، وأما إن قبض المبتاع السيف وفارق البائع قبل أن ينقده فسد البيع، ثم إن باعه فبيعه جائز، ويضمن المبتاع الأول لبائعه قيمة السيف من الذهب يوم قبضه كبيع فاسد يقوت بالبيع ولو لم يخرج من يده لم تفته عنده حوالة الأسواق وله رده كالصرف، ولا يفيت الذهب والفضة تغير سوق، وإن أصابه عنده عيب فانقطع أو انكسر جفنه فعليه قيمته يوم قبضه. م قال بعض أصحابنا: أراه يريد انكسر جفنه وانكسرت حليته، وأما إذا لم تنكسر الحلية، فقدر الجفن يسير، فلا يكون ذلك فوتًا، وسحنون لا يجعل ذلك فيه فوتا. وقال: هذا من الربا وتنقض في البياعات كلها. م وإنما أراد ابن القاسم والله أعلم أنه لما كانت الحلية مرتبطة بيه صار شبيهًا بالعرض. فأفاته إذا دخله عيب وزاده مزية أنه لا يفيته حوالة الأسواق لكثرة ما فيه من الفضة، وقد قال سحنون: إذا باعه نقض بيعه ورده إلى ربه، وإن فاتت عينه رد وزن الفضة وقيمة النصل، وكذلك إذا انقطع أو انكسر جفنه فإنه يرد وزن الفضة وقيمة النصل والجفن. وقال أبو محمد: كيف يرد وزن الفضة وهي مصوغة وقد يزاد في الثمن للصياغة؟. م وحكى بعض أصحابنا عن بعض شيوخنا القرويين أنه قال في قول سحنون: ليس هذا أصلهم، لأنهم يقولون فيمن استهلك مصوغًا، كخلخالين ونحوهما: أنه يغرم القيمة فيهما، وكيف يقول سحنون يرد الوزن. قال: وقول ابن القاسم في مسألة السيف لا يفيته حوالة الأسواق، يوضح أن قول ابن المواز في الحلي الجزاف

يباع بيعًا فاسدًا أن حوالة سوقه فوت، خلاف لقول ابن القاسم؛ لأن حلية السيف المرتبطة به جزاف ولا سيما وهي مربوطة بعوض. ومن المدونة قال ابن القاسم: والسيف المحلي أو المصحف أو الخاتم إذا كان ما فيه من الفضة تبعًا، كالثلث فأدنى جاز بيعه بفضة نقدًا، وقد روى طاووس اليماني حديثًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- في إجازة بيع السيف المحلي، فضته تبع لنصله بفضة. وهو مما أبيح اتخاذه وفي نزعه ضرر، وكذلك المصحف والخاتم. قال ابن القاسم: وإن كثرت الحلية وصار النصل تبعًا لم يجز بيعه بالفضة، ولا يجوز بيعه بفضه إلى أجل قُلتِ الحلية أو كثرت، ويجوز بيعه بذهب نقدًا قلت الحلية أو كثرت، فإن بيع السيف الذي فضته تبع بذهب أو بفضه إلى أجل، فسخ ذلك إن كان قائمًا، وإن فات بتفصيل حلية أمضيته؛ لأن ربيعة كان يجيز إذا كان ما في السيف أو المصحف من الفضة تبعًا له، أن يباع بذهب إلى أجل، وإنما كرهه مالك ولم يشدد فيه الكراهية وجعله كالعروض لجواز اتخاذه، ولأن في نزعه مضرة، وأخذ سحنون بقول ربيعة.

م قال بعض أصحابنا: وأراه يعني والله أعلم إذا كان يؤدي في تركيب الحلية ثمنًا، فلذلك جعله فوتًا، وأما إن لم يؤد في تركيبها ثمنًا لخفته، فليس ذلك بفوت مع أن الكراهية في ذلك ليست بالقوية. قال سحنون: ولو استحقت الحلية وهي تبع لم ينقض البيع وإن لم يرجع بشيء إذ لا حصة لها من الثمن كمال العبد. م وأنكره بعض القرويين. م والفرق بينه وبين مال العبد، أن مال العبد إنما هو مشترط للعبد فهو تبع له لم يقع عليه ثمن، وحلية السيف ليست بمشترطة للسيف؛ لأن السيف لا يملك شيئًا، فقد وقع عليها حصة من الثمن وأبيحت إذ لا غنى للسيف عنها، وفيها مباهاة للجهاد، وقد أجازوا الصلاة بالكيمخت في السيف بخلاف كونه في غيره م وحكي لنا عن بعض شيوخنا القرويين أنه إنما يراعى في الحلية هل هي تبع أم لا؟ [أنه إنما يراعى في الحلية] وزنها لا قيمتها، كالقطع في السرقة وفي الزكاة إنما يراعى في ذلك الوزن، فكذلك هذا، وإن كان وزن الحلية مئة وقيمة النصل مئتين فهي تبع، وإن كان قيمة الحلية أكثر من مئة، فلا يراعى ذلك، وظاهر ما في الموطأ وكتاب ابن المواز خلافه، وإنما يجب أن يراعى في الحلية القيمة.

م وذلك أن من أصلنا أن نحرم بالأقل، فإن كانت القيمة أو الوزن غير تبع لم يجز، وأما السرقة والزكاة ففيها نصاب مقدر، فوجب مراعاة الوزن؛ لأن به وقع التقدير، فلو راعينا القيمة، وهي كالنصاب، والوزن أقل من النصاب، لأوجبنا الزكاة في أقل من النصاب، وذلك خلاف النص، ولقطعنا في أقل من ثلاثة دراهم وخالفنا النص، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «ادرؤا الحدود الشبهات» فأخذنا بالأوكد في ذلك وراعينا الوزن إذا كان أقل من ثلاثة دراهم، ولم يلتفت إلى القيمة وإن كان فيها ثلاثة دراهم.

وفي كتاب ابن المواز: قال مالك رحمه الله: وما حلي به السيف والمصحف والخاتم من الذهب فإن كان الثلث فأقل فلك بيعه بدنانير، وما حلي بالفضة يباع بالفضة على هذا لا تأخير فيه. فأجاز في هذا أن يحلى السيف بالذهب. قال بعض أصحابنا: وأظن في ذلك اختلاف في جواز أن يحلى السيف بالذهب، والكراهية في ذلك قول آخر في المذهب. ومن الواضحة: وكل مفضض من الخواتم والمناطق والمصاحف والأسلحة فهو كالسيف، فإن كانت فضته تبعًا لثمن الجميع بيع بفضة نقدًا وإن لم يكن تبعًا بيع بذهب نقدًا، ويجوز بعرض نقدًا أو مؤجلاً، وكذلك كل ما فيه الذهب مركبًا من حلي النساء من التاج والقرق والنقارس والشوادر والخواتم والأخلة يباع ما ذهب تبع بذهب نقدًا، وما ليس بتبع بيع بفضة نقدًا أو بعرض نقدًا أو

مؤجلاً، وما كان ذهبه مع جوهره مجتمعًا بالنظم من العقود والأقرطة والقلائد، فلا يباع بذهب كان تبعًا أو غير تبع، ويباع بالورق نقدًا. م أراه إنما فرق بين ذلك؛ لأن العقود وما شاكلها ليس في نزع جوهرها من ذهبها مضرة، فهو كأنه مميز عنه. وأما التاج وشبهه ففي نزع بعض ذلك عن بعض مضرة فهو كالسيف، وينبغي أن يراعى فيما ليس في نزع جوهره عن ذهبه مضرة أن يكون ذهبه يسيرًا أو جوهره يسيرًا أقل من دينار لئلا يدخله البيع والصرف والله أعلم.

[الباب الثاني] في الحوالة والوكالة في الصرف، وصرفك ممن له عليك أو لك عليه دين وصرفك ممن أستقرضت منه أو صرفت منه

[الباب الثاني] في الحوالة والوكالة في الصرف، وصرفك ممن له عليك أو لك عليه دين وصرفك ممن أستقرضت منه أو صرفت منه [الفصل 1 - الحوالة والوكالة في الصرف وصرفك ممن له عليك أو لك عليه دين] ولما لم يجز في الصرف إلا المناجزة لم تجز فيه حوالة ولا وكالة لأنهما بفترقان قبل تمام القبض. قال مالك رحمه الله: وإن صرفت من رجل دينارًا بعشرين درهمًا، فدفعت إليه الدينار واشتريت من رجل سلعة بعشرين درهمًا، وأمرت الصراف أن يدفع الدراهم أو نصفها إلى غريمك وقبضت أنت ما بقي، وذلك كله معًا، لم ينبغ ذلك حتى تقبضها أنت منه ثم تدفعها إلى من شئت، لأنكما افترقتما قبل تمام القبض. قال ابن المواز: قال أشهب: ولا ينبغي ذلك فإن فعلا ولم يفارقه حتى قبضها المأمور ولم يفسخ، فإن افترقا فسخ الصرف، ابتعت السلعة قبل الصرف أو بعده.

ومن المدونة قال مالك: وإن وكلت رجلاً يصرف لك دينارًا فلما صرفه أتيته قبل أن يقبض فأمرك بالقبض ثم قام وذهب، فلا خير في ذلك. قال مالك: ولا يصلح للرجل أن يصرف ثم يوكل من يقبض له ولكن يوكل من يصرف له ويقبض. ومن سماع أشهب قال مالك: ومن وكل على صرف دنانير فعرضها وصرفها من نفسه ثم علم ربها فلا خير فيه، أرأيت إن لم يرض، وكأنه صرف فيه خيار. قال مالك: ومن لك عليه دراهم فقلت له صرفها لي بدينار وجئني به لم يجز. قال ابن القاسم: وكأنك فسختها عليه في دينار لا يتعجله فصار صرفًا مستأخرًا أو أخرته بالدراهم إلى أن يشتريه لك فيصير سلفًا جر منفعة، وكذلك إن أمرته ببيع طعام لك عليه من بيع قبل أن تقبضه منه فباعه بدراهم، ورأس مالك في دنانير، أو باعه بدنانير ورأس مالك فيه دراهم فإنه يدخله تأخير الصرف، وإن باعه بصنف رأس المال أزيد أو أنقص دخله الربا وبيع الطعام قبل قبضه في ذلك كله. م قال بعض أصحابنا وينبغي إذا باع له الطعام الذي في ذمته أو صرف له الدراهم التي في ذمته وثبت ذلك ببينة أن يكون له أجر المثل فيما تولى كإجارة فاسدة، وتبرأ ذمة الغريم لوضاع ما اشتراه؛ لأنه لما تصرف فيه بإذنه صار كوكيله وصار ما عليه كالمقبوض، ومثل هذا في المدونة وغيرها فيما ينتقل من ذمة إلى أمانة. م انظر قوله وتكون له إجازة المثل فيما تولاه وهو لم يستأجره على ذلك، وإنما سأله أن يصرف له أو يبيع له الطعام، فلا شيء له في ذلك إلا أن يكون مثله ممن لا يتولى شيئًا من ذلك إلا بإجارة، ويطلب ذلك، فيكون له أجر مثله

إذا لم يعاقده على معلوم. قال في باب بعد هذا: ولو كان له عليك دراهم فلا يعجبني أن تعطيه دينارًا يصرفه لك ويستوفي دراهمه، وأخاف أن يحبسه فيصير مصرفًا من نفسه. قال ابن القاسم: وكذلك إن دفعت إليه فلوسًا ليصرفها ويستوفي حقه منها فهو مكروه. قال ابن المواز: إذا دفع إليه دينارًا ليصرفه ويستوفي دراهمه فليرد مثل الدينار ويطلبه بمثل دراهمه إلا أن يكون له بينة، احضرهم على صرفه عن الدافع واستوفى دراهمه ولم يصرفه من نفسه فيجوز ذلك. قال ابن القاسم عن مالك: ولو كان له عليك نصف دينار فأعطيته دينارًا فقلت له صرفه واستوف حقك وجئني بنصفه فكرهه مالك ثم أجازه، وبإجازته أخذ ابن القاسم، ولو كان له عليك دراهم لم يجز، قال: وهذا في الدينار وأما فيما كثر فلا خير فيه. ومن المدونة: قال مالك ولو كان له عليك ألف درهم إلى أجل، فلما حل الأجل دفع إليك عرضًا أو طعامًا وقال لك بعه واستوف حقك جاز إلا أن يعطيك سلعة من صنف ما بعت منه بدينك، وهي أفضل فلا يجوز، وأما إن كانت

مثلها في الصفة والجودة أو أدنى جاز إذ لا تهمة في هذا. فصل [2 - الصرف والمقاصة فيه] قال مالك رحمه الله: وإن صرف رجل منك دينارًا فلما وزنت له الدراهم وقبضها أراد مقاصتك بدينار له عليك، فإن رضيت جاز وإن لم ترض غرم لك دينار الصرف، وطالبك بديناره. قال ابن المواز في الرابع من البيوع: وقال أشهب: للصيرفي أن يحبس هذا الدينار من ديناره على ما أحب صاحب الدراهم أو كره، وقد سمعت مالكًا يقول فيمن أخرج سلعة له ليبيعها فقال له رجل له عليه مال: يعني سلعتك، فقال: إني أخاف أن تقاصني وأنا محتاج إلى ثمنها، قال: لست مقاصك، فباعه على ذلك ثم أراد مقاصته وأبى البائع، فقال: أرى مقاصته عليه واجبة. [قال] أصبغ وقال ابن القاسم وهذا حرام لا يحل. قال ابن المواز: يريد ابن القاسم أنه إنما باعه على أن يؤخره بما عليه من الدين. قال أصبغ: لا يعجبني ما قال ابن القاسم؛ لأنه لم يشترط له تأخيرًا مع البيع ولكن أرى أن يدفع له ثمنها ويقوم مكانه عليه بحقه في ذلك الثمن بعينه وفي غيره. قال ابن المواز: إن صح أمرهما ولم يعملا على تأخير الحق جاز ذلك، وكان له أن يحبس ذلك بحقه مقاصة كما قال أشهب عن مالك إلا أن يكون لهذا

البائع غرماء غير هذا فيمنعوه من ذلك، فإن لم يكن له غرماء كان له حبسه؛ لأني إن كلفته دفع ذلك إليه ثم حكمت عليه بأخذه منه مكانه لم أكلفه دفعه؛ لأنه ليس في دفعه منفعة ولا حبسه بحرام ولا في ذلك شيء، ولو كان حين باعه شرط عليه أن يؤخره بدينه وعملا على ذلك، كان حرامًا كما قال ابن القاسم؛ لأنه بيع وسلف. فصل [3 - جعل بعض الصرف قضاء عن دين] ومن المدونة قال مالك: ومن لك عليه نصف دينار دراهم فصرف منك دينارًا ثم قضاك دراهمك مكانه أو أعطاك دينارًا لتأخذ نصفه قضاء من دراهمك وتعطيه بنصفه دراهم فلا بأس به. م يجوز عندنا في الذهب والورق اقتضاء أحدهما من الآخر لحديث ابن عمر أنه قال: كنا نبيع الإبل بالبقيع فنأخذ مكان الذهب الفضة ومكان الفضة والذهب فسألنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال «لا بأس إذا كان بسعر يومه».

ومن كتاب محمد: ومن له عليك نصف دينار من بيع أو قرض فصرفت من آخر نصف دينار ودفعت إليهما دينارًا [بينهما] لم يجز، وكذلك لو أن لرجلين عليك ثلثا دينار لكل واحد ثلث فدفع أحدهما إليك ثلث دينار دراهم ودفعت إليهما دينارًا ليكون هذا ثلثاه ولهذا ثلثه لم يجز، لأن كل واحد صرف منك ما لم يبن به وهو حول في الصرف، وكذلك لو كان قبض الدينار مصرف الثلث لم يجز، ولو صرفت ذلك الثلث منهما لجاز، قبضا الدينار أو قبضه أحدهما. قال ابن المواز: إذا اشتركا في دراهم بقية الدينار قبل الصرف جاز ذلك، وكذلك لو أسلف أحدهما الآخر جزءه من الدراهم قبل دفعها، فأما بعد ذلك فلا يحل. م لأن الشريكين كرجل واحد. قال: ولو أن لك على رجلين ثلث ثلث أو ثلث ونصف أو ربع وربع فدفعت إلى أحدهما بقية الدينار دراهم وقبضت منه أو منهما دينارًا مكانك، فهذا جائز، كما لو كان لك على رجل نصف دينار فدفع إليك رجل عن ذلك، فكذلك مسألتك.

قال ابن المواز: لا يعجبنا قوله في أخذ الدينار من قابض الدراهم، وتحيله على صاحبه بالثلث، وكذلك لو دفعت عرضًا إلى دافع الدينار إليك في الثلث؛ لأن دافع الثلث يمكنه أن يزيده ليضمن عن الآخر الثلث الباقي، فيدخله ضمان يجعل، ولا يجوز ضمان مع صرف ولا مع بيع، ولو ضمن دافع الدينار ما على صاحبه قبل ذلك من غير شرط لجاز أن يدفع دينارًا ويأخذ ببقيته عرضًا أو ورقًا مكانه، وإن تأخر عليه على أنه ثلث دينار كما هو جاز ذلك. قال: ومن لك عليه نصف دينار، فأعطاك دينارًا على أن تحيله على فلان بنصف ذلك، فذلك جائز؛ لأنك لم تأخذ منه ولم تعطه. م يريد كأنه قضاك نصفًا عن نفسه ونصفًا قضاء عن فلان وأحلته به عليه. قال ابن المواز: كما لو جعلت له النصف الباقي في سلعة ولو كان في ذلك زيادة درهم واحد من قابض الدينار لم يجز، قال ابن القاسم: ولكن لو كان على فلان ثلث وعلى هذا نصف، فدفعت أنت إلى هذا بالسدس ورقًا أو عرضًا وأحلته على فلان بالثلث، وأخذت منه دينارًا لم يجز وهي مثل مسألتك الأولى. م ويحتمل أن يكون إنما فرق بينهما، فلأنه في المسألة الأولى: إنما قضاك عن صاحبه، ولم تسأله أنت ذلك ولا أحلته عليه فلذلك خففه. وفي المسألة الثانية: إنما

دفع إليك الدينار وأخذ بقيته على إن أحلته على صاحبه، فلذلك لم يجزه والله أعلم. قال محمد بن المواز: ويدخله في العرض أنه لم يرض بالحوالة إلا بما زاده في العرض، وإنما يجوز إذا لم يكن بينهما زيادة شيء مثل أن يعطيكه الذي لك عليه نصف دينار دينارًا على أن يجعل له النصف الباقي في سلعة معجلة أو مؤجلة موصوفة، وإنما كره ذلك في الحول أن يكوم معه شيء. قال ابن المواز: ولو دفع إليه أحدهما دينارًا وإنما عليه ثلث وعلى صاحبه ثلث وسكت عن الثلث الباقي [و] لم يشترط فيه شيئًا فهو خفيف إن صحت نياتهما. قلت وكيف قد علما أنه لابد من دفع الثلث الآخر إما دراهم أو سلعة؟ قال: لأنه لم يقع بيع وضمان ولا صرف ضمان ولا سلف وضمان، وقد لزم ضمان دافع الدينار قبل أن تقع مبايعة ولا صرف [ولا ضمان] ولو زاده قابض الدينار في الصرف أو في ثمن سلعة ما ضر ذلك؛ لأنه لو شاء لم يزده ولا يخرج مما لزمه من الضمان.

فصل [4 - فيمن استقرض دراهم من رجل ثم صرفها منه] ومن المدونة قال ابن القاسم وإن استقرضت من رجل دينارًا أو دراهم فلا تصرفها منه مكانك فيؤل إلى الصرف نظره؛ لأن دنانيره قد رددتها إليه، ودفع إليك دراهم يأخذ بها منك دنانيره عند محل أجل القرض، إلا أنه إن أقرضكها حالة أو إلى أجل فابتعت بها منه سلعة يدًا بيد فلا بأس به، وإنما أقرضها حالة فابتعت بها منه سلعة إلى أجل جاز أيضًا. م يريد إذا رددت إليه قرضه مكانك أو بعد يوم أو يومين وإن تطاول لم يجز؛ لأن دراهمه التي أقرضكها قد رددتها إليه فصارت لغوًا كأنك لم تقبضها منه، وصح من فعلك أنك أسلمت إليه في سلعة إلى أجل ولم تدفع إليه رأس المال، وهو حال عليك، فإذا رددت إليه السلف مكانك أو مثل ما يتأخر إليه رأس مال المسلم جاز؛ لأنك إن قدرت أن ذلك ثم السلعة أو الدراهم الأولى هي ثمن السلعة كان ذلك جائزًا. وقد قال محمد بن أبي زمنين في هذه المسألة: قوله إلى أجل صرف سوء، وقد ذكر بعض الرواة أن سحنون أمر بطرحه.

م وذلك لأنه يؤول إلى تأخير رأس المال، وقد اختلف في ذلك إذا تأخر رأس المال العين إلى الأجل نفسه أو إلى أجل بعيد، وإن لم يحل الأجل فعلى ما في كتاب السلم الثالث يفسخ السلم. وله قول في كتاب محمد أنه لا يفسخ، ومسألة كتاب الصرف أخف؛ لأنه إنما حمل ذلك عليها للتهمة وأن ذلك يؤول إلى تأخير رأس المال ولم يصرحا بتأخيره فهو أخف وبالله التوفيق. [فصل 5 - فيمن استقرض دراهم إلى أجل ثم ابتاع بها من مقرضه سلعة إلى أجل] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو أقرضكها إلى أجل فابتعت بها منه سلعة إلى أجل لم يجز؛ لأن دراهمه قد رددتها إليه فصارت لغوًا، وصار له عليك دراهم إلى أجل بسلعة ولك عليه سلعة إلى أجل فذلك الدين بالدين. قال ابن حبيب: وإن أقرضك طعامًا حالاً ثم بعته منه بثمن نقدًا أو مؤجلاً لم يجز. م يريد لأن طعامه قد رجع إليه، ودفع إليك ثمنًا نقدًا أو مؤجلاً في طعام حال، فذلك من بيع ما ليس عندك إلى غير أجل السلم، ومن الدين بالدين في ثمن المؤجل. م قال بعض أصحابنا: وينبغي أن لو كان عنده مثل ذلك الطعام أو أكثر منه أن يجوز ذلك؛ لأن الذي استقرض هو ملئ به فلا يدخل ذلك بيع ما ليس عندك.

م وهذا في نظر؛ لأننا نزلنا المسألة أن طعامه عاد إليه فصار لغوًا، ودفع إليه دنانير نقدًا أو مؤجلاً في طعام حال في الذمة لا في معين، فلا يراعى هل عنده طعام أم لا؟ ولو لزم هذا للزم أن يجوز السلم إليه في طعام الحال عليه موصوف إذا كان عنده مثله، وكذلك إن لم يكن عنده مثله وهو ملئ؛ لأنه بقدر أن يشتريه له من السوق، وهذا خلاف قوله -صلى الله عليه وسلم- «سلفوا في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» فانظر. قال ابن حبيب: وكذلك إن أقرضكه إلى أجل لم يجز أن تبيعه منه بثمن إلى أجل. م يريد لأن طعامه قد رجع إليه فصار لغوًا، وصرت بعت منه طعامًا إلى أجل بثمن مؤجل، وذلك الدين بالدين. قال ابن حبيب: ويجوز أن تبيعه منه بثمن حال. م يريد وتنقده مكانك أو بالقرب منه ويكون أجل الطعام مثل أجل السلم.

فصل [6 - في الرجل يصرف دنانير بدراهم من رجل ثم يصرفها منه بدنانير] ومن المدونة قال مالك رحمه الله: ولا يجوز أن تصرف دراهمك من رجل بدنانير ثم تبتاع منه بتلك الدنانير دراهم غير دراهمك وغير عيونها في الوقت أو بعد يوم أو يومين. قال ابن القاسم: فإن طال الزمان وصح أمرهما فلا بأس به. [قال] ابن المواز: قال أشهب: ولو كانت مثل عيون دراهمك التي دفعت سواء، لم يكن به بأس إذا لم يفترقا كانت أكثر أو أقل، فإن كانت مخالفة لعيونها فلا خير فيه على حال افترقا أو لم يفترقا إلا بعد طول الزمان الذي لا يتهمان فيه أن يكونا عملا لذلك. م قال أبو محمد: انظر قوله إذا اختلفت العيون لم يجز. ولعله يريد إذا اختلف الوزن أيضًا؛ لأنه أجاز ذلك مع اتفاق العين واختلاف الوزن، فكذلك يجوز مع اتفاق الوزن واختلاف العين، لارتفاع التهمة، لأنه أبدل جميعها كالمراطلة. م قال بعض فقهائنا: إنما قال ذلك إذا رد إليه دنانيره وأخذ من خلاف عيون دراهمه أقل أو أكثر في المجلس أو بالقرب أنه لا يجوز؛ لأن دنانيره قد رجعت إليه وآل أمرهما إلى أن دفع إليه دراهم وأخذ منه دراهم خلافها أقل أو أكثر، فذلك

فضة بفضة غير متساوية. ولو أخذ منه من هذه المختلفة مثل وزن دراهمه سواء قبل تفرقهما جاز كالمراطلة بها، فإن تفرقها أو كان أمرًا قريبًا كيوم أو يومين لم يجز؛ لأنه فضه بفضة غير يد بيد، فإن تباعد ذلك وطال الزمان جاز لارتفاع التهمة في ذلك وبعد ذلك بيعة حادثة. م ويجوز عندي أن يعطيه بعد يوم أو يومين من هذه المختلفة مثل وزن دراهمه إذ لا تهمه في ذلك فبعد بيعة حادثة، فإن قيل إنها فضة بفضة غير يد بيد، قيل له يلزمك على ذلك وإن طال الزمان وأنت تجيزه في الطول لارتفاع التهمة، فكذلك بعد يوم أو يومين والله أعلم. قال: وإن أخذ منه مثل عيون دراهمه أقل أو أكثر في المجلس جاز إذ لا يتهم أحد أن يدفع مئة ويأخذ خمسين من عيونها وإن كان ذلك بعد التفرق من المجلس أو بالقرب لم يجز أن يأخذ أكثر وهو كسلف بزيادة. م فإذا رد إليه دنانيره بعيونها فلا بأس أن يأخذ منه بها أقل مما دفع إليه من الدراهم فيها، وإن كان بعد التفرق فلا يأخذ أكثر؛ لأنه سلف بزيادة. وإن رد إليه مثل دنانيره بعيونها فلا يجوز أن يأخذ منه أكثر؛ لأنه سلف بزيادة وإن رد إليه مثل دنانير لا دنانيره بعينها، فهاهنا لا يأخذ منه مثل عيون دراهمه بعد التفرق لا أقل ولا أكثر؛ لأنه إن أخذ أكثر من دراهمه فقد أسلف قليلاً وأخذ كثيرًا، وإن أخذ أقل من دراهمه فقد ترك بقية دراهمه عوضًا مما أسلفه دافع الدنانير أولاً من الدنانير.

[الباب الثالث] جامع مسائل مختلفة وصرف الدنانير المغتصبة أو الوديعة وتعدي المودع

[الباب الثالث] جامع مسائل مختلفة وصرف الدنانير المغتصبة أو الوديعة وتعدي المودع [الفصل 1 - الصرف من النصارى والعبيد] قال ابن القاسم رحمه الله: ويجوز الصرف من عبدك النصراني كالأجنبي. م قيل معناه بغير الدنانير المنقوشة كنقر الذهب والفضة فأما المنقوشة وفيها ذكر الله عز وجل فلا يصرفها من كافر كما نص عليه في غير هذا الموضع. وكره ملك أن يكون النصارى صيارفة في أسواق المسلمين لعملهم بالربا واستحلالهم له، ورأى أن يقاموا من أسواقنا كلها. [فصل 2 - فيمن اشترى بنصف درهم فلوسًا وبنصفه الآخر فضة ونحوها] قال: وإن اشتريت بنصف درهم فلوسًا وبنصفه الأخر فضة أو اشتريت بنصفه أو بثلثيه طعامًا وأخذت بباقيه فضه فذلك جائز، وإن أخذت بثلثه طعامًا وأخذت بباقيه فضة فمكروه وقال سحنون: لا يجوز. م يريد سحنون: لا يجوز في الوجهين، لأنه الفضة بالفضة متفاضلاً.

م وإنما كرهه مالك إذا كانت الفضة أكثر، وجوزه إذا كانت أقل؛ لأن الطعام إذا كان هو الأكثر، علم أنه المقصود في الشراء، والفضة التبع، فأجازه للرفق بالناس وللضرورة التي تلحقهم إذ لا غنى لهم منه، وإذ لا يجوز كسر الدراهم، فأما إذا كانت الفضة أكثر فكأنها هي المقصودة، فتصير فضة وطعامًا بفضة. م وهذا في بلد فيه الدراهم الكبار خاصة والخراريب الصغار أو الكبار أو الدراهم الكبار والصغار، فلا يكون عند المشتري إلا درهمًا كبيرًا يحتاج أن يشتري بنصفه طعامًا، وفي كسره ضرر فأبيح له أن يأخذ بنصفه طعامًا وبباقية فضة أو من هذه الخراريب الصغار للضرورة إلى ذلك، وأما في بلد الغالب فيه الخراريب الصغار، فلا يجوز أن يعطيه المشتري درهمًا كبيرًا ويأخذ منه بنصفه طعامًا وباقيه من الخراريب، ولو دفع درهمًا خراريب وأخذ بنصفه طعامًا وباقية خراريب لبان قبحه إذ لا ضرورة تلحقهما في ذلك.

قال ابن المواز: وكره مالك والليث أن يبتاع بثلث دينار قمحًا فيدفع دينارًا ويأخذ بالثلث، ويرد عليه صاحب القمح قطعة ذهب عينًا منقوشًا؛ لأنه ذهب بذهب وطعام. فصل [3 - في الرجل يغتصب الدنانير فيصرفها قبل أن يقبضها] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن غصبك دنانير فجائز أن تصرفها منه بدراهم وتقبضها، ذكر أن الدنانير عنده حاضرة أو لم يذكر؛ لأنها في ذمته، ولو غصبك جارية جاز أن تبيعها منه، وهي في بلد آخر غائبة وينقدك الثمن إذا وصفها؛ لأنها في ضمانه، والدنانير في ذلك أبين. قال سحنون لا يجوز له بيعها لأنه لا يدري ما باع، الجارية أو القيمة فإن اختار تضمينه القيمة يوم الغصب، كان له بيع تلك القيمة بما يجوز بيعها ولينتقد. م ولأنه إذا أجاز بيع عينها وانتقد ثمنها فقد تكون هلكت قبل البيع فيلزم الغاصب قيمتها يوم الغصب ويمكن أن يكون ذلك أقل من الثمن الذي قبض فيها، فيجب عليه رد الزيادة فيصير بيعًا وسلفًا، ووجه قول ابن القاسم أنه لما كانت في ضمان الغاصب إن هلكت عند البيع جاز النقد فيها إذ لا يتقى فيها رد الثمن بهلاكها قبل العقد كما اتقى النقد في الحيوان الغائب؛ لأن ذلك إن هلك

قبل البيع وجب رد الثمن فيصير النقد حينئذٍ تارة ثمنًا وتارة سلفًا، وهذا لا يخشى رده؛ لأن هلاكها منه. قال بعض فقهائنا القرويين: وإنما قال ابن القاسم والدنانير في ذلك أبين: إذ قد تكون الجارية هلكت قبل عقد البيع فلزم الغاصب قيمتها يوم الغصب، وقد تكون تلك القيمة أقل من الثمن الذي نقد فيها فيجب على ربها رد الزائد فلهذا قال: والدنانير في ذلك أبين، وأما إن كانت القيمة مثل الثمن فأكثر فلا فساد في ذلك ويطلبه ربها بزيادة القيمة والله أعلم. قال بعض أصحابنا: قال ابن القاسم: يجوز بيعها منه إذا وصفها؛ لأنه كان ضامنًا ما أصابها بعد وجوب البيع بينهما أو قبل وجوبه؛ لأنه ضمنها بالغصب. قال أبو القاسم بن الكاتب: قوله بعد الوجوب. يريد لأنه بعد الوجوب مالكًا لها بالشراء فما أصابها فمنه وإن كانت غائبة؛ لأنها في يديه وليست كشراء الغائب، مذهبه فيه أن ضمانه بعد العقد من بائعه حتى يقبضه المشتري، وذكر ابن المواز أنه يجوز بيعها منه وينتقد ثمنها. قال: ولو كانت وديعة لم يجز النقد إن بعدت، وما قاله سحنون فلا يلزم ابن القاسم؛ لأنه إنما باعها على أنها سالمة كبيع الغائب على أنه سالم وليست القيمة لازمة للغاصب إلا أن يختارها ربها، ومتى لم يخترها ورضى ببيع الجارية فذلك كاختياره ترك القيمة وطلبها، وعلى ما قاله سحنون يلزم أن لا يجوز له الرضا

يطلبها إلا بعد المعرفة بقيمتها؛ لأنها الواجبة له فتركها وأخذ جارية غائبة، فيصبر أيضًا كشراء الغائب بدين في ذمته، وقد اختلف في ذلك. وقد قال ابن القاسم فيمن سرق شاة فذبحها ثم أتى ربها فصالحه على شاة حية أنه لا يجوز إن كان لحمها لم يفت؛ لأنه بيع الحيوان باللحم؛ لأنه لما كان لربها أخذ اللحم فجعله كأنه باعه بشاة وأن القيمة لا تترتب له على ذابحها ما دام اللحم قائمًا، وإنما تلزم الذابح باختيار ربها، وأن له أن يترك ويأخذ اللحم، وكأنه ابتداء بيع لهذا اللحم وعلى مذهب سحنون ينبغي له أن لا يجوز له أخذ شيء بدل تلك الشاة إلا بعد معرفتهما بقيمة تلك الشاة حية، كما قال في مسألة الجارية، بل هذه آكد لجواز أن تأتي الجارية قبل إلزام الغاصب قيمتها على حالها، فلا يكون له إلا أخذها وهذه لا تعود حية أبدًا، ويلزم على ما قال سحنون فيمن غصب جارية فباعها ثم هلكت أن لا يجوز لربها الرضى يثمنها إلا بعد المعرفة بقيمتها لأن القيمة هي التي كانت لازمة له بالغصب فليس ما أخذ من الثمن مزيلاً لتلك القيمة، وهذا لم يقله أحد. م قال بعض القرويين: إذا باع الجارية من الغاصب وكان الذي تقوم به دنانير، فباعها منه بمثل القيمة فأقل نقدًا أو إلى أجل جاز، وإن باعها منه بخمسين ومئة لم يجز؛ لأنه متى ثبت هلاكها كلها ارتجع بعض المنقود، فيصبر ذلك تارة ثمنًا وتارة سلفًا وذكر وجوهًا من هذا.

م وهذا إنما يجري على قول سحنون الذي يراعي القيمة وأما على قول ابن القاسم فلا يراعي ذلك؛ لأنه إنما باعه نفس الجارية والله أعلم. م ويحتمل أن يجري ذلك على قول ابن القاسم احتياطًا من هلاكها قبل البيع، فلا يكون له فيها إلا القيمة والله أعلم. [فصل 4 - في صرف الدنانير المودعة أو الرهن وفي التعدي على الوديعة ببيع ونحوه] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن أودعته دنانير أو دراهم أو حليًا مصوغًا أو رهنته ذلك فلا يجوز أن تبيع منه شيئًا من ذلك بخلافه من ذهب أو فضة وهو في بيته؛ لأنه ذهب بفضة ليس يدًا بيد إلا أن يكون ذلك كله حاضرًا أو يقبضه فلا بأس به. قال: ومن أودعته مئتي درهم ثم لقيته والدراهم في بيته فهضمت عنه مئة على أن أعطاك مئة من غيرها لم يجز، وإنما يجوز أن تأخذ منها بعينها مئة وتدع له مئة. قال: وإن أودعته دنانير فصرفها بدراهم أو ابتاع بها سلعة فليس لك أن تأخذ ما ابتاع أو صرف، وإنما لك عليه مثل دنانيرك.

قال في كتاب ابن المواز: إلا أن يرضى المستودع بإسلافها فيجوز -يريد إن رضي ربها أيضًا-. قال ابن المواز: ولو صرف الدنانير لربها لم يجز له الرضا بها؛ لأنها صرف فيه خيار ولكن تباع له بتلك الدراهم دنانير، فيستوفي منها دنانيره وما فضل فله؛ لأنها له بيعت، وإن كان أقل فعلى المتعدي. قال ابن أبي زمنين: فينبغي على أصولهم أن يكون معنى مسألة الكتاب أنه صرف الدنانير لنفسه ولو كان إنما صرفها لربها لكان ربها مخيرًا في أن يضمنه مثل دنانيره أو يأخذ تلك الدراهم. م وهذا خلاف ما تقدم لابن المواز. قال بعض أصحابنا: والذي ذكره ابن أبي زمنين صحيح وهو مذهب المدونة، وقد قال في كتاب السلم الثاني: إذا وكل رجلاً يسلم له دنانير في طعام فصرفها بدراهم ثم أسلم ولم يفعل ذلك نظرًا ولو لوجه يوجب ذلك أنه إن قبض الطعام جاز أن يأخذه منه، فهذا يدل على خلاف ما قال ابن المواز، ولا فرق بين أخذه الدراهم التي أعتاضها من الدنانير ولا بين الذي أخذه عوضًا من الدراهم وهو الطعام؛ لأن في أخذه الطعام إجازة لما اعتاض من الدراهم ورضًا بما صنع. وفي كتاب السلم الثاني أيضًا مسألة الذي أمره أن يبيع له سلعة أو طعامًا، فباعه بطعام أو غيره فأجاز له أن يأخذ العوض، وفي السؤال أنه طعام باعه بطعام لربه فلم يجعله طعامًا بطعام فيه خيار كما قال محمد.

وقد قال غير واحد من القرويين أن قول ابن المواز خلاف للمدونة بدليل ما ذكرناه فاعلم ذلك. واعترض بعض الفقهاء قول محمد إذا صرفها لربها أن تباع الدراهم بدنانير، فما زاد فلربها، قال: لم يجز له أخذ الدراهم وأجاز له أخذ ربحها وهذا فيه نظر. قال بعض أصحابنا: ومعنى قول ابن المواز أنه أضمر في نفسه أنه يصرفها لربها بغير إذنه، وأما لو عقد مع الصراف أنه يصرفها لربها بغير إذنه لفسخ ذلك ولم يجز على حال. ومن المدونة قال: وإن أودعته حنطة فاشترى بها تمرًا فلك أن تجيز بيعه وتأخذ التمر، وكذلك إن أودعته عرضًا أو طعامًا فباعه بعرض أو طعام أو عين، كنت مخيرًا في أخذ ما باعه به أو المثل فيما يقضى بمثله أو القيمة فيما لا مثل له. قال ابن المواز عن أشهب في البيوع الثاني: إن أودعته قمحًا فباعه بتمر لربه لم يجز له الرضا به؛ لأنه طعام بطعام فيه خيار. [قال] ابن المواز: وهذا بين صواب، وأرى أن يشتري بالتمر قمحًا فإن كان أكثر من قمحه الأول فهو لصاحب القمح؛ لأنه له اشتراه لا لنفسه.

قال بعض أصحابنا: وهذا أيضًا خلاف للمدونة كما قدمناه، ومعناه أنه لم يعقد ذلك مع الذي ابتاع منه التمر كما ذكرنا في الصراف، ولو عقد ذلك معه لفسخ على كل حال؛ لأنه باع طعامًا بطعام على خيار ويرد الثمن لصاحبه ويرجع عليه بما دفع إليه من الطعام، وهذا بين فاعلمه. قال أشهب: وإن باعه بتمر لنفسه، فربه بالخيار في الرضا بالتمر أو أخذه بمثل القمح. م قال بعض أصحابنا القرويين: الفرق بين أن يودعه دنانير فيشتري بها طعامًا أو عرضًا أنه ليس لربها أن يأخذ ما ابتاع به دائمًا له مثل دنانيره وبين أن يودعه عرضًا أو طعامًا فيبيعه بدنانير أو طعام أو عرض، أن رب ذلك مخير في أخذ مثل طعامه أو قيمة عرضه أو ما باع به ذلك، أن المبتاع بالدنانير إنما ابتاع على ذمته فلا يسقط استحقاق عينها ما لزم ذمته. م فصار ما ابتاع بها ليس بمثمون لها على الحقيقة إنما هو مثمون لها في ذمة المشتري، فلذلك لم يكن لرلها أخذ العرض المشترى بها، وأما العرض فهو مما يبتاع لعينه، ألا ترى أنه إذا استحق انتقض البيع، فصار لعين عرضه حق

لما ابتيع به، فلذلك كان ربه أولى بما ابتيع بعرضه. م ولأنه إذا أخذ عرضه انتقض البيع، فله أن يبقيه فيتم له البيع، وإذا أخذ العين لم ينتقض البيع ورجع على المبتاع بمثله فلذلك كان أولى بمثمونه، والله أعلم، وبالله التوفيق. [فصل 5] في من ابتاع سلعة بدينار إلا درهمًا أو إلا خمسًا أو ربعًا قال مالك رحمه الله: ومن اشترى سلعة بعينها بدينار إلا درهمًا، فإن كان ذلك كله نقدًا فلا بأس به، وإن تأخر الدرهم إلى أجل وتناقدا الباقي أو كانت السلعة إلى أجل والدرهم إلى أجل والدينار نقدًا لم يصلح أيضًا. وروى ابن عبد الحكم أيضًا أن مالكًا أجازه إذا كان الدينار نقدًا، قال ابن القاسم: ثم كرهه بعد ذلك، وإنما أرخص في هذا في صكوك الجار يشتري الرجل الطعام بدينار إلا درهمًا أو بدينار إلا درهمين ينقده الدينار ويأخذ الطعام والدرهم بالجار. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن تناقدا الدينار والدرهم وتأخرت السلعة لم يصلح أيضًا عند مالك. قال ابن المواز: إلا أن يتأخر الثوب لمثل خياطته وحتى يبعث في أخذه وهو ثوب بعينه فلا بأس به.

ومن المدونة: وروى أشهب عن مالك أنه جائز لأنه لم يرد به الصرف. م يريد إذا كانت السلعة معينة ويقبضها إلى مثل يوم أو يومين، أو كانت السلعة موصوفة وتأخرة إلى مثل آجال السلم قال أشهب: وإذا كان الدرهم مع الدينار معجلاً أو مؤجلاً فهو سواء. [وقال] ابن وهب: وقاله سالم في بيع صكوك الجار بدينار إلا درهمًا يتعجل الدينار ويدفع الدرهم نقدًا وتيأخر الصك. قال ابن القاسم: وإن تأخر الدينار والدرهم إلى أجل وعجلت السلعة فجائز. [قال] ابن المواز: ولم يختلف في هذا قول مالك وأصحابه. م قال ابن الكاتب: فإذا حل الأجل لم يجز للبائع أن يدفع الدرهم ويأخذ الدينار، وإنما ينظر إلى صرف الدينار فيحط منه درهم ثم يدفع إلى البائع باقيه. م وذكر أن بعض شيوخه قال ذلك. م وظاهر الكتاب أنه يجوز أن يدفع الدرهم ويأخذ الدينار وعلى هذا جرت هذه المسائل والله أعلم، ويدل على ذلك إذا تناقدا الدينار والدرهم؛ لأنه كان أيضًا ينظر إلى الصرف فيحط منه درهمًا وينقده باقيه، فيصير كأنه اشترى السلعة المؤجلة بدراهم فيجوز بإجماع، وإنما وقع الاختلاف؛ لأنه يدفع الدينار ويأخذ الدرهم فكذلك هذا والله أعلم.

قال ابن القاسم في المدونة: وكذلك إن اشتراها بدينار إلا درهمين في جميع ما ذكرنا. م واختصار ما في المدونة أنه إن كان أحد العينين مؤجلاً لم يجز بإجماع وإن تأخرا جاز بإجماع، واختلف إذا عجلا أو تأخرت السلعة فأجازه في رواية أشهب، ولم يجز في رواية ابن القاسم. ووجه رواية ابن القاسم في ذلك أنه إذا تأخر أحد العينين لم يجز؛ لأنه الذهب بالورق إلى أجل، وإن تناقدا الدينار والدرهم وتأخرت السلعة لم يجز أيضًا، لأن السلعة التي مع الدرهم كبعض الدرهم، فتأخرها كتأخير بعض الدرهم، ولأنهما كأنهما قصدا إلى الصرف بتعجيلهما إياه فصار صرفًا فيه سلعة تأخرت وإن تعجلوا السلعة وتأخر الدينار والدرهم فكأنهم إنما قصدوا البيع لتعجيلهم له، ولم يقصدوا الصرف لتأخيرهم له والله أعلم. ومن المدونة: وإن كانت بدينار إلا ثلاثة دراهم لم أحب ذلك إلا نقدًا، وجعل ربيعة الثلاثة كالدرهمين. ولم يجز مالك الدرهم والدرهمين إلا زحفًا.

فأما بدينار إلا خمسة دراهم أو عشرة فيجوز ذلك كله نقدًا، ولا ينبغي التأخير في شيء منه للغرر فيما يغترق ذلك من الدينار عند الأجل إن حال الصرف. [قال] ابن المواز: قال ابن القاسم: إنما يجوز ذلك في بيعه النقد في أقل الدينار وهو مثل أن يشتري بثلثي دينار أو ثلاثة أرباع دينار سلعة نقدًا فيدفع الدينار ويأخذ فضله ورقًا، فإن كان الورق أكثر من الدينار فقد كرهه مالك وغيره؛ لأن الصرف لا يكون مع شيء من الأشياء. قال ابن المواز: ولو وقع البيع بدينار إلا درهمين فأخذ الثوب والدرهمين ودفع الدينار وافترقا، ثم وجد أحد الدرهمين رديئًا فقال مالك: يبدله ولا ينتقض الصرف؛ لأن الدرهمين هاهنا تبع وليس بصرف، واحتج في هذا بصكوك الجار، وقال عنه ابن وهب: أن البيع ينتقض وخالفه بعض جلساته في هذا ولم يربه بأسا. ومن المدونة: قال مالك: وإن ابتعت سلعة بخمسة دنانير إلا درهمًا أو إلا درهمين فنقدت أربعة دنانير وتأخر الدينار الباقي والدرهم، أو نقدته الدينار وأخذت الدرهم وأخرت الأربعة لم يجز ذلك إذ للدرهم في كل دينار حصه. قال ابن المواز: ولو كانت السلعة بعشرة دنانير إلا عشرة دراهم لم يجز إلا نقدًا كله. وقال ابن القاسم عن مالك في المستخرجة.

ومن المدونة: ولو ابتعتها بخمسة دنانير إلا ربعًا أو خمسًا جاز تعجيل أربعة وتأخير الدينار الباقي حتى يأتيك بربع أو خمس وتدفع إليه الدينار، وكذلك إن تأخرت الأربعة ودفع دينارًا وأخذ أربعة أو خمسة مكانه دراهم، فلا بأس به لأن الجزء من الدينار لا يجري في سائرها والدرهم يجري في سائرها فافترقا. وفي الدمياطية قال ابن وهب: سألت مالكًا عن الرجل يبيع الثوب بدينار إلا سدسًا فكرهه، وقال: هذا لا يدري ما يعطيه ويراه من الغرر حتى يبين ما يعطيه، قيل: فإنه يشترط عليه أن يعطيه دراهم بصرف الناس؟. قال هذا أشد، الدراهم تزيد وتنقص، قال ابن وهب: ثم رجع مالك فأجازه. م وحكى عن أبي محمد أنه قال: الذي يجب إذا باع السلعة بخمسة دنانير إلا سدسًا أن يقع البيع بأربعة دنانير وخمسة أسداس دينار فإذا تشاحا في الخمسة أسداس، قضي على المتباع بخمسة أسداس دينار دراهم بصرف الناس يوم القضاء.

قال: وعلى هذا مدار الكلام في هذا الأصل إلا ما كرهه مالك من هذا فإنه اختلاف من قوله. [فصل 6 - فيمن ابتاع سلعة بدينار إلا فقزًا] ومن المدونة قال مالك: ومن باع السلعة بدينار إلا قفيز حنطة نقدًا، جاز كان الدينار نقدًا أو مؤجلاً، وكأنه باع السلعة وقفيز حنطة بدينار، هذا إن كان القفيز والسلعة عنده وإلا لم يجز، وكان ذلك من بيع ما ليس عندك، ومن وجه العينة المكروهة. قال مالك: وإن ابتاع سلعة وقبضها بثلثي دينار فقال له بعد تمام البيع: هذا دينار استوف منه ثلثيك وامسك ثلثي عندك أنتفع به فلا بأس به إذا صح ذلك ولم يكن بينهما في ذلك شرط عند البيع ولا عادة ولا إضمار. م يريد والعادة والاضمار كالشرط ويدخله في ذلك البيع والسلف كأنه ابتاع منه سلعة بثلثي دينار على أن يدفع إليه دينارًا، ثلثيه ثمنًا للسلعة، وثلثه سلفًا للبائع وهذا بين. قال ابن المواز: ولا بأس أن يجعل باقيه في سلعة إلى أجل. يريد محمد عندما دفعه إليه.

م لأنه إن جعله في سلعة بعد أن أبقاه عنده فذلك فسخ دين في دين، وإذا كان ذلك في حين الدفع، فهو إنما دفع ثمن الأولى، واشترى بالبقية سلعة إلى أجل فذلك جائز، فإن أبقى البقية دينًا فلا يأخذ به إلا ما يتعجله. قال ابن المواز: عن ابن القاسم: ما لم يكن النصف أو الثلثان دينار دراهم أسلفه إياها أو كان نصف دينار ذهبًا مضروبًا. م فيصير المسلف دفع ثلثي دينار دراهم أو نصف دينار ذهبًا وسلعة مؤجلة في دينار مؤجلاً، فلا يجوز. قال ابن المواز: وأما من ثمن سلعة فلا بأس به إن حل الأجل أو كان حالاً وإن لم يحل لم يجز، وكان بيعًا وسلفًا وضع وتعجل. م فوجه البيع والسلف أنه باع منه السلعة الآخرة على أن عجل له ثمن السلعة الأولى فذلك سلف يقبضه المبتاع من نفسه إذا حل الأجل. ووجه ضع وتعجل أن تكون السلعة الآخرة تسوى أكثر مما نقد فيها، فقد حطه بعض ثمنها على أن عجل له ثمن الأخرى. قال ابن المواز: قال ابن القاسم عن مالك: ومن لك عليه نصف دينار لم يحل، فلا تأخذ به دراهم، ولا يجوز أن تعطيه نصفًا آخر وتأخذ دينارًا، وإن دفعت إليه عرضًا فجائز وكرهه ابن القاسم، وهو أحب إليّ؛ لأن تعجيل الحق سلف قارنه بيع، وأرى مالكًا إنما استخفه لقلة ثمنه.

قال مالك: ومن له على رجل إردب حنطة إلى أجل من قرض فباعه منه قبل الأجل بدينار إلا درهمًا، فقبض الدينار ودفع إليه الدرهم مكانه فلا يعجبني. وقال ابن القاسم: لا بأس به وإن كثرت الدراهم، [قال] محمد: وقول مالك أقيس. قال مالك: وإن حل الأجل فجائز. [قال] محمد: وهذه كمسألة من ابتاع سلعة مؤجلة بدينار إلا درهمًا نقدًا فلم يجزه ابن القاسم وأجازه اشهب. [فصل 7 - فيمن يشتري ببعض دينار شيئًا لا يقبضه ويأخذ باقيه ورقًا وحكم النقد المعيب في الصرف] ومن المدونة قال يحي بن سعيد: لم أزل أسمع أنه يكره أن يبتاع الرجل ببعض دينار شيئًا، ويأخذ بفضله ورقًا، ويترك ما ابتاع حتى يعود في يوم آخر فيأخذه؛ لأن ذلك يراه صرفًا. م قال ابن المواز: قال مالك: ولو ابتاع بنصف دينار قمحًا فدفع دينارًا وقبض نصف دينار دراهم مكانه، ومضى ليأتي بحمال فلا خير فيه، عقدا على الصرف أو كان ذلك بعد التواجب، وكذلك إن كان ثوبًا فتأخر قبض الثوب لم يجز، ولو دفع الدينار وتعجل الثوب والنصف دينار الدراهم جاز.

قال مالك: ثم إن وجد بالثوب عيبًا أو درهمًا زائفًا انتفض كل ما بينهما من بيع وصرف إن أحب الرد. م لأن الدراهم في هذه المسألة ليست بتبع فهي بخلاف من ابتاع سلعة بدينار إلا درهمين، فيجد بأحد الدرهمين عيبًا فهذا قد أجاز البدل فيه على قول؛ لأن الدرهمين تبع. م [قال]: ابن المواز: قال مالك: وكذلك إن وجد قابض الدينار به عيبًا فرده. م قال ابن المواز: إن وجد في الدراهم درهمًا رديئًا لم ينتقض إلا صرف الدراهم وحدها إلا أن يكون اشترى الدراهم والثوب في صفقة واحدة، فينتقض الجميع، وعلى هذا كان الجواب الأول إن شاء الله والله أعلم. م يريد محمد؛ لأن البيع أولاً إنما وقع بنصف دينار ثم بعد ذلك تصارفا فهي صفقة ثانية، فإذا انتقض الصرف بوجود الزائف بقى البيع الأول بحاله؛ لأنه لم يكن بينهما فيه صرف، ولو كان إنما باعه الثوب وعشرة دراهم بدينار في صفقة واحدة لانتقض الجميع بوجود درهم زائف.

م قال ابن المواز: ولو أخذ الثوب بأقل من دينار فدفع دينارين وأخذ الثوب ودراهم معه ثم وجد درهمًا رديئًا فليرد من الدراهم تمام صرف دينار ويرتجع دينارًا. م كما لو صرف الدينارين بدراهم فوجد درهمًا زائفا لانتقض صرف دينار. قال: وإن كان العيب بالثوب رده ورد معه تمام صرف دينار وأخذ دينارًا. م لأن برده للثوب وجب رد ما يخصه من الدينار وكأن بعض الدينار استحق، فوجب نقض الصرف فيه. قال: وإن كان الثوب بأكثر من دينار وإن بخروبة واحدة انتقض الجميع، وإن فات الثوب فلا يأخذ قيمة عيبه ولكن يرد قيمته ويرد معه تمام صرف دينار واحد ويأخذ دينارًا واحدًا وإن كان قيمته أكثر من دينار انتفض الجميع ورد قيمته مع الدراهم وأخذ ديناريه، وهذا في قوته بقطع أو تلف ولا يفيته حوالة سوق وليرده. م يريد لأن العيب لا يفيت رده حوالة الأسواق. قاب ابن المواز: فإن وجد درهمًا زائفًا وقد تغير سوق الثوب، وقيمته أكثر من دينار، فهذا يرد قيمته مع الدراهم ويأخذ ديناريه.

م وإنما انتفض البيع؛ لأن دينار الصرف قد وجب رده لانتقاض الصرف بوجود الدرهم الزائف، وبعض الدينار ثمن لبعض الثوب فوجب أن ينتقض من الثوب ما قابل ذلك البعض، فكان بعض ثمن الثوب استحق، فوجب رد جميع الثوب إن كان قائمًا لضرر الشركة فيه، فإن فات بحوالة سوق فأعلى رد قيمته كما لو بيع بعرض فاستحق العرض. م قال ابن المواز: فإن كان أحد الدينارين رديئًا فليردهما ويأخذ ثوبه كان أقل من دينار أو أكثر ويأخذ دراهمه، فإن فات الثوب هاهنا بتغير سوق رد قيمته مع الدراهم. وذكر ابن حبيب [في] هذه المسألة من أولها مثل ما ذكر محمد إلا أنه قال: إذا وجد درهمًا رديئًا وقد ابتاع سلعة ودراهمًا بدينارين، فليرد مع الدرهم الرديء تمام صرف دينار من الدراهم قال: وإن كان فيها أكثر من صرف دينار على قول من يجيز الصرف والبيع، فليرد جميعها مع العرض ويأخذ ديناريه. م وهذا خلاف ما تقدم لمحمد. قال: وإن كانت الدراهم أقل من صرف دينار ردها مع تمام دينار من العرض أن تبعض، وإن كان لا يتبعض رد جميعه وانتقض البيع كله.

م انظر قول ابن حبيب على قول من يجيز البيع والصرف وقد أصل من لا يجيز البيع والصرف أن السلعة التي مع الدراهم أو الدنانير إن كانت تبعًا -يريد أقل من دينار- جاز البيع والصرف، وفي مسألتنا هذه إن كانت الدراهم أكثر من صرف دينار، فالسلعة تبع وهي أقل من دينار، فيجب أن يجوز، وإن كانت الدراهم أقل من صرف دينار فذلك أيضًا جائز وإن كثرت السلعة، هذا وهو يُحكى عنه أنه يجيز في البيع والصرف أن تكون الدراهم صرف دينار فأقل. م فيفهم من قول ابن حبيب هذا أن من لا يجيز البيع والصرف، يراعى أن تكون السلعة التي مع الورق والذهب تبعًا، تكون الثلث، ويكون مع ذلك قيمتها أقل من صرف دينار، خلاف ما يحكى عن ابن مناس في هذا. قال ابن المواز: [قال مالك]: ومن أكترى دابة بنصف دينار فلا بأس أن يدفع دينارًا ويأخذ من المكري نصفًا دراهم، أو يدفع الراكب النصف دراهم إن كان الكراء على النقد أو شرطاه، وإلا لم يجز. قال: وإن اكترى الدابة بدينارين إلا ثلثًا، فنقد الدينارين وأخذ الثلث دراهم من المكري في العقد فكرهه مالك ثم أجازه وأجازته أحب إلينا وأجازه ابن القاسم في العتبية.

قال مالك: ولو هلكت الدابة ببعض الطريق فليرد المكري الدينارين ويأخذ دراهمه ثم يحاسبه بحصة ما ركب من حساب ما أكرى منه، كعبد بيع بعشرة دنانير إلا ثلثًا فنقد العشرة وأخذ منه الثلث دراهم ثم رد العبد بعيب.

[الباب الرابع] جامع بقية البيع والصرف وشرح مسألة ابن المسيب

[الباب الرابع] جامع بقية البيع والصرف وشرح مسألة ابن المسيب [الفصل 1 - ما لا يجوز أن يقارن الصرف من بيع وغيره] ونهى أهل العلم عن البيع والصرف ورأوه من الذرائع إلا ما استخفوه مما يبعد عن الصرف لقلته. قال ربيعة: ومن كروهه أنه إن وجد عيبًا بالسلعة انتقض الصرف. قال ابن الكاتب: فصار كأنه اصطرف، على أن له نقض الصرف متى وجد بالسلعة التي معه عيبًا، فدخل في ذلك نقض الصرف من أجل غيره لا من أجل نفسه وهو مخصوص بحكم المنع من التأخير. قال: وانظر لو اشترى قمحًا وسلعة بتمر هل يجوز؟ ومعنى انتقاض الصرف بوجود عيب في السلعة التي معه، يدخل في وجود عيب في السلعة التي مع أحد الطعامين. قال أبو بكر الأبهري: معنى ذلك والله أعلم أنه يؤدي إلى الصرف بنسيئه من قِبَل أن الاستحقاق إذا وقع في السلعة المقرونة إلى الصرف فقط الثمن على المبيع من السلعة والصرف وكان ما يصيب الصرف مجهولاً في حال العقد والصرف وكان ما يصيب الصرف مجهولاً في حال العقد، وإنما يعلم في حال ثاني فلذلك لم يجز.

قال مالك: ولا يجوز مع البيع صرف ولا نكاح أو إقراض أو شركة أو جعل أو مساقاة. قال عيسى بن دينار؛ فإن وقع البيع والصرف في شيء كثير فإن لم تفت السلعة رد ذلك كله، وإن فاتت بنماء أو نقصان أو اختلاف الأسواق لزمت المشتري بقيمتها يوم قبضها، ويترادان العين على وزنه. [الفصل 2 - في بيع الفضة والعروض بالذهب صفقة واحدة] ومن المدونة: قال مالك: ومن قدم تاجرًا ومعه ألوف دراهم ورقيق ومتاع ونقار فضة، فاشترى ذلك كله منه رجل واحد صفقة واحدة بألف دينار وتناقدا لم يجز، وكذلك لا يجوز بيع سلعة ودراهم كثيرة بذهب؛ لأنه بيع وصرف. وإن كانت دراهم يسيرة أقل من صرف دينار مثل عشرة دراهم ونحوها جاز ذلك كله نقدًا.

وإن نقدك من الذهب حصة الدراهم وتأخر ما قابل السلعة لم يجز، وأصل قول مالك في بيع ذهب بفضة ومع أحدهما سلعة أو مع كل واحد منهما سلعة فإن كانت سلعة يسيرة تكون تبعًا جاز. م وحكى عن أبي موسى بن مناس أن معنى قوله في السلعة تكون تبعًا أن تكون قيمتها أقل من دينار، ولا فرق بينهما وبين الذهب والورق الذي حدوا فيه أقل من دينار. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن كثرت السلعة لم يجز إلا أن يقل ما معها من ذهب أو فضة وهذا كله نقدًا. قال: وإن كان الذهب والورق والعروض كثيرًا فلا خير فيه، وإن تناقدا. قال أبو محمد: وإن كانت الدراهم مثل صرف دينار لم يجز وإن تناقدا. [قال] ابن المواز: قال ابن القاسم: إنما جوزه مالك في أقل الدينار يبتاع ثوبًا بثلثي دينار أو ثلاثة أرباع دينار، فيدفع دينارًا ويأخذ بقيته دراهم، فإن كان الورق أكثر الدينار فلا خير فيه. وقال ابن حبيب: ذلك جائز في الدينار الواحد، قلت الدراهم أو كثرت، وذلك كله نقدًا.

قال ابن حبيب: وأما من ابتاع عرضًا ودراهم بدينارين أو ثلاثة، فإن كانت الدراهم أقل من صرف دينار جاز، وإن بلغت صرف دينار فصاعدًا فهو مكروه وهو بيع وصرف، وقد كره اجتماعها ربيعة ومالك وأكثر أصحابه، واستخفه بعضهم والكراهية فيه أحب إلينا. م وقول ابن حبيب هذا كله صواب ووفاق لما في المدونة إلا قوله في الدينارين والثلاثة (وإن بلغت الدراهم صرف دينار فصاعدًا فهو مكروه وهو بيع وصرف) فلعله يريد إذا كان في قيمة السلعة صرف دينار فأكثر، وأما إن كانت السلعة تبعًا وأقل من صرف دينار فهو جائز عند مالك وغيره، وأما في الدينار الواحد فجائز كله، والذي يدل عليه كلام ابن حبيب إذا كان في الدراهم صرف دينار فأكثر أنه بيع وصرف فلا تراعي السلعة وإن قل ثمنها، وقد تقدم له نحو هذا؛ لأنه إذا كان دينارًا بسلعة ودراهم، فإن كثرت الدراهم كانت السلعة تبعًا، فيجب أن يجوز على أصل مالك، وإن قلت الدراهم فيجوز بإجماع. م وكان غير واحد من أصحابنا يحكي عن ابن حبيب أنه يجيز في البيع والصرف أن تكون الدراهم كصرف دينار فأقل، وأراهم تعلقوا بقوله في صدر

هذه المسألة ذلك جائز في الدينار الواحد، قلت الدراهم أو كثرت ليس لهم في ذلك حجة لما قد بينا إلا أن يكون له قول غير هذا والله أعلم. [فصل 3 - في بيع سلعة ودراهم بدراهم وشرح مسألة ابن المسيب] ومن المدونة: قال: ولا يجوز بيع سلعة ودراهم بدراهم نقدًا ولا إلى أجل، ولا يجوز بيع ثوب ودراهم بعبد ودراهم وإن تناقدا قبل التفرق، وأصل قول مالك رحمه الله أن الفضة بالفضة مع أحد الفضتين أو مع كل واحد منهما سلعة، لا يجوز كانت الفضة يسيرة أو كثيرة. م وهذا في أكثر من درهم؛ لأنه أجاز قبل هذا أن يبتاع الرجل بنصف درهم أو بثلثيه طعامًا ثم يأخذ باقيه فضة، وكذلك عنه في المستخرجة إذا ابتاع بثلثي درهم سلعة فدفع درهمًا ورد عليه البائع ثلث درهم أنه جائز. قال: ولو كان إنما أسلفه ثلثي درهم فرد عليه درهمًا ودفع إليه المسلف ثلث درهم لم يجز. ومن المدونة: قال مالك: وقال ابن المسيب فيمن باع من رجل طعامًا بدينار ونصف درهم فلا يأخذ من المبتاع بالنصف درهم طعامًا، ولكن يأخذ منه درهمًا ويعطيه ببقيته طعامًا. قال مالك: إنما كرهه سعيد لأنه يصير دينارًا وطعامًا بطعام. قال مالك: ولو كان نصف الدرهم ورقًا أو فلوسًا أو غير الطعام جاز.

قال يحي بن مزين: إنما كرهه لأنه أعطاه حنطة من غير الحنطة التي ابتاع منه، فصارت حنطة ودينارًا بحنطة وفضة. م يريد لأن النصف درهم قد وجب لبائع الحنطة أولاً فدفعه في الحنطة التي أخذ من المشتري فصار قد دفع فضة وحنطة في دينار وحنطة. قال ابن مزين: فصار الفضل بين الطعامين. قال: وإن كانت الحنطة التي يعطيه من الحنطة التي ابتاع منه قبل أن يقضيها، دخل بيع الطعام قبل قبضه. م وحكى عن أبي محمد أنه قال: كان ابن القاسم يجيز الإقالة من بعض الطعام قبل أن يفترقا ولكن العلة في النهي عن ذلك في هذه المسألة، أنه لما أقاله من الطعام حصة من الذهب والفضة فأعطاه لما قابل الذهب فضة قبل قبض الطعام. وشيء آخر أن إقالته إياه فيما قابل النصف درهم لا يعرف إلا بالقيمة. م وأصح الإعتلال في منع جواز هذه المسألة عندي أن إقالته إياه فيما قابل النصف درهم من الطعام لا يعرف إلا بعد معرفتهما ما للنصف درهم من دينار ونصف درهم، فإذا عرف جاز؛ لأنا نعلم لا محالة إذا كان صرف الدينار سبعة درهم أن النصف درهم من دينار ونصف ودرهم ثلث خمس، فيقع له ثلث

خمس الطعام، وإن كان الصرف عشرة دراهم فيقع له ثلث سبع الطعام، فإنما يمنع من جواز المسألة أن يعطيه حنطة من غير الطعام الذي باع منه كما قال ابن مزين أو يعطيه من جنس طعامه بعد التفرق، فيدخله البيع والسلف والطعام بالطعام إلى أجل أو يعطيه من طعامه بعينه قبل قبضه وقبل معرفته ما يخص النصف درهم من الطعام، فيدخله بيع الطعام قبل قبضه، وأما إذا علموا ما يخص النصف درهم من الطعام فيجوز كما بينا. وقد قال ابن القاسم في المستخرجة فيمن باع ثوبين بعشرة أرادب إلى شهر فلما حل الأجل قال له: أقلني من أحد ثوبيك بنصف الطعام، قال: لا بأس به إذا كان الثوبان معتدلين، وإن كان أحدهما أرفع لم يصلح أن يقيله منه. م يريد بنصف الطعام، وإنما اشترط اعتدال الثوبين؛ لأنه أقاله من نصف الطعام، ولو أقاله مما يخص أحد الثوبين بعينه بعد معرفتهما بقيمته لجاز وإ، اختلفا. دليله: أن اعتدال الثوبين لا يعرف إلا بالتقويم، فإذا جاز أن يقيله منه بنصف الطعام جاز إذا كان قيمة المقال منه الثلث -أن يقيله منه بثلث الطعام، ولم يجز سحنون الإقالة من أحد الثوبين وإن اعتدلا، وعلته في ذلك: إذ قد يخطئا في التقويم فيصير قد رد إليه أقل من رأس مال الطعام أو أكثر، فيدخله بيع

الطعام قبل قبضه، واحتج على ابن القاسم بمسألة المرابحة إذا ابتاع ثوبين بثمن، فلا بيع أحدهما مرابحة بحصته من الثمن حتى يبين، إذ قد يخطئ في التوظيف. م وهذا التعليل لا يدخل علينا في مسألة النصف درهم لأن حصة النصف درهم من دينار ونصف درهم إذا علم الصرف معلومة، لا اختلاف فيها، فيجب أن تجوز الإقالة مما يخص النصف درهم، إذا علما الصرف بالاختلاف. وأما اعتلال أبي محمد أن لما أقاله من الطعام حصته من الذهب والفضة، فهذا لا يلزم؛ لأنه لم يقله من جزء من الطعام مثل ثلثه أو ربعه فيقع له حصة من الذهب والفضة وإنما أقاله مما يخص النصف درهم من الطعام، وحصته بعد معرفة الصرف معلومة، ولو لزم ما اعتل به أبو محمد للزم في مسألة الثوبين أن لا يقيله من أحدهما بنصف الطعام؛ لأن نصف الطعام ثمنه نصف كل ثوب، فأعطاه فيه أحد الثوبين، فيدخله على هذا بيع الطعام قبل قبضه، ولكن لما أقاله مما يخص الثوب، وهو نصف الطعام جاز، ولكن يلزم أيضًا لمن ابتاع مد قمح ومد شعير بدينارين وقيمتهما متساوية أن لا يقيله من الشعير بدينار؛ لأن حصة الدينار من الطعام المبيع نصف مد قمح ونصف مد شعير، فأعطاه في ذلك مد شعير، فصار نصف مد قمح ونصف مد شعير، بمد شعير، وهذا لا يجوز، هذا وزان تعليل أبي محمد

وعكسه عليه ولكن المسألة جائزة؛ لأنه إنما أقاله مما يخص الشعير من الذهب، وهذا جائز إذا علمت قيمة الشعير من قيمة القمح، وكذلك إذا أقاله مما يخص النصف درهم من الطعام بعد معرفة ما يخص الدينار ونصف درهم، وهذا بين وبالله التوفيق. وقد فسر هذه المسألة أيضًا بعض القرويين: فقال إن أعطاه بالنصف درهم من ذلك الطعام الذي اشتراه منه قبل أن يقبضه لم يجز، وهو بيع الطعام قبل قبضه وأما إن أعطاه المشتري قبل القبض شعيرًا أو سلتًا فذلك بيع حنطة بدينار وشعير فلا يجوز، وإن أعطاه تمرًا أو زبيبًا أو ما يجوز فيه التفاصيل مع الحنطة فذلك جائز؛ لأنه بيع حنطة بتمر أو زبيب ودينار، فإن كان المبتاع قد قبض الطعام الذي اشترى ولم يغب عليه، فإن دفع إليه بالنصف درهم من الطعام بعينه فذلك جائز، إذ قد سلما من بيعه قبل قبضه، وإن أعطاه شعيرًا أو سلتًا أو تمرًا أو زبيبًا، فذلك مفترق، وإن كان لم يغب على الطعام جاز كما بينا، وإذا لم يقبضه. وإن كان قد غاب على الطعام الذي اشترى فلا يجوز أن يعطيه المتباع طعامًا منه ولا من غيره من جنسه أو من غير جنسه. م يريد لأنه يصير بيع حنطة بدينار نقدًا وبطعام غير يد بيد. ومن العتبية: قال مالك فيمن ابتاع حنطة بدينار وازن فأعطاه دينارًا ناقصًا، ورد عليه من الحنطة فلا ينبغي ذلك إذا ثبت البيع بوازن، فلو

ثبت بناقص فلا يعطيه وازنًا ويأخذ فضل شيء من الأشياء، فأما إن لم يثبت البيع إلا مراوضة فلا بأس به. م ووجه قوله إذا ثبت البيع بوازن أن البائع وجب له دينار وازن، فباعه بهذا الناقص الذي أخذ وبطعام معه، فصار دينارًا وطعامًا بدينار، وكذلك إذا ثبت البيع بناقص وقد دفع هذا الناقص وشيئًا معه في دينار وازن فيدخله الفضل بين الذهبين في الوجهين. م وقال قيل هذا في الباب نفسه فيمن ابتاع بدرهم كيلاً شيئًا فيدفع الدرهم فيجده بنقص حبتين، فقال للبائع أعطني بما فيه وحاسبني بقدر نقصه. قال مالك: لا بأس بذلك، إنما هو بمنزلة رجل اشترى بدرهمين، حنطة، ثم قال له بعد ذلك أعطني بدرهم وأقلني من درهم، قلت له بعد الوجوب قال نعم، كأنه حمله على المساومة، وفيه تفسير من البيع. م انظر هل العلة أنهم إذا قصدوا الإقالة جاز؛ لأنها معروف، وإذا قصدوا التبايع لم يجز؛ لأنها مكايسة، فيجب على هذا إذا ابتاع حنطة بوازن، فأعطاه ناقصًا ورد عليه من الحنطة، إن قصدوا التبايع لم يجز، ولو قصدوا الإقالة فقال له المشتري -وقد وجد ديناره ينقص سدسًا- أقلني بهذا النقص من سدس

الطعام، وخذ الدينار الناقص لجاز فإن قلت: إنه باع منه الوازن بالناقص وسدس الطعام، قيل يلزمك أن لو اشترى أربع ويبات بأربعة دنانير قائمة، فقال له: أقلني من ويبتين بدينارين وخذ مني دينارين لا يجوز؛ لأنه قد وجب له أربعة دراهم، فباعها بدينارين، وأنت تجيز هذا ولا فرق بين هذا وبين أن يبيعه طعامًا بوازن، فنقول له أقلني من نصف الطعام، وخذ مني نصف دينار فانظر، فإن صح هذا فيصح أن يحمل على مسألة ابن المسيب أنهم لم يجيزوها؛ لأنهم قصدوا التبايع، ولو قصدوا الإقالة فقال: أقلني مما يخص النصف درهم من الطعام بعد معرفتهما بما يخصه لجاز ذلك والله أعلم. [فصل 4 -] فيمن صرف دنانير وأخذ بالدراهم سلعة فوجد بها عيبًا قال مالك رحمه الله: وإن صرفت من رجل دينارًا بدراهم فلم تقبضها حتى أخذت بها منه سلعة أو قبضت نصفها وأخذت بنصفها سلعة مكانك، فذلك جائز، وإن رددت السلعة بعيب رجعت بدينارك. م ولا يجوز أن ترجع بالدراهم؛ لأنك تصير قد دفعت دينارًا وأخذت دراهم إلى أجل، فلما آل أمرك إلى الصرف نَظِرةٌ ألغو قولكما، ونظروا إلى ما صح من فعلكما.

قال مالك: وكذلك لو صرفت دنانير بدراهم على أن تأخذ بها سمنًا أو زيتًا نقدًا أو مؤجلاً أو على أن تقبضها ثم تشتري بها منه هذه السلعة فذلك جائز. قال ابن القاسم: فإن رددت السلعة بعيب رجعت بدنانيرك؛ لأن البيع في هذا، إنما وقع بالسلعة، واللفظ لغو، وإنما ينظر مالك إلى فعلهما لا إلى قولهما، فإذا صح الفعل، لم يضرهم القول، وليس هذا من بيعتين في بيعة، وإنما البيعتان في بيعة، أن يقول الرجل للرجل أبيع منك سلعتي بدينار نقدًا أو بدينارين إلى أجل قد لزمه أحدهما، فهذا حرام لا يحل؛ لأنه ملك أحدهما بأحد الثمنين ففسخه في الآخر، وفي كتاب الآجال بيان هذا. [فصل 5 -] في بيع الحلي أو ما فيه حلية من سيف أو غيره قال مالك: ولا خير في أن يبتاع وارث من الميراث حلي ذهب أو فضة أو ما فيه من ذلك حلية أقل من الثلث، مثل السيف وشبهه، ويكتب على نفسه، ويتأخر الوزن إلى المحاسبة، أو ليقوموا إلى السوق فينتقد فلا ينبغي ذلك،

وأراه صرفًا منتقضًا إلا أن يتناقدا حين البيع. قال ابن المواز: ويحسب حصته من ثمن ذلك خاصة، وينقد ما بقى. قال مالك في المدونة: وإن تأخر ذلك لم يجز، ألا ترى أن لو تلف بقية المال أنه يرجع عليه فيما صار عليهم، فيقتسمونه فلا يجوز إلا بالنقد، والوارث في بيع الحلى والأجنبي سواء، وقد تقدم في الباب الأول إيعاب القول في بيع السيف المحلي، وأنه إن كان نصله تبعًا لفضته، بيع بدنانير نقدًا، وإن لم ينقد ثمنه حتى فارق البائع ثم باعه مضى البيع الثاني، وغرم للبائع الأول قيمته، وكذلك إن انقطع غمده أو انكسر جفنه فعليه قيمته وإن كان إنما حال سوقه فقط، فليرده، وإن كانت فضته تبعًا لنصله بيع بذهب أو بفضة، نقدًا كانت الفضة التي يعطي في ثمنه أقل مما فيه أو أكثر ولا يجوز بيعه بفضة أو بذهب إلى أجل، ويفسخ ذلك كله إن كان قائمًا، فإن فات بتفصيل حليته أمضيته؛ لأن ربيعة كان يجيز بيعه بذهب إلى أجل. قال ابن المواز: عن ابن القاسم وإن نقضت حليته وهي تبع فلا تباع معه بفضه.

فصل [6 - في بيع فضة وذهب بذهب] ومن المدونة: قال مالك: ولا يجوز بيع فضة وذهب بذهب، ولا يباع إناء مصوغ من ذهب بذهب وفضة. قال مالك: ولا يباع حلى فيه ذهب وفضة بذهب ولا فضة، نقدًا كانت الفضة الأقل أو الذهب كالثلث أو أدنى، ولا يباع بالعروض نقدًا أو إلى أجل ويباع بالفلوس نقدًا، ولا يجوز إلى أجل، وأجاز على بن زياد وأشهب أن يباع بأقلهما فيه إن كان أقلهما الثلث فأدنى، إن كان الذهب الأقل اشترى به، وإن كانت الفضة الأقل اشترى بها ورواه على عن مالك. م والفرق عند ابن القاسم بين هذا الحلى وبين السيف الذي فضته تبع لنصله، أن الأصل كان ألا يجوز أن يباع عرض وفضة بفضة، ولا ذهب وفضة بذهب ولا بفضة، فخصت السنة جواز بيع السيف إذا كانت فضته تبعًا لنصله بالفضة، ورواه طاووس اليماني، وقد جعله جماعة من أهل العلم كالعروض،

وبقي ما سواه على الأصل المنع والله أعلم. ولأن الذهب والفضة في مسألة الحلي وإن كان أحدهما تبعًا فكل واحد مقصوده بعينه فيدخله التفاضل بين الذهبين أو الفضتين وذلك ربًا، والفضة التبع للنصل المقصود غيرها، فهي كمال العبد، فإن قيل فيلزم على هذا أن من أكترى دارًا أو أرضًا وفيها ثمرة لم يبد صلاحها وهي تبع أن لا يجوز؛ لأنهما مقصودان؟ قيل بل المقصود السكنى والزرع في الأرض ولو التزمنا ذلك لكان الفرق بينهما بينا، وهو أن بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه، إنما فيه الغرر، والغرر عندنا إذا انضاف إلى أصل يكون تبعًا له جاز، وفي مسألة الحلي يدخله الربا وذلك لا يجوز منه قليل ولا كثير وبالله التوفيق. فصل [7 - بيع ما تكره حليته] قال مالك رحمه الله: وما حلي بفضة من قدح أو سرج أو مسكين أو لجام أو ركاب مموه أو مخروز عليه أو جرز مموه عليه وشبه ذلك فلا يجوز بيعه بفضة

وإن قلت الحلية؛ لأن اتخاذ هذه الأشياء من الرف، بخلاف ما أبيح اتخاذه من السيف المحلى والمصحف والخاتم وكان مالك لا يرى بأسًا أن يحلى السيف والمصحف. قال ابن القاسم: ورأيت لمالك مصحفًا محلى بفضة، وكان مالك يكره هذه الأشياء التي تصاغ من الفضة مثل الأباريق ومداهن الذهب والفضة والأقداح واللجم والسكاكين المفضضة وإن كانت تبعًا، وكره ان تُشترى. قال ابن حبيب: إلا ما لا بال له كحلقة في قدح أو صحفة أو يسير من الفضة في أطراف السرج واللجم، وقد استخف لمتخذه وخفف بيعه. [قال] ابن المواز: وكره مالك بيع السكين في نصابها فضة يسيرة بفضة. قال في العتبية: ويكره أن يجعل في فضة خاتمه مسمار ذهب أو يخلط بفضته حبة أو حبتين ذهب لئلا تصدأ.

[الباب الخامس] جامع ما يقع في الصرف من استحقاق أو اختلاف في عين أو تبعيض أو طلب زيادة أو بيع دين أو رد بعيب أو نقص

[الباب الخامس] جامع ما يقع في الصرف من استحقاق أو اختلاف في عين أو تبعيض أو طلب زيادة أو بيع دين أو رد بعيب أو نقص [الفصل 1 - ما يقع في الصرف من استحقاق] قال ابن القاسم: ومن اشترى إبريق فضة بدنانير أو دراهم فاستحقت الدنانير أو الدراهم انتقض البيع لأنه صرف. م وذكر عن الشيخ أبي الحسن في مسألة الإبريق الفضة، إنما يجوز شراؤه على أن يكسر. وقال غيره بل ذلك جائز وإن كان على أن لا يكسر، ولو كنا نكسره على المبتاع، لجبرنا البائع على كسره؛ ولأنه يجوز بيعه من أهل الذمة وغيرهم من الكفار. م وإنما انتقض الصرف في الاستحقاق ولم يكن عليه مثل الدنانير أو الدراهم؛ لأنه اليوم، كان يتم البيع فبصير بيع ذهب بفضة إلى أجل ففارق غيره من البياعات ففسخوا البيع فيه وإن كان قريباً. قال ابن القاسم: وإذا صرفت ديناراً في دراهم وقبضتها فاستحقت الدراهم انتقض الصرف.

وقال أشهب: لا ينتقض إلا أن تكون دراهم معينة يريه إياها وإن لم تكن معينة يريه إياها، وإنما باعه من دراهم عنده فعليه [أن يأتيه] من كيسه أو من تابوته مثلها مالم يفترقا. قال ابن القاسم: ولو أنه إذا استحقت ساعة صارفه، قال له: خذ مثلها مكانه قبل التفرق جاز. م إذا تراضيا وكذلك في كتاب محمد وقال فيه: ولو طال/ أو تفرق لم يجز. م يريد وإن تراضيا إلا بعد فسخ الأول ثم استقبلا صرفاً جديداً إن أحبا. م وذكر لنا أن أبا بكر بن عبد الرحمن غمز قوله إذا تراضيا. وقال لو كان ذلك بالتراضي لجاز، وإن لم يكن ساعة صارفه. وقال أبو القاسم بن الكاتب: إنما اختلف قول ابن القاسم وأشهب مالم يفترقا أو يتطاول مجلسهما، فعند ابن القاسم سواء كانت دراهم بأعيانها أو بغي أعيانها، وكانت عند دراهم أخرى، لزمه في الحكم إعطاؤه غيرها من تلك الدراهم التي معه، إذ لا تتعين الدراهم عند ابن القاسم، وإن لرب الدراهم المعينة إعطاؤه مثلها وحبسها، فلما كان له ذلك كان عليه إذا استحقت بدلها، إذا

كان العوض بحضرتهما، وعند أشهب وسحنون أن اشتراط تعيين الدراهم يلزم وليس لربها دفع غيرها، وكذلك إذا استحقت لا يلزم بائعها دفع مثلها إذا كان عليه في الأصل أن يدفعها بعينها، فإذا تفرقا أو طال المجلس فقد اجتمعا على بطلان الصرف [بينهما] ن كانت معينة أو غير معينة، ويدل على أنه إذا كان بالقرب ... لا ينتقض الصرف قوله: إذا تطاول ذلك أو تفرقا انتقض الصرف. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن اشترى خلخالين من رجل بدنانير فنقده ثم استحقهما رجل بعد التفرق، فأراد إجازة البيع، واتباع البائع بالثمن لم يجز، وإن استحقهما رجل قبل تفرق المتبايعين فاختار أخذ الثمن فلا بأس به إن حضر الخلخالان وأخذ الثمن مكانه، ولو كان المبتاع قد بعث بهما إلى بيته لم يجز، ولو افترقا لم انظر إلى ذلك الافتراق، ولكن إذا حضر الخلخالان وأخذ المستحق الثمن من البائع أو من المبتاع مكانه فذلك جائز، وإن غاب الخلخالان لم يجز. م يريد لأن رب الخلخالين قد ملك فسخ البيع، فرضاه بتمامه بيع مبتدأ، فلا يجوز حتى يحضر الخلخالان. وقال أشهب: هذا استحسان، والقياس الفسخ؛ لأنه صرف فيه خيار.

قال سحنون: الذي استحسن أشهب هو جوانب ابن القاسم وهو القياس وقوله أنه مفسوخ ليس بشيء، فإن غاب البائع فالمستحق مخير في إجازة البيع وأخذ الثمن ثانية إن رضي له المبتاع بغرمه ثانية، وإلا أخذ المستحق الخلخالين وفسخ البيع. قال أبو القاسم بن الكاتب فيمن استودع قمحا فباعه بتمر: أن لك أن تجيز بيعه ويأخذ التمر، ولم يشترط حضور القمح. وقال في مسألة الخلخالين: لا يجوز أن يأخذ ثمنهما إلا أن يكونا حاضرين؛ فهل ذلك لأن الحنطة ضمنها بالتعدي وكأنه أخذ ثمن ما هو في ذمته كالدين، القمح يؤخذ به تمر والخلخالين لم يضمنهما بائعهما إذا لم يتعد في بيعهما، والمستحق قد استحق أعيانهما فصار بائعاً لتلك العين، ولو استهلكها المبتاع لجاز لمستحقهما أخذ ثمنهما. فصل [2 - في الرجل يبتاع الدراهم بدينار ونقد دنانير البلد مختلف] قال مالك: ومن اشترى من رجل دراهم بين يديه كل عشرين درهماً بدينار، فلما نقده الدنانير قال له: لا أرضاها، فله نقد البلد، فإن كان نقد البلد في الدنانير مختلفاً فلا صرف بينهما إلا أن يسميا الدنانير قبل الصرف.

فصل [3 - في الرجل يصرف بعض الدينار أو يصرفه من رجلين] قال مالك: ولا يجوز أن تصرف من رجل نصف دينارك أو ثلثه أو ربعه، وإن قبض جميعه، لأنه لا يبين بحصته منه. قال أشهب: وقد بقي بينهما عمل الشركة، ولو اقتسماه فإنما يقتسماه دراهم، فيأخذ دراهم من دراهم فهذا لا يصلح. /م وكذلك الحلي مثل الدنانير، إذ لا يبين بحصته منه. قال مالك: وإن صرف رجل ديناراً من رجلين فقبضه أحدهما بأمر صاحبه وهو حاضر جاز، ولو صرف رجلان ديناراً من رجل فدفعاه إليه جاز ذلك، وكذلك لو كان موضع الدينار نفرة ذهب أو فضة، كان مسلكه مسلك الدينار في بيعه. قال أشهب عن مالك في العتبية: لابأس يصرف دينار أو نقرة من رجلين، ولو غاب أحدهما قبل قبض الآخر فلا بأس به. قال ابن القاسم: وكذلك الحلي، بخلاف بيع نصف دينار ونصف نقره. م والفرق بينهما، أن المشتري في هذه المسألة فارق البائع ولا تباعه بينهما ولا شركة، وفي مسألة بيع نصف دينار أو نصف نقرة، المشتري لم يبن بحصته عن البائع، وقد بقي بينهما عمل الشركة، فبان افتراقهما.

[فصل 4 - في الرجلين يصرفان ديناراً أو نقره من رجل أو باع أحدهما حصته من النقرة من شريكه] ومن المدونة: قال مالك: ومن كان بينه وبين رجل نقرة فباع منه نصيبه منها جاز ذلك إذا انتقد. قال أشهب: فإن باع نصيبه من غير شريكه وقبض المشتري جميع النقرة جاز، وإن لم يقبض فلا خير فيه. وقال يحي: لا يعجبني وإن قبض المشتري جميع النقرة كالدينار يصرف نصفه. م والفرق عند أشهب بين الدينار وبين النقرة، أنه في الدينار البائع لم يبن من المبتاع وبقي بينهما شركة فيما باع منه، وفي مسألة النقرة قد افترق المتبايعان ولا تباعة بينهما. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ولابأس بصرف نقرة من شريكه فيها. قال ابن المواز: إن حضرت النقرة وإن لم يجز، وإن كانت عند المبتاع. قال مالك: ولا يجوز من غير شريكه وإن حضرت إلا بعرض. م لأن المشتري لم يبن بحصته منها، وقد بقي بينه وبين شريك البائع الشركة فيها. قال مالك: ومن وهب نصف نقرة له - فضة - لرجل، وباع نصفها من آخر فلا يجوز، وإن كانت الهبة والبيع بينهما معاً.

ومن المدونة: قال مالك: وإذا كان بين رجلين حلي وزناه فباع أحدهما صاحبه حصته من شريكه بمثل نصف وزنه يداً بيد فلا بأس به وكذلك نقرة بينهما. وروى أشهب أن مالكاً لم يجزه في النقرة إذ لا ضرر في قسمتها، ولو جاز هذا في النقرة لجاز في كيس بينهما مطبوع عليه أن يقول أحدهما لصاحبه لا تكسر الطابع وخذ مني مثل نصفه دراهم، فتكون فضه بفضة، ليس كفة بكفة وإنما جاز في الحلي لما يدخله من الفساد، وإنه لموضع استحسان. قال أبو محمد: انظر فقد أجازوا المراطلة بالمثاقيل. م والمراطلة بالمثاقيل أصح من المراطلة بالذهبين إذ قد يكون في الميزان عين فيدخله الرجحان في المراطلة، وهو حرام؛ ولا يدخل ذلك المراطلة بالمثاقيل، إذا جعلت ذهبك في الكفة التي كان فيها ذهب صاحبك، فهي مثلها لاشك فيها.

كان في الميزان عين أم لم يكن، فإذا صح أن المراطلة بالمثاقيل أصح جاز أن يعطيه مثل نصف النقرة ومثل نصف الكيس المطبوع، إذا علما ما فيه على الصحة، مع ما في قسمة النقرة من الضرر، إذ قد لا يجدان من يقطعها للقسم أو لا يقطعها إلا بأجرة. فصل [5 - فيمن زاد بعد الصرف أو في رأس مال السلم] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن صرفت من رجل ديناراً ثم لقيته بعد أيام فقلت له قد استرخصت الدينار فزدني، فزادك درهماً نقداً أو إلى أجل فجائز ولا ينتقض الصرف، فليس لك رد الزيادة بعيب تجده فيها؛ لأن تلك الزيادة لم يقع عليها الصرف. م إذ لو شاء لم يزدكن وهي هبة تطوع فلا/ يلزمه بدلها. قال ابن القاسم: وإن كان الدينار رديئاً فيرد برده، وكذلك الهبة بعد البيع للبيع إن رد السلعة بعيب أخذها.

قال ابن المواز وقال أشهب عن مالك: إن صرف منه ديناراً ثم رجع إليه فقال له: نقصتني من صرف الناس فزاده درهماً فوجده زائفاً بعد ذلك أبدله وحده ولا ينتقض الصرف، وإن وجد في الدرهم الأول زائفاً فرده انتقض الصرف. م وجه قول أشهب: كأنه قال له أعطني كصرف الناس فنقصه منه، فاتاه بعد ذلك فقال له: نقصتني من صرف الناس، فواجب له عليه أن يلحقه بصرف الناس، فإذا وجد ما زاده رديئاً لزمه بدله؛ لنها لم تكن هبه تطوع بها ونحوه. قال أبو محمد وأبو الحسن في قوله: نقصتني من صرف الناس: أي فألحقني بالصرف فكأنه شيء أوجبه على نفسه. قال أبو الحسن: فكأنه قصد أن يوجب له ذلك على نفسه فلذلك لزمه بدل الدرهم. وفي المبسوط لإسماعيل القاضي قال: فإن كان الذي زاده بعد المصارفة إنما هو لإصلاح ما مضى ولمخافة أن ينتقض ما بينهما لمعنى من المعاني فإن الزيادة تبطل الصرف. وقد قال عبد الملك في رجلين اشتريا شيئاً من رجل ثم إن البائع وضع لأحدهما شيئاً من الثمن، فإن كان ذلك شيئاً يشبه إصلاح ذلك البيع فهو بين الشريكين وإن كان لا يشبه إصلاح ما مضى مثل أن يحط عنه الثمن كله أو أكثره،

فإنما هي وليست من البيع. ومن المدونة قال ابن القاسم ولابأس بزيادة دراهم في رأس مال السلم بعد شهر أو شهرين. فصل [6 - في الرجل يكون له على الرجل دراهم دينا إلى أجل فيريد أن يصرفها منه بدينار نقداً] قال مالك: ومن لك عليه دراهم إلى أجل من بيع أو قرض، فأخذت بها منه دنانير نقداً لم يجز ولو كانت الدراهم حالة جاز. م وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذ مكان الذهب الفضة ومكان الفضة الذهب بسعر يومه. قال مالك: وإن صارفته قبل الأجل على دنانير وشرطت قبضتها عند محا أجل الدراهم فذلك حرام، وإن اشتريت بها منه قبل الأجل عرضاً بعينه أو مضموناً إلى ذلك الأجل لم يجز؛ إذ لا يجوز أن تأخذ في دينك إلا ما تتعجله، وإن تعجلت العرض جاز مالم يكن العرض الذي تأخذ من صنف عرضك الذي بعت منه ويكون أجود منه أو أكثر، فلا يجوز حل أجل الدين أم لا. م ويدخله سلف جر منفعة. قال مالك: ومن كان له على رجل ذهب حاله فأعطاه بها دراهم، فقال: لا أقبل إلا كذا وكذا زيادة على صرف الناس فذلك جائز.

فصل [7 - فيمن صرف ديناراً بدراهم فوجد بعضها رديئة] قال مال: وإن صرفت من رجل دنانير بدراهم ثم أصبتها بعد التفرق زيوفاً أو ناقصة فرضيتها جاز ذلك، وإن لم ترضها انتقض الصرف. قال: وإن تأخر من العدد درهم واحد لم يجز أن ترض بذلك، لوقوع الصرف فاسداً. وقال أشهب في الزائفة -يريد الناقصة- مثل قول ابن القاسم. قال ابن القاسم في المستخرجة: وليس له أن يتجاوز النفص وإن كان يسيراً ليجيز الصرف. وقال قبل ذلك: إن كان الشيء اليسير مثل الدانق ونصف الدانق فلا بأس أن يتجاوزه، ولا ينقض الصرف. م وقال عبد الوهاب: إذا وجد ف] أحد الثمنين بالصرف نقصاناً، فإن رضي به جاز؛ لأن الثمن يكون بقدر ما حصل منه، وإن طلب التمام التقض الصرف؛ لأن القبض يكون/ متأخراً عن العقد، وكذلك إن وجد فيها زائفاً أو رديئاً، فإن رضي به وإلا بطل الصرف. م وهذا في النقصان اليسير، وإلا كان خلافاً لما في المدونة وغيرها وهو القياس.

وقد روى ابن وهب عن وهب بن مالك في كتاب محمد فيمن صرف دراهم بدنانير قائمة، فوجدها بعد الصرف تنقص، فتجاوزها كراهية أن ترجع إليه فينتقض الصرف، قال: لا بأس بذلك، وكذلك روى عنه ابن الحكم إذا صرف ديناراً بدراهم فوجدها نقصاً فتجاوزها أنه لا بأس به، ولم يذكر هل ذلك نقص يسير أو كثير. ولأبي القاسم بن الكاتب أنه أختلف قول مالك إذا وجد الدراهم نقصاً فقال: ينتقض الصرف، وقال: لا ينتقض، وقال: إن كان النقص كثيراً انتقض وإن كان يسيراً لم ينتقض. مجمل رواية ابن وهب وابن عبد الحكم أنه في الكثير. قال عبد الوهاب: ثم ينظر فإن سمى لكل دينار سعراً معلوماً انتقض صرف دينار واحد؛ لأن كل دينار معقود عليه بنفسه عقداً يستغني به عن ضم غيره إليهن وإن كان سمى للجملة ثمناً انتقض الصرف كله؛ لأن العقد واحد للجميع. م وهذا أيضاً خلاف المدونة، وقد بينا وجه فساده قبل هذا. ومن العتبية: ومن صارفته فلم يكن عنده تمام الدراهم فتركت له عجز له ما عجز عنه قبل التفرق أو حططته ما شئت فذلك جائز، أو تأخذ بما عجز ما شئت، قاله ابن القاسم عن مالك.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن اشتريت فلوساً بدراهم ثم أصبت بعد التفرق بعضها رديئة لا تجوز، فأرجو أن يكون البدل في ذلك خفيفاً للاختلاف فيه، وقد كان ابن شهاب يجيز البدل في صرف الدنانير بغير شرط وإن كان مالك يأباه، فكيف بالفلوس. وقد روى عبد الرحيم في كتاب القراض أن مالكاً كان يجيز شراءها بالدنانير والدراهم نظرة ثم رجع عنه. قال مالك: وإن صرفت ديناراً بدراهم فوجدت فيها درهماً مردوداً لعيبه، وهو طيب الفضة، أو كان لا يجوز بجواز الدراهم عند الناس أو زائفاً، فذلك كله عند مالك سواء، ولك رده ونقض الصرف إلا أن ترضاه، قال: فإذا رددت إليه دراهمه وقد وجدت بها عيباً فجائز أن تؤخره بدينارك إذا ثبت الفسخ بينكما، وإن لم يثبت الفسخ كرهته، ورأيته صرفاً مستقبلاً، فلا يجوز تأخير الدينار. م قال بعض شيوخ القرويين في قوله: إذا ثبت الفسخ، قال: يريد بحكم أو بإشهاد.

وفي كتاب ابن المواز قال أشهب عن مالك: إذا وجد في الدراهم رديئاً فرد الدراهم كلها، ووخر الدينار عند الصراف حتى رجع إليه فأخذ به بعد ذلك قمحاً فلا بأس بذلك؛ لأنه صار له عليه دينار، وانتقض الصرف، ولو كان الدينار في منزل الصيرفي فقال له: أنا أبدل الآن لك الدراهم أو أعطيك بدينارك نقرة فلا بأس بذلك. م وظاهر هذا أنه إذا فاسخه جاز بإشهاد أو بغير إشهاد. وفي كتاب السلم الثاني إذا كان السم فاسداً فلا بأس أن يؤخره برأس ماله، ولم يشترط إذا ثبت الفسخ، فهذا أيضاً يؤيد إذا تفاسخا جاز أن يؤخره ولا يحتاج في ذلك إلى إشهاد والله أعلم. وقد تقدم في الباب الأول أن من صرف دنانير بدراهم ثم وجد درهماً زائفاً، إنما ينتقض صرف دينار، وإن وجد أكثر من صرف دينار واحد انتقض صرف دينارين، وعلى هذا يحسب. قال ابن المواز عن مالك: وما فات من دراهم الدينار المنتقض/ الجياد أو انفقها رد مثلها، قال فيه ابن القاسم: ومن لك عليه ثمانية قراريط من ذهب حالة

فصارفته فيها بثمانية دراهم، ثم وجدت منها درهماً رديئاً فرددته، فإنك ترجع بقيراط ذهب فقط وتأخذ فيه أقل من درهم أو أكثر ما بلغ يوم ترجع به عليه، وكذلك في درهمين لا ينتقض غير قراطين. قال: وإن كان لك عليه عشرة دراهم، فأخذت بها عشرة خراريب ذهب قراضة، فوجدت منها قراضة رديئة' فلينتقض صرف درهم. قال: ومن صرف نقرة فضة وزنها منه درهم بعشرة دنانير، سمى لكل دينار شيئاً أو لم يسم، أو اشتراها جزافاً لا يعرف وزنها، ثم وجد في النقرة مسمار نحاس أقل من صرف دينار فإنما ينتقض من النقرة صرف دينار من أصغر ما دفع إليه من الدنانير مجموعة. قال: وكذلك إن كانت مقطعة انتقض صرف أصغر قطعة، فإن كان قيمة أصغر قطعة فيها أكثر من حصة المسمار، زيد من النقرة الفضة إلى تمام ذلك، فإن كانت حصة المسمار أكثر من دينار انتقض صرف دينارين، وإن كانت قطعاً فأصغر ما قدرت عليه، مالم ينقص المسمار حتى لا يكون شريكاً له في ديناره. م ونحوه في العتبية، قال فيها: إن كانت الدنانير قائمة انتقض صرف دينار منها.

[قال] ابن المواز: وإن ابتاع خلخالين أو سوارين من ذهب، أو حلياً كثيراً من ذهب بدراهم، فوجد في أحد الخلخالين أو السوارين عيباً بأحدهما شقلً أو كسراً أو رؤوسهما نحاس، فليرد الخلخالين جميعاً، بخلاف النقرة التي لا يرد منها إلا بقدر ما وجد رديئاً، ولو وجد درهماً زائفاً من ثمن الحلى فرده، انتقض بيع الحلي كله، وإن كانت أسورة كثيرة أو خلاخل، ولو كان الذهب سبيكة أو قراضة لم ينتقض إلا حصة الدراهم من ذلك. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: وإن اشترى أزواج أسورة من ذهب بدراهم، فوجد في زوج منها نحاساً فليرد الأسورة كلها، ولو كانت مئة زوج. وروى عنه أبو زيد: لا ينتقض إلا صرف زوج منها إذا وجد بأحدهما عيباً، وذكر أنه اشتراها جزافاً. قال في رواية عيسى: فإن فات بعضها رد ما بقي بالقيمة. م ورواية عيسى أصوب. م والفرق بين الحلي وبين الدنانير في هذا أن الدنانير لا تراد لأعيانها، ولا تختلف قيمتها، وإنما يقع لكل دينار حصة من الفضة وقتا ثمناً أم لا، والحلي تراد

لأعيانها، فأشبهت العروض والثياب ونحوها التي يقع لكل ثوب حصة على العدد، وإن وقت له ثمناً، وإنما جملة الثمن بجملتها، فإن وقع في بعضها عيب أو استحقاق جعله له حصته من الثمن بالتقويم لا على العدد، فإذا صح أن جملة الثمن بجملتها أشبهت الدينار الواحد الذي ينتقض فيه البيع بوجود العيب به أو بشيء من ثمنه، وفي باب المراطلة شيء من هذا وبالله التوفيق.

[الباب السادس] جامع مسائل مختلفة وبيع الدراهم والحلي جزافا

[الباب السادس] جامع مسائل مختلفة وبيع الدراهم والحلي جزافاً [فصل 1 - في قليل الصرف وكثيره بالدنانير] قال مالك رحمه الله: ومن اشترى بدينار مئة درهم أو ديناراً بدرهمين، جاز ذلك كله، ولقد قال مالك فيمن كان يسأل رجلاً ذهباً فحلت فقال له: خذ بها دراهم. فقال: لا آخذ بها إلا كذا وكذا درهماً زيادة على صرف الناس فلا بأس به، قال: وإن بعث من رجل سلعة بنصف دينار فأتاك بنصف/ دينار دراهم جبرت على أخذها وليس لك غيرها. قال ابن القاسم: وكذلك إن أقرضت رجلً ديناراً فوهبته نصفه، فله قضاؤك باقية دراهم، وتجبر على أخذها إن كانت كصرف الناس. يريد يوم القضاء. م بخلاف من كان يسأل رجلً ديناراً فقال له خذ به دراهم، فقال له: لا آخذ إلا كذا وكذا زيادة على صرف الناس، هذا له ذلك أو يعطيه ديناره إذ لا يحكم فيه بدراهم، وفي النصف يحكم عليه فيه بدراهم، إذ لا يجوز كسر الدينار.

[فصل 2 - في بيع الفضة بالذهب جزافاً] قال مالك: ولا بأس ببيع سوار ذهب لا يعلم وزنه بفضة لا يعلم وزنها، ولا بأس ببيع الذهب بالفضة جزافاً، ولا يصلح بيع الدراهم بالدنانير جزافاً، لأن شأنها الوزن، وبيعها جزافاً قمار ومخاطرة فلا يجوز. قال في المختصر: ولا خير في أن تباع الدراهم المعدودة جزافاً، لأن الغرر يدخلها من وجهين: أحدهما: لأن السكة الخفيفة أنفق عند الناس من الثقيلة، والآخر من جهة المبلغ، فلم يجز ذلك لكثرة الغرر فيه، وليس كذلك الحلي؛ لأن الغرر يدخل فيه من جهة المبلغ خاصة، وذلك يدرك بالحرز.

[الباب السابع] جامع ما جاء في اقتضاء الذهب والورق والطعام بعضه من بعض

[الباب السابع] جامع ما جاء في اقتضاء الذهب والورق والطعام بعضه من بعض [الفصل 1 - فيمن أسلف دراهم فقضاه مثل وزنها أو أنقص أو أوزن أو أكثر عدداً أو أبدل الناقصة بالوازنة] قال مال رحمه الله: وإن أسلفت رجلاً مئة درهم عدداً، وزنها نصف درهم، فقضاك مئة درهم وازنة على غير شرط جاز وقال النبي صلي الله عليه وسلم (إن خير الناس أحسنهم قضاء).قال مالك: وإن قضاك تسعين درهماً وازنة فلا خير فيه. م لأنه ترك زيادة العدد عنده مئة أنصافاً فابتاعها منه بتسعين وازنة، فذلك ربا، لأنه الذهب بالذهب متفاضلاً، وهذا ببلد تجوز فيه الدراهم عدداً، وأما ببلد لا تجوز فيه إلا وزناً، فلا يجوز بيعها ولا قرضها إلا وزناً، فيجوز حينئذ أن يقضيك من مئة أنصافاً وزنها خمسين درهما عدداً مثل وزنها.

قال ابن القاسم: وكذلك إن أقرضته عشرة دنانير ينقص كل دينار منها سدساً أو ربعاً، فقضاك عشرة دنانير قائمة جاز إن لم يكن في ذلك رأي ولا عادة؛ لأنه معروف، وإن قضاك تسعة لم يجز، وإن كانت أكثر من وزنها، ولا يصلح إذا كانت عدداً بغير كيل إلا أن يستوي العدد فيكون الفضل في أحدهما فيجوز. قال مالك: وإن أقرضك مئة درهم وازنة عدداً فقضيته خمسين درهماً أنصافاً جاز. م لأن ذلك كله معروف فعله مع صاحبه، أقرضه وحطه في الوزن والعدد. قال مالك: ولو قضيته مئة درهم أنصافاً ونصف درهم واحد لم يجز وإن كانت أقل وزناً م لأنك تركت زيادة الوزن لفضل العدد. [قال] ابن القاسم: وأصل قول مالك في هذا أنك إن استقرضت دراهم عدداً فجائز أن تقضيه مثل عددها، كانت مثل وزنها أو أقل أو أكثر، ويجوز أن تقضيه أقل من عددها في مثل وزنها أو أقل إذا اتفقت العيون.

م يريد بقوله في مثل وزنها أن وزن كل درهم من دراهم القضاء مثل وزن كل درهم من دراهم القرض أو أقل، فلا يجوز/ أن تقضيه أقل عدداً، ووزن كل درهم من دراهم القضاء أكثر من وزن دراهم القرض، وقاله أبو القاسم بن الكاتب. قال: وكذلك قال أبو القاسم بن شبلون وهو قول صحيح؛ لأن زياده وزن الوازنة أنفق لعيونها، فصارت كاقتضاء قائمة من فرادى، والقائمة أقل عدداً من الفرادى، فلم يجز؛ لأنه باع فضل عين بزيادة العدد. [ومن المدونة]: ,غن قضيته أقل من عددها في أكثر من وزنها أو قضيته أكثر من عددها في أقل من وزنها لم يجز، ولو أقرضته المائة كيلاً، جاز أن يقضيك أزيد عدداً أو أقل في مثل وزنها، وتفاضل الوزن معروف مع اتفاق العدد فهو جائز، واختلاف العدد مع تفاضل الوزن مكايسة فلا يجوز.

فصل [2 - فيمن قضى محمدية من يزيدية أو عتقاً من هاشمية أو يزيدية من محمدية] قال مالك رحمه الله: ومن أقرضته دراهم يزيدية فقضاك محمدية وهي أفضل من اليزيدية، أو قضاك دنانير عتقاً من دنانير هاشمية أو سمراء من محمولة أو من شعير لم تجبر على أخذها، حل الأجل أو لم يحل. م لأنه لا يلزمك قبول معروفه. [قال] ابن القاسم: وإن قبلتها جاز ذلك في العين من بيع أو قرض قبل الأجل أو بعده، ولا يجوز في الطعام حتى يحل الأجل، كان من بيع أو قرض، لأن الطعام يرجى تغير أسواقه، وليس العين كذلك. ولابن القاسم قبول في إجازته من قرض قبل الأجل إن لم يكن في ذلك رأي ولا عادة. قال سحنون: حسن إن شاء الله. م كل ماله تعجيله لك قبل الأجل- وإن كرهت إذا كان مثل الصفة- فقيل الأجل فيه كحلول الأجل فجائز تعجيله لك قبل الأجل وله تعجيل أفضل إذا رضيت مثل لو حل الأجل. قال ابن القاسم: ولا تأخذ قبل الأجل يزيدية من محمدية، ولا محمولة من سمراء، ويدخله ضع وتعجل؛ لأنه دفع أدنى مما عليه قبل الأجل، وقد قال مالك في الدين يكون على الرجل فيقول لصاحبه ضع عني أعجله لك، أنه لا يجوز.

قال: وإن أقرضته دراهم مجموعة محمدية فقضاك بعد الأجل يزيدية مجموعة أكثر من وزنها لم يجز ذلك؛ لأنه بيع فضل عين بزيادة وزن، ولو قضاك يزيدية مثل وزنها فأقل جاز، ولو أقرضته يزيدية مجموعة فقضاك محمدية مجموعة أقل من وزنها لم يجز؛ وذلك زيادة وزن بفضل عين، ولو قضاك محمدية مجموعة مثل وزن يزيدتك فأكثر جاز، مالم تكن عادة، وكذلك إن قضاك يزيدية مجموعة أكثر من وزن يزيد يتك، وهذا في الدنانير والدراهم سواء. قال مالك: وإن أقرضته مئة درهم يزيدية كيلاً فقضاك مئة وعشرين يزيدية كيلاً لم يعجبني ذلك. قال أبو محمد: وهو كزيادة العدد، ولم تأت الرخصة في زيادة العدد. قال مالك: وكذلك إن أقرضته طعاماً فلا تأخذ فيه فضل العدد مثل عشرين ومئة إردب من مئة، فلو زادك في العدد بعد مجلس القضاء والتفرق، جاز في العين والطعام ما لم تكن عادة، ولو قضاك أرجح في الوزن بشيء يسير أو أنقص بكثير، وكانت العيون والجودة واحدة فلا بأس به.

قال أبو محمد: ,غن كثر الرجحان صار كزيادة العدد؛ لأنه كيل فكره في القرض. قال مالك: وإنما تجوز من ذلك مثل ما فعل ابن عمر، قضاه مثل العدد، وزاد في الوزن الدراهم التي قضاه، ولم يعطه عشرين ومئة بمئة ولا عشرة ومئة بمئة. [قال] ابن المواز: وإنما يجوز مثل رجحان الميزان، وأجاز أشهب زيادة درهم أو درهمين، وفي الكيل إردباً وإردبين على غير موعد. وقاله ابن حبيب في كل شيء إن كانا من أهل الصحة/ وكان عند القضاء أو بعد، فأما قبل فلا يجوز. قال ابن أبي زمنين: قول مالك لا يعجبني أن يعطيه فضل العدد لا في عين ولا في طعام، معناه: إذا كان ما عليه من قرض، وأما إن كان من بيع فيجوز، ويدل على ذلك قول ابن القاسم فيمن سلف إلى رجل في مئة إردب إلى أجل ثم شكا إليه الغلاء بعد ذلك، فزاده مئة أخرى إلى ذلك الأجل أو قبله أو بعده إن ذلك جائز. م لأنه اتقى في القرض أن يكون سلفاً جر منفعة ولا يدخل ذلك في البيع. فصل [3 - في قضاء المجموعة من القائمة

وقضاء الكيل من العدد والفرادى من الكيل] ومن المدونة: قال ابن القاسم: والدنانير المجموعة هي المقطوعة في الوزن الناقصة، والأنصاف والأرباع تجمع في الكيل وهو حكمها، والقائمة هي الميالة الجياد، إذا جمعت مئة عددًا زادت في الوزن مثل الدينار، والفرادى: إذا جمعت في الوزن نقصت في المئة مثل الدينار. قال مالك فيمن لك عليه مئة دينار قائمة من بيع أو قرض فلا تأخذ منها مئة مجموعة كيلاً؛ لأنها أزيد عددًا، فقد تركت فضل عين ووزن لفضل العدد إلا أن تسلفه بمعيار عندك قد عرفت وزنه أو شرطت في البيع الكيل مع العدد، فيجوز أخذك مجموعة وإن كانت أكثر عددًا، وأما إن أسلفته مئة عددًا فقضاك مثل عددها كيلاً أو أنقص منها في الوزن فجائز. قال مالك: وإن كان لك عليه مئة دينار مجموعة من بيع أو قرض فقضاك منه قائمة بغير وزن فذلك جائز؛ لأنها أكثر وزنًا وأفضل عيونًا. قال أبو محمد: والفرق بين أخذ القائمة من المجموعة وبين المجموعة من القائمة أن الذي له مئة مجموعة لم يترتب له فيها عدد معلوم فتركه لفضل عيون القائمة، وإنما كان له وزن، فسواء أخذها قائمة أو مجموعة؛ لأنه لا يدع عددًا معلومًا لفضل شيء،

والذي كان له مئة قامة قد ترتب له عددها، فإذا أخذها مجموعة أكثر عددًا، علمنا أنه إنما ترك ما وجب له من عدد القائمة وفضل عيونها ووزنها لفضل عدد المجموعة والله أعلم. قال عيسى عن ابن القاسم: ولو كان له عليه ألف دينار مجموعة فلا بأس أن يأخذ منه ألف دينار قائمة إلا دينارًا، وكذلك كل ما لا يشك أن وزنه من القائمة أكثر من كيل المجموعة وإن نقص العدد. فصل [4 - في الأخذ من المجموعة فرادى] ومن المدونة: قال مالك رحمه الله: ولا يجوز أن تأخذ من المجموعة فرادى؛ لأنك تجاوزت نقصها لفضل عيونها على المجموعة، قال: وكذلك كلما بعت بفرادى فلا تأخذ منه مجموعة كيلاً؛ لأنك تركت فضل عيون الفرادى لوزن المجموعة. قال: وما بعت بفرادى واشترطت كيله مع العدد فجائز أن تأخذ فيه كيلاً أقل عددًا أو أكثر، ومن ذلك أن تبيع سلعة بمئة درهم كيلاً وتشترط عددها، داخل المئة خمسة فجائز أن تأخذ أقل من ذلك العدد أو أكثر في مثل الوزن. م يريد إذا رضي أن يأخذ أقل عددًا مما شرط، وإن لم يرض فله شرطه. قال أبو محمد: ويجوز عندي أن تقضى القائمة من الفرادى أو الفرادى من

القائمة ما لم تكن الفرادى أفضل في عيونها من القائمة. [قال] ابن المواز: ومن لك عليه دينار من قرض أو بيع فلا تأخذ به ثلاثة أثلاث ولا نصفين ولا دينارًا ناقصًا، ومعه قراضة، وكذلك من لك عليه درهم، ويجوز هذا في المراطلة، وأما في المبادلة على غير وزن فلا. قال ابن القاسم: ويصير كمن دفع مثاقيل ناقصة أكثر عددًا من فرادى والأفراد في العدد كالدينار الواحد. قال عن مالك: ومن أسلف/ دينارين بحبة حبة فأخذ وازنًا وناقصًا حبتين فهو مكروه. فصل [5 - فيمن أخذ من الفرادى فضة مكسورة ومجموع الفضة من مجموعها وتبر الفضة من المجموع] ومن المدونة: قال مالك: ومن لك عليه درهمان فرادى قد عرف وزن كل واحد منهما إلا أنهما لم يجمعا في الوزن، فلا تأخذ منه بوزنهما تبر فضة مكسورة، كانا في الجودة مثل الفضة أو أدنى؛ لأنك إذا أخذت وزن الفرادى مجموعة، لابد أن تزيد وزن المجموعة على الفرادى الحبة والحبتين، أو تنقص فلا يكون ذلك مثلاً بمثل.

قال في كتاب محمد: وله أن يعطيه من الفضة وزن كل درهم على حده، قال: ولو كان إنما له عليه درهمان مجموعان جاز أن يأخذ وزن درهمين فضة إن لم تكن الفضة أجود. وقال أشهب: إذا عرف وزن كل درهم على حده فهي مجموعة وفرادى، فإن قضاة مجموعة تبرًا جاز، وإن قضاه فرادى جاز، وسواء كانت من بيع أو قرض أو استهلاك. م قال بعض القرويين في الدرهمين الفرادى معناه: أنه عرف وزن كل واحد منهما على التحري، وأما لو عرف وزن كل واحد منهما على الإنفراد لجاز، كما لو عرف وزن كل واحد على الاجتماع، وإنما يتقى ذلك فيما كثر والله أعلم. ومن المدونة: قال مالك رحمه الله: ولا يباع القمح وزنًا بوزن وليس ما كرهنا من أخذ مجموعة من فرادى مثل ما أجزنا من أخذ السمراء من المحمولة، والمحمولة من السمراء بعد تمام الأجل؛ لأن الطعام مكيل لا تفترق أقداره، وهذا مختلف. قال: ويجوز أخذ مجموع الفضة من مجموعها؛ لأنه أخذ مثل وزن فضته أجود من فضته أو دونها في الجودة.

م يريد فهو كقضاء القمح بعضه من بعض؛ لأن الجميع مكيل لا تفترق أقداره. قال مالك: ومن لك عليه درهمان مجموعان فلا تأخذ منه بوزنهما أو أقل تبر فضة أجود من فضتهما؛ لأنه بيع لسكتهما بجودة وليس هذا كقضاء سمراء من محمولة؛ لأن السكة غير الدراهم، وجودة الطعام ليست غيره. قال: ويجوز تبر الفضة بفضة قضاء من بعض أجود صفة أو أردى عند الأجل في مثل الوزن، ما لم تكن سكة ولا فضل في وزن. م كقضاء الطعام بعضه من بعض. قال: ومن لك عليه تبر فضة أو ذهب مكسور فلا تأخذ منه إذا حل الأجل تبرًا أجود من الذي لك عليه أقل وزنًا، ويجوز أن تأخذ أدنى من تبرك أقل وزنًا، ولا يجوز في الاقتضاء في الطعام إلا ما يجوز في البدل، فلا يجوز أن تأخذ منه بعد الأجل محمولة أقل كيلاً من سمراء لك عليه قضاء من جميع الحق. قال في كتاب محمد: سواء كان ذلك من بيع أو قرض، وأجازه أشهب في القرض. [فصل 6 - في اقتضاء الدقيق من القمح] ومن المدونة: قال أشهب: إنه جائز كالفضة، وكذلك لو اقتضاه دقيقًا من قمح، والدقيق أقل كيلاً، فلا بأس به إلا أن يكون الدقيق أجود من القمح الدين، فلا يجوز. م لأنه ترك فضل ريع القمح لجودة الدقيق.

قال ابن القاسم: والفرق بين الفضة والتبر وبين الطعام أن الفضة التبر كلها نوع واحد عند الناس، وأمر قريب بعضه من بعض، والسمراء والمحمولة مختلفة السوق متباعد ما بينهما، ولو جاز ذلك لجاز أن تأخذ شعيرًا أو دقيقًا أو سلتًا أثل، ويدخله أيضًا في الطعام من قرض أو استهلاك التفاضل في بيعه، ويدخله أيضًا في البيع قبل قبضه. قال: ومما يبين ذلك لو أتاك رجل بأردب سمراء فقال لك: أعطني بها خمس ويبات محمولة أو شعيرًا أو سلتًا على وجه التطاول منه إليك لم يجز، ودخله بيع الطعام بالطعام متفاضلاً، وكذلك إن أتاك بطعام جيد فأبد له منك بأردى منه، لم يجز بأكثر من كيله، ويجوز في الذهب بدلها بأنقص منها وزنًا وأشر عيونًا على المعروف فافترقا. م وبدله خمس ويبات بإردب كبدله خمسة دنانير بستة، فلا يجوز في الوجهين، وليس الرجحان كزيادة العدد، فلا تلزم هذه الحجة أشهب، والاقتضاء أيضًا بخلاف البدل، ألا ترى أنه يجوز له أن يأخذ من مئة إردب سمراء خمسين إردبًا سمراء؛ ولا يجوز أن يبادله خمسين بمائة على وجه التطاول. م فبان أن قول أشهب في هذا أصح والله أعلم. [فصل 7 - في اقتضاء الصيحاني من العجوة والزبيب الأحمر من الأسود] ومن المدونة: قال: ولا خير في اقتضاء صيحاني من عجوة قبل الأجل من قرض أو بيع، ولا زبيب أحمر من أسود وإن كان أجود منه. وما جاز في الاقتضاء من القرض جاز في الاستهلاك.

م وله قول آخر في إجازته وهو أحسن. [قال] ابن المواز: قال ابن القاسم: ولك أن تأخذ في القرض قبل الأجل سمراء من سمراء أجود جودة، ومحمولة من محمولة أجود جودة، ولا تأخذ أدنى ولا تأخذ أحد الصنفين من الآخر حتى يحل الأجل. م ويدخله في الأدنى ضع وتعجل في الأرفع بيع الطعام بالطعام إلى أجل، وذلك كاقتضاء دنانير من دراهم أو دراهم من دنانير قبل الأجل. [فصل 8 - في اقتضاء الدقيق من القمح وفي بيع مصوغ الذهب بتبر أو مسكوك] ومن المدونة: قال مالك رحمه الله: ومن أقرضته قمحًا فقضاك دقيقًا مثل كيله جاز، وإن كان أقل من كيله لم يجز. وإن أقرضت رجلاً ذهبًا مصوغًا أو مسكوكًا فقضاك تبرًا مكسورًا أجود عينًا، أو قضاك حليًا أو دنانير من تبر ذهب أقرضته [إياه] والتبر أجود ذهبًا، والوزن في ذلك كله واحد لم يجز؛ لأنه بيع لسكة أو صياغة بجودة ذهب،

والصياغة بمنزلة السكة؛ لأنه كان لا يلزمك أن تأخذ تبرًا من حلي أقرضته، فلما أخذته علمنا أنك إنما رضيته لفضل عينه، وذلك بحضورهما في المراطلة جائز، وتلغى السكة والصياغة وتزول التهمة. قال أبو محمد: ويجوز أن يقضيك حليًا أو سكيًا من تبر بعد أن يكون ذهب الكل واحد، أو يكون ذهب الحلي أجود. فصل [9 - فيمن اقتضى دنانير مجموعة فرجحت] ومن المدونة قال مالك: وإذا اقتضيت عشرة دنانير مجموعة من بيع فرجحت جاز أن تعطيه برجحانها عرضًا أو ورقًا بخلاف المراطلة. م لعله يريد أن يعطيه برجحانها عرضًا أو ورقًا كالدرهم والدرهمين فيكون إن قدرت أنه سلعة نقدًا أو فضة مؤجلة بذهب مؤجل جاز، كقولهم في بيع سلعة بدينار إلا درهمًا أو إلا درهمين، يتناقدا السلعة ويتأخر الدينار والدرهم، وإن قدرت أنه بيع للرجحان بهذا الورق فهو أجوز، وأما إن كثر الرجحان فيدخله ما دخل بيع سلعة بدينار إلا درهمًا، والله أعلم إذا كان البيع إلى أجل.

ولكن رأيت في المستخرجة ما يرد هذا قال فيها: إذا قضاه دنانير فزاد ثلثًا فلا بأس أن يأخذ بذلك الثلث ورقًا، وأراهم إنما أجازوا ذلك؛ لأن المجموعة أسقطوا فيها حكم السكة، وإنما هي الأثلاث والأرباع، فهي كالقراضة، فإذا صح ذلك فكأنه زاده في القضاء دينارًا، وقال له: أعطني به ورقًا كما لو كان يسأله عشرة دنانير قائمة فقضاه أحد عشر دينارًا وقال له أعطني بالدينار الزائد ورقًا، فهذا جائز. قال في كتاب/ محمد وابن حبيب: وكذلك إن كانت العشرة من قرض، واختلف فيه قول مالك إذا رد عليه ورقًا. [قال] ابن المواز: وأجازه ابن القاسم وأصحابه إلا في أخذه الرجحان ذهبًا. م قول مالك لا يعطيه في الرجحان ورقًا في القرض أحسن، وكذلك إن اعطاه الآخر في النقصان ورقًا في مجلس القضاء؛ لأنه ذهب وورق بذهب في الوجهين، وابن القاسم حمل أمرهما على الصحة، وإنما وقع البيع الآن في الرجحان والنقص، ولا تهمة في ذلك. قال ابن المواز: قال مالك وابن القاسم: وإن أعطاه برجحانها ذهبًا لم يجز، كانت من بيع أو قرض؛ لأنه يصير عرضًا وذهبًا بذهب في البيع، وفي القرض ذهب نقدًا وذهب مؤجلة بذهب مؤجلة. [قال] ابن المواز: وأجازه أشهب في القرض خاصة وهو أخف من البيع. م لأنه إنما دفع ذهبًا فأخذ مثلها فلا تهمة في هذا.

[قال] ابن المواز: وإن وجد الدنانير ناقصة فلا بأس أن يأخذ بنقصها ورقًا أو ما شاء مكانه. [قال] ابن المواز: واختلف قول مالك في أخذه النقصان في مجلس القضاء. قال ابن المواز: وأراه خوفًا أن يزيده في الصرف لأن يتجوز عنه. م يريد بالتجوز عنه أخذ الناقصة، فصار الفضل بين الذهبين. قال ابن المواز: وهذا خفيف لا تهمة فيه؛ لأنه إنما يأخذ بقية حقه فله أن يشتري به دراهم أو غيرها إلا أن يكون في الدنانير شيء تجاوزه عنه في عينه مما لا يحكم عليه بأخذه، فها هنا يكره أن يأخذ مع ذلك شيئًا من الأشياء، وأما بعد مجلس القضاء فجائز أن يأخذ منه ما شاء، ما لم يأخذه على إضمار أو طمع. وكذلك من لك عليه نصف دينار أو ثلثا دينار أو ثلاثة أرباع أو دينار وكسر، من بيع أو قرض، فهو كالمجموع، وإن قضاك أكثر وزنًا، فرددت عليه لذلك ورقًا أو عرضًا فهو جائز، ولا ترد عليه ذهبًا، ويجوز أن تأخذ أنقص، وتأخذ ببقيته ما شئتما. وكذلك الدراهم في هذا، لو ابتعت منه بنصف درهم مبهم، ولم تشترط فرادى فلك أن تعطي أكثر، وتأخذ فضله أو أقل، وتوفيه بقيته،

وكذلك ثلثين في ثلاثة أرباع أو درهمًا أو ربعًا أو سدسًا. ولو أقرضك درهمًا فردًا فيه نصف درهم أو دينارًا فردًا، فيه نصف لم يجز أن تقضيه درهمًا أو دينارًا، نصفه قضاء وتأخذ بنصفه شيئًا، وكذلك الدينار الواحد، لو باع منه بدينار ناقص قيراطًا فوجد عنده وازنًا فأعطاه بفضله دراهم أو طعامًا لم يجز، وكذلك إن باع بوازن فيريد أن يعطيه ناقصًا ويزيده، ولو لم يقع بيع، وإنما إن كانت مراوضة لجاز، وكذلك في كتاب محمد والعتبية، وقال في موضع آخر في العتبية أنه جائز، قلت: بعد الوجوب قال: نعم، كأنه حمله على المساومة، ورد ذلك محمد إلى المعنى الظاهر في المسألة أنه لا يجوز بعد التواجب. م ووجه فساده كأنه وجب له عليه دينار وازن فباعه منه بهذا الناقص ورقًا أو عرضًا، وكذلك إن باعه بناقص فدفع إليه وازنًا وأخذه منه شيئًا فلا يجوز، وكأنه باع منه الناقص وما زاده معه هذا الوزان، فهو ذهب وعرض بذهب، أو ذهب وورق بذهب، فيدخله التفاضل بين الذهبين وذلك ربًا.

قال ابن المواز: والمثاقيل الكثيرة والفرادى بمنزلة الواحد، وإنما أجازوها في المجموعة خاصة؛ لأنهم أسقطوا فيه السكة. قال أبو محمد: أخبرني بعض أصحابنا عن يحيى بن عمر أنه قال في رجل كان له على رجل دينار وازن، فأعطاه دينارًا ناقصًا، وأعطاه بنقصه فضة. قال: أما في الدينار الواحد فلا يصلح ذلك، وأما/ إن كانت دنانير فلا بأس أن يأخذ بنقصها فضة. وقال ابن عبد الحكم: لا بأس بذلك في الدينار الواحد أيضًا إذا قبض الفضة مكانه، وإنما أجاز يحيى بن عمر ذلك في الدنانير الجماعة؛ لأنها كالمجموعة، ولا يكون الواحد مجموعًا. [فصل 10 - فيمن اقتضى لحمًا فوجد فضلاً عن وزنه وفيما يحل ويحرم في اقتضاء الطعام] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكذلك إن كان لك عليه لحم أو حيتان فاقتصيته منه فوجدت فيه فضلاً عن وزنك، فجائز شراؤك تلك الزيادة بثمن نقدًا أو إلى أجل، إن كان أجل الطعام قد حل وإن لم يحل فلا خير فيه. م يريد ويدخله بيع وسلف منه لك. قال ابن القاسم: وإن حل الأجل واختلفت الصفات والجنس واحد، فلا بأس أن تأخذ مثل وزنك أو كيلك أجود صفة أو أردى، ولا تغرم لجودته أو تأخذ

لرداءته شيئًا، ولا تأخذ أجود وأكثر كيلاً وتؤدي شيئًا أو أردى أو أقل كيلاً وتأخذ شيئًَا، ولا تأخذ أجود وأقل كيلاً ولا أردى وأكثر كيلاً، وإن لم تغرم لذلك شيئًَا ولا رجعت بشيء، ويدخل ذلك كله بيع الطعام قبل قبضه إن كان من بيع، ولو كان هذا من العروض التي تكال أو توزن أو غيرها من الثياب والحيوان عدا الطعام فلا بأٍس به. ويدخل في القرض التفاضل في بيع الطعام إلا أنه لا يأخذ في القرض أزيد كيلاً وإن لم تغرم لذلك شيئًا، اتفقت الصفة أو اختلفت وكذلك هذا في العروض القرض، وإن كانت العروض من بيع جاز ذلك وكذلك الحيوان من بيع. م لأنه في البيع معروف صنعه إذا أعطى أزيد مما عليه، وفي القرض يدخله سلف جر منفعة إلا أن يزيده بعد مجلس القضاء من غير وعد ولا أي ولا عادة فيجوز. فصل [11 - فيمن له دراهم عددًا فاقتضى مثل عددها أو أكثر وزنًا أو أقل عددًا] ومن المدونة: قال: ومن لك عليه دراهم يزيدية عددًا فقضاك محمدية أو يزيدية عددًا أو أرجح لك في الوزن في كل درهم، فلا بأس به ما لم تكن عادة، ولا يجوز أن تأخذ محمدية أقل من وزن اليزيدية؛ لأنك تركت [فضل] وزن يزيديتك لفضل عيون المحمدية، وكذلك إن قضاك تبرًا مكسورًا أجود من تبرك وأقل وزنًا لم يجز،

سواء كان ما ذكرنا من بيع أو قرض، وإن أقرضته فضة بيضاء فقضاك بعد الأجل فضة سوادء مثل الوزن فأقل جاز، ولا يجوز أرجح؛ لأنك تركت جودة فضتك البيضاء في زيادة وزن فضته السوداء، وكذلك إن قضاك فضة بيضاء من فضة سوداء مثل الوزن فأكثر جاز، ولا يجوز أن يقضيك أقل من الوزن، وهذا كله ما لم يكن بينهما عادة. قال مالك: ومن أقرضته دينارًا قائمًا فلا بأس أن تأخذ بسدسه أو بما شئت من أجزائه دراهم إذا حل الأجل أو كان حالاً، ويجوز أن تأخذ منه بثلثه عرضًا نقدًا ثم لا تأخذ منه ببقيته في الوجهين ذهبًا؛ لأنه يصير ذهبًا وورقًا بذهب، أو ذهبًا وعرضًا بذهب. [قال] ابن أبي زمنين: هذا إن كان الدينار قائمًا صحيحًا، فأما إن كان مقطعًا مجموعًا فلا بأس بذلك. وكذلك قال سحنون، وإنما قاله لأن الدينار المجموع هو بمنزلة الجملة من الدنانير، ولا بأس بأن يأخذ بعضها دنانير وبعضها دراهم. ومن المدونة قال مالك رحمه الله: ويجوز أن تأخذ ببقيته عرضًا وإن أخذت ببقيته دراهم وحدها أو مع عرض جاز ذلك إن حل الأجل، وإن لم يحل لم يجز. م ويدخله التأخير في الصرف. [قال] ابن المواز: وأجاز أشهب أن يأخذ الجزء الباقي ذهبًا مثل ذهبه ووزنه لا أقل ولا أكثر؛ لأنه الباقي له عليه.

[قال] ابن المواز: ولو كان ما/ أبقيت شيئًا غير الذهب ما جاز أخذ ما أخذت أولاً، ولو اختلفا فيما بقي لم يحكم له إلا بالورق. قال ابن المواز: وقول أشهب أحب إلينا؛ لأن من باع بنصف دينار إلى أجل، فإنما له ذهب ولا يقضى له إلا بالورق، ولا يجوز أخذه ورقًا قبل الأجل. قال ابن القاسم في مسألة الدينار: وأكره أن يأخذ الجزء الأول ذهبًا وإن أخذ بعده ورقًا أو ذهبًا، وإنما يأخذ أولاً عرضًا أو ورقًا. قال ابن المواز: ومن لك عليه دينار من بيع أو قرض فعسر به فنجمته عليه ثلاثة أنجم على أن يتعجل ثلث ما ذكر فلا يجوز ذلك؛ لأنك تعجلت دراهمًا أو ذهبًا أو عرضًا. [قال] ابن المواز: إن تعجل عرضًا فهو بيع وسلف، وفي الدراهم صرف وسلف، وفي الذهب الزيادة في العدد، ولو عجل له ثلاثة أثلاث لم يجز، وكذلك إلى الأجل؛ لأن الأثلاث كالمجموعة، فهو بمنزلة أن لو دفع عن دنانير قائمة مجموعة أكثر من عدد القائمة، فلا يجوز، وإنما يجوز ذلك في قضاء المجموعة. وروى أشهب عن مالك فيمن له على رجل دينار من بيع أو قرض فنجمه عليه في كل شهر نجمًا، أنه أجازه، وروي عنه أيضًا أنه كرهه. وقال ابن عبد الحكم:

أكرهه، فإن نزل لم أفسخه، وقال ابن المواز: بل يفسخ وإنما أجازه مالك وابن القاسم لو وقع به أصل البيع أن يعطي ثلثًا كل شهر. قال ابن القاسم: ومن لك عليه ثلثا دينار لم يجز أن تنجمه عليه أنجما وكذلك من لك عليه قيراطان من ذهب. قال أصبغ: وقد خفف غيره التنجيم. قال مالك: ومن لك عليه نصف دينار من شيء ونصف دينار من شيء آخر، وجب له في الحكم أخذ دينار. قال في العتبية: ومن عليه ثلاثة أثلاث دينار منجمة في كل شهر ثلث فلا بأس أن يعطيه بذلك دينارًا قبل الأجل، يريد دينارًا قائمًا. م ومن أقرضك دراهم فأسقطت وضرب غيرها، فليس له عليك إلا مثلها. قال بعض القرويين: إذا أقرضه دراهم فلم يجدها بالموضع الذي هو به الآن أصلاً فعليه قيمتها بموضع أقرضه إياها يوم الحكم لا يوم كان دفعها إليه.

[الباب الثامن] في الذهب بالذهب والفضة بالفضة في المبادلة والمراطلة

[الباب الثامن] في الذهب بالذهب والفضة بالفضة في المبادلة والمراطلة [الفصل 1 - في تحريم الربا والتحذير من المشتبهات] قال أبو محمد: إن الله سبحانه أجمل تحريم الربا في كتابه فقال جل وعز في ذلك: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وبين كثيرًا من ذلك على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك ما قال صلى الله عليه وسلم: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا غائبًا منها بناجز) وفي حديث آخر (ومن زاد واستزاد فقد أربى) وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشبهات فقال (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في المشتبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وأن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب).

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: آخر ما أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم آية الربا، فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفسرها ألا فدعوا الربا والريبة. [فصل 2 - في بيع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة مراطلة أو مبادلة] قال ابن القاسم: قال مالك رحمه الله: ولا يجوز ذهب بذهب أو فضة بفضة في المراطلة إلا مثلاً بمثل، وأما في بدل دينار أو درهم بأوزن منه فجائز ذلك فيما قل، مثل الدينارين والثلاثة بخلاف المراطلة وفعله ابن عمر وغيره. وابذل من المعروف عددًا لا كيلاً كما جاز في القضاء أخذك أرجح أو أنقص، ولم يجز ذلك في المراطلة لأن ذلك تكايس، والأول معروف، وقد استسلف النبي صلى الله عليه وسلم بكرًا فقضى جملاً خيارًا رباعيًا فقال: إن خير الناس أحسنهم قضاء.

قال مالك: ولا يجوز في المبادلة ولا في القضاء أن يكون الناقص أجود عينًا، فيخرج من باب المعروف إلى باب التكايس فيحرم. قال مالك رحمه الله: ومن أبدل لك دراهم كيلاً فقلت له زدني في الكيل فذلك ربًا، وقاله أبو بكر الصديق رضي الله عنه. قال مالك: وأما إن أبدل لك دينارًا أو درهمًا بأوزن منه بغير مراطلة فذلك جائز فيما قل مثل الدينارين والثلاثة لا أكثر؛ لأن هذا معروف والأول مكايسة. قال ابن القاسم: وكذلك إن أبدل لك رجل ثلاثة دنانير تنقص سدسًا سدسًا بثلاثة دنانير وازنه على المعروف جاز، وإن أعطاك بها دينارين قائمة لم يحل.

قال: ومن أتى إلى رجل بدينار ينقص خروبة فقال له: أبدل لي بدينار وازن، ففعل فلا بأس بذلك عند مالك إذا كان عيون الدينارين وسكتهما واحدة. قلت: فإن كانت سكة الوازن أفضل فقال: سألت مالكًا عن ذلك فيمن أبدل هاشميًا ينقص خروبة بدينار عتيق وازن، فقال: لا خير فيه، فتعجبت من قوله، فقال لي طليب بن كامل يتعجب: فإن ربيعة كان يقول قوله ولا أدري من أين أخذه ولا بأس به عندي. م حكي عن الشيخ أبي الحسن بن القابسي رحمه الله أنه قال: وجه قول مالك أن الشرع منع جواز التفاضل بين الذهبين فخص الإجماع جواز بدل الناقص بالوازن من سكة واحدة، وبقي ما سواه على أصله. م وقد علل أيضًا قول مالك بأن الناقص قد يكون يومًا أفضل من الوازن لسكته مثل أن يكون هو الجائز في غير هذا البلد، فينفق حين السفر إليها فيكون حينئذ أفضل من الوازن، فاتقى مالك هذا والله أعلم.

[فصل 2 - في بيع الدنانير الهاشمية بمثلها] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن كان الديناران هاشميين إلا أن أحدهما ضرب بمصر والآخر ضرب بدمشق، فإن كان الناقص أفضل في عينه ونفاقه لم يجز، وإن اتفقا في الجودة والنفاق فلا بأس به. وإن كان الوازن أفضل في عينه ونفاقه فقد كرهه مالك بحال ما أخبرتك، ولا بأس به عندي وهذا كله فيما قل مثل الدينارين والثلاثة، وأجاز في موضع آخر أن يبدل له ستة تنقص سدسًا سدسًا بستة وازنه على المعروف. وقال في كتاب ابن المواز: إنما يجوز مثل الدينار والدينارين وأما العشرة فأكثر فلا يجوز. فصل [4 - في المراطلة] ووجه المراطلة اعتدال الكفتين، ولا يجوز أن يتجاوز أحدهما لصاحبه رجحان/ شيء وقد راطل أبو بكر الصديق رضي الله عنه أبا رافع خلخالين بدراهم، فرجحت دراهم أبي رافع، فقال هو لك حلال، فقال أبو بكر: إن أحللته أنت فإن الله لا يحله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الذهب بالذهب والورق بالورق وزنًا بوزن، الزائد والمزاد في النار).

قال مالك: وسواء تراطلا بذهبين أو فضتين مسكوكة أو تبرًا، ولا بأس باختلاف أوزان المسكوكة في الإنفراد إذا اعتدلت الكفتان في المراطلة، ولا بأس أن يكون ذهب أحدهما تبرًا أو حليًا أو مسكوكًا أجود من ذهب صاحبه أو أردى وذهب الآخر حلي أو مسكوك أو تبر وكذلك الفضتان، وكذلك دنانير بدناير لأحدهما فضل عيون وللأخرى فضل وزن، فذلك جائز إذا اعتدلت الكفتان. ووجوه المراطلة كلها جائز إلا في وجهين: أحدهما أن يرجح ذهب أحدهما فيزيده الآخر لذلك عرضًا أو فضة أو يزيده في الفضتين ذهبًا أو عرضًا، أو يتجاوز له ذلك الرجحان وإن لم يأخذ له عوضًا، والآخر: أن يخرج أحدهما ذهبه، ويخرج الآخر ذهبين، أحدهما أجود من المنفردة في عين أو نفاق، والأخرى أردى منها فلا يجوز ذلك، وإن كانت المنفردة أجود منهما أو أردى أو مثل أحدهما وأجود من الأخرى فذلك جائز. [قال] ابن المواز: كانت المنفرة سكية أو تبرًا والذهبان سكتين أو تبرًا [أو أحدهما تبرًا] والآخر مسكوك، وكذكل الفضتان فيما ذكرنا.

م يريد وينظر فيما يساوي من الذهبين في عينه، فإن الارتفاع بالسكة في أحدهما كالارتفاع بجودة عينه فيما يحل ويحرم، فقد قال ابن القاسم في كتاب محمد: إذا راطله تبرًا بتبر ودنانير، فإن كان التبران سواء، أو كان التبر الذي مع الدنانير أجود فلا بأس به، وإن كان التبر الذي مع الدنانير أدنى التبرين فلا يجوز. م لأنه رأى أن الدنانير أفضل من التبر المنفردة بالسكة- والتبر الذي مع الدنانير أدنى من المنفرد، فصار المنفرد متوسطًا فلم يجز. ورأى بعض القرويين أن ذلك خلاف للمدونة، واحتج بمسألة إذا تراطلا بسكتين مع أحدهما تبر، فقال فيه: لو كان التبر والسكي دون المنفرد لجاز. م فليس بذلك حجة؛ أن المنفردة أرفع منهما، فصار الفضل في أحد الناحيتين، ولم يقل إن ذهب السكي الذي مع التبر أرفع من المنفردة، حتى تصير المنفردة متوسطة أدنى من إحدى الذهبين وأرفع من الأخرى، فهذا الذي لا يجوز، فاعتبر ذلك تجده صحيحًا، وليس بين المسألتين اختلاف، وقول محمد أصوب والله أعلم.

قال بعض أصحابنا: وذكر أبو بكر بن عبد الرحمن أن الشيخ أبا الحسن منع أن يراطل سكيًا بحلي قبل معرفة وزن السكي، إذ لا يجوز بيع السكي جزافًا، وأجاز ذلك ابن عبد الرحمن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما منع من التفاضل بين الذهبين، وهذا متفق الوزن، وقيل عن أبي الحسن أنه كره أن يتراطلا دراهم بدراهم أو دنانير بدنانير مثلها قبل أن يعلم كل واحد منهما وزن دراهمه أو ذهبه وليزن ذهبه أو فضته قبل أن يراطل بها؛ لأن المسكوك لا يجوز فيه الجزاف، فإذا تراطلا قبل معرفة الوزن صار ذلك جزافًا. م والصواب جواز ذلك إذ لا غرر فيه؛ لأنه إنما يأخذ مثل دراهمه أو مثل وزن ذهبه. وقال أبو الحسن: لا يجوز أن يتراطلا بخلخالين من ذهب أو فضة بمثلهما من ذهب وفضة مسكوكًا إلا أن يستوي جودة ذهب الحلي مع جودة الدنانير فيجوز

ولا/ يراعي هل يستوي نفاق الصياغة والسكة عند الناس؛ لأن السكة عين والصياغة زيادة، فزيادة الجودة بخلاف العين، وقد قيل: يراعي ذلك والأول أحسن. م وظاهر النصوص أن لا مراعاة في شيء من ذلك إلا اعتدال الكفتين. وذكر عن أبي الحسن أنه وقف في اقتضاء الحلي من الدنانير. وقال أبو بكر أبن عبد الرحمن وأرى أنه لا يجوز، قال غيره أراه يريد إذ لا يتحصل أن يكون أحدهما خيرًا من الآخر لاختلاف أغراض الناس فيها والله أعلم. [فصل 5 - في هبة زيادة الوزن في المراطلة وبيع المصوغ بالتبر فيها] ومن المدونة: قال مالك رحمه الله: وإن بعت من رجل دراهم بدراهم أو فضة بفضة، فلما توازنتما رجحت كفتك فوهبته ذلك لم يجز، ويجوز في المراطلة بيع مصوغ الذهب بتبر ذهب أو بدنانير أجود من ذهب المصوغ أو أرادا [كيلاً] يدًا بيد، بخلاف الاقتضاء.

لأنه في المراطلة لم يجب لأحدهما قبل الآخر شيء فيتهم فيما ترك له لفضل ما أخذ منه، وفي الاقتضاء قد وجب له ذهب مسكوك أو مصوغ؛ فإن أخذ تبرًا أجود منه، أتهم أن يكون ترك السكة والصياغة لفضل الذهب الذي أخذ، وقد تقدم في باب الاقتضاء أن من أخذ بعد الأجل تبرًا أردى من تبره وأقل من وزنه أنه جائز، ولا يأخذ بعد الأجل بيضاء أقل كيلاً من سمراء، وأجازه أشهب، وفي باب الاستحقاق وغيره مسألة الحلي أو النقرة بين الرجلين، يبيع أحدهما حصته من شريكه بمثل نصف وزنها أنه جائز، ورواية أشهب أنه لا يجوز. [فصل 6 - في بيع التبر الأحمر بالذهب الأصفر] قال مالك: ولا يجوز التبر الأحمر الإبريز الهرقلي بالذهب الأصفر- ذهب العمل- إلا مثلاً بمثل. وكذلك إن كان لرجل تبر ذهب أصفر وللآخر تبر أبريز أحمر، فتصارفا وزنًا بوزن أنه جائز. قال مالك: وإن اشتريت دنانير منقوشة مضروبة ذهبًا إبريزًا أحمر بتر ذهب أصفر وزنًا بوزن جاز ذلك. قال ابن القاسم: فإن أصاب في الدنانير ما لا يجوز عينه في السوق وذهبه أحمر جيد لم ينتقض الصرف بينهما، ولم يكن له رده؛ لأنه إنما يرجع بمثل ما يرد أو أردى، وأشهب يرى له الرد. م فوجه قول أشهب؛ فلأنه إنما باعه على أن يأخذ منه ما يجوز له، فإذا أعطاه ما لا يجوز له فله رده، وينتقض من التبر بوزنه اعتبارًا بغير المراطلة.

ووجه قول ابن القاسم؛ فلأنه لو رده عليه فكسره هذا ثم أعطاه إياه مكسورًا، لم يكن له رده؛ لأنه مثل تبره أو أجود، فلا معنى لرده. قال ابن القاسم: وإن كان الدينار مغشوشًا انتقض من التبر يمثل وزنه خاصة، وأما من اشترى حليًا من فضة بوزنه من الدراهم، فوجد بالحلي كسرًا أو شقًا فله رده، كما لو اشتراه بدنانير أو بعرض فله رده كالسلعة تشترى، وإنما ابتاعه لصياغته، فلا يجوز فيه التدليس؛ ولأنه إذا حبسه لم يبق بيده مثل ما أعطاه من فضل سكته لفضل صياغته، كمن ابتاع دقيقًا بقمح، فقد ترك ريع القمح لما كفاه من مؤنة الطحين، فلو وجد بالدقيق أو بالقمح عيبًا لرده؛ لأن دقيق القمح المعيب ليس كدقيق الصحيح، فهذا بخلاف الدنانير المعينة بالتبر؛ لأنها إذا لم تكن مغشوشة فهي مثل ما أعطى أو أفضل. وكذلك لو ابتاع الخلخالين وهما من ذهب أو فضة بتبر ذهب أو فضة فوجد في الخلخالين عيبًا يردان منه، وذهبهما أو فضتهما مثل تبره أو أجود، فلا يردهما؛ لأن ما في يديه مثل تبره أو أفضل، وعلى هذا يحمل جميع ما يشبه هذه الوجوه.

فصل [6 - في مراطلة دنانير ذهب صفر مع مثلها وتبر ذهب أحمر] / قال ابن القاسم: وإذا كان لرجل دنانير ذهب أصفر، ولآخر مثلها دنانير ذهب أصفر مع تبر ذهب أحمر، فراطله بها فإن اتفق المسكوكان في النفاق جاز، كان التبر رفع من المنفردة أو أدنى، وإن كانت الدنانير التي مع التبر دون المنفردة، والتبر أرفع منها في نفاقها لم يجز ذلك؛ لأن صاحب الدنانير المنفردة أخذ فضل عيون دنانيره على دنانير صاحبه في جودة التبر الإبريز. وإن كانت المنفردة دون الدنانير التي مع التبر ودون التبر أو أرفع منهما في نفاقهما جاز ذلك. وإن كانت إحدى الذهبين كلها أنفق جاز ذلك؛ لأنه معروف، وإن كانت أحدى الذهبين نصفها مثل الذهب المنفردة، ونصفها الآخر أنفق منها جاز، وإن كان نصفها أنفق من المنفردة ونصفها دون المنفردة لم يجز. م وتحصيل ذلك أن ينظر، فإن كانت المنفردة متوسطة تكون أجود من إحدى الذهبين وأدنى من الأخرى لم يجز، وما سوى ذلك فجائز، وقد تقدم بعض هذا. [فصل 8 - في مراطلة الهاشمية القائمة بالعتق]

قال مالك: وإن راطله هاشمية قائمة بعتق أكثر عددًا أو أنقص وزنًا فلا بأس به، فإن جعل مع الهاشمية ذهبًا أخرى أشر عيونًا من العتق، كالناقصة ثلاث خروبات ونحوه لم يجز. م جعل الهاشمية ها هنا خيرًا من العتق، وإنما ذلك لنقص العتق. [قال] ابن المواز: قال مالك: وتفسير ما كره من ذلك أن صاحب الذهبين الجياد والرديئة قد أخذ كل واحد بجودة ذهبه الجيدة، فضلاً من ذهب صاحبه بما أدخل معها من ذهبه الرديئة، وكذلك لو جعل أحدهما ثلاثة آصع عجوة، وجعل الآخر صاعين في تمر كبيس مرتفع وصاعًا من حشف التمر، لم يجز؛ لأن صاحب العجوة لم يكن يدفع صاعًا منها بصاع من حشف التمر لولا فضل الكبيس. قال مالك: فكل ما لا ينبغي التفاضل فيه من جنس واحد من عين أو طعام فلا ينبغي وإن كثر أن يجعل مع الصنف الجيد منه شيئًا دنيئًا يستحل به التفاضل بين الذهبين والورقين والطعامين من صنف واحد. وقد خفف مالك في القطعة من الذهب تجعل مع الجيد من المالين ليعتدل الميزان، يكون فيها ثمن أو سدس أو ثلث إذا لم يغتز بها فضل عيون التي معها.

[قال] ابن المواز: ما لم تكن القطعة رديئة. قال مالك: وإن كان فيها قدر الدينار لم يجز إلا أن تكون مثل المنفردة فأجود. قال: وإذا كانت دراهم بيض في كفة ودراهم سوداء أفضل منها في كفة ومعها فضة كفضة البيض لم يجز لنقص السكة. يريد: فصارت بذلك أردى من المنفرد، والسوداء أفضل منها فوجب الفسخ، فيرجع كل واحد منهما بما دفع. قال مالك: ولا بأس أن يراطله بالمثاقيل فيجعلها في كفة والذهب في كفة، فإذا اعتدلا أخذها صاحب الذهب الأخرى، وجعل ذهبه في تلك الكفة حتى يعتدل بالمثاقيل فيأخذها الآخر وإنما يتحرى بذلك العدل لئلا يكون غبن في الميزان. فصل [9 - في مبادلة الصائغ وأهل بيت الضرب] قال ابن المواز: قال مالك فيمن يأتي بفضته إلى أهل بيت الصرف فيراطلهم بها بدراهم مضروبة، ويعطيهم أجرتهم فأرجو أن يكون خفيفًا، وقد عمل به فيما مضى بدمشق وتركه أحب إلي، وما يفعله أهل الورع. ثم قال: وقد ذكر لي أنهم يحبون عليها ويخافون مع ذلك ذهابها، وذلك أن الرجل يأتي بمال العظيم فتشتد عليه الإقامة حتى تضرب، فيراطلهم بدنانيره إلى دنانيرهم الوزانة الجياد المنقوشة، ثم يأخذون منه لكل مئة عمل أيديهم، فلا أرى به بأسًا إن شاء الله تعالى.

قال عنه أشهب: قد كان في زمن بني أمية يفعلون ذلك، فلو كان الناس يخصلون الذهب كذلك ولا يغشونها لم أر بذلك بأسًا، وإنما كانت تجاز يومئذ لأنها سكة واحدة، والتجارة كثيرة فلو حبس الرجل حتى يضرب له ذهبه فاتته الأسوق وأضر بهم ذلك. قال ابن المواز: فلما اتسع الضرب وكثرت السكك زالت الضرورة فلا يجوز ذلك. وقال ابن حبيب: لا يجوز لمسافر ولا لمضطر أو غيره إذا وجد دنانير عند السكاك مضروبة أن يأخذها بوزنها ذهبًا ويعطيه أجرة وفي الدراهم مثل ذلك، قاله من لقيت من أصحاب مالك المدنيين والمصريين. قال: ولا ينبغي أن يعمل [لك] سكاك أو صائغ إلا فضتك أو ذهبك وحده، وأما عمل أهل السكة في جمعهم ذهوب الناس، فإذا فرغت أعطوا لكل واحد بقدر وزن ذهبه، وقد عرفوا ما يخرج من ذلك فلا يجوز هذا أيضًا، قاله من لقيت من أصحاب مالك. والأول أشر.

م والصواب جواز جمع الذهوب لأهل السكة للرفق بالناس لأنهم لو عملوا ذهب كل إنسان على حدته لاشتد ذلك عليهم وطال وكثر نقص الذهب وكثرت لذلك أجرة عمله، وأضر ذلك بالناس في الانتظار وكثرة الأجرة، وفي جمع ذلك رفق بالناس، فوجب أن يجوز لذلك كما أجاز مالك رحمه الله في أن يدفع إلى السكاك أجرة عمله ويعطيه السكاك دنانير مثل وزن ذهبه لضرورة الصبر، وهذا أشد من جمع الذهوب ولكن أجازوه للضرورة وبالله التوفيق .. فصل [10 - في مراطلة الصائغ] قال ابن المواز قال مالك: ومن أتى إلى صائغ بورقة ليعمل له خلخالين فوجد عنده خلخالاً معمولاً فراطله فيه بورقة وأعطاه أجرة عمل يده فلا خير فيه، ولم يره مثل بيت الضرب. قال مالك: ولا يصلح أن يعطيه فصًا ويقول له اعمل لي عليه خاتمًا بفضة من عندك حتى أعطيكها مع أجرتك وأخاف أن يكون فضة بفضة وزيادة. قال: فإن استقرضت من صائغ دنانير وقبضتها منه ثم رددتها إليه، وقال له صغها لي سوارين، ولك جعل درهمين فلا خير فيه إلا أن يفترقا بعد قبض السلف، ويصح أنهما لم يعملا على ذلك. وفي الواضحة: ولا يجوز أن تراطل الصائغ دراهم بفضة على أن يصوغها لك بأجر، وهو كالذي وجدها مصوغة فراطله بها وأعطاه أجره، وكذلك لو بادله بها، ولم يذكر صياغة ثم دفعها إليه في المجلس لم يجز إلا بعد التفرق وتباعد ذلك وصحته.

قال ابن المواز: وإن أعطيته خمسين على أن يخرج من عنده خمسين ويعمل خلخالين ويأخذ أجرة لم يجز، والخلخالان بينكما، وعليك نصف قيمة عمله لا نصف ما سميت، وكذلك قال في كتاب الإجارة إذا أعطاه خمسين وقال له صغ لي خلخالين بمئة درهم حتى آتيك بالخمسين الأخرى، فذكر مثل هذا الجواب سواء. قال في الكتابين: وأما لو قال له موه لي هذا اللجام أو هذا السيف بعشرين درهمًا من عندك، وأجرتك عشرة دراهم أقضيكها جميعًا فلا خير فيه أيضًا ولكن لا يكون هذا شريكًا وإنما له العشرون السلف، وأجرة مثله لأنها إجارة وسلف. قال أبو محمد: والفرق/ عندي بينهما أن الدراهم التي سلف في الخلخالين لم يقبضها متسلفها، ولا أمر الصائغ أن يجعلها له في عرض مثل لجام أو سيف فيصير هذا كالقبض ويصير عليه رد ما أسلفه ولم يحصل له في الدراهم قبض ولا ما يشبه القبض فمن أجل ذلك كانا شريكين. والله الموفق للصواب. [فصل 11 - في بيع الدراهم الرديئة] قال ابن القاسم: ولا يعجبني أن يباع الدراهم الستوق الردئ- وهو الذي عليه النحاس- بدرهم فضة وزنًا بوزن ولا بعرض؛ لأن ذلك داعية إلى إدخال

الغش وإفساد أسواق المسلمين، وقد طرح عمر رضي الله عنه في الأرض لبنًا غش أدبًا لصاحبة، ولكن يقطعه، فإذا قطعه جاز بيعه إلا أن يخاف أن يسبك فيعاد فينبغي أن تميز فضته بالسبك. وقال أشهب: إن رد لغش فيه لم أر أن يباع بعرض ولا بفضة حتى يكسر خوفًا أن يغش به غيره، قال: ويجوز بدله على وجه الصرف بدراهم جياد، مراطلة وزنًا بوزن؛ لأنهما لم يريدا بهذا فضلاً بين الفضتين. قال بعض أصحابنا: يريد بعد أن يكسر فيجوز بدله بدراهم، هذا معنى قول أشهب. قال أشهب: وإذا كسر الستوق جاز بيعه إن لم يخف أن يسبك فيجعل دراهم أو يسيل فيباع على وجه الفضة، فإن خاف ذلك فليصفه حتى تباع فضته على حده ونحاسه على حده. م قوله: وقد طرح عمر رضي الله عنه لبنًا في الأرض غش أدبًا لصاحبه ولمالك رحمه الله في كتاب ابن المواز فيما غش من لبن أو غيره لا يهراق وليتصدق به، وكذلك

الزعفران والمسك إن كان هو غشه وأما ان ابتاعه مغشوشًا فلا. قال ابن القاسم: وهذا في اليسير وأما في الكثير فلا يتصدق به على من غشه، وليوجع أدبًاز قال ابن القاسم: والدرهم الزائف الذي فيه نحاس لا ينبغي أن يُشترى به شيء حتى يقطع فيباع به إذا لم يغربه أحد. قال في كتاب الصلح: وكره مالك أن يصالح الرجل من درهم له جياد على زيوف وهي المحمول عليها النحاس أو بدرهم مبهرجة، قال: وأكره البيع بها وإن بين، وأرى أن تقطع، قال ابن القاسم: وذلك للصيارفة فيما أرى، ولا أدري أكره بيعها لجميع الناس أم لا؟ وأرى الصلح بها جائزًا إذا لم يغر بها أحدًا أو كان يقطعها.

[الباب التاسع] فيمن أقرض دينارا أو بعض دينار درهم أو باعه به سلعة أو ببعض درهم أو بدانق وشبه ذلك

[الباب التاسع] فيمن أقرض دينارًا أو بعض دينار درهم أو باعه به سلعة أو ببعض درهم أو بدانق وشبه ذلك [الفصل 1 - فيمن أقرض دينارًا أو بعض دينار دراهم] قال ابن القاسم: ومن استقرضك دينارًا دراهم أو ثلث دينار دراهم أو نصف دينار دراهم فأعطيته دراهم، فليس يقضي عليه إلا بدراهم كما قبض مثل وزنها غلت أو رخصت. قال يحيى بن سعيد: وإن استقرضك نصف دينار، فدفعت إليه دينارًا، فانطلق به فكسره وأخذ نصفه ورد عليك النصف الباقي فعليه أن يعطيك دينارًا فتكسره فتأخذ نصفه وترد إليه نصفه. قال مالك: إن أعطيته دينارًا فصرفه المستلف فأخذ نصفه ورد عليك نصفه كان عليه نصف دينار غلا الصرف أو رخص. وقال ابن المواز عن ابن القاسم: إذا دفع إليه دينارًا فقال له صرفه وخذ نصفه وجئني بنصفه لم يكن عليه إلا ما أخذ من الدراهم، ولو أعطاه دينارًا فقال له خذ نصفه وجئني بنصفه كان عليه نصف دينار يريد ويعطيه به دراهم بصرف يوم القضاء.

م وإذا قال له صرفه وخذ نصفه وجئني بنصفه، فإذا ضاع قبل الصرف لم يضمن شيئًا؛ لأنه أمين ولا يصير له منه شيء حتى يصرفه فإن ضاع بعد الصرف ضمن نصفه؛ لأنه قد وجب له بالصرف وهو في النصف الباقي أمين، وإن كان إنما قال خذ نصفه وجئني بنصفه ولم يقل صرفه، فها هنا يضمن نصفه ضاع قبل الصرف أو بعده؛ لأنه بقبضه صار النصف الذي استقرضه في ذمته. [قال] ابن المواز: قال مالك: ومن باع من رجل بنصف دينار إلى أجل ثم باع منه بنصف دينار آخر إلى ذلك الأجل قضي عليه بدينار، ولا يجوز أن يشترط ذلك عليه في البيعة الثانية. فصل [2 - فيمن ابتاع سلعة ببعض درهم أو بدانق وشبه ذلك] قال ابن القاسم: وإن ابتعت سلعة بدانق أو بدانقين أو بنصف درهم أو بربع درهم فقد وقع البيع على الفضة، وتعطيه بالفضة ما تراضيتما عليه، فإن تشاححتما أعطيته بذلك فلوسًا في الموضع الذي تحوز فيه الفلوس بصرف يوم القضاء لا يوم التبايع. وإن ابتعت شيئًا بدانق فلوسًا نقدًا أو مؤجلاً، فإن سميتما ما للدانق من الفلوس أو كنتما عارفين بعدد الفلوس فلا بأس به، والبيع إنما وقع على الفلوس فإن كانت مجهولة العدد لا يعرفان ما للدانق منها ولم يسميا له شيئًا لم يجز؛ لأنه غرر.

قال مالك: وإن ابتعت سلعة بنصف دينار أو بثلث أو بربع وقع البيع على الذهب، وتدفع به إليه ما تراضيتما عليه، فإن تشاححتما قضى عليك في جزء الدينار بدراهم بصرف يوم القضاء. قال: ومن باع سلعة بنصف دينار واشترط أن يأخذ به دراهم نقدًا يدًا بيد، فإن كان الصرف معروفًا يعرفانه جميعًا فلا بأس بذلك إذا اشترطاكم للدراهم من الدينار. م قال في مسألة الفلوس إذا كنتما عارفين بما للدانق من الفلوس جاز، وقال ها هنا: إذا كان الصرف معروفًا جاز إذا اشترطاكم للدراهم من الدينار. م حكي عن الشيخ أبي الحسن أنه قال: معنى ذلك عندي إذا كانت بالبلد سكك مختلفة، فهذا وإن عرفا الصرف فلابد أن يسميا كم للدراهم من الدينار، فيعرف بذلك على أي سكة وقع البيع ولو لم يكن في البلد إلا سكة واحدة لكانت كمسألة الدانق بالفلوس. م ويحتمل أن يكون معنى قوله إذا اشترطا أو اشترطا كأنه قال: فإن كان الصرف معروفًا أو اشترطا ما للدراهم من الدينار كما قال في مسألة الفلوس إذا سميا ما للدانق من الفلوس والمسألتان سواء والله أعلم.

قيل: ويحتمل أن يكون معناه أن صرف الجزء من الدينار أبخس من صرف الدينار الكامل، فلذلك احتيج إلى معرفة كم الدراهم من الدينار، ولا يلزم هذا إذا باع بجزء من دينار، لأن البيع ها هنا وقع على الذهب، ثم الحكم يوجب دراهم بصرف يوم القضاء، قيل: ويحتمل أن يكون شرط ذلك خيفة أن يظن أحدهما أن العمل في ذلك على صرف يوم القضاء، وكأن مسألة الفلوس فُهِمَ فيها أنهما يعرفان مبلغها من الدانق، فقد دخلا على معلوم فهذه وجوه مختلفة. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن باع السلعة بنصف دينار إلى أجر وشرط أن يأخذ به دراهم عند الأجل لم يجز، ولو لم يشترط ذلك، لكان له إذا تشاحا عند الأجل أن يأخذ منه دراهم بصرف يوم القضاء، ولكنه لما اشترط [ذلك] وقع البيع على ما يكون من صرف نصف دينار بدراهم يوم يحل الأجل فهذا مجهول. قال أشهب: وإن كان إنما وجب له ذهب، وشرط أن يأخذ بها دراهم فذلك أحرم له؛ لأنه ذهب بورق إلى أجل، وورق أيضًا لا يعرف عددها. قال أشهب: ولو شرط أن يأخذ بالنصف دينار إذا حل الأجل ثمانية دراهم، كان بيعًا جائزًا، وكانت الثمانية لازمة لكما وذكر النصف لغو.

قال مالك: ومن باع سلعته أو أكرى منزله بدينار، أو بنصف دينار أو بثلث إلى أجل، فلا يأخذ في ذلك قبل الأجل دراهم لأنه صرف مستأخر، وليأخذ عرضًا إن أحب، فإذا حل الأجل فليأخذ ما أحب. تم كتاب الصرف [من] الجامع بحمد الله وحسن عونه وتوفيقه.

كتاب الرهن

كتاب الرهن بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم [الباب الأول] في جواز الرهن وجواز حيازته ورهن المشاع الفصل [1 - في جواز الرهن وحيازته] قال أبو بكر محمد بن عبد الله بن يونس الفقيه الصقلي رحمه الله: الأصل في جواز الرهن وحيازته قوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ولهذا لا يتم رهن إلا بحقيقة قبضه، وذلك بالإشهاد على معاينة حوزه. قال ابن المواز: قال عبد الملك: وإذا كتب في كتاب الرهن أن فلانًا المرتهن قد حازه أو جازه له فلان وأشهد بذلك على أنفسهما فلا ينفع ذلك حتى تعاين البينة الحوز، قال: ولو مات الراهن أو فلس ووجد الرهن بيد المرتهن أو بيد الموضوع على يده الرهن فلا ينفع ذلك حتى تعلم البينة أنه قد حازه قبل الموت والفلس. م قال بعض الفقهاء: وفي ذلك اختلاف، أراه يريد إذا وجد ذلك بيد المرتهن بعد موت الراهن أو فلسه.

قال ابن المواز: صواب لا ينفع إلا بمعاينة البينة الحوز بعد الإرتهان. م وقال بعض أصحابنا: وإنما لم يتم حوز الرهن بالإقرار إلا بمعاينة البينة لذلك، لتعلق حق الغرماء به إن طرأ، وذلك أنه يتهم أن يقول دعني أنتفع به، وأشهداك أنك قبضته فتكون أحق به من غرماني. م وقال بعض البغداديين: ولأن المقر على نفسه إنما يقبل فيما لا يسقط حق غيره. قال: وذهب الشافعي رضي الله عنه إلى أنه يقبل إقراره. فصل [2 - في رهن المشاع] قال مالك رحمه الله: ولا بأس برهن جزء مشاع غير مقسوم من ربع أو حيوان أو عرض، وقبضه إن كان بين الراهن وبين غيره أن يحوز المرتهن حصة الراهن ويكريه، ويليه مع من له فيه شرك كريه، ولا بأس أن يضعاه على يد الشريك، والحوز في ارتهان نصف ما يملك الراهن جميعه من عبد أو دابة أو ثوب قبض جميعه. م واختلف في الدار فقيل لا يجوز حتى يقبض المرتهن جميعها أو تكون على يدي عدل، وقيل تكون بيد المرتهن مع الراهن فيكريان جميعها/ فيصح الحوز أو

يضعانها جميعًا على يدي غيرهما ما لم يكن الموضوع على يديه هو القيم به، مثل عبده أو أجيره، ولو كان إنما رهن جميع الدار لجاز أن يضعها على يدي القيم به بخلاف عبده. م قيل إنما الفرق بين رهن نصف الرهن وبين رهن جميعه إذا جعله على يدي القيم به؛ لأنه إذا رهن جميعه صار القيم كأنه حائز للمرتهن وإذا رهن نصفه بقيت يدي القيم على نصف الرهن، فصار كمن رهن نصف دار فبقيت يده مع المرتهن، وأما العبد فيده كيد مولاه في الوجهين. وقال أبو حنيفة: لا يصح رهن المشاع. والدليل لمالك أنهم إن سلموا صحة قبضه، فالظاهر يتناوله وهو قوله تعالى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]، وإن منعوه قلنا قد اتفقنا أن بيع المشاع جائز وأن بيع ما لا يمكن قبضه لا يصح، فصح أن المشاع يصح قبضه لاتفاقنا على جواز بيعه؛ ولأن الإشاعة لا تمنع صحة الرهن، كما لو رهن دارًا من رجلين في عقد واحد.

قال ابن المواز: قال أشهب: ولا يجوز فيما يملك الراهن بعضه أن يرهن حصته منه إلا بإذن شريكه؛ لأن ذلك يمنع صاحبه بيع حصته، فإن أذن له جاز له ذلك، ثم لا رجوع للشريك فيه، ولا له بيع حصته حتى يحل الأجل؛ لأنه قد أذن له في إسلافه إلى الأجل. قال بعض الفقهاء: وله عنده بيع نصيبه على أن يقبضه مشتريه عند الأجل، وإن كان المرتهن عبدًا أو حيوانًا؛ لأن الحبس ها هنا حق على البائع، ليس هو الراضي به لتقدم إذنه، كبيع الغائب إلا أنه جعل ضمان ذلك من المشتري بالعقد، بخلاف بيع الغائب، ويجب على قوله نقد ثمنه، وقد اختلف في هذا المعنى، وقال ابن ميسر: لا يجوز هذا البيع كما لا يجوز بيع عبد أو حيوان أو ثوب على أنه لا يقبض ألا إلى أجل، قيل لمحمد: فكيف الحوز فيه فقال: أما ابن القاسم فيقول: يحل المرتهن فيه محل الراهن في الحوز، وقال أشهب وعبد الملك لا يتم فيه الحوز إلا بأن يجعل جميعه على يد الشريك أو بيد المرتهن أو بيد غيرهما، فإن لم يرض الشريك بهذا، فالرهن منتقض فيما يزال به من عبد أو ثوب أو دابة أو سيف، وأما الدار والحمام، فإن أبى الشريك أن يسلم مصابته أو أن يحوز له حصة شريكه، لم ينتقض الرهن وليحل المرتهن فيه محل الراهن مع شريكه في الكراء والقيام بما يليه،

فيكون حيازة وقبضًا فيما لا يزال به؛ لأن قبض الرباع أن يحال بين صاحبها وبين النظر في شيء من أمرها. وقبض ما يزال به أن يزال به ويحال بينه وبين صاحبه وبين النظر في شيء من أمره. م ووجه قول ابن القاسم: أن الراهن إذا سلم حصته إلى المرتهن حتى حال بينه وبينها، وحل فيها محله، فذلك حوز كالذي لا يزال به وكاشترائه تلك الحصة. [فصل 3 - في رهن المشاع إذا كان مما ينقسم] ومن المدونة قال مالك: وإن كان الرهن مما ينقسم من طعام ونحوه، فرهن حصته منه، جاز ذلك إذا أجازه المرتهن، فإن شاء الشريك البيع قاسمه منه الراهن والرهن كما هو في يد المرتهن لا يخرجه من يده، فإن غاب الراهن، أقام الإمام من يقسم له، ثم تبقى حصة الراهن في الوجهين رهنًا، ويطبع على كل ما لا يعرف بعينه. فصل [4 - فيمن رهن حصته من دار ثم اكترى حصة شريكه وسكنها] ومن رهن حصته من دار ثم اكترى حصة شريكه وسكن، بطل حوز الرهن إن لم يقم المرتهن بقبض حصة الراهن من الدار ويقاسمه؛ لأنه لما سكن نصف الدار

وهي غير مقسومة، صار المرتهن غير حائز، ولا يمنع الشريك أن يكري نصيبه من الراهن ولكن يقسم الدار، فيحوز المرتهن رهنه، ويكري الشريك نصيبه/ ممن شاء. قال ابن المواز: ومن ارتهن نصف دار فجعلها على يد شريك الراهن ثم ارتهن مصابة الشريك بعد ذلك فجعلها على يد الراهن الأول فإنه يبطل رهن جميع الدار؛ لأنها قد رجعت على حالها بيد كل واحد مصابته، وكذلك سمعت من أصحاب مالك. قال ابن المواز: ولو لم يجعل مصابة الثاني على يد الأول ولكن على يد أجنبي أو على يد المرتهن لبطلت مصابة الثاني على يد الأول، وجازت مصابة الأول؛ لأن مصابة الثاني بيده منها، لم تجز عنه كلها. م قال بعض الفقهاء: وعلى قولهم إذا رهن نصف داره تكون بيد المرتهن ويده عليها، ويكريانها جميعًا تتم مصابة الثاني؛ لأن أجنبيًا حائزًا معه ما رهن هو، وبقيت يده على النصف الذي وضع على يديه، وعلى هذا أن الشريك إذا رهن نصيبه ثم اكترى نصيب شريكه ولم يسكنه أنه جائز، وتكون يده ويد مرتهن نصيبه عليها كما لو كانت كلها له، وعلى القول الآخر لا يتم فيها الحوز؛ لأن يده على نصفها كما لو كانت كلها له فرهن نصفها.

قال: واختلف في رهن ما قد أكرى هل تصح فيه الحيازة أم لا؟ وفي المدونة: جواز شرط الانتفاع بالرهن، فهو مرتهن مُكري إلا أن ذلك في عقد واحد، وإذا جاز أن يكون الكراء والرهن في عقد ويصح الحوز، فكلك يجوز رهن ما تقدم كراءه، كما أجاز ابن القاسم أن يهب ما تقدمت فيه الخدمة، كما يجوز إذا وقع الإخدام والهبة في الرقبة في عقد واحد، وإن كان عبد الملك يفرق بينهما، وابن القاسم لا يتم حوز الصدقة عنده فيما تقدمت فيه الإجارة؛ لأن منافعه لما كان يأخذ كراءها المتصدق، فكان يده باقية عليه، وعلى هذا يجب أن لا يتم الرهن والإجارة فيه مدة واحدة، ولا الرهن بعد الإجارة، وبعد هذا باب فيه إيعاب هذا. [فصل 5 - فيمن ارتهن دابة أو دارًا فاستحق نصف ذلك من يد المرتهن] ومن المدونة: ومن ارتهن دابة أو دارًا أو ثوبًا، فاستحق نصف ذلك من يد المرتهن، فباقية رهن بجميع الحق، فإن شاء المستحق البيع، قيل للراهن والمرتهن بيعا معه إن كان معه مما لا ينقسم وقيل للمرتهن لا تسلم رهنك، ولكن يباع وهو بيده، وتصير حصة الراهن من الثمن رهنًا بيد المرتهن، مطبوعًا عليه بجميع حقه أو بيد من كان الرهن على يديه. [قال] ابن المواز: قال أشهب: إن كان الرهن مما ينقسم قُسم، وحاز المرتهن ما وقع للراهن، وإن كان مما لا ينقسم وشاء المستحق البيع، بيع ويأخذ المرتهن مصابة

الراهن من الثمن معجلاً من دينه إن بيع بمثل الدين من دنانير أو دراهم؛ لأن إيقاف الثمن ضرر إذ قد يهلك فيه، فكان تعجيله نفعًا للجميع، وإيقافه ضررًا عليهم. قال: وإن كان الدين دنانير، فبيع بدراهم أو دراهم فيبع بدنانير أو بغيرها، فلك إيقاف ذلك إلى الأجل. قال: ولو لم يستحق ولكن أرهنك نصف ثوب ثم أراد الراهن بيع النصف الذي لم يرهنك فليس له ذلك حتى يتم الأجل فيباع. وتكون أحق بنصف الثمن في دينك من غرمائه، ويحاص في باقيه أن بقي لك شيء من دينك. قال: وإن كان نصف الثوب إنما هو لشريك الراهن فأراد الشريك بيع جميع الثوب فليس له ذلك إلا إلى الأجل؛ لأنه قد أسلمه كله إليك، ولكن له أن يبيع مصابته على أن يبقى جميع الثوب بيدك إلى الأجل، وكذلك لو كان الرهن على يد الشريك ثم أراد الشريك بيع نصيبه على أن يكون جميعه بيده كما كان فهو جائز، وإن لم يدن حلول الأجل، وليس كمن باع شيئًا وهو يقدر على أن لا يدفعه/ إلى مدة، هذا لا يجوز، وأما في الرهن فيجوز عندي ويصير في ضمان المشتري، قال ابن ميسر: لا فرق بينهما ولا يجوز وقد تقدم هذا. [فصل 6 - إذا ترك المستحق حصته بيد المرتهن فضاع وفيمن ارتهن نصف ثوب فقبضه ثم هلك عنده ومسائل من استحقاق الرهن] ومن المدونة: قال ولو ترك المستحق حصته بيد المرتهن وهو ثوب فضاع، لم يضمن المرتهن إلا نصف قيمته للراهن، فإن كان الراهن والمرتهن قد وضعاه على يدي المستحق أو غيره ثم ضاع لم يضمنه المرتهن.

قال ابن القاسم: وكذلك من ارتهن نصف ثوب فقبض جميعه فهلك عنده لم يضمن إلا نصف قيمته، وهو في النصف الآخر مؤتمن وقد قال مالك فيمن كان يسأل رجلاً نصف دينار فأعطاه دينارًا ليستوفي منه نصفه ويرد ما بقي، فزعم أنه ضاع، أن النصف من المقتضي والنصف الآخر هو فيه مؤتمن، وعليه اليمين إن كان متهمًا وإلا لم يحلف. م قيل فإن استحق الرهن قبل أن يدفعه الراهن، كان البائع بالخيار، إن شاء دفع السلعة بلا رهن، وإن شاء نقض البيع. وفي كتاب محمد: ولو دفع البائع السلعة وفاتت عند المشتري لكان البائع بالخيار إن شاء أمضى البيع إلى الأجل وإن شاء أخذ قيمة سلعته. قال بعض الفقهاء: وفي ذلك نظر إذا كان الثمن المؤجل أكثر من قيمة السلعة؛ لأنه يصير كمن وجب له عشرة نقدًا ففسخها في خمسة عشر إلى أجل إلا أن يقول قائل: إن أخذت القيمة لم يجز أيضًا؛ لأنه كأنه أخذ منه دينًا له إلى أجل أقل منه نقدًا فإذا كان الشيء أينما رددته دخله هذا جاز، كمن غصب لي عبدًا فأبق أن لي أخذ قيمته، ولا يقال أنه بيع آبق، وقد اختلف فيمن فلس وقد ابتاع عبدًا فوجده ربه قد أبق، فقيل هو مخير إن شاء رضي بطلبه، وإن شاء حاصص بثمنه، وقيل لا يجوز له أن يطلبه، والأشبه أن له أن يطلبه إن شاء؛ لأن طلبه ليس بإبراء للمشتري من الثمن، ألا ترى أنه لو طلبه فعجر عنه أو مات لوجب أن يرجع على الغرماء فيما أخذوه فيحاصصهم فيه، وكذلك في كتاب محمد. فإن قيل له: فإنه لم ينتقل إلى الآبق إلا وحقه باق في ذمة المشتري، قيل وكذلك يجب أن يكون في العبد المغصوب إذا

أبق لو قال أنا أترك تضمين الغاصب وأطلب عبدي، فإن وجدته وإلا رجعت فضمنته لجاز ذلك أيضًا. قال: وإن باع منه على رهن غير معين، فدفع الرهن ثم استحق ولم يكن عنده، فالرهن يتعين بالدفع ويمضي البيع، قال عبد الملك: إلا أن يغره فله الرجوع في سلعته أو في قيمتها إن فاتت إلا أن يأتي برهن ثقة. ومن العتبية: قال سحنون فيمن باع سلعة وارتهن عبدًا فاستحق، فإن غره عجل الحق له، وإن لم يغره فهو كموته، هذا إذا كان الرهن بعينه، وإن كان بغير عينه أتاه برهن آخر. فجعل الغرر على مذهب سحنون يوجب تعجيل الدين كالعتق، وجعل استحقاق الرهن غير المعين بعد دفع المبيع يؤتى بمثله ولم يتعين بالدفع والله أعلم.

[الباب الثاني] جامع القول في ضمان الرهن

[الباب الثاني] جامع القول في ضمان الرهن [الفصل 1 - في الرهن بما فيه إن ضاع] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يعلق الرهن)، قال مالك رحمه الله في موطنه: معناه: أن يقول له: إن قضيتك الدين إلى أجل كذا وإلا فالرهن لك بما [رهن] فيه: قال مالك: فلا يكون الرهن بما فيه، ولكن المرتهن ضامن لجميع قيمته. ومن كتاب ابن المواز: قلت ففي أي موضع يكون الرهن بما فيه/ إن ضاع؟ قال فيما يغاب عليه، ولا يعلم له قيمة ولا صفة لا بقول الراهن، ولا بقول المرتهن ولا بقول غيرهما، فهذا لا طلب لأحدهما على الآخر، وإن كان القياس يحتمل أن تجعل قيمته من أدنى الرهون، وقد ذكر لي ذلك عن أشهب ولكن الذي قلت لك قول جماعة العلماء وأشبه بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (الرهن بما فيه). قال أبو الزناد: وفي الحديث (إذا عميت قيمته).

قال ابن حبيب عن أصبغ: إذا هلك الرهن وجهل المرتهن صفته ووصفه الراهن فليحلف، فإن نكل بطل حقه وكان الرهن بما فيه. م قال بعض الفقهاء: العدل أن يكون الرهن بما فيه إذا عميت قيمته لاحتمال أن يرهن بأقل من الدين أو مثله أو أكثر منه، فالعدل أن يكون بالدين وهو الوسط في القيمة، كما لو قال له عندي من خمسين إلى ستين أنه يعطي خمسة وخمسين، ويقسم المشكوك بينهما كما يقسم ما بأيديهما إذا تداعياه، إذ لا مزية لأحدهما على الآخر، وقيل إن الذمة على البراءة، فلا تعمر بالشك، فعلى هذا يجعل من أدنى الرهون كما قالوا إذا أقران له عليه دراهم، فجعل عليه أقل عددًا من الدراهم وذلك ثلاثة دراهم. [فصل 2 - في ضمان الرهن] ومن المدونة قال مالك: وما وضع من رهن يغاب عليه أم لا على يدي عدل فجائز، وقبضه له قبض، لقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] معناه من الراهن، وهذا

ها هنا موجود؛ ولأنه مقبوض من الراهن بحق المرتهن، فأشبه أن يقبضه بنفسه، قال مالك: فضمانه إن تلف من الراهن. م لبيان براءة المرتهن ولم يضمن الأمين؛ لأنه مؤتمن، وإنما قبضه لمنفعة غيره كالمودع. قال مالك: وما قبضه المرتهن من رهن يغاب عليه فضاع، فإنه يضمنه إلا أن يقيم بينة على هلاكه من غير سببه. قال أبو محمد: ولما لم يؤخذ الرهن على الأمانة لكن لمنفعة نفسه كان كالعارية. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سلاح صفوان (عارية مؤداه) فما كان مثل السلاح وما يغاب عليه فهو مضمون إذا قبضه المرتهن أو المستعير إلا أن تقوم بينة على هلاكه من غير سببه بأمر من الله، أو بتعدي أجنبي، فذلك من الراهن وله طلب المتعدي. قال مالك: فإذا غرم المتعدي القيمة، فأحب ما فيه إلى إن آتي الراهن برهن ثقة مكان ذلك- أخذ القيمة- وإلا جعلت هذه القيمة رهنًا ويطبع عليها. قال: وما قبضه المرتهن من رهن لا يغاب عليه من ربع أو حيوان أو رقيق، فالمرتهن مصدق فيه، ولا يضمن ما زعم أنه هلك أو عطب أو أبق أو دخله عيب، ويكون ضمانه من الراهن.

م لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الرهن من الراهن له غنمه وعليه غرمه) معناه له غلته وعليه ضمانه، فرأى العلماء أن ذلك فيما لا يغاب عليه مثل الرباع والنخيل والرقيق والحيوان؛ لأن النخل يتمر والرقيق والحيوان ينتج، وذلك للراهن، فوجب أن يكون عليه ضمانه. وقد قال مالك في موطئه: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن ما كان من رهن يعرف هلاكه من حيوان أو أرض أو دار فهلكت في يد المرتهن وعلم هلاكه فهو من الراهن. م وكذلك الحكم في عارية ما لا يغاب/ عليه أنه من ربه لحديث الرهن، فقيس الرهن على العارية فيما يغاب عليه لحديث العارية وهو قوله صلى الله عليه وسلم في سلاح صفوان (العارية مؤداه) وقيست العارية على الرهن فيما لا يغاب عليه لحديث الرهن، لاشتباه الرهن والعارية، أن منفعتهما للقابض بخلاف الوديعة التي منفعتها للمالك خاصة. قال بعض البغداديين: وهي حجتنا في الرهن على أبي حنيفة في إيجابه ضمان الجميع، وعلى الشافعي في إسقاطه ضمان الجميع كالمودع عنده.

قال: وإنما لم يجر الرهن مجرى الأمانة المحضة ولا مجرى المضمون المحض؛ لأنه قد أخذ شبهًا من الجميع فلم يكن له حكم أحدهما على التحديد، وذلك أن الأمانة المحضة لا نفع فيها للقابض بل النفع فيها كله للمالك كالوديعة، والمضمون المحض منافعه للقابض خاصة كالمشتري والمتعدي، فلما أخذ الرهن شبهًا من الأمرين فإن المالك حصل له ما ابتاعه، وبقي الدين في ذمته لأجل رهنه، فقد انتفع به، والمرتهن حصل له التوثق فلم يقبضه لمالكه، وجب ألا ينفرد بأحدهما، وفصل بينهم بما قلناه وبالله التوفيق. قال ابن المواز: ولو شرط فيما لا يغاب عليه أن يضمنه لم يلزمه ويكون ضمانه من ربه. قال: ولو شرط فيما يغاب عليه أن لا يضمنه وأن يقبل قوله فيه. فقال ابن القاسم: شرطه باطل، وهو ضامن لأن ذلك كله بخلاف السنة. قال بعض البغداديين: لأنه شرط ينافي حكم أصل العقد، فلم يصح، أصله إذا شرط في الوديعة أن يضمن أو شرط في القرض أن لا يضمن أو في النكاح أن لا يطأ، وفي البيع أن لا يتصرف في المبيع. قال ابن المواز: وقال البرقي عن أشهب: شرطه جائز، وهو مصدق، وكذلك في العارية لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون عند شروطهم). قال ابن المواز: وأما ما قامت فيه بينه بهلاكه مما يغاب عليه، فقد اختلف فيه قول مالك، فأخذ ابن القاسم وعبد الملك وأصبغ بقوله أنه لا يضمنه، وهو أحب إلينا. وقال أشهب عن مالك أنه ضامن وكذلك العارية واحتج بحديث سلاح صفوان بن أمية حين قال النبي صلى الله عليه وسلم (بل عارية مؤداه) أي فلابد من أداء ذلك،

وإن شهد على هلاكه العدول. قال ولأن أصل ذلك الضمان وعليه أخذه، ولو شرط أن لا يضمنه لنفعه ذلك. قال: بعض البغداديين: ووجه قول ابن القاسم أن سبب الضمان فيما يغاب عليه لئلا يتلفه ويدعي أنه تلف بغير سببه، فإذا علم صدقه لم يضمن، ألا ترى أن العرف لما كان يشهد له فيما يظهر تلفه من الرباع والحيوان قبل قوله ولم يضمنه، وكذلك هذا إذا قامت بهلاكه البينة بغير سببه. قال عيسى عن ابن القاسم: وإنما يضمن المرتهن قيمة ما ضاع عنده مما يغاب عليه إذا ادعى ضياعه فقيمته يوم ضاع لا يوم ارتهنه، وقيل في موضع آخر: إذا هلك الرهن الذي يغاب عليه فإنه يضمن قيمته يوم ارتهنه. م وحكي عن بعض فقهائنا القرويين أنه قال: إذا هلك الرهن الذي يغاب عليه ولم يعلم هلاكه إلا بقول المرتهن، فلابد من يمينه، كان متهمًا أو غير متهم، وكذلك في عارية ما لا يغاب عليه أو شراءه إياه بالخيار، وضياع الشيء المستأجر لابد من اليمين في ذلك كله كان متهمًا أو غير متهم، وذلك أن هذه الأشياء إنما أخذها لمنفعة نفسه، فهي بخلاف الوديعة التي لا منفعة له فيها، فإن اعترض

علينا معترض بالقراض يدعي ضياعه أنه لا يحلف فيه إلا أن يكون متهمًا أو قبضه هو لمنفعه لنفسه؟ قيل له القراض ليس له منفعة متيقنة إذ قد يربح أو لا يربح فيه، فهو بخلاف ما منفعته حقيقة. / وقال بعض شيوخنا: اختلف في يمين المرتهن في ضياع ما لا يغاب عليه، فقيل: يحلف وقيل لا يحلف، وأحب إلينا أن يحلف المتهم لقد ضاع وما فرطت ولا تعديت، وغير المتهم يحلف ما فرطت ولا ضيعت، ولا يحلف على الضياع وهو مصدق فيه. وبعد هذا القول باب فيه إيعاب القول في ضمان الرهن.

[الباب الثالث] في الرهن يبيعه الراهن أو المرتهن

[الباب الثالث] في الرهن يبيعه الراهن أو المرتهن [الفصل 1 - في الراهن يبيع الرهن بغير إذن المرتهن] ولما كان الرهن وثيقة للمرتهن لم يجز أن يحدث فيه الراهن حدثًا يبطله به، فليس للمرتهن أيضًا أن يحدث فيه حدثًا إذ لم يملك أصله. [ومن المدونة] قال مالك رحمه الله: فإذا باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن لم يجز بيعه، فإن أجازه المرتهن جاز البيع، وعجل للمرتهن حقه شاء الراهن أو أبى. قال ابن المواز: إذا تعدى الراهن فباع الرهن قبل أن يقبضه المرتهن فبيعه نافذ وإن قرب، فات أو لم يفت ولم يحل الحق، والثمن للراهن يأخذه، ولا يعجل للمرتهن حق، ولا يوضع له رهن مكانه، ولا ينقض ما بينهما من بيع أو سلف، وقد كان للمرتهن لو لم يبع أن يقوم فيحوزه، وهذا كله قول مالك وابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم، وأما إن باعه بعد الحوز وهو بيد المرتهن أو بيد أمين، فإن باعه بمثل الحق فإنه يعجل للمرتهن حقه وإن لم يحل وينفذ البيع، ولا حجة للمرتهن في رده لأنه مضار، وقاله مالك إلا أن يباع بأقل من حقه فله أن يرده أو يمضيه ويتعجل الثمن ويطلبه بما بقي. قال ابن المواز: وكذلك إن باعه بثمن خلاف حق المرتهن، فله نقض البيع، وقد كان من رواية ابن القاسم وأشهب أنه إذا باعه بعد الحوز فلا بيع له ويرد، والقول الآخر لمالك أحب إليّ، وعليه أصحابه أنه ينفذ بيعه ويتعجل الحق إن بيع بمثل دينه.

قال أشهب: فإن استهلك ثمن الرهن قبل أن يدفعه للمرتهن، فإن كان عنده وفاء به وداه وتم البيع وإلا فللمرتهن رد البيع. [فصل 2 - في بيع الراهن للرهن بإذن المرتهن] ومن المدونة: قال مالك: وإن باعه الراهن بإذن المرتهن فقال المرتهن لم آذن له في البيع إلا لإحياء الرهن لا ليأخذ الراهن الثمن حلف على ذلك، وقيل للراهن: إن أتيت برهن ثقة يشبه الرهن الذي بعت، وتكون قيمته كقيمة الأول فلك أخذ الثمن وإلا بقي الثمن رهنًا إلى الأجل، ولم يعجل للمرتهن حقه، وهذا إذا بيع بإذن المرتهن ولم يسلمه من يده إلا إلى المبتاع وأخذ منه الثمن، وأما إن أسلمه إلى الراهن فباعه خرج من الرهن. م قال بعض الفقهاء: وقيل لو أسلمه لحلف أيضًا وأوقف الثمن. ومن كتاب ابن المواز: قلت: فإن كان المرتهن وصله إلى الراهن حتى باعه، فقلت بيعه جائز ولا يعجل الحق، كما لو باعه قبل الحوز، أرأيت إن قال المرتهن إني إنما وصلته إليك لتبيعه ولتعجل لي حقي، وأنكر الراهن، قال: قال أشهب: يحلف المرتهن، والقول قوله ولا يضره قيام الغرماء إن كان ذلك بقرب دفعه إليه، فإن كان ذلك ليس بقربه، فقام الغرماء قبل أخذك للثمن فهم أحق بالثمن.

قال في المجموعة: إذا باعه الراهن بإذن المرتهن، فلا أرى الثمن به رهنًا إلا أن يكون اشترط ذلك المرتهن فيكون رهنًا، وإن اشترط عند الإذن أن يقبض حقه، فإن ذلك لا يصلح، وأراه رهنًا إلى أجله. م لأن اشتراط تعجيل الثمن عند الإذن في البيع سلف جر نفعًا. فصل [3 - إذا تعدى المرتهن على الرهن ببيع أو هبة فللراهن رده] ومن المدونة: فإن تعدى المرتهن فباع الرهن أو وهبه فلربه رده حيث وجده فيأخذه ويدفع ما عليه، ويتبع المبتاع بائعه [بالثمن] فيلزمه بحقه. يريد أن الراهن يدفع ما عليه إلى مشتري الرهن ويأخذه منه، وإن كان ذلك أقل من ثمنه الذي دفعه المشتري فيه، رجع المشتري ببقية ثمنه على بائعه، وكذلك في كتاب ابن المواز. م يريد أن المرتهن باعه وقد حل الأجل، وأما لو لم يحل فإن الراهن مخير في إجازة البيع ويقبض جميع الثمن، ولا يرده إلى المرتهن ويجعله بيد عدل رهنًا إلى الأجلح لأنه وإن ظلم في بيعه فلا ظلم في فسخ رهنه إلا أن يأتي ربه برهن مثله فله

أن يقبض الثمن ويوقف له الرهن، وكذلك إن رد البيع، فإنه يجعل الرهن بيد عدل لئلا يبيعه ثانية، وهذا على مذهب ابن القاسم، قاله في الذي كسر الخلخال الرهن أن قيمته توضع على يد عدل، فكذلك هذا، وأما على مذهب أشهب فإن الراهن يقبض الثمن ولا يتعجله المرتهن من دينه؛ لأنه الفاسخ لرهنه. [قال] ابن المواز: وقال أشهب: فإن فات الرهن غرم فيه المرتهن الأكثر من الثمن أو قيمته يوم باعه، فيأخذ ذلك منه الراهن، ولا يحبس منه المرتهن شيئًا بحقه إذا كان لم يحل؛ لأنه الفاسخ لرهنه، ولو كان التعدي ممن وضع على يديه وفات، غرم الأكثر مما ذكرنا، ويعجل المرتهن دينه إذا كان ذلك كصفة الدين وإن لم يحل الأجل؛ لأن وقف ذلك ضرر. م ابن القاسم يرى في مثل هذا إيقاف الثمن، فإن بيع بمثل صفة الدين لعل الراهن يأتي برهن مثل الرهن ويأخذ ذلك الثمن، وأما لو أيس أن يأتي برهن قبل الأجل، ما كان في وقف الثمن فائدة بل ذلك ضرر عليهما جميعًا من غير انتفاع للذي عليه الدين في ذلك. [فصل 4 - في الرجل يبيع السلعة على أن يأخذها رهنًا بغير عينه أو رهنًا بعينه] ومن كتاب الرهون قال ابن القاسم: وإذا بعت من رجل سلعة على أن يرهنك عبده ميمونًا بحقك، ففارقته قبل قبضه لم يبطل الرهن ولك أخذه منه رهنًا ما لم يقم عليه الغرماء فتكون أسوتهم، وإن باعه قبل أن يقبضه مضى البيع وليس لك أخذه

برهن غيره؛ لأن تركك إياه حتى باعه وقد أمكنك منه أيضًا كتسليمك لذلك وبيعك الأول غير منتقض. م واختلف في بيع الهبة قبل الحوز، فقال ابن القاسم: إن لم يعلم الموهوب نقض البيع وإن علم مضى البيع لحق المشتري وعوض الموهوب الثمن. وقال أشهب: لا شيء عليه للموهوب في الثمن ولا ينقض له بيع وإن لم يعلم، وتبطل الهبة كبطلان الرهن إذا بيع قبل الحوز.

[الباب الرابع] ما يدخل في الرهن من ولد أو غلة أو مال عبد، ورهن ما لم يبد صلاحه

[الباب الرابع] ما يدخل في الرهن من ولد أو غلة أو مال عبد، ورهن ما لم يبد صلاحه [الفصل 1 - في رهن الحامل واشتراط استثناء جنينها وفي رهن النخل] والقضاء أن من ارتهن أمة حاملاًَ أن ما في بطنها وما تلد بعد ذلك رهن معها كالبيع، وكذلك نتاج الحيوان كله وقاله مالك. قال ابن المواز: ولو شرط أن ما تلد ليس برهن معها لم يجز. قال عنه أشهب في العتبية: ويجوز أن يرهن أمة دون ولدها الصغير، وتباع مع ولدها، فيكون أولى بحصتها من الثمن، وهو في الفاضل أسوة الغرماء، وكذلك هبة الجارية دون ولدها جائز ولا يباعان إلا جميعًا. قال فيه وفي المدونة: ومن ارتهن نخلاً لم يدخل في الرهن ما فيها من تمر أبر أو لم يؤبر، أزهى أو لم يزه، ولا ما يتمر بعد ذلك إلا أن يشترط ذلك المرتهن، وولد الأمة في ذلك بخلاف ما تثمر الأصول لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الثمرة المأبورة في بيع

الأصول للبائع ولا خلاف عندنا أن الأمة إذا بيعت حاملاً أن الولد للمبتاع. /م وقال بعض العلماء: ولأن كل حكم استقر في رقبة الأم فإنه يسري إلى ولدها، أصله أم الولد والمدبرة فكذلك حكم الرهن؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرهن من الراهن له غنمه- أي غلته- وعليه غرمه)، فما كان من غلة فهي للراهن بما ملكه النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بخلاف الولد. قال ابن القاسم وأشهب عن مالك: كل رهن له غلة فلا تكون الغلة رهنًا إلا أن تشترط فتكون رهنًا إلى محل الحق. [فصل 2 - غلة الرهن وصوف الغنم الرهن وألبانها لمن تكون؟] [ومن المدونة] قال مالك: وكراء الدور وإجارة العبيد كل ذلك للراهن؛ لأنه غلة ولا يكون في الرهن إلا أن يشترطه المرتهن، وكذلك صوف الغنم وألبانها. قال ابن القاسم: إلا صوفًا كمل نباته يوم الرهن فإنه يكون رهنًا معها.

[قال]: ابن المواز: وقال أشهب: تم الصوف أو لم يتم هو كالغلة، وكلبن في ضروعها وكتمرة مزهيه أو مأبورة في النخل يوم رهن النخل. م وقاسه ابن القاسم على البيع؛ لأن من باع نخلاً وفيها ثمر مزهي أن الثمرة للبائع، فكذلك يكون في الرهن، وإن باع غنمًا عليها صوف قد تم أنه يكون للمشتري، فكذلك يكون في الرهن للمرتهن، وذهب بعض القرويين: أن الثمرة لو كانت يابسة يوم الرهن لكانت للمرتهن كالصوف التام. قال: وإنما فرق بين مسألتي الكتاب؛ لأن الثمرة تترك لتزداد طيبًا، فهو غلة لم يرهنها إياه والصوف لا فائدة لبقائه، فلما سكتا عنه كان رهنًا مع الغنم. م وعلة ابن القاسم أنه قاسه على البيع، فبطل هذا ولهذا وجه في القياس؛ لأن الرهن لا يجري مجرى البيع في جميع وجوهه، ألا تراه إذا باعه نخلاً وفيها ثمر لم يؤبر أن ذلك للمبتاع، وهو في الرهن للراهن، فالقياس على الغلة أولى لقوله صلى الله عليه وسلم (الرهن من الراهن له غنمه وعليه غرمه). [فصل - في مال العبد الرهن وما وهب له هل يكون رهنًا] ومن المدونة: ولا يكون مال العبد الرهن رهنًا إلا أن يشترطه المرتهن كالبيع، فيدخل في البيع والرهن، كان ماله معلومًا أو مجهولاً.

قال في المجموعة: ويجوز ارتهان مال العبد دونه فيكون له معلومه ومجهوله يوم الرهن إن قبضه، ولا ينفرد في البيع؛ لأنه غرر في المعاوضات ولا غرر في الرهن، وكما يجوز رهن الثمرة التي لم يبد صلاحها ولا يجوز بيعها. ومن المدونة: ولا يكون ما وهب للعبد الرهن رهنًا معه. [قال] أشهب في المجموعة: ولا يكون ما وهب له رهنًا معه، وإن شرط ماله رهنًا معه، وأما ما ربح في ماله المشترط فهو رهن معه كالأصل، كما أن من أوصى بوصايا فلا تدخل فيما لم يعلم به من ماله، ويدخل فيما علم وفي أرباح ما علم. يريد: ربح فيه قبل موته أو بعد موته. م قال بعض الفقهاء: والأشبه أن يكون ما وهب له أن يدخل في الرهن كماله كما إذا بيع بخيار واشترط المشتري ماله فأفاد مالاً في أيام الخيار بهبة أو صدقة أو وصية ينبغي أن يكون ما أفاد للمشتري، وقد وقع في كتاب المكاتب من المدونة في التي كاتبها بالخيار أن ما أفادت في أيام الخيار لسيدها، وليس هذا أيضًا بقياس؛ لأن هذه مسألة تمامها في أيام الخيار، وهذا في المدونة لغير ابن القاسم، والمعروف أن ما بيع بالخيار من العبيد واستثنى المشتري ماله، أن ما وهب له في أيام الخيار يكون للعبد مع ماله المستثنى.

قال أشهب: وإن ارتهنت مصابة رجل من رقبة بئر، فغلة البئر للراهن، ولو ارتهن الماء/ بعينه كانت غلة البئر لك، ولك أن تأخذها من حقك إن كان من قرض، وإن كان إلى أجل، وأما إن كان من بيع فليكن ذلك بيد من كان الرهن بيده إلى محل دينك ولا يتعجله بغير إذن الراهن؛ لما اتقي من الذريعة أن تكون تبايعتما على أن تأخذ من الماء حقك قبل أن يحل، وأنك لا تدري متى يصل إليك حقك. [فصل 4 - في رهن تمر نخل أو زرع قبل بدو صلاحه] ومن المدونة: قال مالك: ومن ارتهن تمر نخل أو زرع قبل بدو صلاحها أو بعد جاز ذلك إن حازه المرتهن أو عدل يرضيان به، ويتولى من يحوزه سقيه وعلاجه، وأجر السقي في ذلك على الراهن، كما أن عليه نفقة الدابة أو العبد الرهن، وعليه كسوة العبد الرهن وكفنه إن مات ودفنه. قال مالك: ولمن ارتهن ثمرة نخل أو زرع قبل بدو صلاحه أو بعد أن يأخذ النخل معها والأرض مع الزرع ليتم له الحوز ثم لا يكون له رهنًا في قيام الغرماء إلا الثمرة أو الزرع خاصة، والنخل والأرض للغرماء ويدخل معهم فيه إن بقي له شيء والله الموفق للصواب.

[الباب الخامس] في الرهن في الكفالة ودم الخطأ والعارية وشيء من ضمان الرهان

[الباب الخامس] في الرهن في الكفالة ودم الخطأ والعارية وشيء من ضمان الرهان [الفصل 1 - في الرهن في الكفالة ودم الخطأ والعارية] قال مالك: وإن تكفلت لرجل بدين وأعطيته بذلك رهنًا جاز، فإن هلك الرهن عند المرتهن وهو مما يغاب عليه ضمنه، فإن كانت قيمته كفاف الدين، فقد استوفى المرتهن حقه وترجع أنت على الذي عليه الحق بقيمة رهنك، وسواء في هذا تكفلت عن المطلوب بأمره أو بغير أمره أو أعطيت الرهن بأمره أو بغير أمره، فأما إن رهنته بأمر المطلوب، وقيمة الرهن أكثر من الدين، رجعت على المطلوب خاصة بمبلغ الدين من رهنك، ويسقط دين المرتهن، وترجع بفضل قيمة رهنك على المرتهن إن شئت أو على المطلوب، فإن أغرمت المطلوب الزيادة رجع بها هو على المرتهن. م وإنما غرم المطلوب الزيادة وهو يعلم أنه لم يستهلكها، والمستعير لا يضمن إلا ما استهلكه، لكنه ضمنه لأنه أحله محل المرتهن، وكأنه التزم له ما لزمه. [ومن المدونة]: وإن كنت رهنته بغير أمر المطلوب، رجعت على المطلوب بالدين فقط، ولا تتبع بالزيادة إلا المرتهن خاصة، وإن تكفلت لرجل بحق عليه وأخذت منه بذلك رهنًا جاز، ويجوز الرهن في دم الخطأ إن علم الراهن أن الدية على

العاقلة ولو ظن أن ذلك يلزمه وحده لم يجز، وله رد الرهن، وكذلك الكفالة فيه، وإن استعرت من رجل دابة على أنه مضمونة عليك لم تضمنها، وإن رهنته بها رهنًا فهلكت، فمصيبتها من ربها، والرهن فيها لا يجوز. وقال أشهب في المجموعة: هو مرة رهن ومرة ليس برهن إن أصيبت الدابة بما يضمنها به، فهو رهن وإن كان بأمر من الله بغير تعديك لم يكن رهنًا إذ لا يضمن ذلك. [فصل 2 - في ضمان الرهن إذا ضاع ورهن العارية والرهن في الإجارة] ومن المدونة: وإن ضاع الرهن عنده ضمنه إذ لم يأخذه على الأمانة، قال: ويجوز الرهن بالعارية التي يغاب عليها؛ لأنها مضمونة، ومن استأجر عبد رجل فأعطاه بالإجارة رهنًا جاز ذلك. فصل [3 - فيمن ادعى قبل رجل دينًا فأعطاه رهنًا فضاع] ومن ادعى قبل رجل دينًا فأعطاه به رهنًا يغاب عليه، فضاع الرهن عنده، وتصادقا أن دعواه باطل، أو كان قد اقتضاه ولم يعلم فهو ضامن للرهن إذ لم يأخذه على الأمانة. قال ابن المواز: قال أشهب: ولو كان الرهن حيوانًا ضمنه إذا أقر أن دعواه كانت باطلاً؛ لأنه/ كالغصب.

ومن المدونة: قال مالك: ومن كانت له على رجل دنانير فتعلق به فدفع إليه دراهم حتى يصارفه بها، فزعم أنها ضاعت منه، فهو ضامن لها إذا لم يقبضها على الأمانة، وكذلك جميع الصناع ما دفع إليهم ليعملوه بأجر أو بغير أجر، فادعوا ضياعه أنهم يضمنونه، وكذلك من قبض من رجل رهنًا في دين عليه فقبض المرتهن دينه أو وهبه للراهن، ثم ضاع الرهن عنده بعد ذلك فإنه يضمنه، وإن زادت قيمته على الدين. وكذلك من صرف دراهم بدنانير فقبض الدراهم وأعطاه بالدنانير رهنًا وجهلاً أنه لا يجوز، فالرهن إن ضاع من المرتهن، فإن كانت قيمة الرهن مثل الدراهم برئ الراهن، وإن زادت او نقصت ترادا الفضل. وقال أشهب في غير المدونة: هو رهن بالأقل من قيمة الدنانير أو الدراهم، وما زاد فهو فيه أسوة الغرماء. [فصل 4 - في أخذ الرهن بالقراض] ومن المدونة قال: ومن أخذ رهنًا بقراض لم يجز إلا أنه إن ضاع ضمنه إذا لم يأخذه على الأمانة، وإن دفعت إلى رجل رهنًا بكل ما أقرض لفلان جاز. قال محمد بن عبد الله بن يونس: قال بعض أصحابنا ويكون الرهن بما داينه فيه رهنًا ما لم تجاوز قيمة الرهن ولا يراعى ما يشبه أن يداين به، بخلاف

مسألة الحمالة الذي قال له داينه، فما داينته به، فأنا حميل به لأن الذي أعطاه رهنًا قد بين له بالرهن مقدار ما يقرضه، فإذا جاوزه لم يلزمه، والله أعلم. [فصل 5 - في الرهن يقبضه وكيل المرتهن بأمره ثم يهلك بيده] قال مالك: وإذا قبض الرهن وكيل المرتهن بأمر من الراهن فهلك بيده، وهو مما يغاب عليه فهو من المرتهن؛ لأن قبض وكيله كقبضه وليس كالعدل الذي تراضيا به.

[الباب السادس] في المرتهن يشترط بيع الرهن إن لم يأته بحقه

[الباب السادس] في المرتهن يشترط بيع الرهن إن لم يأته بحقه [الفصل 1 - في اشتراط إذن السلطان لبيع الرهن] قال مالك رحمه الله: ومن ارتهن رهنًا وجعلاه على يدي عدل أو على يدي المرتهن إلى أجل كذا وشرط إن جاء الراهن بحقه إلى ذلك الأجل، وإلا فلمن على يديه الرهن بيعه، فلا يباع إلا بإذن السلطان وإن اشترط ذلك، فإن بيع بغير إذن السلطان نفذ بيعه ولم يرد. ومن العتبية والمجموعة: قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه قال: إن أصاب وجه البيع أنفذ، فات أو لم يفت، ثم قال: أما الشيء التافه فيمضي فات أو لم يفت. وأما ما له بال فيرد إن لم يفت، وأحب قوله إلى أن يمضي إذا أصاب وجه البيع كان مما له بال أو لم يكن؛ لأنه بيع بأمر ربه وضمنه مشتريه. وقال ابن المواز عن ابن القاسم: يجوز إذا أصاب وجه البيع إلا ما كان له بال مثل الدور والرقيق والحيوان، وما كان له بال أيضًا في العدد، فإن ذلك يرد فيه البيع إن لم يفت، فإن فات لزم المرتهن الأكثر من قيمته أو الثمن الذي بيع به، وبلغني ذلك عن مالك.

وروى أشهب عن مالك أنه قال: أما القضب والمقثاة وما يباع من الثمار شيئًا بعد شيء، فبيع بمحضر ملأ وجماعة فبيعه جائز؛ لأن مثل هذا إذا أُخر إلى مطالعة السلطان لم يؤمن فيه الفساد والنقص ودخول الآفات، فليبعه بغير أمر كما شرط وأما الدار والعبد، فلابد من السلطان؛ لأن له نظرًا في بعض الأمور أن لا يعجل عليه ببيع ربعه وعبده وغرضه، ولعله يخشى عليه، فرأي السلطان أولى. قال غيره: ليس المرتهن في ذلك كوكيل البيع؛ لأن المرتهن إنما وكل على بيع ذلك الرهن اضطرارًا لأجل الدين الذي له، وقد يستعجل في البيع لأخذ ماله/ فاحتيج إلى نظر السلطان لينظر في بعد غيبة الراهن وقر بها، وهل له مال يقضي منه دينه، وفيما يجب أن يباع عليه في الدين الرهن أو غيره، والثاني في بيع الأشياء مختلف، ليس بيع الرباع في ذلك كالعروض فلذلك احتيج إلى نظر السلطان. قال أشهب: وهذا بموضع السلطان، وأما في بلد لا سلطان فيه أو فيه سلطان يعسر تناوله، فبيعه جائز إذا صح وأبلى العذر. م واختصار اختلافهم في بيعه بغير إذن السلطان أنه لم يختلف قول مالك وابن القاسم في بيع التافه أنه يمضي، واختلف قولهما فيما له بال، فقال مرة أنه يمضي،

وقالا مرة: أنه يرد إن لم يفت. قال ابن القاسم: فإن فات لزمه الأكثر من الثمن أو القيمة، وروى أشهب أنه يمضي فيما يخشى فساده ويرد فيما لا يخشى فسادة. [الفصل 2 - فيما إذا لم يأذن الراهن ببيع الرهن وكيفية بيعه] ومن المدونة: قال ابن القاسم: إذا لم يأذن لك الراهن في بيعه، رفعه المرتهن إذا حل الأجل إلى السلطان، فإن أوفاه حقه وإلا باع الرهن وأوفاه حقه. ومن المجموعة: قال غيره: إذا أمر الإمام ببيع الرهن فأما الرهن اليسير الثمن فإنه يباع في مجلس، وأما ما كثر ثمنه ففي الأيام، وأما أكثر من ذلك ففي أكثر حتى يشتهر ويسمع به كالجارية الفارهة والثوب الرفيع والدار والمنزل، وربما نودي على السلعة الشهرين والثلاثة كل شيء بقدره.

[الباب السابع] في تعدي العدل وتفسير مسألة محمد فيه وموت العدل

[الباب السابع] في تعدي العدل وتفسير مسألة محمد فيه وموت العدل [الفصل 1 - في تعدي العدل] قال مالك رحمه الله: وإذا تعدى العدل على رهن في يديه فدفعه إلى الراهن أو إلى المرتهن فضاع وهو مما يغاب عليه، فإن دفعه إلى الراهن ضمن للمرتهن- يريد يضمن له الأقل من قيمته أو الدين- فإن دفعه إلى المرتهن ضمنه للراهن، فإن كان كفاف الدين سقط دين المرتهن لهلاكه بيده- يريد وبرئ العدل- فإن كان فيه فضل ضمن العدل الفضل للراهن- يريد ويرجع بها هو على المرتهن. فصل [2 - في تفسير مسألة تعدي العدل من كتاب ابن المواز] وذكر أبو محمد بن زيد رضي الله عنه مسألة تعدي العدل من كتاب محمد وفسرها في النوادر فقال: ومن كتاب محمد: وإذا دفع الموضوع على يديه الرهن إلى ربه بأجرة أو غيرها بغير إذن رب الحق، ثم قام ليرتجعه فذلك له، فإن فات الرهن بموت الراهن أو فلسه، فقام غرماء الراهن، أو لم يوجد الرهن ضمن الأمين، فإن حاص الطالب الغرماء، فنابه عشرة دنانير وهي نصف حقه، وقيمة الرهن عشرة فليرجع على العدل بتمام ما كان يصير له من رقبة الرهن لو لم يسلمه، فقد كان لو أخذ ثمن

الرهن عشرة وحاصهم بعشرة، فليأخذ نصف العشرة التي في يده، كما أخذ كل غريم نصف حقه، ثم قال أبو محمد: ثم انقطع الكلام في كتاب محمد، وإنما بقي إذا ضمن الأمين قيمة الرهن عشرة وأخذها منه، وهي نصف دينه، فكان يجب له الحصاص بعشرة فيرد خمسة مما كان قبض في الحصاص، ويحاصهم فيها بخمسة فتصيبه منها ديناران إلا ثلثًا. م وبيان كلام أبي محمد وتأويله كأن على الراهن لرجل عشرون دينارًا وللمرتهن عشرون وبيد العدل الرهن بها، وقيمته عشرة فدفعه إلى الراهن ثم قام عليه الغريم ففلسه، فوجد بيده الرهن وعشرة دنانير فحاصه فيها المرتهن، فناب كل واحد عشرة، ثم يرجع المرتهن على العدل/ فيأخذ منه قيمة الرهن عشرة ويمسك من العشرة التي صارت له في الحصاص نصفها خمسة، كما أخذ كل غريم نصف حقه ويرد الخمسة الأخرى فيحاص فيها هو بما بقي له وهو خمسة والغريم بما بقي له وهو عشرة فيقسم بينهما أثلاثًا، فيصيبه منها ديناران إلا ثلثًا.

م وهذا على قياس قول يحيى بن عمر في مسألة المدونة، إذا ارتهن زرعًا لم يبد صلاحه ثم فلس الغريم فحاص المرتهن الغرماء الآن بجميع دينه فنابه في الحصاص نصف حقه، ثم بيع الزرع بعد طيبه بمثل نصف حقه فإنه يأخذ مما كان قبض في المحاصة نصف حقه كما أخذ كل غريم نصف حقه ثم يرد ما بقي فيتحاصون فيه، وهذه المسألة لا تشبه مسألة تعدي العدل إذا رد الرهن إلى ربه؛ لأن تعدي العدل قد أوجب أن يضرب المرتهن مع الغرماء بجميع دينه كدين لا رهن فيه، يضرب بذلك عنه وعن العدل؛ لأن العدل صار غريمًا معهم بقيمة الرهن الذي أعاده إلى الراهن والعشرة التي أخذ المرتهن في الحصاص نصفها، إنما أخذه بسبب العدل، فلا يرجع عليه إلا ببقية قيمة الرهن، وذلك خمسة، ثم لا يدخل الغرماء عليه فيها؛ لأنه إنما يحاص بدين لا رهن فيه لرجوع الرهن إلى ربه فهو كأحدهم، وأبو محمد أوجب له أن يرجع على العدل بجميع قيمة الرهن ثم يدخل عليه الغرماء فيه كمسألة ارتهان الزرع. وإنما كان يشبه مسألة تعدي العدل مسألة ارتهان الزرع، لو أن العدل عدى على الرهن فأكله، فها هنا يحاص المرتهن بجميع دينه عن نفسه خوفًا من إغرام العدل فلا يصح له من الرهن شيء كما يحاصهم في مسألة ارتهان الزرع ثم يرجع

على العدل فيغرمه جميع قيمة الرهن، فإذا أغرمه رجع عليه الغرماء فيما أخذ كمسألة الرهن الزرع إذا باعه. م وإنما يرجع على العدل في مسألتنا بجميع قيمة الرهن أن لو بدأ به قبل الحصاص فأغرمه قيمة الرهن ثم يكون للعدل أن يحاصصهم فيما بيد الراهن يضرب هو فيه بعشرة قيمة للرهن والمرتهن ببقية دينه عشرة، والغريم الآخر بدينه عشرين، فيقع للمرتهن خمسة وقد أخذ عشرة فذلك ثلاثة أرباع حقه، ويقع للعدل خمسة وقد غرم عشرة فيحصل غرمه خمسة، فكذلك إذا بدأ لمرتهن بالحصاص فنابه عشرة، فإنما يرجع على العدل بخمسة فيحصل له ثلاثة أرباع دينه كما قال محمد، ويحصل غرم العدل خمسة، فتأمله تقف على صوابه إن شاء الله. م وكان شيخنا عتيق الفقيه الفرضي يقول: إذا تحاص الغرماء والمرتهن فيما بيد الراهن، فإنما يرجع على العدل بتمام ما كان يصير له في المحاصة مع الغرماء بعد الذي يصير له من رقبة الرهن لو لم يسلمه على ما قال محمد أول كلامه. قال: وما بعد ذلك من كلام محمد فغلط في الحساب، قال: فلا فرق أيضًا بين أن يكون الرهن قائمًا بيد الراهن وبين أن يكون تلف أو مات.

م وبيان ذلك أن تجعل كأن على الراهن دينًا لرجل عشرون دينارًا وللمرتهن عشرون وبيد العدل رهن قيمته عشرة فتعدى فدفعه إلى الراهن ثم قام عليه الغريم ففلسه، والرهن قائم بيده ومعه عشرة دنانير غيره، فحاصة المرتهن في ذلك فنابه عشرة فينظر إلى ما كان يصير له في المحاصة لو لم يسلم الأمين الرهن فيرجع به عليه، وقد علمت أنه لو لم يسلم الأمين الرهن لأخذه منه، ثم يضرب ببقية دينه عشرة والغريم بعشرين فيما بيد الراهن، وذلك عشرة، فيأخذ المرتهن منها ثلثها، ثلاثة وثلثا، فهي التي يرجع بها على العدل، وإن كان الراهن أتلف الرهن/ حين رده عليه أو هلك بأمر من الله، ثم قيم عليه الآن وبيده عشرون فليتحاص فيها الغريم والمرتهن، فيصير للمرتهن منها عشرة ثم يرجع على العدل بما نقصه إسلام الرهن وذلك ستة وثلثان؛ لأنه يقول له: لو أخذت منك الرهن كنت أحاص الغريم في العشرين بعشرة وهو بعشرين، فيصح لي ثلث العشرين ستة وثلثان فادفعها إليّ، فهي التي أتلفت على بإسلامك الرهن. وحكى نحو هذا القول أبو محمد عبد الحق الفقيه عن جماعة من القرويين وهو ظاهر أول كلام محمد وليس بصحيح.

قال محمد بن يونس رحمه الله: وقد تأملت كلام محمد في هذه المسألة في الأمهات فرأيت أن الفقه والصواب ما فسره محمد في آخر كلامه، وأن أول كلامه فيه بعض إبهام يرد إلى المفسر وأنا أذكر نص كلام محمد في كتابه، وما ظهر لي فيه مع أن ما قدمنا فيه كفاية، والله أسأله التوفيق. قال ابن المواز: وإذا أسلم الموضوع على يديه الرهن بأجرة أو بغيرها بغير أمر صاحب الحق ثم قام ليرتجعه فذلك له، فإن فات بموت الراهن أو فلسه، فقام غرماء الراهن أو لم يوجد الرهن ضمن الأمين، فإن حاص الطالب الغرماء في رهنه وفي سائر مال الراهن فصار له نصف حقه، وهو قدر قيمة الرهن فليرجع على العدل بما كان يصير له مع الغرماء بعد الذي يصير له من رقبة الرهن لو لم يسلمه فيحسب ذلك ويعرفه، فقد كان يصير له معهم سوى الرهن نحو من ربع حقه، ومن الرهن نصف حقه، فذلك ثلاثة أرباع حقه. م يريد محمد؛ لأنه لو لم يسلم الرهن حتى فلس الراهن وبيده عشرة يضرب فيها المرتهن بجميع دينه خوفًا من هلاك الرهن قبل بيعه، كما قال في مسألة ارتهان الزرع، فإذا ضرب بجميع دينه، فنابه من العشرة خمسة وهي ربع حقه، فليرجع على العدل فيأخذ منه رهنه وقيمة مثل نصف دينه، فيحصل له ثلاثة أرباع حقه، فكذلك إذا أسلم العدل الرهن، فحاص فيه المرتهن وفي العشرة فنابه عشرة وهي نصف حقه، فليرجع على العدل بربع حقه ليكمل له ثلاثة أرباع حقه، كما كمل له أولاً. م وجواب محمد صحيح أنه يصح له ثلاثة أرباع حقه وحجته وعلته فاسدة؛ لأن العدل يقول له لو لم تسلم الرهن فحاصصت الغرماء، فنابك ربع حقك ثم رجعت

عليَّ فأخذت الرهن وقيمة نصف دينك لرجع عليك الغرماء، فيما أخذت في الحصاص فيأخذون ثلاثة؛ لأنهم يقولون له قد بان أن ما كان يجب لك الحصاص معنا في العشرة بعشرة، فحصتك منها ثلاثة وثلث، وأنت أخذت خمسة فرد علينا دينارين إلا ثلثا، فجميع ما يحصل لك لو لم تسلم الرهن ثلاثة عشر وثلث، وقد أخذت لما أسلمته في المحاصة عشرة، فخذ مني ما نقصك ثلاثة وثلثا، فبطل اعتلال محمد بهذا التشبيه أن يصح له ثلاثة أرباع حقه. م ولكن الحجة له في ذلك أن يقول للعدل أنت قد حصل منك الإسلام ولزمك لي الضمان، وبإسلامك أبرأت ذمة الراهن، وصرت كغريم داينته، فإن شئت فاغرم لي قيمة رهني وادخل معنا في الحصاص فيما بيده، أو أحاصص انا واغرم لي ما نقصني ولا تحاسبني على أنك لو لم تسلم الرهن، وأنت قد أسلمته وذلك يختلف فيما يصير لي فتظلمني، فإن قيل فليس له تضمين العدل إلا ما نقصه إسلام رهنه، وهو الذي أدخل عليه الضرر فيه، ولا له أن يبدأ به؟ قيل له قد قال محمد أول كلامه إذا تعدى العدل، فدفع الرهن إلى الراهن ففلس الراهن، كان الموضوع على يديه الرهن ضامنًا، وكذلك في المدونة وقاله ابن القاسم/ في المستخرجة أن للمرتهن أن يضمن الأمين قيمة الرهن إذا كان له مال، ويكون الأمين مع الغرماء في الرهن وفي غيره من مال الراهن أسوة.

م وهذا نص قولنا. قال عيسى وإن لم يكن للأمين مال، كان المرتهن في الرهن أسوة الغرماء، ورواها أصبغ، وقال: إن لم يكن للأمين مال كان المرتهن أحق بالرهن، وهذا إذا لم يعلم المرتهن بالرد، فإذا علم فتركه فلا رد له. فهذا نص بين واتفاق أن له أن يبدأ بالعدل فيضمنه ثم يرجعوا كلهم فيتحاصون فيما بيد الراهن، فعلى هذا يحاسبه إن بدأ بالحصاص، وأيضًا فإن من حجة المرتهن أن يقول له أنت لو لم تسلم الرهن لم يكن في المحاصة للغريم منه شيء أو كان له جميعه، ولما أسلمته لم يحصل لي إلا نصفه، فقد أتلفت علي نصفه فادفع لي نصف قيمته خمسة فيحصل لي ثلاثة أرباع حقي، هذا هو الحق، والصواب إن شاء الله. ولأن المرتهن يقول: لو كان الرهن بيدي ففلس الراهن، لم يكن عليّ أن أحاصص غرماءه وأبيع من الرهن ما نقص من ديني، بل أبيع جميع الرهن وأقبض منه ديني كالكفيل إذا فلس المكفول به أن ليس على الطالب المحاصة والرجوع على الكفيل بما نقص من دينه، بل له إغرام الكفيل جميع دينه، ويحاص الكفيل غرماء المكفول، فلما أتلف العدل الرهن الذي هو كالكفيل، صار عليه حكمه، فلم يجب على المرتهن أن يحاص غرماء الراهن، ويرجع على العدل بما نقصه إسلامه، بل له إغرامه قيمة الرهن، ويرجع فيحاص بذلك الكفيل، وبالله التوفيق. [فصل 3 - في موت العدل وبيده الرهن] ومن المدونة: وإذا مات العدل وبيده رهن فليس له أن يوصي عند موته بوضعه عند غيره، وذلك إلى المتراهنين، وبالله التوفيق.

[الباب الثامن] في المأمور يبيع الرهن ويتلف الثمن أو يدفعه للمرتهن فينكر قبضه أو يبيعه بغير العين، وفي استحقاق الرهن بعد بيعه واختلاف المتراهنين]

[الباب الثامن] في المأمور يبيع الرهن ويتلف الثمن أو يدفعه للمرتهن فينكر قبضه أو يبيعه بغير العين، وفي استحقاق الرهن بعد بيعه واختلاف المتراهنين] [الفصل 1 - في المأمور يبيع الرهن بأمر السلطان فيبيعه ثم يضيع الثمن] قال ابن القاسم: وإذا أمر السلطان رجلاً ببيع الرهن ليقضي للمرتهن حقه، فباعه ثم ضاع الثمن لم يضمنه المأمور، وصدق في ضياعه، وإن اتهم حلف، وكان الثمن من الذي له الدين، كقول مالك في ضياع ثمن ما باعه السلطان لغرماء المفلس أنه من الغرماء. [قال] ابن المواز: وروى عنه أشهب أنه من ربه حتى يصل إلى غرمائه. م وحكي عن بعض القرويين أنه قال: إنما يكون ضياع الثمن من الذي له الدين على قول ابن القاسم إذا ثبت بيع المأمور للرهن ببينة وإن لم يثبت بيعه إلا بقوله، فإن الراهن لا يبرأ من الثمن؛ لأن صاحب الدين لم يأتمنه على هذا البيع، وذكر أن غيره يخالفه ويقول ذلك سواء، وضمان الرهن من المرتهن. م وهذا هو الصواب، وعليه يدل ظاهر الكتاب؛ ولأنه قد جعله السلطان أمينًا له على بيعه، فوجب سقوط ضمانه وقبول قوله. ولو ضاع الرهن قبل بيعه، لكان على قول ابن القاسم من ربه وعلى قول ابن الماجشون من الذي ليس له الدين، وهذا كاختلافهم في ضياع مال المفلس الموقوف للغرماء.

[فصل 2 - في المأمور يبيع الرهن ويدفع ثمنه للمرتهن وينكر المرتهن] ومن المدونة: وإن قال المأمور: بعت الرهن بمئة وقضيتها المرتهن، وقال المرتهن: ما أخذت منه شيئًا صدق المرتهن. م ولو كان المرتهن هو الذي أمره ببيعه لصدق المأمور، مع يمينه في دفعه إلى المرتهن؛ لأن الموكل على البيع مصدق في دفع الثمن إلى الآمر. [فصل 3 - إذا قال العدل بعت الرهن بمئة ودفعتها للمرتهن وقال المرتهن بل بخمسين] قال ابن القاسم: ولو قال المرتهن إنما باعه بخمسين وقضانيها، وقال الأمين بل بعته بمئة وقضيتها للمرتهن ضمن المأمور الخمسين الباقية بإقراره أنه باع بمئة كالمأمور يدفع مئة دينار إلى رجل يدعي دفعها إليه، وقال الرجل: لم أقبض إلا خمسين فالمأمور ضامن بخمسين. وقال أشهب في غير المدونة: ولا يضمن المأمور الخمسين الباقية للمرتهن؛ لأنه أقر أنه بخمسين باع ولكن يضمنها للراهن- يريد ولا يكون المرتهن أحق بها في قيام الغرماء-.

م ولو قال لا ندري بكم باع الرهن إلا أنه لم يدفع إليّ إلا الخمسين، فاحلف وأغرم الأمين الخمسين الأخرى، لكان المرتهن أحق بها من غرماء الراهن. [فصل 4 - في تعدي المأمور وبيعه السلعة بما لا تباع به] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو باع المأمور الرهن بحنطة أو شعير أو بعرض لم يجز، ثم إن ضاع ما قبض فيه ضمنه المأمور بتعديه، ولو باع بالعين لم يضمنه. [قال] ابن المواز: وقال أشهب: إن باعه بمثل ما عليه ولم يكن في ثمنه فضل فذلك جائز وإن باعه بخلاف ما عليه لم يجز. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكذلك الوكيل على بيع سلعة يبيعها بغير العين، فإنه ضامن، وإذا باع السلطان الرهن ودفع ثمنه إلى المرتهن ثم استحق الرهن وقد فات عند المبتاع أو غاب المبتاع فلم يوجد، فللمستحق إجارة البيع وأخذ الثمن من المرتهن ويرجع المرتهن بحقه على الراهن، وقد قاله مالك فيمن باع سلعة فاستحقها صاحبها وقد دارت في أيدي رجال أنه يأخذ الثمن من أيهم شاء. فصل [5 - في اختلاف الراهن والمرتهن في حلول الأجلٍ] قال ابن القاسم: وإذا قال الراهن لم يحل الأجل، وقال المرتهن قد حل، صُدق الراهن؛ لأن المرتهن مقر بأجل يُدعي حلوله، وهذا إذا أتى بما لا يستنكر، وادعى أجلاً يشبه وإلا لم يصدق.

وقال أشهب في غير المدونة: القول قول المرتهن في الأجل، كما يصدق إن قال حال. قال ابن القاسم: وقد قال مالك فيمن ابتاع سلعة ففاتت عنده فادعى أنه ابتاعها بثمن إلى أجل، وقال البائع بل بثمن حال أن المبتاع إن ادعى أجلاً قريبًا لا يستنكر صدق، وإن ادعى أجلاً بعيدًا لم يصدق. وقال ابن القاسم لا يصدق المبتاع في الأجل ويؤخذ بما أقر به من المال حالاً إلا أن يقر بأكثر مما ادعاه البائع فلا يكون للبائع إلا ما ادعى، وقد تقدم إيعاب هذا في السلم الثاني.

[الباب التاسع] في رجوع الرهن إلى الراهن بإجارة أو بوديعة أو عارية أو غيرها وبقية القول في حيازة الرهن

[الباب التاسع] في رجوع الرهن إلى الراهن بإجارة أو بوديعة أو عارية أو غيرها وبقية القول في حيازة الرهن [فصل 1 - في الرهن يرجع إلى الراهن بوديعة أو إجارة] قال تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] فعم فلزم بهذا استدامة القبض وهو شرط في صحته، فمتى عاد إلى الراهن بوجه ما بطل كالابتداء. قال ابن القاسم: ومن ارتهن رهنًا فقبضه ثم أودعه للراهن أو آجره منه أو أعاره إياه أو رده إليه بأي وجه ما حتى يكون الراهن هو الحائز، فقد خرج من الرهن. [قال] ابن المواز: قال ابن القاسم وأشهب: ثم إن قام المرتهن برده قضى له بذلك إلا أن يدخله فوت من تحبيس أو عتق أو تدبير أو بيع أو قام غرماؤه. قال ابن القاسم فيه وفي المدونة: إلا في العارية فليس للمرتهن إن أعاره إياه رده في الرهن إلا أن يعيره على ذلك، فإن أعاره على ذلك ثم لم يرتجعه حتى قام الغرماء على الراهن أو مات كان أسوة الغرماء.

[قال] ابن المواز: وقال أشهب: العارية وغيرها سواء له رده، ما لم يفت بما ذكرناه. [فصل 2 - فيمن ارتهن أرضًا فأذن للراهن بزراعتها ونحوها] ومن المدونة: قال ابن القاسم وإن ارتهنت أرضًا فزرعها الراهن بإذنك وهي بيدك خرجت من الرهن، وكذلك لو رهنك دارًا فسكنها أو عبدًا ثم اختدمه، فإنه يخرج من الرهن ولو أكراها الراهن بإذنك، كان ذلك خروجًا من الرهن وإسلامًا من المرتهن. قال في كتاب حريم البئر: وكذلك لو أذن المرتهن للراهن أن يسكن أو يكري، فقد خرجت الدار من الرهن وإن لم يسكن أو يكري، وقال أشهب: بل حتى يكريها. قال ابن القاسم: وكذلك لو ارتهن بئرًا أو عينًا فإذن لربها أن يسقي بها زرعه لخرجت من الرهن، وإذا أجر المرتهن الرهن أو أعاره بإذن الراهن، وولي المرتهن ذلك ولم يسلمه للراهن لم يكن ذلك خروجًا من الرهن، وهو على حاله، فإن ضاع هذا الرهن عند المستأجر وهو مما يغاب عليه، فضياعه من الراهن لإذنه فيه، وهو بمنزلة الراهن على يدي عدل. قال ابن المواز: ولا يكري المرتهن إلا بإذن الراهن إلا أن يكون على ذلك رهنه.

قال أشهب: أو شرط أن كراءه رهن مع رقبته فله أن يكريه بغير إذنه، وروى ابن عبد الحكم أن له أن يكريه دون صاحبه. فصل [3 - في المرتهن لا يقبض الرهن حتى يموت الراهن أو يفلس] ومن المدونة، قال مالك: وإذا لم يقبض المرتهن الرهن حتى مات الراهن أو فلس، كان أسوة الغرماء في الرهن وغيره. [فصل 4 - في الرهن بين الزوج وزوجته] قال ابن المواز: وقيل لمالك فيمن تسلف من امرأته ورهنها جارية، قال: أحب إلي أن يجعلها على يدي غيرها. وقال لي أصبغ: حوزها حوز وكل ما في بيتها إلا رقبة البيت، ولا يكون سكناها فيه حوزًا له. وقاله ابن القاسم وكذلك الصدقة لا يكون سكناها فيه حوزًا له. م قال بعض الفقهاء: لا فرق بين الدار والخادم والقش؛ فإذ جاز أن يكون هبته للخادم حوزًا لها، مع أن عليه إخدامها، جاز أن يكون هبته للدار حوزًا لها، وإن كان عليه سكناها.

م وإنما قال ذلك أصبغ في خادم لا يخدمها أو قش لا يستخدمانه فهذا الذي يكون بخلاف الدار، وإلا فقد قال: إذا كانت الخادم تخدمها، فقد خرجت من الرهن لكونها تخدمها. من العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك: ومن تسلف من امرأته سلعًا وأرهنها خادمًا تخدمها قال: أحب إلي أن لو جعلاها بيد غيرها. قال أصبغ عن ابن القاسم: إذا رهنها خادمًا له ببقية صداقها قبل البناء فحازتها شهرًا ثم بنى بها الزوج، فكانت الخادم تخدمها، فعدى عليها الزوج فسرقها وباعها قال: بيعه نافذ وقد خرجت من الرهن بكونها تخدمها، ولا تنتفع بمتقدم حيازتها؛ لأنها قد ردتها. فانظر كل من ابتدئ في الرهن فلا يكون بذلك حوزًا، فهذا إذا فعل بعد حوزه، فدخله فوت، فقد انفسخ الحوز، وذلك مخالف للصدقة والهبة، وأصل هذا من قول مالك أن من حبس حبسًا، فحيز ذلك عليه سنينًا ثم سكن ذلك المحبس بكراء أو غيره، فلا يبطل ذلك حبسه فكذلك الصدقة ولو كان رهنًا فقبضه وحازه، ثم رده إلى صاحبه لبطل بعودته إلى يده. وإذا وهب أحد الزوجين لصاحبه أو تصدق عليه بخادم فدفعها إليه فكانت في البيت تخدمها، فذلك حيازة تامة بخلاف الرهن.

وقال مالك في امرأة ارتهنت من زوجها خادمًا، فكانت معها في البيت تخدمها، أن ذلك ليس برهن حتى يخرجها، وقاله أصبغ، قال: هي صحيحة جيدة. م والفرق بين الرهن والصدقة إذا رجعت بعد الحوز إلى الراهن أو المتصدق أن الرهن بعد الحوز باق على ملك الراهن وإنما فيه وثيقة للمرتهن بحوزه، فمتى عاد إلى يديه بطل حق المرتهن لبطلان حوزه، وثبت ذلك للراهن بحوزه بطلان حوزه وملكه. وأما الصدقة فالبحوز انتقل ملك المتصدق عنها، وصحت ملكًا للمتصدق عليه لا حق فيها للمتصدق كالإستبراء، فمتى رجعت إلى يد المتصدق بعد صحة حوزه، وبعد طول مدة لا يتهمان على إظهار الحوز فيها، لم يضر ذلك الصدقة لصحة انتقال الملك كما لو رجعت إليه من يد مشتر. والفرق أيضًا بين رهن أحد الزوجين للآخر خادمًا وهي تخدمها أو صدقته عليه بها؛ لأن عمدة صحة الرهن، إنما هو الحوز وقد شاركه في ذلك الراهن، فصار الراهن حائزًا مالكًا والمرتهن حائزًا فقط، فغلب حوز الراهن لزيادة مزية الملك، وفي الصدقة يصير المتصدق عليه حائزًا مالكًا، والمتصدق حائزًا فقط، فغلب أمر الحائز المالك في الوجهين، وهذا بين وبالله التوفيق.

قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب في المرأة ترتهن من زوجها خادمة في حق لها قبله، ثم أراد طلبها بأجرة خدمتها، قال: إن كانت تعمل لها خاصة من غزل أو صنعة فعليها الأجرة لها، وأما خدمة البيت معها فلا شيء له عليها فيه، وقال أشهب: لا أجرة له، وقال غيره في كتاب ابن عبدوس أما خدمتها قبل البناء فتحاسب به، وأما إذا رهنها إياها بعد البناء فكانت تخدمها في البيت، فلا يكون رهنًا ولا تحاسب بخدمتها. فصل [5 - فيمن اكترى دارًا أو عبدًا سنة ثم ارتهنه قبل انتهائها] ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم عن مالك: ومن اكترى دارًا أو عبدًا سنة وأخذ حائطًا مساقاة، ثم ارتهن شيئًا من ذلك قبل تمام السنة، فلا يكون محازًا للرهن؛ لأنه محاز قبل ذلك بوجه آخر. قيل له فما الفرق بين هذا وبين من رهن فضلة الرهن، وقد تقدم فيه حوز الأول، قال: هذا محوز عن صاحبه، والأول هو باسم صاحبه في المساقاة والكراء والإجارة. قال ابن المواز: هذا محاز له والرهن محاز عنه فهما وجهان مفترقان. م والقياس أنهما سواء.

قال أبو محمد: ومن غير كتاب ابن المواز قاله ابن الماجشون: من ارتهن رهنًا إلى مدة ثم اكتراه ثم فلس ربه، فالمرتهن أحق به، ولو اكتراه أولاً إلى مدة ثم ارتهنه قبل المدة ثم فلس ربه لم يكن هذا أحق به؛ لأنه لم يحزه بالرهن، وحوز الكراء كان أملك به، نحو ما في كتاب محمد. وقال سحنون في المجموعة: مذهب ابن القاسم أنه يجوز للرجل أن يرتهن ما هو في يديه بإجارة أو سقاء، ويكون ذلك حوزًا للمرتهن، مثل الذي يخدم العبد ثم يتصدق به على آخر بعد ذلك فيكون حوز المخدم حوزًا للمتصدق عليه. [فصل 6 - فيمن ارتهن رهنًا وحازه سنة أو سنتين ثم أقام غيره البينة أنه ارتهنه قبله] ومن العتبية من سماع عيسى: ومن ارتهن رهنًا وحازه سنة أو سنتين، ثم أتى غيره فأقام البينة أنه ارتهنه قبله وحازه وقال: لم أعلم برهنه لهذا، قال: يبدأ الأول ويكون ما فضل لهذا الآخر دون الغرماء. قيل قد بيعت الدار للثاني بأمر السلطان، قال: يمضي البيع ويبدأ بدين الأول، لأن حيازته سبقت، ويكون ما فضل لهذا الآخر.

[فصل 7 - فيمن ارتهن دارًا فأكراها من رجل بإذن الراهن ثم أكراها المكتري من الراهن] قال أبو زيد عن ابن القاسم: فيمن ارتهن دارًا فأكراها من رجل بإذن الراهن، ثم أكراها المكتري من الراهن فإن كان المكتري من ناحية رب الدار فالكراء لازم، وقد فسد الرهن، وإن كان أجنبيًا وصح ذلك، فذلك جائز ولا يفسد الرهن. م قال بعض الفقهاء: لما تقدم صحة حوزه للرهن ثم غلب على رده إلى يد صاحبه لم ينتقض الحوز، كالعبد إذا أبق بعد أن حيز الرهن فأخذه الراهن. [فصل 8 - في الحائط الرهن بيد أمين طلب ربه أن يأخذه مساقاة من الأمين] قال ابن القاسم عن مالك في الحائط الرهن بيد أمين طلب ربه أن يأخذه مساقاة من الأمين، قال: هذا يوهن الرهن وكأن لم يره رهنًا، قيل أفيساقيه من الذي له الدين؟ قال: لا بأس بذلك، وقاله ابن القاسم، وقال: فإن أراد الأمين أن يأخذه مساقاة لم يكن له ذلك إلا بإذن المتراهنين.

[فصل 9 - في موت الراهن وقد أكرى المرتهن الرهن الذي حازه في حياة الراهن من بعض ورثته وحكم وضع الرهن على يد ابن صاحب الرهن ونحوه] ومن كتاب ابن المواز: قال ابن الماجشون: وإذا مات الراهن وقد أكرى المرتهن الرهن الذي حازه في حياة الراهن من بعض ورثته، فلا يخرج بذلك من الرهن، وهو أولى به من الغرماء، قال ابن المواز: صواب؛ لأنه ليس للابن فيه ميراث؛ لأنه قد غرق في الدين ولو كان ذلك والأب حي، لكان اكترى ابنه له لضعف حوزه، ويبطله. وقد روى ابن القاسم عن مالك أنه قال: لا يوضع الرهن على يد ابن صاحب الرهن- يريد إذا كان في عياله- ولا امرأته، وذلك يوهن الرهن ويضعفه. قال ابن القاسم في المجموعة: فإن وضع على أيديهما، فسخ ذلك، وأما الأخ فذلك رهن تام. قال سحنون في العتبية: وهذا في الابن الصغير، فأما الكبير البائن عنه، فذلك جائز. [قال] ابن حبيب وكذلك قال ابن الماجشون في الابن البائن عنه أو الابنة البائنة عنه أو زوجته البائنة عنه في دارها إذا قبضوه دونه، فهو كله حوز للرهن، وإن كانوا في ولايته فليس بحوز.

[قال] ابن المواز: قال أصبغ في حيازة الزوجة والابن ثم قام الغرماء، فإن حيز عن راهنه حتى لا يلي عليه ولا يقضي فيه فهو رهن ثابت. [فصل 10 - فيمن ساقى حائطه ثم رهنه ورهن ما تقدم له فيه كراء أو سقاء] وفي كتاب محمد ومن ساقى حائطه ثم رهنه، فليجعل المرتهن مع المساقي رجلاً أو يجعلانه على يدي رجل يرضيان به. وقال مالك: ولا يجعل الحائط الرهن بيد المساقي أو أجير له في الحائط، فإن فعل فليس برهن حتى يجعلاه بيد غير من في الحائط. م وقد تقدم له قبل هذا، لا يجوز له رهن ما تقدم له فيه كراء ولا سقاء إلا بعد تمام ذلك، ولا يتم فيه حوز لأنه محاز قبل ذلك بوجه آخر، بخلاف حوز فضلة الرهن. قال عبد الملك في المجموعة: وحوزه عبد الراهن ليس بحوز، كان مأذونًا أو غير مأذون.

[الباب العاشر] في موت الراهن، ومن دفع رهنا في صداق ثم طلق أو قضى مئة ثم اختلفا على ما هي، والإقالة في سلم برهن

[الباب العاشر] في موت الراهن، ومن دفع رهنًا في صداق ثم طلق أو قضى مئة ثم اختلفا على ما هي، والإقالة في سلم برهن [فصل 1 - في موت الراهن قبل أجل الدين] قال مالك رحمه الله: وإذا مات الراهن قبل أجل الدين بيع الرهن وقضي المرتهن حقه؛ لأن من مات فقد حلت ديونه. [فصل 2 - فيمن دفع رهنًا في صداق ثم طلق قبل البناء] قال ابن القاسم: ومن رهن امرأته رهنًا قبل البناء بجميع الصداق جاز؛ لأن عقد النكاح يوجب لها الصداق كله، إلا أن يطلق قبل البناء، فإن طلق قبل البناء لم يكن له أخذ نصف الرهن، والرهن أجمع رهنًا بنصف الصداق، كمن قضى بعض الحق، أو وهب له، فالرهن رهن بما بقي، فإن هلك الرهن وهو مما يغاب عليه ضمن المرتهن جميعه. وقد اختلف قول مالك في رهن من أحاط الدين بماله، وقد ذكرناه في كتاب المديان. [فصل 3 - إذا كان لك على رجل مئتان فرهنك بمئة منها ثم قضاك مئة ثم اختلفا على ما هي عليه] وإذا كان لك على رجل مئتان فرهنك بمئة منها رهنًا ثم قضاك مئة، وقال بعد ذلك هي التي فيها الرهن، وقلت أنت هي التي لا رهن فيها، وقامت الغرماء أو

لم يقوموا، فإن المئة يكون نصفها عن المئة الرهن، ونصفها عن المئة الأخرى- يريد بعد التحالف/ إذا ادعيا البيان. وقال أشهب: القول قول المقتضي؛ لأنه مدعى عليه. وحكي عن بعض فقهائنا القرويين أنه قال: إنما تصح القسمة على قول ابن القاسم إذا كانت المئتان حالتين، فأما إن كانتا مؤجلتين فالقول قول الدافع للمئة؛ لأنه يقول إنما قصدت تعجيل المئة لأخذ الرهن، فيكون القول قوله بهذا العذر بخلاف مسألة الحمالة، تلك تقسم المئة على الحقين، كانا حالين أو مؤجلين، وقد تقدم هذا في كتاب الحمالة. [فصل 4 - في من أخذ رهنًا في المسلم فيه ثم تقايلا قبل الأجل أو بعده] [ومن المدونة] وإن أسلمت إلى رجل في طعام إلى أجل وأخذت به منه رهنًا ثم تقايلتما بعد الأجل أو قبله ولم تقبض رأس مالك لمكان الرهن الذي في يديك لم تجز الإقالة إلا أن تقبض رأس مالك قبل أن تفترقا وإلا دخله بيع الطعام قبل قبضه.

[الباب الحادي عشر] في جناية العبد الرهن والجناية عليه

[الباب الحادي عشر] في جناية العبد الرهن والجناية عليه [الفصل 1 - في جناية العبد الرهن] [ومن المدونة] قال مالك رحمه الله: ومن ارتهن عبدًا فجنى العبد جناية، خير السيد أولاً، فإن فداه كان على رهنه، وإن أسلمه خير المرتهن أيضًا، فإن أسلمه كان لأهل الجناية بماله قل أو كثر، وبقي دين المرتهن بحاله- وليس للمرتهن أن يؤدي من مال العبد الجناية، ويبقى رهنًا إلا أن يشاء سيده- فإن فداه المرتهن لم يكن للسيد أخذه حتى يدفع ما فداه به مع الدين وإلا كان ما فداه به في رقبته دون ماله مبدأ على الدين ولا يباع حتى يحل أجل الدين. قال بعض شيوخنا القرويين: ونفقته حتى يحل الأجل على سيده، الذي كان ينفق عليه قبل ذلك؛ لأنه رجع إلى [أصل] ما كان عليه. [ومن المدونة] قال مالك رحمه الله: فإن سويت رقبته أقل مما فداه به لم يتبع السيد بما بقي من ذلك؛ لأنه فداه بغير أمره، واتبعه الأول، وإن كان فيه فضل كان ما فضل من رقبته في الدين ولا يكون ماله رهنًا بأرش ولا دين إذا لم يشترط في الدين أولاً. قال ابن المواز: روي هذا عن مالك وري عنه: أن ماله يدخل في الرهن بالأرش لا بالدين.

م كما لو أسلمه في الأرش كان للمسلم إليه بماله، فإن حل الأجل وللسيد غرماء، فإنه يباع بما له، فإن كان ماله زاد قيمته مثل نصف ثمنه هذا الذي بيع به، بدئ نصفه بالجناية، وكان فضل نصف ما بقي للمرتهن في دينه وهو ما يخص رقبته، والنصف للغرماء يدخل فيه المرتهن أيضًا بما بقي له من الدين إن بقي له شيء. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن فداه المرتهن بما فداه به بإذن الراهن، اتبعه المرتهن بما فداه به وبالدين جميعًا. م وبيان هذه المسألة في كتاب ابن المواز. وقال في العبد الرهن يجرح، فسيده مخير بين أن يفديه ويبقى رهنًا أو يسلمه، فإن أسلمه خير المرتهن فيه في ثلاثة أوجه: إما أسلمه واتبع غريمه بدينه إلى أجله، وإن شاء إفتكه بزيادة درهم فأكثر على دية الجناية، ويكون له بتلاً، ويسقط من دينه ذلك الدرهم، ويتبع غريمه بدينه إلا الدرهم الذي زاد فيه إلى أجله، وإن شاء افتكه بديه جرحه فقط، ليكون بيدك رهنًا بما افتككته به، ثم لا يأخذه سيده حتى لا يدفع إليك ما افتككته به ودينك الأول، فإن أبى بعته، فإن استوفيت من ثمنه ما افتككته به ثم دينك الأول إن كان فيه ذلك، فإن فضل بعد ذلك شيء كان لسيده، وإن كان ثمنه قدر الجناية وبعض دينك، اتبعت الغريم بباقي دينك، ولو كان للعبد مال، فطلب المرتهن أن يؤدي منه الأرش ويبقى رهنًا، قال مالك: فليس له

ذلك إلا بإذن سيده، فإن أبى أسلمه بماله، وإن كان أضعاف الجناية ثم خير المرتهن في الوجوه التي ذكرنا، فإن افتككته فماله رهن لك بالجناية، وحدها ورقبته رهن بالجناية والدين، ولا يكون ماله رهنًا بالدين؛ لأنك لم تشترطه أولاً، ويبقى المال بيده كما كان قبل أن يجني حتى يتصرف فيه بالمصلحة، ويأكل ويكتسي. وقد اختلف قول مالك في ماله إذا افتدى المرتهن العبد فقال: لا يكون ماله رهنًا بجناية ولا دين، ويقال لك إن شئت أخذت العبد بدون ماله بدية جرحك وبدينك الأول، ويرجع مال العبد لسيده وإلا فدعه، وبهذا أخذ ابن القاسم وابن الحكم، والقول الآخر به يأخذ أصحاب مالك ونحن وهو الصواب؛ لأنه إنما فداه منه ما كان بالجناية مرهونًا، فقد كان ماله مع رقبته صار رهنًا بجنايته، وهذا بين، فإن كان على السيد دين لغرماء غيره، فليدخلون معه فيما زاد مال العبد في ثمنه بعد الجناية، ينظر، فإن زاد المال نصف ثمنه نظر ما فضل بعد ثمن الجرح، فيكون نصفه للمال ونصفه للرقبة فما كان للرقبة كان للمرتهن وما كان للمال دخل فيه جميع الغرماء، ودخل معهم فيه المرتهن بما بقي له إن بقي له شيء، وكذلك إن زاد المال فيه الثلث أو الربع حسب على هذا. م وتفسيره أن يجعل ثمن العبد بلا مال خمسين وبالمال مئة، فثمنه للمال نصفه وللرقبة نصفه، ويجعل للجناية أربعين، فيبدأ بها من ثمنه، فيفضل من الثمن ستون،

فنصفها ثلاثون للرقبة، ويكون المرتهن أولى بها، ويبقى ثلاثون حصة المال للغرماء، ويحاصهم فيها المرتهن بما بقي له من دينه إن بقي له شيء، وإن كان ثمنه بالمال خمسة وسبعين، فقد زاد المال ثلث ثمنه، فيأخذ المرتهن منها للجناية أربعين فيبقى خمسة وثلاثون، فثلثيها للرقبة وهو ثلاثة وعشرون وثلث، فيأخذها المرتهن وثلثها إحدى عشر وثلثان حصة المال، يدخلون عليه فيه الغرماء ثم على هذا ونحوه يحسب. قال ابن المواز: إلا أن يفتديه مرتهنه من الجناية بإذن سيده، فقد روى ابن القاسم عن مالك أنه يتبع سيده بالجناية وبالدين الأول، ويكون ذلك في رقبة العبد، وقاله ابن القاسم وأشهب. قال أشهب: ولكن لا يكون العبد رهنًا بما افتداه به بأمره، ولا يبدأ مرتهنه بما فداه من دية جنايته إلا أن يشترط ذلك له، يقول له: افده وهو رهن لك بما تفديه به، فيكون رهنًا بهمًا جميعًا، لا يبدأ أحدهما قبل صاحبه. قال ابن المواز: وهذا أحب إلينا أن لا يكون بما افتداه به رهنًا؛ لأنه سلف منه لسيده إلا أن يشترط ذلك على سيده، ولو افتداه بغير أمره كان ذلك في رقبة العبد كما ذكرنا. م قال بعض الفقهاء: إذا فداه بإذن سيده، فهو سلف ولا يكون أحق به في القياس على مذهب ابن القاسم. وفي ظاهر كتاب محمد عن ابن القاسم أنه يكون

أحق به، قال: فإن افتكه بإذن ربه فأرى أن في رقبته الدين وما افتكه به. وحكي عن أشهب أنه قال: لا يكون أحق بما افتداه به، وهذا خلاف المعروف من مذهبه؛ لأن أشهب يقول: في من أمرته أن يشتري لي سلعة، وينقد عني أنه يحل محل البائع، وله حبس ما اشترى كما كان للبائع حتى يدفع إليه الثمن. وابن القاسم يجعله سلفًا لا يكون أحق به، قاله في مسألة اللؤلؤ الذي أمره أن يشتريه وينقد عنه، فالعبد ها هنا لما افتكه من المجني عليه حل محله على مذهب أشهب، فيكون أحق به، ولا يكون أحق به على مذهب ابن القاسم، كما قال في مسألة اللؤلؤ. م فخالف كل واحد منهما أصله. [فصل 2 - في إقرار الراهن أن جناية العبد وهو عند المرتهن] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو أقر الراهن أن العبد جنى جناية أو استهلك مالاً وهو عند المرتهن، ولم تقم بذلك بينة، فإن كان الراهن معدمًا لم يصدق، وإن كان مليئًا قيل له أتفديه أو تسلمه؟ فإن فداه بقي رهنًا على حاله، وإن أسلمه لم يكن له ذلك حتى يحل الأجل، فإذا حل ودى الدين ودفع العبد بجنايته التي أقر

بها، فإن فلس قبل الأجل فالمرتهن أحق به من أهل الجناية؛ وليس ذلك كثبوت الجناية ببينة. م ولو كان أقر أنه جنى قبل أن يرهنه ثم رهنه، فإن رضي بافتدائه بقي رهنًا، وإن قال لا أفتديه ولم أرض بتحمل الجناية، وحلف أنه ما رضي أن يتحمل الجناية، أجبر على إسلامه وتعجيل الدين، كمن أعتق أو أقر به لغيره والدين مما يجوز له تعجيله. ولو كان الدين عرضًا من بيع ولم يرض من هي له أن يتعجلها ما جاز إقراره على المرتهن كما لو كان معسرًا والدين مما له تعجيله، ويكون المجني عليهم مخيرين، فإن شاؤا أغرموه قيمته يوم رهنه؛ لأنه متعد عليهم، وإن شاؤا صبروا عليه حتى يحل الأجل فيباع، فيتبعوه بثمنه، وانظر إذا عتق العبد والدين عروض من بيع، فقال المرتهن لا أرضى بتعجيله، هل يغرم الراهن قيمته ويوقف رهنًا أو يأتي برهن مثله، أو يبقى رهنًا بحاله، ولا يجوز عتقه لحق المرتهن، وإن كان عبد الملك قد قال في الرهن يستحق، وقد غره أن للراهن أن يأتي برهن مثله، ولا ينقض البيع. [فصل 3 - فيمن ارتهن عبدين فقتل أحدهما الآخر] وإذا ارتهنت عبدين فقتل أحدهما الآخر، فالباقي رهن بجميع الدين؛ لأن مصيبة العبد المقتول من ربه.

[الباب الثاني عشر] في ارتهان فضلة الرهن بدين ثان للمرتهن أو لغيره

[الباب الثاني عشر] في ارتهان فضلة الرهن بدين ثان للمرتهن أو لغيره [الفصل 1 - فيمن أراد أخذ زيادة على حقه ويكون الرهن بها] قال ابن القاسم: وإذا أخذت من رجل رهنًا بدين لك عليه ثم استقرضك دراهم أخرى على ذلك الرهن جاز وكان بالدينين رهنًا. م وقال أبو حنيفة: لا يكون رهنًا إلا بالدين الأول. ودليلنا: أنه وثيقة بحق، فإذا كان فيه فضل جاز أن يشتغل بحق أخر مع الأول كالضمين؛ ولأنها زيادة في التراهن كالزيادة في الرهن، فإذا جازت في الرهن جازت في التراهن. [فصل 2 - في ارتهان فضلة الرهن لدائن آخر] قال مالك: وإن ارتهنت ثوبًا قيمته مائة دينار في خمسين دينارًا ثم رهن رب الثوب فضلته لغيرك لم يجز إلا أن يكون ذلك برضاك فيجوز، وتكون حائزًا للمرتهن الثاني إذا رضيت. قال ابن القاسم: فإن هلك الثوب بيدك بعدما ارتهن الثاني فضلته وهو مما يغاب عليه، ضمنت منه مبلغ دينك وكنت في الباقي أمينًا ويرجع المرتهن الثاني بدينه على

صاحبه؛ لأن فضلة الرهن على يدي عدل وهو المرتهن الأول. م وإنما يصح أن لا يضمن الأول منه إلا مبلغ دينه إذا كان قد أحضر الثوب وقت ارتهان الثاني فضلته أو علم بالبينة أنه قائم عنده وإلا كان ضمان الجميع منه، إذ قد يكون تلف الثوب قبل ذلك، ووجب عليه ضمانه، وقاله بعض أصحابنا. [قال] ابن المواز: وقال أشهب: ضمانه كله من الأول كما لو كان بيد الثاني وغيره المبدأ عليه فضاع، لم يضمنه؛ لأنه رهن للأول، وإنما لهذا فضلة إن كانت، وأما لو رهنه لرجلين فكان على يدي أحدهما لم يضمن الذي هو على يديه إلا نصفه. م وذكر المسألة في كتاب ابن المواز وفي السؤال. قال ابن القاسم عن مالك: ومن رهن رهنًا وجعله بيد المرتهن ثم رهن فضلته لآخر فلا يجوز ذلك إلا أن يحوزه الآخر غير من هو على يديه؛ لأن الأول إنما حازه لنفسه فلا يكون رهنًا للآخر، قال ابن القاسم: إلا أن يكون برضا الأول فيجوز، ويبدأ الأول ثم للثاني ما فضل. وقال أصبغ: من رهن رهنًا وجعله بيد غير المرتهن جاز أن يرهن فضله لآخر، شاء الأول أو أبى إذا علم بذلك الموضوع على يديه كائنًا من كان لتتم حيازته لهما، وقيل عن مالك حتى يرضى الأول ويكون حائزًا للثاني، والقياس ما قلت إذ لا ضرر على الأول، إذ هو مبدأ وقاله أشهب، وقال مثله ابن حبيب عن أصبغ، ولم يذكر في السؤال أن الرهن بيد غير المرتهن الأول.

وقال ابن حبيب: إنما استثنى مالك رضا المرتهن الأول؛ لأنه إذا رضي كان حائزًا للثاني فضلة الرهن، وإذا لم يرض لم يكن حائزًا للثاني فضلة الرهن، وكان في الفضلة أسوة الغرماء وبه أقول. ومن العتبية وكتاب ابن المواز: وروى أشهب عن مالك فيمن ارتهن من رجل رهنًا بدين له عليه إلى ستة أشهر ثم ابتاع الراهن سلعة من رجل آخر بثمن إلى شهر، وأرهنه فضلة رهن الأول، على أن الأول مبدأ عليه، فحل أجل الآخر قبل محل أجل الأول، فقال مالك: أعَلِم الآخر أن حق الأول إلى ستة أشهر؟ فقيل له: لم يعلم، فقال: أرى أن يباع الرهن فيعجل للأول حقه كله قبل محله، ويعطى للثاني ما فضل في دينه. [قال] ابن المواز: وقاله أشهب قال: وهذا إن بيع بعين أو بما يقضي بمثله، وحق الأول مثله، فأما إن بيع بعرض، فإن كان مثل الذي عليه أو بيع بدنانير وله عليه دراهم أو بيع بطعام مخالف لما عليه، فإنه يوضع له رهنًا إلى حلول حقه. وقال سحنون في المجموعة: سواء علم الأول أن حق الثاني يحل قبله أو لم يعلم، فإنه إن بيع بمثل حقه فليعجل له حقه، قال في موضع آخر: إلا أن يكون حقه طعامًا من بيع فيأبى أن يتعجله فذلك له.

وقال ابن القاسم في العتبية: إن حل أجل الثاني فلم يكن في الرهن فضل لم يبع إلا إلى الأجل الأول، وإن كان فيه فضل، بيع الآن، عُجِّل للأول حقه، وأخذ الثاني ما فضل. قال ابن المواز: ومن رهن رهنًا واشترط الراهن فيه مئة دينار مبدأة، فيموت الراهن أو يفلس، هل لغرمائه أن يبرأوا منه بمئة دينار على المرتهن من ثمن الرهن الذي استثناها الراهن لنفسه، فقال مالك: نعم ذلك لهم، وقال ابن القاسم في العتبية: هذا رهن لا يجوز.

[الباب الثالث عشر] ما جاء في النفقة على الرهن وعلى ما يصلحه، والقضاء أن نفقة الرهن ومؤنته على الراهن لأنه مالك له وغلته له ولأن من له الغلة عليه النفقة كالبيع الفاسد

[الباب الثالث عشر] ما جاء في النفقة على الرهن وعلى ما يصلحه، والقضاء أن نفقة الرهن ومؤنته على الراهن لأنه مالك له وغلته له ولأن من له الغلة عليه النفقة كالبيع الفاسد [فصل 1 - في نفقة الرهن والضالة] قال مالك رحمه الله: وإذا أنفق المرتهن على الرهن بإذن ربه أو بغير أمره، رجع بما أنفق على الراهن. قال ابن القاسم: ولا يكون ما أنفق في الرهن إذا أنفق بأمر ربه؛ لأن ذلك سلف إلا أن يقول له أنفق على أن نفقتك في الرهن. - قال: فإن قال ذلك رأيتها [له] في الرهن- وله حبسه بما أنفق وبما رهنه فيه، إلا أن يقوم الغرماء على الراهن، فلا يكون المرتهن أحق منهم بفضله عن دينه لأجل نفقته، أذن له في ذلك أو لم يأذن، إلا أن يقول له أنفق والرهن بما أنفقت رهن أيضًا. م وفي لفظ هذه المسألة تقديم وتأخير، وترتيبها هو قال ابن القاسم: فلا يكون ما أنفق في الرهن إذا أنفق بأمر ربه؛ لأن ذلك سلف، وله حبسه بما أنفق وبما رهنه فيه إلا أن يقوم الغرماء على الراهن فلا يكون المرتهن أحق منهم بفضله عن دينه لأجل نفقته، إذن له في ذلك أو لم يأذن إلا أن يقول له أنفق على أن نفقتك في

الرهن، أو أنفق والرهن بما أنفقت رهن أيضًا، فذلك سواء ويكون رهنًا بالنفقة، لا فرق بين أن يقول له أنفق على أن نفقتك في الرهن أو أنفق والرهن بما أنفقت رهن أيضًا، وهذا بين. وقاله بعض فقهائنا القرويين، وذكر ابن شلبون كان يفرق بين ذلك على ظاهر الكتاب. وليس ذلك بشيء، وعبد الحق ساوى بين اللفظين ويحتج بمسألة كتاب الوكالات في مسألة الذي أمره أن يشتري له وينقد عنه ويحبسه حتى يدفع إليه الثمن. م وقد جرت المسألة في المجموعة وكتاب ابن المواز على نحو ما فسرنا، ولفظها في الكتابين. قال ابن القاسم: وإذا أنفق المرتهن على الرهن بأمر ربه أو بغير أمره، فهو سلف ولا يكون في الرهن إلا أن يشترط أنه رهن في النفقة إلا أن له حبسه، بما أنفق وبدينه إلا أن يكون على الراهن دين، فلا يكون أولى بما فضل عن دينه إلا أن يشترط أن ذلك رهن في النفقة. قال في الكتابين وفي المدونة: وليس كالضالة ينفق عليها فيكون أولى من الغرماء بها في نفقته؛ لأن الضالة لا يقدر على صاحبها ولابد له من أن ينفق عليها، والرهن ليس نفقته على المرتهن ولو شاء طلب راهنه بنفقته، فإن غاب رفع ذلك إلى الإمام. م فإن قال له الإمام أنفق على أن نفقتك فيه، كان كذلك وكان أحق به من الغرماء حتى يستوفي نفقته ثم دينه.

وقال أشهب: النفقة على الرهن كالنفقة على الضالة، وهو أولى به من الغرماء حتى يستوفي نفقته، فيكون مبدأ فيه. قال: وليس نفقتك على الرهن في ذمة صاحبه إن أنفقت بغير أمره ولكنها في الرهن إذا بيع ابتداءًا من ثمنه بالنفقة عليه ثم بدينك. قال: وليس للراهن أن يمنعك أن تنفق على الرهن؛ لأنه يهلك إن كان حيوانًا أو يخرب إن كان ربعًا. م وهو القياس وقال بعض القرويين في المرتهن ينفق على الرهن والراهن غائب أنه يطلبه بجميع ما أنفق عليه وإن جاوز ثمنه؛ لأن صاحب الرهن قد تركه، وقد علم أنه يحتاج إلى النفقة فهو كالإذن في ذلك، ولا حجة له. م لعله يريد إن كان في حين النفقة عليه مليئًا، وأما إن كان عديمًا فلا يلزمه نفقته وينفق عليه المرتهن إن أحب ويكون له ذلك في ثمنه مبدأ، وإلا نظر فيه الإمام، فإن كان بيعه خيرًا له باعه وعجل للمرتهن حقه، والله أعلم. م والقياس عندي أن لا يتبعه بما جاوز ثمنه؛ لأنه لم يأذن له في النفقة عليه على الحقيقة، ولأن من حجته أن يقول كان ينبغي لك إذا بلغت النفقة مقدار ثمنه أن

تدفعه إلى الأمام، فيبيعه في نفقتك ولا تدخل في ذمتي دينًا لم آذن لك فيه. [فصل 2 - فيمن تلزمه أجرة إصلاح الرهن] قال ابن القاسم في العتبية ونحوه في كتاب محمد: وليس على المرتهن عمل الحائط الرهن ولا مرمة الدار ولا نفقة العبد وكسوته، اشترط أن الغلة رهن أو لم يشترط، ويلزم ذلك الراهن، وليس له أن يدع الرهن يخرب ويبطل حق المرتهن. قال في العتبية في رواية يحيى بن يحيى: وإذا تهورت بئر النخل الرهن فإصلاحها على الراهن، يجبر على ذلك إن كان له مال، وإن لم يكن له مال نظر، فإن كان بيع بعض الأصل خيرًا له، بيع منه ما يصلح به البئر، وإن تطوع المرتهن بالنفقة في إصلاحها، فإن رأى أن ذلك خير لرب النخل قبل للمرتهن/ أنفق إن شئت وتكون أولى بالنخل حتى تأخذ ما أنفقت ولا ينظر إلى قيمة النفقة ولا قيمة ما يضع من حجر أو غيره، ولكن يحسب له بما أنفق كالسلف. ومن المدونة: وقال في باب بعد هذا: ومن ارتهن نخلاً ببئرها أو زرعًا أخضر ببئره، فانهارت البئر فأبى الراهن أن يصلح، فأصلحها المرتهن لخوف هلاك الزرع والنخل فلا رجوع له بما أنفق على الراهن، ولكن يكون له ذلك في الزرع، وفي

رقاب النخل يبدأ فيه بنفقته، فما فضل كان في دينه، فإن فضل بعد ذلك شيء كان لربه. م وينبغي أن يكون أحق بنفقته وبمقدار دينه من الغرماء كافتدائه العبد الرهن إذا جنى. قال ابن القاسم: وهذا كالمساقي أو مكتري الأرض للزرع سنين ينفق في مثل ذلك، فليس لهم ما زاد على كراء تلك السنة خاصة في الكراء أو على حظ رب النخل من ثمرة السنة في المساقاة- يريد إذا انهارت البئر بعدما سقى أو زرع- وهذا مذكور في كتاب الأكرية. قال: وإذا خاف الراهن هلاك الزرع وأبى المرتهن أن ينفق فيه، فأخذ مالاً من أجنبي فأنفقه فيه، فالأجنبي أحق بمبلغ نفقته من ثمن الزرع من المرتهن، وما فضل كان للمرتهن، فإن لم يفضل شيء منه رجع المرتهن بدينه على الراهن. م وذلك إذا شرط أن نفقته فيه، وحكى نحوه بعض أصحابنا عن بعض شيوخه القرويين أنه قال: إنما يكون الأجنبي أحق بمبلغ نفقته في ثمن الزرع إذا قال له تنفق في هذا الزرع ويكون لك رهنًا، وأما إن لم يقل ذلك وأخبره أنه ينفق عليه فلا يكون أحق بذلك؛ لأنه سلف في ذمة الراهن.

[فصل 3 - فيمن ارتهن أرضًا فأخذ السلطان خراجها] ومن المدونة: وإذا ارتهنت أرضًا فأخذ منك السلطان خراجها لم ترجع به على الراهن إلا أن يكون ذلك الخراج حقًا وإلا فلا. [فصل 4 - في الرهن يحل بيعه وصاحبه بعيد وفي المرتهن يطلب جعلاً على الكراء] ومن العتبية: قال أبو زيد عن ابن القاسم في الرهن يحل بيعه وصاحبه بعيد من السلطان فلا يجد من يُعنى ببيعه إلا بجعل، قال: الجعل على طالب البيع، وروى عيسى وأصبغ مثله، قال عيسى: وما أرى الجعل إلا على الراهن. وقال مالك في الدار بيد المرتهن يكريها ويلي قبض كرائها ثم يطلب على ذلك أجرًا، فإن كان مثله يؤاجر نفسه في مثل ذلك فذلك له إن طلبه، وأما من مثله يعين فليس ذلك له.

[الباب الرابع عشر] ما جاء في رهن الأب والوصي

[الباب الرابع عشر] ما جاء في رهن الأب والوصي قال ابن القاسم: وللوصي أن يرهن من مال اليتيم رهنًا فيما يبتاع له من كسوة أو طعام، كما يتسلف لليتيم حتى يبيع له بعض متاعه وذلك لازم لليتيم، وللوصي أن يعطي مال اليتيم مضاربة ولا يعجبني أن يعمل به الوصي بنفسه إلا أن يتجر لليتيم فيه أو يقارض له به غيره، وللوصي أن يسلف الأيتام ويرجع عليهم إن كان لهم يوم السلف عرض أو عقار، ثم يبيع ويستوفي حقه، وإن لم يكن لهم يوم السلف مال، فقال الوصي أنا أسلفه، فإن أفاد مالاً رجعت به عليه، لم يكن له ذلك، والنفقة عليه حينئذ على وجه الحسبة ولا يرجع بشيء إن أفاد اليتيم مالاً، وليس للوصي أن يأخذ عروض اليتيم بما أسلفه رهنًا إلا أن يكون تسلف له من غيره مالاً أنفقه عليه ولا يكون أحق بالرهن من الغرماء؛ لأنه حائز من نفسه لنفسه، وهو الغرماء في ذلك أسوة ولا يدفع أحد الوصيين رهنًا من متاع اليتيم إلا بإذن صاحبه، وإن اختلف نظر الإمام في ذلك، وكذلك البيع والنكاح، وإذا رهن الأب من متاع ابنه الصغير في دين على الأب ولم يستدنه للولد لم يجز الرهن؛ لأنه لا يجوز له أخذ مال ولده من غير حاجة، وإنما يجوز بيع الأب عليه على وجه النظر، وكذلك الوصي، ولا بأس أن يشتري الأب أو الوصي لبعض من يليان عليه من بعض.

[الباب الخامس عشر] جامع مسائل مختلفة من غير الرهن

[الباب الخامس عشر] جامع مسائل مختلفة من غير الرهن [ومن المدونة]: قال مالك: ومن زوج أمته وأخذ مهرها قبل البناء فاستهلكه وأعتقها ثم طلقها الزوج قبل البناء ولا مال للسيد، لم يرد عتقها؛ لأن السيد إنما لزمه الدين حين طلق الزوج لا يوم العتق. وإنما كان يصح هذا الجواب على قول من يراه للزوج إذا طلق فائدة، وأما على قول ابن القاسم أنه شريك للزوجة في نمائه ونقصه، فينبغي أن يرد به العتق؛ لأنه كمال للزوج استهلكه السيد؛ ولأن الزوجة لا تستحقه إلا بعد الدخول ولعله رأى أن الزوج لا قدرة له على رد العتق حين أعتق إذ لا حكم له في الصداق إلا بعد الطلاق، فعد طلاقه بعد ذلك رضا باتباع السيد، وأما مسألة الذي باع له عبده سلعة وقبض الثمن فأتلفه ثم أعتق العبد لو قام يوم العتق لرده، والزوج لو قام حيئنذ لم يرده فافترقا. قال مالك رحمه الله: وليس للسيد أن يأخذ مهر أمته ويدعها بلا جهاز، ولكن يجهزها به كالحرة.

قال بعض الفقهاء: إن بوأها معه بيتًا وجب عليه تشويرها به، وإن لم يبوءها معه بيتًا لم يجب أن يشورها به. وقد تقدم هذا في كتاب الصوم، مسألة من قال: لله عليّ أن أصوم شهر متتابعًا، أنه يجزئه به التبييت أول ليلة، ولا يحتاج أن يبيت الصوم كل ليلة. وفي كتاب الإجارة أن المسلم لا يجوز له أن يؤاجر نفسه في شيء مما حرم الله. وفي كتاب المديان إذا عزل الورثة دين الغريم واقتسموا ما بقي ثم ضاع ما عزلوا لم يضمنه الغريم ويرجع عليهم فيما قبضوا، ولو عزله القاضي ثم قسم الباقي بين ورثة أو غرماء كان ضياع ذلك من الغريم.

[الباب السادس عشر] في اشتراط منفعة الرهن وأخذ غلته في دينه

[الباب السادس عشر] في اشتراط منفعة الرهن وأخذ غلته في دينه [الفصل 1 - في اشتراط المرتهن منفعة الرهن والحكم فيه إن ضاع] قال مالك رحمه الله: وإذا اشترط المرتهن منفعة الرهن فإن كان الدين من قرض لم يجز ذلك؛ لأنه سلف جر منفعة، وإن كان الدين من بيع، واشترط منفعة الرهن أجلاً مسمى فلا بأس به في الدور والأرضين، وكرهه مالك في الحيوان والثياب وغيرها، إذ لا يدري كيف يرجع إليه. م وقال ابن القاسم: لا بأس به في الحيوان والثياب وغيرها إذا سمى أجلاً لجواز إجارة هذه الأشياء وهو لا يدري كيف يرجع إليه، وهذا إنما باع سلعته بثمن سماه، ويعمل هذه الدابة ولباس هذا الثوب أجلاً مسمى، فاجتمع بيع وكراء فلا بأس به. قال ابن المواز: وأجازه أشهب وأصبغ واختلف قول مالك فيه. م قال بعض الفقهاء: إنما أجازه مالك في الدور لأنها لا تختلف صفتها وقت رجوعها، والثياب والحيوان لا يدري كيف تكون عند انقضاء الإجارة، فصار الرهن غررًا، وهو في أصل البيع، فلم يجز عنده، وعلى هذا لا يجوز رهن الثمرة التي لم

يبد صلاحها، ولا الآبق في أصل عقد البيع، وقد حُكي في كتاب الحمالة أن البيع إذا وقع على حمالة غرر، أنه يفسد عند ابن القاسم ويجوز عند أصبغ، وهذا من ذلك المعنى. وقد قال في أثر كلام سحنون فيما باع من ذمي سلعة، وارتهن منه خمرًا، فإن هذا لا يفسد البيع، ويرد الخمر إلى الذمي ولو أراد بقاءها بيد النصراني إلى أجل دينه لما يخاف من عدمه فلا أرى له ذلك، فلو غفل عنها حتى تخللت كان أحق بها. م واختلف فقهاؤنا المتأخرون إذا ضاع هذا الرهن المشترط منفعته وهو مما يغاب عليه، فقيل يضمنه؛ لأنه رهن على حاله وحكم الرهن باق عليه، وقيل لا يضمنه كسائر الأشياء المستأجرة، وقيل ينظر إلى القدر الذي يذهب منه بالإجارة إذا كان ثوبًا، مثل أن يقال إذا استؤجر شهرًا ينقصه الربع فيكون قدر ربعه غير مضمون؛ لأنه مستأجر وثلاثة أرباعه مضمون؛ لأنه مرتهن إذا لم تقم بينة بضياعه، فإن قام بدعوى الضياع حين استأجر سقط عنه ذلك القدر من الإجارة وضمن ثلاثة أرباعه، ونظر ذلك القدر كم هو من الجملة فيرجع بجزء من قيمة الثوب المبيع، وإن لم يقم بدعوى الضياع إلا عند حلول الأجل كان مستوف لجملة ثمن ثوبه ولا يصدق

على مذهب ابن القاسم أن الضياع كان قبل قيامه لأن ابن القاسم يقول: إذا ادعى ضياع الثوب المستأجر حين حل الأجل وأن ضياعه كان قبل ذلك لم يصدق في إسقاط الإجارة ولزمه جميعها إلا أن تقوم له بينة على الضياع أو على التفقد والطلب له، وخالفه في ذلك غيره. م وهذا هو القياس. [قال] ابن المواز قال مالك: فإن لم يشترط الانتفاع بالرهن فلا يحل له أن ينتفع بشيء منه وإن كان سلاحًا ونزل به عدو فلا يفعل. [قال] ابن المواز: ولا ينظر في المصحف ولا كتب العلم إن كانت رهنًا بشرط أو بغير شرط؛ إذ لا يجوز له إجارة ذلك وما سوى ذلك فجائز إذا اشترط ذلك في كل ما تجوز فيه الإجارة إذا كان يعرف وجه النفع به وضرب له أجلاً. م وأجاز ابن القاسم في كتاب الإجارة إجارة المصحف ليقرأ فيه، فعلى هذا ينبغي أن يجوز اشتراط منفعته في أصل البيع. وقال في كتاب الرهن: لا بأس برهن المصحف ولا يقرأ فيه وإن لم يشترط في أصل السلف أن يقرأ فيه ثم وسع له رب المصحف أن يقرأ فيه لم يعجبني كان الرهن من بيع أو قرض، وكذلك الثياب والعروض والحيوان لا يجوز له أن يوسع له في الانتفاع به بعد تمام البيع حين يرهنه ذلك ولا بعد ذلك.

باب كراهية قبول هدية المديان

[قال] ابن المواز: لأن في ذلك اصطناعًا من رب الرهن لرب الدين لئلا يعجل عليه بأخذ حقه. قال أشهب: إن أنظر قبل الأجمل حمل أنه طمع بالإنظار، وإن أذن له بعد أن حل، فهو مخافة أن لا يطلبه بحقه، وإن سلم هذا من ذلك فهو ذريعة لغيرهما. قال أبو محمد وغيره، وسواء كان الدين من بيع أو قرض؛ لأنه من باب كراهية قبول هدية المديان. [فصل 2 - في اشتراط أخذ غلة الرهن في الدين] قال في كتاب إحياء الموات. وإن اشترط المرتهن أن يأخذ الغلة في دينه، فإن كان في أصل البيع لم يجز، وإن كان في القرض فجائز. قال ابن القاسم: ولو رهنه بعد تمام البيع بهذا الشرط كان جائزًا. قال ابن المواز: وهذا ترك من ابن القاسم لأصله إذا لم يكن له ما يوفيه إلا من الغلة؛ لأن خاطره لما رهنه على أنه يؤخره بالحق عن أجله إلى مجيء الغلة أو يعجله قبل أجله بحلول الغلة، وأما إن كان لا يزول الحق عن أجله إن تأخرت الغلة بشرط وكان عينًا فذلك جائز، وأما إن شرط أن لا يوفيه إلا من الغلة على ما ذكرنا فقد تخاطرا إلا أن يشترط تأخير ذلك إلى بعد الأجل.

[الباب السابع عشر] في رهن ما لا يعرف بعينه ورهن الحلي

[الباب السابع عشر] في رهن ما لا يعرف بعينه ورهن الحلي / قال ابن القاسم: ولا ترهن الدنانير والدراهم والفلوس وما لا يعرف بعينه من طعام أو إدام وما يكال أو يوزن إلا أن يطبع على ذلك؛ ليمنع المرتهن من النفع به ورد مثله. وقال أشهب في المجموعة: لا أحب ارتهان الدنانير والدراهم والفلوس إلا مطبوعًا عليها للتهمة في سلفها، فإن لم يطبع لم يفسد الرهن ولا البيع، ويستقبل طبعها إن غش على ذلك، وأما بيد أمين من ذلك فلا يطبع عليه، وما أرى ذلك عليك في الطعام والإدام وما لا يعرف بعينه، وإن كانت تجري مجرى العين؛ لأنه لا يخاف في غير العين ما يخاف في العين؛ لأن نفعك في العين أخفى وأمكن، ولا يكاد يخفى في الطعام وشبهه، وإنما هو موضع تهمة، وما قوي منها أبين فيما يتقى، ولو تعدينا بالتهمة إلى غير ذلك لأقمناها في الحلي؛ لأنه قد يلبس، والعبد يختدم، ولكن يصرف ذلك إلى ما اتهم. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وأما الحلي فلا يطبع عليه حذرًا للبس كما يفعل ذلك في سائر العروض؛ لأن ذلك يعرف بعينه. وإن رهنك خلخالين من ذهب في مئة درهم فاستهلكها قبل الأجل أو

كسرتها وقيمتها مئة درهم لم أجعل ذلك قصاصًا بدينك ولكن تؤخذ القيمة منك دراهم فتوضع بيد عدل مطبوعًا عليها رهنًا، فإذا حل الأجل أخذتها من حقك وكذلك إن كانا من فضة فلزمتك قيمتها دنانير فإنها تكون رهنًا إلى الأجل كما ذكرنا، فإن أوفاك حقك أخذ الدنانير وإلا صرفت لك وأخذت حقك منها، وكان ابن القاسم يقول: إذا كسر الخلخالين فإنما عليه ما نقص الصياغة ثم رجع إلى أن يغرم قيمتها ويكونان له، والله الموفق للصواب وحسبي الله ونعم الوكيل.

[الباب الثامن عشر] في رهن الخمر وهلاك بعض الرهن وفساد الفلوس الرهن

[الباب الثامن عشر] في رهن الخمر وهلاك بعض الرهن وفساد الفلوس الرهن [الفصل 1 - في رهن الخمر] قال ابن القاسم: ولا يجوز لمسلم أن يرتهن من ذمي خمرًا أو خنزيرًا. قال ابن المواز: قال أشهب: فإن قبضه ثم فلس الذمي فلا رهن للمرتهن فيه، والغرماء فيه أسوة؛ لأن رهنه لم يكن يجوز في الأصل. قال سحنون: إلا أن يتخلل الخمر فيكون أحق بها، وإذا باع من الذمي سلعة وارتهن منه خمرًا، فإن هذا لا يفسد البيع ويرد الخمر إلى الذمي، ولو أراد المسلم إيقافها بيد النصراني إلى أجل دينه لما يخاف من عدمه فلا أرى ذلك، ولو غفل عنها حتى تخللت كان أحق بها، ولو ارتهن نصراني من مسلم خمرًا أهريقت عليه، ولا يكون على المسلم أن يأتيه برهن ثان ولو ارتهن مسلم عصيرًا فصار خمرًا رفعها إلى السلطان فتهراق بأمره. م إنما تهراق إذا كان الراهن مسلمًا وأما إن كان ذميًا فترد إليه. فصل [2 - في الأمة الرهن تلد ثم تموت] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا ولدت الأمة الرهن ثم ماتت كان ولدها رهنًا بجميع الدين.

فصل [3 - فيمن تسلف فلوسًا برهن ففسدت أو كسدت بعد السلف] قال: ومن أسلفته فلوسًا وأخذت بها رهنًا ففسدت الفلوس فليس لك عليه إلا مثل فلوسك ويأخذ رهنه. م ولو انقطعت فلم توجد لكان عليه قيمتها يوم تحاكماه لأنها في ذمته إلى يوم تحاكمه فيها، ويقضى عليه بها ولا يجوز أن يعطيه قيمتها يوم دفعها إليه؛ لأنها لو فسدت فوجدها لم يكن عليه إلا مثلها فوجب أن يكون عليه قيمتها يومئذ. ومن المدونة: وإن بعته سلعة بفلوس إلى أجل فإنما لك نقد الفلوس يوم البيع، ولا يلتفت إلى كسادها وكذلك إن أقرضته درهمًا فلوسًا وهي يومئذ مئة فلس فإنما يرد إليك ما أخذ لا غير ذلك.

[الباب التاسع عشر] في الرهن بالعقود الفاسدة والقضاء فيمن ارتهن رهنا ببيع يحل أو لا يحل فتلف وهو مما يغاب عليه فليضمن قيمته

[الباب التاسع عشر] في الرهن بالعقود الفاسدة والقضاء فيمن ارتهن رهنًا ببيع يحل أو لا يحل فتلف وهو مما يغاب عليه فليضمن قيمته قد تقدم قول مالك لا يكون الرهن بما فيه ولكن المرتهن ضامن له بجميع قيمته قال مالك: ومن لك عليه دين إلى أجل من بيع أو قرض فرهنك به رهنًا على أنه إن لم يفتكه منك إلى الأجل فالرهن لك بدينك لم يجز، وينتقض هذا الرهن ولا ينتظر به الأجل. - قال أبو محمد: يريد ويصير السلف حالاً- قال ولك أن تحبس الرهن حتى تأخذ حقك وأنت أحق به من الغرماء. م وهذا إذا كان الرهن في أصل البيع أو السلف، فإن كان الأمر كذلك فسد البيع والسلف؛ لأنه لا يدري ما يصح له في ثمن سلعته الثمن أو الرهن، وكذلك في السلف لا يدري هل يرجع إليه السلف أو الرهن، فإنه عثر على ذلك قبل الأجل أو بعده فسخ البيع إن لم تفت السلعة بحوالة سوق فأعلى فتكون فيها القيمة حالة ويصير السلف حالاً، ويكون المرتهن أولى بالرهن من الغرماء حتى يأخذ حقه؛ لأنه عليه وقع البيع، ولو كان هذا الرهن بعد أن صح البيع أو السلف لم يفسخ إلا الرهن وحده

ويأخذه ربه، ويبقى البيع والسلف بلا رهن إلى أجله، ولا يكون المرتهن أحق بهذا الرهن في فلس ولا موت كقوله فيمن له دين على رجل، فأخذ منه قبل الأجل رهنًا على أن يؤخره إلى أبعد من الأجل أنه لا يجوز؛ لأنه سلف بنفع، قال غير ابن القاسم ولا يكون الرهن به رهنًا وإن قبضه في فلس الغريم أو موته. م وأما إن حل الأجل في مسألة الكتاب ولم يدفع إليه ثمنه أو سلفه، فإنه يصير حينئذ كأنه باعه الرهن بيعًا فاسدًا فيفسخ ما لم يقت ويكون أحق به من الغرماء، وتستوي حينئذ هذه والتي الرهن [فيها] في عقد البيع. قال مالك فيها: فإن حل الأجل والرهن بيدك أو بيد أمين فقبضته [أنت] الآن بشرطك ذلك لم يتم لك ملك الرهن بما شرطت فيه ولكن ترده إلى ربه ما لم يفت وتأخذ دينك، ولك أن تحبسه حتى تأخذ دينك- يريد أو قيمة سلعتك التي بعت أولاً إن فاتت- قال: وأنت أحق به من الغرماء حتى تأخذ حقك، فإن فات الرهن بيدك بما يفوت به البيع الفاسد من حوالة سوق فأعلى في الحيوان والسلع، وأما الدور والأرضون فلا يفيتها حوالة الأسواق ولا طول الزمان، وإنما يفيتها الغرس والبناء والهدم

وسواء هدمتها أنت أو تهدمت بأمر من الله فذلك فوت، فحينئذ لا يرد الرهن وتلزمك قيمته يوم حل الأجل؛ لأنه بيع فاسد، وقع يوم حل الأجل وأنت للسلعة قابض يومئذ، وتقاصه بدينك وتترادان الفضل. م قال بعض الفقهاء: وبحلول الأجل تدخل في ضمان المرتهن. م يريد وإن كان مما لا يغاب عليه؛ لأنه بيع فاسد وقع يوم حل الأجل، وهو قابض للسلعة، فوجب أن يضمنها وإن كانت مما لا يغاب عليه. قال: واختلف إن كانت بيد أمين، فقيل: يضمنها أيضًا لأن يد ربها ارتفعت عنها، ويد الأمين كيد المرتهن؛ لأنه وكيله بعد حلول الأجل فوجب على المرتهن ضمانها، وقيل: لا يضمنها المرتهن إلا بعد قبضها من عند الأمين؛ لأن الأمين كان حائزًا للبائع فبقى على ذلك الحوز. م والأشبه أن يكون الضمان من المرتهن وهي بخلاف من اشترى سلعة شراء فاسدًا ونقد ثمنها ودُعي إلى قبضها فهلكت بيد البائع، قال ابن القاسم: ضمانها منه؛ وقال أشهب بل من المشتري.

والفرق بينهما على مذهب ابن القاسم أن البائع وإن قبض الثمن لا يجوز له تسليم المبيع بفساد البيع، فكأنها مبقاة على ملكه ويده عليها بخلاف البيع الصحيح، وها هنا السلعة خرجت من يد البائع إلى يد وكيل لهما إلى وقت حلول الأجل، فيصير وكيلاً للمشتري إذا لم يأت البائع بالثمن فيد وكيل المشتري كيده، وهذا بين. قال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم: ومن ابتاع عبدًا بيعًا فاسدًا فعثر عليه، وقد فلس البائع، فإنه يفسخ ويباع للمبتاع في ثمنه ويكون أولى به من الغرماء بخلاف ما لو ابتاعه بيعًا صحيحًا فرده بعيب؛ لأنه فيه مخير ولو رضيه كان له، فإذا اختار رده كان أسوة الغرماء والأول يقضي عليه برده وليس هو فيه مخير قال أبو محمد وكذلك قال سحنون: أنه أحق به في البيع الفاسد. وقال ابن المواز: لا يكون أحق به وهو أسوة الغرماء. قال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم: ومن ابتاع شيئًا بيعًا فاسدًا على أن يرهن بالثمن رهنًا صحيحًا أو فاسدًا فرهنه إياه وقبضه فإنه أحق به من الغرماء؛ لأنه عليه وقع البيع، وكذلك إن كان البيع صحيحًا والرهن فاسدًا، كمن قال إن جئتك بالثمن إلى سنة وإلا فالرهن لك بالثمن، فهو أحق بالرهن. م جعل هذا بيعًا صحيحًا وهو لا يدري ما يصح له في ثمن سلعته الثمن الذي باعها به أو الرهن، وهذا بيع فاسد إلا أن يكون بعد تمام البيع كما بيناه.

قال ابن حبيب: وإذا وقع الرهن فاسدًا بعد تمام البيع ولم يشترط في البيع رهنًا، فلا يكون أولى بالرهن؛ لأنه لم يخرج من يده بهذا الرهن شيئًا. [قال] ابن المواز: ومن له عليك دين لم يحل فسألته أن يؤخرك به بعد الأجل شهرًا على أن تعطيه به رهنًا أو حميلاً لم يجز، وتسقط الحمالة متى علم بذلك، وأما الرهن فيرد إلى ربه إن أدرك قبل أن يدخل في الأجل الثاني، فيصير كسلف لا يحل، وفيه رهن مقبوض، والرهن به ثابت حتى يقضى. م وهذا خلاف ما في المدونة، وهو قول حسن وهذا مستوعب في الحمالة.

[الباب العشرون] في الرهن يطلب مقاصة المرتهن بقيمة رهنه في فلسه

[الباب العشرون] في الرهن يطلب مقاصة المرتهن بقيمة رهنه في فلسه قال ابن القاسم: وإذا أخذت رهنًا يغاب عليه في ثمن شيء بعته أو قرض عين أو حيوان أو طعام فهلك الرهن يبدك وقامت عليك الغرماء، ولا مال لك غير الدين الذي على غريمك، فعلى غريمك غرم دينك وله محاصة غرمائك بقيمة رهنه، ولا يكون دينك عليه رهنًا [له] بذلك، ولا له المقاصة به لأنك لم ترهنه إياه. وقد قال مالك فيمن أسلف رجلاً مالاً ثم اشترى منه سلعة بثمن ولم يذكر أن ذلك من دينه، ثم قامت الغرماء على أحدهما، فلا يكون ما في ذمته له رهنًا بما في ذمة الآخر، ولكنه يغرم ويحاص. قال ابن المواز: وقال أشهب في مسألة الرهن: إن صاحب الرهن أولى بما عليه حتى يستوفي منه قيمة رهنه/ لأن الراهن لم يدفع رهنه إلا بما قبضه، والمرتهن لم يدفع ماله إلا بالرهن الذي أخذه، فكل واحد منهما بيده وثيقة من حقه. قال ابن المواز: وهذا أحب إلينا، ولا يشبه هذا مسألة مالك التي احتج بها ابن القاسم، وقال سحنون في غير المدونة: قول ابن القاسم أحسن والله الموفق للصواب.

[الباب الحادي والعشرون] في اختلاف المتراهنين في الدين وفي الرهن

[الباب الحادي والعشرون] في اختلاف المتراهنين في الدين وفي الرهن [فصل 1 - في اختلاف المتراهنين في مبلغ الدين أو في قيمة الرهن] قال مالك رحمه الله، وإذا اختلف الراهن والمرتهن في مبلغ الدين، فالرهن كشاهد للمرتهن إذا حازه وثيقة له، فإذا كانت قيمته يوم الحكم والتداعي- لا يوم التراهن- مثل دعوى المرتهن فأكثر صدق المرتهن مع يمينه، وإن تصادقا أن قيمته يوم التراهن أقل من ذلك فزاد سوقه، لم أنظر إلا إلى قيمته الآن زادت أو نقصت. م وإنما كانت القيمة فيه يوم الحكم؛ لأنه يومئذ يستوجبه ويباع له إن لم يوف دينه، وكانت قيمته حينئذ كشاهد له، لاستحقاقه ذلك. م وقال عبد الوهاب: إنما كان ذلك؛ لأن العادة جارية بين الناس أنما يرتهنون ما يساوي ديونهم أو يقاربها. م يريد يوم يقضى لهم ببيعه. قال: فمن ادعى ما يصدقه العرف كان القول قوله. قال في العتبية وكتاب ابن المواز: إنما ينظر إلى قيمته يوم الحكم إذا كان الرهن قائمًا، كان مما يغاب عليه أم لا، كان على يدي المرتهن أو على يدي أمين.

م وإنما قال ذلك: لأنه إنما يستحق ثمن ما كان قائمًا فهو الذي يكون له شاهدًا. قال في الكتابين: وأما إن هلك فإنما ينظر إلى قيمته يوم قبضه، ويصدق في قيمته مع يمينه إن كذبه ربه، ويصدق أيضًا فيما ادعاه من الحق إلى مبلغ تلك القيمة تكون قيمته مكانه. م وإنما قال ذلك؛ لأنه ليس ثم رهن قائم يشهد له، فكان القول قوله إلى مبلغ قيمته يوم القبض؛ لأن عادة الناس أيضًا إنما يرهنون ما يساوي ديونهم، فصارت قيمته حينئذ مكانه. قال في الكتابين: وأما ما لا يضمنه، فإذا هلك لم تكن قيمته شاهدًا للمرتهن، وإن علمت قيمته بالبينة، وكذلك ما قامت بينة بهلاكه مما يغاب عليه، وكذلك ما كان بيد أمين فهلك لم تكن قيمته كشاهد، ولا يلزم الراهن إلا ما أقر به وإن كان أقل من قيمته. م لأنه صار كدين عليه لا رهن فيه، فالقول قوله فيه. م واختلف إن كان الرهن قائمًا بيد الأمين هل يكون شاهدًا أم لا؟ ففي كتاب محمد أنه شاهد كان على يدي المرتهن أو غيره، ولو اختلفا في جنس الدين لكان الرهن شاهدًا للمرتهن فيما يبلغ قيمته مثل أن يقول هو رهن في يدك في مئة دينار، ويقول الراهن في مائة اردب قمح قرضًا، وقيمتها أقل فالمرتهن مصدق مع يمينه.

قال مالك في الكتابين: ومن ارتهن ثوبًا بعشرة بمحضر بينة ثم اختلفا عند الأجل، فقال المرتهن: ازددت مني خمسة أخرى سرًا، والرهن يساوي خمسة عشر، وأنكر الراهن فإن قامت بينة وإلا حلف الراهن وصدق، وهو بخلاف ما لم تكن فيه بينة في أصل المعاملة والرهن. ومن الرهون قال ابن القاسم: وإذا قال الراهن هو في مئة، وقال المرتهن هو في مئتين، والرهن قائم صدق المرتهن فيما بينه وبين قيمة الرهن يوم الحكم، ويحلف فإن ادعى أكثر من قيمته يوم الحكم لم يصدق فيما زاد عليها، وحلف الراهن على ما قال، فإن حلف فإنما يبرأ من الزيادة على قيمة الرهن ويؤدي مبلغ قيمة الرهن ويأخذه إن أحب، وإلا فليس له أخذه. قال ابن المواز: وإذا كان الرهن يساوي عشرة وهي التي ادعاها المرتهن أو كان يساوي أكثر من دعواه، لم تكن اليمين إلا عليه وحده، وإن كان الرهن يساوي ما قال الراهن فأقل لم يحلف إلا الراهن وحده؛ لأن يمين المرتهن لا تنفعه، وإن كانت قيمته أكثر مما أقر به الراهن وأقل مما ادعاه المرتهن فها هنا يحلفان، يبدأ المرتهن باليمين؛ لأن الرهن كالشاهد له على قيمته، فإن حلف فليحلف الآخر، فإن نكل لزمه كل ما ادعاه المرتهن وحلف عليه، وإن كان أكثر من قيمة الرهن أضعافًا، فإن حلف الراهن برئ من الزيادة، والمرتهن أولى بالرهن إلا أن يدفع إليه الراهن قيمته ويأخذ رهنه فذلك له، ولا حجة للمرتهن أن يقول لا أدفعه إليك إلا بحقي كله، ولكن

لو قال [المرتهن] من أول لا أحلف إلا على مقدار قيمة الرهن إذ لا آخذه إلا بقيمته، فذلك إليه، وإن نكل المرتهن عن اليمين بما ادعاه أو بمبلغ قيمة الرهن، حلف الراهن ولم يغرم إلا ما حلف عليه، فإن نكل فعليه قيمة الرهن فقط، إن أحب أخذ رهنه وودى قيمته وإلا فالمرتهن أولى به، ويكونان إذا نكلا بمنزلتهما إذا حلفا، قال: ولا ألزم الراهن إذا نكل ما ادعاه المرتهن كاملاً، لأني إنما أحلف المرتهن في الابتداء ليستوجب ما بينه وبين قيمة الرهن لا ما زاد على ذلك؛ لأن الرهن إنما يشهد له بمبلغ ذلك، والراهن إنما استحلفه للزيادة على قيمة الرهن، فلما نكل لم ألزمه الزيادة حتى يحلف عليها مدعيها، فلما تقدم نكوله عنها لم يكن له منها شيء ورجعا إلى قيمة الرهن، بخلاف من أقام شاهدًا فنكل عن اليمين معه، فأحلف المدعى عليه، فنكل أيضًا، هذا يغرم الجميع؛ لأن الشاهد يشهد له بجميع الدين. ومن العتبية: قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: وإذا اختلفا في الدين والرهن قائم بيد المرتهن وقيمته خمسة عشر، فقال المرتهن: ارتهنت في عشرين، وقال الراهن في عشرة فصدقنا المرتهن فيما بينه وبين قيمة الرهن وذلك خمسة عشر، فقال الراهن: أنا أقضيك خمسة عشر وآخذ رهني: فليس له ذلك إلا بدفع عشرين.

ولا للمرتهن إلزام الراهن خمسة عشر إذا برئ [الراهن] من الرهن إلى المرتهن، ولا يجبر على أخذه إلا أن يرضى المرتهن بعشرة وإلا بقي للمرتهن. وقال ابن نافع: إذا دفع الراهن إلى المرتهن قيمة الرهن كان أولى به، وهو تفسير قول مالك في موطئه. ومن المدونة: قال مالك: وإن قال المرتهن رهنتنيه بمئة دينار، وقال الراهن المئة لك علي ولم أرهنك إلا بخمسين فالقول قول المرتهن إلى مبلغ قيمة الرهن، فإن لم يسو الرهن إلا خمسين فعجل الراهن خمسين قبل الأجل ليأخذ رهنه، وقال المرتهن: لا أسلمه حتى آخذ المئة، فللراهن أخذ رهنه إذا عجل الخمسين قبل أجلها، وتبقى عليه خمسون بلا رهن، ويقبل قول الراهن ها هنا مع يمينه؛ لأنه لا يتهم إذا أعطاه قيمة الرهن، ألا ترى أن الراهن لو أنكر الخمسين الأخرى لم تلزمه فكذلك لا يلزمه بقاء رهنه في أكثر من قيمته. [قال] ابن المواز: وقال أشهب: لا يأخذ الرهن حتى يدفع المئة كلها بعد يمين المرتهن: قال ابن المواز: والصواب قول ابن القاسم. م وأما إذا لم يحل الأجل فالصواب قول أشهب إذا كان لدعوى المرتهن وجه مثل أن يكون للرهن سوق عند محل الأجل؛ لأن المرتهن يقول: الرهن يساوي عند محل الأجل مئة ولذلك ارتهنته بها، فليحلف ويبقى رهنًا إلى الأجل إلا أن يعجل

له الراهن المئة، فيأخذ رهنه، وكذلك لو اختلفا في الدين/ لحلف أيضًا المرتهن وبقي رهنًا إلى الأجل إذا كان لدعواه وجه كما ذكرنا. وإن اختلفا ها هنا في الدين عند الأجل، فإذا دفع الراهن قيمة رهنه، وحلف على دعوى المرتهن، كان له أخذ الرهن، وكذلك إن لم يكن لدعوى المرتهن وجه قبل الأجل، فالصواب قول ابن القاسم في ذلك وبالله التوفيق. فصل [2 - في اختلاف المتراهنين في قيمة الرهن بعد ضياعه] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا ضاع الرهن عند المرتهن فاختلفا في قيمته تواصفاه ويكون القول في الصفة قول المرتهن مع يمينه، ثم يدعى لتلك الصفة المقومون، ثم إن اختلفا في الدين صدق المرتهن إلى مبلغ قيمة تلك الصفة. قال ابن المواز: ويقبل قول المرتهن في الصفة وإن كانت قيمة ذلك يسيرة إلا في قول أشهب، فإنه يقول: إلا أن يتبين كذبه لقلة ما ذكر جدًا. م إنما أعرف ينحو إلى مثل هذا ابن القاسم. فصل [3 - في اختلاف المتراهنين في عين الرهن] ومن العتبية: قال أصبغ فيمن رهن رهنًا بألف دينار فجاءه ليقبضه فأخرج المرتهن رهنًا يساوي مائة دينار، وقال الراهن ليس هذا رهني، وقيمة رهني ألف دينار، وذكر صفة تساوي ألفًا، فالراهن مصدق مع يمينه؛ لأنه ادعى ما يشبه

وادعى المرتهن ما لا يشبه، فإذا حلف سقط عنه من الدين مقدار قيمة رهنه، وقال أشهب: القول قول المرتهن وإن لم يساو إلا درهمًا واحدًا، فليس هذا بشيء، وقال عيسى عن ابن القاسم نحو قول أشهب. [قال] ابن حبيب: وقاله ابن عبد الحكم وبه أقول. م كما لو قال لم ترهني شيئًا. [فصل 4 - في المرتهن يضيع أحد ثوبي الرهن واختلاف المتراهنين فيما وقع عليه الرهن] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن رهنته ثوبين فضاع عنده أحدهما فاختلفا في قيمته، صدق المرتهن في قيمته مع يمينه وسقط من الدين مبلغ قيمة الثوب الذاهب، وإذا كان بيد المرتهن عبدان فادعى أنهما رهن [بألف]، وقال الراهن رهنتك بالألف أحدهما وأودعتك الآخر، فالقول قول الراهن لأن من ادعى في سلعة بيده أو عبد أن ذلك رهن وقال ربه: بل عارية أو وديعة صدق ربه مع يمينه. وفي كتاب محمد: إذا كان له دين بذكر حق لم يذكر فيه رهن، فقال رب الدين: هذا الرهن له عندي بمئة أخرى غير المئة التي في الكتاب، وقال الراهن: بل مالك عندي غير المئة التي في الكتاب وفيها هذا الرهن.

فقال ابن القاسم مرة أن القول قول الراهن؛ لأنه لو قال هو وديعة لكان القول قوله، وقال أيضًا قد أقر أنه رهن فيجب أن يكون رهنًا بالمئة الأخرى إلا أن تكون قيمته أقل. م ولأنه لو كان بالمئة التي فيها الكتاب لذكر ذلك فيه، قال بعض الفقهاء: والأول أشبه؛ لأن إقراره بأنه رهن لا يوجب عليه به دين آخر مع إمكان أن يكون الرهن رهنًا بالمئة التي بذكر الحق. ومن المدونة: ولو كان نمطًا وجبة فهلك النمط فقال المرتهن: أودعتنيه والجبة رهن، وقال الراهن: النمط هو الرهن، والجبة وديعة، فكل واحد مدع على صاحبه فلا يصدق الراهن في تضمين المرتهن لما هلك، ولا يصدق المرتهن أن الجبة رهن ويأخذها ربها- يريد ويحلفان-. فصل [5 - في دعوى المرتهن أنه رد الرهن للراهن] قال ابن القاسم: ومن ارتهن رهنًا بغير بينة ثم زعم أنه رده وأخذ دينه وأنكر الراهن رده، فليحلف الراهن ويضمنه المرتهن. وقال مالك في الراهن يقبض الرهن ثم قام المرتهن بطلب دينه أو بعضه فزعم الراهن أنه دفعه إليه وأخذ رهنه، فليحلف الراهن ولا شيء عليه.

وقال سحنون: إذا ادعى الراهن أنه لم يقبض الرهن إلا بعد دفع الحق، وقال المرتهن بل سرقته مني أو اختسلته أو أعرتك إياه فالقول قول المرتهن في جميع ما ذكر من العذر إذا كان قيامه/ بحدثان حلول الأجل مع يمينه، فإن نكل حلف الراهن وبرئ كالصناع يقومون بالأجر بحدثان دفع المتاع. فصل [6 - فيمن يؤمر برهن سلعة ثم يختلف مع الآمر في مبلغ الرهن] ومن الوكالات قال ابن القاسم: وإن أمرت رجلاً يرهن لك سلعة فقال: أمرتني برهنها في عشرة ففعلت ودفعت العشرة إليك، وصدقه المرتهن، وقلت أنت: بل في خمسة وقد قبضها أو قلت لم أقبضها، فالقول قول المرتهن فيما رهنه به إن كانت قيمة الرهن مثل ما قال، والقول قول الوكيل فيه وفي دفعه إليك. وقال المخزومي: وإن أعرته إياها ليرهنها لنفسه لم تكن رهنًا إلا بما أقررت به، والمستعير مدع. م لأنه معروف صنعه فوجب أن يكون القول قوله فيه ثم لا تكون قيمته كشاهد المرتهن؛ لأن ربه قد استحقه وبقي الدين كدين لا رهن فيه، فيكون القول قول الراهن إلا أن يدعي أقل مما ادعاه المعير فلا يصدق حينئذ، ويصدق المرتهن لأنه رهن له بذلك، ويباع له فيه إن أعدم المرتهن. قال ابن المواز عن مالك: ومن أرسل رسولاً يرهن له ثوبًا وقال: أمرته أن يرهنه في خمسة فوصلها إليّ، وقال الرسول: بل في خمسة عشر، وقال المرتهن في عشرين وقيمة الثوب عشرة، فإنه يحلف المرتهن ثم يحلف رب الثوب ثم يغرم ربه عشرة قيمة

الثوب إن أحب أخذه، ثم يحلف الرسول يمينين، يمينًا لرب الثوب لقد أوصل إليه عشرة، ويمينًا للمرتهن ما رهنه عنده إلا في خمسة عشر ويغرم له خمسة. ومن العتبية: قال سحنون روى عيسى عن ابن القاسم: وإذا قال الراهن بخمسة أمرته وأقام بينة وصدقه الرسول، غرم الآمر خمسة وأخذ رهنه، وحلف الرسول للمرتهن وبرئ ولم يطالبه المرتهن بشيء وإن لم تكن له بينة وقال المرتهن بعشرة، فالمرتهن مصدق فيما بينه وبين قيمة الرهن مع يمينه، ثم يقال للآمر افتك رهنك بقيمته أو دعه بما فيه، وإن كانت دعوى المرتهن أكثر من قيمة الرهن أحلف الرسول ما رهنه إلا بخمسة وبرئ ولم يطالبه الآمر ولا المرتهن بشيء. قلت لابن القاسم: فإذا أقام الراهن بينة وأخذ رهنه وودى خمسة لم لا يرجع المرتهن على الرسول بخمسة إذا كان الرهن يساوي عشرة؟ قال: لأن الرهن الذي كان يصدق به انتزع بالبينة منه، وإنما هو مدع لا حجة له بقيمة الرهن، وقد حلف له الرسول، وكل رهن استحق فأخرج من يدر المرتهن فلم يبق له ما يصدق قوله به فالقول فيه قول الراهن مع يمينه فيما يقول أنه رهنه فيه. وقد قال مالك: إذا مات العبد الرهن فكانت قيمته عشرة وقال المرتهن هو في عشرة، وقال الراهن في دينارين، أن الراهن مصدق مع يمينه، وكل رهن رهنه فيه رجل فكان عنده وديعة أو عارية فاستحقه ربه فأخذه، فإنه يرجع القول قول

الراهن في الدين، ويحلف، وهذا قولنا وأما العراقيون أجمع فيقولون إن المرتهن مدع، وإن كان الرهن قائمًا بيده، وفي قيمته ما يدعى، فكيف إذا زال الرهن من يده والصواب ما قلت لك إن شاء الله. [فصل 7 - فيمن مات وبيده رهن] قال في النوادر: وكذلك من مات وبيده رهن، وقد قال لورثته هو رهن لفلان، ولم يذكر بكم هو رهن، فإن القول قول الراهن في الدين مع يمينه، ولا ينظر إلى قيمة الرهن في هذا. م العلة في هذا أن الراهن يدعي علمًا، وهؤلاء لا يعلمون ولا يدعون تكذيبه فكان القول قوله، والعلة في الأولى أن الراهن أقيم كالشاهد مع دعوى المرتهن، فإذا زال من يده صار مدعيًا بلا شاهد، والراهن غارم مدعى/ عليه، فكان القول قوله.

قال في العتبية وكتاب ابن المواز فيمن هلك وبيده سيف رهن قيمته خمسة دنانير، وقال ربه رهنته في دينار، وجهل الورثة في كم رهنه، فليحلف ربه ويأخذه ويؤدي دينارًا. ولو قال رهنته في خمسة وقضيت أربعة لم يصدق ولا يأخذه حتى يؤدي خمسة إذا كان يساوي خمسة، لإقراره بأصل الحق، مع أن الورثة لا حقيقة عندهم من دعواه القضاء. قال ابن المواز: ولا يأخذه حتى يؤدي خمسة، سَويِ السيف خمسة أو دينارًا أو أقل. قال سحنون عن أشهب: ويحلف له من كان بالغًا من ورثته ممن يظن به علم ذلك أنه ما علم أن أباه اقتضى منها شيئًا ولا يمين على صغير أو غائب.

[الباب الثاني والعشرون] فيمن باع على رهن فلم يقبضه حتى فلس الراهن أو باعه ولم يوجد له رهن

[الباب الثاني والعشرون] فيمن باع على رهن فلم يقبضه حتى فلس الراهن أو باعه ولم يوجد له رهن قال: وإن بعت من رجل سلعة على أن يرهنك عبده ميمونًا بحقك، ففارقته قبل أن يقبضه لم يبطل الرهن، ولك أخذه منه رهنًا ما لم يقم عليه الغرماء، فتكون أسوتهم، فإن لم تقبضه منه حتى باعه مضى البيع، وليس لك أخذه برهن غيره؛ لأن تركك إياه حتى باعه كتسليمك لذلك، وبيعك الأول غير منتقض. قال أبو محمد: يريد لطول تركك إياه حتى باعه، وأما إن بادر الراهن فباعه بقرب ذلك لم يبطل الرهن، ويكون ثمنه رهنًا. وكذلك ذكر ابن المواز وكما قال أشهب إذا كاتبه قبل القبض، تكون الكتابة رهنًا. وضعف محمد يمين الراهن لعدم من يدعي خلاف ذلك، وهذا أيضًا إذا دفع البائع السلعة المشتراة، وأما إذا لم يدفعها فباع المشتري الرهن قبل القبض فها هنا لا يلزمه تسليم إلا أن يدفع إليه رهنًا، وسواء ها هنا تراخي في قبض الرهن أو أقام بالحضرة، ولم يختلفوا إذا دبّره قبل القبض أن خدمته لا تكون رهنًا لأنها غلة.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن بعت منه سلعة بثمن إلى أجل على أن تأخذ به رهنًا ثقة من حقك فلم تجد عنده رهنًا، فلك نقض البيع وأخذ سلعتك أو تركه بلا رهن. [قال] ابن المواز: قال أشهب: وكذلك على أن يعطيه حميلاً، قال: ويجبر ها هنا على أن يعطيه رهنًا أو حميلاً إن طلبه البائع حتى يعلم أنه لا يقدر على ذلك. قال ابن القاسم فيه وفي المدونة: وإن باعه على أن يرهنه عبدًا غائبًا فجائز وتوقف السلعة حتى يقدم العبد، فإن هلك العبد الغائب لم يكن للراهن أن يقول له: أنا أدفع إليك رهنًا مكانه إلا أن يرضى البيع البائع. [قال] ابن المواز: قال أشهب: وإن كانت غيبة الرهن بعيدة لم يجز البيع إلا أن يكون الرهن دارًا أو أرضًا ويقبض السلعة المشتري؛ لأن النقد في بيع الدور الغائبة يجوز، وأما إن كان العبد الرهن قريب الغيبة مثل يوم أو يومين فالبيع جائز. قال ابن الماجشون في المجموعة: وإن باعه وشرط رهنًا بعينه فاستحق ولم يغره فلا بدل عليه، فإن اتهم على أن يكون غره حلف أنه ما رهنه عالمًا بذلك، فإن قامت عليه بينة فعليه البدل، فإن قبضه فمات فلا شيء له غيره والبيع تام. قال ابن القاسم: وإن مات بيد راهنه قبل أن يحاز عنه فالبائع مخير بين إمضاء البيع أو رده؛ لأنه باعه على أن يوصله إليه.

[الباب الثالث والعشرون] في ارتهان العصير والخمر وتخليله وما يجوز ارتهانه ومن يجوز ارتهانه]

[الباب الثالث والعشرون] في ارتهان العصير والخمر وتخليله وما يجوز ارتهانه ومن يجوز ارتهانه] [الفصل 1 - في ارتهان العصير والخمر وتخليله] قال ابن القاسم: ومن ارتهن عصيرًا فصار خمرًا فليرفعها إلى الإمام لتهراق بأمره؛ لأن مالكًا قال: إذا وجد الوصي في التركة خمرًا فلا يهرقها إلا بأمر السلطان، خوفًا من أن يتعقب بأمر يأتي من يطلبه فيها. قال بعض فقهائنا القرويين: إنما يعني خوفًا من أن يكون الإمام ممن يرى تخليلها وإذا رفعت إليه، فلذلك أمره برفعها إليه. قال مالك: وإذا ملك المسلم خمرًا أهريقت عليه ولا يخللها، فإن أصلحها فصار خلاً فقد أساء ويأكله. [الفصل 2 - في ارتهان جلود السباع ورهن ما لا يجوز بيعه في وقت دون آخر] ولا بأس برهن جلود السباع المذكاة وبيعها، دبغت أم لا، ويجوز ارتهان ما لا يجوز بيعه في وقت، وقد يجوز بيعه بعد ذلك مثل زرع أو ثمر لم يبد صلاحه. م لأن ذلك مبقى على ملك صاحبه وهو لا يباع حتى يبدو صلاحه. قال مالك: فإن ارتهنت ذلك منه ذلك ثم مات الراهن قبل أجل الدين ولم يبد صلاح الزرع أو التمر، حل الدين الذي لك عليه بموته وتعجلت دينك من ماله، وسلمت الرهن لورثته، وإن لم يدع مالاً انتظرت إلى أن يحل بيع ما ذكرنا فيباع،

وتأخذ دينك من ثمنه، وإن فلس الراهن أو مات فقام غرماؤه، والذي بيدك من الرهن لم يبد صلاحه، فإن المرتهن يحاص الغرماء بجميع دينه الآن ويترك الرهن، فإذا حل بيعه بيع، فإن كان ثمنه مثل دينه أو أزيد قبض منه دينه، ورد زيادة إن كانت مع ما كان أخذ في الحصاص فكان بيد الغرماء، وإن كان ثمنه أقل من دينه نظر إلى ما كان بقي له من دينه بعد مبلغ ثمن الزرع، فعلمت أن بمثله كان يجب له الحصاص أولاً، فما وقع له على ذلك أخذه، فليحسبه مما كان أخذ أولاً ويرد ما بقي فيتحاص فيها الغرماء، وقد تقدم هذا في كتاب التفليس. قال في كتاب الصلح: وقد جوز أهل العلم ارتهان الغلات ولم يجوزوا ارتهان الأجنة. [قال] ابن المواز: ويجوز ارتهان البعير الشارد والعبد الآبق إن قبضه قبل موت صاحبه أو فلسه، قلت له: أيجوز ارتهان ما تلده هذه الجارية أو هذه الغنم؟ فلم يذكر محمد جوابًا. قال أبو محمد: والمعروف لمالك أنه لا ترهن الأجنة. قال أحمد بن ميسر: ذلك جائز كما يرتهن العبد الآبق والبعير الشارد، ويصح بالقبض، وكذلك إذا ولدت الغنم كان أولادها رهنًا وإن كان أوله مكروهًا. فصل [3 - في الحكم بين أهل الذمة في الرهن والمكاتب يرهن أو المأذون له في التجارة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ويحكم بين أهل الذمة في تظالمهم في الرهان، وإذا رهن المكاتب أو ارتهن جاز ذلك إن أصاب وجه الرهن؛ لأنه جائز البيع والشراء، وكذلك العبد المأذون له في التجارة، وإذا وجد السيد مع المكاتب قبل حلول أجل الكتابة مالاً فيه وفاء بالكتابة أو أقل فليس له أخذه، وإن أعطاك أجنبي رهنًا بكتابة مكاتبك لم يجز ذلك، كما لا يجوز الحمالة بها، وإذا خاف المكاتب العجز جاز أن يرهن أم ولده، وأما ولده فلا كالبيع.

[الباب الرابع والعشرون] في الراهن يحدث في الرهن عتقا أو كتابة أو تدبيرا أو وطئ الأمة هو أو المرتهن او أقر الراهن أن الرهن لغيره

[الباب الرابع والعشرون] في الراهن يحدث في الرهن عتقًا أو كتابةً أو تدبيرًا أو وطئ الأمة هو أو المرتهن او أقر الراهن أن الرهن لغيره [الفصل 1 - في الراهن يحدث في الرهن عتقًا أو كتابةً أو تدبيرًا] ولما كان الرهن وثيقة للمرتهن لم يجز للراهن أن يحدث فيه ما يبطله، فإن فعل عجل دينه. قال مالك: ومن رهن عبدًا ثم أعتقه، قال ابن القاسم: أو كاتبه جاز ذلك إن كان مليئًا وعجل له الدين، زاد في رواية أخرى/ أو يكون في ثمن الكتابة إذا بيعت وفاء للدين فتجوز الكتابة. م ويعد عتقه للعبد رضا منه بتعجيل الدين؛ لأن الرجوع في الرهن لا يجوز، ورد العبد في الرق لا يجوز، فلم يبق إلا تعجيل الحق. قال ابن القاسم: وأما عن دبره جاز وبقي رهنًا على حاله؛ لأن للرجل أن يرهن مدبره، وروى ابن وهب عن مالك: أن التدبير مثل العتق سواء.

قال سحنون في المجموعة: ورواية ابن وهب أحسن من قول ابن القاسم الذي قال فيه يبقى رهنًا مدبرًا كما يرهن المدبر. قال سحنون: هذا والتدبير سابق للرهن، فدخل فيها أن لا يباع إلا بعد موت الراهن وهذا أحدث التدبير فأضر به بتأخير بيعه في عدمه، وقد يحل حقه إلى قريب، وأما في الكتابة فتمضي إن كان له مال يؤخذ منه الدين، وإن لم يكن له مال، وفي الكتابة إن بيعت وفاء الدين جازت وبيعت. م ولعل ابن القاسم يريد في المدبر بعد الارتهان أنه يبقى مدبرًا، وهو رهن بيد المرتهن، فإن مات السيد وهو ملئ تعجل المرتهن دينه من تركته، وعتق المدبر في ثلثه، وإن حل الأجل والسيد حي وهو ملئ ودى الدين وبقي العبد مدبرًا، فإن لم يكن له مال بيع المدبر في الدين كما قال ابن المواز، ولا تلزمه علة سحنون أنه يضربه في تأخير بيعه في عدمه. م وقال بعض الفقهاء: وقول ابن وهب أبين، وذلك أنه إذا كان موسرًا يوم دبره، فإن أنت ألزمته آداء الثمن ثم التدبير وتمت الكتابة، وإن أبقيته حتى يحل الأجل فقد يعسر بالثمن، فيؤدي ذلك إلى إبطال التدبير، وكذلك إذا كاتب وهو موسر أدى الدين وتمت الكتابة، وقد اتفق ابن القاسم وابن وهب على هذا. وقال محمد: يبقى مكاتبًا، والصواب أن يعجل الدين في ملائه، إذ قد يعسر عند الأجل، فلا يكون في ثمن الكتابة إن بيعت وفاء بالدين فتبطل الكتابة كلها عنده.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن أعتقه قبل محل الدين لم يكن له أن يرهنه سواه حتى يحل الأجل، وليعجل له حقه في ملائه، وإن كان عديمًا بقي العبد كما هو رهن، فإن أفاد السيد قبل الأجل مالاً أخذ منه الدين ونفذ العتق، وإن لم يفد السيد شيئًا بيع في الدين كله إن لم يكن في ثمنه فضل وإن كان في ثمنه فضل بيع منه ما بقي بالدين وعتق ما بقي. وفي كتاب ابن المواز قال: وتعدي الراهن في العتق كتعديه في البيع عند مالك، قبل قبض الرهن أو بعده إن كان مليئًا، وقاله ابن القاسم وأشهب. وقال ابن القاسم في الكتابة هي مثل العتق، يمضي ذلك ويعجل للمرتهن حقه عن كان ذلك بعد أن قبض الرهن، وأما التدبير فإنه يبقى رهنًا بحاله بيد مرتهنه؛ لأن المدبر يرهن. [قال] ابن المواز: وكذلك الكتابة مثل التدبير، وقال أشهب: هما مثل العتق، إن كان مليئًا أخذ منه الحق معجلاً إن كان ذلك بعد الحيازة، وإن لم يكن مليئًا بقي ذلك مرتهنًا بيد المرتهن بحاله، فإن ودى المرتهن الدين نفذ ما صنع الراهن، وإن لم يؤده بطل صنعه وبيع ذلك، فإن كان في بعض ثمنه وفاء بيع في العتق بقدر الدين، وعتق ما بقي. قال أشهب: وأما في الولادة والتدبير والكتابة فيباع ذلك كله، فيكون فضل ثمنه لسيده، إذ لا يكون بعض أم ولد ولا بعض مكاتب ولا بعض مدبر.

قال ابن المواز: وأما في التدبير والكتابة فيبقى رهنًا بحاله؛ لأن الكتابة مما يباع، فإن تم الأجل وفيها وفاء بيعت، وإن كان فيها فضل لم يبع منها إلا بقدر الدين، وإن لم يكن فيها وفاء إلا بيع الرقبة بيعت الرقبة، وكذلك المدبر إذا حل الأجل بيع كله، ولا يجوز بيع شيء منه على أنه مدبر على حالة ولا على أن يقاويه فيه، وأما إذا أولد الراهن الأمة فيجوز أن يباع بعضها ويبقى باقيها بحساب أم ولد. م وكذلك يباع بعض المدبر على أنه رقيق للمبتاع، ويبقى باقيه مدبرًا لجواز تدبير أحد الشريكين نصيبه بإذن شريكه، ولا يجوز ذلك في المكاتب. [قال] ابن المواز: قال أشهب: وإن كان هذا كله قبل حوز الرهن، فهو كله نافذ ولا رهن له في العتق وحده، ولا يعجل له الحق، وأما في التدبير والكتابة فللمرتهن قبض رهنه، فيبقى بيده رهنًا وهو مكاتب أو مدبر، وتكون الكتابة رهنًا معه، ولا تكون خدمة المدبر رهنًا إلا أن تشترط في أصل الرهن، وأما الكتابة فكالرقبة ولا كالغلة والخدمة. قال ابن المواز: الكتابة كالغلة؛ لأنها لا تكون رهنًا إلا أن يشترطها في أصل الرهن. قال: ولو كان عتق الراهن بعد قبض المرتهن وليس بملئ فإن لم يكن في ثمنه فضل لم يبع منه شيء، ولم يعتق [منه شيء] حتى يحل الأجل، وقاله مالك، وإن كان

فيه فضل بيع بقدر الدين وعتق ما بقي، وإن لم يوجد من يبتاع بعضه بيع كله، فما فضل عن الدين فلسيده أن يصنع به ما شاء. م لأنه لا يباع كله إلا أن يحل الأجل، لعل السيد أن يفيد مالاً فيعتق كله أو بعضه. قال أشهب: وإن كان للسيد مال عتق مكانه وإن لم يحل الأجل وقضى المدين الدين الآن، فإن لم يكن له مال فقضى العبد الدين من ماله فهو أيضًا حر مكانه، ولا رجوع له بذلك على سيده. ومن المدونة: وكذلك قال ابن القاسم إذا أعتق المديان- يريد أو الراهن- عبده الرهن فأراد الغرماء رد العتق وبيع العبد، فقال لهم العبد: خذوا دينكم مني ولا تردوا عتقي، أو تبرع لهم بذلك أجنبي، فذلك للعبد ولا يرد العتق. م قال بعض الفقهاء: وينبغي أن لو رضي أن يسلف سيده ذلك، أن له الرجوع عليه به؛ لأن الغرماء لو شاؤا أن يصبروا بدينهم ويجيزوا عتقه، كان

ذلك لهم؛ لأنه يعتقه رضي ببقاء الدين في ذمته، إلا أن يقال أن عتقه في العبد لم يكن عتقًا يتم إلا بقضاء الدين، فصار كأنه أدى الدين وهو في ملك سيده، وفي هذا نظر؛ لأن السيد لو أعتقه وللعبد على سيده دين ولم يكن استثنى ماله لوجب أن يجوز عتقه ويبقى دينه في ذمة سيده، وليس له أن يرد عتق نفسه لمكان ماله على سيده من دين؛ لأنه إذا رد عتق نفسه كان أضر به؛ لأن السيد حينئذ أخذ ماله فلا فائدة له في هذا، فلأن يكون حرًا ويتبع السيد بدينه أولى من أن يرد عتق نفسه ويأخذ سيده ماله إذا شاء، كما قيل إذا زوج عبدًا من أمته وقبض صداقها وأعتقها ولا مال للسيد، فاختارت نفسها فقال الزوج أنا أطلب السيد بالصداق الذي قبض مني، فأراد فيه عتق الأمة. فقيل: لا يكون لها خيار وتبقى حرة تحته؛ لأن اختيارها للطلاق يوجب سقوط عتقها، فوجب أن لا يكون لها خيار؛ فلأن تبقى حرة تحت عبد خير من إرقاقها المؤدي إلى اسقاط اختيارها، ولم يجعل أن العتق بمضي؛ لأن إيجاب الصداق على السيد إنما حدث بعد العتق باختيارها كما قال في المدونة إذا أخذ مهر أمته وأعتقها ثم طلقها الزوج أنه دين حدث بعد الطلاق، ولا يرد به العتق. م ولا فرق بينهما، وإنما ذلك اختلاف قول، فهذا يجري على قول من قال أن الزوج إذا طلق قبل البناء أن نصف الصداق الذي يرجع إلى الزوج فائدة، وقد تقدم هذا.

[الفصل 2 - في الراهن أو المرتهن يطآن الأمة الرهن] قال ابن القاسم: ومن رهن أمته ثم وطئها فأحبلها، فإن وطئها بإذن المرتهن أو كانت مخلاة تذهب وتجيء في حوائج المرتهن، فهي أم ولد الراهن، ولا رهن للمرتهن فيها، وإن وطئها على وجه التسور والغصب بغير إذن المرتهن، عجل الحق إن كان مليئًا وكانت له أم ولد، وإن لم يكن له مال بيعت الجارية بعد الوضع وبعد حلول الأجل، ولا يباع ولدها وهو حر ولا حق النسب، فإن نقص ثمنها عن دين المرتهن اتبع السيد بذلك. وروى ابن القاسم أيضًا عن مالك أنه إذا لقيها في تصرفها فوطئها فحملت فلتباع دون الولد- يريد تباع بعد الأجل والوضع- إلا أن يكون له مال، وقال به سحنون. ومن المدونة: وإن وطئها المرتهن فولدت منه لزمه الحد ولم يلحق به الولد، وكان مع الأم رهنًا وعليه للراهن ما نقصها الوطء، بكرًا كانت أو ثيبًا إذا أكرهها، وكذلك إن طاوعته وهي بكر، وإما إن كانت ثيبًا فلا شيء عليه، والمرتهن وغيره في ذلك سواء.

م والصواب أن عليه ما نقصها وإن طاوعته بكرًا كانت أو ثيبًا، وهو أشد من الإكراه؛ لأنها في الإكراه لا تعد زانية وفي الطوع هي زانية، فقد أدخل على سيدها فيها عيبًا، فوجب عليه غرم قيمته، ونحو هذا في كتاب المكاتب أن الأجنبي عليه بكل حال ما نقصها. م وقال أشهب: إن طاوعته فلا شيء عليه مما نقصها وإن كانت بكرًا كالحرة. م ووجه هذا كأنه رأى أن ذلك من مهر البغي كالحرة، وقول ابن القاسم أولى؛ لأن الأمة كسلعة، أدخل على سيدها فيها نقصًا، وكما لو قطع يدها فوجب عليه غرم ما نقصها ولم يكن ذلك من مهر البغي؛ لأنه لم يصل إلى الزانية كما هو في الحرة، وذلك مفترق والله أعلم. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو اشترى المرتهن هذه الأمة وولدها لم يعتق عليه ولدها؛ لأنه لم يثبت نسبه منه. فصل [3 - في الراهن يقر أن العبد لغيره] قال ابن القاسم: ومن رهن عبدًا ثم أقر أنه لغيره لم يجز إقراره في هذا. قال ابن حبيب: قال ابن القاسم وأشهب: إذا أقر أنه لغيره قبل أن يقبضه المرتهن فالمقر له أولى به، كان الراهن مليئًا أو معدمًا، وإن كان بعد أن قبضه، فإن كان للمقر مال أخذ منه الدين ودفع للمرتهن وإن لم يحل أجله، ودفع العبد إلى المقر له، وإن كان المقر عديمًا، فالمقر له مخير في أن يضمنه قيمته ويتبعه بها دينًا، وإن شاء انتظر بالعبد إلى حلول أجل الحق لعل المقر يفيد مالاً إلى ذلك الأجل فيقضي منه المرتهن حقه ويأخذ هذا عبده، وإن حل الأجل ولم يفد شيئًا بيع العبد في الدين واتبع المقر له المقر بقيمة العبد يوم أقر به. وقد تقدم أن من ارتهن عبدًا بماله أنه لا يدخل ما وهب له من مال في الرهن وقيل يجب أن يدخل.

[الباب الخامس والعشرون] فيمن استعار شيئا ليرهنه وكيف إن تعدى هو فيه أو أعتقه المعير

[الباب الخامس والعشرون] فيمن استعار شيئًا ليرهنه وكيف إن تعدى هو فيه أو أعتقه المعير [فصل 1 - فيمن استعار سلعة ليرهنها] قال مالك رحمه الله: ومن استعار سلعة ليرهنها جاز ذلك، ويقضى للمرتهن ببيعها إن لم يؤد الغريم ما عليه، ويتبع المعير المستعير بما أدى عنه من ثمن سلعته. وقال في رواية يحيى بن عمر يتبعه بقيمتها. قال يحيى: بما أدى عنه أصوب، وقاله أشهب. ولو هلكت السلعة عند المرتهن وهي مما يغاب عليه لأتبع المعير المستعير بقيمتها- يريد وكذلك يلزم المرتهن-. قال مالك: وإن كانت مما لا يغاب عليه لم يضمنها المستعير ولا المرتهن. ومن أعرته سلعة ليرهنها في دراهم مسماة فرهنها في طعام فقد خالف، وأراه ضامنًا. م وإنما يضمن إذا أقر له المستعير بذلك وخالفها المرتهن ولم يشأ المعير أن يحلف فيكون رهنه رهنًا فيما أقر به من الدراهم، فإذا لم يحلف كان له تضمين المستعير بتعديه، ونقلها أبو محمد: ومن أعرته عبدًا ليرهنه في دراهم فرهنه في طعام، فهو ضامن بتعديه، قال: وقال أشهب: لا ضمان عليه في العبد، ويكون رهنًا في عدد الدراهم التي رضي بها السيد. م يريد إذا حلف أو أقر له المرتهن بذلك فيتفق القولان والله أعلم.

[فصل 2 - من استعار عبدًا ليرهنه فرهنه ثم أعتقه المعير] ومن المدونة: ومن استعار عبدًا ليرهنه فرهنه ثم أعتقه المعير، فإن كان المعير مليئًا جاز العتق وقيل له عجل الدين لربه إذ أفسدت عليه رهنه إلا أن تكون قيمة العبد أقل من الدين فلا يلزمه إلا قيمته، ويرجع المعير على المستعير بذلك بعدما حل أجل الدين لا قبله. قال ابن المواز: وخالفه أشهب ولم يره بمثل الذي عليه الدين نفسه يعتق عبده بعد أن رهنه، ورآه، مثل من أعتق عبده بعد أن جنى، أن يحلف المعير ما أعتقه ليؤدي الدين ويبقى رهنًا حتى يقبض حقه من ثمنه إن بيع أو يبرأ فينفذ فيه العتق، وإن نكل غرم الأقل من قيمته أو الدين ونفذ عتق العبد. قال ابن المواز: وقول ابن القاسم أحب إلي؛ لأن الجناية أخرجت العبد من ملك ربه إلا أن يفديه، وهذا لم تخرجه عاريته من ملكه ولا من ماله، وغيره يفديه إلا أن يكون المستعير قد هلك عن إياس أن يكون له شيء فيكون كما قال أشهب والله أعلم.

[الباب السادس والعشرون] جامع القول في مسائل مختلفة من الرهون وغيرها

[الباب السادس والعشرون] جامع القول في مسائل مختلفة من الرهون وغيرها [فصل 1 - في الراهن يشترط إن مضت السنة فليس برهن وفيمن قال لعبده أد إليّ الغلة والمأذون له يشتري من يعتق على سيده] قال مالك رحمه الله: ومن رهن رهنًا على أنه إن مضت سنة خرج من الرهن، ولا يعرف هذا من رهون الناس ولا يكون هذا رهنًا. قال ابن المواز: وإن مات الراهن أو أفلس دخل فيه الغرماء. ومن قال لعبده أدّ إليّ الغلة لم يكن بهذا مأذونًا له، وإذا اشترى المأذون من قرابة سيده من لو ملكهم سيده عتقوا عليه وهو يعلم لم يجز ذلك، كما لو أعطاه [سيده] مالاً يشتري له عبدًا فاشترى من يعتق على سيده لم يجز ذلك، ولم يجز له ان يتلف مال سيده. م واختلف فقهاؤنا هل يفسخ شراؤه أم لا؟ فقال بعضهم: لا يفسخ شراؤه ويباعوا، لئلا يظلم البائع منه. وقال غيره: يفسخ شراؤه؛ ولا حجة للبائع لأن العبد تعدى في شرائه. م وهو الصواب إذ قد يخسر فيه، فيصير قد أتلف مال سيده، أو يربح فيه فيصير ابتاع حرًا ممن يعتق عليه.

م وأنا أقول يفسخ شراؤه إن كان في ثمنه إذا بيع نقص، فإن كان فيه فضل بيع منه بقدر ثمنه وعتق ما بقي. م وظاهر الكتاب يدل أنه يفسخ على كل حال والله أعلم. [الفصل 2 - في المأمور يأخذ رهنًا في ثمن سلعة والمقارض يرهن والمرتهن يصح بئر الزرع أو أجنبي وفيمن رهن أرضًا فيها نخل] ومن المدونة: ومن أمرته ببيع سلعة فباعها وأخذ بثمنها رهنًا لم يجز ذلك عليك، كما ليس له بيعها بالدين إلا بأمرك، وإن أمرته أن يبيع بالدين فباع وأخذ رهنًا، فأنت مخير في قبوله، ويكون ضمانه منك إن تلف، وإلا رددت الرهن إلى ربه وبقي البيع على حاله، وإن تلف الرهن قبل علمك فضمانه من المأمور، ولا يجوز للمقارض الشراء بالدين على القراض، فإن اشترى بجميع المال عبدًا ثم اشترى عبدًا ثانيًا بدين فرهن فيه الأول لم يجز ذلك. قال أشهب في غير المدونة: إن اشترى الثاني لنفسه فلا رهن في الأول وليأتيه برهن غيره- يريد إذا باعه على رهن غير معين- قال أشهب: فإن اشتراه للقراض فلرب المال أن يجيز ويصير رهنًا أو يرد فيسقط الرهن. قال ابن القاسم: ولو أمره رب المال أن يشتري بالدين على المضاربة، كانت مضاربة لا تحل، ولو جاز هذا لجاز أن يقارضه بغير مال.

م وقد تقدم في باب النفقة على الرهن أن من ارتهن نخلاً أو زرعًا أخضر ببئره فانهارت، فأبى الراهن أن يصلحها فأصلحها/ المرتهن لإحياء رهنه، فلا رجوع له بالنفقة على الراهن ولكن يكون له ذلك في الزرع وفي رقاب النخل، يبدأ فيه بنفقته، فما فضل كان في دينه، وإن أخذ ربه مالاً من أجنبي فأنفقه في ذلك، فالأجنبي أحق بمبلغ نفقته في ثمن الزرع من المرتهن، فما فضل كان للمرتهن وإلا رجع بدينه على الراهن، ومن ارتهن أرضًا ذات نخل لم يسمها أو رهن النخل ولم يذكر الأرض، فذلك موجب لكون الأرض والنخل رهنًا، وكذلك في الوصية والبيع. وإذا ارتهنت أرضًا فأخذ منك السلطان خراجها لم ترجع به على الراهن إلا أن يكون ذلك الخراج حقًا وإلا فلا.

[الباب السابع والعشرون] في الرجلين يرتهنان رهنا فيضيع بيد أحدهما أو بيد أمين وهل له إن قضى أحدهما أخذ حصته أو يدخل عليه الآخر وفي العبدين الرهن يقتل أحدهما الآخر

[الباب السابع والعشرون] في الرجلين يرتهنان رهنًا فيضيع بيد أحدهما أو بيد أمين وهل له إن قضى أحدهما أخذ حصته أو يدخل عليه الآخر وفي العبدين الرهن يقتل أحدهما الآخر [الفصل 1 - في الرجلين يرتهنان ثوبًا فضاع بيد أحدهما] قال ابن القاسم: وإذا ارتهن رجلان ثوبًا فرضيا ورضي الراهن كونه بيد أحدهما جاز، فإن هلك ضمن الذي هو في يديه حصته [ولم يضمن الآخر شيئًا] وضمان حصة الآخر من الراهن وإن لم يجعله ربه بيد أحدهما جعلاه حيث شاءا وهما ضامنان [له]. قال أشهب في المجموعة: وإن لم يقبضاه ولم يرضيا بكون بيد أحدهما جعل بيد أمين ولا يضمناه وإنما يضمنان إذا قبضاه وجعلاه هما بيد أمين. [فصل 2 - في الرجلين يأخذان من رجل رهنًا بدين لهما وكيف إن قضى أحدهما هل يأخذ حصته من الرهن وهل يقتضي أحدهما دون صاحبه؟] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا كان لرجلين على رجل دين مفترق، لهذا مال ولهذا طعام أو لهذا قرض ولهذا سلم، فأخذا بذلك رهنًا واحدًا جاز

ذلك إلا أن يكون أحدهما أقرضه قرضًا على أن يبيعه الآخر بيعًا ويأخذ بذلك رهنًا فلا يجوز؛ لأنه قرض جر منفعة، وأما إن وجب الدين من بيع ومن قرض بغير هذا الشرط فذلك جائز، ولو أقرضاه جميعًا معًا واشترطا أن يرهنهما فلا بأس به، وإن قضى الراهن أحدهما حقه فله أخذ حصة هذا من الرهن. م وهذا من قوله يدل أن من رهن نصف داره يجوز أن تبقى يده على النصف الآخر يليه ويكريه مع المرتهن، وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك في أول الكتاب. قال ابن القاسم ها هنا وقد قال مالك في رجلين رهنا دارًا في دين فقضى أحدهما الغريم حصته من الدين، كان له أخذ حصته من الدار، فكذلك مسالتك إلا أن مسألتك إن كتبا دينهما بكتاب واحد، وكان دينهما واحدًا، فليس لأحدهما أن يقبض شيئًا دون صاحبه، وإن كان دينهما مفترقًا شيئين، لهذا مال وللآخر قمح، فلا يدخل أحدهما فيما اقتضى الآخر، كتبا الصنفين في كتاب واحد أم لا، وإنما الذي ليس لأحدهما أن يقبض دون الآخر أن يكتبا كتابًا بينهما بشيء واحد، يكون ذلك الشيء بينهما أو يكون الرهن لهما في شيء واحد، وإن لم يكتبا به كتابًا مثل

أن يكون [دينهما] دنانير كلها أو قمحًا كله أو نوعًا واحدًا فليس لواحد أن يقبض دون صاحبه. قال بعض الفقهاء: وينبغي لو أسلفه هذا منفردًا ثم أسلفه الآخر منفردًا، ألا يدخل أحدهما على صاحبه ولو جمعا ذلك في ذكر حق واحد، إنما يصح اجتماعها في كتاب واحد إذا باعاه جميعًا سلعة وأقرضاه جميعًا واشتركا فيه قبل ذلك، فإن قيل فما أنكرت أن تقرضه أحدهما عشرة ثم يبيعه الآخر سلعة بعشرة أو يقرضه عشرة ثم يكتبان بذلك ذكر حق واحد، فيكونان شريكين اشتركا لما كتبا ذكر الحق في واحد. قيل لا ينبغي لهما أن يشتركا في دين بعد أن كانا/ منفصلين فيه؛ لأن ذلك غرر، وقد اختلف في قسمة ما على الرجل الواحد من الدين فابتداء الشركة في ذلك أبعد.

[فصل 3 - فيمن جنى جناية لا تحملها العاقلة وفيمن رهن عبدين فقتل أحدهما صاحبه] وفي كتاب التفليس ذكر من جنى جناية لا تحملها العاقلة فرهن فيها رهنًا ثم فلس، فصاحب الجناية أحق بذلك لأنها في الذمة كالدين. وإذا ارتهنت عبدين فقتل أحدهما الآخر فالباقي رهن بجميع الدين؛ لأن مصيبة العبد المقتول من الراهن.

[الباب الثامن والعشرون] في سكنى الأب ما حبس والغاصب يرد العبد وقد جنى أو المرتهن يعيد الرهن

[الباب الثامن والعشرون] في سكنى الأب ما حبس والغاصب يرد العبد وقد جنى أو المرتهن يعيد الرهن [فصل 1 - في سكنى الأب ما حبسه على صغار بنيه] قال ابن القاسم: ومن حبس على صغار ولده دارًا أو وهبها لهم أو تصدق بها عليهم فذلك جائز، وحوزه لهم حوز إلا أن يكون الأب ساكنًا في كلها أو جلها حتى مات فيبطل جميعها، وتورث على فرائض الله عز وجل، وأما الدار الكبيرة ذات المساكن، يسكن أقلها وأكرى لهم باقيها، فذلك نافد [لهم] فيما يسكن، وفيما لم يسكن. قال مالك: وقد حبس زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر داريهما وسكنا من ذلك منزلاً حتى ماتا، فنفذ حبسهما فيما سكنا وفيما لم يسكنا. وفرق غيره بين الحبس والصدقة فلم يجزه في الصدقة، قال مالك: ولو سكن الجل وأكرى الأقل بطل الجميع، وكذلك دور يسكن واحدة منها هي أقل حبسه أو أكثر على ما ذكرنا. م وحكي عن بعض فقهائنا أنه قال إذا سكن الأكثر من الدور، فإن كان الولد كبارًا صح لهم ما حازوه وإن كانوا صغارًا بطل الجميع، ولو سكن الأقل مضى

الجميع للولد صغارًا كان أو كبارًا. م يريد إذا حاز الكبار الأكثر، فإن لم يحوزوه بطل الجميع. م فصار الحكم إنما يتم لهم ما حازوه، سكن الأب الأقل أو الأكثر؛ لأن الأب لا يجوز حوزه لهم. وقال غيره إذا سكن أب الأصاغر بيتًا أنه على ثلاثة أوجه: إن سكن أكثر من النصف بطل الجميع، وإن سكن أقل من النصف صح الجميع، وإن سكن النصف صح ما لم يسكن وبطل ما سكن. م وقال شيخنا أبو بكر بن أبي العباس: إذا سكن القليل وأبقى الكثير خاليًا لم يجز [لهم ذلك] حتى يكريه للأصاغر؛ لأن تركه لكرائه منع له، فكأنه أبقاه لنفسه ويشغله بسكناه، واستدل بظاهر لفظ الكتاب، وأكرى لهم باقيها. م قال بعض الفقهاء: واختلف في الصغار إذا سكن الأكثر وحوزهم الأقل، فقيل يمضي ما حوزه لهم؛ لأن يده خارجة عنه فأشبه الكبار، وقيل لا يجوز لأن يده باقية عليه كما كان هو يحوز لهم، وإذا لم يرد أن يحوز الصغار. وقال: أضعه لهم

على يدل عدل غيري، ثم مات قبل ان يضعه لهم بطل؛ لأنه لم يحزه لهم هو ولا حازه لهم غيره، وإذا حاز الكبار ما تصدق به عليهم السنة فأكثر لم يضرهم رجوعها إلى يدي المتصدق بخلاف الصغار، ولو اشتروها من يد من أوقفها على يديه للصغار بطلت إن مات، إلا أن يتبين أنه أراد أن يكون هو الحائز لهم وإنه لم يستردها إلا ليكون هو الحائز لهم فإن أبان هذا تم لهم، وإذا لم يرد الدين قبل الصدقة أو بعدها، فقيل الصدقة باطلة كانت على صغار أو كبار حازوا لأنفسهم، وقيل إن كانت على صغار فهي باطلة، وإن كانت على كبار فوجدت في أيديهم فهم أولى. وقيل هي جائزة كانت على صغار أو كبار حازوا لأنفسهم حتى يثبت أن الدين تقدمها، وكأنه حكم بالظاهر من الأمر، وعلى هذا إذا وجد الرهن بيد المرتهن والصدقة بيد المتصدق عليه بعد الفلس أو الموت فهو أحق به؛ لأن معه دليلاً/ وهو الحوز وإن لم تعاين البينة أصل الحوز، وقد تقدم أنه لا تتم الحيازة في الرهون والصدقات إلا بمعاينة الحوز، ولا ينفع من كانت بيده بعد التفليس أو الموت إذا لم تعاين البينة الحيازة قبل ذلك.

فصل [2 - في الغاصب يرد العبد وقد جنى عنده وفيمن ارتهن عبدًا فأعاره فهلك] ومن المدونة: قال: ومن غصبك عبدًا فجنى عنده جناية ثم رده إليك والجناية في رقبته فأنت مخير في إسلامه، وتأخذ قيمته من الغاصب أو تفتكه بدية الجناية، ولا يرجع على الغاصب بشيء. قال: ومن ارتهن عبدًا فأعاره لرجل بغير أمر الراهن فهلك عند المعار بأمر من الله، لم يضمن هو ولا المستعير وكذلك إن استودعه رجلاً إلا أن يستعمله [المودع أو المستعير] عملاً أو يبعثه بعثًَا يعطب في مثله فيضمن. وقال سحنون: المرتهن ضامن بتعديه. م وقيل الأشبه في هذا وأمثاله أنه يضمن؛ لأنه نقل الرقبة بغير إذن صاحبها على وجه الاستعمال، فوجب عليه الضمان كتعديه على الدابة الميل ونحوه فعطبت في ذلك أنه يضمن، مع علمنا أن الميل لا يعطب في مثله، فإن قيل يحتمل أن يكون مثل هذا في العبد ليس نقبل رقبة؛ لأن للمرتهن أن يسيره في مثل ذلك، وإن لم يؤذن له في استخدامه، فصار إنما يضمن بالاستعمال قبل نقله إلى دار غيره يستعمله تعديًا من المرتهن في نقل رقبته على هذه الصورة؛ لأنه إنما يجوز له أن يبعثه في حاجة خفيفة، وأما بعثه ليستعمل فذلك تعد، والمتعدي على المنافع إذا كان لا يوصل إليها إلا بنقل الرقاب يضمن كما قلنا في الذي تعدى على المنفعة الميل ونحوه فهلك أنه يضمن.

[الباب التاسع والعشرون] في من رهن أمة لها زوج أو رهن أمة عبده أو رهنهما معا وهل يزوج العبد الرهن، ومن اقرضته مئة درهم ثم مئة أخرى على أن يرهنك بهما رهنا

[الباب التاسع والعشرون] في من رهن أمة لها زوج أو رهن أمة عبده أو رهنهما معًا وهل يزوج العبد الرهن، ومن اقرضته مئة درهم ثم مئة أخرى على أن يرهنك بهما رهنا [فصل 1 - في الأمة الرهن يطؤها زوجها وفيمن رهن أمة عبده أو رهنهما معًا] قال ابن القاسم: قال مالك: ومن ارتهن جارية لها زوج أو ابتاعها لم يمنع زوجها من وطئها، ومن رهن أمة عبده أو رهنهما معًا فليس للعبد وطؤها في الرهن ثم هي في الوجهين بعد فداء الرهن للعبد كما كانت، وارتهانهما وافتكاكهما جميعًا أبين. ومن كتاب ابن المواز: قلت: فللعبد المرهون أن يطأ جاريته وأم ولده، وقال: إن كان لم يشترطها المرتهن ولا مال له فله أن يطأ وإن كان قد رهنهما جميعًا، لم يكن للعبد أن يطأ لأن ذلك انتزاع من السيد لأم ولده ولجاريته إذا رهنهما. م قال بعض أصحابنا: إذا ارتهن عبدًا وشرط أن ماله رهن معه للعبد جارية أن للعبد أن يطأ بخلاف ما لو رهنه وجاريته. م وهذا بخلاف ما قدمنا لابن المواز، ولا فرق في ذلك أنه إذا جعله رهنًا وجاريته كأنه انتزاع، فكذلك إذا رهنه وماله كأنه انتزاع ماله، فوجب أن لا يطأ جاريته في الوجهين.

[فصل 2 - هل يزوج العبد الرهن] ومن المدونة: ومن رهن أمته وحيزت ثم زوجها لم يجز له تزويجها؛ لأن ذلك عيب إلا أن يرضى المرتهن. قال محمد بن عبد الحكم: فإن زوجها فلم يرض المرتهن فسخ النكاح دخل بها أو لم يدخل، ولو بنى بها بغير علم المرتهن فافتضها فعليه صداق المثل يوقف معها في الرهن كالجناية عليها، فإن نقصها الافتضاض أكثر مما أخذ من الصداق غرم ذلك السيد ويوقف مع الصداق رهنًا معها. وقال أشهب: يفسخ قبل البناء ويثبت بعده ويحال بينه وبين وطئها ما كانت/ رهنًا، ولها الأكثر من المسمى أو صداق المثل، ولو افتكها السيد قبل البناء لم يفسخ. قال ابن عبد الحكم: وقول أشهب ليس بقياس وليفسخ وإن دخل؛ لأنه نقص الرهن، ولو لم يكن نقصًا لكان منعه الوطء يفسد النكاح، كمن تزوج على أن لا يطأ سنة، فهذا فساد في العقد [لا في الصداق] وقول مالك أنه لا يجوز نكاحها.

وقال سحنون في المجموعة: لو كان فاسدًا ما صح بالبناء؛ لأن فساده في عقده، وأرى النكاح جائزًا بمنزلة أن لو أعتقها وتعجل للمرتهن دينه. م وقول سحنون أبينها. م فإن لم يكن للسيد مال فسخ النكاح وإن لم يشعر بذلك حتى بنى، فإن كان له مال عجل للمرتهن دينه وثبت النكاح، وإن لم يكن له مال فسخ، وكان على الزوج الأكثر من التسمية أو صداق المثل، وإن نقصها الافتضاض أكثر من ذلك، غرم السيد الزائد ويوقف مع الصداق رهنًا، ولو دفع الزوج للمرتهن جميع دينه رغبة في بقاء النكاح لتم له ذلك، وجبر المرتهن على قبض دينه وبالله التوفيق. فصل [3 - فيمن أقرضته مئة درهم ثم مئة أخرى على أن يرهنك بها رهنًا] ومن المدونة: ومن أقرضته مئة درهم وأخذت منها بها رهنًا قيمته مئة درهم ثم استقرضك مئة أخرى، ففعلت على أن يرهنك بالمئتين رهنًا آخر قيمته مئتا درهم لم يجز ذلك؛ لأنك انتفعت بزيادة توثقه في المئة الأولى، فهو سلف جر منفعة، وكذلك إن كانت المئة الأولى بغير رهن، فإن نزل ذلك وقامت الغرماء على المتسلف في موت أو فلس، فالرهن الثاني رهن بالدين الآخر خاصة.

قال ابن المواز: وقال بعض أصحابنا إن نصف الرهن رهن بالمئة الأخرى، ويبطل نصفه عن المئة الأولى، فيكون الغرماء أولى بنصفه. وقلت أنا بل يكون كله رهنًا بالمئة الآخرة كرهن بثمن سلعتين تستحق إحداهما أنه رهن كله بحصته الباقية، وكالمرأة تأخذ رهنًا بالصداق ثم تطلق قبل البناء، فجميعه رهن بنصف الصداق، فإن قلت هذا أصله جائز، قيل [لك] فمن دفع دينارًا في دراهم إلى أجل وأخذ رهنًا ثم فلس [الراهن]، فالمرتهن أحق بالرهن حتى يأخذه ديناره أو قيمة الدراهم التي رضي بها أقل الأمرين. قيل: فمن ارتهن رهنًا بحقه، فقال له قبل الأجل زدني في الأجل وأرهنك رهنًا آخر؟ قال: إن كان الرهن الأول فيه وفاء لا شك فيه مأمون فذلك جائز، وإن لم يكن فيه وفاء لم يجز. م قيل إن كان الرهن الثاني مثل الأول وأمنه، وفي الأول وفاء بالدين فيجوز إذ لا فائدة في ذلك ولا انتفاع، ولو كان الآخر يقرب بيعه والأول يعسر بيعه، أو كان الأول غير مأمون ما جاز هذا لأنه رهنه بشرط على أن يؤخره وصار سلفًا بنفع، وقد أجاز أشهب أن يقول له أسقط عني بعض الدين على أن أعطيك رهنًا، أو يبيع منه بيعًا على أن يرهنه بالدين الأول وثمن السلعة الآخرة رهنًا، وكره هذا ابن القاسم، وقد ذكرتا علل ذلك وما يتعلق به في كتاب الحمالة.

تم كتاب الرهون بحمد الله وقوته وعونه وتوفيقه من الجامع يتلوه إن شاء الله كتاب الآجال جامع القول في ضالة الماشية وكان الفراغ من نسخ هذا الكتاب يوم الثلاث الذي هو الخامس من شهر الله المعظم رمضان عام تسعة وتسعين ومئة وألف وكتبه العبد الذليل الفقير إلى الله تعالى محمد بن محمد الزعو بالمسناحي غفر الله له ولوالديه ولأشياخه ولجميع المسلمين والمسلمات يا أرحم الراحمين يا رب العالمين.

كتاب بيوع الآجال

/ بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب بيوع الآجال

[الباب الأول] ما يحل ويحرم في بيوع الآجال

[الباب الأول] ما يحل ويحرم في بيوع الآجال [فصل 1 - فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل ثم عاد فاشتراها بأقل منه نقدًا وبيان أن تحريم ما جر إلى الحرام كتحريم قصده] روى مالك أن أم محبة أم ولد لزيد بن الأرقم ذكرت لعائشة أم المؤمنين أنها باعت من زيد عبدًا بثمان مئة درهم إلى العطاء، ثم ابتاعته من بست مئة نقدًا، فقالت عائشة: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أبلغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب، فقالت لها: أرأيت إن تركت المئتين وأخذت منه ست مئة فقالت: نعم {مَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275].

م وهذا من قول عائشة يدل أنه تفسخ البيعتان جميعًا لأنه قد رجع إليها عبدها وما دفعت، ووجهه إن صح حماية أن يقصد المتبايعان ذلك في أول أمرهما، وفي قول عائشة رضي الله عنها أيضًا دليل أن الربا لا يجوز بين السيد وعبده. قال أبو محمد: ولم تطلق هذا عائشة إلا وتحريم ذلك عندها سنة مؤكدة والله أعلم. يريد لأن بطلان الجهاد لا يعلم قياسًا، وإنما يعلم هذا من طريق التوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو محمد: وقد دلت السنة أن تحريم ما جر إلى الحرام كتحريم قصده، كما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إذ أكلوا ثمن ما نهو عن أكل عينه، وجعل مبتاع صدقته كالراجع فيها.

ومنع القاتل الميراث خشية أن يقتل الرجل من يرثه لاستعجال ميراثه فمنع منه لما قد يجر إليه. وقد روي النهي عن الجمع بين مفترق والتفريق بين مجتمع خشية الصدقة، فمثل هذه الوجوه يمنع منها لجرائرها، والربا أحق ما خشيت مراتعه. وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الشبهات، وخاف على الراتع حول الحمى الوقوع فيه. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه آخر ما أنزل الله تعالى آية الربا، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفسرها لنا فدعوا الربا والريبة. وقد سئل ابن عباس عن رجل باع سلعة بمئة درهم ثم اشتراها بخمسين درهمًا فقال: الدراهم بالدراهم متفاضلة والسلعة دخلت بينهما. م لعله يريد اشتراها بخمسين/ درهمًا من غير سكة الثمن الأول، أو يكون باعها بمائة إلى أجل ثم اشتراها بخمسين درهمًا نقدًا. فقال: الدراهم بالدراهم متفاضلة والسلعة دخلت بينهما وهذا نص قولنا، ومن خالفنا في بيوع الآجال قائل بمثل ذلك.

ومن قال لرجل: أعطني درهمك الصحيح وأعطيك من القطع درهمًا بدلاً منه ودرهمًا هبة أنه لا يجوز، ولم يجعل أمرهما على ما أظهرا من صحة العقد لما خرجا به إلى فساد العمل. [فصل 2 - في مسائل من بيع العينة وفسخ الشراء الثاني] ومن العتبية قال ابن القاسم: وإن قال اشترها بعشرة نقدًا وأنا أشتريها منك باثني عشر إلى سنة لزمته باثني عشر إلى سنة؛ لأن مبتاعها قد ضمنها قبل أن يبيعها منه، وقاله مالك، وأحب إليّ أن يتورع عن الزائد على العشرة، وإن قال اشترها بخمسة عشر إلى أجل وأنا أشتريها منك بعشرة نقدًا وكان وجوبها للمشتري، فإن فات ذلك لم أرده ولم ألزمه إلا عشرة، وأحب إلي أن لو نقده الخمسة، فإن أبى لم أجبره؛ لأن المأمور ضمنها. وفي كتاب ابن حبيب أن الشراء الثاني يفسخ الأول، وعلل الفسخ بأنه بيع ما ليس عندك، وقال: سواء قال لك اشترها لنفسك بعشرة نقدًا وأنا ابتاعها منك باثني عشر نقدًا أو إلى أجل. قال أبو إسحاق: وإذا كانت العلة بيع ما ليس عندك استوى ذلك كما قال. وفي كتاب محمد: إذا قال: اشترها لي بعشرة نقدًا، وهي لي باثني عشر إلى أجل لم يفسخ البيع، وكانت على الآمر بعشرة نقدًا، وكان للمأمور جعل مثله على الآمر. وفي كتاب ابن حبيب قال: فإن لم تفت السلعة فسخ البيع، وإن فات لزمت الآمر بعشرة نقدًا. وفي كتاب محمد: إذا باع رجلان ثوبيهما بخمسة نقدًا وخمسة إلى شهر ثم ابتاع أحد الرجلين أحد الثوبين بخمسة نقدًا وخمسة إلى شهر، ثم إن أخذ أحد الرجلين أحد الثوبين بخمسة نقدًا، قال: لا خير فيه. قال أبو إسحاق: وهذا صواب لأن كل واحد باع نصف الثوبين بدينارين ونصف نقدًا وبدينارين ونصف إلى أجل، فإذا اشترى أحد الرجلين أحد الثوبين صار كأنه اشترى نصفًا باعه ونصفًا لم يبعه بخمسة دنانير، فديناران ونصف وهي التي كان قبضها، وديناران ونصف تسلفها ليرجع بمثلها إذا حل الأجل، فإذا آل آمره إلى أنه باع نصفا أمضاه بنصف أخذه، وأسلف دينارين ونصف يأخذ فيهما دينارين ونصفا إذا حل الآجل. قال: وإما بخمسة نقدًا وبخمسة إلى أجل أو بخمسة نقدًا وبدينارين ونصف إلى أجل فذلك جائز، ولا يجوز بأقل من دينارين ونصف إلى الأجل وذلك إذا اشتراها بخمسة نقدًا وبدينارين ونصف فأكثر جاز إلى الأجل لا يقبض شيئًا وإنما يسقط عنه الدينارين والنصف بالمقاصة أو يؤدي زيادة عليها فلم ينتفع بشيء، فإذا كان بأقل من دينارين ونصف إلى أجل يصير هناك سلف يرد فلم يجز لو اشترى منه أحد نصفيه بدينارين ونصف لكان جائزًا؛ لأنه بمنزلة من باع ثوبين بدينارين ونصف إلى أجل، فاشترى أحدهما بما كان انتقد، فلا تهمة في ذلك. وكذلك لو اشترى بأقل لجاز لأن الباقي صار ثمنه ما بقي عنده مع الأجل، وإنما لا يجوز أن يشتريه بأكثر، لأنه يصير مآل أمره أنه دفع ثوبًا وذهبًا في ذهب لأن ما قبض من النقد قد رده، والزيادة التي زادها صارت مبيعة مع الثوب الذي لم يرتجعه

فصل [3 - ما ينهى عنه من بيع العينة وما يتهم فيه أهلها وما أشبه هذا من بيوع النقود] قال ابن القاسم: ومن باع سلعة ثم ابتاعها، فإن كانت البيعة الأولى إلى أجل نظرت إلى ما آل إليه الأمر بعد البيعة الثانية من أبواب الربا، فأبطلته من زيادة في سلف أو من بيع وسلف أو تعجيل بوضيعة أو حط ضمان بزيادة، أو ذهب وعرض بذهب مؤجل، أو غير ذلك من المكروه، وما سلم من ذلك كله جاز. وانظر أول مُخرج لذهبه، فإن رجع إليه أكثر منها لم يجز فأما مثله فأقل فلا تهمة فيه. قال ابن المواز: إذا كانت البيعة الأولى إلى أجل فهي من بيوع الآجال التي ينظر ما آل أمرهما إليه، وإن كانت الأولى نقدًا، فلا تبالي ما كانت الثانية وهي من بيوع النقد فلا يتهم فيها إلا أهل العينة، وإن كان أحدهما من أهل العينة، فاحملهما على أنهما من أهلها. قال بعض شيوخ أفريقية: قول عائشة رضي الله عنها (بئس ما شريت وبئس ما اشتريت) يحتمل أن يكون إنما أعابت البيع والشراء لمآل الأمر في آخره إلى الربا، ويحتمل أن تكون السلعة قد فاتت إذ بفوتها يفسخ البيعتان جميعًا، وقد قيل تفسخ البيعتان جميعًا، وإن كانت السلعة قائمة ويحتمل أن يكون هذا القول هو المذهب/ عندها، ويحتمل أن يكون شريت واشتريت بمعنى واحد وإنما هو تكرير في اللفظ وهذا شائع في لغة العرب، ويحتمل أن يكون أنها أعابت البيع إذا كان الثمن إلى العطاء وهو مجهول ومثل هذا التاويل الآخر تأول المخالف على عائشة رضي الله عنها. قال عبد الوهاب: وذلك باطل لأن عائشة كانت تذهب إلى جواز البيع إلى العطاء فكيف تتوعد على أمر تذهب إلى جوازه وصحته. قال: وقال من خالفنا أن أكثر ما في هذا أن عائشة كانت مخالفة لزيد بن أرقم، وخلاف بعض الصحابة ليس بحجة على بعض. قالجواب عن هذا أن احتجاجنا ليس هو أنه بنفس مذهب عائشة وإنما هو بإثباتها إياه ربًا، وإخبارها بأن الوعيد مستحق عليه، وذلك لا يكون إلا توقيفًا لا اجتهادًا.

[فصل 4 - فيمن باع ثوبًا بدنانير مؤجلة وأراد شراءه قبل الأجل بمثل الثمن وغير هذه الصورة من بيوع الآجال] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن بعت ثوبًا بدنانير أو دراهم مؤجلة جاز أن تبتاعه قبل الأجل بمثل الثمن فأكثر، نقدًا أو إلى أجل دون أجله ولا يجوز بدون الثمن نقدًا ولا إلى أجل دون أجله، ولا بأس به بالثمن فأقل منه إلى أبعد من أجله، وأما بأكثر منه فلا يجوز إلا على المقاصة عند الأجل وإن نقده صارت ذهبًا في أكثر منها [إلى الأجل]، وأما إلى الأجل نفسه فجائز بكل حال. قال أبو محمد: يريد وإن لم يشترط المقاصة فجائز إذا كان إلى الأجل نفسه. قال ربيعة بالثمن أو أقل منه أو أكثر. [قال] أبو محمد: يريد في مثل سكة الثمن وعينه. قال أبو إسحاق: وأصل هذا أن ينظر من المبتدئ منهما بدفع ذهبه، فإن رجع إليه أكثر لم يجز كان بائعًا أو مبتاعًا، وإن رجع إليه مثل فأقل فجائز إلا أن يدخل ذلك بيع وسلف أو ما أشبهه فلا يجوز، فإذا باعه الثوب بمئة إلى سنة ثم اشتراه بمئة إلى سنة كانت مقاصة ورجع إليه ثوبه ولم يرجع إلى أحدهما أكثر مما دفع، وكذلك إن باعه بخمسين نقدًا وبخمسين إلى سنة فلا انتفاع أيضًا في ذلك، فإن باعه

بخمسين نقدًا أو خمسين إلى أكثر من سنة فجائز عند ابن القاسم وكرهه عبد الملك واتقى أن يكون البائع لما رجع إليه ثوبه صار لغوًا، وكأنه أسلف المشتري خمسين ينتفع بها إلى الأجل، فإذا حل الأجل أسلفه المشتري خمسين ينتفع بها أيضًا أمدًا فصار كأنه قال أسلفك بشرط أن تسلفني فاتقاه لهذا، فإن اشترى بأربعين نقدًا وستين إلى بعد الأجل فعلى ما ذكرنا من الاختلاف، فإن اشتراه بخمسين نقدًا وبأربعين إلى أبعد من الأجل لم يجز عندهما جميعًا، وذلك أن المبتاع يدفع إليه المئة إذا حل الأجل، يأخذ البائع منها ستين في الخمسين التي دفع وتبقى عنده أربعون يدفعها إلى المبتاع عند حلول أجلها. فصارت الزيادة في السلف، ولو اشتراه بأربعين نقدًا وبخمسين إلى أبعد من الأجل جاز أيضًا وذلك أن البائع يقبض مئة عند أجل البيع الذي باع إليه يستوفي منها خمسين عن الأربعين، ولو اشتراه بخمسين نقدًا أو بستين إلى بعد الأجل ما جاز أيضًا، وذلك أن البائع يقبض مئة إذا حل الأجل فيأخذ منها خمسين عن الخمسين التي دفع، ويصير المشتري قد دفع خمسين يأخذ فيها ستين، وإذا باعها بمئة إلى أجل ثم اشتراها بخمسين نقدًا لم يجز، وصار كأنه دفع خمسين في مئة فينتقض البيع الثاني ويتم الأول عند ابن القاسم. ولو باع سلعة بخمسة نقدًا وخمسة إلى شهر فابتاعها بخمسة نقدًا فأقل جاز، وإن ابتاعها بستة نقدًا إلى سنة لم يجز؛ لأنه يصير قد ارتجع ما دفع من الخمسة ودفع

دينارًا في خمسة أو أربعة في خمسة، فأمر العشرة فأكثر فجائز؛ لأنه ارتجع خمسة ودفع خمسة في خمسة أو ستة في خمسة. قلت: فإن أخذها البائع بستة نقدًا وبخمسة إلى أجل قال: جائز إلا أن يكون من أهل العينة. قال أبو إسحاق: وإنما أراد أن ما قابل النقد وهو الخمسة الأولى لا تهمة على غير أهل العينة فيه كما لو باع رجل سلعته بالنقد بعشرة فقبضها ثم اشتراها بعشرين، ما اتهم أن تكون سلعته رجعت إليه، فصارت لغوًا وكأنه قبض عشرة انتفع بها أيامًا ثم عوض عنها عشرين لأن هذا الباب إنما يكره لأهل العينة. وذكر عيسى عن ابن القاسم في العتبية في هذا السؤال الذي باع بخمسة نقدًا وبخمسة إلى أجل، فإن اشتراها البائع بخمسة نقدًا وستة إلى أجل عكس ما في كتاب ابن المواز؛ لأن الذي في كتاب ابن المواز تعجيل الستة، فقال في العتبية: لا يجوز إلا أن يكون في المجلس ولم يغب على الدنانير، فذلك جائز؛ لأن خمسة بخمسة في الأجل مقاصة ويرد هذا الدينار السادس. قال أبو إسحاق: وينبغي على ما قال محمد أن يجوز إذا لم يكونا من أهل العينة؛ لأن التهمة في زيادة الدينار إنما هو عن خمسة النقد، فإذا جاز أن يزاد عنها نقدًا، فكذلك تزاد إلى الأجل إلا أن يكون ما في العتبية بناه على أنهم من أهل العينة. ولابن القاسم في المجموعة فيمن باع سلعة بتسعة نقدًا وبخمسة إلى شهر فاشتراها بسبعة نقدًا وبثمانية إلى شهرين، خمسة منها قصاص عند الشهر، فإنما يتهم في

هذا أهل العينة. قال أبو إسحاق: فهذا يدل على ما ذكرنا؛ لأن الثلاثة الباقية من الثمانية لم يتهما فيها إلا أن يكون زيادة على السبعة المنقودة أو لا، إذا لم يكونا من أهل العينة ولم يشترط هل غاب على السلعة أم لا. قال عبد الملك: ولو ابتاعها- يريد في الذي باع بخمسة نقدًا وبخمسة إلى شهر- بستة نقد أو بخمسة إلى شهرين لم يجز؛ لأنه رد الخمسة التى قبض، ودينارًا سلفًا يقبضه عند الأجل ويأخذ الأربعة يرد منها خمسة. وفي المجموعة قال ابن القاسم وعبد الملك: من باع سلعة بعشرة إلى شهر فاشتراها بعشرة إلى الشهر وعشرة إلى أبعد منه أن ذلك جائز. قال أبو إسحاق: وهذا ظاهر لأن هذا عشرة بعشرة مقاصة وصار كأنه وهبه عشرة، قال: وإن اشتراها بتسعة إلى الشهر، وبدينار إلى أبعد منه فذلك جائز؛ لأن تسعة بتسعة مقاصة، ويأخذ دينًا بدفع فيه مثله. ولو اشتراها بتسعة [إلى الأجل] وبدينارين فأكثر إلى أبعد من الأجل وبستة إلى الأجل وبستة إلى أبعد من الأجل لم يجز؛ لأنه يدفع أكثر مما يأخذ عند الأجل بعد المقاصة.

[فصل 5 - الحكم في مسائل بيوع الآجال قبل فوات السلع وبعد فواتها] ومن المجموعة قال سحنون: ومن باع سلعة بعشرة دنانير إلى أجل ثم ابتاعها بخمسة نقدًا، فإن لم تفت السلعة ردت إلى المبتاع الأول وصحت الصفقة الأولى. وقال غيره تفسخ البيعتان جميعًا إلا أن يصح أنهما لم يعملا على العينة/ وإنما وجدها تباع فابتاعها بأقل من الثمن، فهذا يفسخ البيع الثاني ويصح الأول. م وهذا أصح من قول سحنون لأنك إنما تحمل أمرهما على أنهما تعاملا على ذلك، ولذلك جعلت أن السلعة رجعت إلى بائعها، وعددت فعله لغوًا، وصح من فعلهما أنه دفع ذهبًا في أكثر منها، ولو صح أنهما لم يعملا على ذلك، فإنما يفسخ ذلك حماية، فأفسخ البيع الثاني فقط، والله أعلم. قال ابن عبدوس: قال غيره: وإذا اشتراها بخمسة نقدًا ففاتت عنده فلا يرد عليه المشتري الأول إلا خمسة. م وهذا على قوله إذا كانت السلعة قائمة، يفسخ البيعتان جميعًا؛ لأن السلعة رجعت إلى البائع الأول، فإذا ردت إليه الخمسة التي دفعها إلى المشتري منه فقد انفسخ البيعتان جميعًا، ولم يبق لأحدهما على الآخر تباعه.

وقال ابن أبي زمنين الأندلسي في كتابه: إذا فاتت عنده نظر إلى قيمتها فإن كانت عشرة فصاعدًا غرم له تمام قيمتها وقاصة بالخمسة التي دفع إليها فيها، وإن كانت القيمة أقل من العشرة التي وقع بها البيع أولاً، فإنا نفسخ البيع الأول، ويرد المشتري الأول على البائع الأول الخمسة التي قبض منه لأنهما يتهمان ها هنا على أنهما عملا في إعطاء قليل في كثير وهكذا فسره ابن عبدوس عن ابن القاسم. م وهذا أيضًا جاز على قوله إذا كانت قائمة فإنما يفسخ البيع الثاني؛ لأن فيه وقع الفساد، فإذا فاتت فيه السلعة وجب عليه رد قيمتها، وقاصه بالخمسة التي دفع إليه، وهذا متى كانت القيمة عشرة فأكثر لسلامتها من الفساد، قال: فإن كانت القيمة أقل من عشرة آل أمرهما إلى أن البائع الأول دفع قليلاً ليأخذ كثيرًا فتفسخ البيعتان ويرد عليه البائع الثاني الخمسة التي قبض منه وهذا بين/ وبالله التوفيق. قال في المجموعة: ولو تعدى عليها البائع الأول بعد قبض المشتري لها فباعها أو وهبها أو أفسدها فعليه قيمتها يأخذها منه المتعدي عليه، وإن شاء الثمن الذي بيعت به، فإذا حل الأجل ودى الثمن الذي كان ابتاعها به بخلاف المسألة الأولى؛ لأنهما في الأولى تعاملا فاتهما، وفي الآخرة لم يتعاملا على هذا فلا يتهمانز وقال يحيى عن ابن القاسم في العتبية إذا تعدى عليها البائع فباعها من آخر، فالمبتاع الأول أحق بها ما لم تفت فإن فاتت خير بين أخذ ما باعها به أو قيمتها، فأي ذلك أخذ لم يرد عليه عند الأجل إلا ما قبض، وليس عليه تعجيله قبل الأجل.

قال سحنون: إلا أن يأخذ في القيمة أكثر من العشرة التي ابتاعها به فلا يرد إلا عشرة. قال سحنون عن ابن القاسم: وإن لم تفت السلعة وشاء المشتري أخذ ما بيعت به، فذلك له، وذكر في فوتها كرواية يحيى إلا أنه قال: والقياس أن يأخذ القيمة ويغرم العشرة، ولكنهما يتهمان فلا يغرم إلا ما يأخذ ما لم يجاوز عشرة. ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم عن مالك في الدابة أو البعير يبتاعها بثمن إلى أجل ثم يسافر عليها المبتاع إلى مثل الحج وبعيد السفر فيأتي وقد أنقصها ثم يبتاعها منه البائع بأقل من الثمن نقدًا فلا يتهم في هذا أحد ولا بأس به. وروى أشهب عن مالك أنه قال: إذا حدث بها عور أو عرج أو قطع حتى يعلم أنهما لم يعملا على فسخ فلا يصلح هذا ولا يؤمن عليه أحد، وبرواية أشهب أخذ سحنون في العتبية. م اختصار وجوه ما تقدم من هذه المسألة إذا ابتاعها بأقل مما باعها به هو على أربعة أوجه، ففي كل وجه قولان: فالأول: إذا كانت السلعة/ قائمة، فقيل تفسخ البيعتان وقيل يفسخ الثاني فقط. والثاني: إذا فاتت فقيل تفسخ البيعتان وقيل تصح الأولى ويغرم قيمة السلعة في الثاني إن كانت كالثمن الأول فأكثر، وإن كانت أقل فسخ البيعتان.

والثالث: أن يبيعها الأول أو يهبها بعد قبض الثاني فتفوت، فقيل يصح البيع الأول ويغرمه الآن قيمة السلعة أو ثمنها ويدفع إليه عند الأجل الثمن الأول، وقيل لا يدفع إليه عند الأجل إلا مثل ما قبض إلا أن يقبض منه أكثر من الثمن المؤجل فلا يدفع إليه إلا الثمن المؤجل. والرابع: أن تفوت بيد المبتاع الأول بنقص بين في بدن، فقيل للأول أن يبتاعها بأقل مما باعها به قبل الأجل، وقيل لا يبتاعها إلا بالثمن فأكثر، واختلف في فوتها بيد البائع في البيع الثاني، فقيل حوالة الأسواق فيها فوت وقيل ذهاب عينها. م وإن مات المبتاع فللبائع شراؤها من ورثته بأقل من الثمن أو أكثر نقدًا أو إلى أجل لأن بموته حل الثمن المؤجل فهو كحلوله في حياته، وإن مات البائع فلا يجوز لورثته من شرائها إلا ما جاز له في البيع الثاني. م قال بعض أصحابنا عن بعض شيوخنا: وإذا باع السلعة بثمن إلى أجل فابتاعها بأقل منه إلى أبعد من أجله فجاز ذلك فتراضيا على تعجيل الثمن قبل الأجل الأول أو اشتراها بأكثر من الثمن نقدًا، فتراضيا على تأخير الثمن إلى أبعد من الأجل لم يفسخ ذلك بينهما لأنهما عقدا أولاً على الصحة فلا ينظر إلى ما أحدثاه بعد ذلك كما لا يجوز شرط النقد في الخيار والمواضعة ثم يجوز التطوع به بعد ذلك. قال: وليس هذا بصحيح لأن بيوع الآجال إنما تعتبر البيعة الثانية، فإن آل أمرهما إلى فساد فسخ. م والصواب ألا يجوز ذلك كما ذكر صاحبنا وهو بين فاعلمه/ والله أعلم.

فصل [5 - فيمن باع شيئًا إلى الأجل فأراد أن يبتاعه قبل الأجل أو بعده] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن بعت ثوبًا بمئة درهم إلى شهر فلا تبعه بخمسين نقدًا ولا بأس به بثوب نقدًا أو بطعام نقدًا، ولا يجوز بثوب أو بطعام إلى الأجل نفسه أو دونه أو أبعد منه. م لأنه دين بدين. م وأما إذا ابتعته بثوب أو بطعام نقدًا فجعلت بيعك الأول لغوًا لرجوع ثوبك إليك، صار كأنك بعت الثاني أو الطعام بالدراهم المؤجلة وذلك جائز، فحمل أمرهما على الصحة. ومن المدونة: وإن بعت ثوبًا بمئة درهم محمدية إلى شهر فلا تبتعه بمئة درهم يزيدية إلى ذلك الشهر لرجوع ثوبك إليك، وكانك بعت يزيدية بمحمدية إلى أجل. وفي المجموعة لابن القاسم وعبد الملك: من باع سلعة بمئة قائمة إلى شهر ثم ابتاعها بمئة مثاقيل نقدًا فلا خير فيه، وأما إلى ذلك الأجل فلا بأس به، ولا يتهم على مثل ذلك أحد، وكذلك إلى أبعد من الأجل. قالا: وإن باعها بعشرة هاشمية إلى شهر ثم اشتراها بعشرة عتق نقدًا أو إلى أجل فجائز، ولا يجوز إلى أبعد من الأجل؛ لأن الهاشمية عندهما أدنى من العتق. قال ابن القاسم: وإن كانت الهاشمية أكثر عددًا، فإن كانت بزيادتها مثل العتق المؤخرة أو أكثر فلا بأس به وإن لم تكن مثلها فلا خير فيه. قالا: وإن باعها بمئة عتق بخروبة خروبة إلى شهر ثم اشتراها بمئة هاشمية وازنه، يريد نقدًا، فإن كان في زيادة وزنها ما يحمل وجوه العتق فأكثر جاز وإلا لم يجز.

قال أبو إسحاق: وكأنه على هذا المذهب إذا لم يظهر أن ثم تهمة تعدى فيها- دَفْعُ قليل في كثير- جاز ذلك؛ لأنها بيعة ثانية، فلا يراعى فيها إلا التهم. قال عبد الملك: وإن باعها بعشرة هاشمية نقص إلى شهر ثم اشتراها بأكثر عددًا أو وزنًا إلى ذلك الشهر فجائز كان أدنى أو أكثر عددًا أو أجود عينًا، ولا يتهم أن يعطي قليلاً في كثير إلى الأجل نفسه. قال: وإن باعها بدينار إلى أجل ثم ابتاعها بدينار [ناقص] ودرهمين نقدًا أو بعرض مع الدينار، أو اشتراها بدراهم أو دينار نقدًا، فإن كان ذلك مثل الدينار المؤخر فأكثر فجائز وإن كان أقل أو ما يشك فيه فلا خير فيه. وقد قال ابن القاسم: إن ظهرت البراءة مثل أن يبيع بعشرة دنانير إلى أجل فيشتري بألف درهم نقدًا جاز أو بما ترتفع به التهمة. وقال أشهب: لا يجوز ذلك سواء كان ما يعطى من ذهب أو فضة نقدًا أو إلى أجل، لأنه صرف مؤخر. م ولا تبالي بما وقع العقد أولاً باليزيدية أو بالمحمدية؛ لأنه بيع يزيدية بمحمدية أو محمدية بيزيدية إلى أجل.

قاله بعض أصحابنا: وهو بين. قال ولو كان إنما باعه بيزيدية إلى أجل ثم ابتاعها بمحمدية لجاز لأنها أجود فهو كما لو ابتاعه بأكثر من الثمن نقدًا ولو كان إنما باعه بمحمدية إلى أجل ثم ابتاعه بيزيدية نقدًا لم يجز، وكأنه ابتاعه بأقل لأن المحمدية أفضل وهذا كله بين فاعلمه. قال مالك: وإن بعت عبدين إلى شهر بعشرة فلا تبتع أحدهما بتسعة نقدًا ولا بدينار نقدًا؛ لأن العبد الراجع إليك يعد لغوًا، وكأنك بعت الباقي وتسعة دنانير بعشرة دنانير إلى شهر، فذلك بيع وسلف. قال: ولو كان الدينار أو التسعة قصاصًا جاز ولو اشتريته بعشرة- يريد- فأكثر جاز. قال ابن القاسم: وإن بعت ثوبًا بعشرة دراهم إلى شهر، فاشتريته قبل الأجل بخمسة دراهم وبثوب من نوعه أو من غير نوعه لم يجز؛ لأن ثوبك رجع إليك، وصح أنك بعت الثاني وخمسة دراهم بعشرة دراهم إلى أجل فذلك بيع وسلف، ولو كانت الخمسة مقاصة عند الأجل/ جاز. وإن بعت ثوبين بعشرة إلى أجل لم يجز أن تبتاع منه أحدهما بخمسة وبثوب نقدًا؛ لأنه بيع وسلف، وفضة وسلعة بفضة مؤجلة.

وإن بعت ثوبًا بعشرة محمدية إلى شهر فابتعته بخمسة يزيدية إلى شهر وبثوب نقدًا لم يجز؛ لأن ثوبك الراجع إليك لغو، وكأنك بعت الثاني بخمسة على أن يبدل لك عند الأجل خمسة بخمسة من سكة أخرى. وإن بعت ثوبًا بعشرة محمدية إلى شهر، فلا تبتعه بثوب أو ثوبين من صنفه أو من غير صنفه إلى دون الأجل أو إلى الأجل أو أبعد منه؛ لأنه دين بدين، والثوب الأول لغو. وإن بعث ثوبًا بثلاثين درهمًا إلى شهر فلا تبتعه بدينار نقدًا فيصير صرفًا مستأخرًا، ولو ابتعته بعشرين دينارًا نقدًا جاز، لبعدكما من التهمة، وإن بعته بأربعين إلى شهر جاز أن تبتاعه بثلاثة دنانير نقدًا لبيان فضلها فلا تهمة في هذا. قال سليمان: قال سحنون: أما التهمة فهو كما قال ليس فيه تهمة، ولكن يخاف عليه أن يكون ربا. قال ابن القاسم: ولا يعجبني أن يبتاعها بدينارين وإن ساوتها في الصرف، ولا يبتاعها بثوب ودينار نقدًا؛ لأنه عرض وذهب بفضة مؤخرة، ولا يعجبني أن يبتاعها بعرض وفلوس نقدًا؛ لأنه لا يصلح شراء درهم إلى أجل بفلوس نقدًا. [فصل 5 - فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل فهل يجوز له أن يبتاعها لابنه الصغير وهل لوكيله أو عبده المأذون له أو شريكه أو مقارضه شراؤها] قال: وإن بعت سلعة بثمن إلى أجل فلا يعجبني أن تبتاعها لابنك الصغير بأقل من الثمن نقدًا.

قال: وإن وكلك رجل على شرائها له بأقل من الثمن نقدًا قبل الأجل لم يعجبني ذلك. قال مالك: وإن سألك مشتريها منك أن تبيعها له بنقد لجهله بالبيع فلا خير فيه. قال ابن القاسم إلا أن تبيعها له بمثل ما يجوز لك شراؤها به بمثل الثمن فأكثر فجائز، وإن بعت سلعة بثمن إلى أجل فلا يشتريها/ عبدك المأذون بأقل من الثمن نقدًا إن تجر بمالك، وإن تجر بمال نفسه فجائز، وكذلك شراؤك لما باعه عبدك هذا. م وما باعه شريكك أو مقارضك بثمن مؤجل فلا تبتعه أنت بدونه نقدًا، وأجاز في كتاب ابن المواز لرب المال شراءها بأقل مما باعها به مقارضة نقدًا. م ووجه هذا أن بيع المقارض لم ينفسخ، ولا رجعت السلعة إليه فتعد لغوًا، فهو كشراء السيد لما باعه عبده المأذون إذا تجر بمال نفسه. وقال أشهب في المجموعة في شراء السيد لما باعه عبده المأذون أو شراء المأذون مما باعه سيده إذا تجر بمال نفسه أو اشتراها البائع لابنه الصغير أو لأجنبي بأقل مما باعها به: أكره ذلك فإن نزل لم أفسخه، قال: ولا يلي بيعها لمبتاعها منه بأقل مما باعها به فيه، فإن فعل وباع بيعًا صحيحًا بعد قبض المبتاع لها لم يفسخ، وإن كان قبل قبضها فسخ إلا أن يبيعها له بمثل ما باعها منها فأكثر فيجوز.

[فصل 8 - فيمن باع مئة إردب محمولة بمئة إلى أجل ثم اشترى من مشتريها مئتي إردب محمولة مثلها بمئة نقدًا وهل الثياب مثلها؟] [ومن المدونة] وإن بعت من رجل مئة إردب محمولة بمئة دينار إلى أجل ثم ابتعت منه قبل الأجل مئتي إردب محمولة كصنفها بمئة دينار نقدًا لم يجز؛ لأنه رد إليك طعامك وزادك مئة إردب على أن أسلفته مئة دينار. قال أبو محمد: يريد وكذلك لا يجوز شراؤك أكثر من الكيل بأقل من الثمن. م ويدخله سلف جر منفعة، السلف ما تدفع الآن ثم يرد إليك أكثر منه عند الأجل مع ما كان زادك على مكيلة قمحك. قال مالك: ولا تشتر منه من صنف طعامك ككيلة فأقل بأقل من الثمن نقدًا. م ويدخله إذا رد عليه مثل كيله سلف جر منفعة، وإذا رد عليه أقل من كيله بيع وسلف. م فوجه البيع والسلف كأنك بعت منه مئة إردب محمولة بمئة/ دينار إلى شهر ثم ابتعت منه ثمانين محمولة بثمانين دينارًا نقدًا، فالثمانين المحمولة رجعت إليك وصرت دفعت عشرين محمولة وثمانين دينارًا نقدًا في مئة دينار مؤجلة فذلك بيع وسلف. ووجه سلف جر منفعة؛ لأن مثل طعامك رجع إليك وصرت دفعت دنانير في أكثر منها وهذا بين.

ومن المدونة: قال: وإن كان مثل المكيلة بمثل الثمن فأكثر نقدًا فجائز وكذلك كل مكيل وموزون في هذا. قال بعض أصحابنا: ومحصول ما في ذلك فاسد من وجهين: أن كان شراؤه بأقل من الثمن فلا يجوز البتة، كان الذي اشتراه أقل مما باع أو أكثر أو مثل الكيل، وإن كان اشترى أكثر من كيل الطعام الذي باع لم يجز أيضًا، كان شراؤه بمثل الثمن أو أقل أو أكثر، وما عدا هذين الوجهين فجائز. ومعنى قوله: "مثل صنف طعامك" أن تبيع محمولة ثم تشتري محمولة، وأما لو بعت محمولة ثم اشتريت منه سمراء أو شعيرًا لم يكن في ذلك تهمة، وإنما يراعى الصنف بعينه. م يريد على قول ابن القاسم ولا يجوز على قول سحنون ومحمد في مسألة الثوب التى بعد هذا. قال بعض أصحابنا: وإذا باع منه طعامًا بثمن إلى أجل ثم اشترى منه مثل كيل طعامه وصنفه بعرض نقدًا لم يجز؛ لأن ما استرجع من الطعام كسلف اقتضاه، والثوب مبيع بالثمن المؤجل فذلك بيع وسلف. م ويظهر لي أن ذلك جائز؛ لأن طعامه رجع إليه فصار لغوًا، وصار باع منه الثوب بالثمن المؤجل، هذا تقدير بيوع الآجال، وهذا لا تهمة فيه وما لا تهمة فيه فاحمله على ما عقداه آخرًا.

قال ابن القاسم: وأما إن بعت منه ثوبًا فرقيبًا بدينارين إلى أجل فلا بأس أن تشتري منه قبل الأجل/ ثوبًا في صنفه وجنسه بأقل من الثمن أو أكثر نقدًا أو إلى أجل لأن الثياب تعرف بأعيانها والطعام لا يعرف بعينه فمثله كعينه. قال يحيى: وقيل في الثياب لا يجوز: وقاله سحنون. قال ابن القاسم: إذا اشتريت منه مثل صنف ثوبك جاز وليس كرجوع ثوبك إليك، وإنما على مستهلك الثوب قيمته بخلاف ما يوزن ويكال. قال ابن المواز: وإذا ابتاعه بأقل من الثمن نقدًا لم يجز لأن الثوب سلف فقضاه ثوبًا من جنسه وأسلفه دينارصا ليأخذ عند الأجل دينارين فهو ربا. قال ابن المواز: كما قال ابن القاسم إذا أقاله من ثياب أسلمها في حيوان على إن أعطاه مثلها من جنسها وزيادة معها. م حكي عن أبي محمد أنه قال لا يلزم ابن القاسم ما ألزمه ابن المواز. والفرق بين المسألتين: أن مسألة السلم لما أقال منها إنما قصد إلى نقض البيع الأول فصار ما رجع إليه من الزيادة في ثيابه زيادة في السلف، ومسألة الآجال لم يقصدا فيها إلى نقض البيع الأول وإنما قصدا إلى بيع مؤتنف لا يقدح في الأول بحال فلم يتهما فيه؛ لأن الذي ابتاع من صنف عروضه بأقل من الثمن قد نقده ما ابتاعها به فصار بيعًا مؤتنفًا، ثمنًا ومثمونًا والبيع الأول بقي على هيئته فسلم من التهمة وهو لم يسترجع سلعته بعينها، والذي أقال من العروض التي أسلمها في حيوان فأخذ من صنفها وزيادة لم يؤد فيما يأخذ ثمنًا مؤتنفًا، وإنما أخذه عوضًا مما أسلم فيه فصار آخر أمره

أن دفع عروضًا ورجع إليه من صنفها وزيادة معها وبالله التوفيق. [فصل 9 - فيمن باع عبدين في صفقة إلى أجل كل واحد بعشرة ثم أراد الإقالة من أحدهما على أن يبقى الآخر بأحد عشر] قال في كتاب السلم: وإن ابتعت عبدين في صفقة كل واحد بعشرة دراهم- يريد إلى أجل- جاز أن يقيلك من أحدهما على أن يبقى عليك الآخر بأحد عشر درهمًا؛ إذ لا بأس أن تبيع منه أحدهما بدرهم أو بأكثر منه أو بأقل يريد مقاصة مما عليك. قال في كتاب الآجال: وإن بعت عبدين أو ثوبين بعشرين دينارًا إلى أجل على أن لكل واحد عشرة أو لم تذكرا ذلك جاز أن تقيله من أحدهما، وإن غاب عليهما ما لم تتعجل ثمن الآخر أو تؤخره إلى أبعد من أجله، وكذلك إن أخذت أحدهما بتسعة عشر من الثمن أو بدينار مقاصة، وإن كان طعامًا لم يجز أن تقيله من بعضه إذا غاب عليه حل الأجل أم لا، فإن لم يغب عليه جاز ذلك ما لم ينقدك الآن ثمن باقيه أو يعجله لك قبل محله فيصير قد عجل لك دينًا على أن ابتعت منه بيعًا فذلك بيع وسلف ويدخله طعام وذهب نقدًا بذهب مؤجلة، وإن غاب عليه بمحضر بينة فكأنه لم يغب عليه فيما ذكرناه.

فصل [10 - فيمن أسلم فرسًا في عشرة أثواب إلى أجل ثم أخذ بعضها وسلعة معها ليترك البعض] قال مالك رحمه الله: وإن أسلمت إليه فرسًا في عشرة أثواب إلى أجل فأعطاك خمسة منها قبل الأجل مع الفرس أو مع سلعة سواه على أن أبرأته من بقية الثياب لم يجز؛ لأنه بيع وسلف ووضيعة على تعجيل حق. قال ابن القاسم: فوجه البيع والسلف أن الذي عليه الحق عجل لك الخمسة الأثواب فهي سلف منه يقبضها من نفسه إذا حل الأجل، والفرس أو السلعة بيع بالخمسة الباقية، وأما ضع وتعجل فأن تكون السلعة المعجلة أو الفرس لا يساوي الخمسة الباقية فتجيز الوضيعة، ويدخله تعجل حقك وأزيدك دخولاً ضعيفًا. م وإنما قال ذلك لأن الأغلب: من عادات الناس أنهم لا يقصدون التعجيل والزيادة وإنما يقصدون التعجيل والوضيعة. قال ابن القاسم: ولو كانت قيمة السلعة المعجلة أضعاف قيمة الثياب المؤخرة لم يجز أيضًا إذ/ لو أسلم ثوبًا وسلعة أكثر منه ثمنًا في ثوبين من صنفه لم يجز. قال ربيعة: ما لا يجوز أن يسلم بعضه في بعض فلا تأخذه قضاء منه. قال بعض أصحابنا: والذي يعتمد عليه في فساد هذه المسألة البيع والسلف وما ذكره من ضع وتعجل أو حط عني الضمان وأزيدك فضعيف؛ لأنه لو أخذ خلاف جنس الثياب مما قيمته أقل أو أكثر عوضًا من جملة الثياب التي له عليه لجاز، ولا يكون ضع وتعجل ولا حط عني الضمان وأزيدك.

وفي كتاب محمد: قال مالك فيمن له على رجل عشرة دنانير إلى أجل، فقال له: أعطني ثمانية نقدًا وأحطك دينارين، فقال: هذا لا يصلح، ولكني أعطيك عرضًا يساوي ثمانية فقال: لا بأس بذلك، وإنما أخطيا الكلام وأصابا الفعل. م وإنما يكون ضع وتعجل في الجنس الواحد لا في جنسين فاعلم ذلك، وأما حط عني الضمان وأزيدك فيدخل في الجنس والجنسين فيما لا يجب له تعجيله لو قال له في مسألة الفرس قبل الأجل خذ في العشرة أثواب أحد عشر ثوبًا من جنسها لم يجز، وكذلك لو قال له خذ خمسة منها مع الفرس أو مع سلعة سواه وأبق الخمسة إلى أجلها لم يجز ولو أعطاه الفرس في خمسة منها وأبقى الخمسة إلى أجلها لجاز كما لو أعطاه الفرس أو سلعة سواه في جملة الثياب لجاز؛ لأن ذلك بيع لها وهذا بين فافهمه. قال بعض القرويين: وإذا نزل في مسألة الفرس ما ذكرنا وفاتت الثياب التي عجلها له كانت فيها القيمة ولا يكون عليه مثله لقولنا إنها سلف من أجل أن السلف إذا كان فاسدًا رجع إلى حكم البيع الفاسد، تكون فيه القيمة فيما لا مثل له، والمثل فيما له مثل من/ المكيل والموزون، والفرس إن فات أيضًا ففيه القيمة. قال: وليست مسالة الفرس هذه كمسألة العبدين اللذين باعهما بعين فاشترى أحدهما على شرط تعجيل الثمن للآخر، ها هنا إذا نزل ذلك وفات العبد الذي قبض ليس يحكم فيه بالقيمة لأنا إن حكمنا [فيه] بالقيمة معجلة فالقيمة عين فيدفع عينًا، ويرجع إليه عند الأجل عين أكثر منه، وفي مسألة الفرس إذا غرم القيمة عينًا رجع عند الأجل بالثياب وهي عروض، فليس في إيجاب القيمة فساد كما هي في مسألة العبدين فتأمل ذلك.

م: وهذا إذا كانت القيمة أقل من الثمن الأول، وإن كانت القيمة أكثر أغرمناه الآن القيمة وأمرناه برد ما استعجل من الثمن، فإذا حل الأجل قبضه. فصل [11 - مسألة حمار ربيعة] ومن المدونة: قال ربيعة: وإن بعت حمارًا بعشرة دنانير إلى أجل ثم أقلته على إن عجل لك دينارًا نقدًا، أو بعته بنقد فأقلته على أن زادك دينارًا أخرته عليه لم يجز. قال ابن المواز: ويدخل في المسألتين بيع وسلف. م فوجه البيع أو السلف في مسألة الأجل أنه قد وجب لك عليه عشرة إلى أجل فدفع إليك الحمار في تسعة منها وأسلفك دينارًا يقبضه من نفسه إذا حل الأجل، ووجه ذلك في بيعه النقد أنه قد وجب لك عليه عشرة نقدًا فإذا أقالك كما ذكرنا فقد دفع إليك فيها حمارًا نقدًا ودينارًا مؤخرًا، فالحمار ثمن لتسعة منها، والدينار الباقي أسلفته إياه إلى شهر فصار السلف في الأولى منه وفي الثانية منك، وسواء نقدك العشرة الثانية أم لا؛ لأنك إذا انتقدتها صار كأنك قلت له: أعطني في العشرة التي قبضت منك الحمار ودينارًا إلى شهر فذلك بيع وسلف، التسعة ثمن الحمار والدينار سلف منك له، ولا يدخل ها هنا قول محمد إذا كانت البيعة الأولى نقدًا فلا تبالي ما كانت الثانية؛ لأن البيعة الثانية/ ها هنا فاسدة لو انفردت. وقد وقع لأبي محمد تنبيه أنه لم ينقذه ولا أدري ما وجهه. م وهذا في زيادة المبتاع، وأما لو زاده البائع ذلك لجاز.

قال ابن المواز عن مالك فيمن باع عبدًا بمئة دينار إلى شهر ثم أقيل منه على أن يزيد البائع للمبتاع عينًا أو عرضًا نقدًا أو مؤجلاً أجلاً قريبًا أو بعيدًا فذلك جائز، ولا يجوز أن يزيده المبتاع عينًا نقدًا إلا إلى الأجل نفسه من صنف الثمن، فيصير مقاصة، ولا يجوز إلى أبعد من الأجل، فأما عرض نقدًا أو غير نوع الثمن ما كان من شيء نقدًا فجائز ممن كان ذلك. وقال بعضهم في ذلك أبياتًا: (إذا استقالك مبتاع إلى أجل ... وزاد نقدًا فخذه ثم لا تسل) (حاشا من الذهب المرجى إلى أجل ... إلا إلى ذلك الميقات والأجل) (مع الرقاب فلا تزدد فإن لها ... حكمًا من الصرف في التعجيل والأجل) (وزده أنت من الأشياء أجمعها ... ما شئت نقدًا ومضمونًا إلى أجل) (ما لم يكن صنف ما استرجعت تدفعه ... إلى زمان ولا بأس على عجل) م وبيان وجوه هذا التفريع، أما إذا زاده المبتاع في بيعة النسيئة دينارًا من سكة الثمن في العين والوزن إلى الأجل نفسه جاز؛ لأن البائع كأنه اشترى منه الحمار بتسعة من العشرة المؤجلة وأبقى عليه الدينار العاشر إلى أجله، فليس في ذلك فساد، ولو زاده المبتاع ها هنا ورقًا نقدًا أو إلى أجل لم يجز؛ لأنه صرف مستأخر، ولو زاده عرضًا أو طعامًا مؤجلاً لم يجز أيضًا لأنه الدين بالدين ويجوز أن يزيده ما شاء من الطعام

والعروض نقدًا؛ لأن ذلك حمار وطعام بدنانير مؤجلة فلا بأس به، ولو حل الأجل والمسألة بحالها جاز أن يزيده المبتاع دنانير أو دراهم أو عرضًا أو طعامًا إذا كانت الدراهم التي يزيده يسيرة كالعشرة ونحوها لئلا/ يدخله بيع وصرف، ولو كانت زيادة المبتاع في بيعه النقد- التي لم ينقده- معجلة فلا بأس بذلك كانت الزيادة عينًا أو طعامًا أو غير ذلك من جميع الأشياء، وإن زاده دراهم فيزيده منها ما لا يكون صرفًا، ولو زاده جميع ذلك مؤجلاً لم يجز ودخله في الطعام والعروض والدراهم فسخ الدين في الدين مع صرف مستأخر في أخذه الدراهم، وأما زيادة البائع فهي على كل حال جائزة، وكأنه اشترى الحمار بالثمن الذي وجب له على المبتاع وبزيادة زاده، فليس في ذلك فساد إلا أن تكون الزيادة من صنف الحمار فيجوز نقدًا ولا يجوز إلى أجل؛ لأن ذلك حمار بحمار إلى أجل وزيادة فافهم ذلك. ومن كتاب حبل حبلة روى عيسى عن ابن القاسم فيمن باع طعامًا بثمن نقدًا أو مؤجلاً فلم يكتله حتى أقال أحدهما الآخر بزيادة نقدًا أو مؤجلاً لم يجز؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه، وإن اكتاله ولم يغب عليه، والبيع بالنقد ولم ينقده فلا تجوز الزيادة من المبتاع في شيء من الأشياء مؤخرًا؛ لأنه إن كان ذهبًا مؤجلاً فهو بيع وسلف، وإن زاده عرضًا فهو دين في دينن وإن كان ورقًا فهو صرف مؤخر، وأما إن زاده عرضًا أو حيوانًا أو طعامًا من صنف طعامه أو خلافه أو ذهبًا- يعني من جنس الثمن- أو ورقًا أقل من صرف دينار فلا بأس به، وإن كان نقده ثمن طعامه واكتاله فهو بيع حادث

يبتدئان فيه ما يبتدئان في غيره، وإن كان البيع بثمن إلى أجل وقد اكتاله ولم يفترقا فلا بأس بالزيادة من المبتاع في تقايلهما، كانت الزيادة ما كانت، كل ذلك نقدًا ما لم تكن الزيادة من الثمن الذي عليه فلا تجوز نقدًا، وتجوز إلى الأجل بعينه، ولا يزيده ورقًا على حال/ ولا يزيده شيئًا مؤجلاً لأنه دين بدين، ولو افترقا وغاب عليه فلا تجوز الإقالة على أن يزيده المبتاع شيئًا من الأشياء نقدًا ولا إلى أجل، وهو الزيادة في السلف. قال: وإن كان البائع هو المستقيل منها ولم ينتقد وقد اكتال الطعام، فسواء تفرقا أو لم يتفرقا، كان الثمن نقدًا أو مؤجلاً، فلا بأس أن يزيده البائع ما شاء نقدًا أو مؤجلاً، إلا أن يزيده طعامًا من صنف طعامه مما لا يجوز فيه التفاضل، فلا يجوز نقدًا ولا إلى أجل لأنه طعام بجنسه مع أحدهما ذهب، وإن زاده طعامًا من غير صنفه جاز نقدًا ولا يجوز إلى أجل. فصل [12 - في الرجل يبيع عبده من رجل بعشرة على أن يبيعه الآخر عبده بعشرة] ومن المدونة: قال مالك: ولا بأس أن تبيع عبدًا بعشرة دنانير من رجل على أن يبيعك الرجل عبده بعشرة دنانير أو بعشرين دينارًا سكة واحدة، ولا يدخل هذا بيع وصرف ولا سلعة وذهب بذهب؛ لأن المالين مقاصة. قال ابن القاسم: فأما إن اشترطا إخراج المالين أو أضمراه إضمارًا يكون كالشرط عندهما لم يجز، ثم إن أرادا بعد الشرط أن يدعا التناقد لم يجز لوقوع البيع فاسدًا وإذ هما قادران بالشرط على فعل فاسد، وإنما ينظر مالك في البيوع إلى الفعل

ولا ينظر إلى القول، وإن قبح القول وحسن الفعل فلا بأس به، وإن حسن القول وقبح الفعل لم يصلح. وإن بعته سلعة بعشرة دنانير إلى شهر على أن تأخذ بها عند الشهر مئة درهم أو حمارًا أو ثوبًا موصوفًا فجائز، وإنما يقع البيع على ما يقبض واللفظ الأول لغو. [فصل 13 - فيمن باع عبدًا بعروض مضمونة إلى أجل] قال مالك: وإن بعت عبدًا بعروض مضمونة إلى أجل، فلما حل الأجل أخذت بذلك المضمون عبدين من صنف عبدك لم يجز، ولا تأخذ من ثمن عبدك إلا ما يجوز أن تسلم عبدك فيه. وقد قال ربيعة:/ ما لا يجوز أن يسلم بعضه في بعض فلا تأخذه قضاء منه، مثل أن تبيع منه تمرًا، فلا تأخذ في ثمنه قمحًا.

[الباب الثاني] في البيع والسلف والدين بالدين أو فسخه في الدين

[الباب الثاني] في البيع والسلف والدين بالدين أو فسخه في الدين [فصل 1 - فيمن له دين على رجل فلما حل تبايع معه على ذلك الدين] ومن أبواب الربا صفقة جمعت بيعًا وسلفًا، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكاليء الكاليء. [ومن المدونة] قال مالك: ومن له دين [إلى أجل] على رجل فلما حل أخذ ببعضه سلعة على أن أخره ببقية الدين لم يجز؛ لأنه بيع وسلف، وإن أخذ ببعض الثمن سلعة وأرجى عليه بقيته حالاً جاز ذلك. قال: وإن أقرضته حنطة إلى أجل، فلما حل بعته تلك الحنطة بدين إلى أجل لم يجز وهو فسخ الدين في الدين. قال: ومن لك عليه دين حال أو إلى أجل فلا تكتري به منه داره سنة أو أرضه التي رويت أو عبده شهرًا أو تستعمله هو به عملاً يتأخر، ولا تبتاع به منه ثمرة حاضرة في رؤوس النخل قد أزهت أو أرطبت أو زرعًا قد أفرك لاستئخارهما، ولو استجدت الثمرة أو استحصد الزرع ولا تأخير لهما جاز، ولا تبتع به منه سلعة بخيار أو أمة تتواضع أو سلعة غائبة على صفة، أو دارًا غائبة على صفة.

م كذا في نقل أبي محمد أو دارًا غائبة على صفة، وفي الأمهات أو دارًا غائبة فقط. م والأمر سواء كانت على صفة أو رؤية متقدمة أنه لا يجوز لأنه لا يقدر على قبضها حينئذ لغيبتها وأجاز ذلك أشهب؛ لأن ضمانها من المبتاع بالعقد. م لأنها معينة، وكذلك عنده لو ابتاع به عبدًا بخيار أو أمة فيها مواضعة؛ لأن ذلك كله معين وإنما الدين بالدين المضمونان جميعًا، ألا ترى أنه يجوز له شراء ذلك بدين اتفاق وهو/ أقيس والله أعلمز قال مالك: ولو بعت دينك من غير غريمك بما ذكرنا جاز، وليس كغريمك؛ لأنك انتفعت بتأخيره في ثمن ما فسخته فيه عليه، بخلاف الأجنبي مع أنه لا يجوز في خيار أو مواضعة أو شراء شيء غائب تعجيل النقد بشرط. فصل [2 - في إسقاط بعض الدين في مقابل تعجيل قضاء باقيه] قال مالك: فيمن لك عليه مئة إردب حنطة إلى أجل من قرض أو بيع فوضعت عنه قبل الأجل خمسين على أن يعجل لك خمسين لم يصلح؛ لأنه ضع وتعجل، وقاله

عمر وابن عمر وجماعة من الصحابة والتابعين. وإن أسلمت إلى رجل في محمولة إلى أجل فلقيته قبل الأجل فقلت له أحسن واجعلها في سمراء إلى أجلها ففعل لم يجز؛ لأنه فسخ محمولة في سمراء إلى أجل، ولو حل الأجل جاز لك أخذ سمراء من محمولة أو محمولة من سمراء؛ لأنه بدل. قال بعض أصحابنا: ولو أسلم إليه في سمراء فقال له قبل الأجل اجعلها في سمراء أجود منها أو أدنى إلى أجل، فذلك جائز؛ لأن هذا لم يخرجها عن الصفة التي أسلم فيها. فصل [3 - في البيع والسلف] قال مالك: ولا يجوز أن تبيع من رجل بيعًا على أن تسلفه أو يسلفك، فإن نزل فسخ إلا أن يسقط مشترك السلف شرطه قبل فوات السلعة بيد المبتاع فيتم البيع

وهذا مخالف لبعض البيوع الفاسدة، وإن لم يعلم بفساد البيع حتى فاتت السلعة بتغير بدن أو سوق، وكان السلف من البائع فله الأقل من الثمن أو من القيمة يوم القبض ويرد السلف، وإن كان السلف من المبتاع فعليه الأكثر منهما ما بلغ. قال سحنون وابن حبيب: وهذا إذا لم يقبض السلف ويغاب عليه، وأما إن غاب على السلف مشترطة فقد تم الربا بينهما/ فإن كانت السلعة قائمة ردت وإن فاتت بيد المشتري ففيها القيمة ما بلغت، وقاله يحيى بن يحيى عن ابن القاسم. قال بعض فقهائنا: وهذا وفاق لقول ابن القاسم في المدونة والله أعلم. وقال أصبغ: إذا كان السلف من المبتاع وفاتت السلعة فعليه القيمة ما بلغت إلا أن تجاوز الثمن والسلف فلا يزاد، وإن كان من البائع فعلى المبتاع الأقل ما بلغ. وقال أصبغ في أصوله: إذا قبض السلف مشترطة وغاب عليه والسلعة قائمة، فقال قابض السلف: أنا أرد السلف وأثبت على بيعي فذلك له، وإن فاتت السلعة ففيها الأقل أو الأكثر كما ذكرنا، وهذا خلاف ما تقدم لسحنون وغيره وهو ظاهر المدونة. م كما قال ابن القاسم في الأمة تباع على أن تتخذ أم ولد فتفوت بإيلاد أن فيها الأكثر من الثمن أو القيمة. وقال محمد بن عبد الحكم في البيع والسلف: أن البيع يفسخ وإن أسقط مشترط السلف شرطه.

م كقول أشهب في الأمة تباع على أن تتخذ أم ولد أن البيع فاسد ويفسخ، وأن أسقط مشترط الإيلاد شرطه وهو القياس والله أعلم. قال ابن حبيب: والإجارة مع السلف كالبيع وكذلك النكاح مع السلف إن غيب على السلف فسخ قبل البناء وثبت بعده وكان لها صداق المثل، وإن لم يغب على السلف وتركه مشترطه ثبت النكاح وإن لم يقبض حتى دخل بها، فإن كانت هي المسلفة فلها الأقل من المسمى أو صداق المثل، وإن كان هو المسلف فعليه الأكثر من ذلك، وأما الشركة مع السلف فله ربح ما سلفه فيها لأنه ضمنه، وأما مع القراض فالربح والوضيعة لرب/ المال وعليه للعامل أجر مثله، وقيل له قراض مثله. يريد لأن السلف في الشركة دخل فيها، وفي القراض لم يدخله العامل ولا عمل به، ولو عمل به لكان له ربحه لأنه ضمنه كما قال في الشركة والله أعلم. انظر قوله: وأما مع القراض فالربح والوضيعة لرب المال، يريد ربح المال لا ربح السلف، وإن كان ظاهر كلامه لا يدل على هذا، والصواب في السلف أن يكون ربحه للعامل. وقد روى أبو زيد عن ابن القاسم عن مالك فيمن قارض رجلاً بمئة وأسلفه بمئة أن ربح السلف للعامل وهي في المئة الأخرى، وهذا هو الصواب فاعلمه. ومن العتبية قال ابن القاسم: فيمن باع من رجل عبدًا بعشرة دنانير إلى شهر وبثوب نقدًا على أن أسلف المشتري لبائع العبد عشرة دنانير إلى أجل ثمن العبد أو خمسه، فإن كان شرط في أصل البيع وعلى أن يتقاصا فلا بأس به وإن قبح اللفظ،

وإن اختلفت الآجال لم يجز البيع ويفسخ إن لم يفت العبد، فإن فات رد إلى قيمته يوم قبضه، ولو كان على أن يسلفه المبتاع مئة درهم إلى شهر والصرف عشرة بدينار فلم يذكر لها جوابًا. وقال أبو بكر بن محمد: لا يجوز: وقال أبو محمد بن أبي زيد: ويتبين لي أنه إن دفعها إليه المشتري وشرط أنها تكون قصاصًا بالعشرة دنانير، فهو جائز وإن قبح اللفظ وصار كأنه باعه العبد بثوب ودراهم نقدًا.

[الباب الثالث] ما يحل ويحرم من السلف وجرائر نفعه

[الباب الثالث] ما يحل ويحرم من السلف وجرائر نفعه [الفصل 1 - فيمن يسلف رجلاً سلفًا ويشترط عليه شرطًا] ومن أبواب الربا ما جر من السلف نفعًا، وقال رجل لابن عمر: إني أسلفت لرجل سلفًا واشترطت عليه أفضل منه، فقال ابن عمر: ذلك الربا، وقال السلف على ثلاثة أوجه: سلف تريد به وجه الله عز وجل فلك وجه الله، وسلف تريد به وجه صاحبك فليس لك إلا وجه صاحبك، وسلف تسلفه لتأخذ خبيثًا بطيب فذلك الربا، فقال كيف أصنع يا أبا عبد الرحمن فقال: أرى أن تشق الصحيفة، فإن أعطاك مثل الذي أسلفته قبلته وإن أعطاك دونه فأخذته أجرت/، وإن أعطاك فوقه طيبة بها نفسه فذلك شكر شكره لك، ولك أجر ما أنظرته به. وقال فيمن تسلف بأفريقية دينار جرجريًا على أن يرده بمصر منقوشًا: لولا الشرط لم يكن به بأس. وقال جماعة من العلماء: لا يشترط عليه إلا القضاء، ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: فيمن قال لرجل أسلفك هذه الحنطة في حنطة مثلها بشرط، فلا خير فيه، وإن كان النفع للقابض.

وقال أشهب: أكره الكلام في ذلك أن يقول أسلفك هذا في مثله خوفًا أن يكون أمرهما على غير المعروف ولكن لا أراه مفسوخًا وأحب إليّ ألا يشترط شيئًا ولا يقول ترد على مثله. [فصل 2 - فيمن اشترى سلعة على أن البائع متى جاء بالثمن فهو أحق بها] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن اشترى جارية على أن البائع متى ما جاء بالثمن فهو أحق بها لم يجز لأنه بيع وسلف. وقال سحنون: بل سلف جر منفعة. م قيل معنى قوله بيع وسلف أنه تارة يكون بيعًا إن لم يرد الثمن، وتارة يكون سلفًا إن رد الثمن، ولا يكون له حكم البيع والسلف في الفوات، بل فيه القيمة ما بلغت، وقاله ابن القاسم عن مالك في سماع أصبغ أن فيه القيمة ما بلغت إذا فاتت السلعة. قال محمد بن أبي زمنين: ولابن القاسم في سماعه: أن من باع أرضًا على أنه متى جاء بالثمن فهي مردودة عليه أنه بيع فاسد ويردان فيه إلى القيمة إن كانت قد فاتت بهدم أو بنيان، وبيع المشتري إياها يفيتها. وذكر أن الشيخ أبا الحسن كان يفرق بين أن يضرب لذلك أجلاً أم لا؟ فقال: إن قال إن رددت إليك الثمن إلى وقت كذا فلا يكون قبل الأجل، بسبيل البيوع الفاسدة، والغلة في المبيع تكون للبائع لا للمشتري وبعد الأجل تكون كالبيوع الفاسدة، وجعلها كمسألة كتاب الرهن إذا قال إن لم آتك بالحق فالرهن لك، أنه

قبل الأجل بسبيل الرهان، وبعد الأجل كالبيوع الفاسدة/ قال أبو بكر بن عبد الرحمن: والرواية أن ذلك سواء ضرب أجلاً أو لم يضرب، وذكرت قول مالك للشيخ أبي الحسن فقلت له: كيف خالفته، فقال: لابن حبيب فيها شيء- يريد نحو قوله- وذكر أن ابن الكاتب حكى عن ابن شبلون نحو قول الشيخ أبي الحسن أنه جعلها كمسألة الرهان. قال ابن الكاتب: وذلك خلاف الرواية. قال بعض أصحابنا: وتشبيههما إياها بمسألة كتاب الرهن فيه نظرح لأن مسألة كتاب الرهن، إنما يقدر فيها البيع بعد الأجل فأما قبل الأجل فهو رهن على ملك الراهن، وهذه المسألة إنما أسلم إليه السلعة على البيع، وإنما أخذها المشتري على الملك قبل الأجل، وإنما يقدر فيها نقض البيع بعد الأجل فذلك مفترق. م المسألتان سواء لأن قوله متى جاء بالثمن إلى أجل كذا فهو أحق بها كقوله: إن لم آتك بالثمن إلى أجل كذا فهو لك، فلا فرق بين القولين وكأنه لم يملكه إياها إلا بعد الاجل فهو كقوله في الرهن إن لم آتك بالحق إلى أجل كذا فالرهن لك. [فصل 3 - فيمن أقرض ثوبًا في مثله أو أقرض عينًا أراد كونها في ذمته إلى أجل] قال: وقرضك ثوبًا في مثله كسلمك ثوبًا في مثله، فإن كان النفع للآخذ ولم تغتز أنت فذلك جائز، وإن أردت به نفع نفسك وأراد ذلك صاحبك أو لم يعلم بذلك لم يجز.

وكذلك لو أقرضته عينًا أردت كونه في ذمته إلى أجل لما كرهت من بقائه في بيتك، وكذلك في قرض جميع الأشياء، فإن نزل ذلك وادعيت أنك أردت بذلك منفعة نفسك لم تصدق، ولا تأخذ حقك حتى يحل الأجل وقد حرجت فيما بينك وبين الله تعالى- أي أنك أثمت- وإن علم ذلك بأمر ظاهر أنك اغتزيت/ بذلك نفع نفسك، أخذت حقك حالاً، وبطل الأجل، وكذلك البيع الحرام بثمن إلى أجل، فإذا فات عجلت فيه القيمة وفسخ الأجل. [فصل 4 - في اشتراط القضاء في غير بلد القرض] قال مالك: وكلما أقرضته من طعام أو عرض أو حيوان أو غيره: قال ابن المواز: مما له حمل أو كراء- ببلد على أن يوفيكه ببلد آخر لم يجز وإن ضربت أجلاً، لأنك ربحت الحملان فهو بخلاف البيع، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأين الحِمَال- يريد الضمان-. قال مالك: وأما إن أقرضته عينًا فلا حمال فيها إذ لك أخذه به حيث ما لقيته بعد الأجل، فإذا اشترطت أخذه ببلد آخر فإنما يجوز ذلك إذا فعلته رفقًا بصاحبك، لا تغتزي أنت به نفعك من ضمان طريق ونحوه كما يفعل أهل العراق بالسفاتج إذا

ضربت أجلاً يبلغ البلد في مثله وإن لم يخرج فلك أخذه به بعد الأجل حيث ما وجدته، ولا يعجبني إن لم يضربا مع ذكر البلد أجلاً. قال ابن القاسم في العتبية: فإن نزل كرهته ولا أفسخه وأضرب له فيه أجل مسيرة ذلك البلد، وأجازه أشهب بديًا في السلف. قال ابن القاسم: ولا ينبغي البيع على أن يعطيه حقه بأفريقية وأرى أن ينقض. - يريد والثمن عين- فإن ضرب أجلاً جاز ويقضي له به حيث ما لقيه إذا حل أجله أن أسلم إليه في عروض أو طعام إلى أجل، وشرط قبض ذلك ببلد آخر، فليأخذه بالخروج أو التوكيل بمقدار ما يصل إلى البلد عند محل الآجال، وليس له أخذه به بغير البلد وإن كان مما لا حمل له لاختلاف السعرين. [قال] أشهب: إلا أن يتقارب سعر الموضعين فيما يخف حمله، والموضوع بعيد جدًا فليأخذه بدينه في موضعه وإن كره إذا حل، وإن كان على غير ذلك لم يأخذه به إلى أن يتطوع به المطلوب، فيجبر رب الحق على قبوله لأنه بموضعهما أغلى/ من الموضع المشترط. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لرجل خارج إلى مصر أسلفك مالاً لتقضيني بمصر، فلا ينبغي ذلك، ولو كان المتسلف هو السائل فذلك جائز. ومن الواضحة: وأحب إليّ لمن استقرض دنانير أو دراهم أن يتسلفها بمعيار يرد مثله ولا يتسلفها عددًا فيختلف العدد في وزنه، فيرد أزيد مما عليه أو أدنى.

ومن المدونة: قال مالك: ولا يجوز للحاج قرض كعك أو سويق على أن يوفيه ببلد آخر وليسلفه ولا يشترط، قال ابن عمر: لا يشترط القضاء. قال مالك: ومن له إلى جانبك زرع فاستقرضه منه على أن تقضيه من زرع لك ببلده لم يجز. وإن أقرضك فدانًا من زرع مستحصد تحصده أنت وتدرسه لحاجتك وترد عليه مثل كيل ما فيه، فإن فعل ذلك رفقًا ونفعًا لك دونه جاز إذا كان ليس فيما كفيته منه كبير مؤنه لقلته في كثره زرعه، ولو اغتزى بذلك نفع نفسه في كفايتك إياه ذلك لم يجز. [فصل 5 - في سلف الطعام المسوس والعفن] ومن الواضحة: قال: ولا يجوز سلف الطعام السايس ولا العفن ولا المبلول ولا الرطب، ولا قديمًا ليأخذ جديدًا، وإن كان القديم صحيحًا؛ لأن كل سلف كان نفعه للمسلف لم يحل. قال: ولو نزلت بالناس حاجة، وسنة شديدة، فسألوا رب الطعام السايس أو العفن وغيره مما ذكرنا أن يسلفهم إياه لما هم فيه من المعونة، فذلك جائز إذا كانت

المنفعة لهم دونه. - يريد أنه لو باعه لباعه بثمن غال- وإذا جاء الطعام الذي يقضونه فيه كان في الغالب أرخص، فكأنه لا منفعة لرب الطعام في ذلك وإن أعطوه غير يابس ولا معفون. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن أقرضته خبز الفرن فلا تشترط عليه خبر تنور أو ملة ويجوز إن قضاكه بغير شرط تحريًا كأخذ السمراء من المحمولة أو دينار دمشقي من كوفي بهذا المعنى. فصل [6 - فيمن استقرض طعامًا ثم أقرضه على تصديقه في كيله] قال ابن القاسم: ولا تقرض رجلاً طعامًا على تصديقك في كيله/ وإن كنت أيضًا قد استقرضته أنت [وكلته] وكأنه أخذه ليضمن نقصه، إذ للكيل نقص وريع بين الكيلين. قال بعض أصحابنا: وإنما كره ذلك خيفة أن يجد المستقرض نقصًا فيغتفره رجاء أن يؤخره [بالثمن] عند الأجل، فهو من ناحية قبول هدية المديان، وإن نزل ذلك لم يفسخ، قاله بعض فقهائنا، وفي كتاب الأبهري نحو هذه العلة. قال: هو لا يرجع بنقصان إن كان في الكيل من أجل تأخير الدافع له، فكأنه سلف جر منفعة. وقال ابن عبدوس: إنما كره أن يبتاعه على التصديق بالنسيئة؛ لأنه ليس كل أحد يجد من يبيعه بالنسيئة فقد يضطره ذلك إلى أن يأخذه على تصديق كيله إذا لم يجد

غيره، فيكون قد خاطره في نقصه. وذهب الشيخ أبو بكر بن عبد الرحمن أنه إذا نزل شراء الطعام على التصديق بثمن إلى أجل أنه يفسخ. قال: وقد كره ذلك في النقد فكيف بالنسيئة. قال بعض أصحابنا: ووجه الكراهية في ذلك أنه دخل على الغرر إذ قد يجد نقصًا أو لا يجده، وربما لم يتمكن له حضور بينة تشهد بالنقص، فكأنه باب غرر وهذا يدخل في النقد والنسيئة. قال ابن القاسم: ولو حضر كيلك حين قبضته جاز قبضه بذلك قبل غيبتك عليه ولو استقرضته له وأمرته بقبضه جاز ذلك، وكان دينًا لربه عليك، ودينًا لك أنت على قابضه. قال: ولا بأس ببيع ما استقرضت على تصديق كيلك بثمن نقدًا، ولا ينبغي إلى أجل، وفارق القرض، لأن للمبتاع ما وجد من المتعارف من زيادة الكيل أو نقصه فله وعليه، ويرد كثير الزيادة ويرجع بحصة كثير النقص من الثمن، والقرض يصير للتسمية ضامنًا. م والعلة في ذلك ما ذكرنا في القرض على التصديق خيفة أن/ يجد نقصًا فيغتفره رجاء أن يؤخره.

قال ابن القاسم: إلا أن يقول له كله وأنت مصدق فيجوز، ويصدق فيما يذكره. فصل [7 - في هدية المديان] قال مالك: ولا ينبغي قبول هدية مديانك إلا من تعودت ذلك منه قبل أن تداينه وتعلم أن هديته لك ليس لأجل دينك فلا بأس بذلك. قال عطاء: وإن قارضت رجلاً مالاً أو أسلفته إياه فلا تقبل منه هدية إلا أن يكون من خاصة أهلك، لا يهدي لك لأجل ما تظن فخذ منه. قال ابن وهب: وإن أبي بن كعب استسلف من عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عشرة آلاف درهم، فأهدى إليه هدية فردها عليه عمر، فقال أبي بن كعب: قد علم أهل المدينة اني من أطيبهم ثمرة، أفرأيت أن ما أهديت إليك من أجل مالك علي، اقبلها فلا حجة لنا فيما منعك من طعامنا، فقبل عمر الهدية. م قيل في هدية المقارض إن لم يشغل المال فلا يجوز قبل هديته؛ لأن لرب المال أخذه منه فيتهم أنه إنما أهدى إليه ليبقى المال بيده، فإن أشغله جاز قبول هديته إذ لا يقدر رب المال على أخذه منه.

وقال بعض أصحابنا: لا يجوز قبول هديته وإن أشغل المال لأنه يتهم إذا نص أن يبقيه في يديه كما لو أسلف لرجل مالاً إلى أجل فلا يجوز قبول هديته وإن كان لا يقدر أن يأخذ المال منه ولكن لما اتهم أن يؤخره به بعد الأجل لم يجز قبول هديته فكذلك المقارض وبه أقول. [فصل 8 - فيمن له دنانير على آخر فلا يأخذ قبل الأجل بعضها وباقيها سلعة] ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك: ومن له دنانير دين فلا يأخذ قبل الأجل بعضها وبباقيها سلعة فيصير بيعًا وسلفًا، وعرض وذهب بذهب، وإن كان قيمة العرض دون ما أخذ به دخله مع ذلك ضع وتعجل، ولو أخذت بجميعه عرضًا قبل الأجل لا يسواه فذلك جائز، ولك أن تأخذ بعضه قبل الأجل عينًا أو ببعضه عرضًا ثم إذا حل الأجل أخذت ببقيته عينًا أو عرضًا لا يتأخر العرض.

[الباب الرابع] في بيع الطعام القرض والدنانير القرض قبل قبضها وفي قرض جميع الأشياء

[الباب الرابع] في بيع الطعام القرض والدنانير القرض قبل قبضها وفي قرض جميع الأشياء [الفصل 1 - في بيع طعام القرض] قال ابن القاسم: وإن أقرضت رجلاً طعامًا إلى أجل فلا بأس أن تبيعه منه أو من غيره قبل الأجل بكل شيء نقدًا عدا سائر الطعام والشراب والإدام كله، ولا بأس أن تبيعه من الذي هو عليه/ إذا حل الأجل بما شئت من الأثمان أو بطعام أكثر من كيل طعامك نقدًا أو بصبرة تمر أو زبيب إلا أن يكون ذلك من صنف طعامك، فلا تأخذ أكثر كيلاً منه. - يريد إذا كان مما لا يجوز فيه التفاضل. وإن أقرضته حنطة فلا تأخذ منه إذا حل الأجل دقيقًا ولا شعيرًا ولا سلتًا إلا مثلاً بمثل، فأما قبل الأجل فلا تأخذ منه إلا مثل حنطتك صفة وكيلاً، ولا تأخذ منه شعيرًا ولا سلتًا ولا دقيقًا ولا شيئًا من سائر الطعام قبل الأجل، ويدخل ذلك ضع وتعجل، وبيع الطعام بالطعام إلى أجل. قلت: فإن حل الأجل فبعته تلك الحنطة بدنانير أو دراهم نقدًا أو فارقته قبل القبض. قال: لا يصلح إلا أن ينتقد مكانه أو تذهب معه إلى البيت أو السوق فتنقده، فإن افترقتما حتى تصير تطلبه بها لم يجز؛ لأنه الدين بالدين.

فصل [2 - في بيع الدين من الذهب والورق قبل قبضها] قال مالك: ولا بأس باقتضاء دراهم من دنانير أو تمر من قمح إذا حلا. قال ابن القاسم: ومن لك عليه ألف درهم حالة فاشتريت بها منه سلعة حاضرة بعينها ورضيتها ثم قام فدخل بيته قبل أن يقبضها. قال: البيع جائز، ويقبض سلعته إذا خرج، وليس للبائع أن يمنعه من قبضها وإنما هو رجل ترك سلعته، فإذا خرج أخذها. وقال مالك في باب آخر فيمن له على رجل دين حل أو لم يحل فأخذ منه به سلعة بعينها، فلا يفارقه حتى يقبضها فإن أخرها لم يجز. م وهذا والأول سواء، وإنما يريد أخرها تأخيرًا طويلاً والله أعلم. قال ابن القاسم: وإن شرط عليه البائع أنه لا يقبضها إلا بعد يوم أو يومين لم يجز ذلك عند مالك، وأما ان ابتعت ثوبًا بعينه بدينار إلى أجل فتأخر قبض الثوب فلك قبضه، والبيع تام، وليس للبائع حبسه بالثمن؛ لأنه مؤجل، وليس كتأخير/ ما تأخذ في دينك، وقد يجوز أن تكتري من رجل داره بدين يبقى عليك ولا تكتريها منه بدين لك عليه قد حل أو لم يحل. ومن كتاب ابن المواز: قيل لمالك: فإذا لم يجز لي أن أكتري منه داره بدين لي عليه أو أكتري منه عبده، فهل أستعمله هو به عملاً؟ قال مالك: أما العمل اليسير والدين لم يحل فذلك جائز، وإن حل لم يجز في يسير ولا كثير. قال بعض شيوخنا القرويين: الفرق بين أن يحل الأجل أو لا يحل أنه إذا حل دخله فسخ الدين في الدين، وإذا لم يحل الأجل، فهو بيع الدين بالدين، فإذا كان شيئًا

يسيرًا جاز؛ لأن فسخ الدين في الدين أشد من بيع الدين بالدين، فإذا كان شيئًا يسيرًا جاز، ولا تبتع منه بدينك سلعة غائبة أو سلعة بخيار أو أمة فيها مواضعة. قال مالك: وإن أخذت منه بدينك طعامًا فكثر كيله فذهبت به بعد وجوب البيع لتأتي بدواب تحمله، أو تكتري له منزلاً أو سفنًا، وذلك بتأخير اليوم واليومين أو شرعت في كيله وغابت الشمس وقد بقي من كيله شيء فتأخر إلى الغد، فلا بأس به وليس هذا دينًا بدين وأراه خفيفًا لأنهما في عمل القبض، وإن أخذت منه بدينك ما لا مؤنة فيه من قليل الطعام والفواكه في كيل أو وزن أو عدد لم يجز تأخيره إلا ما كان يجوز لك في مثله أن تأتي بحمال يحمله أو مكتل تجعله فيه، فعلى هذا فاحمل أمر الطعام. م وكره مالك أن يبتاع طعامًا بعينه بدين إلى أجل ثم يؤخر كيل الطعام إلى الأجل البعيد، قال ابن القاسم: وأرى السلع كلها مثله، لا تؤخر إلى الأجل البعيد. فصل [3 - في قرض العروض والحيوان والجواري] ومن المدونة: قال ابن القاسم: والقرض في الخشب والبقول وفي كل شيء جائز إذا كان معروفًا إلا تراب/ الذهب والفضة لاختلافه والجواري. م للذريعة إلى عارية الفروج إذ لو أجيز لجاز له ردها بعينها، فكأنه أعاره فرجها. م قال بعض فقهائنا: ويجوز أن يقرض جارية لامرأة أو لمن تعتق عليه مثل أن يقرضه أمه أو أخته أو ابنته، وكذلك إن أقرضته من ذوات محارمه ممن لا يعتق عليه

للسلامة في هذا من عارية الفروج التي هل العلة المانعة من قرض الجواري، وأجاز محمد بن عبد الحكم قرض الجواري على أن يرد غيرها. م واختلف إذا أقرضه جارية ففاتت بالوطء، فقيل عليه مثلها مراعاة لقول ابن عبد الحكم هذا، وقيل بل عليه قيمتها قياسًا على المحللة وهو أصوب. قال أبو إسحاق: وانظر لو فلس المستقرض هل يكون المقرض أحق بها، وذلك يؤدي إلى تمام التحليل أو يقال أن هذا من جهة الأحكام فترتفع فيه التهمة كالرد بالعيوب أو التفليس في البياعات الصحيحة والفاسدة، ولو أقرض صغيرة لا يمكن أن يتلذذ بمثلها لجاز أيضًا لأن القرض في الجواري إنما منع منه خيفة التحليل فإذا أمنا من ذلك جاز، كما يجوز القرض في العبيد، وأما تراب المعادن فإنما منع منه لعدم تكافئه إذ بعضه يخرج من الذهب أكثر مما يخرج الآخر، فكذلك ما شابهه مما لا يتكافأ أمثاله فلا يصح فيه القرض أيضًا. فصل [4 - في رجل استسلف حنطة ثم اشترى حنطة فقضاها قبل أن تستوفى] ومن المدونة: وإن أقرضت رجلاً حنطة إلى أجل، فلما حل الأجل اشترى هو حنطة، وقال لك اقبضها في حنطتك فلا بأس به، وكذلك لو قال لك خذ هذه الدراهم فاشتر لي بها مثل طعامك فهو جائز، ولو اشتريت من رجل حنطة مضمونة وله على رجل آخر مثلها من قرض فقال لك اقبضها في حنطتك لم يكن به بأس.

[الباب الخامس] في ذكر الحوالة والمقاصة في الديون

[الباب الخامس] في ذكر الحوالة والمقاصة في الديون [فصل 1 - في الحوالة في الديون] ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الكالئ بالكالئ. قال ابن القاسم: فلا يجوز من فسخ الدين في الدين إلا ما كان بمعنى الحوالة. م لقوله صلى الله عليه وسلم ومن اتبع على ملئ فليتبع. م لأنه معروف صنعه مع صاحبه فارخص له فيه. قال ابن القاسم: ولا بأس أن تفسخ ما قد حل من دينك فيما قد حل وفيما لم يحل على غريمك كصفة دينك ومقداره ما لم يكونا طعامين من بيع ولا تفسخ ما لم يحل من دينك فيما قد حل وفيما لم يحل اختلفت الصفة أو اتفقت كان الدينان/ عينًا أو عرضًا من بيع أو قرض. م لأن الرخصة إنما وردت فيما قد حل فلا يعدى بها بابها، ويدخله فسخ الدين بالدين.

قال ابن القاسم: ولا يجوز فسخك العرض الذي قد حل في عرض خلافه؛ لأنه دين يدين. م والعلة في ذلك ما قدمنا من أنها رخصة لا يعدى بها بابها. قال في كتاب ابن المواز: إذا اختلفا في الصنف أو في الجودة والصنف واحد وهما طعام أو عين أو عرض كانا أو أحدهما من بيع أو قرض، فلا تصلح الحوالة فيه وإن حلا. م لأنه إذا اختلف الصنفان دخله التكايس والتغابن وخرج عن وجه المعروف الذي أجازه إلى بيع الدين المنهي عنه. قال ابن المواز: إلا أن يقضيه قبل أن يفترقا فيجوز إلا في الطعام من بيع فلا يصلح أن يقبضه إلا صاحبه. م لأنه إن قبضه غير صاحبه دخله ببيع الطعام قبل قبضه فلا يجوز، وإن كان الصنف واحدًا، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولا يحل ما نهي عنه من ذلك ما حض عليه من الحوالة وهذا أبين. قال ابن المواز: وكذلك إن كان هذا ذهبًا وهذا رزقًا فلا يحيله به، وإن حلا إلا أن يقبضه مكانه قبل افتراق الثلاثة وقبل طول المجلس.

قال في المدونة: ومن له عليك طعام من سلم فلا تحيله على طعام لك من بيع في صفته وكيله وإن حلا؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه، فكان كل واحد باع بما قبض طعامًا له من بيع قبل قبضه، ولو لم يحلا دخله الدين بالدين مع ذلك، وإن كان له عليك طعام من قرض قد حل، فلا بأس أن تحيله على طعام لك من بيع أو قرض قد حل، وكذلك إن كان الذي له سلمًا والذي لك قرضًا وقد حلا ثم لا بأس في الوجهين أن يؤخر المحال من أحيل عليه/. م لأنه إن أحال بالقرض على المبيع فهو لم يبعه وإنما اقتضاه له المقرض، وكما لو وهبه إياه، وإن أحال بالمبيع على القرض، فالقرض جائز بيعه قبل قبضه. قال في كتاب الهبات: وإن لم يحلا لم تجز الحوالة أحلته أو أحالك، وكذلك عنه في المجموعة. وقال أشهب فيها: هما كالقرضين يحيل بما حل منهما فيما حل وفيما لم يحل، قال: وإن كان من بيع لم تجز الحوالة وإن حلا إلا أن يتفق رأس ماليهما فيجوز ويشبه التولية. وقال ابن حبيب: إذا كان أحد الطعامين من قرض فجائز أن يحيل به بما حل منهما على ما لم يحل، قاله مالك وأصحابه إلا ابن القاسم. م وقولهم أصوب.

فصل [2 - في المقاصة في الديون] ومن المدونة: قال مالك: وإن كان لك على رجل طعام من قرض وله عليك طعام من قرض ككيله وصفته جاز أن تتقاصا، اتفقت الأجلان أو اختلفت، حلا أو لم يحلا أو حل أحدهما؛ لأنه ليس هاهنا بيع الدين بالدين لبراءة الذمتين فإنما هو قضاء قضاه كل واحد منهما صاحبه من دين عليه حل أو لم يحل. قال: وكذلك إن كان الدينان ذهبًا جميعًا أو ورقًا جميعًا أو عرضًا مما يكال أو يوزن أم لا، وهما صفة واحدة، ومقدار واحد فلا بأس أن يتقاصا في ذلك كله، كانا من بيع أو من قرض اختلفت الآجال أو اتفقت وقد حلا أو لم يحلا أو حل أحدهما، وليس كمن ابتاع عرضًا مؤجلاً في ذمة رجل بعرض مؤجل في ذمته؛ لأن الذمتين مشغولتان في هذا وفي هذا، وإن كان الذي لك عليه محمولة والذي له عليك سمراء وهما أو أحدهما من قرض فتجوز المقاصة إن حلا؛ لأنه بدل، وأما إن لم يحلا أو لم يحل إلا أحدهما لم تجز المقاصة، إذ لا يجوز عند مالك قضاء سمراء من بيضاء، ولا بيضاء من سمراء قبل الأجل من بيع أو قرض، وله قول في أخذ السمراء من المحمولة قبل الأجل إذا كان ذلك من قرض. قال سحنون: وهو أحسن.

قال ابن القاسم: وإن كان لك عليه طعام من سلم وله عليك طعام من سلم لم يجز أن تتقاصا، حلت الآجال أو لم تحل. وكذلك عنه في كتاب محمد قال فيه أشهب إلا أن يتفق رأس ماليهما في عينه ووزنه فيجوز. ومن المدونة: وإن كان أحدهما من قرض والآخر من سلم فإن حلا والصفة والمقدار متفق جازت المقاصة وإن لم يحلا أو لم يحل إلا أحدهما لم يجز كان المال منهما سلمًا أو قرضًا. [قال] ابن المواز: وقال أشهب إن حل أجل السلم جازت المقاصة. وقال ابن حبيب: إذا اتفقت آجالهما جازت المقاصة وإن لم يحلا، قاله جميع أصحاب مالك إلا ابن القاسم. ومن المدونة: وإن كان لك عليه ذهب وله عليك ورق جازت المقاصة إن حلا، ولا يجوز بحلول أحدهما ولا إن لم يحلا وإن اتفق الأجلان؛ لأنه صرف مؤخر، وإن كان لك عليه عرض وله عليك عرض وهما مختلفا الجنس والصفة، فإن كان أجلهما مختلفًا لم يجز/ أن يتقاصا حتى يحلا أو يحل أحدهما، ولو اتفق أجلاهما ولم يحلا جاز التقاصص [فيهما] قبل محلهما. ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا كان عرضين نوعًا واحدًا وأحدهما أجود صفة، فإن اتفق أجلاهما فجائز- وإن لم يحلا كانا أو أحدهما من بيع أو قرض- وإن اختلف أجلاهما وأحدهما من بيع والآخر من قرض، فإن كان آخرهما محلا هو

البيع لم تصلح المقاصة كان الأرفع أو الأدنى؛ لأنه في الأرفع ضع وتعجل، وفي الأدنى ازداد لطرح الضمان، وإن كان آخرهما حلولاً هو القرض وهو أدنى فلا بأس أن يتقاصا؛ لأنه إذا عجل القرض جبر صاحبه على أخذه ولا يجبر في البيع. قال: وإن كان الأرفع آخرهما حلولاً لم يجز؛ لأنه وضع له من الجودة ليتعجل، وهذا إذا اتفقا في العدد والوزن، وإنما اختلافهما في الجودة وحدها، ولو اختلفا في العدد وهما جنس واحد لم تتبغ المقاصة، كانا من قرض أو بيع أو أحدهما؛ ولأنه لا يجوز في القرض زيادة العدد وإن حلا. د - يريد في قول ابن القاسم في زيادة العدد في القرض- ولو كانا ذهبين وهما من قرض أو بيع أو أحدهما، فإن كان أولهما حلولاً أرفع في الجودة أو العين أو أرجح فلا بأس أن يتقاصا. م لأن له تعجيل العين فلا يدخله حط عني الضمان وأزيدك. قال: وإن كان هو الأدنى فلا خير فيه. م لأنه ضع وتعجل. وقال ابن حبيب: إذا كان أحد الذهبين ناقصة والأخرى وازنة لم تجز المقاصة حتى تحل الوازنة. [قال] ابن المواز: ولو اختلفا في العدد وهما قرض لم تجز المقاصة وإن حلا، وإن كانا من ثمن سلعة فكان أولهما حلولاً أكثرهما فذلك جائز، وكذلك إن كان

أحدهما قرضًا والقرض أكثرهما وأولهما حلولاً. م وحكي عن بعض فقهائنا القرويين في مسائل المقاصة بالعرضين ينبغي إذا كان العرضان من سلم أن ينظر إلى رؤوس الأموال، فإن كانت سواء مثل أن يسلم كل واحد إلى صاحبه عشرة دنانير أو يكون آخر السلمين رأس ماله أقل فيجوز، وأما إن كان رأس مال آخر السلمين أكثر فهو غير جائز، ويتقي أن يتعاملا على دنانير بأكثر منها، ويظهرا السلم تحليلاً. وكذلك إن كان رأس مال هذا دنانير، ورأس مال الآخر دراهم لم تجز المقاصة، ويتقي فيه الصرف المستأخر، دليله مسألة كتاب السلم الثاني إذا ضاع الرهن وأراد المقاصة، ولو كان فيما ذكرنا أسلم كل واحد إلى صاحبه في وقت واحد لم تراع رؤوس الأموال إذ لا يتهم في ذلك، وإنما التهمة في ذلك إذا كان السلم في غير وقت واحد. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وحكم أجناس الزيوت وأجناس التمر وسائر الحبوب في المقاصة على ما ذكرنا من الحنطة في القرض والسلم. قال: ومن لك عليه إردب حنطة من قرض إلى أجل بحميل وأقرضك مثله إلى أبعد من أجله بغير حميل فلا بأس أن تتقاصا، ومن له عليك طعام من سلم قد حلّ فلا بأس أن تحيله على طعام استقرضته ويكون بكيل واحد قرضًا عليك وأداء من سلم. تم الكتاب والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين ...

كتاب البيوع الفاسدة

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب البيوع الفاسدة

[الباب الأول] جامع البيوع الفاسدة وما يفيتها

[الباب الأول] جامع البيوع الفاسدة وما يفيتها [فصل 1 - في بيع الغرر والخطر] ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، وهذا يشتمل على أشياء كثيرة، ومنه نهيه عن بيع حبل الحبلة وهو نتاج ما تنتج الناقة، قال ابن وهب وغيره، وقد قيل إنه البيع إلى نتاج نتاج الناقة كالأجل المجهول، وروي ذلك عن مالك وابن القاسم. ونهى صلى الله عليه وسلم عن بيع المضامين، قال مالك: وهو ما في بطنها. وعن الملاقيح قال

مالك قاله ابن المسيب. وقال ابن حبيب وغيره أن المضامين ما في بطون الإناث. قال الراجز: ملقوحة في بطن ناب حائل. قال ابن حبيب: ومن الغرر ما نهي عليه صلى الله عليه وسلم من بيع الحصاة، كان في الجاهلية تكون حصاة بيد البائع فيقول: إذا سقطت وجب البيع بيني وبينك. ومنه ما نهى عنه من بيع العربان في البيع والكراء وهو أن ينقده دينارًا ويقول

له إن تم العقد فهو من الثمن وإلا كان لك باطلاً، ولا بأس بالعربان من غير هذا الشرط. ومعنى العربان أول الشيء وعنفوانه. [قال] ابن المواز: وكره مالك بيع العشرات التي تزداد في الأعطية، ورواه ابن القاسم وأشهب عن مالك. قال مالك وغيره: فكل بيع دخله غرر أو مجهول من ثمن أو مثمون أو في أجل فلا يجوز. ولما لم يكن قبض المبتاع في البيع الفاسد على الأمانة كان لما قبض ضامنًا، فكل من جعل له التوا جعل له النماء وأوجب عليه القيمة عدلاً بين النقص والزيادة. [فصل 2 - الحكم في البيع الفاسد وذكر ما تفوت به السلع] ومن المدونة: قال مالك: ويرد الحرام البين فات أو لم يفت، وإن كان مما كرهه الناس رد إلا أن يفوت فيترك.

قال ابن المواز عن ابن القاسم: مثل من أسلم في حائط بعينه وقد أزهى، ويشترط أخذه ثمرًا فيفوت بالقبض. قال بن القاسم في كتاب بيع الخيار: وأكره لمن باع ثمر نخلة واستثنى تمر أربع نخلات يختارها، فإن نزل أمضيته لقول مالك فيه. وقال في الأكرية فيمن اكترى بثوب وشرط حبسه يومين أو ثلاثة لا لتوثق ولا لانتفاع أكرهه، فإن نزل أمضيته. ومن البيوع ما لا يمضي لشرط فيه أو كذب، فإذا تركه مشترطه جاز، فإذا فات قبل العلم به قضي لطالب الفضل بما هو أفضل من قيمة أو ثمن، وذلك مفسر في موضعه. فمنه بيع الكذب في المرابحة وبيع سلف، قال ابن المواز: والبيع على أن تتخذ الأمة أم ولد على أن لا يخرجها من البلد [قال] ابن المواز: وهو قول ابن القاسم. وروى أشهب أنه يفسخ في شرط الاتخاذ والخروج من البلد. ومنها ما يكون أن يبتدياه فإن وقع جاز البيع وبطل الشرط كالبيع إن لم يأت بالثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما. م ومعنى قول مالك يرد الحرام البين فات او لم يفت. يريد يرد بيعه، فإن كان قائمًا رد عين المبيع، وإن فات ترد قيمته ورجع بثمنه.

قال ابن القاسم: وما فسد من البيع لفساد عقده أو لفساد ثمنه فلا بد من فسخه. قال ابن عبدوس: فما فسد لثمنه ففات رد إلى قيمته وما فسد لفساد عقده كبيع يوم الجمعة - يريد بعد الأذان يوم الجمعة - وبيع الولد دون أمه ففات، فإنه يمضي بالثمن المسمى كالنكاح الذي فساده في عقده ففيه المسمى، والذي فساده في صداقه ففيه صداق المثل. م وقوله فيما فسد لعقده إذا فات يمضي بالثمن خلافًا لقول ابن القاسم وأشهب، وذلك أن ابن القاسم يقول في البيع يقع يوم الجمعة في الوقت المنهي عنه إذا فات، ففيه القيمة حين القبض/ وقال أشهب بل فيه القيمة بعد فراغ صلاة الجمعة في وقت يجوز فيه البيع فاعلمه. قال ابن القاسم: وكل بيع انعقد فاسدًا فضمان السلعة فيه من البائع حتى يقبضها المبتاع، وكل ما كان من حرام بين قفسخ على المبتاع رد السلعة بعينها، فإن فاتت بيده رد القيمة فيما له قيمة، والمثل فيما له مثل من موزون أو مكيل من طعام أو عرض، وجزاف الطعام كالعروض فيه القيمة، والقيمة فيما ذكرناه يوم قبضها لا يوم البيع، ويرد المثل بموضع قبضه.

ومن المدونة: قال مالك: والفوت مختلف. فالرفيق يفيته العتق والكتابة والتدبير والولادة، قال ابن المواز: والطء فقط. م حكي عن بعض شيوخنا: وإنما كان وطء الأمة فوتا إذا لا بد فيها من تالمواضعة لاستبرائها فيطول الأمر في ذلك، وطول الزمان يفيت الحيوان، إذ لا تبقى على حاله. ويفيت الحيوان والثياب ونحوها من العروض النماء والنقص في سوق أو بدن والعيب يحدث، والبيع والهبة والصدقة، ويفيت الدور والأرضين البيع والهبة والصدقة أيضًا والبناء والهدم والغرس. م قال ابن المواز: ولا يفيتها الزرع فيها، وإن فسخ البيع في إبان الزراعة لم يقلع، وعليه كراء المثل كالزارع لشبهة، وإن فسخ الإبان فلا كراء عليه، وإذا كانت أصولاً فأثمرت عند المبتاع ففسخ البيع وقد طابت الثمرة فهي للمبتاع جدت أو لم تجد وإن لم تطب فهي للبائع وعليه للمبتاع ما أنفق. وأما الغراس في الأرض ففي العتبية قال أصبغ: إذا اشترى أرضًا بيعًا فاسدًا فغرس حولها شجرًا أحاطت بها وعظمت فيها المؤنة، وبقي أكثرها بياض، فذلك

فوت، وتجب فيها القيمة، وإن كان إنما غرس ناحية منها وبقى جلها رد منها ما بقي وعليه فيما غرس القيمة، وإن كان إنما غرس يسيرًا لا بال له رد جميعًا، وكان للغارس على البائع قيمة غرسه. [فصل 3 - الدور والأرضون لا يفيتها حواله سوق أو طول زمان] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا يفيت الدور والارضين حوالة الأسواق أو طول زمان. [قال] ابن المواز: قال أشهب: حوالة الأسواق في الدور فوت، وقاله اصبغ في كتاب ابن حبيب، وقال في كتاب محمد: وطول الزمان مثل عشرين سنة فيها فوت. م قيل إنما فرق ابن القاسم بين الربع وبين العروض ونحوها في حوالة الأسواق، فلم يجعله في الربع فوت؛ لأن الأغلب في الربع إنما يشتري للقنية لا للتجارة، ةلا سةق له كالسلع والحيوان فلم يكن التأثير في ثمنه فوتًا، وغيره من العروض والحيوان الأغلب فيه إنما يشتري للتجارة وطلب النماء فيها فكان التأثير في أثمانها مفيتًا لها. م وبلغني أن فضل ابن سلمة روى أن ابن وهب يقول: حوالة الأسواق في كل شيء فوت، كان مما يكال أو يوزن أم لا، ويجب فيه القيمة. ووجه هذا القول: كأنه رأى أن لا فرق بين عين الثوب إذا حال سوقه وبين مثل المكيل والموزون إذا حال سوقه أو ذهبت عينه، فكما ليس له أن يرجع في عين ثوبه وإنما له قيمته، فكذلك

لا يرجع في عين قمحه إذا حال سوقه؛ لأنه عرض مثمون حال سوقه كالثوب، فوجب أن يرجع بقيمته، فإذا ذهبي عين قمحه كان أحرى أن يرجع بقيمته؛ لأن مثل الشيء ليس هو كعينه على الحقيقة، وكذلك إذا حال سوقه؛ لأنه صار ليس كعين شيئه. ووجه قول مالك وغيره أنهم لما اتفقوا أن ذهاب عين غير المكيل والموزون في التعدي يوجب قيمته، وذهاب عين المكيل والموزون يوجب مثله، واتفقوا أن حوالة الأسواق في البيع الفاسد في السلع كذهاب أعيانها، وجب أن يكون إذا حال سوق عين المكيل والموزون أن تكون فيه قيمته كذهاب عينه، وأن تكون أيضًا حوالة سوق المكيل/ والموزون كذهاب عينه، وذهاب عينه إنما فيه مثله، فوجب إذا حال سوقه أن يرده بعينه فهو أقرب من رد مثله، وهذا بين وبه أقول. م وإنما أوجبنا القيمة في حوالة الأسواق بزيادة أو نقصان لأن ذلك عدل بين المتبايعين، فكما لم يكن للبائع أن يأخذها إذا زادت، فكذلك لم يكن للمبتاع أن يردها عليها إذا نقصت، وكما أن هلاكها من المبتاع، فكذلك تكون له زيادتها؛ لأن من عليه التوى له النماء، وهذا أصلهم وبالله التوفيق. فصل [4 - الحكم في بيع السلعة الفاسدة إذا زال سبب فواتها] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا تغير سوق السلعة ثم عاد لهيئته فقد وجبت له القيمة - وكذلك أن ولدت الأمة ثم مات الولد - وأما إن باعها ثم رجعت إليه بعيب أو

شراء أو هبه أو ميراث، أو كاتبها ثم عجزت بعد أيام يسيرة، فله الرد إلا أن يتغير سوقها قبل رجوعها إليه، فذلك فوت، وإن عاد لهيئته أو مضى للأمة نحو الشهر فلا بد أن تتغير في بدنها أو سوقها وأشهب يفيتها بعقد البيع والكتابة وإن رجعت إليه بقرب ذلك، كحوالة الآسواق. م وإنما فرق ابن القاسم بين حوالة الأسواق وبين البيع في رجوعها إليه لأن حوالة الأسواق ليس من فعله ولا صنع له فيها، فلا تهمة تلحقه فيه، والبيع من فعله وسببه فيتم أن يكون أظهر البيع ليفيتها به فيتم له البيع الحرام وهي لم تخرج عن ملكه، كقوله فيمن حلف بحرية عبده إن كلم فلانًا فباعه ثم اشتراه أن اليمين باقية عليه للتهمة في ذلك، لكن أضعف قوله إذا عادت إليه بميراث، فكان ينبغي أن لا يتهم في ذلك. وذكر أن أبا عمران عاب هذا التفريق وقال: إنما الفرق في ذلك أنه إذا باعها، فإنما منع من نقض البيع اليد الحائلة بين المشتري وبين السلعة، فإذا ارتفع المانع بوجه وجب نقض البيع إذا لم يجر في خلال ذلك مظلمة على أحد المتابعين، بل السلعة كما هي على الحال الأول، وأما إذا حالت الأسواق فقد صارت كأنها غير السلعة للزيادة أو النقصان الحادث فيها، وأما البيع فلم يغيرها عن حالها الأول

فحكم ذلك مفترق. وذكر عن ابن القابسي أنه قال: إن الأسواق إذا حالت ثم رجعت لم ترجع إلى ذلك السوق بعينه وإنما رجعت إلى سوق مثله، وإذا باعها ثم رجعت إلي فقد عادت على الملك بنفسه. م وقول أشهب أن حوالة الأسواق والبيع سواء هو أقيس وبالله التوفيق. وقال بعض شيوخنا القرويين: كان ينبغي على قول أشهب إذا ردت ليه بعيب أن ترد لأن البيع الذي كان قد انتفض وكأنه لم يكن؛ لن الرد بالعيب نقض بيع، ولكنه لما كان لو أقيم عليه حين باع لم يقدر على الرد ولزمته القيمة لم يكن له بعد ذلك سبيل إلى الرد. قال: ويلزم على قياس قوله لو بعث بها إلى موضع أو سافر هو بها ثم قدم أو مرض العين المشتري ثم صح أو دخله عيب ثم زال أن لا يرد؛ لأنه قد مر به وقت لا يقدر على رده، وأعاب قول ابن القاسم إذا باعه ثم اشتراه أن له رده إذا لم يتغير سوقه. قال: وكيف ذلك وقد افاته من يده ببيع صحيح، واشتراؤه لا ينقض بيعه؛ لأن عهدته على هذا البائع منه؛ ولأنه لو اشتراه بأقل مما باعه منه ثم رده بالبيع الفاسد لم يكن للبائع منه أن يرجع عليه بتمام ثمنه، وفي مسألة العيب يرجع عليه بتمام

ثمنه لانتقاض البيع أولاً ترى أنهم قالوا فيمن/ اشترى عبدًا بثمن إلى أجل ثم باعه من آخر بثمن نقدًا ثم اشتراه منه ثم فليس المشتري لم يكن البائع الأول أحق به؛ لأن هذه عهدة كان خرج منها بالبيع ثم بالشراء، فإذا لم يجعل البائع الأول أحق به في التفليس، لاختلاف العهدة فينبغي أن لا يرده في البيع الفاسد على البائع منه إذا باعه بيعًا صحيحًا ثم رجع إليه ببيع آخر؛ لأن هذه عهدة غير الأولى. م وإنما قال ابن القاسم في الهبة للثواب إذا باعها الموهوب قيل أن يثيب عليها ثم رجعت إليه، أن القيمة قد لزمته، وفرق بينها وبين مسألة البيع الفاسد من أجل أن الموهوب له أن يلتزم الهبة بقيمتها وإن لم تفت، فلما بسط يده فيها بالبيع كان ذلك اختيارًا منه للقيمة، والبيع الفاسد هما مغلوبان على فسخه، فإذا رجعت إليه فسخ للتهمة على إجازته إلا يكون قد تراجعا إلى القيمة أو فاتت بشيء من وجوه الفوت فلا ترد وإن رجعت غليه. قال في كتاب التدليس: ورهن العبد في البيع الفاسد وإجارته فوت إلا أن يقدر على افتكاكه من الراهن لملائه او يقدر على فسخ الإجازة، وقال أشهب: إذا رهنه فقد لزمته القيمة. قال ابن المواز: ومن اتباع حليًا بيعًا فاسدًا، فإن كان جزافًا فاتته حوالة الأسواق وليرد قيمته، وإن كان على الوزن لم يفيته ذلك ورد مثله.

فصل [5 - فيمن باع دارًا بيعًا حرامًا ثم علم البائع بفساد البيع] ومن العتبية: قال ابن القاسم: فيمن باع دارًا بيعًا حرامًا ثم علم البائع بفساد البيع فيقوم على المشتري ليفسخه قبل فواتها فيفوت المبتاع الدار حينذ بصدقة أو بيع أو يكون عبدًا فيعتقه بعد قيام البائع، فأما الصدقة والبيع فليس بجائز بعد قيام البائع وأما العتق فأراه فوتًا لحرمته. فصل [6 - في بيع جارية بجاريتين غير موصوفتين وفوات الجارية بعيب ونحوه] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا يجوز أن يبتاع جارية بجاريتين غير موصوفتين ويرد ذلك، فغن فاتت الجارية عندك بعيب أو نقص سوق لزمتك قيمتها يوم القبض، وليس لبائعها منك أخذها مع ما نقصها، ولا أخذها بغير شيء تأخذه لنقصها، كما ليس لك ردها عليه مع ما نقصها من عيب ولا بعد زيادتها في سوق أو بدون إذا لم يقبلها البائع الأول إلا أن يجتمعا في جميع ما ذكرنا. قال ابن المواز: وبعد معرفتهما بالقيمة التي لزمت المبتاع بتغيرها. قال بعض شيوخنا: إنما يصح هذا إذا كانت الجارية وخشا لا تتواضع فأما التي فيها المواضعة فلا يجواز تراضيهما فيها بما وصفنا؛ لأن القيمة دين على المشتري؛ اخذ البائع فيها جارية فيها مواضعة، فهو فسخ الدين في الدين.

[فصل 7 - في فوات الجارية بالولادة وبيع السلعة إلى أجل مجهول] ومن المدونة: ولو ولدت هذه الجارية عند المشتري فذلك فوت، وكذلك قال مالك: إذا ولدت الجارية في البيع الحرام فهو فوت، ثم إن مات الولد فليس له ردها كانت من المرتفعات أو من الوخش؛ لأن القيمة قد وجبت وليس ما ذكرنا من حوالة سوق أو بدن أو ولادة يفيت الرد بالعيب في البيع الصحيح، وإن كان عيبًا مفسدًا ردها وما نقصها ولا شيء عليه في العيب الخفيف ولا يفيت ردها. والفرق أن بيع الحرام دخل فيه المتبايعان بمعنى واحد فليس للمبتاع رده في النقص كما ليس للبائع أخذه في الزيادة، والعيب في البيع الصحيح سببه من عند البائع خاصة، فالحجة للمبتاع في الرد. قال مالك: ولا يجوز بيع سلعة بثمن إلى أجل مجهول، فإن نزل لم يكن للبائع تعجيل النقد لإجازة البيع؛ لأنه عقد فاسد وللبائع أخذها أو قيمتها في الفوت. [قال] محمد: وإذا حال سوق/ السلعة أو تغيرت بيد البائع وهي حيوان أو عرض ثم قبضها المبتاع وفاتت عنده فإنما عليه قيمتها يوم قبضها، وقال أشهب: إلا أن يكون نقد ثمنها ومكن من قبضها فتركها فعليه قيمتها يوم مكن من قبضها أو نقد ثمنها. وإذا كان في الأمة مواضعة فإنما يلزم المبتاع قيمتها بعد الاستبراء وكذلك تعتبر قيمتها في البيع الصحيح ترد فيه بعيب وقد فاتت بيد المبتاع بعيب مفسد، فإنما

يغرم قيمتها يوم خرجت من الاستبراء، لأنه من يومئذ ضمنها وإن لم يقبضها في البيع الصحيح، وأما في البيع الفاسد فيوم قبضها وبعد خروجها من الاستبراء. قال بعض القرويين: فإذا وجبت القيمة في البيع الفاسد، فأجرة المقوم في ذلك إن كان لا يقوم إلا بأجرة عليهما جميعًا؛ لأنهما دخل في البيع بمعنى واحد.

[الباب الثاني] ما يحل ويحرم من بيع التمر والقرط والقصيل واشتراط خلفته

[الباب الثاني] ما يحل ويحرم من بيع التمر والقرط والقصيل واشتراط خلفته [الفصل 1 - في بيع الثمار قبل بدو صلاحها] ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها وحتى تزهي، قيل وما تزهي يا رسول الله، قال (حتى تحمر) وقال: (لايباع الحب في سنبله حتى يبيض). قال ابن القاسم: وحد ذلك في الحب غناه عن الماء حتى لا ينفعه السقي، وقيل حده: أن يفرك، ولم يأخذ مالك به، وهذا موعب في كتاب السلم. قال عبد الوهاب: بيع الثمار قبل بدو صلاحها على ثلاثة أوجه: على الجد أو على التبقية أو مطلقًا لا شرط فيه، فأما على الجد فيجوز بإجماع. وأما على التبقية فلا يجوز بإجماع، وأما مطلقًا فلا يجوز عندنا خلافًا لأبي حنيفة.

ودليلنا: قوله تعالى} وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا {[البقرة: 275]، ونهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها والعنب حتى يسود والحب حتى يشتد، والنهي يقتضي فساد البيع، قال: وبيع الثمار بعد بدو صلاحها على هذه الثلاثة الأوجه جائز، وقال أبو حنيفة لا يجوز بيعها على التبقية. ودليلنا قوله تعال} وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا {ونهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، فأطلق، ولأن بيعها مطلقًا جائز باتفاق، وهو معرض للتبقية. ودليله قوله صلى الله عليه وسلم (أرأيت أن منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه) ومنع الثمرة ذهابها بجائحة وذلك إنما يتقى باستدامة تبقيتها. ومن الواضحة قال ابن حبيب: وثمر النخل يكون سبع درجات، فأوله طلع ثم ينفلح الجف عنه ويبيض فيكون إغريضًا ثم يذهب عنه بياض الإغريض

ويعظم حبه وتعلوه خضرة فيكون بلحًا ثم تعلو الخضرة حمرة وهو الزهو ثم يصير صفرة فيكون بسرًا ثم تعلو الصفرة دكنة ويلين ويستنضج فيكون رطبًا ثم ييبس فيكون تمرًا. وقوله صلى الله عليه وسلم حتى تزهي وحتى يبدو صلاحها وحتى تنجو من العاهة كله بمعنى واحد، وقول زيد حتى تطلع الثريا؛ لأنها تطلع في نصف مايو وهو وقت تؤمن العاهات على الثمار وتحمر وتصفر. ومن كتاب ابن المواز: وإذا أزهى في الحائط نخلة أو دالية بيع جميع ذلك ما لم تكن باكورة. قال مالك: وإذا عجل زهو الحائط جاز بيعه. وإذا أزهت الحوائط حوله ولم يزه هو جاز بيعه. [قال] ابن القاسم: وأحب إلي حتى يزهو هو. [قال] ابن حبيب: وقاله مطرف وهو أحب إلي، والأول القياس؛ لأنه لو ملك ما حواله جاز بيعها بازهاء بعضها إلا أن يتفاحش تباعد بعضها من بعض.

ومن المدونة: قال مالك: ومن اشترى/ تمرًا لم يزه - يريد على أن يجده فجده قبل إزهائه - فالبيع جائز إذا لم يكن شرط تركه إلى إزهائه، وإن اشتراه قبل بدو صلاحه فتركه حتى أرطب أو أتمر فيجده، فليرد قيمة الرطب يوم جده، يريد ولو كان قائمًا لرده بعينه، ولو فات، والإبان قائم وعلم وزنه أو كيله رد مثله. قال ابن القاسم: ويرد مكيلة التمر إن جده تمرًا - يريد إذا فات ذلك عنده أيضاَ - وإن كان قائمًا رده بعينه. قال أبو محمد: انظر قد قال ابن المواز في جزاف الطعام إنما عليه قيمته إن حال سوقه، ولم يقل إن عرف المكيلة أدى المكيلة. م والذي جرى هاهنا إن عرف المكيلة ردها، وأصل بيعه جزاف، فلعله يريد إنما تكون عليه قيمته إذا فاتت عينه ولم يعد كيله، وأما لو علم كيله فليرد مثل المكيلة ولا يكون اختلاف قول، ورد المكيلة أعدل والله أعلم. قال في غير المدونة: وسواء تركه بهرب أو لدد أو غير ذلك حتى أرطب أو أتمر، فإنه لا يجوز ويفسخ ويرد قيمة الرطب أو مكيلة التمر كما ذكرنا. م وقيل غير هذا إذا تعمد بتركه أن يحرم ذلك ويلزمه.

فصل [2 - فيمن ابتاع نخلاً وفيها ثمر مأبور من اشترى ثمرًا قبل بدو صلاحه على الجد ثم اشترى الأصل] ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع نخلاً وفيها ثمر مأبور فله شراء ثمرها بعد ذلك، واختلف فيه قول مالك، وفي شراء مال العبد بعد الصفقة. قال مالك: ولو اشترى الثمرة أو زرعًا قبل أن يبدو صلاحه على الجد أو القصل، ثم اشترى الأصل أو الأرض بعده، فله أن يقر ذلك، ولو عقد البيع الأول على أن يقره ثم اشترى الأصل فالبيع فاسد - يريد ويثبت شراء الأصل - ثم أن اشترى ذلك قبل طيبه فذلك له، وقال كله ابن القاسم في العتبية وزاد: ولو اشترى الثمرة على الفساد ثم ورث الأصل من البائع فلا بأس أن يقر ذلك. م ولو كان إنما اشترى الثمرة أو الزرع قبل الإبار على أن يقره ثم اشترى الأصل أو الأرض بعد ذلك قبل الإبار فليفسخ البيع الأول والثاني؛ لأنه يصير كأنه اشترى الأصل، واستثنى البائع الثمرة قبل الإبار ولو لم تفسخ البيعتان حتى أزهت الثمرة وقد قبضها المشتري مع الأصل فالثمرة للمشترى ويكون عليه قيمتها يوم قبض الأصل ويرد الأصل إلى ربه، ولو اشترى الأصل بعد الإبار فليفسخ بيع الثمرة وترجع إلى ربها ويثبت بيع الأصل، ولو لم يفسخ حتى أزهت في شجر المشتري فهي للمشتري ويكون عليه قيمتها يوم اشترى الأصل على الرجاء والخوف، ولو كان إنما اشترى الأصل بعد زهو الثمرة في شجر البائع، فالثمرة للبائع وعليه للمشتري أجر علاجه.

واختلف إن جدها المشتري هل له أجر جداده أم لا؟ [قال] ابن حبيب: إذا اشترى الثمرة أو الزرع قبل بدو صلاحه على القطع ثم اشترى الأرض فأقره فيها ثم استحقت الأرض قبل استحصاده أو بعد، فإنه يفسخ البيع في الثمرة وإن وجدت وفي الزرع وإن حصد، كمن ابتاعه على الجد ثم أخره حتى طاب. ولو ابتاع الأرض بزرعها في صفقة ثم استحقت الأرض خاصة قبل استحصاده انفسخ فيه البيع، وإن كان بعد استحصاده تم فيه البيع وهو للمبتاع، وكذلك في الثمرة في استحقاق الأصل. وقد قال ابن الحبيب في الدار المكنزاة فيها شجرة يستثنى المكنزاة ثمرها وهو تبع للكراء ثم تستحق الدار إلا موضع الشجرة، أن الثمرة ترد، طابت أو لم تطب؛ لأنه ضمها إلى غير ملكة. فهذا من قوله يناقض قوله في الأرض تستحق خاصة بعد طياب الثمرة؛ لأنه قال الثمرة للمبتاع فقد تناقض. م قال بعض شيوخنا القرويين: إذا اشترى الثمرة قبل بدو صلاحها على/ البقاء، فأبقاها حتى أثمرت فضمانها من البائع ما دامت في رؤوس النخل، وإن كان

البائع قد مكنه من قبضها عند ابن القاسم، وينبغي على مذهب أشهب أن يضمنها المشتري، ولابن القاسم مثله. قال: وإذا فسخ البيع وردت إلى البائع، كان عليه أجر ما سقى المشتري وعالج، وأجر الجداد إن جد، إذ لا يصل البائع إليها إلا بذلك. قال: ويمكن أن يجري في ذلك اختلافهم في من اشترى ابقا فجعل فيه جعلاً وفسخ البيع ورد على بائعه، ففي كتاب ابن الوزان أن البائع يغرم الجعل، وفي المستخرجة لا يرغم شيئًا لأن الطلب إنما وقع لنفسه، والجداد والسقي أيضًا إنما فعلهما لنفسه. م وذكر عن أبي القاسم ابن الكتاب أنه قال: إذا اشتراها على البقاء فجدها المشتري قبل بدو صلاحها فعليه للبائع قيمه الثمرة يوم جده بخلاف من استهلك لرجل زرعًا قبل بدو صلاحه، هذا يغرم قيمته على الرجاء والخوف، والفرق أن مشتري الثمرة ربها هو الذي أطلق يده عليها فكأنه أذن له في ذلك، وأيضًا فغن البيع الفاسد أن يضمن المبتاع ما وضع يده عليه يوم وضعها، ألا ترى أن ضمناها قبل الجداد من البائع حتى يجدها، هذا يضمن بجداده، والمتعدي استهلك ما لم يؤذن له فيه. وقال بعض القرويين أن عليه قيمتها على الرجاء والخوف؛ لأن البائع إنما باعها على البقاء، فصار المشتري كالمتعدي. م وأنا أقول إن اشترط عليه البائع البقاء؛ لأن قطعها قبل صلاحها يضر بشجره، فجدها قبل بدو صلاحها أن عليه قيمتها على الرجاء والخوف؛ لأنه متعد

في ذلك، وإن كان المشتري اشترط بقاءها في الشجر لانتفاعه بطيابها، فعليه قيمتها يوم جدها؛ لأن شرط البقاء غنما كان لحاجته، والبائع قد أطلق يده فيها. فصل [3 - في بيع الأصول بثمرها والأرض بزرعها] ومن كتاب ابن المواز والواضحة قال مالك: إذا أبر أكثر الحائط فالثمرة للبائع وإن أبر أقلها فالثمرة كلها للمبتاع، وإن كان المأبور منتاصفًا أو قريبًا منه، فإن كان المأبور على حدة - قال في الواضحة في نخل دون نخل - فما أبر للبائع وما لم يؤبر فللمبتاع، وإن لم يكن ما أبر على حدته، قال فيس كتاب محمد: لم يجز إلا أن يكون ذلك للمشتري كله. قال في الواضحة: إذا كان ذلك عامًا في سائر النخل فذلك للبائع. وفي العتبية قال سحنون عن ابن القاسم: إذا أبر نصفها قيل للبائع أما أن تسلم جميع الثمرة وإلا فسخ البيع، وإن رضي المشتري بالتماسك بما لم يؤبر ورد ما أبر لم يجز. قال مالك في كتاب محمد: فإذا ألقحت شجر الرمان والعناب والفواكه كذلك فيها كالإبار، واللقاح: أن يثمر الشجر فيسقط منها ما يسقط ويثبت منها ما يثبت، وليس ذلك أن يورد، ولقاح القمح أن يسنبل [ويتحبب] وكذلك في المختصر.

وروى عنه أشهب إذا طلع [الزرع] من الأرض فهو للبائع وهو مذهب المدونة، وسقيه على من يكون له، وأما ما كان حرثًا وبذرًا فللمبتاع. [فصل 4 - في الصفقة تجمع حلالاً وحرامًا] ومن المدونة: قال ربيعه وغيره وإذا جمعت صفقة حلالاً وحرامًا فسد جميعها. قال: ومن البيع الحرام ما يدرك فينقض ومنه ما يفوت فلا ينقض إلا بظلم فيترك، قال الله تعالى} وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ {. [فصل 5 - في اشتراء القصيل والقرط واشتراط خلفته] قال مالك: واشتراء القصيل والقرط واشتراط خلفته إنما يجوز ذلك إذا بلغ أن يرعى أو يجز للعلف، ولم يكن في ذلك فساد، فيجوز شراؤه واشتراط الخلفة فيه إن كانت مأمونة لا تخلف، أو يشترط منه جزة أو جزتين إذا لم يشترط أن يتركه حتى يصير حبًا. قال ابن حبيب/ إنما يجوز اشتراط الخلفة في ذلك كله في بلد السقي لا في بلد المطر إذ ليست فيه بمأمونة، وإذا لم يشترط الخلفة، فإنما له الجزة الأولى، فإن

اشترطها فله ما اخلفت وإن كانت خلفة بعد خلفة كالبقول. ومن المدونة: قال مالك: وإن اشترط ترك القصيل حتى يصير حبًا لم يجز وفسخ البيع، فإن لم يشترط ولكن غلبه الحب في اشتراط الخلفة وقد جز أو رعى رأسه أو ما قل أو أكثر، قوم ما رعى أو جز بقدر تشاح الناس فيه في وقته. قال سحنون: فيعرف قيمته وقت الصفقة - يريد على أن يقبض في أوقاته - ويقوم ما كان يرجى من خلفته أو باقيها، ولا يقوم الحب ولا ينظر إلى غزر نبات أوله أو آخره, وإنما ينظر إلى قيمة القصيل في أوقاته كان أوله أغرر أو آخره فتجمع قيمة ما جز مع قيمة ما تحبب فإن كان قيمة ما تحبب قدر ثلث ذلك أو نصفه أو أقل أو أكثر، رد من الثمن بقدر ذلك قل الثمن أو كثر. [قال] ابن المواز: قال ابن القاسم في القصيل يجاح أن اشترى منه جزة واحدة فلا تقويم فيه وإن اشترط خلفته فإنه يقوم مثل ما ذكرنا في المقاثي وشبهها. يريد ابن القاسم وكذلك ما تحبب من القصيل في تقويمه وحسابه. قال ابن القاسم: ولو اشترى قصيلاً فاستغلاه فاستقال منه فلم يقله، فقال: لا تركته حتى يصير زرعًا، فليرفعه البائع إلى الإمام حتى يأمره بقصله، فإن تراخى حتاتحبب فلا بيع بينهما.

قال أصبغ: ولو قضى عليه الإمام ثم لم يقصله حتى تحبب أو تحبب وهما في الخصومة، فذلك سواء، وقد انتقض البيع. م إذا كان لا ينفعه القضاء، فما فائدة رفعه. م وقد قال مالك في كتاب محمد في قوم اشتروا قلادة من ذهب وفيها لؤلؤ على النقد فلم ينقدوا حتى فصلت وتقاوموا اللؤلؤ وباعوا الذهب، فلما وضعوا أرادوا نقض البيع لتأخير النقد. قال: لا ينتقض ذلك. وقاله ابن القاسم؛ لأنه إنما باع على النقد ولم يرض بتأخيرهم. وقال سحنون جيدة. فكذلك كان ينبغي في هذه المسألة؛ لأنه باع منه على أن يقصله، فإذا طالبه بقصله وبأن أنهما لم يتعاملا على التأخير، ينتقض البيع، وقد أوعبت الحجة في هذا في كتاب الصرف، فأغنى عن إعادتها. قال ابن القاسم في كتاب محمد: وما غلبه الحب فيه مما يشترط خلفته، فإنه ينتقض بيع باقيه ويرجع بحصته، كان يتعد من المشتري أو بتوان منه، ويقوم بحسب نفاقه في اختلاف أزمنته، فإن تقارب في ذلك كله - وفي الأكرية واللبن

والجوائح مما لا يرغب فيه لدهر دون دهر بالأمر البين - حمل على أنه متفق كله في المحاسبه. قال في العتبية: في القصيل يباع فيتحبب - يريد ولم يشترط الخلفة، قال: يعدل بالفدادين ويقلس فإن تحبب منه قدر الثلث أو الثلثين وضع بقدره وليس ذلك بالقيمة وإنما يقدر بالقياس والتحري. قيل: فإن بعضه أجود من بعض؟ قال: يقدر جودة ذلك من رداءته. م وقال بعض فقهائنا: إنما يقع التقويم إذا غلب الحب في الخلفة وقد جز الرأس كله، وأما إن غلب الحب في الرأس أو في بعضها فليس في ذلك تقويم؛ لأنه إن غلب في جميعه انتقض البيع ورجع بالثمن كله وإن غلب في نصفه سقط عنه نصف الثمن وفي ثلثه ثلث الثمن. م يريد لا ما تحبب انفسخ فيه البيع وفي خلفته، ورجع إلى البائع فوجب أن يرجع بحصته قليلاً كان أو كثيرًا بخلاف الجوائح في القليل؛ لأن ما أجيح قد ذهب ولم يحصل للبائع منه شيء، وهذا قد رجع إليه فافترقا. م وهذا الذي ذكره ظاهره خلاف ما تقدم لابن/ القاسم في العتبية وكتاب محمد والمدونة؛ لأن الذي يظهر من قولهم أنه إذا اشترط الخلفة فتحبب شيء من

الرأس والخلفة فلا بد من التقويم وإن لم يشترط الخلفة لم يكن تقويم كالجوائح في الوجهين. م والذي أرى إن كانت الخلفة مأمونة تنبت - وإن تحبب الرأس - فلا بد من التقويم تحبب بعض الرأس أو بعض الخلفة وإن كان إذا تحبب شيء من الرأس لم يخلف ما تحبب فلا تقويم فيما تحبب من الرأس؛ لأنه ينفسخ فيه البيع وفي خلفته، وإن تحببت الخلفة فلا بد من التقويم والله أعلم. فصل [6 - في اشتراء القصيل ونحوه واشتراط تركه إلى أن يبلغ] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومعنى قول مالك إذا لم يكن في ذلك فساد يريد إذا كان قبل أن يبلغ أن يرعى أو يحصد، قال: وإذا خرج القصيل من الأرض ولم يبلغ أن يرعى أو يحصد، لم يجز عند مالك شراؤه، ويشترط تركه حتى يبلغ أن يرعى أو يحصد. ولا يجوز شراء قصيل أو قرط أو قضب قد بلغ أن يرعى أو يحصد على أن يتركه مبتاعه حتى يتحبب أو يقضب أو يتركه شهرًا إلا أن يبدأ الآن في قصله فيتأخر شهرًا وهو قائم فيه، وأما تأخيره لزيادة نبات فلا يجوز، وليس كتأخير ما يشترى من تموه نخل أو تين بعد طيبه، إذا نمى يريد في الثمرة حلاوة ونضجًا وقد تناهى

عظمها، والقصيل يزيد نشوزًا، ومنه ما يسقى فيشترط سقيه شهريًا أو أكثر وهو كشراء شيء بعينه يقبض إلى أجل والجائحة فيه من البائع، ولو جاز ذلك لجاز شراؤه بقلاً على أن يترك يرعى أو طلعًا، ويترك حتى يصير بلحًا وإنما يجوز ذلك على القلع، وكذلك صوف الغنم لا يجوز اشتراط تركه إلى تناهيه. وإن ابتاع بقل الزرع على رعيه مكانه جاز، وإن اشترط سقيه إلى أن يصير قصيلاً لم يجز، وكذلك أن اشترى طلع نخل على أن يجدها جاز، ولو اشترط على رب النخل سقيها حتى تصير بلحًا فيجدها لم يجز، ويجوز لمن اشترى أول جزة من القصيل شراء خلفته بعد ذلك، ولا يجوز ذلك لغيره. م قال بعض أصحابنا: وإنما يجوز شراء الخلفة بعد الرأس إذا كان مشتري الرأس لم يجزه حتى اشترى الخلفة، وأما إن جز الرأس ثم أراد شراء الخلفة فهو وغيره سواء، لا يجوز له ذلك، لأنه غرر منفرد، والأول قد أضاف إلى الأصل فاستخف؛ لأنه في حين البيع تبع. [فصل 7 - في اشتراء ما تطعم المقثاة شهرًا وبيع النخل بعد زهو أوله وغير ذلك] ومن المدونة قال مالك ولا يجوز أن يشتري ما تطعم المقثاة شهرًا لاختلاف الحمل فيها في كثرة الجد وقلته.

قال أبو محمد: وإذا أزهى أوائل التمر وإن قل ما أزهى منه، جاز بيع 1 ذلك كله لتلاحقه. ومن الواضحة وغيرها لمالك: وكذلك لو أزهت في الحائط كله نخلاً أو كان جنانًا كله تينًا أو كرمًا إلا أن فيه أجناسًا من ذلك التمر أو من التين أو من العنب، فطاب جنس من ذلك أو بعضه فإنه يجوز بذلك بيع جميع الحائط، وإن كان فيه تين وعنب أو أجناس مختلفة فأزهى بعضها فلا يجوز إلا بيع الجنس الذي أزهى دون ما لم يزه من صنف غيره. قال ابن المواز: قال مالك: فيمن باع ثلاث مائة شجرة تين قد طابت وفيها خمس شجرات شتوية/ أنه لا خير فيه، وكذلك العنب، زأما زرع قد يبس بعضه، وفيه ما لم يبس مما لا خطب له، فلا بأس به. قال ابن حبيب: وإنما يجوز بيع القثاة والفقوص إذا بلغ، وذلك حين يؤكل فيوجد له طعم لا عند أول ظهوره، وأما البطيخ فليس كذلك، ولكن إذا نحا ناحية البطيخ بالإصفرار واللين والطياب والخربز والموز كذلك، فحينئذ يجوز بيعه مع بقية بطونه.

قال عبد الوهاب: يجوز بيع المقاثي والمباطخ إذا بد صلاح أولها ون لم يظهر ما بعده، خلافًا لأبي حنيفة والشافعي والدليل لقولنا قوله تعالى} وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ {، ولأن الغرر اليسير إذا دعت الحاجة إليه جاز البيع معه، ولو لم يجز البيع في مسألتنا لجملة المقثاة والمبطخة حتى يظهر جميعًا، لأدى ذلك إلى فساد أولها، ولو أفرد البيع فيما بد صلاحه لأدى ذلك إلى اختلاط ما ظهر بما لم يظهر؛ لأن خروجه متتابع فشق التمييز بينهما فجاز بيعه لهذا، وكذلك الورد والياسمين كالمقاثي وأما الموز فلا بد فيه من ضرب الأجل، أو يشتري بطونًا معلومة وكذلك القرط والقضب. قال: ويجوز بيع الزرع إذا يبس واستغنى عن الماء خلافًا للشافعي، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع السنبل حتى يبيض، وروي عن بيع الزرع حتى يبيض. قال: ويجوز بيع الجوز واللوز والباقلاء في قشرة الأعلى، وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجوز.

دليلنا قوله تعالى} وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275] ولأنه مأكول في أكمامه من أصل الخلقة، فجاز بيعه كالرمان ولأن الضرورة تؤدي إلى ذلك، وبالناس حاجة إلى بيعه رطبًا وفي نزع قشره فساد له فجاز بيعه كذلك. قال ابن حبيب: ويجوز بيع الزيتون إذا أسود ونحا ناحية الإسوداد. قال غيره: وأما ما يطعم بطونًا متوالية فيجوز بيعه بطيب أول بطن منه، وبيع باقي البطون. فإن قيل: إن الثمرة إنما تزيد منها حلاوة ونضجًا وهذا بطن بعد بطن؟ قيل: ذلك كاتصال خروج لبن الظنر، يحدث كل حين وقد أجاز الله الإجازة على ذلك، والإجازة بيع. م وكبيع لبن غنم معينة جرافًا شهرًا، وأما بيع البيقر وهو الباكور عندنا بصقليه فلا يجوز بيع البطن الثاني منه بطيب الأول، لانقطاعه منه وتباعد ما بينهما فهو بخلاف المتصل.

[الباب الثالث] ما يحل ويحرم من شرطين في بيع وهو من بيعتين في بيعه وفي مجهلة الثمن وشرط العتق والتدبير وفي اتخاذ أم ولد

[الباب الثالث] ما يحل ويحرم من شرطين في بيع وهو من بيعتين في بيعه وفي مجهلة الثمن وشرط العتق والتدبير وفي اتخاذ أم ولد [الفصلٍ 1 - في النهي عن بيعتين في بيعه] ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعه، قال مالك: وهو أن يشتري الرجل سلعة بدينار أو بشاة أو يشتريها بعشرة دنانير نقدًا أو بخمسة عشر إلى أجل، وقد وجبت للمشتري بأحد الثمنين إلزامًا فلم يجز، لأنه أن أخذها بخمسة عشر إلى أجل، فكأنه فسخ العشرة التي كان له أن يأخذها بها في هذه الخمسة عشر إلى أجل، ,عن أخذها بالعشرة النقد فكأنه دفعها إلى الخمسة عشر إلى أجل؛ لأنه كان له أن يأخذها بذلك. قال مالك: ولا يجوز على أنها إلى شهر بدينار أو إلى شهرين بدينارين على الإلزام لهما أو لأحدهما. قال ابن القاسم: وليس للمبتاع تعجيل النقد لأجازة البيع؛ لأنه عقد فاسد، قال مالك: وإن كان على غير إلزام جاز.

قال بعض أصحابنا: وإذا وقع البيع على الإلزام دخله الغرر/ على كل حال والربا في وجه، وذلك إذا كان أحد الثمنين لا يجوز فسخه في الآخر كدينار في اثنين أو في دراهم، فهذا ربا وغرر، وإذا كان بدينار وثوب نحوه فذلك غرر، وكله غير جائز. فصل [2 - في الجهالة في الثمن أو في السلعة] ولا يجوز شراء السلعة بمائة مثقال من ذهب وفضة لا يسمي كم من هذا وهذا. لأنه غرر، وكذلك لا يجوز شراء سلعة بمائة دينار وشراء أخرى بخيار صفقة واحدة، وكذلك لا يجوز شراؤها بمائة دينار وتحلة اليمين الا أن يسموا كم تحلة اليمين فيجوز.

فصل [3 - في الرجل يبتاع العبد على أن يعتقه] قال مالك: ومن اشترى عبدًا على تعجيل العتق جاز ذلك، قال ابن القاسم: لأن البائع تعجل الشرط بما وضع من الثمن فلم يقع فيه غرر وإنما الغرر لو كان عتقًا مؤجلاً أو تدبيرًا الخوف أن يموت العبد قبل أن يلحقه ذلك. م حكي عن بعض فقهاء القيروان أنه قال: لم يذكر في هذه المسألة هل نقد الثمن أو لم ينقده، فإن كان معناه أنه نقد وأنه يعتقه على التراخي إن أراد أن يردوه فينبغي أن لا يجوز هذا البيع؛ لأن النقد يصير تارة سلفًا وإن كان لا ينقده وقد فهم القدر الذي يدبر رأيه فيه وذلك يسير، فالبيع جائز وإن كان معناه أنه يعتقه للوقت وبالقرب فهذا أيضًا جائز. قال: وفي قولهم ما يدل على خلاف هذا؛ لآنه قال: إن مات بالفور لم يكن للبائع رجوع على المشتري بشيء، فمفهوم هذا أنه على التراخي بالعتق. قال: وإن دخله عيب فالبائع مخير أن شاء أن يرده ولا شيء له من أجل العيب، وإن شاء أمضاه بالثمن، وإن قام مثل الشهر ونحوه وفات بعيب، فإن للبائع الرجوع بما نقص من جهة العتق وإن طال الزمان مثل السنة وشبهها فلا قيام للبائع على المشتري أن لم يفت، ويعد ذلك منه رضي بطرح الشرط، فهذا الكلام يدل على النقد وعلى التراخي في العتق، وهذا في القياس يوجب فساد البيع إلا أن يتأول متأول أن الأمر وقع على التعجيل ثم تأخر الأمر.

م وعلى هذا كان الأمر عندنا، وعليه يدل الكتاب أن المبتاع اشتراه على تعجيل العتق، ألا ترى احتجاج ابن القاسم، قال: لأن البائع تعجل الشرط بما وضع من الثمن فلم يقع فيه غرر وإنما التراخي وقع من المشتري، أو لا ترى أن أشهب يلزمه تعجيل العتق وهو أول قول مالك، ولا يمكن أن يجب عليه العتق إلا أنه اشترط عليه تعجيله، فعلى هذا محمل المسألة والله أعلم. قال مالك: فإن أبى أن يعتق فإن كان اشترى على إيجاب العتق لزمه العتق، وإن لم يكن على الإيجاب لم يلزمه. قال ابن القاسم: ويكون للبائع أن يدع العتق ويسلمه إلى مبتاعه بلا شرط أو يرد البيع ويأخذه ما لم يفت، فإن رد البيع بعد إن فات بغير العتق فله القيمة. يريد له الأكثر من القيمة أو الثمن. قال ابن القاسم في كتاب محمد والعتيبة: وحوالة الأسواق فأعلى فيه فوت يوجب له ما نقص من الثمن للشرط. قال أصبغ في العتيبة: وإذا غرم المبتاع ما نقص من الثمن فلا عتق عليه وليصنع به ما شاء، وذلك في فواته بعيب مفسد أو نقص فاحش أو زيادة بيئة، فأما بحوالة سوق أو ما خف من زيادة البدن أو نقص فالمبتاع مخير، أما أن يعتق ولا شيء للبائع أو يرده إلا أن يترك البائع شرطه أو يكون اشتراه على إيجاب العتق.

قال بعض الفقهاء: والصواب أن حوالة الأسواق لا تفيته لأنه بيع جائز وإنما بقيت حوالة الأسواق البياعات الفاسدة أو المكروهة، ومثل الكذب في المرابحة وشبه ذلك فوت، فأما بياعات الشروط الجائزة فلا، وكذلك قال ابن أبي زمنين أنه لا يفيته إلا العيوب المفسدة، والنقص والزيادة البينة، أما التغير الخفيف وحوالة الأسواق فلا، والمشتري بالخيار أما أن يعتق أو يرد إلا أن يشاء البائع إنفاذه له بالثمن الأول، فيلزمه البيع. قال: وإن فات بموت فليرجع عليه البائع بما وضع له من الثمن إن وضع له شيئًا، وإن لم يضع له شيئًا أو قارب القيمة فلا شئ له، وهذا إذا فرط المشتري في العتق حتى تطاول، وإن لم يفرط ولم يطل ومات في فور البيع وما يكون في مثله النظر فلا شيء على المشتري للبائع مما نقص بشرط العتق. وحكى لنا عن بعض شيوخنا القرويين أن أصبغ بقول في المشترط عليه أن يتخذ الأمة أم ولد أن حوالة السواق لا تفيتها. قال: وفي هذا الكتاب ما يدل على أن ذلك يفيتها وهي مسألة البيع والسلف؛ لأن السلف إذا أسقطه مشترطه تم البيع، كإسقاط شرط الاتخاذ فهي مثلها بقيتها حوالة الأسواق والله أعلم. وقال أشهب في المدونة: إذا اشتري عبدًا على أن يعتقه فله أخذه بذلك ويلزمه العتق.

قال ابن المواز: كان مالك يقول: إذا اشتراه على أن يعتقه فليعتق عليه ثم رجع فقال: لا يعتق عليه إلا أن يشتريه على الإيجاب، والإيجاب أن يشتريه على أنه حر، فهذا يلزمه العتق ولا خيار له فيه ولا رجوع. [فصل 4 - في الرجل يبتاع الجارية على أن يعتقها أو يديرها أو يتخذها أم ولد] قال مالك فيه وفي العتيبة: ومن باع أمة على أن يعتقها فحبسها يطأها ويستخدمها ثم أعتقها بعد ذلك فللبائع أن يرجع عليه بما وضع له من الثمن، وكذلك إن حبسها حتى ماتت أو مات، فإن كان ذلك بعلم البائع ورضاه فلا شي له وقد سقط شرط العتق، ولو قام عليه حين علم فله ردها أو تركها بلا شرط. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وأما إن ابتاعها على أن يعتقها إلى أجل أو يدبرها أو يتخذها أم ولد لم يجز للغرر بموت السيد أو الأمة قبل تمام ذلك، ولحدوث دين يرد التدبير، فإن فاتت المشترط فيها أن تتخذ أم ولد بولد أو عتق أو فاتت المشترط فيها التدبير أو العتق المؤجل بذلك أو غيره فللبائع الأكثر من

قيمتها يوم قبضها أو الثمن، ولا حجة للمبتاع إن كانت القيمة أقل ولا يرجع على البائع بشيء؛ لأنه قد رضي أن يأخذها بذلك الثمن، وإنما الحجة هاهنا للبائع. ومن كتاب ابن المواز: وروى أشهب عن مالك أنه يفسخ في شرط الاتخاذ أو الخروج من البلد. قال مالك: ومن باع عبده ممن يدبره لم أحب ذلك، فإن نزل مضى ويرد إلى القيمة يوم قبضه إذا باعه على الإيجاب أنه مدبر. قال أصبغ: ولو كان على أن يدبره فليس بإيجاب، فإن أدرك قبل التدبير فسخ بيعه. قال ابن المواز: ولو أخذ مالاً من رجل على أن يدبر عبده فدبره فليرد المال وينفذ التدبير، وكذلك ما أخذ على الاتخاذ ثم اتخذ كما يرجع عليه إن لو باعها على ذلك يرجع عليه بما وضع له.

[فصل 5 - في الشروط المقارنة لعقد البيع] ومن المدونة: قال مالك ومن باع عبدًا على أن لا يبيع ولا يهب ولا يتصدق لم يجز - يريد إلا أن يطرح البائع شرطه - قاله في كتاب محمد، قال في المدونة: فإن فات بيدك رددت إلى القيمة - يريد الأكثر من الثمن أو القيمة - وقال عمر في الموطأ للذي ابتاع أمة من زوجته على أنه متى باعها كانت أحق بها بالثمن، (لا تقربها وفيها شرط لأحد). ومن العتيبة: قال ابن القاسم: فيمن باع أرضه أو جاريته ثم استقال مبتاعه، فقال: أخاف أنك إنما رغبت في ثمن فقال: لا، فقال أنا أقيلك على أنك إن بعتها فهي لي بالثمن الأول، فباعها بأكثر منه، فإن علم أنه إنما طلب الإقالة رغبة في الزيادة فهي للمقيل بالثمن الأول، وإن كان لغير ذلك قال في رواية أخرى: أو طال الزمان فبيعه نافذ، كالذي طلب من زوجته وضيعة من صداقها، فقالت أخاف أن تطلقني بعد، فقال: لا أفعل، فوضعته ثم طلقها، فإن كان بقرب ذلك فلها

الرجوع، وإن كان بعد طول الزمان بما لا يتهم فيه أن يكون خدعها فلا رجوع لها، ونحوه عن ابن كنانه. قال أبو محمد: وهذا خلاف ما في الموطأ الذي روى مالك عن عمر (لا تقربها وفيها شرط لأحد). وقال في المختصر فيمن باع داره على أنه متى ما باعها المبتاع فهو أحق بها بالثمن لا خير في ذلك. قال أبو محمد: والإقالة بيع. ومن العتيبة: قال عيسى عن ابن القاسم فيمن باع أمة حاملاً واستثنى جنينها، فذلك يفسخ، فإن فاتت بولادة أو حوالة سوق أو بدن ففيها القيمة يوم قبضت على غير استثناء، وإن قبض الجنين مستثتيه رد إلى المبتاع بحدثان ذلك، فإن فات عنده بشيء من الفوت، أو طول زمان ترك وكان له على المبتاع قيمة الأمة على غير استثناء وكان للمبتاع على البائع قيمة الجنين يوم قبضه ثم يتقاومان الجنين والأم أو يباعان من واحد ما لم يثغر الولد، واستثناؤه كاشترائه.

وكذلك من اشترى بعيرًا في شراده أو عبدًا في إباقه فطلبه وقبضه، فإنه يرد ما لم يفت بيده ولا شيء للمبتاع في طلبه إياه، فإن فات ودي قيمته يوم قبضه، قاله كله مالك إلا قبض مستثنى الجنين. وقال في كتاب ابن المواز يضمن القيمة في الآبق الذي قبضه وفات عنده ويطرح عنه من ذلك ما ودي في جعل من طلبه؛ لأنه لم يضمنه إلا بعد القبض. قال ابن حبيب في مسألة الأمة: واستثناء الجنين نحو ذلك؛ إلا أنه قال: إلا أن تلد بحدثان البيع ولم تفت بغير ذلك فلا تكون الولادة في هذا خاصة فوتًا، ويفسخ البيع وترد إلا أن تغيرها الولادة في بدنها. قال محمد بن أبي زمنين: من باع أمة واشترط على مشتريها أن لا يبيعها ولا يهبها أو على أن يتخذها أم ولد أو على أن لا يعزل عنها أو على أن لا يجيزها بحرًا ولا يبيعها ممن يجيزها أو على إن باعها فالبائع أحق بها بالثمن الذي باعها به أو بالثمن الذي يعطي بها، أو على أن لا يبيعها إلا في موضع سماه البائع أو ممن أحبت الجارية وما أشبه هذا من الشروط التي لا يملكها معها المشتري ملكًا تامًا، فكل ذلك مكروه أن يعقد به البيع في الأمة وإن لم يرد مشتريها وطؤها، ولم يكره هذه الشروط في الأمة من أجل وطنها فقط، ولكن لفساد عقد البيع بما كان في جارية أو عبد وغيره من لاحيوان والسلع والعروض والدور وجميع الأشياء، وكل هذا هو مذهب

مالك وطريقة فتياه، فإن وقع البيع على شيء من هذه الشروط، في جاريته أو غيرها، فعثر عليه قبل فواته من يد مبتاعه بما يفوت به البيع الحرام من حوالة سوق فأعلى فالبائع مخير إن شاء نقض البيع أو وضع الشرط وأمضى البيع بغير شرط، فيمضي البيع على ما أحب المبتاع أو كره وإن فات بما ذكرت من وجوه الفوت رد إلى القيمة إلا أن تكون القيمة أقل من الثمن فلا ينقض البائع منه شيء، هكذا قال عبد الملك في جميع هذا وفي بعضه اختلاف. وقد روى عيسى عن ابن القاسم فيمن باع سلعة على أن المشتري إن باعها فهي للبائع بالثمن الذي يبيعها به أو على أن لا يبيعها إلا من / فلان أنه من البيوع الحرام، يفسخ متى علم به فإن فات فعليه القيمة بالغة ما بلغت. قال مالك: ولا بأس أن يشترط ألا يبيع ولا يهب حتى يقبض الثمن. قال محمد: وهذا في مثل الأجل القصير اليوم واليومين استحسان أيضًا، فأما ما طال أو إلى غير أجل فلا خير فيه؛ ولأنها لو كانت أمة لم يطأها قال مالك فيها: إذا كان لا يقدر أن ينهب ولا يبيع فلم يملكها ملكًا تامًا. قال ابن المواز: قال ابن القاسم: إذا اشترط في جميع السلع أن لا يبيع حتى يقبض الثمن فلا خير في هذا البيع.

وإن باع منه عبدًا بثمن إلى أجل وشرط أنه حر إن لم يقبضه عند الأجل فإنه لا يباع حتى يحل ويقضيه وإلا اعتق عليه، فإن حل وعليه دين محيط بماله رق والبائع أحق به من الغرماء. قال أبو إسحاق: كيف أجاز هذا البيع بهذا الشرط في عبده وقد صار المشتري غير قادر على بيعه حتى يقضي الثمن وهو يقول من باع عبدًا أو غيره على أن لا يبيعه حتى يقضي الثمن أن البيع فائد إلا أن يكون الثمن حالاً يقضيه إلى اليوم واليومين. ومن كتاب علي بن زياد: إذا اشترى عبدًا على أن لا يبيع ولا يهب حتى يدفع الثمن للبائع فالبيع جائز وهو بمنزلة الرهن إذا كان الثمن إلى أجل مسمى. وروى يحي بن يحي عن ابن القاسم فيمن ابتاع عبدًا في مرضه على أن يوصي بعتقه ففعل ثم مات ولم يحمله ثلثه، قال البيع غير جائز وما لحقه من العتق بالوصية فوت، ويرد إلى قيمته يوم البيع ويعتق منه ما حمل الثلث، ويرق ما بقي. ومن كتاب ابن حبيب. قال: ومن اشترى جارية على أن يتخذها أم ولد، فإن لم تلد منه فهي مدبرة، فعثر على ذلك بحدثان البيع لم يفسخ بيعها، وإن لم يضع بائعها الشرط؛ لأنها فاتت بالتدبير، ووجب تدبيرها بعقد الشراء، وكأنه ابتاعها على أنها مدبرة إلا أن يأتيها ما هو خير لها وهي الولادة، وللبائع قيمتها، ولا يجوز له وضع الشرط لأنه قد ثبت للجارية وله فضل ما وضع للشرط إن شاءه.

[الباب الرابع] في بيع الدين بالدين والسلعة بقيمتها أو على حكمها والآبق

[الباب الرابع] في بيع الدين بالدين والسلعة بقيمتها أو على حكمها والآبق والمعادن والإبل والبقر العوادي والبيع إلى الأجل المجهول أو الحصاد وبيع الحيتان في الماء والزيت فبل أن يعصر [الفصل 1 - في من له دين على آخر فهل له أن يأخذ في مقابله سلعة بعينها أو يكتري منه دابة ونحو ذلك] وقد تقدم في كتاب الآجال أن من له دين على رجل فأخذ به منه سلعة بعينها فليقبضها مكانه ولا يؤخره، ولا يأخذ بدينه سلعة بخيار أو أمة تتواضع، أو يكنزي منه دابته أو داره أو يأخذ به منه دارًا غالبة، ولو أخذ بدينه منه طعامًا فكثر كيله حتى غابت الشمس، فله أخذ البقية في غده لأنهما في عمل القبض. فصل [2 - في الرجل يبتاع السلعة بقيمتها أو على حكمه أو على حكم غيره وفي بيع الآبث والشارد وضمان ما فسد بيعه]. قال مالك: ولا يجوز شراء سلعة بعينها بقيمتها أو على حكمه أو على حكم البائع أو رضاه أو رضاء البائع أو على حكم غيرهما أو رضاه؛ لأنه غرر، ومن الغرر بيع عبد آبق أو جنين في بطن أمه أو بعير شارد، ولو كان الآبق قريب الغيبة ما جاز شراؤه ولا شراء ما ضل أو ند من بعير أو شاة إلا أن يدعي المبتاع معرفته بمكان عرفه

فيه، فيكون كبيع الغائب ويتواضعان الثمن، فإن ألفاه على ما يعرف تم البيع وإن تغير أو تلف كان من البائع وأخذ هذا ثمنه. يريد وهذا إذا علم أنه عند وجل في حياطته. وسأل حبيب سحنونًا عن الآبق يجعله الحاكم في السجن ليأتي مولاه فيأخذه، ومولاه ببلد آخر، فباعه مولاه وهو في السجن وهو بذلك عارف؟ قال: لا يجوز بيعه؛ لأن فيه خصومة، إذ لو جاء مولاه وهو في السجن لم يأخذه إلا ببينة، فقد باعه قبل أن يستحقه. ومن كتاب ابن سحنون كتب شجرة إلى سحنون فيمن اشترى عبدًا، وهو عارف بمكانه أو جاهل به ونقد ثمنه وأعتقه فكتب إليه نقد الثمن غير جائز وينزع

من البائع، وإن ظهر العبد فالعتق فيه جائز، ويرجع إلى القيمة فيه يوم ثبت فيه العتق؛ لأنه كأنه قبضه وفات عنده. ومن النوادر: وفي كتاب محمد: ولا أحب لرجل أن يشتري بعيرين مهملين في الرعي وقد رآهما المشتري، وذلك أنه لا يدري متى تؤخذان مثل إبل الأعراب المهملة في المهامه. قال أبو إسحاق: إنما كرهه للغرر؛ لأنه لا يقدر على أخذها فأشبهت الآبث، وإن قدر فلا يقدر إلا بعيب يدخلها لامتناعها ممن يريد أخذها. قال ابن القاسم: وكذلك المهارات والفلا الصغار بالبراري، وهو كبيع الآبق ومصيبتها من البائع. ومن المدونة: قال ابن القاسم وضمان ما ذكرنا فساد بيعه من آبق أو شارد أو جنين من البائع حتى يقبضه المبتاع فإذا قبضه رده إن لم يفت. قال في العتبية: ولا شيء للمبتاع في طلبه إياه. قال أبو محمد: لم لا يكون في طلبه شيء؟

قال في المدونة: فإن فات بعد أن قبضه بحوالة سوق فأعلى لزمه قيمته يوم قبضه. قال في كتاب ابن المواز: ويطرح عنه من ذلك ما ودي في جعل طلبه؛ لأنه لم يضمنه إلا بعد القبض. قال في المدونة: وكذلك الثمرة تباع قبل بدو صلاحها فمصيبتها ما دامت في رؤوس النخل من البائع، فإن جدها المبتاع فليردها بعينها، فإن باعها بعد أن جدها أو أكلها غرم مكيلتها - يريد إذا جدها تمرًا - وقد تقدم هذا. وفي سماع سحنون قال ابن القاسم في الرجل يشتري الزرع بعد ما طاب ويبس بثمن فاسد، فتصيبه عاهة فيتلف. قال: ضمانه من مشتريه؛ لأنه قابض له، وإن لم يحصده بخلاف أن لو اشتراه قبل بدو صلاحه على أن يتركه فيصاب بعد ما يبس فمصيبة هذا من بائعه؛ لأنه لم يكن قبض ما اشترى حتى يحصده. فصل [3 - في بيع غيران المعادن وتراب الذهب والفضة] قال مالك: ولا يجوز بيع غيران المعادن؛ لأن من أقطعت له إذا مات أقطعت لغيره ولم تورث عنه.

وقال أشهب: تورث. قال: وما ظهر من المعادن في أرض العرب التي أسلم عليها أهلها، أو بأرض المغرب فأمرها إلى الإمام يقطعها لمن رأى. قال: وكتب عمر بن عبد العزيز بقطع المعادن، زاد في كتاب ابن المواز: أن لا يعمل فيها أحد. قال ابن القاسم: وذلك رأيي؛ لأنه يجتمع فيها شرار الناس. قال مالك: ويجوز بيع تراب الذهب بالفضة وتراب الفضة بالذهب. قال: ومن عمل في المعدن فأدرك نيلاً لم يجز له بيع ذلك النيل؛ لأنه غرر لا يعلم دوامه، ولا ما تحت ما ظهر منه، وله منعه من الناس بخلاف فضل الماء ولم يأت في هذا ما جاء في منع فضل الماء.

قال: ولا يجوز من بيع المعدن ضريبة يوم ولا يومين؛ لأن ذلك خطر. فصل [4 - في بيع الدواب والمواشي] قال مالك: وإذا كان الدواب والمواشي تعدو في زرع الناس فأرى أن تغرب وتباع في بلد لا زرع فيه إلا أن يحيسها أربابها عن الناس. قال بعض أصحابنا الفقهاء: وعلى البائع أن يبين أنها تعدوا في زرع الناس؛ لأن مشتريها قد يبيعها في بلد فيه زرع فهو عيب لا بد من بيانه. قال: وإن باعها في بلاد فيها زرع لم يفسخ / بيعه ولكن إن منعها المشتري من ذلك وإلا بيعت عليه أيضًا. م لعله يريد إذا بين له أنها تعدوا في زرع الناس بليل أو نهار، وأما إن لم يبين له فهو عيب يردها به إذ قد يكلف بيعها فيخسر فيها. قال: وإذا عرف أنها تعدوا في زرع الناس وقدم إلى ربها في ذلك، فما أصابت بليل أو نهار ضمنه أربابها إن كان أكثر من قيمة رقابها، بخلاف جنايات العبيد؛

لأن هذه لا تعقل فكأن أربابها هم المفسدون لما أصابت إذ لم يمسكوها، وأما إن لم يقدم إلى أربابها فما أصابت بليل ضمه أربابها لأن عليهم حفظها بالليل، وما أصابت بالنهار فلا ضمان عليهم؛ لأن على أهل الحوائط حفظها بالنهار على ما جاء في الحديث، وذكر ابن سحنون أنه قال: الذي جاء في الحديث إنما ذلك في مثل المدينة؛ لأن حوائطهم محظرة. وأما السواحل وشبهها فيضمن أربابها ما أفسدت بليل أو نهار.

قال بعض أصحابنا: ولو كانت الزراع كثيرة ممتدة لا يقدر أربابها على حراستها لم يكن على أهل المواشي شيء. م ولو عكس هذا لكان أولى لأنهم إذا كان الأمر كذلك كان على أربابها أن لا يخرجوها إلا براع يرعاها. فصل [5 - في البيع إلى الأجل المجهول] قال مالك: ولا يجوز بيع سلعة بثمن إلى أجل مجهول فإن نزل لم يكن للمبتاع تعجيل النقد لإجازة البيع؛ لأنه عقد فاسد، وللبائع أخذها أو قيمتها في الفوت، وقد تقدم هذا. قال مالك: ولا بأس بالبيع إلى الحصاد أو الجداد أو إلى العصير أو إلى رفع جرون بئر زرنوق؛ لأنه أجل معروف. م الجرون جمع جرين وهو أندر التمر وبئر زرنوق موضع. قال مالك: وأما إلى العطاء أو خروج الرزق، فإن كان قائمًا معروفًا وقته فجائز، وكذلك إلى خروج المصدق، وأجاز النبي - صلى الله عليه وسلم - البيع إليه، وأجاز ابن عمر

البيع إلى العطاء، وقال ذلك كله جماعة من الفقهاء والتابعين وغيرهم. قال ابن القاسم: وإن كان النيروز والمهرجان وفصح النصارى وصومهم والميلاد وقتًا معروفًا فالبيع إليه جائز. قال مالك: وإذا وقع البيع إلى الحصاد فاختلف الحصاد في ذلك البلد، نظر إلى حصاد عظم البلد الذي تبايعا فيه، ولا ينظر إلى أوله ولا إلى آخره فيحل الحق حينئذٍ، ولا ينظر إلى غيرها من البلدان. قلت: فإن اختلف الحصاد في ذلك العام؟

قال: إنما أراد مالك إذا حل أجل الحصاد وعظمه، وإن لم يكن لهم حصاد في سنتهم تلك فقد بلغ الأجل محله. قال: وخروج الحاج أجل معروف إذا تبايعا إليه وهو أبين من الحصاد. ومن كتاب ابن المواز: ومن باع ثمرة حائطه على أن يوفيه الثمن أو شيئًا سماه إذا جد نصف الحائد أو ثلثه، وباقي الثمن إذا جد آخره لم أحب هذا ولكن يؤخره إلى فراغه أو إلى أجل مسمى، وأجاز ذلك أشهب. وقال ابن القاسم في العتبية: لا يجوز، كقول مالك فيه وقال مالك: ولا بأس ببيع أهل الأسواق على التقاضي وقد عرفوا قدر ذلك قدر الشهر أو ما عرفوه بينهم - يريد مما جرى بينهم -. قال مالك: وإن تأخر بعد ما عرف من وجه التقاضي أغرم ذلك. فصل [6 - بيع السمك في البرك والبحيرات ونحوها] ومن المدونة: قال مالك: وإذا كان في أرضك غدير أو بركة أو بحيرة فيها سمك فلا يعجبني بيع ما فيها من السمك، ولا يمنع من يصيد فيها ولا الشرب منها. قال أبو القاسم ابن الكاتب: إنما قال لا يمنع أربابها الناس منها؛ لأن الأرض ليست لهم، وإنما هم متولون لها، وإنما هي أرض مصر وهي أرض خراج السلطان، وأما لو كانت أرض إنسان وملكه فله منع الناس منها، ولا فرق بين ذلك وبين

جوابه فيما حفر في أرضه، أنه له منع مائه من الناس وله بيعه والله أعلم. وقال غيره من شيوخنا القرويين: إنما / لم يمنعوا الناس منها إذا كانوا لا يصيدون ذلك، إذ لا يجوز لهم بيعه؛ لأن بيعه غرر فلا يمنعوا الناس منه، كما قال في الكلأ إن احتاج إليه - يريد برعى أو بيع - فله منع الناس منه وإن لم يحتج إليه ولا وجد له ثمنًا، فليخل بين الناس وبينه، فكذلك برك الحيتان. فصل [7 - في بيع الزرع الذي قد استحصد والزيت قبل عصره] قال مالك: ولا بأس أن يشتري زرعًا قد استحصد كل قفيز بكذا نقدته الثمن أم لا، وإن كان يمكث في حصاده ودراسه وذروه إلى مثل عشرة أيام أو خمسة عشر يومًا فهذا قريب. وإن قلت لرجل اعصر زيتونك هذا، فقد أخذت منك زيته كل رطل بكذا، فإن كان خروج الزيت عن الناس معروفًا لا يختلف إذا عصر وكان الأمر فيه قريبًا كالزرع جاز وجاز النقد فيه، وإن كان مما يختلف لم يجز إلا أن يكون مخيرًا فيه ولا ينقده، ويكون عصره قريبًا إلى عشرة أيام ونحوها فلا بأس به. [قال] سحنون: وقال أشهب: بيع الزيت على الكيل إذا عرف وجه الزيت وكيله ونحوه فلا بأس به، وأما بالرطل فإن كان القسط يعرف كم فيه من رطل ولا يختلف فلا بأس به، وإن كان يختلف فلا خير فيه، لأنه لا يدري ما اشترى؛ لأن الكيل فيه معروف، والوزن مجهول.

وقال سحنون: ما أصل الزيت إلا الوزن. وفي كتاب الجعل: ولا يجوز شراء زيتون أو سمسم بعينه على أن على البائع عصره أو زرعًا قائمًا على أن على البائع حصاده ودراسه، وكأنه ابتاع منه ما يخرج من ذلك كله، وذلك مجهول، وأما قمحًا على أن يطحنه لك فاستخفه مالك بعد ان كرهه لأن خروجه معروف، وأما ثوبًا على أن يخيطه لك، أو نعلين على أن يحذوهما لك فلا بأس به، بخلاف غزل على أن ينسجه لك، وتفسير ذلك في كتاب الجعل. فصل [8 - في شراء الصبرة على أن فيها عددًا معينًا من الأرادب] وإن ابتعت صبرة على أن فيها مئة إردب بثمن نقدته جاز وكأنك ابتعت مئة من تلك الصبرة، فإن نقصت عنها يسيرًا أو وجدت أكثر من المئة لزمك ما أصبت بحصته من الثمن، ولم يكن لواحد منكما في ذلك خيار، وإن نقصت كثيرًا فأنت مخير في أخذ ما أصبت بحصته من الثمن أو رده، وإن أمرته أن يكيلها لك في غرائرك أو في غرائره، أو أمرته أن يرفعها وفارقته فزعم أنه فعل وأنها ضاعت، فإن صدقته في الكيل أو قامت له بينة، صدق في الضياع، وإن لم تصدقه في الكيل أو قلت له قد كلتها، ولكنك إنما وجدت فيها عشرين أو ثلاثين ولم تقم بينة لم يلزمك شيء ولا ما أقررت به من هذه التسمية لأنك كنت مخيرًا لكثرة النقص في الرضا بما أصبت أو تركه فهلك قبل أن يلزمك.

[الباب الخامس] في بيع العذرة وزبل الدواب وجلد الميتة وعظامها

[الباب الخامس] في بيع العذرة وزبل الدواب وجلد الميتة وعظامها وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - (لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها)، فدل أن كل ما حرم أكله حرم بيعه، وقال في الخمر (إن الذي حرم شربها حرم بيعها)، وأمر بطرح المانع من السمن تقع فيه الفأرة وأمر بالنقع بجلد الميتة. قال ابن القاسم: وكره مالك بيع العذرة وهي رجيع الناس ليزيل بها الزرع أو غيره. قال ابن القاسم في كتاب محمد: ولا بأس بأكل ما زبل به، وبلغني أن ابن / عمر كرهه، ولا أرى بأسًا.

وقال أشهب: أكره بيع وجيع بني آدم إلا لمن اضطر إليه والمبتاع أعذر من البائع. ومن المدونة: قلت فما قول مالك في زيل الدواب فقال: لم أسمع منه فيه شيئًا إلا أنه عنده نجس، وإنما كره العذرة لأنها نجس، فكذلك الزبل عنده، ولا أرى أنا ببيعه بأسًا. وقال أشهب: المبتاع في زبل الدواب أعذر من البائع، ولا بأس ببيع خثاء البقر، وبعر الغنم والإبل عند مالك؛ لأنه طاهر. قال مالك: ولا يجوز بيع ميتة ولا جلدها وإن دبغ، ولا يؤاجر به على طرحها؛ لأن ذلك بيع، ولا بأس أن يؤاجر به على طرحها؛ لأن ذلك بيع، ولا بأس أن يؤاجر على طرحها بالذهب والورق. ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم ومن باع جلود ميتة مدبوغة وابتاع بالثمن غنمًا فنمت ثم تاب فليتصدق بثمن الجلود لا بالغنم. قال عيسى: يرد الثمن إلى من ابتاع منه الجلود أو إلى ورثته، فإن لم يجدهم تصدق بذلك، فإن جاء الرجل خير بين أن يكون له ثواب الصدقة أو ثمن الجلود.

م وأجاز ابن وهب بيع جلود الميتة إذا دبغت، واحتج بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - (إذا دبغ الإهاب فقد طهر)، وحجة مالك أنه إنما طهر للانتفاع به - يؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - (هلا انتفعتم بجلدها) وقد اتفقنا أنه لا يجوز أكله، وإن دبغ فكذلك بيعه. م وقول ابن وهب أسعد بظاهر الحديث؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما قال (هلا انتفعتم بجلدها) فيما لم يدبغ، ثم قال (إذا دبغ الإهاب فقد طهر) فأفاد ذلك غير الانتفاع؛ لأن الانتفاع قد حصل منه وإن لم يدبغ الإهاب. ومن العتبية قال ابن القاسم: ولا بأس ببيع شعر الخنزير الوحشي كصوف الميتة. وقال أصبغ: ليس كصوف الميتة، بل كالميتة نفسها؛ لأنه حرام حيًا وميتًا، وتلك صوفها حل في الحياة.

ومن المدونة: ولا يطبخ بعظام الميتة أو يسخن بها ماء لعجين أو وضوء، قال ابن حبيب: ومن فعل ذلك جهلاً لم يحرم عليه أكل الطعام ولم ينجس الماء الذي سخن به. قال ابن القاسم في المدونة: ولو طبخ بها على طوب أو حجارة لجير لم أر بذلك بأسًا. قال ابن المواز: ولا يحمل الميتة إلى كلابه ولا بأس أن يأتي بكلابه إليها فيسلطهم عليها. وذكر عن أبي القاسم بن الكاتب أنه قال: مسألة الجير والطوب يطبخ بعظام الميتة تدل على خلاف قول محمد. قال: وقد أباح النبي - صلى الله عليه وسلم - الانتفاع بجلد الميتة وهي إنما تحمل ميتة ثم تطهر بعد الدباغ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (إذا دبغ الاهاب فقد طهر). وقال غيره من القرويين: إنما قال في الكتاب لو طبخ بها الجير والطوب لم أر بذلك بأسًا، فإنما قال: إن فعل ولم يقل له أن يفعل بديًا، لأن في ذلك إباحة حوز عظام الميتة ونقله وجمعه على وجه التمليك، وذلك غير جائز. قال: كما لا يجوز أن يحمل الميتة إلى كلابه وجائز أن يأتي بكلابه فيرسلهم عليها.

م والأول أبين. قال مالك: ولا أرى أن تشتري عظام الميتة ولا تباع ولا أنياب الفيل ولا بتحريها ولا يمشط بأمشاطها ولا يدهن بمداهنها. [قال] ابن المواز: وأجازه ربيعه وغيره، وفي كتاب الصلاة الحجة في ذلك.

[الباب السادس] في جمع الرجلين سلعتيهما في البيع، والبيع على حميل أو رهن معين

[الباب السادس] في جمع الرجلين سلعتيهما في البيع، والبيع على حميل أو رهن معين [الفصل 1 - في الرجلين يجمعان سلعتين لهما فيبيعانها صفقة واحدة] قال ابن القاسم: ولا يعجبني أن يجمع الرجلان سلعتيهما من البيع، فيبيعانها بثمن يسميانه؛ لأن كل واحد لا يدري بما باع ولا بما يطالب في الاستحقاق إلا بعد القيمة. قال أبو إسحاق: واختلف إذا نزل ما يكون فيه بعد الفوت والأشبه أن لا يجوز؛ لأن كل واحد باع سلعته بثمن لا يدري ما هو، والمشتري اشترى من كل واحد ما لا يدري ما هو، وإن عرف جملة الثمنين. وفي كتاب محمد: يفسخ هذا البيع، فإن فات مضى بالثمن، وقبض الرجلان الثمن على قيمة سلعة كل واحد منهما فاقتسماه على ذلك، وفي غير كتاب محمد ما يوجب أن القيمة مجردة لكل واحد منهما وهو الأشبه، وينبغي إذا لم يعلم المشتري وظن أنهم شركاء في السلعتين جميعًا أن لا يفسخ البيع؛ لأن الفساد من جهة أحد المتبايعين لا من جهتهما. وقد قيل في رجل باع عبدًا وثوبًا فاشترى ذلك رجلان على أن يكون لأحدهما العبد وللآخر الثوب أن ذلك إذا نزل مضى، ويكون العبد والثوب بينهما جميعًا، ذكرها في العتبية عن اشهب، وكان يجب على قوله أن يكون لكل واحد ما سمى، كما أجاز أن يجمع الرجلان سلعتيهما؛ لأن كل واحد باع ثوبه بما ينوبه من جملة الثمن،

كذلك ها هنا كل واحد اشترى ما شرط أنه له بما ينوبه من جملة الثمن، فإذا جاز على قول أشهب أن يجمع الرجلان سلعتيهما فيبيعانها جاز إذا استحق جل المبيع وهو على غير الأجزاء أن يتمسك بالبقية؛ لأنها من ثمن علم أصله. وكذلك أن أكريا هذا عبده، وهذا داره في صفقة هكذا، وأجازه كله أشهب، وقد كان ابن القاسم يجيزه. وإن باعهما على أن أحدهما حميل بالآخر لم يجز، وكأنه ابتاع من الملئ على أن يتحمل له بالمعدم فلا يصلح هذا. قال أبو القاسم بن الكاتب: لا يجوز على أن أحدهما بالآخر حميل باتفاق من ابن القاسم وأشهب، قال: لأنا نخاف من الدرك في إحدى السلعتين، فيصير اشترى من أحدهما على أن تحمل له بما دفع من الثمن إلى الآخر، ولو كانت السلعة بينهما فباعها على أن أحدهما بالآخر حميل، فقد اختلف في هذا فقيل إن ذلك جائز. وقيل لا يجوز، وهذا على أن يتحمل له بما دفع إلى شريكه من الثمن. وأما لو باع رجل من رجلين سلعة على أن كل واحد منهما حميل بصاحبه لجاز إذا استوت شركتهما. وقد أجاز ابن القاسم السلم إلى رجلين على أن كل واحد منهما حميل بصاحبه، وذلك لأنهما استويا جميعًا في الحمال، وفي جمع السلعتين إنما تقع الحمالة عند الاستحقاق، وقد يجوز أن يستحق ما باعه أحدهما دون ما باعه صاحبه.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكذلك فيمن اشترى منك سلعتك على أن تحملت له بمال، فهذا لا يجوز. يريد لأنه صار للحمالة ثمن، فكأنه باعه ما يساوي ثمانية بعشرة على أن يتحمل له، فوقع للحمالة ديناران. م ولو كانت السلعة أو السلعتان بين الرجلين نصفين فباعاها على أن أحدهما بالآخر حميل، جاز لأن الثمن بينهما على قدر أنصبائهما، فلم يزد أحدهما على أن تحمل له بالآخر فسلم من الحمالة بجعل. وسأل حبيب سحنونًا عن شريكين في سلعة، وكل أحدهما الآخر على بيع نصيبه منها فقال المشتري: لا أشتري منك إلا أن تضمن لي نصيب شريكك؟ قال: لا يجوز ذلك، وكأنه زاده في ثمن نصيبه على أن يضمن له عن شريكه. ومن العتيبة: قال ابن القاسم في شريكين في سلعة / أو أمة، يريدان بيعها، فأعطى أحدهما لصاحبه شيئًا على أن نتكون العهدة عليه. قال: هذا لا يجوز، والحمالة بجعل حرام، ويرد ما أخذ، وهو كأجنبي قال لبائع السلعة أعطني دينارًا على أن عهدة سلعتك عليّ من كل درك، قال أصبغ: وكأنه أخذ دينارًا ليضمن عشرة. فصل [2 - في البيع أو القرض على حميل أو رهن معين] ومن المدونة: قال ابن القاسم ومن باع أو أقرض على أن يأخذ فلانًا حميلاً

جاز إن رضي فلانًا وكان بحضرتهما أو قريب الغيبة ولم ينتقد من ثمن السلعة شيئًا، وإن كان بعيد الغيبة، فالبيع فاسد، ولو كان قريبًا فلم يرض لم يلزم بيع ولا قرض إلا أن يرضى البائع بتركه أو يرضيا جميعًا بحميل غيره، ولو كان ذلك خلعًا أو صلحًا على مال من دم عمد، فامتنع الكفيل، فالزوجة في عصمته وهو على حقه في الدم، وأما النكاح على هذا، فلا يجوز إذ لا خيار فيه، ولا يجوز على أنه إن لم يأت بالمهر إلى أجل كذا فلا نكاح بينهما، وأما البيع على هذا فأمضه وأبطل الشرط. قال: وإن بعته سلعة على أن يرهنك عبده الغائب جاز، وكما لو بعتها به، وتوقف السلعة الحاضرة حتى يقبض العبد الرهن الغائب، فإن هلك في غيبته فليس للمبتاع أن يرهنك سواه ليلزمك البيع، ولك رده إلا أن تشاء، كما ليس له أن يبدل ما رهنك بغيره؛ ولأنك إنما بعته على أن يسلم إليك رهنًا بعينه، فهو ما لم يصل إليك لا يكون رهنًا، وأنت مخير، وإذ لو فلس صاحب العبد الرهن والعبد غائب لم يكن لك قبضه، وتكون أسوة الغرماء؛ لأنه رهن غير مقبوض. م جوز البيع في الرهن الغائب ولم يجوزه في الحميل الغائب البعيد الغيبة، والفرق بينهما أن الحميل الغائب قد يرضى بالحمالة أو لا يرضى فهو كالبيع على خيار فلان، وهو بمكانب بعيد فلا يجوز، ورهن الغائب كبيعه، فكما جاز بيعه جاز رهنه، وتوقف السلعة كوقوف ثمن الغائب، وإذا هلكت السلعة قبل معرفة رأي

الحميل، فهي من البائع؛ لأنه كبيع الخيار، كما قال: لا يجوز النكاح على ذلك إذ لا خيار فيه. قال أبو محمد: وقال أشهب إذا باع منه على حمالة فلان أو على رهن عبده فلان وهما غائبان - يريد غيبة قريبة - فمات الحميل وهلك الرهن بعد البيع وقبل الرضا وقبل قبض العبد فالبيع ماض بلا حميل ولا رهن كما لو رضي الحميل أو قبض العبد الرهن ثم ماتا. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وأما إن هلك الرهن بيدك بعد أن قبضته فلا يكون لك سواه ولا رد البيع، ولا استعجال الثمن؛ لأن هذا بيع قد تم عقده قبل هلاك الرهن، وإن بعته على حميل أو رهن لم تصفاه جاز وعليه الثقة من رهن أو حميل. قال بعض فقهائنا: فإن هلك الرهن لم يلزمك رهن ثانيًا، وبحوزه إياه صار كالمعين، لأنه شرط أن يوثقه ففعل، فليس عليه غير ذلك، وليس كالراحلة غير المعينة تهلك فيجب عليه أن يأتي بغيرها؛ لأن الغرض في الكراء بلوغ المسافة التي شارطة عليها لا عين الراحلة فلا بد له من تبليغه. م وكذلك الغرض في الرهن غير المعين التوثقة إذا أعدم هذا بحقه عند محله أو موت أو تفليس يطرأ على الراهن فيجب عليه إذا مات بدله، وقد رأيت بعض مشايخنا ينحو إلى ذلك.

م وذكر لنا أن أبا موسى بن مناس قال ذلك كالراحلة غير المعينة وأنه إن هلك عليه أن يأتيه بمثله، وكذلك إن مات الحميل غير المعين عليه أن يأتيه بحميل غيره. قال: وإذا باعه بثمن مؤجل على أن يعطيه به حميلاً فلم يجد له حميلاً لأن الشمتري يسجن له إلى الأجل إلا أن يأتيه بحميل. قال: وهو بخلاف إذا باعه على رهن فلم يجد رهنًا؛ لأنه يقدر على اختبار ذمته بالسؤال والكشف عنها، ولا يقدر على علم من يتحمل له بالسؤال، والمشتري يعرف من يدخل له في الحمالة ومن لا يدخل فيهم في تركه، فلذلك يسجن له. ووكذلك إن باع على رهن معين فاستحق قبل أن يدفع، فبائع السلعة بالخيار إن شاء أمضى البيع بلا رهن وإن شاء / نقضه. قال عبد الملك: ولو كان دفع السلعة لاسترجعها، فإن فاتت بالعيوب المفسدة كان له أخذ قيمتها إن شاء، وإن شاء أجاز البيع إلى الأجل. وأما إن كان قبض الرهن ثم استحق فلا كلام له إلا أن يثبت أن المبتاع غره فيكون عليه رهن مثله. [قال] محمد: فإن لم يفعل رجع في سلعته إن كانت قائمة أو قيمتها إن كانت فائتة إلا أن يشاء البائع أن يجيز البيع بلا رهن.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: فإن شرطت أن يرهنك عبده فلانًا أجير على أن يدفعه إليك إن امتنع وليس هذا من الرهن الذي لم يقبض. وكذلك إن تكلفت به على أن يعطيك عبده رهنًا، فإن امتنع من دفعه إليك جبر.

[الباب السابع] جامع مسائل مختلفة من البيوع وغيرها

[الباب السابع] جامع مسائل مختلفة من البيوع وغيرها [الفصل 1 - فيمن ابتاع ثيابًا فرقم عليها أكثر مما ابتاعها به] قال ابن القاسم: ومن ابتاع ثيابًا فرقم عليها أكثر مما ابتاعها به وباعها برقومها ولم يقل قامت عليّ بذلك، فقد شدد مالك الكراهية فيه، واتقى فيه وجه الخلابة. قال ابن أبي زمنين: فإن وقع هذا وفعله أحد، فالمشتري مخير إن شاء تماسك بما اشترى وإن شاء رده، وإن فات رد إلى القيمة كذلك فسره عبد الملك. م وذكر عن أبي سعيد بن أخي هشام أنه قال: قول مالك في هذه المسألة يجري على وجهين: [1] إما أن يبيع إياها مساومة بأقل من رقمها. [2] أو يبيعها مرابحة بالثمن الصحيح وهو أقل من الرقم، فيزيده المبتاع في الربح لما تقدم في خلده أن ثمنها على البائع ما رقم فيها. م فإن كانت قائمة خبر بين أخذه بذلك أو يردها، وإن فاتت فعليه الأقل من القيمة أو الثمن الذي رضي به البائع.

[فصل 2 - ما جاء فيمن باع سلعة فإن لم يأت بالنقد فلا بيع بينهما] ومن المدونة: قال مالك: ومن اشترى سلعة على أنه إن لم ينقد ثمنها إلى ثلاثة أيام - وقال في موضع آخر إلى عشرة أيام - فلا بيع بينهما، فلا يعجبني أن بعقد البيع على هذا، وكأنه زاده في الثمن على أنه إن نقده غلى ذلك الأجل فهي له، وإلا فلا شيء لهن فهذا من الغزو والمخاطرة، فإن نزل ذلك جاز البيع وبطل الشرط وغرم الثمن الذي اشتراها به. قال في كتاب كراء الرواحل: وأرى في المشترط إن لم يأت بالثمن إلى أجل كذا فلا بيع له، إنفاذ البيع وسقوط الشرط، عجل النقد أم آخره، ويقضي عليه بالنقد. م ظاهر هذا أنه يقضي عليه بتعجيل الثمن، ويحتمل أن يكون معنى قوله ويقضي عليه بالنقد إذا أتى الأجل الذي أجل، وكذلك قال غير واحد من فقهائنا لا يؤخر بالثمن إلا إلى الأجل المشترط إذا عري ألأمر من دليل أنهما قصدا التعجيل. قال في البيوع الفاسدة: واجعل هلاك السلعة وإن كانت حيوانًا من البائع حتى يقبضها المبتاع بخلاف البيع الصحيح، يحبسها البائع حتى يأخذ الثمن.

تلك هلاكها من المبتاع بعد عقد البيع. وقال ابن وهب: إنمنا يجوز إن ضربا أجلاً كأجل الخيار، وإن بعد الأجل كان بيعًا فاسدًا لا يجوز. وقاله ابن عبد الحكم. قال في كتاب بيع الغائب: وأما بيع السلعة على أنه متى رد الثمن فهي له ففاسد لا يجوز. فصل [3 - في بيع المريض من ولده] قال مالك: وبيع المريض من ولده بغير محاباة جائز، وكذلك في وصيته أن يبتاع عبد ابنه فيعتق فهو جائز إلا أنه لا يزاد على قيمته. فصل [4 - في تصرف الأب في مال ابنته البكر] قال مالك: وإذا حاضت الجارية فصنيع أبيها في مالها، بيعه وشراؤه جائز؛

لأن حوزه لها حوز، ولا يجوز لها في مالها ضاء حتى يدخل بها زوجها ويعرف الرشد من حالها. فصل [5 - في بيع الأمة ولها ولد رضيع] قال مالك: ومن باع أمة ولها ولد رضيع حر وشرط عليهم رضاعه ونفقته سنة فذلك جائز إذا كان إن مات الصبي أرضعوا له آخر. قال سحنون: لا أدري لم جوز هذا البيع، وقولهم في الطئر أنه لا يجوز أن يشترط عليها إن مات الولد أن يؤتى بغيره لكنها مسألة ضرورة - يريد مسألة الأمة -. م والفرق عندي بين مسألة الأمة وبين مسألة الظئر أن مسألة الأمة الغرر فيها تبع؛ لأنه انضاف إلى أصل جائز وهو بيع الأمة، والغرر في مسألة الظئر

انفرد فلذلك لم يجز كقول مالك في بيع لبن شاة جزافًا شهرًا أنه لا يجوز، وأجاز كراء ناقة شهرًا واستثناء حلابها، فالغرر إذا انفرد بخلافه إذا انضاف إلى أصل يكون تبعًا له. م والأصل في هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها؛ لأنه غرر، وقال (ومن باع نخلاً وفيها ثمر قد أبر فثمرها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع) فأجاز للمبتاع اشتراطه لما انضاف إلى أصل، ومنع من بيعه إذا انفرد، وقد أجمعت الأمة على بيع الجبة المحشوة وإن لم يكن يرى قطنها، ولا يجوز بيع قطنها منفردًا وهو محشو فيها. قال ابن أبي زمنين: كان سحنون يغمز مسألة الأمة ويقول: لا يجوز هذا البيع إلا على وجه الضرورة مثل أن يبيعها عليه السلطان في دين، وأكره أن تباع في غير الضرورة؛ لأن المبتاع ربما احتاج أن يضعن بها فيتكلف للصبي المؤنة ولا يدري قدرها فذلك غرر. م وقيل إنما يجوز بيع هذه الأمة إذا كان الرضاع مضمونًا على مشتري الأمة لا في هذا الصبي بعينه؛ لأن بهلاكه يسقط، فلذلك احتيج إلى أن يكون مضمونًا ليكون ما في الذمة ثابتًا على كل حال، وأما الرضاع في عين الأمة فلا يجوز أيضًا؛

لأن المشتري يصير غير قادر على التصرف فيها، فيصير كمن اشتراها على أن لا يبيعها إلى سنة. م وهذا يقدر أن يبيعها ويشترط على المبتاع أيضًا الرضاع. [فصل 6 - في بيع الأمة واشتراط أن ترضع ابنًا له سنة] ومن العتيبة: وسئل مالك في سماع أشهب عن رجل باع جارية واشترط أن ترضع ابنًا له سنة. قال: لا خير في ذلك. قيل: فإن اشترط له إن ماتت أتاه بغيرها. قال: لا يعجبني. [فصل 7 - في البيع بشرط النفقة] ومن العتيبة قال ابن القاسم عن مالك: ومن باع نصف وصيفته أو نصف دابته على أن عليه نفقتها سنة فماتت، أو باعها المبتاع فله الرجوع بحصة ذلك. وذكرها في كتاب ابن المواز قال: إن كانت النفقة ثابتة مات العبد أو الدابة أو باعها فذلك جائز. [قال] ابن المواز: وقال أشهب عن مالك ومن باع رقبة واشترط نفقتها وكفلها فلا خير فيه، وكذلك لو باع أمة بولدها الصغير على أن يكفله البائع خمس سنين على أنه إن مات فيها غرم ما بقي، فليس ذلك بصواب.

[فصل 8 - في بيع الفصيل واشتراط أن رضاعه على أمه] ومن العتيبة: قال عيسى عن ابن القاسم: ومن باع فصيلا أو غيره من أولاد البهائم على أن رضاعه على أمه، فإن كان الرضاع مضمونًا على البائع إن ماتت الأم أخلف مكانها من يرضعه، وكان من البهائم التي تقبل غير أمهاتها فالبيع جائز، وعلى البائع إن ماتت أمه أن يأتي بمن ترضعه مكان أمه، ويضمن الرضاع إلى فطام مثله، وإن كان لا يقبل غير أمه إلا بعناء أو / بعد الخوف عليه من الموت أو النقصان فلا خير في هذا البيع. [فصل 9 - فيمن باع شاة على أنها حامل] ومن المدونة: قال مالك: ومن باع شاة على أنها حامل لم يجر وكأنه أخذ لجنينها ثمنًا حين باعها بشرط أنها حامل. قال في كتاب ابن المواز: إلا أن يقول هي حامل ولا يشترط ذلك فلا بأس به. [قال] ابن أبي زمنين: قال أصبغ: لا بأس أن يشترط أنها حامل إذا كان الحمل ظاهرًا معروفًا يعرفه كل أحد في الغنم والجواري، والشرط فيه وغير الشرط سواء.

وقال عبد الملك ابن الحسن عن أشهب فيمن ابتاع بقرة على أنها حامل، قال: فإن لم توجد حاملاً فله ردها. قال: ومن اشترى جارية على أنها حامل فلم تكن حاملاً فإن كانت مرتفعة فذلك تبرؤ من حملها ولا شيء له، وإن كانت من اللاتي يزاد فيهن للحمل فله ردها إن لم تكن حاملاً. وروى أصبغ عن ابن القاسم فيمن باع جارية على أنها حامل، قال: البيع فاسد بهذا الشرط. فصل [10 - في بيع الإبل المهملة في الرعي] ومن كتاب محمد: قال مالك: ولا ينبغي شراء الإبل المهملة في الرعي وإن رآها؛ لأنها تستصعب في أخذها. قال ابن القاسم: وأخذها خطر، وكذلك المهارات والفلا الصغار بالبراري وهو كبيع الآبق ومصيبتها من البائع حتى تقبض. قال ابن حبيب: فإن فاتت فعليه قيمتها يوم قبضها. تم كتاب البيوع الفاسدة من الجامع لابن يونس والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيده محمد وعلى آله الطيبين.

[باب مشتمل على مسائل مختلفة ملحق بكتاب البيوع الفاسدة]

[باب مشتمل على مسائل مختلفة ملحق بكتاب البيوع الفاسدة] [المسألة الأولى: فيمن اشترى طبعًا على الجد فلم يجده] قال ابن يونس وإذا اشترى طلعًا على الجد فلم يجده حتى صار بلحًا، هل يفسخ البيع أم لا؟ وأكثر قول أصحابنا أنه لا يفسخ. وقال بعضهم يفسخ. [المسألة الثانية: فيمن اشترى أصول نخل غائبة ثم اشترى ثمرها] قال أبو عمران الفاسي فيمن اشترى أصول نخل غائبة على صفة وفيها تمر مأبور [لم] يشترط ثم اشترى بعد ذلك ثمرها بغير صفة. قال ذلك كله جائز كما لو ابتدأ شراء ذلك كله في صفقة، وكمال العبد يجوز اشتراطه وإن كان مجهولاً؛ لأن ذلك كله في حين البيع، وسواء كان ذلك في عقد أو عقدين على مذهبه في المدونة. وقيل إن غيره من شيوخنا القرويين يخالفه. وقال ذلك بخلاف مال العبد إنما هو مشترط للعبد والثمرة فلنفسه اشتراها، فلا تجوز إلا موصوفة. قال بعض أصحابنا: وعلى هذا القول، سواء اشترى الثمرة مع الأصول في صفقة أو صفقتين. قال: وهذا بعيد؛ لأن الثمرة تبع للأصول فلا يفسد البيع بجهله [له] كاشتراء الخلفة بعد الأصل واشتراطها في صفقة واحدة. م ويحتمل أن يفرق بينهما، فإن الثمرة مرئية يقدر على صفتها وشراء الغائب لا يجوز إلا بصفة لا يختلفان فيها، فالثمرة لها حصة من الثمن لا بد من أن توصف؛ لأن عادات الثمرة تخلف سنة وتحمل أخرى، واشتراط الخلفة وشراؤها مع الرأس، إنما

يستدل بالرأس عليها فيما اختبر من عادات الموضع ولا يقدر على أكثر من ذلك فافترقا والله أعلم. [المسألة الثالثة: الثمرة تباع قبل بدو صلاحها بشرك الترك] ولسحنون في الثمرة يشتريها قبل بدو صلاحها على الترك أنها إن تلفت بعد جدادها وغيبة المشتري عليها فهي منه إلا أن تقوم بينة على تلفها، فلا يكون عليه حينئذٍ شيء وهي من البائع. قال: وهي في يدي المشتري كالرهن إن قامت بينة على تلفها فهي من البائع. قال بعض أصحابنا: وسألت أبا بكر بن عبد الرحمن القروي عن قول سحنون هذا وقلت له يلزمه إذا اشترى حيوانًا بيعًا فاسدًا / وهلك بيده أن لا يضمنه؛ لأن هلاكه ظاهر قال: هذا في الثمرة في باب الربا الذي لا يضمنه وهو مما يرد إلى مثله، وكأنه نحا على مذهب سحنون لو وقع بين المتعاقدين ربا كبيع دينار بدينارين أنه إذا هلك ما قبض ببينة أنه لا يضمنه. قال: ورأيت ابن الكاتب قال: قول سحنون هذا لا يصح عنه ورآه غلظًا من ناقله؛ لأن مذهب سحنون خلاف هذا. [المسألة الرابعة: فيمن اشترى زرعًا بيعًا فاسدًا فهلك قبل قبضه] قال في العتيبة فيمن اشترى زرعًا بيعًا فاسدًا فهلك قبل قبضه: أن مصيبته من مبتاعه، والزرع هو مما لا يغاب عليه لأنه قائم في الأرض لم يحصد بعد.

قال: ولو لزمه ما حكى عن سحنون في هذه المسألة لكان إذا قبض بعض المبيع بيعًا فاسدًا أو حال سوقه لا يلزم المبتاع قيمته، إذا نقصه ليس من فعله ولا من قبله، وكذلك حوالة الأسواق، لم يكن من سبب مبتاعه، وهذا رد لأصل المذهب. [المسألة الخامسة: فيمن اشترى أرضًا فيها عين يخرج منها نفط أو فيها ملح فلمن يكون] ومن السلينانية: وسألته عن رجل اشترى أرضًا فيها عين يخرج منها فقط فيستنقع على الأرض، فلمن النفط أو الزفت؟ قال: إذا كان على وجه الأرض فهو للبائع إلا أن يشترطه المشتري، وما لم يظهر فهو للمشتري. قلت: فله إن اشترى أرضًا فيها ملح على وجه الأرض لمن يكون؟ قال: الملح للبائع إلا أن يشترطه المبتاع. صح من غير الأصل إلا أنه من جمع المؤلف.

كتاب بيع الخيار

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كتاب بيع الخيار [الباب الأول] في بيع الخيار وما يجوز من الأجل فيه [الفصل 1 - حكم بيع الخيار وصفته] والبيع على الخيار جائز وهو أن يقول: أشتري منك هذا الشيء، وأنا وأنت فيه بالخيار إلى وقت كذا، دليله حديث الموطأ قوله - صلى الله عليه وسلم - (البيعان بالخيار ما لم يفترقا إلا بيع الخيار) فأخبر أن من البيع ما فيه خيار.

وروي (إلا أن تكون صفقة خيار)، ولما لم يكن في الحديث المذكور فيه أن البائعين بالخيار ما لم يفترقا حد مؤقت من وقت الإفتراق ينتهيان إليه مع احتماله للافتراق باللفظ في اللغة، لم يجب أن يفرق بين عقد البيع وسائر العقود اللازمة باللفظ دون التفرق إلا بالبيان من السنة، وقد قال الله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاً مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:130] وهذا الافتراق بالكلام، والمتساومان يقع عليهما اسم متبايعين كما قال - صلى الله عليه وسلم - (لا يبع بعضكم على بيع بعض) فسمى المساومة بيعًا، فاحتمل أن يكون معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - (المتبايعان بالخيار) يعني المتساومين، ويدل على أن البيع ينعقد باللفظ قوله - صلى الله عليه وسلم - (من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه)، لأنه لو كان فيه خيار لغيره لم يبح للمبتاع بيعه فالخيار فيه لغيره، والصرف بيع ولا خيار فيه، لقوله - صلى الله عليه وسلم - (إلا هاء وهاء).

قال بعض البغداديين: ولأنه عقد معاوضة كالنكاح. م ولأنه لو كان لا يتم العقد إلا بالافتراق كما / يقول الشافعي لم يصح للأب أن يشتري لابنه الصغير من نفسه لنفسه؛ لأن مفارقة الإنسان نفسه لا تصح وهو جائز. [فصل 2 - إذا انعقد البيع فلا خيار لأحد المتبايعين] ومن المدونة: قال مالك رحمه الله: فإذا انعقد البيع فلا خيار لواحد من المتبايعين إلا أن يشترطاه. قال أشهب: وقد أجمع علماء أهل الحجاز على هذا، وحديث ابن عمر (البيعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يفترقا إلا بيع الخيار) قال فيه مالك: ليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه. قال أشهب: ونرى والله أعلم أنه منسوخ بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (المسلمون على شروطهم) وبقوله - صلى الله عليه وسلم - (إذا اختلف المتبايعان استحلف البائع). وقال غيره: فلو كان الخيار بينهما قائمًا ما كلف البائع يمينًان ولكان له أخذ سلعته دون الاختلاف في الثمن.

وقاله ابن حبيب: قال ابن حبيب: وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - (إن من حديثي ناسخًا ومنسوخًان فخذوا بآخر حديثي فبذلك أمرت). فصل [3 - في مدة الخيار] ولما كان الخيار رفقًا بالمتبايعين للنظر والرأي والمشورة والاختبار كان أمد الخيار مختلفًا فيما تبايعاه بقدر ما يحتاجان إلى ذلك خلافًا لأبي حنيفة والشافعي في قصرهما ذلك على ثلاثة أيام. ودليلنا قوله - صلى الله عليه وسلم - (لكل مسلم شرطه). وقوله: إلا بيع الخيار) فأطلق؛ ولأنها مدة ملحقة بالعقد فجاز أن تكون أكثر من ثلاثة أيام

كالآجال ولأنها مدة يحتاج فيها إلى اختبار المبيع كالثلاثة أيام؛ ولأن الخيار موضوع لتأمل المبيع واختبار المبيعات مختلفة في ذلك، وفي قصرها على مدة محصورة إبطال للفائدة. ومن المدونة: قال مالك فأما الثوب فيجوز فيه الخيار اليوم واليومين وشبه ذلك، وما كان أكثر من هذا فلا خير فيه؛ لأنه غرر لا يدري كيف يرجع الثوب إليه. قال: والخيار في الجارية مثل الخمسة أيام إلى الجمعة وشبه ذلك، لاختبار حالها وعملها. [قال] ابن حبيب: وكذلك الخيار في العبد. [قال] ابن المواز: وأجاز ابن القاسم الخيار في العبد إلى عشرة أيام. قال ابن المواز: فإذا وقع في العبد أو الأمة الخيار عشرة أيام لم أفسخه، وأفسخه في الشهر. وقد روى ابن وهب أن مالكًا أجازه في الشهر وأباه ابن القاسم وأشهب. ومن المدونة: قال مالك: والدابة تركب اليوم وشبهه ولا بأس أن يشترط أن يسير عليها البريد ونحوه ما لم يتباعد، قال أشهب: والبريدين يختبر فيهما سيرها.

وقال ابن حبيب: يجوز الخيار في الدابة اليومين والثلاثة كالثوب. م وإنما شرط مالك اليوم في شرط ركوبها، فأما على غير ذلك فلا فرق بينهما وبين الثوب. م وإنما فرق بين الدواب والرقيق في أمد الخيار؛ لأن الرقيق يعقل، فقد يظهر العبد أو الأمة من النشاط والعمل ما لا يدوم عليه، والدواب هذا غير موجود فيها، فكان الأمد فيها أقصر. ومن المدونة: قال مالك: والخيار في الدار - يريد وسائر الربع - الشهر ونحوه. قال ابن حبيب: الخيار في الدور والأرضين الشهر والشهران. قال مالك: وللأشياء وجوه تشترى إليها، ليختبر المشتري ويشاور بما كان على ما وصفنا، فلا بأس بالخيار فيه، وما بعد من أجل الخيار فلا خير فيه؛ لأنه غرر لا يدري ما تصير السلعة إليه عند الأجل، ولا يدري صاحبها كيف ترجع إليه، وسواء كان الخيار فيما وصلت لك للبائع أو للمشتري. قال أشهب: وقد يزيده المبتاع في ثمن السلعة لتكون في ضمانه إلى بعيد الأجل، فذلك غرر، وقد كره مالك شراء سلعة بعينها إلى أجل بعيد بغير اشتراط النقد. قلت: فإن اشتراط المبتاع استخدام العبد وركوب الدابة ولباس الثوب، فقال: أما لباس الثوب فلا يصلح، وأما ركوب الدابة واستخدام العبد فلا بأس بذلك

ما لم يكن ركوب الدابة إلى سفر بعيد يخاف عليها في مثله تغير شيء من حالها، ولا بأس أن يشترط ركوبها البريد والبريدين وشبهها يختبرها في ذلك، وكذلك العبد يختبره ليعرف نفاذه ونشاطه من ضعفه وكسله، وأما الثوب فلا يختبر باللباس، فلذلك خالف العبد الأمة. قال أشهب: ولا يشترك لبس / الثوب؛ لأنه لا يختبر باللبس كما تختبر الدابة بالركوب، والعبد بالاستخدام. م وإذا فسد البيع في اشتراط لبس الثوب في أيام الخيار ونقض، كان على المبتاع قيمة لبسه. وذكر بعض أصحابنا أنه اختلف إذا فسد البيع باشتراط النقد في أيام الخيار فهلكت السلعة فيها ممن ضمانها؟ فقيل من البائع فيكون الحكم في قيمة اللبس نحو ما قدمنا، وقيل إن ضمانها من المبتاع من يوم قبضها كسائر البيوع الفاسدة، فيكون على هذا لا شيء عليه في اللبس كسائر الغلات. م ولم أر في إذا فسد البيع باشتراط النقد خلافًا أن المصيبة من البائع، وإنما اختلف إذا فسد البيع باشتراط الخيار الطويل الذي لا يجوز في تلك السلعة، فقال من المشتري من يوم القبض؛ لأن الخيار وقع فاسدًا، قال: وذلك بخلاف إذا صح الخيار، وفسد البيع لاشتراط النقد فيه أن الضمان ها هنا من البائع، لأن الخيار ها هنا صحيح لم يفسد البيع.

م فعلى هذا تكون قيمة لبس الثوب، على المشتري بلا خلاف فانظر. [فصل 4 - فيمن اشترى شيئًا من رطب الفواكه على أنه بالخيار] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن اشترى شيئًا من رطب الفواكه والخضر على أنه بالخيار، فإن كان الناس يشاورون غيرهم في هذه الأشياء ويحتاجون فيها إلى رأيهم، فلهم من الخيار بقدر حاجة الناس مما لا يقع فيه تغيير ولا فساد، والأجل في مثل ذلك أقرب منه فيما لا يسرع فيه الفساد من طعام أو عرض. قال سحنون: قال أشهب: من غير أن يغيب المبتاع على ما لا يعرف بعينه من مكيل أو موزون، فيصير تارة سلفًا وتارة بيعًا، لأنك لو بعت ذلك من رجل فغاب عليه ثم أقلته من بعضه، وأخذت ثمن ما بقي كان بيعًا وسلفًا، بخلاف إقالتك من أحد عبدين أو ثوبين، وذلك جائز فيما يعرف بعينه. ولو بعت عبدين بثمن إلى أجل على أن يرد عليك أحدهما عند الأجل بنصف الثمن - قال سحنون: يريد بعينه على ما هو به يومئذٍ من نماء أو نقص - لجاز؛ لأنه إنما اشترى أحدهما بعينه واستأجر الآخر إلى ذلك بالثمن الذي يبقى عليه، وذلك جائز؛ لأن كل ما يعرف بعينه وينتفع به بغير إتلافه تجوز إجارته، ولا تجوز إجارة ما لا يعرف بعينه من طعام أو إدام ونحوه ولا كل ما لا ينتفع به إلا بإتلافه إما بأكل أو غيره. م يريد لأنه سلف جر منفعة، يرد عليك مثل ما استأجر منك فهو سلف، وما يأخذ من أجرته فهو النفع.

م وإنما تصح مسألة العبدين إذا سمى ما يستعمل فيه المردود أو دخلاً على أن يعمل شيئًا قد عرفاه وإلا فهو كمن استأجر أجيرًا ولم يستعمله فيه، فذلك فاسد قاله غير واحد من شيوخنا، قالوا: وإن لم يعين المردود وإنما شرط ارداد أحدهما مبهمًا فذلك فاسد ويردان ما لم يفوتا، فإن فاتا فهما شريكان في العبدين، وعلى المبتاع نصف قيمتهما ونصف إجارتهما؛ لأن أحدهما مبيع والآخر مستأجر ولا يعرف المبيع من المستأجر، وكذلك إن فات أحدهما فعليه نصف قيمته ونصف إجارته ويرد الباقي. فصل [5 - فيمن ابتاع حيوانًا على أنه بالخيار أربعة أشهر] ومن العبية: [قال] سحنون عن ابن القاسم فيمن ابتاع حيوانًا أو غيره على أنه بالخيار أربعة أشهر وقبضها وشرط النقد أو لم يشترطه، فمصيبتها من بائعها إذا لم يتم فيها بيع. قال سحنون: وإن كانت دارًا وشرط فيها الخيار لأحدهما ثلاث سنين أو أربعًا أو ما لا يجوز إليه الخيارن فبنى فيها المبتاع أو غرس، فإن كان الخيار للبائع، فليس البناء فيها فوتًا وترد إلى بائعها، وليس عليه للمبتاع في البناء شيء ويعطيه قيمته منقوضًا. وإن بني بعد أجل المشترط فالبناء وعليه قيمتها يوم خرج وقت الخيار.

وروى ابن سحنون / عن أبيه فيمن اشترى سلعة وشرط خيار سنة أو سنتين أن البيع فاسد وضمانها من المشتري من يوم قبضها. وقال: إنه مثل ما قال أصحابنا فيمن باع سلعة على أنه متى رد الثمن فهو أحق بسلعته أنه بيع فاسد، والمشتري ضامن من يوم القبض. وفرق بينه وبين المشتري إلى ما يجوز فيه الخيار واشتراط النقد. فقال في هذه ضمانها من البائع وإن قبضها المشتري إلى أن يقبضها بعد أجل الخيار، وذلك لأن الخيار هاهنا صحيح لم يفسد به البيع. قال أبو محمد: ورواية العتبي عنه أحسن وبعد هذا باب يه إيعاب هذا.

[الباب الثاني] في أحد المتبايعين يغمى عليه أو يجن أو يموت في أيام الخيار

[الباب الثاني] في أحد المتبايعين يغمى عليه أو يجن أو يموت في أيام الخيار [فصل 1 - في خيار المغمى عليه] قال ابن القاسم: ومن أغمى عليه في أيام الخيار انتظرت إفاقته ثم هو على خياره إلا أن يطول إغماؤه أيامًا، فينظر السلطان، فإن رأى ضررًا فسخ البيع، وليس له أن يمضيه بخلاف الصبي والمجنون، وإنما الاغماء مرض. وقال ابن المواز: قال أشهب له أن يجيز أو يرد في أيام الخيار، وليس له بعد زوالها إلا الرد فقط. م قال بعض شيوخنا: انظر قول ابن القاسم إن رأى ضررًا فسخ البيع، وليس له أن يمضيه. وقال في العَرْصة المعارة - يريد هدمها المعار - ورب العرصة غالب - أن السلطان ينظر، فإن رأى أخذ النقص لرب العرصة بقيمته ملقًا فذلك، له فيجب على هذا أن يكون له هاهنا إجازة البيع أو رده في أيام الخيار كما قال أشهب؛ لأن نظره للغائب كنظره للمغمى عليه، فبان أن قول أشهب أقيس. م ويحتمل أن يكون الفرق بينهما عند ابن القاسم أن الاغماء الغالب فيه زواله عن قرب قد تطول غيبته، فهو كالصبي والمجنون.

[فصل 2 - في خيار المجنون والأجذم والأبرص] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وأما إن جن فأطبق عليه في أيام الخيار فالسلطان ينرظ له في الأخذ أو الرد أو يوكل بذلك من يرى من ورثته أو غيرهم، وينظر في ماله وينفق منه على عياله، كما ينظر في ما المفقود. وقال مالك: يتلوم السلطان للمجنون وينفق على امرأته في التلوم، وبلغني عنه أن تلومه له سنة، فإن برئ وإلا فرق بينهما. قال مالك: والأجذم البين جذامة يفرق بينه وبين امرأته، وأما الأبرص فلا. قال سحنون: وقال بعض الرواة إذا اشتدت رائحة الأبرص فرق بينهما. فصل [3 - في موت من له الخيار] قال مالك والخيار يورث عن الميت؛ لأنه حق له، قال بعض البغداديين، وخالف ذلك أبو حنيفة، ودليلنا قوله تعالى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء:12] فهو على عمومه وقوله - صلى الله عليه وسلم - (من ترك مالاً أو حقًا فلورثته)؛ ولأنه خيار في عقد بيع

كالرد بالعيب؛ ولأن من ورث شيئًا ورثه بحقوقه كالدين بالرهن، والرد بالعيب. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وقد جعل مالك تأخير الورثة ببرئ الغريم الذي حلف للميت لأقضينك حقك إلا أن تؤخرني، وكذلك تأخير الوصي على النظر إن لم يرثه من ييلي نفسه أو تأخير الغرماء إن أحاط الدين بماله وإبرؤا ذمة الميت وإلا فلا. وقال أشهب وسحنون: لا يجوز تأخير الوصي، وبيان ذلك كله في كتاب النذور. فصل [4 - فيمن تزوج امرأة وشرطت عليه إن تزوج عليها فأمرها بيد أمها واختلاف الورثة فيما ورثوه] قال ابن القاسم: ولقد سئل مالك فيمن تزوج امرأة وشرطت عليه في العقد أنه إن نكح أو تسرر أو خرج بها من بلدها فأمرها بيد أمها ثم ماتت الأم، فإن كانت أوصت بما كان لها من ذلك إلى أحد فذلك إليه. قال ابن القاسم: وإن لم توصِ فكأني رأيت مالكًا يرى أن ذلك للإبنه، أو قال ذلك لها ولم أتبينه منه. وروى علي عن مالك: أن ذلك لا يكون بيد أحد غير من جعله الزوج بيده؛ لأنه يقول: لم أكن أرضى أن أجعل أمر امرأتي إلا بيده لنظره وقلة عجلته. قال ابن القاسم: وإن أوصت الأم إلى أحد ولم تذكر ما كان / لها من ابنتها، لم يكن للوصي ولا للإبنة شيء من ذلك. قال أشهب: يورث الخيار عن البائع أو عن المبتاع ثم ليس للورثة إلا الاجتماع على رد أو إجازة وكذلك الوصيان.

وإن اختلف وارثوا الخيار وهم رشداء، فشاء بعضهم إمضاء البيع وشاء بعضهم رده، فليس لهم إلا أن يجيزوا كلهم أو يردوا كلهم، وهذا النظر لأن ميتهم لم يكن له إجازة بعض الصفقة ورد بعضها فكذلك هم. واستحسن لمن أجاز من ورثة المبتاع أن يأخذ مصابة من لم يجز إن شاء، فإن أبى رددنا الجميع إلا أن يسلم له البائع أخذ حصته فقط فلا يكون له عليه إلا ذلك. قال أشهب: وكذلك ردهم بعيب فيما ابتاع وليهم بغير خيار، أو مشتريان أصابا عيبًا فرضيه واحد ورده الآخر على ما ذكرنا، ليس ذلك لهما إلا أن يردا جميعًا أو يحبسا أو يأخذ المتماسك جميع السلعة، وقاله مالك. قال ابن القاسم في هذا الكتاب وفي كتاب التدليس إن لمن شاء من المشترين أن يأخذ أو يرد بخيار أو عيب. قال: ولا قول للبائع إذ لا يتبع ذمة كل واحد إلا بحصته وأما الورثة فإنما ورثوا ذلك عمن لم يكن له أخذ بعض دون بعض، فهم كإياه. قال أشهب: وينظر السلطان في اختلاف الوصيين للصغار بخلاف الورثة، فيمضي قول أصوبهما، فإن كان مع الأصاغر وارث كبير فتماسك ورد الوصيان أورد وتماسك الوصيان، فذلك كاختلاف الورثة، فإن تماسك الوارث وأحد الوصيين.

ورد الآخر نظر السلطان بالأصلح أيضًان فإما أمر الراد بالإجازة أو أمر المجيز بالرد، ثم ليس لمختار ألخذ من الوصيين أو الوارث إلا أخذ الجميع أورد الجميع إلا أن يشاء الحي من المتبايعين التماسك بحصة الراد، فليس لأحد منعه. وقد فسر أبو محمد هذه المسألة في غير مختصره فقال: إذا أجاز البيع أحد ورثة المشتري ورد الآخر، فهاهنا إن رضي البائع أن يتماسك بنصيب الراد ويجيز للآخر نصيبه لزم الآخر نصيبه، ولم لكن له في النظر ولا في الاستحسان أخذ نصيب الراد إلا برضى، البائع. فأما إن قال البائع لا أجيز لهذا الذي رضي بالبيع أخذ نسيبه، فها هنا يفترق النظر والاستحسان، فأما على وجه النظر فإنه يقال للمتمسك: يلزمك أن ترد نصيبك على البائع، كما رد صاحبك، وليس لك أن تتماسك بنصيبك، فتكون قد أخذت بعض الصفقة بغير رضا البائع، ولا لك أخذ نصيب صاحبك؛ لأنه قد رده على البائع، فليس لك أخذه بغير رضاه. وهذا وجه النظر. وأما وجه الاستحسان: فإن الذي تماسك بالبيع إن شاء أن يرد الجميع أو يأخذ الجميع، فإن رضي أخذ الجميع كان ذلك له، وإن كره البائع؛ لأنه يقال له أنت إنما كنت تطلب من المشتري ثمن سلعتك فإذا رضي المتمسك أن يدفع إليك جميع الثمن، ويأخذ جميع السلعة، فلا حجة لك عليه في الاستحسان، وكذلك ما جرى في الوارث

الكبير الذي يلي نفسه إذا أراد رد البيع وخالفه الوصيان، فينظر السلطان في ذلك أنه ينظر إلى البائع، فإن رضي أن يتماسك بنصيب الكبير، ويسلم للأوصياء نصيب المولى عليه كان ذلك له في النظر والاستحسان، ولا قول للأوصياء، وإن لم يرض البائع بتماسك الأوصياء لزمهما الرد كما رد الكبير، وهذا في النظر، وأما في الاستحسان فللأوصياء حينئذٍ رد الجميع أو أخذ الجميع، وإن كره البائع؛ لأنه إذا وجد جميع الثمن الذي كان يطلب من المبتاع فلا حجة له. م وهذا كله في اختلاف ورثة المبتاع وأما في اختلاف ورثة البائع فإنه يصير الذي يريد فسخ البيع منهم بمنزلة الذي يريد إمضاء البيع من ورثة المشتري ويجري الجواب في ذلك كما تقدم في ورثة المشتري. [فصل 5 - في الميت إذا أحاط الدين بماله] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن أحاط الدين بمال الميت فاختار غرماؤه ردًا أو أخذًا وذلك أوفر لتركته وأرجى لقضاء دينه فذلك لهم دون الورثة، فإن ردوا لم يكن للورثة الأخذ إلا بعد أن يردوا الثمن من أموالهم دون مال الميت. وحكي عن أبي محمد أن الغرماء إذا اختاروا الأخذ إنما يجوز ذلك لهم إذا كان ما طلع من فضل فللميت يقضوا به دينه، وإن كان نقصانًا فعلى الغرماء، بخلاف المفلس يؤدي عنه الثمن، هذا ما كان من فضل أو نقص فللمفلس وعليه.

والفرق بينهما أن الثمن لازم للمفلس، والذي ابتاع بخيار لم يلزمه ثمن إلا بمشيئة الغرماء، فلم يجب أن يدخلوا على الورثة ضررًاز قال بعض فقهائنا القرويين: وإذا اختار الغرماء رد السلعة التي اشتراها الميت بخيار، وكان أخذهم نظرًا فليس للسلطان أن يجعلهم يأخذونها، لأنهم يقولون قد وجب لنا أن نأخذ حقوقنا مما ترك فلا يلزمنا أن نتجر للميت، بخلاف إذا وهبت هبة للثواب فأراد الغرماء ردها، وكان أخذها نظرًا، فليس للغرماء ردها والفرق أن هبة الثواب قد ضمنها الموهوب بقبضه إياها وبيع الخيار ضمانه من بائعه فافترقا.

[الباب الثالث] في المتبايعين يجعل أحدهما لصاحبه الخيار وفي المكاتب يعجز في أيام الخيار

[الباب الثالث] في المتبايعين يجعل أحدهما لصاحبه الخيار وفي المكاتب يعجز في أيام الخيار [الفصل 1 - في الخيار بعد تمام البيع] قال ابن القاسم: ومن باع سلعة من رجل ثم جعل البائع للمبتاع الخيار بعد تمام البيع أو جعل المبتاع للبائع الخيار لزم ذلك إذا كان يجوز في مثله الخيار، وهو بيع مؤتنف بمنزلة بيع المشتري لها من غير البائع، وما أصاب السلعة في أيام الخيار فهو من المشتري، لأنه صار بائعًا. م قال بعض شيوخنا: وهذا إذا انتقد البائع الأول، وأما إن لم ينتقد لم يجز؛ لأن الثمن صار دينًا في ذمة المشتري، فدفع فيه سلعة فيها خيار. م وظاهر المدونة أن الضمان من المشتري، جعل هو للبائع الخيار أو جعله البائع له وكأن البائع قال للمشتري: إن شئت بعها مني ولك الخيار، فالمشتري هو البائع، جعل هو الخيار أو جعل له. وروي عن المخزومي أنه قال: إن جعله البائع فالضمان منه لأنه خيار الحقه بعقده، فكانه في العقد، وإن جعله المشتري فالضمان منه؛ لأنه صار بائعًا بخيار. فصل [2 - في خيار المكاتب] قال مالك: وإذا ابتاع المكاتب شيئًا بالخيار ثلاثًا فعجز في الثلاث فلسيده من الخيار ما كان له.

[الباب الرابع] فيمن اشترى سلعة على خيار رجل أو رضاه أو مشورته

[الباب الرابع] فيمن اشترى سلعة على خيار رجل أو رضاه أو مشورته [الفصل 1 - فيمن يشتري سلعة ويشترط خيارًا لرجل آخر] قال ابن القاسم: ومن باع سلعة من رجل على أن فلانًا - رجلاً آخر - بالخيار أيامًا جاز ذلك، وقد قال مالك في الرجل يبيع السلعة، ويشترط البائع إن رضي فلانًا البيع، فالبيع جائز وكذلك مسألتك. م وإنما قال ذلك لقوله (واشترط الخيار ثلاثًا) ولم يفرق، وإن الخيار وضع لتأمل المبيع ورضاه وحظ مشترطه، وقد لا يعرف ذلك فيشترطه لغيره فيعرفه إياه. قال مالك: ولا بأس أن تشتري سلعة / لفلان على أن يختار فلان أو يشتري

لنفسه على رضا فلان أو خياره، لم ليس للمبتاع رد أو أجازة دون خيار من اشترط. م لم يبين ها هنا هل للبائع خلاف من اشترط خياره أو رضاه، وبينه في الشمتري وحمل أبو محمد أن ذلك للبائع دون المشتري على ظاهر تفسير قول مالك. وذكر عبد الوهاب أن ابن القاسم اختلف قوله في ذلك، فقال مرة: أن للبائع أن يخالف خيار من اشترط خياره أو رضاه إلى رد أو إجازة، وليس للمشتري أن يخالف الأجنبي. قال: وروى عنه أن البائع والمشتري سواء وله أن يخالفه. م فلم يختلف قوله في البائع أن له أن يخالفه، وإنما اختلف في المشتري. قال: فوجه قوله أن لهما مخالفة الأجنبي، فلأن الأجنبي لم يشترط له الخيار على وجه التمليك لكن على التنبيه له، ولأن ثبوت الخيار للأجنبي فرع على ثبوته للبائع أو للمشتري، فيمتنع أن يثبت الرفع وينتفي [به] الأصل. ووجه التفرقة بين البائع والمشتري، أن حال المشتري أضعف؛ لأن البائع أملك بسلعته، وملك المشتري لها لا يتم إلا بالقبول، فقد ساوى الأجنبي في العقد وحقوقه.

ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو ابتاع على أن يستشير فلانًا جاز، وله أن يخالفه إلى رد أو أجازة، ولا يمنعه البائع. قال أبو محمد: أراه [يعني] لأن قوله على أن فلانًا بالخيار - يريد علينا جميعًا، فكأنه شرط لهما، وإذا قال على أن أشاور فلانًا فهذا خص نفسه أن يشاوره هو لنفسه، فله أن يدع رأيه، وليس للبائع هاهنا حق شرطه. م قال بعض أصحابنا: لو جرى الأمر على مراعاة الاشتراط في ذلك كله - إما أن يجعلا ذلك للأجنبي خاصة أو لأحدهما خاصة - لما افترق خيار ولا رضاء ولا مشورة، وإنما يفرق بينهما الاشتراط لكان ذلك صوابًا. وقد قال بعض القرويين: لا يصح التفريق بين ذلك إلا على هذا المعنى والله أعلم. م وذكر ابن المواز في كتاب النكاح أن الخيار والمشورة سواء، وله الرد والأخذ دون خيار من اشترط ذلك فيه، وكذلك قال ابن حبيب في البيع على أن فلانًا بالخيار أو على أن يستشروه في ذلك سواء، ولمشترط ذلك من بائع أو مبتاع الأخذ أو الرد دون رضا من اشترط، وليس لصاحبه عليه حجة من بائع أو مبتاع.

وروي عن ابن القاسم مثله. وروى ابن مزين عن ابن نافع أن المشورة والخيار سواء ولا رد له إلا برأي من اشترط. م ووجه هذا كأنه أسقط خيار نفسه ومشورتها واشترط ذلك لغيره لمعرفته ونظره، وتراضى المتبايعان بذلك، وانعقد البيع عليه، فكان هو المقدم عليهما إلا أن يجتمعا على إسقاطه. م وهذا يؤيد ما قدمنا من مراعاة الاشتراط بإسقاطه. قال ابن حبيب: ومن اشترى لغيره على خيار رجل حاضر أو غائب قريب الغيبة، فليس لهذا الرجل أن يجيز البيع دونه. [الفصل 2 - تقييد جواز البيع على مشورة فلان بأن يكون قريبًا] ومن المدونة: قال مالك: وإنما يجوز البيع على مشورة فلان أو رضاه إذا كان قريبًان وإن استثنى مشورة رجل ببلد بعيد فسد البيع، ولو ترك المبتاع مشورة فلان الغائب مجيزًا للبيع لم يجز، لوقوعه فاسدًاز م وذكر عن أبي سعيد بن أخي هشام قال: وإذا اشترط المبتاع رضا فلان أو خياره، فمات فلان قبل أن يرضى أو يختار لم يلزم البائع بيع إلا برضاه. م وهذا على قوله: ليس للمشتري مخالفة من اشترط خياره، وأما على قوله: له أن يخالفه فيرجع إذا مات فلان للمشتري.

قال مالك: ومن اشترى سلعة / لرجل واشترط خيار المشترى له، فليس للمشتري رد أو أجازة دون خيار المشترى له. [فصل 3 - في ضياع الثوب المشترى على خيار لآخر] ومن كتاب ابن الموازك ومن ابتاع لرجل ثوبًا وقد أمره أن يشتري له ثوبًا واشترط الخيار حتى يريه صاحبه فضاع، فروى ابن القاسم عن مالك أن الثوب إن هلك من الآمر، وأحب إلينا أن لا يكون على الآمر وأن يكون على الرسول إلا أن يكون بيّن للبائع أن فلانًا أرسله ليبتاع له ثوبًا فيلزم البائع ويحلف الرسول لقد ضاع. م أراه إنما جعله من البائع؛ لأن الآمر لم يأمره أن يشترط أن يريه إياه، ولو أمره بشرط ذلك لكان هلاك الثوب منه. قال مالك: وإذا كان الخيار للمتبايعين جميعًا لم يتم البيع إلا باجتماعهما على الإجازة. قال: وإذا اختار من له الخيار من المتبايعين ردًا أو أجازة، وصاحبه غائب، وأشهد على ذلك جاز على الغائب.

[الباب الخامس] ما يعد من فعل ذي الخيار اختيارا وتعديه وجنايته وبيعه

[الباب الخامس] ما يعد من فعل ذي الخيار اختيارًا وتعديه وجنايته وبيعه [الفصل 1 - القول في الرضا بالخيار والأفعال التي تقطع الخيار أو لا تقطعه] والقضاء أن الذي له الخيار في السلعة إذا فعل بها فعل المالك عند ذلك منه اختيارًا لها، كان بائعًا أو مبتاعًا وقد قضى عمر رضي الله عنه بثواب الهبة لمن يرى أنه أراد ثوابًا وإن لم يلفظ باشتراطه. قال ابن القاسم: والذي له الخيار من المتبايعين إذا وهب أو تصدق أو رهن أو أجر أو دبر أو كاتب أو أعتق أو قبل أو باشر أوطئ فذلك كله من المبتاع رضا بالبيع، ومن البائع رد له. قال ابن حبيب: وكذلك أن حلق رأس الوصيف أو حجمه فهو رضا. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن كان الخيار في الدابة فهلبها أو ودجها أو عربها أو سافر عليها فهو رضا، وتلزمه الدابة إلا أن يركبها شيئًا

خفيفًا في حاجة له ليختبرها فيكون على خياره، وكذلك من اشترى دابة فوجد بها عيبًا ثم تسوق بها او اشترى ثوبًا بالخيار، فاطلع على عيب به ثم لبسه بعد ذلك، فذلك قطع لخياره ورضا منه به. وإن كان الخيار للمبتاع في الجارية فجردها في أيام الخيار ونظر إليها، فليس ذلك رضا منه، وقد تجرد للتقليب إلا أن يقر أنه فعل ذلك تلذذًا فهذا رضا، ونظر المبتاع إلى فرج الأمة رضا؛ لأن الفرج لا يجرد في الشراء ولا ينظر إليه إلا النساء ومن يحل له الفرج. قال بعض أصحابنا: قوله: وقد تجرد الأمة للتقليب يريد أن الناس يصنعون ذلك، وأما في وجه العلم فلا ينبغي ذلك. م وظاهر الكتاب أنه جائز أن تجرد للتقليب، ووجهه أنه قد يكون في جسمها عيب، برص أو غيره فتخفيه، فوجب لذلك أن تجرد للتقليب. وقوله في الفرج لا ينظر إليه إلا النساء ومن يحل له الفرج: يدل على جواز نظر الرجل إلى فرج زوجته وأمته وهو مذكور في غير المدونة، وما كره من ذلك بعض الناس فليس بشيء ولا كراهية في ذلك في باب الفقه.

وقد سئل أصبغ أينظر الرجل إلى فرج امرأته؟ فقال: نعم ويلحسه بلسانه. قال ابن حبيب: وإن قرصها أو مس بطنها أو ثدييها فهو رضا، وكذلك إن خضب يديها بالحناء أو ظفر رأسها بالغِسل فهو رضى، إلا أن تفعل ذلك الجارية بغير أمره فلا يكون رضا. ومن كتاب ابن المواز والواضحة: وكره مالك للمشتري عند استعراضه الجارية أن يضع يده حول عجزها أو على ثديها، ولا يكشف منها معصمًا ولا صدرًا ولا ساقًا. قال في الواضحة: وليسأل بائعها عن ما يريد في ذلك. وفي كتاب ابن المواز /: وليجعل النساء يلين ذلك منها ولم ير ما ورى عن ابن عمر في ذلك. قال ابن حبيب: قد أجيز للعازم على الشراء ولم يفعله متلذذًا ولا عاتيًا ذلك، وكان ابن عمر يضع يده على ثديها وعلى عجزها ويكشف عن ذلك، وذلك إذا أعجبته وإلا لم يفعل.

وقال عطاء: لا أحب أن ينظر إلى جواري البيع إلا لمن أراد الشراء. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وله أن ينظر إلى كفيها وكره إلى معصميها وساقيها، وليخبر عنها كما يخبر عن الحرة، وكرهه مسه بعضدها. قال أصبغ: وصدرها ولا ينظر إلى وجهها وكفيها وقدمها وشعرها وما ظهر من نحرها لغير لذة. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن زوج المشتري الأمة أو زوج العبد أو ضربه أو جعله في صناعة أو في الكتاب، أو ساوم بهذه الأشياء للبيع، أو أكرى الرباع والدواب وذلك كله في أيام الخيار فهو رضا وقطع لخياره. وإن جنى على العبد عمدًا، قطع يده أو فقأ عينه فذلك رضا وله رده في الخطأ وما نقصه، وفي الدابة مثله إن جنى عليها عمدًا فذلك رضا ويغرم الثمن كله وله ردها في الخطأ وما نقصها من ثمنها، وإن كان عيبًا مفسدًا ضمن الثمن كله وقال سحنون: بل يضمن القيمة في المفسد في العمد والخطأ وإن لم يكن مفسدًا حلف في الخطأ، وردها وما نقصها، وتلزمه في العمد. قال ابن المواز: إذا قطع يد الأمة عمدًان فقال أشهب: لا يقطع ذلك خياره، ولا يظن بأحد أن يفعل ذلك رضا.

[قال] ابن المواز: وتعتق عليه. وقال ابن القاسم: هو في العمد رضا وإن كان خطأ حلف إن اتهم وردها وغرم ما نقصها إلا أن يكون عيبًا مفسدًا فيضمن الثمن كله، كما لو فعله تعمدًا بعبد أجنبي. وقال سحنون: يضمن القيمة ويعتق عليه. م قال بعض أصحابنا: يحتمل أن يكون معنى قول ابن القاسم يضمن الثمن كله أي يضمن القيمة أو يكون قد اختار قبل ذلك فيجب عليه الثمن. م وظاهر الكتاب خلاف ذلك، ولأبي القاسم بن الكاتب إذا أصاب المشتري السلعة خطأ والخيار له، فاختار إمساكها، فينبغي أن يغرم ما نقصها غير الثمن الذي اشتراها به، لأن أرش الجناية قد وجب للبائع قبل أن يختار المشتري حبسها، كما لو جني عليها أجنبي وحكى مثله عن بعض شيوخه. ومن المدونة: ولم ير أشهب الإجارة والرهن وتزويج العبد وإسلامه للصناعة، والسوم والجناية رضًا بعد أن يحلف في الرهن والإجارة وتزويج العبد ما كان ذلك منه رضًا بالبيع. وقال عنه ابن المواز بعد أن يحلف في هذه الوجوه كلها. قال ابن المواز: وإنما اختلفا في تزويج العبد، وأما تزويج الأمة فهو رضا عندهما.

م قال ابن الكاتب القروي: سمعت من يفرق بين العبد والأمة على قول أشهب أن العبد له حل ما عقد عليه، والأمة ليس لها حل ذلك. قال: وليس ذلك بشيء، وإنما الفرق لما كانم وطؤه يعد اختيارًان إذ قد حرمها على سيدها إلا بعد الاستبراء، فكذلك إذا وطئها غيره، لأنه قد حرمها على سيدها وليس هذا في العبد. وقيل: إن الفرق أن يقول في تزويج العبد فعلته نظرًا لمولاه، فإن رضيه وإلا فسخه، وليس له ذلك في الأمة، إذ لا يصح التزويج فيها إلا لمولاها فافترقا. م والصواب ما قاله ابن القاسم؛ لأنه فعل في ذلك فعل المالك فَعُدَّ منه، إنما فعله اختيارًا، وذلك أشد من حلق شعره وحجامته الذي يلزمه بفعله الاختيار. فصل [2 - في بيع المشتري للسلعة التي لا يزال فيها خيار] ومن المدونة: قال ابن القاسم: قال مالك: ولا يبيع الرجل السلعة إذا / كان فيها خيار له حتى يستوجبها لنفسه ويشهد ثم يبيعها بعد ذلك. وروى عنه علي في البيع أنه لا ينبغي أن يبيع حتى يختار وإن باع فإن بيعه ليس باختيار، ورب السلعة بالخيار إن شاء أجاز البيع وأخذ الثمن، وإن شاء نقض البيع.

وطرح سحنون من قوله أن البائع مخير، وقال: إنما في رواية على أن الربح للبائع؛ لأنها كانت في ضمانه. م وهذا هو الصواب؛ لأنه إنما يتهم أن يكون باع قبل أن يختار، فيقول له البائع: بعت سلعتي وما في ضماني فالربح لي، وأما نقض البيع فليس ذلك له؛ لأن بيع المبتاع لا يسقط خياره، فلو نقض البيع لكان له أن يختار أخذ السلعة فلا فائدة في نقضه. وقال ابن حبيب: من ابتاع شيئًا بالخيار له، فباعه بربح في أيام الخيار قبل أن يخير صاحبه باختياره، فإن قال: بعته بعد إن اخترت صدق مع يمينه إن كذبه صاحبه - يريد بعلم يدعيه - وله الربح، وإن قال بعت قبل أن أختار فالربح لربه؛ لأنه في ضمانه، قال مالك وأصحابه ونحوه في كتاب محمد عن ابن القاسم. [قال] ابن حبيب: وإذا تسوق من له الخيار بالسلعة فهو رضا إلا أن يزعم أنه أراد أن يختبر ثمنها ليعرف رخصها من غلائها، فيحلف ويكون على خياره، فإن نكل لزمته.

[الباب السادس] في عتق البائع في أيام الخيار ومسائل مختلفة من بيع الخيار وغيره

[الباب السادس] في عتق البائع في أيام الخيار ومسائل مختلفة من بيع الخيار وغيره [الفصل 1 - في عتق البائع الأمة في أيام الخيار] قال ابن القاسم: وإذا كان الخيار للمبتاع في أمة فأعتقها البائع في أيام الخيار فعتقه موقوف، فإن رد المبتاع البيع لزم البائع عتقه كقول مالك فيمن أخدم أو أجر أمته سنه ثم أعتقها، أن أعتقها موقوف، فإذا تمت السنة عتقت بغير إحداث عتق، وهو في عتقه قبل السنة مضار نادم فيما أوجب على نفسه من الشرط وقد لزمه ولا يستطيع الرجوع فيه. [فصل 2 - فيمن أسكن رجلاً داره حتى يموت الرجل فتوفي صاحب الدار وعليه دين] [قال] ابن وهب: وقد قال ابن شهاب فيمن أسكن رجلاً داره حياة الرجل، فتوفى رب الدار وعليه دين، فلا تباع الدار للغرماء حتى يموت الرجل، قال عبد الله بن عمر: ولو كانت مدة السكنى عشر سنين لم ترجع إلى الورثة إلا بعد انقضاء المدة.

قال ربيعة: وكذلك من أسلف رجلاً مالاً إلى أجل فليس له أن يتعجله منه قبل الأجل؛ لأنه معروف صنعه. فصل [3 - في الرجل يبتاع السلعة على أنه بالخيار إذا نظر إليها] قال ابن القاسم: ومن اشترى ثيابًا أو رقيقًا أو غنمًا على أنه بالخيار إذا نظرها، فنظر إليها وصمت حتى رأى آخرها فلم يرضها فذلك له، ولو كانت حنطة فنظر إلى بعضها فرضيه ثم نظر إلى ما بقي فلم يرضه، فإن كان الذي لم يرضه على صفة ما رضي لزمه الجميع لتساويه؛ لأن الصفقة واحدة، وإن خرج آخر الحنطة مخالفًا لأولها لم يلزم المشتري من ذلك شيء، وله رد الجميع إن كان الاختلاف كثيرًا، وليس للمبتاع أن يقبل ما رضي بحصته من الثمن ويرد ما خرج مخالفًا إلا أن يرضى البائع، ولا للبائع أن يلزمه ذلك إذا أبى المبتاع، وكان الاختلاف كثيرًا. وكذل هذا في جميع ما يكال أو يوزن. وفي العتبية: إذا وجد العيب بالقليل من الطعام لزم البيع في باقيه وإن كثر لم يلزم أحدهما إلا باجتماعهما. وقال أبو المواز عن ابن القاسم: سواء كان المعيب يسيرًا أو كثيرًا فليس للمبتاع أن يأخذ إلا الجميع أو يدع. وفي كتاب العيوب إيعاب هذا وشرح أبي محمد فيه.

[الباب السابع] في ضمان السلعة واختلافهما في وقت هلاكها وما يحدث فيها من العيوب في أيام الخيار

[الباب السابع] في ضمان السلعة واختلافهما في وقت هلاكها وما يحدث فيها من العيوب في أيام الخيار [الفصل 1 - في ضمان السلعة في أمد الخيار] / والقضاء أن الضمان في أمد الخيار مما يحدث بالسلعة من البائع، إذ لا يتم البيع إلا باختيار إمضاء البيع أو ما يعد اختيارًا لإمضائه، فالسلعة بملك البائع معلقة إذ هو أقدم ملكًا فلا ينتقل الضمان عنه إلا بتمام انتقال ملكه عنها، والضمان منه فيما قبضه المبتاع مما لا يغاب عليه، وفيما يثبت هلاكه مما يغاب عليه؛ لأن هلاكه ظاهر بغير صنعه وأنه غير متعد في قبضه كالرهن والعارية وأما ما لم يثبت هلاكه مما يغاب عليه فالمبتاع يضمنه؛ لأن قبضه خارج من قبض الأمانة، وإنما قبضه لمنفعة نفسه، وعلى وجه المبايعة دون الأمانة، وكقبض الرهن والعارية التي جعلها الرسول - صلى الله عليه وسلم - مضمونة في السلام، فكان مما يغاب عليه مثله. [فصل 2 - في الرجل يشتري العبد على أنه بالخيار فيموت في أيام الخيار] قال مالك: ومن اشترى عبدًا بعيد والخيار لأحدهما أولهما جميعًا وتقابضا فمصيبة كل عبد في الخيار من بائعه؛ لأن البيع لم يتم، ولا يتم بينهما حتى يقع الخيار.

قال: ومن ابتاع دابة بالخيار على أن ينقد ثمنها فنقده ثم ماتت في أيام الخيار، فمصيبتها من البائع، وإن كان البيع فاسدًا لاشتراط النقد فيه ويرد الثمن. ومن كتاب ابن المواز: وقال في مبتاع الداية يركبها يختبر سيرها والسيق يختبره والقوس ينزع عنها فتصاب في ذلك، فلا ضمان عليه. قال ابن المواز عن ابن القاسم: فإن قال المبتاع: هلك المبيع في أيام الخيار، وقال البائع بعدها فالقول قول البائع؛ لأن المبتاع يطلب نقض البيع فعليه البينة. قال أبو محمد: يعني وقد تصادقا اليوم أن أيام الخيار مضت وأما لو قال المبتاع لم تنقض، لصدق مع يمينه؛ لأن البائع يريد تضمينه. فصل 3 - ما يصيب الجارية من عيوب في أيام الخيار فممن ضمانه] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا أصاب الجارية في ايام الخيار صمم أو بكم أو عور أو عيب أقل من ذلك فهو من البائع، وقد قال مالك أن موتها من البائع فكذلك العيوب. والمشتري بالخيار إن شاء أخذ بجميع الثمن ولا يحط عنه شيء لقيمة العيب، وإن شاء ترك، وكذلك ما أصابها في عهدة الثلاث أو في المواضعة، وقد قبضها المبتاع أو لم يقبضها، والخيار للبائع أو للمبتاع، فذلك كله من البائع، ويخير المبتاع بين أخذها معيبة بجميع الثمن أو ردها وليس له أن يحبسها ويوضع عنه قيمة العيب الذي حدث، وانخساف البئر في أيام الخيار من البائع.

[فصل 4 - الجناية على الأمة في أيام الخيار أو الهبة لها وكذلك تلف مال العبد] ولو جنى على الأمة أجنبي في أيام الخيار فقطع يدها أو أصابها ذلك من أمر الله تعالى، فللمبتاع ردها ولا شيء عليه أو يأخذها معيبة بجميع الثمن، والأرض للبائع، وعليه طلب الجاني، وما وهب لها أو تصدق بها عليها في أيام الخيار فللبائع، وعليه نفقتها في أيام الخيار. م وذكر عن أبي القاسم بن الكاتب فيما وهب للجارية في أيام الخيار إنا يكون للبائع إذا لم يشترط المبتاع مالها، وأما لو اشترطه لكان ما وهب لها بمنزلة مالها المشترط، قياسًا على من كاتب عبده على أنه بالخيار فوهب للمكاتب مال في أيام الخيار، أنه إن أمضيت الكتابة فالمال يكون تبعًا للعبد كماله الأول الذي كان له قبل عقد الكتابة. قال: ولو تلف مال العبد وهو رقيق أو حيوان أو عرض. [قال] ابن المواز: أو حدث به عيب في عهدة الثلاث، وقد بيع به لم يكن للمبتاع رد العبد، ولا يرجع بشيء لذلك، ولو هلك العبد في عهدة الثلاث انتقض البيع وعلى المبتاع / رد ماله وليس له التمسك بالمال ودفع الثمن، ولو حدث بالعبد في الثلاث عيب مفسد أو جني عليه، فإما رده المبتاع بماله أو حبسه بماله بجميع الثمن، والأرش للبائع.

قال: ولا يرجع المبتاع على البائع بحصة العيب الذي أصابه في العهدة؛ لأن مصيبته في العهدة من البائع، وعليه عقل جنايته في أيام العهدة، وقد جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - لحبان بن منقذ العهدة فيما اشترى ثلاثة أيام، وقضى به عمر وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم. [فصل 5 - في ولد الأمة في أيام الخيار وجناية العبد في الخيار] قال ابن القاسم: وإذا ولدت الأمة في أيام الخيار كان ولدها معها في إمضاء البيع أو رده لمن له الخيار بالثمن المشترط ولا شيء على المبتاع من نقص الولادة إن ردها. وقال أشهب: الولد للبائع فإن اختار المشتري البيع وقبض الأم قيل لهما: إما أن يضم المشتري الولد أو يأخذ البائع الأم فيجمعان بينهما - يريد في حوز أحدهما - وإلا نقضنا البيع. وقال ابن أبي زمنين: هذه المسألة فيها نظر؛ لأن المعروف من قول أصحاب مالك أن الحامل الحرة إذا جاوزت ستة أشهر كان حالها حال المريضة، وبيع المريض عندهم لا يجوز، وعلى هذا الأصل يجب أن يكون ما قال ابن القاسم وأشهب في الجارية

تباع بالخيار، فتلد في أيام الخيار، أن معنى ذلك أنه باعها ولم يتبين أنها حامل والله أعلم. م وفي المبسوط لإسماعيل القاضي: قيل لعبد الملك ما يمنع من بيع الأمة إذا كانت حاملاً، فقال: إذا أثقلت وصارت في الحد الذي إذا صارت إليه الحرة مُنعت إلا من ثلثها، وذلك إذا جاوزت ستة أشهر: وهو قول مالك: فيمنع من بيعها ما يمنع المريض المدنف. وإذا قتل العبد رجلاً في أيام الخيار فللمبتاع رده. قال ابن المواز: كان ذلك خطأ أو عمدًا، هذا إذا كان الخيار للمبتاع وإن كان الخيار للبائع كان الخطأ فيه مخالفًا للعمد، أما في العمد فليس له أن يلزمه المشتري وأما في الخطأ إذا فداه، فهو كعيب ذهب فهو على خياره. قال ابن المواز: ولو جرح العبد رجلاً في أيام الخيار، والخيار للمشتري، خير البائع في إفتكاكه أو إسلامه، فإن افتكه فالمشتري على خياره، كان الجرح عمدًا أو خطأ، وإن أسلمه بالجناية وثمنه أكثر منها، كان للمبتاع أن يفتكه منها ويكون

للبائع بقية الثمن؛ لأن المشتري يقول أنا قد اشتريته بثمن فليس لك أن تسلمه بأقل منه. وإن كان الخيار للبائع فافتدلاه، والجرح خطأ لا يلزم العبد به عيب، فالبائع على خياره، وله أن يلزم المشتري أخذه، وإن أسلمه البائع لم يكن للمبتاع أن يقول له قد أسلمته بأقل مما اشتريته أنا به؛ لأن الخيار للبائع، فإسلامه أياه للمجروح نقض للبيع، كما لو وهبه أو باعه من غيره في أيام الخيار، فإن ذلك له. فصل [6 - في العيب يطلع عليه المبتاع أنه كان عند البائع أو يحدث عنده في أيام الخيار] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن اشترى أمة بالخيار بخمسين دينارًا فحدث بها عيب في أيام الخيار قبل أن يقبضها أو بعد أن قبضها، ثم اطلع على عيب كان بها عند البائع، فإنما له أن يأخذها معيبة بجميع الثمن أو يردها، وليس له أن يحبسها ويرجع بحصة العيب؛ لأنه علمه وهي في ضمان البائع فكأنه عليه اشترى. ولو حدث بها عيب في أيام الخيار فعلمه، ثم حدث عيب مفسد عنده بعد زوال الخيار وخروجها من الاستبراء ثم ظهر على عيب قديم دلسه به البائع، خير فإن أراد حبسها قومت بعيب الخيار يوم / الصفقة - يريد خرجت من المواضعة ودخلت في ضمان المبتاع - فيقال قيمتها مئة ثم قومت يومئذٍ بزيادة عيب التدليس، فيقال ثمانون فقد نقصها الخمس، فيرجع عليه بخمس الثمن، قل أم كثر، وهو في هذه المسألة عشرة، فيصح له في ثمنها أربعون دينارًا.

قال ابن القاسم: وإن أراد أن يرد عمل كل ما وصفنا حتى يعلم كم ثمنها بعيب التدليس، ليرد قيمة العيب الحادث عنده من أمة معيبة، فقد علمت أن قيمتها بعيب التدليس ثمانون. فيقال: وكم قيمتها بالعيب الثالث الحادث عند المشتري. فيقال ستون. فقد نقصها من قيمتها بعيب الخيار والتدريس الربع، فيرد عليه معها ربع ما ضح في ثمنها وذلك عشرة، فيصير إن أراد أن يتماسك رجع على البائع بعشرة، وإن أراد أن يرد أمسك البائع من الثمن عشرة، ورد عليه أربعين، ونحو هذه فسره ابن المواز، وقد بيناه في كتاب العيوب. قال ابن المواز في الجارية تباع بيعًا فاسدًا وتقبض بعد المواضعة، فإنما تقوم بقيمتها يوم قبضها بعد الاستبراء وكذلك في البيع الصحيح إذا فتت، وقام بعيب؛ لأن ضمانها من البائع في الاستبراء، ولا يلزمه إلا بعد الاستبراء. فدل قول محمد أنه إنما تقوم يوم قبضها بعد الخيار وخروجها من المواضعة إن كان فيها مواضعة، وهو يوم دخلت في ضمان المبتاع. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا ينظر إلى العيب الذي حدث في أيام الخيار في شيء من ذلك. قال ابن أبي زمنين معناه: لا ينظر إلى نقصانه فيرده المشتري كما يرد ما نقص العيب [المفسد] الحادث عنده. وقال ابن القاسم في باب بعد هذا: ولو فسد البيع باشتراط النقد في الخيار والمسئلة بحالها، وحدث بها أيضًا بعد أيام الخيار وبعد أن قبضها عيب مفسد، فإنه إن شاء حبسها ووضع عنه قدر العيب الأقدم من قيمتها يوم قبضها. قال سحنون بعد أيام الخيار - يريد وبعد المواضعة.

[قال] ابن القاسم: لأنه بيع فاسد وجبت فيه القيمة فصارت كالثمن الصحيح. وإن شاء ردها وما نقصها العيب الحادث من قيمتها يوم قبضها. م وأبين من هذا أن تقول إن أراد حبسها لزمته قيمتها يوم قبضها بعد ايام الخيار والمواضعة بعيب التدليس وعيب الخيار، وإن شاء ردها وما نقصها العيب الحادث عنده من هذه القيمة. قال ابن القاسم: ولو لم يحدث عنده عيب مفسد ولكن تغيرت عنده في سوق أو بدن، فله ردها بالعيب إذ حوالة السواق لا تفيت الرد بالعيب، وله حبسها بقيمتها يوم قبضها بعد زوال الخيار. وذكر ابن المواز وغيره أنه إن لم يحدث بها غير حوالة الأسواق وشاء أن يحبسها، فإن عليه قيمتها بعيب الخيار فقط على أنها سليمة من عيب التدليس، لأن حوالة الأسواق لا يفيت ردها بالعيب، فكأنه رضي به، ويفيت البيع الفاسد، فصارت القيمة كالثمن الصحيح لا ينقص منها لعيب يملك الرد به. قال ابن عبدوس: وهذا قول ابن القاسم وأشهب، وخالفهما سحنون فقال عليه قيمتها بالعيبين جميعًا، وحجة سحنون أنه إنما يجب عليه قيمتها يوم قبضها، وقد قبضها وبها العيبان جميعًا. قال ابن طالب: ولو لم يتغير سوقها ولا حدث عنده عيب مفسد لفسخنا لابيع، ولم يكن له خيار في حبسها.

[الباب الثامن] فيمن اشترى ثوبين بالخيار فيهما أو في أحدهما فضاعا أو أحدهما [وما أشبه ذلك]

[الباب الثامن] فيمن اشترى ثوبين بالخيار فيهما أو في أحدهما فضاعا أو أحدهما [وما أشبه ذلك] [فصل 1 - فيمن اشترى ثوبين بالخيار صفقة فضاعا في أيام الخيار] قال ابن القاسم: ومن اشترى ثوبين بالخيار / صفقة فضاعا في يده في أيام الخيار لم يصدق ولزماه بالثمن، كان أكثر من القيمة أو أقل، وإن ضاع أحدهما لزمه بحصته من الثمن. قال بعض فقهائنا القرويين: ولو كان المالك منهما وجه الصفقة لوجب أن يلزماه جميعًا كضياع الجميع، ويحمل على أنه غيبة والله أعلم. فصل [2 - فيمن اشترى عبدين فادعى ضياعهما في أيام الخيار] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو كانا عبدين أو ما لا يغاب عليه فادعى ضياع ذلك، صدق مع يمينه ولا شيء عليه إلا أن يأتي ما يدل على كذبه. قال ابن القاسم: ولو كان المبتاع إنما أخذ الثوبين ليختار أحدهما بعشرة دراهم فضاعا لم يضمن إلا ثمن أحدهما وهو في الآخر مؤتمن، وإن ضاع أحدهما ضمن نصف ثمن التالف، ثم له أخذ الثوب الباقي أو رده، وكذلك قال مالك في الذي سأل رجلاً دينارًا فيعطيه ثلاثة دنانير ليختار أحدها، فيزعم أنه تلف منها ديناران، فإنه يكون شريكًا، قال سحنون: وهذا إن كان تلف الدينارين لا يعلم إلا بقوله. قال أشهب: فإن كان في موضع الثوبين عبدان فالهالك من البائع، وللمبتاع أخذ الباقي بالثمن أو رده.

وقال في غير المدونة: ولو كان شراؤه العبدين على أن يختار أحدهما على الإلزام فهلك واحد، فهو من البائع والباقي للمبتاع لازم. قال أبو محمد: كمن قال لعبديه أحدكما حر فمات أحدهما فالباقي حر. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وللمبتاع أخذ أحد الثوبين بالثمن الذي سميا فيه قرب من أيام الخيار، وإن مضت أيام الخيار وتباعدت فليس له اختيار أحدهما وينتقض البيع إلا أن يكون قد أشهد أنه قد اختار أحدهما في أيام الخيار أو فيما قرب منها. قال: وله اختيار أحدهما بغير محضر البائع، فإن اختار ببينة أشهدهم عليه بقول أو بقطع أو ببيع أو رهن أو ما يلزمه به من الأحداث، كان في الباقي أمينًا إن هلك فمن بائعه. م وهذا كله في أخذه أحد الثوبين على غير الإلزام. [فصل 3 - في شراء عبدين على أن يختار أحدهما بألف ونحوها] قال ابن القاسم: ولا بأس بشراء عبدين أو ثوبين على أن يختار أحدهما بألف درهم، وذلك لازم لأحدهما. وأما إن اختلف الثمن، فقال هذا بخمسة، وهذا بعشرة، أو قال هذا بدينار وهذا بشاة على الإلزام لأحدهما، لم يجز عند مالك، وهو من بيعتين في بيعه، وإن لم يكن على الإلزام ولكن لكل واحد من الأخذ أو الرد ما للآخر فجائز، وإنما كرهه مالك إذا كان على الإلزام؛ لأنه كأنه فسخ ثمن هذه في هذه وثمن هذه في هذه، وإذ قد تكون إحداهما أرخص من الأخرى فيدخله المخاطرة في التخيير. وأجاز ابن أبي سلمة شراء هذا الثوب بسبعة وهذا بخمسة يختار أحدهما على الإلزام، إذا كان الوزن واحدًا وكأنه أخذ الذي بسبعه ثم رده وأخذ الذي بخمسة

ووضع عنه درهمين من السبعة، فصار كأنه اشترى درهمين من السبعة التي عليه والثوب الذي بخمسة بالثوب الذي كان أخذه بسبعة، وبقيت عليه خمسة. قال: وإن كانت الدراهم مختلفة الوزن، هذه نقص وهذه وازنة لم يجز عند مالك ولا ابن أبي سلمه. وإن اتفق العدد، إذ ليس موضع قصاص، وكأنه يعطي وازنة تارة من ناقصة لزمته. [فصل 4 - فيمن اشترى ثوبًا قد لزمه يختاره من ثوبين] ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع ثوبًا من ثوبين يختاره قد لزمه فإن كان الثمن واحدًا والثوبان من جنس واحد فجائز. فإن هلك أحدهما بيد المبتاع في الخيار أو دخله عيب فالهالك أو المعيب بينهما والسالم بينهما وعليه نصف ثمن كل ثوب، ولو اختلف الثمن فألزم نفسه أحدهما على الوجوب لم يجر، فإن هلكا فعليه نصف قيمتهما، وإن هلك أحدهما فعليه نصف قيمته ويرد الباقي إن لم يفت / بشيء، فإن فات فهو بينهما، وعليه نصف قيمته. قال: ولو كانا صفة واحدة والثمن واحد فأخذهما على أن يختار واحدًا إن شاء، وإن شاء ردهما، فهلكا أو أحدهما، فالجواب كالجواب في أخذ أحدهما على الإلزام يختاره ويكون الباقي بينهما، ويغرم نصف ثمنهما جميعًا، لأنه أخذ أحدهما على وجه

الشراء والآخر على غير وجه الشراء، فليس عليه إلا ضمان واحد منهما، وهو الذي وقع عليه الشراء فلما لم يعرف كان نصف هذا ونصف هذا، وكذلك إن ضاعا جميعًا وهو عنده بمنزلة الدينارين يعطيه على أن يختار أحدهما من حقه، ولو قال المبتاع إنما ضاع أحدهما بعد أن اخترت هذا الباقي، فالقول قوله ويحلف ولا شيء عليه في التالف وقاله أصبغ. [فصل 5 - في انقضاء مدة الخيار قبل أن يختار] ومن المدونة: قال مالك: وإذا ذهبت أيام الخيار انتقض البيع إلا أن يكون قد أشهد أنه قد أخذ قبل مضي أيام الخيار. م وظاهر هذا أنه لم يصدقه أنه اختار أحدهما إلا أن يشهد خلاف ما في كتاب محمد. قال بعض أصحابنا: وما في المدونة أحسن؛ لأنه يتهم لرفع ضمان ما هلك عنده فلا يصدق إلا ببينه. [فصل 6 - في هلاك أحد الثوبين المبيعين قبل أن يختار المشتري] ومن كتاب ابن المواز: قال أصبغ: ولو لم يختر حتى هلك واحد فله رد الباقي وغرم نصف ثمن التالف فإن اختار حبس الباقي فليس له إلا نصفه إلا أن يرضى له البائع؛ لأنه لزمه نصف التالف، وهو لم يبعه ثوبًا ونصفًا وإنما باعه ثوبًا واحدًا.

قال بعض فقهائنا: إذا اشترى أحد الثوبين على الإيجاب فضاعا جميعًا أو أحدهما بيد المبتاع، فما تلف فبينهما وما بقي فبينهما، سواء قامت بينة على الضياع أو لم تقم إذ على الإيجاب أخذه، ولا خيار للمبتاع في أخذ الثوب الباقي كله، ولو ذهبت ايام الخيار وتباعدت، والثوبان بيد البائع أو بيد المبتاع لزمه نصف كل ثوب ولا خيار له؛ لأن ثوبًا قد لزمه ولا يعلم أيهما هو، فوجب أني كونا فيهما شريكين وهذا بخلاف أن لو أخذه على غير الإلزام، هذا إذا مضت أيام الخيار وتباعدت، لم يكن له أخذ واحد منهما، كانا في يد البائع أو المبتاع، إذ بمضي أيام الخيار ينقطع اختياره ولم يقع البيع على ثوب معين فيلزمه أخذه، ولا على إيجاب أخذه لأحدهما فيكون شريكًا، ولو كان إنما اشترى الثوبين جميعًا بالخيار فمضت أيام الخيار وتباعدت وهما بيد المبتاع، لزمه أخذ الثوبين. م فصار ذلك على ثلاثة أوجه في شرائه للثوبين يلزمانه جميعًا، وفي أخذ أحدهما على الإيجاب يلزمه نصف كل ثوب، وفي أخذه على غير الإيجاب لا يلزمه منهما شيء. م قال بعض أصحابنا عن بعض شيوخه بالقيروان، قال: وما وقع في مسألة الدنانير، ومعناه أن تلفه الدينارين لا يعلم إلا بقوله، هذا ليس بصحيح على ما قدمنا في مسألة الثوبين إذا كان أحدهما على الإيجاب، وسواء علم تلف الدينارين

أو لم يعلم إلا بقوله. م وقد أسقط أبو محمد وغيره (قوله)، ومعناه أن تلف الدينارين لا يعلم إلا بقوله، ولذلك نقلتها أنا (وإن كان لا يعلم تلف الدينارين إلا بقوله)، ولا فرق بين أن لا يعلم ذلك إلا بقوله أو بالبينة. وكذلك روي لنا عن ابن مناس القروي وغيره وهو الصواب. [فصل 7 - قيمن اشترى ثوبًا واحدًا وأخذ أربعة ليختار منها واحدًا فضاعت] [قال] ابن المواز. قال ابن القاسم: ومن اشترى ثوبًا واحدًا ثم أخذ من البائع أربعة أثواب على أن يختار منها واحدًا فضاعت، فإن كان البائع تطوع له بذلك لم يضمن إلا واحدًا، وإن كان هو / سأل البائع ذلك ضمنها كلها. قال محمد: لا يعجبنا هذا، وذلك سواء ولا يضمن إلا واحدًا؛ لأن البائع لم يعطه إياها إلا عن رضا إذ سأله. ومن كتاب ابن حبيب قال: ومن اشترى ثوبين بالخيار بثمن واحد، فهلك بيده أحدهما، لزمه بحصته من الثمن، وإن اشترى منه كل ثوب منهما بثمن سماه لكل ثوب على أن يأخذهما إن شاء أو أحدهما ويرد الآخر فضاع أحدهما فإنه يضمنه بما سمى له من الثمن، وله أخذ الباقي أو رده، ولو ضاعا جميعًا ضمنهما بالثمن الذي سمي لكل واحد، وكذلك إن شرط على أن أحدهما قد لزمه بما سماه إلا أنه يختار هذا أو

هذا، فضاع أحدهما فإنه يضمنه بما سمى له من الثمن، وله أخذ الباقي بثمنه أو رده ولو ضاعا جميعًا ضمنهما بالثمن الذي سمي لكل واحد، وكذلك لو كانت عشرة أثواب، سمي لكل ثوب ثمنه على أن يأخذ أيهم شاء، قد لزمه منها واحد فضاعت كلها، ضمن جميعها بما سمي من الثمن، ولا يكون في شيء منها مؤتمنًا كما قال ابن القاسم؛ لأنه لم يؤمن على شيء منها، وإنما أخذها على الخيار فيها كلها ينتقل بخياره من هذا إلى هذا، حتى يوقع خياره على أيهما شاء، وعاب تفرقة ابن القاسم بين أن يأخذها كلها على الخيار فيضيع بعضها، أنه يضمنه أو أن يأخذها على أن واحدًا قد لزمه أنه يكون شريكًا فيما ضاع وفيما بقي. وقال: وأي غلط أبين من هذا، بل ذلك كله سواء أن يأخذها كلها أو يردها كلها، أو على أن يأخذ منها واحدًا قد لزمه، أو إن شاء أخذه أو رده، فإنه يضمن ما ضاع منها إلا في وجه واحد إذا شاء ربها، على أن واحدًا لزمه بخياره فضاع منها واحد، فإن قال اخترته ثم ضاع لزمه بالثمن ورد ما بقي، وإن قال ضاع قبل أن أختاره لزمه أيضًا بالثمن المسمى له، وقيل له اختر واحدًا من بقيتها لا بد لك من ذلك ثم أغرم ثمنه ولا يكون شريكًا في شيء منها، وإن لم يأخذها ليختار أحدها على الإلزام ضمن الذاهب ورد ما بقي إن شاء، وله أن يأخذ منها واحدًا أو يردها كلها، قال: وقاسها ابن القاسم بمسألة مالك فيمن له قبل رجل دينار، فقبض منه

ثلاثة دنانير ليزنها ويأخذ واحدًا فضاعت أن واحدًا منها قد لزمه وهو في باقيها أمين، وليست تشبهها؛ لأن هذه فيها أمانة بينة والثياب في البيع كلها على الضمان؛ لأنه مخير في كل واحد. م والدنانير أيضًا مخير في كل واحد منها، فلا فرق بين أن يدفع إليه ثلاث أثواب يختار واحدًا منها قد لزمه ولا بين ثلاثة دنانير يختار واحدًا منها قد لزمه، فلو فهم ابن حبيب قول ابن القاسم لم يفرق بينهما، وإن تحامله وتغليطه لابن القاسم لقبيح. قال ابن حبيب: وفي مسألة مالك أيضًا تفسير أسقطه وإنما يكون واحد من الدنانير منه إذا لم يشك أن فيها وازنًا فأما إن جهل ذلك وقال قد ضاعت قبل الوزن، فهو مصدق ويحلف أنه ما علم أن فيها وازنًان ولا وزنها حتى ضاعت ثم يرجع بديناره ويكون فيها أمينًا إلا أن تكثر الدنانير حتى يعلم أن مثلها لا يخلو أن يكون فيها وازن، فحينئذٍ إذا ضاعت قبل الوزن يكون دينار منه، وهو في باقيها أمين، وهكذا قال لي من كاشفت من أصحاب مالك في ذلك كله، لم يختلفوا إلا في وجه واحد، إذا كانت الثياب مختلفة الأثمان، فإن مالكًا كره أن يأخذ منها واحدًا على الإلزام، وأراه يضارع بيعتين في بيعة. وقاله ابن الماجشون: وأجازه عبد العزيز بن أبي سلمه، وبه أقول ولا يدخله / بيعتان في بيعه، وإنما بيعتان في بيعة أن يشتري أحدهما بدينار نقدًا أو دينارين إلى أجل أو بدينار أو شاة نقدًا وشبه ذلك.

[فصل 8 - فيمن ابتاع ثوبين على أنه فيهما بالخيار فاختار بغير محضر البائع وأشهد] قال: ولو ابتاع ثوبين على أنه فيهما بالخيار، فاختار أحدهما بغير محضر البائع وأشهد على ذلك ثم ادعى هلاك الباقي، فابن القاسم لا يضمنه؛ لأنه أمين فيه حين اختاره غيره، ومن سواه من أصحاب مالك يضمنه، وهو الصواب؛ لأنه أخذه على الشراء، فلا يبرأ إلا برده على البائع، ولا يقبل قوله في ضياعه، بعد اختيار الذي اختار. قال أبو محمد: هكذا في كتاب ابن حبيب، فإن كان يعني أنه إنما يختار أحدهما فهو قول ابن القاسم، وإن كان يريد هو فيهما بالخيار يأخذهما أو يردهما، فليس بقول ابن القاسم. م وظاهر كلام ابن حبيب إنما يريد على أنه يختار أحدهما والصواب في ذلك كله قول ابن القاسم وبالله التوفيق. [فصل 9 المشتري يدفع إلى البائع ثمن سلعة اشتراها منه ويأمره بوزنها فتهلك] ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ومن دفع إلى رجل دنانير ثمن سلعة ابتاعها منه، وقال له زنها، أو قال له خذها على أن تزنها، فإن كانت وفاء فهي لك وما زاد فاردده وما بقي أوفيتكه، فهلكت فهي من قابضها إذا قبضها على وجه القضاء أو الرهن، ولو كان بمعنى الوديعة لكانت من الدافع. قال أصبغ: هذا قبضها على وجه القضاء لا شك فيه، ولو لم يكن على القضاء كانت رهنًا، لأنه سبب ما دفع عليه، وقد قلت لابن القاسم فلو كان

حلف ليوفينه فدفع على هذا فمضى الأجل ثم وجدها قدر حقه قال لا يحنث؛ لأن هذا رهن. قال أصبغ: وإن كان له عليه ثلاثة دنانير قائمة، فدفع إليه ثلاثة دنانير، وقال له زنها فما وجدت من قائم فخذه فإن ضاعت قبل أن يعرف أن فيها قائمًا فهي من الدافع. فصل [10 - فيمن أخذ ثوبًا بالخيار من رجل وثوبًا من آخر بالخيار ثم لم يدر ثوب كل واحد] ومن كتاب ابن المواز والعتبية قال مالك: ومن ابتاع ثوبًا بالخيار من رجل وابتاع من آخر ثوبًا غيره بالخيار أيضًا ثم لم يميز ثوب هذا من ثوب هذا، وادعى كل واحد أجودهما فإنه يلزمه الثمنان في هذا إذا تقارَّا في الأثمان واختلفا في الثياب، ولو ادعى كل واحد الأرفع وقال: ثمنه عشرة وقال المشتري: بل ثمن أحدهما خمسة والثاني عشرة ولا أدري من ثمن ثوبه عشرة ولا أيهما ثوبه، فهذان يحلفان، ويخير المشتري في أن يدفع إلى كل واحد عشرة ويأخذ الثوبين أو يدفع الأرفع لأحدهما ويدفع إلى الآخرة عشرة وقال في المسألة الأولى: إلا أن يزعم أنه يعرف ثوب كل واحد فيصدق ويحلف أو تعرفه بينة غيره، فلا يحلف. قال في كتاب محمد: فإن لم يعرف حلف البائعان، ثم للمشتري أن يدفع أرفعهما إلى من شاء منهما، ويدفع إلى الآخر ثمن ثوبه الذي راضاه عليه وذلك له. قال ابن القاسم: وإن نكل البائعان عن اليمين قيل للمبتاع ادفع الأرفع إليهما ودع الأدنى حتى يدّعياه بعينه.

قال ابن القاسم في العتبية: إن كان أحدهما بعشرة وألاخرة بخمسة وادعى كل واحد أجودهما، فإن نص لكل واحد ثوبه حلف وبرئ إليه منه، وإن قال هذا ثوبه بعشرة ولا أدري أيهما ثوبه، وهذا ثوبه بخمسة ولا أعرف ثوبه فقد لزماه، فإن شاء دفع أرفعهما إلى من شاء وغرم للآخر ما سمي له من الثمن. وإن قال مع جهله ثوب كل واحد، ولا أدري من ثوبه بعشرة قيل له: ادفع إلى كل واحد عشرة واحبس الثوبين - يريد ويحلفان -. م وقد تقدم في الباب الأول أن من قول مالك إذا انعقد البيع / باللفظ فلا خيار لواحد منهما إلا أن يشترط الخيار وحديث ابن عمر (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) ليس بمعمول به وهو منسوخ بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (المسلمون على شروطهم) وبقوله (إذا اختلف المتبايعان استحلف البائع) فلو كان الخيار بينهما ما كلف البائع يمينًا، وقد قال مالك الأمر عندنا في اختلاف المتبايعين في الثمن أنه يقال للبائع، أما أن تصدق المشتري أو فاحلف بالله أنك ما بعت سلعتك إلا بما قلت، فإن حلف قيل للمبتاع أما أن تأخذها بما قال البائع أو فاحلف ما اشتريت إلا بما قلت وتبرأ. قال شريح: إذا حلفا ونكلا ترادا وإن حلف أحدهما ونكل الآخر لزمه البيع.

[الباب التاسع] ما يجوز فيه الخيار أم لا وضمان ما هلك فيه واشتراط النقد

[الباب التاسع] ما يجوز فيه الخيار أم لا وضمان ما هلك فيه واشتراط النقد [الفصل 1 - في الخيار في الصرف] قال مالك: ولا يجوز في الصرف خيار وإن قرب. قال ابن القاسم: وإن عقداه عليه لم يجز وإن أسقطا الخيار قبل التفرق إلا أن يستقبلا صرفًا جديدًا. قال مالك: ولا يجوز في الصرف حوالة ولا كفالة ولا شرط ولا رهن إلا المناجزة، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - (لا تبيعوا الذهب بالورق ولا الورق بالذهب إلا هاء وهاء) وقال عمر بن الخطاب: وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره. [فصل 2 - الخيار في السلم] قال مالك: ولا بأس بالخيار في السلم إلى أمد قريب يجوز تأخير النقد إلى مثله كيومين وثلاثة إذا لم يقدم رأس المال، فإن قدمه كرهته؛ لأنه يدخله سلف جر منفعة وسلف وبيع. يريد أنه تارة بيع وتارة سلف، ويريد أنه لا يجوز هاهنا أن يتطوع بالنقد بعد العقد في السلم ويدخله إذا تم البيع بينهما فسخ دين في دين. فصل [3 - في اشتراء الصبرة على الكيل والغنم كل شاة بدرهم] قال مالك: ومن اشترى هذا الطعام كل إردب بدرهم أو هذه الثياب كل ثوب بدرهم، أو هذه الغنم كل شاة بدرهم على أنه بالخيار ثلاثًا، فليس له أن يأخذ بعضًا

ويترك بعضًا، فأما أخذ الجميع أو ترك لأنه صفقة واحدة إلا أن يرضى البائع أن يجيز ذلك له. فصل [4 - في بيع الخيار يقع فاسدًا] قلت: فمن أخذ من رجل سلعة بمائة دينار إن رضيها أو على أن يريها فماتت أو تلفت قبل أن يرضاها أو يريها ممن ضمانها؟ قال: قال مالك: ضمان ما بيع على خيار مما لا يغاب عليه أو مما يثبت هلاكه مما يغاب عليه من البائع وإن قبضه المبتاع، وما لم يثبت هلاكه مما يغاب عليه فالمبتاع يضمنه ويلزمه الثمن، وكذلك إن وقع بيع الخيار فاسدًا باشتراط النقد كان ما هلك في الخيار من البائع وإن قبضه المبتاع فيما لا يغاب عليه كالبيع الصحيح ويرد ما انتقد، وسواء كان الخيار هاهنا للبائع أو للمبتاع، وإنما كان ضمان ما بيع على خيار من البائع؛ لأن البيع لم يتم بينهما حتى ينقضي أمد الخيار لهلاك الأمة في المواضعة والإستبراء وفي عهدة الثلاث أن ذلك من البائع، وقضى بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره، وقد تقدم كثير من هذا.

فصل [5 - في اشتراط النقد في بيع الخيار] قال ابن القاسم: وكل ما بيع على خيار من حيوان أو ريع أو عروض، فلا يجوز اشتراط النقد فيه، قرب الأجل أو بعد واشتراط ذلك يفسد البيع. قال غيره: لأن ذلك يصير تارة ثمنًا وتارة سلفًا، فحرم وضارع ما نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيع العربان، الذي هو تارة ثمن وتارة عطية. قال بعض أصحابنا: وإذا تشاحا في إيقاف الثمن في بيع الخيار لم يلزمه وقفه، ولا يدخل ذلك الاختلاف في إيقاف الثمن في بيع الغائب، والأمة التي فيها المواضعة. والفرق بينهما أن / بيع الخيار لم ينبرم، وبيع الغائب والأمة التي فيها المواضعة قد انبرم وانعقد فافترق الحكم في ذلك. [فصل 6 - عند عدم اشتراط النقد في بيع الخيار هل يجوز التطوع به؟] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن سلم العقد من اشتراط النقد جاز التطوع به بعد صحة العقد، وكذلك النقد في الاستبراء وعهدة الثلاث يجوز التطوع به بعد صحة العقد إلا في الخيار في السلم يفلا يجوز التطوع بالنقد فيه وإن بعد صحة العقد وقد تقدمت العلة فيه.

قال ابن سحنون: ومن شرط النقد في أيام لاخيار فهو كمن اشترى وأسلف. م يريد وقبض السلف أن ذلك بيع فاسد، ويرد ما لم يفت بحوالة سوق فأعلى، فإن فات ففيه القيمة ما بلغت. وقال أبو سعيد البراذعي في مختصره التمهيد: وقد جرى لابن القاسم غير هذا في مسألة من وجد عيبًا فيما ابتاعه بالخيار وشرط النقد يريد أنه جعل البيع فيها فاسدًا. م وهذا وفاق لما قال سحنون، وإنما توهم البراذعي أن ابن سحنون أراد أنه مثله وإن لم يقبض السلف أو يكون حمل أن مذهب ابن القاسم فيمن اشترى وأسلف أنه عنده سواء، انتقد السلف أو لم ينتقده، فهذا خلاف ما نتأول نحن عليه. ومذهبه عندنا هو ما فسره سحنون من التفريق بين أن يقبض السلف أو لا يقبضه، وكذلك روى عنه يحي ابن يحي، وقد تقدم شرحه في البيوع الفاسدة. [فصل 7 - في تباعد مدة الخيار] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن تباعد أجل الخيار كشهر أو شهرين لم يجز، قدم النقد أم لا، ولا يجوز الخيار إلى مثل هذا الأجل في شيء من البيوع - يريد إلا في

الربع - قال: فإن عقد البيع على ذلك ثم ترك الخيار مشترطه قبل التفرق لم يجز لفساد العقد، وأما إن اشترط النقد لم يجز البيع وإن كان الخيار يومًا واحدًا وقاله مالك. م ومسألة من اشترى جارية بخيار واشترط النقد فأصابها عيب في أيام الخيار وحدث بها عنده بعد أيام الخيار والاستبراء عيب مفسد مثل القطع، واطلع على عيب دلسه البائع، قد تقدم شرحها في باب ضمان السلعة وما يحدث بها من العيوب في أيام الخيار فأغنى عن إعادتها. [فصل 8 - فيمن باع سلعة معيبة ولم يخبر به إلا بعد تمام البيع] قال: ومن باع سلعة ثم قال بعد تمام البيع إن بها عيبًا، كذا قال مالك، فإن كان ظاهرًا أو كان خفيًا وقامت به بينة فالمبتاع حينئذٍ مخير بين أن يأخذ بجميع الثمن أو يرد، وإن لم يكن ظاهرًا ولا قامت بالخفي بينة، فالمبتاع بالخيار، إن شاء أن يرد أو يتماسك ببيعه، ولا يصدق البائع، ثم إن وجد ذلك العيب على ما قال البائع كان له الخيار إن شاء رد أو ترك وإيعاب هذا في العيوب.

[الباب العاشر] في الدعوى في الخيار ورد السلعة بعد أيام الخيار والخيار إلى غير أجل

[الباب العاشر] في الدعوى في الخيار ورد السلعة بعد أيام الخيار والخيار إلى غير أجل [الفصل 1 - في دعوى البائع أن السلعة المعادة إليه بالخيار ليست له] قال ابن القاسم: ومن اشترى سلعة أو جارية بالخيار ثم ردها في أيام الخيار، فقال البائع ليست هذه سلعتي ولا جاريتي فالمبتاع مصدق مع يمينه. وقد قال الملك فيمن قضى لرجل دنانير من دين ليقلب وينظر ثم ردها إلى الدافع فقال: ليست ذهبي، فالقول فيها قول الراد مع يمينه. [فصل 2 - دعوى المشتري إباق الرقيق أو انفلات الدواب في أيام الخيار] قال: ومن اشترى رقيقًا أو حيوانًا بالخيار فقبضها ثم ادعى إباق الرقيق وانفلات الدواب، وإن ذلك سرق منه وهو بموضع لا يجهل لم يكلف بينة وصدق مع يمينه ولا شيء عليه؛ لأن هذا لا يغاب عليه إلا أن يأتي بما يدل على كذبه. قال ابن حبيب: ويحلف أيضًا أنه ما اختار حتى ذهب. [فصل 3 - دعوى المشتري موت المبيع أو هلاك ما يغاب عليه في أيام الخيار] قال مالك وإن ادعى / موتًا وهو بموضع لا يخفى، سئل عنه أهل ذلك الموضع؛ لأن الموت لا يخفى عليهم ولا يقبل إلا العدول، فإن تبين كذبه في مسألتهم أو لم يعلم ذلك بالموضع أحد فهو ضامن، وإن لم يعرف كذبه صدق مع يمينه.

م يريد والمتهم في هذا وغير المتهم سواء لا بد من يمينه وكذلك في عارية الحيوان وإجارتها يدعي ضياعها، فلا بد من يمينه؛ لأنه قبضها لمنفعته، فالمتهم وغيره فيها سواء، بخلاف الودائع التي لا منفعة له فيها فلا يحلف فيها إلا المتهم، قاله بعض فقهائنا. ومن المدونة: قال وأما من ادعى هلاك ما يغاب عليه في أيام الخيار فهو ضامن ولا يصدق إلا ببينة أنه هلك بغير تفريط أو بأمر ظاهر من أخذ نصوص أو غرق مركب كانوا فيه، أو احتراق منزل وقد رأوا الثوب في النار. [قال] ابن المواز: وعلم أن النار من غير سببه. قال مالك: فإن سهدت بينة بهذا كان من البائع، وكذلك إن ثبت هذا في الرهن والعارية والصناع، كان من ربه وإلا فهو ممن هو بيده. فصل [4 - في التداعي في بيع الخيار] ومن كتاب ابن المواز: وإذا اختلف المتبايعان فقال البائع: بعتك على أن الخيار لي دونك، وقال له المبتاع: بل على أن الخيار لي دونك. فقال ابن القاسم وأشهب يتحالفان ويثبت البيع.

قال ابن المواز: أما إن اتفقا على رد أو إجازة فلا يحلفان وإن اختلفا فمن أراد إمضاء البيع قبل قوله مع يمينه، كان بائعًا أو مبتاعًا، ولا يحلف صاحبه؛ لأن اليمين على من يحكم له وهذا يحكم عليه، وفي اختلافهما في الثمن كل واحد يحكم له على صاحبه. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية في هذا قال: ينتقض البيع ولا يقبل دعوى واحد منهما. وروى أصبغ عنه: إذا ادعى كل واحد أن الخيار له فالبيع لازم والخيار ساقط. قال أصبغ: ويحلفان ولا أبالي من بديت باليمين، وأحب إليّ أ، يبدأ المبتاع؛ لأنه أوكد في الدعوى فإن حلفا أو نكلا فذلك، وإن حلف الواحد ونكل الآخر فالقول قول الحالف، فإن حلف المبتاع أولاً، فله الأخذ ويخير البائع في أن يحلف فيسقط عنه أو لا يحلف فيسلم، كما إذا اختلفا في الثمن، فيبدأ البائع فيحلف، فيتم له حتى يحلف صاحبه فيسقط أولاً يحلف فيؤدي الثمن. فصل [5 - في القضاء أجل الخيار] ومن المدونة: ومن اشترى سلعة أو ثوبًا على أنه بالخيار يومين أو ثلاثة فلم يختر حتى مضت أيام الخيار [ثم أراد الرد والسلعة في يده وأراد أخذها وهي بيد البائع فإن كان بعيدًا من أيام الخيار] فليس له ردها من يده ولا أخذها من يد البائع، وتلزم من هي بيده من بائع أو مبتاع، لا خيار للآخر فيها، وإن كان بعد غروب الشمس من آخر أيام الخيار كالغد أو قرب ذلك فذلك له.

قال: وإن شرط إن لم يأت المبتاع بالثوب قبل مغيب الشمس من آخر أيام الخيار ولزم البيع؟ قال مالك: فلا خير في هذا البيع، أرأيت إن مرض أو حبسه السلطان؟ قال ابن القاسم في كتاب محمد: ويفسخ البيع، وإن فات الأجل الذي يجب به البيع. م وذكر لنا عن الشيخ أبي الحسن ابن القابسي أنه قال: هذه المسألة إنما تحمل على اختلاف قول مالك فيمن باع سلعة وشرط إن لم يأت بالثمن إلى أجل كذا وإلا فلا بيع بينهما، فقد قال فيها في أحد أقاويله يفسخ البيع بينهما، وإن أسقط الشرط ورآه بيعًا فاسدًا. والذي قال محمد في هذه المسألة جار على هذا القول، ويحتمل أن يجري فيها الاختلاف كما جرى في هذه والله أعلم. قال بعض أصحابنا: وفرق بعض الناس بينهما أن البيع في مسألة هذا الكتاب لم يتم، فوجب فسخه، وفي تلك قد تم، فوجب سقوط الشرط فيه. م والصواب أن المسألتين سواء، ويدخلهما الاختلاف الذي ذكرنا. قال في المدونة، فهذا يدل أن لمشترط الخيار الصحيح / أن يرد بعد الأجل إن كان بقربه واحتج بالتلوم للمكاتب بعد الأجل إذا قال لسيده إن جئتني بنجومك إلى أجل كذا وإلا فلا كتابة لك.

قال مالك الكتابة: جائزة والشرط باطل، فإن عجز تلوم السلطان له. [قال] ابن المواز: وقال أشهب إن مضت الثلاث بلياليها فلا رد له، وإن رد قبل غروب الشمس من آخرها فله الرد، وكذلك قال ابن الماجشون. [فصل 6 - في اختيار من له الخيار وصاحبه غائب] ومن المدونة: قال وإذا اختار من له الخيار من المتبايعين ردًا أو إجازة وصاحبه غائب وأشهد على ذلك جاز على الغائب. م قال بعض أصحابنا: إذا كان الثوب بيد البائع والخيار له لم يحتج بعد أمد الخيار إلى الإشهاد إن أراد الفسخ، وإن أراد إمضاء البيع فليشهد على ذلك، وإن كان الثوب بيد المشتري فأراد إمضاء البيع فلا يحتاج إلى الإشهاد، وإن أراد فسخه فليشهد، وهذا بيّن. [فصل 7 - فيمن ابتاع جارية بالخيار ثلاثًا ولم ينقد وسافر فماتت الجارية] ومن العتبية: قال سحنون فيمن ابتاع جارية بالخيار ثلاثًا ولم ينقد وسافر البائع فمرضت الجارية، ولم يأت المبتاع السلطان ولا أشهد على ردها حتى ماتت بعد عشرة أيام. قال ابن القاسم: إذا قبض المبتاع الأمة والخيار له ثم أقامت في يديه بعد أيام الخيار ولم يشهد على قبول أو رد فكونها في يديه رضا.

قال سحنون: وهذا في وخش الرقيق. قال أبو محمد يريد سحنون: إذ لا مواضعة فيها بعد زوال الخيار فيضمنها البائع. فصل [8 - في المتبايعين إذا لم يضربا أجلاً للخيار] ومن المدونة: قال مالك: ومن ابتاع شيئًا بالخيار ولم يضربا له أجلاً جاز البيع، وجعل له من الأمد ما ينبغي في مثل تلك السلعة. م يريد لأنه عرف فيها والعرف كالشرط.

[الباب العاشر] فيمن باع من رجل عرضا أو طعاما على أن يختار أحدهما بعض ذلك وهو من باب بيعتين في بيعة

[الباب العاشر] فيمن باع من رجل عرضًا أو طعامًا على أن يختار أحدهما بعض ذلك وهو من باب بيعتين في بيعة [فصل 1 - في اختيار الثوب من ثوبين] روى مالك في الموطأ أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعه وعن بيع الغرر، فكل بيع جرى فيه خطر، أو غرر فلا يجوز. قال مالك: ولا بأس بشراء ثوب من ثوبين يختاره بثمن كذا، أو خمسين من مئة ثوب في عدل يختارها إن كانت جنسًا واحدًا ووصف رقاعها وجنسها وطولها وعرضها، وإن اختلفت القيم بعد ان تكون كلها هروية أو مروية، فإن اختلفت الأجناس لم يجز - يريد على الإلزام -؛ لأنه خطر حتى يسمى ما يختار من كل جنس منها من ثوب فيجوز، ولو كان هذا كله على غير الإلزام لجاز، وكذلك إن اجتمع حرير وخز وصوف وإبل وبقر وغنم لم يجز إلا على ما ذكرنا. [فصل 2 - الخيار في العروض والحيوان] قال: وكل شيء ابتعته من سائر العروض والماشية غير الطعام على أن يختار منه عددًا يقل أو يكثر بثمن مسمى، فذلك جائز في الجنس الواحد، ولا بأس أن يبتاع مئة شاة على أن يرد منها شاة أيتها شاء، وكأنه ابتاع تسعًا وتسعين يختارها منها، وكذلك ثلاثين أو أربعين يختارها منها فهو جائز. [قال] ابن المواز: قال ابن القاسم: وإن قال المشتري على أن أرد شاة بثمنها، فإن سمى ذلك الثمن جاز، وإن لم يسمه فالبيع ردئ.

ومن المدونة: وكذلك لو باعه المئة إلا شاه يختارها البائع لجاز، ولا يجوز أن يستثني البائع خيار أكثرها كتسعين من مائة أو ما كثر عدده. قال بعض شيوخنا القرويين: يجوز أن يستثني البائع مثل ثلث الصفقة فأقل. [قال] ابن المواز: قال ابن القاسم: ولو استثنى البائع شاة من شرارها فإن ذلك يتقي. فإن أصبغ: للخطر. قال محمد: والقياس أن لا بأس به. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وما لم يذكر البائع خياره فيما يستثنيه من العدد أو المبتاع فيما يشتريه من العدد مما قل أو كثر فذلك جائز من كان منهما ويكون في الجميع شريكًا إن استثنى عشرًا كان شريكًا بالعشر، وإن استثنى شاة كان شريكًا بجزء من مئة وللآخر تسعة وتسعون جزءًا. ومن كتاب ابن المواز: وإن اشترى عشرًا من هذه الغنم يختارها فلم يخترها حتى ابتاع هو أو غيره عشرًا يختارها فلا بأس به، وقد قيل أما غيره فلا يعجبنا إلا في الغنم الكثيرة جدًا، وإلا فكأن الثاني اشترى شرارها بشرط أن يختار عليه البائع أكثرها وقد أخبرتك يقول مالك أنه لا يجوز أن يستثنى البائع أن يختار إلا أيسرها.

[قال] أصبغ: قلت لابن القاسم أفيشتري الرجل عشرًا يختارها من شرارها. قال: لا خير فيه إلا أن تكون الغنم يسيرة - يريد حتى يكون ما بقي بعد العشرا يسيرًا مما يجوز للبائع أن يستثني خياره. قال: وقال ابن القاسم في الذي يستثنى من غنمه بيعه عشرًا من شرارها، إني أخافه وإن كانت الغنم كثيرة. قال محمد: ولم نجد لكراهيته وجهًا؛ لأن المشتري إنما اشترى خيارها، فذلك جائز قليلة كانت أو كثيرة، وإنما يكره استثناء الكثير للبائع. قال محمد: ولو كانت الغنم حوامل كلها، فاشترى منها عشرا يختارها، فلم يختر حتى ولدت فليس له إلا أن يختار عشرًا من الأمهات، وليس له من لغوها شيء يشتري عشرا ويأخذ عشرين، ليس له أن يختار إلا في رقابها وحدها. [قال] محمد: وقد وضعت وهي في ضمان غيره ومن ماله ولو شرط أنهن حوامل فسد البيع. [قال] محمد: ولو نقصتها الولادة فللمبتاع أن لا يقبلها ولو كان الخيار للبائع كان له. قيل: فلو جز البائع صوفها؟ قال: ليس هذا للبائع فإن فعل فذلك للمبتاع إن اختار. قيل له: فما أكل البائع من لبنا وسمنها؟ قال: لا شيء للمشتري فيه للضمان، قيل: فلو كن جواري اشترى عشرًا من مئة يختارهن وهن

حوامل فوضعن؟ قال: هذا لا يكون له الخيار في أخذ الأمهات، ويفسخ البيع من أجل التفرقة، وقيل لا يفسخ، والولد للبائع يخير المشتري، فإن اختار الأخذ خير أن يجمعا بينهما. - يريد في ملك واحد - أو يبيعا ويقسما الثمن على القيم، ولو شرط في عقده البيع أنهن حوامل فسهخ البيع، وقد قيل: إن كان الحمل ظاهرا بينًا يعرفه كل أحد جاز في الجواري والغنم؛ لأن الشرط وغير الشرط سواء. وقيل: إن كان ذلك على وجه البارءة من الحمل جاز في الوخش خاصة. [فصل 3 - الخيار في الطعامين] ومن المدونة: قال: وأما الطعام فلا يجوز أن يشتري منه على أن يختار من صبر مصبره أو من نخيل أو شجر مثمر عددًا يسميه، اتفق الجنس أو اختلف، أو كذا وكذا عذقًا من هذه النخلة يختارها، ويدخله التفاضل في بيع الطعام من صنف واحد مع بيعه قبل قبضه إن كان على الكيل؛ لأنه يدع هذه وقد ملك اختيارها ويأخذ هذه وبينهما فضل في الكيل ولا يجوز فيه التفاضل، وكذلك إن اشترى منه عشرة آصع محمولة بدينار أو تسعة سمراء على الإلزام لم يجز ودخله ما ذكرنا وبيعه

قبل قبضه، وكذلك هذه الغنم عشرًا بدينار وهذه الثمرة عشرة إلزامًا ويدخله بيعه قبل قبضه، وهو من بيعتين في بيعة، وكذلك إن باع منه ثمر أربع نخلات من حائطه على أن يختارها المبتاع لم يجز، ولو ابتاعها بأصولها بغير ثمر جاز ذلك كالعروض، وأما الثمرة فلا، وليس كالبائع لثمر حائطه يستثنى خيار ثمر أربع نخلات أو خمس، هذا قد أجازه مالك بعد أن وقف فيه نحو أربعين ليلة وجعله / كمن باع غنمه على أن يختار منها البائع أربعة أكباش أو خمسة. وقال ابن القاسم: ولا يعجبني ذلك، ولا رأيت من أعجبه ذلك ولا أحب لأحد أن يدخل فيه، فإن وقع أجزته لقول مالك فيه، ولا بأس به في الكباش لجواز التفاضل فيها بخلاف الثمر. قال بعض أصحابنا: إنما أجاز مالك أن يستثنى البائع تمر أربع نخلات أو خمس؛ لأنه يعلم جيد نخله من دنيئه فكان الذي استثنى معلومًا عنده، فلم يحمل عليه أن يختار هذه ثم ينتقل إلى هذه كما يقول في المشتري؛ لأن المشتري لا يعلم له بالحائط فحمل عليه التنقل. قال بعض أصحابنا: واختار قول مالك غير واحد من أهل النظر ورأوه أحسن من قول ابن القاسم بما ذكرنا. وقد طعن بعض القرويين في هذه العلة وقال: لو كان البائع يعلم ذلك قبل البيع لاستثنى ثمرها بعينها، فلما شرط الخيار، دل أنه غير واثق بعلمه، وأنه يستقبل النظر فيما يأخذ لنفسه، فيتقي أن يلتزم شيئًا ثم يتركه وينتقل إلى غيره كالقول في المشتري. م والأول أصوب؛ لأنه ما من أحد إلا يعلم خيار ثمره لتعاهده ذلك ونظره إليه من بدو إثماره.

قال بعض أصحابنا: ولو اشترط المشتري نخلات يختارها ولا ثمر فيها أن ذلك جائز، وإن لم يعلم جملة نخل الحائط؛ لأنه يكون له من اختار من ذلك مقدورًا. وإذا لم يشترط الخيار وأبهم ذلك، فلا يجوز حتى يعرف عدد نخل الحائط؛ لأنه بقدر عدد ذلك كله يكون به شريكًا معه في الحائط إن كانت الخمس أو السدس فله سدس الحائط أو خمسه، وإن لم يعرف العدد كان قد اشترى جزءًا مجهولاً وذلك بين. قال: وقال بعض شيوخنا: وإذا اشترط البائع خيار نخلات يسيرة فهلكت النخل كلها قبل أن يختار، فضمانه من البائع نقبل وقوع اختياره، وهي كلها متعلقة بضمانه قبل الاختيار والله أعلم. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو لم يشترط البائع أن يختار جاز [البيع] وكان شريكا بجزء العدد الذي سمى في تمر نخله، فإن استثنى البائع ثمر عشر نخلات غير معينة ولم يذكر خيارها وهي مئة نخلة كان شريكًا بالعشر فله عشر مكيلة ثمر نخلة. م وقد جرى في هذا الكتاب وغيره مسائل من بيعتين في بيعة، ورأيت أن أزيد منها ليتبين أصلها ويتقرر محفوظها وبالله أستعين.

[الباب الحادي عشر] في مسائل من بيعتين في بيعة

[الباب الحادي عشر] في مسائل من بيعتين في بيعة [الفصل 1 - الأصل في منع بيعتين في بيعه] ومن كتاب ابن المواز: والأصل في منع جواز بيعتين في بيعة الخطر والغرر وكذلك شرطين في شرط، وذلك أن يشتري السلعة بثمنين مختلفين أو يشتري سلعتين مختلفتين بثمن واحد؛ لأنه لا يدري أن الثمنين ولا أي السلعتين تحصل له، فذلك كله غرر. [فصل 2 - فيمن باع سلعة بدينار نقدا أو بطعام نقدا ونحوها] قال مالك: ومن باع سلعة بدينار نقدًا أو بطعام نقدًا لزم ذلك البائع بخيار المشتري، أو لزم ذلك المشتري بخيار البائع في الأخذ بأحد الثمنين أو رد السلعة لم يجز وهو من بيعتين في بيعه، ويدخله مع ذلك في الطعام بيعه قبل قبضه. قال ابن المواز: ولو لم يقل أحدهما لصاحبه أنت مخير علي ولم يزد على أن قال خذها إن شئت بدينار وإن شئت بهذه الشاه لم يجز؛ لأن قوله خذ كقوله قد بعتك أو هي لك، فقد ألزمه نفسه بغير خيار.

[فصل 3 - فيمن باع روايتي زيت بخمسة وعشرين نسيئه وأربعة وعشرين نقدًا] وقال أشهب عن مالك فيمن حبس روايتي زيت للبيع فسأله رجل: كيف بعت، فقال: بخمسة وعشرين على التقاضي، وبأربعة وعشرين نقدًا، فخذ بأيهما شئت. قال: قد اخذت، فلا يجوز. قال ابن / المواز: لإنه إيجاب على البائع بقوله خذ بأيهما شئت. [فصل 4 - فيمن قال في عبدين هذا بخمسين إلى سنة وهذا بأربعين إلى سنة] وقال أشهب: عن مالك وإن قال في عبدين هذا بخمسين إلى سنة، وهذا باربعين إلى سنة، خذ أيهما شئت فلا باس بذلك. قال ابن المواز: ورواية أشهب عن مالك الأولى أصح وهي رواية ابن القاسم وابن وهب. [فصل 5 - فيمن واجر عبدًا هذا الشهر بخمسة والذي بعده بعشرة] ومن واجر عبدًا هذا الشهر بخمسة والذي بعده بعشرة فجائز ويصير كل شهر بسبعة ونصف إلا أن يقصد على أنه إن مات العبد حاسبه على ما سمى فلا خير فيه حتى يكونا في كراء واحد.

[قال] ابن المواز: وهو خطر، وكذلك في الأكرية كما يفعله بعض الناس، يقول أكريك شهرًا من السنة بدينار وأحد عشر شهرًا بدرهم فلم يجز، وكأنه يقول إن سكنت شهرًا ثم تركت أو انهدمت الدار كان باقي السنة بدرهم وهو من بيعتين في بيعه. [فصل 6 - فيمن تزوج امرأة بمئة دينار أو بعيد إيجابًا] [قال] ابن حبيب: ومن تزوج امرأة بمئة دينار او بعبد إيجابًا فذلك فاسد ويفسخ قبل البناء ويثبت بعده ولها الأكثر من صداق المثل أو من المئة أو من قيمة العبد وقاله ابن الماجشون. تم كتاب بيع الخيار من الجامع لابن يونس بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا ..

كتاب المرابحة

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه كتاب المرابحة [الباب الأول] في بيع المرابحة وما يحسب في الثمن أو يحسب له ربح [الفصل 1 - في الغش والكذب وما أشبهه في البيع] وقد نهى الله سبحانه عن أكل المال بالباطل، فقال تعالى: {وَلا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة:188].

ونهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الغش والخلابة والخديعة في البيع. ومن الغش والخلابة ما يجري في بيع المرابحة مما يكتمه البائع من أمر سلعته، مما لو ذكره كان أبخس للثمن، وأكره للمبتاع. وقد نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن النجش وهو أن يعطي في السلعة ثمنًا ليغتر به غيره، لا للحاجة إليها. قال ابن حبيب: فإن نزل هذا فسخ البيع إلا أن يتماسك المبتاع بذلك الثمن، وإن فاتت ودى القيمة إن شاء. م يريد إن كانت أقل، يدل على ذلك قوله يؤدي القيمة إن شاء، ولا يشاء أحد أن يؤدي أكثر مما عليه، فصح هذا أنه إنما عليه الأقل من الثمن الذي اشتراها به أو القيمة. قال ابن حبيب: وهذا إذا كان دسه البائع أو كان بسببه مثل ولده أو عبده أو شريكه وإن لم يكن من سببه ولا عن أمره وكان / أجنبيًا لم يعلم به، فلا شيء

على البائع، ولا يفسخ البيع والأمر على من فعل ذلك. قال أبو محمد: وكل ما يكرهه المبتاع من أمر السلعة إذا علمه فواجب عليّ البائع أن يبينه، وينبغي لمن باع مرابحة أن يعرف ما لا يحسب في الثمن وما يحسب ولا يحسب له ربح، وما يحسب ويحسب له ربح. [فصل 2 - ذكر ما يحسب في رأس المال ويحسب له الربح وما لا يحسب له] قال ابن القاسم فيمن اشترى بزا من بلد فحمله إلى بلد آخر فباعه مرابحة، فلا يحسب في رأس المال جعل السمسار ولا أجر الشد والطي ولا كراء البيت ولا نفقة نفسه لا ذاهبًا ولا راجعًا، كان المال له أو قراضًا، ويحسب كراء الحمولة والنفقة على الرقيق ولاحيوان في أصل الثمن، ولا يحسب له ربح إلا أن يربحوه في ذلك بعد العلم به فيجوز، وأما الصبغ والقصارة والكماد والتطوية والخياطة والطراز، فإنه يحسب في أصل الثمن ويضرب له ربح.

م إنما قال ذلك لأن جعل السمسار وأجر الشد والطي لا تأثير له في ثمن السلعة ولا تنميته، فلذلك لم يحسب في الثمن ولم يحسب له ربح، وأما الحمولة ففيها تنمية لثمن السلعة، والنفقة على الرقيق والحيوان بها قوامها وبقاؤها، فكان ذلك أرفع رتبة من الأول، فوجب أن يحسب ولم يحسب له ربح، إذ ليس ذلك بعين قائمة، وأما الصبغ ونحوه فله عين قائمة كعين السلعة، فلا فرق بينه وبينها. [فصل 3 - إن حسب ما لا يحسب في رأس المال أو ضرب له ربح ولم يبين فما الحكم] ومن المدونة: قال ابن القاسم: فإن حسب ما لا يحسب في رأس المال أو ضرب الربح على الحمولة ولم يبين ذلك، فإن لم يفت المبتاع رد البيع إلا أن يتراضيا على ما يجوز، وإن فات بتغير بدون أو سوق أسقط عن المبتاع فلا يحسب في رأس المال وأسقط ربح الحمولة وشبهها وأخذها ببقية الثمن. وقال سحنون في كتاب ابنه: إذا باع وأدخل في الثمن ما لا يحسب أو ما يحسب ولا يحسب له ربح ولم يبين، فإن لم تفت خير بين إزالة ما لا يحسب وربحه، وإزالة ربح الحمولة ونفقة الرقيق أو رد السلعة إلا أن يتماسك بها المبتاع، وإن فاتت فهي كمسألة الكذب إن لم يضع البائع ما ذكرنا، كان على المبتاع القيمة إلا أن تكون أكثر من جميع الثمن فلا يزاد أو تكون أقل من الثمن بعد طرح مالا يحسب أو طرح ربح ما يحسب ولا يحسب له ربح فلا ينقص.

م قال بعض أصحابنا: وما ذكره سحتنون تفسير لما جرى في المدونة. قال: وكذلك ذكر ابن عبدوس أن معنى المسألة على ما ذكره سحنون، وإنما لم يذكر القيمة فيها إذا فاتت؛ لأن القيمة أقل بعد طرح ما يجب طرحه أو مثل ذلك سواء، فلذلك لم يذكرها. قال: والذي ذكر سحنون وابن عبدوس واضح؛ لأن هذا حسب ما لا ينبغي أن يحسب، فلا يخلو أن يكون عالمًا، بأن ذلك لا يحسب فحسبه أو جاهلاً، والخطأ وتعمُد الكذب في الزيادة في الثمن في المرابحة سواء. م وهذا الذي فسر سحنون من المسألة هو القياس، وظاهر المدونة في قوتها خلاف ما ذكر سحنون. وكذلك فسرها ابن المواز، قال ابن المواز: [وإذا قال] قامت عليَّ بمئة بمؤنتها ونفقتها أو قال بمئة منها عشرة في مؤنتها ونفقتها مئة، يسأل عن ذلك النفقة ما هي ثم يعمل على ما ذكرنا مما لا يحسب في أصل الثمن، وما يحسب ولا يحسب له ربح.

قال: وإن باعها بمئة دينار ثم قال بعد أن باع أن فيها نفقة كذا في مصالحها فإذا كان قد سماه في جملة الثمن فلا تبالي، فاتت أو لم تفت، يرجع الأمر إلى ما ذكرنا أنه يسقط وربحه أو يثبت ويسقط ربحه أو يثبت هو وربحه. قال: وإن كان / ما ذكر من النفقة شيء آخر سوى ما سمى من الثمن وباع عليه - يريد مثل أن يبيعها بمئة ثم يقول بعد البيع ولي فيها نفقة عشرة غير المئة. قال: فإن كانت قائمة خير في ردها أو يتفقان على أمر، فإن فاتت رجع الأمر إلى ما وصفنا مما يثبت ويسقط. م وهذا وفاق وما في المدونة وله وجه؛ لأنه خلاف الكذب؛ لأن الكذب زاد في الثمن ما لم يكن، وهذا إنما زاد ما أخرجه من ماله كالثمن فهو مخالف للكذب والله أعلم. قال بعض أصحابنا: وإنما يصح ما ذكر في الكتاب في أن الصبغ والخياطة والقصارة تحسب في أصل الثمن، ويضرب له الربح إذا كان قد استأجر غيره على ذلك، وأما لو كان هو الذي تولى عمل ذلك بيده أو عمله له غيره ولم يؤد فيه أجرة، لم يجز أن يحسبه ويحسب له الربح إلا أن يبين ذلك كله، وإلا فهو كمن وظف على سلعة اشتراها ثمنها باجتهاد أو رقم على سلعة ورثها أو هبت له ثمنًا.

[الباب الثاني] في المرابحة للعشرة أحد عشر وبيع ما ورث أو وظف عليه الثمن مرابحة

[الباب الثاني] في المرابحة للعشرة أحد عشر وبيع ما ورث أو وظف عليه الثمن مرابحة [الفصل 1 - في المرابحة للعشرة أحد عشر] قال ابن القاسم: وتجوز المرابحة للعشرة أحد عشر، أو اثنى عشر أو خمسة عشر وللدرهم درهم. م وتفسير ذلك كأنه قال تربح لكل عشرة دراهم من الثمن درهما أو درهمين أو خمسة دراهم أو للدرهم درهمًا وذلك بين. قال: ويجوز البيع بوضيعة للعشرة أحد عشر ويقسم الثمن على أحد عشر جزءًا فيحط عنه جزءًا منها. يريد وكأنه قال ما ابتعته بأحد عشر تأخذ فيه عشرة، ولو قال للعشرة اثني عشر كأنه قال: ما ابتعته باثني عشر تأخذ فيه عشرة. وأصل معرفة هذا أن تنظر الزائد على العشرة من تسمية الوضيعة فتنسبه من الوضيعة فمثل ذلك الجزء يحط من الثمن، مثال ذلك: إذا قال بوضيعة للعشرة أحد عشرة، فقد زادت الأحد عشر على العشرة واحدًا فتنسبه من الأحد

عشر، فتحط من الثمن جزءه من أحد عشر، وإن قال للعشرة اثنا عشر، فقد زاد على العشرة اثنين وهي سدس الإثني عشر فتحط عنه سدس الثمن، وإن قال للعشرة خمسة عشر، فالزائد خمسة وهي ثلث الخمسة عشر فتحط ثلث الثمن تم على هذا. وكذلك إن ذكر أقل من العشرة أو مثلها مثل أن يقول للعشرة واحدًا، فهو كقوله للعشرة أحد عشر وإن قال للعشرة اثنان فهو كقوله للعشرة اثنا عشر وإن قال للعشرة خمسة فهو كقوله للعشرة خمسة عشر وتحمل الوضيعة، وهي الواحد أو الإثنان أو الخمسة أو العشرة ثم تنسب ذلك المحمول من الجميع فيمثل جزءه يحط من الثمن بيانه: أنه إذا قال للعشرة واحد، حملت الواحد على العشرة فتكون أحد عشر، فتنسب الواحد من الأحد عشر، فذلك جزء من أحد عشر فيحط من الثمن من الإحدى عشر وهو أن يقسم الثمن على أحد عشر. فيحط جزءًا منها، وإن قال للعشرة اثنان حملت الاثنين على العشرة ونسبتها من الجميع، فيكون سدسًا، فتحط سدس الثمن، وإن قال للعشرة خمسة حملت أيضًا الخمسة ونسبتها من الجميع فيكون الثلث فتحط ثلث الثمن، ثم على هذا. وإنما ذكرت هذا لأني رأيت بعض أصحابنا طول في ذلك، فعملت هذا طالبًا ليسهل حفظه. وإن قال بوضيعة للعشرة عشرة حملت العشرة على العشرة، ونسبتها من

الجميع فتجدها النصف فتحط من الثمن نصفه، فافهم ذلك تقف على صوابه إن شاء الله. فصل [2 - فيمن رقم سلعة ثم باعها مرابحة] قال ابن القاسم: ومن ورث متاعًا فرقمه - يريد بثمن سماه - ثم باعه مرابحة على ما رقم لم يجز. وكذلك قال مالك فيمن اشترى متاعًا فرقمه - يريد بوضيعة - ثم / باعه مرابحة على ما رقم، فإنه لا يجوز. قال ابن القاسم: والذي ورث المتاع أشد من هذا؛ لأنه من وجه الخديعة والغش. قال في كتاب البيوع الفاسدة: فيمن ابتاع ثيابًا فرقم عليها أكثر مما ابتاعها به، وباعها برقومها ولم يقل، فامت عليَّ بذلك، فقد شدد مالك فيه الكراهية، واتقى فيه وجه الخلابة. قال ابن حبيب: وقد خفف ذلك بعضهم، وكرهه بعضهم وبكراهيته أقول.

قال سحنون في كتاب ابنه: فإن رقم ما ورث ثم باع مرابحة ولم يبين، فعلم بذلك قبل فوات السلعة، خير المشتري بين أخذها بجميع الثمن أو ردها، وإن فاتت فعليه الأقل من لاقيمة أو الثمن. قال: وإن اشترى جملة ثياب فرقم عليها - يريد ما وظف على كل ثوب من جملة الثمن - فباع سلعة منها على ما رقم مرابحة ولم يبين - فإن لم تفت فللمبتاع التماسك بذلك بجميع الثمن أو ردها، فإن ردها فللبائع أن يلزمه إياها بما يقع عليها من جملة الثمن وما قابل ذلك من الربح، وإن فاتت وأبى المشتري التماسك وأبى البائع أن يضرب له الربح على ما يقع عليها بالعدل، فعلى المشتري القيمة يوم ابتاعها إلا أن يزيد ذلك على الثمن الذي اشتراها به فلا يزاد عليه أو يكون أقل مما يقع عليها من الثمن بالقيمة وحصة ربحه، فلا ينقص منه. وقال ابن عبدوس: إن لم تفت فليس للبائع أن يلزمه إياها بما يقع عليها من الثمن إلا أن يشاء المشتري؛ لأن حجة المشتري أن شراء الجملة يزاد فيهان وإن فاتت فعليه القيمة إلا أن يتماسك ببيعه الأول.

[الباب الثالث] فيمن ابتاع جارية معيبة واطلع على عيب فرضيه أو حدث العيب عنده في بيع المرابحة

[الباب الثالث] فيمن ابتاع جارية معيبة واطلع على عيب فرضيه أو حدث العيب عنده في بيع المرابحة قال ابن القاسم: ومن ابتاع أمة بالبراءة من ذهاب ضرس أو عيب غيره، أو حدث بها ذلك عنده، فلا يبعها مساومة ولا مرابحة حتى يبينه، ولو ظهر على العيب بعد أن ابتاعها فرضيه أو حدث عنده لم يجز ذلك في المرابحة حتاي بين انه ابتاعها سليمة ثم رأى العيب فرضيه أو حدث عنده. قال سحنون في كتاب ابنه، وإن باع ولم يبين العيب في ذلك كله، ولم تفت أو فاتت بحوالة سوق أو عيب خفيف لا يفيت الرد بالعيب، وإن كان ذلك في بيع المرابحة فوتًا فله إن شاء ردها أو أخذها بجميع الثمن، وإن فاتت بما يفوت به الرد بالعيب من عتق وشبهة، فإن حط عنه البائع حصة العيب وربحه فلا حجة له، وإن أبى فللبائع القيمة ما لم تنقص من الثمن بعد إلغاء قيمة العيب وربحه أو تزيد على ذلك. م يريد أو تزيد على الثمن فلا يزاد ولا ينقص. م وهذا إذا أخذه بحكم الكذب. وقال ابن عبدوس: هذا مدلس بعيب، فإذا فات بعتق ونحوه رجع بقيمة العيب بما يقع لذلك من رأس المال وربحه، باع مساومة أو مرابحة، وليس هذا موضع قيمته. قالا جميعًا: فأما إن ذكر العيب ولم يبين أنه اشتراها على الصحة، ثم رأى العيب فرضيه أو حدث العيب عنده فهي كمسألة الكذب، ويفيتها حوالة الأسواق، فإن لم تفت، فإما رضيها بالثمن كله وإلا رد إلا أن يحط البائع حصة العيب وربحه فلا رد له

وإن فاتت بحوالة سوق فأعلى وابى البائع أن يحطه ذلك، ولم يرض المبتاع بالثمن فعليه قيمتها ما لم يجاوز الثمن الأول فلا يزاد / أو ينقص عن الثمن بعد طرح قيمة العيب وربحه فلا ينقص. م وفي آخر الكتاب زيادة شرح في هذا.

[الباب الرابع] فيمن باع مرابحة بعد الغلة والولادة أو حوالة السوق ولم يبين

[الباب الرابع] فيمن باع مرابحة بعد الغلة والولادة أو حوالة السوق ولم يبين [الفصل 1 - قيمن ابتاع سلعة فاستغلها ثم باعها مرابحة ولم يبين] قال ابن القاسم: ومن ابتاع حوانيت أو دورًا أو حوائط أو رقيقًا أو حيوانًا أو غنمًا فاغتلها أو حلب الغنم، فليس عليه أن يبين ذلك في المرابحة؛ لأن الغلة بالضمان إلا أن يطول الزمان أو تحول الأسواق، فليبين ذلك، ولا يكاد يطول الزمان إلا حالت الأسواق، ولا يثبت الحيوان على حال، وأما إن جز صوف الغنم فليبينه، كان عليها يوم الشراء أم لا؛ لأنه إن كان يومئذٍ تامًا فقد صار له حصة من الثمن، فهذا نقصان من الغنم، وإن لم يكن تامًا فلم ينبت إلا بعد مدة تتغير فيها الأسواق. قال سحنون في كتاب ابنه: فإن جز الصوف ولم يبين فإن طرح البائع عنه حصة الصوف وربحه ولم تفت لزمته وإلا فليرد أو يحبس، فإن فاتت ولم يحطه البائع ذلك ولم يرض المبتاع بالثمن الأول فعليه قيمتها ما لم تجاوزه، فلا يزاد أو ينقص عن الثمن بعد أن يطرح منه حصة الصوف وربحه فلا ينقص وقد ذكر نحوه ابن عبدوس. [فصل 2 - فيمن اشترى أنثى فولدت عنده ثم باعها مرابحة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن توالدت الغنم لم يبع مرابحة حتى يبين وإن باعها بأولادها؛ لأن حوالة الأسواق عند مالك فوت، فهذا أشد من ذلك. ولو ولدت الأمة عنده لم يبع الأم مرابحة ويحبس الولد إلا أن يبين ويكون الولد في حد التفرقة.

قال سحنون: فإن باع الغنم بولدها أو بغير ولدها ولم يبين أنها ولدت عنده ولم تفت فللمبتاع أن يحبس بجميع الثمن أو يرد، وليس للبائع إذا ردها عليه وقد باعها بفغير ولد أن يقول له نعطيك الولد ويلزمك البيع؛ لأن أسواقها قد حالت، فإن فاتت الغنم، فإن كان حال سوقها أولاً بزيادة، فلا يزاد فيها ويمضي البيع وإن حالت بنقص كانت كمسألة الكذب، ويكون ما حالت عليه من النقص كالثمن الصحيح. قال: ولو كانت أمة فولدت فحبس الولد ثم باعها مرابحة ولم يبين، فإن لم تفت أو فاتت بحوالة سوق أو نقص خفيف ولم يرض بها بالثمن كله، فله ردها وليس للبائع أن يقول أنا أحط عنك حصة العيب؛ لأن الولد فيها عيب ولا له أن يقول أنا أرد إليك الولد، ويلزمك البيع. قال ابن سحنون: لأن المشتري يحتج بحوالة الأسواق، قال أبو محمد: وقوله لأن الولد عيب أولاً؛ لأنه لم يجعل حوالة الأسواق فيها فوتًا. قال: وإن رضي المبتاع بعيوبها جبرًا على أن يجمعا بين الولد وأمه في ملك واحد. قال: وإن فاتت بعتق وشبهه فإن حطه البائع حصة العيب وربحه وإلا فعلى المبتاع قيمتها معيبة ما لم تجاوز الثمن بعد إلغاء قيمة العيب وربحه، فلا يزاد أو ينقص عن ذلك، فلا ينقص. قال أبو محمد: وهذا الذي ذكر ابن سحنون مرجعه إلى أن يحط عنه حصة العيب وربحه ولا مدخل للقيمة في هذا، نحو ما ذكر ابن عبدوس قبل هذا.

فصل [3 - فيمن ابتاع سلعة فحالت أسواقها ثم باعها مرابحة] ومن المدونة: قال ابن القاسم عن مالك: ومن اشترى سلعة أو عرضًا أو حيوانًا فحالت أسواقها عنده، فلا يبعها مرابحة حتى يبين. قال ابن القاسم: ولم يذكر لنا مالك بزيادة ولا نقصان وأعجب إليَّ أن لا يبيع حتى يبين، وإن كانت الأسواق قد زادت / لأن الناس في الطرى أرغب من الذي تقادم في أيديهم، وقد قال مالك: إذا تقادم مكتب السلعة فلا يبعها مرابحة حتى يبين في اي زمان اشتراها. وروى لمالك أنه كره أن يبيعها مساومة حتى يبين في أي زمان اشتراها، ويعرف بتقادمها عنده. قال ابن حبيب: إن حال سوقها بنقص بقرب البيع أو يبعد منه، فلا يبع مرابحة حتى يبين، وإن لم يبين فللمبتاع رد البيع، فإن فات رد القيمة وإن حال سوقها بزيادة ولم يطل لبثها عنده، فليس عليه أن يبين ذلك، وإن طال لبثها عنده فليبين، حال سوقها أو لم يحل، فإن لم يفعل وفاتت رد إلى القيمة. ومن العتبية وكتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا حط سوق السلعة الدرهم والدرهمين فليبين.

قال: وإن حال سوقها فى يعجبني أن يبيع مرابحة إلا أن يقرب ذلك - يريد محمد من اختلاف الأسواق - قال: ولا يبيع مساومة أن تطاول ذلك حتى يبين، ولعله يظنه من شراء اليوم، وكذلك في كتاب ابن عبدوس، قال سحنون في كتاب ابنه: وإن لم يبين حوالة الأسواق أو هي قائمة، خير بين ردها أو يتماسك، وليس للبائع في هذا أن يلزمها له، فإن فاتت فلا قيمة فيها، ولا يزاد في ثمن ويمضي البيع بالثمن كله، ثم رجع سحنون فقال إن كان حال سوقها بزيادة، فلا قيمة ويمضي البيع بالثمن وإن حال بنقص كان مثل مسألة الكذب وله القيمة إلا أن يزيد على التسمية، فلا يزاد أو ينقص مما رجعت إليه مع ربح ذلك، فلا ينقص حتى يكون ما حالت إليه من نقص كالثمن الصحيح. وقال ابن عبدوس: ليس حوالة السوق نقصانًا من السلعة، ولا زيادة في الثمن [في هذا] وهو غش وخديعة فعليه القيمة ما كانت إلا أن يجاوز الثمن الأول فلا يزاد عليه. قال أبو محمد: كلام ابن عبدوس أصح. قال ابن عبدوس: وكذلك إذا اشتراها بدين ولم يبين، مثل إذا كتمه أنها بارت عليه سنة، وقد قال ابن نافع عن مالك أ، له أن يردها، فهذا يدل أن رد القيمة في الفوت بدلاً منها.

[الباب الخامس] فيمن ابتاع بدين وباع بنقد أو ابتاع بنقد ثم أخر بالثمن أو تجاوز عنه في النقد أو وهب له الثمن أو وهب سلعه ثم ورثها أو ابتاع نصف سلعة وورث نصفها أو نقد غير ما عقد عليه أو اشترى له غيره هل يبين ذلك كله في المرابحة

[الباب الخامس] فيمن ابتاع بدين وباع بنقد أو ابتاع بنقد ثم أخر بالثمن أو تجاوز عنه في النقد أو وهب له الثمن أو وهب سلعه ثم ورثها أو ابتاع نصف سلعة وورث نصفها أو نقد غير ما عقد عليه أو اشترى له غيره هل يبين ذلك كله في المرابحة [الفصل 1 - فيمن ابتاع سلعة بدين إلى أجل أيجوز له بيعها مرابحة نقدًا؟] قال مالك: ومن اشترى سلعة بثمن إلى أجل فليبين ذلك في المرابحة، فإن باعها بالنقد ولم يبين فالبيع مردود. قال في كتاب محمد: وليس للمشتري حبسها إن لم تفت. م هذا ظاهر المدونة أنها إذا كانت قائمة فسخ البيع كبيع فاسد ولا وجه لفساده. قال أبو محمد: وقال ابن حبيب: إنما يرد إن شاء ذلك المبتاع ولم تفت السلعة ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن قال المبتاع أنا أقبلها بالثمن إلى ذلك الأجل ولا أردها. فلا خير فيه، ولا أحب له ذلك. وقال في كتاب ابن المواز: فليس له ذلك. م قال بعض شيوخنا القرويين: ومعنى ذلك كله أنه لا يجوز، ووجه ذلك أن السلعة لما كان له ردها عليه إذ هي قائمة صار التأخير بالثمن [إلى الأجل] إنما اتفقا

عليه من أجل ترك القيام الذي كان له أن يفعله، فهذا من باب سلف جر منفعة، كمن وجد عيبًا في سلعة اشتراها، فقال البائع: لا تردها على وأنا أؤخرك بالثمن، أن ذلك سلف جر منفعة فلا يجوز. ومن المدونة: قال مالك: وإن فاتت السلعة أخذ / البائع قيمتها يوم قبضها المبتاع ولا يضرب له الربح على القيمة، فإن كانت القيمة أكثر مما باعها به، فليس له إلا ذلك معجلاً - يريد الثمن - وإنما له الأقل من الثمن أو القيمة - وكذلك ذكره ابن المواز وغيره. وقال ابن سحنون عن أبيه: إذا فاتت وقد كان اشتراها بعشرة دنانير دينًا ولم يبين، قوم الدين، فإن كانت قيمته بالنقد ثمانية فهي كمسألة الكذب له قيمتها ما لم تجاوز عشرة وربحها، فلا يزاد أو ينقص من ثمانية وما قابلها من الربح فلا ينقص. م فالمحصول من هذه المسألة أنها على ثلاثة أقوال: قول أن البيع فاسد إن كانت قائمة، فإن فاتت ففيها الأقل من الثمن أو القيمة، وقول أنه يقوم الدين بنقد ثم تكون كمسألة الكذب وقول أنها من مسائل الغش يخير المبتاع إن كانت قائمة في أخذها بما ابتاعها به نقدًا أو يرد، فإن فاتت ففيها الأقل

وهو قول ابن عبدوس وهو أبينها؛ لأنه جعلها مثل إذا بارت عليه، وهو قول ابن حبيب، وكذلك عنده إذا حالت أسواقها بنقص أو اطلع على عيب فرضيه أو حدث عنده عيب ثم باع ولم يبين وكانت قائمة خير المشتري بين أن يرد أو يمسك وإن فاتت فعليه الأقل من الثمن أو القيمة كمسائل الغش. فصل [2 - فيمن ابتاع سلعة بنقد ثم أخر بالثمن ثم باعها مرابحة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن ابتاع سلعة بدراهم نقدًا ثم وخر بالثمن فلا يبع مرابحة حتى يبين ذلك كمن نقد غير ما عقد به البيع. قال ابن المواز: قال أصبغ: فإن لم يبين فللمبتاع ردها، فإن فاتت فالقيمة كالذي لم يبين تأخير الثمن. [فصل 3 - فيمن ابتاع سلعة بنقد فتجوز عنه في النقد ثم باعها مرابحة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو ابتاع بنقد فنقد وحط عنه ما يشبه حطيطة البيع أو تجاوز عنه درهمًا زائفًا فلا يبع مرابحة حتى يبين. قال ابن سحنون عن أبيه: فإن باع ولم يبين فإن حط عن مبتاعه ذلك لزمه البيع، وإلا كان مخيرًا في الإمساك أو الرد.

قال سحنون: إذا حط ما حط هو فقط دون حصة ربحه لزمه البيع. قال سحنون: فإن لم يعلم بالحطيطة حتى فاتت بيد المبتاع أو كانت الحطيطة بعد فوتها، قيل للبائع: حط عنه مثل ما حططت من غير ربح فإن أبى فله القيمة ما لم تجاوز الثمن الأول، فلا يزاد أو تنقص من الثمن بعد طرح الحطيطة بلا ربح، فلا ينقص. [فصل 4 - فيمن أشرك رجلاً في سلعة أو ولاه ثم حط بائعها من ثمنها] ومن المدونة: وإن أشركت رجلاً في سلعة أو وليتها له ثم حطك بائعك من الثمن ما يشبه استصلاح البيع، فإنك مجبور أن تضع عمن أشركته خاصة - قال ابن المواز: أو المولى نصفها - نصف ما حط عنك، ولا يلزمك ذلك فيمن وليته جميعها إلا أن تشاء أن تحط عنه ذلك الحطاط فيلزمه البيع، فإن لم نحطه خير في أخذها بجميع الثمن أوردها عليك كما قلنا إذا بعتها مرابحة، وكذلك الجواب في فوتها مثله في فوت بيعها مرابحة.

م وكذلك في كتاب ابن المواز عن ابن القاسم. وقال في السؤال إذا باعها المشتري الأول بأحد عشر دينارًا ثم وضع البائع الأول للبائع الثاني دينارًا، فإن لم تفت السلعة فإن حط عنه البائع ما حط وإلا خير المشتري في أن يمسك بجميع الثمن أو يرد، وقاله مالك، والتولية عندي مثله. قال: فإن فاتت ولم يحط البائع ما حط عنه فعلى المشتري قيمتها يوم اشتراها، فإن كانت أحد عشر فأكثر لزمته بأحد عشر، ولا شيء له في الوضيعة، وإن كانت أنقص رد عليه ما نقص إلا أن يكون أكثر من دينار الوضيعة، فلا يكون عليه غيره. وقال ابن القاسم أيضًا غير هذا في بعض مجالسه. قال: إن لم تفت وأبي البائع أن / يحط عنه الدينار وما يقابله من الربح، خير المشتري بين أن يرد أو يمسك، فإن فاتت فعلى المشتري القيمة ما لم تزد على الثمن أو تنقص بعد إلغاء الدينار وربحه. وقال محمد: وهذا إغراق وليس بشيء، والأول أحب إلينا. قال: أصبغ وهو قول مالك. م وهو قول سحنون. م وأنا استحب هذا له إن كانت الوضيعة بعد الشراء لأن البائع لو شاء لم يقبلها ويثبت بيعه، فإذا قبلها لم يحط إلا ما حط عنه، وإن كانت الحطيطة قبل بيعه فباع ولم يبين فهي كمسألة الكذب، فإن حط ما حط عنه وربحه وإلا كان الأمر كما بينا.

ومن كتاب ابن حبيب: ومن اشترى سلعة فأشرك فيها رجلاً فما وضع البائع لمن ولي العقد دخل فيه الأخر، وما وضع للمشرك فذلك له وحده إلا ما يباع في الأسواق مما يلزم المشتري أن يشترك بين من يستشركه فيه، فهذا من وضع له منهما دخل فيه الآخر إلا وضيعة تشبه الصلة، فهي له خاصة من كان منهم، قاله مطرف وابن الماجشون. قال ابن القاسم: ولو حطك بائعك جميع الثمن أو نصفه مما يعلم أنه لغير البائع، لم يلزمك أن تحط لمن ذكرنا شيئًا لا في بيع ولا شرك ولا تولية ولا خيار لهم. فصل [5 - فيمن ابتاع سلعة ثم وهب له الثمن أو وهب سلعته ثم ورثها ثم باعها مرابحة وفيمن ابتاع نصف سلعة ثم ورث النصف الآخر ثم باعها مرابحة] قال ابن القاسم: ومن ابتاع سلعة بمئة دينار فوهبت له المئة، فله بيعها مرابحة على المئة وإن لم يبين إن كان قد نقدها وافترقا ثم وهبت له المئة بعد ذلك، فإن ابتاع سلعة فوهبها لرجل ثم ورثها عنه فلا يبعها مرابحة حتى يبين، وإن ورث نصف سلعة ثم ابتاع نصفها، فلا يبع نصفها مرابحة حتى يبين؛ لأنه إذا لم يبين، دخل ما ابتاع وما ورث، وإذا بين فإنما يقع البيع على ما ابتاع.

م فإن باع ولم يبين وقد فاتت فالنصف المبيع نصفه مشترى، فيمضي بنصف الثمن ونصف الربح، ونصفه موروث فيكون فيه الأقل من قيمته أو ما يقع عليه من الثمن والربح، وإن كانت قائمة فللمشتري رد الجميع أو يتماسك بيعه. م وذكر عن أبي الحسن القابسي إنما عليه أن يبين إذا ورث النصف ثم ابتاع النصف؛ لأنه يزيد في الثمن ليصير له جملة السلعة، وذلك بخلاف إذا سبق الشراء ثم ورث. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن ذلك سواء ورث النصف ثم اشترى البقية أو اشترى ثم ورث على ما يقتضيه الكتاب؛ لأنه اعتل أن ذلك الجزء المبيع يدخل فيه ما ورث. م قال بعض أصحابنا: وعلى ما اعتل به الشيخ أبو الحسن يلزم ذلك إذا اشترى النصف الثاني أن عليه أن يبين؛ لأنه زاد في النصف الآخر. [فصل 6 - في السلعة بين الرجلين يقسمانها ثم يبيع أحدهما قسمة مرابحة] قال ابن القاسم: ولو ابتاع رجلان عروضًا ثم اقتسماها فلا يبع أحدهما حصته مرابحة حتى يبين.

م فإن باع ولم يبين وقد فاتت فيمضي البيع في النصف بنصف الثمن وما قابله من الربح، والنصف الآخر إنما أخذه عوضًا عن نصيبه الذي بتله لصاحبه، فكأنه اشتراه بعرض، فيرجع الأمر فيه إلى حكم من عقد على عين ونقد عرضًا وباع ولم يبين، فالمبتاع مخير بين أن يتماسك ببيعه أو يضرب له الربح على ما عقد به البيع، وإن لم تفت رد بيع جميعها إلا أن يتماسك المبتاع ببيعه. [قال] ابن حبيب: ومن أخذ سلعة في المقاواة بينه وبين شريكه، فله بيعها مرابحة بتلك المقاواة وإن لم يبين إذا صح ذلك. قال أبو محمد: يريد ويحمل على الثمن نصف الزيادة فقط وهو ما أخذ الشريك. فصل [7 - فيمن ابتاع سلعة بثمن ونقد خلافه] قال ابن القاسم عن مالك: ومن ابتاع سلعة بألف درهم فأعطاه فيها مئة دينار أو ما يوزن أو يكال من عرض أو طعام فليبين ذلك في المرابحة، ويضربا الربح على ما أحبا مما عقدا عليه البيع أو نقدا فيه إذا وصف ذلك. [قال] ابن المواز: قال مالك إذا نقد دراهم عن دنانير/ فليبع على ما نقد، وقاله ابن المواز، وإن لم يسم ما وقع به البيع إذا لم يحابه في الصرف.

وقال مالك مثله إذا نقده طعامًا يكال أو يوزن، والذي عليه أصحابه أن ذلك كالسلع. وقال ابن القاسم: إذا باع مرابحة ولم يبين وفاتت السلعة فإنه يقوم ما نقد من طعام أو عرض، فإن كانت قيمة ذلك أقل مما ابتاع به حسب على الأقل، وإن كانت قيمته أكثر حسب على الثمن. وقال أيضًا ابن القاسم: إن شاء أعطاه على ما ابتاع منه، وإن شاء أعطاه مثل الطعام الذي نقد، وضرب الربح منه على ما ابتاع. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكذلك إن ابتاع ما يكال أو يوزن من عرض أو طعام ثم نقد عينًا أو جنسًا سواه مما يكال أو يوزن فليبين ذلك كله في المرابحة ويضربا الربح على ما أحبا مما عقدا عليه أو نقدا إذا وصف ذلك. م يريد إذا كان الطعام الذي عقد به البيع جزافًا؛ لأنه إذا كان مكيلاً فنقد غيره دخله بيع الطعام قبل قبضه. قال ابن القاسم: وكذلك إن نقد في العين ثيابًا جاز أن يربح عليها إذا وصفها لا على قيمتها، كما أجزنا لمن ابتاع بطعام أو عرض أن يبيع مرابحة عليها إذا وصفها ولم يجز أشهب المرابحة على عرض أو طعام؛ لأنه من بيع ما ليس عندك إلى غير أجل السلم.

وقاله سحنون: وقال ابن حبيب: لا يدخله السلم؛ لأنه إلى غير أجل السلم. م يريد لأنهما لم يقصدا بيع ما ليس عندك ولا أراده، ألا ترى أنهم اتفقوا في الشقص المبيع بشيء من المكيل والموزون، أن للشفيع أن يأخذ بمثل ذلك المكيل أو الموزون وإن لم يكن عنده، والأخذ بالشفعة كبيع ثان ولم يجعلوا ذلك من بيع ما ليس عندك إذا لم يقصدا إليه، فهذا يقوي قول ابن القاسم في مسألة المرابحة، وقاله بعض فقهائنا القرويين. وقال لي بعض فقهائنا معنى ذلك عند ابن القاسم، والمثل قائم عنده، وإنما أجاب ابن القاسم عما سئل عنه من بيع المرابحة، وحمله في الوجه الآخر إذا اشترى بما يجوز، وكثير ما يقع له هذا إذا سئل عن معنى في باب، أجاب عنه ولم يتكلم على معنى غيره، وحمله على ما يجوز مما قد أصله وبينه والله أعلم. فصل [8 - فيمن ابتاع بعين فنقد خلافه فباع ولم يبين] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكل من ابتاع بعين أو عرض يكال أو يوزن فنقد خلافه من عين أو عرض مما يكال أو يوزن وباع ولم يبين رد ذلك إلا أن يتماسك المبتاع ببيعه، وإن فاتت السلعة بتغير سوق أو بدن أو بوجه من وجوه الفوت،

ضرب المشتري الربح على ما نقد البائع على الجزء الذي أربحه في كل مكيل أو موزون إن كان ذلك خيرًا للمبتاع، وإلا فله التماسك بما عقد البيع به. وقال ابن حبيب: فوات السلعة في هذا كله أن تخرج السلعة من يده أو تختلف أسواقها، وإن لم تخرج من يده، وهو قول مالك. فصل [9 - فيمن أبضع في سلعة اشتريت له ثم باع مرابحة] ومن العتبية: قال مالك فيمن أبضع في سلعة اشتريت له ثم باع مرابحة، قال: ما عليه أن يبين ذلك. وقال سحنون: بل عليه أن يبين؛ لأن المبتاع يقول: إنما رضيت بنظر البائع واجتهاده. وروى ابن القاسم عن مالك مثل ذلك، والقول الأول رواية أشهب. قال ابن القاسم عن مالك: وأما إن ابتاعها لك نصراني فلا تبع مرابحة حتى تبين. قال عيسى وسحنون: لا يحل له أن يوكل نصرانيًا على بيع ولا ابتياع. قال أصبغ: فإن لم يبين فللمبتاع ردها، فإن فاتت فالقيمة كالذي لم يبين تأخير الثمن.

[الباب السادس] فيمن ابتاع سلعا فباع نصفها أو ابتاع ذلك هو وآخر فباع مصابته أو باعا/ جميعا ومن ابتاع ما باع أو استقال منه هل يبيع مرابحة

[الباب السادس] فيمن ابتاع سلعًا فباع نصفها أو ابتاع ذلك هو وآخر فباع مصابته أو باعا/ جميعًا ومن ابتاع ما باع أو استقال منه هل يبيع مرابحة [الفصل 1 - فيمن ابتاع سلعًا فباع نصفها مرابحة أو ابتاع ذلك هو] قال ابن القاسم: وما ابتعت من مكيل أو موزون من طعام أو غير ذلك؛ فلك بيع نصفه أو ما شئت من أجزائه مرابحة أو تبيع عشرة أقفزة من مئة إن كان كله غير مختلف- يريد وإن لم يبين- وكذلك بيع ما بقي منه، وإن لم يبين إذا بعت شيئًا منه، وقاله ابن القاسم في العتبية في رواية أصبغ وعيسى. قال ابن عبدوس وقال بعض أصحابنا فيمن اشترى ما لا يكال ولا يوزن فباع بعضه، فلا يبيع ما بقي منه ولا بعضه مرابحة حتى يبين، فإن لم يبين فللمشتري أن يرد، فإن فاتت عنده فالقيمة إن شاء. م يريد الأقل من الثمن أو القيمة. قال: وكذلك الرجلان يشتريان البر فيقتسمانه فيبيع أحدهما مرابحة ولا يبين، فليرجع الأمر إلى ما ذكرنا.

[فصل 2 - فيمن باع جزءًا من جملة بما يقع عليه من الثمن] ومن المدونة: قال ابن القاسم: فإن ابتعت ثوبين بأعيانهما صفقة واحدة بعشرين درهمًا، فلا تبع أحدهما مرابحة أو توليه إياه بحصته من الثمن إلا أن تبين. قال عنه ابن عبدوس: فإن لم يبين فللمبتاع رده، وليس للبائع أن يلزمه إياه بحصته بالقيمة من الثمن لحجة المبتاع أن الجملة يرغب فيها فيزاد في ثمنها، ألا ترى أن لو استحق رجل صفقته لم يلزمه ما بقي؛ لأنه يقول زدت في الجملة وفيها رغبت، فإن فاتت عنده بحوالة سوق فله أن يؤدي قيمته يوم قبضه ما لم يجاوز ثمنه الأول. م قول ابن عبدوس وليس للبائع أن يلزمه إياه بحصته من الثمن بالقيمة لحجة المبتاع أن الجملة يرغب فيها فيزاد في ثمنها وقد تقدم في أول هذا الباب في شراء جملة مكيل أو موزون أن له بيع بعضه ولا يبين، فاعلم أنه خلاف للكتاب. قال في المدونة: ولو كان الثوبان من سلم جاز ذلك قبل قبضهما أو بعده إذا اتفقت الصفقة ولم يتجاوز عنه فيهما، إذ لو استحق أحدهما بعد أن قبضه رجع بمثله، والمعين إنما يرجع بحصته من الثمن، وأجازه ابن نافع، وإن كانا من بيع. وقال سحنون: لا يجوز بيع أحدهما مرابحة بنصف الثمن حتى يبين، وإن كانا من سلم.

[فصل 3 - في بيع الجزء المشاع مرابحة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن بعت جزءًا شائعًا مرابحة من عروض ابتعتها معينة جاز كنصف الجميع أو ثلثه، وكذلك الرقيق لأنه بثمن معلوم، وأما إن بعت رٍأسًا من الرقيق، بما يقع عليه من الثمن لم يجز، ومن ابتاع نصف عبد بمئة ثم ابتاع غيره نصفه الباقي بمئتين ثم باعه مرابحة بربح فلكل واحد منهما ما نقد والربح بينهما بقدر ذلك. وقال أشهب: الربح بينهما نصفان. فإن باعاه بوضيعة من رأس المال، فالوضيعة بينهما بقدر رؤوس أموالهما، وإن باعاه مساومة فالثمن بينهما نصفان. فصل [4 - فيمن باع سلعة مرابحة ثم ابتاعها بأقل أو أكثر مما باعها به] ومن باع سلعة مرابحة ثم ابتاعها بأقل مما باعها به أو أكثر، فليبع مرابحة على الثمن الآخر؛ لأن هذا ملك حادث. وقال ابن حبيب: إذا استقاله بزيادة أو نقص أو اشتراها منه بربح فلا يبعها مرابحة على الثمن الآخر حتى يبين، وقاله مالك وقتادة. [فصل 5 - فيمن اشترى سلعة بعشرين ثم باعها بثلاثين ثم أقال منها] ومن المدونة: ومن ابتاع سلعة بعشرين دينارًا ثم باعها بثلاثين دينارًا ثم أقال منها لم يبع مرابحة إلا على عشرين؛ لأن البيع لم يتم بينهما حين استقاله.

م قال بعض أصحابنا: إنما لم يجعل الإقالة ها هنا بيعًا حادثًا؛ لأنه أقاله بحضرة البيع، ولو تناقدا وافترقا وتباعد ذلك، ثم بعد ذلك تقايلا فهذا بيع مبتدأ، وإن سموه إقالة، وله أن يبيع على الثمن الآخر والله أعلم. [فصل 6 - في الرجل يشتري السلعة من عبده ثم يريد بيعها مرابحة وفي بيع ما اشتراه العبد النصراني] قال في باب بعد هذا: ومن ابتاع من عبده أو من مكاتبه سلعة من غير محاباة فليبع مرابحة ولا يبين، وكذلك في شراء العبد من سيده، إذ له أن يطأ بملك يمينه، وإن جنى أسلم بماله. قال ابن القاسم في المستخرجة في الذي يشتري من عبده إن كان العبد يعمل بمال نفسه فلا بأس به، وإن عمل بمال سيده فلا خير فيه. قال مالك: وإذا اشترى لك نصراني سلعة فلا تبعها مرابحة حتى تبين. قال مالك: ولا أحب لمسلم أن يبيع سلعة مرابحة اشتراها له مسلم غيره حتى يبين. وقال في رواية أشهب إذا اشتراها له مسلم شراء صحيحًا، فليس عليه أن يبين. [قال] ابن المواز: قال أصبغ: فإن اشتراها له نصراني فباع ولم يبين، فإن لم تفت خير المبتاع، فإن شاء أمسك أو رد، وإن فاتت فعليه الأقل من الثمن أو القيمة كالذي اشترى إلى أجل وباع بنقد ولم يبين.

[الباب السابع] فيمن زاد في الثمن أو نقص في بيع المرابحة

[الباب السابع] فيمن زاد في الثمن أو نقص في بيع المرابحة [الفصل 1 - في بيع المرابحة على الزيادة في الثمن أو النقص منه وفي أوجه البيع الفاسد] قال ابن عبدوس: بيع المرابحة على الزيادة في الثمن والكذب من باب بيع الشروط المكروهة مثل من باع جارية على أن يتخذها المبتاع أم ولد أو يدبرها أو يسلفه مئة دينار، وهو يشبع البيع الفاسد في بعض أحكامه. والبيع الفاسد على وجهين: فبيع يغلب المتبايعان على فسخه، وبيع وقع بشرط يكره، فإن ترك الشرط مشترطة تم البيع بينهما وإن أبى فسخ وحكم له بحكم البيع الفاسد، والبيع الذي يغلبان على فسخه لفساده على وجهين: فمنه ما فسد لعقده وثمنه صحيح كالبيع عند نداء الجمعة والمدبر يباع والولد يباع دون أمه وشبه ذلك، فهذا يرد، فإن فات مضى بالثمن إذا لا فساد في ثمنه، ومنه ما فسد لفساد ثمنه مثل أن يبيع السلعة بخمر أو خنزير أو بثمن مجهول أو إلى أجل مجهول وشبه ذلك فهذا يرد، فإذا فات رد إلى القيمة وشرط السلف في البيع من بيوع الشرط الذي يتركه يصح، فإن كان السلف من البائع فتركه المبتاع فلا حجة للبائع، فإن حال سوق السلعة أو تغيرت بيد المبتاع زال ما كان له من الرد ولزمه الأقل من الثمن أو القيمة، وهذا ما لم يقبض السلف من البائع، فإن قبضه وغاب عليه فقد تم الربا وعليه القيمة ما بلغت وقاله سحنون. وكذلك إن كان السلف من المبتاع على هذا المعنى إلا أن عليه الأكثر من الثمن أو القيمة في الفوت وما لم تفت السلعة في بيع الشروط المكروهة، فلمشترطه تركه، ويتم البيع إلا في مشترط الخيار في البيع إلى أجل بعيد فلا يجوز وإن ترك مشترطه

شرطه إذ ليس بترك لشرطه، إنما هو شرط ثبت لك ثم اخترت إمضاء البيع فلابد من فسخه إلا أن يفوت فتكون فيه القيمة. قال: فبيع الكذب في المرابحة كبيع الشرط إذا اشترى بعشرة وباع على أحد عشر، فإن أسقط البائع الدينار وربحه تم البيع إلا أن هذا إن أبى البائع من ذلك خُير المشتري بين أن يرضى بالثمن كله أو يرد كما كان للبائع أن يحط ذلك أو لا يحط، وفارق الكذب في الثمن العيب برضى البائع، بحطيطه ما ينوبه، فلا يلزم المبتاع ويلزم البيع إن حط [عنه] الكذب أن العيب قائم بعد الحطيطة، ولا يبقى بعد حطيطة الكذب شيء يكرهه المبتاع من السلعة ويصير كالعيب يذهب. قال سحنون: ورواية علي بن زياد عن مالك في مسألة الكذب في المرابحة أتم وأحسن شرحًا. [فصل 2 - فيمن باع مرابحة فزاد في الثمن أو غلط أو أكذبه البائع] ومن المدونة: قال ابن القاسم عن مالك: ومن باع سلعة مرابحة فزاد في الثمن. قال ابن حبيب عن مالك: زاد/ ذلك بغلط أو تعمد- قال فيه وفي المدونة: فإن لم تفت خير المبتاع بين أخذها بجميع الثمن أو ردها. قال ابن القاسم: إلا أن يحط البائع الكذب وربحه، فيلزم المبتاع، قال: فإن فاتت- ويفيتها ما يفيت البيع الفاسد- فعلى المبتاع قيمتها يوم قبضها إلا أن يكون ذلك أكثر من الثمن بالكذب وربحه فلا

يزاد عليه أو يكون أقل من الثمن الصحيح وما قابله من الربح فلا ينقص منه، ولو كانت السلعة مما يكال أو يوزن فلا فوت فيها، ويرد المبتاع المثل صفة ومقدارًا، وله الرضا بها بجميع الثمن أو رد مثلها إلا أن يحط عنه البائع الكذب وما قابله من الربح فيلزمه. قال سحنون: وروى علي بن زياد عن مالك أن السلعة إذا كانت قائمة خير المبتاع في قبولها بجميع الثمن أو ردها إلا أن يحط عنه البائع الكذب وربحه فيلزم المبتاع، فإن فاتت بنماء أو نقصان. م يريد أو بحوالة سوق كما قال ابن القاسم. فخير البائع بين أخذ الربح على ثمن الصحة وإلا فله قيمتها إلا أن يشاء المبتاع أن يثبت على ما اشتراها به، فإن أبى فعليه قيمتها يوم ابتاعها. م ويحتمل أن يريد أن يوم البيع هو يوم القبض فيكون وفاقًا لرواية ابن القاسم. قال: إلا أن يكون أقل من الثمن الصحيح وما قابله من الربح، فلا ينقص أو يكون أكثر من الثمن بالكذب وربحه، فلا يزاد نحو ما فسر ابن القاسم. م وكأن أبا محمد نحا إلى قول علي بن زياد في الفوت بنماء أو نقصان وفي القيمة يوم البيع أنه خلاف لابن القاسم وهو يرجع بالتأويل على ما بينا والله أعلم. [قال] ابن المواز: قال مالك: وإذا ظهر أن البائع زاد في الثمن، فليؤخذ منه الفضل، فيدفع إلى صاحبه، قيل: فالقيمة أعدل. قال القيمة، وهذا يشبه ما في كتبكم، وأرى أن يؤدب الفاجر المعتاد ويرد البيع. قال في موضع آخر: ويقام من السوق من فجر فيه فهو أشد عليه من الضرب.

م وكذلك قال أبو بكر عبد الرحمن أن البائع إذا كان معتادًا للزيادة في الثمن معروفًا به، فللمشتري رد السلعة عليه، وإن حط عنه الكذب وربحه. قال: وإذا هلكت السلعة في مسألة الزيادة في الثمن قبل قبض المشتري لها أن ضمانها من البائع؛ لأنه قد قال فيها أنها تشبه البيع الفاسد. قال: وقد اختلف في هلاك ما حبسه البائع بالثمن فكيف بهذا، وقد قال ابن القاسم في الذي شرط إن لم يأت بالثمن فلا بيع بينهما: أن ضمان السلعة وإن كانت حيوانًا من البائع إذا لم يقبضها المشتري. وذكر عن أبي عمران في مسألة الكذب إذا هلكت السلعة قبل قبض المشتري أن هلاكها من المشتري كالبيع الصحيح. فصل [3 - فيمن باع سلعة مرابحة على أن قيمتها عليه مئة ثم ثبت أنها عليه بعشرين] ومن المدونة: قال مالك فيمن باع سلعة مرابحة وقال: قامت علي بمئة فأربح عشرة، ثم أثبت بينة أنها قامت عليه بعشرين ومئة، قال في كتاب القسم: أو يأتي من رقم الثوب ما يستدل به على الغلط، فيحلف البائع ويصدق- فإن لم تفت خير المشتري بين ردها أو يضرب له الربح على عشرين ومئة، فإن فاتت بنماء أو نقص فالمشتري مخير إن شاء لزمته قيمتها يوم التبايع إلا أن تكون القيمة أقل من عشرة ومئة، فلا ينقص منه أو تكون أكثر من عشرين ومئة وربحها فلا يزاد عليه.

م أما هذا فليس يشبه البيع الفاسد؛ لأنه غلط في ثمن السلعة، فلذلك جعل فواتها بالنماء والنقصان وجعل فيها القيمة يوم البيع. [فصل 4 - فيمن اشترى ثوبًا فغلط البائع فأعطاه غيره فأتلفه المشتري] م وقال وإذا اشترى ثوبًا فغلط البائع فأعطاه غيره فقطعه المشتري أن له رده، ولا شيء عليه في قطعه/ بخلاف إذا اشترى ثوبًا مرابحة فقطعه ثم أطلع على كذب البائع، فالقطع في هذا فوت. وذكر عن ابن الكاتب أنه قال: الفرق بينهما الثوب الكذب لو هلك بعد القبض ببينة أن هلاكه من مبتاعه، ولو هلك ثوب الغلط ببينة، كان هلاكه من بائعه. م ولأن ثوب الغلط لم تجر فيه مبايعة والبائع سلط المبتاع على قطعه، فلم يكن عليه شيء، وثوب المرابحة قد وقع فيه التبايع، ورأوا أنه كبيع فاسد وأن حوالة الأسواق تفيته، فالقطع أحرى أن يفيته. قال ابن القاسم: وإذا علم المبتاع أن البائع كذبه في الثمن فرضي بذلك لم يبع مرابحة حتى يبين ذلك. وقد تقدم هذا.

[الباب الثامن] فيمن ابتاع جارية فوطئها أو زوجها ثم باعها مرابحة

[الباب الثامن] فيمن ابتاع جارية فوطئها أو زوجها ثم باعها مرابحة [الفصل 1 - في الرجل يبتاع الجارية فيطؤها ثم باعها مرابحة] قال مالك: ومن ابتاع جارية فوطئها فليس عليه أن يبين ذلك في المرابحة، وأما من ابتاع ثوبًا فلبسه أو دابة فركبها في سفره فليبين عليه ذلك في المرابحة، وقال غيره ليس عليه أن يبين ما خف من ركوب أو لباس إذا لم يتغير بذلك. وقال ابن القاسم: ولو كانت الجارية بكرًا فافتضها وهي ممن ينقصها ذلك فليبينه في المرابحة، وأما الوخش الذي ربما كان ذلك أزيد في ثمنها فلا تبين عليه. قال ابن عبدوس وابن سحنون في التي ينقصها الافتضاض ولو باعها مرابحة ولم يبين الافتضاض، فإن لم تفت وحطه البائع ما ينوب الافتضاض وربحه فلا حجة له. وقال ابن عبدوس: بخلاف العيوب؛ لأن من باع جارية فليس عليه أن يبين أنها غير مفتضة، فلا حجة للمبتاع بذلك إذا حطه ما ينوب الافتضاض وربحه إلا أن يكون شرط أنها بكر، فتوجد غير بكر، فيكون كتدليس العيوب كما ذكرنا، فإن لم يكن ذلك فالأمر على ما ذكرنا. وإنما حجة المبتاع أن البائع كأنه زاد في الثمن فهي بالبيع الفاسد أشبه ويفيتها حوالة الأسواق، فإذا فات به قيل للبائع أعطه ما نقصه الافتضاض وربحه وإلا فله أن يسترجع الثمن ويعطيك قيمتها مفتضة يوم قبضها ما لم تزد على الثمن الأول، فلا يزاد أو ينقص منه بعد طرح الافتضاض وربحه فلا ينقص.

قال ابن عبدوس: وأصل جوابها لأشهب، وهذا تفسير جوابها، ومثلها مسألة ابن القاسم في المشتري غنمًا عليها صوف، فجزها ثم باع مرابحة ولم يبين؛ لأن ذلك نقص وليس بعيب وكذلك لبس الثوب والسفر على الدابة فيعجفها ثم يبيع مرابحة ولم يبين. فصل [2 - فيمن ابتاع أمة فزوجها وأراد بيعها مرابحة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن ابتاع أمة فزوجها لم يبع مرابحة حتى يبين، ولا مساومة حتى يبين؛ لأنه عيب، فإن باع ولم يبين وهي بحالها، خير المبتاع في قبولها بجميع الثمن أو ردها، وليس للبائع أن يلزمه إياها على أن يحط عنه قيمة العيب. قال ابن عبدوس: بخلاف الكذب الذي يزول بطرحه والعيب لا يزول بطرح منابه. قال ابن القاسم: ولا يفيت رد هذه حوالة الأسواق أو نقص خفيف ولا زيادة؛ لأنه من معنى الرد بالعيب بخلاف من اطلع على زيادة في الثمن، فإن فاتت بعتق أو تدبير أو كتابة، فعلى البائع رد حصة العيب من الثمن بما يقع لذلك من رأس المال وربحه.

قال ابن عبدوس: وهذا معنى ما كرر فيه الكلام في الكتاب. م هكذا نقل أبو محمد، ورأى أن كلام ابن عبدوس تفسير لما في المدونة، والذي في المدونة وكتاب ابن سحنون؛ لأنها إذا فاتت بعتق أو نحوه، فإن حطه البائع حصة العيب وربحه فلا حجة له، وإن أبى فللبائع القيمة ما لم تنقص من الثمن بعد إلغاء قيمة العيب وربحه أو يزيد على ذلك، يريد أو يزيد على الثمن فلا يزاد ولا ينقص. م وهذا إذا أسقط حكم العيب وطالبه بحكم الكذب ولو طالبه بحكم العيب لكان كما قال ابن عبدوس. م وحكى بعض أصحابنا عن بعض شيوخه القرويين إذا لم يبين وباع مرابحة، قال: فقد اجتمع في هذه المسألة تدليس بعيب وكذب؛ لأنه لو بين أنها متزوجة ولم يذكر أنه اشتراها بلا زوج ثم زوجها كانت مسألة كذب لا شك، فلما كانت إذا ذكر العيب مسألة كذب، وإذا لم يذكره فهي مسألة كذب وتدليس بعيب، فإن فاتت بعتق ونحوه فقد فات ردها ووجبت قيمة العيب، فإن حطه مع ذلك الكذب وربحه فلا حجة له، وإن أبى قيل ما قيمتها سليمة يوم اشتراها الأول فيقال ثلاثون، وكم قيمتها يومئذ متزوجة فيقال عشرون، فقد نقصها تزويجه الثلث، فاطرح ثلث ما باعها به. فإن كان اشتراها الأول بمئة وربح عشرين فاطرح ثلث جميع الثمن وربحه وذلك أربعون فيبقى ثمانون فهو ثمنها بلا كذب، قال: ثم تقول وما قيمتها يوم اشتراها الثاني فيقال أربعون، وكم قيمتها يومئذ معيبة فيقال ثلاثون، فقد نقصها العيب في هذا البيع الربع فأسقط ربع الثمن كله، وذلك ثلاثون، فيبقى تسعون، ثم أسقط ربع

الثمانين الذي هو الثمن بلا كذب، فذلك عشرون فيبقى ستون فهو ثمنها بعد اسقاط قيمة العيب والكذب وربحهما، فيكون له القيمة ما لم تنقص من ستين أو تزيد على التسعين. م وهذا الذي ذكره غلط وخلاف ما ذكر ابن عبدوس لأن ابن عبدوس جعلها مسألة عيب؛ لأن الكذب هو العيب فإذا أخذه بالكذب وبالعيب صار يغرمه قيمة العيب مرتين، وإنما يصح ذلك لو كان الكذب غير العيب. م والذي أرى أنها مسألة عيب وكذب خلا أن العيب هو الكذب، فلا آخذه بالوجهين فأكون قد كررت عليه العيب ولكني أخيره إذا فاتت بعتق أو نحوه، بين أن يأخذه بالكذب وبين أن يأخذه بالعيب، فأي ذلك كان أنفع له، أخذه به، فقد علمت في مسألتنا أن ثمنها بعد إسقاط الكذب وربحه ثمانون، فإن أعطاه إياها بذلك فلا حجة له؛ لأنه في هذه المسألة أنفع له، وإن أبى قيل له عليك القيمة ما لم تنقص من ثمانين أو يزيد على الثمن بعد إسقاط قيمة العيب وربحه، وذلك تسعون؛ لأن قيمة العيب قد وجبت وإن نقصها العيب في التقويم الأول الربع، وفي الثاني الثلث فالذي هو أنفع له أن يأخذه بحكم العيوب فيأخذها بثمانين ويسقط عنه قيمة العيب وربحه وذلك أربعون.

م وإنما هذا إذا اختلفت القيمة في البيعتين، وأما لو تساوت فليأخذه بالتدليس؛ لأن إسقاطه قيمة العيب وربحه كإسقاط الكذب وربحه. قال ابن عبدوس: وإذا كان لها زوج فكتمه البائع وزاد في الثمن في بيع المرابحة، قال: فهذه يجتمع فيها فساد البيع والتدليس بالعيب، فإن لم تفت فإن شاء المبتاع رضيها بجميع الثمن أو ردها فإن فاتت بحوالة سوق فذلك في بيع الكذب في المرابحة يفيت ردها وليس يفوت في الرد بالعيب، ولو حطه البائع قيمة العيب وربحه لم يلزمه إلا أن يشاء، فإن قال: أنا أرضى بالعيب وأطلبه بالزيادة في الثمن فذلك له، ويقال للبائع حط عنه الكذب وربحه، وإن أبى فليعطه المبتاع قيمتها معيبة بالزوج ويأخذ الثمن إلا أن تكون القيمة أكثر من الثمن الذي باع به فلا يزاد أو يكون أقل من الثمن الصحيح وربحه بغير حطيطة قيمة العيب، فلا ينقص، ولأنه لم يفته الرد بالعيب فلم يفعل فقد رضي به فلذلك لم يحط عنه للعيب شيئًا. قال أبو محمد: وهذه الحجة التي ذكر ابن عبدوس توجب أن يلزمه قيمتها بلا عيب، وكذلك جرى لابن المواز في مثلها ولغيره. قال ابن عبدوس: وإن فاتت بعتق أو كتابة فقد فات الرد بالعيب والكذب، وقد لزم البائع حطيطة قيمة العيب وربحه ثم إن حطه مع ذلك الكذب وربحه فلا حجة للمشتري، فإن أبى البائع ذلك أعطى قيمة سلعته معيبة إلا أن تزيد على الثمن الذي باع به بعد إلغاء قيمة العيب وربحه فلا يزاد أو تكون أقل من الثمن الصحيح

وربحه بعد إلغاء قيمة العيب منه فلا ينقص. م وتفسير هذا كأنه اشتراها أولاً معيبة بثمانين وقال: شراؤها مئة وأربح عشرين، فباعها بعشرين ومئة، فلما فاتت وجب إسقاط قيمة العيب وربحه، ومعرفة ذلك: أن يقال كم قيمتها يوم اشتراها على أنها سليمة من العيوب؟ فيقال/ أربعون، وكم قيمتها يومئذ بالعيب؟ فيقال ثلاثون، فقد نقصها العيب الربع، فأسقط ربع الثمن كله وذلك ثلاثون فيبقى تسعون، فهذا ثمنها بعد إلغاء قيمة العيب وربحه، فإن حطه من هذا ما يخصه من الكذب وربحه وذلك ثمانية عشر؛ لأن جميع الكذب وربحه أربعة وعشرون، سقط من ذلك ربعه للعيب، فتبقى ثمانية عشر فإن حطه ذلك مع الثلاثين قيمة العيب وربحه وذلك كله ثمانية وأربعون فلا حجة له، وإن أبى كان عليه قيمتها ما لم تجاوز التسعين، التي هي الثمن بعد إلغاء قيمة العيب وربحه، أو تنقص من الثمن الصحيح وربحه بعد إلغاء قيمة العيب وربحه، وذلك اثنان وتسعون؛ لأن الثمن الصحيح ثمانون، وحصته من الربح ستة عشر،

فالجميع ستة وتسعون، فأسقط ربعه للعيب وذلك أربعة وعشرون، فتبقى اثنان وسبعون فهو الثمن الصحيح بعد إلغاء قيمة العيب وربحه فتكون عليه القيمة ما لم تجاوز التسعين أو تنقص من اثنين وسبعين وبالله التوفيق. وإن اجتمع مع ذلك حوالة سوق على قول ابن عبدوس الذي يرى له في الفوت الأقل، فتكون عليه القيمة ما لم تزد على الثمن بعد إلغاء قيمة العيب وربحه. وذكر عن ابن شبلون: إذا اجتمع في هذه المسألة العيب والكذب، وحدث فيها عيب عند المشتري ففسد، وأراد ردها فذلك له وينظر إلى القيمة التي كانت تلزمه لو حبسها فيرد حصة العيب من هذه القيمة إذا رد الجارية. قال: وكتبت إلى ابن القرطبي فيها فأجبني أن ليس للمشتري أن يردها. م وليس ذلك بصواب، إذ ليس بتدليسه وكذبه يمنع من أن يرد عليه. تم كتاب بيع المرابحة من الجامع لابن يونس بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا.

كتاب اشتراء الغائب

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآلة وصحبه وسلم تسليمًا. كتاب اشتراء الغائب [الباب الأول] جامع القول في بيع السلعة الغائبة [الفصل 1 - في صفة البيع الجائز وبيع الشيء الغائب على الصفة] [الفصل 1 - في صفة البيع الجائز وبيع الشيء الغائب على الصفة] قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وقال: {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [النساء: 29] فدل بذلك أن كل بيع على الجواز إلا ما قامت الدلالة على منعه من دخول ربا فيه، أو ماجر ذلك إليه، أو دخله غرر أو شيء من الشروط المكروهة، وقد بينا ذلك في البيوع الفاسدة. وقال كبار أصحاب مالك: لا ينعقد بيع إلا على أحد أمرين إما على صفة أو رؤية عرفوها. م فهذان وجهان منعقدان قال أو شرط في عقد البيع أنه بالخيار إذا رأى. م وهذا الوجه الثالث غير منعقد إلا بعد الرؤية والرضا به. قال: فكل بيع ينعقد في سلعة بعينها على غير ما وصفنا فهو منتقض. قال عبد الوهاب: المبيع على ثلاثة أضرب: عين حاضرة مرئيه، وغائبه عن العقد، وسلم في الذمة.

فلا خلاف في الحاضرة وفي السلم وأما الغائبة فيجوز عندنا على الصفة أو على تقدم رؤية خلافًا للشافعي في منع بيعها على الصفة. ودليلنا قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ولأن ما تتعذر رؤيته تقوم الصفة فيه مقام الرؤية كالسلم. قال: ولا يجوز بيعه بغير صفة ولا رؤية ولا مع شرط خيار الرؤية. قال: وذكر في المدونة جواز ذلك إذا اشترط خيار الرؤية. وكان شيخنا أبو بكر ابن [عبد الله بن] صالح وأصحابه يقولون أنه خارج عن الأصول. /م ولا وجه لمنعهم جوازه؛ لأنه لا غرر فيه ولا ما يمنع جوازه وكأن المشتري لم تتحقق عنده الصفة ولا وثق بوصف غيره، فاشترط رؤية نفسه؛ ولأن الصفة في الحقيقة لا تقوم مقام الرؤية، وقد توصف الجارية بصفة فيظنها الموصوف له أنها فائقة في الجمال، فإذا نظر إليها لم تكن كذلك. قال غيره: بيع الشيء الغائب على الصفة أو الرؤية المتقدمة التي لا تتغير السلعة بعدها جائز، وقد تبايع عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما فرسًا غائبة.

قال أبو جعفر الأبهري: وأجاز بيع الحيوان الغائب عمرو ابن عمر رضي الله عنهما، ولا يعلم مخالف في الصحابة لهما، وقد أجمع الناس على جواز السلم علي الصفة فهذا مثله. فصل [2 - في شراء الدور والأرضين الغائبة] ومن المدونة: قال مالك فما كان من الدور والأرضين والعقار الغائبة قريباً كان ذلك أو بعيداً، فجائز شراؤها والنقد فيها، لا منها. قال في كتاب ابن المواز: وقد يشتري بالمدينة دوراً بالعراق وتنقد أثمانها، ولا بأس بذلك، وسواء كان ما ينقده دوراً أو عرضاً أو حيواناً أو غير ذلك. فصل [3 - في شراء الرقيق والحيوان والعروض والطعام الغائبة] ومن المدونة: قال مالك وأما الرقيق والحيوان والعروض والطعام، فإن قربت غيبة ذلك كيوم أو يومين وجاز شراؤه وجاز النقد فيه وإن بعدت غيبته جاز شراؤه

ولم يجز النقد فيه لغلبة الغرر فيه من تغير أو هلاك فيصير النقد فيه تارة ثمناً وتارة سلفاً. قال مالك: ولو كان ما ينقده ثوباً فلا خيار فيه؛ لأن الثوب يلبسه ويبيعه، وكذلك لو كان الذي ينقده داراً، وكذلك النقد فيما يبيع علي خيار أو مواضعة إلا أن يتطوع بالنقد بعد العقد في ذلك كله فيجوز. [قال] ابن المواز: وقال ابن عبد الحكم عن مالك لا ينقد في الحيوان والطعام الغائب قرب أو بعد. وقال عنه ابن القاسم لا ينقد في الحيوان والطعام الغائب إلا مثل ما كان علي بريد أو بريدين، وأجازه ابن القاسم وأشهب علي اليوم واليومين في الحيوان والطعام والعروض. م وذكر عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن النقد يلزم المشتري في الدار الغائبة، لأن مصيبتها منه بعد تمام البيع، وأما في غير الربع فلا يلزم المشتري النقد، وإن كان مما يجوز فيه شطر النقد لقرب الغيبة؛ لأن المصيبة من البائع. وذكر عن أبي عمران أن الدار الغائبة إذا لم يشترط فيها النقد فلا يلزم المشتري النقد حتى يسلمها البائع للمشتري، كما لو كانت حاضرة؛ لأن الدار رهن بثمنها، وبائعها أحق بها من الغرماء في الموت والفلس حني يقبض ثمنها. قال: وكذلك عروض بيعت وهي علي مسافة قريبة يجوز فيها النقد بشرط لا يجبر المشتري على دفع الثمن حتى يسلم إليه والعروض أبين علي قول ابن القاسم؛ لأن

الضمان عنده على بائعها باق حتى يقبضها المبتاع كالبعيد، وأما ما حكاه ابن حبيب فهو عنده في الضمان كالدور إذا كان قريب الغيبة مما يجوز فيه اشتراط النقد. فصل [4 - فيما ثبت هلاكه من السلع الغائبة بعد الصفقة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وما ثبت هلاكه من السلع الغائبة بعد الصفقة وقد كانت يوم الصفقة على ما وصف للمبتاع أو على ما كان رأى، فكان مالك يقول إنها من المبتاع إلا أن يشترط أنها من البائع حتى يقبضها المبتاع ثم رجع عن ذلك، وقال: هي من البائع إلا أن يشترط أنها من المبتاع. قال ابن القاسم: وبهذا القول أقول أنها من البائع حتى يشترط أنها من المبتاع، والنقص والنماء كالهلاك في القولين. م فوجه أنها من المبتاع / إلا أن يشترط أنها من البائع فلأنها سلعة معينة قياساً على الحاضرة، وقد قال ابن عمر: ما أدركته الصفقة حياً مجموعاً فهو من المبتاع. ووجه أنها من البائع حتى يقبضها المبتاع؛ فلأنها سلعة غائبة موصوفة حين العقد، فأشبهت ما في الذمة أنه من البائع حتى يقبضه المبتاع باتفاق، وإنما جاز أن

يشترط كل واحد ضمانها من صاحبه فلما روي في ذلك من تبايع عثمان وعبد الرحمن رضي الله عنهما؛ ولأنه لما ترجحت القولان في الضمان جاز أن يشترط على أحدهما لرفع الإشكال وبالله التوفيق. وقال عبد الوهاب: إذا هلكت السلعة المبيعة على الصفة بعد العقد وقبل القبض ففيها ثلاث روايات: أحداها: أن التلف من البائع إلا أن يشترطه على المشتري. والثانية: أنه من المشتري إلا أنه يشترط أنه من البائع. والثالثة: أن ضمان الحيوان والمأكول وما ليس بمأمون علي البائع، والدور والعقار من المشتري. فوجه الأولى: أن علي البائع توفية المشتري ما اشتراه، فمالم يوفه فلا يستحق العوض في التلف منه. ووجه الثانية: أن الأصل السلامة مع كونه متميزاً عن ملك البائع لا يتعلق به حق توفية، فكان ضمانه من المشتري إذا علم أن الصفقة صادفته حياً سليماً ثم تلف بعد ذلك. وأما وجه تفريقه بين المأمون وغيره، أن المأمون علي ظاهر السلامة فكان ضمانه من المشتري كالحاضر، ولأن النقد لما جاز اشتراطه في المأمون- بخلاف غيره- دل أنه كالحاضر. م انظر قوله ثلاث روايات، إنما يصح ذلك إذا جعل في القول الأول أن الرَّبْع من البائع وهي قولة لمالك ذكرها ابن المواز. قال: وجميع أصحابه على قوله أن

الربع من المبتاع. ومن المدونة: قال ابن القاسم: والقريب والبعيد عندي في الهلاك سواء. ولم أسمع هذا من مالك، وأما الدور والأرضون والعقار فهي من المبتاع من يوم العقد، وإن بعدت لم يختلف في ذلك قول مالك. قال ابن وهب: وقال ابن عمر (ما أدركت الصفقة حيا مجموعاً فهو من المبتاع. وقال ابن شهاب فيمن باع وليدة بغلام غائب فقيض المشتري الوليدة، وذهب ليأتي بالغلام فوجده قد مات ثم ماتت الجارية قبل أن يردها علي صاحبها، قال: كان شرط الناس أن ما أدركته الصفقة فمن المبتاع، فإن كان شرطا ذلك حملا عليه، وإن شرطا أن يوفي كل واحد صاحبه ما تبايعاه فالبيع على هذا. [فصل 5 - في بيع الأشياء الغائبة وإن بعدت والنقد فيها والضمان] قال ابن حبيب: يجوز بيع الأشياء الغائبة علي الصفة وإن بعدت ما لم تتفاحش غيبتها جداً، ولا ينقد بشرط إلا فيما قرب علي مثل يوم أو يومين، ولا يجوز فيما بعد إلا أن يتطوع بعد العقد، فإن تشاحا وضع [الثمن] بيد عدل حني ينظر ما حال المبيع، وهذا في غير الرباع والعقار، تلك يجوز شرك النقد فيها ولم يختلف قول مالك وأصحابه أن الضمان في ذلك من المبتاع فيما يجوز فيه النقد مما قربت غيبته،

وفي الرباع وإن بعدت، واختلف فيما لا يجوز فيه النقد، فقال هي من المبتاع إذا أخذتها الصفقة على ما هي به من صفة أو معرفه إلا أن يشترط أنها من البائع، وقاله مطرف وابن وهب، ثم رجع مالك فقال هي من البائع حني يشترط أنها من المبتاع، وبه قال ابن القاسم وابن الماجشون، وهذا البيع في اشتراط الصفقة بيع براءة وقاطع لعهدة الثلاث والسنة. قال: ولا يجوز شرط الصفقة في طعام غائب بيع علي كيل أو وزن؛ لأن ضمان ما بيع علي كيل أو وزن من بائعه حني يقبضه المبتاع. قال: ومن باع طعاماً جزافاً بعينه غائبا فتواضعا الثمن على يدي عدل، فهلك الثمن، فإن وجد الطعام على الصفة فالثمن من البائع وإلا فهو من المبتاع، ولو عدا بائع الطعام عليه فباعه من آخر فعليه شراء مثله، ومصيبة الثمن منه. [فصل 6 - فيمن باع غنماً عنده بعبد غائب] والمن المدونة: ومن باع غنما عنده بعبد غائب، ووصف كل واحد منهما لصاحبه سلعته ثم تفرقا قبل القبض فلا بأس به، فإن ضربا لقبضهما أو لقبض أحدهما أجلاً لم يجز، إذ لا يباع شيء بعينه إلى أجل إلا إلى مثل يوم أو يومين. يريد وهذا أيضاً إنما يباح لعذر من ركوب دابة أو لبس ثوب أو خدمة عبد أو توثقا حني يشهد, فإن لم يكن لشيء من ذلك كرهته، ولا يفسخ به البيع، قاله

ابن القاسم في الكراء بهذه المعينات، يشترط حبسها اليوم واليومين فهذا مثله. قال في العتبية: فإن قدم بالغلام قبل الغنم، فمات الغلام قبل قدوم الغنم، فإن جاءت الغنم علي الصفة أو علي غير الصفة فرضيها فله أخذها وضمان العبد من الآخر، وإن لم يرضها إذا خالفت الصفة فضمان العبد من بائعه. م وإنما قال ذلك لأن العبد كان موقوفاً حني يقبض الغنم مشتريها، فهلاك العبد في الإيقاف كهلاك الثمن الموقوف والأمة في المواضعة، فقد قال ابن القاسم: إذا خرجت الأمة من المواضعة معيبة فرضيها المبتاع فالثمن من البائع، فجوابه في هذه المسألة هو على هذا القول. وقال غيره: ليس له أخذ الأمة إلا بغرم ثمن ثان، فعلى هذا القول تكون مصيبة العبد في هذه المسألة من بائعه وينتقض البيع مع الغنم. [فصل 7 - في شراء الشيء الغائب واشتراط إن لم يأته به بعد مدة فلا بيع] ومن المدونة: قال في شراء الشيء الغائب: فإن قال إن لم آتك به إلى يوم أو يومين فلا بيع بيننا كرهته. قال: فإن نزل أمضيته وبطل الشرط. قال في كتاب المواز: لا يصلح أن يضرب لقبض السلعة الغائبة أجلاً قريباً أو بعيداً، لأن ذلك من وجه الضمان لسلعة بعينها وذلك لا يحل، فإنما يجوز بيع ذلك

على أن يتوجه في قبضها قرب ذلك أو بعد، تعجل ذلك أو تأخر لا يشترط في ذلك وقت، وهذا في جميع الأشياء خلا الربع، الدور الأرضين والأصول والحوائط وغيرها. [فصل 8 - في اشتراط توفية السلعة الغائبة في موضع آخر] قال ابن المواز: قال ابن القاسم: ولو اشترى سلعة غائبة على أن يوافيه بها البائع بموضع آخر لم يجز. [قال] ابن المواز: وهو من وجه الضمان لسلعة بعينها. [قال] أصبغ: ولذلك لو قال على أن توافيني بها هاهنا. [قال] ابن المواز: وهذا إذا كان ضمان السلعة من البائع وإن كان لا يضمن إلا حمولتها فلا بأس به. قال مالك: لا يجوز بيع سلعة غائبة موصوفة على أن على البائع ضمان مثلها إن تلفت. [فصل 9 - في اخذ الكفيل علي إحضار السلعة الغائبة وبيع الدار الغائبة التي عرفاها] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا يجوز أن يعطيه بها كفيلاً قربت غيبتها أو بعدت، لأنها معينة، ولو ماتت لم يضمنها. قال: ومن ابتاع من رجل داراً غائبة وقد عرفاها جاز وإن لن يصفاها في الوثيقة.

[قال] ابن المواز: قال ابن القاسم: وإنما تشتري الرباع الغائبة بصفة المخبر أو الرسول، فأما بصفة ربها فلا إلا أن يشترط النظر فلا يصلح حينئذ النقد، وكذلك في العتبية عن مالك، قال مالك ومن اشتري داراً غائبة مذارعة لم يجز فيها النقد، وكذلك الحائط على عدد النخل، قال عنه أشهب في العتبية: وضمانها من بائعها. / وقال عن مالك لا تشتري الدار الغائبة بصفة إلا مذارعة وقال سحنون. قال ابن حبيب وقال مطرف وابن الماجشون فيمن اشترى داراً على عدد أذرع أو حائط على عدد نخل فتذهب الدار بحريق أو سيل قبل أن تقاس، وتذهب النخل قبل أن تعد، فالمصيبة من المبتاع، وتقاس الدار الآن وتعد النخل على ما هي به، فما كان فيها لزمه. وكذلك قال مالك فيمن اشتري زرعاً قائماً كل حبل بكذا وهي حبال مزروعة، فيذهب الزرع قبل أن تقاس أن مصيبته من المبتاع، كمن ابتاع زيتاً وزناً بظروفه ثم ضاع الزيت قبل وزن الظروف أنه من المبتاع، وكذلك عنه في كتاب محمد في الزرع، قال: وقد كان للمشتري بيعه قبل حصاده وقياسه. م إنما يصح كلام ابن حبيب في الدور والنخل أن المصيبة من المبتاع إذا قيست فوجدت على ما شرط له من الأذرع أو العدد إن نقصت يسيراً، ويحط عنه حصة ما نقص، ويحمل أن ذكره الأذرع زيادة بيان في صفتها، فمتى كانت على

الصفة وجب على المشتري الضمان، وأما قوله تقاس وتعد فما كان فيها لزمه فعير صحيح؛ لأنه إذا نقصت الأذرع مثل الثلث وماله به حجة في الاستحقاق، فالمصيبة من البائع؛ لأن المبتاع يقول لو لم تهلك لم أرضها، فلا يلزمني ضمان ما كان مخالفاً لما وصف لي وشرط لي، وقوله فيمن ابتاع زيتاً بظروفه ثم ضاع الزيت قبل وزن الظروف فضمانه من المبتاع فغير صحيح أيضاً، لأنه مثل ما يشتري على الكيل لا فرق، وقد بقي على البائع حق التوفية فهو منه حتى يوزن أو يكال هذا هو الأصل، إلا أن يريد أنه وزن بظروفه وقبضه المبتاع ثم ضاع الزيت قبل أن توزن الظروف فارغة ليطرح وزنها من الوزن الأول فهاهنا يكون الزيت من المبتاع، ويطرح عنه قدر وزن الظروف فارغة على التقدير، وأما مسألة الدار والنخل والذرع، فوجه ذلك فيه إنما أراد بيان الصفة، والقياس في ذلك كله قول مالك أنه من البائع حتى يوفي المشتري شرطه والله الموفق للصواب. [فصل 10 - فيمن اشتري داراً على غير ذرع فهلكت قبل قبض المبتاع] [قال] ابن المواز: وقال مالك فيمن اشتري داراً على غير ذرع ولا عدد نخل ثم هلك ذلك قبل قبض المبتاع فهو من البائع إلا أن يكون شرط أنه من المبتاع. قال ابن المواز: ولمالك غير هذا أن الرباع من المبتاع وإن بُعدت وعليه أصحابه أجمع. قال: وإذا بيع الحائط الغائب وفيه الحيوان والعبيد فالنقد في ذلك جائز والضمان من المبتاع وإن بعدت غيبته. م لأن ذلك تبع للحائط كما تكون في ذلك الشفعة إذا بيع الحائط.

[فصل 11 - في ابتياع السلعة على مسيرة يومين أو على رؤية منذ زمن بعيد] ومن المدونة: قال مالك: ومن مر بزرع فرآه ثم قدم فابتاعه وهو على مسيرة اليومين وشرط أنه منه إن أدركته الصفقة، فذلك جائز وهو كالعروض في النقد فيه والشرط. ومن رأى عبداً منذ عشرين سنة ثم اشتراه على غير الصفة. قال: اذا تقادم ذلك وطال قدر ما يتغير العبد في مثله فالبيع فاسد إلا بصفة مستقبلية. وفي كتاب محمد ذلك جائز إذا علم البائع أن المشتري قد كان رآه، لأنه إنما باعه على تلك الصفة التي كان رآها، زاد أبو محمد ولا ينقد. ومن المدونة: قال مالك: وكذلك السلع تختلف وتتغير في طول الزمان إلا أن يبيعها علي أنها بحال ما رآها فلا بأس به ولا ينقد، لأنه ليس بمأمون. فأما الحيوان فلا يمكن بعد طول الزمان أن يبقي علي حال ليس الحولي والرباع والجذع كالقارح.

[قال] ابن المواز: قال مالك: ولا خير في أن يبيع دابة عنده في الدار حاضرة على الصفة وينتقد. قال ابن المواز، لأنه يقدر على نظرها. م هذا صواب وهو مخالف لما في المدونة، قد أجاز ذلك في مسألة من اكترى دارا بثوب في بيته ووصفه. م إلا أن يريد: ولا يبتدئ هذا في السكنى حتى ينظر الثوب، فيتفق القولان والله اعلم. [فصل 12 - فيمن اشترى سلعة غائبة مما لا يجوز فيها النقد ثم أراد المقابلة أو البيع] ومن المدونة: قال مالك: وإن ابتعت سلعة غائبة مما لا يجوز فيها النقد، فلا يجوز أن تتقايلا فيها، لأنها إن كانت سليمة في البيع الأول فقد وجب له في ذمتك ثمن بعت به منه سلعة غائبة، فهذا من ناحية الدين بالدين. قال ابن القاسم: وكذلك لا يجوز أن تبيعها من بائعها منك بمثل الثمن أو أقل أو أكثر، لأنه يصير ديناً بدين كما وصفنا. قال سحنون: وهذا كله على قول مالك الأول إنما أدركته الصفقة فمن المبتاع. قال ابن القاسم: ولا بأس أن يبيعها من غير البائع بمثل الثمن أ, أقل أو أكثر، ولا ينتقد شيئاً من الثمن. قال: ولا بأس أن تقيل من أمة بعتها وهي في المواضعة لم تحض بعد ولا استبراء عليك فيها، فإن أربحته أو زادك هو شيئا على أن تتقايلا، فإن لم تتناقدا الزيادة حني تحيض جاز ذلك وإلا لم يجز.

قال يحيى: إنما يصح هذا القول إذا كان البائع قد وطئها وإلا فلا بأس بتعجيل الربح عند المقابلة. م وقال بعض شيوخنا: سواء وطئ البائع أو لم يطأ، لأنها قد يظهر بها حمل من غيره، فإذا ردها المشتري ذهب النفع بالربح باطلاً. قال: ويجوز للمبتاع بيعها من غير البائع بمثل الثمن أو أقل أو أكثر ما لم ينتقد. [الفصل 13 - فيمن استأجر داراً بثوب في البيت وصفه له ثم اشترى منه ذلك الثوب] قال: وإن استأجرت منه دارا بثوب في بيتك وصفته ثم اشتريته منه وهو بيدك بعين أو بثوبين من صنفه أو بسكنى دار فجائز إن علم أن الثوب عندك وقت الصفقة الثانية. م قيل إنما شرط علم كون الثوب عنده وقت الصفقة الثانية، لأنه إذا علم ذلك صح أن الكراء إنما وقع بالثوب، وإذا يعلم ذلك لم يدر بما وقع الكراء

بالثوب، أو بالدراهم التي دفع إليه، فلا يدري بما يرجع إن سكن بعض المدة ثم استحقت الدار أو انهدمت. وقيل إنما شرط ذلك؛ لأنه لا يدري هل باع منه شيئاً موجوداً أو معدوماً، وعقد البيع فيه جائز ثم ينظر، فإن علم أنه عنده صحت الصفقة الأولي والثانية، وإن لم يكن عنده بطل ذلك كله. م وأبين من هذا أنه لو ادعى بعد عقد الكراء أن الثوب قد ضاع لم ينقض الكراء إلا بعد يمينه لقد ضاع، فإن نكل كان لرب الدار أن يلزمه قيمته أو ينقض الكراء، فإذا باع منه الثوب قبل علمه هل هو عنده أم لا، لم يدر ما باع منه الثوب أو القيمة التي تلزمه بالنكول والله اعلم. [فصل 14 - فيمن أكرى داره سنه بعبد موصوف] ومن المدونة: قال مالك: ومن أكرى داره سنة بعبد أو دابة بعينها موصوفة أو قد رآها وهي في مكان بعيد مما لا يجوز فيه النقد علي أن يبتدئ بائع العبد أو الدابة السكنى، لم يجز لأنه كعرض انتقده في شيء غائب بعيد، وإن شرط صاحب الدار أن لا يدفعها للسكنى حتى يقبض الدابة فجائز، وليس هذا من الدين بالدين؛ لأنه معين غائب، وإنما الدين بالدين المضمونان جميعاً. م وحكي لنا بعض فقهائنا القرويين أن السنة محسوبة من يوم العقد، وأما ما يوصل فيه إلى قبض العبد ساقط من السكنى، فإن كان ذلك شهراً فإنما يسكن أحد عشر شهراً إذ عليه دخلا، وإن زاد على مقدار ما ينتهي إلي قبضه / فالزائد كالاستحقاق أو انهدام الدار ينتقض مقداره من العبد ويرجع بذلك في قيمة العبد

على مذهب ابن القاسم وفي عينه على مذهب أشهب. م والصواب أم تكون السنة محسوبة من يوم يقبض الدار، وهو يوم ثبات قبضه للعبد وتمام عقدهما، فيجب أن تكون السنة من يوم تمامه، وكذلك من اكترى داراً سنة على أنه فيها بالخيار شهراً، أن السنة من يوم تمام العقد، وهو يوم زوال الخيار وقطعه، ولا يدخل عليه إذا كانت السنة من يوم قبض العبد أن هذا أكرى داره مدة مجهولة إذا لا يدري متى يقبض العبد؛ لأن موضع العبد معلوم وأمد ما يوصل إليه معروف، وعلى ذلك دخلا، ولو لزم أن يكون ذلك مجهولاً إذ قد يتعذر قبضه للزم أن لا يجوز شراؤه؛ لأنه اشترى عبداً لا يدري متى يقبضه، ولكن الأمر محمول على السلامة وما يطرأ من تعذر قبضه كما يطرأ من هلاكه، ولو كانت السنة محسوبة من يوم العقد لوجب أن لا يجوز الكراء حتى يعلم المكتري أنه إنما يصح له من السكنى باقي السنة بعد مدة قبض العبد وإلا فذلك ظلم له؛ لأنه إنما دفع عبده على سكنى سنة، فأنتم تعطونه أحد عشر شهراً، ولو راعينا في ذلك أيضاً تعذر قبض العبد لدخل علينا الفساد في الثمن والمثمون؛ لأن رب العبد لا يدري كم يصح له من السكنى، ورب الدار لا يدري هل يصح له العبد كله أو بعضه؟ أو هل يؤدي ثمناً مع السكنى على قول ابن القاسم أم لا؟ ونحن إذا جعلنا السنة من يوم القبض سلمنا من ذلك كله فكان أبين في الجواز. م وأظن هذا القائل إنما قاسها على مسألة ابن القاسم في العتبية فيمن باع طعاماً غائباً أو غنماً بموضع لا يجوز فيه النقد بثمن إلى أجل سنة على أن السنة من يوم

يقبض الغنم قال: فلا يجوز حتى يكون الأجل من يوم عقد البيع، كمن نكح بمئة نقدا أو مئة إلى سنة، فالسنة من يوم العقد ولا يجوز أن تكون من يوم البناء. قال أبو محمد: فيها نظر؛ لأنهم قد أجازوا ذلك على مئة تحل بالدخول، لأن البناء إلى الزوجة فكأنه حال إن شاءت. م فأظن هذا القائل على هذه المسألة قاسها وهي مسألة ضعيفة وهي مع ما فيها من الاعتراض مخالفة لمسألتنا؛ لأن ثمن الغائب في هذه المسألة عين شرط قبضه بعد سنة فهو يقبضه موفراً، وهذا شرط سكنى سنة فيدفعون إليه أحد عشر شهراً ويحسبون عليه ما لم يقبضه، فهذا مفترق إلا بعد البيان، ومع أن مسألة المستخرجة، والصواب فيها الجواز كما أشار إليه أو محمد وبالله التوفيق. [فصل 15 - في بيع سلعة غائبة معينة لا يجوز فيها النقد بمضمونة إلى أجل] ومن المدونة: قال مالك: ولا بأس بيع سلعة بعينها غائبة لا يجوز النقد فيها بسلعة مضمونة إلى أجل أو بدنانير مضمونة إلى أجل. قال في كتاب كراء الدور: إلى أجل أبعد من مسافة موضع السلعة لئلا يحل قبل قدومها- يريد فيصير كالنقد في شراء الغائب -.

قال مالك: وكذلك حوائط التمر الغائبة يباع ثمرها كيلاً أو جزافاً بدين مؤجل ذهب أو عرض، وهي على مسيرة خمسة أيام أو ستة، ولا يجوز النقد فيها بشرط، وإن بعدت الحوائط جداً كأفريقيه من مصر لم يجز شراء ثمرها خاصة بحال؛ لأنها تجد قبل الوصول إليها، إلا أن يكون تمراً يابساً، وأما بيع رقابها فكبيع الرباع البعيدة يجوز بيعها والنقد فيها. فصل [16 - فيمن باع سلعة غائبة على الوصف فهلكت قبل القبض والدعوى فيها] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن/ ابتاع سلعة قد كان رآها أو موصوفة فهلكت قبل قبضها، فادعى البائع أنها هلكت بعد الصفقة، وقال المبتاع قبل الصفقة فإن لم يقم البائع بذلك بنية، كانت منه في قول مالك الأول، ويحلف له المبتاع على علمه أنها لم تهلك بعد وجوب البيع إن ادعي علمه، وإلا فلا يمين عليه. قال ابن المواز: وكذلك لو شرط البائع أنها من المبتاع إن أدركتها الصفقة، فوجدها المشتري قد فاتت, فقال البائع فاتت بعد الصفقة، وقال المبتاع قبل الصفقة فالقول قول المبتاع ويحلف للبائع على علمه إن ادعى علمه. قال ابن المواز: لأن البائع قال في شرطه إن كانت حية اليوم فهي منك أيها المبتاع، فعليه البينة أنها كانت حية يومئذ.

ومن المدونة: قال مالك: فإن قال المتبايعان لا ندري هل هلكت قبل البيع أو بعده, فهي في هذا الوجه من البائع في قولي مالك جميعاً. قال ابن القاسم: ومن ابتاع سلعة غذائية على رؤية تقدمت منذ وقت لا تتغير مثلها فيه جاز البيع, فإن رآها المبتاع فقال: قد تغيرت فهو مدع, والبائع مصدق مع يمينه إلا أن يأتي المبتاع ببينة على ما ادعى. وقد قال مالك في الذي ابتاع أمة كان رأى بها يوما ورماً, فلما قبضها ادعى أن الورم قد زاد: أن المبتاع مدع, وعلى البائع اليمين, فكذلك مسألتك هذه. وقال أشهب: البائع مدع ولا يلزم المبتاع ما هو له جاحد. قال ابن المواز: قول مالك وابن القاسم في هذا أبين وأصوب. قال ابن حبيب في العبد الغائب والأمة يشترط فيها الصفقة إذا ظهر فيه عيب, فاختلفا في قدمه, فهذا أبداً على انه حادث وهو من المبتاع حتى يعلم أنه قبل ذلك, وعلى البائع اليمين انه ما علمه قبل الصفقة, وقاله ابن الماجشون واصبغ, وقاله ابن القاسم. قال ابن الماجشون: وهذا البيع في اشتراط الصفقة بيع براءة, وقاطع لعهدة الثلاث والسنة, وقد تقدم في كتاب العيوب الحجة في بيع عثمان بن عفان من عبد الرحمن بن عوف الفرس الغائبة, فقال عبد الرحمن: هل لك أن أزيدك أربعة آلاف

على أن يكون ضمانها منك حتى أقبضها, ففعل عثمان ومعنى ذلك أنهما كانا متراوضين بعد ولم يتم البيع بينهما فيكون ضماناً بجعل, وكذلك بينه ابن حبيب أنهما كانا متراوضين وهو أحسن ما تأول عليهما. وجرى في كتاب السلم ذكر بيع الدين على غائب, وسنذكر هاهنا شيئاً من ذلك وبالله التوفيق ..

الباب الثاني جامع مسائل مختلفة من البيوع

الباب الثاني جامع مسائل مختلفة من البيوع ] الفصل 1 - فيما يجوز شراؤه من طريق أو موضع جذوع [ قال ابن القاسم: ويجوز لك شراء طريق في دار رجل قال أشهب: إن كان يصل بذلك إلى منتفع وإلا فلا. قال ابن القاسم: ويجوز شراء موضع جذوع من جدار لتحمل عليه جذوعك إذا وصفتها, ويجوز هذا في الصلح. م فإن اشترى موضع الجذوع شراء مؤبداً فانهدم الجدار الذي يحمل عليه فعلى ربه أن يبنيه على حسب ما كان, ليحمل هذا جذوعه عليه, وإن كان إنما اشترى منه حمل مدة معلومة كسنة أو سنتين أو أكثر, فانهدم الجدار لم يلزم ربه بناؤه وتنفسخ بقية المدة, ويرجع بما يخص ذلك؛ لأن ذلك كراء, والمكري لا يلزمه إذا إنهدمت الدار أن يبنيها وينفسخ الكراء, والذي اشترى ذلك مؤبداً قد ملك موضع الحمل, فإذا انهدم لزمه ربه بناؤه كانهدم السفل أن على ربه بناؤه ليبني صاحب العلو فوقه.

[فصل 2 - في شراء عمود رخام عليه بناء للبائع] ومن المدونة: قلت: فإن اشتريت عمود رخام عليه بناء للبائع, أيجوز هذا الشراء وأنقض العمود إن أحببت /؟ قال: نعم وهذا من الأمر الذي لم يختلف فيه أحد علمته بالمدينة ولا بمصر. قال في غير المدونة: وقلع العمود على البائع, وحكي عن القابسي أن معنى ذلك أن على البائع أن يزيل ما فوق العمود ليصل المبتاع إلى قبضه, وكذلك قال غيره من فقهائنا. قال: وما أصابه بعد ذلك في زواله من كسر أو غيره فمن المبتاع. [فصل 3 - في شراء نصل سيف وجفنه دون حليته] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا بأس بشراء نصل سيف وجفنه دون حليته, وينقض البائع حليته إن شاء ذلك أحد المتبايعين, وليس هذا من الضرر؛ لنهما قد رضياه. م ولو اشترى الحلية دون النصل لكان على المشتري نقضها كاشتراء الصوف على ظهور الغنم جزافاً وكاشتراء الثمرة في رؤوس النخيل جزافاً.

[فصل 4 - بيع عشرة أذرع من هواء هو له] ومن المدونة: لا يجوز لك أن تبيع عشرة أذرع من هواء هو لك فوق عشرة أذرع من الهواء تبقى لك إلا أن يشترط بناء يبنيه قدر عشرة أذرع ونصفه ليبني المبتاع فوقه فيجوز، ويجوز أن تبيع عشرة أذرع أو أكثر من فوق سقف لك لا بناء عليه إذا بين لك المبتاع ما يبني على جدرانك. ] فصل 5 - في الرجل يبيع سكنى داره وشراؤه لما أسكنه [ ومن قال: أبيعك سكنى داري سنه, فذلك غلط في اللفظ وهو كراء صحيح, قال: ويجوز لك شراء ما أسكنته من دار, أو أخدمته من عبد بعين أو عرض أو طعام أو سكنى دار لك أخرى أو خدمة عبد لك آخر, هذا إن أسكنته أمداً معلوماً فابتعته بسكنى مدة معلومة, وإن أسكنته حياته جاز شراؤك ذلك بسكنى دار لك أخرى أمداً معلوماً, ولا يجوز حياته؛ لأنه بيع بثمن مجهول, والأول هبة مجهولة. م وقيل إن ذلك جائز, وكذلك شراء ما منحته من لبن شاتك بكل شيء أو طعام إلى أجل لا بأس به.

[فصل 6 - في البيع غلى أجل بعيد] قال ابن القاسم: ولا بأس بشراء سلعة إلى عشر سنين أو عشرين سنة. وقال في كتاب ابن المواز: يكره البيع لإلى اجل بعيد مثل عشرين سنة فما فوقها. قيل: أيفسخ؟ قال: لا, ولكن مثل ثمانين وتسعين سنة يفسخ به البيع. ] فصل 7 - في إجارة العبد سنوات كثيرة [ ومن المدونة: قال مالك: وتجوز إجارة العبد سنين. قال ابن القاسم: وهذا أخوف من بيع السلع إلى عشر سنين أو عشرين سنة, ولقد كنا نحن مرة نجيزه في الدور ولا نجيزه في العبيد حتى سألنا مالكاً عنه في العبيد فأجازه. فصل] 8 - في بيع الغرماء دار الميت واستثناء سكنى زوجته والقول في استثناء سكنى الدور أو استخدام الدابة بعد بيعها [ قال مالك: وللغرماء بيع دار الميت ويستثنون سكنى زوجته لعدتها, ويجوز لمن باع داره أو دابته أن يستثنى سكنى الدار سنة أو ركوب الدابة يوماً أو يومين, ولا يجوز في ذلك ما بعد ولا حياة البائع ولا ركوب الدابة شهراً, وقد اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيراً من جابر بن عبد الله واشترط جابر ركوبه عليه إلى المدينة. قال مالك: وكان بينه وبين المدينة مرحلة أو نحوها.

[قال] ابن المواز: قال ابن القاسم: ولو بائعه واشترط بائعه أن ينقل عليه التراب ثلاثة أيام أو على أن يكربه فيها بشيء مسمى فلا خير فيه, فغن مات بيد المبتاع بعد قبضه فهو منه ويرجعان إلى قيمته يوم قبضه, وإن هلك بيد البائع قبل أن يقبضه المبتاع أو بعد أن قبضه ثم رده إلى البائع بشرطه فهو من البائع ولا شيء على المبتاع. قال: وكذلك لو شرط البائع ركوبه بعد ثلاث أو أكثر من الفسطاط إلى الإسكندرية أو نحوها لم يجز, ومن هلكت بيده فهي منه ويرجع المبتاع إن هلكت بيده إلى القيمة كما ذكرنا. ومن المدونة: قال مالك: إن هلكت الدابة فيما لا يجوز استثناؤه / فهي من البائع؛ لأنه بيع فاسد لم تقبض فيه السلعة. قال ربيعة: وكذلك ما بعد من خدمة العبد. قال ابن القاسم: وإن هلكت فيما يجوز استثناؤه فهي من المبتاع. وقال ابن حبيب: هي من البائع, وكأنه إنما باعها بعد انقضاء ركوبها. قال: وإن استثنى ركوبها بعد ثلاثة أيام أو أربعة - يريد ما يجوز من الاستثناء عنده- فأسلمها إلى المبتاع, فسواء نفقت بيده أو بيد البائع, فهي في هذا من المبتاع؛ لأنه بيع جائز, وكذلك في كتاب بن المواز عن ابن القاسم. وقال ابن القاسم في العتبية: هي من البائع ما بقى له فيها شرط. قال أبو محمد: وهذا خلاف للمدونة.

قال ابن حبيب: ويرجع البائع على المبتاع إذا لم يتم استثناؤه بقدر ما استثنى من الثمن لأنه ثمن. وقال نحوه أصبغ إذا كان له قدر ولم يكن كالساعة والأميال. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: لا يرجع بشيء؛ لأن هذا خفيف واختاره محمد, وأعاب قول أصبغ, وقال: ما وجدت له معنى. فصل] 9 - فيمن له على رجل عرض ديناً فباعه من آخر وفيمن باع سلعة بعين على ان يأخذها ببلد آخر [ ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن له على رجل عرض ديناً, فباعه من آخر بدنانير أو بدراهم فوجد فيها نحاساً فله البدل أو الرضا بها, والبيع تام. قال مالك: ومن باع سلعه بعين على أن يأخذه ببلد آخر, فإن سمى البلد ولم يضرب أجلاً لم يجز. وإن ضرب أجلاً جاز سّمى البلد أو لم يسمه, فإن حل الجل فله أخذه بالعين أين ما لقيه. وإن باع السلعة بعرض وشرط قبضه ببلد آخر إلى أجل, فليس له أخذه بعد الجل إلا في البلد المشترط, فإن أبى الذي عليه العرض بعد الأجل أن يخرج إلى تلك البلد, جير على أن يخرج أو يوكل من يخرج فيوفي صاحبه- يريد وكذلك لو بقى للأجل مقدار وصوله إلى ذلك البلد, جبر على الخروج أو التوكيل. م وقد ذكرنا في كتاب السلم لابن المواز وغيره زيادة في هذا فاغني عن إعادته.

فصل [10 - هل على صاحب الحق أن يأخذ حقه في غير بلد العقد] ] قال [ابن المواز: قال أشهب: ليس له أخذه بغير البلد وإن كان ذلك العرض لا حمل له لاختلاف السعرين. قال أشهب: إلا أن يتقارب سعر الموضعين فيما خف حمله والموضع بعيد جداً فليأخذه بدينه في موضعه, وإن كره إذا حل, وغن كان على غير ذلك لم يأخذه] به [ إلا أن يتطوع به المطلوب, فيجبر رب الحق على قبوله؛ لأنه بموضعهما أغلى من الموضع المشترط. م يريد إلا أن يكون أغلى بالموضع المشترط فعليه أن يدفعه إليه بالموضع المشترط. فصل] 11 - في المساومة على إيجاب البيع [ قال ابن القاسم: فإن قلت لرجل يعني سلعتك هذه بعشرة دنانير, فقال: قد فعلت, فقلت: لا أرضى فلتحلف أنك ما ساومته على إيجاب البيع ولكن لما تذكره وتيراً, فإن لم تحلف لزمك البيع. وقد قال مالك فيمن أوقف سلعة للسوم, فقلت له بكم هي؟ فقال: بعشرة. فقلت: قد رضيت. فقال لا أرضى. انه يحلف ما ساومك على لإيجاب البيع ولكن لما يذكره ويبراً, فإن لم يحلف لزمه البيع, فكذلك مسألتك.

فإن قلت لرجل قد أخذت غنمك هذه كل شاة بدرهم, فقال: ذلك لك, فقد لزمك البيع, بخلاف قولك يعني. قال ابن أبي زمنين: إذا قال بائع السلعة قد بعتكها بكذا, أو قال أعطيتكما بكذا فرضي المشتري ثم أبى البائع وقال لم أرد البيع لم ينفعه ذلك, ولزمه البيع, وكذلك إذا قال المشتري: قد ابتعت منك سلعتك بكذا أو قد أخذتها منك بكذا, فرضي البائع, لم يكن للمشتري أن يرجع, ولو قال / البائع: أنا أعطيكها بكذا أو أبيعكها بكذا فرضي المشتري, وقال البائع: لم أرد البيع, فذلك له ويحلف, وكذلك لو قال المشتري: أنا أشتريها منك أو آخذها منك بكذا فرضي البائع ثم رجع المشتري كان ذلك له ويحلف, فافهم افتراق هذه الوجوه, وهي كلها مذهب ابن القاسم وطريقة فتياه من امالي بعض شيوخنا. م لأن قوله أنل أفعل كذا وعد وعده إياه في المستقبل. وقوله قد فعلت, إيجاب أوجبه على نفسه فافترقا.

فصل [12 - في الأجنبي يتطوع بدفع نصف قيمة السلعة المعيبة] ومن ابتاع جارية بمئة دينار فقام فيها بعيب فأنكره البائع فتطوع أجنبي أن يأخذها بخمسين على أن يتحمل له البائع نصف الخمسين الباقية, والمبتاع نصفها فذلك جائز لازم لهم, كمن قال لرجل إبتع عبد فلان وأنا أعينك بألف درهم فاشتراه لزمه ذلك الوعد. قال بعض أصحابنا: والعهدة في الجارية على الثاني القائم بالعيب, فإن استحقت رجع هذا عليه بخمسين, ورجع هو على البائع الأول بخمسة وسبعين؛ لأنه قد كان استرجع أولا خمسة وعشرين. فصل] 13 - فيمن تعدى على وديعة عنده فباعها ثم مات صاحبها فيرثها [ ومن المدونة: قال: ومن تعدى في متاع عنده وديعة فباعه ثم مات ربه, فكان المتعدي وارثه, فللمعتدي نقض البيع إذا ثبت التعدي. م وقد حل هذا محل ربه في إجازة البيع أو نقضه. وروى اصبغ عن ابن القاسم في غاصب باع ما غصب ثم ورثه أن يبعه تام. وقال أصبغ: بل يفسخ البيع. قال في كتاب الغصب من المدونة, ولو باع ما غصب ثم اشتراه من ربه لم يكن له نقض البيع؛ لأنه تحلل صنيعه, وكأن القيمة لزمته فغرمها.

م وكذلك الوديعة التي باعها لو اشتراها من ربها لم يكن له نقض بيعه بخلاف أن لو ورثها؛ لأن الميراث لم يجزه غلى نفسه, والشراء من سببه فليس له أن يفعل فعلاً يتسبب به إلى نقض عقده. فصل] 14 - في بيع العبد له مال - عين وعرض وناض - بماله بذهب إلى أجل [ ومن اشترى عبداً بدراهم نقداً أو إلى أجل واستثنى ماله دنانير ودراهم ودين وعروض ورقيق فذلك جائز. م لأنه إنما استثناه للعبد لا لنفسه, فهو تبع للعبد, ولو استثناه لنفسه لم يجز, وقاله جماعة من البغدادين. ] قال [ابن حبيب: وسواء كان ماله معلوماً أو مجهولاً, وإذا كان أكثر من ثمنه وهو تبع للعبد لا تقع له حصة من الثمن, وإنما يصير للسيد بالانتزاع. ولو كان في امة حل للعبد وطؤها بغير إذن السيد. ومن كتاب محمد: ومن اشترى عبداً واستثنى ماله, وله جارية رهنها البائع, فإن افتكها فهي للعبد. ] قال [ابن المواز: وعليه أن يفتكها من ماله, ولو كانت له جارية حامل منه فجاريته تبع له, وولدها للبائع؛ لأنه ليس بمال له, ولا أفسخ البيع؛ لأنه لو اشترط ماله وللعبد جمل شارد أو عبد آبق فلا بأس بذلك. قال محمد: وأظنها رواية ابن أبي زيد عن ابن القاسم, وأنا أتوقف عنها.

[قال] أصبغ عن ابن القاسم ومن قال: أبيعك عبدي وله مئة دينار أو فيكها لم يصلح- يريد والثمن عين-. م وحكى لنا عن بعض شيوخنا القرويين أنه قال إذا قال: أبيعك عبدي هذا وله مئة دينار إن هذا لا يجوز, وذكر المئة كالانتزاع من السيد لها. وقال بعض أصحابنا بعض أصحابنا: وإنما افسد مسالة ابن القاسم المتقدمة قوله: وله مئة دينار أوفيكها, فشرطة التوفية, كالانتزاع لأن هو يوفيه المئة / والعبد, فهما المبيعان بالثمن العين, ولو لم يذكر توفيه المئة لجاز. ] قال [ابن المواز: قال ابن القاسم: من باع عبداً واستثنى نصف ماله لم يجز إلا أن يكون ماله غير العين وهو حاضر يراه, وإنما السنة في الجميع. قال ابن أبي زمنين: فإن وقع البيع على استثناء جزء من ماله فسخ البيع, فإن فات العبد كان لمشتريه بقيمته ورد ما استثنى من ماله, وكذلك قال عيسى. قال ابن أبي زمنين: وسئل سعيد بن حسان عن رجل باع عبدين ولهما مال استثنى المشترى مال أحدهما.

فقال: لا يجوز وهو بمنزلة ما لو باع عبداً واحداً واستثنى نصف ماله. ] قال [ابن المواز: قال مالك: وإذا لم يشترط في المبيع مال العبد ولا مأبور الثمر فله أن يزيده شيئاً ليلحق المال والثمر ببيعه, وقاله ابن القاسم وأصبغ. قال عيسى عن ابن القاسم: يجوز وإن كان ماله عيناً واشتراه بعين, فأما إن كان ماله عرضاً فليس فيه كلام. قال اصبغ وأبو زيد عن ابن القاسم: وهذا إذا كان بحضرة البيع وبقربه, وإن بعد لم يجز. قال ابن المواز: وروى عن مالك أن ذلك لا يجوز بعد العقد إلا أن يكون ماله معلوماً فيشتريه بعين إن كان عرضاً أو بعرض إن كان عيناً, وبهذا اخذ ابن وهب وابن عبد الحكم في المال والثمرة وبالله التوفيق.

[الباب الثالث] في بيع السمن والعسل كيلا أو وزنا في ظروفه وضمان ما هلك من ذلك قبل تفريغه, وضمان الظروف وفي المكيال يسقط بعد امتلائه, والرواية تنشق قبل أن تفرغ والزيت يصب عليه آخر نجس, والقوارير تهلك في التقليب, والغرائز تهلك في التفريغ

[الباب الثالث] في بيع السمن والعسل كيلاً أو وزناً في ظروفه وضمان ما هلك من ذلك قبل تفريغه, وضمان الظروف وفي المكيال يسقط بعد امتلائه, والرواية تنشق قبل أن تفرغ والزيت يصب عليه آخر نجس, والقوارير تهلك في التقليب, والغرائز تهلك في التفريغ ] الفصل 1 - في بيع السمن والعسل كيلاً أو وزناً في ظروفه [ قال مالك: ولا بأس بشراء زيت أو سمن أو عسل كل رطل بكذا على أن يوزن بالظروف, فإذا فرغت وزنت الظروف فطرح وزنها. قال: ولو ابتاعه على الكيل على أن يوزن بالظروف فإذا فرغت وزنت وطرح وزنها ثم حسب باقي الوزن أقساطاً على ما عرف من وزن القسط, فإن كان الوزن عندهم والكيل لا يختلف فلا بأس به, فإن وزن بظروفه ثم فرغ, وتركت عند البائع إلى أن توزن, فقال المشتري بعد ذلك ليس هي هذه, وأكذبه البائع, فإن لم يفت السمن وتصادقا عليه أعيد وزنه, وغن فات فالقول قول من تركت الظروف عنده مع يمينه أنها هي من بائع أو مبتاع؛ لأنه أمين. ومن العتبية: وسئل مالك عن بيع السمن والزيت في الزقاق أرطالا مسماة كذا وكذا رطلاً بدينار, وزقاقها داخلة في الوزن, قال: لا بأس بذلك؛ لأن الزياتين

قد عرفوا قدر الزقاق ووزنها فهو خفيف. قيل له: فهل القلال كذلك؟ قال: لو علم أنها في التقارب مثل الزقاق ما رأيت بها بأساً ولكن الفخار يكون بعضه رقيقاً وآخر كثيفاً فلا أحبه. قال مالك: وأجرة الكيل على البائع؛ لأن عليه أن يكيله للمبتاع وقد قال إخوة يوسف} فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ {[يوسف:88] وكان يوسف عليه السلام هو الذي يكيل. فصل] 2 - في ضمان ما هلك من جرار الزيت قبل تفريغه وفي المكيال يسقط بعد امتلاكه والرواية تنشق قبل تفريغها [ ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ومن اشترى جرار زيت أو سمن فوزنت له وقبضها حتى يفرغها, فضمانها من المبتاع وله بيعه قبل أن يفرغه؛ لأن ذلك قبض. قال أصبغ: وكذلك لو ملأ له الظروف فقبضها حتى يفرغها ثم يعيرها بالماء ليعرف ما تسع فهو قبض والضمان / منه. قال ابن المواز: ولا يضمن الظروف إذا لم يقبضها على شراء ولكن على وجه الكراء, وكأن الثمن وقع على الزيت وعلى عارية الظروف. وقال أشهب عن مالك فيمن اشترى زق سمن فذهب ليزنه فانفلت من الميزان فهو من البائع. م ولو وزنه المبتاع ثم ذهب ليضعه في وعائه فهو منه.

قال مالك: ولو وزنه فذهب البائع ليصبه في إناء المشتري فمالت يده فاهراق فهو من البائع. م يريد لأن المشتري لم يقبضه بعد الوزن ولا صب في إنائه. فصل] 3 - في ضمان الظروف وفي المكيال يسقط بعد امتلائه [ قال مالك: وإذا سقط المكيال فانكسر بعد امتلائه قبل تفريغه في إناء المشتري فهو من البائع حتى يصب في إناء المشتري. قال ابن القاسم: ولو أمر البائع أجيره بالكيل للمبتاع فكال واحداً فصبه في إناء المشتري ثم كال ثانياً فوقع المطر من يده بعد امتلائه على وعاء المشتري فانكسر فالثاني من البائع, وليس للمبتاع على الأجير فيه شيء. وأما الأول فالأجير يضمنه للمبتاع. زاد في العتبية: ولو ولى المبتاع كيله فسقط الثاني على إنائه فكسره, فما في إنائه فهو منه, وما في المكيال فهو من البائع حتى يصب في إناء المشتري؛ وليس امتلاء المطر قبض. وروى عن سحنون في غير العتبية أن المشتري إذا ولى الكيل لنفسه فلما استوفى المكيال سقط من يده فالمصيبة منه.

م فعلى قول سحنون إن ولى البائع كيله فضمان الجميع منه, وإن وليه المبتاع فضمان الجميع أيضاً منه, وإن وليه لهما غيرهما فضمان الأول من المبتاع ويطلب به الأجير والثاني من البائع. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن اشترى راوية ماء فتنشق أو تكون قلالاً فتتكسر قبل أن تصل فذلك من السقاء وهو مما يشتري على البلاغ في عرف الناس. فصل] 4 - فيمن اكتال زيتاً ابتاعه ثم اكتال في جرة من جرة نجسة ولم يعلم وتناكرا في النجسة [ ومن اشترى من رجل مئة قسط زيت فكال له من جرة خمسين ثم كال له من جرة أخرى قسطاً او قسطين فصبه على الأول ثم وجد فأرة في الجرة الثانية فضمان الخمسين الأولى من المبتاع, وإنما صب عليه هذا بأمره, كما لو صب لك حمال زيتاً في جرة بأمرك فإذا فيها فأرة فلا شيء عليه. قال ابن حبيب: إلا أن يكون البائع عالماً بالنجاسة التي في زيته فغرّه حتى صبه على الآخر, فضمان الزيتين جميعاً منه ويبالغ في عقوبته. ] قال [ابن حبيب: ولو ظهر فيه بعد أن صار في إناء المشتري فأرة فقال المشتري: في زيت البائع كانت, وقال البائع: بل في إنائك كانت, فالقول قول البائع مع يمينه؛ لأنها إنما ظهرت في إناء المبتاع فهي منه إلا أن تقوم بينة أنها كانت في إناء البائع, أو يقوم دليل من انتفاخها وتزلعها مما لا يمكن أن يكون في إناء المشتري,

فالقول قول المشتري مع يمينه, وإن أشكل فيه الأمر فقد لزم المشتري وقاله اصبغ. فصل] 5 - فيمن قلب قوارير للبيع أو قلال خل فسقطت أو جرب قوساً أو سيفاً فانكسر أو سقط من يده على شيء آخر [ ] قل [ابن المواز: قال مالك في القوارير وأقداح الخشب والفخار تنصب للبيع فيقلبها الذي يريد الشراء فتسقط من يده فتتكسر فلا ضمان عليه. قال أصبغ: أخذه بإذنه أو بغير إذنه إذا رآه فتركه, وإن كان بغير علمه ضمن. قال ابن المواز: ومت سقط في التقليب من يده على غيره فانكسر الأسفل, فإنه يضمنه ولا يضمن ما سقط من يده. ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم أنه إذا تناول شيئاً من ذلك بغير إذن ربه ثم جعل يساومه فسقط من يده انه ضامن إذا لم يناوله إياه أو بأذن له فيه يضمن ما انكسر تحته, وكذلك السيف يهزه والقوس يرمي عنها فتنكسر من يده أنه ضامن إذا لم يناوله إياه أو يأذن له فيه ويضمن ما انكسر تحته وكذلك الدابة يركبها / ليختبرها فتموت فهو ضامن في هذا إلا أن يكون بإذنه, وقال عنه أبو زيد: كل ما لا يعرف إلا بالتناول باليد كالسيف يهزه والقوس ينزع عنها فينكسر فلا يضمن, وما كان يختبر يبعضه كالبان والدهن يختبره بالشيء منه يشمه, فإذا أخذه رجل بيده فسقط منه فانكسر فإنه يضمن, ومثل الخل إنما يذاق منه الشيء, فإن رفع القلة بيده فانكسرت ضمن, وضمن ما وقعت عليه, وقال اصبغ عنه في قلال الخل بخلاف القوارير تسقط من يده في التقليب.

وقال أصبغ: هي مثل القوارير إلا أن يخرق ويعنف بغير المأخذ, مثل أن يعلق القلة الكبيرة بأذنها أو يغير الوجه المعروف فإنه يضمن. م وتحصيله أنه لم يختلف فيما وقع عليه أنه يضمنه ولا فيما سقط من يده وقد أخذه بإذنه أنه لا يضمنه, واختلف إن أخذه بغير إذنه وهو يراه فتركه, فقيل يضمن وقيل لا يضمن إلا أن يأخذ ذلك من غير مأخذه ويعنف أو يأخذه بغير علم صاحبه فيضمن. ] قال [ابن المواز: قال مالك: ومن أعطى ديناراً للصيرفي في دراهم فنقره نقراً خفيفاً أو أخرق في نقره فضاع فانه يضمنه؛ لأنه أخذه على المبايعة, وكذلك لو غصب من يده أو اختلس قبل أن يزنه فإنه يضمنه, وأما لو أراه إياه رجل ليختبر له جودته بلا بيع فنقره نقراً خفيفاً, لا خرق فيه, فلا يضمنه, وكذلك لو أخذه على الصرف فاستأذنه في نقره, فنقره نقراً خفيفاً فلا يضمن, وإن اخرق ضمن. وكذلك في العتبية عن ابن القاسم ولم يذكر فيها لو غصب من يده أو اختلس قبل بدنه وفي هذا نظر. قال أبو محمد: يروى فنقره ونقده, والمعنى اختبار الدينار بالضرب على لوح أو بظفره ليسمع حسه فيعرف جودته من رداءته.

[الباب الرابع] في بيع البرنامج وبيع الملامسة والمنابذة والغرر

[الباب الرابع] في بيع البرنامج وبيع الملامسة والمنابذة والغرر ] الفصل 1 - في بيع البرنامج وأصل جوازه وما ينبغي في صفته [ قال مالك: ما زال الناس يجيزون ببيع البرنامج, قال أبو جعفر الأبهري: وأجازه جماعة من التابعين يكثر عددهم وله أصل يرجع للضرورة التي دعت غلى جواز بيعه, وهي ما يلحق الناس من نشره وطيه, وإذ قد يريد المبتاع الإضرار بربها فيأمره

بنشرها ثم يدع البيع, فيدخل عليه المشقة والخسران, فلهذه الضرورة جوز بيعه على الصفة, فإن وافقت فالبيع لازم, وإن خالفت فالبيع مردود إن شاء ذلك المبتاع, ومن أصوله التي يرد إليها ما اتفق المسلمون على جواز السلم على الصفة] إلا [لما يلحق الناس من الحاجة إليه والإرتفاق به. قال عبد الوهاب: وهو كبيع الشيء الغائب على الصفة. فإن قيل فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الملامسة, وهو بيع الثوب المطوي لا ينشر ولا يعلم ما فيه. قبل الثوب ونحوه لا كلفة ولا كبير مشقة في نشره وطيه, كما ذلك على صاحب الأعدال, وقد يجوز الغرر اليسير إذا دعت الضرورة إليه, ولا يجوز إذا لم تدع إليه حاجة. وقد ذكر ابن سحنون في رده على الشافعي إن الصفة في بيع البرنامج تنوب عن الرؤية, واحتج بحديث أبي هريرة في النهي عن بيع السلعة لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها, فجعل الإخبار عنها كالرؤية لها.

[قال] ابن حبيب: لا يباع الثوب المدرج في جرابه على الصفة بخلاف بيع الأعدال على البرنامج لكثرة الثياب وعظم المؤنة في فتحها ونظرها. وفي كتاب ابن المواز: ومن باع ثوباً مدرجاً في جرابه, وصفه له أو كان على أن ينشره, فذلك جائز, ينشره قبل البيع أو بعده. م لعله يريد ولا ينقده حتى ينشره. ومن المدونة: قال مالك: ومما ينبغي صفته في البرنامج عدة الثياب وأصنافها وذرعها وصفاتها. ] فصل 2 - في الدعوى في البرنامج [ قال: ومن ابتاع عدلاً ببرنامجه جاز أن يقبضه ويغيب عليه قبل فتحه, فإن ألقاه على الصفة لزمه, وإن قال وجدته بخلاف الصفة فإن لم يغب عليه أو غاب عليه مع بينة تفارقه أو تقاررا بذلك فله الرضا به أو رده, وإن لم يعلم ذلك إلا بقوله وأنكر البائع أن يكون مخالفاً للجنس المشترط أو قال: بعتكه على البرنامج, فالقول قول البائع - يريد مع يمينه-؛ لأن المبتاع صدقه إذا قبضه على صفته / وكذلك من صرف ديناراً بدراهم فغاب عليها ثم رد منها رديئاً, فأنكره الصراف فما عليه غلا اليمين أنه لم يعطه غلا جياداً إلا في علمه, وما يعلمها من دراهمه.

وكذلك من قبض طعاماً على تصديق الكيل ثم ادعى نقصاً أو اقتضى ديناً فأخذه صرة صدق الدافع أن فيها كذا, ثم وجدها تنقص فالقول قول الدافع. وقال ابن كنانة في الصراف خاصة يحلف على البتات. قال سحنون: ولا يجوز التصديق في الصرف إلا أن يقول له أنه دينار وازن فيأخذه مصدقاً له. قال مالك: ومن اشترى عدلاً ببرنامجه على أن فيه خمسين ثوباُ فوجد فيه أحداً وخمسين ثوباً, فإنه يكون معه شريكاً في الثياب بجزء من اثنين وخمسين جزءاً من الثياب. ثم قال مالك: يرد منها ثوباُ كعيب وجده. قال: وقوله الأول أعجب إلى أن يكون معه شريكاً بجزء من اثنين وخمسين جزءاً من الثياب, وفي رواية أخرى بجزء من أحد وخمسين جزءاً. قال يحى بن عمر: وهذا الصواب, وغلط ابن حبيب في رواية ابن القاسم بجزء من اثنين وخمسين. قال: والذي رواه مطرف وابن الماجشون عن مالك بجزء من أحد وخمسين جزءاً.

وقال ابن اللباد: يحتمل أن يكون أدخل اللفافة في العدة في الرواية التي قال فيها] بجزء من [اثنين وخمسين. م وليس ذلك بشيء, وما هو إلا إبهام دخل عليه الحساب, والصواب والحق بجزء من أحد وخمسين جزءاً. م وعلى قوله يرد ثوباً منها, قال بعض القرويين يرد ثوباً من أوسطها. وذكر عن أبي عمران أنه قال: يرد المشتري أي ثوب شاء لأنه قال: يرد ثوباً كعيب وجده. قال: وينبغي أن يجمع بين الروايتين فيقال: إذا كان قيمته أكثر من جزء من أحد وخمسين, شاركه المشتري بتلك الزيادة, وإن كانت أقل أتاه بثوب آخر, وكان شريكاً معه في الزيادة. وقيل إن كان قيمة الثوب الذي يرد أكثر من الجزء فيرد عليه البائع ثمناً في الزيادة, وإن كان أقل رد عليه المشتري ثمناً, ولا شركة في ذلك. م وقوله يرد ثوباً وسطاً منها أحسن, وقوله أيضا يكون شريكاً بجزء من أحد وخمسين جزءاً أعدل وبالله التوفيق .. ومن المدونة: قال مالك: وإن وجد الثياب تسعة وأربعين ثوباً وضع عنه من الثمن جزءاً من خمسين جزءاً, قلت: فإن وجد فيها أربعين ثوباً وضع عنه من الثمن جزءاً من خمسين جزءاً. قلت: فإن وجد فيها أربعين ثوباً؟ قال: إن وجد من الثياب أكثر مما سمى له, لزمه بحصته من الثمن وإن كثر النقص لم يلزمه أخذها ورد البيع.

ولو كان في العدل مئة ثوب أجناساً عشرة أثواب من الخز ومن المروي كذا ومن غيره كذا فأخذها بألف دينار. كل ثوب بعشرة, فوجد المبتاع أثواب الخز تنقص ثوباً, نظر ما قيمة ثياب الخز من قيمة الثياب كلها يوم الصفقة, فإن كان الربع وضع عن المبتاع عشر ربع الثمن قل أو كثر- يريد وثياب الخز متساوية القيمة. م وإنما شرط تساوي ثياب الخز؛ لأنها بيعت على الصفة ولو كانت مختلفة لعلمت صفة الثوب الناقص, فتسقط حصة قيمته من قيمة ثياب الخز لا على العدد, ولو بيعت الثياب على التقليب والرؤية, فوجدت الخز ينقص ثوباً لوضع عن المبتاع عشر قيمة ثياب الخز, مختلفة كانت أو متفقة وذلك عدل بين المتباعتين؛ لأن البائع يدعي أن ما نقص من أدونها والمبتاع يقول من أرفعها, فيجعل من أوسطها فيخصه عشر ربع الثمن أجمع. فصل] 3 - في بيع الملامسة والمنابذة والغرر [ ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الملامسة والمنابذة وفي سياق الحديث وذلك بيع السلع لا ينظرون إليها / ولا يخبرون عنها. قال مالك ومن اشترى ثياباً مطوية ولم ينشرها ولا وصفت له, فالبيع فاسد .. والملامسة: شراؤك الثوب لا تنشره ولا تعلم ما فيه أو تبتاعه ليلاً ولا تتأمله. والمنابذة: أن تبيعه ثوبك وتنبذه إليه بثوبه وينبذه إليك من غير تأمل منكما, فذلك غرر, ونهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر كله, ومن الغرر شراء راحلة أو دابة قد ضلت,

أبو عبد قد أبق, إذا لا يجوز ذلك, وإن وجده لا يدري كيف يجده في نماء أو نقص فذلك خطر. قل سحنون: لا يشترى الآبق إلا أن يكون في وثاق, قال: ولو صيره الإمام في السجن لم يجز بيعه لأن فيه خصومه حتى يقضى به لصاحبه. قال ابن القاسم في كتاب الآبق: ولو كان الآبق قد أخذه رجل وصار عنده جاز له شراؤه من سيدة على صفته يومئذ ولا يتناقدان الثمن إن كان بعيداً كبيع الغائب. تم كتاب اشتراء الغائب من الجامع لابن يونس بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.

كتاب الوكالات

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الوكالات [الباب الأول] القول في أفعال الوكيل بعد موت الموكل أو عزله ] الفصل 1 - في مشروعية الوكالة] م والأصل في جواز الوكالة قوله تعالى:} فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ {[الكهف:13] وقوله تعالى:} فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ {[النساء:6] والأوصياء كالوكلاء, ومن السنة حديث فاطمة بنت قيس حين طلقها زوجها وجعل وكيله ينفق عليها. وعند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أن يشتري له أضحية بدينار فاشترى له شاتين بدينار, فباع واحدة بدينار وأتاه بشاة ودينار, فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة. والإجماع على جواز الوكالة للمريض وللغائب فالحاضر مثل ذلك.

[فصل 2 - فيمن أمر رجلاً بشراء سلعة ثم يموت الآمر فيبتاعها المأمور] قال ابن القاسم: ومن أمر رجلاً يشتري له سلعة ولم يدفع إليه ثمنها أو دفعه إليه فاشتراها الوكيل بعد موت الآمر ولم يعلم بموته, أو اشتراها ثم مات الآمر فذلك لازم للورثة إلا أن يشتريها وهو يعلم بموت الآمر, فلا يلزم الورثة ذلك, وعليه غرم الثمن؛ لأن وكالته قد انفسخت, وقاله مالك فيمن له وكيل ببلد يجهز إليه المبتاع, أن ما باع واشترى بعد موت الآمر ولم يعلم بموته فهو لازم للورثة, وما باع واشترى بعد علمه بموته لم يلزمهم؛ لأن وكالته قد انفسخت. قال ابن المواز: كل ما فعله الوكيل بعد علمه بموت الآمر أو عزله إياه فليس بين أصحاب مالك اختلاف أنه ضامن, وإذا علم الدافع إليه بعزله أو بموت الآمر ثم دفع فلا يبرأ, ثبتت وكالة الوكيل عند الحاكم ببينة أم لا, وأما إن دفع قبل علمه فمذهب ابن القاسم أنه لا يبرأ من دفع إليه وإن لم يعلم, ورأينا ذلك لا يصلح إذ لا يشاء أحد أن يوكل على تقاضي حقه / ببلد آخر ثم يشهد بعزله بعد خروجه أو يدفع إليه مالاً يدفعه إلى رجل صدقة أو غيرها ثم يفسخ وكالته. يريد بذلك تضمينه ولا علم له فهذا غير معتدل, وكذلك قال في الوكيل يلي البيع ثم يفسخ الآمر وكالته ويقبض الوكيل الثمن قبل علمه وعلم المشتري أنه لا يبرأ المشتري, وأبى ذلك أصحاب ابن القاسم ولم يرضوه, وخالفه عبد الله بن عبد الحكم وقال نحو ما قلت. قال ابن المواز: ولو أعطاه نفقة أمره أن ينفقها على عياله ورفيقه فأنفقها عليهم ثم قامت بينة أنه طلق زوجته أو أعتق رقيقه قبل الإنفاق وهو لا يعلم فلا ضمان

عليه, وهو قول مالك في المرأة تنفق بعد الطلاق ثلاثاً من مال الزوج وهي تعلم فلا رجوع له على الزوجة بذلك ولا على المأمور, وما أنفقته بعد علمها ردته, وتصدق أنها لم تعلم مع يمينها. قال مالك: وأما في موته فهي تغرم علمت أو لم تعلم. ] قال [ابن المواز: لأنها أنفقت من غير ماله, فيستوي في هذا علمها ومبهمها وهو قول ابن القاسم وأشهب. ] قال [ابن المواز: وقد قال مالك في الوكيل يبيع ويشتري بعد موت الآمر ولم يعلم فلا ضمان عليه إلا أن يكون عالماً بموته, وكذلك ينبغي أن يكون في الحجر عليه إذا لم يعلم الوكيل ولا الغرماء أن قبضه. وجميع أفعاله نافذة. قال: ولو علم الوكيل ولم يعلم من دفع إليه, قال: فالدافع إليه برئ إذا ثبتت البينة على الوكالة, ولا يبرأ الوكيل إن تلف ما قبض بعد علمه بعزله. ومن العتبية قال أصبغ عن ابن القاسم في الرجل له وكيل ببلد يبيع له متاعه فمات الآمر قبل قبض الوكيل الثمن, فإنه لا يقبضه إلا بتوكيل الورثة وإن كان قد ولي البيع. وقد قال مالك في الوكيل على اقتضاء دين فيموت الآمر قبل قبض الوكيل؛ أن الوكالة تنفسخ ولا قبض له. قال أصبغ: هذه صواب, والأولى بخلافها؛ لأن الأولى هو المعامل للمبتاع, ولا يبرأ المبتاع يدفعه فعليه أن يدفع إليه ما لم يوكل الوارث غيره بالقبض.

م وذلك سواء؛ لأن الموكل على البيع موكل على القبض, فهو كالموكل على القبض لا فلاق. وقال ابن حبيب عن مطرف: كل وكيل إذا مات الآمر فهو على وكالته, ويجوز قبضه وخصومته ودفعه حتى يعزله الوارث أو يوكل بذلك غيره. وقال اصبغ: تنفسخ وكالته بموت الآمر, ولا تجوز خصومته ولا اقتضاؤه حتى يوكله الوارث إلا أن يموت عندما أشرف الوكيل على تمام الخصومة بالحكم له أو عليه, وبحيث لو أراد الميت فسخ وكالته ويخاصم هو أو يوكل بذلك غيره لم يكن له ذلك, فحينئذ لا تنفسخ وكالته بموت الآمر. قال: وما كان من يمين يحلفها الآمر حلفها الورثة إن كان فيهم من بلغ. علم ذلك. فصل] فصل 3 - في قيام الولد مقام أبيه وهل للوكيل توكيل غيره [ ومن العتبية: قال يحي عن ابن وهب: وإذا مات الوكيل فليس ولده بمثابته, ولا للوكيل أن يوكل غيره أو يوصي بذلك إلى غيره إلا أن يفوض إليه في التوكيل والإيصاء, فإن لم يفوض إليه فيه كان أمر ما بيده إلى الإمام يوكل عليه من رآه لغيبة ربه. قال ابن القاسم: وإذا كانا وكيلين فمات أحدهما فليس للحي تقاضي الدين إلا بعد رأي القاضي, وأحب إلى أن يوكل القاضي رجلاً يرضاه من بلد المستخلف يقتضي مع الحي, وإن كان المستخلف قريباً وديونه مأمونة أمر الحي أن يتوثق من الغرماء حتى يأمن على الدين التلف ثم يستأنى به حتى يجدد الآمر وكالته.

[الباب الثاني] / جامع القول في تعدي الوكيل

[الباب الثاني] / جامع القول في تعدي الوكيل ] الفصل 1 - في الوكيل يسلم دراهم موكله في طعام ثم يدعي المسلم إليه أنها زائفة [ قال ابن القاسم: وإن أمرت رجلاً يسلم لك دراهم دفعتها إليه في طعام ففعل, ثم أتى البائع بدراهم زائفة ليبدلها وزعم أنها التي قبض, فإن عرفها المأمور لزمت الآمر, أنكرها أم لا؛ لأنه أمينة. م قيل إن معنى ذلك أن الآمر لم يقبض السلم وإما لو قبضه لم يقبل عليه قول الوكيل. م وذلك عندي سواء قبض الآمر السلم أو لم يقبضه لأنه أمينه. قال ابن القاسم في المدونة: وإن لم يعرفها المأمور وقبلها حلف الآمر أنه ما يعرفها من دراهمه وما أعطاه إلا جياداً في علمه وبرئ, وأبدلها المأمور لقبوله إياها, وإن لم يقبلها المأمور ولا عرفها, حلف المأمور انه ما أعطاه إلا جياداً في علمه وبرئ, ثم للبائع أن يحلف الآمر أنه ما يعرفها من دراهمه وما أعطاه إلا جياداً في علمه ثم تلزم البائع. م قال بعض أصحابنا: الرتبة أن يبدأ اليمين الآمر. م والمسألة في كتاب ابن المواز مثل ما في المدونة أنه يبدأ بيمين المأمور؛ لأنه المعامل له, وله عندي أن يبدأ بيمين من شاء منهما؛ لأن الوكيل هو الذي ولي معاملته,

فله أن يقول له لا أحلف إلا لك, إذ لا معاملة بيني وبين الآمر, وله أن يحلف الآمر لإقراره أن هذا وكيله, وهذه دراهمه, فله أن يحلفها ويبدأ بيمين من شاء منهما والله أعلم. م وحكي عن بعض شيوخه القرويين في قوله إذا قبلها المأمور ولم يعرفها, يحلف الآمر وفي يمين الآمر نظر؛ لأن المأمور لا يدعى على الآمر يقينا فكيف يحلفه بالشك, والمشهور من قولهم أن اليمين لا تكون إلا بيقين الدعوى, وإن كان قد وقع لهم وجوب اليمين في الشك وذلك ضعيف. م واليمين في هذه المسألة أقوى من مسائل الشك لأن اليمين قد وجبت للبائع على الآمر والمأمور, فكأن المأمور قال: أنا لا أحلف وأبدلها, وأحلف الآمر اليمين التي وجبت للبائع عليه, وهي أيضاً يمين يقوى الرد فيها على الوكيل. وعلى البائع؛ لأنه إن شاء قال لكل واحد من الوكيل والبائع احلف أنك لم تبدلها أنت وأنا أبدلها فهي أقوى من مسائل الشك التي لا يجب رد اليمين فيها والله أعلم. فصل] 2 - هل للوكيل بيع سلعة موكله بدين [ قال ابن القاسم: ومن وكلته على بيع سلعة لم يجز له أن يبيعها بدين, كالعامل في القراض الذي لا يجوز له البيع بالدين, فكذلك الوكيل. ومن كتاب ابن المواز: وإذا لم يسم له ثمناً فباعه بثمن مؤجل فرضي بها الآمر, فإن كانت السلعة قائمة بيد المشتري لم تفت, فرضاه جائز وإن فاتت لم يجز.

وقال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية: أما إذا باعها إلى أجل بأكثر من القيمة فلا يجوز أن يرضى به وإن كان بمثل القيمة فأقل فجائز أن يتحول الآمر على المشتري؛ لأنه مرفق منه بالمعتدي, وإن باعها بأكثر فوضي المتعدي أن تعجل له القيمة ويقبض ذلك لنفسه عند الأجل ويدفع ما زاد على القيمة للآمر, جير الآمر على ذلك, ولم يمكن من بيع الدين. قال عنه عيسى ولو أمر أن يبيعها بعشرة نقداً فباعها بخمسة عشر إلى أجل, بيع الدين بعرض ثم بيع العرض بعين, فإن نقص عن عشرة غرم تمامها وإن كان أكثر فهو للآمر, ولو قال المأمور للآمر أنا أعطيك عشرة نقداً وانتظر بالخمسة عشر حلولها فاقتضي منها عشرة وأدفع إليك الخمسة الباقية فرضي الآمر, وإن كانت الخمسة عشر لو بيعت بيعت بعشرة/ فأقل جاز ذلك إذا عجل العشرة, وإن كانت تباع باثني عشر لم يجز؛ لأنه كأنه فسخ دينارين في خمسة إلى أجل. وقال أشهب: لا يجوز ذلك وإن ساوت أقل؛ لأنها إن ساوت ثمانية فقد وجب على المأمور غرم دينارين فقال للآمر: لا تبع بالدين وأنا أنقدك عشرة فاقبضها من الخمسة عشرة المؤجلة, فذلك سلف جر منفعة. م يريد وإن كان يساوي عشرة سواء جاز عند أشهب وابن القاسم, وقد أوعبت هذا وما شاكله في كتاب السلم فاغنى عن إعادته.

[فصل 3 - في الوكيل يبيع بالعرض ما يباع بالعين] ومن كتاب الوكالات قال: وإن باع بالعرض ما يباع بالعين فهو متعد, قال في كتاب السلم ويضمن حين باع بغير العين إلا أن يجيز الآمر فعله ويأخذ ما باع به. وفي كتاب ابن المواز: الآمر مخير في أن يجيز ذلك أو تباع له السلعة المأخوذة, فإن كان فيها زيادة أخذها وإن نقصت عن القيمة ضمن تممها المأمور وذلك إذا كانت سلعة الآمر لم تتغير بسعر ولا بدن. ومن المدونة: وقال غير ابن القاسم في الباب الذي يعد هذا: إذا باع السلعة بطعام أو عرض نقداً وقال بذلك أمرتني, فإن لم تفت لم يضمن المأمور وخير الآمر في إجازة البيع أو أخذ ما بيعت به أو ينقض البيع ويأخذ سلعته. م يريد بعد يمينه أنه لم يأمره بذلك لحجة المبتاع أن يكون الآمر أمره بذلك ثم ندم الآن, فإن نكل لم يكن له نقض البيع, ثم للآمر أن يحلف الوكيل, فإن حلف برئ وإن نكل ضمن قيمة السلعة, وكان له ما باعها به. م وكذلك إن فاتت السلعة وطلب تضمين الوكيل لم يكن له ذلك إلا بعد يمينه, فإن نكل حلف الوكيل وبرئ, فإن نكل ضمن. ] فصل 4 - فيمن باع ولم يشهد على المبتاع [ ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن باع ولم يشهد على المبتاع فجحده, فإنه ضامن كقول مالك في الرسول يقول: دفعت البضاعة وينكر المبعوث إليه أن الرسول ضامن إلا أن تقوم له بينة أنه دفعها إليه.

م قال بعض شيوخنا القرويين: ويضمن المأمور قيمة السلعة لا الثمن الذي اقر أنه باعها به؛ لأن عداه إنما وقع في تسليم السلعة بغير إشهاد إذ ليس عليه أن يشهد على عقد البيع. وذكر أن غيره بمخالفة, وذكر أن الذي قال يضمن قيمة السلعة أبو محمد بن أبي زيد والمخالف له أبو القاسم بن شبلون. م ويحتمل أن المخالف له يقول يضمن الثمن وهو أولى لأنه قال في الكتاب: أنت ضامن لأنك أتلفت الثمن وإنما يضمن الإنسان ما اتلف, ولأن الإشهاد على عقد البيع انفع للآمر إذ قد يخالفه في الثمن أيضا. ود قال ابن المواز: إذا اختلفا في الثمن وقد فاتت السلعة صدق المبتاع مع يمينه, وضمن الوكيل ما بقى بتعديه بترك الإشهاد, فإذا كان يضمن ما نقص من الثمن الذي أقربه فكذلك يضمن جميع الثمن إذا جحده البيع؛ إذ لو اشهد على ذلك وعلى دفع السلعة لحرز على الآمر ماله, فقد فرط فيه ولأنه لو أتاه بالثمن وقيمة السلعة أكثر لم عليه ضمان. وقال بعض أصحابنا: إنما يضمن الأقل من قيمة السلعة أو الثمن. وقد قال بعض شيوخنا: إذا وكله أن يسلم له في طعام فقال الوكيل قد فعلت وأنكر المسلم إليه أن يكون أسلم إليه شيئاً فليضمن الوكيل ذلك السلم

لإقراره بثبوته على المسلم إليه وتفريطه في الإشهاد عليه وكذلك لو أقر له بمقدار أقل مما قال الوكيل لضمن الوكيل الزيادة. م وهذا من قوله يدل أنه إنما يضمن في المسألة المتقدمة الثمن؛ لأنه الذي يتقرر له على البائع كتقرر السلم فاعلم ذلك. قال ابن المواز: ولو أقام الوكيل شاهداً فليحلف / معه فإن نكل حلف المشهود عليه وبرئ, ولزم الوكيل غرم البضاعة, وكذلك الوصي يبيع متاعاً للميت فينكر المبتاع الشراء ويقوم عليه شاهد, فتكل الوصي وحلف المبتاع وبرئ فليضمن الوصي, قاله مالك وأصحابه, فإن القي الوصي أو الوكيل عديماً- وقد نكل أو قبل أن ينكل- فلرب المال اليمين مع شاهده. ] فصل 5 - في الوكيل يشتري سلعة معيبة [ ومن المدونة: قال مالك: وإن أمرته بشراء سلعة فابتاعها معيبة, فإن كان عيباً خفيفاً يغتفر مثله وقد كان شراؤها به فرصة لزمك, وإن كان عيباً مفسداً لم تلزمك إلا أن تشاء وهي لازمة للمأمور. وإن أمرته بشراء عبد فابتاع من يعتق عليك غير عالم لزمك وعتق عليك, وإن كان عالماً لم يلزمك. قال يحي بن عمر: يعني ويلزم المأمور ويسترقه ويباع عليه في الثمن. وقاله لي عبيد بن معاوية. وقال البرقي: إن علم المأمور عتق العبد وضمن للآمر الثمن, فإن لم يكن له مال بيع العبد في ذلك أو بعضه,

وعتق ما فضل منه والولاء للآمر. م وحكي عن بعض أصحابنا عن شيوخه القرويين أن قول عبيد بن معاوية هو القول الجاري على أصل ابن القاسم وكذلك أشار يحي بن عمر قال: هو بخلاف المقارض يشتري أبا رب المال عالماً؛ لأن المقارض له شبهة في المال, وقد تكون له فيه حصة بخلاف الوكيل. م وظهر لي أن قول البرقي هو الجاري على قول ابن القاسم في هذه المسالة, ولا فرق بين المقارض وبين الوكيل في هذا, لأن المقارض إذا اشترى أبا رب المال عالماً لم يعتق عليه من أجل أن له شبهة في المال, ولكن لضمانه بالتعمد لتلف مال الابن, ألا ترى أنه إنما يضمن للابن رأس ماله, وسواء كان الأب فضل أم لا؛ لأنه إنما تعدى له على مال, وكذلك فسره ابن المواز فلا فرق بينه وبين الوكيل في هذا؛ لأن الوكيل أيضاً إنما تعدى له على مال فأتلفه فوجب عليه غرمه, ووجب عتق العبد, وكان الولاء للابن في الوجهتين, وكان الوكيل أو المقارض اعتقه عنه, وإنما يخالف الوكيل المقارض لو اشترى أبا نفسه, ويفرق بينهما؛ لأن المقارض له شبهة في المال, والوكيل لا شبهة له, فإما في مسألتنا فهما سواء والله اعلم.

فصل [6 - في الوكيل يبيع أو يشتري بما لا يتغابن به الناس] ومن المدونة: قال مالك: وإن باع الوكيل أو ابتاع بما لا يتغابن الناس بمثله في الثمن لم يلزمك, كبيعه الأمة ذات الثمن الكثير بخمسة دنانير ونحوها. قال ابن القاسم: ويرد ذلك كله غن لم يفت, فإن فات لزم الوكيل القيمة وإن باع بما يشبه جاز بيعه. قال مالك: وإن أمرته بشراء سلعة فابتاعها بألف درهم وهي من أثمان مئة, لم يلزمك إلا أن تشاء وهي لازمة له. ولو كان شيئاً يتغابن الناس في مثله لزمك. قال مالك وإن أمرته أن يشتري لك برذوناً بعشرة دنانير فابتاعه بخمسة دنانير, فإن كان على الصفة لزمك وإلا فلا, وغن ابتاعه بعشرين فأنت مخير في أخذه بعشرين أو رده فيلزم الوكيل ويضمن لك الثمن. قال ابن حبيب: وليس للمأمور أن يلزمه إياه بما أمره به ويحط عنه الزيادة. م يريد أو يلزمه إياها بما تساوي ويحط عنه الزيادة لأنها عطية منه لا يلزمه قبولها.

قال في المدونة: ولو زاد [شيئاً] يسيراً في مثل ما يزاد في الثمن لزمتك الزيادة كالدينارين والثلاثة في المئة, وكالدينار والدينارين في الأربعين. قال بعض أصحابنا: وقال بعض الناس إذا باع السلعة بدون ما سمى له الآمر باليسير لم يلزم الآمر ذلك بخلاف إذا زاد فيما اشتراه على الثمن يسيراً, هذا يلزم. فصل] 7 - فيمن أمر رجلاً يبتاع له عبد فلان بطعامه هذا [ / قال ابن القاسم: ولا بأس أن تأمر رجلاً أن يبتاع لك عبد فلان بطعامه هذا أو بثوبه هذا وذلك قرض وعليك المثل قيهما. م قال بعض شيوخنا: وجائز أن تأمره أن يبتاعه لك بجاريته هذه, ويكون عليه مثلها ولا يتقي في هذه عارية الفروج؛ لأنها لا تصل إلى يد المستقرض.

[الباب الثالث] في اختلاف الأمر والمأمور, وفي ضياع الثمن قبل دفع الوكيل, والعبد يوكل من يشتريه, وفي السلعة يبيعها الآمر والمأمور

[الباب الثالث] في اختلاف الأمر والمأمور, وفي ضياع الثمن قبل دفع الوكيل, والعبد يوكل من يشتريه, وفي السلعة يبيعها الآمر والمأمور ] فصل 1 - في اختلاف الآمر والمأمور في مبلغ الثمن في بيع السلعة [ قال مالك: وإذا باع الوكيل السلعة بعشرة دنانير وقال بذلك أمرني ربها, وقال ربها: ما أمرتك إلا باثني عشر فإن لم تفت حلف الآمر وأخذها. ] قال [ابن المواز: فإن نكل فله عشرة. وقال ابن ميسر إذا نكل حلف المأمور ومضى البيع بعشرة- يريد فإن نكل غرم دينارين تمام الإثنى عشر-. ومن المدونة: وإن فاتت حلف المأمور وبرئ. قال ابن القاسم: ما لم يبع بما يستنكر. قال ويصير الآمر في فوتها مدعياً للتضمين, وفوتها هاهنا زوال عينها, وكذلك روى الأندلسيون عن ابن القاسم. وقال في المستخرجة: إذا أمره أن يبيعها له بشيء يسميه فيأخذها لنفسه. قال: وأن وجدها في يديه أخذها إن لم تفت وإن فاتت وقد كانت أمره أن يبيعها بشيء من الطعام أو بالورق والذهب. م يريد وإنما يقضى بمثله فهو مخير بين أن يأخذ ما أمره أن يبيعها به أو يأخذ قيمتها, وإن كان أمره أن يبيعها بشيء من العروض التي لا تكال ولا توزن لم يكن عليه إلا القيمة. قال: وفوتها النماء والنقصان واختلاف الأسواق, وكثير من هذا في كتاب السلم.

[فصل 2 - في اختلاف الآمر والمأمور في جنس السلعة المبيعة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن دفعت إليه ألف درهم بها تمراً أو ثوباً, وقال: بذلك أمرتني, وقلت أنت: ما أمرتك إلا بحنطة, فالمأمور مصدق مع يمينه إذ الثمن مستهلك كفوت السلعة. ] قال [ابن حبيب: وقاله مطرف وابن الماجشون وبه أقول, وقال أصبغ: القول الآمر, وكذلك روى أبو الفرج عن أشهب عن مالك أن الباعث يحلف ويضمن المبضع معه. وقال ابن نافع: إنما قول مالك أن المبعوث معه يحلف ولا يضمن وهو رأيي. وقال مطرف عن مالك: إذا كانت السلعة قائمة فالقول الآمر: وإن فاتت فالقول قول المأمور, وسواء كان ما باعها به عيناً, فيقول الآمر أمرتك بأزيد منه أو يعرض أو يبيعها بعرض, فيقول بل بعرض خلافه أو بعين, فهو مثل ما وصفنا في حضورها أو فوتها, وأما لو باعها بدين وقال: به أمرتني, وقال الآمر: أمرتك بالنقد وسمى أو قال: بما رأيت, فالآمر مصدق هاهنا, قائمة كانت أو فائتة, وله في فوتها القيمة على المأمور, وقاله ابن الماجشون وابن القاسم واصبغ. ] فصل 3 - في المأمور يشتري سلعة بطعام نقداً بأمر الموكل والموكل ينكر ذلك [ ومن المدونة: قال مالك: وإذا باع المأمور سلعة بطعام أو عرض نقداً وقال: بذلك أمرتني وأنكر الآمر, فإن كانت مما لا يباع بذلك ضمن, وقال غيره: إذا كانت

السلعة قائمة لم يضمن المأمور, وخير الآمر في إجازة البيع وأخذ ما بيعت به, أو ينقض البيع ويأخذ سلعته, وإن فاتت خير في أخذ ما بيعت به من عرض أو طعام أو يضمن الوكيل قيمتها ويسلم ذلك إليه. قال غيره: وإذا ادعى المأمور أن الآمر أمره بما يشبه من يسير الثمن في البيع أو كثيرة في الشراء أو أن يبيع أو يشترى بغير العين, وليس مثلها يباع به أو أن يبيع / بالعين إلى أجل لم يصدق, وهو في بيعه بغير العين مبتاع غير بائع؛ لأن العين ثمن وما سواه مثمون, ولا يبيعه حالاً من ليس هو عنده, ويجوز شراؤك بالعين وليس هو عندك, والبيع لا ينتقض باستحقاق الثمن, وينتقض باستحقاق المثمونات, وكل قائم لم يفت أدعى فيه المأمور ما يمكن وادعى الآمر خلافه فالآمر مصدق مع يمينه, وكل مستهلك ادعى فيه المأمور ما يمكن وادعى الآمر خلافه فالمأمور مصدق مع يمينه كالصانع يصبغ الثوب بزعفران أو يقطعه قميصاً ويقول بذلك أمرتني ويدعي ربه أنه أمر بصبغة أخرى فالصانع مصدق مع يمينه فيما يشبه من الصنعة الفائتة بالعمل إذا كان ذلك كله من عمله. م تحصيل هذا الاختلاف انه لم يخطف إن كانت السلعة قائمة أن القول قول الآمر, وإن فاتت فقيل قول المأمور, وقيل بل قول الآمر, وقيل أن باعه بدين فالقول قول الآمر, وإن باعها بنقد فالقول قول المأمور. م والأول أبينها, وهو قول المدونة.

فصل [4 - في اختلاف الآمر مع المأمور فيما ولي وشهادة المأمور فيما أمر بدفعه أو أمر باقتضائه] ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف في المأمور يقول بعثت معي بكذا لأدفعه إلى فلان وقد فعلت. وقال الآمر بل أمرتك أن تدفعه إلى فلان رجل آخر. قال مالك: فالآمر مصدق وإن لم يقم بينة, ويضمن المأمور ولا رجع به على قابضه؛ لأنه مقر أنه ما قبض هو له. قال ابن حبيب: وقال ابن القاسم: القول قول المأمور. قال هو مطرف: ولو قال الآمر لم أمرك بالدفع إلى آخر فالآمر مصدق, وكذلك لو قال أمرتك أن تدفعه إليه فقط. وقال المأمور: بل أمرتني أن أدفعه إليه صدقة منك عليه, فلآمر مصدق ويضمن المأمور. قال مطرف: ولا يرجع المأمور بالمال على من دفعه إليه, ولا يكون مقام شاهد؛ لأنه غارم إلا أن يكون لم يدفع فتجوز شهادته مع يمين المشهود له ويأخذ المال, وإن كان المشهود له غائباً لم تجز شهادته لأنه يتهم على بقائه في يديه. ] قال [ابن ميسر: وقاله مالك: قال ابن حبيب عن مطرف: وإذا جعلت المأمور ضامناً وقد أعدم فللآمر أن يأخذ المال ممن قبضه, ثم لا يرجع به غارمه الآن على المأمور, وقاله ابن الماجشون إلا أنه رأى للمأمور أن يرجع بالمال إذا أغرمه على من دفعه إليه؛ لأنه يقول لم أهبك من عندي ولكني بلغتك قول غيري, وقال أصبغ. وقال مالك ومطرف: لا يرجع عليه بشيء؛ لأنه مقر أن ما قبض هو له وبه أقول.

فصل [5 - في الوكيل يشتري جارية لموكله ثم يطؤها ويبعث له بغيرها] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن وكل رجلاً يشتري له جارية بربرية, فبعث بها إليه فوطنها, ثم قدم الوكيل بأخرى, فقال هذه لك, والأول وديعة, ولم يكن الوكيل بين ذلك حين بعث بها, فإن لم تفت حلف وآخذها ودفع إليه الثانية, وإن فاتت الأولى بولد منه أو عتق أو كتابة أو تدبير لم يصدق المأمور إلا أن يقيم بينة فيأخذها. قال سحنون في غير المدونة: ويأخذ قيمة ولدها. قال ابن القاسم: وتلزم الآمر الجارية الأخرى. قال في كتاب ابن المواز: فإن لم تكن له بينة لم يقبل قوله, وإن كان زاد من عنده في ثمنها لم يكن له في الزيادة شيء. قال: والآمر مخير في التي قدم بها إن شاء أخذها بما اشتراها به له, وإن شاء تركها ولا تلزمه؛ لأنه يقول الأولى جاريتي, وإنما أمرت بواحدة ولا بينة لك على دعواك. ] فصل 6 - في الوكيل على شراء سلعة يزيد في ثمنها أو ينقص أو يبتاع ذلك الشيء مع غيره بالثمن [ ومن المدونة: قال مالك فيمن أمر رجلاً يشتري له جارية بمئة فبعث بها إليه, فلما قدم قال: ابتعتها بخمسين ومئة. قال: إن لم تفت خير الآمر بين أخذها بما قال

المأمور أو ردها وإن كانت قد حملت لم يلزمه إلا المئة. قال سحنون في غير المدونة: إلا أن يثبت قول المأمور ببينة / فتلزم الآمر إن حملت منه قيمتها إلا أن تكون القيمة أكثر من خمسين ومئة فلا يزاد عليها أو تكون اقل من مئة فلا ينقص منها. م وهذا الذي ذكر سحنون من قيام البينة ظاهرة خلاف للمدونة؛ لأن المأمور مصدق في الزيادة الكثيرة التي تشبه مع يمينه, فهو كقيام البينة عليها, فكذلك يكون مصدقاً في الزيادة الكثيرة ويحلف, ويكون ذلك كقيام البينة؛ ولأنه فرط إذ لم يعلمه وسلطه عليها, فهو كالمتطوع بالزيادة. وفي المستخرجة ما يدل على ذلك قال عيسى عن ابن القاسم: إذا اشتراها المأمور بخمسين ومئة وبعث بها إليه ولم يعلمه, فآفاتها بعتق أو حمل لم يلزمه غير المئة, وان أفاتها ببيع, فإن باعها بمئة لم يلزمه غيرها, وإن باعها بأكثر فالزيادة للمأمور حتى تبلغ خمسين ومئة, فيكون ما زاد بعد ذلك للآمر قال: وإن زاد المأمور على الثمن يسيراً لزمت الآمر قال: ويقبل قول المأمور أنه مؤتمن ويحلف, وإن لم يذكر الزيادة حتى طال الزمان لم يقبل قوله بعد ذلك إلا أن يشتغل عن ذكر ذلك يمثل ما يشتغل به الرجل في حوائجه, أو يكون في سفر فيقدم فيقبل قوله, وإنما لا يقبل قوله إذا أقام معه زماناً طويلاً يلقاه ولا يذكر ذلك.

ومن كتاب ابن المواز: قال في المبضع معه بمال في شراء جارية على صفة, فابتاع له بالمال جاريتين على الصفة, فإن اشترى واحدة بعد واحدة, فالآمر مخير في الثانية أن يأخذها أو يدعها, وإن كانتا في صفقة ولم يقدر على غيرهما فهما لازمتان للآمر. وفي العتبية قال عيسى ابن القاسم إن اشتراهما في صفقة فالآمر مخير إن شاء اخذ واحدة بحصتها من الثمن ورجع ببقية الثمن على المأمور, وإن شاء أخذهما جميعاً. قال: ولو أمره بشراء جارية بعينها بثلاثين فاشتراها وابنها بثلاثين؛ فالآمر مخير في أخذ الأم بما يصيبها من الثمن أو يأخذها وولدها إلا أن يكون الولد صغيراً فيلزمه أخذهما أو يدعهما إن زعم أنه لم يعرف لها ولداً. ومن كتاب ابن المواز: قال: ولو اشترى غير الرأس الذي أمر به بمئة ثم باعه بربح عشرة, ثم اشترى بالجميع الرأس الذي أمر به, فالآمر مخير إن شاء قبلها وإن شاء ردها, وإن فاتت بحمل لزمته المئة, وغرم المأمور العشرة؛ لأنها بيده كوديعة لم يؤمر أن يشتري بها, ولو ابتاع بالمئة وعشرة سلعة لنفسه فباعها بعشرين ومئة لقسمت العشرة الثانية على احد عشر جزءاً منها للآمر, وجزءاً للمأمور حصة العشرة التي هي كالوديعة, ولو باع بأقل من مئة وعشرة ضمن الخسارة.

قال: فإن كان شراؤه السلعة الثانية للآمر فجميع الربح له والخسارة على المأمور. فصل] 7 - في الوكيل يشتري السلعة ثم يقبض الثمن ليدفعه للبائع فيضيع منه [ ومن المدونة: قال مالك: وإن وكلت رجلاً بشراء سلعة ولم تدفع إليه ثمناً, فاشترى بما أمرته به ثم أخذ منك الثمن ليدفعه فيها فضاع منه فعليك غرمه ثانية. قال ابن القاسم: وإن ضاع مراراً حتى يصل غلى البائع. ] قال [ابن المواز: ولو تلفت السلعة التي اشترى لوجب على الآمر غرم الثمن, ثم إن ضاع غرمه أبدا حتى يصل إلى البائع. قال فيه وفي المدونة: ولو كنت دفعت إليه الثمن قبل الشراء فذهب منه بعد الشراء لم يلزمك غرم المال إن أبيت لأنه مال بعينه ذهب, بخلاف الأول. يريد لأن الأول إنما اشترى على ذمتك, فالثمن في ذمتك حتى يصل إلى البائع, وهذا الثاني إنما اشترى على حال بعينه/ فإذا ذهب لم يلزمك غرمه, ويلزم المأمور, والسلعة له إلا أن يشاء أن تدفع إليه الثمن ثانية وتأخذها فذلك لك, وهذا كالعامل في القراض يشتري سلعة ثم يجد الثمن قد ذهب, أن رب المال مخير في دفع المال ثانية ويكون على قراضه أو يأبى فيلزم العامل.

وقال في كتاب القراض في الذي يشتري لك سلعة ثم دفعت إليه ثمنها فضاع, فعلى الآمر غرمه ثانية. وقال بعض المدنيين: لا يغرم رب المال شيئاً. ] قال [أبو محمد: وقال المغيرة في الوكيل على شراء سلعة ثمن دفعه إليه أو قال له اشتر ثم أنقدك ذلك سواه, ويلزم الآمر غرم المال ثانية. م فصار في ذلك ثلاثة أقوال: قول أن رب المال يغرم الثمن ثانية سواء كان دفعه أولا أم لا, وقول بل لا يغرمه ثانية في الوجهين, وقول ينظر, فإن كان دفعه أولا لم يغرم, وإن لم يدفعه غرم, وهذا أبينها. ومن الغتبية: قال ابن القاسم في المبضع معه في شراء جارية من طرابلس فابتاعها وقال لربها: سأنقدك الثمن وبعث بها ثم تلف الثمن, فإن كان رجع في طلب الثمن عندما ابتاع, فإن لم تفت الجارية بحمل خير الآمر في غرم الثمن ثانية وأخذها أو ردها للمأمور, وإن حملت كانت للآمر بلا ثمن, وعلى المأمور غرم الثمن, ولو فرط في دفع الثمن طويلاً بما في مثله تعريض للتلف, فعليه غرمه والسلعة للآمر كقول مالك في الرسول بمال يدفعه إلى رجل فقدم فلم يدفعه ثم زعم أنه هلك, فإن هلك عند قدومه بما لا يعد به مفرطاً لم يضمنه, وإن طال حبسه حتى عرضه للتلف ضمنه.

وقال في المأمور بشراء ثوب فاشتراه, وقال للبائع أنا اذهب به فأريه للآمر. فضاع, قال: قيمته ضامن على الذي أرسله. فصل] 8 - في العبد يوكل من يشتريه أو يشتري نفسه [ ومن المدونة: قال مالك: وإذا قال العبد لرجل اشترني لنفسك بمال دفعه إليه ففعل, فعلى المبتاع غرم الثمن ثانية, ويكون العبد له. قال ابن القاسم: إلا أن يستثنى المشتري مال العبد, فيجوز البيع ولا يلزمه غرم الثمن الذي دفعه فيه أولا, وهذا مستوعب في كتاب العتق. فصل] 9 - فيمن أمر رجلاً يبيع له سلعة فباعها وباعها المأمور [ قال مالك: ومن أمر رجلاً يبيع له سلعة فباعها الآمر وباعها المأمور, فأول البيعتين أحق إلا أن يقبض الثاني السلعة فهو أحق, كإنكاح الوليين أن الأول أحق بالنكاح إلا أن يدخل بها الثاني, وقال ربيعة والليث

[الباب الرابع] في ارتهان الوكيل ودفعه ما ارسل به وإقالته وتأخيره

[الباب الرابع] في ارتهان الوكيل ودفعه ما ارسل به وإقالته وتأخيره ] الفصل 1 - في أخذ الوكيل الرهن أو الحميل بغير إذن موكله [ قال ابن القاسم: ومن أمرته أن يسلم لك في طعام ففعل وأخذ رهناً أو حميلاً بغير أمرك جاز لأنه زيادة توثق وهو قول مالك, قال ابن القاسم: فإن هلك الرهن قبل علمك به فهو من الوكيل, وإن هلك بعد علمك به ورضاك فهو منك, وإن رددته لم يكن للوكيل حبسه. فصل] 2 - في دعوى الوكيل ومكاتب بعث بكتابته أو امرأة بعثت إلى زوجها بمال اختلعت به منه فكذب في الدفع [ قال ابن القاسم: وإن بعث مكاتب بكتابته مع رجل أو امرأة بعثت بمال اختلعت به من زوجها مع رجل أو رجل بعث بصداق امرأته مع رجل أو أمر من له عنده دين أو وديعة أن يدفع ذلك إلى غيره فأنكر المبعوث غليه أن يكون قبض شيئاً, فعلى الرسول البينة بالدفع وإلا ضمن. قال غيره: وهذا كالوصي يدعي الدفع غلى الورثة فعليه؛ لأنه غير من دفع إليه, ولو زعم الوصي أنه تلف ما بيده لم يضمن؛ لأنه أمين.

[فصل 3 - في شرط المأمور أن لا إشهاد عليه] قال ابن المواز: قال مالك: ولو شرط المأمور انه لا إشهاد عليه عند دفع البضاعة فأعطاه على ذلك ثم جحد القابض فالشرط جائز وذلك ينفع / المأمور ويحلف إذا أنكر القابض أو كان ميتاً, وقاله مطرف في كتاب ابن حبيب. قال مطرف: ولو شرط المأمور أنه لا يمين عليه, كان شرطه بإسقاط اليمين باطلاً, وعليه اليمين لأن التهمة تلحقه في هذا. وقال ابن الماجشون: القول قول أن يكون قبض شيئاً, وسواء شرط الإشهاد عليه أم لا؟ إلا أن يكون الآمر قال له: اقض هذا عني فلاناً, فهو ضامن إن لم يشهد؛ لأنه وكله على القضاء, والقضاء لا يكون إلا بإشهاد, فليس كمن جعل رسولاً. ] قال [ابن حبيب: قلت له: إنه ذكر عن مالك أن المأمور ضامن في جميع هذا إذا لم يشهد على الدفع, أمر بالقضاء أو بالتبليغ فقط. فقال: ما علمت مالكاً ولا غيره من علمائنا قال فيه غير ما وصفت لك, فاحذر ما خالفه. ] فصل 4 - في المبعوث إليه يقبض ما بعث به إليه ويدعي ضياعه [ قال ابن المواز: ولو قال المبعوث غليه قبضتها وضاعت مني فلا شيء عليه, ويضمن الرسول أن لم تقم بينة. قال ابن المواز: إلا أن تكون- كانت- ديناً للمبعوث إليه على الباعث فيبرأ الباعث والرسول. قال: فإن لم تكن ديناً فلا ينتفع الرسول بشهادة المبعوث بها إليه؛ لأن عليه اليمين لصاحبها, فلو جازت شهادته لم يحلف. وهذا الذي ذكر محمد نحوه في المدونة في غير هذا الكتاب.

قال: ولو كان الرسول إنما هو رسول صاحب البضاعة ليأتيه بها, فقال الرسول: قد جئتك بالبضاعة ودفعتها إليك, وأنكر الذي أرسله. قال: يحلف الرسول ويبرأ لأنه سفيره. قال: ولرب البضاعة أن يكلف الذي كانت بيده البضاعة قيام البينة بدفعه إلى رسوله, فإن لم يقمها ضمن ويحلف له صاحب البضاعة أنه ما دفعه إليه رسوله من قبله شيئاً ولا علم أنه قبض منه شيئاً ولا تباعه على الرسول في ذلك كله, إذ ليس عليه أن يشهد على من أرسله أو وكله؛ لأنه سفيره. ] فصل 5 - في الوكيل المفوض أو الزوج يوكلون على قبض حقوق ويدعون أنهم قبضوه [ م وقال ابن القاسم في العتبية وغيرها في الوكيل المفوض أو المخصوص أو الزوج يوكلون على قبض حق فيدعون أنهم قبضوه وأنهم دفعوه غلى من وكلهم, أنهم مصدقون في ذلك كله مع أيمانهم كالمودع يقول: رددت الوديعة وينكر ربها. ] قال [ابن حبيب: وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم. وقال مطرف إذا قال واحد منهم دفعت ما وليت من ذلك غلى من وكلني, وأنكر الذي وكله, فإن كان بحضرة قبض الوكيل المال وفوره بالأيام اليسيرة فليحلف الذي وكله ويغرم الوكيل, وأما في مثل الشهر ونحوه, فالوكيل مصدق مع يمينه, وإن

طال ذلك جدا فلا يمين على وكيل ولا زوج, ولو مات الوكيل والزواج يحدثان ما جرى على أيديهما, فذلك في أموالهما إذا أنكرت الزوجة والآمر وعلم القبض وجهل الدفع, وإن لم يكن يحدثان الآمر فلا شيء في أموالهما وإن لم يذكر الدفع. قال ابن حبيب: ويقول مطرف هذا أقول. ] فصل 6 - فيمن أقر بدين أو حق ثم ادعى أنه أعاده إلى صاحبه [ قال ابن القاسم في العتبية: ولو أقر بدين تسلفه من زوجته بينها وبينه ثم يدعى أنه قضاها, فإن لم يأت بالبينة غرمة, بخلاف ما ولي يبعه أو شراءه أو تقاضى ديناً لها, فليس عليه في هذا إلا يمينه. م يريد لأن هذا لم يتعلق بذمته شيء منه, وإنما هو أمين كالمودع ألا تراه لو قالت: ضاعت الوديعة أو الثمن, لم يلزمه شيء والذي أقر بالدين ذلك في ذمته ثابت, لا يزيله ضياعه ولا غيره إلا الإشهاد بالدفع إلي ربه أو يقر ربه بقبضه. قال ابن المواز: قال مالك في المبضع معه في شراء سلعة فلما قدم طولب بها فقال: قد رددت إليك بضاعتك قبل أن أخرج, فهو مصدق إلا أن يكون قبضها بينه, فلا يبرأ ولا ببينة ولا يصدق احد بدعواه الدفع على من أرسل إليه إلا ببينة, ويصدق في الرد إلى الباعث بلا بينة؛ لأن الله سبحانه أمر الأوصياء بالإشهاد في الدفع إلى غير اليد التي أعطتهم وهم الأيتام ولم يأمر بالإشهاد في الرد إلي اليد التي أعطتك بقوله: } فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ {[البقرة: 283]

قال ابن حبيب عن مالك: وكل من وكل وكيلاً على تقاضي ديونه] وأشهد على الوكالة [وأشهد أن من دفع إليه فهو بريء, فقال الوكيل قبضت من فلان ما عليه وضاع مني, فالغريم ضامن لما كان عليه إلا أن يكون قد أشهد على دفعه إلى الوكيل على معاينة ذلك, لا على إقرار الوكيل, فإن لم يشهد ضمن, قال مطرف: وهذا في وكيل مخصوص, فأما المفوض إليه أو الوصي فهو مصدق ويبرأ من دفعه إليهما إذا صدقاه, ونحو هذا في المدونة. قال مطرف: وإذا ودي الغريم ما كان عليه فله أن يرجع على الوكيل؛ لأنه فرط في دفعه حتى ضاع. وقال ابن الماجشون, لا يرجع عليه بشيء حتى يعلم من الوكيل تفريط وتعريض لتلف ما قبض وبه أقول. ] فصل 7 - في هلاك المال بيد الوكيل قبل دفعه وفى هلاك المبعوث إليه قبل القبض [ ومن العتبية قال مالك: فيمن دفع إليه مال ليدفعه إلى رجل ببلد آخر فقدم فلم يدفعه إليه حتى هلك المال قال: إن هلك عند قدومه ولم يفرط في دفعه فلا ضمان عليه, وإن طال حبسه له بما عرضه فيه للتلف فهو ضامن. وقال فيمن أرسل معه بضاعة إلي رجل لا يدري المبعوث معه بها إليه فوجد قد هلك, فقال خلفته ادفعها إلى, قال مالك: أرى أن يردها إلى الذي بعث بها معه.

قال أبو محمد: ولو علم أنها للمبعوث إليه بها لدفعها إلى خليفته. ] فصل 8 - في المأمور يدفع إلى الصباغ وينكر الصباغ ذلك] وقال ابن القاسم في المأمور يدفع ثوبا إلى صباغ فقال: دفعته إليه, وأنكر الصباغ فإن لم يقم الرسول بينة ضمن, ولو قال الصباغ: قبضه منه وضاع مني, وهو عديم ولا بينة بالدفع إليه, فالصباغ ضامن ويبرأ المأمور. فصل [8 - في إقالة الوكيل وتأخيره بغير أمر الموكل أو إقالة الآمر دون الوكيل من سلم أو غيره] ومن المدونة: قال مالك: ومن أمرته يسلم لك طعام ففعل ثم أقال منه بغير أمرك لم تلزمك إقالته لأنه طعامك وكذلك لو أخر البائع بالطعام بعد محله لم يلزمك تأخيره. قال ابن القاسم: وذلك إذا ثبت أنه ابتاعه لك بالبينة أو باعتراف من الوكيل قبل إقالته أو تأخيره. قال: وذلك جائز للآمر أن يقيل أو يهب أو يصنع ما أحب؛ لأنه طعامه والعهدة له على البائع.

قال: ولو باع لك وكيلك سلعه بأمرك لم يكن له أن يقبل ولا أن يضع من ثمنها شيئا والعهدة للآمر على البائع فيما ابتاعه له وكيله وإذا ثبت أن ابتياعه له, وإن لم يذكر ذلك الوكيل عند الشراء. قال: ولو وجد الوكيل عيباً بالسلعة بعد الشراء وقد أمر بشرائها بعينها فلا رد له, وإذ العهدة للآمر, وإن كانت موصوفة بغير عينها فللوكيل الرد, ليس لأن العهدة له دون الآمر بل العهدة للآمر, ولكن لمخالفته الصفة, لشرائه معيبة وهو قد علم بالعيب وأمكنه الرد به. وقال أشهب السلعة / المعية والموصوفة سواء, العهدة فيها للآمر على البائع فهو المقدم في الإجازة أو الرد, وله أن يأخذها بعد رد المأمور إياها اذا لم يجز رده, وإن فاتت ضمنها المأمور؛ لأنه متعد فى الرد لسلعة قد وجبت للآمر. قال ابن القاسم: وهذا كله في وكيل مخصوص, وأما المفوض إليه فيجوز جميع ما صنع مما ذكرنا من إقالة أو رد بعيب ونحوه على الاجتهاد بلا محاباة.

[الباب الخامس] في الوكيل يسلف الآمر ثمن السلعة وتداعيه مع الآمر

[الباب الخامس] في الوكيل يسلف الآمر ثمن السلعة وتداعيه مع الآمر [فصل -10 في الوكيل يبتاع السلعة وينقد الثمن من عنده] قال ابن القاسم: ومن اشترى لك السلعة بأمرك وأسلفك الثمن من عنده فليس له حبسها بالثمن؛ لأنها كالوديعة عنده لا كالرهن, وقد قال مالك فيمن أمر رجلاً يشترى له لؤلؤاً من بلد وينقد عته فقدم, فزعم أنه ابتاعه له ونقد فيه ثم تلف اللؤلؤ: فليحلف بالله الذي لا إله إلا هو أنه قد ابتاع له أمره به ونقد عنه ويرجع بالثمن على الآمر؛ لأنه أمينه, فلو كان كالرهن عنده لضمنه وقاصه بالقيمة في الثمن إلا أن يقيم بينة بهلاكه, ولو ابتاع له ذلك بينة وهو مما يغاب عليه ثم ادعى هلاكه لم يكلف بينة على الضياع ولا يضمن؛ لأنها عنده وديعة فيصدق فيها قوله, ويرجع بالثمن على الآمر, وإن أتهم حلف. قال ابن القاسم: وأما لو قال له انقد عني فيها واحسبها حتى أدفع إليك الثمن كان بمنزله الرهن. قال بعض فقهاء القرويين: والفرق بين مسألة المأمور بشراء اللؤلؤ فيدعي ضياعه بعد الشراء وبين الذي أمر غريمه أن يكتال الطعام في غرائره فيدعي ضياعه بعد الكيل, هو أن مسألة الغرائز ادعى ضياع ما في ذمته فلا يبرأ حتى يثبت زواله من ذمته, وفى مسألة اللؤلؤ إنما ادعى ضياع ما حدث فيه الثمن الذي أسلفه وهو اللؤلؤ, ولو ادعى أنه أخرج الثمن فضاع قبل شرائه له لم يصدق إلا ببينة كمسألة الغرائز, ولو كان السلم مما يجوز له بيعه قبل قبضه فوكله على بيعه, فقال إني بعته وضاع الثمن, فهاهنا يصدق مع يمينه كمسألة اللؤلؤ, فإنما افترقت المسألتان لافتراق

السؤال, وأما إذا اتفق سؤالهما فهما سواء, ما كان في الذمة هو الذي يحتاج فيه إلى الإشهاد, وأما العرض المشتري فلا يحتاج فيه إلى الإشهاد؛ لأنه بالحركة فيه صار كسائر الأمناء الذي لا يضمنون ما أدعوا ضياعه. وقد قال ابن القاسم في المستخرجة فيمن له على رجل فأمره أن يشتري له به سلعة فقال: ابتعتها ثم ذهبت أو كان عبداً فأبق فالمصيبة من الآمر. فصل] 2 - في التداعي بين الآمر والمأمور في بيع السلعة أو رهنها أو عاريتها [ ومن المدونة: قال مالك: وإذا باع الوكيل السلعة وقال: بذلك أمرني ربها, وقال ربها: بل أمرتك أن ترهنها صدق ربها يمينه فاتت أو لم تفت. قال: ولو قال من هي بيده ارتهنتها, وقال ربها بل استودعتكما, صدق ربها مع يمينه. وإن أمرته أن يرهن لك سلعة فقال: أمرتني أن أرهنها في عشرة ففعلت ودفعت العشرة إليك وصدقة المرتهن, وقلت أنت: بل في خمسة وقد قبضها أو قلت: لم أقبضها, فالقول قول الوكيل فيه في دفعه إليك لأن الوكيل على البيع موكل على قبض الثمن وإن لم يسم له القبض في أصل الوكالة ويصدق / على دفع الثمن إلى الآمر ويبرأ البائع.

قال سحنون: وقال المخزومي: وإن أعرته إياها ليبرهنها لنفسه فلا يكون رهناً إلا بما أقررت به والمستعير مدعي. فصل] 3 - في الرجل يوكل رجلاً يبتاع له سلعة بدين عليه [ قال مالك: ومن لك عليه دراهم من ثمن سلعة أو غيرها فأمرته أن يشتري لك بها سلعة نقداً جاز إن كنت أو وكيلك حاضراً معه وإلا فذلك مكروه, غير أن مالكاً قال فيمن كتب إلى رجل في شراء سلعة ففعل وأسلفه الثمن ثم كتب الرجل إليه أن يبتاع له بذلك الثمن سلعة أنه من المعروف الجائز. قال ابن القاسم: وهذا والأول في القياس سواء.

[الباب السادس] جامع مسائل مختلفة من التداعي في البيوع وغيرها

[الباب السادس] جامع مسائل مختلفة من التداعي في البيوع وغيرها ] الفصل 1 - في الدعوى في اشتراط الخيار [ قال ابن القاسم: وإذا ادعى البائع انه باع على خيار وأنكر المبتاع أن يكون شرط عليه الخيار, فالمبتاع مصدق- يريد مع يمينه- وقد قال مالك فيمن اشترى سلعة فجاء بثمنها إلى البائع, فقال له البائع: إنما بعتك على أنك إن تأت بالثمن إلى يوم قد مضى فلا بيع بيننا فهو مدع, ولو ثبت ذلك لم ينفعه ومضى البيع. م والأصل في هذا أن كل من أراد نقض البيع الذي تقاراً به فهو المدعي. ] فصل 2 - فيمن ابتاع طعاماً فوجده معيباً فرد نصف حمل [ قال مالك: ومن ابتاع طعاماً فوجده معيباً فرد نصف حمل, وقال: هذا الذي ابتعت منك بمئة, وقال البائع: بل بعتك حملاً بمئة فالقول قول المبتاع إن أشبه أن يكون نصف حمل بمئة؛ لأن البائع قد اقر له بالثمن فادعى عليه زيادة في المثمون, وكذلك لو رد عبداً بعيب وقال له البائع بل بعتك عبدين لكان القول قول المشتري إلا أن يأتي المبتاع بما لا يشبه. ] قال [ابن المواز: أن ينكل عن اليمين فيصدق البائع مع يمينه فيما يشبه, ويرد من الثمن نصفه ولا غرم على المبتاع بما لا يشبه إذا حلف في النصف حمل

الباقي لأن البائع فيه مدعي. م قال بعض فقهائنا: قوله ولا غرم على المبتاع إذا حلف في النصف حمل الباقي عائد على أول المسالة فيما إذا أتى المبتاع بما يشبه وحلف لا غرم عليه في النصف حمل الباقي؛ لأن البائع فيه مدع, وقال غيره: معنى ذلك أن المشتري إذا أتى بما لا يشبه فحلف البائع, قيل للمشتري أن البائع ادعى أن الذي باعه منك حملاً كاملاً فاحلف ويبرأ من نصف حمل وترجع عليه بنصف الثمن, فإن لم تحلف لم يكن لك رد نصف الحمل ويلزمك جميع الثمن- يريد إلا قيمة العيب-. قال: وكذلك إذا أتى المشتري بما يشبه ونكل عن اليمين فحلف البائع, يقال للمشتري قد أحق البائع قوله بيمينه, فإما أن ترد نصف حمل ثان وإلا فلا رد لك وإنما لك قيمة العيب, إذ حكم الطعام إذا وجد العيب بنصفه لم يكن للمشتري أن يمسك ما سلم بحصته من الثمن عند ابن القاسم. قال: ولا يقال للمشتري هاهنا احلف أنه لم يبع منك حملاً بمئة كما قيل له إذا أتى بما لا يشبه, وحلف البائع؛ لأنه هاهنا قد نكل عن اليمين, فإنما له أن يرد حملاً أو يتمسك بهذا الذي رد بجميع الثمن إلا قيمة العيب. قال: والطعام في هذا مخالف للعبدين المتكافئين؛ لأن له أن يمسك السالم بحصته من الثمن, فإذا حلف البائع في الوجهين لم يكن إلا رد العيب بحصته من الثمن

ولا يمين على المشتري في الباقي المدعى فيه إلا أن يكون أحدهما تبعاً لصاحبه ويدعى البائع أن الذي بقى هو وجه الصفقة فيكون كمسالة الطعام سواء. م وهذا القول عندي أبين وهو اشبه بظاهر لفظ الكتاب وبالله التوفيق. [فصل 3 - في اختلاف المتبايعين في حلول الثمن وتأجيله] ومن المدونة: قال مال: ومن ابتاع سلعة/ بثمن ادعى أنه مؤجل, وقال البائع: بل حال-يريد وقد فاتت السلعة بحوالة سوق فأعلى. قال مالك: فإن ادعى المبتاع أجلاً يقرب لا يتهم فيه صدق مع يمينه وإلا صدق البائع إلا أن يكون للسلعة أمر معروف تباع عليه, فالقول قول مدعيه منهما. وقد تقدمت هذه المسألة مع ما شابهها في كتاب السلم الثاني, وهناك زيادة فيها. قال مالك: ومن ادعى عليه قرض حال فادعى الأجل فالقول قول المقرض رب المال؛ لأن الآخر ادعى عليه معروفاً صنعه معه, فوجب أن يكون القول قول المدعى عليه. قال مالك: ولا يشبه هذا البيع. م وهذا الكتاب ضيق في المدونة, وكثير من مسائله متناثرة في الدواوين؛ وأنا أذكر شيئاً من مسائل الوكالات مما ليس في المدونة نماماً للكتاب وبالله التوفيق ..

[الباب السابع] جامع مسائل مختلفة من كتاب محمد والمستخرجة والواضحة

[الباب السابع] جامع مسائل مختلفة من كتاب محمد والمستخرجة والواضحة [الفصل 1 - فيمن وكل على طلب آبق فوجد بيد مشتري] ومن العتبية قال عيسى: فيمن وكل على طلب آبق أو غيره فوجده بيد مبتاع، فلا يمكن من الخصومة فيه حتى يقيم البينة أن ربه وكله على ذلك، وتعاين البينة العبد أو تشهد على صفته، فحينئذٍ يقيم البينة على ملك الآمر إياه، لا يعلمونه باع ولا وهب ولا خرج من يده، ولا يحلف الوكيل ولكن يكتب إلى ربه إن قرب، فيأتي فيحلف، وإن بعدت كتب إلى إمام بلده يحلفه على ما ذكرنا، فإذا جاء كتابه بيمينه نفذ القضاء، وإن كان مات انفسخت وكالته، فإن وكله الورثة حلف البالغون أو من بلغ منهم ما علموا الميت باع ولا وهب. [فصل 2 - فيمن وكل على تقاضي ديون هل له المصالحة عنها] قال: وإن وكله على تقاضي ديونه والنظر فيها فليس له أن يصالح عنه، وإن كان من وجه النظر، وكذلك إن كان الغريم عديماً أو ميتاً فليس له أن يضع بعض ما عليه ولا يلزم الآمر إلا أن يشاء، ولو فوض إليه في الصلح جاز صلحه ووضيعته إذا كان ذلك نظراً للآمر. قال أصبغ: وإن وكله على الخصومة في شيء، وقال في ذلك أنه بمثابة نفسه أو لم يقل، فليس له إلا الخصومة، ولا صلح له ولا إقرار إلا أن يجعل له الصلح والإقرار إفصاحاً فيكون ذلك له.

قال عيسى عن ابن القاسم: إن وكل على شيء وفوض إليه فيه فظفر فباع ما ظفر به فلا يجوز بيعه إذا أنكره الآمر. فصل [3 - في الوكيل يقضي عليه ثم بأتي من وكله بحجة] قال عيسى عن ابن القاسم في الوكيل على الخصومة يخاصم، فإذا توجه القضاء زعم الذي وكله أنه يخاصم بحجته، وأن له حجة أخرى وانه لم يعلم بما يخاصم به أو كان غائباً فلا يقبل ذلك منه إلا أن يأتي بحجة لها وجه، كما لو خاصم هو فيذكر عند توجه الحكم أن له حجة، فإن جاء بشيء يشبه قبل ذلك منه، وإلا لم يقبل ولا حجة له بقوله أنه لم يعلم بما يخاصم به، ورضاه بالتوكيل رضا بما خاصم به. فصل [4 - في الوكيل على شراء سلعة أو على بيعها يأخذها لنفسه أو يشتري لنفسه بالمال غيرها في البلد أو في غيره أو يشتري بها بغير البلد ولا يجدها بالبلد فيشتري غيرها أو على البيع ببلد فباع بغيره] قال أصبغ عن أشهب: وإذا أمره بشراء جارية فلان بخمس عشر فلم يبعها بخمسة عشر فأخذها المأمور لنفسه بستة عشر، واحتج أنه لم يرض بخمسة عشر، قال فهي له، والقول قوله. قال أصبغ: ويحلف، واستحسن أن يكون فيها الآمر

مخيراً، كما لو اشترى ببضاعته غير الخادم كان الخيار. وقال ابن حبيب عن مطرف في الوكيل على شراء سلعة أراد فسخ الوكالة وشراءها لنفسه، فإن كان معه الآمر في بلد فذلك له، وإن كان في بلد آخر فلا ينفعه ذلك. وقال ابن الماجشون: ذلك له في البلد أو في غير البلد، وقد يحدث بينهما ضغن فيأبى أن يشتري له. وقال أصبغ كقول مطرف، وبه أقول. قال ابن المواز: وإذا أبضع معه في شراء سلعة ببلد فوجدها دون البلد على الصفة فابتاعها لصاحب البضاعة فهو مخير أن يقبلها أو يتركها، وكذلك لو باعها قبل أن يعلم الباعث، فإن كان ربح فللباعث، وإن وضع فعلى المأمور، وإن ابتاعها دون البلد لنفسه فهي له دون الآمر، ربح فيها أو خسر، ويغرم الثمن. قال: ولو اشترى بالبلد غيرها لنفسه أو لربها فذلك سواء، والآمر مقدم إن لم تفت، وإن بيعت بربح فللآمر وإن وضع فعلى المأمور. قال: وهذا إذا كانت السلعة التي أمره بشرائها موجودة في البلد فتركها واشترى غيرها، وإن لم تكن موجودة في البلد فالبضاعة حينئذٍ كالوديعة يشتري بها لنفسه. م ولابن حبيب فيها غير هذا وما ذكرنا هو الأصل. ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم: وإذا لم يجدها في البلد فاشتراها بغير البلد للآمر فإنه مخير إن شاء أخذها أو تركها، وقال عيسى: تلزم الآمر إن كانت على الصفة وبالثمن فأدنى.

[قال] ابن المواز: وإن أبضع معه بسلعة أو حيوان ليبيعه ببلد سماه فباعها بدونه، فربها مخير أن يجيز البيع أو يضمنه القيمة ما لم يكن الذي أبضع معه طعاماً فباعه بطعام فيكون كالدنانير البضاعة يصرفها يصرفها بدراهم قبل بلوغه البلد الذي أمره بحركتها فيه، فإن صرفها فيه لنفسه جاز وله ربحها وعليه وضيعتها؛ وإن كانت لرب البضاعة لم يجز لأن له فيها خياراً ولكن فضل ذلك لرب البضاعة هاهنا بعد أن يشتري له مثل دنانيره، ولو بلغ الموضع فصرفها أو اشترى غير ما أمر به فإن فضل ذلك كله لرب البضاعة، فعل ذلك لنفسه أو لربها. فصل [5 - في المبضع معه ببضاعة فيخلطها أو يخلط ما اشترى به] ومن كتاب ابن المواز وفي العتبية عن ابن القاسم نحوه: ومن أبضع معه قوم ببضائع شتى لشراء طعام أو رقيق أو غير ذلك فخلط أمواله ثم اشترى به مشاعاً. قال ابن القاسم: أما الطعام وكل ما ينقسم بكيل أو وزن فله أن يشتريه به لهم مشاعاً ثم يقسمه، وأما ما لا ينقسم إلا بالقيمة كالرقيق ونحوها فهذا يضمن.

قال ابن المواز: بخلاف العامل في القراض يخلط أموال المقارضين فيما يقسم بالقيمة؛ لأنه إليه البيع وليس ذلك للأول. ومن كتاب ابن سحنون: وقال فيمن دفع إليه رجل أربعين ديناراً فقال اشتر لي بها رأسين وبعهما وأحرز على الربح فيهما، ودفع إليه آخر ثمانين ديناراً وقال اشتر لي بها رأساً وبعه وأحرز على الفضل، فاشترى لكل واحد ما أمره، ثم باع رأساً بمئة دينار وآخر بستين وآخر بأربعين، ثم لم يدر لمن كان الرفيع منها، وتداعيا الأرفع أو لم يتداعياه. قال سحنون: من أصحابنا من يضمنه مئة لهذا ومئة لهذا بعد أيمانهما، ويقال لصاحب الرأسين م الذي لك أصاحب الستين أو صاحب الأربعين؟ فأيهما ادعى حلف وكان له، ومن أصحابنا من لا يضمنه، ويتحالفان على المئة فيقتسمانها، ويقال لصاحب الرأسين ما الذي لك أصاحب الستين أم صاحب الأربعين؟ فاحلف عليه وخذه، ثم يكون الباقي بينهما؛ لأن كل واحد يزعم أنه بقي له من ماله خمسون، وإذا لم يدعيا ذلك فلصاحب الرأسين ثلاثون ومئة، ولصاحب الرأس سبعون. فصل [6 - في المبضع معه يتسلف مما أبضع معه] ومن العتبية: قال ابن وهب: ومن أبضع معه ببضاعة فلا بأس أن يتسلف منها إذا كان مليئاً وإن كان غير ملئ فلا يتسلف منها. ومن المدونة وكتاب ابن المواز في المبعوث معه بمئة درهم أندلسية ليقضي عنه لرجل بمصر فاحتاج إليها فأنفقها ثم لم يجد بمصر دراهم/ أندلسية إلا خمسين

فدفعها للرجل ثم رجع اشتراها منه بدنانير وقضاه إياها تمام المئة الأندلسية، وكتب عليه براءة. قال: فليعلم الآمر بذلك، فإن سلمه وإلا دفع إليه مثل دنانيره وأغرمه مثل الدراهم، وكذلك لو دفع عنه عرضاً لدفع إليه قيمة العرض وأخذ منه خمسين درهماً. قال ابن المواز وخالفه أصبغ بغير حجة، وقول ابن القاسم صواب إن كان صرفه الدراهم وردها مكانه، فلم يتم صرفه وصار كأنه قضاه عنه دنانير، ولو اشترى الدراهم من غيره كان جائزاً، وإن لم يقضه هذه الدراهم حتى يتفرقا أو بعد يومين لجاز. وقال عيسى في العتبية: إن علم المرسول إليه أنه أرسل إليه معه دراهم ثم عامله هذه المعاملة فذلك جائز، وليس لأحد في ذلك خيار، وإن لم يعلمه وإنما قال له أمرني فلان أن أقضيك دينك فالجواب على ما قال ابن القاسم. فصل [7 - في الوكيل يضع عن المشتري أو يصالحه] ومن العتبية: روى أصبغ عن أشهب في البائع للسلعة بوكالة يضع للمشتري بعد البيع من الثمن، فذلك باطل والآمر مخير في أن يجيز ذلك أو يرجع على المشتري ولا رجوع له على الوكيل. قال: ولو تحاككما إلى بعض قضاة أهل المشرق فحكم بالوضيعة على الوكيل لأنفذت ذلك، ولم أرى على المبتاع شيئاً، ونزلت بأشهب وهو المبتاع فحكم له بالوضيعة على الوكيل، فصالح أشهب البائع على نصف الوضيعة وحلله.

وقال ابن القاسم في الوكيل يبيع السلعة على أن يشاور ربها ثم يزاد فيها: فعليه أن يخبر صاحبها بالزيادة وبمن زاده وبالأول فقد يكره معاملة أحدهما، فإن أمره بالبيع من الذي زاده فرجع الذي زاد فذلك يلزمه. فصل [8 - في المبضع معه بالبضاعة يودعها او يبعثها أو لا يلتزم بمكان حفظها] ومن كتاب ابن المواز: ومن أبضع معه ببضاعة فليس له أن يودعها ولا يبعث بها مع غيره إلا أن تحث له إقامة في بلده ولا يجد صاحبها ويجد من يخرج إلى حيث أمر صاحبها فله توجيهها. وقال ابن حبيب عن مطرف: إذا بعثها مع غيره وكان مأموناً فضاعت فلا يضمن كان ذلك لعذر أو لغير عذر. وقاله لي مالك في الذي يحسبه أمر في طريقه ببلد فيبعث بها أنه لا يضمن إن بعث بها مع أمين. قال مطرف: ولو اجتهد في أنه أمين فإذا هو غير أمين فلا ضمان عله، ولو قال الآمر: أمرتك ألا تخرج من يدك فأنكر المأمور، فالمأمور مصدق. قال مالك في كتاب ابن المواز والعتبية فيمن أبضع معه من مكة إلى مصر فحدثت له إقامة بالمدينة، فله بعثها مع ثقة، وقاله ابن القاسم وابن وهب. قال ابن القاسم: ولا يضمنها المبضع معه إن ذهبت مع الرسول. قال سحنون عن ابن القاسم: إن كانت إقامته بالمدينة يسيرة ضمن إن بعث بها، وإن كانت إقامته بها كثيرة فحبسها ضمنها إن تلفت.

روى عيسى عن المخزومي عن مالك في المبضع معه ببضاعة وقيل له لا تفارق حقويك فجعلها في عيبته ضمن. فصل [9 - في الوكيل يشتري الجارية للآمر ثم يطأها ويبعث إليه غيرها] ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم فيمن بعث مع رجل مالاً في شراء جارية فاشتراها له، وأشهد بشرائها له ثم وطئها وأعطاه غيرها فوطئها الآمر فحملتا جميعاً، ثم أقر بذلك أو قامت به بينة، فإن عذر المأمور بالجهالة وتأول أن يأخذها ويعطي الآمر غيرها لا على وجه الزنى لم يحد، وخير الأمر في أخذ جاريته وقيمة ولدها أو يأخذ قيمتها وقيمة ولدها، وقد قال قيمتها فقط، ويخير في الجارية التي في يديه إن شاء ردها على المأمور ولا شيء عليه من قيمة ولدها، وقد قال مع قيمة ولدها، وإن شاء دفع إليه قيمتها. يريد أن يكون ثمنها أقل فذلك له، وإن لم يعذر المأمور بالجهل حد وأخذها الآمر وولدها رقيقاً. قال: وهذا إذا ثبت ما ذكرنا بالبينة، فإن لم تكن بينة لم يقبل قوله على شيء من ذلك، وكانتا أمَّي ولد للأول والآخر، إلا أن الأول- يعني الوكيل- يغرم فضلاً إن كان فيها على قيمة ما دفع. قال ابن حبيب عن أصبغ: إن لم يكن إلا إقراره فقط فالحدود كما ذكرناه، ويغرم للآمر قيمة الأمة وولدها وهي له أم ولد ولا تسترق بإقراره، وأما التي أولدها

الآمر فهي له أم ولد كانت ببينة على أصل الشراء أو على الإقرار فقط؛ لأنه أباحه إياها وعليه قيمتها فقط، وإن لم تلد فهو فيها مخير. قال ابن المواز: إن كان أمره بشراء جارية على صفة فاشتراها على الصفة ثم وجد غيرها تباع على الصفة وأفضل فاشتراها له وحبس الأولى لنفسه وأشهد على ذلك، وبعض الثانية إلى الآمر فالآمر مخير في الجاريتين جميعاً، وإن شاء حبسهما ودفع ثمن الثانية وإن شاء حبس أيهما شاء، وأما إن حملت الأولى من المأمور، فللآمر أخذها مع قيمة ولدها بعد أن تضع وهو في الأخرى مخير. قال: ولو كان إنما أمره بشراء جارية بعينها جارية فلان، فبعد أن اشتراها له أشهد أنه أوجبها على نفسه بمثل الثمن أو أكثر ثم وطئها فهو زان، ويحد ولا يلحق به الولد ويصير مع الأم رقيقاً للآمر، وقاله عبد الملك. وقال ابن القاسم ما يدل على مثله فيمن اشترى جارية من رجل وهو يعلم أنها لغيره، إفتات عليه فيها فوطئها فهو زان ولا يلحق به الولد، ولو زوجها له تعديا وهو عالم بذلك لم يحد لشبهة النكاح، والولد به لاحق، وهو رقيق لسيد الأمة.

[فصل 10 - في الوكيل لرجلين في شراء جاريتين فبعثهما إليهما فأخطأ الرسول] ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم من أبضع معه رجلان في شراء جارية لكل واحد وبعث هذا بمئة وهذا بخمسين فاشترى لهما وأشهد أن هذه اشتريتها لفلان وهذه لفلان وبعث بهما إليهما، فغلط الرسول ودفع جارية هذا إلى هذا وجارية هذا إلى هذا، فوطئ كل واحد منهما وحملتا، فإن كانت له بينة فليأخذ كل واحد جاريته، ويأخذ قيمة ولدها من الواطئ، فإن لم تكن بينتة إلا قول المأمور لم يصدق، وينظر إلى قيمة التي زعم أنها اشتراها لصاحب المئة، فإن زادت قيمتها على خمسين غرمها له. فصل [110 في المأمور ينقد الثمن عن الآمر فيطلبه فيقول أعطيتكه] ومن سماع ابن القاسم: ومن اشترى سلعة أو تكارى دابة لزوجته وحازت ذلك وطلب منها الثمن، فقالت: دفعته إليك، فإن كان قد نقد الثمن فلتحلف المرأة لقد دفعته إليه، وإن لم ينقد الزوج، حلف الزوج وأخذ منها الثمن، قال عيسى وسحنون: إلا أن يشهد الزوج عند النقد أنه إنما ينقد من ماله عن المرأة، فالقول قوله مع يمينه. قال عيسى عن ابن القاسم: ولو أمره رجل بشراء سلعة ونقد الثمن ثم أتاه فطلبه بالثمن فقال له الآمر قد أعطيتكه، فالمأمور مصدق مع يمينه ويرجع على الآمر.

فصل [12 - فيمن جحد بضاعة ثم ادعى ضياعها وكيف إن أنكر ثم قامت بينة] ومن كتاب ابن المواز والعتبية قال مالك فيمن أبضع مع رجل بعشرة دنانير من المدينة ليبلغها إلى الجار، فلما رجع إلى المدينة سأله ربه عنها فأنكر أن يكون أبضع معه شيئاً، فقال له: إني أشهدت عليك، فقال: إن كنت دعت إلي شيئاً فقد ضاع مني، قال: لا شيء عليه إلا اليمين. قلب ابن القاسم في سماع عيسى من قول مالك أنه ضامن وقال ابن المواز: والذي يتبين لي لو صرح بالإنكار/ فقال ما دفعت إليّ شيئاً لغرم إذا قامت البينة أو أقر، وهو أصل قول مالك وأصحابه فيمن عليه دين فدفعه أو وديعة ببينة أو بغير بينة فردها وأشهد بينة بذلك، ثم طولب فأنكر أن يكون كان له عليه دين أو قال ما أودعتني شيئاً ثم أقر أو قامت عليه بينة بأصل الحق، فأخرج البراءة وفيها بينة عدلة فلا ينفعه شهداء البراءة، لأنه أكذبهم لجحده الأصل. فصل [13 - في المأمور يستلف للآمر دنانير ثم تضيع منه] ومن كتاب ابن سحنون وسأله ابن حبيب عمن بعث رجلاً إلى رجل يسلفه عشرة دنانير، فقال: ما عندي إلا خمسة فاذهب بها إليه، فأخذها الرسول فضاعت في الطريق، قال مصيبتها ربها الباعث بها؛ لأن الآمر المتسلف لم يأمره إلا بعشرة.

فصل [14 - في وكيل قدم بطعام رجل وكان الرجل قد باع ذلك الطعام من آخر على أنه غائب عنهما] روى عيسى عن ابن القاسم فيمن ابتاع من رجل طعاماً غائباً ثم قدم به وكيل بائعه، فإذا هو قد حمله بعد الصفقة ولم يعلم، فالبيع لازم، فإن شاء البائع دفعه إلى المبتاع هاهنا فرضي المبتاع بذلك، فذلك جائز، وإن لم يرض فعليه أن يرده أو يدفع إليه هنا. فصل [15 - في المبضع معه ببضاعة يريد أن ينفق منها] ومن العتبية: قال ابن القاسم عن مالك في المبضع معه ببضاعة أيحسب عليها من نفقة نفسه؟ قال: إن كانت كثيرة فذلك له، وأما التافه فلا، وقاله ابن القاسم، وروى عن أشهب فيمن سافر برقيق له وبضاعة لقوم وأنفق على نفسه وأراد أن يحسب على البضاعة قال: ليس له ذلك. قال ابن المواز: قال مالك في المبضع معه يطلب أجراً في البضاعة فإن كان لها بال فذلك له، وإن كانت تافهة يسيرة فلا شيء له. قال أبو محمد: أعرف إذا كان مثله يؤاجر نفسه وإلا فلا. وروى ابن القاسم عن مالك في العتبية في المبضع معه بمال ليبلغه إلى موضع، وقال له الباعث: إن احتجت فأنفق منها فكره ذلك وقال لا يعجبني.

وقال مالك فيمن سئل في حمل بضاعة، فقال: حلفت أن لا أحمل إلا بضاعة إن شئت تسلفتها وإن شئت تركتها، قال: لا خير فيه. م ووجه الكراهية في المسألتين أنه سلف جرم نفعة. تم كتاب الوكالات من الجامع لابن يونس بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.

كتاب التجارة إلى أرض الحرب

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين كتاب التجارة إلى أرض الحرب [الباب الأول] في مبايعة أهل الحرب وأهل الذمة وشراء أبنائهم منهم [الفصل 1 - في حكم الخروج إلى بلاد أهل الحرب للتجارة] قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه) قال ابن القاسم: وقد شدد مالك الكراهية في التجارة إلى أرض الحرب، فجرى حكم المشركين عليهم. قال في كتاب ابن المواز: ولا أرى الخروج إليه حراماً. قال ابن حبيب: من قول مالك وأصحابه: أنه لا يجوز دخول دار الحرب في تجارة ولا غيرها إلا أن

يدخل الداخل لمفاداة، وينبغي أن يمنع الإمام من ذلك، ويشدد فيه ويجعل الرصد فيه قال الحسن والأوزاعي: من تجر إلى بلد الحرب فهو فاسق، وقال سحنون: من ركب البحر إلى بلد الروم في طلب الدنيا فهي/ جرحة عليه، ونهى عن التجارة إلى بلد السوادان لجري أحكام أهل الكفر عليه. م قال غير واحد من القرويين ليست التجارة إلى بلد الحرب جرحة على ما في المدونة؛ لأنه قد أجاز شهادتهم فيها في غير ما موضع.

قال أبو إسحاق: لم يذكر في المدونة هل قصدوا الدخول إليها، ولا إن كان الريح حملتهم إلى من خرج من بلده قاصداً إليها، عالماً فإن أحكام الشرك جارية عليهم فهو لعمري لشديد، وينبغي أن يكون ذلك جرحه فيهم، وأما من خرج إليها وهو جاهل بهذا الغرر، وظن أنه لا حرج عليه في ذلك، فقد يعذر ولا ترد شهادته. فصل [2 - في بيع الكراع والسلاح لأهل الحرب] ومن المدونة: قال مالك: ولا يباع في الحربين آلة الحرب من كراع أو سلاح أو سروج أو غيرها مما يتقوون به في الحرب ولا من نحاس ولا من خرثي وغيره. قال أبو إسحاق: ومن جهل فباع ذلك منهم بيع على من اشتراه على قياس قول ابن القاسم في النصراني يشتري المسلم أنه يباع عليه، وقيل: لا ينعقد فيه بيع وبفسخ. قال ابن حبيب: كانوا في هدنة أو غيرها، وأما الطعام فيجوز بيعه منهم في الهدانة، وأما في غير الهدنة فلا، وقاله ابن الماجشون وغيه. قال: وليغلط الإمام في ذلك وينذر أن من فعله هو نقض للعهد ويتقدم بذلك إلى المسلمين في بيعه

فيهم ويفتش عليهم في انصرافهم. وكذلك جرى أمر أهل العدل. قال الحسن: من حمل إليهم الطعام فهو فاسق ومن باع منهم السلاح فليس بمؤمن. وقال سحنون: من أهدى للمشركين سلاحاً فقد أشرك في دماء المسلمين، وكذلك في بيعه لذلك منهم وهو كمن أخذ رشوة في دماء المسلمين. قال: ولا ينتزع ممن قدم من الرسل إلينا سلاحاً ويمنعون من شراء السلاح. قال ابن المواز في الحربي يبيع عندنا تجارته: فله شراء ما شاء إلا ما فيه الضرر علينا مما يدخل في السلاح والنفط ونحوه، ويمنعون من شراء الخيل والسلاح ولا يمكنون من شراء علج منهم أو غلام بثمن ولكن إن كان بمسلم فنعم ما لم يكن المفدي منهم من أهل الذكر بالشجاعة والإقدام فلا يفدى إلا بمثله من المسلمين المذكورين مثل ذلك فإن لم يوجد ذلك اجتهد فيه الإمام. قال ابن القاسم: وإذا قدموا بأمان في شراء من سبي منهم، فلا يمكنوا من شراء المذكور منهم بثمن وإن كانوا صغاراً، ولهم شراء النساء ما لم يكن صغاراً، ويشترو الزمني وأهل البلاء إلا من يخاف كيده وشرّ رأيه فلا يفدى إلا برجل مسلم.

فصل [3 - في الاشتراء من أهل الحرب بالدنانير والدراهم المنقوشة وفي التعامل معهم بالربا وفي بلد الحرب] قال مالك في المدونة: ولا يشترى منهم بالدنانير والدراهم التي فيها اسم الله تعالى لنجساتهم، كانوا أهل حرب أو عهد أو ذمة. م وروى عن ابن القاسم إجازة ذلك، وقد كتب النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى قيصر ملك الروم (بسم الله الرحمن الرحيم) ومعها آية أخرى من القرآن. ومن المدونة: قيا لمالك: إن في أسواقنا صيارفة منهم، أيصرف منهم؟ قال: أكره ذلك. قال ابن المواز: قال مالك: وأكره الصرف من الخمار وإن كان نصرانياً. قال: والصرف من الباعة أحب إليَّ من الصرف من الصيارفة لكثرة الفساد فيهم. قال: ولا بأس باقتضاء الدين من الذمي الخمار والمربى بخلاف المسلم، لما أباح الله تعالى من اقتضاء الجزية منهم. قال ابو محمد: وقد أجاز مالك معاملة الذميين، وكذلك في كرائك أرضك منهم إن لم يغرسوا فيها شيئاً للخمر، فقد أباح الله تعالى أخذ الأثمان منهم وهم يعملون بالربا كما قال الله عز وجل {وأَخْذِهِمُ الرِّبَا وقَدْ نُهُوا عَنْهُ} إلا أنه تعالى أباح

أخذ الجزية منهم فصارت معاملتهم أخف من الكراهية من معاملة من يعمل بالربا من المسلمين، ولأن المسلم لو تاب لم يحل له ما في يديه من الربا ورده إلى أهله إن عرفهم وإلا تصدق به، والذمي لو أسلم حل له ما في يديه من ذلك كله، فالأمر فيهما مختلف والله أعلم. قال ابن القاسم: ولا أرى لمسلم ببلد الحرب أن يعمل بالربا فيما بينه وبين الحربيين. فصل [4 - في بيع العبد النصراني للنصراني وغيره] قال ابن القاسم: ولا بأس ببيع عبدك النصراني من النصراني قيل لمالك: إن هؤلاء التجار الذين ينزلون بالرقيق من الصقالبة فيشتريهم أهل الإسلام ثم يبيعونهم مكانهم من أهل الذمة أيجوز ذلك؟ فقال مالك: ما أعلمه حراماً، وغيره أحسن منه قال ابن القاسم: وأنا أرى أن يمنعوا من شرائهم. قال مالك: وإن اشتريت صقلبية من هؤلاء الروم فأصبت بها عيباً فلك ردها، وإن كنت نويت إدخالها في دينك. ومن كتاب ابن حبيب: ومن اشترى عبداً مجوسياً من مستأمن أو ذمي فوجد به عيباً وقد أسلم عندها فليرجع بقيمة العيب، وإسلامه فوت يمنع من رده.

قال: وقال ابن القاسم في هذا كله أنه يرد بالعيب وإن أسلم وطال مكثه بيد مشتريه ثم يباع عليه إذاً أراد، والأول أحب إليَّ، وقاله ابن الماجشون وأشهب. ومن العتبية: سئل أصبغ عن المسلم يشتري العبد المجوسي من المجوسي، مثل المجوس الذين يكونون بالعراق بين أظهر المسلمين قد ثبتوا على مجوسيتهم هم وعبيدهم فيبيع الرجل منهم العبد من المسلم، هل على المسلم أن يجبره على الإسلام؟ قال: ليس ذلك عليه، إنما هذا فيمن اشترى من السبي مثل الصقالبة وغيرهم من سبي المجوس فألئك الذين يجبرون على الإسلام. وقال ابن مالك عن نافع في المجوس: أنهم إذا ملكوا جبروا على الإسلام، ويمنع النصارى من شرائهم ومن شراء صغار الكتابيين ولا يمنعوا من كبار الكتابيين. وقال سحنون إنما يمنع النصارى من شراء صغار الكتابيين الذين لا أباء لهم، وأما الصغير الذي معه أبوه فحكمه حكم أبيه. ولمالك قول أنه إذا بيع من النصارى من يجبر على الإسلام بيع عليهم ما اشتروا إلا أن يتدينوا بدينهم فيتركون.

وقال في سماع ابن القاسم في المجوس من السودان والصقالبة يباعون من النصارى قبل أن يسلموا؟ قال أما الكبار فما أعلمه حراماً وأما الصغار فلا يفسخ البيع إن فعل؛ لأن صغارهم يجبرون على الإسلام، ولا يجبر كبارهم. وقال يحي بن يحي عن ابن القاسم في الروم يقدمون بالمجوس فإنه ينبغي أن يمنعهم الإمام من بيعهم من اليهود والنصارى والمجوس، لا صغير منهم ولا كبير؛ لأنهم يصيرون إلى دين من ملكهم ولا يبيعونهم إلا من المسلمين، فإن وجدوا في أيدي اليهود والنصارى فقد اشتروهم منهم فليباعوا عليهم إلا من يوجدوا قد صاروا على دين من ملكهم من نصارى أو يهود أو مجوس فلا يباعوا عليهم؛ لأنهم لم يكونوا يجبرون على الإسلام إذا ملكهم المسلمون، ولو كان قد تقدم إليهم أن لا يشتروهم ففعلوا هم وردوهم على دينهم فليعاقبوا لئلا يعودوا إلى مثل ذلك. قال عبد الملك بن الحسن: قال ابن وهب: ولا يجوز أن يباع النصارى من اليهود ولا اليهود من النصارى. قال سحنون: يكره ذلك للعداوة التي بينهم إلا أن يرضى البالغون منهم بذلك، وقيل ذلك جائز، فإن أضربه بيع عليه. وقال ابن سحنون عن أبيه في عبد نصراني اشتراه يهودي، من يهودي قال: يجبر على بيعه.

فصل [6 - في النهي عن شراء أهل الصلح] ومن المدونة: قال ابن القاسم عن مالك ومن كان بيننا وبينهم صلح أو هدنة من الحربيين فأغار عليهم قوم من أهل الحرب فسبوهم فلا ينبغي لمسلم أن يشتريهم منهم، وكذلك النوبة يغار/ عليهم فيسبون فلا يشتريهم منهم مسلم لأن لهم عهداً من عمرو بن العاص، أو عبد الله بن سعد. ولو قدم إلينا تجار من أهل الحرب وبيننا وبينهم عهد في بلدهم على أن لا نقاتلهم ولا نسبيهم، أعطونا على ذلك شيئاً أم لا؟ فباعوا منا أولادهم لم يجز شرائهم منهم لأن لصغارهم من العهد ما لكبارهم، وأما من نزل بعهد عندنا- ممن لا عهد له عندنا ببلده- فلنا أن نبتاع منهم الآباء والأبناء والنساء والأمهات وأمهات الأولاد، وليس نزولهم على التجارة ببلدنا بعهد- ثم ينصرفون- كالعهد الجاري لهم ببلده منا على متاركة الحرب، بل هو كدخولنا إليهم لتجارة بعهد، فلنا شراؤهم منا هناك. ولو صالحنا قوم من أهل الحرب على مئة رأس كل عام لم ينبغ أن نأخذ منهم أبناءهم إذ ليس لهم من العهد ما لآبائهم إلا أن تكون المدة سنة أو سنتين فلا بأس أن نأخذ منهم أبناءهم ونساءهم وأبى ذلك أشهب

قال ابن المواز: إنما جاز هاهنا أخذ النساء منهم لأنهم بأرضهم، ولو دخلوا إلينا بأمان ومعهم أبناؤهم ونساؤهم فأرادوا بيعهم، فأما أولادهم الصغار فلنا شراؤهم منهم وأما أولادهم الكبار الذين يلون أنفسهم ونساءهم فلا يجوز لهم بيعهم كما لا يجوز لأحدهم بيع صاحبه إلا أن ترضى بذلك امرأته وابنته التي وليت نفسها، وابنه الذي ولي نفسه فيجوز أن نزولهم معه بالأمان نزول واحد.

[الباب الثاني] في بيع الخمر من مسلم وبيع المسلم لها وبيع أرض الصلح والعنوة

[الباب الثاني] في بيع الخمر من مسلم وبيع المسلم لها وبيع أرض الصلح والعنوة [الفصل 1 - في بيع الخمر من مسلم وبيع المسلم لها] قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) (لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا أثمانها) فدل بذلك أن ما حرم أكله حرم بيعه، وما حرم بيعه حرم شراؤه، وقال (صلى الله عليه وسلم) في الخمر (إن الذي حرم شربها حرم بيعها). قال مالك: فإذا ابتاع مسلم خمراً من نصراني كسرتها على المسلم؛ لأنه ابتاع ما لا يحل له ولم أعطي للذمي ثمنها إن كان لم يقبضها وتصدقت به أدباً له، وإن كان الذمي قد قبضه ترك له، وكذلك إن ابتاعها منه نصراني لمسلم، والنصراني البائع عالم بذلك، وأما إن لم يعلم فالثمن له. وقال سحنون في ثمن الخمر: ينزع منه وإن قبضه يتصدق به. م وقال ابن حبيب: لا يتصدق بالثمن إذا كانت الخمر قائمة، وينظر فإن كان لم يقبضه النصراني تركته للمسلم وكسرت الخمر على النصراني وإن كان قد قبضه النصراني تركته له وكسرت الخمر على المسلم. م فصار في الثمن إذا كانت الخمر قائمة ثلاثة أقوال: قول أنه يتصدق به على كل حال، وقول لا يتصدق به، وقول أنه إن لم يقبض تصدق به على كل حال وغن قبض ترك له.

قال ابن المواز: وإذا باع المسلم خمراً من ذمي وقبض الثمن أخذته منه فتصدقت به، وإن لم يقبضه فقد اختلف فيه قول مالك، فقال مرة: لا يؤخذ من النصراني، وقال مرة يؤخذ منه ويتصدق به. قال ابن القاسم: وهذا أحب إلينا. وقال ابن المواز: لا يؤخذ منه الثمن، وإن أخذ منه رد عليه وأغرم خمراً مثل ما أخذ، فتكسر على المسلم؛ لأن أخذ الثمن منه إجازة لشرائه. قال في كتاب جامع العيوب وهو في كتاب ابن المواز عن ابن القاسم وأشهب: ولو أخذ فيه المسلم جارية فأحبلها أو أعتقها فليقض للنصراني بقيمتها/ ويغرم النصراني مثل الخمر فتهراق على المسلم، وكذلك لو حال سوق الجارية. م وهذا على قولهم يرد عليه الثمن ويغرم مثل الخمر فتهراق وأما على قولهم يتصدق بالثمن فيجب أن يتصدق بالقيمة، وفي كتاب العيوب تمامها. قال ابن المواز: قال أشهب ومن اشترى خمراً بعشرة فباعها بخمسة عشر فليتصدق بالثمن كله. قال ابن حبيب: إذا باع مسلم من مسلم خمراً فما كانت الخمر قائمة بيد بائع أو مبتاع فلتكسر على البائع ويرد الثمن إن قبضه على المبتاع، فإن

فاتت فات الفسخ وأخذ الثمن وتصدق به، قبضه البائع أو لم يقبضه ويعاقبان. قال: وإن باعها نصراني من مسلم فقبضها المشتري المسلم، ولم تفت، فإنها تكسر عليه، وإن قبض النصراني الثمن ترك له، وإن لم يكن قبضه لم يقض به على المسلم وتكسر الخمر على النصراني عقوبة له، وكذلك لو أدركت بيد النصراني قد أبرزها ولم يقبضها المسلم لكسرت عليه عقوبة له، وأما إن فاتت الخمر بي المسلم ولم يدفع الثمن أخذ منه وتصدق به ويعاقبان. قال: وإن كان المسلم بائعها من نصراني ولم تفت الخمر كسرت، كانت بيد المسلم أو النصراني، ورد الثمن على النصراني فإن فاتت بيد النصراني أخذ الثمن من النصراني إن لم يدفعه أو من المسلم إن قبضه فتصدق به. م اختصار كلام ابن حبيب أنه إن فاتت الخمر أخذ الثمن فتصدق به في الوجوه كلها، وإن كانت قائمة وكان البائع مسلماً كسرت الخمر عليه ورد الثمن على المبتاع، وإن كان البائع نصرانياً وقبض الثمن ترك له وكسرت الخمر على المسلم، وإن لم يقبضه كسرت الخمر عليه ورد الثمن للمسلم. قال ابن المواز: وإن أسلم ذميان وقد باع أحدهما من الآخر خمراً بثمن مؤجل مضى ذلك ويأخذ الثمن إلى أجله. قال أبو محمد قال سحنون في قلال أو زقاق كان فيها خمر فغسلت فلم تذهب الرائحة، قال: لا يضر ذلك وينتفع بها وفي مختصر بن عبد الحكم: أما الزقاق فلا

ينتفع بها، قال أبو محمد: يريد زقاق الخمر التي كثر استعمالها، قال: وأما القلال فيطبخ فيها الماء مرتين أو ثلاثاً وتغسل وينتفع بها. قال ابن حبيب: ومن باع كرمه ممن يعصره خمراً فإنه يتصدق بالثمن عليه. وقال ابن المواز عن مالك فيمن يبيع عنبه ممن يبيعه في السوق، فإذا فضل منه شيء عصره مشتريه خمراً. قال: إذا لم يبعه ذلك، وإنما باعه عنباً فلا بأس بذلك. قال محمد: ولا يعود لبيع مثله. م وفي كتاب الجعل شيء من يبيع الخمر وذكره. فصل [2 - في بيع الذمي أرض الصلح وذكر أقسام الجزية] قال ابن القاسم: أرض الصلح التي منع أهلها أنفسهم حتى صولحوا فهي لهم كما صولحوا عليه من الجزية على جماجمهم، والخراج على أرضهم، فهذه لهم بيعها وتورث عنهم إلا من لا وارث له، فيكون ذلك للمسلمين. قال مالك: ومن أسلم منهم سقطت الجزية عنه، والخراج على أرضه وكانت أرضه له. م وذلك روى سحنون عن ابن القاسم في العتبية أنهم إذا صولحوا على أن عليهم ألف دينار كل عام، أو على أن على جماجمهم دينارين وعلى الأرض كذلك وعلى كل زيتونة كذا فإن ذلك كله سواء، فإذا أسلموا عليه وضعت عنهم الجزية.

وروى عنه يحيى بن يحيى: إذا مات أحد أهل الصلح ولا وارث له من ذوي قرابته، فميراثه لأهل موادّه، لا يكون من موارثهم شيء للمسلمين؛ لأن مرتد لا يضع عمن بقى من أصحابه شيئاً مما صولحوا عليه، فميراثه لهم وجزيته لهم. وقال ابن حبيب: الجزية الصلحية جزيتان: فجزية مجملة على البلد وجزية على جماجمهم، فإذا كانت مجملة على البلد فالأرض موقوفة لا تباع/ ولا تورث ولا تقسم ولا يملكها إن أسلم وإنما له ماله، وأما الأرض فموقوفة أبداً لما عليها من الخراج، وذلك بأسره على من بقي منهم من النصارى، وأما من صولحوا على الجزية على جماجمهم فلهم بيع الأرض وهي لهم ملك يصنعون بها ما شاؤوا وتورث عنهم، وتسقط الجزية بموته عن وارثه وأهل مكانه، وقام الوارث بجزية نفسه، أما إن لم يكن له وارث فأرضه وماله للمسلمين كميت لا وارث له، وسقطت الجزية عن أهل مكانه، وإن أسلم هذا فأرضه وماله له ولا جزية عليه ولا على أرضه وسقطت الجزية عن أهل مكانه؛ أن الجزية إنما كانت عليه لا على أرضه، وكذلك فسر لي من كاشفت عنه من أصحاب مالك. [فصل 3 - في بقاء الخراج بعد بيع المصالح أرضه] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا باع المصالح أرضه من مسلم أو ذمي فالخراج بقي عليه إلا أن يسلم فيسقط عنه.

قال: ولو ابتاعها المسلم على أن الخراج عليه كان بيعاً حراماً لا يحل إذ لا يدري قدر بقائه. وقال أشهب: إذا باعها من مسلم فالخراج على المسلم ويزول عنه بإسلام البائع. وروى ابن نافع عن مالك في أهل الذمة إن أخذوا هم وأرضهم عنوة، ثم أقروا بها وضربت عليهم الجزية، فلا يشترى منهم أصل الأرض؛ لأنهم وأرضهم للمسلمين، وأما الذين صالحوا على الجزية فأرضهم لهم يجوز لهم بيعها وهي كغيرها من أموالهم إذا لم يكن على الأرض جزية. م وحكى بعض أصحابنا عن أبي موسى بن مناس القيرواني في أرض الصلح إذا وقع فيها البيع على مذهب ابن القاسم الذي يرى الخراج على الذمي البائع أنه إن مات كان ذلك في ماله، وإن كان لا مال له سقط عن المشتري ولم يلزمه، قال: وعند أشهب إنما يكون الخراج حيث كانت الأرض، لأنه على عينها يؤخذ [ومن أجلها] وعلى ظاهر رواية ابن نافع عن مالك إن كانت الأرض جزية منع بيعها. وروى لنا أن أبا محمد وجه قول ابن نافع هذا بأن قال: لما كان إذا باعها ثم أعدم البائع، لابد للإمام أن يبيع الأرض حيث ما كانت؛ لن الجزية مرتبة عليها، صار الأمر يؤل فيها إلى الغرور، فهذا يؤيد أن بيعها عنده لا يجوز.

[فصل 4 - في بيع الذمي أرض العنوة] ومن المدونة: قال ابن القاسم عن مالك وبلد العنوة التي غلبهم المسلمون فأقروها بأيديهم وضربت عليهم الجزية فليس لهم بيع دار ولا أرض ولا لأحد أن يشتريها منهم. قال في كتاب الجعل: ومن أسلم منهم فليس له في ماله ولا في أرضه شيء. قال مالك ولا يجوز شراء أرض مصر ولا تقطع لأحد. ومن غير المدونة: وأهل العنوة أحرار ومن مات منهم ورثه ورثته، فإن لم يكن له وارث كان ما بيده من مال أو أرض فيئاً، وإن أسلم فأرضه وماله فيء للمسلمين ويؤخذ منهم إذا علم أنه كان بيده قبل الفتح، وبعض هذا في كتاب الجعل. قال ابن حبيب: ومن أسلم من أهل العنوة أرز نفسه وماله وكل ما اكتسب من عين أو متاع أو رقيق أو حيوان أو دار أو أرض من أراضي المسلمين التي تباع وتشترى عدا أرض العنوة التي بيده؛ لأن الأرض لم تكن له إنما كانت للمسلمين. وإن مات العنوي ولم يسلم فذلك كله لورثته إلا أرض العنوة، فإذا مات ولا وارث له فذلك كله للمسلمين في بيت المال، وتبقى الأرض على ما كانت عليه. م وتحصيل هذه المسائل أنه إذا مات العنوي ورث ورثته ماله إلا ما بيده من أرض العنوة، فإنها موقوفة للمسلمين، فإن لم يكن له ورثة فذلك كله للمسلمين، وتبقى الأرض على ما كانت عليه، وإن أسلم فكل ما كان له قبل الفتح للمسلمين

وكل ما اكتسبه بعد الفتح فهو له. وإن مات الصلحي فإن كانت الجزية مجملة في البلد في الأرض لا تورث لما عليها من الخراج، ويرث ورثته بقية ماله، فإن لم يكن له ورثة كان ماله لأهل جزيته، وإن كان على كل إنسان جزية نفسه وخراج أرضه فهذا إن أسلم كان له ذلك، وإن مات فهو لورثته الذين على دينه، فإن لم يكن له ورثة فذلك كله للمسلمين. انتهى والحمد لله حق حمده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد.

أبواب معاملة أهل الذمة مع أهل دينهم ومع المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً أبواب معاملة أهل الذمة مع أهل دينهم ومع المسلمين [الباب الأول] في الذمي يملك مسلماً أو مصحفاً أو يسلم وقد عقد بيعاً بربا أو خمرٍ أو عقده مسلم من ذمي [الفصل 1 - في اشتراء النصراني المسلم أو المصحف] قال مالك: وإذا اشترى ذمي أو حربي دخل إلينا بأمان، عبداً أو مسلماً أو أمة مسلمة. قال ابن القاسم: أو اشترى مصحفاً جبر على بيع ذلك كله من مسلم ولم ينقض شراؤه. وقال غيره ينقض بيعه، وقاله سحنون وهو قول أكثر أصحاب مالك. [فصل 2 - في الكافرين يتبايعان عبداً بخيار فيسلم في مدة الخيار] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا تبايع الكافران عبداً بخيار فأسلم العبد في أيام الخيار لم يفسخ البيع، وقيل لمالك الخيار: اختر أو ورد، ثم بيع العبد على من صار اليه. قال: وإن كان المبتاع مسلماً والخيار له فله أخذه أو رده، فإن رده بيع العبد على ربه. قال بعض أصحابنا: إذا كان المتبايعان كافرين والخيار إلى أجل تعجل الخيار إذ لا بد من بيعه، فلا فائدة من تركه إلى الأجل، وإذا كان أحدهما مسلماً لم يعجل الخيار إذ قد يصير للمسلم منها، كذا ينبغي.

[فصل 3 - في إسلام عبد الكافر أو أمته] وإذا أسلم عبد الكافر أو أمته بيعا عليه، وكذلك عبده الصغير يسلم إن عقل الإسلام، جبر على بيعه، لأن مالكاً قال في الحر إذا عقل الإسلام فاسلم ثم بلغ فرجع عن الإسلام: أنه يجبر على الإسلام. وإذا كان لمسلم عبد نصراني فاشترى مسلماً فإنه يجبر على بيعه إذ هو له حتى ينتزعه سيده منه، وقد يلحقه دين إن كان عليه. وإذا أسلم عبيد زوجة المسلم النصرانية، فلا بأس أن ينتقل ملكها عنهم ببيعهم من زوجها أو تصدق بهم على ولدها الصغار منه. م وحكي لنا أن شيوخ أفريقية اختلفوا إذا وهبتهم لولدها الصغار، فقيل: إن ذلك ليس بخروج عن ملكها إذ لها الاعتصار، وقيل إن الاعتصار حادث، وملكها الآن قد انتقل حقيقة. م وهذا أجود لأنهم مالكون لهم على الحقيقة، لو قتلهم قاتل أو جنى عليهم جان لكانت القيمة لهم دون الأم، وكذلك لو جنى الولد جناية تلزمه، لبيع ذلك العبد فيها، فهم على ملكهم والإعتصار أمر حادث، وهذا بخلاف مالك الأختين، يريد السيد تحريم أحداهما فيهبها لولده الصغير.

قال في هذه المسألة ليس هبته إياها لابنه الصغير بتحريم، لأن له الاعتصار. والفرق بينهما أن اعتصار الأخت مباح له، إذ له أن يحرم الأخرى أو يقيم على هذه، وهي ممن يجوز له أن يملكها فكأنها في ملكه، والنصرانية لا يجوز لها ابتداء الاعتصار، كما لا يجوز له ابتداء الشراء، فإن وقع ذلك منها بيعت عليها، ويجب على قول غير ابن القاسم/ الذي يقول: ينقض شراؤها أن يقول: ينقض اعتصارها، فصار نقل ملك النصرانية بالهبة لولدها أقوى من نقل محرم إحدى الأختين، فهذا فرق ما بينهما والله أعلم. فصل [3 - في إسلام عبد النصراني أو زوجته وهو غائب] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا أسلم عبد النصراني وسيده غائب، فإن بعدت غيبته باعه السلطان عليه ولم ينتظره، فإن قربت غيبته نظر في ذلك السلطان وكتب فيه- خوفاً أن يكون قد أسلم أو يسلم الآن- وكذلك النصراني الغائب

تسلم زوجته قبل البناء، فإن كان بعيد الغيبة فسخ نكاحه بغير طلاق، ونكحت مكانها إن شاءت إذ لا عدة عليها، وإن كان قريب الغيبة نظر في ذلك السلطان خوفاً أن يكون قد أسلم قبلها، وإن كان النصراني قد بنى بزوجته وغيبته بعيدة، أمرها الإمام بالعدة، وتنتظره هي في العدة، فإن قدم بعد العدة وقد أسلم بعد انقضائها أو لم يسلم فلا سبيل له إليها، وإن أسلم قبلها أو بعدها وهي في العدة أو أسلم قبل التي لم يدخل بها فهو أحق بها ما تنكح ويدخل بها الثاني كامرأة المفقود تنكح، ثم يأتي زوجها قبل أن يدخل بها الثاني فالأول أحق بها. [فصل 4 - في عبد النصراني يسلم فيرهنه سيده أو يهبه أو في العبد يهبه المسلم النصراني] وإذا أسلم عبد النصراني فرهنه، بِعتَهُ وعجلت الحق إلا أن يأتي النصراني برهن ثقة مكان العبد فيأخذ الثمن. قال بعض القرويين: إنما هذا إذا لم ينعقد البيع على هذا الرهن بعينه، وأما لو رهنه هذا العبد بعينه لبيع عليه وعجل حقه ولم يكن له أن يأتي رهن آخر مكانه؛ لأنه إنما انعق بيعه على هذا الرهن بعينه. م ووجه هذا أنه لما علم أنه يباع عليه، عمد فرهنه ليستديم ملكه، فمنعناه من ذلك وبعناه عليه، وعجلنا للمرتهن حقه إذا شرط عليه تعيين هذا الرهن، وهو مما

يباع عليه، فكأنه هو الذي باعه بغي إذن المرتهن، وعاب هذا بعض أصحابنا وهو قول جيد. قال: ورأيت لسحنون أنه قال: لا يخرج من يده ويقر على حاله إلى أجل؛ لأنه عرضه لذلك وأما أن يأتي برهن غيره فإني أخاف عليه الحوالة إلى ذلك الأجل. م فإذا كان يخاف عليه الحوالة متى أتاه برهن غيره وقد وجب بيعه فلا شيء له إلا بتعجيل الثمن للمرتهن والله أعلم. ولو وهبه لمسلم للثواب فلم يثبه فله أخذه ويباع عليه. وإن وهب مسلم- يريد أو نصراني- عبداً مسلماً لنصراني أو تصدق به عليه جاز ذلك وبيع عليه والثمن له. فصل [5 - في النصراني يسلم وله أسلاف من ربا] قال مالك: ولا أعرض لأهل الذمة في تعاملهم بالربا. قال: وإذا أسلم ذمي إلى ذمي درهماً في درهمين أو في خمر ثم أسلما جميعاً فسخ ذلك فيما بينهما. قال مالك: وإن أسلم الذي له الحق، فأما في الربا فيأخذ رأس ماله. م يريد لقوله تعالى: {وإن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ}.

قال: وأما في الخمر فلا أدرى ما حقيقته؛ لأني إن أمرت الذمي أن يرد رأس ماله وعليه خمر ظلمته، وإن أعطيت المسلم الخمر أعطيته ما لا يحل له. قال في المستخرجة: ولكن أرى أن يؤخذ الخمر من النصراني وتكسر على المسلم، وتؤخذ الخنازير إن كان أسلم إليه في خنازير فتقتل وتطرح في مكان لا يصل أحد إلى أكلها، وإن رضي النصراني أن ترد عليه دنانيره فذلك حلال لا بأس به. ومن المدونة: وأما إن أسلم المطلوب، فأما في الخمر فيرد رأس المال، وأما في الربا فلا أدري ما حقيقته؛ لأني إن أمرته أن يرد رأس المال خفت أن أظلم الذمي. قال في المستخرجة: حتى يغرم الدينارين للنصراني.

وقال ابن القاسم في المدونة: وإذا أسلم أحدهما، تراجعا إلى رأس المال في الربا والخمر؛ لأنه حكم بين مسلم ونصراني. من المستخرجة: قال ابن القاسم: وإذا أسلف النصراني نصرانياً خمراً أو خنازير فأسلم المتسلف كان/ عليه قيمة ذلك الخمر والخنازير، وكذلك النصرانية ينتقد في صداقها خمراً أو خنازير ثم تسلم قبل أن يبتنى بها، وقد فات ذلك في يديها فلتغرم قيمة ذلك. قال: وإن كان ذلك عندها قائماً بعينه فلتغرم قيمته أيضاً وتكسر الخمر وتقتل الخنازير. قال: وإن أسلم الذي أسلف الخمر والخنازير فأحب إليّ أن يؤخذ ذلك من المستلف فتكسر الخمر وتقتل الخنازير.

[الباب الثاني] في التفرقة بين الأم وولدها في البيع

[الباب الثاني] في التفرقة بين الأم وولدها في البيع [الفصل 1 - في التفريق بين الأم وولدها في البيع ومتى يجوز] وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) (لا توله والدة على ولدها) وقال (من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة)، فقيل إنما ذلك لحاجة الولد إليها، وقيل بل هو حق للأم وإن استغنى الولد عنها. م والأول أصوب أنه حق للولد؛ لأن الأم لو رضيت بالتفرقة لم يجز ذلك، قاله ابن المواز عن مالك. قال مالك: وإن بيعت أمة مسلمة أو كافرة مع ولدها لم يفرق بينها وبين ولدها، وبيع معها إلا أن يستغني الولد عنها في أكله وشربه ومنامه وقيامه. قال مالك: وحد ذلك الإثغار ما لم يعجل به جواري كن أو غلماناً، بخلاف حضانة الحرة. وقال الليث: حد ذلك أن ينفع نفسه ويستغني عن أمه فوق عشر سنين أو نحو ذلك.

وفي كتاب ابن المواز عن مالك نحوه، قال فيه: حد ذلك الإثغار ما لم يعجل به وحتى يختن ويؤمر بالصلاة ويؤدب عليها، ويجعل في المكتب وتزول عنه أسنان اللبن. م وكأن هذا وفاق لقول الليث، إذ لا يؤدب على الصلاة إلا ابن عشر سنين. وروى ابن غانم عن مالك في موضع آخر حد ذلك البلوغ. وقال محمد بن عبد الحكم: لا يفرق بينهما وإن بلغ. وقال ابن حبيب: يفرق بينهما إذا بلغ سبع سنين. م فعلى ما تأولنا أن قول مالك يرجع إلى قول الليث فيصير في هذه المسألة أربعة أقوال: قول سبع سنين، وقول عشر سنين، وقول البلوغ، وقول أنه لا يفرق بينهما وإن بلغ. فوجه قولهم سبع سنين وعشر سنين والبلوغ أنهم كأنهم رأوا ذلك حقاً للولد، فمتى استغنى عن الأم وقام بأمر نفسه سقط حقه، واختلفوا في حد الاستغناء على هذا. م والأبين في هذا الاستغناء- وأبين الاستغناء- البلوغ، وإليه كان يذهب بعض شيوخنا، ولأنه حال يصل به بين الصغير والكبير. ووجه قول ابن عبد الحكم عموم الحديث وهو قوله (صلى الله عليه وسلم) (لا توله والدة بولدها) فكان ذلك حقاً لها.

[الفصل 2 - في التفريق بين الولد وغير أمه وفي دعوى الأم أن هذا الولد ابنها] ومن المدونة: قال مالك: ويفرق بين الولد الصغير وبين أبيه [وجده] وجداته لأمه أو لأبيه في البيع متى شاء سيده، وإنما لا يفرق بينهما في الأم خاصة. قال: وإذا قالت امرأة من السبي: هذا ابني لم يفرق بينهما، وكذلك جاء الأثر، ولأنه لا ضرر علينا في ذلك فاحتيط فيها لعموم الحديث. قال مالك: ولا يتوراثان بذلك. م لأنه لا يورث بالشك. [فصل 3 - في تفريق تجار الروم بين الولد وأمه وحكم الولد إذا كان لرجل والأم لآخر وحكم من باع ولداً دون أمه] قال: وإذا نزل الروم ببلدنا تجاراً ففرقوا بين الأم وولدها لم أمنعهم، وكرهت للمسلمين شراءهم متفرقين، وإن ابتاع مسلم منهم أمً وابنها لم يفرق بينهما إن باع، وكذلك إن ابتاع أمة قد كان ولدها في ملكه أو كان لابنه الصغير فلا يفرق بينهما في البيع.

قال مالك: وإذا كان الولد لرجل والأم لآخر، جبرا أن يجمعاهما في ملك واحد أو يبيعاهما معاً، ومن باع ولداً دون أمه فسخ البيع إلا أن يجمعاهما في ملك واحد. وقال عبد الوهاب يفسخ إذا وقع، وخالف ذلك أبو حنبفة، ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم (لا تولد والدة بولدها) وقوله صلى الله عليه وسلم (من فرق/ بين والدة وولدها ..) الحديث، ولأنه بيع منع منه لحق الله تعالى في أحكام المبيع فكان باطلاً، أصله بيع الخمر، وإن أجاب المشتري أن يجمع بينهما فلا يجوز البيع، لأن المنع من ذلك هو لحق الله تعالى فلا يسقط بإسقاط آدمي. م وظاهر هذا أنه يفسخ البيع وإن جمعاهما في ملك المبتاع لأنه يشبه بيع الخمر. قال: وإن طلب المشتري أن يجمع بينهما لم يجز، وكذلك ذكر ابن حبيب أن قول مالك وأصحابه أن يفسخ البيع في التفرقة ويعاقبان. وقال ابن المواز: أما الفسخ فلا ولكن إما تقاوما وإما باعا وإنما هو من حقوق الولد وليس بحرام، وكذلك شراء النصراني مسلماً أو مصحفاً فليباع ولا يفسخ شراؤه، قال ابن القاسم وأصبغ.

قال أصبغ: ووجدت لأصحابنا؛ إما أن يبيعا أحدهما من الآخر أو يفسخ البيع. م ولأبي القاسم بن الكاتب: حديث علي في التفرقة لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بفسخ البيع، وقول علي رضي الله عنه يسترده بما عز وهان، فيه دليل أنه إنما يسترده بإشتراء مستقبل، ولو كان المعنى يسترده بالثمن الأول لما قال يسترده بما هان وعز. قال ابن حبيب: وأما بيع المسلم من نصراني، فإن المتبايعين عندهم، واختلفوا في فسخ بيعه، فقال ابن القاسم ومطرف: لا يفسخ ويباع عليه من مسلم، وقال ابن الماجشون والغيرة: يفسخ فيه، وفي التفرقة والعقوبة في شراء النصراني الأمة المسلمة أشد منه في شرائه العبد المسلم. قال عبد الوهاب: فوجه الفسخ أن كل معنى طرأ على ما يملكه النصراني فقطع استدامته في حق المسلم وجب ابتداء منع العقد عليه، أصله النكاح، لأنها إذا

أسلمت تحته منع ذلك استدامة نكاحه، وكذلك وجود الإسلام يمنع ابتداء عقده عليها. م وإن عقد فسخ بغير طلاق فكذلك العقد على الرقبة. قال: ووجه أنه لا يفسخ أنه قد ثبت عليه ملكه بوجه صحيح، وهو أن يسلم في ملكه فيباع عليه، فإذا كان كذلك لم يفسخ عقده عليه، وبيع عليه، أصله إسلامه في ملكه. فصل [4 - فيمن باع ولداً دون أمه ولم يعلم إلا بعد الكبر وفيمن باع أختين إحداهما تجب فيها التفرقة والأخرى صغيرة] قال ابن المواز: قال ابن القاسم: فإذا باع الولد دون أمه فلم يعلم بذلك حتى كبر الولد لم يرد البيع. قال ابن عبدوس: وكذلك إن مات الولد أو عتق قبل الفسخ مضى بيعه بالثمن. ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون فيمن باع أختين إحداهما تجب فيها التفرقة والأخرى صغيرة عجل عليها الإثعار، قال: إن كانت الكبيرة وجه الصفقة أو اعتدلاً في القيمة آمر في الصغيرة أن تضم إليها الأم ببيع أو هبة، فإن لم يفعل فسخ البيع في الصغيرة بحصتها من الثمن، وجاز في الكبيرة، وإن كانت الصغيرة فيها الرغبة وكثرة الثمن أم المشتري بأن يجمع بينها وبين الأم ببيع أو هبة، فإن لم يقدر فسخ بيعهما جميعًا.

[فصل 5 - في الأخوين يرثان أمة وابنها] ومن المدونة: قال مالك: وإذا ورث أخوان أمة وابنها فلهما أن يبقياهما في ملكهما أو يبيعاهما، وكذلك لو ابتاعهما رجلان بينهما حتى إذا أراد الأخوان القسمة أو البيع جبرا على أن يجمعا بينهما. قال ابن القاسم: وسئل مالك عن أخوين ورثا أمة وولدها صغير، فأراد أن يتقاوما الأم وولدها، فيأخذ أحدهما الأم والآخر الولد، وشرطا أن لا يفرقا بين الأم وولدها حتى يبلغ الولد؟ فقال: لا يجوز ذلك لهما، وإن كان الأخوان في بيت واحد، وإنما يجوز لهما أن يتقاوما الأم والولد فيأخذهما أحدهما أو يبيعاهما جميعاً. قال ابن حبيب: وإن وقع القسم كالبيع كان الشمل واحداً أو مفترقاً. فصل [6 - في هبة الولد وهو صغير دون أمه وإذا جمع مع أمه فرضاعه عليها] ومن المدونة: وهبة الولد للثواب كبيعه في التفرقة، ولو وهب الولد وهو صغير يعني لغير الثواب لجاز ذلك/ ويترك مع أمه ولا يفرق بينهما، ويجبر الواهب والموهوب له أن يكون الولد مع أمه، إما أن يرضى صاحب الولد أن يُرد إلى الأم أو يضم سيد الأمة الأمة إلى ولدها وإلا فليبيعاهما جميعاً، وإذا جمعاهما فمن أراد البيع منهما أو رهقه دين باع معه الآخر، وكذلك إن وهبه لابن له في حجره فرهِق أحدهما دين وأراد أن يبيع فليبيعاهما جميعاً ولا يفرق بينهما.

م وروي أن أبا محمد قال: وظاهر هذا الكلام يدل أن جمع الولد مع أمه إنما يكون في حوز أحدهما لا في ملكه. قال ابن المواز: قد اختلف قول مالك في هذا، فقال مرة يكون الولد مع أمه في حوز أحدهما، وقال مرة أخرى يجمعاهما في ملك أحدهما. قال ابن المواز: وهذا أحب إلينا وإلي من لقينا، ولو جاز هذا جاز في الوارثين، فقد قال مالك: لا يقتسمان وإن شرطا أن لا يفرقا في الحيازة. م فوجه أن يجمعا في حوز فلأنه باب معروف كالعتق، ووجه أن يجمعا في ملك، فلأنه نقل ملك كالبيع. م وكذلك اختلفوا في العبد يوهب وله مال، فقيل ماله للواهب؛ لأنه ملك كالبيع، وقيل ماله للموهوب؛ لأنه باب معروف كالعتق، وكذلك اختلفوا في الشقص يوهب لغير ثواب فقيل فيه الشفعة؛ لأنه نقل ملك كالبيع، وقيل لا شفعة فيه لأنه معروف، وهو مذهب المدونة. وقال ابن حبيب: جائز في الصدقة والهبة أن يجمعا في حوز واحد إذا كان الشمل واحداً، مثل أن تتصدق امرأة على زوجها أو هو عليها أو الأب على ابنه أو الابن على أبيه أو على أمه بالولد أو بالأم فهو جائز ولا يجمعان بينهما في ملك وليس

ذلك بتفرقة، وإن يكن شملاً واحداً أو بيتاً واحداً جازت الهبة والصدقة، وأمر بالمقاواة أو يبيعها من واحد، ويأخذ كل واحد ما ينويه من الثمن. قال ابن حبيب: فإذا جمعاهما في حوز أحدهما يكون رضاع الولد الموهوب على أمه وإن كره الواهب، قبل غيرها أم لا، وهو كمن تصدق بأرض لها سقي وهو في داخلها، فالسقي مع الأرض في الصدقة للمتصدق عليه وإن لم يذكره، وبقية مؤنة الصبي غير الرضاع على الموهوب له. قال ابن حبيب: وكان ابن القاسم يقول أيضاً إذا قال المتصدق لم أتصدق بالولد وأنا أريد أن ترضعه أمه فذلك له ويحلف، وعلى المعطي أجر الرضاع إلا أن يسترضعه غيرها، وبالأول أقول. م وعلى ظاهر رواية ابن المواز عن ابن القاسم في مسألة الذي تصدق على رجل بالولد فدبره، أن أجر رضاعه على المتصدق عليه. [قال] ابن حبيب: والإشهاد على الصدقة والقيام بمؤنته حوز للصدقة وقبض لها وإن كان مع أمه ترضعه عند المتصدق لأن الشمل واحد. وقال مطرف وابن الماجشون وقال ابن القاسم: لا تتم الصدقة إلا بقبض الولد وكينونة الأم معه عند المتصدق عليه. م وهذا خلاف قوله في المدونة وكتاب محمد؛ لأنه قال فيها إذا قبض الولد وحده فقد أساء وكان حوزاً، وهذا الصواب لأنه إنما يراعي حوز الولد

ويستحق حوزه مع الأم لا كما قال ابن حبيب إذا كان مع الأم عند المتصدق فهو حوز، وليس ذلك بشيء؛ لأنهما قادران على إخراجه من يد المتصدق فلم يفعلا. [فصل 7 - إذا وهبت الأم مع ولدها فهل تتم الحيازة بقبض الولد وحده] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن تمام حوز الموهوب أن يحوز الولد مع أمه، ولا يقبض الولد وحده، فإن فعل أساء وكان ذلك حوزاً إن فلس الواهب أو مات. قال بعض أصحابنا: إن بعض الناس يقول لا يجبر الواهب على أن يدفع الأم مع الولد بخلاف هبة الثمرة، ها هنا على الواهب أن يحوزه الرقاب؛ لأن الثمرة الموهوبة إنما تتغدى مع الأصول فقد أوجب له بهبة الثمرة حقاً في الرقاب فوجب عليه أن يحوزه الرقاب مع الثمرة ليتم له ما وهبه إياه وليس كذلك هبة الولد. م لأن/ الولد قد ترضعه غير أمه، وقد يكون خرج من حد الرضاع فيعيش بالطعام وإنما هو لأجل التفرقة، وهما قادران أن يجمعاهما في حوز أحدهما أو يبيعاهما والله أعلم.

[فصل 8 - فيمن أوصى لرجل بأمة وولدها لآخر] ومن المدونة: ومن أوصى بأمة لرجل وبولدها لآخر جاز وجبرا على الجمع بينهما بحال ما وصفنا في الهبة والصدقة. قال ابن المواز: قال ابن القاسم: وإذا باع أحدهما وتصدق بالآخر لم يفسخ بيع ولا صدقة وليباعا جميعاً عليهما. قال أصبغ: هذا منه رجوع عن فسخ البيع. م وإنما قال ذلك لأنه لما بدأ بالبيع وجب أن يجمعاهما في ملك واحد، كما لو أبقى الآخر في ملكه، ولو بدأ بالصدقة ثم باع الآخر وشرط أن لا يفرق بينهما إلى حد التفرقة جاز كما لو أبقاه في ملكه والله أعلم. [قال] ابن المواز: قال ابن القاسم: ولو تصدق بالولد على رجل فدبره رد إلى حضانة الأم مدبراً وعليه أجر رضاعها وقيامها عليه، ويبيع الأم سيدها إن شاء ممن يشترط عليه أن لا يفترقا على هذا إلى حد التفرقة، يأخذه الذي دبره. [فصل 9 - فيمن أعتق ابن أمته الصغير هل له بيع أمه أو اعتق الأم فهل له بيع الولد وكذلك إن كاتب الأم أو دبر أحدهما] ومن المدونة: قال مالك: ومن أعتق ابن أمته الصغير فله بيع أمته ويشترط على المبتاع أن لا يفرق بينه وبين أمه وأن تكون على المبتاع نفقة الولد ومؤنته. قال ابن المواز: إلى وقت إثغاره وعلى أنه إن مات قبل ذلك كان له أن يأتي بمثله يمونه إلى مثل ذلك، وليس للأم أن ترضى بتركه وإن كان حراً، وإن كان له جدة

تكلفة إذا كانت الأم مملوكة، وكذلك قال ابن حبيب فيه. قال ابن القاسم: وإن أعتق الأم جاز له بيع الولد ممن يشترط عليه أن لا يفرق بينه وبين أمه. وقال ابن المواز: ونفقة الأم على نفسها. قال فيه وفي المدونة: وإن كاتب الأم لم يجز له بيع ولدها إذ هي في ملكه بعد، إلا أن يبيع كتابتها مع رقبة الابن من رجل واحد، فيجوز ذلك- إذا جمع بينهما- يريد ويشترط عليه أن لا يفرق بينهما إذا اعتقت الأم إلى وقت الإثغار كما قال في بيعه بعد عتق الأم. قال: وإن دبر أحدهما لم يجز بيع الباقي وحده ولا مع خدمة الآخر. م لأن بيع خدمة المدبر لا يجوز، فلذلك لم يجز جمعهما في صفقة واحدة. [قال] ابن حبيب: قال أصبغ: وإن دبر الأم ثم استحدث ديناً يغترق ماله، فلا يباع الولد حتى يبلغ حد التفرقة أو يموت السيد فيباعا جميعاً، وكذلك لو دبر الولد فلا يبيع الأم. م فإن كان في ثمن الأم إذا بيعت وحدها كفاف الدين وفضلة يعتق الولد فيها وفي قيمة نفسه، أو كان في بيع بعض الأم كفاف الدين، ويخرج الولد من قيمة ما

بقي منها وقيمة نفسه، فعلى الورثة ما شاؤا من ذلك، وعتق والولد ولم يكن فيه تفرقة، وإن لم يكن ذلك، بيع من الولد والأم جزء سواء بقدر الدين لأجل التفرقة، وعتق ما بقى من الولد قدر ثلث ما بقى منه ومنها، ورق ما بقى منهما للورثة، وإن استغرقهما الدين بيعاً جميعاً للدين، واتفق على حذاق أصحابنا فاعتمد عليه إن شاء الله وبالله التوفيق. [فصل 10 - في النصراني يدبر ولد أمته ثم تسلم وهل العتق تفرقة؟] قال ابن حبيب: ولو دبر النصراني ولد أمته ثم أسلمت الأم لي بيع الأم للتفرقة، ولا يباع الولد للتدبير الذي فيه، وليوقفان ويعزلان عن ملكه، فتؤاجر له الأم إلى حد التفرقة. ومن المدونة: ولا بأس ببيع الأمة دون الولد أو الولد دونها، نسمة للعتق، وليس العتق بتفرقه.

[فصل 11 - في الأمة أو ولدها الصغير يجني جناية وفي مشتري الأمة وولدها يجد بأحدهما عيباً] ومن له أمة وولدها صغير فجنت الأم أو الولد فاختار السيد إسلام الجاني، قيل له وللمجني عليه: يبعاهما معاً، ثم يقسم الثمن على قيمتها جميعاً. ومن ابتاع أمة وولدها صغير ثم وجد بأحدهما عيب فليس له رده خاصة، وله ردهما جميعاً أو حبسهما جميعاً بجميع الثمن. [قال] ابن المواز: ومن اشترى رمكه ومعها مهر فوجد بها عيباً/ فإن كان مستغن عن أمه فله رده وحده إلا أن يكون أكثر ثمناً وفيه الرغبة فلا يرد إلا جميعاً. [فصل 12 - في بيع الأم من رجل والولد من عبد مأذون له] ومن المدونة ولا ينبغي بيع الأم من رجل والولد من عبد مأذون لذلك الرجل؛ لأن ما بيد العبد ملك له حتى ينتزع منه، إذ لو رهقه دين كان في ماله، فإن بيعاً كذلك أمراً بالجمع بينهما في ملك السيد أو يبيعاهما معاً إلى ملك واحد وإلا فسخ البيع.

[فصل 13 - في ابتياع الأمة على الخيار ثم شراء ولدها زمن الخيار بغير خيار] قال ابن القاسم: ومن باع أمة على أن الخيار له ثم ابتاع ولدها صغيراً في أيام الخيار بغير خيار لم ينبغ له إمضاء البيع فيها، فإن فعل رد إلا أن يجمعاهما في ملك واحد، وإن كان الخيار للمبتاع فاختار الشراء جبر معه مبتاع الولد على أن يجمعاهما في ملك أو يبياعهما جميعاً. فصل [14 - في عبد الذمي يسلم وله ولد من زوجته المملوكة لسيده وفي إسلام أم الولد وإسلام الذمية وهي حامل من ذمي] ومن المدونة: وإذا أسلم عبد الذمي وله ولد من زوجته وهي أمة لسيده فولدها منه تبع له في الدين ويباع العبد من مسلم، والأم لما صار ولدها مسلماً بإسلام أبيه وجب أن يباع الولد مع أمه من مسلم بالقضاء. - يريد وتحرم الأم على زوجها إذا أبت الإسلام. قال: ولو أسلمت الأم وحدها بيع معها الولد من مسلم، وكان على دين أبيه، وإسلام الزوجة يوجب التفرقة إلا أن يسلم الزوج في العدة فيكون أحق بها. وإذا أسلمت الذمية وهي حامل من ذمي فولدها على دين أبيه، والولد تبع للأب في الدين، وللأم في الرق والحرية، كان الأب في ذلك كله حراً أو عبداً.

وقيل إنه يكون مسلماً من أسام منهما، وروى ذلك عن عمر، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، ووجه ذلك أن الله عز وجل أعلى الإسلام على سائر الأديان فوجب أن يكون الحكم للأعلى، وقد قيل: إنه لا يكون مسلماً إلا بإسلام الأم كما يتبعها في الحرية والرق، فكذلك في الدين وليس ذلك بشيء وهو لأشهب في مدونته.

[كتاب جامع لأبواب متفرقة]

[كتاب جامع لأبواب متفرقة] [الباب الأول] في بيع المصراة وغيرها وما ترد به من ذلك [الفصل 1 - الأصل في حكم المصراة والتعريف بها] قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تصروا الإبل والغنم فمن اشتراها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر). قال مالك: وهذا حديث متبع ليس لأحد فيه رأي. قال ابن المواز: ولم يأخذ به أشهب، وقال قد جاء ما يضعفه (أن الغلة بالضمان). قال: وسألت عنه مالكاً فكأنه ضعفه قال أشهب: وهو لوردها بعيب وقد أكل لبنها فلا شيء عليه للبن.

قال بعض الأندلسيين عن ابن مزين عن أشهب أنه إذا رضي بتصريتها ثم اطلع على عيب فردها به فليرد صاعاً من تمر. م فإذا رضي بتصريتها فكأنها غير مصراة فإذا أطلع بعد ذلك على عيب بها كان له ردها بغير صاع؛ لأن الغلة بالضمان. قال ابن المواز: والذي آخذ به في المصراة خاصة قول ابن القاسم أنه إذا لم يرض حلابها ردها وصاعا من تمر كما جاء في الحديث. م وكأن أشهب رأى أن قول النبي صلى الله عليه وسلم (الخراج بالضمان) ناسخ لحديث المصراة، ويحتمل أن لا يكون ناسخاً له؛ لأن حديث الخراج بالضمان عام وحديث المصراة مخصوص لبعض ما اشتمل عليه حديث الخراج بالضمان، والمخصوص يقضي به على العام، كما أن المفسر يقضي به على المجمل، وأيضاً فإن الخراج إنما ينطلق على ما حدث عند المشتري، وهذا اللبن لم يحدث عند المشتري، بل كان يوم العقد موجوداً في الضرع فالأخذ بحديث المصراة أولى، وحديث المصراة أصل في كل غش أو عيب، ومنه يستفاد أنه ليس للمشتري الرجوع بقيمة العيب وإنما له الرضا بجميع الثمن أو رده لقوله صلى الله عليه وسلم (إن شاء أمسكها وإن شاء ردها) ولم يقل يرجع بقيمة عيبه.

قال ابن حبيب: ومن الغش ما نهى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصرية الناقة أو الشاه عند/ البيع. والتصرية حبس اللبن في الضروع وأصله حبس الماء، يقال: صريته بالتخفيف، وصريته بالتثقيل. قال الأغلب العجلاني: رأيت غلاماً قد صرا فقرته ... ماء الشباب عنفوان شربه وليست المصراة من الصرار، ولو كانت منه لقيل مصرورة، وتسمى المصراة المحفلة؛ لأن اللبن أحفل في ضروعها، فصارت به محفلة ولا تكون حافلاً، والحافل العظيمة الضرع، وهذا أصل لكل من باع شيئاً، وزينه بغش، أن للمشتري رده. قال عبد الوهاب: التصرية في اللغة الجمع، يقال صريت الماء في الحوض إذا جمعته، ومنه قوله عز وجل {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ} قيل في جمع من النساء.

قال أبو حنيفة: ليست التصرية بعيب، ولا يثبت بها رد، واللبن في الضرع لا قسط له من الثمن، ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم (لا تصروا الإبل والغنم) فذكر الحديث. قال: وفيه أدلة: أحدها: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عنه، فدل على أنه تدليس. والثاني: أنه أثبت للمبتاع الخيار. والثالث: أنه أوجب عليه إذا ردها صاعاً من تمر، وعندهم لا يجب. وفي دليل [على] أن اللبن يأخذ قسطاً من الثمن؛ لأن قيمة الشاة التي تحلب عشرة أرطال أكثر من قيمة التي تحلب خمسة والرغبة في أحداهما أزيد، فصارت التصرية تدليساً بالعيب فكان للمشتري الرد ولم يمنعه الحلب لقوله صلى الله عليه وسلم (ردها وصاعاً من تمر). فصل [2 - التصرية تكون في جميع الأنعام ومتى ترد؟] ومن المدونة: قال ابن القاسم: والمصراة من جميع الأنعام سواء، وهي التي يدعون حلبها، ليعظم ضرعها ويحسن حلابها ثم تباع، فإذا حلبها المشتري مرة لم يتبين ذلك، فإذا حلب الثانية علم بذلك نقص حلابها، فإما رضيها وإما ردها وصاعاً من تمر، وإن كان ذلك ببلد ليس عيشهم التمر أعطى الصاع من عيش ذلك البلد، وعيش أهل مصر الحنطة فليعطوا منها.

قلت: فإن حلبها ثالثة؟ قال: إن جاء من ذلك ما يعلم أنه حلبها بعد أن تقدم له من حلابها ما فيه خبرة فلا رد له، ويعد حلابها منه بعد الاختبار رضا بها ولا حجة عليه في الثانية إذ بها يختبر أمرها، وإنما يختبر الناس ذلك بالحلاب الثاني ولا يعرف بالأول. ومن كتاب ابن المواز: فإنما ترد المصراة بعد أن تحلب مرتين فإن حلبها الثالثة لزمته. قال عيسى بن دينار: إذا حلبها الثانية فنقص لبنها، فظن أن ذلك من استنكار الموضع أو نحو هذا ثم حلبها الثالثة لزمته. وقال عيسى بن دينار: إذا حلبها الثانية فتبين له أنها مصراة فأراد ردها فليحلف أنه ما كان منه رضا ولا رغبة فيها ثم يردها والصاع معها. م وهذان القولان يرجعان إلى ما في المدونة أنه إذا حلبها الثالثة بعد الاختبار، فلا رد له، وإن لم يختبرها بالثانية فظن أن ذلك من استنكار الموضع ونحوه، حلف أنه لم يرضه وردها. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا ردها لم يكن له أن يرد اللبن معها إن كان قاتماً بغير صاع، ولو كان له رده كان عليه في فواته مثله، ولو رضي البائع أن يقبلها مع اللبن بغير صاع لم يعجبني ذلك؛ لأنه وجب له صاع طعام فباعه قبل قبضه بلبن إلا أن يقبلها البائع بغير لبنها فيجوز.

م قال بعض أصحابنا: رأيت لبعض الشافعيين أنه إذا أراد المصراة، ووجب عليه رد الصاع، فكان الصاع يساوي قيمة الشاة أو أكثر. قال: اختلف أصحابنا في ذلك، فأوجب بعضهم رد الصاع معها ولم يوجبه بعضهم/. م قال بعض أصحابنا: وعلى مذهبنا يجب عندي رد الصاع معها إتباعاً لظاهر الحديث والله أعلم. قال فإن أهلكت المصراة قبل اختبارها فضمانها من المشتري؛ لأن التصرية كالعيب، ويجب أن يرجع بقيمة العيب وهذا بيّن. وقال أحمد بن خالد الأندلسي: من اشترى شاة أو أكثر مصرورة فلا يرد معها إلا صاعاً.

م بظاهر الحديث (لا تصروا الإبل والغنم فمن اشتراها بعد ذلك فهو بخير النظرين). م ولم أر قول أحمد هذا، ولو قال قائل: بل يرجع مع كل شاة صاعاً لم يبعد من ظاهر الحديث؛ لأنه إذا كان يرد اللبن شاة واحدة صاعاً كيف يرد للبن مئة شاة صاعاً واحداً؟ هذا بعيد. م ورأيت بعد قولي هذا لأبي القاسم بن الكاتب القروي أنه يرد مع كل شاة صاعاً، واحتج بذلك بأن أهل العلم قالوا: وجه رد الصاع مع الشاة المصراة ولم يرد مثل اللبن، لأن اللبن المضمون هو الموجود حال العقد، وما يحدث فهو للمشتري، ويتعذر الفصل بينهما والتمييز، فأوجب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك صاعاً لقطع الخصام فيه، وهذا كما أن الأصول تقتضي اختلاف ضمان الأنثى والذكر في الجنين ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب في الجنين غرة، عبداً أو وليدة، ذكراً كان الولد أو أنثى، لتعذر التفريق بينهما. قال أبو القاسم بن الكاتب: فإذا كان اللبن مقيساً على الجنين وجب أن يرد مع كل شاة صاعاً كما يكون عليه إذا ألقت جنينين أو ثلاثة لكل جنين غرة.

فصل [3 - فيمن باع شاة حلوباً غير مصراة في إبان الحلاب ولم يذكر مقدار ما يحلب منها] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن باع شاة حلوباً غير مصراة في إبان الحلاب ولم يذكر ما تحلب، فإن كانت الرغبة فيما إنما هي للبن، والبائع يعلم ما يحلب منها فكتمه، فللمبتاع أن يرضاها أو يردها كصبرة يعلم البائع كيلها دون المبتاع، وإن لم يكن علم ذلك البائع فلا رد للمبتاع، وكذلك ما تنوفس فيه للبن من بقر أو إبل، ولو باعها في غير إبان لبنها، ثم حلبها المبتاع حين الإبان فلم يرضها فلا رد له، كان البائع يعلم حلابها أم لا. [قال] ابن المواز: وقال أشهب إذا كان البائع يعلم حلابها، فللمبتاع ردها حلبت أو لم تحلب إذا كانت شاة لبن. قال ابن المواز: وأرى أن ينظر في ثمنها، فإن كان في كثرته ما يعلم أن ذلك لا تبلغه لشحمها ولا للحمها ولا للرغبة في نتاج مثلها، وظهر أن الغالب من ذلك إنما هو اللبن فليردها إذا كتمه وثبت ذلك. قال يحي بن عمر: واللبن في هذه للمبتاع بالضمان بخلاف المصراة.

م يريد في جميع هذه المسائل. [فصل 4 - فيمن باع شاة حلوباً في إبان الحلاب على أنها تحلب قسطين] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن ابتاعها في الإبان على أنها تحلب قسطين جاز، فإن وجدها تحلب قسطاً فله الرد وهي أقوى في الرد من المصراة للشرط فيها. م يريد واللبن للمبتاع بالضمان.

[الباب الثاني] في بيع ماء العيون والبرك وغيرها وما يتولد فيها

[الباب الثاني] في بيع ماء العيون والبرك وغيرها وما يتولد فيها [الفصل 1 - في من بنى في أرض غيره رحى بغير إذنه فأصاب مالاً] قال ابن القاسم: وإذا بنى رجل في أرضك على نهر لك رحى بغير إذنك، فأصاب في ذلك مالاً، فلك عليه كراء الأرض، وأما الماء فلا كراء له. م يريد على انفراده، وإنما تقوم الأرض كم يساوي كراؤها على أن فيها هذا الماء حسب ما كانت عليه، وحكى ذلك عن أن محمد بن أبي زيد. م ألا ترى أن لو كان ماؤك يجري في أرضه إلى أرض لك تحت أرضه، فأراد أن ينصب عليه رحى في أرضه ولم يكن ذلك ينقص ماءك، لم يكن لك منعه إذ لا ضرر عليك في ذلك، فبان أن الماء ليس له كراء في مثل هذا. [الفصل 2 - هل لمن في أرضه غدير بيع السمك الذي فيه؟] قال مالك: وإذا كان في أرضك غدير/ أو بركه أو بحيرة فيها سمك، فلا يعجبني بيع ما فيها من السمك، ولا يمنع من يصيد فيها ولا الشرب منها. وقال سحنون: له منع من يصيد فيها. م وهذا كاختلافهم في المعدن يخرج في أرضه، فقال سحنون: هو لرب الأرض. وقال ابن القاسم: أمره إلى الإمام كالذي يوجد في الفيافي، فهذا على ذلك. وقال

أشهب: أن طرحها هو فيها فولدت فله منعها، وإن كان الغيث أجراها لم يمنع أحداً منها. [فصل 3 - في منع الماء عن محتاجه وحكم بيعه] وقال مالك: ولا يمنع الماء لشفة أو سقي كبد إلا ماء لا فضل فيه عن أربابه وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (لا يقطع ولا يمنع فضل ماء ولا ابن السبيل عارية الدلو والرشا والحوض إن لم يكن له أداة تعينه ويخلي بينه وبين الركية فيستقي). [فصل 4 - في بيع شرب يوم] قال مالك: ومن له حصة في أصل عين مملوكة، فله بيع حصته أو بيع شرب يوم أو يومين دون الأصل، إذا جاءه حظه من الشرب كان له بيعه أو بيع بعضه.

وكذلك كره مالك بيع مالك المواجل التي على طريق انطابلس يريد لأنها للسبيل. وروى ابن وهب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: من أحل فلاة من الأرض، فالحجاج والمعتمرون وأبناء السبيل أحق بالظل والماء، فلا تحجزوا على الناس الأرض. وكان على بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر أهل المياه. بسقي المارة من غير بيع. قال مالك: ويجوز بيع فضل ماء الزرع من عين أو بئر وبيع رقابهما. قال: وللرجل منع ماء داره وأرضه من عين أو بئر للشفة أو للزرع، ويجوز بيعها وبيع مائها، وكذلك: المواجل التي يحدثها الناس في دورهم لأنفسهم، فأما ما حفر في الفيافي والطرق من المواجل، كمواجل طريق المغرب فقد كره مالك بيعها ولم يره بحرام بين،

وجل ما كان يعتمد فيه على الكراهية واستثقال بيع مائها، وهي مثل آبار الماشية التي في المهامة. وكره مالك بيع أصل بئر الماشية أو مائها أو فضلة حفرت في جاهلية أو إسلام، قربت من العمران أو بعدت، وأهلها أحق بمائها حتى يرووا ويكون للناس ما فضل بينهم بالسواء إلا من مر بهم فلهم ما يرويهم لشفتهم ودوابهم ولا يمنعون، وأما من حفرها في أرضه فإن أراد بها الصدقة فهي كذلك، وإن أراد أن ينتفع هو بها فله منعها وبيع مائها بخلاف ما حفر في الفيافي. وكثير من هذا المعنى في كتاب حريم البئر.

[الباب الثالث] في احتكار الطعام وغيره وهل يخرج من أيدي أهله في الغلاء

[الباب الثالث] في احتكار الطعام وغيره وهل يخرج من أيدي أهله في الغلاء [الفصل 1 - في الاحتكار وفيم يكون وعلى من يكون ومتى ينهي عنه وبم يحكم الإمام على المحتكر؟] روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى عن احتكار الطعام) وفي حديث آخر (لا يحتكر الأخاطي) وذلك للمصلحة والله أعلم. وقال عمر رضي الله عنه (لا حكرة في سوقنا، لا يعمد رجال بأيديهم فضول من أذهاب إلى رزق من رزق الله فيحتكرونه علينا، ولكن أيما جالب جلب على عمود كبده في الشتاء والصيف فذلك ضيف عمر فليبع كيف شاء الله، وليمسك كيف شاء الله)، فأباح ذلك عمر رضي الله عنه للجالب، وقال مالك: وكذلك الزارع.

قال مالك: والحكرة في كل شيء من طعام أو إدام أو كتان أو صوف أو عصفر أو غيره، فما كان احتكاره يضر بالناس منع محتكره من الحكرة، وإن لم يضر ذلك بالأسواق فلا بأس به. قال: وإن قدم أهل الريف إلى الفسطاط لشراء طعام فمنعوهم، وقالوا: تغلوا علينا سعرنا لم يمنعوا إلا أن يضر ذلك بأهل الفسطاط، وعند أهل القرى ما يغنيهم فإنهم يمنعون ولا يتركون. قال ابن القاسم: وكذلك من خرج إلى قرية فيها سوق ليجلب منها ما ذكرنا. [قال] ابن المواز: قال مالك: وينهي عن الاحتكار عند قلة السلع والخوف عليها وذلك في الطعام/ وغيره من السلع، فإذا كان الشيء موجوداً جاز شراؤه للاحتكار أو ليخرج من ذلك البلد إلى غيره. قال: وإذا خيف انحطاط سوقه منع أن يحتكر أو يخرج به من البلد. قال مالك: وما يعيبه من مضي ويرونه ظلماً منع التجر إذا لم يكن مضراً بالناس ولا بأسواقهم.

وقال في الطحانين يشترون الطعام من السوق فيغلون سعر الناس فإنه يمنع مما أضر بالناس. [قال] ابن حبيب: وكان ابن الماجشون ومطرف لا يريان احتكار الطعام في وقت من الأوقات إلا مضراً بالناس، ويذكر أن مالكاً كرهه. قال أبو محمد: لعل هذا في الحجاز لضيق أمرهم. قال ابن حبيب: لا يرخص في ذلك إلا لجالب أو زارع، ومن احتكر من غيرهما فليخرج من يده إلى السوق فيشتركون فيه بالثمن، فإن لم يعلم كم ثمنه فبسعره يوم احتكره وقد فعل مثله عمر رضي الله عنه، وكذلك ينبغي في القطنية

والحبوب التي هي كالقوت والعلوفة، وكذلك الزيت والعسل والسمن والزبيب والتين وشبهه سواء أضر ذلك بالناس يوم احتكره أو لم يضر. وأما العروض فيراعى فيها احتكارها في وقت يضر بالناس ذلك فيمنع منه ويكون سبيله ما ذكرنا في الطعام، ولا يمنع من احتكارها في وقت لا يضر. فصل [2 - هل يخرج الطعام من أيدي أهله في الغلاء الشديد] ومن كتاب ابن المواز: قيل لمالك فإذا كان الغلاء الشديد وعند الناس طعام مخزون أيباع عليهم؟. قال: ما سمعت في هذا شيئاً. وأن من يشتريه على هذا يمنع، ولا يعرض للجالب، ومن عنده طعام من جلبه أو زرعه أو تمر جنانه، فليبع متى شاء ويتربص إذا شاء بالمدينة وغيرها. قال مالك: وإذا كان بالبلد طعام مخزون واحتيج إليه للغلاء فلا بأس أن يأمر الإمام بإخراجه إلى السوق فيباع. قال ابن القاسم وابن وهب: وسئل مالك عن التربص بالطعام وغيره رجاء الغلاء؟ قال: ما علمت فيه بنهي ولا أعلم به بأساً يحبس إذا شاء ويبيع إذا شاء ويخرجه إلى بلد آخر. وقال عنه لبن عبد الحكم في الرجل يبتاع الطعام فيحب غلاءه. قال: ما من أحد يبتاع طعاماً وهو يحب أن يغلو ولكن لا أحب ذلك.

قال ابن حبيب: وينبغي للإمام أن يديم دخول السوق ويتردد إليه ويمنع من يكثر الشراء فيه ولا يدع من يشتري إلا القوت ويمنع من يشتري فضول الطعام ويعز فيه الجلاب، ويمنع الجلابين بيع الطعام في غير سوقه، وإن أراد غير الجلاب بيع الطعام في دورهم بسعر سوق الطعام فليمنعهم ويخرجه إلى السوق كما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم.

[الباب الرابع] جامع القول في التسعير

[الباب الرابع] جامع القول في التسعير قال محمد بن يونس رحمه الله: والتسعير عند مالك على أهل الأسواق غير جائز؛ لأن الناس مالكون لأموالهم، وللتصرف فيها فلا يجبرون على بيعها إلا بما يختارونه، وقال عبد الوهاب: لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع من التسعير لما سئل فيه، فقيل له لو سعّرت فقال: إن الله هو [المسعر] القابض والباسط والمغلي والمرخص وإني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد منكم عندي مظلمة ظلمته إياها في عرض ولا مال. قال عبد الوهاب: فإذا أثبت ذلك فالذي يخاف ضرره بعقد التسعير ممكن حسمه، بأن يقال لمن يحط من السعر، أما أن تلحق بالناس وإما أن تنصرف، وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لحاطب بن أبي بلتعه مثل ذلك.

ومن العتبية: قال ابن القاسم عن مالك: لا يسعر/ على الناس في السوق ولا يقوم على أحد منهم شيء مما في السوق من طعام أو إدام أو زبد أو زيت أو بقل أو غيره. قال: ولو باع الناس ثلاثة أرطال بدرهم، فباع منهم واحد أربعة أرطال بدرهم، فلا يقام الناس لواحد ولا لاثنين ولا لأربعة ولا لخمسة، وإنما يقام الواحد والاثنان إذا كان جل الناس على سعر فحط هذا منه، ويخرجان من السوق. ومن الواضحة: ونهى ابن عمر والقاسم وسالم رضي الله عنهم عن التسعير، وأرخص فيه ابن المسيب .. وقال ربيعة ويحي بن سعيد: إذا كان الإمام عدلاً وكان ذلك نظراً للمسلمين وصلاحاً، فيقوم قيمة يقوم عليها أمر التاجر ولا ينفر منها الجالب. [قال] ابن حبيب: والذي أجازوه من التسعير ليس في القمح والشعير وشبهه، لأنه لم يجز التسعير في ذلك أحد؛ لأنه الذي كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن ذلك إنما يبيعه جالبه ولا يترك التجار يشترونه منهم ليبيعوه ولكن ما كان من عير ذلك مثل الزيت والسمن والعسل واللحم والبقول والفواكه وشبه ذلك مما يشترونه أهل السوق من الجلاب للبيع على أيديهم ما عدا البز والقطن وشبهه مما يشترونه،

فينبغي للإمام العدل إن أراد أن يسعر شيئاً من ذلك، أن يجمع وجوه سوق ذلك الشيء، ويحضر غيرهم استظهاراً على صدقهم فيسألهم كيف يشترون وكيف يبيعون، فإن رأى شططاً في الربح نازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سداد حتى يرضوا به، ثم يتعاهد ذلك منهم في كل يوم وحين، فمن حط من ذلك قيل له إما بعت بسعر الناس وإما رفعت ويؤدب المعتاد ويخرجه من السوق، فمن باع أرخص من ذلك لم يمنعه، وأقر بقيتهم على ما راضاهم عليه، فإن كثر المرخصون، قيل لمن بقى أما أن تبيع كبيع هؤلاء وإلا فأخرج، ولا يجبروه على التسعير ولكن على ما ذكرنا، وعلى هذا أجازه من أجازه، ومن أكره الناس على التسعير فقد أخطأ، ويكشف الإمام كل حين على السعر، فإن زاد أو نقص عاودهم في التسعير على ما ذكرنا.

[الباب الخامس] في صفة الوزن والكيل وعلى من أجرته

[الباب الخامس] في صفة الوزن والكيل وعلى من أجرته [قال] ابن المواز: قال مالك: وصفة الوزن أن يعتدل لسان الميزان، وإن سأله المشتري أن يميله له لم أره من باب المسألة. قال فيه وفي العتبية: وإذا امتلأ رأس المكيال في الكيل فهو الوفاء من غير رزم ولا تحريك ولا زلزلة ولكن يصب ويمسك المكيال على رأسها حتى إذا امتلأ أرسل يديه. قال: وأجر الكيال على البائع، وذلك أن المبتاع لو لم يجد كيالاً كان على البائع أن يكيل له، قال أخوة يوسف {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} وكان يوسف هو الذي يكيل. [قال] ابن حبيب: وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتصيير الكيل، وقال: إن البركة في رأسه، ونهى عن الطفاف.

قال ابن الماجشون: وبلغني أن كيل فرعون إنما كان على الطفاف مسحاً بالحديدة، وكره مالك رزم الكيل وتحريكه، وأمر بتصيير الكيل: يملأ الصاع ويسرح الكيال الطعام على رأس الصاع فذلك الوفاء. قال مالك: وأجر المكيال على البائع. قال ابن حبيب: وينبغي أن يكون الكيل في البلد الواحد واحداً، كيل القفيز وكيل القسط ووزن الأرطال، فيكون أمراً قد عرفه الناس، واستحب أن يكون القفيز معروفاً بمد النبي صلى الله عليه وسلم وصاعه وأن يتبايعوا فيما دون القفيز بالصاع والمد، وينبغي للإمام تفقد المكاييل والموازيين في كل حين، وأمر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقال مالك في العتبية: من جعل في مكياله زفتاً أرى/ أن يخرج من السوق، وذلك أشد عليه من الضرب.

[الباب السادس] فيمن باع شاة واستثنى بعضها أو جلدها أو سواقطها أو شيئا من لحمها

[الباب السادس] فيمن باع شاة واستثنى بعضها أو جلدها أو سواقطها أو شيئاً من لحمها [الفصل 1 - فيمن باع شاة واستثنى جزءاً منها وهل يجبر المشتري على الذبح] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن باع شاة أو بقرة أو بعيراً واستثنى جزءاً منذ ذلك، ثلثاً أو ربعاً أو نصفاً فلا بأس بذلك عند مالك. قال عيسى بن دينار: وسواء اشتراه على الذبح أو على الحياة. م وكأنه باع منها ما لم يستثن وحبس ما استثنى وذلك جائز، ويكون المبتاع شريكاً بقدر ما استثنى. قال بعض أصحابنا القرويين: وذلك لأنه لو قال أحدهما ما تذبح لم يجبر على الذبح، وإن اشترى ذلك الجزء على الذبح وبيعت الشاة عليهما. م فصار كأنما اشترى ذلك على الحياة فلذلك جاز. قال بعض أصحابنا: وتوقف بعض شيوخنا هل يجبر على الذبح إذا اشترى ذلك على الذبح وفيه نظر. م والصواب أن لا يجبر على الذبح؛ لأنهما قد صارا فيها شريكين، فمن دعي إلى البيع فذلك له.

فإن قيل فما الفرق بين ذلك وبين استثنائه الأرطال اليسيرة وقد قال ابن القاسم: يجبر المبتاع هاهنا على الذبح؟ قيل: الفرق لأنه إذا استثنى جزءاً شائعاً، ثلثاً أو نصفاً فتشاحا في الذبح فبعناها عليهما، وقع لكل واحد منهما ثمن معلوم، وفي استثناء الأرطال لا يعلم كم يقع له من الثمن فافترقا، ولم يكن إلا الذبح والله أعلم. [فصل 2 - في استثناء الجلد والرأس في السفر أو الحضر] قال ابن القاسم: وأما إن استثنى الجلد أو الرأس فقد أجازه مالك في السفر إذ لا ثمن له هناك، وكرهه للحاضر، إذ كأنه ابتاع اللحم. قيل فإن أبى المبتاع في السفر ذبحها، والبائع قد استثنى جلدها ورأسها؟ قال عليه شروى ذلك أو قيمته، وقد قال مالك فيمن وقف بعيره فباعه من أهل المياه لينحروه واستثنى جلده، فاستحيوه أن عليهم شروى جلده أو قيمته، وكل ذلك واسع فكذلك مسألتك. قال: وقوله شروى جلده يعني مثله. قال مالك: ولا يكون البائع شريكاً بالجلد إذ على الموت باع. [قال] ابن المواز: قال ابن القاسم: والقيمة أعدل، وقاله سحنون.

قال أبو محمد: وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر في مسيرهما إلى المدينة اشتريا شاة من راعي وشرطا له سلبها. وقضى علي في مثل ذلك، وقال: إن امتنع من الذبح فعليه قيمة المستثنى. وقال نحوه زيد بن ثابت رضي الله عنه وغيره. [فصل 3 - في الشاة المبيعة والمستثنى جلدها تموت قبل الذبح] ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم فيمن باع شاة واستثنى جلدها، حيث يجوز له [ذلك] فتموت قبل الذبح، قال: فلا شيء عليه، ولا يكون المبتاع ضامناً للجلد؛ لأن البائع معه شريك وقال عنه أصبغ: أنه ضامن للجلد. م فوجه أن لا شيء على المبتاع فلأن البائع إنما باع بعد الذي استثنى، فكان المبتاع معه شريكاً، فأما إن ماتت قبل الذبح كانت مصيبة ذلك كله منهما. ووجه الثانية فلأن المبتاع إنما ابتاع شاة، واستثناء البائع للجلد كشرائه

ذلك من المبتاع بعد تمام البيع، فأما إن هلكت قبل الذبح كانت مصيبة الجميع من المبتاع، وضمن للبائع ما استثنى لأنه بعض ثمنه لم يوصله إليه. م وذكر بعض أصحابنا عن بعض شيوخنا: ولو كان إنما باع شاة واستثنى منها أرطالاً يسيرة فماتت قبل الذبح لم يكن على المبتاع شيء مما استثناه البائع من اللحم. قال بعض القرويين: ولا يدخل ذلك الاختلاف في مسألة الجلد؛ لأنه لا يجبر على الذبح في مسألة الجلد، فكان الجلد في ذمته لا في شيء معين، وفي استثناء اللحم هو مجبور على الذبح لاستثنائه ذلك اللحم المعين، فإذا ذهب فهو منه ولا تباعة له على المبتاع. قال ابن حبيب: خفف مال بيع الشاة واستثناء جلدها في السفر، وكرهه في الحضر، إذ له هناك قيمته ولا يفسخ إن ترك، وهو من المبتاع إن ماتت، وقد روي إجازته في الحضر والسفر عن علي ابن أبي طاب وزيد بن ثابت وشريح وغيرهم رضي اله عنهم، وأما في السفر فروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله في سفره للهجرة. م اعتل مالك في جواز في السفر إذ لا ثمن له هناك، وترجح الأبهري فقال: إن كانت له قيمة في السفر فيحتمل أن لا يجوز ذلك ويحتمل أن يجوز؛ لأن الحكم للأغلب، والغالب أن لا قيمة له في السفر، ولا يزيل النادر حكم الغالب، ألا ترى أن [أصل] جواز القصر والفطر في السفر إنما هو لمشقته، فلو كان لمسافر رفاهية في سفره أكثر من رفاهيته في حضره لكان له القصر والفطر؛ لأن الغالب المشقة.

قال: وهذه الطريقة أوضح، والأولى أقيس. م والصواب جوازه لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أجازوه، ولم يعللوا لم جاز. [فصل 4 - في استثناء الرأس والأكارع] [قال] ابن حبيب: فأما استثناؤه الرأس والأكارع فلا يكره في سفر ولا حضر، كمن باع شاة مقطوعة الأطراف قبل السلخ، ومصيبة المستثنى سواقطها من المشتري ولا شيء عليه للبائع فيما استثنى. [فصل 5 - في بيع شاة مذبوحة لم تسلخ] [قال] ابن المواز: قال ابن القاسم: ويجوز بيع شاة مذبوحة لم تسلخ ما لم تكن على الوزن كلها أو بعضها فلا يجوز، ولا يجوز بيع شاة مذبوحة بشاة مذبوحة، وإن لم يكن على الوزن إلا أن يقدر على تحريهما. م يريد ويستثني كل واحد جلد شاته لئلا يدخله لحم وعرض بلحم وعرض. قال أصبغ: لا يقدر على تحري ذلك ولا يجوز. وقال مثله سحنون، ولم يعجب ابن المواز قول أصبغ.

[فصل 6 - فيمن باع شاة واستثنى فخذها أو بطنها أو صوفها أو أرطالاً منها] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن باع شاة واستثنى فخذها أو بطنها أو كبدها لم يجز. يريد لأنه من بيع اللحم المعيب. قال: وأما إن استثنى الصوف والشعر فلا اختلاف فيه أنه جائز. قال مالك: وإن استثنى من لحمها أرطالاً يسيرة ثلاثة أو أربعة جاز. قال ابن القاسم: ويجبر المبتاع على الذبح هاهنا ولم يبلغ به مالك الثلث. م وينبغي على قوله يجوز أن يستثني البائع من لحمها أرطالاً يسيرة أن يجوز استثناء الفخذ لأنه دون الثلث، وقد أجاز في كتاب وقد أجاز في كتاب محمد أن يستثني خمسة أرطال أو ستة وذلك مقدار الفخذة والكبد أيسر منه. وروى ابن وهب عن مالك أنه كان لا يجيز الاستثناء من لحمها وزناً ولا جزافاً ثم رجع فقال: لا بأس به في الأرطال اليسيرة مثل الثلاثة فأدنى، وأجاز استثناء الجلد والرأس لأن المبتاع ضمنها بالشراء، وأما شراء لحم هذه الشاة مطلقاً فلا يجوز؛ لأنها بعد في ضمان البائع. [فصل 7 - في الاستثناء من الصبرة والثمرة كيلاً قدر الثلث] قال ابن المواز: اتفق ابن القاسم وأشهب في جواز الاستثناء [من الطعام] من الصبرة والثمرة كيلاً قدر الثلث فأقل، فأما إن استثنى وزناً من لحم شاة باعها فأشهب يجيز قدر الثلث.

وقال ابن القاسم: لم يبلغ به مالك الثلث ولكن مثل خمسة أرطال أو ستة. [فصل 8 - في بيع رطل أو رطلين من شاة حية أو طير كل رطل بكذا وفي حكم المصالحة على أرطال من شاة معينة] قال ابن القاسم فيه وفي المدونة: ولا يجوز أن يبيعه من لحم شاته الحية رطلاً ولا رطلين، وليس كاستثناء البائع ذلك منها ألا ترى أنه يجوز أن يستثني البائع آصعاً من ثمرة باعها رطبة دون الثلث على أن يأخذها تمراً، ولا يجوز أن يبيع من ثمرة وقد أزهى آصعاً معلومة دون الثلث أو أكثر يدفعها ثمراً. قال مالك: ولا يجوز الاشتراء من لحوم الإبل والبقر والغنم وسائر الطير قبل ذبحها كل رطل بكذا؛ لأنه مغيب لا يدري كيف ينكشف. قال: وإن ادعيت في دار دعوى فصالحك من ذلك المدعى عليه على عشرة أرطال من لحم شاته هذه لم يجز. قال أشهب في كتاب الصلح أكرهه فإن جسها وعرف نحوها وشرع في الذبح جاز.

قال أشهب في كتاب ابن المواز: لا يشتري من لحم شاة حية رطلاً ولا رطلين ولا عشرة ولا أقل، فإن نزل وشرع في الذبح لم أفسخه وإن كان يذبح بعد يوم أو يومين فسخته، وأنكر سحنون قول أشهب هذا. [فصل 9 - هل لمن اشترى شاة إلا جزءاً منها استحياؤها؟] [قال] ابن المواز: قال أشهب: وإن استثنى البائع من لحم شاة ما يجوز استثناؤه فليس للمبتاع استحياؤها ويعطى مثله بخلاف الجلد. [قال] ابن المواز: ويدخله اللحم بالحي. [فصل 10 - فيمن وهب لرجل جلد شاته ولآخر لحمها فنتجت الشاة] ومن كتاب تضمين الصناع: ومن وهب لرجل لحم شاته ولآخر جلدها فغفل عنها حتى نتجت، فالنتاج لصاحب اللحم، وعليه مثل الجلد أو قيمته لصاحب الجلد، ولو هلكت لم يكن له شيء، وكذلك الناقة إذا دعي صاحب الجلد إلى الذبح، فلصاحب اللحم الاستحياء ويغرم مثل الجلد أو قيمته. م فإن تراضوا بالذبح وتشاحوا على من يكون الذبح والسلخ فأرى أن يكون أجر ذلك بينهما على قدر قيمة اللحم وقيمة الجلد فإن كان قيمة الجلد من الجميع الثلث أو الربع فعلى صاحبه ثلث أجر الذبح والسلخ أو ربعه.

[فصل 11 - في بيع الجزور واستثناء بعضه فمات أو مرض قبل الذبح] ومن كتاب ابن حبيب: وروى مطرف عن مالك فيمن باع جزوراً واستثنى رأسها أو أرطالاً يسيرة من لحمها أنه جائز، فإن أخرها المبتاع حتى ماتت أو صحت وقد كانت مريضة. قال: إذا بيعت لمرض أو معلولة فخيف عليها الموت فبيعت لذلك بيسير الثمن ولولا ذلك لبيعت بدنانير كثيرة، فإن أخرها عامداً رجاء صحتها فهو ضامن ما استثنى عيه منها، وإن صحت وذهب ما كان بها من مرض فعلى المبتاع شروى ما استثنى عليه أو قيمته ولا يجبر على نحرها لأنه كان ضامناً لما استثنى عليه، وإن كانت حين البيع صحيحة فتربص بها المبتاع الأسواق فزاد ثمنها وسمنت فكره نحرها فالبائع شريك له بقدر ما استثنى منها. [فصل 12 - في الرجلين يشتريان شاة لأحدهما الرأس وللآخر البقية ثم يستحييها مشتر وفي ثلاثة اشتروا شاة بينهم] وإذا ابتاع رجلان شاة لأحدهما رأسها وللآخر بقيتها فلا بأس به، فإن استحياها مشتري بقيتها على أن يعطي صاحب الرأس مثله أو قيمته فليس له ذلك، وهما شريكان بقدر الأثمان. وكذلك روى ابن وهب عن شريح.

قال ابن الماجشون في ثلاثة اشتروا شاة بينهم فطلب أحدهم الذبح والآخر المقاواة والآخر البيع، فإن كانوا من أهل البيوت يرى أنهم طلبوا أكلها، فالحكم فيها الذبح، وإن كانوا جزارين أو تجاراً فالحكم فيها البيع، ولا تكون المقاواة إلا عن تراض. قال ابن المواز في القوم ينزلون ببعض المناهل فيريدون شراء اللحم منهم فيمتنعون من الذبح حتى يقاطعوهم على السعر خيفة أن لا يشتروا منهم بعد الذبح؟ قال: لا ينبغي ذلك.

[الباب السابع] في الاستثناء من الصبرة أو الثمرة أو السكنى أو الركوب

[الباب السابع] في الاستثناء من الصبرة أو الثمرة أو السكنى أو الركوب [الفصل 1 - فيمن اشترى صبرة فاستثنى البائع منها جزءاً فأصيب] ومن كتاب ابن المواز قال محمد: ومن اشترى صبرة طعاماً جزافاً فاستثنى البائع منها كيلاً قدر ما يجوز له وهو الثلث فأدنى، فأصيبت الصبرة كلها أو أكثرها، فليس على المشترى ضمان ما استثناه البائع من بيعه ذلك، ومصيبته منها جميعاً. قال ولو سلم منها الثلث فأدنى كان ذلك للبائع، وإن كان أكثر من الثلث أخذ البائع منهما؛ لأنه قد هلك ما أبقى لنفسه وما باع، وإذا بقي منها قدر ما استثنى وجب أن يكون له؛ لأنه قد اشترط على المبتاع أن يبقى له قدر ثلثهما، وقد بقي له ما اشترط، وكان ضمان الباقي من المبتاع. م ولو قال قائل يكون ما بقي بينهما؛ لأنهما شريكان فيها، وكما كان هلاك الجميع منهما فكذلك يكون هلاك بعضها لكان صواباً. قال ابن المواز: ويجوز أن يستثني منها جزءاً شائعاً كان أكثر من الثلث أو أقل. ومن الواضحة: وإن باعه ذلك بثمن إلى أجل فلا يشتري منه شيئاً منهما بنقد.

م لأن ما اشتراه منه كأنه رجع إليه فصار لغواً ودفع إليه ما بقي منهما مع الثمن النقد في الثمن المؤجل وذلك بيع وسلف. قال: وله أن يشتري منه مقاصة ما يجوز له أن يستثنيه. م لأن ذلك كالاستثناء سواء. قال: ولو باعه بنقد فله أن يشتري منه ما ذكرنا بنقد إلا من أهل العينة، ولا يشتريه منه إلى أجل فيصير بيعاً وسلفاً وإن لم يكونا من أهل العينة، وأما بعرض فيجوز نقداً ولا يجوز إلى أجل فيصير الدين بالدين إلا أن يكون الثمن الأول بنقد فيجوز شراؤه منه بعرض نقداً أو إلى أجل. [فصل 2 - فيمن باع داراً واستثنى سكناها سنة فانهدمت] ومن كتاب ابن المواز: ومن باع داراً واستثنى سكناها سنة فانهدمت في السنة فمصييبتها من المبتاع ولا يرجع عليه [البائع] بشيء من ثنياه بمنزلة الصبرة إلا أن يصلح الدار قبل السنة فيرجع البائع في سكناه من ذي قبل فيما بقي من السنة بعينها. قال: ولا يجبر المبتاع على إصلاحها. قال أصبغ: ولا يعجبني هذا وليس مثل الصبرة؛ لأن عقد صفقة الصبرة قبض المشتري لما اشتراه- يريد فكذلك هي في البائع قبض لما استثناه- قال: والسكنى لم يقبض البائع لما استثنى وثنياه ثمن ما باع

على الثمن كركوب الدابة إذا اشترطه البائع عند بيعها فأرى أن يقوم السكنى ويطرح ما سكن ويرجع بما بقي من ذلك، وذلك إذا كان شيء له بال ولم يكن مثل الأيام القليلة في الدار ومثل الأميال والبريد في الدابة، وهذا أراه تبعاً ولغواً. قال ابن المواز: وقول ابن القاسم أصوب، ولم أجد لقول أصبغ معنى. [فصل 3 - فيمن باع دابة واشترط ركوب أخرى فنفقت الدابة] قال أصبغ عن ابن القاسم في العتبية: ومن باع دابة وشرط ركوب أخرى إلى موضع معلوم من أفريقية جاز، فإن نفقت الدابة في الطريق رجع بحصة باقي الركوب من قيمة الدابة ثمناً لا في رقبتها. م يريد لضرر الشركة فيها وكذلك السكنى. وذكر ابن المواز في كتابه مثل ذلك أنه لا يرجع في عين الدابة وإن لم تفت.

[فصل 4 - في الثمرة تباع فيستثنى فيها قدر الثلث فأقل ثم تصاب الثمرة] قال ابن المواز: وأما الثمرة تباع فيستثنى البائع منها كيلاً قدر ثلثها أو أقل فيصاب من الثمرة أقل من ثلثها فلا يوضع عن المشتري من استثناء البائع شيء؛ لأنه لا يوضع عنه من الثمن شيء، وهو قول مالك وهو كالصبرة هاهنا، ولو أصيب منها الثلث أو أكثر وضع عنه بقدر ما يوضع من الثمن وقاله أصبغ وهو الصواب، وقاله أشهب وابن عبد الحكم عن مالك. وذكر ابن عبد الحكم أيضاً عن مالك أنه لا يوضع عن المشتري من مكيلة ما استثنى شيء، وإن هذب أكثر من الثلث أو أقل ويكون ما استثنى من الأوسق فيما بقي. قال ابن عبد الحكم: وهذا أحب إلينا ولا يشبه هذا الصبرة لأن الصبرة لا جائحة فيها على البائع، وهذا عليه فيه الجائحة وما استثنى فهو كالثمن. قال مالك: وإذا باع ثمرة حائطه جزافاً فاستثنى من صنف منها مكيلة مسماة، فإني أكره ذلك إلا أن يكون ذلك الصنف كثيراً مأموناً. [قال] ابن القاسم: مثل أن يكون ما استثنى ثلث ذلك الصنف بعينه، وقال عنه أشهب في العتبية فيمن باع حائطاً فيه أصناف من الثمن: فله أن يشتري من صنف منها مثل ثلث جميع الثمر الذي باع، كان ما ابتاع من ذلك الصنف أكثر ذلك الصنف أو أقله إذا كان قدر ثلث الجميع.

وقال سحنون عن ابن القاسم في سماعه: لا يجوز ذلك إلا أن يستثنى ثلث ذلك الصنف فأقل. قال سحنون: ولا أبالي قل ذلك الصنف الذي استثنى منه أو كثر. [فصل 5 - في ثمر الحائط يباع كله جزافاً ثم يشتري منه رطباً] قال ابن المواز: ومن باع ثمرة حائطه كله جزافاً ولم يستثن منه شيئاً ثم أراد أن يبتاع منه رطباً فلا بأس بذلك إذا كان قدر ما يجوز له أن يستثنيه في أصل البيع، وكذلك من صبرة طعام جزافاً، وكذلك إن ابتاع منه البائع ثمراً من غير حائطه الذي باعه منه فلا بأس به إذا كان قدر ثلث ما باعه فأدنى، وسواء كان من حائطه أو من غير حائطه. قال ابن المواز: إذا كان ثمر الحائطين صنفاً واحداً قال أصبغ: وسواء استثنى ذلك رطباً أو بسراً أو تمراً إذا كان قدر ثلث خرصه أو أدنى. قال ابن المواز: وذلك إذا لم ينقد ثمنه فيحسب ذلك عليه في الثمن، وأما ما انتقد ثمنه كله وتفرقا فلا بأس بما ابتاع منه نقداً كيلاً أو جزافاً، الثلث أو أكثر كالأجنبي إذا لم يكونا من أهل العينة.

فصل [6 - فيمن باع ثمر حائطه إلى أجل هو يجوز له استثناء شيء منه؟] قال مالك: ومن باع ثمرة حائطه إلى أجل لم يجز له أن يستثنى منه شيئاً بنقد لا أقل من الثلث ولا أكثر، وإنما يجوز له أن يستثني منه الثلث فأدنى على أن يقاصه من الثمن. قال: وسواء كان ما استثنى مثل الثلث فأدنى من حائطه أو غير حائطه، وحائطه أحب إلي. وذكر أصبغ عن ابن القاسم فيمن باع حديداً جزافاً وانتقد ثمنه ثم أراد أن يشتري منه وزناً قدر ثلثه فأقل بنقد أو إلى أجل، قال: فإن كان قد انتقد الثمن وتفرقا فلا بأس بما اشترى منه على أي حال إلا أن يكون من أهل العينة، وأما إن كان لم ينقده الثمن لم يجز للبائع أن يشتري منه إلا ما كان يجوز له أن يستثنيه عند بيعه قدر الثلث فأدنى ويقاصه مما عليه وهذا يجري في الطعام وغيره. [فصل 7 - في بيع النخيل بعد التأبير وقبله ولمن تكون الثمرة؟] ومن العتبية وكتاب ابن المواز قال مالك: ومن ابتاع نخلاً وفيها ثمر قد أبر أو أرضاً وفيها زرع لم يبد صلاحه فذلك للبائع إلا أن يشترطه المبتاع لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من

باع نخلاً قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع). قال مالك: وإن لم تؤبر الثمرة ولم يظهر الزرع من الأرض فهو للمبتاع، ولا يجوز للبائع استثناؤه. [قال] ابن المواز: قيل لمالك فإن وهب ثمرة حائطه هذه السنة وأراد بيع أصله؟ قال: لا يصلح ذلك حتى تؤبر الثمرة. قال ابن القاسم: قيل لمالك فإن أبر بعض الثمرة ولم يؤبر البعض، قال: فاجعل الأقل تبعاً للأكثر إن أبر أكثرها كانت الثمرة كلها للبائع وإن أبر أقلها كانت كلها للمبتاع. قيل: فإن أبر النصف ولم يؤبر النصف. قال: إن كان المأبور على حدة فهو للبائع، وكان ما لم يؤبر للمشتري كلا شيء، وكأن لم يكن في الحائط إلا ما أبر، وإن كان ذلك مختلطاً لم يحل إلا أن يكون ذلك الجميع للمشتري. قيل: فإن أبرت النخل وألقحت الشجر أو أكثرها ولم يشتر المبتاع منها شيئاً فأراد أن يشتريها من البائع بعد الصفقة قبل أن يطيب؟ قال: ذلك جائز له أن يشتري منه ما كان يجوز له أن يستثنيه عند عقد الصفقة وهذا مثله سواء، وقد اختلف قول مالك فيه وفي مال العبد إذا أراد السيد أن يشتريه بعد الصفقة، فروى عنه أشهب أن ذلك لا يجوز فيهما إلا في عقد الصفقة، وقال عنه ابن القاسم لا بأس بذلك، وكل ما كان لك أن تستثنيه عند بيعك، فلا بأس أن تشتريه بعد ذلك فتلحقه ببيعك.

قال أشهب: والذي أخذ به أنه جائز في الثمرة أن يلحقها ببيعه بعد الصفقة، ولا يجوز ذلك في مال العبد إلا في عقد الصفقة. قالا عن مالك: ولا يجوز أن يستثنى نصف الثمرة ولا نصف مال العبد. قال أشهب: فإن نزل رأيته جائزاً ولا أفسخه وبالله التوفيق.

[الباب التاسع] فيمن باع لبن غنم بعينها كيلا أو جزافا

[الباب التاسع] فيمن باع لبن غنم بعينها كيلاً أو جزافاً [الفصل 1 - في شراء لبن غنم بعينها إلى أجل لا ينقضي اللبن قبله] ومن المدونة: قال مالك: ومن اشترى لبن غنم بأعيانها جزافاً شهراً أو شهرين إلى أجل لا ينقضي اللبن قبله فإن كانت غنماً يسيرة كشاة أو شاتين لم يعجبني ذلك إذ ليست بمأمونة. وروى أشهب أن مالكاً أجازه في شاة. [قال] ابن أبي زمنين: وقال أصبغ في شراء لبن شاة أو شاتين إن وقع ذلك مضى إذا كانا قد عرفا وجه جلابها، قال: وما هو عندي من الغرر البين. قال ابن أبي زمنين: وقوله فيمن اكترى بقرة للحرث وشرط لبنها يقوي قول أصبغ. قال في المدونة: وذلك جائز فيما كثر من الغنم كالعشر ونحوها إن كان في الإبان وعرفا وجهه حلابها، وإن لم يعرفا وجهه لم يجز ذلك. قال: وإن اشترى لبنها ثلاثة أشهر في إبانه فماتت خمس بعد أن حلب جميعها شهراً، نظرا، فإن كانت الميتة تحلب قسطين قسطين والباقية تحلب قسطاً قسطاً نظر كم الشهر من الثلاثة في قدر نفاق اللبن ورخصه، فإن قيل النصف فقد قبض نصف صفقته بنصف الثمن، وهلك ثلثا النصف الباقي قبل قبضه، فله الرجوع بحصته من الثمن وهو ثلثا نصف الثمن أجمع، ولو كان موت هذه الميتة قبل أن

تحلب شيئاً لرجع بثلثي جميع الثمن، وعلى هذا يحسب ألو كانت حصة الميتة الثلث أو النصف أو الثلاثة أرباع. م وقال بعض المتأخرين من فقهائنا: ليس للمشتري رد ما بقي في يديه وإن كانت التي هلكت أكثر الغنم، ويلزمه ما بقى كجوائح الثمار سواء وقيل غير هذا، والأول أصوب والله اعلم. [الفصل 2 - فيمن أسلم في لبن غنم على كيل فهلك بعضها وحكم السلم في لبن غنم معينة] ومن المدونة قال مالك: ولو كنت أسلمت في لبنها سلماً على كيل فهلك بعضها كان سلمك فيما بقي منها بخلاف شرائك لبنها مطلقاً. قال: ويجوز السلم في لبن غنم معينة على الكيل كل قسط منها بكذا كانت الغنم كثيرة أو يسيرة كشاة أو شاتين بعد أن تكون في إبان لبنها، ويسمي أقساطاً معلومة ويضرب أجلاً لا ينقضي اللبن قبله. قلت: أفينقده الثمن؟ قال نعم: إذا شرع في أخذ اللبن أو كان يشرع فيه إلى أيام يسيرة، فإن زال الإبان ولم يأخذ لبناً رجع بالثمن، وإن اشترى لبنها في غير إبانه

على جزاف أو كيل وشرط أخذه في الإبان فلا خير فيه- يريد لأنها غنم بعينها فذلك فيها، إذ لا يبلغ إلى ذلك الأجل-. [الفصل 3 - فيمن اكترى ناقة أو بقرة حلوباً واستثنى حلابها] قال مالك: وإن اكترى ناقة أو بقراً حلوباً ليحرث أو يسقي عليها شهراً واستثنى حلابها في ذلك، جاز إذا عرفا وجهه. قال ابن أبي زمنين: هذه مسألة فيها نظر؛ لأنه إن كان جعل اللبن تبعاً للحرث فلا معنى لقوله إن كان عرف وجه حلابها، وإن لم يجعل اللبن تبعاً فقد أجاز شراء لبن البقرة الواحدة. م وروي عن ابن القاسم أنه قيل له: أرأيت إن انقطع اللبن أيجعل له نصيباً من الكراء؟ قال نعم يرد ما وقع على اللبن، وقال أصبغ: لا يرجع بشيء: ويجب على قول أصبغ أن لا يراعي وجه معرفة الحلاب، إذ جعل ذلك فيها تبعاً. وقوله أقيس إذا كان إنما استخف من أجل الكراء فهو تبع [له] كمال العبد وثمر النخل ونحو ذلك [من التوابع].

وقد قال بعض فقهائنا القرويين: إنما جاز ذلك في الرأس الواحد استخفافاً إذ القصد فيه الكراء لا اللبن، فلم يجعله كشراء اللبن في البقرة الواحدة؛ لأن هذا غرر منفرد، ومسألة الكراء غرر يسير قارنه بيع فاستخف، وإن لم يكن تبعاً. والله أعلم. ومن الناس من رأى ذلك اختلافاً من قوله، والأول أصوب والله أعلم.

[الباب العاشر] جامع مسائل مختلفة من البيوع

[الباب العاشر] جامع مسائل مختلفة من البيوع [الفصل 1 - الإجارة والبيع بالعوض المجهول حين العقد] قال مالك: ولا يجو أن تبتاع من رجل طعاماً على ما ابتاع منه فلان، أو تخيط له ثوباً بما خطت لفلان، وكذلك الصبغ والصناعة والإجارة كلها إذا لم يعلم حينئذٍ ما كان أول ذلك. فصل [2 - في شراء ثمر نخيل أو صبرة على الكيل كل قفيز بكذا] قال ومن اشترى من رجل ثلاث نجيات من حائطه على أن ما جنى منها أخذه، كل أربعة آصع بدينار؟ قال: لا بأس به، وهو أمر معروف، وكذلك شراء ثمر الحائط بأسره كيلاً أو زرعه اليابس على الكيل أو بيت لا يعلم ما فيه

أو صبرة لا يعلم بما فيها على أن كل قفيز بكذا؛ لأنه يقل ويكثر. فأما ابتياعه بأربعين ديناراً من رطب هذا الحائط على أن كذا وكذا صاعاً بدينار، يأخذ في ذلك ما يجني كل يوم فلا ينبغي ذلك حتى يسمي ما يأخذ كل يوم. قال: وقد كان الناس يتبايعون اللحم بسعر معلوم يأخذ كل يوم شيئاً معلوماً ويشرع في الأخذ ويتأخر الثمن إلى العطاء، وكذلك كل ما يباع في الأسواق لا يكون إلا بأمر معروف معلوم، يسمى كل يوم ما يأخذ، وكان العطاء يومئذٍ مأموناً، ولم يروه ديناً بدين واستخفوه. [فصل 3 - فيمن اشترى داراً أو ثوباً كل ذراع بدرهم أو جملة غنم كل شاتين بدينار] قال: وإن اشتريت داراً أو ثوباً كل ذراع بدرهم ولم تسم عدداً لأذرع فقلت: قيسوا فقد أخذت كل ذراع بدرهم فذلك جائز، وإن اشتريت جملة غنم كل شاتين بدينار أو جملة ثياب، كل ثوبين بدينار، فأصبت في الغنم مئة شاة وشاة وفي الثياب مئة ثوب وثوباً، لزمتك الشاة أو الثوب بنصف دينار ولم يبين. قال القاضي عبد الوهاب: ولو قال بعتك من هذه الصبرة حساب كل عشرة أقفزة بدينار ولم يبين كم باعه منها، فلا أعرف فيها نصاً. وقال بعض أهل عصرنا البيع فاسد وهو قول أصحاب الشافعي، واعتل بأن قال: إن المبيع مجهول؛ لأنه

لما قال من هذه الصبرة فكأنه قال بعض هذه الصبرة ولم يبين ذلك البعض. قال عبد الوهاب: وعندي أنها تحتمل وجهين: أحدهما: أن البيع ينتظم جميعها؛ لأن لفظة (من) تكون للتبعيض وتكون صلة وزيادة في الكلام، فكأنه قال بعتك هذه الصبرة من حساب عشرة أقفزة بدينار، وإذا وجدنا للفظ معنى يصح حمله عليه كان أولى من حمله على الفساد. والوجه الآخر: أن يلزم البيع في مقدار ما علق الحساب به، وهي عشرة أقفزة على ما رواه عبد الملك إذا قال أكريك هذه الدار حساب كل شهر بدينار، فإن الإجارة تلزم في شهر واحد منها فكذلك مسألتنا. فصل [4 - في شراء السمسم والزيتون على أن على البائع عصره أو زرعاً على أن على البائع حصاده ونحوها] ومن المدونة قال مالك: ولا يجوز شارء سمسم أو زيتون أو حب فجل بعينه على أن على البائع عصره أو زرعاً قائماً على أن على البائع حصاده ودراسه، وكأنه ابتاع ما يخرج من ذلك كله وذلك مجهول، وأما إن ابتعت منه ثوباً على أن يخيطه لك أو نعلين على أن يحذوهما لك فلا، وإن ابتعت منه قمحاً على أن يطحنه لك فقد استخفه مالك بعد أن كرهه، وكان يرى أن القمح قد عرف ما يخرج منه، وجل قوله في ذلك التخفيف على وجه الاستحسان لا على القياس.

[الباب الحادي عشر] في تلقي السلع وبيع حاضر لباد وسوم الرجل على سوم أخيه وفي النجش وجامع مسائل من البيع مما ليس في المدونة

[الباب الحادي عشر] في تلقي السلع وبيع حاضر لباد وسوم الرجل على سوم أخيه وفي النجش وجامع مسائل من البيع مما ليس في المدونة [الفصل 1 - في تلقي السلع قبل وصولها الأسواق، وفي المزارع يخرج إليها التجار لشراء ثمارها] ومن الموطأ روى مالك بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تلقوا الركبان ولا يبع بعضكم على بيع بعض ولا تناجشوا ولا يبع حاضر لباد، ولا تلقوا السلع ولا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر). [قال] ابن المواز: قال مالك ولا تتلقى السلع لتشترى وإن لم ترد بها التجارة حتى يهبط بها إلى سوقها كما جاء في الحديث (حتى يهبط الأسواق) قال: ولا تتلقى في أفواه الطرق والسكك، ولا يبتاعها من مرت به بباب داره في البلد الذي جلبت إليه، وأما من مرت به في قرية بقرب البلد الذي يريد ومن على ستة أميال من المدينة فله أن يشتري منها للأكل وللقنية أو ليلبس أو ليضحي أو

ليهدي ونحوه، وأما للتجارة فلا. قال ابن القاسم وهذا في كل سلعة أو طعام أو غيره، ونحوه، وفي العتبية. ومن الواضحة: ولا تتلقى السلع وإن كانت على مسيرة يوم أو يومين وما بلغ الحضر فلا يشتري منها ما مر على باب داره لا لتجارة ولا لقوته، إن كان لها سوق، وأما ما ليس له سوق قائم فإذا دخل بيوت الحاضرة والأزقة جاز شراؤها وإن لم تبلغ السوق، ومن منزله [في غير الحاضرة] قريباً منها أو بعيداً فله أن يشتري ما مر به للقوت لا للتجارة ولو كانت على الأيام من البلد الذي تحمل إليه. وهذا قول مالك وأصحابه. ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك في الأجنة [من نخيل وأعناب] تكون حول الفسطاط يخرج إليها التجار فيشترونها ويحملون ذلك إلى الفسطاط أنه لا بأس بذلك. وقال في سماع أشهب في الذين يشترون الثمار ثم يدخلون بها المدينة فيبيعونها على أيديهم أنها من التلقي. وقال أشهب: لا بأس به وليس من التلقي.

[فصل 2 - في ربح المتلقي وفي الشراء منه وفي حكم الإمام فيه] [قال] ابن المواز قال مالك: ولا يطيب للمتلقي ربح ما تلقى ولا أحب أن يشتري من لحم ما تلقى، واختلف قول مالك في شراء المتلقي، فقال عنه ابن القاسم: ينهى، فإن عاد أدب ولا ينزع منه شيء، وروى عنه ابن وهب أنه ينزع منه فيباع لأهل السوق فما ربح فهو بينهم، والوضيعة على المتلقي. وقال ابن القاسم: أرى أن يشترك فيها التجار وغيرهم ممن يطلب ذلك ويكون هو كأحدهم. وقاله ابن عبد الحكم بالحصص الثمن الأول. وقال أصبغ بقول مالك الأول أنه أن عاد أدب ونفي من السوق، وإنما يشتركون فيما يحضرون فيه بالسوق فيطلبون الشرك فيكون كأحدهم. قال ابن المواز: الصواب في المتلقي أن يرد شراؤه وترد على بائعها إن وجد، فإن فات أمر الإمام من يقوم ببيعها عن صاحبها، وما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مردود. ومن الواضحة: ويفسخ شراء المتلقي وترد السلعة فإن فات بائعها، فإن كان المتلقي ليس بمعتاد للتلقي ترك ذلك له وزجر، وإن كان معتاداً فإن كان لها

سوق وقوم راتبون لبيعها، فلهم أخذها بالثمن الأول أو يدعونها له وإن لم يكن لها أهل سوق عرضت في السوق بثمنها على عامة الناس، فإن لم يوجد من يأخذها تركت لربها، ويؤدب المعتاد بما يراه الإمام من سجن أو ضرب أو إخراج من السوق وهذا في العروض، وأما في الطعام كله فليوقف لكل الناس بالثمن وإن كان لها أهل راتبون. قالوا: وإذا بلغت السلعة موقفها ثم انقلب بها ولم يبع أو باع بعضها فلا بأس أن يشتريها من مرت به ببابه أو من دار بائعها. وفي العتبية عن ابن القاسم نحوه. فصل [3 - في بيع الحاضر للبادي والشراء منه] [قال] ابن المواز: قال مالك: في قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يبع حاضر لباد) هم الأعراب أهل العمود، ومن كان من أهل القرى الذين يسمون أهل البادية لا يباع لهم ولا يشار عليهم، والمشورة على البدوي بمنزلة بيع متاعه. قال ابن المواز: وذلك فيما يأتون به للبيع. قال في الواضحة: ولم يرد بذلك أهل القرى الذين يعرفون الأثمان والأسواق.

[قال] ابن المواز: قيل لمالك فإن كانوا أيام الربيع في القرى ومن بعد ذلك في الصحراء على الميلين من القرية وهم عالمون بالسعر؟، قال لا يباع لهم. قال أصبغ: ويفسخ وهو بيع حرام. قال بن القاسم: قال مالك: لا يبع مدني لمصري ولا مصري لبدني وقد كان قال لي قبل ذلك: إنما يكره ذلك لأهل القرى التي تشبه البادية فأما أهل القرى من أهل الريف، ممن يرى أنه يعرف السوم فلا بأس به وأرجوا أن يكون خفيفاً وهذا أحب إلي. قال مالك: ومن كان من أهل القرى الذين يسمون أهل البادية فلا يباع لهم ولا يشار عليهم، ولا بأس أن يبتاع لهم وأما البيع فلا. قال في العتبية: أكره أن يخير الحضري البدوي بالسعر، ولا بأس أن يشتري له بخلاف البيع له. [قال] ابن المواز: قال ابن القاسم: فإن باع حضري لبادي فسخ البيع لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فهو شراء حرام، وسواء كان البادي حاضراً معه أو بعث إليه بالسلعة ولم ير ابن عبد الحكم فسخها وذلك غلط.

وقول ابن القاسم أحب إلينا، وذكر ابن حبيب عن مالك أنه يفسخ. قال ابن حبيب: وكذلك الشراء له؛ لأنه يدخل فيه مثل ماله نهي عن البيع، وذكر أن ابن القاسم روى عن مالك إجازته بخلاف البيع. م وذكر القزويني عن الأبهري أنه إذا وجه البدوي متاعاً مع رسول إلى الحضري جاز أن يبيعه له، والمنع إنما هو إذا جلب ذلك بنفسه والله اعلم. م قال بعض أصحابنا: وفيما نقل بعض شيوخنا عن أبي محمد ابن أبي زيد أنه قال: إذا نزل تلقى السلع فإنه يفسخ لأنا إذا فسخناه أبقينا لأهل السوق منفعة لأنا نشركهم في السلعة ويأخذونها بالثمن إن شاؤا، وأما إذا نزل بيع حاضر لباد فلا يفسخ؛ لأنا إذا فسخناه لم ينتفع بذلك أهل السوق لأن البادي قد علم بسعر البلد في سلعته فهو لا يبيعها بعد إلا بذلك الثمن، وإنما أريد بهذا الحديث الرفق بأهل الحواضر؛ فإذا علم البدوي ثمن سلعته فلا فائدة في فسخه فاعلم ذلك إن شاء الله.

فصل [4 - في سوم الرجل على سوم أخيه وبيع الرجل على بيع أخيه] ومن الموطأ قال مالك: وتفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يبع بعضكم على بيع بعض) هو أن يسوم الرجل على سوم أخيه إذا ركن البائع إلى السائم وجعل يشترط وزن الدنانير ويتبرأ من العيوب وما أشبه ذلك مما يعرف [به] أن البائع أراد مبايعته، وأما السلعة توقف للبيع فساوم بها غير واحد فلا بأس بذلك ولو ترك السوم عند أول ما يسوم بها أخذت بشبه الباطل. ومن الواضحة قال: ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يبع بعضكم على بيع بعض) يقول لا يشتري، والعرب تقول بعت بمعنى اشتريت، وشريت بمعنى بعت قال الله عز وجل {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ} وقال تعالى {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}، وقال طرفه بن العبد: ويأتيك بالأخبار من لم تبع له بتاتاً (...) ولم تضرب له وقت موعد

وقال الحطيئة: يقول من لم تشتر له زاداً (...) وبعت لذبيان العلا بمالكاً يقول اشتريت وإنما النهي للمشتري دون البائع، ومن جهل فابتاع على أخيه بعد أن اتفقا فليستغفر الله وليعرضها على الأول بالثمن زادت أو نقصت، فإن أنفق عليها شيئاً زادت له فليعطه النفقة مع الثمن وإن نقصت فهو بالخيار، إن شاء أخذها ولا شيء له وإن شاء ترك وهذا قول مالك ومن لقيت من أصحابه. ومن العتبية قال سحنون عن ابن القاسم في السائم على سوم أخيه، والخاطب على خطبة أخيه: أنه لا يفسخ وأرى أن يؤدب، وقال غيره: بل يفسخ، وفي كتاب النكاح شيء من هذا. فصل [5 - في بيع النجش] ومن الموطأ قال مالك (ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش) وهو أن يزيد الرجل في السلعة وهو لا يريد شراءها ليغر به غيره.

قال ابن حبيب: وذلك أن يدس الرجل من يعطيه عطاء لا يريد به الشراء لكن ليقتدي به، فإن فعل فإن ذلك يفسخ إلا أن يشاء المبتاع أن يتماسك بها بذلك الثمن، وإن فاتت ودى القيمة إن شاء، وهذا إذا دسه البائع أو كان الناجش من سبب البائع، وإن لم يكن البائع دسه مثل ولده أو عبده أو شريكه أو من هو من ناحيته، وإن كان أجنبياً لم يعلم به ولا هو من ناحيته فلا شيء على البائع ولا يفسخ البيع والإثم على من فعل ذلك. فصل [6 - في البائع يقول أعطيت في سلعتي كذا] ومن العتبية روى أشهب عن مالك فيمن يريد بيع سلعة فيقول أعطيت بها كذا وهو صادق، فلا بأس به إذا كان عطاء جد به السوم، فأما النجش فلا أو يكون أعطى عطاء قديماً فكتم قدمه، والمبتاع يظن أنه حديث، ونحوه في كتاب محمد. قال ابن المواز: قال مالك فيمن قال لرجل ما أعطيت في سلعتك فلك زيادة دينار، فقال: أعطاني فلان مائة دينار فزاد وأخذها، ثم سأل فلاناً فقال: لم أعطه إلا تسعين، قال مالك: يلزمه البيع، ولو شاء لتثبت إلا أن تكون بينة حضرت عطاء فلان دون ذلك فيرد البيع إن شاء، وكذلك القائل في الجارية أعطيت مئة فيصدقه ويزيده فذلك يلزمه، قال مالك في العتبية: ولا يمين عليهما.

فصل [7 - في المبتاع يقول لرجل لا تزد على ما سمت به] قال ابن المواز: قال مالك: ولا بأس أن يقول المبتاع لرجل حاضر كف عني، لا تزد علي في هذه السلعة، فأما الأمر العام فلا، وكره أن يقول له كف عني ولك نصفها، ويدخله الدلسة، ولا ينبغي أن يجتمع [القوم] للبيع فيقولوا لا تزيد علي كذا وكذا. [فصل 8 - في الشركاء يتحايل بعضهم لإخراج أحدهم من الشركة] ومن العتبية والواضحة: قال مالك في عبد بين ثلاثة نفر قال أحدهم للآخر إذا تقاومناه فأخرج منه بربح ليقتدي بك صاحبنا، والعبد بيني وبينك ففعل، فاقتدى به الآخر فخرج من العبد، وثبت هذا ببينة أو أقر به. قال: البيع مردود ولا يجوز. قال ابن حبيب: ولم يأخذ بهذا أصبغ ولم يره من النجش، وبه أقول لأن صاحبه لم يرد أن يقتدي بزيادته إنما أمسك عن الزيادة رأساً ليرخصه على نفسه وعلى صاحبه فلا بأس بذلك.

فصل [9 - ما يستحب في البيع من المسامحة والسوم وإقالة النادم وما يكره من المدح والذم وغبن المسترسل] ومن الموطأ قال مالك: وحدثني يحيى بن سعيد أنه سمع محمد بن المنكدر يقول: أحب الله عبداً سمحاً إن باع، سمحاً إن ابتاع، سمحاً إن قضى سمحاً إن اقتضى. قال: وحدثني أيضاً ابن المسيب: إذا جئت أرضاً يوفون المكيال والميزان، فأطل المقام بها، وإذا جئت أرضاً ينقصون المكيال والميزان فأقلل المقام بها. ومن الواضحة: وتستحب المسامحة في البيع والشراء ويسير الربح وحسن الطلب بالثمن، وفي ذلك آثار رويت ورغائب، من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صاحب السلعة أحق أن يسوم بها من أن يسام) وأنه قال: (البركة في أول السوم والبركة في المسامحة).

ورغب في إقالة النادم، وروي أنه قال (غبن المسترسل ظلم)، وسمعت أهل العلم يقولون أن له الرد إذا غبن ويرد القيمة في فوت السلعة وغبنه من الخديعة، ولا يكون الاسترسال في البيع، إنما هو في الشراء، وذلك في ترك المساومة، يقول بعني كما تبيع من الناس، فإن قصر به عن ذلك فقد ظلمه، وكانوا يحبون المكايسة في الشراء وارتخاصة، ولو أتى أحد المتبايعين من جهله بالبيع فباع واشترى ما يساوي مئة بدرهم لزمهما ويكره المدح والذم في التبايع، ولا يفسخ به البيع، ويؤثم فاعله لشبهه بالخدعة. ومن المكر والخديعة الإلغاز في اليمين، وقد نهى عن ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والحلف فيه مكروه وإن لم يلغز. وروى أن البركة ترتفع منه باليمين، والمواربة في البيع من الخديعة، وقد نهى عن ذلك ابن الزبير رضي الله عنه. [تم الكتاب]

كتاب العرايا

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كتاب العرايا [الباب الأول] جامع القول ما جاء في العرايا وفي بيعها الفصل [1 - في معنى العرية ووقت جوازها وبيان أنها مستثناه من المزابنة] روى مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن المزابنة) (وأرخص في بيع العرايا بخرصها تمراً ما دون خمسة أوسق أو خمسة أوسق) شك من حدث مالك، وروى ابن وهب أن يزيد بن أبي حبيب قال: أرخص النبي صلى الله عليه وسلم في شراء العرية بخرصها قبل بدو صلاحها).

ولم يذكر ذلك مالك، وقال: أما ببلدنا فلا تباع حتى تزهي وبذلك يأخذ مالك. م قال غير واحد من الفقهاء قوله في الحديث في بيعها بخرصها دليل أن ذلك لا يكون إلا بعد الطيب، لأن الخرص إنما يكون بعد الطياب لا قبل ذلك، ولو كان الخرص قبل الطيب لخرص الثمر على أهله حينئذٍ؛ لأنهم يأكلونه بلحاً. وكذلك قال أبو حنيفة أن العرية هبة التمر مثل قولنا إلا أنه قال يجوز أن يعطيه بها ثمراً ويأخذها. قال مالك: والعرية هبة الثمر من نخل أو شجر، وكذلك قال أبو حنيفة أن العرية هبة الثمر مثل قولنا إلا أنه قال: يجوز أن يعطيه بها ثمراً ويأخذها منه ابتداءً، وقال الشافعي: العرية مستثناه من المزابنة وهي أن يبيع تمراً على رؤوس النخل خرصاً بتمر نقداً فيما دون خمسة أوسق.

والدليل لمالك ما رواه ابن الجهم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة وأرخص في العرايا، النخلة والنخلتان توهبان للرجل فيبيعها بخرصها تمراً. وروى طاووس أنه صلى الله عليه وسلم أمر أن لا تخرص العرايا، وهي أن يمنح الرجل من حائطه نخلات ثم يبتاعها من الممنوح بخرصها كيلاً، فهذان حديثان مفسران أن العرية هبة الثمر لا بيعه. قال أبو عبيد: ومعنى العرية في اللغة العطية، وأن العرية والمنحة والعطية بمعنى واحد، قال غيره وهو اسم قد عقلته العرب كالعمري والسكنى والرقبى والمنحة وما أشبه ذلك. وقيل: إن أصل هذه الكلمة أن يعري النخلة من ثمرها بالهبة

لثمرها فسميت عرية، وهو مأخوذ من قولهم عروت الرجل أعروه إذا طلبت فضله ومعروفه، هذا موضوعها في كلام العرب وهو أيضاً من تنحي الإنسان عن ملكه وعروه منه، ومنه قوله تعالى {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ} أي بالموضع الفارغ المنكشف، وقيل غير هذا. وكل يتضمن هبة الثمرة، وهو معروف من عمل أهل المدينة قبل الشرع، كانوا يهبون ثمر نخلهم ثم يبتاعونه من الموهوب فأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أحكامه وشرع لهم في باقيه. قالوا: والمعنى الذي أرخص لنا فيه واستثني من المزابنة ومن بيع التمر بالتمر كيلاً ومن سائر أصول الربا أنا كنا نعري تمر حائطنا فنخرج بأهلنا وخدمنا وقت جداد الثمرة لجمعها فكنا نكره دخول المعري علينا في حوائطنا فأرخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشتريها منه بخرصها ثمراً عند الجداد فنترفه بأن لا يدخل علينا من نكره دخوله، ويترفه المعري بأن نكفيه مؤنة السقي والجداد وغير ذلك. فقد نقلوا الحكم مفسراً فلا كلام لأحد فيه ولا معارضة، وعلمنا أن ذلك مستثنى من جملة المزابنة لما دخلها من المعروف، كما خصت الحوالة من بيع الدين

بالدين، وكما خص قرص الذهب من بيع الذهب بالذهب نساء، وكذلك التولية في الطعام. ومن الإقناع لابن المنذر ويقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أرخص في بيع العرايا أن قوماً شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الثمار تأتي ولا نقد معهم، ومعهم تمر من بقايا أقواتهم فرخص لهم أن يبتاعوا من الثمار بخرصها مرفقاً بأهل الفاقة. [فصل 2 - في الأصناف التي يجوز فيها العرايا وهل يجوز للمعري شراؤه] ومن المدونة قال مالك رحمه الله: والعرايا في النخل وفي جميع الثمار كلها مما ييبس ويدخر، وما لا ييبس ولا يدخر مثل التفاح والسفرجل والأجاص وشبهه،

ومثل القثاء والموز والقصب الحلو والبقول وشبهه لأن العرية هبة الثمرة، وهبة جميع الثمار والبقول جائزة إلا أن ما يدخر منها يشتري بخرصه، وما لا يدخر لا يشترى بخرصه رطباً، كما لا يجوز شراء ما يدخر بخرصه رطباً، قال: ولذلك إن أعراه نخلاً لا يتمر أو عنباً لا يتزبب فلا يشتريه بخرصه تمراً ولا زبيباً نقداً ولا إلى الجداد، ويجوز ذلك كله بعين أو عرض نقداً أو إلى أجل حين جواز بيعه. قال ابن وهب: قيل لمالك فالرجل يعري بالتين والزيتون وشبهه ثم يشتريه كما يشتري التمر؟ قال أرى أن بيع العرية جائز إذا كان كله مما ييبس ويدخر. قال ابن المواز: وقد كان من قول مالك لا يشترى مما أعرى بخرصه إلا العنب والنخل. قال أشهب: ويشتري الزيتون بخرصه إلى القطف إذا كان يبيس ويدخر. فصل [3 - شروط جواز العرية للمعري] ومن المدونة: قال مالك: فإذا أعراه مما ييبس ويدخر مثل التمر والتين والعنب والجوز واللوز وشبهه جاز لمعريها أن يشتري الثمرة إذا أزهت وحل بيعها لا قبل ذلك بخرصها يابسة إلى الجذاذ إن كانت خمسة أوسق فأقل، فإن كانت أكثر من خمسة أوسق لم يجز بيعها بتمر نقداً ولا إلى الجذاذ ولا بطعام يخالفها إلى أجل ويجوز له ولغيره شراء

ما أزهى وإن زاد على خمسة أوسق بعين أو عرض نقداً أو إلى أجل أو بطعام يخالفها نقداً ويتعجل جدادها، فإن تفرقا في الطعام قبل القبض والجذاذ لم يجز. م قال بعض أصحابنا: إن قيل لم اقتصر مالك على خمسة أوسق، وقد شك الراوي في الخمسة أوسق؟، قيل له: قد قيل الشك دخل على الراوي في الخمسة أوسق وفيما دونها، وما دون الخمسة غير محدود، فوجب أن يقتصر على الخمسة الأوسق المحدودة في هذا وإذ هي أصل في الزكاة. وروى أبو الفرج عن مالك لا يشترى من العرايا بخرصها إلا أقل من خمسة أوسق، شك داود في الخمسة أوسق. م وهذا أصح لأن الشك إنما يقع في مثل هذا في الأكثر مع أنه قد روى في بعض الأخبار عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم (أرخص في العرايا الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة)، فهذا يدل على ما دون خمسة أوسق، وأما من احتج بأن الخمسة أوسق أصل في الزكاة فاقتصر عليها، فهذا لو احتج به على أنها لا تكون إلا فيما دون خمسة أوسق لكان أولى؛ لأن الخمسة أوسق إنما جعلت أصلاً في الزكاة؛ لأنها أول

المال الكثير الذي تجب فيه المواساة، ألا ترى أن الزكاة تجب فيها وما فوقها، فدل أنها في حد الكثرة، وشراء العرايا إنما أرخص فيها لقلتها فيجب أن تكون فيما دونها والله اعلم. فصل [4 - في عربة النخل أو الشجر قبل أن يكون فيها ثمر] ومن المدونة قال مالك: وتجوز عرية النخل والشجر قبل أن يكون فيها ثمر أو يعرى الرجل ثمر نخلتين أو ثلاث يأكلها عاماً أو عامين أو حياته ولا يشتريها معريها بخرصها حتى تزهي. قال مالك: ولا يجوز شراء العرية بخرصها تمراً نقداً وإن جدها مكانه. [قال] ابن المواز: قال أصبغ ويفسخ إن نزل حتى يأتنفا فيها ما يحل، فإن فاتت رطباً رد مثلها إن وجد وإلا فقيمتها. قال ابن حبيب: وإن تطوع له بتعجيل خرصها قبل الجداد من غير شرط، فذلك جائز. قال ابن المواز: قال أصبغ: وإذا اشترى ما أعرى من رطب الفواكه التي لا تيبس ولا تدخر وقد أزهت بخرصها يدفعه من غيرها نقداً أو إلى تناهيها لم يصلح ذلك، فإن لم يفت ذلك رد، وإن قبض وفات أنقد ولم يرد، وكأنها هي ضمنها له

إلى تأخرها، وكذلك في كل عريه ما كانت تدخلها رخصة العرية ورفقها، ولو أجيزت بديا بغير كراهية لم أراه خطأ وإن كنت أتقيه، ولو فسخه فافسخ، لم أعبه ورأيته صواباً. [فصل 5 - في شراء العرية بتمر من غير صنفها] ومن المدونة: قال مالك: ولا يجوز شراء العرية بتمر من غير صنفها إلى الجداد ولا برطب أو بسر، وإنما يجوز شراؤها بخرصها تمراً من صنفها إلى الجذاذ أو بعين أو بعرض نقداً أو إلى أجل، ولا يجوز شراؤها قبل زهوها بعين ولا عرض إلا على أن يجدها مكانه، ولا يجوز أيضاً بخرصها تمراً جدها أو لم يجدها. م ولم يأخذ مالك بحديث زيد بن أبي حبيب أنها تشتري بخرصها قبل بدو صلاحها وإن كان فيه زيادة مرفق؛ لأن العمل بالمدينة على خلافه.

قال مالك: ولا تباع بخرصها من برني وهي عجوة. قال ابن القابسي: ويجوز إذا حل الأجل أن يعطيه تمراً من غير صنفها كالطعام في القرض الذي يجوز أن يأخذ فيه بعد الأجل خلاف صنفه مثل الكيل بخلاف الطعام من بيع. م يريد طعاماً باعه فلا يأخذ في ثمنه إلا مثله من صنفه، قال: لأن هذا طريقه المكايسة، والعرايا طريقها المعروف، فالقرض أشبه بها والله اعلم. م ويلزم على هذا أن يجوز له بيعه قبل قبضه كالقرض. ولو قيل إنما جاز له أن يعطيه خلافه لأنه قد تقرر له في ذمته تمر موصوف فيجوز إذا تراضيا عند الأجل أن يعطيه خلافه، كمن أسلم في سمراء فله أن يأخذ محموله؛ لأنه بدل ومعروف وليس كمن باع سمراء بثمن إلى أجل فطلب أن يعطيه عند الأجل محمولة فهذا لا يجوز له؛ لأنه إنما كان تقرر له في ذمته عين فإذا أعطاه الطعام لم يصح أن يقال فيه أنه بدل ولا إقالة، وإنما صح من فعله أنه باع طعاماً فأخذ طعاماً. فإن قيل فالأول أيضاً باع طعاماً وأخذ طعاماً بخلافه؟ قيل الشرع قد أباح له أن يأخذ فيه هذا الطعام الموصوف، فهو كما لو أسلم فيه فافترقا. م ويلزم على هذا أن لا يجوز بيعه قبل قبضه بخلاف قول ابن القابسي والله أعلم بالصواب.

[فصل 6 - في حكم تعجيل الخرص قبل الجداد والإجبار على قبض الخرص قبل الأجل وهل في العرية جائحة] وفي الواضحة: إذا تطوع له بتعجيل خرصها قبل الجداد من غير شرط جاز. قال ابن الكاتب: وعلى هذا لو مات المعري قبل يبسها أخذ من تركته خرصها تمراً؛ لأنه دين عليه حل بموته. م قيل فهل يجبره المعري على قبض الخرص قبل الأجل؟ فيظهر أن قول ابن القابسي الذي جعله عليه كالطعام من قرض أن له أن يجبره على قبضه. والصواب أن لا يجبره كالطعام من بيع والله اعلم. وقد جعل ابن القاسم في العرية الجائحة كسائر البيوع. وقال أشهب: لا جائحة فيها لأن طريقها المعروف، وهذا يؤيد أن هذه المسائل تجري على القولين. [فصل 7 - فيمن نكح بثمرة بعد زهوها ثم أجيحت] م واختلف فيمن نكح بثمرة بعد زهوها هل فيها جائحة فروى [أبو زيد] عن ابن القاسم في العتبية أن لا جائحة فيها، والمصيبة من المرأة، وقال ابن الماجشون: فيها كالجائحة كالبيع. م وهذا أقيس.

م ووجه قول ابن القاسم أن النكاح طريقه المكارمة فلم يكن فيه جائحة، وفرق ابن القاسم بين النكاح والعرية في الجائحة، وكان يجب أن لا يفرق بينهما؛ لأن طريق ذلك المكارمة بخلاف البيع. م والصواب عندي أن لا فرق بينهما ويكون القياس أن لا جائحة فيها؛ لأن طريق ذلك المكارمة أو يكون في ذلك الجائحة؛ لأنها ثمن البضع وثمن في العرية للخرص الذي يدفعه عوضاً عنها والله أعلم. [فصل 8 - في بيع العرية بعجوة من صنفها من حائط آخر معين] ومن المدونة: قال مالك: ولا يجوز بيعها بعجوة من صنفها من حائط آخر معين ولكن بتمر من صنفها مضمون عليه، وما عدا وجه رخصته صار مزابنة، وهي مرفق للمعرى في رفع ضرر الدخول عليه، وللمعري في حمل السقي والعمل عنه، وقد أجيز بدل دينار بأوزن منه معروفاً وحرم بيعاً، وكذلك التولية والإقالة في الطعام جائزة، وحرام بمعنى التكايس.

فصل [9 - في من اشترى عريته من حائط هل له بيع جميع ثمرة ذلك الحائط] قال مالك: ولمن ابتاع عريته من حائط بخرصها بيه جميع ثمرة ذلك الحائط رطباً، وليس للمعري طلبه بالخرص إلا إلى الجداد؛ لأن ذلك في ذمته، وليس عليه أن يعطيه ذلك من ثمر حائط بعينه. [فصل 10 - في بيع المعري أصل حائطه دون الثمرة أو العكس وفي العرية يبيعها صاحبها من رجل ثم يشتريها من الذي أعراها] قال مالك: وإذا باع المعري أصل حائطه دون ثمرته، أو ثمرته دون أصله أو الثمرة من رجل والأصل من آخر، جاز لمالك الثمرة شراء العرية الأولى بخرصها إلى الجداد. قال: ولو باع المعري عريته بعد الزهو بما يجوز له أو وهبها جاز لمعريها شراؤها بالخرص ممن صارت له، كمن أسكنته داراً حياته فوهب سكناها لغيره كان لك أنت شراء السكنى من الموهوب كما كان لك شراؤه من الذي وهبته له. قال: ولا يجوز لمن أسكنته حياته أن يبيع سكناه من غيره لأنه غرر وله أن يهبه. م قال بعض أصحابنا: وإذا باع المعري أصل حائطه وثمرته جاز له شراء العرية على قول ابن القاسم لأنه يجيز شراءها لوجهين: للمرفق ولدفع الضرر، فهذا أرفق

بالمعري. وأما على قول غيره الذي لا يراعي إلا الضرر خاصة فلا يجوز له شراؤها. فصل [11 - من ملك نخلة في حائط فهل لصاحب الحائط شراء ثمرتها بالخرص] ومن المدونة: قال مالك: وإذا ملك رجل نخلة في حائطك فلك شراء ثمرتها منه بالخرص ممن صارت له، كالعرية إن أردت بذلك رفقه بكفايتك إياه مؤنتها، وإن كان لدفع ضرر دخوله فلا يعجبني وأراه من بيع التمر بالرطب؛ لأنه لم يعره شيئاً، وأما العرية فيجوز شراؤها بالخرص لمعريها لوجهين: إما لدفع ضرر دخوله وخروجه أو لمرفق في الكفاية. وقال بعض كبار أصحاب مالك: لا يجوز للمعري شراء ما أعرى إلا لدفع الضرر، ولا يجوز له شراء نخلة أصلها لغيره في حائطه، قال: وليس بقياس ولكن موضع تخفيف. قال مالك: ولمعري خمسة أوسق شراء بعضها بالخرص، وإن أعرى أكثر من خمسة أوسق، فله شراء خمسة أوسق، وقد يجوز لمن أسكن رجلاً حياته شراء بعض السكنى، ومن مات من معري أو معرى جاز لورثته ما جاز له. وقال بعض كبار أصحاب مالك إذا أعراه خمسة أوسق فأدنى فلا يجوز أن يشتري بعض عريته؛ لأن الضرر الذي به أرخص قائم بعد.

م قال بعض أصحابنا: وإذا أعراه أكثر من خمسة أوسق فاشترى خمسة أوسق بالخرص والزائد عليها بالدنانير والدراهم، فقال بعض شيوخنا من أهل بلدنا: أنه جائز، ومنع منه بعضهم. قال: والصواب ألا يجوز لأنها رخصة خرجت عن حدها كما لو أقاله من طعام ابتاعه قبل قبضه، وباعه سلعة في عقد واحد وكمساقاة وبيع، وقراض وبيع ونحو ذلك من الرخص؛ لأنه لا يجوز فكذلك هذا. [فصل 12 - في الرجل يعري أكثر من خمسة أوسق ثم يريد شراءها] قال ابن القاسم: ومن أعرى جميع حائطه وهو خمسة أوسق أو أدنى جاز له شراء جميعه أو بعضه بالخرص. وتوقف لي مالك في شراء جميعه بالخرص، وبلغني عنه إجازته والذي سمعت أنا منه إجازة شراء بعضه، وذلك عندي سواء وإن لم يدفع به ضرراً كما جاز شراء جميع السكنى أو بعضها ولا يدفع به ضرراً. م وذكر عن الشيخ أبي عمران أنه قال: لا يجوز شراء العرية إلا بعد طيبها، كانت [العرية] سنة أو سنين كثيرة. م يريد سواء كان شراؤها بالعين أو بالخرص. وقال غيره: إذا طالت السنون جاز ذلك.

م يريد بالعين على قوله لا تباع بالخرص إلا بعد الزهو وأما على ما روي عن يزيد بن أبي حبيب فيجوز على هذا القول أن تباع بخرصها تمراً، يدفع إليه الخرص كل عام تخرص إذا طابت كل سنة، فيدفع إليه ذلك الخرص، كما جاز له شراؤها في سنة قبل بدو صلاحها بالخرص والله اعلم. وذكر عن ابن شلبون أنه قال: إذا كان الأجل حياة المعري جاز شراء العرية بالعين للضرورة وأما بخرصها فلا يجوز إلا لما أزهى من التمر، ولا يجوز شراء ما بعده بالخرص، وأما إذا كانت العرية أمداً يسيراً كالسنتين والثلاث فلا يجوز للمعري شراؤها بالدنانير والدراهم. وقول أبي عمران عندي أصوبها. م قال بعض أصحابنا: سألت أبا بكر بن عبد الرحمن عمن أسكن رجلاً داراً حياته ثم اشتراها بسكنى دارٍ مدة معلومة فانهدم المسكن المعلوم قبل تمام الأجل، فقال: يرجع في السكنى حياته، قيل: فيرجع من معلوم إلى مجهول، فهلا يرجع بقيمة بقية السكنى المعلومة؟ فقال: يحتمل أن تكون كمسألة من صالح على الإنكار فاستحق ما أخذ المدعي. فقيل: يرجع بقيمة المستحق. وقيل يرجعان على الخصومة، وقول من قال يرجعان إلى الخصومة ضعيف.

وقال غيره من الشيوخ القرويين: إنما يرجع بقيمة السكنى المؤجلة كالخلع بعوض يستحق أو النكاح به أو أخذه من دم عمد أنه [إنما] يرجع بقيمة المستحق ونحا إلى أن يدخل ذلك القولان اللذان في مسألة الصلح. م وهذا هو الصواب عندي. وقال غيره من القرويين: إنما يرجع في السكنى حياته؛ لأنه العوض ولا يدخله اختلاف مسألة الصلح، قال: وهذا القول أصوبها. فصل [13 - في الرجل يعري أناساً من حوائط له ثم يريد شراءها] قال مالك: ومن أعرى أناساً شتى من حائط له في بلد واحد أو في بلدان شتى خمسة أوسق لكل واحد أو أقل أو أكثر جاز له أن يشتري من كل واحد قدر خمسة أوشق أو أدنى، وكذلك إن أعراهم كلهم حائطاً له. قال في كتاب ابن المواز: ومن أعرى نفراً هذا وسقين وهذا وسقين حتى أعرى جماعة أكثر من خمسة أوسق، فله شراء جميعه بالخرص، وقد وقف عنه مالك ثم أجازه.

[فصل 14 - في الشركاء يعرون رجلاً واحداً] ومن المدونة: قال مالك: والشركاء في الحائط إذا أعروا منه رجلاً خمسين وسقاً، جاز لكل واحد منهم شراء خمسة أوسق منه فأدنى. [قال] ابن حبيب قال ابن الماجشون: إذا أعرى نفر لرجل فلا يجوز لواحد منهم شراء عريته منه دون شركائه؛ لأن المعري يدخل الحائط لبعض جده فلم يدفع مشتري ذلك ضرر دخوله، فهو كمشتري بعض العرية. قال وأجاز ذلك ابن القاسم. قال بعض أصحابنا: حكي لي عن أبي الحسن بن القابسي: في رجل يعري حوائط له يجوز له أن يشتري خمسة أوسق من كل حائط، أعرى الحوائط لرجل واحد أو لرجال. قال: وبلغني أن أبا محمد بن أبي زيد قال: إن أعرى تلك الحوائط لرجل واحد فلا يشتري من جميع الحوائط بالخرص إلا خمسة أوسق. قال حاكي القولين: ويظهر لي أنه إن كان أعرى ذلك لرجل واحد في لفظ واحد وعقد واحد فهي عرية واحدة ولا يشتري من تلك الحوائط [بالخرص] إلا خمسة أوسق فقط، وإن أعراه ذلك في أوقات مختلفة مفترقة، فيحسن هاهنا أن يشتري من كل حائط خمسة أوسق بخرصها؛ لأنها عرية بعد عرية. قال بعض أصحابنا: يؤيد ذلك قول مالك فيمن اشترى حوائط فأصابتها جائحة أنه إن كان شراء ذلك في صفقات، فجائحة كل حائط على حدته، وإن كان في صفقة واحدة روعي ثلث الجميع.

[الباب الثاني] في زكاة العرية وسقيها وجائحتها وحيازتها

[الباب الثاني] في زكاة العرية وسقيها وجائحتها وحيازتها [الفصل 1 - في زكاة العرية وسقيها] قال مالك: وزكاة العرية وسقيها على رب الحائط وإن لم تبلغ خمسة أوسق إلا مع بقية حائطه. قال ابن القاسم: وسواء في ذلك أعراه جزءاً شائعاً أو نخلاً معينة أو جميع الحائط. قال أبو محمد: يريد يعطيه جميع ثمرة الحائط ويكون عليه أن يزكى عنه من غيره. قال ابن المواز: قال مالك: ومن باع ثمراً في شجرة بعد جواز بيعه فالسقي على البائع، ومن باع الأصول وفيها ثمرة مأبورة فهي للبائع إذا لم يشترطها المبتاع والسقي على البائع. وقال المخزومي: ذلك على المشتري لأنه يسقي نخلة فتشرب ثمرة هذا. ومن المدونة: قال مالك: ولو تصدق بثمرة حائطه [قبل زهوه] على المساكين كان السقي عليه ولا يحاسب به المساكين. ولو وهب ثمر حائطه أو جزءاً منه أو ثمر نخل معينة سنين قبل الزهو أو أعمر ذلك لم يجز له شراء ثمرة ذلك أو بعضه بالخرص ولكن/ بعين أو عرض والسقي في ذلك على

الموهوب أو المعمر وعليه الزكاة إن بلغ حظه ما فيه الزكاة، وإن لم يبلغ فلا زكاة على واحد منهما. قال ابن القاسم: وقال أكابر أصحابنا أن العرية مثل الهبة. م يعني أن على المعري زكاتها وسقيها. قال: وفرق مالك بينهما في السقي والزكاة. وقال ابن المواز: اختلف في زكاة العرية فقيل على رب الحائط، وقيل على المعري إلا أن يكون أعراها بعد طيبها، قال: وهذا أحب إلينا، ولم يختلفوا أن السقي فيها على رب الحائط. وقال سحنون: إذا كانت العرية والهبة بيد المعطي يسقي ذلك ويقوم عليه فالزكاة عليه، وإن كانت بيد المعرى أو الموهوب يقوم عليه فالزكاة عليه. وقال أشهب: زكاة العرية على المعري كالهبة إلا أن يعريه بعد الزهو، وما روي عن مالك أنها على رب الحائط فخطرة رمى بها. وقال ابن حبيب: الزكاة والسقي على المعري أعراه الحائط أو بعضه أو نخلات بعينها قال: وسواء سماها عرية أو هبة فله حكم العرايا في ذلك وفي شرائها بخرصها، وأنكر قول بن القاسم في التفرقة بين العرية والهبة. قال: وهل الهبة إلا ترجمة العرية، فلا يفرق اللفظ بينهما. م وتحصيل اختلافهم. قول: زكاة العرية والهبة وسقيها على الموهوب والمعري. وقول: أن ذلك كله على رب الحائط. وقال ابن القاسم: في العرية أن ذلك على رب الحائط، وفي الهبة على الموهوب وقال سحنون: ذلك على من كانت بيده وولي القيام عليها. وقول: أن السقي على رب الحائط، والزكاة على من له الثمرة.

[فصل 2 - في حيازة العرية] قال ابن حبيب: وحيازة العرية بوجهين: قبض الأصول، وأن يطلع فيها ثمر قبل موت المعرى، وإن قبضها ولم يطلع فيها ثمر حتى مات المعري بطلت، وإن طلع التمر ولم تقبض الشجر حتى مات المعري بطلت، قاله مالك. وقال أشهب في كتاب ابن المواز: إن مات بعد الإبار فهو حوز؛ لأن المعطي يدخل ويخرج ولا يمنع، وكمن وهب أرضاً بصحراء فحوزها أن تسلم إليه وإن مات ربها قبل أن تؤبر فلا شيء للمعرى إلا أن تكون العرية مما يسلم إلى المعري فتحاز، فإنه إن لم يحز حتى مات ربها فلا شيء له، وإن حازه جاز ذلك وإن لم تؤبر. م وهذا هو الصواب وخير من كلام ابن حبيب. وقال ابن القاسم في كتاب الهبات إذا وهبه ما تلد أمته أو ثمر نخلة عشرين سنة جاز ذلك إذا حوزه الأصل أو الأمة أو حاز ذلك له أجنبي، وهذا يدل على خلاف ما قال ابن حبيب لأن ثمر عشر سنين لم يأت بعد.

[فصل 3 - في الجائحة في العرايا] قال أبو الفرج: ومن أعرى خمسة أوسق من حائط بعينه فأجيح الحائط إلا مقدار خمسة أوسق كانت للمعرى قياساً على قول مالك فيمن حبس على قوم حائطاً وعلى قوم خمسة أوسق منه فأجيح إلا مقدار خمسة أوسق أن أصحاب الخمسة الأوسق مقدمون على من سواهم.

[الباب الثالث] في المنحة وبيعها وحيازتها

[الباب الثالث] في المنحة وبيعها وحيازتها [الفصل 1 - في حكم العرية والرجوع فيها وشراؤها من الممنوح وكذلك أحكام السكنى] قال مالك: ولا بأس أن تمنح رجلاً لبن غنم لك أو إبل أو بقر يحلبها عاماً أو أعواماً، ولا رجوع لك في منحة أو عرية أو إخدام عبد أو إسكان دار، تعميراً أو تأجيلاً مسمى، ولا بأس بشراء ما منحته أو أعريته أو أسكنته بعين أو عرض أو طعام نقداً أو مؤجلاً، لجواز أن تبيع شاة لبوناً بطعام إلى أجل. ولا باس أن تبتاع هذه السكنى وإن كانت تعميراً بسكنى دار لك أخرى أو خدمة العبد بخدمة عبد لك آخر. قال سحنون/: يعني إذا كان الذي يعطيه من سكنى دار أو خدمة عبد إلى أجل مسمى أو رقبتهما بتلا. م وذكر عن أبي الحسن بن القابسي أن ذلك جائز على مذهب ابن القاسم أن يشتري ما اسكنه حياته بسكنى دار له أخرى حياته؛ لأن ذلك كله على وجه المعروف.

قال: ورأى سحنون أن الثاني على طريق المبايعة. م ولو كان الثاني على طريق المبايعة لما جاز؛ لأن الأول الذي يأخذ منه مجهول، فجوازه ذلك كله على سبيل المعروف أولاً، وقد ذكر أن أبا محمد يرى أن قول سحنون تفسير لقول ابن القاسم واستحسنه. م ذكر لنا عن أبي عمران فيمن اشترى عمراً كثيرة أعمرها رجلاً فاستحق بعضها أنه لابد من قبض الثمن على قدر قيم المنافع لا على قيم الرقاب، والقياس مراعاة حل الصفقة كهبة الثواب، وذكر عن أبي بكر بن عبد الرحمن أنه قال: هذا عندي مخالف للبيوع، وليس له رد ما بقي ويقضي الثمن على قدر الانتفاع. ومن كتاب الصلح: وإذا أوصى بما في بطن أمته لرجل لم يجز للورثة مصالحته على شيء من ذلك بخلاف السكنى وخدمة العبد وغلة النخل؛ لأن ذلك مرجع إليهم ولا يرجع للحمل وهذه غلات، والولد ليس بغلة، ويجوز رهن هذه الأشياء ولا ترهن الأجنة.

[فصل 2 - بم تكون الحيازة في المنحة وخدمة العبد وسكنى الدار] قال ابن حبيب: ومن منح لبن شاة فحازها الممنوح فمات المانح قبل أن يجئ فيها لبن فلا شيء للممنوح كما قلنا في الثمرة، وأما خدمة العبد وسكنى الدار فحوز الرقبة موجب لتمام الحيازة؛ لأن ذلك قائم النفع، واللبن لم يكن بعد. وقال ابن المواز: من منح لرجل لبن غنم أو أسكنه داراً أو أخدمه ثم مات رب الدار أو مولى العبد بعد الحوز فهي للمعطي، وإن مات قبل أن تحاز عنه الغنم والدار والعبد فهي ميراث. وكذلك إن أشهد أن فرسه حبس في السبيل بعد السنة فمات ربه قبل السنة، أو منح رجلاً بعيراً إلى الزراع أو تصدق على غائب بدار فلم يقدم ليحوز حتى مات رب الدار ثم مات ربه قبل ذلك، فذلك كله باطل وهو موروث. م يريد وإن حل الأجل وحيز ذلك كله فهو نافد. وقول محمد خير من كلام ابن حبيب. تم كتاب العرايا من الجامع لابن يونس والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ..

كتاب العيوب والتدليس

كتاب العيوب والتدليس [الباب الأول] في مَن وجد عيبًا وقد حدث عنه عيب خفيف أو مفسد أو فوت فصل [1 - الدليل على تحريم الغش والتدليس] قال أبو بكر ابن عبد الله بن يونس رحمه الله: وقد نهى الله تعالى عن أكل المال بالباطل لقوله تعالى: {وَلَا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ...} ونهى -صلى الله عليه وسلم- عن الغش، والخلابة، وقال صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا"

قال ابن حبيب: يعني ليس مثلنا، ولا على سنتنا، وجعل -صلى الله عليه وسلم- المشتري في حديث المُصَرًّاة، بخير النظرين بين أن يحبسها، أو يردها وصاعًا من تمر، فكان ذلك أصلًا في العيوب. [فضل: 2 - من وجد عيبًا وقد حدث عنده عيب فعليه ضمان النقص الحاصل بما حدث عنده] والقضاء أن ما أصاب السلعة بيد المبتاع من عيب ثم ردها بعيب أن يضمن ما نقصها عنده؛ وإذا لم يقبضها على الأمانة ألا ترى أن ضمانها لو هلكت منه، فكذلك ضمان ما ينقصها هو منه إذ هو كهلاك بعضها.

[فصل: 3 - يرد من العيوب ما قام عليه شاهدان، وذكر عقوبة الغاش والعيوب الخفيفة] قال ابن المواز: قال مالك: ولا يرد من العيوب إلا ما يجتمع عليه عدلان من أهل المعرفة بتلك السلعة وعيوبها، وقول امرأتين في عيوب الفرج، والحمل، وما أشبه ذلك مما لا يطلع الرجال. ويعاقب من غش، قال فيه: وفي

المدونة: ولا يرد من العيوب الخفيفة التي لا تنقص من الثمن، وإن كان عند النَّخاسين عيب كالكي الخفيف، والأثر إلا عيبًا تخاف عاقبته. [فصل: 4 - أقسام العيوب الحادثة عند المشتري] م: والعيوب الحادثة عند المبتاع على ثلاثة أقسام: - عيب حفيف يرده، ولا يرد ما نقصه ليسارته. - عيب مفسد يرد معه ما نقصه. - وعيب مفيت لا يرد، وإنما يرجع بقيمة العيب فقط.

وسيأتي شرح ذلك. [فصل: 5 - المشتري يجد عيبًا في السلعة ولم يحدث بها عيب عنده] ومن المدونة قال مالك: ومَن اشترى عبدًا فوجد فيه عيبًا قد دلسه البائع -يريد أو لم يدلسه-، ولم يحدث به عنده عيب مفسد فإن له التماسك به بجميع الثمن أو رده، ولا شيء عليه، قال عبد الوهاب: وليس للمبتاع أن يحبسه ويرجع بقيمة العيب إذا لم يحدث به عنده هيب مفسد دليله قوله -صلى الله عليه وسلم- في المُصَرَّاة: (فمن ابتاعها فهو بخير النظرين إن شاء أن يمسكها، أو يردها وصاعًا من تمر) ولم يقل أن له إمساكها وأخذ أرش النقص.

[فصل: 6 - لا يفيت الرد بالعيب حوالة أسواق ولا نماء ولا عيب ليس بمفسد وتعليل ذلك] ومن المدونة قال مالك: ولا يفيت الرد بالعيب حوالة أسواق، ولا نماء، ولا عيب ليس بمفسد، بخلاف البيع الفاسد قال محمد: إنما قال: ذلك لدخول الضرر على المبتاع بإلزامه سلعة معيبة لم يرض بها، وكأن حوالة الأسواق في البيع الفاسد فوتًا لدخول المتبايعين في ذلك مدخلًا واحدًا والعيب سببه من عند البائع خاصة فهذا فرق ما بينهما. [فصل: 7 - العيب الخفيف] ومن المدونة قال: والعيب الخفيف كالرمد والكي الودماميل والحمى والصداع وكل عيب ليس بمخوف -وإن نقصه ذلك- فله رده ولا شيء عليه في مثل هذا. قال

ابن القاسم: لأنها ليست من العيوب التي هي تتلف العبد ولا تنقصه نقصانًا كثيرًا. [وفيه مسائل] [المسألة الأولى: إذا أصاب السلعة عند المشتري موضحة أو منقلة أو جائفة فبرئت فلا شيء عليه إن رد بعيب] قال مالك في الواضحة: وكذلك لو أصابه عنده موضحة أو منقلة أو

جائفة فبرئت وعادت لهيئتها. قال ابن المواز: ولو كان أخذ لذلك عَقلًا فلا شيء عليه إن رد بالعيب؛ لأنه لا ينقصه بخلاف قطع اليد هذا لا يرد إلا بما نقصه. [المسألة الثانية: العبد أو الأمة يشربان خمرًا أو يزنيان أو يسرقان ثم يُردان بعيب قديم] قال ابن حبيب: وكذلك ما حدث عنده من شرب خمر أو زنى أو سرقة أو أباق فلا شيء عليه في هذا، كما ليس له قيمة العيب القديم إن أراد حبسه. م: قال بعض فقهائنا: قول ابن حبيب هذا يحتمل أن يكون خلافًا لابن

القاسم ولا فرق على مذهب ابن القاسم أن يكون ما حدث عنده له تأثيره في البدن أو غير تاثير، لأنها عيوب كلها تنقص العبد نقصانًا كثيرًا، ألا ترى أن ابن القاسم يقول: يرد ما نقص عيب النكاح، وهذا ليس بتأثير في البدن، فكذلك يجب أن يكون شرب الخمر والزنى والسرقة. [المسألة الثالثة: الفرق بين مسألة العيب يطلع عليه أنه عند البائع فإنه يرد به وإن كان خفيفًا، وفيما يحدث عند المشتري من ذلك يرده ولا يرد ما نقصه إن رد بعيب قديم] م: قال فيما يطلع عليه أنه عند البائع إن كان ينقص من الثمن فإنه يرد به -وإن كان خفيفًا- وفيما يحدث عند المبتاع من ذلك أنه يرده، ولا يرد ما نقصه إن رد بعيب قديم، فالفرق بينما في هذا: أن من أصلنا الترجيح فيما بين

المتبايعين فأيهما كان أعذر حمل على الآخر، فوجدنا المبتاع هاهنا اشترى عبدًا سليمًا فمتى وجد عيبًا ينقص من الثمن كان له الرد به؛ لأنه خلاف شرطه، فإذا لم يعلم به حتى حدث عنده هو مثل ذلك العيب الخفيف كان له رده، ولا يرد ما نقصه؛ لأن الرد بسبب تدليس البائع، وهو أصله، وقد علم في أغلب الحال أن العيوب الخفيفة يحدث به، فكأنه عرَّض المبتاع للغرم، فوجب أن يحمل عليه لتدليسه. م: وهذا الاستحسان والقياس أن يرد ما نقصه؛ لأنه عيب حدث

عند المبتاع ينقص من ثمن المبيع فعليه رد ما نقصه أصله العيب الكثير. فصل [8 - العيب المفسد] ومن المدونة قال: وأما إن حدث عند المبتاع عيب مفسد كالقطع والشّلل والعمى والعور، وذهاب اصبع بقطع أو بأمر من الله تعالى وشبه ذلك فإنه مخيَّر بين رده وما نقصه ذلك العيب، أو يتماسك ويرجع بحصة العيب القديم من الثمن إلا أن يقول له البائع: أنا أقبله بالعيب الذي أصابه عندك وأرد الثمن كله فيكون ذلك له. ابن المواز: ولا يكون للمبتاع حجة؛ لأنه كمن لم يحدث عنده عيب، وكل موضع يكون للمبتاع أن يرده لا غرم فليس له أن يأخذ قيمة عيبه دلس له البائع أم لا. قال فيه: وفي المدونة إلا أن يشاء المبتاع أن يحبسه معيبًا بجميع الثمن فذلك له. قال: وليس للبائع أن يقول: أنا آخذه وأرجع على المبتاع بقدر ما أصابه عنده من العيب.

قال عيسى بن دينار في كتاب ابن مزين: وكذلك لا خيار للبائع إن شاء المبتاع التماسك والرجوع بحصة العيب القديم بأن يقول البائع له: أنا آخذه وأرد عليك جميع الثمن؛ لأن قيمة العيب قد وجبت للمبتاع لما حدث عنده من العيوب المفسدة. م: قال بعض فقهاء القرويين: وهذا يؤدي إلى أن له الرجوع بقيمة العيب، وإن لم يحدث عنده عيب، فإن قيل: فإن هذا يجب؛ لأن البائع باع منه خمسة أعضاء في التمثيل فحبس له عضوًا فوجب أن يرجع بقدره من الثمن كما لو اشترى حمسة أثواب واستُحِقَ واحد منها قيل إن ذهاب الثوب لا يفيت الأثواب الباقية،

والعيب يفيت بقية الأجزاء. م: وقول عيسى هذا خلاف لقول ابن القاسم ومحمد، وقولها أصوب. [وتحت هذا الفصل مسائل] [المسألة الأولى: الفرق بين مسألة حدوث العيب عند المشتري يوجب الخيار وبين مسألة من حدث عنده العيب وقد استحقت السلعة ليس له الخيار] م: إن قيل ما الفرق بين إذا وجد عيبًا، وقد حدث عنده عيب مفسد أن يكون له أن يرد ما نقصه أو يمسك ويرجع بقيمة العيب، وهو إذا أمسكه أمسكه بثمن مجهول، وبيّن إذا استحق مما اشترى ما جيب له به الرد مما يعد على غير الأجزاء أنه ليس له أن يمسك؛ لأنه يمسكه بثمن مجهول، وقد وجب له الرد في الوجهين. قيل: الفرق أنه في العيب فات عنده بعض المبيع فوجب ألا يرد إلا بما نقصه فسومح لهذا أن يمسكه ويرجع بقيمة العيب، وفي الاستحقاق لم يجب عليه غرم شيء إذا رد فأشبه إذا لم يحدث عنده عيب أن ليس له أن يمسك ويرجع بقيمة العيب، ويجب على هذا أن لو فات عنده بعض المبيع في الاستحقاق أن يكون مخيّرًا بين أن يرد وقيمة ما فات عنده أو يمسك ويرجع بقيمة ما استحق كما قلنا للعيوب، وقد وقع في كتاب كراء الدور ما يؤيد هذا.

قال: وإذا انهدم ما يجب به الرد بعد أن سكن بعض السكنى أن له التماسك فيما بقى مع أنه قد اختلف في الاستحقاق، وأن له أن يمسك وإن لم يفت عنده شيء وهذا أخف من جمع الرجلين سلعتيهما في البيع فمن أجاز ذلك ابتداء، فهذا يجب أن يكون عنده أجوز أن يأخذ ما بقى من حصته من الثمن، لأ في جمع كحادث بعد صحة العقد فهو أخف. [المسألة الثانية: إذا اشترى سلعتين فوجدهما معيبتين فأراد أن يمسك إحداهما ويطرح عيبها ويرد الأخرى] وفي كتاب محمد لو اشترى عبدين فوجدهما معيبين فوجب له ردهما فقال: أنا أحبس أحدهما على أن أطرح عيبه أن ذلك له بعد أن وجب له الرد فقد تمسك بأحدهما بما ينوبه من الثمن بعد وجوب الرد، وقاله بعض فقهائنا القرويين.

[المسألة الثالثة: إذا اشترى عبدًا فذهبت أنملته أو ظفره عنده ثم وجد به عيبًا] ومن المدونة قال: ابن القاسم لو ذهبت أنملته عند المبتاع فهو عيب لا يرد به إلا بما نقصه إلا أن يكون من وخش الرقيق الذي لا يكون ذلك فيم مفسدًا، ولا ينقصهم كثيرًا فيرده ولا شيء عليه، وأما إن ذهب ظفره فله رده ولا شيء عليه ولا أراه عيبًا. [المسألة الرابعة: إذا اشترى سلعة فأدى في جملها ثمنًا قم وجد بها عيبًا فهل المشتري مخير في الرد أو الإمساك؟ وهل يلزمه إعادتها إلى الموضع الذي اشتراها منه؟] قال بعض فقهاء القرويين: ولو كانت سلعة فأدى في حملها ثمنًا ثم وجد بها عيبًا لكان مخيّرًا بين أن يرد أو يمسك ويرجع بقيمة العيب، ويصير ذلك كعيب حدث عنده، قال: ولو اشترى سلعة فحملها ثم ظهر أن البائه دلس له فليس على المشتري أن يردها إلى موضع ما اشتراها فيه لتدليسه عليه، وقيل: ذلك عليه كالإقالة.

فصل [9 - في نماء المبيع عند المشتري أو نقصانه ثم أراد رده بعيب] [المسألة الأولى: مَن اشترى عبدًا صغيرًا فكبر عنده أو كبيرًا فَهَرِمَ عنده ثم وجد به عيبًا كان به عند البائع] قال مالك في كتاب بعد هذا وهو في كتاب محمد: وأما من ابتاع صغيرًا فكبر عنده أو كبيرًا فَهَرِم عنده فهو فوت يوجب له الرجوع بقيمة العيب من الثمن، ولا خيار لواحد منهما في رد كبير فات بهرم أو صغير فات بكبر، ولّما كان من نقصه الهيب جزءً من الصفقة لم يصل إلى وقد أدى فيه حصته من الثمن كان له الرجوع بذلك على البائع وإن كره.

ابن المواز: قال أيضًا في الصغير يكبر: إنه مخيّر إن شاء رد ولا شيء له في زيادته .. وإن شاء حبسه وأخذ قيمة العيب. وقال أيضًا في الكبير يهرم وتذهب قوته ومنفعته أو أكثرها أنه مخيّر بين أن يرده وما نقصه أو يتماسك ويأخذ قيمة عيبه، وبهذا أصبغ ومحمد في الكبير يهرم. [المسألة الثانية: الدابة يشتريها سمينة فَتَعْجِف عنده ثم يجد بها عيبًا كان بها قبل الشراء فهو بالخيار] قال أصبغ: وكذلك قال مالك في الدابة يشتريها سمينة

فَتَعْجِف عنده أنه بالخيار، إن شاء ردها وما نقصها أو حبسها وأخذ قيمة العيب، ولم يختلف فيها قوله. [المسألة الثالثة: الدابة العجفاء تسمن ثم يجب بها عيبًا كان بيها قبل الشراء فيها قولان] وأما العجفاء تسمن فقال مرة: إنه ليس بفوت كالرقيق وهو مخير بين أن يرد ولا شيء له أو يتماسك بجميع الثمن ولا شيء له. وقال مرة: إنه فوت ويخير بين أن يرد ولا شيء له أو يتماسك ويرجع بقيمة العيب. وقاله ابن القاسم إذا سمنت سمانة بينة، وأما إن صلحت ولم تسمن ذلك السمن فلا شيء له إن حبسها.

[المسألة الرابعة: العبد والأمَة يُشتريان ثم يزيدان بفراهية أو سمن أو تعليم صنعة أو فصاحة أعجمي ثم يجب المشتري بهما عيبًا كان بهما قبل الشراء] قال مالك في كتاب محمد والعتبية: وأما العبد والأمَة يقوم فيهما بعيب وقد زادا عنده بفراهية أو سمن أو تعليم صنعة أو فصاحة أعجمي أو نقص بهزال فليس ذلك بفوت فيها، إما حبس ولا شيء له أو ورد ولا شيء له ولا عليه وأخذ ثمنه، وكذلك لو اشترى مريضة فأفاقت، وسمنت ليس بفوت. وقال ابن حبيب: إن أحسن ما سمعت أن السمن البيّن في الرقيق والدواب بعد الهزار البين والعجب البين فوت، وكذلك الهزال أو العجف البين بعد السمن البيّن فيهما فوت. وحكى عن مالك أنه لم يكن يرى ذلك كله فوتًا في رقيق ولا حيوان، وأن ابن القاسم يرى الهزال والعجف فوتًا فيمها ولا يراه في السمن.

قال أبو محمد: ولم يذكر هذه الرواية غير ابن حبيب فيما علمت. فصل 10 - [الورثة يجدون عيبًأ بعبد اشتراه مورثهم على أنه غير معيب ومات البائع وجهل الثمن] ابن المواز قال ابن القاسم: فيمن اشترى عبدهًا فمات البائع والمبتاع فوُجد بالعبد عيب يرد به كان عند البائع، والبينة على ذلك، وجهل الورثة الثمن قال: يرد العبد، ويكون لورثة مشتريه الوسط من قيمته، فيقال ما أعلى قيمة؟ فيقال: خمسون، وما أدناها؟ فيقال: أربعون، فيكون لهم خمسة وأربعون وهو الوسط، وكذلك لو فات بما لا يقدر على رده جعل ثمنه أوسط القيمة ثم يرجع بقيمة العيب منها، ثم رجع فقال: مجهلة الثمن فوت، ويرجع بقيمة العيب من وسط قيمته فات العبد أو لم يفت، وقال عيسى في العتبية: لا ينظر

إلى وسط القيمة ولكن إلى قيمته يوم البيع فيرحع بقيمة العيب منها ومجهلة الثمن فوت. م: ولا خلاف أن العتق والتدبير والكتابة فوت وكذلك الهبة إذا كانت لغير ثواب، ذلك كله فوت، وبعد هذا شرحه.

[الباب الثاني] في العيب يوجد ببعض الصفقة أو يستحق بعضها

[الباب الثاني] في العيب يوجد ببعض الصفقة أو يستحق بعضها/ [فصل 1 - من اشترى أشياء صفقة فوجد ببعضها عيبًا] والقضاء أن من ابتاع أشياء في صفقى فألفى ببعضها عيبًا بعد أن قبضها أو قبل فليس له إلا رد المعيب بحصته من الثمن إلا أن يكون المعيب وجه الصفقة، وكذلك من ابتاع أصنافًا مختلفة فوجد بصنف منها عيبًا، فإن كان وجه الصفقة مثل أن يقع له من الثمن ستون أو سبعون، والثمن مئة فليرد الجميع. ابن المواز: إذا وقع للمعيب نصف الثمن فأقل فليس هو وجه الصفقة، وقد قدمنا أنه إذا لم يكن وجه الصفقة لم يرد إلا المعيب بحصته من الثمن، وإن وقع له من الثمن أكثر من نصفه فهو وجه الصفقة.

م: وقد قدمنا أن الأصل في العيوب الترجيح فيما بين المتبايعين، وأن المبتاع لا يلزمه معيب، فلما وجب له في هذه المسألة رد المعيب نظرنا إلى السالم فإن كان وجه الصفقة لزم المبتاع، ولم تكن له حجة في نقض جميعها إذا سلمت له جُلُّ صفقته، وما في رجاء الفضل، فكما لم يكن له في ذلك حجة لم يكن للبائع أيضًا حجة في أن يقول: إما أن تأخذ الجميع أو ترد، وإن كان السلم ليس بوجه الصفقة قويت حجة المبتاع في رد جميعها بذهاب ما فيه رجاء الفضل، وقويت حجة البائع في أن يقول: إما أن تأخذ الجميع أو تترك لأني إنما بعت على إن حمل بعضه بعضًا، فالموضع الذي للمبتاع نقض جميع الصفقة للبائع مثله في أن يقول: إما أن تأخذ الجميع أو تترك، والموضع الذي يلزم المبتاع السالم، ولا حجة له يلزم البائع المعيب، ولا حجة له، وهذا عدل بينهما وبالله التوفيق. [فصل 2 - من اشترى سلعتين صفقة وقيمتهما سواء كان له

رد ما وجد معيبًا بحصته] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن ابتاع عبدين بمئة دينا وقيمتهما سواء كان له رد ما وجد معيبًا بحصته. م: يريد وليس له رد الآخر بخلاف عبدين أحدهما تبع لصاحبه. م: وكذلك لو كان المعيب هو الأدنى فليرده ويلزمه الأرفع بحصته من الثمن، وإن فات الأدنى ووجد بالأرفع عيبًا رده ومضى الفائت بما ينوبه من الثمن، ولا تفيته هاهنا حوالة الأسواق؛ لأن العيب لما وجد بالأكثر فكأنه وجد بهما، وقد قيل: إنه إذا رد الأكثر غرم قيمة ما فات عنده من الأقل ورجع بجميع ثمنه لحجة المشتري ألا يلزمه المعاينة للفائت لما يطل جُلَّ الصفقة برد الجل أو استحقاقه. قال بعض القرويين: وهو كلام حسن.

[فصل 3 - من ابتاع سلعتين بعين فهلك بيده إحداهما ووجد بالباقي عيبًا] قال ابن القاسم: ولو ابتاع عبدين أو ثوبين بمئة دينار فهلك بيده أحدهما ثم وجد بالباقي عيبًا فله رده عند مالك، ويقوِّم الميت وهذا المعيب فينظر ما يصيب قيمة هذا المعيب من الثمن، فيرجع به على البائع -يريد كان المعيب وجه الصفقة أم لا، لأن الثمن عين- وإن اختلف في قيمة الخالك فقال المبتاع قيمته الثلث، وقال البائع: قيمته الثلثان، قيل لهما صفا الميت فإن تصادقا في صفته دعى لتقويم تلك الصفة أهل المعرفة فقوّموها، فإن اختلفا في الصفة كان القول قول البائع إذا انتقد مع يمينه؛ لأنه غارم الآن، وإن لم ينتقد فالقول قول المبتاع مع يمينه لأنه غارم. ابن المواز وقال أشهب وأصبغ: القول قول البائع انتقد أو لم ينتقد وبه أخذ محمد. م: لأن الثمن قد كان وجب للبائع على المبتاع، فالذي يرتجعه المبتاع من ذلك البائع يغرمه وإن كان بيد المبتاع فلذلك كان القول قوله؛ لأنه غارم على كل حال.

[فصل 4 - من ابتاع عبدًا بثوبين فهلك أحدهما ووجد الآخر معيبًا] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن كان الثمن عرضًا مثل أن يبيع عبدًا بثوبين، فهلك عنده أحدهما، وألفى الآخر معيبًا، فإن كان المعيب وجه الصفقة رده وقيمة الهالك -مطلقة لا على الحصة لانتقاض البيع- وأخذ عبده إن لم يفت، فإن فات العبد بحوالة سوق أو بدن نظر إلى الثوب الباقي كم كان من التالف؟ فإن كان ثلثًا أو ربعًا. قال أبو محمد: يريد، أو النصف أو الثلثين/ رجع بحصته من قيمة العبد لا في عينه. م: لأن العبد لما فات وجب الرجوع في قيمته، والقيمة عين فكأنه قضاه، وكأنه اشترى الثوبين بعين فلا ينظر هل املعيب وجه الصفقة أم لا؟ وكذلك لو كان ثمن الثوبين سلعة مما ينقسم فهي كالعين فيما ذكرنا، وكذلك في كتاب ابن المواز. قال ابن المواز: وإن وجد العيب بأدنى الثوبين وقد فات أرفعهما أو لم يفت، والعبد قائم لم يفت رد المعيب وحده، ورجع بحصته من قيمة العبد لا في عينه يريد لضرر الشركة فيه وقال أشهب بل يرجع في العبد نفسه.

[فصل 5 - من اشترى عبدًا بثوبين فوجده معيبًا وهلك أدنى الثوبين] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو كان إنما وجد العيب بالعبد رده مشتريه، ثم إن كان الحاضر من الثوبين أرفعها ولم يفت بحوالة سوق، أو بدن أخذه مع قيمة الهالك ما بلغت. محمد: مطلقة لا على الحصة. وإن فات الحاضر بحوالة سوق أو غيره، أو كان لم يفت، وليس بوجه الثوبين أسلمه وأحذ قيمة ثوبية ما بلغت. [مسألة: الفرق بين مَن اشترى سلعة بعرض ينقسم ثم وجدها معيبة وبين مسألة أن يشتري سلعة بعض لا ينقسم ثم يجدها معيبة] م: والفرق بين أن يكون الثمن عينًا أو عرضًا ينثسم وبين أن يكون عرضًا لا ينقسم هو أنه إذا كان الثمن مما ينقسم واطلع على عيب بأحد الثوبين وهو وجه الصفقة والثوبان قائمان لزمه رد الجميع؛ لحجة البائع أنه إنما باع على إن حمل بعضه بعضًا وإن فات الدنيء لم يلزمه رد قيمته مع القائم بالعيب إذ حجة البائع إنما كانت في عينه، وقد ذهب وإلزام المبتاع قيمته ضرر به من غير ضرر يلحق البائع في رد حصته المعيب لانقسام الثمن، وكان هذا عدلًا بينهما في حضور السالم

وفوته، وإذا كان الثمن عرضًا لا ينقسم، ووجد العيب بوجه الصفقة، وفات الأدنى فأنت إن أرجعته بحصة المعيب في عرضه كما صنعت في العين أدخلت على كل واحد منهما ضرر الشركة، وكانت حجة لمن أبى ذلك منهما، فكان العدل في ذلك أن يرد مع المعيب قيمة الهالك فهو أيسر من ضرر الشركة، ويأخذ جميع عرضه وإن كان المعيب ليس بوجه الصفقة لم يدخل المبتاع ضرر في رده، وأخذ حصته من قيمة عرضه إذا سلمت له جل صفقته، ولم يرجعه في عين عرضه لدخول الضرر عليهما في ذلك. م: ويجب على قول أشهب الذي لا يراعي ضرر الشركة فيه ألا يراعي المعيب هل هو وجه الصفقة أم لا؟. كما لو كان الثمن عينًا، ونحو هذا له في مسألة من باع جارية بجاريتين. [فصل 6 - من باع جارية بجاريتين فرد واحدة بعيب وقيمتها سواء] قال في كتاب محمد ابن المواز: من باع جارية بجاريتين فرد واحدة من الاثنتين بعيب وقيمتهما سواء فليرجع بنصف قيمة جاريته فاتت أو لم تفت لضرر الشركة. قال أبو محمد: قال أشهب في غير هذا الكتاب: يرجع فيها بعينها.

قال ابن المواز: وغن كان العيب بأرفع الجاريتين، ولم يدخلهما نقص في بدن فليردهما وبأخذ جاريته إن كانت لم تفت في سوق أو بد، وإن فاتت بذلك أخذ قيمتها يوم قبضها وهو يوم خرجت من الاستبراء، وغن لم تفت المنفردة ولا المعيبة وفاتت الدنية رد المعيبة -وقيمة الدّنية ها هنا مطلقة لا على الحصة لانتقاض البيع- ويأخذ جاريته، وإنما يفيت الدنية هاهنا حدوث عيب مفسد لا تغير سوق، وكأنه وجد العيب بها إذ هو بوجه الصفقة، وأما إن فاتت المنفردة في سوق أو بدن فليرد المعيبة فقط، ويرجع بقيمتها من قيمة صاحبتها، وإن فاتت الدنية فيأخذ تلك الحصة من قيمة المنفردة، وإن لم تفت الدنية ردها مع المعيبة وأخذ قيمة المنفردة، ولو وجد العيبة بالدّنية ردها بحصتها من قيمة المنفردة، وإن لم تفت المنفرد بشيء لضرر الشركة، ولو فاتت المعيبة وهي أرفع الاثنتين رجع بحصة العيب من قيمة المنفردة، وإن وجد بالمنفردة عيبًا فردهما فإن فاتت أرفع الاثنتين بحوالة سوق أو غيره، أو فاتتا بذلك جميعًا فلع قيمتهما يوم قبضهما، وإن فاتت الدنية فقط رد قيمتها ما بلغت لا على الحصة، ورد الرفيعة. ولقد ذكرت هذه المسألة في كتاب الاستبراء وفيها زيادة معان على ما هنا، فأغنى ذلك عن إعادتها.

[فصل: 7 - مَن اشترى شيئين فوجد أحدهما معيبًا فله رد كل ما اشترى أو يأخذ السليم بحصته من الثمن] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اشترى شاتين مذبوحتين فأصاب إحداهما غير ذكية فهو كمن ابتاع طعامًا على أن فيه مئة إردب فلم يجد فيه إلا خمسين أو أربعين فله أخذ ما وجد بحصته من الثمن أو رده؛ لأنه يقول: أردت شراء الجملة لرخصه ولحاجتي إليه إلا أن يكون الذي نقص من ذلك أرادب يسيرة فأرى الشاتين بمنزلة ما وصفت لك من الطعام عند مالك، وإن شاء أن يحبس الذكية بحصتها من الثمن فذلك له. أبو محمد: يريد اشتراهما على الوزن وتساويًا في الثمن؛ لأنه يقع لما يأخذ ثمن معلوم. قال غيره: دليل أنه اشتراهما عل الوزن أنه لو كان على الجزاف ما جاز عنده أن يحبس الذكية بحصتها؛ لأن ذلك مجهول.

قال يحيى في قوله له أن يحبسها بحصتها من الثمن: لا يعجبني. وقال ابن الكاتب في قول من قال أنه اشتراهما على الوزن: هذا غير مستقيم، وظاهر أمره أنه اشتراهما غير مسلوختين لأنه لا يعلم أنها غير ذكية إلا قبل السلخ؛ لأنها لو سلخت لم يبق رأسها، فلا يعلم أنها غير ذكية، وقوله مذبوحتين يدل أنه لم يحدث فيهما غير الذبح، ومع أنه لو اشتراهما على الوزن لم يكن بد من التقويم إذ قد يختلفان في السمانة فلا يلتفت إلى ما سما لكل رطل.

م: وأبو محمد إنما أراد تصحيح المسألة فوجهها بما ذكرنا، وذلك محتمل أن يستويا في السمانة عند أهل المعرفة، وإن كان في جلودهما قبل السلخ قم يشتريهما على الوزن بعد السلخ، وذلك خير من إقساد المسألة جملة. م: ويحتمل أن يكون اشتراهما مسلوختين، وهما في السمانة سواء على الوزن فأتى من شهد أن إحداهما كانت غير ذكية. قال بعض أصحابنا: وإن لم تعلم الذكية منهما فسخ بيعهما، وطرخا في موضع لا يصل إليهما إلا الكلاب، ولو أكل إحداهما فأتى من شهد أن إحداهما كانت غير ذكية فينبغي أن يرجع بثلاثة أرباع الثمن؛ لأن ثمن الباقية قد وجب رده، ويرد نصف ثمن المأكولة للشك أن تكون هي الذكية أم لا. م: وذكر عن أبي العباس الإبياني في رجل اشترى قلال خل، ونقلها

فوجد ثلاثًا منها خمرًا فعرض له شغل أيامًا ثم رجع ليردها فوجدها صارت خلًا إن ثبت ذلك ببيّنة سقط عنه من الثمن بحساب قلال الخمر، وإن لم يعرف ذلك إلا بقوله لم يرد عليه من الثمن شيئًا إلا أن يقر له البائع بذلك. قال أبو محمد: الجواب صحيح وترد القلال التي كانت خمرًا إلى البائع، وقد اختلف إذا كانت هذه القلال كثيرة من الصفقة هل ترد الصفقة كلها أم لا؟ [فصل 8 - من اشترى سلعة معدودة فوجد في جزء يسير منها عيبًا] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو اشترى عشر شياه مذبوحة فأصاب إحداهن ميتة، أو نقصت المئة الأرادب أرادب يسيرة لزمه الباقي بحصته من الثمن، ولا خيار لأحدهما، وكذلك من ابتاع قلتي خل أو قلالًا فيصيب إحداهن خمرًا فهو على ما وصفنا من قول مالك. أبو محمد يريد أن الخمر والميتة تقوم مقام النقص لا كالعيب. ابن المواز: قال أشهب: ولو أصاب من العشرة قلال تسعة خمرًا لزمته الواحدة بحصتها من الثمن، وليس كالقمح يجد فيه فسادًا. وقاله أصبغ. وقال محمد بقول ابن القاسم.

[المسألة الأولى: الاستحقاق عند أشهب في المبيع ليس كالعيب فلا يلزم منه الرد] قال أشهب: ولو استحق من مئة أدرب خمسون أو نقصت لزمته الخمسون الباقية؛ لأن مالكًا يقول: إذا استحق نصف الرقيق لزمه الباقي وليس بمنزلة أن لو وجد نصف الطعام رديًا. م: قال بعض أصحابنا: أشهب يرى أنه إن استحق تسعة أعشار ما ينقسم أنه يلزمه الباقي بحصته من الثمن كقوله في العشر قلال يجد التسع خمرًا. [المسألة الثانية: الصفقة إذا اشتملت على حرام كالخمر والميتة وحلال هل يفسد البيع؟ والفرق بين الصفقة يجمع فيها حلال وحرام دون علم المتعاقدين وبين جمع الأم والابنة في عقد واحد] م: وذهب ابن القصار وغيره في وجود الخمر والميتة أن يفسخ البيع كله؛ لأنها صفقة جمعت حلالًا وحرامًا، كمتزوج الأم والابنة في عقد واحد وهو القياس.

م: ووجه قول ابن القاسم وغيره في هذا الأصل: أن المتبايعين لم يعلما أن إحدى الشاتين غير ذكية، ولا إن إحدى القلتين خمرًا، وإنما عقدا بيعًا صحيحًا يجوز تملكه فيما ظهر لهما، فكان كمن اشترى عبدين في صفقة واحدة فاستحق أحدهما بملك، أو حرية الثاني يصح البيع فيه، فجعلوا وجود الخمر والميتة كالاستحقاق، ولم تلزمهم على جمع الأم والابنة في عقد؛ لأن نكاح إحداهما يقدح في تحريم نكاح الأخرى، وليس كذلك الشاتان فافترقا. [فصل 9 - إذا اشترى سلعًا فوجد باحداها عيبًا واستحقت] [المسألة الأولى: إذا اشترى سلعتين متكافئتين فوجد بإحداهما عيبًا أو استحقت] ومن المدونة قال سحنون وقال غيره: إذا اشترى شاتين أو قلتين أو عبدين متكافئين فهذا لم يتبع أحدهما لصاحبه، فإن أصاب بأحدهما عيبًا أو استحق رجع بما يصيبه من الثمن ويرد المعيب.

[المسألة الثانية: إذا اشترى جملة ثياب أو رقيق أو كيل افستحق جزء منها] قال سحنون: وكذلك يقول ابن القاسم في العبدين المتكافئين بخلاف عبدين أحدهما تبع لصاحبه أو جملة ثياب أو رقيق أو كيل أو وزن، فإن استحق الأقل من ذلك لزمه الباقي بحصته من الثمن؛ لأن هذا قد سلمت له جل صفقته وإن استحق أكثر من ذلك حتى يضر به لتبعيض صفقته، أو لرغبته في الجملة فله رد جميع الصفقة وأخذ الثمن وله أن يحبس ما سلم في يديه بحصته من الثمن إن كان اشترى على الكيل أو الوزن أو كان مما يعد واستحق جزءًا شائعًا كالنصف أو الثلاثة أرباع لأن ما بقى حصته معلومة من الثمن. وإن كان فيما يعد إنما استحق بعض السلع بأعيانها، وذلك كثير من الصفقة لم يجز رضاه بما بقى إذ لا يعلم حصة ذلك إلا بعد تقويم السلع وقسم الثمن عليها

فكأنه بيع مؤتنف بثمن مجهول لوجوب الرد في جميع الصفقة. ابن المواز: وهذا قول مالك وأصحابه. م: وذكر لنا أن أبا محمد بن أبي زيد سئل عما جرى في الكتاب: إذا اُستحق شيء من الصفقة على الأجزاء، وأنه ذكر الثلثين أو النصف أو الثلث فقال إن ذكر الثلث إنما جرى في الكتاب في امساك الباقي وليس يعني أن له الرد في الثلث. ولهذا ترك أبو محمد ذكر الثلث في اختصاره لئلا يقع فيه إيهام لأن الثلث له حكم الكثير في الرد. قال أبو محمد: وإنما ذكر في الأمهات الأربعين والخمسين من المئة ولم يحد في المدونة، ولا غيرها أن الثلث كثير قال: وليس ذلك كمسألة الدار يستحق منها الثلث؛ لأن ما يكال أو يوزن ليس في تبعيضه ضرر، والدار فيها ضرر لشركة الثلث هذا معنى ما ذكر أبو محمد.

[المسألة الثالثة: الفرق بين الصفقة يستحق فيها الكثير يجوز امساك ما بقى بعد الرضا وبين الصفقة عبد وجارية فهلكت الجارية في المواضعة فلا يجوز امساك العبد] وقال ابن حبيب: إذا استحق الكثير من السلع أو الرقيق، وهو الذي يرى فيه النماء والربح وكثرة الثمن ومن أجله اشترى الجميع فرضي المتبايان أن يأخذ المبتاع ما بقى بحصته من الثمن فإنه جائز؛ لأنه بيع قد تم، بخلاف من ابتاع عبدًا وجارية وهي وجه الصفقة فهلكت في المواضعة فلا يجوز الرضا بالعبد؛ لأنه بيع لم يتم إلا بخروجها من الحيضة. م: وقول ابن القاسم في أحد قوليه في إجازة جمع الرجلين سلعتيهما في البيع يقوي ما ذكر ابن حبيب، وقد روي عن أشهب نحو قول ابن حبيب. م: وأنا استحسن إذا استحق الكثير ورضي المبتاع أن يأخذ ما بقى بحصته من الثمن أن لا يأخذ إلا بعد التقويم، ومعرفة حصة ما بقى من الثمن فيأخذ بذلك أو يرد فيسلم مما كرهه ابن القاسم وغيره.

[المسألة الرابعة: الفرق بين أكثر الصفقة إذا وجد به عيبًا فليس له إلا الرضى بالعيب بجميع الثمن أو رد الجميع وبين الاستحقاق الكثير] ومن المدونة قال ابن القاسم: وأما إن وجد عيبًا في كثير من العدد حتى يضر ذلك به في صفقته، أو في كثير من كيله ووزنه حتى يكون أكثر من النصف، فليس له إلا الرضا بالعيب بجميع الثمن أو رد جميع الصفقة بخلاف الاستحقاق في الكثير. والفرق بينهما أن البائع في العيوب إنما باع على إن حمل بعضه بعضًا فله الحجة للمستحق ذلك من يده فإذا رضي أن يحبس ما بقى بحصته من الثمن وكان معروفًا لم يكن للبائع حجة. م: والحكم في عيوب الطعام بخلافه في العروض، والاستحقاق أيضًا فيه بخلاف العروض؛ لانهم جعلوه مخيرًا إذا وجد ثلث الطعام أو ربعه معيبًا كالكثير في العروض، فكذلك ينبغي أن يكون استحقاق القليل منه كالكثير في العروض، فإذا وجد عيبًا بربع الطعام أو ثلثه لم يكن للمبتاع رد المعيب، وأخذ السالم إلا برضى البائع.

م: ويجب على قياس قولهم في العروض أن لو استحق ربع الطعام أو قلقه كان المبتاع مخيرًا في أن يحبس ما بقى بيده، أو يرد الجميع؛ للمبتاع وفيه حجة في الاستحقاق في أن يرد الجميع، أو يتمسك السالم بحصته، والموضع الذي ليس للبائع في رد المعيب عليه حجة لقلته ليس للمبتاع في استحقاق مثل ذلك من يده حجة لقلته، ويلزمه أخذ السالم بحصته هذا هو القياس والله أعلم. م: وإنما فرق بين السلع، والطعام إذا وجد العيب بربع ذلك أو ثلثه لحاجة الناس إلى الطعام. فيجعل ل مزية على غيره كما ضمنّه الحمالين، ونهى عن بيعه قبل قبضه بخلاف العروض في ذلك. والله أعلم. وقال سحنون في المستخرجة: إذا وجد عيبًا باليسير من الطعام لزمه السالم بحصته من الثمن. قال أبو محمد: يعني إذا شاء ذلك البائع. قال: وإن وجد ذلك بالكثير فليس لواحد منهما أن يلزم الآخر البيع في السالم إلا باجتماعهما. قال أبو محمد: يعني فيما يكال أو يوزن؛ لأنه حصته معلومة.

قال ابن حبيب عن ابن القاسم: نقص عشرة أو عشرين من المئة يسير. قال أبو محمد: أعرف من أقاويل أصحابنا أن ما خرج في أسافل الصُّبر ونحوه مما لا بد منه فالكلام فيه للمبتاع. م: لأن ذلك عُرف غالب فيقضى به: قال: وإما أن يجد بعض الطعام معيبًا فإن كان شيئًا يسيرًا جدًا، فللمبتاع أخذ السالم بحصته من الثمن ولا حجة للبائع أنه يبيع الجيد بالدنيء لقلة موضع ذلك الدنيء من الثمن، وللبائع أيضًا أن يلزمه أخذ السالم لقلة موقعه من الصفقة. قال بعض شيوخنا: وذلك كعشرة من مئة. قال أبو محمد: وإن كان المعيب مما له بال وليس بالكثير الذي يضر فقده بجملة الصفقة، فليس للمبتاع أخذ السالم بحصته إلا برضا البائع، وللبائع أن يلزم المبتاع السالم لقلة فقد المعيب من الجملة.

م: قال بعض شيوخنا: وذلك كعشرين من المئة. قال أبو محمد: وإن كان المعيب كثيرًا مما يكون بمثله حجة في الاستحقاق، والنقص في جملة الصفقة في رد البيع كله، فلا يلزم ذلك المبتاع إلا أن يرضى، ولا له أخذ السالم إلا أن يرضى البائع، وهذا على غير أصل أشهب في النقص الكثير. [فصل 10 - من اشترى سلعة على ذرع أو كيل معين فيجد فيه زيادة] [المسألة الأولى: من اشترى دارًا على ذرع فيجد فيها زيادة] قال ابن المواز: ومن اشترى دارًا على أن فيها مئة ذراع فوجد زيادة ذراع فهو مخير في أن يغرم حصة الذراع أو يرد البيع كله إلا أن يدع له البائع الزيادة. م: وذلك لضرر القسم فيها. [المسألة الثانية: من اشترى ثوبًا على ذرع فيجد فيه زيادة] فال ابن المواز: وإن ابتاع ثوبًا على أن فيه سبعة أذرع فوجده ثمانية فذلك للمشترى بزيادته. ابن المواز: وله الرد في النقصان.

م: كما له الرد في النقصان كذلك كان يجب أن لا يكون له الزيادة كما قال في الدار، وهذا هو القياس، ويحتمل أن يكون الفرق بينهما الثوب ظاهر الاختبار فكأن البائع باع وهو عالم بأمره فلم تكن له حجة في أخذ زيادة، ولا دفع غرم نقص والله أعلم. [المسألة الثالثة: الصبرة يشتريها على كيل سماه فيجدها أكثر فليرد الزيادة] قال: وأما الصبرة يبتاعها على كيل سماه فيزيدـ، فليرد الزيادة ويلزمه البيع فيما بقى. وفي الواضحة ذكر في في الثوب مثل ما تقدم، وقال: لأنه ثوبه بعينه يقلبه فلما تم البيع قاسه، وقال في النقصان إن فات بالقطع: فليرجع بقيمة ذلك. قال وكذلك من اشترى عرصة على ذراع مسمى فهي كالشقة في

الزيادة والنقصان، وأما الدار ذات المنازل والبناء فليست كذلك؛ لأن هذه إنما توصف بحدودها فإن سمي مع ذلك الذرع فهو كالتحلية والمراوضة، فإن نقص الذراع يسيرًا فلا قول للمبتاع إلا أن يتفاحش النقص بما له خطر فيكون عيبًا يرد به إن شاء، أو يكون اشتراط الذرع اشتراطًا منصوصًا فيكون له فيما قل وكثر مثل ما قلنا في الشقة والعرصة أنه عيب. قال: وهو في الشقة والعرصة عيب كان ذلك بشرط أو بذكر من البائع فقط كما قال مالك في الجارية تزعم أنها عذراء أو طباخة فتوجد بخلاف ذلك أنه كالشرط، وله الرد.

[الباب الثالث] فيما يحدث عند البائع من موت أو عيب قبل قبض المبتاع

[الباب الثالث] فيما يحدث عند البائع من موت أو عيب قبل قبض المبتاع [فصل 1 - من اشترى جارية فوجد فيها عيبًا بعد قبضها، فهل الرجوع بحصة المعيب إلى القيمة يوم القبض أو يوم وقعت الصفقة؟] قلت: ما قول مالك فيمن اشترى جارية بيعًا صحيحًا فلم يقبضها إلا بعد شهر أو شهرين، وقد حالت الأسواق عند البائع فقبضها، وماتت عند البتاع ثم اطلع على عيب كان عند البائع. متى تقوم الجارية إذا أراد الرجوع بحصة العيب أقيمتها يوم القبض أو يوم وقعت الصفقة؟ قال: قيمتها يوم وقعت الصفقة. والقيمة في البيع الفاسد يوم القبض، والفرق أن المشتري في البيع الفاسد لا يضمن إلا بعد ما يقبض؛ لأن له أن يترك فلا يقبض، والبيع الصحيح يلزمه قبضه بالعقد ومصيبته منه. قلت: فإن لم يقبضها المبتاع في البيع الصحيح حتى ماتت عند البائع أو حدث بها عنده عيب مفسد، وقد نقد الثمن أم لا؟ قال: قال مالك: الموت من المبتاع، وإن كان البائع احتبسها بالثمن كالرهن.

قال ابن القاسم: فكذلك العيب عندي يكون من المبتاع إذا كانت الجارية لا يتواضع مقلها وبيعت على القبض. ابن وهب وقال ابن المسيب: من باع عبده وحبسه حتى يقبض الثمن فمات في يده فمصيبته من البائع. وقال سليمان بن يسار: هو من المبتاع. قال سحنون: وقال مالك بقولهما. وقال ابن المواز: وإنما اختلف قول مالك في هذا إذا لم ينقد. فروى أشهب عنه أن ضمان ذلك من البائع إلا أن يُدعى

المبتاع إلى قبضها فتأبى فيتركها فيكون حينئذٍ الضمان منه، وبهذا أخذ أشهب، وروى عنه ابن القاسم أن ضمانها من المبتاع، وإن كان البائع احتبسها بالثمن وبهذا أخذ ابن القاسم. قال فيه: وفي المدونة لأنه لا يخلو أن يكون البائع احتبسها بالثمن فيكون كالرهن، أو يكون المشتري هو التارك لها فهي كالوديعة ففي كلا الوجهين هي من المشتري. م: ووجه رواية أشهب أنه لما احتبسها بالثمن فكأن البائع لم يملكها له، ولا تم له بيع حتى يقبض الثمن فكانت المصيبة من البائع والله أعلم. م: وسواء كانت السلعة مما يغاب عليها أم لا؛ لأنها عند ابن القاسم كالرهن. وعند أشهب هي من البائع، واختلف في قدر المناولة، وإن لم يحبسها البائع مثل أن يملأ البائع المكيال فيسقط قبل أن يصير في وعاء المشتري.

فقال أشهب: عن مالك أنه من البائع. وقال ابن القاسم أنه من المشتري. [فصل 2 - ضمان السلعة الغائبة إذا هلكت بعد البيع] وكذلك اختلف قول مالك في بيع الغالب، واختار ابن القاسم أن يكون من البائع، وقد اختلف في ضمان الدور/ إذا بيعت وهي غائبة فقيل: إنها مثل السلع، وقيل: إنها من المشتري بالعقد، ولم يعتبر في هذا القول قدر الخروج إليها مثل ما لم يعتبره في أحد القولين في المكيال إذا امتلأ قال بعض القرويين. قال: والاشبه اعتبار قدرًا مكان قبض المشتري لها فبعد ذلك يضمن. [فصل 3 - من اشترى سلعة بها عيب لم يعلمه فلم يقبضها حتى هلكت عند البائع فضمانها من المبتاع] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو كان بهذه الجارية عيب لم يعلم به المبتاع حين اشترى فلم يقبضها حتى هلكت عند البائع، أو أصابها عنده عيب مفسد مثل القطع والشلل وشبهه فضمانها من المبتاع حتى يقضي له بردها أو يبرئه البائع منها.

قال: ويجوز فيها عتق المبتاع إذ له الرضا بالعيب، ويجوز فيها عتق البائع بحال، ولو كان البيع فاسدًا لجاز عتق البائع فيها، ولم يكن للمبتاع معه عتق إلا أن يعتق المبتاع قبل البائع فيكون قد أتلفها. [فصل 4 - المشتري يقبض سلعته ثم يجد بها عيبًا فيطلب الاقالة فيقيله البائع ثم تهلك قبل أن يقبضها] قال في كتاب ابن المواز: ولو قبض المشتري الجارية ثم وجد بها عيبًا فلقى البائع به فأخبره بذلك، وأشهد عليه أنه منه برئ، وغير راضٍ به فأقبل البائع ليأخذها منه فوجدها قد ماتت بعد إقالته أو أصابها عيب قال: فهو من المشتري. قال ابن المواز: وأحب إليّ إن كانت الإقالة قد ثبتت على البائع بإيجابه ذلك على نفسه فالمصيبة منه، كما لو استوجب سلعة حاضرة أو قريبة الغيبة كانت مصيبتها من المشتري وإن لم يقبضها، وهذا أقوى من قضاء السلطان. قلت: فإن أبى البائع أن يقيله فخاصمه فقضى عليه برده فلم يقبضه حتى مات قال: فالعبد من المشتري حتى يقبض عبده، ثم قال لي مالك بعد ذلك: إذا قضى السلطان برده فهو من البائع وإن لم يقبضه.

[فصل 5 - من باع جارية فحبسها لأجل الثمن ثم وطنها فحملت فلا حد عليه للشبهة] وقال في من باع جارية فاحتبسها بالثمن فوطئها البائع فأحبلها فلا حد عليه للشبهة. م: يريد لقول من قال: إن ضمانها منه. قال: والجارية للمشتري على كل حال؛ لأنه يأخذها، وقيمة ولدها. وقاله أصبغ. قال ابن القاسم: ولو كان البائع قد أمكنه منها، فتركها المشتري عنده فوطئها البائع بعد استبراء رحمها فإنه يحد. قال: وإن لم يستبرء، وقد كان يطؤها قبل البيع رأيت أن يدرأ عنه الحد إذ لعل الحمل قد كان قبل هذا الوطء، وأفسخ البيع، وتكون له أم ولد ويعاقب. [فصل 6 - من اشترى سلعة غائبة على الصفة فهلكت أو أصابها عيب قبل القبض فضمانها من المبتاع] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو كانت الجارية غائبة فابتاعها على الصفة فهلكت أو أصابها عيب قبل قبض المبتاع لها، وقد كانت يوم الصفة على ما وصف للمبتاع فكان مالك يقول إنها من المبتاع إلا أن يشترط أنها من البائع حتى

يقبضها ثم رجع من البائع إلا أن يشترط أنها من المبتاع وهو أحب قوليه إليّ. م: بخلاف اختياره في الحاضرة [قال] ابن وهب عن ابن شهاب قال: كان عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف من أجد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في البيع فكان الناس يقولون: ليتهما تبايعا. حتى ينظر أيهما أجد فابتاع عبد الرحمن بن عوف من عثمان -رضي الله عنه- فرسًا غائبة أنثى قد كان باثنى عشر ألفًا إن كانت هذا اليوم صحيحة فهي من عبد الرحمن بن عوف فقال عبد الرحمن لعثمان: هل لك أن أزيدك أربعة آلاف على أن تكون منك حتى أقبضها؟ ففعل فقدم رسول عبد الرحمن بن عوف فوجدها قد ماتت فكانت من عثمان _رضي الله عنهما_ فعلم الناس أن عبد الرحمن أجد

قيل: ومعناه أنهما كان في البيع الأول متراوضين، ولم يتم بينهما بيع فلذلك جاز أن يزيده لتكون من عثمان، وأما لو كان بعد عقد في البيع لم تجز زيادة أحدهما للآخر حتى تكون في ضمانه؛ لأنه شراء ضمان في شيء بعينه. فإن قيل: لما جاز في العقد جاز أن يلحق به، كمال ال عبد، وتمر النخل. فيل: مسألة العبد إنما جاز/ اشتراطه بعد العقد؛ لأنه إضافة إلى العبد وكذلك تمر النخل إضافة أصول النخل، وهذا لا يضاف إلى شيء إنما نقل ضمانة عن رجل فنقله إلى آخر بثمن وذلك ضمان بجعل، وقاله بعض فقهائنا القرويين.

[الباب الرابع] فيمن وجد عيبا بعد أن أعتق أو كاتب أو أجر أو رهن أو باع والفوت في ذلك وغيره

[الباب الرابع] فيمن وجد عيبًا بعد أن أعتق أو كاتب أو أجر أو رهن أو باع والفوت في ذلك وغيره [الفصل 1 - السلعة تفوت عن المبتاع ثم يجد بها عيبًا] والقضاء أن كل ما أحدثه المبتاع أو حدث عنده في السلعة حتى فاتت ثم ظهر على عيب كان بها عند البائع أن له الرجوع بحصته من الثمن؛ لأنه لم يقبض لتلك الحصة عوضًا إلا في بيعه، وهبته للثواب ورهنه وإجارته فلا يرجع بشيء إلا أن يرجع إليه أو يرجع عليه. قال مالك: فيمن ابتاع أمة بيعًا صحيحًا وبها عيب لم يعلم به حتى ماتت، أعتقها أو دبرها أو كاتبها أو وهبها لغير ثواب فذلك كله فوت يوجب له الآن قيمة العيب. م: وذكر عن أبي القاسم بن الكاتب إذا أطلع على عيب بعد أن وهبها لابن له صغير أن ذلك ليس بفوت إذ له الاعتصار ورده على البائع فلا يكون له الرجوع

بقيمة العيب، ولابن حبيب أن ذلك فوت يوجب له الرجوع بقيمة العبد. وذكر عن بعض الشيوخ القرويين إذا كاتب العبد فرجع بقيمة العيب أو مرض فبلغ حد السياق فرجع بقيمة العيب ثم عجز العيد، وضح المريض أن ذلك حكم قد مضى لا ينقض كما ذكرنا فاعلمه. وبالله التوفيق. [فصل 2 - المشتري يجد بالسلعة عيبًا بعد الرهن أو الإجازة] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن وجد العيب بعدما رهن أو أجر فلا أراه فوتًا ومتى رجعت إليه بافتكاك أو انقضاء أجل الإجازة فله ردها إن كانت بحالها، وإن دخلها عيب مفسد رد معها ما نقصها عنده. وقال أشهب: إن افتكها حيث علم بالعيب فله أن يردها وإلا رجع بما بين الصحة والداء. وقال ابن حبيب: إن كان أجل ذلك قريبًا كالشهر ونحوه فليؤخر إلى انقضائه وهو على أمده، وإن بعد كالأشهر والسنة فهو كالفوت، ويرجع بقيمة العيب إلا أن يفتكها معجلًا فيردها. قال أبو محمد: وهذا خلاف قول ابن القاسم وأشهب.

م: فوجه قول ابن القاسم هو: أن الرهن والإجازة ليس بخروج من الملك فأشبه أن لو كانت غائبة عنه بموضع لا يصل إليها الآن فمتى رجعت إلى يده كان على أول مرة. ووجه قول أشهب أنه في وقت قيامه غير مالك للتصرف في الرقبة فأشبه الكتابة؛ ولأن الأصل أن الحكم للحال، وما يمكن أن يكون من رجوعها إليه أو لا يكون فلا حكم له، وهذا في حال قيامه غير قادر على ردها فوجب أن يكون فوتًا. قال بعض أصحابنا: ولأنه لا يستطيع افتكاكها إلا بتعجيل الحق فأشبه ذلك عيبًا حدث عنده يجب عليه فيه غرم المال إذا رده فكان له بذلك حجة في الرجوع بحصة العيب. م: وقول ابن حبيب: استحسان، وتوسط بين القولين والله أعلم بالصواب. [فصل 3 - السلعة بجد بها المشتري عيبًا بعد أن باعها لآخر أو وهبها لثواب هل يعد فوتًا؟] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن وجد العيب بعد أن باعها لم يكن البيع فوتًا وبلغني ذلك عن مالك؛ لأنه على أحد قولين: إما أن يكون رأى العيب فقد رضيه

حين باع، أو كان لم يره فهو إن نقص في بيعه العبد لم ينقص لموضع العيب. قال مالك: وكذلك إن وهبه لثواب؛ لأنه بيه قال في باب بعد هذا: أو لو أدعى بعد أن باعه أن عيبًا كان به عند بائعه منه لم يكن له خصومه إذ لو ثبت ذلك لم يرجع عليه بشيء إلا أن ترجع إليه السلعة بشراء أو ميراث أو صدقة أو بعيب أو لغير ذلك فيكون له ردها على بائعها الأول إذا كان بيع هذا المشتري حين باعها لم يعلم بعيبها. وقال أشهب إن رجع إليك العبد بشراء -يريد ولم يعلم/ بعيبه- فلك رده على بائعه منك آخرًا؛ لأن عهدتك عليه ثم هو مخير في الرضا به أو رده عليك؛ لأن عهدته عليك، فإن رده عليك رددته إن شئت على بايعك الأول. قال سحنون: وإن لم يرده عليك ورضى بعيبه فقد اختلف الرواة في ذلك. فقال بعضهم يعني قول ابن القاسم: لا رجوع لك على بائعك الأول بشيء كان ما بعته به أقل مما اشتريته به أو أكثر.

وقال بعضهم: يعني أشهب: ينظر فإن كنت بعته من هذا الراضي بالعيب بأقل مما ابتعته به رجعت على بائعك الأول بالأقل من تمام ثمنك، أو من قيمة العيب من ذلك الثمن، وإن بعته بمثل الثمن فأكثر فلا رجوع لك بشيء. م: وقد ذكر ابن القاسم وجه قوله: من أنه على أحد وجهين: إما أن يكون رأى العيب فقد رضيه، أو كان لم يره فهو إن نقص في بيعه لم ينقص لأجله. ووجه قول أشهب أنه إذا لم ينقص في بيعه فلا طلب له على بائعه، وإن نقص في بيعه فأعطى قيمة العيب أو تمام ثمنه فإنه لا حجة له مع تعذر رده، ولا تلزمه علة ابن القاسم أنه لم يكن رأى العيب فلم ينقص من أجله، إذ قد يمكن أن يكون رآه المشتري ونقص حصته، فإذا أعطى قيمة العيب أو تمام ثمنه فلا حجة له. قال أشهب: وإن لم ترده أنت على بائعه منك أخيرًا فلك رده على بائعك الأول وأخذ ثمنك.

م: يريد وإن كنت عالمًا بعيبه حين شرائك من مبتاعه منك لا حين بيعك منه ثم لا رجوع لك بقيمة العيب على البائع منك أخيرًا لأخذك الأول بالعهدة، ولو أن المبتاع له منك أخيرًا باعه منك بأقل مما ابتاعه به منك فله الرجوع عليه بتمام ثمنه لا بالأقل؛ لأن له زده عليه وها هو ذا في يدك، ولو باعه من غيرك بأقل مما ابتاعه به منك فرضيه مبتاعة لم يرجع عليك هاهنا إلا بالأقل، ولو وهبكه المبتاع منك أو تصدق به عليك لرجع بقيمة العيب عليك من الثمن الذي بعته منه، ثم لك رده على بائعك الأول وأخذ جميع ثمنك منه، ولا كلام له، ولا يحاسبك ببقية الثمن الذي قبضت من واهبك بعد الذي رددت إليه منك بقيمة العيب؛ لأن ما بقى بيدك إنما وهبكه غيره قال: ولورثته من مبتاعه منك كان لك رده على البائع الأول وأخذ جميع الثمن الأول؛ لأن ما وجب للميت عليك قد ورثته منه.

م: ولا يخالفه ابن القاسم في هذا، وإنما يخالفه إذا باعه بأقل مما ابتاعه به ثم لم يرجع إليه .. م: وذكر ابن المواز اختلاف قول ابن القاسم وأشهب هذا وأخذ بقول ابن القاسم. قال ابن المواز: إلا أن يكون نقص من أجل العيب مثل أن يبيعه بالعيب ويبينه وهو يظن أنه حدث عنده، ولم يكن علم أنه كان به عند بائعه، أو يبيعه وكيل له ويبينه فليرجع عليه بالأقل، كقول أشهب. وأخذ ابن حبيب بقول أشهب. وقال محمد بن عبد الجكم: إذا باعه فله الرجوع بقيمة العيب كاملًا، وأعاب رواية أشهب عن مالك، وزعم أن هذا الذي قال هو من قول مالك في موطأه إذ قال: إذا فات العبد بوجه من وجوه القوت فللمشتري الرجوع بقيمة العيب.

قال محمد فالبيع فوت. قال ابن حبييب: وإن باعه بمثل الثمن فأكثر ثم رجع إليه بشراء أو ميراث أو هبة وهو بحاله لم يتغير فأراد رده بالعيب على بائعه فإن كان قد قام عليه قبل أنم يرجع عليه فقضى عليه أن لا يرجع بشيء لخروجه من يده بالبيع بمثل الثمن فأكثر فلا قيام له الآن، وإن لم يكن ذلك فهو على أمره يرد أو يحبس. قال أبو محمد: وهذا بعيد من أصولهم. م: يريد أبو محمد أن له أن يرده قام عليه أو لم يقم؛ لأنه إنما منع من القيام عليه لعلة فإذا ارتفعت العلة ارتفع ذلك الحكم بارتفاعها. ومن كتاب ابن المواز: ولو باعه المشتري له ولم يعلم بالعيب ففات عند الثالث بما يوجب له الرجوع بقيمة العيب من ثمنه فرجع بذلك، فللثاني حينئذٍ أن يرجع على بائعه وهو الأول بقيمة ذلك العيب من ثمنه هو ما لم يكن أكثر مما غرم للثالث فلا يرجع إلا بما غرم للثالث. قال أبو محمد: ما لم يكن أكثر من بقية رأس ماله فإنما له الأقل من الثلاثة الأوجه.

م: وهذا على قول ابن القاسم، وأما على قول أشهب فإنما يرجع الثاني الأول بالأقل من تمام ثمنه أو من قيمة عيبه من ثمنه؛ لأنه لو لم يرجع عليه بشيء كان له هو أن يرجع بذلك فكيف إذا رجع عليه. قال ابن المواز وإن كان الثاني مفلسًا، ولم يفت العبد فليس للثالث رده على البائع الأول. م: لأنه غير من عامله قال: وليرده إن شاء على الثاني ويحاص غرماؤه بقمنه قم له ولسائر الغرماء ره على البائع الأول وأخذ ثمنه يتحاصون فيه. قال: فإن فات عند الثالث فله ولغرماء بائعه الرجوع على الأول بقيمة العيب. م: يريد في الأقل من ثلاثة أوجه وهو ما كان يرجع به عليه الثاني على قول ابن القاسم، أو بوجهين على قول أشهب. قال ابن المواز: فيتحاصون في ذلك وفيما يصاب للثاني يضرب في الثالث بقيمة العيب من ثمنه والغرماء بجميع دينهم. قال اب المواز: وإن لم يكن له غرماء وهو غريم فللثالث الرجوع على الأول بما كان يرجع به على الثاني إلا أن يرضى الأول أن يعطيه قيمة عيبه الذي كان يلزمه أو

بقية رأس مال الثاني. وقال في باب بعد هذا قال أو زيد عن ابن القاسم فيمن ابتاع عبدًا ثم باعه في غير مواجبة البيع فاستحق من يد الثالث بحرية أو ملك أو قام فيه بعيب كان عند الأول، وبائعه عديم أو غريم مفلس أو ملئ غائب فأما في العيب فلا يرجع على الأول وليرده على بائعه الذي ولى ومعاملته إن شاء ويحاص غرماءه، وأما في الاستحقاق فليرجع على الأول في غيبة بائعه أو عدمه؛ لأنه غريم غريمة إلا أن يكون على الثاني دين فيحاص بره غرماءه في الثمن الذي يرجع به على الأول. وقال أصبغ في العيب والاستحقاق سواء بعد أن يقيم القائم بالعيب البينة له أنه ابتاع بيع الإسلام وعهدته بغير براءة فيعدى على الأول إلا أن يقيم الأول بينه أنه باع بالبراءة. قال ابن المواز: ولا يعجبني قول أصبغ في العيوب، وإنما نزع فيه إلى قول ابن كنانة.

[فصل 4 - من باع عبدًا ودلس فيه بالإباق فباعه المشتري ولم يعلم فأبق عند الثالث] وقال أصبغ عن ابن القاسم: فيمن باع عبدًا ودلس فيه بالإباق فباعه المبتاع ولم يعلم، فأبق عند الثالث فمات أو لم يعلم خبره والبائع الثاني عديم: فليؤخذ الثمن من البائع الأول فيدفع منه إلى الثالث مثل ثمنه، فإن فضل منه شيء دفع إلى الثاني. م: لأنه تمام ثمن الثاني. قال: فإن لم يوجد الأول لم يرجع الثالث على بائعه الثاني [إلا] بقيمة عيب الإباق من ثمنه؛ لأنه لم يدلس، ثم إن وجد الأول أخذ منه الثمن فأعطى منه للثالث بقية رأس ماله، وما بقي فللثاني. م: لأنه بقية رأس مال الثالني قال: ولو لم يكن رجع على الثاني بقيمة العيب حتى وجد الأول فأخذ منه الثمن لم يكن فيه إلا أقل من ثمن الآخر فليس له غيره، ولا يرجع بتمامه على بائعه الثاني إلا أن يكون الثمن الأول أقل من قيمة العيب من الثمن الثاني فليرجع على الثاني بتمام قيمة عيبه. وقال سحنون في كتاب ابنه: إذا أخذ الثمن من الأول في عدم الثاني فلم يكن مثل رأس مال الثالث فإنه يرجع على الثاني بالأقل من تمام ثمنه أو من قيمة العيب من تمام ثمنه.

م: وقول/ ابن القاسم أبين، ووجه قول سحنون أنه رأى أن البائع الأول هو أتلف عليه العبد بتدليسه فهو كما لو قتله فأغرمه قيمته أنه يرجع على البائع منه بالأقل من تمام ثمنه، أو من قيمة العيب من ثمنه والله أعلم. قال أصبغ في باب آخر من كتاب محمد: قال ابن القاسم إذا كان الثاني عديمًا أخذ من الأول الثمن فدفع منه إلى الثالث قيمة عيب الإباق فقط وما بقى فللثاني. م: ووجه هذا أن الأول مدلس بعيب هلك العبد بسببه، فوجب أن يرد الثمن على مبايعة أصله لو أبق عند الثاني، وأما الثاني فلم يدلس على الثالث فلم يجب له عليه إلا قيمة العيب من ثمنه فإذا أخذه من مبايعة الأول فلا كلام له. وقال ابن المواز: بل يؤخذ من الأول ما كان يرجع به عليه الثاني لو غرم الثاني عيب الاباق للثالث فإنه يرجع عليه بذلك ما لم يكن ذلك أكثر من بقية رأس مال الثاني ما لم يكن ذلك أكثر من الثمن الذي ابتاعه به الثاني. م: إذا كان له أن يعطيه بقية رأس مال الثاني فقوله ما لم يكن أكثر من بقية رأس مال الثاني غلط؛ لأن بقية رأس مال الثاني أقل من جميع رأس مال الثاني، فإذا كان للبائع الأول أن يعطيه بقية رأس مال الثاني فلا يجب عليه أن يعطيه جميعه، ولو قال: يرجع عليه بما كان يرجع على الثاني ما لم يكن أكثر من بقية رأس مال الثاني ما لم

يكن أكثر من قيمة العيب من ثمن الثاني كان كلامًا صحيحًا جاريًا على أصله في مثل هذا، ولكن هذا هكذا في كتاب محمد، وفي نقل أبي محمد في النوادر. ابن المواز: قيل لابن القاسم فإن لم يوجد الأول قال: فلا يرجع على الثاني بشيء إلا بما بين القيمتين، ثم إن وجد الأول أخذ منه الثمن فأتم للثالث تمام ثمنه وما بقي فللثاني. م: وهذا على قوله في أول المسألة قال ابن المواز: ولم أر هذا الجواب يصححه أحد وهو منكر من غير وجه، والذي يصح عندنا أن ليس للثالث إلا قيمة عيب الإباق على بايعه، وليس لبائعه على الأول إلا ما غرم بسبب الإباق ما لم يكن ذلك أكثر من الثمن الذي اشتراه به منه. م: إنما يكون له على الأول الأقل مما غرم أو من قيمة العيب من ثمنه أو من تمام ثمنه كما قال في المسألة الأولى لا فرق بينهما؛ لأنه لم يجعل للتدليس حكمًا. قال ابن المواز: وقد قال ابن القاسم في عبد تداوله ثلاثة تبايعوه بالبراءة فوجد الآخر عيبًا كان عند الأول لم يعلم به الثاني، والأول عالم به: فليس على الثاني إلا يمينه ما علمه ثم لا يرد عليه، ولا على الأول إلا أن يعلم أنهم أرادوا ذلك للتفويت والتدليس فيرد عليه وإلا فلا.

محمد وهذا أصح من الأول. م: فالمحصول من هذا الاختلاف ثلاثة أقوال: قول: أنه يؤخذ الثمن من الأول فيدفع منه للثالث ثمنه وما بقي فللثاني. وقول: بل يدفع منه للثالث قيمة العيب من ثمنه وما بقي فللثاني. وقول لا يغرم الأول للثالث إلا ما كان يرجع به عليه الثاني لو أغرم الثاني للثالث قيمة العيب، وهو الأقل من قيمة العيب من ثمن الثالث أو من ثمن الثاني أو من تمام رأس مال الثاني، وهذا الذي أراد محمد والله أعلم. [فصل 5 - من اشترى سلعة ثم باعها على الذي اشتراها منه ثم اطلع على عيب كان بها عند البائع] ومن المدونة قال ابن القاسم في باب بعد هذا: وإن اشتريت عبدًا ثم بعته من الذي باعكه بمثل الثمن ثم ظهرت به على عيب كان به عند بائعك فلا تراجع بينكما في تدليس ولا غيره وإن بعته منه بأقل من الثمن قبل علمك بالعيب رجعت عليه بتمام الثمن دلس لك به أم لا، وإن بعته منه بأكثر من الثمن فلا رجوع له عليك إن كان مدلسًا، وإن لم يدلس فله رده عليك، وأخذ ثمنه ثم لك رده عليه وأخذ ثمنك فتتقاصان إن شئتما.

قال ابن المواز: وهذا إذا كان العيب قديمًا، وإن كان مما يشك فيه؛ لأن مثله يحدث ومثله يكون قديمًا فعلى هذا الذي هو بيده اليمين إذا كان رجع إليه بأقل مما باعه به وإن لم يحلف حلف الآخر، وارتجع منه بقية رأس ماله. م وبيان هذه المسألة والزيادة فيها إذا ابتعت العبد بعشرة ثم بعته من بائعك بعشرة ثم ظهرت على عيب قديم كان به عنده فلا تراجع بينكما دلس لك بالعيب أم لا، لأنه كان لك أن ترده عليه وتأخذ ثمنك فقد فعلت ذلك بالبيع منه، وإن كان العيب مما يمكن حدوثه عندك أو عنده في الملك الأول أو الآخر فهو يريد رده عليك فتحلف أنت في الظاهر على البت، وفي الخفي على العلم أنه ما حدث عندك وتبرأ، فإن نكلت حلف هو كذلك ورده عليك، وأخذ ثمنه. وإن بعت منه بخمسة عشر والعيب قديم عنده، فإن كان مدلسًا لم يكن له رده عليك؛ لأنه رضي بشرائه بخمسة عشر وهو عالم بالعيب، وإن لم يدلس فله رده عليك

ويأخذ الخمسة عشر ثم لك رده عليه وتأخذ العشرة. وإن كان العيب مما يمكن حدوثه عندك أو عنده فهو يريد نقض البيع ليرجع عليك فتحلف أنت، ويبقى البيع على حاله، وإن نكلت حلف هو ما حدث عنده في الملك الأول ولا الآخر ورده وأخذ الخمسة عشر، فإن كان إنما بعته منه بثمانية والعيب قائم رجعت عليه بتمام ثمنك، دينارين دلس لك أم لا، وإن كان مما يمكن حدوثه عندك، أو عنده فأنت تريد نقض البيع لترجع ببقية ثمنك فليحلف هو ما حدث عنده ويبقى البيع فإن نكل حلفت أنت ورجعت عليه بتمام ثمنك دينارين، وبالله التوفيق. [فصل 6 - المشتري يهب السلعة للذي اشتراها منه ثم يطلع على عيب كان بها عند البائع] قال ابن القاسم في المدونة: وإن وهبته لبائعه منك ثم اطلعت على العيب الذي كان به رجعت عليه بحصة العيب من الثمن الذي اشتريته به. [فصل 7 - المشتري للسلعة يبيع نصفها من أجنبي ثم يطلع على عيب بها] قال: ولو بعت نصفه من أجنبي ثم علمت بالعيب فالخيار هاهنا للبائع

لضرر الشركة فيه في أن يغرم لك نصف قيمة العيب أو يقبل نصف العبد بنصف الثمن، ولاشيء عليه للعيب وكذلك في كتاب محمد. وقال ابن حبيب: إن باع نصفه بمثل نصف الثمن فأكثر لم يرجع لذلك النصف بشيء، وإن باعه بأقل رجع بالأقل من تمام نصف الثمن أو نصف قيمة العيب، ثم يخير البائع في النصف الباقي بين أن يسترجعه بنصف الثمن أو يدعه ويؤدي نصف قيمة العيب. م: وهذا على قول اشهب. قال بعض شيوخنا من القرويين: ولو أن مشتري نصف العبد رده بالعيب، وقد كان البائع منه رجع على بائعه بنصف قيمة العيب فللبائع الأول أن يقول له: إنما غرمت لك نصف قيمة العيب من أجل تبعيض العبد، والآن قد صار بيدك جميعه، فإن شئت فرد إليَّ جميعه وخذ ثمنه، أو احبس ورد عليّ نصف قيمة العيب الذي أخذته مني، وللمشتري أيضًا أن يفعل ذلك -وإن أباه البائع- وإنما كان ذلك أولاً لضرر الشركة، فإذا صار بيده كله رجعا إلى ما يوجبه الحكم في العيوب.

وذهب غيره إلى أن ذلك حكم مضى ليس لأحدهما نقضه. م: وهذا يجري على قول ابن حبيب إذا باعها بأكثر من الثمن فقام على البائع منه بالعيب فحكم أن لا يرجع عليه بشيء؛ لأنه باعها بأكثر من الثمن ثم رجعت إليه بميراث أو شراء، أو غير ذلك فلا قيام له. وقال أبو محمد: وهذا بعيد عن أصولهم يشير إلى أن له القيام فاختلافهم ها هنا يجري على هذين القولين، وهو بيَّن. [فصل 8 - من اشترى سلعة ثم تصدق بنصفها ثم اطلع على عيب كان بها قبل الشراء] ابن المواز قال أصبغ: وإن كان إنما تصدق بنصفه وحبس نصفه ثم اطلع على العيب فيقال للبائع الأول: إن شئت فارتجع هذا النصف ورد نصف الثمن وأغرم نصف قيمة العيب عن النصف المتصدق به، وإن شئت فاغرم قيمة العيب كله ويثبت بيعك

وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية قال عيسى: وقال أيضًا ليس له خيار واحتج فقال: إذا زاد هذا النصف الباقي وصار لعله يساوي جميع الثمن قال: أنا آخذه وأودي نصف قيمة العيب، وإن نقص تركه وودى جميع العيب فلا أرى ذلك، وعليه نصف قيمة العيب فقط للنصف المتصدق به قال عيسى: ولو دخله مع ذلك نقص في بدنه فلا خيار للبائع بوجه ويلزمه جميع قيمة العيب وقال ابن المواز: وإن باع النصف وتصدق بالنصف الباقي فله على البائع الأول نصف قيمة العيب في النصف المتصدق به ولاشيء عليه في النصف المبيع إلا أن يرجع عليه بشيء. وقال ابن حبيب: يرجع بنصف قيمة العيب في الصدقة وينظر في النصف المبيع فإنه باعه بمثل نصف الثمن فأكثر لم يرجع فيه بشيء، وإن باعه بأقل رجع فيه بالأقل من تمام نصف الثمن أو نصف قيمة العيب وهذا على قول أشهب.

[فصل 9 - من باع سلعة من رجلين فباع أحدهما حصته من صاحبه ثم اطلع على عيب كان عند البائع الأول] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن بعت ثوبًا من رجلين فباع أحدهما حصته من صاحبه، ثم ظهر على عيب كان عندك فليس للذي باع نصيبه أن يرجع عليك بشيء وللذي ملك جميعه أن يرد عليك نصف الثوب، ويأخذ نصف الثمن، ويبقى في يديه نصف الثوب، وفي يدك نصفه.

[الباب الخامس] فيمن قام بعيب بعد ولادة أو تزويج أمة أو تعليم صنعة أو كبر صغير أو هرم كبير وتفسير الرجوع بقيمة العيب وقضى عمر بن عبد العزيز فيمن ابتاع عبدا وبه عيب لم يعلم به ثم حدث به عنده عيب أو مات يرجع بقدر ما بين القيمتين، وقاله السبعة من الف

[الباب الخامس] فيمن قام بعيب بعد ولادة أو تزويج أمة أو تعليم صنعة أو كبر صغير أو هرم كبير وتفسير الرجوع بقيمة العيب وقضى عمر بن عبد العزيز فيمن ابتاع عبدًا وبه عيب لم يعلم به ثم حدث به عنده عيب أو مات يرجع بقدر ما بين القيمتين، وقاله السبعة من الفقهاء التابعين رضي الله عنهم. [فصل 1 - فيمن قام بعيب في الجارية بعد ولادتها عنده] قال مالك فيمن اشترى أمة فولدت عنده من غيره، ثم وجد بها عيبًا: فلا يردها إلا مع ولدها أو يمسكها ولا شيء له، وإن مات ولدها وبقيت هي فله ردها بالعيب ويرجع بالثمن كله، ولا شيء عليه في الولد إلا أن تنقصها الولادة فيرد ما نقصتها الولادة كعيب حادث عنده.

[فصل 2 - حكم من اشترى أمة فولدت ثم ماتت أو قتلت ثم ظهر بها على عيب] قال ابن القاسم: ولو ماتت الأم أو قتلت وبقي الولد عنده، ثم علم بالعيب لم يكن له رد الولد مع قيمة الأمة، وإنما له أن يرجع على البائع بحصة العيب من الثمن بعد أن تقوَّم الأم يوم الصفقة بغير ولد. قال في باب بعد هذا: وللبائع أن يقول: أنا آخذ الولد، وأرد جميع الثمن إلا أن يشاء المبتاع أن يتمسك بالولد ولا شيء له كما لو كانت الأم قائمة فإن له أن يرد الثمن ويأخذها إلا أن يشاء المبتاع أن يتمسك ببيعه ولا يرجع بشيء. وقال أشهب في قتل الأم: إلا أن يكون ما وصل إليه من قيمة الأم حين قتلت مثل الثمن الذي يرجع به على البائع أن لو كانت الأم قائمة فردها فلا حجة له؛ لأن الأم لو ماتت بغير قتل فقال البائع: أنا آخذ الولد على أن أرد جميع الثمن فذلك له إلا أن يتماسك المبتاع بالولد بغير شيء فذلك له فإذا كان بيده مثل الثمن والولد زيادة فلا حجة له. م: وقال في كتاب ابن المواز يعقب قول ابن القاسم: ولو ماتت الأم أو قتلت رجع بقيمة العيب يوم الشراء لا ينظر إلى الولد حيًا كان أو أخذ له ثمنًا.

قال أشهب: إلا أن يقول له البائع: أنا أقبل ما أخذت في الولد من ثمن، أو قيمة الولد إن كان حيًا، أو قيمة الأم إن أخذت لها قيمة وأرد جميع ثمنك فذلك له، وإن لم يقبل ذلك البائع فعليه قيمة العيب أو ما بقي من ثمنها بعد أن يحسب على المشتري ما أخذ فيها من ثمن أو قيمة، وللقاتل أن يرجع عليه بقيمة العيب يوم القتل إن لم يعلم به. قال: ويضم إلى قيمة الأم ما أخذ في ولدها من ثمن أو قيمة، وإن بقي بعد ذلك من رأس ماله شيء رجع به على بائعه أو يعطيه قيمة العيب. م: قول أشهب هذا يؤخذ من قوله في المدونة. م: وقول أشهب في المدونة ليس بخلاف لقول ابن القاسم. م: وقال بعض أصحابنا: أنه خلاف له وقال: قَتْلُها يوجب له قيمة العيب، ولا خيار للبائع كموتها قلت: فإن ابن القاسم قال: للبائع أن يرد الثمن في موت الأم ويأخذ الأولاد إلا إن شاء المبتاع أن يتماسك بالولد بغير شيء قال: ذلك قول أشهب كذلك نبه عليه سحنون.

قلت: معنى قول سحنون هذا قول أشهب أي هذا مثل قول أشهب وأما سياق المسألة فهو لابن القاسم. قلت: فإن قتلها وأخذ قيمتها معيبة إذا كانت كالثمن فأكثر مثل بيعها بالثمن فأكثر، وقد بيَّن العيب يظن أنه حدث عنده وهذا لا رجوع له على البائع بشيء؛ لأن بيده مثل ثمنه فلا حجة له. قال: بل له أن يرجع عليه بقيمة العيب على قول ابن القاسم فاحتججت عليه بقول ابن المواز إذا باعها بأقل من الثمن وبيَّن العيب يظن أنه حدث عنده أنه يرجع على البائع بالأقل من قيمة العيب أو تمام ثمنه، وقد أشار ابن المواز إلى أن هذا لا يخالفه ابن القاسم. وبقوله إذا باعها المبتاع لها من ثالث ففاتت عند الثالث بما يوجب له الرجوع بقيمة العيب فرجع على الثاني بذلك أن الثاني يرجع على الأول بالأقل من ذلك، أو من قيمة العيب من ثمنه، أو من تمام ثمنه، فدل بذلك أن لو بقي بيده مثل ثمنه فأكثر لم يكن له رجوع على الأول بشيء فاضطره الأمر إلى أن قال: هذا خلاف لابن القاسم.

م: والصواب ما قدمنا أن قول أشهب في مسألة القتل ليس بخلاف لقول ابن القاسم، وأنه إذا باع بالثمن فأكثر، وبين العيب يظن أن العيب حدث عنده فليس له رجوع على البائع بشيء، وأن الأم إذا ماتت فقال البائع: أنا آخذ الولد وأرد جميع الثمن فذلك له إلا أن يتماسك المبتاع بالولد بغير شيء؛ لأنه إذا كان له إذا كانت الأم والأولاد قائمين أن يأخذهم ويرد جميع الثمن إلا أن يتماسك هذا ببيعه بغير شيء فهو إذا بقي الولد وحده أحرى أن يأخذهم ويرد الثمن، وقد قال في التفليس: إن موت الأم وبقاء الولد كبقائهما جميعًا أن ليس للبائع إلا أن يأخذ ما وجد من ذلك قائمًا أو يحاص بجميع الثمن فجعل موت الأم وبقاء الولد كبقائهما جميعًا، وقد قال ابن القاسم في والواضحة: ولو قتل أحدهما فأخذ له عقلاً وبقي له الأخر كان مثل البيع سواء، وإن لم يؤخذ له عقل فسبيله سبيل الموت، وذكر مثله ابن وهب عن مالك، وقاله أشهب.

م: فقد جعلوا قتل أحدهما وأخذ قيمته في التفليس كبيعه إياه وكذلك ينبغي أن يكون في الرد بالعيب إن قتل أحدهما، وأخذ قيمته كبيعه إياه وهذا بين. م: والأصل في العيوب عند ابن القاسم، وأشهب، وأكثر أصحاب مالك أن المبتاع إذا طلب الرجوع بقيمة العيب القديم، وقد حدث عنده عيب مفسد أن للبائع أن يقول: أنا أخذ وأرد جميع الثمن ولا أطالبك بشيء مما حدث عندك، ولا يكون للمبتاع إلا أن يرد ولا شيء عليه، أو يتماسك ولا شيء له فمتى وجد المبتاع حصل بيده من ثمن المبيع، أو من قيمة أرش جراحاته أو قتله أكثر من الثمن فلا حجة له وذلك بخلاف ما أغلته منه لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الخراج بالضمان» وبالله التوفيق. وقد تقدمت مسألة من باع ثوبًا من رجلين فباع أحدهما حصته من صاحبه.

[فصل 3 - فيمن قام بعيب في الجارية بعد تزويجها] وفي باب آخر بعد هذا قال مالك: ومن اشترى أمة فزوجها من عبده أو من رجل حر ثم وجد بها عيبًا فله ردها وليس للبائع فسخ النكاح وعلى المبتاع ما نقصها النكاح، وإن لم ينقصها فلا شيء عليه وربما ردها ومعها ولد فيكون أكثر لثمنها قال ابن القاسم: وإن نقصها النكاح، وقد ولدت وفي الولد ما يجبر به نقص النكاح فإنه يجبر ذلك بالولد ألا ترى أن مالكًا قال: ربما ردها وولدها وقد زاد ذلك في ثمنها فهذا من قول مالك يدل أنه أراد أن يجبر به النقص، يريد وكذلك لو حدث بها عيب آخر فإنه يجبره بالولد. وقال غيره وهو أشهب: يرد ما نقصها النكاح، ولا يجبر النقص بالولد وذلك كالنماء فيها كزيادة بدنها، أو صنعة تزيد في ثمنها، وقد قال مالك: في بعض هذا النماء لا يجبر به النقص. م: وروى ابن القاسم عن مالك في كتاب الوديعة إن زادت قيمتها فله أن يجبر به نقص النكاح.

م: وقال: وإذا جبر النقص بالنماء، أو بالولد على قول ابن القاسم لم يكن له أن يتماسك ويرجع بقيمة العيب؛ لأنه يصير كمن لم يحدث بها عنده عيب فإما أن يمسك ولا شيء له، أو يرد ولا شيء عليه. م: وقال ابن المواز: لا يجبر النقص بالولد وأحب إلينا أن يردها بولدها، وبقيمة العيب الحادث عنده إذ لعل قيمة عيبها نصف الثمن ولا يساوي ولدها إلا دينارًا فإن ردها بلا غرم قيمة العيب كان ذلك ظلمًا. وإن شاء أن يأخذ قيمة العيب من البائع فذلك له إلا أن يقول له البائع: أن أقبلها بولدها ولا أغرمه شيئًا من قيمة العيب وأرد جميع الثمن فذلك له، ولا يكون حينئذٍ للمبتاع إلا أن يحبس ولا شيء له أو يرد بالولد ولا شيء عليه. م: ولا يلزم ابن القاسم ما احتج به عليه محمد من قوله إذ لعل قيمة عيبها نصف الثمن ولا يساوي الولد إلا دينارًا، وإنما أراد ابن القاسم أن يجبر النقص بالولد إذا كان قيمة الولد كالنقص فأكثر، فأما إن كان أقل من النقص

فليقاصه بما قابل من ذلك النقص، ويرجع إليه بقية النقص. قال عن ابن القاسم: ولو باع الولد أو قتل ثم أصاب بالأم عيبًا فإنه يردها، ويرد معها ما أخذ في الولد من ثمن أو قيمة بخلاف المفلس يبيع الولد الحادث عنده فلا شيء عليه للبائع في ثمنه إذا أخذ ثمنه. وقال أصبغ: ويرد في البيع من ثمن الولد قدر قيمته حتى كأنه اشتراه مع أمه مولودًا. قال ابن المواز: بل يرجع جميع ما أخذ في الولد، وقال ابن القاسم وأشهب، ولا يعجبنا قول أصبغ. م: ومعنى قولهم يرد الأم، وما أخذ في الولد أي يرد الأم ويقاصه البائع بما أخذ في الولد إذا كان الثمن عينًا، وإن كان عرضًا لم يفت رد الأم وما أخذ في الولد وأخذ عرضه كما قلنا فيمن ابتاع عبدًا بثوبين فهلك عنده أحدهما فكذلك هذا.

[مسألة: الفرق بين مسألة المفلس الذي حصل عنده نماء حيث يرد الأصل دون النماء، ومسألة الرد بالعيب حيث يرد الأصل والنماء] م: والفرق بين التفليس، والرد بالعيب في هذا أن المبتاع في الرد بالعيب مختار للرد، وقد كان له أن لا يرد، ويأخذ قيمة العيب فلما اختار الرد وأخذ ثمنه وجب عليه أن يرد ما أخذ في الولد إذ ليس الولد بغلة فكذلك ثمنه، وفي التفليس البائع هو مختار للرد وقد كان له أن يحاص بثمنه فلما اختار الرد لم يكن له إلا عين ما باع لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أيما رجل أفلس فأدرك ماله بعينه فهو أحق به من غيره» فدل بذلك أن ما فات فلا حق له فيه والولد قد فات ولما لم يكن له أن يترك الأم، ويحاص بثمنها، وبثمن الولد؛ لأنه لم يكن له عليه إلا ثمن واحد فكذلك لا يكون له أن يأخذ الأم ويحاص بثمن الولد نفسه وبالله التوفيق.

فصل [4 - من قام بعيب بعد تعليم صنعة أو كبر صغير أو هرم كبير] ومن المدونة: قال مالك: ومن ابتاع عبدًا أعجميًا فعلمه البيان، أو صنعة نفيسة فارتفع ثمنه لذلك، أو ابتاع أمة فعلمها الطبخ والغسل ونحوه فارتفع ثمنها لذلك، ثم ظهر على عيب فليس ذلك فوتًا، وله أن يرد أو يحبس ولا شيء له. وأما صغير يكبر، أو كبير يهرم فذلك فوت يمنع من رده ويوجب له الرجوع بقيمة العيب، وإن كره البائع، وقد تقدم الاختلاف في هذا الباب الأول. قال بعض فقهائنا القرويين: وكان يجب في تعليم العبد والأمة الصنعة أن يمسك ويرجع بقيمة العيب لما أخرج في تعليمها، وقد قال أشهب فيمن أعتق عبدًا وعليه دين فبيع في دينه، ثم أيسر الذي بيع عليه، ثم أعدم فوجد مشتري العبد بالعبد عيبًا كان عند بائعه فكان له رده عليه فخاف إن رده أن يعتق عليه لليسر الذي كان حدث له ويتبعه بالثمن متى أيسر فأراد الرجوع بقيمة العيب فقال: ذلك له للضرر الداخل عليه، وقد تقدمت مسألة الذي اشترى سلعة فأدى في حملها ثمنًا ثم وجد عيبًا أن له أن يمسك، ويرجع بقيمة العيب فهذا مثله.

فصل [5 - تفسير الرجوع بقيمة العيب] قال ابن القاسم: وتفسير الرجوع بقيمة العيب أن ينظر إلى قيمة الجارية صحيحة يوم اشتراها على أن لا عيب بها فيقال: مئة دينار، وقيمتها حينئذٍ على أن بها العيب فيقال: ثمانون دينارًا فقد نقصها العيب الخمس فيوضع عن المشتري ما بين القيمتين، وهو خمس الثمن كان الثمن أكثر من القيمة أو أدنى فإن كان الثمن خمسين حط عنه عشرة؛ لأنه باعه خمسة أجزاء فدفع إليه أربعة وبقي عنده جزء فوجب أن يرجع بثمنه فيصح له في الأربعة أجزاء أربعون. قال: وإن أراد أن يردها ويرد معها ما نقصها فتقوَّم أيضًا كما ذكرنا ليعلم ثمن ما قبض المبتاع ليغرم قيمة العيب منه إذ ليس عليه أن يغرم قيمة العيب من أمة صحيحة، ولكن من أمة معيبة كما قبض وتفسير ذلك أن يقال: ما قيمتها يوم وقع الشراء صحيحة بلا عيب؟ فيقال له: مئة وما قيمتها حينئذٍ وبها العيب القديم؟ فيقال: ثمانون فيطرح للمشتري من الثمن الذي اشتراها به خمسه،

وتبقى أربعة أخماسه فذلك ثمنها يوم قبضها، ثم ينظر الثالثة إلى قيمتها يوم وقع الشراء بالعيبين القديم والحادث فإن قيل: ستون فقد نقصها العيب الحادث ربع ما تبقى من ثمنها بعد أن أسقط عنه خمس الثمن، فإن كان الثمن كله خمسين فإن رجع بقيمة العيب رجع بخمس الثمن عشرة، وإن ردها وما نقصها غرم ربع ما بقي من الثمن وهو عشرة فيقاصه بذلك من ثمنها ويأخذ ما بقي. م: وهذا معنى ما في المدونة، وكذلك فسره ابن المواز، وهذا أبين وأقيس، وبالله التوفيق. م: وقال أحمد بن المعذل: إذا طلع على عيب قديم، وحدث عنده عيب، فإن أحب أن يتمسك بالعبد فليرجع بقيمة العيب من الثمن الذي اشتراها به ينظر

إلى قيمة العبد يوم الشراء، وإذا أحب أن يرده رده ورد معه قيمة العيب يوم الرد، ينظر كم قيمته يومئذٍ وبه العيب القديم؟ وكم قيمته وبه العيب الثاني؟ فيرد معه قيمة العيب الثاني، وليس في هذا العيب مرجع إلى أصل ثمن؛ لأنه فسخ بيع، ألا ترى لو نمى العبد أو نقص لرد بنمائه ونقصانه ولا شيء عليه، فكذلك يرد قيمة العبد يوم الرد، والعيب القديم البائع ألزمه للمشتري يوم الشراء، فيومئذٍ ينظر إلى قيمته ويرجع عليه المبتاع في الثمن الذي أخذه منه ولم ينفسخ بينهما بيع، قال: وما أعلم أن أحدًا من أصحابنا تكلم عليها. م: وحكي لنا عن بعض فقهائنا القرويين أنه قال: لو رأى ابن المعذل كلام ابن القاسم لم يخالفه، ولظهر له صوابه؛ لأن ما نقصه بالعيب الحادث قد فات بيد المبتاع فكأنه قد تم فيه البيع فيحاسب فيه بما يخصه من الثمن ويرد ما بقي من العبد إذ لم يتم فيه بيع فيأخذ ما يخصه من الثمن وهذا بيّن. م: وما نقصه كطعام أكله ثم أطلع على عيب فإنه يرد ما بقي، ويرجع بحصته من الثمن ويبقى عليه ما أكل بحصته من الثمن، وهذا بيّن وبالله التوفيق.

[الباب السادس] في من ابتاع أمة على جنس فوجدها على خلافه

[الباب السادس] في من ابتاع أمة على جنس فوجدها على خلافه [فصل 1 - من ابتاع أمة على أنها جنس فأصابها من جنس آخر] قال ابن القاسم: ومن ابتاع أمة على أنها بربرية فأصابها خراسانية فله ردها. قال في كتاب محمد: وكذلك إن اشتراها على أنها خراسانية فأصابها بربرية فله أن يردها لإشكال ما بينهما يريد محمد ليس إحداهما بأفضل بأمر بيَّن. قال في المدونة: وإن شرطها صقلية أو أبرية أو أشبانيه فأصابها بربرية أو خراسانية فلا يردها؛ لأن هذا الجنس أفضل مما شرط، وإنما يذكر الأجناس لفضل بعضها على بعض، فإذا وجد أرفع جنسًا مما طلب فلا رد له إلا أن يعلم أن المبتاع أراد بذلك وجهًا فيرد مثل أن يكره شراء البربرية لما يخاف من أصولهن، وحريتهن، وسرقتهن ونحو ذلك فيرد وما لم يكن على هذا الوجه وليس فيه عيب يرد به أو يضع من الثمن فلا رد له.

وفي كتاب محمد: من اشترى جارية على أنها نصرانية فأصابها مسلمة فقال: إنما أردت أن أزوجها غلامي النصراني فإن علم ذلك ردها وإن لم يعلم ذلك لم يردها. [فصل 2 - من اشترى جارية يريد اتخاذها أم ولد فإذا نسبها من العرب] ابن القاسم: ولقد سمعت مالكًا وسأله ابن كنانة ونزلت هذه المسألة بالمدينة في رجل اشترى جارية أراد أن يتخذها أم ولد فإذا نسبها من العرب، فأراد ردها لذلك، وقال: أخاف إن ولدت مني وعتقت يومًا جر العرب ولاءها دون ولدي. قال مالك: لا أرى هذا عيبا ترد به. قال بعض فقهائنا القرويين: معنى قوله جر العرب ولاءها دون ولدي: يريد ميراثها إذ الأغلب أن لها عصبة يرثونها، والولاء إنما يورث به بعد عدم النسب فكأنه يقول: يبعد ميراثها بالولاء لكثرة عصبتها.

م: قال المغامي: قوله يجر العرب ولاءها يريد أن نسبها يستفيض ويغلب حتى ينسي ولاءها فيقال: فلانة بنت فلان، ولا يقال: فلانة مولاة فلان هذا الذي يجر من الولاء؛ لأن الولاء لا ينتقل عن المعتق بحال لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما الولاء لمن أعتق». [فصل 3 - القرشي إذا تزوج أمة رجل ثم ولدت ولدًا أعتقه صاحب الأمة فإنه يرجع إلى أنساب قريش] وسئل يحي بن عمر عن قرشي تزوج أمة رجل من العجم فأولدها فأعتق الرجل ولد القرشي أنهم يرجعون إلى أنساب قريش حتى كأنهم لم يمسهم رق قط، وكذلك جميع العرب؛ لأن أنسابهم معروفة يتوارث بها، واحتج

بمسألة مالك رحمه الله، وفي كتاب العتق من المستخرجة من سماع سحنون في رجل أعتق ابن أمته من رجل عربي هل يثبت ولاؤه له؟ ولكنه ينسب إلى نسب أبيه وعشيرته، ولا يرثه الذي اعتقه، وقال سحنون. وقال بعض الأنلسين: جميع أصحاب مالك مجمعون على أن الولاء لمن أعتق ما لم يكن المعتق من العرب فلا يكون لمن أعتقه ولاءه إلا أشهب فقال: ولاؤه لمن أعتقه. م: وهذا الذي ذكر لا وجه له والصواب من ذلك أن الولاء لمن أعتق كان المعتق عربيًا أو عجميًا، والدليل على ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: «الولاء لمن أعتق» فهو على عمومه. قال ابن شفاعة: واتفق علماء الأمصار أن الولاء نسب ثابت للمعتق من معتقه، وأن حكم المولي المعتق حكم العصبة يعقل عن مولاه من أسفل ويرثه إذا لم يكن له عصبة. قال: ولم يختلف أهل العلم أن أهل الكفر من العرب وغيرهم لم يزالوا في الجاهلية يُغيِرُ بعضهم على بعض، ويسبي بعضهم بعضًا، ويسترقه، ثم جاء الإسلام وفي يد المشركين رقيق مما كانوا يسبونه في الجاهلية فأقرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كل رجل منهم على ما في

يده، وأجاز شراءهم، وبيعهم، وعتقهم لهم، وجعل الولاء لمعتقه منهم: زيد بن حارثه كان رجلاً من العرب سبي في الجاهلية فاشترته خديجه بنت خويلد، ثم وهبته للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فأعتقه فكان ولاؤه له، ومنهم: صهيب بن سنان كان رجلاً من العرب فسبته الروم، فاشتراه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- فاعتقه فكان مولى له. [فصل 4 - من اشترى أمة على أنها نصرانية فوجدها مسلمة] ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن ابتاع أمة على أنها نصرانية فوجدها مسلمة فكرهها. وقال: إنما أردت أن أزوجها من عبدي النصراني، فإن عرف ذلك من العذر وشبهه فله ردها بذلك؛ لأن ذلك يضطره إلى شراء غيرها

وإن لم يعلم لذلك وجه فلا رد له. وقال أصبغ: أو اليمين عليه ألا يملك مسلمة، وقد اشترطه فله شرطه، وكذلك في كتاب ابن المواز. وقال عن أصبغ: وذلك إذا اشتراها بشرط، والشرط ضعيف. م: قيل لأبي بكر بن عبد الرحمن: فإن ثمن النصرانية صقلية أكثر من ثمن المسلمة بتفاوت كثير. قال: إذا كان الأمر على ما ذكرت فإنه يردها، وإنه لشديد أن يكون الإسلام عيبًا. [فصل 5 - من اشترى عبدًا على أنه أعجمي فوجده فصيحًا] ومن الواضحة: ومن ابتاع عبدًا أو أمة على أنه أعجمي فألفاه فصيحًا، أو على أنه مجلوب فألفاه مولودًا فهو عيب يرد به رفيعًا كان أو وضيعًا لرغبة الناس في المجلوب لغير وجه، وقال أصبغ في العتبية عن ابن القاسم.

[الباب السابع] فيمن دلس في عبد بعيب فهلك بسببه

[الباب السابع] فيمن دلس في عبد بعيب فهلك بسببه [فصل 1 - السلعة المدلسة بعيب تهلك بسببه يكون ضمانها من البائع] روى سحنون أن السبعة من فقهاء التابعين قالوا فيمن دلس بعيب في أمة أو عبد فهلك بسبب ذلك العيب فهو من البائع ويأخذ المبتاع منه الثمن كله. قال بعض البغداديين: دليلة المرأة تغر من نفسها أن للزوج الرجوع عليها بجميع الصداق إلا قدر ما يستحل به فرجها؛ لأنها مدلسة بذلك العيب فكذلك هذا. قال مالك في من باع عبدًا دلس فيه بعيب فهلك العبد بسبب ذلك العيب أو نقص: فضمانه من البائع، ويرد جميع الثمن كالتدليس في المرض فيموت منه أو بالسرقة فيسرق فتقطع يده فيموت من ذلك أو يحي، أو بالإباق فيأبق فيهلك، أو ذهب فلم يرجع.

قال ابن شهاب: أو بالجنون فخنق فمات من ذلك فهذا كله ضمانه من البائع، ويرد جميع الثمن. قال مالك: وهذا بعد أن يقيم المتباع ببينة أن العيب قديم، وأن البائع باعه بعد علمه به فإن ثبت علم البائع بهذا كله حين البيع ودَّي جميع الثمن. قال ابن القاسم: وإن كان لم يدلس؛ لأنه باعه وهو غير ذاكر للعيب فليس للمشتري إلا قيمة عيبه ولو قال: علمت بالعيب ولكني أُنسيت أن أذكره عند البيع حلف على ذلك ولم يكن عليه إلا قيمة العيب. ابن المواز: قال ابن القاسم عن مالك: وإذا دلس بالإباق فأبق العبد فقام المبتاع بذلك فقال البائع: لم يأبق عندك ولكن غيَّبته أو بعته، ولم يقبل قول البائع، ولم يكن على المشتري أكثر من يمينه: ما باع ولا غيَّب ولقد أبق منه، ثم يأخذ ثمنه منه، وليس عليه أن يقيم البينة أنه أبق منه.

[وتحت هذا الفصل عدة مسائل] المسألة الأولى: من باع سلعة كتم بعض عيوبها هل يكون حكمه حكم من كتم جميع العيوب؟] م: وسئل أبو بكر بن عبد الرحمن عن الذي يبيع عبدًا ويقول للمشتري أبق مني شهرًا وهو قد أبق سنة ونحو ذلك من العيوب التي يكتم بعضها. هل يكون حكمه حكم من كتم جميع العيوب أم لا؟ فقال: الذي عندي إنه إن هلك العبد في المقدار الذي بّين له فأقل فلا يكون كالمدلس، وإنما يرجع عليه بقيمة العيب، وإن هلك في الذي دلس عليه به فليرجع عليه بجميع الثمن مثل أن يقول: أبق شهرًا وهو قد أبق سنة، فإن أبق فهلك في الشهر فأقل فلا يكون كالمدلس، وإنما يرجع عليه بقيمة العيب، وإن هلك بعد الشهر فيرجع عليه بالثمن كله لهلاكه فيما دلس به، وكذلك لو أبق إلى بلد فذكر له أنه أبق إلى بلد أقرب من ذلك، فإن أبق في مثل تلك المسافة التي بَّين له فأقل فهلك فيها لم يكن كالمدلس، وإن زاد

عليها فهلك في تلك الزيادة رجع عليه بجميع الثمن، ولا يراعى في ذلك هل بين له أكثر العيب أو أقله وإنما يراعى ما ذكرنا. وقال غيره من أهل بلدنا: إذا قال: أبق مرة وقد كان أبق مرتين فأبق عند المشتري فهلك بسبب الإباق، فإنما يرجع بقدر ما كتمه بخلاف أن لو دلس بجميع الإباق. وقال غيره: إن بَّين له أكثر العيب الذي هلك بسببه رجع المشتري هاهنا بقدر ما كتمه، وإن كتمه أكثر العيب رجع المشتري بجميع الثمن. [المسألة الثانية: إذا باع سلعة بها عيب لم يطلع عليه المشتري ثم إزداد ذلك العيب فأراد المشتري ردها] وسئل أبو بكر بن عبد الرحمن إذا باع عبدًا وبه ورم، ثم اتسع ذلك الورم عند المشتري فقام عليه بذلك الذي لم يعلمه به فقال البائع: قد زاد ورمه عندك فرد على ما نقصه، فقال: لا شيء عليه؛ لأنه هو الذي بسببه يقوم المشتري ولذا يكون عليه ما نقص لو حدث عنده به ورم في موضع آخر، وكذلك كل العيوب التي

يقوم بها من إباق وغيره إذا زادت عند المشتري لا شيء على المشتري فيها؛ لأن ذلك هو الذي بسببه يقوم على بائعه، وسواء دلس بذلك أم لا. وقال غيره: إذا كان البائع غير مدلس فزاد الورم كثيرًا فعليه ما نقص كما لو هلك بسببه فإنه يرجع بقيمة العيب وضمانه من المشتري، فإذا كان ضمانه منه فكذلك ضمان ما نقصه. م: صواب. ومن الواضحة قال ابن دينار: ليس الإباق كالسرقة، وإذا هلك في إباقه فللمبتاع قيمة عيب الإباق فقط إذا لم يعطبه الإباق إلا أن يلجئه الهرب في عطب كالنهر يقتحمه، أو يتردى من مهواة فيهلك، أو يدخل مُدَّخلاً فتنهشه حية ففي هذا يرجع بجميع الثمن، وقال جميع أصحاب مالك بقول مالك؛ لأنه بالإباق ضمنه حين دلس به.

[فصل 2 - هل يضمن المبتاع ما حدث بالسلعة من ضرر بسبب عيب التدليس؟] ومن المدونة قال مالك: ولا شيء على المبتاع فيما حدث بالعبد من عيب بسبب عيب التدليس، وأما ما حدث به من غير سبب عيب التدليس فلا يرد إلا مع ما نقصه ذلك، أو يحبسه ويرجع بعيب التدليس كما فسرناه. [فصل 3 - من باع جارية ودلس بحملها فماتت منه ولم يعلم به المبتاع] قال في باب بعد هذا: ومن باع جارية حاملاً، ودلس بحملها فماتت منه، ولم يعلم به المبتاع فله الرجوع بالثمن، ولو علم فلم يردها حتى ماتت منه كانت من المبناع. ابن المواز: قال أشهب: ولا رجوع له بثمن ولا قيمة عيب. قال في المدونة: إلا أن يبادر في الطلب ولم يفرط لقرب ذلك، أو لم يعلم إلا عندما ضربها الطلق، فطلب الرد فلم يصل إليه أو إلى السلطان حتى ماتت فهي من البائع. وكذلك لو مضى بعد علمه وقت [يعلم] في مثله ما يرد ولكن لا يعد فيه راضيًا لقربه كاليوم ونحوه، ويحلف بالله أنه لم يكن منه رضى ولا كان إلا على القيام؛ وإن لم يدلس له البائع فإنما له الرجوع بما بين الصحة والداء.

[الباب الثامن] في من باع عبدا بعبد أو بعرض أو بما يكال أو يوزن ثم قام بعيب

[الباب الثامن] في من باع عبدًا بعبد أو بعرض أو بما يكال أو يوزن ثم قام بعيب [فصل 1 - من باع سلعة بسلعة ثم قام بعيب فله ردها ولا شيء عليه] قال مالك: وإن ابتعت من رجل عبدًا بعبد، أو بعرض فأصبت به عيبًا فلك رده ولا شيء عليك فيما دخله عندك من نقص خفيف أو حوالة سوق. م: لأن ذلك لا يفيت الرد بالعيب لدخول الضرر على المبتاع بإلزامه سلعة معيبة لم يرض بها، ويفيت عوضها؛ لأنه أخرجه من يده على المعاوضة فقيمته عرض له ولم يدخل ظلم على واحد منهما. قال مالك: فإذا رددت العبد بالعيب رجعت فيما دفعت من عبد أو عرض فتأخذه إلا أن يهلك عند مبتاعه منك أو يبيعه أو يتغير عنده في سوق أو بدن فلا يكون لك أخذه ولا أخذ ما باعه به وإنما لك قيمته يوم ابتاعه منك. [فصل 2 - من باع سلعة بما كال أو يوزن ثم قام بعيب] قال: ولو كانت ابتعت العبد من طعام أو غيره فرددت العبد بالعيب وقد تلف الثمن الذي دفعت فيه فإنك ترجع بمثل ما دفعت من الكيل أو الوزن كالعين.

م/ لأن المبتاع لما يكال أو يوزن قبض ذلك وصار في ضمانه فإذا وجب الرجوع فيه لانتقاض البيع وقد فات صار المبتاع له كمن أتلف شيئًا غيره فعليه مثله؛ لأنه مما يقضى بمثله في المتلفات والتعدي كالعين، وأما لو بعت قمحًا أو ما يقضى بمثله هو بعينه فاستحق لوجب إنتقاض البيع ولم يقض عليه بمثله بخلاف أن لو بعت بعين فاستحق ذلك العين فهذا يجب عليك مثله، والفرق أن هذه الأشياء تراد لعينها فإنما باعه ذلك العين ولم يخلد له في ذمته شيء فإذا استحق بطل فيه البيع، ولم يكن له عليه مثله والدنانير لا تراد لعينها فإنما باعه بشيء في ذمته فعليه مثله في ذمته، فإذا استحق فعليه مثله في ذمته فهذا مفترق.

[الباب التاسع] جامع القول في فساد البيع وصحته وما يفيته قبل قبضه

[الباب التاسع] جامع القول في فساد البيع وصحته وما يفيته قبل قبضه [فصل 1 - ما يحدثه المبتاع في البيع الفاسد من عتق] قال ابن القاسم: ومن ابتاع عبداً فاسداً فلم يقبضه حتى أعتقه المبتاع لزمه العتق ويصير ذلك قبضاً, ويغرم قيمته إن كان له مال فإن لم يكن له مال: لم يجز عتقه. يريد ويرد إلى بائعه لانتقاص العتق كما لو كاتبه فعجز أنه يرد إلى بائعه منه بيعاً فاسداً. وعند أشهب قد أفاته بالعتق فيباع في عدمه عليه في القيمة التي قد لزمته كما لو كاتبه فعجز فيرد إلى بائعه أنه يباع عليه في القيمة في عدمه, وقاله بعض القرويين. قال ابن القاسم: وإنما أجزنا عتق المبتاع فيه وإن كان في ضمان البائع كما لو ابتاع عبداً غائباً بيعاً صحيحاً, واشترط على البائع أنه منه يقبضه فأعتقه المبتاع بعد الشرط جاز عتقه وإن كان في ضمان البائع.

وقال سحنون في البيع الفاسد: لا يجوز فيه عتق المبتاع قبل قبضه؛ لأنه بيع غير منعقد, وضمانه من بائعه حتى يقبضه المشتري. قال ابن القاسم: ولو أعتقه البائع بعد قبض المشتري, وقبل موته لزمه عتقه ورد الثمن. وقال أشهب في كتاب محمد: لا عتق للبائع فيه بعد قبض المشتري ولو رده عليه؛ لأنه أعتق ما ضمانه وملكه بيد غيره. م: أعرفْ أن من أعتق العبد من المتابعين في البيع الفاسد فعتقه ماضٍ كان العبد بيده أو بيد صاحبه فإن أعتقاه جميعاً كان المعتق للأول, فإن جهل الأول منهما فقال بعض أصحابنا: ينبغي أن يمضي عتق من كان العبد بيده, والله أعلم. [فصل 2 - للبائع عدم دفع العبد للمشتري قبل قبض الثمن وعتقه قبل دفع الثمن كالقبض] قال: ومن اشترى عبداً فللبائع أن يمنعه من قبضه حتى يدفع إليه الثمن فإن اعتقه المبتاع بعد الصفقة وقبل دفع الثمن جاز عتقه -ويصير ذلك

قبضاً؛ لأن العبد قبض نفسه بالعتق, ويغرم المشتري جميع ثمنه -إن كان له مال فإن لم يكن له مال رد العتق, وبيع في الثمن يريد إلا أن يكون فيه فضل عن ذلك الثمن فيعتق ذلك الفضل. م: ويباع على التبَّعيض وصفة ذلك أن يقال: كم يشتري منه بالثمن وهو مئة فيقال تسعة أعشاره فيقول غيره: أربعة أخماسه, ويقول آخر: سبعة أعشاره حتى يقف على جزء منه ويعتق ما لم يبع, وكذلك في مسالة البيع الفاسد إذا كان فيه فضل عن القيمة مثل أن يتأخر القيام عليه حتى يزيد سوقه فيقال: قيمته يوم العتق مئة, وقيمته اليوم مئتان فيباع, نصف للقيمة إن وجد من يشتريه بمئة ويعتق ما بقي. ابن المواز: وقال الأشهب: فإن كانت القيمة التي لزمت المبتاع أكثر من الثمن الذي عقد به البيع فليرد من أعتق العبد. م: قدر الثمن فقط؛ لأنه لم يلزمه ما سواه من بقية القيمة إلا بعد عتقه ولكنه يتبع بذلك ديناً. ابن المواز: وهذا مذهب ابن القاسم. وفي كتاب العتق زيادة في هذا. ومن المدونة قال مالك: إلا أن ييسر قبل البيع فيجوز ذلك العتق, ويؤخذ ذلك الثمن في البيع الصحيح أو القيمة في البيع الفاسد من ماله.

قال مالك: ولو بيع عليه بالقضاء/ ثم رجع إليه بشراء أو غيره لم يعتق عليه, وإن كانت أمة حل له وطئوها. [مسألة: من أسلم في عرض موصوف سلماً فاسداً ثم باعه أن ذلك فوت] م: وذكر عن أبي عمران في من أسلم في عرض موصوف سلماً فاسداً ثم باعه بيعاً صحيحاً أن ذلك فوت كسلعة معينة اشتريت شراء فاسداً, وباعها مشتريها بيعاً صحيحاً قبل القبض أو بعده أو اكترى دراً كراء فاسداً ثم أكرى ذلك من غير كراء صحيحاً. وذكر عن أبي بكر ابن عبد الرحمن في مسألة السلم أنه قال: ليس عقد البيع فوتاً بل يفسخ, وهو بخلاف السلعة المعينة, وفي المعينة اختلاف من قول مالك. م: وأرى ذلك ما ذكر ابن المواز من اختلاف قول مالك في اشتراء الثمرة قبل بدو صلاحها ثم يبيعها بعد ذلك.

[فصل 3 - بيع سلعة حاضرة بسلعة غائبة موصوفة جائز] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن ابتعت سلعة حاضرة بسلعة غائبة في بيتك موصوفة فالبيع جائز. م: وفي كتاب ابن المواز لا يجوز بيع السلعة في بيتك على الصفة إذ لا ضرورة تدعوهما إلى ذلك وهذا بيَّن. قال في المدونة: وكذلك إن كانت سلعتك بموضع قريب يجوز فيه النقد, ووصَفْتَها له جاز ذلك, فإن هلكت سلعتك في الوجهين قبل وجوب الصفقة رددت التي قبضت إلا أن تفوت التي قبضت عندك ببيع, أو عتق, أو حوالة سوق فيلزمك قيمتها يوم التبايع, ولو كانت سلعتك بموضوع بعيد لا يصلح فيه النقد وشرطت قبض التي قبضت فسد البيع, وترد التي قبضت إن كانت قائمة, وإن بعتها, أو أعتقها بعد ذلك لزمتك قيمتها يوم قبضتها ولو أعتقها في الوجهين ولا مال لك رد العتق.

[فصل 4 - الضمان في البيع الفاسد من البائع حتى يقبض المبتاع] قال مالك: وكل بيع فاسد فضمان ما يحدث بالسلعة في سوق, أو بدن من البائع حتى يقبضها المبتاع. قال ابن القاسم: وإن كانت جارية فأعتقها المبتاع قبل أن يقبضها أو كاتبها, أو دبرها, أو تصدق بها قبل أن يقبضها فذلك كله فوت إن كان له مال. وأما إن حدث بها عيب, أو تغير سوق, أو بدن, أو ماتت, وذلك كله قبل أن يبضها المشتري فضمان ذلك من البائع؛ لأنه بيع فاسد فلا يضمن ذلك المبتاع حتى يقبض, وأما العتق, والكتابة, والتدبير, والصدقة فهو أمر أحدثه المشتري فضمن ما أحدث إذا كان يقدر على ثمنها. م: واختلف إن باعها قبل أن يقبضها فحكى عن أبي محمد بن أبي زيد أن ذلك ليس بفوت بخلاف العتق؛ لأن العتق قبض وله حرمة فأجيز لذلك.

وحكى لنا عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن البيع فوت, وإن لم يقبضه المبتاع كالصدقة به م: وهذا أشبه بظاهر الكتاب؛ لأنه أمر أحدثه المبتاع فهو بخلاف ما أحدثه البائع أو كان من أمر الله تعالى. م: ولأن الصدقة تفتقر إلى القبض, والبيع لا يفتقر إلى القبض فإن كان في الصدقة فوت فهو في البيع أحرى أن يكون فوتاً؛ ولأن حق المتصدق عليه عن غير عوض, وحق المبتاع عن عوض, وما كان عن عوض فهو أقوى كالدين, والميراث أن الدين لما كان عن عوض بُديّ به على الميراث. وقد قال مالك في كتاب ابن المواز في من اشترى تمراً في رؤوس النخل قبل طيبه فباعه بعد طيبه قبل جده أن بيعه فوت, وعليه قيمته يوم بدا صلاحه. قال محمد: بل قيمته يوم باعه المشتري. قال وقد كان مالك يقول: يرد عليه عدد المكيلة تمراً.

م: يريد يسأل المشتري منه كم جدَّ منه؟ فيرد مثله. م: فقد جعل مالك بيع التمر في هذا فوتاً فهي كبيع العبد قبل قبضه. وقد قال ابن القاسم في من أكترى دراً كراءً فاسداً فيكريها من غيره كراء صحيحاً مكانه أن ذلك فوت, ولا ينقص الكراء الآخر, ويرجع فيه إلى قيمة كراء مثلها ما بلغ؛ لأن الكراء بمنزلة البيع الفاسد, ويتم الكراء الثاني. قال أصبغ: وهو الشأن/ في ذلك, والصواب فيه, وهذا أمر بين يغني عن الاحتياج, وبالله التوفيق. [فصل 5 - الجارية يكاتبها المشتري ثم تعجز هل يعد فوتاً؟] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا قبض الجارية المبتاع فكاتبها ثم عجزت بعد أيام يسيرة فله الرد إلا أن يتغير سوقها قبل رجوعها إليه فذلك فوت, وإن

عاد لهيئته أو يمضي للأمة مثل الشهر فلا بد أن تتغير في بدنها فتفوت. وأشهب يفتيها بعقد الكتابة, وإن عجزت من ساعتها. [فصل 6 - حكم بيع الجارية ورهنها وإجارتها وحوالة سوقها واتخاذها أم ولد في البيع الفاسد] قال ابن القاسم: وإن اشتراها بيعاً فاسداً فرهنها, أو أجرها فذلك فوت إلا أن يقدر على افتكاكها من الرهن, أو يقدر على فسخ الإجارة فلا أراه فوتاً. قال أبو محمد: وقال أشهب: إذا رهنها فقد لزمته القيمة. ومن المدونة قال: وإن اتخذها أم ولد في البيع الفاسد, أو باعها كلها, أو نصفها, أو حال سوقها فقط فذلك فوت في جميعها. قال ابن المواز: ومن ابتاع حلياً بيعاً فاسداً فإن كان جزافاً فاتته حوالة الأسواق فليرد قيمته, وإن كان على وزن لم يفته ذلك ورد وزنه. [فصل 7 - المسلم يشتري الجارية من ذمي بخمر ثم يعتقها, أو يُحْبِلها فما الحكم؟] ومن المدونة قال: وإن اشترى مسلم جارية من ذمي بخمر فأعتقها, أو أحبلها فذلك فوت, وعليه قيمتها.

قال سحنون في غير المدونة: ويؤخذ الخمر من هذا النصراني أو مثلها إن كان أتلفها فيهراق, وقاله أشهب. م: وهذه المسألة تجري على اختلافهم في المسلم يبيع خمراً من نصراني بدنانير فعلى قول ابن القاسم الذي قال فيه: يؤخذ الثمن من النصراني فيتصدق به يجب أن يتصدق هاهنا بقيمة الجارية, ويترك الخمر للنصراني, ولو كانت الجارية قائمة لبيعت عليه وتصدق بثمنها أدباً له, وعلى قوله: لا يؤخذ الثمن من النصراني وإن أخذ منه رد عليه, وأغرم خمراً مثل ما أخذ فتكسر على المسلم؛ لأن أخذ الثمن منه إجازة لشرائه فيجب في هذه المسألة أن يدفع القيمة إلى النصراني أو الجارية إن لم تفت, ويغرم خمراً مثل ما أخذ فتهراق على المسلم, وهو قول سحنون, وإليه ذهب ابن المواز, وترد الجارية إن لم تفت, ولا فرق بين أن يكون الثمن عيناً أو جارية وهذا بيَّن. [مسألة: الحكم في من ابتاع سلعاً متعددة بيعاً فاسداً فباع أكثرها] م: قيل لأبي بكر بن عبد الرحمن في من ابتاع عشر سلع صفقة واحدة فباع تسعة منها فهل ذلك فوت في جميعها لفوت أكثرها أم لا؟ قال: لا بل يرد

الثوب الباقي إن كان قائماً, ولا يراعى فوت أكثر السلع. قال بعض أصحابنا: فإن قيل: إن فوات أكثر الثياب يبخس هذا الثوب الباقي قيل: يلزمك هذا لو فات ماله بمال مثل نصف الثياب أو أقل؛ لأن الجملة يزاد في ثمنها, وعدم بعضها يبخس ما بقي, وليس هذا مما يراعي في الرد بالعيب والله أعلم. قيل لأبي بكر بن عبد الرحمن: قد فرقوا في البيع بين الفوت في الرباع والحيوان فهل حكم بيع السلعة بالسلعة كذلك إذا استحقت إحدى السلعتين أو وجد بها عيباً؟ قال: الحكم في ذلك واحد ولا تكون حوالة الأسواق في الربع فوتاً كما هو في البيع الفاسد. [فصل 8 - إذا وجبت القيمة لم ينظر إلى الثمن إلا في البيع والسلف] ومن المدونة قال مالك: وإذا وجبت القيمة في البيع الفاسد لم ينظر هل هي أقل من الثمن أو أكثر إلا في البيع والسلف وهذا مذكور في البيوع الفاسدة.

[فصل 9 - من ابتاع جارية على شرط] قال ربيعة: ومن ابتاع جارية على أن لا يبيع, ولا يهب, أو على أن يلمس ولدها فلا يحل للمبتاع وطؤها على شيء من هذه الشروط, ويخير البائع بين إمضاء البيع بلا شرط أو فسخ البيع, وقد قال عمر بن الخطاب للذي ابتاع أمة من زوجته على أنه متى باعها كانت أحق بها بالثمن: لا تقربها وفيها شرط لأحد. م: يريد لأنه لم يملكها ملكاً تاماً.

[الباب العاشر] في من قام بعيب أو بفساد بيع وبائعه غائب واستخدامه بعد علمه بالعيب

[الباب العاشر] في من قام بعيب أو بفساد بيع وبائعه غائب واستخدامه بعد علمه بالعيب/ [فصل 1 - من وجد عيباً قديماً بعبد وبائعه غائب] قال مالك: ومن اشترى عبداً فوجد به عيباً قديماً لا يحدث مثله فرفعه إلى الإمام والبائع غائب فعلى المبتاع البينة أنه ابتاع بيع الإسلام وعدته, فإن أقامها لم يعجل الإمام على القريب الغيبة, وأما البعيد فليتلّوم له إن طمع بقدومه, فإن لم يأت قضى عليه برد العبد ثم يبيعه عليه, ويعطي المبتاع ثمنه الذي نقد فيه بعد أن تقول بينة أنه نقد الثمن وهو كذا وكذا ديناراً فما فضل حبسه الإمام للغائب عند أمين, وإن كان نقصاناً اتبعه به المبتاع.

[فصل 2 - إثبات البيع الفاسد في العبد وبائعه غائب] قال: ولو أقام المبتاع البينة على الغائب أنه ابتاع منه العبد بيعاً فاسداً, فإن لم يتغير في سوق أو بدن فعل فيه الأمام كفعله في العيوب, وإن تغير في العيوب, وإن تغير في سوق أو بدن ألزم المبتاع قيمته يوم قبضة ويترادان هو والبائع الفضل متى لقيه. فصل [الحاكم يوقف ما فضل من ثمن السلعة التي قام مشتريها بعيب والبائع غائب بعد بيعها وفي ثمنها فضل ولا يوقفه في فوات السلعة في البيع الفاسد] م: انظر لم لم يوقف الفضل في فوات العبد كما أوقفه إذا لم يفت أو باعه في العيب؟ فالجواب عن ذلك أن في العيب إذا لم يفت في البيع الفاسد العبد يباع للمبتاع فيقضي منه ثمنه ثم يكون النظر للحكم في الفضلة في أن يوفقها بيد من يحب المبتاع

أو غيره؛ لأنه مال ناض وفي فوات العبد في البيع الفاسد لم يبع فينض من ثمنه فضل وإنما ألزم المبتاع بقيمته فإن كان فضل فهي كدين للغائب على المبتاع وليس للحاكم تقاضي ديون الغائب إلا أن يكون مفقوداً, ونحو هذا لابن أبي زمنين إلا أن في هذا زيادة تفسير. قال بعض أصحابنا وهذا بخلاف من جنى على مال غائب فإن هذا للسلطان أن يأخذ القيمة من الجاني؛ لأن رب ذلك لم يرض بكون ذلك في ذمته فليس هو كمن رضي بمداينته. قال بعض فقهائنا القرويين: وإنما, ألزم المبتاع البينة أنه ابتاع بيع الإسلام وعهدته إذا أبى أن يحلف وإلا فالقول مع يمينه في دعواه صحة البيع وأما نقد الثمن فمحمول على العادة. يريد فإن كانت العادة نقد الثمن حلف أنه نقده وهو كذا, وإن كانت العادة على غير النقد كُلَّف البينة على نقده وعدده.

[فصل 3 - القيام بعيب مفيت وبائعه غائب] ومن سماع ابن القاسم: ومن ابتاع عبداً فقام فيه بعيب يفيته في يديه وبائعه غائب بمكة أتى به السلطان وأشهد عليه. -م: يريد ثم لم يحكم له حتى قدم البائع- والعبد مريض قال: فليرده وهو مريض إلا في المرض المخوف. قال عيسى عن ابن القاسم: فإن كان مخوفاً استوفى به ما لم يتطاول ذلك إلى ما فيه ضرر, فإن تطاول ذلك أو هلك رجع عليه بقيمة العيب. وابن المواز: ولو كان برؤه قريباً رده. م: قال بعض أصحابنا: ولو حكم برد العبد حين ثبت عنده قدم العيب ونقد الثمن فسواء وجده صحيحاً أو مريضاً مرضاً مخوفاً أو غير ذلك فلا كلام له في ذلك ويرّجعُ عليه بثمنه أو يبيعه في عدمه أو غيبته ويقضي من ثمنه ثمنه.

ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع عبداً من رجل فسافر به ثم وجد به عيوباً فأشهد عليها ثم باعه ثم قدم فخاصمه فإن لم يرفع إلى السلطان حتى يقضي له برده وبيعه فلا شيء عليه. قال ابن المواز: وإن كن في بلد لا سلطان فيه أو فيه سلطان لا يحكم على غائب أو تناول السلطان بعيد رأيت أن يشهد على ذلك ويبيع ويرجع ببقية الثمن. [فصل 4 - القيام بالعيب في الدابة بعد السفر واستخدامه لها بعد العلم بالعيب] واختلف قول مالك في الدابة يبتاعها ثم يسافر بها ثم يجد بها عيباً في سفره فروى عنه أشهب أنه حمل عليها بعد علمه بالعيب لزمته. وقال به أشهب وابن عبد الحكم. وروى عنه ابن القاسم أن له أن يردها وليس عليه في ركوبها شيء بعد علمه ولا عليه أن يكري غيرها ويسوقها وليركب فإن وصلت بحالها ردها وإن/ عجفت ردها وما نقصها أو يحبسها ويأخذ قيمة العيب إذا نقصت وبه قال ابن القاسم وأصبغ.

م: فوجه رواية أشهب أنه تصرف بعد علمه بعيبها فهو كالحاضر ولا يسقط حق غيره اضطراره إليها؛ لأنه إنما تصرف لحظ نفسه. ووجه رواية ابن القاسم هو أن المضطر في حكم المكره ولو تصرف مكرهاً لم يسقط خياره فكذلك مع الاضطرار ألا ترى أنه يحل له أكل مال غيره إذا اضطر إليه وخاف على نفسه الموت ففي هذا أحرى. م: وبه أقول وبه أخذ ابن حبيب. قال: وإن سافر بما اشتراه يلبسه أو دابة أو جارية أو عرض له نقل وعليه في رد ذلك مؤنة فليقم البينة أنه اشترى بيع الإسلام وعهدته, ولم يتبرأ له من ذلك العيب, فيحلفه السلطان أنه ما تبرأ إليه منه ثم يبيعه على البائع وله الفضل وعليه النقص ويقضي له بذلك, فإن لم يجد بينة فليس له إلا الرضى به أو يرده إلى بلد البائع وله أن يستخدم العبد, وإن كانت أمة فلا يطأها, أو ثوباً فلا يلبسه فإن فعل ذلك رضي بالعيب.

قال: وأما الحاضر فإن له أن يستخدم العبد والأمة خدمة مثلها بعد قيامه إلى أن يقضي له بردهما, ويركب الدابة بالمعروف حتى يقضي له بالرد؛ لأن عليه النفقة والضمان, وأما الثوب فلا يلبسه والأمة فلا يتلذذ منها بشيء. وقاله كله أصبغ وغيره من أصحاب مالك. قال أبو محمد: والذي ذكر ابن حبيب من الخدمة خلاف قول ابن القاسم وأشهب وغيره. وقد قال ابن القاسم في العتبية في الحاضر: يركب الدابة ركوب احتباس لها بعد أن علم بالعيب فإنها تلزمه وذلك رضى, وإن ركبها ليردها وشبه ذلك فلا شيء عليه. قال في كتاب بيع الخيار: ولو تسوق بها, أو ساوم بالثوب, أو لبسه بعد اطلاعه على العيب فذلك منه رضى بالعيب.

[فصل 5 - القيام بعيب في جارية والبائع غائب هل يحلف أنه ما وطئ بعد علمه بالعيب؟] ومن العتبية من سماع عيسى عن ابن القاسم في من قام بعيب في أمة اشتراها وبائعها هل يحلف أنه ما وطئ بعد علمه بالعيب قال: إن كان ممن يتهم فليحلف, وإن لم يتهم لم يحلف. قال سحنون وقال أشهب عن مالك في رد أمة بعيب: فليس للبائع أن يحلفه أنك ما وطئت بعد العلم بالعيب. وقال سحنون جيد.

[الباب الحادي عشر] في القيام بما للمكاتب والمأذون من العهدة وشراء العبد نفسه من سيده بسلعة فيجد بها عيبا والعيب يوجد بالصداق أو فيما أخذ من سلم

[الباب الحادي عشر] في القيام بما للمكاتب والمأذون من العهدة وشراء العبد نفسه من سيده بسلعة فيجد بها عيباً والعيب يوجد بالصداق أو فيما أخذ من سلم [فصل 1 - في المكاتب يشتري العبد فيبعه من سيده ثم يعجز المكاتب ويجد السيد بالعبد عيباً] قال ابن القاسم: وإذا اشترى المكاتب عبداً فباعه من سيده ثم عجز فرجع رقيقاً فوجد السيد بالعبد عيباً كان به عند بائعه من المكاتب فللسيد رده على البائع من المكاتب. [فصل 2 - المكاتب أو المأذون له يشتري سلعة فيجد بهذه السلعة عيباً بعد عجز المكاتب أو الحجر على المأذون, فعلى من تكون عهدة الرد والعيب أو الرضى به] ولو اشترى العبد المكاتب أو المأذون له في التجارة رقيقاً ثم عجز المكاتب أو حُجِرَ على المأذون فللسيد القيام بما لهما من العهدة في الرد بالعيب أو الرضى به وليس للعبد إلا أن يرضى به ولو رضي قبل العجز أو الحجر على وجه النظر بغير محاباة لزم ذلك ولا كلام السيد. [وفيه مسألة: إذا اشترى المكاتب سلعة فمات قبل أن يؤدي كتابته فوجد السيد في السلعة المشتراه عيباً ..]

ولو اشترى المكاتب عبداً فمات المكاتب قبل أن يؤدي كتابته ولم يترك وفاءً بها فوجد السيد بالعبد عيباً بعد أن مات المكاتب فله رده على البائع إلا أن يكون للبائع بينة أنه تبرأ للمكاتب من الغيب وذلك أن مالكاً قال للورثة: أن يقوموا بالعيب فيما ابتاعه الميت, فإن ادعى البائع أنه تبرأ منه الميت كلف البينة وإلا حلف من يظن به علم ذلك من الورثة ورد السلعة. قال سحنون: أخبرني/ ابن نافع أن الورثة يحلفون على العلم قلت: فإن لم يكن فيهم من يظن به علم ذلك. قال: فلا يمين عليه عند مالك. قال: وإذا رد عبد بعيب على المكاتب بعد عجزه أخذ الثمن من ماله فإن لم يكن له مال بيع عليه في الثمن فما فضل فله وما نقص اتبع به. م: قوله فما فضل فله ومما نقص اتبع به إشارة إلى أن عجز المكاتب ليس بانتزاع لما له, وفي المكاتب بيَّن أن عجزه انتزاع وهذا هو الصواب. قال ابن القاسم: إن كان على المكاتب دين فإن رضي المبتاع بالرد عليه كان أسوة الغرماء.

م: قال بعض فقهائنا القرويين: وقد قيل أنه يكون أحق به وكذلك اختلف في البيع الفاسد هل يكون أحق به حتى يقبض ثمنه؟ فصل [3 - في الرجل يبيع عبده من نفسه بأمة له ثم يجد بها عيباً] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا بعت عبدك من نفسه بأمة له فقبضتها ثم وجدت بها عيباً لم يكن لك ردها عليه وكأنك انتزعتها منه وأعتقته. قال ابن المواز: ورجع ابن القاسم فقال إن قاطع عبده على جارية بعينها فوجد بها عيباً أنه يردها ويتبعه بقيمتها, وقاله أشهب, وإنما لا يتبعه فيما اعتقه واستثناه بعينه [لأنه] ليس على المبايعة والمكايسة. [فصل 4 - في الرجل يبيع عبده من نفسه بسلعة ليست للعبد وقت البيع] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو بعته نفسه بها وليست له يومئذٍ قال يحي: وهي بعينها في ملك غيره. قال ابن القاسم ثم وجدت بها عيباً يرد منه رددتها عليه وكان العبد تام الحرية جائز الشهادة واتبعته بقيمة الجارية لا بقيمته بمنزلة المكاتب يقاطعه سيده على جارية يأخذها منه ويعتقه ثم يجد بها عيباً أو تستحق فإنما يرجع عليه بقيمتها لا بقيمة الكتابة, لأن ذلك ليس بدين قاطع عليه وهذا كالنكاح بها إذا

ردت بعيب فإنما ترجع عليه الزوجة بقيمتها لا بصداق مثلها إذ لا ثمن معلوم لعوض الأمة فهو بخلاف البيوع. م: يريد ويجوز أن تقاطع المكاتب على عبده هو في يديه فإذا استحق أو وجد عيباً رجع عليه بقيمته فلا اختلاف في هذا؛ لأن سيده كان غير قادر على أخذ ماله فهو بخلاف العبد وإن أعتق عبده على عبد موصوف فاستحق أو وجد به عيباً رجع عليه بمثله في صفته. م: فصار ذلك في ثلاث رتب في المعين لا يرجع عليه بشيء, وفي الموصوف يرجع عليه بمثله, وإذا كان المعين لغيره رجع بقيمته. [فصل 5 - في العبد يكون صداقاً ثم يوجد به عيب أو يستحق] قال في المدونة وكتاب ابن المواز: وإذا نكحت امرأة بعبد بعينه فظهرت منه على عيب وحدث عندها عيبُ آخر فلها أن تأخذ قيمة عيبه. قال أبو محمد من قيمته أو ترده مع ما نقص عندها وترجع بقيمته صحيحاً.

ابن المواز ولو استحق بحرية فلا شيء عليها للعيب عندها وترجع بقيمته سالماً. ومن العتبية قال سحنون عن ابن القاسم: وإن نكحت بعبد مضمون فقبضته فألفته معيباً فلترده فإن فات ردت قيمته وترجع بعبد مثله وكذلك من قبض عبداً من سلم فمات بيده ثم ظهر على عيب فليرد قيمته ويرجع بعبد مثله وقال أيضاً عن سحنون -ولم أره- أنه ينظر ما قيمة العيب منه, فإن كان ربعه رجع عليه بربع عبد ويكون معه شريكاً في مثله. م: وهذا القياس. وهو قول ابن القاسم استحساناً فجعله يرد قيمته ويرجع بعبد مثله لضرر الشركة, وقول سحنون جار على قول أشهب الذي لا يراعي ضرر الشركة. وقال ابن عبد الحكم بما نقصه العيب من قيمته لا من الثمن بخلاف العبد بعينه الذي ينفسخ فيه البيع برده وهذا لو رده رجع بمثله فينظر إلى قيمته سالماً فيقال: مئتان وإلى قيمته وبه العيب فيقال مئة فيرجع/ عليه بمئة. قال أبو محمد: وهذا لا وجه له؛ لأنه جعله قبض بعض صفقته فيرجع بنصف عبد كما قال سحنون, أو يقول: قبض غير صفقته فيرد قيمته, ويرجع بعبد مثله كما قال ابن القاسم, وهذا أشبه الأقاويل بالصواب. والله أعلم.

[الباب الثاني عشر] جامع القول فيما يرد به من العيوب

[الباب الثاني عشر] جامع القول فيما يرد به من العيوب [فصل - من اشترى داراً فأصاب بها عيباً] قال مالك رحمه الله: ومن اشترى داراً فوجد بها صدعاً يخاف عليه الدار الهدم منه فليرد به, وإن كان صدعاً لا يخاف على الدار الهدم منه فلا يرد به. قال ابن المواز: وإذا لم يخف على الدار من ذلك غرم البائع ما نقص من ثمنها وكذلك كل عيب. م: قال بعض أصحابنا عن أبي بكر بن عبد الرحمن أنه قال: إن قول ابن المواز تفسير لما في المدونة. قلت له: وما حَدُّ الكثير؟ قال: هو كالاستحقاق إذا بلغ قدر العيب قدر الثلث فأكثر فللمشتري الرد به, كما ترد إذا استحق ذلك منها. وقال غيره من القرويين في الاستحقاق: إنما يراعي الضرر لا إلى تحديد ثلث ولا غيره. قال غيره: إنما قال إذا كان لا يخاف الهدم منه لا يرد به ولم يقل ذلك في العروض ولا في الرقيق والثياب وما أشبه ذلك؛ لأن الدور لا يمكن في الغالب الإحاطة بجملة ما فيها من عيب يسير فلو ردت بذلك لدخل الضرر على الناس وكأنها أجزاء عدة فإذا ذهب منها جزء يسير لم يؤثر ذلك في بقيتها فأشبه استحقاق اليسير من الثياب.

[المسألة الأولى: أقسام عيوب الدار] م قال بعض أصحابنا عيوب الدار على ثلاثة أقسام: فعيب لا ترد به الدار ولا يرجع بقيمته ليسارته. وثاني لا ترد به, ولكنه يرجع بقيمة العيب, وذلك كصدع في حائط بعينه. وثالث ترد الدار من أجله لكثرته, مثل أن يخشى سقوط الدار فيه أو الحائط. قال: وإنما فارقت الدار سائر السلع في هذا؛ لأن الأغلب في شرائها للقنية لا لطلب الأثمان فلم يكن العيب القليل موجباً لردها, والسلع غيرها, تشتري للأثمان في الأغلب فكان يسير العيب مؤثراً في ثمنها فوجب أن ترد به, كما فرقنا بين الرباع وغيرها في فوت ذلك في البيع الفاسد, فلم يكن حواله الأسواق فيها فوتاً للعلة التي قدمنا. م: ولو قيل: إن الفرق في ذلك أن الدور لما كان يتعذر بيعها وشراؤها إذ ليس لها سوق كسائر السلع عذرنا البائع والمبتاع في [عدم] ردها بيسير العيب وإن

كان ينقص الثمن؛ لأن البائع إن ردت عليه عسر بيعها بعد ذلك, والمبتاع إن ألزم ردها فقد يتعذر عليه شراء مثلها, والسلع غيرها إذا ردت لم يتعذر على البائع بيعها ولا على المبتاع شراء مثلها؛ إذ لها أسواق بخلاف الدور لذلك جعل رد قيمة العيب الخفيف عدلاً بين المتبايعين في الدور والله أعلم. م: وكان بعض شيوخنا يذهب في الثياب إلى نحو ما قيل في الدور. م: ولو قاله قائل في جميع السلع كان صوباً وقياساً. [المسألة الثانية: هل تعامل الثياب معاملة الدواب في الرد بالعيب؟] ابن حبيب: وفرق مالك بين الدواب والثياب في الرد بما خف من العيوب فقال: ما وجد في الثوب من خرق أو قطع أو ثقب فله الرد به وإن قل بخلاف ما يخف من عيوب الرقيق. إلا أن يكون ثوباً يقطع ومثل ذلك يخرج في تقطيعه فلا يكون ذلك فيه حينئذٍ عيباً.

[فصل 2 - من اشترى أمة فوجدها زلاء أو صغيرة القبل] ومن المدونة قال ابن القاسم: من اشترى أمة فوجدها رسحاء وهي الزلاء فليس بعيب. وقاله مالك في كتب محمد وزاد إلا أن تكون ناقصة الخلق وكذلك في الواضحة, قال ابن حبيب: الزلاء عيب إلا أنه لا يخفي على المبتاع. م: يدل قوله على أن ما لا يخفي على المبتاع فلا يرد به وهو قول حسن, وإن كان مالك لم يوجب في العيب الظاهر إلا اليمين. قال بعض شيوخنا: ولو كانت غائبة فاشتراها على صفة فوجدها زلاء لكان له الرد بذلك على ما/ ذكره ابن حبيب.

ابن المواز وقال أشهب عن مالك: والصغيرة القبل ليس بعيب إلا أن يتفاحش فيصير كالنقص. [فصل 3 - من اشترى أمة فوجدها زعراء] ومن المدونة: وإن وجدها زعراء العانة لا تنبت فهو عيب ترد به. قال في كتاب محمد: وكذلك الزعراء في غير العانة إذا لم تنبت فهو عيب. قال ابن المواز: يريد مالك إذا لم تنبت في ساقيها وسائر جسدها. قال ابن حبييب: وهو مما يتقي عاقبته من الداء السوء. وذكر عن سحنون في زعراء العانة أنه قال: هو عيب في وطئها؛ لأن الشعر يشد الفرج فإن لم يكن شعر استرخى.

[فصل 4 - من اشترى عبداً عليه دين] ومن المدونة قال: من اشترى عبداً عليه دين فذلك عيب يرد به إن شاء أو يتماسك به والدين باق عليه. [فصل 5 - من اشترى عبداً له زوجه أو ولد, أو جارية لها زوج] قال: ومن اشترى عبداً له امرأة أو ولد صغير أو كبير أو جارية لها زوج ولم يعلم بشيء من ذلك فهو عيب يرد به قال ابن القاسم وكذلك إن كان للجارية ولد فهو عيب ترد به. قال ابن حبيب: وإذا وجد المبتاع للأمة زوجاً حراً أو عبداً, أو وجد للعبد زوجة حرة أو أمة, أو وجد لأحدهم ولداً حراً أو عبداً, أو وجد له أباً أو أماً فذلك كله عيب يرد به إلا أن يموت من ذكرنا من زوج أو زوجة أو ولد أو من كان من الأبوين قبل الرد فلا رد له قاله مالك في هذا, وفيما يزول من العيوب قبل الرد مما لا يخشى عاقبته. قال ابن حبيب: إلا أن تكون الأمة رائعة فالزوج لهعا وإن مات عيب, للمبتاع الرد به. قال بعض فقهائنا القرويين: وفي ذلك نظر, لأنه يقول: إن سيدها

كان وهبها لعبده يطؤها ثم انتزعها منه ما كان ذلك عيباً, كما لو كان السيد يطؤها ثم باعه ما كان ذلك عيباً, فإذا وطئت بالتزويج ثم طلقت فلم يبق إلا أنها تعودت الوطء فما الفرق بين أن يكون بتزويج أو بتسرر؟ قال ابن حبيب: وإن وجد له أخ أو أخت فلا يرد به. م: قال بعض أصحابنا وكذلك إن وجد له جد, وأنا إن وجدت له جدة فهو أشد وأرى أن ترد بذلك؛ لأنه يأوي إليها. [فصل 6 - من اشترى أمة فوجدها قد زنت عند البائع] ومن المدونة: ومن اشترى أمة فألفاها قد زنت عند البائع فليس بواجب على المبتاع أن يحدها إلا إن كان ذلك عيباً ترد به في الوخش والعلية. قال ابن القاسم: وهو عيب في العبد أيضاً. ومن كتاب ابن المواز والجارية توطأ غصباً ثم تباع فذلك عيباً على المغتصب نقصان الوطء في البكر والثيب وإذا ردها المبتاع بعيب فلا شيء عليه في وطئه إلا البكر يطأها ثم يردها بعيب فليرد ما نقصها.

وكذلك روى ابن حبيب عن مالك في وطء المبتاع قال: وقال ابن وهب وابن نافع وأصبغ: إذا وطئها المبتاع بكراً أو ثيباً فليس له ردها, وإنما له قيمة العيب, وروى أن علي بن أبي طالب وعمر ابن عبد العزيز رضي الله عنهما قضيا بذلك وقاله ابن شهاب وأبو الزناد والليث وبه أقول للذب عن الفرج

وهذا خلاف للمدونة وقد روى سحنون عن عمر وشريح في الرجل يشتري الجارية فيطأها ثم يجد عيباً أنه إن كانت ثيباً ردها ونصف العشر, وإن كانت بكراً رد هو رد العشر. قال سحنون: وإنما كتب هذا في العشر ونصف العشر وإن كان مالك لا يأخذ به وإنما يقول: ما نقص وطئه حجة على من يقول: أن وطأها فوت مثل الموت والعتق, فهذا عمر وشريح قد رداها على البائع وفيه حجة أيضاً أن المبتاع يرد ما نقص عنده. [فصل 7 - من اشترى عبداً أو أمة فيجدهما ولدا زنا] قال ابن القاسم: وإن وجد العبد أو الأمة ولدا زنا فهو عيب يرد به وسمعت مالكاً يقوله في الجارية ورواه ابن وهب عن مالك في العبد.

ابن المواز قال أشهب عن مالك: إذا وجد الغلام أو الجارية أولاد زنى فهو عيب في العلي مما ينقص ذلك من أثمانهم ولا يرد بذلك الوخش إلا أن يكتمه البائع/ ذلك وهو عالم به فيرد ذلك في الوخش أيضاً. وقال ابن القاسم وابن وهب عن مالك في الجارية ترد بذلك وإن لم يذكرا فارهة أو وخشاً. وقال ابن حبيب عن مالك: هو عيب في الجارية الرائعة والوخش وفي العبد الرفيع, م: واختصار ذلك أنه لم يختلف في العلي من عبد أو جارية أنه عيب, واختلف في الوخش فقيل: عيب, وقيل: ليس بعيب. قال ابن المواز: وأما إن ابتاع جارية ليتخذها فقيل له: لا يعرف أبوها فلا رد له وإن كانت ذات ثمن كبير, وكذلك إن أخبر أن أحد جديها أسود فلا رد له. وقال ابن حبيب عن مالك: أنه عيب في الرائعة تشتري للاتخاذ لما يتقي أن يخرج ولده أسود. قال: وإن كان أحد أبويها أو جديها مجذوماً فهو عيب في الجارية والعبد في العلي والوخش وكذلك في كتاب محمد قال ابن المواز عن ابن القاسم في من اشترى عبداً فيقول له أهل النظر:

نرى به جذاماً ولا يظهر فيه إلى سنة. قال: لا يرد بذلك. قال ابن المواز: لا يعجبني ذلك ويرد كالعبد يقال: إنه سياري, فإنه يرد لما يخاف من جذامه بعد والسياري الذي لا حاجبان له. [فصل 8 - من اشترى عبداً فوجده مخنثاً] ومن المدونة: ومن اشترى عبداً مخنثاً فهو عيب يرد به وكذلك الأمة المذكرة إذا اشتهرت بذلك. ومن الواضحة قال مالك إذا وجد العبد مؤنثاً يؤتي أو وجدت الأمة مذكرة فحلة شِرار النساء فإذا اشتهر بذلك فهو عيب, وأما توضيح كلام العبد وتذكير كلام الأمة وطبعها فلا يردان بذلك. قال أبو محمد: وهو خلاف للمدونة. وقال بعض شيوخنا: ليس هذا خلافاً للمدونة.

وفي بعض التعاليق عن أبي عمران قال: شرط في الأمة إذا اشتهرت بذلك ولم يشترط ذلك في العبد؛ لأن العبد المخنث تضعف قوته ولا يوجد فيه من النشاط ما يوجد في غيره من الرجال, وأما الأمة إذا كانت مذكرة كان فيها جميع خصال التي في النساء فلا ينقصها ذلك. فإن اشتهرت بذلك كان عيباً؛ لأنها ملعونة في الحديث, وما ذكر ابن حبيب غلط بيَّن ولو كان كما قال ما شرط إذا اشتهرت بذلك؛ لأنها إذا فعلته مرة واحدة فهو عيب عظيم. [فصل 9 - من اشترى أمة فوجدها حامل] ومن المدونة قال ابن القاسم والحمل في العلية والوخش عيب ترد به, وخالفني ابن كنانة في الوخش وقال: ليس الحمل فيهن عيباً فسألنا مالكاً عن ذلك وقال: هو عيب ترد به.

ابن المواز: وروى أشهب عن مالك لا ترد بالحمل في الوخش. ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك في من اشترى جملة رقيق من السودان والسمر فيجد فيهم أمة حاملاً فإنها تلزمه ولا رد له. ولو اشترها وحدها كان له الرد بذلك. قال ابن المواز: وإن كانت وخشاً في وراية ابن القاسم. قال: وقال: أشهب في من ابتاع رقيق فوجد بأحدهم عيباً: فإن كان ينقص من ثمن الجملة رده بحصته, وإن لم ينقص لم يرده, وإن كان لو انفرد كان ناقصاً يرد به. قال ابن المواز: وإنما استحسن هذا في الحمل خاصة لاختلاف قول مالك فيه فأما غيره فليرد بحصته. [فصل 10 - من اشترى أمة فوجدها تبول في الفراش] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن باع أمة رائعة كانت تبول في الفراش, ثم انقطع عنها, فللمبتاع الرد بذلك؛ لأن على البائع أن يبينه له إذا لا تؤمن عودته كالجنون.

وقال أشهب: في البول إلا أن/ ينقطع ويمضي كثير من النساء مما تؤمن عودته فلا يرد به ولا عليه أن يبينه, فأما انقطاع لا تؤمن عودته فله الرد إن شاء. م: وكذلك قال أشهب, في كتاب محمد, في الجنون. وقال ابن حبيب في من ابتاع صبية فوجدها تبول في الفراش: فأما الصغيرة جداً فلا رد له بذلك, وإن باعها بعدما كبرت. قال: وإن كان ذلك بها وقد ترعرعت وفارقت حد الصغر جداً, فذلك فيها عيب بيعت حينئذٍ أو بعدما كبرت وعلى البائع أن يبين ذلك -وإن انقطع- إذ لا تؤمن عودته. قال: ومن ابتاع أمة فألفاها تبول في الفراش, فليس له ردها حتى يقيم بينة أنها كانت تبول عند البائع, فيردها؛ لأنه مما يحدث في ليلة فأكثر, فإن لم تكن له بينة حلف البائع على علمه, ولا يحلف بدعوى المبتاع حتى توضع بيد امرأة أو رجل له زوجة, فيذكر ذلك, ويقبل قول المرة أو الرجل عن زوجته في ذلك, ويجب اليمين على البائع, وليس بمعنى الشهادة, ولو جاء المشتري بقوم ينظرون مرقدها بالغدوات مبلولاً فلا بد من رجلين؛ لأن هذا بمعنى الشهادة, ثم حينئذٍ يحلف

البائع. والغلام مثل الجارية. وكذلك قال من كاشفت عنه من أصحاب مالك رحمة الله عليهم. [فصل 11 - من اشترى جارية فوجدها صهباء الشعر] ومن المدونة, قلت في من اشترى جارية فوجدها صهباء الشعر, ولم يكشف عند عقد البيع, قال: ما سمعت من مالك فيها شيئاً, ولكني سمعته يقول في من اشترى جارية فوجد شعرها قد جعد أو سود, قال: ذلك عيب ترد به. وفي كتاب ابن المواز قلت: فالذي يوجد شعرها أصهب أو جعد أو سود. قال ذلك: عيب ترد به.

قال ابن المواز: والذي أرى في التي وجد شعرها أصعب أنها لا ترد وإن كان رائعة ألا أن يسود وينقص ذلك من ثمنها فترد، وإلا لم ترد، وأما التي يجعد شعرها أو يسود فهو أشد وترد بذلك. قال ابن حبيب عن مالك: وذلك في الرائعة وليس هو في غير الرائعة عيبًا. وأما صهباء الشعر فلا ترد به، وإن قال المبتاع لم أكشف عنه، ولا علمت بها، فلا حجة له وهو بد لا يخفي إلا أن يكون قد سود. وقال بعض القرويين: إذا كانت ممن لا يظن ذلك بها مثل السمراء فهو عيب إن كان ينقص من ثمنها. [فصل 12 - الرجل يبتاع الجارية فيجد رأسها قد شاب] ومن المدونة: قال مالك: وترد الرائعة بالشيب. قال ابن القاسم: ولا يرد به غير الرائعة إلا أن يكون ذلك عيبًا يضع من ثمنها. ابن المواز وقال أشهب: وقيل: إن كان الشيب كثيرًا ردت به وإن كان قليلًا لم ترد له إلا أن يكون بائعها علم بذلك فكتمه على تعمد فترد وإن كان قليلًا.

وقال لنا ابن عبد الحكم: إذا كان الشيب كثيرًا وكانت رائعة ردت به ابن المواز: وذلك كله في الشابة. [فصل 13 - البخر عيب يرد به العبد والجارية] ومن المدونة قال ابن وهب عن مالك: والبخر في الفم عيب ترد به قال في الواضحة في الجارية والعبد، كانا رفيعين أو وضيعين. [فصل 14 - هل الخيلان في الوجه والجسد عيب ترد به الجارية] قال ابن القاسم: والخيلان في الوجه والجسد إن كان عند الناس عيبًا ينقص الثمن رد به. [فصل 15 - هل الكي عيب بالعبد والجارية؟] قال مالك: وقد يكون العيب الخفيف بالعبد والجارية مثل الكي الخفيف وشبهه مما لا ينقص الثمن وليس بفاحش فلا يرد به وإن كان عند النخاسين عيبًا.

قال ابن القاسم في العتيبة وكتاب محمد: إلا أن يخالف الكي لو أن الجسد فيرد به أو يكون متفاحشًا في منظره، أو يكون كثيرًا متفرقًا وإن لم يخالف اللون فليرد به أو يكون في موضع يستقبح مثل الفرج وما والاه، أو في الوجه فإنه يرد به. [فصل 16 - هل السن الزائدة عيب في العبد والجارية؟] قال في كتاب محمد: ولا يرد العبد إذا وجد سنة منزوعة إلا أن يكون ذلك في الجارية الرائعة وينقص ذلك من ثمنها. وفي الواضحة، قال: والسن الناقصة عيب في الرائعة في مقدم الفم أو مؤخره، وليست في الدنية ولا في العبد إلا في مقدم الفم، وما زاد على سن واحدة فعيب في العليّ والوخش من ذكر أو أنثى في مقدم الفم أو مؤخره. قال ابن حبيب: والسن الزائدة عيب في العلي والوخش من ذكر أو أنثى.

[فصل 17 - هل إذا وجد العبد أعسر عيب يرد به؟] ابن المواز: وإذا وجد العبد أعسر فهو عيب يرد به مثل العثار بالدابة وقد يجد المشتري بالدابة الرهصة فيقول له البائع: اركبها فإنها تذهب عنها، فليس ذلك عليه وله أن يرد. وقال ابن حبيب: والأعسر عيب في العبد والجارية، وهو أن يبطش بيسراه دون يمناه، وأما إن وجد أعسر يسر وهو الأضبط وهو الذي يعمل بيديه جميعًا فليس بعيب إذا كانت اليمنى في قوتها والبطش بحال من لا يعمل باليسرى، فإن نقصت عن ذلك لعمله باليسرى فهو عيب يرد به.

[فصل 18 - الرجل يبتاع جارية مسلمة فيجدها غير مخفوضة والعبد أغلف] ومن كتاب محمد والعتيبة: وإذا وجد الجارية المسلمة غير مخفوضة، أو العبد المسلم أغلف، فإن كان من رقيق العجم الذين لا يختنون وهم المجلوبون لم يرد، لا ذكرًا ولا أنثى لا رفيعًا ولا وضيعًا، وإن كان من رقيق العرب، ومعنى رقيق العرب: ما طال مكثه بأيدي المسلمين أو ولد عندهم، فأما في الوحش فلا يرد به ويرد في العلي ذكرًا كان أو أنثى. قال ابن حبيب: إن كانا مسلمين، اشتريا من مسلم، وهما من بلد المسلمين، فهو عيب في الوضيع والرفيع إلا الصغير من اللذين لم يفت ذلك منهما، وإن كانا مجوسين، أو من رقيق العجم، ممن قد أسلم فيراعى فيهما مثل ما تقدم من طول الإقامة وقربها. م: واختصاره أنه لا خلاف في رقيق الهجم المجلوبين ولم تطل إقامتهم عندنا أن ذلك ليس بعيب بقيت فيهم في وخش ولا علي، واختلف في من طالت إقامته أو

ولد في الإسلام، فقيل: إنه عيب في العلي وقيل: بل عيب في العلي والوخش. قال في كتاب محمد وابن حبيب: وإن اشترى عبدًا نصرانيًا فوجده مختونًا فليس بعيب. وقال ابن حبيب: وكذلك النصرانية يجدها مخفوضة. قال: وذلك إن كانا من رقيق المسلمين أو من رقيق العجم الذين عندنا، فأما المجلوبون فهو عيب، لما يخاف أن يكونا أغار عليهم العدو أو أبق إليهم من رقيقنا. ابن المواز: قال مالك: ومن اشترى جارية للبيع فليس عليه أن يخفضها إلا أن يريد حبسها. [فصل 19 - الرجل يشتري الجارية فيجدها ثيبًا] قال ابن القاسم: ومن اشترى جارية فوجدها مفترعة فإن كانت صغيرة لا يوطأ مثلها وهي ذات ثمن ردها. وإن كان مثلها يوطأ لم يرد، وليس على البائع أن يخبر: هل هي ثيب أو بكر؟

م: وقال مالك في الأمة تباع في الميراث، فيقول الصايح عليها: إنها تزعم أنها بكر، ولا يشترط غير ذلك فتوجد غير بكر فله الرد إلا أن يكونوا لم يذكروا ذلك أصلًا، وكذلك لو قال: إنها تزعم أنها طباخة خبازة ثم لم توجد كذلك فلترد. قال في العتيبة من سماع أشهب: وإن قال: لا علم لي بها هل هي بكر أو ثيب، ولكني أبيع على ما كانت، فذلك جائز، لا سيما في الوخش، ولا رد له إن وجدها ثيبا، وإن باعها على أنها بكر، فغاب عليها المبتاع بكرة، ثم ردها عشية، فقال: لم أجدها بكرًا. فلينظرها النساء فإن رأين أثرًا قريبًا حلف البائع ولزمت المبتاع. وإن قلن ما نرى أثرًا جديدًا أو أنه فيما نرى لقديم حلف المبتاع وردها، أو إن نكل حلف البائع ولزمت المبتاع وقال عيسى عن ابن القاسم: ليس في هذا موضع تحالف. وإذا قال النساء أن ذلك مما يكون عند المبتاع لزمته وإن قلن قديمًا ردت بغير يمين وكذلك روي عنه أصبغ في كتاب محمد.

قال ابن المواز: والذي أقول كقول مالك لا بد من اليمين مع شهادة النساء وشهادتين في ذلك كشهادة رجل وليس مثل ما لا يعلمه غيرهم من عيوب الفرج والحيض والاستهلال وإنما مسألتك شهدن لرجل يدعي علم ما شهدنا به له على غيره فلا بد من يمينه. [فصل 20 - الجارية والغلام إن شربا الخمر أو حدا فيها] قال: والجارية إذا حدث في خمر فهو عيب ترد به. قال أشهب في الجارية والعبد/ يشربان المسكر أو يوجدان في شربه، وإن لم [/194 ب] يوجد في فيهما من رائحته شيء فهو عيب يردان به. [فصل 21 - من اشترى صغيرًا فوجده أخرس أو أصم، والأمة تعاودها الحمى] ابن المواز: ومن اشترى صغيرًا يرضع فوجده أخرس أو أصم فلا يرد بذلك إلا أن يعرف ذلك منه وهو صغير فيرد، وإن كان بالأمة حمى تذهب عنها ثم تعاودها فهو عيب ترد به ما لم تنقطع عنها انقطاعًا بينًا ويطول زمانه.

[فصل 22 - العبد يتهم بالسرقة هل يعد عيبًا؟] ومن المدونة قال مالك: وإذا اتهم عبد بسرقة فحبسه السلطان ثم ألقي بريئًا لم يكن ذلك عيبًا إذا لم بيبنه بائعه، وقد ينزل ذلك بالحر فلا يجرحه. م: ومعنى قوله ثم ألقي بريئًا مثل أن يثبت أن غيره سرق ذلك الشيء الذي أتهم هو به فبذلك اتضحت براءته. [فصل 23 - الجارية المستحاضة يبتاعها الرجل] قال مالك: ومن اشترى جارية مستحاضة ولم يعلم فذلك عيب ترد به. ابن المواز: قال مالك: وهو عيب في الفارهة والوخش قال ابن المواز: وهذا إذا ثبت أنها كانت عند البائع مستحاضة، لأنه مما يحدث، فأما التي وضعت للاستبراء فحاضت دم حيضة لا شك فيه ثم استمرت مستحاضة فهي من المشتري ولا ترد وقاله أشهب. قال وقد كان من ابن القاسم مرة في المستحاضة أنه عيب في التي توطأ، وأما الدنية فيسأل فإن كان ذلك عيبًا ينقص من الثمن ردت به.

[فصل 24 - الرجل يبتاع الجارية فيرتفع حيضها في الاستبراء] ومن المدونة قال مالك: ومن اشترى أمة وهي حديثة السن ممن تحيض فارتفعت حيضتها عند المبتاع في الاستبراء فذلك عيب ترد به. قال ابن القاسم: إلا أنها لا ترد في ارتفاعه بعد مضي أيام حيضتها بأيام يسيرة؛ لأن الحيض يتقدم ويتأخر الأيام اليسيرة حتى يطول ذلك فيكون ضررا في منع المبتاع من الوطء والسفر بها فترد، والسلطان ينظر في الضرر لطول تربص الحيض، ولم يحد في ذلك مالك شهرا ولا شهرين، ولو أقام البائع بينة أنها حاضت عنده قبل البيع بيوم أو يومين لم ينفعه ذلك إذ هي بعد في ضمانه فيما يحدث بها في المواضعة إلا التي لا تتواضع فذلك كله من المبتاع؛ لأنه يحدث وكذلك كل ما يحدث بها بعد العقد من عيب أو هلاك. وقال مالك في كتاب محمد في التي بلغ مثلها الحيض فارتفع حيضها في الاستبراء شهرين أن ذلك عيب ترد به. وقال عنه أشهب: إذا زاد على أيام قرءها الشهر والشهران لم ترد، وينتظر حتى يطول أمرها.

قال أشهب: وأرى إذا مضى لها ثلاثة أشهر نظر إليها القوابل ومن يعرف ذلك فإن قلن لا حمل بها حل للمشتري وطئها، فإن لم يطأها حتى طال ذلك بعض الطول الذي يظن فيه أنها ممن لا تحيض فهو عيب، وله الرد وإن وطئ فلا رد له. وقيل لابن القاسم: متى ترد إذا رفعتها حيضتها فقال: إذا ارتفع حيضها الأربعة أشهر والخمسة، وأما الأيام وما لا ضرر فيه على المبتاع فالبيع له لازم. قال: وإذا على أنها لا تحيض وقد بلغ مثلها ست عشرة سنة وشبه ذلك فهو عيب في جميع الرقيق فارهة أو دنية، أو من سبي العجم. قلت: فمن باع جارية فقال: إنها صغيرة، ولم نحض، وكانت قصيرة فيطمع المشتري أن يكون لها نشوز عند حيضتها فلم تقم عنده إلا يسيرًا، وفي العتبية إلا عشرة أيام حتى حاضت. قال مالك: إن كان بلغ مثلها أن تحيض ويخاف أن تكون قد حاضت عند البائع استحلف البائع أنها ما حاضت عنده، وإن كانت صغيرة وقد ائتمنه على ما قال فلا أرى أن يستحلف.

[فصل 25 - الإباق في الصغر عيب يرد به العبد في الكبر] قال مالك: وإذا أبق الصغير في الكتاب فيقيم اليوم واليومين فباعه سيده بعد أن كبر ولم يبين فهو عيب يرد به؛ لأن مثل هذا عادة. قال: وفي الجارية تدعي الحرية أو أنها أسقطت من سيدها فذلك كله عيب إن لم يستبرأ. [فصل 26 - بيع الأمة المغنية] قال في كتاب الجعل من المدونة: وكره مالك بيع الأمة يشترط أنها مغنية فإن باعها وشرط ذلك فسخ البيع. قال سحنون: وينبغي أن تباع الأمة ولا يذكر غناها/ وإذا تم البيع ذكر ذلك فإما رضيها أو ردها. وفي كتاب ابن المواز: ومن اشترى أمة فوجدها مغنية لم ترد إلا أن يشترط ذلك في البيع فيفسخ. قال أشهب: ولا تباع ممن يعلم أنها مغنية. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم في من ابتاع امة مغنية لتخدمه لا يريدها لغناها، ولم يزد في ثمنها لذلك: فلا بأس به.

[الباب الثالث عشر] جامع مسائل مختلفة من هذا الباب

[الباب الثالث عشر] جامع مسائل مختلفة من هذا الباب [فصل 1 - من ابتاع شاة أو جملا أو سمنا فلم يجد به الوصف المطلوب] ومن كتاب ابن المواز والعتبية قال مالك في من ابتاع شاة فوجد جوفها أخضر فظن أنه من ضرب: فلا رد له، أو يقال: سمينة، فيجدها عجفاء. ومن ابتاع ناقة ليحمل عليها فحمل عليها ثقله فلم تنهض بحملها، فإن لم تكن عجفاء ولا صعباء ولا زاد فوق طاقتها فله الرد بذلك. قال: ومن ابتاع سمنًا فوجده سمن بقر فقال: ما أردت إلا سمن الغنم فله أن يرد؛ لأن سمن الغنم أطيب. [فصل 2 - في عيوب الملابس والأفرية] قال: ومن ابتاع قلنسوة سوداء فوجدها من ثوب لبيس فلا رد له إلا أن يكون فاسدًا معمولًا من الخلقان وكان ينبغي أن يبين، وإن وجد حشوها

صوفًا، فأما الرفيعة فليردها ولا يرد الدنية، قال: وإن جعلوا مع القطن صوفًا أو تحته، أو خلطوا قطنًا قديمًا بجديد فهذا من الغش ولا خير فيه. قال ابن القاسم في الفرائين يزينون وجوه الأفريه لتحسن وربما يستر بعض عيوبها فذلك من الغش، فغن كان المبتاع يعلم ذلك، ويعلم أنه يستر بعض عيوبها فلا رد له. ابن المواز: إلا أن يجد عيبًا فله الرد، قال ابن القاسم: وإن يعلم بالتتريب فله الرد وجد عيبًا أو لم يجده على أن التتريب عيب أو لم يعلم إذا كان يُغَيَّبُ بعض عيوبها. ومن الواضحة قال أصبغ: في الجبة تباع أو الساج وقد قلب فهو عيب وكذلك ثوب يلبس أشهر حينًا ثم يقصر فيظهر جديدًا فهو عيب يرد به.

م وهذا خلاف ما تقدم في القلنسوة يجدها من ثوب لبس وهذا أحسن أن له الرد بذلك. قال ابن حبيب: فإذا وجد بنائق الثوب أو مقعدة السراويل خلاف باقيه، فإن كان بينهما تفاوت فله الرد، وإن تقارب فلا رد له. وقال في الفرو تكون فيه رقعة منتوفة فيجعل عليها رقعة مصوفة، أو تكون مصوفة لا وجه لها فيضرب عليها جلدًا أحسن الوجه لا صوف له فهذا غش يرد به، ولو لم يكن فيه إلا رقعة واحدة إذا كان فروًا له قدر وبال إلا في شيء يسير جدًا. [فصل 3 - المشتري يشتري زرعًا لا ينبت] ومن اشترى شعيرًا فزرعه فلم ينبت، وثبت ذلك فله الرجوع بقيمة العيب، يقوم على أنه ينبت وعلى أنه لا ينبت، فيرجع بما بين ذلك، سواء علم البائع

أنه لا ينبت أو جهله؛ لأنه ينصرف إلى غير وجه، وقد باء الذي علم أنه لا ينبت -فلم يبينه- بالإثم ويعاقب إن دلس. قال أبو محمد: يريد ابن حبيب ولم يشترط عليه زريعته، ولا بين أنه يشتريه لذلك. وكذلك تأول عليه ابن أبي زمنين قال: وأما إن باعه على الزراعة فإن كان البائع مدلسًا يعرف أنه لا ينبت فزرعه المشتري فلم ينبت فمصيبته من البائع كمن دلس بعيب فهلك المبيع بسببه. قال: وقوله يرجع بقيمة العيب، معناه: أن الشعير غير النابت لا يوجد مثله، ولو وجد مثله لرده عليه، ورجع بالثمن كله. قال: وسئل بعض شيوخنا عمن اشترى زريعة فزعم أنها غير نابتة فقال: يجرب، فإن تبين أنها غير نابتة حلف البائع ما يعلمها من زريعته بعينها، ولا دفع إليه إلا نابتة في علمه، فإن نكل عن اليمين حلف المشتري في أنها زريعته بعينها ويرجع بجميع الثمن؛ لأن الزريعة لا تصرف إلى علوفة أو أكل مثل القمح والشعير.

قال ابن حبيب: ولو زارع به أحدًا فنبت شعير صاحبه ولم ينبت شعير هذا، فإن دلس هذا رجع عليه صاحبه بنصف مكيلته من شعير صحيح وبنصف كراء الأرض الذي أبطل عليه، وإذا لم يدلس رجع عليه بنصف قيمة العيب وما نبت في الوجهين فبينهما. قاله أصبغ. قال ابن سحنون: مثله إلا في الكراء فلم يذكره وزاد فقال: وإن لم يدلس، دفع إلى شريكه مثل نصف زريعته صحيحة، ودفع إليه شريكه مثل نصف زريعته التي لا تنبت، وهذا إذا زال إبّان الزراعة فأما إن لم يفت إبان الزراعة وقد دلس فعليه أن يخرج شعيرًا آخر فيزرعانه أيضًا. قال سحنون في كتاب ابنه: ولو باعه منه على أنه زريعة تنبت وهو يعلم أنها لا تنبت رجع إليه بجميع الثمن، وإن لم يعلم رجع عليه بالثمن، ورد عليه شعيرًا مثله، وذلك إذا ثبت ببينة أن الشعير بعينه زرعه في أرض ثرية فلم ينبت.

[الباب الرابع عشر] في من ابتاع عبدا وبه عيب فلم يعلم به حتى ذهب عيبه

[الباب الرابع عشر] في من ابتاع عبدًا وبه عيب فلم يعلم به حتى ذهب عيبه [فصل 1 - من اشترى عبدًا عليه دين] قال ابن القاسم: ومن اشترى عبدًا عليه دين، فطلب المشتري رده بذلك فقال البائع: أنا أؤدي عنه دينه، أو وهبه له رب الدين، فلا يكون للمشتري رده. قال سحنون: إلا أن يكون أدانه في فساده. [فصل 2 - من باع أمة في عدة طلاق أو بعينها بياض] قال ابن القاسم: وكذلك إن كانت أمة، فباعها في عدة من طلاق، فعلم المشتري فلم يردها حتى انقضت عدتها، فلا رد؛ لن العيب قد ذهب، وكذلك إن كان بعينها بياض فأراد ردها، فذهب البياض قبل ردها. قال مالك: إذا ذهب العيب لم يكن له رده. [فصل 3 - من باع أمة لها ولد لم يعلم به المشتري حتى مات] قال: وكذلك لو كان لها ولد صغير أو كبير فلم يعلم به حتى مات الولد، أو حم العبد في الثلاث فلم يعلم به حتى ذهب فلا رد له.

[فصل 4 - من اشترى أمة لها زوج أو عبد له زوجة افترقا قبل الرد] قال أبو سعيد البراذعي في مختصرة: واختلف في غير المدونة إذا كان للأمة زوج أو للعبد زوجة فافترقا قبل الرد، وبانت منه هل ترد بذلك أم لا؟ ابن المواز: وقال ابن القاسم وأشهب عن مالك: إن كل عيب ذهب قبل القيام به فلا رد له إلا الزوج للأمة والزوجة للعبد تنحل العصمة بينهما فله الرد بعد ذلك.

قال في رواية أشهب: وكذلك لو ماتت الزوجة بخلاف الوعك يزول قبل علم المبتاع. قال أشهب: والدين على العبد إن سقط أو قضى قبل علم المبتاع بالدين فلا يرده بذلك، وإذا علم قبل أن يسقط فله الرد به، وإن سقط بعد علمه؛ لأنه عيب قد اطلع عليه. [فصل 5 - من ابتاع مريضًا بالحمى ولم يعلم إلا بعد برء] وقال أشهب: وكذلك من ابتاع عبدًا وبه عيب من حمى أو مرض أو بياض عين أو نزول ما فيها ثم ظهر المشتري على ذلك بعد برءه، فإن كان برؤه قد استمر لا شك فيه، ولا يخاف عودته إلا بإحداث ثان من الله تعالى فليس له أن يرده، وإن

خيف عودته فلا يعجل برده، ولا يلزم المشتري شراؤه حتى ينتظر فإن استمر برؤه لم يكن له رده إلا أن يبقى منه شيء إما دمعة في عينه، أو تكسر في خده يخافه. [فصل 6 - من باع عبدًا به جنون أو جذام أو برص فلم يعلم به المشتري حتى برئ] قال ومن باع عبدًا وبه جنون أو جذام أو برص فلم يعلم به المشتري حتى برئ ثم علم به، فإن كان قد طال مكثه عنده بعد برئه حتى أمنت رجعته إلى العبد فليس له أن يرده، وكذلك لو حدت به ذلك في عُهدة السنة ولم يعلم به حتى برء، وطال أمره وأمنت رجعته، وإن لم تؤمن رجعته فله أن يرده، وإن لم يكن علم بذلك إلا بعد ذهاب السنة. وقال ابن القاسم فيه وفي المدونة: يرده في الجنون -وإن لم يعلم به حتى ذهب-؛ لأنه لا يأمن أن يعود، وهو عيب لازم، وأمر يعتريه، ولا أمن ذهابه معروف عند الناس، ألا ترى لو جن عند سيده ثم برء فباعه ولم يخبر أنه قد كان

أصابه عنده جنون أن ذلك عيب يرد به، وأما البرص والجذام، فإن لم يعلم به حتى ذهب فليس له أن يرده، إلا أن يكون عند أهل النظر عيب يخافه، كالجنون. انتهى الأول من جامع العيوب لابن يونس بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا والحمد لله رب العالمين. [/96 أ]

كتاب جامع القول في الرد بالعيب والتداعي فيه

[كتاب] جامع القول في الرد بالعيب والتداعي فيه

[كتاب] جامع القول في الرد بالعيب والتداعي فيه [الباب الأول] [اختلاف المتبايعين عند الرد بالعيب في وجود العيب بالسلعة عند البيع، وفي الرضا به، وفي تاريخ البيع] وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم القول قول الغارم. [فصل 1 - من ابتاع سلعة ثم قام بعيب لا يعلم إلا بقوله] قال ابن القاسم: ومن اشترى جارية فطعن فيها بعيب، ولا يعلم أن بها عيبًا إلا بقوله. فقال للبائع: احلف لي أنه لم يكن بها يوم بعتها مني عيب، فلا يجب بذلك يمين على البائع لا على البت، ولا على/ العلم حتى يدعي في عيب ظاهر [/175 أ] يرى أنه باعها وهو بها، ولو مكن من ذلك أحلفه كل يوم على ما شاء أنه لم يبعه وهو بها.

قال: ولو قام بعيب ظاهر لا يحدث مثله عند المشتري وجب به الرد بلا يمين عليه أصلًا، ولا مقال للبائع؛ لأن المبتاع قد ثبت صدقه، وسواء كان العيب ظاهرًا، أو خفيًا. قال مالك: وإن كان العيب مما يمكن حدوثه عند أحدهما فإن كان ظاهرًا لا يخفى مثله حلف البائع على البت أنه ما باعه وهو به، وإن كان مما يخفي مثله ويرى أنه لم يعلمه حلف البائع على العلم، وعلى المبتاع البينة أن العيب كان عند البائع. قال ابن المواز قال أشهب: لا يحلف البائع إلا على العلم في العيب الظاهر والخفي؛ لأنه إن لم يكن علم بالظاهر فهو كالخفي عليه، وإن علمه فقد تعمد الكذب. م: وإنما بدأ البائع باليمين؛ لأن أصل البيع على السلامة وقد لزم المشتري وهو يريد نقضه، وارتجاع ثمنه فلا يقبل ذلك منه إلا ببينة وإلا حلف له البائع كما قدمنا.

[فصل 2 - مشتري السلعة يستحلف البائع في عيب وجده ثم يجد بينة عليه] ومن المدونة قال مالك: فإن استحلفه ثم وجد بينة لم يكن علم بها فله القيام بها وإن علم بالبينة فاستحلفه رضي باليمين، وترك البينة فلا حق له كسائر الحقوق. وقال ابن حبيب: وإن أشكل ذلك من علمه وجهله فليحلف ما علم بالبينة ثم يقضي له بها، وهي أبدًا على الجواز حتى يسقطها العلم بها، وإسقاطها بالعلم بها على الذي يريد إسقاطها عن نفسه. ابن المواز: قال ابن القاسم عن مالك فإن نكل البائع / عن اليمين ولك يكن للمشتري بينة والعيب ظاهر حلف المبتاع على البت أنه ما حدث عنده، وإن كان خفيًا حلف على العلم. قال ابن القاسم: وإنما يحلف المبتاع إذا ردت عليه اليمين لنكول البائع كما كان البائع يحلف سواء في العلم والبتات وذكر ابن القاسم في العتيبة أن البائع إذا نكل في الوجهين حلف المبتاع على العلم. قال ابن المواز: فإن أقام المشتري شاهدًا أن هذا العيب كان بها عند البائع ومثله يخفى فليحلف المشتري مع شاهده على البت أنه كان بها عند البائع كما شهد شاهده ويردها.

قال أصبغ: فإن لكل حلف البائع على علمه. قال ابن المواز: بل يحلف البائع على البت؛ لأنها اليمين التي ردت عليه ووجبت بالشاهد، وإنما أراد أصبغ أنه لما نكل المشتري أسقط الشاهد وليس كما ذهب إليه ولو كان كذلك لكان إذا أقام الرجل شاهدًا بحق على رجل وليس بينهما خلطة فنكل أن يحلف مع شاهده لم ينبغ أن ترد اليمين؛ لأنه أسقط الشاهد بنكوله ولا خلطة بينهما. قال ابن المواز: فإن لكل البائع أيضًا رددت العبد. ومن العتيبة قال: عيسى عن ابن القاسم، وإن حدث به عند المبتاع عيب مفسد ووجد به عيبًا مثله يكون قديمًا ومثله يحدث عند المشتري فإنه يقال للبائع: احلف أنك ما بعته وأنت تعلم هذا العيب به، فإن حلف لزم المشتري العيان، وإن لكل حلف المشتري ما يعلم أنه حدث عنده، فإن حلف كان مخيرًا بين أن يمسك ويرجع بقيمة ذلك العيب، أو يرد/ ويرد قيمة العيب الحادث عنده فإن لكل لزمه قيمة العيب ولم يكن له أن يرده. قال فيها ابن القاسم عن مالك: وهي في كتاب محمد، واللفظ لكتاب محمد قال: وإن وجد المشتري بالعبد عيين أحدهما قديم والآخر مشكوك فيه؛ لأن مثله يكون قديمًا ويكون حديثًا فللمشتري الرد بالعيب القديم ثم يحلف المبتاع في العيب المشكوك فيه أنه ما حدث عنده؛ لأن البائع قد وجب عليه الرد فصار مدعيًا على المبتاع، وبه أخذ ابن القاسم واستحسنه.

قال: ولولا العيب القديم الذي أوجب الرد لبدأ البائع باليمين؛ لأن العبد لازم للمشتري فهو المدعي على البائع. قال ابن حبيب: وهذا فيما يخفى، وأما الظاهر فاليمين على البت. قال في سماع عيسى: فإن نكل المبتاع حلف البائع ثم يلزم المبتاع هذا العيب ويخبر في رده، وما نقصه أو حبسه، ويأخذ قيمة العيب القديم، فإن نكل أيضًا البائع لزمه العييان جميعًا ثم للمبتاع حبسه ولا شيء له، أو رده ولا شيء عليه. م: وقال بعض أصحابنا: ولا يكون القول قول المبتاع في المشكوك فيه حتى يرده بالقديم فيكون حينئذ مطلوبًا بالمشكوك فيه فيكون القول قوله فيه. م: وذلك عندي سواء رده بالقديم أو قام ليرده أن القول قوله في المشكوك فيه بل ليس له رده حتى يحلف في المشكوك فيه؛ لأنه إذا طلب رده بالقديم قال له البائع: ادفع إليّ قيمة المشكوك فيه؛ لأنه عندك حدث قصير حينئذٍ المبتاع مطلوبًا بقيمة المشكوك فيه فيحلف/ ويرد عليه، وعليه تدل رواية عيسى، وهو بين في العتيبة. وبالله التوفيق.

قال في كتاب ابن المواز: وإن حدث به مع ذلك عيب ثالث عند المشتري فالمشتري بالخيار في رده وما نقصه العيب الحادث عنده أو حبسه ويأخذ قيمة العيب القديم فإن اختار رده وما نقصه كانت عليه اليمين في العيب المشكوك فيه أنه ما علمه حدث عنده، وإن اختار حبسه، وأخذ قيمة العيب القديم كان على البائع اليمين في العيب المشكوك فيه ثم لا تكون عليه إلا قيمة العيب القديم وحده، فإن نكل ردت اليمين على المشتري فيحلف، ويغرم البائع قيمة العيين القدين والمشكوك فيه. مسألة: [إذا تعارضت البينات سقطت دلالتها] قال: وإن قام بعيب فقال بعض أهل البصر: هو عيب، وقال بعضهم: ليس بعيب، أو قال بعضهم: قديم، وقال بعضهم: حادث فلا يرد على البائع بشيء من ذلك؛ لأن البينة تسقط عند التكاذب فإذا سقطت ثبت البيع. [فصل 3 - إذا ظهر في العبد عيب عند المشتري فهل يحلف البائع؟] ومن المدونة قال مالك: ومن ابتاع عبدًا فأبق عنده بقرب البيع فقال للبائع: أخشى أنه لم يأبق بقرب البيع إلا وقد كان عندك آبقًا فاحلف لي فلا يمين عليه. قال ابن القاسم: وما جهل أمره فهو على السلامة حتى تقوم بينة.

قال ابن المواز: فإذا ادعى المبتاع في عبد أن البائع ظهر منه على إباق أو سرقه، أو أنه جن، أو زنا، أو شبه ذلك مما لا يعلم إلا بقوله فليحلف له البائع على علمه عند ابن القاسم، وقال أشهب: لا يحلف أصلًا، ولو مكن من ذاك لحلفه كل يوم على صنف من هذا، واحتج بقولك مالك في الذي أبق بقرب البيع فأراد أن يحلف البائع. فقال مالك: لا يمين عليه. م وهذا كله هو قول ابن القاسم في المدونة وقال محمد: أما إذا ظهر العيب هكذا أخلف البائع، وإلا رد عليه، وليس له يمينه في عيب لم يظهر. [فصل 4 - مشتري السلعة المدلسة يردها فيستحلفه البائع أنه ما رضيها] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اشترى عبدًا فوجد به عيبًا دلسه البائع فأراد رده عليه فقال البائع له: احلف أنك لم ترض العيب بعد أن رأيته ولا تشوقت به فلا يمين له عليه إلا أن يدعي أن مخبرًا أخبره أنه تسوق به بعد معرفته بالعيب، أو رضيه، وكذلك في الواضحة عن مالك. فال ابن أبي زمنبن: ويحلف البائع أولًا لقد أخبره مخبر وكذلك يحلف المبتاع.

قال: وكذلك روى يحي بن يحي عن ابن القاسم. قال: وقال بعض مشايخنا: ويزيد البائع في يمينه أخبرني مخبر صدق. قال: ولو قال: هذا الذي أخبرني سقطت عنه اليمين، وإن كان المخبر مسخوطًا. وقال ابن المواز: قال أشهب: لا يحلف وإن ادعى إخبار مخبر حتى يدعي أنه تبرأ إليه منه فرضيه. [فصل 5 - السلعة ترد بعيب فيدعي البائع أنه بين العيب ورضيه المبتاع] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن قال البائع: قد بينته لك فرضيته، فليحلف المبتاع، يريد فإن نكل حلف له البائع، ولزم المبتاع العيب، فإن نكل البائع لزمه العيب. قال مالك: ولو قال له البائع: احلف أنك لم ترد العيب حين اشتريت، لم تلزمه اليمين إلا أن تكون للبائع بينة أنه قد رآه فيلزمه العيب، أو يدعي أنه أراه إياه فليحلف له.

ابن المواز: قال ابن القاسم: إلا أن يكون عيبًا ظاهرًا لا شك أنه يراه كالأعور، ومقطوع اليد والرجل ونحوه فليحلفه، وإلا فلا. م: كان يجب إذا كان العيب ظاهرًا لا يخفي على أحد ألا يرد به إلا أن يمكن أن يخفي عليه، أو يشتريه به على الصفة فيرد به. ومن كتاب محمد وغيره قال مالك في نخاس ابتاع عبدًا فأقام عنده ثلاثة أشهر حتى صرع، ونقص ثم وجد عيبًا قديمًا فلا أرى له رده، ومن هؤلاء النخاسين من يشتري فإن وجد ربحًا باع، إلا خاصم فأرى أن يلزم هؤلاء فيما علموا وفيما لم يعلموا. قال ابن القاسم: وأحب إليّ إن كان مثله يخفي، ويسقط عنه علمه أن يحلف أنه ما رآه ويرده، وإن كان على غير ذلك لزمه، وأما غير النخاسين فليرد فيما خفي وفيما لم يخف. قال ابن المواز: بغير يمين عليهم. وروى ابن أبي زمنين عن ابن مزين في من باع دابة أو ثوبًا فزعم المشتري أنه وجد بها عيبًا، ولم يكن نقده الثمن فاراد المشتري ألا ينقده الثمن حتى يحكم له في العيب.

وقال البائع: لا أحاكمك في شيء حتى تنقد ثمن ما بعت. قال ابن مزين: أما إذا كان مما يقضي به من ساعته فإنه لا ينقده حتى يحكم بينهما، وأما إذا كان أمرا يتطاول فيه الايام فإنه يقضي للبائع بأخذ متاعه قم يبتدئ المشتري بالخصومة بعد ذلك إن شاء. [فصل 6 - في اختلاف المتبايعين في وقت حدوث العيب] فال أصبغ في العتيبة: وإذا قام بعيب في عبد لا يحدث في أقل من شهر. فقال: ابتعته منك عشرة أيام، وقال البائع: منذ سنة، أو يأتي به قد جن أو تجذم فيقول المبتاع: هو في السنة، ويقول بائعه: بعته منذ سنتين، أو يموت فيدعي المبتاع أنه في العهدة مات، أو ماتت الجارية فيما لا يكون فيه استبراء ولم تحص، ويدعي البائع قدم التاريخ فذلك كله سواء القول فيه قول البائع؛ لأنهم دعي عليه/ الرد أو الضمان أو بقيمة عيب. قيل: فسواء انتقد أو لم ينتقد قال ذلك: سواء. وأراك نحوت إلى قول ابن القاسم في مبتاع عبدين قام في أحدهما بعيب، وفات الآخر، واختلفا في قيمة الفائت أنه إن لم ينتقد فالقول قول المشتري، وهذا خطأ بل المدعي في هذا المشتري نقد أو لم ينقد؛ لأنه ثمن وجب للبائع ادعي هذا ما ينقضه، وكذلك قال أشهب. وذكر ابن حبيب اختلافًا في هذا الأصل في تاريخ البيع والعهدة وغيره. وقال سحنون في جوابه لحبيب إذا اختلف في تاريخ البيع لعيب ظهر فالمبتاع مدع؛ لأنه يريد نقض البيع.

الباب الثاني في من باع عبدا من رجلين فرد أحدهما حصته بعيب وتمسك الآخر ومن باع سلعة بعين فأخذ به سلعة أخرى ثم وجد عيبا والعيب يوجد ببعض الصفقة

الباب الثاني في من باع عبدًا من رجلين فرد أحدهما حصته بعيب وتمسك الآخر ومن باع سلعة بعين فأخذ به سلعة أخرى ثم وجد عيبًا والعيب يوجد ببعض الصفقة [فصل 1 - في الرجلين يشتريان سلعة فيجدان بها عيبًا فيختلفان في الرد والإمساك] قال مالك: وإذا ابتاع رجلان عبدًا في صفقة فوجدا به عيبًا. قال مالك: فلمن شاء منهما أن يرد أو يحبس دون الآخر شاء ذلك البائع أو أبي. وكان يقول: أولًا للبائع مقال. قال ابن القاسم: وجوب الرد لمن شاء منهما بين إذا لو فلس أحدهما لم يتبع إلا بنصف الثمن. وقال أشهب في كتاب بيع الخيار: ليس لهما إلا أن يردا جميعًا أو يحبسا أو يأخذ المتمسك جميع العبد وقال مالك. م: فوجه قول ابن القاسم ما ذكره أنه لا تتبع ذمه كل واحد في الموت، والفلس إلا بحصته؛ ولأنه بيع اجتمع في أحد طرفيه عاقدان فلم يتعلق رد المعيب في حق أحدهما برده في حق الآخر، أصله إذا كان البائعان رجلين والمشتري واحد؛ ولأنه مبتاع وجد بما ابتاعه عيبًا فلم يرض به ولم يفت عنده فكان له رده من غير اعتبار بغيره أصله إذا انفرد به، ووجه قول أشهب أن تفريق الصفقة على البائع

إضرار به وخلاف لما دخل عليه؛ ولأنه رد لمبيع وجب الجماعة عن عقد بيع فوجب الا يملك أحدهم رد ما يخصه إلا برد الباقين. أصله إذا مات المبتاع في أيام الخيار فليس لبعض ورثته أن ينفرد بالرد دون الآخر. [فصل 2 - من باع سلعة بعين فيأخذ بالعين أخرى فيجد بها عيبًا] قال ابن القاسم: ومن باع سلعة بمئة دينار ثم أخذ بالمثة ثوبًا فألفاه معيبًا فرده فليرجع بالمئة دينار، وهذا مما لا اختلاف فيه، وإنما اختلف الناس في السلعة الأولى، وكذلك قال مالك في من أخذ من ثمن طعام طعامًا يخالفه فإنما ينقض عليه البيع الآخر ويبقي البيع الأول بحاله. م: ذكر ابن لبابه في قوله وإنما اختلف الناس في السلعة الأولى يريد أن يوجد العيب بالسلعة الأولى فيردها المبتاع لها، ويأخذ ثوبه وتسقط الدنانير، وهذا قول أهل العراق ومالك يقول: اذا ردها أخذ دنانيره التي وقع بها بيعه. م: خلاف ما لو أخذ البائع في دنانيره دراهم هذا إذا ردت السلعة بعيب رجع المبتاع بالدراهم التي دفع؛ لأنه لو رجع بالدنانير التي عقدا بها صار آخر أمره أنه دفع دراهم فرجعت إليه دنانير فاتقى فيه الصرف المستأخر؟

قال ابن لبابه: وقد قال ابن القاسم: أن القياس في الدراهم ألا يأخذ إلا الدنانير يريد لولا التهمة في تأخير الصرف. م: وإنما قال: إذا استحقت السلعة الثانية؛ أو وجد بها عيبًا أن يرجع بالمئة؛ لأنها ثمن السلعة الثانية؛ لأنه لما باع السلعة الأولى بمئة اشترى بتلك المئة سلعة ثانية فإذا استحقت رجع المئة التي هي ثمنها، وأما إن استحقت الأولى، أو وجد بها عيبًا فردها رجع بثمنها أيضًا، وهي المئة؛ لأنه كان باعها أولًا منه بالمئة، ولو بعت منه عبدًا بثوب ثم أخذت في الثوب عشرة دنانير ثم استحق العبد فقد علمت أن ثمن العبد الثوب وهو في يد مشتري العبد فلما استحق العبد رجع في ثمنه وهو الثوب فصار مستحقا للثوب الذي اشتراه من بائع العبد فوجب أن يرجع عليه بالعشرة التي دفع إليه فيه، ولو استحق الثوب من بده لرجع بالعبد؛ لأنه ثمنه، فإن فات رجع بقيمته، وهذا بين، وفي كتاب الاستحقاق إيعاب هذا. [فصل 3 - رد المعيب بحصته من الصفقة] م وقد تقدم في الباب الثاني من هذا الكتاب أن من ابتاع سلعًا كثيرة بيده في صفقة واحدة فوجد ببعضها عيبًا بعد أن قبضها أو قبل فليس له إلا رد المعيب بحصته من الثمن إن لم يكن وجه الصفقة، فإن كان وجهها، وفيه رجاء الفضل فليس له إلا الرضى بالعيب بجميع الثمن أو رد جميع الصفقة.

قال هاهنا: وإن اشترى عشرة أثواب في صفقة، وسموا لكل ثوب عشرة دراهم فأصاب بأحدهم عيبًا لم ينظر إلى ما سموا لكل ثوب، ولكن يقسم الثمن على قيمة الثياب فينظر هل المعيب وجه الصفقة أم لا؟ قال ابن القاسم: فإن كانت قيمة المعيب / خمسين دينارًا أو قيمة كل ثوب سواه نحو الثلاثين، لم يكن وجه الصفقة حتى تكون حصته أكثر الثمن، مثل أن يكون ثمن الجميع مئة، وثمن هذا المعيب سبعين دينارًا أو ثمانين فهذا وجه الصفقة في قول مالك. قال ابن المواز: اذا وقع للمعيب نصف الثمن فأقل لم يكن وجه الصفقة، وإن وقع له من الثمن أكثر من نصفه فهو وجه الصفقة.

[الباب الثالث] فيمن قام بعيب وقد اغتل أو ولدت الغنم أو جز أصوافها وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (الخراج بالضمان) ومعناه أن البيع إذا كان في ضمان المشتري لو أصابه تلف حكم بتلفه من ماله كان له غلته بضمانه، وهذا إذا ضمنها بضمان الملك لا بضمان الغضب

[الباب الثالث] فيمن قام بعيب وقد اغتل أو ولدت الغنم أو جز أصوافها وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (الخراج بالضمان) ومعناه أن البيع إذا كان في ضمان المشتري لو أصابه تلف حكم بتلفه من ماله كان له غلته بضمانه، وهذا إذا ضمنها بضمان الملك لا بضمان الغضب لقوله (صلى الله عليه وسلم)، وليس لعرق ظالم حق والغاضب هو العرق الظالم. [فصل 1 - المشتري يغتل السلعة ثم يردها بعيب] قال مالك: فمن ابتاع دورًا أو عبيدًا فاغتلهم ثم ردهم بعيب كان ما أغتل منهم له بضمانه. م: ولا خلاف في ذلك، وإن أصاب الدور عنده عيب رد معها ما نقصها.

[فصل 2 - المشتري يشتري إبلًا أو بقرًا أو غنمًا فتلد ثم يردها بعيب] قال ومن اشتري إبلًا أو بقرًا أو غنمًا فولدت عنده ثم وجد بها عيبًا فلا يردها إلا مع ولدها، ولا شيء عليه في الولادة إلا أن ينقصها ذلك فيرد معها ما نقصها. م: يريد وإن كان في الولد ما يجبر به النقص جبره على قول ابن القاسم كما قال في الأمة تلد ثم يردها بعيب. [فصل 3 - المشتري يشتري إبلًا أو غنمًا أو بقر قم يجز صوفها] قال ابن القاسم: ولا شيء عليه فيما جز من صوف أو وبر، أو حلب من لبن، أو انتفع به من زبد أو سمن؛ لأن ذلك غلة، وسواء كان ذلك بيده، أو قد فات، ويرجع بجميع الثمن. قال مالك: وكذلك في البيع الفاسد/ يرد ولا شيء عليه مما أخذ من الغلة فيه إلا أن يفوت في البيع الفاسد، والولد فيه فوت يوجب عليه القيمة يوم القبض. قال ابن القاسم: وإن كان صوف الغنم يوم الصفقة تامًا فجزه ثم ردها بعيب فليرد ذلك معها أو مثله إن فات. م: وإن لم يعلم وزنه رد الغنم بحصتها من الثمن كمشتري ثوبين يفوت عنده أحدهما ثم يجد بالثاني عيبًا.

وفي كتاب محمد: إذا فات، ولم يعرف وزنه يرد قيمته ما بلغ بخلاف الثوبين. والأشبه ما قدمناه، وهذا على قياس قول من قال: إذا فات الأدنى من الثوبين رد قيمته مع الأرفع المعيب، ورجع بجميع الثمن؛ لأنه يقول، إذا انتقضت صفقتي لم تلزمني المغابنة في الأدنى. [فصل 4 - المشتري يرد الابل أو البقر أو الغنم بعيب بعد ما حلبها] وفي المدونة قال ابن القاسم: ولا يرد للبن شيئًا، وإن كان في الضروع يوم البيع، وذلك خفيف. [فصل 5 - المشتري يرد النخل بعيب بعد جدادها] قال مالك: وإن اشتريت نخلًا فجددتها زمانًا ثم رددتها بعيب أو استحقت فلا شيء عليك للثمرة؛ لأن الغلة بالضمان، وترجع على بائعك بالثمن كله.

[فصل 6 - المشتري يرد النخل الذي كانت مؤبرة يوم الشراء بعيب بعد جد الثمرة] وفي كتاب محمد فإن ردها وفيها ثمرة قد أزهت فهي له، وإن لم تزه فهي للبائع، ويرجع بالسقي والعلاج. قال: وكذلك لو اشتراها شراء فاسدًا فردها بعد زهو الثمرة. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن كانت الثمرة يوم الشراء مأبورة فاشترطتها، فإنك إن رددت النخل بعيب، وقد جددتها رددت الثمرة معها، وإلا فلا شيء لك، فإن رددتها معها كان لك أجر سقيك، وعلاجك فيها. م: يريد ما لم تجاوز قيمة الثمرة. قال ابن القاسم: ولما لم / تكن واجبة إلا باشتراط صح أن لها حصة من الثمن، ولم ألزمها لك بحصتها من الثمن كسلعة ثانية فتصير إذا أفردت بيع ثمرة لم يبد صلاحها.

م: وأمضاها له في التفليس بما ينوبها من الثمن، وإن اشتراها ولا شيء فيها فاستحقت وفيها ثمرة وقد أزهت فهي للمستحق ما لم تيبس، وكذلك الشفعة لا يفيتها إلا اليبس، وفي التفليس لم يفوتها إلا الجد فإن ذهبت الثمرة بأمر من الله رددت الحائط، ولا شيء عليك للثمرة، وهذا مثل ما قال مالك في مال العبد إذا اشتريته، واشترطت ماله معه فانتزعته فإنك إذا رددته بعيب رددت ماله معه، وإن هلك المال قبل انتزاعك لم يلزمك له نقص من ثمنك إن رددته بعيب فالثمرة إذا اشترطت بعد الإبار، ومال العبد أمرهما واحد. قال في كتاب محمد: ولو انتزعته ثم هلك بأمر من الله ضمنته وكذلك الثمرة إذا وجددتها ثم هلكت فإنك تضمنها قاله محمد. م: وأما لو اشترطت الثمرة بعد الطياب فهذه إن هلكت الثمرة قبل الجداد بأمر من الله فرددت النخل بعيب فلتردها بحصتها من الثمن وكذلك إن جدها رطبًا فأكلها فلترد النخل بحصتها من الثمن، وكذلك ينظر ما قيمة النخل من قيمة الثمرة فإن كانت مثلها رجع بنصف الثمن، وإن كانت مثليها رجع بثلثي الثمن، وأما إن جدها تمرًا وعرف مكيلتها فإن قائمة ردها معها، وإن فاتت رد مثلها مع النخل.

ومن المدونة، قال أشهب في الثمرة وإن أبرت والصوف وإن تم يوم الصفقة فهما غلة لا يرد ذلك في رده بالعيب. م: وقول ابن القاسم/ أبين؛ لأن النخل إذا أبر ثمرها فإنما هي غلة حدثت عند [/191 أ] البائع ألا ترى أنها للبائع في البيع حتى يشترطها المشتري، ولا يتك له اشتراطها إلا برضي البائع فإنما هو كمن باع سلعتين، وإن كنا لا نجيز بيعها مفردة فتجوز مع الأصول بالسنة، ويلزم أشهب أن يقول: إذا اشتراها، والثمر قد أزهى، أو أثمر أنها غلة للمبتاع كما قال في الصوف إذا تم. وهذا يبين صعف قوله والله أعلم بالصواب. م: وذهب أبو حنيفة أن الولادة، والنتاج والثمرة تبطل الرد، وتوجب قيمة العيب؛ لأنها عيوب، وحدوث العيب عنده يمنع الرد بالعيب.

وقال الشافعي: يرد الأصل في ذلك كله، ولا يرد الفرع. فدليلنا على أبي حنيفة أنه إنما حدث في يد المشتري بعد العقد فلم يمنع الرد بالعيب أصلة الغلة، والكسب، وقد وافقنا أن العبد إذا أفاد عند المشتري مالًا عينًا أو حيوانًا بهبة أو التقاط أو ركاز فإن ذلك لا يمنع الرد بالعيب يوجب به فكذلك ولادة الأمة. ودليلنا على الشافعي في قوله: أن الولد غلة لا يرد فلان الأصول موضوعة على أن كل حكم لزم في رقبة الأم فإن الولد يتبعها فيه إذا كان الولد من زوج كولد أم الولد والمكاتبة والمدبرة والمعتقة لإلي أجل، وقد ثبت أن حكم الرد لازم في رقبة الأم المعيبة فيجب أن يكون حكم ما يحدث لها من ولد كحكمها، ولا يشبه الثمرة؛ لأنها غلة وليست تلحق بالأصل. ومن المدونة قال ابن شهاب: وإذا سافر بالدابة ثم ردها بعيب فلا كراء عليه/.

[الباب الرابع] في من ابتاع ثيابا أو غيرها فقطعها أو صبغها ثم قام بعيب

[الباب الرابع] في من ابتاع ثيابًا أو غيرها فقطعها أو صبغها ثم قام بعيب [فصل 1 - العيب المفسد إذا حصل عند المبتاع من غير سبب التدليس فلا يرد إلا بما نقص] قال مالك= رحمه الله-: كل ما حدث بالرقيق والحيوان عند المبتاع من عيب مفسد من غير سبب التدليس فلا يرده إن وجد عيبًا إلا بما نقصه ذلك عنده، دلس له البائع بالعيب أم لا. قال ابن القاسم: وكذلك الدور بخلاف الثياب تقطع وتصبغ وتقصر إذ لهذا تشتري فيفترق فيها التدليس من غيره، ويصير المدلس كالآذن في ذلك، فلا شيء له في الرد مما نقصها إلا أن يفعل غفي الثياب ما لا يفعل في مثلها أو يحدث فيها عيب مفسد من غير التقطيع فلا يردها إلا بما نقصها.

[فصل 2 - المشتري يقطع الثياب ثم يظهر على عيب لم يعلم به] قال: فإن قطع الثياب قميصًا أو سراويلات أو أقبيه ثم ظهر على عيب لم يعلم به فالمبتاع مخير في حبسه والرجوع بقيمة العيب أو رده وما نقصه القطع، وإن دلس له البائع فلا شيء على المبتاع لما نقصه القطع إن رده. احلفه ولو قال البائع عَلِمتُه فأنْسِيتُه حين البيع حلف أنه أنسيه وكان له ما نقصه القطع. ابن المواز قال مالك: ولا أحب أن يحلف حين ذكر أنه نسي العيب، ولا في قوله: لم أكن عالمًا بالعيب حتى يختار المبتاع رد الثياب مقطعة فيحلف ويأخذ/ ما نقصها، وإن تماسك لم يحلف ورد قيمة العيب. ابن المواز: ولا يكون له ها هنا أن يحبسه ويأخذ من البائع قيمة العيب القديم، إذ صار للمشتري أن يرد بلا غرم لما نقصه، ولا شيء دخل له فيه من صبغ أو خياطة،

فلما كان كذلك صار كمن لا يحدث به عنده عيب فله أن يرد أو يحبس، ولا شيء له. [فصل 3 - المبتاع يدعي تدليس البائع وهو ينكر] ومن المدونة قال مالك: وإن ادعى أن البائع دلس له فأنكره وإن خاط الثياب فله أخذ قيمة العيب دلس له البائع أو لم يدلس، وله أن يرده مخيطًا فتدخل الخياطة في القيمة، فإن نقص بعد ذلك شيء غرم المبتاع ما نقص إن لم يدلس، ولا شيء عليه إن دلس، ولو زادت الخياطة كان بالزيادة شريكًا إن رد. [فصل 4 - المشتري إذا رد الجلود أو الثياب بعيب وقد عمل بها ما يعمل بمثلها فله الرد] ومن المدونة قال ابن القاسم: وكذلك الجلود تقطع خفافًا أو نعالاً، وسائر السلع إذا عمل بها ما يعمل بمثلها مما ليس بفساد، وأما إذا فعل في ذلك ما لا يفعل في مثله كقطع الثوب الوشي خرقًا أو تباين فليس له رده وذلك فوت ويرجع على

البائع بقيمة العيب من الثمن، وأما إن لبس الثوب لبسًا ينقصه لم يرد إلا بما نقصه اللبس في التدليس وغيره؛ لأنه انتفع، أو يحبسه ويرجع بقيمة العيب، ولا يرد للبس الخفيف شيئًا إذا لم ينقصه. قال مالك: وأما إن صبغ الثوب صبغًا ينقصه أو قطعه والبائع مدلس فللمبتاع الرد بلا غرم أو التماسك والرجوع بقيمة العيب. م لعله يريد قَطْعه قطعًا أدى عليه أجرة لقطعه فيكون له التماسك والرجوع بقيمة العيب كما قال في الصبغ، وأما إذا لم يكن لقطعه قيمة فكان يجب إذا تماسك به ألا يرجع بشيء؛ لأنه كان له أن يرد بلا غرم، وكذلك قال ابن المواز وهو الصواب إن شاء الله تعالى. وقال بعض شيوخ أفريقية: قول مالك أولى؛ لأن التقطيع فوت ففي غير التدليس يرده، وما نقصه القطع، أو يرجع بقيمة العيب فإذا دلس فلا/ يكون أحسن حالاً ممن لم يدلس فالحكم فيهما سواء إلا في خصلة أنه يرد، ولا يلزمه ما نقص التقطيع. م: وهي الحجة التي أوجبت ألا يرجع بقيمة العيب؛ لأنه كمن لم يحدث عنده عيب، وكما لو قال له البائع في عيب حدث عنده: رد ولا شيء عليك، لم تكن له حجة في أن يرجع بقيمة العيب، وهذا بين والله أعلم.

قال ابن المواز: وإذا صبغ الثوب صبغًا ليس بصبغ مثله فذلك فوت فيه، مثل قطع الثوب تبابين أو خرقًا فليس له إلا قيمة العيب، وإن صبغه صبغ مثله إلا أنه مما ينقصه فهو مثل إذا قطعه، وخاطه خياطة تنقصه إن شاء حبسه، وأخذ قيمة العيب سواء دلس له أم لا، وإن أحب أن يرده اختلف التدليس من غيره إن دلس رده بلا غرم عليه لما نقصه الصبغ والخياطة، وإن لم يدلس لم يرده إلا بما نقصه بعد أن يقوم الثوب أبيض معيبًا ثم معيبًا مقطعًا مخيطًا أو مصبوغًا فتدخل الخياطة أو الصبغ في القيمة، فإن نقصه شيء غرم المبتاع ما نقص إن لم يدلس البائع، وعلى البائع ها هنا اليمين أنه لم يدلس، فإن نكل فلا شيء له من النقص. قال أبو محمد: يريد محمد بغير رد يمين في هذا، وقاله مالك في نكول البائع فيما بيع بالبراءة. ابن المواز: قال أصبغ: وإن طلب المبتاع حبسه وأخذ قيمة العيب، فقال له البائع: أنا آخذ الثوب، وأغرم لك الخياطة، ولا آخذ منك ما نقص القطع حتى لا تكون لك حجة تحبسه بها، فليس له ذلك للصنعة التي/ فيه للمبتاع، وكما لم يكن للمبتاع أن يقول: أنا أرد عليك وألزمك قيمة خياطتي. م: والعلة في منع ذلك؛ أن البائع يريد شراء صنعة المبتاع كرهًا فلم يمكن من ذلك، وكذلك إذا أراد أن يلزمه شراء صنعته كرهًا لم يكن له ذلك.

[فصل 5 - مشتري الثوب يرده بعيب بعدما فعل به ما زاد قيمته] ومن المدونة وغيرها قال مالك: ولو فعل في الثوب ما زادت له قيمته من صبغ أو خياطة أو غير ذلك فله حبسه، وأخذ قيمة العيب أو رده ويكون بما زادت الصنعة شريكًا لا بقيمة الصنعة، ولا بما ودي، يقوم الثوب أبيض معيبًا، فتكون هذه القيمة رأس مال البائع، ثم يقوم مصبوغًا فما زاد فهو شريك به، سواء دلس له في هذا أم لا. [فصل 6 - هل القيمة في ما أحدث في السلعة وهي معيبة يوم الحكم أو يوم البيع؟] م: حكى عن الشيخ أبي الحسن بن القابسي أنه قال: والقيمة في ذلك يوم الحكم لا يوم البيع؛ لأنه إذا رده فقد فسخ البيع يوم الحكم.

م: وهذا خلاف قولهم إذا نقص فأراد الرد ورد ما نقص أن القيمة في هذا يوم البيع فكذلك كان يكون إذا زاد، ولا فرق بينهما. م وقال بعض الناس: إذا اشترى ثوبًا فقطعه وخاطه، ثم وجد عيبًا فإنه يقال: ما قيمته يوم وقعت الصفقة بغير عيب. فيقال: مئة ثم يقال: وكم قيمته حينئذ معيبًا، ليُعلم ما نقصه العيب؟ فيقال: ثمانون ثم يقال: وكم قيمته ذلك اليوم معيبًا مخيطًا؟ فإن لم ينقص من ثمنه شيء فإن شاء رده، ولا شيء عليه، أو حبسه، وأخذ قيمة العيب وهو خمس الثمن، وإن كان قد نقصته الصنعة فإن دلس البائع رده المشتري ولا شيء عليه، وإن لم يدلس لم يرده المشتري إلا وما نقصه. م وهذا هو الصواب. وإن زادت قيمته على الثمانين كان بما زاد شريكًا، فإن كانت قيمته كذلك تسعين كان شريكًا بالتسع. قال: وجعل ها هنا ما أخدثه من الخياطة التي هي عرض يجبر بها ما أحدث من النقص الذي هو القطع. قال: وفي ذلك نظر؛ لأن ما نقص عنده إنما يمضي بما ينوبه من الثمن، وما أحدث شاركه به فعرض عرضًا، وهي الخياطة عما نقص القطع عنده. قال: وانظر على هذا، لو حدث عنده عيب غير القطع، وقد أحدث فيه خياطة أو صبغًا هل يجبر أيضًا ما حدث عنده من العيب بالخياطة والصبغ، وهما عرضان؟ قال:

والأشبه، كان إذا حدث عنده عيب في الثوب، وقد صبغه واطلع على عيب، أن يقوم يوم اشتراه فإن قيل: قيمته صحيحًا مئة، قيل: وما قيمته بالعيب الذي اطلع عليه؟ فإن قيل: ثمانون. قيل: وما قيمته بالعيب الذي حدث عنده؟ فإن قيل: ستون، قيل: ما قيمته مصبوغًا؟ فإن قيل: سبعون كان للمشتري الرجوع بخمس الثمن على البائع؛ لأنه أخذه من غير عوض دفعه، وكان للبائع إذا رد عليه الثوب الرجوع بربع ثمن ما دفع إليه وهو عشرون؛ لأنه دفع ما يسوي ثمانين، أفات المشتري ربعها فمضى بربع الثمن فيتقاصان بذلك، ثم يشارك المشتري بقدر ما زاد، وهو السبع فيصير له سبع الثوب بصبغه، وهذا هو الأقيس ألا يدفع فيما فات عوضًا، وهو الصبغ، وإذا جبرنا بالصبغ غرم ثمن الثمن، وكان الصبع كله للمردود عليه؛ لأن الربع الذي فات عنده دفع نصفه صبغًا، ودفع نصفه ثمنًا قاصص به البائع من العشرين الذي عنده، وهي خمس الثمن/ فيبقى له عند البائع عشرة يأخذها منه وينبغي أن الشركة إنما تكون يوم الحكم إذا زاد الصبغ أو الخياطة في الثوب، وكذلك في كتاب محمد في زيادة الصبغ، ولو نقص الصبغ الثوب لا نبغي أن يكون النقص محسوبًا يوم عقد البيع؛ لأنه كجزء قد ذهب من المشتري فإنما يمضي بما ينوبه من الثمن يوم وقع العقد.

م قال ها هنا: يكون شريكًا بما زاد الصبغ، وقال في من استحق ثوبًا من يد مشتر، وقد صبغه فأبى أن يعطيه قيمة الصبغ، وأبى المشتري أن يعطيه قيمة الثوب فوجب أن يكونا شريكين المشتري يكون شريكًا بقيمة الصبغ، ولم يقل بما زاد فالفرق بينهما أن الراد بالعيب مختار لرد الثوب إذ لو شاء تمسك به، ورجع بقيمة العيب، والمستحق من يده مجبور على أن يؤخذ من يده فلهذا فرق بينهما والله أعلم. وقال في صبغ المقارض: إذا أبى ربه أن يعطيه ما صبغه به يكون المقارض شريكًا بما ودى فوجه هذا؛ لأنه مأذون له في حركة المال، وتنميته بالصبغ وغيره، فكأنه صبغه بإذن ربه ففارق الراد بالعيب، والمستحق من يده، والله أعلم. [فصل 7 - العيوب في الثياب تختلف في الحكم عن العيوب في الحيوان] ومن المدونة قال مالك: وإذا لم يدلس له في الثياب وشبهها فردها بعيب، وقد حدث عنده بها عيب، وإن لم يفسدها فليرد معها ما نقصها، والعيوب في الثياب بخلافها في الحيوان؛ لأن يسير الخرق في وسط الثوب ينقص ثمنه والكية وشبهها تكون في الحيوان لا تنقص من ثمنه إلا أن يحدث بالثوب عند المبتاع الشيء الخفيف الذي لا خطب له فليرده ولا شيء عليه.

[فصل 8 - مشتري الجارية البكر ذات الزوج يردها بعيب بعد أن افتضها الزوج] قال ابن/ القاسم: وأما إن ابتعت جارية بكرًا ذات زوج علمت به، فقبضتها ثم افتضها الزوج عندك فنقصها ذلك ثم ظهرت على عيب دلسه البائع فلك ردها، ولم تغرم لنقص الافتضاض شيئًا؛ لأنه باعه الجارية وهو عالم أن لها زوجًا يفتض وذلك كالتدليس في الثوب يقطعه المشتري قال: وكذلك لو لم يدلس بالعيب في الجارية ثم ردها بالعيب لم يغرم لنقص الافتضاض شيئًا؛ لأن البائع هو الذي زوجها وإنما يلزم المبتاع ذلك لو زوجها هو. م وحكى لنا عن بعض شيوخنا القرويين إذا تزوج العبد بغير إذن سيده فباعه، ولم يعلم به فعلم به المشتري فرضى النكاح، وأقره ثم ظهر على عيب فلا يرده إلا بما نقصه؛ لأنه كان قادرًا على فسخه فلما أقره صار كأنه هو الذي زوجه، وصار البائع لا يقدر على فسخه.

[الباب الخامس] في ما لا يعلم بعيبه إلا بعد إفساده كالخشب والجوز والقثاء والبيض

[الباب الخامس] في ما لا يعلم بعيبه إلا بعد إفساده كالخشب والجوز والقثاء والبيض [فصل 1 - العيب الباطن في الجوز والقثاء والخشب لا يعلم إلا بإفساده] قال ابن القاسم: كل ما بيع من غير الحيوان، وفي باطنه عيب يجهله المتبايعان ولا يعلم به إلا بعد الشق أو الكسر مثل الخشب وشبهها تشق فيجد المبتاع في داخلها عيبًا باطنًا فهو له لازم، ولا شيء على البائع من رد، ولا قيمة عيب، وكذلك قال مالك في الرانح وهو الجوز الهندي، والجوز يوجد داخله فاسدًا، أو القثاء يوجد مرًا فلا يرد وهو من المبتاع. قال مالك: وأهل السوق يردونه إذا وجدوه مرًا، وما أدري لما ردوا ذلك؟ إنكارًا لرده. م: وذكر/ ابن حبيب عن مالك مثل ما تقدم، قال ابن حبيب: وهذا إذا كان من أصل الخلقة، ولم يحدث فيها من عفن وشبهه، وكذلك غير الخشب مما لا يمكن علمه إلا بعد قطعه مثل الصندل والعود، وأما الرانج والجوز والقثاء يوجد داخله فاسدًا أو مرًا فمالك يراه مثل الخشب. وقال ابن الماجشون: هذا في اليسير إذ لا يسلم منه وأما ما كثر فيرد ولو شرط البائع البراءة منه لم يجز؛ لأنه خطر، وهو في معنى قول مالك، وقاله أصبغ.

م: وهذا ضد ما حكى محمد عن مالك، وقول ابن حبيب في الخشب إنما ذلك إذا كان العفن من أصل الخلقة خلاف أيضًا، وقد قال مالك في العتبية كل ما يباع فكان البائع والمبتاع في معرفته سواء، لا يظن أن البائع عرف من سلعته ما لم يعرف المبتاع، فإن المبتاع لما اشترى ضامن ليس إلى رده من سبيل. ابن المواز قال مالك: إن كان عيب الخشب لا يوقع عليه إن طلب إلا بالنشر فلا رد فيه، ولا قيمة عيب، وهذا أمر ثابت في هذه الأشياء معروف يشتري عليه المشتري، ويبيع عليه البائع، ومثل هذه الفصوص وخشب النخل، والخشب التي يعمل بها الأقداح نحتت ترى عيوبها قال: وكذلك: الرائج والجوز، الصحيح هو مثل الخشب قال: وقيل: أيضًا لا يرد من الجوز ما كسر ووجد فاسدًا إلا مثل الجوزتين والثلاث رانجا كان أو من الجوز الصغار وما يمكن منه أن يتدبر فيقدر على معرفته، وأما الأحمال والكثير منه فلا رد فيما وجد منه فاسدًا إلا أن يكون كله فاسدًا أو أكثره فإنه يرده ويأخذ الثمن، يريد؛ لأنه لا يخفى على البائع إذا كان كذلك. قال: وأما اليسير من الكثير فلا يرد، ويلزمه البيع. قال ابن المواز: وكذلك القثاء يوجد كله فاسدًا أو أكثره فإنه يرده ويأخذ الثمن يريد؛ لأنه لا يخفى على البائع إذا كان كذلك قال: وأما اليسير من الكثير فلا يرد، ويلزمه البيع.

قال ابن المواز: وكذلك القثاء يوجد كله أو جله مرًا فإنه يرده؛ لأنه لا يخفى على بائعه، وقد قال في ذلك أشهب: إن كان يوصل إلى علم مرة بإدخال العود الرقيق فيه فأرى أن يرد ما بيع منه مما يمكن أن تشترى القثاة والقثاتان، وأما ما بيع أحمالاً فلا يرد ما وجد فيه مرًا، ابن المواز: إلا أن يكون كله مرًا. [فصل 2 - عيب البيض الباطن هل يرد به إذا كسر؟] ومن المدونة قال مالك: وأما البيض فيرد لفساده؛ لأنه مما يعلم ويظهر فساده قبل كسره، وهو من البائع إذا كسر إذا كان مدلسًا. قال ابن المواز: وكل ما يمكن الإطلاع على فساده وعيبه بغير كسر فهو مردود ولا شيء على كاسره؛ لأنه بيع على أن يكسر، وإن لم يشترطه إذ لا ينتفع به إلا بعد كسره، وذلك إذا كان البائع مدلسًا، وإن لم يكن مدلسًا رد الدنيء مع ما نقصه، قال: وأما البيض يوجد فاسدًا وقد كسر فلا رد فيه، وأرى أن يرجع بما بين القيمتين إن كانت له قيمة يوم باعه بعد الكسر وإلا رجع بالثمن كله، وقاله أيضًا ابن القاسم في البيض إذا وجد مفسودًا إن كان بحضرة البيع رده، وإن كان بعد أيام لم يرده؛ لأنه لا يدري أفسد عند البائع أو عند المبتاع وقاله مالك. وقد تقدم القول في الصغير إذا كبر أنه فوت/ ويرد البائع قيمة العيب على ما أحب أو كره، ولا يشبه ذلك الفراهية، وتعليم الصنعة هذا ليس بفوت،

فإن شاء رد أو أمسك، ولا شيء له، وقد تقدم أيضًا أن من اشترى جارية أو عبدًا ثم باعه من الذي باعه منه بمثل الثمن ثم ظهر على عيب كان به عند البائع، فلا تراجع بينهما في تدليس ولا غيره، وإن باعه منه بأقل من الثمن قبل علمه بالعيب رجع عليه بتمام الثمن دلس به أم لا، وإن باعه منه بأكثر من الثمن فلا رجوع له عليه إن كان مدلسًا، وإن لم يدلس فله رده عليه، وأخذ ثمنه ثم للآخر رده عليه، وأخذ ثمنه فيتقاصان إذا شاءا.

[الباب السادس] القضاء في من غش وفي ما غش من ابتاع ما هو زوج فرد أحدهما بعيب

[الباب السادس] القضاء في من غش وفي ما غش من ابتاع ما هو زوج فرد أحدهما بعيب [فصل 1 - القضاء في من غش وفي ما غش] ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الغش والخلابة، وقال: (من غشنا فليس منا). م: قال بعض العلماء معناه: لم يعمل بأعمالنا، وتشبه بأعدائنا اليهود؛ لأن من شأنهم الغش في غالب حالهم. قال مالك: وإن ابتعت حنطة كانت مبلولة فجفت، أو عسلاً أو لبنًا مغشوشًا فلم تعلم بذلك حتى أكلت ذلك فلك الرجوع بما بين الصحة والداء، إذ لا يوجد مثله لغشه ولو وجدت مثله في غشه حتى يحاط بعلم ذلك لرددت مثله، وأخذت جميع الثمن. ابن المواز: قال أشهب: وسواء دلس له أم لا. قال: وإن وجد مثله سواء فهو مخير في رد مثله، أو أخذ قيمة الغش قال أبو محمد وقال سحنون لا يرد مثله، وإن وجد مثله ويرجع بقيمة العيب. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن/ الماجشون: ويعاقب من غش بسجن وضرب، وإخراجه من السوق إن كان معتادًا للغش والفجور، ولا يهراق متاعه إلا ما خف مثل اللبن يغشه بالماء أو يسير الخبز الناقص فليتصدق به أدبًا له مع تأديبه بما ذكرنا، وأما الكثير من اللبن، وخبز فلا، ولا ما غش من زعفران، أو مسك.

ابن حبيب: ولا يرد عليه، وليبع ممن يؤمن أن يغش به، ويرد إليه ما كسر من الخبز، وقاله كله مالك وأصحابه. قال مالك فيه وفي العتبية: ولا ينهب متاع الرجل إذا غش، وأرى أن يعاقب من أنهب أو انتهب. قال مالك في كتاب محمد: وأرى أن يخرج من السوق من فجر فيه فذلك أشد عليه من الضرب. [فصل 2 - خلط طعام بطعام دونه] قال مالك: ولا يخلط طعام بدونه، ويعاقب فاعله، وكذلك البر بالشعير وكذلك جميع الطعام [و] الثمر وغيره. قيل: فالجميع من التمر يخلط في الحائط إذ جد، قال: لا بأس بذلك. وقال مالك في من خلط قمحًا بشعير لقوته: أكره له أن يبيع ما فضل منه، وإن قل، وكذلك التمر والعسل والسمن. وقال ابن القاسم: إذا لم يتعمد خلطه لبيع فأرجو أن يكون خفيفًا.

وقال ابن الماجشون، ومطرف في الواضحة مثل قول ابن القاسم. ابن المواز قال ابن القاسم في الجزار يخلط لحما سمينا، ومهزولا فيبيعهما بوزن واحد، والمشتري يرى ذلك ولكن لا يعرف وزن هذا من هذا فلا بأس به في الأرطال اليسيرة كشراء الرجل بالدرهم والدرهمين، وأما مثل عشرين رطلاً وثلاثين فلا خير فيه حتى يعرف وزن هذا من هذا من هذا وإلا فهو خطر وليُمنع الجزارون من خلط السمين بالمهزول، وهو من الغش وما لا يحل، وإن بينه. قال مالك: ولا بأس بما يجعل من التبن من أسفل المطمر عند الخزن أو في السفينة، وليس من الغش، وكذلك خلط الماء باللبن لاستخراج زبده، وأما بعد ذلك فلا. قال سحنون في العتبية: لابأس أن يصب في العصير المتخذ للخل الماء لئلا يصير خمراً، وليتعجل تخليله إذا قصد هذا وليس من الغش.

[فصل 3 - نسبة السلعة إلى غير جنسها أو تسميتها بغير اسمها] قال ابن حبيب: ومن الخديعة والخلابة أن ينسب السلعة إلى غير جنسها، وللمبتاع الرد بذلك فأما لو جهل أحد المتبايعين فباع أو ابتاع ما يساوي مئة درهم بدرهم لكان ماضياً عليهما. وروى عن شريح فيمن قال لرجل بكم هذا الثوب الهروي؟ فقال: بكذا فابتاعه منه ثم تبين أنه غير هروي، ولكن صنع صنع الهروي فأجاز بذلك عليه شريح؛ لأنه لم يبعه على أنه هروي هراه، وإنما هو هروي الصنع. قال أبو محمد: فيها نظر، قال ابن المواز وابن حبيب: قال مالك فيمن باع حجراً بدرهمين أو بثمن يسير فإذا هو ياقوت رفيع، فالبيع لازم ابن المواز: ولو شاء استبرأ لنفسه قبل البيع. قال ابن حبيب: وذلك إذا قال: من يشتري مني هذا الحجر؛ لأن الياقوت يسمى حجراً، وسواء علم المشتري حين اشترى أنه ياقوت أو لم يعلم، وكذلك لو ظن المبتاع أنه ياقوت فرفع في ثمنه فأخطأه ظنه فلا رد له. ولو قال البائع: من يشتري مني هذه الزجاجة فباعه ثم ظهر أنه ياقوت فللبائع رده جهله المبتاع أو علمه كما لو سماه ياقوتاً فألفاه زجاجاً، فأما إن سكت أو قال حجراً فلا كلام له إن وجده ياقوتاً.

قال سحنون: ومن اشترى/ ثوراً على أنه يحرث فوجده لا يحرث فله شرطه، ويرده إن شاء، وإن اشتراه ولم يشترط شيئاً فيجده لا يحرث، وإنما اشتراه للحرث فلا رد له في هذا. وقال مالك: في خلط سلعته بتركه ميت تباع، أو خلط عبده برقيق مجلوب يباع فالمبتاع مخير إذا علم. فصل [4 - من اشترى مالا يفترق فيجد ببعضه عيباً] ومن قال ابن القاسم: ومن اشترى خفين أو نعلين أو مصراعين أو كل ما هو زوج فأصاب بأحدهما عيباً قبل القبض أو بعده فإما ردهما جميعاً، أو حبسهما جميعاً، وأما ليس بأخ لصاحبه، أو كانت نعالاً فله رد المعيب إن لم يكن وجه الصفقة، ,غن كان وجه الصفقة فليس له إلا رد الجميع أو حبسه ولا شيء له، وحكم الأم تباع مع ولدها فيوجد بأحدهما عيب حكم مالا يفترق.

في من تبرأ من عيب فيوجد اشنع منه، ويبرؤه من العيب بعد تمام البيع [فصل 1 - البراءة من عيب فيجد أشنع منه] [المسألة الأولى: البراءة من الدبرة] قال ابن القاسم: ومن باع بعيراً فتبرأ من دبرته فإن كانت دبرته منْقَلة مفسدة لم يبرأ -وإن أراه إياها- حتى يذكر ما فيها من نقل وغيره. [المسألة الثانية: البراءة من الإباق] وكذلك قال مالك: في من تبرأ في عبد من إباق والمبتاع يظن أنه إباق ليلة، أو مثل العوالي فيوجد قد أبق إلى مثل مصر والشام. قال ابن المواز: أو قد أبق مراراً.

[المسألة الثالثة: البراءة من السرقة] قال ابن القاسم: وكذلك إن تبرأ من سرقة العبد يظن أنه إنما كان سرق في البيت الرغيف ونحوه فإذا هو عاد ينقب بيوت الناس فلا يبرأ حتى يبين أمره. م: وحكى عن أبى بكر بن عبد الرحمن فيمن باع عبداً، وتبرأ من أباق ذكر قدره فأبق عند المبتاع فهلك في - إباقه ثم اطلع أنه أبق عند/ البائع أكثر مما بين. م يريد ويرجع عليه بما بين القيمتين، وإن هلك في أكثر من ذلك وفي مثل ما دلس به فهو من البائع، ويرجع عليه بجميع الثمن كله. م وفي هذا نظر وقد تقدم شرحه. ابن حبيب: إذا تبرأ من دبر دابته فإن عرف غورها وما في داخلها لم يبرءه من تفاحشه إلا أن يبينه، وإن لم يعرف غورها وما في داخلها لم يضره ما ظهر فيها عند المبتاع؛ لأنه كعيب يستوي علم البائع والمبتاع في معرفته، وقاله من

كاشفت من أصحاب مالك. م: صواب وهو يرد ما تقدم له من عيوب الخشب؛ لأنه قال: لا يبرأ إلا أن يكون من أصل الخلقة. فأنظره. [المسألة الرابعة: البراءة من الكي بالأمة] ومن المدونة ولو تبرأ البائع من كي بلأمة فوجد الكي بالظهر أو الفخذين. فقال المبتاع: ظننته ببطنها فلا رد له إلا أن يكون متفاحشاً فيرد على ما ذكرنا في الدبر والإباق. ابن المواز وقال أشهب: يفسخ البيع مالم يصف شنع الكي وقدر كل كيه ويريه ما يجوز أن ينظر إليه، وكذلك قروح الجسد، وجراحاته، وكذلك ذكر البراءة في الدبرة إذا لم يصف له قدرها وغورها، وأمرها مجهول فبيعه مفسوخ. قال ابن المواز: وقول ابن القاسم في ذلك أحب إلينا، وقد أضعف قول أشهب جوابه في مسألة الأباق. قال هو وابن القاسم في من تبرأ من الإباق كثيراً أو بعيداً: فله الرد. م: قال وبعض شيوخنا: إذا اشترى عبداً فوجد به كياً خفيفاً فقال أهل الفلسفة: إنه كوي لعلة كذا نظر فإن كان/ من أهل البربر لم ينظر إلى قولهم؛ لأن

البربر معلوم أنهم يكوون لكل علة، وإن كان الروم فليرده؛ لأنهم لا يكوون إلا لعلة مخوفة. [المسألة الخامسة: البراءة من عيوب الفرج] ومن المدونة قال ابن القاسم وابن المواز وقاله أشهب: وإن تبرأ من عيوب الفرج فإن كانت مختلفة، ومنها المتفاحش لم يبرءه حتى يذكر أي عيب هو إلا من اليسير فإن كانت مختلفة، ومنها التفاح لم يبرءه حتى يذكر أي عيب هو إلا من اليسير فلا يبرأ، وأما الرتق وما تفاحش فلا يبرأ ولو تبرأ من الرتق فوجد بها رتقاً لا يقدر على فإن كان الرتق ما يقدر على علاجه ومنه ما لا يعالج لم يبرأ البائع حتى يبينه. ابن المواز قال أشهب: إن كان رتقها بعظم لا يقدر على علاجه إلا بخوف على الجارية فله ردها إن أحب. [المسألة السادسة: البراءة لا تكون إلا من عيب يوقفه عليه] ومن المدونة قال ابن وهب عن مالك: في من باع عبداً أو دابة أو غير ذلك، وكثر في براءته أسماء العيوب: فلا يبرئه إلا من عيب يريه إياه ويوقفه عليه، وإلا فله الرد به إن شاء. وروى ابن وهب أن عمر بن عبد العزيز منع أن يذكر في البراءة عيوباً ليست في المبيع إرادة التلفيق

قال النخعي: ولو قال: أبيعك لحماً على باريه لم يبرأ حتى يسمي العيب. قال شريح: حتى يضع يدع عليه. ابن المواز: وقال أشهب عن مالك: لا تنفع البراءة من كل عيب علم به، وإن سماه مالم يقل إنه به، وإلا فهو مردود، وإذا باع عبداً أو دابة أو غير ذلك، وبه عيب فسماه وسمى معه عيوباً مما ليس به فإن ذلك لا ينفعه ويرد عليه حتى يوقفه على ذلك العيب بعينه. قال ابن المواز: ولا ينفعه لو أفرده فقال: أبيعك بالبراءة من كذا وكذا حتى يقول: إن ذلك به ولا/ يخلطه بغيره يريد لما جرى من عادة النخاسين أن يذكروا ذلك تلفيفاً، وأطماعاً للمشتري بذكرهم ما ليس في المبيع فيظن أن ذلك ليس بها. م: وأرى البراءة بذكره إذا أفرده، وإن لم يقل أنه به. ومن الواضحة وإذا سمى في البراءة عيوباً منها ما بالعبد، ومنها ما ليس به لم يبرأ مما به حتى يفرده، وله الرد إلا أن يكون المبتاع عالماً بالعيب، أو يكون عيباً ظاهراً ويخبره به غير البائع حين التبايع فيلزمه، ولا يرد به قاله مالك وأصحابه.

قال أبو محمد: وهذا مثل ما في كتاب محمد. فصل [2 - البراءة من العيب بعد تمام البيع] ومن المدونة قال مالك: وإذا أتى بائع الأمة أو العبد أو غير ذلك بعد تمام البيع، فتبرأ من عيب ذكره؛ فإن كان ظاهراً فذلك له والمبتاع مخير، وإن لم يكن ظاهراً لم تنفعه براءته,، ولا رد للمبيع. ثم إن ظهر للمبتاع عيب قديم كان له الرد أو الرضى، ولو أقام البائع بينة أن ذلك العيب به مكن من ذلك ثم خير المبتاع في أخذها أو ردها. ابن المواز قال أشهب: ولا تنفعه البينة إن لم يقبلها ويبرئه إلا أن يقفه السلطان على الرد، أو الإمساك. ... قال ابن المواز: وإذا لم يظهر العيب فأراد المشتري أن يرد بعد أن لم يكن قبل منه فليس ذلك له إلا أن يثبت البائع على إقراره، أو يظهر ذلك العيب أو يتحقق ببينة فيوقف فيكون له أن يرد أو يمسك. م: قال بعض أصحابنا عن بعض شيوخه القرويين يريد محمد: ولو أقر له البيع أنه أبق عنده، وأنه دلس له بإباقه، ولم يقم على ذلك بينة، ولم يقبل منه المبتاع قوله فأبق بعد/ ذلك فمات في إباقه فليرجع المبتاع على البائع فيأخذ منه جميع الثمن؛ لأن من أقر على نفسه بشيء من أموال الناس أخذ به. قال: وكذلك فسر لي الشيخ أبو الحسن.

[الباب الثامن] جامع القول في البراءة

[الباب الثامن] جامع القول في البراءة [فصل 1 - البيع بشرط البراءة لا يصح إلا في الرقيق وبيع الحاكم للغنائم والميراث ومال المفلس] قال مالك: ولا تنفع البراءة مما لا يعلم البائع في ميراث وغيره في من شيء السلع، والحيوان إلا في الرقيق وحده. قال ابن القاسم: وهو الذي أخذ به من قول مالك وهو الذي قضى به عثمان على عبد الله بن عمر.

قال في كتاب محمد: ومضى به العمل من الإمام المتبع أثره ليس في ذلك حد لصغر عيب، ولا لكبره، وكذلك بيع السلطان على المفلس والمغانم وغيرها. [فصل 2 - البيع بالبراءة ثم يوجد بالمبيع عيب قديم] ومن المدونة قال: ومن باع عبداً أو وليده وقال: أبيع بلا براءة فهو بيع براءة، ويبرأ من كل عيب لم يعلم به إلا من الحمل في الرائعة؛ لأنها تتواضع، ولا يبرأ من عيب علمه حتى يسميه بعينه. قال ابن حبيب: فإن وجد المبتاع عيباً قديماً، وقد اشترى بالبراءة حلف البائع أنه ما علمه به وبريء كان خفياً أو ظاهراً. قال مالك في كتاب محمد: فإن نكل ارتجع عبده، ولم يكن على المبتاع يمين. وقال في العتيبة: بعد يمين المبتاع على علمه أنه ما حدث عنده. م: لعله يريد في عيب يقول أهل الفلسفة: إنه قديم ولانقطع نحن بحقيقة ما قالوه، وما يتحقق كل أحد أنه قديم فلا يجب على المبتاع يمين؛ لأنه قد بان صدقه، وما في كتاب ابن المواز أصح. قال ابن حبيب: وإن كان عيباً يمكن قدمه وحدوثه فلا يمين فيه على البائع بالبراءة كان/ خفياً أو ظاهراً. وقال ابن القاسم في العتيبة: يحلف البائع على علمه.

وقال أشهب عن مالك: ومن باع عبداً بالبراءة على ألا يمين عليه ثم وجد المبتاع به عيباً قديماً فلا يمين عليه كما شرط. [فصل 3 - بيع السلطان للديون والغنائم وبيع الورثة الميراث كله بيع براءة] ومن المدونة قال ابن القاسم وبيع السلطان في الديون، وفي المغنم وغيره، وبيع الورثة إذا ذكروا أنه ميراث ذلك كله بيع براءة وإن لم يذكروا البراءة، وإن لم يذكر الورثة أنه بيع ميراث لم يبرؤا إلا بذكر البراءة. ابن حبيب: وما بيع بأمر الإمام على مفلس، أو ميت لقضاء دين، أو لنفاذ وصية، أو على أصاغر فهو بيع براءة، وإن لم يذكر متوليه أن بيع ميراث أو مفلس، فأما ما وليه الوصي لنفسه، لما ذكرنا، بغير أمر الإمام، أو باعه الورثة وهم أكابر ليقضوا دين الميت ووصاياه فليس ببيع براءة حتى يخبر من يليه أنه بيع ميراث أو يذكر البراءة، وأما ما باعه الوصي على يديه للأيتام من رقيق وغيرها فليس ببيع براءة، وإن بين أنه لأصاغر من ميراثهم حتى يشترط البراءة، وقاله أصبغ من ذلك كله. ابن المواز: قال مالك: بيع الميراث وبيع السلطان بيع براءة إلا أن يكون المشتري لم يعلك أنه بيع ميراث أو سلطان فهو مخير أن يرد أو يحبس بلا عهدة. م: وهذا أحسن من قول ابن حبيب أن بيع براءة، وإن لم يذكر متولية أنه بيع ميراث أو مفلس.

قال في المدونة: وأما إن علم أنه بيع سلطان أو ميراث. فليس للمبتاع في ذلك رد بعيب قديم إذا لم يعلم به البائع، ولا في ذلك عهدة ثلاث، ولا سنة، وهو من المبتاع بعقد الشراء، ولا ينفع/ في غير الرقيق من ثياب أو دواب أو عروض شرط البراءة، باعه ورثة أو وصي أو سلطان، وللمبتاع القيام بما وجد من ذلك من عيب. ابن المواز قال أشهب: وإن وقع بيع البراءة في الحيوان غير الرقيق لم أفسخه، وإن وقع في العروض فسخته إلا أن يطول ويتباعد فلا أفسخه، وخالفه ابن القاسم وقال: لا ينفع ذلك وشرطه باطل. قال ابن المواز: وأرى إنما قالك لا افسخه في الحيوان لما وقع لمالك في كتبه من باع عبداً أو وليدة أو حيواناً بالبراءة فقد بريء، وقد روى عنه أشهب في بعير باعه السلطان أيرد قال: لا إلا أن يعلم عيباً فكتمه، وإن كان إنما باعه لنفسه فهو كسائر الناس، وإن باعه في دين ونحوه فلا يرد. [فصل 4 - رجوع مالك عن قوله بجواز البراءة في الرقيق وثبوته على جوازها في بيع السلطان] ومن المدونة قال ابن القاسم: وقد رجع مالك فقال: لا تنفع البراءة في الرقيق أيضاً، وإن باعها ورثة أو وصي أو غيره إلا أن يكون عيباً خفيفاً أو بيع سلطان قال: ومن ذلك من يقدم عليه بالرقيق فيبيع بالبراءة، ولم يخبرها، ولا كشفها فهو يريد أن يذهب أموال الناس بهذا الوجه فما أرى البراءة تنفعه ابن حبيب وقال: أشهب إن وقع لم يفسخ، وقاله اصبغ، وعبد الملك. ومن المدونة قال مالك: وإنما كانت البراءة فيما باعه السلطان على مفلس ونحوه.

قال ابن القاسم: وبأول قوله أقول، وثبت مالك أن بيع السلطان بيع براءة، وهو أشد من بيع البراءة، ولأبي القاسم بن الكاتب قال: لم يختلف قول مالك في بيع السلطان أنه بيع براءة؛ لأنه كالحكم منه إلا عهدة والأحكام لا تنقض إلا أن يخالفها الجماعة، قال: ولم يختلف/ قول مالك في البراءة أنها تنفع في عهدة الثلاث والسنة وإنما اختلاف قوله في البراءة في العيب القديم. [فصل 5 - اختلاف قول مالك في البراءة] ابن حبيب: قال ربيعة وابن شهاب ويحي بن سعيد وغيرهم: تجوز البراءة في كل شيء، وقاله مالك: مرة أنها تلزم في الرقيق، والحيوان والعروض وبه قال ابن وهب، ثم رجع مالك فقال: لا تكون إلا في الرقيق. قال ابن حبيب: وبه أقول فيما بيع طوعاً فأما ما باعه السلطان في فلس أو موت أو على أصاغر أو مغنم فآخذ بقوله الأول أنه بيع براءة في كل شيء من رقيق أو حيوان أو عروض وإن لم يشترطه، وقاله ابن الماجشون ومطرف وأصبغ وغيرهم قال: وقال مالك: إن البراءة تنفع في الرقيق في كل عيب، وإن كثر وقاله أصحابه إلا المغيرة فإنه قال مالم يجاوز ثلث الثمن فلا تنفع فيه البراءة حينئذ.

م: فاختلف قول مالك في بيع البراءة على أربعة أقوال: فقول إنها جائزة في كل شيء، وقول إنها جائزة في الرقيق والحيوان، وقول إنها لا تجوز في شيء إلا فيما باعه السلطان على مفلس أو في عيب خفيف في الرقيق، وإنما فرق مالك في أحد أقواله بين الرقيق والحيوان؛ لأن الرقيق ينطبق في الأغلب، وتشكو بعيوبها فلا يخلو أن يكون العيب ظاهر فهو بيع براءة أو خفياً فيعلمه من العبد بشكواه، فإذا باعه بالبراءة حمل على أنه لا يعلم به عيباً؛ أو خفياً فيعلمه من العبد بشكواه، فإذا باعه بالبراءة حمل على أنه لا يعلم به عيباً؛ لأنه يقول: لو كان به عيب لأعلمني به فأشد ما عليه إذا ظهر عيب قديم اليمين أنه ما علمه، والحيوان لا ينطبق فيظهر ما بها من عيب خفي ففي بيعها بالبراءة بعض الغرر يقول:/ البائع لعل بها عيوباً فتكون قد غبنته، ويقول المبتاع: لعل لا عيب بها فتكون قد غبنته فيبيع ما يطلع عليه الرقيق فيبيعها بالبراءة، ولم يخبرها، ولا كشفها فهو يريد أن يذهب أموال الناس بهذا الوجه فيما أرى البراءة تنفعه فهذا يشبه البراءة في الحيوان، وأيضاً فإن السنة إنما وردت في الرقيق وذلك أن ابن عمر باع عبداً بالبراءة فقيم عليه فيه بعيب قديم فاختصما إلى عثمان فقال ابن عمر: بعته بالبراءة فقال عثمان: فاحلف لقد بعته وما به داء تعلمه فأبى عبد الله أن يحلف، وارتجع العبد فموضع الدليل أن ابن عمر باعه بشرط

البراءة فلم ينكر ذلك عليه عثمان، وإنما حكم عليه باليمين فقد اتفق عثمان، وابن عمر في جواز شرط البراءة في الرقيق، وهذا مذهب صحابيين لا مخالف لهما، ولم يأت مثل ذلك في الحيوان ووجه قوله إن البراءة جائزة في الحيوان أنه شرط البراءة من عيب لم يعلمه، ولم يدلس به، أصله الرقيق، وقد قال تعالى:} أوفوا العقود} [المائدة:1]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (المسلمون عند شروطهم) وهى الحجة في البراءة في العروض، واختيار ابن حبيب حسن في ما باعه السلطان؛ لأن الدين يقضي منه، والقضاء بالنقد فيه، وبالله التوفيق. [فصل 6 - الورثة يكتمون عيوباً يعلمونها لا ينفعهم شرط البراءة] ومن المدونة قال ابن القاسم: واذا كتم الورثة عيوباً يعلمونها لم ينفعهم شرط البراءة، ولا ذكر الميراث حتى يسموا تلك العيوب بعينها وكذلك الوصي. قال مالك، ولا يجوز بيع أمة رائعة، أو ما وطنه المشتري من الوخش بالبراءة من الحمل؛ لأنه غرر في الرائعة وفي الوخش تارة سلفاً وتارة بيعاً، ولا بأس بذلك في الوخش من الزنج وغيرهم إن لم يطأها البائع إذ ليس بكبير نقص فيها، وربما زاد ثمنها وهو تخاطر في الرائعة لكثرة ما ينقصها إن كان بها، ولو كان بها حمل ظاهر-و

ليس من السيد-جازت البراءة منه وزال التخاطر، وثمن خمسين لها حكم الرائعة، وهي ممن ترد للوطي. ابن المواز: وإن بيعت الرائعة بالبراءة مطلقاً، ولم يذكر الحمل جاز وفيها المواضعة. [فصل 7 - البائع بالبراءة لا يبرأ من عيب يعلمه حتى يسميه] ومن المدونة والذي يبيع رقيقاً بالبراءة لا يبرأ، من عيب يعلمه حتى يسميه وقضى به عمر بن الخطاب، ولا يبرأ في غيرها إلا مما سمى علم عيباً أم لا ولاتباعه ولا إيمان. قال في كتاب محمد: إلا اليمين أنهم ما علموا. قال في المدونة إلا أن يقيم المبتاع بينة أنهم كتموا عيباً علموه فليرد إن شاء.

ومن كتاب محمد والنقد جائز في بيع البراءة إذ لا عهدة فيه إلا في بيع الجارية الرائعة، فلا ينقد فيها بشرط إذ لابد فيها من المواضعة وليتواضعا الثمن حتى تحيض. ومن كتاب ابن سحنون وسأله ابن حبيب عن عبد قام فيه المبتاع بأضراس ساقطة، وقال البائع: تبرأت إليك منها، فأنكره المبتاع، فكلف البائع البينة، فأتى ببينة تشهد أنه باعه منه بالبراءة من كل عيب. قال: وأنا لا أعرف هذه الأضراس، وإنما أردت بقولي: برئت/ منها؛ لأني إنما بعتك بالبراءة من كل عيب قال: لا ينفعه ذلك، وقوله بئت منها إقرار منه أنه كان يعرفها، وإنما البراءة مما لا يعلمه البائع. وسأله عمن ابتاع عبداً فقام فيه بعيب فزعم البائع أنه باعه بالبراءة من كل عيب، ولم أكن بهذا العيب عالماً، فأنكر المشتري أن يكون اشتراه بالبراءة، ولم يأت البائع ببينة فحكمت عليه بالعيب فيأتي المحكوم عليه بالبائع منه لا حكم له عليه فقال: لعل أنت مقر أنك بعت من صاحبك بالبراءة، وقد جحدك ذلك وكيف إن كانت جارية فردت على الأول أيحل له وطؤها، وهو يزعم أنها للذي ردها عليه بالعيب، ولكنه جحده فكتب إليه سحنون له أن يردها على الذي باعها منه أولاً، وله أن يطأها م، إن لم يردها؛ لأنه بيع لم يتم ومثل ذلك لو اختلف المتبايعان في الثمن

وتحالفا ورجعت إلى البائع أن له الوطء ويردها بعيب إن وجده وهو يعلم أنه محق في دعواه التي جحدها صاحبه، ولكن لما لم يتم البيع جاز له ما ذكرنا من الوطء والرد. ومن كتاب ابن المواز ونحوه في المدونة قال مالك: ومن باع دابة ثم وضع له بعد تمام البيع ديناراً على عيوبها فوجد المبتاع عيباً فله الرد. قال أصبغ: كما لو باعها بالبراءة لم ينفعه. م يريد ولو كان ذلك رقيقاً جاز لجواز بيعه بالبراءة. قال ابن حبيب: ومن قول مالك في من باع دابة أو جارية بعشرة دنانير على أن وضع/ له ديناراً لعيوبها، فإنه إن وجد عيباً ردها وأخذ التسعة كمن نكح بعشرة دنانير على أن تركت له ديناراً على أن لا ينكح عليها فالنكاح جائز، ولا شيء عليه. قال: وأما لو تم البيع ثم وضع ديناراً لعيوبها لم يجز ذلك في الدابة إذ لا تنفع البراءة فيها؛ لأنه خطر، ويرد الدينار، وإن وجد عيباً فعليه الرد، ويجوز في الجارية بجواز البراءة فيها؛ لأنه خطر، ويرد الدينار، وإن وجد عيباً فله الرد، ويجوز في الجارية بجواز البراءة فيها، وما جاز اشتراطه في عقد البيع جاز أن يلحق به بعد العقد كمشتري مال العبد بعد الصفقة أو يشتري من الصبرة ما له أن يستثنيه في العقد. قال أبو محمد: والذي ذكر ابن حبيب آخراً يرد الأول في الجارية بقوله: أنه يلزم ما بعد الصفقة من هذا كما يلزم في الصفقة، ورواية ابن المواز أصح. ومن العتيبة قال أشهب عن مالك: ومن ابتاع عبداً بالبراءة أو بيع ميراث فلا يبيعه بيع الإسلام وعهدته حتى يبين أنه ابتاعه بالبراءة، ولو أخبره بذلك بعد العقد يريد فسخ البيع لم يفسخ إنما عليه أن يبين ثم للمبتاع رده إن شاء وكذلك في كتاب محمد.

م: وذلك كعيب كتمه؛ لأنه يقول: لو علمت أنك ابتعته بالبراءة لم اشتره منك إذ قد أجد به عيباً، وتفلس أنت أو تكون عديماً فلا يكون رجوع على بائعك. م: قال بعض أصحابنا: ويجب على هذا، أن لو باع عبداً قد وهب له، ول يبين أنه وهب له، وإنما باع عبداً على أنه عبد اشتراه، أن يكون للمشتري مُتَكَلم في ذلك، إذ لو ظهر له عيب لم يكن له متكلم مع الواهب. ومن العتيبة/ روى أشهب أن مالكاً قال لصاحب السوق: ولا تدع من اشترى بيع الإسلام وعهدته أن يبيع بالبراءة، وامنعهم من ذلك، وافسخ ذلك بينهم يبتاع العبد أحدهم بيع العهدة ثم لا يقيم في يديه كبير شيء حتى يبيعه بالبراءة، فلا أرى له ذلك إلا من بيع عليه في دين أو ميراث أو باعه سلطان ونحوه فذلك له.

[الباب التاسع] في عهدة ما بيع على مفلس أو باعه وكيل أو قاض أو وصي، والعهدة في الشركة والتولية

[الباب التاسع] في عهدة ما بيع على مفلس أو باعه وكيل أو قاض أو وصي، والعهدة في الشركة والتولية [فصل 1 - في عهدة ما بيع على مفلس] قلت: فمن اشتى عبداً من مال رجل قد فلسه السلطان فأصاب به عيباً على من يرده؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: يرده على الغرماء الذين بيع لهم، واخذوا المال. قال مالك: ولو جمع السلطان متاعه وباعه لهم لثم تلف ما اجتمع لهم من الأثمان قبل قسمتها كانت من الغرماء، ولو تلف جميع ما جمع في البيع من المتاع كان المديان؛ لأن له نماه فعليه تواه، وقاله ابن القاسم، وقال أشهب: الأثمان والمتاع من الغريم ولا يكون من الغرماء شيء لم يقبضوه. وقال ابن الماجشون: الكل من الغرماء؛ لأنه أوقف.

قال عنه ابن المواز: ولو استعرق رب الدين حقهن فأمر السلطان ببيع دار الميت، فبيعت وقبض الثمن فضاع قبل أن يقبضه الغرماء، ثم استحقت الدار، فإن المشتري يرجع على الغرماء الذين بيعت لهم فيغرمون الثمن الذي ضاع، وإن كانوا لم يقبضوه؛ لأن لهم بيعت فهو منهم، ومن كل غريم كان للمفلس أو الميت، وإن لم يكونوا قاموا ولا علموا؛ لأنهم في ذلك الثمن أسوة فهو من جميعهم، ويرجعون بذلك في ذمة الغريم، ولو طرأ للغريم/ مال لأخذ منه ثمن الدار وحسب ما تلف من الغرماء حتى كأنهم قبضوه وأكلوه. [فصل 2 - إعتاق المديان أمته] ومن المدونة قال: وإذا أعتق المديان أمته، ولا مال له فرد الغرماء عتقه وتركوها بيده موقوفه، فلا يطأها حتى تباع في دينه أو تعتق إن أفاد مالاً، وإن باعها عليه السلطان في دينه ثم أيسر فاشتراها بقيت له رقاً، وحل له وطئها. قال: ومن وجد أمته التي باع بيد المبتاع بع أن أفلس كان أحق بها إلا أن يعجل له الغرماء جميع الثمن فإن فعلوا ثم هلكت الأمة قبل أن تباع كانت من المديان وعليه خسارتها، وله ربحها، وليس له منعهم من أداء ثمنها عنه بأن يقول: أبرأتموني مما تدفعون فيها أو سلموها كمن ودى عن رجل ما لزمه بغير أمره؛ ولأن البيع قائم بعد لم

ينتقض، وإنما للبائع نقضه بأخذ السلعة إن شاء قبل وجود الثمن من المشتري أو من دافع يدفع عنه بأمره أو بغير أمره. م: وللغرماء أن يأخذوها عنه بزيادة، ولو دينار على أن يحسب ذلك الدينار من مالهم من الدين فيكون لهم ربحها وعليهم خسارتها كفدائهم إياها من جنايتها ونحوه لأشهب. وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون: إن نقصت فالبائع مخير، فإن زادت فالغرماء مخيرون في إسلامها أو دفع ثمنها، ويباع لهم والنقص عليهم والزيادة للمديان كالعبد الرهن يجني فيفتكه المرتهن، وفي كتاب التفليس إيعاب هذا. [فصل 3 - السلطان يبيع عبداً لمفلس فيرده مشتريه بعيب قديم] ومن المدونة: وإذا أنفذ السلطان بيع عبد المفلس، وقسم الثمن بين غرمائه ثم وجد المبتاع عيباً قديماً لم يرده؛ لأنه بيع براءة/ إلا أن يعلم أن المديان علم به فكتمه فيكون حينئذ للمبتاع الرد، ويؤخذ الثمن من الغرماء إن كان المديان الآن عديماً ثم يباع لهم ثانية بالبراءة من ذلك العيب فما نقص ثمنه من حقهم أتبعوه به، ولو كان ملياً ودي هو الثمن، وأخذ العبد، فإن كان قد أعتقه أولاً فباعوه عليه عتق الآن عليه؛ لأن البيع الأول لم يتم، ولو حدث به عيب آخر مفسد عند المبتاع كان له

حبسه وأخذ قيمة العيب من ربه في ملائه أو من الغرماء في عدمه، أو رده ورد ما نقصه العيب الثاني ثم يعتق على البائع في ملائه، ويغرم الثمن أو يرد على الغرماء في عدمه، ويغرمون الثمن، ويباع لهم. قال ابن المواز عن أشهب: وإنما يرد على الغرماء إذا قامت بينة أن المفلس علم العيب فكتمه وأما إن لم يعلم ذلك إلا بقول المفلس فلا يرد إلا أن يشاء المشتري رده على المفلس فلا شيء له على الغرماء. م: قال جماعة من أصحابنا في قوله يرده المشتري، وما نقصه يكون ما نقصه للسيد؛ لأنه اليوم تم عتقه. م: وظهر أن لو كان بيعه، ولم يفت حتى رده بالعيب ورده معه ما نقصه لكان ما نقصه للعبد المعتق؛ لأن ما نقصه للعبد المعتق؛ لأن ما نقصه إنما هو ثمن بعضه فكما لا يجوز للمفلس أن يمتلك ما بقي منه على هذا القول فكذلك لا يحل له أن يمتلك ثمن ما نقصه؛ لأنه ثمن بعضه ولكن معنى قولهم يرده ما نقصه إذا كان الثمن عيناً أن يرد ما بقي منه بحصته من الثمن وكان ما نقصه كسلعة ثانية فاتت عند/ المشتري فإنما يرد عليه العبد معيباً، ويرد عليه هذا ما يقابله من الثمن ثم يعتق ما نقص فيه المبيع،

وما فات عند المشتري فلم ينقص فيه البيع فهو كما لو تماسك بالعبد ورجع بقيمة العيب، ثم ظهر لي ما نقصه يكون للسيد وإن كان الثمن عرضاً؛ لأن ما نقصه قد فات عند المشتري فتم فيه البيع فهو كما لو تماسك بجميعه ورجع بقيمة العيب أن بقية ثمنه سائغ لبائع؛ لأنه لم ينتقض فيه البيع فكذلك ثمن ما فات عند المشتري، وهذا أبين مما تقدم والله اعلم إلا على قول من قال: إذا رد على المفلس بعيب وهو مليء كان له ما نقصه والله أعلم. قال ابن المواز عن أشهب: ولو كان السيد هو باعه بنفسه وقضى دينه ثم أخبر بعيب علمه فلا سبيل إلى رده على الغرماء. قال أبو محمد: أراه يريد، ولو قامت بينة بعلمه في هذا وقال في بيع السلطان: إن علم السلطان عيباً فكتمه فللمبتاع الرد كعلم المفلس. قال ابن أبي زمنين في مسألة من باع عليه السلطان عبداً كان أعتقه ثم وجد المشتري به عيباً. يريد وثبت علم البائع بالعيب فرده قال: قال أشهب في هذه المسألة خلاف ما قاله ابن القاسم روى عنه أنه قال: لا يعتق على البائع إذا رده المشتري بالعيب، وإذا تدبرت ما قالاه في هذه المسألة وجدتهما قد نقضا أصليهما الذي عقدا في كتاب الاستبراء، وذلك أن ابن القاسم جعل فيه الرد بالعيب كبيع مبتدأ حين جعل

المواضعة على المشتري إذا رد الجارية بعيب فكان يلزمه أن يقول في هذه المسألة: إن العبد لا يعتق، وكان يلزم أشهب أن يقول فيها: أنه يعتق؛ لأنه لم يجعل في الجارية/ المردودة المواضعة على المشتري، لأنه جعل الرد بالعيب نقض بيع هكذا رأيته لبعض أهل العلم، وهو بين إن شاء الله تعالى. فصل [4 - في عهدة ما باعه وكيل أو وصي أو قاضي] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن باع لرجل سلعة بأمره من رجل فإن أعلمه في العقد أنها لفلان فالعهدة على ربها، فإن ردت بعيب فعلى ربها ترد وعليه اليمين لا على الوكيل، وإن لم يعلمه أنها لفلان حلف الوكيل وإلا ردت السلعة عليه. قال أبو محمد: وهذا إذا كان بيعه بالبراءة أو كان مشكوكاً فيه مثله يكون حديثاً وقديماً، فإن حلف ثم شاء المشتري أن يحلف صاحبها أنه ما علم بالعيب كان ذلك له، وأما لو كان على غير البراءة رده بالعيب القديم وهذا كله في الرسول ليس الوكيل المفوض إليه، ولا الوصي. قال أصبغ: التباعة أبداً على متولي البيع إلا أن يشترط عند البيع ألا عهدة عليه، ولكن على ربها، ويعامل على ذلك فلا يكون عليه شيء. ابن المواز قال مالك: وإذا باع الوكيل عبداً بالبراءة فأطلع المشتري على عيب قديم فإن لم يبين البائع أنه لغيره حلف وإلا رد عليه. قال أبو محمد: وإن بين أنه لغيره فقد اختلف قول مالك فيه فقال مرة: يحلف، وإن بين أنه لغيرهن وقال أيضاً: إن أعلمه أنه لغيره لم يحلف وإلا حلف إلا أن

يكون مثل هؤلاء النخاسين والمنادين بالجعل، ومن يبيع في المواريث في من يريد فلا تباعة عليهم، ولا عهدة. قال ابن المواز: أما هؤلاء فكما ذكر وأما الذي أخذ به في الوصي والوكيل المفوض إليهما، فإن عليهم اليمين، وإن ذكروا أنه/ لغيرهم إلا أن يشترط ذو الفضل منهم ألا يمين عليه بذلك فذلك له أتباعاً واستحساناً لقول مالك قد قاله فيه، وأما الوكيل غير المفوض إليه يرسل ليبيع شيئاً فلا يمين عليه إذا أعلمه أنه لغيره؛ لأنه ليس له أن يقبل ولو أقر أنه كان يعلم بالعيب لينقض البيع ما قبل قوله فكيف يحلف. قال: وإن لم يعلمه أنه لغيره فعليه اليمين فإن نكل رد عليه؛ لأنه حق للمشتري إذا كان بيعه بالبراءة أو كان عيباً يشك في قدمه وحدوثه، وإن حلف للمشتري أن يحلف صاحبه أنه ما علم بالعيب. قال مال: وإن علم المبتاع بعد البيع أنه لغيره فهو مخير إن شاء تماسك على أن عهدته على الآمر، وإن شاء رد إلى أن يرضى الرسول أن يكتبها على نفسه فلا حجة للمبتاع، وإن كره الرسول لم يجبر، وللمشتري رد البيع. قال ابن المواز: وذلك إذا ثبت أنه لغيره. م: فصار الوكلاء على ثلاثة أقسام: الوكلاء المفوض إليهم والأوصياء عليهم العهدة وعليهم اليمين، والوكلاء غير المفوض إليهم عليهم العهدة إلا أن يخبروا أنها لغيرهم فلا تكون عليهم عهدة، ولا يمين وأما النخاسون المنادون فلا عهدة عليهم، ولا يمين.

وقال في الوكيل المخصوص: إذا أخبر أنها لغيره هو لو أقر بالعيب لينقض بذلك البيع ما جاز إقراره فكيف أحلفه. م: قال بعض الفقهاء القرويين: وقد قال في المدونة في الوكيل على دفع دراهم سلفاً في طعام فيأتي بها البائع ويقول: إنها زيوف فإن عرفها الوكيل لزمت الأمر، فما الفرق؟ ووكالته قد انقطعت هاهنا بعد البيع. م: ويحتمل هذا أنه اختلاف قول. قال: ثم قال: فإن لم يبين/ أنه لغيره ثم لبث بعد البيع أنه موكل كان المشتري مخيراً إن شاء قبل العيد وكانت عهدته على الآمر، وإن شاء رده إلا أن يرضي الرسول أن يكتب له العهدة على نفسه فجعل للبائع حجة في العهدة، وقد قال: لو أجاز المغصوب منه العبد بيع الغاصب ما كان للمشتري حجة بانتقال عهدته على المستحق إلا أن يريد أن ذمة المستحق خير من ذمة الغاصب: فلهذا لم يجعل له حجة، وكذلك أجاز لمن أخذ من رجل دراهم سلماً على طعام لفلان، وشرط عليه الدافع إن أقر له فلان وإلا فالسلم عليك، ولم يجعل غرراً في البيع فلعله يريد لتساوي الذمتين، وأنكر ذلك سحنون.

[فصل 5 - في عهدة ما باعه الطوافون وحكم جعل السمسار إذا ردت السلعة بعيب] ومن المدونة: قال مالك: وما باع الطوافون في المزايدة مثل النخاسين، ومن يعلم أنه يبيع للناس فلا عهدة عليهم في عيب ولا استحقاق والتباعة على ربها إن وجد وإلا اتبع. قال: وإذا ردت السلعة بعيب رد السمسار الجعل على البائع. قال أبو بكر ابن اللباد: معناه إذا لم يدلس، فأما إن دلس فالجعل للأجير، ولا يؤخذ منه. وحكى عن ابن القابسي انه قال: وهذا إذا لم يعلم السمسار بالعيب، وأما إن علم فهو مدلس أيضاً، فإن رد الثوب فلا جعل له، وإن لم يرد الثوب فله أجر مثله.

م: والذي أرى أن يكون له ما سمى له من الجعل كما يكون للبائع المدلس الثمن لا القيمة إلا أن يتعامل السمسار ورب السلعة على التدليس فيكون له حينئذ أجر مثله؛ لن رب السلعة قال له: دلس بالعيب، فإن تم البيع فلك كذا، وإن رد فلا شيء لك فهذا غرر، وفي كتاب الشرح لابن سحنون إنما يرد السمسار الجعل إذا ردت السلعة بعيب إذا/ ردت على البائع بقضية، وأما إذا قبلها بتبرعه لم يرجع بالسمسرة؛ لأنه بمنزلة الإقالة، قال: ولو استحقت من يد المشتري فرجع بالثمن رجع بأجر السمسرة، قال: ولو فاتت بيد المشتري ثم ظهر على عيب فرجع بقيمته بالقضية رجع أيضاً على السمسار بما ينوب ما رد البائع من قيمة العيب إن كان الذي ينوب العيب عشر الثمن أو ربعه رجع بذلك الجزء من السمسرة، وإن رد ذلك

بطوعه لم يرجع بشيء. وقال بعض أصحابنا: وإن حدث عند المشتري عيب مفسد ثم اطلع على عيب قديم فإن أمسك ورجع بالقيمة فيرد السمسار من الجعل ما ينوب العيب، وإن رد السلعة وما نقص فيرد السمسار الجعل إلا قدر ما نقصها العيب؛ لأن ذلك كجزء احتبسه وتم فيه البيع وهو معني كلام سحنون فيها. فصل [6 - في الرجل يشتري السلعة لرجل أمره باشترائها فيعلم البائع أنه يشتريها لفلان] ومن المدونة قال مالك: ومن ابتاع سلعة لرجل فأعلم البائع أنه إنما يشتريها لفلان فالثمن على الوكيل نقداً أو مؤجلاً حتى يقول له في العقد: إنما ينقدك فلان دوني فالثمن على الآمر حينئذ. قال ابن المواز: وإن لم يقل هذا وقال: ابتعته لفلان فليتبع المأمور إلا أن يقر الآمر فليتبع أيهما شاء إلا أن يقول: الآمر كنت دفعت الثمن للمأمور فليحلف ويبرأ ويتبع المأمور. ولم يذكر في كتاب محمد هل قبض الآمر السلعة أو لم يقبضها؟ وذكر في العتيبة. أصبغ عن ابن القاسم في قبض الآمر السلعة وقال: دفعت إلى المأمور الثمن. قال: إن كان المأمور دفع الثمن إلى البائع فالقول قول الآمر مع يمينه، وإن كان لم ينقد حلف المأمور أني ما قبضت وأخذ.

وقال سحنون: ولو كان أشهد حين دفع أنه إنما ينقد من ماله/ يقبل قول الآمر أنه دفع إليه. م: قال بعض فقهاء القرويين: والذي في كتاب محمد مخالف لهذا، لأنه ذكر أن الثمن لم يدفعه المأمور إلى البائع، ثم جعل القول قول الآمر، وذلك أن السلعة ليست برهن في يد المأمور على قوله، وقد كان يشبه لو لم يدفع السلعة أن يقول قوله على مذهب أشهب، وإن نقد؛ لأنه يراها كالرهن في يده، إذ له حبسها عنده حتى يقبض الثمن، وأما على مذهب ابن القاسم فليس له حبسها عنده حتى يقبض الثمن، وأما قوله فيكون القول قول الآمر فكان يجب اذا دفع السلعة إلى الآمر أن يكون القول قول الآمر؛ لنه لم يبق في يد المأمور عوض عما دفعه، وعما هو مجبور على دفعه. وقد جعل العتيبة القول قوله بعد دفع السلعة إذا كان هو لم يدفع الثمن للبائع فكأنه أحله محل البائع غذ الثمن لا يسقط عن المشتري لقبض السلعة منه، فمتى كان الثمن لم يقبض كان لي دراهم سلفاً في طعام لا يلزم المأمور، وهو مشتري الدراهم بالطعام، وهو يقول: لو اشترى السلعة بثمن إلى أجل، وأخبر أن الشراء لغيره أن الثمن على المأمور- وإن أخبر أنه لغيره- حتى يقول: فلان ينقدك دوني فما الفرق بين شرائه لسلعة بدراهم، وبين شرائه لدراهم بسلعة إلا أن يقال: أن القياس في من اشترى لغيره، وأخبر أ، الثمن كان يجب على الآمر لولا العادة أن من أمر بالشراء دفع إليه الثمن، ولم تجر العادة في من أخذ دراهم على سلم/ أن يدفع المأمور السلم فبقي هذا على أصله أن ذلك على الآمر كعهدة المبيعات، وجرى الشراء على العادة. ومن كتاب محمد قال: وإن قال: فلان بعثني إليك لتبيعه فهذا كالشرط المؤكد، ولا يبيع إلا فلان فإن أنكر فلان غرم الرسول رأس المال.

قال أشهب: ولو قال: بعثني إليك لأشتري منك أو لتبيعني فالثمن على الرسول، وإن أقر بذلك المرسل، فلا يبرأ وكان ذلك عليهما حتى يبين أني لست من الثمن في شيء أو يقول فلان: بعثني لتبيع منه. م: والفرق بين شراء الوكيل، وبين بيعه إذا قال: أبيع لفلان أن العهدة على فلان، وإذا قال: اشتري له فالثمن على الوكيل إلا أن يقول: فلان ينقدك دوني هو أن العهدة أمرها خفيف، وقد لا يحتاج إليها أبداً، والثمن في شرائه لابد منه وهذا قد ولي معاملته وقبض سلعته فعليه أداء ثمنها إلا أن يشترط أن الثمن على فلان. [فصل 7 - اشتراط البائع على المأمور بالشراء أنه إذا لم يرض فهو ضامن] ومن المدونة قال في كتاب السلم: ولو قال: إتباعها منك فلان فشرط عليه البائع أنه إن أنكر فالثمن عليك، فذلك جائز كان الثمن نقداً أو إلى أجل، وكذلك إن أخذ منه سلفاً على هذا قال أشهب لا يجوز. م: فوجه قول ابن القاسم أن الثمن متقرر في ذمة الوكيل إلا أن يقر له الآمر. ووجه قول أشهب أنه باع على ذمة غير معلومة.

فصل [8 - بيع القاضي والوصي لمال اليتامى هل فيه عهدة؟] قال مالكك وإذا باع القاضي مال اليتامى، أو باع مال رجل مفلس في دين، أو باع مال ميت وورثته غيب فلا عهدة في عهدة في ذلك على القاضي، وكذلك قال مالك في الوصي يبيع تركة الميت أنه لا عهده عليه. قال ابن القاسم: وتكون عهدة المشتري في/ مال اليتامى. قال مالك: وإن ضاع الثمن، وضاع مال اليتامى، ولا مال لهم غير ذلك ثم استحقت السلعة التي باع فلا شيء على اليتامى. قال مطرف في الواضحة: ولا على الوصي، وإن كان لليتامى مال غير ذلك من عقار أو غيره فليتبعوا به. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن أسلم في طعام أو عرض أو حيوان، ثم ولاه لرجل أو أشركه فيه أو باع منه العرض والحيوان فعهدة ذلك على من ذلك في ذمته وهو البائع الأول، شرط ذلك البائع الثاني أو لم يشترطه؛ لأنه باع ذلك أو ولي أو أشرك فيه قبل تضمينه فأما السلعة بعينها وهي حاضرة يبتاعها فقد ضمنها فإن فعل فيها ذلك بحضرة البيع وقربه ولم يفترقا فعهدة ذلك في الشركة

والتولية على البائع الأول، ولا شيء على المشتري الأول من استحقاق أو عيب اشترط ذلك أو لم يشترطه، وأما في البيع فتباعته على البائع الثاني إلا أن يشترط أن عهدتك على الأول ويكون ذلك عند مواجبة البيع وقبل أن يبين بالسلعة فيلزم ذلك. قال مالك: وإن تفاوت ذلك لم ينتفع بشرط زوال العهدة على البائع الثاني. قال أصبغ: وفوات افتراقهما الذي لا ينفع اشتراط العهدة في الشركة والتولية على البائع الأول افتراق الأول والمشتري منه افتراقاً بيناً، وانقطاع ما كانا فيه من مذاكرة البيع. قلت: فإن أشركه أو ولاه عند مواجهة البيع فجعلت العهدة على البائع الأول أرأيت إن اشترط هذا المشترك أو المولى العهدة على الذي أشركه أو ولاه. قال: ذلك جائز، ويلزمه؛ لأنه ضمان. ابن المواز: وإن فيها/ لمغمزاً؛ لأنه ضمان يجعل إذ لا تسوى السلعة ما اشتراها به، ولكني اتبعه استحساناً.

[الباب العاشر] ما جاء في عهدة الرقيق في الثلاث والسنة

[الباب العاشر] ما جاء في عهدة الرقيق في الثلاث والسنة [فصل 1 - عهدة الثلاث والسنة هل هي خاصة بأهل المدينة] روى عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عهدة الرقيق أربعة أيام أو ثلاثة) وأمر بعهدة الثلاث عمر ابن الخطاب، وقضى بها ابن الزبير، وعمر بن عبد العزيز. وعهدة الثلاث وعهدة السنة أمر قائم بالمدينة، وكان أبان وهشام بن

إسماعيل يذكر أن ذلك إذا خطبا، وقاله أبو الزناد والزهري ورووه عن المشيخة السبعة. قال ابن المواز: قال مالك في عهدة الثلاث والسنة في الرقيق إنما ذلك في المدينة، وإعراضها الذين جروا عليها فبيعهم على العهدة أبداً حتى يشترط البراءة، ولا تلزم بغيرها من البلدان إلا أن يشترط، ولا نراه أيضاً إلا بشرط. قال أبن القاسم: وإذا كتب في الشراء في غير بلد العهدة، وله عهدة المسلمين لم ينفعه ذلك إذا لم تجر فيهم وذكرهم إياها في الكتاب باطل، ويحملون على أمرهم المعروف يريد إلا أن يشترطها. قال ابن حبيب: قال المصريون من أصحاب مالك لا تلزم عهدة الثلاث أهل بلد حتى يحملهم السلطان عليها، وقال المدنيون منهم: يقضي بها بكل بلد، وإن لم يعرفوها، ولا جرت فيهم، وعلى الإمام أن يجريها، ويحكم بها على من عرفها وجهلها قبل التقدم فيها وبعده ورووه عن مالك.

م فوجه قوله لا يقضي إلا بالمدينة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك بالمدينة لما شاهدهم عليها وذلك عرفهم وعاداتهم فيه فأقرهم على ما عرف/ منهم فالعرف أصل يقضي به في سائر الأحكام. ووجه قوله يقضي بها بكل بلد لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (عهدة الرقيق أربعة أيام أو ثلاثة) ولم يخص المدينة من غيرها فهو على عمومه حتى يخص بدليل قاطع. فصل [2 - عهدة الثلاث والسنة لا يحسب منها اليوم الذي عقد فيه البيع وأيام الخيار] قال ابن القاسم: ومن باع النهار فليلغي بقية يومه ويأتنف ثلاثاٍ بعده. قال: وتؤتنف عهدة السنة بعد الثلاث وبعد الاستبراء، أما عهدة الثلاث فداخلة في الاستبراء، وكذلك روى ابن القاسم، وأشهب عن مالك في العتيبة. ابن المواز: وقال ابن الماجشون: تدخل في السنة الثلاث، والاستبراء، وكذلك روى ابن حبيب عن مالك أن عهدة السنة من يوم عقدة البيع. م: فوجه رواية ابن القاسم هو أن الثلاث، والاستبراء في البيع التام الضمان فيه من البائع من كل شيء، ولا يجوز فيها النقد بشرط فلما اشتبها دخل بعض ذلك في

بعض، وعهدة السنة الضمان فيها من المبتاع في كل شيء إلا من الثلاثة أدواء فوجب ألا تدخل عليها. ووجه قول ابن الماجشون أن المراعاة في عهدة السنة مرور الفصول الأربعة بذهاب السنة تبيان السلامة من هذه العلل فيها، فوجب أن تكون من يوم العقد. وقال ابن القاسم في العتيبة: وعهدة الثلاث في بيع الخيار مؤتنفة بع أيام الخيار. م: لأم البيع لم يتم إلا بزوال الخيار. قال ابن المواز: ليس في ذات الاستبراء عهدة ثلاث إلا أن تحيض من يومها حيضة بينة فيحسب فيها بقية الثلاث، وقال ابن حبيب: نحوه. [فصل 3 - ما ظهر في الرقيق في العهدة من العيوب أو الفوت بعد البيع] ومن المدونة قال مالك: وما بيع من الرقيق بغير براءة فمات في الثلاث، أو أصابه/ مرض أو عيب، أو ما يعلم أنه داء فهو من البائع وللمبتاع رده، ولا شيء عليه، وكذلك إن مات أو غرق أو سقط من حائط أو خنق نفسه أو قتل فهو من البائع في ذلك كله، ولو جرح أو قطع له عضو لكان ما نقصه للبائع ثم للمبتاع الخيار في رده أو قبوله معيباً بالثمن كله، وأما إن باعه بالبراءة فمات في الثلاث، أو أصابه عيب فهو من المبتاع، ولا شيء على البائع.

ومن العتبية قال ابن القاسم: وما حدث بالعبد في الثلاث من زنى أو سرقة أو شرب خمر. قال ابن حبيب: أو إباق فللمبتاع رده بذلك، وكذلك الأمة في المواضعة. ومن كتاب ابن المواز: وكل ما أصاب العبد في الثلاث فمن البائع والمبتاع مخير إلا أن يذهب عنه، وكذلك إن أصابه حمى أو عمش أو بياض بعينه، وما ذهب قبل الثلاث فلا رد له. قال أشهب: أما الحمى فلا يعلم ذهابها ليتأنى به، فإن عادت بالقرب رده وإن بعد الثلاث؛ لأن بدو ذلك فيها. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن ابتاع عبداً فأبق في الثلاث فهو من البائع إلا أن يبيعه بيع براءة. قال ابن نافع عن مالك: وإن بيع بالبراءة من الإباق فأبق في الثلاث فهو من البائع حتى يعلم أنه خرج من الثلاث سالماً، ولا أعجل برد الثمن، واضرب للعبد أجلاً فإن علم أنه خرج من الثلاث سالماً كان المبتاع، وإن جهل أمره كان من البائع، ولو وجدناه بعد الثلاث لم تؤتنف فيه عهدة ولا حجة على البائع في إباقه؛ لأنه تبرأ منه. ابن المواز ورواه أشهب عن مالك وأخذ به وقال: إن لم يترادا الثمن حتى وجد العبد رأيته لازماً للمبتاع، وإن لم يوجد ترادا الثمن ثم وجد رأيته لازماً للبائع؛ لأن ذلك البيع قد انتقض حين/ رد الثمن على المبتاع.

ابن المواز: وقال ابن القاسم: هو من المبتاع حتى يعلم أنه مات في الثلاث، وكذلك كل ما أصابه من العيوب ثم وجد فهو من المشتري متى يعلم أن ذلك أصابه في عهدة الثلاث، ورواه في العتيبة عن مالك. قال ابن المواز: وقد قال ابن القاسم في من باع عبداً بالخيار ثلاثاً فمات العبد، فقال المشتري: مات في الخيار، وقال البائع: مات بعد الخيار، فقال /ن أراد نقض البيع: فعليه البينة وإلا لزمه، فأرى القول قول البائع. [فصل 4 - إذا اختلف البائعان في عيب الرقيق أحدث بعد العهدة أو قبلها] ابن حبيب: وإذا أصاب العبد أو الأمة جنون أو جذام أو برص، فقال المبتاع: أصابه ذلك في السنة، وقال البائع: بعد انقضائها. فقال لي بعض العلماء: المبتاع مصدق مع يمينه، واحتج بأن العهدة حق ثابت به السنة، فلا يقطع العهدة عنه، وماله فيها من الحق إلا انقضاؤها بها فالبينة في انقضائها على من ادعى ذلك، ومنهم من قال لي: القول قول البائع مع يمينه؛ لأن المبتاع يدعي ما يوجب الرد وكل من أراد نقض بيع قد تم فهو المدعي، والقول قول صاحبه، وكلا القولين محتما، وهذا عندي أقوى أن البائع مصدق مع يمينه حتى يثبت ذلك ببينة، وأما الشفعة فالقول قول الشفيع أنه لم يمض ما تنقطع في مثله الشفعة؛ لأنها

وجبت له بقضية الرسول صلى الله عليه وسلم فمن ادعى قطعها فعليه البيان. [فصل 5 - الجناية على العبد في أيام الخيار وفي عهدة الثلاث من البائع والأرش له] ومن كتاب بيع الخيار قال: وما جُني على العبد في الثلاث فمن البائع، والأرش له. قال ابن أبي زمنين: قوله إذا جرح العبد في أيام عهدة الثلاث، أو قطعت يده أو فقئت عينه أن دية ذلك للبائع؛ لأن الضمان منه فإن أحب المشتري [أن يرده] رده قال: وهذه/ مسألة فيها نظر، وقد رأيت فيما أملاه بعض مشايخنا أنه قال: كيف يكون للمشتري أن يأخذه وتكون الجناية للبائع والعبد يكون موقوفاً حتى ينظر ما تؤول إليه جنايته، وليس لإيقافه أمد معلوم إذ لا يدري متى يكون البروء، والذي عندي أن يفسخ البيع ولا يكون للمشتري أن يرضى به إلا أن يسقط عن الجاني الجناية فيجوز حينئذ؛ لأنه لا يقوف إلا أن تكون الجناية مهلكة يخاف منها موت

العبد فلا يكون للمشتري الرضى به وإن أسقط البائع الجناية عن الجاني؛ لأنه يكون حينئذ بيع مريض يخاف موته. [فصل 6 - ما يحصل للعبد من مال أو يتلف أو يهلك في الثلاث] وقال في كتاب بيع الخيار: وما وهب له فيها من مال أو تصدق به عليه فللبائع، ولو تلف مال العبد في الثلاث لم يرد، ولا يرجع على البائع بشيء ولو هلك العبد في الثلاث انتقض البيع، وعلى المبتاع رد ماله وليس له التماسك به ودفع الثمن، ولو حدث به عيب في الثلاث مفسد فإما رده بماله أو حبسه بماله بجميع الثمن. ابن حبيب: وإذا نمى مال العبد في الثلاث بربح أو هبة أو وصية، فإن كان المبتاع قد اشترط ماله فذلك للبائع، ورواه عيسى عن ابن القاسم. فصلب 7 - عهدة السنة في ثلاثة أمراض الجنون والجذام والبرص] ومن المدونة قال مالك: وعهدة السنة من الجنون، والجذام والبرص فما أصاب العبد من ذلك في السنة فمن البائع، وللمبتاع الرد قال ابن القاسم: وكذلك إن وسوس في السنة فأطبق عليه، وذهب عقله، أو وسوس رأس كل شهر ولو جن رأس

شهر واحد في السنة ثم لم يعاوده لرد إذ لا يعرف ذهابه ولو جُن عنده مرة ثم انقطع لم يجز له بيعه حتى يبين إذ لا يؤمن من عودته، وأما لو أصابه في السنة جذام أو برص ثم برأ قبل علم المبتاع/ به لم يرد إلا أن يخاف عودته أهل المعرفة فيكون كالجنون وليس له الرد من البهق والحمرة والجرب وإن تسلخ وورم في السنة، ولو جنى عليه رجل في السنة بضربة أذهبت عقله كان المبتاع، ولا يرد. ابن حبيب: وقاله المدنيون والمصريون من أصحاب مالك إلا ابن وهب فإنه قال: بأي وجه زال عقله في السنة فهو من البائع. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو أصابه في السنة صمم أو خرس لم يرد إذا كان معه عقله، وإن ذهب بذلك عقله كان من البائع. ومن العتيبة قال ابن القاسم: وما ظهر بالرأس في السنة من عيب تخاف عاقبته إلى جذام أو برص ولا يقطع به أهل البصر، ويريبهم بذلك فلا يرد بهذا حتى يشهد عدلان أنه جذام ... أو برص ولو ساء منظرها في السنة في خفة حاجبيها، وغير ذلك

مما يظن الناظر أنه جذام ولا يقطع به أهل النظر ويريبهم ذلك؛ لأن بدايته يشك فيها فلم يردها الإمام بهذا الشك، ثم يستحكم الأمر فيها بعد السنة بجذام بين، فإن استحق ذلك بقرب السنة فله الرد، وإن طال ذلك بعد السنة فلا رد له. فصل [8 - الخلاف في العهدة هل تختص بالبيع أو يدخل فيها السلم والنكاح] ومن كتاب محمد قيل: فمن أسلم في عبد فقبضه أفيه عهدة الثلاث قال: نعم. قال ابن المواز: لا عهدة فيه وإن كان ببلد العهدة إلا أن يشترطها، وأما إن كانت أمة ففيها الاستبراء. وقال ابن القاسم: في من أسلم في عبد فقبض سلمه، فأصابه في السنة جذا فلا عهدة فيه يريد إنما ذلك في البيع. قال مالك: وفي العبد المنكح به العهدة، وقال أيضاً: لا عهدة فيه. قال ابن حبيب: والعهدة فيما أسلم فيه من الرقيق إذا قبض كذلك سمعت أهل العلم. قال: ولا عهدة في سلف الرقيق، ولا في الإقالة منها في البيع، وقال أصبغ في كتاب/ محمد.

وقال مالك: ولا عهدة في رد بعيب. [فصل 9 - من اشترى زوجته هل فيها عهدة أو مواضعة أو قيام بحمل؟] ابن المواز: ومن اشترى زوجته بغير البراءة وبعهدة الإسلام ففيها العهدة، ولا استبراء فيها ولا مواضعة، فإن نزل بها في العهدة ما ترد به ردها وقد فسخ النكاح، وإن ظهر بها حمل لم يردها ورجع بقيمة الحمل وقد صارت بذلك الحمل أم ولد فلذلك لم ترد. [فصل 10 - العقود التي ليس فيها عهدة ثلاث] ابن زمنين: ليس في العبد المقرض عهدة ثلاث، ولا سنة، ولافي العبد السلم فيه، ولا في العبد الغائب يشترى على الصفة، ولافي العبد تتزوج به المرأة أو تخالع به زوجها، ولا عهدة في العبد المقاطع به من كتابة مكاتب، ولا في العبد المصالح به

من دم عهدة، وهذا كله مذهب ابن القاسم رواية سحنون عنه، وفي بعض هذا تنازع، م وسئل أبو بكر بن عبد الرحمن في العبد يباع بيعاً فاسداً وشرط فيه عهدة الثلاث أو لم يشترطها أو كانت سنتهم العهدة أفيه عهدة؟ قال: نعم، وقد قال في كتاب بيع الخيار إذا اشترط النقد في أيام الخيار، وقبض السلعة أن المصيبة من البائع وإن كان البيع فاسداً. قيل: فإن باعه بيعاً فاسداً وشرط البراءة ففات عند المبتاع ولزمته القيمة هل فيه عهدة السنة؟ وهل فساد البيع مسقط لحكم البراءة؟ وهل له رده بالعيوب التي لم يعلم بها بخلاف البيع الصحيح؟ فقال: إذا فات ولزمته القيمة سقط شرط البراءة، وكان له الرد بالعيوب التي لم يعلم بها بخلاف البيع الصحيح. م: وهذا منه تناقض ويجب أن ينفع شرط البراءة كما لزمته عهدة الثلاث وذلك كالبيع الصحيح في الوجهين والله أعلم. وسئل عن من باع/ عبداً وقال بعته على إسقاط العهدة، وقال المشتري بل على ثبوتها فقال: إذا كان العبد قائماً لم يفت تحالفاً وتفاسخاً كالاختلاف في الثمن، ألا ترى أن المشتري يقول للبائع نفقة الثلاث عليك ويقول البائع بل هي عليك وذلك نقص في الثمن فإذا فات القول فالقول قول المشتري في المواضع الذي فيه العهدة، وعلى البائع البينة. وسئل في من باع عبداً، وقال بعتكه دون ماله، وقال البائع بل ابتعته بشرط ماله، والعبد بيد أحدهما قائم أو فائت. فقال هذه المسألة وقعت في العتيبة أن القول قول البائع إلا أن يكون للمشتري بينة قال: ومعنى ذلك عندي إذا فات فأما إن كان

قائماً فإنهما يتحالفان ويترادان البيع. م: إنما يكون معنى ما في العتيبة أنه فات لو قال: أن القول قول المشتري. وسئل عن هذه المسائل أبو عمران فقال: فساد البيع لا يزيل حكم العهدة، ولا شرط البراءة كما هو في البيع الصحيح. م وكما لو اشترى جارية بيعاً فاسداً فهلكت في المواضعة أن هلاكها من البائع، وأما اختلافهما في شرط العهدة أو في مال العبد فإذا كان العبد قائماً تحالفاً وتفاسخاً، وإن فات فالقول قول المشتري هذا القياس، والاستحسان في مسألة العهدة أو البراءة أن يحملا على عرف الناس مع يمين من يدعي العرف. م وهذا كلام كله صواب جيد. فصل [11 - المبتاع يفيت الجارية المبيعة في العهدة بحبل أو عتق ثم يظهر على عيب] ابن المواز: وإذا أعتق المبتاع العبد النبيع في عهدة الثلاث، أو حنث فيه بعتق نفذ عتقه، وعليه تعجيل الثمن، وتسقط بقية العهدة، ولا يجوز للبائع فيها عتق/ وإن لزمه ضمانه ونفقته؛ ولأنه ليس له إسقاط العهدة وذلك للمبتاع.

قال ابن القاسم: ومن ابتاع عبداً فأعتقه أو أمة فأحبلها ثم ظهر بها في السنة جنون أو جذام أو برص فلا يرجع بشيء وما أحدث من ذلك كالرضا بترك العهدة. وقال أصبغ: له الرجوع بقيمة العيب؛ لأنه كعيب كان عند البائع، وكذلك لو أعتقه في عهدة الثلاث فليس ذلك بقطع لها، فإن أصابه فيها ما يرد بمثله رجع بأرشه على البائع. فإن قيل: إحداثه العتق رضي بما حدث به قبل الوطيء له في السنة أفيكون وطيه رضاً وقطعاً للسنة، وقد يكون من الوطيء الحمل فالحمل والعتق واحد. وكذلك في العتيبة قول ابن القاسم وقول أصبغ، وقال سحنون: فيها كقول أصبغ. قال أصبغ: فيها عن ابن كنانه إذا أعتق العبد ثم تجذم في السنة نظر فإن كان له قيمة، وإن قلت: رجع بما بين الصحة والداء، وإن لم تكن له قيمة رجع بالثمن كله ونفذ عتقه، فإن مات العبد عن مال أخذ البائع منه مثل الثمن، وورث المبتاع ما بقي، ولو كان قد رجع أولاً بما بين الصحة والداء فميراثه كله للمشتري إذا كانت له قيمة ولو درهم واحد يوم رجع بالعيب. فصل [12 - العهدة خاصة بالرقيق وشرط النقد فيها] ومن المدونة قال ابن وهب بن مالك: ولا عهدة عندنا إلا في الرقيق فما حدث بالرأس في الثلاث من مرض أو موت فهو من البائع، ولا يجوز النقد في الثلاث بشرط، وعهدة السنة من الجذام والجنون والبرص [لا] غير، والنقد فيها جائز. وفي كتاب محمد قلت: وما فرق في [النقد] بين السنة والثلاث؟

قال: لأن الذي يتوقع ويخاف في السنة قليل وما يقع، فقل خطره، وهو في الثلاث والاستبراء من كل ما أصابه من الأدواء فالخوف فيه أكثر فحرم النقد؛ لأنه يكون تارة ثمناً وتارة سلفاً، ولا مضرة في حبسه على البائع، ولا في حبس العبد والوليد عن المشتري ... ، وهو في السنة لابد أن يقبض المشتري عبده أو جاريته، ولو منعت البائع قبض الثمن لمنعت المشتري قبض ما اشترى حتى تمضي السنة فيكون شراء عبد بعينه لا يقبض إلى السنة، وذلك حرام لا يحل فهو أشد من منعي إياه النقد، فإن قيل: يكون تارة ثمناً وتارة سلفاً ...... فيه الحوائج ....... ذلك لكثرة فلم يتهم المتبايعين على المبيع والسلف/ .... قل منه وبالله التوفيق. قال ابن المواز: قال مالك: وإذا تشاحا في النقد في الثلاث والواضعة جعل بيد أمين ثم مصيبته أن تلف ممن يصير له، وكذلك ذكر ابن عبدوس وابن حبيب، وقال مالك: في العتيبة أن ليس على المبتاع إيقاف الثمن إلا أت يتطوع. تم كتاب جامع العيوب بحمد الله وتوفيقه وصلى الله على محمد نبيه وعلى آله الطيبين وسلم تسليماً ..

كتاب الصلح

كتاب الصلح من الجامع لمسائل المدونة والمختلطة وزيادتها ونظائرها وشرح ما أشكل منها وتوجيهه والفرق بينه وبين ما شاكله [الباب الأول] الأصل في جواز الصلح وفي الصلح في العيوب [فصل 1 - الأصل في جواز الصلح] قال الله تعالى: {والصلح خير} [النساء:128] وقال تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} [النسا:114]. قال ابن حبيب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم الصلح الشطر).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) وقاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه وروي أنه قال صلى الله عليه وسلم: (المسلمون عند شروطهم)، وأبطل كل شرط ليس في كتاب الله تعالى. وقال عليه الصلاة والسلام (إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون هو ألحن بحجته من بعض فاقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئاً فإنما أقطع له قطعة من نار) فكلما يجري من الصلح بالتراضي فجائز إلا ما خرج إلى حرام أو ضارعه، ولما كان ترك شيء بعوض كان كالبيع في أكثر وجوهه. [فصل 2 - يمتنع في الصلح ما يمتنع في البيع] قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: في الصلح يقع بما لا يجوز به البيع مثل أن يدعي على رجل مالاً فينكره على سكنى دار، أو خدمة

عبد، أو من قمح على شعير، أو شعير على قمح مؤجل أن ذلك حرام مفسوخ ويرد فإن/ فات صح بالقيمة على قابضه أو يرد المثل كالبيع ويرجعان إلى الخصوم إلا أن يأتنفا صلحاً يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً). [فصل 3 - الصلح يقع بالأمر الذي يكره أو يحرم] قال مطرف: فإن وقع الصلح بالأمر الذي يكره وليس بصريح الحرام، فهو ماض جائز وإن أدرك بحدثانه. وقال ابن الماجشون: إن عثر عليه بحدثانه فسخ وإن طال أمره مضى، وأما أصبغ فيجيزه كله حرامه ومكروهة وإن كان بحدثانه وقال: إنما هو كالهبة؛ لأنه لو صالح بتنقص لم تكن فيه شفعة؛ لأنه كالهبة

قال: وهذا في مجاري الحكم فأما فيما بينه وبين الله تعالى فلا يحل له أن يأخذ إلا ما يجوز له في التبايع. وقد حدثني سفيان بن عيينه: (أن علياً بن أي طالب- رضي الله عنه- أتى بصلح فقال: هذا حرام، ولو أنه صلح لفسخته)، قال ابن حبيب: وبقول مطرف وابن الماجشون أقول. م: وهذا كله في الصلح على الإنكار، وأما في الصلح على الإقرار فلا يجوز فيه إلا ما يجوز في البيع بإجماع، ومن الدليل أن الصلح لا يجوز على حرام قوله صلى الله عليه وسلمك (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) فهو على عمومه، والدليل على فسخه إن نزل ما روي (أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: إن ابني كان عسيفاً على هذا، وإنه زنى بامرأته. فقال: إن على ابني الرجم فافتديت منه بمئة شاة وجارية لي، ثم إني سألت عن ذلك فأخبرت أن على ابني مئة جلدة وتغريب عام، وإنما الرجم على امرأته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي

بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، أما غنمك وجاريتك فرد عليك وجلد ابنه مئة جلدة وغربة عاماً، وأمر أنيساً الأسلمي أن يأتي امرأة هذا فإن اعترفت فأرجمها، فاعترفت فرجمها) وهذا حديث صحيح من مسانيد الموطأ. وأما احتجاج أصبغ إن وقع الصلح فيه على شقص فلا شفعة فيه. بل أقول إن الشفعة؛ لأن قابضه مقر أنه ترك منه / عوضاً، وإن كان الآخر منكراً له فاجعل فيه الشفعة بقيمة الشقص لإنكار هذا، إلا أن يكون ما ترك فيه من العوض أقل من قيمة الشقص فله الشفعة بالأقل وهذا الذي اختار، وإن كان خلافاً للمدونة، وقد اختلف في الشقص يوهب لغير ثواب هل فيه شفعه أم لا؟ فقيل لا شفعة فيه؛ لأنه عن غير عوض. وقيل: فيه الشفعة بقيمته؛ لأنه نقل ملك، والضرر أصل الشفعة فكيف بمن يقول في الشقص: لا شفعة فيه في الصلح على الإنكار وهو نقل ملك يقر مالكه أنه أخذه عن عوض فهذا يبين قبح ما ذهب إليه أصبغ من ذلك، والله أعلم.

فصل [4 - الرجل يشتري العبد فيجد فيه عيباً فيصالح البائع على عيبه] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن اشتريت عبداً من رجل بمئة دينار قد دفعتها إليه ثم أصبت به عيباً يجب به الرد ولم يفت العبد فصالحك البائع على عشرة دنانير نقدها لك-يريد من سكة دنانيرك- جاز؛ لأنك استرجعت عشرة دنانيرك وأخذت العبد بتسعين، وإن تأخرت الدنانير عن غير شرط جاز، وأما بشرط فلا يجوز؛ لأنه بيع وسلف منك للبائع. م وكأنك ابتعت العبد بتسعين وأسلفته عشرة دنانير يردها إليك إلى شهر فهذا بيع وسلف؛ فإن نزل ذلك حكمت فيه بحكم البيع والسلف وذلك مذكور في البيوع الفاسدة. م وأما على قول أشهب في مسألة الخلخالين يصالح من دراهم على دراهم من غير سكة الثمن فيجوز أن يصالحه هاهنا على دنانير إلى شهر؛ لأن البيع وقع أولاً على الصحة، وإنما اشترى الرد عليه بالعيب بهذه العشرة.

قال ابن القاسم: وإن صالحك على أن يدفع إليك مئة درهم إلي شهر لم يجز؛ لأنه بيع عبد نقداً ودراهم إلى شهر بدنانير نقداً، وذلك صرف مستأخر ويجوز على دراهم نقداً إن كانت أقل من صرف دينار. وقال أشهب: جائز وإن كانت أكثر من صرف دينار. م قيل: إنما ذلك لأن أشهب يجيز البيع والصرف، ويعتل له أيضاً أن ذلك جائز على أصله في مسألة الخلخالين/ قال أب محمد: وإن صالحك على عرض نقداً جاز كنت قد نقدته الدنانير أم لا، وإن صالحك على عرض إلى أجل جاز إن كنت لم تنقد الدنانير. م يريد ثم تنقده الدنانير، ولا تؤخر ذلك إلا مثل ما يؤخر إليه رأس مال السلم. قال: وإن وكنت قد نقدته لم يجز، وقال أصبغ يري؛ لأن بوجود العيب

وجب له الرد للعبد، وصار الثمن ديناً على البائع فأمسك المشتري العبد بنقصه وبقي له حصة العيب ديناً يدفع إليه عوضاً إلى أجل فذلك الدين بالدين. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن فات العبد فصالحك البائع على أن يدفع إليك دنانير أو دراهم- يريد وإن كانت أكثر من صرف دينار- أو عرضاً نقداً جاز ذلك كله نقداً بعد معرفتكما بقيمة العيب. قال يحي بن عمر عن أصبغ: وقد أجازه بعض أهل العلم وإن لم يعرفا قيمة العيب، ووجه هذا أنهما إذا عرفا ما العيب جاز لهما تبايعه وإن لم يعرفا قيمته كبيع جميع العبد وإن لم يعرفا قيمته والله أعلم. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن صالحك على دنانير إلى شهر جاز إن كانت الدنانير مثل حصة العيب من الثمن أو أقل، وإن كانت أكثر لم يجز؛ لأنه تأخير زيادة، وإن صالحك على دراهم أو عرض إلى أجل لم يجز؛ لأنه تأخير زيادة، وإن صالحك على دراهم أو عرض إلى أجل لم يجز؛ لأنك فسخت

حصة العيب من الذهب في ذلك وهو في الدراهم صرف مستأخر ودين في دين، وفي العروض دين بدين. م: وعلى قول من لا يراعي المعرفة بقيمة العيب يجوز هذا كله؛ لأنه إنما باعه العيب بذلك إن صح أن العلة ما ذكرنا قال يحي بن عمر عن أصبغ: وإن كان الثمن لم يقبض حتى فات العبد ثم وجد العيب فجائز أن يطرح عنه من الدنانير ما شاء عرفا قيمة العيب أم لا إذا اصطلحا على ذلك، ويأخذ البائع ما بقي له. وإن تشاجرا فبعد المعرفة بقيمة العيب. م: والصواب ألا يجوز مصالحته إلا بعد المعرفة بقيمة العيب؛ لأنه تبايع فلا يدري ما باع أقليل بكثير، أم كثير بقليل فذلك غرر، فغذا عرفا قيمة العيب جاز أن يعطيه/ منها ما تراضيا عليه؛ لأنه إن نقصه العيب العشر وجب له عشر الثمن، فإن كان مئة كانت قيمة العيب عشرة فجائز أن يسقطها عنه من المئة أو أقل منها أو أكثر إذا تراضيا. قال: فإن رد عليه البائع ورقاً على أن يعطيه الثمن وافياً. فذلك جائز بعد المعرفة بقيمة العيب قلت الدراهم أو كثرت، ولا يدخله هاهنا صرف وبيع؛ لأنه دين ثابت ومصارفة مبتدأه ويقبضها مكانه ويدفع إليه جميع ثمنه، وإن لم

يعرفا قيمة العيب لم يجز؛ لأنه خطر، ولا خير فيه إلى أجل على حال، قال: ويجوز على طعام أو عرض نقداً أو مؤجلاً موصوفاً بعد معرفتهما بقيمة العيب؛ لأنها مبايعة مؤتنفه. م: يريد وينقده المبتاع حصة العيب من الذهب؛ لأنه اشترى بذلك عرضاً موصوفاً إلى أجل ولا يؤخره إلا مثل ما يجوز تأخير رأس مال السلم إليه. [فصل 5 - من ابتاع طوق ذهب بدراهم فصولح على دراهم أو دنانير] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن ابتعت طوق ذهب فيه مئة دينار بألف درهم محمدية نقداً فوجدت به عيباً فصالحك منه البائع على دينار نقداً جاز وكأنه في عقد البيع، وإن صالحك على مئة درهم محمدية من سكة الثمن فإن كانت نقداً جاز وكأن البيع وقع بتسع مئة، وإن كانت إلى أجل لم يجز؛ لأنه بيع وسلف منك للبائع، وإن صالحك على مئة درهم يزيدية من غير سكة الثمن، أو على فضه لم يجز؛ لأنه بيع ذهب وفضة بفضة. أبو محمد: وقال أشهب: يجوز أن تصالحه على درهم من غير سكة الثمن؛ لأن بيعكم أولاً على الصحة وإنما اشتريت أيها

البائع الرد عليك بالعيب بهذه المئة درهم. وقال سحنون: مسألة سوء لا يجوز فيها الصلح بشيء كدينار صرفه ثم وجد به عيباً، فإما رضيه أو رده. قال أبو محمد: ويظهر لي أن قول ابن القاسم صحيح؛ لأن من صرف ديناراً لم يقع الصرف على دينار بعينه فلما وجد بالذي أخذ عيباً فرده فقد نقض في المردود الصرف إذا لم يرض به وأبقيا/ بينهما عقد الصرف الأول فرجع أمرهما إلى أن دينار الصرف الذي لا عيب فيه تأخر عند بائعه فلا يجوز أن يأخذ إلا ديناراً جيداً، ولا يأخذ به هذا المعيب وزيادة دراهم وقد فسد الصرف بتأخيره أولاً فلابد من نقضه إن لم يرض بالمعيب؛ لأنه لم يصارفه ديناراً بعينه كالطوق المعيب المعين، ومسألة الطوق لم يرد الطوق المعيب فينتقض فيه العقد وهو مما يشتري لعينه فلم يتأخر وإنما أعطاه بائعه ... شيئاً ليرضاه بعينه، وكلام أشهب يجري به القياس أيضاً والله أعلم. م: ووجه قول سحنون أيضاً أن المعيب جزء من الصفقة بقى على البائع فلما طلب المبتاع رده بذلك قال له البائع: أبق العقد الأول وأنا أعطيك ثمن العيب الآن فكأنه صرف تأخر بعضه والله أعلم.

[الباب الثاني] في صلح الورثة أو أحد الشركاء عن حصته

[الباب الثاني] في صلح الورثة أو أحد الشركاء عن حصته [فصل 1 - أحد الورثة يصالح عن حصته] قال ابن القاسم: من مات عن ولد وزوجة وترك دنانير ودراهم حاضرة وعروضاً حاضرة وغائبة وعقاراً فصالح الولد والزوجة على دراهم من التركة، فإن كانت قدر مورثها من الدراهم فأقل جاز، وإن كانت أكثر لم يجز؛ لأنها باعت عروضاً حاضرة وغائبة، ودنانير بدراهم نقداً وذلك حرام. وإن صالحها الولد على دنانير أو دراهم من غير التركة قلت أو كثرت لم يجز، فأما على عروض من ماله نقداً فذلك جائز بعد معرفتهما بجميع التركة، وحضور أصنافها، وحضور من عليه العروض، وإقراره- يريد والعروض الذي أعطاها مخالف للعروض الذي على الغرماء- قال: وإن لم يقفا على معرفة ذلك كله لم يجز. قال بعض فقهائنا القرويين: وأجاز أشهب أن يصالحها الولد على دنانير قدر حصتها من التركة من ماله. م: يريد: لأنه يأخذ عوضه من التركة. قال: وهذا عندنا ضعيف؛ لأنها تصير كأنها باعت نصيبها من الدنانير والعروض والدراهم بدنانير، وهذا إنما يحكى نحوه عن ابن عباس، ويحكى أنه رجع عنه.

ومن المدونة وإن ترك دنانير ودراهم وعروضاً، وذلك كله حاضر لا دين فيه ولا شيء غالب، فصالحه الولد على دنانير/ من التركة- يريد أكثر من حظها من الدنانير- فذلك جائز إن كانت الدراهم يسيرة. قال ابن المواز: وذلك إذا لم يبق دنانير غير ما أخذت. قال أبو محمد: انظر هل علة كلام محمد لأنها إذا أبقت ذهباً فقد أخذت وضيعة من كل صنف وكأنها أخذت بعض حقها من الذهب ذهباً، وأخذت ببقية ما بقي لها من ذهب وفضة وعروض ذهب فجعله كخروج من ذلك من غير التركة، وكلام ابن القاسم لا يدل على هذا، فيجوز إن كانت دراهم يسيرة، وقال بعض الفقهاء القرويين: وقول ابن القاسم أقيس؛ لأن من وجب له جزء في كل دينار أخذ عنه ديناراً ولم يكن شريكاً في جملة الدنانير، وكمن وجد درهماً زائفاً في الصرف إنما ينتقض صرف دينار؛ لأن هذه الدراهم وإن لم تختص بدينار واحد وكان شائعاً في جملة الدنانير فيجب أن تجمع له الأجزاء من كل دينار فيأخذ ديناراً واحداً هذا هو الأشهر من المذهب، إلا على قول من رأى أن جملة الصرف ينتقض بوجود درهم زائف فيصح جواب ابن المواز. قال ابن القاسم: وإن ترك دراهم وعروضاً فصالحها الولد على دنانير من ماله فإن كانت الدراهم يسيرة حظها منها أقل من صرف دينار جاز إن لم يكن في التركة دين،

وإن كان في حظها منها صرف دينار فأكثر لم يجز، وإن ترك دنانير وعروضاً فصالحها الولد على دنانير من غير التركة لم يجز؛ لأنه ذهب وسلعة بذهب أبو محمد: يريد وإن كانت مثل حظها من الدنانير، وإن كان في التركة دين من دنانير ودراهم لم يجر الصلح على دنانير أو دراهم نقداً من عند الولد. ابن المواز: إلا أن يكون جميع التركة دنانير فيجعل لها من ماله حظها منها مثل السكة والعين فيجوز. وقال في كتاب الهبات: إن عجل لك رجل ديناً على آخر وهو دنانير على إن أحلته عليه لم يجز، كان النفع لك أو للمعطي. قال ابن القاسم: وأراه/ بيع الذهب بالذهب. وقال سحنون: إن كان النفع لك دون المعطى جاز. قال ابن القاسم في كتاب الصلح: وإن كان الدين حيواناً أو عروضاً من بيع أو قرض أو طعاماً من قرض لا من سلم فصالحه الولد من ذلك على دنانير أو دراهم عجلها لها من عنده فذلك جائز إذا كان الغرماء حضوراً مقرين ووصف ذلك كله. وإن ترك الميت دنانير حاضرة، وعروضاً وديناً من دراهم ودنانير، وطعاماً من سلم، فصالحه على دنانير من التركة نقداً، فإن كانت قدر مورثها من الدنانير الحاضرة فأقل جاز، وإن كانت أكثر لم يجز. وإن صالحها على دنانير أو دراهم من غير التركة لم يجز.

وقال أشهب: إن كانت سكة دنانير التركة، وكانت قدر مورثها من دنانير التركة فجائز. [فصل 2 - لا يجوز مصالحة الشريك شريكه بدنانير] قال ابن القاسم: وقد قال مالك في شريك صالح شريكه على دنانير من جميع ما بينهما، وبينهما دنانير ودراهم وفلوس وعروض لم يجز. قال ابن المواز: إلا أن يكون ليس في التركة دنانير غيرها وذلك من الدراهم أقل من صرف دينار. قال أبو محمد: يريد ولا دين في ذلك فيجوز. [فصل 3 - أحد الورثة يصالح ثم يقْدُم آخر فالصلح ماض] وكم العتيبة يحي بن يحي عن ابن القاسم: وإن صالح الولد الزوجة على مال ثم قدم ولد آخر فالصلح ماض، والوارث القادم يأخذ حقه منهم أجمعين إن كان له السدس أخذ سدس ما بيد كل واحد وكذلك الربع والخمس. [فصل 4 - من مات عن جارية حامل وامرأة فأراد الورثة مصالحة الزوجة عن ميراثها] ومن سماع ابن القاسم ومن ترك جارية حاملاً، وورثة، وزوجة فصالح الورثة الزوجة من حقها فلا يجوز؛ لأنها لا تدري ألها الربع أو الثمن إذا وضعت الجارية ولداً.

[الباب الثالث] ما جاء في الصلح على الإقرار والإنكار

[الباب الثالث] ما جاء في الصلح على الإقرار والإنكار [فصل 1 - أدلة جواز الصلح على الإنكار] قال مالك: والصلح جائز على الإقرار وعلى الإنكار فمن ادعى على رجل مالاً فأنكره، أو أقر له فصالحه منه على شيء جاز ذلك وكان صلحاً قاطعاً لدعواه. م: وقال الشافعي لا يجوز مع الإنكار ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم/ حلالاً) فعم؛ ولأن من ادعى عليه بمال فأنكره فوجب عليه اليمين فافتدى منها بمال جاز. وذلك مروي عن عثمان وابن مسعود، ولا مخالف لهما، وهذا صلح على الإنكار. [فصل 2 - الصلح من مئة درهم حالة بمئة درهم إلى أجل] ومن المدونة قال مالك: ومن لك عليه مئة درهم حالة وهو مقر بها جاز أن تصالحه على خمسين منها إلى أجل؛ لأنك حططته وأخرته، ولا بأس أن تصالحه على

دنانير أو عرض نقداً، ولا يجوز فيهما تأخير؛ لأنه فسخ دين في دين، وصرف مستأخر. قال ابن القاسم وكذلك إن كان المدعى عليه منكراً؛ لأن المدعى إن كان محقاً فلا بأس أن يأخذ من مئة درهم خمسين إلى أجل، وإن أخذ منها عرضاً أو ذهباً إلى أجل لم يصلح؛ لأنه فسخ دراهم في عروض أو دنانير إلى أجل وذلك حرام، ,غن كان المدعى مبطلاً لم يجز له أخذ شيء عاجل أو آجل. م: ومن غير المدونة لا يجوز أن يصالحه من مئة على خمسين إلى أجل إذا كان منكراً لها؛ لأنه سلف جر منفعة. م: يري؛ لأن المدعى عليه يحب عليه اليمين وله ردها على المدعى. فكأنه قال له: المدعى لا تُحَلفْنِي وأنا أؤخرك سنة وأحطك كذا. فهو سلف جر منفعة. [فصل 3 - الصلح يقع على ترك الأيمان] وفي العتيبة قال أصبغ عن ابن القاسم: في من قام بحق يمين المطلوب فقال له: لا تُحَلفْنِي وأخرني سنة، وأنا أقر لك. قال: لا يجوز وهو سلف جر منفعة قيل: فإن وقع أيبطل التأخير ويثبت الحق وهو يقول لم أقر إلا على التأخير افتداء من التأخير بيمين قال بل يسقط عنه الحق والتأخير ويرجع على الخصوم. وروى أشهب عن مالك في من أقام شاهداً بعشرة دنانير على رجلن وكره أن يحلف مع شاهدهن وقال لصاحبه اطرح عن اليمين وأنا أوخرك سنة قال: ما هذا

بحسن. أرأيت إن قال أعطيك عرضاً. م: ولا يجوز شراء ما على منكر حاضر؛ لأنه شراء شيء فيه خصومة، ولا يجوز شراء ما على ميت. قاله بعض القرويين. قال ولو صالح المنكر على عروض إلى أجل، أو على أكثر من الدعوى إلى أجل لم يجز؛ لأن المدعي يقول لي عليه دراهم فلا يجوز له فسخه في عرض؛ لأنه فسخ دين في دين ولا في/أكثر منها؛ لأنه سلف جر منفعة.

[الباب الرابع] في الدين بين الرجلين يقتضي أحدهما حصته منه أو يصالح منها أو يبيعها

[الباب الرابع] في الدين بين الرجلين يقتضي أحدهما حصته منه أو يصالح منها أو يبيعها [فصل 1 - في الدين بين الرجلين يقتضي أحدهما حصته منه] والقضاء أن كل ذكر حق لرجلين بكتاب واحد فإن كل ما قبض أحدهما يدخل في الآخر، وكذلك الوارثان يصالح أحدهما في حقه رجلاً قد كان عامل وليهم وهو مقر بما ادعى عليه من دين الميت أو منكر فإن لصاحبه الدخول معه فيما صالحه فيه ويكون بقية الدين بينهما. قال مالك: وكل شريكين لهما ذكر حق بكتاب أو بغير كتاب إلا أنه من شيء كان بينهما فباعاه في صفقة بمال أو عرض يكال أو يوزن، أو كان ذلك الحق من شيء اقترضاه من عين أو طعام أو غيره مما يكال أو يوزن، أو ورثا هذا الذكر الحق فإن ما قبض منه أحدهما يدخل في الآخر، وكذلك إن كانوا جماعة شركاء فإنه يدخل فيه بقية أشراكه؛ إلا أن يشخص فيه المقتضي بعد الإعذار إلى شركائه في الخروج معه أو الوكالة، فإن أعذر إليهم عند السلطان أو بإشهاد عليهم فلم يخرجوا أو يوكلوا لم يدخلوا فيما اقتضى؛ لأن ذلك إضرار بصاحبهم لما تجشم من الخروج والمؤونة

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) وإن شخص لذلك دون الإعذار إليهم، أو يقتضي من حاضر فشركاؤه بالخيار، إن شاءوا أسلموا إليه ما قبض وأتبعوا الغريم، وإن شاءوا أشركوه فيما قبض، قبض جميع حصته أو بعضها. ولو كان الحق بكتابين كان لكل واحد ما اقتضى، وإن كان من شيء أصله بينهما وباعاه بصفقة- ولو كان الحق بينهما بكتاب واحد أو مما أصله بينهما بغير كتاب- فقبض أحدهما حظه من الغريم وهو حاضر وسلم ذلك له شريكه ثم أراد أن يدخل معه فليس ذلك له وإن أعدم الغريم؛ لأن ذلك مقاسمة للدين. كما لو ورثا ديناً على رجل وأقسما ما عليه جاز، وصار كذكر حق كتابين. والحق إذا كان بكتابين كان لكل واحد ما اقتضى، ولم يدخل عليه فيه شركاؤه. م: وذكر لنا عن أبي محمد في الرجلين يبيعان سلعتيهما من رجل ولا شركة بينهما في ذلك، ويكتبان دينهما عليه بكتاب واحد أن الكتابة في كتاب لا توجب الشركة بينهما في الدين، ويكون لكل واحد ما اقتضى، ولا يدخل عليه فيه صاحبه.

م: وفي هذه نظر؛ لأن الكِتْبَة لما كانت تفرق ما كان أصله مشتركاً بينهما فيكون إذا كتباه كتابين/ كقسمة الدين، فكذلك ينبغي أن تجمع الكتبة ما كان أصله مفترقاً، وعليه يدل ظاهر الكتاب والله أعلم. م: وهذا إذا جمعا سلعتهما في البيع منه على قول من يجيز ذلك؛ لأنهما كالشريكين قبل البيع. ألا تري ألو استحقت سلعة أحدهما وهى وجه الصفقة أن للمشتري نقض البيع، كما لو كانا شريكين فيهما، فكذلك يكون حكمهما في الاقتضاء كحكم الشريكين، ووافق بعض أصحابنا في الاستحقاق وخالف في الاقتضاء، وقال: لا يدخل أحدهما على الآخر إذ شركة بينهما في الأصل. قال بعض شيوخنا القرويين: وإذا أسلم أحد الشريكين لشريكه ما اقتضى فسواء كان الغريم حين الاقتضاء ملياً بجميع حقهما، أو لم يوجد مع الغريم إلا مقدار حقه لا كلام لشريكه فيما اقتضى، بخلاف مسألة الكفالة إذا لم يوجد مع الغريم إلا مقدار حظ الحاضر فيقضي له السلطان بذلك؛ ثم يقدم الشريك الغائب هذا له الدخول مع شركيه؛ لأم السلطان أخطأ في قضائه إذ دفع إلى الشريك جميع ما بيد الغريم، وفي مسألة الصلح الشريك أطلقه على قبض حقه، ورضى ببقاء دينه في ذمة الغريم. قال غيره من الفقهاء القرويين: وإذا أعذر إلى شريكه في الخروج معه وامتنع فلا ينفعه الإشهاد عليه دون أن يرضى له بالخروج وحده، فإن لم يرض له

الخروج، وامتنع أن يخرج معه رفع أمره إلى القاضي ليحكم عليه بالمقاسمة فإذا حكم عليه صار مثل حقين/ ولا يدخل عليه فيه كما لو رضيا وقسماه. [فصل 2 - في الدين بين الرجلين يصالح أحدهما منه] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن كان لهما مئة دينار من شيء أصله بينهما، وهي بكتاب واحد أو بغير كتاب، فصالح أحدهما من جميع حقه على عشرة دنانير ولم يشخص أو شخص، ولم يعذر إلي شريكه فشريكه مخير في تسليم ذلك، وإتباع الغريم بخمسين، أو يأخذ من شريكه خمسة ويرجع وهو بخمسة وأربعين، وصاحبه بخمسة وهكذا. قال غيره في كتاب المديان وذكر فيه ابن القاسم: أن للذي لم يصالح أن يأخذ من شريكه خمسة، ثم يرجع هو على الغريم بخمسين جميع حقه، فإذا قبضها دفع للمصالح الخمسة التي قبضها منه. وقال غيره في كتاب الصلح: إن اختار الذي لم يصالح أن يدخل مع المصالح في العشرة فإني أجعل دينهما كأنه كان ستين ديناراً، فيكون له خمسة أسداس العشرة، وللمصالح سدسها، ثم يرجع المصالح بخمسة أسداسها على الغريم، ويرجع

عليه الآخر بما بقي له وذلك واحد وأربعون ديناراً وثلثا دينار، وكذلك لو قبض أحدهما العشرة اقتضى من حقه وحط من غريمه أربعين، ثم قام عليه شريكه بعد ذلك فاختار مقاسمته فليفعلا كما وصفنا، فأما إن قام عليه شريكه قبل الحطيطة فقاسمه العشرة شطرين ثم حطه أربعين فلا يرجع عليه شريكه بشيء؛ لأنه قاسمه وحقه كامل فمضى ذلك على ما قسما ثم يتبعلن الغريم هذا خمسة وصاحبه بخمسة وأربعين. قال سحنون: قول ابن القاسم أشبه وطرح قول غيره. [فصل 3 - في الدين بين الرجلين يبيع أحدهما حقه ويصالح منه على قمح] قال ابن القاسم: ولو باع أحدهما حقه، وصالح منه على عشرة أقفزة قمحاً جاز، ولشريكه تركه واتباع الغريم، أو أخذ نصف القمح من الشريك. قال سحنون: ثم يكون بقية الدين بينهما، وذلك أنه تعدى له على دين فابتاع به شيئاً، فهو كعرض باعه بغير أمره، وليس كعين تعدي فيه والصلح في غير موضع أشبه شيء بالشراء وهكذا. قال غيره في كتاب المديان: قال وإذا صالح أحدهما من حقه على عرض فلشريكه أخذ نصف العرض، ثم يكون بقية الدين بينهما.

وقال فيه ابن القاسم: إن للذي لم يصالح أن يأخذ من شريكه نصف العرض صالح عليه، ثم قبض هو جميع حقه رد على المصالح قيمة العرض الذي أخذ منه يوم وقع الصلح به. م: وقال بعض شيوخنا: يرد عليه القيمة وإن كان مما يكال أو يوزن يريد؛ لأنه إذا دفع إليه قيمة ذلك الشيء يوم وقع الصلح لم يظلمه، وإذا دفع إليه المثل قد يكون فيه ظلم إذ قد يكون قيمة ذلك يوم وقع الصلح أغلى من قيمته يوم حلول الأجل، وهو إنما ترك بعض حقه لغلاء ما أخذ. قال: وكذلك من فدى رجلاً من دار الحرب بمكيل أو بموزون؛ لأن قيمة ذلك في البلدين مختلفة. م: وقال غيره من شيوخنا في مسألة الشريكين بل يدفع في المكيل والموزون مثله. م: وهذا هو الصواب؛ لأنه إنما أخذ منه ما أوجبه له عليه الحكم، ولا أجرة له فيما صنع، وكان الصواب أن يرجعا جميعاً على الغريم بما بقى منهما، ولا يقول أحد أن يرجع المصالح على الغريم إلا بالمثل فكذلك يدفع إليه هذا المثل، وإنما رأى في هذا القول أن يكفيه مشقة الاقتضاء كم كفاه هو لا على أن ما أخذ منه لازم له. ألا ترى أنه لو أفلس الغريم بباقي الدين لم يكن للمصالح على شريكه شيء حتى يقبض من الغريم، وأما في الهبة فيتحمل أن تلزمه القيمة؛ لأنه لما تصرف فيما وهب له للثواب فصار رضى منه بالثواب؛ لأن ذلك كالشراء.

ومسألة الذي فدى رجلاً من دار الحرب فإنما يكون عليه القيمة؛ لأنه لا يقدر على التواصل إلى أداء المثل في ذلك البلد فكان العدل في ذلك القيمة. [فصل 4 - في الدين بين الرجلين يبيع أحدهما حصته والصلح من الرهن] ومن كتاب الصلح قال ابن القاسم: ولو كان دينهما ثياباً أو عرضاً يكال أو يوزن أو لا يكال ولا يوزن من غير الطعام والإدام فصالح أحدهما أو باع حقه بعشرة دنانير جاز، ولشريكه أخذ نصفها ثم يكون ما بقى على الغريم بينهما، وإن شاء سلم له ذلك واتبع الغريم بجميع حقه ثم لا رجوع على الشريك وإن أدم الغريم؛ لأنه تعدى على سلعته فباعها فله أن يأخذ ثمن سلعته ثم يتبعان الغريم بما بقى أو يسلم ذلك لشريكه ويتبع هو الغريم، والصلح والبيع سواء وجميع الدين كالعروض وإن كان عيباً. ألا ترى لو كان لك مئة دينار على رجل فصالحته أو اشتريت منه بالمئة سلعة لم يجز أن تبيعها مرابحة حتى يتبين، فهذا يدلك أن الدين العين كالعرض. ألا ترى لو كان لك على رجل مئة دينار، فرهنك بها شيئاً مما

يغاب عليه ويضمنه المرتهن إن ضاع، وقيمة الرهن مثل الدين أو أقل أو أكثر، فصالحته من الدين على ألف درهم نقداً، ثم ادعيت أن الرهن ضاع قبل الصلح أو بعده فإنك تضمنه إلا أن تقوم لك بينه بضياعه، والصلح الذي جرى بينكما نافذ، فهذا يدلك أن الصلح كالبيع.

[الباب الخامس] جامع القول في الصلح في الدماء

[الباب الخامس] جامع القول في الصلح في الدماء [فصل 1 - الدعوى في صلح على دم عمد] قال ابن القاسم: ومن وجب لك عليه دم عمد أو جراحة فيها قصاص، فادعيت أنك صالحته على مال، فأنكر الصلح، فليس لك أن تقتص منه، ولك عليه اليمين أنه ما صالحك. م: ولو كان إنما ادَعى القاتل أو الجارح على الولي أنه عفا عنه على مال أو غير مال، فقال ابن القاسم: يلزمه اليمين، وقال أشهب: لا يلزمه كدعوى الزوجة الطلاق، والفرق عند ابن القاسم بين هذا وبين الطلاق: أن الزوجة لو مكنت من ذلك لتكررت دعواها على زوجها فتضربه، وهذا إذا حلف قتله ولم تتكرر الدعوى منه. [فصل 2 - القاتل خطأ يصالح من الدم ظاناً أن الدية تلزمه] ومن المدونة قال مالك: والقاتل خطأ غذا صالح الأولياء على مال نجموه عليه فدفع إليهم نجماً، ثم قال: ظننت أن الدية تلزمني فلذلك له، وتوضع عنه، ويتبع أولياء المقتول العاقلة. قال ابن القاسم: ويرد عليه أولياء المقتول ما أخذوا منه إذا كان يجهل ذلك وقال جماعة من أصحابنا: وعليه اليمين أنه ظن أن الدية تلزمه/ قال:

وينظر في ما دفع في الصلح فإن كان قائماً أخذه، وإن فات فإن كان هو الطالب للصلح فلا شيء له قبلهم. كمن عوَض من صدقه وقال: ظننته يلزمني، وإن كان مطلوباً بالصلح فإنه يرجع على الأولياء بمثل ما دفع إليهم، أو بقيمته إن كان مما يقوم. [فصل 3 - القاتل خطأ يقر بلا بينة فيصالح قبل لزوم الدية على العاقل بالقسامة] ومن المدونة ولو أقر بقتل خطأ ولم تقم بينة فصالح الأولياء على مال قبل أن تلزم الدية العاقلة بقسامة، وظن أن ذلك يلزمه، فالصلح جائز لازم. م: جعل صلحه كحكم حاكم حكم عليه بالدية في ماله فلا يُنقض للاختلاف فيه قاله بعض القرويين. قال سحنون: وقد اختلف عن مالك في الإقرار بالقتل خطأ فقيل: على المقر في ماله، وقيل: على العاقلة بقسامة في رواية ابن القاسم وأشهب. م: جعل في روايتهما كشاهد ويكون عدلاً غير مهتم قاله بعض فقهائنا القرويين. وقال ابن دينار: لا يلزمه إلا ما يلزمه مع العاقلة.

وقال في كتاب الديات إذا أقر رجل بقتل خطأ فإن اتهم أن يكون أراد غنى ولد المقتول كالأخ والصديق لم يصدق، وإن كان من الأباعد صدق إن كان ثقة مأموناً، ولم يخف أن يرشى على ذلك، ثم تكون الدية على العاقلة بقسامة ولا شيء على المقر. [فصل 4 - الصلح من دم أو جرح عمد في صحة أو مرض] قال في كتاب الصلح: وكلما وقع به الصلح من دم عمد، أو جرح عمد مع المجروح أو أوليائه بعد موته فذلك لازم له كان أكثر من الدية أضعافاً أو أقل من الدية؛ لأن دم العمد لا دية فيه إلا ما اصطلحوا عليه، وإذا وجب على رجل جراحة عمد فصالحه في مرضه على أقل من الدية، أو من أرش تلك الجراحة، ثم مات من مرضه، فذلك جائز لازم، إذ للمقتول العفو عن دم العمد في مرضه وإن لم يدع مالاً.

[فصل 5 - المقتول له وليان فصالح أحدهما] ومن قتل رجلاً عمداً وله وليان فصالحه أحدهما على فرض أو عرض. م: والفرض هو العين- للمولى الآخر الدخول معه على ذلك ولا سبيل إلى القتل. وقال غيره: إن صالح من حصته على أكثر من الدية، أو على عرض قل أو كثر فليس له غيره، ولم يكن لصاحبه على القاتل إلا بحساب/ دية، ولا سبيل على القتل إذ لو عفا الأول جاز عليه عفوه، ولا يدخل أحدهما على الآخر في هذا القول فيما أخذ إذ ليس دم العمد بمال. وهو كعبد بينهما يبيع أحدهما حصته بما شاء ولا يدخل عليه الآخر فيه. م: قال بعض القرويين: ولا يلزم ابن القاسم ما احتج به الغير، والفرق عنده بين بيع أحد الشريكين حصته من العبد، وبين صلحه عن حصته من الدم: أن يبيع الشريك حصته من العبد لم يغير على شريكه شيئاً من حصته فوجب ألا يدخل عليه، وفي الصلح عن الدم قد تغير الأمر بصلح الشريك؛ لأن بصلحه عاد مالاً بعد أن كان دماً، فوجب أن يكون حكمه حكم المال الذي يصالح منه. وقاله سحنون. وقال: بل مسألة المفسد للدم بالصلح في الرجوع على شريكه أحرى من مسألة الشريكين إذا صالح أحدهما عن نصيبه من الدين بشيء أن لشريكه الدخول معه. م: قال بعض فقهائنا القرويين: ويجب على قول الغير ألا يدخل أحد الشريكين على شريكه في الدين إذا صالح أحدهما عن نصيبه بشيء.

[فصل 6 - أحد الابنين يعفو عن الدية أو يصالح عليها] ومن المدونة قال أشهب: إن عفا أحد الابنين على الدية فأكثر منها عن جميع الدم ولهما أخت فذلك كله بين الابنين على خمسة [أخماس] للبنت الخمس ولكل ابن خمسان. ولو صالح بذلك عن حصته فقط كان للأخ والأخت اللذين لم يصالحوا على القاتل ثلاثة أخماس الدية يضمانه إلى ما صالح به أخوهما ثم يقتسمون الجميع على خمسة كما ذكرنا إن كان صلحه من حصته على أكثر من خمسي الدية، فأما إن كان صلحه على خمسي الدية فأقل فليس له غيره، ويرجع الأخ والأخت على القاتل بثلاثة أخماس الدية فيكون بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين. ولو صالح على الدم كله بأقل من الدية فله الخمسان من ذلك، ويسقط ما بقي عن القاتل من حصته، ويكون للأخ الآخر والأخت ثلاثة أخماس الدية كاملاً؛ لأنه فوت عليهما القتل فلزم القاتل نصيبهما من الدية في مال القاتل. م: قال بعض فقهاء القرويين: وإن وجد القاتل عديماً/ شاركا المصالح فيما أخذ حتى يأخذا من القاتل فيراد عليه ما أخذا منه.

وإن كان على الميت دين قضي الدين من الدية، وإن كانت له امرأة ورثت من ذلك؛ لأن الدية تصير كمال من ماله. وإن كان على الميت مئة دينار ديناً، ولم يترك شيئاً مالاً، وترك أخوين فعفا أحدهما عن غير شيء جاز عفوه عن نصيبه، ورجع الأخ الذي لم يعف على القاتل بأربع مئة، وصاحب الدين بمئة. ولو ترك الميت مئة لوجب أن يؤخذ الدين من المئة التي ترك ومن الخمس مئة بالحصص فيؤخذ من كل مئة سدسها ثم تكون خمسة أسداس المئة التي ترك بين الأخوين وخمسة أسداس الخمس مئة للذي لم يعف. وكلك لو ترك مدبراً قيمته مئة لعتق من جملة الست مئة بالحصص، وورثا بقية المئة وأخذ الذي لم يعف بقية الخمس مئة. هذا على مذهب عبد الملك الذي يرى أن يدخل في المال الذي لم يعلم به، والمال الذي علم به بالحصص، وأما على قول ابن القاسم فإنه يبدأ به في المال الذي علم به، فإن عجز عن ذلك أتم فيما لم يعلم به فيعتق ثلث المدبر في المئة التي علم به، ويورث بقيتها، ويعتق ثلثاه في الخمس مئة، ويأخذ الذي لم يعف بقيتها، م: وفي هذا نظر، وكان ينبغي أن يعتق في المئة التي علم بها ثلثاه؛ لأنه كأنه ترك المدبر وقيمته مئة وترك مئة عيناً فيعتق بذلك ثلث المدبر، وهوما يحمل الثلث، ويعتق بقيته من الخمس مئة, ويورث ثلث المئة التي ترك عيناً. والله أعلم.

[المسألة الأولى: المال المصالح به من الدم لسائر الورثة على فرائض الله] ومن المدونة قال ابن القاسم: وكلما صولح به من الدم والخطأ فللزوجة ميراثها منه ولسائر الورثة على فرائض الله تعالى. [المسألة الثانية: الجماعة يقطعون يد رجل عمداً أو يجرحوه فله صلح أحدهم] وإذا قطع جماعة يد رجل أو جرحوه عمداً فله صلح أحدهم والعفو عن من شاء منهم، والقصاص ممن شاء منهم، وكذلك الأولياء في النفس. [فصل 7 - المصالح على قطع يده عمداً يبرأ ثم يموت فلأوليائه القسامة] ومن قطعت يده عمداً فصالح القاطع على مال أخذه ثم نزى بها فمات فلأوليائه أن يقسموا، ويقتلوا ويردوا المال، ويبطلوا الصلح. وإن أبوا أن يقسموا كان لهم المال الذي / أخذوا في قطع اليد، وكذلك لو كانت موضحة خطأ فلهم أن يقسموا ويستحقوا الدية على العاقلة، ويرجع الجاني فيأخذ ماله، ويكون في العقل كرجل من قومه، ولو قال قاطع اليد للأولياء حين نكلوا عن القسامة قد عادت

[الجناية] نفساً فاقتلوني وردوا المال لم يكن ذلك له ولو لم يكن صالح فقال ذلك وشاء الأولياء قطع اليد ولا يقسموا فذلك لهم. وإن شاءوا أقسموا وقتلوا. م: ولو صالحه بمال على الجرح وعلى ما ترامى إليه فقيل: ذلك جائز, وقيل: ذلك لا يجوز؛ لأنه غرر. [فصل 8 - الصلح من جناية العمد على ثمر لم يبد صلاحه] ومن المدونة ولا يجوز الصلح من جناية العمد على ثمرة لم يبد صلاحه. فإن وقع ذلك ارتفع القصاص وقضى بالدية. كما لو وقع النكاح بذلك وفات بالبناء قضي بصداق المثل.

قال غيره: يمضي ذلك إذا وقع، وهو بالخلع أشبه؛ لأنه أرسل من يده بالغرر ما كان له أن يرسله بغير عوض، وليس كمن أخذ بضعاً ودفع فيه غرراً. قال سحنون: هذا أحسن وهو لابن نافع، والأول لمالك رحمه الله. [فصل 9 - الصلح من دم عمد على عرض أو عبد فيوجد به عيب] قال ابن القاسم: ومن صالح من دم عمد أو خالع على عبد فذلك جائز. فإن وجد بالعبد عيباً يرد من مثله في البيوع فرده رجع بقيمة العبد صحيحاً إذ ليس للدم والطلاق قيمة تعلم يرجع بها، وكذلك النكاح في هذا. [فصل 10 - هل للمقتول العفو عن دم العمد وجراحات العمد مع رد الغرماء؟] وإذا للمقتول العفو عن دم العمد، وجراحات العمد في مرضه وإن لم يدع مالاً أو له مال وعليه يدن يغترقه، وليس للورثة أن يقولوا فعله في ثلثه، ولا لغرمائه إن كان عليه دين أن يقولوا فرعنا بماله، ولا ينظر إلى قولهم، وفعله جائز.

م: لأن العمد ليس فيه إلا القود إلا أن يصطلحوا على شيء فلما لم يجب له عليه مال جاز عفوه عنه في مرضه ولا كلام لورثته ولا لغرمائه فإن لم يجب له عليه مال جاز عفوه عنه في مرضه ولا كلام لورثته ولا لغرمائه فإن قيل فعلى قول أشهب الذي رأى أنه له أن يجبره على الدية وإن كره. قيل له قد قال أشهب: إن له أن يعفو عنه في مرضه وهو يقول له أن يجبره على الدية. وفي المدونة قال ابن القاسم في العبد يقتل الحر عمداً فيعفوا عنه الحر في مرضه: أن ذلك في رأس ماله، وقال أشهب في العبد خاصة أن ذلك من ثلثه، ولا فرق في الحقيقة بين الحر والعبد على مذهب من رأى أن للحر إجبار الحر القاتل على الدية فيصير هذا كأنه اختلاف في هذا الأصل؛ لأنه ما لم يصيره مالاً بالإجبار فهو دم، فلهذا جاز عفوه قاله بعض فقهاء القرويين. م: فإن قيل: لم كان لا يرجع في النكاح والخلع إذا وجد بالعبد عيباً أو استحق بصداق المثل؛ لأن ذلك قيمة البضع، ويكون كالنكاح بالغرر أو بتفويض يفوت بالبناء أنه يقضي فيه بصداق المثل، ويرجع في دم العمد بداية العمد إذا قبلت ويكون كقولهم في بيع العرض بالعرض يستحق أحدهما أو يوجد به عيب أنه يرجع

في عين عرضه إن لم يفت، فإن فات رجع بقيمته، ولا يرجع بقيمته ما استحق ولا بقيمة العيب. والجواب عن ذلك أنه لما كان النكاح طريقة المكارمة لا المكايسة، وكان الإنسان يتزوج بأضعاف صداق المثل، وبغير صداق المثل، وأقل وأكثر لم يكن للبضع قيمة متحققة يرجع إليها كما هي في بيع العرض بالعرض فكان الرجوع إلى قيمة ما تراضيا به أولى؛ لأنها قيمة معلومة، وكان ذلك بخلاف من تزوج بغرر أو بتفويض؛ لأن قيمة الغرر غير محققة، وفي التفويض ليس ثم صداق مذكور يرجع إليه فكان الرجوع إلى صداق المثل أولى، وكذلك القول في الخلع والدم العمد إذ ليس من عادة الناس أن يخالعوا إلا بمثل صداق المثل ولا يعفون إلا على الدية. وأنهم يخالعون ويصالحون بأضعاف ذلك، وييسر ذلك، وبغير شيء فلما كان الأمر كذلك كان الرجوع إلى قيمة ما تراضوا به وتصالحوا عليه أولى وبالله التوفيق. [فصل 11 - هل للمصالح من دم أو جرح عمد يخاف منه موته أن يحط من المال بعد ثبوت الصلح؟] ومن المدونة ولو صالح من دم أو جرح عمد يخاف منه موته على المال وثبت، فحط من المال بعد ذلك لم يجز ذلك إن أحاط الدين بماله، وإن لم يكن عليه دين كان ما يفعل بثلثه.

[فصل 12 - الجاني عمداً وهو مدين يريد أن يصالح من الجناية والغرماء يردون ذلك] ومن جنى عمد وعليه دين يحيط بماله/ فأراد أن يصالح منها بمال يعطيه من عنده ويسقط القصاص عن نفسه فللغرماء رد ذلك؛ لأن في ذلك إتلاف ماله كهبته وعتق؛ لأنه أعتق نفسه من القتل وليس كتزويجه وإيلاد أمته؛ لأن الغرماء على مثل ذلك عامله على النفقة على زوجته وأولاده الصغار قاله بعض شيوخنا القرويين. م: ولأنهم ليس لهم منعه من وطيء زوجته ولا أمته، والوطء يكون عنه الولد فتعتق به الأمة، وتلزمه به النفقة على ولده المحدث من الأمة والزوجة، فلذلك كان بخلاف عتقه وهبته. [فصل 13 - في رجل قتل رجلين عمداً فصالح أولياء على الدية وقام أولياء الآخر بالقود] ومن العتيبة روى يحي بن يحي عن ابن القاسم في من قتل رجلين عمداً وثبت ذلك عليه فصالح أولياء أحدهما على الدية أو عفوا عن دمه وقام أولياء الآخر بالقود قال: فلهم القود. فإن هم استقادوا بطل الصلح ويرجع المال إلى ورثته.

[فصل 14 -] الصلح من موضحة عمد وموضحة خطأ على شقص م: وهذه المسألة مذكورة في كتاب الشفعة وهناك فيها زيادات. قال ابن القاسم: ومن صالح من موضحة عمد وموضحة خطأ على شقص من دار، جاز فيه الشفعة بدية موضحة الخطأ وبنصف قيمة الشقص؛ لأنا قسمنا فيها الشقص الموضحتين، وإحداهما معقولة والأخرى مجهولة. وقال الخزامي: الصلح جائز، وتحمل دية الخطأ وهي خمسون على قيمة الشقص، فإن تكون قيمة الشقص مئة فقد علمت أن قيمة الشقص من الجميع الثلثان، فيستشفع بخمسين ديناراً وبثلثي قيمة الشقص، فهكذا يحسب فيما قل أو كثر من الأجزاء. وقال ابن نافع في غير المدونة: يأخذ بقيمة الشقص إلا أن تكون القيمة أقل من خمسين دية موضحة الخطأ فلا ينقص. وقال سحنون بقول ابن نافع. قال: وليس غير هذا شيء؛ لأنه قد يضمن الشقص بشيء معلوم وهو دية موضحة الخطأ وشيء مجهول/ وهو موضحة العمد، فالمعقول خمسون ديناراً. فإن كانت قيمة الشقص أزيد من ذلك علمنا أن الزائد للمجهول من العمد، وإن كانت القيمة

أقل لم ينقص شيئاً من المعقول، وبه قال ابن المواز وابن حبيب ويحي بن عمر. م: ووجه قول ابن القاسم أن المصالح بالشقص إنما دفعه ثمناً للموضحتين فكان العدل أن يجعل لكل موضحة نصفه، ولو جعلنا لموضحة الخطأ ما قبلها من قيمة الشقص، وما فضل للعمد أمكن أن تستغرق موضحة الخطأ الشقص أو تزيد فتبقى موضحة العمد لا عوض لها، وهو إنما دفع الشقص عنهما. وهذا كمن باع سلعة بسلعتين أن قيمة السلعة مفضوضة على قدر قيمة السلعتين وإن كانت قيمة كل واحدة من السلعتين أكثر من قيمة المنفردة، وكذلك الموضحتان، ووجه قول المخزومي أن الشقص لو صالح به من موضحة عمد فقط كان للشفيع الأخذ بقيمة الشقص فصارت قيمة الشقص كأنها ديه موضحة العمد، ولو دفعه أيضاً عن موضحة الخطأ كان فيه الشفعة بخمسين دية موضحة الخطأ فلما دفع عنهما ضرب في قيمته لموضحة الخطأ بديتها خمسين، ولموضحة العمد بقيمة الشقص؛ لأن كل واحد لو انفردت بالشقص كذلك كان يضرب بها. وهذا أيضاً كمن أوصى بمعلوم ومجهول فإن جميع ذلك في الثلث يضرب فيه للمعلوم وبقدره، وللمجهول بالثلث. قال يحي بن عمر: ولو صالحه منهما بهذا الشقص وبعشرة دنانير يريد على أصل ابن القاسم فالعشرة مأخوذة من موضحة الخطأ فبقي منها أربعون وبقيت موضحة العمد. فيقسم الشقص على ذلك فيأخذه بأربعين وبخمسة أتساع قيمة الشقص، وإن صالح منهما على شقص

وعرض قيل: ما قيمة العرض؟ فإن قيل: عشرون كان منه لكل موضحة عشرة فيأخذ الشقص بأربعين ونصف قيمة الشقص. قال أبو محمد: ولو قيل أن مجرى كلام ابن القاسم أيقسم ما أخذ من عين الشقص علو الموضحتين كما فعل بالعرض لكان صواباً. وذلك أن يقسم الشقص والعشرة على الموضحتين فيقع لكل موضحة نصف الشقص، وخمسة دنانير فيأخذ نصف الشقص بخمسة وأربعين بقية دية موضحة الخطأ ونصفه الآخر بنصف قيمة الشقص عن موضحة العمد؛ لأنه أخذ عن موضحة العمد خمسة دنانير ونصف شقص وقيمتها مجهولة، فوجب أن يأخذ هذا النصف الآخر بنصف قيمة الشقص. م: قول يحي في العين أصوب أن يجعل لدية موضحة الخطأ فيسقط المعلوم من المعلوم، فإن بقي منها شيء أخذ به وبنصف موضحة العمد من قيمة الشقص يجعل دية موضحة الخطأ كأنها خمسون، فإن دفع مع الشقص عشرة أسقطها من موضحة الخطأ فبقي أربعون ودية موضحة العمد كأنها خمسون فيستشفع بأربعين وبخمسة أتساع قيمة الشقص، فإن دفع إليه مع الشقص عشرين استشفع بثلاثين وبخمسة أثمان قيمة الشقص، فإن دفع إليه ثلاثين استشفع بعشرين وبخمسة أسباع قيمة الشقص، فإن دفع إليه مع الشقص أربعين استشفع بعشرة وبخمسة أسداس قيمة الشقص، فإن دفع إليه مع الشقص خمسين فقد استوفى دية موضحة الخطأ وبقي الشقص

لموضحة العمد فيأخذه بقيمة الشقص واو استغرقها العين وزاد عليها لأخذ بقيمة الشقص؛ لأنه دفع دية الخطأ، والباقي إنما هو لموضحة العمد، فوجب أن يأخذ الشقص بقيمته. ولو قسمنا العين على الموضحتين كما قال أبو محمد: فاستغرق نصف دية موضحة الخطأ لجعلته يأخذ الشقص بنصف قيمته، وهو قد دفع دية الخطأ فدل أن الفاضل إنما هو لموضحة العمد. مثاله لو دفع مع الشقص مئة دينار فإذا قسمت ذلك على الموضحتين وقع لكل موضحة خمسون وقد دفع دية موضحة الخطأ فدل أن ما فضل وهو الخمسون الباقية والشقص/ إنما دفعه عن موضحة العمد فيجب أن يأخذ بقيمة الشقص، وعلى قياس قول أبي محمد يأخذه بنصف قيمة الشقص فما ذكره يحي أبين والله أعلم بالصواب. م: وأما قول يحي إذا دفع في الموضحتين شقصاً وعرضاً فيقسم فيه العرض على الموضحتين فهو يؤدي إلى ما ذكرنا في العين على قول أي محمد، والصواب من ذلك ما قاله أصبغ: قال أصبغ: إذا صالح منهما على شقص وعبد وقيمة العبد كقيمة الشقص فقد أخذ العبد بنصف الموضحتين وبقي للشقص نصفهما، فيأخذه بنصف دية موضحة الخطأ، وبنصف قيمة الشقص ما بلغ، وإن كان العبد من ذلك الثلث فهو ثلث الموضحتين، وكذلك إن كان الربع فهو كربعهما ففي الثلث يأخذ بثلثي دية موضحة الخطأ وبنصف قيمة الشقص، وفي الربع يأخذ بثلاثة أرباع دية موضحة الخطأ وبنصف قيمة الشقص؛ لأنه دفع الشقص عن ثلاثة أرباع دية الخطأ وثلاثة أرباع دية العمد فلذلك قسمه عليهما كما قسمه إذا أخذه عن جميعها.

قال أصبغ ولو كان المجروح هو معطي العبد الجرحين حتى يأخذ الشقص فإن كانتا جميعاً أخذ الشقص بديتها وبقيمة العبد. م: ولا خلاف في ذلك، قال: وإن كانت جميعاً عمداً نظر إلى الاجتهاد في عقلهما كم ذلك؟ وكم قيمة العبد من قيمتهما بالاجتهاد؟ فإن كان العبد ثلث ذلك أخذ الشقص بقيمة العبد وبثلثي قيمة الشقص، وعلى هذا إن كان أقل أو أكثر م: وعلى قياس قول المخزومي تحمل قيمة العبد على قيمة الشقص فإن كانت قيمة العبد من الجميع الثلث استشفع بقيمة العبد وبثلثي قيمة الشقص. وعلى قول ابن نافع يأخذه بقيمة الشقص مالم ينقص من قيمة العبد. وإن كانت واحدة عمداً والأخرى خطأ ففي قول المخزومي يحمل دية الخطأ وقيمة العبد على قيمة الشقص ثم يفعل كما وصفنا/. وعلى قول ابن نافع يأخذ بقيمة الشقص مالم تنقص عن خمسين دية الخطأ. وعن قيمة العبد. وقال أصبغ: إن كانت واحدة خطأ والأخرى عمد نظر إلى دية الخطأ وإلى مبلغ عقل العمد بالاجتهاد موضحة كانت أو عقل غيرها وإلى قيمة العبد فيعرف ذلك كله فيأخذ الشقص به. قال أبو محمد: أرى أصبغ يريد إذا كانت قيمة العبد بالاجتهاد قدر الثلث من الجميع أخذ الشقص بخمسين للخطأ وبقيمة العبد وبثلث قيمة الشقص ثم على هذا الحساب. وجرى كلام أصبغ على أن موضحة العمد مقومة بالاجتهاد هاهنا، وجعلها

في الصلح منهما على شقص من غير عطية من المجروح على معنى قول ابن القاسم أن المأخوذ مقسوم على الموضحتين بالسواء ولم يجعل للعبد قيمة مبتدأه بالاجتهاد. وكلام يحي في الذي صالح منهما على شقص، وعرض فجعله مثل ما لو أخذ شقصاً، ودنانير وليس يستوي ذلك. مك لم يجعله يحي كذلك. قال: وكلام أصبغ أصح في العرض المأخوذ مع الشقص؛ لأن العرض ليس هو الواجب في الموضحتين، ولا في أحدهما، ولا في بعضهما وهو مأخوذ مع الشقص في ثمن معلوم، ودم لا قيمة له معلومة. فالمأخوذ كله مقسوم على الموضحتين، وأما إذا أخذ دنانير فقد أصبنا الخطأ من الموضحتين الواجب فيها مال فصرفنا ما أخذ من المال فجعلناه عنها ونظرنا ما بقي من المال فصار الشقص به مأخوذ وبموضحة العمد فيقسم ذلك على ما بقي من الخطأ وعلى جميع العمد. وأصل ابن القاسم أنه ساوي بين موضحة العمد والخطأ في القيمة، وأصل أصيغ يجتهد في قيمة العمد. قال: ولو أن رجلاً جرح موضحة عمداً، فأخذ فيها عشرة دنانير وشقصاً ما وجب أن يأخذ الشفيع الشقص إلا بقيمته ما بلغت. إذ لا قيمة لموضحة العمد معلومة حتى يحط منها العشرة المأخوذة، وهذا/ يقوي كلام ابن نافع الذي اختاره سحنون، وهو أقوى الأقاويل إن شاء الله تعالى. م: وكان يجب على قول ابن القاسم إذا دفع المجروح العبد مع الجرحين ليأخذ القص وإحداهما خطأ والأخرى عمد أن يقوم العبد، فإن كانت قيمته خمسين

أخذ الشقص بمئة بثلث قيمة الشقص كما لو دفع خمسين مع الموضحتين ليأخذ الشقص، فإن كانت قيمة العبد مئة أخذه بمئة وخمسين ويدفع قيمة الشقص والله أعلم. [فصل 15 - الصلح من شقص بدار فيها شركاء على دراهم هل فيها شفعة؟] ومن المدونة وإن ادعيت شقصاً من دار في يد رجل فأنكر له شريك فصالحك منه على دراهم، فإن كان إقرار جاز وفيه الشفعة، وإن كان على إنكار فلا شفعة فيه.

[الباب السادس] في من صالح على الإنكار ثم أقر له المطلوب أو قامت له بينة أو وجد صكه وإيداع البينة في ذلك

[الباب السادس] في من صالح على الإنكار ثم أقر له المطلوب أو قامت له بينة أو وجد صكه وإيداع البينة في ذلك [فصل 1 - من صالح على إنكار ثم أقر له المطلوب] قلت: فمن ادعى داراً بيد رجل فأنكر، فصالحه المدعي على مال أخذه منه ثم أقر له المطلوب. قال: قال مالك: في من ادعى قبل رجل مالاً فأنكره، فصالحه من ذلك على شيء أخذه منه، ثم وجد بينة لم يعلم بها فله القيام ببقية حقه. م: يريد فكذلك هذا له القيام عليه بما أقر له به ابن حبيب: وقاله مطرف قال ولا يشبه هذا قول مالك في من صالح في غيبة بينته أو جهله بها أنه لا شيء له إذا وجد البينة؛ لأن الأول مقر بالظلم، وهذ مقيم على الإنكار. وقال يحي بن عمر: بلغني عن سحنون في الذي أقر له بالدار بع الصلح أن الطالب مخير فإن شاء تماسك بصلحه، وإن شاء رد ما أخذ ويأخذ الدار وهذا تفسير لقول ابن القاسم. [فصل 2 - من صالح على إنكار وله بينة غائبة، أو وجد صكه أو قامت له بينة] ومن المدونة قال ابن القاسم عن مالك: وإن كان الذي صالح عالماً بالبينة في حين الصلح فلا قيام له، ولو كانت غائبة فخاف موتهم أو إعدام الغريم إلى قدومهم فلا حجة له بذلك، ولو شاء تربص.

وروى أصبغ عن ابن القاسم إن كانت بينته غائبة بعيدة الغيبة جداً/ وأشهد أنه إنما يصالح لذلك فله القيام. م: وينبغي أن لا يختلف في هذا إذا أعلن بالشهادة كما لو قال للحاكم بينتي غائبه بعيدة الغيبة، فأحلفه لي فإذا قدمت بينتي قمت بها، فإنه يحلف له، ثم له القيام من بينته إذ قدمت، وأما إن لم يشهد على الغريم بذلك وإنما أشهد سراً أنه أنما يصالحه لغيبة بينته فإذا قدمت قام بها، فهذا يدخله الاختلاف. قيل: ينفعه. وقيل: لا ينفعه. وكذلك إذا صالح ولم يعلم ببينته ثم علم. فقيل: ينفعه وقيل لا ينفعه. وكذلك إذا صالح وهو عالم ببينته قيل: ليس له القيام بها، وقيل: ذلك له، واختلف في من يقر في السر ويجحد في العلانية، فصالحه على أن يؤخره سنة، وأشهد الطالب أنه إنما يصالحه لغيبة ببينته قيل: ليس له القيام بها، وقيل: ذلك له، واختلف في من يقر في السر ويجحد في العلانية، فصالحه على أن يؤخره سنة، وأشهد الطالب أنه إنما يصالحه لغيبة بينته فإذا قدمت قام بها فقيل: ذلك له إذا علم أنه كان يطلبه ويجحده وقيل: ليس ذلك له. ولم يختلف في من صولح على الإنكار ثم أقر، ولافي من صالح على الإنكار وذكر ضياع صكه ثم وجده بعد الصلح أنه له القيام في المسألتين. قال ابن حبيب: قال مطرف عن مالك في من له ذكر حق فيه بينة فضاع فصالح غريمه على الإنكار، وذكر ضياع صكه ثم وجده بعد الصلح أن له القيام ببقية حقه وفرق بينه وبين الذي يجد البينة على حقه بعد الصلح.

ومسألة ضياع الصك وفاق لابن القاسم، وهي مذكورة له في العتيبة. م: وهو كوجوده بينة لم يعلم بها عند ابن القاسم. وقال مطرف: ولو أن الذي ضاع صكه قال له غريمه حقك حق فات بالصك، فامحه وخذ حقك. فقال قد ضاع وأنا أصالحك ففعل ثم يجد ذكر الحق فلا رجوع له بخلاف الأول. وقال أصبغ: مثله كله. م: والفرق بين هذه وبين الأولى أنه في هذه إنما صالحه على إسقاط صكه؛ لأن غريمه مقر به وإنما طلبه بإحضاره لمحو ما فيه فقد رضي هذا بإسقاطه واستعجال ما صالحه به عليه. والأول منكر للحق، وقد أشهد هذا إنما يصالحه لضياع صكه فهو / كإشهاده أنه إنما يصالحه لبعد غيبة بينته. وقال مطرف: في الرجل يدعي عليه الحق فيصالحه الطالب ويشهد أني إنما أصالحه لإنكاره وأني على حقي: فقال: لا ينفعه ذلك، ولا يجوز إشهاده على سر بخلاف ما وقع به الصلح، وقد أبطل مالك تلك البينة إذا وجدها بعد الصلح. قال مطرف: إلا أن يقر المطلوب بعد الصلح على الإنكار فيؤخذ بباقي الحق. وقاله أصبغ. ومن مختصر ابن الحكم: ومن جحد لرجل مالاً فأقر له في السر ودعاه إلى الصلح ثم انطلق الطالب فأشهد سراً أنه إنما يصالحه ليقر له في العلانية ثم يقوم بحقة فيصالحه

في العلانية، وأشهد عليه، فلما فرغا خاصمه قال: الصلح لازم إلا أن يأتي بأمر من شهادة أو علم على أصل الحق. وقال في موضع آخر من الكتاب. ومن كانت له بينة غائبة على حقه، وجحده غريمه، فصالحه وأشهد سراً أنه إنما يصالحه لغيبة بينته وجحوده، وأنه يقوم عليه إذا حضرت، فالصلح يلومه ولا قيام له. وقال سحنون: في من له ديناً فجحده ويقر له سراً. فقال له: أخبرني سنة وأنا أقر لك به ففعل وصالحه على هذا ثم قام عليه فإن كان أشهد سراً أني إنما أؤخره؛ لأنه جحدني ولا أجد بينة فإن وجدت قمت عليه فذلك له إن شهد بذلك قبل الصلح، وقد علمت البينة أنه كان يطالبه بذلك وهو يجحد. م: وهذا أحسن، والظالم أحق أن يحمل عليه. م: وفي سماع ابن القاسم في من له على رجل دراهم فصالحه على أن يعطيه كل شهر خمسة دراهم على أنه إن ادعى المطلوب أنه دفع إليه شيئاً من ذلك بلا بينة وأنكره الطالب فلا يمين له عليه. قال: فلا يلزمه هذا الشرط، وله اليمين عليه إن جحده. م: وينبغي أن يبطل التأخير؛ لأنه إنما أخذه لإسقاط اليمين فإذا سقط شرطه سقط التأخير. وروى أصبغ عن ابن القاسم في المتداعيين يصطلحان على اليمين وطرح بيناتهما، أو على أن من نكل/ غرم بلا رد يمين أو بعد ردها، فإن أتى بعد ذلك ببينة فلا شهادة لها. قال: ذلك جائز. م: وهذا خير من الأولى، المسلمون على شروطهم، وبالله التوفيق.

[الباب السابع] ما يحل ويحرم في الصلح ومن استهلك لرجل شيئا فصالحه منهم

[الباب السابع] ما يحل ويحرم في الصلح ومن استهلك لرجل شيئاً فصالحه منم [فصل 1 - المصالحة من الدين المنكر بعض في الذمة] وقد تقدم من قول مالك أن الصلح بيع من البيوع وسواء كان على الإقرار أو على الإنكار قال ابن القاسم: وإن ادعيت على رجل بدين فأنكر فصالحته منه على ثياب موصوفة إلى أجل لم يجز؛ لأنه فسخ دين بدين، وغن صالحته منه على عشرة أرطال من لحم شاته وهي حيه لم يجز. قال أشهب: أكرهه، فإن جسها وعرف نحرها وشرع في الذبح جاز، وأنكر سحنون قول أشهب. [فصل 2 - الصلح في الاستهلاك والغصب والتعدي] قال ابن القاسم: ومن استهلك لك بعيراً لم يجز على بعير مثله إلى أجل؛ لفسخك ما وجب لك من القيمة في بعير. وكذلك إن استهلك لك طعاماً فصالحته على طعام أو عرض مؤجل لم يجز؛ لفسخك ما وجب لك من القيمة في ذلك، ولو صالحته على دنانير مؤجلة فإن كانت أكثر من القيمة لم يجز، وإن كانت كالقيمة فأدنى، وكان ما استهلك يباع بالدنانير بالبلد جاز. ويجوز على

دراهم نقداً، أو عرض نقداً بعد معرفتكما بقيمة المستهلك من الدنانير، ولا يجوز إلى أجل. وإن كان مما يباع بالدراهم جاز الصلح على دراهم مؤجلة مثل القيمة فأدنى، ولا يجوز على دنانير أو عرض إلا نقداً بعد معرفتكما بقيمة المستهلك من الدراهم، وإن اشترطتما تأخير ذلك إلى أجل لم يجز، ولو تعجلته بعد الشرط لم يجز لوقوعه فاسداً. وكذلك إن ادعيت أنه استهلك لك غنماً أو متاعاً فالصلح فيه على عين أو عرض يجري على ما وصفناه، ولو لم تفت الغنم ولا المتاع ولا تغير جاز صلحك منه على عين أو عرض نقداً أو مؤجلاً إذا وصفت العرض المؤجل، وكان مما يجوز أن تسلم فيه عرضك، وأجله مثل أجل السلم. وإن غصبك عبداً فأبق منه لم يجز / أن يصالحك على عرض مؤجل، وأما على دنانير مؤجلة فإن كانت كالقيمة فأقل جاز، وليس هذا من بيع الآبق. وقد قال مالك في مكتري الدابة يتعدى إلى غير البلد الذي تكاري إليه فتضل الدابة أن لربها تضمينه القيمة. قال بعض فقهائنا القرويين: فإن قيل: أليس له ألا يغرم الغاصب قيمة

الآبق ويتبع فلم لم يكن هذا بيع الآبق؛ لأنه وجبت له قيمة فأخذ فيها آبقاً. قيل: ويجب على هذا ألا يأخذ فيه قيمة؛ لأنه لو شاء طلبه فصار انتقاله إلى القيمة كأنه بيع فهذا لا يعتبرها هنا. م: ووجه طلبه القيمة؛ لأن الغاصب أتلف عليه عبده فوجب عليه غرم قيمته، ووجه أن له ترك القيمة وطلب عبده؛ لأن القيمة ليست حراماً ألا يغرمها الغاصب فكأنه ترك له حقه وبقى على متقدم ملكه فليس هذا بيعاً له. قال بعض الفقهاء: وقد رأيت أن ليس له إلا القيمة ولا يجوز أن يتركها ويطلبه. م: وهذا يؤدي إلى أن يلزم بيع عبده كرهاً. ومن العتبية روى يحي ابن يحي عن ابن القاسم في من ذبح شاة رجل فأعطاه بالقيمة شاة أو بقرة أو فصيلاً، فإن كان لحم الشاة لم يفت لم يجز؛ إذ له أخذها فصار اللحم بالحيوان، وإن فات اللحم فجائز نقداً، هذا بعد المعرفة بقيمة الشاة. ولو استهلك له صبرة قمح لا يعرفان كيلها جاز أن يأخذ بالقيمة ما شاء من طعام من غير جنسه أو عرض نقداً، وأما على مكيله من قمح أو شعير أو

سلت فلا يصلح على التحري، وأما على كيل لا يشك أنه أدنى من كيل الصبرة فلا بأس به، وكأنه أخذ بعض حقه فلا تبالي أخذ قمحاً أو شعيراً أو سلتاً، يريد ها هنا وإن لم يعرفا القيمة.

[الباب الثامن]

[الباب الثامن] [فصل 3 -] في من أوصى لرجل بشيء فصالحه منه ورثته قال ابن القاسم: ومن أوصى لرجل بما في بطن أمته لم يجز للورثة مصالحته من ذلك على شيء، ولو أوصى له بخدمة عبده، أو غلة نخله، أو سكنى داره أو لبن غنمه أو سمنها أو صوفها جاز للورثة أن يصالحوه من ذلك / على شيء يدفعونه إليه ويبرأ لهم من الوصية؛ لأن هذه الأشياء غلات ولها مرجع إلى الورثة، والجنين ليس بلغة، ولا لهم فيه مرجع. وقد جوز أهل العلم ارتهان غلة الدار والغلام وثمرة النخل الذي لم يبد صلاحها ولم يجوزوا ارتهان الأجنة. وقد أرخص النبي عليه الصلاة والسلام في بيع العرَّية بخرصها تمراً إلى الجذاذ، ونهى عن بيع الأجنة؛ ولأن من ابتاع هذه الأشياء فاستغلها زماناً، وكانت الغلة قائمة في يديه ثم استحق ذلك من يده فلا شيء

للمستحق من الغلة لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (الخراج بالضمان) وقاله غير واحد من أهل العلم. ولو استحق امة له لها ولد، أو غنماً وقد ولدت أخذ الولد معها. م: وقد اعترض ذلك بعض فقهاء القرويين وقال: في هذا نظر؛ لأن من أسكن داراً، أو أخدم عبداً حياته فإنما جاز للمُسَّكنِ أو لورثته أن يشتروا السكنى والخدمة المجهولة ليتصرفوا في الرقاب المعقولة عليهم فكأنهم اشتروا الرقاب فإذا كان وضع الولد يطول فقد صارت الأمة معقولة عليهم فما الذي يمنع من اشتراء ذلك ليملك التصرف في الأمة كما يشتري السكنى المجهولة؟ فإن قيل: إنما ذلك لقرب ولادة الجنين فلا ضرر عليهم في تأخيره مده الحمل. قيل: قد يحتاجون إلى بيع الأمة] ولا يقدر على ذلك [بسبب حملها فأشبه ذلك من أوصى له بثمرة لم تؤبر أنه جائز للورثة شراؤها من الموصى له لما كانوا غير قادرين على بيع الأصول. وأما رهن الأجنة فإن كان في عقد البيع فلا يجوز على قول من يرى أن غرر الرهن يفسد البيع، وقد اختلف في ذلك، وأما إن كان بعد عقد البيع فما الذي يمنع من ذلك كما يرهنه آبقاً، أو ثمرة لم تخرج بعد؟ وقد أجاز ابن ميسر رهن الأجنة.

[الباب التاسع] في الصلح من العيوب على الإنكار

[الباب التاسع] في الصلح من العيوب على الإنكار [فصل 1 - في من ابتاع عبداً إلى أجل أو بنقد فقام بعيب فأنكر البائع فصالحه على أن يرد إليه العبد وزيادة] قال مالك - رحمه الله -ومن ابتاع عبداً فطعن فيه بعيب فأنكره البائع فاصطلحا على مال جاز ذلك. وإن اشتريت عبداً بألف درهم إلى /أجل فاطلعت على عيب به فأنكره البائع، وزعم أنه لم يكن عنده فصالحته منه قبل الأجل على إن رددته إليه مع عبد آخر، أو عرض نقداً، فذلك جائز؛ لأن مالكاً قال: لا بأس أن يشتري الرجل عبداً بذهب إلى أجل ثم يستقيل قبل الأجل على أن يرد العبد ويرد معه عرضاً نقداً، وإنما كره أن يرد معه دنانير أو دراهم نقداً قبل الأجل، ويدخله إن رد معه دراهم بيع وسلف من المبتاع للبائع، ويقبض المبتاع السلف من نفسه إذا حل أجل ما عليه من الدراهم

وإن رد معه دنانير دخله تأخير الصرف. ولو حل الأجل جاز أن يرد مع العبد عرضاً، أو يرد معه عيناً من جنس ما عليه من الثمن. م: هكذا نقلها أبو محمد وهو أصوب. وقال في المدونة: جائز أن يزيده مع العبد عرضاً أو دنانير أو دراهم، وإنما يعني إن كان البيع الأول بدنانير زاده دنانير وإن كان بدراهم زاده دراهم، ولا يجوز أن يكون البيع الأول بدنانير فيزيده دراهم مع العبد فيدخله الآن بيع عبد ودراهم بالدنانير التي كانت عليه، إلا أن تكون دراهم يسيرة أقل من صرف دينار فيجوز، وكذلك إن كان البيع بدراهم لم يجز أن يزيده مع العبد دنانير إلا أن يزيده معه أقل من صرف دينار. قال ابن القاسم: ولا يجوز تأخير شيء من الزيادة فيدخله البيع والسلف في زيادتنا العين، والدين بالدين في زيادة العرض. قال غيره: فإن اصطلحا على أن زاده البائع عرضاً أو عبداً نقداً ولم يفت العبد جاز، وكأنهما في صفقة أو استقالة فزاده، وأما إن زاده البائع دراهم نقداً لم يجز وذلك سلف من البائع له، ولو زاده البائع دنانير نقداً لم يجز؛ لأنه بيع عبد وذهب بفضة إلى أجل، وكذلك إن كان البيع بدنانير إلى أجل لم يجز أن يزيده البائع دراهم نقداً فيصير بيع عبد ودراهم نقداً بدنانير إلى أجل. م: ولو استقالة البائع في العبد على أن يزيده البائع دنانير أو دراهم أو عرضاً نقداً أو مؤجلاً جاز م: لأن ثمن العبد أولاً وما يزيده البائع الآن من عين أو عرض كل ذلك خارج من يد البائع الأول دفعه في العبد الذي استقال منه فهو جائز، وقد قدمنا هذا في مسألة حمار ربيعة في كتاب الآجال، وهو لابن المواز، وهي هذه المسألة بعينها

ومن كتاب الصلح قال: وإن فات العبد بعتق أو موت أو تدبير وقد ابتاعه بدراهم مؤجلة لم يجز أن يزيده البائع دراهم نقداً؛ لأنها سلف للمبتاع يردها فيما عليه إلى أجل، وإنما ينبغي أن يضع عنه حصة العيب مما عليه قِصاصاً. م: وذكر عن أبي محمد أنه قال: لا أدري ما معنى قول غيره. إنه سلف للمبتاع؛ لأنه إذا كانت الدراهم التي يعطيه البائع نقداً وقد فات العبد فما يمنع عندي من سلفها شيء إلا أن يعطيه دراهم أقل من حصة العيب فيتهم البائع في دفع قليل في كثير والله أعلم. وحكي عن الشيخ أبي الحسن أنه قال: إنما منع من ذلك؛ لأنه دفع بما أعطاه خصومة المبتاع في قيمة العيب إذ لو لم يرض بتعجيل هذه الدراهم لأمكن ألا يوافقه على قيمة العيب فإذا أمكن ذلك صار سلفاً جر نفعاً. م: ومع هذا الاعتلال لا يجوز، سواء كان المدفوع مثل حصة العيب أو أقل أو أكثر. م: وهو أحسن من تأويل أبي محمد

[فصل 2 - المصالحة بعد العقد على البراءة من عيوب العبد] ومن المدونة قيل: لابن القاسم في من باع عبداً من رجل ثم صالحه بعد العقد من كل عيب به على دراهم دفعها إليه. قال: قول مالك أن المتبري في العقد من كل عيب بالعبد أو مشش بالدابة أنه لا يبرأ حتى يريه ذلك أو يبينه، وإلا لم ينفعه في ذلك البراءة، ويجب القيام للمبتاع بما ظهر من عيب. م: الذي في المدونة من كل عيب بالدابة أو مشش بها، وفي المختصر من كل عيب بالعبد أو مشش بالدابة وإنما يصح ذلك على قول مالك الذي قال فيه: لا تنفع البراءة في رقيق ولا غيره، أو يكون عيباً يعلمه البائع فهذا لا يبرأ منه حتى يبينه، وأما على / قوله الذي أجاز فيه البراءة من عيوب الرقيق التي لا يعلمها البائع فيجوز أن يبرأ منها بعد العقد، وعلى هذا يدل جوابه في المدونة؛ لأنه إنما ذكر عيب الدابة وحدها فدل أن العبد بخلافها. وقد قال ابن حبيب في من باع دابة أو جارية، فتم البيع بينهما، ثم وضع عن المبتاع ديناراً لعيوبها: لم يجز ذلك في الدابة؛ لأنه خطر. ويرد المبتاع الدينار، فإن وجد عيباً فله الرد، ويجوز ذلك في الجارية لجواز بيعها بالبراءة. وما جاز أن يضم مع البيع في عقده جاز بعد البيع أن يلحق به.

[الباب العاشر] في من صالح عن غيره وما يحل ويحرم في الصلح من معاني البيوع والصرف

[الباب العاشر] في من صالح عن غيره وما يحل ويحرم في الصلح من معاني البيوع والصرف [فصل 1 - المصالحة عن المديان أو المرأة بغير أمرهما] قال ابن القاسم: ومن قال لرجل: هلمَّ أصالحك من دينك الذي على فلان بكذا، ففعل لزم فلانا الصلح، ولزم المصالح ما صالح به، وكذلك قال مالك في من أتى إلى رجل فصالحه عن امرأته بشيء مسمى أن الصلح لازم للزوج، ويلزم المصالح ما صالح به وإن لم يقل أنا ضامن؛ لأنه إنما قضى عن الذي عليه الحق. فصل [2 - المصالحة على ألف درهم نقداً بمئة] فإن كان لك على رجل ألف درهم نقداً فصالحته على مئة درهم ثم فارقته قبل أن تقبضها جاز ذلك.

[فصل 3 - يمنع في العروض والطعام من سلم المصالحة على رأس ماله] ومن له على رجل دين عرض أو طعام من سلم فصالحه على رأس ماله ثم فارقه قبل قبضه لم يجز م: فيدخله الدين وبيع الطعام قبل قبضه. فصل] 4 - المصالحة على الدراهم الجياد بالمحمول عليها نحاس أو البهرجة [ وكره مالك أن يصالح الرجل من دراهم له جياد على زيوف - وهي المحمول عليها نحاس - أو بدراهم نبهرجة وقال: أكره البيع بها والشراء وإن بَّين، وأرى أن يقطع. قال ابن القاسم: ولا أعلم الذي كره مالك من بيعها وشرائها إلا للصيارفة ولا أدري أكره بيعها لجميع الناس أم لا؟ والذي سألته عنه في الصيارفة. قال ابن القاسم: وأنا أرى الصلح بها جائز إذا لم يَغرُ بها أحداً وكان يقطعها.

فصل [5 - إذا أخذ عرضاً عن دين هل يبيع مرابحة ولا يبين؟] وإن كان لك على رجل دين حال فأخذت به عبداً، أو جحدكه فصالحته منه على عبد فلا تبعه / مرابحة حتى تبين، وقد تقدم هذا في كتاب المرابحة. وهناك مسألة من ابتاع ثوبين في صفقة وصفتهما واحدة أنه لا يبيع أحدهما مرابحة، ولو كانا من سلم جاز أن يبيع أحدهما مرابحة، وأما ما يكال أو يوزن من الطعام والعروض فإنه يجوز أن يبيع نصفه مرابحة كان بعينه أو من سلم، وفي المرابحة إيعاب هذا. فصل] 6 - المصالحة من طعام قرض على دراهم [ قال ابن القاسم: ومن لك عليه طعام من قرض فصالحته منه على دراهم أو غيرها فلا تؤخره بها، فإن تأخر ذلك أو بعضه حتى فارقك لم يجز؛ لأنه دين بدين، وترد الدرهم ويبقى لك الطعام بحاله، ولا يجوز من ذلك حصة النقد إلا أن يكون افتراقكما شيئاً قريباً مثل أن تذهب معه إلى البيت أو السوق إليك فلا بأس بهذا.

وكذلك قال مالك في من عليه دنانير فأخذت بها طعاماً فتأخر كيله إلى غدٍ ليأتي بدواب ونحوها فلا بأس به. فصل] 7 - المصالحة على طعام قرض وعشرة دراهم بأحد عشر درهماً نقداً [ ومن لك عليه طعام من قرض وعشرة دراهم فصالحته على أحد عشر درهماً نقداً فذلك جائز م: يريد إن كانت الدراهم التي لك عليه حالة؛ لأنك بعت منه الطعام القرض بدرهم، وبيعه جائز حل أو لم يحل، وأخذت عشرة قضاء من دراهمك الحالة. ولو كانت الدراهم التي لك عليه لم تحل حل أجل الطعام أو لم يحل؛ لأنه ابتاع منك الطعام على إن عجل لك العشرة دراهم فذلك بيع وسلف. قال ابن القاسم: وإن كان الطعام من بيع لم يجز؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه. فصل] 8 - الصلح من مئة درهم ومئة دينار على مئة دينار ودرهم [ ومن لك عليه مئة دينار ومئة درهم حالة، فصالحته من ذلك على مئة دينار ودرهم فذلك جائز؛ لأنك أخذت الدنانير قضاء من دنانيرك، وأخذت درهماً من دراهمك، وهضمت باقيها، بخلاف التبادل بها نقداً وذلك صرف فلا يجوز ذهب

وفضة بمثلهما يداً بيد عدداً ولا مراطلة إذ لكل صنف حصة به من الصنفين. وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «الذهب بالذهب مثلاً بمثل» فلا يجوز أن يكون معها، ولا مع أحدهما فضة ولا غيرها. م: وسواء أخذ منه الدرهم نقداً أو أخر به، أو أخذ منه المئة دينار نقداً أو أَخَّره بها؛ لأنه لا مبايعة هاهنا وإنما هو قضاء وحطيطة فلا تهمة في ذلك، ولو أخذ منه مئة دينار وديناراً نقداً، جاز لأن المئة قضاء والدينار بيع بالمئة درهم، ولو تأخر الدينار لم يجز؛ لأنه صرف مستأخر، ولو نقد الدينار وأخر المئة لم يجز؛ لأنه بيع وسلف. قال ابن القاسم: وإن صالحته على مئة درهم مؤخرة وعشرة دراهم نقداً لم يجز شيء منه؛ إذ لما تأخر حصة من الذهب والفضة وهذا صرف، ويدخله بيع وسلف.

م: وكأنه باعه المئة دينار بالعشرة دراهم النقد وأسلفه المئة الدرهم التي عليه، فهو بخلاف الأول. فصل] 9 - المصالحة على عشرة دنانير مُدَّعَاة بمئة درهم يتأخر بعضها [ وإن ادعيت على رجل عشرة دنانير فصالحته على مئة درهم، أو صرفت منه عشرة دنانير نقدتها بمئة درهم، فدفع إليك منها خمسين في الوجهين، ثم فارقته قبل أن تقبض ما بقى، لم يجز لا حصة ما نقد ولا ما لم ينقد. وكذلك لو أسلمت إلى رجل مئة دينار في طعام إلى أجل، فدفعت إليه خمسين وأخرك بخمسين إلى أجل الطعام، فذلك كله يبطل. ولا يجوز حصة ما نقد ولا حصة ما لم ينقد؛ لأنها صفقة واحدة فإذا بطل بعضها بطل جميعها. فصل] 10 - الرجل يصرف دنانير بدراهم فيصيب منها دراهم زيوفاً [ وإن صرفت دنانير بدراهم فأصبت منها درهماً زائفاً انتقض صرف دينار، وإن أصبت أكثر من صرف دينار بشيء وإن قل انتقض صرف دينارين، فإن زاد فعلى ما بيَّنا، وهذا بخلاف الأول؛ لأن هذا صرف صحت عقدته، ولو رضي

الردية تم جميعه. والذي لم ينتقد إلا خمسين وقعت الصفقة فاسدة كلها، وهو موعب في كتاب الصرف. فصل] 11 - في الرجل يصالح غريمه من دين له عليه لا يدري كم هو؟ [ ومن المدونة وإن كان لك على رجل دراهم نسيتما مبلغها جاز أن تصطلحا على ما شئتما من ذهب أو ورق أو عرض نقداً، وتتحالا ومغمز التقية فيه سواء، ولا يجوز تأخير ما تصالحه عليه؛ لأنه يدخله الخطر، والدين بالدين في أخذك العرض. م: قال بعض فقهائنا القرويين: إذا صالحه على ما لا يشك أنه مثل السكة، وأقل من الوزن إلى أجل جاز. وفي كتاب محمد إذا قضاه ما يعلم أنه مثل عينه وجودته فلا بأس به كان أقل أو أكثر. م: يريد نقداً. ولا يجوز أكثر إلى أجل؛ لأنه تأخير بزيادة. وقال أشهب: إذا لم يعلم وزن الدراهم المستهلكة فلا بأس أن يصالحه على دراهم ما كان؛ لأنهما لم يتعمدا وجه المخاطرة والقمار، وإنما اضطرا إلى ذلك.

م: يريد إذا نقده، ولا يجوز إلى أجل إذ قد يعطيه أكثر من حقه، وقول ابن القاسم أصوب؛ لأنه إذا أعطاه من غير الجنس فقد يعطيه أدون أو أكثر وزناً، أو أجود وأقل وزناً، وذلك لا يجوز. م: وقال بعض فقهائنا: وإذا اصطلحا في هذه المسألة على شيء ثم تقايلا في ذلك الصلح لم يجز؛ لأنهما يرجعان من معلوم ثبت بينهما إلى أمر مجهول. م: وكذلك كل متصالحين على الإنكار لا يجوز لهما أن يتقايلا فيما اصطلحا عليه ويرجعان إلى الخصوم، فلا يجوز ذلك. وقاله مطرف وأصبغ. فصل] 12 - في الرجل يدعى قبل رجل حقاً فيصالحه على ثوب على أن يصبغه أو على عبد على أنه بالخيار ثلاثاً [ ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن صالحته من دين لك عليه على ثوب على أن عليه صبغة، أو على عبد أنت فيه بالخيار ثلاثاً لم يجز، ويفسخ ذلك، وهو دين بدين؛ ولأن كل دين لك على رجل فلا تفسخه إلا فيما تتعجل قبضه. وقاله مالك م: أما فسخك ما كان لك من دين على رجل في شيء في ذمته فلا يجوز؛ لأنه فسخ الدين في الدين وهو حرام، وأما أن تفسخه في شيء معين فهو أخف، ومكروه أنك انتفعت بتأخيره في ثمن ما فسخته فيه فهو من باب سلف جر نفعاً.

فصل [13 - إذا أشهدت أنه إذا أعطاك من الألف الحالَّة عليه مئة سقط الباقي لزمكما ذلك] قال مالك: ومن كان لك عليه ألف درهم حالة، فأشهدت له أنه إن أعطاك مئة من الألف الحالة إلى شهر فباقيها ساقط عنه، وإن لم يفعل فالألف كلها / لازمة له فذلك جائز ولكما لازم. ] فرع [ قال ابن حبيب: قال مطرف عن مالك في من قال: لغريمه إن عجلت حقي اليوم أو إلى شهر فلك وضيعة كذا، فيعجله للوقت إلا درهماً أو الشيء التافه أو بعد الوقت بيوم أو أمر قريب، أن الوضيعة لازمة له. قال مطرف: كقول مالك في المسلم إليه في الضحايا يأتي بها بعد أيام الأضحى بيوم أنها لازمة وإن تباعد ذلك بالأيام، وما بعد فهو مخير في قبولها أو ردها ويأخذ رأس ماله. ومال أصبغ في الوضيعة: لا يلزمه إذا جاء بالحق بعد الوقت باليوم أو ناقصاً درهماً. وقول مطرف أحب إليَّ، وقال عيسى في العتبية كقول أصبغ أن له شرطه. م: جيد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم» ويدخل هذا الاختلاف في مسألة الأضاحي والله أعلم.

فصل [14 - الصلح على ترك رد اليمين] ومن سماع ابن القاسم في من له على رجل دراهم، فصالحه على أن يعطيه خمسة دراهم في كل شهر، على أنه إن ادعى المطلوب أنه دفع إليه شيئاً من ذلك بلا بينة أنه لا يمين له على الطالب. قال: لا يلزمه هذا الشرط، وله عليه اليمين إذا جحده. م: وهذه مثل الأولى، وينبغي أن يكون له شرطه؛ ولأنه أمر كان يقدر على الاحتراز منه والله أعلم. وقد تقدم هذا. م: وقال بعض فقهاء القرويين في مسألة الأضاحي فيها نظر؛ لأن السلم متعلق بالذمة لا يصح أن يتعلق بوقت إن لم يقضه فيه فسد، كما لو أسلم إليه في شده فعجز عن الأداء حتى جاء الرخاء لم يكن للذي له السلم حجة في فسخ السلم بل لو شرط إن لم يأت بالسلم فيه بطل السلم، وأخذ رأس المال لكان السلم فاسداً ولا فرق بين أن يأتي بالأضاحي بعد أيام الأضحى بيوم أو بشهر؛ لأن غرض الناس قد مضى في الوجهين إذا التغالي فيها إنما هو ما دامت أيام الأضحى قائمة بل لو قيل أنها بعد أيام الأضحى بيوم أكسد منها بعده بشهر لكان أولى لاستغنى الناس بلحوم أضاحيهم فإذا / جاز أن يلزمه بعد أيام الأضاحي بالقرب جاز أن يلزمه في البعد. م: والقياس عندي ألا يلزمه أخذها إذا أتى بها بعد الأضحى في قرب أو بعد؛ لأنه إنما أرادها ليضحي بها فقد فاته، كما لو أكرى منه إلى الحج فأتاه بدابة بعد

فوات الخروج إلى الحج أن ذلك لا يلزمه، وينفسخ الكراء لفوات إبانه فكذلك الأضحى، والله أعلم. قال: والتارك عن غريمه إنما يتركه بشرط أن يوفي ما شرط من غير مطل، فإذا بقيت له بقية أو لم يأته به في الوقت المشترط لم يلزمه الترك؛ إذ قد يكون عليه دين حلف ليقضينَّه ذلك اليوم فلذلك أسقط بعض حقه، فإذا أخلفه ما شرط عليه لم تلزمه الوضيعة إلا أن يفهم أن غرضه ألا يكثر مطلة وأن لا يحبس جل حقه فيكون متى بقي الدرهم ونحوه لا يعد شيئاً، وليس هو الذي ترك من أجله فيكون لهذا وجه ويكون إتيانه به بالقرب مثل إتيانه به عند حلول الأجل. وفي كتاب ابن حبيب إذا قال أحد الخصمين للآخر إن لم أوافك عند السلطان فكراء دابتك عليَّ، وكان الإمام في بعد، فذلك يلزمه. وقاله مطرف وابن الماجشون وأصبغ. م: صواب؛ لأنه أدخله في غرم ماله بوعده، فإذا أخلفه لزمه غرم ما وجب له على نفسه كمن قال اشتر عبد فلان وأنا أعينك فيه بكذا أو كذا فاشتراه أن ذلك يلزمه؛ لأنه أدخله فيه بوعده. وبالله التوفيق والحمد لله وحده تم كتاب الصلح من كتاب الجامع بحمد الله وعونه.

كتاب الجوائح

كتاب الجوائح [الباب الأول] في وضع الجوائح ووجوهها ] فصل 1 - وضع الجوائح [ ] المسألة الأولى: أدلة وجوب وضع الجائحة [ وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح وقال صلى الله عليه وسلم: «من باع ثمرة فأصابتها جائحة فلا يأخذ من مال المشتري شيئاً عَلاَم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق» وفي حديث آخر توقيت الثلث. وعمل به وقاله كثير من الصحابة والتابعين، ولو لم يأت فيه توقيت استحال وضع مالا بال له، إذ لا بد من سقوط شيء منها، وعليه يدخل المشتري

فانبغى أن يوضع ماله بال، والثلث عدل مما له البال في سنة الوصايا وغيرها، وحد فيما بين القلة والكثرة في الأصول. ] المسألة الثانية: هل ينفع شرط البراءة من الجائحة؟ [ قال ابن المواز: قال مالك: ويقضي بوضع الجائحة ولا ينفع البائع بشرط البراءة من الجائحة. وقال في المختصر: ولا ينجي البائع من الجائحة أن يدعو إلى الإقالة أو يغلي في الثمن فيربح المبتاع، أو يلزمه الوضيعة دعاه إلى الإقالة أو إلى ربح في بقية الثمرة؛ إذ لو خسر أكثر من ذلك لم يرجع بشيء فوضيعة الجائحة له ثابتة. قال ابن المواز: وابن حبيب: وهي في ضمان البائع لما بقي فيها من الاستنضاج والمصلحة كما في ضمانه ما بقى فيه الكيل والوزن مما بيع على ذلك. م: فوضع الجوائح على ثلاثة أوجه: فالوجه الأول: ما يجنى من الثمار بطناً بعد بطن كالمقاثي والورد والياسمين، وما لا يدخر من الفواكه مثل الخوخ والكمثرى والسفرجل وشبهه.

والوجه الثاني: ما ييبس ويدخر مثل النخل والعنب واللوز والجوز ونحوه. والوجه الثالث: البقول وما أشبهها. ] فصل 2 - الوجه الأول: جائحة ما يجني من الثمار بطناً بعد بطن وما لا يدخر من الفواكه [ تفسير الوجه الأول قال ابن القاسم: وما بيع مما يطعم بطوناً كالمقاثيء والورد والياسمين وشبهه، أو من الثمار مما لا يخرص ولا يدخر مما يطعم في كرة إلا أن طيبه يتفاوت، ولا يحبس أوله على آخره كالتفاح والرمان والخوخ والتين. قال ابن حبيب: البطن الأول منه، ومثل الأترنج والقراسيا والرمان ونحو ذلك. فإن أجيح شيء من ذلك نظر فإن كان ما أصابت الجائحة منه قدر ثلث الثمرة في النبات فأكثر في أول مجناة أو في وسطه أو أخره حط من الثمن قدر قيمته في زمانه من قيمة باقية كان في القيمة أقل من الثلث أو أكثر، وإن كان المجاح من الجميع أقل من الثلث في كيل أو وزن لا في القيمة فلا يوضع فيه جائحة زادت قيمته على الثلث أو نقصت. مثل أن يبتاع مقثأة بمئة

درهم فأجيح منها بطن ثمن جني بطنين فانقطعت، فإن كان المجاح مما لم يجح قدر ثلث النبات بعد معرفة ناحية النبات وضع قدره، وقيل ما قيمة المجاح في زمانه؟ فقيل ثلاثون والبطن الثاني عشرون، والبطن الثالث عشرة في زمانهم لغلاء أوله، وإن قل ورخص آخره وإن كثر فيرجع بنصف الثمن، وكذلك لو كان المجاح تسعة أعشار القيمة لرجع بمثله من الثمن، وإن كان أقل من الثلث في النبات لم يوضع منه شيء، وإن كانت قيمته تسعة أعشار الصفقة، وكذلك فيما يتفاوت طيبه مما ليس بطناً بعد بطن. ابن المواز قال أصبغ: فإن تقاربت قيمته حمل على أنه متفق. ومن المدونة: وراعى أشهب في وضع الجائحة القيمة، فما بلغ عنده في القيمة الثلث فأكثر وضع عنه حصته من الثمن، وإن نقص من الثلث في النبات، ولا يضع ما نقص عن الثلث في القيمة وإن جاوز الثلث في النبات قال: لأنها ليست حينئذٍ مصيبة دخلت عليه. ابن المواز: وهذا خلاف لمالك وأصحابه ويقول مالك أقول، ومذهب أشهب القيمة يوم وقعت الصفقة، فإن أصيبت ثلث القيمة وضع عن المشتري، ولا يلتفت إلى ثلث الثمرة، والمقثأة عند أشهب بمنزلة البقل يوضع فيها الجوائح فيما قل أو كثر.

م: فوجه قول مالك وابن القاسم «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح» وذلك يقتضي أن يكون الاعتبار بما يكون فيه الجائحة وهو الثمرة؛ لأن الثمن لا جائحة فيه. وفي حديث آخر رواه ابن وهب: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا باع المرء الثمرة فأصابتها عاهة فذهبت بثلث الثمرة فقد وجب على صاحب المال الوضيعة» فقد بيَّن في هذا الحديث أن الاعتبار إنما يكون بالثمرة، وفائدة ذلك أن يكون ما تلف كأنه شيء استحق ولم يوفه البائع للمشتري ولأن الثمرة في ضمانه حتى يقبضها المشتري فوجب أن يرجع المبتاع بحصة ذلك من الثمن؛ ولأن كل مصيبة في مبيع وجب بها الرجوع على البائع في الثمن إنما الاعتبار بقدرها في المبيع، كمن ابتاع عِدلاً على أن فيه مئة ثوب فوجد فيه خمسين أو استحق ذلك منه، فإنما الاعتبار بأجزاء المبيع نفسه لا بالقيمة. ووجه قول أشهب أن الرجوع بحصة المجاح إنما هو / من حقوق المشتري فما كان أضربه وجب أن يعتبر به ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بم يأخذ أحدكم مال

أخيه» فالضرر إنما هو في المال، وقد قال: يحيي بن سعيد: لا جائحة فيما أصابت دون رأس المال وذلك في سنة المسلمين قال عبد الوهاب: وقول ابن القاسم أقيس. م: وبعض هذا التوجيه لعبد الوهاب. ] فصل 3 - الوجه الثاني جائحة: ما ييبس ويدخر مثل النخل والعنب ونحوهما [ تفسير الوجه الثاني قال ابن القاسم: وأما ما بيع من الثمار مما ييبس ويدخر، ويترك حتى يُجَز جميعه مما يخرص أم لا كالنخل والعنب والزيتون والجوز واللوز والجلوز والفستق وما أشبهه، فأصابت الجائحة منه قدر ثلث الثمرة فأكثر في كيل أو مقدار لا في القيمة، وضع عن المبتاع قدر ذلك من الثمن، وإن أجيح الثلث رجع بثلث الثمن، وإن كان النصف رجع بنصف الثمن بلا تقويم، فإن أجيح أقل من الثلث في المقدار لم يوضع عنه شيء، ولا تقويم في هذه الأشياء؛ لأن لمبتاعها تعجيل جذاذها أو تأخيرها حتى تيبس.

فأما التفاح والرمان والخوخ والأترنج والموز والمقاثي وشبهها فإنما تشترى على طيب بعضه دون بعض، ولو ترك أوله حتى يطيب آخره كان فساداً لأوله. قال وأصل قوله في هذا أن ينظر في كل ما يقدر على ترك أوله على آخره ولا يكون فساداً حتى ييبس فهو بمنزلة النخل والعنب، وكل ما لا يستطاع ترك أوله على آخره حتى ييبس في شجرة فهو كالمقاثي. ] فصل 4 - ما كان بطوناً فاشترى أول جزه فأجيحت [ قال: وإن اشترى أول جزة من القَصِيل يريد أو من القَرْطِ أو القَضْبِ فأجيح ثلث ذلك، فثلث الثمرة موضوع بغير قيمة، ولو شاء فصله يوم الشراء وقد أدرك جميعه، ولو شرط خلفه ذلك كان كالمقاثي إن أجيح قدر الثلث من أوله أو من خلفته على ما ذكرنا من التقويم.

وهكذا يحسب في من اكترى أرضاً سنين فتعطش منها سنة أو ربعاً، ويخرب في بعض السنين إن كانت السنون تختلف قيمتها في الكراء. م: انظر إذا أجيح البطن الأول من القصيل كله وقد اشترط خلفته ينبغي أن يفسخ البيع كله؛ لأنه إنما جاز بيع الخلفة لجمعها مع الأصل فإذا انفردت جائحة الأصل صارت كأنها بيعت منفردة كاشتراط ثمرة الدار قبل طيبها إنما تجوز مع الدار إذا كانت تبعاً، فإن انهدمت الدار قبل طياب الثمرة رجعت الثمرة إلى ربها؛ لأنها تصير كأنها بيعت منفردة. ] فصل 5 - ما كان يطعم بعضه بعد بعض وأيضاً ييبس ويدخر فكيف شأنه إذا أجيح؟ [ ومن المدونة قيل فالتين هو أيضاً مما يطعم بعضه بعد بعض، وهو أيضاً مما ييبس ويدخر فكيف يعرف شأنه؟ قال: يسأل عنه أهل المعرفة.

قال ابن المواز: وقد قال مالك فيه هذا القول، وقد كان جعله مثل القرط والقضب إذا اشترى بخلفته، ومع المقاثي والورد والياسمين وذلك أحب إلينا. قال أبو محمد: لم يشك مالك أن في التين الجائحة وإنما جعله مرة مثل ما ييبس ويدخر إذا أجيح ثلثه وضع منه ثلث الثمن بلا تقويم / وجعله مرة مثل القثائي إذا أجيح ثلثه راعى قيمة ما أجيح من قيمة باقية. ] فصل 6 - جائحة الموز، والمقثأة التي فيها بطيخ فأجيح أول بطن منها [ قال ابن حبيب: وفي جائحة الموز كالمقاثي توضع إذا بلغت الثلث. وقاله ابن المواز، وروي عن مالك أن جائحة الموز كالبقول يوضع قليلها في كثيرها. ومن المدونة: ومن اشترى مقثأة وفيها بطيخ فأجيح أول بطن منها فإن كانت قدر الثلث فأكثر من باقي البطون فكما ذكرنا.

فصل [7 - الحائط فيه أصناف من الثمار تجاح إحداها] ] المسألة الأولى: الحائط فيه أصناف من التمر أو فيه مقثأه أو فيه ما لا يدخر فيجاح بعض ذلك [ منه قال ابن القاسم: وإن كان في الحائط أصناف من التمر بُرْني وصَيْحَاني وعجوة وشَقَم وغيره فأجيح أحدها فإن كان قدر الثلث في الكيل من الأصناف وضع من الثمن قدر قيمته من جميعها ناف على ثلث الثمن أو نقص. ابن المواز وقال أشهب: بل يقوَّم كل صنف يوم الشراء ثم ينظر كم قيمة المجاح من قيمة ما لم يُجح؟ قال كان قيمة المجاح الثلث وضع ذلك عن المشتري، ولا ينظر إلى شيء من الثمرة، وإن لم يبلغ المجاح ثلث القيمة لم يوضع شيء، وذلك إذا كانت أصناف التمور متفاوتة ليست متقاربة فحينئذٍ تكون بمنزلة الفاكهة الأصناف في حائط يجاح أحدها وكالحوائط المختلفة تباع في صفقة يجاح أحدها فإنه ينظر قيمة

المجاح من قيمة ما لم يجح، فإن كان الثلث فأكثر وضع عن المشتري ذلك في الأصناف المختلفة والأصناف من الثمن. قال ابن المواز: وهذا خلاف لمالك وأصحابه، ويقول مالك أقول إذا كان كله صنفاً واحداً نخل كله أو كرم كله، وإن اختلف طيب بعضه على بعض. وكذلك أقول في المقثأة وما لا يدخر مما لا يقدر صاحبه على حبس ما طاب منه حتى يلحق آخره، أو ما يجني بطناً بد بطن، فإن كان أصيب قدر ثلث جميع الثمرة فأعلى وضع من الثمرة ما وقع عليه من القيمة بالغة ما بلغت. قال أصبغ وهذا أحب إلينا، وإنما استعمل قول أشهب في اختلاف الأنواع من الفاكهة تشترى جملة فيصاب نوع منها بجائحة فإنما ينظر إلى القيمة هاهنا لا إلى ثلث الثمرة. ] المسألة الثانية: الحائط فيه أنواع من النخل والكرم والرمان فأجيح بعض نوع منها [ قلت لابن المواز فإن كانت أنواعاً مختلفة نخل وكرم ورمان فأجيح بعض نوع منها قال: ينظر فإن كان جميع ذلك الصنف لا يبلغ قيمته لو لم يجح ثلث قيمة الجميع فلا جائحة فيه أجيح كله أو بعضه. وإن كان كله يبلغ ثلث قيمة الجميع نظر ما أجيح منه فإن كان قدر ثلث ثمرته وضع قدر ثلث قيمة ذلك من قيمة باقية من الثمن، وإن كان أقل من ثلث ثمرته لم يوضع منه شيء. وهو كقول ابن القاسم في من اكترى داراً وفيها ثمرته قد طابت

فاشترطها المكتري وهي أكثر من الثلث فذلك جائز، فإن أصابت الثمرة جائحة أذهبت ثلثها وضع عنه ما يقع على المجاح من حصة الثمرة من الكراء، وإن أصيب منها أقل من الثلث من الثمرة أو كانت الثمرة كلها أقل من الثلث فلا جائحة فيها. قال بعض القرويين: وفي هذا نظر؛ لأن ثمرة الدار إنما أجيزت للضرورة التي تدخل على المكتري من دخول المكري عليه لإصلاح ثمرته، والرمان في حائط النخل إذا بيعت الثمرة لم يجز أن يباع الرمان بزهو النخل وإن قل الرمان. وفي كتاب محمد في ثلاث / مئة شجرة تين فيها عشرة شتوية هل تباع الشتوية بما طاب من الصيفي قال: لا. فإن قيل إنما لم يجز ذلك؛ لأن ثمرة الصيفي تنقضي قبل زهو الشتوي فأشبه انقضاء الكراء قبل طيب الثمرة، ولو كانت الصيفية يتأخر طيبها إلى زهو الشتوية والشتوية يسيرة لجاز ذلك كالدار، قيل إنما علة جواز شراء ثمرة الدار للضرورة التي ذكرنا، والحائط سقيه على البائع وهو يدخل ويخرج باع ثمرة الرمان مع النخل أو لم يبع، إلا أن يقول قائل أنه أراد. البائع شرط جميع السقي على المشتري لما يدخل عليه من الضرر في دخول أحد عليه فيستوي الحكم في ذلك والله أعلم.

[المسألة الثالثة: من اشترى أصنافاً من ما ييبس ويُدَّخر صفقة فأجيح صنف منها] قال أبو محمد: وذكر ابن حبيب في مبتاع أصناف من التمر كالصيحاني والبرني والعجوة في صفقة فأجيح صنف منها فذكر مثل ما تقدم لابن القاسم في المدونة. قال: وكذلك مبتاع أصناف من التين أو أصناف من العنب وغيره مما ييبس ويُدَّخر، قال: وقاله مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم، قال: وكان ابن القاسم لا يفرق بين ما تفاضلت قيمته في ذلك من النوع الواحد ويقول قولاً مجملاً إذا بلغت الجائحة ثلث الثمرة كلها رجع بثلث الثمن بلا تقويم. قال أبو محمد: والذي قاله ابن حبيب عنه شيء تأوله عليه، وهو بعيد من مذهب ابن القاسم. قال ابن حبيب: ومن قول مالك في من ابتاع بستاناً فيه تمر وتين وعنب ورمان وغيره، وقد حل بيع كل صنف، وهو في موضع أو افترقت أماكنه وجمعته الصفقة، فأجيح صنف منها كله أو بعضه، فإن جائحة كل ثمرة منها على حِدة لا تضم إلى غيرها، فإذا بلغت ثلث ذلك النوع حط عنه ثلث حصته من الثمن بالقيمة. ] المسألة الرابعة: الرجل يشتري ثمر حوائط صفقة فأجيح بعضها [ ومن العتبية قال مالك: ومن اشترى ثمر حوائط في صفقة فأجيح بعضها أو أحدها فإن كان ما أجيح من ذلك ثلث الثمرة من جميع الحوائط وضع عنه وإلا لم يوضع

عنه، وإن كان ذلك في صفقات روعي بالجائحة ثلث كل صفقة. م: ولم يبين في العتبية أنها أنواع مختلفة كنخل وعنب ورمان أو ذلك نخل كله أو عنب كله، والذي اختار أصبغ إذا كانت أنواعاً مختلفة في صفقة قول أشهب، وجعلها محمد كالدار والأرض تكتري وفيها ثمرة قد طابت وقد بيَّناه. م: وقد طالعت في هذه المسألة الأمهات وعولت عليها، إذ كان في نقل أبي محمد اختلاط وبالله التوفيق. ] فصل 8 - [تفسير الوجه الثالث وهو البقول وشبهها ] المسألة الأولى: هل توضع الجائحة في البقول؟ [ قال مالك: ومن اشترى شيئاً من البقول السلق والبصل والجزر والفجل والكراث وشبهه فإنه يوضع قليل ما أجيح منه وكثيرة، وروي على ابن زياد وابن أشرس عن مالك أنه لا يوضع جائحة البقول حتى تبلغ الثلث. وروي عنه أنه لا يوضع منه شيء. قال عبد الوهاب: فوجه قوله أنه يوضع قليلها وكثيرها لعموم الحديث وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم «أمر بوضع الجوائح».

وهذا يوجب القليل / والكثير إلا أن الدلالة قامت في الثمار ولم تقم فيما عداها؛ لأن العادة في الثمار ذهاب بعضها للحاجة إلى تبقيتها على رؤوس النخل حتى تنضج، والمشتري على ذلك دخل وليس كذلك البقول؛ لأن العادة سلامة جميعها فوجب أن يوضع قليلها وكثيرها. ووجه قوله أنه لا يوضع فيها جائحة حتى تبلغ الثلث فقياساً على سائر الزروع والثمار، ووجه قوله أنه لا يوضع عنه شيء هو لما كان في أغلب الأحوال سلامة جميعها فكأن البائع باع على أن لا رجوع عليه ودخل المشتري على ذلك. ابن المواز قال مالك: توضع جائحة البقول قلَّت أو كثرت إذ لا مساقاة فيها وإن عجز عنها صاحبها. م: فخالفت الثمار التي يجوز فيها المساقاة. قال ابن المواز: واللفت والبصل والأصول المغيبة في الأرض مما لا يدخر هي بمنزلة البقل. قال لي ابن عبد الحكم وذلك أحب إليّ وقد اختلف فيه. ] المسألة الثانية: هل توضع الجائحة في الموز والزعفران والريحان؟ [ وقال سحنون عن ابن القاسم في العتبية: في الفجل والإسفنارية لا جائحة فيها حتى تبلغ الثلث؛ لأن المساقاة تجوز فيها وكلما جازت فيه المساقاة فالجائحة فيه إذا

بلغت الثلث إلا الموز فإن المساقاة لا تجوز فيه، وتوضع فيه الجائحة إذا بلغت الثلث. م: لأنها ثمرة فكانت فيها الجائحة كالثمار، ولم تجز فيها المساقاة؛ لأنها تجد ثم تخلف كالبقول. قال سحنون: وأما الزعفران والريحان والبقل والقرط والقضب فإن الجوائح توضع في قليلها وكثيرها، ولا تصلح فيها المساقاة. ] المسألة الثالثة: هل توضع الجائحة في قصب السكر؟ [ وكذلك قصب السكر كالبقل، وقد قال مالك لا جائحة فيه حتى يبلغ الثلث، وكذلك اختلف قوله في كتاب محمد في القصب والموز، وقد قال في قصب السكر الجائحة إذا بلغ الثلث، وكذلك روى سحنون عن ابن القاسم في المدونة قال: وهو أحسن من قوله لا جائحة في قصب السكر إذ لا يجوز بيعه حتى يطيب، ويمكن قطعه، وليس ببطون. م: فصار الاختلاف في البقول وفي قصب السكر على ثلاثة أقوال. قول: لا حاجة فيه أصلاً. وقول: فيه الجائحة في القليل والكثير. وقول: فيه الجائحة إذا بلغت الثلث. م: وهو القياس؛ لأنه يحتاج إلى السقي وهو يجمع شيئاً فشيئاً كالثمار.

قال ابن حبيب: وجائحة القصب غير الحلو كالحلو توضع فيه إذا بلغت الثلث، وإنما يجوز بيعها بطناً واحداً، ولا يجوز بيعها حتى يبدو صلاحها؛ وكانت فيها الجائحة لتأخير قطعها لما يزيد من استنضاج، وحلاوة في قصب الحلو كمدخر الثمار، فإذا بلغت الجائحة الثلث وضع ثلث الثمن بلا تقويم مثل القصيل تباع منه جزة واحدة، إلا أن يكون القصب متفاضلاً بعضه أعظم من بعض وأفخر فيقَّوم كأصناف الثمار يجاح صنف منها /.

[الباب الثاني] في جائحة ما بيع قبل بدو صلاحها على الجذاذ أو بيع بعد إمكان جذاذه

[الباب الثاني] في جائحة ما بيع قبل بدو صلاحها على الجذاذ أو بيع بعد إمكان جذاذه ] فصل 1 - جائحة ما بيع قبل بدو صلاحها على الجذاذ [ ] المسألة الأولى: إذا ابتاع قطنية خضراء على أن يقطعها خضراء هل توضع فيها الجائحة؟ [ قال مالك: ومن ابتاع فولاً أخضراً أو شيئاً من القِطنية على أن يقطعها خضراء فذلك جائز. قال ابن القاسم: وتوضع فيه الجائحة إذا بلغت الثلث وضع عنه ثلث الثمن، ولا يجوز اشتراط تأخيره حتى ييبس يريد ولو اشترط تأخير ذلك حتى ييبس فأصابته جائحة بعد ما ييبس أو قبل كان جميع ذلك من البائع؛ لأنه بيع فاسد لم يقبض بعد. ] المسألة الثانية: من اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها وشرط تأخيرها فأصابتها جائحة بعد ما بدا صلاحها [ وكذلك قال ابن القاسم: في من اشترى ثمرة قبل أن يبدو صلاحها، وشرط تأخيرها حتى يبدو صلاحها، فأصابتها جائحة بعد ما بدا صلاحها، فهي من البائع وإن كانت أقل من الثلث؛ إذ هو بيع فاسد لم يقبضه مبتاعه.

قال: ولو اشتراه على الجَذَّ مكانه فأجيج قبل الجَذَّ وضعت فيه الجائحة إن بلغت الثلث كالثمار لا كالبقل. ] المسألة الثالثة: من اشترى بلح جميع الثمار على أن يجده قبل طيبه فأجيج قبل الجَذَّ [ وكذلك كل من اشترى بلح جميع الثمار كلها التين والجوز والجلوز واللوز والفستق وغير ذلك على أن يَجذّه قبل طيبه فأجيج قبل الجَذَّ، فهو كالثمار توضع فيه الجائحة إذا بلغت الثلث. م: وإنما كانت في ذلك الجائحة؛ لأنه إنما يجذه شيئاً فشيئاً هذه هي العلة فيه فأشبه جني الثمرة شيئاً فشيئاً إذ لو جذه في يوم واحد أو يومين لفسد عليه إذ لا يكاد يتم له بيع ذلك إلا بنقص كثير في الثمن فكأنه إنما دخل على أن يجذه على عادة الناس شيئاً فشيئاً فلذلك كانت فيه الجائحة. وقال بعض القرويين: إن أراد أن فيه سقيا إلى أن يقطع لا يراد بالسقي زيادته وإنما يراد بقاؤه لا يتغير فلهذا وجه كالقصيل لا يقصد بالسقي زيادته وإنما يقصد أن ترك السقي يفسده، وإن كان لا ينبغي منه ذلك فلماذا وضع فيه الجوائح؟ فإن قيل لحق التوفيه؛ إذ لا بد من جذاذة فبقدر ذلك يجب أن يكون في ضمان البائع كبيع الغائب وقدر التسليم في الحاضر. قيل فيجب أن يضمن البائع قليله وكثيرة في هذا القدر؛ لأن هذا من باب التسليم لا من باب الجوائح المشروط فيها الثلث.

[المسألة الرابعة: ورق التوت الذي يباع ليجمع أخضر هل توضع الجائحة فيه؟] قال ابن حبيب: وجائحة ورق التوت الذي يباع ليجمع أخضر لعلف دود الحرير كجائحة النخل وشبهه الثلث فصاعداً وليس كالبقل. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية أنه كالبقل يوضع فيه ما قل منه أو كثر. ] فصل 2 - جائحة ما بيع بعد إمكان جذاذه [ ] المسألة الأولى: جائحة كل ما لا يباع إلا بعد يبسه من الحبوب والقطنيات [ قال ابن القاسم: وكل ما لا يباع إلا بعد يبسه من الحبوب من قمح وشعير وقطنية وشبهها من الحبوب أو سمسم أو حب فجل للزيت فلا جائحة في ذلك وهو بمنزلة ما باعه في الأنادر. ] المسألة الثانية: ما بيع من ثمر نخل وعنب فصار تمراً وزبيباً فلا جائحة فيه [ ما بيع من ثمر نخل وعنب وغيره بعد أن يبس فصار تمراً وزبيباً فلا جائحة فيه، ولو اشترى ذلك حين الزهو ثم أجيح بعد ما أمكن جذاذه ويبسه فلا جائحة فيه وكأنك

ابتعتها بعد إمكان الجذاذ. قال سحنون في غير المدونة إذا تناهى العنب الُمشْترى وآن قطافه حتى لا يتركه تاركه إلا لسوق يرجوه، أو لشغل يعرض له فلا جائحة فيه. ومن العتبية قال سحنون عن ابن القاسم في من ابتاع زرعاً بعد طيبه ويبسه بثمن فاسد فأصابته عاهة قبل حصده: فمصيبته من المشتري؛ لأنه قبض له، وله كالصبرة المشتراه بخلاف مشتريه قبل بدو صلاحه على أن يتركه حتى يطيب فيصاب بعد يبسه فمصيبة هذا من البائع؛ لأنه لم يكن للمبتاع قبض ما اشترى حتى يحصده - يريد لفساد البيع - ولو كان البيع صحيحاً لم تكن فيه جائحة بعد يبسه.

[الباب الثالث] في جائحة ما بيع بأصله أو اشترطه مكتري أو استثناه بائع

[الباب الثالث] في جائحة ما بيع بأصله أو اشترطه مكتري أو استثناه بائع ] فصل 1 - جائحة ما بيع بأصله [ قال مالك: ولا جائحة فيما بيع بأصله ولم يؤبر، ولا فيما اشترطه المبتاع مما أبر وهو بلح أو بسر أو رطب أو تمر، وهي لغو وإن أوجبها الاشتراط. قال ابن المواز: كانت الثمرة هاهنا الثلث أو أكثر. وكذلك في الواضحة عن مالك قال ابن حبيب وقال أصبغ: أما ما عظم خطره من الثمرة ففيها الجائحة إذا بيعت بأصلها بعد أن طابت؛ لأن المشتري زاد زيادة عظيمة لمكان الثمرة فأرى فيها الجائحة بعد أن يقبض الثمن على الأصل وعلى الثمرة؛ لأنه زيد من أجلها في الثمن زيادة عظيمة، وأما كل ثمرة لا يعظم قدرها فلا جائحة فيها إذا بيعت مع الأصل. ] فصل 2 - اشتراط المكتري الجائحة [ ] المسألة الأولى: من استأجر داراً فيها نخلات فاشترطها ثم أجيحت [ ومن المدونة قال مالك: ومن اكترى داراً وفيها نخلات يسيرةً أقل من الثلث فاشترطها المكتري فأثمرت ثم أجيح ثمرها، فلا جائحة فيها، أبرت في حين الكراء أو لم تؤبر، طابت أو لم تطب؛ لأنها لا حصة لها إذا كانت تبعاً كمال العبد. وإن لم تكن تبعاً فاشترطها المكتري فإن لم تزه فسدت الصفقة كلها، وإن أزهت جازت وفيها الجائحة، فإن كانت مثل ثلث الصفقة أو نصفها ففي ذلك

الجزء تكون الجائحة إن بلغت ثلثه فأكثر، فينظر إلى قيمة الثمرة وإلى مثل كراء الدار بغير ثمرة يوم الصفقة، فيقسم الكراء على ذلك فما قابل الثمرة منه فهو ثمنها، فإن أصابت الجائحة ثلث الثمرة وضع عنه ثلث حصة الثمرة من جميع الثمن الذي نقد في الكراء، وإن أصابت الجائحة أقل من ثلث الثمرة لم يوضع عنه قليل ولا كثير. وكذلك عنه في كتاب محمد وابن حبيب. قال: وكذلك الأرض فيها شجرات تشترط. ] المسألة الثانية: إذا اكترى أرضاً ثلثها سواد فأدنى واشترطه ثم أجيح [ وقال في المدونة: ومن اكترى أرضاً فيها سواد قدر الثلث فأدنى فاشترطه جاز ذلك فإن أصابت جميع الثمرة جائحة فلا جائحة فيها؛ لأن السواد كان ملغىً كمال العبد. وقد قال مالك: في من ابتاع عبداً واستثنى ماله، ثم هلك ما له، ثم رده بعيب أو استحق فإنه يرجع بجميع الثمن ولا يحط لمال العبد من الثمن شيئاً إذ لا حصة له منه، ثم جعل في الدار التبع ما هو دون الثلث وهو لمالك، / وجعل في الأرض التبع الثلث فأدنى وهو لابن القاسم.

وهذا أصل اختلف فيه قول مالك في كراء الأرض والدار، ففي رواية ابن القاسم لم يبلغ به الثلث، وفيما بلغه عنه أن الثلث في حين البيع، وبه أخذ ابن القاسم، وذلك مذكور في كتاب الدور وبالله التوفيق. فصل] 3 - شراء الأصل بثمره أو بعضه بعد بعض وما تكون فيه الجائحة من ذلك [ قال ابن القاسم: ومن ابتاع زرعاً لم يبد صلاحه على أن يحصده، ثم اشترى الأرض جاز له أن يبقيه فيها حتى يبلغ. قال مالك: ومن ابتاع نخلاً قد أبرت فلم يشترط الثمرة فله شراؤها قبل الزهو كما كان له جمعها أول الصفقة. قال ابن القاسم: ثم لا جائحة فيها إذ كأنهما في صفقة. قال ابن المواز: إذا اشترى الثمرة وقد طابت، ثم اشترى الأصل بعدها، ففي الثمرة الجائحة يريد؛ لأنها كانت واجبة قبل شراء الأصل. قال: وإن اشترى الأصل ثم الثمرة بعده فلا جائحة في الثمرة أصلاً. وكذلك في الأسدية.

وروى سحنون ويحي بن يحي عن ابن القاسم مثله. قال أبو محمد: قال سحنون هو إذا باع الأصل ثم باع الثمرة لم يكن على البائع سقي، ولو باع الثمرة وحدها كان عليه السقي يحتج بهذا في الجائحة. قال أبو محمد: انظر رأي سحنون يريد أن مشتريها بعد الأصول يصير كالقابض إذا لم يبق له على البائع شيء ينتظره منه فتسقط الجائحة. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية أنه إذا اشترى الأصل ثم الثمرة بعده فإن كانت غيره مزهية فلا جائحة فيها، وإن كانت مزهية ففيها الجائحة. م: كأنه يقول السقي باق على البائع فعليه حق التوفية باق. قال ابن المواز: واختلف قول مالك في شراء الثمرة المأبورة بعد الأصل، أو مال العبد بعد الصفقة فقال مرة يجوز قرب ذلك أو بعده، وقال أيضاً فيهما: أنه غير جائز، والذي أخذ به ابن عبد الحكم والمغيرة وابن دينار أنه لا يجوز فيهما إلا أن يكون مع الأصل، أو مع العبد في صفقة واحدة. م: تحصيل مسألة شراء الأصل بثمرة أو بعضه بعد بعض، وما تكون فيه الجائحة من ذلك، أو في اشتراطه في الكراء. أنه إذا اشترى الأصول بالثمرة وهو مزهي أو غير مزهي تبع أو غير تبع فلا جائحة في الثمرة. وإن اشتريت بعضها بعد بعض وهي غير مزهية فكذلك أيضاً لا جائحة فيها.

وإن كانت مزهية فاشتراها قبل الأصل ففيها الجائحة، وإن اشترها بعد الأصل فقولان. وإن اكترى أرضاً أو داراً وفيها ثمر تبع مزهي أو غير مزهي فلا جائحة فيه، وإن لم يكن تبعاً فيفسد الكراء إن لم يزه ويجوز إن أزهى وفيه الجائحة. ] مسألة: ما حد التبع إذا أطلق في الجوائح [ واختلف قول مالك في التبع، وذهب ابن القاسم إلى أنه الثلث فأدنى، وذهب ابن المواز وابن حبيب أنه فيما دون ثلثه. فصل] 4 - جائحة ما استثناه البائع [ ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن باع ثمرة ثم استثنى منها آصعاً أو أوسقاً قدر الثلث فأقل جاز، فإن أجيح منها قدر الثلث فأكثر وضع بقدره مما استثنى البائع، ورواه ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم. قال أصبغ: وهو الحق والصواب. قال ابن المواز: وبه أقول وهذا قول ابن القاسم. قال: وإن أجيح أقل من الثلث أخذ البائع مما سلم جميع ما استثنى. وروى ابن وهب عن مالك أنه يأخذ جميع ما استثنى كاملاً أجيح ثلثها أو أقل

أو أكثر، ولا جائحة على البائع حتى يستثنى جزءاً شائعاً ثلثاً أو ربعاً فيصير حينئذٍ المشتري إنما اشترى ثلثيه أو ثلاثة أرباعه، فإذا أصيبت الثمرة كان البائع شريكاً في الجائحة بقدر ما استثنى بخلاف استثنائه أوسقاً معلومة أقل من الثلث، وبهذا أخذ ابن عبد الحكم. م: وتفسير ذلك كله: أنه إذا باع حائطه واستثنى منه أوسقاً، الثلث فأدنى، يأخذها تمراً، كان له ذلك جائزاً، مثل أن يكون استثنى عشرة أوسق في الحائط ثلاثون وسقاً. فاختلف في المستثنى هل هو مبقيَّ على ملك البائع لم يبعه وكأنه لم يبع إلا عشرين فقط، أو كأنه باع الثلاثين كلها بعشرة دنانير وبعشرة أرادب تمراً منها؟ فبيان هذا وهو رواية ابن القاسم وأشهب أن البائع باع الثلاثين إردباً رطباً بعشرة دنانير وبعشرة أرادب تمراً منها، وإذا كانت منها لم يدخله بيع دنانير وتمر برطب. فإن أجيح منها تسعة لم يوضع عن المشتري شيء، وإذا العشرة دنانير والعشرة أرادب، ولم يحصل له إلا أحد عشر أردباً، فإن أجيح منها عشرة وضع عنه ثلث العشرة دنانير، وثلث العشرة أرادب المستثناه، وذلك أنهما ثمن الثلاثين إردباً. فإذا أجيح ثلث الثلاثين حط عنه ثلث ثَمَنِها، وثَمَنُها عشرة أرادب وعشرة دنانير فيأخذ البائع على هذا ثلثي العشرة دنانير وثلثي العشرة أرادب، ويأخذ المشتري ثلثي العشرين الباقية وهذا الذي صوبه أصبغ.

وعلى رواية ابن وهب الذي يرى أن المستثنى مبقي على ملك البائع فكأنه لم يبع إلا عشرين، فإن أجيح ثلث العشرين فأكثر وضع عن المشتري ثلث العشرة دنانير فأكثر، فيأخذ العشرة أرادب مما بقى، وأن أُجيح أقل من ثلث العشرين لم يوضع عنه شيء. وأخذ البائع العشرة دنانير والعشرة أرادب كلها، ولو أجيح عشرون وبقيت عشرة لأخذها البائع وسقط عن المشتري جملة العشرة دنانير؛ لأنه ثمن ما اشترى. قال بعض الفقهاء وهذا أصوب من الأول؛ لأنه كمن باع رطباً يأخذها تمراً على الكيل، وفي كتاب السلم يفسخ إن نزل. قال أصبغ عن ابن القاسم في العتبية: وإذا باع نصف ثمرة حائطه أو ثلثها فأجيح أقل من الثلث فذلك عليهما ولا يوضع من الثمن شيء، فإذا بلغ الثلث وضع عنه ثلث الثمن، وإن أجيح النصف وضع عنه النصف ولو كانت صبرة ابتاع نصفها فالمصيبة منهما ولا جائحة فيها. م: وقال بعض فقهاء القرويين: إذا كان ما لا جائحة فيه مثل صبرة فيها نحو الثلاثين أردباً فاستثنى البائع منها عشرة فهلك منها عشرة فعلى مذهب من قال: أن المستثنى مبقىً على ملك البائع يأخذ البائع عشرة / مما بقى، ويلزم المشتري العشرة دنانير ولو لم يبق إلا عشرة لأخذها البائع، ويلزم المشتري الدنانير كلها، وعلى مذهب من جعل المستثنى مشتري يقول بعت منك صبرة بعشرة دنانير وبعشرة أرادب منها

فإذا هلك بعضها ضمنه المشتري وكان للبائع مما بقى ما استثنى؛ لأن ضمان ما لا يكل من بائعه كصبرة اشتريت منها عشرة أقفزة فهلكت إلا عشرة لأخذها المبتاع كلها، ولو هلكت الصبرة كلها لاختلف الجواب، وذلك أنه يقول: بعت منك صبرة فيها ثلاثون بعشرة دنانير وبعشرة أرادب منها، فضمنتها أنت بالعقد ووفيتني العشرة دنانير ولم توف الأرادب، فليس عليك أن تأتي بمثلها إذ لم تتعد عليها، فينظر إلى قيمة العشرة أرادب فإن قيل عشرة دنانير رجع البائع على المشتري بنصف قيمة الصبرة؛ لأن قيمتها عشرون عشرة قبضها وعشرة أقفزة قيمتها عشرة لم يقبضها، وذلك كثمن استحق نصفه فيرجع في نصف قيمة سلعته التي باع. ابن حبيب: ومن باع ثمرة حائطه وقد يبس فاستثنى منها كيلا يجوز له قدر الثلث فأدنى، فأجيح قدر ثلثها فأكثر فلا يوضع عنه من الثمن شيء، ولا من الكيل المستثنى كالصبرة، فإن أجيح جميع الثمرة سقط عن المبتاع ما استثناه البائع والمصيبة منهما. م: وإذا كان جائحة جميعها منهما فكذلك جائحة ثلثها فأكثر، وأكثر من الثلث ينطلق على التسعة أعشار فأكثر فمن المحال أن يكون إذا أجيح تسعة أعشارها فأكثر لا يوضع عن المبتاع شيء من المستثنى، فإذا أجيح الجميع وضع عنه وحكاية هذا ثوب عن بعضه.

[الباب الرابع] في جائحة النخلة والعرية وما دفع في نكاح أو أسلم فيه أو أخذ مساقاة

[الباب الرابع] في جائحة النخلة والعرية وما دفع في نكاح أو أسلم فيه أو أخذ مساقاة ] فصل 1 - جائحة النخلة، والعرية، وما دفع في نكاح، أو أسلم فيه [ ] المسألة الأولى: من اشترى تمرة نخلة فتصيبها الجائحة [ قال ابن القاسم: ومن باع تمرة نخلة واحدة ففيها الجائحة إذا بلغت ثلث ثمرتها. ] المسألة الثانية: من أعرى حائطة كله ثم يأخذه بخرصه فتصيبه الجائحة [ قال مالك: ومن أعرى حائطه رجلاً ثم أخذه منه بخرصة فأصابته جائحة فليوضع ذلك عنه مثل ما يوضع عنه في الشراء سواء. م: صواب. ابن المواز وقاله ابن القاسم وابن وهب، وقال أشهب لا جائحة فيها. م: لأن أصلها معروف فاستخف ذلك فيه كالهبة؛ ولأن الجائحة إنما وردت في البيع.

[المسألة الثالثة: جائحة ما دفع في نكاح] ومن العتبية قال ابن القاسم: في من نكح بثمرة حائطه أنه لا جائحة فيها والمصيبة من المرأة. م: لأن أصل النكاح المكارمة فاستخف ذلك فيه؛ ولأن الجائحة إنما وردت في البيع. وقال ابن الماجشون فيها الجائحة كالبيع. م: صواب. ] المسألة الرابعة: جائحة ما أسلم فيه [ ومن المدونة ومن أسلم في حائط بعينه في إبان ثمرته فأجيح بعضه فلا شيء على المبتاع، ويرجع بحقه في بقية الحائط؛ لأنه على الكيل بخلاف مبتاع جميع ثمرته، هذا إن أصابت الحائط جائحة أذهبت ثلثه وضع عنه ثلث الثمن. فصل] 2 - جائحة المساقاة [ قال مالك: ومن أخذ نخلاً مساقاة فلما عمل أصابت الثمرة جائحة فأسقطتها فذلك جائحة وتوضع عنه، وحفظ سعد عن مالك أنه إن أجيح دون / الثلث لم

يوضع عنه سقي شيء من الحائط ولزمه عمل الحائط كله، وإن كانت الجائحة الثلث فأكثر خير فإن شاء سقى جميع الحائط، وإن شاء ترك جميعه. قال ابن المواز: هذا إذا كانت الجائحة شائعة في الحائط، وإما إن كانت في ناحية منه فأجيحت فلا سقي عليه فيها يسقي السالم وحده ما لم يكن السالم يسيراً جداً الثلث فدون. قال: وإذا كانت الجائحة شائعة فاختار أن يوضع عنه سقي الحائط فلا شيء له فيما تقدم من علاجه وقيامه ونفقته. وروى أشهب عن مالك أنه لا جائحة في المساقاة، ولا للعامل أن يخرج منها، ولا تفسخ المساقاة، وهما شريكان في النماء والنقصان.

[الباب الخامس] ذكر ما يعد من الحوادث جائحة

[الباب الخامس] ذكر ما يعد من الحوادث جائحة ] فصل 1 - جائحة الجراد والريح والنار والبرد والمطر وغيرها [ قال ابن القاسم: وكل ما أصاب الثمرة من الجراد، والريح، والنار، والغرق، والبرد والمطر، والطير الغالب، والدود، وعفن الثمرة في الشجر، والسَّموم فذلك كله جائحة توضع عن المبتاع إن أصابت الثلث فصاعداً. وأما إن هلكت الثمرة من انقطاع ماء السماء، أو انقطع عنها عين يسقيها فهذا يوضع قليل ما هلك بسببه وكثيرة بخلاف الجوائح؛ لأنه باعها على حياتها من الماء، فما كان من قبل الماء فمن البائع. ومن العتبية قال: ولا بأس بشراء شرب يوم أو شهر لسقي أرضه دون شراء أصل العين، فإن غار الماء فنقص قال مالك إن نقص قدر ثلث الشرب الذي ابتاع وضع عنه كجوائح الثمار. قال ابن القاسم: وأنا أرى أنه مثل ما أصاب الثمرة من قبل الماء فإنه يوضع عنه إن نقص شربه ما عليه فيه ضرر بيّن، وإن كان أقل من الثلث إلا ما قل مما لا خطب له فلا يوضع لذلك شيء.

[فصل 2 - هل الجيش والسارق والغبار والتراب جائحة؟] ومن كتاب الجوائح قال مالك: والجيش يمرون بالحائط فيأخذون ثمرته فذلك جائحة. قال ابن القاسم: ولو سرقها سارق كانت جائحة أيضاً. وقال ابن نافع ليس السارق جائحة. ابن المواز: وقاله أصبغ. وقال: إنما الجائحة لو علم به لم يقدر على دفعه. قال ابن حبيب: ولم ير مطرف وابن الماجشون الجيش، وغلبة اللصوص جائحة وقال ابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ: ذلك جائحة وبه أقول وهو قول عطاء. والأول قول سهل بن أبي حَثْمَة. م: قول ابن القاسم أصوب؛ لأنه فعل مخلوق لا يقدر على دفعه كالجراد. ابن المواز: قال مالك في الثمرة يصيبها غبار وتراب حتى تبيض، وتصير ملحاً، وتتفتت أنه جائحة. وإن أصابها ريح كسرت أصول الشجر فهو جائحة. م: وقد ذكرنا الاختلاف في ورق التوت فقيل أن فيه الجائحة إذا بلغت الثلث. ابن حبيب: كالثمار لا كالبقل، وقيل: إنه كالبقل يوضع قليله وكثيرة، وانظر لو مات دود الحرير كله أو أكثره، وهذا الورق / لا يراد إلا له، هل موت دود الحرير جائحة؟ فالأشبه أن ذلك كالجائحة؟.

وكمن أكترى حماماً أو فندقاً فخلى البلد فلم يجد من يسكنه؛ لأن هذا اشترى منافع يقبضها شيئاً فشيئاً يبيعه ممن ينتفع بها، فكذلك ورق التوت إنما اشتراه لقبضه شيئاً فشيئاً يبيعه لمن ينتفع به فإذا عدمه كان له القيام بذلك. م: وكذلك عندي لو اشترى قوم ثماراً ببلد فجلي أهلها عنها إما لفتنة نزلت بهم، أو لغلبة الروم فارتحلوا عنها وخلت، ولم يجد مشتريه ممن يبيعه منه أن جائحة ذلك من بائعه؛ لأن مشتريه إنما اشتراه ممن يبيعه منه، فإذا لم يجده فهلكت الثمرة فذلك كهلاكها بأمر غالب. والله أعلم تم كتاب الجوائح بحمد الله وعونه.

كتاب الجعل والإجارة

كتاب الجعل والإجارة [الباب الأول] الأصل في جواز الإجارة وما يحل ويحرم منها واجتماعها مع البيع في صفقة ] فصل: 1 - الدليل على جواز الإجارة وشروطها [ قال الله تبارك وتعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَاجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَاجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ. قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَاجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القصص: 26، 27] فذكر تأجيل الإجارة وسمى عوضها.

وقال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق:6]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من استأجر أجيراً فليعلمه أجره» / وقال في حديث آخر: «فليؤاجره بأجر معلوم إلى أجل معلوم»، وقال ابن المنذر: والإجماع على جواز الإجارة، وقال غيره: وقد شذت طائفة منهم الأصم وغيره إلى منع جواز الإجارة؛ لأنها بيع منافع لا يتوصل إلى قبضها جميعها في الحال كما كان ذلك في قبض الأعيان فكان جوازها ذا غرراً.

م وهذا خلاف الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فلا يعد مثل ذلك خلافاً، مع أن الأصم مبتدع في الأصول فلا ينبغي أن يعد خلافه خلافاً، ولا بأس بالإجارة في الأعمال إذا سمى الثمن، ووصف العمل، وضرب الأجل. وهي كالبيع فيما يحل ويحرم؛ لأنها بيع منافع فهي كبيع الأعيان. ] فصل: 2 - اجتماع البيع والإجارة في صفقة واحدة [ ومن المدونة قال مالك: ولا بأس باجتماعها مع البيع في عقد واحد؛ لأنهما كنوع واحد. ] المسألة الأولى: من باع من رجل سلعة على أن يتجر له بثمنها سنة [ قال مالك في من باع من رجل سلعة بثمن على أن يتجر له بثمنها سنة: فإن شرط في العقد إن تلف المال أخلفه له البائع حتى يتم عمله بها سنة جاز ذلك، وإلا لم يجز، فإن شرط ذلك فضاعت الدنانير فللبائع أن يخلفها حتى تتم السنة، فإن أبى قيل للأجير اذهب بسلام.

[المسألة الثانية: استئجار الأجير ليستعمل بهذه المئة سنة] وكذلك لو استأجرت أجيراً يعمل لك بهذه المئة دينار سنة جاز ذلك إذا شرطت عليه إن ضاعت أخلفتها له، فإن ضاعت كان لك أن تخلفها، أو تدع وقد لزمتك الإجارة، وإن لم تشترط ذلك في أصل الإجارة لم يجز. ] المسألة الثالثة: استئجار الراعي لرعاية غنم بأعيانها [ قال مالك: وكذلك إن واجره يرعى له غنماً بأعيانها سنة، فإن شرط عليه في العقد أن ما هلك منها أو باعه أو ضاع أخلفه جاز ذلك، وإلا لم يجز، فإن شرط ذلك فضاع منها شيء قيل للأجير أوف الإجارة، وخير رب الغنم في خلف ما ضاع منها أو تركه. ] المسألة الرابعة: استئجار الأجير لرعاية غنم غير معينة [ قال ابن القاسم: ولو واجر على رعاية مئة شاة غير معينة جاز وإن لم يشترط خلف ما مات منها، وله خلف ما مات بالقضاء، وإن كانت معينة فلا بد من الشرط فيها، وليس له أن يزيد فيها. قال سحنون: يجوز في المعينة من غنم، أو دنانير، وإن لم يشترط / خلف ما هلك، والحكم يوجب عليه خلف ما هلك.

ابن حبيب: وقاله ابن الماجشون، وأصبغ، وبه أقول. م: وهو عندي أصوب والله أعلم؛ لأن الأشياء المستأجر عليها لا تتعين، ولو استأجره على حمل متاع أو طعام ما احتاج إلى اشتراط خلفه إن هلك، والحكم يوجب خلفه وكذلك في المدونة، وكتاب محمد. وقال بعض أصحابنا: وإنما يتم بيع السلعة على أن يتجر له بثمنها سنة إذا أحضر المشتري الثمن لينتقل من ذمته إلى أمانته فتصح الإجارة به. م: وحكاه اللبيدي عن ابن القابسي، فإن لم يحضر فسدت الإجارة خاصة، ودخله سلف جر منفعة؛ لأنه دين في الذمة شرط عليه ربه أن يتجر له به فلم يجز إلا بإحضاره لينقله من ذمته إلى أمانته خوفاً أن يكون إنما اغتزى أن يؤخره به، ويزيده فيه. أصله الدين يكون لرجل على آخر فيقول له: أعمل لي به قراضاً، فعند ابن القاسم لا يجوز والربح للعامل، وخفف ذلك أشهب، فعلى قول ابن القاسم إن نزل في مسألة الإجارة بالثمن ولم يحضره، وعمل على ذلك كان الربح والخسارة للأجير وعليه ويرتجع البائع مع ثمن سلعته مقدار قيمة الإجارة تقوَّم إجارته بالثمن سنة، فإن

كان الثمن مئة وسوت الإجارة خمسين فالإجارة من الجميع الثلث فيرجع البائع بثلث قيمة سلعته، وإن كانت قائمة لضرر الشركة فيها، وعلى قول أشهب ويحي بن عمر يرجع فيها بعينها إن كانت قائمة، وإن فاتت فبثلث قيمتها. قال بعض أصحابنا: ولو أحضر المشتري الثمن لم يجز أيضاً حتى يسمي في أي أنواع التجارات يتجر له به، ولا يلزمه أن يتجر له في ربحه، ولو شرط عليه أن يتجر له في ربحه لم يجز؛ لأنه مجهول بخلاف الراعي يشترط عليه رعاية ما تلد الغنم هذا جائز؛ لأن ما تلد الغنم معروف، وربح المال مجهول. م: فإن نزل وتجر له بالربح والثمن فربح أو خسر فذلك للبائع / أو عليه، ويكون للمشتري إجارة مثله فيما عمل، ويرد السلعة إن كانت قائمة، وإن فاتت لزمته قيمتها؛ لأنه بيع وإجارة فاسدة في صفقة ففسد. قال: وإذا أحضر المشتري الثمن وصحت الإجارة به فعمل به سنة فانقضت السنة والثمن في عروض فلا يلزمه بيعها بخلاف المقارض؛ لأن القراض لا يجوز فيه الأجل، وإنما أجله بيع تلك العروض، والإجارة لا تجوز إلا بأجل فإذا انقضى لم يلزمه عمل. قال: ولو أتجر بالمال نصف سنة ثم مات فإنه تقوَّم إجارته بالثمن نصف السنة الباقية، ويرجع البائع بقيمة ذلك ثمناً أو بمقداره في عينها إن كانت

قائمة على قول أشهب ويحي كما وصفنا. م: يعني فإن كانت إجارته في جميع شهور السنة سواء قيل: كم إجارته في السنة؟ فإن قيل: خمسون فكأنه باعه السلعة بمئة دينار وبخمسين من قبل الإجارة، وذلك ثلث الثمن فيقع لها ثلث السلعة فلما عمل على نصف الإجارة، ومات انفسخ بذلك نصف ثلث الصفقة وهو سدسها فيرجع بسدس قيمة الثوب ثمناً؛ لضرر الشركة، أو بمقداره في عينها على قول من لا يراعي ضرر الشركة، فإن كانت فاتت فمقدار ذلك ثمناً باتفاق. قال: ولو استحقت السلعة المشتراه وقد تجر المشتري بالثمن نصف السنة كان له أجر المثل فيما عمل، ويرجع على البائع بثمنه، والربح والخسارة في الثمن للبائع وعليه. قال: ولو تجر المشتري في نصف سنة ثم أطلع على عيب في السلعة المشتراة وقد فاتت فقيمة العيب قد وجبت له، فإن كانت قيمة العيب الربع رجع مشتري السلعة على البائع بربع الثمن، فإن كانت مئة رجع عليه بربعها خمسة وعشرين ويرجع عليه أيضاً بربع قيمة إجارته في الستة الأشهر الماضية، ويتجر له في الستة الأشهر الباقية بخمسة / وسبعين ديناراً؛ لأنه يحط عنه ربع ما استؤجر له. قال: ولو أطلع على العيب قبل أن يتجر في شيء. وقد فاتت السلعة وكان العيب

ينقصها الربع كما ذكرنا فإنه يرجع عليه بخمسة وعشرين ويتجر له بخمسة وسبعين ديناراً؛ لأنه يحط عنه ربع ما استؤجر له. قال: وأكثر هذه الوجوه حفظتها عن القرويين. م: وقوله إذا وجد عيباً ينقصها الربع رجع المشتري على البائع بربع المئة ورجع بربع قيمة إجارته في الستة الأشهر الماضية، ويتجر له في الستة الأشهر الباقية بخمسة وسبعين فيه تناقض، والقياس أن يكون على قوله يرجع بربع قيمة إجارته في الستة الأشهر الماضية، وأن يسقط عنه ربع الستة الأشهر الباقية يعمل لنفسه يوماً وللبائع ثلاثة أيام، أو يكون إنما يرجع في الستة الشهور الماضية بقيمة إجارته في خمسة وعشرين ربع المئة؛ لأنه على ما أصل ولو أطلع على العيب قبل العمل لم يعمل له إلا بخمسة وسبعين وهو قد عمل له نصف السنة بمئة فوجب أن يرجع بقيمة إجارته في الخمسة والعشرين، ويتجر له في الستة الأشهر الباقية بخمسة وسبعين. م: والأول هو الحق، والجاري على أصولهم. وكذلك لو أطلع على العيب قبل أن يتجر له في شيء وقد فاتت السلعة، وكان العيب ينقصها الربع. فإنه يرجع عليه بربع المئة خمسة وعشرين، ويسقط عنه عمله في ربع السنة لا عمله في خمسة وعشرين كما ذكرنا إذ قد يكون عمله بالخمسة وسبعين وعمله بالمئة كلها مؤنتها سواء فاسقاط ربع المدة التي استؤجر فيها

أولى؛ لأن عمله هو بعض ثمن السلعة فيجب أن يرجع فيه كما لو اكترى داراً بعبد سنة فأعتق العبد ثم اطلع على عيب به ينقصه / الربع فإنه يكون له ربع السكنى وللمكتري ثلاثة أرباعها هذا هو القياس. م: قال بعض فقهاء القرويين: ولو كان قيمة تجرة بثمن السلعة مئتين فمات قبل أن يعمل لرد المئة، وأخذ سلعته إن كانت لم تفت؛ لأن جل ما اشترى وهو التجر قد ذهب والمئة قائمة فوجب ردها ويأخذ سلعته. قال: ولو تجر قليلاً ثم مات لغرم أيضاً قيمة ذلك ورد المئة؛ لأن الجل قد ذهب له من المبيع وسلعته قائمة فعليه رد قيمة الأقل الذي فات. كمن اشترى عبداً بثوبين ففات الأدنى ووجد بالأرفع عيباً أنه يرده وقيمة الأدنى ويأخذ عبده إن لم يفت. قال: ولو باع منه ثوبين بمئة على أن يتجر له بثمنها سنة فاستحق أحد الثوبين وهما متكافئان، أو كان المستحق هو الأدنى لم ينقض البيع، ووجب على المشتري أن يتجر في ثمن الباقي سنة؛ لأنه قد سلم له نصف ما اشترى أو أكثر من نصفه، وكذلك لو وجد بأحدهما عيباً فرده. م: ويدخل هذا مثل ما قدمنا في المسألة الأولى من أنه يسقط عنه حصة ذلك من السنة وبالله التوفيق ...

[فصل: 3 - يشترط في الإجارة كون المنفعة معلومة] [المسألة الأولى: من باع نصف سلعة من رجل على أن يبيع له نصفها] ومن المدونة قال مالك: ومن باع من رجل نصف ثوب أو نصف دابة أو غيرها على أن يبيع له النصف الآخر بالبلد جاز إن ضرب لبيع ذلك أجلاً ما خلا الطعام فإنه لا يجوز. قال سحنون في غير المدونة: لأنه قبض إجارته وهي طعام لا يعرف بعينه وقد يبيع في نصف الأجل فيرد حصة ذلك فتصير إجارة وسلفًا. يريد وكذلك كل ما لا يعرف بعينه. وأجاز ذلك في كتاب محمد، واختار محمد ألا يجوز ذلك في ثوب ولا غيره؛ ورآه نقدًا في الإجارة بشرط مع إمكان بيعه في نصف الأجل، فلا يدري بماذا يرجع بجزء من ثوب أو قيمة، وفيما لا يعرف بعينه بيع وسلف. ومن المدونة قال مالك: فإن باع في نصف الأجل فله نصف الإجارة، وإن تم الأجل ولم يقدر على بيع ذلك فله الأجر كاملاً.

قال: وإن باع منه نصف هذه السلعة على أن يبيع له النصف الباقي ببلد آخر لم يجز. قال ابن المواز: وكذلك كل ما لا ينقسم؛ لأنه لا يقدر المبتاع أن يحدث فيما ابتاع حدثًا، ولو كان مما ينقسم وكان على أن يأخذ نصفه متى شاء لجاز إذا ضرب أجلاً لبيع ذلك. م: لا يجوز وإن ضرب أجلاً؛ لأن ما يدخل فيه المكيل والموزون وكل ما لا يعرف بعينه فيصير إذا قبض نصفه وباع النصف الأخر في نصف الاجل يرد حصته فيدخله إجارة وسلف كما قال سحنون. قال ابن المواز: وإن لم يضرب لبيعه أجلاً لم يجز شرط بيعه في البلد أو في غيره. قال: ولو شرط فيما ينقسم من طعام أو غيره أن يؤخر قسمته إلى البلد أو على بيعه هاهنا مجتمعًا لم يجز، وإنما يجوز على أن يصنع بنصيبه ما شاء ويضرب لبيع الباقي أجلاً. وقال ابن المواز: ولا يعجبني هذا كله. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن كان على أن يبيع بالبلد ولم يضرب أجلاً لم يجز أيضًا. قال ابن وهب: وقاله ابن أبي سلمة. قال ابن القاسم: وإنما لم يجز مالك هذا البيع إذا كان في البلد، ولم يضرب فيه أجلاً؛ لأنه كره اجتماع بيع وجعل في صفقة أو إجارة وجُعل معًا، وهذه السلع إن كانت يسيرة كالدابة أو الثوب والثوبين دخله جعل وبيع، وإن كانت سلعًا كثيرة لم يصلح فيها الجعل عند مالك،

وصلحت فيها الإجارة والجعل معًا فاجتمع في هذه الصفقة بيع وإجارة غير مؤجلة، وإن لم يضرب للإجارة أجلاً لم يجز وكانت فاسدة، وإذا اجتمع بيع وإجارة في صفقة فكان أحدهما فاسدًا فسد الجميع، وقد ذكر بعض الرواة عن مالك في هذا الأصل أنه إذا باعه نصف هذا الثوب على أن يبيع له النصف الآخر أنه لا خير فيه م: يريد وإن كان بالبلد قيل لمالك: فإن ضرب للبيع أجلاً. قال: لم يجز فذلك أحرم. به أخذ ابن المواز، وقال: لا يعجبني قول ابن القاسم؛ لأنه نقد في الإجارة شيء بعينه فقد انتقد نصف السلعة التي قبضها فلا خير فيه. م: إذ قد يبيع في نصف الأجل فيرجع عليه فيما ابتاع إما بحصة ما بقى من الأجل ثمنًا لضرر الشركة أو فيه بعينه على قول من لا يراعي ضرر الشركة فلا يدري ما يصح له مما ابتاع وإلا ما ثمنه. م: ووجه قول ابن القاسم أنه إنما باعه نصف الثوب على أن يبيع له النصف الباقي شهرًا فكأنهما دخلا على أمر تام لا إنتقاض فيه، فإن باعها قبل تمام الشهر فهو كأمر طرأ كطريان الاستحقاق وذلك لا حكم له. م: ويجب إن صحت هذه العلة في الجواز أن يجوز هذا في الطعام وما لا يعرف بعينه، والفرق بين ذلك ضعيف والصواب ألا يجوز في الجميع. وقال بعض فقهاء القرويين: لعل ابن القاسم أراد أن مشتري الثوب لما سلمت له جل صفقته فلا سبيل إلى نقض البيع ليسارة الإجارة في ثمن المشتري فجاز النقد كما

يقول في من اشترى جارية بجاريتين فخرجت المنفردة من الإستبراء وخرجت الأرفع من إحدى الجاريتين أنهما يتقابضان؛ لأن ظهور الحمل بالأدنى أو موتها لا ينقض البيع بينهما لسلامة جل الصفقة فيسهل في انتقاد ثمنها مع إمكان رجوعه إن ظهر جمل فكذلك هذا، وهذه العلة توجب إجازة نقد الطعام وما لا يعرف بعينه على ما ذكر في كتاب محمد. وأما الفرق بينهما على هذه العلة فلا وجه له. قال ابن المواز: إلا أن يكون آجره شهرًا إجارة ثابتة باع أو لم يبع، فإن باع قبل الشهر باع له مثلها أو أجره في مثل ذلك وإلا لم يجز. ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا باعه نصف ثوب بعشرة على أن يبيع له النصف الآخر شهرًا فباعه في نصف شهر فإنه ينظركم قيمة بيعه شهرًا؟ فيقال درهمان فكأنه باعه نصف الثوب بعشرة دراهم وبدرهمين من قبل الإجارة، وهي سدس الثمن فوقع لها سدس الصفقة، فلما باع في نصف الأجر انفسخ نصف الإجارة في بقية الرجل، وانفسخ بذلك نصف سدس الصفقة فيرجع بنصف سدسها وهو ربع سدس قيمة الثوب كله يرجع به ثمنًا. م يريد لضرر الشركة فيه قال ابن المواز: إلا أن يكون ما يوزن أو يكال فيرجع فيه بعينه.

قال ابن المواز: وهذا أيضًا لا يصلح فيه البيع؛ لأنه إن باع فتارة يرجع بالثمن، وتارة يرجع بغيره. م: يريد محمد أنه إذا وقع هذا البيع فيما يكال أو يوزن، وقبض حصة الإجارة فهو إن باع في تمام الأجل كان ثمن ذلك الإجارة، وإن باع في نصف الأجل رد حصة بقية الأجل فيعد ذلك سلفًا فيدخله تارة ثمنًا وتارة سلفًا نحو ما ذكر سحنون في أول المسألة. وقال يحي بن عمر: إن كانت السلعة قائمة كان فيها شريكًا وإن كانت مما لا ينقسم يعني يحي بقوله قائمة يعني نصف الثوب الذي ابتاعه الأجير أولاً بقى بيده؛ لأن نصف رب الثوب قد بيع في نصف الأجل، ولا يدخله عنده ضرر الشركة؛ لأن فيه شركة بين الأجير وبين المبتاع. وروى ابن المواز أن ذلك يدخله لتزيد الشركة فيه؛ لأنه إذا دخل فيه البائع صار الثوب بين ثلاثة بين ربه والأجير والمبتاع، ولفظ هذا التفسير الذي ذكرنا أنه من كتاب ابن المواز هو لأبي محمد بن أبي زيد، وهو معنى ما في كتاب ابن المواز. ومن كتاب ابن المواز وقال في من واجر من يبيع له متاعًا شهرًا فباعه قبل الشهر فليأته بمتاع آخر يبيعه له إلى تمام الشهر. قال ابن المواز: وهذا إذ لم يكن متاعًا بعينه، وكذلك القمح وغيره، وهذا يجوز فيه النقد. وأما الذي بعينه فلا ينقد فيه. وإن باع في نصف الأجل فله بحسابه.

[المسألة الثانية: إذا استأجر أجيرًا شهرًا على أن يبيع كل ما يجينه به] ومن العتبية قال ابن القاسم: ولو واجره شهرًا بعشرة دنانير على أن يبيع له كل يوم ما جاءه به، وإن لم يجئه بشيء فله العشرة فلا خير فيه. ولو كان شيئًا ثابتًا إن جاءه بشيء باعه وإلا كان له أن يواجره في مثله كان جائزًا. ولو واجره بدنانير على أن يذهب إلى إفريقيه يبيع له هذه الدابة أو ثياب أو رقيقة فإن كان على أنه إن هلكت الدابة أو ذهب الثوب انفسخ ذلك فلا خير فيه. وإن كان إن هلك ذلك كان له أن يسيره في مثله ويأتيه في الدابة بأخرى، وكان إلى أجل معلوم فذلك جائز.

[الباب الثاني] ما يحل ويحرم في الجعل والإجارة على بيع السلف أو شرائها وذكر ضمان الأجير وفي الإجارة على خيار. والجعل والبيع

[الباب الثاني] ما يحل ويحرم في الجعل والإجارة على بيع السلف أو شرائها وذكر ضمان الأجير وفي الإجارة على خيار. والجعل والبيع [فصل: 1 - الأصل في جواز الجعل والفرق بينه وبين الإجارة] قال الله سبحانه: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:72] فهذا من الجعل لم يؤقْت فيه أجلاً، وجعل له جعله إذا أتى بالصواع، فدل أنه إن طلبه ولم يأت به أن لا شيء له، فالجعل خارج عن معاني الإجاره لوجوه منها: -أنه لا أجل فيه، وأنه يدع العمل متى شاء ولا شيء له فيما تقدم من سعيه حتى يتم بيع الثوب أو يجئ بالعبد الآبق ونحوه، ولو كان فيه أجل لم يكن له ترك ما دخل فيه إلى أجله ثم قد يأتي الأجل ولم يبع ولم يجد الآبق فلا يكون له شيء فلم يجز أن يلزمه التمادي إلى غاية معلومة بغير أجر فلذلك رفعنا فيه الأجل. قال عبد الوهاب: قال أبو حنيفة: لا يجوز الجعل إلا بأجل، لأنه نوع من الإجارات فيجب أن يحل محلها ويجري مجراها، وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن الغرر. فترك ضرب الأجل فيه غرر.

قال عبد الوهاب: والأصل في جوازه قوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} ولم يقدر له مدة، وقد كان الجعل في الجاهلية فأقره النبي عليه الصلاة والسلام في الإسلام وجرى به عمل المسلمين في سائر الأمصار وأجيز للضرورة كجواز القراض والمساقاة، فإن قيل فيجب ألا يفرق بين جوازه في القليل والكثير، قيل: قد فرقت الشريعة بين القليل والكثير في مواضع، منها العرية، وجواز يسير الغرر في البيوع، وكما كانت البيوع أصنافًا مختلفة، فكذلك الإجارات. م ولأن الجعل من شرطة: إن لم يعمل ما جعل له فيه لم يكن له شيء، فلو ضرب له أجلاً أمكن ألا يتم عمل ما جعل له فيه من بيع ثوب أو عبد آبق فيذهب عمله باطلاً، فالدخول على مثل هذا غرر لا يجوز. [فصل: 2 - الجعل من حيث اللزوم والجواز] ومن المدونة، قال مالك: الإجارة تلزم بالعقد ولا تجوز إلا بأجل، وليس لأحدهما الترك حتى يتم الأجل، والجعل بخلاف ذلك يدعه العامل متى شاء، ولا يكون مؤجلاً. م: والجعل لا يلزم بالعقد كالقراض.

قال في المستخرجة: وليس للجاعل أن يفسخ إذا شرع المجعول له. قال الأبهري: وله ذلك قبل العمل، وفي كتاب ابن حبيب: أن الجعل يلزم الجاعل بالعقد وإن لم يعمل المجعول له، ولا يلزم المجعول له. م: وكذا يجب على قوله في القراض. والصواب ما قدمنا، قال مالك والجعل يدعه العامل متى شاء، ولا شيء له يريد إلا أن ينتفع الجاعل بما عمل له المجعول له، مثل أن يجعل جعلاً على حمل خشبة إلى موضع كذا فيتركها في بعض الطريق، فيستأجر ربُّها من يأتيه بها، أو يعجز عن حفر البئر بعد أن ابتدأ فيها ثم يجعل صاحبه لآخر جعلاً فيتمَّها فهذا يكون للثاني جميع إجارته التي عاقده عليها، ويكون للأول بقدر ما انتفع به الجاعل مما حط عنه من جعل الثاني أو إجارته. وقد وقع في المستخرجة: لو كان الجعل الأول خمسة، وجعل الثاني عشرة بعد أن بلغها الأول نصف الطريق أو

نصف الحفر في البئر أن الأول يأخذ عشرة؛ لأنه الذي ينوب فعل الأول من إجارة الثاني؛ لأن الثاني لما استوجر نصف الطريق بعشرة علم أن قيمة إجارته يوم استوجر عشرون فسقط عن الجاعل عشرة فهي التي يغرمها للأول. م: انظر والأول قد رضى أن يحملها جميع الطريق بخمسة فكان يجب أن يعطى نصفها؛ لأنه حملها نصف الطريق؛ ولأن المغابنة جائزة في الجعل وغيره وقد تغلو الإجارة يوم عقد الثاني فكيف يجب أن يعطي الأول على حساب حمل الثاني. وبعد هذا شيء من هذا. [فصل: 3 - الجعل على البيع والشراء] ومن المدونة قال: ولا يجوز الجعل على بيع كثير السلع والدواب والرقيق كالعشرة أثواب ونحوها، ولا على ما فيه مشقة سفر من قليلها. ابن المواز: بخلاف الجعل في طلب الآبق ذلك جائز؛ لأنه لا يدفع إليه سلعة يحملها، ولا يتكلف حفظها؛ ولأن المجعول له إن ترك العمل لم ينتفع الجاعل بما مضى من عمله وكذلك في طلب ما ند من بعير أو دابة أو حفر بئر في غير ملك الجاعل.

ومن المدونة قال مالك: ويجوز الجعل في بيع قليل السلع بالبلد سموا لها ثمنًا أم لا مثل الدابة والعبد والثوب والثوبين؛ إذ لا يقطعه ذلك عن شغله، فإن باع أخذ ولا شيء له إن لم يبع. قال: ويجوز الجعل في شراء كثير الثياب بخلاف بيعها. قال ابن المواز: يجوز عند مالك وأصحابه الجعل على الشراء فيما قل أو كثر في الحضر والسفر لا بأس أن يجعل له على مئة ثوب يشتريها له دينارًا إذا كان على أن ما يشتري له يلزمه، فأما أن يختار عليه ما يشتري فلا خير فيه. قال مالك: ولا يضمن المال. ابن المواز: إلا أن يعرف منه محاباة، أو يشتري غير ما أمره به. قال مالك: والذي يشتري. أو يبيع بجعل، ليس عليه ضمان في الثمن إن ضاع ولا في السلعة. قال أحمد بن ميسر: ولا ما تلف بعد الشراء، وقد وجب له جعله. قال ابن حبيب: من جعل لرجل خارج إلى بلد جعلاً في شراء ثياب على أنه إن اشتراها فله جعله وإلا فلا شيء له، فإن كان خروجه ليس لهذا المال جاز، وإن كان المال أخرجه فلا خير

فيه إلا بأجل مضروب، ونحوه لابن ميسر، وهو خلاف ما تقدم لابن المواز في أول المسألة. قال ابن حبيب: لو قال: خذ ثوبي فسر به فإن بعته بكذا فلك كذا، وإن لم تبعه فلا شيء لك: لم يجز -خرج لذلك أو لحاجته، كان ثوبًا أو ثيابًا- إلا بأجل مضروب، وإجارة معلومة. وقاله أصبغ. م: وحكي لنا عن بعض فقهاء القرويين في الجعل على بيع كثير السلع معناه: أنه لا يأخذ شيئًا إلا أن يبيع الجميع -هكذا العرف عندهم- وأما إن كان على أنه ما باع فله قدره من الإجارة، فذلك جائز. م: وعلى أنه إن شاء ترك بقية الثياب، ولم تسلم الثياب إليه فيجوز. قال قوله في الجعل على شراء كثير السلع أنه يجوز يريد لأن كل ما اشترى أخذ بحسابه -هكذا العرف عندهم أيضًا- وأما إن كان لا يأخذ شيئًا إلا بشراء الجميع فلا يجوز ذلك، فالجعل على البيع والشراء لا فرق بينهما. م: يريد إذا وقع الشرط، فإن لم يكن شرط: حمل أمرهم على العرف. وإذا وقع الشرط أن كل ما باع أو اشترى أخذ بحسابه وله أن يترك متى شاء جاز في الجميع، وإن كان لا يأخذ فيهما إلا بعد الفراغ: لم يجز في الجميع. ونحو هذا في كتاب ابن المواز، وهو قول مالك في من جعل له في رقيق يصيح عليهم، وله في كل رأس يبيع درهم، ولا شيء له إن لم يبع: لا يصلح ذلك إلا بإجارة مؤجلة باع أو لم يبع في يوم أو يومين أو ساعة. ابن المواز: لأنهم قصدوا بيع الجملة بخلاف الرأس والثوب الذي لا يمنعه أن يأخذ من غيره ولا يشغله عن حوائجه، وهذا على أن يبيعها كلها كل رأس

على حدته، ولو قال: بع منها ما شئت لجاز، وكذلك الثياب. وكذلك في العتبية في ذلك كله عن ابن القاسم عن مالك. وقال سحنون: جيدة. قال ابن المواز: الجائز في الجعل في بيع الثوب عند مالك وأصحابه أن يقول بعه بكذا ولك كذا، أو يقول بعه بما رأيت ولك كذا. وقال ابن القاسم: الجعل على بيع السلع على ثلاثة أوجه: [الأول] وهو أن يسمى الجعل، ويسمى الثمن الذي يبيع به. [الثاني] أو لا يسميه ويقول: بعه بما رأيت، وإن لم تبع فلا شيء لك. فهذان وجهان جائزان. والثالث: أن يقول إن بعته أو لم تبعه فلك درهم فهذا لا يجوز إلا بضرب الأجل؛ لأنها إجارة، وإن قال: فإن لم تبع فلك أقل من درهم لم يجز ذلك. ولا يجوز أن يقول: بعه بعشرة ولك ما زاد. قيل لمالك: إنه صاحب حانوت ولا يتعب فيه، وقد أجازه بعض الناس. قال هو يطويه وينشره فلا خير فيه.

قال مالك: ولا يجوز أن يقول: بعه ولا يسمي ثمنًا ولك من كل درهم كذا، ولا يقول: إن بعت بعشرة فلك درهم، وإن بعت بتسعة فلك نصف درهم. قال ابن القاسم في العتبية: فإن قال إن بعته بعشرة فلك من كل درهم سدسه جاز، ثم إن باعه بأكثر من عشرة فليس له إلا سدس العشرة. م: لأنه كان قال له: بعه بعشرة ولك سدسها، ولم يكن له في الزائد شيء؛ لأنه لو قال له: فما زدت على العشرة فلك بحسابه لكان الجعل فاسدًا؛ لأن ثمن غير معلوم، ولا يجوز أن يبيعه بأقل من عشرة؛ لأنه قد وقت له عشرة. قال ابن القاسم: ولو لم يسم فقال: وما بعته به فلك من كل درهم سدسه لم يجز. وكذلك في الواضحة. قال: فإن باع فله جعل مثله. قال ابن حبيب: وأما إن جعل له جعلاً في بيع متاع إن باع الجميع فله جعله، وإن لم يبع الجميع فلا شيء له، أو قال له: لك الجعل بعته أو لم تبعه: فهذا لا يجوز ويرد إلى إجارة مثله، باع أو لم يبع. وقال ابن المواز: كل جعل فاسد فله إجارة مثله لا جعل مثله. م قال بعض فقهاء القرويين: إذا وقع الجعل فاسدًا فينبغي أن يسلك بفاسِده مسلك صحيحه، فإن باع فله جعل مثله، وإن لم يبع فلا شيء له كالقراض إذا رد

إلى قراض مثله، فإنما يكون للعامل قراض مثله إن كان في المال ربح، وإن لم يكن له ربح فلا شيء له، كالصحيح إنما يكون حقه معلقًا بالربح، فإن لم يكن له ربح فلا شيء له، وقد اختلف في القراض وكذلك اختلف في الجعل فيكون إذا فسد فيه الإجارة. وقد اختلف في من قال: إن بعت فلك درهم، وإن لم تبع فلك نصف درهم، فقيل: له إجارة مثله باع أو لم يبع، وهذا أشبه؛ لأنه أخرجه بشرطه عن حكم الجعل ورده إلى إجارة فاسدة فوجب أن يسلك به مسلك الإجارة الفاسدة. وقيل: إن باع فله أجر مثله، وإن لم يبع فلا شيء له وقد يكون هذا على الاختلاف في القراض الذي يقول أنه إذا فسد رد إلى قراض مثله. فأما إذا قال الجاعل لا تبع إلا بإذني فهو أيضًا جعل فاسد، والأشبه أن يرد إلى الإجارة؛ لأنه خرج عن حكم الجعل؛ لأن الجعل الصحيح إما أن يسمي له ثمنًا إذا بلغه باع، أو يفوض إليه فإذا بلغ القيمة باع، وهذا قد أمره بعمل وهو النداء والإشهار، ثم إن شاء قال: لا أبيع لا أعطيك شيئًا. فأما إن بلغ القيمة فلا شك أن له جعل مثله؛ لأن الغرض بإخراج السوق قد وجد، وإنما الكلام لو أنه أشهره بعض الإشهار وفطن إلى هذا ففسخ ولم يبلغ الإشهار كله. فهل له قدر إشهاره وتعبه أو لا شيء له؟ وإذا كان كالجعل الفاسد لم يكن لم شيء إلا ببلوغ القيمة.

[فصل: 4 - الأجل في الجعل والإجارة] قال عن مالك: ولا يصلح الأجل في الجعل ولا النقد فيه قال فيه: وفي المدونة: وكلما جاز فيه الجعل جازت فيه الإجارة، وليس كلما جازت فيه الإجارة يجوز فيه الجعل. قال مالك: ولو قال: بع هذا الثوب ولك درهم فذلك جائز وقَّت له في الثوب ثمنًا أم لا، وهو جعل. فإن قال: اليوم لم يصلح إلا أن يشترط أن يترك متى شاء؛ لأنه إن مضى اليوم، ولم يبعهَ ذهَبَ عناؤه باطلاً، وإن باع في بعضه فله الجعل كاملاً، ويسقط عنه بقية عمل اليوم، فهذا خطر، والجعل لا يكون مؤجلاً إلا أن يكون إذا شاء أن يرده رده، وقد قال مالك في مثل هذا: إنه جائز وهو جُلُّ قوله الذي يعتمد عليه. م: يريد إذا كان له أن يرده متى شاء. قال مالك: وتجوز الإجارة على بيع قليل السلع وكثيرها، وأعْكَام البَزُّ وكثير الطعام إن ضرب للبيع أجلاً وإلا لم يجز، فإن باع لتمام الأجل فله أجره كاملاً، وإن باع في ثلثه أو نصفه فله حصة ذلك من الأجر، إلا أنه إن ضرب الأجل للبيع وسَّمى الأجر فلا يجوز النقد في هذا؛ لأنه إن باع في نصف الأجل رد

نصف ما قبض فيدخله بيع وسلف، وإن لم ينقده شيئًا، ومضى من الأجل يوم أو يومان، فللأجير قَبْضَ حصة ذلك من الأجر. قال ابن المواز: وهذا في بيع متاع بعينه، أو بيع شيء بعينه، وأما إن لم يكن ذلك بعينه، وإنما قال له: تبيع لي قمحًا أو بزًا شهرًا، فعليه أن يعمل له بقية الأجل يبيع له، ويجوز فيه النقد. قال: وليس هذا مثل الذي يستأجره ليحمل له متاعًا بعينه لا يعدوه، أو يرعى له غنمًا بعينها لا يعدوها، هذا لا يجوز؛ لأنه ممنوع من بيع ذلك لموضع الإجارة فلا خير فيه. فصل [5 - جواز اشتراط الخيار في الإجارة] ومن المدونة قال: ومن وَاجَرْتَهُ على بيع سلع كثيرة شهرًا، على أنه متى شاء ترك: جاز ذلك؛ لأنها إجازة على خيار، ولا يجوز فيها النقد. م يريد ولا أن يتطوع به بعد العقد؛ لأنه لما كان له أن يترك متى شاء عد تماديه في العمل أخذًا لماله في ذمته، فقد فسخ دَيْنه فيما لا يتعجله كما لو أجره على أنه بالخيار ثلاثة أيام، ثم تطوع له بنقد الإجارة، فيصير إذا رضي بعد الثلاث بالتمادي

على الإجارة فسخ ما في ذمته فيها، وهو كالتطوع بالنقد في الخيار في السلم، وهذا أبين. قال سليمان: قال سحنون: ولا أعرف هذا الخيار، وإنما يكون الخيار يومًا أو يومين أو ثلاثة ما لم يعمل. قال حمديس: وينبغي لو كان الأمر على ما ذكر ابن القاسم من الخيار أن تفسد الإجارة؛ لأنه إنما يجوز من اشتراط الخيار في الإجارة ما يجوز في البيع، وإنما مخرج هذه المسألة عندي -والله تعالى أعلم أن- يكون معناها: أي تبيع لي هذه السلع على حساب الشهر بكذا وكذا، ولا ينقده بمنزلة ما قال مالك: إذا أكراه داره على حساب الشهر بكذا وكذا.

وقال أبو الحسن ابن القابسي: معنى هذه المسألة أنه بالخيار ما لم يعمل، فأما أن بكون بعد العمل بالخيار فلا ينبغي. [فصل: 6 - اجتماع الإجارة والبيع] ومن المدونة قال: ومن واجرته شهرًا على أن يبيع لك ثوبًا وله درهم: جاز ذلك، إذا كان إذا باع قبل الشهر أخذ بحسابه. م: وقد تقدم: أنه لا يجوز اجتماع بيع وجعل في عقد، وذلك أن الجعل في نفسه رخصة فلا يجب أن يجمع مع شيء. قال بعض فقهاء القرويين: وعلى هذا التعليل يجب أن كل عقدين يختص أحدهما من الأحكام بما لا يختص به الآخر، فلا يجمعان في عقد واحد كالنكاح والبيع، والمساقاة والبيع، والصرف والبيع، والجزاف مع المكيل، وقد اختلف في النكاح والبيع، والصرف والبيع، والجزاف مع المكيل، ولسحنون في المغارسة وهي من باب الجعل أنه أجاز جمعها مع الإجارة في عقد فهذا يدل على جواز البيع والجعل، وإذا

كان الجعل منفردًا مع ما فيه من الغرر يجوز، فما الذي يمنع من إضافته مع البيع الذي لا غرر فيه؟ إلا أن يمنع منه لعلة أخرى وهو الإطماع في العقد؛ لأن الجعل له أن يتركه متى شاء، والجاعل بالخيار قبل العمل، فأشبه ألو عقد منه كراء إلى مكة بعشرة وجيبة، وشرط في رجعته من مكة أنه مخير إن شاء أكرى بعشرة على مثل الحمولة الأولى، وإن شاء لم يكر، فهذا عند عبد الملك لا يجوز؛ لأنه أطعمه في الكراء الأول أن يكري منه الثاني فقد سمح له في الأول لأمر يكون أو لا يكون. وابن القاسم قد أجاز هذا، وأجاز شراء سلعتين واحدة بالإيجاب والأخرى بالخيار، ولم يعتبر علة الإطماع لضعف ذلك عنده فمنع الجعل والبيع يتقوى على قول عبد الملك.

[الباب الثالث] في الإجارة والسلف أو على عمل شيء أو حمله بجزء منه

[الباب الثالث] في الإجارة والسلف أو على عمل شيء أو حمله بجزء منه [فصل: 1 - اجتماع الإجارة والسلف] [المسألة الأول: الحائك ينسج لك الثوب بدراهم على أن يسلفك غزلاً] والقضاء أن الإجارة بيع من البيوع يحرم منها ما يحرم من البيع، وقد ثبت النهي عن بيع وسلف، فكذلك تكون الإجارة والسلف. قال ابن القاسم: وإذا دفعت إلى حائك غزلاً ينسج لك منه ثوبًا بعشرة دراهم على أن يسلفك فيه رطلاً من غزل لم يجز؛ لأنه سلف وإجارة.

قال البرادعي عن أبي محمد: فإن نزل ذلك فالثوب لصاحبه، ويعطى للحائك رطل غزل عن الذي أسلفه، ويكون للحائك الأقل من أجر مثله بلا سلف، أو من الأجر المسمى. م: وهذا الذي ذكر عن أبي محمد إنما يصح على ما روي عن أصبغ في مسألة البيع والسلف، وهو غير صحيح على ما تأولنا أن قول سحنون في البيع والسلف وِفاق لابن القاسم؛ لأن السلف في مسألة الإجارة قد قبض، وتم الربا بينهما، فينبغي أن يكون الثوب لربه، ويرد على الحائك الرطل الذي أسلفه، ويكون للحائك أجر مثله ما بلغ.

وكذلك ذكر بعض أصحابنا عن بعض شيوخه القرويين قال: وليس هذا كمسألة ابن المواز في من دفع إلى صائغ خمسين دينارًا على أن يسلفه خمسين أخرى، ويعمل له سوارين ويعطيه أجرته؛ لأن عين الذهب هاهنا قائمة، والغزل مستهلك بالصنعة التي صنعها، وإنما هي كمسألة ابن المواز في اللجام يدفعه إليه ليُموَّهه ويزيده من عنده؛ لأن اللجام ما جعل فيه مستهلك فهي كمسألة الحائك. وحكى عن الشيخ أبي الحسن أنه قال في مسألة الحائك يكون الثوب بينهما على قدر ما لكل واحد من الغزل، وللحائك أجر مثله في حصة صاحبه، قياسًا على مسألة السوارين. والقول الأول أصوب؛ لما قدمنا والله أعلم. وذكر أبو محمد مسألة ابن المواز في كتاب الصرف من النوادر فقال: وإن أعطيت لصائغ خمسين دينارًا ذهبًا على أن يخرج من عنده خمسين، ويعمل لك خلخالين، ويأخذ أجره: لم يجز، والخلخالان بينكما، وعليك نصف قيمة عمله لا نصف ما سميت له، ولا خير في مثل ذلك في تمويه اللجام والسيف إلا أن في هذا عليك مثل ما أسلف، ولا يكون شريكًا لك، وعليك قيمة إجارته. م: وهذا خلاف ما ذكر البرادعي عن أبي محمد في مسألة الحائك.

قال أبو محمد: والفرق عندي بين مسألة الخلخالين، وبين تمويه اللجام أن الدراهم التي هي سلف في الخلخالين لم يقبضها متسلفها، ولا أمر الصائغ أن يجعلها له في عرض مثل السيف واللجام، أو يكون غزلاً فيجعله له في غزل يكون له عنده فيصير هذا كالقبض، ويصير عليه رد ما أسلفه، ولم يحصل له في الدراهم قبض ولا ما يشبه القبض فمن أَجلِ ذلك كانا شريكين. وبالله التوفيق. م: واحتج من ذهب إلى قول الشيخ أبي الحسن بمسألة الصائغ. قال: وذلك أنه سلف فاسد أفادته مسلفه بأمر متسلفه فلم يكن للمسلف فيه إلا الأمر فوجب ألا يلزمه بالأمر شيء. [المسألة الثانية: هل المشتري شراء فاسدًا يضمن قبل القبض؟] قال: وقد اختلف فيما اشترى شراء فاسدًا، ونقد ثمنه، ودُعي إلى قبضه فتركه عند البائع فضمَّن أشهب المشتري بذلك، ولم يضمنه ابن القاسم لأن الترك عنده لم يؤثر شيئًا إذ الواجب ترك القبض لفساد البيع، والأمر بالتفويتة -لعمري- أشد من الترك، إلا أنا إذا قدرَّنا أن الملك لم ينتقل بالعقد الفاسد، فالضمان لم يحصل لعدم القبض. [المسألة الثالثة: الصائغ يعمل لك خاتمًا على فصك بفضة تقضيه قيمة الفضة مع أجرة عمله] ابن المواز قال مالك: ولا يجوز أن تأمر الصائغ أن يعمل لك على فصك خاتمًا بفضته

لتقضيه إياها مع أجرة عمله، وذلك فضة بفضة وزيادة. ابن المواز: ويرد على صاحب الفص فصة، ويحبس الصائغ فضته، وإن كانت مصوغة فلا شيء له غيرها. [المسألة الرابعة: الصائغ يقرضك دنانير على أن يصوغها سوارين فقبضتها وفارقته ثم رددتها للصياغة] وإن استقرضت منه عشرة دنانير على أن يصوغها لك سوارين فقبضتها وفارقته، ثم رددتها إليه فصاغها: لم يجز ذلك بإجارة ولا بغير إجارة؛ لأنك على ذلك أخذتها منه، ولو أسلفك دنانير فلم تقبضها منه حتى قلت له: صغها لي: لم يجز أيضًا، ويرد إليه ما صاغ، ولا شيء له غير ذلك، ولو قبضت منه الدنانير بغير شرط، وفارقته ثم رددتها بعملها لجاز إذا صح ذلك ولم تقصد الصياغة أولاً. فصل: [2 - الإجارة على عمل شيء بجزء منه] [المسألة الأولى: استئجار الطَّحان يطحن أربعة أرادب قمح بدرهم وبقفيز من دقيقه] ومن المدونة قال ابن القاسم: قال مالك: وإن استأجرت رجلاً يطحن لك إرْدَبًا من حنطة بدرهم وبقفيز من دقيقه جاز ذلك؛ لأن مالكًا قال: ما جاز بيعه جازت

الإجارة به. وقال ابن المواز: لا يجوز أن يقول له: أطحن لي هذا الإرْدَبّ بقفيز من دقيقه، أو هذا الزيتون بقفيز من زيته، بخلاف بيع ذلك؛ لأن في البيع إذا هلك ذلك رجع المبتاع بثمنه، وفي الجعل قد تم له عمل فيه ثم يهلك فلا يرجع بشيء؛ لأنه ليس بمضمون على صاحبه، فذهب عمله باطلاً إذا هلك، ولو كان مضمونًا على صاحبه كان أفسد له؛ يريد لأنه معين فهو كمن اشترى شيئًا معينًا شرط على البائع ضمانه حتى يقبضه، وذلك فاسد: وأجاز ذلك ابن حبيب، قال: ولم يجز ابن القاسم؛ لأن الدقيق إن ذهب ذهب عمله باطلاً، ونحن نرى أنه إن ذهب بعد طحنه قبل أن يأخذ الأجير القفيز أن له أخذ أجرة طحنه. م: صواب كما لو استأجره بمد دقيق معين على حمل شيء أو عمله، فعمله ثم هلك الدقيق قبل قبضه، فإن للأجير إجارة ما عمل، وضمان ذلك من ربه حتى يقبضه الأجير، وكذلك لو استحق قبل القبض أو بعده، فإن للأجير إجارة ما عمل، وهذا أبين. قال بعض فقهاء القرويين: ولا يخلو أن يكون المستأجر على طحن هذا القمح صانعًا أو غير صانع، فإن كان غير صانع، فلا يصح تأويل أبي محمد؛ لأنه باع عمله بدقيق وبدرهم، فإذا ذهب الدقيق قبل كيله رجع بقدر ذلك من الإجازة كما لو أجره على طحنه بثوب فطحنه ثم استحق الثوب لرجع الطاحن

بإجارة مثله، ولا فرق بين شراء منافع فاتت بثوب فاستحق، أو بطعام على الكيل فهلك قبل الكيل: أن صاحب المنافع يرجع بقيمتها، ولا بين عبد يشتري بثوب فيقوت ثم يستحق الثوب: أن صاحب العبد يرجع بقيمته، وإن كان الطاحن صانعًا، ويثبت ضياع الدقيق بعد طحنه، فعلى ما في المدونة: لا أجر للطاحن إلا أن يوفي الصنعة إلى يد رب الثوب أو القمح، فعلى هذا يرد الدرهم ولا يكون له في الطحين شيء، وعلى ما في كتاب محمد: أن ضمان الصنعة إذا ثبت ضياع الدقيق من صاحبه، فعلى هذا ينظر إلى قيمة القفيز الذي شرطه الصانع لنفسه، فإن كان درهمًا وقد أخذ طحينه بقفيز ودرهم رجع بنصف إجارة مثله؛ لأنها مساوية للدرهم فيأخذه بالتسمية وبنصف الإجارة لما ذهب نصف ثمنها، وكذلك يكون الجواب في هذا، في الأجير غير الصانع على مذهب ابن القاسم في المدونة، قال: وانظر إن كان قيمة القفيز درهمين حتى يكون استحق من ثمن إجارته جلها فينبغي أن يرد الدرهم، ويأخذ إجارة مثله في جميع الطحن، فإن قيل فهلا رجع بثلثي إجارة مثله، ومضى الدرهم بثلث الإجارة. قيل: قد تأول ذلك بعض الناس وذهب آخرون: أن الدرهم كالقائم، لما كان لا يفوت فأشبه السلعة القائمة التي هي الأدنى، وقد استحقت الجل وثمنها سلعة وقد فاتت وهي الإجارة أنه يرد الأدنى، ويرجع بقيمة سلعته الفائتة وهي هاهنا طحينه الفائت م: وهذا أصوب، وهي كمن اشترى غنمًا عليها صوف تام بعبد، فجزه وباعه

ثم استحقت الغنم، وفات العبد، فإنه يرد مثل الصوف إذا علم وزنه، ويأخذ قيمة عبده، وقد تقدمت هذه في كتاب العيوب وأكرية الدواب، ونظيرها لو اشترى سلعة تساوي عشرة دراهم ودرهمين معها بعبد فمات العبد بيد مشتريه، واستحقت السلعة، أنه يرد الدرهمين ويرجع بقيمة عبده، وعلى التأويل الآخر تمضي الدرهمان ويرجع بخمسة أسداس قيمة العبد. قال ابن حبيب: ولا يجوز أن يقول له: اطحنه على أن لك نصفه دقيقًا؛ لأنه جعل بغرر، والأول إجارة بشيء معلوم. م: كأنه رأى أن نصف ما يخرج منه من الدقيق مجهول؛ لاختلاف الربع. [المسألة الثانية: استئجار الطحان لطحن إرْدَبَ حنطة بدرهم وبقسط من زيت زيتون قبل العصر] ومن المدونة قال ابن القسم: ولو أجرته يطحن لك الإرْدَبّ حنطة بدرهم، وبقسط من زيت زيتون قبل أن يعصر جاز ذلك، ولو بعت منه دقيق هذه الحنطة كل قفيز بدرهم قبل أن يطحن: جاز ذلك؛ لأن الدقيق لا يختلف، فإن تلفت هذه الحنطة كان ضمانها من البائع، وإن كان الزيت والدقيق مختلفًا خروجه إذا عصر أو طحن لم يجز ذلك فيه حتى يطحن أو يعصر، وقد خفف مالك أن يبتاع الرجل حنطة على أن على البائع طحينها، إذ لا يكاد الدقيق يختلف في ريع ولا خروج.

قال في كتاب آخر: اختلف قول مالك فيه، وليس كبيع زيتون على عصره، أو زرع على تهذيبه، وهذا لا يجوز، يريد على غير الكيل. قال سحنون: إذا قال: أبيعك زيت هذا الزيتون، أو دقيق هذه الحنطة لم يجز؛ إذ لا يدري ما يخرج منها إلا أن يسمى كل قفيز بكذا. [المسألة الثالثة: هل يجوز بيع الحنطة في سنبلها على أن كل قفيز بدرهم؟] ومن المدونة قال مالك: وكذلك لو باعه حنطة في سنبلها على أن على البائع درسها وتذريتها، وعلى أن كل قفيز بدرهم جاز، وإن كان يتأخر دراسه وتذريته العشرة أيام والخمسة عشر يومًا فلا بأس به؛ ولأنه يصل إلى صفته بفرك سنبله فهو معروف.

[المسألة الرابعة: الإجارة على سلخ الشاة بدرهم ورطل من لحمها] وبيع لحم شاة حية أو مذبوحة، أو لحم بعير كسير: بخلاف ذلك، فلا يجوز ذلك قبل الذبح والسلخ على وزن أو جزاف من حاضر أو مسافر؛ لأنه من بيع اللجم المغيَّب، وكذلك الإجارة على سلخها بشيء من لحمها أو بيع رطل من لحمها، وأجازه أشهب إن وقع، وأجاز ابن القاسم أن يستثني البائع الرطلين والثلاثة من لحمها وهو يجير المشتري على الذبح، وهذا مؤدٍ إلى شراء لحم الشاة الحية أو بعضه؛ لأن البائع باع ما بعد استثنائه، فإن قيل: إنما اشترى هذا شاة، والمُستثني هو المشتري. قيل: هذا أشد؛ لأن مشتري الشاة صار بائعًا لأرطال من لحم شاته. م: ويجوز شراء شاة مذبوحة قبل السلخ؛ لأنه اشترى جميعها كما يجوز له ذلك قبل ذبحها، والأول إنما اشترى لحمها مغيَّبًا والجلد للبائع، وكذلك شراء زرع قائم أو محصود جائز؛ لأنه اشترى جميعه بخلاف شراء ما يخرج منه؛ لأنه مجهول، والتبن للبائع. م: وقد قيل: لا يجوز شراؤه محصودًا بخلاف القائم، وأجيز شراؤه قائمًا على أن على البائع حصاده. م: وهذه مسائل استحسان، وإنما فيها التسليم والإتباع للعلماء.

فصل: [3 - الإجارة على دبغ الجلود ونسج الثياب بنصفها] ومن المدونة قال مالك: وإن واجره على دبغ جلود أو عملها أو نسج ثوب على أن له نصف ذلك إذا فرغ: لم يجز. قال ابن القاسم: لأنه لا يدري كيف يخرج؛ ولأن مالكًا قال: ما لا يجوز بيعه لا يجوز أن يستأجر به. سحنون وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «من استأجر أجيرًا فليعلمه أجره»، وقال في حديث آخر: «فليوأجره بأجر معلوم إلى أجل معلوم» ابن المواز قال أصبغ: فإن نزل فله أجر عمله، والثوب والجلود لربها. م: وهذا ما لم تفت الجلود بيد الصانع بعد الدباغ، فإن فاتت فعليه نصفها بقيمتها يوم خرجت من الدباغ، ولربها النصف الآخر، وعليه أجر مثله في دباغ جميعها، ولو دفع إليه نصف الجلود قبل الدباغ على أن يدبغها مجتمعة فأفاتها بالدباغ: فإن له نصفها بالقيمة يوم قبضها، وله أجر عمله في نصفها. ونحوه عن ابن القابسي وهو بيِّن، كقولهم في من دفع وصيغة لمن يعلمه القرآن سنة وله نصفه وبعد هذا شرحه. فصل [4 - مسائل في الإجارة بجزء منه وبيع شيء بعينه بضمان، واجتماع الإجارة والشركة] [وفيه مسائل] [المسألة الأولى: الرجل يدفع الغزل لآخر ينسجه ويأخذ غزلاً آخر عجله له] ومن المدونة قال مالك: ولو قال: انسج لي هذا الغزل بغزل آخر عجله له جاز.

[المسألة الثانية: الرجل يدفع غزلاً لنسجه ثوبين أحدهما أجرة للحائك] قال ابن المواز: قال مالك: وإن قال له انسج لي من غزلي ثوبين على أن لك واحدًا ولي واحدا لم يجز إلا أن يقول: لك نصف الغزل على أن تنسج لي نصفه. [المسألة الثالثة: الرجل يشتري ثوبًا بقى منه ذراع على أن يتمه له] قال مالك: ولا تشتر ثوبًا بقي منه ذراع على أن يتمه لك. ابن المواز: وإن شرط على أن يأتي بمثل صفته؛ لأنه بيع شيء بعينه بضمان. [المسألة الرابعة: اجتماع الإجارة والشركة] وإن دفع إليه نصف هذا الغزل على أن ينسج له نصفه الآخر ثوبًا، وانعقد ذلك ثم تشاركا فيه فنسجه كله مشاعًا فذلك جائز ما لم يكن مع ذلك زيادة دراهم، أو شيء فتصير شركة وإجارة، ولا يجوز مع الشركة بيع أو شرط زيادة أو منفعة. [المسألة الخامسة: إذا قال اطحن القمح، أوحِك الغزل، أو اعصر الزيتون أو احصد الزرع ولك نصفه] ابن حبيب: وإذا قال له: أطحن لي هذا القمح ولك نصفه، أو حِك لي هذا الغزل ولك نصفه، فإن قال بعد فراغه: لم يجز. وإن قال: فلك نصفه قمحًا أو غزلاً

فجائز، وإن وقع ذلك مبهمًا فهو على الأمر الجائز حتى يصرح بقوله دقيقًا أو ثوبًا، وكذلك في عصر الزيتون والسمسم، وحصاد الزرع بنصفه فمحمله على الجواز. وإن قال ذلك قبل العصر أو الحصاد حتى يصرح فيقول بعد عصره أو حصاده فلا يجوز، فإن نزل فله أجر عمله ويبقى الجميع لربه، وإن تلف أو ذهب قبل تمامه فلا شيء له من الإجارة. م: ينبغي إذا هلك بأمر من الله تعالى قبل تمامه أن يكون له من الأجر بحساب ما عمل منه. [فصل: 5 - في العمل على الدابة والسفينة بنصف الكسب أو بنصف العمل أو يكريها أو يكري الدار بنصف الغلة] [المسألة الأولى: إذا دفعت إليه دابة أو سفينة أو دارًا يكريها وله نصف الكراء أو يعمل عليها والغلة بينكما] ومن المدونة وإن دفعت إليه دابة أو إبلاً أو دارًا أو سفينة، أو حَمَّامًا على أن يكري ذلك، وله نصف الكراء لم يجز، فإن نزل كان لك جميع الكراء، وله أجر مثله، كما له قلت له بِع سلعتي فما بعتها به من شيء فهو بيني وبينك، أو قلت له: فما زاد على مئة فبيننا فذلك لا يجوز، والثمن لك، وله أجر مثله. م وقال بعض فقهاء القرويين: فإن وقف وسام فلم يأته أحد: فالأشبه أن تكون له إجارة مثله إلا أن يتأول متأول أن هذا من باب الجعل الفاسد، فكأنه قال

له: إن أكريتها فلك نصف الكراء، وإن لم تكر فلا شيء لك، فهذا له وجه، والأشبه ما قدمنا. وفي كتاب ابن حبيب: أما الدور والأرحاء والحوانيت إذا قال له: قم لي بذلك بنصف غلتها فلا يجوز، فإن نزل فالخراج لربها، ولهذا أجر مثله، وأما الدواب والسفن، فالكسب للعامل وعليه إجارة ذلك؛ لأن المستأجر في الدور وشبهها الرجل، وأما في الدواب والسفن فهي المستأجرة، وكله قول مالك. م: وساوى بين الدور والدواب والسفن إذا قال له أكرها ولك نصف الكراء أن الكراء لربها، وعليه إجارة المثل للرجل، وهو أصوب. م: ولو أعطيته الدابة أو السفينة أو الإبل ليعمل عليها فما أصاب فبينكما: لم يجز؛ فإن عمل عليها فالكسب هاهنا للعامل وعليه كراء المثل في ذلك ما بلغ، وكأنه اكترى ذلك كراء فاسدًا، والأول أجر نفسه إجارة فاسدة فافترقا.

م: ولو عمل ولم يجد شيئًا: كان مطالبًا بالكراء؛ لأنه متعلق بذمته. قال ابن حبيب: إن عاقه عن العمل عائف، وعرف ذلك بأمر معروف فلا شيء عليه، إذا لم يكرها بشيء مضمون عليه. وقال ابن المواز: وإن لم يسلم إليه الدابة والسفينة وهي بيد ربها، وهذا يعمل معه فيها فالكسب لربها، وللعامل أجر مثله. [المسألة الثانية: دفع الدابة لمن يحطب عليها على النصف] ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ولا خير في أن يدفع الرجل دابته لمن يحطب عليها على النصف. قال محمد: يريد نصف ثمن الحطب، ولو جعل له نصف النقلة كان جائزًا، وكذلك على نقلات معروفات، أو قال: لي نقله ولك نقلة فهو جائز كله. قال يحي بن سعيد: إذا قال: ما حطبت عليها من الحطب فلي نصفه ولك نصفه فلا بأس به. قال ابن المواز: ولا يجوز أن تعطيه دابتك على أن ما كسبت عليها اليوم فلك، وما كُسب عليها غدًا فلي.

[المسألة الثالثة: الدابة يعمل عليها مدة لنفسه ومدة لربها] وقال فيه: وفي العتبية عن ابن القاسم: ولا بأس أن يعطيه دابته يعمل عليها اليوم لنفسه على أن يعمل عليها غدًا لربها. قال في العتبية: فإن أخذها فعمل أول يوم لنفسه ثم نفقت قبل أن يعمل بها لربها فلربها عليه كراء دابته ذلك اليوم، ولو بدأ فعمل لربها يومًا ثم نفقت فليدفع ربها إليه أجرة عمله ذلك اليوم. وقال أبو محمد: وأعرفه في غير هذا الموضع إن بدأ بيوم الأجير فلرب الدابة أن يأتيه بدابة أخرى يعمل عليها، وهذا هو أصلهم. قال ابن المواز: ولو قال: خذ دابتي فاعمل عليها شهرًا لنفسك، وتعمل عليها شهرًا لي: لم يجز، إلا في مثل الخمسة الأيام وشبهها. وقد قال مالك وابن القاسم: لا يصح أن يستأجر الرجل العبد، وينقده الإجارة على أن يأخذه إلى عشرة أيام. قال ابن القاسم: وجائز النقد فيه إذا كان يقبضه إلى خمسة أيام. قال محمد ومسألتك إنما استأجره يعمل له بعد شهر، وينقده كراه الآن؛ لأن دفعه دابته هذا الشهر هو أجرته، وأما في الخمسة أيام ونحوها فهو مثل الذي أجازه ابن القاسم، ولا يدخله

الدين بالدين؛ لأن مالكًا أجاز أن يكترى الرجل دارًا يسكنها سنة بسكنى دار له السنة المقبلة، ولم يجز ذلك في الحيوان م: يريد لقلة أمن الحيوان، فصار النقد فيه إذا لم يقبض غررًا، ولا غرر فيما قرب. [المسألة الرابعة: أعطني ما كسبت اليوم وأعطيك ما كسبت غدًا] قال ابن المواز: ولو قلت لرجل استأجرك ودابتك اليوم تنقل لي كذا بدابتي ونفسي غدًا تنقل لك جاز، وإنما يكره ذلك في الكسب أن يقول لك أعطني ما كسبت دابتك اليوم وأعطيك ما كسبت دابتي غدًا فهذا لا يحل، وكذلك لو كانت الدابة بينكما لم يجز أن تقول له: ما كسبت اليوم لي، وما كسبت غدًا فلك، وكذلك العبد بينكما. قال مالك: فإن قال: استخدمه أنت اليوم، وأنا غدًا فهو جائز، وكذلك شهرًا وأنا شهرًا. قال محمد: إنما يجوز في الخدمة مثل خمسة أيام فأقل، ولا يجوز في الكسب، ولا يوم واحد، وقد سهله مالك في اليوم، وكرهه في أكثر منه. [فصل: 6 - الإجارة على حمل الأشياء] [المسألة الأولى: الإجارة على حمل الطعام بنصفه] ومن المدونة ولو قلت له: احمل لي هذا الطعام إلى موضع كذا ولك نصفه: لم يجز، إلا أن تنقده الآن نصفه مكانك، وإن أخرته إلى الموضع الذي يحمله إليه: لم يجز؛ لأنه شيء بعينه، بيع على أن يتأخر قبضه إلى أجل. م: وإذا وقع الأمر مبهمًا فهو على مذهب ابن القاسم على الفساد حتى يشترط قبض جزءه الآن، وعلى مذهب أشهب وابن حبيب هو جائز حتى يشترط أن لا يقبضه إلا بعد البلوغ.

قال ابن أخي هشام: فإن نزل هذا وحمله إلى البلد، فإن للحمال نصفه، وعليه مثله في الموضع الذي حمله منه، وله كراؤه في النصف الآخر ما بلغ. وأعاب هذا القول بعض شيوخنا، وقال: يلزم على هذا إذا هلك الطعام أن يضمن نصفه؛ لأنه على قوله بالقبض لزم ذمته، وهذا بعيد؛ لأن فساد المسألة منع المتكاري من قبض حصته إلى أن يصل إلى البلد المحمول إليها فكيف يضمن إذا هلك قبل البلد وهو إنما يصير له بعد الوصول إليها. م: يريد وإنما يكون الطعام كله لربه وعليه إجارة حمله كله. م: وهو الصواب. كما قالوا: إذا استأجره على [دبغ] جلود، أو نسج ثوب على أن له نصف ذلك إذا فرغ فعمله على ذلك فإن له أجر عمله، والجلود والثوب لربها فكذلك هذا. [المسألة الثانية: في الطعام والغنم بين الرجلين فيستأجر أحدهما صاحبه على حمله] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن وأجرت رجلاً على حمل طعام بينكما إلى بلد يبيعه بها، على أن له عليك كراء حصتك وسميتها ذلك، فإن شرطت ألا يميز حسته منه قبل الوصول إلى البلد: لم يجز، فإن نزل ذلك وباع الطعام كان له أجر مثله في حصتك، وإن كان على أنه متى شاء ميَّزها قبل أن يصل أو يخرج: جاز، إن ضرب للبيع أجلاً، يريد ضرب أجلاً بعد الوصول إلى البلد، ولا ينقده إجارة البيع.

قال ابن القاسم: وكذلك إن واجرته على طحينه، فإن كان إذا شاء أفرد طحين حصته: جاز وإن كان على ألا يطحنه إلا مجتمعًا: لم يجز، فإن طحنه كان له أجر مثله في حصتك، وكذلك إن واجرته على رعاية غنم بينكما: جاز، ولزمته الإجارة إذا كان له أن يقاسمك حصته، ويبيعها متى شاء، وضربت للرعاية أجلاً، وشرطت خلف ما هلك من حصتك. قال غيره: واعتدلت في القسم. قال بعض أصحابنا: ابن القاسم يحمل أمرهما على الاعتدال في القسم، وأنه إنما وأجره على نصف عددها، فإن كانت مئة فقاسمه فوقع للذي أجر صاحبه أكثر من خمسين لم يلزم صاحبه رعاية ما زاد على خمسين، وإن وقع له أقل من خمسين كان له أن يتمها خمسين.

[الباب الرابع] في الإجارة في الخياطة والبناء وما يفسد منها

[الباب الرابع] في الإجارة في الخياطة والبناء وما يفسد منها [فصل: 1 - الإجارة على الخياطة] قد بينَّا أن ما يفسد البيع يفسد الإجارة؛ لأنها بيع منافع قال ابن القاسم: وإن وأجرت رجلاً يخيط لك ثوبًا على أنه إن خاطه اليوم فبدرهم، وإن خاطه غدًا فبنصف درهم لم يجز عند مالك؛ لأنه أجر نفسه بما لا يعرف وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «من استأجر أجيرًا فليوأجره بأجر معلوم» وهذا من وجه بيعتين في بيعه فإن خاطه فله أجر مثله زاد على التسمية أو نقص. وقال غيره: إلا أن يكون أجر مثله أقل من نصف درهم، أو أكثر من درهم فلا يزاد ولا ينقص. قال سحنون: وقول ابن القاسم أحسن كقول مالك في البيوع الفاسدة: إذا فاتت في يد المشتري فإن فيها القيمة ما بلغت، ولا يلتفت إلى ما سميا من الثمن. قال ابن القاسم: وكذلك إن دفع إليه ثوبًا على أنه إن خاطه خياطة رومية فبدرهم، وإن خاطه خياطة عربية فبنصف درهم، وكذلك الصبغ في هذا إذا كانت الإجارة فاسدة فهي كالبيع الفاسد. قال أبو محمد: قال بعض الأندلسيين وقول غير ابن القاسم يعني إن خاطها اليوم. قلت ما قيمة خياطته على تعجيله إياها اليوم فلا يزاد على درهم، ولا ينقص من نصف درهم؟ وإن خاطه غدًا قلت ما قيمة أجر خياطته إلى غد على ما ذكرنا؟

م: وذكر ابن أبي زمنين عن بعض الأندلسيين تفسيرًا غير هذا، وهذا أصوب، وكذلك تكون القيمة على قول ابن القاسم تُقوَّم على تعجيل الخياطة إن عجلها فيكون له أجر مثله على ذلك ما بلغ، وكذلك إن وخرها قوَّمت على التأخير فيكون له أجر مثله على ذلك ما بلغ. ابن المواز: قال مالك في من واجر غلمانًا يخيطون له مشاهرة، وهو يقاطع الناس على الثياب فيطرح على أحدهم ثوبًا على أنه إن فرغ منه اليوم فله بقية يومه، وإلا فعليه تمامه في يوم آخر لا يحسب له في الشهر. قال: أما الثوب والشيء الذي لو أجتهد فيه أَتَّمهُ فلا بأس به، وأما ما كثر فلا خير فيه. قال محمد: ولو كان هذا في أصل الإجارة كان أَكْره. قال مالك: ومن واجر من يبلغ له كتابًا إلى ذي المروة، ثم قال بعد صحة الإجارة فإن بلغته في يومين فلك زيادة كذا وكذا، فكرهه، واستخفه في الخياطة بعد العقد. ابن ميسر: وهما سواء. وقال ابن عبد الحكم: قد خفف ذلك فيهما، وكره، وإجازته أحب إلينا، وبه أخذ سحنون.

[فصل: 2 - الإجارة على الأبنية] قال أبو محمد: ومن الإجارات ما يكون المتعارف فيه يغني عن الصفة كالخدمة وشبهها، ومن الأعمال التي يشرع فيها ما يقوم المتعارف من أمد الفراغ منها مقام ضرب الأجل كالخياطة والنسج والبناء وشبهه. قال مالك: وإن استأجرت رجلاً يبني لك دارًا على أن الآجُرَّ والجِصُّ من عنده فلا بأس به، وهذه إجارة وشراء جص وآجر في صفقة واحدة، ولما تعارف الناس ما يدخلها، وأمد فراغها كان عرفهم كذكر الصفة والأجل؛ لأن وجه ذلك أمر قد عرف. وقال غيره: إذا كان على وجه القَبَالة، ولم يشترط عمل يده، فلا بأس به إذا قدم نقده. م: وقول الغير خلاف لابن القاسم، وابن القاسم يجيز ذلك في عمل رجل بعينه؛ لأنه يشرع في العمل كإستجاره إياه سنة بخدمة، وقد قال في كتاب الحمالة: وإن دفعت إلى خياط ثوبًا على أن يخيطه بنفسه فذلك جائز.

قال بعض فقهاء القرويين: إنما يصح جواب ابن القاسم على أحد وجهين: إما أن يكون الأجير صاحب صنعة يعمل الآجُرَّ والجِصَّ فيصير تأخير النقد جائزًا كما يجوز أن يأخذ من الجزار والخباز كما يوم خبزًا أو لحمًا والثمن متأخر فيكون على هذا التأويل جائزًا قدم النقد إليه أو أخره، ويشرع في العمل، أو يكون المأخوذ منه من الآجر والجص يطول أخذ جملته حتى يكون أخذ المعجل منه يسيرًا في جنب ما يتأخر منه لا قدر للمتعجل منه لكثرته، فيكون أيضًا جائزًا؛ لأنه قد تأخر جله لمثل أجل السلم فسهل فيما تقدم منه ليسارته، وإنما قلنا ذلك؛ لأنه جعله في عمل رجل بعينه فلم يجز تأخير إجارته لما عقد مع عمله سلم في أجر وجص، والمضمون أيضًا يحتاج إلى أن يتأخر إلى مثل آجال السلم، فإن أخر عمله إلى أن يتأخر إلى مثل أجل سلم الآجر والجص وانتقد إجارته لم يجز؛ لأنه رجل بعينه، وأيضًا فلا تجوز إجارته إلا أن يشرع في العمل. قال ابن حبيب: كل ما استعمل فيه الصناع فهو عمل مضمون حتى يشترط عليهم عمل أيديهم، وإلا فلهم استعمال غيرهم إلا من عرف أنه يُقْصَد لرفعة وفضل عمله، فلا يكون عليه مضمونًا إن فات ولا يستعمل هو غيره وهذا معنى قول مالك.

[الباب الخامس] في إجارة حافتي النهر أو طريق من دار رجل أو مسيل مرحاض أو ميازيب وإجارة رحي الماء والتداعي في ذلك

[الباب الخامس] في إجارة حافتي النهر أو طريق من دار رجل أو مسيل مرحاض أو ميازيب وإجارة رحي الماء والتداعي في ذلك [فصل: 1 - إجارة حافتي النهر والطريق في الدار] قال ابن القاسم: ولا بأس أن تواجر حافتي نهرك ممن يبنى عليه بيتًا، أو ينصب فيه رحى. قال: ويجوز أن تسأجر طريقًا في دار رجل. قال أشهب: إن كان يصل بذلك إلى منفعة وإلا فهو من أكل المال بالباطل. [فصل: 2 - إجارة مسيل مرحاض أو ميزاب ماء] قال ابن القاسم: وجائز أن يستأجر مسيل مصب مرحاض من دار رجل، وأما إجارة مسيل ميازيب المطر من دار رجل فلا يعجبني؛ لأن المطر يقل ويكثر، ويكون ولا يكون. م: وحكى لنا بعض شيوخنا عن بعض أصحابه من القرويين أنه قال: إنما افترق جوابه في مسألة مسائل المرحاض ومسائل الميازيب لافتراق السؤال، وأما إذا

اتفق فلا فرق بينهما، وذلك أن الذي استأجر مسيل المرحاض إنما استأجر مسيل المرحاض من داره على دار صاحبه فذلك كطريق استأجرها، وأما مسيل ماء الميازيب، فإنما اشترى الماء الذي يسيل منها، وأما لو أستأجر جواز الماء عليه فهي كمسألة جواز مصب المرحاض، وسواء طال الأمر في شراء الماء أو قرب، وذكر أن غيره يفرق بين الأمد الطويل والقصير؛ لأن القصير قد لا يقع فيه المطر أو يقع فهو غرر، والكثير جدًا يقع في المطر لا محالة على جري المتعارف. م: والأول أحسن؛ لأن المطر يقل ويكثر فلا يجوز كما قال ابن القاسم. [فصل: 3 - إجارة بيت رحى الماء والتداعي في ذلك] [المسألة الأولى: كراء بيت الرحى من رجل والرحى من آخر ودابة الرحى من ثالث في صفقة] قال ابن القاسم: ولا يجوز أن تكتري بيت الرحى من رجل، والرحى من آخر، ودابة الرحى من ثالث في صفقة واحدة، كل شهر بكذا، إذ لا يعلم ما لكل واحد من الثمن إلا بعد القيمة، وكذلك في الاستحقاق وأجازه أشهب. قال سحنون: وأجازه ابن القاسم في كتاب الشفعة، وإجازته خير، والذي في كتاب الشفعة في رجل اشترى من ثلاثة رجال من أحدهم قرية، ومن آخر دارًا، ومن آخر حقل أرض في صفقة.

م: قيل: فإن نزل فعلى مذهب ابن القاسم هاهنا يكون عليه لكل واحد إجارة شيئه. وقيل: بل تقسم الإجارة المسماة على قدر قيمة إجارة كل واحد من هذه الأشياء؛ لأنه ليس من الحرام البين، وكذلك قال ابن دينار على قوله فيمن نكح امرأتين وأجملهما في صداق واحد، فمات فإنهما يقتسمان ما سمي بقدر صداق كل واحدة منهما، وأما على مذهب أشهب الذي يجيزه فبين أنه تقسم الإجارة المسماة على قيمة إجارة هذه الأشياء. [المسألة الثانية: إجارة رحى الماء بالطعام وغيره] ومن المدونة قال مالك: ولا بأس بإجارة رحى الماء بالطعام وغيره قال ابن القاسم: فإن انقطع عنها الماء فهو عذر تفسخ به الإجارة، وإن رجع الماء في بقية المدة لزمه باقيها، كقول مالك في العبد المستأجر يمرض ثم يصح. قال غيره: إلا أن يتفاسخا قبل ذلك.

[المسألة الثالثة: الاختلاف في انقطاع ماء الرحى] قال ابن القاسم: إن اختلفا في انقطاع ماء الرحى فقال ربها: انقطع عشرة أيام، وقال المكتري: بل شهرًا فإن تصادقا وفي أول السنة وفي آخرها صدق رب الرحى. م: قال بعض القرويين: هذا إذا اختلفا في ابتداء انقطاع الماء مثل أن يكري منه سنة أولها المحرم فسكن المحرم وصفر، فيقول المكتري انقطع الماء في ربيع وربيع، وعاد في جمادى، ويقول رب الرحى: لم ينقطع إلا في ربيع الآخر وحده، فالقول قول رب الرحى عند ابن القاسم مع يمينه؛ لأن الساكن مدعى عليه في انقطاعه في ربيع الأول فلا يصدق عليه في إسقاط الكراء بدعواه، وهذا كقوله إذا استأجر منه فسطاطا ثم جاء فقال: ضاع إن الكراء كله يلزمه، ولا يُصَدَّق بدعواه الضياع؛ لأنه لم يصدقه متى ضاع، وأما لو اتفقا على انقطاع الماء، واختلفا متى عاد فالقول قول الذي استأجر الرحى مع يمينه؛ يريد ولا يختلف في هذه. قال لأن رب الرحى قد أقر بانقطاع الماء وسقوط الكراء عنه [وهو] مدعٍ عليه إيجاب الكراء بعودة الماء فالقول قول مستأجر الرحى مع يمينه. [المسألة الرابعة: الاختلاف في انهدام الدار في بعض المدة] قال ابن القاسم: وكذلك اختلافهما في انهدام الدار في بعض المدة؛ لأنهما إذا تصادقا على تمام السنة فقد وجب الكراء على المكتري، فهو يريد أن يحط عن نفسه،

فلا يصدق بمنزلة ما لو أن السنة انقضت، فقال المتكاري: كانت الدار مهدومة السنة كلها، وماء الرحى انقطع السنة كلها، وأنكر ذلك رب الدار ورب الرحى، فالكراء له لازم إلا أن يقيم المتكاري بينة على ما قال، فهما إذا اختلفا في بعض السنة كاختلافهما في السنة كلها. قال سحنون: هذه عراقية. م: كأنه يريد أن يكون القول قول المكتري. م: وهو الصواب؛ لأن المكتري يقول إنما سكنت مدة، ورب الرحى يدعي أنه سكن أكثر، فعليه البيان، كما لو قال رب الرحى قد انقضت السنة، وقال المكتري ما مضى منها إلا شهران، فقد قال في هذه: القول قول المكتري. م: لأن رب الرحى مقر بمدة يدعي أنه أوفاها فعليه البيان، فكذلك مسألة انهدام الدار في بعض المدة. وكذلك قال ابن المواز: القول قول مكتري الرحى؛ لأنه غارم. قال: وأما الدار فهي بين الناس لا يخفى فيها الهدم، فإن لم يعرف ذلك أحد لم يصدق المكتري، كقول مالك في الدابة يدعي مكتريها أنها نفقت أو ضلت أنه مصدق مع يمينه، فإن ادعى أنها ماتت بموضع كذا وفيه من يسأل من الثقات ولا يعلمون ذلك فلا يصدق، وكما قال في مكتري الجفنة يدعي كسرها، فقال مالك فأين فلقتاها؟ وأما مكتري الرحى فهو مصدق مع يمينه؛

لأن ربها مدع عليه بأمر مؤتنف بعد الهدم، وانقطاع الماء الذي تصادقا عليه، وقد قال مالك في المكتري: يقول: لم أسكن إلا ستة أشهر، وقال رب الدار سنة إن الساكن مصدق مع يمينه فكذلك مكتري الرحى في هذا. [المسألة الخامسة: الاختلاف في القضاء مدة العقد] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن قال رب الرحى أو الدار قد انقضت السنة، وقال المكتري ما مضى منها إلا شهران، وقد انهدمت الدار الآن، أو انقطع ماء الرحى: صدق المكتري؛ لأنه ينكر أن يكون سكن أكثر من شهرين، فالقول قوله. قال سحنون: وهذا أصلنا. قاب ابن القاسم: ومن استأجر رحى ماء شهرًا على أنه إن انقطع الماء قبل الشهر لزمته الإجارة: لم يجز. ومن العتبية قال ابن القاسم في من له موضع رحى، فأعطاه رجلاً يعمل له فيه رحى، على أن للعامل غلة يوم وليلة من كل جمعة، فعمل على ذلك نحو من ثلاثين سنة، ثم علم بفساده، قال تكون الغلة كلها للعامل، ويغرم لصاحب الأصل كراء ذلك

الموضع لجميع السنين التي انتفع فيها بقدر رغبة الناس أو زهادتهم فيه على النقد على التبعية، ويقال لصاحب الأصل إن شئت أمرته بقلع النقضن وإلا فأعطه قيمته مقلوعًا، وتكون لك الرحى. قال يحي بن يحي: والذي أخذ به أنه يعطى قيمة عمله قائمًا، وقال غيره: بل يكون للعامل قيمة ما أدخل في الرحى من صخر أو حجارة أو خشب قيمته يوم جعله فيها، وله أجره فيما عمل في ذلك، وقيمة عمل الإجراء فيها، وتكون الغلة كلها لرب الأرض فيرد العامل على صاحب الأصل كل ما أخذ من الغلة في الطعام مثل كيله، وفي العين مثل وزنه، وإن لم يعلم كيل الطعام غرم قيمة قدره، ولا يغرم مكيلة ذلك التقدير؛ لأن ربها واجر العامل عليها، واشترى منه أداتها بغرر، كما لو قال له: اعمل رحاي هذه فإذا تمت فلك نصف غلة رحاي هذه الأخرى أو يوم من غلتها في كل جمعة.

[الباب الخامس] في ضمان ما يستأجر وكراء المستأجر له

[الباب الخامس] في ضمان ما يستأجر وكراء المستأجر له [فصل: 1 - ضمان ما يستأجر من الأشياء] [المسألة الأولى: هل يضمن مكتري الفسطاط أو البساط أو الغرائر أو الآنية إذا ادعى الضياع؟] قال مالك: ومن استأجر فسطاطًا أو بساطًا أو غرائر أو آنية إلى مكة ذاهبًا وراجعًا جاز، فإن ادعى حين رجع ضياع هذه الأشياء في البداءة صدق في الضياع. قال ابن القاسم: ويلزمه الكراء كله إلى أن يأتي ببينة على وقت الضياع، وإن كان معه قوم في سفره فشهدوا أنه أعلمهم بضياع ذلك، وطلبه بمحضرهم، حلف، وسقط عنه من يؤمئذٍ حصة باقي المدة. قال غيره: هو مصدق في الضياع، ولا يلزمه من الأجر إلا ما قال أنه انتفع به. وبهذا أخذ سحنون، وقال في قول ابن القاسم هذه عراقيه يصدقه في الضياع، ويغرمه الكراء فيما لم ينتفع به فكيف يكون هذا؟ م: فوجه قول ابن القاسم أن الأشياء المستأجرة يُصدَّق مكتريها في ضياعها، ولا يُصدَّق في دفع كرائها، وزواله عن ذمته إلا ببينة، فلما اجتمعا في هذه المسألة أجرى كل أصل على بابه، فرفع عنه الضمان، وأغرمه الكراء، إلا أن يقيم بينة بما يوجب رفع الكراء عنه، فإن أقام البينة على ضياعه ارتفع عنه الكراء بذهاب عين ما يوجبه، وكذلك إذا علم من معه بضياع ذلك، وطلبه بمحضرهم، وعذره بذلك، إذ ليس وقت الضياع أمر، يعلم نزوله به، فَيُعد له البينة لتشهد عليه، فكان إعلامه بذلك

يرفع به الكراء، كما كان رَفْعُ الزوجة إلى الحاكم أن زوجها الغائب لم يَبْعث إليها بالنفقة يوجب أن يكون القول قولها، ولو لم ترفع لكان القول قول الزوج، فكذلك هذا. ووجه قول سحنون وغيره أنه لما صدقه في الضياع كان ذلك كقيام البينة عليه فوجب أن يسقط عنه الكراء؛ لأن ما يجب به الكراء قد ذهب، فيأتي شيء يكون له الكراء. م: وهو الصواب إن شاء الله. م: قال بعض أصحابنا: وقد ناقض كل واحد من ابن القاسم وسحنون أصله في هذه المسألة بجوابه في مسألة كتاب العارية، فيمن استعار دابة فركبها إلى موضع، فلما رجع زعم ربها أنه إنما أعاره إياها إلى دون ما ركبها إليه، فذهب ابن القاسم إلى أن القول قول المستعير في رفع الضمان والكراء. وقال سحنون: القول قول المستعير في الضمان لا في الكراء. م: وإنما اختلف جوابها في المسألتين لاختلاف السؤال، وليس ذلك بتناقض؛ لأن مسألة الإجارة: المكتري مقر بالكراء، مدعٍ فيما يسقطه فعليه البيان، وفي مسألة العارية: المُعير مقر بعارية، مدع على المستعير أنه تعدى وزاد فيها، فوجب أن يكون القول قول المطلوب بالغرم، فهذا مفترق، ووجه قول سحنون في مسألة العارية أن العارية معروف صنعه المعير مع المستعير فلا يلزمه منه إلا ما أقر به، فوجب أن يغرمه كراء زيادة المسافة على ما أقر به مع يمينه، وذلك إذا أقر المستعير بالركوب إلى ذلك الموضع، وأما إن قال: هلكت الدابة قبل الوصول إليه فلا يكون عليه في زيادة المسافة إلا ما أقر به أنه ركبه؛ لأن ما يوجب له الكراء قد ذهب، ولا ضمان عليه فيه، وإنما

افترق عنده الضمان من الكراء؛ لأن المستعير إنما ادعى أنه وهبه ركوبًا فلم يقبل قوله فيه، وسقط عنه الضمان في الدابة؛ لأن ربها سلَّمها إليه، وادعى أنه تعدى عليه، وطلب تضمينه فعليه البيان، وإنما يشبه ضمان الرقبة ضمان الكراء لو أنه عدا على دابة رجل فركبها فهلكت تحته، وادعى أن ربها وهبها له لكان القول قول ربها، وعلى هذا الضمان حتى يثبت ما أدعى فهذا يشبه دعواه هبة الركوب، وبالله التوفيق. م: قال عبد الوهاب: وإنما لم يضمن المستأجر؛ لأنه مؤتمن على قبض العين المستأجرة فكان القول قوله في تلفها. م: وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «الخراج بالضمان» فلما كان خراج الأشياء المستأجرة لربها وجب أن يكون منه ضمانها. وإن كانت مما يغاب عليه، والعارية خارجة من ذلك إذ لا خراج فيها لربها فضمنت لقوله عليه الصلاة والسلام في سلاح صفوان: «بل عارية مؤداة» فما أشبه السلاح مما يغاب عليه فيضمنه المستعير. [المسألة الثانية: هل يضمن مكتري الجفنة إذا ادعى الضياع؟] ومن المدونة قال أشهب عن مالك في رجل اكترى جفنة وادعى الضياع أنه يضمن إلا أن يقيم بينة على الضياع. قال ابن المواز: إنما الرواية في دعواه الكسر؛ لأنه يقدر على تصديق نفسه باحضار الفلقتين، وأما الضياع فيصدق، وفي رواية أخرى قال مالك: وأين

فلقتاها؟. قال ابن المواز: إلا أن يقول سرقت الفلقتان أو تَلِفت، فإن كان بموضع يمكنه إظهارها لم يصدق، وإن كان بموضع لا يمكنه صُدق. [المسألة الثالثة: هل يضمن مكتري الثوب يلبسه إذا ادعى الضياع أو السرقة أو الغصب؟] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن استأجر ثوبًا يلبسه فادعى أنه ضاع أو سرق منه أو غصب فهو مصدق؛ لأن المستأجر لا يضمن إلا أن يتعدى أو يفرط، وإن استأجره يومين فلبسه يومًا وضاع في اليوم الثاني فأصابه بعد ذلك فرده: لم يلزمه أجر مدة الضياع. م: يريد إذا ثبت الضياع ببينة. قال ابن القاسم: كالدابة تكترى أيامًا فتضيع في بعضها فإنما عليه حصة الأيام التي لم تضع فيها. [فصل: 2 - من استأجر شيئًا مدة معينة فحبسه عنده أكثر منها] وإن استأجر ثوبًا يومًا، فحبسه شهرًا لم يَلْبَسْهُ: فعليه في اليوم المكتراه المسمى، وفي الشهر الزائد عليه كراء مثله غير ملبوس، وقال ابن نافع مثله. وقال غيره: إذا كان ربه معه حاضرًا فله على حساب الكراء المسمى، وإن كان غائبًا فله الأكثر.

م: قال بعض القرويين: ومعرفة قيمة كرائه غير ملبوس أن يقال: كم كراء مثله ملبوسًا شهرًا؟ فإن قيل: عشرة. قيل: وكم ينهكه اللباس في هذا الشهر؟ فإن قيل: خمسة كان على هذا الذي حبسه خمسة دراهم؛ لأن قد رد عليه الثوب غير ناقص، وقد كان ينهكه اللباس خمسة فإذا زاده خمسة أخرى فقد صار كأنه أكراه بعشرة خمسة منها في الثوب وخمسة أعطاه إياها، وكذلك الدابة يكريها يومًا فيحبسها بعد ذلك شهرًا الجواب واحد. م: وفي هذا الجواب نظر إذ قد ينقصه اللبس والركوب في مدة ما حبسه مستعمْلاً قدر كرائه فيجب على هذا ألا يغرم له شيئًا، وهو قد كان ينتفع بلباس هذا الثوب وركوب هذه الدابة في طول حبسها، أو يكرى ذلك فقد أمسكه عن منافع ربه فيجب أن يقال: بكم يكري هذا الثوب شهرًا على أنه لا يلبس في هذه المدة، وهذه الدابة على أنها لا تركب إلا أنه أمسكها عن منافع ربها، فما قيل يساوي كراؤها على ذلك وجب عليه غرمه، والله أعلم. ويجب على قياسه أن لو لم ينقصه اللبس في مدة ما حبسه شيئًا فيجب أن يغرم كراءه ملبوسًا، وهذا خلاف قوله.

[فصل: 3 - هل للمستأجر أن يواجر من غيره؟] قال ابن القاسم: وإن استأجرت ثوبًا تلبسه يومًا إلى الليل فلا تعطه غيرك يلبسه لاختلاف اللبس والأمانة؛ فإن هلك بيدك لم تضمنه، وإن دفعته إلى غيرك كنت ضامنًا إن تلف. قال سحنون: إذا دفعه إلى مثله لم يضمن ومسألة الفسطاط التي بعد هذه هي الأصل. قال ابن القاسم: وقد كره مالك لمكتري الدابة لركوبه كراها من غيره كان أخف منه أو مثله، فإن كراها لم أفسخه، وإن تلفت لم يضمن إذا كان أكراها فيما اكتراها فيه من مثله في حالته وأمانته وخفته، ولو بدا له عن السفر أو مات أكريت من مثله، وكذلك الثياب في الحياة والممات، وليس ذلك ككراء الحمولة والسفينة والدار هذا له أن يكريها من مثله في مثل ما اكتراها له. م: يريد في هذا أن ذلك له بغير كراهية، وفي الثوب والدابة للركوب يكره له ذلك لاختلاف اللبس والركوب، فإن أكرى ذلك في مثل لم يفسخ، ولم يضمن. وقد قال سحنون: لا بأس بالربح في الأكرية في كل شيء. ابن وهب: وقاله جماعة من التابعين. قال ابن القاسم: وإن اكتريت فسطاطًا إلى مكة فأكريته مثلك في حالتك وأمانتك، ويكون صنيعه في الخباء كصنيعك وحاجته إليه كحاجتك فذلك جائز.

[الباب السادس] جامع ما تجوز الإجارة فيه أو به أو بجزء منه

[الباب السادس] جامع ما تجوز الإجارة فيه أو به أو بجزء منه [فصل: 1 - إجارة متاع البيت والجسد] ولما كانت الإجارة كالبيع كان ما لم يجز بيع ولا النفع به لا تجوز إجارته ولا أن يكون ثمنًا للإجارة، وذلك جائز فيما يجوز بيعه، وما لا يجوز لك عمله لا يجوز أن تأخذ عليه أجرًا. قال ابن القاسم: ويجوز إجارة متاع البيت مثل الآنية والقدور والصحاف ومتاع الجسد. [فصل: 2 - حبس المستأجر بعد انتهاء مدة الإيجار] قال مالك: ومن استأجر ثوبًا أو فسطاطًا شهرًا فحبسه فلم يلبسه سائر المدة: لزمه جميع الأجر، ولو حبسه بعد المدة أيامًا: لزمه أجر حبسه بغير لباس ليس كأجر اللابس، وقاله ابن نافع، وقال غيره: بل بحساب ما استأجرت إن كان ربه حاضرًا. قال في غير هذا الموضع؛ لأن ربه كان قادرًا على أخذه فتركه رضًا منه بالأجرة الأولى، وإن كان ربه غائبًا فعليه الأكثر من المسمى أو كراء المثل قاله في الدابة يكتريها يومًا فيحبسها أيامًا فهذا مثله.

[فصل: 3 - إجارة حلي الذهب والفضة] قال ابن القاسم: ولا بأس بإجارة حلي الذهب بذهب أو فضه، وأجازه مالك مرة ثم استثقله مرة أخرى، وليس بحرام بيَّن، وليس كراء الحلي من أخلاق الناس، وأجازه ابن القاسم. م: وإنما قال مالك في كراء الحلي: ليس كراء الحلي من أخلاق الناس؛ لأنهم كانوا يرون زكاة الحلي أن يعار فلذلك كرهوا أن يكرى. [فصل: 4 - إجارة المكيال والميزان والدلو والفأس والحبل والمصحف] قال مالك: ويجوز إجارة المكيال والميزان. قال ابن القاسم: وكذلك الدلو والفأس والحبل وشبه ذلك، وتجوز إجارة المصحف لمن يقرأ فيه لجواز بيعه، وأجاز بيعه مالك وجماعة من التابعين. قال ابن عباس: ما لم يجعله متجرًا، وأما ما عملته بيدك فجائز.

قال ابن القاسم: وتجوز الإجارة على كتابة المصحف. وقال ابن حبيب: لا تجوز إجارة المصحف بخلاف بيعه. وكأن إجارته ثمن للقرآن وبيع المصحف ثمن الرق والخط، وقد بيعت المصاحف في أيام عثمان فلم ينكروا ذلك، وكره إجارته من لقيت من أصحاب مالك، واختلف قول ابن القاسم فيه. م: إجازة ابن حبيب الإجارة على تعليم القرآن يرد قوله في منع إجارة المصحف؛ لأن المصحف كالمعلم فكما جازت إجارة المعلم فكذلك تجوز إجارة المصحف، فإن قيل: فإن أجر التعليم ثمن لشغل بدن متولي ذلك قيل: وكذلك إجارة المصحف ثمن لاشغاله عن صاحبه؛ ولأن المصحف يتمرث لذلك ويفسد رقة، ويتمحص كتابته، وذلك ينقص من ثمنه فهو ثمن إجارته، وتعليم المعلم يزيده نفاذا وحفظًا، فالمصحف أولى أن تجوز إجارته، وهذا بيَّن وبالله التوفيق. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا بأس بالإجارة على تعليم القرآن كل سنة أو كل شهر بكذا، أو على الحذاق للقرآن بكذا، أو على أن يعلمه القرآن كله أو سدسه بكذا، وتجوز الإجارة على تعليم الكتابة فقط، أو على الكتابة مع

القرآن مشاهرة. قال ابن وهب عن مالك: ولا بأس أن يشترط مع أجره شيئًا معلومًا كل فطر أو أضحى. ابن المواز: قال مالك: لم يبلغني عن أحد كراهية تعليم القرآن والكتاب بأجر، وكان سعد بن أبي وقاص يعطي الأجر على تعليم بنيه. قال ابن حبيب: وما روى من النهي عن ذلك فذلك في أول الإسلام والقرآن قليل في صدور الرجال، وأما بعد أن فشى وانتشرت المصاحف فلا. والتعليم ثمن لشغل بدن متولي ذلك كبيع المصحف ثمن للرق والخط، وقد علَّم صفوان ابن سليم، وعطاء بن أبي رباح في مبتدأ أسنانهم، وأخذوا عليه الأجر، وكان

مالك وجميع علماء المدينة يجيزون أخذ الأجر على تعليم الصبيان الكتاب والقرآن، والاشتراط على ذلك سنة أو سنتين ثم لبس لأبي الصبي إخراجه حتى يتم الشرط. م: يريد إلا أن يدفع إليه جميع الأجرة فله إخراجه. قال ابن حبيب: وإن لم يشترط شيئًا مسمى فله إخراجه متى شاء، ويؤدي قدر ما علمه. قال ابن المواز: أجاز مالك التعليم مشاهرة، ومقاطعة، وكل شهر وكل سنة بكذا، فإن قال: تعلمه سنة أو سنتين لا ترك لأحدهما، وإن قالا كل سنة أو كل شهر بكذا فلكل واحد منهما الترك متى شاء. ومن العتبية: سئل سحنون عن المعلم يعلم الصبيان بغير شرط فيجري له الدرهم والدرهمان كل شهر، ثم يحذقه المعلم فيطلب الحذقة فيأبى الأب من ذلك ويقول: حقك فيما قبضت. قال: ينظر إلى سنة البلد، فيحملون عليها، إلا أن يشترط شيئًا فله شرطه، وليس في الحذقة حد معروف إلا على قدر الرجل وحاله. قال: وإذا بلغ الصبي عند المعلم ثلاثة أرباع القرآن فقد وجبت له الختمة،

ووقف في الثلثين. وقال الثلاثة أرباع أبين. قال في كتاب ابنه: ولأبيه أن يخرجه إذا بلغ الربع ولا شيء للمعلم من حق الختمة، وإنما له إذا قارب الختمة بمنزلة المدبَر وأم الولد للسيد انتزاع أموالها ما لم يتقارب عتقهم بمرض السيد فلا ينتزع منهم شيئًا. قيل: فإن بلغ الثلثين قال: قد قارب والثلاثة أرباع أبين. قال ابن حبيب: نوجب الحذقة على حفظ القرآن ظاهرًا أو نظرًا، ويقضى بها للمعلم بقدر دراية الغلام وحفظه في حذقة الظاهر، وقدر معرفته بالهجاء والخط في حذقة النظر، وليس لها قدر معلوم، وهي مع ذلك بقدر ملء الأب وعدمه، وهي مكارمة جرت بين الناس وبين المعلمين كهدية العرس التي يحكم بها بقدر ملء الزوج وعدمه، وقاله أصبغ وغيره، ولا يضره في حذقه الظاهر أن يخطئ الصبي في السورة الحرف والأحرف، وليس من يخطئ كمن لا يخطئ، فأما إن كان غير مستمر في القراءة فليس ذلك بحفظ، ولا حذقة تجب به، وكذلك في النظر إن لم يحسن الهجاء ويحكم الخط، ولا يقرأ شيئًا نظرًا فلا حذقة له. قال: وإذا اشترط المعلم أن له في الحذقة كذا، وله مع ذلك في كل شهر درهم، فللأب أن يخرجه متى شاء، وعليه من الحذقة بقدر ما قرأ منها، ولو لم يقرأ إلا الثلث أو الربع فله بحسابه من الحذقة، ولو شارطه على أنه يحذقه وله كذا: فليس له أن يخرجه حتى يتم، وإذا وقع الشرط فيها، فلا يكون إلا على أمر معلوم، وإذا لم يشترط شيئًا فهناك يحكم له بها بقدر دراية الغلام وحفظه، وملء الأب وعدمه، وإذا لم يكن شرط وأراد الأب إخراج الصبي قبل فراغها، فإن تقارب الحذقة بالأمر القريب مثل السور القليلة تبقى عليه فقد وجب له الحذقة

كلها، وإن بقي عليه ما له بال، مثل سدس القرآن أو أقل من ذلك فله إخراجه، ولا حذقة عليه لا كلها ولا بحسبها. قال: ولا يلزم الأب حق الأحظار والأعياد إلا أن يشاء وهي مكارمة حسنة في أعياد المسلمين، وذلك مكروه في أعياد النصارى مثل النيروز والمهرجان. م: وحق الإحظار عندنا عرف جار كالشريط، وأرى أن يقضي به ببلدنا. ابن حبيب وغيره: وكره مالك أن يعلم المسلم أبناء المشركين الخط، أو يتعلم المسلم عند المشركين كتاب المسلمين أو كتاب النصارى.

[فصل: 5 - الإجارة على تعليم الفقه والفرائض] ومن المدونة قال ابن القاسم: وأكره الإجارة على تعليم الفقه والفرائض؛ لأن مالكًا كره بيع كتب الفقه والشرط على تعليمها أشد. م: وقد أجاز غيره بيع كتب الفقه والحديث والفرائض وغيرها فكذلك الإجارة على تعليمها جائز على قوله. م: وقيل إن الفرق عند ابن القاسم بين الإجارة على تعليم القرآن تعليم الفقه والفرائض أن القرآن حق صحيح لاشك فيه، والفقه فيه حق وباطل فلذلك كرهت الإجارة على تعليمه فيه. م: والصواب جواز الإجارة على تعليم ذلك كله؛ لأنه ثمن لشغل المعلم بالمتعلم، وتبعه بتعليمه، وتفهيمه، ولو كان الأمر كما قال لم يجب تعليم الفقه إذ لا يجب تعليم الباطل، وإنما كرهه ابن القاسم والله أعلم؛ لأنه ليس عليه العمل عندهم بخلاف القرآن الذي جرى العمل بتعليمه، وأخذ الأجر عليه؛ ولأن على الفقيه إبذال الفقه لأهله وتعليمه لهم، ولو طلب الأجرة عليه لقل تعليمه لطوله وكثرة ما كان يؤدي عليه والله أعلم.

[فصل: 6 - الإجارة على تعليم الشعر والنوح] ومن المدونة قال ابن القاسم: وأكره الإجارة على تعليم الشعر والنوح. م يعني التغبير. قال ابن القاسم: أو على كتابه ذلك أو إجارة كتب فيها ذلك وبيعها، وكره مالك بيع كتب الفقه فكيف بهذه، وما كره بيعه فلا يواجر. وقال ابن حبيب: ولا بأس بالإجارة على تعليم الشعر، والنحو، وأيام العرب، والرسائل، وشبهه من علم الرجال وذوي المروءات، وأكره من تعليم الشعر، وروايته ما فيه ذكر الخمر والخنى، قيح الهجاء. وقال كله أصبغ. [فصل: 7 - قراءة القرآن بالألحان وبيع الأمة المغنية] ومن المدونة: وكره مالك قراءة القرآن بالألحان فكيف بالغناء، وكره مالك بيع الأمة بشرط أنها مغنية. قال ابن القاسم: فإن وقع فسخ البيع. قال سحنون: وينبغي أن تباع ولا يذكر غناها، فإذا تم البيع ذكر ذلك فإما رضيها المبتاع أو ردها.

وفي كتاب ابن المواز: ومن اشترى أمة فوجدها مغنية لم ترد؛ لأن ذلك لا ينقص من ثمنها، إلا أن يشترط ذلك في البيع فيفسخ. وقال أشهب: لا تباع ممن يعلم أنها مغنية، وإن تبرأ من ذلك لم يكن شيئًا؛ لأنه إخبار بغناها. وروى عيسى عن ابن القاسم: أن من ابتاع مغنية للخدمة لا للغناء ولم يزد في ثمنها أنه لا بأس بذلك. وقد تقدم هذا في كتاب العيوب. [فصل: 8 - الإجارة على الحج والإمامة والأذان] ومن المدونة وكره مالك الإجارة في الحج، وعلى الإمامة في الفرض، والنافلة، وفي قيام رمضان. قال ابن القاسم: وهو عندي في المكتوبة أشد كراهية، وأجاز ذلك ابن عبد الحكم، وهو القياس. قال مالك: ومن استأجر رجلاً على أن يؤذن لهم ويقيم ويصلي جاز، قال ابن القاسم: لأن الأجر في هذه إنما وقع على الأذان والإقامة والقيام بالمسجد لا على الصلاة. م: فجوازه الأجر على الإمامة يضعف منعه ذلك على الصلاة.

اختلف شيوخنا إن تعطل عن الصلاة لأمر عرض له هل تسقط حصة ذلك من الأجر أم لا؟ فقيل: يسقط منها بقدر الصلاة، وقال ابن إسحاق: تنفسخ الإجارة كلها. ومن المدونة وروى ابن وهب: أن عمر أجرى لسعد القرظ، وإنما سمي سعد القرظي؛ لأنه كان يبيع القرظ وهو الدباغ. وأعاب ابن حبيب رواية ابن القاسم عن مالك في إجازة الإجارة على الأذان أو على الأذان والإقامة، وكراهيته في الإمامة خاصة، وقال ذلك كله سواء لا يجوز على أذان ولا صلاة؛ لأن ذلك كله لله تعالى معمول وقد جاء في الحديث: «اتخذوا مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا»،

وكرهه عطاء إلا إن يعطي من غير شرط، وما روى من عطية عمر وغيره على ذلك فلأن ذلك من مال الله عز وجل ونفقة لهم على قيامهم بأمر المسلمين، وكذلك كان يجري للقضاة والولاة رزقًا، وهم لا يجوز لهم الأخر من مال من حكموا له بالحق جعلاً على حكمهم. م: جوازه أخذهم الأجر على ذلك من مال الله يضعف منعه الأخذ على ذلك من غيره إذا لم يكن ثم بيت مالي يجري لهم منه رزق؛ ولأنه وإن كان ذلك لله فتكفلهم النظر في الأوقات والإتيان إلى هذا المسجد بعينه خاصة يجب لهم عليها الأجر. والله أعلم. فصل [9 - الإجارة على تعليم العبد القرآن أو الخياطة] ومن المدونة قال: ومن واجرته على تعليم عبدك الكتاب والقرآن سنة وله نصفه: لم يجز؛ إذ لا يقدر على قبض ماله فيه قبل السنة، وقد يموت العبد فيها فيذهب عمله باطلاً. قال أبو محمد: فإن نزل هذا وكان الشرط فيه أن يقبض نصفه بعد السنة فسخ، فإن فات وعلَّمه سنة يريد وعثر عليه عند تمامها قبل فوات العبد بيد المعلم فله قيمة تعليمه والعبد لسيده، وإن فات بعد السنة بيد المعلم، فالعبد بينهما، وعلى الذي علمه نصف قيمته يوم تمام السنة معلما، وعلى رب العبد قيمة تعليمه.

قال أبو محمد: ولو كان الشرط فيه أن يقبض المعلم نصفه الآن على أن يعلمه سنة: لم يجز؛ فإن فات بيد المعلم فإن كان قبل تمام السنة فله نصف قيمة تعليمه وعليه نصف قيمة العبد يوم قبضه ويكون بينهما. ومن المدونة قال مالك: وإن دفعت غلامك إلى خياط أو قصار ليعلمه ذلك العمل بأجر معلوم فلا بأس بذلك. قال: وكذلك إن دفعته إليهم ليعلموه ذلك العمل بعمل الغلام سنة جاز ذلك. قال يحي بن عمر: السنة محسوبة من يوم أخذه. وقال غيره بأجر معلوم أجوز. فصل [9 - إجارة الدفاف في الأعراس] قال ابن القاسم: ولا ينبغي إجارة الدف والمعازف كلها في العرس، وكره ذلك مالك وضعفه. م: يريد ضعف قول من يجيز ذلك. م: أما الدَّف الذي أبيح ضربه في العرس ونحوه فنيبغي أن تجوز إجارته، وفي ضرب الكَبَر في العرس اختلاف.

فصل [11 - الإجارة على قتل القصاص وعلى الأدب] ولا بأس بالإجارة على قتل قصاص يريد وقد ثبت بحكم قاض عدل، كما تجوز إجارة الطبيب وهو يقطع ويبط، ولا بأس بالإجارة على ضرب عبدك أو ولدك للأدب، وأما على غير ما لا ينبغي من الأدب فلا يعجبني، وإن واجره على قتل رجل ظلمًا فقتله فلا أجر له، وكل مستأجر على مالا يجوز من ذلك فعلى الأجير القصاص، وعلى الذي أجره الأدب. قال في كتاب ابن المواز: يضرب مئة ويحبس سنة. قال سحنون: وقال المشيخة السبعة من فقهاء التابعين في الجراح الخطأ فيما دون الموضحة إذا برئ، وعاد لهيئته فإنما أجر المداوى. قال أبو محمد ويحي بن عمر: وروى محمد بن سحنون عن أبيه في من قال لرجل اقتلني ولك ألف درهم فقتله. قال: قد اختلف في هذه المسألة، وأحسن ما فيها أن يجلده السلطان مئة ويحبسه سنة، ويبطل حقه في الجعل قال محمد بن عمر: والقول

الآخر أحب إليَّ أن للأولياء أن يقتلوه؛ أن يقتلوه؛ لأن ذلك حق لم يكن وجب للمقتول وإنما وجب لورثته. م: ولو قال له: اقتل عبدي ولك كذا، أو بغير شيء فقتله، فإن القاتل يضرب مئة ويحبس عامً، وكذلك السيد أيضًا يضرب مئة ويحبس عامًا، واختلف هل يكون للسيد على القاتل قيمة العبد أم لا؟ فقال أشهب عليه قيمة العبد، وقال: أبو زيد لا شيء له والصواب ألا قيمة له عليه كما لو قال له أحرق ثوبي هذا، أو ألقه في البحر، ففعل أنه لا قيمة له عليه؛ لأنه أباحه ذلك. فصل [12 - في إجارة الأطباء] ومن المدونة قال مالك: والأطباء إذا استؤجروا على العلاج فإنما هو على البرء، فإن برئ فله حقه وإلا فلا شيء له. قال سحنون في غير المدونة: لأن أصله جعل ولذلك لا يضرب فيه الأجل. م: قيل: ويكون الدواء من عند العليل. قال: ولو كان من عند الطبيب كان غررًا؛ لأنه [إن] برئ أخذ حقه، وإن لم يبرأ ذهب دواؤه باطلاً، ويدخله أيضًا إن برئ بيع وجعل وذلك لا يجوز.

وقال ابن القاسم وابن وهب في العتبية في مشارطة الطبيب على أنه إن برئ فله كذا، وإن لم يبرأ فله ثمن الأدوية: فلا ينبغي ذلك، وهذا من شرطين في شرط. ومن المدونة قال مالك: إلا أن يشترطا شرطًا حلالاً فينفذ بينهما قال ابن القاسم: كالشرط أن يكحله شهرًا وكل يوم بدرهم بالإثمد أو غيره فيجوز إن لم ينقده الإجارة -يريد وهذه إجارة- قال: فإن برئ قبل الأجل أخذ بحسابه، إلا أن يواجره وهو صحيح العينين أن يكحله شهرًا بدرهم فيجوز النقد فيه إذ لا يتقي فيه رد ما بقي بالبرء، ويلزمهما تمامه. قال ابن الجلاب في معالجة الطبيب على البرء وتعليم القرآن على الحذاق، وقد قيل: لا تجوز إلا على مدة معلومة م: وهو قول جيد.

فصل [13 - في إجارة القَسَّام] ومن المدونة قال مالك: وكره مالك إجارة قَسَّام القاضي وقَسَّام الدور وحسابهم. قال: وقد كان خارجة بن زيد ومجاهد يقسمان مع القضاة ويحسبان ولا يأخذان لذلك أجر. قال مالك في غير المدونة: وليس بحرام ولكنه ليس من عمل الأبرار. وقال سحنون: إنما كرهه مالك؛ لأنه كان يفرض لهم الأرزاق من أموال اليتامى، فأما إذا أجرى لهم الوالي رزقًا من بيت المال فلا بأس به. فصل [14 - في إجارة المساجد، والبناء فوقه] قال ولا يصلح لأحد أن يبني مسجدًا ليكريه ممن يصلي فيه. وقد كره مالك أن يبني الرجل مسجدًا ثم يبني فوقه بيتًا يسكنه بأهله يريد؛ لأنه إذا كانت معه

صار يطأها على ظهر المسجد، وذلك مكروه، وذكر مالك أن عمر بن عبد العزيز كان يبيت على ظهر المسجد بالمدينة في الصيف، وكان لا تقربه فيه امرأة. قال ابن القاسم: ومن واجر بيته من قوم ليصلُّون فيه رمضان لم يعجبني ذلك كمن أكرى المسجد. وقال غيره: لا بأس بذلك في كراء البيت. وقال سحنون: إنما لم يجز في المسجد؛ لأنه حَبسٌ لا يباع ولا يكرى بمنزلة الفرس المحبس. والبيت ليس كذلك، فالكراء فيه جائز. م: صواب: وقال بعض العلماء: إن أراد إنما يدفع إليهم البيت وقت الصلاة فقط ليصلوا فيه، وتبقى منافعه لربه، فقول ابن القاسم أصوب؛ لأنه أخذ بقدر صلاتهم فيه ثمنًا وذلك لا قدر له، وإن كان إنما أسلم إليهم ليحوزوه عنه، ويعملوا به إذا صلوا ما شاؤا فهذا جائز؛ لأن منافع البيت قد منعت من ربها، فهو كالذي أجر أرضه عشر سنين على أن يبنيها مكتريها مسجدًا. قال ابن القاسم: ولا بأس أن يكري أرضه على أن تتخذ مسجدًا عشر سنين، فإذا أنقضت المدة رجعت الأرض إلى ربها، وكان النقض لمن بناه.

قال سحنون في غير المدونة: يجعله في غيره. قال أبو محمد: وقول ابن القاسم أبين، وليس مثل الأرض تستحق وقد بنيت مسجدًا يريد فهذا يجعله في غيره؛ لأنه أخرجه من يده لله عز وجل على التأبيد؛ والآخر إنما جعله لله إلى مدة فيرجع إليه بعد تمامها. م: كمن دفع فرسه إلى من يغزو به ثم يرجع إليه. قال بعض فقهاء القرويين: وليس لصاحب الأرض أن يعطيه بعد انقضاء المدة فيه النقض منقوضًا؛ لأنه لا يقدر أن ينتفع ببقائه؛ لأنه على صورة المسجد، وإذا كان لا فائدة له فيه إلا الانتفاع بنقضه فأصحابه أحب قه منهم إلا أن يقول أنا أبقية مسجدًا على حاله مؤبدًا فله أخذ النقض بقيمته منقوضًا، ثم لا يكون له نقضه بل يبقيه مسجدًا. فصل [15 - في إجارة الكنائس] ومن المدونة قال مالك: ولا يعجبني أن يبيع الرجل داره أو يكريها ممن يتخذها كنيسه. م: واختلف شيوخنا كيف يكون الحكم إن نزل، فقال بعضهم: يتصدق بالثمن وبالكراء. وقال بعضهم: يتصدق بفضلة الثمن وبفضلة الكراء تقوم الدار أن لو بيعت أو أكريت على غير هذا الوجه، وتقوم أن لو بيعت أو أكريت على أن تتخذ كنيسة، فيعلم الزائد، فإن كان مثل ثلث الكراء أو ربعه تصدق بمثل ذلك الجزء من المسمى؛ لأن هذا الفضل هو ثمن ما لا يحل. وقال بعضهم: أما في البيع

فيتصدق بالفضلة كما ذكرنا، وأما في الكراء فيتصدق بالجميع؛ لأنه أجر داره بما لا يحل له كمن أكرى داره لبيع الخمر أو دابته لحمل الخمر. م: وبهذا أقول. ومن المدونة قال مالك: ولا يكري مسلم دابته من أهل الذمة وهو يعلم أنهم إنما يركبونها لأعيادهم، أو كنائسهم، أو يبيع منهم شاة يعلم أنما يذبحونها لذلك. قال ابن القاسم: ولأهل الذمة أن يحدثوا الكنائس في بلد صولحوا عليها؛ لأنها بلادهم يبيعون أرضهم وديارهم ليس فيها للمسلمين شيء، وليس لهم أن يحدثوا ذلك في بلد العنوة؛ لأنها فيء ليست لهم، ولا تورث عنهم، ولو أسلموا لم يكن لهم شيء، وكذلك ما اختطه المسلمون عند فتحهم، وسكنوه كالفسطاط والبصرة والكوفة وإفريقيه وشبهها من مدائن الشام، فليس لهم إحداث ذلك فيها إلا أن يكون فهم عهد فيوفي به؛ لأن تلك المدائن صارت لأهل الإسلام يبيعونها، ويتوارثونها قد سألت عن ذلك مالك فقال: ليس لأهل الذمة أن يحدثوا ببلد الإسلام كنائس إلا أن يكون لهم عهدًا أعطوه.

قال سحنون وقال غيره: كل بلد فتحت عنوة وأقروا فيها، وأوقفت الأرض لأعطيات المسلمين ونوابيهم فلا يمنعوا من كنائسهم التي فيها، ولا من أن يحدثوا فيها كنائس؛ لأنهم أقروا فيها على ما يجوز لأهل الذمة، ولا خراج عليهم في قرارهم التي أقروا فيها وإنما الخراج على الأرض. ابن حبيب وقال ابن الماجشون: ولا تبنى كنيسة في دار الإسلام، ويمنعون من رمَّ كنائسهم القديمة التي صولحوا عليه إذا رَثَّت، وعلى الإمام العدل هدم ذلك إلا أن يكون ذلك شرطًا في عهدهم فيوفي لهم به، ويمنعون من الزيادة فيها كانت الزيادة ظاهرة أو باطنة. قال: وإن شرطوا في صلحهم أن لا يمنعوا من إحداث الكنائس فلا ينبغي للإمام أن يصالحهم إلا على ما يوافق الكتاب والسنة، فإن جهل وصالحهم على ذلك لم يجز الشرط، ويمنعون من إحداثها. وإنما يوفي لهم بما اشترطوا من الرمَّ فقط. قال: وأما أهل العنوة فلا تترك لهم عند ضرب الجزية عليهم كنيسة قائمة إلا هدمت ثم لا يحدثوا كنيسة، وإن كانوا معتزلين عن بلد الإسلام. فصل [16 - الكافر يواجه المسلم في حمل الخمر] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا يجوز لمسلم أن يواجر نفسه أو عبده أو دابته في حمل الخمر، أو داره أو حانوته أو شيئًا مما يملكه في أمر الخمر، ولا يعطى من الإجارة شيئًا لا ما سميا، ولا أجر مثله، كمسلم باع خمرًا فلا يعطى من ثمنها شيئًا، ويفعل فيه

إن كان قبض الإجارة مثل ما وصفنا في ثمن الخمر يريد يؤخذ منه الثمن فيتصدق به. قال ابن المواز: وإذا باع المسلم خمرًا من ذمي، وقبض الثمن، أخذ منه فتصدق به، وإن لم يقبضه فقد اختلف فيه قول مالك فقال مرة: لا يؤخذ من النصراني، وقال مرة: يؤخذ منه ويتصدق به، قال ابن القاسم: وهذا أحب إلينا، وقال ابن المواز: لا يؤخذ الثمن منه وإن أخذ المسلم منه رد عليه، وأغرم خمرًا مثل ما أخذ منه، وتكسر على المسلم؛ لأن أخذ الثمن منه إجازه لشرائه. فصل [17 - المسلم يواجر نفسه من ذمي يرعى له خنازير] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن واجر المسلم نفسه من ذمي يرعى له الخنازير، فإن المسلم يؤدب على ذلك إلا أن يعذر بجهل، وتؤخذ الإجارة من الذمي ولا تترك له فيتصدق بها على المساكين، كقول مالك في الخمر يبيعها الذمي من مسلم وهو يعلم أنه مسلم أن الذمي يؤدب على ذلك، ويؤخذ الثمن من المسلم فيتصدق به على

المساكين أدبًا للذمي، وتكسر الخمر في يدي المسلم، وإن قبض الذمي الثمن ترك له، وكسرت الخمر على كل حال. وقال سحنون في ثمن الخمر: ينزع من الذمي إن قبضه ويتصدق به، وقد تقدم هذا كله في كتاب التجارة إلى أرض الحرب. فصل [18 - المسلم يأخذ قراضًا من ذمي] وكره مالك وغيره من العلماء أن يأخذ المسلم قراضًا من ذمي لئلا يذل نفسه. م: قال محمد وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «الإسلام يعلو ولا يعلى» قال ابن القاسم: وأكره للمسلم أن يواجر نفسه من ذمي في خدمة أو حرث أو بناء أو حراسة. قال أبو محمد: فإن فات ذلك مضى بالثمن بخلاف مالا يحل عمله من رعي الخنازير، وحمل الخمر. فصل [19 - الإجارة على طرح الميتة والدم والعذرة، والاستقاء في جلودها] قال ابن القاسم: ولا بأس بالإجارة على طرح الميتة والدم والعذرة. قال مالك: ولا يواجر على طرح الميتة بجلدها إذ لا يجوز بيعه وإن دبغ، ولا يصلي عليه، ولا يلبس للصلاة به يريد وأما لغير الصلاة فجائز.

قال ابن القاسم: وأما الاستقاء في جلود الميتة إذا دبغت فإنما كرهه مالك في خاصة نفسه، ولم يحرمه على الناس. ولا بأس أن يغربل عليها ويجلس، وهذا وجه الانتفاع بها الذي جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «ألا انتفعتم بجلدها» وأما بيعه فلا يجوز، أشهب وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها، وأكلوا أثمانها». قال جابر بن عبد الله: ما حرم أكله حرم بيعه، وأجاز ابن وهب في العتبية بيعه والصلاة عليه لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر».

فصل [20 - إجارة نزو الفحل] ومن المدونة قال مالك: ولا بأس بإجارة الفحل للإنزاء كان فرسًا أو حمارًا أو بعيرًا أو تيسًا على نزو أكوام معروفة، أو شهر بكذا. قال ابن حبيب: فإن سمى أيامًا أو شهرًا: لم يجز أن يسمى عدد النزوات. ومن المدونة وإن استأجره ينزيه حتى تُعِق الرمكة لم يجز؛ لأنه مجهول. قال ابن القاسم: وقد بلغ مالكًا أن بعض العلماء كرهوا إجارة الفحل للإنزاء، ولكنه أجازه؛ لأنه ذكر أنه العمل عندهم، وأدرك الناس يجيزونه بينهم. ابن وهب: وأجازه عبد العزيز بن أبي سلمة وجماعة من التابعين.

فصل [21 - بيع البئر وبيع مائها] قال مالك: وللرجل منع ما في داره أو أرضه من عين أو بئر للشفة أو للزرع ويجوز بيعها، وبيع مائها، وأما ما حفر في الفيافي والطرق كمواجل انطابُلُس، وطريق المغرب، فقد كره مالك بيعها، ولم يره حرامًا، وهذا مستوعب في كتاب التجارة بأرض الحرب.

[الباب السادس] في إجارة الوصي نفسه من يتيمه أو الوالد من ولده أو الولد من والده وإجارة العبد بغير إذن سيده وإجارة الصغير بغير إذن وليه

[الباب السادس] في إجارة الوصي نفسه من يتيمه أو الوالد من ولده أو الولد من والده وإجارة العبد بغير إذن سيده وإجارة الصغير بغير إذن وليه [فصل: 1 - إجارة الوصي أو الوالد نفسه من يتيمه أو من ابنه أو الابن نفسه من أبيه] والقضاء: ألا يجوز شراء الوصي من يتيمه، فإن فعل: نظر في ذلك الإمام، فما كان خيرًا لليتيم أمضاه. قال ابن القاسم: وإذا واجر الوصي نفسه من يتيم له في حجره يعمل في بنيانه أو بستانه نظر في ذلك الإمام فما كان خيرًا لليتيم أمضاه. وقد كره مالك أن يشتري الوصي من مال يتيمه لنفسه، فإن فعل: نظر السلطان في ذلك، فما كان خيرًا لليتيم أمضاه على الوصي، فأرى الإجارة مثل البيع. قال: وكذلك الأب في ابنه الصغير في هذا مثل الوصي في يتيمه سواء. قال ابن القاسم: وإن واجر ابنه للخدمة، فإن كان الابن محتلمًا فالإجارة للابن؛ لأنه إذا احتلم لم تلزمه نفقته.

فصل [: 2 - العبد والصغير يؤاجران أنفسهما بغير أذن الأولياء] قال ابن القاسم: ومن واجر صبيًا صغيرًا في عمل بغير أذن وليه، أو عبدًا محجورًا عليه بغير إذن سيده لم يجز ذلك؛ لأن العبد والصغير لا تجوز عقودهما إلا بإذن السيد أو ولي الصبي، فإن فعل وعملا فعليه الأكثر مما سمى أو أجر المثل، فإن عطبا وكان عملاً يعطبان في مثله فالسيد مخير في أخذ الكراء الذي سمى له ولا شيء له من قيمة العبد، أو ويأخذ قيمة العبد ما بلغت ولا كراء له. قال أبو محمد: وإذا اختار الكراء فله الأكثر كما لو لم يعطب. وقال ابن شيلون إذا ترك أخذ القيمة فإنما له الكراء المسمى فقط. وقول أبي محمد أبين. قال ابن القاسم: وأما في الصبي فعلى المتكاري الأكثر من أجر مثله أو ما سمى له، والدية على عاقلته. وقال ابن وهب عن مالك: إذا أنكر السيد أن يكون أذن له في الإجارة: لم يضمن مستعمله بأجر هلاكه إلا أن يواجره في غرر كالبئر ذات الحَمْاة، أو الهدم تحت الجدران بغير إذن أهله، فيضمن. قال: وكذلك إن أطلقه ربه في

الإجارة: ضمن من استعمله في هذا الغرر بغير إذن سيده؛ لأنه لم يؤذن له في التغرير بنفسه، وقاله ربيعة. قال سحنون: هذا هو الأصل. م: وهو خلاف قول ابن القاسم، وروى ابن القاسم عن مالك في العتبية نحو رواية ابن وهب هذه، قال في العبد الخياط أو النجار يستأجره رجل في غير عمله يعمل له شيئًا، أو ينقل له البناء أو غير ذلك فيهلك العبد في ذلك: فلا ضمان عليه، وقد يرسل العبد البَّنَّاء في البِنَاء فيتعذر عليه البِنَاء فيواجر نفسه في غيره إلا أن يدخله في عمل مخوف فيه خطر. قال ابن القاسم: أو يعتمد به سفرًا فيضمن. م: قال بعض فقهاء القرويين: وقيل: يضمن، وإن كان عملاً لا يعطب في مثله؛ لأنه وضع يده عليه بغير إذن سيده فأشبه الغاصب، فإن قيل: الغاصب متعد، وهذا غير متعد، فأشبه ما لو استأجره من الغاصب فعطب فيما استأجره أنه لا يضمن،

أو اشتراه من سوق المسلمين فمات في يده فلا يضمن. قيل: من اشترى أو استأجر من غاصب هناك من يضمن للمغصوب له وهو الغاصب، ومستأجر العبد من نفسه ليس هناك من يضمن، إذ العبد هو غاصب منفعة نفسه فلا يضمنها لسيد، وإنما يضمنها من وضع يده عليها بالخطأ، إلا أن يقال: أن هذا القدر يمكن أن يتصرف فيه العبد لو لم يُواجر، فصار كمن استأجره مكانه لم ينقله عن موضعه فأشبه الحر في هذا المعنى. [فصل: 3 - المستعين بعبد أو غلام غير بالغ بغير إجارة هل يضمن ما أصابها؟] ومن المدونة ابن وهب وقال ربيعة: من استعان عبدًا أو غلامًا حرًا غير بالغ بغير أجر فيما فيه الإجارة: ضمن ما أصابها، وإن كان عملاً لا يعطيان في مثله. بخلاف أن لو استأجرهما هذا لا يضمن إلا أن يستعملهما في غرر كما ذكرنا، وأما لو استأجر كبيرًا حرًا في غرر لم يضمن ما أصابه إلا أن يستغفل أو يستجهل في أمر لا يعلم منه ما يعلم من واجره، وكذلك في كتاب محمد. قال ربيعه: وإن استأجر عبدًا أذن له في الإجارة، فخرج به في سفر بغير إذن وليه فهو ضامن. قال: وما كان من عبد أو صبي استعين فيما لا إجارة فيه كمناولة النعل والقدح وشبهه فلا عقل في هذا في حر ولا عبد.

م: واختلف إن استعان عبدًا في خياطة يسيرة، فمات العبد حتف أنفه على قول ربيعة هذا، فقال بعض أصحابنا: يضمن؛ لأنه مما فيه الإجارة، وظهر لي أنه لا يضمن إلا أن يموت بسبب الخياطة التي استعانه فيها مثل أن تضربه الإبرة فيهلك لذلك، أو ينقله إلى داره يخيط له، وإلا لم يضمن. قال مطرف وابن الماجشون: ولا بأس أن يستأجر الرجل الغلام لم يبلغ الحلم، والجارية لم تحض من أنفسها إذا عقلا، وكان فيما فعلا نظر، ويدفع إجارتهما إليهما، ويبرأ بذلك الدافع ما لم يكن شيئًا له بال، وما كان في إجارتهما من محاباة فعلى المستأجر تمامها كان معهما ولي أو لم يكن، وكذلك إذا عقد عليهما أخو أو عم يجوز من ذلك ما يجوز إذا عقداه هما إذا قل خطب ذلك، ولم يحابا فيه، ودفعه الإجارة إلى الولي الذي أجرهما يبرأ به إن كان الولي مأمونًا، ولو كان الولي من قبل الإمام كان أحب إلينا، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. ولا يواجر إلا المأمون، ولا يواجر الجواري إلا من المأمون العفيف، ويتقدم الإمام فيه، ويعاقب على خلافه، ولا يواجر من غريب لا يعرف.

[فصل: 4 - الأعزب يواجر حرة أو أمة تخدمه بدون محرم] ومن المدونة قال ابن القاسم: وأكره للأعزب أن يواجر حرة ليس بينه وبينها محرم، أو أمة تخدمه يخلو معها. وقد كره مالك أن يعادل الرجل المرأة في محمل، وليس بينهما محرم، والأول أشد عندي كراهية من هذا. قال مالك: ولا تكرى أم الولد للخدمة، وليس لها فيها إلا المتعة.

[الباب السابع] في إجارة الحائط لغرز الخشب وإجارة الأجير على أن يغتله وأجل الإجارة

[الباب السابع] في إجارة الحائط لغرز الخشب وإجارة الأجير على أن يغتله وأجل الإجارة [فصل: 1 - إجارة الحائط لحمل الخشب أو بناء سترة] قال ابن القاسم: ولا بأس بإجارة الحائط لحمل خشب، أو لبناء سترة عليه، أو لضرب وتد، أو لتعليق ستر كل شهر بكذا. قال بعض القرويين: فإن انهدم الحائط لم يلزم ربه بناؤه؛ لأنه إنما أكرى منافعه فهو بخلاف ما لو اشترى عليه الحمل للأبد، هذا إذا انهدم: وجب على صاحبه أن يبنيه، كالسفل ينهدم وعليه علو على صاحب السفل أن يبني أو يبيع ممن يبني. قال مالك: والحديث في غرز الخشب قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبه في جداره» إنما هو ندب ولا يقضى به.

فصل [: 2 - إجارة العبد الصانع على الإتيان بالغلة] قال مالك: ولا بأس بإجارة العبد ذي الصنعة على أن يأتيك بالغلة ما لم تضمنه في أصل الإجارة خراجًا معلومًا، وإن وضعته عليه بعد ذلك ولم تضمنه إن لم يأت به جاز ذلك. م: لأنك قد ملكت منافعه، فلك أن تصرفها حيث شئت في مثل ما اكتريت، كما لو اكتريت دارًا فلك كراؤها من غيرك. قال ابن وهب: قال مالك: وإن وأجرت أجيرًا سنة بدنانير ليعمل لك في السوق، على أن يأتيك بثلاثة دراهم كل يوم: لم يجز؛ لأنه إن أعطاكه فضة فهو ذهب في فضة مؤجلة، وإن كان على أن يعطيك به طعامًا فهو سلم في حنطة بغير سعر معلوم، وقد يكثر ما يعطيك بثلاثة دراهم لرخص الطعام، أو يقل لغلائه، فهو غرر لا يجوز لنهي النبي عليه الصلاة والسلام عن بيع الغرر، وأما لو ذكر أنه يأتيه كل يوم بمكيلة معلومة موصوفة فأجاز ذلك ابن المواز، وكرهه ابن القاسم، وقال بعض

القرويين: لعله يريد؛ لأنه سلم حال، وأجل انقضائه قريب ليس بطويل حتى يكون ما أخذ مقدمًا يسيرًا في جنب ما يتأخر، فعلى هذا يصح قول ابن القاسم الذي لا يجيز السلم إلا إلى أجل بعيد. ومن المدونة قال ربيعة وابن شهاب: وإن استأجره ودفع إليه دابة على أن يأتيه كل يوم بكذا، فهو جائز ما لم يضمنه إن نقص عن ذلك. فصل [: 3 - في أمد الإجارات] ومن المدونة قال مالك: ولا بأس بإجارة العبد عشر سنين وخمس عشرة سنة، وما رأيت من فعله، وأنا أرى به بأسًا، والدُّور أبين أن ذلك فيها جائز. قال في كتاب كراء الدور: ويجوز تقديم الإجارة فيه بشرطه. قال: وللموصى له بخدمة عبد عشر سنين أن يكريه عشر سنين، فأما الموصى له بخدمة عبد حياته فلا يجوز أن يكريه عشر سنين يريد بالنقد، وأما إذا لم ينقده فجائز؛ لأنه كل ما عمل أخذ بحسابه، وقال غيره: لا تجوز إجارة العبد السنين الكثيرة لما في الحيوان من سرعة التغيير، وهو في الدواب أبين غررًا. م: وإلى هذا نحا سحنون، وأما الدور فتجوز إجارتها ثلاثين سنة بالنقد والمؤجل؛ لأنها مأمونة. ابن المواز: ورواه ابن وهب عن مالك.

[الباب الثامن] في الإجارة الفاسدة وهل يواجر الأجير أو يستعمل بالليل أو يسافر به؟ وبيع العبد المستأجر وهروبه ومرضه وسرقته

[الباب الثامن] في الإجارة الفاسدة وهل يواجر الأجير أو يستعمل بالليل أو يسافر به؟ وبيع العبد المستأجر وهروبه ومرضه وسرقته [فصل: 1 - الإجارة الفاسدة] [المسألة الأولى: الإجارة على أن يخدمه شهرًا بعينه على أنه إن مرض قضاه في غيره] قال ابن القاسم: ومن واجر عبدًا يخدمه شهرًا بعينه على أنه إن مرض قضاه في غيره: لم يعجبني؛ لاختلاف أيام الشتاء، والصيف إن تمادى في مرضه. [المسألة الثانية: استئجار الأجير في شيء فيفسخ في غيره أو يستعمل في غير ما استأجر له] قال مالك: ومن واجر نفسه أو عبده في الخياطة شهرًا لم يجز أن يفسخ ذلك في قصارة أو غيرها؛ لأنه دين بدين إلا أن تكون الإجارة يومًا ونحوه فيجوز ذلك؛ لأنه لا يكون دينًا بدين. وقال سحنون لا يجوز فيما قل أو كثر.

قال مالك وكل من كان له حق على رجل من عمل أو مال فلا يجوز له أن يحوله في غير ذلك العمل والمال، فإن حوله صار كاليًا بكأل، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- «عن الكاليء بالكاليء». ومن استأجر عبدًا في الخياطة كل شهر بكذا فلا يستعمله في غيرها، فإن استعمله في غيرها فعطب ضمنه إن كان عملاً يعطب في مثله. قال سحنون: ليس هو هكذا، وإذا حوله بغير أذن أهله في غير ما استأجره ضمن بتعديه، كقول ربيعة في الذي استعان عبدًا فيما فيه الإجارة. م: يريد سحنون أنه يضمن سواء كان عملاً يعطب في مثله أم لا كمسألة الاستعانة. فصل [: 2 - الأجير في الخدمة يستعمل على عرف الناس] ومن واجر أجيرًا للخدمة استعمله على عرف الناس من خدمة الليل والنهار، كمناولته إياه ثوبه أو الماء في ليله، وليس فيما يمنعه النوم إلا في أمر يعرض له المرة يستعمله فيه بعض ليله فلا بأس بذلك.

قال مالك: ولا ينبغي لأرباب العبيد إجهادهم، فمن عمل منهم في نهاره ما يجهده فلا يستطحن في ليله إلا أن يخف عمل نهار فليستطحنه ربه في ليله إن شاء من غير افداح وكره مالك ما أجهد [أو] قل أَمنْهُ، كعمله على الزرنوف؛ لأنه شديد يجهد وربما هلك في ذلك. فصل [: 3 - الأجير يُسافر به] ومن استأجر أجيرًا للخدمة فليس له أن يسافر به. قال مالك وإن استأجره للخدمة على أنه إن سافر أو حرث استعمله في ذلك: لم يجز. ولا بأس باشتراط ما شابه الخدمة، من طحين وطبخ وخبز وكنس، والمتباعد خطر لتفاوت قيم الأعمال. قال ابن القاسم في العتبية: وإن شرط عليه إن احتاج إلى سفر شهرًا أو

شهرين في السنة سافر معه، فلا بأس به. قال في كتاب ابن المواز: لا يشترط عليه في الخدمة سفر أيام يسميها في وسط السنة، ولا يستأجره على عملين متباعدين مثل أن يقول تحرس لي كرمي، وتبني لي هذا البيت. وقد قال مالك في من استأجر أجيرًا يعمل له بعض الأعمال ثم بدا له أن يحوله إلى غير نوع ما استأجره قبل أن يفرغ من الأول: فلا أحب له ذلك، وكل من كان له حق على أحد من عين أو عرض أو عمل فلا يجوز أن يحوله في غيره، ويؤخره، ويدخله المخاطرة والربا، يريد إذا كان يحوله إلى غيره نوع ما استأجره، فأما إذا كان من النوع الذي استأجره عليه فله، أن يحوله إلى ما شاء منه فإن، قال الأجير في بعض ما يحوله إليه: هذا ما لا أحسنه، مثل الحصاد والحرث والقصل، فللمستأجر أن يفسخ إجارته إن شاء، إلا أن يكون يسيرًا من العمل مما لا خطب له، ولا ضرر في تركه فلا يفسخ به. وقال ابن المواز: يجوز أن يشترط في شهر من السنة معين عملاً آخر وقد سماه، وقد قال مالك في الدار يكريها على أنه احتاج إليها في شهر من السنة بعينه سكنها: إنه جائز. ابن حبيب: ومن واجر أجيرًا شهرين يعمل له في الشهر الأول عملاً سماه، وفي الثاني عملاً آخر سماه، أو أجره شهرًا، ثم عامله قبل الشهر بمدة على عمل

آخر خلافه في الشهر الثاني، فما أشبه وتقارب من العمل فجائز في المسألتين إذا كانتا إجارة واحدة، وما تباعد لم يجز؛ لأنه كما واجر رجلاً في عمل لا يشرع فيه إلى شهر. وإن واجره شهرين شهرًا بعشرة، وشهرًا بخمسة فذلك إجارة واحدة سبعة ونصف لكل شهر، إلا أن يريد أن يكون لكل شهر ما سمى، وإنما رأيت يقع عليه المحاسبة في موت الأجير أو مرضه فلا يجوز. وقاله ابن الماجشون عن مالك. قال ابن القاسم في العتبية: وهو من بيعتين في بيعة، إن هلك الأجير في الأول فهو الغابن، وإن هلك في الثاني فالغابن المكتري. فصل [: 4 - بيع العبد المستأجر] ومن المدونة قال مالك: ومن واجر عبده ثم باعه فالإجارة أولى به. قال ابن القاسم: فإن كانت الإجارة قريبة كيوم ويومين جاز البيع، وإن بعد الأجل فسخ البيع، ولم يكن للمبتاع أخذه بعد الأجل؛ لأن مالكًا قال لا يجوز بيع عبد على أن يقبض إلى شهر. م: فإن كانت الإجارة شهرًا، ولم يعلم المبتاع أنه مواجر حتى انقضت الإجارة، فاختلف أصحابنا المتأخرون في ذلك.

فقال بعضهم: يلزم المبتاع العيب؛ لأنه كعيب ذهب، ويكون له أجرة ذلك الشهر على ما أحب البائع أو كره؛ لأنه أجرة عبده، ولا يدخله بيع عبد وذهب بذهب، لأن الحكم أوجب ذلك ولم يتعاملا عليه. وقال آخرون: بل الإجارة للبائع، ويخير المبتاع في أن يقبله بغير الإجارة أو يرده. ولا يجوز أن يتراضيا على أن يأخذه المبتاع ويأخذ الإجارة معه؛ لأنه بيع عبد وذهب بذهب، وقيل: بل يقوَّم العبد على أن يقبض يوم عقد البيع، ثم يقوَّم على أن يقبض بعد شهر، فما نقص رجع بحصَّة ذلك من الثمن وهذا أحسنها. فصل [5 - هروب العبد المستأجر أو مرضه أو انهدام الدار] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن واجر عبده ثم هرب السيد إلى دار الحرب، فالإجارة بحالها لا تنتقض، وأما إن هرب العبد إلى دار الحرب أو أبق: انفسخت الإجارة بينهما إلا أن يرجع العبد في بقية من المدة فيلزمه تمامها. قال غيره: إلا أن يكون تفاسخا. قال مالك: وكذلك لو مرض المستأجر مرضًا بيَّنًا: انفسخت الإجارة بينهما، إلا أن يصح العبد قبل تمام المدة، فيلزمه تمامها.

قال غيره: إلا أن يكون تفاسخا، أو فسخ ذلك بينهما قبل ذلك فلا يلزمه تمامها. م: وكذلك الدار ينهدم بعضها ثم يصلحها ربها قبل الفسخ وقد بقى بعض المدة فيلزمه تمامها، وأما لو انهدم جميعها، وانتقل المكتري عنها، ثم بناها ربها حسب ما كانت أولاً، وقد بقى بعض المدة فلا يلزم المكتري بقية المدة؛ لأن هذه دار غير الأولى، وانهدام جميع الدار وبناؤها كموت العبد المستأجر والاتيان بغيره. قال في العتبية: ولو تروغ العبد المستأجر حتى تمت المدة انفسخت الإجارة فيما يبطل، وإن عمل شيئًا فله بحسابه وهذا في شهر أو سنة معينة، وإنما الذي يلزمه عمله بعد ذلك، مثل أن يقول: له اعجن لي في هذا اليوم ويبة، أو اطحن لي في هذا الشهر كل يوم ويبه، فهذا لا يضر ذكر الوقت، ويلزمه العمل بعد ذلك، وليس بواقع على وقت ولكن على عمل مسمى. وكمن قال للسقاء: اسكب لي في هذا الشهر ثلاثين قلة، فيروغ فيه فذلك باق عليه. أشهب عن مالك: ومن واجر عبدًا شهرًا بعشرة دراهم على أن له راحة يومين، فَيُبَطَّل العبد أيامًا غير اليومين، كيف يحسب حصتها من الثلاثين أو من ثمانية وعشرين؟ قال: الذي بلغني وما هو بالبيَّن: أنه إن شرط على المستأجر أن يطعمه في

يومي الراحة المشترطين حسب ذلك على الشهر، وكأنه واجره يومًا على أن يترك له بعض النهار سويعة، وإن لم يكن عليه طعامه فيها حسب على ثمانية وعشرين يومًا. فصل [: 6 - من استأجر عبدًا فألفاه سارقًا] ومن المدونة: ومن استأجر عبدًا للخدمة، فألقاه سارقًا، فهو عيب يرد به كالبيع؛ ولأنه لا يستطيع التحفظ منه. وأما من ساقيته حائطك، ثم ألفيته سارقًا: لم تفسخ مساقاته، وليتحفظ منه. م: لأن أجير الخدمة قد ملكت جميع منافعه فهو كالشراء له، وهو يتصرف في مالك بعينه وجميع أمورك فلا تستطيع التحفظ منه، والمساقي إنما هو أجير في شيء بعينه فأنت تقدر على التحفظ منه؛ ولأن له حصة في الثمرة فصار كالشريك فهو بخلاف الأجير، ولك إذا وجدته سارقًا أن تساقي عليه غيره، ولا تفسخ مساقاته، ولا يجوز ذلك في الأجير؛ لأنه أجير بعينه، وليس ذلك العمل مضمونًا عليه، كما هو في المساقاة.

[الباب التاسع] جامع القول في إجارة الراعي

[الباب التاسع] جامع القول في إجارة الراعي [فصل: 1 - أجير الغنم هل له أن يرعى معها غيرها؟] قال ابن القاسم: ومن استؤجر على رعاية غنم كثيرة لا يقوى على أكثر منها، فليس له أن يرعى معها غيرها إلا أن يدخل معه راعيًا يقوى به. قال سحنون: قوله بعد هذا: لا يأتي الراعي بغيره، يرد هذا. قال ابن القاسم: وإن كانت غنمًا يسيرة فذلك له إلا أن يشترط عليه ربها ألا يرعى معها غيرها، وقد قال مالك في المقارض: له أن يأخذ من غير الأول مالاً ثانيًا يعمل به، إلا أن يكون الأول كثيرًا يخاف إذا دخل معه غيره ألا يقوى عليهما فليس له ذلك: أنكرها سحنون، وقال: ليس القراض والإجارة سواء.

م: وقول ابن القاسم أبين؛ لأن القراض ضرب من الإجارة المجهولة، أرخصت السنة في جوازه، فإذا كان يجوز في القراض مع ضيقه فجوازه في الإجارة أحرى، وإنما يختلفان إذا وقع الشرط فيجوز في الإجارة؛ لأنها أوسع. قال ابن القاسم: وقد كره مالك لرب المال القليل أن يشترط على العامل أن لا يأخذ من أحد غيره بخلاف الراعي؛ لأن القراض ليس بإجارة معلومة، فهذا يحيله عن وجه رخصته، والإجارة تجوز مؤجلة، أو على بيع متاع أو شرائه ببلد آخر، بخلاف القراض. قال ابن القاسم: فإن رعى الراعي معها غيرها بعد هذا الشرط. فالإجارة لرب الأولى، وكذلك أجيرك للخدمة يواجر نفسه من غيرك يومًا أو أكثر، فلك أخذ الأجر أو تركه، وإسقاط حصة ذلك اليوم من الأجر عنك. م: وهذا فيما يشابه ما أجرته أو يقاربه، وأما أن يواجره في الرعاية شهرًا بدينار، فيذهب يواجر نفسه في الحصاد أو في أمر مخوف يومًا بدينار، أو تواجره يومًا لخدمتك في الغزو فيذهب يقاتل فيقع له في سُهمانه عشرة دنانير، فهذا وشبهه لا يكون لك إلا إسقاط ما عطل من عملك من الأجر. وقال غير واحد من أصحابنا.

ومن المدونة وقال غير ابن القاسم: إن لم يدخل الراعي برعاية الثانية على الأولى تقصيرًا في الرعاية فأَجْر الثانية للراعي. م: وقول ابن القاسم أحسن؛ لأنه لما اشترط ألا يرعى معها غيرها فقد ملك جميع خدمته، وزاده للشرط على أجرته، فوجب أن يكون له أجر ما رعى مع غنمه، فإن لم يكن شرط فلا خلاف بينهما أن أجر الثانية للراعي. قال ابن حبيب: وهذا إذا استأجره على رعاية عدد غنم، وأما لو استأجره على رعاية غنمه، وضمه إلى نفسه فكان تحت يده فليس عليه أن يسمى له عدد ما يرعى له، وله أن يسترعيه ما يقوى مثله على رعيته، وليس للأجير أن يرعى غير ذلك لغيره. وإن لم يضر ذلك بغنمه؛ لأنه أجيره وله خدمته كلها كالدابة يكتريها ليحمل عليها، فليس لربها أن يحمل لغيره عليها، إلا أن يكري منه على حمل وزن مسمى أو كيل، فله أن يحمل لغيره ما لم يدخل على الأول ضررًا، وهذا مثل إجارته على رعاية عدد غنم معلومة. [فصل: 2 - الأجير يُستأجر لرعاية غنم بغير أعيانها أو بأعيانها فمات بعضها فهل للمؤجر أن يخلف مكانها؟] ومن المدونة ومن استأجرته على رعاية مئة شاة، ولم تقل بأعيانها، فمات بعضها فلك خلف ما مات منها، وإن لم تشترط ذلك عليه، فإن كانت بأعيانها فلا تجوز

الإجارة، حتى يشترطا أنها إن ماتت أو باعها أخلف مكانها غيرها. وقال سحنون وابن حبيب: والحكم يوجب له ذلك، ويستغنى عن الشرط. قال ابن حبيب: والأمر على الجواز حتى يشترط تصريحًا إن ماتت أو بيعت، فليس عليه أن يرعى له غيرها فتفسد الإجارة؛ ولأن الغرض في رعاية الغنم العدد لا الأعيان، وقد تقدم هذا في أول الكتاب. [فصل: 3 - الأجير يرعى غنمًا بأعيانها فتتوالد أو يزاد فيها] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا استؤجر على رعاية غنم بأعيانها وشرط ربها أن ما مات منها أخلفه فتوالدت الغنم حُمِلا في رعاية الولد على عرف الناس، فإن لم تكن لهم سنة لم تلزمه رعايتها. قال أبو بكر اللباد: وعلى ربها أن يأتي براعي يرعى معه للتفرقة. [فصل: 4 - هل لأجير الغنم أن يأتي بمن يرعى مكانه؟ وهل له أن يسقي من ألبانها؟] قال ابن القاسم: وليس للراعي أن يأتي بعبده أو بغير يرعى مكانه، ولو رضى بذلك رب الغنم: لم يجز. م: لأنه فسخ دين في دين. قال مالك: ومن مرَّ براعٍ، لم يعجبني أن يستسقيه لبنًا.

فصل [: 5 - ما جاء في تضمين الرعاة] [المسألة الأولى: الراعي لا يضمن إلا بالتعدي والتفريط] قال مالك: ولا ضمان على الرعاة إلا فيما رعوا فتعدوا فيه، أو فرطوا في جمع ما رعوا من الغنم والدواب لناس شتى أو لرجل واحد. ابن حبيب: وقال ابن الماجشون وقال ابن المسيب والأوزاعي ومكحول والحسن: يضمن الراعي المشترك، ولا يضمن من يرعى لرجل واحد خاصة. م: رأوا الراعي المشترك كالصانع؛ لأنه أجير مشترك. [المسألة الثانية: هل يضمن الراعي ما سُرق أو هرب؟] ومن المدونة قال مالك: ولا يضمن الراعي ما سرق، إلا أن تشهد بينة أنه ضَيَّع أو فَرَّط. قال أبو الزناد: وإلا لم تلزمه اليمين.

ومن كتاب ابن سحنون وسأل حبيب سحنونًا عن الراعي يرعى للجزارين لهذا شاة ولهذا شاتين فهربت من الذود شاة فطلبها قليلاً ثم رجع إلى الذود وتركها، فقيل له لِمَ رجعت وتركتها؟، قال خفت الضيعة على الذود، هل هذا تفريط؟ قال: ليس هذا بتفريط، ولا ضمان عليه. [المسألة الثالثة: هل يضمن الراعي ما ضاع وهو نائم، أو انتحر؟] قال ابن حبيب: ولا يضمن إن نام فضاعت الغنم، وإن كان نومه نهارًا في أيام النوم إلا أن يأتي من ذلك ما يستنكر، ويجر إلى الضيعة فيضمن، أو يكون بموضع مخوف. ومن المدونة: قال ابن وهب عن مالك: ولا ضمان على العبد الراعي إلا أن ينتحر شيئًا فيضمنه. م: ويجب أن يضمن على قول ابن القاسم في ذمته، وعلى قول سحنون تكون جناية في رقته كاختلافهما إذا تعدى على الوديعة فأتلفها. قال أبو الزناد: وإن استراعى بغير إذن سيده فانتحر، أو باع: فليس على سيده ولا في رقبة العبد شيء من ذلك.

[المسألة الرابعة: اشتراط الضمان على الرعي] قال مالك: وإذا اشترط على الراعي الضمان: فسدت الإجارة، ولا ضمان عليه فيما هلك منها، وله أجر مثله بغير ضمان. قال ابن القاسم: ناف ذلك على التسمية أو نقص، وقال غيره: إن كان ذلك أكثر من التسمية: لم يزد عليها. قال: ومحال أن تكون أكثر. قال ابن القاسم: وكذلك إن اشترطوا على الراعي أنه إن لم يأت بسمة ما مات منها ضمن. فلا يضمن وإن لم يأت بها، وله أجر مثله ممن لا ضمان عليه. [المسألة الخامسة: هل ما ذبحه الراعي خشية الموت يضمنه؟] وإذا خاف الراعي الموت على الشاة فذبحها لم يضمن، ويُصدَّقُ إذا جاء بها مذبوحة. وقال غيره: يضمن ما انتحر. ابن حبيب: وقال ابن كنانه وأصبغ، كقول مالك أنه لا يضمن. قال: ولا يصدق على مثله مستعير البقرة يدعي ذلك فيها.

[المسألة السادسة: هل الراعي مصدق فيما ادعى هلاكه أو سرقته؟] ومن المدونة قال ابن القاسم: والراعي مصدق فيما هلك أو سرق، ولو قال: ذبحتها ثم سرقت صدق. وقال غيره: بالذبح ضمن. [المسألة السابعة: في تعدي الراعي] قال ابن القاسم: وإن أنزى الراعي على الإبل والرمك والبقر والغنم بغير أذن أهلها ضمن. وقال غيره لا يضمن. قال ابن القاسم: وإن شرط عليه الرعاية بموضع فرعى في غيره ضمن قيمتها يوم تعدى كالتعدي في الدابة، وله الأجر إلى يوم تعديه. وقال في الأكرية: وكل شيء صنعه الراعي مما لا يجوز له فعله، فأصاب الغنم من فعله عيب فهو ضامن، فإن صنع ما يجوز له أن يفعله، مثل أن يضربها كضرب الرعاة ففعل، فعيبت الغنم: فلا ضمان عليه.

قال ابن حبيب: إذا رمى شاة أو بقرة ففقأ عينها، أو كسرها: ضمن ما نقصها، وإن أبطلها ضمن قيمتها تعمد أو لم يتعمد، وكذلك إن رمى كما ترمي الرعاة الغنم فحدث عن ذلك ما لم يرده، فإنه يضمن. م: وهذا خلاف لمالك. ابن حبيب: وكذلك الرجل يضرب زوجته، والمعلم يضرب الصبي على وجه الأدب فيكون عن ذلك ما لم يرده، فإنه يعقل ذلك، ولو كان أجنبيًا كان فيه القود، وإنما لا يضمن ما حدث عن رميته مثل أن تنزو الشاة لرميته، أو تحيد فتقع في مهواة فتنكسر، أو تغرق في نهر، أو تنطح صخرة فتنكسر، فلا يضمن هذا، بخلاف ما تؤثر الرمية نفسها. وهذا إذا رمى كما يرمى الرعاة، فإن رمى متعينًا ضمن كيف ما عطبت بسبب رميته ويصير كأجنبي، قال: ويدل أنه يضمن ما أصابت رميته أنه لو رمى صيدًا فأخطأه فأصاب شاة فعطبت لضمنها. م: ويظهر لي أن الفرق بينهما أن الرعاة لا تستقيم لهم الرعاية إلا بذلك؛ إذ لو ذهب إلى رد كل شاة تخرج من الغنم أو تتأخر عنها بنفسه لتعذر ذلك عليه ولم يستطعه، فكان ذلك من شأن الرعاة، وجرت به عادتهم، وصار لهم ذلك عرفًا فهم كالمأذونين لهم فيه.

وأما رميهم الصيد فتصيب الشاة فهذا ليس هم مضطرين إليه، ولا هو من مصالح الغنم كالأول فافترقا، ومما يضعف قول ابن حبيب تفرقته بين ما أصاب الرمية أو تولد عنها ألا ترى أن المحرم إذا رمى صيدًا فنزى لرميته فيقع في مهواة فيهلك انه يَدِيه كما لو أصابته الرمية، فإن قيل: إن الراعي مأذون له في مثل هذا، والمحرم منهي عن ذلك قيل: هو يشبه أن لو رمى ظبيًا يظنه سبعًا فنزى في رميته فوقع في مهواة فمات، فإنه يضمن جزاءه، فإن قيل: قتل الخطأ والعمد في قتل الصيد سواء. قيل: والخطأ والعمد في أموال الناس سواء، فدل ذلك أن لا فرق بين ما أصاب برميته أو ما حدث عنها، وإنما لم يضمن الراعي؛ لأنه مضطر إلى ذلك فكأنه مأذون له فيه. وبالله التوفيق.

[الباب العاشر] جامع القول في إجارة الظئر

[الباب العاشر] جامع القول في إجارة الظِئْر [فصل: 1 - الأصل في استئجار الظئر وحكمه] قال الله تعالى في المطلقات: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وقال تعالى: {فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6]. قال مالك: لا بأس بإجارة الظئر على رضاع الصبي حولاً أو حولين بكذا، وكذلك إن شرطت عليهم طعامها وكسوتها فهو جائز. ابن حبيب: وذلك معروف على قدرها وهيئتها، وقدر أبي الصبي في غناه وفقره. م: ولا يدخل ذلك طعام بطعام إلى أجل؛ لأن النهي إنما ورد في الأطعمة التي جرت عادات الناس أن يقتاتونها ويأتدمونها، وأما الرضاع فقد جرى العمل على جوازه في مثل هذا ولا خلاف فيه؛ ولأن اللبن الذي يرضعه الصبي لا قدر له من

الثمن، وإنما أكثر الإجارة لقيامها بالصبي، وتكلفها جميع مؤنته، فكان اللبن في جنب ذلك لا قدر له. [فصل: 2 - الظئر هل لزوجها وطؤها ويسافر بها؟] ومن المدونة قال مالك: وليس لزوجها وطئها إن أجرت نفسها بإذنه، وإن كان بغير إذنه فله أن يفسخ إجارتها. ابن حبيب وقال أصبغ: لا يمنع الوطء إلا أن يشترطوا ذلك عليه، وإلا لم يمنع إلا أن يتبين ضرر ذلك على الصبي فيمنع؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام إنما قال: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة» ولم ينه عنها. قال ابن حبيب: وقول ابن القاسم أحب إليَّ، اشترط ذلك أو لم يشترط، ألا ترى أن الزوج لا يكون موليًا باليمين بتركه الوطء.

قال محمد بن عبد الحكم: وكذلك إن أراد الزوج أن يسافر بها فإن، أَجَّرت نفسها بإذنه لم يكن له ذلك، وإن كان بغير إذنه فله ذلك وتفسخ الإجارة. [فصل: 3 - الظئر ترضع الطفل حيث اشترط وما يلزمها غير الإرضاع] ومن المدونة قال: وترضعه حيث اشترطوا، فإن لم يكن شرط فشأن الرضاع عن الأبوين، إلا امرأة لا يرضع مثلها عند الناس، أو يكون الأب وضيعًا لا يرضع مثلها عند مثله فذلك لها، وإنما ينظر في هذا إلى أفعال الناس. قال محمد بن عبد الحكم: وإن مات زوج الظئر فإنها تبيت في منزلها بالليل، وتنفسخ الإجارة إن طلبوا ذلك، وإن رضوا بمصير الصبي إلى منزلها ثبتت الإجارة. ومن المدونة قال: ويحملون فيما يحتاج الصبي من المؤونة في غسل خَرقه، وحميمه، ودَهنه، ودق ريحانه وطيبه على ما تعارفه الناس.

قال ابن حبيب: وإن لم يكن عرف فليس عليها غير الرضاع فقط، إلا أن يشترط ذلك. قال أبو محمد: وقال محمد بن عبد الحكم: على الظئر المستأجرة أن تغسل خَرق الصبي ولحافه وما يحتاج إليه، وتدق ريحانه، وتقوم من أمره بما تقوم به الأم، وتوضئه إن احتاج إلى ذلك، وتحمله إلى الطبيب إن احتاج إلى ذلك، وأما ما ترقد فيه الظئر من لحاف وفراش فذلك على ما تعارفه الناس، فإن لم يكن عرف فذلك عليها، وكون على الأب لحاف الصبي ودثاره وما يرقد فيه. [فصل: 4 - الظئر تحمل فيخشى منه على الصبي] ومن المدونة: وإذا حملت الظئر، فخيف على الصبي: فلهم فسخ الإجارة، ولا يلزمها أن تأتي بغيرها ترضعه؛ لأنها إنما اكتريت على رضاعة بعينها، وإن سافر الأبوان فليس لها أخذ الصبي، إلا أن يدفعا إلى الظئر جميع الأجر. [فصل: 5 - هل تنفسخ الإجارة بفوات المقصود منها] قال مالك: وتنفسخ الإجارة بموت الصبي، ولها بحساب ما أرضعته. ابن القاسم: وإن أراد والد الصبي أن يواجرها ترضع غير ابنه، أو يأتي بصبي سوى ابنه ترضعه، ويعطيها جميع أجرها: لم يكن له ذلك، ولا لها إن طلبته. قال ابن المواز: وكذلك في الرائض إذا مات الفرس. ابن ميسر: وكذلك معلم الكتاب إذا مات

الصبي لتفاوت اختلاف مؤنهم، واختلف في من استوجر على حصاد زرع فهلك الزرع قبل الحصاد، فقيل: يحصد له زرعًا غيره. وقيل: تنفسخ الإجارة؛ لاختلاف الزرع، فإن كان أجره بنصفه وقد طاب فيضمن الأجير نصف قيمة الزرع. م: لأنه ثمن إجارته، وهلاكه منه بعد عقد الإجارة كالشراء له، فكذلك وجب عليه رد قيمته. ومن المدونة، قال ابن القاسم: وقد قال مالك في من اكترى دابة ليركبها بنفسه: ليس له أن يكريها من غيره، وإن كان في مثل حاله وخفته؛ لأنه قد يجد من هو مثله في الأمانة والحال والخفة ولا يكون مثله في الرفق، وكذلك الظئر ليس عليها أن ترضع غير ما استؤجرت على رضاعة. قال سحنون: ليست مثلها. م: والجواب صحيح، وإنما أنكر عليه سحنون التمثيل؛ لأنه يقول في الدابة: إذا مات الراكب أكريت من مثله، وفي الصبي إذا مات انفسخت الإجارة؛ لأن الرضاع والمؤونة تختلف اختلافًا بينًا والركوب متقارب فافترقا.

[فصل: 6 - الشريفة تواجر نفسها للرضاع] قال ابن القاسم: وإذا وأجرت الشريفة نفسها لرضاع صبي: لزمها ذلك، وإن لم يقض على مثلها برضاع ولدها؛ لأنها ألزمت ذلك نفسها، كما لو شاءت رضاع ولدها لم تمنع. [فصل: 7 - الظئر تمرض مرضًا لا تقدر معه على الإرضاع] وإذا مرضت الظئر مرضًا لا تقدر معه على رضاع: فسخت الإجارة، ولو صحت في بقية المدة جُبرت على الرضاع بقيمتها، ولها من الأجر بقدر ما أرضعت، وليس عليها أن ترضع قدر ما مرضت. قال غيره: إلا أن يكون الكراء فسخ بينهم فلا يعود. قال ابن القاسم: وإذا تمادى مرضها حتى انقضى وقت الإجارة فلا تعود إلى رضاع. قال محمد بن عبد الحكم: ولو تكفَّلت الظئر بوجه رجل فغاب، وقام عليها رب الدين فلا تحبس له؛ لأن الحمالة تطوع منها، وليس لها أن تتطوع بما يفسخ إجارتها، فإذا انقضى وقت الإجارة طولبت.

م: كلما صنعته الظئر أو والد الصبي مما تنفسخ به الإجارة فليس له ذلك إلا بالطوع من الأخر، وكلما نزل به من أمر الله تعالى، مما لا صنع لهما فيه، فهذا يفسخ الإجارة، وإن كره الآخر. [فصل: 8 - الظئر تؤاجر على إرضاع صبيين فيموت أحدهما، والظئران تؤاجران على إرضاع صبي فتموت واحدة] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو واجرها على رضاع صبيين حولين، فمات أحدهما بعد حول، ووضع عنه قدر ما ينوبه، وذلك ربع الإجارة، إلا أن يختلف ذلك رخص الكراء أو غلائه باختلاف الأزمنة من شتاء وصيف، وصبي صغير وكبير فيحسب ذلك، ثم لها أن ترضع مع الباقي غيره بإجارة. وقال سحنون: تفسخ الإجارة؛ إذ لا يحاط بذلك. قال ابن القاسم: ولو واجرها على رضاع صبي، لم يكن لها أن ترضع معه غيره. ومن واجر ظئرين، فماتت واحدة فللباقية ألا ترضع وحدها، قال سحنون: تنفسخ الإجارة؛ لاختلاف من يأتي بها مكان الميتة.

قال ابن القاسم: وكذلك الأجيرين في رعاية غنم يموت أحدهما فله ألا يرعى وحده حتى يأتيه رب الغنم بمن يرعى معه عوضًا عن الميت. قال: وإن واجر ظئرًا. ثم واجر أخرى تطوعًا فماتت الثانية، فالرضاع للأولى لازم كما كانت، وإن ماتت الأولى فعليه أن يأتي بمن يرضع مع الثانية. [فصل: 9 - الأب الموسر يستأجر ظئرًا ثم يموت فهل أجرتها باقي المدة في ماله أم من مال الولد؟] قال: وإن هلك الأب: فحصة باقي المدة من الأجر في مال الولد، قدمه الأب أو لم يقدمه، ويرجع بحصة باقي المدة إن قدمه الأب ميراثًا؛ لأن ذلك نفقة للصبي قدمها الأب لم تكن تلزمه إلا ما دام حيًا، فإذا مات، انقطع عنه ما كان يلزمه من أجر الرضاع، وليس ذلك عطية وجبت، إذ لو مات الصبي لم تورث عنه، وكان ذلك للأب خاصة دون أمه، ففارق معنى الضمان في الذي يقول لرجل: اعمل لفلان عملاً، أو بعه سلعتك والثمن لك على، فالثمن في ذمة الضامن إن مات، ولا طلب على المبتاع، ولا على الذي عمل له.

م: والفرق بينهما: أن أجر الرضاع أمر يلزم الأب فأنما قدمه وهو يظن أن الصبي يحي، وأن ذلك لازم له، فلما مات الصبي بان أن ذلك لم يكن يلزمه، فوجب أن يرجع فيه. والذي قال: بع من فلان سلعتك والثمن لك عليَّ، هو متطوع بذلك ولم يكن يلزمه، فلما تطوع به وضمن للبائع ثمن سلعته لزمه ما تطوع به، ولم تكن له حجة. وقال بعض فقهاء القرويين: وإذا قدرنا أن الأب دفع ما هو واجب عليه من رضاع الولد لم يكن ذلك هبة منه لوجوبه عليه، إلا أن عقد الإجارة في الظئر يجب أن تكون لازمة للأب وإن مات؛ إذ هو العاقد لذلك فهو المطلوب بثمنها سواء نقد ذلك أو لم ينقده، ويصير على هذا إنما أعطى للابن اللبن الذي ظن أنه لازم له، فلما مات سقط عند بقيته كما سقطت عنه نفقته، فيجب على هذا أن يكون الرضاع هو الموروث عن الأب، وإذا كان الرضاع هو الموروث، لم يكن أن يأتي كل وارث بصبي يرضعه، وإذا لم يكن هذا: فسخ الكراء، وكان حينئذٍ الكراء هو الموروث. وقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: إذا نقد الأب أجر مدة الرضاع، ثم مات الأب قبلها فما بقي للصبي، إلا أن يموت الصبي قبل ذلك فيكون ما بقي بين ورثة الأب أو للأب إن كان حيًا. م: وهذا استحسان، ووجهه: كأن الأب لما نقد الإجارة إنما نقد ذلك للصبي إن حيي؛ لأن ذلك يلزمه فإنما نقد له ما يلزمه، فإن مات فقد بان أن ذلك لم يكن

يلزمه، فوجب أن يرجع إليه أو إلى ورثته، وكضمانه صداق ابنه البالغ ودفعه إياه عنه، ثم يطلق الابن قبل البناء: أن نصف الصداق يرجع للأب؛ لأنه إنما دفعه وهو يظن أن ذلك يلزمه فموت هذا الابن كطلاق هذه. م قال بعض فقهاء القرويين: وكذلك قال أشهب: يكون الصبي أحق به إن نقده الأب، وهذا تفريق ضعيف؛ لأن الكراء قد انعقد في حياة الأب فهو المطلوب بثمنه سواء نقده الأب أو لم ينقده ويجب على هذا أن لو مات الأب لكان موروثًا عنه، وأشهب يقول: إن مات الابن لا يكون موروثًا عنه، وإن مات الأب كان للابن. وشبَّه ذلك بالمُخَدّم حياته، إن مات المُخدِّم رجع إلى المُخدِّم، وإن مات المخدم بقى في يد المُخَدِّم حياته. قال: وإنما ينبغي أن تكون هبة للابن ما كان يبقى، ولا يلزمه إن فعله مثل أن يستأجر له معلمًا فيما لا يلزمه أن يعلم، فيكون ذلك للابن إن مات الأب؛ لأنه قد وهبه الإجارة وحازها الابن بتعليم المعلم إياه، وذلك بخلاف تعليم ما يلزمه فذلك كأجرة الرضاع. قال: وانظر إذ مات الأب وقد استأجر لابنه ظئرًا -على مذهب ابن القاسم- فرأى وصي الصبي أن يشتري جملة الرضاع خلا نصيب الولد، فينبغي أن يكون ذلك له؛ إذ تَرْكُ شرائه يؤدي إلى فسخ الإجارة.

[فصل: 10 - هل تنفسخ إجارة الظئر التي لم تأخذ أجرتها بوفاة الأب الذي لم يدع مالاً؟] ومن المدونة وإن مات الأب، ولم يدع مالاً، ولم تأخذ الظئر من إجارتها شيئًا: فلها فسخ الإجارة، ولو تطوع رجل بأدائها: لم تفسخ، يريد ولو قبضت أجرتها ثم مات الأب ولم يدع شيئًا، لم يكن للورثة أن يفسخوا الإجارة، ويأخذوا منها حصة باقي المدة، ولكن يتبعون الصبي بما ينوبهم من أجرة باقي المدة. م: وهذا أيضًا استحسان وتوسط بين القولين. ومن المدونة، قال ابن القاسم: ولو لم تقبض شيئًا حتى مات الأب، فحصة ما مضى في ذمة الأب، ولا طلب فيه على الصبي، ولو أرضعته باقي المدة: لم تتبعه بشيء، وكذلك لو قالت: أنا أرضعته باقي المدة على أن أتبعه: فهي متطوعة، كمن أنفق على يتيم لا مال له، وأشهد أنه يتبعه إن طرأ له مال فذلك غير لازم له، وهذا على وجه الحسبة. [فصل: 11 - الرجل يواجر أمة أو أخته أو ذات رحمه على رضاع ولده] ولا بأس أن يواجر الرجل أمه أو أخته أو ذات رحمه على رضاع ولده، أو يواجر زوجته أو خادمها على رضاع ولده من زوجة له أخرى.

[فصل: 12 - استرضاع الفاجرة والكافرة والحمقى] واتقى مالك استرضاع الفاجرة ولم يره حرامًا. ابن حبيب: وكره استرضاع الكافرة، والحمقى، والمأبونة لما في الرضاع من الطباع. [فصل: 13 - أجرة رضاع اللقيط ومن لا مال له] قال في المدونة: وأجرة رضاع اللقيط، ومن لا مال له على بيت المال، وكثير من هذا المعنى في الرضاع.

[الباب الحادي عشر] في ضمان الأجير لما أفسد أو كسر وضمان الحارس في الحمام

[الباب الحادي عشر] في ضمان الأجير لما أفسد أو كسر وضمان الحارس في الحمام [فصل: 1 - ضمان الأجير لما أفسد أو كسر] [وتحته مسائل] [المسألة الأولى: هل يضمن حامل الطعام والدهن إذا هلك بالعثار؟] قال مالك رحمه الله: ومن استأجرته يحمل لك دهنًا أو طعامًا، فحمله فعثر به فاهراق: لم يضمن؛ لأنه أجير، والأجير لا يضمن إلا أن يتعدى. وإن أكذبته في ذلك وقلت له: لم تعثر، ولم يذهب لك شيء، فهو ضامن في الطعام والإدام. [المسألة الثانية: هلي يضمن حامل الأمتعة؟] وأما في البز والعروض إذا حملها: فالقول قوله، إلا أن يأتي بما يدل على كذبه.

قال ابن وهب عن مالك: ومن حمل على دابته شيئًا بكراء فانقطع حبل من أحبله فسقط ذلك وانكسر، أو ربضت الدابة فانكسر، أو زاحمت شيئًا، فإن عرف أنه غرر في رباطه أو، أخرق في سوق دابته حتى زاحمت، أو عرف أن دابته ربوض: فهو ضامن، وإن لم يعرف من ذلك شيء لم يضمن، وفي كتاب الأكرية إيعاب هذا. [المسألة الثالث: هل يضمن أجير الخدمة ما أتلفه؟] قال ومن استأجرته يخدمك في بيتك شهرًا فكسر آنية من بيتك، أو قدورًا، أو أمرته أن يخيط لك ثوبًا فأفسده أو تلف: لم يضمن إلا أن يتعدى؛ لأنك لم تسلم إليه شيئًا يغيب عليه، ولا ائتمنته على شيء، وحكم الأجير غير حكم الصَّناع. وكذلك أجير الخدمة لا يضمن ما أفسد من طحين، أو اهراق من لبن، أو ماء أو نبيذ، أو وطئ عليه فكسره من قلال أو قصاع، أو أحرقه من ثيابهم،

أو خبز لهم فأحرق. وقال غيره: ما عثر عليه أو وطئ فهي جناية، وأما ما سقط من يده أو عثر به لم يضمن. فصل [2 - صاحب الحمَّام وجميع الحراس والرعاة هل يضمنون؟] [المسألة الأولى: هل يضمن حارس الحمام الثياب؟] قال مالك: ومن جلس يحفظ ثياب من يدخل الحَمَّام، فصاع منه شيء: لم يضمن؛ لأنه بمنزلة الأجير. وقال في العتبية: وقد أمرت صاحب السوق أن يُضَمِّن أصحاب الحمَّامات ثياب الناس [فيضمنونها] أو يأتوا بمن يحرسها. م: ورأيت في بعض الخوارج مثله عن ابن عبد الحكم، وزاد فيه: ولا ضمان على من يحرسها، وإن سعيد بن المسيِّب، ومكحولاً وغيرهما يُضَمِّنون حارس ثياب من يدخل الحمام، وحارس الفندق والراعي، ولم ير ذلك مالك.

[المسألة الثانية: المُسْتَأجر على حراسة هل يضمن؟] قال ابن المواز: قال مالك: ومن استؤجر يحرس بيتًا فينام فيُسْرَق ما فيه: فلا يضمن، وإن غاب عليه، وله جميع الأجر، وكذلك حارس النَّخل. قال ابن المواز: لا يضمن جميع الحراس إلا أن يتعدوا، كان ما يحرسونه مما يغاب عليه أم لا، طعامًا أو غيره، وكذلك من يعطي متاعًا يبيعه، فيضيع أو يضيع ثمنه إلا أن هذا لا أجر له ولا ضمان عليه. وفي العتبية، قال مالك في من بُعث معه بخادم [يبلغه] موضع كذا بأجر مسمى فنام في الطريق [فأبق] أو [مات]: فإن [أبق] حوسب من إجارته، وإن [مات] فله الإجارة كلها. قال ابن القاسم: الموت والإباق واحد وله الإجارة كلها، ويستعمله في مثل ذلك حتى يتم أو يبلغ، وقال ابن وهب: له من الإجارة حيث ما بلغ فقط.

[الباب الثاني عشر] في الإجارة والجعل في البناء والحفر

[الباب الثاني عشر] في الإجارة والجعل في البناء والحفر [فصل: 1 - الإجارة على البناء] [المسألة الأولى: المستأجر على بناء الدار عليه الآلة والماء على مقتضى العادة] قال ابن القاسم: ومن واجرته على بناء دار فالأداة والفؤوس والقفاف والماء والدلاء على من تعارف الناس أنه عليه، وكذلك حثيان التراب على حافر القبر، ونقش الرحى وشبهه فإن لم تكن لهم سنة فآلة البناء على رب الدار، ونقش الرحى على ربه.

[المسألة الثانية: ومن واجرته على بناء حائط ثم انهدم فله بحساب ما بنى] ومن واجرته على بنا حائط، ووصفته له، فبنى نصفه ثم انهدم فله بحساب ما بنى من أجره؛ لأنك قابض لكل ما بنى، وليس عليه بناؤه ثانية، كان الآجر والطين من عندك أو من عنده. وقال غيره: لا يكون هذا في عمل رجل بعينه، ولا يكون إلا مضمونًا وعليه في المضمون تمام العمل. م: هكذا في الأمهات، ونقلها أبو محمد، قال غيره: هذا في عمل رجل بعينه، وعليه في المضمون تمامًا العمل. م: فعلى ما في الأمهات، قول الغير خلاف لابن القاسم في الرجل المعين، وعلى نقل أبي محمد، قول الغير كله وفاق، وقال سحنون: أَردُ مسألة الحائط إلى مسألة القبر.

م: وقال بعض فقهاء القرويين: ويحتمل أن يكون ابن القاسم أراد أن صاحب الحائط يبني القدر الذي انهدم، ويبني له البنَّاء تمام البِناء، ولا تنفسخ الإجارة فيما بقي إذا أمكن أن يبنى الذي انهدم له، أو يجد موضعًا مثله يبنيه له البنّاء، إلا أن يتعذر ذلك فتنفسخ بقية الإجارة، كما قال أشهب: إذا استأجره على أن يحصد له شيئًا من الأرض فهلكت: أن الكراء لا ينفسخ، وإن كان ابن القاسم قال فيها: أن الكراء ينفسخ، وأما ما كان على طريق الجعل، مثل البئر يحفرها له، ومثل القبر فيما لا يملك من الأرض، فينهدم قبل تمامه، فلا يلزم الجاعل شيئًا إلا أن ينهدم بعد تمامه. [فصل: 2 - الإجارة على الحفر] [المسألة الأولى: من واجرته على حفر بئر فحفر نصفها ثم انهدمت] قال ابن القاسم: ولو واجرته على حفر بئر من صفتها كذا وكذا، فحفر نصفها ثم انهدمت فله بحساب ما عمل، ولو انهدمت بعد فراغها: أخذ جميع الأجر، حفرها في ملكك أو في غير ملكك. م: لأنها إجارة، والإجارة تجوز في ملكك، أو في غير ملكك من الفلوات، إلا أن تكون بمعنى الجعل، تجعل له دراهم معلومة على أن يحفر لك بئرًا من صفتها كذا

وكذا، فحفر نصفها ثم انهدمت، فإن انهدمت في هذا قبل إسلامها إليك فلا شيء له، وإسلامها إليك فرغه من حفرها. وقد قال مالك في الأجير على حفر قبر: إن انهدم قبل فراغه فلا شيء له، وإن انهدم بعد فراغه فله الأجر. قال ابن القاسم: وهذه الإجارة فيما لا يملك من الأرضين. م: يريد أنه جعل. قال ابن المواز: ولا يكون الجعل في شيء إذا أراد المجعول له ترك العمل بعد أن شرع فيه يبقى من عمله شيئ ينتفع به الجاعل. وقال أبو محمد: وهذا أبين. فرق بينه وبين الإجارة. قال ابن المواز: فأما البناء والحفر فيما يملك من الأرضين، فلا تجوز فيه إلا الإجارة، فإن انهدم ذلك قبل تمام، كان على الأجير أن يعمل له قدر ما بقي له من ذلك فيما يشبه ذلك من حفر أو بناء، وليس عليه أن يعيده له، أو قال له: احفر لي بئرًا في موضع كذا، فيما لا يملك من الأرضين: جاز فيه الجعل؛ لأنه إن ترك لم ينتفع الجاعل بما عمل فيه، وليس له شيء إن انهدم قبل تمامه، ولو تركها بعد أن حفر بعضها فواجر الجاعل غيره، أو جعل لأحد جعلاً فأتمها، كان للأول بقدر ما

انتفع به الآخر من عمله. قال ابن القاسم: بالاجتهاد فقد يصادف الأول أرضًا رخوة أو صلبة، ويصادف الثاني خلافها. وقال مالك في العتبية. قال عيسى: قال ابن القاسم: ويعطى الثاني جعله كاملاً وعلى رب البئر للأول قدر ما انتفع به من عمله كان أقل من جعل الأول أو أكثر. وقال أشهب عن مالك: إذا جعل له على حفر قبر فانهار قبل تمامه، فليحفر لهم ثانيًا، وإن انهار بعد تمامه فلا شيء عليه، وله جعله كاملاً؛ لأنه قد فرغ من عمله وبرئ منه، فإن شاؤا عجلوا بميَّتهم أو أَخْرُوه. [المسألة الثانية: الإجارة على حفر بئر يصف موضعها وعمقها] ومن المدونة قال مالك: ولا بأس بالإجارة على حفر بئر بموضع كذا عمقها كذا وقد خبرا الأرض، وإن لم يخبراها لم يجز. قال يحي بن يحي عن ابن القاسم: إن عرفا الأرض يلين أو شدة أو جهلاها جميعًا: جاز، وإن علم ذلك أحدهما وجهله الآخر: لم يجز الجعل فيه.

[المسألة الثالثة: الإجارة على حفر بئر بحيث يخرج الماء] ومن المدونة قال أبو الزناد: وعلى حافر البئر إخراج الماء. قال ربيعة: إنما ذلك في أرض متقاربة في خروج الماء، وأما المختلفة فمذارعة أحب إليَّ. م: حفر المختلفة بالأيام أجوز. [المسألة الرابعة: إذا حفر القبر شقًا فقلت أردته لحدًا حملا على العادة] قال ابن القاسم: ومن واجرته على حفر قبر فحفره شقًا فقلت له: ما أردته إلا لحدًا حملته على سنة الناس. [المسألة الخامسة: مواجرة رجلين على حفر بئر فحفرا بعضها ثم مرض أحدهما فَأَتَمَّها الآخر فالأجر بينهما] قال ابن القاسم: وإن وأجرت رجلين على حفر بئر بكذا، فحفرا بعضها، ثم مرض أحدهما فَاَتَّمها الآخر، فالأجر بينهما، ويقال للمريض: أرض الحافر من حقك، فإن أبى: لم يقض عليه، والحافر متطوع له.

وقال سحنون في غير المدونة: هو متطوع لرب البئر لا للمريض، ووجه بعض القرويين قول ابن القاسم قال: لمَّا لم يكونا شريكين يلزم أحدهما ما عجز عنه صاحبه، صار على كل واحد حفر حصته فلما حفر أحدهما ما يجب على صاحبه، لم يلزم صاحبه أن يعطيه فيه أجرًا كمن خاط ثوب رجل، أو حرث أرضه متعمدًا فلا شيء له. قال: ووجه قول سحنون: كأنه رأى أن بمرض الآخر تنفسخ الإجارة؛ لأنه أمر لا يمكن التراخي فيه، كموت الدابة في السفر، فإذا كان الفسخ واجبًا بمرضه وإن لم يحكم به حاكمًا للضرورة صار الحافر متطوعًا لرب لابئر، ولو كانا شريكين لم يكن متطوعًا لرب البئر ولا لشريكه؛ إذ عليه أن يعمل ما على صاحبه من الحفر إذا مرض صاحبه.

[الباب الثالث عشر] في دفع إجارة الأجير والصناع والتداعي في ذلك أو غيره

[الباب الثالث عشر] في دفع إجارة الأجير والصُّناع والتداعي في ذلك أو غيره [فصل: 1 - هل للصناع والأجراء منع ما عملوا حتى يأخذوا أجرهم؟] قال مالك: وللصَّناع منع ما عملوا حتى يقبضوا أجرهم، وهم أحق به في الموت والفلس، وكذلك حامل الطعام والمتاع على رأسه أو على دابته أو في سفينته. [فصل: 2 - إذا أراد الصُّناع أو الأُجراء تعجيل الأجرة] قال مالك: وإذا أراد الصناع أو الأجراء تعجيل الأجر قبل الفراغ، وامتنع رب العمل: حملوا على المتعارف بين الناس فيه، فإن لم تكن لهم سنة: لم يُقض لهم إلا بعد فراغ أعمالهم، وأما في الأكربة في دار، أو راحلة، أو في إجارة بيع السلعة ونحوه: فبقدر ما مضى، وليس للخياط إذا خاط نصف الثوب أخذ نصف الأجرة حتى يتم العمل؛ إذ لم يأخذه على ذلك.

م: ولأنه لو خاطه كله ثم ضاع الثوب ببينة لم يكن له أجر عند ابن القاسم، فكذلك إذا خاط بعضه. فصل [: 3 - رب المتاع يدعي أنه عمله بغير أجر والصانع ينكره] وإذا ادعى رب المتاع أن الصانع عمله له باطلاً، وقال الصانع: بل بأجر كذا، صدق الصانع فيما يشبه من الأجر، وإلا رد إلى أجر مثله. وقال غيره: يحلف الصانع ويأخذ الأقل مما أدعى أو من أجر مثله. م: فوجه قول ابن القاسم: أن رب الثوب قد أقر أنه استعمل الصانع، وقال: بغير أجر، فقد ادعى أن الصانع وهب له عمله، والصانع يقول: بل بعته عملي، فكان القول قول الصانع؛ لأنهم إنما جلسوا يعملون بالأجر لا ليهبوا أعمالهم، فصار الصانع ادعى ما يشبه، ورب الثوب ادعى ما لا يشبه، وكمن قال: وهبتني هذا الثوب، وقال ربه: بل بعته منك. ووجه قول الغير لم يصدق واحدًا منهما؛ لأن رب الثوب ادعى الهبة والصانع مدع [ثمنًا] في ذمة رب الثوب، وهو يقول: ما اشتريت شيئًا، فكل واحد منهما مدع على صاحبه، فيحلفان جميعًا ثم تكون عليه

القيمة يحلف الصانع ليكون له الأجر الذي ادعى، ويحلف رب الثوب ليسقط ما زاد على إجارة المثل. وقول ابن القاسم أبين. [فصل: 4 - رب المتاع يدعي الوديعة فيما صُنع والصانع ينكره] وقال ابن القاسم: ومن ادعى على صانع أو صباغ فيما قد عمله أنه أودعه إياه، وقال الصانع: بل استعملتني فيه فالصانع مصدق؛ لأنهم لا يُشهدون في هذا، ولو جاز هذا لذهبت أعمالهم. وقال غيره: بل الصانع مُدَّع. وقاله ابن حبيب. قال: وكذلك لو قال ربه: سرق مني، ويحلف ثم يأخذ ثوبه مصبوغًا أو مغسولاً بغير غرم، إلا أن ينقصه الصبغ ويفسده فربه مخير في أخذه أو تركه وأخذ قيمته، وإن [زاده] الصبغ فله أخذه بلا غرم. فوجه قول ابن القاسم أن الصانع لما كان جلوسه للصنعة صار كأنه أتى بما يشبه والآخر بما لا يشبه، فكان القول قول الصانع إذا أتى بما يشبه من الأجر.

ووجه قول غيره: أن الصانع مدَّع أنه باع منه صنعته، ورب الثوب يقول ما اشتريت منه شيئًا، فهو كمُدَّع عليه الشراء لثوب أو غيره، فوجب أن يكون القول قوله. [فصل: 5 - المصنوع له يدعي على الصانع فيما قد عمله أنه سرقه] ومن المدونة، قال ابن القاسم: وإن قال الصانع استعملتني هذا المتاع، وقال ربه بل سرق مني، تخالفا، ثم قيل لربه: ادفع إليه أجر عمله وخذه، فإن أبي قيل للعامل ادفع إليه قيمة ثوبه غير معمول، فإن أبى كانا شريكين، هذا بقيمة ثوبه غير معمول، وهذا بقيمة عمله؛ لأن كل واحد منهما مُدَّع على صاحبه. قال أبو محمد وغيره: يُحَلَّف أولاً صاحب الثوب أنه ما استعمله، ثم يقال للصانع ادفع إليه ثوبه وإلا فاحلف أنه استعملك، فإن حلف، قيل لربه: ادفع إليه أجر عمله وخذه، فإن أبى قيل للصانع: أعطه قيمة ثوبه، فإن أبى كانا شريكين. وقال غير ابن القاسم: العامل مدَّع، ولا يكونان شريكين. قال ابن القاسم: وكذلك إن ادعى أنَّ الصانع سرقه منه، إلا أنه هاهنا إن كان الصانع ممن لا يشار إليه بذلك، عوقب رب الثوب وإلا لم يعاقب.

[مسألة: الرجل يقيم بينة في قميص بيد أنها كانت ملحقةً له] وكذلك إن قمت بينة في قميص بيد رجل/ أنها كانت ملحفة لك لم تأخذها إلا بغرم قيمة الخياطة, وإلا قضى بما ذكرنا في السرقة وقاله مالك في يتيم باع ملحفة فتداولتها الأيدي بالبيع, وقد صَبَغَها أحدهم: فإنهم يترادون الربح, وفي بعض الكتب: الثمن فيما بينهم, ولا شيء على اليتيم من الثمن إلا أن يكون قائماً بيده فيرده, ويكون اليتيم والذي صبغها آخراً شريكين, هذا بقيمة الصبغ, وهذا بقيمة الملحفة بيضاء, وبيعه للملحفة كلابيع. وقال بعض فقهاء القرويين: إذا قال رب الثوب: سرق مني, وقال الصائغ -وقد صبغه- بل استعملني: لا يتحالفان حتى يقال لصاحب الثوب ما تريد, فإن قال: أريد تضمين الصانع؟ قيل له: فاحلف أنك ما استعملته, فإن حلف, قيل للآخر احلف لقد استعملك لتبرأ من الضمان, ثم يقال لرب الثوب: ادفع إليه

قيمة الصبغ؛ لأنه قد برئ من المسمى بيمينه أولاً, فإن أبى, قيل للآخر ادفع إليه قيمة ثوبه, فإن أبيا كانا شريكين, وإن قال صاحب الثوب أولاً: أريد أن آخذ ثوبي: نظر إلى قيمة الصَّبغ, فإن كانت مثل دعوى الصانع فأكثر, فلا أيمان بينهما؛ لأنه يقال لرب الثوب: هبك أن الأمر كما قلت: أنه سرق لك, وأردت أخذه, لم تقدر على أخذه إلا بدفع الإجارة التي قال الصانع, إذا كانت مثل الإجارة أو أقل, ولا يمين هاهنا. وإن كان ما ادعاه الصانع أكثر حلف المستحق وحده ليحط عن نفسه الزائد على قيمة الإجارة من التسمية التي ادعاها الصانع, فعلى هذا يصح الجواب في قوله سرق مني. قال: وأما قوله سرقته أنت فهو مُدعٍ عليه أنه يضمن الثوب بتعديه, فاليمين عليها جميعاً بيَّن؛ ليوجب أحدهما الضمان ويبرأ منه الآخر. [فصل: 6 - اختلاف الصانع والمصنوع له في رد المتاع] ومن المدونة: قال مالك: وإذا أقر الصَّانع بقبض متاع وقال: قد علمته ورددته: ضمن, إلا أن يقيم بينة برده. قال ابن المواز: فإن لم يقم بينه حلف ربه, وأخذ قيمته بغير صنعته. ولو قال مكتر/ ما يغاب عليه: قد رددته لصدق مع يمينه, كما يصدق في تلفه, أخذه ببينه, بخلاف العارية والقراض.

وقال أصبغ: الكراء والقراض والوديعة سواء يصدق في التلف وفي الرد, إلا أن يأخذه ببينة, فلا يصدق في الرد خاصة إلا ببينة. وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون: الصَّناع مصدقون في رد المتاع إلى أهله مع أيمانهم؛ إلا أن يأخذوه ببينة, فلا يبرؤا إلا ببينة. [فصل: 7 - رب السلعة يدعي دفع المتاع للصانع وهو ينكر ذلك] ومن المدونة: وإن أدعى أحد على صانع أنه دفع إليه متاعاً فأنكر, لم يؤخذ إلا ببينة أن المتاع قد دفع إليه, وإلا حلف وبرئ. [فصل: 8 - الحجام يقلع ضرساً غير التي أمر بقلعها هل عليه شيء؟] وإذا قلع الحجام ضرس رجل بأجر, فقال له: لم آمرك إلا بقلع الذي يليه, فلا شيء له عليه؛ لأنه علم به حين قلعه فتركه, وله أجره إلا أن يصدقه الحجام فلا يكون له أجر. يريد ويكون عليه العقل في الخطأ والقصاص في العمد. وقال غيره: الحجام مُدع. قال سحنون في غير المدونة -يريد في الأجر-. قال سحنون: كل

واحد مدع على صاحبه فيتحالفان, ويكون للحجام أجر مثله ما لم يجاوز التسمية, يريد إنما يتحالفان إذا كانت التسمية أكثر من أجر مثله؛ لأن يمين الحجام ترفع عنه حكم العِداء, وتوجب له التسمية, ويمين الآخر ترفع ما زاد على أجر مثله, وإذا كانت التسمية كأجر المثل أو أقل, فلا معنى ليمين المقلوع ضرسه, إلا أن ينكل الحجام عن اليمين فيحلف الآخر ويسقط عنه الأجر. وقاله بعض شيوخنا, وهو أبين. [فصل: 9 - تعدى الصانع وغلطه] ومن المدونة: قال ابن القسام: ومن لَتَّ سويقاً بسمن, وقال لربه: أمرتني أن ألتَّه بعشرة, وقال ربه: لم أمرك أن تلتَّه بشيء, قيل لصاحب السويق: إن شئت فاغرم له مثل ما قال, وخذ السويق ملتوتاً, فإن أبى, قيل للاتِ: أغرم له مثل سويقه غير ملتوت, وإلا فأسلمه إليه بلتاته ولا شيء لك, ولا يكونان شريكين في الطعام لوجود مثله. قال أبو محمد: يحتمل أن يكون معنى قول ابن القاسم أنه لم يقر أنه دفعه إليه إيداعاً ولا لصنعة, إذ لم يقر بإسلامه, إليه ففارق/ الصانع الذي أقرَّ أنه حوَّزه إياه بإيداع, فيصدق الصانع, إذ الغالب منهم إنما يدفع إليهم للصنعة, فينبغي على هذا أن يقال لربه: إن شئت فادفع إليه أجره وخذ السويق ملتوتاً, أو فاحلف أنك لم

تستعمله إياه, فإن حلف, قيل للات: ادفع إليه مثل سويقه, أو أسلمه إليه بلتاته كما قال ابن القاسم. وقال غير ابن القاسم في المدونة: إذا امتنع رب السويق أن يعطيه ما لتَّه به: قضي على اللَّات بمثل سويقه غير ملتوت. م: وهذا وفاق لابن القاسم على تأويل أبي محمد؛ لأنه لابد من يمين رب السويق ويقضي له بمثل سويقه, فإن دفع إليه اللَّات سويقه ملتوتاً لم يجبر على أخذه إلا أن يشاء والله أعلم. قال ابن المواز: وهذا غلط, واللَّات مصدق, ويحلف إن كان أسلم إليه السويق, فإن نكل: حلف ربه وأخذ منه مثل سويقه, وليس لربه أخذه بعينه, إلا أن يدفع إليه ثمن السمن, أو يشاء رب السمن أن يدفعه إليه بلتاته. م: وهذا أيضاً على تأويل أبي محمد في المسألة لا يخالف ابن القاسم؛ لأن ابن المواز اشترط في جوابه إن كان رب السويق أسلمه إليه, وابن القاسم لم يذكر ذلك, فترجع الأقوال على هذا إلى قول واحد والله أعلم. قال بعض فقهاء القرويين: إذا كان معنى المسألة أنه سرق مني وكان اللَّاتُ على قول صاحبه إنما لتَّه بوجه شُبَّهة, فكيف يقال لصاحبه: ادفع إليه الأجر وخذ السويق

ملتوتاً, إذا كان له أن يضمن اللات مثله؟ لأنه أفاته كقطع الثوب, وذبح الشاة على قول أبي محمد. فيصير على هذا قد وجب له في ذمته سويق, فتركه ودفع معه درهماً, وأخذ سويقاً ملتوتاً, وهذا لا يحل, فإن قيل: إنما هذا على القول الذي يرى ألا يضمن المشتري بالقطع, كذلك لا يضمن باللَّتات, قيل كان الأمر هكذا منع من الشركة. وقال: إذا امتنع/ من دفع الأجر, وامتنع الأجير من دفع مثل السويق أمره أن يسلمه بلتاته, وهو متعد, ولم يجب عليه ضمان. وقد وقع في كتاب محمد في من اشترى جديدة من رجل, وسمناً من آخر فخلطهما ثم فلس: أنهما يكونان أحق بذلك. قال: يكونان شريكين على قدر ما لكل واحد منهما, فعلى هذا, كان يجب أن يكونا شريكين. [فصل: 10 - اختلاف الصانع والمصنوع له في الأجرة] ومن المدونة, قال ابن القاسم: وإن قال اللات: أمرتني أن ألتَّه بعشرة ففعلت, وقال ربه: بل أمرتك بخمسة وبها لنتَّته, فاللَّات مصدق مع يمينه إن أشبه أن يكون فيه سمن بعشرة؛ لأنه مدعي عليه الضمان, مقول مالك في الصَّباغ إذا صبغ الثوب بعشرة دراهم عصفراً, وقال لربه: بذلك أمرتني, وقال ربه: ما أمرتك أن تجعل فيه إلا بخمسة دراهم عصفراً: أن الصَّباغ مصدق مع يمينه, إن

أشبه أن يكون فيه بعشرة, وإن أتى بما لا يشبه صدق رب الثوب مع يمينه, فإن أتيا بما لا يشبه فله أجر مثله. قال ابن القاسم: واللَّات مثله سواء. قال سحنون في غير المدونة, وقال غيره: يتحالفان ثم يكون له أجر عمله, ما لم يجاوز عشرة فهذا أصل جيج. ومن المدونة ولو قال رب الثوب: كان لي فيه صبغ متقدم, أو في السويق لتات متقدم: لم يصدق؛ لأن ائتمن الذي أسلمه إله, والقول قول الصباغ واللات مع أيمانهما. وهذا في جميع ما ذكرنا إذا أسلم إليه السويق أو الثوب, فأما إن لم يسلمه إليه, ولم يغب عليه: فرب السويق مصدق في قوله: أمرتك بخمسة إذ لم يأتمنه, فهو كمبتاع يقول: لم اشتر إلا بخمسة, فالقول قوله, فإن قال أهل النظر فيه سمن بعشرة, فإن لم يَدعِ ربه أنه تقدم له فيه سمن فاللات مصدق, وإن قال ربه: كان لي فيه لتات فهو مصدق إذ لم يسلمه إليه, ولو أسلمه إليه لصدق رب السمن, ولم يصدق ربه أنه تقدم له فيه لتات. قال أبو محمد: أخبرني أبو بكر قال: قال يحيى بن عمر في من دفع ثوباً إلى صباغً/يصبغه أحمر بدرهمين, فصبغه أحمر بستة دراهم ويدعي الغلط: فربه مخير بين دفع قيمة الصبغ وأخذ ثوبه, أو يأخذ قيمة ثوبه يوم دفعه, وإن سوى ثلاث دراهم أو أقل بما لا يغلط الصباغ في مثله, فإن لربه أن يأخذه, ولا يغرم شيئاً غير ما سمي وهذا قريب.

[الباب الرابع عشر] في إجارة الوصي من يلي عليه وإجارته ربعه

[الباب الرابع عشر] في إجارة الوصي من يلي عليه وإجارته ربْعَه [فصل: 1 - إجارة الوصي ليتيمه ثم يحتلم قبل ذلك] قال ابن القاسم: ومن واجر يتيماً في حجره ثلاث سنين, فاحتلم بعد سنة, ولم يظن ذلك به, فلا تلزمه باقي المدة إلا أن يبقى كالشهر ويسير الأيام, ولا يواجر وصي يتيمه, ولا أب ولده بعد احتلامه. قال يحيى: ورشده. [فصل: 2 - إجارة الوصي لربع يتيمه ودوابه ورقيقه] وإن أكرى الوصي رَبَع يتيمه ودوابه ورقيقه سنين, فاحتلم بعد مضي سنة, فإن كان يظن بمثله إلا يحتلم في مثل تلك المدة, فعجَّل عليه الاحتلام, وآنس منه الرشد فلا يفسخ له ويلزمه باقيها؛ لأن الوصي صنع ما يجوز له. وقال غيره: لا يلزمه إلا فيما قل.

م: يريد مثل إجارة نفسه. قال ابن القاسم: وأما إن عقد عليه أمراً يعلم أنه يبلغ فيه: لم يلزمه في نفسه, ولا فيما يملك من ربع وغيره, وكذلك الأب. وأما سفيه بالغ وأجر عليه ولي أو سلطان رَبْعَه ورقيقه سنتين أو ثلاثاً, ثم انتقل إلى حال الرشد فذلك يلزمه؛ لأن الولي عقد يومئذِ ما يجوز له, قال غيره: إنما يجوز لولي هذا أن يكري عليه هذه الأشياء, كالسنة ونحوها؛ لأنه جل كراء الناس, وإذ ترجي إفاقته كل يوم, وأما ما كثر فله فسخه.

[الباب الخامس عشر] بقية القول في الجعل على البيع والشراء وطلب الآبق

[الباب الخامس عشر] بقية القول في الجعل على البيع والشراء وطلب الآبق [فصل: 1 - جعل السمسار] وقد تقدم في باب ما يحل ويحرم في الجعل, أن جعل السمسار جائز في شراء كثير الثياب بخلاف بيعها. قال مالك: ومن دفع إلى بزاز مالاً, وجعل له قي كل مئة دينار يشتري له بها بَزَاً كذا وكذا جاز, وهذا جعل. قال ربيعة: إن كان ذلك موجوداً فإن اشترى/ أخذ وإلا فلا شيء له. قال مالك: وله رد المال متى شاء, وإن ضاع بيده لم يضمن, وإن فوَّض إليه في شراء مئة ثوب, ولم يصفها له, فاشترى له ما يشبهه في تجارته أو في كسوته لزمه ذلك.

[المسألة الأولى: صاحب البستان يجعل لرجل جعلاً إن باعه ثم يبيعه هو فهل للمجاعل شيء؟] قال ابن المواز: قال مالك في من قال لرجل: بع ثمر حائطي هذا ولك كذا, ثم جاء صاحب الحائط قوم فساوموه حتى باع منهم, فطلب الرجل جعله فلا شيء له, إنما جعل له على أن يبيع ويماكس فهذا بايعهم وماكسهم ليس هو. [المسألة الثانية: من قال لرجل إن جئتني بمثل ثوبي فلك كذا فجاء به] قال ابن أبي أويس عن مالك في من قال لرجل: إن جئتني بمثل ثوبي هذا فلك كذا, فجاءه به فأراد الرجل ألا يأخذه. قال مالك: فيلزمه ذلك, وإني لأستحب أن يوقت في ذلك وقتاً يأتيه به؛ لئلا يتباعد ذلك فيأتيه به بعد شهر ولا حاجة له به. [فصل: 2 - الجعل على الاتيان بالعبد الآبق] [المسألة الأولى: من أبق له عبد فقال من جاء به فله كذا] ومن المدونة, قال مالك: ومن قال لرجل: إن جئتني, أو قال: من جاءني بعبدي الآبق فله أو فلك عشرة دنانير, وسمى موضعاً هو فيه. أو لم يسم ولم يعرف السيد موضعه: جاز ذلك, ولمن جاء به العشرة.

[المسألة الثانية: من أبق له عبد فقال من جاء به فله نصفه] وإن قال: من جاءني به فله نصفه: لم يجز, كما لا يجوز بيعه؛ لأنه لا يدي ما دخله ولا كيف يجده, وما لا يجوز بيعه فلا يجوز أن يكون ثمن الإجارة أو الجعل, فإن جاء به على مثل هذا: فله أجر مثله هذا, وإن لم يأت به فلا شيء له. [المسألة الثالثة: من جعل لرجل في عبدين أبقا له عشرة دنانير إن أتى بهما] قال: ومن جعل لرجل في عبدين أبقا له عشرة دنانير إن أتى بهما: لم يجز, فإن أتى بأحدهما: فله أجر مثله في عنائه لا خَمْسة, وقال ابن نافع: له خَمْسَةَ. م: يحتمل في قول ابن نافع, أن له خمسة إذا استوت قيمتها, ويحتمل أن يكون إنما قسم العشرة على عددهما؛ إذا الكلفة فيهما سواء, وكذلك قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: أن له خمسة, وقال فيه أشهب وأصبغ: أن له الجعل بقدر قيمته من قيمة الآخر. م: يريد من العشرة. وكذلك لو كان عبداً ودابة. م: كما لو باعهما في صفقة, فاستحق أحدهما وفات الآخر. قال بعض الفقهاء القرويين على قوله في من جعل لرجل في عبدين أبقا له عشرة دنانير: إن أراد وإن لم يأت بهما جميعاً فلا شيء لك, فهذا بيَّن أنه لا يجوز؛ لأنه إن أتاه

بأحدهما انتفع الجاعل, ولم يأخذ المجعول له شيئاً, وإن أراد إن جاء بأحدهما فض الجعل على ما يعرف من قيمتهما يوم أبقا, فلا يجوز أيضاً على مذهب من منع جمع السلعتين لرجلين في البيع, ولم يسم ثمن كل واحدة؛ لأنه لا يدري إن أتى بأحدهما ما ينوبه من جملة الجعل, وقيل: إنما يكون الجعل على الأعداد لا على القيم, فعلى هذا يجوز؛ لأن حق ما يأتي به معلوم. م: والاختلاف الذي جرى في المسألة إنما هو إذا أبهم اللفظ ولم يبين, فأما أن بيَّن فقال: إن أتيت بهما فلك عشرة, وإن أتيت بأحدهما فلا شيء لك, فهذا فاسد عند جميعهم. [المسألة الرابعة: من أبق له عبدان فقال لرجل لك من الجعل قدر قيمة من أتيت من الآخر يوم الآباق] وإن قال: فلك من الجعل قدر قيمة من أتيت به قيمة الآخر يوم أبقا, فهذا يدخله الاختلاف الذي في جمع السلعتين في البيع, وإن بيَّن أن الجعل يقسم على العدد فلا يختلفوا: أن هذا جائز. والله تعالى أعلم.

[المسألة الخامسة: من أبق له عبيد فقال لرجل إن أتيت بهم فلك كذا أو في كل رأس كذا, أو لك في فلان كذا وفي الآخر كذا ..] قال ابن المواز: إن قال له: فلك في كل رأسٍ خمسة, فقول ابن القاسم أحسن, وقد أجاز مالك في بيع الثياب: فلك في كل ثوب درهم, ولم يجز: فلك في كل دينار درهم, وكذلك قال في الإباق إن شارطه في كل رأس يأتي به دينار أنه لا بأس به إذا انتهى عددهم. قال ابن ميسر: لا يضر ترك تسمية العدد. وقد روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية في العبدين: لا أحب أن يقول: إن جئتني بهما فلك عشرة, حتى يسمى في كل واحد شيئاً معلوماً, فإن وقع على الوجه الأول وقيمتهما سواء فله في الذي جاء به خمسة, وإن لم يستويا فله من العشرة بقدر قيمته الآخر. قال أبو محمد: يريد قيمتهم حين أبقوا. قال في كتاب محمد: إن قال: إن جئتني بهم وهم خمسة, فلك عشرة دنانير, أو قال: في كل رأس ديناران, فإن كان/ على أن لم يأت بجميعهم فلا شيء له: لم يجز. قال: فإن قال له: إن جئتني بفلان فلك ديناران, وإن جئت بفلان فلك ثلاثة, وإن جئت بفلان فلك أربعة, هكذا حتى يسمى لكل رأس منهم شيئاً مسمى, فلا بأس بذلك كله إذا كان المجعول له عارفاً بهم قبل إباقهم, ثم قال: ذلك جائز عرف أو لم يعرف. قال: ولو كان عارفاً بهم قبل إباقهم وغير عارف بما حدث لهم في إباقهم من قطع أو عور أو عمى فهو جائز, لم يزل ذلك من عمل الناس.

[المسألة السادسة: من أبق له عبيد فقال لرجل لك كذا إن جئت بهم فإن جئت ببعضهم فلك من الجعل بقدر ما جئت به من قيمة من لم تجد] قال مالك: فإن قال فلك في الخمسة أعبد عشرة دنانير, فإن لم تجد إلا بعضهم, فلك من العشرة بقدر قيمته من قيمة من لم تجد, فإن شرط على قيمة ما كان يعرف منهم قبل الإباق فهو جائز, وإلا فلا خير فيه. [المسألة السابعة: الرجل يجعل جعلين مختلفين لرجلين في عبد أبق منه] ومن المدونة: قال مالك: ومن جعل لرجلين في عبد أبق منه جعلين مختلفين لواحد أتى به عشرة. وللآخر إن أتى به خمسة, فآتيا به جميعاً, فالعشرة بينهما على الثلث والثلثين. م: لأن جعل أحدهما [مثلي] جعل الآخر. وقال ابن نافع: لكل واحد منهما نصف ما جعل له. ابن المواز وقاله ابن عبد الحكم: وكذلك لو خرج في طلبه ثلاثة نفر فوجدوه كلهم, لكان لكل واحد منهم ثلث ما جعل له. ابن المواز: وهذا أحب إلينا؛ لأن كل واحد جاء بثلثه.

[المسألة الثامنة: العبد يأبق فيجعل صاحبه لمن يأتيه به جعلاً فيتعيَّب قبل الوصول عيباً لا يساوي الجعل, أو قبل وجدانه أو يستحق أو يظهر أنه حر] قال ابن المواز: ومن جعل لرجل في عبد أبق له جعلاً, فقطعت يده أو فقئت عينه قبل أن يصل به إلى ربه فصار لا يساوي الجعل, أو نزل ذلك به قبل أن يجده, ثم وجده: فله جعله كاملاً, لا ينظر أزاد العبد أم نقص. وقاله مالك. وقال: فإن لم يصل به إلى ربه حتى استحقه مستحق, فالجعل على الجاعل, ليس على مستحق ذلك شيء, وكذلك لو استحق بحرية, فالجعل على الجاعل, ولا يرجع به عليه. قال أصبغ: ولا على أحد, وهو قول ابن القاسم. وقال أصبغ في العتبية: إذا استحق بحرية من الأصل, فلا جعل له على أحد. وقال ابن المواز: إذا استحقه رجل, فأحب إليَّ أن يغرم ذلك الجاعل, ويرجع على المستحق بالأقل من ذلك, أو من جعل مثله. وقاله من أرضى؛ لأن من أتى بآبق ممن/ يطلب الإباق فله جعل مثله بلا نفقة, وأما من لا يتكلف ذلك فله نفقته, ولا جعل له.

[الباب السادس عشر] في الجعل والإجارة على حصاد زرع, أو لقط زيتون, أو تقاضي دين بجزء منه

[الباب السادس عشر] في الجعل والإجارة على حصاد زرع, أو لقط زيتون, أو تقاضي دين بجزء منه [فصل: 1 - الإجارة على حصاد الزرع أو َجّدِّ النخل أو لقط الزيتون بنصفه] قال مالك: ومن قال لرجل: احصد زرعي هذا ولك نصفه, أو وجُدً نخلي هذا ولك نصفها: جاز وليس له تركه؛ لأنها إجارة, وكذلك لقط الزيتون, وهو كبيع نصفه. ابن حبيب: والعمل في تهذيبه بينهما, يريد: ولو شرط في الزرع قسمته حباً: لم يجز, وإن كان إنما يجب له بالحصاد فجائز, وكذلك في كتاب ابن سحنون. [فصل: 2 - الجعل على حصاد الزرع وجَدِّ النخل والزيتون بنصفه] ومن المدونة, وإن قال: فما حصدت أو لقطت فلك نصفه جاز, وله الترك متى شاء؛ لأن هذا جعل. وغيره لا يجيز هذا. قال في كتاب محمد: اختلف قول مالك في قوله: فما لقطت من شيء فلك نصفه أو ثلثه فقال مرة: لا خير فيه, كما لا يجوز بيعه لا تجوز الإجارة به, وقال أيضاً: لا بأس به؛ لأنه من الجعل لا من الإجارة, وهو بمنزلة من قال لرجل: لي على فلان مئة دينار فما اقتضيت لي منها من شيء فلك نصفه, فإذا علم كم الدين؟ وعلم الزرع, ونظر إليه: لم يكن به بأس, ومتى شاء أن يترك ترك؛ لأنه جعل, وإذا لم يعلم كم الدين أو الزرع؟: لم يكن فيه خير؛ إذ لعله ينفق في سفره ديناراً ويجد الحق ديناراً فلا

يصلح بجزء منه, ولا لكل دينار شيء معلوم إلا أن يعرف الدين, ويعرف موضعه, وإلا فلا يخرج إلا بإجارة معلومة, وأجل معلوم, فيكون ذلك له اقتضى الدين أو بعضه أو لم يقتضيه. [فصل: 3 - الجعالة على أن ما حصد أو لقط اليوم فله نصفه] ومن المدونة, وإن قال: احصد اليوم أو القط اليوم فما اجتمع فلك نصفه: فلا خير فيه؛ إذ لا يجوز بيع ما يحصد اليوم, وما لم يجز بيعه: لم يجز أن يستأجر به مع ضرب الأجل في الجعل, ولا يجوز في الجعل إلا أن يشترط أن يترك متى شاء/ فيجوز. ولم يجزه في العتبية في رواية عيسى منه, وإن اشترط أن يترك متى شاء. م: وماله ومن المدونة أصوب؛ لأنه إذا شرط أن يترك متى شاء فيجوز؛ لأنه لم يضرب أجلاً, وشبهه في العتبية بالتقاضي كما لو قال له: تقاضي مالي شهراً ولك نصفه, وما تقاضيت فلك بحسابه, ومتى شئت أن تخرج خرجت: فهذا لا يجوز إذ لو تم الشهر ولم تتقاض شيئاً ذهب عناؤه باطلاً. م: والتقاضي لا يشبه الالتقاط؛ لأن الالتقاط بيده لا مانع له منه, والدين قد يلدُّ له الغريم حتى يذهب الأجل ولم يتقاضى شيئاً, فهو مفترق. والله تعالى أعلم.

[فصل: 4 - إذا استأجره على نفض الزيتون أو تحريك الشجرة بنصف ما نفض أو سقط] ومن المدونة, وإن قال: انفض زيتوني هذا فما نفضت منه فلك نصفه, أو ثقال: حرك شجرتي هذه فما سقط منها فلك نصفه: لم يجز؛ لأنه مجهول. وهي إجارة, فكأنه عمل بما لا يدري ما هو, واللقط غير هذا, وهو كلما لقط شيئاً وجب له نصفه. ولو قال: انفضه كله ولك نصفه: جاز؟ قال ابن حبيب: إذا قال: انفض زيتوني أو اللقطة ولك نصفه فهو جائز, وحمل ابن القاسم النفض محمل التحريك وليس كذلك. [فصل: 5 - إذا استأجره على عصر زيتون أو جلجلان بنصفه] ومن المدونة, وإن قال: أعصر زيتوني أو جلجلاني ولك نصفه, أو ما عصرت فلك نصفه: لم يجز؛ لأنه لا يعرف ما يخرج منه وإذا لا يقدر على الترك إذا شرع فيه؛ لأنه لو طحنه لم يقدر على تركه حتى يخرج زيته, وليس هكذا الجعل, وفي

الحصاد يدعه متى شاء إذا قال: فما حصدت من شيء فلك نصفه, فما حصد فقد وجب له نصفه, وأما قوله: احصد ولك نصفه, فتلك إجارة. قال ابن حبيب: قوله احصده أو أعصره أو اطحنه ولك نصفه, فذلك جائز كله, حتى يقول: فما خرج فلك نصفه: فلا يجوز, ومحمل الأول على أنه مَّلكه نصفه الآن, حتى يقول تصريحاً: فلك نصفه بعد الحصاد أو الجداد أو القطاف أو العصر: فلا / يجوز؛ لأنه لم يملكه الآن شيئاً, وقد يهلك ذلك الشيء بعد أن عمل فيه فيذهب عمله باطلاً, ويصير كمن واجر نفسه بنصف ما يخرج, وذلك كبيعه فلا يجوز. [فصل: 6 - إذا استأجره على حصد زرعه ودرسه بنصفه] ومن المدونة, ولو قول: احصد زرعي هذا وادرسه ولك نصفه: لم يجز؛ لأنه استأجره بنصف ما يخرج من الحب, وهو لا يدري كم يخرج؟ ولا كيف يخرج؟. وكذلك لو بعته زرعاً جزافاً وقد يبس, على أن عليك حصاده ودراسه وذرية: لم يجز؛ لأنه اشترى حباً جزافاً لم يعاين جملته -يريد لم يعاين تصبيره -.

ولو قال على أن كل قفيز بدرهم: جاز؛ لأنه معلوم بالكيل, وهو يصل إلى صفة القمح بفرك سنبله, وإن تأخر في درسه إلى مثل عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً فهو قريب, وليس كحنطة في بيتك, تِلْكَ لا بد فيها من صفة أو عيان, وهذا معين. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في الذي واجره فقال احصد زرعي ولك نصفه فيحصده أو بعضه, ثم تحرقه نار: فهو منهما, وعلى الأجير إن كان لم يحصده أو لم يحصد إلا بعضه أن يستعمله رب الزرع في مثله, أو في مثل ما بقي منه, وقال سحنون: عليه قيمة نصف الزرع, وليس عليه حصاد مثل نصفه. قال يحيى بن عمر: لأن الزرع يختلف. وقاله ابن القاسم. قال سحنون: ولو قال له: احصد منه ما شئت فما حصدت فلك نصفه, فحصد بعضه ثم هلك الزرع: فضمان ما كان حصد منهما, وضمان ما كان بقي من صاحبه, ولا يتبع أحدهما صاحبه بشيء. ولو قال: احصده كله وادرسه, وصُفَّه ولك نصفه, فهلك بعد حصاده: فضمانه كله من ربه, وللآخر أجر مثله لفساد الإجارة.

وفي سماع أشهب عن مالك, قال مالك: في من طاب زرعه وحل بيعه, فقال لرجل: احصد وادرسه على النصف فقال: لا بأس به/. م: وهذا نحو ما ذهب إليه ابن حبيب, أن محمل ذلك على أن له نصفه الآن على أن يحصد النصف الآخر ويدرسه لربه. والله أعلم. قال عيسى عن ابن القاسم: في الرجل تكون له الشجر التين وقد طابت, فيقول لرجل: احرسها واجنها وتحفظ بها, ولك نصفها أو ثلثها أو جزء منها قال: لا بأس بذلك؛ لأنه لا بأس أن يكري نفسه بما يحل بيعه.

[الباب السابع عشر] ما جاء في الجعل على الخصوم

[الباب السابع عشر] ما جاء في الجعل على الخصوم [فصل: 1 - الجعل على أن يخاصم عنه على أن لا يأخذ إلا بإدراك الحق] وكره مالك الجعل على الخصوم, على أنه لا يأخذ إلا بإدراك الحق. قال ابن القاسم في كتاب محمد: إذ لا يعرف لفراغه حد. قال في المدونة: فإن عمل على هذا فله أجر مثله. قال سحنون: وقد روى عن مالك أنه جائز. قال في كتاب محمد: والحلال من ذلك أن يواجره بأجر معلوم وأجل معلوم, فيكون له ذلك ظفر أو لم يظفر, قال: ولا بأس أن يواجره بإجارة معلومة, ظفر أو لم يظفر, ويصف له أصل الحق, وكيف هو عليه, حتى يعرف ذلك فيجوز, وإن لم يضرب لذلك وقتاً. قال ابن القاسم: ثم ليس له أن يخرج منها حتى يستخرجها. قال أصبغ: كالإجارة على بيع السلع إن لم يسم وقتاً إذا كان لذلك وقت قد عرفه الناس, والأجل على كل حال أحسن.

[فصل: 2 - الميراث ببلد آخر فيجعل جعلاً لمن يأتيه به, أو بيع ما وقع له منه] قال أشهب: قال مالك: ومن له ميراث ببلد آخر, فجعل لمن يخرج إليه يأتيه به شيئاً معلوماً, فذلك جائز, وأما أن يخاصم فيه فلا. وكذلك إن قال: فلك ربعه فجائز إن كان مالاً معروفاً موضوعاً ولا يخاصم فيه. وأجاز في رواية ابن القاسم: الجعل على بيع ما وقع له في بلد آخر من ميراثه وقبض ثمنه, والخصومة فيه بجعل مسمى, وإن لم يضرب أجلاً إذا عرف ذلك الميراث ووجه مطلبه, ثم كرهه في الحاضر والغائب إلا بالإجارة وأجل على أن يبيع ويتقاضى, فإن باع دونه فله بحسابه, وبه قال ابن القاسم وأصبغ. قال ابن القاسم: ولو وقع على الأمر الآخر رجوت أن يجوز. قال أصبغ: وأما في الحاضر فلا أفسخه إذا عرف وجه ذلك, فإن كان سفراً أو خصومة فسخته, وإن فات رددته إلى إجارة مثله, قال ابن المواز: يريد أصبغ في الحاضر إذا كان البيع فيه يسيراً. [فصل: 3 - إذا واجره على الخصومة ثم ادعى تقصيره] قال ابن القاسم: وإذا واجره على الخصوم ثم ادعى أنه مقصر في حجته: نظر السلطان, فإن رأى ذلك أمره بالقيام بحجته وإلا فسخ إجارته بتقصيره. [فصل: 4 - إذا واجره على الخصومة ولم يضرب أجلاً وترك المخاصم الطلب] وكذلك إن لم يضرب للخصوم أجلاً, فيترك الطلب, ولا يعاوده بقربه, ويرى ضرراً, فيفسخ ذلك؛ لأن تركه يدخل في وقت يجري عليهم في ذلك حق؛ ولأنه إذا واضب بالحرص, ومضى وقت يستتم في مثله أمر ذلك الخصوم, وتأخر ذلك بسبب ما كان قد بلغ وتمَّ, كالأجل المضروب. م: وقد بقى من هذا الكتاب أصول مسائل ليست في المدونة, أنا أذكر بعضها لئلا يخلو الكتاب منها. وبالله التوفيق.

[الباب الثامن عشر] في الدلالة على البيع والنكاح وغيره

[الباب الثامن عشر] في الدلالة على البيع والنكاح وغيره [فصل: 1 - الدلالة على البيع والنكاح] ومن كتاب ابن المواز واستحب مالك الجعل في الدلالة على البيع, وكرهه في النكاح, ابن القاسم: وهو أن يقول: دُلني على من ابتاع منه, أو يبتاع مني, أو يستأجرني أو نستأجره ولك كذا, فذلك جائز ولهما لازم, ودلالة المرأة والرجل في النكاح سواء, لا يجوز ذلك على شيء, ولا شيء له إن زوج. قال أصبغ: لأن النكاح لا بيع فيه ولا كراء وما ذلك فرق بيَّن. ولا حجة قوية. وكذلك في كتاب ابن حبيب عن ابن القاسم عن مالك, وروى عنه ابن الماجشون: أنه لا بأس بالجعل على الدلالة في النكاح والبيع. وقاله أصبغ وابن حبيب. وقاله سحنون في العتبية. ابن المواز: قال ابن القاسم: وأما إن قال له: أسعى لي في نكاح ابنة فلان فذلك لازم إن لم يكن فيه سفر, ولا يجوز أن يشخص فيه إلى بلد

آخر. قال أصبغ: فهذا والدلالة في نكاح امرأة بعينها أو بغير/ عينها سواء, وكذلك من المرأة وذلك لازم كالدلالة على البيع. [فصل: 2 - الدلالة على الطريق وعلى انتقاد المال] قال ابن حبيب: ولا بأس بالجعل على الدلالة على الطريق, وعلى انتقاد المال, وقد ذكرنا الغلط في ذلك, في كتاب تضمين الصناع.

[الباب التاسع عشر] في العمل لغير تسمية أجر, أو بعد تسوم مختلف أو بغير أمر ربه أو يعمل غير ما استؤجر عليه

[الباب التاسع عشر] في العمل لغير تسمية أجر, أو بعد تسوم مختلف أو بغير أمر ربه أو يعمل غير ما استؤجر عليه [فصل: 1 - الجعل والإجارة بغير تسمية ثمن] ومن العتبية من سماع ابن القاسم وعن الخياط المخالط لي لا يكاد يخالفني استخيطه الثوب, فإذا فرغ راضيته على أجرة: فلا بأس به. وفي كتاب محمد وابن حبيب: لا تصلح الإجارة والجعل بغير تسمية الثمن. [فصل: 2 - في الجعل والإجارة بعد تساوم مختلف] ابن المواز: من دفع ثوباً إلى خياط فقال: لا أخيطه إلا بدرهمين, وقال ربه: لا أخيطه إلا بدرهم, وجعله عنده فخاطه: فليس له إلا درهم. قال: ومن سكن منزلاً فقال ربه: بدينارين تسكن في هذا السنة وقال الساكن: لا أعطي إلا ديناراً وإلا خرجت إن ترض, فسكت ولم يجبه بشيء حتى تمت السنة, فلا يلزمه إلا دينار واحد.

فصل [3 - من عمل لغيره عملاً بغير أمره هل يستحق جعلاً؟] [المسألة الأولى: من حمل لرجل حملاً بغير أمره] ومن العتبية قال مالك: ومن ماتت راحلته بفلاة, فأسلم متاعه فأتى رجل فجعله في منزله, فأصابه ربه عنده, فليأخذه ويدفع إليه أجر حمله. [المسألة الثانية: الدابة تقوم في السفر فيتركها صاحبها فأتى من قام بها] ومن قامت دابته في السفر فتركها موئساً منها, فأتى من قام بها وأنفق عليها حتى أفاقت: فلربها أن يأخذها ويعطيه ما أنفق عليها, وليس له في قيامه عليها شيء. [المسألة الثالثة: من تفرغ لخدمة رجل ثم يطلب أجراً لذلك] قال ابن القاسم: ومن انقطع إلى رجل يصحبه شهراً يقوم عليه في حوائجه, ثم مات المنقطع إليه فقام الذي خدمه بأُجرة وله بينة على عدد الشهور, فإن كان مثله إنما يفعل ذلك لما يرجوه من مثله, فليحلف ما أثابه شيئاً, وله أجر قيامه في أمانته وجزائه.

[المسألة الرابعة: الأب ينفق على ابنته الأمة ثم يطلب من سيدها النفقة] قال مالك: في من له وصيفة عندها أبوها حر, فتركها عند أبيها حتى كبرت ثم أخذها, فطلبه أبوها بنفقته عليها. قال: يحلف ما أنفق عليها/ احتساباً, ولا ليضعه عن السيد, ويرجع بذلك عليه. [المسألة الخامسة: الرجل يخرج ثوب غيره من البئر الساقط فيها بغير أمر صاحبه] قال سحنون في من سقط له ثوب في بئر, فنزل رجل فأخرجه بغير أمر ربه, فطلب منه أجره فأبى وقال: لم آمرك بإخراجه, فرد الرجل الثوب في البئر, فطلبه ربه فلم يجده, فعلى الذي رده في البئر إخراجه وإلا ضمنه. [المسألة السادسة: من حفر لرجل كرمة أو حرث أرضه .. بغير أمر ربه ثم طلب أجره] ومن الواضحة: ومن حفر لرجل كرمه, أو حرث أرضه, أو حصد زرعه اليابس, أو قطع ثوبه وخاطه, أو طحن قمحه, بغير أمر ربه, ثم طلب أجرة, فإن كان رب هذه الأشياء لا بد له من الاستئجار عليها, ولم يكن يكتفي فيها بعمل يديه أو غلمانه أو دابته: فعليه لهذا إجارته, وإن كان مثله لا يحتاج إلى شيء من ذلك, وكان ممن يليه بنفسه أو بغلمانه أو أعوانه أو دوابه ولا يؤدي فيه إجارة: فلا كراء عليه.

م: لم يذكر هل فعل ذلك العامل غلطاً و [إلا] تعديا؟ وظاهر كلامه أن ذلك عنده سواء؛ لأن العمد والخطأ في أموال الناس سواء, وقد قيل: إن فعل ذلك متعمداً فلا شيء له بحال كان للمعمول له من يعمله له, أو يعمله بنفسه أو لا. وهو كالغاضب, وأما الغالط فيعذر بغلطه, فينظر هل لرب ذلك من يعمله أم لا؟ فصل [: 4 - في العمل في ما استؤجر عليه] [المسألة الأولى: من واجر على حرث أرضه فيعمل الإجراء في أرض جاره] ابن المواز: ومن واجرته على حرث أرضك, فحرث أرض جارك غلطاً, وقد كان يريد حرثها, ولجارك عبيد ونفر فلا شيء عليه للأجير, وعلى الأجير أن يحرث لك أرضك. وقال أحمد بن ميسر: للأجير أن يستعمل دواب جارك في مثل ما عمل. م: إذا كان له أن يستعمل دوابه فكذلك يستعمل عبيده. ومن العتبية قال ابن القاسم: إن زرعها جارك, وانتفع بالحرث فذلك عليه, وإن لم ينتفع بها وقال: إنما أردت أن أكريها فلا شيء عليه.

[المسألة الثانية: من واجرته على حصاد زرعك فحصد زرع جارك] قال: وإن واجرته على حصاد زرعك فغلط فحصد زرع جارك, فإن كان الغلط من الأجير: نظر, فإن كان لجارك عبيد أجراء يكفونه ذلك: فلا شيء عليه, وإن كان الخطأ من قبل صاحب/ الزرع, وكان جاره لا أُجراءَ له ولا عبيد: فليدفع المحصود زرعه إلى الذي واجر الحصَّادين قيمة عملهم, ويدفع الغالط للأجير ما استأجره به. فصل [: 5 - الأجرة في حراسة الأعدال والمقاثي والكروم على عدد الرؤوس دون عدد الأعدال والمساحات] قال سحنون في القوم يستأجرون أجيراً يحرس لهم أعكام البز, ولرجل منهم عشرة, ولآخر خمسة وثلاثة, قال: الإجارة بينهم على عدد الرجال لا على عدد الأحمال؛ لأنهم يتمّون في القليل بالنظر وترك النوم ما يتموَّن في الكثير. وكذلك حبال مقاثي مختلفة الطول والعرض لهذا حبلين, ولهذا ثلاثة, قال: وكذلك الكروم.

قال: وأما على جمع ثمرة الكروم والمقاثي فهذا عمل, والعمل القليل بخلاف عمل الكثير, وهذا فاسد؛ لأن الكراء يقسم على قيمة ما عمل لكل واحد, فلا يعرف أجره فيه إلا بعد القيمة كجمع الرجلين سلعتيهما في البيع في صفقة واحدة, وقد اختلف قول ابن القاسم في إجازته. وأجازه أشهب. فصل [6 - الجعل الفاسد] [المسألة الأولى: إعطاء الأجرة على طلوع موضع في الجبل بعينه] قال عبد الملك في من جعل لرجل جعلاً, على أن يرقى له إلى موضع من الجبل وسماه له: أنه لا يجوز, ولا يجوز الجعل إلا فيما ينتفع به الجاعل يريد؛ لأنه من أكل المال بالباطل. [المسألة الثانية: الرجل يجل النفقة أو المتاع أو الدابة فيحبسها حتى إذا جعل للإتيان بها جعل أحضرها] قال عبد الملك: مما لا يجوز أخذ الجعل فيه, أن يجد الرجل النفقة أو المتاع أو الدابة قبل أن يجعل فيها جعل, ثم يجعل فيها, فيأتي بها ليأخذ الجعل, فلا يجوز له؛ لأن الجعل إنما جعل في طلبها ليكشف العلم عنها, ولم يجعل الأجعال في أدائها إلى ربها, ولو كان الجعل إنما هو في أن يؤدي مؤتمن إلى مؤتمن ما لا يحل له إمساكه عنه؛ لكان حراماً مأخوذاً بغير وجهه, ولكن من وجد بعد الجعل, ممن علم بالجعل أو لم يعلم به فحقه ثابت, وهو له سائغ, وذلك الأمر عندنا.

كتاب المساقاة

كتاب المساقاة [الباب الأول] في جواز المساقاة وما لا يجوز فيها [فصل 1 - في جواز المساقاة] قال مالك -رحمه الله-: المساقاة في كل ذي أصل من الشجر جائز, ما لم يحل بيع ثمرها على ما اشترط من ثلث أو ربع أو أقل أو أكثر, وتجوز على أن للعامل جميع الثمرة, كالربح في القراض. قال بعض البغداديين: وأجمع الناس على جواز المساقاة إلا أبا حنيفة. والدليل على جوازها حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل يهود خيبر على الشطر من ثمر وزرع).

وروى: (أنه ساقى أهل خيبر, وكان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص عليهم) , ثم أقرهم أبو بكر على ذلك, ثم عمر إلى أن بعث ابنه عبد الله ليخرص عليهم فسحروه يداه, ثم إنه أجلاهم عنها إلى الشام, ثم عمل عثمان والخلفاء بعده على المساقاة. فإن قيل: بأنه ليس في الخبر ذكر مدة وأنتم لا تجيزونها إلا مدة, قيل: إنما قصد الراوي بيان جوازها في الجملة ولم يقصد كيفيتها وصفاتها, ومعنى قول

الرسول صلى الله عليه وسلم: «أُقرُّكم على أقرَّكم الله عليه» أي على شروطها لا على أنه ساقاهم مدة مجهولة أو أَعْمَارهم. وقال بعض أصحابنا: لا تحتاج المساقاة إلى ضرب مدة؛ لأنها من جذاذ إلى جذاذ, كالقراض من أنه من محاسبة إلى محاسبة, وقد قال مالك: الشأن في المساقاة إلى الجذاذ وإن لم يؤجلاه. واحتج من خالفنا بنهيه عليه السلام على المخابرة قال: وهو مشتق من خيبر ومعناه النهي عن الفعل الذي بخيبر من المساقاة, فيقال: قد كانت العرب تعرف المخابرة قبل الإسلام فهي اسم عندهم لكراء الأرض ببعض ما يخرج منها فبطل ما أدعيتوه. م: وأيضاً فقد أقرهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على المساقاة وعمل به عثمان رضي الله عنه والخلفاء من بعدهم. أفَتَراهُم كانوا يجهلون حديث المخابرة! هذا جهل ممن يظن بهم ذلك. فإن قيل: فإنها إجارة مجهولة؛ لأن الثمار لا يعلم مقدار حملها, قيل: المساقاة مستخرجة بالرخصة من هذا الأصل/ للضرورة التي تلحق الناس لحاجتهم إليها, كجواز بيع العرية بخرصها ثمر إلى الجذاذ؛ للضرورة, وكجواز القراض بجزء من

الربح ثلث أو ربع والربح مجهول, ولا خلاف في جوازه بين الأمة؛ لأن الضرورة داعية إليها لحاجة الناس إلى التصرف في أموالهم وتنميتها, وليس كل الناس يقدر على ذلك بنفسه, وكذلك المساقاة والله أعلم. فصل [2 - إذا حل بيع الثمار لم تجز مساقاته] وإذا حل بيع الثمار لم تحل مساقاتها؛ لارتفاع الضرورة التي أجازت مساقاتها. قال مالك في كتاب محمد: ما جاز بيعه بنقد وجاز كراؤه: لم تجز مساقاته؛ لأنه يترك في الأرض كراء معلوماً, ويرجع إلى غرر الجزء مما تنبت الأرض, ويدع في الثمرة ثمناً معلوماً, ويرجع إلى نصف ما أخرجت الثمرة, وذلك غرر لا

يدري أهو قليل أم كثير؟ أيتم أم لا يتم؟ , وذلك بمنزلة رجل أراد أن يستأجر أجيراً لسفره بشيء مسمى, فترك ذلك وقال له: أعطيك عشر ما أربح في مالي: فهذا لا يحل. وفي الموطأ: أن مساقاة ما حل بيعه هي كالإجارة. سحنون في مساقاة ما حل بيعه: هي إجازة جائزة. م: كجواز بيع نصفه؛ ولأن ما جاز بيعه جازت الإجارة به. قال أبو محمد: وينبغي على قوله ألا يجوز في الزرع؛ لأنه كمن قال: احصده وهذبه بنصفه, هذا لا يجوز عنده. قال غيره: وقد أجاز مالك في كتاب محمد: أن يدفع إله نخلاً مساقاة بثمره من نخل آخر قد أزهى. ولم يلتفت إلى اسم المساقاة, وجعل ذلك إجارة وإن لفظا فيه باسم السقاء, وهذا نحو قول

سحنون وابن القاسم أنفاً, أن يكون لاسم السقاء أحكام لا تكون لاسم الإجارة ألا ترى أن الجائحة إذا وقعت في المساقاة ذهب عمله باطلاً, ولو آجر نفسه بثمرة مزهية فوفّى الإجارة, قم أجيحت الثمرة, لرجع بإجارة مثله, كما يرجع بثمنه لو اشترى الثمرة, فإن قيل: فإن شرطوا السقاء فيما أزهى, أكثر ما فيه أنه اشترط أن لا جائحة, وهذا لا يفسد البيع, ويكون فيه الجائحة. قيل: هذا على أحد الأقاويل, والقول الثاني: أن البيع فاسد, كما قالوا في ما إذا اشترطوا ترك المواضعة, وقد جعل علف الدواب على العامل, وهو مشترى ثمرة بعمل يده وبعمل دوابه ولم يتعقب هذا, فإذا صيَّرناها إلى باب الإجارة: وجب أن تتعقب هذه الأشياء ولا ينقلها إلا بذكر الإجارة, وإذا ذكر اسم السقاء: بقيت على أحكام السقاء, إنما تجوز فيما لا يجوز بيعه ولا كراؤه. م: ووجه القول الآخر, أن الأصل عند مالك مراعاة الفعل, فإذا حسن الفعل لم يضرهم قبح القول, وهذا من ذلك.

فصل [3 - مساقاة النخل وفيها ما لا يحتاج إلى السقي قبل طيبة] ومن المدونة, قال ولا بأس/ بمساقاة النخل وفيها ما لا يحتاج إلى سقيه قبل طيبة, كمساقاة شجر البعل؛ لأنها تحتاج إلى عمل ومؤنة. [فصل 4 - مساقاة النخل وفيها بياض] ولا بأس بمساقاة النخل وفيها بياض تبع معها قدر الثلث فأدنى في قيمة كرائه من قيمة الثمرة, على عرف نباتها بعد إلغاء قيمة مؤنتها, على أن يزرعه العامل من عنده ويعمله, وما نبت فبينهما. قال مالك: وأحب إليَّ أن يلغي البياض فيكون للعامل, وبهذا أحله. وروى ابن وهب: (أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل يهود خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع). قال مالك: وكان بياض خيبر تبعاً لسوادها كان يسيراً بين أضعاف السواد. قال ابن وهب: وبذلك يأخذ أهل [العلم] أن البياض إذا كان يسيراً سوقيت بالجزء مما يخرج منها, وإن كان هو

الأكثر أكْريت بالذهب والورق. قال ابن المواز: إذا كان البياض تبعاً, اشترط رب النخل أن يزرعه العامل ويكون بينهما: جاز, وإن سكتا في حين العقد عن البياض كان للعامل ملغي, يزرعه وحده لنفسه, وإن اشترط رب النخل أن يبقى البياض يزرعه لنفسه: فلا خير فيه إذا كان العامل يسقيه, كاشتراط زيادة, وبعد هذا باب في إيعاب هذا. [فصل 5 - مساقاة النخل الغائبة] ومن المدونة, قال ابن القاسم: ولا بأس بمساقاة ببلد بعيد إذا وصف كالبيع, يريد: إذا كان يصل إليه قبل طيبة. قال ابن القاسم: ونفقة العامل في خروجه إليه عليه بخلاف القراض, وهذا سنة المساقاة.

[الباب الثاني] ما يحل ويحرم في المساقاة من عقد وشرط وما للعامل في ذلك أو عليه

[الباب الثاني] ما يحل ويحرم في المساقاة من عقد وشرط وما للعامل في ذلك أو عليه [فصل 1 - ما يجوز من شروط المساقاة وما لا يجوز, وعمال الحائط ودوابه] [المسألة الأولى السُنة في المساقاة أن على العامل جميع المؤونة والنفقة والأجراء] ومن المدونة والواضحة, قال: والسُنة في المُسَاقاة: أن على العامل جميع المؤونة والنفقة والأجراء والدواب والدلاء والحبال والأداة من حديد وغيره, إلا أن يكون شيء من ذلك في الحائط يوم عقد المساقاة, فإن للعامل أن يستعين به وإن لم يشترطه, وليس له أن يعمل به في حائط آخر, ولو شرط ذلك عليه: لم يجز, وتفسد به المساقاة. ومن العتبية قال ابن القاسم: فإن جهل العامل أن يستثني ما فيه من الدواب والرقيق, وظن أن ذلك له, استثناهم أو لم يستثنهم, فلما تعاقد المساقاة قال رب الحائط: إنما ساقيتك الحائط وحده بلا دواب ولا رقيق, قال: يتحالفان ويتفاسخان. وفي المدونة, روى الليث: أن أهل المدينة لم يزالوا يساقوا نخيلهم على أن الرقيق الذين في النخل والآلة من الحديد وغيره للذي دفعت إليه المساقاة.

[المسألة الثانية: هل لرب الحائط أن يساقي على نزع الآلة ونحوها؟ وهل للعامل اشتراط زيادتها؟] قال مالك: ولا ينبغي لرب الحائط أن يساقيه على أن ينزع ما كان فيه من غلمان أو دواب, فيصير كزيادة شرطها, إلا أن يكون قد نزعهم قبل ذلك. قال: وما لم يكن في الحائط يوم عقد المساقاة فلا ينبغي أن يشترطه العامل على رب الحائط, إلا ما قل, كغلام أو دوابه/ في حائط كبير, ولا يجوز ذلك في حائط صغير, ورُب حائط يكفيه دابة واحدة لصغيرة فيصير في هذا يشترط جميع العمل على ربه, وإنما يجوز اشتراط ما قل فيما كثر. [المسألة الثالثة: هل يجوز في عقد المساقاة اشتراط خُلْفَ ما هلك من آلة أو دواب ونحوهما؟] قال: ولا يجوز للعامل أن يشترط على رب الحائط خلف ما أدخل العامل فيه, من رقيق أو دواب إن هلك ذلك, وأما ما كان في الحائط يوم التعاقد من دواب أو رقيق: فَخُلْفَ ما مات منهم على رب الحائط وإن لم يشترط العامل ذلك, إذ عليهم عمل العامل, ولو شرط خُلْفَهم [على العامل]: لم يجز. قال ابن حبيب: فإن شرط العامل أن على رب الحائط خلف ما أدخل العامل فيه, أو

شرط رب الحائط على العامل خلف ما هلك مما كان لرب الحائط فيه: رد العامل في الوجهين إلى إجارة مثله, والثمرة لرب الحائط؛ لأن ذلك في كل وجه زيادة لمشترطها. قال بعض فقهاء القرويين: وأما الدلاء والحبال فقد يكون إذا فنيوا في العادة التي يفنوا فيها, لا يكون على ربَّ الحائط خُلْفهم؛ لأن لهم وقتاً معلوماً ينتهون إليه, بخلاف ضياعهم وموت الدواب. [المسألة الرابعة: إذا وقع عقد المساقاة بشروط لا تجوز فما الحكم؟] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولو شرط رب المال في عقد المساقاة إخراج رقيقه ودوابه منه, فأخرجهم وعمل العامل على هذا, أو شرطهم العامل على ربه, وليسو فيه: لم يجز, فإن نزل ذلك: فللعامل إجارة مثله والثمرة لربها. قال ابن المواز: وكان ابن القاسم يقول: له مساقاة مثله. ثم رجع إلى الأجرة فيهما جميعاً. [المسألة الخامسة: هل يجوز للعامل اشتراط عمل رب الحائط معه؟] ومن المدونة: ولا يجوز أن يشترط العامل أن يعمل معه رب الحائط بنفسه, فإن نزل فله مساقاة مثله؛ لأن مالكاً أجاز أن يشترط عليه دابة أو غلاماً إذا كان

لا يزول, وإن مات خلفه له رب الحائط, فلذلك خفف فيه إذا اشترط أن يعمل معه رب الحائط. [المسألة السادسة: الغلام الذي يشترطه العامل في المساقاة على من خُلْفه إذا مات] م: إذا اشترط غلاماً أو دابة, فخلف ما مات من ذلك على رب المال, إذ عليهم عمل العامل, فهو بمنزلة ما لو كانوا فيه, فأما إن اشترط ذلك في القراض: أن يعينه رب المال فإنه يكون أجيراً, وقال سحنون: إذا جاز له اشتراط عون غلامه جاز اشتراط عون نفسه, ولا يجوز في القراض أن يشترط على رب المال إن مات الغلام الذي أعانه أن يخلفه له, بخلاف المساقاة. فصل [2 - مؤونة المساقاة ونفقة الدواب والرقيق] قال مالك: ووجه العمل في المساقاة أن جميع العمل والنفقة, وجميع المؤونة على العامل, وإن لم يُشترط ذلك عليه. قال: ويلزمه نفقة نفسه, ونفقة دواب الحائط ورقيقه, كانوا له أو لرب الحائط. قال في الواضحة: وكذلك إن كان الأجراء لرب الحائط فنفقتهم على العامل, وإجارتهم على رب الحائط.

قال في المدونة: ولا يجوز للعامل أن يشترط نفقتهم على رب الحائط, أو نفقة نفسه على رب الحائط. قال ربيعة: ولا بينهما, ولا يكون, شيء من النفقة في ثمرة الحائط. قال ابن حبيب: فإن نزل ذلك: رد العامل إلى إجارة مثله. [مسألة: هل للعامل أن يأكل من ثمرة حائط المساقاة؟] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا أرى للعامل أن يأكل من الثمرة شيئاً.

[الباب الثالث] ما يجوز شرطه من العمل على العامل وانقضاء مساقاته

[الباب الثالث] ما يجوز شرطه من العمل على العامل وانقضاء مساقاته [فصل: 1 - ما يجوز شرطه في المساقاة على العامل] قال ابن القاسم: والجذاذ والحصاد والدَّراس على العامل, وقال في الزيتون: إن شرطاً قَسْمَه حباً: جاز, وإن شرط عصره على العامل: جاز ذلك ليسارته. قال ابن المواز: وإن لم يكن فيه شرط فعصره بينهما. قال عبد الوهاب: جملة ما يشترط على العامل على ضربين: منه ما لا يتعلق بالثمرة, ومنه ما يتعلق بها, فما لا يتعلق بالثمرة: لا يلزم العامل ولا يجوز اشتراطه؛ لأن المساقاة عقد مستثنى من الأصول, جوز للضرورة, فلا يجوز فيه إلا ما جوزه الشرع, وما زاد على ذلك كان إجارة مجهولة, وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها. وما يتعلق بالثمرة على وجهين: 1 - منه ما ينقطع بانقطاعها أو ببقاء بعدها الشيء اليسير: فهو جائز, مثل التذكير والتلقيح والسقي, وإصلاح مواضعة, وجلب الماء, والجذاذ وما يتصل بذلك, فهذا وشبهه لازم, وعليه أخذ العوض, 2 - ومنه ما يبقى بعد انقطاعها وينتفع به ربها, مثل حفر بئر لها, أو بناء بيت يجني فيه كالجريْن, أو إنشاء غرس: فهذا لا يلزم العامل ولا يجوز اشتراطه عليه؛ لأنها

زيادة يتفرد بها رب الحائط, فهي كالوجه الأول التي لا يتعلق بالثمرة. وبالله التوفيق. ومن المدونة, قال ابن القاسم: وإن شرط العامل على رب النخل صِرَام النخل: لم ينبغ ذلك؛ لأن مالكاً قد جعل الجذاذ مما يشترط على الداخل, ولا بأس باشتراط التلقيح على رب الحائط, وإن لم يشترط فهو على العامل. قال: وإذا اشترط رب الحائط على العامل بناء حائط حول النخل, أو تزريبها, أو حفر بئر لسقيها أو لسقي الزرع, أو إخراق مجرى العين إليها: لم يجز, ويكون أجيراً إذا كان ما ازداد ربه من ذلك يكفيه مؤونة ليست بيسيرة, وإنما يجوز لرب الحائط أن يشترط على العامل ما تقل مؤونته مثل: سَرُو الشَرَب, وهو تنقية ما حول النخلة من منافع الماء, وخَمِّ العين, وهو كنسها, وقطع الجَريد, وإِبَّار النخل وهو تذكيرها, وَسَدِّ الحِظَار.

م: يروى سد وشد, واليسير من إصلاح الضَّفِيرة ونحوها, مما تقل مؤنته, فيجوز اشتراطه على العامل, وإلا لم يجز. قال ابن حبيب: وَسدَّ الحِظَار, وهو تحصين الجدر وتزريبها, والضَّفِيَرة, وهي محبس الماء ومجتمعه كالصهريج, والتَّذكير, فإن لم يشترط هذه الأشياء على العامل فهي على رب الحائط إلا الجذذ, والذكير, وسَرُو الشَّرب فإنه على العامل, وإن لم يشترطه عليه. قال ابن المواز: وعلى العامل رَمُّ قَصَبة البئر, وأَشْطنه. وقَواديسه, وحبالهِ, ومؤونة الماء والحديد لعمله, فإذا انقضى سقاؤه كان ذلك له. قال مالك في العتبية: ولا يشترط على العامل إصلاح كسر الزُّرْنُوق, واستخف إصلاح السقف, وهو الحوض الذي يفرغ فيه الدلو ويخرج منه إلى الضفيرة/.

وأجاز في كتاب محمد: اشتراط إصلاح الزرنوق -يريد-: أن إصلاحه يسير فلذلك جاز اشتراطه على العامل, وأما أن يشترط عليه الزرنوق كله فلا يجوز؛ لأنه كبير. فصل [2 - المساقي يشترط ثلاث حرثات فيحرث أقل] ومن العتبية, قال سحنون: ومن أعطى كرمه أو زيتونه مساقاة, على أن يسقي ويقطع ويجني, وعلى أن يحرثه ثلاث حرثات, فعمل ما شرط عليه, إلا أنه لم يحرث إلا حرثتين, قال: ينظر جميع عمل الحائط المشترط عليه من سقاء وحرث وقطع وجني, فينظر ما عمل مع ما ترك ما هو منه, فإن كان ما ترك يكون منه الثلث: حط من النصف الذي هو له ثلثه, إن ساقاه على النصف. وإن ساقاه على الثلث, أو الرُّبع حط من حصته الثلث على ما ذكرنا. فصل [3 - أمد المساقاة] [المسألة الأولى: منتهى المساقاة في التمر والتين والكرم والزرع] ومن العتبية: قال سحنون: ومنتهى المساقاة في التمر جذاذه بعد أن يتمر, والتين والكرم على المساقي قطافه وتيبيسه, وهو أجل مساقاته, وعلى العامل تهذيب الزرع.

[المسألة الثانية: الرجل يساقي نخلاً فجذه إلا نحو العشرين أعليه سقى الحائط كله؟] (قال) ابن المواز: قال مالك: وإذ جذ المساقي النخل, وبقي نخل أو شجر نحو العشرين تأخرت, فعليه سقي جميع الحائط حتى يجذ ما بقي, وكذلك إن كانت عدائماً وهي المؤخرة الطَّياب. قال عنه ابن وهب: إذا أخذ حائطاً فيه أصول مختلفة من نخل وكرم ورمان وغيره على سقاء واحد: فعليه أن يسقيه كله, حتى يفرغ منه ويرده إلى ربه. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون في العدائم إن كانت قليلة جداً: فعلى رب الحائط سقي حائطه كله عدائمه وما جذَّ منه, وليوفي المساقي حظه من ثمر العدائم. وإن كانت العدائم الأكثر: فعلى العامل سقي الحائط كله, مثل إذا جذ بعضه وبقي بعضه, وإن كان ذلك متناصفاً أو متشابهاً: فعلى المساقي أن يسقي العدائم كلها وحدها, وعلى رب الحائط سقي باقيه. قال: وإن كان في الجنان أنواع من الثمر: تين وعنب وفِرْسَك فجنى البعض وبقي البعض لم يطب, فقال ابن الماجشون: ذلك كالعدائم كانت قليلة أو كثيرة أو متناصفة على ما ذكرنا فيها. وقاله أصبغ.

وقال مطرف: وكلما قطف منها ثمرة فقد انقضى السقاء فيها, قلَّت أو كثرت. وبه أقول. [المسألة الثالثة: السيل يدخل الحائط المساقي عليه ويستغني عن الماء] ومن كتاب ابن المواز والعتبية, قال مالك: وإذا دخل الحائط سيل أقام فيه حتى استغنى عن الماء: فلا يحاسبه رب الحائط بذلك.

[الباب الرابع] ما يجوز من المساقاة وعجز العامل ومساقاته غيره وإقالته وسرقته وزكاته

[الباب الرابع] ما يجوز من المساقاة وعجز العامل ومساقاته غيره وإقالته وسرقته وزكاته [فصل 1 - ما يجوز من المساقاة] [المسألة الأولى: مساقاة ما أزهى أو لم يزه] قال مالك: وتجوز مساقاة ما لم يزه من ثمر ونخل أو شجر, كما لا يجوز لو لم تظهر الثمرة, قال: فإذا أزهى بعض الحائط: لم تجز مساقاة جمعية لجواز بيعه. [المسألة الثانية: من هارت بئره له دفع حائطه إلى جاره مساقاة] قال ابن القاسم: وأجاز مالك لمن هارت بئره دفع حائطه مساقاة إلى جاره يسوق ماءه إليه؛ للضرورة, ولولا أنه أجازه لكرهته. قال سحنون: وقول مالك/ أحسن. [المسألة الثالثة: اشتراط رب الحائط على العامل أن يسقى بماء من عنده] قال ابن القاسم: وإذا اشترط أن يسقي العامل النخل بمائة, ويصرف رب الحائط ماءه حيث شاء: لم تجز المساقاة؛ للزيادة المشترطة كزيادة دينار, وقد يساوي الماء مالاً عظيماً.

فصل [2 - عجز العامل عن المساقاة] [المسألة الأولى: العامل الذي عجز عن السقي هل له مساقاة غيره؟] وإن عجز العامل وقد حل بيع الثمرة: لم يجز أن يساقي غيره وليستأجر من يعمل, فإن لم يجد إلا أن يبيع نصيبه ويواجر به: فعل, فإن كان فيه فضل فله, وإن نقص كان في ذمته, إلا أن يرضى رب الحائط أخذه ويعفيه من العمل, فلذلك له. وإن عجز العامل عن السقي قبل طيب الثمرة: قيل له: ساق من شئت أميناً, فإن لم يجد: أسلم الحائط إلى ربه, ثم لا شيء له ولا عليه؛ لأنه لو ساقاه إياه لجاز كجوازه لأجنبي. م: فإن قال رب الحائط: أنا أستأجر من يعمل تمام العمل, وأبيع ما صار له من الثمرة, وأستوفي ما أديت, فإن فضل شيء فله, وإن نقص شيئاً اتبعه به, فينبغي أن يكون ذلك له, كقول ابن القاسم في المتزارعين, يعجز أحدهما بعد العمل وقبل طيب الزرع, قال: يقال لصاحبه: أعمل, فإذا يبس الزرع بع وإستوف حقك, فما فضل فله, وما عجز أتبعته به, لأن العمل كان لازماً فكذلك هذا. والله اعلم.

[المسألة الثانية: رب الحائط يقوي العامل في المساقاة لعجزه عنها, أو يقول خذ ما أنفقت وأخرج] قال ابن المواز: ولا خير في أن يقويه رب الحائط بعد أن عمل وعجز ليثبت فيه, ولا أن يقول له: خذ ما أنفقت وأخرج, وإن رضيا. [المسألة الثالثة: اجتماع رب الحائط والعامل على بيع الزرع أو الثمر قبل طيبه وزهوه ممن يحصد أو يجده] ومن المدونة, قال ابن القاسم: وإذا اجتمع رب الحائط والعامل على بيع الثمرة قبل زهوه, أو الثمر أو الزرع قبل طيبة ممن يجد أو يحصد ذلك مكانه: جاز ذلك, وما أرى فيه مغمزاً, وما سمعت فيه شيئاً. فصل [3 - المساقي يساقي غيره] ولمن سوقي في أصل أو زرع مساقاة غيره في مثل أمانته, فإن ساقي غير أمين: ضمن. قال ابن وهب: قال ابن أبي سلمة: السقاء بالذهب والورق كبيع ما لم يبد صلاحه, ولا يجوز أن يربح في المساقاة إلا, ثمراً مثل أن يأخذ على النصف ويعطي على الثلثين, فيربح السدس أو يربح عليه.

قال مالك في كتاب محمد: وإذا أخذه على النصف ودفعه على الثلثين إلى غيره وربه عالم بذلك: فربه أولى بنصف الثمرة, ويرجع الثاني على الأول بفضل ما بقي له. وكذلك في العتبية عن مالك: ولا بأس أن يدفعه مساقاة إلى رب الحائط بأقل مما أخذه إذا لم تطب الثمرة, ولا يجوز بملكية مسماة, ولا بثمر نخلة معروفة, ولا بشيء غير الثمرة, ولا بأكثر مما أخذ منه فيصير العامل أن يزيد من ثمر حائط آخر. م: وأجاز دفعه إلى غير رب الحائط بأكثر مما أخذه, فإذا أجاز ذلك مع غير ربه, وهو إنما يدفع إليه ما بقى له من غير الثمرة التي في الحائط, فكذلك يجوز مع ربه ولا فرق بينهما, فإما أن يجوز فيهما, وإما أن لا يجوز فيهما؛ لأنه يحتاج أن يعطيه من ثمر الحائط وهذا أبين. م: ويحتمل أن يكون الفرق بينهما أن رب الحائط عالم أنه يعطيه الزيادة من حائط آخر؛ لأنه عالم بمساقاته, والأجنبي غير عالم أنه بيد العامل الأول على أكثر مما دفعه إليه, ولو عالماً: لم يجز فيهما/, وإنما افترقت المسألتان لافتراق السؤال, ويكون العامل الثاني أجيراً إذا علم, وإن لم يعلم رجع على العامل الأول بقيمة

ذلك الجزء, كمن باع ثمراً معيناً فاستحق: فإنه يرجع بثمنه, وثمن هذا الثمر في المساقاة إجارة العامل, فإن استحق من جزئه الربع: رجع على العامل الأول بربع قيمة إجارته في عمل الحائط, هذا هو القياس. والله أعلم. [فصل 4 - المساقي يخرج العامل من المساقاة] قال أصبغ عن ابن القاسم: وإذا قال رب الحائط اخرج من المساقاة على أن لك ربع الثمرة إذا طابت فذلك جائز, وإذا قال له رب الحائط بعد أن عمل وأنفق: أنا أعطيك عيناً أو عرضاً عن أن تخرج: لم يجز, وإن أعطاه من الثمرة بعينها شيئاً قبل أن تطيب. فإن كان جزءاً شائعاً سدساً أو ربعاً: جاز ولا يجوز كيلاً منها. قال أحمد بن ميسر: وروى ابن القاسم عن مالك إن لم يعمل: جاز أن يعطيه جزءاً منه, وإن عمل له: لم يجز؛ لأنه كأنه أعطاه فيما تقدم من عمله ما جعل له من الثمرة, وهو مجهول. وقال أشهب ذلك في العتبية. قال: كأنه واجره بسدس الثمرة على ما عمل من الأشهر وذكر المساقاة دلسه, قال: وأما إن

لم يعمل فجائز في قول من يقول: أن المساقاة تلزم بالعقد, وقد قيل: إنها لا تلزم بالعقد دون العمل, كالقراض. وقال ابن حبيب: إذا تتاركا بجعل: دفعه المساقي إلى رب الحائط, يريد: من غير الثمرة فعثر عليه قبل الجذاذ رد الجعل, وجعل العامل على مساقاته, وغرم لرب الحائط أجر ما عمل بعد رده عليه. وكذلك إن عثر عليه بعد الجذاذ: فللعامل نصف الثمرة, ويؤدي قيمة ما عمل بعد رده, ويأخذ ما كان أداه. قال بعض القرويين: قد رد العامل ما اشتراه من الثمرة بعمله إلى رب الحائط في أصوله فيما عمارة الحائط في أصوله, وصار قابضاً لهاو لكون الأصل له, فلم يجعل ذلك قبضاً, ووجب عليه رد ما نمى من الثمرة بعد أن جذها, وأرجعه بقيمة عمله. وفي كتاب محمد: إذا اشترى الثمرة على البقاء قبل زهوها, ثم اشترى الأصول فأزهت الثمرة بعد شرائه للأصول: أن عليه قيمة الثمرة يوم اشترى الأصول؛ لأنه كالقابض لها يوم شرائه الأصل, فصارت في ضمانه. م: وهذا هو الصواب. وليس كمبتاع قبل بدو صلاحها على البقاء في أصول البائع؛ لأنه غير قابض لها, فافترقا. قال ابن المواز: وإذا أخذ الرجان حائطاً مساقة, فسلَّمه أحدهما لصاحبه بجزء

من الثمرة, فذلك جائز, وكذلك لو كان ملكاً لهما. ولو أخذا حائطين مساقاة, أو كانا ملكاً لهما, فأراد أحدهما أن يخرج الآخر على جزء مسمى من ثمر أحد الحائطين: لم يجز. وكذلك من أخذ الحائطين فلا يخرج منهما بجزء من أحدهما. ابن المواز: ولو كان بجزء مسمى من الحائطين: لجاز في ذلك كله. قال أشهب وابن وهب عن مالك: وإن أخذ ثلاث حوائط مساقاة ثم أخرج أحدهما صاحبه/ من حائطين بالسقاء بعينه, ومن الثالث بربح عشر ثمرته لم يجز ذلك. ابن المواز: وإن شرط ذلك في الثلاثة حوائط بالسواء: جاز. ومن العتبية, قال أشهب عن مالك: وإذا باع الحائط من ربه: لم يصلح أن يخرج العامل منه بشيء يعطيه المبتاع, كما لا يصلح من بائعه, والمشتري معه كبائعه في جميع ما ذكرنا. ابن المواز قال مالك: في الحائط يباع بعد أن سوقي: أن البيع جائز, وقال ابن القاسم: وهو مثل الكراء, قال ابن المواز: وإن أبرت الثمرة أو طابت فذلك جائز, علم المبتاع أو لم يعلم, وإن تؤبر الثمرة لم يجز البيع علم المشتري بالسقاء أو لم بعلم شيئاً أو أبى, إذ لا يجوز للبائع حينئذٍ استثناء شيء من الثمرة إذا لم تؤبر, وقال في المشتري يخرج العامل بشيء يعطيه من غير الثمرة فلا يجوز, وأما بجزء منها أو بغير شيء فجائز.

[فصل 5 - الإقالة في المساقاة] ومن المدونة: قال مالك: ومن ساقته حائطك: لم يجز أن يقيلك على شيء تعطيه إياه, كان قد شرع في العمل أم لا؛ لأنه غرر, إن أثمر النخل فهو بيع للثمر قبل زهوه, وإن لم يثمر فهو أكل المال بالباطل. [فصل 6 - في العامل يوجد سارقا] ومن ساقيته أو أكريت منه دارك, ثم ألفيته سارقاً: لم يفسخ لذلك سقاء ولا كراء, وليتحفظ منه. وكذلك قال مالك في من باع من رجل سلعة إلى أجل فإذا هو مفلس, ولم يعلم البائع بذلك: أن البيع قد لزمه. لأن حقك في السقاء والكراء في غير عين المساقي والمشتري, فهو بخلاف ما لو اكتريت عبداً, فوجدته سارقاً, أو دابه فوجدت بها عيباً هذا لك أن ترد؛ لأن الكراء وقع على منافع معينة, والمكتري والمفلس إنما وقع شراؤك على الذمة؛ فإن لم تقدر على التحفظ منه أكرى عليه, وسوقي عليه, ولم يفسخ العقد له.

فصل [7 - الزكاة في المساقاة] قال: ولا بأس أن يشترط في حظ أحدهما؛ لأنه يرجع إلى جزء معلوم ساقي عليه, فإن لم يشترطا شيئاً فشأن الزكاة أن يبدآ بها, ثم يقتسمان ما بقي. م: فإن شرط الزكاة على العامل, فأصاب أقل من خمسةً أوْسِق, فقيل يكون: عشر ما أصاب لرب المال, وقيل: يقسمانه نصفين, وقيل: يقتسمانه جميع ما أصابا على تسعة, وإيعابه في الزكاة.

[الباب الخامس] في المساقاة إلى أجل وما يفسدها من الشروط

[الباب الخامس] في المساقاة إلى أجل وما يفسدها من الشروط [فصل 1 - المساقاة إلى أجل] قال مالك: والشأن في المساقاة إلى الجذاذ, ولا يجوز شهراً ولا سنة محدودة, وهي إلى الجذاذ إذا لم يؤجلاه. قال ابن القاسم: وإن كان يطعم في العام مرتين: فهي إلى الجذاذ الأول حتى يشترط الثاني, قال: ويجوز أن يساقيه سنين ما لم تكثر جداً قيل: بعشر سنين؟ فقال: لا أدري تحديد عشر سنين ولا ثلاثين ولا خمسين. وفي الواضحة: قال مالك: إنما سَقْي الثمرة من جذاذ إلى جذاذ, وليس على عدد الشهور. وقال في كتاب ابن المواز: ومن ساقي حائطه/ من صفر سنة إحدى وسبعين إلى صفر سنة ثلاث وسبعين, فأوفى الأجل قبل طيب الثمرة أو قبل جذاذها, فإنها لا تخرج من يد العامل حتى يتم جذاذه, على ما أحب صاحب الحائط أو كره, وإنما المساقاة في الحوائط إلى الجذاذ, فإن اشترط أجلاً يتم سقيه فيه ويَجُدُّه: فلا بأس, وإن اشترط أجلاً بعد الجذاذ ليسقيه فيه فلا يجوز؛ لأنها زيادة.

فصل [2 - ترك المساقاة] ومن المدونة, قال مالك: ومن ساقي رجلاً ثلاث سنين فليس لأحدهما المتاركة حتى تنقضي؛ لأن المساقاة تلزم بالعقد وإن لم يعمل. قال سحنون: وهي كالإجارة بخلاف الفرائض, والقراض كالجعل, وقيل: إنها لا تلزم بالعقد كالقراض وقد تقدم هذا. ومن المدونة قال ابن القاسم: وليس لأحدهما الترك إلا أن يتتاركا بغير شيء بأخذه أحدهما من الآخر فيجوز, وليس هذا من بيع الثمرة التي لم يبد صلاحها إذ للعامل أن يساقي غيره فرب الحائط كأجنبي إذا تركه. فصل [3 - المساقي يشترط لنفسه جزءاً من الثمر] قال ابن القاسم: ومن ساقي حائطه على أن لأحدهما من الثمرة مكيلة معلومة وما بقي بينهما لم يجز, ويكون للعامل أجر مثله, ولا شيء له في الثمرة. قال ابن القاسم: وإن اشترطا أن لرب الحائط نصف ثمرة البَرْني الذي في الحائط وباقي ثمرة الحائط للعامل: لم يجز؛ لأنه خطر. قال ابن حبيب: فإن نزل كان للعامل إجارة مثله, والثمرة لرب الحائط, وأما إن اشترطا أن ثمرة البَرْنُي بينهما, وما سوى ذلك لرب الحائط: فهذا يكون له في

البَرْنُي مساقاة مثله, وهو في الباقي أجير. ولو شرطا أن باقي الثمرة للعامل: فإن له في ذلك كله إجارة مثله, والثمرة لرب الحائط. م: وهذا استحسان, والقياس أنه في كل زيادة يستبد بها أحدهما أجير, والثمرة لرب الحائط, كما قالوا في القراض, ويدخله الاختلاف الذي دخل في القراض. ابن أبي سلمة: يجعله أجيراً في كل قراض فاسد, وأشهب: يجعل له قراض مثله, وابن القاسم فرق قال: إن كان زيادة يختص بها أحدهما فهو أجير, وإن كان شيئاً يرجع إلى المال فهو على قراض مثله, وكذلك يجب أن يكون حكم المساقاة على اختلاف أقوالهم. والله أعلم. [فصل 4 - المساقي يشترط أن النفقة من الثمرة] ومن المدونة, قال ابن القاسم: ولو شرط العامل أن يخرج نفقته من ثمرة الحائط, ثم يقسمان ما بقي: لم يصلح عند مالك. ابن حبيب: فإن نزل كان للعامل أجر مثله. [فصل 5 - سواقط نخل المساقاة] ومن المدونة, قال ابن القاسم: وما كان من سواقط النخل, أو ما يسقط من بلح وغيره والجريد والليف وتبن الزرع: فبينهما على ما شرطا من الأجزاء.

فصل [6 - من أخذ أرضاً يغرسها حتى إذا بلغت الشجر كانت بيده مساقاة سنين سمَّاها] قال ابن القاسم: وإن أعطى رجلاً أرضاً ليغرسها شجراً كذا, ويقوم عليها حتى إذا بلغت الشجر, كانت بيده مساقاة سنين سمَّاها: لم يجز؛ لأنه خطر. م: فإن نزل: فسخت المغارسة ما لم تثمر الشجر, ويعمل بعد ذلك فيكون له إجارة مثله فيما عمل, فإن أثمر الشجر وعمل/: لم تفسخ المساقاة, ويكون له فيما تقدم إجارة مثله, وفي سنين المساقاة مساقاة مثله. [فصل 7 - مساقاة ما لم يبلغ حد الاطعام خمس سنين وهي تبلغه في عامين] قال: ولا تجوز مساقاة نخل أو شجر لم يبلغ حد الإطعام خمس سنين, وهي تبلغه في عامين. قال ابن حبيب: فإن نزل هذا رد فيه العامل إلى أجر مثله. وقال ابن المواز: يكون أجيراً في السنتين الأولتين حتى تأتي الثمرة ويعمل فيها, فيكون فيها على مساقاة مثله كأخذ العرض قراضاً, فإنه يكون له أجر مثله في بيعه وتقاضيه, ثم إن عمل في المال كان على قراض مثله, فكذلك المساقاة: إن أدرك قبل أن تأتي الثمرة المستقبلية: فسخ وأعطى نفقته وأجر عمله, فإن جاءت الثمرة وعمل: لم تفسخ بقية السنين فله مساقاة مثله.

[فصل 8 - مساقاة النخل بعد طيابه هذه السنين وسنتين بعدها] ومن المدونة, قال ابن القاسم: ومن طابت ثمرة نخله, فساقاه هذه السنة وسنتين بعدها: لم يجز, ويفسخ, وإن جَذَّ العامل الثمرة يعطي ما أنفق عليها وأجر عمله فيها, فإن عمل بعد جذاذاً الثمرة: لم أفسخ بقية المساقاة, وله استكمال الحولين الباقين, وله فيهما مساقاة مثله, ولا أفسخها بعد تمام العام الثاني: إذ قد تقل ثمرة العام الثاني وتكثر في الثالث فأظلمه, وهذا كأخذ العرض قراضاً, إن أدرك قبل بيعه وقبل أن يعمل فسخ, وله أجر مثله في بيعه, فإن عمل: فله قراض مثله مع أجرة بيعه. [فصل 9 - مساقاة حائطين أو نخلاً أو زرعاً في صفقة لكل جزء مختلف من الثمرة] [المسألة الأولى: مساقاة حائطين أحدهما على النصف والآخر على الثلث صفقة] قال مالك: ولا يجوز أن يدفع إلى رجل حائطين مساقاة أحدهما على النصف والآخر على الثلث في صفقة, وهو خطر في أن يثمر أحد الحائطين دون الآخر. قال ابن حبيب: فإن نزل رد العامل فيهما إلى مساقاة مثله. ونحا ابن القاسم في كتاب القراض أنه يكون أجيراً قال: لأنه خطر. [المسألة الثانية: مساقاة حائطين أحدهما أفضل من الآخر على جزء واحد] ومن المساقاة, قال مالك: ولا بأس أن يكون على جزء واحد, وإن كان

أحدهما أفضل من الآخر مما لو أفردا لسوقي في هذا على الثلث, وهذا على الثلثين, وقد كان في خيبر حبه الجيد والرديء حين ساقاها النبي صلى الله عليه وسلم كلها على الشطر. [المسألة الثالثة: مساقاة نخل على النصف وزرع على الثلث] ومن ساقي رجلاً نخلاً على النصف, وزرعاً على الثلث: لم يجز, حتى يكونا على جزء واحد جميعاً, ويعجز عن الزرع ربه, وإن كانا في ناحيتين وذلك كحائطين مفترقين. قال ابن حبيب: وإذا ساقاه حائطاً على النصف, وزرعاً على الثلث في صفقة: رد العام فيهما إلى مساقاة مثله, وذلك إذا عجز عن الزرع ربه يوم ساقاه, وإلا رد في الزرع إلى الأجرة وكان لربه. [المسألة الرابعة: مساقاة حائط سنة على النصف وسنة على الثلث] قال ابن القاسم في العتبية: ولا يجوز أن يساقيه حائطه على النصف سنة, وسنة على الثلث, في عقد واحد, فإن عمل سنة واحدة: فله فيها مساقاة مثله, وله أن يعمل السنة الثانية. قال فيها: وفي المدونة: ولا يجوز أن يساقيه حائطاً على أن يعمل

له في حائط آخر بغير شيء. قال في العتبية: فإن نزل فله مساقاة مثله في الذي يعمل فيه, وله في الآخر أجرة مثله. وقال في كتاب محمد: هو أجير في الحائطين. [المسألة الخامسة: مساقاة حائطين على النصف على أن يعمل أول سنة فيهما والسنة الثانية في أحدهما] ومن المدونة: ومن أخذ حائطين مساقاة على النصف, على أن يعمل له أول سنة فيهم, ثم يرد أحدهما في العام الثاني ويعمل في الآخر: لم يجز؛ لأنه خطر, يريد: كان الذي يرده بعينه أو بغير عينه. قال ابن حبيب: فإن نزل قبل مساقاة الحائطين أول سنة فقط, فإن قيل: النصف, كان له فيهما تلك السنة النصف, ثم يقال: ما مساقاة الذي بقي بيده سنتين؟ فإن قيل: في الثلث, كان له في السنة الثانية الثلث.

[الباب السادس] في اختلافهما في المساقاة وجامع مسائل مختلفة من المساقاة

[الباب السادس] في اختلافهما في المساقاة وجامع مسائل مختلفة من المساقاة [فصل 1 - الدعوى في المساقاة] [المسألة الأولى: إذا تعاقدا في المساقاة واختلفا في دخول الدواب والرقيق في عقد المساقاة] قال ابن القاسم: وإذا اختلفا في المساقاة: فالقول قول العامل فيما يشبه, م: يريد بعد أن عمل فهو المدعي عليه, وإن لم يعمل: تخالفا وتفاسخا على, قول من قال: إن المساقاة تلزم بالعقد. قال ابن القاسم في العتبية: وإذا تعاقدا, فقال رب المال: إنما ساقيتك الحائط وحده بغير دواب ولا رقيق, وقال الآخر: بل بداوبه ورقيقه, قال: يتحالفان ويتفاسخان. قال بعض القرويين: والذي ينبغي أن يحلف مدعي الفساد وحده, فإن حلف: فسخت المساقاة, وإن نكل فسخت المساقاة؛ لأن الآخر لا فائدة في يمينه؛ لأنه إن حلفت فسخت المساقاة, وإن نكل فسخت المساقاة, فلا تفيد يمينه

شيئاً, فإن نكل مدعي الفساد: حلف مدعي الصحة, وكان القول قوله, وأما بعد فوات العمل فالقول قول مدعي الصحة مع يمينه, قال: وفي هذا نظر؛ لأنه يقول لم أكرك الدواب قط, ومن قال: لم أكر ولم أبع: فالقول قوله. م: إنما كان القول قول مدعي الصحة؛ لأنه مدعٍ للعرف, والآخر غير مدعِ للعرف, فوجب أن يكون القول قول مدعي العرف. [المسألة الثانية: رب الحائط في المساقاة يدعي أنه لم يأخذ من الثمرة شيئاً] ومن المدونة, قال ابن القاسم: إذا ادعى أحدهما فساداً, فالقول قول مدعي الصحة. قال في العتبية عن مالك: ولو ساقاه سنة أو أكثر, فلما فرغ, قال رب الحائط: لم يدفع إليَّ شيئاً من الثمرة, فإن كان قد جَدَّ فلا شيء له, قال ابن المواز: ويحلف العامل كان بقرب الجذاذ أو ببعد منه, وكذلك لو جَدَّ بعضها رطباً والباقي تمراً, فقال قبل جذاذ الثمرة: لم يدفع إليَّ من الرطب شيئاً ولا من ثمره فالمساقي مصدق مع يمينه. م: لأن حقه في عين الثمرة لا في ذمة المساقي المطلوب؛ ولأن العادة جرت أن يدفع بغير إشهاد فحملوا عليها. [المسألة الثالثة: الرجل توكله على دفع نخلك مساقاة

ثم تكذبه في دفعه] ومن المدونة: فإن وكلت رجلاً على دفع نخلك مساقاة, فقال: دفعتها إلى هذا الرجل, فصدقه الرجل وأكذبته أنت: فالقول قوله, كوكيل البيع, يقول بعت, وأنت تنفي أن يكون باع, وذلك بخلاف الرسول يقول: دفعت المال, والمبعوث إليه يكذبه, وهذا لم يكذبه المبتاع, فإن لم يقم الرسول بينة بالدفع ضمن. [فصل 2 - مساقاة الشريك والجماعة والوصي والمأذون له والمديان والمريض] والنخل بين الرجلين لا بأس أن يساقيها أحدهما الآخر, ويجوز لرجلين أن يأخذا حائطاً من رجل مساقاة, وكذلك حائط لقوم/ جائز أن يساقوه لجماعة. وللوصي دفع حائط الأيتام مساقاة؛ لأن مالكاً قل: بيعه وشراؤه لهم جائز. وللمأذون دفع المساقاة وأخذها. وللمديان دفع المساقاة ككرائه أرضه أو داره, ثم ليس لغرمائه فسخ ذلك. وهذا على قول من يجيز بيعه, وهو في المساقاة كضرورة التفليس. وأم على قول من لا يجيز بيعه قبل الإبار, فللغرماء فسخ مساقاته إذا كان يحل دينهم قبل جواز بيعه؛ لأنه يمنعهم من بيعه مساقاة. وللمريض أن يساقي نخلة, كما يجوز بيعه, إلا أن يحابي فيه فيكون في ثلثه

قال بعض الفقهاء: المريض لا يجوز أن يعقل على الورثة أكثر من الثلث, فإذا كان الحائط أكثر من الثلث, فإن ساقاه سنة وما أشبهه مما يجوز أن يباع النخل إليه: جازت المساقاة إذا لم يكن فيه محاباة, فإن كان فيه محاباة ولا يحملها الثلث, مثل أن يجعل له ثلاثة أرباع الثمرة ومساقاة مثله الربع, فقد صار موصى له بنصف الثمرة, وهي غلة فله الربع, ويخير الورثة فإما أمضوا له النصف, وإلا قطعوا له بثلث مال الميت. وأما أن أعطى النخل خمس سنين, فيما يتغيَّر النخل إذا بيعت إليها, والنخل لا يحملها الثلث: فللورثة, أن لا يجيزوا, كما لو أوصى بخدمة عبده عشر سنين لرجل والعبد لا يحمله الثلث وهو يحمل الخدمة: لم يلزم ذلك الورثة؛ لأنه عقد عليهم أكثر من الثلث, فإما أجازوا وإلا قطعوا له بالثلث بتلاً. [فصل 3 - المساقي أو رب الحائط يموت] ومن المدونة: وإذا مات العبد أو رب الحائط لم تنتقض المساقاة بموت واحد منهما, وورثته مكانه. وإذا مات العامل وله ورثة مأمونون, قيل لهم: اعملوا كعملهم فإن أبو: لزم ذلك في ماله, وإن كان ورثته غير مأمونين: لم يأخذوا وأتوا بأمين.

فصل [4 - المساقي أو رب الحائط يفلس] وإن فلس رب الحائط: لم تفسخ المساقاة, كان قد عمل أو لم يعمل, ويقال للغرماء: بيعوا الحائط على أن هذا مساقي فيه كما هو. قيل لابن القاسم: لم أجزته ولو أن رجلاً باع حائطه -يريد: قبل الإبَّار واستثنى ثمرته لم يجز ذلك؟ - قال هذا: وجه الشأن فيه, وليس هذا عندي استثناء ثمرة. وقال غيره: لا يجوز بيعه ويوقف, إلا أن يرضى العامل بتركه فيعجل بيعه. طرح سحنون قول غيره, وقال: يجوز بيعه في التفليس لعلة الضرورة, وقال في كتاب ابنه: إنما يجوز بيعه إذا كانت المساقاة سنة واحدة, لجوز بيع الربع والحوائط على أن يقبضها مبتاعها بعد سنة, وأما إن كانت المساقاة سنين فلا يجوز بيع الحائط. قال: ويبقى العامل فيه إلى أجله, كما لا يجوز بيع الربع على أن يقبض إلى هذا الأجل ويفسخ فيه البيع, وهذا خلاف لقوله الأول, وهو أصح. وقد تقدم لابن المواز: إنما يجوز بيعه إذا أبَّرت الثمرة أو طابت؛ لأنها تبقى للبائع, وإن لم تؤبر: لم يجز إلا أن يشترط أن لا يقبضها إلا بعد الطياب/ وأخذ العامل حصته. فصل [5 - العامل في المساقاة يُعْري بعض الحائط] ومن المدونة: وليس للعامل أن يعري من الحائط؛ إذ ليس له نخلة معينة إلا أن يُعْريه حظه من نخلات معينات فيجوز.

[فصل 6 - مساقاة النْصرَاني] وكره مالك: أخذك من نصراني مساقاة أو قراضاً, ولست أراه حرماً, ولا بأس أن تدفع نخلك إلى نصراني مساقاة إن أمنت أن يعصر حصته خمراً. [القول الراجح في مسألة المساقي أو رب الحائط يفلس] وذكر أجير الصَّناع والسقي والاكرياء في كتاب التفليس. م: أجير السَّقي إذا ساقاه بدراهم أحقُ بالثمرة في التَّفليس؛ لأنه كالبائع لما تولد من منافعه, والأرض قابضة له فأشبه ما لو باع سلعة وسلمها إليه, فإنه يكون أحق بها في التَّفليس, وهو في الموت أسوة العرماء, فأما الصنَّاع فهم أحق بما في أيديهم في الفلس والموت. فاعلم ذلك.

[الباب السابع] في مساقاة النخل ومعها بياض

[الباب السابع] في مساقاة النخل ومعها بياض [فصل 1 - المسائل الجائزة في مساقاة الأصول مع البياض] [المسألة الأولى: العامل في المساقاة يأخذ البياض التبع على مثل ما أخذ الأصول] وقد ساقي الرسول صلى الله عليه وسلم خبير بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر. قال مالك: وكان بياض خيبر تبعاً لسودها, والبياض التبع, مثل الثلث فأدني لا بأس أن يشترط في المساقاة على مثل ما أخذ الأصول. قال مالك: وأحب إلىَّ أن يُلْغَى للعامل [وهذا] أحله. [المسألة الثانية رب الحائط يشترط مساقاة البياض مع الأصول على أنه بينهما] فإن شرط أنه بينهما إن كان البذر والمؤونة من عند العامل, ولا يجوز أن يشترط رب الحائط لنفسه إن كان العامل يسقيه. [المسألة الثالثة: لرب الحائط اشتراط الَبْغل وما لا يسقي بماء الحائط لنفسه] قال ابن حبيب: فإن كان بَعْلاً, أو كان لا يسقي بماء الحائط فجائز. [المسألة الرابعة: البياض المسكوت عنه في عقد المساقاة للعامل ثمرته] قال ابن المواز: فإن سكتا عن البياض في العقد فما زرع فيه العامل فهو له

خاصة وكذلك لو سكتا عنه ثم تشاحا فيه عند الزراعة فهو للعامل. وقاله ابن حبيب. [المسألة الخامسة: رب الحائط يدعي اشتراط البياض لنفسه والعامل ينكر ذلك] ولو ادعى رب الحائط أنه اشترطه لنفسه, وذلك قبل عمل العامل: تحالفا وتفاسخا, كدعواه نزع رقيق الحائط ودوابه, وهو على قول من يرى: أنه المساقاة تلزم بالعقد. قال ابن سحنون: وروى ابن نافع عن مالك في العامل يزرع البياض بغير شرط فيه, ثم ينر عليه رب الحائط, قال: عليه كرا الأرض لرب الحائط. وفي العتبية وقال ابن اشرس عن مالك في من ساقى حائطاً فيه بيض تبع, فأجيحت الثمرة وقد زرع العامل: البياض أن عليه كراء البياض لربه. قال علي عن مالك: وكذلك لو عجز الداخل عن الأصل كان عليه البياض بكراء

مثله. قال ابن عبدوس: وإنما يراعى البياض عندي أن يكون تبعاً لثمرة جميع الحائط إذا شرط أن يكون جميع ما نبت فيه بينهما, فأما إن أُلْغي للعامل فإنما يراعي ما هو تبع لحصة العامل خاصة. [فصل 2 - المسائل الفاسدة في مساقاة البياض مع الأصول] [المسألة الأولى: اشتراط رب الحائط البياض لنفسه] قال مالك ومن المدونة: وإن شرط رب النخيل أن يزرع العامل البياض من عنده, وعلى أن البذر والعمل من عند العامل أيضاً, وما أنبت فلرب النخل: لم يجز, كزيادة تشترط على العامل. قال ابن حبيب: فإن نزل ذلك: فليرد العامل في العامل في الحائط إلى مساقاة مثله/, ويكون الزرع كله للعامل, وعليه كراء البياض لربه. ومن المدونة: قال مالك: وإن اشترط أن يكون البذر من عند رب الحائط والعمل على العامل على أن ما ينبت فلرب الحائط: لم يجز أيضاً, كزيادة تشترط

على العامل. قال ابن حبيب: فإن نزل ذلك: رد العامل في الحائط إلى مساقاة مثله, وله أجرته في عمل البياض والزرع كله لرب الحائط. م: والأصل في هذا كله أن يكون أجيراً؛ لأنها زيادة مشترطة على العامل. [المسألة الثانية: اشتراط العامل على رب الحائط لزراعة البياض بينهما نصف البذر] ومن المدونة: قال مالك: ولا يجوز للعامل أن يشترط نصف البذر الذي يزرع في البياض على رب الحائط, ولا يكون شيء من البذر من عند رب الحائط, وإن جعلا الزرع بينهما نصفين؛ لأنما زيادة يزدادها العامل. قال ابن حبيب: فإن نزل ذلك: كان للعامل في الحائط مساقاة مثله, والزرع بينهما نصفين. قال ابن المواز وكذلك قال أصبغ: أنه يكون للعامل في الحائط مساقاة مثله, وليس ذلك بشيء, والصواب أن يكون أجيراً, وهو قول مالك؛ لأنها زيادة. قال: وكذلك لو شرط البياض للعمل وعلى ربه البذر: لم يجز ذلك كله, ويكون العامل أجيراً. وقال أصبغ: له مساقاة مثله بغير حجة. [المسألة الثالثة: اشتراط العامل على رب الحائط لزراعة البياض بينهما حرثه] ومن المدونة, قال ابن القاسم: وإن شرط العامل على رب الحائط حرث البياض فقط, وما سوى ذلك من البذر والعمل من عند العامل: لم يجز, وإن جعلا الزرع بينهما, قال ابن حبيب: فإن نزل رد العامل إلى مساقاة مثله.

وذكر ابن المواز عن أصبغ مثله. قال ابن المواز: ومذهب مالك أنه يرد إلى أجرة مثله, وقد قال مالك: إذا دخلت المساقاة زيادة أو في القراض صارت أجرة. قال: وهذا البياض الذي يجوز اشتراطه لا تبالي, كان بين أضعاف السواد أو مفرداً عن الشجر في ذلك الحائط فهو جائز إذا كان تبعاً. [فصل 3 - مساقاة الحائط وله توابع من زرع وشجر ونخل وموز] [المسألة الأولى: مساقاة زرع فيه شجر تبع له أو مساقاة شجر فيه زرع تبع له] قال فيه وفي المدونة: وإن ساقي زرعاً فيه شجر مفرقة هي تبع له جاز أن يشترط على ما شرطا في الزرع, ولا ينبغي أن يشترطها العامل لنفسه, وإن قلَّت, بخلاف البياض, ولا يجوز على أن ثمرها لأحدهما دون الآخر, وإنما يجوز على أن ثمرتها بينهما على ما شرطا في الزرع. قال ابن المواز: إذا ساقي زرعاً وفيه شجر تبع له, أو كان الزرع تبعاً للشجر فروى ابن القاسم: أنه بخلاف البياض وكراء الأرض, وقال: لا يجوز أن يلغي للعامل, ولا يجوز إلا على سقاء واحد كحائط فيه أصناف. وروى ابن وهب عن مالك: أن ذلك يجوز أن يلغي للعامل وحده إذا كان تبعاً, كمكتري الدار والأرض فيها نخل تبع يشترط ثمرها فهو جائز, ولا يجوز أن يكون بينهما.

قال ابن المواز: ولا أعرف أحداً استحسن ما قاله ابن قاله ابن وهب ولا أخذ به, والمعروف ما قاله ابن القاسم فهو بخلاف البياض, وبخلاف الدار والأرض تكترى وفيها نخل أو زرع تبع, لها فيشترط ذلك المكتري. [المسألة الثانية: مساقاة نخل فيها زرع تبع لها ومساقاة زرع فيها نخل تبع لها] ابن المواز: والزرع إذا كان تبعاً للنخل/ جائز فيه معها المساقاة, وإن لم يعجز عن الزرع ربه, وإن كان النخل تبعاً للزرع: لم يجز حتى يعجز عن الزرع ربه. [المسألة الثالثة: مساقاة الحائط وفيه من الموز قدر الثلث فأقل] قال مالك: ولا بأس أن يساقي الحائط وفيه من الموز ما هو تبع قدر الثلث فأقل, لا يكون لأحدهما ويكون بينهما على سقاء واحد, مثل الزرع الذي مع النخل وهو تبع لها, كما قال ابن القاسم فيه, وقاسه على الحائط فيه أصناف. قال محمد: وقول مالك في الموز يرد رواية ابن وهب عنه في الزرع والنخل. [المسألة الرابعة: العامل يشترط لمساقاة البياض مع النخل أن له ثلاثة أرباعه] قال: فإن ساقي نخلاً فيها بياض قدر الثلث فاشترط الداخل أن له ثلاثة أرباع البياض, فآباه ابن القاسم وقال: إما على سقاء واحدٍ أو يلغى للعامل.

وأجازه أصبغ وقال: كما جاز أن يكون له كله جاز أن يشترط أكثره, ولا ينبغي أن يكون أكثره لرب الحائط, كما لا يجوز له اشتراطه كله, وقال أيضاً أصبغ مثل قول ابن القاسم: لا يجوز إلا على الوجهين, فإن وقع ذلك زيادة في المساقاة: فله مثله. قال أبو محمد: يريد في مذهب أصبغ. [فصل 4 - العامل يساقي النخل خمس سنين على أن البياض له أول سنة ثم يزرعه صاحبه لنفسه] ومن المدونة وكتاب محمد: قال ابن القاسم: من أخذ نخلاً مساقاة وفيها بياض تبع لها خمس سنين, على أن يكون البياض أول سنة للعامل يزرعه لنفسه ثم يعود إلى رب الحائط يزرعه لنفسه, وتكون المساقة باقي السنين في الحائط وحده دون البياض: لم يجز؛ لأنه خطر كمن أخذ حائطين مساقاة سنين على أن يرد أحدهما بعد سنة فهو خطر. قال ابن حبيب: فإن نزل, قيل: كم تساوي مساقاة النخل في العام الأول على أن البياض للعامل وحده؟ , فإن قيل: الثلث, كان للعامل فيه الثلث, ثم يقال: كم تسوي مساقاته بغير بياض خمس سنين؟ , فإن قيل: النصف, كان للعامل في الاربع سنين الباقية على النصف, وسواء نظر في نظر في أمرها بعد انقضاء السنين كلها أو بعضها. م: وعلى مذهب ابن المواز يكون أجيراً في السنين كلها.

[فصل 5 - العامل يساقي حائطاً فيه بياض استثناه فأجيحت ثمرة النخل فما الحكم في الببياض المزروع؟] ومن العتبية,. قال سحنون: أخبرني ابن أشرس عن مالك فيمن ساقي حائطاً فيه بياض تبع, فاستثناه العامل, فأجيحت ثمرة النخل وقد زرع العامل البياض: أن عليه كراء البياض. قال سحنون: جيده؛ لأنه لم يعطه إياه إلا على عمل السواد. فلما ذهب السواد كان له أن يرجع بالكراء. قال سحنون في كتاب ابنه: قال علي عن مالك: وكذلك لو عجز الداخل عن الأصل كان عليه البياض بكراء مثله. وقال محمد بن إبراهيم بن دينار وعبد الله بن نافع: إذا كان له أصل من نخل أو كرم أو غيره, وفيه بياض وهو تبع أو هو الأكثر, فقال رب الحائط: أساقيك النَّخل وحدها, أو أكريك الأرض وحدها وأحبس نخلي أو بياضي ولك من الماء قدر ما يروي به نخلك في المساقاة, أو يروي به زرعك في الكراء, ولي فضل مائي أسقي به نخلي أو زرعي أو ما وضعت في بياضي وليس عليك فيه سقاء: فذلك كله جائز, وإنما يكره أن يجمع البياض إلى النخل, أو النخل إلى البياض, فيشترط ذلك المساقي لنفسه خاصة على العامل, ويكن على العامل سقيه, فيكون ازدادها عليه, فإذا لم يكن ذلك فلا بأس به.

[الباب الثامن] ما تجوز فيه المساقاة من الأصول أم لا

[الباب الثامن] ما تجوز فيه المساقاة من الأصول أم لا [فصل 1 - المساقاة جائزة في كل أصل من الشجر وفي شجر البَعْل] قال مالك رحمه الله: والمساقاة في كل ذي أصل من الشجر جائزة, ما لم يحل بيع ثمرها. ولا بأس بمساقاة شجر البعل التي على غير ماء؛ لأنها تحتاج إلى عمل ومؤونة, كشجر إفريقية والشام. [فصل 2 - مساقاة الزروع] قيل فزروع البعل كزروع إفريقية ومصر, وهو لا يسقي. قال: إن احتاج من المؤونة إلى ما يحتاج له شجر البعل, ويخاف هلاكه إن ترك: جازت مساقاته, وإن كان لا مؤونة فيه إلا حفظه وحصاده ودراسه: لم يجز؛ وتصير إجارة فاسدة.

وليس زرع البَعْل كشجرة, وإنما تجوز مساقاة زرعه على الضرورة والخوف عليه, ولا تجوز مساقاة الزرع إلا أن يعجز عنه ربه, وإن كان له ماء يسقى به؛ لأنه قد يعجز ربه عن الدواب والأجراء, وكذلك إن كان ماؤه سَيَّحاً فعجز عن الأجراء, وإنما تجوز مساقاته إذا استقل من الأرض وإن أسبل, إذا احتاج إلى الماء فإن ترك مات, فإما بعد جواز بيعه فلا يجوز سقاؤه. وقال مالك في الواضحة: ولا يساقي الزرع بذراً قبل أن يطلع من الأرض عجز عنه ربه أو لم يعجز, قال ابن حبيب: فإن وقع فللعامل أجر مثله, والزرع لربه, وكذلك إن طلع وساقاه ولم يعجز عنه ربه. وقال ابن نافع في كتاب ابن سحنون: المساقاة في الزرع والجزر والبطيخ والأصول المغيَّبة جائزة عجز عنه صاحبه أو لم يعجز. وقال ابن عبدوس: القياس عندي أن لا تجوز مساقاة الزرع. م: فوجه قول ابن عبدوس هذا: أن السُّنة إنما وردت في مساقاة الثمار إذا كان زرع خيبر للثمار, والتبع لا حكم له, فوجب أن لا يعدى

بالرخصة بابها؛ لأن المساقاة عقد مستثنى من الأصول جوز للضرورة, فلا يجوز منه إلا ما جوزه الشرع, وما زاد على ذلك كانت أجرة مجهولة. ووجه قول مالك: أنه لما كانت العلة في جواز المساقاة للضرورة إلى ذلك, ورأى أن السنة إنما وردت في الثمار, جعل الزرع وما يشبهه اخفض رتبة من الثمار فلم يجزه إلا عند شدة الضرورة التي سبب إجازة المساقاة, وهو أن يعجز عن القيام به, وبعد خروجه من الأرض فيصير نبتاً كالشجر. ووجه قول ابن نافع: أن الزرع وما أشبهه أصل من الأصول وثمرة كالثمار فلا فرق بينهما. م: وقول مالك أبينها, ومتوسط بين الأقوال وبالله التوفيق. [فصل 3 - مساقاة الورد والياسمين] ومن المدونة, قال مالك: لا بأس بمساقاة الورد والياسمين والقطن. قال ابن المواز: وإن لم يعجز عن ذلك ربه. م: يريد: لأن القطن عندهم شجر يجنى سنين, فهو كالأصول النابتة, وأما ببلدنا فلا تجوز مساقاته إلا أن يعجز عنه ربه كالزرع؛ لأن أصله غير ثابت. [فصل 4 - مساقاة المقاثي والموز والبقول] ومن المدونة, قال مالك: وتجوز مساقاة المقاثي إذا عجز عنها صاحبها كالزرع.

قال ابن القاسم: وكذلك البصل وقصب السكر تجوز مساقاته إذا عجز عنه صاحبه؛ لأنه ثمرة وجزة واحدة, ونما تجوز مساقاة المقاثي وقصب السكر قبل [أن] يحل بيعه. قال ابن المواز: إذا ظهر أول ذلك ولم يبلغ إلى حد يجوز بيعه. ولا يجوز أن يشترط خلفه قصب السكر في المساقاة, كما لا يجوز مساقاته إذا لم يظهر من الأرض. ومن المدونة, قال ابن القاسم: والمقثأة بمنزلة الشجر وثمرها, كثمرة وهي نبات واحد/, يطعم بعضها بعد بعض, كالتين وشبهه من الثمار التي يطيب بعضها قبل بعض, وإذا حل بيع المقاثي, وعجز صاحبها عن عملها: لم تجز مساقاتها لجواز بيعها, فإذا حل بيعها جاز لمشتريها أن يشترط ما يخرج منها حتى تنقطع. قال مالك: وما حل بيعه من الثمار: لم تجز مساقاته. [فصل 5 - مساقاة القَضْب والقَرَظ والبقول والموز والنخل يطعم بالسنة مرتين] ولا تجوز مساقاة القَضْب؛ لأنه يساقي بعد جواز بيعه, وكذلك القَرَظ والبَقْل -يريد: الذي يجز ويخلف- ولا الموز, وإن عجز عن ذلك ربه؛ لأن ذلك كله بطن بعد بطن وجزَّة بعد جزَّة, وليس كشجرة ذات أصل تجني في مرة ويتفاوت طيبها, ولكن من شاء ذلك واشترط خلفته على ما يجوز.

ولا بأس بمساقاة نخل تطعم بالسَّنة مرتين, كما لا تجوز مساقاة عامين, وليس ذلك مثل ما كرهنا من مساقاة القَضْب؛ لأن القَضْب يحل بيعه وبيع ما يأتي بعده, والشجر لا يباع ثمرها قبل أن تزهى. ولا تجوز مساقاة شجر الموز وإن عجز عنها ربها, وإن لم يكن فيها ثمر؛ لأن الموز تجز ثم يخلف, فهو كالقَضْب والبقل, ولا بأس بشراء الموز في شجرة إذا حل بيعه, ويستثنى من بطونه خمسة أو عشرة بطون, أو ما تطعم هذه السَّنة, أو سنة ونصف وذلك معروف, والقَضْب مثله. وأصل قولهم في المساقاة: أن كل ما يجز أصله فيخلف فلا تجوز مساقاته, وكل ما تجني ثمرته ولا تَخْلِف, وأصله ثابت أو غير ثابت فمساقاته جائزة, ومساقاة ما لم يزه من نخل أو شجر تجوز, كما تجوز لو لم تظهر الثمرة. م: فذلك على ثلاثة أصناف: فالأصول الثابتة وإنما تجني ثمرتها تجوز مساقاتها ما لم يحل بيع ثمرتها.

والأصول غير الثابتة التي يجني الأصل مع الثمرة, كالزرع والبصل واللفت والاسقنارية والمقاثي وشبه ذلك, لا تجوز مساقاته, إلا أن يعجز عنه ربه ويظهر من الأرض وما يجني أصله ويخلف كالبقول والكراث, والقَضْب والموز لا تجوز مساقاته. [فصل: 6 - مساقاة الريحان والقَصَب الحلو] واختلف في الريحان فقيل تجوز وقيل لا تجوز, واختلف أيضاً في القَصَب الحلو, فقيل: تجوز, وقيل: لا تجوز؛ فوجه المنع؛ لأنه كالبقل يجز ويخلف, ووجه الإجازة فلأنه إذا خرج لم ينتفع به, واحتاج إلى السقي, فيجوز أن يساقي منه الجرَّة الأولى دون الخلفة. وقيل: القياس أن تجوز المساقاة عليه وعلى خلفته, فإن قيل: إن مساقاة ما لم يخرج لا تجوز. قيل: ذلك إذا انفرد, وإلا فنحن نجيز بيع الأصل مع الخلفة إذا انتفع به, فإذا لم ينتفع به: جازت مساقاته كله؛ لامتناع بيعه, ولا يبعد هذا أن لو كان البقل في أول خروجه لا ينتفع به لوجب أن تجوز مساقاته؛ لأن السقاء إنما يخلف البيع إذا لم يقدر على بيع شيء ولا كرائه, وقد بُذر جازت مساقاته. [فصل 7 - مساقاة ما أزهى أو لم يزه]

ومن المدونة: تجوز مساقاة ما لم يزه من ثمر نخل أو شجر, كما يجوز لو لم تظهر الثمرة, وإذا أزهر بعض الحائط: لم تجز مساقاة جميعه لجواز بيعه. ومن كتاب ابن المواز قال: إذا كان في الحائط أنواع مختلفة, فحلَّ بيع بعضها/ وباقيها لم يحل أو لم يثمر, فجمع ذلك كله في المساقاة, فإن كان ما أزهى الأقل في الحائط: جازت المساقاة, وإن كثر: لم يجز لا فيه ولا في غيره. م: وهذا بخلاف أن لو كان الحائط كله صنفاً واحداً فيطيب بعضه؛ لأن هذا بطياب بعضه يجوز بيع جميعه, فإن كانت أصنافاً مختلفة: لم يجز بيع ما لم يزه لزهو غير جنسه. قال في كتاب ابن المواز: وإن ساقاه نخلاً وفيها شجر من رمان أو عنب قد طاب, فإن كانت لزيقة النخل وتشرب معها فجائز. قال أحمد: إذا كان الرمان الذي طاب يسيراً. قال في العتبية: ومن ساقى نخلاً وفيها يسير من الموز, مثل الثلث فدون: فأرجو أن يكون خفيفاً. قال سحنون: إذا كان الموز داخلاً في المساقاة, وأما إن اشترطه العامل: لم يجز.

م: ولا تجوز مساقاة وبيع في صفقة واحدة, ولا مساقاة وكراء, فإذا كان في الحائط بياض تبع: لم يجز كراؤه ومساقاة الحائط فإذا كان في الأرض المكتراة سواد تبع لها: لم تجز مساقاته مع كراء الأرض في صفقة واحدة, وإذا كان السَّواد النصف والأرض النَّصف: لم يجز جميعها في صفقة, ولا يلغي أحدهما للمكتري أو المساقي, ولكن يكري الأرض على حدة, ويساقي السَّواد على حده. تم كتاب المساقاة بحمد الله وعونه وصلواته على خير خاتم محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً.

كتاب القراض

كتاب القراض [الباب الأول] في جواز القراض ووجع العمل به [فصل 1 - في جواز القراض] قال الليث -رحمه الله-: كان القراض في الجاهلية فأقر وصار سنة في الإسلام, وعمل به عمر وعثمان رضي الله عنهما وصدر الأمة, واتبع فيه خلف الأمة سلفها وهو كالذي كان سن رسول الله * في المساقاة سواء, وذلك مستخرج بالرخصة من الإجارة المجهولة, وكاستخراج بيع العرية والشركة والتولية في الطعام, والعمل على ما جرى من سنته, ما لم يغير بفساد عقد أو شرط زيادة فيخرجه عن حد رخصته.

قال القاضي عبد الوهاب: ولا خلاف في جوازه بين الأمة, وإن اختلفوا في كثير من شروطه وأحكامه؛ ولأن الضرورة داعية إليه لحاجة الناس إلى التصرف في أموالهم وتنميتها والتجارة فيها, وليس كل أحد يقدر على ذلك بنفسه, وربما لم يدخل العامل في ذلك بأجرة معلومة؛ لأن العادة جرت من عهد الجاهلية إلى هذا الوقت بأن يعمل العامل بجزء من الربح, فلما كان الأمر كذلك أرخص فيه على ما أرخص في المساقاة. [فصل - فيما يجوز القراض به] ولا خلاف في جوازه بالدنانير والدراهم؛ لأنهما أصول الأثمان, وبهما يقوَّم ما عداهما من العروض وسائر المتلفات. ومن المدونة, قال مالك -رحمه الله- لا تصلح المقارضة إلا بالدنانير والدراهم. قال ابن القاسم: وقد ذكر بعض أصحابنا أن مالكاً سهل في القراض بِنَقْرِ الذهب والفضة, فسألت مالكاً عن ذلك فقال: لا يجوز. وروى ابن وهب: أن مالكاً اختلف قوله في إجازة القراض به, وأجازه ابن وهب, وكرهه الليث وشدّد فيه.

قال القاضي عبد الوهاب: فوجه قوله في جواز القراض بهما؛ فلأنهما عين كالدنانير والدراهم؛ ولأن كل حكم تعلق بهما إذا كانا مسكوكين فإنه يعلق بهما إذا كانا تِبْرين من منع التفاضل في الجنس الواحد, ومنع الافتراق في الصرف, واتفاق حكمهما في الزكاة, فوجب أن يستوي حكمهما أيضاً في القراض. ووجه قوله في المنع: أن عادة الناس لا يتصرفون في الشراء بها دون أن تضرب أو تباع, فأشبهت العروض, فإذا ثبت تعذر التعامل فيها وهي على ما هي عليه, احتاج العامل أن يبيعها بالدنانير أو بالدراهم ليحصل رأس المال من غيرهما, فلا يخلو أن يكون ذلك بأجرة أو بغير أجرة. فإن كان بغير أجرة كان ذلك زيادة ازدادها رب المال على العامل, وذلك غير جائز في القراض؛ لأن من سنته التساوي, وعلى رب المال أن يسلم المال إلى العامل على وجه يمكنه التجارة به. وإن كان بأجرة كان ذلك زيادة ازدادها العامل على رب المال من غير نماء المال, وحصل كأنه قارضه واستأجره بعقد واحد وذلك في الوجهين باطل؛ لأن

القراض أصل منقول عن بابه, فيجوز للضرورة, فلا يجوز أن يضم إليه عقد غيره؛ لأنه يخرج عن باب رخصته, ويصير إجارة مجهولة, فهذا وجه هذه الرواية. قال ابن المواز/ عن ابن القاسم: فإن نزل القراض بالنَّقَار وعمل به, فربح أو خسر, أمضيته على ما تقارضا. وقال أصبغ: لا يفسخ إذا نزل عمل به أو لم يعمل. يريد: لقوة الاختلاف فيه. قال ابن حبيب: فإن عمل به أو أراد المفاصلة: رد مثلها إن عرف وزنها, وإن لم يعرف فرأس ماله فيها الثمن الذي بيعت به أو العدد الذي خرج في ضربها, إلا أن يكون قال له: بعها أو استضر بها, فرأس ماله على ما باعها به, أو ما خرج في الضرب, عرفا وزنها أو لم يعرفا, وللعامل أجرته في الصرف أو الضرب إن كان لذلك مؤونة, ثم هو فيما حصل على قراض مثله. م: قال بعض القرويين: ما الفرق بين أن يشترط دافعها ضربها أو بيعها وبين أن يدفعها بغير شرط ومآل أمرهما إلى ذلك؟ فيحتمل أن يريد: أن من شرَط بيعها

أو ضربها إنما أراد أن القراض إنما يكون بعد نضوض المال, ومن دفعها ولم يشترط ذلك جعلها قراضاً يوم دفعت, ومثلها لا تتغير ولا تختلف أسواقها فلا يفسد القراض. وأجاز ابن القاسم القراض بها في البلد الذي يدار فيها التبر. م: ليس بخلاف لقوله في المدونة؛ لأنه إذا كان يجوز البيع بها والشراء كالدنانير والدراهم فلا فرق بينهما. [فصل 3 - القراض بالفلوس] ومن المدونة, قال ابن القاسم: ولا يجوز القراض بالفلوس؛ لأنها تحول إلى الكساد والفساد, وليست عند مالك بالسَّكة البينة كالعين, وقد أخبرني عبد الرحيم: أن مالكاً كان يجيز شراءها بالدنانير والدراهم نظرة ثم رجع فكرهه, ولم يره كتحريم الدراهم بالدنانير, فلذلك كرهت القراض بالفلوس.

قال ابن حبيب: فإن نزل: مضى ورد فلوساً مثلها, إلا أن يكون شرط عليه أن يصرفها دراهم, ويعمل بالدراهم فيأخذ أجرة صرفه, ثم هو على قراض مثله في الدراهم. ووقع في أمهات أشهب: أنه أجاز القراض بالفلوس؛ لأنها لما ضربت صارت بسبيل العين فيه. قال ابن المواز: وأخبرني الحارث عن أشهب أنه لم يجز القراض بالفلوس. قال ابن المواز: النَّقار أخف ولا يجوز بالفلوس وهي كالمعروض. [فصل 4 - القراض لا يصح إلا بالنقد] [المسألة الأولى: القراض بالطعام والعروض] ومن المدونة, قال ابن القاسم: ولا خير في القراض بطعام أو عرض, كان مما يكال أو يوزن أو لا, للغرر بتغير الأسواق عند المفاصلة, ويفسخ ذلك, وإن بيع ما لم يعمل بالثمن, فإن عمل فله أجر مثله في بيعه وقراض مثله في الثمن, ولا ينظر إلى ما شرط له من الربح.

[المسألة الثانية: القراض على أن يشتري سلعة معينة] وكذلك إن دفعت إليه مالاً قراضاً على النصف, على أن يشتري به عبد فلان, ثم يشتري بعد ما يبيعه ما شاء, فهو أجير في شرائه وبيعه, وفيما بعد ذلك له قراض مثله. [المسألة الثالثة: القراض على أن يصرف هذه الدنانير ويعمل بها] وكذلك إن دفعت إليه دنانير على أن يصرفها ثم يعمل بها, أو على أن يقتضي من غريمك ديناً ثم يعمل به, فله أجر الصرف أو التقاضي وقراض مثله إن عمل, وهو كمن ساقي نخلة وفيها ثمرة قد طابت, فله أجرة سقيه ونفقته في هذه الثمرة, وهي لربها, وفيما عمل بعد ذلك مساقاة مثله. قال ابن حبيب: وسواء قال له: خذ هذا العرض قراضاً أو بعه واعمل به قراضاً, وله أجره في البيع والتقاضي وقراض مثله في الثمن. وكذلك في كتاب محمد. قال ابن حبيب: فإن باع المقارض ذلك العرض بعرض, ثم باع الثاني بعين ثم عمل, فإن كان إنما قال له: بعه واعمل به قراضاً, فرأس ماله الأكثر من قيمة العرض الأول أو من ثمن الثاني, وله أجرة في بيع الأول لا في الثاني.

قال أبو محمد: إنما له أجرة في البيع الأول عندي إذا أجاز بيعه إياه بالعرض, واختار ثمن الثاني, إذ هو أوفر من القيمة, وأما إن اختار قيمة الأول إذ هي أوفر فلا أجر له, لأنه تعدى. قال ابن حبيب: ولو كان قال له: خذه واعمل به قراضاً والمسألة بحالها فرأس ماله قيمة العرض الأول. م: يريد يوم باعه بالعرض. قال: وله أجره في بيعه الأول, ولا/ ينظر في الثاني إلى ثمن ولا قيمة؛ لأنه من تجارتهما بعد. قال أبو محمد: وهذا إذا باع الثاني بأكثر من قيمة الأول, فأما لو باعه بمثل قيمة الأول أو أقل لم يضمن شيئاً, وكان رأس المال ما باع به الثاني. م: قال بعض فقهائنا القرويين: إذا وجب عنده أن يكون قيمته هي رأس مال القراض فلماذا جعل له أجرة في بيعه؟ م: يريد لأنه متعد في بيعه العرض الأول بالعرض الثاني. فلذلك ألزمه قيمته, فكان يجب أن لا أجر له في بيعه.

[المسألة الرابعة: المقارض يدفع السَّلعة إلى العامل قائلاً إنها قامت بكذا فما كان من ربح فبيننا] ومن المدونة, قال عبد العزيز: لا تدفع إليه سلعتك وتقول: قامت علي بكذا فما كان من ربح بعد ذلك فبيني وبينك, وهذا له أجر مثله فيما عمل, وما كان في سلعتك من ربح أو وضيعة فلك أو عليك. قال أبو محمد: يظهر لي في مسألة عبد العزيز: أنه إن كان قصد إلى أن يعمل بالثمن ويكون ما قامت به رأس المال عند مفاصلتها أنه أجير في كل شيء؛ لأنها زيادة مشروطة إما لرب المال وإما للعامل, بخلاف القراض بالعرض؛ لأنه يوقت له ثمناً. وهذا على أصل ابن القاسم, وأما عبد العزيز فيرى في كل قرض فاسد أجر مثله. فصل [5 - القراض بالدين والوديعة والعارية والرهن] ومن المدونة, قال مالك: وإن كان عند رجل دين فقلت له: اعمل به قراض: لم يجز, وكذلك لو أحضر, فقلت له: خذه قراضاً: لم يجز, إلا أن تقبضه ثم تعيده إليه. قال ابن القاسم: خوفاً أن يكون إنما اعتدى أن يؤخره بالدين ثم يزيده فيه. والوديعة مثله؛ لأني أخاف أن يكون قد أنفق الوديعة فصارت عليه ديناً.

ابن المواز: وكره ابن القاسم القراض بالوديعة حتى يحضرها, ولا بأس به عندي. م: وهذا خلاف للمدونة؛ لأنه جعلها في المدونة كالدين, والدين لو أحضره: لم يجز أن يقول له: اعمل به قراضاً حتى يقبضه منه ثم يعيده إليه. وفي العتبية جعله إن نزل مضى. فصار في ذلك ثلاثة أقوال: -قول: أنه كالدين: لا يجوز القراض به وإن أحضره حتى يقبضه منه. -وقول: أنه إن أحضره: جاز, وإن لم يقبضه. -وقول: أنه إن نزل: مضى وإن لم يحضره. قال ابن القاسم في العتبية: كان مالك يكره القراض بالوديعة, فإن وقع: مضى والربح بينهما, ويصدق في التلف, وإن نزل في الدين: فليس له إلا رأس ماله, وربحه ووضعيته للعامل وعليه, وهو ضامن للدين بحاله, فأما إن نزل في الوديعة كانا على قراضهما في الربح, وكانت الوضيعة على رب الوديعة حتى يعرف أنه حركها قبل ذلك وضمنها فيكون كالدين.

وقال غير ابن حبيب وروى عن أشهب في الدين أنه قال: إن نزل مضى. م: قال بعض فقهائنا القرويين: ولم يصدقه أشهب لو قال: خسرت فيه, إذ لا تبرأ ذمته إلا ببينة, وقد كان يشبه على مذهب ابن القاسم أن تبرأ ذمته إذا ادعى الخسارة على قول في من أمرته أن يشتري بمال له في ذمته سلعة فقال: اشتريها وضاعت, أو قال: أنفق في الدار, فقال أنفقت. وفي الدار أثر يصدق قوله: أنه يقبل قوله أنه محدثه مع يمينه. فأما إذا جاء بربح فيتقي في ذلك الحرام أن يكون هذا عوضاً للتأخر, وأنه لم تربح شيئاً. ابن المواز: ومن أعرته دنانير فلا تدفعها إليه قراضاً حتى تقبضها, ولو كان عوضاً: لم يجز. ومن لك عنده دنانير رهناً فقارضته بها: لم يجز حتى يردها, وإن كانت بيد أمين فلا ينبغي أن تعطيها للأمين قراضاً, حتى تؤدي الحق إلى ربه.

[فصل 6 - اشتراط يد العامل في القراض] ومن المدونة: ولا يجوز أن يشترط عمل يد العامل لخفاف أو صناعة أو غيرها, فإن نزل: كان أجيراً, والربح والوضيعة لرب المال وعليه. قال بعض فقهائنا القرويين وذكر في كتاب محمد: أنهما يكونان على قراضهما, وهذا يؤدي إلى جواز إجارة الدابة بنصف كسبها؛ لأنه أجر صنعته بثمن مجهول وهو جزء من الربح, وقد يكون أو لا يكون. قال: ويجب أن تكون الصنعة التي عمل/ له؛ لأنه باعها بيعاً فاسداً ويده عليها, كقوله في من دفع إلى رجل فضة على أن يزيده من عنده ويعمل له خلخالاً فعمله: أنه يكون شريكاً بقدر ما أخرج: إذ يده عل ذلك, وأشار أن غيره يخالفه؛ لأنه ليس بصنعة عين قائمة, فهي كتمويه اللَّجام وهذا لا يكون فيه شريكاً, ويرد عليه ما أسلفه وتكون عليه إجارته, وكذلك المقارض فيما عمل بيده. م: وقد قال يحيى بن عمر يكون أحق بما عمل من الغرماء حتى يأخذ إجارته. قال أبو محمد: يريد حتى يأخذ إجارته فيما عمل في القراض, ونحى بعض فقهائنا القرويين أنه أحق بما عمل حتى يأخذ إجارته فيما عمل في القراض. قيل له: فابن المواز قال في المقارض إذا رد إلى الإجارة لا يكون أحق بالربح من الغرماء. قال: الأشبه أن يكون أحق به, والذي في المدونة يحتمل أن يكون سلَّم ما بيده فلهذا قال إنه: لا يكون أحق بربح المال الذي بيده, فهذه إشارة أنه سلم ما بيده.

[الباب الثاني] في المقارضة على الأجزاء والتداعي فيها

م: وظاهر المدونة وكتاب محمد: أه لا يكون أحق بالربح في إجارته القراض, وعلى هذا حمله أبو محمد, وهو أبين. والله أعلم. [الباب الثاني] في المقارضة على الأجزاء والتداعي فيها [فصل (1) المقارضة على الأجزاء] [المسألة الأولى: الرجل يعطي الرجل مالاً يعمل فيه قراضاً والربح للعامل] قال ابن القاسم: وتجوز المقارضة عند مالك على النصف أو الخمس أو أكثر من ذلك أو أقل. قلت: فإن أعطيته مالا قراضا على أن الربح للعامل قال: ذلك جائز. وقد قال مالك في من أعطى مالاً يعمل به على أن الربح للعامل, ولا ضمان عليه: أنه لا بأس به, وكذلك إن أعطاه نخلاً مساقاة على أن جميع الثمرة للعامل فلا بأس به. ابن المواز: إن قال رب المال للعامل حين دفع المال إليه: خذه قراضاً والربح لك: جاز, وكان الربح للعامل, ولا يضمن المال إن خسر أو تلف, والقول فيه قول العامل, وإن لم يقل له خذه قراضاً وإنما قال: خذه واعمل به والربح لك: جاز أيضاً؛ لأن الربح للعامل وهو ضامن لما خسر, يريد: إلا أن يشترط أن لا ضمان عليه فلا يضمن.

[المسألة الثانية: المقارض يدفع إلى العامل مالاً ولم يسم ماله من الربح] ومن المدونة, قال ابن القاسم: ومن دفع إلى رجل مالاً قراضاً ولم يسم ماله من الربح, وتصادقا على ذلك: فله قراض المثل إن عمل. وكذلك إن قال له: لك شِرْك في المال ولم يسمه وتصادقا على ذلك: كان على قراض مثله إن عمل. وقال غيره: إذا قال لك شرْك في المال ولم يسمه وتصادقا: فذلك النصف. [المسألة الثالثة: المقارض يدفع مالاً للعامل على النصف ثم يجعلاه على الثلثين] قال ابن القاسم: وأن أعطيته قراضاً على النصف, ثم تراضيتما -بعد أن عمل- على أن يجعلاه على الثلثين لك أو له: جاز. قال ابن حبيب: إن كان المال حين تراضيتما عيناً لا زيادة فيه ولا نقص, وقد حركة أو لم يحركه: فلا بأس به , وإن كان فيه زيادة أو نقص, أو كان في سلع: لم يجز.

م: وقول ابن القاسم أولى؛ لأن المال إن كان عيناً فكأنهما الآن ابتدآ بالعقد؛ لأن القراض لا يلزم بالعقد, ولمن شاء حله ما لم يُشغل المال في سلع, أو يظعن به في سفر, وإن كان المال في سلع فهي هبة, تطوَّع أحدهما بها لصاحبه, وهبة المجهول جائزة. ووجه قول ابن حبيب: أنه إن كان المال عيناً وفيه ربح أو وضيعة فقد ملكا قَسْمَه, فكان أحدهما زاد الآخر لبقاء الأمر بينهما, وكذلك إن كان المال في سلع, إذ قد يدعو أحدهما إلى بيعها والمفاصلة فيها, فكأنه زاده في جزءه, ليماديه على القراض, والله أعلم. م: قال بعض القرويين: إن كان بعد أن عمل, وكان لرب المال الثلثان فجعل لنفسه الثلث, فتلك هبة مقبوضة, مات رب المال أو أفلس, وإن كان للعامل الثلثان, فجعل لرب المال الثلثين, فهو هبة منه, فإن مات العامل أو أفلس قبل قبض/ رب المال ما وهبه: سقطت الهبة. قال: ولا يجوز هدية رب المال للمقارض ولا للمقارض له.

قال: وقد أجاز محمد ترك العامل النفقة بعد اشتغال المال, وذلك هبة من العامل؛ لأن النفقة واجبة له بالسفر, ولم يجز تركه لذلك قبل اشتغال المال. م: يريد لأنه يصير كأنه اشترط ترك النفقة في العقد فلم يجز ذلك. [المسألة الرابعة: مقارضة رجلين لأحدهما ثلث الربح وللآخر سدسه] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن قارضت رجلين على أن لك نصف الربح, ولأحدهما الثلث, وللآخر السدس لم يجزكما لو اشترك العاملان على مثل هذا لم يجز؛ لأن أحدهما يأخذ بعض ربح صاحبه بغير شيء. م: ويجب على هذا -إن كان رب المال اشترط ذلك عليهما-: أن يفسد القراض ويكون العاملان فيه أجيرين. قال ابن المواز: قال أصبغ: فإن نزل ذلك: فسخ القراض بينهما, ما لم يعملا, فإن فات بالعمل: كان نصف الربح لرب المال والنصف بين العاملين على [ما] شرطا, ويرجع صاحب السدس على صاحب الثلث بإجارته في فضل جزئه. وقاله ابن حبيب: إلا أن يكون ذلك أكثر مما فضله به من الربح. قال ابن المواز: ولو شرطا العمل على قدر أجزائهما من الربح لكان مكروهاً, إلا أن ذلك إن نزل: مضى. قيل: فإن خسرا, أيكون لهما أجر مثلهما على رب المال؟ قال: لا شيء على رب المال, وإنما الكلام فيما بين العاملين.

م: لعله أراد أن رب المال اشترط لنفسه نصف الربح, وتشاركا هما على أن لهما النصف على الثلث والثلثين, والعمل بينهما نصفان, فيكون إنما دخل الفساد في اشتراطهما لأنفسهما, فلذلك جعل أن لا أجر لهما إن خسرا, وأن الربح بينهما على شرطهما, ويرجع من له فضل على صاحبه كشركاء المال يشترطان ذلك فانظر. [المسألة الخامسة: المتقارضان يشترطان ثلث الربح للمساكين] ومن المدونة, قال ابن القاسم: وإذا اشترط المتقارضان عند معاملتهما ثلث الربح للمساكين: جاز ذلك, ولا أحب لهما أن يرجعا فيه, ولا يقضي بذلك عليهما. فصل [2 - المتقارضان يختلفان في أجزاء الربح] قال ابن القاسم: ومن أخذ قراضاً على [الثلث] والثلثين ولم يبين لمن الثلثان: فالقول قول العامل أن الثلثين له والثلث لرب المال, كما لو ادعيا ثلثي ذلك: لكان القول قول العامل أن الثلثين له, فكذلك هذا.

قال ابن المواز: إذا أقرا أنهما لم يبينا لمن الثلثان: جعلته لمن يشبه أن يكون ذلك له, فإن كان يشبههما جميعاً: جعلته للعامل ويحلف إن أدعى ذلك. م: وإنما يكون القول قول العامل إذا اختلفا بعد العمل, فقال العامل كان نيتي أن الثلثين لي, فالقول قوله ويحلف أنه كذلك نوى, فإن نكل حلف رب المال على ما نوى بمنزلة ما إذا تداعيا ذلك لفظاً. م: وقال بعض فقهائنا القرويين: إذا أدعى كل واحد أنه فهم عن صاحبه أنه صيَّر له الثلثين, فذلك كتصريح الدعوى, والقول قول العامل إذا أشبه. وأما إن قال كل واحد منهم: لم أفهم عن صاحبي شيئاً إلا أنَّي ظننت أنَّي ظننت أنَّي المَعْني بالثلثين: فكان يجب أن يكون الربح بينهما نصفين؛ لأن كل واحد قد سلم الثلث لصاحبه, واستوت دعوهما في الثلث الباقي, فيقسم بينهما نصفين. م: ويلزم على هذا أن لو بيَّنا الدعوى لفظاً أن يقسم بينهم أيضا نصفين؛ لأن كل واحد قد سلم لصاحبه الثلث, واستوت دعواهما في الثلث الباقي, ولكن لما كان العامل حائزاً, وجب أن يكون القول قوله في تساوي الدعوى, كتساوي

البينتين أن القول قول الحائز, ولا فرق أيضاً بين قوله فهمت, ولا بين قوله: ظننت؛ لأنه لا يظن أنه المَعنَّي بالثلثين إلا بما فهم من قول صاحبه, والله أعلم. ومن المدونة, وقال مالك: وإذا اختلف المتقارضان في أجزاء الربح قبل العمل, فقال رب المال دفعته على أن الثلث للعامل, وقال العامل: بل على الثلثين لي: رد المال إلا أن يرضى العامل بقول رب المال/, وإن اختلفا بعد العمل: فالقول قول العامل كالصانع إذا جاء بما يشبه, وإلا رد إلى قراض مثله. قال ابن القاسم: وكذلك المساقاة. وقال ابن حبيب عن مالك: القول قول العامل مع يمينه إن ادعى ما يشبه, وإن ادعى ما يستنكر: صدق رب المال ويحلف, فإن ادعى مستنكراً فللعامل قراض مثله. وقاله أشهب. قال: وقال الليث: إن لم يكن لهما بينة حملا على قراض المسلمين, وهو النصف. ومن المدونة, قال مالك: وإن ادعى أحدهما ما لا يجوز, مثل أن يدعي: أن له من الربح مئة درهم ونصف ما بقي أو ثلثه, وادعى الآخر: أن له النصف أو الثلث من الجميع: صدق مدعي الحلال منهما إذا أتى بما يشبه.

م: ولو كان رأس المال أنفاً, فادعى العامل: أنه شرط ربح مئة له ونصف ربح ما بقي, وقال رب المال: بل النصف لك فقط: فالقول قول العامل إذا أتى بما يشبه؛ لأنه ادعى أن له عشر الربح ونصف تسعة أعشار ما بقي, وهو أن له أحد عشر جزءاً من الربح, ولرب المال تسعة أجزاء, فيكون لرب المال أربعة أعشار الربح ونصف عشرة, وللعامل خمسة أعشاره ونصف عشره, فيكون كمن ادعى الثلثين ورب المال للثلث. ولو ادعى أنه له ربح مئة معينة ونصف ما بقي: لكان القول قول رب المال؛ لأنه مدعي الصحة والعامل مدعي الفساد, فهو كما لو ادعى ما لا يشبه؛ لأنه ادعى ربح مئة لا يخلطها مع بقية المال, وذلك فاسد, وبعد هذا باب فيه إيعاب هذا المعنى.

[الباب الثالث] باب في نفقة العامل وكسوته

[الباب الثالث] باب في نفقة العامل وكسوته [فصل 1 - نفقة عامل القراض في السفر] والقضاء: أن للعامل النفقة في مال القراض إذا شخص للسفر به لا قبل ذلك. قال ربيعة: ولولا نفقته إذا شخص ما حل ذلك. قال ابن المواز: ولا يأكل العامل من المال, وإن وقف على الخروج وقُرَّبت إليه دابته حتى يخرج, فحينئذٍ يأكل منه, قرب السفر أو بعد إن كان المال يحمل ذلك. قال القاضي عبد الوهاب: وهي مسألة إجماع في سائر الأعصار إلى زمن الشافعي, فذكر بعض أصحابنا: أنه اختلف فيها قوله, فذهب في آخر أقواله وهو المشهور عنه: أن لا نفقة له في السفر, كما ليس له ذلك في الحضر. قالوا: ولأن سفره بالمال ضرب من التصرف فيه, كتصرف الحاضر, فلا يستحق بذلك زيادة. قالوا: ولأنا وجدنا كل من رضي من عمله بأجر, فلا يستحق نفقة, إلا أن يشترطها من ذلك الأجير والوكيل والصانع, فكذلك العامل.

قال عبد الوهاب: ودليلنا ما ذكرنا ما ذكرناه من الإجماع في سائر الأعصار, ولم يختلف فيه أحد من أهل العلم إلى زمن المخالف, وقد صار ذلك عرفاً بين الناس, والعرف كالشرط. وقد اتفقنا: أن للعامل أن يستأجر من يكفيه مؤنه الحمولة والخدمة فكذلك يجوز أن ينفق منه على نفسه؛ لأن سفره لأجل تنمية المال, والفرق بينه وبين الحاضر أن: الحاضر لو لم يكن بيده قراض لم يكن له بد أن ينفق على نفسه وعياله, والمسافر قد التزم نفقة الخروج زيادة على ما يحتاج إليه في حضره. م: وإن شئت قلت: العرف جرى ألا ينفق منه الحاضر وينفق منه المسافر, وهذه سنة القراض, وإنما أقر وأرخص فيه على ما كان في الجاهلية فمن اشترط خلاف ما كان عليه, فقد أحال القراض عن رخصته, وأخرجه عن بابه فيكون فيه أجيراً. وبالله التوفيق. [فصل 2 - نفقة عامل القراض في الحضر] ومن المدونة, قال مالك: وإذا كان العامل مقيماً في أهله فلا نفقة له من المال ولا كسوة. قال الليث: إلا أن يشغله البيع فيتغذى بالأفلس. ابن المواز: وأباه مالك وقال: من اشتغل في الحضر في تجارة القراض فلا يأكل منه.

[فصل 3 - متى يبدأ المقارض في الإنفاق على نفسه من مال القراض إذا أراد السفر؟] ومن المدونة, قال مالك: ولا ينفق/ منه في تجهيزة سفر حتى يظعن, فإذا شخص من بلده كانت نفقته في سفره من المال في طعامه, وفي ما يصلحه بالمعروف في غير سرف ذاهباً وراجعاً إن كان المال يحمل ذلك, ولا يحاسب في ربحه ولكن يلغي, وسواء في ذلك قرب السفر أو بعد, وإن يشتر شيئاً, وله أن يرد ما بقي بعد النفقة إلى صاحبه, فإذا وصل إلى مصره لم يأكل منه. قال ابن المواز: ينفق في مسيره ورجوعه, رجع إلى بلده أو بلد رب المال. [فصل 4 - كسوة عامل القراض] ومن المدونة, قال مالك: وله أن يكتسي منه في بعيد السفر إن كان المال يحمل ذلك, ولا يكتسي في قريبه إلا أن يكون مقيماً بموضع إقامة يحتاج فيه إلى الكسوة. قال ابن حبيب: من قول مالك: أنه ينفق في قريب السفر وبعيده, في ركوبه وطعامه, ولا يكتسي إلا في بعيدة. قال عبد الوهاب: لأن الذي يستحق من ذلك قدر ما تدعوه الحاجة والسفر القريب لا يحتاج إلى كسوة, فلم يجز أن يأخذ ما لا يحتاج إليه, فإذا طال احتاج

إليها فأبيح له أخذها, وأما الطعام فهو محتاج إليه في قريب السفر وبعيده, ولو قلنا: أنه لا يستحق نفقة ولا كسوة, لأحاطت نفقته وكسوته في سفره بربحه المشترط فيذهب عناؤه باطلاً. قال ابن حبيب: وذلك كله في كثرة المال, فإن كان المال, قليلاً فلا نفقة له ولا كسوة ولا ركوب. قال ابن المواز: وليس في كثرة المال حد, غير أن الخمسين والأربعين عندي كثير. [فصل 5 - هل لمن بعث لشراء بضاعة أو بيعها نفقة وكسوة؟] قال ابن المواز: والبضاعة مثل القراض, ينفق منها كما ينفق من القراض إن كانت كثيرة, وأما القليلة فلا. وكذلك هو في الكسوة مثل القراض, قيل: فإذا بعث معه بضاعة ليشتري له بها سلعة, أينفق منها قبل أن يشتري منها؟. قال: نعم. وكذلك لو بعث معه سلعة ليبيعها له فلينفق إن باع, وإن كان ذلك على وجه المعروف.

م: قد جرى العرف في النفقة والكسوة في القراض, وظاهر أمرهم في البضاعة أنه إن كان الخروج لها ومن أجلها فيجب أن يكون له نفقته وأجرته. وإن كان إنما خرج لتجارة نفسه فبعث معه بضاعة أو مالاً لشراء سلعة, فالعرف عندنا أنه لا شيء له فيجب أن يحمل عليه. [فصل 6 - العامل يقيم بغير بلده ويأخذ قراضاً هل له نفقة؟] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن قدم الفسطاط, فأخذ مالاً قراضاً على أن يقيم يتجر بالفسطاط وليست ببلده, فإنه ينفق منه في مقامه؛ لأن المال حبسه بها إلا أن يوطنها أو ينتقل لسكناها. وإن لم يكن له به أهل فلا نفقة له. قال: ولو خرج بالمال إلى بلد فنكح بها, فإنه إذا دخل وأوطنها, فمن يومئذٍ تكون نفقته على نفسه. ولو أخذ مالاً قراضاً بالفسطاط وله بها أهل, فخرج به إلى بلد له بها أهل: فلا نفقة له في ذهابه ولا في رجوعه؛ لأنه ذهب إلى أهله ورجع إلى أهله. ولو أخذه في بلد ليس فيه أهله, ثم خرج إلى بلد فيه أهله, فتجر هنالك, فلا نفقة له في ذهابه إلى أهله ولا في إقامته عندهم, وله النفقة في رجوعه.

وروى البرقي عن أشهب في من أخذ قراضاً بالفسطاط, وله لها أهل وأهل بالإسكندرية, فخرج إلى الإسكندرية: أن له النفقة في ذهابه ورجوعه, ولا نفقة له في إقامته في أهله, وقال به البرقي. قال سحنون: وليس للمقارض أن يسافر بالمال القليل سفراً بعيداً, إلا أن يأذن له رب المال. [فصل 7 - في التاجر الحاج يأخذ مالاً قراضاً] ومن المدونة, قيل لمالك: فإن عندنا تجاراً يأخذون المال قراضاً, يشترون به متاعاً يشهدون به الموسم, ولولا ذلك ما خرجوا. هل لهم في المال نفقة؟ , فقال: لا نفقة لهم ولا لحاج ولا لغاز في مال القراض في ذهاب ولا في رجوع. قال ابن المواز: قال أصبغ: ولا في إقامته في الحج, إلا أن يقيم بعد انقضاء الحج للمال خاصة, فيكون له النفقة من يومئذٍ. [فصل 8 - في المقارض يأخذ قراضين, أو يأخذ مع القراض مال نفسه] ومن المدونة, قال مالك: ومن تجهز لسفر بمال أخذه قراضاً من رجل, واكترى

وتزود, ثم أخذ قراضاً ثانياً من غيره, فليحسب نفقته وركوبه على المالين بالحصص. وكذلك إن أخذ مالاً/ قراضاً فسافر به, وبمال نفسه فالنفقة على المالين. قال مالك: وإن خرج في حاجة لنفسه, فأعطاه رجل قراضاً؛ فله أن يَفضَّ النفقة على مبلغ قيمة نفقته في سفره ومبلغ القراض, فيأخذ من القراض حصته ويكون باقي النفقة عليه. قال في كتاب ابن المواز والعتبية: ينظر قدر نفقته, فإن كانت مئة والقراض سبع مئة, فعلى المال سبعة أثمان النفقة. قال ابن المواز: وهذا الاستحسان عن مالك, ونحن نقف عنه. وأخبرنا ابن عبد الحكم بخلافه: أنه لا نفقة له, وذلك أحب إلينا كمن تجهز إلى أهله. فصل [9 - في المقارض يستأجر الأجراء والبيوت وغيرها] ومن المدونة, قال مالك: وللعامل أن يواجر أجراء للأعمال التي لا بد له من ذلك فيها, ويكتري البيوت والدواب لما يحمل أو يخزن, وله أن يواجر من مال

القراض من يخدمه في سفره إن كان المال كثيراً, وكان مثله لا يخدم نفسه. وليس للعامل أن يهب من مال القراض شيئاً, ولا يولي ولا يعطي عطية, ولا يكافي -يكارم منه- فيه أحداً, فأما أن يأتي بطعام إلى قوم ويأتون بمثله فأرجوا أن يكون ذلك واسعاً له, إذا لم يتعمد أن يتفضل عليهم, فإن تعمد ذلك بغير إذن صاحبه فليتحلل صاحبه, فإن حلله فلا بأس له, وإن أبى فليكافئه بمثله إن كان شيئاً له مكافأة. [فصل 10 -] في نفقة العامل من ماله وزيادته من عنده في كراء أو صبغ أو قصارة قال ابن القاسم: وإذا أنفق العامل في السفر من مال نفسه: رجع به في مال القراض, فإن هلك المال: لم يلزم رب المال شيء, وكذلك إن اشترى بجميع مال القراض سلعاً, أو اكترى له دواب من ماله, فإن أدى ذلك رب المال وإلا كان للعامل أن يأخذ من ثمن المبتاع كراءه مبدأ, لا حصة له من الربح, ولو

اغترق الكراء ثمن المبتاع: أخذه كله, ولو زاد الكراء على ثمنه لم يكن له على رب المال شيء في الزيادة, ولا يكون بالكراء شريكاً في السلع, يريد: فإن أدى الكراء رب المال لم يكن على الشركة ويرجع فيأخذه من مال القراض مبدأ. قال ابن القاسم: وأما إن صبغ الثياب أو قصرها بمال من عنده فذلك كزيادة في ثمن السلع على السلف لرب المال, فإما دفع إليه رب المال ما ودّي وكانت على قراضه, وإلا كان العامل شريكاً بما ودَّي؛ لأن هذا عين قائمة بخلاف الكراء. قال ابن المواز: إن زاد من ماله في ثمن السلعة على أن ذلك لنفسه, فهو بذلك شريك, ولا خيار فيه لرب المال, وكذلك إن زاد في الصبغ والقِصارة, وإن زاد ذلك سلفاً لرب المال فرب المال مخير كما هاهنا. ومن المدونة وقال ابن القاسم: إن دفع إليه رب المال قيمة الصبغ لم يكن الصبغ على القراض, يريد: ولكن يكون فيه شريكاً, ولا يلزم العامل أن يعمل له فيه, فأما أن يقاسمه, أو يأتي بمن يعمل معه فيه.

قال غيره: لأن هذا كقراض ثان على أن يخلط بالأول بعد أن عمل بخلاف زيادة العامل على رأس المال في ثمن السلعة عند الشراء على السلف؛ لأن هذا كقراض ثان قبل اشتغال المال الأول, وذلك أنه إنما صبغ الثياب بعد الشراء, فإن أعطاه رب المال قيمة الصبغ لم يكن على القراض, وله أن لا يعطيه ذلك وأن يُضمَّنه قيمة الثياب, زاد في رواية سليمان بن سالم: فإن كان في القيمة فضل كان للعامل حصته منه, وإن أبى رب العامل أن يُضَمَّنه كان العامل شريكاً في الثياب بقيمة الصبغ من قيمة الثياب. م: قال بعض فقهاء القرويين: وهذا على قول من ذهب إلى أن الغاضب إذا صبغ ثوباً غصبه: أن رب المال إن لم يشأ أن يضمن الغاصب قيمة ثوبه, ورغب في عين ثوبه, ولم يشأ أن يدفع قيمة الصبغ: أنه يكون شريكاً للغاصب, وليس هذا المعهود من القول, وإنما يقول ابن القاسم: أنه بالخيار إن شاء أغرمه قيمة ثوبه أو أخذه/ ودفع إليه قيمة الصبغ فقط, وأشهب يرى: أن يأخذ ثوبه ولا شيء للغاصب في صبغة كتبييض الدار, وخياطة الثوب.

[الباب الرابع] باب في زكاة مال القراض

[الباب الرابع] باب في زكاة مال القراض قال مالك: ولا يزكي العامل رأس مال القراض ولا ربحه, وإن أقام بيده أحوالاً حتى ينض المال ويحضر ربه فيقتسمانه؛ لأنه لا يدري أرب المال حي أم ميت؟ أم عليه دين؟ فإن كان العامل يدير زكَّيَا لكل سنة بقدر ما كان المال فيها من عين أو قيمة عرض, فإن كان في أول سنة قيمة المبتاع مئة, والسنة الثانية مئتين, والسنة الثالثة ثلاث مئة, زكى كل سنة قيمة ما كان يساوي المبتاع فيها إلا ما نقصت الزكاة كل عام. قال ابن القاسم: وإن أخذ العام تسعة عشر ديناراً, فعمل بها يوماً وقد كان تم لهذه التسعة عشر ديناراً حولاً عند رب المال, ثم افترقا وقد ربحا ديناراً فلا زكاة عليهما؛ لأن رب المال لم يكن له في رأس ماله وربحه ما فيه الزكاة. قال أشهب عن مالك: عليهما الزكاة, وقاله ابن الماجشون. ومن المدونة, قال مالك: ولو أخذ قراضاً بعد ستة أشهر من يوم زكاه, فعمل به أربعة أشهر ثم تفاصَلا زكى رب المال لتمام حوله, ولا يزكي العامل حصة ربحه

حتى يتم حول من يوم اقتسماه, وفي ربحه عشرون ديناراً, إن كان له مال قبل ربحه, إذا أضافة إلى ربحه بلغ ما يجب فيه الزكاة, فليزكيه لتمام حول من يوم اقتسماه؛ لأن الفائدة الأولى تضم إلى حول الثانية, وقد تقدم إيعاب هذا في الزكاة.

[الباب الخامس] في تلف المال بيد العامل وتجره فيما بقي

[الباب الخامس] في تلف المال بيد العامل وتجره فيما بقي [فصل 1 - تلف بعض مال القراض بيد العامل ثم يعمل فيما بقي فيربح] والقضاء في القراض ألا يقسم فيه ربح إلا بعد كمال رأس المال, وأن المقارض مؤتمن لا يضمن ما هلك بيده إلا أن يتعدى فيه. قال مالك: وإذا ضاع بعض المال بيد العامل قبل العمل أو بعده, أو خسره, أو أخذه اللصوص, أو العاشر ظلماً: لم يضمنه العامل إلا أنه إن عمل ببقية المال جبر بما فيه ربح أصل المال, فما بقي تمام رأس المال الأول كان بينهما على ما شرطا, ولو كان العامل قد قال لرب المال: لا أعمل حتى تجعل ما بقي رأس المال, ففعلا وأسقطا الخسارة, فهو أبداً على القراض الأول, وإن حاسبه وأحضره, ما لم يقبضه منه ثم يرده إليه. قال أصبغ: على باب الصحة والبراءة. وقال ابن حبيب: إذا لقي العامل رب العامل رب المال وأخبره بما نقص رأس المال, فقال له: اعمل بالذي بقي, فقد أسقطت عنك ما ذهب. فهو قراض مؤتنف إذا

بيَّنه هكذا, أحضر المال أو لم يحضره, قبضه أو لم يقبضه ربه, وكذلك لو ربحا فاقتسما الربح, ثم قال اعمل بما بقي في يديك, كان قراضاً مؤتنفاً إن لم يقبض منه المال. قاله ربيعة ومالك والليث ومطرف وابن الماجشون, ومن لقيته من أصحاب مالك إلا ابن القاسم فإنه قال: هما على القراض الأول. قال أبو محمد بن أبي زيد: الذي ذكره ابن حبيب عن ابن القاسم هو قول ربيعة ومالك والليث, ذكره ابن المواز, وقل أخبرني أصحاب مالك عنه أنه قال: لا يجوز أن يتفاصلا حتى يحضر جميع المال ثم يقبض رأس المال ثم يقتسمانه الربح. [فصل 2 - العامل يستهلك بعض مال القراض ثم يتاجر فيما بقي فيربح] ومن المدونة, قال مالك: وليس ما استهلك العامل من المال مثل ما ذهب أو خسر؛ لأن ما استهلك قد ضمنه, ولا حصة لذلك من الربح؛ لأنه تمام رأس المال, وإن تسلف العامل نصف المال أو كله فالنصف الباقي رأس المال وربحه على ما شرطا, وعلى العامل غرم النصف فقط ولا ربح لذلك النصف. وإن أخذ مئة قراضاً فربح فيها مئة, ثم أكل منها مئة, لم تجر في المئة الثانية/ فربح مالاً فمئة في ضمانه وما بقي في يده مع ما ربح بعد ذلك فهو بينهما على ما شرطا, ولو ضاع ذلك فلم يبق إلا المئة التي في ذمته: ضمنها لرب المال, ولا تعد ربحاً إلا بعد كمال رأس المال.

قال بعض فقهاء القرويين: هذا صواب كله ما لم يفلس العامل فإن فلس وقد كان أخذ مئة فأكل منها خمسين قبل أن يتجر, ثم تجر في الخمسين الباقية فصارت مئة ثم فلس, فيجب على مذهب ابن القاسم أن يكون أحق بالمئة من الغرماء ويبقى عنده خمسون فيحاص بها الغرماء؛ لأن الربح أولى أن يجبر به رأس المال من أن يكون للعامل, كما لو ضاع من المال خمسون فتجر في الخمسين الباقية فصارت مئة أن رب المال أولى بها, أو لا ترى أن ابن القاسم قال في الذي دفع إليه ثمانين فضاع منها أربعون فدفعها إلى غيره فتجر فيها فصارت مئة أن رب المال يأخذ ثمانين, ويكون أولى بها من العامل الثاني ثم يأخذ نصف الربح عشرة, والعامل الثاني هاهنا أكرى من الغرماء؛ لأنه هو الذي نَّمى المال فلم يجعله أحق بجزئه من الربح لما كان رب المال له خبر ما كان في ماله من الخسارة. م: وقال غيره: بل يأخذ من المئة التي بيده خمسين رأس ماله وخمسة وعشرين حصته من الربح, ويُحاص في الخمسة والعشرين بقية الربح بالخمسين التي عليه وذلك بخلاف ضياع الخمسين؛ لأن رب المال لا مرجع له على الذي ضاعت له الخمسين, وله على الذي أكلها الرجوع بها فافترقا, وكذلك العامل في الأربعين له الرجوع على العامل الأول فلذلك كان رب المال أولى بجبر رأس المال منه. م: والقول الأول أصوب لأن رب المال أولى بجبر رأس المال, وأما الذي دفع إليه مئة فيها فصارت مئتين, ثم أكل مئة ثم تجر في المئة الباقية فصارت مئتين

فعلى ما ذكرنا عن ابن القاسم: يجب أن يأخذ المئة فيكون أحق بها؛ لأنها رأس ماله, ويأخذ خمسين من المئة الباقية حصته من الربح, ويضرب بخمسين حصته من الربح من المئة التي أكل؛ لأنها صارت ربحاً فيضرب بها في الخمسين الباقية من الربح مع غرماء العامل. وعلى التأويل الثاني: يجب أن يكون ما أكل نصفه من رأس المال ونصفه من الربح, فيكون الباقي من رأس المال خمسين فيأخذها, ويأخذ نصف ما بقي, وهو خمسة وسبعون حصته من الربح, ويضرب في الخمسة والسبعين الباقية رأس المال الذي أكل العامل وبنصف الخمسين الباقية مما أكل؛ لأنها حصته من الربح المأكول, فيضرب في هذه الخمسة والسبعين بهذه الخمسة والسبعين المستحقة قبل العامل مما أكل. فاعلم ذلك. [فصل 3 - مال القراض يُجني عليه جناية تنقصه] ومن المدونة: وإن اشترى بالقراض وهو مئة دينار عبدا يساوي مئتين, فجني عليه رب المال جناية نقصته مئة وخمسين, ثم باعه العامل بخمسين, فعمل فيها فربح مالاً أو وضع لم يكن ذلك من رب المال قبضاً لرأس ماله وربحه حتى يحاسبه ويفاصله ويحسب عليه, فإذا لم يفعل فذلك دين على رب المال مضاف إلى هذا المال. ابن المواز قال ابن القاسم: ولو أخذ مئة قراضاً, فأخذ اللصوص خمسين, فآداه ما بقي فأتم له المئة لتكون هي رأس المال, فإن رأس المال في هذه خمسون ومئة حتى

يقبض ما بقي على المفاصلة, وكذلك لو رضي أن يبقي ما بقي رأس المال: لم ينفع ذلك. م: وعلى قول ابن حبيب ينفعه ذلك, ويكون ما بقي رأس المال على ما تراضيا عليه. قال ابن المواز: فإن فضل بعد الخمسين ومئة شيء اقتسماه على شرطهما. م: كأنه رأى لمَّا لم يحرك المال حتى أخذ منه اللصوص الخمسين: أن زيادة رب المال الخمسين لا يكون كقراض/ ثان فإنها مضافة إلى المئة, وكأنه اليوم دفع إليه بخمسين ومئة, فوجب ما ربح عليهما يجب قسمته. وقال بعض فقهاء القرويين: إنما يصح هذا الجواب إذا صار رأس المال مئتين؛ لأنه إذا اتجر بالخمسين: وجب فض الربح عليها, فما قابل الخمسين الباقية بيده جبر به الخمسين الذاهبة, وما قابل الخمسين الذاهبة, وما قابل الخمسين الأخيرة قسماه, فإن ربح عشرين جبر بعشرة منها الخمسين الذاهبة فصارت ستين, وقسما عشرة حصة الخمسين الأخيرة, وكذلك لو ربح ثلاثين أو أربعين, وإن ربح مئة كانت خمسين جبراً للخمسين الذاهبة, ويقسمان الخمسين الباقية على شرطهما, فما ربح بعد ذلك قسماه بغير فضوض, ويصح جواب الكتاب. م: وهو القياس, قال: وأما لو أخذ اللصوص جملة رأس المال, فأعطاه رب المال مالاً 'خر فلا جبر في ذلك, وهذا الثاني هو رأس المال, وإنما يصح الجبر إذا بقي من الأول شيء.

[فصل 4 - العامل في القراض يشتري سلعة ثم يضيع المال] ومن المدونة: وإذا اشترى العامل سلعة ثم ضاع المال: خُيَّر رب المال في دفع ثمنها على القراض, فإن أبى: لزم العامل الثمن, وكانت له خاصة, فإن لم يكن له مال: بيعت عليه, فما ربح فله وما وضع فعليه, وإن نقد فيها رب المال كان ما نقد الآن رأس ماله دون الذاهب, وإن ضاعت السلعة والمال قبل النقد: فلا شيء على رب المال ويغرم العامل جميع الثمن. م: وإنما قال: وإن نقد فيها رب المال كان ما نقد الآن رأس ماله دون الذاهب, ولم يضفه إلى رأس المال الأول؛ لأنه لما ضاع رأس المال الأول كله فقد انقطعت المعاملة بينهما, فإن دفع إليه الآن رب المال شيئاً فهو كابتداء قراض, ولو أنه إنما ضاع بعض المال, فأتم له رب المال بقية ثمن السلعة, فهاهنا يكون رأس المال جميع ما دفعه إليه أولاً وآخراً, ولا يسقط عنه ما ذهب؛ لأن المعاملة بينهما بعد قائمة لم يتفاصلا فيها, فهو بخلاف ذهاب جميع المال. والله أعلم.

[الباب السادس] باب ما يجوز للعامل أو لرب المال فعله في مال القراض أولا يجوز

[الباب السادس] باب ما يجوز للعامل أو لرب المال فعله في مال القراض أولا يجوز [فصل 1 - هل للمقارض أن يخلط ماله بمال القراض؟] قال مالك: وإذا خاف العامل أنه إن قدَّم ماله على مال القراض أو وخَّره وقع الرخص في ماله, فالصواب أن يخلطهما, ويكون ما اشترى بهما من السلع على القراض وعلى ما نقد فيها, فحصة القراض رأس مال القراض, وحصة العامل على ما نقد فيها, ولا يضمن العامل, إن خلطهما بغير شرط. م: ولا ينبغي على شرط الخلط ولا على إن شاء خلطه. قال أصبغ: وليس بحرام ولكنه من الذرائع, فإن فعله لم أفسخه وكان أشهب يخفف أن يشترط ذلك على المقارض أن يضم ماله إلى مال القراض, ويعمل على أن له نصف ربحهما والنصف لرب المال.

قال أصبغ: ولا يعجبنا هذا, إلا أن يقل مال العامل, مثل الخمسة دنانير والعشرة مما لا يغتري به كثرة البيع والشراء, فإن نزل أمضيته على قراضهما. وفي كتاب ابن حبيب: ما لم يقصد فيه استغراق الربح لقلة مال القراض, فيكون كزيادة مشترطة داخلة في القراض, فيكون على قراض مثله على غير شرط بعد أن يقسم الربح على المالين. قال بعض فقهاء القرويين: وما قاله أصبغ من أن مال العامل إذا كان يسيراً لا يقصد به كثرة المال حسن؛ لأن الكراهية إنما تقع في الخلط أنه يغتري في تكثير البيع والشراء إذا كثر المال فقد يكون له في ذلك انتفاع. وأما قول أشهب: أن نصف ربحهما لرب المال ونصفه للعامل, وذلك يرجع إلى حد معلوم, فكيف يصح هذا إذا خلط العامل المال بمثله؟ فيصير قد عمل لرب المال باطلاً, لما أخذ رب المال نصف الربح رأس المال, وهو لا يجيز أن يخرج أحدهما مئة والآخر مئة, على أن يعمل أحدهما, ويكون عنده للعامل إجارة مثله في مئة/ صاحبه, في المعروف من قوله.

[فصل 2 - هل للعامل أخذ قراض من رجل آخر؟ وهل له خلطة بالمال الأول؟] ومن المدونة, قال مالك: ولو أخذ من رجل قراضاً, فله أن يأخذ قراضاً من رجل آخر, إن لم يكن الأول كثيراً يشغله الثاني عنه: فلا يأخذ حينئذٍ من غيره شيئاً. قال ابن القاسم: فإن [أخذهما] وهو [يحتمل] العمل بهما فله أن يخلطهما, ولا يضمن, ولا يجوز أن يكون ذلك بشرط من الأول أو الثاني. [فصل 3 - العامل يأخذ قراضاً من رجلين ثم يختلطان عليه] [المسألة الأولى: العامل يربح في أحد القراضين ولم يتعيَّن] ومن العتبية وكتاب ابن المواز: ولو ربح خمسين ديناراً, ثم لم يدر في أي المالين ربحهما, نسي ذلك, قال: فلا شيء له في الخمسين ويكون بين صاحبي المالين. المسألة الثانية [العامل يأخذ قراضين على النصف وعلى الثلث ويشتري سلعتين صفقتين بثمنين مختلفين ثم أشكلت الرفيعة من أي المالين] وقال سحنون: وإن أخذ من رجل قراضاً على النصف, ومن آخر على الثلث, فاشترى سلعتين صفقتين بثمنين مختلفين بكل مال على حده, ثم أشكل عليه السلعة الرفيعة من أي المالين هي؟ وادعى كل واحد من صاحبي المالين أن الرفيعة من

ماله: فلا ضمان على العامل, وهو كمن أودعه رجل مئة وآخر خمسين, فنسي الذي له المئة, وادَّعاها الرجلان: فليتحالفا ويقتسما المئة, وتبقى الخمسون بيد المستودع ليس لها مُودع. ومن رأي: أن يضمنه مئة لكل واحد منهما بغير يمين فكذلك, يجري في مسألة القراض بالمالين. [المسألة الثالثة: العامل يشتري بالمالين جاريتين ثم يختلطان عليه] وروى أبو زيد عن ابن القاسم ولو أخذ من رجل مئة قراضاً ومن آخر مئة, فاشترى بمئة كل واحد جارية, ثم اختلطا عليه, فلم يعرف هذه من هذه: فعلى العامل ضمان قيمتهما, إلا أن يرضيا أن يكون شريكين فهما, فإن خسرا لم يكن على العامل شيء, وإن ربحا كان على شرطه في الربح, وقال أيضاً: إن كان رأس مال إحداهما عشرة والأخرى عشرين, فكانت قيمة أدنى السلعتين عشرين: فلا ضمان عليه, وأرى: أن تباعا ويقتسما الثمن على قدر رؤوس الأموال, وللعامل من ربح كل مال شركه. وقال ابن المواز: إن كانت قيمتهما معتدلة فلا حجة لصاحب الأكثر على الأقل, وإن اختلفت, رأيت على العامل غرم فضل قيمة المرتفعة؛ لأن كل واحد يدعيها, والعامل لا يدفع أحداً عن دعواه.

م: ويدخله اختلافهم في من أودع مئةً فادَّعاها رجلان, ولم يدر لمن هي منهما, فقيل: يضمن لكل واحد مئة, وقيل لا يضمن لنسيانه ويقتسمان المئة بينهما نصفين فكذلك هذه. قال بعض فقهاء القرويين: ذكر أن كل واحد يأخذ رأس ماله, يقتسمان الربح على قدر رؤوس الأموال, والذي توجبه مسائل التداعي أنه إذا دفع إليه أحدهما عشرة والآخر عشرين فاشترى جاريتين: قيمة واحدة أربعون, وقيمة الأخرى عشرون, وأمكن أن تكون التي بأربعين هي المشتراه بعشرة أو المشتراة بعشرين, فبيعت الواحدة بأربعين فادَّعياها, فصاحب العشرة يقول: هي لي, فربحها فيها ثلاثين خمسة عشر لي وخمسة عشر للعامل, وصاحب العشرين يقول هي لي وربحها فيها عشرين: عشرة لي وللعامل عشرة, فيقال له قد سلمت خمسة من الربح, لصاحب العشرة؛ لأنك لا تدعي من الربح إلا عشرة, وهو يدعي خمسة عشر فسلم إليه خمسة وبقيت عشرة من الربح يدعيها كل واحد منهما, فتقسم بينهما نصفين فيصير على هذا التأويل ثلثا نصف الربح لصاحب العشرة, وثلثه لصاحب

العشرين, وذلك عكس ما ذكر في الجواب, ويجب أن تقسم الخمسة عشرة نصف الربح -على قول مالك- إلى خمسة أسهم: ثلاثة لصاحب العشرة, واثنان لصاحب العشرين, فيقع لصاحب العشرين منها تسعة وللآخر ستة. م وأما على مذهب ابن القاسم فكما ذكر؛ لأن أحدهما يدعي خمسة عشر من الربح والآخر عشرة, فقد سلم إليه خمسة, وتداعيا في العشرة فيجب قسمتها بينهما, وأما على مذهب مالك في المسالة التي: لواحد/ دينار وللآخر مئة دينار, فضاع من الجملة دينار: أن الربح يقسم بينهما على رؤوس الأموال كما قسمت الخسارة؛ لأنه لما أمكن أن يكون الربح في التي اشتريت بعشرة أو في التي اشتريت بعشرين, وجب جمع المالين وقسمه الربح عليهما, كما قلنا في مسائل عول الفرائض, وفي مسائل الرد على من يقول به, وفي مسائل الشركة في الربح والخسارة. وهذا بين. فصل [4 - المقارض يشارك بمال القراض بغير إذن رب المال] ومن المدونة, قال مالك: ولا يجوز للعامل أن يشارك بمال القراض أحداً, وإن عملا جميعاً, فإن فعل: ضمن, ولا يجوز أن يشارك عاملاً لرب المال, كما لا يستودع المودَع الوديعة عند من لربها عنده وديعة, ولا عند غيره, فهذا إن شارك؛ فكأنه أودع عند غيره. قال ابن المواز قال مالك: ولو تجهز العامل لسفر فقال له رب المال: أخرج مالاً آخر مثل الأول نشترك معك به. قال مالك: ما أرى من أمر بيَّن كأنه خففه.

قال ابن القاسم: إن صح من غير موعد أو رأى فذلك جائز. وقال أصبغ في العتبية: لا خير فيه. وقال سحنون: هو الربا بعينه. [فصل 5 - المقارض يبضع أو يستودع غيره من مال القراض] ومن المدونة, قال: ولا يبضع العامل من المال بضاعة, فإن فعل: ضمن ولو أذن له رب المال في ذلك: جاز ما لم يأخذه على ذلك, ولا يبضع مع عبد لرب المال اشترط معونته, ولا يوجه أيضاً مع عبد نفسه بعض المال إلى بلد, يتجر فيه أو يشتري له به هناك بعض السلع, فإن فعل ضمن. ولو أذن له رب المال أن يبيع بالنقد والنسيئة, فلا يودع أحداً إلا لعذر كالمودع, وإن كان لغير عذر ضمن, ويعذر بالسفر أو بمنزل خرب أو ليس بحرز أو ليس عنده من يثق به فلا يضمن في هذا.

فصل [6 - المقارض يشارك بمال القراض بإذن رب المال] ولا يشارك بالمال أو يقارض به إلا بإذن رب المال, فإن قارض بغير إذن رب المال: ضمن. ابن المواز: قال ابن القاسم: ولو شارك رجلاً فيما لا يغيب عليه ويقتسمانه: فذلك جائز. [فصل 7 - المقارض يقارض غيره] ومن المدونة: ولو أخذ قراضاً على النصف, فتعدى فدفعه إلى غيره قراضاً على الثلثين: ضمن عند مالك, فإن عمل به الثاني فربح: كان لرب المال نصف الربح وللعامل الثاني نصفه, ثم يرجع الثاني ببقية شرطه وهو السدس على العامل الأول. وكذلك في المساقاة إذا أخذها على النصف, فدفعها على الثلثين للعامل الثاني: أن رب الحائط يأخذ النصف, ويرجع المساقي الثاني على الأول بالسدس. قال بعض فقهاء القرويين: وظاهر القول أنه يرجع بسدس الثمرة, والصواب: أنه يرجع بربع قيمة عمله؛ لأنه باع عمله بثمرة استحق ربعها, كما لو باع سلعة بمكيل أو موزون, فاستحق ربع ذلك بعد فوات السلعة: أنه يرجع بربع قيمتها لا بمثل ما استحق إلا على تأويل محمد على ما في كتاب الشفعة في استحقاق

المكيل بعد أخذ الشفيع الشقص منه: أنه رده بمثل المكيل, وليس هذا المشهور من المذهب. وإذا أخذ المقارض المال على النصف, فدفعه إلى آخر على الثلث, فالسدس لرب المال ولا شيء للمقارض الأول؛ لأن القراض جعل فلا يصح إلا بالعمل. ولو كانت بثمانين دينار فخسر الأول أربعين, ثم دفع إلى الثاني على النصف فصارت مئة, ولم يكن الثاني علم بذلك فرب المال أحق بالثمانين رأس ماله ونصف ما بقي وهو عشرة, ويأخذ الثاني عشرة, ويرجع على الأول بعشرين ديناراً, وهو تمام نصف ربحه على الأربعين. وقال أشهب: لا يحسب رب المال على الثاني إلا أربعين رأس ماله فيأخذها, ثم يأخذ نصف الربح وهو ثلاثون, فإن كان الأول أتلف الأربعين تعدياً: رجع عليه رب المال بتمام عشرة ومئة إلى ما أخذه, وإن هلكت بأمر من الله: رجع عليه بتمام تسعين,/ وذلك عشرين دينارا, عشرة بقية رأس ماله, وعشرة

حصته من الربح, ولا يأخذ ذلك من الثاني فيظلمه عمله, وأرْجَعْناه على الأول؛ لأنه ضامن بتعتديه. قال ابن القاسم: وإن أمر العامل من يقتضي بغير إذن رب المال: ضمن ما تلف بيد الوكيل مما قبض. وإذا باع العامل سلعة من القراض, فوخر رب العامل المبتاع بالثمن: جاز ذلك في حظ رب المال خاصة, فإن توى حظ رب العال وقد قبض العامل حصته: لم يرجع عليه رب المال بشيء, وكذلك ما وهب يجوز في حظه. م: قيل: وإنما جاز ذلك على العامل؛ لأن المال إذا نض لم يكن للعامل العمل به إذا منعه رب المال, فهو يقول هب هذا الذي أخرته قد قبضته أليس لي قبضة من رأس مالي, فاحسب ذلك على مالي, وكذلك هبته على هذا المعنى.

[الباب السابع] في من تجوز مقارضته أو يدفع قراضا أو لا ومن لا تجوز

[الباب السابع] في من تجوز مقارضته أو يدفع قراضاً أو لا ومن لا تجوز [فصل 1 - للمأذون له دفع القراض وأخذه] قال مالك: وللمأذون أن يأخذ مالاً قراضاً ولا يضمنه إن تلف. قال ابن القاسم: وله أن يدفع قراضاً؛ لأنه يبيع بالدين ويشتري به. وقال أشهب وسحنون: لا يأخذ المأذون قراضاً ولا يدفعه بخلاف المكاتب. م: فوجه قول أشهب وسحنون: كأنهما رأيا أن القراض من باب الإجارة, وهو الظاهر, فيجب على هذا أن لا يأخذ قراضاً كما له أن يواجر نفسه, لأنه إنما أذن له في التجارة. ووجه قول مالك: أن القراض وإن كان إجارة فكان العادة فيه مما يعلمه التجارة, فكان كالتجارة, فساغ للمأذون أخذه؛ لأنه مأذون له في التجارة, وأما دفعه القراض فهو من باب التجارة, وكما يواجر التجار من يعمل لهم, وكما يقارض الشريك المقارض؛ لأن في ذلك نمو المال كالتجارة.

قيل: وإذا أخذ المأذون قراضاً فربح فيه, فما أخذ من الربح فهو مثل خراجه, لا يقضي منه دينه, ولا يتبعه إن عتق؛ لأنه إنما باع منافع نفسه بذلك, فأشبه لو استعمل نفسه في الإجارات. [فصل 2 - الرجل يقارض عبده أو أجيره والعبد والمكاتب يقارضان بأموالهما] قال ابن القاسم: ولا بأس أن يقارض الرجل عبده, أو أجيره إلى الخدمة, إن كان مثل العبد. وقال سحنون: ليس الأجير مثل العبد, ويدخله في الأجير فسخ الدين بالدين. م: معنى قول ابن القاسم إذا كان الأجير مثل العبد, يريد: إذ ملك جميع خدمته كالعبد, ويكون ما استأجره فيه يشبه عمل القراض, مقل أن يستأجر ليتجر له في السوق, ويخدم في التجارة, فمثل هذا إذا قارضه لم ينقله من عمل إلى خلافه, ولو كان إنما استأجره لعمل بعينه, مثل البناء والقصارة, فنقله إلى التجارة لدخله فسخ الدين, في الدين كما قال سحنون. والله أعلم.

وقال ابن أبي زمنين: إنما فرق بين الأجير والعبد؛ لأن الأجير إذا شغله في القراض خفف عنه بعض ما استأجره له, فيعد ذلك التخفيف كزيادة مشترطة. ومن المدونة, قال ابن القاسم: وللمكاتب أن يبضع أو يدفع قراضاً أو يأخذه على ابتغاء الفضل. [فصل 3 - مقارضة من لا يعرف الحلال من الحرام, ومقارضة الكافر] قال مالك: ولا أحب مقارضة من يستحل الحرام, أو من لا يعرف الحلال من الحرام وإن كان مسلماً, وكره مالك وابن أبي حازم أن يأخذ مسلم قرضاً من ذمي قال ابن القاسم: وأظنهما إنما كرهاه لئلا يذل المسلم نفسه. قال ابن المواز: ويفسخ ما لم يعمل فإذا عمل ترك حتى ينض المال فيفسخ, وأفسخ الإجارة متى ما علمتُ بها, وله بحساب ما عمل. وإذا قارض مسلم نصرانياً فربح فسخته, ورددت إلى المسلم رأس ماله.

ومن المستخرجة لسحنون وسئل عن نصراني دفع إلى نصراني قراضاً, فاشترى النصراني بذلك خمراً, فأسلم رب المال والخمر قائمة بيد المقارض وفيها, ربح أو لا ربح فيها, فقال رب المال: إنما قارضتك بمال فادفع إليَّ مالي, وكيف إن قال رب المال: ادفع إليَّ الخمر أكسرها؟ قال سحنون: ينظر إلى قدر فضل النصراني,/ فيعطاه منها ويراق ما صار للمسلم. قال بعض فقهاء القرويين: انظروا إذا أعطى المسلم قراضاً لنصراني, فاشترى بهما خمراً أو خنازير هل يضمن؟ إنما دخل على أحكام المسلمين فلا يتجر إلا فيما يجوز لهم ملكه, فمتى خالف ذلك تعدى على إحدى الروايتين في منع المسلم زوجته النصرانية شرب الخمر وإتيان الكنيسة إلا في الفرض؛ لأنها على ذلك دخلت. ومن المدونة: لا يمنعها لأن ذلك من دينهم, فيكون قد أباح لهم التجر فيما يئدَيَّنَّ به. م: والأشبه أن يضمن؛ لأنه متعد, إذ ليس له أن يتلف على هذا ماله بشرائه ما لا يحل له, وليس في إباحته لزوجته شرب الخمر والذهاب إلى الكنيسة تلف مال, فافترقا. [فصل 4 - مساقاة الذمي]: ومن المدونة، قال ابن القاسم: ولا بأس أن يدفع كرمه مساقاة إلى ذمي، إن كان الذمي لا يعصر حصته خمراً.

قال ابن القاسم: ولا أرى للمسلم أن يأخذ من الذمي مساقاة, بمنزلة ما كره مالك من القرض, ولو أخذه لم أره حراماً. [فصل 5 - عمل الوصي بمال اليتيم مضاربة] ومن كتاب الرهن: ولا يعجبني أن يعمل الوصي بمال اليتيم مضاربة, وليقارض له به غيره إن شاء, فإن أخذه قراضاً لنفسه على جزء معلوم, فقد قيل: إن لم يكن فيه محاباة, فإنه يمضي إذا جعل لنفسه من الربح ما يشبه قراض مثله. م: يريد: وإلا رد إلى قراض مثله.

[الباب الثامن] في القراض الفاسد وما يرد فيه العامل إلى الأجرة أو قرض المثل

[الباب الثامن] في القراض الفاسد وما يرد فيه العامل إلى الأجرة أو قرض المثل [فصل 1 - المستحق بالقراض الفاسد] قال ابن حبيب: والقراض الفاسد كان مالك يرد العامل في بعضه إلى قراض المثل, وفي بعضه إلى أجرة المثل. وأصل ذلك: أن كل زيادة أو منفعة يشترطها أحدهما, هي للمال وداخلة فيه, ليست خالصة لمشترطها, فهذا يرد إلى قراض مثله, وكل زيادة أو منفعة يشترطها أحدهما لنفسه خارجة من المال وخالصة لمشترطها, فهو يرد إلى أجرة مثله, وذلك إذا كثرت الزيادة, ويفسخ متى ما عثر عليه قبل العمل وبعده, كان مما يرد إلى قراض مثله أو أجرة مثله, وكذلك المساقاة فيما يرد إلى أجرة مثله خاصة, وأما ما يرد إلى مساقاة مثله: فيفسخ قبل العمل, و: يمضي على سقيه إن عمل.

م: وقاله جماعة من فقهائنا, وكذلك قالوا فيما يرد فيه إلى قراض مثله: يمضي على عمله إن عمل, ولا فرق بينه وبين المساقاة. وهو القياس؛ ولأنه إذا كان المال في سلع لم يصل إلى قبض جزئه من الربح إلا ببيع ذلك ونضوض ثمنه, فلا يجوز أن يفسخ قبل ذلك. قال ابن حبيب: فأما ما خف من الزيادة. فيكره بدياً, فإن نزل مضى على شرطهما. م: ظاهر كلامه فيما خف من الزيادة سواء اشترطها أحدهما لنفسه خاصة أو للمال, وذلك غير معتدل عند مالك؛ لأنه لا يجيز أن يشترط أحدهما زيادة درهم واحد على جزئه ويكون في ذلك أجيراً, فهذا خلاف ما قاله ابن حبيب. والله أعلم. قال ابن حبيب: كان عبد العزيز بن أبي سلمة يرد العامل في كل قراض فاسد إلى أجرة مثله. وقال أشهب وابن الماجشون: يرد في كل قراض فاسد إلى قراض مثله.

قال عبد الوهاب: والنظر يقتضي أن يرد إلى أجرة المثل أو قراض المثل جملة من غير تفصيل, والتفصيل الذي ذكره ابن القاسم استحسان وليس بقياس. قال: والتفصيل بين أجرة وقراض المثل: أن أجرة المثل تتعلق بذمة رب المال, سواء كان في المال ربح أم لا, وقراض المثل يتعلق بربح إن كان في المال, فينظر كم ينبغي أن يكون حظ هذا العامل منه إذا نزع هذا الشرط دفع إليه من الربح, فإن لم يكن في المال ربح أو كان وضيعة: فلا شيء له, هكذا كان تفسير أصحابنا. م:/ وقال ابن حبيب: فيما يرد فيه إلى أجره المثل إذا توى المال أو لم يكن فيه ربح: سقطت أجرة العامل عن رب المال؛ لأنه إنما عامله على أن تكون أجرته في الربح, فإذا لم يكن ربح فلا أجرة له. م: وهذا خلاف ما قاله عبد الوهاب, وما قاله عبد الوهاب هو الأصل والله أعلم. [مسألة: إذا أفلس المقارض في قراض فاسد فإن العامل الذي وجبت له أجرة المثل يكون أسوة الغرماء] م: واختلف فقهاء القرويين إذا وقع الفلس هل يكون أحق بإجارته من الغرماء؟

قال بعضهم: لا يكون أحق بإجارته على ظاهر المدونة, وكتاب ابن المواز, وإليه نحى أبو محمد وعبد الوهاب. وقال بعضهم: هو أحق به إذا كان المال في يديه حتى يستوفي إجارة مثله؛ لأنه نمى المال بأجرة فاسدة, فأشبه ما لو استأجره على خياطة ثوب إجارة فاسدة: أنه أحق به حتى يستوفي إجارته, إذ لا فرق بين الإجارة الصحيحة والفاسدة في هذا المعنى, إذا عددنا جعلها في الثوب بإذن ربه تفويتاً وأن الإجارة قد تعلقت بذمته. م: فظاهر قوله أنه يكون أحق بأجرة مثله في الربح, فإن لم يكن ربح كان بها أسوة الغرماء, وقد قاس عمله بخياط الثوب, وهو يقول في الثوب إذا خاطه ثم هلك ببينة أنه لا أجر له إذا لم يسلم الإجارة إلى رب الثوب, فهو كما لم يكن في المال ربح إلا أن يقول: إن له أجرة في الثوب, على ما ذهب إليه ابن المواز فيصح قوله. م: فصار في هذه المسألة ثلاثة أقوال: [1] قول أنه له أجرة. كان في المال ربح أو لم يكن وهو به أسوة الغرماء. [2] وقول أنه أحق بالربح من الغرماء. [3] وقول إذا لم يكن ربح فلا أجرة له, وقد تقدم بعض هذا.

[فصل 2 - الشروط في القراض] قال ابن المواز: قال مالك وأصحابه: لا يجوز مع القراض شرط سلف ولا بيع ولا كراء ولا إجارة ولا شرط قضاء حاجة, ولا كتاب صحيفة, ولا يشترط أحدهما لنفسه شيئاً خالصاً, ولا أن يولي العامل شيئاً, ولا يكافيء في ذلك. فإن نزل هذا فالعامل أجير إلا أن يسقط الشرط قبل العمل. قال الأبهري: إنما لم يجز أن يقارن القراض شيء من هذه العقود؛ لأنه أصل جُوِّز على انفراده للحاجة إليه, وإن كان فيه غرر, كالصرف الذي لا يجوز أن يقارنه عقد بيع ولا إجارة, ولأنه أصل خصص من جملة البيوع بأشياء لم يخص بها غيره, وكذلك عقد المساقاة.

[فصل 3 - مسائل في القراض الذي لا يصح] [المسألة الأولى: رب المال يدفع مئتين قراضاً على أن يعمل بكل مئة على حدة وربح منه لأحدكما والأخرى بينكم] ومن المدونة, قال مالك: وإن دفعت إلى رجل مئتين قراضاً, على أن يعمل بكل مئة على حدة, وربح مئة لأحدكما وربح الأخرى بينكما, أو ربح مئة بعينها لك وربح الأخرى للعامل لم يجز للغرر, ويكون العامل أجيراً في المئتين. م: يريد ويجوز على الخلط؛ لأنه يرجع إلى جزء مسمى. [المسألة الثانية: رب المال يدفع مئتين قراضاً على أن مئة على النصف والأخرى على الثلث] قال مالك في المدونة: وكذلك على أن مئة على النصف ومئة على الثلث, ويعمل بكل مئة على حدة. وكذلك في مساقاة الحائطين حتى يكونا على جزء واحد فيجوز. ابن المواز: ويشترط في القراض الخلط. ك: إذا اشترط أن يخلطهما: جاز, كانا على جزء واحد أو جزئين مختلفين؛ لأنه يرجع إلى جزء مسمى, مثال ذلك: لو دفع إليه مئتين, مئة على الثلث للعامل, ومئة على النصف على أن يخلطهما, فحاسبه أن ينظر أقل عدد نصف وثلث صحيح, وذلك ستة, فقد علمت أن للعامل من ربح أحد المالين نصفه ومن الآخر ثلثه, فخذ نصف السنة وثلثها وذلك خمسة, ولرب المال نصف ربح المئة الواحدة وثلثا ربح الأخرى,

فخذ نصف الستة وثلثيها وذلك سبعة, فجميع ذلك مع الخمسة التي صحت للعامل فيكون اثنى عشر, فيقسمان الربح على اثني عشر جزءاً, للعامل خمسة أجزاء وذلك ربع الربح وسدسه, ولرب المال سبعة أجزاء وذلك ثلث الربح وربعه, وقد غلط في حسابها ابن مزين, وجعلهما يقتسمان الربح على سبعة, وهو غلط فاعرفه. م: وينبغي أن يكون للعامل إذا لم يشترط الخلط في هذه المسألة قراض مثله, ومساقاة مثله في المساقاة على ما أصل ابن حبيب؛ لأنه إنما أفسد ذلك منع الخلط, وتلك زيادة لم يستبد بها أحدهما. قال ابن المواز: وإن شرط ربح عشرة للعامل وما بقي بينهما فجائز على الخلط لا على غيره. م: وهو نحو ما بيَّنا. [فصل 4 - المقارض يشترط لنفسه من الربح شيئاً خالصاً له دون العامل] ومن المدونة, قال ابن القاسم: ومن أخذ قراضاً على أن لرب المال درهماً من الربح ثم ما بقي بينهما: فسد القراض, والربح كله لرب المال والوضيعة عليه, وللعامل أجر مثله وإن ضاع المال, ولا يكون العامل أحق بربح المال من غرماء صاحبه إن فلس, حتى يستوفي أجر عمله, وهو بأجر أسوة الغرماء في المال وفي غيره.

ابن المواز: كل ما يكون فيه أجيراً في القراض فهو أسوة للغرماء في الموت والفلس. وقال بعض فقهائنا القرويين: وما يرد فيه إلى قراض مثله فهو أولى بما في يديه في الموت والفلس, وكذلك في المساقاة فيما يرد فيه إلى المساقاة مثله؛ لأنه حقه في عين المال, ولو تلف لم يكن له شيء, وأما ما يكون فيه أجيراً في المساقاة فهو أحق بثمن الحائط في الفلس لا في الموت؛ لأن بسقيه حييت, وهذا في التفليس مذكور. [فصل 5 - المقارض يشترط لنفسه سلفاً] ومن المدونة, قال مالك: وإن أخذ قراضاً على أن يسلفه رب المال سلفاً: كان أجيراً, والربح كله لرب المال؛ لأن السلف زيادة ازدادها العامل. [فصل 6 - المقارض يشترط أن يخرج العامل مثل المال من عنده وله ثلاثة أرباع الربح] قال: وإن شرط على العامل إخراج مثل المال من عنده, يعمل به مع ماله, وله ثلاثة أرباع الربح: لم يجز؛ لأنه نفع اشترطه لكثرة المال, وكذلك إن اشترطت عليه أن يخرج من عنده أقل من مالك أو أكثر على ما ذكرنا. قال ابن المواز: وقال أصبغ: ولا يعجبنا ذلك بديا إلا أن يقل مال العامل جداً مما لا يغتري به فضلة ولا كثرة الربح مثل الخمسة دنانير والعشرة, وإن وقع في الكثير أيضاً: أمضيته على قراضها.

وقال ابن حبيب: إذا اشترط على العامل أن يخلط ماله بمال القراض. فإن مطرفاً وابن الماجشون وأصبغ استخفوا ذلك وقاله أشهب, وهذا ما لم يقصد فيه استغزار الربح؛ لقلة مال القراض في كثرة مال الآخر فيكون كزيادة مشترطة داخلة في المال, فإذا كان كذلك قسم على قدر المالين فكانت حصة العامل له, وحصة مال القراض بينهما على قراض مثله, وقد تقدم بعض هذا. [فصل 7 - المقارض يشترط أن يعمل معه رب المال] ومن المدونة, قال مالك: ومن أخذ مالا قراض على أن يعمل معه رب المال في المال: لم يجز, فإن نزل: كان العامل أجيراً. قال الأبهري: إنما قال ذلك؛ لأن رب المال كأنه لم يأتمنه على المال حين لم يفرده به؛ ولأن زيادة ازدادها العامل وهو عمل رب المال. قال مالك: وإن عمل رب المال بغير شرط: كرهته إلا العمل اليسير. ابن حبيب: وكذلك أن أسلف أحدهما صاحبه, أو وهبه أو قعد العامل في حانوت بالمال, أو عمل بعبده أو بدابته, أو كان صانعاً بيده, أو صنع أحدهما بصاحبه شيئاً من الرفق, مما لا يجوز له ابتداء الشرط به, فإن ذلك كله لا يفسد

القراض, ولا يغير الربح, غير أن الصانع إن عمل شيئاً بيده بغير شرط فله أجر عمله. [فصل 8 - المقارض يشترط على رب المال دابة أو عبداً يعينه] ومن المدونة, قال مالك: ويجوز أن يشترط على رب المال أن يعينه بعبده أو بدابته في المال خاصة لا في غيره. م: لأن المنفعة لهما جميعاً, فليست بزيادة انفرد بها أحدهما, ولم يجزه عبد العزيز في الغلام. م: وهذا القياس. قال ابن المواز" اختلف قول مالك في اشتراط عون غلام رب المال, وأجازه الليث, ولم يجزه عبد العزيز, ولا بأس به عندي. قال: ولا بأس أن يجعل رب المال غلامه يعمل مع العامل, على أن للغلام جزءً من الربح يكون له لا للسيد. وقاله ابن وهب والليث. وروى عيسى عن ابن القاسم: إذا دفع إلى رجل وإلى عبده مالا قراضاً ليكون عيناً عليه وليحفظ عليه/ أو ليعلمه فلا خير فيه, وإن كانا أمينين تاجرين فلا بأس به.

م: صواب, وليس بخلاف الأول. [فصل 9 - المقارض يشترط على العامل عمل يده لصناعة ونحوها] ومن المدونة, قال ابن القاسم: ولا يجوز اشتراط عمل يد العامل لخفاف أو صناعة, فإن نزل: كان أجيراً, والربح والوضيعة لرب المال وعليه. قال يحيى: ويكون أحق بما عمل من الغرماء حتى يأخذ إجارته. قال أبو محمد: يريد يحيى يأخذ إجارته فيما عمل. لا في القراض. م: وقد تقدم أن من أخذ قراضاً على أن يشتري عبد فلان, ثم يشتري بعد ما يبيعه ما شاء: أنه أجير في شرائه وبيعه وفيما بعد ذلك, له قراض مثله, كمن ساقى نخلة سنين وفيها ثمرة قد طابت, أن له أجرة سقيه ونفقته في هذه الثمرة التي طابت, وهي لربها, وهو فيما عمل بعد ذلك على مساقاة مثله. فصل [10 - في المقارض يبيع شيئاً من القراض] قال مالك: ولا يبيع رب المال عبداً من مال القراض بغير أذن العامل, وللعامل رده أو إجازته.

[فصل 11 - في المقارض ينقد ما يشتري العامل ويقبض ثمن ما باع أو يجعل معه آخر يفعل ذلك] قال: ولا يجوز أن يقارض رجلاً على أن يشتري هو وتنقد أنت وتقبض ثمن ما باع, أو تجعل معه غيرك لمثل ذلك أميناً عليه, وإنما القراض أن تسلم إليه المال. قال ابن حبيب: فإن نزل ذلك كان أجيراً. قال الأبهري: إنما قال ذلك: لأن أصل القراض الأمانة, كالوديعة, فمتى شرط عليه ذلك أو شرط عليه الضمان فقد خالف الأصل الذي جعل عليه القراض, ففسد. [فصل 12 - المقارض يجعل ابنه مع العامل ليبصره بالتجارة, والقراض على الضمان] ومن المدونة, قال مالك: ولا خير في أن يجعل رب المال ابنه مع العامل ليبصره التجارة؛ لأنه نفع ازداده رب المال في تبصرة ولده التجارة, وكذلك إن جعل معه أجنبياً أراد نفع الأجنبي بذلك كصديق ملاطف أفسد به القراض. قال ابن حبيب: ويرد العامل في ذلك إلى أجرة مثله, قال مالك: وما لم يشترط فيه زيادة لأحدهم من القراض الفاسد, ففيه إن نزل قراض مثله كالقراض

على ضمان, فإنه يرد فيه إلى قراض مثله وما لا ضمان عليه؛ لأن هذه المنفعة التي ازدادها في الضمان إنما هي في المال ليست خارجة منه. ابن المواز: قال مالك: إن أخذ مالاً قراضاً على الضمان فله الأقل من قراض مثله أو مما سمى له من الربح. قال عبد الوهاب: وهذا يوجب أن تكون رواية ثالثة في القراض الفاسد. قول يرد إلى قراض المثل, وقول إلى أجرة المثل, وقول إلى الأقل من المسمى أو من قراض المثل. [فصل 13 - القراض إلى أجل] ومن المدونة: قال مالك: وكذلك إن أخذ قراضاً إلى أجل فإن يرد إلى قراض مثله. الأبهري: إنما قال ذلك, لأن حكم القراض أن يكون إلى غير أجل؛ لأنه ليس بعقد لازم كلزوم عقد الإجارة من قبل أن كل واحد منهما لو شاء تركه جاز له ذلك إذا كان المال ناضباً, فإذا شرط الأجل فكأنه قد منع نفسه من تركه ذلك غير جائز فوجب رده إلى قراض مثله؛ لما ذكرنا من وجوب رد كل أصل فاسد إلى صحيح ذلك الأصل, كالنكاح الفاسد يرد إلى صحيحه, وكذلك البيع الفاسد والإجارة تردان إلى صحيح ذلك في أحكام كثيرة.

[فصل 14 - المقارض يشترط إلى بلد معين يشتري منه العامل] ومن المدونة, قال مالك: ومن أخذ قراضاً على أن يخرج به إلى بلد ليشتري به متاعاً فلا خير فيه. قال مالك: يعطيه المال ويقوده كما يقاد البعير. قال ابن القاسم: وإنما كره مالك من ذلك أنه يحجر عليه أن لا يشتري إلى أن يبلغ ذلك الموضع. وروى أصبغ عن ابن القاسم في العتبية في من قارض رجلاً على أن يخرج إلى البحيرة أو الفيوم أو المكان البعيد مثل برقة أو أفريقية وشبه ذلك ليشتري طعاماً أو غيره: أنه لا بأس بذلك كله والله أعلم.

[الباب التاسع] ما يحل ويحرم في خلط القراضين

[الباب التاسع] ما يحل ويحرم في خلط القراضين [فصل 1 - دفع المالين قراضاً] قال ابن القاسم: وإن قارضت رجلاً على النصف فلم يعمل به حتى زدته مالاً آخر على النصف على أن يخلطهما فذلك جائز. قال مالك في من دفع إلى رجلين مالين أحدهما على النصف والآخر على الثلث على أن لا يخلطهما لم/ يجز. قال سحنون: ويجوز على أن يخلطهما؛ لأنه يرجع إلى جزء معلوم. وقد تقدم شرح ذلك وحسابه في الباب الذي قبل هذا. م: وروى أبو زيد عن ابن القاسم: لا يجوز على غير الخلط, وإن كانا على نصف ونصف, وكذلك قال ابن حبيب في ذلك كله: وإن نزل على أن لا يخلط وعمل رد العامل إلى أجرة مثله. م: والقياس على ما أصَّل أن يرده إلى قراض مثله؛ لأنه ليس في منع الخلط زيادة استبد بها أحدهما. وقال ابن المواز: إذا كان على جزء واحد جاز وإن شرط أن يعمل بكل مال على حدة.

م: وهو ظاهر المدونة في قوله إن نض الأول ولم يكن فيه زيادة ولا نقص جاز إذا كان مثل جزءه: فقوله إذا كان مثل جزءه دليل أنه على غير الخلط, وأما على الخلط فيجوز وإن اختلف. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن أخذ الأول على النصف فابتاع به سلعة ثم أخذ الثاني على مثل جزء الأول أو أقل أو أكثر على أن يخلطه بالأول لم يعجبني إذ قد يخسر في الثاني فيلزمه أن يجبره بما ربح في الأول, وإن كانت قيمة مبلغ الأول كرأس المال فإن الأسواق قد تحول, فأما على أن لا يخلط فجائز, فإن خسر في الأول وربح في الثاني فليس عليه أن يجبر هذا بهذا. قال ابن المواز: وروى أشهب أنه إذا شغل الأول وهو على النصف ثم أعطاه آخر على الثلث أنه كرهه. ومن المدونة قال: وإن تجر في الأول فباع ونض في يديه ثم أخذ الثاني فإن كان باع برأس المال الأول سواء جاز أخذه للثاني على مثل جزء الأول لا أقل ولا أكثر.

م: يريد على أن لا يخلطهما ولو كان على الخلط جاز على كل حال. قال في كتاب ابن المواز إذا باع سلع الأول برأس المال سواء جاز أخذه للثاني على قراض مختلف أو متفق إن كان على الخلط وإلا لم يجز يريد إلا على قراض متفق. قال فيه وفي المدونة: وإن نض الأول وفيه ربح أو وضيعة لم يجز أخذه للثاني على مثل جزء الأول أو أقل أو أكثر على الخلط ولا على غير الخلط, وقال غيره في المدونة: إن ربح في الأول جاز أخذه للثاني على مثل القراض الأول في الربح على أن لا يخلطه. م: فوجه قال ابن القاسم وغيره أنه لا يجوز أخذه للثاني إذا كان في المال وضيعة فلأن العامل قد ملك رد المال فكأن رب المال شرط عليه بقاءه على أن أعطاه مالاً ثانياً ليجبر به ما خسر في الأول فهو كزيادة اشترطها, وكذلك عند ابن القاسم إذا كان في المال الأول ربح؛ لأن العامل ملك استعجال ربحه فكأن رب المال اشترط عليه بقاؤه على إن أعطاه مالاً ثانياً فكل واحد منهما اشترط على صاحبه زيادة, ولم ير غيره في هذا كبير تهمة إذا كان لا يخلطه بالثاني فأجازه, ونحو هذا رأيته لبعض العلماء. قال سحنون في العتبية: إذا نض الأول وفيه ربح فقاسمه الربح, ثم زاده مالاً آخر فربح في المالين يريد وقد خلطهما قسم هذا الربح على المالين فما ناب الأول فهو على قراضهما, وما ناب الثاني فهو لرب المال وللعامل فيه أجر مثله, ولو خسر الآن

فضضت الخسارة على المالين فما ناب الأول منهما جبره من الربح الأول وخسارة الثاني على رب المال والعامل فيه أجير. قال ابن حبيب: إذا نض الأول وفيه ربح أو خسارة ثم أخذ من ربه قراضاً ثانياً على النصف أو الثلث على أن يخلطهما وعمل على هذا فربح فالربح يقسم على عدد المالين حين خلطهما, فيكون حصة المال الأول بينهما على شرطهما, وحصة الثاني على قراض مثلهما بلا شرط, ويجبر ما نقص من عدد المال بربحه, فإن فضل منه شيء قسماه على شرطهما فيه. م: والصواب ما قال سحنون أنه يكون أجيراً؛ لأن أخذه الثاني بعد الربح أو الخسارة في الأول كزيادة مشترطة. م: وقد قال ابن حبيب في شرطه إلا أن يخلط المالين قبل العمل فيكون أجيراً وفي هذه له قراض مثله, ولو عكس ذلك كان أولى على ما أصل والله أعلم. ولم/ يفسد القراض الأول على قولهما وكأنهم رأوا أن القراض الأول باق على شرطه حتى يقبض ألا تراه يجبر بما ربح فيه آخراً ما خسر في الأول. م: والقياس أن يكون أجيراً في المالين؛ لأنه كزيادة مشترطة على وَجَّهنا به قول ابن القاسم والله أعلم.

[الباب العاشر] فيما يحل ويحرم مما يشترط على العامل وتعديه في ذلك

[الباب العاشر] فيما يحل ويحرم مما يشترط على العامل وتعديه في ذلك [فصل 1 - التعدي في القراض] قال أبو محمد: والمقارض إنما أذن له في حركة المال إلى ما ينميه, فإذا حركة إلى غير ما له أخذه ضمن هلاكه ونقصه, وإن حركة بالتعدي إلى ما أنماه دخل ربه في نمائه, ولم يكن العامل أولى به بتعديه, وفارق تعدي الغاصب والمودع إذ لم يؤذن لهما في حركة المال فتعدي العامل يشبه تعدي الوكيل والمبضع معه. [فصل 2 - القراض على ألا يبيع إلا بالنسيئة] قال ابن القاسم: وإن دفعت إلى رجل قراضاً على ألا يبيع إلا بالنسيئة فباع بالنقد لم يجز هذا القراض. ابن المواز: فإن نزل كان أجيراً. وقال سحنون وقال غيره: إذا باع بالنقد تعدى كمن قارض رجلاً على أن لا يشتري إلا صنف كذا غير موجود كان قراضاً لا يجوز, فإن اشترى غير ما أمر به فقد تعدى, فإن ربح فله فيما ربح قراض مثله, وإن خسر ضمن, ولا أجر له في الوضيعة ولا أعطيه إن ربح إجارته إذ لعلها تغترق الربح وتزيد فيصل بتعديه إلى ما يريد.

قال ابن وهب: وقد قال ربيعة في المتعدي في القراض إن وضع ضمن الوضيعة ويكون له في الربح قدر شرطه فكذلك التعدي في القراض الفاسد. م: قيل لم يُجب ابن القاسم عن ماذا يكون أن نزل, ومن مذهبه في التحجير في القراض أن يرد إلى إجارة المثل فلما أمره أن لا يبيع ما اشترى إلا بالنسيئة فقد أذن له في الشراء فهو غير متعد فيه فله إجارته فيه ويفسخ القراض, وإن باع ما اشترى بالنسيئة لم يضمن وله إجارته في الشراء والبيع إذا لم يتعد, وإن باع ذلك بالنقد تعدى ويفسخ إن كان قائماً, فإن فات وقد كان باع بالقيمة فأكثر فلا ضمان عليه كمن أمر أن يبيع بالنسيئة فباع بالنقد فعليه الأكثر مما باع به أو القيمة, ولم يكن للمقارض إجارة فيما باعها به؛ لأنه يغرمه القيمة يوم تعدى فلا شيء عليه من إجارة البيع وعليه إجارة الشراء. فصل [3 - القراض على ألا يحركه إلا في البَزَّ] قال مالك: ولا ينبغي أن يقارض رجلاً على أن لا يشتري إلا البز إلا أن يكون موجوداً في الشتاء والصيف فيجوز ثم لا يعدوه إلى غيره.

قال ابن القاسم: ولا يبيع ما اشترى من البز بعرض سواه فيصير مبتاعاً لغير البز وإن قلت له بعد أخذه للمال وقبل أن يشغله بشيء لا تتجر إلا في البز فذلك لك إن كان البَّزُ موجوداً كما ذكرنا. فصل [4 - المقارض يشترط ألا يشتري العامل سلعة كذا] وقال ابن القاسم: وإن نهيته عن شراء سلعة في عقد القراض الصحيح أو بعد العقد وقبل أن يعمل به ثم اشتراها فهو متعد ويضمن, ولك تركها على القراض أو تضمنه المال, ولو كان قد باعها كان الربح بينكما على شرطكما والوضعية عليه خاصة, لأنه قد فر بالمال من القراض حين تعدى ليكون له ربحه. وكذلك إن تسلف من المال ما ابتاع به سلعة لنفسه ضمن ما خسر وما ربح كان بينكما. وإن نهيته أن لا يشتري حيواناً فاشتراه فكانت قيمة الحيوان أقل من رأس المال أو تجربها بعد أن تعدى فخسر فجاء ومعه سلع لا وفاء فيها وعين لا وفاء فيها برأس المال فأردت تضمينه وقام غرماؤه فقالوا أنت أسوتنا إن ضمنته. فإن كان معه عين فأنت أحق به, وإن كان معه سلع فأنت مخير بين أن تشركه فيها, أو تسلمها وتضمنه رأس المال فإن أسلمتها كنت أسوة الغرماء. م: لأنه إذا باع ما تعدى في شرائه قبل قيام الغرماء فرب المال أولى بثمنه كان فيه ربح أو ضيعة؛ لأن أثمان ذلك عاد إلى القراض وبرئ من ضمان ما رد كرده السلف من/ الوديعة.

فصل [5 - المقارض يشترط على العامل ألا يسافر بالمال] قال ابن القاسم: وإن نهيته عن الخروج بالمال من مصر فخرج به إلى أفريقية عيناً ورجع به عيناً قبل أن يتجر به, ثم تجر به بمصر فخسر أو ضاع منه بمصر لم يضمن؛ لأنه رده إلى مصر قبل أن يحركه, كمن أخذ وديعة بمصر فليس له أن يخرجها من مصر, فإن فعل ضمنها إن تلفت وإن ردها إلى مصر لم يضمن, وكذلك إن انفق وديعة عند أو بعضها ثم رد ذلك مكانه فضاعت لم يضمن, وإذا لم يشغل العامل المال حتى نهاه ربه أن يتجر به فتعدى فاشترى به سلعة لم يكن فاراً وضمن المال, والربح له كمن تعدى على وديعة عنده فاشترى بها سلعة فهو ضامن للوديعة والربح له بخلاف الذي نهاه رب المال عن شراء سلعة فابتاعها؛ لأن هذا مأذون له في حركة المال فليس له أن يستبد بربحه بتعديه, والآخر لم يؤذن له في حركة المال فهو كمن تعدى على وديعة عنده كما ذكرنا. قال ابن حبيب: وهذا من الضمان ما لم يقر أنه اشترى السلعة على اسم القراض فإن أقر بهذا فالربح على القراض ولم يخرجه ذلك من الضمان.

فصل [6 - فسخ القراض] ومن المدونة قال مالك: ولرب المال رد المال ما لم يعمل به العامل أو يظعن به لسفر, وإن ابتاع به سلعاً وتجهز يريد بعض البلدان فنهاه ربه أن يسافر به فليس له أن يمنعه بعد شرائه؛ لأنه يبطل عليه عمله كما لو اشترى سلعة فأراد رب المال أن يبيع مكانه فليس له ذلك, ولكن ينظر السلطان فيؤخر منها ما يرجى له سوق لئلا يذهب عمل العامل باطلاً. قال ابن القاسم: وكذلك لو تجهز واشترى متاعاً يريد به بعض البلدان فهلك رب المال فللعامل النفوذ به, وليس للورثة منعه وهم في هذا كوليهم. وفي كتاب ابن المواز: إذا قام غرماء رب المال بعد أن خرج بالمال وأمكن بيع السلع بيع وأخذ ذلك الغرماء, وكذلك إن كان عيناً فهم أخذه, وأما غرماء العامل فلا شيء لهم إلا بعد وصول المال إلى ربه. قال بعض فقهاء القرويين: والأشبه أيضاً أن لا يكون لغرماء رب المال ذلك كما لم يكن له هو أن يأخذ المال في غير البلد, وكذلك لو لم يشتري بالمال شيئاً بعد خروجه فلا يكن له ولا لغرمائه أخذ شيء من ذلك المال منه.

[فصل 7 - العامل يسافر بالقراض إلى البلدان] قال ابن القاسم: وللعامل أن يتجر بالمال في الحضر والسفر وحيث شاء إلا أن يقول له رب المال حين دفعه إليه بالفسطاط لا تخرج من أرض مصر أو الفسطاط فلا ينبغي له أن يخرج. قال السبعة من الفقهاء التابعين وهم سعيد بن المسيب, وعروة بن الزبير, والقاسم بن محمد, وخارجه بن زيد بن ثابت, وعبيد الله بن عبد الله بن عتبه بن مسعود, وسليمان بن يسار, وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام مع مشيخه سواهم من نظائرهم أهل فقه وفضل: يجوز لرب المال أن يشترط على العامل أن لا ينزل بطن واد, ولا يسري بليل, ولا يبتاع به سلعة كذا, ولا يحمله في بحر فإن فعل شيئاً من ذلك ضمن المال.

فصل [8 - رب المال يشترط على العامل الجلوس في سوق بعينه] قال ابن القاسم عن مالك: ولا يجوز لرب المال أن يشترط على العامل أن يجلس بالمال هاهنا في حانوت من البزازين أو السقاطين يعمل فيه ولا يعمل في غيره, أو على أن يجلس في القيسارية, أو على أن لا يشتري إلا من فلان, أو على أن لا يتجر إلا في سلعة كذا وليس وجودها بمأمون, أو على أن يزرع فلا ينبغي ذلك كله, فإن نزل ذلك كله كان العامل أجيراً, وما كان من زرع أو فضل أو خسارة فلرب المال وعليه, ولو علم رب المال أنه يجلس في حانوت أنه جائز ما لم يشترطه عليه, ولو زرع العامل من غير شرط في أرض اشتراها من مال القراض أو اكتراها به جاز ذلك إن كان بموضع آمن وعدل ولا يضمن, وأما إن خاطر به في موضع ظلم وغرر يرى أنه خطر فإنه ضامن, ولو أخذ العامل نخلاً مساقاة فأنفق عليها من مال القراض كان كالزرع ولم يكن متعدياً. وفي العتبية عن ابن القاسم من/ أخذ مالاً قراضاً فاشترى به ظهراً فاكراه فنمى المال أو نقص قال: أراه متعدياً وأراه ضامناً.

قال بعض القرويين: انظر ما الفرق بين هذا وبين أن يشتري بقراً ويزرع؟ وهل ذلك اختلاف قول؟ وكيف إن اشترى حيواناً يطلب نسلها أو رباعاً يكريها؟ وهل يقال أن مثل هذا لا يمكن في الغالب أن يعطي الناس أموالهم على أن تجعله في حيوان أو رباع للكراء إذ رب المال لا يعجز عن هذا وإذا الغالب أن الناس إنما يقصدون بدفع المال التجر؟ فانظر في ذلك والله أعلم.

[الباب الحادي عشر] في ما باعه العامل بدين أو اشتراه به على القراض أو ابتاعه بدين ثم أخذ ثمنه من رجل قراضا

[الباب الحادي عشر] في ما باعه العامل بدين أو اشتراه به على القراض أو ابتاعه بدين ثم أخذ ثمنه من رجل قراضاً [فصل 1 - في ما باعه العامل بدين على القراض] قال مالك: ولا يجوز للعامل أن يبيعه بالنسيئة إلا بإذن رب المال فإن باع بغير إذنه ضمن, وهذا ما لم يشترطه في أصل العقد. قال بعض الفقهاء القرويين: إذ باع سلع القراض المأذون في شرائها بثمن إلى أجل فإنه يباع بالدين على مذهب ابن القاسم, ويضمن ما وقع في ذلك من الخسارة. وذكر في كتاب محمد لو أسلف في طعام فإنه يغرم رأس المال ويستأني بالطعام حتى يقبض فإنه كان فيه ربح أقتسماه ثم قال: ولو أسلم أيضاً في غير الطعام ما جاز له ولم يحل أيضاً وبيعت السلعة بعد أن تقبض بنقد, فإن كان فيها فضل كان بينهما, وإن كان نقصاناً غرمه العامل. قال في المدونة: وإن شرط أن يبيع بالدين لم يجز أيضاً. م: لأنه يعطي لرب المال ربح ما ضمانه في ذمته. قال ابن المواز: ويكون أجيراً ويترك رب القراض يقبض الدين بنفسه فإن لم يكن للعامل على الدين بينة ضمن.

ومن المدونة: وإن باع العامل سلعة من القراض فاحتال بالثمن على مليء أو معدم إلى أجل ضمن كبيعه بالدين بغير إذن رب المال. قال ابن المواز: ما باعه بالدين ضمن قيمته يوم باعه إذا تلف, وأما إن باعه بالنقد فاحتال بالثمن فتلف فإنه يضمن الثمن بعينه. [فصل 2 - في ما اشتراه العامل بدين على القراض] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن أخذ العامل ألف درهم قراضاً فابتاع بها سلعة فلم ينقد حتى ابتاع سلعة أخرى على القراض فلا خير في ذلك, وقد قال مالك في العامل يشتري سلعة بأكثر من رأس مال القراض ليضمن ما زاد ديناً, ويكون في القراض أنه لا خير فيه, فمسألتك تشبه هذا. قال ابن القاسم: وليس من سنة القراض أن يشتري على القراض بدين يضمنه العامل ويكون الربح لرب القراض ولا يجوز ذلك. قال ابن المواز: ويكون ربح السلعة الثانية وضيعتها على العامل ولد؛ لأنه ضمن ثمنها, وكما لو نقد في الأول وابتاع الثانية ثم طلب ثمنها من رب المال على

القراض لم يجز؛ لأن ذمة العامل عامرة بثمنها حين شرائه, وكذلك لو اشتراها حتى يبيع ويوفيه. قال ابن المواز: شراؤه بالدين على القراض أو يتسلف عليه لا يجوز أذن رب المال أو لم يأذن, وكيف يأخذ ربح ما يضمنه العامل في ذمته. قال ابن القاسم: ولو اشترى سلعة بمال القراض وهو في بيته فتسلف ما نقد فيها من رب المال أو غيره فنقد ثم باعها قم اشترى بمال القراض أخرى وباعها فهذا كله في القراض ما ربح في السلعتين أو في إحداهما أو وضع؛ لأنه كان يمكنه نقده أولاً. قال في العتبية: ويجبر بما ربح من هذه ما خسر في الأخرى. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا أخذ العامل مئة قراضاً فاشترى بمئتين سلعة نقداً كان شريكاً فيها لرب المال يكون نصفها على القراض ونصفها للعامل, وإن كانت المئة الثانية مؤجلة قُوَّمت المئة المؤجلة بالنقد فإن سوت خمسين

كان شريكاً بالثلث, هكذا أصلحها سحنون وكان في الأم تقوم السلعة وهي رواية عبد الملك, وروى عنه تقوم المئة, وقال ابن القاسم وأشهب وغيره/. قال سحنون: تقويم السلعة خطأ. فصل [3 - في الرجل يشتري السلعة فيقصر ماله عنها فيأخذ عليها قراضاً يدفعه في ثمنها] قال مالك: ومن اشترى سلعة فعجز عن بعض ثمنها فأتى إلى رجل فأخذ منه قراضاً وهو يريد أن يدفعه في بقية ثمنها ويكون قراضاً لم أحب ذلك, وأخاف أن يكون قد استغلى ولو صح ذلك لجاز. قال في كتاب محمد: وإن لم يكن لغلاء أجزته إذا وقع, وأكره العمل به ابتداء.

قال ابن المواز: إذا لم يكن يجبر لرب المال بما كان اشترى من ذلك, ولم يكن لغلاء, وصح أمره فهو جائز. وقاله أصبغ. وفي العتبية قال ابن القاسم: لا يعجبني وإن صح. وقاله سحنون. م: ويحتمل أن ترد الأقوال كلها إلى قول واحد وهو أنه يكره العمل به ابتداء فإن نزل وصح جاز كما قال مالك. قال ابن حبيب: إن الكشف أنه كان استغلالها ولم تكن تساوي ذلك يومئذ فلينظر قيمتها يومئذ فيرجع عليه بالزيادة ولا ينظر ما بيعت به من ربح. ومن المدونة: قال مالك: ولو ابتاع سلعة ثم سأل رجلاً أن يدفع إليه مالاً ينقده فيها ويكون قراضاً بينهما فلا خير فيه, فإن نزل لزمه رد المال إلى ربه, وما كان فيها من ربح أو وضيعة فله وعليه, وهو كمن أسلفه رجل ثمن سلعة على أن له نصف ربحها. قال سحنون هذه خير من التي فوقها.

قال أبو محمد هذا سمى له أنه ابتاع سلعة, والأول لم يذكر له ذلك, وأخذ منه المال قراضاً فنقده فيها. قال ابن المواز: ولو كان هذا قبل أن يستوجبها وقبل أن يجب عليها عليه ضمانها لجاز ذلك إذا لم يسم له السلعة ولا بائعها. وروى عن عثمان أن رجلاً قال له: وجدت سلعة مرجوة فأعطني قراضاً ابتاعها ففعل. قال ابن المواز: وذلك أنه لم يسم له السلعة ولا بائعها. قال ابن حبيب: ويكره أن يؤخذ المال قراضاً على أن يشتري به من رفقة نزلت بهم معها تجارة ابتداء, فإن وقع مضى على شرط الربح إن شاء الله, وبالله التوفيق.

[الباب الثاني عشر] جامع مسائل مختلفة من القراض والوكلات

[الباب الثاني عشر] جامع مسائل مختلفة من القراض والوكلات [فصل 1 - في الرد بالعيب للمقارض, وشراؤه محاباة] قال مالك: وإذا باع العامل سلعة فطعن بعيب فحط من الثمن أكثر من قيمة العيب أو أقل, أو اشترى سلعة من [والده أو ولده] فما كان من هذا نظرا بغير محاباة جاز. وإذا اشترى العامل بجميع المال عبداً ثم رده بعيب فرضيه رب المال فليس ذلك لرب المال؛ لأن العامل إن أخذه كذلك جبر ما خسر فيه بربحه؛ إلا أن يقول له رب المال إن أبيت فاترك القراض واخرج؛ لأنك إنما تريد رده وتأخذ الثمن فكان القراض عيناً بعد, فإما أن ترضى بذلك وإلا فاترك القراض وأنا أقبله. قال: ولو رضي العامل بالعيب على وجه النظر جاز وإن حابى فهو متعد. وقال مالك في العامل يبيع ويحابي: أن ذلك غير جائز إلا أن يكون له فيه نصيب فيجوز منه قدر نصيبه. قال في باب بعد هذا: وإذا قتل عبدُ لرجل عبداً من القراض فاختار العامل أو رب المال القصاص, واختار الآخر العفو على أخذ الجاني, فالقول قول العافي على

أخذ العبد الجاني وأجعله على القراض كما كان المقتول, وكذلك إن قتله سيده فقيمة العبد على القراض. فصل [2 - العامل ينقذ ثمن السلة بغير بينة فإذا أراد قبضها جحد رب السلعة هل يصمن؟] وإذا دفع العامل ثمن سلعة بغير بينة فجحده البائع, وحبس السلعة فالعامل ضامن. وكذلك الوكيل على شراء سلعة بعينها أو بغير عينها فيدفع ثمنها فيجحده البائع فهو ضامن, ولرب المال أن يغرمها. قال ابن القاسم: وإن علم رب المال بقبض البائع الثمن بإقراره عنده أو بغير قراره ثم جحده فلرب المال أن يغرم البائع الثمن ويطيب له؛ لأنه هو الذي أتلف عليه ماله حين لم يشهد إلا أن يدفع ذلك الوكيل بحضرة رب المال فلا يكون عليه ضمان.

م: قيل ويمكن أن يغرمه قيمة السلعة المشتراه لتعديه في دفع/ الثمن قبل قبضها؛ لأنه وإن لم يكن عليه الإشهاد في عقد البيع إذ لو أنكر البائع البيع ما لزم الوكيل شيء فلا يجوز له دفع الثمن إلا بعد قبض السلعة أو مع ذلك معاً, فتركه ذلك تفريط في السلعة وتلف لها فوجب عليه ضمانها. وقد قالوا في من أمر ببيع سلعة فسلمها ولم يقبض الثمن أنه يضمن الثمن لهذا المعنى, أو لأنها دفعت على ثمن ملك الموكل أخذه فتركه فوجب عليه ضمانه.

[الباب الثاني] في المقارضة على الأجزاء والتداعي فيها

م: وظاهر المدونة وكتاب محمد: أنه لا يكون أحق بالربح في إجارته القراض, وعلى هذا حمله أبو محمد, وهو أبين. والله أعلم. [الباب الثاني] في المقارضة على الأجزاء والتداعي فيها [فصل (1) المقارضة على الأجزاء] [المسألة الأولى: الرجل يعطي الرجل مالاً يعمل فيه قراضاً والربح للعامل] قال ابن القاسم: وتجوز المقاوضة عند مالك على النصف أو الخمس أو أكثر من ذلك أو أقل. قلت: فإن أعطيته مالاً قراضاً على أن الربح للعامل قال: ذلك جائز. وقد قال مالك في من أعطى لرجل مالاً يعمل به على أن الربح للعامل, ولا ضمان عليه: أنه لا بأس به, وكذلك إن أعطاه نخلاً مساقاة على أن جميع الثمرة للعامل فلا بأس به. ابن المواز: إن قال رب المال للعامل حين دفع المال إليه: خذه قراضاً والربح لك: جاز, وكان الربح للعامل, ولا يضمن المال إن خسر أو تلف, والقول فيه قول العامل, وإن لم يقل له خذه قراضاً وإنما قال: خذه واعمل والربح لك: جاز أيضاً؛ لأن الربح للعامل وهو ضامن لما خسر, يريد: إلا أن يشترط أن لا ضمان عليه فلا يضمن. [المسألة الثانية: المقارض يدفع إلى العامل مالاً ولم يسم ماله من الربح] ومن المدونة, قال ابن القاسم: ومن دفع إلى رجل مالاً قراضاً ولم يسم ماله من الربح, وتصادقا على ذلك: فله قراض المثل إن عمل. وكذلك إن قال له: لك شِرْك في المال ولم يسمه وتصادقا على ذلك: كان على قراض مثله إن عمل.

وقال غيره: إذا قال لك شِرْك في المال ولم يسمه وتصادقا: فذلك النصف. [المسألة الثالثة: المقارض يدفع مالاً للعامل على النصف ثم يجعلاه على الثلثين] قال ابن القاسم: وإن أعطيته قراضاً على النصف, ثم تراضيتما -بعد أن عمل- على أن يجعلاه على الثلثين لك أو له: جاز قال ابن حبيب: إن كان المال حين تراضيتما عيناً لا زيادة فيه ولا نقص, وقد حركه أو لم يحركه: فلا بأس به, وإن كن فيه زيادة أو نقص, أو كان في سلع: لم يجيز. م: وقول ابن القاسم أولى؛ لأن المال إن كان عيناً فكأنهما الآن ابتدآ بالعقد؛ لأن القراض لا يلزم بالعقد, ولمن شاء حله ما لم يُشغل المال في سلع, أو يظعن به في سفر, وإن كان المال في سلع هبة, تطوَّع أحدهما بها لصاحبه, وهبة المجهول جائزة. ووجه قول ابن حبيب: أنه إن كان المال عيناً وفيه ربح أو وضيعة فقد ملكا قَسْمَه, فكان أحدهما زاد الآخر لبقاء الأمر بينهما, وكذلك إن كان المال في سلع, إذ قد يدعو أحدهما إلى بيعها والمفاضلة فيها, فكأنه زاده في جزءه, ليماديه على القراض, والله أعلم. م: قال بعض القرويين: إن كان بعد أن عمل, وكان لرب المال الثلثان فجعل لنفسه الثلث, فتلك هبة مقبوضة, مات رب المال أو أفلس, وإن كان للعامل الثلثان, فجعل لرب المال الثلثين, فهي هبة منه, فإن مات العامل أو أفلس قبل قبض/ رب المال ما وهبه: سقطت الهبة. قال: ولا يجوز هدية رب المال للمقارض ولا للمقارض له. قال: وقد أجاز محمد ترك العامل النفقة بعد اشتغال المال, وذلك هبة من العامل؛ لأن النفقة واجبة له بالسفر, ولم يجز تركه لذلك قبل اشتغال المال. م: يريد لأنه يصير كأنه اشترط ترك النفقة في العقد فلم يجز ذلك.

[المسألة الرابعة: مقارضة رجلين لأحدهما ثلث الربح وللآخر سدسه] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن قارضت رجلين على أن لك نصف الربح, ولأحدهما الثلث, للآخر السدس لم يجزكما كما لو اشترك العاملان على مثل هذا لم يجز؛ لأن أحدهما يأخذ بعض ربح صاحبه بغير شيء. م: ويجب على هذا -إن كان رب المال اشترط ذلك عليهما-: أن يفسد القراض ويكون العاملان فيه أجيرين. قال ابن المواز: قال أصبغ: فإن نزل ذلك: فسخ القراض بينهما, ما لم يعملا, فإن فات بالعمل: كان نصف الربح لرب المال والنصف بين العاملين على [ما] شرطا, ويرجع صاحب السدس على صاحب الثلث بإجارته في فضل جزئه. وقاله ابن حبيب. قال ابن حبيب: إلا أن يكون ذلك أكثر مما فضله به من الربح. قال ابن المواز: ولو شرطا العمل على قدر أجزائهما من الربح لكان مكروهاً, إلا أن ذلك إن نزل: مضى. قيل: فإن خسرا, أيكون لهما أجر مثلهما على رب المال؟ قال: لا شيء على رب المال, وإنما الكلام فيما بين العاملين. م: لعله أراد أن رب المال اشترط لنفسه نصف الربح, وتشاركا هما على أن لهما النصف على الثلث والثلثين, والعمل بينهما نصفان, فيكون إنما دخل الفساد في اشتراطهما لأنفسهما, فلذلك جعل أن لا أجر لهما إن خسرا, وأن الربح بينهما على شرطهما, ويرجع من له فضل على صاحبه كشركاء المال يشترطان ذلك, فانظر. [المسألة الخامسة: المتقارضان يشترطان ثلث الربح للمساكين] ومن المدونة, قال ابن القاسم: وإذا اشترط المتقارضان عند معاملتهما ثلث الربح للمسكين: جاز ذلك, ولا أحب لهما أن يرجعا فيه, ولا يقضي بذلك عليهما.

فصل [2 - المتقارضان يختلفان في أجزاء الربح] قال ابن القاسم: ومن أخذ قراضاً على [الثلث] والثلثين ولم يبين لمن الثلثان: فالقول قول العامل أن الثلثين له والثلث لرب المال, كما لو ادعيا ثلثي ذلك: لكان القول قول العامل أن الثلثين له, فكذلك هذا. قال ابن المواز إذا أقرا أنهما لم يبينا الثلثان: جعلته لمن يشبه أن يكون ذلك له, فإن كان يشبههما جميعاً: جعلته للعامل ويحلف إن ادعي ذلك. م: وإنما يكون القول قول العامل إذا اختلفا بعد العمل, فقال العامل كان نيتي أن الثلثين لي, فالقول قوله ويحلف أنه كذلك نوى, فإن نكل حلف رب المال على ما نوى بمنزلة ما إذا تداعيا ذلك لفظاً. م: وقال بعض فقهائنا القرويين: إذا ادعى كل واحد أنه فهم عن صاحبه أنه صيَّر له الثلثين, فذلك كتصريح الدعوى, والقول قول العامل إذا أشبه. وأما إن قال كل واحد منهم: لم أفهم عن صاحبي شيئاً إلا أنَّي ظننت أنَّي المّعْني بالثلثين: فكان يجب أن يكون الربح بينهما نصفين؛ لأن كل واحد قد سلم الثلث لصاحبه, واستوت دعوهما في الثلث الباقي, فيقسم بينهما نصفين. م: ويلزم على هذا أن لو بيَّنا الدعوى لفظاً أن يقسم بينهما أيضاً نصفين؛ لأن كل واحد قد سلم لصاحبه الثلث, واستوت دعواهما في الثلث الباقي, ولكن لما كان العامل حائزاً, وجب أن يكون القول قوله في تساوي الدعوى, كتساوي البينتين أن القول قول الحائز, ولا فرق أيضاً بين قوله فهمت, ولا بين قوله: ظننت؛ لأنه لا يظن أنه المَعنَّي بالثلثين إلا بما فهم من قول صاحبه, والله أعلم. ومن المدونة, وقال مالك: وإذا اختلف المتقارضان في أجزاء الربح قبل العمل, فقال رب المال دفعته على أن الثلث للعامل, وقال العامل: بل على الثلثين لي: رد المال إلا أن يرضى العامل بقول رب المال/, وإن اختلفا بعد العمل: فالقول قول العامل كالصانع إذا جاء بما يشبه, وإلا رد قراض مثله.

قال ابن القاسم: وكذلك المساقاة. وقال ابن حبيب عن مالك: القول قول العامل مع يمينه إن ادعى ما يشبه, وإن ادعى كا يستنكر: صدق رب المال ويحلف, فإن ادعى مستنكراً فللعامل قراض مثله. وقاله أشهب. قال: وقال الليث: إن لم يكن لهما بينة حملا على قراض المسلمين, وهو النصف. ومن المدونة, قال مالك: وإن ادعى أحدهما ما لا يجوز, مثل أن يدعي: أن له من الربح مئة درهم ونصف ما بقي أو ثلثه, وادعى الآخر: أن له النصف أو الثلث من الجميع: صدق مدعي الحلال منهما إذا أتى بما يشبه. م: ولو كان رأس المال ألفاً, فادعى العامل: أنه شرط ربح مئة له ونصف ربح ما بقي, وقال رب المال: بل النصف لك فقط: فالقول قول العامل إذا أتى بما يشبه؛ لأنه ادعى أن له عشر الربح ونصف تسعة أعشار ما بقي, وهو أن له أحد عشر جزءاً من الربح, ولرب المال تسعة أجزاء, فيكون لرب المال أربعة أعشار الربح ونصف عشره, وللعامل خمسة ونصف عشره, فيكون كمن ادعى الثلثين ورب المال الثلث. ولو ادعى أنه له ربح مئة معينة ونصف ما بقي: لكان القول قول رب المال؛ لأنه مدعي الصحة والعامل مدعي الفساد, فهو كما لو ادعى ما لا يشبه؛ لأنه ادعى ربح مئة لا يخلطها مع بقية المال, وذلك فاسد, وبعد هذا باب فيه إيعاب هذا المعنى.

[الباب الثالث] باب في نفقة العامل وكسوته

[الباب الثالث] باب في نفقة العامل وكسوته [فصل 1 - نفقة عامل القراض في السفر] والقضاء: أن للعامل النفقة في مال القراض إذا شخص للسفر به لا قبل ذلك. قال ربيعة: ولولا نفقته إذا شخص ما حل ذلك. قال ابن المواز: ولا يأكل العامل من المال, وإن وقف على الخروج وقُرِّبت إليه دابته حتى يخرج, فحينئذٍ يأكل منه, قرب السفر أو بعد إن كان المال يحمل ذلك. قال القاضي عبد الوهاب: وهي مسألة إجماع في سائر الأعصار إلى زمن الشافعي, فذكر بعض أصحابنا: أنه اختلف فيها قوله, فذهب في آخر أقواله وهو المشهور عنه: أن لا نفقة له في السفر, كما ليس له ذلك في الحضر. قالوا: ولأن سفره بالمال ضرب من التصوف فيه, كتصرف الحاضر, فلا يستحق بذلك زيادة. قالوا: ولأنا وجدنا كل من رضي من عمله بأجر, فلا يستحق نفقة, إلا أن يشترطها من الأجير والوكيل والصانع, فكذلك العامل. قال عبد الوهاب: ودليلنا ما ذكرناه من الإجماع في سائر الأعصار, ولم يختلف فيه أحد من أهل العلم إلى زمن المخالف, وقد صار ذلك عرفاً بين الناس, والعرف كالشرط. وقد اتفقنا: أن للعامل أن يستأجر من يكفيه مؤنة الحمولة والخدمة, فكذلك يجوز له أن ينفق منه على نفسه؛ لأن سفره لأجل تنمية المال, والفرق بينه وبين الحاضر أن: الحاضر لو لم يكن بيده قراض لم يكن له بد أن ينفق على نفسه وعياله, والمسافر قد التزم نفقة الخروج زيادة على ما نختاج إليه في حضره. م: وإن شئت قلت: العرف ألا ينفق منه الحاضر وينفق منه المسافر, وهذه سنة القراض, وإنما أقر وأرخص فيه على ما كان في الجاهلية فمن اشترط خلاف ما كان عليه, فقد أحال القراض عن رخصته, وأخرجه عن بابه فيكون فيه أجيراً. وبالله التوفيق.

[فصل 2 - نفقة عامل القراض في الحضر] ومن المدونة, قال مالك: وإذا كان العامل مقيماً في أهله فلا نفقة له من المال ولا كسوة. قال الليث: إلا أن يشغله البيع فيتغذى بالأفلس. ابن المواز: وأباه مالك وقال: من استغل في الحضر في تجارة القراض فلا يأكل منه. [فصل 3 - متى يبدأ المقرض في الإنفاق على نفسه من مال القراض إذا أراد السفر؟] ومن المدونة, قال مالك: ولا ينفق/ منه في تجهيزة سفره حتى يظعن, فإذا شخص من بلده كانت نفقته في سفره من المال في طعامه, وفي ما يصلحه بالمعروف في غير سرف ذاهباً وراجعاً إن كان المال يحمل ذلك, ولا يحاسب في ربحه ولكن يلغي, وسواء في ذلك قرب السفر أو بعد, وإن لم يشتر شيئاً, وله أن يرد ما بقي بعد النفقة إلى صاحبه, فإذا وصل إلى مصره لك يأكل منه. قال ابن المواز: ينفق في مسيره ورجوعه, رجع إلى بلده أو بلد رب المال. [فصل 4 - كسوة عامل القراض] ومن المدونة, قال مالك: وله أن يكتسي منه في بعيد السفر إن كان المال يحمل ذلك, ولا يكتسي في قريبه إلا أن يكون مقيماً بموضع إقامته يحتاج إلى الكسوة. قال ابن حبيب: من قول مالك: أنه ينفق في قريب السفر وبعيده, في ركوبه وطعامه, ولا يكتسي إلا في بعيده. قال عبد الوهاب: لأن الذي يستحق من ذلك قدر ما تدعوه الحاجة والسفر القريب لا يحتاج إلى كسوة, فلم يجز أن يأخذ ما لا يحتاج إليه, فإذا طال احتاج إليها فأبيح له أخذها, وأما الطعام فهو محتاج إليه في قريب السفر وبعيده, ولو قلنا: أنه لا يستحق نفقة ولا كسوة, لأحاطت نفقته وكسوته في سفره بربحه المشترط فيذهب عناؤه باطلاً.

قال ابن حبيب: وذلك كله في كثرة المال, فإن كان المال, قليلاً فلا نفقة له ولا كسوة ولا ركوب. قال ابن المواز: وليس في كثرة المال حد, غير أن الخمسين والأربعين عندي كثير. [فصل 5 - هل لمن بعث لشراء بضاعة أو بيعها نفقة وكسوة؟] قال ابن المواز: والبضاعة مثل القراض, ينفق منها كما ينفق من القراض إن كانت كثيرة, وأما القليلة فلا. وكذلك هو في الكسوة مثل القراض, قيل: فإذا بعث معه بضاعة ليشتري له بها سلعة, أينفق منها قبل أن يشتري منها؟. قال: نعم. وكذلك لو بعث معه سلعة ليبيعها له فلينفق إن باع, وإن كان ذلك على وجه المعروف.

م: قد جرى العرف في النفقة والكسوة في القراض, وظاهر أمرهم في البضاعة أنه إن كان الخروج لها ومن أجلها فيجب أن يكون له نفقته وأجرته. وإن كان إنما خرج لتجارة نفسه فبعث معه بضاعة أو مالاً لشراء سلعة, فالعرف عندنا أنه لا شيء له فيجب أن يحمل عليه. [فصل 6 - العامل يقيم بغير بلده ويأخذ قراضاً هل له نفقة؟] ومن المدونة, قال ابن القاسم: ومن قدم الفسطاط, فأخذ مالاً قراضاً على أن يقيم يتجر بالفسطاط وليست ببلده, فإنه ينفق منه في مقامه؛ لأن المال حبسه بها إلا أن يوطنها أو ينتقل لسكانها. وإن لم يكن له به أهل فلا نفقة له. قال: ولو خرج بالمال إلى بلد فنكح بها, فإنه إذا دخل وأوطنها, فمن يومئذٍ تكون نفقته على نفسه. ولو أخذ مالاً قراضاً بالفسطاط وله بها أهل, فخرج به إلى بلد له بها أهل: فلا نفقة له في ذهابه ولا في رجوعه؛ لأنه ذهب إلى أهله ورجع إلى أهله. ولو أخذه في بلد ليس فيه أهله, ثم خرج إلى بلد فيه أهله, فتجر هنالك, فلا نفقة له في ذهابه إلى أهله ولا في إقامته عندهم, وله النفقة في رجوعه.

وروى البرقي عن أشهب في من أخذ قراضاً بالفسطاط, وله بها أهل وأهل بالإسكندرية, فخرج إلى الإسكندرية: أن له النفقة في ذهابه ورجوعه, ولا نفقة له في إقامته في أهله, وقال به البرقي. قال سحنون: وليس للمقارض أن يسافر بالمال القليل سفراً بعيداً, إلا أن يأذن له رب المال. [فصل 7 - في التاجر الحاج يأخذ مالاً قراضاً] ومن المدونة, قيل لمالك: فإن عندنا تجاراً يأخذون المال قراضاً, يشترون به متاعاً يشهدون به الموسم, ولولا ذلك ما خرجوا. هل لهم في المال نفقة؟ , فقال: لا نفقة لهم ولا لحاج ولا لغاز في مال القراض في ذهاب ولا في رجوع. قال ابن المواز: قال أصبغ: ولا في إقامته في الحج, إلا أن يقيم بعد انقضاء الحج للمال خاصة, فيكون له النفقة من يومئذ. [فصل 8 - في المقارض يأخذ قراضين, أو يأخذ مع القراض مال نفسه] ومن المدونة, قال مالك: ومن تجهز لسفر بمال قراضاً من رجل, واكترى وتزود, ثم أخذ قراضاً ثانياً من غيره, فليحسب نفقته وركوبه على المالين بالحصص. وكذلك إن أخذ مالاً/ قراضاً فسافر به, وبمال نفسه فالنفقة على المالين. قال مالك: وإن خرج في حاجة لنفسه, فأعطاه رجل قراضاً؛ فله أن يَفضَّ النفقة على مبلغ قيمة نفقته في سفره ومبلغ القراض, فيأخذ من القراض حصته ويكون باقي النفقة عليه. قال في كتاب ابن المواز والعتبية: ينظر قدر نفقته, فإن كانت مئة والقراض سبع مئة, فعلى المال سبعة أثمان النفقة. قال ابن المواز: وهذا استحسان عن مالك, ونحن نقف عنه.

وأخبرنا ابن عبد الحكم بخلافه: أنه لا نفقة له, وذلك أحب إلينا كمن تجهز إلى أهله. فصل [9 - في المقارض يستأجر الأجراء والبيوت وغيرها] ومن المدونة, قال مالك: وللعامل أن يواجر أجراء للأعمال التي لا بد له من ذلك فيها, ويكتري البيوت والدواب لما يحمل أو يخزن, وله أن يواجر من مال القراض من يخدمه في سفره إن كان المال كثيراً, وكان مثله لا يخدم نفسه. وليس للعامل أن يهب من مال القراض شيئاً, ولا يولي ولا يعطي عطية, ولا يكافي -يكارم منه- فيه أحداً, فإما أن يأتي بطعام إلى قوم ويأتون بمثله فأرجوا أن يكون ذلك واسعاً له, إذا لم يتعمد أن يتفضل عليهم, فإن تعمد ذلك بغير إذن صاحبه فليتحلل صاحبه, فإن حلله فلا بأس له, وإن أبى فليكافئه بمثله إن كان شيئاً له مكافأة. [فصل 10 -] في نفقة العامل من ماله وزيادته من عنده في كراء أو صبغ أو قصاره قال ابن القاسم: وإذا أنفق العامل في السفر من مال نفسه: رجع به في مال القراض فإن هلك المال: لم يلزم رب المال شيء, وكذلك إن اشترى بجميع مال القراض سلعاً, أو اكترى له دواب من ماله, فإن أدى ذلك رب المال وإلا كان للعامل أن يأخذ من ثمن المبتاع كراءه مبدأ, ولا حصة له من الربح, ولو اغترق الكراء ثمن المبتاع: أخذه كله ولو زاد الكراء على ثمنه لم يكن له على رب المال شيء في الزيادة, ولا يكون بالكراء شريكاً في السلع, يريد: فإن أدى الكراء رب المال لم يكن على الشركة ويرجع فيأخذه من مال القراض مبدأ. قال ابن القاسم: وأما إن صبغ الثياب أو قصرها بمال من عنده فذلك كزيادة في ثمن السلع على السلف لرب المال, فإما دفع إليه رب المال ما ودّي

[الباب الرابع] باب في زكاة مال القراض

وكانت على قراضه, وإلا كان العامل شريكاً بما ودَّي؛ لأن هذا عين قائمة بخلاف الكراء. قال ابن المواز: إن زاد من ماله في ثمن السلعة على أن ذلك لنفسه, فهو بذلك شريك, ولا خيار فيه لرب المال, وكذلك إن زاد في الصبغ والقِصارة, وإن زاد ذلك سلفاً لرب المال فرب المال مخير كما هاهنا. ومن المدونة وقال ابن القاسم: إن دفع إليه رب المال قيمة الصبغ لم يكن الصبغ على القراض, يريد: ولكن يكون شريكاً, ولا يزم العامل أن يعمل له فيه, فأما أن يقاسمه, أو يأتي بمن يعمل معه فيه. قال غيره: لأن هذا كقراض ثان على أن يخلط بالأول بعد أن عمل بخلاف زيادة العامل على رأس المال في ثمن السلعة عند الشراء على السلف؛ لأن هذا كقراض ثان قبل اشتغال المال الأول, وذلك أنه إنما صبغ الثياب بعد الشراء, فإن أعطاه رب المال قيمة الصبغ لم يكن على القراض, وله أن لا يعطيه ذلك وأن يُضمَّنه قيمة الثياب, زاد في رواية سليمان بن سالم: فإن كان في القيمة فضل كان للعامل حصته منه, وإن أبى رب المال أن يُضمَّنه كان العامل شريكاً في الثياب بقيمة الصبغ من قيمة الثياب. م: قال بعض فقهاء القرويين: وهذا على قول من ذهب إلى أن الغاصب إذا صبغ ثوباً غصبه: أن رب المال إن لم يشأ أن يضمن الغاصب قيمة ثوبه, ورغب في عين ثوبه ولم يشأ أن يدفع قيمة الصبغ: أنه يكون شريكاً للغاصب, وليس هذا المعهود من القول, وإنما يقول ابن القاسم: أنه بالخيار إن شاء أغرمه قيمة ثوبه أو أخذه/ ودفع إليه قيمة الصبغ فقط, وأشهب يرى: أن يأخذ ثوبه ولا شيء للغاصب في صبغة كتبيض الدار, وخياطة الثوب. [الباب الرابع] باب في زكاة مال القراض

قال مالك: ولا يزكي العامل رأس مال القراض ولا ربحه, وإن أقام بيده أحوالاً حتى ينض المال ويحضر ربه فيقتسمان؛ لأنه لا يدري أرب المال حي أم ميت؟ أن عليه دين؟ فإن كان العامل يدير زكَّيَا لكل سنة بقدر ما كان المال فيها من عين أو قيمة عرض, فإن كان في أول سنة قيمة المبتاع مئة, والسنة الثانية مئتين, والسنة الثالثة ثلاث مئة, زكى كل سنة قيمة ما كان يساوي المبتاع فيها إلا ما نقصت الزكاة كل عام. قال ابن القاسم: وإن أخذ العام تسعة عشر ديناراً, فعمل بها يوماً وقد كان تم لهذه التسعة عشر ديناراً حولاً عند رب المال, ثم افترقا وقد ربحا ديناراً فلا زكاة عليهما؛ لأن رب المال لم يكن له في رأس ماله وربحه ما فيه الزكاة. قال أشهب عن مالك: عليهما الزكاة, وقاله ابن الماجشون. ومن المدونة, قال مالك: ولو أخذ قراضاً بعد ستة أشهر من يوم زكاه, فعمل به أربعة أشهر ثم تفاصلا زكى رب المال لتمام حوله, ولا يزكي العامل حصة ربحه

حتى يتم حول من يوم اقتسماه, وفي ربحه عشرون ديناراً, إن كان له مال قبل ربحه, إذا أضافه إلى ربحه بلغ ما يجب فيه الزكاة, فليزكيه لتمام حول من يوم اقتسماه؛ لأن الفائدة الأولى تضم إلى حول الثانية, وقد تقدم إيعاب هذا في الزكاة.

[الباب الخامس] في تلف المال بيد العامل وتجره فيما بقي

[الباب الخامس] في تلف المال بيد العامل وتجره فيما بقي [فصل 1 - تلف بعض مال القراض بيد العامل ثم يعمل فيما بقي فيربح] والقضاء في القراض ألا يقسم فيه ربح إلا بعد كمال رأس المال, وأن المقارض مؤتمن لا يضمن ما هلك بيده إلا أن يتعدى فيه. قال مالك: وإذا ضاع بعض المال بيد العامل قبل العمل أو بعده, أو خسره, أو أخذه اللصوص, أو العاشر ظلماً: لم يضمنه العامل إلا أنه إن عمل ببقية المال جبر بما فيه ربح أصل المال, فما بقي بعد تمام رأس المال الأول كان بينهما على ما شرطا, ولو كان العامل قد قال لرب المال: لا أعمل حتى تجعل ما بقي رأس المال, ففعلا وأسقطا الخسارة, فهو أبداً على القراض الأول, وإن حاسبه وأحضره, ما لم يقبضه منه ثم يرده إليه. قال أصبغ: على باب الصحة والبراءة. وقال ابن حبيب: إذا لقي العامل رب المال وأخبره بما نقص رأس المال, فقال له: اعمل بالذي بقي, فقد أسقطت عنك ما ذهب, فهو قراض مؤتنف إذا بيَّنه هكذا, أحضر المال أو لم يحضره, قبضه أو لم يقبضه ربه, وكذلك لو ربحا فاقتسما الربح, ثم قال اعمل بما بقي في يديك, كان قراضاً مؤتنفاً إن لم يقبض منه المال. قاله ربيعة ومالك والليث ومطرف وابن الماجشون, ومن لقيته من أصحاب مالك إلا ابن القاسم فإنه قال: هما على القراض الأول. قال أبو محمد بن أبي زيد: الذي ذكره ابن حبيب عن ابن القاسم هو قول ربيعة ومالك والليث, ذكره ابن المواز, وقال أخبرني أصحاب مالك عنه أنه قال: لا يجوز أن يتفاصلا حتى يحضر جميع المال ثم يقبض رأس ماله ثم يقتسمانه الربح. [فصل 2 - العامل يستهلك بعض المال القراض ثم يتاجر فيما بقي فيربح] ومن المدونة, قال مالك: وليس ما استهلك العامل من المال مثل ما ذهب أو خسر؛ لأنه ما استهلك قد ضمنه, ولا حصة لذلك من الربح؛ لأنه تمام رأس المال, وإن تسلف العامل نصف المال أو كله فالنصف الباقي رأس المال وربحه على ما

وإن تسلف العامل نصف المال أو كله فالنصف الباقي رأس المال وربحه على ما شرطا, وعلى العامل غرم النصف فقط ولا ربح لذلك النصف. وإن أخذ مئة قراضاً فربح فيها مئة, ثم أكل منه مئة, لم تجر في المئة الثانية/ فربح مالاً فمئة في ضمانه, وما بقي في يده مع ما ربح بعد ذلك فهو بينهما على ما شرطا, ولو ضاع ذلك فلم يبق إلا المئة التي في ذمته: ضمنها لرب المال, ولا تعد ربحاً إلا بعد كمال رأس المال. قال بعض فقهاء القرويين: هذا صواب كله ما لم يفلس العامل فإن فلس وقد كان أخذ مئة فأكل منها خمسين قبل أن يتجر, ثم تجر في الخمسين الباقية فصارت مئة ثم فلس, فيجب على مذهب ابن القاسم أن يكون أحق بالمئة من الغرماء ويبقي عنده خمسون فيحاص بها الغرماء؛ لأن الربح أولى أن يجبر به رأس المال من أن يكون للعامل, كما لو ضاع من المال خمسون فتجر في الخمسين الباقية فصارت مئة أن رب المال أولى بها, أو لا ترى أن ابن القاسم قال في الذي دفع إليه ثمانين فضاع منها أربعون فدفعها إلى غيره فتجر فيها فصارت مئة أن رب المال يأخذ ثمانين, ويكون أولى بها من العامل الثاني ثم يأخذ نصف الربح عشرة, والعامل الثاني هاهنا أكرى من الغرماء؛ لأنه هو الذي نمَّى المال فلم يجعله أحق بجزئه من الربح لما كان رب المال له خبر ما كان في ماله من الخسارة. م: وقال غيره: بل يأخذ من المئة التي بيده خمسين رأس ماله وخمسة وعشرين حصته من الربح, ويُحاص في الخمسة والعشرين بقية الربح بالخمسين التي عليه وذلك بخلاف ضياع الخمسين, لأن رب المال لا مرجع له على الذي ضاعت له الخمسين, وله على الذي أكلها الرجوع بها فافترقا, وكذلك العامل في الأربعين له الرجوع على العامل الأول فلذلك كان رب المال أولى بجبر رأس المال منه. م: والقول الأول أصوب لأن رب المال أولى بجبر رأس المال, وأما الذي دفع إليه مئة فتجر فيها فصارت مئتين, ثم أكل مئة ثم تجر في المئة الباقية فصارت مئتين فعلى كما ذكرنا عن ابن القاسم: يجب أن يأخذ المئة فيكون أحق بها؛ لأنها رأس ماله, ويأخذ خمسين من المئة الباقية حصته من الربح, ويضرب بخمسين حصته من الربح من

المئة التي أكل؛ لأنها صارت ربحاً فيضرب بها في الخمسين الباقية من الربح مع غرماء العامل. وعلى التأويل الثاني: يجب أن يكون ما أكل نصفه من رأس المال ونصفه من الربح, فيكون الباقي من رأس خمسين فيأخذها, ويأخذ نصف ما بقي, وهو خمسة وسبعون حصته من الربح, ويضرب في الخمسة والسبعين الباقية ببقية رأس المال الذي أكل العامل وبنصف الخمسين الباقية مما أكل؛ لأنها حصته من الربح المأكول, فيضرب في هذه الخمسة والسبعين الباقية بهذه الخمسة والسبعين المستحقة قبل العامل مما أكل. فاعلم ذلك. [فصل 3 - مال القراض يُجنى عليه جناية تنقصه] ومن المدونة: وإن اشترى بالقراض وهو مئة دينار عبداً يساوي مئتين, فجنى عليه رب المال جناية نقصته مئة وخمسين, ثم باعه العامل بخمسين, فعمل فيها فربح مالاً أو وضع لم يكن ذلك من رب المال قبضاً لرأس ماله وربحه حتى يحاسبه ويفاصله ويحسبه عليه, فإذا لم يفعل فذلك دين على رب المال مضاف إلى هذا المال. ابن المواز قال ابن القاسم: ولو أخذ مئة قراضاً, فأخذ له اللصوص خمسين, فآداه ما بقي فأتم له المئة لتكون هي رأس المال, فإن رأس المال في هذه خمسون ومئة حتى يقبض ما بقي على المفاصلة, وكذلك لو رضي أن يبقي ما بقي رأس المال: لم ينفع ذلك. م: وعل قول ابن حبيب ينفعه ذلك, ويكون ما بقي رأس المال على ما تراضيا عليه. قال ابن المواز: فإن فضل بعد الخمسين ومئة شيء اقتسماه على شرطهما. م: كأنه رأى لمَّا لم يحرك المال حتى أخذ منه اللصوص الخمسين: أن زيادة رب المال الخمسين لا يكون كقراض/ ثان فإنها مضافة إلى المئة, وكأنه اليوم دفع إليه بخمسين مئة, فوجب ما ربح عليهما يجب قسمته. وقال بعض فقهاء القرويين: إنما يصح ها الجواب إذا صار رأس المال مئتين؛ لأنه إذا اتجر بالخمسين: وجب فض الربح عليها, فما قابل الخمسين الباقية بيده جبر به

الخمسين الذاهبة, وما قابل الخمسين الذاهبة, وما قابل الخمسين الأخيرة قسماه, فإن ربح عشرين جبر بعشرة منها الخمسين فصارت ستين, وقسما عشرة حصة الخمسين الأخيرة, وكذلك لو ربح ثلاثين أو أربعين, وإن ربح مئة كانت خمسين جبراً للخمسين الذاهبة, ويقسمان الخمسين على شرطهما, فما ربح بعد ذلك قسماه بغير فضوض, ويصح جواب الكتاب. م: وهو القياس, قال: وأما لو أخذ اللصوص جملة رأس المال, فأعطاه رب المال مالاً آخر فلا جبر في ذلك, وهذا الثاني هو رأس المال, وإنما يصح الجبر إذا بقي من الأول شيء. [فصل 4 - العامل في القراض يشتري سلعة ثم يضيع المال] ومن المدونة: وإذا اشترى العامل سلعة ثم ضاع المال: خُيَّر رب المال في دفع ثمنها على القراض, فإن أبى: لزم العامل الثمن, وكانت له خاصة, فإن لم يكن له مال: بيعت عليه, فما ربح فله ما وضع فعليه, وإن نقد فيها رب المال كان ما نقد الآن رأس المال دون الذاهب, وإن ضاعت السلعة والمال قبل النقد: فلا شيء على رب المال ويغرم العامل جميع الثمن. م: وإنما قال: وإن نقد فيها رب المال كان ما نقد الآن رأس ماله دون الذاهب, ولم يضفه إلى رأس المال الأول؛ لأنه لما ضاع رأس المال كله فقد انقطعت المعاملة بينهما, فإن دفع إليه الآن رب المال شيئاً فهو كابتداء قرض, ولو أنه إنما ضاع بعض المال, فأتم له رب المال بقية ثمن السلعة, فهاهنا يكون رأس المال جميع ما دفعه إليه أولاً وآخراً, ولا يسقط عنه ما ذهب؛ لأن المعاملة بينهما بعد قائمة لم يتفاصلا فيها, فهو بخلاف ذهاب جميع المال. والله أعلم.

[الباب السادس] باب ما يجوز للعامل أو لرب المال فعله في مال القراض أو لا يجوز

[الباب السادس] باب ما يجوز للعامل أو لرب المال فعله في مال القراض أو لا يجوز [فصل 1 - هل للمقارض أن يخلط ماله بمال القراض؟] قال مالك: وإذا خاف العامل أنه إن قدَّم ماله على مال القراض أو وخَّره وقع الرخص في ماله, فالصواب أن يخلطهما, ويكون ما اشترى بهما من السلع على القراض وعلى ما نقد فيها, فحصة القراض رأس مال القراض, وحصة العامل على ما نقد فيها, ولا يضمن العامل, إن خلطهما بغير شرط. م: ولا ينبغي على شرط الخلط ولا على أن شاء خلطه. قال أصبغ: وليس بحرام ولكنه من الذرائع, فإن فعله لم أفسخه وكان أشهب يخفف أن يشترط ذلك على المقارض أن يضم ماله إلى مال القراض, ويعمل على أن له نصف ربحهما والنصف لرب المال.

قال أصبغ: ولا يعجبنا هذا, إلا أن يقل مال العامل, مثل الخمسة دنانير والعشرة مما لا يغتزي به كثرة البيع والشراء, فإن نزل أمضيته على قراضهما. وفي كتاب ابن حبيب: ما لم يقصد فيه استغراق الربح لقلة مال القراض, فيكون كزيادة مشترطة داخلة في القراض, فيكون على قراض مثله على غير شرط بعد أن يقسم الربح على المالين. قال بعض فقهاء القرويين: وما قاله أصبغ من أن مال العامل إذا كان يسيراً لا يقصد به كثرة المال حسن؛ لأن الكراهية إنما تقع في الخلط أنه يغتري في تكثير البيع والشراء إذا كثر المال فقد يكون له في ذلك انتفاع. وأما قول أشهب: أن نصف ربحهما لرب المال ونصفه للعامل, وذلك يرجع إلى حد معلوم, فكيف يصح هذا إذا خلط العامل المال بمثله؟ فيصير قد عمل لرب المال باطلاً, لما أخذ رب المال نصف الربح نصف رأس المال, وهو لا يجيز أن يخرج أحدهما مئة والآخر مئة, على أن يعمل أحدهما, ويكون عنده للعامل إجارة مثله في مئة/ صاحبه, في المعروف من قوله.

[فصل 2 - هل للعامل أخذ قراض من رجل آخر؟ وهل له خلطه بالمال الأول؟] ومن المدونة, قال مالك: ولو أخذ من رجل قراضاً, فله أن يأخذ قراضاً من رجل آخر, إن لم يكن الأول كثيراً يشغله الثاني عنه: فلا يأخذ حينئذٍ من غيره شيئاً. قال ابن القاسم: فإن [أخذهما] وهو [يحتمل] العمل بهما فله أن يخلطهما, ولا يضمن, ولا يجوز أن يكون ذلك بشرط من الأول أو الثاني. [فصل 3 - العامل يأخذ قراضاً من رجلين ثم يختلطان عليه] [المسألة الأولى: العامل يربح في أحد القراضين ولم يتعيَّن] ومن العتبية وكتاب ابن المواز: ولو ربح خمسين ديناراً, ثم لم يدر في أي المالين ربحهما نسي ذلك, قال: فلا شيء له في الخمسين ويكون بين صاحبي المالين. المسألة الثانية [العامل يأخذ قراضين على النصف وعلى الثلث ويشتري سلعتين صفقتين بثمنين مختلفين ثم أشكلت الرفيعة من أي المالين] وقال سحنون: وإن أخد من رجل قراضاً على النصف, وعلى آخر على الثلث, فاشترى سلعتين صفقتين بثمنين مختلفين بكل مال على حده, ثم أشكل عليه السلعة الرفيعة من أي المالين هي؟ وادعى كل واحد من صاحبي المالين أن الرفيعة من ماله: فلا ضمان على العامل, وهو كمن أودعه رجل مئة وآخر خمسين, فنسي الذي له المئة, وادَّعاها الرجلان: فليتحالفا ويقتسما المئة, وتبقى الخمسون بيد المستودع ليس لها مُودع. ومن رأى: أن يضمنه مئة لكل واحد منهما بغير يمين فكذلك, يجري في مسألة القراض بالمالين. [المسألة الثالثة: العامل يشتري بالمالين جاريتين ثم يختلطان عليه] وروى أبو زيد عن ابن القاسم ولو أخذ من رجل مئة قراضاً ومن آخر مئة, فاشترى بمئة كل واحد جارية, ثم اختلطا عليه, فلم يعرف هذه من هذه: فعلى العامل ضمان قيمتهما, إلا أن يرضيا أن يكون شريكين فيهما, فإن خسرا لم يكن على

العامل شيء, وإن ربحا كان على شرطه في الربح. وقال أيضاً: إن كان رأس مال إحداهما عشرة والأخرى عشرين, فكانت قيمة أدنى السلعتين عشرين: فلا ضمان عليه, وأرى: أن تباعا ويقتسما الثمن على قدر رؤوس الأموال, وللعامل من ربح كل مال شرطه. وقال ابن المواز: إن كانت قيمتهما معتدلة فلا حجة لصاحب الأكثر على الأقل, وإن اختلفت, رأيت على العامل غرم فضل قيمة المرتفعة؛ لأن كل واحد يدعيها, والعامل لا يدفع أحداً عن دعواه.

م: ويدخله اختلافهم في من أودع مئةً فادَّعاها رجلان, ولم يدر لمن هي منهما, فقيل: يضمن لكل واحد مئة, وقيل لا يضمن لنسيانه ويقتسمان المئة بينهما نصفين فكذلك هذه. قال بعض فقهاء القرويين: ذكر أن كل واحد يأخذ رأس ماله, ويقتسمان الربح على قدر رؤوس الأموال, والذي توجبه مسائل التداعي أنه إذا دفع إليه أحدهما عشرة والآخر عشرين فاشترى جاريتين: قيمة واحدة أربعون, وقيمة الأخرى عشرون, وأمكن أن تكون التي بأربعين هي المشتراه بعشرة أو المشتراه بعشرين, فبيعت الواحدة بأربعين فادَّعياها, فصاحب العشرة يقول: هي لي فربحها فيها ثلاثين خمسة عشر لي وخمسة عشر للعامل, وصاحب العشرين يقول هي لي وربحها فيها عشرين: عشرة لي وللعامل عشرة, فيقال له قد سلمت خمسة من الربح, لصاحب العشرة؛ لأنك لا تدعي من الربح إلا عشرة, وهو يدعي خمسة عشر فسلم إليه خمسة وبقيت عشرة من الربح يدعيها كل واحد منهما, فتقسم بينهما نصفين فيصير على هذا التأويل ثلثا نصف الربح لصاحب العشرة, وثلثه لصاحب العشرين, وذلك عكس ما ذكر في الجواب, ويجب أن تقسم الخمسة عشر نصف الربح -على قول مالك- إلى خمسة أسهم: ثلاثة لصاحب العشرة, واثنان لصاحب العشرين, فيقع لصاحب العشرة منها تسعة وللآخر ستة. م وأما على مذهب ابن القاسم فكما ذكر؛ لأن أحدهما يدعي خمسة عشر من الربح والآخر عشرة, فقد سلم إليه خمسة, وتداعيا في العشرة فيجب قسمتها بينهما, وأما على مذهب مالك في المسألة التي: لواحد/ دينار وللآخر مئة دينار, فضاع من الجملة دينار: أن الربح يقسم بينهما على رؤوس الأموال كما قسمت الخسارة؛ لأنه لما أمكن أن يكون الربح في التي اشتريت بعشرة أو في التي اشتريت بعشرين, وجب جمع المالين وقسمة الربح عليهما, كما قلنا في مسائل عول الفرائض, وفي مسائل الرد على من يقول به, وفي مسائل الشركة في الربح والخسارة. وهذا بين.

فصل [4 - المقارض يشارك بمال القراض بغير إذن رب المال] ومن المدونة، قال مالك: ولا يجوز للعامل أن يشارك بمال القراض أحداً، وإن عملا جميعاً، فإن فعل: ضمن، ولا يجوز أن يشارك عاملاً لرب المال، كما لا يستودع المودَع الوديعة عند من لربها عنده وديعة، ولا عنده غيره، فهذا إن شارك؛ فكأنه أودع عند غيره. قال ابن المواز قال مالك: ولو تجهز العامل لسفر فقال له رب المال: أخرج مالاً آخر مثل الأول نشترك معه به. قال مالك: ما أرى من أمر بيّن كأنه خففه. قال ابن القاسم: إن صح من غير موعد أو رأى فذلك جائز. وقال أصبغ في العتبية: لا خير فيه. وقال سحنون: هو الربا بعينه. [فصل 5 - المقارض يبضع أو يستودع غيره من مال القراض] ومن المدونة، قال: ولا يبضع العامل من المال بضاعة، فإن فعل: ضمن، ولو أذن له رب المال في ذلك: جاز ما لم يأخذه على ذلك، ولا يبضع مع عبد لرب المال اشترط معونته، ولا يوجه أيضاً مع عبد نفسه بعض المال إلى بلد يتجر فيه أو يشتري له به هناك بعض السلع، فإن فعل ضمن. ولو أذن له رب المال أن يبيع بالنقد والنسيئة، فلا يودع أحداً شيئاً إلا لعذر كالمودع، وإن كان لغير عذر ضمن، ويعذر بالسفر أو يمنزل خرب أو ليس بحرز أو ليس عنده من يثق به فلا يضمن في هذا. فصل [6 - المقارض يشارك بمال القراض بإذن رب المال] ولا يشارك بالمال أو يقارض به إلا بإذن رب المال، فإن قارض بغير إذن رب المال: ضمن. ابن المواز: قال ابن القاسم: ولو شارك رجلاً فيما لا يغيب عليه ويقتسماله: فذلك جائز. [فصل 7 - المقارض يقارض غيره]

ومن المدونة: ولو أخذ قراضاً على النصف، فتعدى فدفعه إلى قراضاً على الثلثين: ضمن عند مالك، فإن عمل به الثاني فربح: كان لرب المال نصف الربح وللعامل الثاني نصفه، ثم يرجع الثاني ببقية شرطه وهو السدس على العامل الأول. وكذلك في المساقاة إذا أخذها على النصف، فدفعها على الثلثين للعامل الثاني: أن رب الحائط يأخذ النصف، ويرجع المساقي الثاني على الأول بالسدس. قال بعض فقهاء القرويين: وظاهر القول أنه يرجع بسدس الثمرة، والصواب: أنه يرجع بربع قيمة عمله؛ لأنه باع عمله بثمرة استحق ربعها، كما لو باع سلعة بمكيل أو موزون، فاستحق ربع ذلك بعد فوات السلعة: أنه يرجع بربع قيمتها لا بمثل ما استحق إلا على تأويل محمد على ما في كتاب الشفعة في استحقاق المكيل بعد أخذ الشفيع الشقص منه: أنه رده بمثل المكيل، وليس هذا المشهور من المذهب. وإذا أخذ المقارض المال على النصف، فدفعه إلى آخر على الثلث، فالسدس لرب المال ولا شيء للمقارض الأول؛ لأن القراض جعل فلا يصح إلا بالعمل. ولو كانت بثمانين دينار فخسر الأول أربعين، ثم دفع أربعين إلى الثاني على النصف فصارت منه، ولم يكن الثاني علم بذلك فرب المال أحق بالثمانين رأس ماله ونصف ما بقى وهو عشره، وياخذ الثاني عشرة، ويرجع على الأول بعشرين ديناراً، وهو تمام نصف ربحه على الأربعين. وقال أشهب: لا يحسب رب المال على الثاني إلا أربعين رأس ماله فيأخذها، ثم يأخذ نصف الربح وهو ثلاثون، فإن كان الأول أتلف الأربعين تعدياً: رجع عليه المال بتمام عشرة ومئة إلى ما أخذه، وإن هلكت بأمر من الله: رجع عليه بتمام تسعين، / وذلك عشرون ديناراً، عشرة بقية رأس ماله، وعشرة

حصته من الربح، ولا يأخذ ذلك من الثاني فيظلمه عمله، وأرجعناه على الأول؛ لأنه ضامن بتعديه. قال ابن القاسم: وإن أمر العامل من يقتضي ديونه إذن رب المال: ضمن ما تلف بيد الوكيل مما قبض. وإذا باع العامل سلعة من القراض، فوخر رب المال المبتاع بالثمن: جاز ذلك في حظ رب المال خاصة، فإن توى حظ رب المال وقد قبض العامل حصته: لم يرجع عليه رب المال بشيء، وكذلك ما وخب يجوز في حظه. م: قيل: وإنما جاز ذلك على العامل؛ لأن المال إذا نض لم يكن للعامل العمل به إذا منعه رب المال، فهو يقول هب هذا الذي أخرته قد قبضته أليس لي قبضه من رأس مالي، فاحسب ذلك على مالي، وكذلك هبته على هذا المعنى.

[الباب السابع] في من تجوز مقارضته أو يدفع قراضا أو لا ومن لا تجوز

[الباب السابع] في من تجوز مقارضته أو يدفع قراضاً أو لا ومن لا تجوز [فصل 1 - للمأذون له دفع القراض وأخذه] قال مالك: وللمأذون أن يأخذ مالاً قراضاً ولا يضمنه إن تلف. قال ابن القاسم: وله أن يدفع قراضاً؛ لأنه يبيع بالدين ويشتري به. وقال أشهب وسحنون: لا يأخذ المأذون قراضاً ولا يدفعه بخلاف المكاتب. م: فوجه قول أشهب وسحنون: كأنهما رأيا أن القراض من باب الإجازة، وهو الظاهر، فيجب على هذا أن لا يأخذ قراضاً كما ليس له أن يواجر نفسه؛ لأنه إنما أذن له في التجارة. ووجه قول مالك: أن القراض وإن كان إجازة فكان العادة فيه مما يعلمه التجار، فكان كالتجارة، فساغ للمأذون أخذه؛ لأنه مأذون له في التجارة، وأما دفعه القراض فهو من باب التجارة، وكما يواجر التجار من يعمل لهم، وكما يقارض الشريك المقارض؛ لأن في ذلك نمو المال كالتجارة. قيل: وإذا أخذ المأذون قراضاً فربح فيه، فما أخذ من الربح فهو مثل خراجه، لا يقضي منه دينه، ولا يتبعه إن عتق؛ لأنه إنما باع منافع نفسه بذلك، فأشبه لو استعمل نفسه في الإجازات. [فصل 2 - الرجل يقارض عبده أو أجيره والعبد والمكاتب يقارضان بأموالهما] قال ابن القاسم: ولا بأس أن يقارض الرجل عبده، أو أجيره إلى الخدمة، إن كان مثل العبد. وقال سحنون: ليس الأجير مثل العبد، ويدخله في الأجير فسخ الدين بالدين. م: معنى قول ابن القاسم إذا كان الأجير مثل العبد، يريد: إذ ملك جميع خدمته كالعبد، ويكون ما استأجره فيه يشبه عمل القراض، مثل أن يستأجره ليتجر له في السوق، ويخدم في التجارة، فمثل هذا إذا قارضه لم ينقله من عمل إلى خلافه، ولو كان إنما استأجره لعمل بعينه، مثل البناء والقصارة، فنقله إلى التجارة لدخله

ولو كان إنما استأجره لعمل بعينه، مثل البناء والقصارة، فنقله إلى التجارة لدخله فسخ الدين، في الدين كما قال سحنون. والله أعلم. وقال ابن أبي زمنين: إنما فرق بين الأجير والعبد؛ لأن الأجير إذا شغله في القراض خفف عنه بعض ما استأجره له، فيعد ذلك التخفيف كزيادة مشترطة. ومن المدونة، قال ابن القاسم: وللمكاتب أن يبضع أو يدفع قراضاً أو يأخذه على ابتغاء الفضل. [فصل 3 - مقارضة من لا يعرف الحلال من الحرام، ومقارضة الكافر] قال مالك: ولا أحب مفارضة من يستحل الحرام، أو من لا يعرف الحلال من الحرام وإن كان مسلماً، وكره مالك وابن أبي حازم أن يأخذ مسلم قرضاً من ذمي قال ابن القاسم: وأظنهما إنما كرهاه لئلا يذل المسلم نفسه. قال ابن المواز: ويفسخ ما لم يعمل فإذا ترك حتى ينض المال فيفسخ، وأفسخ الإجازة متى ما علمتُ بها، وله بحساب ما عمل. وإذا قارض مسلم نصرانياً فربح فسخته، ورددت إلى المسلم رأس ماله. ومن المستخرجة لسحنون وسئل عن نصراني دفع إلى نصراني قراضاً، فاشترى النصراني بذلك خمراً، فأسلم رب المال والخمر قائمة بيد المقارض وفيها، ربح أو لا ربح فيها، فقال رب المال: إنما قارضتك بمال فادفع إليّ مالي، وكيف إن قال رب المال: ادفع إليّ الخمر أكسرها؟ قال سحنون: ينظر إلى قدر فضل النصراني، / فيعطاه منها ويراق ما صار للمسلم. قال بعض فقهاء القرويين: انظر إذا أعطى المسلم قراضاً لنصراني، فاشترى بهما خمراً أو خنازير هل يضمن؟ إنما دخل على أحكام المسلمين فلا يتجرأ إلا فيما يجوز

كتاب آداب القضاة بسم الله الرحمن الرحيم جامع القول في آداب القضاة وسيرها والأقضية ووجوهها [فصل 1 - الحكم بالعدل عند تولي القضاء] قال الله تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى}، وقال تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا}، وقال: {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}

فصل [2 - أنواع القضاة] وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، وأما اللذان في النار فرجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى في الناس على جهل فهو في النار»، وروي عنه عليه السلام أنه قال: «الحكام ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة، حاكم جهل فخسر فأهلك أموال الناس وأهلك نفسه ففي النار، وحاكم علم فهدل - يريد جار - فأهلك أموال الناس وأهلك نفسه ففي النار، وحاكم علم فأحرز أموال الناس وأحرز نفسه ففي الجنة». فصل [3 - في الإجابة إلى القضاء وطلبه] وروى عنه عليه السلام أنه قال: «من جُعل قاضياً بين الناس فقد ذُبح بغير سكين»، وقال عليه السلام: «من طلب القضاء واستعان عليه وُكل إليه من لم يطلبه ولم يستعن عليه أنزل الله إليه ملكاً يسدده».

وقال عمر بن الخطاب عليه السلام: (لا يقوى على هذا الأمر أحد أخذه طائعاً) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسأل الإمارة فإنك إن تولها عن غير مسألة تعن عليها، وإن تولها عن مسألة توكل إليها». فصل [4 - في صفات القاضي] وقال عمر بن الخطال رضي الله عنه: (لا يصلح أن يلي هذا الأمر إلا الشّديد في غير عنف، اللين من غير ضعف، الجواد في غير سرف، البخيل في غير وَكَف) , ومنه قول الشاعر: الحافظوا عورة العَشيرة لا يألهم من ورائنا وَكَف.

وكتب عمر بن عبد العزيز: لا يصلح في الحكم إلا الرجل الجامع الفهم، العالم بأمر الله، القوي على أمر الناس، المستخف بسخطهم وملامتهم، ومن راقب الله تعالى وكانت عقوبة الله أخوف في نفسه من أمر الناس وهبه الله السَّلامة. وقال لا يُسْتقضى من ليس بفقيه حتى يكون فقهياً عالماً بآثار من مضى، مستشيراً لذوي الرأي، حليماً، نزهاً، ورعاً. قال أشهب: ويكون مستخفاً بالأئمة. م: يريد غير هيوب لهم في الحق، ويروي بالملائمة في الملام. فصل [5 - تولى الرجل الفقير أو المدين أو ولد الزنا أو المعتق القضاء] قال سحنون في كتاب ابنه: وإذا كان الرجل فقيراً وهو أعلم بمن بالبلد وأرضاهم استحق القضاء ولكن لا ينبغي أن يجلس حتى يَسْتغنى، ويُقْضى عنه دينه. قال: ولا بأس أن يستقضى ولد الزنا ولا يحكم في الزنا، كما أن القاضي لا يحكم لابنه.

قال أصبغ: ولا بأس أن يُسْتقضى المحدود في الزنا إذا تاب، ورضي حاله، وكان عالماً. ويجوز حكمه في الزنا وإن كانت شهادته لا تجوز فيه؛ لأن الحكام المسخوطين تجوز أحكامهم ما لم يحكموا يجور أو خطأ، ولا تجوز شهادتهم. قال أبو محمد: وأعرف لسحنون أنه لا يُجوز أم يُسْتقضى المعتق خوفاً أن تستحق رقبته فتذهب أحكام الناس. فصل [6 - ما يقضي به القاضي من الأصول والاجتهاد وفي مشورته للعلماء] وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا اجتهد الحكام فأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران» قال أبو محمدك وهذا - والله أعلم - إذا كان من أهل الاجتهاد فهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه من أهل الجنة» فيعذر بخطئه، وأما المكلف الذي ليس هو من أهل الاجتهاد فهو الذي قال فيه عليه السلام: «إنه من أهل النار». وقال مالك: إذا كان ما يقضي فيه القاضي مما قد ظهر وعرف وأَحْكَمه الماضون قُضى به، وإن لم يتبين له وليس على ما وصفنا من ظهوره فلا يتعجل يثبت، وما قُضي به مما في كتاب الله عز وجل أو مما أحكمته سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الحق لا شط فيه، وما كان من اجتهاد

الرأي فالله أعلم، قال مالك: وليحكم بما في كتاب الله تعالى فإن لم يكن فيه فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صحبته الأعمال، فإن صحب العمل غيره قضى بما صحبه العمل، فإن لم يجد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبما أتاه عن الصحابة إن اجتمعوا، فإن اختلفوا حكم بما صحبته الأعمال، ولا يخالفهم جميعاً ويبتدي شيئاً من رأيه، فإن لم يكن شيء من ذلك فيما ذكر اجتهد رأيه وقاسه بما أتاه عنهم ثم يقضي بما يجتمع عليه رأيه ويرى أنه الحق، فإن أشكل عليه شاور رهطاً من أهل الفقه ممن يستأهل أن يشاور في دينه ونظره وفهمه ومعرفته بأحكام من مضى وآثارهم، وقد شاور عمر وعثمان علياً رضي الله عنهم. قال أشهب: وكان عثمان رضي الله عنه إذا جلس للقضاء أحضر أربعة من الصحابة ثم استشارهم فإذا رأوا ما رأى أمضاه، وقال: هؤلاء قضوا ليست أنا. قال أشهب: وينبغي للقاضي إن قدر على ذلك أن لا يقضي إلا وعنده علماء من أهل الفقه يأمرهم بأن لا يشتغلوا عن / الفهم لما يُدْلي عنده من الحجج، ولما يقضي به فيما فهم من ذلك وفهموا، ولا ينبغي لمن حضره منهم إذا قضي بشيء زل فيه أن يدعه وأمضاه ليكلمه فيه بعد ذلك، ولكن يرده مكانه في لين ورفق لئلا

يفوت القضاء به فلا يقدر على رده، وإن خاف القاضي الحَصَر من جلوسهم عنده، أو يشتغل فلبه بهم وبالحذر منهم حتى يكون ذلك نقصاناً في فهمه فأحب إلي أن لا يجلسوا إليه. وقال ابن سحنون عن أبيه: لا ينبغي للقاضي أن يكون معه في مجلسه من يشغله عن النظر كانوا أهل الفقه أو غيرهم فإن ذلك يدخل عليهم الحَصَر والاهتمام بمن معه. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون ولمن يتخذهم مشيرين إذا ارتفع عن مجلس قضائه، وكذلك كان يفعل عمر رضي الله عنه. قال ابن المواز: لا يدع مشاورة أهل الفقه المستحقين للمشورة وذلك بعد أن يتوجه الحكم لأحد الخصمين. قال سحنون: لا يستشير القاضي العالم في ما شهد به هذا العالم عنده. [فصل 7 - في رفق القاضي ولينه وسياسته] قال: وينبغي للقاضي أن يأمر أعوانه والقَّوام عليه بالرفق بالناس واللين والقرب لهم في غير ضعف. قال محمد بن عبد الحكم: وأحب إليَّ أن يجعل القاضي رجالاً من إخوانه ممن يثق بهم وبصدقهم ومعرفتهم يخبرونه بما يقول الناس فيه من خلفه وما ينكرونه عليه من امرأوا حكم، ومن قبول شاهد أو رده فما عرفوه به من ذلك سأل عنه وفحص واستقصى فيه، فإن ذلك قوة له على أمره إن شاء الله.

فصل [8 - مكان القضاء] ويستحب للقاضي أن يقضي في المسجد، وأحتج بعض أصحابنا على قضاء القاضي في المسجد بقوله تعالى: {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ إلى قوله فَاحْكُمْ بَيْنَنَا}: ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في المسجد، وقال مالك في غير كتاب: القضاء في المسجد من الحق والأمر القديم. وكان ابن خَلْدَةَ وقاضي عمر بن عبد العزيز يقضيان في المسجد وأراه حسناً؛ لأنه يرضى بالدون من المجلس ويصل إليه الضعيف والمرأة، وهو أقرب على الناس في خصومتهم وشهودهم ولا يحجبون عنه وإذا احتجب لم يصل إليه الناس. قال مالك: وكان من أمر من مضى من القضاة لا يجلسون إلا في رحاب المسجد ليصل إليه اليهودي والنصراني والحائض والضعيف، وهو أقرب إلى التواضع لله عز وجل وحيث ما جلس القاضي المأمون فهو له جائز إن شاء الله تعالى، ولا بأس أن يقضى في منزله وحيث أحب، وأحسن ذلك من

غير تضييق المسجد الجامع إلا أن يعلم ضرر ذل بأهل الملل اليهودي والنصارى والنساء والحيَّض. وقال غيره: أو يدخل عليه في ذلك ضرر لكثرة الناس حتى يشغله ذلك عن كثرة النظر والفهم، وليكن له موضع في المسجد يحول بينه وبين من يشغله، وكذلك فعل سحنون أتخذ بيتاً في المسجد الدامع يحول فيه بينه وبين الكلام. ومن كتاب أحمد بن سعيد الهندي عن إسحاق بن إبراهيم إمام الجامع بصنعاء قال: حضرت عبد الملك / بن عبد الرحمن الرمادي بصنعاء بمجلس الحكم قد خرج حاجيه إلى الناس فقال: يا معشر الخصوم القاضي يقول لكم: اتقوا الله فإنه من خاصم في باطل فإنما يخوض في سخط الله تعالى: {اتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى

الله .. الآية}، قال: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَر .. الآية} ثم قال: عاد حاجيه الثانية فقال: يا معشر القاضي يقول لكم: هو على العهود وليس بقاضي وإنما أنتم القضاة، وهو المنفذ والله تعالى يقول في كتابه: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}، وبلغني (أن الله تعالى أوحى إلى بعض أنبيائه لا تشهد بما لا يسمع سمعك، ويعقد عليه قلبك فإن موقف أهل الشهادات .................). قال: فما رأيت في الدار إلا باكياً، وروي أن شريحا كان إذا شهد عنده شاهدان عدلان قال لهما: إني لهما ولكما أقضي. فصل [9 - القاضي على أي حال يقضي] قال مطرف وابن الماجشون: ولا بأس أن يتخذ القاضي أوقاتاً يجلس للناس فيها، وينظر في ذلك بالذي هو أرفق به وبالناس، ولا يُضيق على نفسه حتى يصير كالمملوك، ولا يجلس للقضاء بين المغرب والعشاء ولا في الأسحار، وما علمنا من

فَعَله من القُضاة إلا لأمر يحدث في تلك الأوقات فلا بأس أن يأمر فيها وينهى ويسجن ويرسل للأمير ولصاحب الشرط، فأما الحكم فلا، وقال أشهب في المجموعة: لا بأس أن يقضي بين المغرب والعشاء إذا رضى بذلك الخصمان، فأما أن يكلف الكاره فيه الخصوم فلا، ولا بأس أن يقضي بعد الأذان بالظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء أو الصبح، ويرسل إلى الخصم فيحضره في بعض هذه الساعات ثم يقضي عليه إن شاء أو أبى. قال مالك: وينبغي أن يكون لجلوسه ساعات من النهار لأني أخاف أن يكثر فيخطئ، وليس عليه أن يتعب نفشه نهاره كله، وقد روى ابن وهب أن ابن شهاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «روحوا القلوب ساع فساعة»، واختلف هل يقضي في الطريق؟ فقال أشهب: لا بأس أن يقضى في الطريق وهو ماش، ولا يكلم أحداً من الخصوم، ولا يقف معه فإن ذلك يوهن خصمه ويدخل عليه به سوء الظن، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (لا يقضي وهو غضبان). ابن حبيب: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يقضي إلا وهو شبعان ريَّان»، وفي كتاب محمد لا أحب أن يخرج إلى الناس وهو جائع ولا شبعان جداً؛ لأن الجائع يسرع إليه الغضب. قال ابن حبيب عن مطرف وابن

الماجشون: لا يقضي وبه غضب أو ضجر أو ضيق نفس أو جوع أو هَمَّ لما يخاف على فهمه إلا الإبطاء والتقصير عن الفهم إلا أمر خفيف / لا يضر به في فهمه. قال سحنون: لا ينبغي إذا قعد الخصمان بين يديه أن يشغل نفسه عنهما بشيء، وليجعل فهمه وسمعه وبصره وفكره في احتجاجهما. قال أشهب وسحنون: لا يقضي حتى لا يشك أن قد فهم، فأما إن ظن أن قد فهم وهو يخاف أن لا يكون فهم لما يجد من النكول والحيرة فلا ينبغي أن يقضي بينهما وهو يجد شيئاً من ذلك. فصل [10 - أدب القاضي في بيعه وشرائه وحديثه في مجلس قضائه وقيامه عنه] قال أشهب في المجموعة: ولا ينبغي للقاضي أن يتشاغل بالأحاديث في مجلس قضائه إلا أن يدبر إجمام نفسه ورجوع فهمه. ابن حبيب وقال مطرف وابن الماجشون: لا يفعل ذلك وإن أراد إجمام نفسه فليقم إذا وجد الفترة ويدع مجلس قضائه ويجلس مع من أحب للحديث، فأما وهو يقضي فلا. قال: ويقام من جلس إلى القاضي ليتعلم أقضيته، والجلوس عند القضاة من حيل المستأكلين للناس إلا أن يكون عنده معروفاً مأموناً فيدعه. قال أصبغ في كتابه: فإن خاف من المأمون أن

يحضره في قضائه، أو يضر به فلا يقعد، ولا يقوم من مجلس قضائه لحاجة أو لذة تعرض له. قال محمد بن عبد الحكم: ولا يجلس أيام النحر ولا يوم الفطر وما قاربه، وكذلك يوم عرفه ويوم النزوية، ولا يوم خروج الناس إلى الحجر بمصر لكثر من يشتغل يومئذ في تشييع الحاج، وكذلك كل بلد يجتمع ذلك فيه لمثل هذا، وإن كان الطين والوحل وأضر ذلك بالناس فليترك الجلوس، قال مطرف وابن الماجشون: ولا يشتغل في مجلس قضائه البيع والابتياع لنفسه. قال أسهب: أو لغيره على وجه العناية من إلا ما خف شأنه وقل شغله والكلام فيه. قال سحنون في كتابه ابنه: وتركه أفضل، قالوا: ولا بأس له بذلك في غير مجلس قضائه أو لغيره، وما باع أو ابتاع في مجلس قضائه فنافذ لا يرد إلا أن يكون أكره على ذلك أحداً، أو يهضمه حقه فليس هذا بعدل فهو مردود كان في مجلس قضائه أغيره، وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بعض عماله: (لا تشار، ولا تضار، ولا تبيع، ولا نقيض بين اثنين وأنت غضبان.

وكتب عمر بن عبد العزيز: (إن تجارة الولاة لهم مفسدة، وللرعية مهلكة. وقالوا: أما بيع مال ميت في مجلس قضائه على ما يبيع عليه السلاطين فذلك جائز. فصل [11 - حضور القاضي الجنائز وإجابته الدعوة] ولا بأس للقاضي بحضور الجنائز، وعيادة المرضى، وتسليمه على أهل المجالس، ورده على من يسلم عليه، لا ينبغي له إلا ذلك. قال مطرف وابن الماجشون: ولا ينبغي له أن يجيب الدعوة إلا في الوليمة وحدها للحديث ثم إن شاء أكل أو ترك. وقال أشهب: لا بأس أن يجيب الدعوة العامة كانت وليمة أو صنيعاً عاماً لفرح، فأما أن يدعى مع عامة لغير فرح فلا يجب، وكأنه دعي خاصة؛ لأن الداعي له لعله جعل ذلك من أجل لا السرور أوحق وجب عليه. قال سحنون: والتنزه عن الدعوة العامة أحسن. ابن المواز: وكره مالك لأهل الفضل أن يجيبوا كل من دعاهم.

فصل [12 - قبول القاضي الهدية] ولا يقبل القاضي هدية من أحد، ولا ممن كانت تجري بينه وبينه قبل ذلك، ولا من قريب ولا من صديق، وإن كافأ بأضعافها إلا مثل الوالد والولد وأشباههم من خاصة القرابة التي يجمع من حرمة الخاصة ما هو أكثر من حرمة الهدية. قال سحنون: ومثل الخالة والعمة وبنت الأخ قال: وفي بعض الكتب الهدية تطفئ نور الحكماء. قال ربيعة: إياك والهدية فإنها ذريعة الرشوة وعلة الطلب. وقال: محمد بن عبد الحكم لا يقبل الهدية ممن يخاصم، ويقبلها من إخوانه الذين يُعرف بالقبول منهم قبل أن يستقصي، وقد كان عمر يقبل الهدية من إخوانه. قال ابن حبيب: لم يختلف العلماء في كراهية الهدية للسلطان الأكبر وإلى القضاة والعمال وجباة الأموال، وهو قول مالك ومن قبله من أهل السنة، وكان النبي عليه السلام يقبل الهدية وهذا من خواصه. ابن حبيب: وللإمام أن يأخذ ما أفاد العمال ويضمه إلى ما جبوه وفعله النبي صلى الله عليه وسلم في عامل له قال هذا أهدي إليِّ فأخذه منه فقال له: (هَلا جلست في بيت أبيك وأمك فتنتظر هل يهدى إليك) وقال عليه السلام: «هدايا العمال غلول» قال ابن حبيب: إذا حبسوها ولم يسلموها إلى من ولاهم، وكان عليهم إلا يقبلوها. قال: وكل ما أفاده وال في لايته، أو قاض في قضائه، أو متولٍ أمراً

للمسلمين من مال سوى رزقه فللإمام أخذه منه للمسلمين. وكان عمر إذا ولى أحداً أحصى ماله فكتبه لينظر ما يزيد له فيأخذه منه، ولذلك شاطر عمر العمال أموالهم حيث كثرت ولم يستطيع تمييز ما ازدادوه بعد الولاية. قال مالك: وشاطر عمر أبا هريرة وأبا موسى الأشعري وغيرهما من الصحابة حين كثرت أموالهم، وخاف أن تكون مما كانوا يرتزقونه على الولاية، وإن معاوية لما احتُضر أمر أن يدخل شطر ماله في بيت مال المسلمين استناناً بفعل عمر بعمَّاله رجاء أن يكون ذلك تطهيراً له.

فصل [13 - أرزاق القضاة والكتاب] قال ابن سحنون: وقعد سحنون للناس احتساباً، ولم يقبل رزقاً ولا كسوة ولا حملاناً ولا خاتماً وضعه في يده. قال وسمعته يقول للأمير: والله لو أعطيتني جميع ما في بيت المال ما قبلته، وكان تركه لأخذه من غير تحريم ويقول: لو أخذته لجاز لي، وكان يأخذ الأرزاق لأعوانه وكتابه، وكَلم الأمير حتى أجرى لهم ذلك من جزي اليهود، وقد أجرى عمر بن عبد العزيز للقاضي أربع مئة دينار في السنة، وكان / يوسع في الرزق على عماله، وكان يقول ذلك قليل لهم إذا أقاموا كتاب الله وعدلوا. [فصل 14 - ماذا ينبغي للقاضي أن يعمل عندما يلي القضاء وكيفية دخول الخصوم عليه، وتقسيم أيامه وذكر الطابع] قال ابن سحنون: ولما ولي سحنون القضاء بعد أن أجبر وأدير عليه حولاً وغلط عليه، وحلف الأمير عليه، وأتى من عزمه عليه ما أخافه وأنصفه في قوله، وخاف أن يكون أمراً لزمه لا يقوم غيره فيه مقامه، فولي يوم الاثنين لثلاثة أيام مضت من شهر رمضان سنة أربع وثلاثين ومئتين، فأقام بعد ما ولي أياماً لا ينظر بين الناس يلتمس أعواناً، ثم قعد يوم الأحد لتسعة أيام مضت من رمضان، وقيل: لما دخل المسجد ركع ركعتين، ثم دعا كثير يدعو بالتوفيق والتسديد والعون على

ما قُلده، فقعد بعد ركوعه ودعائه ثم أمر بالناس فكتبوا أسماءهم في بطائق ثم اختلطت البطائق ثم دعي بالأول فالأول، فمن دعي باسمه وخصمه حاضر أدخلهما وأجلسهما بين يديه على الإعتدال في مجلسهما، وإن استعدى الذي خرج اسمه على رجل بحاضرة مدينة القيروان أو بقصر محمد بن الأغلب وهو على ثلاثة أميال من المدينة أعداه على خصمه بطابع يعطيه إياه، فإن أتى بصاحبه أمر بأخذ الطابع منه، وكان لا يعطي كِتاب عدوى لجلب خصم إلا بلطخ من شاهد عدل يزكي، فيأمر كتابه فكتب له كتاب عدوى إلى أمينه، وكان اتخذ في بعض المواضع

أمينين وفي بعضها أميناً، وكان أكثر أمنائه من أصحابه الذين تعلموا منه العلم ومنهم غير ذلك ممن ثبت عنده عدالته، وكان من ولي رجلاً سمع بعض كلام أهل العراق فأمره أن لا يحكم إلا بمذهب أهل المدينة. وكتب إلى سحنون في من يأتي فيقول فلان يدعي عليَّ بدعوى، ويحمل علىَّ العمال فاكتب إليَّ برفع من له قبلي دعوى إن أراد طلبي، فكتب إليه الرفع غير صواب، ولكن اكتب إن قدرت إلى العمال أن لا يعترضوا للخصوم لما في ذلك من ظلمهم. [فصل 15 - خصومة النساء والرجال والمسافر والحاضر] قال سحنون: وينبغي للقاضي أن يقدم النساء على حده والرجال على حده. أشهب: إن رأى أن يبدأ بالنساء أو بالرجال فلذلك له يبدأ بالأول فالأول، وإن رأى أن يجعل لهؤلاء يوماً ولهؤلاء يوماً. قال محمد بن عبد الحكم: وإن أحتاج إلى كشف وجه امرأة ليعرفها، أو ليشهد عليها شهوداً كشف وجهها بين يدي العدول من أصحابه، وإن كان بحضرته من الخصوم من لا يشهد عليها أمر بتنحيهم، وكذلك إن كان على رأسه من لا يأمنه على ذلك، وإن كان لا ينبغي أن يستعين بأحد لا يؤمن في كل شيء، ولا يجلس النساء مع الرجال في مجلس وليفرق بينهم، ويجعل للنصارى يوماً أو عشية أو وقتاً من بعض الأيام بقدر قلتهم وكثرتهم يجلس لهم في غير المسجد، وإن كانت الخصومة في الفروج مثل طلاق امرأة أو عتق فلا بأس أن يسمع البينة في ذلك، ويؤثرها على أهل

الدعوى، ويسمعها في غير مجلس الحكم. قال سحنون: والغرباء وأهل المصر سواء إلا أن ير غير ذلك في الغرباء مما لا يُدخِل على أهل المصر ضرراً. فصل [16 - في انصاف الخصمين والعدل بينهما في اللْحظ واللْفظ والمسألة والاستماع والمجلس] وقضى الرسول عليه السلام أن يقعد الخصمان بين يدي الحاكم، وقال: «إذا ابتلى أحدكم بالقضاء بين المسلمين فلا يرفع صوته على أحد الخصمين دون الآخر»، قال أشهب: إلا أن يفعله إغلاظاً عليه للدد فذلك جائز. وذلك إذا علم اللدَد منه، وأنه لو كان ذلك من صاحبه فعل به مثله. م: وينبغي أن ينصفهما في مجلسهما منه، وفي النظر إليهما، واستماعه منهما، ولا ينظر إلى أحدهما بوجه أطلق مما يلقى به الآخر، ولا يُسَار أحدهما، ولا يساررهما جميعاً إذا كان أحدهما لا يسمع ما يسارر به الآخر. سحنون: ولا ينبغي أن يُضَّيف أحدهما، أو يخلو معه، أو يقف معه فإن ذلك مما يوهن خصمه، ويدخل عليه سوء الظن. أشهب: ومن العدل بين الخصمين ألا يجيب أحدهما في غيبة الآخر إلا أن يعرف لدداً من المتخلف، أو لم يكن يعرف وجه خصومة المدعي فلا بأس أن يسمع منه حتى يعلم أمره.

وإذا جلسا فلا بأس أن يقول لهما: ما خصومتكما؟ أو يدعهما حتى يبتدياه بالمنطق، ولا بأس أن يسأل أيكما المدعي؟. فإن علمه سأله عن دعواه واسكت صاحبه حتى يسمع حجته، ثم يأمره بالسكوت ويستنطق الآخر ليفهم عنه، ولا ينبغي أن يبتدي المدعي عليه بالنطق وليبتدِ المدعي، ولا ينبغي أن يفرد أحدهما بالسؤال فيقول مالك أو تكلم؟ إلا أن يكون علم أنه فلا بأس بذلك، وإذا لم يعلم المدعي فقال لهما أيكما المدعي، فإن قال أحدهما: أنا وسكت صاحبه ولم ينكر فلا بأس أن يسأله عن دعواه، وأحب إليَّ أن لا يسأله حتى يقر له الآخر بذلك، وإن قال أحدهما المدعي هذا ولم ينكر صاحبه فلا بأس أن يسأله، فإن تكلم فقال: لست بالمدعي، وأقاما على هذا كل واحد يقول للآخر هذا المدعي فللقاضي أن يقيمهمها حتى يأبى أحدهما إلا الخصومة فيكون هو الطالب. قال أصبغ في كتاب ابن حبيب، وقال محمد بن عبد الحكم: إذا قال: كل واحد منهما: أنا المدعي، فإن كان أحدهما الذي استعدى وجلب الآخر إلى القاضي سمع منه أولاً، وإن لم يدر من جلب صاحبه لم يبال بأيهما بدا، وإن كان أحدهما ضعيفاً فأحب إليَّ أن لا يبتدي بالآخر. قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإذا تكلم المدعي وأدلى بحجته قال القاضي للآخر: تكلم، فإن تكلم نظر في ذلك، وإن سكت أو قال: لا أخاصمه إليك قال له القاضي: إما خاصمت أو أحلفت هذا المدعي / على دعواه وحكمت عليك له إن كان ما يستحق من نكول المطلوب أن تثبت له الخلطة؛ لأن نكوله عن التكلم

نكول عن اليمين، وإن كان مما لا يثبت إلا بالبينة ولا يسجنه حتى يتكلم ولكن يسمع من صاحبه. وكان سحنون إذا تشاغب الخصمان بين يديه أغلظ عليهما، وربما أمر القَومَة فزجروهما بالدرة، وربما تشاغبا حتى لا يفهم عنهما فيقول: قوما فإني لا أفهم عنكما، وتعودا إلي، وله الشد على عضد أحدهما إذا رأى ضعفه عن صاحبه، وخوفه منه، ولا بأس أن يلقنه حجة له عمي عنها، وإنما يكره أن يلقنه حجة الفجور، وقال الرسول عليه السلام: «من ثبت عيباً في خصومته حتى يفهمها ثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام وقال سحنون: لا ينبغي أن يشد عضد أحدهما ولا يلقنه حجة. قال ابن حبيب: وإذا أقر أحد الخصمين في خصومته بشيء للآخر فيه منفعة فعلى الحاكم أن ينبهه أن له منفعة، ويكتب له. قال سحنون: وإذا كان الخصمان في أمرهما شبهة وإشكال فلا بأس أن يأمرهما بالصلح. وتخاصم إلى سحنون رجلان من أصحابه صالحين فأقامهما ولم يسمع منهما وقال: استرا على أنفسكما ولا تطلعاني من أمركما على ما سُتر عليكما. ابن حبيب: وروي أن عمر بن الخطاب عليه السلام قال: (ردّوا القضاء بين ذوي الأرحام حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن).

وكان سحنون رحمه الله إذا أتاه رجل يسأله عن مسألة من مسائل الأحكام لم يجبه، وقال هذه: مسألة خصومة إلا أن يكون رجلاً يعلم أنه متفقه فيسأل على وجه التعليم، أو يسأل عن شيء من مسائل الوضوء والصلاة والزكاة. قال مالك في المختصر لا يفتي القاضي في مسائل القضاء، وأما في غير ذلك فلا بأس به. فصل [17 - في سيرة القاضي في البينة وكتابة الشهادة وسماعها] قال سحنون: وإذا شهد الشاهد في نص الشهادة أمر الخصمين أن لا يعرضا له ولا للمدعي بتلقين ولا المدعى عليه بتوبيخ، فإن فعل أحدهما ذلك بعد النهي أمر بأدبه، وكان إذا خلط الشاهد في شهادته أعرض عنه وأمر الكاتب ألا يكتب، وربما قال له ثبت ثم يردده فإذا ثبت على شهادته أمر كاتبه فكتب لفظ الشاهد ولا يزيد على ذلك ولا يحسن الشهادة، وكان إذا دخل عليه الشاهد وقد رُعب منه أعرض عنه حتى يذهب روعه، فإذا طال ذلك به قال له هون عليك فإنه ليس معي سوط ولا عصا، فليس عليك بأس قل ما علمت ودع ما لم تعلم. قال: وينبغي للقاضي أن يعرض كتاب الشهادة بعد كتبها على الشاهد ثم يطبع عليها ويرفعها في موضع رفع الكتب

قال أشهب وغيره: وإن استخف القاضي إيقاع الشهادة بنفسه فذلك حسن، وإن أوقعها / كاتبه وكان مأموناً وهو ينظر أجزأه، وإن أوقع الناس شهادتهم أنفسهم فذلك جائز، وقال مطرف وابن الماجشون وذلك فعل الناس عندنا بالمدينة؛ لأنه ربما أخجله محلس القاضي للشاهد أتشهد بكذا وهذا تلقين. قال محمد بن عبد الحكم وإذا كان الشهود عدولاً فني أحدهما فلا بأس أن يذكره الآخر فإن ذكر قبل منه لقوله سبحانه: {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}، وقوله {أَنْ تَضِلَّ} يريد أن تنسى. قال ابن المواز: وإن اتهم القاضي الشهود بالغلط فلا يفرق بينهم لأنه إذا قصد الشاهد بهذا رعب واختلط عقله، ولكن يسمعه منهم ويسأل عنهم. [فصل 18 - هل للقاضي أن يكلف الشهود إخراج امرأة شهدوا عليها من بين النساء، أو دابة من بين دواب] وإذا شهدوا على امرأة أو دابة فيسأل الخصم أن تدخل المرأة في جماعة نساء وتساق الدابة في جماعة دواب يمنحهم بذلك فليس ذلك على الشهود، ولا يفعله القاضي.

[فصل 19 - صفة تعريف القاضي بالشهود وصفة كتابة الشهادة] وينبغي للقاضي إذا شهد الشاهد عنده أن يكتب اسمه ونسبه ومسكنه ومسجده الذي يصلي فيه، ويكتب حليته وصفته إن لم يكن معروفاً لئلا يتسمَّى غير العدل بغير اسمه ويتنسب إلى غير نسبه فيزكي عليه. قالوا: ويكتب الشهر والسنة الذي شهد فيها، ويجعل صحيفة الشهادة في ديوانه لئلا تسقط للمشهود له، أو يزيد فيها أو ينقص، ولا يكتب الشهادة حتى تكون موافقة لدعوى المدعي فيكتب: بسم الله الرحمن الرحيم فقال القاضي: فلان بن فلان حضرني فلان بن فلان الفلاني بخصمه فلان وينسبه، فسألت فلاناً عن دعواه فأنكرها، فسألت فلاناً البينة عن دعواه فأحضرني بفلان وفلان، فيسميهم وينسبهم ويصفهم ويصف شهادتهم، فإن اختلفوا في بعض الشهادة ذكر ذلك، ثم يقرأ شهادتهم عليهم، ويكون المحضر الذي فيه شهادة الشهود عند القاضي في موضع يثق به، ويكتب عليه خصومة فلان وفلان في شهر كذا وسنة كذا، أو يجعل خصومة كل شهر على حدة حتى ينفذ القضاء فيها، ويرفع إليه القضية. قال محمد بن عبد الحكم وأرى أن يجعل نسخة في ديوانه ونسخة بيد الطالب يطبع عليها ليخاصم بها، فإذا أراد الحكم أخرج الذي في ديوانه فقابل بها وحكم عليه. قال أبو محمد: وبلغني عن بعض القضاة وهو ابن طالب أنه ربما كتب المحضر الذي فيه الشهادة نسختين فيجعل واحدة في ديوانه، ويجعل أخرى للمشهود عليه ليقف على

ما شُهد به عليه، ويبحث عن منافعه فيه وحجته، وأظن ذلك في الأمر المشكل وما يحتاج إلى الفحص عنه والنظر فيه /. فصل [20 - هلاك شهادة الشهود من ديوان القاضي وهل يقبل القاضي شهادة كاتبه؟] قال سحنون: وإذا هلكت شهادة الشهود من ديوان القاضي فشهد عدلان أن شهوده فلان وفلان شهدوا له فليقبل ذلك القاضي؛ لأنها كشهادة على شهادة ولا ينبغي أن يقبل شهادة كاتبه أن الشهود شهدوا له بكذا، وأجاز أشهب شهادة كاتبي القاضي في ذلك كغيرهما إلا أن يكون الشاهدان حاضرين فليعدلهما حتى يشهدا. قال سحنون: وإذا كتب القاضي الشهادة ثم قرأها على المشهود له بعد أيام فقال: لم يكتب كلما شهدوا لي به أو قال: نسوا أو نقصوا وأنا أعيدهم لم يكن للقاضي أن يعيدهم له. فإن شهد عنده رجلان أن فلاناً أخو فلان الميت فسألهم القاضي أكان أخوه لأمه وأبيه فقالا أمهلنا نتذكر وأخرنا اليوم فلم يحضرنا علم ذلك الساعة فلهما ذلك، وقد سأل القاضي القاسم بن محمد وقد شهد عنده عن شيء في الشهادة فقال لا أذكر ثم رجع من بعض الطريق إلى القاضي فذكر فقبل

القاضي شهادته، وقد اختلف قول مالك في هذا، وقد أخبرني ابن نافع أن شهادته جائزة إذا جاء بها في قرب ذلك وكان الشاهد مبرزاً في العدالة؛ لأن القاضي قد أجاز شهادة القاسم لفضله وعدله، وقد قال مالك في مثل هذا خلاف هذا. فصل [21 - في كشف القاضي عن البينة وفي من يكشف له] قال سحنون قال أشهب: وينبغي للقاضي أن يتخذ رجلاً صالحاً مأموناً منتبهاً أو رجلين بهذه الصفة يسألان له عن الشهود في السر في مساكنهم وأعمالهم، وإن قدر ألا يعرف من يسأل له فذلك حسن. قال سحنون: وإن جاءه تزكيه رجل من رجل عنده ثقة، وأتاه عن ثقة آخر أنه غير عدل أعاد المسألة فإذا اجتمع رجلان على التزكية فطنان منتبهان غير مخدوعين أمضى ذلك، ولا يأخذ بقول رجل واحد في الفساد، وإن اجتمع نفر قي التزكية واجتمع رجلان على الفساد أخذ بقول رجل واحد في الفساد، وإن اجتمع نفر في التزكية واجتمع رجلان على الفساد أخذ بقولهما إن كانا عدلين مبرزين. قال أشهب ولا ينبغي للمُكاشِفِ أن يسأل رجلاً واحداً أو اثنين وليسأل ثلاثة أو أربعة أو أكثر إن قدر خيفة أن يزكيه أهل وده بخلاف ما يعلمه اثنان وثلاثة من غيرهم، أو يسأل عنه عدواً فيجرحه: وينبغي للقاضي أن لا يضع أذنه

للناس في الناس ولكن يكشف عن المقول فيه بمن يرضاه أو يلي هو بنفسه السؤال عنه. قال سبحانه: {فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَة}. قال ابن الماجشون: وكل ما يبتدي القاضي السؤال عنه أو الكشف عن الأمور فله أن يقبل قول الواحد وما لن يبتد به هو وإنما يبتدأ به إليه في ظاهر أو باطن فلابد من شاهدين فيه. فصل [22 - هل للقاضي أن يقبل قول الحاسب الذي ولاه؟] قال أشهب عن مالك: في القاضي يولي حاسباً ثقة بين قوم فيخبره بما صار لكل واحد فليقب قوله، وهو من ذلك في سعة، وليدعو إلى الرضا برجل ثم يوليه حسابهم /. فصل [23 - صفة من يكلفه القاضي بالترجمة عن الأعجمي] قال مالك: وإذا اختصم إليه من لا يتكلم بالعربية، ولا يفهم كلامه فليترجم عنه رجل ثق مسلم مأمون فيخبر به، واثنان أحب إلينا، ولا يقبل ترجمة كافر أو

عبد أو مسخوط، ولا بأس أن يقبل ترجمة امرأة عدلة. قال مطرف وابن الماجشون: وذلك إذا لم يجد من الرجال نت يترجم له. قالوا: وكان ذلك مما يقبل فيه شهادة النساء، أو امرأتان ورجل أحب إلينا. وقال سحنون: لا يقبل ترجمة النساء، ولا ترجمة رجل واحد، ولا ترجمة من لا تجوز شهادته، لأن من لا يفهم قوله كالغائب عنه. فصل [24 - في من يكلفه القاضي في العيوب] قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون ومطرف: ما اختصم فيه من عيوب العبيد والإماء التي لا يطلع عليها إلا النساء، ولم يفت العبد ولا الأمة فله أن يأخذ في ذلك بقول الطبيب البصير بالعيوب، وإن كان على غير الإسلام إذ ليس على وجه الشهادة، ولكنه علم يأخذه عن من يبصره من مرضي ذمي أو مسخوط واحد أو اثنين، فإن غاب العبد أو مات لم يقبل في ذلك إلا ما يقبل في الشهادات، وكذلك عيوب الإماء يكتفي بقول من يرضى من النساء وإن كانت واحدة، فإن فاتت الأمة لم يقبل إلا امرأتين بمعنى الشهادة. قال: والقائس في الجراح يجزي منه الواحد إذا أمره الإمام فينظر إلى ذلك، وأحب إلينا أن ينصب لمثل ذلك عدولاً، وإن لم يجد إلا طبيباً فهو كما ذكرنا في العيوب، وما فات فلا يقبل فيه إلا ما يقبل في الشهادة.

فصل [25 - في أحد الخصمين يلمز القاضي أو يشتم صاحبه أو يفعل ذلك الشاهد هل يؤدبون على ذلك؟] قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وينبغي للقاضي إن لمزه أحد الخصوم بما يكره أن يؤدبه ويعزر لنفسه، فإن تعزير سلطان الله من تعزير الله تعالى، والأدب في مثل هذا أمثل من العفو، وليخف الناس بلزوم الحق واتباعه فلا شيء أخوف لهم من أثرة الحق على أهوائهم. ابن القاسم: إذ لد أحد الخصمين، وتبين ذلك للقاضي فليعاقبه. قال مطرف وابن الماجشون: إذ شتم أحد الخصمين صاحبه يقول يا فاجر يا ظالم، فليزجره ويضربه على مثل هذا ما لم يكن قائله من ذوي المروءة فليتجافا عن ضربه. قال سحنون: وإذا تناول أحد الخصمين الشاهدين بما لا يصلح قول: شهدتما عليَّ بالزور وبما يسألكما الله عنه أو ما أنتما من أهل العدل ولا من أهل الدين؟ فلا يُمكن من هذا، والعقوبة في ذلك بقدر القائل والمقول له. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا قال الخصم للقاضي اتق الله فلا ينبغي أن يضيق لذلك ولا يكثر عليه، وليثبت في قضيته وينظر ويجيبه / جواباً ليناً مثل أن يقول: أرزقني تقواه، أو يقول: ما أمرت إلا بخير، وعلي وعليك أن نتقي الله، وليبين له من أين يحكم عليه، وكذلك لو قال له اذكر الله، فإن بان له أمره قال له: إن من تقوى الله أن آخذ منك الحق إذا بان لي، أو يقول: لولا تقوى الله ما حكمت عليك من غير أن يظهر عليه لذلك غضب.

قال ابن القاسم عن مالك: فأما إن قال له ظلمتني فذلك يختلف، ووجه ذلك: إن أراد أذى القاضي وكان القاضي من أهل الفضل فليعاقبه. [فصل 26 - هل للقاضي أن يأتي أحداً من الناس؟] وكان سحنون يقول: لا يجوز للقاضي أن يأتي أحداً من الناس إلا إلى الأمير الذي استقضاه لا إلى وزيره ولا إلى ابن عم ولا حاجب، لأن هؤلاء من رعية القاضي، وإذا جاء القاضي إلى رجل من رعيته لم يقدر واحد أن يستعدي عليه، مع ما في هذا من فساد السلطان وأهانته، وكان يقول: ينظر القاضي في كل ما ينظر فيه الخليفة؛ لأن الأمراء إنما اشتغلوا بالدنيا، وولوا القضاة، فصار للقاضي ما كان للخليفة. ومن كتاب العقيلي حدثنا جعفر بن محمد القرياني قال: حدثنا إبراهيم بن المنتصر قال: حدثنا محمد بن هاني قال: حدثنا الخارجة بن مصعب عن

زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال: عمر لأبي هريرة هل لك في البحرين أبعثك قاضياً عليها تحجز بين مظلومهم من ظالمهم فتكون لك أجرة المجاهدين في سبيل الله فقال أبو هريرة: ته أو ليس قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من جعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين» فقال عمر: كذبت يا ابن أمية إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للعلاء بين الحضرمي من جلس يقضي بين الناس فأنصف لمظلومهم من ظالمهم، ولضعيفهم من قويهم باهى الله به الملائكة، ومن جلس يقضي بين الناس بهواه ومسرَّته خلاف الحق فقد ذبح نفسه بغير سكين». قال أبو هريرة: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علم عمر يوماً يملأ الأرض، وعلم عمر في الدين يوماً يملأ في ما بين السماء والأرض». قال محمد بن عبد الله بن يونس: اختصرت هذا الكتاب من الأول من آداب القضاة من النوادر؛ إذ ليس في المدونة منه شيء، وأجْحفت الاختصار خيفة التطويل، وزدت إليه قليلاً من غيره، والله ولي التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل. ثم آداب القضاة وسيرها والحمد لله كما هو أهله ..

كتاب الأقضية

كتاب الأقضية [الباب الأول] في نقض الأقضية وجلوس القضاة وتزكية البينة وصفة الشهادة، وموت القاضي وعزله / [فصل 1 - ما ينقض من الأقضية] قال ابن القاسم: وإذا قضى بقضية فيها اختلاف بين العلماء، ثم تبين له أن الحق في غير ما قضى به، فلينقض قضيته وإن كان قد أصاب قول قائل من أهل العلم، وقد فعله عمر بن عبد العزيز، وإنما لا ينقض ما قضى فيه غيره مما فيه اختلاف. وفي كتاب الرجم نحوه. ابن حبيب: وقاله مطرف وابن الماجشون قالا: وهذا ما دام ولايته. وقال سحنون في كتاب ابنه: إذا حكم بما فيه اختلاف وله فيه رأي فقضى بغيره وَهَلاَ أو سهواً وعليه نقضه، وإن كان قد رأى فيه بعد الحكم راياً سواه لم ينقصه ويأتنف رأيه ذلك فيما يستقبل.

فصل [2 - في جلوس القضاة والقضاء في المسجد] ومن المدونة قال مالك: ولا ينبغي للقاضي أن يكثر الجلوس جداً، وإذا دخله هم أو نعاس أو ضجر فليقم. قال مالك: والقضاء في المسجد من الحق وهو من الأمر القديم؛ ولأنه يرضى فيه بالدون من المجلس، وتصل إليه المرأة والضعيف، وإذا احتجب لم يصل إليه الناس، ولكن لا يقيم فيه الحدود وشبهها، ولا بأس فيه بخفيف الأدب والأسواط اليسيرة، وقول الله تعالى: {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} يدل على إباحة القضاء في المسجد وكان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء يقضون فيه وقد تقدم هذا في باب آداب القضاء. قال ابن القاسم: ولا بأس أن يضرب الخصم إن تبيَّن لدده وظلمه، ولا بأس إذا آذى القاضي في نفسه أن يؤدبه. فصل [3 - تزكية البينة] قال مالك: ولا يقضى بشهادة الشهود حتى يسأل عنهم في السِّر، فإن زكوا في السر وفي العلانية اكتفى بذلك، ولا يقبل في التزكية أقل من رجلين. وإن ارتضى القاضي رجلاً للكشف جاز أن يقبل منه ما نقل إليه من التزكية عن رجلين لا أقل من ذلك. ولا يجزئ في التعديل إلا القول أنهم عدول مَرْضيون.

قال مطرف وابن الماجشون: ولا يجتزئ بتعديل العلانية دون تعديل السر وقد يجتزئ بتعديل السر دون تعديل العلانية. قال أصبغ: وليكن التعديل سراً وعلانية، ولا أحب أن يجتزئ بتعديل العلانية دون تعديل السر. قال سحنون: ولا يجوز في العدالة إلا المُبرِز الناقد الفطن الذي لا يخدع في عقله ولا يتدل في رأيه. قال ابن القاسم: ويزكى. قال سحنون في كتاب ابنه: معناه إذا كان الشاهد معروفاً مشهوراً، فأما غير المعروف فلا يزكى إلا بمحضره. م: قال بعض أصحابنا: معناه إذا كان غائباً عن مجلس القاضي وهو حاضر البلد أو قريب الغيبة، فأما من بعدت غيبته فيجوز أن يزكى وإن كان غائباً كما يقضى عليه وهو غائب. قال: ورأبت نحوه لأبي محمد بن أبي زيد رحمه الله. ومن المدونة قال مالك: ومن الناس من لا يسأل عنه، ولا يطلب منه تزكية لعدالته عند الناس وعند القاضي، وإذا استقال الشاهد في شهادته بعد الحكم لم يُقَلْ، ولا تجوز شهادته فيما يستقبل. وإن استقال قبل أن يحكم بشهادته فإنه يقال، ولا تفسد شهادته إذا ادعى الوهم والشبهة إلا أن يعرف منه كذب في شهادته فترد في هذا وفي ما يستقبل.

وفي كتاب السرقة شيء من هذا؟ [فصل 4 - الشاهد يعرف خطه] وإذا عرف الشاهد خطه في كتاب لا يشهد حتى يَذْكر الشهادة ويوقن بها، ولكن يؤدي كما علم ثم لا تنفع الطالب. وفي كتاب محمد لا يرفعها، ومن كتاب ابن سحنون قال يحي بن سعيد: إذا عرف خطه، وأيقن به فليشهد، وإن شك فيه فلا يشهد. وروى ابن وهب عن مالك نحوه. وفي العتبية قال سحنون: وإذا عرف خطه في كتاب لا يشك فيه ولا يَذكْر كل ما في الكتاب فقد اختلف فيه أصحابنا وقولي أنه إذا لم ير في الكتاب محوا ولا لَحَقاً ولا ما يستنكره، ورأى الكتاب خطاً واحداً فليشهد بما فيه، وهذا أمر لا يجد منه الناس بُداً، وإن لم يذك من الكتاب شيئاً قيل: فلو كتب الكتاب كله

بخطه، وعرف خطه وفيه شهادته ولم يذكر منها شيئاً قال: أرى أن يشهد بها ولو أعلم بذلك القاضي أن يجيز شهادته إذا عرف أن الكتاب كله بخطه ولا محو فيه، وجميع أصحابنا يجيزون شهادته إذا ذكر أنه خط الكتاب كله ولا محو فيه. م: قال بعض أصحابنا: وإنما قال ابن القاسم: ترفع شهادته إذا تثبت خطه ولم تثبت الشهادة،؛ لأنه قد يرى الحاكم إجازتها على قول من يجيز ذلك، ووجه قوله في منع قبول هذه الشهادة قوله تعالى: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} والذي عرف الخط لم يعلم الشهادة وقوله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَاتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} والشهادة على الخط ليست بالشهادة على وجهها، ووجه قول من أجازها على الخط أن الله تعالى أمر بالإشهاد وبالكتابة فلو كان الكتاب إذ رآه لا يشهد حتى يعرف الشهادة لم تكن للكتاب معنى، وأيضاً فإنما جعل الكتاب خوفاً من النسيان فوجب أن يجوز لضرورة النسيان والله أعلم.

ويؤيد ذلك إتفاقهم إذا [عرف] خط الكتاب كله جازت شهادته وإن لم يعلمها. [فصل 5 - موت القاضي أو عزله] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا مات القاضي أو عزل وفي ديوانه شهادة البينات وعدالتها لم ينظر في من ولي بعده، ولم يجزه إلا أن تقوم عليه بينة، وإن قال القاضي المعزول: ما في ديواني قد شهدت به البينة عندي لم يقبل قوله ولا أراه شاهداً، فإن لم تقم بينه على ذلك أمرهم القاضي المحدث بإعادة البينة، وللطالب أن يحلف المطلوب أن هذه الشهادة التي في ديوان القاضي ما شهد عليه / بها أحد، فإن نكل حلف الطالب وثبت الشهادة ثم ينظر فيها الذي ولي بما كان ينظر المعزول، وكل حكم يدعي القاضي المعزول أنه قد حكم به فلا تقبل شهادته فيه؛ لأنه هو الحاكم به. قال سحنون: وكذلك لو شهد معه رجل فلا ينفذ حتى يشهد به اثنان سواه.

[الباب الثاني] في صفة كاتب القاضي وكتب القضاة إلى القضاة

[الباب الثاني] في صفة كاتب القاضي وكتب القضاة إلى القضاة [فصل 1 - صفة كاتب القاضي] قال ابن القاسم: ولا يستكتب القاضي أهل الذمة في شيء من أمور المسلمين، ولا يتخذ قاسماً من أهل الذمة أو عبداً أو مكاتباً، ولا يتخذ من المسلمين إلا العدول المرضيين. قال ابن المواز: وينبغي أن يكون الكاتب فقيهاً عدلاً، ويكتب بين يديه، وينظر فيما يكتب. فصل [2 - إذا كتب القاضي إلى قاضي فمات الكاتب أو عزل] قال مالك: وإذا كتب القاضي إلى قاضي فمات الذي كتب الكتاب أو عزل قبل أن يصل الكتاب إلى القاضي المكتوب إليه، أو مات المكتوب إليه أو عزل ووصل الكتاب إلى من ولي بعده، فالكتاب جائز ينفذه من وصل إليه، وإن كان إنما كُتِب الكتاب إلى غيره. قال: ويجوز كتب القضاة إلى القضاة في القصاص والحدود وغيرها، لجواز الشهادة على ذلك. قال أشهب في المجموعة: يجوز في ذلك كله وإن لم يشهد على الكتاب إلا شاهدان، وإن كان في الكتاب زنى قد أربعة عند القاضي فيجوز. قال بعض فقهاء القرويين: أجاز ها هنا شهادة شاهدين على

كتاب القاضي وإن كان في زنى، ولم يجز أن يشهد رجلان على شهادة أربعة في الزنا وليس بينهما فرق؛ لأن الحكم قد أقيم في كتاب القاضي بشاهدين في الزنى، فإذا جاز أن يقع الجلد والرجم بشاهدين لما كان الأمر على أربعة جاز أن يشهد شاهدات على أربعة. م: وهذا في الشهادة على كتاب القاضي على أشهب، ويحتمل أن ابن القاسم لا يجيز في ذلك إلا أربعة كالشهادة. وقد قال سحنون في كتاب ابنه: وأنا لا أرى أن يثبت ذلك إلا بأربعة. [فصل 3 - كتب القضاة إلى القضاة تجوز في كل شيء] قال ويجوز كتب القضاة في كل خصومة من حقوق الناس في بيع أو شراء أو وكالة وفي كل شيء. قال: وإذا وكل رجل رجلاً بخصومة في دار أة ربع أو غيره عند قاضي بلد آخر فأراد أن يأخذ له كتاباً من قاضي بلدة إلى قاضي البلد الذي أراد [أن يخاصم عنده]، فإن كان القاضي يعرف الموكل، وكان مشهوراً اجتزأ بذلك وإلا كلفه البينة أنه فلان، فإذا ثبت عندي تعريفه بشاهدين، وذكر أن له داراً بالبصرة في بني فلان، فيجدها، وأنه كل فلاناً لخصومته فيها ويقبضها فرأى في ذلك رأيك، / ثم يقرأ الكتاب على شاهدين، ويختمه ويشهدهما عليه

أنه كِتابه وخاتمه، ويحلى الشاهدين فذلك أحسن، ولا يضره إن لم يفعل. وكان سحنون لايقبل كتاب قاض من قضائه إلا بشاهدين. قال: وكان القضاء إذ كتبوا إلبه في مسائل الخصوم والأحكما فيجيبهم، ويطبع كتابه إليهم ولا يشهد عليه، وكان من يَرِدُ عليه ذلك منهن ينفذ ما فيه، وكان يقبل كُتبَ وأمنائه وينفذها لا بينة عليها، وكان يأمر بإحراز كتبهم ويرفعها عند بعض أعوانه. م: واختلف في شاهد يمين على كتاب القاضي في الأموال: فلم يجز ذلك في كتاب محمد، وأجازه في غيره. قال سحنون: ويجوز على كتاب القاضي رجل وامرأتان فيما يجوز فيه شهادة النساء. ومن المجموعة قال ابن نافع عن مالك كان من أمر الناس القديم إجازة الخواتم حتى اتهم الناس فصار لا يقبل إلا بشاهدين. قال: والناس اليوم على أنه إن جاء من أعراض المدينة أجازوه بمعرفة طابعه وخطه وجوابه إن كان في الحقوق اليسيرة. قال سحنون: ويقبل القاضي كتاب قضائه فيما صُير إليهم النظر فيه، ويقبل كتاب الأمير إذا كان عدلاً.

[الباب الثالث] في سماع البينة في غيبة المطلوب وفيما يحكم على الغائب وحكم ولاة المياه وإجازة القاسم والرسول يدفع بغير بينة

[الباب الثالث] في سماع البينة في غيبة المطلوب وفيما يحكم على الغائب وحكم ولاة المياه وإجازة القاسم والرسول يدفع بغير بينة [فصل 1 - في سماع البينة في غيبة المطلوب وفي ما يحكم على الغائب] قال ابن القاسم: ومن أقام بينة على غائب ثم قدم قبل الحكم لم تعد البينة لحضوره، ألا ترى أنا نقضي عليه في غيبته، ولكن يُخبر بمن شهد عليه، وبالشهادة فلعل عنده حجة. قيل لابن المواز: أيقضي على الغائب قال: نعم. وهو العمل ببلد الرسول عليه السلام، وهو قول مالك وأصحابه، وذلك في الديون وغيرها، وتباع به داره ورِباعه وكسرت فيه أمواله. قال: ويرجع القادم على المقضي له فيغرم ما أخذ فقط، ولا ينقض البيع إلا أن يجد القادم من متاعه شيئاً بيد من اشتراه لم يتغير عن حاله، فيريد أن يدفع الثمن ويأخذه، فيكون ذلك له، مثل ما لو قامت بينة أنه قد مات أو قتل فبيع متاعه ثم قدم. وقد قال مالك: يقضى على الغائب إلا في الربع وحده.

قيل له: فإن أهل العراق يقولون: لا يقضي على الغائب. قال: قد قالوا في المرأة تطلب زوجها بالنفقة وهو غائب فيقضي لها بها عليه، ويباع لها في ذلك دوره ورقيقه، فإن قدم فأقام البين أنه قد خلف لها نفقتها ردت ما كان حكم لها به في غيبته، ونفذ ما كان بيع من ماله. قال ابن المواز: وهذا مثل ما قلنا. فصل [2 - هل ينقض حكم ولاة المياه في الحدود والدماء وغيرها] ومن المدونة قال ابن القاسم وسئل مالك عن أشياء قضت فيها ولاة المياه فرأى أن يجوز إلا أن يكون جوراً بيناً، ولا ينبغي أن يقيم الحدود في القتل ولاة المياه، وليجلب إلى الأمصار، ولا يقام القتل بمصر كلها إلا بالفسطاط. قال ابن القاسم: وما حكم فيه والي الفسطاط أمير الصلاة فهو جائز نافذ إلا أن يكون

جوراً بيناً فيرده القاضي، وقد سئل مالك عن رجلين حكْما بينهما رجلاً فحكم بينهما قال أرى أن يمضي قضاؤه بينهما ولا يرد إلا أن يكون جوراً بيناً. قال في غير المدونة: فأما ما اختلف فيه الناس فيمضي. قال ابن القاسم: وإذا حَكْماه، وأقاما البينة عنده، فبدأ لأحدهما قبل أن يحكم. قال: أرى أن يقضي بينهما، ويجوز حكمه. وقال ابن الماجشون: ليس لأحدهما رجوع قبل أن يقاعده أو بعده. م: يريد إذا أتى ذلك صاحبه؛ لأنح حق أوجبه له على نفسه، وأراحه من نظر القضاة فليس له أن يرجع فيه. قال سحنون: لكل واحد منهما أن يرجع ما لم يمض الحكم م: لأنهما هما حكماه فلمن شاء الرجوع عنه بخلاف حكم الإمام. م: وقول ابن القاسم أصوبها. [فصل 3 - في الخصمين يرضيان بحكم رجل أو امرأة أو من لا يجوز حكمه] قال سحنون: ولا ينبغي للذي حكمه رجلان أن يقيم حداً أو يلاعن، ولا يقيم الحدود إلا الإئمة والقضاة. وقال أصبغ: لا يحكم بينهما في قصاص أو قذف أو طلاق أو عناق أو نسب أو ولاء، وكذلك في النفس، وأما الجراح فإذا أقاده من

نفسه فلا بأس أن يستقيد إذا كان نائباً عن السلطان، وإذا حكماه فحكم فيما ذكرنا أنه لا يحكم فيه [نقض] حكمه، ويأخذ السلطان بقوده وينهاه عن العودة لمثل هذا، وإن أقام ذلك بنفسه فقتل أو اقتص أو ضرب الحد، ثم رفع إلى الإمام، أدبه السلطان وزجره، وأمضى ما كان من حكمه صواباً، وكان المحدود بالقذف محدوداً، والتلاعن ماضياً. قال مطرف وابن الماجشون: ولو أن خصمين تنازعا، فحكم أحدهما الآخر فحكم لنفسه أو عليها جاز ذلك، ومضى ما لم يكن جوراً بيناً، وليس كتحكيم خصم القاضي للقاضي. وقال أشهب في كتاب ابن سحنون في الرجلين يحكمان بينهما امرأة أو عبداً أو مسخوطاً: فإن حكمه ماض، وأما الصبيي والنصراني والمعتوه [و] الموسوس فلا يجوز حكمهم، وإن أصابوا الحكم، وهو رأي أصبغ. وقال سحنون: لا أعرف هذا، ولا يجوز تحكيم من ذكر من عبد أو امرأة أو غير عدل أو مكاتب أو ذمي، وحكمهم باطل إن حكموا، ولو حَكما رجلين فحكم أحدهما ولم يحكم الآخر لم يجز ذلك، وقال أصبغ في كتابه: إذا حكما صبياً لم يبلغ الحلم جاز حكمه إذا كان قد عقل، وعلم، فرب غلام لم يبلغ الحلم، له علم بالسنة والقضاء.

ومسألة من اعترفت في يديه دابة مذكورة تضمين الصناع فأغنى عن إعادتها. فصل [4 - إجازة القسام وشهادته على قسمه] وكره مالك إجازة القسام القاضي، وأنا أرى إن وقع ذلك أن يكون على عدد الرؤوس لا على قدر الأنصباء، وكان خارج [بن زيد] ومجاهد يقسمان ولا يأخذان على ذلك أجراً. قال في غير المدونة: وليس بحرام ولكنه ليس من عمل

الأبرار، وإذا شهد القسام أنهم قسموا هذا الدار لم نجز شهادتهم كالقاضي إذا عزل؛ لأنهم شهدوا على فعل أنفسهم ليجيزوه. وقال ابن الماجشون: إن ثبت أن القاضي أمرهم بالقسم جازت شهادتهم، ولم يكن إلا قولهم على أمر القاضي بالقسم فلا يجوز. [فصل 5 - أحد الشركاء يدعي بعد القسم غلطاً] ومن القسم والأقضية: وإذا ادعى أحد الشركاء بعد القسم غلطاً مضى القسم، ويحلف المنكر إلا أن تقوم للمدعي البينة أو يتفاحش الغلط فينقض، كقول مالك في من باع ثوباً مرابحة ثم ادعى ولهما أنه لا يقبل قوله إلا ببينة، أو يأتي من رقم الثوب ما يدل على الغلط فيصدق مع يمينه.

فصل [6 - الرسول يدفع بغير بينة] وإذا دفع القاضي مالاً إلى رجل وأمره أن يدفعه إلى فلان فقال دفعته إليه وكذبه فلان، فالرسول ضامن إلا أن يقيم بينة.

[الباب الرابع] في القاضي هل يشهد بها رأي أو علم وحكمه في ذلك أو لقرابته وفي إقرار أحد الخصمين عنده وفي عهدة ما باعه /

[الباب الرابع] في القاضي هل يشهد بها رأي أو علم وحكمه في ذلك أو لقرابته وفي إقرار أحد الخصمين عنده وفي عهدة ما باعه / [فصل 1 - في القاضي هل يشهد بما رأى؟ أو علم وحكمه في ذلك] قال مالك: وإذا وجد السلطان أحداً على حد من حدود الله عز وجل رفع ذلك إلى من هو فوقه وكان شاهداً. قال ابن القاسم: فإن رآه السلطان الأعلى الذي ليس فوقه سلطان فليرفعه إلى القاضي، وإن رآه مثل أمير مصر رفعه إلى القاضي، وكان شاهداً دون أن يرفعه إلى أمير المؤمنين. ومن كتاب ابن سحنون روى ابن وهب أن الصديق عليه السلام: قال: لو رأيت رجلاً على حد من حدود الله تعالى ما أخذته ولا دعوة إليه حتى يكون معي غيره. وقال ابن القاسم: عن مالك في المجموعة كذلك شاهداً. ابن كنانة: لو كان رابع أربعة في الزنى. وقاله أشهب. وإن كان أربعة سواه أقام الحد هو.

قال ابن القاسم: وإن رأه الخليفة على حد رفعه إلى قاضيه مثل ما في المدونة. ابن المواز وقال أشهب: لا يقام هذا الحد أبداً وأراه هدراً، وقال عبد الملك في المجموعة وكتاب محمد: ينبغي أن يشهد بذلك عند أمنائه من أمير له أو قاض، وقد تحاكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي كعب، فحكم عليه باليمين فأخذ يحلف في سواك أراك بيده أن هذا لمن أراك ليرى إباحة اليمين للمحق. [فصل 2 - الدعوى بين الخليفة ورجل يحكم فيها رجل يرضيانه] ومن المدونة وإذا كان بين الخليفة وبين رجل دعوى تحاكما إلى رجل يرضيان به فيحكم بينهما، وقد اختصم عمر مع أبي إلى عثمان ابن عفن رضي الله عنهم.

[فصل 3 - شهادة صاحب الشرطة على من سجنه] قال في كتاب ابن المواز: وإذا أخذ صاحب الشرطة سكراناً فسجنه وشهد عليه هو وآخر معه فلا يجوز شهادته عليه؛ لأنه صار خصماً، ولو رفعه قبل سجنه جازت شهادته عليه إن كان عدلاً مع آخر. [فصل 4 - شهادة السلطان وحكمه لنفسه أو لقرابته أو للخليفة أو لغيرهم] وإن شهد السلطان وآخر معه أن هذا سرق متاعاً لهذا السلطان أو لابنه أو لغيره فلا يقطعه، وليرفعه إلى من فوقه، وإن شهد رجلان سواه أنه سرق متاع السلطان فقطعه، ولم يغرمه حتى يرفعه إلى غيره؛ لأن الغرم حق له، ولا لعمه إلا أن يكون مبرزاً في العدالة. وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: يجوز حكمه لكل من لا تجوز شهادته له من أب وابن إلا ولده الصغير أو يتيمة أو زوجته، فأما غير هؤلاء الثلاثة فحكم له جائز، وقال أصبغ: إن قال ثبت عندي ولا يدري أثبت عنده أو لم يثبت، ولم يحضره الشهود فلا يجوز، فأما إذا حضره الشهود، وكانت شهادتهم ظاهرة بحق بين فحكمه لهم جائز ما عدا الابن الصغير واليتيم والزوجة. ولأصبغ في كتاب غير كتاب ابن حبيب: أن قضاؤه جائز لقرابته من ولد زوجة وأخ أو مكاتب أو مدبر إذا صح

الحكم وكان من أهل القيام بالحق، وقد يحكم للخليفة وهو فوقه فهو أكثر تهمة فيه لتوليته إياه. قال: ولا ينبغي له أن يقضي بين أحد من عشيرته وبين خصمه وإن رضي الخصم بذلك بخلاف رجلين رضيا بحكم أجنبي فينفذ ذلك عليهما. قال: ولا يقضي بينه وبين خصمه وإن رضي الخصم بذلك، فإن فعل فليشهد على رضاه، وبحكم بالعدل ويجتهد، فإن قضى لنفسه أو لمن لا يجوز قضاؤه له فليذكر في حكمه القضية كلها، ويذكر رضاه بالخصومة عنده، أو يوقع شهادة من شهد برضاه. قال: وإذا قضى لنفسه أو لمن لا يجوز قضاؤه له باختلاف بين العلماء غير شاذ فأحب إلي إن أرى أفضل منه فليفسخه، فإن لم يفعل حتى مات أو عزل فلا يفسخه غيره إلا في خطأ بين، وإن حكم على نفسه أو على من لا يجوز حكمه له باختلاف غير شاذ فلا أحب أن يفسخه؛ لأنه لا يتهم فيه. وقال سحنون في العتبية: إذا شهد عند القاضي أبوه أو ولده أو ولد ولده لم أر أن تجوز شهادته إلا أن يكونوا مبرزين في العدالة وبيان الفضل فليجوزهما.

ومن المدونة قال مالك: وإن سمع السلطان رجلاً يقذف رجلاً لم يجز فيه عفو الطالب. قال ابن القاسم: وذلك إن كان مع السلطان شهود غيره. قال مالك: إلا أن يريج المقذوف ستراً، مثل أن يخاف أن يثبت ذلك عليه إن لم يعف عنه. قيل لمالك: وكيف يعرف ذلك؟ قال: يِسأل الإمام عن ذلك سراً، فإن أخبر أن ذلك أمر قد سمع أجاز عفوه. وقد روى عن مالك أنه قال: يجوز عفوه وإن لم يرد ستراً، وأما في الأب فيقيل عفوه فيه على كل حال. فصل [5 - في منع الحاكم أن يحكم بعلمه وجواز شهادته عند غيره] قال مالك: وإذا أقر أحد الخصمين عند القاضي بشيء وليس عنده أحد ثم يعود إليه فيجحد ذلك الإقرار فإنه لا يقضي عليه بذلك إلا ببينة سواه، فإن لم يكن عنده بينة رفع ذلك إلى من هو فوقه وكان شاهداً، وكذلك ما اطلع عليه من حدود الله، أو رأى من غضب، أو سمع من قذف، فليرفعه إلى من فوقه، ويكون شاهداً، وفرق أهل العراق بين الحدود والإقرارات، وقالوا: يحكم من الإقرارات بما سمع في ولايته

لا بما علم قبل أن يلي، ورأى مالك ذلك كله سواء، وقال لا يحكم القاضي بما علمه قبل أن يلي أو بعده. م: لأنه أمر يستبد بمعرفته، ولا يحكم أحد بعلمه. دليله أن النبي عليه السلام لم يحكم في المنافقين بعلمه، وهذا بخلاف الجرحة والعدالة هذا يجوز له أن يحكم بما علمه ضرورة؛ لأنه لو لم يجز ذلك إلا ببينة وتعديل معدليهم إلى ما لا نهاية له فاضطر إلى الحكم بعلمه في ذلك، وقاله ابن الماجشون، وقال أصبغ في كتابه: لا يقضي القاضي بعلمه قبل أن يلي أو بعده، وإن كان علمه في مجلس قضائه. وقاله مالك، فأما إذا جلس الخصمان إليه، وأقر أحدهما بشيء وسمعه القاضي

فجائز أن يقضي به بينهما، ولو كان غير هذا لاحتاج أن يحضر معه شاهدين أبداً يشهدان على الناس. وكذلك قال ابن الماجشون في المجموعة وبه أخذ سحنون. قال ابن المواز عن ابن القاسم وأشهب: لا يقضي القاضي بذلك لا بما / أقر به عنده في مجلس القضاء أو غيره لا في حد ولا غيره. ابن المواز: وليس بين أصحاب مالك في هذا اختلاف علمناه، وقاله مالك. قلت أفيشه بذلك عليه عند غيره؟. قال: أما شهادته عنده عليه غير الإقرار في المخاصمة فليرفع ذلك إلى غيره، ولم يختلف أنه يقضي بها. وأما إقراره. عنده في المخاصمة فاختلف فيه قول ابن القاسم. فقال مرة: لا يشهد عليه بذلك عند غيره سواء عزل أو لم يعزل بخلاف ما يكون عنده علم أو لم يعول، وشهادته على إقراره في مجلس الحكم مثل إقراره عنده قبل ذلك، وبهذا أخذ محمد. قال ابن المواز: ولو جهل القاضي أو تعمد فحكم على الخصم بما أقر به عنده في مجلس الحكم أو قبل أن يلي والخصم يجحد فلينقض هو نفسه ما حكم به من ذلك الإقرار، فإن عزل هو وولى غيره نقض الثاني ما حكم فيه الأول بما علمه قبل أن يلي أو رآه هو بنفسه وهو قاضي من زنى أو غصب أو أخذِ مال أو سمعه من طلاق أو عتق؛ لأنه لا اختلاف في أن ذلك لا يجوز، وأما ما حكم به الأول من الإقرار في مجلسه فلا ينقضه الثاني لاختلاف الناس فيه.

وقاله كله ابن القاسم وأصبغ. وقاله ابن حبيب: فيما علمه القاضي في غير مجلس قضائه إن لم يكن أمير فوقه، ولا والي تحته، ولا صاحب شرطة، ولا أمير يحكم بين الناس فلا بأس أن يرفع ذلك إلى رجل من رعيته، فإن أبى المطلوب أن يواضعه عند من رأى القاضي أن يجبر الخصمين على التراضي برجل يتحاكمان إليه ثم يضع شهادته عنده فيحكم بما ظهر، وأما ما أقر به الخصوم في مجلسه فله هو أن يحكم به. [فصل 6 - هل ينفذ القاضي معرفته للشاهد في التجريح والتزكية بعلمه؟] قال ابن الماجشون فيه: وفي المجموعة والموازية وأما معرفته للشاهد بجرحه أو عدالة فلينفذه بعلمه. قال ولو كان لا ينفذ في التجريح والتزكية علمه ما أجاز عدلاً ولا مسخوطاً إلا بشاهدين، ولا أجاز الشاهدين إلا بشاهدين، واستحال الأمر وبطل. [فصل 7 - القاضي يعلم بجرحة الشاهد وعد له المعدلون] قال ابن القاسم: وابن كنانة في المجموعة: إذا علم منه الجرحة لم يدعه يأتي بمعدل، ولا يقبله. قال أصبغ: ومعنى ذلك إذا شهد عنده بحدثان ما علم منه، فأما إن طال زمان ذلك وتقادم فلا يطرح شهادته بما علم منه؛ فلعله قد تاب، واجتهد في الخير.

فصل [8 - القاضي يعلم خلاف ما شهدت به البينة] قال سحنون في كتاب السير: وإن شهد عندي عدلان مشهوران بالعدالة وأنا أعلم خلاف ما شهدا به لم يجز لي أن أحكم بشهادتهما، ولم يجز لي ردها لظاهر عدالتهما، ولكني أرفع ذلك إلى الأمير الذي هو فوقي وأشهد عنده بما علمت وغيري / بما علم فيرى رأيه. قال: ولو شهد عندي شاهدان ليسا بعدلين على أمر أعلم أنه حق فلا أقضي بشهادتهما؛ لأني أقول في كتاب حكمي بعد أن صحت عندي عدالتهما وإنما صحت عندي جرحتهما. وقال نحوه ابن الماجشون وابن كنانة في المجموعة. ومن كتاب محمد قلت: أرأيت إن شهد عنده العدول في أمر يعرف خلافه فما شهدوا به أيوقفه؟ قال: وقفه رد لشهادة العدول ولمن تنقذ شهادتهم بعد الإنتظار اليسير، والأحسن أن لو خلا بهم فأعلمهم بعلمه وشهادته، فلعله ينكشف له أو لهم ما واء ذلك، فإن لم يكن ذلك فليحكم بشهادتهم، وليعلم المشهود عليه أن له عنده شهادة، فيرفع ذلك المحكوم عليه إلى من هو فوقه، فإن لم يكن أحد إلا تحته فقول أشهب أنه لا يجيز رفع ذلك إلى من تحته، وأجاز ذلك عبد الملك، واحتج بفعل عمر رضي الله عنه.

فصل [9 - العهدة فيما باعه القاضي أو الوصي] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا عهدة على قاض أو وصي فيما وليا بيعه، وعهدة المبتاع من الوصي أو من القاضي في مال اليتامى. قيل لمالك: فإن هلك مال الأيتام وضاع الثمن ولا مال لليتامة غير ذلك ثم استحقت السلعة التي باعها. قال: ولا شيء عليهم. قال مطرف: في الواضحة لا على الأيتام ولا على الوصي أو القاضي، وإن كان لليتامى مال غير ذلك من عقار أو غيره فليتبعوا به. م: يعني إذا كان ذلك من المال الموروث، وأما من مال كان لهم فلا تباعة عليهم فيه؛ لأن ثمن ما باعوا قد ضاع، وهلك مال الميت غير انتفاعهم فهم في ذلك كالأجنبي، ولو أكلوا الثمن لرجع عليهم من مالهم؛ لأنهم دفعوا بذلك النفقة عن أموالهم والله أعلم بالصواب.

[الباب الخامس] في النظر في أحكام القضاة

[الباب الخامس] في النظر في أحكام القضاة [فصل 1 - في الدعوى على القاضي المعزول بالجور] قال ابن القاسم: وإذا عزل القاضي وقد حكم بأحكام فادعى من حكم عليه جوره لم ينظر في قوله، ولا خصومة بينهما، وقضاؤه نافذ إلا أن يرى الذي ولي جوراً بيناً فيرده، ولا شيء عل الأول. قال بعض الفقهاء بالقيروان: إنما قال ولا شيء على الأول؛ لأن الأول جهل فيما حكم به فلم يضمنه، وأما لو تعمد الجور لضمن؛ لأنه كغاصب أخذ مال رجل فدفعه لآخر فله أن يتبع أيهما شاء؛ لأن كليهما غاصب له، وقد قال في المدونة: إن ما أخطأ به في الدماء فهو على عاقلته إن بلغ الثلث، وما كان دون الثلث ففي ماله فألزمه ها هنا غرم ما أخطأ به في القضاء. وقال في كتاب الأقضية: فيما أخطأ به في الأموال أنه لا يضمن، وقال في كتاب محمد: فيمن أخطأ به في المال مثل أن يأمر بقطع يد في قصاص ثم ظهر أن المقطوع يده عبد، فإن ربه إن فداه رجع على الإمام بما نقصه القطع في ماله، وكذلك إن أسلم إلى المقطوع اليد أن المقطوع يده يرجع على الإمام بما نقصه القطع من ماله. وألزمه ها هنا ما أخطأ به في الأموال.

[فصل 2 - هل للقاضي أن ينقض قضاء من كان قبله؟] قال مالك: وإذا ولي الرجل القضاء فلا يعرض لقضاء من قبله إلا أن يكون جوراً بيناً. وقد كتب عبد الملك بن مروان إلى إبان بن عفان ينهاه عن التعرض لما قضى به ابن الزبير، وقال: إن نقض القضاء عناء معنِ، قال ابن الماجشون: إذا كان الأول معروفاً بالجور فللذي ولي أن يتعقب أقضيته فما تبين أنه حق أمضاه، وما لم يتبين أنه جار فيه أمضاه، وما كان جوراً بيناً رد الحق إلا أن يكون قض بقول قائل فيمضي. وكذلك في سماع ابن القاسم قال ابن حبيب: قال مطرف وابن القاسم وابن الماجشون أما العالم العدل فلا تتعقب أحكامه من بعده، وليجوزها إن خوصم فيها، ولا يكشف عن شيء منها إلا أن يظهر له خطأ بين لم يختلف فيه، وإذا كان عدلاً وكان جاهلاً كشف أقضيته ورد خطأها الذي لا يختلف فيه، وأما إن كان جائزاً معروفا بذلك / أو غير عدل في حاله وسيرته وهو عالم أو جاهل ظهر جوره أو خفى لم يجز من أقضيته شيء وعلى من ولي بعده ردها كلها صوابها وخطأها إذ لا يؤمن أن يظهر الصواب فيما باطنه خطأ إلا ما عرف من أحكامه بالعدول أن باطنه

صحيح فلينقذه، وقال: أصبغ في مثل هذا: يجوز من أقضيته ما عدل فيه، وينقض منها ما تبين جوره واستريب فيه، ويعمل فيها بالكشف كما يصنع بأقضية الجاهل. ابن حبيب وقول ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون أحب إلينا. وقال ابن سحنون عن أبيه نحو قول أصبغ. [فصل 3 - هل أقضية قضاة الكور نافذة؟] قال: وقال مطرف وابن الماجشون في الرجل يخالف الإمام ويغلب على بعض الكور ويولي قاضياً يقضي فيه بين الناس ثم يظهر عليه فأقضيته ماضية نافذة إذا كان عدلاً إلا خطأ لا اختلاف فيه. [فصل 4 - هل ينقض القاضي في المسائل المختلف فيها؟] ابن حبيب: قال ابن الماجشون في معنى قول مالك لا ينقض قضاء القاضي بما اختلف فيه، فأما ما جاء فيه سنة قائمة عن النبي صلى الله عليك وسلم فليفسخ الحكم بخلافها من ذلك: أن يستسعى العبد يعتق بعضه فيقضي باستعسائه في عدم المعتق، فهذا ينقض، ويرد

إليه ما أدى، ويبق العبد معتقاً بعضه إلا أن يرضى من له فيه الرق بإنفاذ عتقه، والتمسك بما أخذ. ومن ذلك القضاء بالشفعة بالجوار، أو بعد القسمة، فإنه يفسخ. ومنه الحكم بشهادة النصراني فإنه يفسخ لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}.

ومن ذلك ميراث العمة والخالة، والمولى الأسفل، وشبه هذا من الشاذ. مما توطأ على خلافه أهل بلد الرسول عليه السلام. وكذلك ما هو ترك من الحاكم لما فعل الفاعل من غير أن يحكم عليه بغيره كطلاق المخيرة فيما قيل أنها واحدة بائن فلو خيرت فاختارت نفسها، ثم تزوجها قبل زوج فرفع إلى حاكم يرى ذلك فأقره، ولم يفرق بينهما، ثم رفع إلى من بعده فهذا يفسخ نكاحها ويجعلها البتة، وليس إقرار الأول إياه حكماً منه وإن أشهد على ذلك وكتب. ومثل من حلف بطلاق امرأة إن تزوجها ثم نكحها، أو بعتق عبد إن ملكه ثم ملكه، أو نكح وهو محرم فرفع إلى حاكم فأقر الملك والنكاح، أو أقام شاهداً على قتل رجل فرفع إلى من لا يرى القسامة فلم يحكم بها، ثم رفع ذلك كله إلى من يحكم به فليحكم، ولا يمنعه ترك الأول لذلك؛ لأن تركه ليس بحكم. قال وهو ومحمد: وكذلك إن أقام شاهداً عند من لا

يرى الشاهد واليمين فلم يحكم به ثم رفع إلى من يراه فليحكم به. وقال محمد بن عبد الحكم عن ابن القاسم: في من طلق امرأته البتة فرفع إلى من يراها واحدة فجعلها واحدة، ولم يمنعه من نكاحها فنكحها الذي أبتها قبل زوج أنه يفرق بينهما، وليس هذا من الاختلاف الذي يقر بالحكم عليه. وقال ابن عبد الحكم: لا ينقض ذلك كأين ما كان لم يكن خطأ محضاً، وكذلك من حكم بالشفعة للجار، ويثبت نكاح المحرم، وتوريث العمة والخالة والمولى من الأسفل، والذي حلف بطلاق امرأة إن نكحها فما حكم به من هذا حاكم أمضيته. قال ابن حبيب: لا يعجبني ما انفرد به ابن عبد الحكم دون أصحابه. ومن المدونة والمجموعة قال ابن القاسم: فيمن قتل رجلاً غيلة فرفع إلى قاض يرى فيه العفو لولاة الدم، فأسلمه إليهم فعفوا عنه، ثم ولي غيره فلا يقتله للاختلاف في ذلك. وقال أشهب في المجموعة: أرى أن يقتله؛ لأنه لا اختلاف في قتل المحارب؛ لأنه حد من حدود الله عز وجل، وقاله ابن الماجشون قال: وإن أخذت فيه دية ردت إلى من أخرجها. فصل [5 - الرجل يشتكي القاضي زاعماً أنه جار عليه] ومن المجموعة قال أشهب: وإذا اشتكى القاضي رجل أنه جار وحكم عليه بغير الحق فينبغي أن يكشف عن ذلك، فإن كان رأيه خطأ، وتبين ذلك لأهل العلم نهاه

عن إنفاذه، فإن خف على الإمام أن يجمعهم عنده في ذلك فَعَل وإلا فيقعد معه رجالاً من أهل العلم والصلاح، ويأمرهم بالنظر في ذلك، ثم لا ينفرد هو دونهم، ولا ينفعه أن يقول كنت حكمت قبل إقعادهم معي؛ لأنه مدع إلا أن يقيم بينة أنه قد كان حكم فينظر في ذلك الإمام، فإن كان صواباً أو فيه اختلاف بين أهل العلم أمضاه، وإن كان [خطأ] لا اختلاف فيه فسخه. قال: وإذا اشتكى القاضي في أحكامه وميله لغير الحق فينبغي للإمام أن ينظر في أمره قل شاكوه أو كثروا، فيبعث إلى رجل من أهل بلده ممن يوثق بهم فيسألهم عنه سراً، فإن صدقوا قول المشكلة عزله عنهم، وينظر في أقضيته فيمضي ما وافق الحق، ويفسخ ما مال فيه وجار وكان غير موافق للحق، وإن قال من سألهم عنه: ما نعلم فيه إلا خيراً، وهو عدل عندنا، ثبته وتعقب أقضيته، فما خالف السنة رده، وأمضى ما وافقها، ويحمل على أنه لم يتعمد جوراً لكنه أخطأ. ولا يُمَكن الناس من خصومات قضاتهم إذا اشتكوهم هكذا الوجهين: أحدها: أن يكون القاضي من أهل العفاف والرضى فستهان بذلك، ويؤذى. [الآخر]: أن يكون فاسقاً فاجراً فهو ألحن بحجته ممن شكاه فيبطل حقه. وقد عزل عمر سعد بن أبي وقاص عن الكوفة بالشكية وكذبوا على سعد.

وقال الله لا يسألني قوم عزل أميرهم، ويشكونه إلا عزلته عنهم. قال سحنون: وعزل عمر شراحبيل بن حسنه فقال: أعن سخطة عزلتني قال: لا ولكن وجدت من هو مثلك في الصلاح، وأقوى على ما عملنا منك، فلم أره يحل لي إلا ذلك. قال يا أمير المؤمنين إن عزلك عيب فأخبر الناس بعذري، ففعل عمر. وكان عمر يقدم أمراء كل عام، ويقدم معهم من أهل عملهم رجالاً، فإذا أرادوا بدل عاملهم عزله، وأمر عليهم غيره. قال مطرف: وإذا كان القاضي مشهوراً بالعدالة والرضا فلا يعزله بالشكية فقط، وإن وجد منه بدلاً، لأن في ذلك فساداً للناس عن قضاتهم، فإن لم يكن مشهوراً بالعدالة فليعزله إذا وجد منه بدلاً، وتظاهرت الشكية عليه، وإن لم يجد منه بدلاً كشف عنه فإن كان على ما يحب أمضاه، وإن كان على غير ذلك عزله وولى غيره، وقال أصبغ: أحب إلي أن يعزله وإن كان مشهوراً بالعدالة والرضا إذا وجد منه بدلاً في حاله؛ لأن ذلك صلاحاً للناس، وكسراً للقضاة والولاة على الناس، وتفريجاً لهم فيما بين ذلك، وقد عزل عمر رضي الله عنه سعداً على الشكية فقط، وسعد أنفذ صحة، وأظهر براءة من جميع من بعده إلى يوم القيامة. وإذا تظاهرت الشكية فليوقفه بعد عزله للناس فيرفع من رفع، ويحقق من يحقق، وقد أوقف عمر سعداً فلم يصح عليه شيء من / المكروه ويرأه الله مما قالوا، وكان عند الله وجيهاً.

[فصل 6 - القاضي يقر بأنه حكم بجور] قال ابن حبيب عن أصبغ: إذا أقر القاضي عند الإمام يجور في حكم فالحكم ماضٍ، ويغرم للمحكوم عليه ما استهلك له، كإقرار الشاهد بعد الحكم بالزور، ويعاقب القاضي، ويعزل ولا يولى القضاء أبداً، ولا تقبل شهادته وإن أحدث توبة كشاهد الزور. [فصل 7 - في القاضي يقول لرجل قضيت عليك بشهادة عدول فينكر الرجل والشهود] ومن المجموعة قال ابن القاسم في القاضي يقول لرجل: قضيت عليك بكذا بشهادة عدول فأنكر الرجل وقال: ما شهدوا علي، وسئل الشهود فأنكروا. قال: يرفع ذلك إلى السلطان، فإن كان القاضي ممن عرف بالعدل لم ينقض قضاؤه أنكر الشهود أو ماتوا، وإن لم يعرف بالعدل لم ينفذ ذلك، وابتدأ السلطان النظر. [فصل 8 - القاضي يقول للرجل ضربت لك الآجال واستنفذت حجتك فينكر المقضي عليه] ابن حبيب قال أصبغ: وإذا قضى بقضية وذكر أنه ضرب له الآجال، واستنفد حجته، فينكر المقضى عليه أن يكون خاصم عنده أو سمع له حجة، قال: القضاء نافذ، وقول القاضي مقبول، وإنما الذي لا يلزم بقول القاصي أن يشهد على إشهاده أنه أودع فلاناً مال يتيم وشبه ذلك، وأما ما كان على وجه الحكومة بقول القاضي مقبول إذا كان مأموناً.

[الباب السادس] في صفة من يستحق القضاء والفتيا وهل يقبل بعد الحكم حجة أو توكيل؟

[الباب السادس] في صفة من يستحق القضاء والفتيا وهل يقبل بعد الحكم حجة أو توكيل؟ [فصل 1 - صفة من يستحق القضاء والإفتاء] قال مالك: ولا يستقصي من ليس بفقيه، وكان يعجبه قول عمر بن عبد العزيز أنه قال: لا ينبغي أن يلي الرجل القضاء حتى يكون عارفاً بآثار من مضى، مستشيراً لذوي الرأي. قال: ولا ينبغي لطالب العلم أن يفتي حتى يراه الناس أهلاً للفتيا. قال سحنون: الناس ها هنا أهل النظر والمشورة والمعرفة. قال: ابن هرمز: ويرى هو نفسه أهلاً لذلك. قال مالك: وقد كان يقدم الرجل من البلد يسأل عن علم القضاء، وليس علم القضاء كغيره من العلم، ولم يكن بهذا البلد أعلم بالقضاء من أبي بكر بن عبد الرحمن، وقد كان أخذ شيئاً من علم القضاء إبان بن عثمان، وأخذ ذلك إبان من أبيه عثمان وقد تقدم إيعاب هذا في كتاب آداب القضاء. فصل [2 - هل يقبل من الحكم حجة أو شاهداً؟] قال مالك: ووجه الحكم في القضاء إذا أدلى الخصمان بحجتيهما ففهم القاضي عنهما فأراد أن يحكم بينهما أن يقول لهما أبقيت لكما حجة فإن قالا: لا: حَكَمَ بينهما، ثم لا يقبل منه حجة بعد إنفاذ حكمه، فلو قال: بقيت لي حجة فأمهله فلم يأتي بشيء حكم عليه، فإن أتيا بعد ذلك يريدان نقض ذلك لم يقبل منهما إلا أن يأتيا بأمر يرى أن ذلك وجهاً. قال ابن القاسم: مثل أن يأتي بشاهد عدل عند من لا يقضي

بشاهد ويمين، وقال الخصم: لا أعلم لي شاهداُ آخر فحكم عليه القاضي ثم وجد شاهداً آخر بعد الحكم فليقض بهذا الآخر. ومثل أن يأتي ببينة لم يعلم بها وما أشبه ذلك، وإلا لم يقبل منه. قال مالك في كتاب القطع. قال ابن المواز: وإنما ذلك عندنا في القاضي نفسه، وأما لو ولي غيره لم يكن له أن ينظر فيه، ولا ينقضه. وقال سحنون في كتاب ابنه: لا يقبل القاضي بعد الحكم من المطلوب حجة وإن أتى بماله وجه. م: قال بعض القرويين وما في المدونة أشبه م: وإنما لم ينظر في ذلك غيره من القضاة؛ لأن العلة الموجبة أن لا ينقض قاض حكم قاض؛ لأن الأول قد اجتهد، وفعل ما هو متعبد به بعد اجتهاده فحتى نقض ذلك غيره صار ذلك وَصما على الأول. وفي المجموعة في الذي يقضي عليه ثم يجد بين لم يعلم بها أن ذلك الشيء له، وقد عزل ذلك القاضي له بها الثاني قال: نعم؛ لأنه قد وجد البينة. م: صواب لأن وجوده البينة التي يعلم بها كما لو قال: لي بينة غائبة بعيدة الغيبة فحكم عليه، ثم إن قدمت له بينه فله القيام بها، فجهله ببينته عذر كغيبة بينته البعيدة. م: وينبغي ذكر أن

له بينة بعيدة الغيبة أن يكتب الحاكم في قضيته أنه ذكر له بينة غائبة على بُعدِ من البلاد فمتى حضر شهوده كان على حجته، وقاله بعض القرويين، وذكر ابن الماجشون وغيره في الواضحة: أن الحكم إذا تم بشاهدين بعد الاجتهاد في الكشف عنهما لم ينقض بشيء من جميع سخطة الشهداء إلا أن يكونا عبدين، أو مسخوطين مُولى عليهما، أو ممن يستحقان الولاية عليهما فليرد الحكم بهذين الوجهين خاصة، وذكر محمد عن أشهب نحوه، وذكر ابن القاسم في كتاب الرجوع عن الشهادات أن الحكم ينقض بشهادة المسخوط. وفي كتاب الرجم من المختلطة عن ابن القاسم نحو قول أشهب. فصل [3 - هل يجوز للرجل أن يوكل من يخاصم عنه وهو حاضر] قال مالك: ويجوز للرجل أن يوكل من يخاصم عنه وهو حاضر كان طالباً أو مطلوباً إلا أن يريد ضرراً بخصمه فيمنع مثل أن يوكل عليه عدواً أو نحوه، وكمن باع ديناً له على رجل من عدو لغيرمه يريد أذاه فلا يمكن من بيعه منه. وكان سحنون لا يقبل من المطلوب وكيلاً.

قال مالك في رجلين تناظرا عند الحاكم، وتوَّجه أمرهما، ثم حلف أحدهما أن لا يخاصم بنفسه وأراد أن يوكل فليس ذلك له، إلا لعذر مثل أن يكون اسمَعَه قبيحاً ونحوه. قال ابن القاسم: ولو مرض أو أراد سفراً أو حجاً أو غزواً فله أن يستخلف من يلي حجته. وفي كتاب الجعل ذكر الجعل على الخصوم.

[الباب السابع] جامع مسائل مختلفة من الأقضية

[الباب السابع] جامع مسائل مختلفة من الأقضية [1 - استخلاف القاضي قاضياً لعذر أو مرض أو سفر] من الواضحة والمجموعة قال مطرف وابن الماجشون في قاضي الخليفة: ليس له استخلاف قاض مكانه إذا كان حاضراً ولا إن عاقه شغل، وأما إن سافر أو مرض فله أن يجعل مكانه من يقوم مقامه وينفذ أموره ثم لا يكون متقدماً على من استقضاه، وإذ كان ذلك بإذن الخليفة فلا يبالي كان القاضي حاضراً أو غائباً أو مريضاً ذلك كله جائز، وكأن الخليفة ولى قاضيين أحدهما فوق صاحبه، وقال سحنون لا يستخلف إن مرض أو سافر إلا بإذن الخليفة. قال: ولا يولى بعض أمور الخصوم حكما يحكم بينهم، فإن فعل لم يجز قضاء الحاكم إلا أن ينفذه القاضي، فيكون قضاء منه مؤتنفاً. م: قال بعض فقهاء القرويين كأنه وكيل الخليفة، والوكيل ليس له أن يوكل غيره إلا أن يكون من الأمور التي الغالب أن يستعين فيها بغيره، فكأنه مأذون له فيها. قال: وكذلك المرض والسفر كأنه فوَّض إليه السلطان بأن يولي غيره. م. ليس العادة عندنا أن يولي في المرض والسفر، وقول سحنون لا يولي إلا بإذن الخليفة أولى. ابن حبيب: وليس للقاضي أن يستخلف من يقضى بعد موته.

[فصل 2 - هل يحكم القاضي بعد موت الأمير أو عزله؟] قال أصبع: وإذا مات الإمام فلا بأس أن ينظر قضائه وحكامه حتى يعلموا رأي من بعده، وكذلك القاضي يوليه والي المصر، فيعزل الوالي، فهو قاض حتى يعزله الذي وبعده. فصل [3 - هل يسمع القاضي البينة في سفره ويحكم؟] قال محمد بن عبد الحكم: وإذا حج قاضي مصر فيأتيه في سفره قوم من أهل عمله يسألونه أن يسمع بينة على رجل من عمله أو كانوا أوقفوا البينة عنده في عمله، فطلبوا الآن أن يكتب لهم بذلك إلى قاضي العراق أن يحكم بذلك الحق، ويُشهد على حكمه، فليس له شيء من ذلك؛ لأنه ليس بوالي على ذلك البلد. قال: وأما كشفه في غير بلده عن شهادة شاهد كان قد شهد عنده في عمله فذلك له. قال: ولو كتب قاضي مكة إلى قاضي مصر، وأشهد عليه فدفع إلى قاضي مصر بمكة، وقد قدم حاجاً فلا يسمع عليه البينة حتى يقدم مصر، وكذلك لو ولى الخليفة رجلاً قضاء مصر فخرج إليهم فلا يسمع البينة في طريقه على أحد من أهل مصر.

فصل [4 - إذا ثبت الحق وأراد التسجيل فينهاه الإمام] ومن العتبية قال سحنون: في القاضي يثبت عنده لرجل حق فيريد التسجيل له فيحضر الأمام خروج غزو فيأمره أن لا ينظر إلى أحد حتى ينصرف فيسجل له بعد نهى الإمام. قال: أرى ذلك ماضياً. قال أصبغ: في الخصمين يتجه للقاضي الحكم على أحدهما، فيستغيث بالأمير وهو جائز، فيأمره بترك النظر في ذلك. قال: إن كان قد تواضعا عنده الحجج، وينظر حتى تبين له الحق فلينفذ له حكمه، ولا ينظر إلى نهي الأمير إلا أن يعزله رأساً، وإن كان في مبتدأ أمرهما قبل أن يتبين له حق أحدهما فلينتبه ويدعهما. فصل [5 - الحكم بين أهل الذمة] قال يحي بن عمر: وإذا كانت بين يهودي ونصراني خصومة فليحكم بينهما بحكم المسلمين وإن كره ذلك أحدهما. فصل [6 - تدعي على زوجها أنه حنث بالطلاق وهو يكذبها] قال سحنون: وإذا تنازع الزوجان عن القاضي، فقالت المرأة حنث فيها بالطلاق ثلاثاً، وكذبها الزوج كلفت المرأة البينة، وأمره بالنفقة عليها، فإن قال: هي تنكر أني لها زوج. قال له: أنت مقر بالزوجية، وأنها كذبت، وربما ترك

هذا ولم يفرض لها / عليه رزق. يقول هو كمن باع بدين، والآخر يقول لا شيء لي عليه. قال بعض القرويين في هذه المسألة نظر؛ لأن المرأة وإن أقرت أنها لا نفقة لها فهي تقول أمسكني ومنعني الأزواج، ولا قدرة لي على الخروج من تحته، وكيف إذا لم تجد بينة، فردت إليه، ونحن لا نأمرها أن تمكنه من نفسها إذا علمت أنه طلقها ثلاثاً، فإن امتنعت منه وهو لا يقوى عليها لامتناعها وهي تقول حبسني ومنعني من الأزواج، وكيف إن لم يقدر على وطئها. أو قدر مع قوله أنها مقرة ألا نفقة لها عليَّ، وهي تقول منعني من الأزواج فانظر. م: والذي أرى أنه قدر على وطئها لزمته نفقتها، لأنه مقر أن نفقتها له لازمة؛ لأنه كذبها، ويقول: أنها زوجتي، ولا ستمتاعه بها وقد منعها من الأزواج، وقد قال عليه السلام: «تقول لك امرأتك أنفق عليَّ أو طلقني» وأما إذا منعته من نفسها، ولم يقدر على وطئها فهي كالناشز، وقد اختلف في النفقة عليها وأحب إليّ في هذه ألا نفقة لها عليه؛ لأنها مقرة أنها ليست له زوجة، وقد منعته من الاستمتاع بها فوجب ألا نفقة لها والله أعلم. تم كتاب الأقضية من المختلطة بحمد الله ونعمته، وبقيت منه مسائل هي مذكورة في البيوع والشهادات والدماء، وهناك موضعها فتركت نقلها ها هنا لكثرتها، ولا فائدة في تكرارها، والله الموفق للصواب.

كتاب كراء الرواحل والدواب

كتاب كراء الرواحل والدواب من الجامع لابن يونس قال رحمه الله: كتاب كراء الرواحل والدواب [الباب الأول] في الكراء المضمون, والمعين, والنقد, والخيار فيه, وفي المكري يبيع الدابة المكتراة. [الفصل 1 - الكراء المضمون والمعَّين] والمتكاريان كالمتبايعين فيما يحل ويحرم؛ لأنها بيع منافع فهي كبيع الأعيان. قال ابن القاسم: وكراء الدواب على وجهين: مضمونة في ذمة, أو دابة بعينها, وقد قضى عمر رضي الله عنه أن الدابة المعينة إذا هلكت انفسخ الكراء, ولا يأتي بغيرها إلا أن يشترط البلاغ وهو المضمون, وقاله علي رضي الله عنه. م/ كراء الدابة المعينة كشراء السلعة من المكيل والموزون؛ لأن على البائع أن

يوفيه كيله أو وزنه كما على المكري أن يوفيه ركوبه أو حمله, وكراء المضمون كشراء السلع المضمونة, فكما كان هلاك هذه السلعة المعينة قبل القبض يوجب فسخ الشراء ولا يقال للبائع ائت بمثلها, فكذلك كراء الدابة المعينة إذا هلكت قبل الركوب, أو قبل تمام الغاية المكتراة انفسخ الكراء, أو بقيته. وكما كان هلاك السلع المضمونة قبل القبض أو استحقاقها بعد القبض لا يوجب فسخ الشراء, ويقال للبائع: ائت بمثلها فكذلك الكراء المضمون, الأمر في ذلك كله متفق, وهذا بين فاعلمه. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن شرك في المعينة: إن ماتت أتاه بغيرها لم يجز, وإن لم يشترط ذلك جاز, ويفسخ الكراء بموتها, وليس كرعاية الغنم المعينة فتلك لا يجوز فيها الرعاية إلا باشتراطه خلف ما مات منها؛ لأنها مستأجر عليها, والدابة ههنا كالراعي الذي لا يجوز أن يشترط عليه إن مات أو مرض أن يؤتي ببديل من ماله, وتنفسخ الإجارة بموته, وإذا استؤجر لغنم يرعاها أو دواب يقوم عليها فماتت الغنم أو الدواب لم تنفسخ الإجارة. وإنما تنفسخ الإجارة بموت الأجير لا بموت المستأجر عليه. قال ابن المواز: لا يجوز في شخص بعينه اشتراط ضمان عمله ونفعه, لا راعي, ولا راحلة بعينها, ولا حر, ولا عبد, ولا مركب, ولا مسكن على أنه إن هلك ذلك أتاه بمثله, كما لا يجوز بيع شيء بعينه على أنه إن هلك قبل أن يصل إلى المشتري ضمن البائع مثله لا في حيوان ولا في طعام ولا عرض يكال أو يوزن أو لا يكال ولا يوزن, فأما ما استؤجر فيه على عمله أو حله أو رعايته فلا يصلح أن يشترط أنه ذلك بعينه لا غير فيصير رب تلك الأشياء لا يقدر أن يبيعها أو يأتي بغيرها قبل تمام المدة وإن هلكت لم يقدر أن يأتي بغيرها إلا أن يشترط إن احتاج إلى بيعها وأخذها أو تلفت كان عليه حمل

مثلها أو عمل مثلها, فيجوز مثل الغنم المعينة التي لا تجوز فيها الرعاية إلا باشتراط خلف ما مات أو باعه أو أكله منها, ويصير قد وقعت إجارته على غير معين, وإنما يجوز في الراحلة والأجير أن يكون بعينه فإذا مات وقعت المحاسبة. فأما ما استؤجر عليه الأجير فلا يكون إلا على أمر مبهم لا على معين, ولكن على ما يجب على الكري أو الأجير من تمام الحمل أو الرعي والعمل بخلف ما هلك أو ببدله إن شاء, ولو أراه حين العقد ما يعمله أو يحمله أو يرعاه, فإن ذلك كالصفة لما يحمل أو يعمل أو يرعى, فإن شرط أنه بعينه لا يعدوه لم يجز, فإن عمل على ذلك فله كراء مثله. قال: ولو اكترى منه على أن يحمله إلى بلد كذا على دابة أو سفينة وقد أحضرها ولا يعلم له غيرها ولم يقل له تحملني على دابتك هذه أو سفينتك هذه فهلكت بعد أن ركب, فعلى المكري أن يأتيه بدابة أو سفينة غيرها, ويحمله, وذلك مضمون حتى يشترط شرطاً إنما أكري منك هذه بعينها فينفسخ الكراء بهلاكها. ابن المواز: أو يكري منه نصف السفينة أو ربعها فيكون كشرط التعيين. فصل [2 - النقد في الكراء] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اشترى عبداً أو أكترى راحلة بعينها إلى مكة بمائة دينار صفقة واحدة جاز ذلك إن لم يشترط خلف الراحلة إن هلكت, فإن شرط ذلك لم يجز إلا أن يكون الكراء مضموناً في أصل الصفقة. قال بعض فقهاء القرويين: وإذا لم يشترط خلف الراحلة المعينة إن هلكت ثم

هلكت, فيفرق هل هي وجه الصفقة أم لا, فإن كانت وجه الصفقة انفسخ البيع, وإن لم تكن وجه الصفقة لزمه العبد بحصته من الثمن يعمل في ذلك كما يعمل في البيوع إذا استحقت بعض السلع. م/ ولو كان المكري اشترى العبد بكراء راحلة بعينها وبعشرة دنانير دفعها لرب العبد فهلكت الراحلة قبل الركوب أو بعد يسير من الركوب فإن كانت الراحلة وجه الصفقة رد الدنانير وقيمة ما ركب وأخذ عبده إن لم يفت فإن فات نظرت كم قيمة كراء الراحلة جميع الطريق إن لم يركب, أو بقيمتها إن ركب فإن كانت ثلث الصفقة أو ثلثيها رجع بحصة ذلك في قيمة العبد لا في عينه. م/ والصواب أن لا يراعي في هذا فوات العبد, وينفسخ البيع إذا كانت الراحلة وجه الصفقة؛ لأن ما معها من الدنانير لا فوت فيها. فهو كما او اكتراها واشترى عبدا معها بمائة دينار فهلكت وهي وجه الصفقة أن البيع ينفسخ ويرد العبد ويأخذ مئته, وقد قالوا فيمن اشترى غنماً وعليها صوف تام بمائة دينار فجز الصوف, ثم رد الغنم بعيب أنه يرد الصوف معها ويأخذ ثمنه, فإن فات الصوف رد مثله إذا علم وزنه وأخذ دنانيره, وكذلك إذا كان مع الراحلة عين أو ما يكال أو يوزن فهلكت وهي وجه

الصفقة أنه يرد ما كان معها أو مثله إن فات ويأخذ عبده أو قيمته إن فات. وأما إن كان الذي معها عرض لا يكال ولا يوزن ففات فهاهنا يراعى فوات العبد وغير فواته، وتكون كمسألة من اشترى عبداً بثوبين فهلك بيده أحدهما ووجد بالباقي عيباً، وهو وجه الصفقة، وقد تقدم شرحها في كتاب العيوب. ووجه الأولى أنا لما وجدنا القيمة فيما يقوم، كالمثل فيما له مثل في فوات أعيان المستحقات وفي فوات أعواضها، ومتى وجب غرم المثل، فيجب أيضاً متى لم يجب إغرام القيمة لم يجب إغرام المثل، ووجدنا من ابتاع عبداً بثوبين فهلك أدنى الثوبين واستحق الأرفع أو وجد به عيب أن يرد قيمة الأدنى مع العيب ويأخذ عبده إن لم يفت وجب إذا كان مع هذا الثوب المعيب عين أو ما يكال أو يوزن أن يرده مع المعيب ويأخذ عبده، ولما وجدنا إذا فات العبد لم ينتقض البيع كله ورجع بحصة المعيب في قيمة العبد ولم يرد قيمة الهالك مع المعيب ويأخذ جميع القيمة وجب كذلك إذا كان مع المعيب عين أو ما يكال أو يوزن ففات أن يرد المعيب وحده بحصته مما معه ويرجع به في القيمة ليمضي التغابن فيما فات، ولا ينتقض البيع فيه في الوجهين. هذا هو القياس في هذا وما يشابهه، والله أعلم. م/ وإن هلكت الراحلة وقد سار أكثر الطريق أو لم يسر شيئاً وكانت ليست بوجه الصفقة والعبد قائم لم يفت رجع بحصة ذلك في قيمة العبد لا في عينه لضرر الشركة عند ابن القاسم. وعلى مذهب أشهب يرجع في عين العبد.

م/ قيل: ومعنى المسألة أنه اشترط نقد المائة أو كان سنة الكراء على النقد، فأما إن كان يتأخر، أو لا سنة لهم حتى لا يلزمه من النقد إلا بقدر ما سار، فإنه يصير ما يخص العبد من النقد لا يعلم وما يخص الكراء من المتأخر لا يدري ما هو، فلا يجوز هذا إلا عند من يجيز جمع السلعتين لرجلين فعساه، وهذا أشد؛ لأنه فيه نقد ومؤخر مجهولان. فصل [3 - في بيع الدابة واستثناء منفعتها يوماً أو يومين] ومن المدونة قال مالك: ومن باع دابة واستثنى ركوبها يوماً أو يومين أو يسافر عليها اليوم، أو إلى المكان القريب جاز ذلك، ولا ينبغي فيما بعد إذ لا يدري المبتاع كيف ترجع إليه، وضمانها من المبتاع فيما يجوز استثناؤه، ومن البائع فيما لا يجوز استثناؤه. فصل [4 - في اكتراء الراحلة على أن يركبها في الزمن القريب والبعيد] قال ابن القاسم: ومن اكترى راحلة بعينها على أن يركب إلى اليوم واليومين وما قرب جاز ذلك، وجاز فيه النقد، وإن كان الركوب إلى شهر أو شهرين جاز ما لم

ينتقد، وقال غيره: لا يجوز بحال. م/ فوجه قول ابن القاسم أنه لما لم ينقده لم يدخله تارة بيعاً إن سلمت الراحلة، وتارة سلفاً إن هلكت، فوجب جواز الكراء إذ لا غرر فيه؛ لأن هلاكها من ربها. ووجه قول غيره: أنه لما لم يجز بيعها على أن تقبض إلى ذلك الأجل فكذلك كراؤها. والفرق عند ابن القاسم بين الشراء والكراء أنا لو أجزنا الشراء كان ضمانها من المشترى كقريب الاستثناء فيدخله الغرر وكأنه اشترط على البائع ما يجب عليه ضمانه، وفي الكراء الضمان من ربها فافترقا. م/ وبقول ابن القاسم أقول. [مسألة: النقد في كراء الخيار] ومن المدونة قال مالك: ولا يصلح النقد في كراء الخيار إلا أن يشترطا الخيار في مجلسهما ذلك قبل أن يفترقا. ولا يصلح التطوع بالنقد في كراء الخيار على مذهب ابن القاسم؛ لأنه يصير إذا اختار إمضاء الكراء أخذ من دين له كراء راحلة، وهذا لا يجوز عنده ويجوز عن أشهب. فصل [5 - في وجوب النقد في الكراء المضمون إلى أجل] ابن المواز: قال ابن القاسم: قال مالك: من تكارى كراء مضموناً إلى أجل مثل الحج في غير إبانه فلا يجوز أن يتأخر النقد، ولكن يعجل مثل الدينارين ونحوهما،

وكان يقول: لا ينبغي إلا أن ينقد مثل ثلثي الكراء في مثل هذا المضمون إلى أجل، ثم رجع فقال: قد اقتطع الأكرياء أموال الناس فلا بأس أن يؤخروهم بالنقد ويعربنوهم الدينار وشبهه. قال أبو محمد: يريد ولو كان مضموناً بغير أجل وشرع في الركوب جاز بغير نقد؛ لأنه قبض أوائل الركوب كقبض جميعه إذ هو أكثر المقدور عليه في قبضه. م/ يريد أنه إن اكترى كراء مضموناً لا يركب فيه إلا إلى أجل فالنقد فيه جائز، بل لا يجوز تأخير النقد كله، بشرط في هذا المضمون، كتأخير رأس مال السلم، وإنما أجازة مالك إذا أخر بعض النقد؛ لأن الأكرياء قد اقتطعوا أموال الناس فأجاز فيه تأخير الثمن لهذه الضرورة بخلاف تأخير بعض رأس مال السلم. فصل [6 - في بيع الدار المكتراة أو وهبها أو التصدق بها] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن اكتريت من رجل دابة بعينها أو دار فباعها ربها أو وهبها أو تصدق بها لم يجز ذلك؛ لأن المكتري أحق بها في الموت والفلس بقية مدته، كطعام بعينه مات بائعه أو فلس قبل كيله، فمبتاعه أحق به من الغرماء حتى يستوفي حقه. وإن ذهب مبتاع الدابة بها فلم يوجد، فسخ الكراء، وترجع بما نقدت، ولو قدم المبتاع وربها غائب فأقمت عليه بينة على كرائك كنت أحق بها، وينقض البيع، قال: وللمبتاع الرضا بتأخيرها إلى تمام مسافتك إن قربت، وإن بعدت لم يجز. م/ قال بعض القرويين، ولو لم يفطن لذلك إلا بعد انقضاء المدة، وكانت كثيرة، فالأشبه أن يرجع المشتري بقيمة عيب حبسها هذه المدة، ولا ينتقض البيع.

[الباب الثاني] في الكراء بعين أو عرض بعينه وإبهام نقده والضمان فيه

[الباب الثاني] في الكراء بعين أو عرض بعينه وإبهام نقده والضمان فيه: [الفصل 1 - في الكراء بعين أو عرض بعينه] قال ابن القاسم: ومن اكترى دابة لركوب أو حمل أو اكترى دارا أو استأجر أجير! بشيء بعينه من عرض أو حيوان أو طعام فتشاحا في النقد ولم يشترطا شيئاً فإن كانت سنة الكراء بالبلد بالنقد جاز وقضى بنقدها، وإن لم تكن سنتهم بالنقد لم يجز الكراء وإن عجلت هذه الأشياء، إلا أن يشترط النقد في العقد، كما لا يجوز بيع ثوب أو حيوان بعينه على أن يقبض إلى شهر، ويفسخ ذلك. وقال ابن حبيب: الكراء بهذا كله جائز كان سنة الناس التأخير فيه أو غيره، فهو على تعجيله حتى يشترط تأخيره تصريحاً أو تلميحاً. وقاله من أرضي من أصحاب مالك. م/ وقول ابن القاسم أصوب؛ لأن العرف كالشرط وإن لم تكن لهم سنة راتبة وكانوا يكرون بالنقد والنسيئة وأبهموا الكراء، فأصل ابن القاسم أنه على التأخير؛ لأن عقد الكراء لا يوجب نقد ثمنه إلا أن يكون عرفاً أو شرطاً وإلا لم يلزمه أن ينقد إلا بقدر ما ركب أو سكن بخلاف شراء السلع المعينة، هذه بتمام عقد شرائها يجب عليه نقد ثمنها؛ لأنه ينتقدها منه فوجب عليه نقد ثمنها.

والركوب والسكنى لم ينتقده فوجب أن لا ينقد إلا ثمن ما قبض منه، فلما كان عقد الكراء لا يوجب انتقاد ثمنه فكأنهما دخلا في الكراء بهذه المعينات على التأخير فوجب فساد الكراء. وأصل ابن حبيب فيما يفسد الكراء بتأخيره أن يحملهم على الأمر الجائز من انتقاده حتى يشترط التأخير. م/ وقول ابن القاسم أقيس، وبه أقول. [الفصل 2 - في الكراء بدنانير معينة] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اكترى ما ذكرنا بدنانير معينة ثم تشاحا في النقد فإن كان الكراء بالبلد بالنقد قضى بنقدها وإلا لم يجز الكراء إلا أن يشترطا تعجيلها في العقد كقول مالك فيمن ابتاع سلعة بدنانير له ببلد آخر عند قاض أو غيره، فإن شرط ضمانها إن تلفت جاز، وإلا لم يجز البيع، فأرى إن كان الكراء لا ينقد في مثله إلا أن يشترط في الدنانير إن تلفت فعليه مثلها ولا يجوز اشتراط هذا في طعام أو عرض في بيع ولا كراء لأنه مما يبتاع لعينه فلا يدري المبتاع أي الصفقتين ابتاع ولا يراد من المال عينه. وقال غيره في الدنانير: هو جائز، وإن تلفت فعليه الضمان. م/ وحُكي عن بعض فقهاء القرويين في قوله لا يجوز البيع بالدنانير الغائبة إلا أن يشترط ضمانها إن تلفت، إنما ذلك إذا اشترط قبض السلعة المبيعة المعينة؛ لأنه يصير كنقد في غائب، فتصير الدنانير الغائبة كسلعة اشتريت نقد فيها سلعة حاضرة. قال: وكذلك وقع لابن المواز، وهو تفسير.

قال غيره ولابد من الخروج إليها كالغائب. ولهذا استغنى عن ضرب الأجل؛ لأنها لو كانت متعلقة بالذمة خاصة على أن تقبض ببلد آخر لوجب ألا يجوز البيع كمن باع بدنانير على أن يقبضها ببلد آخر ولم يضرب لها أجلاً أنه لا يجوز. قال في كتاب محمد: وإن لم يشترط خلفها جاز البيع وأوقفت السلعة الحاضرة كمن اشترى سلعة حاضرة بغائبة فتوقف السلعة الحاضرة وتخرج، فإن وجد الدنانير تم البيع، وإن لم توجد بطل إلا أن يرضى المشتري أن يعطيه غيرها. [الفصل 3 - في الكراء بشيء معين مؤجل، ويرغب المكتري في تعجيله] ومن المدونة، قال ابن القاسم: من اكترى إلى مكة بعرض أو طعام بعينه أو دنانير معينة والكراء عندهم ليس على النقد، فقال المكتري: أن أعجل الدنانير والعروض والطعام ولا أفسخ الكراء فلابد من فسخه لفساد العقد. وقال غيره مثله إلا في الدنانير فإنه جائز عنده. وقال ابن القاسم: ومن اكترى بهذه المعينات من عرض ونحوه وشرط عليه أن لا ينقده ذلك إلا بعد يومين أو ثلاثة لم يعجبني ذلك إلا لعذر من ركوب دابة، أو لبس ثوب، أو خدمة عبد، أو توثق حتى يشهد، فذلك جائز، فإن لم يكن لعذر كرهته، ولا أفسخ به البيع، ولا أحب أن يعقد الكراء على هذا. [مسألة: تأخير الكيل يومين للمشتري من صبرة معينة] وقد أجاز مالك رحمه الله تعالى تأخير الكيل اليومين للمشترى من صبرة معينة ورأى المشترط إن لم يأت بالثمن إلى أيام فلا بيع له، إنفاذ البيع وسقوط الشرط عجل النقد أم أخره، ويقضى عليه بالنقد.

م/ يريد يقضى عليه بالنقد بعد اليومين أو الثلاثة المشترط له تأخيره بها، ويفسخ شرطه إن لم يأت بالثمن فلا بيع له. [الفصل 4 - تأخير الدنانير المعينة اليوم واليومين في الكراء] قال ابن القاسم: قال ابن القاسم: وأما الدنانير المعينة فلا يعجبني تأخيرها اليوم واليومين إلا أن يشترط المكترى ضمانها أو يضعها رهناً بيد غيره، ولم يكرهه غيره ولو بقيت بيده؛ لأنه لو ابتاع بها بعينها فاستحقت لقضي عليه بمثلها والبيع تام. م/: واختلف شيوخنا في اشتراطه تأخير الدنانير اليوم واليومين بغير عذر ولا شرط ضمانها إن تلفت، كيف يكون الحكم إن نزل ذلك على مذهب ابن القاسم؟. فقال بعضهم الكراء فاسد بخلاف العرض. وقال بعضهم الدنانير والعرض في ذلك سواء، اشتراط تأخير ذلك لغير عذر مكروه. فإن نزل مضى وإن ضاعت الدنانير أبدلها. م/ وهو أبين. وقال بعض فقهاء القرويين: قوله في الدنانير لا يعجبني إلا أن يشترط خلفها أو يضعها رهناً، كلام فيه إشكال؛ لأن الدنانير لا غرض في أعيانها وإنما يجب البيع والكراء بما على الذمة، ولو لزم تعيينها فاستحقت لم يلزمه بدلها إلا ـن يشاء؛ إذ تعيينها على هذا التأويل إنما هو ليخرجها إلا أن يتعلق بالذمة غيرها. م/ ظاهر قول ابن القاسم أنها متعلقة بالذمة ولذلك أجاز اشتراط ضمانها إن هلكت،

وإنما سامح في تعيينها لغرض المكترى أو المكرى في ذلك إما لرغبته في حلها أو في عينها، ولم ينقلها مع ذلك عن أصلها أنها متعلقة بالذمة وقول الغير أشبه. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا هلك هذا العرض المعين بيد المكترى به وهو رفيق أو حيوان وقد شرط حبسه للوثيقة أو للمنفعة فهو من المكرى؛ لأنه أمر يعرف هلاكه، ولو كان مما يغاب عليه فحبسه المكترى للوثيقة فهلك بيده كان منه إن لم يعرف هلاكه وانتفض الكراء ولا يقال له ائت بمثله. م/ يعني ويحلف أن ذلك هلك أو تلف فإن نكا المكترى كان للمكري أن يغرمه قيمته ويثبت الكراء أو لا يغرمه ويفسخ الكراء، وليس في هذا رد يمين؛ لأنه إنما اتهمه في حبسه. ومن المدونة قال ابن القاسم: وكذلك إن استحق في هذا أو كان رأس مال السلم وكذلك، في البيع يحبسه البائع للثمن فهو منه، إلا أن تقوم بينة بهلاكه فيكون كالحيوان ضمانه من المبتاع والبيع تام، ولا يجوز ضمان ما هلك مما يتأخر قبضه اليوم واليومين إلا في العين وحده. وقال غيره في الثياب والحيوان وما لا يكال ولا يوزن من العروض يحبسها البائع لركوب دابة أو لباس ثوب أو غير ذلك فشرط يوماً أو يومين فالنقد في ذلك جائز؛ لقربه وضمانها من المبتاع؛ لأنه كأنه قبضه وتلف في يده، وكذلك لو اكترى بها دابة أو

دارًا فحبسها لذلك. م/ ومعنى قول أنه لما اشترط ركوب الدابة ولباس الثوب فكأن البائع لذلك باعه واستثنى الانتفاع به فهو كمكتري ذلك من المشترى، والشيء المكترى ضمانه من ربه، والدليل على أن الاستثناء كالشراء أو الكراء من المبتاع أن من ابتاع امة حاملاً لا يجوز له استثناء جنينها؛ لأن الحكم يوجبه للمبتاع فاستثناء البائع له كشرائه منه فلم يجز؛ لأنه من بيع الأجنة، وكذلك من باع نخلاً وفيها ثمر لم يؤبر أنه لا يجوز للبائع استثناؤه؛ لأنه كشرائه من المبتاع. فاستثناء المشترى أو المكترى في مسألتنا كاكترائه من مشتريه فلذلك كان ضمانه منه. هذا وجه قول غيره والله أعلم. فإن قيل فإذا كان ذلك كاكتراء البائع له انبغي أن لا يفرق بين قليل الاستثناء وكثيره، وأنه يجوز استثناء ركوب الدابة شهراً أو شهرين؛ لأنه قبضه ثم أكراه من البائع. قيل: فلو أجيز مثل لدخله بيع شيء بعينه لا يقبض إلا إلى أجل بعيد فلما دخل علينا الفساد من هذا الوجه حملناهم على أنهم قصدوه. وأما استثناء اليومين ونحوهما فإن حملته على أنه باعه على أن يقبض إلى يومين جاز، وإن حملته على أنه باعه ثم أكراه جاز. وهذا كقولهم فيمن باع قمحاً على أن على البائع طحنه، أو نعلين على أن يحذوهما، فما كان خروجه معروفاً جاز؛ لأنه إن حملته على أنه بيع وإجازة جاز، وإن حملته أنه

ابتاع ما يخرج منه جاز؛ لأنه معروف. وأما إن ابتاع قمحاً في سنبله على أن يدرسه له ويصفيه، أو غزلاً على أن ينسجه له لم يجز؛ لأنه يحمل أمره على أنه ابتاع ما يخرج منه وذلك مجهول، فلما دخل عليه الفساد في وجه منع منه في الوجهين، فكذلك هذه المسألة وهذا أبين.

[الباب الثالث] ما يحل وما يحرم في الكراء من عقد وشرط

[الباب الثالث] ما يحل وما يحرم في الكراء من عقد وشرط [الفصل 1 - الكراء كالبيع فيما يحل ويحرم، والعرف في الكراء كالشرط] والكراء يجري مجرى البيع فيما يحل ويحرم منه، والمتعارف من الأكرية وغيرها كالمشترط. وقد أجاز العلماء أن يكري إلى مدينة كذا، وإن لم يسم أين ينزل منها، وكم من منزلة ينزل فيه، وكيف صفة مسيره، وكم ينزل في طريقه، واجتزوا بالمتعارف بين الناس من ذلك. قال ابن القاسم فيمن اكترى دابة إلى موضع كذا بثوب مروي ولم يصف رقعته وذرعه لم يجز؛ لأن مالكاً لا يجيز هذا في البيع، ولا يجوز في ثمن الكراء إلا ما يجوز في ثمن المبيع. ولا بأس أن تكتري إبلاً من رجل على أن عليك رحلتها وتكتري دابة بعلفها أو أجبرا بطعامه، أو إبلاً على أن عليك علفها أو طعام ربها، أو على أن عليه هو طعامك ذاهباً وراجعاً فذلك كله جائز وإن لم تصف النفقة؛ لأنه أمر معروف. قلت: أرأيت المرأة إذا تزوجها الرجل أيحد لها نفقة؟ قال مالك: لا ولا يكون بذلك كله بأس. وقد قال مالك: لا بأس أن يؤاجر الحر أو العبد أجلاً معلوماً بطعامه في الأجل أو

بكسوته فيه، وكذلك إن كان مع الكسوة أو الطعام دنانير أو دراهم أو عروض بعينها معجلة فلا بأس به. فإن كانت عروضاً مضمونة بغير عينها جاز تأخيرها إن ضرباً لذلك أجلاً كأجل السلم. م/ فإن وجد الأجير الذي استؤجر بطعامه أكولا خارجاً عن عادات الناس في الأكل فقال في المبسوط: له أن يفسخ إجارته. م/ لأنه كعيب وجده به إلا أن يرضى الأجير بطعام وسط، وليس للذي استأجره أن يطعمه طعاماً وسطاً إذا لم يرض الأجير؛ لأن ذلك يؤدي إلى هلاكه وهو قد اشترط عليه طعامه فإما رضيه أو رده. م/ قال بعض أصحابنا: ويحتمل أن يطعمه طعاماً وسطاً كمن استؤجر على حمل رجلين لم يرهما فأتاه بفادحين أن لا يلزمه حملهما، ويأتيه بالوسط. والأول أبين. والفرق بينهما أن الشيء المحمول لا يتعين، وإنما تعيينه كالصفة ألا ترى أنه إذا مات أو تلف لم ينفسخ الكراء فلما لم يتعين فعليه أن يأتي بالوسط وذلك عدل بين المتكاريين. والأجير كالدابة المعينة ينفسخ الكراء بموته أو بموتها، فأما إن وجد به عيباً فإما رضيه

أورده، وليس له أن يسقط حصة ذلك العيب، كما ليس له أن يحط حصة العيب من ثمن الشيء المشتري. وأما إن تزوج امرأة فوجدها أكولة خارجة عن الناس فليس له فسخ النكاح فإما أشبعها أو طلق؛ لأن المرأة لا ترد إلا من العيوب الأربعة فهو كما لو وجدها عوراء أو سوداء، ولو شاء لاستثبت. ومن أكرى إبله بطعام مضمون ولم يضرب له أجلاً ولا ذكر موضع قبضه ولم يكن للناس عندهم سنة يحملون عليها فالكراء فاسد، وكذلك بغلام مضمون أو بثوب مضمون وليس لهم سنة يحملون عليها فالكراء فاسد، إلا أن يتراضوا بعد فسخ الأول على أمر جائز فينفذ بينهم. فصل [2 - في تعيين عمل الدابة المكتراه] ومن اكترى دابة ليركبها في حوائجه شهراً فإن كان على ما يركب الناس الدواب جاز، وكذلك إن اكتراها لطحين قمح شهراً بعينه، ولم يذكر كم يطحن كل يوم جاز؛ لأن طحين الناس معروف. قال مالك: ومن استأجر دواب لرجل واحد في صفقة ليحمل عليها مائة إردب قمحاً ولم يسم ما يحمل على كل دابة جاز، ويحمل على كل دابة بقدر قوتها، وإن كانت الدواب لرجال شتى وحملها مختلف لم يجز؛ إذ لا يدري كل واحد بما أكرى دابته كالبيوع. ولا يجوز كراء دابة ليشيع عليها رجلاً حتى يسمى منتهى موضع التشييع. قال غيره: إلا أن يكون موضع التشييع بالبلد معروفاً فلا بأس به.

قال ابن القاسم: ومن اكترى دابتين واحدة إلى برقة والأخرى إلى إفريقية وهما لرجل واحد لم يجز حتى يعين التي إلى برقة والتي إلى إفريقية. م/ وإنما لم يجز ذلك لاختلاف أغراض المتكاريين؛ لأن المكتري قد يرغب في ركوب القوية إلى إفريقية ورب الدواب قد يرغب في ركوبه إلى هناك على الضعيفة لئلا يضعف القوية ولو بين ذلك لهما لم يرضيا بذلك، فإذا لم يبين ذلك دخله التخاطر لاختلاف الأغراض. وفارقت هذه المسألة مسألة الذي اكترى دواب لرجل ليحمل عليها مائة إردب ولم يسم ما يحمل على كل واحدة لاختلاف السؤالين، لأنه لم يقل يحمل على واحدة إردباً وعلى الأخرى إردبين كما قال واحدة إلى برقة وأخرى إلى إفريقية. ولو قال ذلك لم يجز حتى يسمى التي يحمل عليها الإردبين من التي يحمل عليها إردباً فإذا اتفق السؤال اتفق الجواب، وبالله التوفيق. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اكترى دابة ولم يسم ما يحمل عليها لم يجز إلا من قوم قد عرف حملهم فذلك لازم على ما عرفوا به من الحمل. قال غيره: ولو سمى جمل الطعام أو بز أو عطر جاز، وحملها حمل مثلها. ولو قال: احمل عليها حمل مثلها مما شئت لم يجز؛ لاختلاف الطرق بالسهولة والوعورة، وكذلك الحوانيت والدور، وكل ما يتباعد الاختلاف فيه؛ لأن في ذلك ما هو أضر

بالجدران؛ ولأن رب الدابة والمسكن باع من منافعها ما لا يدري، ألا ترى أنه إن حمل ما ليس بأضر مما شرط لم يضمن، كمن اكترى ليحمل حنطة فحمل مكانها شعيراً مثله، أو سما لم يضمن إن عطبت الراحلة، وكذلك إن اكتراها ليحمل عليها شطوياً فحمل عليها بغدادياً أو بصرياً وما أشبهه من نحوه وخفته أو ثقله لم يضمن، ولو حمل حجارة أو رصاصاً بوزن ذلك لضمن؛ لاختلاف ما بين ذلك. قال ابن القاسم: ومن تكارى من رجل إلى مكة بمثل ما يتكارى الناس لم يجز، وإن اكترى مشاة على أزوادهم وعلى أن لهم حمل من مرض منهم لم يجز، ومن اكترى من رجل دابة على أنه إن بلغه موضع كذا يوم كذا، وإلا فلا كراء له لم يجز، وكذلك على أنه إن بلغك إلى مكة في عشرة أيام فله عشرة دنانير، وإن أدخلك في أكتر من ذلك فله خمسة دنانير لم يجز، ويفسخ قبل الركوب، فإن نزل وبلغك إلى مكة فله كراء مثله في سرعة السير وإبطائه ولا ينظر إلى ما سمياً، وكل من ركب أو حمل أو سكن في كراء فاسد فعليه كراء المثل. م/ يريد وكذلك لو قبض الدابة أو الدار فلم يحمل ولم يسكن حتى انقضت مدة الكراء فعليه كراء مثلها على أنها مستعملة. وقال بعض أصحابنا المتأخرين: بل على أنها معطلة في قول ابن القاسم، كمن اكترى ذلك مدة فحبسها بعد المدة أياماً لم يحمل ولم يسكن أن عليه كراء مثلها على أنها معطلة عند ابن القاسم، فكذلك هذا. م/ وهذا خطأ، والفرق عندنا أن الذي حبس ذلك بعد المدة متعد في حبسه لم يؤذن

له فيه، ولا في الانتفاع به، فوجب عليه كراء ما استعملها فيه. والذي اكترى ذلك كراء فاسداً إنما أخذها على الانتفاع بها، فليس الذي صنع من التعطيل يبطل حق ربها، كمن اكترى ذلك كراء صحيحاً فعطلها، وكمن اكترى داراً بثوب وتقابضا فلم يكن حتى انقضت المدة، ثم استحق الثوب أن عليه كراء مثلها على أنها مسكونة. وقد وافقنا في هذا من خالفنا. ولا فرق بين الكراء الفاسد إذا فات بانقضاء المدة وبين الكراء الصحيح بعرض فيستحق العرض بعد فوات المدة أن في ذلك كراء المثل لفواته. وقد قال مالك في كتاب العتق فيمن اشترى عبداً شراء فاسداً ثم أعتقه أن عليه قيمته، كمن اشترى عبداً بثوب فأعتقه فاستحق الثوب أن عليه قيمة العبد.

[الباب الرابع] في إلزام الكراء وفسخه بعيب أو عذر والتحول في الكراء

[الباب الرابع] في إلزام الكراء وفسخه بعيب أو عذر والتحول في الكراء [الفصل 1 - إلزام الكراء العاقد به باللفظ] ومن القضاء إلزام الكراء العاقد به باللفظ كالبيع إلا أن يرد بعيب ونحوه أو يتقايلا. قال ابن المواز: ويوم يقع الكراء يجب الركوب إلا أن لا يمكن لليل غشيهم أو غيره فيؤخر إلى مكانه إلا أن يسميا أجلاً معروفاً جائزاً فينفذ بينهما. ومن المدونة، قال مالك: وإذا تكارى قوم دابة ليزفوا عليها ليلتهم عروساً، فلم يزفوها تلك الليلة، فعليهم الكراء، وإن اكترى دابة ليشيع عليها رجلاً إلى موضع معلوم أو ليركبها إلى موضع سماه، فبدا له أو للرجل لزمه الكراء، وليكري الدابة إلى الموضع في مثل ما اكترى، وإن اكتراها ليركب يومه بدرهم فمكن منها فتركها حتى مضى اليوم لزمه الكراء، وإن اكتراها إلى الحج، أو إلى بيت المقدس، أو إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فعاقه مرض، أو مات، أو عرض له غريم حبسه في بعض الطريق فالكراء له لازم، وله أو لورثته كراء الدابة في مثل ما اكترى من مثله، ويكون صاحب الإبل أولى بما على إبله من الغرماء حتى يقبض كراءه، وللغرماء أن يكروها في مثل ما اكترى. قال ابن القاسم في العتبية: إذا مات المكترى في الطريق، فلم يجد وليه كراء فأراد أن يطرح في شقه حجارة فليس له ذلك، وهذا مضار، إلا أن يكون له في تلك الحجارة

منفعة، ولو شرط عليه في أول الكراء أنه إن مات في الطريق قاصه بما ركب، فلا خير فيه. وقال في الذي يكري الدابة إلى موضع فيقطع عليه اللصوص أو يسرق له متدع أو قطع له شيء لا يقدر معه على المسير، فالكراء لرب الدابة واجب، فإن شاء المكتري سار أو أقام، ويكريها في مثل ذلك. وقاله سحنون. [الفصل 2 - فسخ الكراء لضرر أو عيب] وأما من تكارى دابة إلى موضع فبلغه شيء لا يقدر معه على دخوله ولا التخلص إليه، فالكراء يفسخ بينهما. قال ابن حبيب: وإذا أصاب المرأة طلق في الطريق لم يجبر كريهاً على المقام عليها في الحج، وتقيم هي إن أحبت وتكري ما تكارته، وإنما يحبس عليها كريهاً في الحج إذا نفست قبل تمام حجها؛ لأنه كأنه أكرى إلى أن يتم حجها. وقاله مطرف وابن الماجشون. قال: وإن سار المتكاريان بعض الطريق، والكراء مضمون أو معي، فبلغهم فساد الطريق أو انغلاقه بينا لا يرجى كشفه إلى أيام فيها مضرة على أحدها أو عليهما، فلمن شاء منهما فسخ الكراء، فإن كان في موضع غير مستعتب، فعلى المكري أن يرده

إلى المستعتب والمكان المأمون كان بين يديه أو خلفه، فإن كان بين يديه فله بحساب كرائه، وإن كان خلفه فبكراء مثله والأول بحسابه. قاله أصبغ. ومن المدونة قال: وإن اكتريت دابة أو بعيراً بعينه فإذا هو عضوض أو جموح أو لا يبصر بالليل، أو دبر تحتك دبرة فاحشة يؤذيك ريحها فما أضرمن ذلك براكبها فلك فيه الفسخ؛ لأنها عيوب، والكراء غير مضمون. [الفصل 3 - التحول في الكراء] ابن المواز: فإن قال له ربها اركبها، فإن لم تواتك فعلى بدلها حتى أبلغك، فإن كانت مما يقضي له بردها فلا خير في شرطه أن يبلغه؛ لأن الكراء في معينة، فإن نزل فعليه كراء ما ركب، ولا خير أيضاً في أن يحوله إلى غيرها، وإن لم يضمن له. وإن كانت الأولى في خفة أمر الدبرة لا يقضي بردها، فإن الكراء الأول لازم، والشرط الثاني باطل. قال ابن القاسم وعبد الملك: ومن اكترى دابة بعينها إلى بلد، ثم أراد أن

يتحول منها إلى دابة أوطأ منها لم يجز لا بزيادة ولا بغيرها، فإن فعل فعليه في الثانية كراء مثلها ما بلغ، ويبقى كراء الأولى قائماً بينهما. م/ ويجوز هذا على قول من يجيز أن يأخذ من دين له كراء دابة بعينها. قال مالك: ولو هلكت الدابة المعينة ببعض الطريق. م/ يريد وهو قد نقده فلا ينبغي أن يعطيه دابة أخرى يركبها بقية سفره إلا أن يصيبه ذلك بفلاة من الأرض وموضع لا يجد فيه كراء، فلا بأس به للضرورة إلى موضع مستعتب فقط. وسواء تحول من كراء مضمون أو معين إذا كان الكراء الأول معيناً، وكذلك في العتبية والواضحة. قال في الواضحة: ولو شرط في أول كرائها إن ماتت فدابته الأخرى بعينها مكانها إلى غاية سفره، أو شرط أن باقي كرائه مضمون عليه فلا خير فيه. قال ابن القاسم في العتبية: وإن سأله أن يحوله من محمل إلى زاملة ويرد عليه ديناراً، أو يرده من زاملة إلى محمل ويزيده ديناراً وقد ركب أو لم يركب فذلك جائز. م/ لأن ذلك ليس بانتقال من دابة إلى دابة، إنما انتقل إلى صفة ركوب في تلك الدابة المعينة. قال: إلا أن يكون قد نقده فلا يزيده الحمَّال شيئاً إلا أن يكون قد سار بعض الطريق،

فتزول تهمة السلف، وأما زيادة الراكب ويتحول إلى محمل فلا بأس به، ركب أو لم يركب، نقد أو لم ينقد. قال عنه أصبغ: وأما إن تكارى على حمل أعكام فأراد أن يتحول إلى محمل ويزيده فلا يجوز. قال أصبغ: لتباعد هذا من هذا. قال أشهب عن مالك: ومن اكترى من مصر إلى الحج، ولم يشترط الممر بالمدينة فيريد ذلك ويأبى الكري، فذلك على الكري إلا أن يخاف فوات الحج. قال ابن ميسر: ولا يراعى سهولة الطريق؛ ولأنه واجب عليه بدءاً بالإحرام. ومن المدونة: وإذا مرض العبد في مدة الإجارة سقط عنك كراء أيام مرضه فإذا صح في بقية المدة عاد إلى عمله. قال غيره في كتاب الإجارة إلا أن يتفاسخا قبل ذلك. قال ابن القاسم: وإذا اعتلت الدابة المكتراه في الطريق يريد وهي بعينها فسخ الكراء وإن صحت بعد ذلك لم يلزمه كراؤها بقية الطريق بخلاف العبد للضرورة في صبر المسافر عليها، وهي إن صحت بعده لم تلحقه، وإن لحقته فلعله قد اكترى غيرها.

يريد: وكذا لو كان كراؤه للعبد في السفر؛ لأنه يلحقه فيه من الضرورة ما يلحقه في الدابة، وإنما اختلفا؛ لأن مسألة العبد في الحضر. قاله بعض فقهائنا. قال مالك: ولو رضي المكتري بالمقام على الدابة وأبى ربها إذا مرضت إلا بيعها فإن كان مرضاً يرجى برؤه إلى ما قرب كاليومين ونحوهما مما لا ضرر فيه على ربها حبس لذلك، وإن كان فيه ضرر فسخ.

[الباب الخامس] في زيادة المكري والمكتري على الدابة وإردافه وكراؤه من غيره. والقضاء أن الكراء كالشراء، وأن المتعدي ضامن، وقد أجاز غير واحد من التابعين الربح في الكراء، ولم يروه تعديا

[الباب الخامس] في زيادة المكري والمكتري على الدابة وإردافه وكراؤه من غيره. والقضاء أن الكراء كالشراء، وأن المتعدي ضامن، وقد أجاز غير واحد من التابعين الربح في الكراء، ولم يروه تعدياً. [الفصل 1 - زيادة المكري على الدابة] قال مالك: وإن اكتريت دابة بعينها فليس لربها أن يحمل تحتك متاعاً ولا يردف رديفاً وكأنك ملكت ظهرها، وكذلك السفينة. وإن حمل في متاعك على الدابة متاعاً بكراء أو بغير كراء، فلك كراؤه إلا أن تكون اكتريت منه حمل أرطال مسماة فالزيادة للمكري، وقد كان للمكتري منعه من الزيادة عليها. م/ قال غير واحد من أصحابنا: وقول أشهب هذا وفاق لابن القاسم. وحكي لنا عن بعض شيوخنا القرويين أنه قال: وإن اكترى الدابة ليحمل عليها حمل مثلها من شيء معلوم فحمل عليها ربها شيئاً مع ذلك، فإن كان المكتري حمل عليها أقل من حمل مثلها فكراء ما حمل عليها ربها للمكتري. يريد إلا أن يجاوز ذلك حمل

مثلها فتكون الزيادة لربها، وقد كان للمكتري منعه، فإذا قد استوفى شرطه فلا كلام له. فصل [2 - في المكتري يكري من غيره وفي ربح الكراء] ومن المدونة قال مالك: ومن اكترى دابة ليركبها فحمل مكانه مثله في الخفة والأمانة لم يضمن، وإن أكرها ممن هو أثقل منه أو من غير مأمون ضمن. قال ابن القاسم: وإن أكرى من غير مأمون فادعى تلف الدابة لم يضمن الثاني إلا أن يأتي من سببه التلف أو يتبين كذبه، ويضمن المكتري الأول لربها بتعديه. قال: ولا يعجبني لمن اكترى دابة أن يكريها من غيره؛ لأن ربها قد يكري منه لحاله وحسن ركوبه، ولعله يجد من هو أخف منه، وهو أخرق في الركوب منه. قال ابن القاسم: فإن فعل لم يضمن إن حمل مثله في الثقل والحال والركوب، وأما في موته فلورثته حمل مثله. وأكثر قول مالك أن له في حياته أن يكريها من مثله في حاله وخفته. قال ابن المواز: قال مالك: لم يختلف من أدركت من العلماء في إجازة ربح الكراء في الدور والدواب والسفن والمتاع والصناعات في مثل ما اكترى. وقد استثقلت مالك في الركوب إلا أن يقيم أو يموت، ولم يختلف قوله في الأحمال. ابن المواز: والأول جائز. قال ابن حبيب: ومعنى إجازة مالك في الحمل والمحامل للمكتري أن يكريها في مثل

ذلك إنما هو إذا كان رب الدابة معها يتولى سوقها والحط عنها والحمل عليها، فأما لو كان إنما أسلمها للمكتري يتولى ساقها فذلك مثل ركوبها بسرجها، فله منعه من أن يكريها من غيره؛ لاختلاف سوق الناس ورفقهم، إلا أن يكون المكتري ممن لا يتولى سوقها بنفسه، قد علم بذلك المكري، فلا حجة له في منعه أن يكريها من غيره في مثل حملها؛ لعلمه أنه لا يتولى سوقها بنفسه. فصل [3 - في الرجل يكتري من آخر على حمولة إلى بلد، ثم يصرفها إلى بلد آخر] ومن المدونة: ومن اكترى من رجل على حمولة إلى بلد فليس له إصرافها إلى غير البلد الذي اكترى إليه، وإن ساواه في المسافة والصعوبة والسهولة إلا بإذن المكري، ولم يجزه غيره. وإن رضيا؛ لأنه فسخ دين في دين إلا بعد صحة الإقالة. يريد وبعد رد النقد إن كان نقده على قول غيره. وروى أشهب عن مالك في العتبية أنه إن كان مثل الموضع الذي تكارى إليه في السهولة والحزونة فذلك له. ومثله لابن القاسم في كتاب محمد. م/ وهذا أحسن الأقوال؛ لأنه إن كان مثله في السهولة والوعورة والقرب والبعد فكأنه هو، وهو كمن اكتراها ليحمل عليها بغدادياً فحمل مثله شطوياً أو مكان قمح شعيراً فليس في ذلك تعد ولا فسخ دين في دين.

وقول ابن القاسم والمدونة أضعفها؛ لأنه إذا تساوت الأماكن فلا يلتفت إلى رضا ربها، وإن اختلفت لم يجز رضاه؛ لأنه فسخ دين في دين، وبالله التوفيق. فصل [4 - في زيادة المكتري في الحمل على الدابة] ومن المدونة قال مالك: وإذا زاد المكتري على الدابة في الحمل الذي اشترط فعطبت، فإن زاد ما تعطب في مثله خير ربها بين أخذ المكتري بقيمة كراء ما زاد على الدابة بالغاً ما بلغ مع الكراء الأول، أو قيمة الدابة يوم التعدي ولا كراء له. م/ يريد إذا زاد ذلك في أول الحمل، فإن زاد بعد أن سار نصف الطريق، واختار أخذ قيمة الدابة، فله أخذ قيمة الدابة يوم التعدي ونصف الكراء الأول، وكذلك في ثلث الطريق أو ربعها ثلث الكراء أو ربعه مع قيمة الدابة. قال مالك: وإن زاد ما لا تعطب في مثله فله كراء الزيادة فقط مع الكراء الأول. م/: لأن عطبها ليس من أجل الزيادة، وذلك بخلاف مجاوزة المسافة؛ لأن مجاوزة المسافة تعد كله، فيضمن إذا هلكت في قليله وكثيرة، والزيادة على الحمل المشترط اجتمع فيه إذن وتعد، فإن كانت الزيادة لا يعطب في مثلها علم أن هلاكها مما أذن له فيه. وقد قال المشيخة السبعة: إذا بلغ المسافة ثم زاد كراء الزيادة إن سلمت

الدابة، وإن هلكت ضمن. م/ وصفة كراء الزيادة في الحمل إذا وجب لربها أو اختاره فيما تعطب فيه أن يقال: كم يسوى كراء هذه الزيادة على هذه الدابة المحملة حسب ما تعدى عليها المكتري، فيكون ذلك لربها مع كرائه الأول. وقال بعض أصحابنا: يكون له الكراء الأول وفضل الضرر كمن اكتراها لحمل شيء فحمل أضر منه، وأثقل فإنه يكون له فضل الضرر. م/ وليس الأمر كذلك؛ لأن الذي زاد في الحمل حمل ما أذن له فيه، وزاد عليه، فإنما يكون عليه كراء الزيادة، وهو في هذا كمن زاد في المسافة التي أذن له فيها، فإنما عليه كراء الزيادة مع الكراء الأول، والذي حمل غير اكتراها له كمن ركبها في غير الطريق الذي أذن له فيها، فهذا له فضل الضرر، والله أعلم. وكل محتمل؛ لأن الذي أردف حمل أضر مما اكتراها له، فوجب أن يكون كمن اكتراها لحمل بز فحمل رصاصاً، فوجب أن يكون له فضل الضرر، يقال: كم يسوى كراء ركوبه خاصة؟ فيقال: عشرة. ثم يقال: كم يسوى بالرديف؟. فإن قيل: خمسة عشر. كان له الكراء الأول المسمى وزيادة خمسة. قال بعض فقهاء القرويين: وإن زاد ما لا تعطب في مثله فعطبت فلم يضمنه ابن القاسم، والأشبه أن يضمن؛ لأنه سيرها على غير ما أذن له فيه، فأشبه الزيادة في المسافة

المأذون له فيها. م/ وقد ذكرنا الفرق بينهما، وهو أبين. ومن المدونة قال ابن القاسم: وكذلك إن اكتراها لركوبه فأردف خلفه رديفاً، أو اكتراها ليشيع عليها رجلاً، فأردف خلفه رجلاً فعطبت، ينظر إن عطبت لذلك كما ذكرنا. وأما زيادة الحاج في وزن الزاملة أكثر من شرطه مما تعطبت في مثله. فقال مالك: وليس الحاج كغيره. وقد عرفت للحاج زيادات من السفر والأطعمة لا ينظر فيه للمكري ولا يعرف ما حمل، فلا ضمان عليه في ذلك. قال: وذلك إذا كان المكري قد رأى ذلك وحمله فالضمان ساقط. م/ يريد ولو لم يره الجمال لضمن؛ لأنه زاد ما تعطب في مثله. فصل [5 - في مكتري الدابة يبلغ غايته ثم يزيد ميلاً أو أميالاً أو يحبسها عنده أياماً] قال ابن القاسم: وإذا بلغ المكتري الغاية التي اكترى إليها، ثم زاد ميلاً أو نحوه أو أميالاً أو زيادة كثيرة، فعطبت الدابة، فلربها كراؤه الأول، والخيار في أخذ قيمة كراء الزيادة بالغاً ما بلغ، أو أخذ قيمة الدابة يوم التعدي. ابن المواز: وقيل: إنه ضامن ولو زاد خطوة. وقال ابن القاسم عن مالك: يضمن في زيادة الميل ونحوه، وأما مثل ما يعدل الناس

إليه في المرحلة فلا يضمن. ومن المدونة قال: ولو ردها بحالها بعد زيادة الميل أو الأميال أو بعد أن حبسها اليوم ونحوه. قال ابن حبيب عن مالك: أو أياماً يسيرة لم يضمن إلا كراء الزيادة. قال ابن القاسم: وأما إن كثرت الزيادة أو حبسها أياماً أو شهراً. قال ابن حبيب: أياماً كثيرة مثل الشهر ونحوه وردها بحالها فلربها كراؤه الأول والخيار في أخذ قيمتها يوم التعدي أو كرائها فيما حبسها فيه من عمل أو حبسه إياها بغير عمل بلغ ذلك ما بلغ، وإن لم تتغير. وقال غيره: إن كان ربها حاضراً معه في المصر فإنما له فيما حبسها بحساب الكراء الأول، وكأنه رضي به؛ لأنه كان قادراً على أخذها، وتمادى المكتري رضا منه بالمسمى، وإن كان غائباً عنه ورد الدابة بحالها فله في الزيادة الأكثر من قيمة كراء الزيادة أو من حساب الكراء الأول، حمل عليها شيئاً أولاً، وإن شاء فقيمة الدابة يوم حبسها، وكراؤه الأول له في كل حال. وحكي لنا عن بعض فقهائنا القرويين أنه إذا حبس الدابة أياماً بعد فراغ كرائه، وربها حاضر ولم ينكر عليه فهلكت الدابة أنه لا يضمن على قول ابن القاسم. وإن أوجب عليه كراء المثل؛ لأن ربها كان قادراً على أخذها منه، ولم ينه المكتري عن حبسها. وأما على قول غيره فذلك أبين أنه لا يضمن، ولا يختلفون في الغائب أنه له أن يضمنه القيمة. قال في كتاب الغصب: ومن استعار دابة أو اكتراها ليشيع عليها رجلاً إلى ذي

الحليفة فبلغها، ثم تنحى قريباً منها فنزل، ثم رجع فهلكت الدابة في رجوعه، فإن كان ما تنحى إليه مثل منازل الناس لم يضمن، وإن جاوز منازلهم ضمن. وذكر ابن حبيب عن سحنون أنه رد مسألة ابن القاسم. وقال سحنون: إذا رد الدابة إلى الموضع الذي أمر بالبلوغ إليه، ثم ماتت في الطريق فلا ضمان عليه، وجعله كمن رد ما تسلف من الوديعة ثم ذهبت بعد رده، وكمكتري الدابة ليحمل عليها وزناً معلوماً فزاد عليها ما تعطب في مثله، ثم نزع الزيادة، ثم ماتت أنه لا يضمن الدابة، وإنما عليه كراء الزيادة. وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون وأصبغ: إذا كانت يسيرة أو جاوز الأمد الذي تكارى فيه بيسير مما لا خيار فيه لربها إذا سلمت، ثم رجع بها سالمة إلى موضع تكاراها إليه فماتت، أو ماتت في الطريق إلى الموضع الذي تكاراها إليه فليس لربها إلا كراء الزيادة كرده لما تسلف من الوديعة، ولو زاد كثيراً مما فيه مقام الأيام الكثيرة التي يتغير في مثله سوقها، فهو ضامن لها كما لو ماتت في مجاوزة الأمد أو المسافة. م/ وهذا القول أحسنها وبه أقول؛ لأنها إذا كانت زيادة يسيرة مما يعلم أن ذلك لم يعن على قتلها فهلاكها بعد ردها إلى موضعها المأذون فيه كهلاك ما تسلف من الوديعة بعد رده لا محالة، وإن كانت الزيادة كثيرة، فتلك الزيادة قد أعانت على قتلها. والله أعلم.

فصل [6 - في المكتري يستعمل في غير ما اكترى لأجله أو يوقفه المكتري حتى ينتهي من كرائه] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اكترى دابة لحمل محمل، فحملها زاملة فعطبت، فإن كان ذلك أقل ضرراً من المحمل أو مساوياً له لم يضمن، وإن كان أضر ضمن، وكذلك حمله مكان كتان صوفاً أو مكان بز دهناً أو مكان دهن رصاصاً فربما تساوى الوزن وتفاوت الضرر، إما لأن ما حمل أضر لجفائه أو لأنه أضغط لظهور الدواب كالرصاص ونحوه، وكذلك إن اكترى ليركب فحمل غيره أثقل أو أضر منه فما ضمنته به من ذلك كله، فإن لرب الدابة إن شاء كراء الفضل في الضرر والتغير، أو قيمة الدابة وكذلك إن اكترى رحى ليطحن حنطة فطحن شعيراً أو عدساً أو غير ذلك من القطنية فانكسرت الرحى، فإن كان طحن ذلك ليس بأضر من الحنطة لم يضمن، وإن كان أضر ضمن، وكذلك إن اكترى دابة ليحمل عليها حنطة فحمل شعيراً أو ثياباً أو دهناً، فله أن يحمل غير ما سمى إن لم يكن ذلك أضر ولا أثقل ولا أتعب، ورب زاملة أثقل من محمل وهي أرفق بالإبل، والحديد أضغط لظهورها. وصفة كراء فضل الضرر أن يقال: كم قيمة كرائها على حمل ما شرط حمله؟ فيقلل: عشرة دراهم. ويقال له: كم قيمة كرائها على حمل ما حمل؟ فيقال: خمسة عشر.

فيكون له الكراء الأول المسمى وزيادة خمسة، وإن قالوا قيمة الكراء الثاني عشرون كان له الكراء الأول وزيادة عشرة، ثم على هذا. وقال بعض شيوخنا: بل يكون له قيمة الكراء الثاني بالغاً ما بلغ، ويسقط الأول، وليس ذلك بصواب؛ لأنه ربما تغابنوا في الكراء حتى يكون قيمة الذي هو أضر أقل من المسمى أو مثله في الذي هو أخف. م/: وأظنه إنما رأى كلام ابن المواز في الذي أكرى دابة في أيام بأعيانها فاستعملها في غير ما اكتراها له بغير إذن ربها، أو أوقفها حتى زال الوقت. فقال ابن القاسم: إذا قبضها فأوقفها حتى زال الوقت لزمه الكراء كاملاً، وإن استعملها في غير ما اكتراها له بغير إذن ربها وقيمة ذلك أكثر من قيمة ما اكتراها له، فالفضل لرب الدابة، وإن كان أقل لم يكن له غيره. فقال ابن المواز: تفسيره عندي أن يسقط الكراء الأول، وتكون له قيمة الثاني كان أكثر أو أقل. قال: ولم يعجبني ذلك، بل يكون له الأكثر من الكراء الأول أو الثاني. ومعنى قول ابن القاسم عندي: وإن كان أقل لم يكن له غيره يريد غير الكراء الأول وهو يقول: لو أوقفها كان له الكراء الأول كله فكيف إذا استعملها عمدا؟، فالأشبه بالأصول إذا استعملها في غير ما اكتراها له وكان أضر أن يكون لرب الدابة كراء فضل الضرر مع الكراء الأول المسمى حسب ما بيننا، وإن كان ما استعملها فيه أقل فعليه الكراء الأول المسمى كما لو أوقفها، وكأنه رضي أن يحمل أخف مما شرط، ولا فرق عندي في هذا بين يوم معين أو غير معين. م/ وفرق محمد بين اليوم المعين وغيره.

وقال في غير المعين: عليه مثل ما حمل بالغاً ما بلغ، ويلزمه حمل ما شرط عليه بالمسمى، وإن كره رب الدابة. وحجته: لأن حمله غير ما أذن له فيه تعد، فلا يفسخ تعديه كراءه الأول، وليس له أن يغرمه كراء فضل الضرر بخلاف المعين. م/ وظاهر هذا خلاف المدونة، وله عندي أن يأخذ منه كراء فضل الضرر، أو يغرمه قيمة كراء ما حمل ويحمل له الأول بالمسمى، ولرب الدابة أن يحمل غير ما أذن له فيه إذا تساوى ضررهما وكأنه أذن له فيه في ذلك، ودليلنا أنه لو زاد في حمل ما شرط حمله لوجب عليه كراء الزيادة في المعين وغيره، فكذلك إذا حمل غير ما شرط أضر منه أن يكون له كراء فضل الضرر في المعين وغيره؛ لأنه إذا أخذ كراء فضل الضرر فكأنما حمل ما أذن له فيه وزيادة عليه. ولأن رب الدابة يقول: إنما أكريت دابتي لحمل شيء خفيف فحمل عليها أثقل منه وأضر بها فتكفلونني أن أحمل عليها حملاً ثانياً، وذلك يهلك دابتي، ويضرني، والظالم المتعدي أحق أن يحمل عليه وبالله التوفيق. وقال أحمد بن ميسر: إذا اكترى الدابة أياماً بأعيانها، فقبضها، وأوقفها، أو استعملها في دون ما اكتراها له، فالكراء الأول كامل لربها، وإن تعدى فاستعملها في أكثر منه فقد انفسخ الكراء الأول بمضي الأيام المعينة، ويكون له كراء مثلها في شدة ذلك العمل الذي استعملها فيه. م/ يريد ما لم يكن أقل من المسمى. فصل [7 - في تجاوز المكتري إلى بلد لم يكتر إليه] ومن المدونة، قال ابن القاسم: ومن اكترى دابة من مصر إلى برقة ذاهباً وراجعاً إلى مصر فتمادى إلى إفريقية، وعاد إلى مصر، فرب الدابة مخير في أخذ قيمة

كرائها من برقة إلى إفريقية ذاهباً وراجعاً إلى برقة مع كرائه الأول ما بلغ، أو نصف الكراء الأول مع قيمتها ببرقة يوم العداء ردها بحالها أو تغيرت؛ لأن سوقها قد تغير، وقد حبسها المكتري عن نفعه بها وعن أسواقها. قال مالك: وإن اكتراها إلى بلد ذاهباً وراجعاً فعطبت يوم وصولها إلى البلد لم يضمن المكتري، ولربها نصف الكراء فقط، وإن جاوزها. م/ يريد بزيادة كثيرة، أو أعطبت في اليسيرة. قال: فلربها قيمتها يوم تعدية مع كرائه إلى ذلك الموضع، وإن شاء أخذ دابته وكراء ما تعدى فيه. م/ يريد مع كرائه الأول. ومن اكترى ثوراً ليطحن عليه كل يوم إردباً، فطحن عليه إردبين، فعطب الثور، فلربه إن شاء أخذ كراء الإردب الأول وقيمة الثور يوم ربطه في الثاني، وإن شاء قيمة طحن الثاني ما بلغ مع الكراء الأول. ومن العتبية وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ومن اكترى بعيراً ليحمل عليه ثلاثمئة رطل، فحمل عليه أربعمئة. ابن المواز: وهو مما يعطب في مثله، فقدم به وقد أعجفه، فخاف عليه ربه فنحره، ولم يعلم بالزيادة، ثم علم، فرب البعير مخير بين أن يأخذ منه كراء ما زاد فقط أو يأخذ ما بين قيمته يوم تعدى عليه وبين قيمته يوم قدم به ونحره.

[الباب السادس] فيمن اكترى دابة إلى بلد كذا على أنه إن زاد أو نقص فبحسابه

[الباب السادس] فيمن اكترى دابة إلى بلد كذا على أنه إن زاد أو نقص فبحسابه [الفصل 1 - في تحديد موضع تقدم المكتري عن البلد المكتري إليه] ومن كتاب ابن المواز والعتبية قال مالك: ومن تكارى دابة إلى بلد كذا بدينار على أنه إن تقدم بها فبحساب ما تكارى منه، فذلك جائز إذا سمى موضع التقدم، أو عرف نحوه وقدره، وإن لم يسمه مثل أن يقول: عبدي الآبق بذي المروة فأكر مني إليها بدينار، فإن تقدمت فبحساب ذلك. أو يقول: اكترى منك إلى الشجرة أتلقى الأمير فما تقدمت فبحسابه، فهذا لا بأس به، كأنه أمر قد عرف وجهه فهو كتسمية الموضع الذي يتقدم إليه، فأما إن تكارى منه إلى موضع بدينار على أنه أينما بلغ من الأرض كلها فبحسابه، فلا خير فيه، مرة يذهب إلى العراق، ومرة يذهب إلى الغرب، فلا يجوز حتى يكون موضع التقدم معلوماً مسمى، أو أمر له وجه يعرف قدره، وإن لم يسمه. [الفصل 2 - في نقد كراء الغاية الأولى والحكم في نقد كراء الغاية الثانية] قال ابن المواز: ثم لا ينقذه إلا كراء الغاية الأولى، فإن نقده الكراءين دخله بيع وسلف. قال مالك فيمن اكترى دابة في طلب ضالة أو آبق فلا يجوز حتى يسمى موضعاً، فإن سماه فقال: إن وجدت حاجتي دون ذلك رجعت، وكان علي من الكراء بحسابه، فذلك

جائز إن لم ينقده. قال ابن المواز: ومن اكترى إلى مكة بخمسة عشر ديناراً على أنه إن شاء الرجوع فبذلك الكراء فجائز إن استوى الوزن والحمولة، وكان الكراء واحداً غير مختلف. قال أصبغ: ما لم ينقذه شيئاً من كراء الرجعة. قال ابن القاسم: ولو قال إلى مكة بعشرة، فإن بدا لي إلى اليمين فبخمسة عشر لم يجز وهو من بيعتين في بيعة، إلا أن يقول: فبحساب ذلك، فيجوز. قال ابن المواز: وإن قال فإذا بلغت إلى مكة ووضعت أحمالها أو بعضها ثم أردت الكراء إلى اليمن فبحساب ذلك لم يجز إذا كان ينقص من الحمولة ببيع أو غيره أو يزيد فيها. وقال مالك فيمن اكترى من مصر إلى مكة بدينارين على أنه إن بلغ الطائف فبأربعة لم يجز. قال ابن القاسم: وهو من بيعتين في بيعة. قال مالك: وإن قال: فإن بلغت إلى الطائف فبحساب ذلك جاز، إن لم ينقده إلا كراء مكة فقط، وذلك لازم للمكري إن أراد المكتري التقدم، وقاله عبد الملك. قال عبد الملك: ولو قال: أكريها إلى مكة بدينار، وإلى الطائف بأربعة جاز؛ لأنه

إنما وقعت الصفقة إلى الطائف بخمسة، وصار ذكر مكة لغواً، وإنما يفسد إذا قال: على أنه إن بلغ الطائف فبأربعة، ولو لم يجعل الطائف واجباً. قال عبد الملك: وهذا إن لم تكن الوجيبة الأولى أقل من الذي فيه للمكتري الخيار أو تكون الثانية كثيرة، وإن استويا، خوفاً أن يرخص له في الوجيبة الأولى لطمعه بكثرة الكراء الثاني، فهذا فاسد في المسافة الأولى والثانية، ولو قال له بعد تمام العقد في المسافة الأولى: إن بلغت بلد كذا بحساب ذلك لكان جائزاً، وإن كثرت الوجيبة الثانية؛ لأنه سلم من الخديعة بذكر الزيادة على الوجيبة في العقد. وذكر عنه ابن حبيب أنه لا يجوز من ذلك بعد الصفقة إلا ما يجوز فيها من أن يكون الكراء الثاني أقل، ويكون له حد معلوم، ويكون بحسابه. [مسألة: الكراء في الدابة المعينة لا يكون إلا مشروعاً فيه] قال: لا يجوز لغير المكتري أن يقول لرب الدابة: دابتك التي أوجبتها لفلان إلى مكة هي لي بعد بلوغه إلى مكة أركبها إلى الطائف بحساب ما اكترى؛ لأن الكراء في الدابة المعينة لا يكون إلا مشروعاً فيه، وإنما جاز ذلك للمكتري الأول؛ لأنه بيده قد شرع فيه. [الفصل 3 - استزادة المكتري في مدة الطريق ومسافته، وتغيير الطريق الأولى] قال: وإذا استزاده المتكاري في مدة الطريق ومسافته فذلك له ما لم يدع الطريق الأولى إلى غيرها، فلا يجوز له، بزيادة ثمن، ولا بغير زيادة، اتفقت المسافة أو اختلفت، ويصير كغيره ممن لا معاملة بينه وبينه. م/ وإذا كانت مثل المسافة الأولى في البعد والسهولة والوعورة، ولم يزده على الكراء

الأول شيئاً فهو جائز على قول ابن القاسم، ولا يجوز على قول غيره. وقد تقدم هذا. قال ابن حبيب: ولو كانت وجيبة كراؤها إلى مكة ذاهباً وراجعاً فقال له لما وصل إلى مكة: ارجع بنا في طريق غير التي جئنا منها، وهي مثل تلك في المسافة أو أقرب أو أبعد، فإن كان رجوعه إلى البلد الذي اكترى منه، فذلك جائز بزيادة أو بغير زيادة من أحدهما، ولو أراد لما بلغ مكة أن يفسخ رجعته إلى بلد آخر في سفر يبتديه من مكة بزيادة أو بغير زيادة أو بوضعية لم يجز على حال كان الكراء في ذلك كله معيناً أو مضموناً، وقاله عبد الملك وابن الماجشون.

[الباب السابع] في اختلاف المتكاريين في الدواب والمتكاريان كالمتبايعين والقضاء في اختلافهما كالقضاء في اختلاف المتبايعين، وأصل هذا وإيعابه قد تقدم في كتاب البيوع

[الباب السابع] في اختلاف المتكاريين في الدواب والمتكاريان كالمتبايعين والقضاء في اختلافهما كالقضاء في اختلاف المتبايعين، وأصل هذا وإيعابه قد تقدم في كتاب البيوع. [الفصل 1 - في اختلاف المتكاريين قبل الركوب أو بعد المسير القريب] قال مالك: وإذا اختلف المتكاريان قبل الركوب أو بعد مسير لا ضرر في رجوعه فقال: المكري أكريتك إلى برقة بمئة، وقال المكتري: إنما اكتريت منك إلى إفريقية تحالفاً وتفاسخا نقد الكراء أو لم ينقده. قال غيره: إذا انتقد الجمال الكراء، وكان يشبه ما قال فالقول قوله؛ لأنه مدعى عليه. ألا ترى لو قال: بعتك بهذه المئة التي قبضت منك مئة إردب إلى سنة. وقال المبتاع: بل اشتريت بها منك مئتي إردب إلى سنة وكان ما قال البائع يشبه فالقول قوله والمشتري مدعى عليه. م/ وهذا الذي احتج به الغير يخالف فيه مالك ويرى أن يتحالفا ويتفاسخا للحديث. م/ وقول الغير هاهنا جارٍ على رواية ابن وهب فيما إذا قبض المبتاع السلعة في بيع النقد، ثم اختلفا في ثمنها، فجعل قبض الدنانير هاهنا كقبض المبتاع السلعة في بيع النقد، وصار البائع هاهنا مطلوباً في زيادة المثمون كما كان المبتاع في قبض السلعة مطلوباً بزيادة

الثمن فيجعل القول قول المبتاع في الوجهين. قال ابن المواز: اختلف في اختلاف المتكاريين في الدواب، والذي أختار أنهما إذا اختلفا في البلد أو بعد المسير القريب كبئر عميرة وكان ذلك في قلة الكراء أو كثرته أو في المسافة فإنهما يتحالفان ويتفاسخان في كراء الدابة بعينها وكذلك إن كان مضموناً لقرب العقد في المضمون لم يمض الشهر ونحوه ويبدأ صاحب الظهر باليمين، وإن اختلفا بعد طول السفر في المعينة أو بعد طول المدة في المضمون وإن لم يشرعا فيه فالقول قول المكري في المسافة وقول المكتري في الثمن إن لم ينقد وجاء بما يشبه بعد التحالف ويبلغ من المسافة ما يقول المكري لا يزيد ويغرم له الراكب حصة ذلك من الثمن على ما يدعى الراكب، وكأنهما في القرب سلعتهما بأيديهما لم تفت، وإذ فاتت ببعد السفر فهو كقبض المشتري وفوت ما في يديه وفات رد البيع وصار ما يطلب بالثمن فهو يدعي عليه فيه ويبدأ البائع باليمين، ثم يحلف المبتاع. [الفصل 2 - اختلاف المتكاريين بعد بلوغ الغاية المكتري إليها في دعوى أحدهما] ومن المدون قال مالك: وإن اختلفا بعد أن بلغا برقة فقال المكري: إنما أكريتك إلى برقة بمئة درهم، وقال المكتري: إلى إفريقية بمئة درهم فإن انتقد المكري الكراء فهو مصدق إن أشبه أن يكون كراء الناس إلى برقة بمئة درهم ويحلف. قال ابن القاسم: وإن لم يشبه إلا قول المكتري كان للجمال حصة مسافة برقة على دعوى المكتري بعد أن يتحالفا، ولا يلزمه التمادي، وإن لم ينتقد وأشبه ما قالا؛

لأن ذلك مما يتغابن الناس فيه تحالفا وفض الكراء، فيأخذ الجمال حصة مسافة برقة ولم يتماد، وأيهما نكل قضي عليه لمن حلف، وإن أقاما بينة قبل الركوب أو بعده أي بعده أي بعد أن بلغا برقة بأعدل البينتين، فإن تكافأتا تحالفا، وإن لم يركب فسخ الكراء كله. وقال غيره: يقضي بالبينة التي زادت وليس بتهاتر. وقاله ابن القاسم في اختلاف المتبايعين قبل القبض في الثمن أنه يقضي ببينة البائع إذا زادت. قال بعض فقهاء القرويين: اختلف في الزيادة إذا كانت في مجلس واحد مثل أن تشهد إحدى البينتين بمائة وتشهد الأخرى بخمسين فقيل يحكم بالزيادة وقيل إنه تكاذب وهو الأشبه في القياس لأن كل بينة لم تقل القول الذي قالته الأخرى فقد كذبت كل واحدة صاحبتها. م/ تلخيص هذه المسألة وبيانها على أصل ابن القاسم، أن ينظر فإن أشبه قول المكري خاصة فالقول قوله انتقد الكراء أو لم ينتقده، وإن أشبه قول المكتري خاصة فالقول قوله نقد الكراء أو لم ينقده. وإن أشبه ما قالاه جميعاً نظرت، فإن انتقد الكراء فالقول قوله، وإن لم ينتقد فالقول قول المكتري، وإذا كان القول قول المكري فليحلف ويكون له جميع الكراء، وإن كان القول قول المكتري حلف ولزم الجمال ما قال إلا أن يحلف على ما ادعى فتكون له حصة مسافة برقة على دعوى المكتري ويفسخ عنه الباقي. وإن لم يشبه قول واحد منهما تحالفا وتفاسخا وكان له كراء المثل فيما مشى وأيهما نكل قضي لمن حلف عليه وبالله التوفيق.

[الفصل 3 - اختلاف المتكاريين بعد مسير نصف الطريق] قال بعض فقهاء القرويين: وإن كان اختلافهما بعد أن سارا نصف طريق برقة وقد نقده المئة فالقول قول المكري إذ أشبه ويبلغه إلى برقة بالمئة؛ لأن التفاسخ هناك فيه ضرر لعدم الكراء هناك بخلاف سكنى الدار، وقد سكن بعض السكنى؛ إذ لا ضرورة في التفاسخ في الدار فيجب أن يتحالفا ويتفاسخا في البقية. قال مالك: وكذلك لو لم ينقده المائة في الرواحل لأتم له المسافة إلى برقة التي اتفقا عليها على حساب ما يقر به المكتري أنه اكترى إلى إفريقية بمائة إذا أشبه ولم يصل به إلى إفريقية لأن رب الدابة لم يقر بذلك. [الفصل 4 - اختلاف المتكاريين في الغاية وفي مقدار الكراء] قال ابن القاسم: ولو المكري: أكريتك إلى المدينة بمئتين، وقد بلغاها، وقال المكتري: بل إلى مكة بمئة، فإن نقده المئة، فالقول قول الجمال فيما يشبه. م/ معناه إذا أشبه ما قالاه حميعاً. قال ابن القاسم: ويحلف له المكتري في المائة الباقية ويحلف الجمال أنه لم يكره إلى مكة بمئة ويتفاسخان. وإن لم ينقده صدق الجمال في المسافة، وصدق المكتري في حصتها من الكراء الذي يذكر بعد أيمانها ويفض الكراء على ما يدعي المكتري. وإن أقاما بينة قضي بأعدلهما وإن تكافأتا سقطتا.

قال هو وغيره: وذلك إذا أشبه ما قالاه حميعاً أو ما قال المكتري خاصة. وأما إن أشبه قول المكري خاصة فالقول قوله ويحلف على دعوى المكتري ويأخذ المائتين. وقال غيره: إذا أقاما بينة قضيت ببينة كل واحد منهما إذا كانت عادلة؛ لأن كل واحد ادعى فضلة أقام عليها بينة فيقضي بأبعد المسافتين وبأكثر الثمنين، وليس هذا من التهاتر وسواء انتقد أو لم ينتقد إذا أقاما البينة وكانت عادلة. [الفصل 5 - القول قول المكتري في المسير إلى الحج إذا كانت غايته مكة] قال ابن المواز: وإذا انتقد المكري المئة وبلغا المدينة فقال إلى هاهنا أكريتك بمئتين وقال الراكب: بل إلى مكة فليتحالفا ويفسخ ما بقى، ولا يكون له غير ما قبض ولا يرد منه شيئاً لحيازته إياه ولا يكون عليه التمادي إلا أن يكون في الحج فعليه أن يبلغه مكة لأن الحاج إليها يكرون. قال محمد: فيلزمه التمادي إلى مكة بما انتقد ولو لم ينقده فبالكراء الذي يقر به المكتري. قال مالك: وسواء اكترى على حمل رجل أو حمل أحمال فالمكري مصدق في الغاية إلا في أيام الحج، وكأنه يقول القول قول المكتري. وفي العتبية من سماع عيسى القول قول المكتري في الحج إن كانت حمولته

محامل أو زوامل وإن كانت أعكاما فالقول قول المكري إذا انتقد ويحلف. [الفصل 6 - اختلاف المتكاريين بعد أن سارا ما في رجوعه ضرر في غير الحج، وكانت غاية المكتري مكة] م/ وإذا اختلفا بعد أن سارا من الطريق ما في رجوعه ضرر وقبل أن يصلا إلى المدينة فقال المكري: أكريتك إلى المدينة بمئتين. وقال المكتري: بل إلى مكة بمئة وذلك في غير حج وقد نقده المئة وأشبه ما قالاه فإنك تفض المئتين على قول المكتري، وإن وقع لما سار من الطريق مئة فأكثر لم يكن للجمال غير المئة لأنه قبضها فيصدق في حصتها ويتحالفان ويتفاسخان. وإن وقع لما سار أقل من مائة فاستحسن أن يلزم الجمال التمادي إلى مقدار ما يخص المئة من الطريق على دعواه إن شاء ذلك المكتري؛ لأن الجمال قد قبض المئة وأشبه قوله ويتحالفان ويتفاسخان. م/ وهذا إذا كان يجد الكراء هناك، فإن لم يجد كراء هناك لزمه التمادي إلى المدينة، ويعطي في حصة البقية إلى المدينة على دعوى المكتري؛ لأنه لم ينقد في ذلك شيئاً، وأشبه قوله، وإن لم ينقده شيئاً، وأشبه ما قالاه لزم الجمال التمادي إلى المدينة التي ادعى أن الكراء إليها وكان له حصة ذلك من الكراء على دعوى المكتري، ويتحالفان ويتفاسخان في بقية الطريق. وإنما لزم الجمال التمادي إلى المدينة؛ لأنها مسافة اتفقا أنها داخلة في الكراء وقبض بعضها، واختلف فيما يخصها من الكراء فالمكتري مدعى عليه؛ لأنه لم ينقده.

هكذا ظاهر كلام محمد أنه يلزم التمادي إلى المسافة التي أقر بها، ووجهه ما ذكرناه وكاختلافها في ثمن الكراء. وهو ظاهر كلام غير ابن القاسم في اختلافهما في كراء الأرض. وظاهر رواية ابن القاسم في المدونة ورواية عيسى في العتبية أنهما يتحالفان ويتفاسخان بالموضع الذي بلغا إليه، ويكون للجمال حصة ذلك من الكراء على دعوى المكتري. م/ ووجه ذلك أن الجمال سلعته التي هي بقية المسافة بيده لم تقبض منه. وقد اختلفا فيها فوجب أن يتحالفا ويتفاسخا. م/ يريد إلا ألا يجد هناك كراء فيلزمه التمادي على القولين، والله أعلم. م/ وإن كان إنما نقده خمسين فلما بلغا المدينة اختلفا فإنك تفض المئة على دعوى المكتري فإن وقع إلى المدينة أكثر من خمسين لزم المكتري أن يدفع تلك الزيادة إلى الجمال فإن وقع لها أقل من خمسين لم ينقص الجمال من الخمسين التي قبض ويتحالفان ويتفاسخان في بقية المسافة. [الفصل 7 - اختلاف المتكاريين في ثمن الكراء بعد مسير بعض الطريق] ومن المدونة قال ابن القاسم: إذا تكارى منه من مصر إلى مكة فاختلفا في الكراء بأيلة، يريد اختلفا في ثمن الكراء فالقول قول المكتري إن أتى بما يشبه. قال ابن القاسم: وسواءً كان الكراء في راحلة بعينها أو مضموناً؛ لأن مالكاً قال إذا حمل الجمال المكتري على بعير من إبله لم يكن للجمال نزعه من تحته إلا أن يشاء

المكتري، ولو فلس الجمال كان هذا المكتري أحق بما تحته من الغرماء ومن أصحابه حتى يستوفي حقه وإن كان الكراء مضموناً لأنه بحوزه إياه صار كالمعين. قال ابن القاسم: فهذا يدلك أن الكراء المضمون والمعين سواء في اختلافهما في الكراء كما وصفنا. وقال غيره: ليس الراحلة بعينها مثل المضمون. م/ واختلف في تأويل قول غيره. فقال ابن حبيب: الدابة بعينها كأكريه الدور إذا اختلفا في ثمن الكراء تحالفا وتفاسخا في بقية المسافة. قال ابن أبي زمنين: وهو معنى قول الغير في المدونة أنه إذا كانت دابة بعينها تحالفا وتفاسخا كأكريه الدور. وقال غيره: معنى قول الغير أن المضمون يتفاسخان فيه. م/ يريد: لأن حقه إنما هو في ذمة المكري فهي كسلعة لم تقبض اختلفا في ثمنها أو كالسلم المضمون وإن كانت دابة بعينها فحقه فيها وقد حازت وأفات بعضها كفوت بعض السلعة فهو المدعى عليه في زيادة ثمنها. ولو هلكت الدابة أي المضمونة على هذا

القول لاتفق جواب ابن القاسم وغيره أنهما يتحالفان ويتفاسخان لأن المكتري لم يجز شيئاً هو بيده فيصدق من أجله، وإنما هو يطلب ذمة المكري والمكري عليه في ثمنه أكثر مما يقر به المكتري فيجب التفاسخ عندهما على قوله، وبالله التوفيق. فصل [8 - اختلاف المتكاريين في كون الكراء مضموناً أو معيناً بعد موت الدابة في بعض الطريق] ومن العتبية قال مطرف: ومن اكترى من مصر إلى مكة فلما بلغا المدينة ماتت الدابة فقال الراكب اكتريت منك تلك الدابة بعينها فاردد علي بقية الكراء، وقال المكري كان الكراء مضموناً وإنما لك ركوب، أو قال الراكب كان الكراء مضموناً وقال ربها بل كان معيناً، فالقول من ادعى التعيين، وكأن مدعى المضمون قال: اكتريت هذه الدابة ودابة أخرى، فهو المدعي.

[الباب الثامن] جامع الدعوى في الكراء وفي نقده وتأخيره وزيادة الحمل ونقصه وما أشبه. والقضاء أن العرف في الأكرية وغيرها كالشرط

[الباب الثامن] جامع الدعوى في الكراء وفي نقده وتأخيره وزيادة الحمل ونقصه وما أشبه. والقضاء أن العرف في الأكرية وغيرها كالشرط. [الفصل 1 - اختلاف المتكاريين في نقد الكراء بعد بلوغ الغاية] قال مالك: وإذا قال المكتري دفعت الكراء، وأكذبه الجمال، وقد بلغا الغاية فللقول قول الجمال مع يمينه إذا كانت الحمولة بيده أو بعد أن أسلمها بيوم أو يومين وما قرب، وعلى المكتري البينة؛ لأن الكراء مخلد في ذمته فعليه البينة بزواله منها، وكذلك الحلج إن قام المكري بقرب بلوغهم ما لم يبعد فيصدق مع يمينه وإن تطاول ذلك فكله فالمكتري مع يمينه. م/ يريد لأن من شأن الأكرياء انتقاد أكريتهم ببلوغهم الغاية المكترى إليها أو بعد يوم أو يومين وما قرب من ذلك، فإذا بعد صاروا مدعين لغير العرف والمكتري مدع للعرف فكان القول قوله، إلا أن يكون المكري لم يسلم المتاع إلى ربه فيكون القول قول المكري مع يمينه. وكذلك إذا اختلفا في ثمن الحمولة ولم يدفعها المكري لوجب أن يكون القول قوله إن أتى بما يشبه، وإن كان قد قبضت منه المنافع؛ لأن المحول في يده كالرهن فأشبه الخياط

إذا خاط الثوب ولم يسلمه. ولأن الجمال أحق بالمتاع في الموت والفلس حتى يقبض كراءه فصار غير مجبور على دفعه كالرهن. قال مالك: إلا أن يقيم المكري بينة يريد: على إقرار المكتري أنه لم يدفع إليه شيئاً فيقضي بها. قال مالك: وكذلك قيام الصناع بالأجر بحدثان رد المتاع فإن قبض المتاع ربه وتطاول ذلك فالقول قول المتاع وعليه اليمين. [الفصل 2 - اختلاف المتكاريين في بلوغ الغاية المكترى إليها] قال ابن القاسم: وإن آجرت رجلاً على أن يبلغ كتاباً من مصر إلى إفريقية بكذا فقال بعد ذلك أوصلته فأكذبته فالقول قوله مع يمينه في أمد يبلغه في مثله لأنك ائتمنته عليه فعليك دفع كرائه إليه، وكذلك الحمولة كلها يكريه على توصيلها إلى بلد كذا فيدعى بعد ذلك أنه وصلها فالقول قوله مع أمد يبلغ في مثله. وقال غيره: على المكري البينة أنه قد أوفاه حقه وقد بلغه غايته. م/ وكوكيل البيع يقول بعت ويقول الموكل لم تبع فالقول قول الوكيل. وقال بعض فقهاء القرويين: لعل ابن القاسم إنما أراد أن مثل هذا لا يحتاج فيه إلى إثبات لأنه عرف عندهم أو لتعذر ذلك فصار كالمشترط أن يصدق في قوله أو صلته وإلا فهو إدخال في ذمة الذي أرسله بقول الأجير.

فصل [3 - العادة محكمة في نقد الكراء وتأخيره] ومن المدونة قال مالك: وإذا طلب الجمال قبض الكراء قبل الركوب أو بعد المسير القريب، وقال المكتري: لا أدفع شيئاً حتى أبلغ إلى الموضع الذي اكتريت إليه، ولم يكونا شرطاً شيئاً، حملاً على سنة في نقد الكراء وتأخيره. قال ابن القاسم: فإن لم تكن لهم سنة في ذلك كان كالسكنى لا يعطيه إلا بقدر ما سكن وكذلك الركوب لا يعطيه إلا بقدر ما ركب. قال: وإن عجل الكراء من غير شرط فلا رجوع له فيه. [الفصل 4 - القضاء بنقد بلد التعاقد عند الاختلاف، والصرف في نقد الكراء] قال مالك: وإن أراد أحدهما نقد البلد الذي بلغا إليه وطلب الآخر نقد بلد التعاقد قضي بنقد البلد الذي تعاقدا فيه الكراء؛ لأنه يومئذ تقرر الدين في ذمته بسكة ذلك الموضع. وإن أكريت بدراهم ولم تشترط نقدها وكراء الناس مؤخر. م/ يريد إلى الغاية. أو لم يكن مؤخراً وشرطت تأخيرها لم يجز أن تعطى بها دنانير نقداً قبل الركوب أو بعده ما لم تحل الدراهم ببلوغ الغاية، وكذلك لو دفعت دراهم عن دنانير. م/ يريد وكذلك لو لم يكن عرف ولا شرط لم يجز أن ينقد أحد العينين عن الآخر؛ لأن عقد الكراء لا يوجب نقد جميعه بل لا ينقد إلا بحساب ما سكن أو ركب فتعجيل

خلاف ما عقد عليه من العين صرف مستأخر. قال ابن القاسم: ولو شرطتما النقد أو كان كراء الناس بالنقد جاز دفعك عن الدراهم دنانير نقداً، كان الكراء معيناً أو مضموناً، ثم إن هلكت الراحلة بعينها في بعض الطريق رجعت بحصة ما بقي دنانير كما نقدت، ولو كنت دفعت عن الدراهم عرضاً لكنت رجعت بدراهم كما عليه عقدت؛ لأنك إنما اكتريت منه بدراهم فباعها هو قبل قبضها بعرض، وذلك جائز، فإذا هلكت الدابة ببعض الطريق رجعت بحصة ما بقي دراهم؛ لأنها ثمن الكراء، ولم يجز ذلك إذا دفعت عن الدراهم دنانير أن ترجع بالدراهم التي عقدت؛ لأنك تصير دفعت دنانير وترجع بدراهم فيدخله تأخير الصرف. وكذلك فسره سحنون. قال مالك: ولا تأخذ من ذهب لك إلى أجل فضة نقداً، ولا من فضة إلى أجل ذهباً نقداً؛ لأنه فضة بذهب ليس يداً بيد، ومن أكرى بعيراً بطعام بعينه كيلاً، أو بطعام إلى أجل فلا يبيعه حتى يقبضه، وإن كان الذي بعينه مصبراً فلا بأس بيعه قبل قبضه. فصل [5 - في زمن الخروج إلى الحج إذا اختلف المتكاريان في ابتدائه وفي نقص الحمل المشترط وزيادته على الدابة] قال مالك: ومن اكترى إلى مكة، فأراد تعجيل الخروج، وأباه الجمال، فإن كان في الزمان بقية لم يجبر إلا إلى خروج الحاج، وإذا انتقصت زاملة الحاج أو نفدت فأراد تمامها وأباه الجمال حملاً على ما يتعارفه الناس.

قال غيره: فإن لم تكن له سنة فله حمل الوزن الأول المشترط إلى تمام غاية الكراء. ومن كتاب الأقضية لسحنون: وسئل عمن تكارى دابة على حمل فيه خمسمائة رطل فحمله، وصار في بعض الطريق، فأصابه مطر، فصار أكثر من خمسمئة رطل، فقال الجمال: لا أحمله؛ لأنه قد زاد، وقال ربه: هو المتاع بعينه. قال سحنون: إذا زاد فكأنه ليس بعينه، فليس عليه أن يحمل أكثر من خمسمئة رطل، فإن نقص منه حتى صار خمسمئة لزمه حمله، وإلا لم يلزمه. ومن المدونة: ومن اكترى دابة أو بعيراً إلى الفسطاط فله النزول بمنزله، وإن كان بأقصى الفسطاط.

[الباب التاسع] جامع القول في ضمان المتكاريين

[الباب التاسع] جامع القول في ضمان المتكاريين [الفصل 1 - فيما يضمنه المكري وما لا يضمنه] والقضاء أن الأكرياء والجراء فيما أسلم إليهم الناس كالأمناء عليه لا يضمنون إلا الصناع إذ لا غنى عنهم، فضمنوا لصلاح العامة، وكذلك الأكرياء على حمل الطعام والشراب والإدام خاصة؛ إذ لا غنى عنهم، فضمنوا لمصلحة العامة كالصناع، إلا أن تقوم بينة بهلاكه بغير سببهم، أو يكون معه أربابه لم يسلموه إليهم فلا يضمنون، وسواء حملوه على سفينة أو دابة أو رجل. قال ربيعة: ولا يضمنون المال والعروض ولا يحل لأحد أن يأخذ لضمانه أجراً. قال ابن عمر: لا يجوز كراء وضمان. قال السبعة من فقهاء التابعين: وإن شرط عليهم ضمان العروض لم يلزم إلا أن يخالفوا في شرط يجوز كشرطه عليه أن لا يسري بليل ولا ينزل بلد كذا أو وادي كذا

ففعل ما نهي عنه فهلك المتاع فإنه ضامن. ابن المواز، قال مالك: وإذا شرط الحمالون على صاحب الطعام ألا ضمان عليهم في الطعام، أو أن عليهم ضمان العروض، وما لا يضمن، فالشرط باطل والعقد فاسد، فإن فات ضمنوا الطعام ولا يضمنون غيره، ولهم كراء مثله من غير شرط. قال ابن حبيب: والذي يضمنونه من الطعام والإدام ما كان قوتاً خاصة، فمن ذلك القمح والشعير والدقيق والسلت والذرة والدخن والعلس والكرسنة، وليس الأرز من ذلك؛ لأنه مما يتفكه به. قال أبو محمد: لعل هذا في بلد غير بلد الأرز، وإلا فبعض البلدان هو جل قوتهم. قال ابن حبيب: ويضمنون الفول والحمص والعدس واللوبيا والجلبان، ولا يضمنون الترمس لأنه تفكه ولا يضمنون من الإدام إلا الزيت، والعسل والسمن والخل، وأما المرى والرب والأشربة الخلال والجبن والشيراز واللبن والزبد وسائر اللحم والبيض والأبزار فلا يضمنونه، ولا يضمنون من خضر الفواكه ورطبها

ويابسها إلا التمر والزبيب والزيتون، ويضمنون الملح ولا يضمنون شيئاً من الأدهان، وكل ما وصفنا أنهم لا يضمنونه فهم مصدقون في تلفه كسائر العروض. م/ هذا الذي ذكر ابن حبيب استحسان. وظاهره خلاف المدونة. والذي يدل عليه ما في المدونة أنهم يضمنون سائر الطعام والإدام، وهل الترمس والزبد واللبن واللحم إلا أقوات وإدام!. [الفصل 2 - في دعوى المكري أن العروض سرقت أو هلكت] ومن المدونة، قال ابن القاسم: وإذا قال المكري في كل عرض أنه هلك أو سيق أو عثرت به الدابة فانكسرت القوارير فذهب الدهن، صدق إلا أن يستدل على كذبه ولا يصدق في الطعام. قال مالك: ومن استأجرته يحمل لك على دوابه دهناً أو طعاماً إلى موضع كذا، فعثرت الدواب، ثم سقطت القوارير، فانكسرت، فذهب الدهن، أو هلك الطعام، أو انقطعت الحبال فسقط المتاع ففسد لم يضمن المكري قليلاً ولا كثيراً إلا أن يغر من عثار أو ضعف الحبال عن حمل ذلك، فإنه يضمن حينئذ. قال ابن حبيب: يضمن قيمته بموضع هلك فيه، وله من الكراء بحسابه إلى ذلك الموضع. م/ وعلى قول غيره إن شاء أن يضمنه قيمته يوم تعدى أو يوم هلك. فوجه قول ابن حبيب في الضمان وهو قول ابن القاسم فلأنه أمر قد يسلم فيه وليس بتعد صريح فوجب ألا يضمن إلا بصحة وجه تعديه. ووجه قول غيره أنه لما صح تعديه بكون العثار صار كأنه متعد من يوم العقد فإن

شاء أخذه بذلك وإن شاء يوم صحة التعدي. ولم يكن كالغاصب لا يضمن إلا يوم الغصب؛ لأن هذا ليس بتعد صريح إذ قد يسلم فيه، فإذا لم يسلم صح تعديه فإن شاء أخذه بالعقد لصحة تعديه وإن شاء أخذه بما أوجب تضمينه، والغاصب هو متعد صريح من يوم الغصب فوجب ألا يضمن إلا يوم تعديه. [الفصل 3 - في ضمان ما هلك بسبب حامله من دابة أو غيرها والكراء في ذلك] قال ابن القاسم: وإن لم يغره من شيء كان ما جاء من قبل الدواب هدراً لأن فعل العجماء جبار ما لم يفعل بها رجل شيئاً عثرت لأجله فيضمن الفاعل. قال: وكل ما عطب من سبب حامله من دابة أو غيرها من عثار أو غيره فلا كراء فيه إلا على البلاغ ولا يضمن الجمال إلا أن يغر وكذلك ما حمله رجل على ظهره فعطب فلا كراء له ولا ضمان عليه ولا على المكتري أن يأتي بمثل ذلك ليحمله الجمال. وكذلك هروب الدابة وكذلك السفينة إذا غرقت في ثلثي الطريق وغرق ما فيها من طعام وغيره فلا كراء لربها ولا ضمان عليه في شيء من ذلك؛ لأنه من أمر الله تعالى ورأى مالك أن ذلك كله على البلاغ. وقال غيره: ليس الدواب كالسفن فيما هلك بسبب حامله إذ لا يضمنون بسبب العثار إن لم يغروا فلهم جميع الكراء فيما هلك عن العثار ولربه حمل مثله إلى غايته كالذي هلك بلصوص أو سيل وإن غروا ضمنوا.

وقال ابن نافع: لرب السفينة بحساب ما بلغت. م/ فوجه قول مالك أن كل ما هلك بسبب حامله لا كراء له لأنه إنما دفع إليه الكراء ليحصل له غرضه فلم يحصل له شيء فأشبه ذلك الجعل الذي بطلان تمامه من أجل الأجير وأيضاً فإن العرف قد جرى بين الناس أن الكراء في ذلك على البلاغ فكأن المكري دخل عليه إلا أن يشترط أنه كلما سار شيئاً أخذ بحسابه فذلك له. قال بعض البغداديين: ووجه قول ابن نافع أن هذه إجارة فيجب أن يكون سبيلها سبيل الإجارة كسكنى الدار ونحوه لا يراعى انتفع المكتري أو لم ينتفع ألا ترى أنه لو اكترى داراً سنة فقبضها وأغلقها شهراً ثم احترقت أن عليه كراء ذلك الشهر وكذلك مكتري السفينة. م/ وقول مالك أولى؛ لأنه عرف قد دخل عليه؛ ولأن سكنى المكتري تعمد ترك الانتفاع وهو يقدر أن ينتفع كل يوم بسكناه ويتم له انتفاعه والسفن ونحوها لا يتم انتفاعه إلا ببلوغ الغاية المكترى إليها وكالخياط إذا خاط نصف القميص فليس له أخذ نصف الأجر إذ لا ينتفع بها إلا بالتمام.

فصل [4 - الكراء فيما هلك من غير سبب حامله] قال ابن القاسم: وما استحملت في السوق على رجل أو دابة من كل شيء إلى بيتك أو من بلد إلى بلد فعطب أو سرق أو غصب أو كان ذلك طعاماً فهلك ذلك كله ببينة فللمكري الكراء بأسره وعليه حمل مثله. قال ابن المواز: من موضع هلك فيه. قال ابن القاسم: وكذلك الدواب والإبل إذا هلك ما حملت من طعام بعينه أو متاع بأمر من الله تعالى من غير سبب الدواب والإبل فالكراء قائم بينهما لا ينفسخ وللمكري الكراء بأسره وعليه حمل مثله، وللمكتري أن يأتي بمثل ذلك فيحمله أو يكتري الإبل في مثل ذلك وإلا فلا شيء له على الجمال، وللجمال الكراء كاملاً فإن لم يكن مع الجمال صاحب الطعام ولا خليفته رفع ذلك الجمال إلى العامل بالموضع فيكري له الإبل فإن لم يجد كراء فليطلب ذلك الجمال أمامه فإن لم يجد فله جميع الكراء؛ لأن مالكاً قال في الرجل يتكارى إلى الحج فيهلك في الطريق فإنه يكري للميت شقصه ويطلب ذلك في الطريق فإن وجد من يكتري أكرى له وإلا كان على الميت لرب الإبل الكراء كله كاملاً وإن كان رب الطعام مع المكاري فأصاب الطعام تلف من السماء أو من غير السماء لم يلزم المكاري شيء لأن رب الطعام معه لم يأتمنه عليه وكذلك إن كان في السفينة مع طعامه فنقص فلا شيء على صاحب السفينة. قال: وإن كان المكري وحده فلا يصدق في الطعام والإدام إذا قال سرق مني، حمله على نفسه أو على دوابه او على سفينته، إلا أن تقوم له بينة في ذلك أنه هلك من غير سببه فلا يضمن.

الفصل [4 - في ضمان الطعام إذا صحبه ربه أو وكيله ولم يسلماه للحمال أو غابا عنه في بعض الطريق] ابن المواز: قال أصبغ: ومن اكترى على طعام فركب معه أو أرسل معه رسولاً فكان يسلمه في بعض الطريق ويصحبه في بعضها فنقص فلا ضمان على حامله. ابن المواز: يريد لأن أصل حمله على غير التسليم للحمال. م/ وحكي عن بعض فقهائنا أنه قال: إذ أكرى على حمل طعام وهو معه، فذهب عنه في بعض الطريق، فإن كان ذهب على ألا يعود إليه أو لمرض أصابه ولا يرجى أن يدركه فإن الجمال يضمن إذا قال: هلك أو سرق، ويرجع إلى أصل الضمان. وإن كان على أن يرجع إليه فلا ضمان على الجمال. قال: وهذا كقوله في الأكرياء إذا بلغوا المسافة وحازوا العروض حيازة الرهن ليقبضوا كراهم أنهم يضمنونها، فكما نقل هؤلاء إلى الضمان بفعلهم، فكذلك ينقل هؤلاء إلى الضمان، ويردهم إلى أصلهم، وكأنه اليوم ابتداء كرائه منهم. وحكي عن أبي الحسن القابسي فيمن دفع طعاماً بالساحل إلى صاحب مركب وكاله عليه وانصرف فوسقه رب المركب بغير حضرة ربه، فإذا جاء وقت الإقلاع ركب معه رب الطعام أن رب المركب ضامن لما نقص، ولو لم يفارقه ربه حتى أوسقه في المركب بحضرته ثم غاب عنه فأتى وقت الركوب فركب معه فلا يضمن رب المركب

كمن صحب طعامه ثم تخلف عنه في الطريق؛ لأنه لم يسلمه إلى الحمال من أول ما حمله. م/ ولا فرق عندي بين أن يسلمه إليه في الساحل أو في المركب لأنه أسلمه إليه وغاب عنه ثم عاد فركب معه فأما أن يضمن لغيبته عليه أو لا يضمن لأنه عاد فركب معه والصواب أن يضمن. [الفصل 5 - فيمن اكترى من رجل على حمل طعام وبعث معه ما لا يشتري به له فادعى ضياع المال أو سرقة الطعام أو ضياعه بعد شرائه] ابن المواز قال مالك: ومن اكترى من رجل على حمل طعام وبعث معه مالاً يشتريه له به فادعى ضياع المال فلا ضمان عليه ولا أجر له فيما عنى وعليه اليمين لقد ضاع. ابن المواز: وإن اشترى الطعام وادعى أنه ضاع أو سرق، فإن حمله في سفينته ضمن، وإن حمله في غيرها صدق. قال أبو محمد: يريد محمد إذا حمله في غيرها بإذن ربه. [مسألة: فيمن اكترى سفينة على حمل قمح وكان الكراء ذهباً ودفعه إليه فنقص القمح، فهل يأخذ مكانه ذهباً؟] روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن اكترى من نوتي على قمح بذهب ودفعه إليه فنقص

الطعام فأراد أن يأخذ في نقصانه ذهباً فلا خير فيه. م/ ويدخله البيع والسلف. قال: إلا أن يكون لم ينقده فلا بأس به ولا بأس أن يأخذ منه إذا نقده قمحاً أو شعيراً. [مسألة: فيمن استأجر نواتية في سفينة يحملون الناس فيها ويكرونها] قال ابن حبيب: ومن استأجر نواتية في سفينة يحملون فيها الناس ويكرونها فذلك جائز والضمان عليهم فيما حملوا من الطعام. وقاله مالك. [الفصل 6 - في دعوى الجمال هلاك العروض أو سرقتها] ومن المدونة قال ابن القاسم: ويصدق الجمال في كل عرض إذا قال هلك أو سرق أو قد عثرت الدواب فانكسرت القوارير إلا أن يستدل على كذبه. قال يحيى بن سعيد: ويضمن ما ضيع. ابن المواز قال مالك: وإذا ادعى الجمال فيما حمل من العروض أنه هلك صدق، وكان له الكراء كله، وعليه حمل مثله لصاحبه بقية الطريق، أو يكري ذلك في مثله.

وقال ابن حبيب: له من الكراء بحسابه إلى الموضع الذي ادعى فيه تلفه. قال: وكذلك إن كان تلفه بسببه مثل أن يغر من عثار دابته أو ضعف أحبله. قال: وأما ما يدعي هلاكه من الطعام ببعض الطريق فيلزمه الضمان، إما لأن هلاكه مجهول، أو علم أنه من سبب عثار أو حبال غر منها، أو استهلكه هو، فإنما يضمنه بالبلد الذي أكرى السلعة إليه، وله الكراء كاملاً. وإن لم يغر في ذلك وهلك بينة أو كان معه ربه فسقط عنه الضمان، والكراء أيضاً يسقط عن المكتري. [مسألة: في الحمال يبيع الطعام ببعض الطريق بدون حضور صاحبه] ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم ويحيى بن يحيى: أنه قال: وإذا باع الجمال الطعام أو صاحب السفينة ببعض الطريق ولم يحضر ربه فلربه أخذ الثمن إن شاء، وليس له أخذ القيمة، فإن لم يأخذ الثمن فله مثله بموضع يحمله إليه. قال عنه يحيى: وإن أخذ الثمن فله أن يستحمله مثله من الموضع الذي باعه فيه حتى يبلغه إلى البلد الذي أكرى إليه، ويؤدي الكراء كاملاً. م/: قال بعض فقهاء القرويين المتأخرين في الطعام يدعي الجمال ضياعه، أنه إنما يضمن مثله في الموضع الذي يوصله إليه إذا أمكن أن يكون وصل إلى الموضع بالطعام، فإن لم يمكن ذلك فإنما يضمن مثله في موضع ضاع فيه.

م/ وهذا خلاف لما قدمنا فاعرفه. م/ والصواب أن يضمن مثله بالموضع الذي أكرى إليه، وسواء أمكن أن يصل إليه أو لم يمكن؛ لأنك إن ضمنته مثله بموضع ضاع فيه كان عليه حمله إلى الموضع الذي اكتراه ليوصله إليه فلا وجه لتفرقته. [مسألة: في منع الحمالين العروض من أهلها حتى يقبضوا كراءهم] ومن المدونة قال ابن القاسم: وللحمالين منع العروض من أهلها حتى يقبضوا كراءهم، فإن حازوها لذلك حيازة الرهن فإنهم يضمنونها كالرهن، ولهم الكراء كله إن بلغوا ذلك غايته ضمنوه أو لم يضمنوه. [الفصل 7 - خلاصة فيما يضمنه الحمالون] م/ وتحصيل ما يضمنه الحمالون أم لا، على خمسة أوجه: فالأول: ما هلك بسبب حامله ولم يغر. والثاني: ما غر فيه. والثالث: ما ثبت هلاكه من عرض أو طعام بأمر الله تعالى. والرابع: ما هلك من الطعام بأمر الله تعالى، لكن بقولهم. والخامس: ما هلك من العروض بقولهم. فالأول: كل ما هلك بسبب حامله بعثار أو ضعف أحبل لم يغر منها أو ذهاب دابة أو سفينة بما عليها. فقال مالك: لا ضمان عليه في ذلك كله ولا كراء ولا على ربه أن يأتي بمثله ليحمله له ويرجع بالكراء إن دفعه. وقال غيره: ما هلك بسبب حامله بعثار مثل ما هلك بأمر من الله تعالى.

وقال ابن نافع: لرب السفينة بحساب ما بلغت. والثاني: ما غر فيه من عثار أو ضعف أحبل فهلك، فإنه يضمن قيمة تلك العروض بموضع هلكت فيه، وله من الكراء بحسابه، وقيل: قيمته بموضع حمل منه إن أراد؛ لأنه منه تعدى. والثالث: ما هلك بأمر من الله تعالى بالبينة من عرض وغيره فللمكري الكراء بأسره وعليه حمل مثله من موضع هلك فيه. والرابع: ما هلك بقولهم من الطعام فلا يصدقون فيه. قال ابن المواز: ويضمنون مثله بموضع حملوه إليه ولهم جميع الكراء. والخامس: ما هلك بقولهم من العروض فهم مصدقون فيه. قال ابن المواز: ولهم الكراء بأسره وعليهم حمل مثله من موضع هلك فيه إلى موضع يحمل إليه كالذي ثبت هلاكه بأمر من الله تعالى. وقال ابن حبيب: لهم من الكراء بحساب ما بلغوا من الطريق ثم ينفسخ الأمر بينهم. م/ فوجه قول ابن المواز أنهم لما كانوا مصدقين في تلف العروض أشبه ذلك ما قامت البينة بتلفه من غير سببهم، وهذا مما لا اختلاف فيه أن لهم جميع الكراء وعليهم حمل مثله إلى غايته. ووجه قول ابن حبيب: أنه لما لم يعلم ذلك إلا من ناحيتهم أشبه ما هلك بسببهم من عثار ونحوه. م/: وقول ابن المواز أصوب لما قدمنا. والله الموفق.

[الباب العاشر] جامع مسائل مختلفة من ضمان المكري والمكتري وغير ذلك

[الباب العاشر] جامع مسائل مختلفة من ضمان المكري والمكتري وغير ذلك [الفصل 1 - في الرجل يحمل طعاماً فيزيد أو ينقص] قال ابن القاسم: وإذا حمل لك رجل طعاماً فزاد أو نقص ما يشبه زيادة الكيل ونقصه فلا شيء له ولا عليه من ضمان ولا حصة كراء، وإن زاد ما لا يشبه فلم يدع الجمال تلك الزيادة وقال زيدت على غلطا قال أبو إسحاق: إذا كانت الزيادة من زيادة الكيل أو نقصانه، وقال الجمال: ليست لي هذه الزيادة، وإنما غلطتم علي في خير رب الطعام في أن يأخذها لأن الكراء ربما اغترق الطعام وزيادة على ثمن الطعام، ويحلف رب الطعام أني ما زدتها إذا كان هو الذي كال ذلك الطعام للجمال، وتباع الزيادة، فإن نقصت عن كرائها لم يكن للجمال غير ذلك، وإن كانت مثل كرائها أخذ ذلك، وإن كانت أكثر أوقفت البقية الزائدة على كيل الجمال، فما سبق إلى دعواها منهما أخذها، وإن لم يدعياها وطال الزمان تصدق بها عمن هي له، وإن ادعى الجمال أنها له، وقال صاحب الطعام: بل هي لي زدتها فالقول قول الجمال مع يمينه؛ لأن دعوى صاحب الطعام

الغلط غير مقبول مع أن الجمال حائز لها. فإن صدقته أخذتها وغرمت كراءها، وإن أنكرت الغلط لم يصدق الجمال، وربما اغترق ثمنه كراءه إلا أن تشاء أنت أخذها وغرم كرائها فذلك لك، وإن زاد الكيل فقال رب الطعام: أنا آخذ طعامي ومقدار زيادة كيلي فليس له أن يأخذ إلا كيل طعامه خاصة، إلا أن تكون زيادة الكيل أمراً معروفاً عند الناس. م/ قال بعض أصحابنا عن بعض شيوخه القرويين: وإذا كان في الطعام زيادة كثيرة وكان الجمال هو الغالط فحمل الزيادة فلرب الطعام أخذ الزيادة ودفع كرائها أو يضمنه مثلها في الموضع الذي حمل منه الطعام، وهذا بخلاف من غصب طعاماً فحمله إلى بلد آخر فأراد ربه أخذه ودفع أجر الحمل فليس له ذلك؛ لأنه يصير بيع طعام ودراهم بطعام. وفي مسألة الجمال الطعام إنما يحمله لربه. م/ والقياس أنهما سواء، لأن الخطأ والعمد في أموال الناس سواء. ألا ترى أن له تضمين الجمال مثل تلك الزيادة بموضع حملها منه كالغاصب؛ لأن رب الطعام لم يأمره بحمله فالحكم فيهما سواء والله أعلم. فصل [2 - فيمن اكترى على حمل متاع من بلد إلى آخر فأخطأ الحمال فحمل غيره] ومن العتبية من سماع أبي زيد عن ابن القاسم: ومن اكترى على حمل متاع من

طرابلس إلى مصر فأخطأ الجمال فحمل غيره إلى مصر فربه مخير إن شاء ضمنه قيمة متاعه في البلد الذي حمله منه يأخذها حيث لقيه أو يأخذ متاعه. قال أشهب: ولا كراء له. وقال ابن القاسم وابن وهب ومطرف: بل يعطيع الكراء قالوا كلهم: وليس له أن يكلفه رده ولا للجمال أن يفعل ذلك إذا شاء ربه أخذه، والكراء الأول قائم بينهما وعليه أن يرجع فيحمل الحمل الآخر. وقال ابن حبيب عن اصبغ على الجمال رده إلى طرابلس ثم هو في ضمانه في ذهابه به وفي رده إلى طرابلس، وإن شاء ربه أخذه بغير غرم كراء ورده ليأتيه بالحمل الذي أبقى. قال: إلا أن يكون بعينه حمل هذا الذي غلط به إلى مصر، فعليه كراؤه حينئذ إن اختار صاحبه أخذه بمصر وذلك قيمة كرائه ليس على الكراء الأول، ولا بد أن يرجع في مجيب الحمل الذي ترك، ابن حبيب: وهو قول حسن. قال أبو زيد عن ابن القاسم: وإن حمله تعدياً فربه مخير بين تضمينه قيمته أو يأخذ متاعه بالبلد الذي حمله إليه ولا كراء عليه. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولكل حامل على ظهر أو سفينة أو صانع منع ما حمل

أو عمل حتى يأخذ أجره. فإن هلك ذلك بأيديهم في منعهم فالصناع ضامنون ولا أجر لهم إلا أن تقوم بينة لهم على الضياع فلا ضمان عليهم ولا أجر لهم لأنهم لم يسلموا ما عملوا لأربابه. وقال ابن المواز: لهم الأجر كاملاً، وقد تقدم هذا. فصل [3 - في الدابة المكتراة تتلف ما اكتريت لأجله] قال ابن القاسم: ومن اكتريت منه دابة أو ثوراً للطحن فكسر المطحنة لما ربطته فيها وأفسد آلتها لم يضمن إلا أن يغرك وهو يعلم ذلك منه فيضمن؛ لأن مالكاً قال فيمن أكرى دابته من رجل وهي ربوض أو عثور وهو عالم بذلك فلم يعلمه به فحمل عليها فربضت أو عثرت فانكسر ما عليها أن ربها ضامن. ومن اكترى من رجل دابة ليحمل عليها دهناً من مصر إلى فلسطين فغره منها فعثرت بالعريش ضمن قيمة الدهن بالعريش. م/ يريد إذ لا يعرف كيله. وقال غيره: قيمته بمصر إن أراد؛ لأنه منها تعدى. قال ابن حبيب: وإذا غرم قيمته بالعريش كان له من الكراء بحسابه إلى ذلك الموضع.

قال ابن القاسم: ومن حمل على ظهره أو دابته دهناً أو طعاماً بكراء فزحمه الناس فانكسرت الآنية وهلك ما فيها من الطعام أو الدهن فالذي زحمه ضامن. وقد قال مالك في الرجلين يحملان جرتين أو غير ذلك على كل واحدة جرة فيصطدمان في الطريق. قال: فإن انكسرت إحداهما ضمن الذي سلم للذي لم يسلم، وإن انكسرتا جميعاً ضمن كل واحد منهما لصاحبه، وإذا اصطدم فارسان فمات الفرسان والراكبان ففرس كل واحد في مال الآخر ودية كل واحد منهما على عاقلة الآخر، وإن سلم احدهما بفرسه ففي ماله فرس الآخر، وعلى عاقلته دية راكبه، وأما اصطدام السفينتين فلا شيء عليهم إذا كان الأمر غالباً من الريح لا يقدر على دفعه، ولو علم أن النوتي يقدر على أن يصرفها، قال: فلم يفعل لضمن، وإذا كان الفرس في رأسه اعترام فحمل بصاحبه فصدم فراكبه ضامن؛ لأن سبب فعله وجمحه من راكبه وفعله به إما أذعره فخاف منه أو غير ذلك، إلا أن يكون إنما نفر من شيء مر به في الطريق من غير سبب راكبه فلا ضمان عليه، وإن كان غيره فعل به ما جمح له فذلك على الفاعل، والسفينة لا يذعرها شيء والريح هي الغالب فهذا فرق ما بينهما. وإذا غرقت السفينة من مد النواتية فإن صنعوا ما يجوز لهم من المد والعمل فيها لم يضمنوا وإن تعدوا فأخرقوا في مد أو علاج ضمنوا ما هلك فيها من الناس والحمولة. محمد: يريد في أموالهم، وقيل: إن الديات على عواقلهم. قال ابن القاسم: وذلك كتعدي من استعملته في بيتك من صانع أو طبيب أو غير

ذلك. وإيعاب هذا في كتاب الديات. قال ابنالقاسم: ومن اكتريت منه لحمل صبي مملوك إلى موضع من المواضع وأسلمته إليه فساق بع فعثرت الدابة فسقطت فمات لم يضمن إلا أن يخرق في سوقه وكذلك البيطار إذا طرح الدابة لا يضمن إذا طرحها كما يطرح البياطرة الدواب إلا أن يتجاوز في طرحها فيضمن. وإذا ضرب المكتري الدابة أو كبحها فأذهب عينها أو كسر لحييها ضمن، والرائض مثله، ولو ضربها كضرب الناس لم يضمن، وكل شيء صنعه الراعي مما لا يجوز له فعله فأصاب الغنم من فعله عيب فهو ضامن، وإن صنع ما يجوز له أن يفعله فتعيبت الغنم فلا ضمان عليه. فصل [4 - في العرف يحدد الغاية والحمل ووطاء الدابة عند الاختلاف] قال ابن القاسم: ومن اكترى من مكة أو من إفريقية إلى مصر جاز وهو إلى الفسطاط، وإن لم يذكراه؛ لأنه المتعارف، وليس كمن اكترى إلى الشام أو إلى خراسان لأنها كور وأجناد فلا يجوز حتى يسمى أي كورة أو مدينة، وأما إلى فلسطين فإن كان المتعارف عندهم الرملة كان إليها وجاز الكراء.

ومن اكترى من رجل على حمل رجلين أو امرأتين ولم يرهما جاز لتساوي الأجسام إلا الخاص، فإن أتاه بفادحين لم يلزمه ذلك. م/ يريد لا يلزمه حملهما والكراء قائم بينهما ويأتي بالوسط من ذلك، أو يكري الإبل في مثل ذلك. قال: ويجوز كراء محمل لا يذكر وطاؤه، ويحمل كوطاء الناس، وكذلك على زاملة لا يخبره بما فيها، ويحملان على المتعارف من الزوامل لحاج أو غيره، وعليه حمل المتعارف من معاليق وغيرها، ولو شرط عليه حمل هدايا مكة، فإن كان أمراً عرف وجهه جاز وإلا لم يجز. وأجاز مالك للمكتري أن يحمل في غيبته ثوباً أو ثوبين لغيره ولا يخبر بذلك الجمال، وهو من شأن الناس، ولو بين هذه الأشياء ووزنها كان أحسن. وإذا ولدت المكترية في الطريق جبر الحمال على حمل الولد وإن لم يشترطوا ذلك. م/ يريد لأنه العرف.

قال: ولا بأس أن تكتري محملاً وتشترط عقبة الجير. م/ يريد لأنه معروف. قال: وإن اكترى مشاة على أزوادهم على أن لهم حمل من مرض منهم لم يجز. م/ يريد؛ لأن ذلك غرر مجهول.

[الباب الحادي عشر] في المتكاريين يهرب أحدهما أو يغيب

[الباب الحادي عشر] في المتكاريين يهرب أحدهما أو يغيب [الفصل 1 - في هروب الجمال بدون إبله أو معها أو تغيبه يوم الخروج] قال مالك: وغن اكتريت من رجل إبله إلى بلد ثم هرب الجمال وتركها في يديك فأنقت عليها فلك الرجوع بذلك، وكذلك إن اكتريت من يرحلها رجعت بكرائه، ولو هرب بإبله والكراء إلى مكة أو غيرها تكارى لك الإمام عليه، ورجعت عليه بما اكتريت به. ابن المواز: إنما يكري عليه إذا كان له مال معروف. ومن المدونة: وإذا تغيب الجمال يوم خروجك فليس لك عليه إن لقيته بعد ذلك إلا الركوب أو الحمل وله كراؤه، وهذا في كل سفر في كراء مضمون إلا الحاج فإنه يفسخ، وإن قبض الكراء رده لزوال إبانه. ابن المواز: لأن أيام الحج معينة فإذا فاتت انفسخ الكراء، وكذلك كل مكتر في

أيام بعينها، ولا يتمادى، وإن رضيا. م/ وهذا إذا نقده الكراء؛ لأن بذهاب الأيام المعينة يجب فسخ الكراء ورد ما انتقد فلا يجوز أن يأخذ في ذلك ركوباً؛ لأنه فسخ دين في دين. ومن المدونة قال مالك في الدابة بعينها يكتريها ليركبها إلى غد فيغيب بها ربها، ثم يأتي بها بعد اليومين أو الثلاثة فليس له إلا ركوبه. م/ يريد لأنه لم يقصد تعيين اليوم، وإنما قصد تعيين الركوب. وقال غيره: ولو رفع إلى الإمام نظر وفسخ ما آل إلى الضرر كمن اكترى دابة بعينها فاعتلت في سفره. قال ابن القاسم: والذي أرى أنه إن اكتراها بعينها إلى بلد ليركبها في غد فأخلفه المكري فليس له إلا ركوبه، أو يكري الدابة من مثله إلى البلد. ابن المواز: وذلك كشراء سلعة بعينها يدفعها من الغد أو مضمونة فمطله بذلك حتى فاته ما يريد فلا حجة له، وإنما له السلعة. وقال مالك في الأضاحي يسلم فيها فيؤتى بها بعد أيام النحر أنها تلزمه. م/ وإنما لزمه ذلك لإحضاره ما ابتاع منه ولا حجة له لفوات ماله أراده؛ لأنه كان قادراً على رفع ذلك إلى الإمام فيفسخ ذلك عنه فلما تركه بقي البيع منعقداً بينه

وبينه. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن أكراها أياماً معينة انتقض الكراء فما غاب منها كالعبد يستأجره شهراً بعينه فيمرضه أو يؤبقه فإنه تنتقض الإجارة، وكذلك شهراً بعينه في الراحلة بعينها لركوب أو لطحن أو غير ذلك، وذلك بخلاف المضمون. فصل [2 - في هروب المكتري قبل ركوبه] وإذا هرب المكتري في كرائه إلى مكة أو غيرها رفع الجمال ذلك إلى الإمام فيكري الإبل للهارب ويقضى للجمال من ذلك كراؤه، وإن لم يجد له كراء تركها وأتبعه بجميع الكراء. وقاله مالك فيمن اكترى على حمل متاع أو طعام عند وكيله ببلد آخر فلم يجد الجمال الوكيل فإن الإمام يتلوم له بغير ضرر، فإن جاء وإلا أكرى الإبل للمكتري وكان الكراء له، فإن لم يجد تركها وكان للجمال جميع كرائه، وإن رجع ولم يرفع ذلك إلى السلطان وبالبلد سلطان فليرجع ثانية فيحمل، وإن لم يكن بها سلطان فتلوم وانتظر وأشهد كان له ذلك عذراً وله الكراء الأول فلا يرجع. قال ابن وهب عن مالك: ولو واعد المكتري الجمال إلى موضع فجاء الجمال فلم يجده دخل على إمام البلد إلا أن يجد الكراء، فإن انصرف ولم يكر ولم يعلم الإمام وكان الكراء ممكناً إلى البلد الذي أكرى إليه فلا شيء له. قال أبو محمد: وينفسخ الكراء في رواية ابن وهب في قوله ولا شيء له.

م/ ووجه هذا فلأن الجمال قد بلغ الموضع الذي واعد المكتري فيه فلم يجده فلم يكن للمكتري حجة بإلزام الجمال الرجوع ثانية؛ لأن ذلك ظلم له، ولم يكن للجمال الكراء؛ لأنه كان قادراً على رفع ذلك إلى إمام البلد، فيكري الإبل للمكتري أو يكريها له هو بنفسه فلما ترك ذلك ورجع فارغاً فقد أبطل حقه. ووجه قول ابن القاسم إلزامه الرجوع ثانية فلأنه كان قادراً على رفع ذلك إلى الإمام فيكري الإبل للمكتري أو يفسخ ذلك عنه فيكريها ربها بنفسه، فلما ترك ذلك بقي الأمر قائماً بينهما كما لو تغيب الجمال فلم يرفع المكتري ذلك إلى الإمام فيكري له عليه أو يفسخ ذلك حتى أتاه الجمال فليس له إلا الركوب فكذلك هذا. ومن المدونة قال ابن وهب: قال مالك: فإن لم يكن الكراء موجوداً أو جهل إعلام الإمام لم أر أن يبطل عمله. وقال في رواية أخرى: ويكون له الكراء ولا يرجع. وكذا في كتاب محمد عن مالك إذا لم يكن الكراء موجوداً بالبلد ورجع ولم يرفع إلى الإمام فلا يبطل عمله بجهله أن يدخل على الإمام. قال أحمد: هو يدعي الاجتهاد ولا بينة له ولو دخل على السلطان بان عذره.

م/: نحن لا نقبل من الجمال أن الكراء غير موجود إلا ببينة على ذلك فيكون ذلك عذراً له كإعلام الإمام. ابن المواز قال مالك: ولو أكرى الإمام الإبل أو المكتري وقد اجتهد إن لم يكن سلطان، يريد وأشهد فذلك للمكتري قل أو كثر، وعليه الكراء الأول. ابن المواز: ولو أكراها الجمال للمكتري بغير تلوم، فإن رضي به المكتري وقد نقده فإن كان هذا أكثر لم يجز له أخذ الفضل، وإن لم ينقده فله أخذ الفضل، وإن لم يرض فالكراء الأول قائم بينهما. قال: ولو أكراها الجمال لنفسه ولم يرفع إلى السلطان وهناك سلطان فله الكراء وليرجع ثانية. وكذلك في العتبية وكتاب ابن حبيب. قال في العتبية: ولو تلوم وكلم الإمام وأشهد فليس عليه أن يرجع ثانية. وقال ابن حبيب: ذلك سواء، وإن تلوم الوكيل وأشهد على ذلك ثم أكرى لنفسه؛ لأنه كان عليه أن يكري للمتكاري كما كان للسلطان أن يفعل فلما أكرى لنفسه كان المكتري مخيراً إن شاء سلم له الكراء أو رده فحمل متاعه، وإن شاء أخذ الكراء إن كان مثل الأول أو أقل، وإن كان فيه فضل فالفضل للمكري أكرى لنفسه أو للمكتري ولو كان السلطان هو الذي أكرى كان ذلك للمكتري قل أو كثر.

وكله قول مالك ومنهاجه. م/ وقد تقدم أن من أكرى إلى الحج أو غيره فمات في الطريق فإنه يكري للميت شقه، ويطلب ذلك في الطريق، فإن وجد من يكتري وإلا كان على الميت لرب الإبل الكراء كله كاملاً.

[الباب الثاني عشر] في الإقالة في الكراء والتفليس فيه

[الباب الثاني عشر] في الإقالة في الكراء والتفليس فيه [الفصل 1 - في الإقالة في الكراء] قال مالك: ومن أكرى إلى الحج أو غيره، ثم تقابلا برأس المال أو بزيادة وقد نقده أو لم ينقده، فإن كان قبل الركوب وقبل النقد أو بعده وقبل غيبته عليه فلا بأس بالزيادة ممن كانت، وإن نقده وتفرقا جازت الزيادة من المكتري قصاصاً؛ لأنه يأخذ أقل مما دفع فلا تهمة في ذلك، ولم تجز من المكري؛ لأنه رد أزيد مما أخذ فهو سلف جر منفعة وصار الكراء محللاً، وكذلك بعد سيرهما يسيراً من المسافة للتهمة أن يكون ذلك محللاً، وأما بعد المسير الكثير من الطريق مما لا يتهمان فيه فجائز أن يزيده المكري إذا عجل الزيادة، وهذا بخلاف البيوع وأكرية الدور. قال في غير المدونة: ولا يجوز تأخير الزيادة في الكراء المضمون. قال في المدونة: ويدخل في تأخير الزيادة الدين بالدين. م/ لأنه كان له ركوب مضمون ففسخه فيما لا يتعجله.

قال: ولا بأس أن يزيده المكتري وإنما تجوز زيادة المكتري بعد النقد قصاصاً، وإلا لم يجز ركبا أو لم يركبا. م/ لأنه إذا لم يقاصه يصير كأنه دفع الدنانير الزائدة وركوبا في دنانيره التي نقده. وقال غيره: لا يزيده الكري إن غاب على النقد قبل الركوب أو بعد يسير الركوب أو كثيره، وهو سلف جر منفعة وبيع وسلف. م/ يريد سلفاً جر منفعة إن لم يركب؛ لأنه رد أزيد مما أخذ، وبيعاً وسلفاً إن ركب بعض الطريق، حصة ما ركب بيع وما يرد إليه سلف. وكذلك قال سحنون في غير المدونة: إن لم يركب فهو سلف جر منفعة، وأما لو تقابلا بعد أن سار على أن يسترجع حصة بقية المسافة فهو بيع وسلف. م/ جعل الغير كراء الرواحل إن زاده الكري كأكرية الدور، ويدخله البيع والسلف، ما مضى من المسافة بيع وما يرد عليه من الكراء مما كان نقده سلف، وأما إذا تقابلا بغير زيادة فجائز عنده؛ لأنه معروف صنعه. وخالف بينه وبين أكرية الدور في هذا للضرورة التي تلحق المتكاريين، إما أن تدبر إبله أو لسوء عشرته، ولا ضرر يلحقه في الدار، وجعله سحنون كأكرية الدور سواء. م/ والقياس ما قاله مالك وابن القاسم أن الإقالة بعد المسير الكثير بزيادة من المكاري

أو بغير زيادة جائزة إذا عجل الزيادة بخلاف أكرية الدور. قال ابن المواز: لأنه قد يكره عشرة الجمال، أو تدبر إبله فلا يتهمان على قصد البيع والسلف، ولا عذر له في الدار؛ لأنه إن كان لها جيران سوء فهو عيب له به الرد إن لم يعلم. م/ وذهب بعض أصحابنا إلى أن الباقي من المسافة هو البيع بالذي زاده بالكرى على ما كان أعطاه، والسلف هو المأخوذ مما كان أعطاه، وليس ذلك بشيء؛ لأن صورة البيع والسلف مما يقدر أن يكون في عقد، وأما أن يقدر البيع اليوم والسلف يوم العقد فهو بعيد من أصولهم. والذي ذكرت أنا رأيت نحوه لأشهب، وأراه هو الغير مذكور. قال ابن المواز: واختلف قول مالك في الأجير يقيله بعد النقد وبعد مضي بعض العمل. فقال مرة: لا يعجبني ذلك، ثم قال إن صح فلا بأس به، وقال ابن القاسم، وقد يكرهه لخيانة أو غدر. وخففه ابن القاسم أيضاً في الخياط والطحان يقدم إليه على عمل شيء معلوم ثم يتقايلان في بعضه، ولم يجزه في اللحم والرطب وسائر البيوع المضمونة. قال: وكراء الدور كالسلع المضمونة إن هو أقاله بعدما سكن على أن يرد عليه حصة ما بقي من الكراء لم يجز وهو بيع وسلف، ولو لم ينقد أو انتقد ولم يسكن ولم يمض من المدة شيء لجاز.

ابن المواز: ويجوز تأخير الثمن إذا أقاله ولم يسكن؛ لأنه كراء حادث بخلاف الحمولة؛ لأن ذلك كراء مضمون، فهو دين فسخه في دين. وكذلك قال ابن القاسم في العتبية. وقاله ابن حبيب فيمن اكترى ظهرا ونقده الكراء ثم أقاله المكري على أن يؤخره بالثمن لم يجز سار أو لم يسر. قال ابن حبيب: وإن اكترى منه كراء مضموناً ونقده الثمن وتفرقا ولم يسر فتقايلا على إن زاده المكتري عرضاً نقداً أو إلى أجل جاز. م/ لأنه يصير دفع عرضاً نقداً أو مؤجلاً والركوب أو الحمل الذي له في الدنانير التي كان نقده إياها فذلك جائز. قال ابن حبيب: وإن لم يكن نقده وكان الكراء عليه إلى انقضاء المسافة أو إلى أجل فزاده عرضاً معجلاً جاز ولا يجوز إلى أجل. م/ لأنه يصير الجمال قد فسخ كراءه المؤجل في عرض مؤجل وذلك فسخ دين في دين. [الفصل 2 - في تعجيل المسلم فيه قبل أجله مقابل زيادة في ثمنه] ومن العتبية قال ابن القاسم: ومن أسلف في حمولة مضمونة إلى شهر ثم سأل

المكري أن يعجل له الحمولة قبل الشهر ويزيده فلا يجوز ذلك؛ لأنه من باب سلف جر منفعة ومن باب ضع وتعجل، ولو كان قد حل فقال للجمال وخره عليك وأزيدك لم يجز؛ لأنها زيادة على ضمان. وقال في كتاب محمد: كعرض لك من سلم قد حل فزدته على أن أخرته عليه. قال أصبغ: وإنه لضعيف وما أحب العمل به، فإن نزل لم أفسخه إلا أن يطول الأمر مثل شهر أو شهرين. ابن المواز: فيكون أقوى في الكراهية لخوف المراباة. قال: وقول ابن القاسم هو الفقه والصواب. قال ابن القاسم: ولو سار بعض الطريق ثم سأله أن يقيم عليه أياماً ويزيده لجاز. قال أصبغ: وهذا مثل الأول وهذا بين ضعفه. قال ابن المواز: ليس كالأول، وقد فرق مالك بين أن يقيله قبل الركوب بزيادة وبين أن يقيله بعد أن سار وتباعد فأجاز هذا في الرواحل دون الدور. [الفصل 3 - في المكري يطلب من المكتري أن يبيعه ما حمل له من الطعام بنقد أو بتأخير ويفاسخه الكراء] ومن العتبية قال أصبغ: ومن اكترى على حمل طعام إلى بلد، فلما كال الطعام على

المكري، قال له المكري: بعه مني بنقد أو بتأخير وفاسخني الكراء. فإن كان الكراء بنقد ولم ينتقد حتى باعه بنقد وفاسخه فذلك جائز. م/ يريد لأن رب الطعام يصير قد دفع الطعام والحمل الذي له على الجمال في الدنانير التي نقده وفيما ينقده من ثمن القمح، وذلك طعام وحمل في دنانير فذلك جائز. قال: وإن كان الكراء بتأخير لم يجز؛ لأنه باع عرضاً معجلاً وهو الطعام وكراء مؤجلاً بدنانير معجلة ودنانير مؤجلة، وللعرض المؤخر وهي الحمولة من الدنانير المؤخرة حصة فدخله الكالئ بالكالئ، وإن كان الكراء بنقد وانتقد. م/ يريد وغاب على النقد، فهو الزيادة في السلف فلا يجوز كان البيع بنقد أو بتأخير؛ لأن ما يزيده من ثمن الطعام فيه الزيادة، والسلف هو الكراء الذي يرد، وإن كان البيع بتأخير فهو أشد. فصل [4 - في تفليس المكتري] ومن المدونة قال مالك: وإذا فلس المكتري فالجمال أولى بالمتاع حتى يقبض كراءه، ويكري الغرماء الإبل في مثل كرائه. قال ابن القاسم: كان قد سار قليلاً أو كثيراً ركب أو لم يركب بعد، إذا كان قد قبض المتاع، وكطذلك الصناع إذا قبضوا المتاع فهم أولى به حتى يستوفوا جميع كرائهم

فيه، ويكون العمل عليهم للغرماء. قال ابن المواز: وإن لم يقبض الأكرياء ولا الصناع المتاع إلا أنهم قد أكروا على حمله بعينه أو على صنعته فقام الغرماء قبل أن يحوزوه فإنه يباع ذلك المتاع للغرماء ويكون الكراء قائماً بينهما للغرماء. م/ يريد إذا دفع الغرماء للمكري جميع الكراء، وإن لم يدفع الغرماء الكراء خير الجمال، فإن شاء فسخ الكراء؛ لأن الحمل كسلعة له قائمة فهو أولى بها من الغرماء، وإن شاء لم يفسخه وحاصهم في ثمن المتاع وكان للغرماء كراء الإبل في مثل ذلك، وكذلك الصناع. [الفصل 5 - في تفليس الحمالين] قال ابن المواز: وإن فلس الحمالون فقام غرماؤهم، فإن كانت إبلاً بأعيانها فالمكترون أولى بها قبضوها أو لم يقبضوها كالشراء، وكذلك إن لم تكن بأعيانها قد قبضوا إبلاً يحملون عليها أو يركبونها، وإن لم يقبض المكترون شيئاً في غير المعينة فالغرماء والمكترون أسوة في مال المكري يحاص المكترون بقيمة كرائهم على ما يساوي يوم الحصاص، وليس على ما اكتروا، فما صار لهم اكترى لهم به، وإن بقي لهم شيء أتبعوا به المكري ديناً. قال: وسواء نقدوا كراءهم أو لم ينقدوه، إلا أنهم إن لم ينقدوه غرموا الكراء وتحاصوا فيه وفي سائر ماله هم والغرماء فإن صار لهم نصف الكراء اتبعوا المكري

بنصف الحمولة وليس بثمن. قال: وإذا كانت الإبل في المضمون بيد المكترين وكان الجمال يديرها عليهم للحمل أو للركوب فيفلس المكري فكل واحد من المكترين أولى بما بيده من صاحبه ومن الغرماء. قال سحنون في العتبية: وإذا أراد الجمال أن يدير بينهم الإبل وأبى ذلك أصحاب الأحمال والمحامل فليس ذلك للجمال إلا عن رضى منهم. والمحامل وغيرها في الكراء المضمون سواء هم أولى بما في أيديهم. قيل له: فإن احتاج الجمال فتسلف من بعضهم وأرهنه ما في يده من الإبل. قال: ذلك جائز وهو رهن مقبوض. تم الكتاب بحمد الله وحسن عونه، وقد جرى في بعض المسائل من أكرية السفن فيها تقصير فرأيت أن أذكر من أكرية السفن ما ينبغي ذكره، ولا يسع جهله تتميماً لكتابنا هذا، والله الموفق.

[الباب الثالث عشر] جامع القول في أكرية السفن

[الباب الثالث عشر] جامع القول في أكرية السفن [الفصل 1 - في الكراء يكون جزءاً من الطعام المحمول في السفينة] ومن قول مالك في الرجل يكتري من صاحب سفينة على حمل طعام من بلد إلى بلد بجزء منه، فإن شرط رب السفينة قبض كرائه مكانه فذلك جائز، وإن شرط تأخيره إلى الموضع الذي يحمله إليه لم يجز؛ لأنه شيء بعينه لا يقبض إلا إلى أجل، فإن لم يشترط تأخيره ولا تعجيله وسكتا عن ذلك فالكراء فاسد عند ابن القاسم حتى يشترط رب السفينة أخذ جزئه معجلاً. واجازه غيره حتى يشترط أن لا يقبضه إلا بعد البلوغ؛ لأن رب السفينة لم يمنع من أخذ جزئه، فإن غرقت السفينة في الطريق وذهب ما فيها فادعى رب الطعام أن معاملتهما وقعت على أن رب السفينة قبض جزءه بالموضع الذي ركبوا منه وطلب تضمينه ذلك، وقال رب السفينة بل اشترطت عليه قبضه بعد البلاغ، فرب الطعام مصدق مع يمينه؛ لأنه مدع للحلال، وعلى رب السفينة البينة على ما ادعى وإلا ضمن مثل مكيله ذلك الجزء في الموضع الذي ركبوا منه؛ لأن مصيبته منه ولا كراء له إلا على البلاغ.

م/ يريد وهذا إذا لم تكن لهم سنة يحملون عليها فإذا كانت لهم سنة جارية فالقول قول من ادعاها وإن كانت فاسدة. وقاله كثير من شيوخنا. [الفصل 2 - في نقد كراء السفن قبل الإقلاع] وروي أن مالكاً وابن القاسم كرها النقد في كراء السفن من أجل أن الكراء لا يجب إلا بعد البلوغ. وقال ابن نافع: النقد جائز وله من الكراء بحساب ما بلغ. قال محمد بم إبراهيم بن عبدوس: وإن عطب المركب قبل الإقلاع، فزعم الركاب أنهم نقدوا الكراء، وأنكر ذلك رب المركب فهو مصدق مع يمينه، ولا تجوز شهادة بعضهم لبعض في ذلك؛ لأنه ليس بموضع ضرورة، ولو أرادوا أن يشهدوا غيرهم على نقد الكراء لفعلوا. وفي العتبية: أن شهادة بعضهم لبعض في ذلك جائزة، كالذين تقطع عليهم الطريق فيشهد بعضهم لبعض.

فصل [3 - في كراء السفن في وقت لا يصلح فيه ركوب البحر] قال بعض أصحابنا: ولا يجوز كراء السفن على أن يركب في وقت لا يصلح فيه ركوب البحر في الشتاء وشبهه، ويفسخ إن نزل لأنه غرر، ولو شرط في العقد أن يصبر إلى وقت يصلح فيه ركوب البحر وكانت سفينة بعينها جاز ذلك ما لم ينقده، فإن نقده وكان صلاح الركوب قريباً مثل نصف شهر ونحوه جاز ذلك، وإن بعد كالشهرين ونحوهما لم يجز النقد، ولو كان الكراء مضموناً جاز حينئذ النقد وإن بعد أوان الركوب. فصل [4 - في فسخ الكراء إذا تعذر ركوب البحر] ومن اكترى سفينة في وقت يصلح فيه ركوب البحر، فتعذرت الريح، أو منع الركوب لوجه ما حتى صار الوقت لا يصلح فيه ركوب البحر، فمن طلب الفسخ فذلك له، وكذلك لو كان الركوب ممكناً إلا أن في البحر خوفاً من قطع لصوص أو روم وثبت ذلك، فإن الكراء يفسخ لمن أراده. ابن المواز قال مالك: وإذا اكترى قوم سفينة فحبسهم الريح عشرين يوماً، فأراد الركاب الفسخ، فليس لهم ذلك وليس ذلك للنوتي إن طلبه. يريد إذا كان في أوان ركوب البحر.

فصل [5 - متى يستحق رب السفينة الكراء؟] ومن المدونة قال مالك: ومن اكترى سفينة فغرقت في ثلثي الطريق وغرق ما فيها من طعام وغيره فلا كراء لربها ورأى أن ذلك على البلاغ. وقال ابن نافع: لرب السفينة بحساب ما بلغت. وقال يحيى بن عمر الأندلسي: إن كان كراؤهم على قطع البحر مثل السفر إلى صقلية من إفريقية أو إلى الأندلس فلا شيء له من الكراء، وإن كان كراؤهم مع الريف مثل كرائهم من مصر إلى إفريقية وشبهه فله بحساب ما سار. بهذا كان أصبغ يقول: وقال يحيى بن عمر: وإذا بلغ المركب البلد الذي قصدوا إليه وأرسى فركبه هول البحر حين بلوغه، ولم يمكنهم التفريغ من أجل الهول حتى عطب المركب فذهب ما فيه فلا كراء لصاحب المركب، وحكمه حكم ما لم يبلغ، إلا أن يكونوا أرسوا واشتغلوا بغير تفريغ المركب، وكانوا قادرين على تفريغه، فتوانوا حتى

حين أرسوا أخذوا في التفريغ من غير تفريط فأخرجوا بعض الشحنة، ثم ركبهم الهول وحال بينهم وبين تفريغ ما بقي في المركب حتى عطب، فإن على من سلم متاعه الكراء، ولا شيء على من عطب متاعه. قال أصبغ: وإذا عطبت السفينة ببعض الطريق وسلم ما فيها، فإنه يحاسب بما سار من الطريق؛ لأنه انتفع بحملاته، ولا يكون عليه أن يحمله كرهاً في غيره إذا كان مركباً بعينه. وكذلك قال سحنون عن ابن القاسم في العتبية فيمن اكترى سفينة من الإسكندرية إلى الفسطاط فغرقت في بعض الطريق، فاستخرج نصف القمح فحمله في غيرها، فلرب السفينة الأولى أن يأخذ من الكراء بحسب ما خرج من القمح بقدر ما انتفع به ربه ببلوغه إلى الموضع الذي غرقت فيه. قال سحنون في موضع آخر: وهي كمسألة مالك في الجعل في البئر يحفر بعضها ويتركها، ثم يجعل ربها لآخر فيتمها، فليعط الأول بقدر ما انتفع به رب البئر، وكذلك يعطى رب المركب بقدر ما انتفع به رب القمح. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن تكارى من نوتي إلى الإسكندرية فلما بلغ الملعدس وقف المركب من قلة الماء. قال: يحاسبه بقدر ما بلغ. قيل: فإن ظن أنه يلزمه حملانه فأكرى عليه فبلغه الإسكندرية قال: لا شيء للنوتي؛ لأنه لو شاء لم يفعل ويخاصم فيه. قيل: فلو كان

الإسكندرية قال: لا شيء للنوتي؛ لأنه لو شاء لم يفعل ويخاصم فيه. قيل: فلو كان وقوف المركب في موضع ليس فيه أحد ولا يوجد فيه سلطان فخشي هلاك المتاع فأكرى عليه. قال: لعل هذا، ولا يشبه هذا الأول. فصل [6 - في كراء ما ابتل في المركب من المتاع أو الطعام] قال يحيى بن عمر: وروى أبو زيد عن ابن القاسم في المركب يبتل فيه بعض المتاع، فإنه يقوم صحيحاً، ثم يقوم مبلولاً، فإن نقص نصف قيمته طرح عن صاحبه نصف كرائه، وكذلك فيما قل أو كثر. قال أبو سعيد بن أخي هشام: ما ابتل في أعلى المركب من أمواج متراكبة أو أمر غالب، أو من عمل المركب للماء مما لا صنع لصاحب المركب فيه، ولا تغرير من سوء عمل أو قلفطة إلا من هول البحر وشدته، فإن ابتل بللاً كثيراً حتى صار لا قيمة له فالكراء يبطل، ولا يلزم منه شيء. وإن تغير حتى نقص نقصاناً بيناً فإنه ينقص من الكراء بقدر ما نقص من قيمته، وأما إن كان غر من سوء عملها وقلفطتها حتى لا يشك أنها عملت الماء لأجل

ذلك وفسد ما فيها فساداً بيناً فربها ضامن؛ لأنه غر منها، وأما ما ناله من ذلك من رش خفيف ونداوة ليست بفساد بين فلا ينقص لذلك من الكراء شيء، ولا يضمنه صاحب السفينة. فصل [7 - في المركب يطرح بعض ما فيه رجاء النجاة] قال ابن حبيب: قال أصبغ عن ابن القاسم في المركب يخاف أهلها الغرق فيطرح بعض ما فيها لتخف رجاء النجاة أن أهل المتاع المطروح شركاء بثمنه في المتاع السالم في النماء والنقصان حتى يكون ما طرح وما سلم كأنه لجميعهم وتكون شركتهم في جميع ذلك بأثمانه من موضع اشتروه إن كان اشتروه من موضع واحد شراء لا محاباة فيه، وإن كان شراؤه من مواضع شتى، أو فيهم من اشترى وفيهم من لم يشتر، أو طال مكث شرائه حتى حال سوقه، فإنه يقوم السالم والذاهب بالموضع الذي ركبوا منه يوم ركبوا، ثم يكونون بتلك القيمة شركاء في السالم، وسواء طرح الرجل متاعه أو متاع غيره بإذنه أو بغير إذنه. وقاله جميع أصحاب مالك. وكذلك في العتبية عن ابن القاسم، واختلف قول مالك في المختصر في تقويم ذلك فقال قيمته من موضع حمل. وقال في موضع يحمل إليه. وقال في موضع طرح في البحر. وهي رواية أشهب عنه. قال أبو محمد بن أبي يزيد: وإنما يكون الذين رمي لهم شركاء لكل واحد ممن لم يرم له فيما في أيديهم وكذلك من لم يرم له شريك لكل من رمى له فيما رمي، ولا يكون من لم يرم له شركاء بعضهم لبعض، فإن كان قيمة ما رمى مثل نصف قيمة ما سلم كان لرب ما رمى نصف السالم، وإن كان قيمة ما رمى مثل نصف قيمة ما سلم كان لرب ما رمى

ثلث السالم، وإن كان إنما رمى نصف متاعه فليأخذ من لم يرم له نصف متاعه، ولا تراجع بينهما فيه، ويكون شريكاً لهم في النصف الآخر بقدر قيمة متاعه من قيمة متاعهم على هذا الشرح، وكذلك لو رمى جميع متاعه ثم أخرج من البحر وقد أذهب نصف قيمته، فإنما يشاركهم في نصف متاعهم مثل ما لو رمى نصف متاعه فقط، وإذا شاركهم من رمى متاعه كان عليه من كراء السالم بقدر ما حكم له به فيه، وإذا خرج نصف متاعه وقد نقص كان عليه حصة كراء ما خرج على نقصه، وإخراج هذا المتاع على ربه، وإنما تعتبر قيمته صحيحاً من قيمته معطوباً في أمر الكراء الذي يغرمه في الموضع الذي خرج فيه. قال أبو محمد: وإذا رمى بعض المتاع ثم ابتل ما بقي منه بللاً أذهب بعض ثمنه فإن الذين يرمى متاعهم شركاء لأصحاب المتاع المعيب بقدر ثمنه صحيحاً وقدر ثمن المتاع الذي رمي بموضع أشحنوا ذلك كله منه؛ لأن العيب الذي حدث في الباقي كأنه حدث على جميعه، وهذا إذا كان المعيب وقت الرمي صحيحاً، فأما إن كان دخله العيب قبل الرمي فلا يحسب لأهله إلا قيمته معيباً بموضع أشحنوه. قال أبو محمد: قال يحي بن عمر وإذا طرح أهل المركب ما نجوا به حسب ذلك على جميع ما في المركب مما يراد به التجارة من جوهر وغيره مما تقل مؤنة حمله أو تكثر. قال ابن حبيب: وليس على صاحب المركب شيء ولا على أبدان من لا متاع لهم ولا على خدمة المركب وقومته أحراراً كانوا أو مماليك إلا أن يكون العبيد للتجارة فتحسب قيمتهم مسلمين كانوا أو كفاراً. قال ابن حبيب: ومن كان معه دنانير أو دراهم ناضة كثيرة يريد بها التجارة فهي

داخلة في الشركة إلا ما كان من نفقته لسفره أو لا يريد بها التجارة فلا يحسب. وذكر عن ابن ميسر أنه قال من كان معه عين فلا يلزمه شيء من قيمة ما طرح من المركب. وقاله ابن أبي مطرف ومحمد بن عبد الحكم. م/ والصواب ما قاله ابن حبيب. قال محمد بن عبد الحكم: وأجمع أصحابنا أن المركب لا يدخل في شيء من حكم الطرح. وقاله ابن حبيب. وذكر حبيب عن سحنون أن جرم المركب يدخل في قيمة ما طرح منه. م/ وهو أقيس. وسئل أبو محمد عن مركب كان مرسياً بالمهدية فأخذه هول فنقد بقاعه قاع البحر فخيف عليه أن يهلك من ذلك فرمى منه التجار بعض ما فيه ليخف ولا يصل إلى

قاع البحر فذهب الهول وخلص المركب، وأراد أصحاب الحمولة أن يدخلوا المركب في قيمة ما طرح منه وأبى صاحب المركب. فقال أبو محمد إذا رمى من شحنته خوفاً عليه أن يهلك من نقده بقاعه فإنه يدخل في القيمة ويحسب عليه من قيمة ما رمي ما ينوبه من ذلك. وقال محمد بن عبد الحكم: وأهل العراق يقولون إن المركب وعبيده وجميع ما فيه للتجارة أو للقنية يدخل في قيمة ما طرح منه. م/ وأنه القياس لأنه بذلك الطرح سلم الجميع فيجب أن يكون على كل ما بقي حصته مما طرح. قال ابن عبد الحكم: وقال بعض أصحابنا: لم يختلف قول مالك وأصحابه أم كل ما اشترى للقنية عبيداً كانوا أو كسوة أو حلياً أو جوهراً أو مصحفاً للقنية فإنه لا يدخل منه شيء في حساب ما طرح، وما طرح مما اشترى للقنية مصيبته من صاحبه دون غيره قليلاً كان أو كثيراً؛ لأنه زائل من حكم التجارة، وصاحب المركب كسائر التجار فيما اشتراه للقنية أو للتجارة فيما يحسب أو لا يحسب. فصل [8 - فيمن يرجع إليه عند تقدير ثمن المتاع المطروح] ومن الواضحة قال ابن القاسم: وإذا طرح من المركب شيء عند الخوف فكل واحد من أهل المركب مصدق مع يمينه في ثمن متاعه المطروح أو السالم ما لم يأت بما يستنكر ويتيقن فيه كذبه. وقال سحنون في العتبية يقبل قول كل واحد في مبلغ ثمن طعامه المطروح بلا بينة ولا يمين إذا ظهر صدقه إلا أن يتهم فيحلف.

قال بعض أصحابنا: وإذا طرح من المركب متاع عند الهول فادعى من طرح له أنه كان متاعاً كثيراً، وقال صاحب المركب: لم يشحن عندي إلا أقل مما ادعى. فإنه يرجع في هذا إلى ما في الشرنبيل فإنه قد جرى أمر الناس عليه، وما كان في داخل المتاع مما يخفى ذكره في الشرنبيل فالقول قول صاحب المتاع فيه مع يمينه إذا أتى بما يشبه أن يملك مثله. م/ وما لم يكن في الشرنبيل فهو مدع فيه، وهو ظلم إذا لم يكتبه فيجب أن لا يصدق. وقال أبو محمد: وإذا ادعى صاحب المتاع أن صفة متاعه كذا وكذا، وكذبه الباقون، وادعوا أن صفته كذا فالقول قولهم مع أيمانهم، فإن جهلوا ذلك فالقول قول صاحب ذلك الشيء مع يمينه. قال ابن أخي هشام إذا زعم رب السفينة أنه رمى بعض شحنتها لهول أصابه وكذبه أصحاب ذلك، ولم يكونوا معه في المركب، فهو مصدق في العروض في قول ابن القاسم، ولا يصدق في الطعام إلا بالبينة. فصل [9 - في مصالحة من رمي له شيء على دنانير على أن يبقي لهم متاعهم] قال أبو محمد: وإذا صالح أهل المركب من رمى له شيء على دنانير دفعوها إليه على أن يبقي لهم متاعهم فالصلح جائز إذا عرفوا ما يلزمهم في القضاء، ثن اصطلحوا بعد ذلك على إقرار أو إنكار. قيل: وإن صالحوه على شيء ثم خرج متاعه من البحر سالماً أو أذهب البحر نصف قيمته، قال: إن خرج سالماً فهو له وينتقض الصلح وتزول الشركة، ولو خرج وقد ذهب نصف قيمته انتقض نصف الصلح، ويرد عليهم نصف ما أخذ،

ويكون هذا الخارج له خاصة، وعليه فيه الكراء على ما ذكرنا فيه الكراء على ما ذكرنا، وإن قيل: إن خرج متاعه سالما لم يكن له أخذه دونهم بل يشركونه فيه؛ لأنه بيع مضى، وقيل يكون لهم دونه لأنه بيع مضى. واحتج بمسألة ابن القاسم في الدابة يتعدى عليها المستعير أو المكتري فتضل فيصالحه ربها على قيمتها ثم توجد أن ربها لا يأخذها وهي للمعتدي، قيل له ليس ذلك سواء؛ لأن مسألة الدابة فيها تعد موجب تضمينها في الذمة، والرمي في البحر ليس بتعد إنما هو شيء توجبه الضرورة فما سلم منه فهو لمالكه، وما هلك أوجب هلاكُه الشركةَ فيما سلم. وإذا خرج متاعه وقد أذهب البحر نصف قيمته فكأنه هلك له نصف متاعه. فصل] 10 - في ضمان رب المركب الطعام الذي سلم إليه وغاب صاحبه عنه [. وقيل فيمن اكترى سفينة على حمل طعام من سوسة إلى سفاقس وكان رب الطعام يوصله إلى المركب شيئا فشيئا وينصرف عنه حتى تم وسقه أو حمله إلى المركب في حمله ما وسقه صاحب المركب، ثم غاب عنه رب الطعام إلى يوم الإقلاع، فأتى فركب مع طعامه فساروا بعض الطريق ثم ردتهم الريح إلى سوسة، فأراد صاحب الطعام السير في البر فأبى عليه صاحب المركب إلا أن يركب مع طعامه خيفة أن يضيع منه شيء

فيضمنه صاحب المركب، فليس ذلك لصاحب اللوح، وليس ركوبه معه مما يسقط عنه الضمان؛ لأنه قد سلم ذلك إليه وحازه وصار في ضمانه، وإنما ركب معه لما أتى وقت إقلاعه، وإنما الذي لا يضمن الذي لم يسلم إليه الطعام ولا اؤتمن عليه، وكان ربه معه من وقت وسقه إلى وقت إقلاعه. فصل] 11 - في القوم يحملون الطعام في السفينة مخلوطا فيريد أحدهم بيع حصته في الطريق، أو ينزلها عندما يمر بمنزله [. ومن العتبية قال أشهب: عن مالك في القوم يحملون الطعام في السفينة مخلوطا، فأراد بعضهم بيع حصته في الطريق، فليس ذلك له إلا برضي أصحابه؛ لأنه ربما فسد أسفل الطعام أو أصاب أعلاه مطر فيقسم بينهم الجيد والفاسد إلا أن يسلموا له حقه فذلك لهم، ثم لا تباعه لهم إن وجدوا القمح فاسدا. ومن سماع أبي زيد قال مالك: وإذا فسد بعض الطعام فإن كان طعام كل واحد على حدة في شكائر، أو قد حجزوا بحواجز فمن ابتل له شيء أو فسد فهو منه، والسالم لربه لا شيء عليه فيه، وإن انخرقت الحواجز حتى اختلط القمح فهم في جميعه شركاء فيما فسد وفيما سلم. قال مالك في نفر حملوا طعامهم في سفينة فأحب أول من يمر بمنزلة أخذ طعامه فذلك له، ثم إن غرقت السفينة بعد ذلك فلا رجوع لأصحابه عليه أذنوا له في ذلك أم لا، وليس عليه أن يبلغ معهم بطعامه ثم يرجع إلا أنه إن نقص الكيل وثبت ذلك فلهم الرجوع عليه

بحصته. م/ يريد وكذلك إن ابتل وعلم أنه أدركه ذلك البلل قبل نزوله عنهم، وقيل فيمن اكترى سفينة إلى موضع فأراد نزول رحله دونه فله ذلك إلا أن يكون في ذلك على أصحابه ضرر مثل أن يكون رحله تحت رحالهم ولا يخلص له إلا بإدخال الضرر عليهم فلهم منعه من ذلك. فصل] 12 - في كيفية إنزال الزيادة إذا حملوا المركب فوق حمله [. قال أبو محمد وأبو سعيد بن أخي هشام في قوم أشحنوا طعاما في لوح، لكل واحد كيل معلوم، فلما أرادوا أن يقلعوا تبين لهم أنهم أشحنوا فيه فوق حمله، فأنزلوا منه كيلا فقبضه أحدهم في حصته بإذن أصحابه، وكان بعضهم غائبا، ثم أقلع المركب فعطب، فلمن كان غائبا أن يدخل على الذي قبض ذلك الكيل. بمقدار حصته منه، وإن كان الذي قبض القمح باعه فلمن غاب أن يجيز البيع ويأخذ ثمن مقدار ما يخصه، أو لا يجيزه ويغرمه مثل كيله في جنسه وصفته. م/ وسئلت أنا عن قوم أوسقوا في مركب متاعا، فلما أقلعوا أصابهم هول وخافوا الغرق وبان لهم أنهم أوسقوه فوق حمله، فأرادوا أن ينزلوا بعض وسقه في البر فاختلف أصحاب المتاع في ذلك، فقلت: إن علم الأول فالأول في الوسق فإنه ينزل وسق الآخر فالآخر؛ لأنه من حين أخذ المركب حقه في الوسق كان وسق من أوسق بعد ذلك غير جائز، وإن لم يعلموا من هو أول ولا آخر فينزل من رحل كل واحد ما يخصه، مثل أن

ينزلوا عشر وسقه فينزل كل واحد عشر ما أوسق وإن خمسا فخمسا. وقاله بعض أصحابنا. فصل] 13 - في الشريكين في السفينة يجد أحدهما الحمل وليس للآخر ما يحمل، والمركب يصلحه أحد الشريكين بغير إذن الآخر [. ومن العتبية قال سحنون في رجلين لهما سفينة فأراد أحدهما أن يحمل في نصيبه متاعا له وليس لصاحبه شيء يحمله، فقال الذي ليس له شيء للآخر: لا أدعك تحمل فيها شيئا إلا بكراء، وقال الآخر: أنا أحمل في نصيبي. قال: فله أن يحمل في نصيبه، ولا يقضي لشريكه عليه بكراء، فإما أن يحمل مثل ما حمل صاحبه من الشحنة والمتاع، وإلا بيع المركب عليهما. وقال أبو محمد في مركب بين رجلين نصفين خرب أسفله حتى لا ينتفع به إلا بإصلاحه، فأصلحه أحدهما بغير إذن شريكه، ثم طلب شريكه بنصف النفقة، فأبى الشريك من ذلك، وقال: أنت أنفقت بغير إذني. قال: فالشريك بالخيار إما أن يعطيه نصف ما أنفق ويكون المركب بينهما، أو يأخذ من شريكه نصف قيمته خرابا إذا شاء ذلك شريكه، فإن أبيا من ذلك فالمركب بينهما يكون للذي أنفق بقدر ما زادت نفقته فيه مع حصته الأولى، مثل أن تكون قيمته خرابا مائة وقيمته مصلوحا مائتين فيكون للذي عمل ثلاثة أرباعه ولشريكه ربعه.

م/ والذي أرى أن يكون شريكه مخيرا بين أن يعطيه الأقل من نصف ما أنفق، أو من نصف ما زادت نفقته في المركب، أو يكونا شريكين فيه بقدر ما زادت نفقته فيه؛ لأن له أن يقول له: بعه الآن وخذ ما زادت نفقتك. فلما كان له ذلك كان له أن يعطيه نصف ما زادت نفقته فيه، ويكون المركب بينهما. وله أن يعطيه أيضا نصف ما أنفق إذا كان ذلك أقل ويكون بينهما. ومن مسائل لابن عبدوس في قوم اكتروا مركبا من الإسكندرية إلى طرابلس فردتهم الريح إلى سوسة، ومع المتاع ربه أو وكيله، وهو من أهل طرابلس أو غيرها فذلك سواء، فإن شاء أخرج متاعه بسوسة ولا كراء عليه لزيادة المسافة، وإن شاء الرجوع إلى طرابلس بالمتاع أو بنفسه خاصة أو بالأمرين فذلك له؛ لأنه شرطه، ولا ينظر إلى غلاء المتاع بسوسة ولا رخصة. م/ وذكر البراذعي لأبي سعيد بن أخي هشام خلافه، وما ذكر ابن عبدوس أصوب. م/ ومن اكترى دابة لحمل أو ركوب فأكراها من غيره في مثل ما تعطب في مثله، ولم

يعلم الثاني أنها لغيره فركبها الثاني أو حمل عليها ما شرط حمله فعطبت. فذهب جماعة من أصحابنا أن لربها أن يضمن من شاء منهما كما لو قتلها الثاني. وظهر لي ولغيري من أصحابنا أنه لا يضمن إلا الأول؛ لأنه المتعدي. فأما الثاني فقد حمل ما شرط له وأبيح، كما لو اشترى دارا فهدمها ثم استحقت فليس لربها أن يضمنه؛ لأنه صنع ما هو مباح له. وذلك بخلاف من اشترى عبدا فقتله ثم استحق فلربه تضمينه؛ لأنه متعد في قتله فافترقا، والله أعلم. تم كتاب الرواحل والدواب.

كتاب كراء الدور والأرضين

كتاب كراء الدور والأرضين [الباب الأول] فيمن اكترى دارا أو أرضا وفيها نخل فاشترط ثمرها ] الفصل 1 - فيما يتبع الدار والأرض المكتراة من ثمر الشجر الموجود فيها قبل الكراء [ قال ابن القاسم: ومن اكترى دارا أو أرضا، وفيها سدرة أو دالية، أو كان في الأرض نبذ من نخل أو شجر، ولا ثمرة فيها حينئذ، أو فيها ثمرة لم تزه، فالثمرة للمكري، إلا أنه إن اشترط المكتري ثمرة فإن كانت تبعا مثل الثلث فأقل فذلك جائز. وبلغني توقيت الثلث عن مالك، فأما في سؤالي إياه فلم يبلغ به الثلث، ومعرفة ذلك أن يقوم كراء الأرض أو الدار من دون شرط الثمرة. فإن قيل: عشرة. قيل: فما قيمة الثمرة فيما عرف مما تطعم كل عام بعد طرح قيمة العمل والمؤنة؟ فيعلم الوسط من ذلك.

فإن قيل: خمسة فأقل، جاز ذلك. ابن المواز قال أصبغ: وهذا إذا علم أن الثمرة تطيب قبل انقضاء مدة الكراء، وإلا لم يجز أن يعقداه. م/: وإنما يصح هذا التقويم إذا لم يكن في الشجرة ثمرة، فأما إن كان فيها ثمرة مأبورة قد صحّ عقدها، فإنما تقوم هذه الثمرة المأبورة التي فيها يوم عقد الكراء إذا طابت، فينظر قيمتها بعد إلغاء ما بقي من مؤونتها، فإن كانت تبعا لكراء الأرض أو الدار بغير شرط الثمرة جاز، وإلا لم يجز.

م/ وإنما أجيز ذلك للضرورة التي تدخل على المكتري في دخول رب الدار لإصلاح الثمرة وجذاذها، كما أجيز شراء العريَة بخرصها تمرا؛ لدخول المعري لإصلاح العرية وجذاذها، وكذلك هذا. قال بعض فقهاء القرويين: وإذا اكترى الدار سنين، فكانت الثمرة في بعض السنين تبعا، وفي بعضها ليست بتبع، إلا أنها إذا أضيفت جملتها إلى جملة الكراء كانت تبعا، فالأشبه أن لا يجوز. وينبغي إذا اكتريت سنين أن ينظر إلى ثمرة كل سنة، فإن كانت تبعا جاز، وإلا لم يجز، كما لو اكترى دورا في صفقة واحدة، وفي إحداها ثمرة ليست بتبع، أو اكترى دارًا، أو اشترى عرضا في صفقة، وفي الدار ثمرة غير تبع، إلا أنها تبع إذا أضيفت إلى كراء الدور، أو العروض، كانت الثمرة تبعا للجميع أن لا يجوز، فكذلك حكم الثمرة في كراء الدار سنين، لا ينظر هل هي تبع إلا لكل سنة. ومن المدونة قال ابن القاسم: وهذا كالمساقاة، فإذا كان معها بياض قدر الثلث فأدنى، في قيمة كرائه من قيمة الثمرة على عرف نباتها، بعد إلغاء قيمة مؤونتها جازت المساقاة، وإن كانت قيمة كراء البياض أكثر من الثلث لم يجز جمعها في صفقة واحدة.

[الفصل 2 - اشتراط المكتري الثمرة إذا كانت أكثر من ثلث الكراء] قال ابن القاسم: وكذلك إذا كانت الثمرة التي في الدار أكثر من الثلث لم يجز للمكتري أن يشترطها إذا كانت غير مزهية، فإن وقع ذلك فالثمرة لرب الدار والأرض، وللمكتري أجر ما سقى وعالج، وعليه قيمة كراء الدار والأرض بلا ثمرة إن كان قد سكن أو زرع. م/: يريد: وكذلك لو قبض الدار أو الأرض فلم يسكن ولم يزرع حتى انقضت المدة المكتراة، وكان هو الذي ترك ذلك فعليه قيمة كرائها. قال ابن القاسم: ولو كانت الثمرة مزهية جاز للمكتري اشتراط جميعها وإن جاوزت الثلث؛ لجواز بيعها مفردة. م/: يريد: ثمرة ذلك العام فقط. قال: ومن اكترى وفيها زرع، أو بقل لم يطب، فاشترطه، فإن كان تافهاً جاز، ولا أبلغ بهذا الثلث. قال: وإذا كانت الثمرة التي في الأرض أو الدار تبعا فاشترط المكتري نصفها لم يجز، وإنما جاز إذا كانت تبعا أن تلغى بالسنة، فإذا اشترط نصفها صار ذلك كبيع ثمرة قبل زهوها.

قال: وكذلك حلية السيف، ومال العبد، وأجاز ذلك كله أشهب اعتبارا باستثناء الجميع. قال ابن القاسم: وإنما جاز في المساقاة اشتراط ما خرج من البياض بينهما؛ لأن العمل والزريعة من عند العامل. قال ابن المواز عن ابن القاسم: وإن كانت الثمرة في كراء الأرض أكثر من الثلث فاشترط منها الثلث فأقل لم يجز. م/: وينبغي على قول أشهب أن يجوز ذلك. والله أعلم. ] الفصل 3 - في الدار المكتراة تنهدم قبل نهاية الأمد وفيها نخلة قد اشترط المكتري ثمرتها [ قال يحيى بن عمر فيمن اكترى داراً سنة، وفيها نخلة فاشترط ثمرتها وهي دون الثلث، فانهدمت الدار في نصف السنة، وقد طابت الثمرة، فإنه ينظر إلى قيمة ما سكن خاصة، وقيمة الثمرة على المتعارف منها كل عام، فإن كانت الثمرة من ذلك الثلث فأدنى كانت الثمرة للمكتري، وإن كانت الثمرة أكثر كانت لرب الدار، وفسد فيها البيع، فإن جذها المكتري رطبا رد قيمتها، وإن جذها تمرا رد مثلها. وإن انهدمت الدار، والثمرة لم تطب، فلابد من ردها لرب الدار كانت تبعا لما سكن أو غير تبع.

قال ابن المواز: إذا كانت قدر ثلث الصفقة أولا ثم انهدمت الدار بعد نصف المدة فلابد أن يرد الثمرة بحصتها من الثمن، طابت الآن أو لم تطب، ويكون على المكتري نصف ما وقع على الدار دون الثمرة من الكراء. م/ وهذا كقول يحيي بن عمر. وروى العتبي عن أبي زيد عن ابن القاسم إذا كانت قدر ثلث الصفقة يوم العقد، ثم انهدمت الدار في نصف المدة، فإن كانت الثمرة قد طابت كانت للمكتري، وعليه ثلُثَا الكراء، وإن لم تطب كانت لرب الدار، وكان له ثلث الكراء يريد: إن استوت قيمة أكريه الشهور. وقال بعض فقهاء القرويين: وكان يجب على هذا أن تكون الثمرة للمكتري وإن لم تطب؛ لأن أصل العقد لم تكن فيه تهمة لكونها الثلث، فلا اعتبار بطريان الهدم. وقاله في كتاب ابن حبيب. ] الفصل 4 - في مكتري الدار يطلب الإقالة، وفي الدار ثمرة قد اشترطها ولم تطب بعدُ [ قال ابن القاسم: وإن استقالة فأقاله، وقد نقد أو لم ينقد، ولم تطب الثمرة فينظر، فإن كانت الثمرة تبعا للستة أشهر الباقية، فالإقالة جائزة؛ لأنّه يصير كابتداء كراء من

المكتري، وإن كانت الثمرة قد طابت فليصنعا ما أحبا، نقد أو لم ينقد. م/: ثم رجع ابن القاسم فقال: إنما هذا ما لم ينقد، فإن نقد كان بيعا وسلفا، وإن أبقى المكتري الثمرة لنفسه، فإن كانت قد طابت نظرت، فإن كانت تبعا للستة الأشهر الماضية جاز على القولين، وإن لم تكن تبعا لما مضى، فلا يجوز على رواية يحيي، ويحتمل أن يجوز على رواية أبي زيد عن ابن القاسم، كما قال في الهدم؛ إذ هي تبع في أصل العقد. ويحتمل أن يفرق بين الإقالة والهدم؛ لأن الهدم أمر طارئ، والإقالة هما أحدثاها بالتراضي، فتدخله التهمة في بيع الثمر قبل بدو صلاحه، كما دخله التهمة في النقد أن يكون بيعا وسلفا. وأما إن لم تطب الثمرة فلا يجوز أن تبقى للمكتري، كانت تبعا لما مضى، أو لم تكن تبعاً. وذكر ابن حبيب مثل رواية أبي زيد أولا. ] الفصل 5 - في استحقاق الدار دون موضع الشجرة التي اشترط المكتري ثمرتها [ قال ابن حبيب: ولو استحقت الدار إلا موضع الشجرة، وذلك بعد ستة أشهر، رجعت الثمرة لربِّ الدار - يريد المكري - طابت أو لم تطب، جذت أو لم تجذ؛ لأنه ضمها إلى ما لم يملكه. م/: إنما يصح هذا إذا كان المكري غاصبا، وأما إن كان مشتريا حتى يكون له كراء

ما مضى، فإن كانت الثمرة قد طابت، وكانت تبعا لكراء ما مضى فهي للمكتري. والله أعلم. وفي كتاب محمد: في استحقاق الأرض دون الزرع بعد يبس الزرع أن الزرع يمضي للمشتري بما ينوبه من الثمن. م/: وهذا كان ينبغي أن يفسخ البيع في الزرع؛ لأنه ضمه إلى أرض لا يملكها، والمكري ضمه إلى كراء قد ملكه، فانظره.

[الباب الثاني] ما يحل ويحرم في كراء الدور والحمامات من عقد وشرط، وكيف إن استحق بعض الكراء أو وجد به عيب

[الباب الثاني] ما يحل ويحرم في كراء الدور والحمامات من عقد وشرط، وكيف إن استحق بعض الكراء أو وُجد به عيب ] الفصل -1 - في اشتراط المكتري كنس المراحيض والتراب وغسالة الحمام ونحو ذلك على المكري [ قال ابن القاسم: ومن اكترى داراً، أو حمّاماً، واشترط كنس المراحيض، والتراب، وغسالة الحمام على المكري جاز؛ لأنه وجه قد عُرف. م/: قيل: معنى ذلك في كنس ما يكون بعد عقد الكراء، وأما ما كان يوم العقد في المراحيض فهو على المكري شرط عليه أم لا، كما لو كان في أحد البيوت المكتراة شيء فإن عليه إزالته وتفريغ البيت للمكتري، فكذلك المرحاض. قال ابن القاسم: ومن اكترى دارا فعلى ربها مرمتها وكنس المرحاض وإصلاح

مائها وما وهى من الجدرات والبيوت. م/: لعله يريد: في المرمة والإصلاح الخفيف، فهو بخلاف الهدم والإصلاح الكثير، أو يريد أنه عليه، ولا يجبر عليه إنْ أبَاهُ؛ لأنّه قال في باب بعد هذا: إذا هطل البيت لم يجبر رب الدار على الطر، وللمكتري الخروج في الضرر البين، إلا أن يطرها ربها، فكذلك هذا. وقوله ههنا: وعلى ربها كنس المرحاض لعله يريد ما كان فيه قديما؛ لأن ظاهر كلامه في المسألة الأولى أن الكنس على المكتري، إلا أن يشترطه على رب الدار. وكذلك عنه في غير المدونة، فإذا جعلت القديم على رب الدار، والجديد على المكتري اتفق الجوابان، وإلا كان ذلك تناقضا، وهذا كله ما لم يكن عرفاً أو شرطا فيحملان عليه. وقال ابن حبيب عن ابن القاسم: يقضى بكناسة الدار على المكتري. وكذلك روى عنه أبو زيد في العتبية. قال: إلا في دور الفنادق، فإن كنسها على المكري.

قال ابن حبيب: وإن كانت سنة البلد أنّ كنس المرحاض على رب الدار، فاشترط رب الدار على المكتري كنسه، فابن القاسم يقول ذلك جائز. وقال ابن حبيب: أما في مرحاض نقي فجائز، وإن تقدمت فيه رحاضة فذلك مجهول؛ لأنه لا يدري مبلغه. م/: يريد: إلا أن يعلم مبلغه بالمشاهدة أو بصفة تقوم مقامها فيجوز. ] مسألة: في اشتراط المرمة على المكتري في الدار والحمام [ ومن المدونة قال مالك ومن اكترى دارا أو حماما على أن ما احتاجا إليه من مرمة رمَّها المكتري، فإن شرط أن ذلك من الكراء جاز، وإن شرط أن ما عجز عنه المكري أنفقه الساكن من عنده لم يجز. ولا يجوز أن يشترط أنّ عليه ما احتاجت الدار من يسير مرمة، أو كسر خشبة إلا أن يكون ذلك من كرائها.

[الفصل -2 - فيمن اكترى حماما واشترط أنّ عليه لربه ما احتاج أهله من نورة أو حميم] قال ابن القاسم: ومن اكترى حماما على أن عليه لربه ما احتاج أهله من نورة أو حميم لم يجز، حتى يشترط شيئا معروفاً. وقال ابن حبيب: ذلك جائز إذا عرف ناحية عيال الرجل، وكثرته من قلته، وعلم عدتهم. وقد أجازه مالك، وأجاز أن يواجب الخياط على خياطة ما يحتاج إليه هو أو أهله من الثياب في السنة، أو الفرَّان على خبز ما يحتاج له من الخبز سنة أو شهرا، إذا عرف عيال الرجل، وما يحتاجون إليه من ذلك. م/: وهذا معروف؛ لأن الأكل لابد منه، ومقدار أكل الناس معروف، والخياطة قريب منه. وأما دخول الحمام فيمكن أن يدخل كل يوم، أو في الشهر مرة، والنورة يمكن أن تعمل في الشهر مرة، أو مرتين في شهر، فلا يجوز في ذلك إلا على أمر معروف، كما قال ابن القاسم، وهو الصواب إن شاء الله. ] الفصل -3 - فيمن اكترى دارا على أنّ عليه تطيينها [ ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اكترى دارا على أن عليه تطيين البيوت جاز إذا سمى تطيينها مرة أو مرتين في السنة، أو في كل سنتين مرة؛ لأنه معلوم.

وأما إذا قال: كلما احتاجت طينتها، فهذا مجهول لا يجوز. ومن اكترى حمامين أو حانوتين في صفقة، فانهدم أحدهما، فإن كان ما أنهدم وجه ما اكترى رد الجميع، وإن لم يكن وجهه لزمه الباقي بحصته من الكراء. فصل] 4 - في إجارة نصف العبد أو نصف الدابة أو كراء نصف الدار وهل في ذلك شفعة؟ [ قال: وتجوز إجارة نصف عبد أو نصف دابة ليكون للمستأجر يوم، وللذي له النصف الآخر يوم، كالبيع. وما جاز لك بيعه من ثمرتك جاز لك الإجارة به، وكل ما يكال أو يوزن أو يعد، وما لا يعرف بعينه يجوز أن يكترى به ولا يجوز أن يكرى. ولا بأس بكراء نصف دار، أو سدسها، أو جزء شائع، قَلّ أو كثر منها، كالشراء. وإذا اكترى رجلان دارا بينهما فلأحدهما أن يكرى حصته. قال مالك: ولا شفعة فيها لشريكه بخلاف البيع. م/: وابن المواز وأشهب يرى أن له فيه الشفعة، وبقولهما أقول.

[مسألة: في كراء الدار أو بيعها واستثناء بعض ذلك] قال ابن القاسم: ومن أكرى مساكن له، واستثنى ربعها بربع الكراء، أو بغير كراء جاز ذلك، وكذلك من باع داره واستثنى ثلاثة أرباعها، فإنه جائز؛ لأنه إنما باع ربعها، ولا ينظر إلى لفظهما إذا صح الفعل بينهما. فصل]-5 - في كون الكراء منفعة دار أخرى أو ثوب أو عبد ونحو ذلك [ ومن استأجر داراً سنةً بسكنى دار له أخرى جاز ذلك، ومن اكترى دارا أو أرضا بثوب أو بعبد مضمون بغير صفة أو بصفة، ولو يضرب له أجلا لم يجز، فإن سكن أو زرع فعليه كراء المثل. وإن أكريت دارك بعبد بعينه على أن تقبضه فمات بيد المكتري فهو منك والكراء يلزمك، كالبيع. م/: أعرفه خلاف قول محمد. ولو كان بثوب بعينه في بيت المكتري، وقد وصفه، ثم ذكر أنه هلك، كان منه، وانتقض الكراء باقي المدة، ولك فيما سكن كراء المثل. وكذلك لو قبضته فاستحق أو

رددته بعيب بعد أن سكن نصف المدة فعليه فيما سكن كراء المثل. م/: قال بعض فقهائنا القرويين: ولم يذكر هل له تضمينه قيمة الثوب أم لا. وقد ذكر محمد نحو هذا التضمين في مسألة الثوب الذي ادعى من أسلمه في طعام ضياعه، ولم يتركه وديعة أنه بالخيار، إن شاء فسخ السلم، وإن شاء ضمنه قيمته، فكذلك هذا. وقد يقول ابن القاسم: إن العداء لما لم يتحقق كانت يمينه أوجبت الفسخ، ولم يغرمه قيمته. ] الفصل 6 - في الكراء يكون ثوباً فيُسْتَحَقُّ أو يجد به المكري عيباً [ ومن المدونة قال ابن القاسم: وليس لك إذا وجدت العيب في الثوب أن تحبسه، وتأخذ قيمة العيب، وإنما لك حبسه معيباً، ولا ترجع بشيء، أو تردّه، ويكون كما وصفنا، ولو كان العيب خفيفا لا ينقص ثمن الثوب لم يكن لك رده، وإن كان عند الناس

عيباً. ولو اطلعت على العيب بعد أن بعت الثوب لم ترجع بقيمته، أي بقيمة عيبه، وأما إن تصدقت به أو وهبته أو لبسته أو هلك ثم اطلعت على العيب فلك الرجوع بحصة قيمة العيب، وينتقض من الكراء بقدر حصة العيب؛ لأنه ثمنه. قال أبو إسحق البرقي: فيما سكن، وفيما لم يسكن، وكذلك في استحقاق جزء منه. قال ابن حبيب: وتفسير ذلك: أن يقوّم الثوب صحيحا ثم معيبا، فإن نقصه العيب الخمس، فإن لم يسكن المكتري رجع عليه بخمس السكنى، ولهما قسمته بالتراضي، أو بمقاواة، وإن كان العيب ينقصه كثيرا مما يضر بالمكترى إذا رجع عليه في السكنى فهو مخير، إن شاء على ذلك، وإن شاء ردها، ورجع بقيمة ثوبه معيبا، وإن قام بذلك وقد سكن نصف السنة، والعيب ينقصه الخمس، رجع رب الدار بخمس سكنى ما بقى من السنة، وخمس كراء الستة الأشهر الماضية. وإن كان العيب كثيرا كما قلنا، فإن أحب المكتري سكن فيما بقى مع رب الدار

بحصته، وإلا ردّه، وكان على المكري للساكن قيمة ثوبه معيبا يوم قبضه، وأخذ منه قيمة كراء ستة أشهر ماضية، وإن قام عليه وقد سكن المكتري جميع السنة فإنه يرجع عليه بحصة العيب، قَلّ أو كَثُرَ، فيأخذ قيمة ما قابله من سكنى الدار ما بلغ. وقاله أصبغ وغيره. قال أبو محمد: كلام ابن حبيب هذا حسن، إلا قوله إذا سكن نصف السنة والعيب كثير يضر به أن يسكن معه من أجله في بقية السكنى، فاختار رد بقية السكنى، أنه يغرم قيمة كراء ما سكن، ويأخذ قيمة ثوبه، فليس هذا أصلهم بل يرجع بقيمة نصف ثوبه معيبا فيما رد من السكنى، ويغرم قيمة كراء ما وقع لنصف العيب في جميع الأشهر التي سكن. م/: كما كان يرجع بقيمة كراء ما يخص جميع العيب إذا سكن جميع السنة، فكذلك يرجع بنصف ذلك إذا سكن نصف السنة، وهذا الذي يلزم على أصله. وأما على أصل ابن القاسم في العيوب إذا قام عليه، وقد سكن نصف السنة، وهو إن رجع عليه بحصة العيب في بقية السكنى أضر به، فإنه يرجع عليه بجميع قيمة العيب

من قيمة السكنى لما سكن ولما لم يسكن، ويصير حكمه كما لو سكن السنة كلها، وذلك لضرر الشركة، كما قال فيمن باع عبدا بثوبين فهلك عنده أرفعهما، ووجد بالأدنى عيبا فإنه يرده، ويرجع في قيمة العبد، لا في عينه. وعلى قول أشهبَ الذي لا يراعي ضرر الشركة، يرجع عليه ههنا في السكنى وإن أضر به، وللساكن أن يرد بقية السكنى لما دخل عليه من الضرر، كالاستحقاق، فإذا رجع بنصف قيمة ثوبه معيباً؛ لفواته، وكان عليه فيما سكن نصف ما يخص العيب من قيمة ما سكن، إن كان العيب ينقصه الخمس رجع عليه بقيمة خمس ما سكن، ولا يختلفون في هذا.

[الباب الثالث] في كراء الدار مشاهرة أو مساناة وما لأحدهما فيه من الترك

[الباب الثالث] في كراء الدار مشاهرةً أو مساناةً وما لأحدهما فيه من الترك ] الفصل -1 - في عقد الكراء الذي لا يعين العاقدان بدايته ولا نهايته [ قال مالك: ومن قال لرجل: اكتري منك دارك، أو حانوتك، أو أرضك، أو غلامك، أو دابتك في كل شهر، أو في كل سنة بكذا، أو كل شهر، أو كل سنة بكذا، أو قال: في الشهر، أو في السنة، أو الشهر، أو السنة فلا يقع الكراء على تعيين، وليس بعقد لازم، ولرب الدار أن يخرجه متى شاء، وللمكتري أن يخرج متى شاء، ويلزمه فيما سكن حصته من الكراء. م/: وكأنه في ذلك كله قال: أكريك من حساب الشهر، أو من حساب السنة بكذا، هذا موضع هذه الألفاظ، إلا أن ينقده في ذلك كله كراء شهر، أو سنة، فإنه يلزمه تمام ذلك كله. وقال ابن حبيب: إذا قال: أكريك في كل شهر، أو كل شهر، أو الشهر بكذا،

فالشهر الأول في هذا لازم لهما، وما زاد عليه فلكل واحد منهما أن يخرج متى شاء، إلا أن يكون شرط ألا يخرجه، أو ينقده جميع الكراء، ويلزمه تمام المدة. وقاله مطرف وابن الماجشون، وروياه عن مالك. م/: والصواب رواية ابن القاسم. وهذا استحسان ليس بالقوي. ] الفصل -2 - إذا عين المتكاريان وقت نهاية مدة الكراء لزم العقد [ ومن المدونة: وإن اكترى منه سنةً بعينها، أو شهراً بعينه، فلا يكون لأحدهما فسخه إلا أن يتراضيا جميعا. قال ابن حبيب: وكذلك لو قال: سنة، أو شهراً، أو هذه السنة، أو هذا الشهر، أو إلى سنة كذا، أو إلى شهر كذا، فهذا كله وجيبه لازمة، إلا أن يشترط الخروج متى شاء فيلزمهما ذلك، ولا يجوز حينئذ فيه النقد، ويجوز في الأول النقد والتأخير. ولم يختلف في هذا قول مالك وأصحابه.

[الفصل -3 - فيمن اكترى داراً مدة ولم يبيّن متى يسكن، أو أسكن معه غيره من غير ضرر جاز] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اكترى دارا سنة، أو سنتين، ولم يسم متى يسكن جاز، وسكن، أو يسكن غيره متى شاء ما لم يأت من ذلك ضرر بين على الدار. يريد ضررا في السكنى. قال مالك في المختصر الكبير: وإن أغلقها المكتري، وخرج فذلك له، وليس لصاحب الدار أن يقول: تخربها عليّ. ] الفصل -4 - إذا تعاقدَا سنة أو شهراً فتحسب من يوم التعاقد، فإن كان العقد من أول الشهر فينتهي بطلوع الهلال، وإن كان في أثنائه فيحسب ثلاثون يوماً [ قال ابن القاسم في كتاب المدبر: والسنة محسوبة من يوم التعاقد، كما لو قال: هذه السنة بعينها. ومن كراء الدور قال مالك: من أكرى دارا في رأس الهلال كل شهر بكذا، فكان الشهر تسعة وعشرين يوماً، فله كراء الشهر كاملا. قال: ومن اكترى دارا سنة بعدما مضى من الشهر عشرة أيام، حسب أحد عشر شهرا بالأهلة، وشهرا على تمام هذا الشهر ثلاثين يوماً، كالعدد والأيمان.

[الفصل -5 - فيمن اكترى داراً مدة معلومة، ومنع من سكناها بعض تلك المدة فيسقط من الكراء حصة المدة التي منع منها] قال: ومن اكترى دارا ثلاث سنين، فمنعه ربها من سكناها سنة، فخاصمه بعدها، فإنما يقضى للمكتري بسكنى سنتين، ثم عليه كراؤهما فقط، كالعبد يأبق أو يمرض في الإجارة، فليس عليه قضاء ذلك. م/: قال بعض فقهائنا القرويين: وينبغي إذا غلبه رب الدار ومنعه من قبض الدار أن يكون للمكتري أن يغرمه كراء مثل الدار تلك السنة التي حبسها، أو يسقط عن نفسه حصتها من الكراء؛ لأن بالعقد وجبت للمكتري، فكأن المكري سكن دار المكتري تعدياً، فوجب عليه غرم كرائها، كعروض باعها واستهلك بعضها. ] الفصل -6 - في لزوم الكراء للمكتري إذا مُكّنَ من الدار وتركها [ ولو مكنه رب الدار منها فتركها المكتري سنة، فإن لم يكن رب الدار فيها، أو ساكن له، أو شاغل فجميع الكراء لازم للمكتري، كمن اكترى إبلا أو دواب فأتاه

بها ربها فأبى أن يركبها أن عليه جميع الكراء. وإن اكتريت من رجل داراً هو فيها فبقي في طائفة منها لم يخرج، وسكنت أنت طائفة لم يجب عليك إلا حصة ما سكنت، وكذلك لو سكن أجنبي طائفة من دارك وقد علمت به فلم تخرجه لزمه كراء ما سكن. م/: وهذه مثل الأولى؛ لأن بالعقد وجبت للمكتري، فله أن يغرم المكري قيمة ما سكن كمن سكن داره، أو يلزمه حصة ذلك من الكراء، كعرض باعه فاستهلك نصفه، فله أن يغرمه قيمة ما استهلك، أو يحسبه عليه بنصف الثمن؛ لأنّه إنما قبض منه نصف ما اشترى منه. ] الفصل -7 - فيمن استأجر بيتاً شهراً بدنانيرَ معلومة على أنّه إن سكن منه يوما واحدا لزمه كراء الشهر [ قال ابن القاسم: ومن استأجر بيتا بعشرة دنانير شهرا على أنه إن سكن منه يوما واحدا فالكراء له لازم جاز، إذا كان له أن يسكن البيت بقية الشهر، أو يكريه إذا

خرج، وإلا لم يجز. م/: قال بعض فقهائنا القرويين: ظاهر هذا العقد أنه جائز وأنه بالخيار ما لم يسكن، فإذا سكن انعقد الكراء في شهر، فإذا أراد إن سكنت فالكراء لي لازم، وليس لي أن أكري من غيري، كان هذا من بيع الشروط التي يبيع منه على ألا يبيع ولا يهب، فعلى هذا لو أسقطوا الشرط على أحد القولين تم البيع، أي الكراء، وأما إن شرط إن خرجت عاد المسكن إلى المكري، وعليه جملة الكراء، فهذا فاسد لابد من فسخه؛ لأنّه غرر. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولمن أكرى داره أن يأخذ كراء كل يوم يمضي إلا أن يكون بينهما شرط فيحملان عليه من نقد الكراء أو تأخيره، فإن لم يكن شرط، وكانت سنة البلد النقد فيقضي به. ابن المواز: وإن اكترى داراً سنة باثني عشر دينارا، فنقده دينارا، وسكن شهرا فطلب رب الدار كراء الشهر، وتأخير الدينار إلى آخر السنة، وطلب الساكن أن يجعله لأول شهر، فإنه يقسم الدينار على شهور السنة، ثم يوفيه ما بقي من الشهر الأول، ثم كذلك كلما سكن، وكذلك لو شرط عليه نقد أربعة أشهر فنقده، فلما مضت أربعة أشهر طلبه

رب الدار بكراء ما مضى، وقال الساكن: قد نقدتك أربعة، وهي كراء ما سكنت، فإن الأربعة تقسم على السنة كلها، فيقع لكل شهر منها ثلث، ويوفيه الساكن ثلثي دينار لكل شهر مضى، ثم كلما مضى شهر دفع إليه ثلثي دينار. ولو شرط نقد أربعة دنانير بعد أربعة أشهر، ثم اختلفا بعد حلولها فهذا تكون الأربعة لما سكن. ولو شرط نقد أربعة أول السنة، ونقد أربعة أخرى بعد أربعة أشهر، فنقده الأولى ثم الثانية، ثم اختلفا، فالأربعة الأولى تقسم على السنة كلها، ثم يتم من الأربعة الثانية كراء الأربعة الأشهر الماضية، وذلك ثلاثة إلا ثلث، ويبقى دينار وثلث يقسم على الثمانية الأشهر الباقية، فيقع لكل شهر سدس مع ثلث متقدم. فذلك نصف مقبوض من كل شهر، فكلما مضى شهر ودا نصف دينار. فصل]-8 - موت المكري أو المكتري وما يجب على ورثة كل منهما [ ومن المدونة قال ابن شهاب: ومن مات بعد أن أكرى داراً عشر سنين فليس للورثة إخراج المكتري إلا برضاه، ولهم بيعها على أن للمكتري سكناه. وقاله مالك في كتاب محمد: وقد قيل إنما يجوز إذا كان باقي السنين يسيرة، مثل السنة والسنتين وشبه ذلك، فأما إذا كانت كثيرة فقد كرهه مالك، وقال: لا يدري

المشتري كيف ترجع إليه؛ لأن البناء يتغير. ومن المدونة قال ابن شهاب: وإن مات المكتري وقد سكن، أو لم يسكن، لزم ورثته الكراء في تركته.

[الباب الرابع] فيمن اكترى دارا هل يكريها من غيره أو يعمل فيها ما شاء والتعدي في ذلك

[الباب الرابع] فيمن اكترى دارا هل يكريها من غيره أو يعمل فيها ما شاء والتعدي في ذلك ] الفصل -1 - في المكتري يكري ما اكتراه من دار أو حانوت [ والقضاء أن المكتري ملك المنافع باكترائه كما ملك المبتاع الدار بابتياعه ما لم ينتفع المكتري بما فيه ضرر، أو خروج عن المتعارف. وقال ابن القاسم: ومن اكترى دارا فله أن يكريها من مثله بأكثر من الكراء أو أقل، ومن اكترى حانوتاً للقصارة فله كراؤه من حداد، أو طحان، أو غيره، إلا أن يكون ذلك أكثر ضرراً بالبنيان فيمنع، وله ذلك في المساوي، ومن اكترى دارا فله أن يدخل فيها ما شاء من الأمتعة والدواب، وينصب فيها الحدادين والقصارين والأرحية ما لم يكن ضررا على الدار، أو تكون دارا لا ينصب ذلك في مثلها؛ لارتفاعها، ويمنع مما يتعارف منعه.

[الفصل -2 - فيمن اكترى بيتا وشرط ألا يسكن معه غيره] ومن اكترى بيتا وشرط ألا يسكن معه غيره، فتزوج أو اشترى رقيقا فإن لم يكن في سكناهم ضرر على رب البيت لم يكن له منعه، وإن كان في سكناهم ضرر فله منعه، وقد تكون غرفة ضعيفة الخشب ونحوه فينظر في ذلك. قال بعض فقهائنا القرويين: جعل شرطه إذا كان لا فائدة فيه ساقطا، ويتم الكراء. فما الفرق بين هذا وبين من باع على أن لا يبيع ولا يهب؟ فيجعل البيع ههنا فاسداً. م/: أما هذا فقد يكون إنما شرط عليه ألا يبيع ولا يهب خوفا أن يملك ملكه عَدُوٌّ لَهُ، فإن أنت أبطلت شرطه أبطلت غرضه، وما من أجله وضع من الثمن، وإن أبقيت شرطه لم يملك المبتاع ما ابتاع ملكا تاما فوجب فسخ بيعه، والمكري كأنه إنما شرط عليه ألا يدخل غيره عليه ضررا في داره فمتى لم يدخله عليه لم تكن له حجة.

[الفصل -3 - في كراء الحانوت لا يسمي ما يعمل فيه] قال في باب بعد هذا: ولا بأس بكراء حانوت لا يسمي ما يعمل فيه، وله أن يعمل فيه حدادا، أو قصارا، أو طحانا، إذ لم يضر ذلك بالبنيان، وإن كان ذلك فيه ضرر على البنيان، أو فساد للحانوت لم يكن له أن يعمله، وإن شرط المكتري على رب الحانوت أن يعمل في الحانوت ما ذكرنا، وفيه ضرر على الحانوت لزم ذلك ربه. ومن أكرى حانوته من رجل، فإذا هو حداد أو قصار، ولا ضرر في عمله على البنيان إلا أنه يقذر الحانوت، وكره رب الحانوت تقذيره فله منعه؛ لأن فيه ضرراً عليه. وقال غيره: إذا كانت الأعمال يتفاوت ضررها، وأكريتها، لم يجز كراؤها إلا على شيء معروف يعمل فيه، فإن لم يختلف فلا بأس به. ولم يجز ابن القاسم في كتاب كراء الدواب كراء الدابة حتى يسميَ ما يحمل عليها؛ لتفاوت ضرر الحمل. قال بعض فقهاء القرويين: إذا كان الحانوت في سوق قد عرف بشيء يعمل فيه فعلى ذلك دخل المكتري والمكري، والكراء جائز على عمل أهل ذلك السوق، أو غيره مما لا يضر بالحانوت، فإن عمل ما لا يعمل أهل ذلك السوق، وذلك يضر بالحانوت ويقذره منع من ذلك. وأما لو كان في موضع يعمل فيه أشياء مختلفة، بعضها أضر من بعض، واكترى كراء،

لم يجز حتى يبين في العقد ما يعمل فيه، وهذا الذي أراد الغير. فصل]-4 - في الرجل يتخذ في الدار المكتراه تنورا فتحترق منه الدار ودور جيرانه [ قال ابن القاسم: إذا اتخذ مكتري الدار فيها تنورا حيث يجوز له فاحترقت منه الدار وبيوت جيرانه لم يضمن. م/: لأنّه عنده غير متعد، وأما إن كانت دارا لا يعمل ذلك فيها؛ لأنه يقذرها، ولا جرت العادة بعمل ذلك فيما هو مثلها ضمن. قال ابن القاسم: ولو شرط عليه ربها ألا يوقد فيها نارا، فأوقد المكتري فيها نارا لخبزه فاحترقت الدار ضمن. قال بعض شيوخنا القرويين: وكذلك لو احترقت دور جيرانه لضمن؛ لأنه فعل ما لا يجوز له، فصار متعديا بمخالفته ما شرط عليه، وإن كان مما يجوز له فعله لولا الشرط الذي شرط عليه. وهذا كالذي يحفر في داره بئرا للسارق فإنه يضمن ما سقط فيه من سارق وغيره، وإن كان حفره للبئر جائزا في داره، لكنه لما فعله للسارق ضمن السارق وغيره؛ لأنه فَعَلَه

لما لا يجوز له. ] الفصل -5 - في المكتري يفعل ما يجوز له فعله في الشيء المكتري ثمّ ينشأ بعد ذلك ضرر لغيره، فهل يضمن؟ [ ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اكترى دارا فأكراها المكتري لغيره فهدمها الثاني، ضمن الثاني لربها، ولا شيء على الأول؛ لأنه فعل ما لا يجوز له فعله. ومن اكترى داراً فربط فيها دابة حيث يجوز له، فرمحت، فكسرت حائطاً في الدار، أو قتلت ابن رب الدار، وهو معه ساكن في الدار فلا شيء عليه. وكذلك قال مالك فيمن أتى إلى حانوته فنزل عن دابته، وأوقفها في الطريق ليشتري حاجته فقتلت إنسانا أنه لا يضمن؛ لأنه فعل ما يجوز له، وكذلك كان لو نزل عنها بباب المسجد أو باب الأمير.

[الباب الخامس] فيمن أكرى داره ممن يبيع فيها الخمر أو يظهر الدعارة والفسق

[الباب الخامس] فيمن أكرى داره ممن يبيع فيها الخمر أو يظهر الدعارة والفسق ] الفصل -1 - في كراء الدار والحانوت والدابة ممن يستخدمها لبيع الخمر ونحوه من المحرمات [ قال ابن القاسم: وأكره للمسلم أن يكري داره أو حانوته من ذمي يبيع فيها خمراً أو خنازير، أو يكري دابته ليحمل عليها ذلك، أو ممن يعلم أنه يريدها لذلك، فإن فعل فالكراء فاسد، يفسخ متى ما عثر عليه، فإن فات بالسكنى فلا يعطي من الإجارة شيئا لا ما سميا ولا أجر مثله، وتؤخذ منه الإجارة إن قبضها، أو من المكتري إن لم يقبضها، فيتصدق بها أدبا له. قاله ابن القاسم في كتاب الإجارة. وقال في كتاب الأكرية: وإن لم يعلم أنه يفعل ذلك فيها، ولم يقع الكراء بينهما على بيع ذلك فيها جاز كراؤه من كتابي أو مجوسي، فإن فعل ذلك فيها فله منعه منه، كان في قرية أو مدينة، ولا يفسخ الكراء، وكذلك إن اتخذ في الدار كنيسة يصلي فيها هو وأصحابه، أو إذا أراد أن يضرب فيها ناقوسا فلرب الدار منعه من ذلك كله. قال ابن حبيب: وإذا لم يشترط الذمي أن يبيع فيها الخمر والخنازير فباعها فيها فلرب الدار منعه، فإن لم يمنعه وتمت المدة فعليه أن يتصدق بالكراء إن قبضه، فإن أبى فللإمام انتزاعه منه أو من الذمي إن لم يقبضه، ويتصدق به ويعاقبهما.

م/: إنما يصح هذا إذا اشترط أن يعمل ذلك فيها، فأما إن لم يشترطه فالقياس أن لا يتصدق عليه بشيء من الكراء؛ لأنه كراء صحيح؛ ولأن المكتري قد ملك منافع الدار بالكراء كتملكه إياها بالشراء، وإنما كان لرب الدار منعه على وجه الاستحسان؛ لئلا يظن به أنه أكراها منه لذلك، فليس تركه الاستحسان يوجب عليه الصدقة بالكراء أو العقوبة، هذا هو النظر والله أعلم. م/: وقد تقدم في كتاب الإجارة اختلاف شيوخنا فيمن أكرى داره أو باعها ممن يتخذها كنيسة، وأن اختيارنا أن يتصدق بالكراء، وفي البيع يتصدق بالزيادة على ثمنها لو بيعت لغير ذلك؛ لأن الرقبة في البيع باقية لم تستهلك، والمنافع في الكراء قد استهلكت، فأشبهت بيع الخمر. وينبغي أن لو باع منهم شاة لقربانهم فذبحت أن يتصدق بجميع ثمنها؛ لاستهلاكها كاستهلاك المنافع. وقد قال مالك فيمن باع كرمه ممن يعصرها خمرا أن يتصدق بثمنها. قال: ولو اشتراه ليعصره خمرا، أو أكراه الدار ليبيع فيها الخمر، ثم صرف العنب لغير الخمر، والدار للسكنى، فالثمن لرب العنب، ورب الدار، والكراء سائغ لا يضره الشرط إلا أن يكون زاد عليه لذلك، فيتصدق بالزائد. م/: وهذا خلاف ما تقدم لابن القاسم من أن الكراء فاسد. قال: ومن أخذ دابة بغير إذن ربها فحمل عليها الخمر، أو داره فباع فيها الخمر، فعليه كراؤها فيما عطلها عليه، لا على ما استعملها فيه من الخمر، كان المتعدي مسلماً أو نصرانياً.

وفرق ابن القاسم بينهما، ولا يفترقان إلا أن يكون المسلم ليس كسبه إلا من الخمر وشبهه فيتصدق بما يؤخذ منه. ] الفصل -2 - في مكتري الدار يظهر فيها الخلاعة والفسق [ ومن المدونة: وإذا ظهرت من مكتري الدار خلاعة، وفسق، وشرب خمر لم ينتقض الكراء، ولكن الإمام يمنعه من ذلك، ويكف أذاه عن الجيران، وعن رب الدار، وإن رأى إخراجه أخرجه، وأكراها عليه. ابن حبيب: وكذلك إن ظهرت فيها الدعارة، والطنابير، والزمر، وشرب الخمر، وبيعها فليمنعه الإمام ويعاقبه، فإن لم ينته أخرجه عن جيرانه، وأكراها عليه، ولا يفسخ الكراء، وقاله مالك في الفاسق: يعلن مثل ذلك في دار نفسه أنه يعاقبه على ذلك، فإن لم ينته باع الدار عليه.

[الباب السادس] جامع مسائل مختلفة من الأكرية

[الباب السادس] جامع مسائل مختلفة من الأكرية [الفصل -1 - في الرجل يدخل بامرأته في دار اكتراها سنة فعلى أيهما يكون الكراء بعد الدخول؟] قال ابن القاسم: ومن نكح امرأة وهي في بيت اكترته سنة فدخل بها فيه، وسكن باقي السنة فلا كراء عليه، ولا لربها، وهي كدار تملكها هي إلا أن تبين له أني بالكراء أسكن، فأما وديت أو خرجت. وقال غيره: عليه الأقل من كراء المثل، أو ما اكترت به. م/: قال غير واحد من شيوخنا: عليه الأقل من ثلاثة أوجه: من كراء مثل الدار، أو كراء مثل ما يكون على مثله لمثلها، أو المسمى الذي اكترت به. وحكي عن أبي الحسن القابسي أنه قال: إن كانت المرأة هي التي دعت الزوج إلى الدخول بها في دارها، أو في دار هي فيها بالكراء، ولم تذكر له أنها تغرمه الكراء فلا يلزمه شيء من الكراء، وإن لم تكن هي التي دعته إلى الدخول عندها، وهو الذي اختار ذلك فيلزمه كراء الدار التي هي فيها بكراء، أو كراء دارها بعد (أن تحلف ما أسكنته إلا

لأخذ) الكراء منه. [الفصل -2 - في المعتدة تكون في دار تملكها، أو في مسكن بكراء فعلى من يكون الكراء؟] وقال في كتاب العدة: إذا كانت المعتدة في مسكن بكراء فطلبت الزوج بالكراء بعد تمام العدة أن لها ذلك إن كان موسراً حين سكنت. قال ابن أبي زمنين: معنى هذه المسألة أنها اكترت المسكن بعد ما تزوجها، وأما إن تزوجها في بيت بكراء فقد قال في الأكرية: لا كراء على الزوج، إلا أن تكون بينت له أنها تسكن بكراء. قال: وإن لم يكن هذا معنى المسألة فهو تناقض من قوله. وقد ذكرنا هذا في كتاب العدة. وقال بعض فقهاء القرويين: وينبغي لو كانت الدار لها، فطلقها الزوج، فقامت عليه بكراء العدة أن ذلك لها؛ لأنها تقول: إنما وهبته ما مضى، فإذ قد طلقتني فلا أهبه بقية السكنى الواجبة في العدة. فإن قيل: فإن السكنى لما لم تطلبه بها فكأنها لم تكن وجبت، فلا يوجبها الطلاق، كالأمة إذا طلقت، فأعتقت، وزوجها حر، أن الطلاق لا يوجب لها عليه السكنى؛ لأنها لم تكن وجبت لها السكنى بحال؛ لأنها لو طلبت ذلك قبل الطلاق لم

يكن لها ذلك، فلا يوجب لها الطلاق ما لم يكن لها، والمرأة الحرة الساكنة مع زوجها في دارها هي أسقطت عند السكنى ولو طالبته بها وهي في عصمته لكان ذلك لها. م/: فعلى هذا التعليل يكون الفرق بين مسألة هذا الكتاب، وبين مسألة كتاب العدة، أن الطلاق أوجب للمعتدة أخذه بالسكنى، كدار تمكلها؛ لأنها غير زوجة له، ومسألة الأكرية هي بعد متزوجة فلا كراء لها إلا أن تكون بينت له ذلك حين العقد، أو بقي من السكنى بقية فتطلبه بكراء ما بقي. وأما لو كان الكراء مشاهرة لا عقد فيه على المرأة لكان الكراء على الزوج؛ لأن المرأة لم تملك شيئاً، لا منفعة ولا رقبة. [الفصل -3 - في اكتراء الرجل داراً وهو ببلد آخر، والرجل يكتري الدار على أن يبتدئ سكناها بعد شهر ونحوه] ومن كتاب الأكرية قال ابن القاسم: ومن اكترى داراً بإفريقية وهو بمصر جاز ذلك كالشراء، ولا بأس بالنقد فيها؛ لأنها مأمونة. وإن قدم فلم يرضها حين رآها، وقال: هي بعيدة من المسجد. فالكراء لا يصلح إلا أن يكون قد رأى الدار وعرف موضعها، أو علم صفة الدار وموضعها، وإلا فالكراء باطل. قال: ومن اكترى داراً على أن يبتدئ سكناها إلى شهر، أو إلى شهرين جاز ذلك، وإن نقد الكراء. والدور والأرضون المأمونة مخالفة للرقيق والحيوان في الكراء، ولو اكترى الدار على أن يقبضها إلى سنة جاز ذلك، وجاز النقد فيها لأمنها، وإن بعد الأجل جاز الكراء، ولا أحب النقد فيه، ولم يجز في سائر العروض والحيوان شراؤه على ألا يقبض إلا

إلى أجل؛ لغلبة الغرب في تغييره. ومن اكترى داراً بدنانير ولم يصفها، والنقد مختلف، فإن عرف لنقد الكراء سنة قضي بها، وإلا فسخ الكراء، وعليه فيما سكن كراء المثل. [الفصل -4 - في اكتراء الرقيق عشر سنين وتعجيل النقد في ذلك] قال مالك: ولا بأس بكراء دار، أو رقيق عشر سنين، وتعجيل النقد في ذلك. وقال غيره في العبد: لا يؤاجره الإجارة الطويلة؛ لأن ذلك خطر. وهو قول أكثر الرواة. م/: والدليل لصحة قول ابن القاسم قوله تعالى حاكياً عن موسى وشعيب عليهما السلام: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَاجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} [القصص:27] الآية. فإن قيل: هذه شريعة قد ذهبت، قيل: هذه شريعة الله تعالى نحن عليها حتى يأتي ما ينقلنا عنها، وهذه مذاهبنا.

وقد احتج مالك رحمه الله في القتل بقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45]؛ لأن الكتابة كانت عليهم، لا علينا، فنحن على ذلك الشرع حتى يأتي من ينقلنا عنه. [مسألة: فيمن اكترى داراً سنة ولم يشترط عليه النقد] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اكترى داراً سنة ولم يشترط عليه النقد غرم بحساب ما سكن. قال ابن القاسم: إلا أن يكون كراء الناس عندهم على النقد فيقضى به، وكذلك في الدواب. [مسألة: هل ينتقض الكراء بموت أحد المتكارين؟] ولا ينتقض الكراء في الدور، ولا الكراء المضمون في الدواب والإبل بموت أحد المتكارين. [مسألة: الرجلان يكتريان حانوتاً ويريد كل منهما مقدمه] وإذا كترى قصار وحداد حانوتاً، فأراد كل واحد مقدمه، ولم يقع كراؤهما على أن لأحدهما مقدم الحانوت من مؤخره، فالكراء لهما لازم، فيقسم بينهما إن انقسم، وإلا أكرى عليهما؛ لأنه ضرر، والبيت مثله.

[الباب الرابع] فيما ينهدم من دار أو حمام وما يوجب الفسخ أو لا يوجب

[الباب الرابع] فيما ينهدم من دار أو حمام وما يوجب الفسخ أو لا يوجب [فصل -1 - فيمن يلزمه إصلاح ما انهدم من الدار الكتراة] قال ابن القاسم: ومن اكترى بيتاً فهطل عليه لم يجبر رب الدار على الطر، ولا للمكتري أن يطر من كرائها ويسكن. وله الخروج في الضرر البين من ذلك إلا أن يطرها ربها فلا خروج له. وقال غيره: الطر وكنس المراحيض مما يلزم رب الدار. قال ابن القاسم: ومن اكترى داراً فانهدمت كلها، أو بيت منها، أو حائط لم يجبر رب الدار على البنيان، إلا أن يشاء، فإن انهدم منها ما فيه ضرر على المكتري قيل له: إن شئت فاسكن -يريد بجميع الكراء ولم يكن نقد- أو فاخرج وناقضه الكراء، وليس للمكتري أن يصلح من كرائها، ويسكن، إلا أن يأذن له في ذلك ربها، فإن بناها ربها في بقية من وقت الكراء لزم المكتري أن يسكن ولم يكن له أن ينقض الكراء، هذا إذا بناها ربها قبل خروج المكتري، وأما إن بناها بعد خروجه وقد بقي من الأمد شيء لم يلزم المكتري الرجوع إليها لتمام ما بقي.

[الفصل -2 - في الدار تنهدم كلها أو ما يمنع السكنى فيها ثم يبنيها ربها فهل يلزم المكتري الرجوع إليها؟] قال ابن المواز: وإذا انهدمت الدار وما يمنع السكنى من الهدم فخرج المكتري منها إلى غيرها ثم يبنيها ربها فلا يصلح الرجوع وإن رضيا. وكذلك الدابة تمرض في الطريق فيتركها ويكتري غيرها فقد وجبت المحاسبة، ولا يصلح الرجوع إليها وإن صحت. م/: يريد: لأن بقية الكراء صار ديناً على رب الدابة فلا يصلح أن يدفع فيه كراء دابة، أو سكنى دار، وإن لم ينتقد الكراء جاز أن يتراضيا بسكنى ما بقي إذا علما ما يخص ما بقي من الكراء. ابن المواز: قال أصبغ: إلا أن يكون بناء الدار وإصلاحها في مثل الأيام اليسيرة مما لا ضرر فيه على المكترى فيلزم منه ما بقي، وفسخ ما بين ذلك. قال ابن ميسر: يريد أصبغ: في العمارة، لا في هدم البناء من أصله.

م/: قال بعض أصحابنا عن بعض شيوخه القرويين: هدم بعض الدار على ثلاثة أضرب: هدم لا يضر، أو فيه ضرر يسير، أو ضرر كثير، فما لا يضر كالشرفات ونحو ذلك، فهذا لا كلام فيه للمكتري، ولا يسقط عنه لذلك شيء من الكراء. وأما ما فيه ضرر يسير وفيه منفعة للمكتري فهاهنا يسقط عنه من الكراء بقدر ذلك، كالاستحقاق اليسير من المبيع. وأما الذي انهدم، وفيه ضرر كثير للمكتري رد الدار، وإن شاء سكن وودى جميع الكراء. ولا يجوز أن يسكن ويودي بحساب ما بقي، وإن رضي؛ لأن ما يخص ذلك مجهول. م/: وهذا الذي ذكر خلاف ما قال سحنون وابن حبيب: أن له أن يسكن فيما بقي، ويحط عنه من الكراء بقدر ما انهدم، أو يفسخ إذا كان الهدم مما يضر بالمكتري. والأول جار على قول ابن القاسم في استحقاق بعض السلع بأعيانها مما فيه ضرر على المشتري ويوجب له الفسخ. فقد قال ابن القاسم: لا يجوز له الرضى بما بقي؛ لأن حصة ذلك مجهولة، وهو قد وجب له الفسخ، فصار الرضى به كبيع مؤتنف بثمن مجهول. وابن حبيب وغيره يوجب له الرضى بما بقي؛ لأن البيع الأول قائم بينهم، وإنما يرجع بحصة ما استحق، فكذلك الحكم في هدم ما يضر بالمكتري، كاستحقاق ما يضر بالمشتري، أو يحدث به عيباً، وبالله التوفيق.

ومن كتاب الجعل: وإذا انهدم من دار أو حمام ما أضر بالمكتري في السكنى أو منعه العمل فقال المتكتري: أنا أفسخ الكراء. وقال ربها: بل أصلح لك، ولا أفسخ. فالقول قول المكتري. وقال ابن حبيب: إن كان يصر بالمكتري في تأخيره إلى إصلاحه فله الفسخ، وإن لم يكن ذلك مضراً ألزمه الكراء، وقيل للمكري: عجل البناء والإصلاح، والأمر في ذلك مختلف. فأما الدار إذا انهدم منها يسير لا يمنع من سكنى سائرها فلا فسخ له، وإن انهدم أكثرها حتى يضر إلى الرجلة منها فله الفسخ إن شاء. [الفصل -3 - فيما بوجي الفسخ في انهدام الحمام والرحى] وأما الحمام فما انهدم منه من قليل أو كثير فهو مانع من جميعه، فإذا قال ربه: أنا أبنيه وأرمه فلا يوجب ذلك الفسخ إن كان يمكنه ذلك في مثل الأيام، والشهر، والوجيبة سنة، وكذلك الرحى ينهدم بيتها، أو ينخرق سدها، أو ينكسر بعض أداتها وهو أوسع في الحمام والرحى من الدار التي يسكنها المرء بعياله، وهذا شأن الإرحاء فيما ينخرق من سد وينهدم من بيت، ولو كان يفسخ كراؤها كلما اعتلت ببعض ذلك ما تم فيها كراء أبداً، ولكن إذا ادعى ربها إلى إصلاحها فأجابه إلى ذلك لزم المكتري الوجيبة ما لم يطل حتى يذهب أكثر الجيبة فيفسخ في هذا.

قال: ولا يفسخ في غلقها لقلة الماء أو لكثرته، ومتى ما عاودها الماء، أو أغلقت من استقذاره في بقية الوجيبة لزم الكراء في بقيتها، كقول مالك في الأجير يمرض ثم يفيق ويسقط ما تعطل فيه هذا. وهذا القول فيما تعطل من الحمام والرحى قول المكتري مع يمينه؛ لأنه كالمرتهن. [الفصل -4 - في عدم إلزام رب الدار أن يصلح ما انهدم منها] قال: وإذا انهدم الدار، أو بيت منها، أو جدار فلا يجبر ربها على البناء وهو مخير إن شاء بنى ولزم المكتري السكنى بقية الوجيبة، وإن لم يشأ البناء قيل للساكن: إن شئت فاسكن فيما بقي من الدار ويحط عنك قدر ما نقص الهدم من منافعك، وإن شئت فاخرج إذا كان ما انهدم مضراً به في سكناه أو منتقصاً من عدة مساكنها. وإن قال المكتري: أنا أبني ما انهدم من كرائها فليس ذلك له إلا برضى ربها، وإن قال أنا أصلح من مال نفسي، فليس لرب الدار منعه، فإذا تمت الوجيبة، وكان الإصلاح بأمر ربها فعليه له قيمة ما عمر قائماً. قال أبو محمد: يريد في قوله: لا في قول ابن القاسم. قال ابن حبيب: وإن أصلح بغير إذن ربه وقد أذن له السلطان في ذلك حسن طلبه، فلربه أن يعطيه قيمته منقوصاً أو يأمره بقلعه.

وقال سحنون في كتاب ابنه: إذا انهدمت الدار وكان الهدم مما يضر بالساكن فيها فهذا يفسخ به الكراء وإن بناها ربها في بقية الوجيبة، إلا أن يرضى الساكن أن يتشبث بما بقي إذا بقي أكثر الدار ويحط عنه كراء ما انهدم فذلك له، أو يكون الساكن أمره بهدمها وإصلاحها ليسكن إذا تم، فلا فسخ له.

[الفصل -5 - فيما إذا انهدم من الدار ما ليس فيه ضرر على المكتري] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا لم يكن فيما انهدم ضرر على ال مكتري، ولم يبنه رب الدار لزم المكتري السكنى وجميع الكراء، ولا يوضع عنه من الكراء شيء لذلك. قال في رواية سليمان بن سالم: إلا أن يكون فيما انهدم سكنى ومرفق فيحط عنه بقدره. قال ابن القاسم: وانهدام الشرفات لا يضر بسكنى المكتري، وإن أنفق فيها كان متطوعاً لا شيء له. يريد: إلا أخذ النقض، فله أخذه إن كان ينتفع به. ومن اكترى داراً فانهدمت، وربها غائب فليشهد المكتري على ذلك، ولا شيء عليه، ولا عذر ينقض به الكراء إلا هدم الدار، أو ينهدم منها ما يضر بالسكنى، فللمكتري أن يتركها إن أحب وكذلك إن خاف أن تسقط عليه، وكان البنيان مخوفاً فله أن يناقضه، وليس له أن يصلح من كرائها، وأما من اكترى أرضاً ثلاث سنين فزرعها، ثم غارت

عينها أو انهدمت بئرها، وأبى رب الأرض أن ينفق عليها فللمكتري أن ينفق عليها حصة تلك السنة خاصة من الكراء ويرزم ذلك ربها، وإن زاد على كراء سنة فهو متطوع. وكذلك من أخذ نخلاً مساقاة فغار ماؤها بعد أن سقى، أن له أن ينفق فيها قدر حصة صاحب الحائط من الثمرة سنته تلك، لا أكثر، والفرق بينها وبين الدار تنهدم أن الدار لا نفقة للمكتري فيها، فليس له أن يصلح من كرائها، والذي زرع أو ساقى قد تقدمت له نفقة فيما عمل، وفي نفقته إحياء لزرعه، ولو لم يزرع، ولا سقى النخر حتى غارت العين، أو انهدمت البئر لم يكن للمكتري أن ينفق فيها شيئاً وصارت بمنزلة الدور. [مسألة: في المكتري يبني الدار إذا انهدمت وربها غائب] ومن العتبية قال ابن القاسم: فيمن اكترى داراً سنة، فسكن منها شهرين، ثم انهدمت، فبناها بما عليه من الكراء، وصاحبها غائب، ثم قدم بعد تمام السنة، فله من الكراء حصة ما سكن المكتري قبل الهدم، وله كراء العرصة بعد الهدم، وليس للمكتري إلا نقض بنيانه، إلا أن يعطيه ربها قيمته منقوضاً.

[الباب الثامن] في اختلاف المتكاريين في الدور وبناء المكتري فيها بإذن ربها أو بغير إذنه وبناء الزوج في دار زوجته والتداعي في ذلك

[الباب الثامن] في اختلاف المتكاريين في الدور وبناء المكتري فيها بإذن ربها أو بغير إذنه وبناء الزوج في دار زوجته والتداعي في ذلك [الفصل -1 - في اختلاف المتكاريين في قدر كراء الدور] قال ابن القاسم: وإذا قال رب الدار: أكريتك سنة بمائة دينار، وقال المكتري: بمئة إردب حنطة، تحالفا وتفاسخاً، كالبيوع، وكذلك لو سكن المكتري أياماً، أو شهراً، أو شهرين، أو أكثر السنة ثم اختلفا، تحالفا، ويبدأ رب الدار باليمين، ويفسخ الكراء كله، ويأخذ رب الدار فيما مضى كراء المثل، وكذلك لو قال رب الدار: أكريتك السنة بعشرة، وقال المكتري: بدينار، وقالا جميعاً ما لا يشبه، وقد سكن، أو لم يسكن فهو كما ذكرنا. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا اختلف رب الدار ومكتريها في قلة الكراء وكثرته، أو قال: هذا بدنانير، وهذا بطعام، واتفقا في المدة، قد سكن بعض السنة،

أو لم يسكن، فإنما يتحالفان ويتفاسخان، ويفسخ ما بقي، وعليه فيما سكن بحساب ما أقر به الساكن. م/: وهذا خلاف ما قاله في المدونة؛ لأنه إذا قال: هذا بطعام، وهذا بدنانير، إنما يكون عليه فيما سكن كراء المثل؛ لأنهما اختلفا في نوع الكراء، وكذلك إن أتيا في العين بما لا يشبه، ولم يراع ذلك في كتاب محمد، ولم يجعل على الساكن إلا على حساب ما أقر به؛ لأنه قبض ذلك، وسكن، وفات، فلا يكون عليه إلا قدر ما أقر به. وما قاله في المدونة هو الاصل فاعتمد عليه. قال بعض فقهاء القرويين: ويدخل هذا الاختلاف في السلم، لو ادعى أنه أسلم إليه سلعة في عشرة أرادب قمحاً، وقال المسلم إليه: بل في شعير، واختلفا، وقد فاتت السلعة، فليحلف وليدفع إليه الشعير الذي أقر به. وقال القول الآخر يتحالفان، ويرد إليه قيمة السلعة كما رد قيمة السكنى، وهو أصوب. [الفصل 2 - في اختلاف المتكاريين في مدة الكراء] قال في كتاب محمد: ولو نقده ثلاثة دنانير وقال: هي عن السنة كلها، وقال رب الدار: بل أكريتك السنة بستة دنانير وقد سكن ستة أشهر فليتحالفا، ويفسخ ما لم يسكن، وتقسم الثلاثة على السنة فيقع لما سكن دينار ونصف، ويرد ديناراً ونصفاً، والقول فيما مضى قول الساكن مع يمينه؛ لحيازته لما سكن. وكذلك لو سكن السنة كلها ثم

اختلفا في الكراء لكان القول قول الساكن، ولا يكون عليه إلا من أقر به مما نقده، وكذلك لو لم ينقده؛ لأنه قد حاز سكناه، وصار مدعى عليه فلذلك كان القول قوله: قال بعض فقهاء القرويين: وهذا إذا أتى بما يشبه، وإن لم يأت بما يشبه وأتى المكتري بما يشبه لكان القول قوله مع يمينه، وغرم له المكتري جميع ما ادعى، ولو لم يأتيا جميعاً بما يشبه تحالفا، وكان على المكتري قيمة ما سكن. قال: ولو نقده نصف الكراء، وسكن نصف السنة، فقال: إنهما يتحالفان ويتفاسخان، ويكون للمكتري نصف ما أقر به المكتري. قال: ولو لم يتفاسخا بعد التحالف، وكانت الدار مما تنقسم بغير ضرر على المكتري في سكناه نصفها، أعطاه المكري نصفها بنصف الكراء الذي انتقد؛ لأن القول قوله فيما حاز من النقد، فهو يقول: بقية السكنى لم أدفعه، وقد قبضت بعض ثمنه فادفع السكنى بقدر ما أقررت، وإن كان على الساكن في أخذه نصف الدار ضرر فسخت بقية السكنى، ورد المكري نصف ما قبض. قال محمد: ولو اختلفا في المدة فقال الساكن: اكتريت سنة بستة دنانير، وقال رب الدار: بل تسعة أشهر بستة دنانير، وقد نقده ثلاثة دنانير، وسكن ستة أشهر، ولم يختلفا في النقد، ولا في السكنى فليتحالفا، ويفسخ ما بقي مما لم يسكن، ويقسم ما انتقد على قول رب الدار، وما لم ينتقد على قول الساكن، فيقع لما سكن من النقد ديناران، ومما لم ينقد دينار ونصف، فيدفع الساكن لرب الدار نصف دينار، فيصح له في السنة الأشهر التي سكن ثلاثة دنانير ونصف.

قال ابن المواز: وإنما قسمت النقد على قول رب الدار؛ لأنه قد حازه ولو قال: لم أكرك إلا ما سكنت بما قبضت لكان القول قوله، ولأن الساكن هاهنا مدع على صاحب الدار؛ لأنه يقول: إنما لك فيما نقدتك عن ما سكنت دينار ونصف، وصاحب الدار يقول: بل لي مما انتقدت ديناران فهو مطلوب في النصف دينار، فيكون القول قوله. م/ يريد: والساكن أيضاً يقول لك علي مما لم أنقد دينار ونصف، ورب الدار يقول: ديناران، والساكن هو المطلوب، فيكون القول قوله. قال ابن المواز: إنما تجعل أبدا القول قول المتبوع، كان المكري أو المكتري. م/: وفي لفظ هذه المسألة في كتاب ابن المواز والنوادر إشكال، وقد تعلق به بعض أصحابنا وقال: ليس على الساكن فيما سكن إلا الثلاثة دنانير التي نقد؛ لأنه يقول: ليس علي فيما سكنت إلا ثلاثة دنانير، وقد نقدتها، فهو المطلوب في الزائد، فيجب أن يكون القول قوله، ولم يراع هذا القائل النقد في شيء من ذلك. م/: وقد اتفق حذاق أصحابنا على ما قدمت لك. ومن الدليل على صحة قولنا: أنا قد اتفقنا، ومن خالفنا أنهما لو اختلفا وقد نقده جميع الكراء فقال المكري: أكريتك تسعة أشهر بستة دنانير، وقال المكتري: بل سنة بستة دنانير، وقد سكن ستة أشهر ونقده السنة كلها أنهما يتحالفان ويتفاسخان في بقية المدة على قول ابن القاسم، وتقسم الستة دنانير على ما سكن، وما لم يسكن على قول رب الدار؛ لأنه انتقد، وهو المطلوب فيقع للستة الأشهر المسكونة أربعة دنانير، فيأخذها رب الدار مما انتقد ويرد دينارين، ولو كان لم ينقده شيئاً لقسمت الستة دنانير على السنة كلها التي ادعى كراءها المكتري؛ لأنه لم ينقد فهو المتبوع، فيقع على ذلك لما سكن ثلاثة

دنانير، فيدفعها الساكن، ولا يكون عليه غيرها، ولا خلاف بين أصحابنا في ذلك، وإن كان إنما نقد النصف، وبقي النصف، فيجب أن يكون لكل نصف حكم جميعه، فاجعل للنصف المنتقد حكم ما لو نقد الجميع، وكما لو قال: هو جميع الكراء فيجب له منه ديناران، واجعل للنصف الذي لم ينتقد حكم ما لو لم ينتقد الجميع، وكما لو قال: هو جمع الكراء فيجب منه دينار ونصف، فجميع ذلك ثلاثة دنانير ونصف، وهذا بين لا يسع خلافه، وهو أصلنا في اختلافهما في المسافة في مسألة برقة وإفريقية، وقد بلغا برقة أنك تراعي النقد من غيره، وهو بخلاف اختلافهم في ثمن الكراء، قد قال ابن القاسم: في مسألة اختلافهما في الكراء بأيلة أن القول قول المكتري، وكذلك بينه ابن المواز قبل هذه المسألة وقال: القول قول المكتري فيما يخص ما سكن من النقد وما لم ينقده. م/: لأن ما نقدهما متفقان أن الذي يخص ما سكن منه كذا؛ لأنهما لم يختلفا في المدة، وما لم ينقده فالمكتري مدعى عليه فيه فلا يلزمه إلا ما أقر به، فصار القول في الوجهين النقد باتفاقهما عليه وما لم ينقد؛ لأنه غارم، وفي اختلافهما في المدة حصة ما سكن من النقد هما مختلفان فيه فالقول قول جائزه؛ لأنه يقول: بعت سلعة وقبضت ثمنها فالمشتري مدعى عليه أنه قبض أكثر من ثمنها، وأما فيما لم ينقده فالمشتري يقول: اشتريت سلعة وأفتها، والبائع يدعي علي زيادة في ثمنها فيجب أن يكون القول قول المشتري، وهذا بين واضح، وبالله التوفيق.

فصل [3 - في دعوى المكتري أسكنه بغير كراء] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن أسكنته دارك ثم سألته الكراء فادعى أنك أسكنته بغير كراء فالقول قولك فيما يشبه من الكراء مع يمينك. م/: يريد: وإن لم يشبه ما قلته فلك كراء المثل، وقال غيره: على الساكن الأقل من دعواك ومن كراء المثل بعد إيمانك. م/: وإنما يحلف الساكن إذا كان كراء المثل أقل مما يدعي رب الدار؛ لأن يمين رب الدار توجب له التسمية، فإذا كانت مثل كراء المثل أو أقل فلا معنى ليمين الساكن، وإذا كان كراء المثل أقل فلا بد من يمين الساكن ليسقط الزائد عن كراء المثل، فإن نكل وحلف رب الدار لزمته التسمية. م: قال بعض فقهاء القرويين: يلزم على قول ابن القاسم لو قال: بعت منك هذه السلعة بعشرة، وقال من هي بيده: وهبتها لي، وقد فاتت وقيمتها تسعة أن يأخذ ربها عشرة من يمينه، والآخر ما أقر بوضع يده على السلعة بشراء قط. وقد وقع في كتاب محمد في الذي قال: بعت منك هذه السلعة، وقال الآخر: وكلتني على بيعها، فبعتها، أنهما يتحالفان، ويرتجع سلعته، وفي هذا أيضاً نظر؛ لأنهما يقران أن بيع الوكيل لا يجب أن ينقض؛ لأن ربها يقول: بعتها منه، فبيعه لا ينقض، والوكيل يقول: أمرتني ببيعها فلا ينقض بيعي فإن فاتت لم يصدق أحدهما على صاحبه،

وكان على الوكيل قيمة السلعة ما لم تكن أكثر من الثمن الذي يقر ربها أنه باعها به، فإن كان ما باعها به الوكيل أكثر من قيمتها، ومثل الثمن الذي يقر ربها أنه باعها به أخذ ذلك ربها؛ لأن الوكيل يقول: هو له. وربها يقول: لي عليه مثله فيأخذه، ولو كان ما باعها به الوكيل أكثر فالوكيل يقر أن ذلك لربها، وصاحب السلعة يقول: ليس هو لي فإن لم يرجع بقربه تصدق عمن هو له. وليس هذا الشرح كله في كتاب محمد وإنما نزلته على أصولهم، وأفادت المسألة أنه لم يجعل القول قول من قال بعته منك، وكذلك يجب إذا قال: أسكنتك بكراء، وقال الآخر: أسكنتني بغير كراء. فصل [4 - فيما يدعي الساكن أنه زاد في الدار من خشبة أو فرش ونحوها] ومن المدونة قال ابن القاسم: وكلما ادعى الساكن أنه زاده في الدار من خشبة، أو فرش قاعة، أو سترة جدار فالقول قول ربها في تكذيبه. وأما ما كان ملقى في الأرض من حجر، أو باب، أو خشبة أو سارية، فالقول قول المكتري فيه، وقد تقدم إذا اختلفا في قد الحمام فهي لرب الحمام؛ لأنها بمنزلة البنيان.

فصل [5 - في المكري يكذب المكتري فيما ادعى أنه أنفق من الكراء] وإن إذن رب الدار للمكتري أن ينفق من كرائها، وزعم أنه أنفق، وأكذبه رب الدار، فالمكتري مصدق؛ لأنه أمين إن تبين للعمل أثر، وإن تبين كذبه لم يصدق. والعمل والبناء يتبين أثره، كبيت جديد يشبه أن يكون من بناء المكتري أو مرمة جديدة. وقال غيره: على المكتري البينة؛ لأن الكراء دين لزم ذمته وعلى المكري اليمين. قال بعض فقهاء القرويين: لما أمره بإخراجه من ذمته، وكان في الدار ما يدل على ذلك صدق ما لم يظهر كذبه، كما قال ابن القاسم فيمن أمر رجلاً أن يشتري له ثوباً بدين عليه فقال: اشتريته، وضاع، فقال: يكون القول قوله مع يمينه. وإن كان ابن القاسم قد قال: إذا أمره أن يكيل ما في ذمته من طعام، ويعزله له فقال: قد فعلت، أن لا يصدق، وهذا يدل على أن هذا الأصل مختلف فيه. فإن قيل: فأنت تقولون فيمن عليه دين فقيل له: ادفعه إلى غيرك، فقال: دفعته، وقال المدفوع إليه: قبضته وضاع، أن ذمة الذي عليه الدين لا تبرأ، فقوله: اقبضه من نفسك ويكون ما تشتري به عندك وديعة أحرى أن لا يصدق. قيل: هذا هو القياس. ولعل من أمر أن يشتري بما في ذمته كأنه مأمور أن لا يشهد على نفسه، بخلاف من أمر بالدفع إلى غيره.

فصل [6 - في الحكم فيما أحدثه المكتري في الدار من بناء وغيره] قال مالك: وإذا انقضى أجل الكراء وقد أحدث المكتري في الدار بناء أو غيره مما ينتفع به، بأمر رب الدار، أو بغير أمره من غير الكراء، فما كان لنقضه قيمة فلرب الدار أن يعطيه قيمته مقلوعاً، وليس للمكتري أن يأبى؛ لأنه مضار، ولرب الدار أن يأمره بقلعة، أحدثه بأمره أو بغير أمره؛ لأنه يقول: لم آذن لك في نفعك لأغرم لك شيئاً. وأما ما لا ينتفع به إن نقض من جص وطين فلا شيء له فيه، إلا أن يكون له فيه نفع فيكون كما ذكرنا. وقال ابن حبيب: ما بناه فيها وأصلحه منها بإذن ربها فله قيمته قائماً، وما عمله بغير إذن ربها فله قيمته منقوصاً، وما لم يكن له قيمة إن قلع فلا شيء له فيه. قال مطرف وابن الماجشون، وروياه عن مالك، وأنكرا قول ابن القاسم. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن بنى أو غرس في أرض زوجته أو دارها، ثم يموت أحدهما للزوج أو لورثته على الزوجة أو على ورثتها قيمة ذلك مقلوعاً، وإنما حاله فيما بنى أو غرس حال المرتفق به كالعارية يبنى فيها، وإنما يعطي القيمة قائماً من بنى في ميراث أو شراء ثم يستحق ذلك من يدجه أو يستشفع.

ابن وهب: ولو قالت الزوجة: إنما أنفق الزوج في البناء من مالي، وقال الزوج: من مالي، فالقول قول الزوج مع يمينه، والمرأة مخيرة في أن تعطيه قيمة ذلك منقوصاً، وإلا أمرته بقلعه.

[الباب التاسع] في الوكالة في الكراء والتفليس فيه

[الباب التاسع] في الوكالة في الكراء والتفليس فيه [الفصل -1 - في الوكالة في الكراء] قال ابن القاسم: ومن وكل رجلاً يكري داره، فأكراها بغير العين، أو حابى في كرائها، فهو كالبيع لا يجوز. م/: يريد: وله فسخ الكراء أو إجازته إن لم يفت، فإن فات رجع على الوكيل بالمحاباة. قال: ولو أعارها، أو وهبها، أو تصدق بها، أو أسكنها، أو حابى في كرائها رجع ربها على الوكيل بالكراء في ملائه، ثم لا رجوع للوكيل على الساكن، فإن كان الوكيل عديماً رجع ربها على الساكن بالكراء، ثم لا رجوع للساكن على الوكيل.

فصل [2 - في التفليس في الكراء] ومن اكترى داراً سنة، فسكن ستة أشهر، ثم فلسن، فربها أحق ببقية السكنى، إلا أن يدفع إليه الغرماء حصة باقي الشهور بالتقويم، فإن أبوا، خير من الحصاص بجميع الكراء وإسلام الدار، أو أخذ باقي السكنى بحصته من الكراء، ويحاصص بحصة كراء ما مضى. قال ابن المواز: فإن اكترى الدار باثني عشر ديناراً، وانتقد ستة دنانير، وسن ستة أشهر، ثم فلس المكتري، فإنه يقسم ما نقد على اثني عشر شهراً، فيصيب ما سكن ثلاثة دنانير من النقد، ويصيب ما لم يسكن ثلاثة أيضاً، فيردها، ويبقى من حق ما سكن ثلاثة، يحاص بها رب الدار الغرماء، ويحاصهم بحصة ما لم يسكن ثلاثة أيضاً، فيردها ويبقى من حق من سكن ثلاثة، وذلك ستة، فيحاصصهم بتسعة إن شاء، وإن شاء أخذ السكنى وحاصهم بالثلاثة الباقية من حصة ما سكن، إلا أن يشاء الغرماء أن يعطوه ثلاثة دنانير لبقية السكنى، ويتركوا له أيضاً الثلاثة حصة بقية السكنى من النقد، ويأخذون بقية السكنى، ويحاصهم بثلاثة حصة ما سكن مما لم ينقده فذلك لهم. م/: وقد زدت فيها كثيراً من لفظي وهو تمام معنى ما ذكره محمد. م/ ويجب على هذا لو نقده جميع الكراء أو نصفه وقبض الدار، ثم فلس قبل السكنى أن يرى جميع ما قبض ويحاصهم بجميع الكراء، أو يأخذ داره. والذي أرى في هذا أنه إن قبض جميع الكراء، أو نصفه أنه أولى بما قبض، فإن قبض جميع الكراء لم يكن للغرماء إلا الدار يكرونها ويتحاصون في كرائها مع ما بيده، كعرض اشتراه ونقد ثمنه، فلا

سبيل لهم إلى نقض البيع على البائع ولا غير ذلك، وإن كان إنما قبض نصف الكراء فهو مخير بين أن يسلم لهم الدار ويحاصهم ببقية الكراء، أو يأخذ داره ويرد عليهم ما انتقد، إلا أن يدفع الغرماء إليه بقية الكراء، ويأخذوا الدار، والجواب عندي في مسألة محمد أيضاً أن يكون أولى بجميع ما انتقد لما سكن، ولما لم يسكن، ثم يخير فيما لم يسكن بين أن يسلم لهم بقية السكنى ويحاصهم بستة دنانير، ثلاثة لما لم يسكن، وثلاثة لما سكن ما لم ينتقده، أو يأخذ بقية السكنى، ويرد عليهم ثلاثة دنانير حصة ذلك من النقد، ويحاصهم بثلاثة حصة ما لم ينقده مما سكن، إلا أن يدفع إليه الغرماء بثلاثة دنانير حصة ما لم ينقده مما لم يسكن، ويأخذون بقية السكنى فذلك لهم، ويحاصهم بثلاثة حصة ما لم ينقده مما سكن، وبالله التوفيق.

[الباب العاشر] جامع مسائل مختلفة من أكرية الدور من غير المدونة

[الباب العاشر] جامع مسائل مختلفة من أكرية الدور من غير المدونة [الفصل -1 - تمادي المكتري في سكنى الدار بعد انتهاء مدة كرائه] ومن العتبية قال ابن القاسم: ومن اكترى داراً سنة فسكنها، ثم تمادى سكنها ستة أشهر بعد السنة. فقيل: عليه بحساب الكراء الأول. وقيل: عليه كراء المثل وهو أحب إلي. ابن حبيب: وقال ابن الماجشون: أما ما يرجع إلى ربه فيجوزه بغلق من دار، أو بيت، أو حانوت، ورب ذلك ساكت، عالم لا ينكر، فله بحساب الكراء الأول، وأما ما كان من مزرعة، وما إذا فرغت الوجيبة بقي براحاً لا جدار عليه، ولا غلق، فله فيما زاد الأكثر من القيمة، أو الوجيبة؛ لأنه تعدى عليه بغير أمره ولا علمه. م/: والمحصول من قوله هذا: أنه إن كان رب ذلك عالماً فتركه حتى سكن أو زرع فله بحساب الكراء الأول، وكأنه رضيه، وإن لم يعلم فله الأكثر. وهذا مثل قول الغير في المدونة في الدابة يحبسها بعد مدة الكراء وربها حاضر أو غائب.

فصل [-2 - في الرجل يكتري داراً مدة فيقبضها ثم تغتصب منه هل يكون لربها كراء فيما بقي؟] ومن الواضحة: ومن تكارى داراً سنة أو شهراً فقبضها، ثم غصبها إياه السلطان، فمصيبة ذلك على ربها، ولا كراء له فيما بقي. وقال مالك في المسودة حين أخرجوا المتكاريين وسكنوا. وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم. قال ابن حبيب: وسواء غصبوا الدور من أصلها أو أخرجوا منها أهلها، وسكنوها، لا يريدون إلا السكنى حتى يرتحلوا، وكذلك الحوانيت يأمر السلطان بغلقها. م/: وقد قيل: إن الجائحة من المكتري. قاله ابن حارس عن سحنون. واختار ابن حارث أنه إن غصبه أصل الدار فالجائحة من المكتري، وإن غصب السكنى فالجائحة من المكتري، وليس كل ذلك بشيء؛ لأن كل ما منع المكتري السكنى من أمر غالب لا يستطيع دفعه من سلطان أو غاصب فهو بمنزلة ما لو منعه أمر من

الله تعالى، كانهدام الدار، وامتناع ماء السماء حتى منعه حرث الأرض، فلا كراء عليه في ذلك كله؛ لأنه لم يتوصل إلى ما اكترى. فصل [-3 - في جلاء الناس في الفتنة عن الدور المكتراه، وجلاؤهم عمن اكترى رحى سنة والكراء في ذلك كله] قال ابن حبيب: ومن اكترى رحى سنة، فأصاب أهل ذلك المكان فتنة أجلوا بها منازلهم، وجلا معهم المكتري، أو أقام آمناً إلا أنه لا يأتيه الطعام لجلاء الناس، فهو كبطلان الرحى من نقص الماء أو كثرته، فيوضع عنه بقدر المدة التي جلوا فيها، وكذلك الفنادق التي تكرى في أيم الموسم إذا أخطأها ذلك لفتنة نزلت أو غيرها، بخلاف الدور تكرى، ثم تجلو بفتنة وأقام المكتري آمناً، أو رحل للوحشة وهو آمن، فإن هذا يلزمه الكراء كله، ولو انجلى للخوف سقط عنه كراء مدة الجلاء. فصل [-4 - في الإقالة في كراء الدورة إذا نقد وسكن بعض المدة] ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك: لا تجوم الإقالة في كراء الدورة إذا نقد وسكن بعض المدة، بخلاف الإقالة في الحمولة بعد مسير بعض الطريق. ابن القاسم: لأنهما لا يتهمان في الحمولة على البيع والسلف، وكراء الدول كالسلع المضمونة، يقيل من بعضها، إلا أن يكون لم ينقده.

قال ابن حبيب: لا يجوز أن يقيله في الدور مما لم يسكن بنقد ولا بدين، وهو في النقد كراء وسلف، وفي الدين دين بدين، وفي الحمولة يجوز وقد سار إلى أن ما لا تهمة فيه، بالنقد ولا يجوز بالدين. هذا قول مالك وأصحابه. [فصل -5 - في اختلاف المتكاريين في قبض الكراء بعد تمام المدة المكتراة] ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك في مكتري الدار سنة يقول بعد تمام السنة: دفعت الكراء، فلا يقبل منه، والقول قول رب الدار مع يمينه إن قام بحدثان ذلك، وإن قام بعد تباعد ذلك فالقول قول الساكن مع يمينه، وسواء خرج من الدار أو أقام. قال ابن حبيب: ولو اكترى منه مساناة، أو مشاهرة صدق المكتري فيما قد انقضى أنه قد دفع كراءه، إلا في السنة الأخيرة أو في الشهر الأخير، فإن رب الدار إن قام بحدثان ذلك فله كراؤها مع يمينه، وإن تطاول وحاول دون ذلك نحو الشهر في الشهور والسنة وشبهها في السنين فلا شيء له، ويصدق المكتري مع يمينه، سواء خرج أو أقام في الدار. وقال في الكتابين: ولو أكراه سنة بعينه فتمادى فسكن عشر سنين، ورب الدار حاضر لم يواجه على شيء، فقال الساكن: قد دفعت جميع الكراء، فلا شيء لرب الدار في السنة الأولى، وإن قام بحدثان انسلاخ التسع سنين فله كراؤها ويحلف، إلا أن يأتي الساكن ببراءة، فإن قام بعد تطاول فلا شيء له، إذا قال الساكن: دفعت الكراء، ويحلف. قال في العتبية: ولو كان يجدد عليه الكراء في كل سنة من العشر سنين بالبينة، ثم طلب كراء الجميع فلا شيء له إن زعم الساكنين: أنه دفع ذلك إلا في السنة الأخيرة، فإنه

إن قام بحدثان ذلك فله كراؤها، وإن تطاول فلا شيء له، ولو أكراه العشر سنين في مرة ثم طلب كراءها بعد انسلاخها بحدثانه فله كراء جميع السنين مع يمينه، وإن قام بعد طول زمان فلا شيء له، ويحلف الساكن. م/: ومعنى مسائل هذه الفصول في المدونة لمن تأمل ذلك، وإنما ذكرتها تأكيداً في بيانها والله نسأل التوفيق.

[الباب الحادي عشر] في الأرض تكرى فتهور بئرها أو تغور عينها أو تعطش أو تغرق

[الباب الحادي عشر] في الأرض تكرى فتهور بئرها أو تغور عينها أو تعطش أو تغرق [فصل -1 - في كراء الأرض التي تعذر الانتفاع بها أثناء مدة كرائها لانهيار بئر أو نحو ذلك] قال مالك: ومن اكترى أرضاً ثلاث سنين فزرعها سنة أو سنتين، ثم تهورت بئرها، أو انقطعت عينها، فأراد أن يحاسب صاحبها، فلا يقسم الكراء على السنين سواء، ولكن يقسم على قدر نفاقها، وتشاح الناس فيها، وليس كراء الأرض في الصيف والشتاء واحداً، ولا ما ينقد فيه كالذي يستأخر نقده، وكذلك يحسب كراء الدور في الهدم، ولا يحسب على عدد الشهور والأعوام، وقد تكرى سنة لا شهر فيها، كدور مصر ومكة؛ لكثرة عمارتها في المواسم.

[الفصل -2 - في إنفاق المكتري بعض الكراء لإصلاح البئر أو العين] وقد تقدم أن من اكترى أرضاً ثلاث سنين فزرعها، ثم غارت عينها أو انهدمت بئرها، وأبى رب الأرض أن ينفق عليها، فللمكتري أن ينفق عليها حصة تلك السنة خاصة من الكراء، ويلزم ذلك ربها، فإن زاد على كراء سنة فهو متطوع. وإنما كان ذلك؛ لأن المكتري متى ترك ذلك فسد زرعه، ولم يكن لرب الأرض كلام؛ إذ لو بطل زرع هذا لم يكن له كراء، فلا يمنع من أمر ينتفع به غيره، ولا ضرر عليه هو فيه. ابن المواز: وإن كان ربها قد انتقد كراءها كلف إخراجه حتى ينفق كراء تلك السنة، فإن أعلم به قيل للمكتري: أخرج ذلك من عندك سلفاً منك له إن شئت؛ ليعيش زرعك ثم تتبعه به، وإن كان انقطاع ذلك في السنة الثانية فلينفق حصتها من الكراء، ولا ينفق من كراء الأولى شيئاً. قال أشهب: وإن لم يكن زرع حتى انهارت البئر لم يجب على رب الأرض شيء. م/: يريد: وللمكتري الفسخ إن لم يصلح له رب الأرض. قال أشهب: فإن أنفق المكتري من عنده فلرب الأرض كراؤه كاملاً، ولا شيء للمكتري عليه فيما أنفق إلا في نقض قائم من حجر أو آجر، فله أن يعطيه قيمته منقوصاً، أو يأمر بقلعه. ومن المدونة قال مالك: وكذلك لمن أخذ نخلاً مساقاة، فغار ماؤها بعد أن سقي أن ينفق فيها قدر حصة صاحب الأرض من الثمرة سنته تلك لا أكثر.

[الفصل -3 - في رد الأرض المكتراة للزراعة إذا غرقت أو استحق بعضها] قال: ومن استأجر أرضاً ليزرعها، فغرق بعضها قبل الزراعة أو عطش، فإن كان أكثرها رد جميعها، وإن كان تافها حط عنه بقدر حصته من الكراء في كرمه ودناءته لا بقدر قياس مساحته إذا كانت الأرض مختلفة، ولزمه ما بقي من الأرض بحصته من الكراء. قال ابن القاسم: وكذلك في استحقاق بعض الأرض فيما يقل ويكثر. قال بعض فقهاء القرويين: من جعل الغرق والعطش هنا كالاستحقاق فيجب إذا غرق نصف الأرض أو ثلتها أن يرد البقية. وقد قيل في الأرض إذا استحق نصفها أنه لا رد به، وينبغي أن يراعي في ذلك الضرر، فإذا لم يكن على المكتري في ذلك ضرر باستحقاق النصف فلا حجة له، وإن كان عليه ضرر رد البقية. [الفصل -4 - في أقسام أرض الزراعة ووقت جواز العقد في تلك الأقسام] قال: والأرضون على ثلاثة أوجه: فأرض نيل، وأرض مطر، وأرض عيون. فابن القاسم: أجاز العقد فيهن كلهن بقرب زراعتهن، أو بعيد من ذلك إذ لا غرر فيه، ولم يجزه غيره إلا بقرب الزراعة في أرض النيل، وقرب الأمن ووقوع المطر في أرض المطر، ورأى أن ذلك إذا كان قبل هذا تحجير ملك. وكلام ابن القاسم أبين أن المكري جائز له أن يبيع رقبتها على أن تقبض إلى سنتين، أو ثلاث، فكيف أن يكريها إلى ذلك، وهو قادر إذا أكراها على بيعها وهبتها ولم

يقع فيها تحجير بين ومسألة العبد إذا اكتراه على أن يقبض إلى شهرين أبين في المنع من مسألة الأرض؛ لأن العبد هناك لا يقدر على بيعه، والأرض ههنا يقدر على بيعها. وقد أنكر سحنون قول الغير في منعه كراء أرض النيل إلا بقرب شربها. [الفصل -5 - في كراء الأرض التي تعذر حرثها لأمر لا قدرة للمكتري على دفعه] ومن المدونة: ومن اكترى أرضاً ليزرعها فقحطت السماء، فلم يقدر على الزارع، وكذلك لو زرع الأرض فانهارت بئرها، وانقطعت عينها، أو امتنع الماء الذي يحيا به الزرع من السماء قبل تمام الزرع حتى هلك الزرع لذلك فلا كراء على الزراع، وإن نقده رجع بجميعه؛ لأنه إنما اكتراها على حياتها من الماء، فإذا امتنع الماء فلا كراء عليه، وإن جاءه من الماء ما كفى بعضه، وهلك بعضه، فإن حصت ما له بال، وله فيه نفع، فعليه من الكراء بقدر نفعه، ولا شيء عليه إن حصد ما لا بال له ولا نفع له فيه. قال في كتاب محمد: مثل الخمسة فدادين والستة من المئة، ولما كان إذا عطشت لم يكن للمكري من الكراء شيء؛ لأن المكتري ما انتفع بشيء، ولا تعطلت الأرض على ربها؛ إذ لو زرعها هو ما انتفع منها بشيء، وجب متى لم ينتفع المكتري بشيء لا

يجب عليه كراء، ولعل هذا الذي ذكر في كتاب محمد هو قدز زريعته فكأنه لم ينتفع بشيء. [الفصل -6 - في كراء الأرض التي أصابتها جائحة بعد زراعتها] فأما إذا أتى مطر بعدما زرع، وفات إبان الزراعة فغرق زرعه حتى هلك لذلك فهي جائحة على الزرع، وعليه جميع الكراء، بخلاف هلاكه من القحط. قال: وكذلك لو هلك زرعه ببرد أو جليد أو جائحة ما غير العطش فالكراء عليه، وأما لو أتى مطر فغرق زرعه في وقت لو انكشف الماء عن الأرض أدرك زرعها ثانية فلم ينكشف حتى فات الإبان فذلك كغرقها في الإبان قبل أن تزرع حتى فات الحرث فلا كراء عليه، ولو انكشف الماء في إبان يدرك فيه الحرث لزمه الكراء وإن لم يحرث. [الفصل -7 - فيمن زرع في أرض الخراج وأرض الصلح فغرقت أو عطشت] ومن زرع في أرض الخراج بكذا، مثل أرض مصر، فغرقت أو عطشت قبل الحرث، فلا كراء عليه، وكذلك إذا لم يتم زرعها من العطش. وأما أرض الصلح التي صالحوا عليها إذا زرعوا فعطش زرعهم، فعليهم خراج أرضهم. قال غيره: هذا إن كان الصلح وظيفة عليهم، وأما إن كان صلحهم على الأرض خراجاً معروفاً فلا شيء عليهم. م/: وأما أرض مصر إذا عطشت وضع الكراء عن المكتري؛ لأنها أرض عنوة أكراها السلطان للمسلمين، وأما أرض الصلح فإن كان إنما صالحهم على أن على أرضهم

خراجاً فالأمر كما قال الغير، ولا يمكن أن يخالفه ابن القاسم في هذا، وإن كان إنما صالحهم على أن على المصالحين خراجاً لملكهم الأرض، كما توظف بقدر اكتسابهم وأملاكهم صح ما قال ابن القاسم، وقاله بعض القرويين.

[الباب الثاني عشر] في النقد في أرض النيل وأرض المطر وأرض السقي

[الباب الثاني عشر] في النقد في أرض النيل وأرض المطر وأرض السقي [الفصل -1 - في النقد في أرض المطر وأرض النيل] قال ابن القاسم: ولا بأس بكراء أرض المطر عشر سنين إن لم ينقد، فإن شرط النقد فسد الكراء، وإن اكتراها سنين وقد أمكنت للحرث جاز نقد حصة عامه هذا. قال مالك: وإن اكتراها سنة قرب الحرث، وحين توقع الغيث، لم يجز النقد حتى تروى، ويمكن من الحرث. وقال غيره: لا تكرى أرض المطر التي تروى مرة وتعطش أخرى إلا قرب الحرث وتوقع الغيث. وقد أجازه الرواة، ولم يروا فيه تهمة إذا لم ينقده، ولا يجوز كراؤها بالنقد حتى تروى رياً مأموناً متوالياً، مبلغاً للزرع أو لأكثره، مع رجاء مطر غيره، ولا يجوز كراؤها إلا عاماً واحداً، إلا أن تكون مأمونة كأمن النيل في سقيه، فلا بأس بكرائها قرب إبان شربها وريها بالنقد أو بغير النقد. قال سحنون: هذا أضيق إذا كانت مأمونة جاز كراؤها بالنقد سنين وبغير النقد. قال مالك: ويجوز النقد في أرض النيل قبل ريها؛ لأمنها. قيل لمالك: فإن كانت أرض المطر فيما اختبر منها لا تخلف، أيجوز النقد فيها؟ قال: النيل أبين شأناً، وأرجو جواز النقد فيها إن كانت هكذا، بخلاف التي تخلف من أرض المطر، أو ذات بئر قل ماؤها، ويخاف ألا يقوم بها، فالنقد في هذا خطر؛ لغلبة الغرر في أن يكفي ماؤها، فيغبن المكتري رب الأرض، أو لا يكون فيها ما يكفي فيكون

المكتري مغبوناً، ويصير النقد لهذا الغرر تارة ثمناً وتارة سلفاً، كالنقد في المواضعة وبيع الخيار وبيع العهدة، ولم يدخلا في المأمون في غرر، فإن انقطع الماء بأمر حادث فللمكتري إنفاق كراء سنة في غور بئر وعين، وليس له ذلك في غير المأمونة إن أبى ربها. [الفصل -2 - في كراء أرض تسقى من بئر لا تكفيها] وفي كتاب محمد في كراء الأرض، ولها بئر لا تكفي، أن الكراء فاسد، نقد أو لم ينقد؛ لأنه خاطره على أمر لا يدري أيتم به الزرع أو لا يتم. وظاهر المدونة أنه إنما كره النقد في ذلك، والأشبه أن ذلك لا يجوز، فإن قيل: ما الفرق بين هذا وبين كراء أرض المطر التي يمكن أن يأتيها المطر فيتم الزرع أو لا يأتيها؟ قيل: هذا غرر لا يقدر على دفعه فأبيح للضرورة، وغرر البئر أمر يقدر على دفعه؛ لأنه يمكنه إصلاح البئر قبل أن يكري، أو يكري بعض الأرض التي لا يشك أن الماء يكفيها.

[الباب الثالث عشر] فيمن اكترى أرضا ليزرعها شيئا فغرس أو زرع غيره وكيف إذا انقضت المدة وفيها شجرة أو زرعه

[الباب الثالث عشر] فيمن اكترى أرضاً ليزرعها شيئاً فغرس أو زرع غيره وكيف إذا انقضت المدة وفيها شجرة أو زرعه [الفصل -1 - فيمن اكترى أرضاً ليزرعها شيئاً فغرس أو زرع شيئاً آخر] قال ابن القاسم: ومن اكترى أرضاً ليزرعها عشر سنين، فأراد أن يغرس فيها شجراً، فإن كان ذلك أضر بها منع، وإلا فله ذلك كحمله على الراحلة غير ما اكتراها له، وإن اكتراها ليزرعها شعيراً، فأراد أن يزرعها حنطة، فإن كان ذلك أضر بالأرض منع، وله أن يزرع ما ضرره كضرر الشعير فأدنى. قال بعض فقهاء القرويين: انظر لو رضي له رب الأرض بذلك هل يجوز إذا كان الأمران مختلفين أم لا يجوز؟ والصواب أنه لا يجوز، كمن اكترى إلى طريق فأراد أن ينتقل إلى ما يخالفها.

فصل [-2 - في أمد الكراء ينقضي وفي الأرض شجر المكتري أو زرعه] قال مالك: وإن اكتريت أرضاً سنين مسماة، فغرست فيها شجراً، فانقضت المدة وفيها شجرك، فلا بأس أن تكتريها من ربها سنين مستقبلة. قال ابن القاسم: ولو اكتريتها من ربها، ثم أكريتها من غيرك فغرسها، ثم انقضت مدة الكراء وفيها غرسه، فلك أن تكتريها من ربها سنين مستقبلة، ثم إن أرضاك الغارس وإلا قلع غرسه، قال غيره: لا ينبغي ذلك حتى يتعامل الغارس ورب الأرض على ما يجوز، ثم يكري أرضه إن شاء إلا أن يكريك أرضه على أن يقلع عنك الشجر. م/: وإنما جاز كراؤها عند ابن القاسم؛ لأن لرب الأرض أن يجبر الغارس على قلع غرسه بعد تمام كرائه، فكان المكتري إنما دخل على أن يقلع الغارس عنه غرسه؛ لأنه ملك من الأرض ما كان ربها يملكه، ولا يستطيع الغارس مخالفته فقد دخل على أمر معروف. م/: قال بعض القرويين: انظر إن كانت علة الغير أنه لما كان لرب الأرض أن يعطي للمكتري الثاني قيمة غرسه مقلوعاً صار متى أكرى أرضه من الأول قبل أن يحاكم الثاني، فكأنه إنما أكرى منه على أن للأول أن يعطي للغارس قيمة غرسه مقلوعاً قضاء عن رب الأرض، ثم يعطيه رب الأرض إذا انقضى أمد كرائه الثاني قيمتها منقوضة، فأشبه

سلفاً أسلفه إياه على أن يكريه، فإن كانت هذه العلة التي منع من أجلها أن يكري من الأول فلا يجوز أيضاً أن يكري منه وهو الغارس قبل أن يحاكمه في الغرس؛ لأنه لما كان له أن يعطيه قيمة غرسه مقلوعاً فكأن ذلك وجب له عليه فتحول عنه إلى أن أكرى منه الأرض على أن يؤخره بذلك. [الفصل -3 - في أمد الكراء ينقضي وفي الأرض زرع أخضر] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو كان موضع الشجر زرعاً أخضر لم يكن لرب الأرض أن يكريها مادام هذا فيها؛ لأن الزرع إذا انقضت الإجارة لم يكن لرب الأرض قلعه، وإنما له كراء أرضه، ولو أن يقلع الشجر فافترقا، إلا أن يكريها ربها منك إلى تمام الزرع فلا بأس بذلك. قال سحنون: إن كانت الأرض مأمونة. يريد: في جواز النقد. قال ابن القاسم: فإذا انقضت السنون، وللمكتري في الأرض زرع لم يبد صلاحه لم يجز لرب الأرض شراؤه، وإنما يجوز بيع زرع أخضر يشترط مع الأرض في صفقة واحدة، وكذلك الأصول بثمرها، وإن لم يشترطه المبتاع كان ما أبر من الثمرة أو ما ظهر في الأرض من الزرع للبائع، وإذا لم تؤبر الثمرة، ولم يظهر الزرع من الأرض فذلك للمبتاع. م: قال بعض فقهاء القرويين: الأشبه أن يجوز لرب الأرض شراء ما فيها من زرع؛ لأن الأرض ملكه فصار مقبوضاً بالعقد، وما يحدث فيه من نماء إنما هو في ضمان

مشتريه؛ لكونه في أرضه، وإنما منع النبي -صلى الله عليه وسلم- من بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها لكون ضمانها من البائع؛ لأنها في أصوله بقوله: (أرأيت إن منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه) وعلى هذا التعليل أجاز عبد الملك شراء الجنان فيه ثمرة بقمح أو بجنان آخر فيه ثمرة تخالفها؛ لأن كل ثمرة مقبوضة فكانا متناجزين. والدليل على أن الثمرة كان على المشتري قيمة الثمرة يوم اشترى الأصول؛ لأنه بشرائه الأصول صار قابضاً لها، وصار النماء في ملكه حدث، فإنما عليه قيمتها يوم اشترى الأصول. [الفصل -4 - في أمد الكراء ينقضي ويصالح المكتري رب الأرض على بقاء الغرس في أرضه عشر سنين على أن له نصف الشجر] ومن المدونة: ومن اكترى أرضاً فغرسها شجراً، ثم انقضت المدة، فصالح ربها على بقاء الغرس في أرضه عشر سنين على أن له نصف الشجر لم يجز؛ لأنه أكراه بنصف

الشجر يقبضها إلى عشر سنين، وقد تسلم أولاً تسلم، ولو قال له: لك الآن نصف الشجر جاز. وقال غيره: لا يجوز؛ لأنه فسخ دين في دين. قال أبو محمد: يريد غيره: لأنه لما كان له أن يعطيه قيمة الشجر مقلوعاً فكأنه أكراه بقية نصف الشجر التي بقيت للمكتري في الأرض بالقيمة التي وجبت له عليه في نصف الشجر الذي أسلمه إليه، فصار كراء الأرض بدين لك على رب الأرض. م/: وإن شئت قلت: إنما دخله الدين بالدين؛ لأن رب الأرض كان له أن يعطيه قيمتها مقلوعة، فكأن المتكاري تحول من تلك القيمة إلى نصف الشجر، تكون بيده عشر سنين، ثم يكون رب الأرض مخيراً عليه فيها أيضاً فلم يبن بالنصف الذي تحول إليه بينونة تامة. قال ابن أبي زمنين: هكذا رأيته لبعض العلماء، وذكر أيضاً مثل ما ذكر أبو محمد. [الفصل -5 - في المكري يشترط أن يسلمه المكتري الشجر بعد عشر سنين ويكون عوضاً عن كراء أرضه] ومن المدونة قال مالك: ومن اكترى أرضاً عشر سنين على أن يغرسها المكترى شجراً سماها على أن الثمرة للغارس، فإذا انقضت المدة فالشجر لرب الأرض لم يجز؛ لأنه أكراها بشجر لا يدري أيسلم الشجر أم لا.

ابن المواز: وقال أشهب: ذلك جائز إذا سمى مقدار الشجر، وهو كالبنيان، ولا يدري كيف يصير البنيان. قال ابن المواز: هذا لا يجوز، بخلاف شراء الشجر المضمونة إلى عشر سنين، يسمى قدرها ومبلغ صفتها، يشتريها بالعين، فليس ذلك كالمغارسة التي هي من باب الجعل. م/: قال بعض فقهاء القرويين: وافقه محمد في البينان، وخالفه في الشجر، وقال: لا يجوز كما لا يجوز أن يسلم فيها. قال: والأشبه عندنا أن لا يجوز في شجر، ولا بنيان، إذا كان البنيان يتغير في هذه المدة، كما لا يجوز للبائع أن يستثنى سكنى الدار إلا السنة ونحوها لتغير البناء، إلا أنه لو كان بناءً متقناً لا يتغير في تلك المدة لجاز. ومن المدونة: وقال سحنون: لا يجوز، ويدخله بيع الثمر قبل بدو صلاحها، وكراء الأرض بالثمر. م/: يريد سحنون؛ لأن رب الأرض يأخذ الشجر بعد تمام المدة، فإن كان فيها ثمر لم يبد صلاحه فذلك بيع الثمر قبل بدو صلاحها، وإن كان قد بدا صلاحه فهو كراء الأرض بالثمر، وإن كان كامناً فهو كراء الأرض بما يخرج منها. م/: وهذا إذا اشترط رب الأرض أن له الشجر بعد العشر سنين بما فيها من الثمر، أما إن لم يشترط ذلك، وإنما أكراها بعين أو غيره كراءً جائزاً فانقضت المدة في الشجر ثمر، فإن لم تؤبر فلرب الأرض أن يأمر المكتري بقلع الشجر، أو يأخذها بقيمتها مقلوعة،

وإن أبرت جبر على بقائها إلى تمامها، وعلى المكتري كراء المثل، كما لو انقضت المدة وفيها زرع لم يتم. م/: وعلل بعض فقهاء القرويين قوله: ويدخله كراء الأرض بالطعام، قال: جعل الشجر في هذا للغارس، وهو مذهب ابن القاسم في المغارسة الفاسدة، فجعل الغارس يعطيها، وقد يكون فيها ثمر، فيصير كراء الأرض بالطعام. قال: ومن علل أن بيع الثمر قبل بدو صلاحه جعل الغرس لرب الأرض؛ لأن الأرض قابضة له بوضع الغارس ذلك فيها، وللعامل قيمته يوم وضعه فيها، فصار رب الأرض أعطى للعامل في إجارته ثمر هذا الغرس قبل بدو صلاحه، وذلك بيع له. قال: وكان يجب أن تفوت الأرض بالغرس، ويكون للعامل في العشر سنين، وعليه كراء المثل فيها إذا جعلوا الغرس للغارس، وأما إن جعلناه لرب الأرض وجب فسخ الكراء، وكان للعامل قيمة ما وضع فيها، إلا أنهم قالوا في شرط الغرس بينهما من دون الأرض: إن الغرس للغارس، ويعطيه رب الأرض قيمته مقلوعاً ولم يجعلوه كراء فات بالغرس، وفي المغارسة إيعاب هذا. [الفصل -6 - فيمن اكترى أرضاً ليزرع فيها سنة فحصد قبل تمام السنة أو تأخر زرعه بعد تمامها] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اكترى أرضاً سنة فحصد زرعه قبل تمام السنة، فأما أرض المطر فمحمل السنة فيها الحصاد، ويقضي بذلك فيها، وأما ذات السقي التي تكرى على أمد الشهور والسنين، فللمكتري العمل إلى تمام سنته، فإن تمت وله فيها زرع أخضر، أو بقل، فليس لرب الأرض قلعه، وعليه تركه إلى تمامه، وله فيما بقي كراء المثل على حساب ما أكراها منه.

وطرح سحنون في رواية يحيى على حساب ما أكراها منه، وأبقى كراء المثل، ونقلها أبو محمد في مختصره: وله فيما بقي كراء المثل لا على ما أكراه. وفي المدونة على حساب ما كان اكترى. م/: وكلام ابن القاسم جيد، ووجهه: أن المكري والمكتري دخلا على أن للمكتري الانتفاع بالأرض في جميع السنة، وقد علما أن بعض البطون قد يتقدم ويتأخر لما يطرأ فيها من العاهات، فكأنهما دخلا على ذلك، فلم يكن المكتري متعدياً؛ ولذلك قال: على المكتري في الزيادة كراء مثلها على حساب ما أكرى منه، ومعنى ذلك أن يقوم كراء الزيادة، فإن قيل: دينار. قيل: وما قيمة السنة كلها؟ فإن قيل: خمسة. فقد علمت أنه وقع للزيادة مثل خمس كراء السنة فيكون عليه الكراء الأول، ومثل خمسه، كما كان له لو تعطل عليه شهر من السنة لغور بئر الأرض، أو لغرقها أن يسقط عنه كراء مثله من حساب ما اكترى، وهو حصته من الكراء، فكذلك إذا زاد شهراً، يكون عليه كراء مثل من حساب ما أكرى، وهو حصته من الكراء، وكأنه داخل في العقد، وبالله التوفيق. ومن المدونة: وقال غير ابن القاسم: إن بقي من السنة بعد حصاده ما لا يتم فيه زرع فلا ينبغي له أن يزرع، فإن فعل فعليه في زيادة المدة الأكثر من الكراء الأول؛ إذ كأنه رضيه، أو كراء المثل.

يريد: ولو كان ربها عالماً به فتركه، فله على حساب الكراء الأول، كما قال الغير في كراء الدابة يكتريها مدة فيجاوزها. قال ابن حبيب: إذا لم يبق من المدة إلا شهر أو شهران، وما لا ينتفع به في الزرع، فإن كانت من أرض الزرع فليس للمكتري أن يحدث فيها زرعاً إلا بكراء مؤتنف، ولا يحط عنه لما تقدم شيء، ولربها حرثها لنفسه، وليس للمكتري منعه؛ لأنه مضار. فإن زرعها المكتري وهو يعلم أن الوجيبة تنقضي قبل تمام الزرع بالأمد البعيد فربها مخير: إن شاء حرث أرضه فأفسد زرعه، أو أقره وأخذه بالأكثر من قيمة الكراء، أو من كراء الوجيبة، وإن كان ظن أن زرعه ينقضي عند تمام الوجيبة فزاد عليها الأيام والشهر ونحوه، فليس لربها قلعه، وله فيما زادت المدة على حساب كراء الوجيبة، وإن كانت من أرض المباقل فله أن يعمل وينتفع إلى انقضاء الوجيبة، فإن انقضت ولم يبلغ إبانه، فإن كان حين وضع البقل في الأرض على رجاء من بلوغ إبانه وتمامه عند انقضاء الوجيبة فجاوز ذلك بأيام أو شهر، فله كراء ذلك كما ذكرنا، وإن علم أنه لا يبلغ تمامه إلا بعد انقضاء الوجيبة بأيام بعيدة فربها مخير في قلع ذلك، أو تركه، وأخذ الأكثر من كراء الوجيبة، أو كراء المثل. فصل [-7 - فيمن اكترى أرضاً يزرعها كل سنة بكذا ولم يسم سنين معينة] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اكترى أرضاً يزرعها كل سنة بكذا، ولم يسم سنين بأعيانها جاز ذلك، ولكل واحد منهما أن يترك متى شاء ما لم يزرع فحينئذ لا ترك لأحدهما تلك السنة خاصة، ويلزمه كراؤها، ويترك بعد ذلك إن شاء.

وإن قال المكتري: أنا أقلع زرعي وأؤدي حصة ما بقي، لم يكن له ذلك كان في إبان الحرث أم لا؛ لأنه حين زرع فقد رضي بأخذ الأرض سنته تلك. م/: وكما لم يكن لرب الأرض إذا حرث إخراجه، فكذلك لا يكون له أن يخرج، وإن قلع جميع زرعه، إلا أن يؤدي جميع الكراء لتلك السنة. [الفصل -8 - فيمن اكترى من رجل أرضه أو داره أو غير ذلك على أن يقبضه بعد أجل مسمى] وإن اكتريت من رجل أرضه قابلاً، وفيها الآن زرع له أو لمكتر آخر، فإن كانت مأمونة كأرض النيل جاز شرط النقد فيها، وإن كانت إنما تحيا بالعيون والآبار المجوفة غير المأمونة فالكراء جائز، ولا ينبغي النقد فيها بشرط. ومن اكترى داراً على أن يقبضها إلى سنة جاز ذلك، وجاز النقد فيها؛ لأمنها. وإن بعد الأجل جاز الكراء، ولا أحب النقد فيها، ولم يجز في سائر العروض والحيوان شراؤه على أن يقبض إلى أجل لغلبة الغرر في تغييره.

[الباب الرابع عشر] في الدعوى في كراء الأرض

[الباب الرابع عشر] في الدعوى في كراء الأرض [الفصل -1 - في الدعوى في أمد الكراءٍ] قال ابن القاسم: وإذا قال المكتري: اكتريت الأرض عشر سنين بخمسين ديناراً، وقال ربها: بل خمس سنين بمائة دينار، فإن كان بحضرة الكراء تحالفا وتفاسخا، وإن كان قد زرع سنة أو سنتين ولم ينقد فالقول قوله في ذلك؛ لأنه غارم، ولربها ما أقر به المكتري. م/: وهو خمسة في كل سنة، إن أشبه ما يتغابن الناس بمثله ويحلف، وإن لم يشبه فعلى قول ربها إن أشبه مع يمينه، وهو عشرون دينارًا في كل سنة إذا استوت السنون، فإن لم يشبه فله كراء المثل فيما مضى، ويفسخ باقي المدة على كل حال، وإنما فسخنا بقية السنين لدعواه في كرائها أكثر من دعوى المكتري، وهذا إذا لم ينتقد. ومن قول مالك: أن رب الأرض والدار والدابة مصدق في الغاية فيما يشبه، وإن لم ينتقد. قال غيره: وإذا انتقد فالقول قول ربها مع يمينه فيما يشبه من المدة، فإن لم يأت بمد يشبه، وأتى المكتري بما يشبه صدق فيما سكن على ما أقر به، ويرجع ببقية المال على ربها بعد يمينه على ما ادعى، ويمين ربها فيما ادعى عليه من طول المدة، وإن لم يشبه ما قاله

واحد منهما تحالفا، وفسخ الكراء، وعلى المكتري قيمة كراء ما سكن، وإن أتيا بما يشبه صدق رب الدار مع يمينه؛ لأنه انتقد، ولم يسكن المكتري إلا ما أقر به المكري. قال سحنون: وروى نحوه ابن وهب عن مالك، وهذا هو الأصل في الدور والرواحل والعبيد وغيرها، فرد إليه ما خالفه. م/: وهذا الذي ذكر الغير موافق لقول ابن القاسم، إلا قوله: إذا أشبه قول ربها، وأشبه ما قالا: أن المكتري يلزمه أن يسكن ما أقر به المكري، فهذا يخالفه فيه ابن القاسم، ويرى أن يتحالفا ويتفاسخا في بقية المدة؛ لأنه كسلعة قائمة لم تقبض. وهذا مذهب ابن المواز في الدور لا في الرواحل. م/: فصار الاختلاف في هذا على ثلاثة أقوال: قول أنهما يتحالفان ويتفاسخان في بقية المدة في الدواب والدور وغيرها، وهو ظاهر المدونة. وقول: أنه يلزمه التمادي إلى الغاية التي أقر بها المكري، وهو قول الغير هاهنا. وقول: بأنه يلزمه التمادي في الدواب إذا سار أكثر الطريق، ويتحالفان ويتفاسخان في الدور، وهو قول ابن المواز. والقياس قول ابن القاسم: أنهما يتحالفان ويتفاسخان في الجميع؛ لأن البقية كسلعة لم تقبض، والاستحسان ما قاله ابن المواز والله أعلم. وقال بعض فقهاء القرويين: إذا اختلفا قبل الزرع تحالفا وتفاسخا على قول ابن القاسم، نقد الكراء أو لم ينقده؛ لأنه لم يجعل النقد المقبوض فوتاً، فأما على

مذهب من يجعل النقد المقبوض فوتاً، وأشبه ما قاله المكري، وكانت الأرض لا ضرر في قسمتها على المكتري، دفع رب الأرض نصفها، فيزرعها المكتري خمسن سنين؛ لأن ما حاز من النقد القول فيه قوله مع يمينه، وقد انتقد خمسين فدفع فيها نصف الأرض، وإن كان على المكتري في ذلك ضرر تحالفا وتفاسخا، ولم يكن النقد فوتاً؛ لضرر الشركة، وإن كان قد زرع سنة فالقول قول المكري: أن لي مما قبضت من الخمسين عشرة في سنة؛ لأنه حائز لها، ويحلف على ذلك؛ لأنه يقول: حصة هذه السنة عشرون. والقول قول المكتري في العشرة الثانية، ويحلف أنه لم يبق له عليه شيء إذا أشبه ما قالا جميعاً، ثم يفسخ بقية السنين على قول من لم يجعل النقد فوتاً، أو لضرر الشركة بالمكتري، وأما لو اتفقا أن النقد وقع خمسين، ثم اختلفا في أمد السكنى، فقال المكتري: عشرة سنين، وقال رب الأرض: خمس سنين، فعلى قول ابن القاسم يتحالفان ويتفاسخان، وينبغي على ما في كتاب السلم الثاني أنه إذا طال انتفاع المكري بالنقد أن ذلك فوت، والقول قول المكري، ويسكن المكتري خمس سنين، كقوله أسلمت إليك في عشرة أرادب حنطة، وقال المسلم إليه: بل في خمسة، وأشبه ما قالاه جميعاً، وقد حل أجل السلم، وطال انتفاع البائع بالنقد، أن القول قوله. وأما على ما هاهنا فيتحالفان ويتفاسخان أبداً وإن طال. [الفصل -2 - في الرجل يزرع أرض آخر ويدعي أنه اكتراها منه وربها منكر] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن زرع أرض رجل، وادعى أنه اكتراها منه، وربها منكر، فإن أقر ربها أنه علم به حين زرع فلم ينكر عليه، وقامت بذلك بينة، أو لم

تقم بينة فأحلف عليه فنكل، فليس له إلا ما أقر به المكتري مع يمينه، إلا أن يأتي بما لا يشبه. م/: يريد: فيكون عليه كراء المثل. م/: يريد: وسواء فات إبان الزراعة، أو لم يفت في هذا. م/: أما قوله: فأحلف عليه فنكل إذا ادعى عليه المكتري كراء مسمى فيجب أن يكون القول قول المكتري، وإن أتى بما لا يشبه؛ لأن الناكل مكنه من جميع دعواه بنكوله. هذا هو المشهور من المذهب. م/: والصواب أن لا يراعى في هذا ما لم يشبه؛ لأنهما لم يختلفا في عدد الكراء فيردهما إلى ما يشبه. وإنما قال ربها: لم أكرها منك، فكان القول قوله مع يمينه، فإن نكل حلف الزارع، وغرم ما أقر به، كما لو قال: أذنت لي أن أزرعها بغير كراء. فنكل ربها وحلف الزارع، فإنه لا يكون عليه كراؤها، وقاله جماعة من أصحابنا. ومن المدونة: وقال غيره: علم به أو لم يعلم، فله الأكثر من كراء المثل، أو ما أقر به المكتري بعد يمينه على دعوى المكتري إن كان كراء المثل أكثر من دعواه. م/: يريد: وسواء فات إبان الزراعة، أو لم يفت إذا طلب من الكراء، فإذا طلبه أن يقلعه في الإبان لم يكن له ذلك إذا علم به فتركه؛ لأن ذلك شبهة له. وإن لم يعلم به فله قلعه إذا حلف على دعوى الزارع، ولا يختلفان في ذلك.

قال ابن القاسم: وإن لم يعلم به ربها، ولا قامت عليه بذلك بينة، ولا أنه أكراها منه، وحلف على ذلك، فإن كان مضى إبان الزراعة فله كراء المثل، ولا يقلعه، يريد: ومد أقر به الزارع إن كان أكثر من كراء المثل. قال: وإن لم يفت الإبان خير بين أن يأخذ من المكتري ما أقر به، قال غيره: أو كراء المثل. قالا: وإن أبى فله أن يأمره بقلعه إلا أن يتراضيا على ما يجوز فينفذ بينهما. م/: وقول غيره: أو كراء المثل. خلاف لابن القاسم. قال ابن القاسم: ولو ترك الزرع لرب الأرض جاز ذلك، إن رضيا بها - يرد: والزرع في هذا كله قد كبر، وصار لو قلع انتفع به. قال ابن القاسم: وإن لم يكن للمكتري في الزرع نفع إذا قلعه لم يكن له قلعه، وبقي لرب الأرض، إلا أن يأباه، فيأمره بقلعه. م: قال بعض فقهائنا القرويين: لم يجعل الغير قول الزارع قولا، وإن علم به رب الأرض؛ لأنه مدع لشراء سلعة لم يقر البائع أن باعها منه فله قيمتها إذا أفاتها المشتري، إلا أن يقر المستهلك بأكثر من القيمة، وهذا هو الأشبه. م/: ووجه قول ابن القاسم أنه لما كانت العادة أن لا يحرث أحد أرض غيره، وهو ساكت، يراه ولا ينكر عليه إلا بكراء تقدم منه أو هبة، وجب أن يكون القول قول الزارع؛ لأنه مدع ما يشبه. قال: وإذا كان في إبان الزرع، وحلف رب الأرض أنه مد أذن، وجب قلع الزرع. ولم يكن له أخذه بقيمته مقلوعاً خيفة أن يكون ذلك بيعاً له

قبل بدو صلاحه، وهو إنما ينمو بعد الأخذ في أرضه، وكذلك منع من بيع ما زرعه في أرض اكتراها من رب الأرض، وإن كان إنما نماؤه في أرض مشتريه. ولو رضى بأن يأخذ من الزارع الكراء، ويبقيه لجاز ذلك، إذا كان لو قلع كان فيه منفعة للزارع، ولو لم تكن فيه منفعة حتى يكون ذلك الحكم يوجب بقاءه لرب الأرض لم يجز لرب الأرض أن يراضيه على كراء؛ لأنه يصير بائعاً لزرع وجب له أخذه بالكراء الذي يأخذه، فذلك بيع الزرع قبل بدو صلاحه على البقاء، كذلك ذكر في كتاب محمد فيمن غصب أرضاً لرجل فزرعها فجاء بها، ولا منفعة للزارع في الزرع إذا قلعه أنه لا يجوز لرب الأرض أن يبقيه له بكراء.

[الباب الخامس عشر] في النقد في كراء الأرض وشيء من ذكر العقود الفاسدة فيها

[الباب الخامس عشر] في النقد في كراء الأرض وشيء من ذكر العقود الفاسدة فيها [الفصل -1 - في النقد في كراء الأرض] قال ابن القاسم: ومن اكترى أرضاً فتشاحا في النقد، فإن كان لأهل البلد سنة في كراء الأرض حملاً عليها- يريد في المأمونة-، وإلا نظر، فإن كانت كأرض النيل التي تروى في السنة مرة لزم المكتري النقد إذا رويت، وإن كان لا يتم زرعها إلا بالسقي أو المطر فيما يستقبل بعد الزراعة لم ينقده إلا بعد تمام ذلك. وقال غيره: وإن كانت من أرض السقي، وكان السقي مأموناً، وجب له كراؤه نقداً. قال ابن القاسم: وإن كانت تزرع بطوناً كالقضب والبقل نقده لكل بطن حصته بعد أن يسلم. وقال غيره: عليه نقد حصة أول بطن. قال ابن القاسم: والفرق بين النقد في الدور والرواحل، وبينه في الأرض غير المأمونة، أنه ليس له في الأرض بحساب ما يمضي؛ إذ لا كراء له إذا عطش الزرع، وفي تينك في كل وقت يمضي فقد وجب له كراؤه وتم نفعه، فإذا لم يكن للنقد فيها سنة وجب له كراء ما مضى. ومن اكتريت منه أرضه الغرقة بكذا إذا انكشف عنها الماء،

وإلا فلا كراء بينكما جاز إن لم ينتقد، ولا يجوز كراؤها بالنقد إلا أن يوقن بانكشاف الماء عنها. فصل [-2 - فيمن اكترى أرضاً أو داراً كراء فاسداً فقبضها أو لم يقبضها] ومن اكترى أرضاً أو داراً كراء فاسداً فقبض ذلك، فلم يسكن ولم يزرع حتى انقضت المدة فعليه كراء المثل - يريد على أنها مسكونة-. قال: فإن لم يقبض الأرض، ولا الدار، لم يلزمه الكراء، وكذلك الدابة، وكل كراء فاسد ففيه إن سكن كراء المثل، كان أقل من المسمى أو أكثر. م/: كالقيمة في فوات السلعة في البيع الفاسد، وقد تقدم هذا. قال بعض فقهاء القرويين: ولأنه لما أسلم إليه ما يقبض منه المنافع صار كالقابض لها؛ ولأنه قد منع ربها من الانتفاع بها، وهذا هو الأكبر المقدور عليه في التسليم، فهو بخلاف بقاء السلعة بيد ربها في البيع الفاسد، وقد نقد ثمنها، ومكن من قبضها عند ابن القاسم، وإن كان أشهب قد ضمنه بالتمكين وإن لم يقبض، وقد يخالف بين الدور والأرضين، وبين الدابة والثوب إذا لم يلبس ولم يركب؛ لأن المنافع في ذلك قد بقيت لربها بترك اللباس والركوب فيحط عنه من كراء المثل قدر ما كان ينقصه اللباس والركوب كمن حبسه بعد مدة الكراء.

م/: والصواب أن له كراء المثل؛ لأنه قبض ومكن من الانتفاع، فليس تركه ذلك يسقط ما وجب لربها. [مسألة: في لزوم الكراء للمكتري وإن مات أو حبس أو لم يجد بذراً] قال ابن القاسم: ولا ينتقض الكراء بموت المتكاريين أو أحدهما، وكذلك من اكترى داراً أو أرضاً فلم يجد بذراً، أو سجنه السلطان باقي المدة، فإن الكراء يلزمه، ولا يعذر بهذا، ولكن يكريها إذا لم يقدر هو أن يزرعها أو يسكن الدار. وبالله التوفيق.

[الباب السادس عشر] في كراء الأرض بما يخرج منها أو بطعام

[الباب السادس عشر] في كراء الأرض بما يخرج منها أو بطعام [الفصل -1 - في كراء الأرض بما يخرج منها] روى مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المزابنة والمحاقلة. والمزابنة: اشتراء الثمر بالثمر، والمحاقلة: اشتراء الزرع بالحنطة، واكتراء الأرض بالحنطة. قال ابن حبيب: أو بغيرها من الطعام مما تنبته أو لا تنبته. قال ابن القاسم: ومن المحاقلة اكتراؤها بشيء مما تنبته كمن اكتراها بكتان فزرع فيها كتاناً. وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض ببعض ما يخرج منها، وهي المخابرة التي نهى عنها في حديث آخر. قال ابن عبدوس: وهو مذهب مالك وأصحابه أجمع. وهذا لحديث رافع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن كراء الأرض بما

يخرج منها. قيل لرافع: فالذهب والورق. قال: لا بأس بذلك. وهو ناقل الحديث. وذهب بعض العلماء إلى كراهية كرائها بشيء من الأشياء منهم: مكحول وعطاء ومجاهد، واحتجوا بحديث رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم- «نهى عن كراء الأرض مجملاً». وقد بين رافع وجه ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم على ما ذكرنا. وقد اختلف قول الليث، فأجاز مرة أن تكرى بمكيل من طعام معلوم، ومنع منه

بالجزء مما يخرج منها، ومرة أجاز بالجزء مما تنبت منها، ومنع بالمكيل. وإنما خاف مالك أن تكرى بما يخرج منها لو زرع فيها؛ لنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كرائها بالجزء مما يخرج منها، وبالأوسق من الثمر والشعير في حديث رافع؛ ولأنه يكريها بشيء فتخرج هي أكثر منه. قيل لسحنون: إن من أجاز كراءها بالجزء مما يخرج منها إنما يشبه بالقراض. قال: هذا غلط؛ لأن القراض فيما لا يجوز أن يكري وهو العين، والأرض مما تكري، فلم يجز الكراء في العين، وجاز في الأرض فافترقا. [الفصل -2 - في كراء الأرض بطعام تنبت مثله أو لا تنبت] ومن المدونة قال مالك: ولا يجوز كراء الأرض بشيء مما ينبت قل أو كثر، ولا بطعام تنبت مثله أو لا تنبت، ولا بما تنبته من غير الطعام من قطن وكتان أو اصطبه؛ إذ قد يزرع فيها ذلك فتصير محاقلة، ولا بقضب، أو قرظ أو تبن أو علف، ولا بلبن محلوب، أو في ضروعه، ولا بجبن، أو عسل، أو سمن، أو تمر، أو صبر، أو ملح، ولا بسائر الأشربة والأنبذة.

وإذا خيف في اكترائها ببعض ما تنبت من الطعام أن يدخله طعام بمثله إلى أجل خيف في كرائها بطعام لا تنبته أن يكون طعاماً بطعام خلافه إلى أجل. ولا تكري بفلفل، ولا بزيت زريعة الكتان، ولا بزيت الجلجلان، ولا بالسمك، ولا بطير الماء الذي هو للسكين، ولا بشاه لحم؛ لأن هذا من الطعام، ولا بزعفران؛ لأنه مما تنبته، ولا بطيب يشبه الزعفران ولا بعصفر. [مسألة: كراء الأرض بالعود والصندل والحطب والخشب والجذوع] ولا بأس بكرائها بالعود الهندي، والصندل، والحطب، والخشب، والجذوع. قال ابن سحنون في كتابه: قلت لسحنون: لم أجازوا كراء الأرض بالعود، والصندل، والحطب، والخشب، والجذوع، وهذه الأشياء كلها مما تنبت الأرض؟ فقال: هذه الأشياء مما يطول مكثها ووقتها، فمن أجل ذلك سهل فيها. [فصل -3 - كراء الأرض بالشجر والكلأ والطعام وببعض ما يخرج منها] قال غيره: ويجوز كراؤها شهرين بشيء لا يمكن أن تنتبه إلا في سنة، وهو غير طعام، كجواز كرائها بالشجر. وأجاز في كتاب محمد كراءها بالخضر.

قال أبو محمد: لأنه لا يزرع. وأجاز ابن نافع أن تكري بالتمر والتين والزيت والسمن وسائر الطعام إلا الحنطة. وقال عنه ابن حبيب: ولا بأس أن تكتري بشيء يؤكل، أو لا يؤكل، يخرج منها، أو لا يخرج منها، عدا الحنطة وأخواتها، إذا كان ما تكرى به خلاف ما يزرع فيها. قال: وقال ابن كنانة: لا تكري بشيء إذا أعيد فيها نبت، ولا بأس بغير ذلك من كل شيء من طعام وغيره. قال ابن مزين: وبه قال يحيى بن يحيى، وقال: إنه من قول مالك. قال ابن مزين: وبه أقول.

قال عيسى بن دينار: فمن أكراها على أحد هذه الثلاثة الأقاويل أجزت كراءه، ولم أفسخه. وأما مذهب الليث فكره أن يكريه بشيء مما يكون مضموناً على المكتري، فأما بالثلث والربع مما تنبت فجائز عنده. وقال عيسى: وهذا إن وقع فسخته، وإن فات أوجبت عليه كراء مثلها بالدراهم. وروى عنه ضد هذا، والأول أثبت عنده، وهو قول ابن سيرين والنخعي. وشدد سحنون في كرائها بالجزء مما يخرج منها، وقال: من فعله فهو جرحه فيه. قال أبو محمد: يريد: إذا كان عالماً أنه لا يجوز، إما لأنه مذهبه، أو اتبع فيه قول غيره ممن قلده من العلماء. قال سحنون: ولا يؤكل طعامه ولا يشتري منه من ذلك الذي أخذ في كرائها، فإذا نزل فإنما لربها كراؤها بالدراهم.

قال أبو محمد: وذكر غير واحد من شيوخنا أن عيسى بن مسكين وغيره من قضاة أصحابنا بأفريقية حكموا بأن ينظر إلى ما وقع له من ذلك الجزء من ثلث أو ربع، فيعطي قيمة ذلك الجزء دراهم. قالوا: لأنه لا يعرف لها بالمغرب قيمة كراء بالعين؛ فذلك يعطي قيمة ذلك الجزء الذي تجري به أكريتهم ثمناً، أصاب قليلاً أو كثيراً، ولم يعتبروا كراءها يوم العقد؛ لأنه لا كراء على المكتري في الأرض إذا لم يصب فيها شيئاً. قال ابن حبيب: وقول مالك، وابن القاسم، وأشهب، وابن وهب، وأصبغ، وابن عبد الحكم، ومطرف، وابن الماجشون: لا تكري بجزء مما يخرج منها، ولا بشيء من الطعام أو الشراب كان مما يخرج منها أو لا يخرج منها. ومن كتاب ابن المواز: ولا بأس أن تكري بالخضر، يريد بالكلأ؛ لأنه ليس مما يزرع ولا من الطعام، ولا بأس بكرائها بالماء. ومن المدونة قال ابن القاسم: ويجوز كراؤها بالعين، وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقاله عدد من الصحابة والتابعين. ويجوز أن تكري أرضك بشجر بأصولها تأخذها من المكتري إن لم يكن فيها يومئذ ثمره - يريد إذا كانت أرضك مأمونة-.

قال ابن القاسم: وإن كان في الشجر ثمر لم يجز - يريد ثمراً لم يؤبر، ولو أبر لجاز؛ لأنها تبقى لربها-. قال ابن القاسم: ولأن مالكاً كره شراء شجر فيها ثمر بطعام عاجل أو آجل. قال: لا بأس ببيع نخل بثمر إلى أجل بثمر النخل إليه، كشاه لا لبن فيها بلبن إلى أجل. ولا يباع كتان بثوب كتان إلى أجل؛ لأنه يخرج منه إلا أن يكون أجلاً قريباً لا يعمل في مثله من الكتان ثوب فلا بأس به، كالقصيل يسلم فيه شعيراً، وأما القصيل بالشعير إلى أجل قريب فلا بأس به؛ لأن القصيل إنما يباع على الجز فلذلك جاز أن يسلم في الشعير؛ لأنه لا يخرج منه بعد الجز شعير. قال ابن القاسم: ولا بأس بكراء أرض بأرض، أو دار بدار، ويجوز أن تكتري من رجل أرضه تزرعها أنت العام بأرضك عام قابل ليزرعها هو إذا كانت أرضك مأمونة يجوز النقد فيها؛ لأن أرضه كعرض انتقدته في أرضك. قال يحيى بن عمر: ولا تبالي كانت أرض صاحبك مأمونة أم لا.

[الباب السابع عشر] ما يحل ويحرم من كراء الأرض

[الباب السابع عشر] ما يحل ويحرم من كراء الأرض [الفصل -1 - في اكتراء وشراء الشيء الذي يقبض بعد أجل مسمى والصرف في ثمن الكراء] قال ابن القاسم: ومن اكترى أرضاً يقبضها قابلاً بألف درهم إلى عشر سنين جاز ذلك. وكذلك شراء الشيء الغائب بثمن إلى أجل أبعد من مسافته جائز أيضاً، وليس ذلك ديناً بدين؛ لأنه معين. ومن أكرى أرضه بدنانير معلومة على أن يأخذ منها لكل دينار عشرين درهماً جاز، وكذلك بدراهم معلومة على أن يأخذ لكل عشرين درهماً ديناراً، والتعاقد واقع على المقبوض، واللفظ لغو، ولو ثبت الكراء بدراهم مؤجلة لم يجز أن يأخذ بها دنانير معجلة، أو مؤجلة، حتى يحل فيأخذ بها دنانير نقداً. [مسألة: في الكراء يكون دنانير أو دراهم فإذا حل أجلهما أخذ عوضاً عنهما طعاماً أو ثياباً مؤجلة إلى ثلاثة أيام] ومن أكرى أرضه بدنانير مؤجلة فحلت فلا يأخذ بها طعاماً ولا إداماً، وليأخذ مد يجوز أن يبتدئ به كراءها. وإن اكتراها بدراهم إلى أجل فلما حل الأجل فسخها في ثياب بعينها على أن يقبضها إلى ثلاثة أيام لم يجز، إلا أن يقبض الثياب قبل أن يفترقا؛ لأنه من وجه الدين بالدين.

[مسألة: فيمن اكترى أرضاً بدراهم وخمر في صفقة واحدة] ومن اكترى أرضاً بدراهم وخمر في صفقة واحدة فسد جميعها، ولم تجز حصة الدراهم، وإن رضي المكتري بترك الخمر لم يجز، وليس كالبيع والسلف الذي يجوز أن يسقط شرط السلف فيتم البيع. م/: والفرق: أن الخمر ثمن شرط تملكه بالدراهم التي معه، والدنانير السلف إنما شرط النفع بها، ثم ترجع إلى ربها، فإذا تركت سقط النفع المنهي عنه، وقد قيل في البيع والسلف: إنه يفسخ على كل حال، كالبيع بدراهم وخمر؛ لأن النفع المشترط حرام كالخمر، وهذا أقيس. [مسألة: في الكراء يكون صوفاً على ظهور الغنم يجز بعد أيام قليلة] قال ابن القاسم: ولا بأس بكراء الأرض بصوف على ظهور الغنم إن شرع في الجز مكانه، أو إلى ما قرب من خمسة أيام أو عشرة. [مسألة: في كراء الأرض بالخيار لكلا المتكاربين أو لأحدهما] ويجوز كراء الأرض بالخيار لكما أو لأحدكما، وإن لم يؤجلاه جاز، وأجله الإمام إلا أن يكون قد مضى مقداره فيوقف الآن من له الخيار، فإن كانا بالخيار جميعاً فاختلفا في الأخذ والرد فالقول قول من أراد الرد. ومن اكترى داراً بقفيز من حنطة، أو بقفيز من شعير، أيهما شاء المكتري، أو المكري، وذلك كله معين أو مضمون قد لزمهما، أو لزم أحدهما لم يجز ذلك كله، وهو من بيعتين في بيعة، فأما على غير الإلزام لأحدهما، ومن شاء رد فذلك جائز، وإن أعطيت لرجل أرضك يزرع لك فيها حنطة من عنده بطائفة من أرضك يزرعها لنفسه لم يجز؛ لأنك أكريته الأرض بما تنبت.

وإن دفعت إليه أرضاً لك يزرعها بحبك على أن له طائفة أخرى من أرضك غير مزروعة جاز ذلك. وإن قلت له: اغرس لي أرضي هذه نخلاً أو شجراً بطائفة أخرى من أرضي جاز، وهو كراء الأرض بالخشب.

[الباب الثامن عشر] باب جامع في المزارعة والمغارسة

[الباب الثامن عشر] باب جامع في المزارعة والمغارسة [الفصل -1 - فيمن أكرى أرضه من رجل يزرعها على أن ما أنبتت بينهما] قال مالك رحمه الله: ومن أكرى أرضه من رجل يزرعها قصباً، أو قصيلاً، أو قمحاً، أو شعيراً، أو قطنية على أن ما أنبتت بينهما، أو هو مع الأرض بينهما لم يجز. قال بعض فقهاء القرويين: ويجب إذا عمل أو زرع أن يكون الزرع له، وعليه كراء مثل الأرض؛ لأن العمل والزرع من عنده، فأشبه الشركة الفاسدة إذا أخرج أحدهما الأرض والآخر البذر والعمل، ولا يبعد أن يقال: إن نصف الزرع قد أفاته العامل في نصف الأرض لرب الأرض بإذنه، فعلى رب الأرض نصف البذر وإجارة العامل فيه، ويترقب بنصف العامل الذي زرعه لنفسه، فإن تم أدى الكراء، وإن بطل بطل عنه كراء ما زرع لنفسه، وأما إجارته في نصف رب الأرض فثابتة، تم الزرع أو لم يتم، وأما قوله على أن الأرض بيني وبينك نصفين فيجب على أحد التأويلين أن تكون نصف الزريعة قد زرعها لرب الأرض، فيكون عليه مثلها؛ لأن أرضه قابضة لها، وللعامل إجارته في النصف الذي لرب الأرض في حرثه وقيامه به، ويستأني بالنصف الذي زرعه العامل لنفسه، فإن تم كان عليه كراء المثل، إذا كان قد حكم بالفسخ في إبان الزراعة، فإن لم يتم الزرع فلا كراء له، وإن لم يحكم بالفسخ حتى تم الزرع فلا كراء عليه في النصف الذي اشترى، ولا يفيته الزرع ويرده، ويمكن أن ما زرعه لرب الأرض لا يفوت أيضاً ويكون لزارعه؛ لأنه كأنه لم يدفعه إلا بعد تمامه فهو لزارعه، وعليه نصف كراء الأرض لرب

الأرض. قال: فإن قال له: اغرسها لي شجراً أو نخلاً فإذا بلغت النخل كذا وكذا سعفة، والشجر كذا فالنخل والشجر بيننا نصفين، فذلك جائز. قال ابن القاسم: وإن قال: فالأصول بيننا فقط، فإن كان مع مواضعها من الأرض جاز، وإن لم يشترط ذلك، وشرط له ترك الأصول في أرضه حتى تبلى لم يجز. [الفصل -2 - في وجه العمل في المغارسة عند العلماء] قال ابن حبيب وعيسى بن دينار عن ابن القاسم: ووجه العمل في المغارسة عند العلماء: أن يعطيه أرضه يغرسها صنفاً من الشجر أو أصنافاً يسميها له، فإذا بلغت شباباً سمياه، أو قدراً حداه يشبه الشرط في انبساطها وارتفاعها كانت الأرض والشجر بينهما على النصف، أو الثلث، أو الثلثين، أو جزءاً مسمى، ولا يجوز أن يسميا شباباً أو قدراً يثمر الشجر قبله؛ لأن العامل تكون له تلك الثمرة إلى أن يبلغ الشجر الشباب الذي سمياه، ثم يكون له نصف الشجر بأرضه، فكأنه أجر نفسه بثمر لم يبد صلاحه، وبنصف الأرض وما ينبت فيها فلذلك لم يجز. قالا: ولا بأس أن يجعلا ذلك إلى إثمار الشجر، وهو وقت معروف، وهو أحب إلينا.

قال ابن حبيب: وإذا تغارسا، ولم يسميا حدا، ولا شباباً معلوماً، فذلك جائز، ويكون إلى الإثمار والشباب التام. وروى حسين بن عاصم عن ابن القاسم في العتبية أن هذا فاسد حتى يسميا شباباً معروفاً، أو إلى الإثمار، ولو سميا عدة سنين يعمل العامل إليها ويغرسها ثم يكون بينهما، فذلك جائز إذا كانت الأرض مأموناً نباتها، ولا يثمر الشجر قبلها. وإن غارسه على أن له في كل نخلة نبتت حقاً مسمى، ولا شيء له فيما لم ينبت، وعلى أنه إن شاء عمل وإن شاء ترك، فذلك جائز إذا اشترط شيئاً معروفاً. قال ابن القاسم: ولو قال لرجل: استأجرك على أن تغرس لي في هذه الأرض كذا وكذا نخلة، فإن نبتت فهي بيني وبينك، فهو جعل وليس بإجارة، ولو شاء أن يترك ترك، ولو لم يكن جعلا ما جاز؛ لأنه لا يدري أيتم أم لا. قال ابن حبيب: قال مالك: ولا تجوز المغارسة إلى أجل؛ لأنها من معنى الجعل. قال لي مطرف: إنما يجوز الأجل في هذا أن يقول له: اغرسها لي شجر كذا، فإذا بلغت الإثمار، أو شباب كذا، فلك النصف ولي النصف على أن تقوم بنصفي كذا وكذا سنة فذلك جائز، وكأنه آجره على أن يغرس له نصف الأرض، أو يأتي هو بالغرس من عنده، ويقوم له به كذا وكذا سنة على أن أعطاه في إجارته نصف الأرض، فإن بطل الغرس بعد أن غرسه، قيل لرب الأرض: اعطه غرساً مثله يغرسه لك، ويقوم لك به إلى أجلك. قلت: فهذه المغارسة بعينها إلى أجل.

ومالك إنما ينظر إلى العمل، ولا ينفع عنده حسن اللفظ إذا قبح العمل، فقال: هذا لا يعتدل في كل شيء. ألا ترى أن لو قال لرجل: أؤاجرك سنة تقوم بجنابي هذا بنصف ثمرته لم يجز، ولو قال: أساقيك إياه سنة بنصف ثمرته جاز، فهل فسرق بينهما غير اللفظ؟ فكذلك ما فسرت لك. م/ وقال أصبغ: الأصل أن لا فرق بين أساقيك بنصف الثمرة، أو أؤاجرك، ولا يضر قبح اللفظ إذا حسن العمل. ولم يفرق ابن القاسم بينهما، وهو أصوب. وقال حسين بن عاصم عن ابن القاسم: إذا غارسه على أنه إذا تمت المغارسة، وأخذ نصفه قام بنصف رب الأرض سنين معلومة، فإن كان عمل هذا النصف معلوماً ومضموناً على العامل مات أو عاش، فذلك جائز، وإن شرط عمل يده بعينه فلا خير فيه؛ لأنه خطر لا يدري أيعيش العامل إلى ذلك الأجل أم لا. وقال سحنون: هذا خطأ، ولا يجوز على كل حال؛ لأنه يكون جعلاً وبيعاً. [الفصل -3 - فيما إذا غارسه إلى حد الإثمار فأثمر بعضها وبقي البعض] قال ابن القاسم: وإن غارسه إلى حد الإثمار فأثمر بعضها وبقي البعض، فإن كان الذي أثمر منها الجل، وبقي الشيء التافه اليسير، فذلك تبع لما أثمر، ويكون العامل على شرطه، ويسقط عنه العمل في ذلك. وقاله ابن حبيب. قال ابن حبيب: وإن كان الذي لم يثمر مما له بال وقدر، أو متناصفاً، أو متماثلاً، فإن كان متبايناً سقط عنه السقي والعمل فيما أثمر، ولزمه العمل والسقي فيما لم يثمر،

وإن كان ما أثمر مختلطاً في الشجر لزمه سقي الجميع حتى يتم كله أو جله. قال: وأما ثمرة ما أثمر فبينهما، قلت أو كثرت، كان متبايناً أو مختلطاً. فإذا ثبت بعض غرسه، ومات البعض، فما مات بعد بلوغه القدر الذي شرط سقط شرط العامل فيما مات، قل أو كثر، وصار حقه فيما ثبت وبلغ، قل أو كثر، وله أن يعيد غراسة ما مات إن شاء وقوي عليه. وقال نحوه أصبغ عن أشهب في العتبية. قال أصبغ: وقاله ابن القاسم فيما أعلم. وقال حسين بن عاصم عن ابن القاسم في العتبية: إذا مات أقلها وثبت جلها أو أكثرها فالأرض وما فيها بينهما، ولا يضر ما مات منها، وإن كان مات جلها أو أكثرها، فلا شيء له فيما ثبت من اليسير منها. وقاله سحنون. قال سحنون: كما يكون للعامل نصف الجميع إذا مات منها الشيء اليسير فيما مات وفيما ثبت، وكذلك لا يكون له قليل ولا كثير إذا كان الذي ثبت هو اليسير، ومات الكثير، لا مما ثبت، ولا مما لم يثبت. قال ابن المواز: وقال أصبغ: وإن تعدى رجل فقطع الشجر بعد تمامها، فإن طمع فيما قطع أن يرجع، وهو قائم على عمله، ولم يتركه فهو أحق بعمله، والأمر بينهما قائم، وإلا فلا شيء للعامل.

[الباب التاسع عشر] جامع القول في المغارسة الفاسدة

[الباب التاسع عشر] جامع القول في المغارسة الفاسدة [الفصل 1 - في المغارسة على النصف إلى أجل غير معلوم أو إلى وقت يكون الإثمار قبله أو إلى أجل مؤقت من عدة سنين] قال ابن حبيب: وإذا تعاقدا على أمر لا يجوز، مثل: أن يشترط شباباً معلوماً على أن يقوم الداخل بنصيب رب الأرض ما عاش، ولم يؤقت أجلاً، أو تغارسا إلى شباب يكون الإثمار قبله، أو إلى أجل موقت من عدة سنين، فهذا كله فاسد، وينفسخ قبل العمل، فإن فات وقد عامله على النصف فذلك بينهما نصفان، وعلى العامل نصف قيمة الأرض يوم قبضها خالية، وله على رب الأرض قيمة عمله وغراسه في نصف رب الأرض، قيمته يوم بلغ وتم، وأجرته فيه من يومئذ إلى يوم الحكم، وإن اغتلا قبل ذلك غلة نصفين مضى ذلك لهما، وإن كان الغارس اغتلها وحده رد نصف ذلك إلى رب الأرض- لأنها وجبت له، وضمن نصيبه من الشجر بقيمته يوم بلغ - قال: ولو بطل الغرس قبل بلوغ الشباب المشترط في هذا الفساد فلا شيء للغارس من الأرض؛ لأن المغارسة الصحيحة أو الفاسدة مجاعلة، فإذا لم تتم فلا شيء للغارس، وإن بطل الغرس بعد بلوغ الإثمار، أو ما شرط من الشباب، فقد وجب للغارس نصف

الأرض بقيمتها يوم قبضها، وله على رب الأرض قيمة غرسه يوم بلغ، ويكون ذهاب الغرس منهما. قاله كله مطرف، وقاله أصبغ، ورواه عن ابن القاسم على أنه اختلف فيه قوله، وهذا أحسن. م/: وكذلك استحسن عيسى عن ابن القاسم مثل قول ابن حبيب هذا. وقد كان روى عنه مثل رواية ابن عاصم التي تأتي بعد هذا، ثم رجع ابن القاسم، وثبت على مثل رواية ابن حبيب، وكتب به إلى عيسى. والذي روى عيسى وحسين بن عاصم عن ابن القاسم في العتبية: إذا وقعت المغارسة فاسدة، مثل: أن يغارسه على النصف، ولم يسميا شباباً: ولا قدراً ينتهيان إليه، أو إلى أجل يكون الإثمار قبله ففسخ ذلك بينهما، وقد ثبت الغرس. قال: فالغرس بينهما نصفان، ويكون على العامل قيمة نصف الأرض براحاً؛ لتوقيته إياها بالغرس؛ لأنه ابتاع نصف الأرض بعمله إلى مالا أمد له، وذلك غرر، فصار بمنزلة من اشترى أرضاً بغرر ففوتها بالغرس. [الفصل 2 - في الشجر يثمر في مغارسة فاسدة وقد اغتله المتغارسان زماناً] قال: وإذا أثمرت الشجر واغتلاها زماناً فما اغتل العامل في نصفه الذي ألزمناه قيمته فهو له؛ لأنه لا كراء عليه فيه، والنصف الآخر كان ربه أكراه بثمر لم يبد صلاحه فيرد تلك الثمرة التي قبض إلى ربها، إن قبضها ثمراً رد مكيلتها، وإن قبضها

رطباً رد قيمتها، ويأخذ من العامل كراء نصف الأرض خالية من الغرس يوم اغتلها. ويصير جميع الغلة للعامل، ثم يكون رب الأرض مخيراً في نصف الغرس الذي في حصته من الأرض، إن شاء أخذه بقيمته مقلوعاً أو أمر الغارس بقلعه. قال سحنون: بل تكون جميع الغلة لرب الأرض، وإن أخذ العامل منها شيئاً رده، وله على رب الأرض قيمة غرسه إن كان له قيمة، وأجر عمله. ولو جعلت له الثمرة لكان بيع الثمر قبل بدو صلاحه. وروى مثله عيسى عن ابن القاسم. م/: واختصار ذلك ثلاثة أقوال: [1] أن الغلة بينهما، وعلى الغارس نصف قيمة الأرض يوم قبضها براحاً، وله قيمة غرسه وعمله يوم بلغ في نصف رب الأرض، وإجارة عمله من يوم اغتله في نصف رب الأرض. [2] وقيل: بل تكون الغلة كلها للعامل، وعليه قيمة نصف الأرض يوم قبضها، وعليه كراء نصف الأرض التي لربها، ثم تخير رب الأرض في نصف الغرس بين أن يعطيه قيمته مقلوعاً، أو يأمره بقلعه. [3] وقيل: بل الغلة كلها لرب الأرض، وعليه إجارة العامل وقيمة غرسه إن كانت له قيمة، ولا يكون للعامل على هذا القول في الأرض شيء. قال حسين بن عاصم عن ابن القاسم: ولو اغتلاها زماناً، ثم بطل الغرس حتى ذهب، ورجعت الأرض براحاً فإنه أيضاً تكون نصف الأرض للعامل بقيمتها يوم أخذها براحاً؛ لأنه ساعة فوتها بالغرس وجبت عليه قيمتها وضمنها، فلا يسقط عنه الضمان رجوعها إلى حالتها الأولى، ويكون أيضاً للعامل الغلة كلها، وعليه كراء نصف الأرض من يوم اغتلها، فإن مات الغرس قبل أن يبلغ ذلك الشباب فليس للغارس في غرسه

أجر، كحافر البئر تهدم قبل فراغه أنه لا شيء له، وإن انهدمت بعد فراغه منها فهو من المستأجر، وعليه للحافر أجره كاملاً. وقال سحنون: إذا هلك الغرس بعد الغلة فجميع الغلة لصاحب الأرض، ويعطي للعامل أجر مثله بعد أن يرد جميع ما أخذ. فصل [3 - في المتغارسين يشترطان أن الثمرة بينهما فقط ما بقي الأصل] قال عيسى عن ابن القاسم: فأما إن لم يشترطا أن الأرض بينهما، ولكن شرطا أن الثمرة فقط بينهما ما بقي الأصل، فهذا فاسد، وتكون جميع الغلة للعامل، ويرد رب الأرض جميع ما أخذ منها إن كان ثمراً فالمكيلة، وإن كان رطباً فالقيمة، ويؤخذ من العامل كراء الأرض من حين أخذها منه، لا من حين أثمرت الشجرة، ولرب الأرض أن يعطيه قيمة الغرس مقلوعاً، أو يأمره بقلعه. وكذلك روى عنه يحيى بن يحيى، إلا أنه قال: وعلى العامل كراؤها يوم وضع فيها الغرس إلى يوم ينظر في أمر كرائها نقداً بقدر تشاح الناس فيها. وكذلك روى عنه حسين بن عاصم في شرطه أن الثمرة بينهما والأصول دون الأرض بينهما، إلا أنه قال: وعلى العامل كراء الأرض يوم اغتلها. وقال سحنون في هذا: الغلة كلها لرب الأرض، ويكون للعامل أجر مثله. قال: لأن مالكاً قال إذا تعامل المتزارعان على ما لا يحل كان الزرع لصاحب

الحب إذا تولى عمله، ولم يكن لصاحب الأرض إلا كراء أرضه، والشجر للذي غرسها وقام بها، كما أن الزرع للذي زرعه وتولى عمله. م/: ويجب على ما علل أن تكون الغلة للعامل؛ لأنها ثمرة شجره، كما أن له ثمرة زرعه، ويكون لرب الأرض كراء أرضه. قال ابن عاصم: وقلت لابن القاسم: لم جعلت للعامل قيمة الشجر مقلوعاً وهو إنما غرسها بوجه شبهة؟. قال: لأن رب الأرض أكرى أرضه بثمر يخرج منها، وإلى أمد مجهول، فذلك فاسد من وجهين، فلابد أن ترد الأرض إلى ربها على حال ما أخرجت من يده براحاً، وإن لم يفعل ذلك، وجعلت عليه قيمة الشجر قائماً أدخلت عليه ما يحجبه عن أرضه؛ لأنك إن ألزمته القيمة فلم يقدر عليها صرت إلى أن بعت عليه شيئاً من أرضه للعامل في أجرته، وهو إنما أكراها منه بثمر إلى مالا أمد له، فهو بخلاف الذي غرسه على أن له نصف الأرض؛ لأنه إنما عامله على أن يغرس له نصف الأرض بالنصف الذي أعطاه، فإذا أفاتها بالغرس، وفساد المعاملة كانت له بقيمتها. قال حسين: قلت لابن القاسم: فإن ذهب الغرس، ورجعت الأرض إلى حالها الأول، والمسألة بحالها؟. فقال: تكون الثمرة كلها للعامل، ويكون عليه كراء الأرض من يوم اغتلها، ولا يكون له على رب الأرض فيما هلك من الغرس قيمة؛ لأنه إنما كان يعطيه قيمتها مقلوعاً، أو يأمره بقلعه، وقد ذهب وبطل؛ ولأنه إنما كان الغرس له، ولا لرب الأرض. وفي المسألة الأولى التي غارسه فيها على أن له النصف في الأرض مع الشجر، إنما كان نصف الغرس الذي بطل بعد أن يبلغ الشباب، أو القدر لرب الأرض، لا للغارس، فلذلك أوجبت للغارس قيمة عمله فيه على رب الأرض، فهذا بيانه.

وقال سحنون: الثمرة كلها لصاحب الأرض، ويعطي العامل أجر مثله في عمله. وقال ابن حبيب: إذا تعاملا على أن الثمرة فقط بينهما ما قامت الشجر، فإذا هلكت فلا شيء للعامل في الأرض، أو على أن الشجر دون الأرض بينهما لم يجز، وفسخ ذلك متى عثرت عليه، وردت الأرض بالشجر والغلة إلى رب الأرض، وعليه للعامل الأقل من قيمة عمله ثابتاً يوم فرغ منه وتم، أو نفقته التي أنفق، وثمن الغرس الذي غرس، وله مع ذلك أجرة يده في قيامه بالشجر إذا رجعت الغلة إلى رب الأرض، وإذا أبطلت الشجر بعد تمامها وبلوغها قبل أن ينظر فيها، فقال مطرف وابن الماجشون: ليس للعامل فيها قيمة عمل، ولا يرد ما أنفق؛ لأنه لم يخرج من يده شيئاً فيعوض منه، وإنما غرس على أن يكون ثمن غرسه في ثمره ذلك الغرس بعينه، وإن كان غرراً فلا شيء له إذا ذهبا، ولو كان محمله محمل الإجارة على شيء بغرر من غير لأعطى قيمة عمله، ذهب أو بقي، ويرد ما أخذ من الغرر إن أخذ منه شيئاً، وتمضي الغلة لمن اغتلها قبل ذهاب الشجر، اغتلاها جميعاً أو الغارس وحده، ولا ينظر بينهما في شيء إذا ذهب الغرس الذي تعاملا عليه وفات موضع تصحيحه بالقيمة، كما نظر في الذي فوت هذا. قال أصبغ: إذا ذهب قبل الحكم بتصحيحه، وقد كان تم، وفرغ، أعطى العامل قيمة عمله يوم تم قائماً غير ذاهب كشرائه بثمن فاسد ثم فات، وفواته الفراغ منه، فلربه القيمة يومئذ، والغلة كلها لرب الأرض. قال ابن حبيب: وبالأول أقول، وإنما تكون حجة أصبغ في المسألة الأولى؛ لأنه أعطاه فيها نصف الأرض ثمناً لغراسته النصف الآخر، فإذا غرس وجب له ما أعطى،

وصار ما فرغ لرب الأرض، صحيحة كانت معاملتهما أو فاسدة، فإذا لم يعطه شيئاً على أغراسه من الأرض فلا شيء للغارس في غراسته إذا ذهب قبل الحكم. فصل [4 - فيما إذا غارسه على النصف ثم اختلفا بعد ذلك في تبعية الأرض والشجر للثمرة] قال حسين بن عاصم عن ابن القاسم: إذا غارسه على النصف، ولم يذكر الأرض والشجر، فقال العامل: عاملتك على أن نصف الأرض بغرسها لي. وقال رب الأرض: بل على أن الثمرة بيننا وحدها، أو على أن الشجر وحده بيننا. قال: إن كان للبلد سنة حملوا عليها على قول من ادعاها، يريد: بما يجوز أو لا يجوز، ويقضي فيما لا يجوز بما ينبغي مما تقدم. قال: وإن كان أهل البلد يعملون على الوجهين فليصدق مدعي الحلال، وهو العامل. وقال عنه أبو زيد: إن كان الغالب في عمل أهل البلد بما ادعى مدعي الحرام فهو على ما قال، فإن لم يثمر كلف العامل القلع إلا أن يعطيه رب الأرض قيمة الشجر مقلوعاً، ولا شيء له في عمله، وإن أثمرت فالثمرة للعامل، وعليه كراء الأرض من يوم أثمرت النخل، فإن كان عمل أهل البلد على الحلال سلكا بهما مسلكه، وإن كانوا يعملون بالأمرين تحالفا وفسخ الأمر بينهما.

فصل [5 - إذا غارسه على أن يحصن الأرض ويغرس فيها شجراً ثم إذا بلغ حداً معيناً كانت الأرض والشجر والتحصين بينهما] ومن العتبية قال أصبغ: وإذا غارسه على أن يضرب حولها جداراً، أو يزرب زرباً، أو يحفر سياجاً، وعلى أن يغرسها شجراً، فإذا بلغت حداً ذكراه، كانت الأرض، والشجر، والزرب، والجدار بينهما، وكان ذلك مما يخاف أن لا يتم إلا بهذا التحين لكثرة المواشي ومرور الناس، أو لا يخاف. فإن كانت مأمونة أو مؤنة ذلك يسيرة فهو جائز، وإن كانت كثيرة لم يجز، وهذا مثل ما يستخف شرطه في المساقاة، وما لا يستخف بشرطه. فصل [6 - فيمن غارس رجلاً على النصف فعجز العامل أو غاب، ثم عاد بعد أن دخل آخر مكانه] وقال أصبغ فيمن أعطى أرضه مغارسة على النصف يغرس بعضها أو جلها، فلم يتم العمل الذي شرطا حتى عجز العامل أو غاب، فأدخل رب الأرض في الغرس من قام به، ثم عمل ما بقي منه، أو عمله رب الأرض بنفسه، ثم قدم العامل فقام في ذلك، قال: يكون على حقه إذا قدم. وكذلك إذا كان حاضراً لم يسلم، ولم ير أنه ترك ذلك رضا بالخروج منه فهو على حقه، ويعطي الذي عمل وأتمه قدر ما تكلفه بغير شرط مما لو وليه هو لزمه مثله، وبالله التوفيق.

[الباب العشرون] جامع مسائل من أكرية الأرضين، واكتراء الأرض الغائبة، وبيع المراعي، وكراء الزوج والوصي

[الباب العشرون] جامع مسائل من أكرية الأرضين، واكتراء الأرض الغائبة، وبيع المراعي، وكراء الزوج والوصيّ. [الفصل -1 - فيمن اكترى جزءاً شائعاً من أرض] قال ابن القاسم: ومن اكترى ربع أرض، أو جزءاً شائعاً قل أو كثر جاز ذلك، كالشراء. ومن اكترى من رجل مئة ذراع من أرضه التي بموضع كذا جاز ذلك إذا كانت متساوية، ولا يجوز في المختلفة حتى يسمي الأرض من أي موضع منها، وقال غيره: لا يجوز وإن استوت حتى يسمي الموضع. م/: إنما لم يجزه ابن القاسم في المختلفة؛ لأنه لما ذكر عدد أذرع الأرض فهم عنه إنما اشترط أن يأخذ مئة ذراع من ناحية منها، فكذلك شرط التساوي. وأما لو قال: إن تكسير أرضك ألف ذراع، فأكترى منها مئة لجاز، ويكون شريكاً فيها بالعشر، وإنما لم يجز ذلك غيره، وإن استوت؛ لأن الأرض لا تكاد تتساوى جملة. قال ابن أبي زمنين: إنما لم يجزه غيره؛ لأن من قول أصحاب مالك: أن من باع من رجل ثوباً من ثوبين، صفتهما وقيمتهما واحدة، على أن يضرب بينهما بالقرعة، فأينما خرج أخذه المشتري أن ذلك لا يجوز؛ لأن المبايعة في هذا ليست كالقسمة، وينبغي أن

يكون الكراء كالبيع. فيكون حينئذ المتكاريان كأنهما تخاطرا؛ لأنهما إن تشاحا، ولم يتفقا، ودعوا إلى القسمة بالقرعة والتعديل لم يكن ذلك لهما، وهذا رأيته لبعض العلماء، وهو كلام صحيح المعنى إن شاء الله تعالى. م/: ويلزم على هذا أنه لا يجوز أن يكتري ربع أرض أو جزءاً شائعاً منها؛ لأن الأمر يؤديه إلى أنه اكترى ما يخرجه السهم. وكراء الجزء جائز باتفاق عندنا، ولا ينظر إلى ما يؤول إليه الأمر من القسمة؛ لجواز بقائه على الإشاعة، إما لانتفاع أو كراء، فتوقع أمر القسمة أمر يكون أو لا يكون، فهو كاستحقاق في البيع، فوجب ألا يعتبر به. وإنما العلة عند الغير أن الأرض لا تكاد تتساوى، والله أعلم. [الفصل -2 - فيمن اكترى أرضاً على أن يقلبها ثلاث مرات ويزرعها في الرابعة أو على أن يزبلها] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اكترى أرضاً على أن يكربها ثلاث مرات، ويزرعها في الكراب الرابع جاز ذلك، وكذلك على أن يزبلها إن كان الذي يزبلها به شيئاً معروفاً. م/: يريد: إذا كانت مأمونة، وإن شرط على أن يحرثها له ربها جاز.

م/: يريد: إذا كانت الأرض مأمونة؛ لأن زيادة الحرثات والتزبيل منفعة تبقى في الأرض إن لم يتم زرعها، فيصير كنقد اشترطه في غير المأمونة. فإن نزل ذلك في غير المأمونة وزرع فلم يتم زرعه نظر إلى غالب عادة الناس في حرثهم لو لم يكن شرط، وهو عندنا حرثه، فينظر: كم يزيد كراؤها على حرثة في السنة الثانية لو حرثت ثلاث حرثات، فترجع عليه بالزائد؛ لأنه كنقد اشترطه فيها ولو تم زرعه فيها لانبغى أن يكون عليه كراء مثلها بشرط أن يحرث ثلاث حرثات؛ لأنه كراء فاسد للغرر الذي دخلا فيه. ولو قيل: إنه لو حرثها حرثة فلم يتم زرعه أن ذلك يزيد في كرائها في السنة المقبلة لوجب أن يرجع عليه به إذا لم يتم زرعه. وعلى هذا يجب أن يرجع بزيادة الثلاث حرثات المشترطة عليه، ونحوه لبعض القرويين. وكذلك إن زبلها إن كان الذي يزبلها به شيئاً معروفاً، وإن شرط على أن يحرثها له ربها جاز ذلك، ولا بأس بالبيع والكراء في صفقة واحدة. [مسألة: كراء الأرض أو الدار الغائبة] ولا بأس بكراء أرض أو دار غائبة ببلد قريب أو بعيد على صفة أو رؤية متقدمة، وينقده، كالبيع، ولا رد له إن وجدها على الصفة، وإنما يجوز ذلك على الرؤية المتقدمة منذ أمد لا تتغير في مثله.

[مسألة: بيع المراعي] وللرجل بيع مراعي أرضه إذا بلغ خصبها أن يرعى، لا قبل ذلك، فيبيع مرعاها سنة، لا أكثر. [الفصل -3 - في كراء الزوج والوصي] وليس للرجل أن يكري ربع زوجته إلا بإذنها. ولا أحب للوصي أن يشتري لنفسه شيئاً من مال يتمية، أو يكري أرضاً لها من نفسه، فإن نزل أعيد ما اشترى إلى السوق، فإن زيد عليه بيع، وإلا لزم الوصي ما سمى. وكذلك الكراء، إلا أن يكون إبان الكراء قد فات، فيسأل أهل المعرفة عن الكراء، فإن كان فيه فضل، غرمه الوصي، وإلا ودا ما عليه. قال بعض فقهاء القرويين: إنما يجب أن يعاد إلى السوق قبل أن يحول سوقه يوم اشتراه، فأما إذا حال سوقه نظر، فإن اشترى بقيمته يوم اشترى مضى، وإن كان بأقل غرم الزائد. قال: انظر لو اشترى ما لا تفيته حوالة الأسواق، مثل المكيل والموزون بقيمته يوم اشتراه إلا أنه اليوم زاد سوقه فالأشبه أن يمضي ذلك، ولا يرد إلى السوق؛ لأن ذلك ضرر بالوصي، وهو لم يضر باليتيم ولا خانه. وقد قال ابن القاسم: إن الوصي إذا اشترى شيئاً بالقيمة لم يرد.

ومن ابتاع زرعاً أخضر على أن يحصده الآن، ثم أذن له رب الأرض في بقائه بكراء أو بغير كراء لم يجز، إلا أن يشتري الأرض بعد شرائه للزرع، فيجوز أن يبقيه فيها. م/: ولو اشترى الزرع على البقاء، ثم اشترى الأرض لفسخ بيع الزرع وحده، فإن فات وتغير عما كان عليه (بيسور) أو زيادة بعد شرائه فعليه قيمته يوم اشترى الأرض؛ لأنه يومئذ قبضه، وصار في ضمانه. ولو اشترى الزرع، ولم يبرز من الأرض، ثم اشترى الأرض قبل بروز الزرع من الأرض لبطل بيع الأرض والزرع؛ لأن الزرع لما كان وجه الحكم رده صار كأنه اشترى الأرض على أن يبقى الزرع الذي لم يخرج من الأرض للبائع، فيبطل أيضاً بيع الأرض. ومن أكرى أرضه من رجل سنة، ثم أكراها من غيره سنة أخرى بعد الأولى جاز ذلك. ولا بأس أن يكري المسلم أرضه من ذمي إذا كان لا يغرس فيها ما يعصره خمراً. وأكره للمسلم كراء أرض الجزية ذات الخراج، فإن اكتريتها فجاز السلطان عليك وأخذ منك الخراج، فإن لم يكن الذمي وداه رجعت عليه بالخراج المعلوم، لا بما جار، وزاد عليك السلطان، وإن كان الذمي قد وداه لم ترجع عليه بشيء.

[الباب الحادي والعشرون] فيما انتثر للمكتري في الأرض من الحب فنبت عاما قابلا أو جره السيل من حب أو زرع أو شجر من أرض مصر إلى أرض أخرى

[الباب الحادي والعشرون] فيما انتثر للمكتري في الأرض من الحب فنبت عاماً قابلاً أو جره السيل من حب أو زرع أو شجر من أرض مصر إلى أرض أخرى [الفصل -1 - فيما إذا انتثر للمكتري في الأرض حب فنبت عاماً قابلاً أو جر السيل حب رجل أو زرعه فنبت في أرض أخرى] قال مالك: وإذا انتثر للمكتري في حصاده حب في الأرض فنبت قابلاً فهو لرب الأرض، وكذا من زرع زرعاً فحمل السيل زرعه إلى أرض غيره قبل أن ينبت فنبت فيها. قال مالك: فالزرع لمن جره السيل إلى أرضه، ولا شيء للزارع. أبو محمد: وقيل في البذر يجره السيل إلى أرض غيره أن الزرع لرب البذر، وعليه الكراء. قال سحنون في كتاب المزارعة: وإن جره السيل بعد أن نبت وظهر، فهذا يكون لرب الأرض، وعليه كراء الأرض ما لم يجاوز كراؤها الزرع، فلا يكون عليه أكثر منه. قال في كتاب ابنه: وليس كالمخطئ، والمخطئ كالعامد، ولا يكون أسوأ حالاً من المكتري للأرض مدة فتنقضي المدة، وله فيها زرع أخضر، وقد علم حين زرعه أنه لا يطيب في المدة. فقال مالك: له الزرع، وعليه كراء زيادة المدة. قال أبو محمد: يريد سحنون: وإن كان رب الزرع مكترياً كان عليه كراء الأرضين جميعاً. وروى أيضاً عن سحنون: أن الزرع لرب الأرض، وعليه للآخر قيمته مقلوعاً كما لو جره السيل إليه.

قال أبو بكر: والقول الأول أحسن. [الفصل -2 - فيما إذا قلع السيل من أرض رجل شجرات فصيرها إلى أرض غيره فنبتت فيها] قال سحنون في كتاب ابنه: ولو قلع السيل من أرض رجل شجرات، فصيرها إلى أرض غيره فنبتت فيها، فإنه ينظر، فإن كان إن قلعت وردت إلى الأرض التي كانت فيها نبتت فلصاحبها قلعها، وإن كان إنما يقلعها للحطب لا ليغرسها في أرضه فهذا مضار، وله القيمة. وإن كانت الشجر لو قلعت لم تنبت في أرض ربها، وإنما تصير حطباً، فهذا الذي قرت في أرضه مخير بين أن يأذن لربها بقلعها، أو يعطيه قيمتها مقلوعة. ولو نقل السيل تراب أرض إلى أخرى، فإن أراد ربه نقله إلى أرضه، وكان معروفاً فله ذلك. وإن أبى أن ينقله فطلبه من صار في أرضه بتنحيته عنه لم يلزمه؛ لأنه لم يكن عن فعله، وكذلك لو وقع إلى أشجار جاره وأضر بها.

[الفصل -3 - فيمن زرع في أرضه كموناً فلم ينبت إلا بعد أن اكترى الأرض آخر وزرع فيها مقثاة] قال أصبغ في العتبية فيمن زرع في أرضه كموناً فلم ينبت، وأبطأ حتى لم يشك أنه هلك فأكراها ممن غرس فيها مقثاة فنبتت المقثاة، ونبت معها الكمون معاً، فإن الكمون لربها، والمقثاة لغارسها، ويفض كراؤها الذي أكراها به على قدر ما انتفعا، هذا بكمونه، وهذا يمقتاته، فيسقط من الكراء ما ناب الكمون. وإن أضر الكمون بالمقتاة حتى نقصها من حملها وتمامها فليس له قلعة، ولكن يوضع عنه من حصته من الكراء بقدر ما نقصت المقتاة؛ لأن هذا من سبب الأرض. وكذلك لو أبطلها لرجع بجميع الكراء فأخذه، ومصيبة المقثاة منه، كما لو غرسها فلم تنبت أصلاً، فاعلم ذلك، وبالله التوفيق.

[الباب الثاني والعشرون] فيمن اكترى أرضا بعبد أو عرض فاستحق، وفي تفليس أحد المتكاريين وإقالته

[الباب الثاني والعشرون] فيمن اكترى أرضاً بعبد أو عرض فاستحق، وفي تفليس أحد المتكاريين وإقالته [الفصل -1 - فيمن اكترى أرضاً بعبد أو عرض فاستحق] قال ابن القاسم: ومن اكترى أرضاً بعبد، أو ثوب بعينه، فاستحق بعد الزراعة، أو الحرث فعليه كراء مثلها. وكذلك إن اكتراها بحديد، أو رصاص، أو نحاس بعينه، وقد عرفا وزنه، فاستحق فالكراء ينتقض، إلا أن يكون قد زرعها، أو حرثها، أو أحدث فيها عملاً فعليه كراء المثل. قال بعض فقهاء القرويين: ولو أراد مستحق العبد أن يجيز بيع عبده بكراء الأرض، ويأخذ الأرض إن لم تحرث لكان له ذلك، وإن حرثها كان له أن يدفع إلى المكتري حق حرثه ويأخذ الأرض؛ لأنه كأنه مستحق لمنفعة هذه الأرض وجل منفعتها، وهو كمن استحق أرضاً بعد أن حرثها مكتر أن يدفع إليه حق حرثه، ويأخذ هو الأرض،

فإن امتنع دفع إليه المكتري كراء سنة، فإن امتنع أسلمها بحرثها، فحكم مستحق العبد في ثمنه كحكم المستحق. وقد قالوا في غاصب العبد يبتاع به جارية فيحبلها، أن لمستحق العبد أن يجيز بيعه، ويأخذ الجارية، وقيمة ولدها كالمستحقة، فهو بخلاف مكتري الأرض بعبد فيستحق العبد، وقد حرث المكتري الأرض أنه ليس له أخذها ويعطيه قيمة حرثه، وإنما له عليه كراء أرضه؛ لتفويتها بالحرث. ولو استحق العبد بعد أن زرع المكتري فله أن يجيز ويأخذ الأرض، ولا يكون كمن باع عبداً بقيمة كراء الأرض؛ لأنه إنما استحق الأرض؛ لأنها ثمن عبده فلما فلتت أخذ قيمتها. [الفصل -2 - في تفليس المكتري] قال مالك: إذا فلس المكتري أو مات بعد أن زرع الأرض ولم ينقده، فربها أحق بالزرع في الفلس، وهو في الموت أسوة الغرماء. وقيل: يكون أحق به في الموت والفلس. فوجه أنه أحق به في الفلس؛ فلأنه خرج من أرضه، فهي كسلعة خرجت من يده فهو أحق بها في الفلس. ولم يكن للمكتري فيها شركة بعمله وبذره كنفقة على العبد الصغير الذي لا منفعة له به، وكما قالوا في الأجير

على سقي الزرع: أنه أولى به في الفلس، وهو إنما حيي بماء رب الزرع وأرضه إلا أنهم جعلوا الأجير أولى به؛ لأنه بعمله تم. ووجه أنه أحق به في الفلس والموت؛ فلأن الزرع كان في يده؛ لأن أرضه كيده وحامله له، فهي كحمل دوابه للمتاع، وهو لو أسلم دوابه لكان أولى بما على ظهورها، فكذلك الزرع. وفي كتاب التفليس إيعاب هذا. ومن المدونة قال ابن القاسم: وكذلك رب الدار في فلس المكتري هو أحق بالسكنى كلها إن لم يسكن المكتري. وإن سكن شيئاً فربها مخير في أن يحاصص بجميع الكراء، أو يسلم بقية السكنى، أو يحاص بحصة كراء ما مضى، ويأخذ بقية السكن، إلا أن يدفع إليه الغرماء بقية الشهور بالتقويم، فلا كلام له إلا الحصاص بكراء حصة ما مضى. وقد تقدم هذا. [الفصل -3 - في تفليس المكري] وإن فلس الجمال فالمكتري أولى بالإبل حتى يتم حمله، إلا أن بضمن له الغرماء حملانه ويكروا له من أملياء، ثم يأخذوا الإبل، فيبيعونها في دينهم.

وقال غيره: لا يجوز أن يضمنوا حملانه. وحكى عن بعض شيوخنا القرويين أنه قال: إنما هذا الاختلاف بين ابن القاسم وغيره إذا كانت الإبل المكتراة معينة، فرأي ابن القاسم أن ضمانهم لحملانه يجوز لضرورة التفليس، ومنع غيره من ذلك. وإذا كان الكراء مضموناً فيجوز أن يضمنوا حملانه من غير خلاف بين ابن القاسم وغيره. ألا ترى أن الحمالة بالمضمون تجوز، فإذا جازت الحمالة به جاز تحوله على الغرماء، والحمالة بالمعين لا تجوز. فكذلك لا يجوز تحوله على الغرماء عند غيره. ومن المدونة قال مالك: وإن فلس المكتري فالجمال أولى بالمتاع حتى يأخذ كراءه، ويكري الغرماء الإبل في مثل كرائه، وجميع الصناع أحق بما في أيديهم في الموت والفلس من الغرماء. [الفصل -4 - في الإقالة في الكراء] وإن اكتريت أرضاً بدارهم فأقالك ربها على أن زدته دارهم فذلك جائز. يريد: مقاصة إن كان قد نقده. ولو استقاله المكري فأبى أن لا يزيد هو المكتري، فإن كان لم ينقده، وكانت الأرض مأمونة جاز. وإن نقده لم يجز؛ لأنه يرد أكثر مما أخذه في

المنافع، وذلك لا يجوز على أحد القولين؛ لأن بيع المنافع كالدين لما كانت لا تقبض وضمانها من بائعها. وكما لا تجوز الإقالة من الدار إذا سكن بعض السكنى ونقد، وفي ذلك اختلاف. وإن كانت الأرض غير مأمونة لم يجز أن ينقده رب الأرض ما يزيده؛ لأنه كالنقد في غير المأمونة؛ لأن ربها صار مكترياً لها، وذلك كالإقالة بالزيادة في الجارية في المواضعة؛ لأنه لا نقد في المواضعة؛ لأنه تارة سلفاً وتارة ثمناً. فإن قيل: لا تجوز هذه الإقالة بحال؛ لأن رب الأرض أخذ من دين له على المكتري كراء أرض قيل لا يشبه رب الأرض في هذا من أخذ من دين له كراء أرض؛ لأن رب الأرض رجعت إليه أرضه وهي في ضمانه، وبرئت ذمة المكتري من جميع الكراء. والذي أخذ من دين له كراء الأرض لم تبرأ ذمة من أعطاه منفعة الأرض؛ لأنه إنما يقبضها شيئاً فشيئاً، ولم يقبض المنافع التي اكتراها، وضمانها من ربها، فافترقا. ونحو هذا لبعض فقهاء القرويين. وبالله التوفيق.

كتاب الشركة

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الشركة [الباب الأول] في جواز الشركة وبيان وجوهها [الفصل 1 - في الأصل في جواز الشركة] والأصل في جواز الشركة قوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف:19]. وقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال:41]. فدل أن الأربعة الأخماس للغانمين تقسم بينهم. والشركة على ثلاثة وجوه: شركة بالأموال، وشركة بالأبدان، وشركة بالذمم لا بمال ولا بعمل بدن، فشركة المال وشركة الأبدان جائزتان. فشركة المال من قوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ}. وشركة الأبدان من قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية.

والأربعة أخماس للغانمين تقسم بينهم، وهم نالوا ذلك بعمل أبدانهم. وأما شركة الذمم فإنها غير جائزة؛ لأنها ذمة بذمة، وهي من وجه الدين بالدين، والشركة تلزم بالعقد كالبيع لا رجوع لأحدهما فيها بخلاف القراض والجعل. [الفصل -2 - في وجوه الشركة الجائزة] ومن المدونة قال مالك: ولا تجوز الشركة إلا بالأموال، أو على عمل الأبدان إذا كانت صنعة واحدة. فأما بالذمم بغير مال على أن يضمنا ما ابتاع كل واحد منهما فلا تجوز، كانا في بلد واحد أو في بلدين يجهز كل واحد منهما لصاحبه تفاوضا، وكذلك في تجارة الرقيق أو في جميع التجارات أو في بعضها. وكذلك إن اشتركا بمال قليل على أن يتداينا؛ لأن كل واحد يقول لصاحبه: تحمل عني بنصف ما اشتريت على أن أتحمل عنك بنصف ما اشتريت، إلا أن يجتمعا في شراء سلعة معينة حاضرة أو غائبة فيبتاعاها بدين فيجوز ذلك إذا كانا حاضرين؛ لأن العهدة وقعت عليهما. وإن ضمن أحدهما عن صاحبه فذلك جائز. وقال بعض أصحابنا: وإنما يجوز ذلك إذا كانت أنصباؤهما متفقة. وأما إذا كانت مختلفة يكون لأحدهما الثلث والآخر الثلثان، فلا يصلح أن يضمن الذي له الثلث إلا مثل ما يضمن عنه صاحبه لا أكثر. قال بعض فقهاء القرويين: ويتبع البائع كل واحد منهما بنصف الثمن إذا لم يعلم

أنهما اشتركا على الثلث والثلثين، ويتراجعان فيما بينهما، وإن علم بأجزائهما في الشركة أتبع كل واحد منهما بما ينوبه، وإنما يجوز حمالة أحدهما لصاحبه إذا تساويا؛ لأن كل واحد منهما تحمل بمثل ما تحمل عنه صاحبه، ولا يجوز ذلك في سلعتين يختص كل واحد منهما بسلعة وتحمل أحدهما عن صاحبه على أن يتحمل عنه الآخر، كما لا يجوز أسلفني بشرط أن أسلفك، وإنما أجيز في اشتراكهما في البيع؛ لأنه من عمل الناس فيما مضى. قال ابن المواز: وقال أصبغ: إذا وقعت الشركة بالذمم كان ما اشتريا بينهما على ما عقدا، وتفسخ الشركة بينهما من الآن. قال ابن القاسم في باب المتفاوضين: وأكره أن يخرجا مالاً على أن يتجرا به وبالدين مفاوضة، فإن فعلا فما اشترى كل واحد بينهما، وإن جاوز رؤوس أموالهما. قال بعض فقهائنا القرويين: وإنما لزم كل واحد منهما ما اشترى صاحبه في الشركة بالذمم؛ لأنه كأنه عنده من باب الوكالة الفاسدة.

والأشبه كان على مذهب ابن القاسم أن يكون ما اشترى كل واحد له، وهذا تأويل سحنون عليه؛ لأنه لما قال له: اشتر أنت فما اشتريت لزمني نصفه، وما اشتريت أنا لزمك نصفه أشبه المفاوضة في السلعتين اللتين يشتريان فلم يلزم ذلك شريكه، كما إذا تشاركا بسلعتين شركة فاسدة لم يكن البيع فيها فوتاً يوجب على كل واحد نصف قيمة سلعة صاحبه؛ لأن يد كل واحد على سلعته. فكذلك الشراء ها هنا وقع أن يشتري كل واحد له ولصاحبه بشرط أن ما اشترى صاحبه لازم له، فليس كالوكالة الفاسدة للمفاوضة الداخلة هاهنا فأشبه المفاوضة في السلعتين، والله الموفق.

[الباب الثاني] في شركة الصناع

[الباب الثاني] في شركة الصناع [الفصل 1 - في وجه العمل في شركة الأبدان] قال ابن القاسم: وجه العمل في شركة الأبدان أن يكون الربح بينهما بقدر أعمالهما تساويا في ذلك أو تفاضلا، وكذلك في شركة الأموال يكون الربح والوضعية بقدر المال والعمل وإلا كانت إجارة مجهولة، ولا يلتفت في شركة الأموال إلى اختلاف تجارتهما مثل أن يكون واحد عطاراً والآخر بزازاً، ولا إلى اجتماعهما، بل جائز أن يكون في بلدين يجهز كل واحد منهما على صاحبه. وأما شركة الأبدان فلا يجوز أن يكونا في حانوتين، ولا أن تكون صنعتهما مختلفة مثل خياط وصباغ. قال ابن القاسم: شركة أهل الصنعة جائزة بوجهين أحدهما أن تكون الصنعة متحدة، وأن يعملا في حانوت واحد وموضع واحد. وأجاز في العتبية أن يكونا في حانوتين في صنعة واحدة. م/: لعله يريد في موضع واحد أو في موضعين نفاقهما واحد، وتكون أيديهما تجول في الحانوتين جميعاً، وأجاز لو كانا ذوي صنعتين أن يكونا في حانوت واحد يعملانهما جميعاً.

ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن أقعدت صانعا في حانوت على أن تتقبل المتاع عليه, فما رزقكم الله فبينكما نصفين لم يجز. قال بعض أصحابنا: وذلك على ثلاثة أوجه إن كان صاحب الحانوت هو الذي يتقبل المتاع وعهدته عليه, فالغلة له والضمان عليه, وللصانع أجر مثله فيما عمل, وإن كان الصانع هو الذي يتقبل وعليه العهدة فالغلة له, ولصاحب الحانوت كراء حانوته. فإن كانا يتقبلان جميعا فالضمان عليهما والغلة بينهما. م/: وللعامل على رب الحانوت نصف إجارة مثله, ولرب الحانوت على الصانع نصف كراء حانوته. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال لرجل: اجلس في هذا الحانوت, وأنا آخذ المتاع بوجهي, والضمان عليَّ وعليك. قال: الربح بينهما على ما تعاملا عليه, ويرجع من له فضل عمل على صاحبه. ولو قال له: اجلس وأنا آخذ لك متاعا فتبيعه ولك نصف ما ربحت ولم يصلح, فإن نزل فللذي في الحانوت أجر مثله, وللذي أجلسه الربح كله. م/: لأن الأولين اشترطا الضمان عليهما فوجب قسمة الربح بينهما على ذلك, ويرجع العامل بفضل عمله. وفي الثانية إنما أجَّر العامل إجارة فاسدة فله فيها إجارة مثله.

ومن المدونة قال: وإنما تجوز الشركة في عمل الأبدان إذا كان عملهما نوعا واحدا كالصباغين والخياطين, ويعملان في حانوت واحد, وإن فضل أحدهما الآخر في العمل وهذا ما لابد منه. قال سحنون: ما لم يتفاحش ذلك. قال ابن القاسم: ولا يجوز أن يشتركا على أن يتفرقا في قريتين أو في حانوتين, وإن اتفقت الصنعة. ولا يشترك ذوا صنعتين, وإن كانا في موضع واحد كقصار مع حداد ونحوه. وإنما قال: لا يجوز إذا افترقا في موضعين وإن كانت صنعتهما واحدة؛ لاختلاف نفاق الأعمال في المواضع, فربما عمل أحدهما لكثرة العمل بموضعه, ويبطل الآخر فيكون ذلك تفاضلا في الشركة, ومن سنتها المساواة, وذلك في شركتهما في عمل الأبدان, فأما إن كانا يتجران في موضع بأموالهما فذلك جائز. قال ابن المواز عن أشهب: لا بأس أن يخرجا مالاً متساوياً على أن يُقْعِدَ هذا بزازا وهذا عطارا. م/ لأن الربح للمال وقد تساويا فيه.

[الفصل 2_ في اشتراك ذوي صنعة على عمل أبدانهما مع اختلاف قدر ما على كل واحد من العمل وماله من الربح] ومن المدونة: وإن اشترك ذوا صنعة على عمل أبدانهما, ولا يحتاجان إلى رأس مال على أن على أحدهما ثلث العمل, وله ثلث الكسب, وعليه ثلث الضياع, وعلى صاحبه ثلثا ذلك, وله ثلثا الكسب فذلك جائز كالأموال, وكذلك شركة الجماعة على ما وصفنا. وما احتاج إليه شريكا الصنعة من رأس المال أخرجاه جميعا بينهما بالسوية وعملا جميعا, وإن أخرج أحدهما ثلث رأس المال والآخر الثلثين على أن العمل عليهما جميعا والربع بينهما نصفين لم تجز هذه الشركة. وإن كان بقدر ما أخرج كل واحد من رأس المال في عدد أو وزن يكون له من الربح وعليه من الوضيعة والعمل فذلك جائز. وإن اشترك قصَّاران لأحدهما الحانوت وللآخر الأداة, والكسب بينهما لم يجز, كقول مالك فيما إذا جاء أحد منهما برحى, والآخر بدابة, والكسب بينهما نصفين, أنه لا يجوز إذا كانت إجارتهما مختلفة. فكذلك مسألتك. قال ابن المواز: لأن أحدهما لم يضمن لصاحبه ثمنا ولا كراء, ولو أكرى هذا من هذا, وهذا من هذا بشيء معلوم, وتساويا في ذلك لجاز.

[الفصل 3_ في اشتراك ذوي صنعة وتفاضلهما بشيء تافه مما يحتاجان إليه في صنعتهما] ومن المدونة قال مالك: وإن تطاول أحد القصارين بشيء تافه على صاحبه من الماعون لا قدر له في الكراء مثل قصرية ومدقة ونحوها جاز, كأرض لا بال لها بين المتزارعين, وأما أن تطاول أحدهما على صاحبه بأداة لا يلغى مثلها لكثرتها لم يجز حتى يشتركا في ملكها, أو يكتري من الآخر نصفها كالمتزارعين يشتركان فيخرج أحدهما أرضا لها قدر من الكراء فيلغيها لصاحبه ويعتدلان فيما بعد ذلك من العمل والبذر فلا يجوز ذلك, إلا أن يخرج صاحبه نصف كراء الأرض, ويكون جميع البذر والعمل بينهما بالسوية, أو تكون أرضا لا بال لها في الكراء خاصة كأرض المغرب وغيرها, فيجوز أن يلغي الكراء لصاحبه ويخرجان ما بعد ذلك بالسوية. [الفصل 4_ في الاشتراك في الآلة ورأس المال في شركة الأعمال] واختلف في الشركة بالأعمال إذا احتاجوا إلى الآلة, فقيل: لا يجوز حتى يشتركوا في الآلة ليضمناها جميعا, أو يكري بعضهم من بعض. وقيل: جائز إذا ساوى كراء ما يخرج أحدهما كراء ما يخرج الآخر, كالاختلاف في الشركة في الحرث, وإذا احتاج الصانعان إلى رأس مال أخرجاه برأس أعمالهما, فلا يفترقان بخلاف التجر؛ لأن الصانعين وإن اختلفا أو احتاجا إلى رأس مال فالمقصود منهما الصنعة لا ما يخرجانه من رأس المال, ولو كانت صنعة لا قدر لها والمبتغى منها التجر لجاز أن يفترقا. وقد أجاز ابن حبيب: إذا اشتركا في رقاب الدواب وعلى أن يحتشا عليها أن يفترقا, وهو ظاهر كتاب محمد.

م: فلعله أراد لأن الأغلب رؤوس أموال الدواب فأشبه الشركة في المال, وأما إذا كانا يحتشان فلا يجوز إلا أن يتعاونا في موضع واحد. قاله كله بعض الفقهاء القرويين. قال: وأما لو احتش هذا في ناحية وهذا في ناحية والموضع واحد إلا أنهما لا يتعاونان لم يجز. فصل [5_ في ثلاثة يشتركون في عمل أبدانهم ويأتي أحدهم بدابة والآخر برحى والثالث بالبيت] قال ابن القاسم: وإذا اشترك ثلاثة نفر أتى أحدهم بدابة والآخر برحى, والثالث بالبيت على أن يعملوا بأيديهم, والكسب بينهم أثلاثا, فعملوا على ذلك وجهلوا أنه لا يجوز, فإن ما أصابوه يقسم بينهم أثلاثا إن كان كراء الرحى والبيت والدابة معتدلا, وتصح الشركة؛ لأن كل واحد أكرى متاعه بمتاع صاحبه, ألا ترى أن الرحى والبيت والدابة لو كان ذلك لأحدهم فأكرى ثلثي ذلك من صاحبه, ثم عملوا جازت الشركة. قال: وإن كان كراء ما أخرجوه مختلفا قسم المال بينهم أثلاثا؛ لأن رؤوس أموالهم عمل أيديهم وقد تكافأوا فيه, ويرجع من له فضل كراء على أصحابه, فيترادون ذلك فيما بينهم وإن لم يصيبوا شيئا؛ لأن ما أخرجوه مما يكرى, وقد اكترى كراء فاسدا, ولم يتراجعوا في عمل ايديهم لتساويهم فيه, فجعلت ذلك كرؤوس أموالهم. قال أبو محمد: وتفسير ما قال ابن القاسم في تراجعهم في اختلاف أكرية ذلك مثل أن يكون يساوي كراء البيت ثلاثة دراهم, والدابة درهمين, والرحى درهما,

فقد تساووا في درهم فلا يتراجعون فيه, وصاحب البيت له فضل درهمين له منهما ثلثا درهم على كل واحد من صاحبيه, وصاحب الدابة له فضل درهم له منه ثلث درهم على كل واحد من صاحبيه, فإذا طلب صاحب البيت صاحب الدابة بثلثي درهم طلبه صاحب الدابة بثلث درهم له قِبَلَهُ فيتقاصان, ويبقى لصاحب البيت ثلث درهم على صاحب الدابة, ولصاحب الدابة ثلث درهم على صاحب الرحى, ولصاحب البيت ثلثا درهم على صاحب الرَّحى أيضا, فآخر الأمر أن يغرم صاحب الرحى لصاحب البيت ثلثي درهمٍ, ولصاحب الدابة ثلثَ درهمٍ فيدفعه صاحب الدابة إلى صاحب البيت فيحصل له درهم ويتساوون, وإن لم يجد له شيئا وداه من عند نفسه. م/ إذا حضروا كلُّهم وهم أملياء وطلبوا المحاسبة فيدفع صاحب الرحا لصاحب البيت درهما ثلثه عن صاحب الدابة وثلثاه عن نفسه وينصرفون؛ لأن جميع إجارة البيت والرحا والدابة ستة دراهم فلصاحب الدابة كراء دابته درهمان فلا شيء له ولا عليه, ويرجع صاحب البيت على صاحب الرحا بدرهم فيعتدلون, وبالله التوفيق. قال ابن المواز: إذا نزل ذلك وفات بالعمل قسموا مالهم أي ما أصابوه على قدر إجارة ما لكل واحد منهم, فإن فضل شيء قسموا ما فضل على قدر ذلك. م/: وبيان ذلك أن يعلم جميع ما أصابوه فكأنه ثمانية عشر درهما, ثم يقال كم كراء كل واحد منهم؟ فيقال: كراء البيت ثلاثة دراهم, والدابة درهمان, والرحى درهم, فيأخذ كل واحد كراء شيئته, ثم يقال: ما أجرة كل واحد؟ فكأنه قيل: درهم درهم فيأخذه أيضا فيحصل لصاحب البيت أربعة, ولصاحب الدابة ثلاثة, ولصاحب الرحى درهمان, فذلك تسعة, ويبقى ما أصابوه تسعة, فيقسمون ذلك على التسعة التي صارت لهم, فيصير لصاحب البيت ثمانية, ولصاحب الدابة ستة, ولصاحب الرحى أربعة.

وقال بعض فقهاء القرويين: الأشبه أن يكون عمل أيديهم وكراء آلتهم رؤوسَ أموالهم, فيضيف كل واحد كراء عمل يده إلى كراء ما أخرج, ويجمع ذلك كله, ويقسم ما أصابوه على ذلك, فلا يختص برأس المال عمل اليد دون الآلة؛ لأن ذلك كله رأس مال, ولو عجز ما وجوده عن كراء الآلة لا نبغى أن لا يتراجعوا في الذمم بما فضل لبعضهم على بعض؛ لأن يد كل واحد على ما أكراه كراء فاسدا, فلا يضمن شريكه ما زاد على ما وجدوه من الأكرية كما لو اشتركوا في سلعتين شركة فاسدة فباعوا لم يضمن واحد لصاحبه قيمة نصيب صاحبه, وإنما تكون رؤوس أموالهم ما باعوا به سلعتهما على ما قدما. م/: وهذا قول حسن؛ لأن عمل أيديهم, وما أخرجوه من الآلة من جنس ما يكرى, فيكون ذلك كله رأس مال تقع القسمة عليه, كان ما أصابوه قليلا أو كثيرا, فهو يرجع إلى قول محمد إذا كان ما أصابوه قدر كراء آلتهم وعمل أيديهم فأكثر لا يختلف ذلك في القسمة, فإن كان أقل من ذلك اختلف ووقع الظلم بينهم إذا بدئ بأكرية الآلة أو بأكرية الأيدي إذ قد يكون كراء آلة أحدهم عشرة دراهم وأجرة يده درهمين, وتكون أجرة آلة الآخر درهمين وأجرة يديه عشرة دراهم, فإن أصابوا قدر أجرة الآلة وبدئ بالقسمة عليهم ظُلِمَ من أجرة آلته قليلة وأجرة يده كثيرة, وإن بدأوا بالقسمة على أجرة الأيدي ظُلِمَ هاهنا صاحب الآلة, وبان بذلك أن أعدل الأقوال أن تجمع أكرية

الجميع ويقسموا ما أصابوا عليه, فلا يقع ظلم على واحد منهم؛ ولأن ما أخرجوه مما يكرى فوجب أن يكون كراء رأس المال كثمن السلعتين في الشركة الفاسدة, فهما إنما تكون رؤوس أموالهما ما بيعت به سلعتهما, فكذلك أكرية أيديهما وآلاتهما, وهذا أبينها وبالله التوفيق. [مسألة: في ثلاثة يأتي أحدهم بالبيت والآخر بالرحى والثالث بالدابة ويكون العمل على صاحب الدابة لوحده] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن شرط صاحب البيت والرحى أن العمل على رب الدابة فعمل على هذا فكان الربح والوضيعة لصاحب الدابة, وعليه الضمان؛ لأن عمله كأنه رأس المال, وعليه أجرة الرحى والبيت, وإن لم يصب شيئا, كالدابة يعمل عليها الرجل على نصف ما يكسب. فصل [6_ في أحد شريكي الصنعة يغيب يوما أو يومين ويعمل صاحبه حال غيابه] قال: وإذا مرض أحد شريكي الصنعة فغاب يوما أو يومين فعمل صاحبه فالكسب بينهما؛ لأن هذا أمر جائز بين الشركاء إلا ما تفاحش من ذلك وطال, فإن العامل إن أحب أن يُعطيَ لصاحبه نصف ما عمل جاز ذلك إن لم يعقدا على ذلك في أصل الشركة أن من مرض منهما أو غاب غيبة بعيدة فما عمل الآخر فبينهما, فإن عقدا على هذا لم تجز الشركة, فإن ترك ذلك كان ما اجتمعا فيه من العمل بينهما على قدر عملهما, وما

انفرد به أحدهما له خاصة. م/ يريد: قل أو كثر. م/ قال بعض الفقهاء القرويين: فإن لم يعقدا على ذلك انبغى أن يكون القدر الذي لو صح هذا كان بينهما, ويكون الزائد على ذلك للعامل وحده, ويسمح في الشركة الصحيحة عن التفاصل اليسير, فأما إذا فسدت الشركة لم يسمح بذلك. قال ابن حبيب: وهذا في عمل شركة الأبدان, فأما بالشركة في المال فللذي عمل نصف أجرته على صاحبه, والفضل بينهما؛ لأن المال جره. [الفصل 7_ في أحد شريكي الصنعة يتقبل شيئا بعد طول غيبة صاحبه, أو يتقبلان شيئاً ثم يغيب أحدهما غيبة طويلة] قال بعض الفقهاء القرويين: وإذا تقبل أحدهما شيئا بعد طول غيبة صاحبه أو مرضه فهو له, وإذا تقبلا جميعا ثم غاب أحدهما غيبة طويلة كانت الأجرة بينهما, ويرجع العمل على شريكه بإجارة مثله؛ لأنه كان حميلا عن صاحبه بالعمل بخلاف حافِرَيِ البئر يستأجران فيمرض أحدهما, فالثاني لا يلزمه أن يعمل ما وجب على صاحبه, فإن عمل فابن القاسم يجعله متطوعا لصاحبه, كمن خاط لإنسان ثوبا من غير إذنه فلا غرم على صاحبه, ومن رأى أنه متطوع لرب البئر فكأنه رأى أن بالمرض انفسخت الإجارة في

حقه؛ لضرر الصبر عليه فأشبه مرض الدابة في السفر أن المكتري إذا اكترى فهو فسخ للإجارة للضرر الداخل عليه. م/: والفرق بين البئر وبين ما تقبلاه من المتاع أنّ المتاع مما يضمن إذا ضاع, فلما تحملا بضمانه وجب عليهما عمله, والبئر مما لا يضمن فلم يجب على الصحيح حفر حق المريض, فصار متطوعا له بما حفر, وبالله التوفيق. [الفصل 8_ في شركة المعلمين والأطباء] ومن المدونة قال مالك: وتجوز شركة المعلمين في مكتب واحد لا في موضعين. قال ابن القاسم: وكذلك الأطباء إذا كان ثمن ما يشترون به الأدوية بينهما. قال ابن الماجشون في الواضحة: وإذا كان أحد المعلمين سليقيا والآخر نحويا جاز أن يشتركا على الاعتدال في الجلوس وفي قسمة ما أصابوه, ولا يجوز أن يتفاضلا في الكسب. وروى ابن المواز عن مالك ونحوه. وروى محمد عن مالك أيضا أنه إذا كان أحدهما أعلم من صاحبه لم يصلح إلا أن يكون لأعلمهما فضل من الكسب بقدر علمه على صاحبه.

م: إذا استويا في علم ما يعلمانه الصبيان وجب التساوي بينهما في الكسب، وإن كان أحدهما أعلم من الآخر في غير ذلك. فصل [9 - في شركة الحمالين] ومن المدونة: ولا تجوز شركة الحمالين على رؤوسهم أو دوابهم؛ لافتراقهم فيما يتولونه كصياغين في حانوتين، إلا أن يجتمعا في حمل بعينه إلى غاية واحدة فجائز على الرؤوس والدواب. فغن جمعا دابتيهما على أن يكرياهما ممن أصابا والكراء بينهما لم يعجبني ذلك؛ إذ لا يدوم ذلك، وقد يكري هذا ويبقى هذا، وكذلك على رقابهما، وقد تختلف الغاية إلا فيما لا يفترقان فيه فيجوز. ومن استأجر نصف دابة رجل ثم اشتركا في العمل جاز، وإن اشتركا ليحتطبا ويحتشا أو يجمعا ثمار البرية وبقلها وينقلاها على رقابهما أو دوابهما فأما من وضع واحد فجائز، ولا يجوز أن يفترقا. [مسألة: في الشركة في الصيد بالشرك والشباك والصقور والكلاب] ولا بأس أن يشركا في صيد السمك والطير والوحش بنصب الشرك والشباك إذا عملا جميعاً، لا يفترقان في التعاون بالنصب وغيره. قال: ولا يجوز أن يشتركا على أن يصيدا ببازيهما أو كلبيهم إلا أن يملكا رقابهما،

أو يكون الكلبان أو البازان طلبهما واحداً لا يفترقان فجائز. وروى ابن المواز عن أبي القاسم أنه لا يجوز حتى يكون الكلبان أو البازان بينهما. [الفصل 10 - في الشركة في حفر القبور والآبار والمعادن ونحو ذلك] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا بأس أن يشتركا في حفر القبور والآبار والمعادن والعيون والبنيان وعمل الطين وضرب اللبن وطبخ القراميد وقطع الحجارة من الجبل إذا لم يفترقا في ذلك، ولا يجوز من موضعين أو هذا في غار وهذا في غار من المعدن، فإن عملا في المعدن معا، فأدركا نيلاً كان بينهما، ومن مات منهما بعد إدراكه النيل لم يورث حظه من المعدن، والسلطان يقطعه لمن رأى، وينظر في ذلك لجماعة المسلمين. وقد قال مالك: في المعادن لا يجوز بيعها؛ لأنه إذا مات صاحبها الذي عملها أقطعها الإمام لغيره، وكذا معادن النحاس والرصاص والكحل، والزرنيخ مثله. وقال سحنون: إذا أدرك نيلا ثم مات فإنه يورث عنه؛ لأنه لم يدركه إلا بنفقة.

قال سحنون: وأما سائر المعادن فلا يعرض فيها الإمام، وهى لمن عمل فيها، وتورث عنه بخلاف معادن الذهب والفضة؛ لأن فيها الزكاة. وأشهب يقول: ولو عطلاه أربعة أشهر، ثم سأل أحدهما فيه الإمام، وأقطعه إياه ثم عمل فيه وحده، فإن كان صاحبه حاضراً، فقام يحدثان ذلك قبل أن يعمل، أو بعد أن عمل يسيرا فله أن يدخل معه فيه، وإن كان غائباً حين أقطعه إياه فهو له دون الغائب وكذلك لو أقطعه لغيره. ومن المدونة: ولا بأس أن يشتركا في إخراج اللؤلؤ من البحر وطلب العنبر بضبته وكل ما يقذفه البحر وما يغاص عليه فيه إذا عملا معاً وكذلك صياد الحوت يخرجان في البحر في مركب فيقذفان جميعاً ويتعاونان فيما يحتاجان إليه فلا بأس به إذا عملا في موضع واحد. فصل [11 - في الشركة في طلب الكنوز والدفائن والركاز] ولا بأس بالشركة في طلب الكنوز والدفائن والركاز. وكره مالك الطلب في قبور الجاهلية وفي بيوتهم وآثارهم، وقال: لا أراه حراما.

وأجازه ابن القاسم: إذا عملا في موضع واحد واستخفه واستحب غسل ترابهم؟ وفي كتاب الزكاة وجه كراهية ذلك فافهمه.

[الباب الثالث] ما يحل ويحرم من شركة المتزارعين

[الباب الثالث] ما يحل ويحرم من شركة المتزارعين [الفصل 1 - في كراء الأرض ببعض ما يخرج منها] ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض ببعض ما يخرج منها، ونهى عن المحاقلة والمخابرة. قال مالك: المحاقلة كراء الأرض بالحنطة. قال ابن حبيب: أو بالطعام كله مما تنبته الأرض ومما لا تنبته. قال مالك: والمخابرة كراؤها بجزء مما تنبت. وقد تقدم هذا في كراء الأرض. الفصل 2 - في المتزارعين يتساويان فيما يخرجانه في شركتهما أو يلغي مخرج الأرض كراء أرضه ويعتدلان فيما وراء ذلك] والسنة في الشركة الاعتدال. قال مالك: فلو أخرج أحدهما الأرض والآخر البقر، وكراء الأرض وكراء البقر سواء واعتدلا في العمل والزريعة جازت الشركة. قال مالك: فإن اختلف كراء الأرض والبقر لم أحب ذلك حتى يعتدلا. وقال مالك: في رجلين اشتركا في الزرع فيخرج أحدهما أرضاً لها قدر من الكراء

فيلغيها لصاحبه ويعتدلان فيما بعد ذلك من العمل والبذر فلا يجوز إلا أن يخرج صاحبه نصف كراء الأرض ويكون جميع العمل والبذر بينهما بالسوية أو تكون أرضا لا حظ لها في الكراء كأرض المغرب وشبهها فيجوز أن يلغي كراءها لصاحبه ويخرجا ما بعد ذلك بالسوية بينهما وقد تقدم هذا. وقال سحنون في كتاب ابنه: لا يعجبني أن تلغي الأرض بين المتزارعين وإن لم يكن لها كراء ولولا أن مالكا قاله لكان غيره أحب إلى منه. قال في باب آخر: وإذا أخرج أحدهما البذر والآخر الأرض فلا يجوز إلا أن تكون أرضاً لا كراء لها، وقد تساويا فيما سواها، ثم أخرج هذا البذر، وهذا العمل، وقيمة ذلك سواء فهو جائز؛ لأن الأرض لا كراء لها. وأنكر هذا ابن عبدوس. وقال إنما أجاز مالك أن تلغى الأرض إذا تساويا في إخراج الزريعة والعمل فأما إن كان مخرج البذر غير مخرج الأرض لم يجز وإن كان لا كراء لها، ويدخله كراؤها بما يخرج منها ألا تري لو أكريت هذه الأرض ببعض ما يخرج منها لم يجز. وهذا هو الصواب. ومن المدونة: وقد اختلف عن مالك في الشركة في الحرث فروى عنه بعض الرواة أنه لا تجوز الشركة حتى يشتركا في رقاب الدواب والآلة ليضمنا ما هلك.

وروى غيره أنه إذا ساوى كراء ما يخرج أحدهما من البقر والأداة كراء ما يخرج الآخر من الأرض والعمل جاز بعد أن يعتدلا في الزريعة. قال: وإذا سلم المتزارعان في قول مالك من أن تكون الأرض لواحد والبذور من عند الآخر جازت الشركة إن تساويا ولم يفضل أحدهما الآخر بشرط في عمل ولا نفقة ولا منفعة. [الفصل 3 - في المتزارعين يفْضُل أحدهما الآخر في العمل أو غيره] قال سحنون في كتاب ابنه: وإذا اعتدلا في البذر والأرض وتفاضلا في العمل، فإن كان تفاضلاً كثيراً له بال فالشركة تفسد والزرع بينهما ويترادان في أجر العمل، وإن كان الفضل يسيراً لم تفسد الشركة. كما أجاز مالك: أن تلغي الأرض التي لا كراء لها بينهما. وقال سحنون أيضاً: ما روي عن مالك وغيره من أصحابنا أنه لا تجوز الشركة إلا بالاعتدال في ذلك كله فصواب؛ لأن سنة الشركة التساوي فإذا خرجت عن ذلك خرجت عن حد ما أرخص فيها وصارت إجارة فاسدة. قال: وإنما التفاضل الذي يرجع فيه بعضهم على بعض بكرائه أن يفضله بشيء منفرد لا عوض للآخر فيه، فأما لو اعتدلا فب البذر وأخرج هذا الأرض وهذا العمل وكراء ذلك مختلف بما يكثر أو يقل فلا تراجع فيه، لن العمل إن كان أكثر من كراء الأرض فإن رب الأرض لم يكر نصف أرضه إلا بنصف عمل الآخر ويقره. وقال ابن حبيب: وجه العمل في المزارعة بين الرجلين أن يعتدلا فيما أخرجا من

الزريعة وجميع ما يحتاجان إليه فإن فيه تفاضلاً في ذلك فانظر فإن عقدا على أن يعتدلا ويتكافآ جاز ما فضل به الآخر صاحبه طوعاً قل أو كثر، إذا اعتدلا في الزريعة ثم تفاضلا في غيرها وسلما من أن يكون للأرض كراء من الزريعة. وقال سحنون: إذا صح العقد جاز أن يتفاضلا ولم يفرق بين زريعة وغيرها، وكذلك لو أسلف أحدهما بعد صحة العقد من غير رأي ولا عادة. قال أبو محمد: يريد سحنون: لأن الشركة تلزم بالعقد كالبيع. [الفصل 4 - في المتزارعين يخرج أحدهما البذر كله والآخر الأرض ويعتدلان فيما سواهما] ومن المدونة قال مالك: ولا تصلح الشركة في الزرع إلا أن يخرجا البذر بينهما نصفين ويتساويا في قيمة أكرية ما يتخارجانه بعد ذلك مثل أن يكون لأحدهما الأرض والآخر البقر، والعمل على أحدهما أو عليهما، إذا تساويا والبذر بينهما نصفين، وإن أخرج أحدهما الأرض والآخر البذر، والعمل بينهما وقيمة البذر وكراء الأرض سواء لم يجز؛ لأنه أكرى نصف الأرض بنصف طعام صاحبه. ولو اكتريا أرضاً من أجنبي، أو كانت لهما ملكاً جاز أن يخرج أحدهما البذر كله، والآخر العمل والبقر، وكراء ذلك وقيمة البذر والبقر سواء. قال سحنون في كتاب ابنه: ولم يجزه عيسى بن دينار بل يخالف فيه مالكاً، وجعله مثل ذهب وعرض بذهب

قال سحنون: وهذا جائز بخلاف المراطلة. قال: ولو كانت الأرض من عند أحدهما واشترى من شريكه نصف البذر لم يجز للتهمة أن يتجاوز عنه في ثمنه فيدخله كراء الأرض ببعض ما يخرج منها، ولو اكتريا الأرض جاز أن يتساويا فيما بعد ذلك، وكذا لو كان البذر بينهما والأرض من عند الآخر، وأعطاه شريكه نصف كراء الأرض عينا أو عرضاً فهو جائز. فإن قيل: إن هذه شركة وبيع، قيل: إنما ينهى عن ذلك إذا كان البيع خارجاً من الشركة. وقاله كله ابن حبيب، قال: وأما لو أخرج هذا البذر، والآخر كراء الأرض، وذلك متكافئ، وتكافآ في العمل لم يصلح؛ لأنه يدخله أن أحدهما تكارى نصف الأرض بنصف البذر، وهو كراء الأرض بالطعام. [الفصل 5 - في المتزارعين يشتركان على أن العمل والبذر بينهما على الثلث والثلثين أو يتساويان في إخراج البذر والأرض لأحدهما وعلى الآخر العمل] ومن المدونة: وإن اشتركا على أن العمل والبذر بينهما على الثلث والثلثين جاز ذلك. يريد إذا كانت الأرض بينهما كذلك بملك أو بكراء أو كانت مما تلغى وهي لأحدهما. فإن تساويا في الزريعة، والأرض لأحدهما، والعمل على الآخر على أن متولي

العمل يكرم الأرض عاماً، ويزرعها قابلاً لم يجز إلا في أرض مأمونة تروى كل عام للغرر إن لم ترو أنتفع صاحب الأرض بعمل الآخر باطلاً. [الفصل 6 - في ثلاثة يشتركون فيخرج أحدهم الأرض والآخر البقر والآخر العمل ويتساوون في إخراج البذر أو يختلفون] وإن اشترك ثلاثة فأخرج أحدهم الأرض والآخر البقر والآخر العمل وتساوى الكراء وتساووا في إخراج الزريعة جاز، وإن كان البذر من عند رجلين ومن عند الآخر الأرض وجميع العمل لم يجز. قال ابن القاسم: ويقضى بالزرع لصاحب الأرض ولهدين عليه مثل بذرهما. وروى ابن غانم عن مالك أن الزرع لصاحبي الزريعة، ولهذا عليهما كراء أرضه وعمله كالقراض إذا فسد العمل، فيكون الربح لرب المال، ويكون للعامل أجر مثله؛ لأن كل من لا يؤاجر فالربح له والوضعية عليه ولمن يؤاجر أجرة مثله. وروي نحو هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الزرع لصاحب الزريعة وللآخرين إجارة مثلهم وبهذا قال سحنون.

قال ابن حبيب: وقاله مالك وأصحابه إلا ابن القاسم. قال ابن حبيبك: وأصل هذا أن كل متزارعين على معادلة وقع في مزارعتهما كراء الأرض بالبذر فافسخه، واجعل الزرع لرب الأرض، وكل متزارعين على غير معادلة ساما من كراء الأرض بشيء من البذر فاجعل الزرع بينهما نصفين، ويتراجعان في الفضل فيما سوى ذلك. قال ابن المواز من قول مالك وابن القاسم: أن الزرع كله في فساد الشركة لمن تولى القيام به مخرج البذر أو صاحب الأرض أو غيرهما، وعليه إن كان هو مخرج الأرض كراء أرض صاحبه، وإن كان صاحبه مخرج البذر فعليه له مثل بذره، وإن وليا العمل جميعا غرم هذا لهذا مثل نصف بذرة، وهذا لهذا مثل نصف كراء أرضه، وكان الزرع بينهما. قال سحنون في كتاب ابنه والعمل المذكور في شركة الزرع إنما هو الحرث فقط، وأما حصاد الزرع ودراسة فلا يجوز أن يكون ذلك على أحد الشريكين وإن اعتدلا في العمل، وإنما يكون ذلك في الشريكين بقدر شركتهما، وغلا بطلت المعاملة كانت الأرض مأمونة أم لا. [الفصل 7 - في المتزارعين يخرج أحدهما الأرض والبذر والبقر ويكون على الآخر العمل] قال سحنون: وإن أخرج أحدهما الأرض والبذر والبقر وأخرج الآخر العمل وقيمة ذلك مثل كراء الأرض والبذر والبقر جاز ذلك. ولم يجز ذلك ابن حبيب قال: فإن نزل فالزرع لصاحب الأرض والبذر والبقر وعليه للآخر قيمة عمل يده وكأنه آجره بنصف ما تنبت أرضه، ولو قال تعال نتزارع على

أن نجعل نصف ما يخرج من أرض وبذر وبقر كراء لنصف عملك فقد أخطأ وجه العمل، ويكون الزرع بينهما نصفين ويتراجعان في الفضل؛ لن هذا قد قبض نصف البذر في أجرته وضمنه، والأول لم يأخذ شيئاً. قال بعض القرويين: إذا أخرج أحدهما الأرض والآخر العمل فهذه إجازة وتلزم بالعقد. وأجاز سحنون أن يكون كراء الأرض أكثر من قيمة العمل لأن ذلك إجارة لا يحتاج فيها التساوي للزوم الشركة عنده في بقيتها، ويلزم كل واحد أن يبذر مع صاحبه، فلما لزمت الشركة لم يكن في التفاضل في الأكرية غرر, ومن جعل أن لا يلزمه تمام الشركة وأن له أن يقاسمه لم يجز في شركتهما إلا الاعتدال، ويتهم أنه إنما زاد رجاء أن يتم الشركة، وذلك غير ملزم عنده فصارت غرراً، ولهذا احتيج إلى التساوي في شركة العروض؛ لأن التمادي غير لازم فإذا اختلفت قيمة العروض لم يجز؛ لأن أحدهما يرجو بذلك أن يستديم شركته معه، وهو لا يلزمه التمادي فيصير ذلك غرراً. قال: والذي قال سحنون إذا أخرج أحدهما الأرض والبذر وأخرج الآخر العمل أنه جائز فهو الأشبه. وليس قول ابن حبيب يبين إلا أن يريد أن من قصد إجارة نفسه بنصف ما يخرج أنه لا يجوزن ومن قصد أنه قبض نصف الزريعة من وقت بذرها فهو الجائز ولهذا وجه. وأما قوله إن اختلف ذلك فإن الزرع بينهما ويتراجعان في الأكرية. ففي كتاب محمد أن الزرع لصاحب الأرض والبذر وهذا أشبهه وللآخر أجر مثله وكأنه استأجره نفسه بنصف ما يخرج. وإنما بنا ابن حبيب على مذهبه أن كل شركة سلم فيها من كراء الأرض بالطعام فالزرع بينهما، وكل شركة دخل فيها كراء الرض بالطعام فالزرع لصاحب الزريعة.

هكذا ذكر ابن حبيب. [الفصل 8 - في المتزارعين يخرج أحدهما البذر والعمل ويخرج الآخر الأرض والبقر] قال ابن حبيب: فغذا أخرج أحدهما البذر والعمل، والآخر الأرض والبقر لم يجز وإن تكافآ، فإن فات الزرع فالزرع لصاحب الزريعة. وهذا على مذهب ابن غانم وهو اختيار سحنون. وأما على مذهب أبن القاسم وهو اختيار ابن المواز فالزرع بينهم؛ لأنهما تسويا في العمل وأخرج أحدهما البذر والآخر الأرض إذا كانت قيمة عمل يده مثل قيمة كراء بقر الآخر، وإن اختلف ذلك فكانت قيمة عمل يده عشرين وقيمة كراء البقر عشرة لكان للعامل بيده ثلثا الزرع؛ لأن معه ثلثي العمل وأرضا وبذرا فما كان مقابلاً لأرضه وبذره يضاف منه إلى عمله، ويبقى له بذر بلا عمل وأرض بلا عمل فلا يستحق به عند ابن القاسم شيئاً. فلذلك قلنا: إن له ثلثي الزرع ولصاحبه ثلث الزرع؛ لأنه إن كان صاحب الأرض أخذ من أرضه ثلثها فأضافه إلى عمله فاستوجب بذلك ثلث الزرع ويبقى له ثلث عمل بلا أرض ولا زرع فلا يستوجب به شيئاً هذا قياس ابن القاسم؛ لأنه لا يجعل للمنفرد بالعمل وحده شيئاً، إذ لو أخرج رجل

البذر والأرض والآخر العمل لم يكن لمتوالي العمل إلا أجر مثله، وإن كان مع عمله أرض وبذر استوجب به الزرع، وكل من له عنده شيء له به شيء مثل أن يكون له أرض وحدها أو بذر وحده لا يستوجب به شيئاً. وفي آخر الكتاب إيعاب مسائل الزراعة من غير المدونة.

[الباب الرابع] ما يحل ويحرم من الشركة بالعرضين أو بالطعامين

[الباب الرابع] ما يحل ويحرم من الشركة بالعرضين أو بالطعامين [الفصل 1 - فب الشركة بعرضين متفقين أو مختلفين] قال مالك: ولابأس أن يشتركا بعرضين متفقين أو مختلفين أو بطعام وعرض. قال ابن القاسم: وعلى قيمة ما أخرج كل واحد يومئذ فبقدره يكون العمل والربح. وقال مالك في كتاب محمد: وما الشركة في العرضين من عمل الناس وأرجو أن لا يكون بها بأس. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا اتفق قيمة العرضين المختلفين، وعرفا ذلك في العقد واشتركا بهما جاز، وهذا بيع لنصف هذا بنصف هذا، وإن لم يذكرا بيعاً، ولو شرطا التساوي في الشركة بالسلع فلما قوماً سلعتيهما تفاضلت القيم، فإن لم يعملا

أخذ كل واحد سلعته وزالت الشركة، فإن فاتت السلعتان وعملا على ذلك كان رأس مال كل واحد منهما ما بيعت به سلعته وبقدر ذلك ربحه ووضيعته، ويرجع من قل ماله بفضل عمله على صاحبه، ولا يكون على صاحب السلعة القليلة ضمان في فضل سلعة صاحبه؛ لأن فضل سلعته لم يقع بينهما فيه بيع. قال أبو محمدك ولما كان التفاضل في رأس مال الشركة على شرط التساوي في الربح من غرر الإجارة فيما عمل أقلهما مالا حرم ذلك؛ لأنه إن كان ربح كان هو الغابن، وإن لم يربح كان مغبونا فهذا من القمار. [الفصل 2 - في الشركة تقع فاسدة بالعروض] قال ابن القاسم: وإذا وقعت الشركة بالعروض فاسدة فرأس مال كل واحد ما بيعت به سلعته لا ما قومت به ويقتسمان الربح على قدر ذلك.

م/:فإن لم يعرفا ما بيعت به سلعة كل واحد فلكل واحد قيمة عرضه يوم البيع؛ لأن سلعة كل واحد كانت في ضمانه إلى أن بيعت، فالبيع أفاتها كما قال في الطعامين إذا خلطا: أن رأس مال كل واحد قيمة طعامه يوم خلطاه؛ لأنه بالخلط فات. قال بعض فقهاء القرويين: وإنما كان رأس مال كل واحد ما بيعت به سلعته؛ لأن عرض كل واحد لم يدفعه لما كانت يده عليه؛ لأن ثمنه هو الذي تقع به الشركة. وقد يقال على مذهب من يري أي المكتري في البيع الفاسد يوجب ضمان مشتريه له وإن لم يقبضه أن يلزم كل واحد قيمة عرضه يوم دفعه أو أحضره؛ لأنه ممكن لصاحبه من التصرف فيه، وإن كانت يد بائعه عليه. ومن المدونة قال ابن القاسم: وأما في الشركة الصحيحة فرؤوس أموالهما ما قوما به سلعتيهما يوم اشتركا، ولا ينظر إلي ما بيعتا به كان أكثر مما قوما به أو أقل؛

لأنهما حين صار كل واحد منهما قد باع نصف سلعته بنصف سلعة الآخر، وصار ضمانهما. وفي الشركة الفاسدة لم يقع لأحدهما في سلعة الآخر ملك ولا ضمان قال: وتجوز الشركة بما سوى الطعام والشراب من سائر العروض مما يكلل أو يوزن، أو لا يكال ولا يوزن من مسك وعنبر وحناء وكتان وغير ذلك كان من صنف واحد أو صنفين إذا اتفقت القيم. وتجوز الشركة بطعام ودراهم وبعرض وعين على ما ذكرنا من القيمة وبقدر ذلك يكون العمل والربح. فصل [3 - في الشركة بشيء من الطعام والشراب] قال ابن القاسم: ولا تجوز الشركة عند مالك بشيء من الطعام والشراب، كان مما يكال أو يوزن أم لا، من صنف واحد أو من صنفين. وأجاز ابن القاسم الشركة في الطعام المتفق فب الصفة والجودة من نوع واحد على الكيل. قال ابن القاسم: ورجع مالك عن إجازة الشركة بالطعام وإن تكافآ، ولم يجزه لنا

منذ لقيناه، ولا أعلم لكراهيته فيه وجها. قال ابن المواز: إنما مكروهة عندنا أن يخلطا قمحا أو غيره بأردأ منه، وإذا لم يخلطا في الشركة لم تجز الشركة؛ لأنه ليس ببيع تقايض. وإذا كان بين الطعامين فضل بين حرم. قال بعض أصحابنا: الذي سمعت غير واحد يعلل به قول مالك هذا أن الشريكين كل واحد منهما باع نصف ما بقي بيده من الطعام بنصف ما بيد صاحبه، ويد كل واحد منهما على ما باع، فإن تصرفا وباعا حصل في ذلك بيع الطعام قبل قبضه لعدم القبض لما كانت يد كل واحد منهما على متاعه.

قال: ولإسماعيل القاضي أنه قال: إنما منع مالك من ذلك؛ لأن الشركة بالطعام تحتاج إلى المماثلة في الكيل وإلى اتفاق القيمة، وذلك لا يكاد يتحصل فلذلك كره. قال: وليس ذلك كبيع بعضه ببعض؛ لأن الغرض في البيع اتفاق الكيل لا القيمة. م/: يلوم على هذا التعليل أن تجوز الشركة بالطعامين المختلفين اللذين يجوز بينهما التفاضل إذا استوت القيم. وهذا لا يجوز عند مالك وابن القاسم. وما علل به أصحابنا أصح والله أعلم. [الفصل 4 - في الطعامين المختلفين] وقال ابن حبيب عن مالك: لا تجوز الشركة بالطعامين المختلفين حتى يكونا متفقين في الصفة. وروى سحنون أنه أجاز الشركة بالطعامين المختلفين. يعني إذا كانت القيمة واحدة وكذلك شعير وقمح وذلك كالشركة بدنانير ودراهم على مذهبه، وأما بالطعامين المتفقين فذلك كالشركة بالذهبين؛ لأنه إذا عد إخراج كل واحد منهما ذهبه

بمنزلة التناجز بالقبض مع كون يد كل واحد على ذهبه صح ممثل ذلك في الطعامين المختلفين. وأما إذا اختلفت القيمة كثيراً فلا يجوز؛ لأنه تفاضل بين الطعامين. وأما الشركة بالجنسين من الطعام كالزبيب والثمر فمن أجاز الشركة بالذهب والفضة وجعل ذلك تناجزا يجب أن يجيز ذلك في الجنسين من الطعام. ومن جعل التناجز لم يصح لبقاء يد كل واحد على ما اخرج لم تجز الشركة بالطعامين المختلفين. ومن المدونة قال ابن القاسم: وأما إن أخرج هذا محمولة وهذا سمراء أو أخرج هذا قمحاً وهذا شعيراً، وقيمة ذلك متفقة أو مختلفة، وباع هذا نصف طعامه بنصف طعام الآخر لم يجز على حال كيفما شرطا، كما لا أجيز الشركة بدنانير ودراهم تتفق قيمتها. م/: وقد حكى بعض أصحابنا عن بعض شيوخه القرويين انه يجوز على مذهب ابن القاسم الشركة بالطعام المختلف اختلافاً يسيراً كما تجوز الشركة بيزيديه ومحمدية مختلفة النفاق شيئاً يسيراً. [الفصل 5 - في رأس مال كل واحد من الشريكين إذا فضت الشركة بالطعام لفسادها] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا وقعت الشركة بالطعامين فاسدة فرأس مال كل

واحد منهما ما بيع به طعامه إذ هو بعد ضمانه حتى يباع، ولو خلطاه قبل البيع جعلت رأس مال كل واحد قيمة طعامه يوم خلطاه. وحكى ابن المواز عن ابن القاسم مثله. وقال مالك إذا خلطا جميعا لم يقسما الربح ولا الثمن إلا نصفين، ولا يجوز الفضل بينهما إذا استويا في الكيل. قال بعض فقهاء القرويين: ووجه ما في كتاب محمد أنهما يقسمان الثمن بينهما نصفين؛ لأن كل واحد متعدياً في خلطه فكأن الشركة وجبت بعد الخلط ولا فضل لواحد على صاحبه. قال: وقد يمكن أن تكون قيمة الشعير إذا انفرد عشرة وقيمة القمح لو انفرد عشرين فإذا اختلط القمح والشعير صارت قيمة الشعير منه خمسة عشر فكيف يصح أن يقتسماه نصفين وقد علمنا أن صاحب الشعير قد زادت قيمة شعيره بسبب خلطه فيجب أن يكون الزائد لرب القمح. وعلى مذهب ابن القاسم: يقوم القمح منفرداً والشعير منفرداً ثم يقتسمان الثمن على قيمة ما لكل واحد كاختلاطه بأمر من الله تعالى، ولم يجعل الخلط تفويتا يوجب كون قيمته في ذمة صاحبهن بل لا يتعلق ذلك إلا بعين الطعام حتى أنه لو هلك لم يلزم واحداً منهما شيء.

[الباب الخامس] ما يحل ويحرم من الشركة بالعين

[الباب الخامس] ما يحل ويحرم من الشركة بالعين [الفصل 1 - في مقدار الربح والخسارة والعمل في الشركة بالعين] قال ابن القاسم: وتجوز الشركة بالعين مثل أن يخرجا دنانير ودنانير، أو دراهم ودراهم، متفقة النفاق والعين، وبقدر ما يخرج كل واحد من رأس المال في عدد أو وزن يكون عليه من العمل، وله من الوضيعة والربح، وإن تساويا في المال والأعمال على أن يتفاضلا في الربح لم يجز. وغن تفاضلا في المال على أن يتساويا في عمل أو ربح لم يجز، ولو أن العمل على أحدهما وتساويا في المال والربح أو تفاضلا لم يجز. فإن نزل ذلك كله فالربح والخسارة على قدر رؤوس أموالهما، ويرجع من له فضل عمل بفضل عمله على الآخر ويبطل ما شرطا ولا يضمن القليل المال لصاحبه عليهما بقدر ر ما فضله به وليس بسلف؛ لأن ربحه لربه وكذلك لو لحقهما دين من تجارتهما بعد أن خسرا المال كله وذهب كان ذلك عليهما بقدر رؤوس أموالهما كما وصفنا ولا ينظر إلى ما شرطا. قال سحنون في كتاب ابنه: كيف يلحقهما دين بعد خسارة المال وهو لا يجيز لهما أن يشتريا بالدين. ثم قال: بعد ذلك يمكن أن يكون اشتريا على المال الذي كان بأيديهما فتلف قبل

أن يدفعاه في الثمن ثم تلفت السلعة. قال ابن المواز: وإن أخرج أحدهما مائة والآخر مائتين على أن الربح بينهما على قدر ما لكل واحد منهما، فاشتريا سلعة بأربعمئة على أن ينقدا الثلاثمئة، ويكون المئة دينا عليهما، فليقسموا ربح المئة ووضيعتها على قدر ماليهما، وغن كانت الشركة فاسدة؛ لأنهما اشتركا على أن الربح والوضعية بينهما نصفان؛ ولأن ربح الثلاثمئة مع ربح المئة التي بينهما على الثلث والثلثين. ولصاحب الثلث أجره فيما فضله به صاحبه. فإن علم البائع أن شركتهما على الثلث والثلثين اتبعهما كذلك، وإن لم يعلم أتبعهما نصفين. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو صح عقد المتفاضلين في المال، ثم تطوع الذي له الأقل فعمل في الجميع جاز، ولا أجر له، وإن تساويا في المال والربح على أن يمسك أحدهما رأس المال معه، فإن كان على أن يتولى التجارة دون الآخر لم يجز، وإن تولياهم جميعا جاز. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإن شاركه وأسلفه نصف المال فإن كان طلب رفقه وصلته لا لحاجة إليه ولا لقوة نظره فذلك جائز، ثم روي عن ابن القاسم أنه رجع فكرهه، وبالأول أخذ ابن القاسم. وروى عيسى عن ابن القاسم أنه إذا كان بعد صحة العقد من غير عادة فذلك

جائز. قال في العتبية: ومن ابتاع سلعة فقال له رجل أشركني فيها وانا أنقد عنك لم يجز وهو بيع وسلف. ولو قال المشترى لرجلك تعالى أشركك فيها وأنقد عنك وأؤخرك فإن كانت سلعة حاضرة بعينها فهو جائز، وأما المضمونة فلا تجوز؛ لأنه الدين بالدين. قال: ومن أسلم في عرض أو طعام فسأله رجل أن يشاركه ثم ينقد عنه وذلك قبل عقد البيع فذلك جائز؛ لأن السلف وقع قبل البيع فلم يجر بذلك نفعاً. [الفصل 2 - في الشركة بالمال الغائب] ومن المدونة قال: ولا تجوز الشركة بالمال الغائب إن أخرج أحدهما ذلك المال. قال مالك: وإن أخرج أحدهما ألفا والآخر ألفاً منها خمسمائة غائبة ثم خرج ربها ليأتي بها وخرج بجميع المال كشريكين طاع أحدهما بالعمل. وقال ابن المواز: إن تبين أنه خدعه فله ربح ماله، وإن لم يخدعه فله النصف، ولا

أجر له على كل حال. م/: وإنما يصح قول ابن المواز إذا اشترى بالمال الحاضر قبل علمه بضياع المال الغائب؛ لأنه اشترى على أن ذلك بينهما نصفين وعلى أنه لو ضاع ذلك كان منهما، فلذلك كان الربح بينهما نصفين، وأما لو اشترى بعد علمه بضياع المال الغائب وإن كان لم يغر منه فكيف يجب أن يكون بينهما والشركة لم تقع بعد. ألا ترى أن ضمان الدنانير الغائبة ما لم تقبض من ربها، وأنه لو اشترى بها شيئاً لكن ضمانها من بائعها فكيف في الشركة؟. وقاله بعض القرويين، قال: وظاهر الرواية أنه اشترى بعد علمه بذهاب المال. وقال سحنون: الشركة فاسدة لغيبة الخمسمئة وله أجر مثله في الزيادة وليس بتطوع. م/: لأن الشركة عند سحنون لا تتم إل بالخلط والمال الغائب لا يتم ذلك فيه. وقال بعض شيوخنا: إنما تجوز الشركة بالمال الغائب على مذهب ابن القاسم إذا

كانا لا يتجران إلا بعد قبض المال الغائب وأما إن كان يتجران إلى أن يقبضا المال الغائب فلا يجوز ذلك وإنما يجوز أيضا إذا لم تكن الغيبة بعيدة جداً. وأما على قول سحنون في تجوز وإن قربت غيبته. [الفصل 3 - في رجلين يخرج أحدهما مئة والآخر مئتين كيف يكون الربح والعمل في شركتهما] قال في كتاب ابن المواز: وإن أخرج هذا مئتين وهذا مئة على أن الربح والعمل بينهما بقدر المالين فاشتريا سلعة بأربعمئة ونقداً الثلاثمائة فالربح بينهما على الثلث والثلثين، وكذلك يتبعهما البائع بالمال إن عرف شركتهما كيف هي، وغلا أتبعهما بالنصف والنصف. قال: ولو شرطا الربح بينهما نصفين فسدت الشركة ورجع القليل المال على الآخر بفضل عمل. قال مالك: فإن جعل صاحب المئتين عبدين يعملان مع صاحب المئة فلا أجر لصاحب المئة والربح بينهما بقدر المالين. قال: ولا يعجبني ذلك وقد قال مالك قبل هذا: يعطى أجر مثله وهو أحب إلي. قال ابن المواز: قول مالك أحب إلي، لأن عمل العبدين في المئتين وعمل الآخر في المئة فاعتدل ذلك. قال مالك: وإذا فسدت الشركة لتفاضل العمل فخسرا المال كله فلمن له فضل عمل أجر فضل عمله على صاحبه.

[الفصل 4 - في ثلاثة يخرج أحدهم عشرة والآخر خمسة والثالث لا مال له ويشتركون على أن الربح بينهم أثلاثاً] قال ابن المواز: وإذا اشترك ثلاثة رجال لأحدهم عشرة وللآخر خمسة والثالث لا مال له على أن الربح بينهم أثلاثاً فربحوا أو خسروا فهذا فاسد، والربح والوضيعة على صاحبي المال على الثلث والثلثين، وللذي لا مال له أجر عمله على المالين، وللقليل المال أجره فيما عمل في الخمسة الفاضلة. قال أبو محمد: وتفسير ذلك كأن عملهم في الخمسة عشر يسوي تسعة دراهم، فتخرج من الوسط، فتقسم على صاحبي المال على الثلث والثلثين كسائر الفضل، فيقوم عليها الذي لا مال له بعمله، فيأخذ ثلاثة دراهم: درهمين من صاحب العشرة، ودرهم من صاحب الخمسة، وتبقي من أجرة العمل أربعة بيد صاحب العشرة، واثنان بيد صاحب الخمسة، فيقول صاحب الخمسة لصاحب العشرة: عملت في الخمسة الفاضلة أنا وأنت والثالث فلي الثلث ما يصير لها، وذلك درهم فادفعه لي، فيأخذه منه يصير بيده ثلاثة دراهم، وبيد صاحب العشرة ثلاثة، وبيد الذي ل مال له ثلاثة. م/: وهذا الذي ذكرة أبو محمد هو الفقه في الغيبة والعدم واللدد، وأما لو

حضروا وصاحبا المال مليان مقران فقالوا: احسب لنا فقومت إجارتهم في المال، فإن كانت تسعة أخرجتها من المال، وقسمتها بينهم أثلاثاً، ثم قسمت ما بقي من مال بين صاحبي المال على الثلث والثلثين كما لو استأجروا على العمل في هذا المال ثلاثة غيرهم فإنهم يعطونهم أجرتهم، ويقسمون ما بقي على قدر أموالهم، فلا يدخل على واحد منهم ظلم؛ لأن الأجرة أخرجت من جملة المال فوقع لكل واحد منهم بقدر ماله، فكذلك حكم عملهم هم فيه مع الذي لا مال له، وهذا لا يختلف عليك قل مال أحدهم أو كثر قل الاشتراك أو كثر فاختبره تجده صحيحاً إن شاء الله. [الفصل 5 - في ثلاثة يشتركون فيخرج كل منهم مئة ثم يخرج اثنان بجميع المال ثم يقتسمان المال فيربح أحدهما ويخسر الآخر] وفي كتاب محمد: لو اشترك ثلاثة فأخرج كل واحد منهم مئة، وخرج منهم اثنان بجميع المال، وتخلف الثالث، فلما كانا ببعض الطريق تشاجرا فقسما المال بينهما نصفين فاتجرا فربح أحدهما وخسر الآخر، قال: لا تجوز مقاسمتهما على الغائب، ومقاسمتهما على أنفسهما جائزة، فأرى أن يضم المال حتى يصير للغائب ثلثه كله مشاعاً بربحه وخسارته، ثم يترادان اللذان اقتسما، فيكون لهذا بقية ربحه، ولهذا بقية خسارته.

م/ يريد: يكون له ثلث ربح أحدهما وعليه ثلث خسارة الآخر. قال محمد: لأنه رضي بالمقاسمة. وفي المستخرجة قال اصبغ: لها تفسي وهو إن كان قدم إليهما أن لا يقسما فاقتسما فإن المقيم لا يلزمه من الخسارة شيء، ويقاسم الرابح فيما ربح نصفين؛ لأنه لما أمره أن لا يقسم فقسم لم يلزمه شريكه ذلك؛ لأنه متعد عندما قاسم ودفع إليه المال؛ ولأنه لو وجد الخاسر معدماً لرجع على الشريك الآخر. قال: ومن أصحابنا من قال الربح بينهما على الثلث والثلثين. قال بعض فقهاء القرويين: والأشبه أنهما متعديان في القسمة ولو لم يتقدم إليهما في ذلك، ويكون الربح بينه وبين الرابح أثلاثاً لأنه ليس له في يده إلا خمسون. وأما من قال إن الربح بينهما نصفان فكأنه يقول إن تلك القسمة لا تلزمني، وجميع ما بيدك بيننا، وكذلك ربحه بيننا. [الفصل 6 - في شريكين يخرج كل واحد منهما دنانير تختلف في صرفها عن الأخرى مع اتفاق وزنهما] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن أخرج أحد الشريكين دنانير هاشمية وأخرج الآخر دنانير مثل وزنها دمشقية، أو أخرج هذا دراهم يزيدية، وأخرج الآخر مثل وزنها محمدية وصرفهما مختلف لم يجز إلا في اختلاف يسير لا بال له، وهو فيما كثر

كتفاضل المالين. وليس كالتبادل يدا بيد لبقاء يد كل واحد منهما على ما بادل به، ولو جعلا الربح والعمل بقدر فضل ما بين السكتين م يجز إذ صرفاهما إلى قيمة وحكمهم الوزن في البيع والشركة. قال ابن المواز: فإن نزل ذلك أخذ كل واحد منهما مثل رأس ماله بعينه في سكته فكان لكل واحد من الربح بقدر رأس ماله لا على فضل السكتين، وقاله مالك. وقال بعض القرويين: لعل محمدا يريد إذا لم يختلف سوق السكتين من يوم الشركة إلى يوم القسم، وأما إن اختلف فيظلم الذي زاد سوق سكته صاجبه إذا أعطى مثل رأس ماله وقيمته أفضل مما كان دفع. [الفصل 7 - في الشركة بسكتين متفقتين في صرفهما يوم الشركة، وفي الشركة بدنانير من أحدهما ودراهم من الآخر] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن كانت السكتان متفقة الصرف يوم الشركة جلز فإن افترقا وقد حال الصرف لم ينظر إلى ذلك، ويقتسمان ما بأيديهما بالسوية عرضا كان أو طعاما أو عينا. وإن أخرج أحدهما دنانير والآخر دراهم لم يجز، وإن باع نصف ذهبه بنصف فضة صاحبه؛ لأنه صرف وشركة، ولا يصلح مع الشركة صرف ولا قراض، وهما أيضا نوعان مما لايقومان، فإن عملا فلكل واحد رأس ماله، ويقتسمان الربح، لكل عشرة دنانير دينار، ولكل عشرة دراهم درهم، وكذلك الوضيعة، وكذلك إن عرف كل واحد السلعة التي اشتريت بماله، فإن السلع تباع، ويقسم الثمن كله كما ذكرنا. وقال غيره: لكل واحد السلعة التى اشتريت بماله إن عرفت، ولا شركة له في سلعة

الآخر، وإن تفاضل المال فلأقلهما مالا أجره في عون صاحبه. قال: وإن لم تعرف السلع فالربح والخسارة بينهما على قيمة الدراهم من الدنانير يوم اشتركا، ولأقلهما مالا أجره في عون صاحبه. قال بعض فقهاء القرويين: وما قاله غير ابن القاسم في أن يكون لكل واحد السلعة التى اشتريت له بماله صواب، وكذلك ينبغي أن يجري على أصل ابن القاسم؛ لأن الشركة إذا كانت فاسدة لم يضمن أحدهما لصاحبه شيئا بتفويته متاع صاحبه، ويكون ثمنه لصاحبه كما قال فيما إذا اشتركا بعرضين مختلفين في القيمة فباع أحدهما عرض صاحبهفإنه لا يضمن لصاحبه شيئا، ويكون ثمن ما بيع به عرضه له، وبه يكون شريكا إن عملا بعد ذلك، فكذلك ينبغي إذا اشتريا بالدنانير أو بالدراهم عرضا أن يكون ذلك العرض لصاحب ذلك المال كما كان ثمن العرض في شركة العرضين المختلفين لصاحب ذلك العرض. قال: وقوله إذا لم يعرف فينظر إلى قيمة الدنانير والدراهم فيقسم ما بأيديهما على ذلك فصواب أيضًا؛ لأنه قد اختلط الأمر فأشبه الطعامين إذا اختلطا في الشركة. قال: وفي القسمة في قول ابن القاسم نظر؛ لأنه إذا استوت قيمة الدنانير والدراهم يوم الشراء كانت السلعة بينهما نصفين، فإن زادت قيمة الدنانير يوم القسمة

فأعطيناه مثل دنانيره أضر صاحب الدراهم، وكذلك إن زادت قيمة الدراهم فأعطاه مثل دراهمه أضر صاحب الدنانير فوجب أن يكون ثمنهما بينهما نصفين. م/: وقد تقدم أن سحنون يجيز الشركة بالدنانير والدراهم. قال: وإنما لا يجوز صرف وشركة إذا كان الصرف خارجا من الشركة، وأما فيها فجائز. قال ابن المواز: وإذا أخرج هذا دراهم وهذا دنانير كقيمتهما، فروى ابن القاسم عن مالك إجازته. وروى هو وابن وهب عن مالك كراهيته وبذلك أخذا. قال ابن المواز: وإجازته غلط، وما علمت من أجازة؛ لأنه صرف لا يبين به صاحبه لبقاء يد كل واحد منهما على ما صرف. ومن المدونة قال ابن القاسم: وأما إن أخرج هذا ذهبا وفضة، وهذا مثله ذهبا وفضة فلا بأس به.

[فصل 8 - في الشريكين يخرجان المال الذي اشتركا به ويجعلانه في يد أحدهما ثم يضيع مال أحدهما]. قال ابن القاسم: وإن اشتركا بمالين سواء فأخرج كل واحد ذهبه فصرها على حدة، وجعلا الصرتين بيد أحدهما أو في تابوته أو في خرجه فضاعت واحدة فالذاهبة منهما، وإن بقيت صرة كل واحد بيده فضياعها منه حتى يخلطا أو يجعلا الصرتين عند احدهما، وكذلك إن كانا فيما ذكرنا مختلفين في السكة إلا أن الصرف واحد. ولو تفاضل الصرف فسدت الشركة، وكانت الذاهبة من ربها، وإن بقيت كل صرة بيد ربها حتى ابتاع بها أحدهما أمة على الشركة، وتلفت الصرة الأخرى والمالان متفقان فمصيبة الصرة من ربها. وأما الأمة فهي بينهما يريد بعد أن يدفع لشريكه نصف ثمنها. م/: لأنه إنما اشتراها على الشركة. وقال غيره: لا تنعقد بينهما شركة حتى يخلطا. والمشتري يقول لا يكون له معي نصيب، ولا نصيب لي فيما معه؛ ولأن متفاضلي المال لا يتساويان في الربح وإن رضيا

باشتراطه. قال سحنون: إذا اشترى كل واحد بصرته سلعة قبل الخلط فلكل واحد ما اشترى له نماؤه وعليه خسارته. وكذلك لو تلفت صرته حتى يجمعا المالين ويخلطا، أو يجمعا الصرتين في خرج أحدهما أو في يده فتتم الشركة. قال بعض أصحابنا: إذا كانت صرة كل واحد بيده، ثم تلفت إحداهما، ثم اشترى الآخر أمة بعد التلف عالما به فشريكه مخير أن يشركه فيها أو يدعها به، إلا أن يقول إنما اشتريتها لنفسي فهي له، وإن لم يعلم بالتلف حتى اشترى فالأمة بينهما كما لو اشترى ثم تلفت الصرة الأخرى، وهذا على أصل ابن القاسم، والله أعلم وبه التوفيق.

[الباب السادس]. جامع القول في المتفاوضين

[الباب السادس]. جامع القول في المتفاوضين قال أبو محمد: والقضاء أن كل متفاوضين يلزم كل واحد منهما ما يلزم صاحبه. قال ابن القاسم: المفاوضة على وجهين، إما في جميع الأشياء، وإما في نوع من المتاجر يتفاوضان فيه كشراء الرقيق أو غيره، ولا أعرف شركة عنان، ولا رأيت حجازيا يعرفها. قال محمد بن عبد الحكم: هي الشركة في شيء بعينه. م/: وقيل إنها الشركة في كل شيء من الأشياء بعينه. [الفصل 1 - في المتفاوضين يكون كل واحد منهما في بلد يجهز على صاحبه ويلغيا نفقتهما] قال مالك: ولا بأس أن يشتركا بمال كثير يتفاوضان فيه، وهما في بلدين على أن يجهز كل واحد منهما على صاحبه ويلغيا نفقتهما، وإن اختلف سعر البلدين، إذ كل واحد منهما إنما قعد للتجر مع قلة مؤونة كل واحد، فاستسهل اختلاف السعرين، وينبغي أن لو كان لكل واحد عيال واختلف أسعار البلدين اختلافا بينا أن تحسبب النفقة؛ إذ نفقة العيال ليست من التجارة. ابن القاسم: ولو كانا في بلد واحد أو كانا ذوي عيال أو لا عيال لهما فليلغيا نفقتهما. قال ابن القاسم في رواية سليمان: وذلك عندي إذا تقاربا في العيال.

قال مالك: وإن كان لأحدهما عيال وولد وليس للآخر أهل ولا ولد حسب كل واحد ما أنفق، وما ابتاع أحدهما مما يلغي من طعام أو كسوة له أو لعياله فللبائع أن يتبع بالثمن أيهما شاء؛ لأن النفقة والكسوة لهما أو لعيالهما مما يلغي، وهي من مال التجارة إلا كسوة لا يبتذلها العيال كوشي أو قَصَبِي ونحوه، فهذا لا يلغي. قال ابن المواز: ولا يلزم ذلك إلا من اشتراه. وقال سحنون: تكون الثياب بينهما يريد سحنون إن شاء ذلك شريكه لرجاء فضل الثياب أو لغير ذلك. قال ابن القاسم: وإن ابتاع أحدهما طعاما أو كسوة له أو لعياله لم يدخل فيه الآخر إذ لا بد لهما من ذلك وعليه عقدا. فهو بخلاف شرائه لنفسه شيئًا من العروض والرقيق، وهذا له أن يدخل معه فيه. [الفصل 2 - في رجل يقيم بينة على آخر أنه مفاوضه على الثلث والثلثين أو مطلقًا]. قال: ومن أقام البينة على رجل أنه مفاوضه على الثلث والثلثين جاز ذلك، وكانا متفاوضين؛ لأن ذلك جائز أن يشتركا عليه ويكونا متفاوضين ولأحدهما عين أو عرض دون صاحبه، ولا يفسد ذلك المفاوضة. ومن أقام البينة أن فلانا مفاوضه كان جميع ما بأيديهما بينهما إلا ما قامت فيه بينة أنه لأحدهما بإرث أو هبة أو صدقة عليه، أو كان له قبل التفاوض، وأنه لم يفاوض عليه فيكون له خاصة، والمفاوضة فيما سواه قائمة. قال بعض فقهاء القرويين: وكذلك يجب أن لو أقام أحدهما البينة أن الآخر شريكه

أن يكون شريكه في جميع ما في أيديهما إلا ما قامت به بينة أنه لأحدهما خاصة كالمفاوضة. ولا فرق بين أسم الشركة والمفاوضة إلا أن المفاوضة فيها إجازة بيع كل واحد منهما على صاحبه، ونحو هذا لسحنون. قال في المدونة: وما ابتاع أحد المتفاوضين من بيع صحيح أو فاسد لزم الآخر وليس كل الناس فقهاء يعرفون ما يشترون وما يبيعون، ويتبع البائع بالثمن أو بالقيمة في فوت الفاسد أيهما شاء، ومن عليه دين لأحدهما فقضاء لشريكه جاز. [مسألة: في المفاوضة المأذون للتجار. وشركة العبيد ومشاركة الذمي، والشركة بين النساء والرجال] قال مالك: ويجوز للمأذون مفاوضة التجر، وتجوز شركة العبيد إذا أذن لهم في التجارة، ولا يصلح لمسلم أن يشارك ذميا إلا أن لا يغيب الذمي على بيع ولا شراء ولا قضاء ولا اقتضاء إلا بحضرة المسلم فيجوز. قاله ابن عباس. قال مالك: وتجوز الشركة بين النساء والرجال.

[فصل 3 - في المتفاوضين يتجران بمال حاضر وبدين في ذمتهما]. قال مالك: وأكره أن يخرجا مالا على أن يتجرا به وبالدين مفاوضة، فإن فعلا فما اشترى كل واحد منهما بينهما، وإن حاوز رأس أموالهما. ولو تفاوضا بالمالين ولم يذكرا في شركتهما أن يبيعا بدين فباع أحدهما بدين فذلك جائز على شريكه. وقال في كتاب ابن المواز: لا يجوز لأحدهما البيع بالدين إلا بإذن صاحبه. [الفصل 4 - في المتفاوضين يشتري أحدهما جارية للوطء من مال الشركة]. قال ابن القاسم: وإن تفاوضا بأموالهما في جميع التجارات، وليس لأحدهما مال دون صاحبه فاشترى أحدهما جارية لنفسه للوطء، - وفي كتاب محمد: للخدمة - وأشهد على ذلك - يريد ولم يطأ بعد- قال: يخير شريكه بين أن يجيز له ذلك أو يردها في شركته. وليس من فعل ذلك من أحد المفاوضين كغاصب الثمن أو متعد في وديعة ابتاع بها سلعة، فهذا ليس عليه لرب المال إلا مثل دنانيره، والشريك مأذون له في حركة المال، فليس له أن يستأثر بربحه، بل الربح بينهما والضمان أيضا عليهما، وهو كمبضع معه في شراء سلعة أو مقارض أو وكيل تعدي فرب المال مخير فيما اشترى إن شاء أخذه وإن شاء تركه؛ لأن هؤلاء أذن لهم في تحريك المال، ولكل متعد سنة يحمل عليها. قيل لمالك: وإذا كان كل واحد منهما يشتري أمة من مال الشركة فيطؤها ثم يبيعها ويرد ثمنها في رأس المال. قال: لا خير في ذلك. قيل: فما يصنعان بما في أيديهما من الجواري مما قد اشترياه

على هذا. قال: يتقاويانها فيما بينهما فمن صارت له الأمة التي اشتراها أو غيرها كانت له بثمن معلوم وحل له الوطء. يريد بعد الاستبراء. قال ابن القاسم: وإن شاء الشريك أنفذها لشريكه الذي وطئها بالثمن الذي اشتراها به فإن لم يتركها له بالثمن، وقال: لا أقاويه فيها ولكن أردها للشركة لم يكن له ذلك. وقال غيره: له ذلك. قال ابن المواز: إنما تكون المقاواةبين الشريكين في هذه الأمة إذا أراد الوطء قبل الوطء، فأما إذا وطئ أحدهما فقد لزمته القيمة إن شاء شريكه، وأما إن حملت فلا بد من القيمة في يسره شاء شريكه أو أبي. م/ وقال بعض أصحابنا: إذا اشترى الجارية للتجارة ثم عمد فوطئها فهاهنا يخير شريكه بين مطالبته بالقيمة أو تركها بينهما إن لم تحمل، وأما إن اشتراها لنفسه ليطأها على أن الخسارة فيها والربح على المال ف هي كمسألة الكتاب التي ذكر فيها المقاواة. م/: وإنما هذا إذا وطئ فإن لم يطأ فشريكه مخير بين ان يجيز له ذلك أو يردها في

الشركة. قال بعض أصحابنا: ولو أنه اشتراها بإذن شريكه على أن يضمنها إن هلكت، وله ربحها وعليه خسارتها فهذا قد أسلفه شريكه نصف ثمنها فله النماء وعليه النقص؛ لأنه استبد بملكها. قال بعض فقهاء القرويين عقب قول ابن المواز: إنما تكون المقاواة في هذه الأمة إذا أراد الوطء قبل الوطء فأما إذا وطئ بعد فقد لزمته القيمة إن شاء شريكه. قال: وقوله إنما تكون المقاواة قبل الوطء صواب، وقوله إذا وطئ فقد لزمته القيمة إن شاء شريكه فتجب إن كان تكلم على إذن كل واحد لصاحبه أن تكون القيمة واجبة شاء شريكه أو أبي؛ لأنه تحليل لما أذن فيه كل واحد لصاحبه فأشبه ما لو حللها له ففاتت بالوطء فلا خيار له في ذلك؛ لأن ذلك من عارية الفروج، وأما إن كان ذلك من غير إذن فهو متعد فإن شاء صاحبه أمضاها له؛ لأنه اشتراها لنفسه، وإن شاء قاواه إياها بعد الوطء. قال: وإنما لم ير ابن القاسم ان يبقيها على الشركة فلعله خشي أن يكون غير مأمون على بقائها عنده، بخلاف الأمة بين الشريكين إذ هذا الشريك يغيب على ما اشترى

ويتصرف في جميعه بخلاف من شاركه في أمة فقط، وغيره أجاز ردها إلى الشركة كالأمة بينهما فإذا لم يؤمن عليها منع من الخلوة بها. [الفصل 5 - في أحد المتفاوضين يؤخر غريما بدين أو يضع له منه]. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن أخر أحدهما غريما بدين أو وضع له منه نظرًا واستئلافا في التجارة ليشتري منه في المستقبل جاز ذلك، وكذلك الوكيل على البيع إذا كان مفوضًا إليه. قال بعض فقهاء القرويين: إنما جاز تأخيره على وجه النظر والاستئلاف، ولم يجعله سلفا جر منفعة؛ لأن المؤخر لم يقصد انتفاعا ممن أخره، بل هو رفق بالمؤخر لا شك فيه، وقد لا يبايعه أبدا. ولم يرج بتأخيره مبايعته هو، وإنما فعل ذلك ليشتهر بحسن المعاملة فخفف التأخير لهدا. وما صنعه مفوض إليه من شريك أو وكيل على وجه المعروف لم يلزم، ولكن يلزم الشريك في حصته، ويرد صنع الوكيل إلا أن يهلك ما صنع الوكيل من ذلك فيضمنه الوكيل.

[الفصل 6 - في الثمن الذي يدفعه أحد الشريكين في سلعة بيعت من مال الشركة إلى أجل وفي أحد الشريكين يبضع مع رجل مالًا من الشركة ليشتري شيئًا ثم يموت أحد الشريكين أويفترقان] وإذا باع أحدهما سلعة بثمن إلى أجل لم يصلح لشريكه أن يبتاعها إلا بما يجوز لبائعها أن يبتاعها به، وإن أبضع أحدهما مع رجل دنانير من الشركة ليشتري بها شيئًا ثم علم الرجل بموت الذي بعثها معه أو بموت شريكه فإن علم أنها من الشركة فلا يشتري بها شيئًا وليردها على الباقي أو على الورثة، وإن بلغه افتراقهما فله ان يشتري بها ذلك لهما بعد، وفي الموت يقع للورثة بعضه، وهم لم يأمروه بذلك. [الفصل 7 - في أحد المتفاوضين يبضع او يقارض أو يفاوض أو يودع غيره دون أمر شريكه]. ولأحد المتفاوضين أن يبضع أو يقارض دون امر الآخر، ولا يجوز لأحدهما أن يفاوض شريكا إلا بأذن شريكه. وأما إن شاركه في سلعة بعينها غير شركة مفاوضة فجائز. م/ لأن دفعه البضاعة ومفاوضته غيره وشركته في سلعة معينة أو في سلع من التجارة موسع له فيه، وأما شركته شركة مفاوضة فقد ملك هذا الشريك التصرف في مال الشريك الأول بغير إذنه فلم يجز ذلك عليه. وأما إيداعه فإن كان لوجه عذر لتروله بلدا فيرى أن يودع إذ منزله الفنادق وما لا أمن فيه فذلك له، وما أودع لغير عذر ضمنه، وإن أودعك أحدهما فزعمت أنك رددتها إليه فأنكر فأنت مصدق, يريد مع يمينك.

قال: إلا أن يودعك ببينة فلا تبرأ إلا ببينة، وإن زعمت أنها هلكت فأنت مصدق، وإن أخذتها ببينة. وإن رددتها إلى الآخر منها برئت إن صدقك القابض، فإن أنكر لم تبرأ إلا ببينة. وكدافع ثمن ما ابتاع من أحدهما إلى شريكه؛ لأن يد القابض مع التصديق كيد المودع فصار كالمأذون له في الدفع إلى الشريك وهو كما لو أمره أن يدفع ذلك إلى غير شريكه فتصديق القابض له يبرئه. ولو قال القابض قبضتها وضاعت لبرئ بذلك الدافع على ما في كتاب الوديعة، وذلك بخلاف الدين يدعي القابض ضياعه فلا يبرأ بذلك الدافع إلا ببينة على الدفع. وفي كتاب ابن المواز: لا يصدق في الوديعة كما لايصدق في الدين في الدفع، وأما إن أنكر القابض أن يكون قبضها فعلى المودع أن يقيم البينة بدفعها إليه وإلا غرم، إلا أن يكون شرط أن يدفعها بغير إشهاد فيحلف لقد دفعها ويبرأ، ويحلف الآخر أنه ما دفع إلى شيئا وتكون المصيبة من ربها. [الفصل 8 - في المشتري يدفع ثمن ما ابتاع من المتفاوضين أو من أحدهما إلى أحدهما مبايعة أو غيره، وفي ضمان الوديعة إذا أودعها أحد المتفاوضين] ومن المدونة: ودفعك ثمن ما ابتعت منهما أو من أحدهما إلى أحدهما، مبايعك أو غيره، فذلك يبرئك إن صدقك القابض، وإلا لم تبرأ إلا ببينة، وإن أودع أحد المتفاوضين

وديعة فأودعها المودع شريكه ضمن إلا أن يكون ذلك لعذر من عورة بيت أو سفر أراده. ومن دفعت إليه منهما وديعة كانت بيده دون صاحبه، فإن مات ولم تعرف الوديعة بعينها كانت في حصته دينا دون حصة صاحبه؛ إذ ليست من التجارة. وكذلك كل مودع أو مبضع معه أو مقارض مات فلم يوحد شيء من ذلك فذلك في ماله. قال بعض فقهاء القرويين: ولا يمتنع أن يختلف في هذا؛ لأن ذمته على البراءة فلا تعمر بالشك، وإذا أمكن أن يتسلفها وأمكن أن تضيع فكيف يغلب جانب السلف دون أنها ضاعت إلا أن يقال: إن الأغلب أنها لو ضاعت لأخبر بذلك صاحبها وذكر ذلك فكأن سكوته دليل أنه اساتفقها. فإن قيل: يحتمل أن يكون لم يعلم بضياعها. قيل: هذا يمكن إلا أنه نادر فيحمل أمره على الأغلب. [الفصل 9 - فيمن أبضع مع إنسان بضاعة ليوصلها إلى بلد فمات في الطريق أو بعد وصوله] وقد اختلف فيمن أبضع مع إنسان بضاعة ليبلغها له إلى بلد فمات في الطريق أو بعد وصوله البلد. فقال في المدونة: إن مات في الطريق فهي في ماله، فغلب عليه العداء عليها. قال: وإن مات بعد وصوله البلد يريد وإمكان الدفع برئ منها وحمل أمره على أنه دفعها وأنه لو كان حيا لأخبر من شهد على القبض. وقال في كتاب محمد: ضد هذا أبراؤه إن مات في الطريق؛ لأنه حمل أمره على أنه لم يتعد وأنها ضاعت فأغرمه بعد وصوله البلد؛ إذ لو دفعت لعلمت بذلك البيئة. وفي قول

آخر أنه ضامن في الوجهين، وفي قول آخر أنه برئ في الوجهين، فهذا يؤذن أن ذمته. بريئة إذا مات في الحضر على هذا القول الآخر. [الفصل 10 - في أحد المتفاوضين يتعدى ويعمل في وديعة أودعت إليه فيربح فهل يدخل معه مفاوضه في الربح والضمان؟] ومن المدونة: وإن أودع رجل لأحدهما وديعة فعمل في الوديعة تعديا فربح، فإن علم شريكه بالعداء ورضي بالتجارة بها بينهما فلهما الربح، والضمان عليهما، وإن لم يعلم فالربح للمتعدي والضمان عليه خاصة. قال غيره: إن رضي الشريك وعمل معه فإنما له أجر مثله فيما أعانه وهو ضامن وإن رضي ولم يعمل معه فلا شيء له ولا ضمان عليه، ولا يوجب الرضي دون بسط اليد ضمانا ولا ربحا إلا من وجه قول الرجل للرجل: لك نصف ما أربح في هذه السلعة فله طلبه بذلك ما لم يفلس أو يموت. [الفصل 11 - في أحد المتفاوضين يأخذ قراضا ويربح فيه، هل يكون مفاوضه شريكا له في الربح والضمان؟] قال ابن القاسم: وإن أخذ أحدهما قراضا فلا ربح للآخر فيه، ولا ضمان عليه فيما تعدى فيه الآخذ له؛ لأن المقارضة ليست من التجارة، وإنما هو أجير أجر نفسه فلا

شيء لشريكه في ذلك. وكذلك عنه في كتاب محمد: قال فيه وهو على ربحه فيما عمل الآخر ولا يرجع عليه الذي عمل وحده بشئ من أخر عمله. وقال أصبغ: إذا حلف أنه لم يتطوع في خلال ذلك بالعمل فله نصف الأجر بقدر ما عمل في حقه لا على عدد الشهور إذا كان عمله ينقطع في خلال ذلك. قال: وقال أشهب: إنما آجر به نفسه أو ما ربح في قراض أخذه فذلك كله يدخل في الشركة بينهما كما لو تسلف مالا يعمل به فربح فربحه بينهما. قال ابن حبيب: إذا أخذ أحد الشريكين قراضا لنفسه أو أجر نفسه في عمل أو حراسة أو وكالة أو تسلف مالا فاشترى به فربح فيها، أو اشترى لنفسه شيئا بدين فربح فيه فإن لم يكونا متفاوضين فمجتمع عليه أن ذلك له دون شريكه وإن كانا متفاوضين. فابن القاسم: يرى ذلك له دون شريكه ويجعل له نصف الفضل في شركته ولا يجعل عليه لشريكه أجرة لما يؤخر به من عمل الشركة. وكان أشهب يجعل ذلك كله بينهما ويجعل ضمان ما تسلف بينهما، والتفاوض هو تفويض كل واحد منهما للآخر كل ما جر نفعا فيما اجتمعا فيه، أو انفرد به أحدهما،

وقاله أصبغ، وبه أقول. م/ قال بعض فقهاء القرويين: الأشبه أن يكون القراض له خاصة وأن للعامل الأجرة في نصيب الذي أخذ القراض لأنه يقول لم أتطوع له بالعمل إلا طنا أنه يعمل في المال مثل ما أعمل فإذا أشغل منافعه فيما يختص به فلى أن أرجع أنا بإجازة مثلي فيما عملت مما يجب عليه من العمل. قال: وأما القول بأنه لا أجرة له فلعله أراد أنه قصد ألا يرجع بهذا العمل. قال ووجه قول أشهب: كأنه رأى أن كل واحد ملك منافع صاحبه بالتفاوض. [الفصل 12 - في أحد المتفاوضين يستعير ما يحمل عليه لنفسه أو لمال الشركة هل يشترك معه صاحبه في ضمان ما هلك؟] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن استعار أحدهما بغير أمر الآخر ما حمل عليه لنفسه أو لمال الشركة فهلك فضمانه من المستعير خاصة. قال أبو محمد: يريد بعد أن يتبين كذبه في الحيوان. قال ابن القاسم: لأن شريكه يقول له كنت تستأجر لئلا أضمن. وفي رواية ابن المواز: وإن استعار أحدهما دابة أو غيرها فتلف ذلك لم يلزم صاحبه من ذلك ما لزمه هو.

م/ وحكي عن أبي الحسن القابسي أنه قال إنما يضمن هذا المستعير هذه الدابة وحده إن قضى به قاض ممن يرى ذلك، وهو رأي أهل الكوفة، وكان القاضي بمصر يؤمئذ ممن يرى ذلك. ومن المدونة: وقال غيره: لا يضمن الدابة في العارية إلا بالتعدي، ولو استعاراها جميعًا فتعدى عليها أحدهما ضمن المتعدي خاصة في ماله. قال ابن القاسم: وإن استعارها أحدهما لحمل طعام من الشركة فحمله بغيبة الآخر عليها بغير إذن شريكه فعطبت لم يضمن؛ إذ فعل بها شريكه ما استعيرت له، وشريكه كوكيله. ولو استعار رجل دابة ليحمل عليها غلاما له، ثم ربطها في داره، فأتى رجل أجنبي فحمل عليها ذلك الغلام فعطبت كان ضامنًا؛ إذ لم يأذن به ربها، ولا وكله المستعير. قال ابن المواز وقال أشهب: لا يضمن لأنها عطبت فيما استعيرت له. ومن المدونة: قال ابن القاسم وليس لأحد المتفاوضين أن يعير من مال الشركة إلا أن يوسع له صاحبه في ذلك، أو يكون شيئًا خفيفًا كعارية غلام لسقي دابة ونجو ذلك، فأرجو ألا يكون به بأس، والعارية من المعروف الذي لا يجوز لأحدهما أن يفعله في مال الشركة إلا بإذن صاحبه، إلا أن يكون أراد به استئلاف التجارة فلا يضمن. وإن باع

أحدهما جارية ثم وهب ثمنها لم يجز ذلك إلا في حصته، ولا يلزم ذلك، كما لا يلزم أحدهما كفالة الآخر؛ لأنها معروف، وما جنى احدهما، أو غصب، أو استهلك، أو أصدق، أو أجر فيه نفسه، فلا يلزم شريكه منه شيء. [الفصل 13 - في منع أحد المتفاوضين من أن يأذن لعبدهما في التجارة أو يكاتبه أو يعتقه بدون إذن شريكه] وعبد المتفاوضين ليس لأحدهما أن يأذن له في التجارة، ولا يكاتبه، ولا يعتقه على مال يتعجله منه بغير إذن صاحبه إلا أن يأخذ مالا من أجنبي على عتقه مثل قيمته فأكثر فيجوز، وهو كبيعه. وحكي عن ابن القابسي: أنه قال: إنما لم يجز لأحد المتفاوضين أن يأذن لعبد من شركتهما في التجارة؛ لأنه قد يلحقه دين فيصير عيبًا فيه، وأيضًا فإذا أذنا له في التجارة فقد فوضا إليه، وليس له أن يفاوض بالمال بغير إذن شريكه. [الفصل 14 - في أحد المتفاوضين الشريكين بيبع عبدا فيجد المشتري به عيبًا فيريد رده على شركه الآخر] ومن المدونة: ومن ابتاع عبدا من أحدهما فظهر فيه عيب فله رده بالعيب على بائعه إن كان حاضرا، وإن كان غائبا غيبة قريبة كاليوم ونحوه فلينتظر لعل له حجة، وإن كانت غيبة بعيدة فأقأم المشتري بينه أنه ابتاع بيه الإسلام وعهدته- يريد: وأنه نقده الثمن وهو كذا وكذا- نظر في العيب فإن كان قديمًا لا يحدث مثله عند المبتاع رد العبد على

الشريك الحاضر، وإن كان يحدث مثله فعلى المبتاع البينة أن العيب كان عند البائع، وإلا حلف الشريك بالله ما علم أن هذا العيب كان عندنا وبرئ. م/ يريد: كان ظاهرًا أو خفيًا؛ لأن غيره تولى البيع كالوارث، ولو حضر البائع منه حلف على البت في الظاهر، وفيما يخفي على العلم على قول ابن القاسم، فإن نكل الشريك الذي لم يتول البيع، فقال أبو محمد: يحلف المبتاع على البت. والذي في كتاب محمد أن المبتاع إنما يحلف كما يحلف بائعه في الظاهر على البت، وفي الحفي على العلم. قال بعض فقهاء القرويين: ولو جاء الغائب فأقر أنه كان عالمًا بعيبه لا نبغي أن يرده، ويلزم ذلك الشريك الحالف، ولو أنكر الغائب لحلف، فإن نكل فانظر هل يرد عليه جميعه أو نصفه بيمين شريكه، والذي يظهر لي أن يرد عليه جميعه؛ لأن نكوله كإقراره؛ لأنه العامل له، ولا يضره يمين الشريك الحاضر؛ لأنه إنما حلف على أنه لم يعلم أن به عيبًا، وهو لم يعامله. قال: وانظر لو نكل الشريك الذي لم يتول البيع فحلف المبتاع وردها، ثم قدم الغائب فقال: أنا أحلف وأنقص الرد على شريكي فيشبه أن يكون ذلك؛ لأن صاحبه إنما توقف عن اليمين؛ إذ لا حقيقة عنده، قد يكون ذلك له في نصفه، ويمضي الرد في

نصف الحاضر؛ لنكوله؛ لأن متولي البيع كوكيله، واليمين على الموكل في المدونة، وهذا الحاضر قد نكل عن اليمين فانظر ذلك. [الفصل 15 - في قضاء الغريم لأحد الشريكين بعد افتراقهما وفي قضائه للوكيل بعد عزله] ومن المدونة: ومن ابتاع سلعة من أحد المتفاوضين بثمن إلى أجل فقضى الثمن بعد افتراقهما للذي باع منه أو لشريكه، فإن لم يعلم بافتراقهما فلا شيء عليه، وإن علم بافتراقهما ضمن حصة الآخر. ومن النوادر من قول أشهب: إن دفع الثمن بعد الافتراق للذي باع منه برئ الغريم بالدفع إليه بعد ما نهى وإن لم يعلم بالنهي. قال: وإن دفع للذي لم يبايعه لم يبرأ من نصيب الآحر علم بافتراقهما أو لم يعلم؛ لأن الذي لم يبع إنما كان وكيلا على القبض. وأما إن كان له وكيل قد فوض إليه البيع والشراء واقتضاء الديون وأشهد له بذلك، ثم خلعه، وأشهد على خلعه، ولم يعلم ذلك غرماؤه فلا يبرأ غريم مما دفع إليه بعد خلعه كان ذلك من ثمن شئ باعه الوكيل أم لا. قال غيره: إن لم يعلم الوكيل ولا الغريم بأنه خلع فالغريم بريء، وإن علم بذلك أحدهما والآخر عالم أو غير عالم لم يبرأ الغريم. قال بعض أصحابنا: الفرق عند ابن القاسم بين قضاء الغريم لأحد الشريكين بعد

افتراقهما وبين قضائه للوكيل بعد خلعه هو أن افتراق الشريكين لا يقطع الشركة في الدين؛ لأنه باق بينهما بعد الافتراق، وعزل الوكيل برفع يده فافترقا. ووجه قول غيره في مسألة خلع الوكيل إذا قبض من الغريم وقد علم أحدهما بخلعه؛ لأن الغريم وإن لم يعلم الوكيل فالوكيل متعد في قبض الدين لعلمه فهو ضامن، فإن أغرم الدافع رجع على الوكيل. وقال بعض فقهاء القرويين: الأشبه في هذا أن لا يضمن الغريم كما قال في الشريكين يفترقان، وذلك أن كل واحد منهما وكيل على القبض لصاحبه، والغريم وجب عليه الدفع إلى من جاء منهما ففرطا؛ إذ لم يعلماه بافتراقهما. م/: وكذلك الموكل قد فرط إذا لم يعلم الغريم بعزل الوكيل فوجب لذلك ألا يضمن الغريم إذا لم يعلم. قال: وليس قول الغير أيضًا ببين بإغرام الغريم بعد عزل الوكيل. وفي كتاب محمد: أن الذي عليه الدين لو علم أنه حكم عليه بالدفع بشهادة من

شهد للوكيل بالوكالة فإن الغريم يبرأ، وهذا صواب؛ لأنه مجبور على الدفع. [الفصل 16 - في أحد المتفاوضين يشتري لنفسه من الآخر من تجارتهما، وفي إقالة أحد الشريكين وتوليته] ومن المدونة: ولا بأس أن يشتري أحدهما من الآخر من تجارتهما لنفسه لقنية أو لتجارة. وإن اشترى أحدهما عبدا فوجب به عيبًا فرضيه هو أو شريكه لزم ذلك الآخر، فإن رده مبتاعه ورضيه شريكه لزمه رضاه؛ لأن مشتريه لو رده بعيب ثم اشتراه شريكه وقد علم بالرد بالعيب لزم ذلك شريكه. وإقالة أحدهما فيما باعه هو أو شريكه وتوليته لازمة كبيعه ما لم يكن في ذلك محاباة فيكون كالمعروف لا يلزم إلا ما جر به إلى التجارة نفعًا، وإلا لزمه قدر حصته منه، وإقالته لخوف عدم الغريم ونحوه من ناحية النظر وكشراء حادث. [الفصل 17 - في أحد الشريكين يقر بدين لقريب أو صديق ومن يتهم عليه ومن يدخل على غيره ضررا بإقراره] وإن أقر أحدهما بدين من شركتهما لأبويه أو لولده أو لجده أو لجدته أو لزوجته أو لصديق ملاطف ومن يتهم عليه لم يجز ذلك على شريكه، ويجوز إقراره بذلك لأجنبي ممن لا يتهم عليه، ويلزم شريكه. وكذلك من يدخل الضرر بإقراره لمن يتهم عليه كالعبد المأذون له والمريض؛ لأن العبد يدخل بذلك عيبًا في رقبته فيضر بسيده، والمريض يضر بورثته. واختلف في إقرار من أحاط الدين بماله، فإن قلنا: يجوز إقراره فلبقاء بقية الدين في ذمته فلم يتهم، وإذا قلنا: لايجوز؛ فلأنه أدخل الضرر على غرمائه، وأما إقرار هؤلاء لمن

لا يتهم عليه فيجوز لارتفاع التهمة، ونحوه لبعض القرويين. ولو أن شريكين في دار أو متاع أو غير ذلك من العروض أقر أحدهما لأجنبي بنصف ما في أيديهما حلف المدعي واستحق؛ لأنه شاهد كإقرار وارث بدين على الميت، فإن مات أحد الشريكين لم يكن للباقي أن يحدث في المال ولا في السلع قليلًا ولا كثيرًا إلا برضي الورثة؛ لانقطاع الشركة. فإن اشتركا شركة صجيحة فادعى أحدهما أنه ابتاع سلعة وضاعت منه صدق؛ لأنه أمين فيما يلي، وإن مات أحد المتفاوضين فاقر الجي منهما أنهما رهنا متاعا من الشركة عند فلان، وقالت ورثة الهالك بل أودعته أنت إياه بعد موت ولينا فللمرتهن أن يخلف مع شاهده الحي ويستحق الجميع رهنا، وإن أبى فله حصة المقر رهنا؛ لأن مالكا قال: في أحد الورثة يقر بدين على الميت أن صاحب الدين يحلف معه، ويستحق جميع حقه من مال الميت، فإن نكل أخذ من المقر ما ينوبه من الدين، ولا يأخذ من حصته دينه كله. وقال سحنون في كتاب ابنه: القول قول الشريك. وكذلمك إن أقر أحد الشريكين بدين بعد التفرق يلزمهما في أموالهما. وفي قول ابن القاسم: يلزم المقر في حصته. يريد: إذا لم يحلف المشهود له. م/ وقال بعض فقهاء القرويين: اختلف في شهادة أحد الشريكين فأجازها هاهنا

مع أنه لو جرح لغرم جميع المال الذي أقر به أن المتاع فيه رهن؛ لأنه حميل عن صاحبه بنصفه، وإذا كان صاحب الدين يقدر على إغرام الحميل جملة الدين فلماذا يحلف؟ وقد اختلف في شهادة الحميل أيضاَ: فقيل: تجوز. وقيل: إن كان الذي عليه الدين مليئا جازت؛ إذ الحميل غير مطلوب بالحمالة، وإن كان عديمًا لم تجز؛ لأنه مطلوب، وليس هذا ببين؛ لأن الطالب يقول: إنكار الغريم كعدمه، ولا يلزمني أن أحلف، والحميل يقر لي، إلا أن يقال: إنه متى قدر على إغرام الغريم بيمينه مع شهادة الحميل، فنكل عن اليمين، لم تكن له مطالبة الحميل؛ لقدرته على أخذ الغريم بيمينه ويسر الغريم، وفي هذا أيضًا بعد. ويلزم على هذا التأويل في أحد الشريكين اللذين مات أحدهما أنه لو نكل والميت موسر ألا يلزم المقر إلا قدر نصيبه، وقد قيل: إن إقراره بعد الموت جائز على الشريك. وفي المدونة أجاز إقرار العبد بعد أن حجر عليه سيده بدين، ولم يذكر بقرب الحجر أو بعد ذلك، والأشبه أنه إنما يجوز بقرب الحجر، كما لو فلس فأقر سلعة ضرب على يده؛ إذ هذا الأمر لا يقدر على أكثر منه، فأما بعد استسلامه وسكوته فلا

يجوز إقراره، ويغد ذلك تأليجا. [الفصل 18 - في أحد المتفاوضين يجحد الشركة] ومن المدونة: وإن جحد أحد المتفاوضين الشركة فأقام الآخر عليه البينة أنه شريكه فهلك المال بيد الجاحد في الخصومة فإنه ضامن لصاحبه حصته؛ لأنه كالغاضب بمنعه، وإن مات أحد الشركاء فأقام صاحبه بينة أن مئة دينار من الشركة كانت عند الميت فلم توجد، ولا علم مسقطها، فإن كان موته قريبًا من أخذها فيما يظن أن مثله لم يشغلها في تجارة فهي في حصته، وما تطاول وقته لم يلزمه. ألا ترى لو قللت البينة: إنه قبضها منذ سنة وهما يتجران أتلزمه أي أنه لا شيء عليه. قال ابن المواز: أما إن أشهد شاهدين على نفسه بأخذه المئة لم يبرأ منها إلا بشاهدين أنه ردها طال ذلك أم قصر وأما إن كان أقر من غير قصد الإشهاد فكما قال ابن القاسم في طول المدة أو قصرها.

[الباب السابع] جامع مسائل مختلفة من غير المدونة

[الباب السابع] جامع مسائل مختلفة من غير المدونة [الفصل 1 - في الشريك يقدم على شريكه فيجد بيده أموالًا ويدعي الآخر أنها ودائع عنده أو عروض دفعت إليه ليبيعها] ومن العتيبة روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في الشريك يقدم على شريكه فيجد بيده أموالًا فيريد أن يديرها فيقول له شريكه: هي ودائع للناس، أو كانت عروضًا فقال: دفعت إلي لأبيعها فقال الآخر: فسم أهلها فأبى. قال: إن سمي أهلها وادعوا ذلك فليحلفوا كمن استحق بشاهد ويمين، فإن نكلوا أخذوا نصيب المقر، واخذ الشريك نصيبه من ذلك المال، وسواء أقر بوديعة أو بمتاع يبيعه، وإن لم يسم لمن ذلك المال فذلك بين الشريكين على شركتهما. قال بعض فقهاء القرويين: ظاهر قوله أنه يحتاجإلى عدالة المقر؛ لأنه جعله كالشاهد، وكان ينبغي أن يجوز إقراره لمن لا يتهم عليه، وقد يحتمل أنه إنما حلفهم استبراء. وروى أشهب عن مالك في الشريك المفاوض وغير المفاوض يقول: جعلت في مال الشركة مالا عند المحاسبة أو قبل ذلك. قال: يحلف شريكه على البت ما كان له فيه شيء، ولا جعل فيه شيئًا، ويكون

بينهما. فصل [2 - في شريكين يريدان المفاصلة فيدعي أحدهما أن له الثلثين ولشريكه الثلث ويدعي الآخر أن المال بينهما على النصف] قال ابن المواز: قال ابن القاسم في شريكين أرادا المفاصلة فقال أحدهما للآخر: لك الثلث ولي الثلثان. وقال الآخر: المال بيننا على النصف. وليس المال بيد أحدهما دون صاحبه. قال: فلمدعي الثلثين النصف، ولمدعي النصف الثلث، ويقسم السدس بينهما نصفين. وعلى هذا ثبت ابن القاسم. وقال أشهب: المال بينهما نصفين بعد أيمانهما؛ لأن كل واحد حائز للنصف وله حجة. م/ وكذلك عنده لو ادعى ثلاثة فيدعي الثالث الثلث لقسم المال بينهم على ثلاثة، وحجته في ذلك أنهم قد تساووا في الحيازة واليمين، وإنما تفاضلوا في الدعوى، وكذلك لا يوجب زيادة في الحيازة.

[الفصل 3 - في ثلاثة شركاء يريدون المفاصلة ويدعي أحدهم أن له الثلثين ولشريكيه الباقي، ويدعي الثاني أن له النصف والباقي لشريكيه أو يدعي الثالث أن لكل واحد منهم الثلث] قال ابن المواز: وإذا كانوا ثلاثة فقال أحدهم: لي الثلثان ولكما الثلث. وقال الآخر لي النصف ولكما النصف. وقال الآخر لكل واحد منا الثلث. فقال محمد: يقال المدعي النصف ولمدعي الثلث: أنتما إنما تدعيان في المال خمسة أسدادسه فأسلما سدسه لمدعي الثلثين، ثم سكت فيها. قال ابن ميسر: ويقال لمدعي الثلث: إنما تدعي الثلث ثم سكت ثم سئل عنها بعد ذلك فقال: يضربون فيه كل واحد بحصته أي بحصة دعواه على حسب الفرائض، ويقسم المال على تسعة، يضرب فيه مدعي الثلثين بأربعة، ومدعي النصف بثلاثة، ومدعي الثلث بائنين. م/ وهذا الذي ذكر ابن ميسر مذهب آخر في التداعي، وهو مذهب مال. وهو خلاف ما أصل ابن القاسم. والذي يجري على أصل ابن القاسم أن يقال لصاحب النصف ولصاحب الثلث: سلما السدس الباقي لصاحب الثلثين بلا منازعة إذ لا دعوى لكما فيه، فتبقى الخمسة أسداس فصاحب الثلثين يدعي أن له فيها ثلاثة أسداس تمام الثلثين، وصاحب النصف وصاحب الثلث يدعيان الجميع، فتقسم هذه الثلاثة أسداس بينهم نصفين، فيحصل لصاحب الثلثين سدسان ونصف سدس، وذلك عشرة أسهم من أربعة وعشرين سهمًا،

ويبقى من المال أربعة عشر سهمًا، فيدعي صاحب النصف أن له منها اثني عشر سهمًا التي هي نصف جميع المال، وأن السهمين الباقيين لا شيئ له فيهما فيدفعهما لصاحب الثلث، ويدعي صاحب الثلث أن له من الاثني عشر التي ادعى فيها صاحب النصف ستة أسهم بقية تمام ثلث جميع المال على ما في يده، فكل واحد منهما يدعي هذه الستة فتقسم بينهما نصفين، فيحصل لمدعي النصف تسعة أسهم، ولمدعي الثلث خمسة أسهم، ولمدعي الثلثين عشرة أسهم، فذلك أربعة وعشرون سهمًا. قال ابن المواز: ولو ادعى أحدهم جميع المال، والآخر نصفه، والآخر ثلثه. قال: يقال لمدعي النصف ولمدعي الثلث: سلما لمدعي الكل السدس، فتبقى خمسة أسداس، فصاحب الكل يدعي ذلك، وأنتما تدعيانه فيقسم بينهما نصفين، لصاحب الكل عشرة قراريط، ولكما عشرة قراريط، ثم يقال لصاحب الثلث: أنت لا تدعي في هذه العشرة إلا ثمانية، فسلم قيراطين لصاحب النصف، ثم تقسم هذه الثمانية بينك وبينه نصفين؛ لتساوي دعواكما فيها. م/ وإن شئت قلت: يقول صاحب الكل لمدعي الثلث: أنت لا تدعي إلا الثلث فسلم إلى الثلثين بلا منازعة، ثم يتنازعان في الثلث فكل واحد منهما يدعيه لنفسه فيقسم بينهما نصفين، فيحصل لصاحب الثلث السدس أربعة، ثم يقول صاحب الكل لصاحب النصف: أنت لا تدعي إلا النصف فسلم لي الباقي، وذلك الثلث، وهي ثمانية، ثم يتنازعان

في ذلك النصف، فيقسم بينهما نصفين، فيحصل لصاحب الكل أربعة عشر سهمًا، ولصاحب النصف ستة أسهم، ولصاحب الثلث أربعة أسهم. وهذا نحو ما قال محمد: وإن شئت جعلت صاحب الكل أول ما يخاطب صاحب النصف، ثم يخاطب صاحب الثلث كما بيناه. م/ وذكر عبد الوهاب أن المال يقسم بينهم على ستة وثلاثين سهما لمدعي الكل من ذلك خمسة وعشرون سهما ولمدعي النصف تسعة أسهم ولمدعي الثلث أربعة أسهم قال: واحتج من ذهب إلى ذلك بأن يقال لمدعي النصف ومدعي الثلث: أنتما مقران بأن النصف الباقي لا حق لكما فيه فسلماه إلى مدعيه فيأخذه مدعي الكل ثم يقال لمدعي الثلث كنت مقرا بأن السدس الزائد على الثلث لا حق لك فيه فسلمه إلى الذي يدعيه فيصير التداعي فيه بين مدعي الكل ومدعي النصف وأيديهما متساوية فيه فيقسم بينهما نصفين فيصير لمدعي الكل سبعة أسهم من اثني عشر سهمًا ولصاحب النصف سهم ثم يبقى الثلث وهم يتداعون فيه بالسوية وأيديهم عليه متساوية فيقسم بينهم أثلاثا فيكون لكل واحد منهم سهم وثلث فيصير لمدعي الكل ثمانية وثلث ولمدعي النصف سهمان وتلث، ولمدعي الثلث سهم وثلث، فتضرب الاتنا عشر في مخرج الثلث لتسلم السهام فتكون ستة وثلاثين. م/ وما ذكر ابن المواز ابين لأن مدعي النصف ومدعي الثلث لا يسلمان لمدعي الكل إلا السدس الذي فضل عليها وهذا قد جعلهما انهما سلما له النصف ووجه هذا

كأن صاحب الكل يخاطب كل واحد من صاحبيه على جهته فصاحب النصف قد سلم له النصف وصاحب الثلث قد سلم له الثلثين فقد اجتمعا جميعًا على تسليم النصف لمدعي الكل فهذا وجه هذا القول. م/ ويجئ على قياس هذا القول في مسألة مدعي الثلثين ومدعي النصف ومدعي الثلث أن يقال لمدعي الثلث ومدعي النصف سلمًا لمدعي الثلثين السدس إذ لا دعوى لكما فيه ثم يقال لصاحب الثلث أنت مقر أن الزائد على الثلث لا حق لك فيه فسلمه لمن يدعيه وهما صاحب النصف وصاحب الثلثين فيقسم بينهما نصفين فيصير لمدعي الثلثين خمسة من اثني عشر ولصاحب النصف ثلاثة فيبقي لكل واحد منهما من دعواه ثلاثة وصاحب الثلث يدعي أن له أربعة فيقال لصاحب الثلثين والنصف سلمًا الواحد الزائد على ما بقي لكل واحد منكما لصاحب الثلث إذ لا دعوى لكما فيه فيأخذه وتبقى ثلاثة من جملة المال فكل واحد منهم يدعيه لنفسه فتقسم بينهم أثلاثا فيصير لصاحب الثلث اثنان ولصاحب النصف أربعة ولصاحب الثلثين ستة ويتفق ما في أيديهم بالنصف فيرجع إلى ستة لصاحب الثلث واحد ولصاحب النصف اثنان ولصاحب الثلثين ثلاثة. وبالله التوفيق. وعلى ما ذكر ابن ميسر يضرب فيه صاحب الكل بستة أسهم وصاحب النصف بثلاثة أسهم وصاحب النصف بثلاثة أسهم وصاحب الثلثين بسهمين فيقسم المال بينهم على أحد عشر سهما. م/: وهذا القول أبينها واعدلها. وإلى نحوه كان يذهب جماعة من شيوخنا وهو جار على قول مالك فيمن اختلط له دينار مع مائة دينار لغيره ثم ضاع من الجملة دينار فهما شريكان هذا بدينار من مائة دينار ودينار وهذا بمائة دينار ودينار وهو جار على حسب قوال الفرائض والوصايا كمن أوصى لرجل بماله وللآخر بنصف ماله وللأخر بثلث ماله فالثلث يقسم بينهم على أحد

عشر سهمًا باتفاق وكذلك في مسائل الدعوى. والله أعلم. [الفصل 4 - فيمن أقر أن فلانًا شريكه ولم يحدد مقدار حصته] ومن مسائل سئل عنها سحنون: ومن أقر أن فلانًا شريكه، ولم يقل: في جميع ماله، ولا مفاوض. فإن قال: شريك لي في هذا المال لبعض مال في يديه فهو كما أقر، وإن لم يسم مالًا، وكان قبله كلام يستدل به على ما بعده، فإنه يكون شريكًا على ما يستدل به مما كان بينهما من الكلام قبله، وإن لم يكن شيء مما ذكرت لك، فهو شريك في جميع المال. ولو أقر أن فلانًا الغائب شريكه، ثم يزعم بعد ذلك أنه شريكه على الربع، أو إنما هو شريكه في مائة دينار فإنه شريكه على النصف. [الفصل 5 - فيمن أشرك من سأله الشركة في سلعة ولم يحدد مقدار حصته ثم اختلفا بعد الخسارة]. ومن كتاب ابن المواز والعتبية قال مالك فيمن قال لرجل يسأله الشركة في سلعة: قد أشركتك, ولم يسم بكم ثم اختلفا بعد الخسارة، فقال المستشرك: أشركتني بالسدس وقال الذي ولي الشراء: بالنصف. فالذي ولي الشراء مدع، ويحلف الآخر ويصدق، إلا أن يأتي بما لا يعرف بالدينار ونحوه. وإن ربحا في السلعة فادعى المستشرك بالنصف، وقال الآخر: بالسدس فالمستشرك مدعٍ ويصدق الآخر مع يمينه. قال مالك: وإذا كان النقصان فالذي كان ولي الشراء أو أشرك مدعيًا، وإذا كانت الزيادة فالمستشرك مدع. وقال ابن القاسم وأصبغ: فإن قال كل واحد: لم أنو شيئًا. ولم يدعياه، فهي بينهما نصفين.

قال ابن القاسم: وإذا كانت السلعة قائمة فقال المشتري: إنما أشركتك بالربع أو بالسدس فالقول قوله ويحلف، كالتداعي في بيع بعض السلعة فيقول البائع: بعتك الربع، ويقول المبتاع: بل النصف. فالبائع مصدق ويحلف، وإن قال البائع: بعت منك النصف. وقال المشتري: بل الربع. فالمشتري مصدق مع يمينه. ابن المواز قال مالك: القول قول من ادعى الأقل، وإن كانت السلعة قائمة إن ادعى التسمية. فإن أقر بدفع التسمية وأن ذلك كان فيما بينهما فهو على النصف والنصف. قال ابن القاسم: من ادعى الأقل صدق مع يمينه إذا لم يكن بينًا ذلك، وإن قال رب السلعة: لم أرد ربعا ولا ثلثا ولا أقل ولا أكثر فهو على النصف. ومن الواضحة: وإذا أشرك من سأله ممن يلزمه أن يشركه، ثم اختلفا فقال: أشركتك بالربع. وقال الآخر: بالنصف. وقالا: نطقنا به أو أضمرناه من غير نطق بذكر الجزء. فالقول قول من ادعى النصف منهما، وإن لم يدعه أحدهما رد إليه؛ لأن ذلك أصل شركتهما في القضاء. وإن كانوا ثلاثة فعلى عددهم ما كانوا، وكأنهم ولوا الشراء، ولأن ما وضع عن المشرك دخل فيه المشتري، وسواء في هذا كانت قائمة أو فائتة، بيعت بزيادة أو نقصان. وأما من استشرك رجلا في سلعة اشتراها ممن لا يلزمه أن يشركه، فأشركه ثم اختلفا هكذا فإن كان ذلك فيما نويا ولم ينطقا به كانت بينهما نصفين، وإن كانوا أكثر فعلى عددهم، كانت قائمة أو بيعت بربح أو بنقص وإن قالوا نطقنا بما يدعيان فهو كالبيع، ويحلف المشرك ثم إن شاء الآخر أخذ ما قال، أو يحلف ويترك ما كانت قائمة أو بيعت بفضل، وإن بيعت بوضيعة وادعى المستشرك جزءًا أقل من دعوى الآخر فالمستشرك مصدق مع يمينه؛ لأنه الغارم هاهنا. والفرق بين هذه وبين الأولى فيمن يقضى له

بالاستشراك أن عهدتهما فيما يقضي به على البائع الأول وهذا عهدته على من أشركه، وقاله كله أصبغ. [الفصل 6 - في الرجل يسأل المشتري الشركة بعد وجوب البيع]. ومن كتاب ابن المواز والواضحة قال مالك في الرجل يريد شراء سلعة للتجارة فيقف به الآخر لايتكلم فلما وجب البيع طلب الدخول معه فأبى. قال: يجبر على الشركة إن كان شراؤه للبيع. وقاله ابن القاسم وأشهب، إلا من اشترى لمنزله أو ليخرج بها إلى بلد كذا فلا يشرك فيها الآخر، وكذلك في العتبية. قال مالك: وإنما رأيت ذلك خوفًا أن يفسد الناس بعضهم على بعض إذا لم يقض لهم بهذا فيأتي منه باب فساد وذلك من الرفق بالناس. قال ابن حبيب: وإنما يرى ذلك مالك لتجار أهل تلك السلعة وأهل سوقها إن كان مشتريها من أهل التجارة أو من غيرهم إذا اشتراها للتجارة، وإنما يختلف ذلك في المشرك، فإن كان من أهل التجارة وجبت له الشركة، وإن لم يكن من أهلها لم تجب له إلا برضى المشتري استشرك بعد تمام الشراء أو قبله، وروى أن عمر قضى بمثل ذلك. [الفصل 7 - في المشتري يسأل الشركة عند المبايعة فيسكت، أو يأبى] قال أصبغ: وإذا سئل الشركة عند المبايعة فسكت، فلما تم البيع أبى من ذلك

واحتج بسكوته، فلا حجة له بذلك، ولمن شاء الدخول معه إذا كان من أهل تلك التجارة. ابن حبيب: ولو قال لهم لما سألوه: لا أفعل. فسكتوا، فلما تم البيع أرادوا الدخول معه فليس لهم ذلك إذا قال: لم أشتر إلا لنفسي، ولا حجة لهم إن قالوا: إنما سكتنا عن السوم خيفة ارتفاع قيمة السلعة، وقالوا: لما كان لنا أن نشترك بعد الصفقة، ولا يضرنا إباؤه بعدها، فكذلك قوله: لا. قبل الصفقة، فلا ينفعهم ذلك؛ لأنه قد أنذرهم بالمنع قبل الصفقة، ولو شاءوا اشتروا. قال: ولو حضروا وسكتوا فلما تم البيع تبين له فيها نقصان، فأراد أن يدخلهم معه فليس له ذلك، ولو سألوه الشركة وهو يسوم فسكت، أو قال: نعم. لزمتهم إن امتنعوا، وكانت المصيبة منه ومنهم. قال: وهذا في كل شيء يشتري من طعام أو إدام أو حيوان أو رقيق أو غيره إذا اشتراه للتجارة، فأما إن ابتاع طعامًا لأكله أو ثوبًا يلبسه هو أو عياله أو خادمًا تخدمه فليس لأحد أن يدخل معه في ذلك والقول قوله أنه لذلك أراده مع يمينه كان من أهل تلك التجارة أو من غيرهم إلا أن يستدل على خلاف قوله. قال أصبغ في العتبية: إلا أن يستدل على كذبه لكثرة تلك السلعة وأن مثلها لا يشترى إلا للتجارة فلا يصدق ويدخلون معه وإن لم يتبين كذبه صدق ولم يذكر اليمين. قال أصبغ: ولا يدخل بزاز مع زيات ولا أهل سلعة على سلعة ولو كان محتكرًا لهذه السلعة ويتجر بها رأيت أن يدخل في هذه السلع حيث وجد من يشتريها في أسواقها ولو لقي سلعته في بعض الأزقة والدور فابتاعها بمحضر رجل من أهلها فلا شركة له معه ولا شركة في السلع إلا في مواضعها لا فيما اشتراه الرجل في حانوته أو بيته أو داره.

قال: ومن وقف يسوم سلعة للتجارة فوقف به من هو من أهلها فقال اشركني فسكت عنه المساوم ثم مضى عنه طالب الشركة، ثم طالبه بعد البيع فلا يقضى له عليه إن أبى ويحلف ما اشترى عليه ولا رضى بما سأل ولو أراد المشتري أن يلزمه الشركة فأبى قال تلزمه الشركة إذا شاء المشتري لأنه طلبه. [الفصل 8 - العهدة فيما يشترك فيه غير المشتري] قال مالك في كتاب محمد في العهدة فيما يشترك فيه: أما فيما يقضي له بالشركة فيه فعهدتهما على البائع، وأما إن أشركه بعد تمام البيع، فإن كان بحضرة ذلك، ولم يفترقا، فأشركه أو ولاه فعهدته على البائع الأول، ولا شيء على المشتري من عيب ولا استحقاق، اشترط ذلك أو لم يشترطه. وأما إن باعه ذلك بيعًا بحضرة البيع فالعهدة على البائع الثاني إلا أن يشترطها على الأول فيلزم إلا أن يتفاوت وقت البيع الأول فلا يلزم هذا الشرط والعهدة على الثاني. قال أصبغ: وحد ذلك أن يفترق من الأول افتراقا بينا وانقطاع ما كانا فيه من مذاكرة البيع ثم يبتاع الثاني فلا ينفع ها هنا شرط العهدة على الأول. وكذلك في العتبية والواضحة من أول المسألة قال: وإذا بعد وافترقا لم يجز أن يشترط على الأول إلا على وجه الحمالة ويرضى بها.

قال ابن المواز: وما ذكرنا من عهدة الاشتراك فإنما هو مما يشتري بعينه فأما ما أسلم فيه فيبيعه المشتري إن جاز بيعه أو يشرك فيه أو يولي ما لا يجوز بيعه فعهدة ذلك أبدا على من هو في ذمته. [الفصل 9 - في رجل يأتي بحمام ذكر والآخر بأنثى على أن ما أفرخا بينهما، وفي آخر يأتي ببيض لرجل ويطلب منه أن يجعله تحت دجاجته، فما كان من فراخ فبينهما] ومن العتبية والموازنة قال ابن القاسم عن مالك: وإن جاء رجل بحمام ذكر والآخر أنثى على أن ما أفرخا فبينهما فلا بأس به وأرجو أن يكون خفيفًا والفراخ بينهما لأنهما يتعاونان في الحضانة. قال في العتبية: وإن جاء رجل ببيض إلى رجل فقال: اجعله تحت دجاجتك فما كان من فراخ فبيني وبينك، فالفراخ في هذا كله لصاحب الدجاجة وعليه لصاحب البيض مثله، وهو كمن جاء بقمح إلى رجل فقال له: ازرعه في أرضك بيننا، فإنما له مثله والزرع إنما يكون لصاحب الأرض. [الفصل 10 - في عبد نصفه حر ويريد سيده أن يخرج به إلى بلد آخر] قال أشهب: قال مالك في عبد نصفه حر فأراد سيده أن يخرج به إلى بلد آخر: فذلك له إن كان مأمونًا، وإن لم يكن مأمونًا فليس له ذلك، وما هو بالبين، ونفقته إذا قضى له بالخروح على السيد، وكذلك كراؤه حتى يقر قراره بالموضع الذي يكون له فيه عمل، فإن كان سفرهم في موضع ليس فيه كسب فالنفقة على السيد حتى يقدم؛ لأنه

أخرجه من موضع عمله وكسبه. وروى البرقي عن أشهب أنه قال الذي يأخذ بقلبي أنه ليس له أن يخرج به وإن كان مأمونًا، ولا يزوجه إلا يإذنه. م/: سواب كالعبدين الشريكين. [الفصل 11 - فيمن أراد أن يحمل متاعه في سفينة يملك بعضها ومنعه شريكه إلا بكراء] قال سحنون في رجلين لهما سفينة فيريد أحدهما أن يحمل فيها متاعه، وليس لصاحبه شيء يحمله ويريد الذي ليس له ما يحمل منعه إلا بكراء ويقول الآخر أنا أحمل في نصيبي قال: فله أن يحمل في نصيبه ولا يقضى لشريكه بكراء فإما أن يحمل مثل ما حمل صاحبه من الشحنة والمتاع وإلا بيع المركب عليهما. [الفصل 12 - في قوم حملوا طعاما في سفينة مخلوطًا ثم أراد أحدهم أن يبيع حصته في الطريق] قال أشهب عن مالك في قوم يحملون الطعام في سفينة مخلوطا فيريد أحدهم البيع في الطريق فليس له ذلك إلا برضا أصحابه؛ لأنه ربما فسد أسفل الطعام أو يمطروا بعد ذلك فيفسد الطعام فلا يأخذ أحد منهم حتى يبلغوا فيقتسمون الفاسد والجيد إلا أن يسلموا إليه حقه فذلك لهم ثم لا تباعة لهم عليه إذا وجدوا ذلك فاسدًا. ابن المواز قال مالك في قوم حملوا طعامهم في سفينة فأحب أول من يمر بمنزله أن يأخذ طعامه فله ذلك، ثم إن غرقت السفينة بعد ذلك فلا تباعة لهم على الأول أذنوا له في

ذلك أم لا، إلا أن ينقص المكيل فلهم الرجوع عليه بحصته من النقص. فصل [13 - في الزيتون والجلجلان والفجل يأتي كل رجل من الشركاء بكمية معلومة منه فيخلط ثم يعصر] ابن المواز قال مالك في الزيتون يأتي هذا بإردب وهذا بأكثر حتى تمتلئ الاستقالة فيعصر قال: إنما يكره ذلك؛ لأن بعضه أكثر إخراجاً من بعض، فأما لحاجة الناس إلى ذلك فأرجو أن يكون خفيفاً، ولابد للناس من مصالحهم. قال في العتبية: وكذلك في عصر الجلجلان والفجل. قال سحنون: لا خير فيه. [مسألة: في شريكين تخاصما في مال فادعى أحدهما ضياعه فكتب إقراره ثم ادعى دفعه لصاحبه] وروى عيسى عن ابن القاسم في شريكين تخاصما إلى قاض فسأل أحدهما صاحبه عن المال فقال: ضاع مني. فكتب إقراره، ثم قال: قد دفعت إليه. فقال: اكتبوا إقراره. فقال حينئذ: إنما دفعته إليه من مالي بعد الضياع. فقال: لا يصدق. وأراه ضامناً.

[مسألة: في شركاء في سلعة باعها أحدهم وقبض ثمنها فطلبه شركاؤه حصتهم من الثمن فقال: دعوني أتسوق ثم أعطيكم، ثم جاء يدعي أنه سرق منه] وقال في شركاء في سلعة ولي أحدهم بيعها وقبض ثمنها، فقال له شركاؤه: أعطنا حقنا منها. فقال: نعم هو في كمي أتسوق به ثم أعطيكم. فذهب ثم أتى، فقال: قد قطعت من كمي. قال: يضمن إذا سألوه فلم يعطهم. قيل له: لما أردنا خصومته قال: أسلفوني دينارين أتجر بهما، وأقضيكم من ربحهما، وأخروني حولاً، وأقر لكما، واكتبوا علي بذلك كتاباً، ففعلنا، فأردنا الآن خصومته، هل يؤخذ بهذا الإقرار؟ قال: لا؛ لأنه يقول إنما أقررت على أن تسلفوني وهذا لا يحل، فإن أصبتم بينة حين سألتموه حبسه عنكم، ثم جاء يدعي أنه تسوق به فقطع منه فهو ضامن.

[الباب الثامن] بقية القول في مسائل المزارعة من غير المدونة

[الباب الثامن] بقية القول في مسائل المزارعة من غير المدونة [الفصل -1 - فيما إذا اشترك رجلان فأخرج أحدهما الأرض وثلثي البذر والآخر ثلث البذر وعليه العمل] ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون ونحوه عن ابن حبيب: وإذا اشترك رجلان فأخرج أحدهما الأرض وثلثي الزريعة، وأخرج الآخر ثلث الزريعة والعمل، على أن يكون الزرع بينهما نصفين. ابن حبيب: أو على الثلث والثلثين، فذلك جائز كله إذا كافأ عمله كراء الأرض، وما فضل به رب الأرض من الزريعة؛ لأن زيادة الزريعة بإجارة عمل العامل. قالا: فإن جعل العامل ثلثي الزريعة وصاحب الأرض ثلثها على أن الزرع بينهما نصفين لم يجز. قال ابن حبيب: إلا على الثلث والثلثين. قالا: لأن زيادة الزريعة هاهنا بكراء الأرض، فإذا وقع على ما لا يجوز فالزرع بينهما على الثلث والثلثين، ويترادان الفضل والأكرية. قالا: وإن أخرج أحدهما ثلثي الأرض وثلث البذر وأخرج الآخر ثلث الأرض وثلثي البذر والعمل والزرع بينهما نصفين لم يجز. قال سحنون: وكأنه أكرى سدس أرضه بسدس بذر صاحبه، فإذا نزل فلكل واحد بقدر ماله من البذر، ويتراجعان في فضل الأكرية، فإن عرف كل واحد منهما زريعته على

حدة كان له ما أنبتت. ويتراجعان في الأكرية. قال بعض فقهاء القرويين: وهذا على مذهب ابن غانم. وينبغي على مذهب ابن القاسم أن يكون الزرع بينهما نصفين؛ لأن صاحب ثلثي الأرض قد عمل نصف العمل في مقابلة نصف الأرض فاستوجب نصف الزرع، ويكون له كراء سدس أرضه؛ لانفراده، وعليه سدس الزريعة لصاحبه، وصاحب ثلث الأرض وثلثي الزريعة قد أخرج نصف العمل فيضيف إليه من بذره ما يكافئه، فيصير له نصف عمل ونصف بذر فيستوجب به نصف الزرع، وبقي له سدس بذر لا عمل معه، فيرجع على صاحبه به فاعلم ذلك. [الفصل -2 - فيما إذا اشترك ثلاثة فأخرج أحدهم الأرض ونصف البذر والثاني نصف البذر فقط والثالث البقر والعمل على أن الزرع بينهم أثلاثاً] قال سحنون: وإذا اشترك ثلاثة فأخرج أحدهم الأرض ونصف البذر، والآخر نصف البذر فقطـ، والثالث البقر والعمل على أن الزرع بينهم أثلاثاً لم يجز. فإذا نزل فالزرع على مذهب ابن القاسم بين العامل وبين رب الأرض، ويغرما لمخرج نصف البذر مكيلة بذره، وعلى مذهب سحنون أن الزرع لصاحبي الزريعة، وعليهما كراء الأرض والعمل. وقال ابن حبيب: قد أخطأوا، ويصير الزرع بينهم أثلاثاً.

أبو محمد: والذي ذكر ابن المواز على أصل مذهب ابن القاسم أن الزرع لمن ولي العمل إذا سلمت الأرض إليه، ويؤدي مثل البذر لمخرجه، وكراء الأرض لربها. قال بعض فقهاء القرويين: وما ذكره سحنون أن الزرع بين العامل وبين رب الأرض كلام فيه اعتراض وذلك أن ابن القاسم لم يجعل للمنفرد بالعمل وحده شيئاً؛ إذ لو أخرج رجل الأرض والبذر، والآخر العمل لم يكن لمتولي العمل إلا أجره مثله، فوجدنا هاهنا لواحد أرضاً ونصف البذر لا يستوجب به شيئاً على الانفراد، وللآخر نصف زريعة لا يستوجب بها شيئاً على الانفراد، وللآخر عمل لا يستوجب به شيئاً على الانفراد، وإنما خص رب الأرض بنصف الزرع لما اجتمع له نصف الأرض ونصف البذر، وبقي له نصف أرض، وللآخر نصف بذر، وللآخر عمل. فلو قيل: إن النصف الباقي يقسم بينهم أثلاثاً لتساويهم فيما أخرجوه لأشبه ذلك. فأما قول أبي محمد أنه لصاحب العمل على مذهب ابن القاسم فلم يجد لابن القاسم أن من انفرد بالعمل وحده دون أن يضم معه شيء آخر أن له الزرع، وإنما جعل من له العمل أولى بالزرع إن انضاف إلى ذلك أرض أو بذر. وأما مذهب ابن حبيب أن ذلك بينهم أثلاثاً فعلى أصله؛ لأنهم سلموا من كراء الأرض بالطعام؛ لأن رب الأرض لم يشترط من الزرع إلا قدر ما أخرج من البذر.

فصل [3 - فيمن أعطى أرضه آخر ليزرعها ببذره وبقره وعمله فما خرج فبينهما نصفين] قال سحنون عن أبيه في أرض بين رجلين دفعها أحدهما إلى آخر يزرعها ببذره وبقره وعمله فما خرج فبينهما نصفين فلا يجوز، وكأنه أعطاه نصفه من الأرض معاملة بجزء مما تنبته. وقال ابن عبدوس: ذلك جائز لأنه معين له بالعمل متطوع بالبذر. قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا كان على أن يزرعها المدفوعة إليه ببذر الدافع ومن عند الآخر العمل فما خرج فثلثه للعامل وما بقي وهو الثلثان للدافع فإن كان قيمة البذر الثلثان وقيمة العمل الثلث يريد أن قيمة ثلثي البذر مثل قيمة ثلثي العمل فذلك جائز. قال ابن عبدوس: هذا خطأ؛ لأنه كراء الأرض بالطعام؛ لأن العامل له ثلث الزرع بثلث الأرض وأكرى سدس الأرض وثلث العمل بثلث البذر الذي من عند شريكه. صوابه قال ابن سحنون عن أبيه: لو كان البذر بينهما نصفين على أن يزرعه أحدهما ببقره وعمله على أن للعامل من ذلك الثلثين أو النصف، وللآخر ما بقي، فهذا فاسد؛ لأن الذي ولي العمل وله الثلثان أكرى بقره وعمله بثلث ما أخرجت أرض شريكه، وإن كان ما أخرج بينهما نصفين لم يجز أيضاً إذا لم يعتدلا. قال ابن عبدوس: إذا اشترط العامل الثلثين فذلك جائز، وكان الذي لم يعمل أعطى سدس البذر وسدس الأرض بثلث عمل العامل وذلك جائز، ولو كان ما قال سحنون يدخل لكان إذا أخرج أحدهما أرضاً وبذراً والآخر عملاً لم ينبغ أن يجوز على علة قوله، وهو قد أجاز هذا. قال بعض فقهاء القرويين: وقول ابن حبيب في هذه المسألة نحو ما قال سحنون إذا قصد أنه أجيز بنصف ما يخرج لم يجز ذلك، فإن قصد أنه قبض ما استؤجر به من البذر

ومنافع الأرض جاز ذلك، وقد قدمنا من قول ابن حبيب قبل هذا ما يبين هذا، والله الموفق. فصل [4 - فيمن أخرج بذراً ودفعه إلى آخر وقال: ازرعه لي في أرضك فما خرج فهو لك] قال ابن سحنون عن أبيه: ولو أخرج رجل بذراً فقال لرجل: ازرعه لي في أرضك فما خرج فهو لك. فهذا فاسد، وما خرج فلرب البذر، وعليه كراء الأرض. وقال ابن عبدوس: هذا جائز، وهو معروف صنعه به، ومالك إنما يراعي ما يصح في العاقبة وإن أخطأ في اللفظ. م/ صوابه. قال سحنون: ولو قال له: ابذره في أرضك لنفسك فما خرج فهو لي. فهو فاسد، والزرع لرب الأرض، وكأنه وهبه البذر ثم استثنى الواهب ما أخرج. م/: إن بقي التبن للعامل وكان ما خرج من الحب خاصة لرب البذر فهو فاسد، وإن كان التبن وجميع ما خرج للذي دفع البذر فذلك جائز على قول ابن عبدوس؛ لأن الذي صح من الفعل أن العامل تطوع له فزرعه في أرضه وحصده له ودرسه، فهو معروف صنعه له. وقوله: ابذره في أرضك لنفسك لغو لا حكم له. قال ابن سحنون: ولو قال رب البذر: لم ارد أن أهبه لك حلف ورجع عليه بمثله كما لو وهبه رمكة على أن ما تنتج للواهب فقبضها على ذلك فإن ما تنتج للموهوب، واستثناء الواهب باطل. وإن أعطيته أرضك وبذرك وبقرك على أن يزرع فالزرع بينكما نصفين لم يجز وهو أجير، والزرع لرب البذر، ولو قال: قد جعلت النصف من أرضي وبقري وبذري كراء لنصف عملك لم يجز. فإن نزل هذا كان الزرع بينهما نصفين،

ويتراجعان الفضل في الأكرية؛ لأن هذا قبض نصف البذر خاصة في إجازته. م/: انظر لم هذا؟ وما الفرق بين هذه المسألة وبين التي قبلها؟ وهل هو إذا أعطاه أرضه وبقره وبذره على أن يتولى الآخر العمل، والزرع بينهما نصفان، إلا أعطاه نصف أرضه وبقره وبذره بنصف عمله، ولو لم تكن المسألتان جائزتين إذا ساوى عمله كراء الأرض والبقر والبذر، ومالك إنما ينظر إلى الفعل لا إلى القول، وما الفرق بين ذلك وبين الذي أخرج الأرض وثلثي الزريعة وأخرج الآخر ثلث الزريعة والعمل؟ فقد أجازوه إذا كان عمله مساوياً لكراء الأرض والبقر وما فضله من الزريعة، وكذلك يجب أن يكون إذا أخرج العامل عشر الزريعة أو أقل من ذلك وتكافئوا فيما أخرجوه أن يجوز وكذلك يجب إذا كافأ عمله كراء الأرض والبقر. وقد قال بعد هذا إذا أخرج أحدهما الأرض والبذر وأخرج الآخر البقر والعمل أنه جائز إذا تساوى ذلك فهذا مثله. م/: وأراهم والله أعلم أنهم جعلوا إذا لم يخرج العامل إلا عمل يده فقط أنه أجير وإن كافأ عمله ما أخرج صاحبه، وإن أخرج العامل شيئاً من المال إما بقراً أو بعض الزريعة وإن قل وكافأ ذلك وعمل يده ما أخرج الآخر فإنهما شريكان والقياس أن يكون ذلك كله سواء، ولكنهم أهل للصواب وبالله التوفيق.

فصل [5 - في رجلين اشتركا فأخرج أحدهما الأرض فقط، والعمل والبذر على الآخر على أن له نصفه على رب الأرض] قال ابن حبيب: ولو اشتركا فأخرج أحدهما الأرض، والعمل على الآخر وجميع البذر، على أن له نصفه على رب الأرض لم يجز بشرط السلف. فإن وقع فالزرع بينهما نصفين؛ لأنهما ضمنا الزريعة وتكافأ في العمل وكراء الأرض، ويرجع مخرج الزريعة بنصفها معجلاً على الآخر. ونحوه روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية. وقال ابن سحنون عن أبيه: الزرع لمسلف الزريعة، وعليه كراء الأرض قبض رب الارض حصته من الزريعة أم لا، إذا وقعت الشركة على شرط السلف، إلا أن يكون أسلفه من غير شرط بعد صحة العقد. قال بعض فقهاء القرويين: جعل ابن حبيب المتسلف قابضاً للسلف مع كون الذي أسلفه عليه فجعل الزرع بينهما. وجعل سحنون المتسلف لا يكون قابضاً للسلف مع كون الذي أسلفه عليه فلذلك جعل الزرع للذي أسلف. قال ابن حبيب: ولو اختلفا فقال العال: بذرت مدياً. وقال رب الأرض: ما بذرت إلا نصف مدي. فالعامل مصدق مع يمينه إلا أن يأتي بما لا يشبه فيصدق الآخر فيما يشبه، فإن لم يأت بما يشبه نظر قدر محمل الأرض من البذر فيؤدي نصفه. ولو أسلفه بعد صحة العقد من غير شرط ولا عادة جرياً عليها جاز ذلك.

فصل [6 - في الشريكين في الزرع يحرثان الأرض ثم يغيب أحدهما عند البذر ويخاف شريكه فوات أوان الحرث فيخرج جميع البذر من عنده] ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم في الشريكين في الزرع يحرثان الأرض، ثم غاب أحدهما عند الزريعة، وخاف شريكه الفوات، فأخرج جميع الزريعة من عنده فزرعها، فقال ابن القاسم: لا يكون لصاحبه شرك في الزرع، وإنما له كراء مثل نصف الأرض محروثة والزرع لزارعه. قيل له: فإن أحضر رجالاً فقسم الأرض بمحضرهم وحرث في نصيبه. فقال: لا ينفعه وعليه نصف كراء ما زرع إلا أن يقسم ذلك بأمر السلطان. وكذلك في كتاب ابن المواز من أول المسألة وزاد: ولو زرعها الحاضر من غير قسم ليكون بينهما فقدم الغائب فرضي فذلك جائز؛ لأن لهما زرعها الحاضر من غير قسم يكون بينهما، ولو زرعها لنفسه لم يجز أن يعطيه نصيبه من البذر ليكون الزرع بينهما، ولا يجوز أن يشتريه إلا بعد بدو صلاحه بغير الطعام. قال: ولو اكتريا أرضاً ليزرعها بينهما، فغاب أحدهما فزرع صاحبه نصفها وطاب الزرع فهو له خاصة، وعليهما كراء ما تعطل منها. قال أصبغ: وعلى الزارع نصف قيمة المزروع منها إن كان ذلك أكثر. يريد من الثمن. وما تعطل فهو عليهما وكراؤها كلها عليهما.

فصل [6 - في شريكين في أرض أعطى أحدهما صاحبه مالاً ليشتري به ما نابه من البذر فيزرع ثم يدعي أنه نسي وزرع من عنده] قال سحنون عن ابن القاسم في رجلين بينهما أرض فاشتركا وأعطى أحدهما للآخر دنانير فقال: اشتر بها ما وقع علي من البذر فيزرع ثم يدعي أنه نسي ولم يشتر شيئاً وإنما زرع من عنده. قال: الزرع بينهما ولا يصدق. قال: وإن صدقه صاحبه الآمر أنه لم يشتر فهو مخير إن شاء أعطاه المكيلة وكان شريكه وإن شاء أخذ دنانيره ولا شيء له في الزرع. وقال يحيى بن عمر إن صدقه أنه لم يشتر شيئاً أو قامت بذلك بينة ثم زرع من عنده فالزرع لباذره ولا يجوز للآخر الرضا بأخذ نصفه ويؤدي الزريعة، وهذا حرام، وليأخذ دنانيره، وما يجب له من كراء الأرض والبقر والعبيد. وهذه المسألة في كتاب ابن سحنون عن ابن القاسم كما في العتبية. وقد قال غيره: إن صدقه وقد تم الزرع فهو للذي زرعه، وللآخر كراء أرضه.

فصل [8 - في المتزارعين يخرج أحدهما صنفاً من البذر والآخر صنفاً آخر] ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ولا يجوز في المزارعة أن يخرج هذا قمحاً وهذا شعيراً أو سلتاً أو صنفين من القطاني يخرج كل واحد منهما صنفاً، ويعتدلان فيما بعد ذلك، فإن نزل ذلك فلكل واحد ما أنبتت زريعته، ويتراجعان في الأكرية. وقد قال بعد ذلك: تجوز الشركة بأن يخرج هذا قمحاً وهذا شعيراً في المزارعة، وفي شركة التجارة إذا اعتدلت القيمة بالدنانير والدراهم، وإنما لا يجوز صرف وشركة إذا كان الصرف خارجاً من الشركة، وأما فيها فجائز. قال بعض فقهاء القرويين ومن لم يجز الشركة بالدراهم والدنانير لم يجز الشركة في المزارعة بالطعامين المختلفين، ولا بالقمح والشعير، وإن اعتدلت قيمتهما؛ لأن التناجز لم يحصل هناك وذلك لبقاء يد كل واحد على طعامه، ويكون لكل واحد ما أنبت طعامه، ولا يكون التمكين قبضاً، كما جعل في الشركة الفاسدة بالعرض إذ لكل واحد ثمن سلعته، ولا يضمن ذلك أحدهما لصاحبه، وإنما يشتركان بأثمان تلك السلعة التي وقعت الشركة بها فاسدة، وإن كان البيع وقع من الذي اشترك ببقاء يد المشترك عليها فلم يلزم أحدهما قيمة نصف سلعة صاحبه. قال سحنون وابن حبيب: وإذا خرج أحدهما الأرض ومد قمح ونصف مد شعير، ومن عند الآخر مدين من قمح وجميع العمل على أن جميع الزرع بينهما فذلك جائز. قال سحنون: إذا كان العمل مكافئاً لكراء الارض ولما أخرج ربها من شعير. ابن حبيب: لأن الشعير ثمن لبعض العمل. قال: ولو أخرج صاحب العمل من القمح أكثر مما أخرج رب الأرض لم يجز ويدخله قمح بشعير غير يد بيد، وكراء الأرض ببعض

ما يخرج منها، فإن وقع فما أخرج الشعير فلربه، وما أخرج القمح فبينهما بقدر البذر، ويتراجعان في فضل الأكرية، ولو كان رب العمل هو مخرج الشعير واعتدلا في القمح لم يجز، وإن عرف كل واحد ما أنبتت زريعته فهو له، ثم يترادان فضل الأكرية. فصل [9 - في المتزارعين يخرجان البذر بينهما ويزرعان بذر كل واحد في ناحية قبل خلطه] ومن كتاب ابن سحنون: وإذا صحت الشركة في المزارعة وأخرجا البذر بينهما جميعاً إلا أنهما لم يخلطاه، فزرعا بذر هذا في فدان أو في بعضه، وزريعة الآخر في الناحية الأخرى، ولم يعملا على ذلك، فإن الشركة لا تنعقد، ولكل ما أنبت حبه، ويتراجعان في فضل الأكرية ويتقاصان. قال: وإنما تتم الشركة إذا خلطا ما أخرجا من الزريعة أو جمعاها في بيت واحد، أو حملاها جميعاً إلى الفدان وبذر كل واحد في طرفه فزرعا واحدة، ثم زرعا الأخرى فهو جائز كما لو جمعاها في بيت، وتصح الشركة. قال بعض فقهاء القرويين: وعند ابن القاسم خلطا أو لم يخلطا الشركة جائزة. [فصل 10 - في الشركة تصح وينبت بذر أحد الشريكين ولا ينبت بذر الآخر]. وإذا صحت الشركة في هذا فنبت بذر أحدهما ولم ينبت بذر الآخر فإن غر منه صاحبه وقد علم أنه لا ينبت فعليه مثل نصف بذر صاحبه لصاحبه، والزرع بينهما، ولا عوض له في بذره، وإن لم يعلم أنه لا ينبت ولم يغره فإن على الذي نبت بذره أن يغرم

لصاحبه مثل نصف بذره على أنه لا ينبت، ويأخذ منه مثل نصف بذره الذي نبت، والزرع بينهما على الشركة غره أم لم يغره، ولو علم ذلك في إبان الزراعة، وقد غر هذا صاحبه فأخرج زريعة يعلم أنها لا تنبت فلم تنبت فضمانها منه، وعليه أن يخرج مكيلتها من زريعة تنبت فيزرعها في ذلك القليب، وهما على شركتهما، ولا غرم للآخر على الغار، وإن لم يكن غر ولا علم فليخرجا جميعأً قفيزاً آخر فيزرعاه في القليب إن أحبا وهما على شركتهما. وقد قال: إذا نبت قفيز أحدهما ولم ينبت قفيز الآخر وهو غار أو غير غار أنه لم تنعقد بينهما شركة ولكل واحد ما أنبت بذره. فصل [11 - فيمن اشترى بذراً وشرط له البائع أنه ينبت فزرعه المشتري ولم ينبت] ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون فيمن اشترى شعيراً يريد أو زريعة ما ليزرعها وشرط له البائع أنه ينبت فإن قامت بينة أنه زرعه بعينه في أرض تربة تنبت فلم ينبت فإذا أثبت أنه غره منه عالماً بأنه لا ينبت رجع عليه بجميع الثمن، وإن لم يغره، وإنما شرط ذلك؛ لأنها كانت عنده في نقائها وجودتها أنها تنبت حلف على ذلك، وليرد المشتري مثلها ويأخذ ثمنه كله. م/: قال يحيى بن يحيى: سمعت فيمن باع حباً لا ينبت وقد دلس وهو يعلم أن مشتريه يريد بذره أنه يرد الثمن أما إن لم يعلم أنه يريد بذره أو لم يعلم بعيبه فليرد ما بين الصحة والداء.

فصل [12 - في المتزارعين على الصحة يشتري أحدهما بذراً طيباً والآخر بذراً رديئاً فيتجاوز له صاحبه، ثم يتشاحان بعد زراعة ما زرع كل منهما] وروى عيسى عن ابن القاسم في المتزارعين على الصحة يشتري أحدهما قمحاً نقياً طيباً فرضية صاحبه، ثم اشترى صاحبه قمحاً رديئاً فتجاوز صاحبه، فزرع صاحب الطيب بقمحه ثلاثة فدادين، وزرع الآخر بقمحه ثلاثة فدادين، ثم تشاحا. قال: يؤدي كل واحد منهما إلى صاحبه ثمن نصف زريعته فيستويان. قال بعض فقهاء القرويين: فإن كان بينهما تفاوت لا يجوز أن يسمح به فكان يجب أن يكون لكل واحد ما أنبت قمحه كشعير وقمح إلا أن التفويت لما كان بإذن صاحبه صار كالقبض فيجب على ذلك في القمح والشعير وفي الشركة الفاسدة بالعروض أن يضمن كل واحد نصف قيمة عرض صاحبه. م/: انظر وكان ينبغي أن تجوز الشركة؛ لأنها انعقدت على الصحة، فإذا رضي له شريكه بزريعة القمح الدون جاز على مذهب ابن القاسم؛ لأنه يجيز الشركة وإن لم يخلطا، وعلى مذهب سحنون يكون لكل واحد ما أنبتت زريعته، ويتراجعان في فضل إن كان إذا لم يخلطا.

فصل [13 - في المتزارعين يكون على أحدهما الأرض والبذر وعلى الآخر البقر والحرث ثم يختلفان في عدد الحرثات] ومن كتاب ابن سحنون قال: وإذا تزارعا على أن الأرض والبذر من عند أحدهما، ومن عند الآخر البقر والحرث فطلب أن يحرثها حرثة، وقال الآخر: بل حرثتين. فليحملا على سنة البلد، فإن لم تكن سنة وكانوا يفعلون هذا وهذا إلا أن الزرع في حرثتين أغزر ففي قياس قول سحنون ليس عليه إلا حرثة واحدة إلا أن يشترط عليه حرثتين فيجوز ويلزمه. قال بعض فقهاء القرويين: إذا كانوا يفعلون هذا وهذا فينبغي أن تكون الشركة فاسدة؛ لأنه لا يدري على ما عقداه. م/ ابن سحنون: ولو عقدا على أنه إن حرث حرثة فله الربع، وإن حرث حرثتين فله النصف لم يجز، ويكون الزرع لرب الأرض والبذر، وعليه للآخر أجر عمله وبقره. قال سحنون وعيسى: ولو شرطا البذر بينهما نصفين ومن عند أحدهما الأرض ومن عند الآخر العمل على أن يحرث ثلاث حرثات. قال عيسى: وذلك متكافئ قالا فلم يحرثها إلا حرثتين فلينظر إلى قيمة ما حرث

وإلى قيمة ما ترك فإن كان الذي ترك الثلث رجع عليه رب الأرض بثلث كراء نصف الأرض. فصل [14 - فيمن أعطى أرضه رجلاً قبل أو أن الزرع بشهر ليقلبها فإذا كان أو أن الزرع كان البذر عليهما والزرع بينهما والعمل على الدخل] قال حسين بن عاصم عن ابن القاسم فيمن أعطى لرجل أرضه حين القلب ليقلبها وينبتها، فإذا كان أوان الزرع كان البذر عليهما، والزرع بينهما، والعمل على الداخل، والحصاد والدراس، ونقل نصيب رب الأرض إليه. قال: وبين القليب وبين الزرع شهر، فإن كانت الأرض مأمونة جاز ذلك وإلا لم يجز. م/: اعرف إجارة شرط الحصاد والدراس على العامل. فإن قلبها ولم يزرع فله نصف قيمة الحرث عن حصة رب الأرض، ويستأني بنصيب الحارث، فإن رويت الأرض لزمه كراء ذلك عن نفسه، وإن عطشت فلا كراء عليه، وله نصف قيمة الحرث على رب الأرض عطشت أو لم تعطش، وإن لم يعثر على ذلك حتى تم الزرع فالزرع بينهما وباقي العمل بينهما وعلى العامل نصف كراء الأرض

بالنقد وله قيمة نصف الحرث والقليب والزراعة وإن كان هذا التعامل بعدما رويت الأرض فذلك كله جائز إن كانت قيمة الحرث والزراعة والحصاد والدراس متساوياً مع كراء الأرض وإن لم يكن متساوياً فالزرع بينهما ويرجع من له الفضل على الآخر بالفضل. قال سحنون في كتاب ابنه: لا يجوز في شرط العمل بين المتزارعين شرط الحصاد والدراس إذ لا يدري هل يتم ولا كيف يكون. م/: وهو الصواب لأن شرط ذلك على أحدهما غرر ولا ينحصر لأن ذلك يقل تارة ويكثر أخرى وكذلك شرط البقاء. وقال ابن حبيب: لا بأس أن يزارع الرجل بأرضه قبل أن تروى وإن لم تكن مأمونة كما يجوز كراؤها بغير نقد فإذا تزارعا في إبان القليب على أن أعطى أحدهما الآخر أرضه يقلبها فإذا جاء إبان القليب ورويت تخارجا الزريعة بينهما نصفين، فإن فات إبان الزرع فلم ترو فهي مصيبة دخلت عليهما لأنهما شريكان وليسا متكاريين فهي كما لو زرعاها ثم عطشت فلا يرجع العامل على صاحب الأرض بشيء بخلاف المتكاريين. م/: والصواب من ذلك ما قاله سحنون فإنه لا تجوز الشركة في هذا إلا أن تكون مأمونة كما قال ابن القاسم لأن القليب فيها كنقد في غير المأمونة.

فصل [15 - في الأرض تستحق بعد أن اشترك المتزارعان وزرعا] ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: فإذا أخرج أحدهما أرضاً وبذراً، وأخرج الآخر للعمل والبقر، فاستحقت الأرض بعد الزراعة، فإن استحقت في وقت الزراعة رجع المستحق على من كانت الأرض بيده بنصف كرائها، وكأن شريكه حرث له هذا النصف بالنصف الآخر ونصف البذر، فإن كانت قيمة نصف البذر مع كراء نصفها معتدلاً رجع عليه المستحق أيضاً بربع قيمة عمل العامل، وهو الذي أخذ في كراء نصف الأرض، فإن اختلفت قيمة البذر وكراء نصف الأرض كان ذلك على هذا الحساب، وإن كان الذي استحقت من يده عديماً اتبعه بنصف قيمة كراء الأرض، وأتبع شريكه بربع قيمة العمل في قياس قول سحنون، ولو استحقها بعد فوات الزراعة فلا كراء له على واحد منهما، ولو كان بعد أن حرث ولم يزرع فله أخذها ولا شيء للشريك في حرثها. م/: أما قوله إن فات إبان الزراعة فلا كراء له على واحد منهما فصواب؛ لأن المستحق من يده لو زرعها كلها أو أكراها كلها ثم قام مستحق بعد فوات إبان الزراعة لم يكن له شيء وكذلك إذا أكرى نصفها وزرع نصفها وأما قوله إن قام وقد حرث ولم يزرع فليأخذها ولا شيء للشريك في حرثها فالصواب أن يكون عليه قيمة الحرث لأن المشتري والمكتري منه حرث بوجه شبهة فلا يبطل عمله. وقال بعض القرويين مثل هذا.

فصل [16 - في المتزارعين يكون على أحدهما العمل فيحرث بعض الأرض ويدع الباقي، أو تعاملا على أن يحرث لرب الأرض ببذره موضعاً من الأرض ويحرث الباقي لنفسه] قال سحنون: وإن أخرج أحدهما الأرض والبذر والآخر البقر والعمل واعتدلا فحرث العامل بعض الأرض واختار كريهما وترك الباقي فإن علم به في الإبان جبر على أن يزرع باقيها وإن فات الإبان نظر فإن حرث نصف الأرض كان على العامل لرب الأرض ربع جميع كراء الأرض. م/: يريد مما لم يحرث. قال: وإن حرث الثلثين فإنما عليه السدس ويكونان شريكين في الزرع ولو آجرته يحرث نصف أرض لي بزريعتي على أن يحرث النصف الآخر لنفسه فأقلب العامل وزرع لنفسه كريم الأرض وترك الباقي وفات إبان القليب فليقسم هذا القليب بينهما ويغرم العامل نصف كراء القليب وله على رب الأرض أجر مثله في النصف الذي أخذه.

[الباب التاسع] في الدعوى بين المتزارعين

[الباب التاسع] في الدعوى بين المتزارعين [الفصل 1 - في العامل يدعى أن نصف البذر له ورب الأرض يكذبه في ذلك] ومن العتيبة قال عيسى بن دينار عن ابن القاسم وابن كنانة فيمن أعطى أرضه وبذره وبقره رجلاً يزرعها على أن يأخذ من الزرع زريعته ثم يقتسمان ما بقي، ثم ادعى العامل أن نصف الزريعة له وكذبه رب الأرض فالقول قول الزارع والزرع بينهما نصفين. يريد ويتراجعان في الفضل في غيره ويحلف الزارع. قال عبد الملك بن الحسن: سألت ابن وهب إذا أخرج هذا الأرض وهذا العمل، والبذر بينهما، ثم ادعى العامل أنه أسلف صاحبه نصف البذر من عنده. قال: هو مصدق في الزريعة مع يمينه وقد فسدت الشركة وهذا الحكم فيها. قال أشهب: إذا قامت بينة لأحدهما أنه الزارع وأن البذر في يديه فليحلف ويرجع بنصف البذر على الآخر.

[الفصل 2 - في العامل يدعى أنه حرث الأرض على أن له نصفها يحرثه لنفسه أو ادعى أنه اكتراها من ربها، ورب الأرض يخالفه في ذلك] قال حسين بن عاصم عن ابن القاسم: ومن أعطى أرضه رجلاً حين القليب مناصفة فحرثها الداخل، فلما كان حين الزرع ورويت، قال ربها: عليك حرثها فخذ نصف الزريعة مني. وقال الداخل: إنما حرثت نصف الأرض على أن لي نصفها أحرثه لنفسي ويبقى لك نصفها تعمله أنت وأقاسمك إياها، أو قال: تكاريتها كلها منك هذه السنة. فالقول قول الداخل ويقتسمان القليب إن زعم أنه أخذها مناصفة ويحلف. قال سحنون: لأنه عمل وجاز بعمله فيقاسمه إن قال مقاسمة أو تكون له إن قال كراء، ولو كانت هذه دعوى رب الأرض، وادعى العامل المعاملة فرب الأرض مصدق ويحلف وقاله كله ابن حبيب. قال سحنون: ولو اختلفا بعد طيب الزرع فقال العامل: الزرع بيننا وقد تساوينا في الزريعة. وقال رب الأرض: الزرع لي، وإنما آجرتك. فإن عرفت الزريعة أنها من عند أحدهما فالقول قوله مع يمينه، وإن لم يعلم مخرجها فالقول قول العامل؛ لأن الغالب في شركة الناس أن العامل يخرج البذر أو نصفه، إن تحرى قولنا أخرج النصف، وإن أخذ بقول غيرنا أخرج الجميع، فهو الغالب من فعلهم. قال: وكذلك لو كان العامل لا يعرف بملك بقر ولا زرع وإنما يعرف بالإجارة فهو

مثل صاحب الزرع المعروف بالعمل إلا أن يكون هو أجيراً له معروفاً بالإجارة فالقول قول رب الأرض إلا أن يأتي الآخر بما يدل على كذب رب الأرض. قال سحنون وابن حبيب: ولو اختلفنا بعد القليب وعند الزراعة فقال العامل: تعاملنا على أن علي القليب وحدي فإذا كان حين الزراعة أخرجنا البذر جميعاً وكان العمل بيننا والأرض من عندك وقال رب الأرض تعاملنا على أن عليك أنت العمل كله وعلى الأرض وأما البذر فبيننا فالقول قول من يدعي الاعتدال والصحة في معاملتهما. قال سحنون: فإن لم يدع أحد منهما الاعتدال فإن لم يكونا زرعاً فلتصح الشركة بينهما بالاعتدال وإن فات الزرع فهو بينهما بقدر البذر ويتراجعان في الأكرية. قال بعض فقهاء القرويين: ولو اختلفا قبل أن يعملا شيئاً لتحالفا وتفاسخا. قال ابن حبيب: وإذا اختلفا ولم يتحاكما وأبى رب الأرض من العمل معه كما قلل العامل فعمد العامل بعد أن قلب الأرض كلها فزرع نصفها لنفسه ببذره وأبقى نصفها لرب الأرض ثم تحاكما فإن ما زرع يكون بينهما كما لو زرع الجميع ويترادان الفضل، وينظر فيما تعطل من الأرض، فإن كان رب الأرض يدعي الاعتدال في المعاملة فله على العامل كراء نصف ما تعطل من الأرض كما لو أبطل ذلك بمزارعة جائزة لم يختلفا فيها، وإن كان العامل هو مدعي الاعتدال فلا كراء عليه، وذلك على صاحبه الذي أبى العمل. وقال سحنون: إذا اختلفا وأبى رب الأرض أن يعمل كما قال العامل فزرع العامل

لنفسه في نصف الأرض فالزرع كله لمن زرعه، ولا شيء عليه من الكراء بعد أن يحلف ما عامله إلا على ما ادعى؛ لأنه قال: عاملتك على أن أقلب الأرض وحدي وعلى أن يكون العمل عند البذر بيننا، وقال رب الأرض: بل على أن العمل كله عليك فكأن العامل قال: اكتريت نصفها منك بنصف القليب. وقال الآخر: بل على أن تقلب لي نصفها وتزرعه لي فصار العامل مدعى عليه. فصل [3 - في الوكيل يخطئ فيزرع بذراً غير الذي أمر به] قال ابن المواز: وإذا أمرت وكيلك يزرع لك في أرضك قمحاً فزرع لك شعيراً أو أمرته بسمراء فزرع بيضاء فالزرع للوكيل وعليه كراء الأرض، وإن بذر قمحاً من عنده فإن كان مثل قمحك وشبهه فالزرع لك وذلك جائز. قال ابن المواز: ومثله روى أصبغ عن ابن القاسم في العتبية، وإن بذر زريعة لابنك أو لزوجتك أو لغيرهما غير النوع الذي أمرته به، فعلى الوكيل مثل الزريعة لربها والزرع له وعليه لك كراء الأرض؛ لأنه لا ينبغي أن يكون رب الأرض مخيراً أن يعطي بذراً أو يأخذ زرعاً. قال ابن القاسم: وفيه قول آخر لو قال قائل يستأنى بالزرع فإذا درس استوفى منه البذر وكان ما بقي لرب الأرض لأنه له زرعه وقاسمه، ثم قال: فعلى من حصاده وتهذيبه بل القول ما قلت لك أولاً إذا زرعه غير النوع الذي أمره به، فأما إن أخطأ القمح

الذي أمره به فالزرع لرب الأرض ويغرم مثل البذر، وليس على الوكيل شيء. قال ابن المواز: والقول الذي قال ابن القاسم يستأنى بالزرع فيأخذ منه مثل البذر هو الصواب، ويخرج منه دراسه وحصاده وكراء الأرض وهذا جوابه في المجالس، وإنما للزارع مثل بذره؛ لأنه إنما بذره للآمر، فما بقي أخرج منه كراء الأرض وأجر الحصاد والتهذيب، وما بقي فلرب الأرض، وما عجز فعلى الذي بذره. فصل [4 - فيمن أعطى رجلاً مداً من شعير أجرة لبقره ليحرث له مداً آخر في أرضه فتعدى وحرث الشعير كله في أرض نفسه] وروى سحنون في العتبية وفي كتاب ابنه عن ابن القاسم فيمن آجر من رجل بقره بمد شعير على أن يحرث له مداً آخر من شعير في أرض رب الشعير، وأراه موضعاً يحرث له فيه ودفع إليه المدين فتعدى فحرث جميع الشعير في أرض نفسه فإنه يغرم المدين، فإن بطل ما زرع فقد أخذ منه حقه وهو لم يف له بالإجارة، وإن تم زرعه نظر إلى ما يخرج منه فإن خرج منه أكثر من مدين وكانت إجارة مثله مداً أو أقل دفع ذلك إليه. م/: يعني أنه يدفع إليه الأقل من المد المسمى له في أجره أو أجر مثله مع المد الذي أخذ منه ودفع ما بقي لى رب الزريعة، وإن كانت إجارة مثله أكثر من مد لم يزد على مد في إجارته ورد إليه مداً من المدين الذي أخذ منه أولاً وأخذ ما بقي رب الزريعة وإن لم يصب إلا مداً فقد ضمن فيما أخذ منه ولم يكن له غير ذلك.

م/: المسألة كلها جارية على أصلهم في تعدي المقارض إلا في قوله يأخذ الأقل من أجر مثله أو المسمى. وهذا مذهب سحنون في هذا الأصل وعلى أصل ربيعة في تعدي المقارض وهو أصل ابن القاسم أن يكون له إذا أصاب أكثر من مدين أن يأخذ في أجرة المد الذي سمي له ومد الزريعة ويدفع الفضل لرب الزريعة وإن أصاب أقل من مدين لم يكن للأجير غير ما وجد كالمتعدي في القراض إن ربح فله قدر شرطه وإن خسر ضمن الوضيعة وكذلك هذا. فصل [5 - فيمن زرع أو بنى في أرض غيره وادعى أنه فعل ذلك خطأ] ومن العتبية قال أصبغ فيمن زرع أرضاً بقرب أرضه وقال غلطت بها أو كان مكترياً فأصبه ذلك ولا يعرف ذلك إلا بقوله أو بنى في عرصة جاره وقال غلطت فأما الباني في العرصة فلا يعذر ولربها أن يعطيه قيمة البناء منقوضاً أو يأمره بقلعه، وأما في الحرث فيشبه أن يكون غلط فأرى أن يحلف ويقر زرعه ويودي كراء المثل كان في إبان الزراعة أو لم يكن وهو محمول على الخطأ أبدأً حتى يتبين أنه تعمد. قال سحنون: إذا غلط فزرع أرض جاره أو خرج ليلاً فغلط فزرع أرض غيره أو حرثها فلا شيء له على رب الأرض وغلطه على نفسه، والزرع لرب الأرض وهي مصيبة نزلت بالزارع إلا أن يكونا لم يتحاكما أو لم يعلم حتى تحبب الزرع أو فات إبان الزراعة فيكون الزرع لزراعة وعليه كراء المثل.

[الفصل 6 - فيمن زرع أرض رجل على الدالة] وقال في كتاب ابنه: وكذلك من زرع أرضاً لرجل غائب أو حاضر على الدالة فإن قام عليه في إبان الزراعة فله قلع زرعه وإن قام بعد الإبان فله الكراء وهو كالمتعدي والغاصب. قال: وإذا قصب الزرع وتقارب طيبه وكان لو قلع انتفع رب الأرض بأرضه وزرعها كتاناً أو غيره فلا يقلع إذا تقارب طيبه، وليس لرب الأرض إلا الكراء، وإن لم يتقارب طيبه فله أن يقلعه. فصل [7 - في قوم زرعوا فدادين بعضها قريب من بعض فاختلط عليهم عند حصادهم] قال ابن حبيب في القوم يزرعون فدادين بعضها قريب من بعض فاختلط عليهم عند حصادهم: فليحلف كل واحد على ما بذر ثم يقسمون الطعام على قدر ذلك. قال سحنون: إذا زرع هذا أرضه قمحاً وزرع هذا أرضه شعيراً فطار من بذر كل واحد في أرض جاره فنبت فإن ذلك لمن حصل في أرضه ولا شيء لجاره فيه ولو كان بين الأرضين جسر فنبت فيه حب مما تطاير فذلك بينهما اختلفت زريعتهما أو اتفقت لأن ذلك الموضع من أرضهما.

فصل [8 - في قرية بين قوم مشاعة وأحدهم يقوى على الحرث والعمارة وباقيهم لا يستطيع ذلك] قال سحنون في قرية بين قوم مشاعة وأحدهم له البقر والعبيد يقوى على الحرث وباقيهم لا يقوى فدعوه إلى القسم فأبى وحرث لنفسه، قال: فلشركائه كراء نصيبهم، وكذلك لو حرث فيه، ولو كانت الأرض أرض بعل لا يجوز فيها النقد فجاد زرع الحارث تلك السنة لتوالي الأمطار فيها أكثر من غيرها فللشريك كراء نصيبه على ما جاد فيها الآن أو على ما يرجى فيها. قال: وإن طولب في القسم وروفع فلد وتغيب حتى حرث فإنما عليه الكراء، وكذلك لو أشهد عليه بطلب القسم أو رفعوه إلى الأمام وقد حرث. يريد: وقد فات إبان الزراعة فعليه الكراء ويحلف الشريك أنه ما أذن له ولا رضي أن يزرع. ولو بني بعض الورثة أو غرس وواحد منهم غائب أو حاضر ولم يأذن فإن الأرض تقسم بينهم فإن وقع سهمه فيما غرس أو بني فهو له وإن وقع فيما لم يعمر فله قيمة ما بني أو غرس مقلوعاً، وعليه كراء ما سكن أو زرع من نصيب شركائه، وعليه مكيلة ما اغتل من الشجر.

وقال أبو محمد: وهذا على قول أشهب أنه يقسم قبل أن يتفاضلا، وأما على قول ابن القاسم فإنه يبدأ بالتفاضل فيما عمر قبل القسمة، وأما قوله: وعليه مكيلة الثمر الذي اغتل فأعرف لأصحابنا فيما غرس الغاصب واغتل أن الثمر فيما مضى له، وعليه كراء ما استغل من الأرض قبل هذا. وبالله التوفيق. تم كتاب الشركة بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما

كتاب الشهادات

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الشهادات كتاب الشهادة الأولى [الباب الأول] فيمن تجوز شهادته من الأقارب والأجانب ولزوم الشهادة [الفصل 1 - في حكم الشهادة، ومتى يلزم أداؤها] قال الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة:282] وقال: {وَلا يَابَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة:282]. قال بعض أصحابنا: والشهادة فرض على الكفاية يحملها من قام بها - كالجهاد- إلا في مواضع ليس فيها من يحمل ذلك فيجب على الإنسان حينئذ أن يشهد. وقد اختلف في قوله تعالى: {وَلا يَابَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا}، فقال مالك وغيره: إنما ذلك أن يدعى لأداء ما كان يشهد به قبل ذلك. قال مالك: وأما قبل أن يشهد فأرجو أن يكون في سعة إذا كان ثم من يشهد، ولعله أن يكون مشغولاً، وليس كل الأمر يحب للرجل أن يشهد عليه. قال ابن حبيب: وقال عطاء: الآية في الوجهين ليشهدوا في الابتداء وليؤدوا.

قال ابن حبيب: وهو في الابتداء أخف. قال سفيان الثوري في قوله: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} قال: يجيئه في حال شغله. وقال سحنون: وكل من يعلم أن الإمام لا يقبل شهادته لجرحه فيه، أو لعداوة بينه وبين المشهود عليه، أو لغير ذلك مما به يرد شهادته عنه، فلا يلزمه أن يشهد، فإن شهد فليخبر الحاكم أنه عدو للمشهود عليه أو قريب المشهود له، فإذا شهد مستجرح فلا يخبر بجرحته القاضي؛ لئلا يبطل الحق. وقال أيضاً: عليه أن يخبر القاضي بجرحته كما لو علمه عبداً أو نصرانياً للزمه أن يخبر بذلك. فصل [2 - فيما يشترط في الشاهد ومن تجوز شهادته ومن لا تجوز] قال الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2] فكان ظاهر الخطاب للأحرار كقوله: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} إلى قوله: {وَإِمَائِكُمْ} [النور:32] والعبد يمنعه سيده أن يشهد ويؤدي، فكان ممن لم تكمل فيه شرائط الشهداء الذين لا يأبون إذا ما دعوا. وقال الله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة:282] ومن على غير دين الإسلام من كتابي أو مجوسي ليس من أهل الرضا ولا العدالة. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا جار لنفسه».

قال سحنون: ينظر في العداوة فإن كانت في أمور الدنيا من مال، أو تجارة أو ميراث، فلا تقبل شهادته، وإن كانت عداوته غضباً لله لجرمه وفسقه، أو لبدعته فشهادته جائزة. وقال في كتاب ابنه فيمن شهد لرجل، ثم يشهد المشهود عليه على الشاهد بعد ذلك وهو في خصومته تلك قال: ترد شهادته. وفي كتاب محمد: لا تجوز شهادة عدوك عليك، وتجوز شهادته على ولدك، وإن كان في ولايتك، إذا لم تكن شهادته عليه بما فيه حد أو قطع أو قتل أو عيب، فإن ذلك يلصق بالأب، وكذلك الأم والجد. وقال مطرف وابن الماجشون: ولا تجوز شهادة عدوك على ابنك صغيراً كان أو كبيراً، وكأنه يرى أن في ذلك مغمة للأب، سواء ولي مال ولده الصغير أم لا. م/: وهذا هو الصواب؛ لأن شهادته على ولدك إدخال مغمة عليك، وإخراج لماله من يدك إن كنت تليه، فهذه شهادة عليك. وقد قال مطرف وابن الماجشون: لو شهد على صبي بجرح، وهما عدوان لوصيه، لم تجز شهادتهما؛ لأن ذلك يصير في ماله فكأنهما شهدا على الوصي، وكذلك لو شهدا على

الميت بمال، وهما عدوان لوصيه لم تجز؛ لأنهما يخرجان ما بيده. [الفصل 3 - شهادة من هو في عيال الرجل للرجل وشهادته له إذا لم يكن في عياله] ومن المدونة قال مالك: ولا تجوز شهادة من هو في عيال الرجل للرجل. قال ابن القاسم: وكذلك شهادة الأجير لمن استأجره إذا كان في عياله؛ لأنه يجر إليه، وجره إليه جر لنفسه، فإن لم يكن في عياله جازت شهادته له إذا كان مبرزاً في العدالة. قال سحنون في كتاب ابنه: معنى الذي ليس في عياله هو الأجير المشترك مثل الصناع وغيرهم، وأما الأجير الذي يصير جميع عمله لمن استأجره وهو في عياله أو ليس في عياله إلا أنه يدفع مؤونته إليه، فلا يجوز أن يشهد له، وإن كان عدلاً معتزلاً عنه. ومن المدونة قال ابن القاسم: ألا ترى أن الأخ إذا كان في عيال أخيه لم تجز شهادته له؛ لجره إليه، وجره إليه جر إلى نفسه، وإذا لم يكن في عياله، وكان مبرزاً في حاله جازت شهادته له في الأموال والتعديل. وكذا قال ابن القاسم في المستخرجة أن الأخ يعدل أخاه. وقال أشهب: لا يعدله؛ لأن شرف أخيه شرف له.

قال ابن حبيب: وأما إن لم يكن المشهود له في عيال الشاهد فتجوز شهادته له إذ لا تهمة هاهنا. وقال بعض المتأخرين: إن كان المشهود له من قرابة الشاهد كالأخ ونحوه فينبغي ألا تجوز شهادته له بمال؛ لأنه يدفع بذلك نفقته عنه، وإن كانت لا تلزمه؛ لأن تركه النفقة على أخيه، والصلة له معرة فيتهم لهذا، وأما إن كان المشهود له أجنبياً فشهادته له جائزة. م/ وهذا استحسان، ولا فرق بين القريب والأجنبي في رواية ابن حبيب [الفصل 4 - في شهادة المريب ودافع المغرم والمتسول] ومن المدونة قال ابن وهب: وقال شريح: لا أجيز شهادة المريب ولا دافع المغرم. وقال ابن أبي حازم في المجموعة: والذي يكثر مسألة الناس معلوم بذلك لا تجوز شهادته، وأما من تصيبه الحاجة فيسأل بعض إخوانه، وليس بمشهور في المسألة، فلا ترد شهادته.

قال ابن وهب في العتبية في الرجل الحسن الحال الظاهر الصلاح يسأل الصدقة، أو يسأل الرجل الشريف أن يتصدق عليه، ولا يتكفف الناس، وهو معروف بالمسألة، قال: لا تجوز شهادته. وقال أيضاً في الرجل لا بأس بأحواله إلا أنه يطلب الصدقة إذا خرجت من عند الإمام، أو فرقت وصية رجل يطلب مثل هذا، ولا يتكفف الناس. قال: هذا المتعفف حين لا يسأل عامة الناس، فتجوز شهادته. قال ابن حبيب: قال ابن القاسم: ولا تجوز شهادة السوال في الشيء الكثير من الأموال وشبهها، وأما في التافه اليسير فتجوز شهادته إذا كان عدلاً. وفي غير المدونة وتجوز شهادة الفقير العدل فيما قل أو كثر. م/ قال بعض أصحابنا: تجوز شهادته، وإن كان يقبل الشيء ممن يعطيه من غير مسألة؛ لأنه قد جاء: "ما أتاك من غير مسألة فإنما هو رزق رزقكه الله، فهو خارج عن باب السؤال. م/ وقيل: تجوز شهادته في اليسير لقتله، فأما فيما يساوي خمس مئة دينار من العقار وغيرها، فلا تجوز شهادته فيه إذا لم يكن ظاهر العدالة. وهذا استحسنه بعض القرويين. قال: لأن التهمة تلحقه في الكثير، والظنة تسقط الشهادة.

[الفصل 5 - في شهادة بعض أهل المعاصي] ومن المدونة ولا تجوز شهادة المغني والمغنية والنائحة إذا عرفوا بذلك. قال مالك: ولا تجوز شهادة الشاعر الذي يمدح من أعطاه ويهجو من لم يعطه، وإن كان لا يهجو من منعه ولا يؤذي أحداً بلسانه، ويأخذ ممن أعطاه فأرى أن تقبل شهادته إذا كان عدلاً. قال: ومن أدمن على اللعب بالشطرنج لم تجز شهادته، وإن كان إنما هو المرة بعد المرة فشهادته جائزة إذا كان عدلاً. وكره مالك اللعب بها وبالنرد وإن قل، وقال: هي أشر من النرد. قال في كتاب ابن المواز: واللاعب بالحمام وبالنرد وبالشطرنج، فإن كان يقامر عليها، أو كان مدمناً ولم يقامر، فلا تجوز شهادته. وقال محمد بن عبد الحكم: إن كان يكثر اللعب بالشطرنج حتى يشغله عن الصلوات في الجماعة طرحت شهادته وإلا جازت. وأما النرد فلا أعلم من يلعب بها في وقتنا هذا إلا أهل السفه ومن ترك المروءة، والمروءة من الدين فلا تقبل شهادته. قال الأبهري: تجوز شهادة من لا يدمن على اللعب بالشطرنج؛ إذ لا يخلو الإنسان من لهو أو مرح يسير، وقد روينا عن جماعة من التابعين أنهم كانوا يلعبون بالشطرنج.

قال أبو محمد: وقال غيره: لا تجوز شهادته وإن لم يكن مدمناً. فصل [6 - في شهادة المولى لمن أعتقه، والرجل لمواليه] ومن المدونة قال مالك: وتجوز شهادة المولى أعتقه إذا كان عدلاً. قال ابن القاسم: ما لم يدفع بها عن نفسه شيئاً، أو يجر إليها. قال: ولا تجوز شهادة الرجل لمكاتبه، ولا لعبد ابنه. وإذا شهد لأمة بالعتق زوجها ورجل أجنبي لم تجز شهادة الزوج. فصل [7 - أداء الشهادة بعد زوال المانع من أدائها] وإذا شهد عبد أو صبي أو نصراني شهادة، ثم أدوها بعد الحلم أو العتق أو الإسلام جازت، ولو أدوها إلى قاض في حالتهم الأولى فردت لم تجز أبداً. وكذلك روى ابن وهب عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وغيره. قال أشهب في المجموعة: وأجازها بعض العراقيين، وهو يقول إذا شهد وهو مسخوط فردت ثم حسنت حاله ثم شهد بها لم تجز فهذا مثله. قال ابن المواز: قال ابن القاسم: فإن جهل القاضي وأجاز شهادتهم الأولى في حالتهم الأولى فإنه ينقض ما قضى به من شهادتهم، وترد شهادتهم تلك. وإن أسلم الذمي وأعتق العبد واحتلم الصبي. ولو شهدوا بها في حالتهم الأولى فلم ترد حتى أسلم الذمي وعتق العبد واحتلم الصبي،

وحسنت حالتهم جازت شهادتهم. قيل لأشهب: فما قال للقاضي: شهد لي فلان العبد وفلان النصراني وفلان الصبي، فقال القاضي: لا أجيز شهادتهم ثم أعتق العبد وأسلم النصراني واحتلم الصبي، وحسنت حالتهم أترى ذلك رداً؟ قال: لا؛ لأن ذلك كان فتياً أفتى بها. قال بعض القرويين: وينبغي أن يعيدهم ليشهدوا له بعد العتق والإسلام والحلم. قال ابن القاسم في المجموعة في عبد حكم بشهادته يظن أنه حر فعلم بذلك بعد عتقه: إن الحكم الأول يرد، ثم يقوم بها الآن فيشهد له. وفي كتاب ابن سحنون بلغني عن بعض العلماء، وهو قولي، وقياس قول مالك وأصحابه، أن العبد والصبي والنصراني إذا أشهدوا قوماً عدولاً على شهادتهم، ثم انتقلوا إلى الحال التي تجوز فيها شهادتهم قبل أن ينقل عنهم وغابوا أو ماتوا فشهدوا على شهادتهم أن ذلك غير مقبول؛ لأنهم أشهدوا غيرهم في وقت لا يقبل منهم، وهو بخلاف أن يشهدوا في الحال الثاني بما علموا في الحال الأول. م/ ففي هذا دليل على أن العبد والصبي والنصراني إذا شهدوا في الحال الأول فلم ترد شهادتهم حتى عتق العبد واحتلم الصبي وأسلم النصراني، وحسنت حالتهم، أنها لا تجوز حتى يعيدوا الشهادة الآن. وكذلك مسألة العبد الذي حكم بشهادته يظن أنه حر، ثم

أعتق أن الحكم يرد، ثم يقوم الآن بها فهذه أيضاً تؤيد أن لابد من إعادة شهادتهم في الحال التي تجوز فيها فانظر. ومن العتبية قال ابن القاسم: لا تقبل شهادة ابن خمس عشرة سنة إلا أن يحتلم أو يبلغ ثماني عشرة سنة، فتجوز شهادته. قال ابن وهب: تجوز شهادة ابن خمس عشرة سنة، وإن لم يحتلم إذا كان عدلاً. واحتج بابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أجازه، وهو ابن خمس عشرة سنة. وقال ابن عبد الحكم وغيره: إنما أجاز النبي -صلى الله عليه وسلم- من رأى فيه طاقة للقتال عند رؤيته إياهم، ولم يسألهم عن أسنانهم، ولا في هذا دليل على أنه هو حد البلوغ. قال أشهب عن مالك: وأما المولى عليه يشهد وهو عدل فتجوز شهادته. ابن المواز: وقال أشهب: لا تجوز شهادته، وإن كان مثله لو طلب ماله أخذه. قال ابن المواز: وهو أحب إلينا ولا تجوز شهادة البكر في الأموال ما كانت يولى عليها وإن كانت عدلة حتى تعنس. فصل [8 - في شهادة الأقارب لبعضهم البعض] قال مالك رحمه الله: ويدخل في قول عمر -رضي الله عنه- ولا تجوز شهادة خصم ولا ظنين، شهادة الأبوين والولد، وأحد الزوجين للآخر.

قال ابن الماجشون: ولا اختلاف في هؤلاء عند من لقينا وذكر معهم الجد. ومن المدونة: ولا تجوز شهادة الأبوين أو أحدهما للولد، ولا الولد لهما، ولا أحد الزوجين لصاحبه، ولا الجد لابن ابنه، ولا الرجل لجده أو لجدته من قبل الرجال والنساء، كان المشهود له حراً أو عبداً أو مكاتباً، ولا تجوز لأحد من هؤلاء شهادته للآخر في حق أو تزكية أو تجريح من شهد عليه. وذلك كله يرجع إلى جر المرء لنفسه، ودفعه عنها؛ لأن دفعه عن هؤلاء دفع عن نفسه، وجره إليهم جر إلى نفسه. قال أصبغ في العتبية: لا يجوز نقل الأب عن ولده ولا الابن عن الأب وإن كان مشهوراً بالعدالة، وكذلك كل من لا يجوز لك أن تعدله فلا تنقل عنه. ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: يجوز نقله ولا يجوز تعديله وليعدله غيره، وبه أخذ ابن حبيب. وقال ابن سحنون عن أبيه كقول مطرف وابن الماجشون. قال: وذلك في النقل عن الأب والابن والزوجة. قال مطرف وابن الماجشون: وشهادة الابن مع أبيه جائزة ولا يتهم أحدهما إلا أن يريد تمام شهادة الآخر. ومن المجموعة وكتاب محمد قال مالك في الابن يشهد لأحد أبويه على الآخر لا تجوز إلا أن يكون مبرزاً في العدالة، أو يكون ما شهد فيه يسيرا.

وقال ابن نافع: شهادته جائزة إلا أن يكون في ولاية الأب، أو تزوج على أمه فأغارها فيتهم أن يكون غصب لأمه. قال ابن سحنون عن أبيه في كافر مات وله ولد كافر واثنان مسلمان فشهد المسلمان أن لأبيهما على فلان مالاً، فلا تجوز شهادتهما؛ لأنها شهادة للأب. م/ فيها نظر. ولو قال قائل: إنها تجوز لأنهما إنما شهدا بمال لأخيهما فلا تهمة تلحقهما في ذلك لكان صواباً والله أعلم. قال: ولو شهد ولدان أن أباهما العبد جنى على هذا جناية لم تجز؛ لأنهما يتهمان أن يخرجا أباهما من ملك مالكه إذ قد يسلم في الجناية. قال ابن القاسم: ولو شهد أربعة إخوة على أبيهم بالزنا لم تجز شهادتهم، ولا يرجم؛ لأنهم يتهمون على الميراث، ويحدون. وقال أشهب: إذا كان الأب عديماًَ جازت شهادتهم إن كانوا عدولاً، ويرجم الأب. قال سحنون: وكذلك إذا كان الأب بكراً حده الجلد فلا يتهمون في ذلك. قال أبو بكر بن اللباد: ولا تجوز شهادتهم عليه وإن كان الأب عديماً؛ لأن نفقته تلزمهم فيتهمون على زوال النفقة بالرجم. قال سحنون عن أشهب: وكذلك لو شهدوا أنه قتل فلاناً عمداً فهو كشهادتهم عليه بالزنا وهو ثيب.

قال ابن القاسم في شهادة الرجل على ولده أو أم ولده جائزة، إلا أن يكون بينهما عداوة تعلم، وشهادة الابن على أبيه في الحقوق والعتق جائزة، وأما في الطلاق فإذا كان على طلاق أمه وهي منكرة لذلك فهي جائزة، وكذلك على طلاق غير أمه إذا كانت أمه ميتة، وأما إذا كانت أمه حية أو مطلقة، لم تجز في طلاق غيرهما. قال ابن المواز: قال ابن القاسم: تجوز شهادة الأب لابنه الكبير على ابنه الصغير إلا أن يتهم بالأثرة والميل إليه، ولا تجوز لصغير أو كبير سفيه على كبير يلي نفسه. ابن سحنون: وقال سحنون ثم رجع فقال: لا تجوز شهادته لابنه بحال لما جاء في السنة مع منع شهادة الأب للابن مجملاً. قال ابن القاسم: ولا تجوز شهادته لزجة ابنه، ولا لابن زوجته، ولا لأم امرأته، ولا لولدها، وكذلك المرأة لابن زوجها. محمد: قال أصبغ: وهو استحسان، وليس بالبين. وقال سحنون في العتبية: تجوز شهادة الرجل لأم امرأته ولأبيها ولولدها، إلا أن تكون المرأة ممن ألزم السلطان ولدها أن ينفق عليها لضعف زوجها عن ذلك فلا تجوز.

قال: وتجوز شهادته لزوج ابنته ولأبي زوجها ولأمه وابنه، وأصل ذلك أن كل من كان وفره له وفراً وغناه له غنى لم تجز شهادته له. قال: وتجوز شهادته لامرأته التي فارقها، وإن كان له منها ولد، ولا تجوز تزكيته لها. وقال عنه ابن عبدوس: إن كان ملياً وليس لولده حاجة إلى أمه فذلك جائز إن كان عدلاً، وإن كان عديماً وولده في نفقة الأم لم تجز. قال غيره: اختلف في شهادة الرجل لأم امرأته ولأبيها ولولدها من غيره ولزوج ابنته، وأصل هذا إذا كانت شهادته تجر نفعاً إلى من لا تجوز شهادته له، فلم يجز ذلك ابن القاسم، وأجازه سحنون، واختلف في شهادة الأخ لأخيه فقيل: هي جائزة. وقيل: لا تجوز إلا أن يكون مبرزاً في العدالة. فصل [9 - في شهادة الأخ لأخيه والرجل لمولاه، أو لصديه الملاطف] ومن المدونة قال مالك: وتجوز شهادة الأخ لأخيه إذا كان عدلا.

وقاله عمر بن عبد العزيز وغيره. قال مالك: وكذلك شهادته لمولاه أو لصديق له ملاطف، إلا أن يكون في عياله أحد من هؤلاء يمونه فلا تجوز شهادته لهم. وقال ابن وهب عن مالك: إن كان غني الأخ غني لأخيه إذا أفاد شيئاً أصابه شيء منه، أو كان في عياله، فلا تجوز شهادته له. وإن كان منقطعاً عنه لا يناله شيء من صلة، ولا فائدة، وقد استغنى عنه، ولا بأس بحالته، فشهادته له جائزة. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وتجوز شهادة الأخ لأخيه والمولى لمولاه والرجل لعمه أو لخاله أو لابن أخيه أو لابن أخته إلا أن يكون الشاهد في عيال المشهود له فلا تجوز، وإن كان المشهود له في عيال الشاهد جازت شهادته؛ إذ لا تهمة في ذلك وإنما تجوز شهادة هؤلاء بعضهم لبعض في الحقوق والأموال، وأما الحدود والقصاص وما تقع فيه الحمية والتهمة فلا تجوز. قالا: ومن جازت لك شهادته جازت لك عدالته، ومن لم تجز لك شهادته لم تجز لك عدالته. وقال أصبغ وابن عبد الحكم. وروى عن أشهب في العتبية أن شهادته له في الجراحات الخطأ والعمد

جائزة. وقال في كتاب محمد: تجوز شهادته أن فلاناً قتل أخاه إن كان الولي والوارث غيره. قال أصبغ: وفيه اختلاف، وهو أحب إلينا. ومن كتاب ابن المواز: وقيل: ولا تجوز شهادة الأخ لأخيه إلا أن يكون مبرزاً في العدالة، وقيل: تجوز إن لم تنله صلته والصديق الملاطف مثله. وقال أشهب: تجوز شهادة الأخ المبرز في العدالة لأخيه في المال القليل والكثير، ولا تجوز شهادة غير المبرز إلا في القليل. وقال ابن القاسم: ولا تجوز شهادة القرابة والموالي في الرباع التي يتهمون فيها بالجر إليهم أو إلى بينهم في اليوم أو بعده مثل حبس مرجعه إليهم أو إلى بنيهم. فصل [10 - شهادة الرجل لشريكه المفاوض] ومن المدونة قال ابن القاسم: وتجوز شهادة الرجل لشريكه المفاوض إن شهد له في غير التجارة، إذا كان لا يجز بذلك لنفسه شيئاً. قال في العتبية: فإن باع أحدهما سلعة بينهما من رجل، وشريكه حاضر شاهد، فلم يقبضها أي المبتاع حتى باعها البائع من رجل آخر، وقبضها المبتاع الثاني، وشهد الشريك

الذي لم يتول البيع الأول بالشراء، فلا تجوز شهادته، وإن باعها شريكه من الثاني بفضل على ما كان باعها به أولاً من الأول، فلا يأخذ الشاهد من ذلك الفضل شيئاً، وإن باعها من الثاني بمثل ما باعها من الأول فأكثر، فينبغي أن تجوز شهادته؛ إذ لا تهمة فيها والله أعلم. قال بعض القرويين: إنما لم تجز شهادته للأول؛ لأنهما متفاوضان فبيع الشريك من الثاني كأن باع هو وشريكه؛ لأن كل واحد مفوض إليه في البيع فيصير كأنهما جميعاً باعاها من الثاني، فلا يقبل قول هذا أن شريكه باعها من الأول، ويجب على المقر أن يعطيه نصف الزائد إن باعها بزائد مما باعها من الأول؛ لأنه مقر أن الزائد كله للأول فيعطيه ما يقع له منه، والله الموفق.

[الباب الثاني] في شهادة أهل الكفر، وشهادة نسائهم، وشهادة العبيد، وأهل الأهواء، وبما ترد به الشهادة

[الباب الثاني] في شهادة أهل الكفر، وشهادة نسائهم، وشهادة العبيد، وأهل الأهواء، وبما ترد به الشهادة [الفصل 1 - شهادة الكافر الذكر والأنثى وشهادة العبيد] قال مالك: ولا تجوز شهادة أهل الكفر على مسلم أو كافر من أهل ملتهم أو غيرها، أو على وصية ميت مات في السفر، وإن لم يحضره مسلمون. ولا تجوز شهادة أهل الملل بعضهم على بعض في شيء من الأشياء، وتجوز شهادة المسلمين عليهم. وقاله جماعة من التابعين. ابن المواز: قال ابن القاسم: وآية الوصية في السفر: (أو آخران من غيركم) منسوخة بقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2]. قال الأبهري: وقد قيل أو آخران من غيركم أي من غير قبيلتكم، وإن احتمل ذلك لم يزل قوله تعالى: {ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} وقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] بقول محتمل. قال: وإنما لم تجز شهادة العبد أيضاً لقوله عز وجل: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ}.

وروى المنع من جواز شهادته عن عمر وعثمان وابن عباس وجماعة من التابعين. وروي عن علي وأنس أنهما أجازا شهادة العبد في الشيء اليسير، والحديث غير صحيح. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا تجوز شهادة نساء أهل الكفر في الاستهلال والولادة والأموال كما لا تجوز شهادة رجالهم. فصل [2 - شهادة القدرية وغيرهم من أهل الأهواء] ومن المجموعة قال مالك: ولا تجوز شهادة القدرية. قال ابن سحنون: وأجازها ابن أبي ليلى، وأنكره سحنون. وقال: لم يجزها أحد من أهل المدينة.

قال: ولا تجوز شهادة أهل البدع على حال. ولا أجيز شهادة المعتزلة والإباضية والجهمية والمرجئة وغيرهم من أهل الأهواء. وقال ابن الماجشون: من عرف بالبدعة فلا شهادة له، وأما من لطخ بها فإن لم يكن أمراً بيناً صريحاً فلتقبل شهادته. قال سحنون: ولا تقبل شهادة المنجم الذي يدعي القضاء. قال ابن كنانة: ولا تجوز شهادة الكاهن. فصل [3 - شهادة من ترك واجباً متعمداً مع قدرته على أدائه] وقد اختلف في إسقاط شهادة من ترك الجمعة وهل يجرح بمرة أو ثلاث. قال ابن كنانة: ومن لا يقيم صلبه في الصلاة في الركوع والسجود، فلا تقبل شهادته

إذا تعمد ذلك في فريضة أو نافلة. وقال سحنون في الكثير المال القوي على الحج فلم يحج فهو جرحة إذا طال زمانه، واتصل وفره، وليس به سقم. قيل: فهو صحيح البدن متصل الوفر منذ عشرين سنة إلى أن بلغ ستين سنة. قال: لا شهادة له. قيل: وإن كان بالأندلس؟ قال: وإن كان. فصل [4 - شهادة من يقطع الدنانير والدراهم ومن يلابس شيئاً من المعاصي] وروى أصبغ عن ابن القاسم فيمن يقطع الدنانير والدراهم لا تجوز شهادته. قال عنه ابن المواز: إلا أن يعذر بجهل. وقال عنه العتبي: لا يعذر وإن كان جاهلاً. وقال سحنون في الذي يقطع الدنانير والدراهم: ليس هذا بجرحه. م/: وأما في بلد جل دنانيرهم مقطوعة مجموعة فأحب إلى قول سحنون. وأما في بلد ليس جوازهم إلا الوازن، وهو جل دنانيرهم فقول ابن القاسم أعدل. قال سحنون في الرجل الفقيه الفاضل يخرج إلى الصيد متترها فلا ترد شهادته بهذا. قيل: فالرجل يمطل بالحق عليه؟ قال: إن كان ملياً لم تجز شهادته؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «مطل الغني ظلم».

قال سحنون: من اشترى أمة فوطئها قبل أن يستبرئها فهي جرحة ترد شهادته بذلك، وعليه الأدب إن كان لا يجهل أن ذلك لا يحل، وكذلك لو وطئ صغيرة لم تحض، ومثلها يوطأ قبل أن يستبرئها، فلا تجوز شهادته. ابن حبيب قال ابن الماجشون في الأغلف إن ترك ذلك من عذر فشهادته جائزة، وإن كان من غير عذر فلا شهادة له؛ لأنه ترك فطرة من سنة الإسلام ولا عذر له بإسلامه وهو كبير، وقد اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن عشرين ومئة سنة. قال محمد بن عبد الحكم: ومن سمع ضرب العيدان وحضرها، وإن لم يكن معه نبيذ مسكر، لم تجز شهادته إلا أن يحضرها في عرس أو صنيع، فلا أبلغ به طرح شهادته إذا لم يكن معه نبيذ مسكر. وليس الصنيع كغيره، وإن كان مكروهاً على كل حال. ومن سمع رجلاً يغني لم أرد بذلك شهادته، إلا أن يكون مدمناً. وأكره القراءة بالألحان حتى يشبه الغناء، ولا أرد شهادة من فعل ذلك. قال أبو محمد: قال ابن القرطي قد اختلف في رد شهادته.

فصل [5 - شهادة من علم شيئاً فلم يقم به ثم استشهد من بعد ذلك فشهد هل يقبل منه؟] ومن العتبية والمجموعة قال ابن القاسم فيمن يعلم حيواناً أو عقاراً لرجل ثم يراه بيد غيره يبيعه أو يهبه أو يحوله عن حاله، فلا يقوم بعلمه، ثم يشهد عند القاضي أن هذه الدار لفلان. فيقول له: لم لم تقم حين رأيت ذلك يباع أو يوهب؟ فيقول: لم أسأل عن علم ذلك ولم أر فرجاً يوطأ، ولا حراً يستخدم، وليس علي أن أخاصم الناس. فقال: أرى ألا تجوز شهادته إذا لم يقم بعلمه حين رأى الدار والعقار يباع، وكذلك في الفروج والحيوان إذا كانت تلك الأشياء تحول عن حالها بعلمه. وقال غيره في المجموعة: وهذا إذا كان المشهود له غائباً أو كان حاضراً لا يعلم، فأما إن كان حاضراً يرى ماله يباع فهذا كالإقرار. قال ابن سحنون عن أبيه: لا أرى ذلك إلا فيما كان حقاً لله وما يلزم الشاهد أن يقوم به، وإن كذبه المدعي كالحرية والطلاق، وأما العروض والرباع والحيوان فلا تبطل شهادته في ذلك؛ لأن رب ذلك إن كان حاضراً فهو أضاع حقه، وإن كان غائباً فليس للشاهد شهادة؛ فلذلك لا يضر الشاهد إن لم يقم بها. م/: ويلزم على هذا التعليل أنه إن كان حاضراً لا يعلم أن تلك الرباع له مثل أن تكون تلك الرباع كانت لأبيه فأعارها هذا الذي هي بيده، أو أكراها منه مدة، ثم مات الأب فباعها الذي هي بيده، أو وهبها والولد لا يعلم أن تلك الرباع كانت لأبيه، فعلى

الشاهد أن يعلمه بذلك، وإلا بطلت شهادته. فصل [6 - عدد الشهود في القيافة ورشد السفيه] ومن العتبية قال مالك: ولا يجوز من القافة إلا اثنان عدلان. وروي عن ابن القاسم: أن الواحد العدل يجوز. ابن المواز: ولا يجوز في ترشيد السفيه شهادة رجلين حتى يكون ذلك فاشياً، ويجوز في إفشاء ذلك شهادة النساء، وقد اختلف في شهادتهن في ذلك. فصل [7 - شهادة البدوي على الحضري] ومن كتاب ابن حبيب روى عطاء بن يسار عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تجوز شهادة البدوي على الحضري». وقال في حديث آخر: «لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية». قال محمد بن عبد الحكم: ومالك يتأول ذلك في الحقوق إذا شهدوا في الحاضرة؛ لأن ذلك تهمة أن يشهد أهل البادية، ويترك من معه من أهل الحاضرة، وأجازها في الدماء والجراح وحيث تطلب الخلوات والبعد من العدول. وكذلك عن مالك -رضي الله عنه- في المجموعة والعتبية. قال في المجموعة: فأما إن كانت الشهادة في البادية فهي على القروي جائزة مثل

أن تحضره الوفاة بها فيوصي أو يبيع فيها أو يبتاع. فصل [8 - شهادة المفتي ومن حضره على من استفتاه في أمر ليس له الرجوع فيه] ومن العتبية والمجموعة والموازية قال ابن القاسم في الرجل يأتي مستفتياً يسأل عن أمر ينوي به ولو أقر عند الحاكم أو قامت عليه بينة فرق بينه وبين امرأته فيفتى أن لا شيء عليه، وطلبت المرأة شهادة المفتي قال: لا يشهد عليه. قال محمد بن المواز: ولو شهد لم ينفعها؛ لأن إقراره على غير الإشهاد. قال: وما أقر به عند الفقيه من طلاق أو حد أو حق ثم أنكر فليشهد عليه، إذا كان مما ليس له رجوع عنه، وكذلك من حضر الفقيه إذا سمعوا القصة كلها حتى لا يخفى عليهم منها شيء مما يفسد الشهادة إن ترك. وفي العتبية من رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في الرجل المفتي يأتيه رجل مستفتياً فيسأله عن يمين ابتلى بها فيرى عليه حنثاً، أو يسأله عن أمر ارتكبه فيه حق لبعض الناس، ثم يناكر صاحبه، فيأتي إلى المفتي فيستشهده فليشهد له، وكذلك كل من حضر معه عند السؤال إذا سمعوا القضية كلها حتى لا يخفى عليهم منها شيء مما لو ترك أفسد الشهادة. فصل [9 - شهادة من قعدا لرجل من وراء حجاب ليشهدا عليه] ابن المواز قال مالك في رجلين قعدا لرجل من وراء حجاب يشهدان عليه: إن كان ضعيفاً أو مختدعاً أو خائفاً، لم يلزمه ذلك، ويحلف ما أقر إلا بما يذكر، وإن كان على غير ذلك لزمه، ولعله يقر خالياً أو يأبى من البينة، فهذا يلزمه ما سمع منه. قال: فرجل

لا يقر إلا خالياً هل أقعد له بموضع لا يعلم في الشهادة عليه. قال: لو علمت أنك تستوعب أمرها. ولكني أخاف أن تسمع جوابه في سؤال، ولعله يقول في سرهما: ما الذي لي عندك إن جئتك بكذا وكذا؟، فيقول: لك عندي كذا وكذا، فإن قدرت أن تحيط بسرهما فذلك جائز. فصل [10 - شهادة المحدود] ومن المدونة قال مالك: والمحدود إذا ظهرت توبته، وحسنت حاله، جازت شهادته في الحقوق والطلاق. قيل لمالك في الرجل الصالح الذي هو من أهل الخير إذا جلد في القذف فبماذا تعرف إجازة شهادته بعد ذلك وعدالته؟ قال: إذا ازداد إلى درجته التي كان فيها. وأجاز ذلك عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وغيرهما. قال سحنون: أجاز عمر شهادة من تاب من الذين جلدهم في المغيرة، وكانوا من المهاجرين والأنصار، فما أنكر ذلك أحد منهم فهذا دليل على أنهم رضوا بذلك. ولا أعلم من أبطل شهادة القاذف من الصحابة بعد توبته، ولا يحتج من خالفنا بأكثر من شريح، ولا يحتج بتابعي على الصحابة، ولا صحابي واحد إذا لم يعلم من يخالفه من الصحابة. وقد روينا عن شريح خلاف قولهم. قال مالك: ومن جلد حداً من حدود الله عز وجل، ثم تاب توبة ظاهرة جازت شهادته. قال أشهب: حد في قذف أو غير ذلك من الحدود كلها لقوله عز وجل: {إِلَّا

الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} [آل عمران: 89]. قال ابن القاسم وأشهب وسحنون: لا ترد شهادة من قذف حتى يجلد. وقال عبد الملك: إذا قذف سقطت شهادته إذا حق ذلك عليه ولم يأت بالمخرج مما قال حتى يتوب ويبلغ حالاً تجوز شهادته فيها لوحد، فتجوز؛ لأن التوبة إنما هي من القذف لا من الضرب. قال سحنون فيمن حد في زنى أو قذف أو شرب خمر أو سرقة، فلا تجوز شهادته في مثل ما حد فيه وإن تاب كائناً ما كان، وهي كشهادة ولد الزنى في الزنى، أنها لا تجوز، وإنما ترد بالتهمة أن يكون الناس أسوة له. وقال أصبغ وابن حبيب، وقاله مطرف وابن الماجشون قالوا: ولا تجوز شهادة المحدود في الزنى لا في الزنى ولا في القذف ولا اللعان، وكذلك المنبوذ لا تجوز شهادته في وجه من وجوه الزنى وإن كان عدلاً، وكذلك قال مالك. [الفصل 11 - شهادة ولد الزنا في الزنا] قال الأبهري: شهادة ولد الزنا جائزة في الزنا فإن قيل فيجب أن لا تقبل شهادة الزاني في الزنا، والقاذف في القذف، والسارق في السرقة؛ لأنه يجب أن يكون له أمثال كما قلت في ولد الزنا. قيل له: قد ذكر بعض شيوخنا أنها لا تقبل. وليس ما قال بصحيح على قول مالك؛ لأن مالكاً قال في القاذف: إذا تاب فقد جازت شهادته، ولم يخص قبولها في غير القذف بل تقبل في القذف وغيره، والفرق بين

هذه الأشياء وبين ولد الزنا أن معرته بهذه الأشياء تزول بالتوبة، ويصير الفاعل لها كأنه لم يفعل، كالكافر إذا أسلم يصير كأنه لم يكفر، وولد الزنا لا تزول معرته، ولا يتغير حاله؛ لأنها ولادة كالأبوة والبنوة أنها لا تزول ولا تتغير، ولو جاز أن تزول معرته، لجاز قبول شهادته لكنها لا تزول. وقال ابن كنانة في المجموعة مثل قول الأبهري. م/: قال بعض شيوخنا: وما قاله الأبهري موافق لما في المدونة. م/: ولكن القياس ما قاله سحنون وغيره؛ لأن التهمة تلحقه، والمعرة باقية في ذلك كله، وإذا كانت المعرة في ولد الزنا باقية، وليس الزنا من فعله كانت في الزاني أبقى؛ لأنه هو فعل الزنا. وليس في المدونة دليل ظاهر أن قول الأبهري وفاق، والله أعلم. ومن غير المدونة: ولو حد نصراني في قذف ثم أسلم بالقرب قبلت شهادته. وقال سحنون: توقف شهادة من أسلم بالقرب حتى يعرف بطاعة بعد ذلك، والله الموفق.

[الباب الثالث] جامع القول في شهادة النساء

[الباب الثالث] جامع القول في شهادة النساء [الفصل 1 - فيما تقبل في شهادة النساء] ذكر الله عز وجل شهادة النساء في آية الدين فقال: {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة:282]، فأجيزت في الأموال خاصة. وأجاز العلماء شهادة النساء وحدهن فيما لا يطلع عليه غيرهن؛ للضرورة مثل ما أجيزت شهادة الصبيان بينهم في الجراح للضرورة. د قال سحنون: ولا تجوز شهادة النساء إلا فيما يجوز فيه شاهد ويمين. ومن المدونة قال مالك: وتجوز في الاستهلال والولادة شهادة امرأتين مسلمتين عدلتين. قال ابن القاسم: وتجوز في الرضاع وعيوب الفرج ومعرفة حيض وحمل ونحوه مما لا يطلع عليه غيرهن. قال ابن الماجشون في المجموعة: والقوابل فيما غبي عليه مثل الرجال تجوز فيه شهادة امرأتين مسلمتين للضرورة، وقد اختلف في الواحدة فإذا قلنا للضرورة تجوز في

هذا أقل ما يجوز من النساء، وهما اثنتان وليس لشهادة الواحد أصل في مال وغيره، ولم يسلك بهما مسلك الشهادة على المال فيكون فيه اليمين، لكن للضرورة. ابن حبيب قال مطرف عن مال: وإذا شهدت امرأة ورجل على استهلال صبي لم تجز شهادتهما. وقال ربيعة وابن هرمز وغيرهما. قال ابن حبيب: وذلك لارتفاع الضرورة بحضور الرجل فسقطت شهادة المرأة، وبقي الرجل وحده فلم تجز شهادته، وقد سمعت من أرضى من أهل العلم يجيز ذلك ويراه أقوى من شهادة امرأتين، وهو أحب إلي. وروى ابن وهب أن أبا بكر وعمر وعلياً أجازوا شهادة المرأة المسلمة وحدها فكيف بهذا. ومن المدونة قال مالك: وتجوز شهادة النساء في قتل الخطأ؛ لأنه مال. قال ربيعة وسحنون: إنما أجيز في قتل الخطأ والاستهلال ضرورة لفواتهما، وأما الجسد فهو يبقى فإن شهد رجلان على رؤية جسد القتيل أو الجنين، وإلا لم تجز شهادتهن. م/: وقول سحنون هذا خلاف لرؤية ابن القاسم، وقد قال ابن القاسم في

العتبية وكتاب ابن المواز: تجوز شهادة امرأتين على الاستهلال وعلى أنه صبي، ويكون مع شهادتهما اليمين. قال عنه أصبغ في العتبية. والقياس أن لا تجوز شهادتهما؛ لأنه يصير نسباً قبل أن يصير مالاً. قيل: فبأي شيء يرث ويورث؟. قال: بأدني المنزلتين، إلا أن يكون لا يبقى إن أخر دفنه إلى أن يوجد الرجال، فتجوز حينئذ شهادة النساء. قال ابن القاسم: وكذلك المرأة تلك ثم تموت هي وولدها في ساعة فيحلف أبو الصبي أو ورثته مع شهادة النساء أن الأم ماتت قبله، أو هو مات قبلها، فيستحقون ميراثه؛ لأنه مال. وقال أشهب في كتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون: شهادتهن لا تجوز، وبه أخذ سحنون؛ لأن الجسد لا يفوت، والاستهلال يفوت. وأعاب قول ابن القاسم. وإنما يرث عند أشهب وسحنون على أنه أنثى. وقاله أصبغ في العتبية. قال: هو رأي سحنون إلا أن يكون الجسد لا يبقى إن أخر دفنه إلى وجود الربجال فتجوز شهادتهن كما قال ابن القاسم. م/ وقد قال ابن القاسم في الوصايا الأول من المدونة: إذا مات رجل فشهد على موته امرأتان ورجل فإن لم تكن له زوجة ولا أوصى بعتق عبد ولا له مدبر ولم يكن له إلا مال يقسم فشهادتهن جائزة. فهذا يؤيد أن قول سحنون وربيعة خلاف.

ومن الشهادات قال مالك: وكل شيء تقبل فيه شهادة النساء وحدهن فلا يقبل فيه أقل من امرأتين، ولا تجوز شهادة امرأة واحدة في شيء من الشهادات. قال سحنون: وقال الشعبي وعطاء: تجوز شهادة أربع نسوة فيما لا يراه الرجال فكيف بمن يريد أن يجيز شهادة امرأة واحدة. فصل [2 - شهادة النساء في الحدود والقصاص] قال مالك: ولا تجوز شهادة النساء في الحدود والقصاص والعتق والنكاح والطلاق. قال ابن شهاب: مضت بذلك السنة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن الخليقتين بعده. قال ابن القاسم: ولا تجوز شهادتهن مع رجل في العفو عن الدم كما لا تجوز في دم العمد. وقال في كتاب الديات: وتجوز شهادة النساء في جراح الخطأ وقتل الخطأ؛ لأن ذلك

مال. وإن شهدن مع رجل على منقلة عمداً أو مأمومة عمداً جازت شهادتهن؛ لأن العمد والخطأ فيهما سواء إنما هو مال. ومن غير المدونة قال سحنون: واختلف قول ابن القاسم في شهادتهن في القصاص فيما دون النفس وثبت على أنها لا تجوز ولا يعجبني وأصلنا أنها تجوز فيما يجوز فيه الشاهد واليمين. قيل لسحنون: فأنت تجيز الشاهد في قتل العمد مع القسامة، ولا تجيز فيه المرأتين مع القسامة قال: لا يشبهه هذه يمين واحدة، والقسامة خمسون يميناً. وفي كتاب محمد: تجوز شهادة امرأتين وحدها على الجراح مع يمين المجروح، وعلى القتل في العمد والخطأ، وتكون فيه القسامة فيمن ظهر موته، ولا تجب بشهادة امرأة واحدة على القتل قسامة. وقال أشهب: تجوز شهادة المرأة الواحدة أو الرجل المسخوط في القسامة، وهو عنده لوث في العمد والخطأ. م/: وأجاز في كتاب محمد شهادة امرأتين في قتل العمد مع القسامة، ولم يجز ذلك في المدونة. قال في كتاب محمد: ولو شهد رجل وامرأتان في قتل عمد لم يكن بد من القسامة، وهو يقول: إن رجلاً لو انفرد لكانت القسامة معه، وامرأتان لو انفردتا لكانت

القسامة، فلماذا احتاج إلى القسامة مع اجتماعهما والمقتول مات مكانه ولم لم يكن كرجلين شهدا على قتله ومات مكانه فانظر. [الفصل 3 - شهادة النساء في النسب والنكاح والطلاق والعتق] ومن المدونة قال مالك: ولا تجوز شهادتهن في النسب والولاء، شهدن في ذلك على علمهن أو على السماع، كن وحدهن أو مع رجل، ولا تجوز شهادتهن في تزكية ولا تجريح. قال سحنون: ولا تجوز في الإحصان كما لا تجوز في النكاح. ولا تجوز شهادتهن إلا حيث ذكرها الله تعالى في الدين، أو ما لا يطلع عليه أحد إلا هن؛ للضرورة إلى ذلك، ويحلف الطالب مع شهادة امرأتين فصاعداً في الأموال، ويقضي له. قال ابن الماجشون: وما جاز فيه شاهد ويمين جاز فيه شهادة امرأتين مع اليمين. قال مالك في غير الكتاب: وقد تجوز شهادة النساء فيما يؤدي إلى طلاق عتق ونقض عتق وحد مثل أن يشهدن على أن شراء الزوج لزوجته فيحلف وتصير ملكاً له، ويجب بذلك الفراق، أو على أداء كتابة مكاتب فيحلف ويتم عتقه. قال مالك: وكدين متقدم يثبت بشهادتهن مع يمين الطالب، وعلى مديان أعتق عبده فيحلفه ويرد عتقه.

قال عبد الملك: أو يشهدن بعد عتقه أن سيده كان باعه من فلان فيحلف ويرد عتقه. قال مالك: أو يقيم القاذف شاهداً وامرأتين أن المقذوف عبد فيسقط الحد. فصل [4 - شهادة النساء في المواريث] ومن المدونة قال مالك: وتجوز شهادة النساء في المواريث إذا ثبت النسب بغيرهن، واختلفوا في الميراث. ابن حبيب: قال ابن الماجشون: معناه إذا ثبت نسب رجل بغيرهن فيشهدن على عدد الورثة، أو أنهن لا يعلمن له وارثاً إلا فلاناً فتجوز شهادتهن مع رجل أو مع يمين الورثة. قال ابن أبي زمنين: أو يترك الميت أخوين فيشهد النساء أن أحدهما أقرب إلى الميت بأم فيحلف ويستحق الميراث دون الآخر. ومن المدونة قال ابن القاسم في باب بعد هذا: ولا تجوز شهادة النساء وحدهن أو مع رجل أن فلاناً أوصى إن كان في الوصية عتق أو أبضاع نساء. وقال غيره: لا تجوز في الوصي بحال؛ لأن ذلك ليس بمال. قال سحنون: الوصايا والوكالات ليستا بمال إذ لا يخلف وصي أو وكيل مع شاهد رب المال إذ المال لغيرهما، وإنما جازت شهادة النساء في الأموال لمن يستحق المال بشهادتهن، وفي باب اليمين مع الشاهد بقية من شهادة النساء.

[الباب الرابع] في شهادة الرجال والنساء على شهادة غيرهم

[الباب الرابع] في شهادة الرجال والنساء على شهادة غيرهم [الفصل 1 - ما تجوز فيه الشهادة على الشهادة] قال مالك رحمه الله: وتجوز الشهادة على الشهادة في الحدود والطلاق والولاء وفي كل شيء. وشهادة رجلين تجوز على شهادة عدد كثير ولا ينقل أقل من اثنين في الحقوق عن واحد فأكثر، ولا يجوز نقل واحد عن واحد مع يمين الطالب في مال؛ لأنها بعض شهادة شاهد والنقل نفسه ليس بمال. ولو أجيز ذلك لم يصل إلى قبض المال إلا بيمينين. وإنما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأموال بشاهد ويمين واحدة. ومن كتاب ابن المواز: وتجوز الشهادة على الشهادة في كل شيء وإنما ينقل عن مريض أو غائب. ولا يجوز النقل عن صحصح حاضر يريد إلا النساء فإنه يجوز النقل عنهن وهن أصحاء حضور؛ للضرورة في الكشف. قال: وأما في الحدود فلا ينقل عن البينة إلا في غيبة بعيدة. وأما اليومان والثلاثة فلا. وأما غير الحدود فجائز في مثل هذا. قال: ولا ينقل عن غير العدول إلى القاضي لئلا يغلط ثم يحكم بها. ومن العتبية قال أشهب: وإن شهد قوم على شهادة رجل لا يعرفونه بالعدالة

والقاضي يعرفه بالعدالة أو عدله غيرهم فذلك جائز. قال أصبغ: وذلك إذا عرفه القاضي أو الذين عدلوه أنه هو المنقول عنه بعينه؛ لئلا يجعل اسمه لغيره. قال ابن حبيب: قال مطرف في نقل الناقلين لشهادة قوم في مكان في نكاح أو حق، وقالوا: أشهدنا قوم على كذا وكانوا عندنا يومئذ عدولاً، ولا ندري اليوم ما هم فلا تجوز شهادتهم حتى يسموهم فيعرف أنهم غيب أو أموات، فيجوز وإلا لم يجز؛ إذ لعلهم حضور وقد نزعوا عن شهادتهم، أو نسوها، أو حالت حالتهم إلى جرحه. قال أصبغ: قال مطرف: ومن سمع رجلاً يشهد شهادة عند القاضي ثم مات القاضي، أو عزل فتجوز شهادته عليه، وتكون شهادة على شهادة. وقال أصبغ: لا تجوز حتى يشهده على ذلك، أو يشهد على قبول القاضي لتلك الشهادة. ويقول مطرف أقول. م/ وقول أصبغ أعدل وأشبه بظاهر المدونة. فصل [2 - شهادة رجلين على شهادة رجل ثم يشهد أحدهما وثالث على شهادة آخر في ذلك الحق] ومن كتاب ابن المواز وغيره قال ابن الماجشون: وإذا شهد رجلان على شهادة رجل وشهد أحدهما وثالث على شهادة آخر في ذلك الحق، فلا تجوز؛ لأنه يرجع إلى أن واحداً أحيا شهادتهما في ذلك الحق. قال ابن المواز: بل ذلك جائز؛ لأن الواحد جمع الرجلين فلو كان معهما آخر ينقل

عنهما لجاز عنده وصح، فكيف وهو مع رجلين كل واحد ينقل عن رجل وهذا أقوى. قال ابن القاسم في المجموعة: إذا شهد رجل في حق على علمه وشهد هو وآخر ينقلان عن رجل في ذلك الحق فلا تجوز؛ لأن واحداً أحيا الشهادة. قال في العتبية: وتجوز شهادته على علم نفسه، ولا يجوز نقله عن الآخر. فصل [3 - إذا شهد رجلان على شهادة رجل ثم قدم فأنكر شهادته أو شك فيها] ومن كتاب ابن المواز: إذا شهد رجلان على شهادة رجل ثم قدم فأنكر شهادته أو شك فيها عن قرب ذلك أو بعده، فلا يجوز أن ينقل عنه إلا أن يكون ذلك صار إقراراً على نفسه أو آل أمره إلى أن صار جحوده منفعة له فينفذ ذلك عليه. ومن العتبية قال ابن القاسم: في شاهدين نقلاً شهادة رجل، ثم قدم فأنكر أن يكون أشهدهما أو عنده في ذلك علم وقد حكم بها. قال مالك: يفسخ. وفي سماع عيسى: الحكم ماض ولا غرم عليهما، ولا يقبل تكذيبه لهما. م/: "وهذا الصواب. وقال: ولو قدم قبل الحكم فقال ذلك سقطت الشهادة. م/: وكان كالرجوع عن الشهادة.

فصل [4 - الشهادة على الشهادة في الزنا] ومن كتاب الحدود في الزنا قال ابن القاسم: وتجوز الشهادة على الشهادة في الزنا مثل أن يشهد أربعة على شهادة أربعة، أو اثنان على شهادة اثنين، واثنان على شهادة اثنين آخرين حتى تتم أربعة من كلتا الناحيتين. ابن حبيب وقال ابن الماجشون: إذا شهد أربعة على شهادة كل واحد من الأربعة جازت، فإن تفرقوا جاز اثنان على كل واحد حتى يصيروا ثمانية على أربعة، ويجوز في تعديلهم ما يجوز في تعديل غيرهم، اثنان على كل واحد، وأربعة على جميعهم. قال مطرف: ولا تجوز في ذلك إلا أربعة على شهادة كل واحد من الأربعة الذين شهدوا على الرؤية، ولا يجوز في نقل شهادة الزنا إلا ستة عشر رجلاً بخلاف الحقوق، ولو شهد ثلاثة على الرؤية وغاب الرابع، فلا تتم الشهادة إلا بنقل أربعة عن الرابع ولا يعدل كل واحد من شهود الرؤية إلا أربعة. م/: وهذا مستوعب في كتاب الحدود. فصل [5 - شهادة النساء على الشهادة في الأموال] ومن المدونة قال مالك: وتجوز شهادة النساء على الشهادة في الأموال وفي الوكالة على الأموال إذا كان معهن رجل، وهن وإن كثرن كرجل واحد فلا ينقلن شهادة إلا مع رجل نقلن عن رجل أو عن امرأة. وقاله أشهب. وقال غيره: لا تجوز شهادتهن على شهادة مال، ولا على وكالة في مال، ولا تجوز شهادتهن إلا حيث أجازها الله حيث تجوز اليمين مع الشاهد.

قال سحنون: وهذا إن شاء الله تعالى عدل من القول. قال ابن القاسم: وما لا تجوز فيه شهادتهن فلا يجوز لهن أن يشهدن فيه على شهادة غيرهن كان معهن رجل أم لا. قال في كتاب الشفعة: وتجوز شهادتهن في الوكالة على أخذ الشفعة أو تسليمها أو على أن شفيع؛ لأن ذلك مال. وبالله التوفيق.

[الباب الخامس] في شهادة الصبيان بعضهم على بعض

[الباب الخامس] في شهادة الصبيان بعضهم على بعض [الفصل 1 - ما تقبل فيه شهادة الصبيان وما يشترط في قبولها] روى ابن وهب أن علي بن أبي طالب وعروة وعبد الله ولدى الزبير وشريحاً وغيرهم أجازوا شهادة الصبيان بعضهم على بعض في القتل والجراح ما لم يفترقوا أو يخيبوا أو يختلفوا، ويؤخذ بأول قولهم. قال أبو الزناد: وهي السنة، وبه أخذ عمر بن عبد العزيز. وقال مالك هو الأمر المجتمع عليه عندنا. قال: وما ذكر عن ابن عباس أنه قال: لا تجوز شهادة

الصبيان، فمعناه عندنا في شهادتهم على الكبار لا على بعضهم بعضاً. وقال مالك رحمه الله: تجوز شهادة الصبيان بعضهم على بعض في القتل والجراح ما لم يفترقوا أو يخببوا. محمد: أو يدخل بينهم كبير. قال ابن المواز: وإذا قيدت بالعدول قبل أن يفترقوا لم يبطلها رجوعهم إلا أن يتراخى الحكم حتى يكبروا ويعدلوا، فيؤخذ برجوعهم إذا أيقنوا أنهم شهدوا بباطل, وقال نحوه سحنون. ومن المدونة قال مالك: ولا تجوز إلا شهادة اثنين منهم فأكثر، ولا تجوز شهادة واحد، ولا تجوز أيضاً شهادة الإناث من الصبيان وإن كثرن. وقال أشهب وغيره: لا تجوز شهادة الصبيان - يريد- في القتل وتجوز في الجراح. قال: ولا تجوز شهادة الإناث بحال. وقال المغيرة: تجوز شهادة الصبيان في القتل والجراح وتجوز شهادة الإناث منهم. ومن المجموعة قال ابن الماجشون: ولا تجوز شهادة من على غير الإسلام منهم، ولا

العبيد بعضهم على بعض، وتجوز شهادة الإناث من المسلمين الأحرار. وقال ابن المواز: ولا ينظر في الصبيان إلى عداوة ولا إلى قرابة. وقال ابن القاسم: لا تجوز لقريب ولا على عدو منهم إذا ثبتت العداوة. وقال عبد الملك: تثبت في العداوة وتسقط في القرابة. محمد: ولم يختلف أنه لا ينظر فيها إلى عدالة ولا إلى جرحة فيهم. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا تجوز شهادة الصبيان في الجراح لكبير على صغير أو كبير. قال في كتاب الديات: ولا على أن صباً قتل كبيراً أو جرحه. قال ابن المواز: أما شهادتهم لكبير أن صغيراً جرحه فلا تجوز؛ لأن هذا المجروح الكبير دخل بينهم فهو يخيبهم، وأما على قتله فتجوز إذا لم يبق حتى يعلمهم، وتجب الدية على عاقلة الجاني. ابن المواز قال أشهب عن مالك في كبير وصبيين شهدوا لصبي على صبي أنه قتله، قال: تسقط شهادة الصغار.

محمد: وتكون القسامة مع شهادة الكبير إن كان عاقلاً عدلاً. وقال مالك في كتاب ابن سحنون: ولا تجوز شهادة صبي أو صبيين ورجل على صبي ويكلف رجلاً آخر. [الفصل 2 - شهادة الصبيان حيث يحضر الكبار] قال سحنون: ولا تجوز شهادة الصبيان حيث يحضر الكبار رجالاً ونساء؛ لأن شهادة النساء تجوز في قتل الخطأ، وعمد الصبي كالخطأ وإنما أجيزت شهادة الصبيان للضرورة فإذا حضر كبار معهم زالت الضرورة. قال ابن المواز: إذا دخل معهم كبير رجل أو امرأة شاهد أو مشهود له أو عليه، لم تجز شهادة الصغار؛ لأن الكبير يعلمهم إلا كبير مقتول لم يبق حتى يعلمهم. قال ابن سحنون عن أبيه: فإن حضر رجال غير عدول ظاهرو السفه والجرحة جازت شهادة الصبيان، ثم وقف عن إجازتها. ابن حبيب قال مطرف: وإذا كان الكبير مسخوطاً أو نصرانياً أو عبداً لم تضر شهادته شهادة الصبيان وحضوره كعدمه. وقاله ابن الماجشون وأصبغ. م/ وهذا خلاف ما في كتاب ابن المواز؛ لأنه قال فيه: إنما يتقي من الكبير أن

يعلمهم أو يخببهم فلا يراعي في ذل الجرحة. [الفصل 3 - شهادة الصبيان في الحقوق] ابن سحنون: قلت لسحنون: لم أجزت شهادة الصبين بينهم في الجراح ولم تجزها في الحقوق؟ قال: للضرورة؛ لأن الحقوق يحضرها الكبار ولا يحضرون في جراحة الصبيان، ألا ترى لو حضر بينهم كبير لم تجز شهادتهم. قلت: فيلزمك أن تجيزها في غصب بعضهم بعضاً. قال: هذا موضع إتباع للماضين، ولا وجه للقياس فيما هو سنة أو كالسنة. قال غير سحنون: لا يستوي في المال والدماء وقد فرقت الأئمة بينهما فقبلوا في الدماء ولم يقبلوا في الماء وما الضرورة إلى تحصين دماء الصبيان مثل الضرورة إلى تحصين أموالهم فلكل شيء من هذا موقع. [الفصل 4 - شهادة الصبيان على القتل والشهادة على قولهم في ذلك] ومن المدونة قال مالك: وإذا شهدت بينة على قول صبي أن فلاناً الصبي قتله لم ينفع هذا إلا بينة على القتل، ولا يقسم على ذلك وإن اعترف القاتل. قال سحنون: وعلى هذا جماعة من أصحابنا. قال مالك: وليس في الصبيان قسامة فيما بينهم إلا أن يشهد كبير أن كبيراً قتل صغيراً، أو صغيراً قتل كبيراً فيقسم ولاته على ما يشهد به الشاهد من عمد أو خطأ.

وقال ابن نافع وغيره في صبي شهد عليه صبيان أنه جرح صبياً ثم ترابي جرحه ثم مات أن ولاته يقسمون لمن ضربه مات، ويستحقون الدية. وقال مالك. م/: وهذا خلاف قول مالك، وإنما فيه على مذهبه دية الجراح فقط إذ لأقسامه عنده مع شهادتهم. ومن غير كتاب قال ابن وهب عن مالك في ستة صبيان لعبوا في بحر فغرق واحد منهم، فشهد ثلاثة على اثنين أنهما غرقاه، وشهد الاثنان على الثلاثة أنهم غرقوه، قال: العقل على الخمسة؛ لأن شهادتهم مختلفة. قال ابن المواز: وهذا غلط؛ لاختلافهم، ولا تجوز. وقاله ابن حبيب عن مطرف في الصغار. قال: ولو كانوا كباراً واختلفوا هكذا كانت الدية عليهم في أموالهم؛ لأنه صار إقراراً، وكأنهم قالوا: لم تخرج الجناية عنا. قال ابن الماجشون في العتبية: ولو شهد صبيان أن صبياً، وشهد آخران أن ليس منهم القاتل، وأن دابة هي التي أصابته جباراً. قال: تمضي شهادة الصبيان على القتل. م/ قال بعض فقهاء القرويين: هذا اختلاف يوجب سقوط شهادتهم، وإنما

قاسه على الكبار أن شهادة من أثبت منهم حكماً أولى من الذي نفاه. وقال أصبغ: إذا شهد اثنان من الصبيان أن صبياً قتل صبياً الساعة، وشهد رجلان أنه لم يقتله، وأنهما كانا حاضرين حتى سقط الصبي فمات. قال: شهادة الصبيان تامة، ولا ينظر إلى قول الكبيرين كما لو شهد رجلان بقتله، وشهد كبيران غيرهما أنه لم يقتله، فشهادة من شهد بالقتل أولى، ولا ينظر إلى الأعدل من البينتين بعد أن يكون اللذان شهدا بالقتل عدلين، وكذلك في الحدود والطلاق والعتاق. قال ابن سحنون: أنكر سحنون قول أصبغ هذا. وقال قول أصحابنا: أن شهادة الكبير أحق وغير هذا خطأ غير مشكل؛ إذ لا يشبه ذلك بالكبيرين. م/ قال بعض فقهاء القرويين: وقول سحنون أصوب؛ لأن شهادة الصبيان تبطل بحضور الكبار سواء أثبت الصغار حكماً أو نفوه.

[الباب السادس] في شهادة الوصيين، أو الوارثين بدين على الميت، أو له، أو أن وصيا آخر معهما]

[الباب السادس] في شهادة الوصيين، أو الوارثين بدين على الميت، أو له، أو أن وصياً آخر معهما] [الفصل 1 - شهادة الوصي أو الوارث بدين على الميت] قال مالك: وتجوز شهادة الوصيين، أو الوارثين على الميت مع يمين الطالب أنه ما قبض منه شيئاً، ولا سقط عنه بوجه ما، وإن شهد لصاحب الدين بذلك واحد من الورثة حلف معه أن حقه لحق، وأنه ما قبض من الميت شيئاً منه، ولا سقط عنه إن كان الشاهد عدلاً، واستحق حقه كله. إن نكل أخذ من الشاهد قدر ما يصيبه من الدين. م/: يريد إذا أقر الشاهد أن الدين باق على الميت، وإلا لم يأخذ منه شيئاً حتى يحلف أنه ما قبض منه ولا سقط عنه. قال مالك: وإذا كان الشاهد سفيهاً لم تجز شهادته، ولم يرجع عليه في حصته بقليل ولا كثير، وإن كان غير عدل وهو غير سفيه لم تجز شهادته، ولكن يرجع عليه في حصته فيأخذ منه قدر ما يصير عليه. م/ بعد أن يحلف أنه ما قبضه منه كما وصفنا أولاً. ومن سماع عيسى: ومن احتضر فقال ما شهد به ابني علي من دين أو شيء فهو مصدق إلى مائة دينار، ولم يؤقت وقتاً، ثم مات فشهد ابنه لقوم بديون وشهد لبعض

الورثة بدين، فلا يثبت ذلك إلا بيمين إن كان عدلاً، وإن لم يكن عدلاً، وإن لم يكن عدلاً، أو نكل المشهود له عن اليمين لزم الشاهد قدر ميراثه من هذا الدين، وإن كان سفيها لم يجز إقراره في ميراثه، ولم يحلف الطالب. [الفصل 2 - شهادة الوصي أو الوارث أن معهما وصياً أو وارثاً آخر] ومن المدونة قال مالك: وشهادة الوصيين أن الميت أوصى إلى فلان معهما جائزة. وقال غيره: تجوز إن ادعى ذلك الوصي الثالث، ولم يجرا بذلك إلى أنفسهما نفعاً، وكذلك شهادة الوارثين في هذا كشهادة الوصي. قال ابن القاسم: وإذا شهد شاهدان أن أباهما أوصى إلى فلان جازت شهادتهما؛ لأن مالكاً قال: لو شهدا على نسب يلحقانه بأبيهما أو بدين على أبيهما أو وصية لرجل بمال جاز ذلك، فكذلك إشهاد الوصية. قال مالك: وإن شهد وارثان أن أباهما أعتق هذا العبد ومعهما أخوات أو زوجة لأب فإن لم يتهما في ولاء العبد لدناءته جازت شهادتهما، وإن كان عبداً يرغب في ولائه ويتهمان على جر ولائه إليهما دون أخواتهما أو امرأة أبيهما لم تجز شهادتهما. قال ابن القاسم: وكذا لو شهدا أنه أعتقه وشهد أجنبيان أنه أوصى بالثلث لنظرت فإن كانا يتهمان في ولائه لم تجز شهادتهما، وإن لم يتهما في ولائه جازت شهادتهما وبدئ بالعتق على الوصية.

فصل [3 - شهادة الوصي بدين للميت] ولا تجوز شهادة الوصي بدين للميت؛ لأنه يجر لنفسه إلا أن يكون الورثة كلهم كباراً رشداً لا حجر له عليهم، وكان لا يجر بشهادته شيئاً يأخذه فشهادته جائزة. قال في كتاب محمد: ويحلف الوارث مع شاهده على البت، ويدخل مع ذلك أيضاً أنه ما علم أنه اقتضى منه شيئاً ولا سقط عنه منه شيء في علمه. وفي المدونة: وإن شهد الوصي لورثة الميت بديون لهم على الناس لم تجز شهادته؛ لأنه الناظر لهم. قال ابن القاسم: إلا أن يكونوا كباراً يلون أنفسهم، ولا ولاية له عليهم فتجوز شهادته لهم؛ لأنه لا يقبض لهم شيئاً، وهم يقبضون لأنفسهم إذا كانت حالتهم مرضية.

[الباب السابع] في اليمين مع الشاهد من النساء، ومن الرجال

[الباب السابع] في اليمين مع الشاهد من النساء، ومن الرجال [الفصل 1 - أدلة مشروعية الشاهد مع اليمين] قال ابن المواز قال مالك وأصحابه في قول الله سبحانه في آية الدين {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة:282] ليس فيه نهي عن قبول شاهد ويمين، أو امرأتين مع اليمين، كما لم يمنع ذلك من قبول امرأتين فيما لا يطلع عليه الرجال، وهو أمر مجمع عليه بالمدينة، وكما لم يختلف في المطلوب إذا نكل وحلف الطالب أن الحق قد وجب له، وأنه ليس مخالفاً لظاهر القرآن مع ما مضى من السنة في ذلك في الأموال، فقد قضى الرسول -عليه السلام- بالشاهد واليمين في الأموال. وروى ابن حبيب عن أبي الزناد أنه قال: خرجت مع عبد الحميد بن عبد

الرحمن ابن زيد بن الخطاب وكان عمر بن عبد العزيز استعمله على العراق قال: فوجدناهم لا يقضون باليمين مع الشاهد، ولا يقطعون الابن إذا سرق من مال أبيه، ولا يقضون بالقسامة فقلت لهم: هذا الذي خالفتم فيه نكتب به إلى أمير المؤمنين فنكون نحن وأنتم عليه، وفيهم الشعبي والنخعي. فكتب الكتاب، وأنقذ فورد كتاب عمر يقول: أما اليمين مع الشاهد فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قضى بها وقضى بالقسامة، وكل ما قضى به أحق أن يتبع. وقال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]. ولم يستثن الابن من غيره، فإذا أتاك كتابي هذا فاقض بهذا فيهم.

وروى ابن حبيب من طرق كثيرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قضى باليمين مع الشاهد. وقال عليه السلام: «استشرت جبريل في القضاء باليمين مع الشاهد فأمرني بذلك». قال أشهب في المجموعة: وقد حكم مخالفنا بالنكول. [الفصل 2 - ما يجوز فيه الشاهد مع اليمين] قال مالك وغيره: إنما يجوز الشاهد مع اليمين في الأموال دون العتق والطلاق والنكاح والحدود والقتل. قال ابن المواز: ولا يجوز شاهد ويمين على كتاب قاض إلى قاض ولا على حكم قاض. وقاله ابن الماجشون قال عنه ابن حبيب: لا يجوز وإن كان في مال. وقال مطرف: ويحلف مع شاهده، ويثبت له القضاء. [الفصل 3 - اليمين مع الشاهد من النساء] قال ابن الماجشون: وما جاز فيه شاهد ويمين جاز فيه شاهد وامرأتان أو امرأتان مع اليمين. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا شهد النساء لرجل أن فلاناً أوصى له بكذا جازت شهادتهن مع يمينه كما لو شهد بذلك رجل واحد. قال: وامرأتان في ذلك ومائة امرأة سواء يحلف الطالب معهن ويستحق ولا يحلف مع

امرأة واحدة. قال ابن المواز: تجوز شهادتهن في الوصية مع يمين الموصى له ما لم يكن فيها عتق، وقد قيل: تجوز في الوصية مع يمين الطالب، وتسقط في العتق، وإنما الذي إذا سقطت في بعضها سقطت في كلها ما كان فيه تهمة، مثل أن يشهد لرجل ولنفسه أو لمن يتهم عليه. [الفصل 4 - إذا شهد النساء بحق لصغير فمتى يحلف؟] ومن المدونة: وإذا شهد النساء لعبد أو امرأة أو لذمي فإنه يحلف ويستحق فأما إن شهدن لصبي فإنه لا يحلف حتى يبلغ. ابن المواز: ويحلف له المطلوب فإن نكل غرم، وإن حلف ترك حتى يبلغ الصبي فيحلف، ويستحق فإن نكل لم يحلف له المطلوب ثانية. وكذلك قال ابن القاسم في العتبية: قال بعض فقهائنا من القرويين: وإذا حلف الغريم استؤني بالصبي حتى يكبر فمات الصبي قبل بلوغه فلورثته أن يحلفوا ويستحقوا ويقوموا مقام الصبي لو كبر. ومن المدونة: وإن كان في الورثة أكابر مع أصاغر حلف الأكابر وأخذوا مقدار

حقهم، فإن نكلوا وبلغ الأصاغر كان لهم أن يحلفوا ويستحقوا حقهم. قال بعض فقهائنا القرويين: فلو مات الصغير قبل بلوغه، وورثه الكبير الذي نكل عن اليمين فليس له أن يحلف؛ لأنه قد نكل أولاً عن اليمين، وهو الحق الذي شهد به الشاهد فلا يرجع عليهم بيمين قد نكل عنها. م/: ويظهر لي أن له أن يحلف على نصيب الصغير، ويتسحق حقه؛ لأنه ورث حق الصغير فقد حل محله في اليمين، وإنما كان نكوله أولاً عن اليمين على حصته. ألا ترى أنه لو حلف أولاً وأخذ مقدار حصته، ثم ورث الصغير لم يأخذ نصيبه إلا بيمين ثانية، فإذا نكل أولاً فلا يسقط إلا ما نكل عنه وذلك كحقين بكتابين يقوم له بكل حق شاهد، فليس نكوله عن أحدهما يسقط حقه من الآخر. ومن كتاب ابن المواز: وإذا قام للميت شاهد بدين ووارث صغير حلف المطلوب له فإن حلف ترك حتى يبلغ الصبي فيحلف ويستحق، فإن نكل لم يحلف المطلوب له ثانية، وإن نكل المطلوب أولاً غرم. ويكتب القاضي بذلك قضيته، ويشهد على ما ثبت عنده من شهادة الشاهد لينفذه من بعده إن مات الشاهد أو فسد، وإن أشركه وارث كبير حلف الكبير واستحق قدر حصته، وأحلف المطلوب، فإن نكل عجل حق الطفل إن كان حالاً، ثم لا يمين له على الصغير بعد كبره كحكم نفذ. قال غيره: ولأنه لو ردت عليه اليمين بعد كبره فنكل عنها كانا قد تساويا في

النكول، ومع الصبي زيادة شهادة الشاهد فوجب أن يأخذ بغير يمين، ولا فائدة في يمين إذا نكل عنها لم توجب حكماً. وقال ابن حبيب: ترد عليه اليمين بعد كبره ورشده فإن حلف قضي له وإن نكل رد إلى المطلوب ما أخذ منه، وكذلك الحكم في السفيه. قال في كتاب محمد: وإن حلف المطلوب أولاً أخر عليه الحق حتى يكبر الصبي فيحلف ويأخذ حقه، فإن كان الغريم حينئذ عديماً فإن كان يوم أخذ الكبير حقه لا شيء له إلا ما أخذ رجع الصغير على أخيه بنصف ما كان أخذ بعد يمينه إذا كبر. قيل: وكيف يحلف الصبي على ما لا يعلم؟ قيل: لا يحلف حتى يعلم بالخبر الذي يتيقن به فله أن يحلف بذلك. قال مالك: ويحلف على البت أن هذا الحق لحق. ومن كتاب ابن سحنون وهو ملصق بقول مالك، فإن قيل: كيف يحلف الوارث على ما لم يحضره، ولم يعلم، وهو لا يدري هل شهد له بحق أم لا؟ قال: يحلف معه على خبره وتصديقه كما داز له أن يأخذ ما شهد له به الشاهدان من مال وغيره ولم يعلم ذلك، ولم يختلف في هذا وقد يشهدان له بموت أبيه وبتركته فيأخذ ذلك ولا يعلم ذلك إلا بقولهما.

قال مالك: ويحلف مع الشاهد في دين لأبيه الميت على البت، ولو أقام شاهدين لحلف على العلم أنه ما علم أن أباه قبض ذلك الدين، ولا شيئاً منه. قال ابن كنانة: ويحلف الكبار مع شاهد والدهم على البت في الدين أنهم لا يعلمون أنه قبض منه شيئاً، ولا قبض له منه قابض فيصير أول اليمين على البت والثاني على العلم. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: فإذا قام للصغير شاهد في شيء بعينه من دار أو عبد أو ماله غلة فيسلم ذلك إلى من هو بيده بعد يمينه، ولا يوقف عليه، فإذا بلغ الصغير وحلف استحقه إن كان قائماً، وإلا فقيمته يومئذ إن كان فائتاً. وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. ومن كتاب ابن المواز: وإذا شهد شاهد لوارث صغير بصدقة وبحيازتها في الصحة فلم يوجد شاهد آخر فقسمت تلك الصدقة بين الورثة بأمر قاض، ثم كبر الصغير الطالب، أو كان كبيراً غائباً فقدم فجاءه شاهد ثان فإنه يقضي له به مع الأول، ويرد القسم. وما فات من الرقيق بعتق أو ولادة لم يرد، ويتبع الورثة بالثمن، وإن لم يفوتوا إلا ببيع فليأخذهم ويؤدي الثمن، ويرجع به على الورثة وكذلك الأرض، ويدفع قيمة العمارة. م/ يريد: قائمة. قال ابن المواز: أما الكبير فلا يجزئه شاهد ثان حتى يأتي شاهدين غيره؛ لأن تركه اليمين مع الأول إبطال لشهادته.

م/: وهذا إن كان حاضراً فأحلف مع شاهده فنكل وحلف الورثة أنهم لا يعلمون ما شهد به الشاهد، وأما إن كان غائباً فلما قدم أتى بشاهد ثان فإنه يضمه إلى الأول ويرد القسم. قال ابن المواز: وقوله قسمت بأمر قاض غير صواب، ولكن ينتظر الغائب، وأما الصغير فليوقف له حتى يبلغ إلا ما لا يصلح إيقافه مثل الحيوان ونحو ذلك فليبع، ويوقف ثمنه حتى يكبر فيحلف أو ينكل فيحلف الورثة الأكابر على العلم. [الفصل 5 - هل على الأخرس والمعتوه وذاهب العقل يمين مع شاهدهم] ومن كتاب ابن سحنون: إذا قام شاهد بدين لميت ووارثه أخرس لا يفهم ولا يفهم عنه ردت اليمين على المطلوب، فإن حلف برئ وإن نكل غرم، وكذلك المعتوه أو ذاهب العقل فليحلف المطلوب فإن نكل غرم، وإن حلف ترك إلى أن يبرأ المعتوه فيحلف ويستحق. ومن العتبية وكتاب محمد ابن سحنون قال أشهب في الميت يثبت عليه الدين فيجد وصيه شاهداً بالبراءة منه، والورثة صغار فليحلف الطالب أنه ما قبض شيئاً. فإن حلف دفع إليه المال الآن، فإن كبر الصغار حلفوا واسترجعوا المال. قال أصبغ: جيدة كما قال مالك في الدين يكون لهم.

[الفصل 6 - يمين السفيه البالغ مع شاهده بحق له] ومن العتبية قال ابن القاسم في الشاهد يقوم بحق لسفيه بالغ أنه يحلف مع شاهده بخلاف الصبي فإن نكل حلف المطلوب وبرئ، فإن نكل غرم. وقاله أصبغ كالعبد والذمي. قال أصبغ عن ابن القاسم: والسفيه إذا نكل وحلف المطلوب برئ، ولا يمين للسفيه بعد رشده، ولو كان له ذلك لانتظر رشده كما ينتظر الصبي. وكذلك عنه في كتاب ابن سحنون قال فيه وكذلك البكر المولى عليها تنكل عن اليمين مع شاهدها، فلا يمين لها بعد أن ترضى حالها. وقال ابن كنانة: لها الرجوع إلى اليمين بعد رضى حالها وإن كان الغريم قد حلف أولاً. وكان ابن القاسم وأصبغ يريان السفيه كالرشيد إن حلف أخذ، وإن نكل بطل حقه بخلاف الصغير عندهما. وقال ابن حبيب عن مطرف في السفيه يقوم له شاهد فإنه يحلف له المطلوب، فإن حلف أخر السفيه حتى يرشد فيحلف إن شاء مع شاهده، ويقضي له، فإن أبى لم يكن له يمين على المطلوب؛ لأنه حلف أولاً، ولو كان المطلوب قد نكل أولاً لأخذ منه الحق فإذا رشد السفيه فإن حلف قضي له، وإن نكل رد إلى المطلوب ما أخذ منه، وكذلك إن

كان صبياً فهو كالسفيه فيما ذكرناه. م/: وهذا خلاف ما تقدم لابن القاسم مع أصبغ في الصبي والسفيه. وقول مالك وابن القاسم وأصبغ هو الصواب إن شاء الله تعالى. [الفصل 7 - فيما يقبل فيه الشاهد مع اليمين] ومن المدونة قال مالك: ومن أقام شاهداً أن عبد فلان قتل عبده عمداً أو خطأ فإنه يحلف يميناً واحدة ويستحق العبد ولا يقتله، وإن كان عمداً. ويخير سيده بين أن يغرم قيمة المقتول ويأخذ عبده أو يسلم عبده، فإن أسلمه لم يقتل؛ لأنه لا يقتل بشاهد واحد، ولا قسامة في العبيد، ومن شهد عليه رجل واحد بالسرقة لم يقطع، ولكن يحلف المسروق منه المتاع مع شاهده، ويستحق متاعه. وكل جرح لا قصاص فيه مما هو متلف كالجائفة والمألومة وشبههما فالشاهد واليمين فيه جائز؛ لأن العمد والخطأ فيه سواء إنما هو مال. قال سحنون قال أشهب: وكل جرح فيه قصاص فإنه يقتص فيه بشاهد ويمين الطالب؛ لأن الجراح لا قسامة فيها. بذلك مضت السنة. وإنما القسامة في النفس فلما كانت النفس تقتل بشاهد واحد مع القسامة فلذلك اقتص بشاهد واحد مع يمين المجروح وقاله عمر بن عبد العزيز.

ابن حبيب: وقال مطرف عن مالك: تجوز اليمين مع الشاهد في الحقوق والجراح عمدها وخطئها وفي المشاتمة عدا الحدود، من الفرية، والسرقة، والشرب، والعتاق، والطلاق. ابن حبيب: وقاله عمر بن عبد العزيز. وقال أشهب عن مالك في العتبية: لا يحلف في الشتم مع شاهده وعسى له أن يحلف المدعى عليه، وأرى إن كان الشاتم معروفاً بالسفه أن يعزر. ومن المدونة قال مالك: وإذا شهد رجل وامرأتان على رجل بالسرقة ضمن المال، ولم قطع، كما لا يقتل العبد القاتل بشاهد ويمين، ولكن يكون جناية في رقبته. [الفصل 8 - إذا أقام شاهداً بمئة دينار وشاهداً بخمسين ديناراً فله أخذ الخمسين بغير يمين، وله أن يحلف مع شاهد المئة ويأخذها] قال مالك: ومن أقام شاهداً بمئة دينار، وشاهداً بخمسين ديناراً، فإن شاء حلف مع شاهد المئة وقضي له بها، وإلا أخذ منه الخمسين بغير يمين. يريد ويرد على المشهود عليه اليمين في الخمسين الأخرى، فإن حلف بريء، وإن نكل غرم. قال بعض شيوخنا من القرويين: وهذا إذا كان ذلك كله في مجلس واحد، أما لو

كان ذلك في مجلسين وادعى الطالب المالين لحلف مع كل شاهد واستحق مئة وخمسين؛ لأنهما مالان وشهادتان. وقال غيره من بعض فقهاء القرويين: اختلف قول مالك إذا كانت الشهادة في مجلس واحد فمرة جعل ذلك زيادة وليس بتكاذب، فيحلف مع شاهد المئة ويأخذها، وليس للمشهود عليه أن يقوم بشاهد الخمسين. وقال أيضاً: إن هذا تكاذب فإن كان المطلوب منكراً فادعى المدعي الشهادتين بطلت دعواه كما لو شهد له شاهد أن له عليه بغلاً، وقال الآخر: بل الذي له عليه حمار فادعاهما الطالب جميعاً أن حقه يبطل على هذا، ولا يكون له شيء، وإن ادعى أحدهما وأسقط الثاني، والمطلوب منكر كان له ذلك، ويحلف مع الذي قام به، وإن كان المدعى عليه مقراً بالخمسين منكراً للمئة والشهادة في موطن واحد كان ذلك تكاذباً فقضي بأعدل البينتين على هذا القول فإن تكافأت البينتان سقطتا، وكان القول قول المطلوب مع يمينه في قول ابن القاسم. وفي قول أشهب القول قوله بغير يمين. م/: ووجه قول ابن القاسم أن البينتين لما تكافأتا سقطتا وصار مدعياً ومدعى عليه فالقول قول المدعى عليه فالقول قول المدعى عليه مع يمينه. ووجه مذهب أشهب؛ لأنه أقام على ما ادعى عليه بينة فسقطت عنه اليمين وهذا أضعف؛ لأن البينة لم تصح فأما إذا كانا في مجلسين فهما حقان إذا ادعاهما يحلف مع كل شاهد ويأخذ مئة وخمسين فإن أراد أن يأخذ خمسين بغير يمين فقال ابن القاسم: ليس له ذلك، وله ذلك عند ابن المواز، وهو أشبه؛ لأن الشاهدين

اتفقا على إثبات خمسين كما إذا شهد شاهد عليه بطلقة يوم الجمعة، وشاهد بطلقة يوم السبت إنهما قد اتفقا على طلقة، وتلفق شهادتهما عليه بطلقة، وقد اختلف في تلفيق الأفعال مثل أن يشهد شاهد أنه قال: امرأته طالق إن كلم فلاناً فكلمه، وشهد الآخر أنه قال: امرأته طالق إن دخل دار فلان فدخلها. [الفصل 9 - المثبت مقدم على النافي] قد قالوا في الذي شهد أنه أقر ببغل، وقال الآخر: بل بحمار في مجلس واحد إذا ادعى البغل والحمار لم يكن له شيء كالمئة مع الخمسين على قول من جعل ذلك تكاذباً، وقد يمكن أن يقال إن ذلك له على قولهم: إن من أثبت من البينة حكماً أولى ممن نفاه، وذلك أن من أثبت البغل فقد نفي الحمار، فيجب أن يأخذ البغل بعد يمينه، ومن أثبت الحمار فقد نفى البغل، فيجب أن يقوم بإثباته فيأخذ الحمار بعد يمينه، كما قالوا لو شهد شاهدان أنه أقر لفلان بمئة، وقال آخران: كنا حضوراً فلم يقر بشيء أن من أثبت حكماً أولى ممن نفاه. كما لو شهد شاهدان أن رأيناه في الوقت الفلاني قتل فلاناً، وشهد آخران أنه كان معنا في الوقت الفلاني لم يخرج إلى الليل أن من أثبت حكماً أولى ممن نفاه. وقد اختلف إذا شهد شاهدان أنه طلق امرأته في الوقت الفلاني ولم يقل غير ذلك، وشهد آخران أنا كنا معهما في ذلك الوقت فأعتق عبده ولم يطلق امرأته. فقال في كتاب محمد: إن هذا تكاذب، ويسقط في التكافؤ ولا يلزمه شيء، وألزمه ذلك في كتاب ابن حبيب وهو نحو ما تأولنا أن من أثبت حكماً أولى ممن نفاه.

ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن شهد أحدهما أن فلاناً قتل فلاناً بالسيف وشهد آخر أنه قتله بالحجر فشهادتهما باطلة، ولا قسامة فيه؛ لأن أحدهما كاذب. قال سحنون: يدعون شهادة من شاءوا منهما ويقسمون معه. فصل [10 - في الشاهد للميت أو للحي هل يحلف غرماؤه؟] ومن المجموعة قال مالك في الميت يقوم له شاهد بدين، وعليه ديون، فأبى ورثته اليمين مع الشاهد، فللغرماء أن يحلفوا ويأخذوا حقوقهم، فإن فضل شيء لم يكن للورثة معاودة اليمين؛ لنكولهم عنها أولاً. يريد ويحلف الغريم، ويبرأ من بقية المال كورثة قام لهم شاهد بحق فحلف بعض، ونكل بعض أن الغريم يحلف، ويسقط عنه قدر نصيب من نكل، إلا أن يقول الورثة لم نعلم أن لنا فيه فضلاً، ويعلم ذلك فليحلفوا ويأخذوا. قال سحنون: وإنما كان للورثة أن يحلفوا أولاً؛ لأنه لو نكل الغرماء عن اليمين أنهم لم يقبضوا دينهم كان للورثة اليمين مع الشاهد؛ فلذلك كان لهم أن يحلفوا أولاً، وهذا إن لم يقم الغرماء، فأما إن قاموا، وثبتت حقوقهم، وطلبوا أن يحلفوا فإنهم هم المبتدءون بها؛ لأنهم أولى بتركة الميت. وروى ابن المواز عن مالك مثل ما تقدم. قال: والمعروف لمالك أنه يبدأ بيمين الورثة إذا كان في الحق فضل عن دين الغرماء،

فإن لم يكن فضل لم يحلف إلا الغرماء، فإن نكلوا حلف الغريم وبرئ، وإن حلفوا استحقوا الدين، وإن كان لما حلف الغرماء واستحقوا، تركوا دينهم للميت فقد صار الميت كمن لا دين عليه، وصار الدين الذي له ميراثاً، فلا يأخذه الورثة إلا باليمين، إلا أن يتبين من الغرماء أنهم إنما تركوا دينهم للورثة خاصة، أو للذي عليه الدين فهو لمن ترك له، وإلا فهو للميت. ولو نكل الغرماء فحلف الذي عليه الدين وبرئ، لم يكن للورثة في هذا حق إلا أن يفضل عن الدين فضل فيحلف الورثة، ويستحقون الفضل. قال ابن المواز: وإن كان لما حلف الغرماء، واستحقوا الدين طرأ للميت مال فيه كفاف للدين، فليس للغرماء ولا للورثة أخذ الدين الذي ثبت بالشاهد إلا بيمين الورثة، ولا تغني يمين الغرماء التي حلفوا أولاً؛ لأنه لما طرأ مال يفي بدينهم صار الورثة أقعد بدين الميت، وباليمين عليه مع الشاهد. قال ابن القاسم فيمن مات وعليه دين ومهر لامرأته، فأقام الغرماء شاهداً بسقوط المهر، وتركته كفاف بدينهم فليحلفوا، ويزول عنهم المهر، ويأخذوا ما ترك. ثم إن طرأ مال آخر للميت فليحلف الورثة، ويسقط عنهم المهر، ويرثوا المال الطارئ مع الزوجة. قال ابن حبيب عن أصبغ: إذا قام للميت أو للمفلس شاهد بالبراءة من دين عليه فليس لغرمائه أن يحلفوا مع شاهده ويبرأوا؛ لأن يمينهم على أنه دفع رجم بالغيب.

قال أبو محمد: والذي ذكر ابن المواز أصح؛ لأن هذه يمين بخبر مخبر لا رجماً بالغيب. قال محمد بن عبد الحكم: وإذا مات رجل وعليه دين، وللميت دين مؤجل بشهادة رجل، ولا مال للميت، فقيل للطالب: احلف مع شاهد الميت وخذ الدين إذا حل فحلف، ثم طرأ للميت مال قبل أن يحل الدين، فليأخذ منه حقه، ثم لا يأخذ الورثة ذلك الدين حتى يحلفوا مع الشاهد، فإن نكلوا حلف الذي عليه الدين وبرئ، ولو حل الدين وأخذه الحالف، ثم طرأ للميت مال فليأخذه الورثة، ولا يرد ما مضى به الحكم. قال: وإذا قام لميت شاهد بدين، ولا مال له غير، وعليه دين فيحلف بعض غرمائه مع الشاهد، ويأبى الآخرون اليمين، فإن من حلف يأخذ جميع حقه من هذا الدين لا بمقدار ما يقع له منه لو قام به شاهدان فتحاصوا فيه، وهذا بخلاف الورثة يقوم لهم شاهد بقتل خطأ، فينكل بعضهم، فلا يكون لمن حلف إلا قدر حصته؛ لأن طلبهم في الذمة بعينها وليس طلبهم في هذا المال بعينه. م/: قال بعض الفقهاء القرويين: ينبغي إذا نكل بعض الغرماء ولا فضل في الدين أن يحلف الغريم، ويسقط عنه حق من نكل، وليس لبقية الغرماء إذا لم يكن في الدين وفاء لحقوقهم أن يقولوا نأخذ ما نكل عنه هذا، كما لم يكن للورثة إذا نكل الغرماء وحلف الغريم أن يأخذ ذلك. وفي كتاب ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون فيمن عليه دين فأقام شاهداً بدين له ونكل عن اليمين، قال: ليس لغرمائه أن يحلفوا ما كان قائم الوجه، وإن ضرب على يده حتى صار لا يجوز إقراره، فها هنا إن نكل عن اليمين حلف غرماؤه واستحقوا ذلك،

ويحلف كل واحد على أن ما شهد به الشاهد حق، ومن نكل فلا محاصة له مع من حلف، فإن رجع بعد نكوله فإنه لا يقال. قال ابن الماجشون: للناكل معاودة اليمين، وليس كنكوله عن حق نفسه؛ لأنه يقول ضننت الغريم يحلف، أو لأكشف عن حقيقة الأمر، ما لم يمض الأمر به والحكم فيه. وفي رواية عيسى أنه إذا نكل أحد منهم كان لمن حلف بقدر حقه، وهو نحو ما في كتاب ابن حبيب عن ابن القاسم. ونحن ما فسرنا أولاً.

[الباب الثامن] فيمن شهد بما له فيه منفعة، أو عليه فيه تهمة

[الباب الثامن] فيمن شهد بما له فيه منفعة، أو عليه فيه تهمة [الفصل 1 - فيمن شهد بما له فيه منفعة] قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «لا تجوز شهادة جاز لنفسه». قال ابن القاسم: فإذا شهد وارثان أن فلاناً تكفل لفلان ولوالدهما بمال فشهادة كلها باطلة؛ لأن فيها جراً إلى أبيهما. وكذلك لو شهد رجلان أن لهما ولفلان على فلان مئة دينار لم تجز شهادتهما لفلان بحصته من الدين. م/: وحكي لنا عن بعض شيوخنا القرويين أن معنى ذلك إذا شهد في حي واحد لهما أو لغيرهما. وأما إن كان ذلك في حقين شهدا أن لهما على فلان كذا، ثم شهدا في حق آخر لفلان على المشهود عليه كذا وكذا، فإنها تجوز في حق الأجنبي. ومن المدونة قال ابن القاسم: وبلغني أن مالكاً قال فيمن شهد لرجل يذكر حي له فيه شيء لم تجز شهادته لا له ولا لغيره، بخلاف شهادته على وصية أوصى له فيه بشيء، هذا إن كان الذي أوصى له فيها بشيء تافه لا يتهم عليه أنها تجوز له ولغيره

لأنه لا ينبغي أن تجاز بعض الشهادة، ويرد بعضها. وهذا بخلاف ما لو شهد شاهد على وصية فيها عتق ووصايا لقوم، فإن هذا لا تجوز شهادته في العتق، وتجوز في الوصايا للقوم مع إيمانهم، وإنما ترد شهادته إذا شهد له ولغيره، وهذا أحسن ما سمعت. قال ابن القاسم: وإذا حلفوا مع الشاهد في الوصية فضاق عنها الثلث، فإنما يكون لهم بإيمانهم من الثلث ما فضل عن العتق. وقال مالك في رجل هلك فيشهد رجل أنه أوصى لقوم بوصايا، وأوصى للشاهد منها بوصية، وأسند الوصية إلى الشاهد، وهو يشهد على جميع ذلك، فإن كان الذي يشهد به لنفسه تافهاً لا يتهم في مثله جازت شهادته. وقال غيره: إذا اتهم لم تجز شهادته لا له ولا لغيره. قال سحنون: في هذا الأصل اختلاف عن مالك وغيره. م/: وظاهر المدونة أنه قرق بين الوصية وغيرها، والفرق بينهما أن الوصايا فيها ضرورة؛ إذ قد يخشى الموصي معالجة الموت، ولا يحضره إلا الذي أوصى له، ولا تلحقه ضرورة في غيرها من الحقوق، وكما أجازوا شهادة الصبيان بالضرورة، وشهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن، فكذلك هذا. وفي كتاب ابن المواز: من شهد له فيها ولغيره لم تجز إلا أن يكون الذي له

فيها شيئاً يسيراً جداً، وكذلك لو كان أوصى فيها لقريب له، أو لمن يتهم عليه، ولأجنبي لم تجز إلا أن يقل الذي لقرابته. قال: وإن شهد على وصيتين مختلفتين، وله في واحدة شيء، فإن كان يسيراً جازت الوصيتان، وإلا لم تجز فيهما. محمد بن المواز: وروى عن مالك في شاهدين أوصى إليهما، وأشهدهما في ثلثه أن ثلث ماله ثلثه للمساكين وثلثه لجيرانه وثلثه لهما قال: هذا يسير، وتجوز لهما ولغيرهما، وإن كان شيئاً له بال، فلا تجوز شهادتهما فيه لا لهما ولا لغيرهما، وقد قيل: ولا تجوز أصلاً قل أو كثر، وبهذا أخذ ابن عبد الحكم. قال ابن المواز: ومعنى قول مالك إن كان مالاً كثيراً مما له بال فلا تجوز لهما ولا لغيرهما. ومن المدونة قال يحيى بن سعيد فيمن شهد في وصية أوصى له ببعضها، فإن كان معه شاهد آخر جازت شهادته له ولغيره، وإن كان وحده جازت شهادته لغيره ولم تجز له. م/: وقد تقدم في أول الباب من قول مالك أنها تجوز له ولغيره إذا كان الذي له تافهاً. وروى عنه ابن وهب أن شهادته لا تجوز له ولا لغيره؛ لأن في شهادته جراً لنفسه، ولو جازت شهادته، لجاز لرجلين قد شهدا الوصية، فشهدا أنه قد أوصى لهما، فثبت حق كل واحد منهما مع يمينه. قال سحنون في كتاب ابنه: ومعنى قول يحيى بن سعيد هذا أن الشاهد إذا كان معه

غيره أخذ ما شهد به لنفسه بغير يمين إذا كان تافهاً، كما لو شهد رجلان في وصية أوصى لهما فيها بتافه لأخذ التافه بغير يمين. م/: لأنه أجاز شهادته لنفسه، كما أجاز شهادة الرجلين في الوصية التي أوصى لهما فيها بتافه؛ لأنه أجاز شهادة كل واحد لنفسه وشهادة صاحبه له، فصار كحق شهد فيه رجلان، وكذلك هذا أجاز شهادته لنفسه وشهادة الذي معه له، فصار كحق شهد فيه رجلان، وهذا أبين. قال بعض فقهاء القرويين: ويحتمل أن يريد يحيى بن سعيد إن كان وحده جازت شهادته لغيره مع يمينه ولم يأخذ هو شيئاً، وإن كان معه غيره أخذ الأجنبي بغير يمين؛ لأن حقه اجتمع عليه شاهدان، وأخذ الشاهد حقه بيمين؛ لأن شهادته لنفسه سقطت فبقي له شاهد واحد فيحلف معه ويأخذ، ويكون هذا مستقيماً إذا كان ما يشهد به لنفسه تافهاً؛ لأنها شهادة لم ترد من أجل التهمة، وإنما ردت من أجل السنة، فجاز أن يمضي بعضها، ويرد بعضها، كمن شهد على وصية فيها عتق ووصايا لقوم بمال. قال: فإن كان وحده لم يأخذ غيره ما شهد له به حتى يحلف، إلا أن يكون الذي شهد به الشاهد لنفسه كثيراً، فلا تقبل شهادته لا له ولا لغيره.

ومن المدونة قال يحيى بن سعيد في قوم مسافرين من قبائل شتى، توفي أحدهم فأوصى لهم بوصية ولم يشهد على الوصية غيرهم، أن شهادة بعضهم لبعض في الوصية لا تجوز إلا أن يشهد لهم من ليس له في الوصية حق. فصل [2 - فيمن شهد بما عليه فيه تهمة] قال ابن القاسم: وإن أقررت أن رجلاً دفع إليك ألف درهم وأنها لفلان، حلف فلان مع شهادتك واستحقها إن كان حاضراً، وإن كان غائباً لم تجز شهادتك له؛ لأنك تقر بشيء يبقى في يدك فتتهم. قال مالك: ولو أودعك رجل وديعة مالاً أو غيره، فشهدت عليه أنه تصدق بها على فلان، فإن كان فلان حاضراً جازت شهادتك لو، وإن كان غائباً لم تجز شهادتك له؛ لأنك تتهم ببقاء المال في يدك، وهذا إذا كانت غيبة تنتفع أنت في مثلها بالمال. قال في كتاب الوديعة: وإن ادعى المودع أنك أمرته أن يدفعها لفلان ففعل وأنكرت أنت ذلك، فهو ضامن إلا أن تقوم له بينة أنك أمرته، وإن بعثت إلى رجل بمال فقال: تصدقت به علي، وصدقه الرسول، وأنت منكر للصدقة، فالرسول شاهد يحلف معه المبعوث إليه، ويكون المال صدقة عليه. قيل لمالك: كيف يحلف ولم يحضر؟ قال: كما يحلف الصبي إذا كبر مع شاهده في دين أبيه.

قال سحنون في المجموعة: ومعنى المسألة إذا كان المال حاضراً والمأمور والمتصدق عليه حاضرين، فإن كان قد استهلك المال وأنفقه لم تجز شهادة الرسول. قال ابن المواز: وخالفه أشهب، وقول مالك أحب إلي؛ لأن الرسول لم يتعد بالدفع؛ لإقرار الآمر أنه أمره بالدفع. ولو قال الآمر: لم آمرك بالدفع إليه، ولكن لتتصدق بها، أو لتكون عندك لحلف وغرم ذلك الرسول، ورجع بها على من دفعها إليه. قال ابن المواز في الرسولين للرجل يزوجانه أو يشتريان له جارية، فلا تجوز شهادتهما على ذلك وإن حضر المرسل. م/: يريد: وجحد المشهود عليه. قال ابن المواز: وأحب إلينا إن كانا هما عقدا النكاح له لم تجز شهادتهما، وإن ولي عقده غيرهما جازت شهادتهما. قال ابن القاسم: وإن بعثت مع رجلين مالاً يدفعانه إلى رجل وقال: لا تشهدا عليه غيركما ففعلا ثم أنكر القابض، فلا تجوز شهادتهما عليه؛ لدفعهما عن أنفسهما معرة التهمة، ولا يضمنان؛ لأنهما بذلك مأموران. وقاله أصبغ.

فصل [3 - فيمن جر إلى نفسه نفعاً بشهادته] ومن كتاب ابن المواز: ومن أوصى لرجل بعبده، ولرجلين بثلث ماله، وشهدا أنه الموصي له بالعبد قتل الموصي، لم تجز شهادتهما؛ إذ لهما فيه منفعة، ولو لم يوص إلا بمقدار ثلثه إذا جمع مع العبد جازت شهادتهما؛ لارتفاع الحصاص. وقال ابن المواز: شهادتهما جائزة بكل حال؛ إذ لابد من الحصاص إما لهما وإما للورثة. م/: وهذا إذا كانا فقيهين عالمين أن الحصاص لابد منه إما له أو للورثة، وإن كانا يظنان أن الحصاص يسقط عنهما لسقوط محاصة القاتل، فلا تجوز شهادتهما. قال ابن المواز: وكذلك من أوصى له بعبده مبدأ، وبوصايا لقوم، فشهد الموصي لهم أن الموصي له بالعبد قتل الموصي، جازت شهادتهم؛ إذ لا نفع لهم بها؛ لأن الورثة يقومون مقام المبدأ. م/: وهذه مثل الأولى، والله الموفق.

[الباب التاسع] فيمن سمع رجلا ينص شهادته، أو سمع طلاقا، أو قذفا هل يشهد به، وفي الشهادة على الخط

[الباب التاسع] فيمن سمع رجلاً ينص شهادته، أو سمع طلاقاً، أو قذفا هل يشهد به، وفي الشهادة على الخط. [الفصل 1 - فيمن سمع رجلاً ينص شهادته أو سمع طلاقاً أو قذفاً هل يشهد به؟] قال ابن القاسم: ومن سمع رجلاً يذكر شهادته أن لفلان على فلان كذا، أو يقول: سمعت فلاناً يقذف فلاناً، أو يطلق زوجته، فلا يشهد على شهادته حتى يقول له: اشهد على شهادتي. وفي كتاب ابن المواز: وإن سمع قوماً يقولون لقوم: اشهدوا على شهادتنا أن لفلان على فلان كذا، فلا يشهد على شهادتهم حتى يقولوا له: اشهد على شهادتنا. ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب في رجلين سمعا رجلاً يذكر أن عنده شهادة في كذا فلا ينقلان عنه، وإن نقلا لم يقبل. قال أشهب: وليس بضيق أن يرفع ذلك إلى الإمام. وقد قيل: لا يرفعهما خوفاً أن يغلط فيقضي بها، ولو أشهده لزمه أن يشهد، وإن كان وحده. ومن المدونة قال مالك: ومن سمع رجلاً يطلق زوجته، أو يقذف رجلاً، فليشهد بذلك، وإن لم يشهده، وعليه أن يخبر بذلك من له الشهادة. ويشهد في الحدود بما يسمع

إن كان معه غيره. م/: خوفاً أن يقول له المقذوف: كذبت لم يقذفني بكذا إنما عرضت أنت بقذفي فيحده. قال ابن القاسم: وسمعت مالكاً يقول قبل ذلك فيمن مر برجلين يتكلمان في أمر فسمع منهما كلامهما، ولم يشهداه، ثم يطلب أحدهما تلك الشهادة. قال: لا يشهد له. قال ابن القاسم: إلا أن يستوعب كلامهما من أوله إلى آخره فليشهد، وإلا فلا؛ إذ قد يكون قبله أو بعده كلام يبطله. وفي كتاب ابن المواز: قال مالك: فيمن سمع رجلين يتنازعان في أصل فأقر أحدهما للآخر ولم يشهده. قال: لا يشهد إلا أن يكون قذفا فليشهد إن سمعه مع غيره. قال أشهب: هذه رواية فيها وهم، وليشهد بما سمع من إقرار أو غصب أو حد، ولا يكتمها فإن علم من هي له فليعلمه. فصل [2 - الشهادة على الخط] ومن كتاب ابن سحنون وغيره قال مالك وأصحابه: الشهادة جائزة على خط المقر، وقد أجمعوا أن الخط رسم يدرك بحاسة البصر، ووجدنا البصر يميز بين الخطين والشخصين مع جواز اشتباه ذلك، فلما جوزها في الشخص مع جواز الاشتباه فيه جازت على

الخط. قال مالك في العتبية وغيرها فيمن كتب على نفسه ذكر حق، وكتب في أسفله بخطه؛ فهلك الشهود، ثم جحد، فشهد رجلان أن ذلك خطه، أن ذلك يجوز عليه، كإقراره. ولا يمين على المشهود له مع شهادة الشاهدين على خط المقر. قال عيسى عن ابن القاسم وذكر ابن المواز: ولو شهد على خطه رجل حلف الطالب واستحق. وقال أشهب عن مالك في امرأة كتب إليها زوجها بطلاقها فشهد على خطه رجلان أن ذلك ينفعها. ابن المواز: أما الشهادة على خط المقر فلم يختلف فيها قول مالك، وأما على خط الشاهد فما علمت من حكم به، كما لو سمعا الشاهد ينص شهادته، لم يجز أن ينقلاها حتى يقول لهما: اشهدا علي بذلك. قال: والذي آخذ به أنه لا تجوز الشهادة على الخط إلا من كتب شهادته على نفسه فهو كإقراره. م/ وفرق بعض القرويين بينهما بأن قال: الشاهد لا يكتب شهادته إلا بعد أن يتحققها مع علمه بأنها ستنقل عنه، وهي مثل الذي يشهد عند القاضي، ثم يعزل القاضي

ويموت الشاهد فيشهد قوم على شهادته، فأجاز ذلك في المدونة، وهو نحو الشهادة على خطه، ومثله لو أشهد الشاهد قوماً على شهادته، وآخرون يسمعون ولم يشهدهم، واحتيج إلى شهادة من لم يشهده ممن سمعه لكان الأشبه أيضاً أن تجوز، وإنما خيف في شهادة السماع أن يكون حاكي شهادته في حديث يحدث به لم يحققها إذ ليس حديثه موضع إحكام، وقد يكون لو دعي إلى أن يضعها في كتاب، أو يشهد بها عند القاضي لتوقف في بعضها فلذلك لم تجز الشهادة عليه. وقال عبد الملك: تجوز شهادتهما على معرفة خط الشاهدين في كتاب، ويقضي بذلك، وقال مثله سحنون. قال: ويجوز أن يشهد على الوكالة في ذلك الحق. والله الموفق.

[الباب العاشر] في شهادة السماع في الولاء وشهادة من يتهم برجوعه إليه من القرابة

[الباب العاشر] في شهادة السماع في الولاء وشهادة من يتهم برجوعه إليه من القرابة [الفصل 1 - في شهادة السماع في الولاء والنسب] قال مالك: وإذا شهد شاهدان أنهما سمعا أن هذا الميت مولى فلان هذا، ولا يعلمان له وارثاً غيره، أو شهد شاهد واحد على البت أنه مولاه أعتقه، ولا يعلم له وارثاً غيره، استؤني بالمال، فإن لم يأت من يستحقه غيره قضي له به مع يمينه، ولا يجر بذلك الولاء. وقال أشهب: يجر ولاءه بشهادة السماع. قال ابن المواز: اختلف قول مالك في شهادة السماع في الولاء والنسب. وذهب أصبغ في ذلك إلى أنه يؤخذ بذلك المال، ولا يثبت له به نسب ولا ولاء. قال ابن القاسم نحوه ولا يعجبنا هذا، وأكثر قول مالك وابن القاسم أنه يقضي له بالسماع بالنسب والولاء. م/: هكذا نقلها أبو محمد في كتاب الأقضية لابن المواز. قال أصبغ: لا تجوز شهادة السماع في الولاء والنسب، ولكن يأخذ بذلك المال مع يمينه، ولا يثبت له ولاء. قال ابن المواز: ولم يعجبنا قول أصبغ. وإنما شبهه بقول ابن القاسم في الشاهد الواحد في الولاء والنسب إن لم يأت أحد

بأحق منه أحلفه، ودفع إليه المال، ولم يثبت له نسب ولا ولاء؛ لأن الشاهد صار على المال وحده. قال ابن المواز: صواب كما لو شهد له أحد في وصية فيها عتق، ووصايا لقوم بأعيانهم فإنها تجوز للقوم مع أيمانهم وتسقط في العتق، وكذلك هذا شهادته تجوز لهم في المال دون الولاء، وأما شهادة السماع في الولاء فهي جائزة. قال مالك وابن القاسم: إنها تجوز في الولاء والنسب والحبس والصدقة. قال ابن المواز: وأما من يموت بغير بلده فتشهد بينة على السماع أنه مولى فلان، ولا يشهدون على العتق، فهذا لا تجوز فيه شهادة السماع. وقد قال ابن القاسم: سئل مالك عن رجل أصله من المدينة فمات بالمغرب، فيشهد أهل المغرب على السماع على الولاء، ولا يشهدون على العتق؟ فقال مالك: لا تجوز في هذا إلا شهادة قاطعة، وأرى أن يستأني بالمال، فإن لم يوجد له أحد أخذه المشهود له بالسماع مع يمينه. قال ابن القاسم: وهو أحب إلي. قال ابن المواز: وليس من يموت في بلده مثل من يموت في غير بلده. وقال أشهب في المجموعة في شاهدين على السماع في الولاء أنه مولى فلان لا يعلمون له وارثاً، فلا يعجل فيه، فإن لم يأت أحد بعد التأني رأيت له الولاء والمال وله ولاء ولده ومواليه، وإن كان إنما يشهد له على ذلك شاهد واحد على علم نفسه، فإنه لا

يقضي له في ذلك بميراث ولا ولاء، ولا يحلف مع شاهده. وقال سحنون مثله. م/: وقاله الغير في كتاب الولاء. قال بعض شيوخنا القرويين: إنما لم يقض له ابن القاسم في شهادة السماع بالولاء مع المال؛ لأن شهادة السماع في غير البلد يحتمل أن يستفيض ذلك عن رجل واحد، وأما في البلد فتبعد استفاضة ذلك عن رجل واحد، ويقضي في ذلك بالمال والولاء، وذكر أن هذا في كتاب ابن المواز. م/: والذي في كتاب ابن المواز ما قدمنا، فحمل هذا في المدونة على أنه مات بغير البلد ليتفق فيه قول ابن القاسم، وهو تخريج حسن، والله أعلم بما أراد. ومن كتاب الشهادات قال ابن القاسم: وأما إن شهد شاهد واحد على السماع لم يقض له بالمال وإن حلف؛ لأن السماع نقل شهادة، ولا تجوز شهادة واحد على شهادة غيره. قال ابن القاسم: وإن شهد رجلان أن هذا الميت مولى فلان لا يعلمون له وارثاً غيره لم تتم هذه الشهادة على الولاء حتى يقولوا إنه أعتق أو أعتق أباه، ولا يعلمون له وارثاً غيره، أو يشهدوا على إقرار الميت أن هذا مولاه، أو على شهادة بينة أن هذا مولاه.

قال أشهب في كتاب الولاء: إن قدر على البينة لم يقض بها حتى يكشفوا عن ذلك، وإن لم يقدر عليهم حتى ماتوا قضى له بالمال وبالولاء. م/: وقول أشهب هذا وفاق لابن القاسم، والحجة في ذلك، وإيعاب هذه المسألة في كتاب الولاء. فصل [2 - شهادة من يتهم برجوع الولاء له] قال ابن القاسم: وإن شهد لرجل أعماله أن فلاناً الميت مولى أبيه أعتقه، فإن لم يدع المولى ولداً ولا موالي، وإنما ترك مالاً جازت الشهادة؛ لارتفاع التهمة. وإن ترك ولداً أو موالي يتهمون على جر ولائهم يوماً ما لتعددهم لم تجز. وقد قال مالك في ابني عم شهدا لابن عمهما على عتق، أنهما إن كانا يتهمان؛ لقربهما منه في جر الولاء لم يجز ذلك، وإن لم يتهما الآن في جر الولاء لبعدهم منه جازت الشهادة، وإن كان الولاء قد يرجع إليهم يوماً ما.

[الباب الحادي عشر] في شهادة السماع في الأحباس والصدقات والمواريث وغير ذلك

[الباب الحادي عشر] في شهادة السماع في الأحباس والصدقات والمواريث وغير ذلك [الفصل 1 - الشهادة على السماع فيما قدم عهده من الأحباس وغيرها] ولما لم يكن سبيل إلى وجود البينات على أصول الأشياء عند تقادم الأزمنة، وانقطاع البينة، كانت شهادة السماع في ذلك قاطعة. قال مالك رحمه الله: والشهادة على السماع في الأحباس جائزة لطول زمانها يشهدون أنا لم نزل نسمع، -قال محمد من الثقات- أن هذه الدار حبس تحاز بحوز الأحباس، وإن لم ينقلوا عن بينة معينين إلا قولهم سمعنا وبلغنا، ولو نقلوا عن قوم عدول معينين أشهدوهم لم تكن سماعاً، وكانت شهادة. قال مالك: وليس عندنا أحد ممن يشهد على أحباس النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلا على السماع. وسئل مالك عن قوم شهدوا على السماع في حبس على قوم، وأنه يعرف أن من مات منهم لا تدخل في نصيبه زوجته، وتهلك ابنة الميت، فلا يدخل فيه ولدها ولا زوجها.

فقال: أراه حبساً تاماً، وإن لم يشهدوا على أصل الحبس. قال ابن القاسم: ولو لم يذكروا ذلك كله، وذكروا من السماع ما يستدل به فذلك جائز. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون ومطرف: تجوز شهادة السماع فيما قدم عهده من الأشرية والحيازات والصدقات وكذا الأحباس والنسب والولاء وشبه ذلك، فيجوز ذلك مع يمين الآخذ، وكلما كثر فيها الشهود كان أحب إلينا، ولو لم يكن إلا شاهدان عدلان جاز، ويقولان: إنا سمعنا سماعاً فاشياً. وقاله مالك. قال مالك في المجموعة: ولم يشهد في صدقة عمر وطلحة إلا رجلان في صدقة كل واحد منهما. قال مطرف وابن الماجشون: وتجوز شهادة السماع في الخمس عشرة سنة ونحوها؛ لتقاصر أعمار الناس. وقاله أصبغ. وكذلك فيما طال زمانه إذا حملها أهل العدل عن أهل العدل. ووجه ذلك أن يقولوا: سمعنا سماعاً فاشياً من أهل العدل أن دار فلان لفلان الغائب،

أو أن فلاناً اشتراها من فلان، وهي حبس. ومن المجموعة قال ابن القاسم: وإذا شهد رجلان على السماع، وفي القبيلة مئة رجل من أشباههم وأسنانهم لا يعرفون شيئاً من ذلك، فلا تقبل شهادتهم إلا بأمر يفشو، ويكون عليه أكثر من اثنين. وأما إن شهد شيخان كبيران، وقد باد جيلهما أنهما سمعا أنها حبس، فذلك جائز، ويكون على المساكين إن لم يسم أحداً. ومن المدونة قال مالك: ومن قامت دار في يديه خمسين سنة أو ستين سنة، وقدم رجل كان غائباً فادعاها، وثبت الأصل له، وأقام بينة أنها لأبيه أو جده، وثبتت المواريث حتى صارت له، وقال الذي في يديه الدار، اشتريتها من قوم قد انقرضوا وانقرضت البينة، وأتى ببينة يشهدون على السماع، فالذي ينفعه من ذلك أن يشهد قوم أنهم سمعوا أن الذي في يديه الدار، أو واحد من آبائه ابتاعها من القادم، أو من أحد من آبائه، أو ممن ورثها القادم عنه، أو ممن ابتاعها من أحد ممن ذكرنا فذلك يقطع حق القادم منها. قال مالك: وهاهنا دور تعرف لمن أصلها بالمدينة قد تداولتها الأملاك، فشهادة السماع على مثل هذا جائزة. قال ابن القاسم: وإن أتى الذي في يده الدار ببينة يشهدون أن هذا الذي في يده

الدار، أو أحداً من آبائه ابتاعها، ولا يدرون ممن، لم ينفعه ذلك، ولو أقام بينة يشهدون على السماع أن أباه ابتاعها ممن ذكرنا منذ خمس سنين ونحوها، لم ينفعه ذلك، ولا يقبل في مثل هذا القرب إلا ببينة تقطع على الشراء، وإنما تجوز شهادة السماع فيما كثر من السنين وتطاول من الزمان، وإن كان المبتاع حياً؛ لأن شراءه ربما تقادم حتى تمضي له أربعون سنة أو أكثر، فإن لم يأت الحائز ببينة تشهد على علم الشراء في قريب الزمان، على السماع في بعيده، قضى بها للقادم الذي استحقها. [الفصل 2 - فيمن أقر أنه تسلف من رجل ميت مالاً وقضاه] وقد قال مالك فيمن أقر أنه كان تسلف من فلان الميت مالاً وقضاه إياه: فإن كان يذكر من ذلك حديثاً لم يطل زمانه، لم ينفعه قوله: قضيته، وغرم لورثته، إلا أن؟؟؟ بينة قاطعة على القضاء. وإن طال زمان ذلك حلف المقر وبرئ، -فهذا يدلك على مسألتك في شهادة السماع، إلا أن يكون المقر ذلك على وجه الشكر، يقول جزى الله فلاناً عنا خيراً أسلفني وقضيته، فلا يلزمه في هذا شيء مما أقر به قرب الزمان بعد. م/ يريد: وكذلك إن ذكر ذلك على معنى الذم. م/: وقيل: إن كان ذلك على معنى الذم مثل أن يقول: أساء معاملتي، وضيق على

حتى قضيته، فإنه يغرم. ولا وجه للفرق بين المدح والذم، والصواب أنهما سواء. قال بعض فقهاء القرويين: إذا قال بعد موته: كان أسلفني قبل موته بعشر سنين، أو ما أشبه ذلك مالاً، وقضيته إياه بقرب ما أسلفني، فالقول قوله؛ لأن الميت لو كان حياً فطال الأمر هكذا، لكان القول قول هذا في الرد؛ إذ الغالب أن المسلف لا يمكن في العادة أن يؤخره إلى مثل هذا الأمد كالبياعات. وأما إذا قال: أسلفني قبل موته بسنة أو سنتين ونحوهما مما يمكن في العادة أن يؤخر السلف إلى مثله، وجب عليه الغرم؛ لأن الميت لو كان حياً فقال: لم أقبضه لحلف وأخذ، وأما قوله: إذا كان على وجه الشكر فالقول قوله قرب أو بعد، فكيف يكون هذا مقراً بعمارة ذمته مدعياً للقضاء! فإذا قيل: لأن ذلك لم يعلم إلا من قوله. قيل: فيلزم هذا، وإن كان غير معنى الشكر، ويجب أن كل من أقر بدين وادعى قضاءه أن القول قوله بيمينه، وهذا لا يقول به أصحابنا. م/: ووجه قول مالك عندي أنه لم يحمله على وجه الإقرار، وإنما حمله على وجه الشكر، ولم يقصد به الإقرار فلذلك لم يغرمه، والله أعلم. ابن المواز: قال ابن القاسم: ولا تجوز شهادة السماع في مثل الخمس عشرة سنة، ولا يجوز هذا إلا على القطع. ورواه عن مالك. وقد تقدم أن مطرفاً وابن الماجشون أجازاها في الخمس عشرة سنة؛ لتقاصر أعمار

الناس. قال ابن المواز: ولا تجوز شهادة السماع لمدعي دار بيد غيره وقد حازها عليه، وإنما تجوز لمن الدار في يديه إذا أثبت الذي يدعيها البينة أنها لأبيه أو جده أو من هو وارثه، ويكون قد أقامت الدار في يد حائزها سنين، فينقطع في مثلها العلم، ولا يجد من يشهد له إلا على السماع أنا لم نزل نسمع من العدول أن الذي في يده الدار أو أحداً من آبائه ابتاعها من القادم، أو من أحد ممن ورثها القادم عنه، فذلك يقطع حق القادم. وأما لو شهدوا أنا سمعنا ممن يقول أو ممن يشهد، أن هذه الدار لجد الحائز بشراء من جد هذا القادم فيها، إلا أنا لا نعرف الذين سمعناهم لم ينفع شيء من ذلك. قال ابن القاسم في المجموعة: فيمن غاب عن دار أو أرض، فدخلها رجل في غيبته، فسكنها زماناً، ثم مات فورثت عنه، ثم أتى الغائب فاستحقها فهو أولى بها، ولا يلتفت إلى ما كان يسمع من الميت فيها فيما يذكر أنه اشتراها. يريد: لأنه قد عرف أصل حيازته لها، وأما إذا لم يعلم أصل الحيازة لها فالحيازة تنفعه. وفي باب الحيازة إيعاب هذا.

فصل [3 - شهادة السماع في الأمر الفاشي كالنكاح والموت] ومن العتبية قيل لسحنون: أيشهد في النكاح على السماع؟ فقال: جل أصحابنا يقولون في النكاح: إذا انتشر خبره في الجيران أن فلاناً تزوج فلانة، وسمع الدفاف فله أن يشهد أن فلانة امرأة فلان. وكذلك في الموت يسمع النياحة ويشهد الجنازة أو لا يشهدها، إلا أن القول كثر بذلك من الناس أنا شهدنا جنازة فلان فليشهد فيه أن فلاناً مات، وإن لم يحضر الموت. وكذلك النسب يسمع الناس يقولون: إن فلاناً ابن فلان، ويكثر القول بذلك، فليشهد على نسبه. وكذلك القاضي يولى القضاء، ولا يحضر ولايته إلا بما سمع من الناس، وربما رآه يقضي بين الناس فليشهد أنه كان قاضياً. وقال أصبغ عن ابن القاسم في التي تفتدي من زوجها، ثم يشهد لها قوم بالسماع أن زوجها كان يضربها، فذلك جائز بالسماع من أهله ومن الجيران وشبه ذلك من الأمر الفاشي. قيل: أفيجزئ في هذا شاهد واحد على السماع البين، والأمر المعروف؟ قال: عسى به أن يجوز، وأرى أن يجوز. قيل: أيحلف مع ذلك؟ قال: لا. قيل: فيشهد لها شاهد على البتات بالضرر أتحلف معه؟ قال: كيف يعرف ذلك؟ قال: يقول: سمعته واستبان لي. قال: إن كان هذا يكون فعسى به، وانظر فيه.

قال أصبغ: هو جائز وإن لم يكن معه غيره، وكان سماعاً قاطعاً وإلا حلفت معه، إن كان سماعه فاشياً منتشراً وإن كان غير قاطع، ويرد ما أخذ منها؛ لأنه مال فتحلف مع شاهدها. والفراق قد مضى بغير ذلك. وقاله ابن القاسم بعد ذلك أنها تحلف مع شاهدها، ويرد عليها ما أخذ منها، وهو مثل الحقوق، وبالله التوفيق. انتهى كتاب الشهادات الأول بحمد الله وحسن عونه ويتلوه كتاب الشهادات الثاني.

كتاب الشهادة الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه كتاب الشهادة الثاني [الباب الأول] جامع القول في الإيمان والنكول عنها [الفصل 1 - فيمن تجب عليه اليمين] روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «على المدعي البينة»، ولا خلاف في ذلك. وقال عليه السلام: «وعلى المدعى عليه اليمين»، وقال في حديث ثالث: «بينتك أو يمينه» وروي أنه عليه السلام رد اليمين على الطالب في الحقوق، وردها شريح

والشعبي. وفي حديث القسامة دليل أنه لا يقضي بالنكول دون اليمين، وقد وافقنا في هذا مخالفنا، ولا فرق بينه وبين سائر الدعاوي، ومن ذلك رد اليمين في اللعان. وفي كتاب ابن سحنون، قال سحنون: قال مالك وأصحابه: لا يجب الحق بنكول المدعى عليه عن اليمين حتى يرد اليمين على المدعي فيحلف، ولم يختلف في ذلك أهل المدينة، وبه حكم أئمتهم. [الفصل 2 - في اليمين مع الشاهد] ومن المدونة قال مالك: ومن أقام شاهداً على رجل أنه تكفل له بما له على فلان، حلف مع شاهده واستحق الكفالة قبله؛ لأن الكفالة بالمال إنما هي مال مثل الجرح الذي لا قصاص فيه، إنما هو مال. قال: ويحاص من قضى له في دينه بشاهد ويمين مع من قضى له بشاهدين. قال مالك: وإذا أقام الطالب شاهداً وأبى أن يحلف معه فله يمين المطلوب، فإن نكل المطلوب غرم ولا يرد اليمين على الطالب؛ لأنه هو ردها. وفي كتاب الديات: إذا أقام شاهداً، وأبى أن يحلف معه، ورد اليمين على المطلوب، ثم بدا له أن يحلف، فليس ذلك له.

وفي كتاب ابن سحنون والمجموعة: ولو رد اليمين على المطلوب فحلف وبرئ ثم أقام الطالب شاهدين بعد ذلك قضي له بهما. قال ابن المواز: ولو كان إنما أصاب شاهداً آخر فليؤتنف الحكم له، ولا يضم إلى الأول، وإنما له أن يحلف معه، أو يرد اليمين ثانية؛ لأن اليمين الأولى إنما أسقط بها المطلوب الشاهد الأول. وقال أحمد بن ميسر: ولا ترد اليمين على المطلوب ثانية؛ لأنه قد حلف عليه مرة. وقال سحنون عن ابن القاسم وابن كنانة أنه إذا وجد شاهداً آخر فلا يحلف معه؛ لأنه ترك موضع حقه بالنكول. قال ابن المواز: ولو كان إنما أقام شاهداً واحداً فيما لا يحلف معه من عتق أو طلاق أو حد فحلف المطلوب، ثم وجد الطالب شاهداً آخر فإنه يضمه إلى الأول، ويقضي بهما؛ لأنه منع أولاً من اليمين فلم يكن له نكول يسقط به شاهده، وهو كصغير أقام شاهداً فحلف مطلوبه وأخر، ثم وجد شاهداً آخر، فإنه يحكم بهما. قال ابن سحنون: قال ابن كنانة عن مالك: وكذا من أقام شاهداً بحق عند القاضي وكان ممن لا يرى الحكم بالشاهد واليمين، فلم يحكم له بشيء، ثم وجد بعد شاهداً آخر، فإنه يقضي له بحقه، ونحوه في كتاب الأقضية. [الفصل 3 - في المطلوب يحلف ثم يجد الطالب بينة] ومن المدونة قال مالك: ومن كان بينه وبين رجل خلطة فادعى عليه بحق له واستحلفه فإن حلف برئ، وإن نكل لم يقض عليه الإمام للطالب حتى يرد اليمين عليه، فإن جهل المطلوب أن يسأله ردها فعليه أن يعلمه بذلك، ولا يقضي حتى يردها، فإن نكل

الطالب فلا شيء له، وإذا حلف المطلوب، ثم وجد الطالب بينة، فإن لم يكن علم بها قضى له بها. قال ابن الماجشون في الواضحة: كانت يوم حلفه حاضرة أو غائبة بعد أن يحلف بالله العظيم أن ما علم بها. ومن المدونة: وإن استحلفه عالماً ببينته تاركاً لها، وهي حاضرة أو غائبة، فلا حق له، وإن قدمت بينته. وكذلك عن مالك في كتاب ابن سحنون. وروى عنه ابن وهب أن عمر بن الخطاب اختصم إليه يهودي يدعي على مسلم، فدعاه بالبينة، فقال: ما تحضرني اليوم بينة، فأحلف له المطلوب، ثم جاءه المدعي بعد ذلك بالبينة، فقضى له بها. وقال: البينة العادلة أحب إلي من اليمين الفاجرة. وقاله شريح ومكحول والليث. م/ واستحسن بعض فقهائنا القرويين إن كان أمر البينة يطول عند القضاة، ويشتد على الخصم ذلك، أن له أن يحلف خصمه، لعله ينكل فيستغني عن التكلف في ذلك، فإن حلف له كان له القيام ببينته، كما إذا كانت بينته غائبة بعيدة الغيبة، أن له أن يقوم بها إذا

قدمت بعد أن حلف خصمه. وقال مالك فيه وفي العتبية من رواية أشهب فيمن قضى ديناً عليه، وأشهد بينة على القضاء، ثم طولب به، فقال: قد دفعته إليك بشهادة فلان، فأحلف فحلف له، وأراد أن يقيم البينة أنه قضاه، قال: ذلك له، ويسمع منه قال ابن سحنون: قال ابن نافع عن مالك: فإذا حلفه وبينته حاضرة، وهو عالم بها، فله القيام بها بعد ذلك. وقاله أشهب في غير كتاب. ومن كتاب ابن حبيب قال أصبغ: ولو حلف المطلوب فنكل، فردت اليمين على المدعي، فحلف وأخذ، ثم وجد المدعى عليه بينة تشهد ببراءته من ذلك الحق فليقم بها، ويبرأ ويرجع إلى ما أخذ منه فيأخذه، ولو أن المدعي حين ردت عليه اليمين نكل، فلم يقض له بشيء لنكوله، ثم وجد بينة على دعواه، فإنه يأخذ ببينته. قال أصبغ: وهذا الذي لا أعرف غيره من قول أصحابنا. وقال به ابن حبيب، وهو أشبه بقول عمر بن الخطاب: البينة العادلة أحب إلي من اليمين الفاجرة. قال مطرف وابن الماجشون: ولو حلف المطلوب فحلف وبرئ، ثم وجد المدعي شاهداً فلا يحلف معه، ولا يقضي له هاهنا إلا بشاهدين؛ لأنه لا يسقط يميناً قد درئ بها حق، بيمينه مع شاهده، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ.

ومن المدونة قال مالك: وإن قال الطالب للإمام بينتي غائبة فأحلفه لي، فإذا قدمت بينتي قمت بها، نظر الإمام في ذلك، فإن كانت بينته بعيدة الغيبة، وخاف تطاول الأمر وذهاب الغريم، أحلفه له، وكان له القيام ببينته إذا قدمت، وإن كانت بينته قريبة الغيبة على مثل اليومين والثلاثة، لم يحلفه إلا على إسقاطها.

[الباب الثاني] ما يوجب الإيمان من خلطة أو ظنة أو غيرها

[الباب الثاني] ما يوجب الإيمان من خلطة أو ظنة أو غيرها [الفصل 1 - إيجاب اليمين بالخلطة] قال مالك: ولا يلزم المدعى عليه يمين حتى يكون بينه وبين المدعي خلطة. وهكذا فعل عمر بن عبد العزيز، وقاله السبعة من فقهاء التابعين. قال سحنون: حدثني ابن نافع عن حسين بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، إذا كان بينهما خلطة». قال سحنون: ولا تجب اليمين عندنا إلا بخلطة، أو يكون المدعي مريضاً؛ لأنه أقرب ما يكون إلى الصدق، أو يكون المدعى عليه متهماً غير مأمون فيما ادعى عليه، فإن اليمين تعلق بالمتهم، وتكون مثل الخلطة. واحتج بقول مالك في التي ادعت أن فلاناً استكرهها، أنه إن كان ممن لا يشار إليه بذلك حدت، وإن كان ممن يشار إليه بذلك، نظر فيه الإمام؛ لأن التهمة توجب ما توجب الخلطة. قال أصبغ: خمسة عليهم الإيمان بلا خلطة، الصانع، والمتهم بالسرقة،

والرجل يقول عند موته أن لي عند فلان ديناً، والرجل يمرض في الرفقة فيدعي أنه دفع ماله لرجل وإن كان المدعى عليه عدلاً، وكذلك من ادعى عليه رجل غريب نزل في مدينة أنه استودعه مالاً. فصل [2 - في الخلطة التي توجب اليمين] ومن العتبية قال أصبغ: قيل لابن القاسم: ما الخلطة التي توجب اليمين؟ قال: يسالفه ويبايعه ويشتري منه مراراً، فإن تقابضا في ذلك الثمن والسلعة وتفاصلا قبل التفرق فهي خلطة، فأما إن اشترى منه مرة ثم يأتي فيبيعه، فليس له بذلك يمين حتى يبايعه مراراً. وقاله سحنون. قال: ولا تكون الخلطة إلا بالبيع والشراء بينهما، ولو ادعى أهل السوق بعضهم على بعض لم يكن ذلك خلطة حتى يقع البيع بينهما. قال: وكذلك القوم يجتمعون في المسجد للصلاة والأنس والحديث، فليس هذا كله خلطة توجب اليمين في الدعوى. قال يحيى بن عمر: وأما الصناع فعليهم اليمين لمن ادعى عليهم في صناعتهم، وإن لم يأت بخلطة؛ لأنهم منصوبون للناس. قال ابن المواز: ومن ادعى على رجل بحق، فأنكر أن يكون جرت بينهما مخالطة، ولا بينة له على الخلطة. قال: لا يمين له عليه حتى يقر بمخالطته، أو يقيم المدعى بينة بمخالطته، وكذلك إن ادعى عليه كفالة، فلا يحلفه إن لم يكن بينهما مخالطة. قال: وإن أقام المدعي بالخطلة شاهداً حلف المدعي، وثبتت الخلطة، ثم يحلف حينئذ المدعى عليه. وقال ابن كنانة في المجموعة: شهادة رجل واحد وامرأة واحدة توجب اليمين أنه خليطه. وروى ابن القاسم عن مالك فيمن أقام شهوداً عدولاً على رجل بحق، فأقام

الرجل بينة أنهم معادون له، فسقطت شهادتهم، فهم كمن لم يشهدوا، وكأنه رأى أن لا يحلف، وكذلك عنه في العتبية. وقال سحنون فيها: لا يحلف. ومن سماع عيسى قال مالك: كل من شهد فردت شهادته؛ لأنه متهم أو غير عدل، فلا يمين على المشهود عليه. قال أبو بكر بن محمد: وقد قيل يحلف. قال ابن المواز: إذا سقطت الدعوى بسقوط البينة فلا يمين له عليه. قال أشهب: وكذلك في سائر البينات إذا كذب بعضهم بعضاً، واستووا في العدالة، وإذا كانت بينهما خلطة فانقطعت، لم يحلف إلا بخلطة مؤتنفة. قال ابن حبيب: تفسير الخلطة أن تشهد له بينة أنه كانت بينهما مخالطة وملابسة في حق لا يعلمون له انقضاء. [الفصل 3 - ما يراعى فيه الخلطة] م/: واختلف فقهاؤنا المتأخرون فيما يراعى فيه الخلطة فقال بعض مشايخنا، وحكاه عن ابن مناس، وقاله غير واحد من القرويين إنما تراعى الخلطة فيما يتعلق بالذمم من الحقوق والأشياء المستهلكة، وأما الأشياء المعينة يقع التداعي فيها بينهما فاليمين واجبة في ذلك من غير خلطة، وعلى هذا جرت مسائل المدونة أنه لم يراع في الأشياء المعينة

خلطة، من ذلك مسألة كتاب الشفعة إذا أنكر المشتري الشراء وادعاه البائع، قال: يتحالفان. ومن كتاب السرقة: إذا ادعى السارق شراء الشيء الذي سرقه، قال: يحلف له ربه أنه ما باع، وكذلك في كتاب القذف إذا ادعى شراء الأمة التي شهد عليه بوطئها من ربها قال يحلف له السيد، ولم يذكر في ذلك كله خلطة. ووجه ذلك أن الحديث ورد مجملاً "على المدعى عليه اليمين" فحكم العلماء بالخلطة في الأشياء المتعلقة بالذمة استحساناً، وإبقاء ما سواه على أصله؛ لظاهر الحديث في إيجاب اليمين على المدعى عليه، والله أعلم. قال بعض مشايخنا من أهل بلدنا: لا تجب اليمين إلا بخلطة في الأشياء المعينة وغيرها، إلا في مثل أن يعرض الرجل سلعته في السوق للبيع، فيأتي رجل فيقول له: قد بعتها مني. فمثل هذا تجب له يمينه من غير خلطة؛ لأنه عرضها لما ادعى عليه فيه، فصارت تهمة توجب عليه اليمين. م/: وهذا القول أشبه بالمذهب لما رواه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر إذا كانت بينهما خلطة» فهو على عمومه في المعين وفي غير المعين.

وكذلك ما روي عن عمر بن عبد العزيز في هذا كله، والفقهاء السبعة، أنهم رأوا الخلطة بين المتداعين مجملاً من غير تفصيل. [الفصل 4 - وجه مراعاة الخلطة] ومن طريق النظر أن الخلطة إنما جعلت للضرورة التي تلحق الناس بالإيمان؛ لأن الإقدام على اليمين يشق ويصعب على أهل المروءات والديانات، وذوي الأقدار من الرجال والنساء، وهي على النساء عندنا أشد حتى أن أكثر هؤلاء يبذل ما ادعى عليه فيه افتداء من يمينه. وقد فعله عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر افتديا من اليمين فيما ادعى عليهما، ولا شك في صدقهما وكذب من ادعى عليهما، فلو وجبت اليمين لمجرد الدعوى في المعينات من غير سبب يقارنها لأضر ذلك بالناس، لاسيما أهل المروءات والديانات، وتسلط عليهم بدعاويهم الدناءة. فإذا علم أن بينهما خلطة قويت الدعوى، ووجب قبولها، ولزمت اليمين. وعند أبي حنيفة والشافعي أن المدعي عليه يحلف على كل وجه. واحتجوا بقوله عليه السلام: «البينة على المدعى، واليمين على المدعى عليه» فعم،

ولم يعتبروا مخالطة، وقالا: ولو أنا لم نقبل دعواه، ولم نوجب له اليمين إلا بعد الخلطة، لأدى ذلك إلى تضييع حقوق الناس، ولكلف كل من يريد معاملة مشقة الإشهاد. فالجواب أن القصد منه في الحديث إبانة من تكون البينة في جانبه، واليمين في حيزه. م/ وقد روينا نحن حديثاً مفسراً أن البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر إذا كان بينهما خلطة، فهو يقضي على المجمل. وقاله علي بن أبي طالب، وهو إمام صاحب لا مخالف له. وقاله عمر بن عبد العزيز والسبعة من فقهاء التابعين. وأما ما ذكروه من تضييع حقوق الناس، وتكليف مشقة الإشهاد، فالمشقة التي تلحق المدعى عليه أشد؛ لذهاب ماله بالافتداء من اليمين، وهو لا يستطيع التحرز من الدعوى، كما يستطيع المدعي التحرز من ذهاب ماله بالإشهاد، وترك ما ندبه الله إليه من الإشهاد فوجب أن يغلظ عليه. م/: وبعض هذا الكلام لعبد الوهاب، وبالله التوفيق.

[الفصل 5 - مراعاة الخلطة في دعوى الكفالة والدين والغصب والاستكراه] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن ادعى قبل رجل كفالة، ولا خلطة بينهما، فلا يمين عليه. وقد قال مالك فيمن باع سلعة من رجلين، وقبض من أحدهما حصته، ثم لقي الآخر فقال له: قد دفعت إلى صاحبي ليدفع إليك، فسأل صاحبه فأنكر، فأراد يمينه، فلم ير مالك هذه خلطة توجب اليمين. قال بعض فقهاء القرويين: إنما لم يحلفه مالك؛ لأنه إنما قال له: إن الذي اشترى معك قال لي: إنه دفع إليك ما لي عليه لتوصله إلي؛ فهذا لا ينبغي أن يحلفه، ولو كان بينه وبينه خلطة؛ لأن ما ادعى عليه لم يثبت أن المشتري معه قاله، ولو ثبت أن المشتري قال ذلك لانبغى أن يحلفه، ولو لم تكن بينهما خلطة. وقد وقع في كتاب محمد أن هذه خلطة، ولم يحلفه لهذا المعنى الذي ذكرنا، وفي هذا الذي ذكر نظر؛ لأنه إذا لم يكن بينه وبين المشتري خلطة إلا هذا الشراء لم يكن للبائع منهما على هذا يمين. فقول المشتري معه أنه دفع إليه حصته من الثمن ليوصله إلى البائع منهما، كما لو ادعى عليه المشتري معه أنه دفع إليه حصته من الثمن ليوصله إلى البائع منهما؛ لأن شراءهما جميعاً هذه السلعة ليست بخلطة توجب بينهما اليمين في

الدعاوى فانظر. قال: والمعتبر في دعوى الكفالة أن يكون بين مدعي الدين وبين من ادعى الكفالة خلطة، وإن لم تكن بين المدعي والمدعى عليه الدين خلطة؛ لأن الذي له الدين يقول: إنما وثقت بمبايعة من لا أعرف بكفالتك أنت فله عليه اليمين. ومن ادعى قبل رجل ديناً أو غصباً أو استهلاكاً في متاع، فإن عرف بمخالطته في معاملة، أو علمت تهمة فيما ادعى عليه من التعدي والغصب نظر فيه الإمام. فإما أحلفه، أو أخذ له كفيلاً حتى يأتي بالبينة، فإن لم تعلم خلطته أو تهمته فيما ذكر لم يعرض له السلطان. وقد قال مالك في امرأة دعت أن فلاناً استكرهها، أنه إن كان ممن لا يشار إليه بذلك حدت، وإن كان ممن يشار إليه نظر فيه الإمام.

[الباب الثالث] جامع دعوى النكاح والطلاق والعتق والنسب والملك وغير ذلك

[الباب الثالث] جامع دعوى النكاح والطلاق والعتق والنسب والملك وغير ذلك [الفصل 1 - في دعوى النكاح] قال ابن القاسم: ومن ادعى نكاح امرأة وأنكرت، فلا يمين عليها، كما لو ادعت امرأة أن زوجها طلقها لم يكن عليه يمين. ولو أقام مدعي النكاح شاهداً لم يكن على المرأة يمين، ولا تحبس له، ولا يثبت النكاح إلا بشاهدين. قال بعض القرويين: وقد وقع في كتاب محمد أنها تحلف، ولم يذكر لو أقامت عليه شاهداً واحداً هل تحلف ويكون لها نصف الصداق؛ لأن إنكاره كالطلاق منه، وقد اختلف فيمن أقامت عليه شاهداً، أو أقام عليها شاهداً بعد الموت: فابن القاسم يقول: يحلف ويرث. وأشهب يقول: لا يصح الميراث إلا بعد ثبات النكاح، والنكاح لا يثبت إلا بشاهدين. قيل: إنما يحلف الزوج إذا لم يورث بقرابة أو ولاء، كالولاء إذا لم يكن له وارث بنسب أو ولاء غير هذا الذي أقام شاهداً. [الفصل 2 - دعوى الطلاق] وأما إن ادعت المرأة أن زوجها طلقها لم يحلف الزوج، إلا أن تقيم المرأة شاهداً أو امرأتين ممن تجوز شهادتهم لها في الحقوق فليحلف الزوج. قال مالك: ويحال بينها وبينه حتى يحلف أو يطلق، فإن نكل طلقت عليه مكانها، واعتدت من يوم الطلاق.

وروي عنه أنه يحبس أبداً حتى يحلف أو يطلق. وري عنه إذا طال سجنه دين وترك والطول سنة. وبه أخذ ابن القاسم. [الفصل 3 - دعوى العتق] قال مالك: وإذا ادعى عبد على سيده أنه أعتقه فلا يمين له عليه، ولو جاز هذا للنساء والعبيد لم يشأ عبد إلا حلف سيده ولا امرأة إلا حلفت زوجها كل يوم. وإن أقام العبد شاهداً أو امرأتين ممن تقبلان في الحقوق مثل ألا تكونا من الأمهات والبنات والأخوات، أو ممن هو منها بظنه، فإنه لا يحلف العبد ولا المرأة، ولكن يحلف السيد والزوج، فإن نكل السيد عق العبد ثم رجع. فقال: يسجن أبداً حتى يحلف. ثم قال: إن طال سجنه دين وترك، والطول سنة كما قلنا في دعوى المرأة في الطلاق. ومن العتبية قال مالك في العبد أو الأمة يذكر أنه حر الأصل، ويذكر أن له بينة غائبة، فلا يقبل ذلك منه إلا أن يأتي بوجه يشبه الحق، مثل شاهد عدل، فليؤمر السيد أن يكف عن خدمة العبد، ووطء الأمة، إن كان مأموناً، وإلا جعلت بيد امرأة، ويضرب لها وللعبد أجل شهرين أو ثلاثة ليأتيا بمنافعهما، والنفقة على المشتري، ولا يردا على البائع بقولهما، ولا يلزمهما شيء من النفقة في استبراء ذلك. فإن صح ما قالا رجع بالثمن فقط على البائع.

وسأله ابن غانم في العبد يدعي الحرية وأن له بينة بموضع كذا فطلب سيده منه حميلاً والعبد لا يجد ذلك. قال: إن جاء بلطخ أو شبهة أمكنه من الخروج ليأتي ببينة. قال في كتاب ابن حبيب: بعد أن يأخذ منه حميلاً لسيده، فإن لم يأت بحميل فاطرحه في السجن، ووكل من يقوم بأمره، واكتب أنت إلى الموضع الذي ذكر العبد أن فيه بينة، وهذا إذا ثبت للسيد ملكه إياه وحوز له، وإن لم يثبت ذلك حيل بينه وبينه؛ لإنكار العبد الرق. [الفصل 4 - دعوى النسب] ومن المدونة: والأمة تدعي أن سيدها أولدها فهو كدعواها العتق لا يقبل منها إلا أن تقيم الأمة رجلين على إقرار السيد بالوطء، وامرأتين على الولادة، فتصير أم ولد، وثبت نسب ولدها إن كان هو معها، إلا أن يدعي السيد استبراء بعد الوطء. وإن أقامت شاهدين على إقرار السيد بالوطء وامرأة على الولادة أحلفته، وكذلك لو أقامت شاهداً على إقراره بالوطء وامرأتين على الولادة أحلفته كما يحلف في العتق. م/: قال بعض القرويين: وقيل: لا يحلف. قال في المدونة: ولو أقامت شاهداً على إقراره بالوطء وامرأة على الولادة، فلا يمين على السيد. وقيل: يلزمه اليمين.

م/: وقال بعض فقهاء القرويين: إنها إذا أتت بالولد، وأقامت على إقراره بالوطء امرأتين لم يحتج إلى إقامة امرأتين على الولادة؛ لأن البينة إذا شهدت بإقراره بالوطء صار كمن ثبت أنه وطئ، فإنه يكون القول قولها أنها ولدت هذا الولد. ولو أقامت رجلين على إقراره بالوطء وأتت بالولد لكان بينا أن يلحق به، وأما امرأتان على إقراره بالوطء فهو كإقراره عند رجل؛ لأن هذا ليس موضع ضرورة فتقبل شهادة المرأتين بغير يمين فانظر. قال: وإنما أحلفه مع امرأتين على الولادة لعدم الولد؛ لأنها تقول ولدته ومات. م/: إنما أحلفه في هذا إذا لم يثبت إقراره بالوطء إلا برجل، ولو ثبت برجلين لم يحلفه مع شهادة المرأتين على الولادة. قال: وقد وقع في ظاهر لفظ الكتاب خلاف ما تأولناه، وهو قوله: ويثبت نسب ولدها منه إن كان معها ولد، وهي قد أقامت رجلين على إقراره بالوطء وامرأتين على الولادة، وهذا أمر لا يجب عليه؛ إذ لو ثبتت الولادة لكان القول قولها. م/: ولم يذكر قوله: ويثبت نسبه منه إن كان معه ولد على سبيل الشرط، وإنما قال: تكون بشهادة الرجلين على الإقرار بالوطء والمرأتين على الولادة أم ولد إن كان معها ولد ثبت نسبه. وأما هي فإنها أم ولد كان معها ولد أو لم يكن. قال: ثم قال في الكتاب: إلا أن يدعي الاستبراء فهذا لا يمكن مع إنكاره الوطء إلا أن

يكون معنى الكلام أنه لم ينكر الوطء دفعة، وإنما أنكر الوطء الكائن منه هذا الولد فلهذا وجه، وإذا حلف ثم وجدت المرأة شاهداً آخر ضمته إلى الشاهد الأول إن كان مقيماً على العدالة يوم شهد الثاني، وإن فسدت أحواله لم يلفق إلى الثاني؛ لأنه اليوم يقع الحكم فينظر في جرحته وعدالته. ومن المدونة قال مالك: ومن ادعى أن فلاناً والده أو ولده فأنكر فلا يمين له عليه. م/: معناه أن الولد كبير، ولو كان صغيراً لجاز استلحاقه إذا لم يعرف كذبه. [الفصل 5 - دعوى الملك] قال ابن القاسم: ومن ادعى على رجل أنه عبده لم يحلفه، وإن جاء بشاهد حلف معه واسترقه. وقد قال مالك فيمن أعتق عبده، ثم قضي على السيد بدين تقدم على العتق بشاهد أن رب الدين يحلف مع شاهده ويرد العتق، وكذلك مدعي العبد يسترقه بالشاهد مع يمينه. قال مالك: ولو شهد رجلان على رجل أنه أمرهما أن يزوجاه أو يبتاعا له بيعاً وأنهما فعلاً وهو ينكر لم تجز شهادتهما؛ لأنهما خصمان، ولو أقر لهما بالوكالة وقال: لم تفعلا، وقالا: قد فعلنا لكان القول قولهما. ولو شهد رجلان على رجل أنه أعتق عبده،

والعبد والسيد ينكران فالعبد حر، وليس له أن يرق نفسه. ولو رد القاضي شهادتهما عليه بجرحة أو غيرها، ثم اشتراه أحدهما فإنه يعتق عليه حين اشتراه. وجميع مسائل هذا الباب التي من المدونة قد تقدمت في كتاب العبيد، وكتاب النساء، وهناك زيادة فيها فأغنى عن إعادتها، وبالله التوفيق.

[الباب الرابع] فيمن ادعى على رجل قذفا أو عبدا قد مات أو غائبا أو حاضرا أو ما يوقف مما ادعى فيه من حيوان أو ربع أو طعام

[الباب الرابع] فيمن ادعى على رجل قذفاً أو عبداً قد مات أو غائباً أو حاضراً أو ما يوقف مما ادعى فيه من حيوان أو ربع أو طعام [الفصل 1 - فيمن ادعى على رجل حداً أو قصاصاً أو دية] روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لو أعطي الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه» وقال للمدعي: «شاهداك أو يمينه». وينبغي للحاكم أن يبدأ بالمدعي فيقول له: أنك بينة فإن قال نعم سمعت بينته وقدمت على يمين المدعى عليه، وكذلك فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم-. قال ابن القاسم: ومن ادعى على رجل حدا، وقدمه إلى القاضي وادعى بينة قريبة يأتي بها في يومه أو في غده أوقفه القاضي ولم يحسبه، ولو أقام الطالب شاهداً حبسه القاضي حتى يأتي بآخر، ولا يؤخذ في هذا كفيل. ابن حبيب: فإن ثبت ذلك عليه فقال القاذف: لي بينة أنه كما قلت، فإن كانت حاضرة في السوق ونحوه حبسه عنده. وقال له: أرسل رسولك وراء بينتك، وإن كان

أمداً يطول ضربه الحد ولم يؤخره، يريد إن جاء بالبينة على ما ادعى زالت عنه جرحه الحد وحد المقذوف ونحوه في المدونة. قال ابن القاسم في المدونة: وكذلك في الجراح وما يكون في الأبدان يحبسه مع الشاهد، ولا يؤخذ به كفيل، ولكن إن ادعى بينة قريبة أوقفه القاضي وسجنه مع الشاهد. قال في المجموعة: وإن أقام شاهداً بقتل عمد سجن القاتل، فإن زكى الشاهد أقسم معه العصبة، وإن لم يزك الشاهد لم تكن قسامة، ولا يحبس في الخطأ؛ لأن الدية على العاقلة. قال أشهب: وهو كأحدهم لا حبس عليه ولا على غيره من عاقلته، ولا يؤخذ منه كفيل إلى تزكية الشاهد. وقال سحنون: وكيف لا يؤخذ منه كفيل وهو يحتاج أن تقع البينة على عينه أنه فعل ذلك. م/: إنما يصح كلام سحنون إذا طلب المدعي إثبات الشهادة عليه، وأما إلى أن يزكي الشاهد فلا معنى لحضوره؛ لأن الشاهد قد عرفه وشهد عليه. م/: والذي أرى إذا طلب إثبات الشهادة عليه، فإن كان معروفاً مشهوراً لم يؤخذ عليه كفيل، وإلا أخذ.

قال أشهب: وما كان من جراح الخطأ أقل من ثلث الدية فليأخذ به كفيلاً، وما بلغ الثلث فأكثر فذلك على غيره. [الفصل 2 - فيمن ادعى على رجل عبداً قد مات أو كان غائباً أو حاضراً] ومن المدونة: ومن أقام بينة على عبد قد مات بيد رجل أنه عبده، فلا شيء على الرجل؛ لأنه يقول اشتريت من سوق المسلمين، إلا أن يقيم المدعي بينة أنه غصبه إياه، يريد فيحكم عليه بقيمته يوم غصبه. قال: ومن ادعى عبداً غائباً بيد رجل، فأقام المدعى عليه بينة أن ذلك العبد عبده، فإن عرفته البينة ووصفته وحلته وثبتت شهادتهم قضيت له به، وهكذا في المتاع والحيوان إذا كان بعينه. م/: أجاز ابن القاسم أن يقيم البينة على عبد غائب أنه له، إذا وصفته الشهود وحلته أنه يقضي له به، ولم يجز ذلك ابن كنانة. قال مالك: ومن ادعى عبداً بيد رجل، وأقام شاهداً عدلاً يشهد على القطع أنه عبده، أو أقام بينة يشهدون أنهم سمعوا أن عبداً سرق له مثل ما يدعي وإن لم تكن شهادة قاطعة، وله بينة ببلد آخر فسأل وضع قيمة العبد ليذهب به إلى بينته

لم يكن له ذلك. [الفصل 3 - فيمن ادعى على رجل ما يمكن إيقاف من حيوان أو ربع أو طعام أو غيره] قال ابن القاسم: فإن قال: أوقفوا العبد حتى أتى ببينتي، لم يكن له ذلك، إلا أن يدعي بينة حاضرة على الحق، أو سماعاً يثبت له دعواه، فإن القاضي يوقف له العبد ويوكل به حتى يأتي ببينته فيما قرب من يوم ونحوه، فإن جاء بشاهد أو سماع وسأل إيقاف العبد ليأتي ببينته، فإن كانت بينة بعيدة، وفي إيقافه ضرر استحلف القاضي المدعى عليه، وسلمه إليه بغير كفيل. قال سحنون: فإن ادعى شهوداً حضوراً على حقه رأيت أن يوقف له نحو خمسة أيام إلى الجمعة، وهذا التحديد لغير ابن القاسم. قال أبو محمد: وهو لسحنون، ورأى ابن القاسم أن يوقف له؛ لأن الذي يأتي بشاهد وسماع له وضع القيمة عند مالك والذهاب به إلى بينته فهذا كالإيقاف. قال مالك: ونفقة العبد في الإيقاف على من يقضي له به. قال في العتبية: يكون الآن بينهما. قال يحيى: يعني فإذا حكم به لأحدهما رجع عليه الآخر بما أنفق.

قال غير أبي محمد هو سحنون: إنما يوقف مثل ما يشهد على عينه من الرقيق والحيوان والعروض؛ لأن ذلك يحول أو تزول عينه. قال ابن القاسم: يوقف ما لا يؤمن تغيره وزواله، وأما المأمون كالرباع مثلاً والعقار وما له الغلة فإنما يوقف وقفاً يمنع من الإحداث فيها، والغلة أبداً للذي هي بيده؛ لأن ضمانها منه حتى يقضى بها للطالب. قال سحنون: هذا إن كان مبتاعاً أو صارت إليه من مبتاع. قال ابن القاسم في العتبية: وإن كانت غنماً فرعيها في الإيقاف على ما تصير إليه، وغلتها للذي هي في يده. قال عيسى: الرعي على من له الغلة. [الفصل 4 - في إيقاف المطلوب أو أخذ كفيل عنه حتى يحضر المدعي ببينة القريبة على الخلطة] ومن المدونة قال غيره: وإن ادعى عليه ديناً أو شيئاً مستهلكاً وطلب كفيلاً سأله القاضي البينة على الخلطة والمعاملة أو الظنة، فإن ادعى على الخلطة بينة قريبة وكل بالمطلوب حتى يأتي بما يوجب اللطخ ما بينه وبين يوم وشبهه. قال سحنون في المجموعة: لا أرى هذا، وأين يجد من يوكل بهذا؟ أبداً ولكن يأخذ

منه كفيلاً حتى يأتي بالبينة على الخلطة فيما قرب. قال بعض فقهاء القرويين: وينبغي على مذهب سحنون إن لم يجد كفيلاً أن يسجن؛ إذ لا يوجد من يوقف معه، ولا يبطل حق الطالب، وقد يكون إذا ترك ذهب فلم يوجد، فلابد من تحمل أحد الضررين. [الفصل 5 - في المدعي يحضر بينة على الخلطة ويدعي على الحق بينة بعيدة] ومن المدونة: فإن جاء بذلك وادعى على الحق بينة بعيدة استحلف المطلوب وأطلقه بغير كفيل، وإن ادعى قربها أخذه بكفيل بنفسه ليحضره فتشهد البينة على عينه كما يوقف الحيوان والعروض؛ لأنه يحتاج إلى إحضاره لتشهد البينة على عينه. قال سحنون في المجموعة: وقد يكثر هذا عليه، وهو إذا تم الأجل نظر في أمرهما فيصير قد قدمهما على غيرهما ممن ينظر بينهم على المراتب، وإن ترك أولئك إلى أن يدعوا بهم صارت حمالة إلى غير أجل. ومن المدونة قال غيره: وأما ما لا يحتاج إلى إحضاره لتشهد البينة عليه فلا يؤخذ فيه كفيل، وإن كانت الدعوى فيما يفسد من اللحم ورطب الفواكه، وقد أقام لطخا أو شاهداً على الحق، وأبى أن يحلف، وادعى بينة قريبة على الحق أجله القاضي لإحضار

شاهدين أو شاهد إن أتى بشاهد قبله، ولم يحلف معه، ما لم يخف فساد ذلك الشيء، فإن جاءه بما ينتفع به، وإلا أسلم ذلك الشيء إلى المطلوب، ونهى المدعي أن يعرض له، فإن كان الطالب قد أقام شاهدين فأوقف القاضي ذلك الشيء ليكشف عنهما، فإن خاف فساده باعه وأوقف ثمنه، فإن زكيت بينة المدعي وهو مبتاع أخذه وودى الثمن الذي قالت بينته كان أقل من ذلك أو أكثر، ويقال للبائع: إذا كان يأخذ أكثر من الثمن الموقوف أنت أعلم بالمخرج عن الزيادة، فإن لم يزكوا أخذ المدعى عليه الثمن الموقوف؛ لأنه عليه بيع نظراً. ولو ضاع الثمن قبل القضاء أو بعده كان ممن قضى له به. [الفصل 6 - في أخذ الكفيل على المدعى عليه في حق إذا كان بينه وبين المدعي خلطة] ومن كتاب الحمالة: قال ابن القاسم: ومن كانت بينه وبين رجل خلطة في معاملة فادعى عليه حقاً لم يجب له عليه كفيل بوجه حتى يثبت حقه. وقال غيره: إذا ثبتت الخلطة بينهما فله عليه كفيل بنفسه ليوقع البينة على عينه. قال سحنون: وإن لم يجد كفيلاً حبس حتى يستقصى فيه ما كان يؤخذ منه الكفيل، لذلك. قال ابن القاسم: وإن سأله وكيلاً بالخصومة حتى يقيم البينة عند القاضي لم يلزم المطلوب ذلك إلا أن يشاء؛ لأنا نسمع البينة في غيبة المطلوب. قال سحنون: إذا كان المشهود عليه معروفاً صنعت البينة في غيبته.

قال ابن القاسم: وإن سأله كفيلاً بالحق حتى يقيم البينة لم يكن له ذلك، إلا أن يقيم شاهداً فله أخذ الكفيل وإلا فلا، إلا أن يدعي بينة يحضرها من السوق أو من بعض القبائل فليوقف القاضي المطلوب عنده لمجيء البينة، فإن جاء بها وإلا خلى سبيله. ومن المجموعة: قال سحنون: قال غيره: وإن ادعى في عقار فلا يؤخذ به كفيل. قال سحنون: بل يؤخذ به كفيل؛ لأن الطالب يحتاج إلى إيقاع البينة على خصم حاضر، ومالك يقول: لا يحكم في الرباع على غائب، وآخرون يقولون: إنما يحكم عليه بعد أن يكشف عنه، ويستبرأ أمره، ثم يكون على حجته، فكيف لا يؤخذ في هذا كفيل؟ [الفصل -7] في الرسول أو الوكيل أو الغريم يدفعون بغير إشهاد وكل من دفع إلى غير اليد التي دفعت إليه فعليه البيان. أصله الوصي. قال الله عز وجل: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء:6]. قال ابن القاسم عن مالك: ومن بعث بمال صلة لرجل أو هبة أو صدقة مع رجل، فقال: قد دفعته إليه، ثم أنكر القابض فعلى الرسول البينة وإلا غرم، وكذلك لو أمره بصدقة على مساكين بأعيانهم، قال ابن القاسم: فإن لم يكونوا بأعيانهم فهو مصدق- يريد- فإن اتهم حلف. قاله في غير هذا الكتاب.

قال: وإن أمرت غريمك بدفع دينك إلى رجل بعينه، فقال: دفعته إليه، وأنكر القابض لم يبرأ المأمور عند مالك إلا ببينة. وإن قال القابض: قبضته ثم ضاع مني لم يبرأ الدافع إلا ببينة أنه دفع المال، وكذلك من وكلته على قبض مال بيد رجل فقال: قبضته وضاع مني فلا يبرأ الدافع إلا ببينة، وكذلك لو قال الوكيل: قبضت المال أو قال برئ إلي من المال، لم يبرأ الدافع إلا ببينة أنه دفع المال إليه، أو يأتي الوكيل بالمال إلا أن يكون الوكيل مفوضاً إليه، أو وصياً فهو مصدق، بخلاف وكيل مخصوص.

[الباب الخامس] في المتداعيين يقيم كل واحد منهما بينة، والقضاء في اختلاف الشهادات والبينات

[الباب الخامس] في المتداعيين يقيم كل واحد منهما بينة، والقضاء في اختلاف الشهادات والبينات [الفصل 1 - في المتدعيين في شيء يقيم كل واحد منهما بينة أنه له] روى ابن وهب أن رجلين اختصما إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعير، فجاء كل واحد منهما بشاهدين فقسمه عليه السلام بينهما. وقاله عدد من الصحابة، وكثير من التابعين إذا لم يكن الشيء بيد أحدهما، واتفقت بيناتهما في العدالة، إلا أن يكون بيد أحدهما فيكون أحق به لزيادة الحوز. وقالوا في الحيوان: إن الناتج أحق من الحائز، والنسج في الثياب كالنتاج في الحيوان. قال مالك: ومن كانت بيده دور أو عبيد أو عروض أو دراهم أو دنانير أو غير ذلك من الأشياء، وادعى ذلك رجل آخر، وأقام بينة أن ذلك له. وأقام من ذلك بيده بينة أنه له قضى بشهادة أعدلهما، وإن كانت أقل عدداً. فإن تكافأتا في العدالة لا في العدد سقطتا، وبقي الشيء بيد حائزه ويحلف، ولا يقضي بأكثرهما عدداً؛ لأن التكافؤ في العدالة لا في

العدد حتى لو كانت بينة أحدهما رجلين، أو رجلاً وامرأتين فيما تجوز فيه شهادة النساء، وبينة الآخر مائة رجل، واستووا في العدالة كلهم سقطوا، وبقي الشيء بيد حائزه ويحلف، وذلك أن كل بينة قد كذبت الأخرى وجرحتها فسقطتا. قال غيره: ليس هذا بتجريح، ولكن لما تكافأت البينة صارت كأنهما لم يأتيا بشيء وبقوا على الدعوى. قال سحنون: ولو كان تجريحاً لم تجز شهادتهما فيما يستقبلون. [الفصل 2 - في تساوي البينات في العدالة والعدد والاختلاف فيهما] قال ابن حبيب: وروى مطرف وابن الماجشون عن مالك في المتداعيين في شيء يقيم كل واحد منهما بينة، فليقض بأعدل البينتين، وإن هما استويا في العدالة قضى به لأكثرهما عدداً إلا أن يكون هؤلاء كثيراً يكتفي بهم فيما يلتمس من الاستظهار، والآخرون أكثر جداً، فهاهنا لا تراعى الكثرة فإن استويا في العدالة بقي لمن هو بيده. قال: وإن جاء أحدهما بشاهدين عدلين، والآخر بأربعة أو عشرة من العدول ملنا إلى الكثرة. وإن أقام أحدهما شاهدين عدلين، وأقام الآخر شاهداً أعدل أهل زمانه، وأراد أن يحلف معه فليقض بالشاهدين. وكذلك روى أصبغ عن ابن القاسم في العتبية أنه يقضي بشهادة الشاهدين. وروى عنه أبو زيد أنه يقضي بالشاهد الأعدل مع يمين الطالب، دون شهادة

الشاهدين وإن كانا عدلين، وبهذا أخذ أصبغ. وكذلك في كتاب ابن المواز إن أقام أحدهما شاهداً، وأقام الآخر أربعة، فإن كان الواحد أعدل قضيت به مع يمين صاحب الحق، وإن كان في الأربعة اثنان أعدل منه قضيت بهما، وإن كانا مثل عدالة الشاهد حلف صاحب الشاهد وأبطل الشاهدين، وإن كان ذلك الشيء بيد أحدهما بقي له بعد يمينه، ما علم للآخر فيه حقاً، وإن كان بأيديهما حلفا وبقي بأيديهما. وقال أشهب: إذا لم يكن في أيديهما فهو لصاحب الشاهدين. وقال أيضاً: يحلف مع الشاهد الأعدل ويكون أحق به. وعليه أصحاب مالك، وقاله أصبغ. ومن العتبية قال ابن القاسم: ولو أقام كل واحد منهما بينة لا يعرفهم الإمام فيعدل كل بينة معدلون، فلا يقضي ببينة أعدل المعدلين، وإنما ذلك في الشهادة خاصة، ومثله روى ابن حبيب عن ابن الماجشون. وقال مطرف: وكان مالك يميل في الشهود والمعدلين إلى من هو أرجح بعدالة أو بكثرة عدد، فإن كان الفريق الواحد من العدلين أعرف بوجه التعديل وأبين عدالة وفضلاً أو أكثر عدداً قضيت بها لمن جاء بها. م/: وإذا تكافأت البينتان سقطتا، وبقي الشيء بيد حائزه ويحلف، وإنما حلف لأن

البينتين لما سقطتا كأنها لم تكن، وبقيت الدعوى فوجب اليمين على المنكر؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين». قال بعض القرويين: اختلف إذا كانت إحدى البينتين أعدل هل يحلف صاحب الأعدل؟ ففي المدونة أنه يحلف في مسألة عفو الأرض مع البينة الأعدل. واختلف في كثرة العدد هل يرجح به مع استوائهم في العدالة؟ واختلف في شاهد ويمين أو شاهد وامرأتين إذا هم تساووا في العدالة: فابن القاسم يسقطها في التساوي، وأشهب يراه من باب الترجيح، فلم يرد شهادة الشاهدين بشاهد ويمين، ولا بشاهد وامرأتين. [الفصل 3 - في الترجيح بالحيازة عند تكافؤ البينات] وذهب عبد الملك إلى أن الحائز لا ينتفع ببينة، مثل أن يقيم رجل شاهدين على دار في يد رجل أنها له، وأقام من بيده الدار شاهدين أنها له، أن شاهدي المدعى أولى، وذلك أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر». فالبينة في جانب المدعي، واليمين في جانب المنكر، فلا ينتفع ببينته التي يقيمها عنده، واختلف إذا كانت الدار بيد ثالث، وأقام رجلان كل واحد بينة أنها له، وتكافأت في العدالة، والذي هي في يده الدار يدعيها لنفسه، فقيل إنها تبقى للذي هي في يده؛ لأن بينة هذين سقطتا بالتكافؤ فكأنها لم تكن، وقيل: تقسم بينهما؛ لأن البينتين قد اتفقا على إسقاط ملك الحائز.

وكذلك اختلف لو أقر بها الحائز لأحدهما، فعلى قولهم أنها تبقى له تكون لمن أقر الحائز أنها له، وعلى القول الآخر لا يقبل إقراره لأحدهما، ولا لغيرهما، كما لا تقبل دعواه لنفسه أنها له. [الفصل 4 - القضاء في الشيء يدعيه اثنان ولا يجوزه أي واحد منهما] ومن المدونة قال مالك: وإن تداعيا في شيء ليس هو بيد واحد منهما، وأقام كل واحد منهما بينة أنه له، قضى بأعدل الشهود وإن قلوا، وإن تكافؤا في العدالة وكان الذي شهدوا فيه مما يرى الإمام منعهما منه فعل حتى يأتيا ببينة أعدل منهما، وإن كان مما لا ينبغي للإمام أن يقره، ولا يرى أنه لأحدهما قسمة بينهما بعد إيمانهما كشيء لا شهادة لهما فيه. قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك في القوم يتنازعون عفواً من الأرض، فيأتي هؤلاء ببينة وهؤلاء ببينة، فإنه يقضي في ذلك بأعدل البينتين وإن كانت أقل عدداً، أو يحلف أصحابهما مع شهادتهم، وإن تكافأت البينتان سقطتا، وبقيت الأرض كغيرها من عفو بلاد المسلمين حتى تستحق بأثبت من هذا. قال ابن القاسم: مثل أن يأتي أحدهما ببينة هي أعدل من الأولى. وقال ابن القاسم عن مالك في باب آخر: إن كل ما تكافأت فيه البينتان، وليس هو في يد واحد منهما، وكان مما لا يخاف عليه مثل الدور والأرضين ترك حتى يأتي أحدهما

بأعدل مما أتى به صاحبه فيقضي له به، إلا أن يطول الزمان ولا يأتيا بشيء غير ما أتيا به أولاً فإنه يقسم بينهما. قال ابن القاسم: لأن إبقاء ذلك يؤدي إلى ضرر. قال مالك: وما كان يخشى تغيره مثل الحيوان والرقيق والعروض والطعام فإنه يستأني به قليلاً، لعل أحدهما يأتي بأثبت مما أتى به صاحبه فيقضي له به، فإن لم يأتيا بشيء وخيف عليه قسم بينهما. قال ابن القاسم: وكذلك فيما ادعياه من الزرع في أرض رجل لا يدعيه، ولو ادعاه رب الأرض لكان أحق به في تكافؤ بينتهما، ولو كان الزرع في يد أحدهما كان أولى به إذا أقام البينة. ولو كانت دار بيد رجل يدعيها لنفسه فادعاها رجلان، وأقام كل واحد منهما بينة أنها له، وتكافأت بينتهما فإن الدار تبقى بيد الذي هي في يده. ومن أقام بينة في دار أنه ابتاعها من فلان، وأنه باعه ما ملك، وأقام من هي في يده بينة أنه يملكها، قضي بأعدلهما، فإن تكافأتا سقطتا، وبقيت الدار بيد حائزها، كما لو ادعاها الذي يزعم هذا أنه ابتاعها منه لقضي بها للحائز عند تكافؤ البينتين، وإن لم تقم للحائز بينة قضي بها للمدعي، إلا أن تكون طالت حيازة الحائز بحال ما وصفنا في الحيازة والمدعي حاضر فذلك قطع لدعواه.

قال أبو محمد: سئلت عمن شهد لرجل استحق ثوباً أنه له قال وأنا بعته منه، فأحبت أنها لا تجوز شهادته؛ لأن من شهد له بشيء أنه يملكه بشرائه إياه من فلان لا تتم الشهادة فيه حتى يقولوا: إن فلاناً البائع علمنا أنه يملكه أو يحوزه حيازة المالك حتى باعه من هذا، وهذا الشاهد البائع لم يثبت ملكه للثوب إلا بقوله. [الفصل 5 - القضاء بين المدعي والحائز في الشيء يقيم كل منهما البينة عليه] ومن المدونة: وإذا أقام كل واحد من المدعي والحائز بينة على نتاج أو نسج كان ذلك لمن هو بيده عند تكافؤ البينات، ولو أن أمة ليست بيد أحدهما فأتى أحدهما ببينة أنها له لا يعلمون أنها خرجت عن ملكه حتى سرقت له، وأقام آخر بينة أنها له ولدت عنده ولا يعلمون أنها خرجت من عنده بشيء، قضي بها لصاحب الولادة. قال غيره: وإذا كانت بينة الناتج عدولاً وإن كانت الأخرى أعدل، وليس هذا من التهاتر، ولكن لأنها لما زادت قدم الملك كانت أولى، كما لو شهدت بينة أن هذا ملكها منذ عام، وشهدت بينة الآخر أنه ملكها منذ عامين، فإني أقضي ببينة أبعد التاريخين إن عدلت، وإن كانت الأخرى أعدل. ولا أبالي بيد من كانت الأمة منهما، إلا أن يحوزها

الأقرب تاريخاً بالوطء والخدمة والادعاء لها بمحضر من الآخر فهذا يقطع دعواه. م/: ولو أقام أحدهما بينة أنه يملكها منذ ثلاث سنين، وأقام الآخر بينة أنها ولدت عنده منذ سنتين، فهذا تهاتر، ويقضي بأعدل البينتين، فإن تكافأتا سقطتا وبقيت بيد حائزها. [الفصل 6 - الحكم بين اثنين يدعيان عبداً هو في أيديهما] ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب: وإن اختصم رجلان في عبد لا يتكلم، كلاهما يدعيه وهو في أيديهما، فإن لم تكن بينة لهما أو كانت وتكافأت في العدالة، فالعبد بينهما نصفان بعد أيمانهما، وأيهما نكل قضي به لمن حلف. قال: وإن كان العبد كبيراً يتكلم لم أسأله حتى أسألهما البينة، فإن أقامها أحدهما قضي له به، وكذلك إن أقاما جميعاً بينة وإحداهما أعدل قضي به لصاحب الأعدل، ولم أنظر لقول العبد أني لغيره، فإن تكافأت البينتان أبطلتهما، وجعلت العبد لمن أقر له بالملك، ومتى جاء صاحبه بأعدل قضيت له به، وإن لم يقيما بينة جعلته لمن أقر العبد أنه له بعد أيمانهما أو نكولهما، وأيهما نكل وحلف الآخر قضيت به للحالف، ولم أنظر إلى إقرار العبد. وزعم النعمان أنه يكون بينهما إن لم يقيما بينة وهذا غلط. أرأيت لو تعلق هو بهما وقال أنتما عبداي أتقبل قولهما دون أن تقبل قوله؟ [الفصل 7 - القضاء بين اثنين يدعيان شيئاً هو في يد غيرهما] وإن ادعى كل واحد منهما داراً ويقول: إنها في يدي، والدار بيد غيرهما، وأقر أنه أكراها من أحدهما أو استعارها منه، فهي للذي أقر له إلا أن يقيم الآخر بينة فهو أحق بها،

إلا أن يقيم الآخر بينة فيحكم بأعدل البينتين، فإن تكافأتا كانت للمقر له بعد يمينه أنها له ما لأحد فيها حق يعلمه، وإن لم يأتيا ببينة فهي للمقر له بغير يمين على المقر له، والمقر إذا رجع عن إقراره لم يصدق، وإن كان شاهداً فلا يحلف الشاهد مع الشاهد، وإن أقام أحدهما ببينة أنه أكراها من الذي هي في يده، وأقام الآخر بينة أنه أودعها إياه فإن علم أولهما أكرى أو أودع فالحق حقه، وإن لم يعلم ذلك قسمت بينهما نصفين. قال سحنون: سمعت بعض أصحابنا من أهل الحجاز يقول في الرجلين يدعيان بشيء فيكون بيد أحدهما فيقر الذي هو بيده أنه لرجل آخر، ويبرأ به إليه مثل الدار فيقبضها المقر له بها، ثم يقيم بينة، ويقيم مدعيها بينة، أن الذي هي بيده لا يكون أولى بها؛ لأنها إنما صارت في يده بدعوى المدعي، وإنما يكون أولى بالشيء الذي تسبق حيازته إليه دعوى المدعي. م/: وهذا خلاف ما تقدم لأشهب. وسأل ابن حبيب سحنوناً على من حكم عليه بدين فأثبت بينة بعدمه، فأقام الطالب بينة أن له داراً هو بها ساكن وأقامت امرأة الغريم بينة أن الدار لها؟ قال: يقضي بأعدل البينتين، وإن تكافأتا بقيت الدار للزوج وتباع في دينه؛ لأن سكناه أغلب من سكني المرأة، وعليه هو أن يسكنها.

[الفصل 8 - القضاء بين اثنين يدعيان ولاء مولى موت] ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون في مولى مات فادعى ولاءه رجلان كل واحد يدعيه لنفسه، فإن لم يقيما بينة فلا يحلفان ولا يقسمان ماله؛ لأن السلطان يلي الدفع عن هذا المال، والمسلمون وارثوه، وإن أقاما بينة وتكافأتا حلفاً وقسماه بينهما. قال مطرف: وإن أقام أحدهما بعد ذلك بينة أعدل من بينة الآخر لم يرجع على صاحبه بشيء؛ لأنه حكم مضى. وقال ابن الماجشون وأصبغ: بل يرجع على صاحبه بما أخذ، وبه أقول. [الفصل 9 - القضاء بين اثنين يدعيان شيئاً بعضه بيد أحدهما والبعض الآخر بيد خصمه] ابن سحنون: قال أشهب وسحنون في شاة مسلوخة بيد رجل، ورأسها وسقطها بيد رجل آخر، وأقام من هي بيده بينة أن الشاة وسقطها له، وأقام الآخر بينة بمثل ذلك، فليقض بجميع ذلك لأعدلهما بينة، فإن تكافأتا تحالفا، وإن حلفا أو نكلا قضيت لكل واحد منهما بما في يديه، وأيهما نكل قضيت للحالف بالجميع، ولو أقام كل واحد البينة أن الشاة له نتجت عنده فذبحها وسلخها، وإن هذا الجلد والسقط منها، وأن ذلك كله له فالجواب سواء. [الفصل 10 - القضاء بين أحرار وعبيد يدعون شيئاً هو بأيديهم جميعاً] قال محمد بن عبد الحكم: وإذا كانت دار في يد رجلين وفي يد عبد لأحدهما، وكل

يدعيها فإن كان هذا العبد تاجراً وعليه دين فهي بينهم أثلاثاً، وإن لم يكن تاجراً فهي بين الرجلين نصفان؛ لأن العبد في يد مولاه. ولو كانت في يد حر وعبدين تاجرين أو غير تاجرين، ثم ادعاها العبدان لسيدهما والحر لنفسه، أو ادعاها كل واحد منهم لنفسه فإنها تقسم بينهم أثلاثاً، ولو كان السيد معهم في الدار وهم غير مأذونين لقسمت بين السيد وبين المدعي لنفسه نصفين، ولم يكن للعبدين يد مع السيد. [الفصل 11 - القضاء في الشيء يدعيه اثنان ويختلفان في وقت تملكه] ابن سحنون قيل: ولو أن عبداً أقام رجل بينة أن أباه مات وتركه ميراثاً لا يعلمون له وارثاً غيره، وأقام آخر بينة أنه له، قال: يقضي به بينهما نصفين إلا أن يكون في شهادة واحد منهما توقيت فيقضي له به، قيل: فإن أقام الآخر بينة أنه اشتراه من أبي هذا المدعي بكذا وكذا ونقده الثمن، قال: يقضى به للمشتري؛ لأن أباه لو كان حياً قضيت عليه، وكذلك لو كان الآخر أقام بينة أن أبا هذا أصدق هذا العبد أم الآخر، وأن أمه ماتت وتركته ميراثاً له، لا يعلمون لها وارثاً غيره لقضيت له به كالشراء، ولو كان إنما شهدوا له أن أبا الأول تصدق به على الآخر أو وهبه إياه، قال: إن شهد شهود ابن الميت أنه لم يزل في يده حتى مات نظر إلى أعدل البينتين فيقضي بهم، فإن تكافأتا بطلت بينة المتصدق عليه. وقال أشهب في عبد بيد رجل أقام آخر بينة أنه له قضى له به القاضي، وأقام من هو بيده بينة أنه عبده ولد في ملكه قضى به لصاحب الولادة؛ إذ لو وجدته بيد المقضي له به

لقضيت به لهذا إلا أن يكون في شهادة المقضي له به أن القاضي قضى به لهذا؛ لأنه اشتراه من هذا أو ممن باعه له فأقضي له به. وسئل سحنون في المتداعبين بداية أقام أحدهما بينة أنها له، وفي يده منذ خمس عشرة سنة، وأقام الآخر بينة أنها له وفي يده، حكم له بها قاض منذ ثلاث عشرة سنة؟ فقال: إن شهدت بينة المحكموم له أن الحكم كان على هذا المدعي قضيت للمحكوم له، وإن كان على غير هذا قضيت لصاحب الوقت الأول إن كانوا عدولاً كلهم، وإن كانت بينة صاحب الحكم أعدل. ابن سحنون: وقال أشهب في عبد بيد رجل أقام آخر بينة أنه عبده منذ عامين، وأقام حائزه بينة أنه له منذ سنة قضي به لصاحب السنتين، إلا أن يحوزه الآخر على وجه الملك بحضرة هذا وعلمه فأقضي له به. قال: ولو أقام رجل بينة أنه له منذ سنة، وأقام الحائز بينة أنه في يده منذ سنتين ولم يشهدوا أنه له، قال: أراه لمن شهدوا له أنه منذ سنة، إلا أن تكون للآخر بينة بالحوز على الآخر بوجه الملك على ما ذكرنا. [الفصل 12 - في الرجلين يقيم أحدهما البينة على النتاج والآخر بينة على الشراء أو يقيم كل منهما بينة على النتاج] وقال ابن القاسم في دابة ادعاها رجلان وليست بيد أحدهما، فأقام أحدهما بينة أنها

نتجت عنده، وأقام الآخر بينة أنه اشتراها من المقاسم، فهي لمن اشتراها من المقاسم، بخلاف من شهدت له بينته أنه اشتراها من سوق المسلمين؛ لأن هذه تسرق وتغصب ولا تحاز على الناتج إلا بأمر يثبت، وأمر المغنم قد استوقن أنها خرجت من ملكه بحيازة المشركين، ولو وجدت في يد من نتجت عنده، وأقام هذا بينة أنه اشتراها من المغانم أخذها منه أيضاً وكان أولى بها إلا أن يشاء أن يدفع إليه ما اشتراها به من المغنم ويأخذها، وقاله سحنون. قال أشهب في عبد بيد رجل ادعاه رجلان، وأقام كل واحد منهما بينة أه له ولد عنده قضيت به لأعدلهما، فإن تكافأت البينتان قضيت به لمن هو بيده بعد يمينه أن ذلك له لا يعلم لهما فيه حقاً، فإن نكل حلفا وكان بينهما، وأيهما نكل قضي به للحالف، وإن نكلا قضيت به للذي هو في يده. وقال في باب آخر في شاة بيد رجل أقام آخر بينة أنها له ولدت عنده في ملكه فقضي له بها ثم جاء آخر ببينة بمثل ذلك. قال: يقضي بها لأعدل البينتين، فإن تكافأت بينتاهما لم أردها للأول، وتقسم بين هذين بعد أيمانهما، وأيهما نكل قضي بها للحالف عليه، فإن نكلا قضيت بها للذي انتزعت منه؛ لأن نكولهما كإقرارهما. م/: وإنما فرق بينهما؛ لأن الشاة قضي بها للثاني وحيزت عن الأول. والعبد في

المسألة الأولى لم يقض به لأحد فيبقى عند تكافؤ البينة بيد حائزه الأول. قال أشهب: ولو اقتسما الشاة في تكافؤ البينتين، ثم أقام أحدهما بينة غير التي شهدت له أولاً بمثل شهادة الأولى، فإن كانت هذه الآخرة أعدل من بينة صاحبه التي طرحتها بالتكافؤ قضيت بجميع الشاة لهذا، وإن كانت مثل الأولى أو دونها أقررت الشاة بينهما. [الفصل 13 - في الرجل يصف لقطة فتدفع إليه ثم يأتي من يصفها كوصف الأول] قال في المجموعة: ومن التقط لقطة ثم أتى من وصفها فدفعها إليه، ثم جاء آخر فوصفها كوصف الأول، فهي للأول القابض لها بالصفة، وكذلك لو قال ملتقطتها: هي لي، كان أحق بها. وإن جاء من يدعيها ووصفها فلا تكون له إلا ببينة، وإن كان الأول إنما أخذها ببينة بأمر السلطان أو بغير أمره ثم ادعاها ثان وأقام بينة قضيت بها لأولهما تاريخاً، فإن لم يؤرخا قضيت بها لأعدلهما، وإن تكافأتا بقيت لمن هي بيده بعد يمينه ما علم لهذا فيها حقاً، فإن نكل حلف صاحبه وأخذها، فإن نكل بقيت بيد من دفعت إليه أولاً. قال: ولو جاءا جميعاً يدعيان ذلك، وتكافأت بيناتهما، كان ذلك بينهما شرطين بعد أيمانهما. م/: قال في مسألة الشاة إذا قضى بها لمدعيها بالبينة، ثم أتى ثان فأقام بينة أنها له مثل الأولى، فإنها تقسم بينهما عند تكافؤ البينتين. وقال في مسألة اللقطة: إذا قبضها الأول ببينة تبقى للأول عند تكافؤ البينتين فما الفرق؟ قال: فكان بعض شيوخنا يقول في مسألة اللقطة: إذا قبضها الأول ببينة ثم أتى ثان

فأقام فيها بينة أنها له، ولم يؤرخا فإنها تقسم بينهما عند تكافؤ البينتين. قال: لأنه مال عرف أصله. واحتج رحمه الله بمسألة من ورث رجلاً بولاء يدعيه، ثم أقام آخر بينة أنه مولاه وتكافأت بيناتهما أن المال يقسم بينهما بعد أيمانهما. قال: فكذلك مسألة اللقظة. م/: وقوله في مسألة اللقطة موافق لقول أشهب في مسألة الشاة. وقول أشهب في اللقطة موافق لقول الغير في مسألة الولاء، فقد صار هذا الأصل يجري على القولين والله أعلم. [الفصل 14 - فيمن يرث الرجل يموت ويترك ولدين مسلماً ونصرانياً وكل منهما يدعي أن أباه مات على دينه] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن مات وترك ولدين مسلماً ونصرانياً كلاهما يدعي أن الأب مات على دينه فأقاما على ذلك بينة مسلمين وتكافأت في العدالة أو لم يكن لهما بينة فالميراث يقسم بينهما نصفين كمال يدعيانه وإن كان قد صلى المسلم على أبيه ودفنه في مقبرة المسلمين فليست الصلاة شهادة ولو لم يأتيا ببينة، وقد كان يعرف بالنصرانية فهو على ذلك؛ وابنه النصراني أحق بميراثه حتى يقيم المسلم بينة على ما ذكره. وقال غيره: إذا تكافأت البينة قضي بالمال للمسلم بعد أن يحلف على دعوى النصراني لأن بينته زادت حين علمت أنه مسلم. قال بعض فقهاء القرويين: وقول ابن القاسم أصوب لأن معناه أن الرجل جهل أصله وإذا جهل أصله فليس هاهنا زيادة ولا أمر يرد إليه فوجب قسمة المال بينهما وإذا كانت بينة المسلم زادت على تأويل غير ابن القاسم لم يحتج إلى تكافؤ البينة لأن من زاد

قضي بزيادته وإن كانت الأخرى أعدل منها. قال إسماعيل القاضي: يشبه أن يكون ابن القاسم أراد بتكافؤ البينة أن تشهد بينة المسلم أن أباه لم يزل مسلماً حتى توفي وتشهد بينة النصراني أنه لم يزل نصرانياً حتى توفي وكان الأب لا يعرف حاله فإن الشهادتين تسقط وأما إن شهدت بينة المسلم أن أباه كان نصرانياً فأسلم وشهدت بينة النصراني أنه لم يزل نصرانياً حتى مات قضي ببينة المسلم لأنها زادت حدوث الإسلام. وقد اختلف إذا كان معهما ولد صغير. فقال أصبغ: يأخذ النصف لأن كل واحد منهما مقر أن له النصف فيعطيه نصف ما في يديه فيصير له وحده النصف ولهما النصف. وفي كتاب ابن سحنون: يحلفان ويوقف ثلث ما بيد كل واحد منهما حتى يكبر الصغير فيدعي مثل دعوى أحدهما فيأخذ ما وقف له من سهمه فإن مات قبل أن يبلغ حلفاً واقتسما ميراثه وإن مات أحدهما قبل بلوغه وله ورثة يعرفون كانوا أحق بميراثه ولا يرد وإذا كبر الصبي فادعاه كان له وتقدمت في كتاب الولاء.

[الباب السابع] في الشهادة على الحيازة وما يقطع الدعوى من طولها

[الباب السابع] في الشهادة على الحيازة وما يقطع الدعوى من طولها [الفصل 1 - مدة الحيازة التي تقطع دعوى المدعي] ومن حاز على أخيه شيئه حوز المالك سنين ذوات عدد، قال غير ابن القاسم: العشر سنين ونحوها لا يدعيه فذلك يقطع دعواه، وفي ذلك أحاديث مروية. قال سحنون: ولما أمر الله نبيه عليه السلام بالقتال بعد عشر سنين كانت أبلغ شيء في الإعذار والله أعلم. وذكر ابن المسيب وزيد بن أسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حاز شيئاً عشر سنين فهو له» ومن طريق النظر أن كل دعوى ينفيها العرف، وتكذبها العادة، فإنها غير مقبولة لقوله تعالى: {وَامُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف:199] فوجب الرجوع إليه في اختلاف الدعوى. ولما كان الإنسان في غالب الأحوال لا يحاز عنه شيئه، ويرى الحائز يتصرف فيه تصرف المالك بالهدم والبناء والإجارة والرهن وغير ذلك وهو حاضر معه، ولا مانع يمنعه من مطالبته ومن مرافعته دل من حيث العادة المألوفة كما قررناه أن ذلك لو بقي في ملكه لما سكت وتركه، فإذا قام بعد سنين يطالبه ويقيم البينة أن ذلك على ملكه صار مدعياً لغير العرف فلم يقبل قوله، ولا ينظر إلى بينته، والقول قول الحائز أنه صار ذلك له ببيع أو صداقة أو هبة. وقد اختلف قوله في أن ذلك صار إليه بهبة أو صدقة، والصواب أن لا فرق بين ذلك وبين البيع.

ومن المدونة قال مالك: ومن قامت بيده دار سنين ذوات عدد يحوزها ويمنعها ويكريها ويهدم ويبني، فأقام رجل بينة أن الدار داره، وأنها لأبيه أو جده، وثبتت المواريث، فإن كان هذا المدعي حاضراً يراه يبني ويهدم ويكري فلا حجة له، وذلك يقطع دعواه، وإن كان غائباً ثم قدم فادعاها وثبت الأصل له، فإن أتى الذي بيده الدار ببينة أو سماع أن أباه أو جده ابتاع هذه الدار من القادم أو من أحد آبائه، أو ممن ورثها القادم عنه، أو ممن ابتاعها من أحد ممن ذكرنا، فذلك يقطع حق القادم منها، وإن لم يأت الحائز ببينة يشهدون على الشراء في قريب الزمان، أو على السماع في بعيده، قضي بها للقادم الذي استحقها. وقد تقدم هذا. قال ابن القاسم: وكذلك من حاز على حاضر عروضاً أو حيواناً أو رقيقاً، فذلك مثل الحيازة في الربع إذا كانت الثياب تلبس وتمتهن، والدواب تركب وتكرى، والأمة توطأ، ولم يحد مالك في الرباع عشر سنين ولا غير ذلك، ولكن على قدر ما يرى أن هذا حازها دون الآخر فيها يهدم ويبني ويكري ويسكن. وقال ربيعة: حوز عشر سنين يقطع دعوى الحاضر، إلا أن يقيم بينة أنه إنما أكرى أو أسكن أو أعار ونحو ذلك، ولا حيازة على غائب. وذكر ابن المسيب وزيد بن أسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حاز شيئاً عشر سنين فهو له». ابن حبيب وبهذا أخذ ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم وأصبغ في توقيع عشر سنين. قال ابن القاسم: والتسع والثمان وما قارب العشرة مثل العشرة.

قال: وما يغتل من ذلك أقصر مدة في الحيازة مما يحاز بالسكنى والحرث. قال في العتبية: إذا سكن الدار أو زرع الأرض وشبه ذلك فعشر سنين ونحوها تبطل دعوى الأجنبي، وأبين من ذلك أن يغرس وبيني. ابن حبيب: قال أصبغ: إذا كان الحاضر يرى حيازة الحائز بسكنى الربع أو هدم أو بناء أو زرع للأرض فعشر سنين في ذلك وما قارها قطع لدعواه كما الرهن والستر كالشاهد، وأما غير الدور والأرضين من ثياب أو حيوان أو عبيد أو غير ذلك فذلك أقصر مدة، وكل شيء بقدره، فالثياب السنة والسنتان فيها حيازة إذا لبست، والدابة السنتان والثلاثة إذا ركبها أو اغتله على وجه املك، والأمة مثل ذلك إلا أن يطأها بعلم القائم ولا ينكر فلا حجة له بعد ذلك، وإن لم يطل ذلك قبل الوطء. والعبيد والعروض فوق ذلك قليلاً إذا حازها بالملك. ولا يراعى عشر سنين بين الأجنبيين إلا في الرباع. وقال مطرف: من حاز من الأجنبيين في الأشياء كلها عشر سنين على وجه الملك فهو له، والعشر سنين غاية في الربع وغيره، وقد يكون من هذا الوجه الخمس سنين والست والسبع والثمان تقطع حجة المدعي باجتهاد الإمام عند نزوله. وأما ما أحدث فيه حائزه بيعاً أو عتقاً أو تدبيراً أو كتابة أو صدقة أو أصدق الأمة أو وطئها فذلك يقطع حجة المدعي إذا لم يغيرها عند علمه بها قام بحدثانه أو بغير حدثانه. قال ابن سحنون عن أبيه فيمن أثبت بينة في أرض أنها له، وأثبت الذي هي في يده أنه حازها عشر سنين بمحضر الطالب، فأقام الطالب بينة أنه طلبها أو نازع فيها هذا،

قال: إن قالوا لم يزل يخاصم ويطلب، وليس أن يخاصم يوماً أو يومين ثم يمسك نفعه ذلك، وإلا لم ينفعه. وسئل فيمن أقام بينة أن قناة له تجري على فلان منذ سنة لا يدرون بحق أو بغير حق، ولا يغير الذي تجري عليه ولا ينكر، هل يلزم الذي جرت عليه إثباتها؟ قال: سنة قليل، وقد يتغافل الجار عن مثل هذا. قيل: فإن جرت عليه أربع سنين أو خمس؟ قال: هذه حيازة واستحقاق. وعن دارين بينهما زقاق مسلوك، في إحداهما كوة يرى منها ما في دار الآخر، فبنى جاره قبالته غرفة وفتح كوة قبالتها، فقام صاحب القديمة يطلب سدها، فطلب الآخر سد القديمة، والقديمة منذ أربع سنين أو خمس. قال: يحلف صاحب الحديثة أنه ما تركها إلا على معنى الجوار، وتسد الكوتان. فصل [2 - في الحائز يدعي أن المالك باعه أو وهبه أو تصدق عليه ما يحوزه وليس له بينة إلا أنه حائز له] ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم فيمن بيده أرض أو مسكن يحوزه فيقيم آخر البينة أنه يملكه، ويقر له بذلك الحائز، ويدعي أنه ابتاعها منه أو وهبها له أو تصدق بها عليه، ولا يأتي ببينة على ذلك إلا أنه حائز لها، فالقول قول من بيده الدار في البيع مع يمينه إذا حازها الزمان الذي يعلم فيه أن قد هلكت فيه البينات على البيع، وأما الهبة والصدقة فيحلف المستحق ما خرجت من ملكه ويأخذها بعد أن يدفع قيمة ما بنى هذا فيها نقضاً، وإن كان الحائز ورثها فالقول قوله مع يمينه، إلا أن يكون المستحق غائباً فيكون أولى بها، إلا أن يقيم هذا بينة بالسماع على الشراء فيما طال زمانه.

قال ابن حبيب: قال مطرف: وإذا علم أن أصل ما بيد الحائز الأجنبي أو الصهر أو المولى إنما أرفق به أو أكرى منه، فالحق لصاحب الأصل وإن طالت الحيازة، حتى يقيم هذا بينة على هبة أو شراء، أو يحدث في ذلك بحضرة هذا ما لا يحدثه إلا في ملكه ولا ينكر عليه، فيكون أحق به. وولد الحائز وولد ولده في كل ما ذكرنا مثل آبائهم. فصل [3 - في الحيازة على الغائب] ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: ولا حيازة على غائب وإن تداولتها الأملاك، إلا أن يقيم الحائز بينة على شراء أو صدقة منه، وكذلك لو كان الغائب على مسيرة ثمانية أيام أو أربعة أو نحوها فيحوزها الحاضر عشر سنين أو عشرين سنة، ثم يموت وتورث عنه، وهو يبلغه ذلك، فلا يطلب ولا يوكل، فإن له القيام، ولا يقطع ذلك عنه الأمر القريب، وليس كل الناس يتيسر لهم ذلك من ضعف وغيره وللناس أعذار. قيل وإن لم يكن به ضعف ولا عذر؟ قال: كممن لا يتبين عذره وهو معذور، إلا أن يكون علم بذلك وطال زمانه لا يخرج إلى ذلك، ويترك فلا شيء له. وقال عنه يحيى: إن كان بعيداً مثل الأندلس من مصر كلف من هو بيده البينة على ما يستحق به، وإلا لم تنفعهم الحيازة، وإن كانت الغيبة قريبة ومنزلهم يتوارث هكذا بعلمهم، ولا يقومون ولا يوكلون حتى طال الزمان، وقد ورث أو لم يورث فذلك قطع لحقهم كالحاضرين، إلا أن يتبين للسلطان عذرهم لضعفهم أو عجزهم.

قال ابن حبيب عن مطرف: إذا حيزت على رجل أرضه أو داره وهو غائب، فإن لم يعلم فهو على حقه إذا قدم وإن طالت الحيازة، قربت غيبته أو بعدت، وهو على أنه لم يعلم حتى تقوم البينة بعلمه، فتنقطع حجته إن كان قريب الغيبة كالخمسة الأيام وشبهها، إلا أن يأتي بوجه يعذر فيه مثله، والسبعة من الأيام والثمانية طول من الغيبة وعذر يترك به القدوم، وإن علم بما حيز عليه لم يضره، ولكن استحب له أن يشهد بأنه على حقه، وإن لم يشهد لم يضره، وذكر عن مالك. فصل [4 - في الحيازة بين القرابة] ومن المدونة: قيل لابن القاسم: أرأيت لو أن داراً في يدي ورثتها من أبي فأقام ابن عمي بينة أنها دار جده وثبت موروثه؟ قال: هذه من وجه الحيازة التي أخبرتك. م/: قال بعض فقهائنا: جعل في هذا القول الحيازة بين القرابة وبين الأجانب سواء بخلاف ماله في غير المدونة. قال غيره: ما كان في الحيازة من تأثير هدم أو بناء أو نحوه، فيستوي في ذلك القرابة والورثة والأجانب، وما كان ليس فيه تأثير وإنما هي حيازة بسكنى ونحوها، فيفرق بين الأقارب والأجانب في طول ذلك. وكذلك روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية. م/: قال بعض الفقهاء: اختلف في الحيازة على القرابة، فإن كانوا يتسامحون في حيازة بعضهم على بعض فيما يرثونه العشرين سنة والثلاثين لم يكن ذلك حيازة، ثم ينتظر أيضاً ما الغالب أنهم يسكنون إليه فيكون حينئذ حيازة، وإن كانوا كالأجانب، ويقع بينهم التشاح فهم في الحيازة كالأجانب، ولو حاز بعضهم على بعض العشر سين والثمانية وما قارب ذلك فهو حوز عليه.

وأما الهدم والبناء في الأجانب فذلك حوز، وإن قرب الأمد. واختلف هل ذلك بين القرابة حوز فينبغي أن ينظر أيضاً فإن كانوا لا يفعلون الهدم والبناء إلا بعد المقاسمة فذلك حوز، وإن كانوا يتسامحون في هذا فليس بحوز إلا أن يطول الزمان كالخمسين سنة ونحوها. [فصل 5 - في الحيازة بين الورثة والشركاء] وأما حيازة الوارث بالوطء والبيع والتدبير والكتابة والعطية فذلك يقطع حق باقي الورثة بلا اختلاف فيه. ومن غير المدونة: وقد اختلف قوله فيما حازه الورثة ببناء أو هدم أو غرس أو كراء باسمه. فقال مرة هم في هذا كالأجانب إذا حازها بمثل هذا عشر سنين فهو أولى بها، ثم رجع فقال: لا يقطع بذلك حق الورثة، وثبت فيما حازه الوارث بالوطء والبيع والتدبير والكتابة والعطية أن ذلك يقطع حق باقي الورثة بمثل هذا. وقال في الغرس والبناء: إلا أن يطول الزمان جداً، ولم ير الأربعين سنة طوشً بين الورثة خاصة، وسواء مات أحد الوارثين أو كلاهما أو لم يموتا لا يقطعه إلا طول الزمان جداً. قال: وكذلك المرأة مع ولد زوجها تقوم هي أو ولدها من زوج بعده على ولد الأول، وقد حازوا بالزرع والسكنى، وإن بعد عشرين سنة، فلا يقطع ذلك حقها ولا حق ولدها، إلا أن يقسموا أو يبيعوا أو يعتقوا بعلمها أو علم من يرثها فذلك يقطع حقهم. قيل: فإن فعلوا ذلك في بعض الرقيق؟ قال: إن كان ذلك في يسير منهم أخذت حقها فيما أعتقوا وبعوا؛ لأنها تعذر

بالسكوت عن اليسير في جنب كثير الميراث، وإن أحدثوا ذلك في جل الميراث فإن حقها يبطل من الجميع. ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف: ولا حيازة بين الورثة والشركاء فيما يزرع أو يسكن بغير عمارة طال الزمان أو قصر، في بعض ذلك أو كله، حضروا أو غابوا، إلا أن يطول الزمان جداً خمسين سنة أو أكثر، أو يحدث فيما لم يطل بيع أو هبة أو قسم أو إصداق النساء، والباقون حضور لا ينكرون ولا يغيرون ذلك، فلا حق لهم إلا أن يقوموا بحدثان ذلك، وإلا فلا شيء لهم لا في ثمن ولا في غيره. قال: وما حيز منه بالهدم والبناء والغرس والإحياء فهم فيه كالأجنبيين، هذا إذا مضت عشر سنين وشركاؤه حضور عالمون لا يغيرون، فهو أحق به إذا ادعاه ملكاً لنفسه بأمر لا يريد أن يظهره واحتج بحيازته، فإن حاز هذا جميع ذلك فهو له، وإن كان إنما حاز بعضاً ولم يحز البعض وكان ما حاز مثل سهمه فهو له بسهمه، ولا شيء عليه فيما بقي، وإن ادعى أنه إنما عمر له دونهم، وأن حقه ثابت فيما بقي إذا ادعى أشراكه أنهم إنما تركوه يحدث ذلك ليكون له بسهمه وسهامهم فيما بقي، وحلفوا على ذلك. وإن عمر أقل من سهمه أتم له بقية سهمه فيما بقي، وإن كان أكثر من سهمه فهو له كله قدر سهمه بسهمه، وما زاد على سهمه بالحيازة. قال: والحيازة بقبض الغلات والثمار، وإن قبض غلة ذلك كله كالحيازة بالسكنى والزرع، وإن زعم شركاؤه أنه إنما قبض ذلك له ولهم بتوكيلهم أو التقديم له حلفوا، وهم على حقهم من الأصل والغلة الماضية. وإن قالوا: تجافيا له عن ذلك فهم على أصلهم خاصة، وما حاز بعضهم من العبيد والإماء والحيوان والدواب وجميع العروض تختدم وتركب وتجلب وتمتهن العروض فلا يقطع ذلك حق الباقين ما لم يطل، والطول في ذلك دون الطول بينهم في حيازة الدور والأرضين بالسكنى، والازدراع، وفوق حيازة الأجنبي على الأجنبي، ما لم يحدث الحائز عتقاً أو تدبيراً أو بيعاً أو هبة أو صدقة أو يطأ الأمة أو يقطع الثياب والباقون لا يغيرون

ولا يقومون بحدثانه، فإن أحدث ذلك فيها كلها قضي له بها كلها. وإن كان في بعضها فله ذلك خاصة، والباقي بينهم بعد يمين الباقين أنه ما خرج من أيديهم، ولو قاموا عند هذا الإحداث وحلفوا أنهم ما سوغوا له ذلك، فلهم قيمة نصيبهم فيما أعتق وفيما وطئ، وما باع أو تصدق أو وهب أو أصدق فهو مردود وهم فيه على حقهم. فإن طال ذلك قبل قيامهم فلا شيء لهم لا في ثمن المبيع ولا في غيره، وما طال حيازته له بالامتهان والاستخدام حتى طال الزمان فذلك لحائزه دون الباقين، والطول فيه فوق عشر سنين بقدر الاجتهاد. وأما في غير الورثة والشركاء فالحيازة فيه أقل من عشر سنين. قال: والورثة والشركاء وآباؤهم بمنزلة أبنائهم لا يستحقون شيئاً بموت من مات وقال أصبغ مثله. وقال أيضاً: وما حاز بعضهم بهدم أو بناء يشبه الإصلاح والزيادة فالسكنى لا يضر معه طول زمان ولا موت بعضهم إلا في طول الزمان جداً كخمسين سنة أو ستين سنة، فذلك يقطع حق من بقي، وما دون الخمسين وما قاربها فليس بحوز في الشركاء والورثة، وأما البناء والهدم الذي لا يشبه الزيادة فذكر فيه ما تقدم لمطرف. فصل [6 - في حيازة الابن على أبيه وحيازة الورثة والأصهار والموالي] وبلغني عن محمد بن إبراهيم بن دينار أنه قال: ما حاز الابن من أرض أبيه في حياته بالغرس والبناء والإحياء، ولم ينقله الأب منه حتى مات، وطال الزمان فهو للولد بحيازته إياه إذا ادعاه ملكاً لنفسه.

قال: وإن كان أبوه ينقله من موضع إلى موضع، ويعمل في كل موضع، فلا شيء له بحيازته، وإن مات أبوه على ذلك، وقاله مطرف. وروى أصبغ عن ابن القاسم أن ليس بين الولد ووالده في مثل ذلك حوز وإن طالت عمارته؛ لأنهم كالخول لآبائهم إلا ما نسبوه لأنفسهم بشراء أو هبة أو صدقة أو إصداق امرأة أو بنوا أو غرسوا في موضع واحد. وقاله أصبغ وابن حبيب. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم في الذي يعمر ابنه أومواليه أو أختانه حتى هلك ولا بينة لهم على عطية أو هبة أو صدقة، فأما الولد فلا شيء له إلا أن يقيم بينة على عطية أو صدقة أو هبة. وأما المولى والختن فكالأجنبي إن عمروا أو غرسوا بمحضر رب الأرض، ولا يغير ولا ينكر، ولا يشهد بعارية ولا يغيرها فذلك لهم إذا عمروا زماناً طويلاً، أو بنوا بناءاً معروفاً بعلم رب الأرض عشر سنين أو تسع أو ثماني، وأما حيازة الابن على أبيه فيما ثبت أصله لأبيه من حيوان أو دابة أو رأس رقيق، فلا ينتفع بتقادم ذلك في يديه إلا أن يأتي ببينة على صدقة أو هبة. وقال ابن حبيب: قال مطرف: ما عدا الشركاء والورثة من جميع القرابات، الإخوة وبنوهم، والأعمام وبنوهم، والأخوال والأصهار والموالي، فهم كالأجانب فيما حازوه. قال أصبغ: إلا موالي الخدمة المدبرين لماله. يريد مثل الخول والقوام وشبههم من

الخاصة، فلا يجرون مجرى الأجانب، وكذلك الموالي والأصهار يكونون خولاً ووكلاء لصاحب الأصل أو مختلطين به جداً، إلا أن يكونوا منقطعين عنه فيكونون كالأجانب، ولا حيازة للابن على أبيه وإن كان منقطعاً عنه. واختلف قول ابن القاسم في ذلك: فمرة قال بقول مطرف وأصبغ، ومرة قال بخلافه. قال أشهب وابن وهب: إن الورثة والأصهار كالأجانب فيما يحاز إذا حازوه عشر سنين، وكذلك عن أشهب في المجموعة أن الورثة كالأجانب. وقال سحنون في العتبية في الصهر كزوج الأخت أو العمة يعمر قريتي بمحضري، قال: هو كالغريب في الحيازة، ولا يستحقها بعمارة عشر سنين بخلا الأجنبي. وقد اختلف فيه أصحابنا وهذا أحسن. وكذلك الموالي من فوق ومن أسفل كالقرابة في ذلك أيضاً. واختصار ذلك كله على ثلاثة أقوال، قول أن الورثة والشركاء صنف لا يقضى لهم إلا أن تطول الحيازة كالخمسين سنة مثلاً أو ستين، وأن الأجنبي والقرابة غير الورثة. والأصهار والموالي صنف يقضي لهم بحيازة عشر سنين وما قاربها، ويستوون كلهم في بيع الشيء المحاز وصدقته وهبته ووطئه وكتابته وتدبيره أن ذلك حوز وإن قرب، واختلف في حوز الورثة بالبناء والهدم فقيل: هم فيه كالأجانب، وقيل: بل ذلك كالزرع والسكنى. وقال سحنون: إن الورثة وغيرهم من القرابة والأصهار والموالي من فوق أو من أسفل لا يقضي لهم إلا بعد طول الحيازة بخلاف الأجانب. وقال أشهب: الورثة والأصهار والموالي كالأجانب يقضي لهم بحيازة عشر سنين وما قاربها.

[مسألة: حيازة الأزقة والطرق] وسئل سحنون عمن يدخل في داره من زقاق المسلمين النافذ فلم يرفع ذلك إلى الحاكم إلا بعد عشر سنين؟ قال: يهدم ويرد إلى الزقاق، ولا تملك الأزقة ولا تحاز. وعما يحدث في طرق المسلمين من الكنيف والحمامات، ولا يرفع ذلك إلى الحاكم إلا بعد عشر سنين أو عشرين سنة؟ قال: لا تحاز طرق المسلمين بخلاف الأملاك بين الناس، إلا أن يأتي من ذلك أمر قديم مثل الستين سنة ونحوها فيترك ذلك؛ لأنه لا يعلم بأي وجه وضع ذلك، وأما عشر سنين ونحوها فلا.

[الباب الثامن] في الشهادة في المواريث وبيع ما فيه مناظرة

[الباب الثامن] في الشهادة في المواريث وبيع ما فيه مناظرة [الفصل 1 - الشهادة في المواريث] قال ابن القاسم: ومن قامت له بينة أنه ابن فلان الميت لم يستحق ميراثه حتى يقولوا: لا نعلم له وارثاً غيره، وكذلك إن شهدوا مع ذلك بأن هذه الدار لأبيه أو جده فلا تتم الشهادة حتى يقولوا: لا نعلم أنها خرجت عن ملكه إلى أن مات وتركها ميراثاً، وأنا لا نعلم له وارثاً غير هذا، فإن شهدوا أن هذا وارث أبيه أو جده مع ورثة آخرين، يريد يعرفونهم وهم غيب سمعت البينة، وقضيت للحاضر بقدر حظه منها، ولم أنزع باقيها من يد المقضي عليه؛ إذ لعل الغيب يقرون له بها، فإن قدموا وادعوا كدعوى الحاضر كان ذلك القضاء لهم نافذاً، وإن قدموا قبل القضاء أو بعد أن عجز الأول عن منافعه فهم على حجتهم. وروى أشهب وابن نافع عن مالك: أنه إذا قضى للحاضر بحظه نزع باقيها من يد المقضي عليه ووقف للغائب. وقال ابن القاسم مرة هكذا، نقلها في كتاب الولاء وهم أتم. [الفصل 2 - بيع ما فيه دعوى قائمة] م/: قال بعض أصحابنا عن بعض شيوخنا القرويين: وينبغي على قول ابن القاسم إذا قام غرماء بدين على الغائب أن يباع له حظه الموقوف بيد المدعى عليه؛ لأن الغائب لو كان حاضراً ونكل عن اليمين لكان للغرماء أخذها وبيعها في دينهم. م/ يريد بعد يمينهم لتي كان يحلفها الغائب. قال: أخذها الغرماء ثم قدم الغائب

فحلف فقد مضى ذلك، وإن نكل غرم للمدعى عليه ما أخذه الغرماء، ويتبع بذلك في عدمه، ولا شيء له على الغرماء. قال بعض أصحابنا: وقول ابن القاسم في بقاء نصيب الغائب بيد المدعى عليه أولى؛ لأن الغائب عليه اليمين أنه ما باع ولا وهب، ولا علم أن أباه باع ولا وهب، فكأن الحكم لم يتم ولم يجب له شيء حتى يحلف؛ فلذلك أوقفه ابن القاسم بيد المدعى عليه. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا قالت البينة لا نعلم كم الورثة لم يقض لهذا بشيء من الدار، ولا ينظر إلى تسمية المدعي للورثة، وتبقى الدار للذي هي بيده حتى يثبت عدد الورثة ببينة. قال مالك: ومن ادعى أرضاً وتبين لدعواه وجه، والذي هي بيده يحفر فيها عيناً، فإنه يمنع ويوقف، وليس له أن يقول: دعوني أعمل فإن ثبت له هدمت ذلك. ومن أقام بينة غير قاطعة في ربع فللذي هو بيده أن يبيع ويصنع ما شاء، ولا يبطل بذلك دعوى هذا. م/: وطرح سحنون هذا، وقال ليس للذي هو بيده أن يبيع؛ لأن البيع حينئذ غرر. وهذا نقل أبي محمد، وهو لابن القاسم في غير المدونة. وسئل عنها ابن القاسم في الأم فقال: لم أسمع من مالك فيه شيئاً، إلا أن له أن يبيع ويصنع ما شاء ما لم يقض لهذا بها. وقال غيره مثل قول سحنون، والله الموفق للصواب.

[الباب التاسع] جامع القول في الدعوى والإيمان وعلى من تجب وأين تجب قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة» وقال: «من حلف على منبري بيمين كاذبة فليتبوأ مقعده من النار». وقال عليه السلام: «اليمين على المدعى ع

[الباب التاسع] جامع القول في الدعوى والإيمان وعلى من تجب وأين تجب قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة» وقال: «من حلف على منبري بيمين كاذبة فليتبوأ مقعده من النار». وقال عليه السلام: «اليمين على المدعى عليه». [الفصل 1 - من ادعى عيناً قائمة وأتى ببينة على ذلك فمن تمام الشهادة أن يقولوا ما علمناه باع ولا وهب ولا خرج عن ملكه بوجه من الوجوه] قال مالك: ومن ادعى عيناً قائمة من رقيق أو من حيوان أو طعام أو عروض أو ناض أو غير ذلك بيد رجل، فأتى ببينة على ملكه لذلك، فمن تمام الشهادة أن يقولوا: ما علمناه باع ولا وهب ولا خرج من ملكه، ثم لا يقضي له به حتى يحلف على البت أنه ما باع ولا وهب ولا خرج عن ملكه بوجه من الوجوه، فإن قال: أعرتها أو استودعتها لم يكن ذلك خروجاً عن ملكه. وفي كتاب العارية: فإن شهدوا أن الدار له، ولم يقولوا لا نعلم أنه باع ولا وهب، فإنه يحلف أنه ما باع ولا وهب ولا تصدق، ويقضي له به. وقال أشهب مثله إن لم يقدر على كشف البينة، فيسألون، وإن وجدوا سئلوا.

قال ابن القاسم: فإن أبوا أن يقولوا ما علمناه باع ولا وهب ولا تصدق فشهادتهم باطلة. وقال مالك: وليس عليه أن يأتي ببينة يشهدون على البت أنه ما باع ولا وهب، ولو شهدوا بذلك كانت زوراً وإن أقام بما ذكرنا شاهداً واحداً حلف معه وقضي له. م/ يريد أن يحلف مع شهادة الشاهد على أصل الملك، وأنا ما باع ولا وهب ولا خرج ذلك عن ملكه بوجه من الوجوه. [الفصل 2 - من أقام شاهدين على حق فليس عليه أن يحلف مع شاهديه] قال مالك: ومن أقام شاهدين على حق له فليس عليه أن يحلف مع شاهديه إلا أن يدعي عليه المديان أنه قضاه ذلك الحق فيما بينه وبينه، فإنه يحلف، فإن نكل حلف المطلوب وبرئ، فإن نكل غرم. ولو كان الحق على ميت أو غائب لم يقض به للطالب حتى يحلف مع شاهديه أنه ما قبض ذلك منه ولا سقط عنه. قال مالك: وإذا قامت بينة لميت بدين، وادعى المطلوب أنه قد قضاه للميت لم ينفعه ذلك، وله اليمين على من يظن به علم ذلك من بالغي ورثته على العلم، ولا يمين على من لا يظن به علم ذلك ولا على صغير، ومن نكل ممن تلزمه اليمين منهم سقط من الدين حصته فقط.

[فصل 3 - التورية في اليمين وفي إنكار المدعى عليه] وقال في رواية يحيى بعد يمين الذي عليه الحق: ومن اشترى منك ثوباً ونقدك الثمن فقبضته منه ثم جحدته الاقتضاء، وطلبت يمينه، فأراد هو أن يحلف أنه لا حق لك قبله، فليس له ذلك. قال مالك: ولك أن تحلفه أنه ما اشترى منك سلعة كذا بكذا؛ لأن هذا يريد أن يورك في اليمين. قال ابن القاسم: يعني بقوله يورك الألغاز. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: إذا حلف مالك على من كل ما تدعيه قليل ولا كثير فقد برئ. وبه أخذ ابن حبيب إن كان المدعى عليه ممن لا يتهم، والمدعي من أهل الظنة والطلب بالشبه. قال ابن سحنون: وكان سحنون إذا قال الخصم: لا أقر ولا أنكر، وقال: مالك عندي حق، والآخر يدعي دعوى مفسرة يقول: أسلفته أو بعته أو أودعته فكان لا يقبل قول المدعى عليه: ما له عندي شيء، حتى يقر بالدعوى نفسها أو ينكرها فيقول: ما باعني ولا أسلفني ولا أودعني، فإن تمادى على اللدد سجنه، وإن تمادى أدبه وكذلك إذا تمادى على ألا يقر ولا ينكر، فأما قوله ماله عندي حق فكان ربما قبل ذلك منه، وأمر فكتب دعوى المدعى وإنكار الآخر، وربما لم يقبل منه حتى يقر بالشيء نفسه أو ينكر، ورجع إلى هذا في آخر أيامه.

[مسألة: دعوى أحد المتفاوضين على رجل ديناً من شركتهما] ومن المدونة: وإن ادعى أحد المتفاوضين على رجل ديناً من شركتهما وجحده فليس للمطلوب أن يقول لهذا المفاوض: لا أحلف إلا على حصتك، وليحلف على حصته وحصة شريكه؛ لأنه في حصة شريكه مفوض إليه؛ ولأن فعل أحدهما كفعلهما فإن حلف لهذا ثم أتى صاحب لم يكن له أن يحلفه؛ لأنه قد حلف لشريكه. م/ لأنه وكيل لصاحبه على أن يحلف من أنكرهما، فيمينه لهذا يمين لهما جميعاً. وقال بعض القرويين: لا يلزمه يمين في الجامع إذا ادعى عليه ثلاثة دراهم؛ لأن كل واحد منهما إنما له عليه درهم ونصف درهم، وليس ما كان موكلاً عليه من حصة صاحبه يجب أن يكون كماله، وكذلك لو نكل هو ما لزمهما يمين في الجامع؛ لأن كل واحد إنما يجب له مما حلف عليه درهم ونصف، ولو كان ما ادعاه هو عليهما ثلاثة دراهم لحلفهما في الجامع؛ لأن كل واحد عليه النصف وهو حميل بالنصف فكأن الثلاثة دراهم على كل واحد منهما. ومن المدونة: وكذلك لو وكلت رجلاً لقبض مالك على فلان فجحده فحلفه الوكيل، ثم لقيته أنت لم يكن لك أن تحلفه ثانية؛ لأن يمينه لوكيلك يمين لك. فصل [5 - في صيغة اليمين وتغليظها بالمكان والزمان] قال مالك: ويحلف المدعى عليه أو من حلف مع شاهده بالله الذي لا إله إلا هو، لا يزيد على هذا.

وكذلك فعل الرسول عليه السلام. ابن المواز: قال ابن القاسم: ورأيت المدنيين يزيدون في اليمين عند المنبر الرحمن الرحيم، وأبى ذلك مالك. قال ابن القاسم وأشهب: ولا يؤخذون بأن يقولوا مع ذلك عالم الغيب والشهادة، ولا الطالب المدرك. قال مالك: هذه أيمان الأعراب. قال أشهب: وإن حلف فقال: والذي لا إله إلا هو لم يقبل منه، وكذلك لو قال والله فقط. فلا يجزئه حتى يقول والله الذي لا إله إلا هو. [مسألة: فيمن توجهت إليه اليمين يحلف قائماً] ابن سحنون: قيل لمالك: أيحلف قائماً أو قاعداً؟ قال: قائماً أبين. قال عنه ابن القاسم: يحلف قائماً إلا من به علة. وقال ابن كنانة عن مالك: يحلفون في القسمة واللعان وفيما بلغ من الحقوق ربع دينار فأكثر عند المنبر بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، فيما يحلف فيه يميناً واحدة حلف هكذا وما تردد رددت هكذا قال: ويحلفون في مدائنهم وأمصارهم في مساجد جماعتهم جلوساً لا قياماً، ويتحرى في أيمانهم في المال العظيم، وفي الدماء واللعان الساعات التي يحضر الناس فيها المساجد ويجتمعون للصلاة، وما سوى ذلك من حق أو مال ففي كل حين.

وذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون الأيمان في الحقوق والدماء واللعان بالله الذي لا إله إلا هو، وفي كل ما فيه اليمين على المسلمين والنصارى واليهود والمجوس. ومن المدونة قال: وكل شيء له بال فإنه يحلف فيه في جامع بلده في أعظم مواضعه، وليس عليه أن يستقبل به القبلة. ولا يعرف مالك اليمين عند المنبر إلا منبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ربع دينار فأكثر. ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: يستحلف الرجال والنساء قائمين مستقبلي القبلة في ربع دينار فأكثر في المدينة عند منبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وبغيرها في مسجدهم الأعظم حيث يعظمون منه عند منبرهم، وتلقاء قبلتهم، فإن لم يبلغ الحق ربع دينار حلفوا جلوساً إن أحبوا، ويحلف الرجل في أقل من ربع دينار في مكانه الذي قضي عليه فيه، والمرأة في بيتها، ولا تخرج في ذلك. ومن كلف فيما له بال أن يحلف في المسجد عند المنبر وما أشبهه من المواضع فقال: إنما أحلف في مكاني فهو كنكوله عن اليمين إن لم يحلف في مقاطع الحقوق غرم ما ادعى عليه. م/: يريد بعد يمين المدعي في تلك المواضع. قال ابن حبيب: إن كان مدعياً بطل حقه، وكذلك قضى مروان على زيد بن ثابت. قال أبو محمد: قال مالك: ومن أبى أن يحلف عند المنبر فهو كالناكل عن اليمين. وأما القسامة فإنه يحلف عليها أهل مكة في مسجدها، ويحلف أهل المدينة وبيت المقدس في مسجديهما. قيل: فلو كانوا على عشرة أيام؟ قال: لم أوقف مالكاً عليه، ولا أشك أن عمل أهل مكة يحلفون إلى مسجدها حيث كانوا.

وكذلك أهل المدينة وبيت المقدس، ولا يجلبون إلى سائر البلدان إلا مثل عشرة أميال ونحوه. قال عبد الوهاب: اعلم أن التغليظ في الإيمان عندنا في الموضع والزمان، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يغلظ بالمكان. واحتج من نصره بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه»، فأطلق ولم يقل في مكان دون مكان. وقوله عليه الصلاة والسلام للأنصار: «تحلفون وتستحقون دم صاحبكم» ولم يخص؛ ولأن الحجة حجتان حجة للمدعي وهي البينة، وحجة للمدعى عليه وهي اليمين. وقد ثبت أنه ليس من شرط إحدى الحجتين التغليظ بالمكان فكذلك الأخرى؛ لأنه استحلاف في حق فوجب أن لا يختص بمكان دون مكان. أصله ما دون الربع دينار. قال عبد الوهاب: ودليلنا قوله عليه السلام: «من حلف عند منبري هذا يميناً كاذبة فليتبوأ مقعده من النار». م/: وأبين من هذا ما رواه ابن وهب في التلاعن أن النبي -عليه السلام- أمر الزوج والزوجة فحلفا بعد العصر عند المنبر، فهذا حديث مفسر فهو يقضي عليه المجمل. قال عبد الوهاب: فدل ذلك أن في شرعه عليه السلام يميناً تختص بمنبره، وذلك

للتغليظ بالمكان. ومن الدليل أيضاً إجماع الصحابة، لما روى أن أبا بكر وعمر استحلفا عند المنبر، وأن عثمان طولب بذلك في يمين توجهت عليه فافتدى من يمينه. وقال أخاف أن أوافق قدراً. م/: وفي المدونة أن الذي فعل ذلك عبد الله بن عمر. قال عبد الوهاب: وروي عن علي بن أبي طالب. م/: وفي المدونة عن عمر أنه قال لرجل قال لامرأته: حبلك على غاربك، فقال له: تحلف عند المنبر بالله الذي لا إله إلا هو ما أردت الطلاق. ونحوه عن ابن العباس فثبت بذلك أنه إجماع الصحابة. وأما ما روي عن زيد بن ثابت أنه كان بينه وبين رجل خصومة، فترافعا إلى مروان فتوجهت اليمين على زيد فقال له مروان: تحلف على المنبر. فقال: أحلف في موضعي. فقال له: بل على المنبر. فرد المال ولم يحلف. فإنه شاهد لنا أنه فعل ذلك افتداء ليمينه؛ وذلك اعتراف منه بلزومه له إذا طالبه؛ لأنه لو كان لا يلزمه لكان يمتنع منه،

وأيضاً فإن اليمين تراد للزجر والردع فغلظ فيها؛ ليتحرج الحالف ويمتنع من الإقدام عليها إن كان مبطلاً. ولهذا المعنى قلنا نحن وأبو حنيفة ومن تبعه: إن القسامة يغلظ فيها بكثرة العدد، فإذا ثبت ذلك وكان الحلف عند المنبر أردع وأبلغ في الزجر وجب أن يكون أولى. م/ وأكثر هذا الاحتجاج في المدونة وبالله التوفيق. [مسألة: تخويف المطلوب باليمين قبل اليمين] قال محمد بن عبد الحكم: ويستحب للإمام تخويف المطلوب باليمين قبل اليمين، وقد كتب به ابن عباس إلى ابن أبي مليكة" {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران:77] فاعرف. [الفصل 6 - خروج المرأة فيما له بال من الحقوق لتحلف في المسجد] ومن المدونة: وتخرج المرأة فيما له بال من الحقوق فتحلف في المسجد. قال ابن الماجشون في الواضحة: وذلك في ربع دينار فأكثر. قال مالك في المدونة: وإن كانت ممن لا تخرج نهاراً فلتخرج ليلاً فتحلف في المسجد. قيل لابن المواز: فإن كانت ممن لا تخرج نهاراً هل تخرج ليلاً في ربع دينار؟ فقال: لا.

إلا في الشيء الكثير الذي له بال. وفي كتاب ابن حبيب جعلها تخرج في ربع دينار كالرجل. ومن المدونة قال مالك: إذا كان الحق يسيراً لا بال له حلفت في بيتها إن كانت ممن لا تخرج، فيبعث إليها القاضي من يحلفها لصاحب الحق، ويجزئه رجل واحد. وأم الولد مثل الحرة فيمن تخرج أو لا تخرج. وأما المدبرة وكذلك المكاتبة فهي كالحرة في اليمين. ولا يحلف الصبيان إذا ادعى عليهم حتى يبلغوا، وكذلك لو ثبت لهم حق بشاهد واحد فلا يمين عليهم حتى يبلغوا. [الفعل 7 - في أيمان أهل الكتاب] ولا يحلف النصارى واليهود في حق أو لعان أو غيره إلا بالله، ولا يزاد عليهم الذي أنزل التوراة والإنجيل، ويحلفون في كنائسهم حيث يعظمون، ويحلف المجوس في بيت نارهم، وحيث يعظمون. قال في رواية يحيى: ويحلفون بالله. ابن وهب: وأن عمر بن عبد العزيز نهى أن يستحلف النصارى بغير الله، وأخبرني رجال من أهل العلم عن رجال من أهل العلم بذلك. وذكر عن الشيخ أبي الحسن القابسي قال: إذا وجبت يمين على يهودي أو نصراني

فأحب الطالب أن يحلفه يوم السبت أو يوم الأحد أن ذلك له، وإن طلب الذمي التأخير إلى ذهاب يوم السبت أو الأحد وأبى المسلم لم يمكن الذمي من مراده. وقال: أرأيت لو قتل يوم السبت أو سرق أما يحكم عليه؟ فكما يحلفون في موضع يكرهون أو يعظمون فكذلك في يوم يعظمونه. م/ وأما النصارى فكما ذكرنا؛ لأنه ليس من دينهم الامتناع عن اليمين في يوم الأحد ولا في غيره. وأما اليهود فمن شريعتهم فيما يزعمون أنهم يسبتون يوم السبت، فلا يبيعون ولا يشترون ولا يطلبون ولا يطالبون ولا يستحلفون، فإذا ثبت أن ذلك من شريعتهم ونهم إنما بذلوا الجزية على أن يقروا على شرائعهم، فيجب أن يوفى لهم بذلك، ويؤخرون إلى زوال السبت إذ لا ضرر على الطالب في ذلك. وأما استحلافهم حيث يعظمون فليس من شريعتهم الامتناع من ذلك، بل هو مذهبهم. وأما ما يجب عليهم من قطع أو قتل أو حد فبخلاف يمينهم؛ لأن ذلك شيء يفعل به، واليمين هي شيء يفعلها. والله أعلم بالصواب. فصل [8 - مقدار المال الذي يستحلف فيه عند المنبر] قال ابن القاسم عن مالك في كتاب ابن سحنون وابن المواز والعتبية: من باع ثوباً فرد عليه بعيب فادعى عليه بعيب فادعى أنه بينه له وأنكره وأراد يمينه عند المنبر. قال: إنا لنقول: لا يستحلف عند المنبر إلا في ربع دينار. قال ابن المواز: قال أصبغ: فإن كان نقصان الحق أكثر من ربع دينار لميحلف إلا في الجوامع.

م/: وأنكره بعض القرويين. وقال: إن كان الثوب قائماً فإنه يطلب جميع ثمنه، فيجب ألا ينظر فيه إلا إلى قيمة العيب، فإن نظر إلى قيمة العيب فإن كان ربع دينار حلفه في الجامع، ولا يحتاج إلى أن يكون أكثر من ربع دينار. قال في كتاب ابن المواز: إذا كان لرجل ربع دينار على رجال أو لرجلين على رجل لم يحلف في المسجد الجامع ولا عند المنبر، ولا يحلف في مساجد القبائل في ربع دينار ولا أقل ولا أكثر. ومن العتبية وكتاب ابن سحنون قال ابن القاسم عن مالك: إذا كان على جماعة ذكر حق بربع دينار لم أر أن يحلفوا عند المنبر.

[الباب العاشر] في تعديل البينة وتجريحهم وعقوبة شاهد الزور

[الباب العاشر] في تعديل البينة وتجريحهم وعقوبة شاهد الزور [الفصل 1 - شهادة العبد والخصم والظنين والجار لنفسه] قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2] فكان ظاهر الخطاب للأحرار كما قاله سبحانه في قوله: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} إلى قوله {وَإِمَائِكُمْ} [النور:32]. والعبد يمنعه سيده أن يشهد أو يؤدي فكان ممن لم تكمل فيه شروط الشهادة في حق الذين لا يأبون إذا ما دعوا، وقال عز وجل {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة:282]. وقال عليه الصلاة والسلام: «لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا جار لنفسه». وقد تقدم هذا. [الفصل 2 - في تزكية البينة قبل الحكم] قال ابن القاسم: فينبغي للقاضي ألا يقضي ببينة حتى تزكى عنده، وإن لم يطعن فيهم الخصم، وإن علمهم القاضي بجرحة أو عدالة أجزأه علمه، فإن لم يخبرهم كشف عنهم في السر، فإن زكوا عنده في السر أو في العلانية أجزأه ذلك، ولا يقبل في سر أو علانية إلا تزكية رجلين عدلي، ولا أبالي فيما كانت الشهادة ي حق أو حد، ولا يجزئ في التعديل إلا القول بأنهم عدول مرضيون.

قال بعض القرويين: قال سحنون: فإن قالوا: هم عندنا عدول ولم يزيدوا على ذلك قال: هذه تزكية. قال ابن القاسم: وتجوز تزكية الشاهد وهو غائب. قال سحنون: وذلك إذا كان مشهوراً بالبلد. وإن ارتضى القاضي رجلاً للكشف جاز أن يقبل منه ما نقل إليه من التزكية عن رجلين لا عن أقل من ذلك، وكذلك في استحلاف المرأة. وأما في قيم السلع والعيوب وقيمة السرقة ونحوه فرجلان. وقد اختلف في ذلك كله: فقيل: يجزئ واحد، وقيل: لابد من اثنين، وكذلك في القافة قيل: يجزئ واحد، وقيل: لابد من اثنين. [الفصل 3 - في تجريح البينة] ومن المدونة: وإذا زكيت البينة والمدعى عليه يجهل وجه التجريح من جهلة الناس أو من ضعفة النساء، فليخبره الإمام أو القاضي بما له من ذلك ويبينه له، فلعل بينه وبين الشاهد عداوة أو ظنة أو شركة. وإن كان مثله لا يجهل التجريح لم يدعه إليه، وليس كرد اليمين؛ لأن الحكم لا يتم إلا بردها. ومما يجرح به الشاهد أن تشهد عليه بينة أنه شارب خمر أو آكل ربا أو صاحب قيان أو كذاب في غير شيء واحد. ابن المواز: والذي يعصر الخمر ويبيعها مجرح وإن لم يشربها. قال في العتبية: أو يكري بيته من الخمارين. ومن المدونة: ولا يجرحه إلا اثنان عدلان.

وقد تقدم أكثر هذا في كتاب الأقضية. وفي كتاب القطع والسرقة وفي كتاب الرجم شيء من هذا. قال ابن وهب: قال ربيعة: ترد شهادة الخصم الذي يجر إلى نفسه والظنين المغموص عليه في خلائقه وشكله ومخالفته للعدول في سيرته، وإن لم يظهر منه قبيح عمل، وترد شهادة العدو الذي لا يؤمن على ما شهد عليه. فصل [4 - عقوبة شاهد الزور] قال مالك: وإذا ظهر الإمام على شاهد الزور ضربه على قدر ما يرى، وطاف به في المجالس. قال ابن القاسم: يريد المسجد الجامع. قال مالك: ولا تقبل شهادته أبدأً، وإن تاب وحسنت حالته. قال ابن وهب: وقد كتب عمر بن الخطاب إلى عامله بالشام (وإذا أخذتم شاهد الزور فاجلدوه أربعين جلدة وسخموا وجهه وطوفوا به حتى يعرفه الناس). ويقال: يسجنه ويحلق رأسه.

[الباب الحادي عشر] جامع في مسائل التعديل والتجريح من غير المدونة

[الباب الحادي عشر] جامع في مسائل التعديل والتجريح من غير المدونة [الفصل 1 - مسائل في تعديل البينة] ومن المجموعة والواضحة قال ابن الماجشون: الشهداء ثلاثة عدل بين العدالة معروف بذلك فامضه، أو بين جرحته فاردده، أو مشكل عليك فاسأل عنه وأكثر حتى يتواطأ لك منه سر وعلانية ما هو عليه، وإن أشكل على من سألته عنه دعوته بالتعديل. قال محمد بن عبد الحكم: ولا يقبل إلا شهادة العدل المأمون على ما يقول، وقد يكون عدلاً ولا يؤمن أن يغتفل ويضرب على خطه، ويشهد على الرجل ولا يعرفه، ويتسمى بغير اسمه، فمن كانت هذه حالته فلا تقبل شهادته. قال ابن القاسم في العتبية في الشاهد لا يعرفه القاضي بعدالة منقطعة ولا بفساد ظاهر، ولكنه ممن يشهد الصلوات الخمس في المساجد ولا يعرف بأمر قبيح. قال: لا ينبغي له أن يقبل شهادته إلا بتزكية تامة وعدالة بينة، وينبغي للقاضي أن ينظر فيمن يعرفه الناس ولا يعرفه هو، ومن يجوز له الوقوف في أمره حتى يعدل عنده، فإذا كان الرجل ممن يعرفه لو لم يكن قاضياً لزمه أن يعدله عند غيره فهو الذي ييسعه قبول شهادته، ومن عرفه بجرحه رد شهادته. قال في المجموعة: وإن لم يعرف القاضي الشاهد فعرفه به بعض من يعرفه بالعدالة أرأيت أن يجيز شهادته بمعرفة ذلك العدل له، ولا يجوز في التعديل إلا معدلان، ولو سأل عنه بعض من جعله القاضي يكشف له في القبائل فيعرفه بعدالته فليقبل ذلك منه. قال مالك في العتبية ولا أحب أن يسأل في السر أقل من اثنين، ولا يقبل في التعديل أقل من اثنين.

قال ابن سحنون عن أبيه: ومن عدل رجلاً لم يعرف اسمه فليقبل تعديله. وقال ابن كنانة. قال: ولا يقبل تزكية الأبله من الناس، ولا يقبل تزكية من يرى تعديل كل مسلم. وقاله ابن كنانة. قال سحنون: وليس كل من تجوز شهادته يجوز تعديله، ولا يجوز في التزكية إلا المبرز الناقد الفطن الذي لا يخدع في عقله ولا يستزل في رأيه. ولا تطلب التزكية من الشاهد، وذلك على المشهود له لا على الشاهد، وإنما عليه أن يخبر المشهود له بمن يعرفه وبمن يعدله. [الفصل 2 - في تعديل مستور الحال ومن أتى شيئاً من المعاصي والشبهات] قال في العتبية: ولا يعدل إلا من يعرف باطنه كما يعرف ظاهره؛ لأنك قد تعرفه بظاهر جميل من أهل المساجد والجهاد فلا ينبغي لك أن تزكيه بذلك، إلا بالصبحة الطويلة والمعاملة والأخذ والعطاء فحينئذ تزكيه. قال مالك: كان يقال لمن مدح رجلاً أصحبته في سفر؟ أخالطته في مال؟ قيل: فمن تقارف بعض الذنوب؟ قال: لم يسلم من ذلك أحد، ولكن إن كان الأمر الخفيف من الزلة والفلتة لم يضره ذلك في عدالته. قال مالك: ومن الرجال رجال لا تذكر عيوبهم، يقول يكون عيباً حفيفا، والأمر كله حسن، فلا يذكر اليسير الذي ليس يعصم منه أحد في الصلاح الكثير. وقد قال مالك في اللاعب بالشطرنج: إذا لم يكن مدمناً فإنه تقبل شهادته. ولو كان لا يقبل إلا من لا يقارف شيئاً من العيوب ما قبلت لأحد شهادة. وقد قال الله تعالى لنبيه عليه السلام: «ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر».

وقد كان يقال ليس المتحري حدود الإسلام كاللاعب فيه. وقد كان يقال اتقوا زلة العالم، وهذا يعني به البدعة وهو يسقط شهادته. أما من قبل جوائز العمال المضروب على أيديهم فهو ساقط الشهادة، وأما الأكل عندهم فكذلك، وأما من كان ذلك منه المرة والفلتة فغير مردود الشهادة، وهو مثل صغار الذنوب، وأما المدمن على ذلك فساقط الشهادة. وأما جوائز الخلفاء فمجمع على قبول جوائزهم من يرضى منهم ومن لا يرضى، وجل ما يدخل بيوت الأموال فهو على الأمر المستقيم، والذي يظلمون فيه قليل في كثير. ولم يعلم من العلماء من أنكر أخذ العطاء من زمان معاوية إلى اليوم. وقد قبلها ابن شهاب ومالك، يعني الجوائز. وأنكر أن يكون ابن عمر قبلها من الحجاج. [الفصل 3 - في الرجل ينازل الرجل شهراً ولا يعلم منه إلا خيراً فيزكيه بهذا] وقال مالك في الرجل ينازل الرجل شهراً، ولا يعلم منه إلا خيراً قال: لا يزكيه بهذا، أنت ليس ل كبه علم، وهو كبعض من يجالسك هكذا. قال ابن سحنون عن أبيه: لا تزك إلا من خالطته في الأخذ والعطاء وطالت صحبته إياك في الحضر والسفر. قال مالك: وأما التجريح بالصحبة اليسيرة وباللقاء وبأيسر ما يكون من أمره يطلع عليه أنه من غير أهل الورع أو يسمع منه أو يطلع منه على ما لا تجوز به شهادته أو يقع ذلك في قلبه فلا يزكيه.

[الفصل 4 - في الرجل يشهد ثم يعدل ثم يشهد ثانية فهل يكتفي بالتعديل الأول] ومن المجموعة قال أشهب عن مالك في الذي يشهد ثم يعدل ثم يشهد ثانية قال: تقبل شهادته بالتعديل الأول. وليس الناس كلهم سواء منهم المشهور بالعدالة، ومنهم من يغمض فيه بعض الناس. قال ابن كنانة: أم الذي ليس بمعروف فليؤتنف فيه تعديل ثان، وأما المعروف بالعدالة في بلده فالتعديل الأول يجزئ فيه حتى يجرح بأمر بين. وقال أشهب: إذا شهد فعدل ثم شهد ثانية فإن كان بعد زمان نحو خمس سنين فليسأل عنه المعدول الأول، فإن مات فليسأل عنه معدلاً ثانياً، وإلا لم تقبل شهادته. قال ابن القاسم في العتبية: إن شهد قريباً من الشهادة الأولى مثل شهر وشبه ذلك ولم يطل جداً فلا يكلفه تزكيته، وإن كان قد طال فليكشف عنه ثانية طلب ذلك المشهود عليه أو لم يطلبه، والسنة فيه كثيرة. قال أشهب: المشهور المعروف بالخير فلا يؤتنف فيه سؤال. وقال سحنون: إذا شهد بعد شهرين فأكثر فليسأله التعديل كما شهد، حتى يكثر تعديله وتشتهر شهادته وتزكيته وبتأكيد فلا يسأله تزكية بعد. [مسألة: في الشاهد يعدله غير أهل مكانه ومسجده وسوقه] قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون في الشاهد يعدله غير أهل مكانه ومسجده وسوقه، وفيهم من يقبل تعديله، فإن كان الشاهد غير مشهور بالعدالة فلا يعدل بذلك، وترك أولئك تعديله ريبة.

[الفصل 5 - صيغة التعديل والتجريح] ابن سحنون: وقال ابن كنانة: التعديل أن يقول: أعرفه وأعلمه عدلاً رضا جائز الشهادة، ولا يقبل منه أن يقول: لا أعلمه إلا عدلاً رضا. وذكر نحوه عن مالك. قال: ويقبل منه في التجريح إذا قال: لا أراه عدلاً، ولا أعلمه عدلاً. قال العتبي عن سحنون: فإن قالوا: هو عندنا عدل، ولم يزيدوا على هذا فهي تزكية. قال عنه ابنه: ولا يقبل منه أن يقول هو صالح. وسئل مالك عن من شهد شهادة فسألك أن تعدله، وأنت تعلم أنه عدل واجب عليك أن تعدله؟ قال: لا أدري ما واجب ولكن حسن أن تعدله. قال سحنون في المجموعة: ولا يقبل من المعدلين أو المجرحين أن يقولوا: سمعنا فلاناً وفلاناً يقولون إن فلاناً عدل أو غير عدل؛ لأن هذه شهادة على السماع إلا أن يكون المشهود على شهادته قد أشهدهم على التزكية أو التجريح. قال سحنون: وإذا عدل الشاهد ثم جاء شاهدان يشهدان أن القاضي رد شهادته لأمر تبين له منه، والقاضي لا يحفظ ذلك فإن شهادتهما بذلك تقبل. فصل [6 - في تزكية الشهود بعضهم بعضاً] قال ابن كنانة وابن القاسم في المجموعة: وإذا شهد رجلان في حق فلا يجوز تزكية من عرفت عدالته منهما للآخر.

قال عبد الملك: ويصير الحق قد حيي به وحده. وقاله سحنون في كتاب ابنه. وقال سحنون في شاهدين شهدا لرجل بحق على رجل، ثم جاء الطالب بآخرين فشهدا بمثل ذلك، وزكت كل طائفة منهما الأخرى. قال: تتم الشهادة والتزكية ويثبت الحق؛ لأن شاهدين ثبتا لا محالة. ثم قال: أرأيت إن شهد كل فريق بحق غير الحق الآخر لرجلين مختلفين، وزكى كل فريق الآخر فلا تجوز تزكية بعضهم لبعض؛ لأن بعضهم يشهد لبعض، ويقال للطالب: زكى بينتك بغيرهم، وقد كان يقول شهادتهم وتزكيتهم جائزة. م/: والصواب أن لا تجوز شهادتهم؛ لأنه إذا كان لا تجوز شهادتهم إلا بتزكية بعضهم لبعض فكيف يزكي من يحتاج أن يزكي! وقد قال في العتبية في شاهدين شهدا بحق، فزكى أحدهما صاحبه، فلا تجوز تزكيته إياه إلا أن يكون مع المزكي غيره من عدول الناس، فليحلف صاحب الحق مع المزكي؛ لأنه لم يثبت له إلا واحد، وهو الذي زكاه صاحبه والأجنبي. قال: ولو شهد شاهدان على حقين مختلفين وزكى أحدهما الآخر لم يجز ذلك. وقال: ولو زكى الواحد رجل آخر مع الشاهد الآخر، وزكى الشاهد الآخر رجل آخر مع الشاهد الذي زكاه أولاً فشهادتهما جائزة، ويحلف مع شهادته ويستحق. قال ابن الماجشون في المجموعة: وفي كتاب محمد: وإذا شهد رجلان في حق وعدلا رجلاً شهد في ذلك الحق فتزكيتهما إياه جائزة. قال بعض القرويين: لأنه غير محتاج إليه، وقد أغنت شهادتهما عنه، فإن شهدا على شهادة رجل في حق، وعدلاه فذلك جائز.

ابن المواز: وليس نقلهما الشهادة عنه بتعديل. وقد قال أشهب: إن عدله غيرهما فذلك جائز. وقاله سحنون في المجموعة. وقال في العتبية: ويجوز للذين شهدوا لرجل في حق أن يجرحوا من شهد عليه في ذلك الحق قال في كتاب ابنه: وإذا نقلا عن شاهد وعدلا شاهدا معهما في ذلك الحق فذلك جائز، وقاله عبد الملك. م/: لأن نقلهما عن الشاهد إثبات لشهادته، وكذلك تزكيتهما الشاهد إثبات لشهادته، فهو كما لو زكياهما جميعاً، أو نقلا عنهما جميعاً، وإذا نقلا عن شاهد فلا يعدل أحدهما من نقل معه عن الرجل. م/: كما لا يعدل الشاهد من شهد معه؛ لأنه يصير الحق حيي بالمزكي وحده. قال ابن القاسم: ولا يجوز أن يشهد في حق على علمه، وينقل مع رجل آخر عن شاهد آخر؛ لأن واحداً أحيا الشهادة، ونحوه في العتبية. فصل [7 - في تجريح البينة] قال أشهب عن مالك في العتبية في البينة تعدل عند الحاكم، فلا يقول للمطلوب دونك فجرح، وذلك توهين للشهادة. قال ابن نافع: أرى أن يقول له ذلك، وقد يكون المعدل عدواً للمشهود عليه. وقد فرق في المدونة بين من يجهل وجه التجريح وبين من لا يجهل. قيل لسحنون: أيمكن

الخصم من تجريح الرجل البين الفضل المبرز إذا طعن فيه؟ قال: نعم يمكنه من ذلك. قال ابن حبيب عن أصبغ: لا يمكن الخصم من تجريح المعدلين المبرزين في العدالة بجرحة الإسفاه إن ادعى ذلك، إلا جرحه عداوة أو هجرة فقد يكون ذلك في الصالح والبارز. وقال مطرف: يجرح الشاهد بمن هو مثله وفوقه ودونه بالإسفاه والعداوة إذا كان المجرح عدلاً عارفاً بوجه التجريح. وقال ابن الماجشون: يجرح بمن هو فوقه ومثله، ولا يجرح بمن هو دونه، إلا بالعداوة والهجرة وأما بالإسفاه فلا. وقال أصبغ وابن حبيب كقول مطرف. قال محمد بن الحكم: وإذا قال عدلان ممن يعرفان العدالة والجرحة: فلان غير عدل عندنا اجتزأ بذلك المكشف والقاضي. قال ابن كنانة: وإن جرحه غير مبرزين بالعدالة، فليسألا فإن تبين للإمام ما يرد شهادته به ردها، وإلا لم يقبل ذلك. ومن المجموعة والعتبية: قال ابن نافع عن مالك في الشاهد يعدله رجلان ويأتي المطلوب بشاهدين يجرحانه. قال: ينظر إلى الأعدل من الشهود فيؤخذ به. قيل: ألا ترى أن المجرحين أولى؛ لأنهما زادا؟ قال: لا، ولكن يقال لهما: بماذا تجرحانه فينظر في ذلك أمعروف أو مشهور، ولعله أمر قديم. وقال ابن نافع: إذا كان المجرحان عدلين فقيهين فهما أولى، ويسقط التعديل.

وقال سحنون في العتبية مثله. وقال ابن أبي حازم في المجموعة: قيل لسحنون: فإن عدله أربعة وجرحه اثنان، وهم متكافئون في العدالة، أو الأربعة أعدل؟ قال آخذ بشهادة المجرحين؛ لأنهما علماً ما لم يعلم الآخرون. وقال سحنون في كتاب الرجوع عن الشهادة: إذا شهد أربعة على رجل بالزني، فأتى المشهود عليه بأربعة قبل الحكم فقالوا: نشهد أن هؤلاء شهدوا في هذه الشهادة بزور، فلا يكون هذا تجريحاً لهم، حكم بشهادتهم أو لم يحكم، وإنما التجريح أن ينسبوا إليهم فعلاً يجرحهم من كذب أو شرب خمر أو غير ذلك مما يجرح به، أو يقولون إن أحد البينة مولى عليه، فهذا تجرح به قبل الحكم، وإن جرحهم بعد الحكم لم ينقض إلا المولى عليه. قال أبو محمد: وقد اختلف في شهادة المولى عليه. قال ابن سحنون: إذا جرح الشاهد رجلان كل واحد بمعنى غير الآخر، قال هي جرحه لاجتماعهما أنه ليس من أهل الشهادة وأنه رجل سوء. وقد قال أيضاً: لا يجرح حتى يجتمع عدلان على معنى واحد من التجريح، إما كذب أو شرب خمر أو أكل حرام أو نحوه، وأما أن يقول أحدهما كذاب ويقول الآخر أكل ربا فلا. قيل: وإذا قال الواحد خائن، وقال الآخر يأكل أموال اليتامى، قال هذا معنى واحد، وهو تجريح. وقال أيضاً: إذا جرحته بينة بأمر لم يسموه، وقالوا لا نسمي غير أنه رجل سوء غير مقبول الشهادة، قال: هي جرحة، ولا يكشفون عن أكثر من هذا.

قال ابن حبيب: وهذا إذا كانا عارفين بوجه التجريح. ومن المجموعة قيل لابن القاسم: أيقبل التجريح سراً؟ قال: نعم، إذا كانوا أهل عدالة. قال سحنون: وأما الجرحة فإنها تكون سراً، وأما التزكية ففي العلانية أولى، ولا آمرهم أن يشتموا الناس في العلانية. قال أشهب عن مالك: ولا يجرح بشهادة واحد. وقال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: يجرح بالواحد كما يعدل به إذا كان عدلاً. قال ابن المواز: ويجب على الرجل أن يزكي الرجل إذا كان عنده عدلاً؛ لأن ذلك إحياء للحق، فلا يسعه ترك تزكيته، وكذلك في تجريح من هو عنده غير عدل إذا شهد فخاف إن لم يؤد علمه فيه أن يحيى بشهادته باطل أو يموت بها حق. وقد قال مالك فيمن سأله رجل أن يعدل له شاهداً وهو ممن يعرف بالعدالة. قال: حسن أن يعدله، والله الموفق.

[الباب الثاني عشر] جامع مسائل مختلفة مما ليس في المدونة

[الباب الثاني عشر] جامع مسائل مختلفة مما ليس في المدونة [الفصل 1 - في المشهود له ينفق على الشهود] ابن سحنون: قال سحنون في الشهود يدعون إلى الشهادة في غير البلد فيقولون: يشق علينا النهوض إلى الحاضرة. فيعطيهم المشهود له دواباً أو ينفق عليهم قال: إن كانوا على مثل البريد أو البريدين وهم يجدون النفقة والدواب فلا يأخذوا ذلك منه، فإن فعلوا سقطت شهادتهم. وإن كانوا لا يجدون جاز ذلك وقبلوا، ولو أخبر بذلك القاضي لكان أحسن. وإن كان على مثل ما تقصر فيه الصلاة فأكثر لم يشخص الشهود من مثل ذلك، ويشهدون عند من يأمرهم القاضي في تلك البلاد، ويكتب بما شهدوا به عنده إلى القاضي. فصل [2 - في الرجل يشهد لمن شهد له] ومن العتبية قال ابن القاسم فيمن شهد لرجل بعشرة دنانير، وشهد له الرجل بدين له على آخر فذلك جائز إن كانا عدلين. وقال مطرف وابن الماجشون: إن كانت الشهادتان على رجل واحد في مجلس واحد لم تجز، وإن كان شيئاً بعد شيء جاز ذلك، وإن تقارب ما بين الشهادتين. وإن كان ذلك على رجلين مفترقين جاز ذلك، وإن كان ذلك في مجلس واحد أو مجالس مفترقة. وقاله أصبغ.

فصل [3 - في الرجل يشهد على من شهد عليه في الزمن القريب] قال ابن سحنون: وكتب إلى سحنون فيمن شهد عليك بشهادة ثم شهدت أنت عليه بحدثان ذلك بعد الشهرين ونحوهما والأول في خصومته بعد؟ قال أرى في ذلك ظنة قائمة، ولا تجوز شهادته عليه. فصل [4 - في شهادة الشهداء لأنفسهم] ومن العتبية قال ابن القاسم في المسلوبين يشهدون أن هؤلاء سلبونا هذا المتاع وهذه الدواب، وذلك بيد اللصوص، قال: يقام عليهم حد الحرابة. ولا يستحقون تلك الأموال بشهادة هؤلاء إلا بشهادة غيرهم من شهيدين، أو بشاهد يحلفون معه. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون في القوم يقطع عليهم اللصوص فيشهد عليهم منهم عدلان. قال المغيرة وابن دينار: وأنا أقول أنه لا يجوز في ذلك أقل من أربعة، وإنما يجوز ذلك في القطع وأموال الرفقة غير الشهداء، ولا تجوز شهادة الشهداء لأنفسهم. وقال مطرف: شهادة عدلين منهم جائزة في القطع وفي أموالهم وأموال غيرهم، ولو لم تجز في المال لم تجز في القطع. وقال مالك: لا يقبل بعض الشهادة ويرد بعضها. قال أصبغ عن ابن القاسم: تجوز شهادة عدلين منهم في القطع وفي أموال الرفقة عدا أموالهما، إلا أن يكون مالهما يسيراً فتجوز لهم ولغيرهم، كقول مالك في الوصية لهما فيها اليسير. قال أصبغ: وإن كان الذي لهما كثيراً سقطت كلها. قال سحنون في المتكاربين لسفينة وقد نقدوا الكراء، فعطبت قبل البلاغ فأنكر

صاحبها قبض الكراء. قال: شهادة بعضهم لبعض جائزة ويرجعون عليه، ثم رجع فقال: لا تجوز؛ إذ ليس بموضع ضرورة، وقد كانوا يجدون من يشهدون سواهم إذا أرادوا نقد الكراء. فصل [5 - في الرجل يشهد عند القاضي ثم يأتي معصية أو ظنة قبل الحكم أو قبل تنفيذه] ومن المدونة والمجموعة: قال عبد الملك: إذا كتب القاضي شهادة رجل فلم يحكم بها حتى قتل قتيلاً على فائرة أو قذف رجلاً أو قاتل من شهد عليه، فلا تسقط بهذا شهادته التي وقعت عند الحاكم إلا أن يحدث ما يستره الناس من الزنى والسرقة وشرب الخمر فتسقط شهادته تلك. قال ابن المواز: لأنه مما يظن أنه فعله قديماً. قال: ولو حكم بشهادة بينة في حد وأمر به ولم يقم حتى ظهر منهم شرب خمر أو فسق أو ارتداد فالحكم نافذ ولا يرد، وإن لم يحكم بها بطلت شهادتهم. وقاله أشهب، وهو مثل الرجوع قبل الحكم أو بعده. ابن حبيب: وقال أصبغ أما في حق العباد فكذلك أقول، وأما الحدود التي هي لله عز وجل لا لغيره فلا تنفذ، ويفارق عندي حقوق الآدميين، وقاله مطرف، وبه أخذ ابن حبيب. وقال أشهب: ولو قاتل المشهود عليه البينة قبل الحكم وبعد الشهادة لم يبطل ذلك شهادتهم. وقاله ابن القاسم في العتبية. قال أصبغ فيها: ومن شهد لامرأة بشهادة فلم يحكم بها حتى تزوجها أن شهادته

ماضية، بخلاف من أوصى لرجل بوصية وليس بوارثه ثم يكون وارثه بعد ذلك فلا تجوز تلك الوصية. والفرق بينهما: أن الشهادة إنما ترد بالظنة، والظنة في الزوجة إنما حدثت بعد تمام الشهادة، كما لو شهد عليه فلم يحكم به حتى صار بينه وبينه خصومة فإن شهادته ماضية. م/ والوصية إنما ينظر فيها يوم تجب وذلك بعد الموت فلم تجب حتى صارت لوارث فوجب ردها. فصل [6 - في الشاهدين يشهدان على ما يؤدي إلى ما لا تجوز معه شهادتهما من رقهما أو حد يلزمهما أو نحو ذلك] ومن المجموعة والموازية قال ابن الماجشون: وإذا شهد رجلان أن فلاناً طلق امرأته البتة، أو أعتق جاريته، ثم قالا رأيناه يزني بهما، فلا تقبل شهادتهما في الطلاق والعتق؛ لأن ذلك يوجب عليهما حد القذف، ولا حد عليهما إذا لم يثبت الطلاق والعتق. وكذلك قال ابن سحنون: إذا شهدا بالطلاق وبأنهما رأياه يطأها بعد الطلاق بطلت شهادتهما في الطلاق والحد. وقال أصبغ في العتبية: يجدان ولا تجوز شهادتهما؛ لأنهما يقولون إن هذا زان. قال هو وابن الماجشون: ولو شهدا عليه بطلاقهما، ثم شهدا أنهما رأياه على بطنها أو في لحاف عريانين فالطلاق لازم ويؤدبان. م/ يريد الرجل والمرأة. قال ابن المواز: في المسألة الأولى اختلاف؛ لأن ابن القاسم يقول شهادة القاذف لا ترد أبداً حتى يحد، وأرى جواب عبد الملك أن لو صدقهما الرجل في الطلاق والعتق

وأكذبهما في الوطء لكان عليهما حد القذف. وقال أشهب. ومن العتبية قال سحنون في كتاب ابنه: لا تجوز في المائة، ولا في أنفسهما. فصل [7 - فيمن شهد بشهادة عند حاكم فردها لوجه ثم شهد بعد ذلك هل تقبل؟] قال سحنون في كتاب ابنه: أجمع أصحابنا أن كل من شهد بشهادة عند قاض فردها بجرحة أو بظنة أو لوجه لا تجوز معه، ثم شهد بها بعد ذلك عند ذلك القاضي أو غيره بعد أن زالت الجرحة أو الظنة أو المانع الذي لم تجز من أجله فإن تلك الشهادة لا تقبل؛ لأن قاضياً حكم بردها. وقاله أهل العراق في الجرحة والظنة وشبهها. قالوا: وأما إن شهد عبد أو نصراني أو صبي فردت شهادته، ثم شهد الصبي بعد الحلم والعبد بعد العتق والنصراني بعد الإسلام فإنها تقبل؛ لأن العلة التي ردت من أجلها زالت. قال سحنون: لا فرق بين ذلك.

قلت لسحنون: فهؤلاء أهل العراق قد قامت حجتك عليهم بالمناقضة، وأهل البصرة ساووا بين الجميع وقالوا: إذا زالت العلة من الجرحة والظنة، وعتق العبد واحتلم الصبي وأسلم النصراني فإن الشهادة تجوز، وإن ردت في الحال الأول. فقال: لا تناظر هؤلاء إذ لا سلف لقولهم من صدر الأمة لا من صاحب ولا تابع ولا تابع تابع، ولولا الحكم بن عيينة ما كان لأهل الكوفة سلف فيما خالفونا فيه. فصل [8 - في الشاهد ينكر أو ينسى شهادة عنده ثم يشهد بها] ومن المجموعة والعتبية وكتاب محمد: قال ابن القاسم عن مالك في مريض سئل عن شهادة فأنكرها، وقال كل شهادة أشهد بينكما فهي باطل ثم شهد بعد ذلك فإنه يسأل عن عذره، فإن قال: كنت مريضاً فخفت ألا أثبت ما أشهد به، أو جاء بعذر يعرف وجهه فهي جائزة. قال ابن وهب في المجموعة: وإن أبا بكر بن حزم سأل القاسم بن محمد عن شهادة عنده فلم يذكرها، وخرج عنه فلما كان في الطريق ذكرها، فرجع فأداها فقبلها أبو بكر، وقال: لو كان غيرك ما أجزنا شهادته. قال سحنون: وكان القاسم فقيهاً، ولولا علمه أن شهادته جائزة ما شهد بها، والشاهد في شهادته كالحاكم إن رأى أنها تجوز رفعها وإلا لم يرفعها، وقد رفع بعضهم شهادته وأخبر أن بينهم عداوة. قال مالك فيمن دعى إلى شهادة فلم يذكرها ثم ذكرها فإنها تقبل منه إن كان مبرزاً لا يتهم، ولم يمر من طول الزمان ما يستنكر. ابن وهب: وقال الليث: إنما يقبل هذا من البين الفضل الذي لا يتهم. وقاله ابن القاسم. قال سحنون: إذا كان مبرزاً جازت شهادته إذا قال: أخروني لأنظر وأتفكر، فإن

قال: ما عندي علم، ثم رجع فأخبر بعلمه فقد اختلف فيه قول مالك. قال ابن القاسم: ومن شهد بثلاثين ديناراً ثم جاء فذكر أنها كانت خمسين فإنه تقبل شهادته في ذلك كله. ابن حبيب: وذلك إذا كان بين العدالة، وكذلك إذا زاد أو نقص في شهادته. فصل [9 - فيمن قال: رضيت بشهادة فلان ثم بدا له غير ذلك] ومن المجموعة: قال ابن كنانة: وإذا تنازعا في أرض أو دين فادعى أحدهما شهادة فلان فيرضى به الآخر ثم ينزع. قال ابن كنانة: فإن كان نازع خصمه فيما لا علم عنده منه مثل حدود أرض أو دين على أبيه أو رأس أو دابة أو غير ذلك مما لا يعلم به الراضي فهذا يلزمه شهادة من رضي به كان عند إمام أو غيره ولا له نزوع عنه. قال: وإن قال: رضيت بشهادته في فعل فعله أو قول قاله أو سلف أسلفه أو نحو ذلك، فذكر أن فلاناً علم بذلك، يقول: إنه ممن يقول الحق ثقة يعدله فأتى فلان بخلاف ما يقول هذا أنه كان منه فلا يلزمه ذلك. وقال سحنون نحوه، وكذلك قال ابن دينار وفسره. [رجوع الشاهد عن شهادته] ومن كتاب ابن سحنون: وقال فيمن شهد شهادة فقال المشهود عليه: شهدت علي بكذا. فقال: إن شهدت عليك بها فأنا مبطل، وقد شهد به، قال: فشهادته باطلة ساقطة، وهذا رجوع إن كان على قوله بينة. [شهادة مردود الشهادة إذا رضي الخصمان] ومن المجموعة: قال ابن الماجشون في الخصمين عند الحاكم أو عند من حكماه فسألاه أن يقضي بينهما بشهادة من لا يقبله الحاكم فلا ينبغي ذلك، وقد يقتدي به، وقد

يعدل بذلك الشاهد، وليقل لهما مما علمه من شهادته فاجعلاه إقراراً منكما فأحكم به بينكما. فصل [10 - في البينة تتم ما شهدت به بينة قبلها] ومن العتبية: قال مالك فيمن يقيم بينة أن هذه أرضه ولم يحددها، وآخرون يشهدون على الحدود ولم يشهدوا بالملك، فذلك جائز، ويقضي له بها وتتم الشهادة. ابن حبيب: قال مطرف فيمن غصب أرضاً فشهدت له بينة بذلك، ولم يعرفوا الحدود فإن حدها غيرهم تمت الشهادة، وإلا قيل للغاصب: ادفع إليه ما غصبته ويحده ويحلف عليه. فصل [11 - في البينة تشهد بحق نسوا عدده أو بحق في دار لا يعرفون موضعه] ابن حبيب: قال مالك في البينة تشهد بحق لرجل ثم يقولون: لا نعرف عدده إلا أنا نعلم أنه بقي له عليه حق، وليقل للمطلوب أقر له بحقه فما أقر به حلف عليه ولا شيء عليه غيره، وإن جحد قيل للطالب إن عرفته فاحلف عليه وخذه، فإن قال: لا أعرفه وضاعت كتب محاسبتي أو أعرفه ولا أحلف فليسجن المطلوب حتى يقر بشيء ويحلف عليه، فإن أقر بشيء ولم يحلف عليه أخذ منه وحبس حتى يحلف. ولو ذلك كان حقاً في دار حلت بينه وبينها حتى يحلف، ولا أحبسه؛ لأن الحق في شيء بعينه. [الفصل 12 - في المريض يدعي قبل رجل مالا ولا خلطة بينهما] م/: واختلف أصحابنا في المريض يدعي قبل رجل مالاً، ولا خلطة بينهما، هل يحلفه في مرضه ذلك؟ فقال جماعة من أصحابنا: لا يحلفه إلا بعد الموت فيحلف لورثته، وقلت أنا: بل له أن يحلفه الآن؛ لأنه في حال لا يتهم أن يدعي بباطل. وكذلك عندي لو لم يحلفه حتى صح من مرضه لحلفه بدعواه عليه في المرض؛ لأنهما يمين وجبت فلا يرفعها

صحته، كما لو كانت بينه وبينه خلطة فادعى عليه حقاً فلم يحلفه حتى سافر وطار ذلك وانقطعت تلك الخلطة أن له أن يحلفه بتلك الدعوى التي كانت في حين الخلطة. وكذلك لو ادعى على متهم بسرقة أنه سرق له شيئاً فلم يحلفه حتى مات المتهم أن له أن يحلفه بتلك الدعوى، وخالفني في ذلك جماعة من أصحابنا والله أعلم بالصواب. تم كتاب الشهادات الثاني من الكتاب الجامع والحمد لله رب العالمين وصل الله على سيدنا محمد وآله وسلم

كتاب الرجوع عن الشهادات

كتاب الرجوع عن الشهادات [الباب الأول] في الرجوع عن الشهادات وما يلزم الراجع عن شهادته [الفصل 1 - من أغرم رجلاً شيئاً بشهادة أخطأ فيها كان عليه غرم خطئه] روى المغيرة عن أبي ذؤيب أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال في شاهد شهد ثم رجع عن شهادته بعد أن حكم بها -صلى الله عليه وسلم- فقال عليه السلام-: «تمضي شهادته الأولى لأهلها وهي الشهادة والآخرة باطلة». وأخذ بذلك مالك وغيره. قال ابن المواز: لم يحفظ أصحاب مالك عنه في أن يغرم الشاهد جواباً، إلا أن جميع أصحابه يرون أن يغرم ما أتلف بشهادته إذا أقر بتعمد الزور، وقاله عبد العزيز بن أبي سلمة. قال سحنون: وروى ابن وهب عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رجلين شهدا عنده على رجل أنه سرق، فقطعت يده، ثم أتيا بآخر فقالا: كنا وهمنا وهذا هو، فأبطل شهادتهما على الآخر، وأغرمهما دية الأول، وقالوا: لو علمت أنكما تعمدتما قطعه

لقطعتكما. قال محمد بن عبد الحكم: وفي هذا أنه يقطع يدين بيد. وهذا قولنا، وخلاف قول أبي حنيفة، وفيه أنه يقطع يد الشاهدين إذا تعمدا قطعه، وبهذا قال أشهب. وبه أقول. وفيه أنه من أغرم رجلاً شيئاً بشهادة أخطأ فيها أنه يغرم وبه أقول. قال سحنون: اختلف أصحابنا في رجوع البينة بعد الحكم فقالوا: إن قالوا: وهمنا أو شبه علينا فلا غرم عليهم ولا أدر، وإن قالوا: شهدنا بزور غرموا ما أتلفوا وأدبوا. وقال آخرون: يغرمون ما أتلفوا في العمد والوهم والشك، ويؤدب المتعمدون. وقال بعض أصحابنا: إن رجعوا بعد الحكم في قتل أو قطع فإنه يقتص من المتعمدين، وأكثر مذاهبهم أن يضمنوا العقل في النفس واليد، ولا قود عليهم إذا لم يلوا ذلك بأيديهم، وعليهم قيمة العبد الذي شهدوا بعتقه، ولا شيء عليهم في الطلاق بنى بها الزوج أم لا. ومن كتاب القطع وغيره إذا رجعوا في عتق أو طلاق أو دين أو قصاص أو حد أو غير ذلك فإنهما يضمنان قيمة المعتق، وفي الطلاق إن دخل بالزوجة فلا شيء عليهما،

وإن لم يدخل ضمناً نصف الصداق للزوج، ويضمنان الدين، ويضمنان العقل في القصاص في أموالهم، وإن رجع شهود الزنى بعد الرجم حدوا وكانت الدية في أموالهم، وإن رجع واحد جلد واحده وغرم ربع الدية، وإن رجع قبل الرجم أو الجلد جلد الأربعة. وكذلك إن ظهر أن أحدهم عبد أو مسخوط، ولو قضى برجم أو جلد ثم تبين أن أحدهم عبد فإنهم يجلدون كلهم. وإن كان أحدهم مسخوطاً لم يحد أحد منهم؛ لأن شهادتهم تثبت باجتهاد إمام على ظاهر العدالة، والعبد لم تكن شهادته تثبت، وذلك خطأ من الإمام، فإن لم يعلم الشهود فذلك على عاقلة الإمام، وإن علموا فذلك على الشهود في أموالهم. وبعد هذا تفريغ هذا. [الفصل 2 - الرجوع عن الشهادة قبل الحكم] قال سحنون: إذا رجع الشاهد قبل الحكم وقد شهدوا بحق أو حد لله من زنى أو سرقة أو شرب خمر أو عتق أو في جميع الأموال فإنهم يقالون، ولا شيء عليهم من العقوبة اتهموا في شهادتهم أو رجعوا عنها لشك خالطهم؛ لأن العقوبة في هذا توجب الخوف فلا يرجع أحد عن شهادة شهد بها على باطل أو شك إذا أرادوا التوبة، ويحدون فيما شهدوا به من الزنى حد القذف في الحر المسلم، ولو شهدوا على رجل بسرعة أو قصاص، ثم أتينا قبل الحكم بآخر، فقالا: هذا هو. فلا تقبل شهادتهما على الأول، ولا على الآخر، وقد خرجا من حد العدالة بإقرارهم أنهم شهدوا على الوهم والشك. ابن المواز: وقاله ابن القاسم وأشهب قال: وإذا هدوا في قتل أو غيره ثم رجعوا بعد الحكم فرجوعهما ليس بشهادة، وإنما هو إقرار على أنفسهما بما أتلفا، وأن

شهادتهما الآخرة باطلة والحكم ماض. وروي ذلك عن عبد العزيز بن أبي سلمة بن أبي القاسم. وكذلك سمعت عبد الملك وابن عبد الحكم يقولان: وقاله أصبغ، وقاله غير أصحاب مالك من العلماء. واختلف أصحاب مالك هل عليهما الأدب؟ فقال ابن القاسم وعبد الملك: عليهما الأدب الموجع، وقال أيضاً: لو أدبا معاً لكانا لذلك أهلاً. وقال ابن عبد الحكم: لا أدب عليهما؛ لأن ذلك توبة، وليس على تائب ضرب ولو ضربا ما رجع راجع عن باطل، وقاله أشهب. وقاله: وكذلك المرتد إذا رجع إلى الإسلام لم يعاقب، وكثير من يختار القتل على الضرب. [مسألة: استقالة الشاهد بعد الحكم أو قبله] ومن كتاب الأقضية: وإن استقال الشاهد بعد الحكم لم يقبل ولا تجوز شهادته فيما يستقبل وإن استقال قبل الحكم وادعى وهما وجاء بما يشبه أقيل ولا تبطل شهادته إلا أن يعرف كذبه فيما جاء به فترد في هذا وفي غيره. فصل [3 - في رجلين يشهدان على رجل أنه أقر لرجلين بمئة دينار فقضي بذلك لهما ثم رجع الشاهدان عن شهادتهما لأحدهما] قال محمد بن عبد الحكم: وإن شهد شاهدان على رجل أنه أقر لفلان وفلان بمائة دينار فقضى بذلك لهما، ثم رجع الشاهدان فقالا: إنما شهدنا بها لأحدهما وسميناه، فإن للمقتضي عليه بالمائة أن يرجع عليهما بخمسين؛ لأنهما أقرا أنهما أخرجاها من يده إلى من لا حق له فيها، فلا تقبل شهادتهما للآخر أن المائة كلها له؛ لأنهما مجرحان برجوعهما، ولا عليهما أن يغرما له شيئاً؛ لأنه إن كان له حق فقد بقي على من هو عليه، وليس قول من قال: إنهما يغرمان خمسين له بشيء؛ لأنهما إنما أخذا خمسين من مال المطلوب فأعطياها لمن لا شيء له عليه، ولو كان عبداً بعينه شهدا أنه أقر به لفلان وفلان فقضى به

لهما فأخذاه، ثم رجعا فقالا: إنما اقر به عندنا لفلان منهما، فهاهنا يغرمان للذي أقر له قيمة نصف العبد؛ لأنهما أتلفاه عليه، هذا إذا كان الذي كان العبد في يده يقول: هو الذي شهدا له أخيراً، وإن كان إنما يدعيه لنفسه وينكر شهادتهما فليغرما نصف قيمته للمشهود عليه، ولم يكن للمقر له به آخراً إلا نصفه. قال في كتاب ابن المواز: وإذا حكم بشهادتهما، ثم رجعا، فهو المقضي عليه قبل أن يؤدي، فطلب المقضي له أن يأخذ الشاهدين بما كانا يغرمان لغريمه لو غرم، قال: لا يلزمهما غرم حتى يغرم المقضي عليه فيغرمان حينئذ له، إن اقر بتعمد الزور، ولكن ينفذ القاضي الحكم للمقضي عليه على الراجعين بالغرم هرب أو لم يهرب، فإذا غرم أغرمهما، وكذا لو شهدا على رجل بحق إلى سنة ثم رجعا فلا يرجع عليهما حتى تحل السنة ويغرم هو، وله أن يطلب المقضي لذلك عليهما، ولا يغرمان الآن. قال محمد بن عبد الحكم: للمضي عليه أن يطلب الشاهدين بالمال حتى يدفعاه عنه إلى المقضي له. قال: وقال أصحاب أبي حنيفة: لا يحكم على الشاهدين بشيء حتى يؤدي المقضي عليه، وفي هذا تعريض لبيع داره وتلاف ماله، واللذان أوجبا ذلك عليه قيام. أرأيت لو حبسه القاضي في ذلك أيترك محبوساً ولا يغرم الشاهدين؟ بل يؤخذان بذلك حتى يخلصاه، فإن لم يفعلا حبسا معه، والله الموفق للصواب.

[الباب الثاني] في دعوى الرجوع على البيئة إن أقام لطخا أو شهادة بذلك، وفي رجوع بعض البينة عن الحق أو بعضه أو اختلافهم في الرجوع

[الباب الثاني] في دعوى الرجوع على البيئة إن أقام لطخا أو شهادة بذلك، وفي رجوع بعض البينة عن الحق أو بعضه أو اختلافهم في الرجوع [الفصل 1 - في المقضي عليه يدعي رجوع الشاهدين عن شهادتهما] ومن كتاب ابن المواز وابن سحنون: وإذا ادعى المقضي عليه أن الشاهدين رجعا عن شهادتهما وأنكرا فإن لم يأت بلطخ فلا يمين له عليهما، وإن أتى بلطخ حلفا وبرئا، وإن نكلا حلف المدعي وأغرما له ما أتلفا له بشهادتهما، وإن نكل فلا شيء له عليهما، ولو أقام عليهما شاهدين بإقرارهما بعد الحكم بهما أنهما شهدا بزور فليغرما ما شهدا به ويغرمان الدية في النفس والرجم مع حد القذف ويغرمان إرش الجراح ولا ينظر إلى رجوعهما بعد الإقرار. قال محمد بن عبد الحكم: وزعم أبو حنيفة وأصحابه أنها لا تقبل عليهما شهادة من شهد برجوعهما. قال محمد: وهذا خروج من المعقول؛ لأن من قولهم لو أقرا بالرجوع لزمهما الغرم، فما كان فرق بين إقرارهما عند الحكم بالرجوع وبين قيام البينة عليهما بذلك. فصل [2 - في رجوع بعض البينة عن الحق أو بعضه أو اختلافهم في الرجوع بعد الحكم] قال ابن القاسم وغيره في شاهدين قضى بشهادتهما في حق، ثم رجع أحدهما بعد الحكم، فإنما يغرم نصف الحق، ولو رجع عن نصف ما شهد به غرم الربع، ولو رجعا

جميعاً عن الحق أو بعضهم غرما ما رجعا عنه بالسوية، ولو اختلف رجوعهما لزم كل واحد غرم نصف ما رجع عنه؛ لأنه هو الذي أتلف، ولو كانت البينة ثلاثة فرجع أحدهم بعد الحكم فلا شيء عليه لبقاء من يثبت به الحق، ثم عن رجع ثان غرم هو والراجع قبله نصف الحق بينهما بالسوية. وقال محمد بن عبد الحكم في كتابه: إذا رجع أحدهم غرم ثلث الحق وهو أحب إلي. وقاله أشهب في أربعة شهدوا بدرهم فرجع ثلاثة أن عليهم ثلاثة أرباع درهم. قال ابن المواز: ولو شهد ثلاثة بثلاثين، فرجع أحدهم عن الجميع، وآخر عن عشرين، وآخر عن عشرة، فقد ثبتت عشرة اجتمع عليها رجلان، فلا رجوع فيها على أحد، وقد اجتمعوا في الرجوع عن عشرة، فهي عليهم أثلاثاً، والعشرة الثانية رجع عنها اثنان، وأثبتها واحد، فعلى الاثنين نصفها اثنان ونصف. على كل واحد منهما، وهما الراجع عن الجميع كله، والراجع عن عشرين. قال: وكذلك لو كانوا أربعة حكم بشهادتهم بأربعين، فرجع أحدهم عن عشرة، وآخر عن عشرين، وآخر عن ثلاثين، وآخر عن الأربعين، فقد علمت أن الراجع عن عشرة والراجع عن عشرين أثبتا عشرين، فلا يرجع فيها على أحد بشيء، وأصبنا الراجع عن عشرة أثبت واحدة عشرة، فلا رجوع بنصفها أيضاً على أحد، ويغرم نصفها الباقي الراجع عن عشرين، والراجع عن ثلاثين، والراجع عن أربعين بينهم أثلاثاً، اثنان إلا ثلث على كل واحد منهم وتبقى عشرة لم يثبتها أحد منهم فيغرمها الأربعة، ديناران ونصف على كل واحد.

قال: ولو مات أحد أربعة، ثم رجع واحد عن عشرة، وآخر عن عشرين، وآخر عن الأربعين، فقد علمت أن الراجع عن العشرة مع الميت قد أثبتا ثلاثين، فلا رجوع فيها على أحد؛ لأن الحق يحيا باثنين فبقيت عشرة قد أثبتها الميت، ورجع عنها الباقون، فعلى الثلاثة نصفها بينهم أثلاثاً. فصل [3 - في اختلاف البينة في الرجوع عن الحق أو عن بعضه] قال: ولو شهد واحد بعشرة، وآخر بعشرين، وآخر بثلاثين، وآخر بأربعين، فإن شاء حلف مع شاهد الأربعين وآخذ الأربعين، وإن شاء أخذ الثلاثين بلا يمين، ويرد اليمين في العشرة على المطلوب، فإن حلف برئ منها، وإن نكل غرمها. قال: فإن حكم له بثلاثين بلا يمين، وبعد يمين المطلوب، ثم رجع شاهد العشرة وشاهد العشرين فلا يضرهما رجوعهما؛ لأنه قد بقي شاهدان يشهدان بأكثر من ذلك، ولكن إن رجع شاهد الثلاثين وشاهد الأربعين فقط، فإنهما يغرمان خمسة عشر ديناراً بينهما نصفين، أما العشرة التي زادها على العشرين فيغرمانها إذ لم يشهد بها غيرهما، وعشرة أخرى شهدا بها من شاهد العشرين، وهو لم يرجع فأتلفا نصفها، وعشرة قد ثبت عليها الباقون لا يرجع فيها بشيء، ولو رجعوا كلهم إلا شاهد العشرة غرم الراجعون خمسة وعشرين، وذلك أن العشرة ثبت عليها واحد فلزم الراجعين نصفها بينهم أثلاثاً، دينار ونصف على كل واحد، وعشرة ثانية لم يشهد بها غير الراجعين فلزمهم غرمها أثلاثاً، ثلاثة وثلث على كل واحد منهم، فاجتمع على واحد منهم خمسة، والعشرة الثالثة إنما يشهد بها شاهد الثلاثين وشاهد الأربعين، ورجعا عنها فيغرمانها نصفين، فيبلغ غرمها عشرة عشرة،

وشاهد العشرين خمسة، وذلك خمسة وعشرين. م/: وإن شئت فقد علمت أن واحداً ثبت على عشرة ورجع عنها الباقون، فقد أثبت نصفها خمسة، والخمسة عشر تمام العشرين رجع عنها الباقون فهي بينهم أثلاثاً، والعشرة الثالثة إنما رجع عنها شاهد الثلاثين وشاهد الأربعين، فهي بينهما نصفين. قال: ولو ثبت الشاهد بالعشرين فقط ورجع الباقون فليغرم شاهد العشرة اثنين إلا ثلثا، والباقون ثمانية عشرة وثلثا بينهما نصفين، وذلك أن العشرة الأولى رجعوا عنها كلهم إلا شاهد العشرين فقد أثبت نصفها خمسة، فيجب عليهم غرم نصفها الباقي بينهم أثلاثاً، واحد وثلثان على كل واحد، وقد علمت أن العشرة الثانية أثبتها صاحب العشرين أيضاً، ورجع عنها شاهد الثلاثين وشاهد الأربعين فعليهم غرم نصفها اثنان ونصف على كل واحد والعشرة الثالثة انفردا بها بالشهادة والرجوع عنها فهي عليهما نصفين. م/: وإن شئت قلت: العشرة الأولى ثبت نصفها فغرم نصفها الباقي على الراجعين بينهم أثلاثاً، والعشرة الثانية أيضاً ثبت نصفها وسقط نصفها، وجميع العشرة الثالثة برجوع شاهد الثلاثين وشاهد الأربعين فذلك عليهما نصفين. قال محمد: ولو رجع شاهد الأربعين فقط لغرم خمسة فقط؛ لأن عشرين ثبت بشاهدين فلا غرم عليه فيها، والعشرة الثانية ثبت بها شاهد الثلاثين فيغرم الراجع نصفها خمسة، وقد قيل: إنه يغرم عشرة، والأول أصوب. قال: ولو حكم للطالب بالأربعين مع يمينه فاجعل اليمين بمنزلة شاهد خامس. قال: وإن رجع شاهد الثلاثين وشاهد الأربعين بعد ذلك، فعلى شاهد الأربعين سبعة ونصف، وعلى شاهد الثلاثين ديناران ونصف؛ لأن شاهد الأربعين انفرد بعشرة مع يمين الطالب فعليه نصفها، وعشرة أخرى شهدا بها مع اليمين فعليهما نصفها؛ لأن

اليمين قد أحاطت بالأربعين، وعليها حلف فهي كشاهد ثابت. قال أبو محمد: وقد قال محمد في آخر الكتاب أنه لا حكم لليمين إلا في العشرة التي انفرد بها شاهد الأربعين، وأما الثلاثون فقد ثبتت بشاهدين، فعلى هذا القول يجب أن يغرما عشر الثلاثين بينهما نصفين. قال محمد: ولو رجع معهما شاهد العشرين، فالعشرة الأولى ثابتة بالشاهد واليمين، والعشرة الثانية ثبتت فيها باليمين، فيغرم الراجعون نصفها بينهم أثلاثاً، والعشرة الثالثة ثبت نصفها لليمين فيغرم نصفها الثاني شاهد الثلاثين وشاهد الأربعين، والعشرة الرابعة يغرم نصفها شاهد الأربعين وحده، فجميع مغرمهم خمسة عشر. م/: وعلى القول الثاني يغرم شاهد الأربعين من العشرة التي انفرد بها خمسة، وتسقط عنه خمسة لليمين، ويغرم هو وشاهد الثلاثين العشرة الثانية بينهما نصفين، ويغرمان مع شاهد العشرين العشرة الثالثة بينهم أثلاثاً، ويغرمون أيضاً نصف العشرة الأولى. م/: وفي هذا الباب زيادة مسائل لكن من عرف ما ذكرنا عرفها، وبالله التوفي. فصل [4 - في رجوع النساء والصبية عن الشهادة] قال سحنون: ولو قضى بشاهدين وامرأة في حق، ثم رجعوا كلهم فالغرم على الشاهدين دون المرأة؛ لأنها لا تجوز وحدها في شيء، ولو شهد رجل وثلاث نسوة رجع الشاهد وامرأة واحدة فعلى الرجل نصف الحق وحده، ولا تضم المرأة إلى الرجل، وإنما تضم إلى مثلها فاثنتان فأكثر منهما عدل رجل، فلو رجع الرجل والنسوة كلهن لزم الرجل نصف الحق والنسوة نصفه، ولو كان النساء عشراً فرجع منهن واحدة إلى ثمان فلا شيء عليهن، فإن رجعت بعد ذلك واحدة أو رجع التسع في مرة فعلى التسع

ربع المال بينهن بالسوية؛ لأنه قد بقي من أحيا ثلاثة أرباع الحق. قال ابن الماجشون: وإذا حكم بشهادة الصبيان فيما تجوز فيه شهادتهم ثم رجعوا، أو بعضهم، فقال: لا رجعة لصبي، ولا ضمان عليه لرجعته، رجع وهو صبي، أو بعد بلوغه، ولكن لو قيدت قبل أن يفترقوا أو يخيبوا ثم عاق عن الحكم بها شغل حتى رجعوا عنها بعد بلوغهم فلا يحكم بها.

[الباب الثالث] في شهادة الدين والرجوع عنه والبراءة منه واختلاف البينة مع القاضي في الشهادة

[الباب الثالث] في شهادة الدين والرجوع عنه والبراءة منه واختلاف البينة مع القاضي في الشهادة. [الفصل 1 - في الورثة يشهد بعضهم بدين على مورثهم ثم يرجعون] ومن كتاب ابن المواز قال مالك: فيمن هلك وترك أربعة بنين فشهد ثلاثة منهم أن لفلان على أبيهم ثلاثين ديناراً فقضي بذلك، ثم رجع أحدهم عن عشرة، وآخر عن عشرين، وآخر عن ثلاثين فقد اجتمعوا على الرجوع عن عشرة، فلأخيهم الذي لم يشهد ربعها ديناران ونصف يأخذهم بذلك بينهم أثلاثاً، خمسة أسداس دينار على كل واحد، والعشرة الثانية قد رجع عنها الباقيان وثبت عليها الراجع عن عشرة، ولأخيهم منها أيضاً ديناران ونصف، فيغرمان أيضاً له نصف ذلك لبقاء شهادتهما، فيغرم كل واحد من الراجعين خمسة أثمان دينار، فيحصل له أربعة دنانير إلا ربع دينار، ولا شيء على الراجع عن الثلاثين في العشرة التي انفرد بالرجوع عنها؛ لأنه قد ثبت عليها شاهدان. قلت: فإذا كان الراجع عن عشرين يلزمه هو والراجع عن الثلاثين ربعها للذي لم يشهد فلم يلزم ربع آخر للراجع عن عشرة. قال أبو محمد: فلم يذكر في الكتاب جواباً، والجواب؛ لأنه ثابت عليها مقر أنها على أبيه، فكيف يغرمهم فيما يقر بصحته؟ فصل [2 - في رجلين يشهدان على ميت بدين ثم يرجعان بعد القضاء بها] قال محمد: وإن شهد رجلان على ميت بدين مئة دينار فحكم بها القاضي في تركته ولم يترك غيرها، ثم رجعا فأغرما المئة للوارث، ثم طرأ غريم آخر فأقام شاهدين على مئة دينار أخرى على الميت، فليرجع الشاهدان الأولان على الورثة بجميع المئة؛ إذ لا ميراث

لهما بكل حال، ويقضى للثاني بمئة كاملة يأخذ خمسين مما أخذ الأول، وتبقى بيد الأول خمسون، فهي التي كانت تجب له على الحصاص، ويغرم الشاهدان الأولان للثاني الخمسين التي بقيت بيد الغريم الأول؛ لأنه يقول لولا شهادتكما لم يكن للأول معي حصاص، ثم إن رجع اللذان شهدا للثاني بعد الحكم له فإنهما يغرمان له خمسين، ويغرمان هذه المئة التر ردها الورثة على الشهود الأولين، يغرمانها للورثة، ويغرمان للغريم الأول الخمسين التي انتزعت منه للثاني قبل أن يشهدا. قلت: وكيف يغرم الشهود مئة وخمسين، ولم يترك إلا مئة؟ قال: وقد يغرمان مئتين في مثل مسألتك، وذلك أن يهلك ولم يترك إلا مئة دينار في صرة وقد استودعها الميت لغيره. قال: وقد يغرمان مئتني فيقيم رجل شاهدين على الميت يدين مئة دينار فيقضى له بتلك المئة بعينها ثم ترجع البينة فيقضى عليها بغرم مئة دينار للورثة ثم يقيم رجل البينة أن تلك المئة بعينها له كان قد أودعها للميت فإنه يرد الورثة المئة التي أخذوا من الشاهدين عليهما؛ إذ لا ميراث لهما على شهادة الآخرين، ويغرم الغريم الأول المئة التي أخذها فيدفعها لصصاحب الوديعة فإن رجع بعد ذلك الشاهدان الآخران وأقرا بالزور فليغرما المئتي دينار مئة للورثة التي بشهادتهما ردها الورثة على الشاهدين، ومئة دينار للغريم الأول الذي أخذها منه مدعي الوديعة؛ لأن بشهادتهما أخرجا من الورثة مئة ومن الغريم الأول مئة لمدعي الوديعة. م/: وفي المسألة الأولى زيادة تركتها خشية التطويل.

فصل [3 - في رجلين يشهدان بمئة دينار على رجل، ويقيم المطلوب بينة بالبراءة منها قبل أن تثبت الأولى] قال سحنون: وإن شهد رجلان بمئة دينار على رجل، وأقام المطلوب بينة بالبراءة منها قبل أن تثبت الأولى، فإنه يسمع الحاكم البينتين خيفة أن يثبت الدين فيحتاج إلى بينة البراءة إن غابت أو ماتت، ولا يمنع الطالب من إثبات دينه لقيام بينة البراءة؛ إذ لعلها لا تثبت، وتغيب بينة المدعي، أو تموت، فليسمعها، فإن ثبت الدين، وثبتت البراءة منه فحكم بالبراءة، ثم رجع شاهدا البراءة، فليغرما الحق للمدعي. فصل [4 - في اختلاف البينة مع القاضي في الشهادة بالدين] قال ابن المواز: وإذا شهد رجلان لرجل بمئة دينار ديناً على آخر عند القاضي فحكم القاضي بالدين على المطلوب للمطالب فأغرمه فأخبر الشاهدان فأتيا القاضي وقالا: إنما شهدنا بالمئة لهذا على الآخر. فقال القاضي: بل شهدتما للآخر على هذا. وكيف إن كتبها في ديوانه بخطه أو بخط كاتبه على ما قالا؟ قال: إن كانا عدلين فشهادتهما جائزة، فإن رجع القاضي عن قوله فقال: وهمت وأنا أشك في ذلك رجع فأخذ المئة ممن هي في يده فردها إلى الآخر وأرجعه أيضاً بمئة أخرى على صاحبه، وإن ثبت القاضي على قوله، وقال: أنا لا أشك أنكما إنما شهدتما لمن قضيت له. قيل له: فإن كنت توقن بها فليس لك أن ترجع عليه بها واغرمها أنت؛ لأن الشهود شهدوا بخلاف قولك، وهما عدلان، فيلزمك غرم مئتين، مئة أخطأت فيها، والمئة التي كانت الشهادة بها وذلك يلزمه. وإن كانت الشهادة في ديوانه إلا أن يكون حضر

القاضي قوم عدول فشهدوا بمثل ما قال القاضي فليرفع ذلك القاضي إلى من هو فوقه فيحكم بذلك على ما شهد به جلساء القاضي إذا كانوا عدلين فأكثر، وإن كان الأولان أعدل؛ لأنهما شهدا بجرحتهما ولا تجوز شهادة القاضي في ذلك؛ لأنه خصم. قال محمد: وهذا مذهب مالك وأصحابه؛ لأنهم يقولون: إذا قال القاضي: ثبت عندي شاهدان بحق على فلان لفلان فلا يقبل منه حتى تشهد البينة عليه بين يديه وتعرفه إياها.

[الباب الرابع] في الرجوع عن الشهادات في البيوع والوكالة والحمالة والشفعة فيه

[الباب الرابع] في الرجوع عن الشهادات في البيوع والوكالة والحمالة والشفعة فيه [الفصل 1 - الرجوع عن الشهادة في البيوع] ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقام شاهدين على رجل أنه باع منه عبده بمئة دينار وخمسين ديناراً إلى أجل، والبائع يجحد، فقضى عليه بالبيع، وقبض المشتري العبد، ثم رجعا وأقرا بالزور، فالبائع مخير، إن شاء رضي بذلك وأتبع المشتري بالثمن، وإن شاء تعجل من الشاهدين قيمته، فإن كانت قيمته مئة دينار ودياها، واتبعا المشتري بمئة لا بأزيد، وإن كانت القيمة مثل الثمن، أو أكثر ودياها واتبعا المشتري بما عليه إلى أجله. وكذلك في كتاب محمد بن عبد الحكم: إلا أنه قال فإذا اختار أخذ قيمته من الشاهدين معجلة، وهي مئة، ورجعا بها عند الأجل على المشتري فإن لرب العبد أن يأخذ منه عند الأجل باقي الثمن وهو خمسون ديناراً، ولا يربح الشاهدان على ما ودياه. وقال من خالفنا: يأخذها الشهود ويتصدقان بها، وهذا فاسد؛ لأنها إن كانت لهما فلم يتصدقان بها؟ وإن لم تكن لهما فلا يأخذاها. قال سحنون: ومن أقام شاهدين أن فلاناً اشترى منه جاريته بمائة دينار والمبتاع يجحد، فقضى القاضي بشهادتهما، وقبض الثمن البائع من المبتاع، ودفع إليه الجارية، فتوقف عن وطئها، ثم رجع الشاهدان، وأقر بالزور. فقال بعض أصحابنا: المبتاع مخير إن شاء قبلها لرضا البائع له بالبيع كانت قيمتها أقل من الثمن أو أكثر، وإن شاء ألزمها للشاهدين ويأخذ منهما ما دفع هو فيها، فإن لم يكن عندهما شيء فتباع عليهما إذا شاء، ويأخذ الثمن، فإن نقصت عما ودى اتبعهما بما بقي، إلا أن تكون فاتت في يديه بنقص أو موت، أو إباق فينظر قيمتها فإن كانت مثل ما

ودى فأكثر لم يرجع عليهما بشيء، وإن كانت أقل مما ودى اتبعهما بما بقي. وقال غيره من أصحابنا: إن ماتت أو أبقت فليرجع عليهما بجميع ما ودى، وكأنها منهما هلكت، وإن دخلها نقص فله أن يلزمها للشاهدين ويأخذ منهما ما ودى، وإن أعتقها وقيمتها مثل ما ودى فأكثر لم يرجع عليهما بشيء، وإن كانت أقل رجع عليهما بتمام الثمن الذي ودى ولو باعها بأقل نظر إلى قيمتها، فإن كانت مثل ما أخرج من يده فأكثر فلا شيء له عليهما. م/: لأنه قد حابى في بيعه. قال: وإن كانت قيمتها أقل مما ودى أو أكثر من الثمن الذي باعها به فإن له ما بين القيمة والثمن الذي خرج من يده بالحكم. ونحوه في كتاب ابن المواز، وهو أحب إلي. قال سحنون: وقد قيل: إنه إن باعها، أو أعتقها، أو وطئها فهو رضى منه بالشراء الذي لزمه بالحكم، وشاءه البائع ورضيه فيحل بذلك الوطء للمبتاع. فصل [2 - في الرجوع عن الشهادة في البيع بالخيار] قال سحنون ومحمد بن عبد الحكم: فإن شهدوا أن فلاناً باع عبده بمئة، وقيمته أكثر، وهو يجحد، وقيمته أقل، وقالا: وعلى أن الخيار ثلاثاً لمن شهد عليه بقضى بذلك عليهما، ثم رجع الشاهدان وأقرا بالزور فلا شيء عليهما؛ لأن المشهود عليه له حل البيع بالخيار، فإن لم يفعل فهو متطوع به. قال محمد بن عبد الحكم: وإن شهدا أن هذا باع عبده على أن المشتري بالخيار ثلاثاً، والبائع ينكر، فألزمه ذلك الحاكم ثم رجعا مكانهما قبل مضي أيام الخيار فقال البائع: قد عقلا علي عبدي أن أحدث فيه بيعاً أو عتقاً أو إجارة، ولم أقبض الثمن فإنه

يؤخذ من الشاهدين قيمة العبد فتوقف، فإن ألزمه البيع كانت له تلك القيمة، وإن رده المشتري بخياره عادت القيمة إليهما. فصل [3 - الرجوع عن الشهادة في السلم] وإن شهدا أنه أسلم عشرة دنانير إلى فلان في مائة أردب حنطة، والمشتري يجحد فقضي عليه بغرم العشرة، وألزم الآخر القمح ثم رجع الشاهان فليغرما العشرة الدنانير التي خرجت من يده، ويتبعان الذي عليه الطعام به، وإن كان المشتري يدعي والبائع وينكر فلا يؤخذ منهما شيء حتى يغرم من عليه الطعام، أو يحل فيؤخذ به فيوديه، ويرجع به على الشاهدين، ويعطيهما ما أخذ من الدنانير. قال سحنون: وإن شاء تركهما، وحبس الثمن، وألزم نفسه الطعام فقط. فصل [4 - الرجوع عن الشهادة في بيع عَرَض بعَرَض آخر] ومن كتاب ابن المواز: إن شهد أن فلاناً اشترى من فلان عرضه بعرض آخر فقضي بذلك، ثم رجعا، وأقرا بالزور فليأخذ العرض الذي بيد المنكر، ثم يخلصاه منه، ويدخلان مدخله، ويغرمان له قيمة عرضه الذي خرج من يده، فات ذلك أو لم يفت. قال في باب آخر: ويكون لهما ما صيراه بيده على أي حال كان يوم رجعوهما، كان ذلك ناقصا، أو ميتاً، أو آبقاً، كيف كان، ليس لهما غيره، إلا أن يحدث فيه بيعاً أو عتقاً، فيكون كما وصفنا قبل هذا. فصل [5 - الرجوع عن الشهادة في الوكالة] قال: ومن باع عبداً وزعم أن صاحبه وكله ببيعه، فعلم صاحبه، فأنكر، فأقام الوكيل بذلك بينة، وزعم أنه دفع الثمن إليه، فقضى القاضي بذلك، ثم رجع الشاهدان، قال: إن حلف الوكيل أنه دفع الثمن إلى رب العبد برئ، ويغرم الشاهدان الأكثر من قيمة

العبد، أو من ثمنه بعد أن يحلف ربه أنه لم يأخذ الثمن من بائعه، فإن نكل لم يكن له إلا ما زادت قيمته على الثمن. فصل [6 - الرجوع عن الشهادة في الحمالة] ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: ومن أقام شاهدين أن فلاناً وفلاناً اشتريا منه سلعة بكذا وكذا من الثمن، وضمن كل واحد منهما الثمن على صاحبه، ثم قبضها السلعة، وهما منكران، فقضى عليهما بذلك ووديا الثمن، ثم رجع الشاهدان، فليغرما لهما ما وديا من الثمن، ويأخذ السلعة إن لم يتماسك بها المشتريان. قال: وإن ودى أحدهما الثمن بالحمالة، ثم رجع الشاهدان فلا يرجع على صاحبه بشيء؛ لأنه مقر أنه لم يأمره بضمان، ولم يضمن عنه، وأنه مظلوم، وليرجع بذلك على الشاهدين. فصل [7 - الرجوع عن الشهادة في الشفعة] ومن كتاب ابن سحنون وابن الماجشون: وإن شهدا أنه ابتاع من فلان شقصاً في جنان، والبائع يجحد، أو البائع يدعي البيع، والمبتاع يجحد، فقضى بذلك القاضي وأخذه الشفيع، ثم رجعا وأقرا بالزور، فإن كان المشتري الجاحد فلا ضمان عليهما له، ولا للشفيع؛ لأن المشتري قد أخذ من الشفيع ما أخرجا منه بشهادتهما، والشفيع أخذ بطوعه، وإن أخذ من المشتري في الشقص عبداً، والمشتري الجاحد، فاستشفع في الشقص بقية الغلام فلا شيء له على الشاهدين؛ لأنه رجع إليه قيمة ما أخذ منه، وإن كان البائع هو الجاحد خاصة فاستشفع على المشتري، فإن كان في قيمة الشقص فضل على ما أخذ من المشتري أتبع به الشاهدين، فإن كان البائع أخذ في شقصه عرضاً فاستشفع على المشتري بقيمته رجع البائع بفضل قيمة شقصه على قيمة العروض على الشاهدين، وإن

كان قيمة العروض مثل قيمة شقصه أو أكثر فلا يرجع عليهما بشيء؛ لأنه قد صار في يديه أكثر مما أخرج من يديه أو مثله بحكم الحاكم وطوع المشتري، وإن شاء البائع أن يأخذ من الشاهدين قيمة ما أخرجا من يده، وهو قيمة شقصه، ويدفع إلى الشاهدين العرض الذي أدخلاه فيه فذلك له، والله الموفق.

[الباب الخامس] فيمن أخرجا بشهادتهما شيئا من يد رجل، ثم رجعا عن شهادتهما، ثم رجع ذلك الشيء إلى المقضي عليه بوجه ما، أو رجع إلى الشهود، وفي الرجوع بالصرف، والتأخير بالدين

[الباب الخامس] فيمن أخرجا بشهادتهما شيئاً من يد رجل، ثم رجعا عن شهادتهما، ثم رجع ذلك الشيء إلى المقضي عليه بوجه ما، أو رجع إلى الشهود، وفي الرجوع بالصرف، والتأخير بالدين. [الفصل 1 - فيمن أخرجا بشهادتهما شيئاً من يد رجل ثم رجعا عن شهادتهما، ثم رجع ذلك الشيء إلى المقضي عليه بوجه ما أو رجع إلى الشهود] قال سحنون في كتاب ابنه: ومن أقام شاهدين في عبد في يد رجل أنه للقائم فيه، فقضي له به وقبضه ثم رجعا فوديا قيمته إلى المقضي عليه، ثم وهبه المقضي له به إلى المقضي له عليه، أو تصدق به عليه، أو مات فورثه عنه، فأما في الميراث فإن ورثه بحاله أو أحسن حالاً فليرد إلى الشاهدين ما أخذ منهما، وإن كان الآن قد نقص في يديه فهو مخير، إما رده على الشاهدين وتمسك بما أخذ منهما، وإما حبسه ورد عليهما ما أخذ منهما. وأما في الهبة والصدقة فقد رضيه إذا قبله منه ناقصاً، وعليه رد قيمته على الشاهدين إلا أن يحلف ما قبضه رضا منه به ولكن ليرده عليهما. ولو رجع العبد إلى الشاهدين بهبة أو صدقة أو شراء أو ميراث، وهو بحاله، فلهما رده على المشهود عليه، ويرد عليهما القيمة إلا أن يكون ناقصاً فالمشهود عليه مخير، إما قبله ورد القيمة، وإما تركه وتمسك بالقيمة. فصل [2 - الرجوع عن الشهادة في الصرف] ومن ادعى أنه باع مئة دينار بألف درهم من رجل، والرجل منكر، ولم يفترقا، فأقام عليه بينة فقضى عليه، وتقابضا ثم رجعت البينة، فليرجع مؤدي الدراهم على الشاهدين،

ويدفع إليهما المئة دينار، ولا ينظر إلى صرف يومئذ، كان مثل صرف الدنانير أو أقل أو أكثر، وكذلك لو كان الجاحد صاحب الدنانير لغرما الدنانير له وأخذا منه الدراهم. قال: ولو تأخر بيعهما بشهادة البينة، أقرا به جميعاً كان مفسوخاً، ولو حكم بذلك حاكم كان حكمه مفسوخاً، فإذا سقط الحكم لم يضمنا شيئاً. قال سحنون: وقال بعض أصحابنا: إن ذلك كمثل من شهدا عليه في بيع وأخرجا ملكه من يده بغير طوعه بدون قيمته أنه يرجع عليهما بما أتلفا من فضل القيمة، ولو أخذ فضل ما بين الذهب والوقت على الشاهدين بما أتلفا من فضل القيمة، ولو أخذ فضل ما بين الذهب والورق على الشاهدين بما أتلفا بشهادتهما لم يكن بذلك بأس، ولم يكن صرفاً، ولكنه غصب أتلفا به فضل ماله. فصل [3 - الرجوع عن الشهادة في تأخير الدين] ومن كتاب ابن المواز: ومن حل حقه على غريمه فشهد عليه شاهدان أنه أخره به حولا، ثم رجعا بعد الحكم، وأقرا بالزور فليغرما الحق حالاً؛ لأن النظرة نقصان جنياه عليه. قال محمد: إلا أن يكون الغريم معدماً، لو قام عليه لم يأخذ منه شيئاً، فلا يكون عليهما غرم حتى يكون عند الغريم ما يقدر أن يؤخذ منه، فحينئذ يغرم الشاهدان، ثم يرجعان بما غرما على غريم صاحب الحق إذا حل الأجل. قال محمد بن عبد الحكم: وإن رجعا بعد الأجل وهو مليء ففيه قولان: أحدهما لا شيء على الشاهدين، وليطلب غريمه والآخر أن له أن يرجع على الشاهدين؛ لأنه قد كان ذلك له في أول شهادتهما لما قضي عليه بالتعجيل، وهما أخراه وهو مليء وهذا أحب إلى. قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا شهدا في دين حال أن ربه أخر به المطلوب سنة،

والدين عين، أو عرض، يكال أو يوزن أم لا، أو طعام، فقضي بالتأخير، ثم رجعا بإثر الحكم أو بعد حلول الأجل، فعليهما غرم الحق للطالب حالاً؛ لأنهما أخرجاه من يده بتعجيله وذلك نقص من حقه، ويطلبان الغريم كان مليئاً أو معسراً، ولا يرجعان على المشهود عليه بما دفعا إليه، ويصير الدين لهما. وقال بعض أصحابنا: إن كان رجوعهما بعد الأجل فقد أتلفا ربح ما أخر عنه من ماله، وأزالا من انتفاعه به لو قبضه، فليغرما ما أتلفا من ماله، وهو الانتفاع بماله. وإن شهدا عليه بدين حال، وهو عين أو عرض، وقال المطلوب: هو إلى أجل فقضي عليه بتعجيله، ثم رجعا بعد محل الأجل الذي ادعى المطلوب، فعليهما ربح ما أخرجا من يده ومنعاه الانتفاع به، إن كان فيما بين إخراجه من يده إلى محل الأجل ما يكون لمثله ربح، وإن لم يكن لمثل ذلك ربح لقربه فلا شيء عليهما. وقال ابن الماجشون في كتابه: إذا رجعا بعد حلول الأجل فلا شمان عليهما فيه وإن رجعا قبل الأجل فعليهما ربح ما أخرجا من يده، وأما إن شهدا لرجل أن له على رجل مالاً إلى سنة، وقال الطالب: حقي حال فعليهما للطالب ربح ما أخرجاه عنه من ماله وأزالا من انتفاعه به. فصل [4 - الرجوع عن الشهادة في الوصية] ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: وإن شهد أن فلاناً الميت أسند وصيته إلى فلان، فحكم له بذلك، فتعدى الوصي على شيء من تركته فأتلفه، ثم رجعا فليغرما ما أتلف الوصي؛ لأن ذلك كان بشهادتهما. والله الموفق للصواب.

[الباب السادس]

[الباب السادس] في الرجوع عن الشهادة على الشهادة ورجوع شهود؟؟؟؟؟؟ [الفصل 1 - في شاهدين يشهدان على شهادة غائبين لبعدهم ثم يقدم شهود؟؟؟؟؟؟ ويقولان: ما أشهدنا أحداً وما عندا علم بهذا] ومن كتاب ابن سحنون: وإذا شهد شاهدان على شهادة غيب يجب النقل؟؟؟؟؟ لبعدهم فقضى بهذا النقل، ثم قدم المنقول عنهم، فقالوا: ما أشهدنا أحداً، وما عندنا؟؟؟؟؟؟ بهذا. فقال بعض أصحابنا: إن الحكم ينقص؛ لأنه لا يجوز نقل الشهادة عمن ينكر؟؟؟؟؟؟؟ وإنما ينفع هذا فيمن يقر على نفسه بشيء، ثم ينكر فهذا يلزمه. قال: ولو رجعوا عن الشهادة فقالوا: قد كنا أشهدناهم وكذبنا في شهادتنا،؟؟؟؟؟ يضمنون ما أتلفوا بشهادتهم، ولا شيء على الناقلين؛ لأنهم إنما نقلوا قولهم. وقال أيضاً: لا يضر رجوع المنقول عنهم؛ لأنهم قد يكونون رجعوا قبل؟؟؟؟؟؟؟ بشهادتهم وهم غيب، ثم لم يمكنهم إعلام من كان يشهد على شهادتهم، والذي؟؟؟؟؟؟ يرى أن لو رجع الناقلون والمنقول عنهم فإن الناقلين هم الضامنون. [الفصل 2 - في الشاهدين يشهدان على شهادة شاهدين ثم يأتي شهود؟؟؟؟؟؟؟ ويقولان: قد كنا أشهدناهما على شهادتنا وقد رجعنا عن الشهادة] ومن كتاب ابن عبد الحكم: وإذا شهد شاهدان على شهادة شاهدين بحق؟؟؟؟؟ فحكم به الحاكم، ثم أتى الشاهدان الأولان إلى الحاكم فقالا: قد كنا أشهدناهما؟؟؟؟؟ شهادتنا، وقد رجعنا عن الشهادة فعليهما غرم الحق للمضي عليه، ليس كما

أصحاب أبي حنيفة: أنهما لا يغرمان بالرجوع شيئاً. قال محمد: الا ترى أنهما اللذان حكم الحاكم بشهادتهما، وأنهما المزوران لا الناقلان عنهما. قال: ولو لم يرجعا، ولكن قالا: لم نشهد ولا أشهدناهم على شهادتنا، فإنهما يغرمان أيضاً، وهو رجوع منهما، وإن قالوا: ما أشهدناهما، وقال الناقلون: صدقا ما أُشهدنا. فالمقضي عليه مخير، إن شاء أتبع المنقول عنهما، وإن شاء أتبع الناقلين، فإن أغرم الناقلين لم يرجعا بذلك على أحد، وإن أغرم المنقول عنهما رجعا بذلك على الناقلين عنهما. قال ابن الماجشون في كتابه، وإذا رجع المنقول عنهما ولم يرجع الناقلان فلا ضمان على المنقول عنهما. قال: وهو في كتاب سحنون. [مسألة: في رجوع ناقلي الشهادة عن شهادتهما وثبوت المنقول عنهما عليها] وأما لو رجع الناقلان، وثبت المنقول عنهما، فإن كان المنقول عنهما عدولاً يوم رجع الناقلان فالحكم ماض، ولا غرم على الراجعين، ويصير كرجلين شهدا على حق فيقضى به ثم رجعا، فأتى شاهدان غيرهما فشهدا بذلك الحق فحكم بشهادتهما، فذلك يرفع الغرم عن الراجعين، ويوجب على الجاحد الحق، وكأنه أقر بما شهدوا به عليه، وإن كان المنقول عنهما غير عدلين عند رجوع الناقلين ضمن الناقلان الحق. [الفصل 3 - في رجوع من نقل الشهادة عن غيره والمنقول عنهم غيب أو حضور راجعين على مذهب من لا يرى عليهم الغرم في رجوعهم] قال في كتاب ابن سحنون: ولو نقل شاهدان عن ثمانية، وشاهدان عن اثنين فيرجع الناقلان، والمنقول عنهما غيب، أو حضور راجعين على مذهب من لا يرى عليهم الغرم في رجوعهم، قال: فليغرم الناقلون عن الثمانية أربعة أخماس الحق، ويغرم الناقلان عن الاثنين

خمس الحق؛ لأنه إنما ينظر ما كان يضمنه الشهود لو رجعوا، فذلك يضمنه الناقل عنهم. قال: ولو نقل ثمانية عن رجل، واثنان عن رجل فقضي بذلك ثم رجع الناقلون في شهادتهم فالثمانية عليهم النصف، والاثنان عليهما النصف؛ لأن الثمانية إنما نقلوا قول واحد، ولو رجع من الثمانية ستة ما كان عليهم شيء؛ لأنه قد بقي من يحيى به النقل، ولو رجع سبعة من الثمانية، وواحد من الاثنين غرم السبعة ربع الحق، والواحد ربعه، ولا ينفع الناقلين أن يقولوا للحاكم: توقف عنا فلعل من نقلنا عنه يغرم بحق شهادته، ويزول عنها الضمان، أو يأتي غيرهما فيشهد به، ويلزمهم الغرم ولا يؤخروا. والله الموفق للصواب.

[الباب السابع] في الرجوع عن الشهادات في الرهان وفي القراض والمساقاة والشراكة والإجارة والعارية والوديعة والتعديل وكسر الخمر ونفقة الزوجة

[الباب السابع] في الرجوع عن الشهادات في الرهان وفي القراض والمساقاة والشراكة والإجارة والعارية والوديعة والتعديل وكسر الخمر ونفقة الزوجة [الفصل 1 - الرجوع عن الشهادة في الرهن] ومن كتاب ابن سحنون: ومن عليه لرجل دين مئة دينار من قرض أو بيع، فأقام الطالب شاهدين أنه رهنه عبده هذا أو عرضا يغاب عليه، فقضي بذلك، ثم حاز الرهن، ثم رجعا وأقرا بالزور، فعليهما غرم قيمة العبد أو العرض الذي أخرجاه من يده، ومنعاه مرافقة فيه، وكأنهما رهنا ذلك عنه، فإن مات العبد فهو منهما، وإن بيع في الدين فكان كفاف أو أقل أو أكثر رجعا عليه أديا عنه، وكان لهما فضل الثمن، فإن كان للغريم مال أدى منه الدين، ورجع العبد إلى الشاهدين على ما هو عليه من نماء أو نقص، وكذلك الحكم في المتاع أن بيع في الدين، أو أدى الدين ربه أو تلف بيته، وإن تلف بغير بينة ضمنه المرتهن، فإن كان كفاف الدين سقط دين المرتهن ورجعوا على الغريم بما وديا عنه إن كان الدين حالاً، وإن كان إلى أجل فإلى أجله، فإن كان في قيمة المتاع فضل سقط دين المرتهن وأتبعاه بالفضلة، واتبعا الغريم بما وديا عنه، وإن شاء المشهود عليه أن يبقى رهنه بيد مرتهنه فمات العبد أو هلك المتاع ببينة فذلك منه، ولا شيء على الراجعين، والدين عليه بحاله، وإن تلف المتاع بغير بينة، وقيمته أكثر من الدين سقط الدين قصاصاً، وخير في فضل القيمة، فإن شاء رجع بها على المرتهن وبرئ الراجعان، وإن شاء أخذها من

الراجعين ورجعا بها هما على المرتهن. فصل [2 - الرجوع عن الشهادة في القراض] وإن شهدا على رجل أنه أخذ من رجل قراضاً على ال نصف، وقال العامل: بل على أن لي الثلثين، وقد قبض المال وربحه، فاقتسما على النصف، ثم رجع الشاهدان، فليضمنا له ما أتلفا، وهو سدس الربح. وإن شهدا أن للعامل الثلثين، وقال رب المال: الثلثان لي، فليس هذه مسألة؛ لأن العامل مصدق بلا بينة، ولو شهدت ثم رجعت ثم يضمن؛ لأنهما لم يحكم بها، ولا أتلفت له شيئاً إن كان قول العامل يشبه، وإن كان قول رب المال خاصة يشبه فحكم بشهادة البينة ثم رجعا فقد أتلفا لرب المال ثلث الربح فيرجع عليهما بذلك، وإن تلف المال على الوجهين فمن رب المال ولا يضمناه. فصل [3 - الرجوع عن الشهادة في المساقاة والكراء] ومن كتاب ابن المواز: ولو شهدا أن صاحب هذا الحائط ساقاه إياه على النصف، وهو منكر فقضي عليه، ثم رجعا وأقرا بالزور، فينظر إلى ما يصير للعامل من الثمرة، فإن كانت النفقة عليهما مثل قيمتها فأكثر فلا شيء عليهما، وإن كانت النفقة أقل غرما لصاحب الأصل الفضل، وإن كان العامل هو المنكر المقضي عليه، ورب الأصل هو المدعي، رم رجعا بعد الحكم فعليهما أن يدخلا مدخله، ويلزمهما ما ألزماه من العمل والنفقة والصلاح. قال محمد بن عبد الحكم: وكذلك في كل كراء من دابة أو أرض أو عمل يد أو غيره إذا كان صاحب الأصل هو المدعي، وأما إن كان صاحب الأرض أو الدابة أو العامل بيده هو المنكر فلينظر إلى قيمة العمل والكراء، فإن كان أكثر مما شهد له به لزمهما

غرم الفضل. فصل [4 - الرجوع عن الشهادة في شركة المفاوضة] ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: وإذا شهدا على من بيده مال أو متاع أن فلاناً شريكه فيه شركة مفاوضة فقضى بذلك، ثم رجعا فعليهما غرم نصف المال، وغرم نصف قيمة العروض، وكذلك لو ضاع ذلك بيد المشهود عليه قبل أن يقبضه المشهود له؛ لأنه حكم نفذ للمضي له يورث عنه ضمانه منه، ويغرمان للمشهود عليه. فصل [5 - الرجوع عن الشهادات في كراء الدابة والعارية والوديعة] ومن كتاب ابن سحنون: ومن ركب دابة رجل من مصر إلى مكة ذاهباً وراجعاً فعطبت بالمدينة، وقال: اكتريتها منه بعشرة دنانير، وأقام بذلك بينة، وربها منكر يقول: غصبتها، فحكم القاضي بالبينة، وأعطاه بحسب ما ركب، ثم رجعا فعليهما غرم ما أتلفا له، وهو فضل قيمة الكراء في الدابة على ما وصل إليه من الكراء، أو فضل ما بين قيمة الدابة يوم ركبها وبين ما وصل إلى ربها من الكراء؛ لأنه لولا البينة كان على رب الدابة اليمين ما أكراه، ثم يأخذ الأكثر من قيمتها يوم ركب، أو كراء مثلها إلا المكان الذي ركبت إليه، فإن اختار الكراء فلا حق له في قيمتها، وكذلك في دعواه العارية، وربها منكر، وقيام البينة ورجوعها، فإن شهدا أن فلاناً أودعه مالاً وهو يجحد فحكم عليه القاضي برد المال فرده، ثم رجعا، فليغرما له ما أتلفا عليه، وكذلك في البضاعة والعارية. فصل [6 - الرجوع عن الشهادة في الإجارة] ومن كتاب ابن عبد الحكم: وإذا شهدا على الصباغ أن فلاناً آجره على أن يصبغ له ثوبه هذا صبغاً معروفاً بدينار، وهو منكر فقضي عليه بذلك، ثم رجعا فليغرما قيمة

الثوب لربه، ويطالب الصباغ بالثوب كما حكم به، ولو أخذ الصباغ الدينار من رب الثوب لرجع به رب الثوب على الشاهدين به، وإن رضي بالصبر حتى يخرج ثوبه فذلك له، فإن خرج فله إن شاء أخذ ثوبه ورد للصباغ ديناراً، وإن أبى أن يأخذه قيل له: أنت كمن عدا عليه الشاهدان فصبغا ثوبه وأخذا منه ديناراً، وهو الذي أخذ منه الصباغ، فيقال له: إن شئت فخذه، وادفع إليهما ما زاده الصباغ إن زاده، وإن شئت أغرمتهما قيمته، ويكون الثوب لهما، يريد: ويغرمان له الدينار في الوجهين. وهذا على قول ابن القاسم في الغاصب يصبغ الثوب. وأما أشهب فيرى لربه أخذه مصبوغاً بلا غرم شيء، إن شاء ذلك أو يضمنه قيمته ويرى الصبغ كالتزويق والجير في الدار. فصل [7 - الرجوع عن الشهادة في التعديل] ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: وإذا شهد رجلان بحق، والقاضي لا يعرفهما، فزكاهما رجلان، فقبلهما القاضي وحكم بالحق، ثم رجع المزكيان، وقالا: زكينا غير عدلين، فلا ضمان عليهما؛ لأن الحق لغيرهما أخذ، ولو رجع الشاهدان ومن زكاهما لم يغرم إلا الشاهدان؛ لأن بهما قام الحق. فصل [8 - الرجوع عن الشهادة في إتلاف الخمر] وإذا شهد رجلان أن مسلماً أو ذمياً كسر لذمي خمراً فحكم عليه بغرمه؛ لأن ذلك من أموالهم، وقد أقروا على ذلك، ثم رجعا وأقرا بالزور فليغرما للمشهود عليه ما أخرجاه من يده. وقاله ابن الماجشون في كتابه، ثم رجع فقال: لا يضمن الجاني شيئاً، ويؤدب. وهو

قول مالك. فصل [9 - الرجوع عن الشهادة في نفقة الزوجة] ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه، وهو في كتاب محمد بن عبد الحكم: وإذا قال الزوج لزوجته: قد صالحتني في نفقتك على خمسة دراهم في كل شهر، وقالت هي: بل على عشرة دراهم في كل شهر، وأقامت شاهدين فحكم بها بهما، ثم رجعا، فإن كانت نفقة مثلها أقل من عشرة فعليهما غرم ما زاد على الزوج على نفقة مثلها. قال محمد بن عبد الحكم: إلا أن تكون نفقة مثلها أقل من خمسة، فلا يغرمان لزوج شيئاً؛ لأنه مقر بالخمسة فيغرمانها للزوج، يريد: ويغرمان ما جاوز الخمسة. والله الموفق للصواب.

[الباب الثامن] في الرجوع عن الشهادة في النكاح والطلاق والخلع

[الباب الثامن] في الرجوع عن الشهادة في النكاح والطلاق والخلع [الفصل 1 - الرجوع عن الشهادة في النكاح] ومن كتاب ابن سحنون وابن المواز: وإن شهد رجلان أن فلاناً تزوج فلانة بمئة دينار، وهي تجحد، فقضي عليها، ودخل الزوج بها، ثم أقرا أنهما شهدا بزور، فالنكاح ماض بالحكم، ولا غرم على الشاهدين، إلا أن يكون صداق مثلها أكثر من مئة دينار فيغرمان الزائد لها، ولو طلقها الزوج قبل البناء، فإن تمادت على الإنكار. فلا شيء لها من الصداق، ولو قالت: إنما جحدت كراهية للزوج، وقد كنت تزوجته، فلها نصف الصداق كالمرأة تدعي أن زوجها طلقها ثلاثاً ولم تجد بينة فبقيت تحته حتى مات، فإن تمادت على تلك الدعوى فلا ميراث لها، وإن قالت: كنت كاذبة كراهية للزوج فلها المثراث، يريد: وتحلف. قال سحنون: ولو أن المرأة تدعي النكاح والزوج يجحد فأقامت بينة بقضى لها، ودخل بها الزوج، وصداق مثلها أكثر مما شهدت البينة به، ثم إن رجعا فلا شيء لها عليهما؛ لأنها طاعت بذلك. قال في الكتابين، فإن شهد على رجل أنه تزوج امرأة بمئة دينار وأنه طلقها قبل البناء، وهو ينكر النكاح مع الطلاق فقضي عليه بنصف المهر، ثم رجعا فليغرما له نصف الصداق، ولو شهدا عليه بالدخول وهو ينكر، ثم رجعا لكان عليهما غرم المهر كله

فصل [2 - الرجوع عن الشهادة في الطلاق البتة] وإن شهدا على رجل أنه طلق امرأته ألبتة، ثم رجعا، فأما بعد البناء فلا اختلاف فيه أنه لا شيء عليهما. وأما قبل البناء: فابن القاسم يرى عليهما غرم نصف الصداق للزوج الذي غرمه. وقال أشهب وعبد الملك وغيرهما: لا شيء عليهما. قال محمد: لأن نصف الصداق قد كان لازماً له بغير شهادتهما، وإنما أطبلا عليه مصابها بهو كما لو دخل بها. قال ابن المواز: وإذا قضي بالفراق في المدخول بها بشهادتهما فاعتدت، ثم تزوجها أحد الشاهدين فلم يبق بها حتى رجعا فإنها تحرم عليه؛ لإقراره أنها زوجة لغيره، ويلزمه لها نصف الصداق؛ إل لا تعلم حقيقة رجوعه، ولعله كرهها. ولو رجع قبل يتزوجها ثم جهل فتزوجها فلا يلزمه لها صداق إلا أن يبني بها فيلزمه مهرها، ولا يقربها وهو يقر أنها ذات زوج. قال ابن الماجشون: إذا رجع قبل التزويج ثم تزوجها فليمنعه الإمام من ذلك ما دام على إقراره، فإن رجع إلى قوله الأول حلف لقد كان ما قال أولاً ثم حل له نكاحها. [الفصل 3 - في الشهود يختلفون فيشهد اثنان بالنكاح وآخرون بالبناء وآخران بالطلاق ثم يرجعون عن شهادتهم] ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا شهد شاهدان على رجل أنه تزوج هذا المرأة على مئة دينار وشهد آخران أنه بنى بها، وآخران أنه طلقها، وهي تجحد ذلك كله، ثم رجعوا كلهم فلا شيء على شاهدي الطلاق؛ لأن الصداق لزمه قبل شهادتهما، وعلى

شاهدي العقد خمسون ديناراً، وعلى شاهدي الدخول خمسون ديناراً؛ لأنه لولا شهادتهما لم يلزمه إلا خمسون. وقاله ابن المواز عن أشهب، واستحسنه إذا كان في شهادة شاهدي البناء أنه أرخيت الستور عليها، وادعت هي المسيس. قال محمد: والقياس أن شاهدي العقد لو لم يشهد غيرهما كان قد ألزماه نصف الصداق، ثم اشتركا مع شاهدي البناء في النصف الذي يوجبه البناء، وهو أحب إلي. قال: وإن شهد عليه شاهدان بالعقد، وآخران بالبناء، وآخران بالعقد والبناء، ثم رجعوا بعد الحكم، ففي قول أشهب أن على شاهدي العقد والدخول والنصف، والنصف الآخر بين شاهدي العقد وشاهدي البناء نصفان، إن كان في شهادة البناء الخلوة وإرخاء الستور. وفي القول الذي اخترت أن يكون نصف الجميع على شاهدي العقد والدخول، والنصف الآخر ثلاثة أرباعه على الشاهدين بالعقد خاصة، وربعه على الشاهدين بالبناء خاصة. م/: فوجه قول أشهب أن شاهدي العقد والبناء أجبا بشهادتهما ما أنفرد به صاحب العقد وشاهد البناء فوجب عليهما النصف، وعلى هؤلاء الأربعة النصف الباقي. ووجه قول محمد أن النصف الباقي نقصه انفرد به شاهد العقد، ونصفه الباقي شاركا فيه شاهدي البناء؛ فلذلك كان عليهم ثلاثة أرباع النصف. ومن كتاب ابن سحنون: وإن شهد شاهدان أنه تزوجها على مئة وهو يجحد، والمرأة تدعي ذلك، ومهر مثلها خمسون، وشهد آخران أنه طلقها قبل البناء فقضي عليه بالنكاح، وكذا بالطلاق، وقبضت منه خمسين ديناراً، ثم رجع جميع الشهود فإنه يرجع على شاهدي العقد بالخمسين، ولا شيء على شاهدي الطلاق؛ لأنهما أتلفا بضعا، وهو لا ثمن له،

والمال قد وجب بغيرهام. فصل [4 - الرجوع عن الشهادة في الخلع] ومن كتاب ابن المواز: قال عبد الملك: وإن شهدا أنه خالعها على ثمرة لم يبد صلاحها ثم رجعا بعد الحكم، وأقرا بالزور فليغرما لها قيمة الثمرة على الرجاء والخوف. وقال ابن المواز: بل يغرمان لها قيمة الثمرة يوم جذها الزوج وقبضها، وكذلك إن خالعها على عبد آبق أو بغير شارد أو جنين في بطن أمه ثم رجعا لم يلزمهما غرم إلا من بعد خروج الجنين وقبضه، وبعد وجدان العبد الآبق والجمل الشارد وقبضهما، فيغرمان لها قيمة ذلك يومئذ. وإلا هذا رجع محمد، ولعبد الملك فيه قول تركته. والله الموفق.

[الفصل التاسع] في الرجوع عن الشهادة في العتق البتل والمؤجل والتدبير والكتابة وأم الولد وغير ذلك [الفصل 1 - الرجوع عن الشهادة في العتق البتل والمؤجل] قد تقدم في الباب الأول أنهما إذا شهدا في عتق عبد ثم رجعا أنهما يضمنان قيمته لسيده، قال في كتاب ابن سحنون: وكذلك لو كانت أمة لغرمها قيمتها إلا أنها لا يحل لها أن تبيح فرجها إن علمت أن البينة شهدت له بالزور، وإن لم تعلم فذلك لها، وإن شهدا أنه أعتق عبده إلى سنين فقضي بذلك ثم رجعا فعليهما لسيده قيمته حالة، ويطلبان ذلك في خدمة العبد، فيؤاجرانه، أو يستخدمانه، فإن قبضا ما وديا قبل الأجل رجع العبد يخدم سيده إلى الأجل، فإن تم الأجل ولم يتم ما وديا فلا شيء لهما مما بقي، وإن مات العبد قبل الأجل وترك مالاً، أو قتل فأخذ له قيمته أو مات بعد الحرية وترك مالاً فليأخذ الشاهدان من ذلك ما بقي لهما، وإن أعتقه السيد قبل أن يقبض الشاهدان ما غرما، أو ما بقي لهما إن كانا قبضا شيئاً من خدمته. قال ابن المواز: وإن قال السيد بعدما أغرمهما قيمته: أنا لا أسلمه إلى الشاهدين، ولكن أنا أستخدمه، وأدفع إليهما ما يحل علي من خدمته فذلك له، وربما كان ذلك في الجارية النفسية وذات الصنعة لذلك له، ويدفع إلى الراجعين كسبهما وعملهما حتى ينتهي ذلك إلى ما غرما، والسيد في ذلك مخير بين أن يسلمه إليهما ليأخذا من خدمته ما وديا، أو يحبسه ويدفع إليهما كلما حصل من خدمته إلى مبلغ ما وديا.

وقال عبد الملك: يعجلان القيمة ويسلم إليهما الخدمة إلى أن يأخذا منه ما ودياه ولا يعجبنا أن يكره السيد على هذا. قال سحنون: ولو شهدا أنه أعتق عبده هذا عام أول في المحرم فقضي بذلك ثم رجعا فغرما قيمته، ثم شهد آخران أنه أعتق عام أول في صفر فقيل لا يلتفت الحاكم إلى ذلك، ولا ينفع الراجعين؛ لأنه عتق بشهادتهما قبل ذلك، إلا أن يقر السيد بالعتق فيرد إليهما ما أخذ منهما، وقد قيل: إن القاضي يقبل الشاهدين بالعتق في صفر، وإن جحد السيد ويرزمه رد ما أخذه من الشاهدين الأولين. وهذا أعم وآكد من القول الأول. ولو شهدا في معتق إلى أجل أن سيده عجل عتقه فقضي بذلك ثم رجعا فعليهما قيمة خدمته إلى الأجل على غررها، ولو كان معتقاً إلى موت فلان فعليهما قيمة خدمته أقصر العمرين عمر العبد أو عمر الذي أعتقه إلى موته. فصل [2 - الرجوع عن الشهادة في التدبير] ولو شهدا على رجل أنه دبر عبده فقضي بذلك، والسيد جاحد، ثم رجعا وأقرا بالزور فليتعجل منهما قيمة العبد، ويقال لهما: ادخلا فيما أدخلتما فاقتضيا من الخدمة التي أبقيتما بيده ما وديتما، ثم ترجع بقيمة خدمته لسيده. قال ابن المواز: تؤخذ منهما القيمة يوم الحكم ثم يخير السيد بإسلامه إليهما يأخذان من خدمته ما وديا ما دام سيده حياً، ثم يرجع هو إلى سيده مدبراً، وإن شاء كان أولى بخدمته ودفع إليهما قيمة تلك الخدمة، فإن مات السيد وهو في الخدمة التي صارت لهما قبل أن يستوفيا، وخرج من ثلثه عتق، ولا شيء لهما غير ما أخذا، وإن لم يخرج إلا بعضه فالشاهدان أحق بما رق منه حتى يستوفيا ما بقي لهما، فإن أفضل من ثمن مارق منه

شيء بعد ذلك فهو لورثته، ولم يربحا فيما وديا. وقاله سحنون في موت السيد. قال سحنون: ولو مات المدبر قبل أن يستوفيا وترك مالاً أو قتل لأخذا من ماله أو من قيمته ما بقي لهما، وإن لم يترك شيئاً فلا شيء لهما، ولو بتل السيد عتقه قبل أن يستوفيا فليس لهما رد عتقه، ويغرم السيد لهما ما بقي لهما مما ودياه، ولو مات السيد، وعليه دين برقه فإنه يباع لهما قبل الدين، ويستوفيان من ثمنه ما أديا مثل ما لو جنى والدين محيط به فأهل الجناية أولى بما في رقبته، وكذلك قيمته أولى برقبته. قال: ولو رجع شاهدا التدبير فلزمهما قيمته أدياها، ثم شهد غيرهما أو سيده دبره قبل ذلك، أو بتل عتقه فقضى بذلك القاضي فليرد السيد ما أخذ من الراجعين، وإن شهدا أنه أعتق مدبره وهو مقر أنه مدبره، وجاحد العتق البتل فقضى بتعجيل عتقه ثم رجعا فعليهما قيمته لسيده؛ لأنهما أتلفاه عليه؛ ولأنها لو كانت أمة كان له وطؤها ويقضي بها دينه بعد موته، وقاله ابن المواز. قال [3 - الرجوع عن الشهادة في الكتابة] قال سحنون: وإن شهدا أنه كاتب عبده فقضي بذلك، ثم رجعا، وأقرا بالزور فالحكم اض، وليؤديا قيمته ناجزة للسيد يوم الحكم، ويتأديانها من الكتابة على النجوم، فإن اقتضيا منها مثل ما أديا رجع السيد فيأخذ بقية الكتابة منجمة، فإن وداها عتق، وإن عجز رق له، وإن عجز قبل أن يقبض الراجعان ما وديا بيع لهما منه بتمام ما بقي لهما، فإن لم يكن فيه تمام ذلك، فلا شيء لهما غير ذلك.

قال ابن المواز: وهذا قول عبد الملك. وبه أقول. قال سحنون: وقال بعض أصحابنا: إذا رجعا بيعت الكتابة بعرض، يريد: ثم يباع العرض بعين، فإن كان فيه وفاء بقيمة العبد فاكثر فهو للسيد، وإن كان أقل رجع عليهما بتمام القيمة، والقول الأول أكثر. قال: وإن شهد المكاتب أن سيده قبض منه كتابته وأعتقه، أو شهد أنه أسقط عنه كتابته وخرج حراً فقضي بذلك ثم رجعا فليغرما للسيد ما أتلفا عليه مما كان عليه المكاتب، كان ذلك عيناً أو عرضاً. قال في كتاب ابن المواز: يؤديان على النجوم، وقاله عبد الملك. فصل [4 - فيمن شهدا على رجل أنه أولد جاريته ثم رجعا عن شهادتهما] ومن كتاب ابن المواز قال: وإن شهدا على رجل أنه أولد جاريته، أو أقر أنها ولدت منه فحكم عليه بذلك ثم رجعا فعليهما قيمتها للسيد، ولا شيء لها، وهي أم ولد للسيد يطأها ويستمتع بها، ولم يبق فيها خدمة يرجعان فيها بما غرما إلا أن تجرح أو تقتل فيؤخذ لذلك أرش، فلهما الرجوع في ذلك بمقدار ما وديا، والفضل للسيد. قال محمد: ولا يرجعان فيما أفادت من مال بهبة أو بعمل أو بغير ذلك وذلك للسيد مع ما أخذ. م/ وقال سحنون: يرجعان في الأرش وفيما أفادت. قال ابن المواز: وإن شهدا في أم ولد رجل أنه أعتقها فحكم بذلك ثم رجعا، فقال أشهب وعبد الملك: إنه لا شيء على الشاهدين؛ لأنه لم يبق له فيها غير الوطء ولا قيمة له

كما لو شهد أنه طلق امرأته بعد الدخول ثم يرجعان، وإن السفيه يعتق أم ولده فيجوز ذلك، وهو لو وضع خدمة من أعتقه أبوه إلى أو وضع كتابة مكاتب لم يجز ذلك. وقال ابن القاسم: على الشاهدين قيمتها للسيد كما لو قتلها رجل، والقول الأول أولى وأصح.

[الباب العاشر] في الرجوع عن الشهادات في الأنساب والمواريث

[الباب العاشر] في الرجوع عن الشهادات في الأنساب والمواريث [الفصل 1 - في الرجوع عن الشهادة في الأنساب] ومن كتاب ابن سحنون: ومن ادعى أنه ابن رجل، والأب ينفيه فأقام بينة أن الأب أقر أنه ابنه فحكم بذلك ثم رجعا قبل موت الأب فلا شيء عليهما في تثبيت النسب قبل أن يرث، وتمنع العصبة، فحينئذ يغرما للعصبة ما أتلفا عليهم. ومن كتاب ابن المواز: وإن شهدا على رجل أنه أقر في عبده أنه ابنه فقضي بإلحاق نسبة ذاك العبد وحريته، ثم رجعا، والسيد صحيح البدن فالحكم بالنسب ماض، وعليهما للسيد قيمة العبد. فإن مات الأب بعد ذلك، وترك ولداً آخر مع المستلحق فليقسما تركته إلا قدر قيمة المستلحق الذي أخذ الأب من الشاهدين، فإنها تعزل من التركة، وتكون للابن الأول وحده؛ لأن المستلحق مقر أن أباه ظلم فيها الشهود، وأنه لا ميراث له فيها، وينظر إلى ما حصل للمستلحق من الميراث غير القيمة فيغرم الشاهدان مثله للابن الأول بما أتلفا عليه. قال محمد: وإنما جعلنا القيمة للابن الأول؛ لأنا لو قسمناها بينهما لرجع الشاهدان على المستلحق فيما أخذ منهما فأخذاه منه؛ لأنه مقر أنه لا رجوع لأبيه عليهما لصحة نسبه، فإذا أخذ ذلك منه قام الابن الأول عليهما وأخذ ذلك منهما؛ لأنه يقول لو بقي ذلك بيد المستلحق وجب لي الرجوع بمثله عليكما أن تغرما كل ما أخذ من التركة؛

لأنكما ألحقتماه بأبي فلذلك أخرجناها أولاً للابن الأول. قال مطرف: ولو طرأ على الميت دين لرجل مائة دينار فليأخذ من كل واحد من الولدين نصفها، فإن عجز ذلك أتم قضاء الدين من تلك القيمة التي انفرد بها الأول، ورجع الشاهدان على الابن الثابت فأغرماه مثل الذي غرمه المستلحق للغريم. م/: ولأنهما كانا قد غرما له مثل ما أخذ الملحق والذي أخذ الملحق قد قضي به الابن دين الأب، ولا ميراث للابن الثابت إلا ما فضل عن الدين فهو كما لم يأخذ الملحق شيئاً. وكان يجب عليهما غرم ذلك للثابت؛ فلذلك وجب أن يرجعا به عليه. قال: وإن لم يكن للميت ولد غير الملحق، وترك مئتي دينار، يريد: أن المئة الواحدة قيمة الملح. قال: فالمئة الواحدة له فقط، والمئة الأخرى للعصبة، أو لبيت المال، ويغرم الشاهدان مئة أخرى للعصبة، أو لبيت المال؛ لأنهما لولا شهادتهما أخذ العصبة مئتين، فإن طرأ على الميت دين مئة دينار أخذت من المستلحق وحده، ورجع الشاهدان فأخذا المئة التي وديا للعصبة أو لبيت المال بعد موت الميت. م/: وإنما غرم الدين الملحق وحده؛ لأنه مقر أن الذي ترك أبوه مئة دينار، والمئة التي هي قيمته أخذت من الشاهدين ظلماً فوجب أن ترد المئة التي ورث إذ لا ميراث إلا بعد وفاء الدين، وإنما رجع الشاهدان أيضاً المئة على العصبة؛ لأنهما غرما لهما ما أخذ الملحق، والذي أخذ الملحق قد قضي به دين وليهما، ولا ميراث إلا بعد قضاء الدين. فصل [2 - الرجوع عن الشهادة في المواريث] قال مالك: ومن هلك فأقام رجل شاهدين أنه أخوه، لا يعلمان له وارثاً سواه فحكم له بذلك، فورث أخاه، ثم أقام آخر شاهدين أنه ولد الميت فحكم له بذلك وانتزع من الأخ ما ورث، ثم رجع الأربعة وأقروا بالزور، فليغرم شاهد الأخ لبيت المال مثل جميع

التركة، ويغرم شاهد الابن للأخ مثل جميع التركة، فإن احتج شاهد الأخ أن شاهدي الابن قد أخرجا المال على الأخ وعن بيت المال، قيل لهما: لا حجة لكما بذلك؛ لأن شاهدي الابن قد رجعا، ووجب للأخ أن يأخذ منهما ما أتلفا عليه، فلولا شهادتكما كان ذلك لبيت المال لا للأخ. فصل [3 - فيمن ترك أخاه لأبيه فورثه ثم أقام آخر البينة أنه شقيق الميت فقدم على الأخ لأب ثم رجع الشهود عن شهادتهم للثاني] ومن ترك أخاه لأبيه فورثه، فأقام آخر شاهداً بأنه أخو الميت شقيقه، وشاهداً بأنه أخوه لأبيه وشاهداً بأنه أخوه لأمه. قال: قد ثبت أنه له شاهدين أنه شقيق؛ لأن الشاهد أنه شقيق قد قارنه واحد على الأب، وآخر على الأم، فيكون أحق من الأخ للأب، فإن قضي بذلك ثم رجع هؤلاء الثلاثة وأقروا بالزور فليغرموا للأخ للأب ما ورث هذا بشهادتهم، فيغرم الشاهد بأنه شقيق نصف المال أربعة من ثمانية، ويغرم الشاهد بأنه أخ للأب ثلاثة أثمان المال، ويغرم الشاهد بأنه أخ للأمم ثمن المال؛ لأن الشاهد أنه أخ للأم قد شاركه الشاهد بأنه شقيق فصار السدس بينهما نصفين وأصاب الشاهد بأنه أخ للأب قد شاركه الشاهد أنه أخ شقيق في الأب فوجبت له بشهادتهما نصف المال وللثابت نصفه فعلى الشاهد أنه أخذ للأب ربع المال فأخرج ربعاً ونصف السدس وذلك أربعة من اثني عشر وقد علمت أن على الشاهد أنه شقيق مثل ما غرما أربعة أجزاء فأقسم غرمهم على ثمانية أجزاء.

قال: ولو كان إنما ورث الميت جده وأخوه لأبيه، ثم كانت الشهادة لأخ شقيق كما ذكرنا من الثلاثة فيؤخذ له من الأخ للأب النصف الذي في يده ويؤخذ له من الجد السدس لأن الشقيق يعادل الجد بالذي للأب ولا يرث فإن كان ذلك ثم رجع الثلاثة فليغرم الشاهد أنه أخ لأم للأخ للأب ثلث النصف الذي أخرجه من يده؛ لأنه قد شاركه صاحباه في إخراج ذلك ولم يضر بشهادته الجد، ويرجع الجد على الشاهدين الآخرين بالسدس بينهما نصفين ثم يغرمان للأخ الأول الثلث. قال: ومن ترك مائة دينار فورثها مولاه ثم قدم رجل فأثبت بشاهدين أنه ابن عمه فقضي له وأخذ ما بيد المولي ثم قدم آخر فأثبت أنه أخوه شقيقه فأخذ ما بيد ابن العم ثم قدم آخر وأثبت أنه ابنه فأخذ ما بيد الأخ ثم رجع جميع الشهود. قال: فعلى شهود الابن غرم المائة دينار للأخ كما أتلفها عليه، وكذلك على شهود الأخ غرمها لابن العم وعلى شهود ابن العم غرمها للمولى ولبيت المال إن لم يكن مولى. وفيما ذكرنا من هذا دليل على ما بقي منه. والله الموفق للصواب.

[الباب الحادي عشر] في الرجوع عن الشهادات في الدماء والعفو عنها

[الباب الحادي عشر] في الرجوع عن الشهادات في الدماء والعفو عنها [الفصل 1 - في الرجوع عن الشهادة في الدماء] قد تقدم في أول الكتاب ذكر الاختلاف هل يقاد من الشهود إذا رجعوا وأن أكثر القول أن لا يقاد من الشهود. وعلى هذا القول أجرى مسائل هذا الباب. ومن كتاب ابن المواز: وإن شهد رجلان على حر أنه قتل حراً فقتل ثم رجعا وقالا تعمدنا الزور ليقتل به فإنهما لا يقتلان ويضمنان الدية في أموالهما، وإنما لم يقتلا؛ لأنهما لم يجنيا بأيديهما وإنما قتله السلطان بما غراه ولم أجعل ديته على عاقلتهما؛ لأن عدالتهما يوم رجعا قد سقطت فلو قبلت قولهما في الرجوع على العاقلة لنقضت بقولهما الحكم الأول. قال: ولو شهدا أنه قتله عمداً فحكم الإمام بقتله ودفه إلى أولياء المقتول فذهبوا به ليقتلوه فرجعا وأقرا بالزور قبل أن يقتل فقد اضطراب فيه القول. فقال ابن القاسم: ينفذ عليه القتل بالحكم الأول، ولا يرد برجوعهما؛ لأنهما الآن ممن لا تقبل شهادتهما، وإنما يؤخذان بقولهما الثاني في أنفسنا فيما أقر به مما اتلفاه فضمناه. ثم رجع ابن القاسم فقال هذا هو القياس، ولكن أقف عن قتله لحرمة القتل، وكذلك القطع وشبهه، وأرى فيه العقل أحب إلي. واختلف أيضاً قول أشهب كاختلاف قول ابن القاسم. وقال أصبغ: القياس القتل والقطع والرجم في الزنى للمحصن وفي كل شيء، ولكن أستحسن لحرمة الدم وخطر القتل أن لا يقتل ولا دية فيه على المشهود عليه ولا على الشهود وأراه شبهة كبيرة. وقاله ابن المواز. قال: ويجلد الزاني المحصن أدنى الحدين مائة جلدة.

وقاله أشهب قال وكذلك لو شهدا في قطع يد رجل فحكم بالقصاص ثم رجعا فليدرأ عنه القطع. قال محمد: ولو كان الزاني غير محصن لأمضي عليه الجلد. فصل [2 - في الرجوع عن الشهادة في العفو في الدماء] ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون: وإذا شهدا على ولي الدم أنه عفا عنه أو على المجروح في جرح عمد أنه قد عفا عنه فحكم القاضي بإسقاط القود ثم رجعا فلا يضمنان شيئاً؛ لأنهما لم يتلفا مالاً، ولا قصاص على القاتل؛ لأنه حكم نفذ لا يرد. وكذلك في كتاب ابن المواز وشبهه برجوعهما في الطلاق. قال سحنون: ويجلد القاتل مئة، ويحبس سنة، ويؤدب الشاهدان. وقال محمد بن عبد الحكم: بل يغرمان الدية؛ لأنه كان له في أحد قولي مالك أن يأخذ الدية أو يقتل. وهو قول أشهب. قال سحنون: ولو كانت شهادتهما أنه عفا على أن يأخذ مائة دينار وهو يجحد، والجاني يدعي ذلك فحكم بذلك ثم رجعا، فإنه لا شيء لولي القصاص، ولا شيء على الشاهدين؛ لأن الجاني مخرج المال مقر بأنه عفا عنه بذلك، وولي القصاص لم يتلفا عليه غير القصاص الذي لا ثمن له، ولو كان الجاحد الجاني، وولي القصاص يدعي أنه صالحه على ذلك، أو على الدية فقضي بذلك ثم رجعا فإن عليهما أن يغرما للجاني ما أخرجاه من يديه ويؤدبان.

[الباب الثاني عشر] في الرجوع عن الشهادة في الزنى والسرقة والقذف والأدب والشهادة على الزوج أنه قذف والتعن ثم وجد أحدهما عبدا أو رجعا أو علم الزوج والزوجة أنهما كاذبان

[الباب الثاني عشر] في الرجوع عن الشهادة في الزنى والسرقة والقذف والأدب والشهادة على الزوج أنه قذف والتعن ثم وجد أحدهما عبداً أو رجعا أو علم الزوج والزوجة أنهما كاذبان. [الفصل 1 - في الرجوع عن الشهادة في الزنى] ومن كتاب ابن المواز وغيره: وإن شهد ستة على رجل بالزنى فرجم بشهادتهم ثم رجع منهم واحد، أو اثنان، وأقروا بتعمد الزور فلا شيء على من رجع من حد ولا غرم؛ لأنه قد بقي أربعة أثبتوا أنه زان، وعلى من رجع الأدب، ثم إن رجع بعد ذلك واحد من الأربعة غرم هو والراجعان قبله ربع الدية بينهم أثلاثاً مع الحد على كل منهم سواء رجعوا معاً أو مفترقين، ولا أدب عليهم مع الحد، ثم إن رجع آخر لزمه ربع الدية شاركه فيها كل من رجع، ويشركهم فيما غرموا فيصير نصف الدية بينهم أرباعاً، ثم عن رجع ثالث لزمهم أيضاً ربع الدية يشاركه فيه كل من رجع فتكون ثلاثة أرباع بينهم أخماس وذكر لنا عن ابن القاسم أنه كان يقول على من رجع الحد، وإن بقي ممن لم يرجع أربعة، وأبى ذلك عبد الملك وغيره، وروى مثله عن ابن القاسم أيضاً. قال أصبغ: وكأنه تأول في قوله الذي خالفه فيه عبد الملك أ، الراجع مقر أنه قاذف لمن لم يزن، وأنه وبقية الشهود اتفقوا على أن يشهدوا عليه بزور في مقام واحد وأنه لقول حسن. ومن حجة عبد الملك أنه لما بقي أربعة ينفذ بهم عليه الحد فكأن الراجع إنما قذف من حق عليه الزنى.

قال: وإذا شهد عليه أربعة بالزنى فرجم، ثم رجع أحدهم، فكان يقول يحد من لم يرجع مع من رجع، ثم رجع عن هذا القول، وقال: لا حد على من لم يرجع؛ لأن الحكم لم ينقض. قال محمد: وإذا شهد ستة على محصن بالزنى، فأمر الإمام برجمه فلما رجم فقئت عينه في الرجم رجع واحد، ثم تمادوا في رجمه فأوضح موضحة فرجع ثان، ثم تمادوا في رجمه حتى قتل فرجع ثالث، قال: إنه لو لم يرجع هذا الثالث لم يكن على من رجع قبله شيء فأرى على الراجح الأول سدس دية العين، وعلى الثاني خمس دية الموضحة وسدس دية العين، وعلى الراجع بعد قتله ربع دية النفس فقط؛ لأن دية النفس تأتي على ما قبل ذلك، قال في رواية غير مطرف: وقد قيل فيها: إن على الثالث أيضاً سدس دية العين وخمس دية الموضحة، والأول أصح. قال: وإن شهد عليه أربعة بالزنى وشهد اثنان غيرهم بالإحصان فرجم، ثم رجع جميع الشهود: فقال ابن القاسم: الدية على شهود الزنى، ولا شيء على شاهدي الإحصان. وقال أشهب وعبد الملك: بل الدية على الستة أسداساً. قال ابن المواز: والذي أقول به: أن نصف الدية على شاهدي الإحصان، ونصفها على شهود الزنى. وقد سمعت من يقوله. وقال أصبغ: بقول ابن القاسم، وبه قال سحنون.

فصل [2 - في رجلين يشهدان على رجل أنه أعتق عبده والسيد يجحد فقضي عليه ثم شهد أربعة أن العبد زنى وأنه محصن فقضي عليه بالرجم ثم رجع جميع الشهود] قال سحنون: وإذا شهد رجلان على رجل أنه أعتق عبده، والسيد يجحد فقضى عليه، وشهد أربعة أنه زنى، وأنه محصن فقضى عليه ورجم، ثم رجع جميع الشهود، والسيد مقيم على إنكار العتق فله القيمة على شاهدي العتق، وعلى شهود الزنى الحد، والدية لورثة المعتق الأحرار، فإن لم يكن له وارث غير السيد فإنه إن أخذ القيمة من شهود العتق رجع بها شهود العتق على شهود الزنى، ولم يكن على شهود الزنى إلا قيمة عبد، وإن أخذ القيمة من شهود الزنى لم يكن على شهود الزنى غيرها؛ لأن سيده مقر أنه عبد، ولا يرجعون على شهود العتق بشيء؛ لأنهم هم أتلفوا النفس، وإن أقر السيد بالعتق لم يكن له على شاهدي العتق شيء، وله الدية على شهود الزنى إن لم يكن له وارث غيره، وإن كان له وارث غيره فذلك لورثته. فصل [3 - الرجوع عن الشهادة في القذف] قال سحنون: وإذا شهدوا على رجل أنه قذف رجلاً، أو شتمه، أو لطمه أو ضربه بسوط فحده القاضي في القذف، أو أدبه فيما يجب عليه فيه الأدب ثم رجع الشهود وأقرا بالزور، فليس فيها عند جميع أصحابنا غرم، ولا قود، ولا حد معروف إلا الأدب من السلطان، ولا تقع المماثلة في اللطمة، وضرب السوط بأمر يضبط، ولا أرش لذلك وإنما فيه الأدب.

فصل [4 - في إبطال حكم اللعان إذا تبين أن الشاهدين ليسا ممن تقبل شهادتهما] قال سحنون: وإذا أقامت المرأة شاهدين على زوجها أنه رماها بالزنى فأمر القاضي الزوج باللعان، فالتعن خوفاً أن يبيح ظهره وهو يعلم أنهما شهدا بزور، والتعنت هي، وفرق بينهما، ثم تبين أن أحد الشاهدين عبد أو محدود، فإن القاضي يبطل الحكم باللعان الذي كان بينهما ويردها إلى زوجها وتكون امرأته. قال سحنون: ولا يكون قوله: أشهد بالله أني لمن الصادقين إقراراً من قبل أنه قد ظهر أنه إنما اضطر إلى ذلك خوف الضرب كمن لم يقر، وكالمكره. وقال ابن الماجشون في كتابه: لو رجع الشاهدان بعد الحكم بتمام اللعان بينهما لم يغرما لزوج شيئاً إن كان قد دخل بها، وكذلك إن كان لم يدخل بها في قوله. وقد مضى ذكر الاختلاف في رجوعهما في الطلاق قبل البناء. [الفضل 5 - حكم الحاكم لا يبيح للمحكوم له ما حرم عليه ولا يحرم عليه ما أبيح له] قال: ولو شهدا على زوجها أنه قذفها بالزنى، والرجل والمرأة يعلمان أنهما كذبا وشهدا بزور، فقبلهما القاضي، وأمرهما باللعان فالتعنا خيفة الحد، ففرق بينهما، وجعلها لا تحل له أبداً بظاهر الحكم، فذلك لا يحرمها عليه بينه وبين الله سبحانه، ولكنا نكره ذلك لئلا يعد زانياً فهتك حرمته، ويضيع نسبه إن كان حملاً ولئلا ترجم إذا وضعت، ولا يجوز له أن ينكح أختها، ولا أربعاً سواها، ولا يجوز لها هي أن تنكح زوجاً غيره، وإن كانت هي لا تعلم إلا ظاهر الأمور فجائز لها أن تنكح غيره على ظاهر الحكم، فكذلك الحكم إذا شهدوا عليه أنه فارق زوجته وهما يعلمان باطل قولهما، ولو أن الزوج رماها بالزنى وهي تعلم كذبه فلاعن بينهما الإمام والتعنا وفرق بينهما الإمام وحرمها عليه للأبد فإنها لا تحرم عليه في النكاح لأن الزوج هاهنا راض بحكم السلطان وتحريمها عليه وإباحتها للأزواج.

واعلم أن حكم الحاكم لا يبيح للمحكوم له ما يعلم باطل دعواه فيه. وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار». قال محمد بن يونس: وقد بقيت مسائل من الرجوع عن الشهادة في الزنى ووجود أحد الشهداء عبداً مسخوطاً لتعلقها بمسائل كتاب الرجم فأوعب ذكرها هناك إن شاء الله تعالى والله الموفق. تم كتاب الرجوع عن الشهادات بحمد الله وحسن عونه.

كتاب المديان

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كتاب المديان [الباب الأول] في حبس المديان ومطالبته والرفق به والتشديد عليه [الفصل 1 - في حبس المديان] قال مالك رحمه الله: والأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن الحر إذا فلس لا يؤاجر. قال ابن القاسم: ولا يستعمل. قال مالك: لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280]. ولم يزد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غرماء معاذ على أن خلع لهم ماله، ولم يأمر لهم ببيعه. قال مالك: ولا يحبس في الدين حر ولا عبد إذا لم يتبين لدده، ولا اتهم أن يكون غيب ماله، ولكن يستبرأ أمره إلا أن يحبسه قدر تلومه في اختباره، وكشف حاله، أو يأخذ عليه حميلاً لذلك، فإن لم يجد له شيئاً، ولا غيب شيئاً لم يحبسه. قال: ويحبس من اتهم أن يكون غيب ماله، ومثل من يقعد من التجار بأموال الناس، ويقول: ذهب مني ولا يعلم أهل موضعه أنه أجيح بحريق، أو سرقة، أو نحو ذلك فإنهم

يحبسون, إذا حبس لتهمة، أو لدد لم يكن لطول ذلك حد، ولكن يحبس أبداً حتى يقضى أو يتبين عُدمُه، فإن تبين أطلق، ثم ليس لرب الدين ملازمته، ولا منعه من التصرف، ولا أن يوكل به من يلازمه. ورى ابن وهب أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يستحلفان المعسر الذي لا يعلم له مال أنه لا يجد قضاء في قرض أو عرض وأنه وجد ليقضين. قال ابن المواز: قيل لمالك: في الذي يزعم أنه أجيح ويشهد له أناس أنه لا شيء عنده، قال: كيف يعرفون أنه لا شيء عنده؟ أرى أن يسجن، ولا يعجل سراحه. قال غيره: وإذا أقيم على مديان فادعى الفقر لم يقبل منه وهو على الغنى؛ لأنه أخذ أعواض ما يطلب به، فلا تقبل دعواه، وكذلك لو قيم عليه بدين لم يأخذ منه عوضاً مثل الناس، فهم حتى يظهر خلافه، وإذا أراد أن يعطي حميلاً بوجهه حتى يثبت فقره فلا يسجن عند ابن القاسم. وفي كتاب محمد بن سحنون فيمن طلب بحق فقال: أنا فقير. وظاهره الملاء، وأقام بينة أنه فقير، ولم يزك أيأخذ به حميلاً أو يسجنه؟ قال: يسجن حتى تزكى بينته. م/: قيل: إنما لم يقبل منه الحميل؛ لأنه إذا ذهب لم يحلف الحميل إذ لابد من يمينه أنه لا يجد قضاء. م/ ويحتمل أنه إنما سجنه؛ لأنه ظاهر الملاء، وبينته التي لم تزك كلا شيء.

قال سحنون: فإن سأل أن يؤخر يوماً ونحوه، ويعطي حميلاً بالمال، قال: يؤخر، فإن لم يجد حميلاً بالمال سجن. وقال غيره: وقد حبس النبي -صلى الله عليه وسلم- في التهمة، وحبس كثير من الصحابة من الصدر الأول. [الفصل 2 - مدة حبس المديان] ولا حد لحبسه، وذلك موكول إلى اجتهاد الإمام على ما يظهر له من تهمة الغريم ولدده وظلمه. وقال أبو حنيفة: يحبس شهرين أو ثلاثة. ودليلنا: أن الغرض إنما هو اختبار حاله وتبين إعساره، فالعلم بذلك ربما كان في المدة اليسيرة، وربما كان في المدة الكثيرة، فوجب ألا يتعذر إلا بغلبة الظن. واستدل بعض البغداديين على جواز حبر المديان بقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَامَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران:75]، فإن كان له ملازمته ومنعه من التصرف جاز حبسه، ولا خلاف بين فقهاء الأمصار في ذلك، وحبس المديان على ثلاثة أوجه: المحبوس على طريق الاختبار إذا لم يتهم أن يكون خبأ مالاً، والمحبوس لتهمة أو لدد فهذا يحبس حتى يقضى أو يظهر عدمه، والمحبوس إذا علم يقيناً أنه خبأ مالاً فهذا يحبس أبداً حتى يخرج ذلك المال. ابن حبيب قال ابن الماجشون إذا حل الدين وطلب الغريم أن ينظره، ووعده بالقضاء، أخره الإمام قدر ما يرجو له، ولا يعجل عليه، وأما إذا تفالس ولم يوعد

بالقضاء، وجهل عدمه، حبس في الدريهمات اليسيرة قدر نصف الشهر، وفي الوسط من الدين شهرين، وفي الكثير منه أربعة أشهر. [مسألة: في المدين يمنع من دخول امرأته إليه إلا أن يكون الدين لها وترغب في الدخول عليه] وقال سحنون فيمن سجن في دين لامرأته، أو غيرها، فليس له أن يدخل إليه امرأته؛ لأنه إنما سجن للضيق عليه فإذا لم يمنع لذته لم يضيق عليه، إلا أن تشاء امرأته الدخول عليه إذا سجن في دينها فذلك لها؛ لأنها لو شاءت لم تسجنه فيه. مسألة: في المحبوس في الحقوق يمرض ويحتاج إلى خدمة أمته، وفي الزوجين يحبسان في الدين ويطلبان الاجتماع في مكان واحد] وقال ابن المواز: لا يمنع المحبوس في الحقوق ممن يسلم عليه أو يحدثه، وإن اشتد مرضه، واحتاج إلى أمة تباشر منه مالاً يباشر غيرها، وتطلع على عورته فلا بأس أن تجعل معه حيث يجوز ذلك، وإذا حبس الزوجان في دين فطلب الغريم أن يفرق بينهما، وطلب الزوجان أن يجتمعان، فذلك لهما، إن كان السجن خالياً، وإن كان فيه رجال غيرهما حبس معهم. وأما المرأة فإنها تحبس مع النساء. [الفصل 3 - لا يخرج المحبوس للقربات غير زيارة الأقرب من قرابته إذا اشتد مرضهم وخيف عليهم الموت] ولا يخرج المحبوس للجمعة ولا للعيد، واستحسن إذا اشتد مرض أبويه، أو ولده، أو أخته، ومن يقرب من قرابته، وخيف عليه الموت أن يخرج ويسلم عليه، ويؤخذ منه كفيل بوجهه، ولا يفعل ذلك في غيرهم من القرابات.

ابن عبد الحكم: ولا يخرج لحجة الإسلام، ولو أحرم بحجة أو عمرة وقيم عليه بالدين حبس، وبقي على إحرامه. ولو ثبت عليه الدين يوم نزوله مكة، أو منى، أو عرفة استحسنت أن تؤخذ منه كفيل حتى يفرغ من الحج، ثم يحبس بعد النقر الأول، ولا يخرج ليغير على العدو، إلا أن يخاف عليه الأسر، أو القتل بموضعه، فإنه يخرج إلى غيره، فيخرج بحميل، فإذا عاد إليه عقله يرد. ويحبس النساء على حدة والرجال على حدة. [الفصل 4 - في حبس أحد الزوجين في دين الآخر والولد في دين أبويه] ومن المدونة قال مالك: ويحبس في الدين أحد الزوجين لصاحبه، والولد في دين الأبوين، ولا يحبسان في دينه. وقد قال مالك: لا أرى أن يحلف الأب للابن في دعواه عليه، فاليمين أيسر من السجن. قال: وإن لم أحبس الأبوين للولد فلا أظلم الولد لهما. قال مطرف: ويأمرهما الإمام فيما يثبت عليهما أن يقضياه. وقال ابن القاسم: إن ألح الابن في استحلاف الأبوين حلفا له، وهي جرحه على الابن.

قال ابن المواز: وذلك عقوق إذا استحلفه أو أخذ منه حداً. ولا تجوز شهادته، ولو عذر بالجهالة، أو كان حقه حقاً. ويحبس الأب إذا امتنع من نفقته على ولده الصغار؛ لأنه يضر بهم ويقتلهم، وبخلاف دين الود على أبويه. قال ابن عبد الحكم: ويحبس الأب في دين على الابن إن كان له في يد الأب مال، وكذلك الوصي يحبس فيها فيما على اليتامى من دين إن كان لهم بيده مال ولم يدفعه. [الفصل 5 - في حبس الجد في دين حفيده وبقية أقاربه في حبس النساء والعبيد والمكاتب] ومن المدونة: وبحبس له سواهما من الجدود ومن الأقارب، ويحبس في ذلك النساء والعبيد ومن فيه بقية رق، وهم في هذا الأحرار سواء، ويحبس النساء في القصاص والحدود، ويحبس السيد في دين مكاتبه. يريد: ويحبس المكاتب في دين سيده. قال: ولا يحبس مكاتب بعجز عن كتابته إذ ليست في ذمته، ولكن يتلوم له. فصل [6 - في الترغيب في الرفق بالمديان وما روي من التشديد عليه] ابن حبيب: وجاء الترغيب في الرفق بالمديان. فمنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أحب الله عبداً سمحاً إذا قضى سمحاً إذا اقتضى»،

وقال: «وليأخذ حقه في عفاف واف أو غير واف»، وقال: «من سره أن يفرج الله كربه ويعطيه سؤله) وفي حديث آخر: «أن يظله الله في ظله فلينظر معسراً أو يخفف عنه». وما روي من التشديد في الدين، مثل قوله عليه الصلاة والسلام في رجل استشهد: «إن صاحبكم محبوس دون الجنة لدين عليه»، وفي حديث آخر: «صلوا على صاحبكم، ولم يصل عليه». قال أصبغ: هذه أحاديث منسوخة كانت قبل أن يفرض الله الصدقة ويقضي منها عن الغارمين، فلما فرضها الله تعالى وجعل منها قضاء الغارمين صار ذلك على السلطان، فإن يقضه كان إثمه عليه دون المعسر إلا من أدان في سرف أو فساد. وقال أصبغ عن أبي العباس الزهري: إن الله وضع ذلك في الدنيا بقوله: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} أفيأخذ به في الآخرة. وروي أن معاذاً لما خلعه النبي -صلى الله عليه وسلم- من ماله لغرمائه وبقي لهم مال فقال يا رسول الله كيف بالتباعة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «لا

تباعة في الدنيا ولا في الآخرة» يعني: تباعة الإثم. وروي: "أن من أدان ديناً ينوي قضاءه أداه الله، فإن لم ينو قضاءه أتلفه الله تعالى". وفي حديث آخر: «إذا مات أخذ من حسناته»، «وإن كان ينوي قضاءه، فالله قادر على أن يرضي عنه غريمه». وروي: «أن من أدان في حج، أو في غزو، أو كفن ميتاً لا كفن له، أو في صلة رحم، أو نفقة في العيال، أو في نكاح لخوف العنت فعلى الله سبحانه، وعلى ولاة المسلمين أن يقضوا عنه» وفي حديث آخر: «قضاه الله عنه يوم القيامة». وبالله التوفيق.

[الباب الثاني] في قضاء الورثة أو الوصي بعض الغرماء، وبيعهم التركة أو أكلها، ثم يطرأ دين بعد ذلك

[الباب الثاني] في قضاء الورثة أو الوصي بعض الغرماء، وبيعهم التركة أو أكلها، ثم يطرأ دين بعد ذلك [الفصل 1 - في قضاء الورثة أو الوصي بعض غرماء الميت] قال مالك رحمه الله: وإن هلك وعليه ديون للناس، وترك مالاً ليس فيه وفاء لديونه، فأخذه الوارث أو الوصي فقضاه بعض غرمائه، فإن لم يعلموا ببقية الغرماء، ولم يكن الميت موصوفاً بالدين فلا شيء عليهم، ويرجع الغرماء القادمون على الذين اقتضوا بما كان ينوبهم في المحاصة من المال، وإن علموا بدينه أو كان موصوفاً بالدين رجع الغرماء القادمون على الورثة، أو الوصي بحصاصهم، ويرجع الوصي أو الورثة بذلك على الغرماء الذين اقتضوا أولاً. قال ابن القاسم في باب آخر: إذا قضى الورثة من حضر، وهم يعلمون بدين القادم، فإنه إن وجد الغرماء كلهم معدمين رجع على الورثة بما ينوبه من ذلك، ثم يرجع الورثة بما ودوا له على الغرماء الأولين. م/: وهذا والأول سواء، وإنما أراد أنهم مخيرون بين أن يرجعوا على الورثة أو الوصي، وبين أن يرجعوا على الغرماء الأولين.

وقال بعض المتأخرين من أصحابنا: إنه اختلاف قول. وليس ذلك بشيء. [الفصل 2 - في الورثة يعزلون للدين أضعافه من الشركة ويبعيونه ليرثوا الباقي] م/: وعلى ما قال أشهب عن مالك: في الذين عزلوا للدين أضعافه، وباعوا ليرثوا، أن البيع باطل وينقض، وإن قضى الدين؛ لأن البيع على هذا الميراث لا يصح إلا بعد قضاء الدين، فصار بيعاً منهياً عنه، فأشبه بيع يوم الجمعة والتلقي وما أشبه ذلك فيجب فسخه؛ لمكان النهي عنه، ولا يجوز في ثمنه ولا في مثمونه، فإن لم يجد مع الورثة ثمناً كان للغرماء أخذ السلعة من أيدي المشترين، إلا أن يشاء المشترون أن يدفعوا قيمة ما في أيديهم، أو ثمنه، أو بعضه إن كان قائماً؛ لأن الغرماء لا حق لهم في الأعيان على ما قدمنا أولاً، فمتى دفع إليهم أثمانها أوقيمها لم تكن لهم حجة. قال: وإن لم يعلم الورثة، ولا كان موصوفاً بالدين مضى البيع، وأتبع الورثة بالأثمان، ولا سبيل للغرماء على المشتري. [الفصل 3 - في الغريم الطارئ يخير في الرجوع على الورثة أو على الغرماء الذين اقتضوا دينهم إذا كان دين الطارئ معروفاً أو كان الميت موصوفاً بالدين] م/: قيل: فإذا قضى الورثة من حضر، وهم يعلمون بدين الغائب، أو كان الميت موصوفاً بالدين فجعلت القادم مخيراً بين أن يرجع على الورثة، أو على الغرماء الذين اقتضوا، فرجع على الورثة، فأراد الورثة الرجوع على الذين اقتضوا، أو رجع عليهم الطارئ بما ينوبه، فوجد ما قبضوا قد هلك بأمر من الله، أن الطارئ يغرمهم قدر ما ينوبه، كمالو أوقف ذلك ليدفع للحاضرين، ولم يعلموا أن هناك غيرهم فضاع، وجاء آخرون، لرجع الطارئ على الذين أوقف لهم بما ينوبهم في الحصاص، وكأن الأولين قبضوه وأكلوه،

وهو قد ضاع قبل أن يقتضوه على قول من جعل ضمان ذلك ممن أوقف لهم. وكذلك في كتاب محمد. قال بعض فقهاء القرويين: والأشبه أن يجعل ضمان ما قبضوه منهم بمعنى أن يسقط ذلك في دينهم، إلا أنهم يغرمون ذلك للطارئين، بل يرجع الطارئون علىذمة الميت، وذلك كما لو هلك ذلك بيد الورثة؛ لأنهم لاى يغرمون شيئاً، وإنما يرجع الطارئون على ذمة الميت، وذلك كمن اشترى عبداً فمات بيده، ثم قام مستحق له فلا رجوع له على المشتري؛ لأنه ضمنه بالثمن الذي ودى فيه، ويرجع المستحق على الغاصب فيغرمه الأكثر من ثمنه، أو قيمته يوم الغصب، ولا يرجع المشتري على الغاصب، وكذلك الغرماء القابضون لا غرم عليهم، وإنما يحط ذلك من دينهم، كما لا غرم على المستحق، وإنما يحسب ذلك عليه مما دفع من ثمنه، وهذا هو القياس، والجاري على أصولهم. وقال عبد الملك: إذا باع الورثة القضاء من حضر من الغرماء، وثم غرماء غيرهم قد علموا بهم، أن بيعهم ماض، والقضاء فاسد، ويرجع الطارئ ويحاصص القابض، ولا يحسب عليه ما بقي بيد الورثة؛ لفساد القضاء. [مسألة: فيمن مات وترك ما يفي بديونه فقضى الوصي أو الورثة بعض غرمائه ثم تلف ما بقي] قال ابن القاسم: وإن مات وترك وفاء بديونه فقضى الوصي أو الورثة بعض غرمائه، ثم تلف ما بقي، فليس للباقين رجوع على من قبض من الغرماء بشيء، إذا كان فيما بقي

وفاء لديونه، أي لدين الباقين. يريد: إذا هلك ذلك بيد الورثة ببينة، أو كان مما لا يغاب عليه، وإلا فهم ضامنون. [الفصل 4 - إذا باع الورثة مال الميت وقضوا دينه وفضلت فضلة بأيدهم ثم قدم غريم فإنه يتبع الورثة ولا يتبع الغرماء] قال ابن القاسم: وإذا باع الورثة مال الميت وقضوا ديونه، وفضلت فضلة بأيديهم، ثم قدم غريم فإنما يتبع الورثة، ولا يتبع الغرماء إن كان في الفضلة تمام دينه، وجد الورثة أملياء أو عدماء، ومن وجد منهم ملياً أخذ مما صار بيده ما بينه وبين تمام حقه، ثم يرجع هذا الوارث على بقية الورثة بما يجب له، وإن لم يكن فيما فضل كفاف دين القادم أتبع الورثة بمثل الفضلة، وأتبع الغرماء ببقية منابته في الحصاص أن لو حضر. وتفسير ذلك: أن تكون التركة مئتين وخمسين، والدين ثلاث مئة، لثلاثة رجال، لكل منهم مئة، وأحدهم غائب لم يعلم به، فأخذ الحاضران مئتين، والورثة خمسين، ثم قدم الغائب فقد علمت أنه لو حضر لنابه في الحصاص ثلاثة وثمانون وثلث، فله خمسون منها في ذمة الورثة، وتبقى ثلاثة وثلاثون وثلث يرجع بها على الغريمين بينهما نصفين. ولو ذهب ما بيد الورثة ببينة بأمر من الله عز وجل لرجع على الغريمين بثلاثة وثلاثين وثلث بينهما نصفين، كما ذكرنا، ثم إن طرأ للميت مال رجع الطارئ فيه يجمع ما بقي له، بالخمسين والسبعة عشر غير ثلث، ويرجع فيه كل واحد من الغريمين الأولين بسبعة عشر غير ثلث. [الفصل 5 - فيمن فلس فوجد له مال قضي منه غرماءه، وأوقف الباقي فهلك في الإيقاف، أو سلم إلى المفلس فأتلفه، ثم طرأ غريم فعلى من يرجع؟] ووقع في كتاب ابن حبيب: فيمن فلس فوجد له ألف ومائة، فأخذ غرماؤه الألف، وأوقفت المئة، فهلكت في الإيقاف، فهي منه، أوسلمت إليه فأتلفها، ثم طرأ غريم له

مئتان، قال: إن تلفت في الإيقاف فهي من الطارئ، وإن أنفقها المفلس فهي في ذمته لا يرجع بشيء منها على الأولين. وأما المئة الأخرى فيرجع بها عليهم في الوجهين على أن يحاصهم فيما قبضوا بجزء من أحد عشر. م/: والصواب أن يحاصصهم بالمئتنين، كما لو كانت المئة الذاهبة حاضرة، فما وقع له على ذلك، وهو مئتان إلا سدس مئة، فيحسب عليه أنه قبض مئة، ويدفعون إليه خمسة أسداد مسة. وعلى ما قال ابن حبيب: يدفعون له إحدى وتسعين إلا جزءاً من أحد عشر؛ لأنه لم يدخل المئة التي كانت أوقفت له بالحصاص، وذلك غلط. وقال أصبغ: إنما يكون ما أوقف من الطارئين في الموت؛ لانقطاع ذمته، وأما من له ذمة قائمة فحق الطارئين في ذمته، ولا يحسب عليهم ما هلك، كما لو حضروا وأبوا القيام فهلك ما بيع لهم في الإيقاف لكان ضمالن ذلك ممن قام بتفليسه دون من أبى أن يقوم. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو كانت التركة كفاف دينها فقضاهما لرجع

عليهما بحصاصه، وإن ألفاهما عديمين أتبع ذمتهما ولم يتبع من قضاهما من الورثة أو الوصي بشيء إن قضوهما ولم يعلموا بدينه. قالا: ويحاصص من قضى له في دينه بشاهد ويمين من قضي له بشاهدين. فصل [6 - في الورثة يبيعون التركة ويستهلكون ثمنها ثم تطرأ ديون على الميت] وإذا باع الورثة التركة فأكلوا ذلك واستهلكوه ثم طرأت ديون على الميت، فإن كان الميت يعرف بالدين فباعوا مبادرة لم يجز بيعهم، وللغرماء انتزاع عروضهم من يد من هي بيده، ويتبع المشتري الورثة بالثمن. قال في كتاب محمد: إلا أن يشاء المشترون أن يدفعوا قيمة ما نمى أو نقص بأيديهم يوم قبضوه فذلك لهم ويرجعون على الورثة بالثمن. قال في المدونة: وإن لم يعرف الميت بالدين، وباعوا على ما يبيع الناس أتبع الغرماء الورثة بالثمن، كان فيه وفاء أو لم يكن، ولا تباعة على من ذلك المال بيده. م/: يريد ما لم يحابوا، وإن كانوا عدماء أتبعهم دون المشتري. ومنغير المدونة قال مالك: فيمن هلك وترك ألف دينار، وعليه مئتان دينار، فباع الورثة بعض التركة لأنفسهم، وقالوا: فيما ترك أكثر من دينه. فهلك ما

بقي، أن بيعهم لا يجوز؛ لعلهم، وأنهم إنما باعوا لأنفسهم. [الفصل 7 - في الوصي يتجر بمال اليتامى ثم يطرأ غريم على الميت] ومن العتبية قال ابن القاسم: فيمن ترك بنين صغاراً وأوصى بهم رجلاً، وترك ثلاثمئة دينار، فتجر لهم فيها الوصي فصارت ستمئة، ثم طرأ علىلميت دين ألف دينار أن الستمئة تؤدي كلها في الدين؛ لأنه لو أنفق عليهم المال لم يضمنوه، ولو أن الورثة كبار لا يولى عليهم فنجروا في التركة وربحوا فليس عليهم إلا رأس المال، لهم النماء وعليهم النقصان. [مسألة: في ضياع دين الغريم بعد عزله من التركة] ومن المدونة: وإذا عزل الورثة دين الغريم واقتسموا ما بقي ثم ضاع ما عزلوه لم يضمنه الغريم، ويرجع عليهم فيما قبضوه، ولو عزل القاضي، ثم قسم الباقي بين الورثة كان ضياع ذلك ممن أوقف له. [الفصل 8 - في هلاك مال المفلس في إيقافه من قبل الإمام] ومن غير المدونة: وإذا أوقف الإمام مال مفلس ليقضيه غرماءه فهلك في مدة إيقافه، فروى أشهب عن مالك أن ذلك من المفلس، عيناً كان أو عرضاً. وروى ابن القاسم عن مالك في العرض وشبهه أنه من المفلس، وأما العين فمن الغرماء، وبه قال ابن القاسم. وروى ابن الماجشون عن مالك أن العين والعرض من الغرماء من حضر منهم أو غاب ومن علم أو لم يعلم العين بوزنه والعرض بقيمته، وشبهه بالثمن يهلك في

المواضعة فيكون ممن تكون له الأمة، وبه قال. م/: فوجه قول ابن القاسم: أن العرض لما كان للمفلس نماؤه كان عليه تواؤه، وأما العين لما لم يكن فيه نماء كان من الغرماء. ووجه قول أشهب: أن الجميع كان في ذمة المفلس، فلا يزول عنها حتى يصل إلى الغرماء، وابن الماجشون فقد وجه قوله. والله الموفق للصواب.

[الباب الثالث] في قضاء المريض بعض غرمائه وإقراره بدين أو بقبضه أو يوصي بتأخيره وفي رهن المديان وفي قضائه وبيعه وإقرار بعض الورثة بدين وتأخير أحد الشريكين للغريم بحصته

[الباب الثالث] في قضاء المريض بعض غرمائه وإقراره بدين أو بقبضه أو يوصي بتأخيره وفي رهن المديان وفي قضائه وبيعه وإقرار بعض الورثة بدين وتأخير أحد الشريكين للغريم بحصته [الفصل 1 - في قضاء المريض بعض غرمائه وإقراره بدين أو بقبضه] قال مالك رحمه الله: وإذا مرض رجل -قال أصبغ- مرضا مخوفا، وعليه دين فليس له أن يقضي بعض غرمائه دون بعض؛ لأن قضاءه الساعة على وجه التأليج، فإذا فعل لم يجز ذلك إذا كان الدين يستغرق ماله. وقال غيره: المريض لم يحجر عليه في التجارة. وهو كالصحيح في تجارته وفي إقراره بالدين لمن لا يتهم عليه. م/: يريد: فكذلك قضاؤه جائز. وقاله سحنون في كتاب ابنه. وقال إسماعيل القاضي: لا يجوز قضاؤه إلا أن يكون عنده كفاف الدين فأكثر. ومن المدونة قال مالك: ولا يجوز إقرار المريض لبعض الورثة بدين؛ لأنه كوصية

لوارث، وأما إن أقر لزوجته بدين أو مهر فإن لم يعرف منه إليها انقطاع وناحية، ولعل له ولداً من غيرها فذلك جائز، وإن عرف بانقطاع إليها ومودة فيها وقد كان بينه وبين ولده تفاقم، ولعل له منها ولداً صغيراً فلا يجوز إقراره. قيل لابن القاسم: أفغيرها من الورثة بهذه المنزلة فيمن له منه انقطاع أو بعد؟ قال: لا. وإنما رأى ذلك مالك في الزوجة؛ لأنه لا يتهم أحد إذا لم يكن له منها ولد، ولم يعرف بانقطاع مودة إليها أن يقر إليها بماله عن ولده. قال مالك في غير المدونة: وكذلك الزوجة إذا أقرت يقبض الرهن من زوجها في مرضها لا يجوز، إلا أن يكون لها ولد من غيره، وكان بينها وبين زوجها تفاقم فيجوز. قال في المدونة: وأما إن ورثة إخوته أو بنوه فلا يجوز إقراره لبعضهم. م/: قال بعض أصحابنا: والفرق بين الزوجين وبين غيرهما من سائر الورثة أن الورثة في الظنة أقوى؛ لأن سببهم باق غير منقطع، وسبب الزوجين منقطع بالموت والطلاق، والله أعلم. قال بعض فقهاء القرويين: لا فرق بين إقرار أحد الزوجين لصاحبه، ولا بين

إقراره لسائر الورثة. [الفصل 2 - في إقرار الأب في مرضه لولده العاق على البار] قال: وقد ذكر الاختلاف في كتاب محمد في إقرار الأب في مرضه لولده العاق على البار، فأجازه مرة ولم يجزه أخرى، ولم يذكر خلافاً في إقراره لأحدهم إذا تساووا عنده في الدرجة، وذكر في شهادته لبعضهم على بعض إذا تساووا عنده اختلافاً، وكذلك ينبغي أن يكون في إقراره لبعضهم في مرضه مع تساويهم في الدرجة؛ إذ لا يتهم في هذا الإقرار. وقد اختلف في إقراره لبعض العصبة إذ ترك بنات وعصبة فأجيز؛ لأن الذي يخرجه عن بعض العصبة مثله يخرج عن ابنته فلا يتهم، وقيل: لا يجوز. والأشبه أن إقرار المريض إنما منع لإيثاره من يقر له، فإذا ظهر أنه لا تهمة عليه فيمن آثره على من بقي جاز إقراره. م/: وهو ظاهر المدونة؛ لأنه قال: وأصل هذا قيام التهمة فيمن يقر له، فهي العمدة في ذلك. قال: إلا أن يكون لمنيتهم عليه دليل على تصديق الميت في إقراره. كما قال: في الأخت التي كانت اقتضته، وكولده الصغير الذي كان يعرف له ميراثاً ورثة فيقر له أبوه في مرضه أن هذه الدار، وهذه الدابة، أو هذا العبد كان اشتراه له بما ورثه، وأن له عندي من ماله كذا، فإن كان ما يذكر صدق لعلمنا بأصل ذلك. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو ترك ابنته وعصبة يرثونه بقرابة أو ولاء فأقر لهم

بمال فذلك جائز، ولا يتهم أن يقر إلى العصبة دون الابنة، وأصل هذا قيام التهمة، فإذا لم يتهم بمن يقر إليه دون من يرث معه جاز إقراره، فهذا أصل ذلك. ومن أقر في مرضه بدين لصديق ملاطف أو لزوجته، وعليه دين ببينة يغترق ماله فلا يقبل قوله، وإن لم يكن عليه دين جاز إقراره للصديق الملاطف إن ورثه ولده. قال سحنون: وإن ورثه كلالة لم يجز إقراره له بثلث ولا غيره، وتجوز الوصية له في الثلث ورثه ولد أو كلالة. قال ابن القاسم: ويجوز إقرار المريض يقبض الدين إلا من وارث، أو ممن يتهم بتأليج إليه، وكذلك لا يجوز إقرار الزوجة يقبض مهر مؤجل من زوجها في مرضها. وإذا أوصى المريض بتأخير دين له على رجل قد حل، ولا يحمله الثلث، أو هو جميع ماله خير الورثة بين التأخير أو القطع له بثلث جميع التركة، كما لو أوصى له بمائة دينار يعمل بها سنة، ولا مال له غيرها فلم يجزه الورثة أنه يقطع له بثلثها. وفي كتاب التفليس شيء من إقرار المريض. فصل [3 - في رهن المديان وبيعه وشرائه] قال مالك: ورهن من أحاط الدين بماله جائز ما لم يفلس ويكون المرتهن أحق بالرهن من الغرماء. وقد كان روي عن مالك خلاف هذا، وقاله عبد العزيز: إن الغرماء يدخلون معه،

وليس ذلك بشيء، والقول الذي سمعت أنا منه عليه جماعة الناس، وله أن يقضي بعض غرمائه دون بعض، سواء قام بقية غرمائه بإثر ذلك، أو تأخر قيامهم، إذا كان يبيع ويتاجر الناس، فبيعه وقضاؤه ورهنه جائز. م/: لم يختلف قوله في بيعه وشرائه أنه جائز، وإنما اختلف قوله في رهنه في ابتداء بيع ابتاعه، وقضائه لدين تقرر في ذمته، والصواب أنه جائز لأنه ليس بمتعمد، والغرماء عاملوه على أنه يبيع ويشتري ويقضي. ابن حبيب: قال ابن القاسم: وكذلك لو فطن المقتضي باستغراقه، وبادر الغرماء، فهو أحق ما لم يكن الغرماء قد تساووا كلهم في تفليسه، ولم يرفعوه ثم جاء بعضهم إليه فقضاه، فهذا يدخلون معه. وقال أصبغ: لا يدخلون معه، وبه أقول. قال ابن ميسر: إقراره ما دام قائم الوجه منبسط اليد في ماله جائز، واستحسن إذا قرب من تفليسه، وخاف قيام الغرماء فأقر لمن يتهم عليه من ولد أو والد، فأنا أبطل إقراره، واراه تأليجاً، وأما إقراره لأجنبي فجائز. وفي كتاب التفليس شيء من هذا.

[الفصل 4 - في إقرار المديان بدين لمن يتهم عليه] ومن كتاب المديان قال مالك: ومن كان عليه دين لأجنبي ببينة يغترق ماله فلا يجوز إقراره بدين لصديق ملاطف، أو لزوجة، أو لغيرهما أو ورثته. وقال مالك: فيمن عليه دين يغترق ماله فأقر لاخت له بدين فلا شيء لها، إلا أن تكون لها بينة على أصل الدين، أو تقيم بينة أنها كانت تقتضيه في حياته فذلك لها. قال سحنون: يعني فيلزمه إقراره لها. م/: وقيل: إن إقرار هذا البيان بدين لمن يتهم عليه جائز؛ إذ لا تهمه عليه في ذلك؛ لأن ما يبقى من الدين لبقية الغرماء إذا حاصهم هذا، وهو باق في ذمته، بخلاف المريض، ولما كان المريض ينقطع ذمته لم يجز قضاؤه لبعض غرمائه، ولا إقراره لمن يتهم عليه؛ لأنه يضر بذلك غيره، ومن أحاط الدين بماله إنما يضر بنفسه، والمأذون والشريك في إقرارهما لمن يتهمان عليه كالمريض، لأن ذلك يؤول إلى إضرار غيرهما. [الفصل 5 - في إقرار بعض الورثة بدين على مورثهم] ومن المدونة قال مالك: وإن هلك رجل وترك ولدين ومئتي دينار فأقر أحدهما أن لفلان على أبيه مئة، وأنكر الآخر، فإن كان هذا المقر عدلاً حلف معه المقر له وأخذ المئة وإن أبى أن يحلف رجع على المقر بنصف المئة التي في يديه؛ لأنه إنما يلزمه إقراره في حصته دون حصة أخيه، وإن كان المقر سفيهاً لم تقبل شهادته في هذا، ولا يؤخذ من ماله

شيء. أبو محمد: وقد قيل شهادة السفيه في غير تلف ماله جائزة إن كان عدلاً، وفي ذلك اختلاف. م/: وعند أشهب يعطيه المقر جميع المئة التي بيده؛ إذ لا يصح له أن يرث شيئاً إلا بعد أن يؤدي الدين، وجعل ما أخذ أخوه كالجائحة على المال، وكذلك يقول: إذا أشهد أن أباها أعتق هذا العبد، وهو الثلث، وشهد أجنبيان أن أباهما أوصى بالثالث لفلان، والعبد يرغب في ولائه فسقطت شهادتهما فيه، وأخرج الثلث أن ذلك كجائحة طرأت على المال، ويعتق عليهما ثلث العبد. قال ابن القاسم: وإن شهد رجلان من الورثة بذلك قضى بهما إن كانا عدلين. [الفصل 6 - فيمن أقر أن لفلان عليه بضعة عشر درهماً واختلفا في مقدار البضع] ومن أقر أن لفلان عليه بضعة عشر درهماً -والبضع عند مالك ما بين ثلاثة إلى تسعة- قال: فإن اختلفا في البضع لم يقض له إلا بثلاثة -يريد: زائدة على العشرة- إلا أن يزيد المقر عليها. م/: يريد: ويحلف المقر في زيادة ما ادعاه المقر له من البضع. م/: وهذا هو الصواب إذا حققنا دعواهما، وإن شكا جميعاً كم ذلك؟ فقيل: لا

يلزم ذمة المقر إلا ثلاثة عشرة، وذلك أن ذمته بريئة، ولا تعمر بالشك. وهو قول أشهب. وقيل: يقسم الزايد على ثلاثة عشر إلى تسعة عشر بينهما نصفين، فيكون له على هذا الستة عشر؛ لأن كل شيء أشكل الأمر فيه فقد نوجب قسمه، كرجلين أيديهما على شيء، فيقسم بينهما إذا تنازعا فيه، فأما إذا شك أحدهما وتحقق الآخر، فالقول قول من تحقق، واختلف في يمينه. فصل [7 - في أحد الشريكين يأخذ حصته من المدين، وفي أحد الورثة يصالح بحصته مدين وليه] وإذا كان لرجلين دين على رجل فأخره أحدهما بحصته لزمه ذلك، فإن أعدم الغريم وقد اقتضى الآخر حصته فلا رجوع لصاحبه عليه، فأما صلح أحدهما للغريم على شيء من حقه فقد جرى مستوعباً في كتاب الصلح، وإن ادعى ورثة على رجل بدين لوليهم، وكانت بينهما خلطة فصالح أحد الورثة في حصته في على إقرار، أو إنكار على عين، أو عرض، فلبقية الورثة الدخول معه فيه، وتمام هذا في الصلح والكفالة. [الفصل 8 -] فيمن بعث بصلة لرجل فمات قبل وصولها قال ابن القاسم رحمه الله: ومن قال لرجل: لا شيء له عنده ادفع إلى فلان مائة درهم سلة مني لهن فمات الآمر قبل دفع المأمور إياها، فإن كان قد أشهد على ذلك فهي نافذة، وإن لم يشهد فهي رد. وكذلك قال مالك فيمن بعث بهدية إلى رجل فمات الباعث قبل وصولها إلى الموهوب، أنه إن كان أشهد على ذلك حين بعث بها فهي للذي بعثت إليه، وكذلك من تصدق

على رجل بدين له على آخر، فإن كان أشهد له، ثم مات المعطي قبل أن يقبض فذلك الدين للمتصدق به عليه. ومن ذلك أيضاً من ساق عن ناكح صدقاً فمات السائق قبل قبض الزوجة الصداق، أن ذلك الصداق لازم للميت، يؤخذ به من رأس ماله. وقال غيره: إن مات الذي وصل الرجل بالصلة قبل قبض الموصول إياها حتى يصير بالقبض ديناً على الواصل فلا شيء للمعطي. م/: قال بعض الفقهاء: وقول ابن القاسم أبين، وذلك أن الواصل لما التزم له المأمور، وأشهد الواصل أنه وصل بها فلاناً صار ذلك كدين له على من أسلفه، أحال به الموصول عليه، فصار ذلك أيضاً كدين للموصول على المسلف من حوالة أحيل بها عليه فلا يضر فيها موت من مات منهما. أما الواهب؛ فلأنه انتقلت هبته منه على المسلف، فصار ذلك كقبض الهبة، فلا يضر موته، وأما المسلف؛ فلأنه قد أحيل، وليس بواهب، فلا يضر موته، ويؤخذ ذلك منه من تركته، وكما لو نهب إنساناً هبة فبعتها له برضاه من آخر قبل أن يقبضها، ثم مات الواهب لصحت الهبة؛ لتعلق حق المشتري بها، وهو غير محتاج إلى حيازة؛ لكونه مشترياً، وكذلك حمل الصداق من هذا المعنى؛ لأن الحامل لا يشك أنه واهب للزوج، إلا أن حق الحامل وإن مات، واختلف في حمله بعد عقده النكاح، فقيل: الموت يبطله، وكذا يجب في الحمالة إذا كانت بعد العقد فمات الحميل، والأولى ما قدمناه، وزدت زيادة فيه من لفظي والله الموفق للصواب.

[الباب الرابع] في المأمور يدفع خلاف ما أمر به، وفيمن عجل دينا عليه

[الباب الرابع] في المأمور يدفع خلاف ما أمر به، وفيمن عجل ديناً عليه [الفصل 1 - في المأمور يدفع خلاف ما أمر به] قال ابن القاسم: وإذا أمرت من لك عليه دراهم قد حلت يدفعها إلى من استقرضكها فأعطاه بها دنانير برضاه فذلك جائز، وليس لك منعه، واستحب لك اتباع الآخذ بدراهم. والقول فيه عن مالك مختلف. ولو قبض فيها عرضاً لم تتبعه إلا بدراهم؛ لأنك إنما أسلفته دراهم فباعها هو قبل قبضها بدنانير، أو عرض، وليس لك منعه. وإن استقرضك دنانير فأمرت من لك عليه دنانير فأمرت من لك عليه دنانير أن يدفعها إليه، وله هو على المستقرض دراهم، فأراد هو مقاصته بها جاز إن حلا، وإن أمرت رجلاً يقضي عنك ألف درهم فدفع فيها دنانير، أو عرضا، أو طعاماً فإنما يتبعك بمثل ما أمرته به؛ لأنه سلف منه لك. وقد ذكر فيه اختلاف عن مالك، وأنه لا يربح في السلف. قال ابن القاسم في كتاب محمد: اختلف قول مالك فيه ثلاث مرات إذا أمره أن يدفع دنانير فدفع دراهم. فقال مرة: يرجع بالدراهم. وقال مرة: هو بالخيار إن شاء دفع دراهم وإن شاء دفع دنانير، ثم رجع عن ذلك كله، وقال: بل يرجع بالدنانير. قال ابن القاسم وهو أحب إلى. م/: وعلى قوله: لا يربح في السلف، إذا كان المدفوع عرضاً ينبغي أن يرجع المأمور على الآمر بالأقل من قيمة العرض، أو الدرهم التي أمره بها، قاله غير واحد من

شيوخنا. قال ابن المواز: وأما في أقل من دينار لو أمرته أن يدفع عنك نصف دينار فدفع عنك دراهم فبها يرجع؛ لأن ذلك الأمر إنما يقع على الورق. وقد روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك أنه يخير أن يدفع ما دفع من الدراهم أو نصف دينار بصرف يوم يدفع إليه، يريد مالك: أنه يقضيه الأقل. قال ابن القاسم: ثم رجع مالك ومن تبعه إلى ما ذكرناه، وأما لو دفع فيها طعاماً، أو عرضاً كان له على الأمر نصف دينار ما بلغ من ذلك، وكذلك لو دفع في ذلك ديناراً فصرفه الطالب فأخذ نصفه ورد نصفه إلى المأمور رجع المأمور بنصف ديناره بالغاً ما بلغ. فصل [2 - فيمن سأل رجلاً أن يقضي عنه فلاناً ألف درهم فوعده بذلك ثم مات الآمر قبل القضاء] ومن المدونة: ومن سأل رجلاً يقضي عنه فلاناً ألف درهم فأنعم له بذلك فمات الآمر قبل القضاء. قال أبو محمد: يريد: مات الآمر عديماً. قال ابن القاسم: فإن كان الطالب رب الدين اقتعد من المأمور على وعد ورضيا بذلك، وانصرفا عليه لزمه الغرم، وهذه حمالة. ومن أمر رجلاً يدفع لفلان ألف درهم قال: عني، أو لم يقل، ففعل، ثم قال الآمر: كانت لي ديناً على المأمور فأنكر المأمور، وقال: بل أسلفته إياها فإن القول قول المأمور.

فصل [3 - فيمن عجل قضاء دينه قبل أن يحل أجله] قال مالك: وإذا كان لك على رجل دين دنانير أو دراهم إلى أجل فعجلها لك قبل الأجل جبرت على أخذها كانت من بيع أو قرض، ولو كان دينك عرضاً أو طعاماً أو حيواناً مع قرض فعجله لك قبل الأجل جبرت على أخذه. وإن كان ذلك من بيع لم يجبر على أخذه. م/: قال ابن القاسم: إلا في الموت والفلس فإنه يجبر على أخذها؛ لأنها تصير كالحالة. ابن المواز: قال مالك: ومن كان له على رجل حق فجاء ببعضه، فقال: لا أقبل إلا كله، فأرى أن يجبر على أخذ ما جاء به. وقال ابن القاسم: إن كان الذي عليه الدين معسراً أجبر هذا على أخذ ما جاء به، وإن كان الغريم موسراً لم يجبر رب الحق على أخذ ما جاء به، وجبر الغريم على دفع الحق كله، والله الموفق.

[الباب الخامس] فيمن ضمن عن ميت دينا أو أداه عن حي بغير أمره، وفي الوكيل، أو الوصي يقر بقبض الدين، أو ينكر، أو يدفعه بغير بينة

[الباب الخامس] فيمن ضمن عن ميت ديناً أو أداه عن حي بغير أمره، وفي الوكيل، أو الوصي يقر بقبض الدين، أو ينكر، أو يدفعه بغير بينة [الفصل 1 - فيمن ضمن عن ميت ديناً أو أداه عن حي بغير أمره] قال ابن القاسم: ومن مات وعليه دين فتبرع رجل فضمن دينه فذلك لازم له، ولا رجوع له عن ذلك، فإن كان للميت مال رجع فيه بما ودى إن قال: إنما وديت لأرجع في ماله، وإن لم يكن له مال، والضامن بذلك عالم، فإنه لا يرجع في مال إن بان للميت؛ لأنه بمعنى الحسنة، ومن ضمن لرجل ماله على ميت ثم بدا له فقد لزمه؛ لأن المعروف كله إذا أشهد به الرجل على نفسه لزمه عند مالك، ومن ودى عن رجل ديناً عليه بغير أمره أو دفع عنه مهراً لزوجته جاز ذلك إن فعله رفقاً بالمطلوب. وأما إن أراد الضرر بطلبه وإعناته أو أراد سجنه لعدمه؛ لعداوة بينه وبينه منع من ذلك، وكذلك إن اشتريت ديناً عليه تعنيتاً له لم يجز البيع، ورد إن علم بهذا. [الفصل 2 - في شراء الدين بقصد ضرر الغريم] م/: واختلف شيوخنا من المتأخرين إن كان مشتري الدين قاصداً بشرائه ضرر الغريم، والبائع غير عالم يقصده، فقال بعضهم: يفسخ البيع مثل تواطئهما جميعاً، وشبهه بالسلف يقصد بسلفه النفع، والقابض للسلف لا علم عنده، وكبيع من تلزمه الجمعة ممن لا تلزمه.

وقال غيره: وإذا لم يعلم البائع بقصد المشتري الضرر لم يفسخ عليه صفقته، ويباع الدين على المشتري فيرتفع الضرر عن الذي عليه الدين. م/: وهذا القول أبين، وإنما يفسد البيع بقصد البائع الضرر كما يفسد السلف بقصد المسلف النفع لنفسه، لا بقصد المستسلف، وأما بيع يوم الجمعة فإنما يفسد للوقت المنهي عنه، فأنت إن بعته في الوقت المنهي عنه فسد على المبتاع الذي تلزمه الجمعة، ودخل في المحذور، ولا يدخل ذلك في بيعك على المبتاع القاصد للضرر فافترقا، وظاهر الكتاب يدل على الأول. فصل [3 - في الوكيل أوالوصي يقر يقبض الدين أو ينكر أو يدفعه بغير بينة] قال مالك: ومن وكل رجلاً يقبض ديناً له على رجل فقال: قبضته وضاع مني. أو قال: برئ إلى من المال، وقال الرجل: دفعته إليه، لم يبرأ الدافع إلا أن يقيم بينة أنه دفعه إليه، أو يأتي الوكيل بالمال، إلا أن يكون الوكيل مفوضاً إليه، أو وصياً فهو مصدق، بخلاف وكيل مخصوص، فإن قال الوصي: قبضت من غرماء الميت ما عليهم لم يكن لليتامى إن بلغوا رشداً اتباعهم، وذلك يلزمهم، وكذلك إن قال: قبضته وضاع مني صدق وبرئ. م/: لأنه هو المتولي لأمورهم، وسواء كان الميت ولي معاملتهم أو الوصي، وأما إن لم يقل هذا إلا بعد رشد اليتامى. فذكر في كتاب محمد أنه يكون شاهداً لهم يحلفون مع شهادته.

وفي المدونة: في إقرار الشريك بعد موت شريكه أن هذا المتاع رهن عند فلان أنه شاهد مع أنه لو لم تجز شهادته غرم بسبب ضمانه عن شريكه. ومن المدونة قال ابن هرمز: فإن ادعى الغرماء أنهم دفعوا المال إلى الوصي فأنكر ذلك الوصي حلف، فإن نكل ضمن. م/: يريد: بعد رد اليمين على الغريم. وأما مالك فضمنه بنكوله في اليسير، وتوقف في الكثير. قال ابن القاسم: ورأيي على رأي ابن هرمز أنه يضمن في القليل والكثير. وإنما توقف مالك في الكثير خوفاً من أن تبطل أموال اليتامى، وخوفاً من أن يضمن الوصي وهو أمين لهم، فقال: لا أدري، وإذا قضي الوصي غرماء الميت بغير بينة فأنكروا ضمن إن لم يأت بالبينة؛ لأنه قد فرط، والله الموفق.

[الباب السادس] في أحكام المولى عليه والسفيه وما يستوجب به الرشد أو الحجر

[الباب السادس] في أحكام المولى عليه والسفيه وما يستوجب به الرشد أو الحجر [الفصل 1 - متى يخرج المولى عليه والمحجور عليه من الولاية والحجر؟] قال الله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6] فشرط الرشد مع البلوغ. قال مالك: فلا يخرج المولى عليه باب أو وصي من الولاية وإن حاضت الجارية، وتزوجت، واحتلم الغلام، أو خضب بالحناء فلا يدفع إليه ماله إلا برشد الحال. وقاله ابن العباس. قال بعض البغداديين: ولا يزول الحجر عن الصغيرة حتى تبلغ وتتزوج ويدخل بها زوجها، وتكون مصلحة لمالها. وقال أبو حنيفة والشافعي: إن الحجر ينفك عنها بمجرد البلوغ وإيناس الرشد من غير حاجة إلى زوج. والدليل لقول مالك: أن من شأن الأبكار الاستتار، وقلة التصرف، والبيع والشراء؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن لا يرغب فيهن الأزواج، وإذا لم تخبر الرجال والمعاملات لم تعرف إصلاح المال ووجوه الغبن فكان الحجر عليها مستصحباً حتى إذا دخل بها الزوج، وعرفت الرجال والمعاملات، وعرف ضبطها للمال زال الحجر عنها. وهذا الفرق بينها وبين

الغلام. [الفصل 2 - حكم أفعال من ليس له ولي ولا وصي ولم يتقدم عليه حجر] م/: قال غيره: وأما من مات أبوه ولم يوص به لأحد، ولا جعله القاضي في ولاء فبلغ، وحاضت الجارية فباعا واشتريا، أو وهبا، فاختلف في ذلك. فذهب ابن القاسم إلى أن أفعاله لا تجوز إلا بعد ثبات رشده، ولا فرق عنده بين من تقدم عليه حجر أم لا؛ لأن العلة الموجبة لرد أفعاله كونه غير ناظر لنفسه، ومتلفاً لماله، فمتى وجدت وجب رد أفعاله، كالصغير والمجنون. وقال أكثر أصحاب مالك: إن لم يتقدم عليه حجر فأفعاله جائزة حتى يحجر عليه. [الفصل 3 - في حكم أفعال المولى عليه] ومن المدونة قال مالك: ولا يجوز للمولى عليه بيع، ولا عتق، ولا هبة، ولا صدقة، ولا يلزمه ذلك بعد بلوغه ورشده إلا أن يجيزه الآن، واستحب له إمضاؤه، ولا أجبره عليه. وأما ما ليس له فيه إلا المتعة ففعله فيه جائز، فيجوز طلاقه زوجته، وعتقه أم ولده. وأما النكاح فلا، إلا بإذن وليه، وما وهب له من مال فإنه يدخل في الحجر، وكذلك إن تجر فربح. ولا يجوز شراؤه أيضاً إلا ما لا بد له منه في عيشه، مثل الدرهم يبتاع به خبزاً، أو لحماً، أو بقلا، أو نحو ذلك فإنه جائز أن يشتري ذلك لنفسه؛ لأنه يسير، وهو يدفع إليه نفقته فيشتري بها ما يصلح له. قال: وللرجل منع أم الولد من التجارة في مالها، كما له انتزاعه. وليس له منع زوجته من التجارة، وله منعها من الخروج.

قال مالك: وإذا عقل الصبي التجارة فأذن له أبوه أو وصيه أن يتجر لم يجز ذلك الإذن؛ لأنه مولى عليه. قال: ولو دفع الوصي إلى المولى عليه بعد الحلم بعض المال ليختبره به فلحقه فيه دين لم يلزمه الدين فيما دفع إليه، ولا فيما أبقى بيده، ولا في ذمته؛ لأنه لم يخرج من الولاية بذلك. قال ابن القاسم: وهو بخلاف العبد يأذن له سيده في التجارة؛ لأن العبد لم يمنع لسفه منه، وإنما منع من البيع والنكاح وغيره؛ لأن ملكه بيد غيره، فإذا أذن له جاز. والصبي والسفيه ليس ملكه بيد أحد، فليس الإذن له مزيلاً للسفه. وقال غيره في اليتيم المختبر بالمال: يلحقه ما أدان فيه خاصة. م/: فوجه قول مالك: أن هذا الإذن لم يخرجه من الولاية، إنما هو لاختبار حاله، فهو كالمولى عليه يعامل. قال أبو الحسن بن القابسي: وإنما ينبغي أن يبايع فيه بالنقد، فمن بايعه بغير النقد فهو الذي لا يكونه له في المال الذي في يد المولى عليه شيء، إلا أن يكون في يديه أكثر مما دفع إليه وليه، فيكون حق الذي داينه في الزائد إذا كان الزائد في معاملته إياه. م/: ووجه قول غيره: إن إذن وليه له في هذه التجارة يقتضي تعلق دين من يداينه عليه فيها؛ لأنه على ذلك داينه، وهو مطلق اليد فيها كالرشد. قال ابن القاسم: ولو دفع أجنبي إلى محجور عليه من يتيم أو عبد مالاً ليتجرا فيه

فما لحقهما من دين كان في ذلك المال خاصة، بخلاف دفع الموصي، ولا يلزم ذمتها، ولا ذمة الدافع شيء. قال في الوصايا الثاني: إذا أمر الولي الصبي أن يتجر جاز، فإن خرج في تجارة من موضع إلى موضع فأذن الولي لم يكن به بأس. [الفصل 4 - في الوصي يدفع للصبي مالاً يختبره به] قال أبو محمد: وللوصي أن يدفع للصبي مالاً يختبره به، ولا يضمن الوصي ما نقص منه. قال ابن حبيب: وإذا دفع الوصي مالا ليتيمه ليستخبره به، ثم أنكر ذلك اليتيم، فالوصي مصدق فيما دفع إليه، ويضم ذلك إلى ما أنفق عليه إذا علم أن اليتيم كان يتجر. قال ابن المواز: لم يختلف أصحاب مالك في الصغير إذا بلغ أنه لا يدفع إليه ماله حتى يؤنس منه الرشد. ولا يصلح قول أهل العراق: أنه لا يحكم له بمال حتى يبلغ حمساً وعشرين سنة، ويجوز عندهم قبل ذلك بيعه وشراؤه وعتقه، وهذا خلاف ما دل عليه القرآن. [الفصل 5 - في الحجر على السفيه الكبير لا أب له ولا وصي] قال: واختلف في الكبير السفيه لا أب له ولا وصي، هل يحجر عليه أم لا؟ فقال أشهب: لا أرى ذلك إلا في البين أمره في تبذير ماله، ومن لا يحكم إمساكه. وقال ابن القاسم: يحجر على من لو كان له وصي لم يقض له بأخذ ماله ممن لم يتبين رشده. ويترع القضاي ماله ويجعل من يلي عليه، وكذلك من دفع إليه وصية ماله ثم

ظهر منه غير الرشد أن له أن يحجر عليه ثانية. قال عبد الوهاب: وقال أبو حنيفة: لا يحجر عليه إن كان كبيراً ولو كان مبذراً لماله. والدليل لمالك رحمه الله: أن الحجر على الكبير المبذر لماله مروي عن عثمان، وعلي، والزبير، وابنه، وعائشة رضوان الله عن الجميع، ولا مخالف لهم. ولأن كل من في منعه من ماله إصلاح له، وفي تركه معه إتلافه وخوف الفقر عليه أن الحجر واجب عليه، وأصله الصغير؛ ولأن البلوغ لا يمنع الحجر مع تبذير المال وإضاعته أصله إذا بلغ مبذراً. وقد شرط الله تعالى مع البلوغ الرشد وهذا بالغ غير رشيد. م/: ووجه قول أشهب: أنه قد انتقل إلى حال الرشد بالبلوغ وإيناس الرشد منه فلا ينتقل عن هذا إلا بظهور السفه البين عليه. محمد: وقال أشهب: لا ينظر إلى سفيه في دينهع إذا كان لا يخدع في ماله. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: في المولى عليه يؤنس منه بعد البلوغ حسن النظر في ماله إلا أنه يشرب الخمر وغيره من المسكر، فلا يحكم له بأخذ ماله إلا بالرشد في الحال وفي المال. قالا: ولا يرد لشرب الخمر في الولاية بعد أن خرج منها.

وقول ابن كنانة وغيره من المدنيين لا يرشد حتى يكون رشيداً في ماله وحاله. وقال ابن القاسم وأصبغ: إذا كان يحسن النظر في ماله خرج من الولاية، وإن شرب الخمر. وبقول المدنيين أقول. وقد قاله الحسن البصري. وهو قول الشافعي. م/: والصواب ما قاله ابن القاسم. والدليل على ذلك: أن الحجر إنما هو لإضاعة المال وتبذيره ولخوف الفقر على صاحبه، وفسقه لا يقدح في تبذير ماله إذا كان مصلحاً لماله، ألا ترى أنه يستدام الحجر على الكبير إذا كان مبذراً لماله كما يستدام ذلك على الصغير. وقد اتفقا أن الفسق لو طرأ على الكبير لم يحجر عليه بسببه، فكذلك إذا بلغ وهو موجود فيه، والله أعلم. وقال أصبغ: ولا يخرج المولى عليه من الولاية ولا البكر المعنسة إلا بشهادة عدلين بحسن نظرهما في المال، ويكون مع ذلك أمراً فاشياً، وإلا لم تنفع شهادتهما في قبض أموالهما، ولكن يحكم لهما في إنفاذ ما أعتقا أو باعا وقبضا فيه. قال أصبغ في السفيه المولى عليه، أو الصغير، أو البكر: يبيبع أحدهم الجارية فتحمل من مشتريها أو من زوج زوجها إياه المشتري وهي في ملكه، أو يكون حيواناً فتناتج فلترد تلك الدواب ونتاجها والأمة إن كان ولدها من زوج رد معها، وإن كان من المشتري فعليه الأكثر من قيمتها من يوم ابتاعها أو اليوم، ويسقط الثمن الأول عن المولى عليه إلا أن يكون قائماً، أو دخل في مصلحة لابد منها. وأما العتق فيرد. قال ابن كنانة: وما أقر به المولى عليه من دين عند موته فهو في ثلثه مبدأ.

واستحسنه أصبغ: ما لم يكثر جداً وإن وسعه الثلث. قال ابن الماجشون: ومن باع من مولى عليه، وأخذ حميلاً بالثمن فرد ذلك السلطان وأسقط الثمن عن المولى عليه، فإن جهل البائع والحميل حاله لزمته الحمالة؛ لأنه أدخل البائع فيما لو شاء كشفه، وإن دخل في ذلك والبائع يعلم سقط الحمالة عن الحميل، علم أو لم يعلم. م/: لأن البائع هو الذي أتلف مال نفسه. ولو قال قائل: لا تسقط الحمالة عن الحميل إذا علم بولائه، وإن علم البائع لكان صواباً؛ لأن الحميل قد أدخل البائع في إتلاف ماله، فكأنه قال له بايعه بما طرأ عليك منه فأنا ضامن له؛ ولأن معروف صنعه معه فوجب أن يلزمه. والله أعلم. ومن العتبية قال عيسى: ولو أقرضت المولى عليه مالاً، أو أسلمته إليه في سلعة فاشترى بها أمة فأحبلها فهي له أم ولد، وليس لك أخذها من مالك، وترد إليه أنت السلعة إن قبضتها. وإذا ابتاع السفيه. -م/: يريد غير المولى عليه- أمة فأولدها فالترد الأمة على بائعها، ويرد هو الثمن، ولا شيء له من قيمة الولد، وولد السفيه حر. فصل [6 - أفعال السفيه قبل الولاية عليه] ومن العتبية قال عيسى: في السفيه يبيع قبل أن يولى عليه فبيعه جائز، حتى يولى عليه، وقاله جميع أصحاب مالك إلا ابن القاسم. قال: بيعه وقضاؤه لا يجوز؛ لأنه لم يزل في ولاية منذ كان؛ لأن السلطان ولي من لا ولي له، فهو في ولايته حتى يولي عليه ولياً يقوم بأمره.

وقال عنه سحنون: بيعه مفسوخ وإن طال الزمان فيه إن كان مشهوراً بالسفه، ولا شيء للمشتري من الثمن كالمولى عليه، وإن لم يعرف بخير ولا بشر، ولا بتبذير إلا أنه يشرب الخمر، وربما أحسن النظر في ماله ففعله هذا جائز إذا لم يول عليه. وقال سحنون: أفعال السفيه جائزة حتى يحجر عليه. م/: وقول ابن القاسم: في الكبير البين السفه أحسن، وحجته أقطع من أنه لم يزل في ولاية السلطان. وقد قال ابن حبيب ومطرف وابن الماجشون: إنه إن كان قد بلغ سفيهاً فأفعاله مردودة؛ لأنه لم يزل في ولاية السلطان، وليس ترك السلطان ما يلزمه من التولية عليه يخرجه من ولايته. قالا: وأما من خرج من الولاية بالبلوغ وإيناس الرشد وحسن النظر في أمره، وتمادى حتى باع وخالط، ثم حدث به حال سفه، فباع فيها أيضاً وخالط، ثم رفع أمره فهذا بيعه كله نافذ إلا أن يكون بيع سفه، وخديعة، يبيع ما يسوى ألف دينار بمئة فهذا يرد بيعه، ولا يتبع بالثمن إن أفسده، وإن كان بيعاً متقارباً وفيه غبن متقارب فهذا نافذ. م/: وهذا ينحو إلى قول ابن القاسم ويؤيده إن شاء الله. فصل [7 - أفعال المولى عليه والبكر والصغير يطلع عليها الولي بعد موتهم] قال ابن حبيب: سألت مطرفاً وابن الماجشون عن البكر، أو الصغير، أو المولى عليه يبيع أحدهم، أو يهب، أو يعتق فلا يطلع على ذلك وليه إلا بعد موته أيرد ذلك من فعله كما يرد لو كان حياً؟ فقالا نعم، لم يزل ذلك مردوداً منذ فعله فموته لا يجيزه، وذلك

كتاب الرجوع عن الشهادات

كتاب الرجوع عن الشهادات [الباب الأول] في الرجوع عن الشهادات وما يلزم الراجع عن شهادته [الفصل 1 - من أغرم رجلاً شيئاً بشهادة أخطأ فيها كان عليه غرم خطئه] روى المغيرة عن أبي ذؤيب أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال في شاهد شهد ثم رجع عن شهادته بعد أن حكم بها -صلى الله عليه وسلم- فقال عليه السلام: «تمشي شهادته الأولى لأهلها وهي الشهادة والآخرة باطلة». وأخذ بذلك مالك وغيره. قال ابن المواز: لم يحفظ أصحاب مالك عنه في أن يغرم الشاهد جواباً، إلا أن جميع أصحابه يرون أن يغرم ما أتلف بشهادته إذا أقر بتعمد الزور، وقاله عبد العزيز بن أبي سلمة. قال سحنون: وروى ابن وهب عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رجلين شهدا عنده على رجل أنه سرق، فقطعت يده، ثم أتيا بآخر فقالا: كنا وهمنا وهذا هو، فأبطل شهادتهما على الآخر، وأغرمهما دية الأول، وقال: لو علمت أنكما تعمدتما قطعه

شيئاً، وأما من أحرز ماله ونماه وهو فاسق في حاله غير مبذر لماله فلا يحجز عليه، وإن كان له مال عند وصي قبضه. ويحجر على البالغ السفيه في ماله وإن كان شيخاً. [مسألة: فيمن يتولى الحجر] قال مالك: ولا يتولى الحجر إلا القاضي. قيل لابن القاسم: فصاحب الشرطة. قال: القاضي أحب إلي. م/: لأنه أمر مختلف فيه فيحتاج إلى نظر واجتهاد في حاله واختبار لأمره، فاحتيج في قطعه، وكونه بصفة من يحجر عليه إلى حكم الحاكم فيرتفع الخلاف. [مسألة: إعلان الحجر على السفيه] قال مالك: ومن أراد أن يحجر على ولده أتى به إلى الإمام فيحجر عليه، ويشهر ذلك في كل موضع يجتمع الناس فيه، كالمساجد، والأسواق، ويشهد على ذلك فمن باعه أو ابتاع منه بعد ذلك فهو مردود. وفي كتاب المأذون شيء من ذكر الحجر على السفيه. [مسألة: في حكم الحاكم بزوال الحجر عن المحجور عليه] قال بعض البغداديين: ولا يزول الحجر عن محجور عليه بحكم أو بغير حكم إلا بحكم الحاكم؛ لأنه يحتاج إلى اختبار حاله وزوال ورود المعنى الذي حجر عليه لأجله. تم كتاب المديان من الجامع لابن يونس بحمد الله

كتاب التفليس

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كتاب التفليس [الباب الأول] في تفليس المديان وبيع ماله ومحاصة وغرمائه [الفصل 1 - في تفليس المديان] والقضاء إذا طلب الغرماء الحجر على المفلس فإن الحاكم يحجر عليه. وقال أبو حنيفة: لا يحجر عليه ويؤخذ بقضاء الدين أو يحبسه حتى يبيع ويقضي. م/: ودليلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ بن جبل وقال لغرمائه «خذوا ما معه وليس لكم غيره». وروى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ألا إن أسيفع جهينة قد رضي من دينه وأمانته أن يقال له سبق الحاج فأدان معرضا فأصبح قد دين به فمن كان له عليه حق

فليحضر فإنا نبيع ماله. ولا مخالف له. قال مالك: فإذا قام رجل واحد بالمديان فله تفليسة كقيام الجماعة. ويبيع الإمام ما ظهر له من ماله فيوزعه بين غرمائه بالحصص، ويحبسه فيما بقي إن تبين لدده أو اتهم. [الفصل 2 - ما يباع ومالا يباع من أمتعة المفلس] والإمام يبيع عليه عروضه كلها وداره وخادمه وسرجه وسلاحه وخاتمه وغير ذلك إلا ما لابد له منه من ثياب جسده، ويبيع عليه ثوبي جمعته إن كان لهما قيمة، وإن لم تكن لهما قيمة فلا. م/ قال محمد: قال مالك: ويباع عليه سريه وفرضه وسيفه ومصحفه، ولا تباع كتب العلم في دين الميت والوارث، وغيره فيها سواء ممن هو لها أهل، وغليه ذهب سحنون. قال أبو محمد وغيره من أصحابنا: بيعت كتب ابن وهب بعد موته بثلاثمئة دينار وأصحابنا متوافرون فما أنكروا ذلك.

ابن المواز: قال مالك: وليس لغرماء المفلس أن يؤاجروا أم ولده، ولهم أن يؤاجروا مدبره، ويبيعوا كتابة مكاتبه، ولا يجبروه على اعتصار ما وهب لولده أو نحله، ولا على شفعة له فيها منفعة وفضل، وكذلك شفعة الميت والورثة أولى منهم. [الفصل 3 - في قبول المفلس الصدقة والسلف والمعونة، وفي المفلس يرث أباه الرقيق أو يوهب له] ومن العتبية قال ابن القاسم: وإن تصدق عليه بدنانير يؤديها في دينه لم يجبر على قبولها، وكذلك لو بذل له سلفاً أو معونة إلى أجل فلا يجبر على قبول ذلك، وإذا ورث أباه فالدين أولى به، ولا يعتق إلا ما فضل منه عن الدين، وأما إن وهب له فهو يعتق عليه؛ لأنه لم يوهب له ليأخذه غرماؤه، وإنما اغتزى به العتق. م/ إلا أن يوهب له، ولا يعلم الواهب أنه أبوه فهاهنا يباع في دينه؛ لأنه لم يغتز به العتق. [الفصل 4 - في بيع المفلس التي دبر ولدها الصغير] قال أصبغ: ولو دبر ولد أمته الصغير ثم استدان وفلس فلا تباع الأمة؛ للتفرقة، ولكن تخارج، ويأخذ الغرماء خراجها في دينهم إلى مبلغ حد التفرقة، فتباع حينئذ، أو يباع منها بقدر باقي الدين إلا أن يموت السيد دون ذلك فتباع الأمة إن وفت بالدين، ويعتق

ثلث المدبر. وإن كان في بعضها وفاء بالدين عتق من الصبي في باقيها وفي نفسه مبلغ الثلث من ذلك إن لم يدع غير ذلك، وإن كانت هي المدبرة دون الولد فالجواب سواء. [مسألة: في النصراني يموت وعليه دين ولا يترك غير الخمر والخنازير] قال سحنون في النصراني يموت، وعليه دين، ولا يترك غير خمر وخنازير، فلا تجبر ورثته على بيع ذلك، وليتربص الطالب بهم، فإذا باعوا ذلك وصار مالاً قام فيه، وقضى له به، وكذلك مركب لهم مرسى بساحلنا وفيها الخمر فلا يجبرهم الإمام على بيعه، وليجعل من يتحفظ بهم، فإن باعوها أخذ منهم العُشر. [مسألة: في المفلس يقول: لا مال عندي وبيد امرأته خادم تدعي ملكيتها] ابن سحنون وكتب شجرة إلى سحنون في الذي يقام عليه بالديون، ويقول: لا مال عندي. وبيد امرأته خادم تقول: هي لي. ويصدقها الزوج، ويقول الغرماء: بل هي له. فكتب إليه: إذا كانت هذه في حيازة المرأة، والزوج يقوم بأمرها فهي للزوج، ولا يقبل قوله بعد التفليس، وعلى المرأة البينة. [مسألة: في الاستثناء في بيع ربع المفلس وعروضه وحيوانه] ابن المواز قال مالك: ويستأنى في بيع ربع المفلس ويتسوف به الشهر والشهرين، وأما الحيوان والعروض فيتسوف بها يسيراً، والحيوان أسرع بيعاً. قال مالك في موضع آخر وهو في المدونة: ومن شأن بيع السلطان عندنا أن يبيع بالخيار ثلاثة أيام. قال سحنون: يبيع بالخيار لعل زائداً يأتيه.

[الفصل 5 - فيما يترك للمفلس من ماله] ومن المدونة قال مالك: ويترك للمفلس مايعيش به هو وأهله الأيام. قال في العتبية وكتاب محمد وابن حبيب: ويترك له ما فيه نفقة له ولأهله وعياله قدر الشهر، وإن لم يوجد غيره ترك. قال ابن حبيب: يعني بأهله زوجته وولده الصغار، ويترك له كسوة له ولأهله وفي زوجته شك. يريد مالك في كسوتها. قال سحنون في العتبية: لا يترك له كسوة زوجته. م/ إن كان قد كساها إياها قبل التفليس، وليس فيها فضل فلا ينزع عنها. قال بعض فقهاء القرويين: الأشبه أن يترك لزوجته كسوتها؛ لأن الغرماء إنما عاملوه على النفقة على نفسه وولده الصغار ونفقة زوجته وكسوتها، فيجب أن يترك ذلك لها. [مسألة: في المفلس يبعث نفقة إلى أهله فيقوم غرماؤه بطلبها] ومن كتاب ابن المواز: ومنبعث نفقة إلى أهله فقام غرماؤه فيها فلهم أخذها، فإن قال الرسول: أوصلتها إلى أهله صدق مع يمينه، وللغرماء أخذها من غياله إن قاموا بحدثان ذلك، فإن تراخى ذلك مدة ينفق في مثلها فلا شيء لهم كمفترق الذمة ينفق على أهله. ولو قاموا بحدثان ذلك فقال أهله: قضيناها ديناً في نفقة تقدمت أو كراء لم يصدقوا

إلا أن يأتوا على ذلك بلطخ أو برهان. قال سحنون: والكفن أولى من الدين، والمرتهن أولى بالرهن من الكفن. فصل [6 - في تعجيل بيع مال المفلس الحي الغائب لمن حضر من غرمائه ومفارقة ذلك للمفلس الميت] ومن المدونة قال ابن وهب: قال مالك: ومن قام بدين على غائب، ولعله كثير المداينة لغير من حضر، فأرى أن تباع عروضه لمن حضر ويقضى، وليس كالميت في الاستيناء؛ لاجتماع من يطرأ من غرمائه؛ لبقاء ذمة الميت، وجعله غيره كالميت، ويستأنى بأمره إن كان معروفاً بالدين. م/: وظاهر حديث عمر تعجيل قسم مال المفلس بين غرمائه بعد إشهار ذلك. لقوله: إنا نقسم ماله بالغداة فمن كان له شيء فيأتنا. وقال مالك: يستأنى بقسم مال الميت المعروف بالدين؛ لاجتماع بقية غرمائه، وكذلك إن مات في غيبته، وإن لم يعرف بالدين قضي لمن حضر، ولا ينتظر به.

[الفصل 7 - في الغائب يقوم به بعض غرمائه وليس فيما حصل من ماله وفاء لدينه] قال ابن القاسم في العتبية وكتاب ابن حبيب: في الغائب يقوم به بعض غرمائه، وليس فيما حصل من ماله وفاء، فإنه كان قريب الغيبة كالأيام اليسيرة فليكتب فيه ليكشف ملاؤه من عدمه، وأما في الغيبة البعيدة لا يعرف فيها ملاؤه من عدمه، ولا يدري أين هو فهو كالمفلس، ويحل المؤجل من دينه. ومن باع منه سلعة فوجدها فله أخذها، وأما إن عرف فيها بملاء فلا يفلس، ويقضي من حل دينه، ويبقى المؤجل، ولا يأخذ البائع سلعته. ابن المواز: قال أشهب: ويفلس البعيد الغيبة، وإن عرف ملاؤه، وقال: أرأيت لو كان حضراً بمصر، وله بالأندلس مال لا يدري ما حدث عليه ألا يفلس؟ وبقول ابن القاسم: أخذ أصبغ استحساناً. قال: والقياس ما قال أشهب. م/: قال بعض القرويين: لا فرق في الحقيقة بين السؤالين؛ لأن حضوره مع غيبة ماله لا يمنع تفليسه خوفاً أن يكون هلك ماله، وكذلك يخاف إن كان هو وماله غائبين إذ قد يكون ماله ذهب، أو يقال: عدم القدرة على أخذ بقية الغرماء حقوقهم يوجب تفليسه. قال أصبغ: ويكتب تفليسه حيث هو، فيستتم ذلك عليه في الموضع الذي هو فيه. قال: وفي قول أصبغ هذا نظر؛ لأن أشهب إنما فلسه وإن كان ملياً في غيبته؛ لإمكان تلف المال، فإذا وصل إليه فكيف يحل عليه المؤجل منه وهو مليء. أرأيت لو

قدم بماله فأراد الذين لم يحل دينهم أن يأخذوا بقية ديونهم حالة، وآجالها لم تحل، وحاصصهم إنما كان للضرورة، فالأشبه أن ليس لهم ذلك. وظاهر مذهب أصبغ أنهم يأخذون ذلك حالاً، وكأنه حكم قد مضى بحلول الديون، وعلى هذا لو فلس رجل وعليه ديون إلى أجل فحاص الغرماء فوقع لكل رجل نصف حقه ثم ورث مالاً أن للذين لم تحل ديونهم أن يأخذوها حالة، وإن كانت آجالهم لم تنقض؛ لأنه حكم مضى بحلول الدين، والأشبه في هذا أن تبقى بقية ما لم تحل من ديونهم إلى أجله؛ لأن السبب الذي من أجله حلت ديونهم إنما هو خلاء ذمته. وقد زالت العلة بملائة وعمارة ذمته. فصل [8 - من كان من غرماء الحي حاضراً عالماً بتفليسه ولم يقم مع من قام فلا رجوع له على الغرماء] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن كان من غرماء الحي حاضراً عالماً بتفليسه فلم يقم مع من قام فلا رجوع له على الغرماء، وذلك رضي منه ببقاء دينه في ذمة الغريم كقول مالك إذا علموا بعتقه وسكتوا عنه أنه لم يرد لهم العتق إذا قاموا بعد ذلك. وقيل: توقف لهم حقوقهم كالغياب إلا أن يتبين من الحاضر ترك لدينه في ذمة الغريم ورضى بما قبض غيره. م/ وحكى بعض فقهائنا أنه قال: وهذا إذا كانوا حضوراً ببلده، ولم يشهدوا القسمة لماله، ولو حضروا القسمة وشاهدوها لم يكن لهم رجوع على من قبض من الغرماء بلا اختلاف من ابن القاسم وغيره.

م/: وهو مأخوذ من قول غيره إلا أن يتبين من الحاضرين ترك لدينه في ذمة الغريم ورضي بما قبض غيره. ابن المواز: قال مالك: وإذا لم يقم الباقون حتى داين آخرين فلمن لم يقم من الأولين تفليسه ومحاصة من داينه بعد التفليس. م/: لأن الأولين الذي سكتوا ولم يقوموا لم يفلسوه قط فأشبه من كان عليه دين لم يفلس فيه فداين قوماً آخرين بعد أن افتقر ثم فلس، فالأولون والآخرون في هذا المال سواء، وكذلك الذين سكتوا عن فلسه. وذكر ابن حبيب عن مطرف أنه قال: إذا فلس ثانية فلا يدخل في ذلك كل من له دين قبل التفليس الثاني كان ممن حاص في الأول أو لم يحاص. م/: وهذا وفاق للمدونة فيمن حاصص لا فيمن لم يحاصص وأما من رضي بتفليسه معهم ثم رد إليه ما وقع له من الحصاص ثم داين قوماً آخرين ثم فلس ثانية فإنه يحاصصهم الراد بقدر ما رد إليه لأن ما رد إليه كابتداء معاملة ولا يضرب إلى بذلك.

[الفصل 9 - في قيام بعض غرماء الميت بإثبات ديونهم وتأخر البعض الآخر في القيام] ومن العتبية قال سحنون: فيمن مات وعليه لجماعة دين فأتى بعضهم إلى السلطان فأثبت دينه، فأمر ببيع مال الميت، وقسمه بينهم، ثم قام باقي غرمائه فلهم الدخول فيما أخذ الأولون، ولا يضرهم علمهم بموته، وأن ماله يباع لغرمائه، وأما لو كان مفلساً لم يكن لتاركي القيام الدخول على من قام فيما أخذ؛ لأن المفلس بقيت ذمته، والميت لم تبق له ذمة، وقد قال ابن القاسم عن مالك: لا يجوز أن تشتري ديناً على ميت؛ لأنه لا ذمة له يطالب بها، والمفلس له ذمة تتبع. م/: وهذا وفاق للمدونة. وهو مأخوذ من قول ابن القاسم: ومن كان من غرماء الحي حاضراً عالماً بتفليسه فدل بذلك أن الميت بخلافه. [مسألة: في الميت يقسم ورثته ماله ولرجل عليه دين فلا يقوم به وهو حاضر لقسمتهم] ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم في الميت يقسم ورثته ماله ولرجل عليه دين فلا يقوم به وهو حاضر لقسمتهم لماله، ثم قام بعد ذلك فلا شيء له إلا أن يكون له عذر في تركه القيام، أو يكون لورثته سلطان يتقون به ونحو ذلك مما يعذر به، فهذا على حقه أبدا وإن طال القيام. وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يبطل حق امرئ وإن قدم».

[الفصل 10 - في حلول الدين المؤجل في الموت والفلس] وقد قال مالك في الميت عليه طعام إلى أجل فقال ورثته للطالب: خذ حقك. فقال: لا حتى يحل حقي. فإنه يجبر على أخذه؛ لأن مال الميت يباع، وقد لا يكون فيه وفاء. قال ابن القاسم: والعرض يجبر على أخذه في الموت والفلس. وقال بعض البغداديين: إنما وجب أن يحل الدين المؤجل في الموت والفلس من أجل أنه في الموت انقطعت ذمته، ووجب قسم ميراثه. وقد بدأ الله سبحانه بالدين على الميراث فوجب حلول الدي؛ لوجوب قسم الميراث، وأما في التفليس فصاحب الدين إنما رضي بذمة سليمة من الدين، فإذا طرأ على ذمته عيب لم يرض به عند المداينة وجب تعجيل حقه، ولما وجب تفرقة ماله بين غرمائه، وكان هذا أحدهم، وجب أن يشركهم فيما يقبضون.

[الباب الثاني] في إقرار المريض المديان وإقرار المفلس ووجه تفليسه وغير ذلك

[الباب الثاني] في إقرار المريض المديان وإقرار المفلس ووجه تفليسه وغير ذلك [الفصل 1 - في إقرار المريض المديان بدين آخر عليه] قال مالك: ومن عليه في صحته ببينة أو بإقرار منه فأقر في مرضه بدين لوارث أو لذي قرابة أو لصديق ملاطف لم يقبل قوله إلا ببينة. وإن اقر في مرضه لأجبين جاز، وحاص من له دين ببينة، أو من أقر له في الصحة. فإن أقر في مرضه لأجنبي بمئة ولابنه بمئة، ولم يترك إلا مئة فليتحاصا فيها، فما صار للأجنبي أخذه، وما صار للوارث دخل معه فيه بقية الورثة إلا أن يجيزوه له، ولا حجة للأجنبي أنه أقر لوارث؛ لأنه هو إنما أخذه بإقراره، ولو كان دين الأجنبي ببينة كانت له حجة، ولم يدخل معه الوارث بحصاص. م/: وإذا دخل على الوارث بقية الورثة لم يكن للوارث الرجوع على المقر له الأجنبي عند ابن القاسم. وقال أشهب: يرجع على الأجنبي فإذا أخذ منه شيئاً شاركه فيه الورثة، فإذا شاركوه رجع على الأجنبي حتى لا يبقى في يد الأجنبي شيء.

م/: أما قوله حتى لا يبقى في يد الأجنبي شيء فلا بد أن يبقى في يده؛ لأنه إذا رجع عليه الورثة رجع هو على الأجنبي بمثل ربع ما أخذ منه أولاً، ثم إذا شاركه فيه الورثة رجع على الأجنبي بربع ما أخذ منه ثانية هكذا حتى ما يرجع به عليه فلا بد أن يبقى له شيء في يده. ولم يقل أشهب: إن الورثة إذا رجعوا على الوارث يرجع عليهم الأجنبي بربع ما أخذ، فيقول لهم: لا ينبغي أن ترثوا، ويبقى لي أنا دين. فيجب أن يقول ذلك، ويرجع عليهم، فإذا رجع عليهم رجع عليه الوارث المقر له، فإذا رجع عليه، رجع على الوارث بقية الورثة، ثم يرجع الأجنبي على بقية الورثة فأدى ذلك إلى الإحالة. فلهذا وقف ابن القاسم وجعل الوارث إذا شاركه بقية الورثة لم يرجع هو على الأجنبي بشيء. وقال أشهب: إذا رجع المقر له على الأجنبي لم يكن للأجنبي رجوع فإن كان معهم ثالث له دين ببينة. فقال في كتاب محمد: إن الوارث يسقط ويقسم المال بين الذي له البينة به والأجنبي المقر له وكأنه على هذا التأويل يتحاصون ثلاثتهم فما صار للوارث يسقط، ويقسم المال الذي كان صاحب البينة أحق به، فإذا أخذه منه رجع الذي لا بينة له فشاركه فيه.

[الفصل 2 - في إقرار المريض المديان لمن يتهم عليه ولمن لم يتهم عليه وليس لهم بينة] قال ابن حبيب: وإذا أقر لمن يتهم عليه ولمن لا يتهم عليه، وليس لجميعهم بينة جاز إقراره، فإن ضاق ماله تحاصوا فيه، فما رفع للمتهم عليه نظر فإن كان وارثاً شاركه فيه الورثة. م/: وهذا كله مثل ما تقدم في المدونة. قال ابن حبيب: وإذا كان غير وارث كان له إن كان في الورثة ولد، وإن كانوا كلالة كان للورثة دونه. قال: وذلك إذا أقر له بماله أو بجله. وأما لو أقر له بما لو أوصى له به له لجاز فذلك جائز له. م/: وقاله ابن القاسم وغيره. وبه أقول. وهذا ينحو إلى قوله في المكاتب إذا كاتبه في صحته، وأقر في مرضه بقبض الكتابة منه قال: فإن ورثه ولده جاز إقراره، وإن كان ورثته كلالة والثلث لا يحمله لم يصدق إلا ببينة، وإن حمله الثلث صدق لأنه لو أعتقه جاز عتقه. وقال في الوصايا الأول: إن أقر لصديق ملاطف بدين جاز إن ورثه ولده، وأما إن كان ورثته أبوين أو زوجة أو عصبة ونحوه لم يجز إقراره له. قال سحنون في غير المدونة: لا في ثلث، ولا في غيره.

م/ وهذا خلاف ما ذكره ابن حبيب هاهنا فاعلم ذلك. فصل [3 - في إقرار المفلس بدين قبل التفليس أو قبل القيام عليه أو بعد تفليسه] ومن كتاب التفليس قال مالك ومن أقر لرجل قبل التفليس بدين، أو قبل القيام عليه بمال، فإنه يدخل مع من داينه ببينة. وإن أقر له بعد التفليس فلا يدخل فيما بيده من مال، ويتحاص فيه أهل دينه دون هذا المقر له، فإن أفاد مالاً بعد ذلك دخل فيه هذا المقر له حين التفليس، ومن بقي له من الأولين شيء؛ لأن التهمة إنما كانت في المال الأول. وأما إن داين قوماً آخرين بعد التفليس الأول ثم فلس ثانية فلا يدخل مع الآخرين المقر له بعد التفليس. م/: ولا الذي تحاصوا في التفليس الأول بما بقي؛ لأن هذا المال إنما هو من المعاملة الثانية، فهو بخلاف ما أفاد. قال: وأما إن أفاد مالاً بعد ما فلسوه فلم يقم فيه الغرماء الأولون ببقية دينهم ولا المقر له حتى أقر بدين لرجل آخر فإقراره له جائز ما لم يقر عند قيام الأولين بتفليسه ثانية فإذا أقر له قبل قيامهم جاز ذلك. فإذا فلس ثانية كان المقر لهم آخرا أولى بما في يديه من الغرماء الأولين، إلا أن يفضل شيء عن دينهم؛ لأن ما بيده هو من المعاملة الثانية إذا كان قد عومل بعد التفليس وباع واشترى؛ لأنه مال لهم إلا أن يكون المال الذي أفاد بعد

التفليس إنما افاده بمورث أو صلة أو أرش جناية أو نحوه فإن الأولين والآخرين يدخلون فيه. قال مالك: ومن قام به غرماؤه ليفلسوه فأقر حينئذ بدين لغائب لم يصدق إلا أن يقر قبل التفليس أو تقوم بينة للمقر له فيحاص للغائب وتعزل حصته. م/: فإذا عزل القاضي لهذا الغائب حصته فتلفت كان ذلك منه بلا اختلاف فيه، وإنما الاختلاف فيما أوقف من مال المفلس ليقضي منه غرماؤه، ولو طرأ غريم آخر لم يعلم بع ما هلك ما أوقف للأول لضمن له الأول قدر نصيبه من الموقوف، وإن علم هلاكه. م/: لأنه لما كان هلاك ذلك ممن أوقف له صار ذلك كأنه قبضه وهلك في يديه فوجب أن يرجع عليه الطارئ بحصته منه فإذا غرم للطارئ حصته من الموقوف رجع بمثل ذلك في ذمة المفلس أو الميت لأنه قد استحق ذلك مما أوقف فوجب أن يرجع بمثل ذلك في ذمة المفلس أو الميت؛ لأنه قد استحق ذلك مما أوقف فوجب أن يرجع به وذلك بخلاف وارث يطرأ على وارث وقد هلك ما بيد الوارث بأمر من الله سبحانه. فإذا ثبت ذلك لم يضمن الوارث القابض للوارث الطارئ شيئاً. وقال بعض فقهاء القرويين: وكذلك كان ينبغي أن يكون الغريم الموقوف له

أن لا يضمن للطارئ شيئاً ولكن يحط ذلك القدر من الدين الموقوف، ويرجع بذلك الغريم الطارئ على ذمة الميت أو المفلس كالمشتري يهلك ما بيده ثم يستحق فلا يغرم المشتري شيئاً للمستحق؛ لأنه ضمن المشتري بثمنه الذي ودى فيه ويرجع المستحق بثمنه على من قبضه أو بقيمته على من غصبه. م/: والفرق عندي بين الوارث والغريم في هذا أن الغريم دينه من معاوضة فما هلك في يديه فيكون منه؛ لأنه ضمنه بما دفع فيه، والوارث لم يضمن في ذلك ثمناً وداه، فوجب أن يكون هلاك ما قبض إذا هلك بأمر من الله كأنه من الميت، فإذا طرأ عليه وارث لم يرجع عليه بشيء؛ لأنه كأنه لم يقبض شيئاً والغريم لما كان هلاك ذلك منه فهو كما لو أكله، فوجب للغريم الرجوع عليه، ثم يتبعان ذمة المفلس. م/: وإنما كان ضمان ما أوقف لهذا الغريم منه بلا اختلاف؛ لأنه قسم له نصيبه وأوقف له فوجب أن يكون فيه ما وقف للغرماء لم يقسموه بعد، وإنما أوقف للقسمة فكأنه على ذمة الغريم على قول أشهب. وفي المدونة: قال وما دام قائم الوجه فإقراره بالدين جائز، وله أن يتزوج فيما بيده من مال ما لم يفلس، وكذلك المرأة تخالع زوجها بمال والدين يحيط بها وليس له أن يتزوج في المال الذي فلس فيه، ولا يجوز له عتق ولا هبة ولا وصية إذ أحاط الدين بماله. وأما رهنه وقضاؤه لبعض غرمائه دون بعض فجائز ما لم يفلس. وقد كان من قول مالك إذا تبين فلسه ولم يقم به غرماؤه فليس له أن يقضي بعض

غرمائه أو يرهنه ثم رجع عنه. قال بعض أصحابنا: لم يختلف قول مالك أن إقرار من أحاط الدين بماله جائز. واختلف قوله في قضائه. والفرق أن إقراره بالدين يوجب تخليده في ذمته، والقضاء شيء أزال الدين عن ذمته وولجه إلى جميع من لا يستحق جميعه، ولا ضرر على المقر في ذلك كما عليه فيما يتخلذ في ذمته. ومن المدونة قيل لابن القاسم: فإذا حبسه أهل دينه فاقر في الحبس بدين لرجل آخر أيجوز إقراره؟ قال: إذا صنعوا به هذا ورفعوه إلى السلطان حتى حبسه فهذا وجه التفليس ولا يجوز إقراره إلا ببينة. وقاله عبد الملك في كتاب محمد. وقال أيضاً: إذا قاموا أو توثبوا عليه على وجه التفليس. ابن المواز: يريد: وحالوا بينه وبين ماله وبين البيع والشراء والأخذ والإعطاء واستتر عنهم فحينئذ لا يقبل إقراره بدين ولا بوديعة. وأما إن لم يكن لأحد منهم بينة فإقراره جائز لمن أقر له به إن كان في مجلس واحد، ولفظ واحد، وقرب بعض ذلك من بعض، أو كان من له بينة لا يستغرقون ماله فيجوز إقراره؛ لأن أهل البينة ليس لهم تفليسه. قال: وقد كان من قول مالك أن من أقر له المفلس إن كان يعلم منه إليه تقاضيا

ومداينة وخلطة، أنه يحلف ويدخل في الحصاص مع من له بينة. قال: وإذا كان على الحق بينة مثل أن يعلم أنه باع منه سلعة ولا تعلمها البينة فقال عند التفليس هذا متاع فلان يريد اتباعه منه فقيل يكون أولى به من الغرماء وقيل إذا لم يعينوا ذلك وإنما شهدوا على إقراره بعبد أو سلعة أنه باعها منه ولم يعينها لهم فلا يقبل قوله في تعيينها بعد التفليس، ويحلف الغرماء على علمهم، فإن نكلوا حلف البائع وأخذها قال: ولو قال هذا قراض فلان أو وديعته لقلبت قوله. م/: وإذا تقدم إقراره قبل التفليس أن بيده للمقر له قراضاً أو وديعة. قال فيه: [الفصل 4 - فيمن مات وعنده قراض أو ودائع ودين ولم يوص بشيء من ذلك ومات ولم يوجد شيء من ذلك يعرف] وفي المدونة فيمن مات وقبله قراض أو ودائع ودين فلم يوص بشيء من ذلك فمات ولم يوجد من ذلك شيء يعرف أنهم يتحاصون في ماله إلا أن يوصي بشيء بعينه فيقول هذا قراض فلان أو وديعة فيكون أحق به إذا كان ممن لا يتهم عليه. ابن المواز: قال ابن القاسم: وأما في التفليس فلا يصدق كما لا يصدق في الدين. م/ يريد: إلا لم يتقدم له إقرار بذلك قبل التفليس. قال أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية: إذا قال هذا قراض فلان أو وديعته قبل قوله في الموت والفلس وإن لم يكن على أصله بينة. قال ابن حبيب: اختلف في قول المفلس هذا قراض فلان أو وديعته وعلى أصلها بينة فأجاز ابن القاسم إقراره.

ولم يجزه أشهب إلا ببينة على التعيين، ورواه عن مالك. وقال أصبغ: يقبل قوله فيما عين من وديعة أو قراض كان عيناً أو عرضاً كان على أصله بينة أو لم تكن؛ لأنه أقر بأمانه ولم يقر بدين إذا أقر لمن لا يتهم بالتأليج إليه. وأما إن لم يعين ذلك وإنما قال: له في مالي وديعة كذا أو قراض كذا فلا يجوز؛ لأن هذا إقرار بدين. وقاله ابن حبيب. م/: وتحصيل اختلافهم إذا قال المفلس هذا قراض أو وديعة فقيل: يقبل قوله كان على أصل ذلك بينة أو لم تكن؛ لأنه أقر بأمانة وقيل: لا يقبل إقراره إلا أن يكون على أصل ذلك بينة وقيل لا يقبل إقراره وإن كان على أصل ذلك بينة، إلا أن تكون له بينة تشهد على تعيين ذلك أنه له. ولم يختلف في المريض يقول: هذا قراض فلان أو وديعته أنه يقبل إقراره وإن كان لمن لا يتهم عليه وإن لم يكن على أصل ذلك بينة. [الفصل 5 - في الصانع يفلس فيقول إن كان نساجاً: هذا غزل فلان، وإن كان صائغاً: هذه سبيكة فلان، ونحو ذلك] ومن كتاب ابن المواز وابن حبيب بقال أشهب عن مالك في الصانع يفلس فيقول النساج: هذا غزل فلان، ويقول الصائغ: هذه سبيكة فلان، فلا يصدق إلا ببينة، وكذلك الوديعة. وقال في العتبية: إلا أن يأتي ربه بشاهد ولذلك علامات وإلا لم يصدق. ورواه عيسى عن ابن القاسم: قال سمعت مالكاً غير ما مقرة يقول: إن إقراره بالمتاع

جائز لأهل المتاع. ابن المواز وروى عنه ابن القاسم في الصائغ يسرق بينه فيقول: هذا ثوب فلان، وهذا متاع فلان وقد سرق متاع الآخر. قال: يحلف أصحاب ذلك ويأخذونه، وكذلك المفلس. م/: وإنما قبل ابن القاسم قوله في التفليس؛ لأن الغالب أن ما في أيديهم أمتعة الناس فلا يتهم أن يصرفه من واحد إلى آخر. قال ابن المواز: وأما المفلس فإن كان على أصل دفع ذلك إليه ببينة، وإن لم تعرفه البينة بعينه أو على إقراره قبل فلسه فإني أقبل قوله، وإلا فلا. وأما في سرقة بيته أو حرقه بالنار فذهب بعض المتاع، وبقي بعضه، فيقبل فيه إقراره ويصدق، وإلا فلا.

[الباب الثالث] في إيقاف مال المفلس وطريان غريم على غرماء أو على ورثة أو وارث على وارث

[الباب الثالث] في إيقاف مال المفلس وطريان غريم على غرماء أو على ورثة أو وارث على وارث [الفصل 1 - في إيقاف مال المفلس] والقضاء أن المفلس إذا خلع من ماله أن يكون لمن حضر أو غاب من غرمائه كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الأسيفع فمن كان له عليه دين فليأتنا نقسم ماله بين غرمائه. قال ابن القاسم وينبغي للقاضي أن يعزل لمن غاب من غرماء المفلس حصته، ثم إن هلك ما عزل كان ممن عزل له. وأشهب يقول: إنه من الغريم ورواه عن مالك. فصل [2 - طريان غريم على غرماء في مال المفلس أو الميت] قال ابن القاسم: وإذا فلس رجل أو مات فاقتسم غرماؤه ماله، ثم طرأ غريم له لم يعلم به رجع على الغرماء بقدر ما كان ينوبه في المحاصة أو لو حضر يتبع كل واحد بما صار إليه من ذلك في ملائه وعدمه، ولا يأخذ ملياً أو حاضراً عمن مات أو أعدم وليتبع ذمة كل واحد، مثل أن يكونوا ثلاثة، ولكل واحد مئة، غاب أحدهم ولم يعلم به، وبيد المفلس مائة فاقتسمها الحاضران فإن القادم يتبع ذمة كل واحد بسبعة عشر إلا ثلثا. ومن كتاب الن المواز قال أشهب: ولو ترك ألف درهم عيناً وعبداً، وعليه دين لرجلين، لكل واحد ألف درهم، وحضر أحدهما، فأخذ الألف العين، ثم قدم الغائب وقد

هلك العبد قال: ينظر قيمة العبد، فإن كانت قيمته ألف درهم فلا رجوع له على قابض الألف، ولا ينظر إلى قيمة العبد يوم مات، ولا يوم مات السيد، ولكن على أوفر قيمة مضت عليه من يوم قبض الغريم الألف إلى أن مات العبد، وإن بلغ الألف درهم لسوق زاد أو لزيادة بدن فلا رجوع له على الغريم الأول بشيء، وإن كان أوفر قيمة مضت له خمسمئة رجع القادم على الغريم الأول الحاضر بمئتين وخمسين، وحسب العبد على الغائب، وإن اختلفا فقال الحاضر: بلغت قيمته ألف درهم. وقال الطارئ: خمسئة. فالقول قول الطارئ إن لم تقم بينة، وإن كان إنما باع الوصي العبد بألف فقضاها للحاضر ثم تلفت الألف العين فلا رجوع للطارئ على الحاضر بشيء، ولو رد العبد بعيب بعد أن تلفت الألف التي عزلت، وقدم الغائب فليبع العبد ثانية للحاضر، وإن نقص من الثمن شيء رجع بنصفه على الغائب، إلا أن يكون أتى على العبد وقت من يوم قضى بثمنه يسوى فيه بالعيب ألفا فلا يرجع على الغائب بشيء، وذلك إذا قامت به بينة، ولو بيع العبد بألف فأخذها الحاضر ثم قدم الغائب فأخذ الألف العين ثم رد العبد بعيب فإن كانت بلغت قيمة ألفا بالعيب لم يرجع على القادم بشيء، ولو كانت قيمته خمسمئة رجع على القادم بمائتين وخمسين. م/: إنما جعل أشهب موت العبد وتلاف المال إذا أوقفت للغائب منه لأن المديان مات، وأما لو فلس لكان ذلك عنده من المفلس فاعرف أن الموت بخلاف المفلس في هذا.

[الفصل 3 - في طريان وارث على ورثة أو غريم على الورثة، أو موصى له على موصى لهم] قال ابن المواز: واختلف إن طرأ وارث على ورثة. فقال ابن القاسم ورواه عن مالك، وقاله أصبغ أنه كالغريم يطرأ على الغرماء أو موصى له على موصى لهم. وذهب أشهب وابن عبد الحكم أن يقاسم الطارئ من وجد ملياً منهم في جميع ما صار إليه حتى كأنه لم يترك الميت غريهما ثم يرجعان على سائر الورثة بما يعتدلون به معهم فمن أيسر منهم قاسموه ثم رجعوا على الباقين هكذا حتى يعتدلوا. قال ابن المواز: والغريم يطرأ على موصى لهم أو على ورثة سواء يأخذ المليء منهم بجميع ما صار إليه إلى مبلغ حقه. م/ لأنه مبدى عليهم فليس لهم معه شيء حتى يستوفي دينه فهو بخلاف وارث يطرأ على ورثة أو غريم يطرأ على غرماء؛ لأن هذا مساو لما يطرأ عليه. ورأى أشهب أن يساويه فيما يجد بيده لهذا. ورأى ابن القاسم أن يرد عليه ما أخذ من حصته، ولا يرجع عليه بما قبض غيره؛ لأنه غير متعد فيما قبض. وهو أصوب إن شاء الله. قال ابن المواز: ومن مات عن امرأة وابن فأخذت المرأة الثمن والابن ما بقي، ثم قدمت امرأة أخرى لم يعلم بها فوجدت صاحبتها عديمة والابن مليء فلترجع على الابن بثلث خمس ما صار إليه لأن حق الابن من التركة سبعة أثمان، فلهذه الطارئة نصف الثمن فأضعفها تصير خمسة عشر سهماً، فلها من ذلك سهم، وترجع هي والابن على الأولى

بنصف ما أخذت فيقسمان ذلك على خمسة عشر، للابن أربعة عشر، وللطارئة سهم. قال أبو محمد: وهذا على مذهب أشهب. وأما على مذهب ابن القاسم فإنما يقسم بينهما على ثمانية، فتأخذ من الابن سبعة أثمان نصف الثمن، ومن المرأة نصف الثمن. ابن المواز: ولو قالت الطارئة: معي نصيبي من الميراث. أو قالت: تركت لكما حقي: فلينقض قسم الابن والزوجة الأولى، ويقسمان ما بأيديهما على خمسة عشر سهماً، للزوجة سهم وللابن ما بقي. وإذا طرأ وارث أو غريم على بعض الورثة وهو مليء وباقيهم عديم فقال: تلف مني ما أخذت، فأما فيما يغاب عليه فلا يصدق إلى ببينة. وأم الحيوان والسفن والرباع وما لا يغاب عليه فهو مصدق ما لم يتبين كذبه، مثل أن يذكر موت العبد أو الدابة بموضع فيه ثقات لا يعلمون بذلك، ولو قالوا: مات عبد أو ابة لا يدرون ما هي صدق فيه. وأما قوله سرق أو أبق أو شرد البعير فهو مصدق مع يمينه.

[الباب الرابع] في الغريم يطلب تفليسه وحبسه أحد غرمائه، وكيف إن ترك بعضهم حصته بيده فربح أو أفاد والتحاص في ذلك

[الباب الرابع] في الغريم يطلب تفليسه وحبسه أحد غرمائه، وكيف إن ترك بعضهم حصته بيده فربح أو أفاد والتحاص في ذلك [الفصل 1 - في الغريم يريد بعض غرمائه تفليسه وحبسه ويأبى الآخرون] قال مالك رحمه الله: وإذا أراد واحد من الغرماء تفليس الغريم وحبسه، وقال الآخرون: ندعه يسعى حبس لمن أراد حبسه إن تبين لدده، ثم إن شاء الآخرون محاصة القائم في ماله فذلك لهم، ثم لهم قبض ما نابهم أو إبقاؤه بيده فإن أقروه بيد لم يكن للقائم أن يأخذ منه شيئاً في بقية دينه. [الفصل 2 - في الغريم يترك بعض غرمائه حصته بيده فيربح فيها الغريم ويفيد] قال ابن القاسم: إلا أن يربح فيه أو يفيد فائدة من غيره فيضرب في الربح أو الفائدة بما بقي له، وهؤلاء بما بقي لاهم بعد الذي أبقوا بيده لأنهم فيما ردوا إليه كمن عامله بعد التفليس فيكون من عامله آخراً أولى بما بيده بقدر ما داينه به، ثم يتحاصون مع القائم في الربح والفائدة كما وصفنا. وإن كان فيما أبقوا بيده وضيعة، وطرأت له فائدة من غير الربح ضربوا فيها بالوضيعة وبما بقي لهم أولاً، وضرب فيها القائم بما بقي له. وإن كان بيده الآن عرض قوم فما فضل فيه من ربح عن قدر ما أبقوه بيده تحاص في ذلك القائم بما بقي له، وهؤلاء بما بقي لهم بعد الذي أبقوا بيده وإن هلك جميع ما أبقوا بيده وطرأت له فائدة ضرب فيها القائم بما بقي له، وهؤلاء بجميع دينهم ما ردوا إليه

وما بقي لهم. [الفصل 3 - في الغريم يكون عليه لبعض غرمائه دين يسير فيريد سجنه، وعليه لسائر غرمائه مال حال كثير ولم يريدوا سجنه] ومن كتاب ابن المواز: وإذا قام به بعض غرمائه ليسجنه، وله عليه دين يسير، وعليه لسائر غرمائه مال حال كثير، ولم يردوا سجنه فإما دفعوا للقائم دينه، وإلا بيع له مما في يده حتى يفي بدينه، وإن أتى على جميعه، فمن شاء قام وحاصص هذا، ومن ابى فلا حاصص له. وإذا سجن لمن قام به، وكان له دين وعروض أكثر من دين من قام به فلا يفلس هذا، ولا يقضى إلا لمن حل دينه، ثم لو تلف ما بقي بيده ثم قام غريم فلا يرجع على من أخذ حقه بشيء. م/ قال بعض أصحابنا: واختلف شيوخنا القرويون إذا أراد من حل دينه من الغرماء تفليس الغريم وبيده كفاف دين هذا القائم، فقال بعضهم: يفلس له إلا أن يكون بيده فضل عن ذلك هذا ما يتصرف فيه. وقال غيره: لا يفلس له إذا كان بيده كفاف دين الذي حل دينه.

[الباب الخامس] فيمن رهن رهنا في سلف أو جناية أو رهن زرعا لم يطلب ثم فلس

[الباب الخامس] فيمن رهن رهناً في سلف أو جناية أو رهن زرعاً لم يطلب ثم فلس [الفصل 1 - فيمن رهن رهناً في سلف] قال مالك رحمه الله: وإن أسلفت رجلاً سلفاً بلا رهن أو برهن ثم أسلفته بعده سلفاً آخر على أن أخذت منه رهناً بالسلف الأول والثاني، وجهلتم أن الرهن الثاني فاسد، وقامت الغرماء على الرهن في فلس أو موت فالرهن الأول في السلف الأول، والرهن الثاني في السلف الثاني، ولا يكون الرهن الثاني رهناً في شيء من السلف الأول؛ لأنه سلف جر نفعاً. قال ابن المواز: وهذا إن كان الدين الأول إلى أجل وإن كان الدين الأول حالاً فذلك جائز إلا أن يكون عديماً فلا يجوز. قال ابن المواز: ويجوز عندي إن كان عديماً إذا كان الرهن له ما لم يكن عليه دين أحاط به. م/: ووجهه إذا كان الدين الأول إلى أجل فكأنه أسلفه الآن على أن أعطاه وثيقة بالدين الأول، فذلك سلف جر منفعة.

وأما إذا كان الأول حالاً، وهو مليء فقد ملك قبضه فتأخيره به كابتداء سلف فكأنه أسلافه ذلك، والسلف الثاني برهن آخر فذلك جائز. وأما إذا كان عديماً فهو كمن لم يملك قبض دينه الأول فكأنه أسلفه الآن على أن أعطاه وثيقة بالأول، فهو أيضاً سلف جر منفعة. وأما إن كان الرهن له فهو كالمليء، وأما إن كان عليه دين أحاط به فهو أيضاً سلف جر منفعة؛ لأنه لو لم يرهنه لدخل عليه الغرماء في ذلك وحاصوه، فكأنه أسلفه ليستبد بالرهن فلم يجز ذلك. وبالله التوفيق. قال بعض فقهاء القرويين: اختلف قول ابن القاسم في هذه المسألة، فقال هاهنا: إن الرهن كله رهن بالدين الآخر، وجعل ما بطل من الرهن بسبب الفساد كما لو قضى بعض الدين أن الرهن كله يكون رهناً ببقية الدين، وذلك أن الرهن وقع لدينين، دين متقدم، ودين متأخر، فبطل ما ناب المتقدم، وجعل الرهن كله للمتأخر تشبيهاً بقضاء الدين. وفي القول الآخر جعل ما قابل الدين الأول يبطل من الرهن بقدره، فإن تساويا بطل نصف الرهن، وكان نصف الرهن رهناً بالدين الآخر فقط. فصل [2 - فيمن رهن رهناً في جناية] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن جنى جناية خطأ لا تحملها العاقلة، وعليه دين يحيط بماله، فرهن في الجناية رهناً قبل قيام الغرماء عليه، ثم فلس، فصاحب الجناية أحق بالرهن من الغرماء، ولا حجة لهم إن قالوا: إن ذلك ليس من ابتياع أو تجارة؛ لأن مالكاً قال: لو لم يدفع رهناً في جنايته هذه حتى فلس كان للمجيء عليه محاصة غرمائه.

م/: هكذا نقلها أبو محمد، ولم يذكر في الأمهات هذه الجناية عمداً أو خطأ. [الفصل 3 - فيمن أحاط الدين بماله فجنى جناية عمداً فأراد أن يصالح عنها على مال ويسقط القصاص عن نفسه] وقال في كتاب الصلح: ومن أحاط بماله فجنى جناية عمداً فأراد أن يصالح منها على مال ويسقط القصاص عن نفسه فإن للغرماء رد ذلك؛ لأنه من أموالهم. م/: والعمد بخلاف الخطأ؛ لأن الخطأ مال، والعمد قصاص. م/: قال بعض فقهاء القرويين: لم يذكر في كتاب الصلح إن صالح قبل قيامهم هل لهم رد أم لا؟ إذا حمل ما هاهنا أنه عمد صار وقوع الصلح فوتاً، ولا رد للغرماء في ذلك، ويكون على هذا التأويل كالخلع والنكاح، وذلك إنما منع من إتلاف ماله كالهبة والعتق الذي لا عوض فيه، وأن هذه الأشياء لم يدفعها إلا عن أعواض قصاص أو انتفاع ببضع. ألا ترى أنه إذا صالح عن الجرح العمد لم يحتج إلى حيازة كالبيوع، ولو مات المصالح كان ذلك ديناً في ذمته، ولم يمنع من عليه دين إلا من الهبات ومن العتق؛ لأنه كالهبة، وأما لو كانت خطأ لا تحملها العاقلة فذلك كالدين لا شك فيه. فصل [4 - فيمن رهن زرعاً لم يطب ثم فلس أو مات] قال مالك: ومن فلس أو مات وقد ارتهن منه رجل زرعاً لم يبد صلاحه وهو مما لا يباع حين الحصاص فإن المرتهن يحاص الغرماء بجميع دينه الآن، ويترك الزرع، فإذا حل

بيعه بيع، فإن كان ثمنه مثل دينه أو أزيد منه قبض دينه، ورد زيادة إن كانت مع ما كان قبض في الحصاص فكان بين الغرماء، وإن كان ثمنه من دينه نظر إلى ما كان يبقى له من دينه بعد مبلغ ثمن الزرع فعلمت أن بمثله كان يجب له الحصاص أو لا فما وقع له على ذلك فليحبسه مما كان قبض، ويرد ما بقي، فيتحاص فيه الغرماء. قال يحيى بن عمر: ينظر فإن كان بيد كل غريم في الحصاص الأول نصف حقه أو ثلثه فليحبس هذا مما بيده قدر نصف أو ثلث ما نقص من ثمن الزرع عن دينه؛ لأنه به كان يجب له الحصاص، ويرد ما بقي فيتحاصص فيه هو وهم بقدر ما بقي لكل واحد منهم. م/: وما ذكره ابن القاسم أخصر وأبين، والقولان يرجعان إلى حساب واجد. م/: وبيان وجه قول يحيى هو أن الذي بقي له من دينه بعد ثمن الزرع هو دينه الذي كان يحاصص به، فإذا قبض كل غريم مثل نصف دينه قبض هذا أيضاً مما كان قبض أولاً ثم مثل نصف دينه، وما بقي منه فهو كمال طرأ يتحاصون فيه كل واحد بما بقي له قبل ذلك. [الفصل 5 - فيمن تزوج امرأة ثم فلس قبل الدخول فضربت بمهرها مع الغرماء فوقع لها نصفه ثم طلقت قبل البناء] وكذلك على هذا لو تزوجها بمئة، ثم فلس قبل الدخول، فضربت بمئة مع الغرماء،

فوقع لها خمسون، ثم طلقها قبل البناء قيل لها: انظري لو حاصصتهم بخمسين ما الذي كان يقع لك فاحبسيه، وردي البقية. ولو تزوجها بمئة: خمسين نقداً وخمسين مهراً، وبيده مائة، وعليه لرجل خمسون، فدفع إليها خمسين النقد، ثم فلس فضرت بالخمسين الباقية لها فوقع لها خمسة وعشرون، ثم طلقها قبل البناء لردت من الخمسين النقد التي كانت قبضتها خمسة وعشرين، ونظرت لو ضربت مع الغريم بخمسة وعشرين الباقية لها في مال المفلس، وفي هذه الخمسة والعشرين التي ردت كما كان ينوبها من ذلك فتمسكه. م/: وبيان ذلك في هذا السؤال أنه كان بيده مائة فأعطاها الخمسين النقد، وبقيت بيده خمسون، ففلس فضربت فيها بخمسين، والغريم بخمسين، فوقع لها خمسة وعشرون، ثم لما طلقها ظهر أنها إنما تستحق من النقد خمسة وعشرين، فترد خمسة وعشرين، وتستحق أيضاً من المهر خمسة وعشرين وبها كان يجب أن تضرب بتنظر ما كان يقع لها لو ضربت بخمسة وعشرين والغريم بخمسين فيما بيد المفلس، وذلك خمسة وسبعون، وذلك أنه إنما قبض مما بيده خمسة وعشرين من النقد، فيبقى بيده خمسة وسبعون، وتأخذ هي الخمسة والعشرين التي بيدها، وتبقى للغريم الخمسون التي بيده، ولا ترد في هذا السؤال شيئاً إذ يستحق كل واحد ما بيده في المحاصة.

[الباب السادس] فيمن فلس ولعبده عليه دين

[الباب السادس] فيمن فلس ولعبده عليه دين [الفصل 1 - من فلس ولعبده عليه دين فلا يضرب العبد مع غرماء سيده] قال ابن القاسم: ومن فلس ولعبده عليه دين فلا يضرب العبد مع غرماء سيده؛ لأنه يباع لهم إلا أن يكون على العبد دين لأجنبي فإن العبد يضرب بدينه، ويكون غرماؤه أحق بما وقع له، وبما بقي في يديه، ويتبعون ذمته بما بقي لهم، ويباع العبد لغرماء السيد. قال أبو محمد: قوله يباع العبد لغرماء السيد يتبين لي أنه يدخل معهم في ثمن رقبته؛ لأنه أحد غرمائه؛ ولأن على العبد ديناً فإذا وجب أن يضرب مع غرماء سيده؛ لأنه منهم كان ما وقع له في الحصاص لغرمائه. م/: وينقص مثل ذلك عن ذمة العبد فيباع على التبعيض. وفي آخر كتاب الحمالة لابن المواز مثل هذا.

[الفصل 2 - في عبد يضمن عن سيده ديناً لرجل ثم يفلس العبد] قال عن ابن القاسم في عبد ضمن عن سيده مئة لرجل، ففلس العبد فحاصص الرجل المتحمل له غرماء العبد فوقع له خمسون، فإن يرجع بخمسين على سيده، ويرجع بقية غرماء العبد على السيد بما وجب للعبد على سيده مما أدى عنه، فإذا لم يجد له غير العبد بيع العبد لهم أجمعين، ودخل في ثمنه غرماء العبد وغرماء السيد. وتفسير بيع العبد في المسألة الأولى مثل أن يكون عبد العبد دين لرجل عشرون ديناراً وله على السيد مثلها، وعلى السيد لرجل عشرون ديناراً فإن لم يكن له غير العبد بيع العبد في ذلك، فقال من يشتريه وعليه عشرون ديناراً فما وقع له في الحصاص مع غريم سيده سقط من ثمنه مثله عنه من دينه. فإن قال رجل: أنا أشتريه بعشرين ديناراً. قيل له: يقع له في الحصاص عشرة يقبضها الطالب له، وتبقى له عليه عشرته، فإن قال آخر: أنا آخذ بثلاثين. قيل: يقع له في الحصاص خمسة عشر يقبضها غريمه، ويسقط مما عليه من الدين مثلها، ويبقى عليه خمسة ثم على نحو هذا. وذكر عن ابن شلبون أنه خالف هذا وقال: بل يباع العبد لغرماء السيد، ولا يدخل معهم في ثمنه غرماء العبد فذكر له ما وقع لابن المواز وغيره مما يوافق ما قال أبو محمد. فقال: هذا خلاف ظاهر المدونة.

والصواب ما قال أبو محمد والله أعلم. وحكى عن بعض شيوخنا: إن العبد في مسألة الكتاب إنما يضرب مع غرماء سيده بجميع دينه، فإن وقع له في المحاصة مثل الدين الذي عليه فأقل أخذه غريمه، وإن وقع له أكثر مما عليه رد الزائد لغرماء سيده. قال: ولا يصح أن يضرب العبد بالأقل من دينه أو أكثر من الدين الذي عليه.

[الباب السابع] فيمن فلس وعليه دين أو له دين وفي تزويج المفلس وتغير الهبة في ذلك. قال مالك: وما كان على مفلس أو ميت من دين مؤجل فإنه يحل بالموت والفلس وما كان له من دين مؤجل فإنه إلى أجله ولغرمائه تأخيره إلى أجله أو بيعه الآن

[الباب السابع] فيمن فلس وعليه دين أو له دين وفي تزويج المفلس وتغير الهبة في ذلك. قال مالك: وما كان على مفلس أو ميت من دين مؤجل فإنه يحل بالموت والفلس وما كان له من دين مؤجل فإنه إلى أجله ولغرمائه تأخيره إلى أجله أو بيعه الآن. فصل [1 - في تزويج المفلس] وليس للمفلس أن يتزوج في المال الذي فلس فيه وله أن يتزوج فيما أفاده بعده. ابن حبيب: قال مالك فيمن ابتاع عبداً فتزوج به ثم طولب بالثمن، ولا مال له وقد بنى أو لم يبن قال: يكون ديناً عليه إذا لم يكن علم منه خلابة قبل شرائه للعبد، ولم يعلم منه إلا خيراً. وإن عرف بالخلابة أخذ صاحب العبد عبده وأتبعه المرأة بقيمة. وقال أصبغ: لو كان الزوج أخلب الخلابين لم يأخذ البائع العبد، وهو للمرأة بنى بها أو لم يبن. وقاله ابن القاسم. م/: كما لو باعه لم يكن لربه فسخ بيعه وأخذ عبده، فكذلك لا يأخذه إذا نكح به؛ لأنه بيع له. ابن المواز: وقال أشهب عن مالك فيمن أحاط الدين به يتزوج بعبد بعينه، ثم فلس

أن المرأة أحق به ما لم يصدقها إياه بعد أن وقف على فلس. وقاله ابن القاسم. قال مالك: إن كان دينه قد أظله غرمه. وألزم به وليس عنده غير العبد فالمرأة فيه أسوة، وإن كان لم يظله الدين ولم يلزم به المرأة أحق به. قال أصبغ: رجع مالك عن هذا إلى أن شراءه وبيعه وقضاءه ونكاحه جائز ما لم يفلس. وبه أقول. قال في كتاب الديات من المدونة: وإذا فلست امرأة ثم تزوجت وأخذت مهرها فليس لغرمائها فيه قيام بدينهم، ولا يقضي منه دينها، ويبقى زوجها بلا جهاز إلا أن يكون الشيء الخفيف كالدينار ونحوه. فصل [2 - في تغير الهبة للثواب بيد الموهوب المفلس بزيادة أو نقص] ومن كتاب التفليس: وإن تغيرت الهبة للثواب بيد الموهوب بزيادة أو نقص في بدن وقد فلس فللواهب أخذها إلا أن يرضى غرماؤه بدفع قيمة الهبة إليه فذلك لهم. م/: وحُكي عن بعض شيوخنا القرويين أنه قال: إذا كانت الهبة للثواب قائمة فسواء فلس الموهوب أو مات فإن الواهب أولى بها من الغرماء، وأما إن دخلها فوت فله أخذها في الفلس، ولا يأخذها في الموت؛ لأنها إذا فاتت صارت كالبيع؛ لوجوب القيمة وذلك كوجوب الثمن في البيع فعقد البيع في ذمة المشتري. وهذا أبين فاعلمه.

[الباب الثامن] فيمن وجد عين شيئه في فلس أو موت

[الباب الثامن] فيمن وجد عين شيئه في فلس أو موت [الفصل 1 - بائع السلعة أحق بها في الفلس] وروى ابن وهب عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أيما رجل فلس فأدرك رجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره». وفي حديث آخر: «فإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء». وبذلك أخذ مالك وأهل المدينة أن بائع السلعة أحق بها في الفلس، وإن لم يكن للمفلس مال غيرها. قال ابن المواز بجميع الثمن زادت أم نقصت في سوق أو بدن. قال: ولو أسلفه مالاً عيناً أو عرضاً فعرف بعينه في الفلس فربه أسوة الغرماء وإنما الأثر في البيع.

[الفصل 2 - من عرف الثمن بعينه في بيع السلم فهو أحق به في الفلس] قال ابن القاسم في كتاب المأذون: وإن فلس وقد أسلم إليه رجل مالاً في طعام أو غيره فعرف الثمن بعينه ببينة لم تفارقه مذ قبضه فدافعه أحق به. وكذلك لو أسلمه سيد العبد المأذون له في السلعة ففلس العبد فربه أحق بعينه إذا عرف وشهدت بينة لم تفارقه أن الدنانير هي بعينها. وأجاز في كتاب الغضب الشهادة على دنانير بأعيانها أنها غصبت لفلان. وفرق بعض القرويين بين الدنانير المغصوبة وبين الدنانير التي أسلفها في طعام في أقال من طعام فقال في هذه: لا تجوم إن فارقته البينة وإن شهدت على أعيان الدنانير بخلاف المغصوبة؛ لأن هذه خرجت من يد ربها بالطوع، والمغصوبة الجبر، م/: ولا فرق بين ذلك عندي والله أعلم. [مسألة: في المبتاع يموت أو يفلس قبل أن يدفع ثمن السلعة] ومن المدونة قال مالك: ومن باع سلعة فمات المبتاع قبل أن يدفع ثمنها وهي قائمة بيده فالبائع أسوة الغرماء في ثمنها، وإن فلس المبتاع قبل أن يدفع ثمنها، وهي قائمة بيده فإن البائع أحق بها، وإن لم يكن للمفلس مال غيرها، إلا أن يرضى الغرماء بدفع ثمنها إليه، فذلك لهم.

[مسألة: في المفلس يموت بعد أن أوقف السلطان ماله] ومن العتبية والواضحة قال مالك فيمن باع عبداً أو دابة من رجل بثمن إلى أجل ففلس المبتاع فقام غرماؤه عليه، وقام صاحب الغلام أو الدابة فأوقف السلطان ماله؛ لينظر في أمرهم وبياناتهم فمات المفلس قبل أن يقبض البائع الغلام. قال: إذا أوقف له الغلام فهو أحق به وإن لم يقبضه، وإن مات المفلس قبل أن يوقف للبائع فهو أسوة الغرماء، وليس إيقاف ماله بإيقاف للبيائع حتى يوقف له العبد بعينه. [الفصل 3 - من وجد أمته التي باعها بيد المبتاع بعد أن فلس فهو أحق بها] ومن كتاب العيوب قال مالك: ومن وجد أمته التي باع بيد المبتاع بعد أن فلس كان أحق بها إلا أن يعجل له الغرماء الثمن. قتل في كتاب محمد: أو يضمنونه له وهم ثقات، أو يعطوه به حميلاً ثقة. قال في المدوزنة: فإن فعلوا ثم هلكت الأمة قبل أن تباع كانت من المديان، وعليه خسارتها وله ربحها، وليس له منعهم من أداء ثمنها عنه بأن يقول: إما أبرأتموني مما تدفعون فيها أو تسلموها. كمن أدى عن رجل ما ألزمه بغير أمره؛ ولأن البيع القائم بعد لم ينتقض، وإنما البائع نقضه فأخذه السلعة إن شاء قبل وجود الثمن من المشترين أو من دافع يدفع عنه بأمره، أو بغير أمره. ابن حبيب وقال مطرف وابن الماجشون عن مالك: أما إذا زاد ثمنه السلعة فالغرماء مخيرون بين أن يعطوا البائع ثمنها أو يسلموها، فإن كان نقص ثمنها فالبائع مخير إن شاء

أخذها ولا تباعة له، أو تركها وحاص بثمنها. قال ابن الماجشون: وإذا ارتفع ثمنها وأعطاه الغرماء الثمن من ماله أو من أموالهم فنماؤه للمفلس، وضياعها ومصيبتها إن تلفت قبل أن تباع أو نقصت منهم، ليس على المفلس من ذلك شيء؛ لأنه يرى أنها للبائع فيما كان عليه من ثمنها كالعبد الرهن يجني فيأبى سيده أن يفديه ويسلمه فيفتكه المرتهن ثم يموت، فمصيبته من المرتهن مصيبة ما افتكه به ويتبع بالدين الأول، وإن بيع بأكثر كانت الزيادة قضاء عن الراهن. وقاله أصبغ وبه أقول. قال: وكان ابن كنانة يقول ليس للغرماء أن يفدوها من أموالهم ولكنها تبدئة يبدئون البائع بثمنها من مال المفلس إن كان له مال وقال أشهب: ليس للغرماء أخذها بالثمن حتى يزيدوا عليه زيادة يحطونها عن المشتري من دينهم وتكون السلعة لهم نماؤها وعليهم تواؤها. وقال ابن القاسم: النماء والتواء من المفلس، ولسنا نقول بشيء من هذه الأقاويل الثلاثة. قال: وإذا وجد البائع سلعة بيد المفلس وقد قبض بعض ثمنها أو لم يبق له منه إلا درهم لم يأخذها إلا برد جميع ما قبض، أو يتركها ويحاصصهم بما بقي له.

قال مالك في كتاب ابن المواز: إلا أن يشاء الغرماء أن يعطوه ما بقي له ويأخذوها فلا حجة للغريم، ونماؤها له، وتواؤها عليه. فصل [4 - فيمن باع سلعتين في صفقة واحدة وقبض ثمن إحداهما ثم فلس المبتاع فأراد البائع أخذ السلعة الباقية] ومن العتبية وكتاب محمد وابن حبيب قال مالك فيمن باع روايتي زيت بعشرين ديناراً فقبض عشرة ثم فلس المبتاع وقد باع رواية فأراد البائع أخذ الرواية التي بقيت. قال: يقبض العشرة التي قبض على الروايتين فيرد ما قابل إحداهما، وذلك خمسة دنانير، ثم يأخذ التي بقيت يريد ثم يحاصص الغرماء بخمسة بقيت من الأخرى. قال وكذلك لو كانت عشرة فلم يجد إلا واحدة فليرد عشرة ما قبض ويأخذها إن شاء، فعلى هذا يحسب. قال ابن القاسم: فإن كان عروضاً مختلفة القيم في صفقة، وقبض بعض الثمن، فتلوم كل سلعة من ذلك، ويقبض ما اقتضى على الجميع، فيعلم ما اقتضى لكل سلعة فإن شاء أخذ ما وجد ورد ما قبض من ثمنه إلا أن يشاء الغرماء أن يؤدوا له بقية ثمن هذا الذي وجدوا ويأخذوه، مثل أن يبيع ثلاثة أرؤس بمائه دينار فقبض ثلاثين ديناراً، وقيمة أحد النصف، والآخر ثلاثة أعشار الثمن، والآخر خمس الثمن، فصار من الثلاثين على الذي قيمته النصف خمسة عشر، وعلى الذي قيمته ثلاثة أعشار تسعة، وعلى الآخر ستة، فما فات منهم حسب عليهن ما قبض من ثمنه وحاص بما بقي وما وجد منهم

رد ما وقع له وأخذه إن شاء إلا أن يعطيه الغرماء بقية ما وقع له من الثمن. فإذا دعوا إليه بقية ثمن ما وجد وأخذوه دخل معهم بالحصاص في ثمنه وفي باقي مال المفلس مما بقي له، وقاله مالك. قال ابن المواز: يريد فيما فضل من ثمنه بعد الذي فدوه به إن فدوه من أموالهم. قال أصبغ إذا وجد البائع بعض السلع، فعلى الغرماء دفع حصة ذلك من الثمن، وهم أولى منه ومن بقية الغرماء ممن لم يدفع فيها شيئاً بمقدار ما دفعوا في ثمنها إذا بقيت، فإن كان فيها فضل دخل فيه هم وبائعها بما بقي له من ثمن بقية السلعة وسائر الغرماء أجمعين. م/ ظاهر كلام أصبغ ومحمد أنه تفسير لقول مالك. وقال بعض فقهائنا القرويين إذا باع منه سلعتين ففاتت واحدة ووجد الأخرى فله أخذها، فإن رضي الغرماء أن يعطوه ثمنها كان ذلك لهم. قال: واختلف هل يكونون أولى بها حتى يستوفوا من ثمنها ما فدوها به؟ وهل يكون هو يدخل معهم في جميع ثمنها بثمن الفائتة؟ لأنهم كأنهم أسلفوا المفلس ثمنها سلفاً. قال: وهذا الآخر قول ابن القاسم. م/ وهو ظاهر قول مالك. م/ وهو ظاهر قول مالك. قال: والأول اختيار محمد وذلك أنهم عنده حلوا محل صاحبها، ولو أخذها لم يكن له

محاصصتهم إلا فيما بقي بثمن الفائتة، فحلوا هم محله إذا فدوها أن يبدأوا بما فدوها به ثم يحاصصهم بما بقي في الفاضل عما فدوها به وفي بقية مال المفلس. وقد قال أشهب فيمن أمرته بشراء سلعة فاشتراها ونقد ثمنها من عنده، أنه يكون أحق بها حتى يدفع إليه الآمر الثمن. قال: وهذا معنى ما أراد محمد؛ لأن المأمور قد حل محل بائعها، فلما كان لبائعها حبسها حتى يقبض ثمنها، فكذلك المأمور. قال: وخالفه ابن القاسم، ورآه سلفاً منه، فلا يكون أحق منه بالسلعة. فصل [5 - في المبتاع يخلط ما ابتاع بغيره من نوع ثم يفلس فيريد البائع أخذ ما باع من جملته] قال مالك: وإذا اختلط ما باع من عسل أو قمح أو ميت بمثله، وعرف ذلك ببينة فلربه أخذه من جملته. قال ابن القاسم: وإن خلطه بشيء اشتراه من آخر كانا أحق به، وتحاصا فيه. قال ابن المواز: وإن صب عسل هذا في حريرة هذا، ولتَّهُ فهما أحق بذلك من سائر الغرماء يتحاصون في ثمنها بقدر قيمة هذا من قيمة هذا ليس لهما غيره إن

أحبا إلا أن يقضيهما الغرماء ثمن الجميع، أو يعطوا لمن شاءوا ثمنه، ويدخلون مدخله مع الآخر. قال ابن أبي مطر: ثم توقف فيها محمد. ومن كتاب المأذون قال ابن وهب عن مالك ومن ابتاع زيتاً فصبه على زيت له، أو دفع إلى صراف دنانير فصبها في كيسه، أو اشترى بزا فرقمه وخالطه على بز عنده، وذلك بمحضر بينة ثم فلس المبتاع، فالبائع أحق بمقدار زيته ووزن دنانيره وأخذ بزه، وهو كعين شيئه إذا كان قائماً، وليس خلط المبتاع إياه يمنع البائع من أخذه. وهو كعين شيئه إذا كان قائماً، وليس خلط المبتاع إياه يمنع البائع من أخذه. وقال أشهب: هو أحق بالعرض، وأما العين فهو فيه أسوة الغرماء. وقال ابن حبيب عن أشهب وابن القاسم ومطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ مثل رواية ابن وهب. قال أصبغ: إلا أن يخلطه بغير نوعه مثل أن يصب زيت الفجل على زيت الزيتون أو القمح النقي بالمغلوث أو المسوس حتى يفسده فيكون كما لو فات.

ومن العتبية قال أبو مزيد عن ابن القاسم فيمن تزوج امرأة بعبدين فقبتهما، ثم فلست، وطلقها الزوج قبل البناء، فهو أحق بالعبدين يريد يكون شريكاً فيهما. قال ابن المواز: إذا طلقت امرأة قبل البناء وفلست، فإن عرف المهر بيدها يريد بعينه، فالزوج أحق به حتى يأخذ نصفه، وإن لم يوجد إلا نصفه فإن كان ما هلك بغير سببها يعرف ذلك فليس له إلا نصف ما وجد، ولا محاصة له بما بقي، وإن كان بسببها حاص بنصف ما ذهب. فصل [6 - في المبيع يتغير بيد المبتاع بزيادة أو نقص ثم يفلس المبتاع] قد تقدم أن الهبة للثواب إذا تغيرت بيد الموهوب بزيادة أو نقص في بدن وقد فلس فللواهب أخذها إلا أن يدفع الغرماء قيمتها إليه، فذلك لهم، والهبة للثواب كالبيع. م/: ولو باع منه أمة فَجَنَت، ثم فلس المشتري لم يكن لبائعها أخذها حتى يدفع أرض الجناية، ولا يرجع بها كالعيب يدخلها. قال ابن حبيب: قال مطرف عن مالك فيمن باع أمة فعميت أو أعورت بغير جناية، ثم فلس المبتاع، فإما أخذها البائع بجميع حقه، أو يدعها ويحاص، وكذلك في كتاب محمد.: قال مالك: ولو اعورت بجناية جان، فأخذ السيد نصف قيمتها فللبائع أخذها بنف حقه إلا أن يعطيه الغرماء نصف حقه ويحاصص بالنصف الآخر في الوجهين، أو

يسلمها ويحاصص الغرماء بجميع الثمن، وكذلك الثوب يخلق، أو يدخله فساد فهو كالأمة تفوت. وقاله ابن الماجشون وأصبغ وابن وهب. قال ابن الماجشون وأصبغ: إلا أن يكون ما دخله من التلاف والفساد فاحشاً جداً فلا يكون له أن يأخذه. قال مطرف: قيل لعبد الملك: وإن وجد الثياب قد تقطعت؟ قال: لا أدري ما هذا لو كانت جلوداً فقطعت نعالاً كان ذلك فوتاً، فإذا تفاوت الشيء هكذا فلا أرى له أخذه، وأما شيء متقارب لم يأت فيه فوت فإنه أحق به. وذكر مسألة ابن المواز عن مالك في الجلود تقطع نعالاً. ومن كتاب محمد وابن حبيب قال مالك فيمن اشترى عرصة فبناها داراً، أو غزلاً فنسجه ثوباً، ثم فلس، فإن البائع يكون شريكاً للغرماء بقدر قيمة العرصة من قيمة البنيان. وتفسير ذلك أن تكون قيمة العرصة عشرة، وقيمة البنيان عشرين، فيكون لصاحب العرصة الثلث، وللغرماء الثلثان. قال مالك: وكذلك الغزل، وكل ما أشبهه. ابن حبيب: وقاله أصحاب مالك كلهم.

قال: وقال أصبغ فيمن اشترى زبداً فعمله سمناً، أو ثوباً فقطعه قميصاً، أو خشبة فعمل منها باباً، أوم كشباً فذبحه أن ذلك كله فوت، وليس للبائع غير المحاصة بخلاف العرصة تبنى والغزل ينسج؛ لأن هذا عين قائمة زيد فيه غيره. قال: ابن المواز: وأما الجلد يدبغ والثوب يصبغ فإنه يكون البائع شريكاً فيه مع الغرماء بقدر ما زاد الصبغ والدباغ. وقال ابن القاسم: يكون شريكاً مع الغلماء بقيمة الصبغ، وبقيمة النسج في الغزل، والبنيان في البناء. م/: وقيل: يشبه أن يكون النسيج تفويتاً، وفي هذا الأصل اختلاف، فانظر لو اشترى غزلاً فنسجه، ثم استحقه رجل فعلى هذا يدفع إليه قيمة النسج، ولا يكون فوتاً، ويجب إذا دفع إليه غزلاً فتعدى فنسجه أن ربه يأخذه كثوب خاطه. وقد اختلف فيمن غصب قمحاً فطحنه فقيل: عليه مثله. وقيل: يأخذه ربه. واختلف في المشتري يطحن القمح فقيل: فوت. وقيل: يأخذه ربه، ويغرم الطحن وقيل: يأخذه بغير شيء، كما اختلف في شقي الثمرة إذا سقاها مشتريها ثم استحقت الأصول ولم تيبس الثمرة أو استشفع. فقال عبد الملك: لا أجرة له، وخالفه ابن القاسم.

وقال في الصباغ يسلم الثوب إلى ربه، ثم يفلس ربه، أن الصباغ يكون شريكاً في الثوب بما زاد فيه الصبغ. ثم إن بقى له شيء من حقه كان به أسوة. وقال في العتبية: بقيمة الصبغ من قيمة الثوب مثل صبغ المشتري. م/ وما في العتبية أشبه؛ إذ قد لا يزيده الصبغ شيئاً، وقوله: ويكون ببقية إجارته أسوة لا يلزم؛ لأن من أخذ سلعته في الفلس ناقصة لا يحاص بما نقصها؛ لأنه إما أن يأخذها، أو يحاص بثمنها، فكذلك هذا، إما أن يشاركه بما زاد صبغة، أو يحاص بإجارته. وفي كتاب ابن حبيب في ترقيع الرجل الثوب أنه يكون شريكاً بما زاد الترقيع، ولم يذكر أن له أخذه بعد ذلك. قال: وأما إن كان رقعة أو رقعتين، وأكثره خياطة فتوق، فهوم بذلك أسوة الغرماء قال بعض الفقهاء: ولو قيل: إنما قابل ما أخرج الصبغ يكون به شريكاً، وما قابل أجرة يده في عمله يحاص به لكان أشبه. ابن المواز: قال أصبغ: ومن اشترى قمحاً فزرعه أو طحنه لم يكن للبائع أخذه.

قال أشهب: وإذا فلس وقد دفع ثوباً إلى قصار أو صباغ يعمله، فقام بائعه بعد فراغه، فله أخذه من الصباغ بعد أن يعطيه أجرته، ويحاص الغرماء بما أعطاه يقوم مقام الصانع. قال ابن المواز: ولا شيء له مما فداه به إن أسلمه إليه الغرماء، ليس له إلا ثوبه زاده الصبغ أو نقصه -يرد أو يتركه ويحاص- كالعبد يجني ثم يفلس، فيفديه بائعه، فلا شيء له مما فداه به، ولو وجد سلعته مرهونة فالبائع مخير أن يدعها ويحاصص، أو يفديها ويأخذها بالثمن كله، ويحاص بما فداها به. إلا أن يشاء الغرماء أخذها ويعطوه جميع الثمن ويحاصصهم بما فداها به فيها وفي جميع مال الميت. قال أبو محمد: والفرق بينهما أن الرهن من سبب المشتري، والجناية لم يتعلق بذمته شيء يلزمه. قال ابن المواز: إذا جنى العبد الغرماء مخيرون إما فدوه بدية الجناية وبثمنه الذي لبائعه، ثم يبيعونه فيستوفون من ثمنه دية الجناية، فإن عجز عنها لم يكن لهم من بقية الجناية شيء. م/: يريد: ويكون لهم عليه ثمنه الذي دفعوا لبائعه.

قال: فإن فضل بعد دية الجناية شيء أخذوه من ثمنه الذي فدوه به، فإن عجز أتبعوه به، وإن فضل بعد ذلك فضل فذلك بين غرمائه من دينهم الأول، فإن مات العبد أو نقص بعد أن فدوه فلا شيء على المفلس مما فدوه به من قبل الجناية وحدها. قال: وإن شاءوا افتكوه من بائعه بالثمن ومن المجروح بدية الجناية وبزيادة ولو درهماً يحطونه عن الغريم من دينهم عليه؛ ليكون العبد لهم وفاء فذلك لهم، فإن مات كان دينهم عليه -يريد الدين الأول- إلا الزيادة التي زادوها على دية الجرح. [الفصل 7 - فيمن باع عبداً فأبق من المشتري ثم فلس مشتريه] ومن العتبية والموازية قال ابن القاسم فيمن باع عبداً فأبق من المشتري، ثم فلس، ثم طلب البائع يحاص بثمنه على أنه إن وجد العبد أخذه ورد ما حاص به فليس له ذلك، إما أن يرضى بطلب العبد ولا شيء له غيره، وإلا فليحاصص، إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه الثمن أو يطلبوا الآبق. قال ابن حبيب عن أصبغ عن أشهب: وليس من شراء الآبق. م/: يريد لأنهم إنما أدوا عن المفلس ثمنه، والعبد للمفلس نما أو نقص. قال أشهب: وللبائع ترك المحاصصة ويقول: أنا أطلب عبدي فإن وجده فهو أحق به، وإلا رجع فحاص الغرماء.

وقال ابن المواز: لا يكون أحق بها. م/: كالرد بالعيب، وقد اختلف فيه. قال بعض القرويين: وأما لو أخذ السلعة بدين أخذا فاسداً فلا يكون أحق بها، وقد يمكن أن يكون تأخيره لمكان ما أخذ منه، فوجب أن يكون أحق بها، كأنه يقول: إنما وثقت وتركت طلبه عند ملائه لظن أن ما أخذت يصح لي، ففاتني بما اخترت الأخذ منه، كما قالوا: إذا أعطاه رهناً قبل الأجل على أن يكون رهناً بشيء أسلفه له وبدين لم يحل فإن فطن قبل الأجل لم يكن رهناً، وإن دخل في الأجل الثاني كان رهناً؛ لأنه يقول: لولا ثقتي بالرهن ما تركته عند حلول الأجل. [الفصل 9 - فيمن أحاله بائع السلعة بثمنها على مشتريها ثم فلس المشتري] م/: قال بعض القرويين: وقد اختلف فيمن أحاله بائع سلعة بثمنها على مشتريها ففلس المشتري فقيل: يكون أحق بتلك السلعة؛ لأنه حل محلها بائعها، وكأن بائعها أقامه مقام نفسه في جميع ما يجب له. وقيل: لا يكون المحال أحق بالسلعة؛ لأن هذا لم يبع شيئاً، وإنما له دين، وقد خرجت يد من أحاله. واختار محمد أن يكون أحق على نحو ما تقدم له؛ لأن من فدى شيئاً فقام مقام من كان بسببه. ومذهب أصبغ في هذا كله نحو ما قدمنا عن ابن القاسم أنه لا يكون مثله، ولا يحل محله. قال: وفي الإقالة أيضاً اختلاف.

[الباب التاسع] في ولد ما ابتاع قبل الفلس وغلته وقيام البائع وفي العبد يباع بماله

[الباب التاسع] في ولد ما ابتاع قبل الفلس وغلته وقيام البائع وفي العبد يباع بماله [الفصل 1 - فيمن ابتاع أمة فولدت عنده ثم فلس] قال مالك رحمه الله: ومن ابتاع أمة فولدت عنده، ثم فلس، فللبائع أخذ الأمة وولدها، فإن ماتت الأم عند المبتاع، وبقي الولد، ثم فلس، فللبائع إن شاء المحاصة بجميع الثمن، أو أخذ الولد بجميع دينه، إلا أن يعطيه الغرماء جميع الثمن، ويأخذوا الولد فذلك لهم. قال في العتبية والموازية: سواء ماتت الأم بقي الولد، أو مات الولد وبقيت الأم، فليس له أخذ الباقي منهما إلا بجميع الثمن، أو يترك ويحاص. وقال: وكذلك إن باع المشتري الولد وبقيت الأم ثم فلس، فإن شاء البائع أخذها بجميع الثمن أو تركها وحاص بجميع ثمنها؛ لأن الأم هي المشتراة بعينها والولد كالغلة، وكذلك إن كانت الأم غنيماً أو رمكة فيبيع نتاجها فليس له في الولد شيء، وكأنه غلة. قال: وأما إن باع الأمة وبقي الولد فليقسم الثمن على الأمة وولدها، فيأخذ الولد بحصته من الثمن ويحاص بما يصيب الأم، وقاله كله أصبغ عن ابن القاسم في الواضحة.

م/: قال غير واحد من فقهائنا: يقوم الولد على هيئة اليوم أن لو كان مع أمه يوم عقد الصفقة، فعرف ما يقع له من الثمن فيأخذه به. ابن حبيب قال ابن القاسم: ولو قتل أحدهما فأخذ له عقل، وبقي الآخر كان مثل البيع سواء، وإن لم يؤخذ له عقل فسبيله سبيل الموت سواء، ولو باعها بولدها كانا كسلعتين بيعتا في صفقة في وجود ما وجد منهما، وذكر مثله ابن وهب عن مالك وقاله أشهب. قال ابن القاسم: والرد العيب بخلاف المفلس لو باع الولد وقد توالد غيره عنده، ثم أراد رد الأم بعيب لم يكن له ذلك إلا أن يرد معها أثمانهم، ولو باع الأمة وبقي الولد، ثم ظهر على عيب كان بها لم يرجع بشيء، إلا أن يرجع عليه أن ترجع إليه. وفي كتاب العيوب إيعاب هذا. فصل [2 - فيمن ابتاع غنماً فتناسلت عنده ثم فلس، وفي غلة المبتاع قبل الفلس] ومن المدونة قال مالك: وإن ابتاع قال مالك: وإن ابتاع غنماً ثم فلس، فوجد البائع الغنم قد تناسلت، فله

أخذ الأمهات والأولاد كالرد بالعيب، وأما ما كان من غلة أو صوف جزه أو لبن احتلبه فذلك للمبتاع، وكذلك النخيل يجني ثمرها فهو كالغلة، إلا أن يكون يوم الشراء على ظهور الغنم صوف قد تم وفي النخل تمر قد أبر واشترط ذلك المبتاع فليس كالغلة، وإن جذ الثمرة وجز الصوف، وقال أشهب: إن جذ الثمرة وجز الصوف فهما كالغلة. وقال يحيى: إن جذ تمرا رد ملكيته، وإن جذه رطباً رد قيمته. م/: يريد: إذا فات. قال: وله أجرة سقيه وعلاجه. وقال ابن حبيب: لا نفقة له؛ لأنه إنما أنفق على ماله وما ضمانه منه. م/: إنما يصح قول يحيى هذا في الرد بالعيب، وأما في التفليس فإذا فاتت الثمرة لم يكن للبائع مثلها ولا قيمتها؛ لأن عين شيئه قد ذهب فيسقط حصة ذلك من الثمن، ويأخذ من النخل ما ينوبها من الثمن، ويحاصص بما ينوب الثمرة، وهذا أبين. ومن العتبية وكتاب محمد وابن حبيب قال ابن القاسم: ولو اشترى غنماً عليها صوف قد تم فجزه وباعه، ثم فلش المشتري ولم يكن نقد الثمن، فأراد البائع أن يأخذ ما

وجد من حقه فلينظر كم قيمة الصوف من الرقاب لا إلى ما باعه به، فيأخذ الغنم بحصتها بلا صوف، ويحاصص الغرماء بما وقع للصوف. قال في كتاب ابن حبيب: يقال: كم قيمة الغنم يوم وقع البيع بلا صوف؟ وكم قيمتها بصوفها؟ فلينظر اسم قيمة الغنم وحدها من تلك القيمة فيأخذ الغنم بذلك الاسم من الثمن الذي باع به، ويحط عن الغريم ذلك الاسم، فيحاص الغرماء باسم الصوف من جميع الثمن كسلعتين بيعتا في صفقة ففاتت الواحدة وأدرك الأخرى، إلا أن يكون الصوف قائماً عنده، فيكون البائع بالخيار أن يأخذ الغنم وصوفها، أو يترك ويحاص بجميع الثمن. ولو شاء أخذها بصوفها كان للغرماء أن يعطوه الثمن ويأخذوا ذلك للغريم، له نماؤه وعليه تواؤه، وكذلك الدار لها غلة قد حلت فيشتريها بغلتها بما يجوز به البيع إن كانت الغلة عيناً اشتراها بعرض، أو عرضاً اشتراها بعين. قال في كتاب محمد: أو عبداً اشتراه بغلته التي حلت فهو كما ذكرنا في الغنم بصوفها، وكذلك الأصول كلها يشتريها وفيها ثمر قد طاب. ابن حبيب: أو أبر. فيجذ ذلك ويبيعه، فهو كما ذكرنا في الصوف يجزه ويبيعه. وقاله في الواضحة: وإن لم تجذ الثمرة، ولم تزايل الأصل حتى فلس فهي للبائع مع الأصل إن اختار الأخذ، وكذلك الصوف إذا لم يجزه، وإن جذت الثمرة قبل

التفليس فليس للبائع فيها شيء، ويأخذ الأصل إن أحب بما ينوبه من الثمن بغير ثمرة بخلاف الصوف في هذا. قال أصبغ: وأما في الرد بالعيب فلا يرد الشجر والنخل إلا أن يرد معها مثل مكيلة الثمرة إن جذها يابسة، أو يقاصه بقيمتها إن جذها رطبة ولا يرد الغنم إلا أن يرد معها مثل الصوف الذي جزه منها، ولا يرد الدار إلا بغلتها التي اشترى معها، وهذا إذا كان ذلك تبعاً، وإلا قبض الثمن. [الفصل 3 - فيمن اشترى النخل والشجر وليس فيها ثمر والغنم ولا صوف عليها، أو الدار والعبد ولا غلة لذلك، ثم اغتل ذلك سنين، ثم فلس المبتاع] قال في الكتب الثلاثة: وأما إن اشترى النخل والشجر وليس فيها ثمر، والغنم ولا صوف عليها، أو الدار والعبد ولا غلة لذلك، فاغتل ذلك سنين واكتسب العبد مالاً فانتزعه منه، ثم فلس المبتاع فليس للبائع فيما اغتل المبتاع أو انتزع شيء، إن اختار أخذ السلع من غنم ونخل وغيرها، وليأخذها وحدها بجميع الثمن، أو يتركها ويحاص الغرماء. ابن حبيب: كانت الغلة عنده أو قد فاتت. وكذلك في الرد بالعيب، ليس على المشتري إذا فلس أو وجد عيباً أن يرد شيئاً ما اغتل؛ لأن الغلة بالضمان إلا أن يكون في الشجر ثمر أبر أو لم يؤبر، أزهى أو لم يزه حتى يردها بالعيب، فيردها معها ما لم يزايل رؤوس الشجر، ويرد الغنم بصوفها، وإن كانت في الدار غلة لم يتقاضاها المشتري فهي بخلاف الصوف وثمر الشجر.

م/: والغلة في الدار كالمجذوذ من الثمرة والمجزوز من الصوف؛ لأن الغلة ليست بمتصلة بالدار كاتصال الثمرة والصوف، وكل ما حل منها فهو كغلة مقبوضة. [الفصل 4 - في مشتري الشجر يفلس ثم يقوم البائع وفيه ثمر لم يؤبر أو كان قد أبر وأزهى] قال ابن حبيب: وأما في التفليس إذا باع شجرة وليس فيها ثمر، ثم فلس مشتريها، ثم قام البائع، وفيها ثمر لم يؤبر فهو للبائع، وإن كان قد أبر وأزهى فهو للمبتاع، والغرماء أولى به، وسبيله في الفلس سبيل الشفعة. م/: وهذا خلاف ما لابن القاسم في كتاب الشفعة. قال فيه ابن القاسم: ومن ابتاع نخلاً لا ثمر فيها، أو فيها ثمر مأبور فاشترطها ثم فلس بعد زهو الثمرة أو يبسها فللبائع أخذ النخل بثمرها ما لم تجد، إلا أن يدفع إليه الغرماء جميع الثمن، وليس للشفيع أخذها إذا يبست. م/: فإن جذ الثمرة في التفليس افترق المأبور من غيره عند ابن القاسم، فالمأبور للبائع أخذه وإن جذه ثمراً مع النخل إلا أن يعطيه الغرماء الثمن، والغير مأبور لا يرده كالغلة، وقد تقدم هذا. قال ابن حبيب: وكذلك غلة الدار إذا حلت يوم القيام فهي لغرماء المفلس، ويأخذ البائع الدار وحدها بجميع الثمن، أو يترك ويحاص.

قال: وإن كان على الغنم صوف قد تم فللبائع أخذ الغنم بصوفها إلا أن يعطيه الغرماء الثمن، والفرق بين ذلك أن من ابتاع غنماً عليها صوف فهو له وإن لم يستثنه، ومن ابتاع داراً ولها غلة قد حلت لم تكن الغلة له إلا أن يستثني. قال في العتبية: وما اكتسب العبد عند المبتاع فلم ينتزعه حتى فلس فللبائع أخذه بماله بجميع الثمن إلا أن يعطيه الغرماء الثمن ويأخذوه وهو كالغنم تقوم وعليها صوف قد تم. قال: وقد قال في كتاب آخر: إذا باع الحائط ولا ثمر فيه ثم فلس وفيه ثمرة قد طابت أنه يأخذه بثمرته كصوف الغنم ومال العبد. ابن المواز: وقاله أصبغ عن ابن القاسم عن مالك. [مسألة: في المشتري يرد النخل والشجر بعيب وفيها ثمرة قد طابت فلا أجرة له في قيامه وسقيه للثمرة] قال ابن حبيب: وإذا رد النخل والشجر بعيب وفيها ثمرة قد طابت فلا أجرة له في قيامه وسقيه للثمرة؛ لأن ضمانها منه كنفقة الدواب وغيرها، ولا شيء في ذلك للمشتري إذا فلس فأخذ ذلك البائع؛ لأنه إنما أنفق على ماله.

[الفصل 5 - فيمن اشترى نخلاً فيها ثمر قد أبر أو أزهى أولاً ثمر فيها ثم فلس المشتري فالبائع أحق بالنخل بما فيها والشفيع أحق منه] ابن المواز قال أشهب: ومن اشترى نخلاً فيها ثمر مأبور أو مزهى أو لا ثمر فيها فإذا قام الغرماء فالبائع أحق بالنخل بما فيها من ثمر أزهى أو لم يزه إلا أن يعطيه الغرماء الثمن، ولو كان فيها شفعة فالشفيع أولى بها من بائعها ومن الغرماء، وبائعها أولى بالثمن الذي يدفعه الشفيع، فإن سلم الشفعة فبائعها أحق بها إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه ثمنها. م/: وتحصيل اختلافهم في الثمرة وفي الصوف في التفليس أنه إذا ابتاع ذلك مع الأصل فجز الصوف وجذ الثمرة وباع ذلك فللبائع الحصاص بجميع الثمن، أو يأخذ الأصول بحصتها من الثمن ويحاص بما يخص الصوف والثمرة، إلا أن يشاء الغرماء أن يعطوه الثمن ويأخذ ذلك، إن وجد الصوف والثمرة لم يجز ولم تجذ فليس له إلا ذلك أو يحاص بجميع الثمن ولا خلاف في ذلك كله. وإن جذ الثمرة وجز الصوف وهو قام فقيل: أما الصوف فله أخذه ولا يأخذ الثمرة، ويأخذ الشجر بما ينوبه من الثمن ويحاص بما بقي. وإن كانت النخل لا ثمر فيها والغنم لا صوف عليها يوم البيع ثم قام البائع بعد الجز والجذاذ فلا شيء له في الثمرة والصوف باتفاق كالغلة، وإن لم يجز الصوف ولا جذ الثمرة فله أخذ الغنم بصوفها باتفاق، واختلف في الثمرة فقيل: له أخذها مع النخل أبرت أو أزهت أو يبست. وقيل: لا شيء له إذا أبرت أو أزهت، ويأخذ الأصل بجميع الثمن، أو يترك ويحاص. وبالله التوفيق.

م/: خالف بين الثمر إذا جذ وبين الصوف إذا جز، ويحتمل أن يكون الفرق بينهما في هذا أن الثمر المأبور لا يكون للمبتاع إلا بالاشتراط، فهو كمال العبد الذي لا يكون له إلا بالاشتراط، فإذا جذ المبتاع الثمرة كان ذلك كالانتزاع لمال العبد، فإذا فلس المبتاع لم يكن له أخذ الثمرة كما لم يكن له أخذ مال العبد المنتزع، ومادام الثمر في رؤوس النخل فله أخذها كمال العبد إذا لم ينتزع، أمرهما سواء، والصوف الذي على ظهر الغنم هو للمبتاع، وإن لم يشترطه فهو مع الغنم كسلعة واحدة اشتراها فجزازه كقسم السلعة نصفين وهي قائمة، فليس ذلك مما يمنع البائع من أخذها في الفلس فافترقا. فصل [6 - فيمن ابتاع عبداً بماله إلى أجل ثم يفلس مشتريه] ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم ابن حبيب وقاله مطرف وابن الماجشون فيمن ابتاع عبداً بماله يريد إلى أجل، ففلس مشتريه، وقد ذهب ماله بانتزاع من السيد، أو استهلاك من العبد، أو بوجه ما، فالبائع مخير إن شاء أخذ العبد ولا شيء له غيره، أو يدعه ويحاص بالثمن، وإن اختار العبد فذلك له إلا أن يدفع إليه الغرماء الثمن ويأخذوا العبد فذلك لهم، وإن كان العبد قد فات وبقي له مال فليس للبائع أخذ المال، وهو أسوة الغرماء في مال العبد مع سائر مال المفلس، وسواء كان مال العبد رقيقاً أو عروضاً قائمة أو عيناً أو غير ذلك؛ لأن مال العبد ضعيف.

وقد قال مالك: إذا ذهب مال العبد في الثلاث أنه لا يرد بذلك. وإن وجد به عيباً وقد ذهب ماله رده ولا شيء عليه من المال إلا أن يكون انتزعه منه فليرده معه، وكذلك لو كان ما انتزع منه إنما اكتسبه عند المبتاع ولا يرد إلا به. ابن حبيب: وما وهب له السيد ثم انتزعه منه فليس عليه رده إذا رده بالعيب، وله أن ينزعه حين يرده. فصل [7 - فيمن باع ثمر حائطه فيبس في رؤوس النخل عند المشتري ثم فلس] قال ابن حبيب: سمعت أصبغ يقول: قال أشهب عن مالك فيمن باع ثمر حائطه فيبس في رؤوس النخل عند المشتري، ثم فلس، فلا يجوز للبائع أخذه؛ لأنه أعطاه رطباً وأخذ ثمراً، وذلك لا يحل يداً بيد فكيف إلى أجل؟ قلت: إنه رطبه بعينه صار ثمراً. قال: لا يصلح، وإن كان رطبه بعينه. قال أشهب: وأنا أرى أن له أخذه بدينه إلا أن يعطيه الغرماء دينه ويأخذوه، وإن أحب هو أن لا يأخذه ويحاص بدينه فذلك له، وليس هذا مثل الذي يشتري ذلك متعمداً، هذا إنما أوجبه له القضاء، أرأيت العبد الآبق أيجوز لأحد أن يشتريه؟ وقد يجوز لصاحبه الذي باعه أن يترك الحصاص ويأخذه بدينه، فإن وجده كان أحق به وإلا رجع فحصاص الغرماء؛ لأنه إنما مات أو تلف في ملك الذي عليه الحق، وأخذ أصبغ بقول مالك.

قال: وكذلك من اشترى قمحاً فطحنه دقيقاً أو شاة فذبحها أو زبداً فعمله سمناً أو ما أشبه هذا ثم فلس فليس للبائع أن يأخذه بالثمن؛ لأنه يدخله القمح بالدقيق، والزبد بالسمن، واللحم بالحيوان، وهو أيضاً فوت. قال: وكذلك الآبق ليس لبائعه أن يختاره عندي. م/: لأنه انتقل عن شيء يقع له في الحصاص إلى أخذ عبد آبق فذلك كشراء الآبق. م/: ولا يلزم ذلك. قال أشهب: ولو لزم هذا للزم أن لا يجوز له محاصة الغرماء؛ لأنه انتقل عن آبق يجوز له أخذه إلى ما يأخذ في الحصاص، فصار بائعاً لآبق، وهذا أمر لا يعذر فيه إلا على هذا. قاله بعض الفقهاء. ابن حبيب: وقال ابن الماجشون فيمن فلس وقد أعرى ثمرة حائطه سنين فلا يباع حتى يتم المعرى سنينه، ومن فلس وقد ساقى حائطه فلا بأس أن يباع على أن هذا مساقيه. م/: وقاله ابن القاسم في المدونة.

[الباب العاشر] في الأجراء والصناع والمتكارين يفلس من عاملهم

[الباب العاشر] في الأجراء والصناع والمتكارين يفلس من عاملهم [الفصل 1 - أجير السقي ومكري الأرض أولى بالزرع والثمر إذا فلس من عاملهم وهم في الموت أسوة الغرماء] قال مالك رحمه الله في الأجير على سقي زرع أو نخل أو أصل فإن سقاه فهو أحق به في الفلس حتى يستوفي حقه، إلا أن يعطيه الغرماء أجره في السقي، وهو في الموت أسوة الغرماء. قال ابن حبيب: ومكري الأرض أحق بالزرع في الفلس وهو في الموت أسوة الغرماء. وقال أصبغ: الأجير ومكتري الأرض أحق بالزرع في الموت والفلس. فوجه ما في المدونة أن الأرض لما كانت مثمرة الزرع فكأن ربها مخرج للزرع فلما أكرى أرضه أشبه بائع الزرع. ووجه الأخرى فلأن أرضه كيده فكأنه لم يسلمها. م/: وكحمله المتاع على دوابه فإنه أحق به في الموت والفلس.

وروى ابن القاسم وأشهب عن مالك: أن أجراء الزرع والحوائط ومكري الأرض للزرع أولى بالزرع والثمرة من سائر الغرماء في الفلس، وإنهم في الموت أسوة الغرماء، ثم اختلفا في مكري الأرض والأجير. فروى أشهب عن مالك: أنهما يتحاصان. وروى ابن القاسم: أن مكري الأرض مبدأ على الأجير، ثم الأجير مبدأ على سائر الغرماء. وقال أصبغ: واختلف فيه أصحابنا بمصر، وأحب ما فيه إلى أن أجير الزرع ومكري الأرض يتحاصان، وأنهما مبدءان على الغرماء في الموت والفلس؛ لأن ذلك بأيديهما كالرهن. وقال مثله ابن الماجشون أيضاً. ومن كتاب كراء الدور والأرضين: ومن اكترى أرضاً فزرعها ولم ينقد الكراء، ثم مات فرب الأرض أسوة الغرماء، وإن فلس فرب الأرض أحق بالزرع من الغرماء حتى يأخذ كراءه. [الفصل 2 - فيمن اكترى أرضاً فزرعها واستأجر أجيراً ورهن الزرع] ابن المواز: وروى أشهب عن مالك وقاله ابن القاسم. ابن حبيب: ورواه مطرف عن مالك فيمن اكترى أرضاً فزرعها واستأجر أجيراً ورهن الزرع. قال ابن حبيب: وقبضه المرتهن وفيه أجراؤه ثم فلس فصاحب الأرض والأجير مبدءان على المرتهن يتحاصان فيه. قال: والأجير مبدأ على كل من بدئ.

قال: فإن فضل شيء كان للمرتهن، فإن فضل شيء كان للغرماء. ورواه أصبغ عن ابن القاسم في العتبية، وقال به. م/: وإذا مات المكتري فالمرتهن أحق بالزرع من رب الأرض والأجير على مذهب من جعلهما أسوة الغرماء في الموت. م/: قال بعض فقهاء القرويين: انظر لو أكرى أرضاً فزرعها المكتري بنفسه وسقى الزرع ثم فلس بماذا يكون رب الأرض أولى بجميع الزرع؟ أو بالقدر الذي لو كان معه أجير فحاصه بقدر إجارته؟ ويكون الغرماء أحق بما نماه المكتري من عمله كما لو كانوا غرماء للأجير وهم لم يجعلوا للمكتري شيئاً وجعلوا رب الأرض والأجير أحق من غرماء المكتري مع كونه قد أخرج بذراً له جزء من الزرع. م/: والأظهر أن يكون غرماؤه أحق بما يخصه من العمل لو عمله أجير، ولا يكون أسوأ حالاً من غرماء الأجير والله أعلم. وروى أبو زيد عن ابن القاسم في رب الزرع يؤاجر أجيراً لسقيه فعجز فآجر آخر، ثم فلس رب الزرع فرب الأرض والأجير الثاني أولى بالزرع يتحاصان، فإن فضل شيء فالأجير الأول أولى به من الغرماء. وقاله أصبغ؛ لأن بالأخير تم الزرع، كما لو رهنه قوماً فأحيوه بأموالهم ثم عجزوا فرهنه لغيرهم أن الآخرين أحق، وما فضل فللأولين برهنهم وإحيائهم. ومن العتبية قال أشهب وابن نافع عن مالك في الذي يستدين فيزرع ويستأجر أجيراً فيه، ثم يعجز عنه فيستدين، ثم يفلس قال: يبدأ بصاحب الدين الآخر فالآخر.

وكذلك إذا فلس ولم يكن له شيء يحيى به الزرع فاستدان له في عمله وإحيائه فالآخر مبدأ وهو خير للذي قبله؛ لأنه أحياه به ولم يدعه يموت، فإن فضل شيء أخذه وإلا فلا؛ لأنه كان يموت ويذهب كان الأجير قبل أو آخر فإنه يبدأ الآخر. م/: هكذا كان في أصل المستخرجة الآخر. قال أبو محمد: فأصلحتها للأجير. م/: فالصواب عندي الآخر؛ لأنه إذا لم يكن له شيء يحيى به الزرع فاستأجر عليه أجيراً فعمل فيه ثم عجز عنه فاستدان ربه لعمله وإحيائه فرب الدين أولى من الأجير؛ لأن بماله تم الزرع ولولاه مات، ولم يكن للأجير شيء، ولو استدان عليه أولاً لعمله فلم يتم فاستأجر عليه أجيراً فتم بعمله لكان أولى من صاحب الدين. فإن فضل شيء كان لصاحب الدين. وهكذا يدل عليه لفظه في العتبية، وهو الفقيه. وقد ذكرها ابن حبيب عن مطرف وأشهب عن مالك، قال: سئل مالك عن رجل يتكارى الأرض فيزرع فيها ويستأجر أجيراً في زرعه ويستدين عليه ثم يعجز عنه أيضاً فيستدين عليه ثم يفلس. قال مالك: يبدأ بأهل الدين الآخر فالآخر على الأجير ومكري الأرض. قال مالك: وهو خير للذي قبله؛ لأنه بمال الآخر حيى الزرع وبماله ثم فيبدأ فيه الآخر فالآخر، فإن فضل عنهم شيء كان للأجير ومكري الأرض يتحاصان فيه، فإن فضل عنهما شيء كان لسائر الغرماء.

م/: وهذا الصواب لا فرق بين الأجير والدين الذي يحيى به الزرع فيبدأ فيه بالأخر فالآخر كما لو كانوا أجراء واحداً بعد واحد لبدأ الآخر فالآخر والدين الذي يحيى به الزرع بخلاف غيره من الدين الذي عليه، وبالله التوفيق. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن مات عن زرع أفرك فلما حصد ودرس قام الغرماء، ولم يدع غيره فطلب ولده إجارة ما حصدوا وما درسوا قال: ذلك لهم. فصل [3 - الأجير على رعابة الإبل وخدمة البيت والحارس أسوة الغرماء في الموت والفلس] ومن المدونة قال مالك: وأما الأجير على رعاية الإبل أو رحلتها أو علف الدواب أو رحى الماء فهو أسوة الغرماء في الموت والفلس. ابن المواز: وكذلك الحارس وأجير خدمة بيتك أو يبيع لك في حانوتك بزاً أو غيره. [مسألة: صاحب البقر في الدارس أحق بالقمح إذا فلس صاحبه] قال في كتاب محمد: ولو استأجر أجيراً يدرس له ببقر الأجير ففلس صاحب الأندر فإن صاحب البقر أحق بالأندر. ابن المواز لأن الأندر لا ينقلب به صاحبه، ولا يحتوي عليه بخلاف صانع استعملته في حانوتك فإذا كان الليل انصرف هذا لا يكون أحق به في فلس ولا موت.

[مسألة: أرباب الحوانيت والدور أسوة غرماء مكتريها في الموت والفلس] ومن المدونة قال مالك: وأرباب الحوانيت والدور أسوة غرماء مكتريها في الموت والفلس، وليسوا أحق بما فيها من متاع. فصل [4 - المكتري على حمل متاع إلى بلد هو أحق به في الموت والفلس حتى يستوفي كراءه] قال: والمكري على حمل متاع إلى بلد هو أحق به في الموت والفلس، كان قد أسلم دوابه إلى المكتري أو كان معها، ورب المتاع معه أم لا وهو كالرهن؛ ولأن على دوابه وصل إلى البلد. م/: وكأنها قابضة للمتاع كقابض الرهن. قال في كتاب ابن حبيب: وهذا مادام المتاع بيده فإذا أسلمه لم يكونوا أحق به كالصناع إذا أسلموا المتاع أو لم يسلموه حكمها واحد. م/: جعلوا الدواب بخلاف الدور وكأن ظهور الإبل حائزة لما عليها؛ ولأن في حملها لذلك من بلد إلى بلد تنمية للمتاع بخلاف الدور التي لا تنمية فيها؛ ولأنها كالصانع

إذا أتيت به إلى منزلك؛ لأن السكان حائزون لأمتعتهم ومستولون عليها فالدور كالصانع الذي جلبته إلى بيتك ولم تأمنه على متاعك. هذا قول الجماعة إلا عبد الملك فإنه جعل الدور والحوانيت مثل الدواب. م/: والسفن كالدواب لأنها حاملة مثلها؛ ولأن في سيرها أيضاً بالمتاع تنمية له. ومن المدونة قال مالك رحمه الله: ومن اكترى دابة بعينها أو عبداً بعينه، ثم مات المكري أو فلس ولم يقبض ذلك المكتري، فالمكتري أحق بذلك حتى يتم له كراؤه مثل عبد اشتراه فلم يقبضه حتى فلس بائعه فالمشتري أحق به. قال ابن القاسم: ولو كان الكراء مضموناً كان أسوة الغرماء في الموت والفلس. قال مالك: ولو قبض الدابة وحمل عليها يريد في المضمون فهو أولى بها حتى يتم له حقه، إلا أن يرغب الغرماء في بيع الظهر ويضمنون له كراءه في ملاء وثقة فذلك لهم. قال أصبغ: ومن قول مالك في القوم يتكارون الجمال، ثم يفلس صاحبها أن كل رجل منهم أحق بما تحته إن كان الجمال يديرها تحتهم. [الفصل 5 - الأجير لرحلة الإبل وعلوفتها أنه أسوة الغرماء في الموت والفلس] قال وقول مالك في الأجير لرحلة الإبل وعلوفتها أنه أسوة الغرماء في الموت والفلس، وهذا اختلاف من القول، وينبغي أن يكون القول فيها سواء، والذي أرى أن لا يكون واحد منهم أحق بشيء من ذلك إلا أن يكون مكتري الجمل أسلم إليه وقبضه وكان تحته لا يزول عنه فهو أحق به كما يكون الجمال أولى بالمتاع الذي حمله من الغرماء.

قال ابن حبيب: ويقول مالك أقول. م/: وهو الصواب، ولا فرق بين أن يديرها عليهم أولا يديرها، وإنما المراعاة بيد من هي يوم الفلس فيكون أولى بها. كما لو فلس أول ركوبهم بعد أن دفعها إليهم فكانوا أحق بها، فكذلك ردها إليهم بعد أن نزعها منهم فهو أحق بها؛ لأنهم حائزون لها فصار ذلك كالتعيين. [مسألة: الفرق بين متكاري الدواب وأجراء ترحيلها وعلوفتها] والفرق بين ذلك وبين ترحيل الدواب وعلوفتها أن الأجير لم يتعلق له في عين الدواب حق فوجب بذلك حقه في ذمة المكتري، وهؤلاء بقبضهم لها تعلق حقهم بها؛ لأن ركوبهم عليها كالتعيين فهو كتعلق حق الصانع بعين المتاع؛ لأن عمله فيه وهو حائز له، فكذلك مكتري الدواب. والفرق بين رحلة الدواب ورعيها وبين سقي النخل والزرع أن الدواب قد ترعى وترتحل بأنفسها لو تركت. وأما الأصول والزرع فلا تشرب بنفسها ولو تركت لهلكت، فهذه وجوه متفرقة، ومالك أعلم بها، والله الموفق. ومن كتاب الأكرية: وإن فلس الجمال فالمكتري أولى بالإبل حتى يتم كراؤه، إلا أن يضمن له الغرماء حملانه ويكروا له من أملياء ويأخذوا الإبل فذلك لهم. قال أبو محمد: أراه يريد الكراء المضمون. وقال غير ابن القاسم: لا يجوز أن يضمنوا حملانه، وقول الغير مطروح.

وفي كتاب يحيى قال ابن القاسم: وإن فلس المكتري فالجمال أولى بالمتاع إذا كان في يده حتى يستوفي كراءه ويباع له؛ ليوفى ذلك، وللغرماء كراء الإبل في مثل ما اكتراها. فصل [6 - الصناع أحق بما أسلم إليهم في المت والفلس ما دام بأيديهم] قال في التفليس: وجميع الصناع أحق بما أسلم إليهم في الموت والفلس ما كان بأيديهم لأنه كالرهن. قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية وروى عنه أصبغ في كتاب ابن حبيب في الصانع يسلم ما عمل إلى ربه فيفلس ربه قبل أن يقبض الصانع أجره. قال ابن القاسم: كل صانع عمل لرجل سلعة لم يجعل فيها إلا عمل يده مثل الخياطة والصناعة والقصارة وشبه ذلك إذا رد ذلك إلى ربه، وخرج من يده، فهو أسوة الغرماء بأجره في الموت والفلس، وإن كانت قائمة. قال: وكل صانع يخرج من يديه شيئاً سوى عمله فجعله فيما عمل مثل الصباغ يجعل الصباغ، والصيقل يجعل حوائج السيف، والفراء يرفع الصوف برقاع من عنده، ثم أخذ ذلك ربه، ثم فلس، فهذا إذا وجد بيد أربابه ينظر إلى قيمة ذلك الصبغ يوم الحكم فيه، لا ينظر هل نقص بذلك الثوب أم زاد، ثم ينظر إلى قيمة الثوب أبيض، فإن كان قيمة الصبغ خمسة دراهم وقيمة الثوب أبيض عشرة دراهم كان لصاحب الصبغ ثلث الثوب وللغرماء ثلثاه إن أبي أن يحاص إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا إليه جميع ما شرطه عليه المفلس ويأخذوا الثوب فذلك لهم بمنزلة من باع غزلاً فنسجه المبتاع ثوباً ثم فلس والثوب بيده،

فإن لم يحاص كان شركاً بقيمة العمل كانت قيمة الثوب أقل من قيمة الغزل أو أكثر، إلا أن يعطيه الغرماء ثمنه، وقد تقدم هذا بزيادة فيه. ابن حبيب: وكذلك الذي يرفع الثوب بوقائع أنه إن كان إنما خاطه فقط ودفعه إلى ربه فهو أسوة الغرماء في الموت والفلس، وإن كان لم يدفعه إلى صاحبه فهو أحق به في الموت والفلس، وإن كان إنما رقعه برقائع من عنده ودفعه إلى ربه فهو أحق به في الفلس لا في الموت حتى يستوفي حقه، يقوم بغير رقاع، ثم يقوم بالرقاع، ثم يكون شريكاً، إلا أن يدفع إليه الغرماء حقه. قاله ابن القاسم. م/: والصواب أن ينظر إلى قيمة الترقيع يوم الحكم، ويقوم الثوب بغير رقاع حينئذ فيكون به شريكاً كما قلنا في الصبغ، ولو قوم على ما ذكره ابن حبيب فقد لا يزيده الصبغ والرقاع شيئاً فيذهب عمل الصانع باطلاً. ابن حبيب: وقال أصبغ: إذا كان له فيه رقاع وخياطة فتوق فالأقل يتبع الأكثر إذا كانت الرقاع أيسر ذلك، وما لا بال له، وأكثره خياطة فتوق، فهو أسوة في الموت والفلس في جميعه، وإن كانت الرقاع أكثر من ذلك وهي من عنده كان أحق به على ما تقدم، وإن تناصف ذلك وكان لذلك قدر أقيم كل ذلك على حدته، ثم يكون أسوة في المرقوع، وكان بما ينوب الرقاع شريكاً. ومن العتبية وكتاب محمد قال ابن القاسم: ومن دفع إلى صانع سواراً يعلمه، ثم دفع إليه بعد ذلك سواراً آخر يعمله، أو دفعهما معاً، فعمل أحدهما ودفعه إلى ربه، ولم

يأخذ إجارته حتى فلس ربها، فلا يكون الصانع أولى بالباقي عنده حتى يأخذ إجارته فيه خاصة. قيل: فإن لم يفلس ولكن أتى ربه فقال للصانع: ادفع إلى السوار الباقي عندك وخذ أجره، فقال الصانع: ادفع إلى أجرة السوارين وخذه، فقال ربه: قد دفعت إليك إجارة الأول، وأنكر ذلك الصانع، قال: إن كان دفعهما معاً والإجارة واحدة فالقول قول الصانع، وإن كان واحداً بعد واحد فالقول قول ربهما إلا أن يطلب الصانع إجارته في الأول بحدثان دفعه إلى ربه فيكون القول قول الصانع مع يمينه. ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن استعمل صانعاً في بيته فإذا كان الليل انصرف الصانع وترك الحلي، ثم فلس صاحب الحلي، فالصانع أسوة الغرماء. قيل: فلو استأجره ببقرة تدرس له زرعه بالنهار وينصرف بالليل ببقره ففلس صاحب الزرع فإن صاحب البقر أحق بالأندر بخلاف الصانع. ورواه عيسى عن ابن القاسم. قال ابن المواز: لأنه وإن انقلب في الليل فالأندر بحاله لا ينقلب به صاحبه، ولا يحتوي عليه ولا هو في يديه. م/: ولا يستطيع الأجير الانتقال به، وبالله التوفيق.

[الباب الحادي عشر] في انتزاع المفلس مال أرقائه ومبايعته عبده أو أمته وارتداد المديان

[الباب الحادي عشر] في انتزاع المفلس مال أرقائه ومبايعته عبده أو أمته وارتداد المديان [مسألة: انتزاع المفلس مال أرقائه] قال مالك: وله انتزاع مال عبده المعتق إلى أجل ما لم يتقارب الأجل. قيل له: فإن بقيت سنة؟ قال: أرى أن يأخذ ماله ما لم يتقارب الأجل، ولم ير السنة قريباً، وإن فلس المريض لم يكن له أن يأخذ مال مدبره للغرماء، فإن مات بيع المدبر بماله إن أحاط الدين به. وقد تقدم في الباب الأول ما يشبه هذا. [مسألة: مبايعة السيد عبده المأذون له في التجارة] قال: ولا بأس للسيد بمبايعة عبده المأذون له ويضرب بدينه مع غرمائه، وكذلك يضرب بدينه على مكاتبه من غير الكتابة، ولا يضرب بالكتابة في فلس ولا موت؛ إذ ليست بدين ثابت.

[مسألة: في المديان يرتد ويلحق بدار الحرب] وإذا ارتد رجل ولحق بدار الحرب وعليه دين، ثم قاتل فقتل، وفتحت البلاد وظفر المسلمون بماله فغرماؤه أحق به، ولا يكون في المقاسم إلا ما فضل عن دينهم. تم كتاب التفليس بحمد الله وعونه، وصلى الله على محمد وآله

كتاب الحمالة

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كتاب الحمالة [الباب الأول] في الحمالة بالوجه أو بالمال, وموت الغريم, وما يبرئُ الحميل. [(1) فصل: في الأدلة على جواز الحمالة, وفي الحمالة المطلقة, وفي اختلاف الطالب على نوع الحمالة. المسألة الأولى: في الأدلة على جواز الحمالة] الأصلُ في جواز الحمالة قوله تعالى: {وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:72] فهذه حمالةُ المال. وقال تعالى في قصة يعقوب - عليه السلام -: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَاتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَن يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف:66] فهذا ضمانٌ بعينه. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «الزعيم ُغارمٌ» ,

والزعيم في اللغة والحميل والكفيل سواء. ولا خلاف في جوازها؛ ولأنها وثيقةٌ بالحق كالرهن. [المسألة الثانية: في الحمالة المبهمة] م: واختلف فقهاؤنا المتأخرون إذا قال: أنا حميلٌ لك, أو زعيمٌ,

أو كفيلٌ , ولم يزد على هذا, هل يُحمل على أنه حميل بالمال أو بالوجه إذا عَري الكلام من دليل؟ والصواب من ذلك أن يكون على المال؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((الزعيم غارمٌ)) , ولأن حميل الوجه إذا لم يأت به غرم المال, فالأصل في الحمالة المال, لأنه هو المطلوب حتى يشترط الوجه أو يقتضيه لفظها. [المسألة الثالثة: في اختلاف الطالب والحميل في نوع الحمالة] وأما إن اختلف, فقال الطالب: شرطْتُ عليك الحمالةَ بالمالِ, وقال

الكفيلُ: بل بالوجه - وقد أحضر الغريمَ مُعْدَماً - فينبغي أن يكون القول قولَ الحميل؛ لأن الطالب يدعي انشغال ذمته فعليه البيان. ولأن الحمالة من المعروف, والمعروف لا يلزم منه إلا ما أقر به معطيه. [(2) فصل: في الحمالة بالوجه أو المال] ومن المدونة قال ابن القاسم: فإن قال: أنا حميلٌ لك, أو زعيمٌ لك, أو كفيل, أو ضامنٌ, أو هو لك عندي, أو عليّ, أو إليّ, أو قِبَلي, فذلك كله حمالةٌ لازمة إن أراد الوجهَ أو المالَ لزِمه ما شرط,

(5) فإن شرط بالمال فأتى بالغريم عند الأجل مُعْدَماً لم يبرأ به, وغرم. وأما إن تكفل برَجُلٍ, أو بنفسه, أو بوجهه, أو بعينه إلى أجلٍ ولم يذكر مالاً, فإنه أتى بالرجل عند الأجل مليئاً أو مُعْدَماً بريء. [المسألة الأولى: في التلوم للحميل, ومدة التلوم] فإن لم يأت به حينئذ, والغريم حاضرٌ, تُلُوِّمَ له. وإن كان غائباً قريب الغيبة مثل اليوم وشبهه تُلُوِّمَ لَهُ كما يُتَلومُ للحاضر. وفي كتاب ابن المواز: إذا كان غائباً كاليوم واليومين.

(6) قال في العتبية: أو ثلاثة, وبقدر ما لا يُضر فيه بالطالب, وما يُجتهد به للحميل اسْتُؤنِيَ بقدر ذلك, فإن أتى به بعد التلوم, فلا شيء علية, وإلا غرم. وقال ابن وهب: إذا غاب الغريم قضى على الحميل ولا يضرب له أجلا ليطلبه فيه. وقال بعض الفقهاء: وما في المدونة أشبه؛ لأن التلوم في الحاضر ثلاثة أيام ونحوُها. فإذا [2/أ] كانت غيبته يوماً تُلوم له ثلاثة أيامٍ: يوم خروجه وراءه, ويوم إقامته, ويوم مجيئه؛ 'إذ لا يأتي له يوم وصوله وجوده فليلتمسه في الغد. وإذا كانت غيبته يومين صار التلوم له خمسة أيام: يومين سير, ويومين مجيء, ويوم إقامته في طلبه, فيكثر التلوم, وإذا كانت الغيبة ثلاثة أيام احتاج أن يتلوم له سبعة أيام فيكثر التلوم ويصير بخلاف الحاضر؛

فلذلك قلنا ما في المدونة أشبه والله أعلم. [المسألة الثانية: في غرم حميل الوجه, وعلى من يرجع إذا عاد من غرم عنه؟] ومن المدونة: وإن بعُدت غَيبة المكفول به, غرِم الحميل مكانه, فإن غرِم الحميلُ المالَ, ثم وجد الغريمَ بعد ذلك وأتى به, لم يرجع الكفيلُ على الذي أخذ منه المال بشيءٍ, ولكن يرجع على الغريم بما أدى عنه بالحمالة. [المسألة الثالثة: في الحميل بالوجه يشترط أنه يطلب الغريم, فإن لم يجده براء, وكيف إن فرط في إحضاره] قال مالك: ولو شرط حميل الوجه أني أطلبه فإن لم أجده برئتُ من المال ولكن عليَّ طلبه حتى لآتي به, لم يلزمه إلا ما شرط - ابن المواز: أو يقول لا أضمن إلا وجهه, فهذا لا يضمن إلا الوجه, غاب أو حضر, أو مات أو فلس - فلا يحبس إن لم يحضره, إلا أن يعلم بمكانه فليُحبس بقدر ما يرى السلطان مما يرجو به إحضاره.

ومن المدونة قال غيره: لا يلزمه من المال شيء, جاء بالرجل أو لم يأت به, إلا أن يُمْكِنَهُ بعد الأجل إحضاره ففرط فيه حتى أَعْوَزَه, فهذا قد غره. ومن العتبية قال ابن القاسم: وإن قال له الطالب هو بموضع كذا فأخرج إليه فليُنْظر فإن كان مثلُ الحميل يقوى على الخروج إليه, وأُمر بذلك, وإن ضَعُفَ عن ذلك لم يكن عليه أن يخرج, وإن خرج ثم قَدِمَ فقال: لم أجده فكَذّبه الطالب في الوصول, فإن كان من وقت خروجه مدةٌ يبلغ في مثلها صُدّق,

وإن أثبت الطالب أنه خرج وأقام بقريته, ولم يتماد فليعاقبه السلطان بالسجن بقدر ما يرى, أو أمره بإحضار صاحبه إن قَدر عليه, وأما أن يُضَمِّنه المال فلا, إلا أن يلقاه فيتركه, فيضمن إن ثبت ذلك عليه, وكذلك إن غَيّبه في بيته فلم يُظهره. وفي كتاب ابن حبيب: إن جهِل مكانه فليس عليه طلبه, ولا الغرْمُ عنه, وإن عرف مكانه فعليه أن يخرج, قَرُبَ مكانه أو بَعُدَ, إلا في البعيد المتفاحش, وأما مَسِيرةُ الأيامِ التي تكون من أسفار الناس واختلاف البلدان غير النائية جداً فليخرج, أو يرسل, أو يغرم.

وقال أصْبَغُ: ليس عليه طلبه إلا في مسيرة يوم أو يومين وما لا ضرر فيه [(3) فصل: في الحميل بالوجه بعد موت الغريم. المسألة الأولى: في براءة حميل الوجه بموت الغريم] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا ماتَ الغريمُ, بريء حميل الوجه؛ لأن النفس المكفولة قد ذهبت. ولو غاب الغريمُ فقُضِيَ على الحميل بالمالِ, فأداه ثم أثبت ببيِّنة أن الغريم مات في غيبته قبل القضاء, رجع الحميل بما أدى على رب الدين؛ لأنه لو عُلم أنه ميتٌ حين أُخذ به الحميلُ لم يكن عليه شيء, وإنما تقع الحمالة بالنفس ما كان حيّاً.

[المسألة الثانية: موت الغريم قبل الحكم على الحميل] قال ابن المواز عن ابن القاسم: إذا لم يُحكم على الحميل بالوجه حتى مات الغريم بالبلد قبل الأجل أو بعده, قَرُبَ ذلك أو بَعُدَ, فلا شيء على الجميل. ابن المواز: وهو المعروف من قول مالك وعليه جماعة أصحابه. [المسألة الثالثة: وإن مات في غيبته وهي قريبةٌ أو بعيدةٌ لزم الحميلَ الغرمُ, إلا أن تكون الحمالةُ مؤجلةً, ويكون موت الغريم قبل الجل بأيام كثيرة لو كُلف الحميلُ المجيءَ به لخرج فيها ورجع قبل حلول الأجل, فحينئذ تسقط عنه الحمالةُ ولا يلزمه شيء. قال ابن القاسم: وإن كنت قلت لكم في هذه المسالة غيرَ [2/ب] هذا فاطرحوه وخذوا بهذا. ابن المواز قال أشهب: لا أبالي إذا هو مات فالحمالة تسقط بموته في غيبته أو بالبلد.

م وهو نحو ما في المدونة, قال بعض الفقهاء: وهو أشبهُ؛ لأنه إذا مات كشف الغيبُ أنه كان ممن لا يلزمه الإتيان به؛ إذ لا قدرة له على ذلك. [المسألة الرابعة: إذا تحمل رجل بنفس رجل, وتحمل بنفس الحميل ولم يوجد إلا حميل الحميل] قال ابن المواز: وإن تحمل رجلٌ بنفس رجلٍ آخرُ بنفس الحميل, فلم يوجد إلا حميلُ الحميلِ, فإنه إن جاء بأحدهما براء وإلا لزمه المالُ, ثم يرجع هو على من شاء منهما. قال: فإن لم يُحكم عليه حتى مات أحدهما؟ قال: إن مات الغريم برئا جميعاً, وإن مات الأوسط كانت الحمالة في تركته وبراء الثالث, وإن مات الثالث فالحمالة عليهما قائمة. قال: وإن كانت حمالة الثالث على الثاني بالمال, قيل له: إن جئت بالغريم برئت؛ لأن صاحبكَ يبرأُ بذلك, وإن جئتَ بالحميل فإنه إن ثبت عليه المال إذا لم يأت بالغريم كنت للمال ضامناً, وإن مات الغريم برئتُما, وإن

مات الحميل الأول, فالأول على حمالته. ابن المواز: والآخرُ يقومُ مقامهُ إن جاء بالغريمِ براء, وإلا غرِم. وقال عبد الملك: إذا مات الحميلُ الأولُ سقطت الحمالة بموته عنه وعن حميله. ولم يعجبنا هذا. [المسألة الخامسة: اشتراط صاحب المال غرمه على حميل الوجه]

قال محمد: ومن تحمل بوجه رجل فشرط صاحبُ المالِ على الحميل إن لم تأت به عند وفاء الأجل فحقي عليك, فلم يأت به حتى مات, قال: إن مات قبل الأجل, فلا شيء على الحميل؛ لأنه حميلٌ بالوجه, فهي ساقطةٌ بموتِ الغريمِ, وإن مات في البلد بعد الأجل لم يبرأ الحميل. ابن المواز: لأنه صار بمضي الجل حميلاً بالمال. [(4) فصل فيما يُبراءُ الحميلَ المسألة الأولى: في إتيان حميل الوجه بالغريم بعد الجل وقبل القضاء عليه بالمال] ومن المدونة: ومَنْ تحمَّل بعْينِ رجلٍ إلى أجلٍ, فلم يأتِ به عند الأجلِ, فَرُفِعَ إلى الحاكمِ, فلم يَقْضِ عليه بالمالِ حتى أحضَرهُ, براء من المال ومن عين الرجل, ولو كان قد حُكِمَ عليه بالمالِ بعد التلَوّمِ لزمهُ المالُ, ومضَى الحكمُ.

يريد: ويَتْبَعُ أيّهُما شاء. وقال سحنون: إنْ حَكَمَ عليه السلطانُ بالمالِ, فلم يَغْرَمْهُ حتى جاء بالغريم فلا غرم على الحميل. [المسألة الثانية: إذا حبسَ المَحْمُولُ بعَيّنه فدَفَعَهُ الحميلُ إلى الطالبِ وهو في السجن] قال ابن القاسم: وإذا حُبِسَ المحموُلُ بعيّنِه فدفَعَهُ الحَميل إلى الطالبِ وهُوَ في السِّجنِ بريء الحميلُ؛ لأن الطالبَ يَقْدِرُ على أَخْذِهِ في السِّجْنِ, ويُحْبَسُ لَهُ بَعْدَ تمامِ ما سُجِنَ فيه, وكَذَلِكَ إنْ دَفَعَهُ إِلَيْهِ بمَوْضِعِ فيه حُكْم وسُلطَانٌ - وإنْ لم يكن ببلده - فَيَبْرَأُ. وإن دَفَعَهُ إِلَيْهِ بِموْضِعِ لا سُلْطَانَ فيه, أو في حَالِ فتنَةٍ, أَو في مَفَازَة, أو بِمَكَانٍ يَقْدِرُ الغَرِيِمُ على الامْتنَاعِ منْهُ لَم يَبْرَأُ منه الحَمِيلُ حتى يدْفَعَه إليه بموضعٍ يَصلُ إليه وبه سلطانٌ فيبرأُ.

[المسألة الثالثة: في الحميل بالوجه يأتي بالغريم عند الأجل والطالب غائب, وكيف إن شرط على الطالب إن لقيت غريمك فتلك براءتي] قال ابن حبيب: ولو جاء به عند الأجلِ والطالبُ غائبٌ لم يَبرأُ حتى يَجمَعَ بينَه وبينَ صاحبهِ, إلا أن يكون شَرط في أصلِ الحَمالةِ, أنّك إنْ غِبتَ ولم تُوكَّلُ مَن يَقْبِضُ مِنّيِ فلا حمالةَ لك, فذلك له إذا أَشهَدَ بإحضارِه. وإذا شَرَطَ: إنْ لم يأتِ به إلى أجلِ كذا, كان حميلاً بالمالِ, فإذا مضى الأمدُ ولم يأت به كان حميلاً بالمالِ, ولا يبرأُ إلا أنْ يَأتِي به مليئاً, ولا يُحتاجُ هاهنا إلى أنْ يُتَلَوّمَ له في حمالةِ الوجهِ؛ لأنه ضَرَبَ لها أجلاً متى لم يأتِ بالرجلِ عند الأجلِ كان حميلاً المال. وفي العُتبية عن ابن القاسمِ: في الحميل يشترطُ على الطالبِ إن لقيتَ غريمَكَ فتلك بَرَاءَتِي فلقيَهُ بموضع [3/أ] يَقْدرُ عليه فهي براءةٌ, وإنْ كانَ بموضعٍ لا يقدرُ عليه, فليست براءة للحميلِ. [المسألة الرابعة: إذا أمكَنَ الغريمُ الطالبَ من نفسه] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو أن الغريمَ أمْكَنَ الطالبَ مِن نفسهِ وأشهدَ: أني دفعتُ نفسيِ إليْكَ بَراءةٌ للحميلِ, لم يبرإ الحميلُ بذلك - وإنْ كانَ في موضعٍ تُنَفَذُ فيه الأحكامُ - حتى يَدْفَعَهُ الحميلُ نفسهُ أو وكيلهُ إلى

الطالبِ, فإنْ لَمْ يقبلْ ذلك الطالبُ أشهد عليه, وكان له بذلكَ براءةٌ. قال ابن الموَّازِ: ولو أَمَرهُ الحميلُ أن يُمكنَ نفسه من الطالبِ لَبَرِيء بذلك الحميلُ, فإن أنكر الطالبُ أن يكونَ الحميلُ أمَرهُ بدَفْعِ نفسِه إليهِ, فإنْ شَهِدَ بذلك أحدٌ بريءَ الحميلُ.

[الباب الثاني:] فيمن ادعى قبل رجل حقا فقال له رجل: إن لم آتك به فأنا ضامن أو قال المدعى عليه إن لم آتك غدا فالذي تدعيه قبلي. ومن قضى حقا عن صغير

[الباب الثاني:] فيمن ادَّعى قِبَل رَجُلٍ حقاً فقال له رجلٌ: إن لم آتِكَ به فأنا ضامِنٌ أو قال المدَّعى عليه إن لم آتِكَ غداً فالذي تَدَّعيه قِبَلي. ومَن قضى حقاً عن صغير. [(1) فصل: فيمن ادعى قِبَلَ رجل حقاً فأنكره فقال له رجل إن لم آتك به غداً فأنا ضامن. المسألة الأولى: فيمن تكفل عن منكر حقاً لرجل] قال ابن القاسم: ومَن ادَّعى على رَجُلٍ حقاً فأنكره, فقال لَهُ رجُلٌ: أنا كفيلٌ به إلى غدٍ فإن لم أُوَفٍكَ به غداً فأنا ضامنٌ للمال , وسمِّي عَدَدَهُ, فإن لم يأتِ به في غدٍ فلا يلزمُ الحميلَ شيءٌ, حتى يَثْبُتَ الحقُّ ببينةٍ. فيكون حميلاً بذلك, وسواءٌ أقر المدعَى عليه الآن بهذا المالِ أو أنكَرَ, إذا كَانَ اليومَ مُعْدَماً.

[المسألة الثانية: إن أنكر المدعى عليه ثم قال للطالب إن لم أوافك غداً فالذي تدعيه قبلي] قال ابن القاسم: وإن أنكر المدعَى عليه, ثم قال للطالبِ: أَجِّلنِي اليومَ فإن لَم أوفِكَ غداً فالذي تدّعيه قِبَلي. فهذه مخاطرةٌ, ولا شيءَ عليه. إن لم يأتِ به, إلا أن يقيم عليه بذلك بيِّنةً. [المسألة الثالثة: فيمن تكفل بما ادعاه رجل على آخر فأنكر المدعى عليه الحق] قال: ومَن قال: لِي على فلانٍ ألفُ دِرهَمٍ, فقال له رجلٌ: أنا بها كفيلٌ. فأتَي فُلانٌ فأنرها, ولم يلزم الكفيلَ شيءٌ حتى يُثبِتَ ببيّنةٍ. ابنُ المواز: لا بإقرارِ المطلوبِ الآنَ. ولو كان إقرارُه بذلكَ قِبَلَ الحمالةِ لزمَ الكفيلَ الغرمُ.

م ظاهرُ اعتلالِهِ في المدونةِ أنه لو أقرّ, لزمَ الحميلَ الغِرمُ. وجْهُ ما في كتاب محمد أن معنى الكلام عنده: إنما تحمَّل بما ثبتَ لفلان على فلان. ومعنى هذه المسألة على قول محمد: إن المطلوبَ مُعسرٌ فأما إن كان موسراً مُقراً, فلا تهمةَ في ذلك؛ لأنهُ إن أخذه الكفيلَ بالغُرم على أحد قولي مالك فالكفيلُ يرجع عليه لأنه مُقِرُّ بالدَّينِ, وأما في القول الآخرِ فالمطلوب المبدأُ بالغُرمِ وهذا بيّنٌ.

[(2) فصل [فيمن تكفل عن رجل بغير أمره, وفيمن قضى حقاً عن صغير المسألة الأولى: فيمن تكفل عن رجل بغير أمره] قال مالك: ومن أدى عن رجل حقاً لزمه فتكفل عنه رجل بغير أمره, فله أن يرجع بع عليه. [المسألة الثانية: فيمن قضى حقاً عن صغير] قال ابن القاسم: وكذلك من تكفل عن صبي بحقٍ قضي به عليه فأداة عنه بغير أمر وليه, فله أن يرجع به في مال الصبي, وكذلك لو أدى عنه ما لزمه من متاع كسره, أو أفسده, أو اختلسه؛ لأن ما فعله الصبي من ذلك يلزمه. وقال مالك. أبن المواز قال ابن القاسم: وذلك إذا كان الصغير الجاني ابن سنةٍ فصاعداً محمد: وأما الصغير جداً مثلُ ابن ستة أشهرٍ, لا ينزجر, إذا زُجر, فلا شيء عليه.

[الباب الثالث] في التداعي في الحمالة

[الباب الثالث] في التداعي في الحمالة [(1) فصل: إذا ادعى الحميل أن ما أداه عن القرض, والطالب يقول بل عن الحمالة وكان عليه قدر متفق من قرض وحمالة المسألة الأولى: في اختلاف الطالب والحميل في حقين للطالب عن أيهما كان القضاء] قال مالك رحمه الله: ومن له على رجل ألف درهم من قرض, وألف درهمٍ من كفالة, فقضاه ألفاً, ثم ادعى أنها القرض وقال المقتضي, بل هي الكفالة. يريد: وادعيا أنهما بينا [3/ب]. قال: فليقض بنصفها عن القرض, ونصفها عن الكفالة. يريد: ويحلفان أنهما بينا.

وقال غيره: القول قول المقتضي مع يمينه؛ لأنه مؤتمن, مدعى عليه. وقاله سحنون. ابن المواز وهذا قول عبد الملك وحجته, وقال أشهب. وخالفه في الحجة وحجة أشهب: أن الدافع مُدعٍ لقضاء الحق الذي بحمالة أو قرض, والآخر يُنكر فالمدعى عليه البيان. ابن المواز: وحجة عبد الملك خير وهذا إذا كان الكفيل والغريم موسرين؛ لأن الذي له الدين يقول: إنما أخذتها من الكفالة كراهية منى في مطالبة من عليه الين الذي بالكفالة. وحقه طلب الكفيل بما عليه من قرضٍ. وأما إن كان معدمين أو أحدهما معدماً, فلا فائدة للقابض في دعواه - أنها من الكفالة -؛ لأنه في عُدمها إن كانت المقبوضة من القرض كان للقابض إتباع ذمتين بما له [من] الكفالة فهو خير له من إتباع ذمة واحدة,

وإن كان الكفيل وحده مُعدماً, فلا طلب له عليه بما له [من] الكفالة, ويطلب المديان بها الموسر, فإن كان المديان بها معدماً فهو قادر على أخذ الكفيل بما له [من] الكفالة؛ لعُدم الغريم, وأما إن لم يذكرا عند القضاء شيئاً فلم يُختلف أن ذلك مقسوم بين الحقين إذا كانا حالين أو مؤجلين؛ إذ لا مزية لأحدهما على الآخر. قال في المدونة: وورثتهما في قوليهما مثلهما قال ابن المواز: أنما تصح المسألة في التهمة إذا لم يكن حل من ذلك شيء أو حلاً جميعاً, فأما إن كان حل بعض وبعض لم يحل, فالقول قولُ من ادعى أنه من الحق الحال - كان القابض أو الدافع - مع يمينه.,

فلا اختلاف من ابن القاسم وعبد الملك. [المسألة الثانية: إذا قال أحدهما قضيتك وبينت أنها لكذا وقال الأخر قد شرطت عليك أنها كذا] قال ابن القاسم ومالك: وإذا قال أحدهما: قضيتك وبينت أنها لكذا, وقال الآخر قد شرطت عليك أنها لكذا, أن الحق يقسم بينهما. ابن المواز: بعد أيمانهما. ومن نكل منهما كان القول قول الحالف, فإن حلفا جميعاً, أو نكلا جميعاً, قُسم ذلك على الحقين, على قول ابن القاسم وروايته. وذكر ابن القاسم عن مالك مثله في حقين أحدهما برهن والآخر بلا رهن, وقال أيضاً ذلك مالك في حقين احدهما بحمالة, والآخر بلا حمالة قال مالك: وكذلك حق يمين, والآخر بلا يمين.

[المسألة الثالثة: إن ادعى أحدهما أنه بين عند القضاء وأنكر الآخر] قال: فإن ادعى أحدهما أنه بين عند القضاء وقال الآخر: ما بين أحدنا شيئاً. قال اصبغ في هذا: إن القول قول من ذكر أن ذلك كان مبهماً, إلا أن يكون لمن ادعى أنه قد كان بين عند القضاء بينة ابن المواز: وهذا خلاف قول ابن القاسم وهو مذهب أشهب وعبد الملك وينبغي على مذهب ابن القاسم أن يكون من ادعى الإبهام قد سلم القسمة, فيكون النصف قد ثبت لمدعى التعيين في القضاء, ثم يكون النصف الثاني مقسوماً بينهما لتساوي دعواهما فيه فيكون ثلاثة أرباع القضاء عن الحق الذي سماه أحدهما, والربع عن الآخر الذي ادعى الإبهام. [المسألة الرابعة: أن أقرا جميعاً أنه كان منهما بلا شرط]

قلت: فإن أقرا جميعاً أنه منهما بلا شرط بينهما, ولكن ذلك بياتنا. قال: هذا لم يختلف فيه قول ابن القاسم وأشهب: أن ما اقتضاه يقسم على الحقين جميعاً. قال بعض فقهائنا القرويين: وغنما تصح القسمة على الحقين في مسألة المدونة إذا كان الغريم عند دفع الألف معسراً وهو الآن حين تنازعا موسر, ولو كان حين التنازع معسراً لم يكن لقسم ذلك على الحقين وجه؛ من أجل أن القابض يقول للكفيل الدافع: أليس لو صدقتك أن ما دفعت إلي من القرض لكان لي مطالبتك بالكفالة إذ الغريم معسر؛ فلما كان المر على هذا كان القول قول القابض, ولو كان الغريم يوم الدفع موسراً, والآن حين التنازع موسر لم تصح

القسمة, ويكون القول هاهنا قول الدافع؛ لأن من حجته أن يقول: أنا حين دفعت ممن لا يتعلق على الغرم؛ لكون الغريم موسراً. فصار القابض مدعياً على الدافع معروفاً تبرع له به, [فكان كـ] من أدي ما لا يلزمه, فصح لهذا أن يكون القول قول الدافع. وأما لو كان الغريم يوم الدفع موسراً والآن عند التنازع معسر لكان القول قول القابض؛ لأن من حجته أن يقول للكفيل: أليس لو صدقتك أن ما دفعت إلي هو القرض لكان لي مطالبتك بالكفالة؛ إذ الغريم معسر, فصح بهذا أن القول قول القابض. فصار وجه تصح فيه القسمة, وهو أن يكون الغريم يوم الدفع معسراً والآن موسر ووجه يكون القول قول القابض, وهو أن يكون الغريم الآن معسراً.

ووجه يكون القول قول الدافع, وهو أن يكون الغريم في الوجهتين موسراً. وجميع هذا التقسيم المذكور إنما يصح على قول مالك الذي أخذ به ابن القاسم: أن الكفيل لا يغرم إلا في عُدم الغريم, فأما على قوله: إن الطالب أن يأخذ أيهما شاء, فالقول قول القابض في جميع هذه الوجوه, وبالله التوفيق. [(2) فصل [اختلاف الحميل والطالب في قدر الحمالة, وفي ملإ الغريم بعد حلول الأجل المسألة الأولى: في اختلاف الحميل والطالب في قدر الحمالة] ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم - فيمن تحمل وقال -: تحملت بألف درهم, وقال الطالب: بل بخمسمئة دينار, فصدق المطلوب - يريد ولا مال له - فليحلف الحميل ما تحملت إلا بألف درهم ويؤديها, ويشتري بها دنانير, فإن بيعت بثلاثمئة دينار رجع الطالب على المطلوب

بمئتين, ويرجع الحميل على الغريم بثلاثمائة دينار, فيشتري له بها دراهم, فإن وفت ألفاً فذلك, وإن ذادت فالزيادة للغريم, وإن نقصت, حلف المطلوب للحميل ما تحمل إلا خمسمائة دينار, فإن نكل حلف الحميل واخذ. ومن كتاب ابن المواز: ولو قال الحميل: تحملت لك بألف درهم, وقال الطلب: بخمسين ديناراً, وقال المطلوب: بمئتي إردب قمح وهي التي له علي, قال: تُؤخذ منه المئتا إردب قمح؛ وتؤخر عنه اليمين لعل ثمن ما أقر به يبلغ ما ادعى به الطالب من الدنانير, فتسقط الأيمان ويبرأ الغريم والحميل. قال: فإن لم يف ثمنها بخمسين ديناراً وكانت تسوى ألف درهم, أُخر

يمين الحميل, وحلف الغريم, فإن نكل عن اليمين حلف الطالب واستحق قبله الخمسين ديناراً إن كان موسرا, ويبرأ الحميل بلا غرم ولا يمين, وإن لم ينكل الغريم وحلف أن ليس له عليه إلا المئتا إردب, فإن غرم ذلك بريء, ويحلف الحميل ويبرأ إن كانت تسوى ألف درهم, وإن لم تسو ذلك حلف أيضاً وغرم ما عجز من ثمن القمح على ألف درهم, وهذا كله إذا لم يساوِ القمح خمسين ديناراً. قال: فإن نكل الحميل عن اليمين غرم بقية ما دعاه الطالب من الخمسين ديناراً ولا يرجع الحميل بما غرم في ذلك - من فضلة ما حلف عليه, ولا من فضلة ما غرم بنكوله - لا على الطالب ولا على الغريم الذي غرم عنه. وفي هذه المسألة زيادة في كتاب محمد تركتها لتوعرها. [المسألة الثانية: في اختلاف الطالب والحميل في ملإ الغريم بعد حلول الأجل] ومن العتبية [4/ب] عن ابن قاسم من رواية أبي زيد

في الطالب يقوم على الحميل بعد الأجل, يزعم أن الغريم عديم, ويقول الحميل هو مليء, فإن لم يعرف له مال ظاهر فإن الحميل غارم, إلا أن ينكشف للطالب مال الغريم, فلا يكون له على الحميل شيء.

[الباب الرابع] في إغرام الحميل وموته, أو موت الغريم [وكيف إن تكفل لرجلين فغاب أحدهما وأخذ الآخر حصته]

[الباب الرابع] في إغرام الحميل وموته, أو موت الغريم [وكيف إن تكفل لرجلين فغاب أحدهما وأخذ الآخر حصته] [(1) فصل في إغرام الحميل] والسنة أن الضمان لا يبرئ ذمة المضمون؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((نَفْسُ المُؤْمن مُرتهنة بدينهِ حتى يُقضى عنه))؛ ولأن الضمان مأخوذ من الضمن, وهو شغل ذمة أخرى بالحق, بخلاف الحوالة التي هي مأخوذة من تحول الحق؛ ولأنها وثيقة فلم يبرأ بها من عليه الحق, كالرهن.

[المسألة الأولى: في إغرام الحميل والغريم حاضر مليء] قال مالك: ومن تحمل برجل, أو بما عليه فليس للذي له الحق إذا كان الغريم حاضراً مليئاً أن يأخذ من الكفيل شيئاً إلا ما عجز عنه الغريم. وكان مالك يقول: يتبع أيهما شاء في ملء الغريم, ثم رجع إلى هذا, وأخذ به ابن القاسم. ورواه ابن وهب. قال عبد الوهاب: وبالأول قال أبو حنيفة والشافعي. ووجه ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (الزعيم غارم) ولم يفرق؛ ولأن الضامن أقام نفسه مقام الغريم في شغل ذمته بالحق على الوجه الذي كانت

ذمة الغريم به مشغولة, فكان كالغريم في المطالبة. [و] وجه الثانية: أن الضمان في العادة إنما هو لحفظ الحق من الضياع, ولم يوضع لأن يكون الضامن كالغريم في أصل المطالبة, فإذا صح ذلك لم تكن له المطالبة إلا على الوجه الذي دخل عليه الضامن. قال بعض أصحابها: وجه ذلك أن الحميل إنما أخذ ذلك توثيقة؛ فأشبه الرهن, فلما كان سبيل إلى الرهن إلا عند عُدم المطلوب, فكذلك لا سبيل على الكفيل إلا عند عُدم المطلوب [المسألة الثانية: في إغرام الحميل والغريم حاضر مليء لكنه ظالم أو غائب, أو حاضر مديان.] ومن المدونة قال غيره: وإن كان الغريم مُلداً ظالماً.

قال مالك: أو كان غائباً مليئاً في غيبته, أو مدياناً حاضراً يخاف الطالب - إن قام عليه - المحاصة, فله اتباع الحميل. قال في كتاب محمد: مثل أن يكون رجلاً كثير الدين إن اقتضى منه شيئاً خاف أن يحاص فيما يأخذ بعد ذلك, فحينئذٍ يرجع على الحميل. قال في المدونة: إلا أن يكون للغائب مال حاضر يُعدى فيه, فلا يتبع الحميل. قال غيره: إلا أن يكون في تثبيت ذلك وفي النظر فيه بُعد, فيؤخذ من الحميل. وقاله سحنون.

[(2)] فصل [في موت الكفيل] [المسألة الأولى: في موت الكفيل قبل الأجل] قال مالك: وإذا مات الكفيل قبل الأجل فللطالب تعجيل الدين من تركته, ثم لا رجوع لورثته على الغريم حتى يحل الأجل, وله محاصة غرمائه أيضاً. وفي رواية ابن وهب من غير المدونة: أنه يؤخذ قدر الحق من تركة الحميل, ويوقف إلى الأجل, فإن كان الغريم يومئذ مليئاً رجع ذلك إلى ورثة الكفيل, وإن كان عديماً أخذه الغريم. قال يحيى: هذه رواية سوء. وقالها عبد الملك.

وقال أشهب مثل قول ابن القاسم وروايته. قال عبد الوهاب: إن الرواية الأولى مخرجة على أنه يطالب أيهما شاء, والثانية مبنية على أن ليس له مطالبة الضمين إلا في تعذر الأخذ من الغريم. وظاهر قولهم: أن له تعجيل الدين من تركته, على قول ابن القاسم: ليس له مطالبته إلا في غيبة الغريم وعُدمه؛ وذلك أن ابن القاسم وغيره [5/أ]- ممن أخذ بهذا القول, الذي رجع إليه مالك - قالوا: له تعجيل الدين من تركة الحميل, ووجه ذلك أن الحميل مشغول الذمة بهذا الدين حقيقة, وحكمة حكم المديان

في تصرفه في ماله, فإذا صح ذلك وجب حلول الدين بموته؛ لأنه بموته وجب قسم ميراثه, والدين مُبدأ على الميراث, فإذا حل دينه كان للطالب تعجيله؛ ولأن في إيقافه ضرر على الورثة؛ إذ قد يهلك فيكون منهم, وضرر على الغريم في منعه الانتفاع به من غير نفع للورثة في ذلك؛ وإذ لا يبخلو أن يكون المتحمل به عند حلول أجل الدين مليئاً أو معدماً, فإن كان معدماً فهذا المال الموقوف لا يرجع إليهم, والغريم أحق به فلا فائدة لهم في إيقافه عليه, وإن كان مليئاً فقبضهم هذا المال الموقوف كقبضهم مثله من المديان فلا ضرر عليهم في تعجيله, ولا فائدة لهم في إيقافه بل فيه الضرر بالجميع فوجب تعجيله, وبالله التوفيق. [المسألة الثانية: في موت الكفيل عند محل الأجل أو بعده] قال ابن المواز: ولو مات الكفيل عند محل الأجل أو بعده فهاهنا يُبدأ بالغريم, فإن كان عديماً, أو مُلداً, أو غائباً, أُخذ من المال الحميل. [(1) فرع] قال: ولو مات الحميل قبل الأجل, فحاص الطالب غرماء الحميل, فنابه من مئة خمسون, ثم حل الأجل على الغريم, فليرجع الطالب وغرماء الحميل بالمئة كلها,

فيرجع منها إلى غرماء الحميل ما كان أُخذ [عن] الغريم من مال الحميل, وذلك خمسون, فإن لم يوجد عند هذا الغريم إلا خمسون, فليأخذ الطالب منها خمسةً وعشرين, وغرماء الحميل خمسة وعشرين, ثم يحاصصهم الطالب بما بقي له من مئة - وذلك خمسة وعشرون - وغرماء الحميل بما بقي لهم, يتحاصون بذلك في الخمسة والعشرين التي أخذ غرماء الحميل؛ لأنه كمالٍ طرأ للحميل. وهذا على تفسير يحيى في مسألة الزرع الرهن, وأما على تفسير قول ابن القاسم في المدونة, فإن لم يوجد عند الغريم إلا خمسون أو كان له غرماء فضرب هذا بالمئة كلها عنه وعن الحميل, فنابه في حصاصه خمسون أخذها, ورجع عليه غرماء الحميل فقالوا له: كان الواجب أن تضرب معنا بخمسين فقط وأنت قد ضربت بمئة, فيُنظر

ما لو ضربت بخمسين معنا ما الذي يقع لك؟ مثل أن يكون دين كل واحد منهم مئة, وهم ثلاثة نفر, وفي يد الحميل مئة وخمسون فنابه في الحصاص الأول خمسون فنصيبك منها خُمسها: ثلاثون, فنحسبها من الخمسين التي أخذت وترد عشرين. ثم لا رجوع لغرماء الحميل على غرماء الذي عليه الدين لما قدمنا, إلا أن يفيد مالاً آخر. وهو في الحساب يرجع إلى أمر واحد فاعلمه. [(3) فصل في موت الغريم] [المسألة الأولى: متى يحق للطالب تعجل دينه من الغريم] ومن المدونة قال مالك: وان مات الغريم تعجل الطالب دينه من ماله, فإن لم يدع مالاً, لم يتبع الكفيل حتى يحل الأجل.

[المسالة الثانية: في موت الغريم مليئاً والطالب وارثه] قال ابن القاسم: وإن مات الغريم مليئاً والطالب وارثه بريء الحميل؛ لأنه إن غرم للطالب شيئاً رجع عليه بمثله في تركة الميت, والتركة في يديه, فصارت كمقاصة. [المسألة الثالثة: في موت الغريم معدماً, وفي الفرق بين الحمالة والحوالة في موت الغريم] وإن مات الغريم مُعدماً ضمن الكفيل, وأما في الحوالة, فذلك على المحال عليه بأصل دين, مات - الغريم الموروث - مليئاً أو مُعدماً. [(5/ب)] [(4) فصل] فيمن تكفل لرجلين بحق فغاب أحدهما وأخذ الآخر حُصته. قال ابن القاسم: ومن تكفل لرجلين بحق لهما, فغاب أحدهما, واخذ الحاضر من الكفيل حصته من الدين, فللغائب إذا قدم أن يدخل معه فيما قبض, وإن كان الحق بكتاب واحدٍ

وكذلك قال مالك - في رجلين لهما دين على رجل بصك واحد, فاقتضى أحدهما نصيبه دون صاحبه -: فإن صاحبه يشاركه فيما اقتضى, إلا أن يكون المقتضي أعذر إلى صاحبه عند السلطان, أو أشهد على ذلك دون السلطان, فلم يخرج معه, ولا وكل, فحينئذ يكون له ما قبض خاصة. قال بعض فقهائنا القرويين: أما امتناعه بعد الرفع إلى السلطان من الخروج مع صاحبه فلا يدخل فيما اقتضى فصواب, وأما إشهاده عليه فيجب ألا ينتفع بذلك؛ كالمقاسمة, فلا يجب أن يكون إلا بحكم قاضٍ, إلا أن يكون بموضع لا قاضي فيه, ولا سلطان, فتقوم الجماعة مقام القاضي ويصير ذلك مقاسمة ولعل ابن القاسم أراد ذلك.

قال ابن القاسم: ولو رفع ذلك إلى الإمام وشريكه غائب, والغريم حاضر مليء بحقيهما, فقضى للحاضر بأخذ حقه, لم يدخل الغائب عليه فيه وإن أُعدم الغريم, لو قام الحاضر على الغريم, فلم يجد عنده إلا قدر نصيبه, قضى له الإمام بما ينوبه في المحاصة أن لو كان صاحبه حاضراً معه, فإن جهل الإمام فقضى له بجميع حقه كان للقادم أن يدخل معه؛ لأنه كالتفليس. وقال غيره: إذا لم يكن عنده إلا مقدار حق أحدهما, فقضى للحاضر بحقه كله, أو بما ينوبه في الحصاص, فللقادم أن يدخل لأنه كالتفليس. قال يحيى: ذهب ابن القاسم إلى أن يُقضى للشريك الحاضر بما ينوبه ويقر الباقي بيد الغريم, ولا يعجبني.

قال أبو محمد: لعل ابن القاسم يعني: أنه يُقضى بالقسم للحق للضرورة, فيصير هذا أولى بحصته. قال بعض فقهاء القرويين: أما إذا كان معه وفاء بحقيهما فاقتضى نصيبه, فهذا بين لا يدخل عليه فيه؛ لأن ذلك مقاسمة بأمر السلطان, وأما إن لم يكن معه إلا قدر حق أحدهما, فقسم السلطان ذلك بينهما فذلك كالتفليس, فيجب أن يُوقف القاضي حق الغائب, فإن أوقفه فلا شك أن الغائب إذا تلف حقه لا يدخل على الحاضر؛ لأن ضمان الموقوف من الغائب, فكأنه قد قبضه, وإن أبقى القاضي ذلك بيد الغريم, فيجب أن يكون القضاء فاسداً, ويرجع على الحاضر فيما اقتضى, ويكون القاضي تعدى في رده إلى الغريم, فيجب أن يغرم للغائب, فإن أراد الغير أن القضاء لما وقع فاسداً وجب نقضه, ويرجع الغائب على الحاضر فصواب, وإن أراد ابن القاسم: أن السلطان قسم بينهما ولم يُفلسه, فلماذا جعله

إذا قبض الجميع يدخل معه الغائب إذا قدم؟ مع قوله أن لمن أحاط الدين بماله أن يقضي بعض غرمائه دون بعض. وحُكي عن بعض القرويين أنه قال: إذا كان دين الشريكين مئة دينار فوجد بيد المطلوب ثمانون, فقضى القاضي للحاضر بخمسين, فإن للغائب إذا أتى أن يرجع على صاحبه بنصف ما قبض, ولا يرجع عليه بالزائد على الربعين؛ لأن القضاء وقع فاسداً لما أعطاه خمسين, وإنما كان يجب أن يعطيه أربعين, فاعلم ذلك. والصواب أن يرجع [6/أ] عليه بالزائد على ما كان يخصه وذلك عشرة؛ لأن فيها وقع الغلط, ولو لزم ما قال للزم من كان يسأل رجلاً أربعين ديناراً, فقضاه خمسين غلطاً, ثم فلس الدافع, أن يُرد القضاء لوقوعه فاسداً ويدخل عليه الغرماء فيه, وهذا خطأ, وإنما يرد الغلط خاصة, ولا حجة له بغلط القاسم إذا ظهر أنه ينقض القسم؛ لأن ذلك إنما يكون في الرباع, والعروض, وأما لو اقتسما عيناً, أو ما يكال أو يوزن, وهو جنس واحد - فغلطا فيه - فإنما يرد الغلط خاصة ممن جاز إليه, ولا يُنقض القسم, فكذلك هذا.

[الباب الخامس] فيمن تحمل بمجهول, أو قال للمدعي: احلف وأنا ضامن, أو عامل فلانا وأنا ضامن, [وفي الضمان عن الميت]

[الباب الخامس] فيمن تحمل بمجهول, أو قال للمدعي: احلف وأنا ضامن, أو عامل فلاناً وأنا ضامن, [وفي الضمان عن الميت] [(1) فصل: في الحمالة بالمجهول] قال أبو محمد: ولما جازت هبة المجهول جازت الحمالة به؛ لأنها معروف, والقضاء أن كل من أدى عن رجل حقاً قبله كان له الرجوع به عليه. قال ابن القاسم في كتاب الشفعة: ومن تكفل عن رجل ولم يذكر ما عليه جاز, وإن غاب المطلوب قيل للطالب: أثبت حقك ببينة وخذه من الكفيل, فإن لم يقم بينة وادعى أن له على المطلوب ألف درهم, فله أن يُحلف الكفيل على علمه, فإن نكل حلف الطالب واستحق. يريد: ثم لا يرجع الكفيل على المطلوب بما غرم من سبب نكوله, إلا أن يُقر له المطلوب, وللكفيل أن يُحلفه, فإن نكل المطلوب غرم.

[المسألة الأولى: فيمن قال لرجل ما وجب لك قبل فلان فأنا لك به كفيل] قال في كتاب الحمالة: ومن قال لرجل ما ذاب لك قبل فلان الذي تخاصمه فأنا لك به كفيل - ومعنى ما ذاب أي ما صح - فإن استحق قبله ملاً كان هذا الكفيل ضامناً له - وكل من تبرع بكفالة لزمته - فإن مات هذا الكفيل قبل ثبات الحق, ثم ثبت الحق بعد موته, لزم ذلك في مال الكفيل. وقد قال مالك: فيمن قال لرجل: احلف لي أن الذي تدعي قبل أخي حق, وأنا ضامن, ثم رجع, أنه لا ينفعه رجوعه, ولزمه ذلك إن حلف الطالب, وإن مات كان ذلك في ماله. فإن أقر المطلوب بها غرم الحميل, غرم له ذلك وإن أنكره كان للحميل أن يحلفه, فإن نكل غرم, وليس له

أن يُحلف الحميل؛ إذ لا علم عنده, ولا له أن يحلف الطالب؛ لأنه قد حلف أولاً, فأشبهت يمينه أيمان التهم: التي بالنكول عنها يغرم. وقد وقع في كتاب محمد - في المريض يقول -: لي عند فلان كذا, ثم يموت, أن المطلوب يحلف, وإن لم يكن بينهما خُلطة؛ إذ لا يُتهم المريض في هذا الحال, فإن نكل غرم إذا لم يكن عند ورثته علم من هذا. وليس هذا كهبة ما لم يُقبض حتى مات الواهب؛ لأنها هبة للذي عليه الدين عن أصل معاوضة للذي له الدين, فلا يفتقر هبة للذي عليه الدين عن أصل معاوضة للذي له الدين, فلا يفتقر إلى القبض؛ كحمل الصداق عن الزوج للزوجة, فلا يُبطله موت الحامل.

[المسألة الثانية: فيمن أوجب على نفسه كفالة أو ضماناً] قال: وإن أشهد رجل على نفسه أنه ضامن بما قُضي لفلان على فلان, أو قال: أنا كفيل لفلان بماله على فلان, وهما حاضران أو غائبان, أو أحدهما غائب, لزمه ما أوجب على نفسه من الكفالة والضمان؛ لأن ذلك معروف, والمعروف من أوجبه على نفسه لزمه. [المسألة الثالثة: فيمن قال لرجل بايع فلانا وأنا ضامن] قال مالك رحمه الله: ومن قال لرجل بايع فلانا, أو داينه, فما بايعته به من شيء, أو داينته به, فأنا ضامن [6/ب] لزمه ذلك إذا ثبت مبلغه. وقال غيره: إنما يلزمه من ذلك ما كان يشبه أن يداين بمثله المحمول عنه ويبايع به. وليس بخلاف لابن القاسم قال ابن القاسم: ولم لم يداينه حتى أتاه الحميل فقال: لا تفعل, فقد بدا لي فذلك له, بخلاف قوله: احلف وأنا ضامن ثم رجع قبل اليمين, قال: هذا لا ينفعه رجوعه؛ لأنه حق قد وجب.

[فائدة: في الفرق بين من قال بايع فلانا وأنا ضامن ثم رجع, وبين من قال احلف لي وأنا أغرم لك ثم أراد الرجوع] والفرق أن الذي قال: أحلف لي أن الذي ادعى حق, أن المدعي يقول: أنا قد ادعيت أن لي عليه كذا, وقد أحل هذا نفسه محل المدعى عليه؛ فكما لو قال ادعيت عليه: احلف لي وأنا أغرم لك لم يكن له رجوع, فكذلك هذا, والذي قال: عامله وأنا ضامن, كقول العامل نفسه: عاملني وأنا أعطيك حميلاً, فكما كان لهذا أن برجع؛ لأنه لم يدخله في شيء, فكذلك لا يلزم من قال له: عامله. وقد قيل: إن ذلك كالوعد لا كالهبة, فلذلك كان له أن يرجع عنه, إذ لا يُقضى به إلا أن يدخله بوعده في شيء. وابن وهب يرى أن يُقضى عليه بالعدة, ولأصبغ فيما ذكر سببه أنه يُقضى عليه به بخلاف غيره. [(2) فصل الضمان عن الميت] قال عبد الوهاب: ويجوز الضمان عن الميت خلف وفاء أو لم يُخلف. وقال أبو حنيفة: لا يجوز إلا أن يُخلف وفاء.

ودليلنا حديث أبي قتادة في الذي مات وعليه دين, فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه فلما ضمنه أبو قتادة صلى النبي صلى الله عليه وسلم عليه. ولأن كل دين لو كان به وفاء لصح ضمانه, فإنه يصح وإن لم يكن له وفاء, أصله الضمان عن الحي. ومن كتاب ابن المواز والعتبية قال مالك: فيمن مات وعليه من الدين ما لا يُدري كم هو, وترك مالاً من عين, وعرض ولا يدري كم هو, فتحمل بعض ورثته بجميع دينه نقداً, أو إلى أجل, على أن يُخلي بينه وبين ماله, فإن كان على: إن كان فيه فضل بعد وفاء الدين كان بينه وبين بقية الورثة على بعض فرائض الله, وإن كان ناقصاً فعليه وحده فذلك جائز؛ لأن ذلك منه على وجه المعروف وطلب الخير للميت ولورثته, وأما إن كان له الفضل بعد وفاء الدين, وعليه النقصان, فلا يجوز؛ لأنه غرر وغير وجه من الفساد, وصار البيع يُحله ما يُحله.

قال: ولو كان وارثاً واحداً كان جائزاً قال: ولو طرأ غريم لم يعلم به الابن, فعليه أن يغرم له, ولا ينفعه قوله لم أعلم به, وإنما تحملت بما علمت. وقال مالك فيمن مات وعليه ثلاثة آلاف دينار, ولم يترك غير ألف دينار, وولد لا يرثه غيره, فسال غرماء أبيه أن يدعوا له الألف بيده, وينظروه سنين, ويضمن لهم بقية دينهم فرضوا فذلك جائز. قال ابن القاسم: وبلغني عن ابن هرمز مثله. قال مالك: وإن كان معه ورثة غيره وأدخلهم في فضل إن كان, فذلك جائز, وإن طرأ غريم لم يعلم به, لزمه أن يَغْرَم له.

[الباب السادس] في حمالة الجماعة, وغرمهم, وتراجعهم

[الباب السادس] في حمالة الجماعة, وغُرمهم, وتراجعهم. ابن وهب قال مالك: إن من أمر الناس الجائز عندهم أن يكتب الرجل حقه على الرجلين, ويشترط أن حكما عن ميتكما, ومليئكما عن مُعدمكما, ذلك كحمالة أحدهما عن الآخر. قال ابن القاسم: وإذا تكفل رجلان بمال, وكل واحد ضامن عن صاحبه, فغاب أحدهما, وغاب الغريم, وغرم الحاضر الجميع, ثم قدم الغائب والغريم, وهما مليئان, فللكفيل إتباع الغريم بالجميع, وإن شاء اتبعه بالنصف, ثم اتبع الكفيل الآخر بما أدى [7/أ] عنه؛ لأنه كدين له قبله, لا كغريم حضر مع كفيل. قال مالك رحمه الله: وإذا تكفل ثلاثة رجال لرجل بمال من الحملاء إلا حمالة مبهمة, وأعدم الغريم لم يكن للطالب على من لقى من الحملاء إلا ثلث الحق, إلا أن يشترط في أصل الكفالة أن بعضهم حميل عن

بعض, فحينئذ إن غاب أحدهم, أو اعدم أخذ من وجد منهم مليئاً بجميع الحق, وإن لقيهم أملياء لم يأخذ من كل واحد إلا ثلث الحق؛ إذ لا يتبع الكفيل في حضور المكفول به وملئه. ولو شرط أيكم شئت أخذت بحقي, ولم يقل بعضكم كفيل ببعض, فله أخذ أحدهم بجميع الحق, وإن كانوا حضوراً أملياء, ثم لا رجوع للغارم على أصحابه إذ لم يؤد بالحمالة عنهم, ولكن عن الغريم. ابن حبيب: وقاله جميع أصحاب مالك. ولو قال: بعضهم كفيل ببعض - قال مع ذلك: أيكم شئت أخذت بحقي , أو لم يقل - فإنه إن أخذ من أحدهم في هذا جميع المال, رجع الغارم على صاحبيه إذا لقيتها بالثلثين, وإن لقي أحدهما رجع عليه بالنصف. ابن حبيب وقال ابن الماجشون - فيمن باع شيئا من رجلين, شرط أن يأخذ أيهما شاء بجميع الثمن, أو تحمل رجلان بدين فشرط عليهما ذلك: فشرطه باطل, وليس له إتباع أحدهما بأكثر من نصيبه إلا في عدم صاحبه أو غيبته, كالحمالة المبهمة.

وقال ابن كنانة وأشهب. وقال ابن القاسم: الشرط اللازم في ذلك كله, ويتبع أيهما شاء وإن كان الآخر مليئاً حاضراً بخلاف الحمالة المبهمة؛ والناس عند شروطهم, وقد اختلف قول مالك في الحميل المبهم: أنه يغرم الجميع فكيف بالشرط وبه قال أصبع ابن حبيب.

[الباب السابع] شرح مسألة حملاء وبيان حسابها

[الباب السابع] شرح مسألة حملاء وبيان حسابها. قال غير ابن القاسم: وإذا كان لرجل ستمئة درهم على ستة رجال, على أن بعضهم حميل عن بعض بجميع المال, أو على أن كل واحد منهم حميل بجميع المال - قال عن أصحابه, أو لم يقل - أو قال: على أن كل واحد منهم حميل عن واحد, أو اثنين, أو ثلاثة منهم, أو أكثر أو عن جميعهم إلا أنه قال بجميع المال, قال في ذلك ولا براءة له إلا بأدائها, أو لم يقل. فإن قال مع ذلك: أيكم شئت أخذت بحقي, فله أخذ أحدهم بالجميع, كان لو يذكر أيكم شئت أخذت بحقي, فغنه إن لقيهم مياسير أخذ كل واحد بمئة, ولم يكن له أن يأخذ بعضهم ببعض؛ لأن الحميل لا يؤخذ بالحق عند حضور الغريم وملئه, وإنما يؤخذ إذا كان الغريم عديماً أو غائباً, أو مُلداً ظالماً. فأما إن لقي أحدهم فأخذه بستمئة, ثم إن لقي هذا الغارم للستمئة أحد أصحابه أخذه بمئة أداها عنه, وبنصف الأربعمئة التي أداها عن الباقين؛ لأنه حميل معه بهم فذلك ثلاثمئة, ثم إن لقي أحدهما أحد الأربعة

الباقين أخذه بخمسين عن نفسه وبخمسة وسبعين بالحمالة, وكذلك إذا لقي الرابع - المأخوذ من المال - الثالث من الباقين فإنه يأخذه بما أدى عنه من أصل الدين وبنصفه ما أدى عن أصحابه. يريد: أن الغارم بخمسة وعشرين ومئة وهو ثالث الأولين ورابع الباقين لقي أحد الثلاثة الذين لم يغرموا شيئاً, فقال له: أديت خمسة وسبعين بالحمالة عن ثلاثة أنت أحدهم, [7/ب] فعليك منها في خاصتك

خمسة وعشرون, والخمسون الباقية أنت معي بها حميل فعليك نصفها, فليأخذ منه خمسين. ثم قال: فإن لقى الرابع المأخوذ منه الآخر من الأولين الذي لم يرجع على الرابع. يريد: أن الغارم للستمئة الراجع منها بثلاثمئة لم يلق أحداً بعد ذلك حتى لقي رابعاً من الباقين, وهو ثالث من الغارمين, لقيه قبل أن يرجع هو أيضاً على أحد بشيء مما أدى قال: فإن هذا الأول يقول له: بقى لي مما أديت بالحمالة مئتان, عن أربعة أنت أحدهم, فعليك خمسون في خاصيتك, فليأخذ منه, ثم يقول له :بقيت لي خمسون ومئة أديتها عن أصحابك وأنت معي بهم حميل, فيقول له

هذا الرابع: قد أديت أنا عنهم بالحمالة خمسة وسبعين أيضاً لغيرك ساويتك في مثلها, وبقيت لك خمسة وسبعون, لك على نصفها فيدفع إليه سبعة وثلاثين ونصفاً, وهكذا تراجعهم إذا لقي بعضهم بعضاً حتى يؤدي كل واحد منهم مئة؛ لأن كل واحد منهم كان عليه من أصل الدين مئة. وأما إن تحمل بعضهم عن بعض على أن كل اثنين حميلان أو ضامنان بجميع المال - قالا في ذلك: عن أصحابهم أو عن اثنين أو عن واحد أو على أن كل واحد حميل بنصف جميع المال, فذلك كله سواء, وإن لقي رب المال اثنين منهم أخذ كل واحد منهم بثلاثمئة, وإن لم يلق إلا واحداً أخذه بثلاثمئة وخمسين: مئة منها عليه من أصل الدين, ومئتين وخمسين بالحمالة؛ لأنه بنصف ما بقي كفيل, ثم إن لقي هذا الغارم أحد الباقين أخذه بخمسين عن نفسه, وبنصف المئتين التي أداها بالحمالة, فإن لقي هذا الغارم الثاني أحداً ممن لم يغرم, قال له: أديت مئة بالحمالة عن أربعة أنت أحدهم فهلم خمسة وعشرين عن نفسك, ونصف ما بقي بالحمالة, فهكذا تراجعهم حتى يستووا في الغرم.

قال: وأما إن تحمل بعضهم عن بعض على أن تحمل بعضهم عن بعض على أن كل ثلاثة حملاء بجميع المال, أو على أن كل ثلاثة حملاء عن ثلاثة, أو عن اثنين, أو عن واحد بجميع المال, أو على أن كل واحد حميل بثلث المال, فذلك سواء, فإن لقي ثلاثة أخذهم بالجميع, وإن لقي واحداً أخذه بمئة عن نفسه, وثلث ما بقي وذلك مئة وستة وستون وثلثان. وإذا لقي ثلاثة فأخذ منهم جميع المال, ثم لقي أحدهم أحد الذين لم يغرموا, فإنه يقول له: أديت مئة بالحمالة عن ثلاثة أنت أحدهم, فهلم ثلثها عن خاصتك, ونصف باقيها بالحمالة عن الباقين, ثم إن لقي الآخذ لذلك أحد الثلاثة الغارمين معه رجع عليه بنصف ما فضله حتى يكونا في الغرم سواء, فإن اقتسما ذلك, ثم لقي الباقي الذي غرم معهما أولاً دخل عليهما فيما بأيديهما من قبل الثالث المرجوع عليه, حتى يصير ما اخذ من الثالث بينهم أثلاثاً, ثم إن لقي أحدهم أحداً ممن لم يغرم شيئاً فأخذ منه ما يجب له فلان بد أن يشاركه فيه من

بقي من الاثنين الغارمين معه أولاً, حتى يكون ما أخذ كل واحد بينهم بالسوء لأنهم حملاء عن أصحابهم فهكذا تراجعهم وهذا جميع ما في المدونة من هذه المسألة, وبقيت وجوه لم يذكرها وهو: إذا قال: على أن كل واحد حميل بنصف جميع المال, أو على أن كل اثنين حميلان بجميع المال, فلقي أحدهم فأخذه بثلاثمئة وخمسين, ثم إن لقي بعد ذلك ثانياً, فهذا الوجه لم يذكره. والجواب فيه أن يقول له: عليك في خاصيتك مئة قد أدى منها صاحبك عنك خمسين, فبقي لي عليك خمسون [8/أ] فادفعها إلي, وكان لي على الأربعة الباقين أربعمئة دفع إلي منها صاحبك مائتين؛ لأنه حميل بنصف ما عليهم, وأنت حميل بنصف ما عليهم وذلك مئتان, فيأخذها منه, فجميع ما يأخذ منه مئتان وخمسون, وهو الذي بقي له. وإن شاء قال له: أخذت من صاحبك ثلاثمئة وخمسين - وذلك ما يلزمه إذا لقيه وحده - فادفع لي أنت ما بقي وهو مئتان وخمسون لأنكما جميعاً حميلان بجميع المال, ثم إن لقيه الأول يقول له: أديت عنك بالحمالة خمسين

فيأخذها منه, ويقول له أديت عن أصحابك مئتين بالحمالة فهلم نصفها, فيقول له هذا: قد أديت أنا أيضاً عنهم مئتين بالحمالة فقد استوينا. فإن قال: على أن كل واحد حميل بثلث جميع المال, أو على أن كل ثلاثة حملاء بجميع المال, فلقي أحدهم, فأخذ منه مئتين وستة وستين وثلثين, ثم إن لقي صاحب الدين ثانياً منهم فإنه يقول له: عليك في خاصتك مئة, قد أدى صاحبك عنك منها ثلاثة وثلاثين وثلثاً, فبقي عليك منها ستة وستون وثلثان فيأخذها, وذلك مئة وثلاثة وثلاثون وثلث فيأخذ منه فيكون جميع ما يأخذ من الثاني مئتين. وإن شاء قال له: قد أخذت من صاحبك مئتين وستة وستين وثلثين, وأنا لو لقيتكما جميعاً لأخذت منكما أربعمئة وستة وستين وثلثين, فادفع إلي ما

بقي لي من ذلك وذلك مئتان فيأخذها من. ثم إن لقي الثالث بعد ذلك, فإنه يقول: له قد أدى عنك الأول والثاني مما عليك ستة وستين وثلثين, وبقي عليك ثلاثة وثلاثون وثلث, فيأخذها منه, ثم يقول له: بقي ثلاثة, وأنت حميل بثلث جميع ما عليهم وذلك مئة فيأخذها منه, وهو جميع ما بقي له من الستمئة. وهكذا أبدً يأخذ من الآخر جميع ما بقي له؛ لأنه يقول له: لو لقيتكم كلكم لأخذت منكم جميع المال, وأصحابك قد أدوا ما يلزمهم فأد أنت ما بقي. وجميع هذا حفظته عن بعض شيوخنا, واتفق عليه حذاق أصحابنا. وإذا قال: على أن كل واحد حميل بجميع المال, فلقي أحدهم فأخذ منه الستمئة, ثم لقي الغارم أحد أصحابه, فأخذ منه ثلاثمئة, فإن لقيا ثالثاً قالا له: أدينا بالحمالة أربعمئة عن أربعة أنت أحدهم فهلم ربعها وثلث ما بقي بالحمالة؛ لأنك معنا بهم حميل, فيأخذان منه مئتين يقتسمانها

فيصير كل واحد من الثلاثة قد غرم مئتين, ثم إن لقوا رابعاً قالوا له: أدينا بالحمالة ثلاثمئة عن ثلاثة أنت أحدهم فهلم ثلثها وربع ما بقي بالحمالة؛ لأنك معنا بهم حميل, فيأخذون منه مئة وخمسين, فيقتسمها الثلاثة, فيصير كل واحد من الأربعة قد غرم مئة وخمسين, ثم إن لقوا خامساً قالوا له: أدينا بالحمالة مئتين عن اثنين أنت أحدهما فهلم نصفها وخمس ما بقي بالحمالة, فيأخذون منه مئة وعشرين, فيقتسمها الأربعة ثلاثين ثلاثين, فيصير كل واحد قد غرم مئة وعشرين, ثم إن لقوا السادس قالوا له: أدينا عنك بالحمالة مئة فيأخذونها منه فيقتسمها الخمسة فيصير كل واحد منهم قد غرم مئة وهو ما عليه. ولو أن رب الدين لم يأخذ من الأول إلا مئتين, فإن لقي هذا الغارم أحد أصحابه قال له: أديت مئتين؛ مئة عن نفسي لا أرجع بها على أحد, ومئة بالحمالة عن خمسة أنت أحدهم, فهلم خمسها عن نفسك, ونصف باقيها بالحمالة؛ لأنك معي بهم حميل, فجميع ذلك ستون عن نفسه وعشرون, وأربعون بالحمالة؛ ويصير الأول قد أدى أربعين بالحمالة, فإن لقيا ثالثهما قالا له: أدينا بالحمالة ثمانين عن أربعة أنت أحدهم عليك ربعها وثلث باقيها بالحمالة؛ لأنك معنا بهم حميل, فيأخذان منه أربعين, فيقتسمانها نصفين, فيصير كل واحد منهم قد أدى بالحمالة عشرين عشرين, ثم إن لقوا رابعاً قالوا له: أدينا بالحمالة ستين عن ثلاثة أنت أحدهم فهلم

ثلثها وربع باقيها بالحمالة لشركتنا فيها, فيأخذون منه ثلاثين فيقتسمها الثلاثة عشرة عشرة ويستوون في الغرم, ثم إن لقوا الخامس قالوا له: أدينا بالحمالة أربعين عن اثنين أنت أحدهم فهلم نصفها وخمس باقيها بالحمالة, فيأخذون منه أربعة وعشرين فيقتسمها الأربعة؛ ستة ستة فيصير كل واحد منهم قد غرم بالحمالة أربعة أربعة. فإن لقوا السادس غرموه عشرين فيقتسمونها أربعة أربعة ويصير كل واحد من الخمسة غرم الأول عشرين وهو ما أدى عنهم. ولوا أن رب الدين لم يأخذ من الأول إلا مئة, لم يرجع هذا على أحد من أصحابه بشيء ولو أخذ منه مئة درهم ودرهماً لرجع عليهم بالدرهم خاصةً على نحو ما وصفنا. وإنما يرجع هذا الغارم على أصحابه في شرط صاحب الحق حمالة بعضهم لبعض, قال [8/ب] مع ذلك: وأيكم شئت أخذت بحقي أو لم يقل, وإذا قال مع ذلك: وأيكم شئت أخذت بحقي فله أخذ أحدهم بجميع الحق وإن كان الباقون حضوراً أملياء, ثم ليس للغارم منهم أن يرجع على كل واحد من أصحابه إذا كانوا حضوراً أملياء إلا بسدس جميع الحق, وهو ما عليه من أصل الدين, وهو في ذلك بخلاف رب الدين؛ لأن رب الدين هو الذي اشترط: فأيكم شئت أخذت بحقي.

وسواء في هذا كانت الحمالة بعضهم عن بعض, وهم شركاء في السلعة, أو حمالة عن غيرهم. وإذا كان إنما تحملوا عن غيرهم, وشرط رب الدين: أيكم شئت أخذت بحقي ولم يشترط حمالة بعضهم ببعض, فإنه 'ذا أخذ أحدهم بجميع الحق لم يكن لهذا الغارم أن يرجع على أحد من أصحابه بشيء؛ إذ لم يؤخذ بالحمالة عنهم, ولكن عن الغريم. وقد تقدم هذا, ونحو هذا كله في كتاب ابن المواز فاعتمد عليه؛ لأنه أصل مذهبهم في هذه المسألة, وقد ذكرت حساب هذه المسألة في آخر هذا الكتاب فمن أحب أن يقف عليه نظر فيه, وبالله التوفيق.

[الباب الثامن] فيمن أخذ حميلا بعد حميل, أو حميلا من حميل وكيف إن أحضر الغريم أحدهم

[الباب الثامن] فيمن أخذ حميلاً بعد حميل, أو حميلاً من حميل وكيف إن أحضر الغريم أحدهم. قال ابن القاسم: ومن أخذ من غريمه كفيلاً بعد كفيل, فله في عدم الغريم أن يأخذ بجميع حقه أي الكفيلين شاء, بخلاف كفيلين في صفقة لا يشترط حمالة بعضهم ببعض, وليس أخذ الحميل الثاني إبراء للحميل الأول, ولكن كل واحد منهم حميل بالجميع. قال: ومن أخذ من الكفيل كفيلاً لزمه ما لزم الكفيل. قال غيره: وكذلك لو تحمل ثلاثة رجال بنفس رجل وكل واحد منهم حميل بصاحبه, جاز, ومن جاء به منهم بريء هو والباقيان؛ لأنه كوكيلهما في إحضاره, فإن لم يكن بعضهم حميلاً ببعض, فإن جاء به أحدهم بريء هو وحده ولم يبرأ صاحباه. ومن العتبية: روي حسين بن عاصم عن ابن القاسم: إذا تحمل ثلاثة بمال على أن يأخذ الطالب حيهم بميتهم ومليئهم بمعدمهم وأيهم شاء

أخذه بحقه, إن أخذ من أحدهم حميلاً بما عليه ولم يشترط ذلك على الحميل, فقام على هذا الحميل في عدم الذي عنه تحمل, فأراد أن يغرمه جميع المال, فقال الحميل: إنما أغرم ثلثه الذي على صاحبي في نفسه. قال: يلزمه جميع الحق؛ لأنه قد لزمه ما لزم من تحمل عنه, يريد: وقد علم الحميل بما على الحملاء من الشروط. وقال عنه عيسى: ولو تحمل هذا الحميل عنهم بجميع الحق فأداه, فله أن يأخذ بالحق كله أحدهم كما كان للطالب؛ وكما لو تحمل هذا بما على أحدهم كان للغريم أن يتبعه بالحق كله كما له أن يتبع أحد الغرماء. وإذا أخذت من الحميل, وكان الأول حميلاً بالوجه, والثاني حميلاً بالمال, فمات الذي عليه الدين, فقد سقطت الحمالة عن الذي تحمل بالوجه وعن الذي تحمل بالمال؛ سقطت عن الذي تحمل بالوجه بموت الذي تحمل بوجهه, فإذا سقط الإتباع عن حميل الوجه سقطت الحمالة عن حميله. ولو لم يمت الغريم, وغاب حميل الوجه, فجاء الحميل عنه بالغريم معدماً, أو موسراً بريء؛ لأن من تحمل عنه يبرأ بذلك, فإذا بريء الذي تحمل عنه بريء حميله. ولو مات حميل الوجه لم تسقط الحمالة عند ابن القاسم بموته, وسقطت عند عبد الملك؛ وكأنه رأي إنما يكلف [9/أ] المجيء به إذا كان حياً, فإذا مات فقد فات الإتيان به. وعلى قول ابن القاسم يقال لورثته: ائتوا بالذي عليه الدين فتبرأوا من

الحمالة؛ ولعله يريد: إذا حل أجل الدين, وأما إتيانهم به قبل الأجل فلا فائدة فيه, وكذلك حميله يقال له ما قيل لورثة الحميل, وإن مات حميل الحميل الذي تحمل بالمال فالحمالة عليه ثابتة, ولم يذكر هاهنا أنه يؤخذ من تركته المال فيُقضى منه الذي له الدين دينه, أو يوقف قدر ذلك؛ لأن الحميل بالمال وهو الميت إنما تحمل بالحميل بالوجه فلم يجب عليه غرم, ولا طلب بوجه إن لم يحل الأجل. والذي أرى في هذا أنه يلزمه الغرم على مذهب ابن القاسم في الحميل بالمال يموت قبل محل الأجل فقد قال ابن القاسم: يلزمه الغرم, ولم يتوجه أيضاً على الغريم غرم ولا حل الأجل وكذلك حميل الحميل. وعلى قول عبد الملك في موت الحميل بالمال يؤخذ المال فيوقف لأنه يرجع, ولم يتوجه الآن عليه شيء, فكذلك يكون الحكم عنده, وفي حميل الوجه المذكور.

[الباب التاسع] في تأخير الطالب للحميل أو الغريم

[الباب التاسع] في تأخير الطالب للحميل أو الغريم. قال ابن القاسم: وإذا أخر الطالب الحميل بعد محل الحق, فذلك تأخير للغريم إلا أن يحلف بالله ما كان ذلك مني تأخيراً للغريم, فيكون له طلبه؛ لأنه لو وضع الحمالة كان له طلب الغريم إن قال: وضعت الحمالة دون الحق, فإن نكل لزمه تأخيره, ولو أخر الغريم كان ذلك تأخيراً للكفيل, ثم للكفيل ألا يرضى بذلك خوفاً من إعدام الغريم, فإن لم يرض, خير الطالب, فإما برأ الحميل من حمالته ويصح التأخير, وإلا لم يكن له ذلك إلا برضى الحميل. قال ابن المواز: قيا لأشهب: فإن أبى الحميل؟ قال: ذلك له, ويقال لصاحب الحق: إن أسقطت الحمالة صح تأخير الغريم, وإلا حلفت أنك لم تُرِد إسقاطها, وتطلب دينك من الغريم حالاً. قال ابن القاسم: فإن سكت الحميل وقد علم بذلك لزمته الحمالة, وإن لم يعلم

حتى حل أجل التأخير, حلف الطالب ما أخره ليبرئ الحميل, وتثبت الحمالة. قال ابن المواز عن أشهب: فإن نكل سقطت الحمالة. قال أبو محمد: وقاله يحيى بن عمر. وقال غير ابن القاسم في المدونة: وإذا كان الغريم مليئاً فأخره تأخيراً بيناً سقطت الحمالة, وإن أخره ولا شيء عنده, فلا حجة للكفيل وله طلب الكفيل أو تركه. وقول الغير: إذا كان الغريم مليئاً فأخره تأخيراً بيناً سقطت الحمالة, وهو خلاف لابن القاسم: وقوله وإن أخره ولا شيء عنده فلا حجة للكفيل, وله طلبه, لا يخالفه فيه ابن القاسم, والله أعلم. [مسألة: فيمن كان حميلاً عن رجل فمات فحلل الطالب الميت من الدين] ابن المواز: قال أشهب عن مالك - فيمن باع سلعة وأخذ حميلاً

وكتب عليهما أيهما شاء أخذ بحقه, فمات الغريم, فبيعت جميع تركته, فاستوفى ثلثي حقه, ثم سأله الورثة أن يحلل الميت مما بقي, ففعل, فقال له الحميل: لا شيء لك علي؛ لأنك قد حللت الذي تحملت لك به - قال مالك: يحلف بالله ما وضع إلا للميت, ثم هو على حقه. قال ابن المواز: فيها شيء, وقال في موضع آخر: فيها نظر. وقال مالك فيمن كان له على رجل واحد حقان: حق بحمالة, وحق بغير حمالة, فمات, فبيعت تركته, فلم تف بما عليه [9/ب] , فسأله ورثته أن يحلل الميت من بقية حقه, ففعل, ثم طلب الحميل قال: أرى أن يكون الذي وصل إليه من مال الميت بين الحقين بالحصص ويحلف الله ما وضعت إلا للميت, ثم يكون على الحميل حصته من ذلك الدين. إنما يتوجه على الحميل العزم متى كان الحق ثابتاً على الغريم, فإذا سقط عنه أو بعضه, سقط ذلك عن الحميل؛ كما لو أدى الغريم الحق كله أو بعضه لسقط ذلك عن الحميل, فكذلك 'ذا أسقطه عنه رب الدين. وما معنى هذا الإسقاط إذا كان يُطلب به الحميل؟ وهو إذا أغرم ذلك

الحميل رجع الحميل بذلك على الغريم, أو على ورثته إن كان ميتاً فما فائدة إسقاط ذلك عن الغريم وتحليله منه إذا كان يُطلب به الحميل متى أعدم؟ [فرع: إذا غاب الغريم, فغرم الحميل لصاحب الحق, ثم قدم الغريم, فذكر أنه دفع لصاحب الحق, وأقام البينة على ذلك] وفي كتاب محمد: إذا غاب الغريم, فغرم الحميل لصاحب الحق, ثم قدم الغريم, فذكر أنه دفع لصاحب الحق, وأقام البينة على ذلك, قال: يُنظر, فإن كان الحميل دفع الحق قبل الغريم, وبعد أن حل الأجل, فله الرجعة على الغريم؛ لأن دفعه كان بحق ويرجع الغريم بما كان دفع على صاحب الحق, وإن كان الغريم هو الدافع قبل الحميل, فلا تباعة للحميل عليه, ويرجع الحميل على صاحب الحق بما كان دفع إليه, وإن جهل أمرهما لم يتبع الحميل إلا لمن دفع إليه, إلا أن تكون له بينة أنه الدافع الأول, أو بقضاء من السلطان بعد أن يحلف الغريم أنه كان الدافع قبل, فإن نكل حلف الحميل وأغرم الغريم فإن نكلا جميعاً لم يكن للحميل على الغريم شيء.

[الباب العاشر] في الحميل يدفع غير ما تحمل به, وفي اشترائه للدين أو تبرئة الطالب من بعضه

[الباب العاشر] في الحميل يدفع غير ما تحمل به, وفي اشترائه للدين أو تبرئة الطالب من بعضه. [(1) فصل دفع الحميل غير ما تحمل به] قال ابن القاسم: ومن تكفل بمئة دينار هاشمية, فأداها دمشقية - وهي دونها - برضى الطالب رجع بمثل ما أدى, ولو دفع فيها عرضاً أو طعاماً, فالغريم مخير في دفع مثل الطعام أو قيمة العرض, أو ما لزمه من أصل الدين. وقال في كتاب السلم: إن صالحك الكفيل بطعام, أو بما يقضي بمثله لو يجز؛ لأن الغريم عليه بالخيار, إن شاء أعطاه مثله, أو الدين. ويجوز بما يرجع إلى القيمة فيرجع من ذلك أو الدين قال بعض الفقهاء: لم يذكر اختلافاً إذا دفع من الصنف الذي على المديان أدنى منه أو أجود أن ذلك جائز؛ إذ لا شك أحد أن أحداً لا يختار إلا دفع الأخف عليه. فكأن الدافع على أن ذلك الذي يرجع إليه, فكان ذلك بخلاف أن يدفع عرضاً أو طعاماً أو دراهم عن دنانير لاختلاف الأغراض فيه,

فيصير الحميل أخرج شيئاً لا يدري ما يرجع إليه, فصار ذلك غرراً, فلم يجزه تارة لهذا, وأجازه أخرى؛ لأن الدافع كأنه دخل على أن يرجع إليه الأقل مما دفع, أو ما على المدفوع عنه, إذ هو الغالب من أمر الناس, والله أعلم. قال في المدونة: ولو دفع ذهباً عن ورق لم يجز ذلك, ورجع الكفيل بما أدى, وكان للطالب أصل دينه, والحميل به حميل, وهو بخلاف المأمور يدفع خلاف ما أمر به من العين, وذلك مذكور في كتاب المديان وقد قال ابن القاسم وغيره: إن المأمور والكفيل إذا دفع ذهباً عن ورق أو طعاماً أو عرضاً أن الغريم أو الآمر مخير إن شاء دفع ما عليه أو ما دفع هذا عنه؛ لأنه [10/أ] تعدى فيما دفع وهذا أصل التنازع فيه كثير.

ومن كتاب ابن المواز: ومن تحمل بدنانير, فدفع فيها إلى الطالب دراهم؛ لغيبة الغريم أو عدمه, فأما قبل الأجل فلا يحل, وأما بعد الأجل فجائز, ثم يخرج الغريم ما عليه من الدنانير فيشتري بها دراهم, فإن نقصت لم يكن للحميل غيرها, وإن كانت أكثر لم يكن له الفضل, وهذا كله بعد الأجل. وكان ابن القاسم يقول: الغريم مخير إن شاء دفع دراهم, وإن شاء دنانير, ثم رجع, فقال: هذا حرام بين الحميل والغريم. وقاله أشهب, وهو أحب إلينا. [(2)] فصل: [في شراء الحميل الدين أو تبرئة الطالب من بعضه] قال ابن القاسم: ومن تكفل عن رجل بألف درهم ثم أخذ الكفيل من الغريم سلعة على أن يدفع عنه الألف ثم أغرمها الطالب للغريم, فللغريم الرجوع بالألف على الكفيل؛ لأنه باعه السلعة بها. ومن تكفل لك بمئة حالة, فأبرأته من خمسين على أن يدفع إليك خمسين, فلا يرجع هو إلا بما أدى, ولك أنت إتباع الغريم بالخمسين الأخرى؛ لأن تلك البراءة براءة من الحمالة فقط, وإن تكفل رجلان بألف فأخذ أحدهما من الآخر مئة على أن يدفع عنه وعن نفسه جميع الألف, فإن حل الأجل والطالب حاضر يقبض

مكانه جاز, وإن اغتزا نفعاً بسلف لتأجيل الدين أو لغيبة الطالب أو لغير ذلك لم يجز. قال غيره: فإن أخذ المئة على أمر جائز, ثم صالح الطالب على خمسين, جاز ورد إلى صاحبه خمسة وسبعين, ثم رجعا على الغريم بخمسين بينهما نصفين, وإن صالحه على خمسين ومئة جاز, ورد على صاحبه خمسة وعشرين, ورجعا على الغريم بخمسين ومئة بينهما نصفين, وإن صالحه على خمسمئة جاز, ورجعا على الغريم بما أديا عنه

مخرج المئة بمئة والآخر بأربعمئة, فإن لقياه عديماً لم يكن للذي أدى الأربعمئة أن يرجع على صاحبه بشيء ويتبعا جميعاً الغريم بما أديا عنه.

[الباب الحادي عشر] في صلح الكفيل أو الغريم, وغرم الكفيل ورجوعه

[الباب الحادي عشر] في صلح الكفيل أو الغريم, وغُرم الكفيل ورجوعه. قال في باب بعد هذا: ومن تكفل بطعام من سلم, أو قرض فلا يجوز لك أن تصالح الكفيل, أو الغريم قبل الأجل على بعض الطعام وتترك باقيه؛ لأنه ضع وتعجل, وأما إن حل الأجل جاز ذلك منهما جميعاً, ويرجع الكفيل بما أدى, ولا يجوز لك قبل الأجل - إذا كان الطعام من سلم - أن تصالح الكفيل أو الغريم على حنطة مثل كيل من حنطتك إلا أنها أجود منها أو أدى, - ويدخله في الأجود حط عني الضمان وأزيدك, وفي الأردى ضع وتعجل - ولا يجوز أن تصالح الكفيل بعد محل الأجل على مثل الكيل أو الجنس أجود صفة أو أردى, ولا على أقل كيلاً وأجود صفة, ويجوز أن تأخذ من الغريم بعد محل الأجل مثل الكيل أجود

صفة, أو أردى؛ لأن ذلك بدل وتبرأ ذمته, وفي الكفيل يدخله بيع الطعام قبل قبضه؛ لأن المطلوب مخير, عليه إن شاء أعطاه مثلما أدى أو ما كان عليه, وأما في القرض فجائز أن يأخذ من الكفيل بعد حلول الأجل مثل المكيلة أجود صفة أو أردى. منع أن يصالح الكفيل بعد حلول الأجل على محمولة أدنى من المحمولة التي له أو أجود منها. قال بعض الفقهاء: والقياس أن ذلك جائز كدنانير يعطيها هاشمية عن دمشقية, أو دمشقية عن هاشمية؛ إذ لا شك أنه لا يرجع إلا بالأقل؛ ولا اختلاف أغراض فيها, وهو إنما يعطي ذلك عن [10/أ] الذي عليه الدين, فإن كان يدخل ذلك طعام جيد برديء ليس يداً بيد,

قيل: هذه العلة موجودة في الدمشقية من الهاشمية وهو قد أجاز ذلك في الدنانير, وأما بيع الطعام قبل أن يستوفى فإنما يدخل فيما كان صنفاً آخر, وهذا إنما هو القضاء. وإذا كان الغالب من أمر المطلوب إنما يدفع الأدنى فلم لم يكن كأن الحميل أسلف المطلوب طعاماً على أن يأخذ مثله أو أدنى منه فيجوز؟ وفي كتاب محمد: ومن تحمل بعبد, أو حيوان, أو عرض - قال العتبية: أو طعام - فأداه الحميل من عنده رجع في ذلك كله بمثله؛ لأنه سلف قاله ابن القاسم وأشهب وغيرهم من أصحاب مالك.

قال ابن القاسم: وإن كلفه الحميل شراءه بثمن فله الرجوع بمثل الثمن وقال ابن حبيب: قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن تحمل بعبد أو عرض أو حيوان أو غيره مما لا يكال ولا يوزن, فأداه من عنده رجع بقيمته. والصواب بمثله كما قال في كتاب محمد؛ لأنه سلف من الكفيل للغريم. قال ابن حبيب: وإن اشتراه ليقضيه رجع بالثمن كان أقل من قيمة ما تحمل به أو أكثر, وأما ما يكال أو يوزن فيرجع فيما أدى من عنده بالمثل وفيما اشتراه بالثمن. فحكي عن بعض القرويين أنه قال: إنما وجب للكفيل أن يرجع بالثمن فيما كُلف شراءه؛ لأن الغريم قد علم أن الكفيل إذا طولب بما تحمل به فلم يكن عنده, أنه يُكلف شراءه؛ فكأنه دخل معه على أن يغرم له ما غرم من ذلك قال: ولو تحمل عنه بغير إذنه لوجب أن يطالبه بالأقل من الثمن الذي اشترى به أو من نفس ما عليه.

لأن من حجته أن يقول: أنا ممن يجب على التأخير في عسرتي فلا أدفع إلا ما علي, وقد يشتريه اليوم بأضعاف ثمنه ويكون يوم اشترى يساوي عشر الثمن الذي اشتراه به؛ فلذلك كان له أن يعطيه ما عليه وإن أعطاه الثمن الذي اشتراه به لم يظلمه؛ فلهذا كان له أن يعطيه الأقل مما اشتراه به أو ما عليه, وأما إذا أدى من عنده فهذا بين أنه يرجع بمثله؛ يريد: في العروض وغيرها بخلاف ما ذكر ابن حبيب. [(1)] فصل [في غرم الحميل وفيما يرجع به على الغريم] ومن كتاب ابن المواز: ومن تحمل بثمن طعام فأداه فله أن يأخذ من الغريم فيه طعاماً إذا رضيا كان من صنفه أو من غير صنفه أو أكثر من كيله. قال ابن القاسم: وكذلك لو تطوع رجل بقضاء الثمن عنه جاز أن يأخذ منه ما يأخذ الكفيل, وهما بخلاف البائع وبخلاف من أحاله البائع بالثمن؛ لأن المحال بمنزلة المحيل. وكذلك عنه في العتبية. ابن المواز: ومن تكفل بطعام من بيع, فدفع إليه الغريم دنانير ليشتري بها طعاما ويقضيه عنه, فقضى عنه طعاماً من عنده, وأخذ الثمن, فإن

لم يعلمه فبلغه فرضي فذلك جائز؛ لأنه سلف رضي له فيه بثمن؛ ولو كان ذلك بأمر الغريم لم يجز؛ لأنه بيع يجب أن يقبضه الغريم من الحميل قبل أن يقضيه عنه, فيدخله بيع الطعام قبل قبضه. قال أبو زيد ابن القاسم في العتبية: ولا يحل للذي له القمح أن يقبضه من الضامن حتى يكتاله الذي عليه الحق ويقبضه هو منه, وأحب إلي أن يوكل المطلوب بالقمح من يقبضه من الضامن, ثم يقضيه عنه, وإن وكل الضامن بذلك فأرجو أن يكون خفيفاً وضعفه, قال في رواية عيسى: ولعله يجوز, وما يجوز إلا زحفاً.

[الباب الثاني عشر] في الكفالة بالدرك, وكيف إن شرط خلاص السلعة, والحمالة بمعين أو كتابة

[الباب الثاني عشر] في الكفالة بالدرك, وكيف إن شرط خلاص السلعة, والحمالة بمعين أو كتابة. [(1) فصل في الكفالة بالدرك وكيف إن اشرط خلاص السلعة في الدرك] [11/أ] قال ابن القاسم: ومن اشترى من رجل جارية أو داراً أو غيرها فتكفل له رجل بما أدركه في ذلك من درك, جاز ذلك, ولزمه الثمن حين الدرك في غيبة البائع أو عدمه. ولو شرط المشتري خلاص السلعة لم تجز الكفالة, ولم تلزمه؛ وقال غيره: تلزمه وهو أدخل المشتري في غرم ماله, فعليه الأقل من قيمة السلعة يوم تستحق أو الثمن الذي أدى, إلا أن يكون الغريم مليئاً حاضراً, فيبرأ.

فوجه قول ابن القاسم: أن المعاملة إذا وقعت فاسدة بين المتبايعين فما سميا من الثمن الذي تحمل به الحميل غير لازم, فيسقط عنه؛ لسقوطه في أصل الشراء. ووجه قول غيره: أن الحميل لما أخرج من يد المشتري ماله وجب عليه غرمه لحجته؛ إذ لو لم يتحمل له به ما ابتاع منه, فإن كانت قيمة السلعة أقل لم يلزمه إلا ذلك؛ إذ لو لم يستحق لم يكن على الحميل شيء, فإذا غرم له قيمتها في الاستحقاق لم تكن له حجة؛ كما لو استهلكا له. وروي مثل ذلك عن ابن القاسم أيضاً. قال ابن القاسم: ولو شرط المبتاع على البائع خلاص السلعة في الدرك, وأخذ منه بذلك كفيلاً بطل البيع والكفالة؛ كمن باع ما ليس له شرط وخلاصه؛ ولولا أن الناس كتبوا ذلك في وثائق الأشرية لا يريدون به الخلاص ولكن تشديداً في التوثيق لنقضت به البيع , ولو عقدوا البيع على اشتراطه فسد البيع.

[(2) فصل: [في الحمالة بمعين] وما ابتعت من شيء بعينه لم يجز أن تأخذ به كفيلاً كان حاضراً أو غائباً, على صفة قريب الغيبة أو بعيدها؛ كما لا يجوز للبائع ضمان مثله إن هلك. [3] فصل: في الحمالة بكتابة المكاتب] ولا تجوز الكفالة بكتابة المكاتب, قال ابن القاسم: وأما إن عجل عتق عبده على مال جازت الكفالة بذلك - عند مالك, يريد: لأنه في الذمة - وكذلك من قال لرجل: عجل عتق مكاتبك وأنا بباقي كتابته كفيل, جاز, وله الرجوع وبذلك على المكاتب.

[الباب الثالث عشر] في الحمالة بنفع أو جعل, وما يفسد من شروطها أو يصلح

[الباب الثالث عشر] في الحمالة بنفع أو جُعل, وما يفسد من شروطها أو يصلح. قال مالك في كتاب محمد: لا خير في الحمالة بجعل قال ابن القاسم: فإن ترك - وكان يعلم صاحب الحق - سقطت الحمالة, ورد الجعل, وإن لم يكن يعلمه فالحمالة لازمة للحميل, ورد الجعل على كل حال, وقاله أصبغ, وكل حمالة وقعت على حرام فيما بين البائع والمشتري في أول أمرهما أو بعده فالحمالة ساقطة عن الحميل, علم صاحب الحق أو الذي عليه الحق, أو الحميل بمكروه ذلك أو جهلوه, وذلك مفسوخ على كل حال.

وقال أصبغ: وكل حملة وقعت في حرام بين الحميل وبين الذي عليه الحق ولم يعلم بذلك صاحب الحق فالحمالة لازمة للحميل. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن له دين على رجل إلى أجل فأخذ منه الأجل حميلاً أو رهناً على أن يوفيه حقه إلى الأجل أو إلى دونه, فذلك جائز؛ لأنه زيادة توثيق. فإنما يجوز إلى دون الأجل إذا كان الحق مما له تعجيله, وأما إذا كان عرضاً أو حيواناً من بيع فلا يجوز؛ لأنه: حط عني الضمان وأزيدك توثيقاً قال: وكذلك إن حل الأجل فأخره على أن يأخذ منه حميلاً أو رهناً جاز؛ لأنه ملك قبض دينه [11/ب] مكانه, فتأخيره به كابتداء سلف على حميل أو رهن. قال: وإن لم يحل الأجل فأخره به إلى أبعد من الأجل بحميل أو رهن لم يجز؛ لأنه سلف بنفع.

قال غيره: ولا يلزم الحميل شيء, ولا يكون الرهن به رهناً, وإن قبض في فلس الغريم أو موته. أراه إنما قال ذلك لأن الرهن لم يكن في أصل الدين, ولو كان في أصل الدين لكان المرتهن أحق به من الغرماء حتى يستوفي حقه وإن كان فاسداً. وقد قال مالك في كتاب الرهن - فيمن أقرض أو باع سلعة بثمن إلى أجل وأخذ بذلك رهناً على أنه إن لم يفتكه منه إلى الأجل فالرهن له بدينه-: إن ذلك لا يجوز, وينقض الرهن, ولا ينتظر به الأجل, وله أن يحبس الرهن حتى يأخذ حقه وهو أحق به من الغرماء. وقال في كتاب محمد في مسألة الكتاب: إن مات الغريم أو فلس قبل الأجل الأول , لم يلزم رهن ولا حمالة, وإن مات أو فلس بعد الأجل, ثبت الرهن, وبطلت الحمالة. وهذا على قول أشهب الذي يجيز الرهن, بجعل, وكأنه رآه قبل الأجل لم يصح له جعل؛ إذ لم يؤخره بعدما بطل الرهن, وبعد الأجل صح له الجعل بالتأخير فثبت الرهن, والله أعلم. ويحتمل إنما بطل الرهن قبل الأجل؛ لأنه رهن فاسداً ولم يدخله به في تأخير فهو قبل الأجل كلا رهن فوجب فسخه, وبعد الأجل أدخله

به في التأخير فصار كالرهن في أصل العقد, وهذا أشبه. وقال غيرنا وعلى قول غيره, وما روى ابن القاسم في غير المدونة: فالحمالة ثابتة بعد الجل؛ لأنه كالمخرج من يده شيئاً, لإمكان أن يكون قادراً حين الأجل على أن يأخذ منه فصار الحميل أوجب تأخيره, فأشبه الإخراج من يده, وأما الرهن فرهن إذا دخل في الأجل الثاني. قال ابن المواز [قال ابن القاسم]: لو قال له قبل الأجل: أسلفني مئة أخرى, وخذ رهناً بالمئتين إلى شهر بعد الأجل, لم يجز, ويرد المئة السلف, ويأخذ رهنه, ويرد الدين إلى أجله, وكذلك لو لم يزده في الأجل شيئاً؛ وهو سلف جر منفعة. قيل: فإن لم يعثر على ذلك حتى مات الراهن, أو فلس, وقام الغرماء؟ قال: ما سمعت فيها إلا ما خاض فيه أصحابنا: أن يكون نصف الرهن رهناً بالمئة الآخرة, ويرد نصفه إلى الغرماء.

وقال ابن المواز: بل الرهن كله رهن بالمئة الآخرة؛ لأنه يسببها. وهو مذهب المدونة. قال ابن المواز: ولو كانت المئة الآخرة بحمالة لسقطت عن المئتين؛ لأنه لا تثبت حمالة في معاملة فاسدة, ولا يثبت فيه تأخير, ولا سلف. قال: ومن حل دينه فقال له رجل: ضع لغريمك منه كذا وكذا, وأنا حميل لك بباقيه إلى أجل كذا, فذلك جائز؛ لأنه لو شاء تعجله فكأنه أسلفه وحطه, وقاله ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم ورووه عن مالك: واختلفت رواية أشهب فيه عنه: فكرهه, وأجازه, وإجازته أبين؛ لأنه 'ذا جاز أن يؤخر بحميل جاز أن يحطه, ويؤخره. قال ابن وهب: وأجاز ابن أبي سلمة إذا حل الأجل أن يعطيك

غريمك بدينك رهناً وتؤخره؛ لأنه ليس لك في تأخيره منفعة- لأنك لو شئت قمت عليه فيبيع لك هذا الرهن - إلا أن يكون غريمك قد تبين فلسفه فلا يجوز؛ لأنك إذا قمت عليه قد يقع لك في الحصاص بعض حقك؛ فأخرته على أن تستبد بالرهن أو يضمن لك الحميل أكثر مما يقع لك في الحصاص, فهو سلف جر منفعة. قال ابن القاسم: ولو قال للطالب: هب فلاناً ديناراً - غير الغريم - وأنا حميل لك بدينك, لم يجز؛ وهي كحمالة بجعل. قال مالك: وإذا حل أجل الدين فقال له: أسلفني مالاً آخر وأخرني على أن أرهنك بهما رهناً أو أعطيك حميلاً, فذلك جائز. [12/أ] وقد قيل: ذلك جائز إلا أن يكون تبين عدم الغريم. قال ابن المواز: وهو عندي جائز وإن تبين عدمه إن كان الرهن لنفسه. يريد: لأنه لو شاء باعه عليه فقبض منه دينه, فلا منفعة له في تأخيره.

قال ابن المواز: ما لم يكن عليه دين محيط, فلا يجوز تأخيره بالدين الأول بذلك الرهن أسلفه الآن شيئاً أو لم يسلفه؛ لأنه يزداد بما أخر منفعة. يريد: لأنه لو قام عليه الآن لحوصص فيما أراد أن يرهنه وأخذه ليختص بالرهن. قال ابن المواز: وأما تأخيره بحميل فجائز ما لم يسلفه سلفاً ثانياً. وإنما يجوز إذا لم يكن عليه دين محيط لغيرك أو كان عديماً لا شيء له أصلاً, وأما إن كان عليه دين محيط لو قمت عليه الآن لنابك في الحصاص أقل من دينك, يجوز تأخيره بحميل؛ لأنه سلف جر نفعاً. قال ابن المواز: ولو كان عديماً لا دين عليه لغيرك أو عليه دين لغيرك ولا شيء له أصلاً, لأجزت لك تأخيره بحميل ما لم يكن معه سلف آخر لأنك لو أردت القيام عليه بأخذ دينك لم تقدر لفلسه فقد وجب

عليك تأخيره على ما أحببت أو كرهت حين لا تجد شيئاً تأخذه منه, فكأنك تطوعت بالحميل بلا منفعة استجلبتها. وقوله: أو عليه دين لغيرك. ليس في أصل كتاب محمد, وهو في النوادر وهو جيد. قال أشهب: ومن لك عليه عشرة دنانير سلفاً, فبعت منه بيعاً على أن يعطيك بالعشرة الدنانير السلف رهناً, فذلك جائز, واو كانت العشرة الأولى من بيع فأسلفته عشرة أخرى على أن يرهنك بالعشرة الأولى رهنا لم يجز؛ لأنه سلف بنفع, فلا خير في أن يسلفه ويشترط منفعة, ولا بأس أن يبيع ويشترط منفعة. قال ابن المواز: ولم يُجزه ابن القاسم في الوجهين؛ لأنه إذا باعه واشترط رهنا بسلف له عليه كان رهنا بجعل, وذلك لا يحل. لأنه باع منه السلعة بعشرة وهي تسوى اثني عشر على

أن يعطيه رهناّ أو حميلاً بالسلف, فصار كالحطيطة من الدين على أن يعطيه فيه حميلاً أو رهناً, فلا يجوز عند أبن القاسم ويجوز عند أشهب قال محمد: ولم ير أشهب بالرهن بجعل بأساً؛ لأن الجُعل فيه إنما يصل إلى غريمه نفسه, فهو كالوضيعة له من حقه بعد أن حل على أن يرهنه, والجعل في الحمالة للحميل فهو لغير غريمه, فلا يحل يريد ولو كان الجعل لغريمه لجاز. قال: وكذلك لو كان الرهن لغير غريمه بجعل من الغريم لم يجز, وينتقض الرهن إن علم رب الحق, وإن لم يعلم ثبت الرهن, وسقط الجعل. ولو كان له عليه عشرة إلى شهر, فقال: أعطيني حميلاً وأنا أضع عنك درهمين وآخذ ثمانية عند الشهر. فلم يجز ذلك ابن القاسم. لأن ذلك كالحمالة بالجعل؛ لأن الحميل إن لم يأخذ الدرهمين فكأنه قال للذي له الدين: هبها للذي عليه الدين, فكأنه لم يرض أن يتحمل له إلا

بجعل يأخذه الذي عليه الدين, كما لو قال له: لا أتحمل لك إلا أن تهب لفلان ديناراً. قال أشهب: إذا حط عنه على أن يعطيه حميلاً أو رهناً إلى أجل إن ذلك جائز قال أصبغ: ولو قال له: خذ مني دينارين وأعطني حميلاً إلى أجل لجاز ذلك كما لو حطها عنه من دينه. قال بعض الفقهاء: الأشبه ما قال [12/ب] ابن القاسم؛ لأنهم لم يختلفوا أن لو كان الذي عليه الدين سأل أن يتحمل عنه بجعل أن ذلك لا يجوز, فإن كان الذي له الدين هو الذي يعطى الجعل لمن يتحمل له, فكذلك ينبغي ألا يجوز إذا حط عن الذي عليه الدين على أن يعطيه حميلاً, فالحميل وإن لم يأخذ جعلاً فقد أخذ الجعل من سأله أن يتحمل عنه؛ وهو الذي عليه الدين, فصار الحميل كالواهب للذي عليه الدين بما أعطي من جُعل, ومع أن ذلك غرر أيضاً؛ لأن رب المال يحط من ماله لأمر يمكن أن يحتاج إليه لعُسر الغريم, ويمكن ألا يحتاج إليه ليسره. وأما 'ذا حل الأجل فأعطاه حميلاً على أن يضع عنه, فهذا جائز؛ إذ لا غرض له في هذا - يريد: إذا كان الغريم موسراً- وأما إن كان معدماً

فينبغي ألا يجوز على مذهب ابن القاسم؛ لأن الغريم إذا لم يقدر على الأخذ منه صار كدين لم يحل, فيجري فيه الاختلاف على ما ذكرنا. وقد ذكر في كتاب محمد عن أشهب: أن روايته اختلفت في الحال, فأراه يريد: إذا كان الذي عليه الدين معسراً, فيصير على هذا وافق ابن القاسم في إحدى روايتيه. وأما إذا أعطاه حميلاً بعد حلول الأجل, ولم يضع عنه شيئاً على أن يؤخره وكان موسراً فهذا جائز, وإن كان معسراً اعتبرت: فإن أخره أمداً يمكن أن يوسر قبله لم يجز ذلك, ويصير بمنزلة من أعطاه حميلاً قبل الأجل على أن يؤخره إلى بعده, وذلك وإن كان يسره إلى شهر فكأن الدين لم يحل إلا إلى الشهر, فإن أعطاه حميلاً على أن يؤخره شهرين, صار قد دفع ما لا يلزمه من

الحميل لمكان تأخيره إياه بعد يسره شهراً آخر. وإن كان إنما أعطاه حميلاً إلى شهر وهو الذي يوسر إليه, فهذا جائز كمن أعطي حميلاً قبل الأجل. وحكم العسر كحكم ما لم من الأجل, إلا أن يكون معه سلف, فلا يحل؛ لأنه إن كان يسره إلى شهر, فالحكم يوجب تأخيره إليه بلا حميل؛ فكأنه قال له: أنا أعطيك حميلا لا يلزمني, أن تسلفني كذا فصار سلفاً جر نفعاً وهو زيادة التوثيق. وقد زدت في هذا الكلام من لفظي ما يتم به الكلام عندي. قيل لمحمد: لم لا تجيز كراء الشيء لرهنه, وأنت تجيز كراء الحلي والمتاع للبس؟ قال: ليس من اكترى متاعاً ليرهنه كمن اكترى حلياً أو متاعاً ليلبسه؛ لأن الرهن كلما مطل المديان بالدين ازداد صاحب الرهن في الرهن كراء؛ فكأن رب الحق أخره بزيادة يعطيها لغيره. قلت: فلو أكراه إلى أجل؟ قال: الأجل في الكراء للبس جائز, ولا يجوز إلا به, ولا يجوز الرهن إلى أجل ولا يكون رهناً؛ لأنه إذا انقضى

ذلك الأجلُ بَقِيَ الحقُّ بلا رَهْنٍ, فَيبْطُلُ مِنْ أَوَّلِهِ, وإنْ فلَّسَ أو مات الغَرِيمُ قبلَ الأجلِ دَخَلَ فيه الغرماءُ. وقال البرقي عن أشهبَ -فيمن ارتهنَ رهناً في بيعٍ فاسدٍ, وفاتت السلعةُ-: إنَّ الرهنَ رهنٌ بالأقلِّ من القيمةِ أو الثمنِ, وقال في دافعِ دنانيرَ في دراهمَ إلى أجلٍ وأخذَ بذلك رهناً أن الرهنَ رهنٌ بالأقلِّ, وإنْ كان حميلاً فالحمالةُ باطلةٌ, وابن القاسم يُبْطِلُ الرهنَ والحميلَ. ابن المواز: قال ابنُ القاسم: ومَنْ باع سلعةً وأخذ حميلاً على أنه إنْ مَاتَ الحميلُ -يريد: قبل الأجلِ- فلا تِباعةَ في تَرِكَتِهِ, وإن مات البائعُ قبل ذلك الأجلِ فلا حمالةَ له على الحميلِ ولا لورثَتِهِ. فقال: هذا بَيْعٌ

حرامٌ لا يجوزُ [13/أ] , والحمالةُ ساقطةٌ, وعلى المشترِي في فَوْتِ السَّلْعةِ القيمةُ. قال أَصْبَغُ: أَجَابَ على غير تأمُّلٍ, وهذا عندي جائزٌ, والشَّرْطُ ثابتٌ؛ لأنه ليس هو بَيْنَ البائعِ والمبتاعِ وهو شرطٌ بينه وبينَ الحميلِ, كما لو تحمَّل على هذا من غير بَيْعٍ؛ وكذلك لو تحمَّل بمهْرٍ على أنه إنْ دخل فالحمالةُ له ثابتةٌ, وإنْ مات أو طَلَّقَ قبل البناء فلا حمالةَ لع عليه, فذلك جائزٌ, وإنما يَفْسُدُ لو شرط المشترِي أنه إنْ مات بائعٌ أو مبتاعٌ قبل الأجل فالثمن هدرٌ, ولا تِباعة به فهذا بيعٌ فاسدٌ. قال ابنُ المواز: وأرى قولَ ابْنِ القاسِم إنْ كان ذلك شَرْطَهُ مع البيعِ على المشتري فالبيعُ فاسدٌ, والحمالةُ ساقطةٌ؛ لأنَّ ثمنَ السلعةِ مع حميلٍ أو رهنٍ أكثرُ منه بلا رهن ولا حميلٍ فقد تخاطرا, وإنْ شرط ذلك في سلفٍ غير بَيْعٍ كان ذلك جائزاً. قال ابنُ حبيب: ومَنْ باع سلعةً مِنْ ثلاثةٍ على أَنَّ بعضَهم حميلٌ ببعضٍ, فإن لم يكونُوا شركاءَ في غيرها, فذلك جائزٌ, ولم يزلْ هذا من بُيُوع الناسِ, وما عملتُ مَنْ أنكره, وإنما لا يجوزُ أن يقول: تحمَّل عَنِّي في شيء على أنْ أَتَحَمَّلَ عنك في شيءٍ آخرَ.

[الباب الرابع عشر] في الحميل يدعي أنه وافاه بغريمه, وما تجب فيه الحمالة ودعوى ورثة أحد الحملاء أن وليهم دفع المال

[الباب الرابع عشر] في الحميل يَدَّعِي أنه وافاه بغريمِه, وما تجبُ فيه الحمالة ودعوى ورثةِ أحدِ الحملاءِ أنَّ وليَّهُم دَفَعَ المال. [(1) فصل: في الحميل يدَّعي أنه وافاه بغريمه, وما تجبُ فيه الحمالة.] [المسألة الأولى: فيمن قال لرجل إن لم أوافك بغريمك غداً فأنا ضامن لما عليه] قال ابن القاسم: ومَنْ قال لرجلٍ: إنْ لَمْ أُوَافِكَ بغريمِكَ غداً فأنا ضامنٌ لما عليه. فمضى الغدُ وادَّعى الحميلُ أنه وافاه به, فالبيِّنَةُ عليه وإلا غَرِمَ إلا أن يُوَافِيَه به الآن قبل الحكمِ عليه, فيبرأُ مِنَ المالِ. وكذلك يقول غيرُه من الرُّواَةِ. [المسألة الثانية: فيما تجب فيه الحمالة] قال ابنُ القاسم: ومَنْ كان بَيْنَهُ وبَيْنَ رجُلٍ خُلْطَةٌ في معاملةٍ,

فادَّعى عليه حقَّاً لم يجِبْ له عليه كَفِيلٌ بوجْهِه حتى يَثْبُتَ حقُّه, وقال غيرُه: إذا ثَبَتَتِ الخلطةُ بينهما فله عليه كفيلٌ بنفسه لِيُوقِعَ البَيِّنَةَ على عَيْنِه. م: يعني غيره: إذا لم يكن المدعَّى عليه معروفاً مشهوراً فللطالب عليه كفيلٌ بوجهه ليوقع البينةَ على عَيْنِه, وأما لو كان المطلوب معروفاً مشهوراً فليس للطالب عليه كفيلٌ بوجْهِه؛ لأنا نسمع البينةَ عليه في غيبتِه, وكذلك معنى قولِ ابْنِ القاسِمِ, والله أعلم. قال ابنُ القاسم: وإنْ سأله وكيلاً بالخصومةِ حتى يُقيمَ البيِّنَةَ عند

القاضِي لم يَلْزَمِ المطلوبَ ذلك, إلا أن يشاءَ؛ لأنَّا نسمعُ البينةَ في غيبةِ المطلوبِ, وإنْ سأله كَفِيلاً بالحقِّ حتى يقيمَ البيِّنةَ لم يكن له ذلك, إلا أن يُقِيمَ شاهداً, فله أَخْذُ الكفِيل, وإلّا فلَا, إلا أنْ يَدَّعِيَ بينةً قريبةً يُحْضِرُها مِنْ السُّوقِ أو مِنْ بعضِ القبائلِ فليوقِفِ القاضِي المطلوبَ عنده لمجيء البيِّنةِ, فإنْ جاء بِها وإلا خلّى سبيلَه, ومَنْ قُضي له بِرَبعٍ أو غيره أنه وارثه فلا يُؤْخَذُ بذلك من الْمُقْضَى له كفيلٌ, وهذا جَوْرٌ ممن فعله مِنَ القضاة, وكذلك مَنِ استحقَّ دَيْناً قِبَلَ غائبٍ وله رِباَعٌ أو عُروضٌ حاضرةٌ, فإنّ القاضِيَ يبيعُها ويؤَدّي دَيْنَهُ, ولا يؤخذُ مِنَ الْمْقَضى له بذلك كفيلٌ. [2] فصل: [في دعوة ورثةِ أحدِ الحملاء أنَّ وليَّهُمْ دفع المال] وإذا اشْترى ثلاثةُ رجالٍ سلعة [13/ب] منِ رجل وتحمَّل بعضُهم ببعضٍ في الثمن على أن يأخذ البائعُ أيَّهُمْ شاء بحقه, فمات أحدُهُم, فادَّعى ورثةُ الميتِ أنَّ الميتَ دفع الثمنَ إلى البائعِ, وأقاموا شاهداً, أنهم يحلفون معه,

ويبرأُ وليُّهُم, ويرجِعُون على الشريكْين بما ينوبهُما, فإن نَكل الورثةُ, لم يحلفِ الشريكَان لأنهم يغْرَمُونَ, إلا أن يقولَا: نحن أمرناه ووكَّلناه بالدفعِ عَنْهُ وعَنَّا ودَفعْنَا ذلك إليه وإنما هو حقٌّ علينا والشاهدُ لنا, فيحلفُون, ويبرأُونَ. قال أبو محمد: معنى قولِ ابنِ القاسم: لا يمينَ على الشريكْين يعني: إذا ادَّعَيَا أَنَّ الميتَ دفع الثمن مِن مالِه, ويغرمان ما ينوبُهُما للبائعِ؛ وذلك أَنَّ المالَ على جميعِهِم في أنفسِهِم وهم حملاءُ بعضُهم عن بعضٍ, فلا يغرمان للورثةِ شيئاً منْ أجلِ قَوْلِهم: إن الميتَ دفع عنا الثلثْين؛ لأنهما يقولَانِ: الميتُ

فرَّط إذ لم يشهد حين دفع ولم يدفع بحضرتِنا شيئاً, وإنما بلغنا ذلك عنه, فلا يلزمُنا للورثة شيءٌ بإقرارنا هذا -ولكن يغرمان للبائع حَسَب ما تقدَّم- ويغرمُ الورثةَ للبائعِ ما ينوبهم؛ لنكولهم بعد ردِّ اليمينِ على البائعِ أنه ما قبضَ مِنْ وليِّهِم شيئاً, وهذا إذا كان الميتُ مليئاً بما ينوبُهُم اليومَ, فإنْ كان عديماً اليوم لم يكن على الورثة شيءٌ وكان لهذيْن أن يحلفا مع الشاهدِ, وإنْ كان دعواهما: أنَّ الميت دفع الجميعَ من مالِه؛ ليبرآ من حمالة الثلثِ الذي الميتُ به عديمٌ, فإنْ حلفا غَرِما الثلثْين للورثةِ, وغرم الورثةُ للبائع ثلثَ الحقِّ مما قبضُوا من الشريكْين؛ لنكولِ الورثةِ. وإنِ ادَّعَيَا أن الثمنَ من عندِهما حلفا لقد دفع ذلك وبرئَا, ورجعَ البائعُ على الورثةِ بالأقلِّ مما ورِثُوه أو مما ينوبُهم؛ لنكولِهم بعد أن يحلفَ البائعُ أنه ما قبض مِنْ وليِّهم شيئاً, وللشريكْين أن يَرْجِعَا عليهم فيقولَان لهم: نحنُ دفعنا جميعَ الثَّمَنِ للميِّتِ فإما أنْ تَحْلِفُوا على عِلْمِكم أَنَّا ما دفعنا إليه شَيْئاً, وتبرأوا, وإنْ نكلتم حَلَفْنَا لقد دفعنا

الجميعَ وغرِمْتُمْ ثُلُثَ جميعِ الثمنِ لَنَا. وإنْ مَاتَ عدِيماً فلا شيءَ على الورثةِ؛ لأنهم لم يَرِثُوا شيئاً. م: وتعقَّب بعضُ فقهاءِ القرويِّينَ كلامَ أبِي محمد هذا, فقال -في قوله: إذا كان الميتُ عديماً وادَّعيا أنَّ الميت دفع الجميعَ من مالهِ ليبرآ مِنْ حَمَالةِ الثلثِ الذي الميِّتُ به عديمٌ, فإن حَلفا غَرما الثلثْين للورثةِ وبرئا, وغرم الورثة ثلث الحقِّ للبائعِ مما قبضوا من الشريكْين قال -: فقولَه: يغرمان الثلثْين للورثةِ ليس بِبَيِّنٍ في القياس؛ وذلك أنَّ الورثة قد نكلوا, وإنما يحلف هذانِ ليَبْرَأَى من حمالةِ الثلثِ, فإذا حلفا, دفعا الثلثْين للذي له الدَّيْنُ, وحلف الغريمُ, واتَّبَع الورثةَ بالثلث, هذا يجبُ في القياسِ؛ لأنَّ أحداً لا يحلفُ ليستحقَّ غيرُه, فإذا جاز أن يحلف في الثلثْينِ فَيمْلِكُ ذلك الورثة, فلِمَ لَمْ تكن يمينهم قد بَرَّأتِ الورثةَ من الثلث أيضاً؟ الذي جَعَلَ هو: أنهم يغرمونه للغريمِ. قال:-قال أبو محمد: فإنِ ادَّعيا أنَّ الثمنَ من عندِهما حلفا لقد دفعَ

ذلك الميتُ وبرئَا, ورجع البائعُ على الورثةِ بما ينوبُهم لِنُكُولهم بعد أن يحلفَ البائعُ أنه ما قبضَ من وليِّهِم شَيْئاً, وللشريكْين أنْ يرجعا عليهم فيقولان لهم: نحن دفعنا جميعَ الثَّمَنِ إلى الميَّتِ, فإما أن تحلِفُوا على عِلْمِكم أنا ما دفعنا إليه شيئاً, وإن نكلتم حلفنا لقد دفعنا الجميعَ وغرمتم ثلثَ الثَّمنِ. قال:-وفي هذا أيضاً نظرٌ؛ لأن الشريكْينِ [14/أ] لم يَثْبُتْ دفعُهما إلى الميت, وورثته قد نكلوا عن اليميِنِ, وما في يد الميتِ على مِلْكِه, فَيجِبُ أن يحلف الذي له الديْن ويأخذَ من جملتِهم إذا كان الميتُ مُوسِراً، ويحلفُ الورثَةُ للشريكَيْنِ أنَّا ما نعلم أنكم دفعتم إلى وَلِيِّنَا شَيْئاً إذا كانوا ممن يُمْكِنُ أن يَعْلَمُوا ذلك، وإن لم يترك شيئاً حلف الشريكَانِ مع الشاهد ليَبْرآ مِنْ حمالةِ الثلُثِ، ويغرِمانِ الثلثْين، ويحلفُ الذي له الدَّيْنُ، ويَتْبَع ذمةَ الميتِ متى طرأ له مالٌ.

وقال ابنُ أبِي زمنين في هذه المسألة نظرٌ، وينبغي على أصُولِهِم إذا حلف الشريكَان أنهما دفعا إلى الميت ما لزمهما، وأنهما أمراه بالدفع، أن يكون للبائع أن يتبعَ ذِمَّةَ الميتِ بحصَّتِهِ بعد أن يحلفَ أنه ما دفع إليه شَيْئاً، وإن قال الشريكَان: دفعنا إليه الجميعَ، وأمرناه بالدفع عنه وعنا، وحلَفَا على ذلك، كان لَهُمَا أن يَتْبَعَا ذِمَّةَ الميتِ بحصتِه إذا لم يحلف ورثَتُه، وعلى الشريكْين إذا حلفا أن يزيدَا: ولقد دفع ما أمرناه بدفْعِه، وبالله التوفيق.

[الباب الخامس عشر] في الكفالة في الحدود، وكفالة الأخرس والمريض وما يجوز من إقراره

[الباب الخامس عشر] في الكفالة في الحدود، وكفالة الأخرس والمريض وما يجوز من إقراره [(1) فصل: في الكفالة الحدود] والقضاء أن كل ما يلزم الذمة فالكفالة به جائزة، وأما الحدود والأدب، والتعزيز فلا تجوز الكفالة به، وقاله مالك. قال بكير: ولا تجوز في دمٍ أو وزناً أو سرقةٍ أو شرب خمرٍ ولا

في شيء من الحدود. م: لأن فائدة الحمالة أن يحل الضامن محل المضمون في تعذر أخذ الحق منه، وهذا المعنى يتعذر في الحدود؛ لأن استيفاءها من الضامن غير جائزٍ. [2] فصل [: في كفالة الأخرس] قال ابن القاسم: وما ثبت بالبينة أن الأخرس فهمه من كفالةٍ، أو غيرها لزمه. [3] فصل [: في كفالة المريض] والسنة أن معروف المريض من ثلثه، والكفالة معروف. قال ابن القاسم: ومن تكفل في مرضه فذلك من ثلثه؛ لأنها من

ناحية العطية لا كالبيع. قال ابن القاسم: وإن تداين بعدما تكفل في مرضه كان دينه في رأس ماله، فإن اغترق الدين ماله سقطت الكفالة، ولا يحاص بها الغرماء؛ لأنها من الثلث، وما كان من رأس المال أولى؛ كمن أوصى لرجل بثلث ماله ثم اغترق الدين جميع ماله فالوصية تبطل. قال ابن المواز: حمالة المريض جائزة ما لم يدخل على أهل دينه نقص بها ولا يكون المتحمل به مليئاً، ويكون المريض متهماً في إحياء حقه، فإن كان مليئاً جازت بكل حالٍ. وقال عبد الملك: إن كان المحمول به، مليئاً فهي لازمة، وإن كان عديماً بطلت، ولم تكن في الثلث؛ إذ لم يرد بها الوصية، ولا له أن يعطي في مرضه من رأس ماله.

ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن تكفل في مرضه لوارثٍ، أو غير وارث ثم صح لزمه ذلك؛ كما لو بتل صدقه في مرضه لوارثٍ أو غيره، ثم صح لزمته الصدقة إذا لم تكن على وجه الوصية. ابن المواز: وقال أشهب وعبد الملك: حمالة المريض عن وارثه لأجنبي، أو عن أجنبي لوارثه؛ باطلةٌ. قال أشهب: إلا أن يكون المحمول به، موسراً حاضراً النقد حين تحمل به المريض، فتجوز الحمالة به. وقد قال عبد الملك: هي باطلة، كان المحمول موسراً، أو معدماً. قالا: ولو صح بعدما تحمل، لثبتت الحمالة، كان المحمول به موسراً أو معدماً، مات الحميل بعد ذلك أو بقي.

[(4) فصل: فيما يجوز من إقرار المريض] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن أقر في مرضه أنه تكفل في مرضه هذا، فإن كان لوارث لم يجز، وإن كان لأجنبي أو صديقٍ ملاطفٍ جاز إقراره في ثلثه. يريد: كان ورثته كلالة أو ولداً. قال ابن القاسم: إلا أن يكون عليه دين يغترق ماله فلا يجوز، وكذلك إن أقر للصديق بدينٍ في مرضه، فإنما يرد إقراره إذا كان عليه دين يغترق ماله، فإن لم يكن عليه دين فإقراره له جائزٌ إن ورثه ولده. وقال سحنون في غير المدونة: وإن كان ورثته كلالة لم يجز إقراره له في ثلثٍ ولا غيره. ومن المدونة قال ابن القاسم: وتجوز الوصية له في الثلث ورث بولدٍ، أو كلالة، وما أقر المريض أنه فعله في مرضه من عتق أو غيره فهي وصيةٌ، وما أقر به الصحيح أنه فعله فللذي أقر لهم أخذ ذلك ما لم يمرض المقر أو يموت، فإن مرض أو مات فلا شيء لهم

وإن قامت لهم بينة، إلا العتق والكفالة فإنه إذا قامت بعد موته بينةٌ أنه أقر في صحته بعتق عبدٍ أو بكفالةٍ لوارثٍ أو لغير وارثٍ، كان ذلك من رأس ماله؛ لأنه دين قد ثبت في رأس ماله في صحته، وما أقر به المريض أنه فعله في صحته من عتقٍ أو كفالةٍ أو حبس أو صدقةٍ أو غيرها لوارثٍ أو لغير وارثٍ فإقراره باطل، ولا يجوز في ثلث ولا غيره ويكون ميراثاً، فإن أوصى مع ذلك بوصايا كانت الوصايا في ثلث ما بقى بعد ذلك، فإن قصر الثلث عن وصيته لم تدخل الوصايا في شيءٍ مما أقر به، لأنه كذلك أراد. م: وقال بعض الفقهاء: ينبغي إذا أقر في مرضه أنه تكفل في صحته، فلم يجز أن يدخل في ذلك الوصايا؟، بخلاف من أقر في المرض أنه تصدق في الصحة أو أعتق فبطل إقراره فلا تدخل في ذلك الوصايا؛ لأن ذلك على إقراره خارج على كل حالٍ، والكفالة مال يرجع به، فلما بطل أن يؤخذ دخلت فيه الوصايا؛ كما لو رجع لدخلت فيه الوصايا؛ فبطلانه كرجوعه.

[الباب السادس عشر] في الحمالة بالخدمة والصنعة والكراء وحمالة العبد ومن فيه بقية رق

[الباب السادس عشر] في الحمالة بالخدمة والصنعة والكراء وحمالة العبد ومن فيه بقية رقٌ [(1) فصل: في الحمالة بالخدمة والصنعة والكراء] قد تقدم أن الحمالة لا تجوز إلا فيما يتعلق بالذمة أو ما يجر إليها. قال ابن القاسم: ومن استأجرته بعينه يخدمك شهراً لم يجز أن تأخذ منه حميلاً بالخدمة؛ لأنها ليست في الذمة. قال: وإن مات عبد في إجارتك فأعطاك سيده عبداً يعمل كعمله، لم يجز وهو دينٍ في دينٍ والحمالة في هذا أيضاً لا تجوز؛ لأن الغلام لو مات لم يلزم الحميل أن يأتي بغيره يخدم مكانه؛ لأنه بعينه، وكذلك من استأجرته يخبط لك ثوباً بعينه، جاز ذلك، ولا تجوز الحمالة بذلك العمل في حياة الصانع أو موته، ولا كفيلٌ به حتى يعلمه، ولو كان

عملاً مضموناً في ذمته جاز أن يؤخذ به كفيلٌ. قال مالك رحمه الله: ولا بأس أن يؤخذ الكفيل بالحمولة المضمونة، ولا يجوز ذلك في دابة بعينها، إلا أن يتكفل برد بقية الكراء عند موتها، فيجوز ذلك- وكذلك أجير الخياطة والخدمة في هذا- فإن قر الكراء في المضمون، فأكرى الكفيل للطالب بضعف الكراء، وجب للكفيل الرجوع بذلك على المكري ولا ينظر إلى الكراء الأول. وهذا مذكور في كتاب الكراء الرواحل والدواب. [(2) فصل في حمالة العبد ومن فيه بقية رق] قال ابن القاسم: ولا يجوز لعبدٍ أو مكاتبٍ أو مدبرٍ أو أم ولد عتقٌ ولا كفالةٌ ولا هبةٌ ولا صدقةٌ ولا غير ذلك مما هو معروفٌ عند الناس إلا بإذن السيد، فإن فعلوا ذلك بغير إذنه، لم يجز رده السيد، فإن رده

لم يلزمهم ذلك وإن عتقوا، وإن لم يرده حتى عتقوا لزمهم ذلك علم به السيد قبل عتقهم أو لم يعلم. وقال غيره: ولا يجوز ذلك للمكاتب وإن أذن له السيد؛ لأن ذلك داعية إلى رقه. قال ابن القاسم: ولا تجوز كفالة المأذون إلا بإذن سيده، فإن كان عليه دين يغترق ماله لم تجز كفالته وإن أذن له السيد؛ كما لا تجوز كفالة الحر ومعروفه إذا اغترق الدين ماله، وتجوز حمالة العبيد ووكالتهم في الخصومة وغيرها بإذن السيد؛ لأن مالكاً قال: من وكل عبده لقضاء دينٍ عليه فقام للعبد شاهد أنه قضاه، حلف العبد وبريء السيد؛ كالوكيل الحر سواء، ولا يحلف السيد. م: قال بعض الفقهاء: فإن نكل العبد وجب أن يحلف

السيد مع الشاهد؛ لأنه لم يدفعه عن نفسه بشاهدٍ قام له. م: وأما الوكيل فإن كان عديماً فكالعبد، يحلف الموكل ليبرأ من الغرم أيضاً، ولكنه ينبغي متى أيسر الوكيل، حلف الذي له الدين ورجع على الوكيل بما كان غرمه، وإن كان الوكيل مليئاً فنكل حلف الذي عليه الدين وبريء، وغرم الوكيل للذي له الدين. [قال]: وإن تحمل عبدٌ بدين على سيده بإذن سيده، ثم فلس السيد أو مات، فإن اتبع الطالب بدينه ذمة السيد بيع العبد في ذلك، وإن رضي بإتباع العبد دون السيد كان ذلك في ذمة العبد. وقال غيره: ليس له أن يتبع ذمة العبد إلا بما عجز عنه مال السيد.

قال بعض أصحابنا عن بعض فقهائنا: قول ابن القاسم ها هنا إنما هو على قول مالك الذي قال: إن للطالب أن يتبع الكفيل إن شاء في يسر الغريم، وقد خالف ابن القاسم أصله في هذه المسألة. وقال بعض شيوخنا من القرويين: إنما قال ذلك؛ لأنه رأى أن ذمة العبد وذمة السيد كشيءٍ واحدٍ. وقال غيره: ليس الأمر كما قالا، وإنما محمل المسألة أن السيد فلي وهو حي أو مات مفلساً فلذلك خيره؛ لأن الغريم إذا فلس وخاف الطالب المحاصة أن له إتباع الكفيل. م: وهو الصواب إن شاء الله. وقيل: هذا من ابن القاسم كقول مالكٍ في الذي يكره العبد على

الحمالة وعلى أن يجعل في ذمته مالاً بعد عتقه؛ لأن العبد يقول: إنما أنا جميل بما عجز عنه مال سيدي فهو الذي يلزمني. فإذا أكره على أن يبقى في ذمته مع يسر سيده صار كأنه أكرهه على الحمالة وإن كان قد دخل أولاً طائعاً لتوجه براءة ذمته منها، والذي قاله غير ابن القاسم ها هنا هو قياس قول ابن القاسم في أنه لا يكره عبده على الحمالة، وإذا اتبع الطالب ذمة السيد، فبيع العبد في ذلك فما عجز ثمنه فباقٍ في ذمة العبد يباع بشرط أنه حميل لسيده، ثم له مرجع على سيده بالذي يبقى عليه متى غرمه هو. وفي كتاب محمد: لو تحمل السيد عن عبده ثم باعه، وكان منتزع المال بالبيع، فقال صاحب الدين: اقضني حقي فقد بعت الغلام. قال: ليس ذلك له حتى يحل الأجل. قال بعض الفقهاء: وذلك صواب؛ لأن العبد لو مات أو فلس قبل الأجل لم يحل الدين على الحميل؛ فكيف انتزاع ماله. واعلم أنه إذا طالب السيد، فبيع العبد، فلم يف بالدين،

أن له مطالبة العبد بما بقى؛ كالحر في هذا، وذلك مأخوذ من قول الغير: ليس له أن يطالب ذمة العبد إلا بما عجز عنه ذمة السيد، وهذا لا يختلفون فيه. قال أبو محمد: وينبغي أن يباع العبد في هذا القول على التنقيص؛ ليعلم ما يبقى في ذمة العبد من الدين، فيبرأ منه؛ مثل أن تكون قيمته مئة، فيقال: من يشتريه بخمسين على أن تبقى في ذمته خمسون، أو بستين على أن يبقى في ذمته أربعون، فتقع المزايدة فيه على هذا، كلما زيد في ثمنه نقص عن ذمته مثله. وكذلك إن كان على السيد دين آخر، فحوصص الطالب في ثمن العبد، أن ما يقع له في الحصاص يسقط مثله عن ذمة العبد؛ مثال ذلك أن يكون على السيد دين مئة دينارٍ، وتحمل عنه العبد بدين بمئة دينارٍ أخرى، فيقال: من يشتري هذا العبد بمئة دينارٍ على أن تبقى في ذمته خمسون، فإن قال آخر: أنا أخذه بمئةٍ وعشرين، قيل: له بقى في ذمته أربعون. هكذا: ما وقع للذي تحمل به العبد بالحصاص سقط مثله عن ذمة العبد، وقد ذكرنا لك أيضاً في كتاب التفليس.

ومن المدونة قال ابن القاسم: إن تحمل العبد بدين على أجنبي بأمر سيده كان ذلك في ذمته، لا في رقبته. قال: وتجوز كفالة العبد، أو من فيه بقية رق لسيده ولا يجبره السيد على ذلك، ولا يلزمه إن جبره السيد. قال: وإن أبى العبد أن يتكفل به، وقال: أخاف إن عتقت لزمتني الكفالة، وأشهد السيد أنه ألزمه الكفالة عنه، لم يلزم العبد ذلك إلا برضاه. وقال مالك- في الرجل يعتق عبده وعليه مئة دينارٍ-: إن ذلك لازم للعبد وإن كره العبد ذلك. م: كأن ابن القاسم عرض بهذا التشبيه أن مالكاً يمكن أن يقول: للسيد أن يجبره في الكفالة به؛ كما جبره في العتق، وهو يخالفه في الوجهين، ويرى في قوله: أنت حر، وعليك ألف أنه حر ولا شيء عليه.

ابن المواز: وقال عبد الملك: للسيد أن يكره عبده على الحمالة ما لمك يكن على العبد دين يحيط بماله، وقول ابن القاسم: لا يكرهه، والأول أحب إلينا. ومن المدونة: ومن باع من عبده سلعة بدينٍ إلى أجل أو تكفل عنه بدين، فأداه عنه ثم باعه أو أعتقه، فإن ذلك باقٍ له في ذمته إلا أن ذلك عيب في المبيع، فإن لم يبينه فالمبتاع مخير في الرضى بذلك أو رد البيع، ومن له على عبده دين، فأخذ منه كفيلاً لزم ذلك الكفيل؛ لأن السيد يحاص به غرماء عبده.

[الباب السابع عشر] في الحمالة بمجهول أو إلى أجل مجهول، وفي ضياع ما اقتضاه الحميل

[الباب السابع عشر] في الحمالة بمجهول أو إلى أجل مجهولٍ، وفي ضياع ما اقتضاه الحميل [(1) فصل في الحمالة بالمجهول أو إلى أجل مجهول] قد تقدم أن الحمالة بالمال المجهول جائزة كهبة؛ لأنها معروفٌ، كقوله: ما ذاب لك قبل فلان فأنا ضامنه، أو داين فلاناً فما داينته به فأنا ضامن أن ذلك يلزمه إذا ثبت مبلغه، وصح ذلك عليه: فكذلك الحمالة بالمال إلى أجل مجهولٍ جائزةً، ويضرب له من الأجل بقدر ما يرى. قال ابن القاسم: ومن قال لرجلٍ: إن لم يوفك فلان حقك فهو على ولم يضرب لذلك أجلاً، تلوم له السلطان بقدر ما يرى، ثم ألزمه المال إلا أن يكون الغريم حاضراً مليئاً، وإن قال له: إن لم يوفك فلان حقك حتى يموت فهو علي فلا شيء على الكفيل حتى يموت الغريم. يريد: يموت معدماً. م: ولو مات الحميل قبل موت فلان وجب أن يوقف من ماله قدر الدين، فإن مات المحمول عنه عديماً أخذ المحمول له ذلك المال الموقوف.

ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا بأس أن يتكفل بمالٍ إلى خروج العطاء وإن العطاء مجهولاً إن كان من قرضٍ أو تأخيرٍ بثمن بيع صحت عقدته، وإن كان في أصل بيع لم يجز إذا كان العطاء مجهولاً. وقال في كتاب السلم: فيمن أسلم في طعامٍ، وأخذ برأس المال جميلاً أنه بيع لا خير فيه. قال سحنون: لأنه أصل العقد، ولو كانت الحمالة بعد العقد لم يفسخ البيع وفسخت الحمالة، إلا أن على الحميل مثل رأس المال يشتري به للطالب طعاماً، فإن لم يكن فيه وفاء لم يلزمه غير ذلك. م: وقد بينت في السلم الثاني وجه كلام سحنون فأغنى عن إعادته. [2] فصل: [في ضياع ما اقتضاه الحميل] قال في الكفالة: وليس للكفيل أخذ الغريم بالمال قبل أن يؤخذ منه إلا أن يتطوع به الغريم؛ لأنه لو أخذه منه ثم أعدم الكفيل أو فلس كان للذي له الحق أن يتبع الغريم. قال: وإذا دفع الغريم الحق إلى الكفيل فضاع، فإن كان

على الاقتضاء ضمنه الكفيل- قامت بهلاكه بينة أو لم تقم- عيناً كان أو عرضاً- أو حيواناً؛ لأنه متعد، وإن كان على الرسالة لم يضمنه، وهو من الغريم حتى يصل إلى الطالب-. قال ابن المواز: والقول قول الحميل في ضياعه بلا بينةٍ؛ لأنه مؤتمن، فإن اتهم حلف. وقد تقدم هذا كله في كتاب السلم.

[الباب الثامن عشر] في كفالة البكر المعنسة وغير المعنسة وأفعالها، وكفالة ذات الزوج وأفعالها في مالها

[الباب الثامن عشر] في كفالة البكر المعنسة وغير المعنسة وأفعالها، وكفالة ذات الزوج وأفعالها في مالها. [(1) فصل: في كفالة البكر المعنسة] قال ابن القاسم: وإذا عنست الجارية البكر في بيت أبيها، وأنس منها الرشد جاز عتقها وهبتها وكفالتها وإن كره الوالد. قيل: أهذا قول مالكٍ؟ قال: هذا رأيي، وقوله: إن ذلك ليس بجائزٍ هو الذي يعرف. قال ابن القاسم: وسئل مالك عن الجارية المعنسة تعتق أجائز؟ قال: إن أجازة الوالد. وسئل ابن القاسم في بابٍ آخر عن البكر التي عنست في بيت أهلها أتجوز كفالتها؟ قال: قال مالك- في هبتها وصدقتها-: لا تجوز، وكذلك كفالتها في هذا لا تجوز، لأن بعضها بيد أبيها.

م: يريد على قول مالك هذا. قال ابن القاسم: وكان مالك مرة يقول فيما وجدت في كتاب عبد الرحيم: أنها إذا عنست جاز أمرها. م: واختلف في حد التعنيس، فقيل: أوله ثلاثون، وقيل: خمسة وثلاثون، وقيل: أربعون. ابن حبيب: قال مطرف عن مالكٍ: في البكر المرشدة المرضية

الحال الحسنة النظر، لا يجوز لها قضاء في مالها ببيع ولا غيره كان لها أب أو لم يكن حتى تبلغ أربعين سنةً، وقاله ابن القاسم وأصبغ. وقال ابن الماجشون: إذا لم يول عليها بأب ولا غيره، فإذا بلغت ثلاثين جاز قضاؤها في مالها من عتقٍ وعطيةٍ وغير ذلك إذا كانت مرشدة. وأما التي يولى عليها بأبٍ أو وصي أو خليفة سلطان فلا يجوز لها قضاءٌ وإن كانت في السن والحال كما ذكرنا حتى تنكح أو تعنس. وأول التعنيس أربعون سنة، وبه قال ابن وهب، وغيره. ابن حبيب وبه أقول. [(2) فصل: في حمالة البكر غير المعنسة] ومن المدونة قال ابن القاسم: وأما البكر التي في بيت أهلها وقد حاضت إلا أنها لم تعنس، فلا تجوز كفالتها ولا صدقتها ولا عتقها ولا شيء من معروفها وإن أجازه الوالد لم ينبغ للسلطان أن يجيزه، وهي في هذا

كالصبي والمولى عليه، وإن أعطت لأبويها شيئاً من مالها، لم يجز ذلك لهما؛ كما لو أعطت ذلك لأجنبي. [(3) فصل: في كفالة ذات الزوج] ولا يجوز لها بعد البناء بيع ولا شراء ولاشيء من المعروف أجاز ذلك زوجها أو لم يجزه حتى يتبين رشدها، فإذا عرف بعد البناء رشدها وصلاح حالها جاز بيعها وشراؤها في مالها كله وإن كره الزوج إذا لم تحاب، فإن حابت أو تكفلت أو أعتقت أو تصدقت أو وهبت أو صنعت شيئاً من المعروف كان ذلك في ثلثها؛ لأن كل معروفٍ تصنعه ذات الزوج فهو في ثلثها، وكفالتها معروف وهو عند مالك من وجه الصدقة فإن حمل ذلك كله ثلثها وهي لا يولى عليها جاز وإن كره الزوج؛ لأن ذلك ليس بضرر، وإن جاوز الثلث فللزوج رد الجميع أو إجازته؛ لأن ذلك ضرر إلا أن يزيد على الثلث كالدينار وما خف، فهذا يعلم أنها لم ترد به ضرراً، فيمضي الثلث مع ما زادت.

وقد سئل مالك عمن أوصى في جاريته أن تعتق إن حملها الثلث، وإن لم يسعها الثلث فلا تعتق، فزاد ثمنها على الثلث ديناراً أو دينارين؟ فقال: لا تحرم العتق بمثل هذا، وقال ابن القاسم: وتغرم الجارية ما زاد على الثلث إذا كان يسيراً، وإن لم يكن معها اتبعها به الورثة ديناً. قال أبو محمد: أنكره سحنون وقال: هذا من باب الاستسعاء، وأخذ برواية ابن وهب: أن ما زاد يرق منها ويعتق ما حمل الثلث منها، وقيل: يعتق جميعها ولا يتبع بشيء. م: قال بعض أصحابنا: ولا يختلفون أذا أوصى بعتق جاريته ولم يقل: إن حملها الثلث، فكان ثمنها يزيد على الثلث الدينار ونحوه، أنه يرق ذلك المقدار منها، وليست كمسألة المدونة؛ لأنه شرط فيها إن حملها الثلث وإلا فلا. وقاله بعض شيوخنا.

وقال بعض أصحابنا من البغداديين: إنما قال مالك: لا يجوز لذات الزوج أن تتصدق أو تعتق أو تخرج شيئاً من مالها بغير عوضٍ فيما زاد على ثلثها- خلافاً لأبي حنيفة والشافعي. في قوليهما: أنه لا حق لزوجها في منعها- لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل لامرأة ملك زوجها عصمتها عطية في مالها إلا بإذنه)) وهذا نص. وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((تنكح المرأة لدينها ومالها وجمالها .....)) وذلك يفيد أن للزوج حقاً في تبقية

المال؛ ويبين ذلك أن مهر المثل يقل ويكثر بحسب قلة مالها وكثرته، كما يقل ويكثر بحسب قبحها وجمالها، وإذا ثبت ذلك فليس لها إبطال غرض الزوج فيما لأجله رغب في نكاحها وزاد في صداقها؛ وإنما أجزنا لها الثلث؛ لأن الحديث مقيد في المنع بما زاد عليه؛ ولأن منعها فيه لأجل غيرها فأشبهت المريض. وقال ابن حبيب: إنما كان معروف ذات الزوج في ثلثها لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يجوز لامرأة أن تقضي في ذي بالٍ من مالها إلا بإذن زوجها)) فرأى العلماء أن ذا بال من مالها ما جاوز الثلث وأجازوا لها القضاء في الثلث فلم تكن أسوأ حالاً من المريض الذي قصره رسول الله صلى الله عليه وسلم على الثلث. ورواه مطرف وابن الماجشون. قالا: فما فعلت بأكثر من الثلث من عتقٍ أو صدقةٍ أو هبةٍ

فهو مردود حتى يجيزه الزوج. وقال ابن القاسم: هو جائز حتى يرده الزوج؛ كعتق المديان، ورواه عن مالك. وأنكر مطرف وعبد الملك هذه الرواية. وقالا: الغرماء لا يصح لهم نكير إلا بإثبات البينات على الدين واغتراق الذمة، وهذا زوج لا يكلف بالبينة، فقد قال في الحديث: ((لا يجوز لامرأةٍ)) فهو مردود في الأصل. وقال أصبغ بقول ابن القاسم: إن قضاء المرأة جائزٌ حتى يرده زوجها. قالا: فإذا قضت بالكثير فلم يعلم به الزوج حتى تأيمت بموته أو طلاقه أو علم فرده ولم تخرجه عن ملكها حتى تأيمت فذلك نافذ عليها؛ وكالعبد يعطي ويعتق فلا يرد ذلك حتى يعتق أنه يلزمه؛ والغرماء يردون عتق المديان للعبد

فلم يخرج من يده حتى أيسره، أن العتق ماضٍ. وقال ابن القاسم: إذا لم يعلم به الزوج حتى تأيمت حكم به عليها، ولا يحكم به عليها إن كان الزوج قد رده. م: وقول ابن القاسم في ذلك كله أصوب وهو القياس؛ لأنه إذا كان على قولهم على الرد حتى يجيزه الزوج فينبغي إذا تأيمت أن لها الرجوع فيه؛ لأنه لم يزل مردوداً، وقد أجمعوا أن ذلك ماضٍ عليها إذا تأيمت فهذا يؤيد على الإجازة حتى يرد الزوج. وقول ابن القاسم أيضاً- إذا علم الزوج بعتقها فرده أن ذلك رد ولا يعتق عليها بعد التأيم- أصوب؛ وقد أجمعوا أن رده لهبتها رد، ولا يلزمها إمضاؤها بعد التأيم فكذلك ينبغي أن يكون عنقها؛ وكرد السيد لعتق العبد، هذا هو القياس. وقال ابن حبيب: وإذا لم يعلم الزوج بما فعلت من عتق أو عطية حتى ماتت هي، أو لم يعلم السيد بفعل العبد حتى مات فذلك مردود؛ لأن لهما الميراث.

قال ابن القاسم: إن موت الزوجة مثل التأيم، وذلك ماضٍ. وقال أصبغ بقوله في الموت. وأما التأيم فبقول مطرف وابن الماجشون. وقال ابن حبيب بقولهما في كل شيء. قال ابن حبيب: قال ابن القاسم: ولو أعتقت ثلث عبد لا تملك غيره، جاز ذلك، ولو أعتقته كله لم يجز منه شيء، وهو قول ابن أبي حازم. وقال ابن الماجشون ومطرف: يبطل عتقها في الوجهين؛ لأنه كأنها أعتقته كله بعتق بعضه، لإيجاب النبي صلى الله عليه وسلم تتميم العتق على معتق شقصٍ، فكيف بمن يملك جميع العبد، فلما منع الزوج من عتق الجميع رد كله.

وروياه عن مالك، وعن المغيرة، وابن دينار. وغيرهم. قال مطرف وابن القاسم عن مالك: وإذا دبرت عبدها، فذلك ماضٍ لا رد لزوج فيه؛ إذ لم يزل من ملكها، وإنما منعت من بيعه وقد كان لها ألا تبيعه بلا تدبير، وقاله أصبغ، وبه أقول. وقال ابن الماجشون: لا يتم ذلك إلا بإذنه، وهو كعتقه، وقد منعت نفسها من البيع إن أرادته بعد ذلك. ومن المدونة وقال المغيرة- في ذات الزوج تزيد في عطيتها على الثلث-: أنه يجوز منه الثلث كالوصايا. وقال غيره: ليس كالوصايا، إذ تجوز وصية من لم يبلغ

الحلم، أجازها عمر بن الخطاب، وأبان بن عثمان وغيرهم، ولا يجوز صنيعه في صحته في قليل مالٍ ولا كثيره، فحكم المرض غير حكم الصحة. ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وإذا أعطت أو تصدقت بأكثر من الثلث، رد منه الزائد على الثلث، وأما في عتق العبد فيرد جميعه؛ لئلا يعتق بعض عبدٍ بلا استتمامٍ، فيخالف السنة ورواه عن مالك، وقال مطرف: علمت مالكاً فرق بين ذلك، وذلك مردود إلا أن تقتصر هي على الثلث، وقاله ابن القاسم. ويقول ابن الماجشون أقول. وقال مطرف وابن الماجشون وأشهب عن مالك: إذا تصدقت بالثلث فأقل على وجه الضرر بالزوج والسفه أنه يرد ذلك كله، وبه أقول. وقال ابن القاسم: وذلك ماضٍ لها على أي وجهٍ كان،

وقاله أصبغ. وقال مطرف وابن الماجشون: ولها أن تنفق على أبويها وتكسوهما وإن جاوزت الثلث، ولا أقول للزوج؛ لأن الحكم يوجبه عليها، وقاله أصبغ. قال أصبغ: وإذا أعتقت رأساً من رقيقها ثم رأساً ثم رأساً، والزوج غائب ثم قدم، فإن كان بين ذلك أمد قريب- حتى كأنها اغترت تجويز الكثير من مالها- مثل أن يكون بين ذلك اليوم واليومان، فإن حمل جميعهم الثلث، وإلا رد جميعهم كعتقها إياهم في كلمةٍ، وإن كان بين ذلك بعد مثل: شهرٍ أو شهرين، جاز الأول إن حمله الثلث، ورد ما بعده وإن حمله الثلث مع الأول؛ لأن مخرجه الضرر. وإن تفاوت ما بين الوقتين مثل ستة أشهرٍ فهو عتق مؤتنف يبتدأ لها فيه نظر الثلث في كل وقتٍ. م قوله-: فإن كان بين ذلك مثل شهرٍ أو شهرين، جاز الأول إن حمله الثلث ورد ما بعده وإن حمله الثلث مع الأول؛ لأن مخرجه الضرر

-: ليس بصحيح، وينبغي أن يجوز كعتقها إياهما في كلمةٍ، لا فرق، إلا أن يعلم أنها قصدت الضرر، فيدخله الاختلاف الذي تقدم له قبل هذا. قال أصبغ: وإذا تصدقت بشوار بيتها وهو قدر الثلث فأقل، فقال الزوج: لا تعري بيتي، فذلك ماضٍ صحيح، وتؤمر هب أن تعمر بيتها بشوار مثله، وكذلك لو تصدقت قبل البناء بصداقها وهو دون الثلث وهي ثيب، أن ذلك ماضٍ وتؤمر أن تجعل مثله من مالها في شورةٍ تدخل بها. ومن العتبية: قال أصبغ عن ابن وهب- في العبد له المرأة الحرة-: أنه ليس له منعها من القضاء في ثلثي مالها، ولها أن تتصدق بمالها كله ولا كلام له. قلت له: إنه قد يعتق. قال: ما اتفق الناس في الحر، فكيف بالعبد. قلت له: فهو رأيك في الحر أن له منعها إلا من الثلث؟ قال: هو أحب إلي. قال: وأما الأمة تحت الحر فليس له عليها حجر؛ لأن مالها لسيدها وهي لا تختلع إلا بإذنه.

قال أصبغ: أما قوله في الحرة تحت العبد فليس بشيءٍ، وله ما للحر وهو زوج، وهو حق له. وقال أشهب وابن نافع عن مالك مثله. ومن المدونة قال مالك: وإذا حلفت ذات الزوج بعتق رقيقها فحنثت، والثلث يحملهم، عتقوا، وإن كانوا أكثر من ثلثها، فللزوج رد ذلك، ولا يعتق منهم شيء قال: فإن مات زوجها أو طلقها رأيت أن تعتقهم بغير قضاء، قال: وهي في عطيتها لأبويها كعطيتها لأجنبي. [(4) فصل: في كفالة الزوجة عن زوجها] قال ابن القاسم: وإذا أجاز الزوج كفالة زوجته الرشيدة في أكثر من الثلث جاز تكلفت عنه أو عن غيره، وإن تكلفت عنه بما يغترق جميع مالها فلم يرض الزوج، لم يجز من ذلك ثلث ولا غيره.

قال مالك: ونجوز عطيتها لزوجها جميع مالها إذا لم تكن سفيهة، وإن تكلفت بزوجها، ثم ادعت أنه أكرهها على ذلك لم تصدق، ولزمها ذلك- وإن أحاط الدين بمالها- إذا كانت مرضية، إلا أن يعلم ذلك، أو تقوم عليه بينة فيسقط عنها. قال مالك: وإن كانت المرأة أيما لا زوج لها فلها أن تتكفل بمالها كله وتعطيه إذا لم يول عليها. وفي كتاب محمد عن أشهب فرق بين حمالتها بزوجها لأجنبي، وحمالتها لزوجها. فقال: أما حمالتها بزوجها الأجنبي فذلك لازم لها، ولا يقبل قولها- كنحو ما تقدم في المدونة- إلا أن يكون صاحب الحق عالماً بإكراهها أو تقوم لها بينة بأن زوجها أكرهها، قيل له: فإن أنكر صاحب الحق أن يكون عالماً بذلك؟ قال: أما قريب الجواز فإنه يحلف، فإن نكل حلفت المرأة لقد علم وبرئت، وأما

غير الجار ومن لا يمكنه علم ذلك فلا يمين عليه. قال أشهب: وأما حمالتها بغير زوجها لزوجها، فإنه ينظر في ذلك، فإن كان ظاهر الإساءة- بالبينة العادلة- وقلة ورعه وقهرته وتحامله عليها بما لا يحل معروفاً- إن لم تفعل ركبها بما لا يحل- فإن الحمالة ساقطة عنها إذا هي حلفت، وإن كان غير ذلك، حلف الزوج ما أكرهها ولا أخافها ولزمتها الحمالة. والله أعلم وبالله التوفيق تم كتاب الحمالة من الجامع لابن يونس بحمد الله وإحسانه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه

بيان حساب مسألة الستة الحملاء قال محمد بن عبد الله بن يونس رحمه الله: قد تقدم فقه هذه المسألة وتفريع وجوهها، وأنا مبين وجه حسابها بتوفيق الله عز وجل وعونه: قال: إذا كان لرجل ستمئة درهمٍ على ستة رجالٍ، على أن بعضهم حميل ببعض بجميع المال. فإذا لقي أحدهم فليأخذه بستمئة درهمٍ، مئة عن نفسه وخمسمئةٍ بالحمالة، ثم إن لقي الغارم للستمئة أحد أصحابه أخذه بمئةٍ أداها عنه، وبنصف الأربعمئة التي أداها عن الباقين؛ لأنه حميل معه بهم، فجميع ما يأخذه منه ثلاثمئةٍ، وبقي له مما غرم ثلاثمئةٍ.

ثم إن لقي ثانياً قال له: غرمت ثلاثمئةٍ، مئةٍ عن نفسي، ومئتين بالحمالة عن أربعةٍ أنت أحدهم تلزمك في خاصتك خمسون، وتبقى مئة وخمسون أنت معي بها حميل عليك نصفها: خمسة وسبعون، فجميع ما يأخذ منه: مئةٌ وخمسةٌ وعشرون، فصار جميع ما أخذ من صاحبيه أربعمئةٍ وخمسةٌ وعشرين وبقي له مما أدى بالحمالة خمسة وسبعون. ثم إن لقي ثالثاً قال له: أديت بالحمالة خمسة وسبعين على ثلاثةٍ أنت أحدهم، فهلم ثلثها: خمسة وعشرين، ونصف ما يبقى؛ لأنك معي بها حميل فجميع ما يأخذه منه خمسون، وبقيت له خمسة وعشرون. ثم إن لقي رابعاً قال له: بقي لي مما أديت بالحمالة خمسةٌ وعشرون هي عليك وعلى صاحبك الباقي، فهلم نصفها: اثنى عشر ونصفاً، ونصف باقيها بالحمالة وذلك ستة وربع، فجميع ما يأخذ منه: ثمانية عشر وثلاثة أرباع درهم، وبقي له مما غرم ستة وربع.

ثم إن لقي الآخر فيأخذ منه ستةً وربعاً، وهو باقي ما أداه بالحمالة. ثم إن لقي الثاني- الغارم لهذا الأول ثلاثمئة لقي- الثالث الذي كان غرم للأول أيضاً: مئة وخمسة وعشرين، فيقول له: بقي لي مما أديت بالحمالة: مئتان عن أربعة أنت أحدهم عليك منها خمسون، فيأخذها منه، وتبقى مئة وخمسون أنت معي بها حميل، فيقول هذا الثالث: قد أديت أنا أيضاً بالحمالة للأول خمسة وسبعين ساويتك في مثلها، وبقيت لك خمسة وسبعون فخذ نصفها: سبعة وثلاثين ونصفاً، فجميع ما يأخذ منه: سبعة وثمانون ونصف، وصار جميع ما أداه هذا الثالث للأول والثاني: مئتين واثنى عشر ونصفاً، فأحفظها وبقي يطلب مئة واثنى عشر ونصفاً وهو ما أداه بالحمالة. ثم إن لقي الرابع- الذي كان غرم للأول خمسين- فيقول له: بقي لي مما أديت بالحمالة مئة واثنا عشر ونصف، عن ثلاثة أنت أحدهم يلزمك

في خاصتك ثلثها: سبعة وثلاثون ونصف، فيأخذها منه، وتبقى خمسة وسبعون أنت معي بها حميل فهلم نصفها، فيقول له الرابع: قد أديت أنا بالحمالة للأول خمسة وعشرين ساويتك في مثلها، وبقيت لك خمسون فخذ نصفها، فجميع ما يأخذ منه اثنان وستون ونصف، وجميع ما أدى الرابع للأول والثاني: مئة واثنا عشر ونصف، فاحفظهما. وبقي الثاني يطلب بخمسين، ثم إنه إن لقي الخامس، فيقول له: بقي لي مما أديت بالحمالة خمسون عنك وعن السادس، عليك نصفها: خمسة وعشرون، فيأخذها منه، ويقول له: بقي لي خمسة وعشرون أنت معي بها حميل، فيقول له الخامس: قد أديت أن أيضاً بالحمالة للأول: ستة وربعاً ساويتك في مثلها وبقيت لك: ثمانية عشر وثلاثة أرباع، على نصفها وذلك: تسعة وثلاثة أثمانٍ، فجميع ما أدى له الخامس: أربعة وثلاثون وثلاثة أثمان. وجملة ما أدى هذا الخامس للأول ثمانية عشر وثلاثة أرباع، وللثاني أربع وثلاثون وثلاثة أثمانٍ، فجميع ذلك ثلاثة وخمسون وثمن، وبقي الثاني يطلب بخمسة عشر وخمسة أثمان، ثم إن لقي السادس فيأخذها منه.

ثم إن لقي الثالث- الغارم للأول والثاني مئتين واثنى عشر ونصفاً لقي- الرابع فقال له: بقي مما أديت بالحمالة مئة واثنا عشر ونصف عن ثلاثةٍ أنت أحدهم فهلم ثلثها: سبعة وثلاثين ونصفاً، فليأخذها منه، ويقول له: بقيت لي خمسة وسبعون أنت معي بها حميل، فيقول له الرابع: قد أديت أيضاً أنا بالحمالة للأول: خمسة وعشرين، وللثاني: خمسة وعشرين، فذلك خمسون ساويتك بها، وبقيت لك خمسة وعشرون فخذ نصفها: اثنى عشر ونصفاً، فيصير جميع ما يأخذ من خمسين، وجميع ما أدى الرابع للأول والثاني والثالث: مئة واثنان وستون ونصف. ثم إنه لقي الخامس فيقول له: بقيت لي مما أديت بالحمالة: اثنان وستون ونصف عنك وعن السادس عليك منها: واحد وثلاثون وربع، فيأخذها منه، ثم يقول له: بقي لي واحد وثلاثون وربع أنت معي بها حميل، فيقول الخامس: قد أديت أنا أيضاً بالحمالة للأول: ستة وربعاً، وللثاني: تسعة وربعاً وثمناً، وذلك خمسة عشر ونصف وثمن ساويتك فيها، وبقيت لك

خمسة عشر ونصف وثمن أيضاً، على نصفها: سبعة وثلاثة أرباع ونصف ثمن فيدفعها إليه فيصير جميع ما أخذ منه: تسعة وثلاثين ونصف ثمن، ويصير جميع ما أدى الخامس للأول، والثاني، والثالث: اثنين وتسعين وثمناً ونصف ثمن. ثم إن الثالث لقي السادس فيقول له: بقي لي مما أديت عنك بالحمالة ثلاثة وعشرون وربع وثمن ونصف ثمنٍ، فيأخذها منه، فيذهب وقد غرم مئة. ثم إن الرابع الذي غرم للأول، والثاني، والثالث: مئة واثنين وستين ونصفاً لقي الخامس فقال له: بقي لي مما أديت بالحمالة اثنان وستون

ونصف عنك وعن السادس، عليك نصفها: واحد وثلاثون وربع فيأخذها منه، ثم يقول له: بقي لي واحد وثلاثون وربع أنت معي بها حميل، فيقول له الخامس: قد أديت أنا بالحمالة للأول والثاني والثالث: ثلاثة وعشرين وثلاثة أثمان ونصف ثمن ساويتك في مثلها وبقيت لك سبعة وستة أثمان ونصف ثمن على نصفها: ثلاثة وسبعة أثمان وربع ثمن فيأخذها منه فيصير جميع ما يأخذ الرابع من الخامس: خمسة وثلاثين وثمناً وربع ثمن، وجميع ما أدى الخامس للأول، والثاني، والثالث، والرابع: مئة وسبعة وعشرون وثلاثة أرباع ثمنٍ فاحفظها، وبقي الرابع يطلب بسبعةٍ

وعشرين وربع وثلاثة أرباع ثمنٍ. ثم إنه لقي السادس فيأخذها منه، فيذهب وقد غرم مئة. ثم إن الخامس لقي السادس قد كان أدى للأول، والثاني، والثالث، والرابع: مئة وسبعة وعشرين وربعاً وثلاثة أرباع ثمنٍ، عليه منها مئة، بقي يطلب بسبعةٍ وعشرين وربعٍ وثلاثة أرباع ثمنٍ، فيأخذها من السادس، فيذهب وقد غرم مئة. ويذهب السادس وقد غرم المئة: للأول ستة وربع، وللثاني: خمسة عشر وخمسة أثمان، وللثالث: ثلاثة وعشرون وثلاثة أثمان ونصف ثمنٍ، وللرابع: سبعة وعشرون وربع وثلاثة أرباع ثمنٍ، وللخامس مثلها، فجميع ذلك: مئة، فقد انصرف كل واحد منهم وقد غرم مئة، وبالله التوفيق، والحمد لله كثيراً كما هو أهله.

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كتاب الحوالة جامع القضاء في الحوالة الأصل في جواز الحوالة قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مطل الغني ظلم ومن اتبع على مليء فليتبع)).

م: ولم يختلف في جوازها؛ وهي في الحقيقة بيع الدين بالدين فاستثنيت منه؛ لأنها معروف؛ كاستثناء العرية من بيع الرطب بالتمر. قال أبو محمد: وقوله عليه الصلاة والسلام: ((من اتبع على مليء فليتبع)) هو على الندب، والله أعلم؛ يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: ((مطل الغني ظلم))، فإذا أحاله فلم يرض، فقد مطله؛ لأنه مليء بتعجيل حقه؛ ولو كان تلزمك حوالة بغير رضاك لكان لكل من أحلت عليه أن يحيلك إلى ما لا نهاية له، أو يحيلك على مليء ظالمٍ أو سلطانٍ ونحوه فهذا من الضرر،

ومن ناحية المطل الذي جعله الرسول صلى الله عليه وسلم ظلماً. [(1) فصل: هل تكون الحوالة على غير أصل الدين؟] ومن المدونة وكتاب محمد قال مالك: لا تكون حوالة إلا على أصل دين، وإلا فهي حمالة. م: قال غيره: لأن حقيقة الحوالة بيع الدين بالدين، وذلك يقتضي أن يكون ثم دين تحصل الحوالة به. ابن حبيب: وقال ابن الماجشون: الحوالة جائزة وإن لم يكن للمحيل على المحال عليه دين، وبه أقول؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (ومن أتبع على مليء فليتبع). ومن العتبية قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: في المطلوب يذهب بالطالب إلى غريم له فيأمره بالأخذ منه، ويأمر الآخر بالدفع إليه، فيتقاضاه فيقضيه البعض أو لا يعطيه شيئاً إن للطالب أن يرجع على الأول؛ لأنه يقول:

ليس هذا احتيالاً بالحق، إنما أردت أن أكفيك التقاضي، وإنما وجه الحول أن تقول أحلتك بحقك على هذا، وأبرأ إليك بذلك. م: قال بعض الفقهاء: وإذا مات المحال عليه فقال المحال: أحلتني على غير أصل دين، وقال المحيل: بل على أصل دين قال: هو حول له ثابت حتى يتبين أنه أحاله على غير أصل دين؛ قال: لأن ظاهر الحوالة براءة للذمة، وأنها على أصل دين، فمن ادعى بعد قبوله الحوالة أنها على غير أصل دين لم يصدق. قيل: فإن أحاله، ثم أنكر المحال عليه أن يكون عليه دين، هل يكون ذلك عيباً في الحوالة؟ لأن المحال يقول: لو علمت أن ليس عليه بينة ما قبلت الحوالة عليه فالأظهر أن لا مقال له عليه؛ لأنه فرط حين أحاله، وهو حاضر مقر إذ لم يشهد عليه، ولكن لو لم يحضر فقبل الحوالة عليه، فلما حضر أنكر لا نبغي ألا تلزمه الحوالة، وكذلك إن مات قبل أن ينكر فذلك

كالعيب في الحوالة؛ كما جعله- إذ غر من فلس المحال عليه- عيباً ترد به الحوالة. انظر وهم يقولون: لو بعت سلعة من إنسان فوجدته عديماً مفلساً كتم ذلك لم ينقض البيع. م: والفرق أن الحوالة إنما هي بيع دين بدين وإنما جازت للرخصة التي وردت فيها، وشراء الدين لا يجوز حتى يعرف ملء الغريم من عدمه؛ لأنه شراء لما في ذمته فإذا وجد ذمته معيبة كان له الرد؛ كسلعة اشتريت فوجدت معيبة، والذي باع السلعة لم يقصد شراء ما في ذمته فيردها بعيبٍ وجده فيها، والله أعلم. وفي كتاب محمد- فيمن له عند رجلٍ وديعة، وعلى صاحب الوديعة دين لرجل فأحال صاحب الدين على المودع وقال له المودع: هي لك علي حتى أدفعها إليك، فذهب ليدفعها إليه فوجدها قد ضاعت عنده- قال: هو مصدق في الضياع ولاشيء عليه فيها، غير أنه ضامن

للطالب لما ضمن له بدفع ذلك إليه، أو قيمتها- إن كانت سلعة- إلا أن يكون دينه أقل، فيدفعه إليه ويرجع به على صاحبها. [(2) فصل: إذا قبل المحال الحوالة هل تبرأ ذمة المحيل؟] ومن المدونة قال مالك: وإذا أحالك غريمك على من له عليه دين فرضيت بإتباعه برئت ذمة غريمك، ولا ترجع عليه في غيبة المحال عليه أو عدمه. قال عبد الوهاب: وقال أبو حنيفة: له الرجوع إن مات المحال عليه أو فلس أو جحد الحق. ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: ((ومن أحيل على مليء فليتبع)) فأطلق؛ ولأنها حوالة برئت ذمة المحيل بها فلم يكن له الرجوع عليه، أصله إذا لم يتغير حاله. [(3) فصل: إذا غر الغريم المحال بعدم غريمه] ومن المدونة: ولو غرك غريمك من عدم يعلمه بغريمه، أو بفلس فلك طلب المحيل. م: لأن المحال إنما أبرأ الغريم على أن يسلم له ذمة مليئة، فإذا غره من عدمها فقد دلس لع بعيبها، فوجب له الرجوع فيما دفع عوضاً عنها

وهي ذمة غريمه. قال مالك: ولو لم يغرك أو كنتما عالمين بفلسه كانت حوالة لازمة لك، فإن لم تقبض ما أحالك به حتى فلس المحيل أو مات فلا دخول لغرمائه معك في ذلك الدين؛ لأنه بيع نقد. [(4) فصل: إذا حل ما تحيل به صحت الحوالة] وإنما تجوز الحوالة إذا حل ما تحيل به، أحلت على ما قد حل أو لم يحل، إذا كان في صفته وفي جنسه وهي السنة عند مالك وأصحابه، ودل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مطل الغني ظلم ومن أتبع على مليء فليتبع))، والمطل لا يكون إلا بعد حلول أجل الدين، فأما إذا لم يحل دينك فلا نحيل به على دين قد حل أو لم يحل، ويصير ديناً بدينٍ، وقد جاء النهي عنه. [(5) فصل: فيمن أحال على من ليس له قبله دين] قال مالك: وإن أحالك علة من ليس له قبله دين، فليست حوالة وهي حمالة سبيلها سبيل ما وصفنا في الحمالة. قال ابن القاسم: ولو علمت حين أحالك عليه أنه لا شيء للمحيل عليه،

وشرط عليك المحيل براءته من دينه، فرضيت، لزمك ولا رجوع لك على المحيل إذا كنت قد علمت، وإن كنت لم تعلم فلك الرجوع. [(6) فصل: فيمن قال لرجل خرق صحيفتك على فلان واتبعني بما فيها] وروى ابن وهب عن مالك: فيمن قال لرجلٍ: خرق صحيفتك على فلان واتبعني بما فيها من غير حوالة له بدين كان له عليه- إلا حمالة هكذا- فاتبعه حتى فلس الضامن أو مات لا وفاء له أن للطالب الرجوع على غريمه الأول؛ لأن المتحمل إنما هو رجل وعد رجلاً أن يسلفه ويقضي عنه- فكل شيءٍ كان من الحمالة فلم يقبض لفلسٍ أو نحوه فهو يرجع- وإنما يثبت من الحول ما أحيل به على أصل دينٍ، وبه أخذ سحنون. م: وذكر ابن المواز قول ابن القاسم هذا عن أصبغ عن ابن القاسم نصاً سواء. وقال محمد بعقب كلام ابن القاسم: إلا أنه إن فلس المحال عليه

قبل أن يدفع إلى المحال حقه، فليرجع المحتال على من أحاله، لأنه لو دفعه إليه المحال عليه كان له الرجوع به على المحيل، ولقد روى أشهب عن مالك: أنه إذا أفلس المحال عليه أو مات فليرجع المحال على المحيل إلا أن يكون أحاله على أصل دينٍ، فلا يرجع على الأول، قال: وما لم يفلس أو يمت فليس له أن يأبى من الدفع إلى المحال. م: ويحتمل أن يوفق بين هذا وبين قول ابن القاسم في المدونة، ويكون معنى قول ابن القاسم: لا رجوع لك على المحيل يريد: ما لم يفلس أو يمت، وعلى هذا تأوله محمد واحتج بأنه لو دفعه المحال عليه لكان له به الرجوع على المحيل. م: فيصير على هذا التأويل قول ابن القاسم، ورواية ابن وهب في المدونة، ورواية أشهب في كتاب محمد متفقة، والله أعلم. م: وتأول بعض فقهاء القرويين أن معنى قول ابن القاسم في المدونة في قوله: خرق صحيفتك واتبعني بما فيها: أن ذلك

حملٌ فلا رجوع له على الحميل، ومعنى ما أراد ابن وهب أن ليس بحمل إلا أنه كأنه شرط أن يبدأ بطلب المحال عليه، فمتى مات، أو لم يوجد عنده شيء، رجع على الذي عليه الدين، ووقع في المدونة لفظان في الحوالة على غير أصل مال فجعل مرة ذلك حمالة يبدأ بالذي عليه الدين، فإن لم يوجد عنده شيء رجع على الذي تحول عليه، ومرة بدأ بالمحيل كأنه اشترط التبدية به. ولأشهب في شرطه أن يأخذ أيهما شاء أنه لا يأخذ الحميل إلا في عدم الغريم، ورواه عن مالك. ابن حبيب: وقال مطرف عن مالك: إذا شرط الغريم على الحميل أن حقي عليك لا أطلب به غريمي؛ لشر عرف منه أو قبح مطالبته أو لامتناع بسلطان، فالشرط جائز، وحقه عليه، حضر الغريم أو غاب في مثله أو عدمه، إلا أن يشاء أن يرجع على غريمه. وقال ابن الماجشون: الشرط باطل، وهي حمالة لا يطالب الحميل إلا في عدم الغريم أو غيبته، وهي سنة الحمالة حتى تسمى الحوالة، فيقول: أحتال عليك من حقي، فحينئذ يكون حقه عليه، لا يرجع به على الأول، وما دام له الخيار في

الرجوع إلى الأول، فهي سنة الحمالة. وقال أشهب وابن كنانة مثله: إنه كالحميل. وقال ابن عبد الحكم وأصبغ مثل رواية مطرف عن مالك، ويقولان: رواه ابن القاسم عن مالك، وبه أقول. ابن المواز: ومن ضمن حقاً وشرط للطالب أن يأخذ من شاء بحقه ويبدأ بمن شاء، فقال ابن القاسم: له أن يأخذ من شاء بحقه، وقاله أصبغ. وقال أشهب- ورواه عن مالك-، فيمن كتب حقه على رجلين على أن يأخذ الحي عن الميت، والحاضر عن الغائب وأيهما شاء أخذ بحقه فليس له أن يأخذ هذا ويبيع داره والآخر حاضر مليء، وأما في عدم صاحبه أو غيبته فذلك له. [(7) فصل: فيمن أحيل فلم يجد عند المحتال عليه إلا بعض المال، أو مات المحتال وعليه دين] ومن كتاب محمد عن مالك- وقاله ابن القاسم فيه وفي العتبية-: ومن أحالك بدين على رجلٍ، ثم تبين أنه ليس له عليه إلا بعضه، فإنه تتم الحوالة فيما يساوي ماله عليه، ويصير الباقي حمالة يتبع بها أيهما شاء.

قال ابن المواز: إذا كان لغريمك عليه خمسون ديناراً، فأحالك عليه بمئة فمات الحميل، وعليه لغيرك مئة، والذي أحالك غائب، فالذي مات يحل ما عليه من دين ومن حمالة، فإنك تحاص به غرماءه بالمئة كاملة، فيصيبك بالحصاص خمسون، فمنها خمسة وعشرون عن الحول، وخمسة وعشرون عن الحمالة، فما كان منها للحمالة صار ديناً للميت على المحيل الغائب، ولك أنت عليه بقية الخمسين التي هي الحمالة، وذلك خمسة وعشرون، والميت أيضاً لك بها حميل، وبقي لك على الميت خمسة وعشرون بالحول لا ترجع بها على أحدٍ، فإذا قدم الغائب أخذت منه الخمسين التي عن الحمالة كلها لنفسك وللميت، فترد على الميت منها الخمسة والعشرين التي كنت أخذت منه في المحاصة بسبب الحمالة، فالذي صار للميت منها تضرب فيه أنت بما بقي لك على الميت من الحول خاصة، وهي خمسة وعشرون- إذ لم يبق لك من الحمالة شيء- ويضرب غرماء الميت بما بقي لهم-

يريد محمد وهو خمسون- فتأخذ أنت ثلثها وهم ثلثيها. قال ابن المواز: وإن لم يوجد في مال القادم إلا خمسة وعشرون لزمك رد نصفها وهي: اثنا عشر ونصف إلى الميت، ثم تحاص أنت فيها غرماءه بما بقي لك من الحول والحمالة، وقد بقي لك عن الحول خمسة وعشرون وعن الحمالة اثنا عشر ونصف، لأنه لما رجع إليك من مال القادم خمسة وعشرون صار كأنه لم يجب لك على الميت بالحمالة إلا خمسة وعشرون، وبها كان ينبغي أن تحاص فكان يصير لك اثنا عشر ونصف إذ قد صار لكل غريم نصف حقه، فعليك أن ترد اثنى عشر ونصفاً؛ لأنك أخذت خمسة وعشرين، ثم تحاص فيها أنت وغرماء الميت ثانيةً كفضلةٍ من ماله، فتضرب أنت فيها بما بقي لك من الحول وذلك: خمسة وعشرون، ومن الحمالة وهو: اثنا عشر ونصف وذلك: سبع وثلاثون ونصف تحاص بها غرماءه في الاثنى عشر ونصف، فما نابك فثلثاه للحول وثلثه للحمالة، ويصير جزء الحمالة ديناً للميت على المحيل. قال: وإن لم يوجد للقادم إلا عشرون، أو كانت هي التي أصابتك في

الحصاص مع غرماء القادم، فينبغي أن ترد: عشرة، تحاص أنت فيها بما بقي لك وغرماء الميت بما بقي لهم، ويبقى لك أنت بالحمالة خمسة عشر، ومن الحول خمسة وعشرون فذلك أربعون، فما صار لك منها فخمسة أثمانه عن الحول، وثلاثة أثمانه عن الحمالة، وإنما رددت الآن العشرة؛ لأنك لما أخذت العشرين من مال القادم عن الحمالة، وإنما رددت الآن العشرة؛ لأنك لما أخذت العشرين من مال القادم عن الحمالة علمنا أن بثلاثين كان ينبغي أن تحاص من الخمسين التي للحمالة في مال الميت، فتتمسك بنصف: ثلاثين: خمسة عشر من الخمسة والعشرين التي كانت وقعت لك في المحاصة أولاً بسبب الحمالة؛ لأن كل غريم أخذ نصف حقه أولاً، وترد عشرة فيكون فيها الحصاص. م: وهذا على عمل يحى بن عمر في مسألة الزرع الرهن الذي لم يبد صلاحه يفلس صاحبه فيحاصص فيما بيده، فإذا حل بيع الزرع كان ما يأخذ من ثمنه مثل ما يقبض من الغريم الغائب فاعلم ذلك، وقد زدت في هذه المسألة بعض بيان من لفظي والله الموفق للصواب. [(8) فصل: [:إذا استحق ما أحيل به أو رد بعيب] ومن المدونة وكتاب محمد: فإذا أحلت غريمك على ثمن عبد أو سلعة بعتها من رجل وهو مليء، ثم استحقت السلعة أو العبد، أو ردهما عليك بعيبٍ،

فقال ابن القاسم: الحول ثابت عليه، يؤديه للمحال عليه، ويرجع به عليك، قال: بلغني ذلك عن مالك. ابن المواز: وقال أشهب: الحول ساقط، ويرجع غريمك عليك، وكذلك لو قبض ما أحلته به لرجع به من دفع إليه. قال ابن المواز: وهذا أحب إلينا، كما لو بيع على مفلس أو ميت متاعه وقبض غرماؤه من متولي بيعه أو من المشتري بحوالتهم عليه، ثم استحق ما بيع فليرجع المشتري بالثمن على من قبضه، وهذا قول أصحاب مالك كلمه. م: ووجه قول ابن القاسم أنه لما أحاله صار ذلك حقاً للمحال على المشتري واجب عليه دفعه إليه وأن عهدته على البائع منه، فمتى وقه استحقاق أو رد بعيب وجب له الرجوع على بائعه؛ كما قال: إذا وهبت المرأة صداقها قبل الدخول، ثم طلقها الزوج فإن كانت موسرة مضى ذلك للموهوب وغرمت هي ذلك للزوج. وقيل عنه: إن هبتها لا تجوز؛ لأن الغيب كشف أنها وهبت ما لا تملك،

فيجب على هذا أن لا يدفع المشتري للمحال شيئاً؛ لأنه أحاله فيما لا يملكه، مثل قول أشهب. وقال ابن القاسم في كتاب محمد والعتبية: فيمن باع عبداص بمائة دينارٍ، ثم تصدق بها على رجل وأحاله بها، وأشهد له، فاستحق العبد أو رد بعيبٍ، قال: إن قبض المتصدق عليه الثمن، وفات بيده لم يرجع عليه المشتري بشيء، ويرجع على البائع؛ كما لو قبضها المتصدق ثم تصدق بها، قال: ولو لم يفت الثمن بيد المعطي كان للمشتري أخذه، ثم لا يكون للمعطي شيء. م: جعل هاهنا أنه وهبه ما ظن أنه ملكه فكشف الغيب أنه ليس بملكه، فجعله إن لم يقبض أو قبض ولم يفت رداً، فإن فات مضى، وقيل: إن قبض مضى؛ كما قال في هبة الزوجة صداقها. ولا يبعد أن يقال: إذا فات بالهبة مضى؛ كما قال: إذا فات بالحوالة مضى. [(9) فصل: في الحوالة بالكراء على دين بعد السكنى أو قبلها] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اكترى داراً سنةً بعشرة دنانير على أن يحيله بها على رجل ليس له عليه دين جاز، وكانت حمالة جائزة، وليس للمكري طلب الحميل إلا في فلس المكتري أو موته عديماً، وإن اكتراها سنةً ثم أحاله بالدنانير قبل السكنى على رجلٍ له عليه دَيْنٌ جاز

ذلك إن كان الكراء عندهم بالنقد أو شرطوه، وإن لم يشترط ولا كانت سنتهم بالنقد لم يجز؛ لأنه فسخ دينٍ لم يحل في دينٍ حل أو لم يحل. قال مالك: ولا بأس أن تكتري من رجلٍ داره أو عبد بدين لك حال أو مؤجل على رجلٍ آخر مقر حاضرٍ وتحيله عليه إن شرعت في السكنى والخدمة. م: قال بعض الفقهاء القرويين: انظر ما معنى قوله إن شرعت في السكنى وهو يجيز كراءك لها بدين عليك إلى أجلٍ وإن لم تشرع في السكني. م: وإنما قال ذلك لأن الحوالة من وجه فسخ الدين في الدين، وهو عندهم أشد من بيع الدين بالدين؛ ألا ترى أنه يجوز تأخير رأس مال السلم اليوم واليومين. ولو أسلمت إليه في عرض ثم بعته منه لم يجز أن تؤخره يوماً أو ساعة؛ ولو أسلمت إليه في عرض ثم بعته منه لم يجز أن تؤخره يوماً أو ساعةً؛ لأنه فسخ دينٍ في دينٍ؛ فلذلك فرق بين كرائك الدار بدين لك علي رجل آخر، وبين اكترائك لها بدين عليك، فلم يجزه في الحوالة إلا أن تشرع في السكنى، وأجازه في كرائك بدين لك وإن لم تشرع في السكنى، والله أعلم. قال أبو زيد: لا يجوز. وقاله ابن القاسم في سماعه عن مالكٍ.

قال ابن المواز: واختلف قول مالك في الإجازة والكراء بالدين. [(10) فصل: في الحوالة بالكتابة] ومن المدونة قال ابن القاسم، وإن أحالك مكاتبك على مكاتب له، وله عليه مقدار ما على المكاتب الأعلى فلا يجوز ذلك إلا أن تبت أنت عتق الأعلى. م: يريد: وإن تحل كتابة الأعلى فيجوز بشرط تعجيل العتق؛ كما لا تجوز الحمالة بالكتابة إلا على شرط تعجيل العتق. قال ابن القاسم: فإن عجز الأسفل كان لك رقاً، ولا ترجع على المكاتب الأول بشيء؛ لأن الحوالة كالبيع، وقد تمت حريته. م: قال بعض الفقهاء: يجب أن يكون اسم الحوالة

براءة لذمة المكاتب من بقية الكتابة، وإذا برئت ذمة المكاتب من الكتابة وجب أن يكون حراً من غير تجديد عتق- كأدائه الكتابة- فكان يجب على هذا إذا رضي سيده بالحوالة على مكاتبه أن يكون حراً بنفس الحوالة، فإن عجز الأسفل كان له رقاً؛ لأن الغرر فيما بين السيد وعبده في هذا جائز؛ كما يفسخ ما عليه من الدراهم في دنانير إذا عجل عتقه، فهذا وإن أحاله بكتابة فعادت رقبة جاز ذلك فيما بينه وبين عبده لما بيَّنا، بخلاف أن يحيل رجلاً بدين له عليه على كتابة مكاتب، فهذا لا يجوز؛ لأن الحوالة رخصة- لأنها الدين بالدين- فلا يعدى بها ما خفف منها وهو أن يحيله على مثل الدين صفة ومقداراً، والقياس أيضاً في المكاتب أن تجوز حوالته بالكتابة وإن لم تحل، إذا أحال بجملتها أو بآخر نجم منها، وتكون نفس الحوالة موجباً لتعجيل العتق، وهذا هو قول غير ابن القاسم وهو أبين. قال: وقد اختلف في فسخ الكتابة في غيرها من غير تعجيل العتق فأجيز وكره، واتفقوا على قطاعة أحد الشريكين أن تجوز وإن لم يتعجل عتق نصيب المقاطع لعدم قدرته على تعجيل عتقه، وأنه فعل أكثر مما يقدر عليه من رفع يده عما كان يقدر عليه. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا تجوز حمالة بكتابة إلا على تعجيل العتق، وأما الحوالة فإن أحالك على من لا دين له قبله لم يجز؛ لأنها حمالة، وإن كان له عليه دين حل أو لم يحل جازت الحوالة إن كانت الكتابة قد حلت، ويعتق مكانه. وكذلك إن حل عليه نجم فلا بأس أن يحيلك به على من له عليه دين حل أو لم يحل، ويبرأ المكاتب في ذلك النجم، وإن كان آخر نجومه كان حراً مكانه، وإن

لم يحل النجم لم يجز أن يحيلك به على من له عليه دين حال؛ لأن هذا ذمة بذمة، ورباً بين السيد وبين مكاتبه، وكذلك إن لم تحل الكتابة لم تجز الحوالة بها وإن حل الدين؛ لأنه فسخ دين لم يحل في دين حل أو لم يحل. وقال غيره: تجوز الحوالة: ويعتق مكانه؛ لأن ما على المكاتب ليس بدينٍ ثابتٍ، وكأنه عجل عتقه على دراهم نقداً أو مؤجلة والكتابة دنانير لم تحل؛ وكمن قال لعبده: إن جئتني بألف درهم فأنت حر، فإن جاء بها كان حراً، ولم يكن بيع فضة بذهب، ولا فسخ دين في أقل منه؛ وكأنه لم يكن قبله إلا ما أدى، وبه أخذ سحنون. م: وبه أقوال. وقال ابن القاسم: لا ينبغي؛ لأن مالكً كره للسيد بيع الكتابة من أجنبي بعرض، أو غيره إلى أجلٍ ووسع في هذا بين السيد وبين مكاتبه، فلما كره مالك ذلك بين السيد وبين الأجنبي من قبل أنه دين بدين كرهنا الحوالة أيضاً إذا لم تحل الكتابة؛ لأنه دين بدين. قال مالك: وسمعت بعض أهل العلم يقولون: الذمة بالذمة من وجه الدين بالدين.

م: واعترض قول ابن القاسم بعض أصحابنا بأن قال: الحوالة أمر بين السيد وبين مكاتبه، أسقط عنه الكتابة واعتاض ماله في ذمة الأجنبي، فلم يقع بين السيد وبين الأجنبي مبايعة، وأما بيع الكتابة من الأجنبي فهي معاملة بينه وبين الأجنبي لا بينه وبين مكاتبه فهذا مفترق. وقال عن بعض شيوخه القرويين: إنما يختلف ابن القاسم وغيره إذا سكتنا عن شرط تعجيل العتق أو عن بقائه مكاتباً، فعند ابن القاسم: يفسخ ما لم يفت بالأداء، وعند غيره: يحكم بتعجيل العتق، وأما لو أحاله بشرط تعجيل العتق فلا يختلفان أن ذلك جائز، وكذلك بشرط ألا يعتق بل يختلفان أن ذلك لا يجوز، فإن وقع الأمر مبهماً اختلفا. تم كتاب الحوالة بحمد الله، وحسن عونه وتوفيقه من الجامع لابن يونس، وحسبنا الله وحده ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. عفا الله عن كاتبه وعمن قرأ فيه وعمن حضره من جميع المسلمين.

كتاب المأذون له في التجارة

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كتاب المأذون له في التجارة [الباب الأول] في أحكام العبد المأذون له في التجارة وغير المأذون له. [(1) فصل فيما يترتب على الإذن للعبد بالتجارة، وكيف إذا أقعده ذا صنعة المسألة الأولى: إذا خلى بين عبده وبين التجارة] قال ابن القاسم: من خلى بين عبده وبين التجارة، تجر فيما شاء، ولزم ذمته ما داين اناس به من جميع أنواع التجارات؛ لأنه أقعده للناس، ولا يدري الناس لأي أنواع التجارة أقعده- وسواء أذن له في شيءٍ مخصوص أم غير مخصوص- وأما إن أقعده ذا صنعة مثل قصار ونحوه، فلا يكون ذلك إذناً في التجارة، ولا في المداينة فيها. وكذلك إن قال لعبده: أدِّ إليّ الغلة فليس بمأذونٍ له في التجارة.

[المسألة الثانية: إذا أذن له في التجارة بالنقد فداين] ومن العتبية قال أصبغ عن ابن القاسم: فيمن استتجر عبده بمالٍ وأمره ألا يبيع ولا يشتري إلا بالنقد، فداين الناس فهم أحق بما في يديه وإن لم تكن هي أموالهم بعينها، قال أصبغ: لأنه مأذون حين أطلقه على البعض؛ وكمن أذن له أن لا يتجر إلا في البز، فاتجر في غيره فلحقه دين أنه يلزمه؛ لأنه نصبه للناس، وليس على الناس أن يعلموا ما نصبه له قال ابن القاسم: فإن قصر ما في يديه فإني أستحسن أن يكون ما بقي في ذمته. وقاله أصبغ استحساناً، وفيها ضعف. قال سحنون: هو كما شرطه، وليس له أن يتعداه ألا ترى لو أعطاه قراضاً كان به مأذوناً، وحكم القراض أن لا يبايع بالدين؛ فكذلك إذا شرط عليه أن لا يبيع بالدين، لم يجز على السيد تعديه. [المسألة الثالثة: لو أذن له في نوع وأشهر ذلك لم يلزمه لو داين في نوع غيره] م: وحكي عن بعض فقهائنا أنه قال: لو أذن السيد في نوع من التجارة وأشهر ذلك- مثل إشهار التحجير عليه- لم يلزم ماله ما داين

في غير ذلك النوع؛ ويؤيد ذلك قوله: ولا يدري الناس لأي أنواع التجارة أقعده، فإذا أشهر ذلك وأعلنه، فقد علم الناس لما أقعده؛ كما إذا حجر عليه لم يلزمه ماله ما تداين به بعد التحجير، فهذا مثله. [المسألة الرابعة: لو أقعده صانعاً فأفسده شيئاً ففيم يكون غرمه؟] قال بعض أصحابنا: وإن أقعده صانعاً، مثل قصار ونحوه فأفسده شيئاً فيها، فذلك في ذمته لا في أجرته التي يأخذها؛ لأن أجرته خراج لسيده لا يتعلق الدين فيها، ولا يكون ذلك أيضاً في آلة القصارة التي يستعين بها في عمله، ولا في الحمار الذي يحمل عليه الثياب، إن كان جميع ذلك إنما أعطاه إياه سيده يستعين به، وهو كعارية من السيد. [(2)] فصل: [فيما يصح من تصرفات العبد المأذون المسألة الأولى: تأخير الغريم بالدين والحط عنه نظراً واستئلافاً للتجارة] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا أخر المأذون له غريماً بدين أو حطه نظرا واستئلافاً، جاز ذلك، وما كان على غير هذا وما لا يعرف له وجه، فلا يجوز، وقاله مالك. قال مالك: وكذلك الوكيل المفوض إليه، وأما الوكيل المخصوص على بيع

سلعة يضع من ثمنها بعد البيع فلا يلزم ذلك ربها. [المسألة الثانية: في إنفاق العبد المأذون له الأموال في شؤونه الخاصة] قال: وليس للعبد الواسع المال أن يعق عن ولده ويطعم لذلك الطعام إلا أن يعلم أن سيده لا يكره ذلك. قال ابن القاسم: ولا له أن يصنع طعاماً ويدعو إليه الناس إلا بإذن سيده إلا أن يفعله المأذون استئلافاً في الجارة فيجوز. قال: ولا يجوز للعبد أن يعير من ماله عاريةً بغير إذن سيده مأذوناً كان أو غير مأذون، وكذلك العطية. ابن المواز: قال غيره: لا بأس أن يعير دابته إلى المكان القريب ويعطي السائل الكسرة والقبضة. [(3)] فصل [في بيع المأذون أم ولده] [المسألة الأولى: في حكم البيع] ومن المدونة قيل لمالك: أيبيع المأذون أم ولده؟ قال: إن أذن له سيده.

قال ابن القاسم: وأما فيما عليه من دين فإنها تباع؛ لأنها مال له لا حرية فيها ولم يدخلها من الحرية ما دخل في أم ولد الحر، وأما ولده منها فلا يباع في دينه؛ لأن ولده ليس بمال له، ولو اشترى المأذون ولده وعليه دين فإنهم يباعون في دينه؛ لأنه أتلف أموال غرمائه، وهم في هذا الموضع ملكه. [المسألة الثانية: الخلاف في تعليل اشتراط الإمام مالك إذن السيد في بيع العبد أم ولده] قال أبو محمد وغيره: والعلة في ألا يبيع المأذون أم ولده إلا بإذن السيد؛ من أجل أنها قد تكون حاملاً وحملها للسيد فيكون قد باع عبداً للسيد بغير أمره. قال غيره: ولا يلزم هذا في أمة يطأها المأذون؛ لأن أم ولده قد صارت خزانة للسيد بإيلادها المتقدم، وكأن السيد أوقفها للولد، ومن الناس من قال: لما كان العبد إذا عتق تكون له أم ولد- على قول قائل- لم يبعها لذلك، إلا بإذن سيده. والتعليل الأول أصوب. فإن اعترض عليه بأنه قال: يبيعها في دينه وإن لم يستأذن سيده وقد يجوز أن تكون حاملاً. فالجواب: أن الدين متيقن، والحمل غير متيقن، وهي ملك للعبد فلا وجه لاستئذان السيد في أمرٍ لا يتحقق، وهو إنما يبيعها في الدين بعد استبرائها، فإن بيعت في الدين ثم ظهر أنها كانت حاملاً،

فقد قال بعض فقهائنا: للسيد فسخ البيع. وقال غيره: ليس له فسخه؛ لأن البيع قد وقع جائزاً فلا يرده، وبيع المكاتب لأم ولده خوف العجز كبيع المأذون لها في الدين؛ لأن كليهما باع في حق وجب عليه، فجاز لهذه الضرورة. [(4)] فصل [في رد السيد هبة العبد ومن في حكمه] ومن المدونة: وللسيد رد ما وهب العبد والمدبر والمكاتب وأم الولد أو تصدقوا به، وإن استهلك ذلك من أخذه غرم القيمة لهم، إلا أن يكون ذلك من السيد انتزاعاً- من غير المكاتب- فيقبض هو القيمة، ولو رده السيد، ولم ينتزعه وأقره لهم، ثم مات السيد أو فلس فذلك لهم، ولو اعتقهم واتبعهم ذلك، ولو كان إذ رده استثناه لنفسه كان ذلك له إلا في المكاتب، فإنه للمكاتب؛ إذ لا ينتزع ماله، أو يكون إنما رده في مرضه، فإن رده جائز، ولكن يبقى ذلك للمدبر ولأم الولد ولا ينتزعه؛ إذ لا ينتزع أموالهما في المرض. [(5)] فصل [فيما صار بين المأذون على الطوع فاستهلكه] قال مالك: وكل ما صار بيد المأذون على الطوع من معطيه من

دين أو وديعة أو أمانة فاستهلكه فذلك في ذمته لا في رقبته، وليس للسيد فسخه عنه، ولو كان غير مأذون لكان للسيد فسخه؛ لأنه يعيبه. قال ابن المواز: ويلزم ذلك المأذون في ماله وذمته عند ابن القاسم. وقال أشهب: إن كان وغداً لا يودع مثله فلا يتبع، وإن كان على غير ذلك فذلك في ذمته. قال يحي بن عمر: وقال غيره: إن استهلكها بتعد فهي في رقبته كالجناية. [(6)] فصل [في تصرفات العبد غير المأذون] ومن المدونة قال ابن القاسم: وما استدان العبد ولم يؤذن له في التجارة فلا يتبع بشيءٍ من ذلك إلا أن يعتق يوماً ما، فيتبع بذلك في ذمته، إلا أن يفسخه عنه سيده أو السلطان؛ لأن ذلك يعيبه، وليس لمن داينه بغير إذن سيده أن يوجب في رقبته عيباً، فإذا فسخه عنه سيده أو السلطان برئت ذمته منه ولم يتبع به إن عتق. ابن المواز: قال أشهب عن مالك: ولا يشترى من العبد الذي لم يؤذن له في البيع والشراء شيء وإن قل، مثل الخف وشبهه إلا أن يأذن أهله، ولا يقبل قوله أن أهله أذنوا له حتى يسألهم أو يرده عليهم، وقد يكونون في بعد.

[الباب الثاني] في دين العبد المأذون له وتفليسه وإقراره

[الباب الثاني] في دين العبد المأذون له وتفليسه وإقراره. [(1) فصل: في دين العبد المأذون المسألة الأولى: دين العبد المأذون فيم يكون؟] قال مالك: ومن استتجر عبده بمال دفعه إليه، فلحق العبد دين، كان دينه فيما دفعه إليه وفي مال العبد أيضاً، ويكون بقية الدين في ذمة العبد لا في رقبته، ولا يكون في ذمة السيد في ذلك شيء. م: وقال أبو حنيفة: للغرماء بيعه في دينه. ودليلنا: أن الدين في المتاجرة لا يتعلق بالرقبة، إنما يتعلق بالمال وبالذمة ولم يزد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) غرماء معاذ على أن خلع لهم ماله ولم يأمرهم ببيعه؛ ولأنهم إنما داينوه على ماله، ورقبته ليست بمال له، ولم يكن لهم سبيل على سيده؛ لأن سيده إنما استتجره بمال دفعه إليه دون غيره. [المسألة الثانية: متى يحاص السيد غرماء العبد ومتى يكون لحق بما في يد عبده؟] ومن المدونة قال مالك: ولا يحاص السيد غرماء عبده بما دفع إليه من مال استتجره به، إلا أن يكون عامله بعد ذلك فأسلفه، أو باعه بيعاً صحيحاً

بغير محاباة، فإنه يضرب بذلك فيما دفع إليه من مال ليتجر به وفي مال العبد، وإن دفع إلى سيده في ذلك رهناً كان السيد أحق به، قال: وإن ابتاع من سيده سلعة بثمن كثير لا يشبه الثمن مما يعلم أنه توليج للسيد، فالغرماء أحق بما في يد العبد. قال يحي بن عمر: ويضرب السيد معهم بقيمة السلعة فقط، وتسقط المحاباة. قال مالك: إلا أن يبيعه السيد بيعاً يشبه البيع، فإنه يحاص به الغرماء. قال في العتبية: وإذا فلس وبيده مال لسيده لم يستتجر به، فسيده أحق به، بخلاف ما استتجره به. قال في المدونة: وما وهب للمأذون وقد اغترقه دين فغرماؤه أحق به من سيده، وسيده أحق بكسبه وعمل يده وأرش جراحه وقيمته إن قتل، وإن خارجه سيده لم يكن للغرماء من عمل يده شيء ولا من خراجه ولا مما يبقى بيد العبد بعد خراجه، وإنما يكون لهم ذلك في مالٍ وهب للعبد أو تصدق به عليه أو أوصى له به فقبله العبد. م: وحكي عن الشيخ أبي الحسن القابسي أنه قال: معنى قوله: ويكون دين المأذون له في مال وهب له أو تصدق به عليه.

يريد: أن ذلك وهب له أو تصدق به عليه ليقضي به دينه، فحينئذ يكون لغرمائه أخذه، وأما إن لم يوهب له لذلك فهو بمنزلة ما اكتسبه العبد من غير التجارة. وحكي عن أبي محمد: أن ذلك سواء- وهب له بهذا الشرط أو بغير شرط- لغرمائه أخذه في دينهم؛ لأنه ليس بمال للسيد ولا من كسب عبده. [(2) فصل: في تفليس العبد المأذون] ومن المدونة قال مالك: وإذا أعتق المأذون وعليه دين كان دينه في ذمته، قال: ولو باعه السيد سلعة بعينها، ففلس العبد وهي قائمة بيده، فسيده أحق بها إلا أن يرضى الغرماء بدفع ثمنها للسيد ويأخذونها فذلك لهم، وإن أسلمت إلى عبدك المأذون أو إلى أجنبي مئة دينار في طعام، ثم فلس والدنانير قائمة بيده لم تفت إن شهدت عليها بينة لم تفارقه أنها هي بعينها، فأنت أحق بها من الغرماء. قال ابن وهب عن مالك: ومن ابتاع زيتاً فصبه على زيت له بمضر بينة، ثم فلس المبتاع فالبائع أحق بمقدار زيته منه وهو كعين قائمة، وليس خلط المبتاع إياه يمنع البائع من أخذه، وكذلك من دفع إلى صراف دنانير فصبها في كيسه بمحضر بينة ثم بان فلسه، أو الرجل يشتري بزاً فيرقمه ويخلطه ببز عنده، فليس هذا وشبهه يمنع الناس من أخذ ما وجدوا من متاعهم إذا فلس المبتاع. وقال أشهب: هو أحق بالعرض، وأما العين فهو أسوة الغرماء. وقد تقدم هذا في التفليس.

[(3)] فصل [في إقرار العبد المأذون] [ومن المدونة]: وإقرار المأذون في صحة أو مرض بدين لمن لا يهتم عليه جائز إلا أن يقر بعد قيام غرمائه فلا يجوز؛ كالحر في الوجهين، ويجوز إقراره بالدين فيما بيده من المال وإن حجر عليه سيده فيه ما لم يفلس. قال بعض فقهائنا: وذلك إذا كان بقرب الحجر، وأما إن بعد فلا يقبل قوله. وقال في كتاب ابن المواز: إذا حجر السيد على عبده حجراً بيناً عند الحاكم، أو في سوقه وسائر الأسواق وأذاع على ذلك وأعلنه لم يلزم ما أقر به بعد ذلك لا مستأنفاً ولا قديماً، إلا أن تقوم بينة بدين قديم، قال: وأما إن قامت بينة بإقراره أو بمعاينة حضروها ولا يعلمون قبل الحجر أو بعده فلا يحكم عليه بشيء من ذلك إلا أن يقولوا: إن ذلك كان قبل الحجر، ولو قبلناه كان ذلك إبطالاً للحجر. أبو محمد: وقال محمد بن عبد الحكم: إذا حجر السيد على

عبده المأذون حجراً ظاهراً عند حاكم أو مجامع الناس والأسواق وأذاع ذلك، فأقر بعد ذلك بدين، لم يلزم ذلك فيما في يديه ولا في رقبته. قال: وقال أبو حنيفة النعمان: إن أقر بدين بعد الحجر لم يلزمه في رقبته ويلزمه فيما بيده من متاع، وما كان عليه من دين قبل الحجر فهو أولى مما أقر به بعد الحجر، وكذلك لو مات مولاه ولم يحجر عليه. قال محمد: وهو يقول: إن المأذون يلحق رقبته الدين مع ماله، فإذا كان قد ثبت حجره ولزمه فلم أجاز إقراره بعد الحجر؟ فلا هو جعله حجراً، فأبطل إقراره، ولا هو ألزمه إياه، فجعله فيما في يديه وفي رقبته على أصله في الذي لم يحجر عليه، وحكاية هذا ينوب عن بعضها، وقال بعض أصحابه في هذا بقولنا: إنه لا يلزمه إذا حجر عليه لا فيما بيده ولا في رقبته. والله أعلم بالصواب.

[الباب الثالث] في دعوى السيد مما بيد عبده، وعهدة ما يشتري المأذون، [23/ب] وهل يستتجر عبده النصراني، وإذن الشريك للعبد وقسم ماله

[الباب الثالث] في دعوى السيد مما بيد عبده، وعهدة ما يشتري المأذون، [23/ب] وهل يستتجر عبده النصراني، وإذن الشريك للعبد وقسم ماله. [(1) فصل: في دعوى السيد ما بيد عبده] قال: إذا كان على المأذون دين يحيط بماله، فادعى السيد في مال بيد العبد أنه له، وقال العبد: بل هو لي، فالقول قول العبد، ولو كان محجوراً عليه كان القول قول السيد؛ كقول مالك في ثوب بيد عبد، يقول: فلان أودعنيه، وسيده يدعيه، فالسيد مصدق- من يمينه- إلا أن يقيم فلان بينة. قال بعض فقهائنا: وصورة يمين السيد- إن قال: إن الثوب لي، أو قال: هو لعبدي يعلم أصل شرائه أو ملكه إياه- أن يحلف على البت، وأما إن قال: هو بيد عبدي وحوزه ما أعلم لك حقاً فيه أم لا؟ فلا يمين عليه، إلا أن يدعي مدعيه أن السيد يعلم أنه لي، فليحلف له السيد أنه ما يعلم له فيه حقاً. [(2)] فصل [في عهدة ما يشتري المأذون] قال ابن القاسم: ولا يلزم السيد عهدة ما يشتري المأذون، إلا أن يكون قال للناس: بايعوه وأنا له ضامن، فليزم ذلك ذمة السيد وذمة العبد أيضاً،

ويباع العبد في ذلك إن لم يوف عنه سيده. [(3)] فصل [استتجار العبد النصراني] قال مالك: ولا أرى للمسلم أن يستتجر عبده النصراني ولا يأمره أن يبيع له شيئاً لقول الله سبحانه وتعالى: {وأَخْذِهِمُ الرِّبَا وقَدْ نُهُوا عَنْهُ}. [(4) فصل [في إذن أحد الشريكين في عبد بالتجارة وقسمة ماله] ولا يجوز لأحد الشريكين في العبد أن يأذن له في التجارة دون صاحبه- وإن كانا متفاوضين- وكذلك قسمة ماله لا يلزم من أبى ذلك منهما؛ لأن ذلك ينقص العبد، ومن دعا إلى بيعه منهما فذلك له إلا أن يتقاوياه بينهما.

[الباب الرابع] في التحجير على السفيه وعلى العبد المأذون

[الباب الرابع] في التحجير على السفيه وعلى العبد المأذون [(1) فصل: متى يكون التحجير ملزماً] قال مالك: ومن أراد أن يحجر على وليه فلا يحجر عليه إلا عند السلطان، فيوقفه السلطان للناس، ويسمع به في مجلسه، ويشهد على ذلك، فمن باع أو ابتاع منه بعد ذلك فهو مردود، وكذلك العبد المأذون له في التجارة لا ينبغي لسيده أن يحجر عليه إلا عند السلطان، فيوقفه السلطان للناس، ويأمر به فيطاف به على الناس حتى يعلم ذلك منه. قال بعض فقهائنا: فإذا حجر على المأذون، ثم دفع إليه غريم له دين عليه وهو لا يعلم بتحجير السيد عليه، فلا يعذر بذلك على قول ابن القاسم؛ كالوكيل إذا قبض الدين بعد أن عزل أن الدافع يضمن، ولا يعذر بأنه لم يعلم بالعزل، قال: وهذا إذا كان حين حجر عليه السيد قبض ماله منه، وأما إن حجر عليه وأبقى ماله بيده، فيبرأ من قضاه وهو لا يعلم. قال بعض أصحابنا: وقال غير واحد من فقهائنا الصقليين: وإذا عجز المكاتب وبيده مال، فإن كان قبل الكتابة مأذوناً له في التجارة، بقي على ذلك الإذن حتى يحجر عليه، وإن كان محجوراً عليه فهو على ذلك، إنما يرجع بعد العجز على أصل ما كان عليه. وقال القرويون: إنه لا يبقى مأذوناً له؛ لأن ذلك الإذن المتقدم سقط بعقد الكتابة، فإذا عجز فهو غير مأذون له، فلا يتصرف إلا بإباحة مستأنفة.

[(2) فصل [في تصرف العبد المأذون المحجور عليه بإذن سيده] ولا يجوز للعبد المحجور عليه في ماله بيع ولا إجارة ولا أن يؤاجر عبداً له إلا بإذن سيده في ذلك كله، فإذا لحق المأذون له دين، فليسده أو يحجر عليه، ويمنعه من التجارة، ودينه في ماله ولا شيء للسيد في ماله، إلا أن يفضل عن دينه شيء، أو يكون السيد داينه فيكون أسوة الغرماء، وليس للغرماء أن يحجروا عليه وإنما لهم أن يقوموا عليه فيفلسوه؛ وهو كالحر في هذا. قال في كتاب النكاح: وللعبد أن يتسرر في ماله بغير إذن سيده. م: يريد: إذا كان مأذوناً له. وقال في كتاب الشركة: وللمأذون أن يدفع مالاً قراضاً وقال سحنون: لا يدفع قراضاً ولا يأخذه، وأخذه إياه من الإجارة ولم يؤذن له في الإجارة. تم كتاب المأذون له في التجارة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين.

كتاب اللقطة

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله كتاب اللقطة والضوال والإباق. كتاب اللقطة [الباب الأول] جامع القول في اللقطة [(1) فصل في: الأصل في اللقطة وحكم التصرف فيها] قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) للسائل عن اللقطة: ((اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا وشأنك بها)) قال ابن وهب في العتبية: لغنا أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال في اللقطة: يعرفها سنة، فإن جاء لها طالب أخذها وإلا أنفقها، ثم إن جاء ربها أداها إليه، فإن لم يكن عنده شيء أتبعه بها ديناً، وكان أسوة الغرماء.

قال: وإن مات ولا شيء له فهو في سعة إن شاء الله؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) أذن له في أكلها، وأما الدينار والدريهمات فليعرفها أياماً، فإن لم يجد لها صاحباً، وكان محتاجاً أنفق ذلك على نفسه، وإن كان غنياً تصدق بها عن صاحبها. وقال ابن القاسم: لا ينبغي أن ينفقها قليلة كانت أو كثيرة. [(2) فصل من التقاط الدنانير وما في حكمها] ومن كتاب اللقطة قال مالك: ومن التقط دنانير أو دراهم أو حلياً مصوغاً أو عروضاً أو شيئاً من متاع أهل الإسلام، فليعرفها سنة، فإن جاء صاحبها أخذها، وإلا لم آمره بأكلها قلت أو كثرت، درهماً فصاعداً، إلا أن يحب بعد السنة أن يتصدق بها ويخير صاحبها إن جاء: أن يكون له ثوابها أو يغرمها له فعل. قال ابن القاسم: وأكره أن يتصدق بها قبل السنة، إلا أن يكون الشيء التافه اليسير. وروى ابن حبيب: أن ابن عمر سأل رجل وجد حلياً من الذهب، فقال عرفه، فقال: قد فعلت، قال: عرفه، قال قد عرفته فلم أجد من يعرفه، أفأدفعه إلى الأمير؟ قال: إذن يأخذه. قال: أفأتصدق به؟ قال: تغرم إن جاء صاحبه. قال: فما أصنع به؟ قال: لو شئت لم تأخذه. قال نافع: كان ابن عمر يمر باللقطة فلا يأخذها.

قال مالك في العتبية: لا يحب أن يأخذها من وجدها، إلا أن يكون لها قدر. وقال في موضع: أو تكون لذي رحمه. م: كما قال لآبق إن كان لصديق أو لأخ أخذه، وإلا لم يأخذه، وهو من تركه في سعة. م: قيل: ولا حرج عليه إذا أخذها أن يدفعها إلى مأمون يعرفها، ولا يضمن بخلاف الوديعة التي لم يرض بها إلا أمانته، فلا يدفعها إلى غيره إلا من عذر. وجعلت السنة حداً في التعريف الحديث؛ ولإمكان أن يكون سافر ربها ثم قدم؛ لأن ذلك غالب العادة في الأسفار. [(3) فصل: فيما يلتقطه العبد] من كتاب اللقطة قال مالك: وإذا التقط العبد لقطة فاستهلكها قبل السنة، كان ذلك في رقبته، وإن استهلكها بعد السنة، كانت في ذمته. م: ولم يكن لمولاه أن يسقطها عنه؛ لأن صاحبها لم يسلط يده عليها، ولولا الشبهة لكانت في رقبته.

قال ابن القاسم: وأما جعلها بعد السنة في ذمته؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال للسائل عن اللقطة: ((اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها)). [(4) فصل: في أماكن تعريف اللقطة] وتعرف اللقطة حيث وجدها، وعلى أبواب المساجد، وقاله عمر ابن الخطاب. قال ابن القاسم: وتعرف حيث يعلم [أن] صاحبها هناك أو خبره، ولا تحتاج في ذلك إلى أمر الإمام. [م]: وإنما قال ذلك؛ لأن الإنسان مندوب إلى [فعل] الخير والعون عليه وهذا منه، إذ قد تحصل بيد من لا يؤتمن فتتلف على صاحبها فيأثم خذها، فإذا أحرزها هذا على ربها، فقد أجر في الرجلين. قال أشهب في العتبية: وسئل مالك: أتعرف اللقطة في المسجد، ولو مشى هذا الذي وجده إلى الخلق يعرفهم ويخبرهم ولا يرفع صوته، لم أر به بأساً.

أبو محمد: وذكر بعض أصحابنا: أنه روى ابن نافع عن مالك قال: ينبغي للذي يعرف اللقطة أن لا يريها لأحد، ولا يسميها بعينها، وليقل: من يعرف دنانير أو دراهم أو جزوراً أو شاة أو حلياً أو عروضاً؛ لكي يعمي بذلك؛ لئلا يأتي مستحل فيصفها بصفة المعرف فيأخذها وليست له. وليعرفها بين اليومين والثلاثة وكلما تفرغ، ولا يجب عليه أن يدع ضيعته ويعرفها، ونحوه لأشهب في كتبه. [(5) فصل: في اللقطة تكون من مال الجاهلية] قال في كتاب اللقطة: وما وجد على وجه الأرض مما يعلم أنه من مال الجاهلية، ففيه الخُمس كالركاز، وكذلك ما [وجد بساحل البحر من تصاوير الذهب والفضة ففيه الخمس، وأما التراب] يوجد بساحل البحر، فيغسل فيوجد فيه ذهب أو فضة، ففيه الزكاة كالمعدن. م: وكذلك لأشهب: ما كان من متاع الجاهلية فلا زكاة فيه، وإنما فيه الخمس، ولم يفسر هل ذلك عين أو عرض؟ فإن أراد العين، فهو مثل ما في المدونة، وإن أراد العروض، فذلك يجري على اختلاف قول مالك. وفي كتاب محمد: في مراكب الروم توجد لا رجال فيها، فإن كان فيها ذهب أو فضة فيه لمن وجده، وعليه فيه الخمس كالركاز، وإن كان فيها عروض فأمرها إلى الإمام، وكذلك إذا أخذوهم وما معهم، فهم إلى الإمام يرى فيهم رأيه، ولا شيء لمن وجدهم، وكذلك في المدونة في مراكب الروم إذا انكسرت فيؤخذ ما فيها: أن الإمام يرى فيه رأيه، ولا شيء لمن وجده.

[(6) فصل: متى تسلم اللقطة إلى معرفها] ومن التقط لقطة، فأتى رجل فوصف عفاصها ووكاءها وعدتها، ولزمه أن يدفعها له ويجبره السلطان على ذلك، وفي أمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) الملتقط بمعرفة العفاص والوكاء دليل على أن ربها إذا وصف له ذلك قضي له بها، وإلا فلماذا أمره بذلك؟ قال عبد الوهاب: وقال أبو حنيفة والشافعي: لا تدفع لأحد، إلا أن يقيم بينة أنها له. ودليلنا قوله عليه الصلاة والسلام: ((اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها ووكاءها، فادفعها إليه))، وهذا نص. ولأن قوله: ((اعرف عفاصها ووكاءها)) لا فائدة فيه، إلا أن من عرف ذلك منها دفعت إليه؛ ولأن الضرورة تدعو إلى ذلك، وإلا لم يصل أحد إلى ما يضيع له إذ لا يمكنه الإشهاد على ضياعه. قال أشهب في كتابه: ولو أخطأ في صفتها لم يعطها وإن وصفها مرة أخرى فأصابها لم يأخذها إلا باليمين أنه له، فإن نكل لم يأخذها وإن عاد إلى أن يحلف.

وقال غيره من البغداديين: ذكر العلامة كالبينة، والملتقط لا يدعيها لنفسه. م: هذا إشارة منه إلى أن لا يمين عليه، وما ذكره أشهب وما في كتاب ابن حبيب أبين؛ لأن اليمين في ذلك استظهار-[إن] كان لا منازع له فيها، إذ يجوز ألا تكون له- كما استظهر باليمين للميت وللغائب فيما يثبت عليهما من الدين؛ لإمكان أن يكون قضوا ذلك ولا منازع أن ذلك قد قضي، وإذ قد ينكل، فيكون للفقدى أو لمن يمكن أن يأتي بصفتها ويحلف. قل أشهب: ولو عرف الوكاء وحده وجهل ما بعد ذلك، أو عرف العفاص والعدد ولم يعرف الوكاء، فذلك يجزيه إذا حلف. م: لأنه قد ينسى أحد الوصفين، وفي ذلك اختلاف. قال أشهب: لو عرف العفاص والوكاء وأخطأ في ضرب الدنانير أو الدراهم، لم أر أن يعطى منها شيئاً. م: قال بعض الفقهاء: وهو الأصوب من الأقاويل؛ لأنه إذا ادعى المعرفة ثم خالف الصفة فهو بخلاف الذي جهل أحد الوصفين وعرف الآخر. قال أصبغ في العتبية: وكذلك إن قال دنانير فأصيبت دراهم.

قال محمد بن عبد الحكم: لو أصاب تسعة أعشار الصفة وأخطأ العشر، لم يعط شيئا، إلا في معنى واحد: أن يصف عددا فيصاب أقل منه، فإن أشهب يعطيه إياها، قال: أخاف أن يكون أغفل فيها. يريد: العفاص: ما فيه اللقطة من خرقة أو غيرها، والوكاء: الرباط، وقيل بضد ذلك. قال أصبغ: ولو عرف العفاص وحده وادعى الجهالة فيما سوى ذلك، فليستبرأ ذلك، فإن لم يأت أحد أعطيها هذا؛ كما في شرط الخليطين: بعض أصناف تجزى وإن انجزم بعضها. قال أبو محمد: ورأيت لعض أصحابنا البغداديين من رواية عون: أنه لا يأخذها إلا أن يعرف العفاص والوكاء. قال أصبغ: لو عرف واحد العفاص والوكاء، ووصف آخر عدة الدنانير ووزنه كانت لمن عرف العفاص والوكاء، وكذلك لو لم يعرف إلا العفاص

وحده كان أحق بها بعد استيناء. وروى ابن حبيب في الذي عرف العفاص والوكاء عن أصبغ مثله، وزاد: ولكني أستحسن أن تقسم بينهما؛ كما لو اجتمعا على معرفة العفاص والوكاء ويتحلفان، فإن نكل أحدهما دفعت إلى الحالف. [(7) فصل: إذا دفع اللقطة لمن عرفها ثم جاء معر آخر، وكيف إن وجدت اللقطة في قرية ليس بها إلا أهل ذمة، وحكم الإيجاز باللقطة] ومن كتاب اللقطة: ومن التقط لقطة، فأتى رجل فعرف عفاصها ووكاءها وعددها، لزمه أن يدفعا إليه، ويجبره السلطان على ذلك، فإن جاء آخر بوصف مثل ما وصف للأول، أو أقام بينة أن تلك اللقطة كانت له، فلا شيء له على الملتقط؛ لأنه دفعها بأمر يجوز له. وقال أشهب في كتابه: لا يضمن الدافع، إلا أنه إن كان الثاني إنما وصفها فلا شيء له، وإن كان أقام بينة فهي له، ويأخذها من الأول؛ كما لو ادعاها ملتقطها ثم جاء من أقام البينة فهو أحق بها، ولا يستحقها بالصفة. قال: ولو أخذها الأول من ملتقطها ببينة بأمر السلطان أو بغير أمره، ثم جاء ثان وأقام بينة أنها له، فهي لأولهما ملكاً بالتاريخ، فإن لم يكن لذلك تاريخ، فهي لأعدلهما بينة، فإن تكافأتا، كانت لمن [في يديه] وهو الأول بعد يمينه أنها [له] ما يعلم لصاحبه فيها حقاً، فإن نكل حلف صاحبه وأخذها، فإن نكل فهي للأول بلا يمين. م: ويحتمل عند أصل ابن القاسم أن تقسم بينهما عند تكافؤ البينة

وإن حازها الأول؛ لأنه مال قد عرف أصله؛ لقوله: فيمن ورث رجلاً بولاء يدعيه وأقام على ذلك ببينة، وأقام آخر ببينة أنه مولاه، وتكافأتا، فالمال يقسم بينهما؛ لأنه مال قد عرف أصله. وقال غيره: هو لمن هو بيده، وهذا نحو قول أشهب هاهنا، وكذلك الحكم لو أخذها الأول بالصفة، فأتى آخر [بوصف بعد] دفعها أو تحقق أنه لم يسمع صفة الأول لها، لا نبغي أن تكون للأول على قول أشهب، وتقسم بينهما على قول ابن القاسم كقيام البينة في ذلك، وأما إن دفعت إلى الأول ثم آتى آخر يعد حين وصفها، فلا خلاف أنه للأول؛ لأن الثاني يحتمل أن يكون سمع صفتها من الأول، والله أعلم ولو أخذها الأول بالصفة، ثم آتى آخر فأقام البينة أنه له، وأقام الأول البينة أنه له، وتكافأتا في العدالة، لوجب أن تبقى للأول؛ لأنه زاد الصفة التي أخذها بها. قال بعض فقهائنا القرويين: ولابن الماجشون: إذا أتى رجل فوصفها أو أقام البينة أنه له، فقال ملتقطها: دفعتها لمن وصفها ولا أعرفه ولم أشهد عليه، ضمن لتفريطه إذا دفع بغير إشهاد، ولو أثبت الدفع لبرئ وكانت الخصومة بين الأول والثاني، ولو [دفعها] بالصفة ولم يحلفه، ضمن إذا فلس القابض أو أعدم. وروي عن ابن القاسم: أن اللقطة توجد في قرية ليس فيها إلا أهل الذمة. قال: تدفع إلى أحبارهم. ومن كتاب اللقطة قال: ولا يتجر باللقطة السنة ولا بعد السنة كالوديعة.

[(8) فصل: التقاط الطعام وشبهه] قال مالك: ومن التقط ما لا يبقى من الطعام فأعجب إلي أن يتصدق به كثر أو قل، ولم يؤقت مالك في التعريف وقتًا. قال ابن القاسم: فإن أكله أو تصدق به، لم يضمنه لربه كالشاة يجدها في الفلاة، إلا أن يجده في غير فلاة. وقاله أشهب في كتبه. قال: فأما في غير الفيافي، فإنه يبيعه ويعرف به، فإن جاء ربه دفع إليه الثمن، وليس له غير ذلك. قال ابن حبيب: وقال مطرف: ومن التقط ما لا يبقى من الطعام في الحضر وحيث الناس، فالصدقة أحب إلي من أكله، فإن تصدق به، لم يضمنه لربه إن جاء؛ لأنه مما يؤول بالإمساك إلى الفساد، ولو كان أكله لضمنه لصاحبه [وإن] كان تافهاً؛ لانتفاعه به، ولو كان في السفر وحيث لا ناس فأكله؛ فلا يضمنه لربه إذا كان مما لا يبقى ولا يحمل حملاً يرجى بقاؤه وتزوده إلى اليوم ونحوه، ويصير كالشاة في الفلاة، وأكله حينئذٍ أفضل من طرحه، فإن كان مما يبقى ويتزود فإنه يضمنه، أكله أو تصدق به. وقاله أصبغ. م: وهذا استحسان، وهو كالشاة يجدها في الفلاة.

[(9) فصل: إذا بيعت اللقطة بعد عام ثم جاء صاحبها] ومن اللقطة: وإن بيعت اللقطة بعد السنة، فليس لربها إن جاء أن يفسخ البيع، وإن بيعت دون أمر الإمام فلربها أخذ الثمن ممن قبضه، وكذلك قال ابن القاسم في غير المدونة في الدواب إذا بيعت. وقال أشهب في كتبه: وإن بيعت لغير أمر السلطان بعد السنة فلربها نقض البيع، وإن لم يقدر عليها فلا شيء له غير الثمن إن باعها خوفاً من الضيعة، وأما إن باع الثياب وما لا مؤونة في بقائه ولا ضرورة به إلى ذلك، فربه أحق به إن وجده بيد المبتاع، وإن لم يجده فله إن شاء الثمن من البائع أو القيمة يوم بيع، وكل ما بيع [من هذا كله] بأمر السلطان مضى البيع، وليس لربه إلا الثمن. م: جعل أشهب بيعه للثياب بعد السنة دون أمر الإمام تعدياً، وجعله ينقض البيع في الدواب إن كانت قائمة، والحديث يدل على خلافه، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((وإلا فشأنك بها))، فقول ابن القاسم لهذا أبين. [(10) فصل: إذا تصدق باللقطة بعد عام ثم جاء صاحبها] ومن المدونة: وإذا تصدق باللقطة بعد السنة، ثم جاء ربها، فإن كانت قائمةً بيد المساكين فله أخذها، وإن أكلوها فليس له تضمينهم؛ لأنه [قد قيل في] اللقطة يعرفها سنة ثم شأنه بها، بخلاف الموهوب يأكل الهبة

ثم [تستحق، هذا] لربها [أن يضمنه إياها]. م: إن تصدق بها بعد [أن التزم] قيمتها لربها، فربها مخير بين أن يلزمه ما التزم، أو يأخذها من أيدي المساكين، فإن تصدق بها تعدياً أو عن ربها، فليس لربها إلا أخذها، وإن فاتت في الوجهين لزم ملتقطها قيمتها. قال أشهب: إن تصدق بها عن ربها فوجدها ناقصةً، فله أخذها، ولا شيء له على الملتقط، أو يتركها ويأخذ من الملتقط قيمتها يوم تصدق بها ويرجع الملتقط فيأخذها بنقصها من المساكين، ولا شيء له عليهم، فإن تصدق بها عن نفسه فلربها أخذها منهم، أو قيمتها من الملتقط، ثم لا يرجع الملتقط على المساكين بشيء، ولو أكلها المساكين فلربها تضمينهم مثلاً أو قيمة، إلا أن يبيعوها فليس له إلا الثمن أو القيمة من المتصدق بها عن نفسه أو عن ربها. قال ابن القاسم: وإن وجدت بيد من ابتاعها من المساكين، فله أخذها ثم يرجع المبتاع على الملتقط، وقال غيره: يرجع عليه بالأقل من الثمن الذي دفع إلى المساكين أو قيمتها يوم تصدق بها الملتقط. م: جعل ابن القاسم أن لربها نقض بيع المساكين، وليس له نقض بيع الملتقط، والفرق أن الملتقط باعها خوفاً من ضياعها، وأوقف له ثمنها، فلم ينقض بيعه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((فشأن بها))، والمساكين إنما

باعوها على أنها ملك لهم، فلمستحقها نقض بيعهم؛ كنقضه بيع المشتري في الاستحقاق. م: فإذا أخذها من المبتاع رجع المبتاع بالثمن على المساكين إن كان قائماً بأيديهم؛ كما كان لربها أن يأخذ عينها منهم، وإن أكلوه فالأولى أن يرجع على الملتقط الذي سلط أيديهم عليها؛ كما لو أكلوها، وينبغي أن يرجع عليه بالأقل من ثمنها أو قيمتها يوم الصدقة بها، ويرجع بتمام ثمنها على المساكين؛ لأنهم البائعون منه، وبالله التوفيق. [(11) فصل: في ضياع اللقطة من الملتقط ومتى يضمنها] ومن اللقطة: وإن ضاعت اللقطة من الملتقط، لم يضمن. قال أشهب وابن نافع: وعليه اليمين. قال ابن القاسم: وإن قال له ربها: أخذتها لتذهب بها، وقال هو: بل لأعرفها، صدق الملتقط. قال أشهب: بغير يمين. قال ابن القاسم: ومن التقط لقطة فبعد أن حازها وبان بها، ردها لموضعها أو لغيره ضمنها، فأما إن ردها في موضعها مكانه من ساعته، كمن مر في أثر رجل فوجد شيئاً فأخذه، وصاح به أهذا لك؟ فيقول له لا، فتركه، فلا شيء عليه، وقاله مالك في واجد الكساء بأثر رفقة فأخذه وصاح بهم: أهذا لكم؟ فقالوا: لا، فرده. قال: قد أحسن في رده، ولا يضمن.

قال أشهب في غير المدونة: ولا يضمن رده بقرب ذلك أو ببعد، ولا إشهاد عليه في رده، وأكثر ما عليه أن يحلف: لقد رددتها في موضعها، فإن ردها في غير موضعها ضمن، وقول أشهب في هذه المسائل ليس من المختلطة. م: ووجه التفرقة بين القرب والبعد؛ فلأنه في البعد قد يمكن أن يكون ربها رجع في طلبها فلم يجدها، فيكون قد أتلفها عليه بأخذه لها، وفي القرب لم يتلف عليه شيئاً، فوجب ألا يضمن، ووجه قول أشهب؛ فلأنه كالمودع فكما يصدق في تلفها، فكذلك يصدق في ردها؛ وكرده لما يتسلف من الوديعة. قال ابن القاسم في غير المختلطة: وإذا دفع الملتقط اللقطة إلى غيره ليعرف بها فضاعت، فلا شيء على الملتقط، وقاله ابن نافع عن مالكٍ قال ابن كنانة: وكذلك لو دفعها إليه ليعمل بها ما شاء، فلا شيء عليه.

كتاب الضوال

كتاب الضوال [الباب الأول] جامع القول في ضالة الماشية والدواب [(1) فصل: في ضالة الغنم] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للسائل عن ضالة الغنم: ((هي لك أو لأخيك أو للذئب)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((ضالة الإبل مالك ولها، معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها)). م: فأخبر صلى الله عليه وسلم أن تركها هو الواجب، ولو أخذها أحد ثم ردها لم يضمنها، ولو أنفق عليها في الموضع الذي يؤمن عليها فيه- ولو بقيت لعاشت بالمرعى- لا انبغى ألا يكون للمنفق عليها شيءٌ، وإنما أوجب له الرجوع في المدونة؛ لأن رب الإبل أسلمها. قال ابن حبيب: وذكرت امرأةٌ لعائشة رضي الله عنها أنها وجدت شاةً، فقالت لها: عرفي واعلفي واحلبي واشربي. قال مالك- فيمن وجد ضالة الغنم بقرب العمران: يعرف بها في أقرب القرى إليه ولا يأكلها، ولو كانت في المهامة والفلوات أكلها، ولا يعرف بها، ولا

يضمن له بها شيئاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((هي لك أو لأخيك أو للذئب)). قال سحنون: فيمن وجد شاةً اختلطت بغنمه فهي كاللقطة يتصدق بها- يريد بعد السنة- فإن جاء ربها ضمنها له، قال: وله شرب لبنها، وهذا خفيف؛ لأنه يرعاها ويتفقدها. قال ابن نافع- في موضع آخر-: قال مالك: فإن ذبحها قبل السنة ضمنها لربها، إلا أن يخاف موتها، فيذكيها فلا شيء عليه. وكذلك قال في غير رواية ابن نافع: فإن ذبحها وأكلها بعد السنة ثم جاء ربها، فعليه غرمها. وقال أصبغ في العتبية- فيمن وجد شاةً بفلاة، فذبحها ثم أتى بلحمها إلى الأحياء- أن له أكله كان غنياً عنه أو لم يكن غنياً، ويصير لحمها وجلدها مالاً من ماله، ويطيب له، وليس عليه أن [يعرفها]، فإن أكلها ثم اعترفها ربها، فلا ضمان عليه، إلا أن يأتي ربها وهي في يديه فهو أحق بها، وأما لو قدم بها الأحياء وهي حيةٌ كان عليه التعريف، أو يضمها إلى أهل قرية يعرفونها، ولا يأكلها الآن، وتكون كاللقطة. قال غيره في غير العتبية: من التقط طعاماً في فيافي الأرض،

فحمل ذلك إلى العمران، فليبع الطعام، ويوقف ثمنه، فإن جاء طالبه إليه أخذه، وإن أكل الطعام أو الإدام بعد قدومه به إلى العمران، ضمنه لربه. م: وعلى هذا القول يضمن اللحم إن أكله، خلافاً لأصبغ. قال ابن حبيب: قال مطرف عن مالك: إذا وجد الغنم في قرب العمران، فعرفها ولم يأت لها ربها، فالصدقة بثمنها أحب إلي من الصدقة بها، وكذلك الاستيناء بثمنها أحب إلي، وليس بواجب، ونسلها مثلها، وأما اللبن والزبد: فإن كان بموضع لذلك ثمن فليبع، ويصنع بثمنه ما يصنع بثمنها، فإن كان له بها قيام وعلوفة، فله أن يأكل منه بقدر ذلك، وأما بموضع لا ثمن له فليأكله، وأما الصوف والسمن، فليتصدق به أو بثمنه. قال مالك في العتبية: فإن تصرف بها أو بثمنها، ثم جاء ربها فلا شيء له، بخلاف المال. [(2) فصل: في ضالة البقر والإبل] ومن المختلطة قال ابن القاسم: وضالة البقر إن كانت بموضع يخاف عليها، فهي كالغنم، وإن كانت بموضع لا يخاف عليها من السباع والذئاب فهي كالإبل. قال مطرف عن مالك: ضالة البقر كالغنم إذا وجدها بالفلاة أكلها ولا يضمنها، وإن وجدها بقرب العمران عرف بها، ولا بأس أن يكريها في علوفتها كراء مأموناً من التلف.

قال ابن القاسم: وإن وجد ضالة الإبل في الفلاة تركها، فإن أخذها عرف بها سنةً، وليس له أكلها أو بيعها، فإن لم يجد ربها، فليخلها بالموضع الذي وجدها فيه. قيل لمالك في العتبية: أفيشهد على ذلك؟ قال: أما المتهم فهو خيرٌ له، وليس ذلك على المأمون. قال في المختلطة: وإن رفعت إلى الإمام فلا يبعها، وليفعل بها هكذا، وكذلك فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان عثمان يبيعها ويوقف أثمانها لأربابها، وأخذ به بعض الرواة لفساد الزمان. قال مالك في غير المختلطة: وكان علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه قد بنى للضوال مربداً يعلفها فيه علفاً لا يسمنها، ولا يهزلها من بيت المال، فمن أقام بينة على شيء منها أخذه، وإلا بقيت على حالها، واستحسن ذلك سعيد بن المسيب. قال أشهب في كتابه: فإن كان الإمام غير عدلٍ، فلا يرفعها إليه،

وليخلها حيث وجدها، وإن كان عدلاً رفعها إليه. قال: وإن لم تكن للإبل [منعةٌ]، فهي كالغنم، له أكلها إذا وجدها بالفلاة ولا [يغرمها] إن جاء ربها. [(3) فصل: في ضالة الخيل والبغال والحمير، وفيما أنفق على الضوال] ومن المختلطة قال ابن القاسم: والخيل والبغال والحمير إذا التقطها رجل فليعرفها، فإن جاء ربها أخذها، وإن لم يأت ربها تصدق بها. م: يريد يتصدق بها أو بثمنها. وما أنفق على ما التقط من عبدٍ أو أمةٍ أو على إبل قد كان ربها أسلمها أو على بقرٍ أو غنم أو متاعٍ أكرى عليه أو على حمله من موضع إلى موضع بأمر السلطان أو بغير أمره ليس لرب ذلك أخذه حتى يدفع إليه ما أنفق، فيأخذه إلا أن يسلمها إليه، فلا شيء عليه. قال في كتاب الرهون: وهو أحق بذلك من الغرماء حتى يقبض ما أنفق. قال أشهب في كتابه: فإن أسلمها فيها، ثم بدا له أن يطلبها، ويؤدي النفقة فليس له ذلك. قال: ولا أحب أخذ الخيل والبغال والحمير، فإن أخذها أحدٌ فليعرفها سنةً ثم يتصدق بها. قال ابن كنانة: لا ينبغي أن تؤخذ ولا ينفق عليها؛ لأن النفقة سببٌ إلى

إخراجها من يد ربها، وربما جاوزت النفقة ثمنها. والله أعلم. م: قال بعض الفقهاء: إن كان ينفق عليها من غلتها، فليعرفها سنةً، وإن كان لا عمل لها وكانت النفقة عليها سنةً تستغرق ثمنها، فلتبع قبل السنة بقدر اجتهاد الحاكم؛ لأن ذلك أنفع لربها. قال ابن حبيب عن مطرف: وله أن يركبها من موضع وجدها إلى موضعه، فأما في حوائجه فلا، فإن فعل ضمن. قال: وله كراؤها في علفها كراءٌ مأموناً لا يجر إلى عطب ما بينه وبين أن يبيعها، ويتصدق بثمنها، أو يأتي صاحبها، وإذا أحب أن يبيعها رفع ذلك إلى الإمام إن كان مأموناً، إلا فيما خف من الشاة والشاتين، فلا بأس أن يبيعه ويشهره، وقاله أصبغ. تم كتاب الضوال من كتاب الجامع للشيخ أبي محمد بن يونس الصقلي بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، يتلوه كتاب اللقطة.

[كتاب الإباق]

[كتاب الإباق] [الباب الأول] في حبس الآبق والجعل عليه، وكيف إن أطلقه من أخذه أو أبق منه، واعتراف سيده به وهو في السجن أو بعد بيع السلطان له، ومسائل مختلفة منه. [(1) فصل: في حبس الآبق] قال مالك: لم أزل أسمع أن الآبق يحبس على ربه سنة، ثم يباع. ومن أخذ آبقاً رفعه إلى الإمام، يوقفه سنةً وينفق عليه ويكون فيما أنفق عليه كالأجنبي، فإن جاء صاحبه، وإلا باعه وأخذ من ثمنه ما أنفق، وحبس بقية الثمن لربه في بيت المال. قال سحنون في غير المدونة: لا أرى أن يوقف سنةً، ولكن بقدر ما يتبين أمره ثم يباع، ويكتب الحاكم صفته عنده حتى يأتي له طالب. م: وهو الصواب؛ لأن النفقة عليه سنة ربما أذهبت ثمنه، ولكن الحكام يجتهد في تعريفه، ثم يبيعه، ويوقف بقية الثمن لربه، وذلك أنفع له. وقال أشهب: إطلاقه أنفع لربه؛ لأن ربه قد يجده، وإذا حبسه وأنفق عليه، فقد تستغرق نفقته ثمنه. ومن كتاب الآبق: وأمر مالك ببيع الأباق بعد السنة، ولم يأمر بإطلاقهم يعملون ويأكلون، ولم يجعلهم كضوال الإبل؛ لأنهم يأبقون ثانية. قال مالك في سماع أشهب في الآبق: إذا عرف به، فلم يعرفه أحدٌ، فليخله خيرٌ من أن يبيعه، فيهلك ثمنه ويؤكل، أو يحبس فلا يجد من يطعمه.

م: قال في ضالة الخيل والدواب: يعرفها، فإن جاء ربها أخذها، وإن لم يأت تصدق بها، يريد: أو بثمنها، وقال في الآبق: يحبسه سنةً، فإن جاء صاحبه، وإلا باعه، وأخذ من ثمنه ما أنفق عليه وحبس بقية الثمن لربه، والفرق: أن الآبق إنما باعه الإمام، والحكم فيما باعه الإمام: أن يوقف ثمنه لربه في بيت المال، والخيل وغيرها من الدواب، الملتقط هو الذي أوقفهم عنده، فلذلك قال: يتصدق بهم أو بأثمانهم، ولو رفعهم إلى الإمام فباعهم الإمام بعد الاستيناء لأوقف بقية أثمانهم كالآبق. قاله بعض أصحابنا. [(2) فصل: في الجعل على الآبق وكيف إن أطلقه من أخذه أو أبق منه] ومن كتاب الآبق: قيل: هل لمن وجد آبقاً خارج المصر جعل إن طلبه؟ قال: قال مالك: فيه:- ولم يذكر خارج المصر أو داخله- إن كان ذلك شأنه يطلب الضوال كذلك ويردها، فله الجعل بقدر بعد الموضع الذي وجده فيه أو قربه، وإن لم يكن ذلك شأنه، وإنما وجده فأخذه فلا جعل له، وله نفقته. قال مالك: ومن أخذ آبقاً، فأبق منه فلا شيء عليه، وإن أرسله بعد أن أخذه ضمنه. قال عبد الله بن عبد الحكم: ولو خلاه بعد أن أخذه لعذر خاف أن يقتله أو يضر به، فلا شيء عليه، وإن أرسله لشدة النفقة، فهو ضامنٌ.

قال أشهب في كتبه: وإن أرسله في حاجة فأبق؛ والحاجة يوبق في مثلها، فهو ضامنٌ، وأما حاجة خفيفة في قربه، فلا شيء عليه. قال ابن نافع: من أخذ آبقاً فقال: أبق مني، فليكشف أمره، فإن كان من أهل التهم، فإن ظهر أنه أطلقه ضمن، وإلا لم يضمن، وجعل له على طلبه جعل أم لم يجعل. قال ابن الماجشون: إذا قال: انفلت مني، لم يكلف بينة على ذلك، وليحلف لقد انفلت منه من غير تفريط ولا إضاعة. [(3) فصل: في اعتراف السيد بالآبق] ومن كتاب الآبق قال مالك: ومن اعترف آبقاً عند السلطان وأتى بشاهد، حلف معه، وأخذ العبد. قال مالك: ولا يستحلف طالب الحق مع شاهدين- يعني: في المال- وإن ادعى أن هذا الآبق عبده، ولم تقم بينة، فإن صدقه العبد دفع إليه. يريد: بعد التلوم ويضمنه إياه. قال أشهب في كتبه: بعد أن يحلف مدعيه، ثم إن جاء له طالب لم

يأخذه إلا ببينةٍ عادلةٍ، وإن أقر له العبد بمثل ما أقر به للأول من الرق. قال سحنون في كتاب ابنه: وإن أقر له العبد بمعرفته، فليدفعه إليه، ولا يكلفه بينةً؛ إذ لا خصم له فيه إلا أن يأتي بحدثان ما صار إلى الحاكم، فيتلوم له قليلاً خوفاً أن يأتي له طالبٌ غيره، فأما إن مكث أياماً في الحبس فهذا تلومٌ، وإن طال مقامه في الحبس فهو أبين أن يدفعه إليه، ولا يتلوم له؛ لأن طول سجنه تلوم، ثم رجع سحنون، فقال: لا يدفع إليه إلا ببينةٍ عادلةٍ، طال مكثه أو لم يطل. ومن كتاب الآبق: وقال مالك في متاع وجد مع اللصوص يدعيه قومٌ لا يعرف ذلك لهم إلا بقولهم إن الإمام يتلوم فيه، فإن لم يأت سواهم دفعه إليهم، فكذلك الآبق. قال أشهب: لأن هذا أكثر ما يقدر عليه فيه. قال مالك: وإذا جاء رب الآبق بعد أن باعه الإمام بعد السنة، والعبد قائمٌ، فليس له إلا الثمن، ولا يرد البيع؛ لأن الإمام باعه، وبيع الإمام جائزٌ، ولو قال ربه: كنت أعتقته، أو دبرته بعد أن أبق، قبل أن يأبق، لم يقبل قوله على نقض البيع إلا ببينةٍ؛ لأنه لو باعه هو بنفسه ثم قال: كنت أعتقته، أو دبرته لم يقبل قوله، وكذلك إن كانت أمةً فباعها الإمام بعد السنة ثم جاء ربها، فقال: قد

كانت ولدت مني، وولدها قائمٌ، فإنها ترد إليه إن كان ممن لا يتهم فيها- بصبابة- لأن مالكاً قال: فمن باع جاريةً وولدها ثم استلحق الولد أنه إن كان ممن لا يتهم على مثلها ردت عليه، ولو قال: كنت أعتقتها، لم يصدق ولم ترد إليه إلا ببينة. قيل: فإن لم يكن معها ولدٌ فقال بعدما باعها: كانت ولدت مني، قال: أرى أن ترد عليه إن لم يتهم فيها، كذلك بلغني عن مالك، ووقع في رواية الدباغ قال: أرى ألا ترد إليه. قال: ويجوز لسيد الآبق عتقه وتدبيره وهبته لغير الثواب، ولا يجوز له بيعه، ولا هبته لثواب، وإذا زنى الآبق أو سرق أو قذف أقيم عليه الحد في ذلك كله.

[الباب الثاني] في كتب القضاة إلى القضاة في الإباق والدواب، والشهادة في ذلك، وعدالة البينة

[الباب الثاني] في كتب القضاة إلى القضاة في الإباق والدواب، والشهادة في ذلك، وعدالة البينة. [(2) فصل: في كتب القضاة إلى القضاة في الإباق والضوال من الدواب] قال ابن القاسم: وإذا أتى رجل إلى قاضٍ بكتابٍ من قاضٍ يذكر فيه: أنه قد شهد عندي قومٌ: أن فلاناً صاحب كتابي إليك قد هرب منه عبد صفته كذا، فجلاه ووصفه في الكتاب، وعند هذا القاضي عبدٌ آبقٌ محبوسٌ على هذه الصفة، فليقبل كتاب القاضي، والبينة التي شهدت فيه على الصفة، ويدفع إليه العبد، قيل: وترى للقاضي الأول أن يقبل منه البينة على الصفة ويكتب بها إلى قاضٍ آخر؟ قال: نعم: لأن مالكاً قال في المتاع الذي سرق بمكة إذا اعترفه رجلٌ ووصفه ولا بينة له: استأني الإمام فيه، فإن جاء من يطلبه وإلا دفعه إليه، فالعبد الذي أقام البينة على صفته أحرى أن يدفع إليه. فإن ادعى العبد ووصفه، ولم يقم البينة عليه، فأرى أنه مثل المتاع ينتظر به الإمام ويتلوم له، فإن جاء أحدٌ يطلبه، وإلا دفعه إليه وضمنه إياه. قيل: ولا يلتفت هاهنا إلى العبد إن أنكر أن هذا مولاه، إلا أن يقر أنه عبدٌ لفلانٍ ببلد آخر قال: فإن السلطان يكتب إلى ذلك الموضع، وينظر إلى قول العبد، فإن كان كما قال، وإلا ضمنه هذا وأسلمه إليه كالأمتعة. قال مالك: ومن اعترفت من يده دابةٌ، وقضي عليه، فادعى أنه اشتراها من بعض البلدان، وأراد أن لا يذهب حقه، فله وضع قيمتها بيد عدل، ويمكنه القاضي من الدابة ليخرج بها إلى بلد البائع منه؛ لتشهد البينة على عينها، فإن قال مستحقها: أنا أريد سفراً وإنما أراد هذا أن يعوقني عنه،

قيل له: فاستخلف من يقوم بأمرك، ويمكن المطلوب من الخروج بها، ويطبع في عنقها، ويكتب له كتابٌ إلى قاضي ذلك البلد: أني قد حكمت بهذه الدابة لفلان، فاستخرج لهذا ماله من بائعه، إلا أن تكون للبائع حجةٌ، فإن تلفت الدابة في ذهابه أو رجوعه أو عورت أو انكسرت أو نقصها في ذهابه أو مجيئه، فهي من الذاهب بها، والقيمة للذي اعترفها، إلا أن يرد الدابة بحالها، وكذلك الرقيق إلا أن تكون جاريةٌ، فإنه إن كان أميناً، دفعت إليه، ولا فعليه أن يستأجر أميناً يذهب بها معه، وإلا لم تدفع ليه. قيل: فإذا وصل كتاب القاضي إلى القاضي وثبت عنده بشاهدين، هل يكلف الذي جاء بالبغل أن يقيم بينةً أن هذا البغل هو الذي حكم به عليه؟ قال: إن كان البغل موافقاً لما في كتاب القاضي من صفته، وصفة خاتم القاضي في عنقه، لم يكلف ذلك. [(1) فصل: في الشهادة في الإباق وعدالة البينة] وإن شهد عنده قومٌ غرباء في بلد لا يعرفون لم يقبلوا؛ لأن البينة لا تقبل إلا بعدالة، وإن شهد قومٌ على حق، فعدلهم قومٌ غير معروفين، وعدل المعدلين آخرون، فإن كان الشهود غرباء جاز ذلك، وإن كانوا من أهل البلد لم يجز ذلك؛ لأن القاضي لا يقبل عدالة على عدالةٍ إذا كانوا من أهل البلد حتى تكون العدالة على الشهود أنفسهم.

[الباب الثالث] جامع بقية مسائل الآبق

[الباب الثالث] جامع بقية مسائل الآبق [المسألة الأولى: إذا وجد آبق يعرف مكان سيده] قال مالك: ومن وجد آبقاً فلا يأخذه إلا أن يكون لقريبه أو لجاره أو لمن يعرفه، فأحب إلي أن يأخذه، قال ابن القاسم: فإن لم يأخذه أيضاً فهو في سعة. قال أشهب في كتبه: إن كان مكان سيده بعيداً فتركه أحب إلي، وإن أخذه فهو في سعةٍ، وإن كان سيده قريب المطلب فليأخذه أحب إلي من تركه فيتلف، وإن تركه فهو في سعةٍ. [المسألة الثانية: الآبق إذا عرفه سيده ولم يعرف السيد من بيده العبد] قال مالك: والآبق إذا اعترفه ربه من يديك ولم تعرفه، فأرى أن ترفعه إلى الإمام إن لم تخف ظلمه. قال أشهب: وإن أقر له العبد بالملك، فأنت في سعة من دفعه إليه، ودفعك إليه بأمر الإمام أحب إلي، وإن جحد العبد أن يكون سيده فلا يدفعه إليه، فإن فعلت ضمنته قال: وكذلك إن اعترفه ربه بيد الحاكم، ولم تقم بينةٌ لم يدفع إليه إلا أن يقر له العبد بالملك؛ لأنه لو اعترف بالرق لغيره لكان له، ولم تقم بينةٌ لم يدفع إليه إلا أن يقر له العبد بالملك؛ لأنه لو اعترف بالرق لغيره لكان له، ولم ينفع هذا ما عرف من تحليته وصفته.

[المسألة الثالثة: في استئجار الآبق ولمن تكون أجرته؟] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن استأجر آبقاً فعطب في عمله ولم يعلم أنه آبقٌ، ضمنه لربه، وقاله مالك فيمن واجر عبداً على تبليغ كتابٍ إلى بلد ولم يعلم أنه عبد فعطب في الطريق: أنه يضمنه لربه؛ لأن من ابتاع سلعة من السوق فأتلفها هو نفسه، أنه يضمنها. وقال أشهب في كتبه: لا ضمان عليه إذا علم أنه لم يعلم أنه مملوكٌ، وإنما يضمن من استعمل عبداً، أو مولى عليه- وهو يعلم بذلك- عملاً مخوفاً فتلف فيه. قال ابن القاسم: وإن واجرت الآبق، فالإجارة لربه، وإن استعمله لزمك قيمة عمله لربه؛ لأن ضمانه منه ونفقته عليه، وإنما يضمن الآبق إذا استعمله في عمل يعطب في مثله فهلك فيه، وإن استعمله في شيء، فسلم، فلربه الأجر فيما له بالٌ من الأعمال، وكذلك من استعمل عبداً لرجل. [المسألة الرابعة: في إباق المكاتب] وإذا أبق المكاتب لم يكن ذلك فسخاً لكتابته إلا بعد حلول النجم، وبعد تلوم الإمام له [المسألة الخامسة: في عتق الآبق في واجب] ومن أعتق عبداً له آبقاً عن ظهاره لم يجزئه؛ إذ لا يدري أهو حيٌّ أو ميتٌ أو معيبٌ أو سليمٌ إلا أن يعرف في الوقت موضعه وسلامته من العيوب فيجزئه، أو يعلم ذلك بعد العتق فيجزئه، وإن جهله أولاً. [المسألة السادسة: في بيع الآبق] وإذا علم أن الآبق عند رجلٍ، جاز أن يباع منه أو من غيره ممن يوصف له، إذا

وصف أيضاً للسيد حاله الآن وصفته، ولا يجوز النقد فيه إذا كان بعيداً، وهو كعبدٍ غائبٍ لرجلٍ باعه. وقال أشهب في كتبه: لا يجوز النقد فيه، وإن كان على مسيرة ليلةٍ. قال أبو محمد: وليس هذا قول مالك في شراء الغائب. قال سحنون: وإن وقع الآبق عند حاكم عدلٍ فحبسه ينتظر به مولاه، فباعه وهو في السجن، فلا يجوز بيعه إياه؛ لأن فيه خصومة؛ لأن مولاه لا يأخذه بدعواه إلا ببينةٍ، فباعه قبل أن يستحقه. [المسألة السابعة: في إباق العبد الرهن] ومن كتاب الآبق: وإذا أبق العبد الرهن لم يضمنه المرتهن، وصدق في إباقه، ولا يحلف وكان على حقه- وفي رواية الدباغ ويحلف- فإن وجده سيده، وقامت الغرماء عليه، فالمرتهن أولى به إذا كان قد حازه المرتهن قبل الإباق، إلا أن يعلم المرتهن بكونه بيد الراهن فتركه حتى فلس، فهو إسوة الغرماء.

[المسألة الثامنة: إذا أبق عبد مسلم إلى دار الحرب] وقال مالك: وإذا أبق عبدٌ مسلمٌ إلى دار الحرب، فدخل إليهم مسلمٌ بأمان، فاشتراه لم يأخذه منه سيده إلا بالثمن الذي أداه، اشتراه بأمره أو بغير أمره، وكذلك عبيد أهل الذمة، وإذا أسر العدو ذمياً، فظفرنا به رد إلى جزيته، وقع في المقاسم أو لم يقع؛ لأنه لم ينقض عهداً ولم يحارب، فإن فات العبد بعتقٍ عند الذي اشتراه ببلد الحرب أو كانت أمة فأولدها مشتريها مضى ذلك ولم يرد، بخلاف من ابتاع عبداً في سوق المسلمين ولا يعلم أن له سيداً غير الذي باعه، ثم استحقه سيده أنه يأخذه؛ لأن هذا يأخذه بغير ثمنٍ، والأول لا يأخذه إن شاء إلا بالثمن، ما لم يفت بعتقٍ كما ذكرنا.

جامع مسائل من التعدي وهي متقدمة في اللقطة فأخرتها إذ ليس ذلك موضعها. [المسألة الأولى: في ضمان من حل دواباً من مرابطها فذهبت] قال ابن القاسم: ومن حل دواباً من مرابطها، فذهبت ضمنها؛ لأن مالكاً قال فيمن فتح حانوتاً مغلقاً لا يسكن فيه أحدٌ، فسرق منه ثم تركه مفتوحاً، وليس فيه ربه فذهب ما في الحانوت إن السارق ضامنٌ لما ذهب من الحانوت. [المسألة الثانية: فيمن فتح داراً فيها دواب فذهبت] ومن فتح داراً فيها دواب فذهبت فإن كانت الدار مسكونة- فيها أهلها- لم يضمن، وإن لم يكن فيها أربابها ضمن، فكذلك السارق يدع الباب مفتوحاً، وأهل الدار نيامٌ، أو غير نيام فلا يضمن ما ذهب بعد ذلك، وإنما يضمن إذا ترك الباب مفتوحاً وليس أرباب البيت فيه. وقال أشهب: إذا كانت الدواب التي في الدار مسرحةً، ضمن وإن كان أربابها فيها. م: والقياس أنه إذا ترك الباب مفتوحاً أنه يضمن، وإن كان أهلها فيها؛ لأنه سبب تلفه إذا لم يعلم ربها بفتحه، ولكن أراه إنما لم يضمنه خوفاً أن يكون ربها علم بفتحه فتركه أن يغلقه فلم يضمنه بالشك، والله أعلم. [المسألة الثالثة: في السارق يسرق من بيت ثم يترك الباب مفتوحاً فيسرق باقي المتاع، وفيمن فتح قفصاً فيه طير أو حل قيد عبدٍ] قال ابن القاسم: ولو خرجت امرأةٌ من بيتها إلى جارتها، وأغلقت على متاعها الباب فسرق منه سارقٌ وتركه مفتوحاً فسرق ما بقي في البيت بعده ضمنه، وكذلك الحوانيت

يتركها مفتوحةً وليست مسكونةً، ومن فتح قفصاً فيه طيرٌ فذهب الطير ضمن، ومن حل عبداً من قيدٍ بيديه فذهب العبد، ضمن. [مسائل في ضمان من أمرته بأمر فلم يفعله، وفيمن أمرته أن يصب زيتاً في خابية مكسورة فصبه، وفيمن أمرته أن يدخل طائراً قفصاً فأدخله ونسي أن يغلق الباب والفرق بينهما] وفي كتاب محمد: لو قلت له: قيد عبدي ودفعته إليه، فتركه لم يقيده لضمن، وكذلك لو قلت له: صب لي هذا الزيت في هذه الخابية إن كانت صحيحة فصب فيها وهي مكسورةٌ لضمن، ولو قال: نسيت أن أنظر إليها فصببت فيها، قال: يضمن؛ لأن الخطأ والعمد في أموال الناس سواءٌ. وقال في الذي أمره أن يجعل هذا الطير في القفص ويغلقه، فجعله وترك بابه مفتوحاً، وقال: نسيت أن أغلقه، قال: لا ضمان عليه. م: وهذا والأول سواءٌ، وذلك اختلاف قولٍ منه. م وهذا كالاختلاف فيمن أذن له أن يمشي في موضع فمشى على آنية فكسرها، قيل يضمن، وقيل لا يضمن، فكذلك مسألة الطير والصب في الجرة، وقد يفرق بينهما: أن هذا إنما أذن له أن يصب في جرة صحيحة، فمتى صب في مكسورة صار غير مأذون له في ذلك، ومسألة الطير أذن له في أن يجعله في القفص، فجعله فقد فعل ما أذن له فيه، وإنما نسي غلقه، فهو كمن أمره أن يغلق قفص طير فنسي غلقه فوجب ألا يضمن، والفرق بين هذا وبين الذي دفع إليه عبده، وقال له قيده فتركه فذهب: أن العبد دفع إليه، والطير لم يدفعه إليه، وإنما قال له أغلق عليه، والله أعلم. تم كتاب اللقطة والآبق من الجامع لابن يونس بحمد الله وعونه.

كتاب حريم الآبار وإحياء الموات

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه كتاب حريم الآبار وإحياء الموات [كتاب حريم الآبار الباب الأول] جامع القول في حريم الآبار والعيون والأنهار والنخل والأشجار، [وفي من له منع الماء والكلأ. (1) فصل: في حريم البئر]. ومن غير المختلطة روى أشهب عن سفيان عن ابن شهابٍ عن ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((في حريم البئر العادية

خمسون ذراعاً، وفي البئر البادية خمسةٌ وعشرون ذراعاً، قال: وفي بئر الزرع خمسمئةٍ ذراعٍ)). قال ابن شهاب: لا أدري ((حريم بئر الزرع)) في الحديث، أم من قول سعيد. وذكر ابن وهبٍ الحديث عن يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب، وذكر أن قول ابن المسيب في البئر العادية وبئر البادية مثل ما تقدم من نواحيها كلها، وقال في بئر الزرع ثلاثمئة ذراعٍ. قال ابن شهاب: وسمعت الناس يقولون في حريم العيون خمسمئة ذراعٍ، والأنهار ألف ذراع. وفي حديث آخر لابن وهب عن عمر بن الخطاب: (في البئر العادية خمسون، وبئر البدو خمسةٌ وعشرون ذراعاً، وبئر الزرع بالناضح ثلاثمئة ذراعٍ، والعيون خمسمئة ذراع).

قال أشهب: وإنما هذه حكومةٌ تبتدأ كما تنزل؛ كما يروى في جزاء الصيد، ويؤتنف فيه الحكم، فيجتهد في ذلك كله بقدر ما لا يضر بذلك من سبق، فليحفر وإن كان أقل مما مضى من حده، وأما ما يضر فيمنع وإن كان على أبعد مما مضى فيه من الحد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا ضرر ولا ضرار)). [(2) فصل: في حريم العيون والأنهار، وفي تصرف الرجل في حقه بحفر أو ما شابهه المسألة الأولى: في حريم العيون والأنهار] وكذلك حريم العيون، و [الأنهار] تختلف باختلاف الأرض في لينها وشدتها وهذا في إحياء الموات. [المسألة الثانية: في تصرف الرجل في حقه بحفر أو ما شابهه] وأما من احتفر في حقه، وما اختطه آفاقاً أو ابتاعه، فإنما يراعى فيه أن لا يضر ما فعل بجاره إن كان يجد بداً من احتفار ذلك ولم يضطر إليه، وإن كان لضرورة ولا مندوحة له، فله أن يحفر في حقه، وإن أضر ذلك بجاره؛ لأنه قد أضر به تركه كما يضر بجاره حفره، فهذا حقه أن يمنع جاره أن يضر به في منعه

الحفر؛ لأنه ماله، وهذا أيضاً قول مالك لي. وقال ابن القاسم- في باب بعد هذا: ومن حفر بئراً بعيدة من بئرك فانقطع ماء بئرك من حفره وعلم ذلك، فلك ردمها عليه. وقد وجه أشهب قوله: ووجه قول ابن القاسم قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا ضرر ولا ضرار)). م: ولأن الضررين إذا تقابلا، فالأول أولى بالمراعاة لفضل السبق. [(3) فصل: في حريم بئر الماشية وبئر الزرع] ومن المدونة قال ابن القاسم: وليس لبئر ماشيةٍ عند مالك ولا لبئر زرعٍ، أو غير ذلك من الآبار حريم محدود، ولا للعيون إلا ما لا يضر بها. قال مالك: ومن الآبار: آبارٌ تكون في أرض رخوةٍ وأخرى في أرضٍ صلبةٍ أو في صفا، فإنما ذلك على قدر الضرر بالبئر، ولأهل البئر منع من أراد أن يبني أو يحفر بئراً في ذلك الحريم؛ لأنه حق للبئر وضررٌ بهم، ولو لم يكن على البئر من حفر بئرٍ آخر ضررٌ؛ لصلابة الأرض، لكان لهم منعه لما يضر بهم من مناخ الإبل ومرابض المواشي عند ورودها.

[(4) فصل: في حريم النخل والأشجار] وسأل ابن غانم مالكاً عن حريم النخلة، قال: قدر ما يسري أن فيه مصلحتها، ويترك ما أضر بها، قال: ويسأل عن ذلك أهل العلم به، وقد قالوا: من اثني عشر ذراعاً من نواحيها كلها إلى عشرة أذرعٍ وذلك حسنٌ، ويسأل عن الكرم أيضاً، وعن كل شجرةٍ أهل العلم به، فيكون لكل شجرةٍ بقدر مصلحتها. [(6) فصل] فيمن له منع الماء والكلأ أم لا. [المسألة الأولى: في أصل إشاعة الماء والكلأ] ومن غير المدونة روى ابن وهب: أن عمر رضي الله عنه قال: من أحيا فلاة من الأرض فالحجاج والمعتمرون والذين يغزون وأبناء السبيل أحق بالكلأ والماء، فلا تحجروا على الناس الأرض. وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر أهل المياه بسقاية المارة من غير بيعٍ، ولا يمنع فضل الماء من أحد احتاج إليه من أهل الإسلام. وروي أن عمر رضي الله عنه أهدر جراحات أهل المياه، وأغرمهم جراحات

أبناء السبيل حين اقتتلوا عليه، وقال: ابن السبيل أولى بالماء من الثاوي عليه حتى يرووا. وروى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يقطع طريق ولا يمنع فضل ماء ولابن السبيل عارية الدلو والرشاء والحوض إذا لم تكن أداةٌ تعينه، ويخلى بينه وبين الركية فيستقي)). [المسألة الثانية: فيمن له بيع فضل الماء، وكيف إن ورده عطشى لا ثمن معهم لو تركوا حتى يردوا ماء غيره هلكوا] قال في المدونة: وكل من حفر بئراً في أرضه أو في داره فله منعها وبيع مائها، وله منع المارة من مائها إلا بالثمن، إلا قوماً لا ثمن معهم، وإن تركوا إلى أن يردوا ماء غيره هلكوا، فلا يمنعون، ولهم جهاد من منعهم. قال ابن المواز: قال ابن القاسم: إذا وقفوا على الموت إن لم يشربوا؛ ولم يكن عندهم ثمن أو كان عندهم ثمن فبذلوه فلم يقبل منهم، فلهم قتال من منعهم. قال محمد: وكذلك الطعام إذ لم يجدوا ميتة.

ومن كتاب حريم البئر: قال ابن القاسم: ومن حفر في غير ملكه بئراً لماشية أو شفة فلا يمنع فضلها من أحد، وإن منعوه حل قتالهم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((لا يمنع نقع بئر))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ)). قال ابن القاسم: وإن منعوهم الماء فلم يقو المسافرين على دفعهم حتى ماتوا عطشاً فدياتهم على عواقل المانعين، والكفارة على كل نفس منهم على كل رجل من أهل الماء، مع وجيع الأدب. م: فواجب على كل من خاف على مسلم الموت، أن يحييه بما قدر عليه، فإذا كان الماء مما يحل لأصحابه بيعه، وجب عليهم بيعه من المسافرين بما يسوى، ولا يشتطوا عليهم في ثمنه، ولم ير هاهنا أن يأخذوا ماء بغير ثمن إن كان معهم، وقال- في الذي انهارت بئره وخاف على زرعه-: إن له أن يسقي بماء جاره الذي يجوز له بيعه بغير ثمن، وإحياء نفسه أعظم من إحياء زرعه، والأولى في كلا الأمرين أن يأخذ ذلك بالثمن؛ كما لو مات جمله في الصحراء لكان على بقية الرفقة أن يكروا منه، وإن كان المسافرون لا ثمن معهم وجب مواساتهم للخوف عليهم، ولا يتبعون بثمنه وإن كانت لهم أموالٌ ببلدهم؛ لأنهم

اليوم أبناء سبيل يجوز لهم أخذ الزكاة لوجوب مواساتهم، وقد قال أشهب- في الذي انهارت بئره-: إن له أن يسقي بفضل ماء بئر جاره بثمن، إن كان له، وإن لم يكن له سقى بغير ثمن. فأسقط عنه الثمن إن لم يكن عنده مع كونه موسراً- بنصيبه الذي يسقيه- ولم يتبع بيسره، فالمسافرون أولى أن لا يتبعوا. م: قال بعض فقهاء القرويين: وإنما كانت الديات على عواقل المانعين إذا مات المسافرون عطشاً؛ لأنهم لم يقصدوا قتلهم، وإنما تأولوا أن لهم منع مائهم، وهذا أمر يخفى على الناس، وأما لو قصدوا إلى منعهم من الشرب بعد علمهم أن ذلك لا يحل لهم، وأنهم متى لم يسقوهم ماتوا، لأمكن أن يقتلوا بهم وإن لم يلوا القتل بأيديهم، وقد اختلف فيمن تعمد الزور في شهادته حتى قتل بها المشهود عليه: فقيل يقتل، وفي المدونة لا يقتل. [المسألة الثالثة: في توجيه معنى حديث "لا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ ... "] ومن حريم البئر قيل: فالحديث الذي جاء ((لا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ والناس فيه شركاء)) هل كان لا يعرف مالك أو كان يأخذ به؟ قال: سمعت مالكاً يقول: لا بأس أن يمنع الرجل كلاء أرضه إذا احتاج إليه، وإن لم يحتج إليه فليخل بين الناس وبينه. قيل: فالحديث الذي جاء ((لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ))؟ قال: ما أحسب ذلك إلا في الصحاري والبراري وأما في القرى والأرض المحجورة

فلهذا أن يمنع كلاءها عند مالك إذا احتاج إليه. ومن المجموعة وكتاب ابن حبيب روى مالك أن النبي قال: ((لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ)) قال مالك: ومعنى ذلك في آبار الماشية؛ لأنه إذا منع فضل الماء لم يرع ذلك الكلأ الذي بذلك الوادي إذا لم يجد ما يسقي به، فصار منعاً للكلأ، وذلك في آبار الماشية التي في الفلوات لا تباع ولا تورث، وصاحبها الذي احتفرها أو ورثته أحق بمائها يسقون به قبل غيرهم، ثم ليس لهم منع الناس أن يسقوا بفضلها. قال: وهو قول ابن الماجشون، وقال ابن عبد الحكم: وهو قول جميع أصحابنا وروايتهم عن مالك، وقاله: أصبغ. [المسألة الرابعة: إذا حرث جارك على غير أصل ماء، هل لك منعه؟ وبيان الاختلاف في تأويل معنى حديث: "لا يمنع نقر بئر"] ومن كتاب حريم البئر: وإذا حرث جارك على غير أصل ماء، فلك منعه من أن يسقي أرضه بفضل ماء بئرك الذي في أرضك إلا بثمنٍ إن شئت، وأما إن حرث ولأرضه بئر، فانهارت، فخاف على زرعه، فإنه يقضى له عليك بفضل ماء بئرك بغير ثمنٍ، وإن لم يكن في مائك فضلٌ، فلا شيء له. وروي عن مالك: أنه يرجع عليه بالثمن، وقال أشهب: إن كان مليئاً، وإلا لم يتبع بشيء. م: فوجه قول بغير ثمن؛ فلأن ذلك حقٌّ على الجار على طريق الإعانة، مع

كون أصل الماء مباحاً؛ وكما لو احتاج إليه لشربه. م: وقد اختلف في تأويل قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يمنع نقع بئر)) فقيل: هو كما ذكرنا إذا انهارت بئر الجار أن يسقي ببئر جاره إلى أن يصلح بئره، ولا يبتدئ زرعاً على بئر جاره بعد انهدام بئره. وقيل: ذلك في البئر بين الشريكين يسقي هذا يوماً، وهذا يوماً فيروي أحدهما نخله في بعض يومه، أو يعطي البقية لشريكه، ولا سبيل له إلى منعه؛ لأنه يمنعه ما لا ينتفع به وهذا كله يدل على أنه لا ثمن له. ووجه قوله بالثمن: فلأن وجوب البدل خوفاً من الإتلاف، وذلك لا يتضمن ترك العوض اعتباراً بالطعام. م: ويحتمل أن يكون وجه الأولى: أن لا ثمن لفضل مائه، ووجه الثانية أن له ثمناً؛ فاختلف الجواب لاختلاف المعاني. وإذا كان لا ثمن له، ولا ينتفع صاحبه بفضله، فما الذي يمنع الجار أن يبتدئ الزرع عليه؟ قال ابن حبيب: قال مطرف عن مالكٍ: له أن يسقي بفضل ماء جاره إلى أن يصلح بئره، ويقضى له بذلك، ويدخل في معنى الحديث: ((لا يمنع نقر بئر))، وليس له تأخير إصلاحه اتكالاً على فضل ماء جاره، وليؤمر بالإصلاح، ولا يؤخره. قال مالك: وذلك في النخل والزرع الذي يخاف عليه الهلاك إن منع من السقي إلى صلاح بئره. قال عبد الوهاب: فإن ترك التشاغل بإصلاح بئره اتكالاً على بئر جاره، لم

يلزم جاره بذل الماء له؛ لأنه يصير كمن زرع ابتداءً على غير ماء. ومن المجموعة: وروى ابن وهب أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له: لي زرع قد كاد يستضرم فانهارت بئري، قال: انظر أدنى بئر من حائطك فاهدم جدارك الذي بينك وبينها، ثم اسقه منها حتى تضرمه، وقضى بذلك في النخل فيها ثمرٌ يخشى هلاكه إلى أن يصلح بئره. قال مالك: وهو يشبه قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لا يمنع نقع بئرٍ)). [المسألة الخامسة: في حكم الماء عند الأعراب، والفرق بين بئر الماشية وبئر الزرع] ومن المختلطة: وسئل مالك عن ماء الأعراب يرد عليهم أهل المواشي يسقون فيمنعونهم؟ فقال: أهل ذلك الماء أحق بمائهم حتى يرووا، فإن كان فيه فضلٌ سقى هؤلاء، والحديث ((لا يمنع فضل ماء)): هو ماءٌ يفضل عنهم وكذلك بئر الماشية، الناس أولى بفضلها، وأما بئر الزرع فصاحب البئر أولى بالفضل. وكثيرٌ من معاني هذا الباب في الباب الذي يليه.

[الـ] باب [الثاني] في بيع ماء العيون والآبار وكنسها والشفعة فيها، ومن أرسل في أرضه ماء أو نارا فوصل إلى أرض جاره، أو أراد أن يجري ماء أو يمر إلى عينه في أرض جاره، وبيع الخصب والسمك في الغدر

[الـ] باب [الثاني] في بيع ماء العيون والآبار وكنسها والشفعة فيها، ومن أرسل في أرضه ماءً أو ناراً فوصل إلى أرض جاره، أو أراد أن يجري ماءً أو يمر إلى عينه في أرض جاره، وبيع الخصب والسمك في الغدر. [(1) فصل: في بيع ماء العيون والآبار] قال مالك: ولا بأس بشراء شرب يوم أو يومين من عين أو بئر دون الأصل، أو شراء أصل شرب يوم أو يومين من كل شهر، ولا شفعة في ذلك إن كانت الأرض قد قسمت. قال مالك: وإذا قسمت الأرض وترك الماء، فباع أحدهم نصيبه من الأرض بغير ماء أو باع نصيبه من الماء بغير الأرض فلا شفعة في ذلك، وإنما الشفعة في الماء إذا لم تقسم الأرض؛ وإذا باع أحدهم حصته من الماء، ثم باع الآخر بعده حصته من الماء، لم يضرب البائع الأول معهم في الشفعة في الماء بحصته من الأرض، وكذلك لو باع أحدهم حصته من الأرض وترك الماء، ثم باع الآخر حصته من الماء لم يكن للأول فيها شفعةٌ لمكان ما بقي له من الماء، وإذا كانوا شركاء في أرضٍ وماء، فاقتسموا الأرض، ثم باع أحدهم حصته من

الماء فلا شفعة له فيما باع بحصته من الأرض. [(2) فصل: فيمن أراد أن يجري ماءً له في أرضك إلى أرضه] قال مالك: وإذا كان لرجل ماءٌ خلف أرضك، وله أرضٌ دون أرضك، فأراد أن يجري ماءه في أرضك إلى أرضه، فلك منعه من ذلك، وكذلك لو كان له في أرضك مجرى ماءٍ فأراد أن يحوله في أرضك إلى موضعٍ آخر أقرب منه، فلك منعه. م: لأنه معاوضةٌ في أرضك بغير إذنك. قال: وليس العمل على ما روي عن عمر رضي الله عنه في ربيع عبد الرحمن، ولا الحديث الآخر في خليج الضحاك.

وروي عن مالك أنه أخذ بما روي عن عمر رضي الله عنه في تحويل ممر الماء من ناحية في أرضك إلى ناحية أخرى من أرضك، وقاله ابن نافع. م: وهذا على مما روي عن عمر، وإذا كان له أن يجريه في أرضك وإن لم يكن له فيها مجرى- على قوله- فتحويل مجراه أولى؛ لأنه لم يزد عليك ضررا. ًوأما لو أراد رب الأرض نقل مجراك إلى موضع آخر لا ضرر عليك أنت في صرف مائك إليه؛ لأنه يصل إلى الموضع الذي كنت تصرفه إليه من غير بعد لم يكن لك منعه. [فرع: في اكتراء شرب يوم من قناة تمر بأرضك] ومن المدونة: وإن اكتريت من رجل شرب يوم من كل شهر من هذه السنة من قناته بأرضك هذه، يزرعها سنته هذه جاز ذلك؛ لأنك لو أكريت أرضك بدين جاز ذلك. [(3) فصل: في البئر بين شريكين تنهار فيصلحها أحدهما ويأبى الآخر، وفي كنس الآبار] وإذا كانت بين رجلين بئرٌ فانهارت، أو عينٌ فانقطعت، فعملها أحدهما، وأبى الآخر أن يعمل، لم يكن للذي لم يعمل من الماء قليلٌ ولا كثيرٌ وإن كان فيه فضلٌ، إلا أن يعطي شريكه نصف ما أنفق، وإذا احتاجت قناة أو بئر بين شركاء لسقي أرضهم إلى الكنس لقلة مائها فأراد بعضهم الكنس وأبى الآخرون، وفي ترك الكنس ضررٌ بالماء وانتقاصٌ، والماء يكفيهم، أو لا يكفي الذين شاءوا

الكنس خاصة، فللذين شاءوا الكنس أن يكنسوا، ثم يكونون أولى بما زاد في الماء بكنسهم دون من لم يكنس، حتى يؤدوا حصتهم من النفقة، فيرجعون إلى أخذ حصتهم من جميع الماء، وكذلك بئر الماشية إذا قل ماؤها، فأراد بعضهم الكنس، وأبى الآخرون، فهي كبئر الزرع، فإن كنسه بعضهم كان جميعهم فيما كان من الماء قبل الكنس على قدر حقوقهم فيه، ثم يكون الذين كنسوا أحق بما زاد الماء بكنسهم، فإذا رووا كان الناس وأباة الكنس في الفضل سواءً، حتى يؤدوا حصتهم من النفقة، فإذا أدوه كان جميع الماء بينهم على قدر ما كان لهم، ثم الناس في الفضل شرعاً سواءٌ. [فائدة: في تصحيح مسألة وقعت في العتبية] م: وقع في المستخرجة: إذا استدت القناة في أولها، أن الأولين يكنسون أولاً، ولا كنس على من بعدهم، وإذا استدت في آخرها كنس الأولون مع الآخرين. م: وهذا إنما يصح في قنوات المراحيض؛ لأنها إذا انسدت في أولها وكان باقيها غير مسدود، فالضرر إنما يقع على الأولين خاصة إذ لا منفذ لجري مائهم وأتفالهم، وأما من بعدهم فلا سد في مجراهم، ولا ضرر يلحقهم، وإن استدت في آخرها فالضرر يلحق الجميع؛ لأنها إذا استدت على

الآخرين طلع السد إلى الأولين فأضر بجميعهم، فأما سواقي السقي والمطاحين فإن استدت في أولها أو خربت قبل أن يصل الماء إلى انتفاع أحدهم، فكنسها على جميعهم، إذ لو لم يصلح ذلك لم يصل الماء إلى أحد منهم، فإذا بلغ الكنس إلى الأول، وتم له الانتفاع من غير ضرر يلحقه لو لم يكنس بقيتها ارتفع الكنس عن هذا، وكنس الباقون، ثم إذا تم انتفاع الثاني أيضاً ارتفع الكنس عنه، ثم كذلك الثالث والرابع إلى آخرهم. [(4) فصل: في إصلاح أصل العيون والآبار] وأما إصلاح أصل العيون والآبار، فقد جرى في العتبية والمجموعة قال سحنون: قال ابن القاسم- في قول مالك في الماء بين الرجلين فيغور، فيقال لأحدهما: اعمل ولك الماء كله أو اعمل مع صاحبك-: إن كل أرضٍ مشتركةٍ لم تقسم من نخل أو أصول أو أرض فيها زرعٌ زرعاه فانهارت البئر، فيقال لمن أبى العلم: اعمل مع صاحبك أو بع حصتك من الأصل والماء، أو قاسمه الأصل فتأخذ حصتك ويأخذ حصته، فمن أحب حينئذ أن يعمل عمل، ومن أحب أن يترك ترك، ومن عمل منهم كان له الماء كله حتى يعطيه شريكه ما يصيبه من النفقة، فيرجع على حقه من الماء، والشريكان في الأصول والزرع إذا انهارت البئر كالشريكين في الدار تنهدم، فإما بنى مع صاحبه، وإلا قاسمه العرصة.

قال سحنون وقال ابن نافع والمغيرة: إنما هذا في البئر ليس عليه حياة من زرع ولا نخلٍ ولا غيره- يريد: أنه لا يلزم أحدهما العلم- فأما بئر عليها حياة فتهور فيأبى أحدهما أن يعمل، فإنه يجبر أن يعمل أو يبيع ممن يعمل كالعلو لرجل والسفل لآخر فتنهدم، فإن صاحب السفل يجبر أن يعمل أو يبيع ممن يعمل، وإلا بيع عليه. قال سحنون: وكذلك الحائط بين الرجلين قياس ذلك كله واحدٌ لا يفرق بينهم- إذا انهدمت البئر أو الحائط أو السفل- فيجبر صاحبه على أن يعمل أو يبيع ممن يعمل، فإن أبى أن يعمل، بيع عليه، وهو قول كبار أصحابنا. وقال أشهب في المجموعة عن مالك: إنما يكلف أن يعمل مع شريكه إن لم تخرب البئر أو العين، وإنما قل ماؤها وتكاد أن تنقطع وتخرب، فهذه من دعا منهما إلى عملها جبر الآخر على ذلك؛ لأنه إذا أبى ذهب بقية

مائها فماتت كلها، فلا يترك وذلك، وهذا من الضرر المنهي عنه، فإن أبى ضرب حتى يعمل أو يبيع، فأما إن خربت البئر أو العين فانقطع ماؤها، فلا يجبر على العمل في هذا، فإن شاء شريكه أن يعمل فيكون أحق بجميع الماء حتى يعطيه شريكه نصف ما أنفق، فذلك له، وإذا أعطاه كان الماء بينهما فيما يستقبلان، ولا شيء على العامل فيما شرب قبل ذلك. قال ابن نافع: إن كان ليس فيها من الماء ما يكفي أحد الشريكين، فإن من دعا إلى عمارتها أجبر عليه صاحبه، فإن لم يكن عنده مال، أجبر على بيع نصيبه ممن يعمل؛ لأنه يخاف عليها الخراب، وأما التي خربت فقال مالك: لا يجبر صاحبه على العمارة، وأما التي قل ماؤها، وبقي منها ما يكفي بعض الشركاء لقلة نخله، ولا يكفي صاحب الكثير، فلا يجبر صاحب القليل على العمل، ويعمل الآخر، ويكون للذي لم يعمل قدر حصته من الماء قبل العمل، وللآخر بقية الماء حتى يعطيه حصته من النفقة. قال ابن نافع: ومالك يقول: يعطيه حصته من النفقة على غلاء ذلك يوم أنفق ورخصه. وأنا أرى أن يعطيه قدر ذلك من قيمة العمارة- من كان له الربع أعطاه ربع القيمة- يوم يأخذه؛ لأن المنفق قد أبلى ذلك وأخلقه، فليس له أن يأخذ ثمن

ذلك جديداً فإنما يقوم يوم يقوم وقد بلى وخلق، والقيمة في هذا وشبهه: أعدل إن شاء الله. [فائدة: في حصر الخلاف في مسألة إصلاح أصل الآبار] م: وتحصيل اختلافهم في ذلك على أربعة أقوال: قولٌ- سواء تهورت أم نقص ماؤها- يقال لمن أراد الإصلاح: أصلح وأنت أحق بالماء أو بما زاد إصلاحك حتى يعطيك شريكك حصته مما أنفقت، فيكون على حقه من الماء، وهذا ما لم يكونا شركاء فيما يسقى به من نخل أو كرم أو زرع، فإن كانوا شركاء فتهورت البئر قيل: للآبي اعمل مع صاحبك، أو بع حقك من الأصل والماء ممن يعمل، أو قاسمه الأصل، فإذا قاسمه الأصل، فمن أحب أن يعمل كان له الماء كله، حتى يعطيه الآخر حصته من النفقة، والشريكان في الأصول والزرع كالشريكين في الدار تنهدم، فإما بنى مع صاحبه، وإلا قاسمه العرصة. وقيل- سواء كانوا شركاء فيما يسقى به أم لا- إذا تهورت قيل للآبي: اعمل أو بع كالعلو لرجل والسفل لآخر ينهدم، والحائط بين الرجلين ينهدم، فإنه يجبر أن يعمل، أو يبيع ممن يعمل، هذا كله قياسٌ واحدٌ إلا أن يكون بئراً لا حياة عليها. وقيل: إنما يكلف الآبي العمل إذا لم يخرب البئر، وإنما قل ماؤها ويكاد ينقطع، فهذا يجبر على أن يعمل أو يبيع ممن يعمل، وأما إن خربت فلا يجبره، فإن عمل صاحبه كان أحق بالماء حتى يعطيه الآخر حصته من النفقة، فيقتسمان الماء فيما يستقبل، ولا شيء على العامل فيما استقى قبل ذلك. وقيل: إن نقص الماء حتى لا يكفي أحداً منهما، جبر الآبي منهما أن يصلح أو يبيع

ممن يصلح، وأما إن خربت البئر أو قل ماؤها وفي حصة الآبي ماءٌ يكفيه، فلا يجبر الآبي، ويصلح الآخر إن شاء، ويكون أحق بالماء أو بما زاد كنسه، حتى يعطيه صاحبه حصته من النفقة، على غلاء ذلك أو رخصه يوم أنفق، وقيل: بل قيمة النفقة يوم القيام عليه؛ لأن المنفق قد أبلى ذلك وأخلقه، فإنما يقوم يوم يقوم، وبالله التوفيق. م: أما إن لم يكن إلا الكنس والحفر، فكما قال مالك، وأما في مثل السانية والقواديس والحبال، فمثل ما قال ابن نافع؛ لأن ما عمله بلي. [فرع: في تفريق بعض فقهاء القرويين بين من يجبر على العمل ومن لا يجبر] م: واحتار بعض فقهاء القرويين في كنس آبار الأرضين وإصلاحها وإن كانت الأرض لا تقسم وهم شركاء فيها وقد زرعاها، فيجبر من أبى العمل من أحد الشريكين أن يبيع نصيبه ممن يعمل إذ لا يقدر على القسم وإن لم تكن مزروعة وفيها نخلٌ لا ثمر فيها حتى تجوز قسمتها فحينئذ يقسم مع صاحبه أو يبيع أو يعمل، وأما إن كان نصيبهم من النخل أو الأرض مقسوماً، ولم يبق إلا شركتهما في البئر، فيحتمل أن يكون هذا الذي أريد أنه لا يجبر على العمل، وأن صاحبه يعمل أو يكون أحق بما زاد الماء؛ لأنه لا شركة بينهما في الأصول، فلا يكلف بيع أصوله بشركتهما في البئر. م: وظاهر كلام سحنون أن ذلك سواءٌ، ويقال لصاحبه: اعمل أو بع

ممن يعمل، وإن كان مقسوماً فكالسفل والعلو والحائط بين الرجلين ينهدم. م: وإذا بنى أو أصلح فأخرج الماء بإصلاحه، لم يكن للذي لم يصلح بقدر جزئه من البئر من الماء لانتفاع المصلح بجزئه قبل الإصلاح. [فرع: في الرحى بين الرجلين تنهدم] م: وقد قيل في الرحى بين الرجلين تنهدم فيدعو أحدهما إلى إصلاحها ويأبى ذلك الآخر، فيقال للآبي: إما أن تبني أو تبيع ممن يبني. قال عيسى: ولو عمل أحدهما وطحنت واغتل منها غلىً كثيرةً، فقد اختلف في ذلك: فقال ابن دينار: يكون للعامل من الغلة بقدر ما أنفق وما كان له قبل أن ينفق، ويكون للذي لم يعمل بقدر ما له من قاعتها وبقية سدها، وحجارتها. وقال ابن القاسم مرة: الغلة كلها للعامل دون من لم يعمل حتى يدفع قيمة ما عمل؛ كالبئر يغور ماؤها فيعمل أحدهما، فالماء للعامل، وقال أيضاً: يستوفي من الغلة ما أنفق

-إن لم يقم عليه- حتى يستوفي ذلك، ثم يكون بينهما، واختار عيسى أن تكون الغلة كلها للعامل، ويكون عليه كراء نصيب صاحبه من قاعة الرحى، وما كان باقياً فيها من العمل الأول، فإن أراد الدخول معه دفع إليه قيمة العلم اليوم- في القدر الذي ينوبه- ليس يوم عمله، ولا ما أنفق، إلا أن يكون ذلك بحدثان ما عمل. والأشبه في هذا قول ابن دينار وقول عيسى، وما سوى ذلك فضعيف. [(5) فصل: في الشفعة في الآبار، وفي بيع بئر الزرع وبئر الماشية] من المدونة قال مالك: ولا شفعة في بئر الماشية، ولا تباع وإن احتاج أهلها إلى بيعها، ولا بأس ببيع بئر الزرع، وفيها الشفعة إذا لم تقسم الأرض. ومن المجموعة قال مالك: تباع بئر الزرع، ولا تباع بئر الماشية. قال أشهب: لأنه إذا كان فضلها لغيره، فإنما اشترى من مائها ما يرويه، فذلك قد يقل لقلة غنمه ويكثر لكثرتها. قال ابن القاسم: إنما لم تبع؛ لأن الناس فيها حقاً. قال ابن الماجشون: لا تباع بئر الماشية- للأعراب- ولا توهب ولا تقع فيها المواريث- بمعنى الملك- ولاحظ فيها لزوجة ولا لزوج وإنما تكون

لأولاده وعصبته من بطن على بطن، ولا يشرب منه غيرهم إلا ما فضل عنهم، ومن استغنى عن الشرب منهم، فليس له أن يعطي حظه أحداً، ومن حضر من أهل البئر أولى منه وممن غاب، قال: وإن تشاحوا فيمن يبدأ بالشرب، فإن لم تمض لهم سنة، فليستهموا، وإلا فأمرهم على ما مضى من سنتهم. [(6) فصل: فيمن أرسل في أرضه ناراً أو ماءً فأضر بجاره] ومن حريم البئر: ومن أرسل في أرضه ناراً أو ماءً، فوصل إلى أرض جاره، فأفسد زرعه، فإن كانت أرض جاره بعيدةٌ يؤمن أن يصل ذلك إليها، فتحاملت النار بريح أو غيره، فأحرقت، فلا شيء عليه، وإن لم يؤمن وصول ذلك إليها لقربها فهو ضامنٌ، وكذلك الماء، وما قتلت النار من نفسٍ، فعلى عاقلة مرسلها. قال سحنون فيما قتلت النار: ينظر فيه على ما يجوز له وعلى ما لا يجوز له. قال أشهب: ولو كانوا لما خافوا على زرعهم قاموا لردها، فأحرقتهم فدمهم هدرٌ، ولا دية على عاقلة ولا غيرها.

[(7) فصل: فيمن له أرضٌ، وله عين ليس له ممر إليها إلا من أرض جاره] ومن حريم البئر قيل: فمن كانت له أرضٌ وإلى جانبها أرضٌ لغيره، وله عين خلف أرض جاره، وليس له ممر إلا في أرض جاره، فمنعه من الممر إلى العين، قال: سئل مالك عن رجل له أرض، وحواليها زرعٌ للناس في أرضهم، فأراد أن يمر بماشيته إلى أرضه في زرع القوم، فقال: إن كان ذلك يفسد زرعهم، فلهم منعه. قال أشهب في كتبه في المسألة الأولى: إن كانت أرض جارك إنما أحياها بعد إحيائك العين وأرضك، فلك أن تمر في أرضه وإن كره وتجري ماءك فيها حتى يصل إلى أرضك، وإن كانت أرضه قبل عينك وقبل أرضك، فليس لك في أرضه ممر إلى عينك، ولا لعينك ممر في أرضه إلى أرضك، وتسقيها من ورائه إن بدا لك. [(8) فصل: في بيع السمك يكون في غدير أو بركة في الأرض المملوكة] ومن حريم البئر: وإذا كانت غديراً أو بركةً أو بحيرةٌ في أرضك، وفيها سمكٌ فلا تمنع من يصيد فيها ممن ليس له فيها حق، ولا تبع سمكها ممن يصيد فيها سنة؛ لأنه يقل ويكثر، ولا يدري كيف يكون.

وقال سحنون: له منعها؛ لأنها في ملكه وحوزه؛ كقوله في المعدن يجده في أرضه. وقال أشهب: إن طرحوها فولدت، فله منعها، وإن كان الغيث أجراها، فلا يمنع إلا أن يكون في صيدهم ما يفسد عليك غير ذلك من أرضك، فليس ذلك لهم. [(8) فصل: في بيع الخصب يكون بالأرض المملوكة] ومن حريم البئر: ولا بأس أن تبيع خصباً في أرضك ممن يرعاه عامه ذلك ولا تبيعه عامين ولا ثلاثة، وإنما جوز مالك بيعه بعدما ينبت. قال عيسى عن ابن القاسم: الخصب الذي يبيعه ويمنع الناس منه وإن لم يحتج إليه: ما في مروجه وحماه، وأما الذي لا يمنعه ولا يبيعه- إلا أن يحتاج إليه- فما سوى المروج والحمى من خصب فدادينه وفحوص أرضه، فيجبر على إباحته للناس إن استغنى عنه، إلا أن يكون عليه في وصول الناس إليه بدوابهم مضرةٌ، مثل فدان فيه خصبٌ وحواليه الزرع، فله منعهم منه للضرر. ابن حبيب: وقاله مطرف. وقال: وأما العفا

والبور، فإنه لا يجوز بيعه ولا منعه. وقال ابن الماجشون: هو أحق بخصب أرضه البيضاء التي يزرعها، وإن لم تكن حمى ولا مروجاً، وهما سواءٌ إن شاء باع أو منع أو رعى، وإنما الذي لا يحل له بيعه ولا منعه إن لم يحتج إلى رعايته: خصب العفا من منزله. وقال أصبغ: أشهب لا يجيز بيع الكلأ بحالٍ، وإن كان في أرضه وحماه، قال: وإنما الكلأ كالماء الذي يخرجه الله على وجه الأرض، فلا يملك ولا يباع، وهو لمن أنبته الله في أرضه ينتفع به ويحميه ويذب عنه لمنافعه، فإن استغنى عنه لم يجز له بيعه ولا منعه ممن احتاج إليه، ولا يبيعه إلا أن يجزه ويحتمله، فأما نابتاً قائماً فلا، ولو جاز هذا لجاز للإمام في أرض العنوة أن يمنع كلأها حتى يجعله كالسواد، وبه أخذ أصبغ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون شركاء في ثلاثٍ: في الكلأ والماء والنار)). قال ابن حبيب: وقول مالك ومطرف وابن القاسم أحب إلي. م: واختلف في أرضه التي لم يوقفها للكلأ:

فرأي ابن القاسم وأشهب ومن وافقهما أنه لا يبيع ذلك، وهو أحق به أن احتاج إليه، وإن لم يحتج إليه خلى بين الناس وبينه - كالماء؛ لأنه أولى به حتى يسقي ثم يكون للناس ما فضل-، لأنه شيء لم يزرعه، وإنما أنبته الله تعالى فأشبه الماء، وأما إذا وقف الأرض للكلأ، فله منعه عند ابن القاسم ومطرف؛ لأنه قد منع منافعه من الأرض وأوقفها لهذا. وقال ابن الماجشون: ذلك سواء، وهو أحق بخصب أرضه البيضاء وإن لم يكن حمى. وقال أشهب: ذلك سواء، ولا يكون له في الفاضل شيء، بورها للحمى أو لم يبورها. وقول ابن القاسم أبين؛ لأنه إذا بورها للحمى فقد منع نفسه من منافعها، فهو أولى بها يبيع ويصنع ما شاء. ولم يختلف في العفا أنه لا يحل بيعه ولا منعه، وفيه جاء الحديث.

[الباب الثالث] في جامع القول في إحياء الموات

كتاب إحياء الموات [الباب الثالث] في جامع القول في إحياء الموات [(1) فصل: وفيه مسائل:- المسألة الأولى: في الأصل في إحياء الموات، وفي تفسيره، وبم يكون الإحياء؟] قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "من أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق". قال مالك: ومن أحيا أرضاً ميتة بغير إذن الإمام فهي له، وإحياؤها شق العيون وحفر الآبار وغرس الشجر والبناء والحرث، فما فعل من ذلك فهو إحياء، وتفسير الحديث الذي جاء "من أحيا أرضاً مواتاً فهي له"؛ إنما ذلك في الصحاري والبراري، وأما ما قرب من العمران، وما تشاح الناس فيه، فليس له أن يحييه، إلا بقطيعة من الإمام. قال مالك: والعرق الظالم هو: من اغترس أو بنى أو احتفر عيناً في أرض غيره بغير حق ولا شبهة. [المسالة الثانية: هل يشترط إذن الإمام في إحياء الموات، وكيف إن كانت قريبة من العمران؟] قال ابن سحنون عن أبيه: قال مالك: وأهل العلم ما علمت بينهم

اختلافاً: أن من أحيا أرضاً ميتة في فيافي الأرض وأطرافها فيما بعد من العمرات والقرى بغير إذن الإمام أن ذلك له ملكاً، بما ملكه الرسول عليه الصلاة والسلام، وبذلك قضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. -م: ولأنه ليس في ذلك إتلاف حق غيره، ولا ما يؤدي إلى التخاصم والعداوة، فكأن ملكه له بالإحياء كملكه الحشيش والصيد- واختلفوا فيمن أحيا فيما قرب من العمران والقرى، فقال كثير من العلماء من أصحابنا وغيرهم: إن له ذلك بغير إذن الإمام، وقال آخرون: ليس له ذلك إلا بإذن الإمام ونظره. م: فوجه القول الأول: قوله عليه الصلاة والسلام: "من أحيا أرضاً مواتاً فهي له" فهو على عمومه. ووجه الثاني: أن ما قرب من البلد داخل في حكم البلد للانتفاع به، فلو أجيز لكل واحد اقتطاعه لأضر ذلك بالناس ولتشاحوا عليه، فلم يكن بد من نظر الإمام ليتم له ملك من يحييه. م: وكما أقطع النبي عليه الصلاة والسلام المعادن القبلية

خوفاً من التنازع فيها والقتال عليها؛ فكذلك ما قرب من العمران. قال ابن حبيب: وقال مطرف وابن الماجشون: من أحيا أرضاً ميتة لا حق فيها لأحد، ولا ضرر فيها على أحد فيما بعد من العمرات، ولا تناله القرى المسكونة بمراعيهم ومحتطبهم، فهي له، وإن كنا لا نأمر أحداً أن يحيي مواتاً إلا بإذن الإمام، وأما إن أحيا مواتا بقرب المدائن والعمارة بغير قطيعة الإمام، فليس له ذلك، ولينظر فيه الإمام، فإن رأى إبقاءه له كان له، وإن رأى أن يزيله ويقطعه غيره أو يبقيه للمسلمين فعل، ويعطيه قيمة ما عمر منقوضاً، وقاله ابن القاسم، ورواه عن مالك، وقاله ابن نافع، وبه أقول. وقال أصبغ: له إحياء الموات البعيد من العمران بغير إذن الإمام، وأما القريب فلا، فإن فعل أمضيته، ولم يتعقبه. [المسألة الثالثة: حد القرب والبعد من العمران] قال سحنون: وحد القرب ما تلحقه الماشية في الرعي في غدوها ورواحها وهي مسرح لهم ومحتطب، فلا يدخل ذلك في هذا الحديث، وأما ما كان على اليوم وما قاربه، أو ما لا تدركه المواشي في غدوها ورواحها، فمن البعيد ومن الفيافي. [فائدة: حصر الأقوال في أحياء القريب والبعيد] م: فصار في الإحياء ثلاثة أقوال: قول: أن من أحيا مواتاً فيما قرب أو بعد، فهي له لعموم الحديث. وقول: أن ذلك ليس له، إلا بإذن الإمام. وقول: فرق فيه بين القرب والبعد، وهو أصوبها.

[(2) فصل: في تحجير الأرض] ومن كتاب إحياء الموات قيل: هل كان مالك يعرف هذا الذي يتحجر الأرض أنه يترك ثلاث سنين، فإن أحياها وإلا فهي لمن أحياها؟ قال: ما سمعت مالكاً يقول في التحجير شيئاً، وإنما الإحياء ما وصفت لك. قال أشهب: وقد روي فيه عن عمر أنه ينتظر به ثلاث سنين، وأنا أراه حسناً، ثم من أحياها بعد ذلك فهي له، قال: ولو أخذ غيره في إحيائها بعد ذلك، فقام عليه محجرها، فأراهما فيها شريكين. وقال أشهب: ومن تحجر أرضاً بعيدة من العمران، فلا يكون أولى بها من أحد حتى يعلم أنه تحجر إلى أن يعمل إلى أيام يسيرة حيث يمكنه العمل، ولم يتحجر ليقطعه من الناس ليعمل يوماً ما، وإن يحجر كثيراً منه ليعمل يسيراً فهو كمن يحجر يسيراً وأخر عمله، فإن كان قد قام عليه وإنما أخره لأيامٍ تلين فيها الأرض، أو لغلاء الأجراء ونحوه من العذر، فذلك له، وإن رأى أنه لا يقوى على ما حجر عليه، فله منها ما عمر، ويشرع الناس فيما لم يعمر.

[(3) فصل: فيمن أحيا أرضاً مواتاً ثم تركها حتى عادت كما كانت] ومن إحياء الموات: ومن احيا أرضاً مواتاً، ثم تركها حتى دثرت، وطال زمانها وهلكت أشجارها وتهدمت آبارها وعادت كأول مرة، ثم أحياها غيره فهي لمحييها آخراً. م: قياساً على الصيد إذا أفلت، ولحق بالوحش وطال زمانه، فهي للثاني. قال مالك: وهذا إذا أحيا في غير أصل كان له، وأما من ملك أرضاً بخطة أو شراء ثم أسلمها حتى خربت ودثرت، فهي له، وليس لأحد أن يحييها. م: وفي كتاب الصيد لابن المواز: ومن اشترى صيداً، ثم ند واستوحش ولحق بالوحش أنه لمن صاده، ولم يفرق بين من صاده، ولا من اشتراه ممن صاده؛ لما وجد فيه من التوحش. وقال سحنون: ومن عمر أرضاً مواتاً، فقد ملكها، ولا تخرج من يده بتعطيله إياها، وإن عمرها غيره، فالأول أحق بها. قال ابن عبدوس: قلت: ولا يشبه الصيد الذي صاده رجل ثم ند واستوحش فصاده آخر؟ فقال: لا. وقال ابن الماجشون ومطرف: إن كان أحياها الثاني بحدثان ترك الأول وخراب عمارته، فهي للأول، فإن كان عمر بجهل، فله قيمة عمارته قائماً، وإن كان عن علم بالأول، فله

قيمته منقوضاً، وإن عمر بعد علم وطولٍ من ترك الأول، وكان تركه كالإسلام لها، فهي للآخر. [(4) فصل: نزول الأعراب بأرض من البرية هل هو إحياء؟] ومن كتاب إحياء الموات قال: ولو نزل قوم في أرضٍ من أرض البرية، فرعوا ما حولها أو حفروا بئراً لمواشيهم، لم يكن هذا إحياء لمرعاهم، وهم والناس في المرعى سواء، ولا يمنع الكلأ إلا رجل له أرض قد عرفت له، فهذا الذي يمنع كلأها ويبيعه إذا احتاج إليه، وهؤلاء أحق ببئرهم حتى يرووا، ثم يكون فضله للناس، وليس لهم بيعها ولا منع فضل مائها، وهو الذي جاء فيه "لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ". قال سحنون: هذا في بلاد الأعراب والبربر وحيث المراعي، وحيث نهى عن منع فضل الماء، فمثل هذه البئر إنما لهم المنفعة بها، ولا يكون إحياء إذ ليست بمملوكة، وأما من حفر بئراً في فيافي الأرض التي لا ملك فيها لأحد مما بعد من العمران، فليس لغيرهم أن ينزلوا قريباً من الأول مما يضر به فيما أحيا، إلا أن يبعدوا منه بعداً لا يضرون به. وقاله أشهب في المجموعة. وقال أشهب: ولو نزل قوم أرضاً من أرض البرية، فجعلوا يرعون ما حولها فذلك إحياء، وهم أحق بها من غيرهم ما قاموا عليها، فإن عطلوها كان الناس أحق بها؛ كالمعادن أنهم أحق بها من غيرهم ما قاموا عليها،

فكذلك هذه. ولم يعجب سحنون قول أشهب هذا. [(5) فصل: تتمة إحياء الموات، وكيف إن أحيا رجل من أهل الذمة في أرض الإسلام] ومن إحياء الموات: ومن سيل ماء عن أرضٍ غرقةٍ، أو نزل بغيضة فقطع شجرها فذلك إحياء. ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن أحيا من أهل الذمة في موات أرض الإسلام فذلك لهم؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "من أحيا أرضاً ميتةً فهي له" إلا أن يكون ذلك بجزيرة العرب؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "لا يبقين دينان في جزيرة العرب" ولذلك أجلاهم عمر. قال مالك: وجزيرة العرب: الحجاز ومكة والمدينة واليمن.

[الباب الرابع] جامع مسائل مختلفة من نفي الضرر والغصب والرهن وبيع الخيار

[الباب الرابع] جامع مسائل مختلفة من نفي الضرر والغصب والرهن وبيع الخيار. [(1) فصل في: مسائل مختلفة من نفي الضرر] قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار). [المسألة الأولى: فيمن حفر بئراً فانقطع ماء بئرك] قال ابن القاسم: فيمن حفر بئراً بعيدة من بئرك فانقطع ماء بئرك من حفر بئره، وعلم ذلك، فلك ردمها عليه، وقد تقدم قول أشهب في هذا في أول كتاب حريم البئر. [المسألة الثانية: فيمن حفر بئراً في مكان لا يجوز له هل يضمن ما عطب بسببها] قال ابن القاسم: ومن حفر بئراً حيث لا يجوز له ضمن ما عطب فيها من دابة أو إنسان، وإن حفرت بئراً في وسط دارك أو إلى جنب جدارك، فحفر جارك خلفه في داره أو حفرة في وسط داره، فإن كان ذلك مضراً ببئرك منع من ذلك. [المسألة الثالثة: فيمن رفع بناءه ففتح كوة يشرف منها على جاره] ومن رفع بناءه ففتح كوة يشرف منها على جاره منع. قال ابن القاسم: وكتب عمر بن الخطاب أن يوضع وراء تلك الكوة سرير ويقوم عليه، فإن نظر إلى ما في دار جاره منع، وإلا لم يمنع.

وقال مالك: يمنع من ذلك ما فيه ضرر، وأما ما لا ينال منه النظر إليه فلا يمنع، وإن رفع بناءه ولم يفتح فيه كوة فستر جاره من الشمس وهبوب الرياح لم يمنع من هذا. وقال ابن كنانة في المجموعة: إلا أن يكون إنما رفع بناءه؛ ليضر بجاره في شمس يمنعه منفعتها، أو لضرورةٍ يدخلها عليه، ولا نفع له هو في بنيانه، فإنه يمنع من هذا. وقال في كتاب تضمين الصناع: ومن فتح في جداره كوة، أو باباً يضر بجاره في التشرف منه عليه منع، ولو كانت كوة قديمةً، أو باباً قديماً لم يعرض له فيها، وإن أضر بجاره. م: وقد رأيت بعض فقهائنا يفتي، ويستحسن أن له أن يمنعه من الكشفة وإن كانت قديمة، وإن رضيا بما لا يحل لهما. وهو خلاف المنصوص. م: ومن الصواب أن يجبر المحدث عليه أن يستر على نفسه. [المسألة الرابعة: في تصرف الرجل في نصيبه من عين مشاعةٍ] ومن كتاب إحياء الموات: إذا كانت بين قومٍ أرض وعين فاقتسموا الأرض وبقيت العين فلأحدهم أن يسقي بحصته من الماء أرضاً له أخرى أو يؤاجر ذلك ممن يسقي به أو يبيعه ثم لا شفعة فيه لشركائه؛ لأن الأرض قد قسمت.

[(2) فصل في: مسائل مختلفة من الغصب والرهن وبيع الخيار] [المسألة الأولى: فيمن غصب بئرا فسقى بها] ومن غصبك أرضاً فزرعها أو داراً فسكنها أو بئراً فسقى بها أرضه فعليه كراء ذلك، وإن غصبك دابةً فركبها فلا كراء عليه وهو موعب في كتاب الغصب. [المسألة الثانية: في رهن ما يخصه من ماء وفي كراء الرهون] ومن ارتهن عيناً أو قناة أو جزءاً من شرب بئر أو عين أو نهر جاز ذلك إذا قبضه المرتهن وحازه وحال بين صاحبه وبينه، وليس للراهن أن يكري ذلك، ولا للمرتهن أن يكريه بغير أمر الراهن، وإن أمره بذلك أكراه المرتهن، وكان الكراء للراهن، وكذلك من ارتهن داراً فليس لرب الدار أن يكريها، ولكن يتولى المرتهن كراءها بأمره، ويكون الكراء لرب الدار ولا يكون الكراء رهناً إلا أن يشترطه، وإن اشترط أن يكريها، ويأخذ الكراء في حقه، فإن كان دينه من قرضٍ أو كان من بيع إلا أن ذلك الشرط كان بعد عقد البيع فجائز، وإن كان عقد البيع على هذا لم يجز؛ إذ لا يدري ما يقبض أيقل أو يكثر؛ ولعل الدار تنهدم قبل أن يقبض، وللمرتهن منع الراهن أن يسقي زرعه بما ارتهن منه من بئرٍ، أو قناة، وإن أذن له أن يسقي بها زرعه خرجت من الرهن، وكذلك من ارتهن داراً فأذن لربها أن يسكن، أو يكري خرجت من الرهن حين أذن له بذلك، وإن لم يسكن ولم يكر. وهذا مستوعب في كتاب الرهون.

[المسألة الثالثة: إذا اشترى بئراً فانخسفت في أيام الخيار] ومن اشترى بئراً بخيار له أو للبائع، فانخسفت البئر في أيام الخيار فهي من البائع، وكذلك لو كان عبداً فقتل. ولا يصلح النقد في بيع الخيار. تم كتاب حريم البئر وإحياء الموات بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً وحسبنا الله ونعم الوكيل

كتاب الغصب

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الغصب [الباب الأول] في ضمان المتعدي، والفرق بينه وبين الغاصب، لأوفي أنواع المتلفات] [(1) فصل: في ضمان المتعدي والأصل فيه:] الأصل في ضمان المتعدي قوله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ}، وقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}، وقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: "طعام كطعام، وصحفة كصحفةٍ".

م: ولأنه أتلف ملك غيره من غير استحقاق عليه فلزمه بدل ما أتلف؛ لأن الأبدال في المتلفات كالقصاص في النفوس، وقد قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} معناه: أن القاتل والجارح إذا علم أنه يقتص منه انزجر وارتدع أن يفعل ذلك، فكان في ذلك حياة النفوس ولم يجترئ أحد على أحدٍ؛ فكذلك الجناية على المال لو لم يجب فيها البدل لاجترأ الناس بعضهم على بعضٍ. [(2)] فصل [في أنواع المتلفات] والمتلفات نوعان: فما يكال أو يوزن فعلى متلفه مثله، وما لا يكال ولا يوزن فعلى متلفه قيمته. قال بعض أصحابنا من البغداديين: وإنما كان المثل فيما يوزن أو يكال؛ لأن القيمة إنما رجع إليها عند تعذر المثل من طريق الخلقة فاجتهد في تعديلها في المتلف بقيمته، والمثل من طريق الخلقة لا اجتهاد فيه، فكان الرجوع فيه إلى القيمة كالاجتهاد مع وجود النص؛ لأنه لا فائدة فيه، وأما ما لا يكال ولا يوزن فإنما لزم بإتلافه قيمته - لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق شركاً له في عبدٍ، فكان له مال يبلغ ثمن العبد، قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد"، والعتق إتلاف مالٍ فقد أوجب فيه القيمة،

فكان ذلك أصلاً في بابه. [(3) [فصل [في الفرق بين الغاصب والمتعدي في الضمان] والقضاء أن المتعدي يفارق الغاصب في جنايته؛ لأن المتعدي إنما جنى على بعض السلعة والغاصب كان غاصباً لجميعها فضمنها يومئذٍ بالغصب. وقال سحنون: الفرق بين المتعدي والغاصب والسارق اختلاف الأصليين؛ وذلك أن الغاصب له ربح المال، وليس كذلك المقارض والمبضع معه المال يتعدى. م والفرق الأول أصوب. قال ابن المواز: والصانع والمستعير كالمتعدي يفترق فيهما الفساد اليسير من الكثير، قيل له: فما الفرق والصانع ضامن كالغاصب؟ قال: لأن الصانع والمستعير لو أقاما بينة على فساد ذلك من غير سببهما كان ضمان ذلك من ربه، ولم يلزمهما شيء، والغاصب والسارق لا ينفعهما ذلك، وكذلك لا يفترق قليل فسادهما من كثيره؛ لأنهما بالغصب ضمنا، ورب ذلك مخير في أخذ قيمته يوم الغصب أو يأخذ ثوبه ولا شيء له في النقصان. م: وهذا أيضاً فرق يحتاج إلى فرق، والفرق الأول أبينهما.

م: ولأن الغاصب متعد على جميع الرقبة تعدياً صريحاً لا إذن فيه، والمتعدي إما أن يكون تعدى على بعض الرقبة أو خالف تعديه إذناً؛ كالمقارض والمبضع معه والصانع والمستعير يتعدى فوجب أن يكون حكمه خلاف التعدي الصريح.

[الباب الثاني: في التعدي]

[الباب الثاني: في التعدي] [(1)] فصل [في التعدي على الأمتعة وإفسادها فساداً يسيراً أو كثيراً] ومن المدونة قال ابن القاسم: فيمن تعدى على صحفة أو عصى لرجل فكسرها أو خرق له ثوباً، فإن أفسد ذلك فساداً كثيراً خير ربه في أخذ قيمة جميعه أو أخذه بعينه وأخذ ما نقص من المتعدي، وإذا كان الفساد يسيراً فلا خيار لربه، وإنما له ما نقصه بعد رفو الثوب، وقد كان مالك يقول: يغرم المتعدي ما نقصه، ولا يفصل بين قليلٍ ولا كثيرٍ، ثم قال هكذا. م: لأنه في الكثير كأنه إنما تعدى على جميع الرقبة؛ لأن الأقل في أكثر الأصول تابع للأكثر، فصار حكمه فيه حكم الغاصب الذي تعدى على جميع الرقبة. م: قال بعض أصحابنا: وإذا فسد الثوب فساداً كثيراً، فاختار ربه أخذه وما نقصه فإنما ينبغي أن يقوم بعد أن يرفأ أو يخاط إن كان مما تصلح فيه الخياطة، وتشعب له القصعة ونحو ذلك، كما قال في الفساد اليسير أنه يأخذ الثوب وما نقصه بعد الرفو، ولا فرق بين اليسير والكثير، خلاف الجناية على الحيوان، هذا ليس على الجاني أن يغرم ما نقص بعد أن تداوى له الدابة. قال: والفرق بينهما أن ما ينفق على الدابة في المداواة غير معلوم، ولا يعلم هل ترجع إلى ما كانت عليه أم لا؟ والرفو والخياطة فمعلوم ما ينفق عليهما ويرجعان كما كانا والله أعلم.

م: وهذا الذي ذكر في الفساد الكثير في الثوب أنه يأخذه وما نقصه بعد الرفو خلاف ظاهر قولهم؛ ووجه فساده أنه قد يغرم في رفو الثوب أكثر من قيمته صحيحاً، وذلك لا يلزمه، أولا ترى أن أشهب وغيره يقول: ليس له أن يغرمه ما نقصه إذا كان له أن يغرمه قيمته صحيحاً، وهو القياس، فكيف لمن يريد أن يغرمه ما نقصه بعد الرفو، وربما يبلغ ذلك أضعاف قيمته. م قيل: فلو هلك بقية الأجزاء في الفساد الكثير، هل يكون ضامناً بجملة المجني عليه؟ فالأشبه أن يضمن ذلك؛ لأنه قد أفسد الرقبة فصار ضامناً لها حتى يرفع ربها عنه الضمان باختياره، كما قالوا في الأمة بين الشريكين يطؤها أحدهما فتموت: إنه ضامن لها، وهذا أبين لإمكان أن تكون حاملاً من الوطء؛ ولأنه إذا وطئها تعلقت بضمانه حتى تظهر براءة رحمها. م: ولو قال قائل في اليسير إنما عليه ما نقصه فقط لم أعبه؛ لأنه إذا أعطاه ما نقصه القطع دخل الرفو في قيمة هذا النقص؛ كما قالوا: فيمن وجد آبقاً- وذلك شأنه- أن له جعل مثله، ولا نفقة له؛ لأن النفقة دخلت في تقويم جعله. قال ابن المواز: في المتعدي يفسد الثوب فساداً يسيراً، لا يلزمه إلا ما نقصه بعد رفو ولم يختلف في هذا قول مالك، ولا ابن القاسم، ولا أشهب كانت جنايته عمداً أو خطأً. قال ابن القاسم: وأما في الفساد الكثير فربه مخير في أخذ قيمة جميعه يوم الجناية، أو بأخذه وما نقصه وإلى هذا رجع مالك.

وقال أشهب: في الفساد الكثير إنما له أن يضمنه قيمة جميعه، أو يأخذه ناقصاً ولا شيء له فيما نقصه، وقاله ابن القاسم مرة ثم رجع عنه. قال أشهب: وهو كذابح الشاة ليس له أن يأخذها لحماً وما نقصها. قال ابن المواز: وهذا أحب إلي؛ لأنه لما لزمته فيه القيمة، لم يكن لربها أن يدعها ويأخذ غيرها إلا باجتماعهما أو يأخذ سلعة ناقصةً؛ كذابح الشاة وكاسر العصا تعدياً، فليس لربها أخذها وما نقصها قاله مالك وأصحابه وبقول أشهب أخذ سحنون في المجموعة. قال: وقد قالا: في الشريكين في الأمة يطؤها فلا تحمل فإن شاء صاحبه ألزمه قيمتها يوم الوطء أو تمسك بنصيبه، ولا رجوع له بما نقصها لتركه القيمة التي وجبت له. [(2) فصل في التعدي على الدواب والعبيد] ومن المدونة قال ابن القاسم: وكذلك من تعدى على دابة رجلٍ فقطع لها عضواً أو فعل بها ما أفسدها فساداً قليلاً أو كثيراً، فهي كالثوب فيما وصفنا، وكذلك سائر الحيوان، وأما من تعدى على عبد رجلٍ ففقأ عينه أو قطع له جارحه أو جارحتين فما كان من ذلك فساداً فاحشاً لم تبق فيه كبير منفعةٍ فإنه يضمن قيمته، ويعتق عليه، وكذلك الأمة. وقال في كتاب الديات: ومن فقأ عيني عبدٍ رجلٍ أو قطع يديه

جميعاً، فقد أبطله، ويضمنه الجارح، ويعتق عليه، وإن لم يبطله مثل أن يفقأ له عيناً واحدة أو يجذع أذنه وشبهه، فإنما عليه ما نقصه ولا يعتق عليه. ابن المواز: وقال أشهب: إذا فقأ عينه أو قطع يده، فإنما عليه ما نقصه، وإن فقأ عينيه أو قطع يديه أو رجليه ضمن قيمة العبد كله، وعتق على الجاني. وقاله ابن كنانة عن مالك، وابن أبي الزناد عن أبيه. وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: يغرم الجاني قيمته، ولا يعتق عليه؛ لأنه إنما مثل بعبد غيره، وليس لسيده أن يختار إمساكه وأخذ ما نقصه. ابن المواز: قال أشهب: وأما الدواب والبهائم فإن قطع اليد الواحدة يبطل منافعها أو جلها وتجب عليه فيه قيمة الدابة، وأما في فقء عينها أو قطع أذنها أو ذنبها أو كسرها كسراً تنجبر فيه، فإنما عليه ما نقصها. وقاله عمر بن عبد العزيز ومالك وأبو الزناد. ابن حبيب: وقال مطرف وابن الماجشون: إن قطع ذنبه وهو فرس أو حمار أو بغل فاره ضمن قيمة جميعه؛ لأنه أبطل الغرض فيه من ركوب من

يركب مثله من ذوي الهيئات، بخلاف العين والأذن، وقاله أصبغ. قالوا: ولو تعدى على شاةٍ بأمرٍ قل لبنها به، فإن كان عظم ما تراد له اللبن ضمن قيمتها إن شاء ربها، وإن لم تكن غزيرة اللبن، فإنه يضمن ما نقصها، وأما الناقة والبقرة فإنما فيهما ما نقصهما، وإن كانتا غزيرتي اللبن؛ لأن فيهما منافع غير ذلك باقيةً. قالا: وإن قطع يد عبد رجلٍ، فإن كان صانعاً وعظم شأنه الصنعة فقد ضمنه، وإن لم يكن صانعاً، فإنما عليه ما نقصه وإن كان تاجراً نبيلاً. وأما في فقء العين ففيه ما نقصه كان صانعاً، أو غيره. قال أبو محمد: وقيل: في مفقوء العين، أو مقطوع اليد تفقأ عينه، أو تقطع يده الباقية فإن على الجاني قيمة جميعه. ومن المجموعة قال أشهب: قال لي ابن كنانة عن مالك: فيمن قطع يد عبد غيره أو فقأ عينه عمداً، فإن ربه مخير بين أخذه وما نقصه أو يضمنه قيمة جميعه، فإن ضمنه قيمة جميعه عتق على الجاني. قال أشهب: إن كان قطع يده الواحدة أذهب أكثر منافعه فليس لسيده إلا قيمته- يريد: ويعتق على الجاني- قال: وإن لم يذهب أكثر منافعه فربه مخير كما قال مالك: وهو استحسان وليس بقياس. م: وحكي عن بعض فقهائنا: في العبد يجني عليه جناية

مفسدة مثل أن تفقأ عيناه أو تقطع يداه جميعاً، إنما يعني قول ابن القاسم: أن يغرمه القيمة ويعتق عليه، إنما هذا إذا طلب ذلك سيده، وأما إن أبى ذلك فإن له أخذ العبد وما نقصه، وليس العتق بأمر وجب للعبد لابد منه. م: وهذا الذي ذكره خلاف ظاهر قول ابن القاسم وأشهب وخلاف رواية ابن حبيب الذي لم يوجب عتقه؛ لأنه قال ليس لسيده إمساكه ويأخذ ما نقصه. [فرع: في اختيار ابن يونس في هذه المسألة] م: والصواب من هذا والذي أختاره: أنه إذا أفسده هكذا أن يغرم الجاني قيمته ويعتق عليه على ما أحب السيد أو كره؛ لأن قيمته عوضه وهو مضار في ترك قيمته صحيحاًَ وأخذ ما لا ينتفع به، وإحرام العبد العتق، وإن لم يفسده مثل أن يفقأ عينه الواحدة أو يقطع يده الواحدة ولم يذهب بها أكثر منافعه، فالسيد مخير بين أخذه وما نقصه من الانتفاع به أو يغرم الجاني قيمته ويعتق عليه عقوبة له لتعديه وظلمه كما قال مالك وأشهب. م: ولأن الجناية والضمان وقعا معاً فكأنما مثل هذا بعبده، وغلب ذلك لحرمة العتق كما قلنا فيمن حلف بحرية عبده إن باعه فباعه، فكأن البيع والحنث وقعا معاً فغلب العتق لحرمته فكذلك هذا، والله أعلم. وأما إن كانت الجناية يسيرة مثل أن يجدع أنفه أو أذنه أو يقطع أصبعه ولم يفسده ذلك فليس عليه إلا ما نقصه، والله أعلم، وبالله التوفيق.

[الباب الثالث] في ضمان ما هلك بيد الغاصب بجناية أو بأمر من الله تعالى، أو دخله عيب

[الباب الثالث] في ضمان ما هلك بيد الغاصب بجناية أو بأمر من الله تعالى، أو دخله عيب. [(1) فصل في ضمان ما هلك بيد الغاصب] والقضاء أن من غصب شيئاً فقد ضمنه يوم الغصب وإن هلك من ساعته بأمرٍ من الله تعالى أو بجنايته أو بجناية غيره، أو كانت داراً فانهدمت فإنه ضامن لقيمتها. [المسألة الأولى: في ضمان ما لا ينقل إذا أخرجه من ملكه ولم يجن عليه] م: قال بعض البغداديين: وقال أبو حنيفة: كل ما لا يصح نقله كالعقار والرباع فإن الغاصب لا يضمنه بإخراجه من يد مالكه إلا أن يجني هو عليه فيتلفه فيضمنه بإتلافه. ودليلنا: أن كل معنى يضمن به ما ينقل ويزال من الأعيان فإنه يضمن به ما لا ينقل ولا يحول؛ كالقبض في البيع الفاسد؛ واعتباراً بما ينقل لعلة أنها أعيان مغصوبة؛ ولأن الغصب سبب للضمان، فوجب أن يضمن به العقار والنخل كالإتلاف. [المسألة الثانية: ضمان المتقوم هل يكون بقيمته يوم الغصب ويوم التعدي أم يوم الحكم؟] م: وإنما كانت القيمة في الغصب والتعدي يوم الغصب ويوم التعدي لا يوم الحكم؛ لأن القيمة تتعلق بذمته بالتعدي لا بالحكم، إذ مطالبة الحاكم إنما هي بأمر قد تقدم وجوبه، وإنما ينكشف بالحكم مقدار ما اشتغلت به ذمته.

[المسألة الثالثة: في المغصوب يجده ربه بحاله] ومن المدونة: وكل ما اغتصبه فأدركه ربه بعينه لم يتغير في بدنه فليس له غيره ولا ينظر إلى نقص قيمته باختلاف سوقه، طال زمان ذلك سنين أو كانت ساعة واحدة وإنما ينظر إلى تغير بدنه. قال مالك: وهو بخلاف المتعدي في حبس الدابة من مكنزٍ أو مستعيرٍ يأتي بها أحسن حالاً، فربها مخير في أخذ الكراء أو يضمنه القيمة يوم التعدي؛ لأنه حبسها عن أسواقها إلا في الحبس اليسير الذي لا يتغير في مثله سوق أو بدن. قال ابن القاسم: كل ما أصله أمانة فتعدى فيه فأكراه أو ركبه من وديعة أو عارية أو كراءٍ، فهذا سبيله، وهو بخلاف الغاصب. م: وقد ذكرنا الفرق بين هذين الأصلين، والقياس أن لا فرق بينهما في هذا الوجه، ولا يكون الغاصب أحسن حالاً من المتعدي؛ فكما كان يضمن في النقص اليسير فكذلك يجب أن يضمن في نقص السوق، وقد نحا ابن القاسم إلى المساواة بينهما في هذا الوجه لولا خوفه مخالفة الإمام مالك رحمه الله. [المسالة الرابعة: في المغصوب يتغير بيد الغاصب ثم يفوت] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن غصب أمه فزادت قيمتها عنده أو نقصت، ثم قتلها أو وهبها أو تصدق بها، ففاتت عينها، فإنما عليه قيمتها يوم الغصب فقط.

قال سحنون في المجموعة: إن القتل فعل ثان؛ كأنه يقول وجب عليه الضمان بكل واحد من الفعلين؛ ألا ترى أن المشتري قد ضمن فيها الثمن الذي نقد، ثم لو قتلها لضمنها بالقتل وهو ضمان بمعنى آخر، وكان لمستحقها أخذه بقيمتها يوم القتل ثم رجع إلى قول ابن القاسم وأشهب في القتل. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو قتلها عند الغاصب أجنبي وقيمتها يومئذ أكثر من قيمتها يوم الغصب، فلربها أخذ القاتل بقيمتها يوم القتل بخلاف الغاصب، فإن كانت القيمة يومئذ أقل من قيمتها يوم الغصب كان له الرجوع بتمام القيمة على الغاصب. قال ابن المواز: لأنه يقول إنما أخذت من القاتل ما يجب عليه للغاصب، ولي على الغاصب أكثر منه، فصار كغريم غريمي. وقال سحنون في كتاب ابنه: إذا أخذ قيمتها من القاتل وقيمتها يوم الغصب أكثر، فلا رجوع له على الغاصب- كما لو باعها الغاصب لم يكن لربها أخذ الثمن ويرجع بتمام القيمة يوم الغصب على الغاصب- ولا أن يأخذ القيمة ويرجع بتمام الثمن. م: وقول ابن المواز أصح؛ لأنه في هذا إذا اختار أخذ الثمن فقد أجاز فعل الغاصب فلا تباعة له عليه، وإن اختار أخذ القيمة منه فقد ملكه

إياها، فثمنها له، فهو بخلاف إغرام القاتل القيمة. قال ابن المواز: ولو كان إنما أخذ قيمتها يوم الغصب من الغاصب فكانت أقل من قيمتها يوم القتل فلا رجوع له على القاتل بشيء، وللغاصب طلبه بجميع قيمتها يوم القتل. وزعم أشهب أن ربها يرجع على القاتل بالزائد على قيمتها يوم الغصب، ولا يرجع عليه الغاصب إلا بمثل ما غرم، وأما الزائد فلا يرجع عليه به الغاصب؛ لأنه لا يربح فيما غصب، فإذا رجع بمثل ما غرم فلا حجة له. ولم يعجبنا هذا؛ لأنه لما ضمنه القيمة يوم الغصب فقد ملكه إياها يومئذٍ، فنماؤها ونقصانها له وعليه، ولم يختلف ابن القاسم وأشهب أنه إذا أخذ القيمة أولاً من القاتل أنه يرجع بتمام قيمتها يوم الغصب على الغاصب كما ذكرنا. م: وحكى بعض فقهائنا القرويين: أن ابن القاسم يقول: إذا أغرم ربها القاتل قيمتها وكانت أقل من قيمتها يوم الغصب أنه لا يرجع على الغاصب بشيء، مثل ما قال سحنون، قال: ويلزم على هذا أن لو كان للغاصب غرماء، لم يكن هذا أحق بما

أخذ من الغرماء؛ لأنه إنما يأخذ ذلك عن الغاصب من غريم الغاصب فهو أسوة غرماء الغاصب، إلا أن يريد رفع الضمان عن الغاصب فلا يتبعه ببقية القيمة، ويكون أولى بما أخذ من الجاني من غرماء الغاصب. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو غصبها وقيمتها مئة، ثم باعها وقيمتها مئتان بخمسين ومئةٍ، ثم لم يعلم للأمة موضع فإنما لربها على الغاصب إن شاء الثمن الذي قبض فيها أو قيمتها يوم الغصب. [المسألة الخامسة: في المغصوب يهلك بيد الغاصب بغير سببه] قال ابن القاسم: وما مات من الحيوان أو انهدم من الربع بيد الغاصب بقرب الغصب أو بغير سبب الغاصب، فإنه يضمن قيمته يوم الغصب. [(2) فصل: في المغصوب يدخله عيب وهو بيد الغاصب] [المسالة الأولى: بم يرجع صاحب السلعة المغصوبة إذا دخلها عيب عند الغاصب وكيف إن كانت السلعة أمة؟] وما أصاب السلعة بيد الغاصب من عيب قل أو كثر بأمرٍ من الله تعالى، فربها مخير في أخذها معيبة أو يضمنه قيمتها يوم الغصب، وإن كانت جارية فأصابها عنده عوار أو عمى أو ذهاب يد بأمر من الله تعالى بغير سببه، فليس لربها أن يأخذها وما نقصها عند الغاصب، إنما له أخذها ناقصة أو قيمتها يوم الغصب، وليس للغاصب أن يلزم ربها أخذها ويعطيه ما نقصها إذا اختار ربها أخذ قيمتها، ولو قطع يدها أجنبي، ثم ذهب فلم يقدر عليه، فليس لربها أخذ الغاصب بما

نقصها وله أن يضمنه القيمة يوم الغصب، ثم للغاصب اتباع الجاني بما جنى عليها، وإن شاء ربها أخذها وابتع الجاني بما نقصها دون الغاصب. م: وقيل إن كانت قيمتها يوم الغصب عشرين، ونقصها القطع النصف فأخذها ربها وما نقصها وذلك عشرة، نظر إلى قيمتها يوم جناية الأجنبي عليها فإن كانت مئة، وقيمتها خمسون، أخذ ربها من الجاني خمسين، فأعطى منها للغاصب عشرة وأخذ البقية، وهذا على مذهب أشهب الذي يرى أن الغاصب لا يربح كما قدمنا. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو كان الغاصب هو الذي قطع يدها فلربها هاهنا ان يأخذها وما نقصها. يريد: يوم الجناية، أو يدعها ويأخذ قيمتها يوم الغصب. قال ابن حبيب: وقاله مطرف، وابن الماجشون، وابن كنانة. قال سحنون: وهذا خلاف ما قال ابن القاسم- في القتل: أن عليه قيمتها يوم الغصب لا يوم القتل- وقد تزيد قيمتها يوم القتل وقد يكون فيما نقص القطع منها يوم القطع مثل قيمتها أو أكثر يوم الغصب، فيأخذها ومثل قيمتها، فيأخذ في اليد ما لا يأخذ في النفس، والذي أرى أنه إنما له أن يأخذها ناقصة فقط، أو قيمتها يوم الغصب. ابن المواز: وقاله أشهب، وبه أقول.

قال ابن المواز: وحجة ابن القاسم: أن يقول ربها للغاصب: أنا أسقط عنك الغصب وآخذك بالتعدي، فيلزمه أن يقول ذلك في القتل وهو لا يقوله، ولا مالك ولا أصحابه. م: وذكر بعض أصحابنا أن الدمياطي روى عن ابن القاسم أن له أن يقول في القتل: أنا أسقط عنك الغصب وآخذك بالتعدي فيغرمه قيمتها يوم القتل، وإليه ذهب سحنون في المجموعة ثم رجع عنه. م: فهذا موافق لقوله في القطع. م: وقيل إنما الخلاف بين القطع والقتل؛ لأنه إذا قتلها فقد أذهب عينها، وإذا قطع يدها فقد أبقى بعضها، وقد يكون لربها رغبة في أخذ ما بقي منها، فيدفع بذلك حكم الغصب ويأخذه بحكم الجناية، وسحنون إنما يضمنه قيمة اليد يوم الغصب كأجزاءٍ غصبها أفات بعضها وبقي بعضها فيضمن قيمة ما أفاته يوم الغصب، ويجب على هذا إذا ذهبت يدها بأمر من الله تعالى أن يضمن قيمتها يوم الغصب، ويأخذ بقية أعضائها إذا عد أجزاءها كسلعٍ أفات بعضها وبقي بعضها. ومن المجموعة قال أشهب: ولو فقأ عينها أجنبي فلربها أخذها وما نقصها يوم الفقء من الفاقئ- في عدمه وملئه- ثم لا شيء له على الغاصب، وإن شاء أسلمها وأخذ قيمتها من الغاصب يوم الغصب، وإن كان الغاصب أخذ ما

نقصها من الفاقئ وهو أكثر من قيمتها يوم الغصب أخذ منه الاكثر. قال سحنون: لها تفسير. قال ابن عبدوس: وتفسيرها أن ينظر فإن كان ما أخذ الغاصب من الفاقئ أكثر من قيمتها يوم الغصب، أخذ جاريته واتبع الغاصب بما أخذ، فإن كان عديماً أخذ ذلك من الجاني ورجع به الجاني على الغاصب، وإن كان قيمتها يوم الغصب أكثر فله طلب الغاصب بالقيمة وتبقى له الأمة وما أخذ فيها، وإن شاء أخذ الأمة واتبع الغاصب بما أخذ من الجاني، أو يتبع الجاني به، ثم يرجع به الجاني على الغاصب. [المسألة الثانية: في أم الولد إذا غصبت فماتت، هل هي كالحرة أو لا؟] م: اختلف في أم الولد إذا غصبت فماتت: فقيل: هي كالحرة ولا ضمان على غاصبها. وقيل: هي كالأمة وكالمعتق إلى اجل وكالمدبر إذا غصبوا فماتوا أن على غاصبهم القيمة كقيمة العبيد. [المسالة الثالثة: هرم الأمة الشابة عند الغاصب هل يعد فوتاً؟] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن غصب أمة شابة فهرمت عنده فذلك فوت يوجب لربها قيمتها؛ لأن الهرم كعيب مفسدٍ أصابها عند الغاصب.

قال أشهب في كتابه: وإن شاء ربها أخذها ولا شيء له في هرمها- كان ما اصابها عنده من الهرم يسيراً، أو كثيراً- وكذلك ما صارت إليه من السن أمراً يسيراً مثل انكسار النهدين ونحوه لكان له تضمينه قيمتها إن شاء. [المسألة الرابعة: في ضمان ما هلك بيد الغاصب وقد زاد] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو غصبها صغيرة وهي تساوي مئةً، فكبرت عنده حتى نهدت فصارت تساوي ألفاً، ثم ماتت فإنما يضمن مئةً. ابن المواز قال أشهب: كما لو نقصت لم ينقص من تلك القيمة، فكذلك لا يزاد عليه إذا زادت؛ وكمن جرح عبداً قيمته مئة دينار، فيموت وقيمته ألف دينار، فلا يضمن إلا قيمته يوم الجرح؛ كالأمة إذا طلقت أو مات زوجها، ثم عتقت لم تنتقل إلى عدة الحرة. قال غيره: وكمن سرقة عرف قيمتها يوم السرقة، فلا ينظر إلى ما تؤول إليه قيمتها يوم القطع. م قيل: غصبها صغيرة فكبرت فلا يضمن؛ لأنها خير منها يوم غصبت ولا نقص فيها. فإن حدث بها نقص بعد ذلك كانكسار الثديين وشبهه، كان له أن يضمنه. قال بعض الفقهاء: فانظر لم لم يجعل ما حدث فيهما من النماء يجبر النقص الحادث فيها؟ م: لأنه لما كان له أن يأخذها ولا غرم عليه لنمائها فكأنه غصبها كذلك، فإذا نقصت عنده ضمنها.

م: وعلى هذا كان يجب لو قتلها يومئذ، كان تجب عليه قيمتها يوم القتل. م: وهذا مذهب الشافعي؛ لأنه يراه غاصباً لها كل يوم حتى يردها. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو ولدت عند الغاصب ثم مات الولد لم يضمنهم، ولو قتلهم الغاصب ضمن قيمتهم. ومن المجموعة قال سحنون: في غاصب العبد يحدث به عنده عيب، فيأخذه ربه ولم يعلم بعيبه، ثم يحدث عند ربه عيب آخر، أو مات في يديه أو وهبه أو باعه قال: إن باعه بقيمته يوم غصبه فأكثر فلا شيء له، وإن باعه بأقل من القيمة فله الأقل من تمام القيمة، أو من قيمة العيب، وإن وهبه، أو مات رجع بقيمة العيب على الغاصب، وإن لم يبع ولا وهب، رده وقيمة العيب الحادث عنده، وأخذ من الغاصب قيمته يوم غصبه، وإن شاء حبسه ورجع على الغاصب بقيمة العيب الذي حدث عنده.

[الباب الرابع] فيما باعه الغاصب فمات أو قتل، أو تغير أو لم يتغير

[الباب الرابع] فيما باعه الغاصب فمات أو قتل، أو تغير أو لم يتغير [(2) فصل: فيما باعه الغاصب فمات أو قتل] [المسألة الأولى: إذا مات المغصوب عند المبتاع] قال ابن القاسم: ومن غصب أمة فباعها من رجلٍ لم يعلم بالغصب، فماتت عند المبتاع فلا شيء عليه، ولربها أخذ الغاصب بقيمتها يوم الغصب لا يوم البيع أو الثمن الذي أخذ فيها. قال ابن المواز: قال أشهب: وإن استحقت بحرية رجع المشتري على بائعها بالثمن، وكذلك بأنها أم ولده أو معتقة إلى أجل وقد ماتت عنده فإنه يرجع بالثمن على بائعه، وإن كانت مدبرة لم يرجع بشيء. ابن المواز: وكذلك المكاتبة عندي كالأمة. [المسألة الثانية: إذا قتل المغصوب عند المبتاع] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو قتلت الأمة عند المبتاع فأخذ لها أرشاً، ثم استحقت، فلربها إن شاء أخذ قيمتها يوم الغصب من الغاصب، وإن شاء أخذ منه الثمن وأجاز البيع، وإن شاء أخذ من المبتاع ما قبض فيها من القاتل، ثم يرجع المبتاع على الغاصب بالثمن، ولو كان المبتاع هو الذي قتلها فلربها أخذه بقيمتها يوم القتل ثم يرجع هو على الغاصب بالثمن؛ لأن مالكاً قال: فيمن ابتاع طعاماً فأكله أو ثياباً فلبسها حتى أبلاها ثم استحق ذلك فإن المستحق يأخذ من المبتاع مثل طعامه أو قيمة ثيابه، وإنما يسقط عن المبتاع موت الجارية؛ لأنه أمر من الله تعالى وكذلك كل ما عرف هلاكه من أمر الله تعالى فإنه لا يضمنه وأما ما كان

الهلاك من سببه فإنه يضمنه. م وقيل عن أشهب: إذا باعها الغاصب بمئة، فقتلها المبتاع وقيمتها خمسون، فأغرمه المستحق قيمتها خمسين، فليرجع المبتاع على الغاصب بما غرم للمستحق في ذلك، وهو خمسون، ويرجع المستحق أيضاً على الغاصب بالخمسين بقية الثمن الذي أخذ فيها. والقياس ما قاله ابن القاسم: لأن المستحق لما أغرم المبتاع قيمتها فكأنه أخذ عين شيئه وانتقض البيع بين المشتري والغاصب، فوجب أن يرجع المشتري بجميع ثمنه، ولو كان قيمتها يوم الغصب مئة وعشرين فباعها الغاصب بمئة فقتلها المبتاع وقيمتها حينئذ خمسون فأخذ المستحق قيمتها من المشتري خمسين، فيرجع المشتري على قول أشهب على الغاصب بما غرم وذلك خمسون، ويرجع عليه المستحق بتمام القيمة يوم الغصب وذلك سبعون، وعلى قول ابن القاسم يرجع المشتري بثمنه وذلك مئة، ويرجع عليه المستحق بتمام القيمة يوم الغصب وذلك عشرون. [المسألة الثالثة: إذا جنى المبتاع نفسه على المغصوب] ومن المدونة قال ابن القاسم: وكذلك إن قطع المبتاع يدها أو فقأ عينها، فلربها أخذها ويضمن المبتاع ما نقصها ويرجع المبتاع بالثمن على الغاصب، وإن شاء ربها أجاز البيع وأخذ الثمن من الغاصب أو أغرمه القيمة يوم الغصب ويتم البيع. قال في العتبية: وهذا في العمد، فأما في الخطأ فكما لو ذهب ذلك بأمر الله تعالى. قال أشهب في المجموعة: إذا قتلها المبتاع عمداً أو خطأً، فلمستحقها أن يضمنه قيمتها؛ لأنها جناية.

ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو كان ذهاب عين الجارية أو قطع يدها عند المبتاع بأمرٍ من الله تعالى من غير سببه، لم يضمن المبتاع ذلك، والمغصوب منه مخير في أخذ جاريته ناقصة ولا شيء له على المبتاع ولا على الغاصب، أو يأخذ من الغاصب الثمن أو القيمة يوم الغصب. [المسألة الرابعة: إذا ادعى المبتاع هلاك ما اشتراه من الغاصب] قال في العتبية: ولو ادعى المبتاع أنها هلكت صدق فيما لا يغاب عليه من رقيق أو حيوان، ولا يصدق فيما يغاب عليه، ويحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد هلك، ويغرم قيمته إلا أن يأتي ببينةٍ على هلاكه من غير سببه. م: قيل: فإن رئي الثوب عنده بعد شهر من يوم اشتراه، فادعى ضياعه لما استحق، فالأشبه أن يضمن قيمته يوم رئي عنده بعد الشهر، بخلاف الصانع والمرتهن يدعي ضياعه بعد أن رئي عنده بعد شهر، فهؤلاء يضمنون قيمته يوم قبضوه، والفرق أن هؤلاء قبضوه على الضمان، فلما غيبوه بعد شهر أمكن أن يكونوا إنما قبضوه ليستهلكوه فأشبهوا المتعدي، والمشتري إنما قبضه على أنه ملكه فلم يتهم أن يكون اشتراه ليستهلكه، فإذا لبسه المشتري حتى أبلاه، فقيل: يضمن قيمته يوم لبسه، وفي هذا نظر؛ لأنه غير متعد في لبسه، وهو لو لبسه يوماً أو أياماً ولم ينقصه ذلك لم يكن عليه شيء، وإنما يضمن قيمته بالاستهلاك. م: الجواب لما كان هلاكه بانتفاعه لم يفرق في ذلك بينه وبين المتعدي، ألا ترى أن ابن القاسم شبه ذلك بقتله؟ فلذلك كان عليه قيمته يوم لبسه؛ وكما لو كان ذلك عنده رهناً أو وديعةً

[(2)] فصل [فيما باعه الغاصب وتغير عند المبتاع أو لم يتغير] [المسألة الأولى: إذا استحق المغصوب وهو بحاله] ومن المدونة: ومن غصب عبداً أو دابة فباعها ثم استحقها رجل وهي بحالها، فليس له تضمين الغاصب قيمتها وإن حالت الأسواق، وإنما له أن يأخذها أو يأخذ الثمن من الغاصب؛ كما لو وجدها بيد الغاصب وقد حال سوقها، فليس له تضمينه قيمتها إلا أن تتغير في بدنها. قال ابن عبدوس: وإن حال سوقها بنقصٍ فروى ابن وهبٍ عن مالكٍ أن له تضمين الغاصب قيمتها. [المسألة الثانية: إذا غصب أمه فغاب عليها هل يعد هذا كتغير البدن، واختيار ابن يونس في ذلك] وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: وإذا غصب أمة فلم تلد ولا حال سوقها إلا أنه غاب عليها ولم يعلم أنه وطئها أم لا، فلربها أخذها أو تضمينه قيمتها، وكذلك إن باعها بعد أن غاب عليها، فله تضمينه قيمتها وإن لم تتغير، أو يأخذ ثمنها أو يأخذها من المشتري، وقاله مالك وأصحابه، وهذا في الجارية الرائعة. م: لأن اغتصاب مثل هذه والغيبة عليها ينقص من ثمنها، فقد أدخل على ربها فيها عيباً ينقصها، فوجب عليه ضمانها؛ كما لو نقصت في بدنها. قال ابن حبيب: وليس في الوخش ولا في العروض والعبيد ولا في الدواب إلا أن يسافر على الدابة سفراً بعيداً، فربها مخير في أخذها أو أخذ قيمتها.

م: وهذا خلاف لابن القاسم في الدابة إذا سافر عليها ثم ردها بحالها، فليس له تضمينه عنده، بخلاف المتعدي من مكنزٍ أو مستعيرٍ وقد ذكرنا الفرق بينها. م: والقياس في هذا الوجه أنهم كلهم سواء، ويضمنون. م: وقوله في الأمة إذا غاب عليها الغاصب يضمن قيمتها، خلاف أيضاً لابن القاسم، والله أعلم، وروايته فيها أحب إلي، وبها أقول. [المسألة الثالثة: إذا باع الغاصب المغصوب فمات عند المبتاع أو تغير ثم أجاز ربها البيع] ومن المدونة: وإذا باع الغاصب الأمة فولدت عند المبتاع أو ماتت، ثم أجاز ربها البيع فذلك جائز، ولو أجاز ربها البيع بعد أن هلك الثمن بيد الغاصب، فإن الغاصب يضمنه، وليس الرضا ببيعه يوجب له حكم الأمانة في الثمن. ومن غصب أمة بعينها بياض فباعها، ثم ذهب البياض عند المبتاع وأجاز ربها البيع، ثم علم بذهاب البياض، فقال: إنما أجزت البيع ولم أعلم بذهابه وأما الآن فلا أجيزه، لم يلتفت إلى قوله، ولزمه البيع؛ وقد قال مالك: في المكنزي يتعدى المسافة فتضل الدابة فيغرم ثم توجد فهي للمكتري، ولا شيء لربها فيها، ولو شاء لم يعجل. م: وقال بعض الفقهاء: ولو زال البياض عند الغاصب وأجاز البيع لانبغى أن يكون له متكلم؛ لأن البيع وقع على غير الصفة التي يعرفها، فيقول: إنما أجزت البيع على ما كنت أعرف.

م: لأنه يقول: إنما أجزت بيع جارية عوراء بهذا الثمن، ولو علمت أن بياضها قد زال قبل البيع ما بعتها بمثل هذا الثمن، وأما التي بيعت وهي عوراء فقد بيعت على ما كان يعرف، فقد رضي بثمنها على تلك الحالة، فلا حجة له. م: ويحتمل أن يقال لا حجة له في الوجهين؛ لأنه لو شاء لاستثبت ولم يعجل، وهي حجة مالك الأولى. [المسألة الرابعة: إذا غصب أمة فباعها فأعتقها المبتاع ثم استحقها ربها] قال: ومن غصب أمة فباعها، ثم قام ربها وقد أعتقها المبتاع، فله أخذها ونقض العتق- نقصت أو زادت- وله أن يجيز البيع، فإن أجازه تم العتق بالعقد الأول، والعتق منعقد بظاهر الشراء والبيع لم يزل جائزاً إلا أن للمستحق فيه الخيار. قال ابن المواز: ولو كانت قد ورثت الأحرار، وشهدت الشهادات، ونفذت أمورها على أنها حرة، ثم استحقها سيدها فاختار إجازة البيع- وأخذ ثمنها من الغاصب أو أغرمه قيمتها يوم الغصب لما دخلها من نقص بدن- فإن الحرية تجوز لها، ولا ينتقض شيء مما فعلته على أنها حرة، والولاء للمشتري، ولو أخذها سيدها ولم يجز بيعها لنقض أفعالها، وردت ما ورثت، قال: ولو كان قد قطع رجل كفها، فاقتص لها منه لرجع المقطوعة كفه على عاقلة الإمام بدية كفه، ويرجع المستحق لها على قاطعها بما نقصها، وترجع جميع أحكامها فيما مضى وما يستقبل أحكام أمةٍ.

م وقد ذكرنا الاختلاف في عتق المديان إذا أمضى الغرماء عتقه هل ذلك كعتق المشتري؟ فقيل: إن عتق المديان عتق عدا وليس هو كعتق المشتري، وظهر لي أنهما سواء وهناك الحجة فيه. م قيل: فإن أعتقها الغاصب فأتى ربها فوجدها لم تفت، فأراد أن يلزمه قيمتها ويمضي عتقها، فقال الغاصب: لا أرضى بذلك، فينبغي ألا يلزم ذلك الغاصب؛ لأن عتقه باطل؛ لأنه أعتق ما لا يملك. فإن قيل: يلزمه، لأنه أعتق ما في ضمانه. قيل: قد لا يلزم الإنسان عتق ما في ضمانه؛ مثل عتقه عبداً باعه بالعهدة أو أمة في المواضعة، فإن قيل: إن عتقه رضا بالتزام القيمة، قيل: لا يلزمه ذلك؛ كما لو باعها ولم تفت لم يكن للمستحق أن يلزمه القيمة، وإنما له أن يأخذها أو يجيز البيع ويأخذ الثمن. [(3)] فصل [فيمن باع أمة ثم أقر أنه غصبها من فلان، وإذا ابتاعها الغاصب من ربها، وكيف إذا باع الغاصب ما غصب ثم علم المبتاع بالغصب] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن باع أمة ثم أقر أنه غصبها من فلان لم يصدق على المبتاع، ويضمن لربها القيمة إلا أن يشاء ربها أخذه بالثمن

فذلك له، ومن ابتاع أمةً من غاصب ثم ابتاعها الغاصب من ربها، فليس للغاصب نقض ما باع؛ لأنه تحلل صنيعه؛ وكأنه غرم القيمة لربها، ولو ورثها الغاصب من ربها كان له نقض البيع؛ لأنه حل محل ربها بغير صنعٍ منه، ولو كان إنما باعها ربها من رجل غير الغاصب ممن رآها وعرفها كان ذلك نقضاً لبيع الغاصب، وإذا باع الغاصب ما غصب ثم علم المبتاع بالغصب، والمغصوب منه غائب، فللمبتاع رد البيع لحجته: أنه يضمنه ويصير ربه مخيراً عليه إذا قدم، وليس للغاصب أن يقول أنا أستأني رأي صاحبها، ولو حضر المغصوب منه، فأجاز البيع لم يكن للمبتاع رده، وكذلك من افتأت عليه في بيع سلعةٍ في غيبته وحضوره. ومن العتبية قال أصبغ: عن ابن القاسم: وإذا أجاز رب العبد البيع والعبد قائم، فلا كلام للمشتري، والعهدة في ذلك على رب العبد لا على الغاصب، فإن فات العبد حتى يكون المستحق مخيراً في الثمن أو القيمة يوم الغصب- ليس في العبد؛ لفوته- فاختار أخذ القيمة أو الثمن من الغاصب، فالعهدة للمشتري على الغاصب.

[الباب الخامس] في الشهادة على الغصب، واختلاف المستحق والغاصب في صفة ما غصب أو عدة ما انتهب

[الباب الخامس] في الشهادة على الغصب، واختلاف المستحق والغاصب في صفة ما غصب أو عدة ما انتهب. [(1) فصل: في الشهادة على الغصب] قال ابن القاسم: وإن أقمت شاهداً أن فلاناً غصبك هذه الأمة وشاهداً آخر على إقرار الغاصب أنه غصبكها تمت الشهادة، ولو شهد أحدهما أنه غصبكها، وشهد الآخر أنها لك، فقد اجتمعا على إيجاب ملكك لها، فيقضي لك بها- يعني: بعد أن تحلف أنك ما بعت ولا وهبت؛ كمن استحق شيئاً ببينةٍ، وذلك إن ادعاها الغاصب لنفسه- لأنهما لم يجتمعا على إيجاب الغصب. م وقال بعض الفقهاء: شهادتهما مختلفة، فإذا لم تفت حلف مع أي الشاهدين شاء، فإن حلف مع شاهد الملك حلف أن شاهده شهد بحقٍ وأنه ما باع ولا وهب، وإن حلف مع شاهد الغصب حلف أنه لقد شهد شاهدي بحق فقط، وردت إلى يده بالحيازة فقط؛ لأن شاهد الغصب لم يثبت له ملكاً، وشاهد الملك لم يثبت لع غصباً، ويمكن أن تكون خرجت من يده ببيع إلى الذي هي في يده، فلما لم يجتمعا على ملكٍ ولا غصبٍ، حلف كما قدمنا، والله أعلم. قال ابن القاسم: ولو دخل الجارية نقص، كان لك أن تحلف مع الشاهد بالغصب، ويضمن الغاصب القيمة، قال: ومن أقام شاهداً أن هذه الأرض له وشاهداً آخر أنها حيزه قضى له بها؛ لأنهما قد اجتمعا على الشهادة، ومعنى قوله: حيزه، كقولك هذا حيز فلان. م قال بعض الفقهاء: ومعنى حيزه: أي ملكه، ولو كانت بمعنى

الحيازة لكانت مثل المسألة الأولى. [المسألة الأولى: إذا ثبت أن رجلاً غصب جارية ثم ماتت فكيف تقوم] قال ابن القاسم: وإن أقمت بينة على رجل أنه غصبك جارية لا يدرون قيمتها وقد هلكت، قيل: لهم صفوها، وتقوم تلك الصفة. قال أشهب في كتبه: فإن لم يثبتوا لها صفة، جعلت من أوضع الجواري ثم أغرم الغاصب قيمتها على ذلك يوم غصبها. قال ابن القاسم: وإن شهدت بينة أنه غصبك ثوباً أو جارية لا يدرون لمن ذلك، فذلك تمليك لك، ويقضي عليه برد ذلك إليك. [المسألة الثانية: إذا شهد الشهود شهادة ناقصة] ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: فيمن أقام بينة أن فلاناً غصبك أرضاً في قرية تسمى فلانة ولا يدرون موضع الأرض منها والغاصب منكر، قال: شهادتهم باطلة، لأنهم لم يشهدوا على شيءٍ معروفٍ ولا محدود ولا شيءٍ بعينه. قال عنه أصبغ: إذا شهدوا للمغصوب منه أن هذه أرضه ولا يعرفون الحدود، فإنه يسجن الغاصب، ويضيق عليه حتى يبين له حقه، ولا يقضي له إلا بشهادةٍ أو بإقرار فإن أقر بشيءٍ، وقال: هذا حقه حلف عليه. قال أصبغ: أو يشهد غيرهم على الحدود فيقضي بذلك، فإن لم يشهد له أحد

بالحدود وضيق على الغاصب واستبريء بالسجن فلم يقر بشيء، حلف على الجميع كما يحلف المدعي عليه بغير بينة، ولا يكون عليه شيء بتلك الشهادة. [(2) فصل [في اختلاف المستحق والغاصب في صفة ما غصب] ومن المدونة: ومن غصب أمة وادعى هلاكها، واختلفا في صفتها صدق الغاصب في الصفة مع يمينه إذا أتى بما يشبه، فإن أتى بما لا يشبه صدق المغصوب منه في الصفة مع يمينه. وقال أشهب في كتبه: لا يراعى في هذا ما يشبه، والغاصب مصدق في ذلك، ولو قال: كانت بكماء صماء عمياء، صدق مع يمينه. قال في النوادر: وقول من قال إذا أتى بما لا يشبه صدق المغصوب منه مع يمينه غلط، إنما يدخل هذا في اختلاف المتابعين في قلة الثمن وكثرته والسلعة قائمة معروفة الحال، فيصدق من يشبه أن يكون الحق في قوله مع يمينه فيما يتغابن الناس بمثله. م: لعله يريد: وقد دخل السلعة نقصٌ أو حوالة سوق، فيراعى قول من يشبه، وأما إن لم يدخلها شيء من ذلك، فقد قالوا لا يراعى قول من يشبه وليتحالفا ويتفاسخا. م: ويحتمل أن يكون في قيامها قولان: هل يراعى ما يشبه أو لا؟ والقياس أن يراعى ما يشبه، وإليه نحا أشهب ها هنا والله أعلم.

[المسألة الأولى: لو أخفى الغاصب المغصوب ثم ظهر المغصوب] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو قضينا على الغاصب بالقيمة ثم ظهرت الأمة بعد الحكم، فإن علم أنه أخفاها، فلربها أخذها ورد ما أخذ، وإن لم يعلم ذلك لم يأخذها ربها. قال أشهب في كتبه: ويحلف الغاصب- ها هنا إذا لم يعلم أنه أخفاها- بالله ما أخفاها، ولقد كانت فاتت من يده، فإذا حلف بقيت له إذا كانت على الصفة التي حلف عليها. قال ابن القاسم: إلا أن تظهر أفضل من الصفة بأمر بين، فلربها الرجوع بتمام القيمة؛ وكأن الغاصب لزمته القيمة فجحد بعضها. وقاله أشهب. قال: ومن قال: إن له أخذها، فقد أخطأ؛ كما لو نكل الغاصب عن اليمين في صفتها وحلفت أنت على صفتك، ثم ظهرت أنها على خلاف ذلك، كنت قد ظلمته في القيمة فيرجع عليك بما تزيد عليه من ذلك، ولا يكون له أن يقول لك: رد الجارية. م قال بعض الفققهاء: وينبغي أن لو أقر بخلاف ما غصب- مثل أن يقول غصبت جارية، ويقول المغصوب منه عبداً، فكان القول قول الغاصب، ثم ظهر أن الذي غصب عبد- أن يكون له الرجوع فيه كالذي أخفى ذلك؛ لأنه قد علم أنه أخفى الصفة ولم يغرم من قيمتها شيئاً، بخلاف اتفاقهما على العين ويختلفان في الصفة، فالعين حينئذ هي المعينة إلا أنهما اختلفا في صفتها، وانظر لو قال: غصبت منك جارية سوداء للخدمة قيمتها عشرون ديناراً، وقلت: إنما

غصبت مني جارية بيضاء قيمتها مئة دينارٍ مما يصلح للوطء، هل هذا بخلاف جحد بعض الصفة أم لا؟. م: والأشبه أن يكون كمن جحد بعض الصفة، وقد قال أشهب: إن القول قول الغاصب ولو قال كانت بكماء صماء، ثم قال: وإذا ظهرت خلاف الصفة بأمر بين فإنما يرجع بتمام القيمة، وهذا يدل على ما قلناه. [(3) فصل: في اختلاف الناهب والمنهوب منه في عدة ما انتهب] ومن المدونة قال مالك: ومن غصب أو انتهت صرة بينةٍ، ثم قال: كان فيها كذا، والمغصوب منه يدعي أكثر، فالقول قول الغاصب مع يمينه. ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك: فيمن انتهب صرة من رجل وناس ينظرون إليه قد أخذها، فطلب، فطرحها في متلفٍ، فادعى ربها عدداً ةأكذبه الآخر، ولم يفتحها ولم يدر المنتهب كم فيها أو لم يطرحها، ثم يختلفان فالقول قول المنتهب مع يمينه، ومطرف وابن كنانة وأشهب يقولون في هذا وشبهه: إن القول قول المنتهب منه إذا ادعى ما يشبه، وأن مثله يملكه. م: يريدون: ويحلف. وقد اختلف في يمينهن كالذي يدعي على رجل بمئة فيقول المطلوب لا أدري ألك علي شيء أم لا؟ فقيل: يأخذ المدعي ما قال بغير يمين؛ لأنه لا حقيقة عنده؛ ولأن الشاك لو أحلف لم يمكنه أن يحلف، فيصير لا فائدة في يمين مدعي التحقيق.

م: وأما إذا طرحها ولم يفتحها ولم يدر ما فيها، فالقول قول المنتهب منه مع يمينه فيما يشبه؛ لأنه يدعي حقيقة، وأما إن غاب عليها وقال: الذي كان فيها كذا وكذا، فالقول قول المنتهب مع يمينه.

[الباب السادس] القضاء في ولادة الأمة من غاصب أو زوج أو مشتر، وكيف إذا أعتقها المشتري أو كان ثوبا فلبسه

[الباب السادس] القضاء في ولادة الأمة من غاصب أو زوج أو مشتر، وكيف إذا أعتقها المشتري أو كان ثوباً فلبسه. [(1) فصل: في القضاء في ولادة الأمة من غاصب أو زوج أو مشتر] قال ابن القاسم: وإذا ولدت الأمة بيد الغاصب من وطئه، أو من زوج تزوجها وعلم أنها أمة ولم يعلم بالغصب، أو ولدت من زنى، فلربها أخذها وأخذ الولد رقاً، ويحد الغاصب في وطئه إياها إن أقر بالوطء، ولا يثبت نسب ولده، ويثبت نسب ولد الزوج ويكون رقاً إلا أن يتزوجها على أنها حرة فيكون لربها أخذها وقيمة ولدها ويكون حراً، ومن ابتاع أمةً فأعتقها ثم استحقت، فليأخذها ربها، وينتقض العتق إن قامت له بينة أنها غصبت منه أو سرقت أو أنها له، ولم تذكر بينة غير ذلك، فإن أولدها المبتاع فلمستحقها بالملك أخذها إن شاء مع قيمة ولدها يوم الحكم عبيداً، وعلى هذا جماعة الناس، وقاله مالك، وأخذ به ابن القاسم ثم رجع مالك فقال: يأخذ قيمتها وقيمة ولدها يوم يستحقها؛ لأن في ذلك ضرراً على المبتاع. قال ابن حبيب: ثم رجع مالك فقال: ليس على المبتاع إلا قيمتها يوم وطئها، ولا قيمة عليه في ولدها، وبه أخذ ابن الماجشون وغيره. وفي كتاب الاستحقاق إيعاب هذا.

[(2) فصل: فيمن غصب ثوباً فلبسه حتى أبلاه] قال مالك: ومن ابتاع ثوباً من غاصب ولم يعلم فلبسه حتى أبلاه، ثم استحق، غرم المبتاع لربه قيمته يوم لبسه، وإن شاء ضمن الغاصب قيمته يوم الغصب أو أجاز بيعه وأخذ الثمن، ولو تلف الثوب عند المبتاع بأمر من الله تعالى لم يضمنه، ولو تلف عند الغاصب بأمرٍ من الله لزمه ضمانه.

[الباب السابع فيـ] ما يلزم الغاصب فيه القيمة أو المثل مما استهلكه، وكيف إن وجده ربه بغير بلده

[الباب السابع فيـ] ما يلزم الغاصب فيه القيمة أو المثل مما استهلكه، وكيف إن وجده ربه بغير بلده [(1) فصل: فيما يلزم الغاصب فيه القيمة أو المثل مما استهلكه] [المسألة الأولى: في أصل إيجاب القيمة في غير الكيل والوزن] قال أبو محمد: قال بعض البغداديين: وأوجبنا القيمة في غير المكيل والموزون؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أعتق شركاً له في عبد قوم عليه نصيب شريكه)) فجعل فيه القيمة وهي أعدل لتعذر إدراك المماثلة فيه، وما كانت فيه مدركة مما يكال أو يوزن، فهي فيه أعدل لتقاربها من الذهب والورق في إدراك المماثلة، وغيرنا [يقر بذلك] ويخالفنا في العروض؛ وقوله سبحانه وتعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} قد علم أنه أريد به المثل في الصفة والمقاربة، لا حقيقة المقدار في الوزن؛ لأن ما ذكر من النعم لا يماثله الصيد في المقدار؛ ليست البدنة مثلاً للنعامة، وبذلك يحكم فيها، فعلم أنه تعالى أراد مماثلة الصفة والمقاربة في الخلقة، والله أعلم. [المسألة الثانية: إذا استهلك ما غصب من طعام أو إدام] ومن المدونة قال مالك: ومن غصب لرجل طعاماً أو إداماً، فاستهلكه فعليه مثله بموضع غصبه منه، فإن لم يجد هناك مثلاً لزمه أن يأتي بمثله، إلا أن يصطلحا على أمرٍ جائزٍ، وإن لقيه ربه بغير البلد الذي غصبه فيه لم يقض عليه

هناك بمثله ولا بقيمته، وإنما له عليه مثله بموضع غصبه فيه. ومن المجموعة وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ومن استهلك لرجل عسلاً أو سمناً في بلد فلم يجد له بذلك البلد عسلاً ولا سمناً، قال: لابد أن يأتيه بمثله، وله أن لا يأخذ قيمته إلا أن يصطلحا على أمرٍ يجوز. وقال أشهب: رب الطعام بالخيار: إن شاء صبر عليك وألزمك أن تأتي بالمثل من أي بلد كان، وإن شاء ألزمك القيمة الآن. قال ابن عبدوس: واختلفا في هذا كما اختلفا في الذي يسلم في الفاكهة فيفرغ إبانها وقد بقى له منها، فالصبر حتى يأتي بالطعام من بلد آخر كالصبر حتى يأتي إبان الثمرة إلى عام قابل، فقال ابن القاسم: يلزم الطالب التأخير حتى يؤتي بالطعام، وحتى يأتي قابل في الفاكهة، وقال أشهب: يرد إليه رأس ماله في السلم، ولا يجوز أن يؤخره، وقال في الطعام: يأخذ منه قيمة الطعام إن شاء، وإن شاء أخره حتى يأتي بالمثل؛ فهذا فسخ الدين في الدين على أصله، فلا يجوز أن يؤخره بالطعام إذا كان له أخذه بالقيمة، وإنما ينظر: فإن كان الموضع الذي يوجد فيه مثل الطعام على يوم أو يومين أو ثلاثة والأمد القريب، فليس له فيه إلا مثل طعامه، يأتيه به، وإن كان بعيداً مما على الطالب فيه ضرر أو كان استهلكه في لج بحرٍ أو فيافٍ بعيدة من العمران فهذا يغرم قيمته حيث استهلكه، يأخذه بها حيث لقيه.

[المسألة الثالثة: في العروض والرقيق والحيوان إذا استهلكها الغاصب] ومن المدونة قال مالك: وأما العروض والرقيق والحيوان إذا استهلكه، فله قيمة ذلك ببلد الغصب يوم الغصب يأخذه بتلك القيمة أينما لقيه من البلدان، نقصت القيمة في غير البلد أو زادت. [(2)] فصل [إذا وُجد المغصوب بغير بلده] ومن المجموعة روى سحنون عن ابن القاسم عن مالك في العروض والرقيق والطعام يُسرق، فيجده ربه بغير بلده، قال: أما الطعام فليس له أخذه، وإنما له أن يأخذ السارق والغاصب بمثله في موضع سرقه أو غصبه، وأما العبيد والدواب فليس له إلا أخذهم حيث وجدهم لا غير ذلك - يريد: إن لم يتغيروا - وأما البزُّ والعروض فربها مخير بين أخذه بعينه وإن شاء قيمته بموضع سرق منه. وقال سحنون: البز عندي كالرقيق: إنما له أخذه حيث وجد إذا لم يتغير في بدنه - وكأنه رأى اختلاف البلدان كاختلاف الأسواق - فإنما حال منه تغيير سوقه، وليس بمنزلة أو لو لقيه ربه - وقد عاد إلى البلد - والمتاع بالبلد الذي نقله إليه، هذا له أن يضمنه قيمته؛ لأنه حال بينه وبينه. وقال أشهب في الطعام: ربه مخير بين أخذه بعينه أو مثله في موضع غصبه منه، ويحال بين الغاصب وبين الذي نقل حتى يوفى المغصوب حقه.

قال سحنون: لا أعرف هذا [44/أ] من قول الرواة. وحكى ابن المواز قول ابن القاسم وقول أشهب في الطعام. قال: وقال أصبغ في الطعام إن كان البلد بعيداً؛ فالقول ما قال ابن القاسم، ويتوثق لرب الطعام بحقه، وإن كان قريباً كبعض الأرياف، فله أخذه، ويحمل على الظالم بعض الحمل. وقال ابن القاسم: إنما له أخذه بمثله حيث غصبه، ولو اتفقا على أن يأخذه بعينه أو مثله بموضع نقله أو يأخذ فيه ثمناً جاز بمنزلة بيع طعام القرض قبل قبضه، وقاله أصبغ. ابن المواز: وقال أشهب - في العروض والحيوان -: إن لربها أخذها بموضع وجدها، وإن شاء تركها وأخذه بقيمتها يوم الغصب ببلد الغصب، يأخذ ذلك منه حيث لقيه، وقاله أصبغ. ابن المواز: صوابٌ؛ لأن اختلاف البلدان البعيدة كتغيرها عن حالها. [فائدة: في تحصيل الاختلاف في الطعام والعبيد والدواب والبز يجده ربه بغير بلده]. م: وتحصيل هذا الاختلاف باختصار: قال ابن القاسم: أما الطعام، فليس له في الحكم إلا مثله بموضع غصبه،

والحيوان والرقيق ليس له إلا أخذه بموضع وجده، والبز هو فيه مخير بين أخذه أو أخذ قيمته بموضع غصبه. قال سحنون: البز كالحيوان ليس له إلا أخذه حيث وجده. وقال أشهب: الحيوان كالبز، وهو مخير في أخذه أو قيمته ببلد الغصب. قال: وكذلك الطعام له أخذه به حيث وجده بعينه أو مثله ببلد الغصب، وفرق أصبغ بين البلد البعيد والقريب. م وقال بعض الفقهاء: جعل سحنون نقل البز والعروض من بلد إلى بلد كاختلاف الأسواق، وقد يفرق بين هذا وبين اختلاف الأسواق بالضرر الذي أُدخل على ربها في نقلها - وقد قالوا في العبد إذا جنى عند الغاصب جنايةً عمداً أن لربه أن يغرمه قيمته؛ كالتأثير في عينه - بخلاف حوالة الأسواق؛ لأن ذلك كالعيب فيه، مع بقاء الأسواق فهو يحط عنه في ذلك السوق بعينه، وكذلك يجب في حدوث الإباق والسرقة. قال: وأحسن ما قيل في الحيوان أن ليس نقلها فوتاً؛ لأنها تمشي بخلاف العروض، فليس لربها إلا أخذها، وجعل أشهب ذلك كالتغير في البدن. قال: والأشبه في المكيلات والموزونات ما قاله ابن القاسم إذ لا ظلم في ذلك على المغصوب؛ إذ مثله يقوم مقامه، ولا يظلم الغاصب، كما لو غصب قمحاً فطحنه، إنّ الأعدل من الأقاويل: أن عليه مثله، ولا يأخذ الدقيق.

[الباب الثامن] القضاء فيما اغتله الغاصب أو نتج عنده أو سكنه أو استهلكه

[الباب الثامن] القضاء فيما اغتله الغاصب أو نتج عنده أو سكنه أو استهلكه. [(1) فصل: في القضاء فيما نتج عند الغاصب من المغصوب، وفي تعدي المكتري والمستعير، وهل له المطالبة بما أنفق على المغصوب]. قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((الخراج بالضمان)). يريد: ضمان الشراء لا ضمان الغاصب، وقال: ((من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق))، فالغاصب هو العرق الظالم، وفي كتاب الاستحقاق إيعاب هذا. قال ابن القاسم: فيما أثمر عند الغاصب من نخل أو شجر أو تناسل من الحيوان أو جُزّ من الصوف أو حلب من اللبن، فإنه يرد ذلك كله مع ما اعتصبه لمستحقه، وما أكل: رد المثل فيما له مثل أو القيمة فيما لا يقضى فيه بالمثل، وليس له اتباع المستحق بما أنفق في ذلك أو سقى أو عالج أو رعى، ولكن له المقاصة بذلك فيما بيده من غلته - لأن عن عمله تكونت؛ ألا ترى أن الأجير أحق بها في الفلس - فإن عجزت الغلة عن ذلك لم يرجع على المستحق بشيء، وقاله أشهب في المجموعة.

وقال أيضاً ابن القاسم: لا شيء له فيما سقى أو عالج أو أنفق وإن كان ذلك [44/ب] سبباً للغلة، وقاله مالك، وبه أخذ ابن المواز، قال: إذ ليس بعين قائمة، ولا يقدر على أخذه، ولا مما له قيمةٌ بعد القلع فيرد؛ وهو كما لو غصب مركباً خراباً فأنفق في قلقطته وزفته وتزجيجه وأطرافه وحوائجه، ثم اغتل منه غلةً كبيرةً، فلربه أخذه مقلفطاً مصلوحاً بجميع غلته، ولا غرم عليه فيما أنفق عليه إلا مثل الصاري والأرجل والحبال وما يوجد له ثمن إذا أخذ، فللغاصب أخذه، وإن كان بموضع لا غناء له عنه؛ إذ لا يجد صارياً ولا أرجلاً ولا أحبلاً إلا هذه، أو لا يجد ذلك إلا بموضع لا ينال حمله إليه إلا بالمشقة والمؤنة العظيمة، وهو مما لا بد له منه مما يجري المركب به حتى يرده إلى موضعه فربه مخيرٌ أن يعطيه قيمة ذلك بموضعه كيف ما كان، أو يسلم ذلك إليه. [فرع: فيمن أنفق على المغصوب بوجه شبهة]. م وقد اختلف أيضاً فيمن سقى وعالج بوجه شبهةٍ كالمشتري والموهوب له: فقال ابن القاسم: لا يأخذ المستحق حتى يدفع قيمة السقي والعلاج.

وقال عبد الملك: بل يأخذ ذلك ذلك بغير شيء، وكذلك عنده فيمن اشترى داراً فبيضها أو عبداً صغيراً لا خدمة له، فأنفق عليه حتى كبر أن صاحبه يأخذه بغير شيء؛ لأنه لا عين قائمة لما أخرج. م وإنما يجب هذا في المعتدي، وقول ابن القاسم في هذا أصوب، والله أعلم. [المسألة الأولى: إذا مات المغصوب وبقي ما نتج منه] ومن المدونة: وإن ماتت الأمهات وبقي الولد أو ما جز منها أو حلب، خير ربها، فإما أخذ قيمة الأمهات يوم الغصب ولا شيء له فيما بقي من ولدٍ أو صوفٍ أو لبنٍ، ولا في ثمنه إن بيع، وإن شاء أخذ الولد إن كان ولد، وثمن ما بيع من صوف أو لبن ونحوه، وما أكل أو انتفع به من ذلك فعليه المثل فيما له مثلٌ والقيمة فيما يقوم ولا شيء عليه من قِبل الأمهات؛ ألا ترى أن من غصب أمة ثم باعها فولدت عند المبتاع ثم ماتت، فليس لربها أن يأخذ أولادها وقيمة الأمة من الغاصب؟ وإنما له أن يأخذ الثمن من الغاصب أو قيمتها يوم الغصب أو يأخذ الولد من المبتاع ثم لا شيء له عليه ولا على الغاصب من قيمة الأم، ولكن للمبتاع الرجوع على الغاصب بالثمن، ولا يجتمع على الغاصب غرم ثمنها وقيمتها. [فائدة: في اتفاق ابن القاسم وأشهب في المغصوب ينتج ثم يقوم ربه، واختلافهما في فوت أحدهما قبل الاستحقاق]. م اتفق ابن القاسم وأشهب فيمن غصب أمة أو حيواناً، فولدت الأمة والحيوان واغتله الغاصب ثم قام ربها، فإنه يكون مخيراً بين أخذ الأمهات والأولاد والغلة أو أخذ قيمة الأمهات يوم الغصب، ولا شيء له غير ذلك، واختلفا إن ماتا أو أحدهما: فقال ابن القاسم: يكون مخيراً بين أخذ قيمة الأمهات يوم الغصب أو أخذ ما

وجد منها مع الغلة، ولا شيء له غير ذلك، وإن ماتا جميعاً فليس له إلا قيمة الأمهات يوم الغصب. وقال أشهب: إن ماتا جميعاً ضمن قيمة الأمهات يوم غصبها وقيمة الأولاد يوم الولادة، وإن مات أحدهما أخذ الحي وقيمة الهالك، يريد: قيمة الولد يوم الولادة وقيمة الأم يوم الغصب. م: لأنه عنده غاصب بجميع ذلك، وكأنه غصب الولد يوم ولدوا أو غصب الغلة يوم أخذها، وإذا كان ذلك قائماً أخذه كله، وإن فات أغرمه قيمة الأمهات يوم الغضب، وقيمة الولد يوم ولد وقيمة الغلة يوم أخذها، وكان يجب على هذا إذا كان ذلك كله قائماً أو أغرمه قيمة الأمهات أن له أن يأخذ الولد والغلة، فبان أن قول ابن القاسم أصح. ولأشهب قول كقول ابن القاسم، وذلك أنه أنكر قول [45/أ] من قال: - في الأمة تلد من المشتري - أن المستحق يأخذ قيمتها يوم أحبلها وقيمة ولدها، فقال: إذا لزمته قيمتها يوم الوطء فقد صار له الولد بعد أن لزمته بالقيمة، وقال في غاصب الدابة إذا أكراها فعطبت: فإن شاء ربها أخذه بقيمتها يوم الغصب ولا كراء له، وإن شاء أخذ كراءها فقط. قال ابن عبدوس: فهذا يدل من قوله أنه إذا أخذ القيمة يوم الغصب لم يكن له شيء في ولدٍ ولا غلةٍ؛ لأنه إنما جاء بعد أن ضمن الأمهات فهم له. م وهذا هو الصواب إن شاء الله.

[(2) فصل: في القضاء فيما اغتله الغاصب أو أسكنه أو استعمله. المسألة الأولى: في الرباع يغصبها ثم يسكنها أو يغتلها]. ومن المدونة قال ابن القاسم: وكل ربع اغتصبه غاصب فسكنه أو اغتله أو أرضاً فزرعها، فعليه كراء ما سكن أو زرع بنفسه، وغرم ما أكراها به من غيره ما لم يحاب، وإن لم يسكنها ولا انتفع بها ولا اغتلها، فلا شيء عليه. وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: عليه كراء كذلك وإن علم أنه أغلق الدار وبور الأرض وأوقف الدابة والعبد؛ لأنه منعه من ذلك. قال عبد الوهاب: وهذا قول الشافعي. ودليلنا أنها منافع لم تستوف من المغصوب، فلم يضمنها الغاصب؛ أصله منافع البضع؛ مثل أن يحبس حرة عن التزويج حتى مضت مدة من الزمان؛ فإنه لا يضمن مهر مثلها؛ أو كبضع الأمة يمسكها مدة عن سيدها. م: وهذا لا يلزم ما رواه ابن حبيب؛ لأن الأبضاع لا تكرى، والدور والأرض والدابة مما يكرى، فهذا مفترق. [المسألة الثانية: إذا استعمل ما غصبه من رقيق أو دواب وبقي بحاله لم يتغير في بدن؟] ومن المدونة قال ابن القاسم: وما اغتصب من دواب ورقيق أو سرقه، فاستعملها شهراً أو طال مكنها بيده أو أكراها وقبض كراءها، فلا

شيء عليه في ذلك، وله ما قبض من كرائها، وإنما لربها عين شيئه، وليس له أن يلزمه قيمتها إذا كانت على حالها لم تتغير في بدن، ولا ينظر إلى تغير سوق. قال أبو محمد: وفيما حكاه أبو الفرج عن مالك أنه قال: إن سكن أو ركب فلا شيء عليه، وإن أكرى وقبض غلة، غرمها وحبس منها ما أنفق, م: ووجه هذا: أن كراء ما أكراه عوض في منافع ملك غيره، فهو كالعين القائمة يلزمه ردها، وما سكن بنفسه لم يأخذ له عوضاً فيلزمه رده. م: والصواب في ذلك عندنا أنه يلزمه كراء ما سكن أو ركب؛ لأنه استهلك منافع ملك غيره؛ كاستهلاك عين ملك غيره، فوجب عليه غرمه في الوجهين. [المسألة الثالثة: إذا استعمل الغاصب ما غصب فتغير المغصوب في بدنه]. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو استعمل الدابة حتى أعجفها أو أدبرها فتغيرت في بدنها، فلربها أن يضمنه قيمتها يوم غصبها وإلا أخذها، ولا كراء له. م: يريد: وإذا أخذها لم يضمنه ما نقصها، بخلاف ما لو قطع لها عضواً عنده، هذا يغرم ما نقصها، والفرق عنده أن العجف ليس بأمر ثابت لا يزول وقطع العضو هعو تأثيرٌ قائمٌ لا يعود إلى ما كان عليه كزوال العجف،

وأشهب يساوي بين ذلك ويقول: ليس له إلا عين شيئه أو يضمنه قيمتها يوم غصبها. وهذا أصوب. [المسألة الرابعة: في الفرق بين ما غصب من الدواب والرقيق وما غصب من الدور] قال ابن القاسم: ولم يكن على الغاصب والسارق كراء ما ركب من الدواب بخلاف ما سكن من الربع أو زرع من الأرض؛ لأنه أنفق عليه، وهو لو أنفق على الصغير من رقيق أو حيوان حتى يكبر كان لمستحقه أخذه بزيادته، ولو يكن له ما أنفق أو علف أو كسى، ولو كان ذلك ربعاً فأحدث فيه عملاً كان له أخذ ما أحدث فيه، فهذه [45/ب] وجوهٌ مفترقة. قال أبو محمد وناقضه أشهب وابن المواز في هذا الفرق فقالا: إنما يرجع في نفقة الدار في عينٍ قائمة، وليست النفقة على الصغير بعينٍ قائمة. ابن المواز: وقال أشهب: عليه رد الغلة في الحيوان والعبيد والإماء، وله المقاصة فيها بالنفقة والمؤنة. قال سحنون: وقد روى ذلك عن مالك أنه يغرم له غلة الحيوان والعبيد. وقال أشهب: إن الدور والأرضين والحيوان والعبيد كلها سواءٌ، يرد ما اغتل في ذلك كله، ويقاص بما أنفق وعمل وعلف ورعى، وإنما الذي فيه الحديث - ((الخراج بالضمان)) - إنما هو لمن ضمن بغير تعد، فأما الظالم المتعدي فليس من ذلك.

وقال ابن القاسم في كتاب الاستحقاق: عليه أن يرد ما قبض من كراء أو غلة في دور أو رقيق، قال غيره: ولو أكرى ذلك الغاصب وحابى فيه لأخذه بالمحاباة، فإن أعدم أخذ بها المكتري، وقاله سحنون. م: وروي عن مالك أنه لا يرد شيئاً من كراءٍ أو غلةٍ أو استخدام في ربع أو حيوان أو رقيق أو غيره. [فائدة: في حصر الأقوال في الفرق بين الرباع والرقيق ووجه كل قول] م: فصار في هذا الأصل أربعة أقوال: قولٌ فرق فيه بين الرباع والرقيق. وقول: أن لك سواءٌ، وعليه رد الغلة. وقول: أنه ليس عليه ردها في ذلك كله. وقول إن سكن بنفسه أو ركب، فلا شيء عليه، وإن أكرى أو اغتل رد ذلك. ويحاسب بما أنفق في هذه الأقوال، وقيل لا يحاسب. م: فوجه التفريق بين الرباع والحيوان قد ذكره ابن القاسم؛ ولأن الحيوان غير مأمون؛ لأنه يسرع إليه التغيير والتلف باستعماله، فيلزمه قيمته فوجب أن يكون له خراجه بضمانه، وليس كذلك الرباع لأنها مأمونة في الغالب. ووجه القول بأنه يرجع عليه في كل ذلك؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه))؛ ولأنه انتفع بملك غيره من غير ملك تقدم له ولا شبهة، فلزمه قيمة ما انتفع به؛ أصله إذا ابتدأ بالاستخدام

والسكنى من غير غصب. زووجه القول بن المنافع غير مضمونة أصلاً؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((الخراج بالضمان)) فهو على عمومه؛ ولأن الغاصب لما كان ضامناً للعين بقيمتها يوم الغصب لم يكن لمنافعها حكم في الضمان؛ لأنها تابعة للعين، ولأن الضمان بالجناية أكد من الضمان بالاستخدام وغيره، وقد ثبت أن الغاصب لو جنى على بعض أطراف المغصوب، لم يكن للمالك إلا أخذه ناقصاً بلا أرش، أو إلاسلامه والرجوع بالقيمة يوم الغصب عند أكثرهم، فكان بأن لا يرجع في المنافع أولى. م: وقد ذكرنا وجه القول الرابع، وقال بعض البغداديين في جميع ذلك كله، وبالله التوفيق. قال بعض أصحابنا: وإنم فرق ابن القاسم بين غلة الغنم من صوف أو لبن وبين غلة العبيد والدواب - على أحد قوليه -؛ لأن غلة الدابة والعبد متكونة بسبب الغاصب وفعله، والألبان والأصواف ليس له فيها فعلٌ، إنما هي ناميةٌ بأنفسها أو متولدةٌ عن الأعيان، فوجب أن يكون لها حكم الأعيان، والله أعلم. [المسألة الخامسة: في الفرق بين الغاصب والمكتري والمستعير يردون ما حبسوه بحاله] ومن كتاب الغصب قال ابن القاسم: وأما المكتري والمستعير يتعدى

بالمسافة تعدياً بعيداً، أو يحبسها أياماً كثيرة ولم يركبها، ثم يردها بحالها فربها مخير في أخذ قيمتها يوم التعدي، أو يأخذها مع كراء حبسه إياها بعد المسافة، وله في الوجهين على المكتري الكراء الأول، والغاصب والسارق ليس عليه في مثل هذا قيمةٌ ولا كراءٌ إذا ردها بحالها. قال [46/أ] ابن القاسم: ولولا ما قاله مالك لجعلت على الغاصب والسارق كراء ركوبه إياها، وأضمنه قيمتها إذا حبسها عن أسواقها؛ كالمكتري، ولكن آخذ فيها بقول مالك، ولقد قال جُلّ الناس: إن الغاصب والسارق والمكتري والمستعير بمنزلةٍ واحدةٍ، ولا كراء عليهم وليس عليهم إلا القيمة، أو يأخذ دابته. م وقد ذكرت الفرق بين المستعير والمكتري، وبين الغاصب لسحنون وابن المواز. وقال بعض المتأخرين من أصحابنا: إن الفرق بين الغاصب وبين المستعير والمكتري، أن المستعير والمكتري إنما تعدوا على المنافع لا على الرقاب، فغرما كراء ما تعديا عليه من تلك المنافع، والغاصب إنما قصد غصب الرقاب وقد كانت في ضمانه، وإن أصابها شيءٌ من أمر الله تعالى ضمنها، فوجب أن يكون له غلتها؛ لأنها متولدة عن فعله وعما في ضمانه، ولو قصد إلى غصب المنافع خاصةً مثل أن يريد دابة يركبها إلى موضع كذا فيأخذها غصباً لذلك، لكان عليه كراؤها بلا اختلاف من قول ابن القاسم، ويصير كالمستعير والمكتري، وإنما فرق بينهما لاختلاف السؤال، وإذا اتفقا كانوا سواء.

م وينتقض عليه هذا الفرق في غصبه الرباع، فقد قال ابن القاسم: إن عليه رد ما أكراها به، وهو قد غصب الرقاب. [(6)] فصل [إذا غصب داراً فسكنها ثم انهدمت من غير فعله] قال ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن سكن داراً غصباً للسكنى - بمثل ما سكن المسودة حين دخلوا - فانهدمت من غير فعله لم يضمن إلا قيمة السكنى، إلا أن تنهدم من فعله، وأما لو غصبه رقبة الدار ضمن ما انهدم وكراء ما سكن. وقاله أصبغ. قال ابن القاسم: وإذا نزل سلطان على مكترٍ فأخرجه من الدار وسكن، إن المصيبة على أهل الدار، ويسقط عن المكتري ما سكن السلطان. وقاله مالك وأصبغ. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية قال: وقضى به الحزمي حين قدم المسودة. ومن المجموعة قال ابن القاسم وعبد الملك: فيمن اكترى داراً أو أرضاً فاغتصبها منه رجلٌ فسكن أو زرع: إن الكراء على المكتري إلا أن يكون سلطاناً ليس فوقه سلطان يمنعه منه إلا الله سبحانه، وليس السلطان كغيره. م: صواب؛ لأن منع السلطان - الذي لا يستطاع دفعه - كمنع ما هو من

أمر الله تعالى كانهدام الدار وقحط الأرض أو غرقها في إبان الزراعة الذي لا يُستطاع دفعه، وأما ما يستطاع دفعه فوجب أن تكون المصيبة من المكتري؛ لأنه إنما اشترى سكنى فغصبت منه، كما لو اشترى عرضاً أو حيواناً فغصب منه أن المصيبة منه لا من البائع؛ ولأنه إن غرم الكراء رجع به على الغاصب فلم تقع عليه جائحة، والأول لا يستطيع الرجوع على أحدٍ فافترقا. [(3)] فصل [في تعدي المكتري والمستعير] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا زاد مكتري الدابة أو مستعيرها في المسافة ميلاً أو أكثر ضمن، وخير ربها: فإما ضمنه قيمتها يوم التعدي ولا كراء له في الزيادة، أو أخذ منه كراء الزيادة ولا قيمة عليه، وله على المكتري الكراء الأول بكل حالٍ. م وعلى قوله في العبد الرهن إذا أعاره لمن يستعمله، أنه لا يضمن إلا أن يكون عملاً يعطب في مثله - وهو قد نقله من موضعٍ لم يؤذن له فيه - والأشبه في هذا كله الضمان، وهو مذهب سحنون في العبد الرهن. [المسألة الأولى: إذا تعدى فيما استعار من دابة ثم ردها بحالها] ومن المدونة قال ابن القاسم، ولو ردها [46/ب] بحالها والزيادة يسيرة مثل البريد واليوم وشبهه، لم تلزمه قيمتها، وإنما له كراء الزيادة فقط، وإن كان أصابها في تعديه عيبٌ مفسدٌ، فلربها تضمينه قيمتها، وإن كان يسيراً لم يضمن إلا ما نقصها.

قال أبو محمد: يريد: يأخذ ما نقصها مع كراء الزيادة، وهذا طرحه سحنون في رواية يحيى. م: قال بعض أصحابنا: إذا أصاب الدابة في تلك الزيادة عيب يسير - فوجب على هذا المعتدي غرم ما نقصها - وجب أن يسقط من كراء الزيادة على المسافة مقدار ذلك الجزء: إن نقصها الربع أو الخمس سقط من كراء الزيادة ربعه أو خمسه. م: صوابٌ؛ لأن قيمة ذلك النقص إنما ضمنه يوم تعديه؛ كأنه إنما حمل على ما ضمنه؛ كما لو هلك جميعاً فضمن قيمتها يوم التعدي لم يكن عليه من الكراء شيء، فكذلك إذا هلك بعضها فيضمنه، وجب أن يسقط كراؤها. والله أعلم. م: قال بعض الفقهاء: إن كان النقص بسبب السير أغرمه النقص فقط، وإن كان من غير السير، فله الكراء مع النقص. م: وعلى ما تقدم سواءٌ كان النقص بسبب السير أو بغيره؛ لأنه إنما يغرمع النقص يوم التعدي، فكأنه إنما سار على ما قد ضمنه، إلا أن يكون تعدي عليها بما نقصها بعد رجوعه من الزيادة؛ فهذا يكون عليه النقص والكراء؛ لأن النقص وجب بعد أن وجب الكراء. م: وعلى قوله إن كان النقص بسبب السير - فإنما يكون له ما نقص - ينبغي أن يكون مخيراً بين أخذ النقص أو الكراء. قال: وقد وقع في كتاب محمد في الدجاجة إذا غصبها فحضن تحتها

بيض غيرها أن له ما نقصت وكراء حضانتها، قال: وفي هذا نظر؛ لأنه إذا كان النقص بسبب الحضانة فأغرمه النقص، فكيف يكون له الكراء؟. [(4)] فصل [فيمن استعار دابة إلى موضع ثم تنحى فنزل فهلكت في رجوعه] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن استعار دابة ليشيع عليها رجلاً إلى ذي الحليفة فبلغها ثم تنحى قريباً فنزل، ثم رجع، فهلكت في رجوعه، فإن كان ما تنحى إليه من منازل الناس لم يضمن، وإن جاوز منازلهم ضمن. وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون وأصبغ: إذا كانت الزيادة مما لا خيار لربها فيها - إذا سلمت - ثم رجع بها سالمة إلى المواضع الذي تكاراها إليه، فماتت أو ماتت في الطريق إلى الموضع الذي تكاراها فيه، فليس لربها إلا كراء الزيادة؛ كرده لما تسلف من الوديعة، ولو كانت الزيادة كثيرة مما لربها تضمينه فيها - وإن رجعت بحالها - فهو ضامن. م: إنما يصح هذا إذا كانت الزيادة يسيرة مما يعلم أن تلك الزيادة لم تعن على هلاكها، فيكون هلاكها بعد ردها إلى الموضع المأذون فيه بأمر من الله لا صنع للمتعدي فيه، ويكون حينئذٍ كهلاك ما تسلف من الوديعة بعد رده لا محالة، وإن كانت الزيادة كثيرة مما يعلم أنها أعانت على هلاكها كاليوم واليومين، وإن كان لا يضمن في ذلك لو ردها بحالها؛ فإنه يضمن هاهنا؛ لأن تلك الزيادة قد أعانت على هلاكها، والله أعلم، وهذا في الأكرية مستوعب.

[الباب التاسع] فيما وهب الغاصب أو أعاره أو أكراه

[الباب التاسع] فيما وهب الغاصب أو أعاره أو أكراه [(1) فصل فيما وهبه الغاصب] قال مالك: ومن غصب طعاماً أو إداماً أو ثياباً ثم وهب ذلك لرجل فأكل الطعام والإدام ولبس الثياب حتى أبلاها ولم يعلم بالغصب، ثم استحق ذلك رجلٌ، فليرجع بذلك على الواهب إن كان مليئاً، وإن كان عديماً أو لم يقدر عليه، رجع بذلك على الموهوب، ثم لا رجوع للموهوب على الواهب بشيء. [47/أ]. قال ابن المواز: وقال أشهب: يتبع أيهما ساء؛ كما قال مالك في المشتري يأكل الطعام أو يلبس الثياب: إن للمستحق أن يتبع أيهما شاء، ويبتدئ بأيهما شاء. قال ابن القاسم في المجموعة: وإن كان الواهب غير غاصبٍ لم يتبع إلا الموهوب المنتفع. م: وهذا خلاف ما قاله في كتاب الاستحقاق في مكري الأرض يحابي في كرائها، ثم طرأ له أخٌ يشاركه وقد علم به أو لم يعلم، فإنما يرجع بالمحاباة على أخيه إن كان مليئاً، فإن لم يكن له مالٌ رجع على المكتري، فقد ساوى في هذا بين المتعدي وغيره، وهذا أصله في المدونة أنه يرجع أولاً على الواهب إلا أن يعدم، فيرجع على الموهوب، إلا أن يكون الموهوب عالماً فهو كالغاصب في جميع أموره ويرجع على أيهما شاء. م: وقول أشهب أقيس؛ ولا يكون الموهوب أحسن حالاً من المشتري، وبه أقول.

م: ووجه قول ابن القاسم في ابتدائه يغرم الغاصب؛ لأنه كالم متعد، والموهوب غير متعد، والظالم أحق أن يحمل عليه، فإن لم يوجد أو لم يقدر عليه أو كان عديماً كان للمستحق أن يرجع على الموهوب؛ لأنه يقول: الموهوب وضع يده على مالي، وانتفع به خطأً، فوجب عليه غرمه؛ لأن الخطأ والعمد في أموال الناس سواء. فإن قيل: فما الفرق بينه وبين المشتري، والمشتري غير متعد، وقد جعل للمستحق أن يبدأ بغرمه إن شاء أو بغرم الغاصب. قيل: المشتري إذا أغرمه المستحق رجع بثمنه على الغاصب، والموهوب إذا أغرمه لم يرجع إذ لا عهدة له على الغاصب، وهو يقول: لم ألبس على معاوضة؛ فلا يرجع علي إذا كان ثم من يرجع عليه. [(2) فصل فيما أعاره الغاصب] ومن المدونة قال ابن القاسم: وكذلك لو أعاره الغاصب هذه الثياب فلبسها لبساً ينقصها، فليرجع بنقصها على الغاصب إن كان مليئاً، وإن كان عديماً رجع على المستعير، ثم لا يرجع المستعير بما يغرم من نقص الثوب على المعير. ومن المجموعة قال أشهب وسحنون: إذا كان المعير غاصباً فليس لربه تضمينه النقص، وإنما له أن يضمنه الجميع، ولا شيء له على المستعير، وإذا كان الغاصب عديماً، بيع الثوب في القيمة واتبع المستعير بالأقل من تمام القيمة أو ما نقص لبسه للثوب، إلا أن يكون قد كان للغاصب مالٌ وقت لباس المستعير ثم زال المال، فلا يضمن المستعير شيئاً، يريد: لا تباعة على الغاصب بالقيمة، وإن شاء المستحق أخذ الثوب وما نقصه اللبس من المستعير فذلك له في عدم الغاصب أو ملئه؛ لأن النقص لم يجب على الغاصب فيكون ليس له طلب المستعير حتى لا يجب شيء على المعير.

[(3)] فصل [فيما أكراه الغاصب] قال ابن القاسم: وأما إن أكرى منه الثوب فلبسه لبساً ينقصه، فلربه أن يأخذ ثوبه من اللابس ويضمنه ما نقصه اللبس، ثم للمكتري الرجوع على الغاصب بجميع الكراء ويصير كالمشتري. ومن كتاب العارية وكتاب محمد قال ابن القاسم: ولو كانت دابة فأكراها الغاصب فعطبت تحت المكتري، فلا شيء على المكتري لرب الدابة، ويتبع الغاصب بقيمتها، إلا أن تكون ماتت من شيء فعله المكتري بها، بخلاف ما أكله المشتري ولبسه حتى أبلاه؛ هذا يغرمه المشتري لمستحقه ويرجع بالثمن على الغاصب. قال ابن المواز: وهذا لمالك. [المسألة الأولى: في الكلام على تفريق ابن القاسم بين العبد والدابة المستأجرة يعطبان] وقد روى ابن القاسم عن مالك فيمن واجر عبداً ولم يعلم أنه عبدٌ ليبلغ له كتاباً إلى بلدٍ فعطب: أنه ضامنٌ [47/ب]، مثل ما يتلف المشتري بنفسه مما اشتراه أن لمستحقه أن يضمنه. قال ابن المواز: وفرق ابن القاسم بين العبد الدابة التي أكراها فعطبت، وما بينهما فرقٌ - وكذلك لو لم يركبها وبعضها مع غيره إلى بعض القرى - قال ابن المواز: وهما سواءٌ، وفيهما الضمان. م: والفرق بينهما أن العبد لا يمكن أن يضمن منافعه لسيده، فلما لم يضمن له ذلك أشبه المستأجر له الموهوب في عدم الغاصب، أنه يرجع عليه، ومكتري الدابة من الغاصب يجد ربها الغاصب يرجع عليه؛ فلذلك لم يرجع على المكتري، ولو لم يجد الغاصب لأمكن أن يرجع على المكتري ويكون كمسألة العبد، ويصير المكتري كمن ركب دابة إنسان بغير إذن ربها فهلكت تحته،

فإن قيل: المكتري كالمشتري، وهو يقول في المشتري فيما هلك بانتفاعه: إن للمستحق أن يرجع إن شاء عليه أو على الغاصب، قيلك إنما ذلك فيما هلك بنفس فعله كطعامٍ أكله أو ثوبٍ لبسه حتى أبلاه أو عبدٍ قتله، ومكتري الدابة لم تهلك بنفس فعله، وإنما هلكت تحته بأمر من الله، ولو حملها ما تعطب في فعطبت لذلك، أو تعمد قتلها لوجب أن يرجع عليه إن شاء أو على الغاصب، وهو في هذا كالمشتري إن ركب الدابة فهلكت بأمرٍ من الله تعالى لم يضمن، وإن هلكت بسبب فعله ضمن، فهذه أمورٌ مفترقة، ومالك أعلم بها من غيره، والله أعلم وبالله التوفيق. قيل لابن المواز: فقد قال مالك في المشتري يهدم الدار أنه لا يضمن؟ قال: وقد قال مالك في قطعه الثوب: إنه ضامت. قال ابن المواز: صوابٌ كله، والفرق أن الدار يقدر على إعادتها ولا يقدر على أعادة الثوب؛ وكذلك كسر الحلي كهدم الدار ليس بمتلفٍ، وقاطع الثوب كذابح الشاة وكاسر العصا، وكذلك بعثه للغلام إذا هلك فيه فهو تلفٌ له، وكذلك راكب الدابةن والباعث بها تهلك في ذلك. م: وهذه مسائل أنا أتبع النص فيها إذا لم أجد خلافها، ولو قال قائل: إن هدم الدار وذبح الشاة وكسر الحلى وركوب الدابة وبعث العبد سواءٌ، لم أعبه، ولكنا قياساً؛ لأن هذا مالٌ قد تبين أنه لغيره، والخطأ والعمد في أموال الناس سواء، وهدم الدار أشد من ذبح الشاة؛ إذ لا يعيد الدار إلى مثل ما كانت عليه إلا بمثل قيمتها صحيحة أو أكثر، وقد يشترى بثمن الشاة مذبوحة مثلها حية، فلم يدخل عليه كبير ضررٍ، وأما قوله: هذه تعود إلى ما كانت عليه وهذه لا تعود، فضعيف.

[الباب العاشر] فيمن ادعى قبل رجل غصبا وبقية التداعي في الغصب

[الباب العاشر] فيمن ادعى قبل رجل غصباً وبقية التداعي في الغصب [(1) فصل: فيمن ادعى قبل رجل غصباً] قال ابن القاسم: ومن ادعى على رجل غصباً وهو ممن لا يتهم بذلك عوقب المدعي، وإن كان ممن يتهم بذلك نظر فيه الإمام فأحلفه، فإن نكل لم يقض عليه حتى يرد اليمين على المدعى كسائر الحقوق، وقد قال مالك: في امرأة ادعت أن فلاناً استكرهها وتعلقت به، فإن كان ممن لا يُشار إليه بذلك حدث له، ولم تحد عند غيره، ولم تحد هي إن جاءت بولد بعد هذا لما بلغت من فضيحة نفسها. قال ابن القاسم: وإن كان ممن يشار إليه بذلك، نظر فيه الإمام. م: ولم يكن عليها حدٌّ في رميه، وعوقب لها بقدر حاله وتهمته، واختلف هل لها صداقٌ أم لا؟ وهل إن وجب لها الصداق هل تأخذه بيمين أو بغير يمين؟ والأشبه أن يكون عليها اليمين على قول من رأى لها [48/أ] الصداق،

وقد قيل في الذي رئي حين حملها فدخل بها داراً أنها تحلف وتأخذ الصداق، فإذا حلفت بعد ما ظهر عداه، فالذي لم يظهر إلا قولها وتعلقها به أحرى أن تكون بيمين. [فائدة: في حصر الأقوال في ادعاء الغصب] م: وقيل الناس في مسألة الغصب على ثلاثة أوجه: فإن كان المدعي عليه الغصب ممن يليق به ذلك، هدد وسجن، فإن لم يخرج شيئاً حلف، وفائدة تهديده لعله يخرج عين ما غصب إذا كان يعرف بعينه، وأما ما لا يعرف بعينه فلا فائدة في تهديده؛ إذ لو أخرج بالتهديد ما لا يعرف بعينه لم يؤخذ منه حتى يقر آمناً. وإن كان من أوساط الناس لا تليق به سرقة لم يلزمه يمين، ولا يلزم راميه بذلك شيءٌ إذا ادعى أنه أخذه له. وإن كان من أهل الخير والدين لزم القائل له ذلك الأدب، وأشهب يقول: لا أدب على المدعي بحال، ولا يمين على المدعى عليه بحالٍ إذا لم يحقق عليه الدعوى. [(2) فصل: فيمن ادعى سلعة هي وديعة بيد آخر أنها له وأقام البينة وربها غائب] ومن المدونة: ومن بيده سلعةٌ وديعةٌ أو عاريةٌ أو بإحارةٍ وربها غائبٌ، فادعاها رجلٌ وأقام البينة أنها له، فليقض له بها بعد الاستيناء واليمين

أنه ما باع ولا وهب؛ لأن الغائب يقضى عليه، إلا أن يكون ربها بموضع قريبٍ فيتلوم له القاضي، أو يأمر بأن يكتب إليه فيقدم. [(3) فصل: في اختلاف الغاصب والمغصوب منه في المغصوب] قال ابن القاسم: وإذا قال الغاصب: غصبت الثوب خلقاً، وقال ربه: بل جديداً، صدق الغاصب مع يمينه، فإن حلف أدى قيمته خلقاً، ثم إن قامت بينةٌ تسهد أنه غصبه جديداَ، فإن كان ربه غالماً بالبينة، فلا شيء له، وإن لم يكن عالماً رجع بتمام القيمة، وهذا في كل الحقوق، حلف عند السلطان أو عند غيره. وقال أشهب في المجموعة: البينة العادلة أولى من اليمين الفاجرة - قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه - فإن شاء تمسك رب الثوب بثوبه، وإن شاء أخذه بقيمته يوم الغصب ورد عليه الثوب إن لم يفت، وإن باعه ربه بعد أن أخذ خلقاً قاصه في القيمة بالثمن، وإن وهبه فلا شيء عليه؛ لأن الغاصب أباحه ذلك ظلماً، وليتبع الغاصب الذي صار الثوب بيده فيأخذه منه أو قيمته يوم لبسه إن كان أبلاه، وإن تلف عنده فلا شيء عليه؛ لأنه لم يكن ضامناً.

[الباب الحادي عشر] فيمن غصب شيئا فأحدث فيه صنعة

[الباب الحادي عشر] فيمن غصب شيئاً فأحدث فيه صنعة [(1) فصل فيمن غصب ثوباً فصبغه] قال ابن القاسم: ومن غصب ثوباً فصبغه، خير صاحبه في أن يأخذ من الغاصب قيمته يوم غصبه أو يعطيه قيمة صبغه ويأخذ ثوبه مصبوغاً، ولا يكونان شريكين في الغصب. وقال أشهب في غير المدونة: له أخذ الثوب، ولا شيء عليه في صبغه، كمن بنى ما لا قيمة له بعد القلع. وفي كتاب محمد: ومن غصب غزلاً فنسجه، فعليه قيمة الغزل، كمن عصب خشبة فعلها توابيت، وفي هذا كله اختلاف. قال بعض الفقهاء، ويشبه أن يكون كالثوب يخاط لأنه إنما أحدث فيه تأليفاً لا قيمة له إذا أزبل. قال ابن القاسم في تضمين الصناع: وإن قطعه الغاصب وخاطه، فلربه أخذه ولا غرم عليه في الخياطة أو يضمنه قيمته يوم الغصب، وهذا الفرق بين الخياطة والصبغ. [(2) فصل: فيمن غصب حنطة فطحنها] ومن الغصب قال ابن القاسم: ومن غصب حنطة فطحنها دقيقاً، فأحب ما فيه إلى أن يضمن مثل الحنطة.

وقال أبو محمد وقال [48/ب] أشهب: وإن شاء أخذ الدقيق ولا شيء عليه في طحنه. قال ابن القاسم في كتاب السرقة: ولو طحنها سويقاً ثم لته ثم قطع ولا مال له غيره، فأبى رب الحنطة أخذ السويق، فليبع ويشتر له من ثمنه مثل حنطته. م: ويجوز له أخذ السويق ملتوتاً في الحنطة إذا رضيا؛ لجواز بيع الحنطة بالسويق متفاضلاً، ولو غصبه سويقاً فلته فإنما عليه مثله، ولا يجوز أن يتراضيا أن يأخذه ويعطيه ما لته به؛ لأنه التفاضل بين الطعامين؛ وكذلك لو ضرب الفضة دراهم، أو صاغها لم يجز له أخذها ويعطيه أجرته للتفاضل بينهما. قال ابن القاسم وأشهب في المجموعة: إذا طحن الحنطة سويقاً ولته، فليس لربها أخذه، فإن لم يكن للسارق مالٌ بيع السويق عليه، فاشتري منه مثل حنطة هذا، فإن كان فيه فضلٌ فللسارق، فإن كان نقص أتبع به. قال أشهب: وليس كالثوب يصبغ أو يقطع والعمود يدخل في البنيان؛ لأن اسم ذلك قائمٌ بعد، والسويق ليس بالقمح قد صار سويقاً، فعليه مثل الحنطة. [(3) فصل: فيمن غصب ذهباً مصوغاً] ومن المدونة: ومن غصب لرجل سوارين من ذهب، فاستهلكهما فعليه قيمتهما مصوغين من الدراهم، وله أن يؤخره بتلك القيمة، وكذلك من غصب لرجلٍ ثوباً فحكم عليه بقيمته، فلا بأس أن يؤخره بتلك القيمة، وأما من كسر

لرجل سوارين، فإنما عليه قيمة الصياغة، لأنه إنما أفسد له صنعة. قال ابن المواز: بخلاف العروض في الفساد الكثير؛ لأنه لم يفسد له عين الذهب إنما أفسد له صنعةً وهو لم يقبضها، فيضمن بالغصب قيمتها. م: والذي رجع إليه ابن القاسم في كتاب الرهن أنه إذا كسرهما لزمته قيمتهما وكانا له. ابن المواز وقال أشهب: عليه أن يصوغهما له، وهو أحب إليّ من قيمتهما أو مما نقصهما، وقد قاله مالك فيهما وفي الجدار يهدمه. فإن لم يقدر أن يصوغهما فعليه ما نقصا ما بين قيمتهما مصوغين ومهشومين، ولا أبالي قوماً بذهبٍ أو بفضةٍ. وفي كتاب محمد: فيمن اغتصب حلياً فكسره ثم أعاده إلى هيئته أن عليه قيمته، وهذا هو الصواب على مذهب من لا يرى أن يقضى بمثل هذا في الصياغة؛ لأن هذه الصياغة غير تلك، فكأنه أفات السوار، فعليه قيمته يوم أفاته، وعلى مذهب أشهب يأخذها؛ لأنه يقول: من استهلك لرجلٍ سواراً فعليه أن يصوغه له، وكذلك الحائط يهدمه فيلزمه أن يبنيه له. [(4) فصل: فيمن غصب خشبة أو حجراً فبني عليهما] ومن المدونة قال: ومن غصب خشبةً أو حجراً فبنى عليهما، فلربهما

أخذهما وهدم البناء، وكذلك إن غصب ثوباً وجعله ظهارة الجبة، فلربه أخذه أو يضمنه قيمته. قال أبو محمد: وله أخذ عين شيئه، وتفتق له الجبة، ويهدم له البناء، والهدم والفتق على الغاصب. م: وظاهر هذا أن له أيضاً أن يضمنه قيمة الخشبة، وكان الغاصب لما أفاتها رضي منه بالتزام قيمتها، وقد قيل لبس للمغصوب منه أخذها إذا كان في ذلك خراب بنيان، وهذا لأن ما يدخل على الغاصب في خراب بنيانه أعظم مما يدخل عليه فيها إذا عملها تابوتاً، فإذا كان ليس له أخذها في ذلك فأحرى أن ليس له أخذها بهدم بنيان الغاصب. ومن كتاب الحاوي قال مالك: فيمن ابتاع خشبة فبنى عليها، فليس لربها قلعها للضرر؛ إذ ليس الباني بغاصب. [(4) فصل: لو حول الغاصب المغصوب عن حالته التي عصبه عليها] ومن المدونة: ولو عمل الغاصب من الخشبة باباً أو غصب تراباً فعمل منه ملاطاً أو عصب حنطة فزرعها وحصد منها حباً كثيراً، أو غصب سويقاً

فلته بسمن، أو غصب فضة فصاغها حلياً [49/أ]، أو ضربها دراهم، أو غصب حديداً أو نحاساً أو رصاصاً فعمل منه قدوراً أو سيوفاً، أو أتلفه، فعليه في هذا كله مثل ما غصب في صفته ووزنه وكيله، أو القيمة فيما لا يكال ولا يوزن، وكذلك في السرقة؛ لأن من ابتاع ما يكال أو يوزن بيعهاً جزافاً فأتلفه، فليس ذلك فوتاً وعليه مثل صفته أو كيله؛ وكذلك الغصب. وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون: في الفضة يصوغها حلياً والثوب يصبغه أو يقطعه أو يخيطه والقمح يطحنه سويقاً: إن لربه في هذا كله أخذه إن شاء أو يضمنه المثل فيما يقضى بمثله القيمة فيما يقوم ولا حجة له بالصنعة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((وليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ)). وقال سحنون: كل ما تغير بالصنعة حتى صار له اسمٌ غير اسمه، فليس لربه أخذه وهو فوت. وفي كتاب السرقة كثيرٌ من هذا. [(2)] فصل [فيمن غصب وديا فغرسه في أرضه] ومن كتاب الغصبك ومن غصب ودياً - صغاراً من نخلٍ أو شجرٍ - فقلعها وغرسها في أرضه فصارت بواسق، فلربها أخذه، كصغيرٍ من الحيوان يكبر.

قال سحنون في كتاب ابنه: هذا إذا كانت إذا قلعت نبتت في أرض أخرى. وقال ابن حبيب عن أصبغ: لربه أخذه وإن كان قد طال زمان ذلك وكثر، كان مما ينبت أو لا، إلا أن يشاء ربه أن يدعه ويأخذ من الغاصب قيمته نابتاً يوم قلعت، فذلك له. [فرع: فيمن أخذ الغرس وله دالة على صاحبه] قال أصبغ: وإن كان إنما أخذ الغرس دالةً على صاحبه فغرسه في أرضه، فإن قام ربه بحدثان ما غرسه فله قلعه، وإن كان قد نبت وعلق. قال: فأما إن طال زمانه فليس له أخذه، وأرى دالته عليه شبهةً إذا كان من أهل الدالة عليه، ويكون له عليه قيمته قائماً يوم قلعه. [المسألة الأولى: لو غصب غرساً فباعه وغرسه المبتاع] ولو غصب غرساً فباعه وغرسه المبتاع وهو لا يعلم فاستحق بعد أن نبث وعلق قال: يخير ربه في ثلاثة أوجه: إما أخذ من الغاصب الثمن أو القيمة يوم الغصب - قيمته قائماً - وإن شاء قلعه وأخذه، ما لم يطل زمانه وتتبين زيادته ونماؤه فليس له قلعه ويأخذ من المشتري إن شاء قيمته يوم غرسه في أرشه، ويرجع المشتري بالثمن على الغاصب. م: لما يدخل على المشتري من الضرر في قلعه وذهاب خدمته وسقيه

وعلاجه فأشبه ما يدخل عليه من الضرر في إيلاد الأمة على قوله يأخذ قيمتها لما يدخل عليه من الضرر، وكذلك هذا. [المسألة الثانية: إذا امتلخ من شجرة ملخاً فغرسه في أرضه، وكيف إذا امتلخه وله دالة على صاحبه]. قال أصبغ: وإن امتلخ من شجرة رجلٌ ملخاً متعدياً فغرسه في أرضه فنبت، فله قلعه بحدثانه، ولا يقلعه بعد طول الزمان، وله عليه قيمته عوداً يوم ملخه إلا أن يضر ذلك بالشجرة، فيكون عليه مع ذلك قيمة ما نقص من الشجرة. م: إذا أغرمه قيمة ما نقص من شجرة فلم كان له أن يغرمه مع ذلك قيمة ملخه؟ ولِمَ لم يكن كمن قطع أصبع عبد رجلٍ؟ فإنما عليه ما نقصه لا غير ذلك، وإذا كان ذلك لا ينقص من شجرة، فلم كان عليه قيمته عوداً مملوخاً ولم تكن عليه قيمته قائماً في شجرة؟ كما إذا قلع له غرساً فغرسه في أرضه ولا ينقص ذلك من ثمن حائط المغضوب منه، فقد قال: له أن يغرمه قيمته قائماً، فما الفرق؟

قال، ولو امتلخه مدلاً فلا يقلعه، قام بحدثان غرسه أو بعد طول الزمان، وليتحلله منه، فإن حلله، وإلا غرم له قيمته عوداً مملوخاً. [فرع: فيمن باع سلعة تعرف بأنها لرجل وزعم أنه وكيله] ولسحنون: فيمن باع سلعةً تعرف برجل، وزعم أنه وكيله على البيع، وغاب ولا يعرف ذلك إلا بقوله، فاشترى منه من يعلم أن الدار [49/ب] للغائب، فقدم فأنكر، فإن كان الوكيل يقوم في الدار، وينظر فيها ويعمل حتى ثبتت له شبهة الوكالة، فالغلة للمشتري، وإن لم تكن له شبهة فالمشتري منه كالغاصب، والغلة للمستحق، وكذلك الأم تبيع حق الصبيان وهي غير وصية، ثم يبلغ الأطفال، فإن كانت الأم تحوط وتقوم وتنظر فيه، فباعت وهي كذلك، فالغلة للمبتاع. [(3)] فصل [فيمن غصب خمراً فخللها] [المسألة الأولى: فيمن غصب خمراً لمسلم فخللها] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن غصب مسلم خمراً من مسلم فخللها، فلربها أخذها؛ لأن مالكاً قال: إذا ملك المسلم خمراً فليهرقها، فإن اجترأ وخللها فليأكلها. قال أبو محمد: وإنما كان لربها أخذها؛ لأنها قد حلت، وليس للغاصب فيه

صنعةٌ يحتج بها. [المسألة الثانية: فيمن غصب خمراً لذمي فخللها] قال أشهب: ولو كانت لذمي كان مخيراً في أخذها خلا أو قيمتها خمراً يوم الغصب. [المسألة الثالثة: فيمن غصب خمراً لذمي فأتلفها] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن غصب لذمي خمراً فأتلفها، فعليه قيمتها يقومها من يعرف القيمة من المسلمين. قال سحنون: يقومها من كان حديث عهدٍ بالإسلام. قال ابن المواز: لا تخفى قيمتها على المسلمين. وقال ابن الماجشون: لا شيء عليه؛ لأنه لا قيمة للخمر، ولا للميتة. م: قال عبد الوهاب: وهو قول الشافعي. فوجه قول ابن القاسم: أنه أتلف عليه ظلماً ما يعتقد ملكه، ويقر عليه، فلزمته قيمتها؛ أصله إذا أتلف عليه ثوباً، ووجه قول عبد الملك: فلأنه لا قيمة للخمر فلم يلزمه سوى الأدب؛ كما لو عدا على مرتد فقتله لم تلزمه ديته، وأدب لافتئاته على الإمام.

[الباب الثاني عشر] فيمن غصب شيئا - أو أودعه قمحا - فخلطه بغيره

[الباب الثاني عشر] فيمن غصب شيئاً - أو أودعه قمحاً - فخلطه بغيره. [(1) فصل: فيمن غصب قمحاً وشعيراً فخلطهما] قال ابن القاسم: ومن غصب لرجلٍ قمحاً ولآخر شعيراً فخلطهما، فعليه لكل واحد مثل طعامه. قال في كتاب محمد: فإن لم يكن عنده شيء بيع المختلط فاشترى من ثمنه لكل واحد مثل طعامه، فإن لم يبلغ قسم الثن على قدر قيمة القمح وقيمة الشعير، ثم يشتري لكل واحد بما وقع له مثل طعامه، وما بقي اتبعاه به ديناً، وإن رضيا بقسمة الثمن على هذا جاز، وإن اختلفا، فمن شاء أخذ حصته من الثمن أخذها، ويشترى للآخر بما وقع له منه مثل جنس طعامه. [المسألة الأولى: هل يجوز أن يصطلحا على أن يقتسما ذلك المختلط بينهما على قيمة الطعامين، وأما على قدر كيل طعام كل واحد، فجائزٌ إذا رضيا جميعاً] ونحوه قال أشهب في المجموعة قال: لا يقتسمان ذلك إلا بالسواء إذا كانت مكيلتهما واحدة، ولا يجوز أن يقتسماه على القيم؛ لأنه يدخله التفاضل في الطعامين. وقال ابن القاسم: تجوز قسمته على قدر قيمة القمح من قيمة الشعير، وهو مذهبه في المدونة.

وقال سحنون: ليس لهما أن يتركا الغاصب ويأخذا الطعان فيقسماه لا على تساوٍ ولا على قيمة؛ لأن أحدهما لو اتبع الغاصب بمثل طعامه لم يكن للآخر أن يقول له: أنا آخذ من هذا الطعام مثل مكيلتي؛ لأنه ليس بعين طعامه، ولا لهما أخذ المختلط؛ كمن عصب خشبةً، واغتصب نجاراً عملها باباً لم يكن لهما أخذ الباب ليشتركا فيه، هذا بقيمة خشبته وهذا بقيمة عمله؛ لأن ذلك تغير، وإنما تلزمه القيمة. [المسألة الثانية: لو قال أحدهما: أنا آخذ الطعام كله وأغرم لصاحبي مثل طعامه] قال ابن المواز: ولو قال أحدهما: أنا آخذ الطعام كله وأغرم لصاحبي مثل طعامه لم يجز؛ وكأنه أخذ [50/أ] بما وجب له على الغاصب من القمح قمحاً وشعيراً مختلطاً. وقال أشهب في المجموعة: ليس ذلك له في القضاء، وأما على التراضي، فذلك جائز. قال يحيى بن عمر: إذا أعطاه ذلك على التراضي قبل التفرق، وإلا لم يجز. [المسألة الثالثة: لو اختلط ملكان من غير عداءٍ من أحد] قال سحنون في كتاب آخر - وهو في المدونة -: ولو أنه اختلط من غير عداء من من أحد، فأنا أرى أن القمح لم يعب الشعير، والشعير قد أعاب القمح، فيباعان ويكونان شريكين في ثمنه، هذا بقيمة قمحه معيباً، وهذا بقيمة شعيره غير معيب.

[(2) فصل: فيمن استودع جوزاً وقمحاً فخلطهما] وقال أشهب في كتابه: ولو أودعه هذا جوزاً وهذا قمحاً فخلطهما، ثم تلفا جميعاً فلا يضمن شيئاً؛ لأنه يقدر على تخليص ذلك بلا مضرة على القمح ولا على الجوز، إلا أن يكون أحدهما يفسد الآخر، فيضمن الذي فسد، فإن كان كل واحد مفسداً لصاحبه، فهو ضامن لهما. ومن هذا المعنى في كتاب الوديعة.

[الباب الثالث عشر] فيمن غصب ما لا يحل بيعه، وبيع جلود الميتة والصلاة فيها والاستقاء بها، وبيع الكلاب

[الباب الثالث عشر] فيمن غصب ما لا يحل بيعه، وبيع جلود الميتة والصلاة فيها والاستقاء بها، وبيع الكلاب [(1) فصل: في غصب ما لا يحل بيعه] قد تقدم أن من غصب لذمي خمراً أن عليه قيمتها، وإذا تظالم أهل الذمة في عصب الخمر وإفسادها قضينا بينهم فيها إذ هي من أموالهم. م: وإذ علينا أن نحميهم ممن أراد أذاهم. [فرع: في بيان مذهب الإمام مالك في القضاء على أهل الذمة في الربا وغيره] قال: ولا أقضي بينهم في تظالمهم في الربا، وترك الحكم بينهم في الربا أحب إلي؛ لقوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}. م: ونقلها أبو محمد: وترك الحكم بينهم في كل شيء أحب إليّ، يريد: وإن تراضوا أن يحكم بينهم في الربا، فحكمنا بينهم بردهما إلى رأس المال وفسخ الأمر الأول، جاز أن يحكم بينهما فيه. [المسألة الأولى: فيمن غصب جلد ميتة غير مدبوغ فأتلفه] قال ابن القاسم: ومن غصب جلد ميتة غير مدبوغ فعليه إن أتلفه قيمته ما بلغت، كما لا يباع كلب ماشية أو زرعٍ أو ضرعٍ، وعلى قاتله قيمته ما بلغت. قال أشهب في المجموعة: وكزرع لم يبد صلاحه يستهلك؛ وكبئر ماشيةٍ التي لا يجوز بيعها يغتصبها رجلٌ فيسقي بها زرعه، فعليه قيمة ما سقى منها. قال مالك في العتبية: في مستهلك الزرع يغرم قيمته على ما يرجى من

تمامه ويخاف هلاكه أن لو كان يحل بيعه، فإن قال قائل: فكيف يغرم ما لا يحل بيعه؟ قيل فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قد قضى في الجنين بغرةٍ عبدٍ أو وليدةٍ))، والجنين لا يحل بيعه فهذا مثله. وقال أبو الفرج البغدادي: إن مالكاً قال: فيمن استهلك لرجلٍ جلد ميتةٍ غير مدبوغ إنه لا شيء عليه. قال القاضي إسماعيل: إلا أن يكون لمجوسي. [(2) فصل: في ثمن كلب الماشية والزرع والصيد، وفي بيع جلود الميتة والصلاة فيها والاستقاء بها] ومن المدونة: ولم يوقت مالك - في أثمان الكلاب - أن في كلب الماشية شاةٌ، وفي كلب الزرع فرقاً من طعامٍ، وفي كلب الصيد أربعين درهماً، وإنما

على قاتله قيمته، وكره مالك بيع جلود الميتة والصلاة عليها أو فيها، دبغتا أو لم تدبغ، ولكن إذا دبغت جاز الجلوس عليها وتفترش وتمتهن للمنافع ولا تلبس، قيل لمالك: أيستقي بها؟ قال: أما أنا فأتقيها في خاصة نفسي، ولا أحب أن أضيق على الناس، وغيرها أعجب إليّ منها، وإذا ذكيت جلود السباغ جاز أن تلبس وتباع ويصلى عليها، دبغت أو لم تدبغ.

[الباب الرابع عشر] جامع مسائل مختلفة من الغضب وغيره وإقرار الغاصب

[الباب الرابع عشر] جامع مسائل مختلفةٍ من الغضب وغيره وإقرار الغاصب [المسألة الأولى: هل يعد الغاصب محارباً] [50/ب] قال ابن القاسم: وليس كل غاصب محارباً؛ لأن السلطان يغصب ولا يعد محارباً، والمحارب: القاطع للطريق، أو من دخل على رجل في بيته فكابره على ماله، أو كابره عليه في الطريق بعصى أو سيف أو غير ذلك، ومن غصب شيئاً ثم أودعه فهلك عند المودع، فليس لربه تضمين المودع، إلا أن يتعدى. [المسألة الثانية: هل يلزم اذن الإمام في الرباط] ابن القاسم: قلت لمالك يا أبا عبد الله: إنا نكون في ثغورنا بالإسكندرية فيقال لنا: إن الإمام يقول: لا تحرسوا إلا بإذني. قال: ويقول أيضاً لا تصلوا إلا بإذني!! فا يلتفت إلى قوله، وليحرس الناس. [المسألة الثالثة: في دفن الرجل والمرأة في قبل واحد، ومن هو الأولى بالصلاة على المرأة وبإدخالها في قبرها] وإذا دفن رجل وامرأة في قبر واحد جعل الرجل مما يلي القبلة. قيل: فهل يجعل بينهما حاجزٌ من الصعيد أو يدفنان في قبر واحد من غير ضرورة؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئاً، وعصبة المرأة أولى بالصلاة عليها من زوجها، وزوجها أحق منهم بإدخالها في قبرها، ويدخلها

في قبرها ذوو محارمها، فإن اضطروا إلى الأجنبيين جاز. [المسألة الرابعة: في إقرار الغاصب] قال ابن القاسم: ومن أقر أنه غصبك هذا الخاتم، ثم قال: وفصه لي، أو أقر لك بحبه ثم قال: وبطانتها لي، أو أقر لك بدار، ثم قال: وبنيانها لي، لم يصدق إلا أن يكون كلاماً نسقاً.

[الباب الخامس عشر] فيمن غصب أرضا أو اشتراها أو أحياها فبنى أو غرس ثم استحقت

[الباب الخامس عشر] فيمن غصب أرضاً أو اشتراها أو أحياها فبنى أو غرس ثم استحقت. [(1) فصل: فيمن غصب أرضاً فبنى أو غرس ثم استحقت] قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرقٍ ظالمٍ حق))، والغاصي هو العرق الظالم. قال مالك: فيمن غصب أرضاً فغرس فيها غرساً أو بنى فيها ثم استحقها ربها، قيل للغاصب: اقلع الأصول والبناء - إن كان لك فيه منفعة - إلا أن يشاء صاحب الأرض أن يعطيه قيمة البناء والأصل مقلوعاً. ابن المواز: بعد طرح أجر القلع، فذلك له. م: وقال أبو حنيفة: ليس لصاحبها إلا القيمة. ودليلنا: قوله عليه الصلاة والسلام: ((على اليد رد ما أخذت حتى تؤديه))؛ وقوله: ((ليس لعرق ظالم حق))؛ ولأنها عين اغتصبها فلزمه ردها إلى صاحبها؛ أصله لو لم يبن فيها.

[المسألة الأولى: فيما لا نفع فيه للغاصب بعد القلع] ومن المدونة: وكل ما لا منفعة فيه للغاصب بعد القلع: كالجص والنقش، فلا شيء له فيه، وكذلك ما حفر من بئرٍ أو مطمرٍ، فلا شيء له في ذلك. قال سحنون في كتاب ابنه: ولرب الأرض أن يكلفه ردم ما حفر إن شاء، وأما ما ردم من حفرةٍ بترابٍ له، فله أخذه؛ لأن من غصب تراباً فلربه أخذه؛ لأنه عينٌ قائمةٌ. [المسألة الثانية: فيمن غصب داراً فهدمها ثم استحقت] ومن كتاب ابن المواز: ومن غصب دااً فهدمها، ثم استحقها رجلٌ، فإن شاء أخذ منه قيمتها يوم الغصب، وإن شاء أخذ العرصة والنقض، على أن لا يتبع الغاصب بشيء، ولو هدمها ثم بناها بنقضها بعينه، فأعادها كما كانت، فللغاصب قيمة هذا النقض المبني منقوضاً اليوم، وعليه قيمته منقوضاص يوم هدمها، فيتقاصان، هذا مذهب مالكٍ وأشهب، وهو أحب إليّ. وقال ابن القاسم: يحسب على الهادم قيمة ما هدم قائماً، ويحسب له قيمة ما بنى منقوضاً. [المسألة الثالثة: فيمن تعدى على أرض رجلٍ فزرعها ثم استحقت] قال: ومن تعدى على أرض رجلٍ فزرعها، فقام ربها وقد نبت الزرع، فإن قام في إبانٍ يدرك فيه الحرث، فله قلعه، يريد: يلي قلعه المتعدي، وإن فات

الإبان، فله كراء أرضه. قال أشهب: وكذلك غاصب الأرض. قال ابن القاسم وأشهب: وإن كان الزرع صغيراً إذا قلع لا منفعة فيه للغاصب قضي به لرب الأرض بلا ثمن ولا زريعة ولا شيء. قال ابن المواز: ولو كان صغيراً جداً في الإبان فأراد رب الأرض [51/أ] تركه ويأخذ الكراء لم يجز ذلك؛ لأنه يحكم به لرب الأرض، فكأنه بيع زرع لم يبد صلاحه مع كراء الأرض. قال ابن القاسم في المجموعة: وإذا كان في الإبان - وهو إذا قلع انتفع به - فلرب الأرض أن يأخذ منه الكراء أو يأمره بقلعه إلا أن يتراضيا على أمرٍ يجوز، فإن رضي الزراع أن يتركه لرب الأرض جاز إذا رضي رب الأرض، وإذا لم يكن في قلعه نفعٌ ترك لرب الأرض إلا أن يأباه فيأمره بقلعه. قال عبد الوهاب: وإنما كان له قلعه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((ليس لعرقٍ ظالمٍ حق))، وهذا عرقٌ ظالمٌ؛ ولأن منافعها غير مملوكة له، ولا شبهة له فيها، فليس له إشغالها على ربها. قال: فقيل: له أن يقلعه، وقيل: ليس له قلعه، وإنما له كراء

أرضه، فوجه الأولى: قوله عليه الصلاة والسلام: ((ليس لعرقٍ ظالمٍ حق)) فعم، واعتباره إذا كان وقت الزرع لم يفت. ووجه الثانية: فلأنه لا ينتفع بأرضه ويضر بالزارع، فكأنه قصد مجرد الإضرار بالغاصب فلا يترك وذلك، والأول أصح. ومن المجموعة وقال عبد الملك عن مالك والمغيرة وابن دينار: إن الزرع إذا أسبل لا يقلع؛ لأن قلعه من الفساد العام للناس، كما يمنع من ذبح الفتى من الإبل مما فيه من الحمولة، وذبح ذوات الدر من الغنم، وفي موضع آخر: وما فيه الحرث من الفتى من البقر، لما في ذلك من المصلحة العامة. قال غيره من أصحابنا: وكما نهى عن تلقي الركبان واحتكار الطعام لمصلحة العامة، فيمنع الخاص من بعض منافعه لما فيه من الضرر بالعامة. [المسألة الرابعة: فيمن اشترى أرضاً فعمر فيها ثم استحقت] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اشترى أرضاً فحفر فيها مطامير أو آباراً أو بنى فيها ثم استحقها رجلٌ، قيل له: ادفع للمبتاع قيمة العمارة والبناء وخذ أرضك بما فيها، فإن أبي، قيل للمبتاع: اغرم له قيمة بقعته وخدها واتبع من اشتريت منه بالثمن، فإن أبي كانا شريكين فيها، هذا بقيمة عرصته براحاً،

والمبتاع بقيمة ما أحدث قائماً. م: قال أبو محمد في كتابه: يريد إذا كان المبتاع قد طوى ما حفر بالآجر، فأما إن لم يكن غير الحفر، فلا شيء له فيه. م: وهذا الذي ذكر إنما يكون في الغاصب، وأما المبتاع إذا حفر بئراً فلا يأخذه المستحق حتى يدفع إليه قيمة ما حفر، وإن لم يطوه بالآجر؛ لأنه غير متعد. [(2) فصل: فيمن أحيا أرضاً فاستحقت] ومن المدونة قال مالك: ومن أحيا أرضاً وهو يظنها مواتاً - ليست لأحدٍ - ثم استحقها رجلٌ، قيل له: ادفع قيمة العمارة وخدها، فإن أبى قيل للعامر: أعطه قيمة الأرض، فإن أبى كانا شريكين في الأرض والعمارة، هذا بقيمة أرضه، وهذا بقيمة عمارته، وأخذ مالك بقضاء عمر بن الخطاب فيها، وقد اختلف في هذه المسألة، قال ابن القاسم: وهذا أحسن ما سمعت فيها. وروى مطرف: أن الصديق أقطع لرجلٍ أرضاً فأحيا فيها وغرس، ثم جاء آخرون بعطية من النبي - صلى الله عليه وسلم - فاختصموا إلى عمر - رضي الله عنه - فقضى للأول أن يعطيه قيمة ما أحيا ويخرجه، فقال: لا أجد، فقال للآخر: أعطه قيمة أرضه بيضاء، فلم يجد، فقضى أن تكون بينهما، [51/ب] هذا بقيمة الأرض، وهذا بقيمة العمارة. قال ابن حبيب: وروى ابن الماجشون عن مالك: إن رب الأرض إذا أبى أن يدفع قيمة العمارة لم يجبر المعمر أن يعطي رب الأرض قيمة أرضه، ولكن

يشرك بينهما مكانه، هذا بقيمة أرضه براحاً، وهذا بقيمة عمارته قائمة. قال ابن الماجشون: وتفسير اشتراكهما: أن تقوم الأرض اليوم براحاً، ثم تقوم بعمارتها، فما زادت بالعمارة على قيمتها براحاً كان العامل شريكاً به لرب الأرض فيها إن أحبا قسماً أو حبسا. م: وكان بعض شيوخنا يذهب إلى أن تفسير ابن الماجشون هذا وفاقٌ لقول مالك. م: وظاهر الكتاب يدل على خلافه، وأنه إنما تقوم العمارة على حدة، فيقال: كم قيمة هذه العمارة؟ فإن قيل مئة دينار، قيل: وكم قيمة الأرض براحاً؟ فإن قيل أيضاً مئة، قسمت بينهما نصفين. م: وهذا الصواب، أن يقوم لكل واحد شيئه على حدة، وأما بما زادت العمارة، فقد لا تزيد العمارة في مثل هذه الأرض شيئاً، وإن كونها براحاً أثمن لأعمال البقول ونحوه، فإذا قومت على ما قال ابن الماجشون ذهب عمل العامل باطلاً، وهو غير متعد والله أعلم. قال أبو بكر بن الجهم: وإذا دفع رب الأرض قيمة العمارة وأخذ أرضه،

كان له كراء ماضي السنين. [(3) فصل: الشفعة في الأرض المشتراه إذا استحق بعضها] [المسألة الأولى: إذا أراد المستحق الأخذ بالشفعة] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن حفر المبتاع في الأرض بئراً أو عمرها بأصل جعله فيها، ثم استحق رجلٌ نصف الأرض، فأراد الأخذ بالشفعة، قيل له: ادفع إلى المبتاع نصف قيمة ما عمر وخذ نصف الأرض باستحقاقك ولا شفعة لك في النصف الآخر حتى تدفع إلى المبتاع نصف قيمة ما عمر، فإن أبى من دفع ذلك فيما استحق واستشفع، قيل للمبتاع: ادفع إليه نصف قيمة أرضه وارجع على البائع بنصف الثمن، فإن أبى كانا شريكين في ذلك النصف المستحق، للمستحق فيه بقدر قيمته براحاً والمبتاع بقدر ما عمر، ويكون للمبتاع النصف الآخر ونصف ما أحدث فيه، قال ابن القاسم: وهذا أحسن ما سمعت فيها. [المسألة الثانية: في تدافع العامر والمستحق فيما يجب على أحدهما للآخر] وفي كتاب محمد: إذا استحق نصف الأرض وقد بناها المبتاع فأبى الباني من دفع نصف قيمة الأرض، وأبى المستحق من دفع نصف قيمة البناء، وقيمة نصف الأرض مثل قيمة نصف البناء، فليشرك بينهما، فيكون للمستحق ربع الدار؛ لأنه باع نصف ما استحق - وهو الربع - بربع البناء؛ فإن أراد أن يأخذ

بالشفعة النصف الآخر، فله ذلك على مذهب من قال: إن له الشفعة، وإن باع نصيبه، وعلى قول من قال: إن بيعه للنصف الذي به يستشفع يوجب سقوط شفعته، يقول: قد سقط من شفعته قدر النصف، وكان له نصف النصف يأخذه بالشفعة، فتصير الدار بينهما نصفين على هذا، وهذا القول ذكره في كتاب محمد. ومن العتبية قال يحيى: وسألت ابن القاسم عمن اشترى أرضاً فبنى فيها وغرس ثم استحقها رجلٌ، فقيل للمستحق: اغرم قيمة عمله وغرسه، فقال: ما عندي شيء، فليكن وينتفع بعمله حتى يرزق الله ما أأدي ونعطيه حقه، فكره صاحب الغرس تأخير ذلك، فقال: أما إذا قضي عليّ بالخروج فلست أقيم فيها لا حق لي فيه وقد تنقص قيمة عملي بتأخيري. فلا يلزمه التأخير، قال: يغرم المستحق ما وجب عليه من القيمة معجلاً، فإن أبى أو كان عديماًن قيل للعامر: ادفع قيمة الأرض وقدر قيمة العمارة، قال: ولو رضي العامر أن يؤخر المستحق على أن يقره ينتفع بعمارته ما حل ذلك بيهما؛ لأن حقه قد وجب معجلاً، فتأخيره بالقيمة على أن ينتفع بالأرض سلفٌ جر منفعة. تم الكتاب بحمد الله وعونه، وبقيت منه مسائل من غير المدونة، وأن أذكرها إن شاء الله تعالى

[الباب السادس عشر في مسائل من غير المدونة]

[الباب السادس عشر في مسائل من غير المدونة] [(1) فصل: فيمن بنى في أرض رجل فلم ينكر أو بنى في أرض زوجته أو أرض له فيها شرك] [المسألة الأولى: فيمن بنى في أرض رجل أو غرس وهو حاضرٌ يراه] ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك: فيمن بنى في أرض رجلٍ أو غرس وهو حاضرٌ يراه، فلما فرغ قام عليه إن للعامل قيمة ما أنفق. قال ابن القاسم: وذلك في فيافي الأرض وحيث لا يظن أن تلك الأرض لأحد، فإذا بنى في مثل ذلك وصاحبه ينظر ثم طلب إخراجه، فلا يخرجه حتى يعطيه قيمته مبنياً، ولو بنى أيضاً في مثل ذلك المكان الذي يجوز إحياء مثله ولم يعلم صاحبه، لم يكن له أن يخرجه إلا أن يغرم القيمة مبنية، وأما من دخل بمعرفة متعدياً، فله أن يهدم بناءه ويقلع غرسه، إلا أن يريد أن يغرم له قيمة ذلك مقلوعاً، فليس للمتعدي أن يأبى من ذلك. [المسألة الثانية: فيمن بنى أو غرس في أرض امرأته أو دارها] وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم - فيمن بنى أو غرس في أرض امرأته أو دارها ثم يموت أحدهما - قال: فللزوج أو لورثته على الزوجة أو على ورثتها قيمة ذلك البناء مقلوعاً - وإنما حاله فيما غرس في مال امرأته حال المرتفق كالعارية يغرس فيها أو يبني - إلا أن يكون للمرأة أو لورثتها بينة أنه إنما كان ينفق في عمارة ما عمر من ذلك من مالها ولها كان يصلح، فتكون أحق بأرضها وبما فيها بغير شيء، وإنما يغرم القيمة قائماً من عمر بميراثٍ أو

شراءٍ أو إحياء أرض مواتٍ لا يضمنها لأحدٍ ثم يستحق ذلك. قال عنه عيسى: فإن لم تكن لها بينة، وإنما ادعت أن ذلك من مالها وإنما أعطته ذلك، حلف الزوج إن كان حياً - إن لم يكن له بينة - وإن مات حلف من يظن به علم ذلك من الورثة البالغين: أنهم لا يعلمون دعواها ويستحقون نقضهم، يريد: ولها أن تعطيهم هي أو ورثتها قيمته مقلوعاً. ونحوه روى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب: أنه إذا ثبت أن الزوج كان يتولى النفقة والبنيان، وإن لم يثبت أنه كان يتولى شيئاً من ذلك، وثبت أن الأرض للزوجة، فالقول قولها. [(2)] فصل [فيمن بنى أو غرس في أرض بينه وبين شريكه] قال ابن القاسم عن مالك: ومن بنى أو غرس في أرضٍ بينه وبين شريكه فليقتسماها، فإن صار بناؤه فيما وقع له، فهو له، وعليه كراء حصة صاحبه فيما خلا، وإن صار الغرس والبناء في نصيب شريكه خير شريكه بين أن يعطيه قيمة ذلك مقلوعاً، وبين أن يأمره بقلعه، وله على الباني من الكراء بقدر حصته. م: ولابن القاسم في المدونة خلاف هذا، وقال غيره مثل هذا.

قال عيسى عن ابن القاسم: وكذلك لو كانوا ورثةً، فبنى أحدهم فيما ورثوه قبل القسم. قال: وإن استغل [52/ب] الباني من ذلك شيئاً قبل القسم وهم حضورٌ، فلا شيء لهم، وكأنهم أذنوا له، وإن كانوا غيباً، فلهم بقدر كراء الأرض بغير البناء. ابن حبيب: وقال مطرف وابن الماجشون: فيمن بنى في أرضٍ بينه وبين رجلٍ، وشريكه حاضرٌ لا ينكر، فهو كالإذن، ويعطيه قيمة البناء قائماً. وقال ابن القاسم وأصبغ: قيمته مقلوعاً، وكذلك اختلفوا فيمن بنى في أرض زوجته. [(3) فصل] في المتداعيين في الأرض يزرعها أحدهما ثم يزرع الآخر على بذر الأول ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: في رجلين تداعيا في أرض فزرع أحدهما فيها فولا فنبت، ثم أعقبه الآخر فقلب ما نبت وزرعه قمحاً، ثم ثبت استحقاقها لباذر الفول، فإن قضى له بها في إبان الحرث، فله كراؤها على باذر القمح؛ لأنه غير غاصب، وزرع القمح لباذره، ويؤدي للآخر قيمة فوله الذي استهلكه - يريد: على الرجاء والخوف - وإن استحقها بعد الإبان، فلا كراء له على باذر القمح، والقمح لباذره، وعليه قيمة الفول على كل حال، ولو كان غاضباً كان لربها في الإبان قلع الزرع، إلا أن يشاء أن يقره ويأخذ كراء أرضه.

م: ويريد: إذا كان لو قلع انتفع به. [(4) فصل] فيمن غصب بيضة فحضنها، أو غصب دجاجة فحضن تحتها بيضاً منها أو بيضاً من غيرها [المسألة الأولى: فيمن غصب بيضة فحضنها تحت دجاجة له] ومن المجموعة قال أشهب: فيمن غصب بيضة فحضنها تحت دجاجة له، فخرج منها دجاجة، فعليه بيضة مثلها، كغاصب القمح يزرعه، فعليه مثل القمح، والزرع له، قال: وأحب إلى أن لو تصدق بالفضل، وليس بواجب عليه للضمان. وقال سحنون في العتبية: الفروج لصاحب البيضة، وعليه قيمة ما حضنت دجاجة الغاصب. [المسألة الثانية: فيمن غصب دجاجة فباضت عنده فحضنت بيضها، وكيف إن حضن تحتها بيضاً له من غيرها] قال أشهب في المجموعة وكتاب محمد: ولو غصب دجاجة فباضت عنده فحضنت بيضها، فما خرج من الفراريج فلربها أخذهم معها كالولادة، وأما لو حضن تحتها بيضاً له من غيرها، فالفراريج للغاصب والدجاجة لربها، وله فيما حضنت كراء مثلها. ابن المواز: مع ما نقصها، إلا أن يكون نقصاً بيناً، فيكون لربها قيمتها يوم غصبها، ولا يكون له من بيضها ولا من فراريجها شيء. [المسألة الثالثة: فيمن غصب حمامة فزوجها حماماً له فباضت وأفرخت] قال: ولو غصب حمامةً فزوجها حماماً له فباضت وأفرخت، فالحمامة

والفراخ للمستحق، ولا شيء للغاصب فيما أعانها ذكره من حضانته، ولمستحق الحمامة فيما حضنت من بيض غيرها قيمة حضانتها، ولا يء له فيما حضنه غيرها من بيضها، وإنما له مثل بيض حمامته إلا أن يكون عليه في أخذ البيض ضرر في تكلف حمام بحضنهم، فله أن يغرم الغاصب قيمة ذلك البيض. [(5) فصل] في غصب الجماعة، والسلطان يدعى عليه غصبٌ بعد عزله، وطول حيازة الغاصب [المسألة الأولى: فيما يغتصبه الجماعة من الناس] قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: في قومٍ أغاروا على منزل رجل والناس ينظرون إليهم فينهبونه ويذهبون بما كان فيه من مالٍ وحليّ وثياب وطعام وما أشبهه، والشهود لا يشهدون على معاينة ما يذهبون به، لكن يشهدون على أنهم أغاروا وانتهبوا، قال: فلا يعطى المنتهب منه بقوله ويمينه وإن [53/أ] ادعى ما يشبه حتى يقيم البينة. وقاله أصبغ عن ابن القاسم: واحتج بمسألة مالك في منتهب الصرة يختلفان في عددها، أن القول قول المنتهب مع يمينه. وقال مطرف: يحلف المغار عليه على ما ادعى أن مثله يملكه ولم يأت بمستنكر، ثم يصدق، وقاله ابن كنانة وبه أقول، ويحمل على الظالم. قال مطرف: وإذا أخذ واحدٌ من المغيرين ضمن جميع ما أغاروا عليه مما ثبت معرفته أو ما حلف عليه المغار عليه مما يشبه ملكه؛ لأن بعضهم عونٌ لبعضٍ كالسراق والمحاربين، ولو أخذوا كلهم أملياء لم يضمن كل واحدٍ منهم إلا ما

ينوبه، وقاله ابن الماجشون وأصبغ في الضمان. قالوا: والمغيرون كالمحاربين إذا أشهروا السلاح على وجه المكابرة، كان ذلك على أصل فائدةٍ بينهم، أو على وجه الفساد، وكذلك والي البلد يغير على بعض أهل ولايته ويتلف أموالهم ظلماً، مثل ذلك في المغيرين. وروى عيسى عن ابن القاسم: فيمن أقر أنه غصب عبد رجل هو ورجلان معه سماهما، وصدقه رب العبد، فإن هذا يضمن جميع قيمة العبد ولا يلتفت إلى من غصب معه، إلا أن تقوم عليهم بينة أو يقروا، ولو قامت عليهم بينةٌ أو أقروا وبعضهم مليءٌ والباقون معدمون، فليأخذ من المليء جميع قيمة العبد، ويطلب هو أصحابه. [(6) فصل: في الرجل يغصبه المعروف بالظلم والتعدي من ذوي السلطان ثم لا يجد على حقه شهوداً عدولاً] ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: في الرجل - من ذوي السلطان والولاية المعروف بالظلم والتعدي في أموال الناس - يدعي عليه رجلٌ أنه غصبه أرضاً أو غيرها من الأموال، ولا يجد عدولاً يشهدون له، ولكن من لا يعرف بعدالةٍ ولا بسخط حال، قال: لا يقبل في كل شيءٍ إلا

العدول؛ كما قال الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}. قلت: فقومٌ عرفوا بالغصب لأموال الناس من ذوي الاستطالة بالسلطان، ثم جاء الله بوالٍ أنصف الناس منهم وأعدى الناس عليهم، فلا يجد الرجل من يشهد له على معاينة الغصب، ويجد من يشهد له على حق أنهم يعرفونه ملكاً للمدعي، ثم رأوه بيد هذا الظالم، لا يدرون بما صار إليه، إلا أن الطالب كان يشكو إليهم ذلك، أو لا يشكو، قال: إذا كان الظالم من أهل القهر والتعدي وممن يقدر على ذلك، والبينة عادلة، فذلك يوجب للمدعي أخذ حقه منه، إلا أن يأتي الظالم ببينة عادلة على شراءٍ صحيحٍ أو عطية ممن كان يأمن ظلمه وتعديه، فإن جاء ببينةٍ عادلةٍ على شرائه، فزعم البائع أن ذلك البيع عن خوفٍ من سطوته وهو ممن يقدر عليه، فليفسخ البيع، وإن زعم البائع أنه باع وقبض الثمن ظاهراً ثم دس عليه سراً من أخذه منه ولو لم يفعل ذلك لقي منه شراً. قال: لا يقبل هذا منه، عليه رد الثمن إليه بعد أن يحلف الظالم أنه ما ارتجعه ولا أخذه منه بعد أن دفعه إليه. [(7) فصل: في الأمير يعزل وقد غصب أموال ناس] وقال سحنون: في الأمير الغاصب لأموال الناس يعزل، فيقوم من يدعي شيئاً مما في يديه، قال: إذا أثبتوا شيئاً من أموالهم كلف الظالم البينة بماذا صار إليه، وإن لم يقم بينة، لا شيء له فيه، ولو أقام بينة أنه يجوز ذلك منذ عشر سنين أو

عشرين سنة بمحضر المدعين، ولم يقم بينة بالشراء، فلا يقضى له بهذا في الحيازة، وهو معروفٌ بالظلم، قال: وإن لم يشهد المظلوم سراً أنه إنما ترك القيام [53/ب] خوفاً منه، لم يضره هذه الحيازة، ولو أشهد في السر كان أقوى. قال: وإن مات في ولايته، فقام على ورثته، فأثبتوا البينة أن هذه الدور كانت لأبيهم، قال: لا يكلف ورثته البينة بأي شيءٍ صار لأبيهم كما كلف أبوهم، وعلى الطالب البينة أن هذا السلطان كان غصب ذلك منه بعد أن يقيم البينة أن هذا الشيء كان له. قال: ولا يكون حال هذا الأمير حال الغاصب في الغلة وفيما غرس حتى يقيم المدعي بينة بالغصب، وإلا لم يكن عليه غلةٌ، ويأخذ قيمة ما غرس قائماً حتى يقيم المستحق البينة بأنه غصبه ذلك فيعطيه قيمته مقلوعاً، ويرجع عليه بالغلات. م: فإن قيل: فما الفرق بين أخذ متاعه من الأمير الغاصب إذا أثبت ملكه له وبين أخذ غلته؟ قيل: ملكه قد ثبت، وبيعه ممن حاله ما وصفنا مشكوكٌ فيه، فلا ينتقل ملكه بالشك، والظالم قد ظهر شراؤه واغتل فيما ظاهره الشراء، فلا يرد الغلة على المستحق إلا أن يتبين الغصب، مع اختلاف الناس في أن الغلة للغاصب بالضمان.

[(8) فصل [في طول حيازة الغاصب] وقال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: في الرجل في يديه المنزل أو غيره مثل عشرين سنة بيني ويغرس ويفعل ما يفعل المالك، ثم يقيم جاره البينة أنه كان غصبه ذلك أو على إقرار الغاصب بالغصب، هل يضره ترك القيام عليه هذه المدة، وهو عالمٌ ببينته؟. قال: لا يضره ذلك؛ لأنه قد عرف أصل هذه الحيازة بيد هذا الغاصب، وإن عاد بعد أن كان سلطاناً إلى حال السوقة ومن ينتصف منه، وهو يتصرف تصرف المالك بالكراء والإسكان، فإن ورث ذلك ورثته واقتسموا بحضرته، فهو على حقه إلا أن يحدثوا فيه بيعاً أو إصداقً للنساء أو عطايا وربه عالمٌ بذلك قادرٌ على حقه، لا عذر له في تركه، فذلك إذا طال زمانه من بعد هذا يقطع حقه وحجته. قلت: وتجوز شهادة من شهد له به، وهم يرون الغاصب يحوز غير حقه ولا يقومون بشهادتهم؟ قالا: إن كان ربه عالكاً بهم لم يضرهم ذلك، وإن لم يكن عالماً بهم ولم يعلموه بما عندهم من علمهم، فشهادتهم ساقطةٌ، إلا أن يكون الغاصب أو وارثه ممن لا ينتصف منه من ذوي السلطان، فلا تسقط شهادتهم بترك إعلام المغصوب منه بها؛ لأن لهم في ذلك عذراً ومقالاً. وقاله أصبغ.

[(9) فصل] جامع مسائل مختلفة من الغصوب [المسألة الأولى: فيمن تسوق بسلعة فأعاه غير واحد بها ثمناً ثم استهلكها رجلٌ] ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك: فيمن تسوق بسلعة، فيعطيه غير واحدٍ بها ثمناً، ثم استهلكها له رجلٌ، فليضمن ما كان أعطيه بها، ولا ينظر إلى قيمتها إذا كان عطاءً قد تواطأ عليه الناس، ولو شاء أن يبيع باع، وقال سحنون: لا يضمن إلا قيمتها، وقال عيسى: يضمن الأكثر من القيمة أو الثمن. [المسألة الثانية: فيمن اغتصب صبرة قمح فأراد الغاصب أن يصالح فيها على كيل مثل القمح] قال سحنون: قال أشهب: فيمن اغتصب صبرة قمحٍ، فأراد الغاصب أن يصالح منها على كيلٍ مثل القمح، فإن كان قد ألزم الغاصب القيمة بحكمٍ أو بصلحٍ اصطلحا عليه، فلا بأس أن يأخذه منه بتلك القيمة كيلاً من القمح. قلت: أوليس القيمة لازمة له بالغصب، فلم قلت إن كان ألزم القيمة؟ قال: لأن ربها لو أقام بينة أن فيها عشرين إردباً كان له أخذ ذلك منه، فلهذا قلت ذلك، إلا أن يصالحه من الكيل على ما لا يشك فيه. [المسألة الثالثة: فيمن عدا على سفينة مسلم فحمل فيها خمراً] قال ابن القاسم: في مسلمٍ أو نصرانيّ عدا على سفينة مسلمٍ، فحمل فيها خمراً، قال: يؤخذ من النصرانيّ الكراء ويتصدق به، وله على المسلم كراء سفينته فيما أبطلها عليه، ولا ينظر إلى كراء الخمر. [المسألة الرابعة: فيمن قال لرجل كنت غصبتك ألف دينار إذ كنت صبياً] قال سحنون: فيمن قال لرجلٍ: كنت غصبتك ألف دينارٍ إذ كنت [54/أ]

صبياً، قال: يلزمه، فإن قال: كنت أقررت لك بألف دينارٍ وكنت صبياً، قال: تلزمه أيضاً كالأول. [المسألة الخامسة: في الأمير يكره رجلاً على أن يدخل بيت رجلٍ آخر، فيخرج منه متاعاً ليدفعه إليه] وقال: في عاملٍ أكره رجلاً على أن يدخل بيت رجلٍ، فيخرج منه متاعاً ليدفعه إليه، فأخرج له ما أمره به، ودفعه إليه، ثم عزل العامل، وقام رب المتاع، فله أن يأخذ بذلك من شاء منهما، فإن أخذه من المأمور رجع به المأمور على العامل. قال: وإن عزل الأمير، وغاب رب المتاع، فقام المأمور على الآمر ليغرمه، ويقول: أنا مؤاخذٌ به إذا جاء صاحبه. قال: ذلك له، ويعدى له عليه. [المسألة السادسة: في ظلم أسكن معلماً دار رجلٌ ليعلم فيها أولاده ثم مات الظالم] وقال عيسى بن دينار: في ظالم أسكن معلماً دار رجل ليعلم فيها ولده، ثم مات الظالم أو مات المعلم، أن صاحب الدار مخيرٌ في كراء داره، إن شاء أخذه من مال الظالم، وإن شاء أخذه من مال المعلم. [المسألة السابعة: فيمن أخبر لصوصاً بمطمر رجل أو أخبر به غاصباً، ونظائر ذلك] ولأبي محمد بن أبي زيد: من أخبر لصوصاً بمطمر رجل أو أخبر به لغاصبٍ وقد بحث عن مطمره أو ماله، فدله عليه رجلٌ، ولولا دلالته عليه ما

عرفوه، فضمنه بعض متأخري أصحابنا، ولم يضمنه بعضهم. قال أبو محمد: وأنا أقول بتضمينه؛ لأن ذلك من وجه التغرير. ومن وجه التغرير الموجب الضمان أيضاً في رجلٍ صانع رجلاً فأرق له نفسه على أن يقر له بالملك، ويبيعه، ويقاسمه الثمن ففعل، وقد هلك متولى البيع، أن المقر بالملك ضامنٌ؛ لأنه أتلف مال المشتري. ومثله لابن المواز في الحر يسبى من العدو فيباع في المقاسم وهو ساكتٌ، فيشتريه رجلٌ، فإن كان مثل الأبله والذي يظن أن مثل هذا يرقه، فلا شيء عليه، ومن لم يكن هكذا، فهو ضامنٌ للثمن لسكوته حتى أتلف مال المشتري. [المسألة الثامنة: فيمن اعتدى على رجل فقدمه للسلطان وهو يعلم أن السلطان ظالمٌ] وقالوا: فيمن اعتدى على رجلٍ فقدمه للسلطان، والمعتدي يعلم أنه إذا قدمه إليه تجاوز في ظلمه، وأغرمه ما لا يجب عليه، فاختلف في تضمينه، فقال كثيرٌ منهم: عليه الأدب، وقد أثم. م: وكان بعض شيوخنا يفتي في مثل هذا إن كان الشاكي إلى هذا السلطان أو إلى العامل وهو ظالمٌ له في شكواه، فإنه ضامنٌ لما أغرمه الوالي بغير حق، وإن كان الشاكي مظلوماً ولم يقدر أن ينتصف ممن ظلمه إلا بسلطان فشكاه فأغرمه السلطان وعدا عليه ظلماً، فلا شيء على الشاكي؛ لأن الناس إنما يلجأون من المظلمة إلى السلطان، وعلى السلطان متى قدر عليه، رد على ما أغرم المشكو به ظلماً، وكذلك ما أغرمت الرسل إلى المشكو به، هو مثل ما أغرمه

السلطان أو الوالي، يفرق فيه بين ظلم الشاكي وغيره ظلمه. وكان بعض أصحابنا يفتي بأن ينظر إلى القدر الذي لو استأجر الشاكي رجلاً في المسير في إحضار المشكو، فذلك على الشاكي على كل حالٍ، وما زاد على ذلك مما أغرمته الرسل، فيفرق فيه بين الظالم والمظلوم حسبما قدمناه. قال أبو محمد: وأما الرجل يأتي إلى السلطان فيخبره بأسماء قومٍ وموضعهم وهو يعلم أن الذي يطلبهم به السلطان ظلمٌ، فينالهم بسبب تعريفه بهم غرمٌ أو عقوبةٌ، فأراه ضامناً لما غرمهم مع العقوبة الموجعة. م: وقد قال أشهب: إذا دل محرمٌ محرماً على صيد فقتله المدلول عليه، فعليهما الجزاء جميعاً، وابن القاسم يقول: لا جزاء على الدال، فعلى هذا الاختلاف تجري مسائل الدال فيما ذكرناه، والله أعلم. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: فيمن جلس على ثوب رجلٍ في الصلاة، فيقوم صاحب الثوب المجلوس عليه وهو تحت الجالس فينقطع، قال، لا يضمن، وهذا مما لا يجد الناس منه بداً في صلواتهم ومجالسهم، وقال أصبغ مثله.

[المسألة العاشرة: في الأمة الفارهة تتعلق برجلٍ تدعي أنه غصبها] ومن سماع أشهب، قال مالك: في الأمة الفارهة تتعلق [54/ب] برجلٍ تدعي أنه غصبها، قال: تصدق عليه بما بلغته من فضيحة نفسها بغير يمينٍ عليها، بكراً كانت أو ثيباً. قال أبو محمد: يريد من غرم ما نقصها لا في الحد، وقد اختلف في إلزامه نقص الأمة وصداق الحرة بهذا. وقد تقدم بعض هذا. تم كتاب الغصب وما يتعلق به، والحمد لله رب العالمين

كتاب الوديعة

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كتاب الوديعة [الباب الأول: في القضاء في الودائع والأمانات، وما يوجب ضمانها أم لا؟] [(1) فصل: في عدم لزوم الإشهاد في رد الوديعة] قال الله سبحانه: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ}، وأمر تعالى أن تؤدى الأمانات إلى إهلها، ولم يأمر بالإشهاد في ردها، كما أمرنا بالإشهاد في غير ذلك من: الدين والبيع ودفع أموال اليتامى إليهم، وإن كانت أموال اليتامى أمانة فإنما يدفع إلى غير الذي ائتمنه، فلذلك يشهد، وكذلك كل من دفع إلى غير من دفع إليه وائتمنه عليه، فعليه الإشهاد، وإلا لم يصدق في رده إذا أنكره المدفوع إليه. [فرع: في تفريق الإمام مالك بين الوديعة والقراض والشيء المستأجر، وبين الرهن والعارية في دعوى الضياع] قال إسماعيل القاضي في كتاب المبسوط: فرق مالك بين الوديعة

والقراض والشيء المستأجر وبين الرهن والعارية في دعوى الضياع: فجعل القول قول المودع والمستأجر والمقارض؛ لأن عظم منفعة ذلك لربه، وجعل في الرهن والعارية القول قول ربه؛ لأن منفعة ذلك للمرتهن والمستعير، ونحوه ذكر أبو بكر الأبهري قال: إنما ينظر لمن المنفعة في المقبوض، فالقول قوله، والوديعة المنفعة لربها خاصةً، فصدق قابضها في ضياعها، وكذلك القراض والشيء المستأجر أكثر المنفعة فيهما لربها، فصدق قابضها في ضياعها، وأما الرهن والعارية، فالمنفعة لقابضهما، فلذلك لم يصدق في الضياع، والله أعلم. [(2) فصل: في ضمان المودع] قال ابن القاسم: ولا يضمن المودع ما أودعه إلا أن يتعدى فيه.

قال: ومن أودعته مالاً، فدفعه إلى زوجته أو خادمه ليرفعه له في بيته - ومن شأنه أن تدفع له - لم يضمن ما هلك من ذلك، وهذا مما لا بد منه، وكذلك إن دفعه إلى عبده أو أجيره الذي في عياله أو رفعه في صندوقه أو بيته ونحوه لم يضمن. قال: ويصدق أنه دفعه إلى أهله وأنه أودعه على هذه الوجوه التي ذكرنا - أنه لا يضمن فيها - وإن لم تقم له بينة. م: قال بعض أصحابنا: لأنه إذا دفعه لمن شأنه أن يرفع له - وعرف الناس الدفع إلى مثل هؤلاء من غير إشهاد - كان ذلك كالشرط؛ وكأن المودع على ذلك دخل - حين أودعه - فصار كالإذن له في ذلك. قال: فإن دفعه إلى زوجته فأنكرت أن يكون دفع إليها شيئاً، حلف إن كان متهماً، وإلا فلا يمين عليه. م: يظهر لي أنه يحلف، كان متهماً أم لا؛ لأن ها هنا من يدعي تكذيبه، كقوله: رددت الوديعة إلى ربها، وربها ينكر في ذلك، فإن المودع يحلف كان متهماً أم لا؛ لأن ربها يدعي تكذيبه. قال: وإن أحلفته لكونه متهماً، فنكل عن اليمين عرم، وإن كان عديماً كان لرب الوديعة أن يحلف زوجته، كانت متهمةً أم لا؛ لأنها تقوم مقام زوجها في يمينها؛ كما يتبع الإنسان غريم عريمه.

قال: ولو لم يكن من شأنه أن يدفع إلى [55/أ] زوجته أو أمته، وأنه كان لا يثق بدفع ماله إليهم، فدفع الوديعة إليهم، فإنه يضمن، وليس له اختبار أمانتهم بمال غيره، وظاهر الكتاب في قوله: ومن شأنه أن يدفع له. يؤيد ذلك، والله أعلم. م: فقد قال محمد: إذا لم يكن شيء من هذا أو رفعها عند غير من يكون عنده ماله والقيام له به، ضمن. وقال أشهب في كتبه: إذا أودع الوديعة لغيره من خادمٍ أو عبدٍ أو أجيرٍ ممن في عياله أو في غير عياله، فهو ضامنٌ، وأما في وضعه إياها في بيته أو في صندوقه أو في غير ذلك من بيته أو بيت غيره - إذا لم يكن يأتمنه عليها - فلا يضمن. م: قال بعض الفقهاء: وهذا إذا حملته على أن عادة الناس لا يسلمون ما أودعوه ولا أموالهم إلى الزوجة والخادم والعبد صح الجواب، ولم يكن خلافاً لما تقدم، وحمل الأمر على العادة. [(3) فصل: فيمن استودع وديعة في المسجد فجعلها على نعليه فذهبت، وكيف إن نسيها في موضع دفعت إليه، أو خرج بها في كمه يظنها نقوده، فسقطت، أو دخل بها الحمام] [المسألة الأولى: فيمن استودع وديعة في المسجد فجعلها على نعليه فذهبت] ومن العتبية، روى أصبغ عن ابن وهب: فيمن استودع وديعةً في

المسجد أو في المجلس، فجعلها على نعليه فذهبت، فلا ضمان عليه، قلت: ألم يضيع إذا لم يربطها؟ قال: يقول لا خيط معي، قلت: يربطها في طرف ردائه. قال: يقول: ليس عليّ رداءٌ، قلت: فإن كان عليه رداءٌ. قال: لا يضمن، كان عليه رداءٌ أو لم يكن. [المسألة الثانية: فيمن نسي الوديعة في الموضع الذي دفعت إليه، وكيف إن خرج بها في كمه يظنها نقوده فسقطت] قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وإن نسيها في موضع دفعت إليه وقام، ضمنها؛ لأنها جنايةٌ، وليس ذلك كسقوطها من كمه أو من يدع في غير نسيان لأخذها، هذا لا ضمان عليه. م: نسيانه حتى تسقط من كمه أو من يده كنسيانه لأخذها، ويجب ألا يضمن، والله أعلم. قالا: وأما لو أودعها فكانت في بيته، فأخذها يوماً ما فأدخلها في كمه، فخرج بها يظنها دراهمه فسقطت، فإنه يضمن. م: أما هذه فصوابٌ؛ لأنه غير مأذونٍ له في التصرف فيها، فنسيانه في ذلك كتعمده؛ لأن الخطأ والعمد في أموال الناس سواء، وأما في وضعها على نعليه أو حملها من موضع أودعها إلى داره في يده أو كمه، فهو غير متعد في ذلك، فنسيانه إياها في موضعه أو نسيانه إياها في كمه حتى سقطت أمر يعذر به؛ كالإكراه على أخذها منه، والله أعلم.

م: قال بعض الفقهاء: ضمنه بالنسيان، وهو أمر مختلفٌ فيه؛ لأنهم قالوا فيمن أودعه رجلٌ مئة درهمٍ، ثم جاء هو وآخر فادعى كل واحد منهما أنه أودعه إياها، ونسي هو من هو منهما، فاختار محمد أن يضمن لكل واحدٍ مئة. وقيل: لا يضمن إلا مئةً واحدةً، ويحلفان هما ويقتسمانها، فإذا وجب ألا يضمن لهما إلا مئة، فإن غلبة النسيان عليه كضياع الوديعة، فيجب إذا نسيها وقام وتركها أو نسي موضعها في بيته ألا يضمن. [المسألة الثالثة: فيمن دخل الحمام بوديعة في ثيابه فضاعت] وقال سحنون: فيمن أودع وديعة فصرها في كمه مع نفقته، ثم دخل الحمام فضاعت ثيابه بما فيها، فإنه ضامنٌ. م: قال بعض الفقهاء: لعله إنما ضمنه لدخوله بها الحمام. [(4) فصل: فيمن استودع وديعة فأراد سفراً أو خاف عورة منزله] ومن كتاب الوديعة قال ابن القاسم: وإن أراد سفراً أو خاف عورة منزله ولم يكن صاحبها حاضراً فيردها عليه، فليودعها لثقةٍ ولا يعرضها للتلف، ثم لا يضمن. م: لأنه لا يمكن حفظها بأكثر مما صنع. قال ابن القاسم: وإن أودعها لغير هذا الذي يعذر به ضمن، إلا أنه لا

يصدق أنه أراد سفراً أو خاف عورة منزله فأودعها، إلا أن يعلم سفره وعورة منزله فيصدق. وحكى عن أبي محمد أنه قال: إذا علم سفره أو عورة منزله فأودع الوديعة بغير بينة، لم يضمنها إذا أنكرها الذي زعم هذا أنه أودعه إياها أو قال: أودعني وتلفت [55/ب]؛ لأنه لما خاف عورة منزله أو سافر كان له مباحاً أن يودع لغيره وإن لم يؤمر بذلك. م: كدفعه إلى زوجته وخادمه ومن شأنه أن يدفع له. م: وينبغي على أصلهم أن يضمن إذا لم تقم بينة على إيداعه؛ لأنه دفع إلى غير من دفع إليه؛ أصله ولي اليتيم، ولكنهم لم يضمنوه للعذر، والله أعلم. [المسألة الأولى: فيمن استودع وديعة وهو في مكان غير آمن فخاف عليها] م: وقال أشهب في كتبه: ومن استودع وديعةٌ وهو في خرابٍ فخاف عليها وأودعها لغيره في أعمر من مكانه، فإن كان ربها قد علم بخراب موضعه وخوفه ولم يزد خرابه إلى ما هو أخوف؛ المودع ضامنٌ، وإن زاد خراب موضعه وخوفه على ما كان في وقت الوديعة، فلا شيء عليه في إيداعه لغيره. [المسألة الثانية: فيمن استودع وديعة فسافر بها] ومن كتاب الوديعة قال مالك: وإن سافر فحمل الوديعة معه فقد ضمن، وإن أودعت لمسافرٍ ملاً فأودعه في سفره فضاع، ضمن، بخلاف الحاضر يسافر، وقال مالك: في امرأةٍ هلكت في الإسكندرية، فكتب وصيها إلى ورثتها

وهم بالمدينة، فلم يأته منهم خبر، فخرج بتركتها إليهم فهلكت في الطريق، فهو ضامنٌ من حيث خرج بها من غير أمر أربابها. [(5) فصل [فيمن استودع وديعة فبالغ في الاحتياط في حفظها مخالفاً لأمر ربها] قال محمد بن عبد الحكم: فيمن أودع رجلاً وديعةً فقال له: اجعلها في تابوتك ولا تقفل عليها، فجعلها في تابوته وقفل عليها فتلفت، فإنه يضمنها؛ لأن السارق إذا رأى التابوت مقفولاً كان أطمع فيه، ولو قال: اجعلها في التابوت ولم يقل غير ذلك، لم يضمن إن قفل عليها، ولو قال له: اقفل عليها قفلاً واحداً، فقفل عليها قفلين، لم يضمن؛ لأن السارق يطمع فيما يقفل بقفل أو بقفلين. م: والسارق أطمع فيما يقفل بقفلين؛ لأنه خلاف العادة، فمزيد طمعه يوجب الضمان، والله أعلم. ولو قال: اجعلها في قدر فخارٍ، فجعلها في سطلٍ نحاسٍ فضاعت، لضمن؛ لأن السارق عينه إلى سطل النحاس أكثر من الفخار، ولو قال: اجعلها في سطل نحاس، فجعلها في قدر فخارٍ فضاعت، لم يضمن. [(6)] فصل [فيمن استودع دراهم فخلطها بمثلها، ثم ضاع المال كله أو بعضه أو خلطها بدراهم مختلفة عنها، وكيف إن كان الخلط من صبي، وفي قسمة المخلوط] ومن المدونة: ومن أودعته دنانير أو دراهم فخلطها بمثلها، ثم ضاع المال كله لم يضمن، وإن ضاع بعضه كان ما ضاع وما بقي بينكما؛ لأن دراهمك لا تعرف من دراهمه، ولو عرفت بعينها كانت مصيبة كل واحدةٍ من ربها، ولا

يغيرها الخلط، وإن أودعته حنطةً فخلطها بحنطةٍ مثلها، وفعل ذلك على الإحراز والرفع فهلك الجميع، لم يضمن. لأن المودع على مثل هذا دخل، وقد يشق على المودع أن يجعل كل ما أودعه على حدة؛ ولأنه لو تعدى على الوديعة فأكلها ثم رد مثلها، ثم ضاعت بعد رده، لم يلزمه شيءٌ فخلطها بمثلها كرد مثلها، فلا يضمن إذا ضاعت. م: وقد اختلف الناس في الدنانير إذا تسلفها ثم رد مثلها، ثم ضاعت فقيل: لا ضمان عليه كما لو لم يتسلفها، وقيل: يضمن؛ لأنها بالسلف صارت في ذمته فيلزمه إيصالها إلى يد ربها، ويدخل هذا القول فيما قال في المدونة. [المسألة الأولى: في خلط الوديعة بشيء مختلف عنها] قال في المدونة: وإن كانت مختلفةٌ ضمن، وكذلك إن خلط حنطتك بشعيرٍ ثم ضاع الجميع، فهو ضامنٌ؛ لأنه قد أفاتها بالخلط قبل هلاكها - لأنها لا تتميز وليس كصنفٍ واحدٍ من عينٍ أو طعام - وإن أودعته حنطة فخلطها صبي أجنبي بشعيرٍ للمودع، ضمن الصبي ذلك في ماله؛ فإن لم يكن له مالٌ، ففي ذمته، لهذا مثل حنطته ولهذا مثل شعيره - يريد: ويباع هذا المخلوط عليه فيما لزمه - قال: وإن اختارا ترك الصبي ويكونان في المخلوطين

[56/أ] شريكين بقدر قيمة طعام كل واحدٍ بعد العلم بكيله، جاز. [المسألة الثانية: في قسمة المختلط، وكيف إن كان المتعدي جائز التصرف] قال ابن المواز: لا يجوز أن يصطلحا على أن يقتسما ذلك بينهما على قيمة الطعامين، وأما على قدر كيل طعام كل واحدٍ، فجائزٌ إذا رضيا، ونحوه لأشهب؛ لأنهما ينتقلان عن كيلٍ معلومٍ إلى قيمةٍ مجهولةٍ، وأجاز ذلك ابن القاسم، قال: ولو كان المتعدي جاز الأمر لم يلزمه رضاهما بقسمة المختلط؛ لأنه يقول لهما: إنما لكا عليّ قمحٌ وشعيرٌ غير مختلط، فليس لكما أن تأخذا غير الواجب لكما عليّ، وأما لو ضمنه أحدهما مثل حنطته أو مثل شعيره، ثم قال الآخر: أنا أشاركك فيها، فهذا بينٌ أن ليس له ذلك؛ لأن نصيب الذي ضمنه صار للمتعدي، فصار من أراد أن يشركه يأخذ منه قمحاً وشعيراً عن قمحٍ أو شعيرٍ بغير رضاه، ولو تراضوا بذلك وأعطاه ذلك يداً بيدٍ جاز؛ لأنه أعطاه في شعيرٍ قمحاً وشعيراً، فلا تحريم في ذلك. ومن المدونة: ولو أعطى أحدهما الآخر مثل طعامه على أن يدع له جميع المخلوط لم يجز؛ لأنه بيعٌ، إلا أن يكون هو المتعدي في خلطه فيجوز؛ لأنه قضاءٌ لما لزمه. ونحوه لأشهب في المجموعة.

وقال يحيى: أجاز أشهب أن يعطي لصاحبه مثل طعامه إذا رضيا. قال يحيى: وقبل أن يتفرقا وإلا لم يجز، وروى أبو زيدٍ: وجائزٌ أن يبيعاه ويقتسما الثمن على قدر قيمة طعام كل واحدٍ منهما. قال أبو محمد: يريد يوم خلطه الصبي. م: وقد تقدم إيعاب هذا في كتاب الغصب. [(7) فصل [فيمن استهلك من الوديعة شيئاً، ثم هلك بقيتها] ومن المدونة: ومن أودعته دراهم أو حنطةً أو ما يكال أو يوزن، فاستهلك بعضها ثم هلك بقيتها لم يضمن، إلا ما استهلك أولاً، لم يضمن شيئاً إن ضاعت بعد ذلك، وهو مصدق أنه رد فيها ما أخذ منها كما يصدق في ردها إليك وفي تلفها. وفي كتاب ابن المواز: وهو مصدق في رد ما تسلف منها مع يمينه، وكذلك ذكر أشهب في كتبه أنه مصدق مع يمينه. وقال محمد في كتاب الإقرار: فيمن استودع دنانير فتسلف دنانير منها ثم ردها فضاع ذلك، أنه لا يضمن إن كان تسلفها بغير بينة، والقول قوله،

وإن كان ببينة، فلا قول له إلا ببينة. قال يحيى بن عمر: اختلف قول مالك في الذي ينفق من وديعةٍ عنده شيئاً ثم يرده، فقال: لا شيء عليه، وأخذ بهذا ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم وأصبغ. وقال أيضاً مالك: إن ردها بإشهادٍ بريء وإلا لم يبرأ، وبه أخذ ابن وهب. وقال أيضاً مالك: لا يبرأ وإن ردهح لأنه دين ثبت في ذمته، وهذا قول أهل المدينة من أصحاب مالك وروايتهم عن مالك، ورواه المصريون ولم يقولوا به. م: فوجه قول ابن القاسم؛ فلأنه منفقٌ لها على وجه التأويل واعتقاد ردها، فلم يخرجه ذلك من الأمانة، فوجب قبول قوله. ووجه مذهب ابن وهب أنه يأخذها تخلدت في ذمته، ما تخلد في الذمة لا يبرأ المقر به أنه رده إلا ببينة أو بإقرار المقر له كسائر الديون. ووجه قوله لا يبرأ وإن رده ببينة؛ لأنه بتعديه أخرج نفسه من الأمانة، ولزمت ذمته، فرده إياها لموضعها لا يزيل عنه الضمان؛ لأنه غير أمينٍ بعد؛ وكما لو

جحدها ثم اعترف بها وادعى تلفها، لم يقبل منه، فكذلك هذا. [المسألة الأولى: إذا استودعها مصرورة فحل صرارها وسلف منها] قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وإذا استودعها مصرورةٌ فحل صرارها ثم تسلف منها شيئاً، فقد ضمنها [56/ ب] كلها إن تلفت بعد أن رد فيها ما تسلف أو قبل، وكذلك لو حلها ولم يستلف منها لضمنها حين تعدى فحل وثاق ربها وأفضى إليها، ولو استودعها منثوره فتسلف منها، ثم تلفت لم يضمن غير ما تسلف، وهو مصدقٌ في در ما تسلف منها، ولو تلف بعد أن رده، لم يضمن شيئاً. وقال ابن القاسم وأشهب وأصبغ: المصرورة والمنثورة سواءٌ، والأول أحب إليّ. م: وتسلفه من المنثورة ورده أشد من حل المصرورة فقط، وإذا قبل رده في المنثورة وتلفها بعد ذلك، وجب قبول قوله في المصرورة أنها تلفت بعد أن حل صرارها؛ لأن ذلك ليس هو الذي أوجب إتلافها؛ فكذلك إذا تسلف من المصرورة ثم رد فيها ما تسلف منها وجب قبول قوله في الرد والتلف كما قبل قوله في المنثورة في الرد والتلف. [المسألة الثانية: فيمن أودع وديعة، وقيل له تسلف منها] ومن كتاب ابن شعبان: ومن أودع وديعةً، وقيل له: تسلف منها إن

شئت فتسلف منها وقال: رددتها، فهذا لا يبرئه رده إياها إلا إلى ربها. ومن كتاب الوديعة: ولو تسلف جميعها، ثم رد مثلها مكانها لبريء، كان أخذه إياها على السلف أو على غيره، ولا شيء عليه إن هلكت بعد أن ردها، ولو كانت ثياباً فلبسها حتى بليت واستهلكها ثم رد مثلها، لم يبرأ ذمته من قيمتها؛ لأنه إنما لزمته قيمتها، ومن أودع وديعةً بيده لغير عذرٍ ثم استردها فهلكت، لم يضمن؛ كرده لما تسلف منها. [(8)] فصل [في اختلاف المودع والمستودع في هلاك الوديعة بعد إقرار المستودع أنه استعملها] قال ابن المواز في كتاب الإقرار: ومن استودع دابةً أو ثوباً، فأقر المستودع بركوب الدابة، ولباس الثوب، فهلك ذلك، فقال ربه: إنما هلك ذلك بيدك قبل أن ترده إلى موضعه، وقال المستودع: بل بعد ارددته، قال: فهو مصدقٌ مع يمينه إذا كان مقراً بالفعل، وأما إن لم يقر وقامت بذلك بينة، فلا يصدق أنه رد ذلك إلى موضعه إلا ببينة، وهو قول أصحابنا. ومن كتاب الإقرار لابن سحنون: إذا أقر أنه لبس ثوباً وديعةً عنده، أو كانت دابة فركبها، ثم قال: هلكت بعدما نزلت عنها، فهو ضامنٌ؛ لأنه لما ركبها ضمن بالتعدي، ولو قال: ركبتها بإذن ربها فأنكر ربها، فالقول قول ربها مع يمينه، ولو أقام البينة أنه نزل عنها سالمةً ثم تلفت، بريء من ضمانها، وقال بعض أصحابنا: هو ضامنٌ حتى يردها بحالها.

م: وهذه الأقوال في مسألة الثوب والدابة جارية على الخلاف في قول مالك في رده ما تسلف من الوديعة. وإن خلط الدراهم بمثلها، فضاع بعض ذلك، فعلى مذهب مالك: يكون ما ضاع على قدر ما لكل واحدٍ، إن خلط عشرةً بخمسةٍ له فضاع من الجملة دينارٌ أو ردهمٌ، فعلى مذهب مالك يكون على صاحب العشرة ثلثاه، وعلى صاحب الخمسة ثلثه، وعلى مذهب ابن القاسم يكون الضائع بينهما نصفين؛ لأن كل واحدٍ يدعي أن الضائع من مال الآخر، فيقسم بينهما.

[الباب الثاني] في المودع والمقارض يدعي رد ذلك إلى ربه بنفسه أو مع رسوله، وفي الرسول يدعي دفع ما أرسل به، وفي موته وموت المودع والمقارض وإقرارهما عند الموت

[الباب الثاني] في المودع والمقارض يدعي رد ذلك إلى ربه بنفسه أو مع رسوله، وفي الرسول يدعي دفع ما أرسل به، وفي موته وموت المودع والمقارض وإقرارهما عند الموت [(1) فصل: في المودع والمقارض يدعي الرد بنفسه، وكيف لو ادعى الضياع أو السرقة] [المسألة الأولى: في المودع والمقارض يقبض المال بغير بينة، ثم يدعي الرد] قال ابن القاسم عن مالك: ومن بيده وديعةٌ أو قراضٌ لرجل، فقال له: رددت ذلك إليك، فهو مصدق. قال في كتاب ابن المواز: مع يمينه، وقاله ابن حبيب عن ابن الماجشون: أنه مصدقٌ مع يمينه. م: لقوله سبحانه: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} فضرف ذلك إلى أمانتهم. [المسألة الثانية: في المودع والمقارض يقبض المال ببينة، ثم يدعي الرد] قال في كتاب [57/أ] الوديعة: إلا أن يكون قبض ذلك ببينة، فلا يبرأ إلا ببينة. قال أبو محمد: لأنه ائتمنه بتوثق، فلا يخرج من ذلك إلا ببينة. [المسألة الثالثة: في المودع والمقارض يقبض المال ببينة ثم يدعي ضياعه أو سرقته] قال مالك: ولو قبضه ببينةٍ، فقال: ضاع مني أو سرق، صدق،

يريد: ولا يمين عليه إلا أن يتهم فيحلف. قال أبو محمد: وقاله أصحاب مالك. قال محمد بن عبد الحكم: فإن نكل المتهم عن اليمين ضمن، ولا ترد اليمين ها هنا. وروى ابن نافع عن مالك: أن المودع يحلف، وإن لم يكن من أهل التهم، وكذلك ذكر القاضي إسماعيل عن ابن نافع عن مالك. [فائدة: في الفرق بين دعوى الرد أو الضياع] م: والفرق بين دعواه الرد، وبين دعواه الضياع على أحد القولين: أن رب الوديعة في دعواه الرد يدعي يقيناً أنه كاذبٌ فيحلف، كان متهماً أو غير متهم، وفي الضياع لا علم له بحقيقة دعواه، وإنما هو معلومٌ من جهة المودع فلا يحلف إلا أن يكون متهماً. م: وهو الصواب. ألا ترى أنه مصدقٌ في دعواه الضياع بإجماعهم وإن كان الدفع إليه ببينة، فإنما اختلفوا في يمينه، ولا يصدق في دعواه الرد إذا كان قبضه ببينة، فلا يبرأ إلا ببينة، فالرد والضياع مفترق. ومن أخذ الوديعة بمحضر قومٍ ولم يقصد إشهادهم عليه، فهو كقبضة بلا بينة حتى يقصد الإشهاد عليه.

[(2) فصل: في المودع والمقارض يدعي الرد مع رسوله] ومن كتاب الوديعة: ولو قال في الوديعة والقراض: قد رددت ذلك مع رسولي إلى ربه، ضمن إلا أن يكون رب المال أمره بذلك. [المسألة الأولى: في المستودع يأذن له صاحب الوديعة أن يدفعها لمن جاءه بأمارة] ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن وهب: في المستودع يأذن له ربها أن يدفعها إلى من جاءه بأمارةٍ ذكرها له، فجاءه رجلٌ بالأمارة، فدفع إليه المال، ثم مات ربه، وقام ورثته على الرسول الذي قبض المال بالأمارة، فقالوا: ما صنعت به؟ قال صنعت به ما أمرني به ربه، قالوا وما الذي أمرك به ربه؟ قال: ليس عليّ أن أخبركم، قال: يحلف لقد صنع به ما أمره به ربه ويبرأ، وقاله ابن القاسم. [(2) فرع: فيمن بيده مالٌ وديعة أو دين، فأشهد على نفسه دون علم صاحب المال، ثم ادعى الرد] ومن كتاب ابن الماجشون: فيمن بيده مالٌ وديعةً أو ديناً، فأشهد بذلك على نفسه قوماً ورب المال لا يعلم بإشهاده، ثم ادعى رد الوديعة وقضاء الدين، قال: هو مصدقٌ في الوديعة وعليه البينة في الدين، ولو مات رب الوديعة أو الدين، فادعى رد الوديعة وقضاء الدين وكذبه الورثة، فعليه البينة فيهما جميعاً. قال أبو محمد: يريد: أنه ردها إلى الورثة وهم غير من أودعه. [(2) فرع: فيمن استودع وديعة فأقر بها عند ثقة من غير إشهاد، ثم يموت، فيقوم ربها] ومن العتبية وكتاب محمد قال ابن القاسم عن مالك: فيمن استودع

وديعة فيقر بها عند ثقةٍ من غير أن يشهد بها عليه، ثم يموت، ثم يقوم ربها، قال مالك: هذه أمورٌ لها وجوهٌ: أرأيت لو تقادم هذا عشرين سنة أو عشر سنين، ثم مات، فقام ربها، فهذا لا شيء له. قال ابن القاسم: وكأني رأيته إن كان قريباً أن يكون ذلك له. قال في العتبية: كالأشهر والسنة وشبه ذلك، ثم مات، وقام ربها: إن ذلك في مال الميت. [(3)] فصل [في رسولك يدعي الدفع، والآخر ينكر] قال مالك: ومن دفعت إليه مالاً ليدفعه إلى رجلٍ، فقال: دفعته إليه، وأنكر ذلك الرجل، فإن لم يأتِ الدافع ببينة، ضمن، قبض ذلك منه ببينة أو بغير بينة - كالوصي يدعي الدفع إلى الأيتام - ولو شرط الرسول أن يدفع المال إلى من أمرته بغير بينة، لم يضمن وإن لم تقم له بينة بالدفع إذا ثبت هذا الشرط - لقوله عليه الصلاة والسلام: ((المسلمون على شروطهم)) - وإن قال الرسول: لم أجد الرجل، فرددت إليك المال صدق إلا أن يكون قبضه ببينةٍ،

فلا يبرأ إلا ببينة. م: معناه: أنه بعثه إلى من معه بالبلد، وأما إن بعثه إلى من بغير البلد، لم يجب أن يكون القول [57/ب] قوله في الرد؛ لأنه متعد في الرد؛ لأن الواجب عليه - إذا لم يجده - إيداعها له، فإذا كان متعدياً في الرد، وجب عليه الضمان، فإذا صارت في ذمته لتعديه في ردها، وجب ألا يقبل قوله - رددتها - وإن أخذها بغير بينة. فإن قال: قد سلمت في الرجوع وبرئت ذمتي، كردي لما تسلفت من الوديعة، قيل له: الوديعة رددتها حيث أمرت بإبقائها فيه وهذه رددتها في غير الموضع المأذون لك بإبقائها فيه، فلم تبرأ ذمتك بردها. ومن المدونة قال مالك: وإن بعثت بمالٍ بضاعة إلى رجلٍ ببلدٍ وقدمها الرسول، ثم مات، فزعم الرجل أن الرسول لم يدفع إليه شيئاً، فلا شيء لك في تركة الرسول، ولك اليمين على من يجوز أمره من ورثته أنه ما يعلم له شيئاً، قال مالك: وإن مات الرسول قبل أن يبلغ البلد، فلم يوجد للمال أثرٌ، فإنه يضمنه ويؤخذ من تركته. قال سحنون: رواية سوء، وقول أشهب أعدل. قال أشهب: لا يبرأ ورثة الميت من المال، وعليهم غرمه إلا أن يقيموا بينة أن الرسول دفعه؛ وقال: لما كانت البينة على هذا المأمور بالدفع في حياته، لم يكن موته بالذي يضع ذلك عنه، سواءٌ مات في الطريق أو بعد بلوغه،

وقاله أصبغ: وفي كتاب محمد عكس ما في المدونة في أحد القولين. م: فوجه ما في المدونة أنه إذا مات في الطريق، فلم توجد حمل أمره في ذلك على أنه تعدى عليها؛ كما لو أودعها في الحضر، فمات ولم يدع ضياعها أنها في ماله، وإذا مات بعد وصول البلد حمل أمره على أنه دفعها ولو كان حياً لأخبر بمن يشهد له، والمنكر لا يخير بمن يشهد عليه، وضمنه في كتاب محمد في هذا؛ لأن عليه الإشهاد إذ لا يمكن أن يخفى ذلك على ورثته إذا بحثوا عليه، وإذا مات في الطريق برئت ذمته ويحمل أمره على الضياع لا على التعدي، وأخذ محمد بقول أشهب. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن بعث معه بمالٍ إلى رجل صدقةً أو صلةً أو سلفاً أو من ثمن بيع أو ليبتاع لك به سلعة، فقال دفعته إليه، وأكذبه الرجل لم يبرأ الرسول إلا ببينة - وإن صدقه بريء - وكذلك إن أمرته بصدقته على قومٍ معينين وإن صدقه بعضهم وكذبه بعضهم، ضمن حقة من كذبه، ولو أمرته بصدقته على قوم غير معينين، صدق مع يمينه وإن لم يأت ببينة. م: يريد: إنما يحلف إذا كان متهماً، والله أعلم. [(4)] فصل [في موت المودع والمقارض وإقرارهما عند الموت] [المسألة الأولى: فيمن هلك وقبله قراضٌ وودائع ولم يوص بشيء] ومن هلك وقبله قراضٌ وودائع لم توجد ولم يوص بشيء، فذلك في ماله، ويحاص بذلك غرماءه، فإن قال عند موته: هذا قراض فلان وهذا وديعة فلانٍ، فإن

لم يتهم صدق، وذلك للذي سمى له. [المسألة الثانية: في إقرار المقارض والمودع بالمال لصاحبه عند الموت] وقال أشهب في كتابه: وإذا قال عند موته: قراض فلانٍ، ووديعة فلانٍ في موضع كذا، فلم توجد حيث قال، فلا ضمان عليه. [المسألة الثالثة: فيمن هلك وترك ودائع ولم يوص بشيء] ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم: إذا ترك ودائع ولم يوص، فتوجد صرر عليها مكتوبٌ: هذه لفلان. وفيها كذا، ولا بينة على إيداعه، فلا شيء له إلا ببينة أو بإقرار الميت، ولعله صانع أهل البيت. [فرع: في الخط هل يعد بينة يقضى بها] قال عنه عيسى: فيمن بيده ودائع للناس - وهو يعلم أنه يتفق منها - فيوصي بودائع، فيوجد في تابوته كيسٌ فيه دنانير فيه مكتوبٌ: أنها لفلانٍ وأن عددها كذا، فيوجد العدد أقل، فإن ثبت أن ذلك خطة ببينة كان ما نقص في ماله، وإن لم يشهد على خطة أحد، حلف الورثة أنهم ما يعلمون من ذلك شيئاً ولا شيء عليهم. وكذلك لو وجد قرطاسٌ مكتوبٌ فيه: حسابٌ لفلان عندي كذا، فإن شهد بأن ذلك خط الميت، كان ذلك لفلان [58/أ] في ماله، وإلا فلا شيء له. وقال أصبغ: وكذلك لو وجد خط صاحب المال على الكيس مع وجدانه في

حوز المستودع حيث أقره، فإنه يقضى له به. قال أصبغ: وهذا على قول من يقضي بالخط، والخط عندنا ثابتٌ صحيحٌ، وقد بلغنا أن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - قضى بالخط في شهادة الشاهد وهو أشد، وأما على خط المقر بعينه فهو الإقرار الصراح، وقد قال مالك: إذا شهد على الخط شاهدان لم يكن على صاحب الحق يمينٌ؛ لأن ذلك إقرارٌ، وإن كان شاهداً واحداً حلف معه واستحق، وإن كان شاهداً على الخط وشاهداً على الحق تمت الشهادة.

[الباب الثالث: في القضاء في التداعي في الودائع وغيرها]

[الباب الثالث: في القضاء في التداعي في الودائع وغيرها] [(1) فصل: في اختلاف رب المال والقابض على ماذا كان القبض] قال مالك: ومن قال لرجلٍ: أقرضتك كذا وكذا، وقال الرجل: بل أودعتنيه، وتلف المال، صدق رب المال. م: لأن القابض مقر بوضع يده على مال رجلٍ، مدعٍ لطرح ضمانه. وقال أشهب: القول قول المودع، ولا يؤخذ أحدٌ بغير ما أقر به. قال ابن القاسم: وإن قال رب المال: بل غصبتنيه أو سرقته مني، فهو مدعٍ؛ لأنه من معنى التلصص، فلا يصدق عليه، ولا يضمن له الرجل شيئاً، لإبطال الدعوى التي أراد بها تضمينه. م: قال بعض الفقهاء: إنما معنى هذا؛ لأنه ادعى الغصب على من لا يليق ذلك به، فصار كأنه ادعى ما لا يشبه، فلم يصدق، ولو كان ممن يليق به الغصب لكان القول قول رب المال؛ لأنه ادعى ما يشبه، كدعواه القرض على جملة الناس. [(2) فصل: في اختلاف دافع المال والقابض فيما كان دفع المال] ومن المدونة: ومن أخذ من رجلٍ مالاً، فقال له الدافع: إنما قضيتك من دينك عليّ، أو رددته من القراض الذي لك عندي، وقال الآخر:

بل أودعتنيه فتلف، صدق الدافع مع يمينه وإن كان لك عند رجلٍ ألف درهم قرضاً وألف درهمٍ وديعةً، فأعطاك ألفاً أو بعث بها إليك، ثم زعم أنها القرض وأن الوديعة قد تلفت، وقلت أنت: بل الذي قبضت الوديعة، فالقول قول المستودع، كما يصدق في ذهاب الوديعة. قال أبو محمد: وهذه مسألةٌ مبينةٌ في كتاب محمد بن سحنون: أن القول قول الدافع للدنانير أنها هي المئة الدين، ولا يلتفت إلى قول رب المال، والمستودع مصدقٌ في ذهاب الوديعة. وقال أشهب في كتابه: إن دفع الألف إلى ربها ببينة قبل قوله أنها القرض، وإن دفعها بغير بينة، صدق ربها، ولا يخرجه من الدين إلا البينة. م: وهذا إذا كان دفع إليه رب المال الوديعة بغير بينة، فإذا رد بغير بينة دل أنها الوديعة؛ إذ لا إشهاد يلزمه فيها، وإن رد ببينة دل أنها القرض ولا يبرئه منه إلا البينة، ولو كان إنما دفع إليه رب المال الوديعة ببينة، لوجب إن رد ببينة أن يكون القول قول المودع؛ كما قال ابن القاسم: ومن أودعته وديعةً فجحدك إياها فأقمت عليه البينة، أنه يضمن.

[الباب الرابع: في القضاء في إيداع الصبي والعبد ومن فيه بقية رق وفيما قبضوه بإذن ساداتهم فاستهلكوه]

[الباب الرابع: في القضاء في إيداع الصبي والعبد ومن فيه بقية رِق وفيما قبضوه بإذن ساداتهم فاستهلكوه] [(1) فصل: في إيداع الصبي] [58/ب] قال ابن القاسم: ومن أودع صبياً صغيراً وديعةً بإذن أهله أو بغير إذنهم، فضاعت لم يضمن - يريد: وكذلك السفيه؛ لأن أصحاب ذلك سلطوا يده على إتلافه - قال مالك: ومن باع منه سلعةً فأتلفها، فليس له اتباعه بثمن ولا قيمة، ولو ابتاع من الصبي سلعةً ودفع إليه الثمن فأتلفه، فالمبتاع ضامنٌ للسلعة ولا شيء له قبل الصبي من الثمن. [(2) فصل: في دفع الوديعة للعبيد] [المسألة الأولى: في إيداع العبد المحجور عليه والمأذون له في التجارة] وإن أودعت عبداً محجوراً عليه وديعةً، فأتلفها، فهي في ذمته إن عتق يوماً ما، إلا أن يفسخها عند السيد في الرق فذلك له؛ لأن ذلك يعيبه فيسقط ذلك عن العبد في رقه وبعد عتقه، وما أتلف المأذون له في التجارة من وديعةٍ بيده، فذلك في ذمته لا في رقبته؛ لأن الذي أودعه متطوعٌ بالإيداع، وليس للسيد أن يفسخ ذلك عنه. وقال أشهب في كتابه: في العبد المحجور عليه يتلف الوديعة قد أودعها، فإن كان مثله يستودع فهي في ذمته، رق أو عتق، وإن كان وغداً لا يستودع مثله فلا شيء عليه في رقه، رد ذلك عنه السيد أو لم يرده حتى يلي نفسه بالعتق. يريد: فيتبع. وأنكرها سحنون.

وقال أشهب: وقد قال مالك في العبد غير المأذون يتاجر الناس بغير إذن السيد، فإن كان فارهاً، مثله يتاجر الناس، فذلك في ذمته. [المسألة الثانية: في إيداع العبد الوغد المأذون له في التجارة] قال أشهب: وإذا استئجر عبده الوغد، فلسيده أن يبطل عنه ما أتلف من أمانةٍ؛ لأنه لم يأذن له في أخذ الودائع ومثله لا يودع. [(1) فرع: في العبد المحجور يدعي أن سيده بعثه للاستعارة] م: فإذا أتى العبد المحجور عليه إلى رجلٍ، فقال له: سيدي أمرني أن أستعير منك كذا، فصدقه ودفع إليه ما ذكر، فأنكر سيده. فقيل: للسيد أن يطرح ذلك عن ذمة العبد بعد يمينه أنه ما بعثه، وقيل: إن ذلك دينٌ عليه في ذمته لا يسقطه عنه السيد، والأول أشبه؛ لأن الذين صدقوه هم أتلفوا متاعهم إذ لم يستثبتوا. وأما ما تعمد أخذه، فذلك جنايةٌ في رقبته، فكذلك ما تعدى عليه السفيه والصبي يتبعون به في ذمتهم، وكل ما لزم رقبة العبد لزم ذمة الصبي، واختلف في الأمة تكون بين حرٍّ وعبدٍ فيطأها العبد، فقيل: ذلك جنايةٌ من العبد في رقبته، وقيل: في ذمته. م: والأول أشبه. [(3) فصل: فيما قبضه العبد ومن فيه بقية من رق فاستهلكه، وفيما أفسده العبد المأذون له في الصناعة] قال في العتبية: ومن أراد أن يودع رجلاً وديعةً، فقال له الرجل: ادفعها

إلى عبدي، ففعل فاستهلكها العبد فهي في ذمته، قلت: فإن غره السيد من العبد، قال: لا شيء على السيد بكل حال. قال محمد بن عبد الحكم: ولا يكون في ذمته بإقراره أنه استهلكها حتى تقوم بينةٌ باستهلاكه إياها. ومن كتاب الوديعة قال ابن القاسم: وما أفسد العبد الصانع المأذون له في الصناعة، مما دفع إليه ليعمله أو يبيعه، فأتلفه ففي ذمته، وكذلك من ائتمنه على شيء أو أسلفه، فإن ذلك في ذمته لا في رقبته ولا فيما بيده من مال السيد، وليس للسيد فسخ ذلك عنه، وما قبضه العبد والمكاتب وأم الولد والمدبر من وديعة بإذن ساداتهم فاستهلكوه، فذلك دينٌ في ذمتهم لا في رقابهم، بخلاف الصبي يقبض وديعةً بإذن أبيه فيتلفها، هذا لا يلزمه شيءٌ ولا ينبغي ذلك لأبيه، ومن أودعته وديعةً فاستهلكها ابنه الصغير، فذلك من مال الابن، فإن لم يكن له مالٌ ففي ذمته، وإن استهلكها عبده، فهي جناية [59/أ] في رقبته، فإما فداه السيد ذلك أو أسلمه، ومن قتل عبداً، فقيمته في ماله حالةٌ، ولا تحملها العاقلة.

[الباب الخامس: في دفع الوديعة لغير ربها، وشهادة الرسول بصدقتها على المودع، ودفع الثمن لرسول البائع]

[الباب الخامس: في دفع الوديعة لغير ربها، وشهادة الرسول بصدقتها على المودع، ودفع الثمن لرسول البائع] [(1) فصل: في دفع الوديعة لغير ربها] [المسألة الأولى: في المودع يدعي أنك أمرته أن يدفع الوديعة إلى فلان] قل ابن القاسم: ومن أودعته وديعةً فادعى أنك أمرته بدفعها إلى فلانٍ ففعل، وأنكرت أنت أن تكون أمرته، فهو ضامن، إلا أن تقوم بينةٌ له أنك أمرته بذلك. قال أشهب في كتاب: وسواءٌ أودعته ببينة أو بغير بينةٍ. قال سحنون: ويحلف ربها، فإن نكل حلف المودع وبرئ. [المسألة الثانية: في المودع يأتيه من يزعم أن ربها أمره بأخذها، وكيف إن جاءه بكتاب وأمارة] قال ابن القاسم: في المودع يأتيه من يزعم أن ربها أمره بأخذها، فصدقه ودفعها إليه، فضاعت منه، أن الدافع ضامنٌ لها، ثم له أن يرجع على الذي قبضها فيأخذها منه. وقال أشهب في كتابه: لربها أخذها من أيهما شاء، ثم لا رجوع لمن أخذها منه على الآخر؛ لأن الدافع صدق الرسول أنه مأمورٌ بأخذها، فلا يرجع عليه إن غرمها.

م: ولابن القاسم في النكاح الأول في قبض الوكيل ما يدل على قول أشهب. قال ابن المواز في كتاب الإقرار: ولو جاء بكتابه بأمارة، فدفعها إليه وهو يعرف خطه وأمارته فدفع إليه وصدق كتابه فأنكر ربها، فليحلف أنه ما أمره ولا كتب بذلك إليه، وأنه لا حق له عليه، ثم يغرم له الدافع، ثم يرجع بها على القابض ولا يمنعه ذلك من الرجوع عليه. قال ابن المواز: وللذي جاءه بالكتاب - وإن عرف خطه وأمارته فيه -[أن] لا يدفع إليه ما أودعه الغائب أو حقاً للغائب عليه. قال محمد بن عبدوس: في الذي قال للمودع بعثني ربها لأخذها منك، فدفعها إليه، ثم اجتمع مع ربها، فذكر ذلك له، فسكت، ثم طالبه بعد ذلك، قال: يحلف أنه ما أمر فلاناً بقبضها وما كان سكوته رضاً بقبضه، ثم يغرمه، ولو أن رب المال علم بقبض القابض، فجاء إلى المودع، فقال: كلم فلاناً القابض يحتال لي في المال، فقال: هذا رضى بقبضه، فليطلبه به، ويبرأ الدافع، ولو طلب ربها الدافع فجحده فقال ربها: احلف ما أودعتك. فقال: يحلف له أنه مالك على شيءٌ. قال أبو محمد: يريد على قول ابن الماجشون: ويعني أيضاً أن الدافع أيقن بأمر رب الوديعة له.

[(2) فصل: في شهادة رسولك بأن ما أرسلته معه من مال لرجل إنما هو صدقة عليه] ومن كتاب الوديعة قال مالك: وإن بعثت إلى رجلٍ بمالٍ، فقال: تصدقت به عليّ، وصدقه الرسول، وأنت منكرٌ للصدقة - وتقول: بل هو إيداعٌ - فالرسول شاهدٌ، يحلف معه المبعوث إليه ويكون المال صدقة عليه، قيل لمالك: فكيف يحلف ولم يحضر؟ قال: كما يحلف الصبي إذا كبر مع شاهده في دين أبيه. محمد - وقاله عبد الله بن عبد الحكم -: وهو أحب ما سمعت فيها إليّ؛ لأن الرسول لم يتعد في الدفع؛ لإقرار ربها أنه أمره بذلك، فشهادته جائزةٌ، وكذلك إن كان للرسول بينةٌ على دفعه. وقال أشهب في كتبه: لا تجوز شهادة الرسول؛ لأنه يدفع عن نفسه الضمان. قال أبو محمد: يريد أشهب أن المتصدق عليه عديمٌ، وقد أتلف المال ولا بية للرسول على الدفع، فأما وهو مليءٌ حاضرٌ، فشهادة الرسول جائزةٌ مع يمين المشهود له، وكذلك إن قامت للرسول بينةٌ بالدفع في عدم المشهود له. م: وعلى هذا التأويل يكون قول أشهب وفاقاً لابن القاسم: وكذلك [59/ب] علل محمد قول ابن القاسم، وعلل غيره قول أشهب أنه إنما لم تجز شهادته؛ لأنه دفع دفعاً لم يؤمر به، وذلك أن الآمر إنما أمره أن يدفع على جهة الإيداع، فدفع هو على جهة التمليك، فلا تجوز شهادته، ولا يؤخذ الآمر بغير ما أقر به من الدفع، قال: وابن القاسم إنما أجاز شهادته؛ لأنه أذن له

في الدفع، فدفع والمال حاضرٌ، فلم يستهلك بدفعه على باب التمليك شيئاً، فجازت شهادته. قال بعض الفقهاء: ويجب على أصل أشهب إذا لم تجز شهادة الرسول ولم يجد المال فأغرم الرسول، فللرسول أن يرجع بذلك على المدفوع إليه، وإن كان عنده مظلوماً؛ لأنه يقول: الآمر ظلمك وأغرمني بسببك إذ لم يجد المال بيدك، كقوله في المودع يأتيه رجلٌ بخط رب الوديعة وأمارته أن ادفعها إلى فلان صلةً أو أنها له وهو لا يشك أنه بخطه وأمارته فدفعها إليه، ثم جاء ربها فأنكر وحلف وأغرم المودع، أن للمودع أن يرجع على من قبضها منه وإن كان يعلم أنه مظلومٌ؛ لأنه يقول: بسببك وصل إلى تغريمي. م: ويحتمل أن يكون الفرق بين المسألتين، أن المأمور في المسألة الأولى متحقق بكذب الآمر، وأن المذفوع إليه مظلومٌ، فلا يجب أن يرحع عليه بشيءٍ، وفي المسألة الثانية: هو لا يقطع بحقيقة كذبه؛ إذ قد يضرب على خطه ويعرف أمارته؛ فلهذا وجب أن يرجع عليه، وأما على أصل ابن القاسم فلا يجب له الرجوع عليه؛ كقوله فيمن استحقت من يده دابة وهو يعلم أنها نتاجٌ عند بائعها منه، وأن المستحق ظالمٌ له، وأن بينته شهدت بروز، فقال ابن القاسم: لا رجوع له بالثمن على بائعه، فكذلك هذا، وقد وقع لأشهب ما يدل أنه اختلف قوله في هذا الأصل، قال: في المودع يأتيه رجلٌ، فيقول له: إن ربها بعثني إليك لآخذها منك، فصدقه ودفعها إليه فادعى ضياعها، فأتى ربها، فأنكر أن يكون بعثه

وحلف وغرم المودع، فقال: لا رجوع له على الرسول، بخلاف ما تقدم له، وابن القاسم يرى له الرجوع في هذه المسألة على الرسول؛ لأنه لم يتحقق صدقه. [(3) فصل: في دفع الثمن لرسول البائع] ومن كتاب الوديعة قال ابن القاسم: وإن بعت من رجلٍ ثوباً وبعثت معه عبدك أو أجبرك ليقبض الثمن، فقال: قبضته وضاع مني، فإن لم يقم المشتري بينة بالدفع إلى رسولك، ضمن، بخلاف من دفعت إليه مالاً ليدفعه إلى رجلٍ، فقال: دفعته إليه بغير بينة وصدقه الرجل، هذا لا يضمن. م: يريد: ليدفعه إلى الرجل من دين له عليه أو صدقةٍ عليه، فيبرأ الدافع بتصديقه؛ إذ لا طلب للآمر أو غيره فيه، وأما لو أمره بدفعه إليه ليكون وديعةٌ عنده أو ليوصله إلى غيره، فيدعي أنه قبضه منه وتلف، فلا يبرأ الدافع إلا ببينة على دفعه. قال بعض الفقهاء: إنما لم يصدق المشتري في الدفع إلا ببينة؛ لأنه دينٌ في الذمة، فلا يبرأ من ادعى دفعه إلا ببينة، ولو كان أصله وديعةً، فقلت لآخر: اقبضه لي منه، فقال: قبضته وضاع، لصدق الدافع، وفي كتاب محمد: لا يبرأ إلا بالبينة؛ لأنه دفع إلى غير من دفع إليه؛ فعليه البينة، وابن القاسم إنما جعل إقامة البينة في قوله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} خيفة أن ينكروا، فإذا أقروا فلا ضمان على الوصي، فكذلك هذا إذا أقر بالقبض برئ المودع.

[الباب السادس: فيمن أودع وديعة أو أبضع بضاعة لرجلين عند من يكون المال منهما؟]

[الباب السادس: فيمن أودع وديعة أو أبضع بضاعة لرجلين عند من يكون المال منهما؟] قلت: فالرجل يستودع الرجلين أو يبضعهما عند من يكون ذلك منهما؟ وهل يكون [60/أ] عندهما جميعاً؟ فقال: قال مالك في الوصيين: إن المال يجعل عند أعدلهما، قال مالك: فإن لم يكونا عدلين وضعه السلطان عند غيرهما، وتبطل وصيتهما إذا لم يكونا عدلين، قال ابن القاسم: ولم أسمع من مالك في الوديعة والبضاعة شيئاً، وأراه مثله، وقاله أشهب في كتبه. قال: وكذلك البضاعة تكون عند أعدلهما، فإن اقتسماها أو كانت عند أدناهما في العدالة ما لم يكن بين الفجور، فلا ضمان على من كان المال في يديه ولا من لم يكن. قال سحنون في المودعين لا تكون عند أحدهما ولا تنزع منهما، بخلاف الوصيين، وإن اقتسم المودعان أو العاملان المال في القراض لم يضمنا. قال يحيى: ولا يضمن الوصيان إذا اقتسماه، وقاله أشهب وابن عبد الحكم. وفي الوصايا لابن حبيب خلافه، وأن كل واحدٍ يضمن ما سلم بالتسليم وما صار بيده؛ لرضاه برفع يد الآخر عنه، والموصي لم يرضهما إلا جميعاً.

وقال القاضي إسماعيل في كتابه المبسوط: الوديعة لا تشبه الوصية؛ لأن الميت إذا مات صار ماله لغيره، فلا يجوز أن يوصي به إلا إلى ثقةٍ، والحي يختار لوديعته من أحب، فلا يجوز للمودعين أن يقتسما الوديعة؛ لأنه لم يرض واحداً منهما منفرداً على شيء من الوديعة، لكن يجعلانها في موضعٍ يثقان به، وتكون أيديهما فيها واحدةً. ومن الله التوفيق.

[الباب السابع: فيمن أودعته أمة فوطئها، أو دابة أو حيوانا فأنفق عليها، أو أنزى عليها أو أكراها]

[الباب السابع: فيمن أودعته أمة فوطئها، أو دابةً أو حيواناً فأنفق عليها، أو أنزى عليها أو أكراها] [(1) فصل: فيمن أودعته أمة فوطئها] قال ابن القاسم: ومن أودعته أمة فوطئها، فعليه الحد، والولد عبدٌ لك. [(2)] فصل [فيمن أودعك دابة أو حيواناً فأنفقت عليها] ومن أودعك دابة وغاب، فأنفقت عليها بغير أمر السلطان، فإنم إن أقمت بينةٌ أنه أودعكها منذ وقت كذا، فإن الإمام يبيعها ويعطيك ما ادعيت من النفقة وإن لم تشهد بها إذا لم تدع شططاً. [فائدة: في الفرق بين من أودعك دابة وغاب، وبين الزوجة تدعي في غيبة زوجها أنها أنفقت من مالها على نفسها] م: إن قيل: ما الفرق بين هذا المودع، وبين الزوجة تدعي في غيبة زوجها أنها أنفقت من مالها على نفسها، فلا يقبل منها إلا أن تكون رفعت أمرها في ذلك إلى السلطان أنه لم يترك لها نفقة. قيل: الفرق بينهما أن هذا قد أقام البينة أنه أودعه إياها ولم تذكر البينة أنه ترك لها مع ذلك نفقةً ولا شعيراً، والزوجة تركها في داره وموضع ماله، فدل سكوتها أنها أنفقت من ماله إذا لم ترفع ذلك إلى السلطان، وأيضاً فإن الغالب أن الرجل لا يغيب حتى يترك النفقة لزوجته وأهله، ولو ترك لها دابةً فادعت أنها

أنفقت عليها من مالها، لكان ذلك كدعواها النفقة على نفسها لما ذكرنا. قال في العتبية: فيمن بيده جاريةٌ وديعةً فأنفق عليها ثلاثين صاعاً من تمرٍ، فأراد ربها أن يغرم تمراً، فقال المنفق: كان يوم أنفقت أغلى من اليوم. فأخذ بذلك السعر، قال ابن القاسم: إن اشترى التمر، فليرجع بالثمن، وإن أنفق تمراً من عنده، فلا يرجع إلا بمثله؛ لأنه سلفٌ منه. قال عيسى: فيمن أودع عنده متاعٌ، فعدا عليه عادٍ فأغرمه عليه [60/ب] مالاً، فلا شيء على رب الوديعة من ذلك. [(3)] فصل [فيمن أودعته بقراً أو نوقاً فأنزى عليهن، أو كانت أمة فزوجها فحملت فماتت من الولادة] ومن كتاب الوديعة: ومن أودعته بقراً أو أتاناً أو نوقاً، فأنزى عليهن فحملن فمتن من الولادة، أو كانت أمةً فزوجها فحملت فماتت من الولادة، فهو ضامنٌ، وكذلك لو عطبت تحت الفحل. وقد روى عن مالك فيمن رهن جاريةً عند رجلٍ فزوجها المرتهن بغير أمر صاحبها فحملت فماتت من النفاس: أن ضمانها من الراهن، وقال ابن القاسم: ضمانها من المرتهن.

وقال أشهب في كتبه: لا شيء عليه من ذلك في الإنزاء على حيوان أو تزويج الجواري. قال أشهب: وإن نقص ذلك كله الولادة، فلا شيء عليه؛ لأن الولادة في الجواري ليس من فعله إنما زوجهن، فكان الحمل من غيره، فلا يضمن، ولو سألتني في البهائم قبل أن ينزيها هل ينزيها؟ لرأيت أن لا يدعها من الإنزاء؛ لأن ذلك مصلحةٌ لها، ولم أضمنه في الجواري ما نقصهن النكاح؛ لأن ذلك نكاحٌ لا يثبت وإن رضي به ساداتهن، ولو كانوا ذكوراً لم يضمن شيئاً، لأن للسيد أن يجيزه، فلا يضمنه وقد أجاز فعله، وإن فسخه رجع العبد إلى حاله من غير نقصٍ. م: قال بعض الفقهاء: والصواب أن لا يضمن إذا ماتت من الولادة وهو المعروف من قوله: كما لو غصب حرةً فزنى بها وهو غير محصنٍ فحملت فماتت من أجل الوضع أنه لا يقتل بها؛ لأن هذا سبب آخر ماتت به ليس هو نفس العدا، وكمن غر من أمة فزوجها من رجلٍ على أنها حرةٌ فماتت، لم يضمن قيمة ولدها للأب إذا غرم الأب قيمتهم لسيد أمهم، وأما إذا ماتت تحت الفحل، فالصواب أن يضمن؛ لأنه لم يؤذن له في الإنزاء، واختلف في إنزاء الراعي، فلم يضمن عند ابن القاسم؛ لأنه كالمأذون له، وضمنه غيره. [(4)] فصل [فيمن أودعته إبلاً فأكراها] ومن كتاب الوديعة قال ابن القاسم: ومن أودعته إبلاً فأكراها إلى مكة ورجعت بحالها، إلا أنه حبسها عن أسواقها ومنافعك بها، فأنت مخيرٌ في تضمينه قيمتها يوم تعديه، ولا كراء لك، أو تأخذها وتأخذ كراءها، وكذلك المستعير يزيد على المسافة أو المكتري، ونحوه لأشهب في كتبه.

[(5)] فصل [فيمن أودعته أمة فزوجها] قال ابن القاسم: ومن أودعته أمةٌ فزوجها بغير أمرك، فهو ضامنٌ لما نقصها التزويج - قال أبو محمد: يريد: ويفسخ النكاح - قال ابن القاسم: وإن ولدت وكان في الولد ما يجبر به نقص النكاح، لم يغرم لنقص النكاح شيئاً، وربها مخيرٌ إن شاء أخذها وولدها، وإن شاء ضمنه قيمتها بلا ولدٍ. قال يحيى: يوم بنى بها الزوج على أنها خاليةٌ بلا زوجٍ. قال ابن القاسم: وقد قال مالك فيمن رد أمةً ابتاعها بعيبٍ وقد زوجها فولدت، أنه يجبر نقص النكاح بالولد؛ كما يجبر بزيادة قيمتها، والنكاح ثابتٌ زوجها من عبدٍ أو من حر؛ لأنه زوجها وهي في ملكه؛ كما لو أعتقها جاز عتقه، وإن أعتقها بعد علمه بالعيب، لم يرجع بشيء، وإن لم يعلم رجع بحصته، ولو تسوق بها بعد علمه بالعيب لزمته ولم يردها. وقال غيره: لا يجبر بالولد نقص النكاح. م: فوجه قول ابن القاسم: فلأن بإحبال الزوج إياها وجب على المودع قيمتها، فصار النماء الحادث فيها من الولد بعد دخولها في ضمانه، فأشبهت المشتراة وبها عيبٌ أنها بالشراء دخلت في ضمان المشتري، فأجبر ما دخلها من نقص الولادة بنماء الولادة.

قال بعض الفقهاء: وقول أشهب: أصوب؛ لأن هذا النماء لو لم يحدث عند [61/أ] المشتري عيبٌ ما شارك به، ولا كان له فيه شيءٌ، بخلاف ما أحدث من صبغٍ وخياطةٍ، فإن لم يكن له فيه شيءٌ لو لم يحدث عنده عيبٌ فكذلك يجب أن لا يجبر به ما حدث عنده من نقصٍ.

[الباب الثامن: فيمن أودعته وديعة فأنفقها على أهلك، أو تجر بها، أو جحدها ثم صار له بيدك مثلها، أو استهلكها ثم ادعى هبتها]

[الباب الثامن: فيمن أودعته وديعة فأنفقها على أهلك، أو تجر بها، أو جحدها ثم صار له بيدك مثلها، أو استهلكها ثم ادعى هبتها] [(1) فصل: فيمن أودعته وديعة، فقال: أنفقتها على أهلك وولدك، وصدقوه] قال ابن القاسم: ومن أودعته وديعةً، فقال: أنفقتها على أهلك وولدك، وصدقوه في ذلك، فهو ضامنٌ إلا أن يقيم بينة، ويكون ما أنفق يشبه نفقتهم. يريد: وأنت مقر أنك لم تبعث إليهم بالنفقة ولا تركت لهم نفقةً، أو يكونون طلبوا ذلك عند قاضٍ ففرض لهم فيه فيبرأ, م: وينبغي إذا فرض لهم قاضٍ أو أقررت أنت أنك لم تترك لهم نفقةً ولا بعثت لهم بها وصدقوا المنفق أنه أنفق عليهم من الوديعة فقة مثلهم أنه لا يضمن وإن لم تقم بينةٌ بذلك إذا صدقته الزوجة الكافلة للولد؛ لأنها لو أنفقت من عندها لرجعت بذلك على الزوج. قال أشهب في كتبه: ولو قال ربها: تركت لهم النفقة، أو كنت أبعث بها إليهم ووصلت إليهم، فليحلف على ذلك وعلى وصولها إليهم، ثم يضمن الموجع، ولا يرجع على أهل ربها بشيء إن كان قال لربها: لم تفعل، أو قال: أمرتني بالدفع إليهم. وإن كان لم يقل هذا، فله الرجوع على من كان منهم يلي نفسه بقدر حصته من النفقة، وهذا ما لم يكن السلطان قضى على هذا الغائب بالنفقة، فأما إن قضى عليه بها، فلا يصدق في قوله بعثت بها أو تركتها لهم إلا ببينة، فإن أقام بينة كان الجواب على ما تقدم.

[(2) فصل: فيمن أودعته وديعة فتاجر بها] ومن كتاب الوديعة قال ابن القاسم: ومن أودعته وديعةٌ فتجر بها، فالربح له، وليس عليه أن يتصدق بالربح، وتكره التجارة بالوديعة. قال أبو محمد: ومن قول مالك وأصحابه: إن من تجر في وديعةٍ عنده أو في مال يتيمه لنفسه أن الربح له، إلا ما روى ابن حبيب عن ابن الماجشون، فإنه قال: إن تجر في الوديعة ونحوها تعديا وهو مليءٌ أو مفلسٌ فالربح له بضمانه، إلا أن يتجر في مال يتيمه لنفسه وهو مفلسٌ، فإن مالكاً قال فيه قولاً مستحسناً، قال: إن ربح فيه فالربح لليتيم؛ لأنه المدبر لماله، فلم يكن من النظر له أن يتجر به لنفسه في عدمه، وإن هلك فهو ضامنٌ له. قال: وإن تجر به لنفسه وهو مليءٌ، فالربح لولي اليتيم، وأخذ به ابن الماجشون، وأبى ذلك المغيرة وغيره من أصحابنا، وقالوا: المفلس والموسر في ذلك سواءٌ، وولي اليتيم في ذلك كغيره، وبهذا قال المصريون، وهو قول العامة. [المسألة الأولى: في المودع يشتري بمال الوديعة جارية لنفسه] محمد: قال مالك في مال الوديعة يشتري به المودع لنفسه جاريةً أو غيرها فليس عليه إلا مثل المال، والربح له والخسارة عليه، فإن حملت منه وهو عديمٌ اتبع ذمته. [المسألة الثانية: في الوديعة تكون طعاماً أو سلعةً فيبيعها المودع بثمن أو يبتاع بها سلعة] محمد: ولو كانت الوديعة طعاماً أو سلعةً فباعها بثمنٍ أو ابتاع بها جارية أو سلعة، فرب الوديعة مخيرٌ إن شاء أغرمه مثل طعامه أو قيمة سلعته إن فات ذلك،

وإن لم يفت أخذه بعينه، وإن شاء أخذ فيها ما أخذ من ثمنٍ أو جاريةٍ أو غيره، فإن حملت الجارية فلرب الوديعة أخذها وقيمة ولدها أو قيمتها فقط كالمستحقة، [61/ب] ولو أن المشتري للسلعة باعها بأكثر مما اشتراها به، فلربها إجازة بيع المشتري وأخذ الثمن، ويرجع المشتري على بائعه بالثمن، ولو كانت الوديعة دنانير أو دراهم فصرفها لنفسه، فليس لربها إلا ما كان له وليس له أن يأخذ ما صرفها به إلا أن يرضى المودع، وإن صرفها لربها فلا يحل لربها أن يأخذ ما صرف وإن رضيا؛ لأنه صرف فيه خيارٌ، ولكن تباع هذه إن كانت دراهم بمثل دنانيره، فما كان من فضل فلربها، وما كان من نقصٍ ضمنه المتعدي، ولو أودعه حماراً أو استعاره فباعه بعشرةٍ، ثم ابتاعه بخمسةٍ، فربه مخيرٌ إن شاء أجاز بيعه وأخذ عشرةٌ لا غيرها، وإن شاء أخذ حماره، ثم ينظر إلى المتعدي، فإن كان اشترى الحمار لنفسه فالخمسة الفاضلة له، وإن اشتراه لربه فالخمسة الفاضلة لرب الحمار مع الحمار. وهذا في البيوع مذكورٌ. [(3)] فصل [فيمن لك عليه مال من وديعة أو قرض أو بيع فجحدك، ثم صار له بيدك مثل ذلك المال بإيداع أو بيع] ومن المدونة: ومن لك عليه مالٌ من وديعةٍ أو قرضٍ أو بيعٍ، فجحدك ثم صار له بيدك مثله بإيداعٍ أو بيعٍ أو غيره، فلا تجحده. قيل لابن القاسم: لم قال ذلك مالك؟ قال: أظنه للحديث الذي جاء: ((أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)).

ومن العتبية وروى ابن القاسم عن مالك: فيمن له على رجلٍ دينٌ بلا بينة، فهلك المطلوب ولا دين عليه لأحد غيره، وقد كان للميت على الطالب حق مثله بلا بينة، فأراد حبس ذلك بدينه، وعرف أنه إن أقر أدى، ولم يجد بينة بالذي له، وعرف أن لا دين على الميت. قال مالك: ما أرى إلا أن يخبر ورثته وينتهي الأمر إلى حيث ما انتهى ويحتسب ماله. قال عنه سعد بن عبد الله: ومن جحدك فلا تجحده. قال أبو بكر بن محمد: فيمن جحدك مالاً فقدرت له على مثله، فقد اختلف فيه. فروى أشهب عن مالك قال: لا آمرك بذلك ولا آمرك إلا بطاعة الله عز وجل، وإن أردت أن تفعله فأنت أعلم. وروى عنه ابن وهبٍ: أنه أن كان على الجاحد دينٌ إن قيم به لم يقع

له ذلك في المحاصة فلا يأخذه، وإن علم ألا دين عليه فليأخذه. وروى ابن نافع مثله، وزاد: وأمن أن يحلف كاذباً، فليأخذ قدر حقه. وقال محمد بن عبد الحكم: لا بأس أن يأخذ وإن كان عليه دينٌ ما لم يفلس. م: قال بعض فقهاء القرويين: اختلف في هذا فقيل: ذلك للمجحود له، كان الذي جحد له ديناً أو وديعةً، وهو قول محمد بن عبد الحكم، وقد برئ أن لو حلف فحلف، لم يضره ذلك؛ كالمكره على اليمين في أخذ ماله فيحلف ولا يضره ذلك عند عبد الملك. وابن القاسم يقول: يحنث، إلا أن يؤدي ذلك إلى ضربه وسجنه، وقيل: إن أمن أن يحلف جاز له، أو يجتزئ منه المحلف بقوله: مالك عندي حق. فيجوز له ذلك حينئذ على هذا، وأما لو قدر على أخذ مثله من مال الجاحد، فإن كان لا دين على الجاحد جاز لهذا أن يأخذ ذلك، وإن كان عليه دينٌ لم يجز له أن يأخذ إلا القدر الذي ينوبه في الحصاص؛ إذ لو قام عليه لأمكن أن يقول الجاحد بأني أحاص بين الغرماء، قال: ووقع لمحمد بن عبد الحكم: أن يأخذ الجميع وإن كان عليه دينٌ؛ لأن لم يفلس بعد. م: وقد ذكرنا ذلك، وإنما جاز له أخذ قدر ما ينوبه، وإن كان

للغرماء الدخول معه فيه؛ للضرورة التي تلحقه لو أظهر ذلك، فمتى لم يضر بالغرماء بأخذ ما ينوبه، جاز له ذلك. [(1) فرع: فيمن غصبك شيئاً وهو باق بعينه واستطعت أن تأخذه خفية] قال ابن المواز: ومن غصبك شيئاً ثم خفي لك أخذه بعينه، فلا بأس به، قيل: فإن لم أجد متاعي بعينه، وظفرت له بغيره من ماله [62/أ] قال: لو أعلم أنه لا دين عليه يحيط بماله لم أر عليك شيئاً. [(2) فرع: في ميت أوصى لصغير بدنانير ولم يشهد على ذلك إلى الوصيّ وعلى الصبي دين] قال ابن المواز: قال مالك: في ميت أوصى لصغير بدنانير ولم يشهد على ذلك إلا الوصيّ، فإن خفي له دفع ذلك حتى لا يتبع به، فله دفع ذلك دون السلطان، وكذلك لو دفعه فلم يقبل شهادته السلطان، ثم خفي له دفع ذلك، فله دفع ذلك، قيل: فإن غصبني رجلٌ شيئاً ثم خفي لي أخذه، قال: ذلك لك بخلاف من جحدك لما جاء فيه. [المسألة الأولى: فيمن أودعته وديعة فاستهلكها] ومن كتاب الوديعة: ومن أودعته وديعةٌ فاستهلكها، ثم ادعى أنك وهبتها له وأنكرت، فالقول قولك. يريد: وتحلف.

[الباب التاسع: فيمن أودعك عبدا فبعثته في سفر أو غيره، أو أودعك وديعة وهو حر أو عبد ثم غاب، وكيف إن طلب سيد العبد أخذها؟

[الباب التاسع: فيمن أودعك عبداً فبعثته في سفرٍ أو غيره، أو أودعك وديعةً وهو حرٌ أو عبدٌ ثم غاب، وكيف إن طلب سيد العبد أخذها؟ [(1) فصل: فيمن أودعك عبداً فبعثته في سفرٍ فهلك] قال: ومن أودعك عبداً فبعثته في سفرٍ أو في أمر يعطب في مثله، فعلك ضمنته، وأما إن بعثته لشراء بقلٍ أو غيره من حاجة بقرب منزلك، لم تضمن؛ لأن الغلام لو خرج في مثل هذا لم يمنع منه. [(2)] فصل [فيمن أودعك وديعة ثم غاب] ومن أودعك وديعةً، ثم غاب فلم تدر أين موضعه - أو حيٌّ هو أو ميت - ولا من ورثته، فإنم تتأنى بها، فإن طال الزمان وأيست منه، فينبغي أن يتصدق بها عنه - يريد: ثم إن جاء ربها ضمنها له - وإن أودعك عبدٌ وديعةٌ وهو مأذونٌ له أو غير مأذون، ثم غاب، فقام سيده ليأخذها، فذلك له، وقال مالك: فيمن ادعى متاعاً بيد عبدٍ غير مأذون وصدقه العبد، فقال رب العبد: بل المتاع لي، أو قال: لعبدي، صدق السيد. م: يريد مع يمينه، ولو قال: هو بيد عبدي ولا أدري، هل لك فيه شيءٌ أم لا؟ فهو للعبد، ولا يمين على السيد، إلا أن يدعي الآخر على السيد أنه يعلم أنه له، فليحلفه على علمه، قاله بعض شيوخنا. قال مالك: ولو كان العبد مأذوناً كان القول قول العبد، وكذلك في إقراره بدينٍ.

[الباب العاشر: في مسائل من الودائع مما ليس في المدونة وفيمن امتنع من دفع الوديعة، ثم ادعى تلفها، أو جحدها ثم أقام بينة بردها أو قال: لا أدري: أرددتها أم ذهبت أم أين دفنتها، أو لا أدري لأي الرجلين هي]

[الباب العاشر: في مسائل من الودائع مما ليس في المدونة وفيمن امتنع من دفع الوديعة، ثم ادعى تلفها، أو جحدها ثم أقام بينة بردها أو قال: لا أدري: أرددتها أم ذهبت أم أين دفنتها، أو لا أدري لأي الرجلين هي] [(1) فصل: فيمن امتنع من دفع الوديعة، ثم ادعى تلفها] ومن العتبية روى أصبغ عن ابن القاسم: فيمن له عند رجلٍ مالٌ وديعة فطلبه منه فاعتذر بشغلٍ، وأنه يركب إلى موضع كذا فلم يقبل عذره فتصايحا، فحلف ألا يعطيه ذلك الليلة، فلما كان في غدٍ، قال: قد ذهبت، فإن قال: تلفت قبل أن تلقاني، ضمن؛ لأنه أقر بها، وإن قال: لا أدري متى ذهبت حلف، ولا ضمان عليه. قال أصبغ: ويحلف ما علم بذهابها حين منعه، قال ابن القاسم: وإن قال: قد ذهبت مني بعد ما حلفت وفارقتك، ضمنها؛ لأنه منعه إياها، إلا أن يكون كان على أمرٍ لا يستطيع فيه أن يرجع، ويكون عليه فيه ضرر، فلا يضمن، وقال أصبغ: لا يضمن كان عليه شغلٌ أو لم يكن، إلا أن تكون في يديه أو تكون عند بابه وليس فيه فتحٌ ولا غلق ولا أمر لا يتم إلا برجوعه ونظره؛ فإن جاء مثل هذا، فهو ضامنٌ، وإلا لم يضمن.

بالدفع فهلك ذلك قبل القضية وبعد طلب أربابه، قال: إن كان دفع ذلك إليه بلا بينةٍ، فهو ضامنٌ. [(4)] فصل [فيمن جحد الوديعة ثم أقام البينة بردها] قال ابن حبيب: عن ابن القاسم وأشهب ومطرف وابن الماجشون وأصبغ: فيمن استودع وديعةً ببينة ثم جحدها، ثم أقر أنه ردها وأقام البينة بردها، فإنه ضامنٌ؛ لأنه أكذب بينته إذا قال لم أجدها يريد: إذا قال: ما أودعتني شيئاً، وأما إن قال: ما لك عندي شيءٌ، فالبينة بالبراءة تنفعه، وكذلك في القراض والبضاعة. [(5)] فصل [في الوديعة يطلبها صاحبها، فيقول المودع لا أدري: أضاعت مني أو رددتها إليك] ومن العتبية قال أصبع: في الوديعة يطلبها ربها، فيقول المودع: لا أدري أضاعت مني أو رددتها إليك، فلا ضمان عليه؛ لأنه ذكر أمرين هو مصدق فيهما إلا أن يأخذها ببينة فلا يبرأ حتى يقيم بينة بردها. قال عبد الله بن عبد الحكم: ولو قال المودع لربها: إن كنت دفعت إليّ شيئاً فقد ضاع، وقد قبض الوديعة ببينة، فليس عليه إلا يمينه. [(6)] فصل [في الوديعة يطلبها صاحبها فيقول المودع دفنتها فضل عني موضعها] قال أصبغ في العتبية: ولو قال: دفنتها فضلٌ عني موضعها، فهو ضامنٌ؛

لأنه فرط إلا أن يقول دفنتها في بيتي، وحيث يجوز له دفنها فطلبتها في ذلك الموضع فلم أجدها، فلا يضمن. [(7)] فصل [فيمن استودع مالاً فيأتي رجلان يدعيانه فيقول المودع رددتها لأحدكما] ومن كتاب محمد: ومن استودع مئة دينارٍ فأتى ردلان يدعيانها، فقال: رددتها إلى أحدكما، فإن لم يثبت أيهما هو، فإنه ضامنٌ لكل واحدٍ منهما مئةً؛ لأن كل واحد منهما يدعي أنه أودعه فلم يقطع بتكذيبه، وكقوله للمودع لا أدري هل أودعتني؟ فهو كالنكول، فليحلف المدعي ويضمنه، وكذلك لو كانوا عشرةً. وقال ابن عبد الحكم: أما في الدين فيضمن لكل واحدٍ مئةً، وأما في الوديعة فلم أره مثل الدين. قال محمد: وهما عندي سواءٌ. قال في كتاب الإقرار: ويحلف كل واحدٍ منهما ويحكم له بمئةٍ، ومن نكل لم يكن له شيء وكانت لمن حلف، فإن نكلا جميعاً لم يكن على المقر إلا مئةٌ واحدةٌ يقتسمانها بينهما بلا يمين عليه؛ لأنه هو الذي أبى اليمين وردها بعد أن ردت عليه. قال محمد: فإن رجع المودع فقال: أنا أحلف أنها لهذا،

لواحدٍ منهما فذلك له؛ لأنه إنما قال أولاً: لا أدري. فإن رجع وقال: أنا أحلف أنها ليست لواحدٍ منهما: فلا بد من غرم مئةٍ يقتسمها الرجلان بعد إيمانهما؛ لأنه قد أقر أن عليه [63/أ] مئةً [ثابتةً] فلا حجة له في إسقاطها، ولا حجة لأحدهما في طلب تمام المئة لنفسه؛ لأن المودع لو قال له: رجعت معرفتي أنه لا شيء لك. لم يلزمه غير اليمين؛ فاليمين التي حلف بها لهما تجزئ عمن طلب منهما تمام المئة لنفسه، وكذلك لو كانت المئة التي عليه دينا فيما ذكرنا. [(8)] فصل [فين بيده وديعة فيأتيه رجلان فيدعيانها ولا يدري لمن هي منهما] ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم: فيمن بيده وديعةٌ مئة دينارٍ فيأتيه رجلان كل واحد يدعيها ولا يدري لمن هي منهما، قال: تكون بينهما بعد أيمانهما، فمن نكل منهما، فلا شيء له وهي كلها لمن حلف، وأما في الدين فيغرم لكل واحدٍ مئةً. وقال سحنون: فيمن استودع وديعةً ثم مات فادعاها رجلان كل واحدٍ منهما لنفسه، وقال ابن الميت: لا أدري إلا أن أبي ذكر أنها وديعةٌ، فإنها توقف أبداً حتى يستحقها واحدٌ بالبينة، وقال أيضاً: في رجلٍ أودعه رجلٌ مئة دينار والآخر خمسين فنسي من صاحب المئة منهما، وادعى كل واحدٍ منهما المئة. قال: يتحالفان على المئة، ثم يقتسمانها،

والخمسون الباقية يقتسمانها أيضاً؛ إذ ليس لها مدعٍ، وقال بعض أصحابنا: يغرم لكل واحد منهما مئةً بعد إيمانهما. [(9)] فصل [فيمن شك أي الرجلين أعطاه مالاً ليتصدق به، وكلاهما يدعي أنه الآمر] قال ابن المواز: ومن قال: دفع إليّ فلانٌ مئة دينارٍ لأتصدق بها ففعلت، ثم قال: بل هو فلانٌ دفعها إليّ لأتصدق بها ففعلت، وادعى كل واحدٍ منهما أنه الآمر، فقال بعض أصحابنا - وقاله أشهب -: إن الصدقة نافذةٌ لمن كان منهما، ولا تباعة عليه. وقال محمد: بل يغرم لكل واحدٍ مئةً. والله أعلم. تم كتاب الوديعة بحمد الله تعالى وعونه وحسن توفيقه، وصلى الله على سيدنا محمدٍ وآله وصحبه

كتاب العارية

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمدٍ وآله وصحبه كتاب العارية [الباب الأول: في القضاء في العارية والتعدي فيها، وما يضمن منها] [(1) فصل: في الأصل في العارية] والعارية جائزةٌ مندوبٌ إليها؛ لقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم: ((كل معروفٍ صدقةٌ)).

ولأنه - صلى الله عليه وسلم - استعار وكذلك الصحابة - رضي الله عنهم - والقضاء في العارية التي يغاب عليها أنها مضمونةٌ؛ لأن - صلى الله عليه وسلم - قال لصفوان في السلاح الذي استعاره منه: ((عاريةٌ مؤداةٌ))، وقد تقدم بعض الحجة أول كتاب الوديعة. [(2) فصل فيما يضمن من العارية، وكيف إن أقام البينة على أنها هلكت بغير سببه] قال ابن القاسم: فالعارية مضمونةٌ فيما يغاب عليه من ثوب أو غيره من العروض، فإن ادعى المستعير أن ذلك هلك أو سرق أو تخرق أو انكسر، فهو ضامنٌ وعليه فيما أفسد فساداً يسيراً ما نقصه، وإن كان كثيراً ضمن قيمته كله، إلا أن يقيم بينة أن ذلك هلك بغير سببه فلا يضمن، إلا أن يكون منه تضييعٌ أو تفريطٌ فيضمن. قال ابن القاسم: وكذلك وجدت هذه المسألة في كتاب عبد الرحيم.

م: فوجه قوله: لا ضمان عليه، إذا أقام البينة بهلاكها؛ لانتفاء التهمة عنه أنه لا صنع له في تلفها؛ وكهلاك ما لا يغاب عليه؛ لأنه إنما سقط فيه الضمان؛ لأنه لا يخفى هلاكه في الغالب، فصدق في هلاكه، فما قامت بينةٌ بهلاكه أحرى أن لا يضمن، [63/ب] وقال أشهب: يضمن فيما يغاب عليه، وإن أقام بينةً أنه هلك بغير سببه؛ لظاهر الحديث فيما يغاب عليه، كالسلاح الذي فيه الأثر، فهو على عمومه. قال ابن القاسم: كل ما علم بالبينة أنه هلك أو نقص فيما استعير له، فلا يضمنه، قال: ولا يضمن فيما لا يغاب عليه من حيوانٍ أو غيره، وهو مصدقٌ في تلفه، ولا يضمن شيئاً مما أصابه عنده إلا أن يكون بتعديه. [(3) فصل: في الاختلاف في ضمان العارية] قال بعض البغداديين: وذهب أو حنيفة إلى أن العارية لا تضمن على كل حال، وذهب الشافعي أنها مضمونةٌ على كل حال، ودليلنا على سقوط الضمان في الحيوان والرباع ما روي: ((ليس على المستعير ضمانٌ))؛ ولأنه حيوانٌ أو عقارٌ قبضه لمنفعة نفسه، فلا يضمن تلفه كالعبد المستأجر. ودليلنا على وجوب الضمان فيما يغاب عليه، قوله عليه الصلاة والسلام في سلاح صفوان: ((عاريةٌ مؤداةٌ))؛ ولأنه قبضه لمنفعة نفسه، فلم يكن له حكم

الأمانة المحضة، فإذا لم يعلم تلفه إلا بقوله لزمه الضمان. قال ابن المواز: ومن استعار دابةٌ بسرجها ولجامها، فقال: ضاعت وما عليها، فلا يضمن الدابة ويضمن السرج واللجام. [(4)] فصل [في ضمان العارية من الحيوان، وكيف إن شرطه فيها] قال ابن حبيب: ومن استعار بازياً للصيد، فزعم أنه مات أو سرق أو طار، فلم يرجع في حين اصطياده أو في غير حينه، فهو مصدقٌ مع يمينه، ولا يضمن؛ لأنه حيوانٌ، وقاله أصبغ: وقال مطرف: من استعار دابةً أو اكتراها على أنه ضامنٌ لها، فالشرط ساقطٌ، ولا يضمن إلا أن يكون ربها خاف عليها من أمر يظهر مثل طريق مخوفةٍ من لصوصٍ أو غيرها، فيضمن في مثل هذا الشرط إن هلكت فيما يخاف عليها، وإن هلكت في غير ذلك لم يضمن، وقال أصبغ: لا ضمان عليه بكل حالٍ، وبقول مطرف أقول. [(5)] فصل [في القضاء في العارية] [المسألة الأولى: فيمن استعار دابة يركبها حيث شاء، وكيف إن قال له صاحبها: اركبها حيث أحببت] ومن كتاب العارية قال ابن القاسم: ومن استعار دابة ليركبها حيث شاء وهو بالفسطاط، فركبها إلى الشام أو إلى إفريقية، فإن كان وجه عاريته إلى مثل ذلك، فلا شيء عليه، وإلا ضمن، والذي يسأل رجلاً يسرج له دابته ليركبها في حاجته، فيقول له ربها: اركبها حيث أحببت، فهذا يعلم الناس أنه لم يسرجها له إلى الشام ولا إلى إفريقية.

[المسألة الثانية: في اختلاف المعير والمستعير على الحد الذي أعاره الدابة إليه] قال ابن القاسم: ووجدت في مسائل عبد الرحيم أن مالكاً قال: فيمن استعار دابةً فركبها إلى موضعٍ، فلما رجع زعم أنه أعارها إياه إلى دون ما ركبها إليه أو إلى بلدٍ آخر، فالقول قول المستعير إن ادعى ما يشبه مع يمينه. وكذلك في سماع ابن القاسم نصاً سواءً، قال فيه ابن القاسم: وذلك إذا ركب ورجع، وإن لم يركب بعد؛ فالمعير مصدقٌ مع يمينه؛ وكمن أسكنته داراً أو أخدمته عبداً، فبعد سنةٍ قال هو: المدة سنة، وقلت أنت: ستة أشهر، فهو مصدقٌ عليك مع يمينه، إلا أن يدعي ما لا يشبه، ولو لم يقبض المسكن ولا العبد، فأنت مصدقٌ مع يمينك. م: وهذا من قوله يدل أن القول قوله في رفع الضمان والكراء؛ لأن مستعير الدار لو ثبت عداؤه بمجاوزة المدة التي استعارها إليها، فانهدمت الدار بأمرٍ من الله تعالى في تلك المدة لم يضمنها؛ لأنه إنما تعدى على السكنى، فلا يكون أسوأ حالاً من غاصب السكنى، فكيف بمن لم يثبت عداؤه؟ فإذا ثبت أنه لا يضمنها لم يبق إلا أن يكون القول قوله في السكنى ودفع الكراء. وذكر أبو محمد في المختصر أن سحنوناً قال: القول قول المستعير فيما يشبه، يعني في الضمان لا في الكراء. [64/أ]. وقال أشهب في كتبه: إن القول قول المستعير في رفع الضمان مع يمينه، والقول في الكراء قول رب الدابة مع يمينه، ويكون له فضل ما بين كراء الموضع الذي أقر المعير أنه أعاره إليه، وبين كراء الموضع الذي ركب إليه المستعير.

م: وهذا خلافٌ لقول ابن القاسن: لما قدمنا، فاعرفه، وقول أشهب جيد، وإليه ذهب ابن حبيب. قال ابن حبيب: سمعت من أرضى يقول فيمن استعار من رجلٍ دابةً، فمضى لها عنده يومان، ونفقت في اليوم الثاني، فقال المعير: إنما أعرتك يوماً، وقال المستعير: بل يومين، أن كل واحدٍ منهما مدعٍ على صاحبه، فالمعير يدعي تضمين المستعير، والمستعير يدعي يقوط الكراء عنه، فأرى أن يحلفا جميعاً، ويلزم المستعير كراء اليوم الثاني، ولا يلزمه الضمان إذا حلف. [المسألة الثالثة: في شهادة من أرسله المستعير ليستعير له إذا اختلف هو والمعير في المكان الذي استعاره إليه] قال أشهب في كتبه: ومن بعث رسولاً إلى رجلٍ يعيره دابةً إلى برقة، فأعاره، فركبها المستعير إلى إفريقية فعطبت، فقال المعير: إنما أعرتك إلى فلسطين، وقال الرسول: بل إلى برقة، فشهادة الرسول ها هنا لا تجوز للمستعير ولا عليه؛ لأنه إنما يشهد على فعل نفسه، ويحلف المستعير أنه ما استعارها إلا إلى برقة، ويسقط عنه الضمان، ويحلف رب الدابة أنه ما أعاره إلا إلى فلسطين، ويكون له على المستعير فضل ما بين كراء برقه على كراء فلسطين. قال ابن القاسم في آخر كتاب العارية: ومن بعث رسولاً إلى رجلٍ يعيره دابةً إلى برقه، فقال له: يسألك فلانُ أن تعيره إياها إلى فلسطين، فأعاره فركبها المستعير إلى برقة ولا يدري، فعطبت، فإن أقر الرسول بالكذب ضمنها، وإن قال بذلك أمرتني وأكذبه المستعير، فلا يكون الرسول شاهداً؛ لأنه خصمٌ. قال أشهب في كتبه: إن قامت للمعير بينةٌ أن الرسول قال له: إلى

فلسطين، كان له فضل كرائها على ما فسرنا لا يمين عليه؛ لأن البينة قد قامت له بذلك، ولا ضمان على المستعير؛ لأنه يقول: إلى برقة استعرتها - يريد: فيحلف ويبرأ - وإن قال الرسوب ما أمرني المستعير - قال: فإن قال الرسول: إنما أمرتني إلى برقة، فقلت أنا لرب الدابة غير ذلك، ضمن الرسول الدابة إن كانت مسافة برقة أشد من مسافة فلسطين في البعد والتعب، ولو كانت مثلها في البعد والتعب والحزونة، لم يضمن الرسول ولا المستعير؛ لأن المستعير لو استعارها إلى موضع، فركب إلى موضعٍ غيره مثله في البعد والتعب والحزونة فهلكت تحته، لم يضمن. م: وفي كتاب أبي محمد: وإن قال الرسول: بذلك أمرتني، وأكذبه المستعير، فلا يكون الرسول شاهداً؛ لأنه خصمٌ والمستعير ضامنٌ، إلا أن يأتي ببينة أنه أمره إلى برقة. م: وليس في رواية سليمان بن سالم ولا يزيد بن أيوب ضمان المستعير.

قال اللبيدي: وهو مطروحٌ في رواية جبلة. وأسقطها البرادعي في كتابه؛ لأن روايته رواية جبلة، ولم يفرق أشهب في فقهه بين هذه المسألة، وبين المسألة الأولى، وكذلك ينبغي ألا يفرق ابن القاسم بينهما. وقد ذكر بعض أصحابنا عن بعض شيوخه أنه قال: الفرق بينهما أن المستعير في مسألة الرسول لا يدعي كذب رب الدابة؛ إذ لا علم له [64/ب] بما عقد الرسول؛ لأنه لم يخاطبه شفاها، فلذلك ضمن، وفي مسألة عبد الرحيم: هما متداعيان، فلم يصدق رب الدابة في تضمين المستعير، وكان عليه البيان. م: وهذا لو عكس لكان أولى؛ لأن في مسألة عبد الرحيم المعير يدعي تكذيب المستعير حقيقةً، فجعلت فيها القول قول المستعير فيما يشبه، وفي هذه المسألة المعير لا يدعي تكذيب المستعير، فهو أحرى أن يكون القول قول المستعير فيما يشبه، وأن لا يضمنه بالشك، ألا ترى أنهم قالوا في المودع إذا قال: رددت الوديعة إلى ربها وأكذبه ربها، أن القول قول المودع مع يمينه وإن لم يكن متهماً؟ لأن ربها يدعي تكذيبه، فلا بد من يمينه؛ فإن نكل حلف ربها واستحق، ولو قال المودع ضاعت لصدق الغير متهم بغير يمين؛ لأن ربها لا يدعي تكذيبه، فبان أن من ادعى تكذيبه أشد، وأيضاً فإن من أصلنا إذا استوت دعوى المتداعيين أن القول قول من ادعى عليه الضمان؛ ففي المسألة الأولى استوت دعواهما؛ لأن كل واحدٍ منهما يدعي تكذيب صاحبه فجعلت القول قول من ادعى عليه الصمان وهو

المستعير، وفي هذه المسألة كل واحدٍ لا يدعي تكذيب صاحبه، فقد استوت دعواهما، فاجعل القول قوله، وهذا بينٌ، وبالله التوفيق. [المسألة الرابعة: فيمن استعار دابة لركوب أو حمل، ثم ردها مع عبده أو أجبره فعطبت] قال ابن حبيب: ومن استعار دابةً لركوبٍ أو حمل، ثم ردها مع عبدِه أو أجيره أو جاره، فعطبت أو ضلت، فلا يضمن؛ لأن شأن الناس على هذا، وإن لم يعلم ضياعها إلا بقول الرسول وهو مأمونٌ أو غير مأمونٍ، فذلك سواءٌ، ولا يضمن. [المسألة الخامسة: في اختلاف المستعير والمعير على أصل العقد] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن ركب دابة رجلٍ إلى بلدٍ وادعى أنه أعاره إياها، وقال ربها: بل اكتريتها منك، فالقول قول ربها. م: لأنه ادعى عليه معروفاً. قال ابن القاسم: إلا أن يكون مثله ليس يكري الدواب لشرفه وقدره. وقاله أشهب. [المسألة السادسة: فيمن استعار دابة ليحمل عليها فاختلف هو والمعير فيما حمل عليها] قال في أول الكتاب: لو استعار دابةً ليحمل عليها، فاختلفا فيما حمل عليها، صدق المستعير فيما يشبه - يريد: مع يمينه - قال: ولو استعار مهراً فحمل عليه بزاً لم يصدق أنه استعاره لذلك، وإن كان بعيراً صدق.

[(6)] فصل [في التعدي على الدابة المستعارة بزيادة الحمل] [المسألة الأولى: فين استعار دابة ليحمل عليها حنطة حمل عليها حجارة] ومن استعار دابةً ليحمل عليها حنطةً فحمل عليها حجارةً، فكل ما حمل عليها مما هو أضر مما استعارها له فعطبت به، فهو ضامنٌ، فإن كان مثله في الضرر لم يضمن؛ كحمله عدساً في مكان حنطة، أو كتاناً أو قطناً في مكان بزٍ، وكذلك من اكتراها لحمل أو ركوب فأكراها من غيره في مثل ما اكتراها له فعطبت، لم يضمن، وإن اكتراها لحمل حنطةٍ فركبها فعطبت، فإن كان ذلك أضر وأثقل ضمن، وإلا لم يضمن. م: وإذا استعارها لحمل شيءٍ فحمل غيره أضر، فإن كان الذي زاد مما تعطب في مثله فعطبت، خير رب الدابة في أن يضمنه قيمتها يوم تعديه، ولا شيء له غير ذلك، وإن أحب أن يأخذ كراء فضل الضرر أخذه، ولا شيء له غير ذلك؛ ومعرفته: أن يقال كم يسوى كراؤها فيما استعارها له؟ فإن قيل: عشرةٌ، قيل: وكم يسوى كراؤها فيما حمل عليها، فإن قيلك خمسة عشر، دفع إليه الخمسة الزائدة على كراء ما استعارها له، وإن كان ما حمله عليها لا تعطب في مثله، فليس له إلا كراء الزيادة؛ لأن عطبها أمرٌ من الله عز وجل ليس لأجل الزيادة. [المسألة الثانية: فيمن استعار دابة فركب وأردف فعطبت الدابة] ومن المدونة وإن استعارها ليركب إلى موضعٍ فركب وأردف رديفاً تعطب في مثله فعطبت، فربها مخيرٌ في أخذ كراء الرديف فقط أو تضمينه قيمة الدابة يوم أردفه. قال أشهب في كتبه: ولا يلزم الرديف شيءٌ وإن كان المستعير عديماً، وقد أخطأ [65/أ] من ألزمه كراء الرديف في عدم المستعير، ولو كان الرديف عبداً له أو لغيره لم يكن شيءٌ من ذلك في رقبته ولا في ذمته؛ لأنه ركبها بوجه شبهة.

م: وقال بعض شيوخنا هذا خلافٌ لابن القاسم، بل عليه الكراء في عدم المستعير؛ كمن غصب سلعةً فوهبها فهلكت - أن الموهوب يضمن في عدم الغاصب. م: وهذا إذا لم يعلم الرديف أنها مستعارةٌ، وأما إن علم، فهو كالمستعير، لربها أن يضمن من شاء منهما. وفي كتاب الأكرية: ذكر المكتري يزيد في الحمل ما تعطب الدابة في مثله في الحمل أم لا. [(7)] فصل [في التعدي على الدابة المستعارة بزيادة مسافة] [المسألة الأولى: فيمن استعار دابة إلى مسافة، فجاوزها فتلفت] وإن استعارها إلى مسافةٍ، فتجاوزها فتلفت، فربها مخيرٌ في أن يضمنه قيمتها يوم تعدى أو كراء التعدي فقط. [(1) فرع: في استشكال أبي إسحاق التونسي عدم تقييد الإمام في هذه المسألة كما قيدها في التعدي في الزيادة على الحمل] م: وقال بعض فقهاء القرويين: لم يراع إذا جاوز المسافة، هل جاوزها بما تعطب في مثله أم لا تعطب في مثله؟ كما قال في زيادته على الحمل، وضمنه قيمة الدابة وإن كانت لا تعطب في مثله، وأمرهما سواءٌ، فإن قيل: إن من زاد في الحمل مأذونٌ له في سيرها، والذي جاوز المسافة غير مأذونٍ له في ذلك الزائد. قيل: وهذا إنما أذن له في سيرها على صفةٍ، فإذا سيرها على خلافه ضمن وإن كان لا تعطب في مثله؛ لأنه غير مأذونٍ له فيه. [فائدة: في بيان الفرق بين المسألتين] م: والفرق بينهما: أن الذي زاد في المسافة تعدى على جملة الدابة فأشبه

الغاصب لها، والذي زاد في الحمل ما لا تعطب في مثله علمنا أن عطبها ليس لأجل الزيادة، فكأنه لم يزد عليها شيئاً، وقد هلكت في موضعٍ أذن له في سيرها فيه فافترقا. فإن قيل: إن الزائد في المسافة كالذي أمره أن يضرب عبده عشرة أسواط فضربه أحد عشر؛ فقد قال: إن خاف أن الحادي عشر أعان على قتله، ضمن. قيل: الضارب كالزايد في الحمل، وكأنه قيل له: احمل عليها عشر ويبات فرفع عليها ويبةً ثم ويبةً ثم ويبةً حتى بلغ عشرة، ثم زاد ويبةً، فهو كالزيادة في الحمل. [المسألة الثانية: فيمن استعار دابة إلى مسافة فجاوزها، ثم رجع فعطبت في الطريق الذي أذن له فيها] ومن المدونة: قلت: فمن استعار دابةً إلى مسافة فجاوزها بميلٍ أو نحوه، ثم رجع بها إلى الموضع الذي استعارها إليه، ثم رجع ليردها إلى ربها، فعطبت في الطريق الذي أذن له فيها هل يضمن؟ قال: سمعت مالكاً سئل عن تكارى دابةً إلى ذي الحليفة فتعداها ثم رجع فعطبت بعد أن رجع إلى ذي الحليفة فقال: إن كان تعدى إلى مثل منازل الناس، فلا شيء عليه، وإن جاوز ذلك بمثل الميل والميلين ضمن. وقال ابن الماجشون في الواضحة: لا يضمن في مثل هذا، قال ابن حبيب كقول مالكٍ فيمن تعدى فتسلف من وديعةٍ عنده ثم رد فيها ما تسلف، ثم سرقت بعد ذلك: إنه لا يضمن، فهذا مثله.

م: وقد تقدم هذا في الأكرية موعباً. [المسألة الثالثة: فيمن أمرته ليضرب عبدك عشرة أسواط فمات العبد فيها] قال ابن القاسم: وإن أمرت من يضرب عبدك عشرة أسواطٍ ففعل فمات العبد منها، فلا شيء لك عليه، واستحب له مالك أن يكفر كفارة الخطأ، وإن ضربه أحد عشر سوطاً أو عشرين سوطاً فمات من ذلك فإن زاد زيادةً أعانت على قتله ضمن. وقال سحنون: يضمن ولو زاد سوطاً واحداً. م: وقال بعض أصحابنا: شبهه ابن القاسم بالذي يزيد في الحمل فينظر إلى ما تعطب في مثله أم لا، وشبهه سحنون بمثل الزيادة على المسافة. م: العدد المأمور به كالمسافة المحدودة، والزائد على العدد كالزائد على المسافة، وهذا أقيس، وكأن ابن القاسم رأى هذا كزيادة في الحمل فعطبت؛ كمن أذن له أن يحمل عليها عشرة أرطالٍ ثم زاد رطلاً ثانياً وثالثاً حتى بلغ أحد عشر قبل أن يبرح بها، ثم سار فعطبت، فهو كالدابة في الحمل.

[الباب الثاني] فيمن أعار عرصة للبناء أو الغرس أو الزرع، ثم أراد إخراجه، وكيف إن شرط أن يترك [65/ب] له البناء والغرس إذا خرج، وما يجوز من المغارسة

[الباب الثاني] فيمن أعار عرصة للبناء أو الغرس أو الزرع، ثم أراد إخراجه، وكيف إن شرط أن يترك [65/ب] له البناء والغرس إذا خرج، وما يجوز من المغارسة [(1) فصل: فيمن أعار أرضاً للبناء أو للغرس، ثم أراد إخراج المستعير] [المسألة الأولى: فيمن أذنت له بالبناء أو الغرس ثم أردت إخراجه بقرب إذنك] قال مالك: ومن أذنت له أن يبني في أرضك أو يغرس، فلما فعل أردت إخراجه، فأما بقرب إذنك له مما لا يشبه أن تعيره إلى مثل تلك المدة القريبة، فليس لك إخراجه إلا أن تعطيه ما أنفق، وقال في بابٍ بعد هذا: قيمة ما أنفق. وإلا تركته إلى مثل ما يرى الناس أنك أعرته إلى مثله من الأمد. [(1) فرعك في تأويل قوليّ الإمام مالك: "تعطيه ما أنفق"، "قيمة ما أنفق"] م: قال بعض أصحابنا: تؤول في هذين القولين ثلاث تأويلات: أحدهما: أن يكون له قيمة ما أنفق: إذا أخرج من عنده شيئاً من آجر وأجيرٍ ونحوه، وقوله: ما أنفق: إذا أخرج ثمناً فاشترى به هذه الأشياء. ويحتمل أن يكون قيمة ما أنفق: إذا طال الأمد؛ لأنه يتغير بانتفاعه، وما أنفق: إذا كان بالقرب جداً - يريد هذا أنه إذا شرط فيما أنفق اليوم واليومين - فعلى هذين التأويلين لا يكون اختلافاً من قوله. والوجه الثالث: أنه إنما يعطي ما أنفق: إذا لم يكن فيه تغابن أو يكون فيه تغابنٌ يسيرٌ، ومرة رأى أن القيمة أعدل؛ إذ قد يسامح مرةً فيما يشتريه ومرة يغبن فيه، فإذا أعطى قيمة ذلك يوم بنائه لم يظلمه، فيكون على هذا اختلافاً من قوله.

م: وهذا التأويل، والتأويل الأول محتملان، وأما التأويل الآخر فخطأٌ؛ لأنه إنما يعطيه قيمة ما أنفق يوم البناء، فلا يراعي تغير أو لم يتغير، ولو عكس هذا لكان أولى؛ لأن ما تقادم وتغير القيمة فيه يوم البناء متعذرةٌ لتغيره، ولا يتحقق كيف كان حاله يوم البناء، فيجب أن يعطيه ما أنفق لهذا. وما كان بالقرب لم يتغير، فالقيمة فيه متخلصة، فإذا أعطيها لم يظلم؛ لأنها متوسطةٌ بين ما غبن أو غبن، كيف وهو إذا طال الأمد بما ينقص فيه، فهو يخرجه ويعطيه قيمته مقلوعاً؛ لأنه مثل ما يعار إلى مثله. قال أبو محمد: وروى الدمياطي عن ابن القاسم أنه قال: وإن لم يضرب له أجلاً فنسي، فليس له إخراجه حتى يبلغ ما يعار إلى مثله من الأمد. م: صوابٌ؛ لأن العرف كالشرط. وذكر أشهب في كتبه: أن المستعير إذا فرغ من بنائه وغرسه، أن لرب الأرض أن يخرجه فيما قرب أو بعد؛ لأنه أعاره إلى غير أجلٍ، وهو فرط إذ لم يضرب أجلاً، ويعطيه رب الأرض قيمة ذلك مقلوعاً ويأخذه أو يأمره بقلعه. وروى عنه الدمياطي أن له إخراجه متى شاء إذا كان لحاجته إلى عرصته أو إلى بيعها، سواءٌ تقدم بينهما شرطٌ أم لا، وإن كان لغير حاجةٍ ولكن لشر وقع بينهما، فليس ذلك له. وقال أصبغ: إذا لم يسكن، فليس له إخراجه أصلاً وإن أعطاه قيمته قائماً

إلا برضاه، وبه أخذ يحيى بن عمر، وقال سحنون: ومن أصحابنا من يقول: يعطيه قيمته قائماً، وهو المغيرة وابن كنانة. [المسألة الثانية: فيمن أعرته أرضاً للبناء أو للغرس، ثم أردت إخراجه بعد مدة يشبه أنك أعرته إليها] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا أردت إخراجه بعد أمدٍ يشبه أنك أعرته إلى مثله، فلك أن تعطيه قيمة البناء والغرس مقلوعاً - قال محمد بن المواز: بعد طرح أجر القلع - وإلا أمرته بقلعه إلا أن يكون مما لا قيمة له، ولا نفع فيه إذا قلع، مثل: الجص ونحوه، فلا شيء للباني فيه، وكذلك لو ضربت لعاريته أجلاً فبلغه، فليس لك ها هنا إخراجه قبل الأجل، وإن أعطيته قيمة ذلك قائماً، وكذلك لو لم يبن ولم يغرس حتى أردت إخراجه، فليس ذلك لك قبل الأجل، ولو لم تضرب أجلاً كان ذلك لك، وقاله أشهب. قال أشهب في كتبه: وكذلك من قال لرجلٍ قد أعرتك دابتي، فإن قال إلى موضع كذا أو كذا، وكذا يوماً أو حياتك، فليس له أن يرجع في شيء من ذلك إلا إلى الأجل الذي سمى [66/أ]، وإن لم يزد على أن قال: قد أعرتك، فله أن يرجع متى شاء. [المسألة الثالثة: فيمن أعرته أرضك ليبني أو يغرس، ولم تسم له ما يبني أو يغرس] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا سميت له أجلاً ولم تسم ما يبني ويغرس، فليس لك منعه مما يبني ويغرس إلا مما يعلم أنه يضر فيه بأرضك، وإن أراد الباني أن يخرج قبل الأجل، فله قلع بنيانه وغرسه، إلا أن تشاء أنت أخذه بقيمته مقلوعاً إن كان فيه إذا قلع منفعةٌ، وإن لم تكن فيه منفعةٌ، فلا شيء له عليك.

وقال ابن حبيب في كتاب الصدقات: قال مطرف وابن الماجشون: قال مالك: وكل من بنى في أرض قومٍ أو غرس بإذنهم أو علمهم فلم يمنعوه ولا أنكروا عليه، فله قيمة ذلك قائماً كالباني يشبهة، وكذلك من تكارى أرضاً، أو منحها إلى أجلٍ أو إلى غير أجلٍ أو بنى في أرض زوجته أو أرضٍ بينه وبين شركائه بإذنهم أو بعلمهم فلم ينهوه، فإن له قيمة عمله قائماً، وأما كل من بنى في أرض غيره من زوجةٍ أو شريكٍ أو غيره بغير إذن ربها أو علمه، فله قيمة عمله منقوضاً، قال: قلت لهما: روى لنا عن مالك: أن له قيمة عمله منقوضاً بنى بإذن رب الأرض أو بغير إذنه، قالا: ما علمنا أن مالكاً اختلف قوله في هذا، ولا أحداً من أصحابه: ابن أبي حازم والمغيرة وابن دينار وغيرهم، وبه قضى قضاة المدينة قديماً وحديثاً، وقد وهم ناقل هذا عن مالك، قال ابن حبيب: وهو قول ابن كنانة وابن نافع وجميع المدنيين، وقال ابن القاسم بالقول الآخر، ورواه عن مالك، وقال أصبغ، وبقول المدنيين أقول، وروي مثله عن ابن مسعود، وشريحٍ، ورواه ابن وهب عن النبي - صلى الله عليه وسلم. [المسألة الرابعة: فيمن أذن لرجل أن يبني في أرضه واشترط المستعير بعد تمام الأجل أن يقلع البنيان] قال مطرف وابن الماجشون: فيمن أذن لرجلٍ أن يبني في عرصته على أن يسكن إلى أجلٍ يؤقته، على أنه إذا خرج قلع بنيانه وذهب به وترك عرصته، قالا: فالشرط باطلٌ؛ لأنه من الضرر، وله قيمته قائماً إذا تم الأجل.

م: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون عند شروطهم))، وليس هذا من الضرر؛ ولأنه دخل عليه. ابن حبيب قالا: ولو شرط في أصل العقد أن له إذا تم الأجل قيمته قائماً، فإن الشرط يفسده، كأنه أكراه الأرض تلك المدة بما يغادر فيها من البناء بقيمته يوم يتركه؛ وهذا من الغرر والسلف يجر منفعةٌ، فإذا بنى على هذا، فله الأقل من قيمة بنيانه قائماً يوم فرغ منه أو ما أنفق فيه، ثم يكون لرب العرصة قيمة كرائها مبنية من يوم سكن. م: إذا كان الحكم يوجب له عنده قيمته قائماً، فيجب ألا يفسده الشرط؛ لأنه شرطٌ لم يؤثر أثراً، فهو كما لو لم يشترطه، ولو كان هذا الشرط يفسده لما كان يجوز أن يعيره أرضه على أن يبني فيها بناءً؛ لأنهما عالمان أن الحكم يوجب له قيمته قائماً، فكأنهما عليه دخلا، وإن لم يلفظا به فقد أضمراه، فيجب أن تدخله العلة التي علل بها في الشرط فيفسد أيضاً كما فسد بالشرط، وهما يجيزانه إن لم يشترط، فهذا تناقضٌ، والله أعلم. قال ابن حبيب: وقال أصبغ مثل قولهما إذا شرط له قيمة بنيانه قائماً، وأجازه إن شرط له قيمته منقوضاً؛ لأن ذلك الذي يجب له في الحكم. م: هذا فقهٌ جيدٌ. [المسألة الخامسة: فيمن أذن لجاره في غرز خشبة في جداره] ومن العتبية قال أشهب عن مالك: ومن أذن لجاره في غرز خشبةٍ في جداره ففعل، ثم أراد نزعها، فليس له ذلك، وهذا من الضرر الذي نهى عنه النبي إلا أن يكون احتاج إلى جداره بما لم يرد به الضرر، وأما إذا أراد البيع

فطلب نزعها ليزيده المشتري في الثمن فليس له ذلك، أرأيت [66/ب] إن كان المبتاع عدواً له؟ قيل: فإن ذلك على الصحة، قال: ليس له ذلك. م: وقيل: ليس له ذلك على كل حال، وفي كتاب نفي الضرر إيعاب هذا. [المسألة السادسة: فيمن أعار رجلاً أرضاً للزرع فزرعها فأراد إخراجه قبل تمام الزرع] ومن كتاب العارية: قال ابن القاسم: وإن أعرته أرضك للزرع فزرعها، فليس لك إخراجه حتى يتم الزرع؛ إذ ليس مما يباع حتى يطيب فتكون فيه الآن القيمة، وليس لك أخذه بكراء من يوم رمت إخراجه، ولا فيما مضى إلا أن تكون إنما أعرته للثواب، فهذا بمنزلة الكراء. م: قال بعض أصحابنا عن غير واحد من شيوخنا: إذا أعاره أرضاً ليزرعها، فليس له إخراجه قبل أن يزرع؛ لأن أمد الزراعة معلومٌ، فهو كضرب الأجل. [(2) فصل: في اشتراط معير الأرض للبناء أن يكون البناء له بعد تمام المدة] قال ابن القاسم: وإن أعرته أرضك ليبني فيها ويسكن عشر سنين، ثم يخرج

ويدع البناء لك، فإن بين صفة البناء ومبلغه وضرب لذلك أجلاً، فهو جائزٌ، وهي إجازةٌ، وإن لم يصفه لم يجز، وإن وصفه وقال: أسكن ما بدا لي - ولم يضرب أجلا - فمتى خرجت فالبناء لك، لم يجز؛ فإن بنى على هذا وسكن، فله قلع بنيانه - إلا أن تأخذه بقيمته مقلوعاً ولا ينقضه - ولك عليه كراء أرضك على كل حالٍ. قال بعض الفقهاء من القرويين: سكت عن العشر سنين، ولا يجوز ذلك؛ لأن البناء يختلف في مثل هذا الأمد؛ كما لا يجوز بيع دارٍ استثنى البائع سكناها عشر سنين ونحوها؛ إذ لا يدري كيف يصير البناء إلى ذلك الأمد، ولو أمكن أن يكون البناء متقناً لا يتغير إلى مثل ذلك الأمد لجاز، قال: وإذا بين البناء ولم يضرب أجلاً، فله قيمة البناء منقوضاً، وعليه كراء العرصة. [(3)] فصل [في اشتراط معير الأرض للغرس أن يكون الغرس له بعد تمام المدة] وإن أعرته أرضك عشر سنين على أن يغرسها أصولاً على أن يكون لك بعد المدة شجرها لم يجز؛ إذ ليس للشجر حدٌّ معروفٌ، والمغارسة من ناحية الجعل، وإنما يجوز أن تعطيه أرضك يغرسها أصولاً نخلاً أو كرماً أو فرسكاً أو تيناً وشبه ذلك، فإذا بلغت شباب كذا فالشجر والأرض بينكما على النصف أو الثلث أو ما سميتما، وإن أعطيتها له سنتين أو ثلاثاً يغرسها شجر كذا، فإذا خرجت من الأرض فهي لك لم يجز، بخلاف البناء؛ لغرر الغراسة إذ لا يدري ما

تنبت منها؛ كما لو استأجرته يغرس لك كذا وكذا شجرةٌ مضمونةٌ عليه إلى أجلٍ لم يجز، ولو كان بناءً معلوماً يوفيكه إلى أجلٍ معلومٍ جاز. وقد تقدم إيعاب هذا في كتاب الأكرية. [(4)] فصل [فيمن استعار عارية ثم مات] ومن استعار مسكناً عشر سنين ثم مات، فورثته بمثابته - كان قد قضبه أو لم يقضبه - فإن مات المعير قبل القبض بطلت العارية، وإن مات بعد القبض نفذ ذلك كله إلى أجله.

[الباب الثالث: في ما جاء في العمري والرقبي والإخدام]

[الباب الثالث: في ما جاء في العمري والرقبي والإخدام] [(1) فصل: في العمري] روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((المسلمون عند شروطهم))، والحديث الآخر رواه جابر ((من أعمر عمري له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع للذي أعطاها؛ لأنه أعطى عطاءٌ وقعت فيه المواريث)). فإذا أعمر له ولعقبه فهذا سبيله - ما دام أحدٌ من العقب الذين توارثوا تلك المنافع - أن يكون موقوفاً. فأما من أعمر ولم يقل: ولعقبه، لم يجز دخول العقب فيه؛ إذ الحديث إنما جعله للعقب المشترط. وأعمرتك إنما هو مأخوذٌ من العمر، ولا فرق بين أن يسكنه عمره أو يسكنه حياة فلانٍ أو إلى قدوم فلانٍ؛ لأن ذلك كله مجهولٌ، فما وجب في أحد هذه الوجوه وجب في بقيتها. ويدل - إن ذكر العقب -[أن الأصل] يرجع بعد

نفاذ العقب إليه: أن مفهوم قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((من أعمر عمري له ولعقبه)) إنما هو تمليك النفع [67/أ] دون الأصل، وهو الذي جرت فيه المواريث في ذلك النفع، ودل أنه ليس كتوارث الأصل، وأن وارث تلك المنافع العقب دون الزوجة ومن ليس من العقب المعروف، فلما حصل في قوله: فإنها للذي يعطاها، أنه النفع دون الأصل، وانقرض العقب ولم يكونوا ملكوا الأصل لم يبق إلا أن الأصل راجعٌ إلى مالكه، فهذا دليلٌ أن قوله لا ترجع إلى الذي أعطاها أنها المنافع، وهي التي توارثها العقب، وهي التي جعل لها النفع ما دام ذلك العقب قائماً، مع وجود العمل بالمدينة على ما تأولنا من ذلك، وما جرت به عوائد الناس من اشتراطهم في أموالهم لا يتجاوز ما شرطوه إلا بإذنهم. قال ابن القاسم عن مالك: ومن أعمر رجلاً داراً حياته، رجعت بعد موته إلى المعطي، والناس عند شروطهم. قال ابن القاسم: وتكون العمرى في الرقيق والحيوان كله، ولم أسمع ذلك في الثياب، وهي عنده على ما أعارها عليه من الشرط.

[(2)] فصل [في الرقبى] ولم يعرف مالك الرقبى، وفسرت له، فلم يجزها، وهي: أن تكون دارٌ بين رجلين فيحبسانها على أن من مات منهما أولاً فنصيبه حبسٌ على الآخر. [(3) فصل: في الإخدام] قال ابن القاسم: وسألنا مالكاً عن العبد بينهما يحسبانه على أن من مات منهما أولاً فنصيبه يخدم آخرهما موتاً حياته - ثم يكون العبد حراً بعده - مكانه، فلم يجزه، إلا أنه قد ألزمهما العتق إلى موتهما، ومن مات منهما أولاً فنصيبه يخدم ورثته دون ورثة صاحبه، ويبطل ما أوصى به في الخدمة؛ لأنه خطر، فإذا مات أحدهما كان نصيب كل واحدٍ منهما حراً من ثلثه، كمن قال: إذا مت فعبدي يخدم فلاناً حياته، ثم هو حر. م: فألزمهما العتق؛ لأنه كالمعتق إلى أجلٍ؛ لقوله: أنت حر بعد موت فلانٍ. وجعله من الثلث، لقوله: أنت حر بعد موتي، فجمع له الحكمين لقوله بعد موتى وموت فلان. ومن المدونة: ولو قال: عبدي حر بعد موت فلان كان من رأس المال، وكذلك لو كان ذلك في العبد الذي بين الرجلين فمات أحدهما لكان نصيب الحي حراً من رأس ماله في قوله: نصيبي منه بعد موت فلانٍ حر.

[الباب الرابع] في عارية ما لا [يبقى] بعينه، وهلاك العارية فيما استعيرت له، وعارية العبد واستعارته. [واختلاف المستعير والمعير والرسول]

[الباب الرابع] في عارية ما لا [يبقى] بعينه، وهلاك العارية فيما استعيرت له، وعارية العبد واستعارته. [واختلاف المستعير والمعير والرسول] [(1) فصل: في عارية ما لا يبقى بعينه] قال مالك: ومن استعار دنانير أو دراهم أو فلوساً أو طعاماً، فذلك سلفٌ مضمونٌ لا عاريةً، قال مالك: فيمن حبس على رجل مئة دينارٍ فتجر بها أمداً معلوماً، فإنه ضامنٌ لما نقصته، فهي كالسلف وذلك جائزٌ، فإن شاء قبلها على ذلك أو ردها فترجع ميراثاً، وقال مالك: في امرأة حبست دنانير على ابنة ابنتها على أن تنفق منها إذا أرادت الحج أو نفست، فذلك ناقدٌ فيما شرطت، وليس للابنة أن تتعجلها قبل ذلك على أن تضمنها. [(2)] فصل [في هلاك العارية فيما استعيرت له] ومن استعار سيفاً ليقاتل به فضرب به فانكسر، لم يضمن؛ لأنه فعل ما أذن له فيه، وهذا إذا كانت له بينة أو عرف أنه كان معه في اللقاء، وإلا ضمن. قال سحنون: ولعله ضرب به ضرباً أخرق فيه. وقال ابن القاسم في العتبية: إذا استعار ثوباً أو منشاراً أو فأساً أو غيره مما يغاب عليه، فيأتي به مكسوراً وهو يقول: نابه ذلك فيما استعرته له، أنه ضامنٌ ولا يصدق، وقاله ابن وهب، وقاله أشهب في كتابه. قال عيسى: لا يضمن إذا ذكر ما يشبه ويرى أن يصيبه ذلك في ذلك العمل، وذلك لا يخفى.

وذكر ابن حبيب عن مطرف [67/ب] وأصبغ مثل قول عيسر وتفسيره في الفأس، والسيف والحفة وما يغاب عليه: لا يضمن إذا جاء بما يشبه، وابن القاسم يضمنه، وبقول مطرف أقول. م: وهو عندي أبين. [(3) فصل: في عارية العبد بغير إذن سيده، واستعارته بإذنه أو بغير اذنه، واختلاف المستعير والمعير والرسول] [المسألة الأولى: في عارية العبد] قال: وليس للعبد أن يعير شيئاً من متاعه، ولا يدعو إلى طعامه إلا بإذن سيده، وهذا في المأذون مذكورٌ. [المسألة الثانية: في استعاره العبد بإذن سيده] ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: في الأمة أو الحرة تأتي قوماً تستعير منهم حلياً لأهلها وتقول لهم: بعثوني. ويتلف، فإن صدقها أهلها، فهم ضامنون ويبرأ الرسول، وإن جحدوا حلفوا وبرئوا، ويحلف الرسول لقد بعثوه ويبرأ؛ لأن هؤلاء قد صدقوه أنه مرسلٌ، وإن أقر الرسول أنه تعدى وهو حرٌّ ضمن، وإن كان عبداً كان في ذمته إن عتق يوماً ما، ولا يلزم رقبته بإقرارٍ، ولو قال الرسول: أوصلت ذلك إلى من بعثني، لم يكن عليه ولا عليهم إلا اليمين. وقال سحنون عن أشهب: إذا قال العبد: سيدي أرسلني فأوصلت العارية إليه أو تلفت والسيد منكر، فذلك في رقبته كالجناية، ولو كان حراً كان ذلك في ذمته، وسألت عنها ابن القاسم فقال: إن أقر السيد غرم، وإن أنكر فذلك في

رقبة العبد؛ لأنه خدع القوم. قال أبو محمد: أراه إذا ثبت أخذه له ببينة. ومن سماع ابن القاسم قال: قال مالك: في أمةٍ جاءت إلى جارتها بقلادةٍ استعارتها لها فأنكرت وقبلتها لتردها على أهلها، فتلفت، فهي ضامنةٌ لقبولها لها، والقول في صفتها ووزنها قول الضامنة مع يمينها، ثم تغرم قيمة تلك الصفة. [(4)] فصل [في اختلاف المستعير والمعير والرسول] وقد تقدم إيعاب القول في اختلاف المستعير والمعير والرسول أول الكتاب فأغنى عن تكرير جميعه، وزاد بعض فقهاء القرويين زياداتٍ أنا أذكرها: قال: إذا قال المعير: أعرتك الدابة إلى طرابلس، وقال المستعير: إلى مصر، فإن لم يركب أو ركب إلى طرابلس خاصةً، فلا شك أن القول قول المعير، ويحلف لئلا يؤخذ ماله بدعوى من ادعى عليه، وأما إن بلغا إلى مصر، فقال ابن القاسم: القول قول المستعير ويحلف، وقال في مسألة الرسول: القول قول المغير ويحلف. قال: ولا فرق بينهما في التحقيق وإنما هو اختلاف قولٍ، فمرةٌ جعل المستعير - لما ركب حيث ادعى - لما ركب بعد إقرار المعير بالإذن في الركوب [صار المستعير] مدعى عليه التضمين، فالقول قوله، ويحلف؛ كما قال ابن القاسم [في المأمور]: إذا أمرته أن يشتري تمراً فاشترى لك قمحاً، وقال: بذلك أمرتني، أن القول قول المأمور ويحلف؛ لأنه مدعى عليه التضمين بعد إقرار الآمر

أنه أذن له في الشراء، قال: وإذا قلنا: إن القول قول المعير؛ فلأنه لا يؤاخذ بغير ما أقر به، وكان يجب على أصل أشهب أن يكون القول قول المعير، وقد قال أشهب في هذا: إن القول قول المستعير في طرح الضمان عنه، والقول قول المعير في الكراء؛ لأنه [لا] يؤخذ بغير ما أقر به؛ فإن قال الرسول: ما أمرتني أن أستعير إلا إلى طرابلس، وقال المستعير: ما أمرتك إلا إلى مصر، قال: لا يكون الرسول شاهداً، فذلك صوابٌ؛ لأنه يكذب من أمره، فلا يكون شاهداً عليه، وكذلك لا يمكن أن يكون شاهداً على المعير؛ لأنه خصمه.

[الباب الخامس: فيمن اكترى دابة فعطبت تحته، وفي الشهادة لمن اعترف دابة لمستحقها]

[الباب الخامس: فيمن اكترى دابة فعطبت تحته، وفي الشهادة لمن اعترف دابة لمستحقها] [(1) فصل: فيمن اكترى دابة فعطبت تحته ثم استحقت] ومن اكترى دابةً، فعطبت تحته [68/أ] ثم استحقت، فليس لربها أن يضمنه قيمتها بخلاف من ابتاع طعاماً فأكله، إنما يضمن ما هلك بانتفاعه. وهذا وما أشبهه في الغصب مذكورٌ. [(2) فصل: في الشهادة لمن اعترف دابة أنها له] قال ابن القاسم: ومن اعترف دابةً أنها له وأقام البينة سألهم القاضي عن علمهم، فإن شهدوا له أنهم لا يعلمون أنه باع ولا وهب، قضى بشهادتهم بعد يمينه على البت أنه ما باع ولا وهب ولا خرجت من ملكه بوجهٍ من الوجوه، فإن شهدوا أن الدابة له ولم يقولوا لا نعلم أنه باع ولا وهب ولا تصدق حلف على البت أنه ما باع ولا وهب كما ذكرنا ويقضى له. قال أشهب في كتابه: هذا إن لم يقدر على كشف البينة، وأما إن وقفوا فأبوا أن يقولوا إنهم لا يعلمون أنه ما باع ولا وهب، فلا شهادة لهم. ومن كتاب العارية قال مالك: وإن شهدوا على البت أنه ما باع ولا وهب، كانت شهادتهم زوراً، يعني كذباً. لا يسلك بها مسلك شهادة الزور في العقوبة ورد الشهادة أبداً، إنما تسقط في هذا فقط. تم كتاب العارية بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

[كتاب العدة]

[كتاب العدة] [الباب الأول] ما يلزم من الوعد وما لا يلزم من كتاب العدة [وفيمن قال للمشتري بع ولا نقصان عليك] [(1) فصل: ما يلزم من الوعد وما لا يلزم] من العتبية قال ابن القاسم عن مالك: فيمن سأل رجلاً أن يهب له ديناراً فقال له: نعم أنا أفعل، ثم بدا له، فما أرى ذلك يلزمه، ولو كان في قضاء دين، فسأله فقال: نعم، ورجالٌ يشهدون عليه، فما أحرى أن يلزمه، والشهادة في ذلك أبين، وما أحقق إيجابه، قال ابن القاسم: وإذا قعد الغرماء منه على وعدٍ وأشهد بذلك بأن يقول: أشهدكم أني قد فعلت، فذلك يلزمه. قال أشهب وابن نافع عن مالك: فيمن حلف لغريمه ليوفينه حقه إلى أجل كذا، فلما خشي الحنث ذكر ذلك لرجل، فقال له الرجل: لا تخف أن العشية أقضيكها فأتاه بأبى أن يعطيه شيئاً، أترى ذلك يلزمه؟ فقال: لا والله ما يلزمه، قال له: أنا أسلفك فلم يسلفه، أنا أعيرك فلم يعره، أنا أهبك فلم يهبه، ما أرى له عليه شيئاً، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فما أدري كيف هو؟ وما هذا من مكارم الأخلاق. قيل لسحنون: ما الذي يلزم من العدة؟ قال: أن يقول الرجل للرجل اهدم دارك وأنا أسلفك، أو اخرج للحج، أو اشتر سلعة كذا، أو تزوج امرأةً وأنا أسلفك، فكل ما أدخله فيه بموعده فيلزمه،

وأما أن يقول له: أنا أسلفك، أنا أعطيك بغير شيءٍ ألزمه نفسه، فلا يلزمه. وقال أصبغ: الذي يقضى به من ذلك: الرجل يقول للرجل: إني أريد أن أنكح فأسلفني مئة دينار أقضيكها إلى أجل كذا، فيقول نعم، فذهب ينكح أو لم ينكح، ثم بدا للرجل أن لا يسلفه فهذا يلزمه أن يسلفه نكح أم لا، إذا كان إنما وعده على سبب النكاح، وكذلك لو قال له أعرني دابتك أركبها غداً إلى موضع كذا لحاجة له وسماها، فأنعم له بذلك، ثم بدا له فإنه يلزمه أن يعيره ويحكم عليه بذلك، وكذلك إن قال له: أسلفني كذا لشراء حاجةٍ أو دابةٍ أو سلعةٍ من السلع، فقال: نعم، ثم بدا له، فإنه يحكم عليه به، اشترى ذلك أن لا، وكذلك لو سأله في مالٍ يقضيه لغرمائه، فأنهم له ثم بدا له، فإنه يلزمه، قلت: فلم يلزمه، وإنما هو وعدٌ وعده ولم يتسبب بسبب عدةٍ في نكاحٍ ولا شراءٍ ولا تجهزٍ [68/ب] لسفرٍ؟ قال: إنما يلزمه ذلك؛ لأن وأي المؤمن واجبٌ، حدثني ابن وهب عن هشام بن سعد يرفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((وأي المؤمن واجبٌ)) وتفسير الرأي: العدة، وقضى بها عمر بن عبد العزيز، قال: والعدة التي لا تلزم أن يقول لك رجلٌ: أسلفني كذا، أعرني دابتك غداً، فقال: نعم، ثم بدا له، فإنه يلزمه إذا كنت أخبرته بجمعك الأزواج، وكذلك لو كان لك على رجلٍ دينٌ فسألك أن تؤخره إلى أجل كذا، فقلت: أنا أؤخرك ثم بدا لك، لم يكن ذلك، وقد لزمك تأخيره على الأجل، وسواء قلت له: أنا أؤخرك أو قد أخرتك - في الحكم عليك - غير أن قولك: أنا أؤخرك. عدةٌ

تلزمك، وقولك: أخرتك. شيئاً وجب عليك كأنه كان في أصل الحق لم تبتدئه الساعة، وهو أوجب واكد، وإن كان لازمين جميعاً. قيل له: فإن قال له: أسلفني كذا، فإني أريد النكاح أو شراء سلعةٍ، ولم يذكر الطالب أجلاً، فقال له: أنا أسلفك ثم بدا له المطلوب؟ يلزمه، سمى له أجلاً أم لا، وليس له أخذه منه من ساعته، حتى ينتفع بذلك المسلف وذلك بقدر ما يرى أن مثله يتسلف مثله، يجتهد في ذلك الإمام فيما يرى من حال الرجلين من قوة المسلف في النظرة، وقوة المستسلف على القضاء في قرب ذلك وبعده، فيعمل على قدر ذلك، وأما أن يقضى عليه بالسلف، ثم يطلبه بالمجلس فهذا لا يكون، وكأنه سلفٌ لم يتم الحكم به ولا القضاء فيه. [(2)] فصل [فيمن قال للمشتري بع ولا نقصان عليك] قال أشهب عن مالك: فيمن قال لبيعه: بع ولا نقصان عليك، ثم رجع عن ذلك، فإن قال له: غرماً بيناً رأيته لازماً له إذا كان ذلك بعد إيجاب البيع الأول، فإن باع ثم ادعى نقصاناً صدق فيما يشبه، وليحلف. قال عنه ابن القاسم: ولو ابتاع منه السلعة على أن لا نقصان عليه شرط ذلك في أصل البيع. قال مالك: ليس هذا بيعاً، فإن باع فله إجازته، وإن أدرك قبل أن يفوت فسخ، وإن كان عبداً فمات كانت مصيبته من البائع، وأما إن أعتقه الذي اشتراه على هذا الشرط فعتقه جائزٌ، وعليه قيمته، وكذلك إن كانت جاريةٌ فأحبلها، فهي أم ولدٍ له ويمضي البيع بالقيمة؛ لأنه أمرٌ قد اختلف فيه، ولقد كان عبد العزيز بن أبي سلمة وغيره يقول: إن

مات العبد فمصيبته من المبتاع، ولكنا نتبع مالكاً في الموت. قال أصبغ: وقال ابن القاسم: إن كانت جاريةً فوطئها المبتاع فحملت أو لم تحمل أو أعتقها أو وهبها أو تصدق بها، فإنها تكون عليه بالثمن الذي اشتراها به؛ لأن ذلك منه رضى بالثمن إذا فعله، وهو القياس؛ لأني إن جعلته أجيراً لم يجز بيعه ولا هبته ولا تكون له أم ولد وحددته في وطئه، وإن جعلته بيعاً فاسداً وألزمته القيمة لم يحمله القياس، وأحب إلى أن يلزمه الثمن في الفوت، وأعده رضى منه بالثمن. قال عيسى: قلت لابن القاسم: فإن قال له بعد عقد البيع: بع ولا نقصان عليك ولم يقله في العقد، قال: ذلك يلزمه إذا باع بنقصان، وقاله مالك. وقال أصبغ: فإن كان عبداً فأبق أو مات وكان الشرط بعد عقد البيع، ففيه اختلافٌ، والذي أقول به أنه موضوعٌ عن المشتري، وأما إذا ذهب الثوب، فلا يقبل قوله إلا ببينة، وإلا فهو منه، ولا يحل للمشتري أن يطأ إذا رضي بهذا الشرط، قال لي ابن القاسم: فإن وطئ لزمته الجارية بجميع [69/أ] الثمن؛ لأنه ترك ما جعل له. قال عيسى: قلت لابن القاسم: فرجل اشترى سلعةٌ من رجل ونقد الثمن أو لم ينقده، ثم جاء بعد ذلك ليستوضعه، فقال له: بع ولا نقصان عليك، فقال: لا بأس بذلك إلا أن يكون لم ينقده، فيقول له: انقدني وبع ولا نقصان عليك، فلا خير فيه؛ لأنه تكون فيه عيوبٌ وخصوماتٌ. قلت: فإن اشترى طعاماً فوجده مسوساً فسخطه، فقال له البائع، بع ولا

نقصان عليك، فحمله في سفينة فغرقت، قال مصيبته من البائع؛ لأن البيع الأول لم يتم، وإنما هو بيعٌ حادثٌ، فضمانه من البائه، ويعطى للمشتري أجرة حمله. وقال أصبغ عن أشهب: فيمن اشترى كرماً فخاف الوضيعة، فقال له البائع: بع وأنا أرضيك، فقال: إن باع برأس المال أو بربحٍ، فلا شيء له، وإن باع بنقصانٍ فعليه أن يرضيه؛ فإن زعم أنه أراد شيئاً سماه، فهو ما أراد، وإن لم يكن أراد شيئاً أرضاه بما شاء وحلف أنه ما أراد أكثر منه يوم قال ذلك له، وسألت عنها ابن وهبٍ فقال: عليه أن يرضيه فيما بينه وبين ثمن السلعة والوضيعة فيها. قال أبو محمد: يريد فيما يشبه الوضيعة في ثمن تلك السلعة. تم كتاب العدة من الكتاب الجامع بحمد الله وعونه

كتاب الاستحقاق

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الاستحقاق [الباب الأول في] القضاء فيما يستحق من يد مكتر أو مشتر أو وارث أو غاصب وقد زرع أو بنى أو سكن. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «الخراج بالضمان»، وقال صلى الله عليه وسلم: «من أحيا أرضًا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق»، والغاصب هو العرق الظالم. قال هشام بن عروة: العرق الظالم أن يغرس في أرض غيره. قال ربيعة: العروق أربعة: عرقان فوق الأرض وهما الغرس والبناء، وعرقان

في جوفها وهما: المياه والمعادن. [(1) فصل: فيمن اكترى أرضًا للبناء أو للغرس وكانت تزرع السنة كلها، فاستحقت قبل تمام الأمد] قال ابن القاسم: فيمن اكترى أرضًا سنين للبناء والغرس والزرع، فبنى فيها أو غرس أو زرع، وكانت تزرع السنة كلها، ثم قام مستحق قبل تمام الأمد، فإن كان الذي أكراها مبتاعًا فالغلة له بالضمان إلى يوم الاستحقاق، وللمستحق أن يجيز كراء بقية المدة أو يفسخ. ولا يجيز الكراء فيما بقي- على مذهب- من لا يجيز جمع السلعتين للرجلين في البيع حتى يعلم ما ينوب ما بقي؛ ليجيز بثمن معلوم. قال: فإن أجاز، فله حصة الكراء من يومئذ، ثم له بعد تمام المدة أن يدفع إلى المكتري قيمة البناء والغرس مقلوعًا. قال ابن المواز: بعد طرح أجر القلع، إذ على ذلك دخل المكتري. قال ابن القاسم: وإن شاء أمر صاحبه بقلعه،

وإن فسخ الكراء قبل تمام المدة، لم يكن له قلع ذلك ولا أخذه بقيمته مقلوعًا، ولكن يقال له: ادفع قيمة البناء والغرس قائمًا- يريد، على أن يقلع إلى وقته فإن أبى قيل للمكتري: أعطه قيمة أرضه، فإن أبى كانا شريكين، وكان عليه- في الزرع إذا فسخ الكراء- الصبر إلى انقضاء البطن التي أدركها، وله فيها الكراء من يومئذ على حساب السنة. [فائدة: في كيفية تقويم البناء المقام على الأرض المستحقة] م: انظر كيف صفة تقويم البناء على أن يقلع إلى عشر سنين؟ فإن قلت: بكم يمكن أن يبنى مثله على أن يقلع إلى عشر سنين؟ فالقيمة لا تختلف، سواء قال: إلى سنة أو إلى عشر سنين أو عشرين سنة، ولذلك قال ابن القاسم: فدفع إليه قيمة البناء قائمًا، ولم يحده بوقت، وإنما يصح ذلك على تأويل ابن حبيب الذي يقول: معنى قوله قائمًا: هو ما زاد البناء في قيمة الأرض، فيقال- ها هنا على هذا القول-: كم قيمة الأرض براحًا؟ فإن قيل: مئة. قيل: وكم قيمتها بهذا البناء على أن يقلع إلى عشر سنين؟ فيقال: مئة وخمسون. فيعلم أن قيمة البناء خمسون، وأما على تأويل قول ابن القاسم: فإنما يقال: بكم يبنى مثل هذا البناء؟ فيقال: خمسون أو مئة، فهذه قيمة البناء قائمًا، فإما دفع إليه المستحق قيمة بنائه أو دفع إليه هذا قيمة أرضه، فإن أبيا كانا شريكين بقيمة ما لكل واحد منهما. [فصل (2) فيمن اكترى أرضًا للبناء أو للغرس وكانت الأرض تزرع في السنة مرة، فاستحقت قبل فوات إبان الزرع] قال ابن القاسم، وإن كانت أرضًا تزرع في السنة مرة، فاستحقت وهي مزروعة قبل فوات إبان الزرع، فكراء تلك السنة للمستحق، وليس له قلع الزرع؛

لأن المكتري زرع فيها بوجه شبهة. م: وعند وعبد الملك: إن قدر ما مضى من الكراء يكون للمشتري؛ لأن بقاء الزرع ذلك الأمد قبل مجيء هذا له قدر من الكراء، وقد لا يكون زرعه اليوم لو ابتدأ بالزرع مثل تبكيره في الزرع. م: قال بعض الفقهاء: وإن كانت الأرض تزرع بطونًا فذلك مثل السكنى، له الكراء من يوم الاستحقاق، وذلك أنه قادر على أن يزرع فيها لو لم يكن زرع هذا فيها، فما مضى يكون للمشتري بالشبهة، وما بقي يكون للمستحق، فإن شاء أجاز الكراء وأخذه بالمسمى، وإن شاء أخذه بكراء المثل؛ لأن حق الزارع إنما هو في ألا يقلع زرعه فقط، وليس حقه في أن يكون ما عقد به المشتري لازمًا للمستحق؛ ولأن الزائد على المسمى كهبة وهبها المشتري للزارع، ومذهب ابن القاسم أن يرجع بالهبة على الموهوب المنتفع، وإنما يرجع على الواهب إذا كان غاصبًا. فإن قيل: قد قال ابن القاسم: في الأخ يكري ثم يطرأ له أخ يشاركه، وقد حابى في الكراء: إن الطارئ يرجع على أخيه بالمحاباة. قيل: الأشبه كان ألا يرجع على أخيه بالمحاباة؛ لأنه غير منتفع، وأن الوارث لم يكن ضامنًا والمشتري كان ضامنًا، وقد اختلف في المشتري إذا لم يعلم بشيء مثل أن يجني على العبد خطأ ثم يستحق، فقيل: يضمن- وهذا نحو ما قال ها هنا في الوارث- وقيل: لا ضمان عليه؛ لأنه إنما يضمن ما انتفع به أو يجني عليه عمدًا قاصدًا لإتلافه، فيجب على هذا الاختلاف في هبات المشتري إذا وهب

فانتفع بذلك الموهوب يصير كأن المشتري أخطأ على مال إنسان فوهبه فابتدئ بإغرامه؛ لأنه هو المتعدي بالخطأ، وهو سلط الموهوب عليه، فمتى لم يقدر على إغرامه لعدمه أغرمنا المنتفع، ويصير على هذا التأويل لا فرق بين الغاصب إذا وهب، والمشتري والوارث. [(3) فصل: فيمن غصب أرضًا فزرعها ثم استحقت] ومن المدونة: ولو كان الزارع غاصبًا كان لرب الأرض قلعه إن كان في إبان الزراعة؛ لأن من العرق الظالم وإن فات إبان الزراعة لم يكن له قلعه؛ لأنه ضرر وهو لا ينتفع بأرضه؛ وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((لا ضرر ولا ضرار))، ويكون له على الغاصب كراء المثل. [(4) فصل: فيمن اشترى أرضًا فزرعها ثم استحقت، وكيف إن كانت دارًا فسكنها مشتريها أو أكراها] وإن استحقها بعد إبان الزرعة وقد زرعها مشتريها أو مكتر منه، فلا كراء للمستحق في تلك السنة، وكراؤها للذي أكراها إن لم يكن غاصبًا وكانت في يده بشراء أو ميراث، وكذلك إن سكن الدار مشتريها أو أكراها أمدًا، ثم استحقها رجل بعد الأمد فلا كراء له، وكراؤها للمبتاع، وإذا كان مكتري الأرض لا يعلم: أغاصب هو أم مبتاع؟ فزرعها المكتري منه ثم استحقها رجل في إبان الحرث، فمكريها كالمشتري- يعني: في الغلة- حتى يعلم أنه غاصب.

[(5) فصل: فيمن ورث أرضًا فأكراها ثم طرأ له أخ لم يعلم به، وكيف إن كانت دارًا فسكنها أو أرضًا فزرعها] وإذا كان مكري الأرض وارثًا، ثم طرأ له أخ شركه لم يعلم به أو علم به، فإنه يرجع على أخيه بحصته من الكراء إن لم يحاب، إذ لم يكن ضامنًا، وإنما الغلة بالضمان- فإن حابى في الكراء رجع على أخيه بالمحاباة إن كان مليًا، وإن لم يكن له مال رجع على المكتري، وقال غيره: بل يرجع بالمحاباة على المكتري في ملئه وعدمه كان أخوه مليًا أو معدمًا، إلا أن يعلم الأخ أن معه وارثًا، فيرجع عليه أخوه في عدم المكتري. قال ابن القاسم: وأما إن سكنها هذا الوارث أو زرع فيها لنفسه، ثم طرأ له أخ لم يعلم به، فلا كراء له عليه؛ وقد قال مالك: فيمن ورث دارًا فسكنها ثم قدم له أخ لم يعلم به، فلا شيء له في السكنى، وإن كان قد علم به، غرم له نصف كراء ما سكن. قال ابن القاسم: والكراء في هذا بخلاف السكنى، وله أن يأخذ منه نصف ما أكراها به، علم به أو لم يعلم؛ لأن نصيب القادم في ضمانه، وإنما أجيز لهذا السكنى إذا لم يعلم، على وجه الاستحسان؛ لأنه لم يأخذ لأخيه مالاً، وعسى به أن لو علم لم يسكن نصيب أخيه ولكان في نصيبه ما يكفيه، وقد روى علي ابن زياد عن مالك: أن له عليه نصف كراء ما سكن.

م: قيل: ولعله على قول ابن القاسم إنما زرع قدر نصيبه، وأما لو لم يرث إلا أرضًا فزرعها كلها، لا نبغي أن يكون عليه الكراء في نصيب أخيه، فإن قيل: يجب على هذا أن لو أكرى بعض ما ورث وترك الباقي- وهو لو أكرى نصيبه من الجميع لأكراه بمثل ما أخذ في الكراء- ألا يكون عليه شيء لأخيه. قيل: قد يفرق بين ما أخذ من غلة لانتفاعه بها وأن السكنى الزائد على قدر نصيبه لم ينتفع به. ومن المدونة: ولو كان إنما ورث الأرض عن أخيه فأكراها ممن زرعها ثم قدم ولد الميت فحجبه، فليس له قلع الزرع، وله الكراء، قدم في إبان الحرث أو بعده- ويأخذ بكراء ما تقدم؛ لأنه غير ضامن- ولو عطبت كانت في ضمان القادم، وإنما الذي يدخل مع الورثة فيشاركهم في الكراء أو الغلة من دخل معهم في الميراث بسبب واحد، فأما من استحق دارًا بوراثة أو غير وراثة من يد من ابتاعها أو ورثها، فإنما له الكراء من يوم استحق ولا كراء له فيما مضى إلا أن تكون الدار في يد غاصب.

[الباب الثاني] في القضاء فيمن اكترى أرضا بشيء فاستحق، أو باع طعاما ثم تعدى فباعه من غير الأول، واستحقاق الدار أو بعضها في كراء أو بيع، وتعدي المكتري فيها

[الباب الثاني] في القضاء فيمن اكترى أرضًا بشيء فاستحق، أو باع طعامًا ثم تعدى فباعه من غير الأول، واستحقاق الدار أو بعضها في كراء أو بيع، وتعدي المكتري فيها [(1) فصل: فيمن اكترى أرضًا بشيء فاستحق] قال ابن القاسم: ومن اكترى أرضًا بعبد أو بثوب أو بما يوزن من نحاس أو حديد بعينه يعرفان وزنه ثم استحق ذلك، فإن كان استحق قبل أن يزرع أو يحرث، انفسخ الكراء، وإن كان بعدما زرع أو أحدث فيها عملاً، فعليه قيمة كراء الأرض. م: فلو حرث الأرض ولم يزرع، فقال المستحق: أنا أجيز بيع ثوبي، وأخذ الأرض محروثة، فذلك له بعد أن يؤدي إلى الحارث قيمة حرثه ويصير كأنه استحق الأرض، وقد قالوا: فيمن استحق الأرض بعد أن حرثت أنه يدفع قيمة الحرث ويأخذها، فإن أبى قيل للآخر: أعطه كراء سنة، فإن أبى أسلمها بحرثها، ونحوه في كتاب محمد، ولو غصب عبدًا فباعه بجارية فأولدها أن مستحق العبد إن أراد أن يجيز البيع ويأخذ الجارية أن ذلك له، فأخذ الجارية وقيمة ولدها كالمستحقة؛ لأنها ثمن عبد، وقد وقع لسحنون أن مستحق العبد إذا أجاز البيع وأراد أخذ السلعة إنما يأخذها إن كانت قائمة، وإن فاتت بحوالة سوق لم يأخذها، وفي هذا بعد في القياس؛ لأنه إذا أجاز البيع صار كالمستحق، والمستحق لا يفتيه شيء؛ ولا يشبه ما كان مستحق العين- أو عوضًا من العين المستحقة-

عوض المستحق بين المتبايعين؛ لأن عوضه إنما أخرجه من يده على سبيل المعاوضة، فإذا حال سوقه لم يرجع فيه، والمستحق لم يخرج سلعته من يده، فله أخذها أو أخذ عوضها؛ لأنها بمنزلتها، وهذا بين. [(2) فصل: فيمن ابتاع من رجل طعامًا ففارقه قبل أن يكتاله فتعدى البائع على الطعام فباعه] ومن المدونة: وسألت مالكًا عمن ابتاع من رجل طعامًا ففارقه قبل أن يكتاله فتعدى البائع على الطعام فباعه؟ قال: عليه أن يأتي بطعام مثله، ولا خيار للمبتاع في أخذ دنانيره، ولو هلك الطعام بأمر من الله تعالى انتقض البيع، وليس للبائع أن يأتي بطعام مثله ولا ذلك عليه. [(3) فصل: فيمن اكترى دارًا فاستحقت] ومن اكترى دارًا سنة من غير غاصب، فلم ينقده الكراء حتى استحقت الدار في نصف السنة، فكراء ما مضى للأول، وللمستحق فسخ ما بقي أو الرضا به فيكون له كراء بقية السنة، فإن أجاز الكراء فليس للمكتري أن يفسخ الكراء فرارًا من عهدته؛ إذ لا ضرر عليه؛ لأنه سكن، فإن عطبت الدار أدى بحساب ما سكن. م: ولا يجوز الكراء حتى يعلم ما ينوب ما بقي إن كانت قيمة الشهور في الكراء مختلفة، وإن أجاز قبل أن يعلم صار ما يجيز بثمن لا يعلم ما هو؛ كجمع السلعتين.

ولو انتقد الأول كراء السنة كلها لدفع إلى المستحق حصة باقي المدة عن كان مأمونًا ولم يخف من دين أو أحاط به ونحوه، ولا يرد باقي الكراء على المكتري. قال أبو محمد وغيره: فإن كان المستحق غير مأمون، قيل للمكتري: إن شئت أن تدفع إلى المستحق كراء بقية السنة وتسكن، فإن أبى قيل للمستحق: إن شئت أن تجيز الكراء على أنك لا تأخذ منه إلا كراء ما سكن، كلما سكن شيئًا أخذت بحسابه، وإلا فلك أن تفسخ كراء بقية المدة. م: لعله يريد: في دار يخاف عليها الهدم، وأما إن كانت صحيحة البناء فله أن ينتقد ولا حجة للمكتري من خوف الدين؛ لأنه أحق بالدر من جميع الغرماء. [المسألة الأولى: فيمن اكترى دارًا، فهدمها تعديًا ثم استحقت] قال ابن القاسم: ومن اكترى دارًا فهدمها تعديًا، ثم قام مستحق فله أخذ النقض إن وجده قائمًا، وقيمة الهدم من الهادم، ولو كان المكري قد ترك للمكتري قيمة الهدم قبل الاستحقاق لرجع بها المستحق على الهادم كان مليًا أو معدمًا؛ لأن ذلك لزم ذمته بالتعدي، ولا يرجع على المكري؛ إذ لم يتعد وفعل ما يجوز له؛ وهو كمن ابتاع عبدًا، فسرقه منه رجل فترك له قيمته، ثم قام ربه، فإنما يتبع السارق خاصة.

م: والفرق بين ما تركه المكري من قيمة الهدم للهادم وبين ما حاباه به من الكراء: أنه في المحاباة دفع حقًا كان بيده للمستحق إلى هذا المكتري، فوجب أن يبدأ بالرجوع على متلف شيئه؛ لأن الخطأ والعمد في أموال الناس سواء، وفي تركه القيمة للهادم لم يتلف له شيئًا كان بيده، إنما ظن أنه وجب له شيء قبل هذا المتعدي، فترك أخذه منه، فإذا كان ذلك لك أيها المستحق فخذه أنت منه، فما أتلف لك من يده، بخلاف ما ترك أخذه لك، فهذا مفترق، وبالله التوفيق. قال ابن القاسم: ولو باع النقض هادمه، كان عليه للطالب إن شاء الثمن الذي قبض فيه أو قيمته، ولو هدمها المكري لم يلزمه لربها قيمة، وإنما له النقض بعينه إن وجده، وإن بيع فله ثمنه. م: قيل: وكذلك ينبغي في الثوب إذا قطعه، وفي المدونة ما ظاهره لا يضمن في الثوب إذا قطعه، بخلاف ما في كتاب محمد. وما فرق به محمد: من أن الثوب لا يرجع إلى هيئته، والدار والخلخال يرجع إلى هيئته ليس ببين، وقد يقال: إن المشتري إذا وجب أن يضمن الجناية الخطأ في العبد إذا اشتراه في أحد القولين جاز أن يضمن في القطع والهدم. [المسألة الثانية: فيمن ابتاع دارًا فاستحق منها بيت بعينه] ومن ابتاع دارًا فاستحق منها بيت بعينه، فإن كان أيسر الدار؛ مثل دار عظمى لا يضرها ذلك، لزم البيع في بقيتها، ورجع بحصة ما استحق منها؛ وكذلك النخل الكثيرة يستحق منها النخلات اليسيرة، وأما إن استحق نصف الدار أو جلها أو دون النصف مما يضر بالمشتري- يريد:

وإن كان العشر- فهو مخير في ردها كلها وأخذ الثمن، أو التماسك بما لم يستحق منها بحصته من الثمن؛ إن كان الذي استحق النصف رجع بنصف الثمن، وإن كان الثلث رجع بثلث الثمن؛ إن كان الذي استحق النصف رجع بنصف الثمن، وإن كان الثلث رجع بثلث الثمن؛ يريد: ولو استحق بيت بعينه من الدار يجب به رد الصفقة؛ لكبره أو لضرر فليس له حبس ما بقي بحصته من الثمن؛ لأنه لا يعلم إلا بعد التقويم بخلاف ما استحق على الأجزاء. قال في كتاب القسم: وأرى أنه إن استحق ثلث الدار أنه ضرر يوجب له رد جميعها إن شاء أو التماسك ببقيتها بحصتها من الثمن. [المسألة الثالثة: فيمن اكترى دارًا فاستحق منها بيت بعينه] قال في كتاب الاستحقاق: والذي يكتري دارًا فيستحق منها شيء فهو مثل ما وصفنا في الشراء. وقال غيره: ليس الكراء كالشراء في هذا، وليس للمكتري التماسك بما بقي إن استحق نصف الدار أو جلها؛ لأن حصة ما بقي مجهول. قال أبو محمد: إنما يصح قول سحنون إذا كان قد سكن بعض السكنى، وإن لم يسكن فليس ذلك بمجهول، وإن اختلفت قيمة الشهور. م: لأنه إن استحق الثلث سقط عنه ثلث الكراء، وإن نصف فنصف، من غير نظر إلى التقويم.

[الباب الثالث] في القضاء في غلة ما استحق من يد مشتر أو وارث أو موهوب أو غاصب

[الباب الثالث] في القضاء في غلة ما استحق من يد مشتر أو وارث أو موهوب أو غاصب [(1) فصل: في معنى الخراج بالضمان] قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الخراج بالضمان))، ومعنى ذلك: أن المشتري للشيء- الذي اغتله- لو هلك في يده، كان منه، وذهب الثمن الذي نقده فيه؛ فالغلة له بضمانه، ولا غلة لموهوب وهبه غاصب في عدم الغاصب؛ إذ لم يضمن ثمنًا نقده، ولا ضمنه من وهبه، وإنما تجب الغلة بضمان الشراء لا بضمان الغصب. [(2) فصل: في غلة ما استحق من يد مشتر أو وارث أو موهوب] قال ابن القاسم: ومن ابتاع دارًا أو عبيدًا من غاصب ولم يعلم، فاستغلهم زمانًا، ثم استحقوا، فالغلة للمبتاع بضمانه، وكذلك إذا ورثهم عن أبيه ولم يدر بما كانوا لأبيه، فاستغلهم، ثم استحقوا فالغلة للوارث، ولو وهب ذلك لأبيه رجل فإن علم أن الواهب لأبيه هو غصب هذه الأشياء من المستحق أو من رجل هذا المستحق وارثه، فغلة ما مضى للمستحق، فإن جهل أمر الواهب أغاصب هو أم لا؟ فهو على الشراء حتى يعلم أنه غاصب، ومن غصب دارًا أو عبيدًا فوهبهم لرجل فاغتلهم وأخذ كراءهم، ثم قام مستحق، فإن كان الموهوب له عالمًا بالغصب، فللمستحق الرجوع بالغلة على أيهما شاء، وإن لم يعلم بالغصب، فللمستحق أن يرجع أولاً بالغلة على الغاصب، فإن كان عديمًا رجع بها على الموهوب، وكذلك من غصب ثوبًا أو طعامًا فوهبه لرجل فأكله ولبس الثوب حتى أبلاه أو كانت دابة فباعها وأكل ثمنها ثم استحقت هذه الأشياء بعد فواتها

بيد الموهوب، فعلى ما ذكرنا. ومن المجموعة قال أشهب وسحنون: لربه أن يتبع أيهما شاء اللابس في الثوب يوم لبسه والغاصب يوم غصبه، واحتج بالبيع أن لمستحق الطعام طلب الغاصب به أو طلب المشتري الذي أكله إذا لم يجز البيع، وكذلك في كتاب محمد، وقاله مالك، وذكر عن ابن القاسم مثل ما في المدونة. قال ابن القاسم في المدونة: ولو أن الغاصب نفسه اغتل العبيد، وأخذ كراء الدار لزمه أن يرد الغلة والكراء للمستحق، ولو مات الغاصب وترك هذه الأشياء فاستغلها ولده كانت هذه الأشياء وغلتها للمستحق. قال ابن القاسم: فالموهوب لا يكون في عدم الواهب أحسن حالاً من الوارث؛ أو لا ترى أن من ابتاع قمحًا فأكله أو ثيابًا فلبسها حتى أبلاها أو شاة فذبحها وأكل لحمها، ثم استحق ذلك رجل أن له على المبتاع غرم ذلك كله ولا يوضع ذلك عنه؛ لأنه اشتراه؟ وإن هلك ذلك بيد المبتاع بأمر من الله بغير سببه وانتفاعه، فإن لم يعلم بالغصب وقامت بهلاك ما يغاب عليه من ذلك بينة، فلا شيء عليه، ولا يضمن ما هلك من الحيوان والربع أو انهدم بغير سببه، فكما كان المشتري حين أكل ولبس لم يضع عنه الاشتراء الضمان كان من وهبه الغاصب فاستغل أحرى أن يرد ما استغل في عدم الواهب؛ لأنه أخذ هذه الأشياء بغير ثمن. محمد: وقال أشهب: إن من وهبه الغاصب، له الغلة؛ إذا لم يعلم بالغصب كالمشتري، قال: ولم يختلف ابن القاسم وأشهب أن ما استغل المشتري من

قليل أو كثير أو سكن أو زرع، له ولا شيء عليه من غلة ولا كراء، ولا على الغاصب الذي باع منه، ويرجع المبتاع بجميع الثمن على الغاصب لا يحاسبه بشيء من غلة أو كراء، إلا أن يعلم المشتري بغصبه قبل الشراء، فيكون كالغاصب. محمد: قال ابن القاسم: فيمن ابتاع نخلاً فيها ثمرة لم تؤبر أو لا شيء فيها، فقام المستحق وفيها ثمرة قد طابت، فإنه يأخذها ما لم تيبس أو تجذ، وفي رواية لأبي زيد عنه: أنه يأخذها ما لم تجذ. قال محمد: فإن يبست أو جذت لم يأخذها؛ لأنها صارت غلة للمبتاع، ولو كانت قد أبرت حين الشراء فاشترطها المبتاع كانت الثمرة للمستحق وجدها قد يبست أو جذت أو بيعت أو أكلت، ويرد في فوتها مثلها إن عرفت المكيلة أو القيمة إن لم تعرف، ولو باعها لرد ثمنها، وله فيما ذكرنا قيمة ما سقى وعالج. [فرع: في العبد ينزل ببلد ويدعي الحرية فيستعين به رجل في عمل له أو يهبه مالاً] ومن المدونة: ولو نزل عبد ببلد فادعى الحرية، فاستعانه رجل فعمل له عملاً له بال من بناء أو غيره بغير أجر، أو وهبه مالاً، فلربه إذا استحقه أخذ قيمة عمله ممن استعمله. في كتاب محمد: إن كان قائمًا، فإن تلف فلا شيء عليه. قال بعض الفقهاء: جعل ما عمل كعين قائمة إن وجدت أخذ السيد قيمتها؛

لأن منافعه لسيده، فوهبها؛ فأشبه هبات الغاصب الذي لا يمكن الرجوع عليه لعدمه أو لأنه لا يقدر عليه، فوجب الرجوع على الموهوب؛ إذ لا يمكنه الرجوع على عبده؛ لأن رجوعه عليه كرجوعه على نفسه، وكان الأشبه أن يضمن وجد عمله قائمًا أو قد فات؛ لأن ذلك حق لسيده فيجب أن يضمنه من فوته. قال في المدونة: إلا أن يكون عملاً لا بال له كسقي الدابة ونحوه ويأخذ من الموهوب ما وهب له، وما أكله الموهوب أو باعه فأخذ ثمنه فعليه غرمه، وما هلك من ذلك بيد الموهوب بغير سببه ببينة فلا شيء عليه بخلاف الغاصب؛ لأن الغاصب لو هلكت هذه الأشياء عنده بغير سببه ضمنها، ولو اغتلها رد الغلة، والموهوب لو اغتلها ولم يعلم بالغصب لم يلزمه رد الغلة إلا في عدم الواهب، ولو هلكت عنده بغير سببه ببينة لم يضمن؛ لأنه لم يتعد إلا أن يغتلها وقد علم بالغصب فيصير كالغاصب سواء، ومن ابتاع من غاصب- ولم يعلم- دورًا أو أرضين أو حيوانًا أو ثيابًا أو ماله غلة أو نخلاً فأثمرت عنده، فالغلة والثمرة للمبتاع بضمانه إلى يوم يستحقها ربها، ولو كان الغاصب إنما وهبه ذلك لرجع المستحق بالغلة على الموهوب في عدم الغاصب، ويكون للموهوب من الغلة قيمة عمله وعلاجه.

[الباب الرابع] فيمن ابتاع بشيء فنقد خلافه، واستحقاق الثمن أو المثمون في ذلك

[الباب الرابع] فيمن ابتاع بشيء فنقد خلافه، واستحقاق الثمن أو المثمون في ذلك قال مالك: ومن ابتاع سلعة بدنانير فدفع فيها دراهم ثم ردها بعيب- قال ابن القاسم: أو استحقت- فليرجع بالدراهم التي دفع؛ لأنه لو رجع بالدنانير وقد كان دفع دراهم صار صرفًا مستأخرًا. م: ولأن ثمن السلعة إنما كان دنانير فصرفها البائع من المشتري بدراهم، فإذا استحقت السلعة استحق هو ثمنها من يد نفسه وهي الدنانير، فلما استحق الدنانير وجب أن يرجع في دراهمه لاستحقاقه ثمنها. قال ابن القاسم: فإنما يرجع بما دفع من العين بعضه عن بعض، ولو دفع في الدنانير عرضًا لم يرجع على البائع إلا بالدنانير، ولو استحق هذا العرض من يد البائع رجع على المبتاع بالدنانير؛ لأن أخذه لهذا العرض لم يكن ثمنًا للسلعة التي باع وإنما هو صفقة ثانية، كما لو قبض الدنانير من المبتاع ثم ابتاع منه بها سلعة أخرى فاستحقت من يده، فإنما يرجع عليه بالدنانير. قال ابن حبيب: أما إذا دفع المشتري في الدنانير عرضًا ثم استحقت السلعة التي اشتراها، فليرجع بالدنانير إلا أن يكون العرض الذي دفع لا يساوي الثمن، وإنما تجاوز له البائع فيه، فليرجع على البائع بقيمة العرض يوم أخذه إن فات، وإن استحق من يد البائع العرض المأخوذ في الثمن رجع بالدنانير على المبتاع بكل حال تجاوز له أو لم يتجاوز له، وقاله مالك وأصحابه، ونحوه في العتبية.

م: والفرق بين استحقاق هذه السلعة وبين استحقاق الأولى أنا نجعل كأنه باع الأولى بمئة فدفع في المئة هذه السلعة الثانية، فإن كانت تسوى مئة ثم استحقت رجع بالمئة؛ لأنه ثمنها، وإن كانت تسوى خمسين فكأنه أخذ من المئة ثمن سلعته رجع بثمنها وبما وهبه؛ لأنها هبة للبيع تنتقض بانتقاضه، وأما إن استحقت السلعة الأولى فباستحقاقها بطل ثمنها، فلو لم يدفعه لم يكن عليه شيء، وإن دفعه أو بعضه رجع بما دفع، فإن كانت التي دفع تسوى مئة رجع بها، وإن كانت تسوى خمسين فردها إليه أو قيمتها إن فاتت لم يظلمه؛ ولأنهم لم يؤقتوا لها ثمنًا من ثمن الأولى فوجب ردها إليه أو قيمتها، ولو قال مستحق الأولى: أنا أجيز البيع وآخذ ثمنها من المبتاع كان ذلك له؛ لأنه لم يدفعه، فهو باق للمستحق في ذمته، ولو قال: أنا آخذ السلعة الثانية؛ لأنها عوض ثمن سلعتي لم يكن له ذلك؛ لأنه إنما يصير له إذا أجاز البيع ثمنًا ومن تعدى على ثمن فاشترى به شيئًا لم يكن لربه ما اشترى به وإنما له مثله، ولو باع منه عبدًا بجارية، ثم أخذ منه في الجارية عشرة دنانير ثم استحق العبد لكان لصاحب الجارية أن يرجع بالعشرة التي دفع؛ لأنه يصير قد استحق الجارية التي هي ثمن العبد، فيرجع على بائع العبد بثمن الجارية عشرة، وإن استحقت الجارية رجع بثمنها عشرة، فإذا قبضها صار كأن الجارية استحقت من يد بائع العبد، فيرجع به إن كان قائمًا، أو بقيمته إن فات. ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك: إذا باع السلعة بدنانير فأخذ في الدنانير دراهم، ثم استحقت السلعة فليرجع المبتاع على البائع بالدراهم، ولو شاء المستحق أن يجيز البيع ويأخذ الدنانير من المشتري؛ لأنها لم تقبض منه، فذلك

له ويرجع المشتري على البائع بالدراهم؛ لأنه صرف ينتقض، وبلغني عن سحنون أنه قال: فيمن باع سلعة بمئة دينار ثم أخذ فيها ألف درهم، فاستحقت الدراهم أنه يرجع بالمئة دينار التي باع بها السلعة، فكأنه رآه صرفًا لا يرجع فيه بمثل الدراهم؛ لأن مالكًا قال: إذا استحقت السلعة رجع المشتري بالدراهم على البائع؛ لأنه لو رجع بالدنانير صار صرفًا مستأخرًا، وكذلك قال أشهب: لو صرف دينارًا بدراهم ثم أخذ بالدراهم سلعة فوجد بالسلعة عيبًا فردها أنه يرجع بديناره؛ ولو رجع بالدراهم صار صرفًا مستأخرًا- وقاله مالك في كتاب الصرف- وبلغني عن سحنون فيمن باع عبدًا بثوب، ثم أخذ في الثوب دراهم، ثم استحق العبد أنه يرجع بالدراهم التي دفع. م: لأن العبد لما استحق رجع مشتريه في ثمنه وهو الثوب، فاستحقه من يد نفسه، فلما استحقه رجع على بائعه أخيرًا، وهو رب العبد بما دفع إليه وهو الدراهم.

[الباب الخامس] في الأمة تستحق وقد وطئها المشتري أو ولدت منه أو من زوج أو غاصب، وحكم الولد في ذلك كله، واستحقاق العبد بعد العتق، والدار بعد أن بنيت مسجدا

[الباب الخامس] في الأمة تستحق وقد وطئها المشتري أو ولدت منه أو من زوج أو غاصب، وحكم الولد في ذلك كله، واستحقاق العبد بعد العتق، والدار بعد أن بنيت مسجدًا. [(1) فصل: في ولد المغرور] قال ابن القاسم: والقضاء أن كل وطء بشبهة فالولد فيه لاحق، ولا يلحق في الوطء بغير شبهة، وأن الولد بخلاف الغلة في الاستحقاق. قال أشهب في المجموعة في ولد المغرور بالشراء أو بالنكاح إنما لزم الأب قيمتهم؛ إذ ليسوا بغلة فيكون لهم حكم الغلة، ولا يرقوا فيأخذهم سيد الأمة، وجعلت قيمتهم يوم الحكم؛ لأنهم أحرار في الرحم، ولا قيمة لهم يومئذ، فإذا لم أجعلها يوم الحكم جعلت الأب ضامنًا، ولا يضمن إلا المتعدي، ويدلك على أنه لا يكون يوم ولدوا: ما روي عن عمر من القضاء بأمثالهم فقال: اشتبارهم، كأنه يقول على مقاديرهم بالأشبار، وفي حديث آخر: قيمتهم، ولو كانوا يخرجون بالقيمة من رق كان ولاؤهم للمستحق ولكان لو أنه جدهم أو أخوهم أن يعتقوا عليه بالرحم، وليس كذلك، بل هم أحرار بسبب أبيهم، وللمستحق سبب لا يصل به إلى رقهم- كأم الولد تجني؛ إذ لا سبيل إلى إسلامها- فكان أمثل ذلك القيمة فيهم يوم الحكم، وهذا قول مالك وابن دينار وابن القاسم وغيره من أصحابه إلا المغيرة، فإنه قال: قيمتهم يوم ولدوا.

قال ابن القاسم: فإن كانت حاملاً يوم قيامه انتظر أن تلده فيأخذ قيمته يوم تلده. [(2) فصل: في الأمة يبتاعها الرجل فيطأها ثم تستحق] ومن المدونة قال ابن القاسم: قال مالك: ومن ابتاع أمة فوطئها وهي ثيب أو بكر فافتضها، ثم استحقت بملك أو حرية، فلا شيء عليه للوطء ولا صداق ولا ما نقصها. وقال المغيرة: إن استحقت بحرية فلها صداق المثل. م: وكأن ابن القاسم رأى: أنها لما وطئت على الملك لم يكن لها صداق، وكذلك يقول: لو اغتلها أن الغلة للمشتري، والأشبه ألا غلة له؛ إذ لا ضمان عليه فيها؛ لأنها لو ماتت لرجع بثمنها. [(3) فصل: فيما ولدت الأمة التي وطئها مبتاعها ثم استحقت] قال مالك: وإن أولدها المبتاع، فلمستحقها بالملك أخذها إن شاء مع قيمة ولدها يوم الحكم عبيدًا، وعلى هذا جماعة الناس، وأخذ به ابن القاسم، ومحمد، وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم رجع مالك فقال: يأخذ قيمتها وقيمة ولدها يوم يستحقها؛ لأن في ذلك ضررًا على المبتاع، إذا أخذت منه كان عارًا عليه وعلى وده، وإذا أعطى المستحق قيمتها فقد أعطى حقه، فإن امتنع فهو مضار. قال ابن حبيب: ثم رجع مالك فقال: ليس على المبتاع إلا قيمتها يوم

وطئها، ولا قيمة عليه في ودلها، وبه أخذ ابن الماجشون وغيره، وبه أقول. قال في كتاب محمد: إلا أن يكون عليه في إسلامها ضرر. [فرع: في الاستدلال لأقوال الإمام السابقة وبيان ما استقر عليه رأيه] م: فوجه قوله: إن له أخذها؛ فلأنها باقية على ملكه، واستيلاد الغير إياها لا يزيل ملكه عنها؛ ولأنها ولدت من غير مالك فلم تثبت لها حرمة الإيلاد، أصله إذا ولدت من نكاح؛ ولأن اعتقاد الواطئ استباحة وطئها بالملك كاعتقاده ذلك بالنكاح، وقد ثبت أنها لو غرت من نفسها فتزوجها رجل على أنها حرة فأولدها، فإن ذلك لا يمنع سيدها من أخذها فكذلك في الشراء. ووجه أن ليس له أخذها؛ أنه واطئ بشبهة الملك، وشبهة كل عقد مردود إلى صحته، وللضرر الذي يدخل على المبتاع وعلى ولده في أخذها، وربها، إذا دفع إليه قيمتها لم يضر، فوجب أن لا يأخذها؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا ضرر ولا ضرار)). ووجه قوله أنه ليس له إلا قيمتها يوم الوطء؛ فلأنه وطئ ملك غيره بشبهة ترفع عنه الحد فلزمه غرم قيمتها؛ أصله إذا وطئ أمة ولده، أو أمة له فيها شرك. م: ولو ماتت على هذا القول ضمنها المشتري؛ كوطء الأب أمة ولده، أو الأمة بين الشريكين، وقاله ابن حبيب. وقال أشهب في المجموعة: ثم رجع مالك إلى القول الأول.

قال ابن كنانة: وعليه كان حتى مات. [المسألة الأولى: فيما لو رضي المستحق بأخذ قيمتها وقيمة ولدها] قال ابن القاسم في كتاب القسم: ولو رضي المستحق بأخذ قيمتها وقيمة ولدها لم يكن للذي أولدها أن يأبى ذلك عليه، ويجبر حينئذ في قولي مالك جميعًا على غرم قيمتها وقيمة ولدها يوم الاستحقاق، وكذلك عنه في كتاب ابن المواز. قال فيه أشهب: هذا خطأ، وإنما كنت أقول- لو قلت بهذا- عليه قيمتها يوم أحبلها، ثم لا قيمة له في ولدها؛ لأنه في ملكه ولد. ابن المواز: والقياس أن ليس عليه قيمتها في نقص الولادة، وإنما له أن يلزمه ذلك أن لو قتلها، ولو قتلها غيره لم يلزمه هو قيمتها؛ لأنه غير غاصب، غير أن ابن القاسم قال ذلك لاختلاف قول مالك في هذا الأصل. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: فإن ماتت وبقي ولدها فليس له غير قيمة من وجد منهم في قول مالك الأول، وأما في قول مالك الآخر فلربها إتباع المشتري بقيمة الأمة يوم وطئها؛ لأنه ضمنها يومئذ، ولا شيء عليه

من قيمة ولدها وإن كانوا قيامًا؛ كواطئ أمة ابنه أو أمة له فيها شرك. وقال محمد: لا شيء عليه إذا ماتت في قول مالك الذي قال فيه- وهي حية- ليس له إلا قيمتها فقط؛ لأنه ليس عليه فيها ضمان. [المسألة الثانية: في المبتاع بم يرجع على من غره إذا أخذ المستحق الأمة أو قيمتها، وفي حكم الولد] ومن المدونة قال ابن القاسم: فإن أخذت الأمة من المبتاع على أحد قولي مالك- يريد، أو أخذت قيمتها- رجع بالثمن على بائعها، ولا يرجع بما أدى من قيمة الولد؛ كما لو باع من رجل عبدًا سارقًا، ودلس له به، فسرق متاعه، لم يضمن البائع ذلك، وإن أخذ منه المستحق الأمة فألفاه عديمًا، اتبعه بقيمة الولد دينًا، ولو كان الولد مليًا أدى القيمة، ثم لا يرجع بها على أبيه إن أيسر، وإن كانا مليئين فذلك على الأب، ولا يرجع بها الأب على الولد، وإن كانا عديمين اتبع أولهما يسرًا، ولا يؤخذ من الابن قيمة الأم في ملء الأب أو عدمه. قال غيره: لا شيء على الابن من قيمة نفسه في عدم الأب أو يسره. م: انظر قول ابن القاسم إذا كان الأب عديمًا والابن مليئًا فليأخذ من الابن قيمة نفسه، وهو إنما يأخذ منه قيمته يوم الحكم، فكان يجب أن

تستحق قيمته حينئذ بماله، وقيمته يومئذ بماله أكثر مما في يديه، فكيف يصح أخذ قيمته منه؟ وأظن ابن القاسم إنما يقول: يأخذ قيمته بغير مال، وبه يصح قوله، والله أعلم. قال ابن القاسم في كتاب النكاح: ولو استحق الأمة عم الولد لأخذ قيمتهم؛ إذ لا يعتق عليه ابن أخيه، ولو كان جدهم لم يأخذ قيمتهم، وليس له من ولائهم شيء؛ لأنهم أحرار بسبب أبيهم، وإنما أخذت القيمة فيهم بالسنة. [المسألة الثالثة: فيمن مات أو قتل من ولد الأمة المستحقة] قال في كتاب الاستحقاق: وليس للمستحق فيمن مات من الولد قيمة، وولدها لاحق النسب، له حكم الحر في النفس والجراح وفي الغرة قبل الاستحقاق أو بعده، ولا يضع القصاص عن القاتل استحقاق هذه الأمة؛ لأنه حر، ومن قتل من الولد خطأ فديته كاملة للأب، وعليه لسيد لأمة الأقل من قيمة الولد يوم القتل عبدًا أو ما أخذ من ديته، وإن قتل عمدًا فاقتص الأب من قاتله لم يكن على الأب فيهم قيمة، ويغرم قيمة الولد الحي وإن جاوزت الدية. قال ابن كنانة في المجموعة: فإن كان للولد مال اكتسبه لم يقوم بماله لكن بغير مال؛ كقيمة عبد ويؤدي ذلك الأب، ولا يؤخذ من مال الولد شيء.

قال سحنون: وإذا حكم على الأب بالقيمة في عدمه ثم مات ابنه بعد الحكم لم يزل عنه ما لزمه من القيمة، وكذلك في جناية أم الولد والسيد عديم، وكذلك من يحكم عليه في العاقلة بشيء رآه الحاكم، ثم أعدم فلا يزول عنه. قال أشهب: ولو قام وقد مات الأب قضي بقيمة الولد في تركته لا من مال الولد. ومن كتاب محمد قال: فإن لم يدع شيئًا اتبع به الولد، فمن أيسر منهم أخذ منه حصة نفسه فقط يوم كان الحكم، وإن طرأ للأب مال فليتبع المستحق كل واحد بما يتم به قيمته لا يأخذ من بعضهم عن بعض. [(1) فرع: لو قطعت يد الولد خطأ، فأخذ الأب ديتها ثم استحقت الأمة] ومن المدونة: ولو قطعت يد الولد خطأ فأخذ الأب ديتها، ثم استحقت الأمة، فعلى الأب للمستحق قيمة الولد أقطع اليد يوم الحكم فيه، أو الأقل مما نقصه القطع، أو في ما قبض في دية اليد، ينظر كم قيمة الولد صحيحًا، وقيمته أقطع اليد يوم جني عليه، فيغرم الأب الأقل مما بين القيمتين، أو ما قبض في دية اليد، فإن كان ما بين القيمتين أقل كان ما فضل من دية اليد للأب. م: يريد: يلي النظر فيه. م: وهذا هو الأقل فيه، وإنما كان كذلك لاختلاف قيمته

يوم القطع ويوم الحكم، ولو كان يوم القطع هو يوم الحكم لغرم الأب الأقل من قيمته صحيحًا، أو قيمته أقطع اليد مع ما أخذ في اليد. قال ابن عبدوس: ورأيت سحنونًا ينحو إلى أن ما فضل من ذلك فهو للابن، وقاله ابن المواز. وقال ابن عبدوس: وكذلك في النفس ليس لورثته من ديته إلا ما بعد قيمته. محمد: إن قتل خطأ فديته لأبيه منجمة، للمستحق منها قيمته يأخذ منها أول نجم، فإن لم يتم أخذ تمامها من الثاني ثم مما يليه حتى تتم، ثم يورث عن الابن ما فضل. قال ابن القاسم في المجموعة: ولو قُتل الولد عمدًا فصالح الأب فيه على أقل من الدية فعليه الأقل من ذلك أو قيمته يوم القتل، فإن كان ما أخذ أقل من القيمة، رجع على القاتل بالأقل من باقي القيمة أو باقي الدية. قال محمد وقال أشهب: لا شيء على الأب مما أخذ في الولد إن قتل؛ كما لو مات، ولا في قطع يده إن قطع، وعليه قيمته اليوم أقطع فقط؛ لأن ما أخذ فيه دية حر. [المسألة الثانية: لو ضرب رجل بطن الأمة المستحقة وهي حامل من سيدها] قال ابن القاسم في المدونة: ولو ضرب رجل بطن هذه الأمة وهي حامل

من سيدها فألقت جنينًا ميتًا فللأب عليه غرة كالحر، ثم للمستحق على الأب الأقل من ذلك أو من عشر قيمة أمه يوم ضرب بطنها، وليس على المبتاع ما نقصتها الولادة؛ لأنها لو ماتت لم تلزمه قيمتها؛ لأنه مبتاع. [(4) فصل: في الأمة تلد من الغاصب ثم تستحق] ولو كان الذي أولدها إنما غصبها فلربها أخذها وأخذ الولد رقًا، ويحد الغاصب في وطئه إن أقر بالوطء، ولا يُلحق به نسبه. [(5) فصل: في الأمة تلد ممن تزوجها على أنها حرة ثم تستحق] [المسألة الأولى: إذا غر رجل رجلاً فزوجه من أمة على أنها حرة فاستحقت، وكيف إن غرت هي من نفسها] ولو غره منها رجل فزعم أنها حرة فزوجه إياها فأولدها، فلمستحقها أخذها وقيمة ولدها من الزوج ويرجع الزوج على من غره بالصداق كاملاً، ولا يترك له ربع دينار؛ لأنه كأنه باعه البضع فاستحق، فيرجع بثمنه الذي دفع فيه، ولا يرجع بقيمة الولد؛ لأنه لم يبعه الولد وهذا أصل قول مالك، ولو كانت هي الغارة لم يرجع الزوج عليها بقليل ولا كثير؛ لأن ذلك حق لسيدها، إلا أن يكون ما أعطاها أكثر من صداق مثلها فيرجع بالفضل. محمد: وإن كان ما أعطاها أقل من صداق مثلها، فقال أشهب: لا تُزاد عليه. وقال ابن القاسم: يتم لها صداق المثل؛ لأنه حق للسيد، فليس ما صنعت بالذي يبطل حقه.

قال أشهب في المجموعة: فإن أولدها أخذها السيد وقيمة ولدها وهو حر، ويُصدق الزوج أنه تزوجها على أنها حرة- وإن لم تقم بينة في هذا- ولو كذبته حددته ولم أُلحق به الولد، وعلى السيد البينة أنه تزوجها على أنه أمة إن ادعى ذلك، ويأخذ الولد، وإلا فهو حر وله قيمته حالة. قال في كتاب ابن سحنون: حالة على الأب يوم يُقضى بذلك للمستحق، فإن لم يكن للأب مال فاستحسن أن يكون في مال الولد. [(1) فرع: في الأمة تغر العبد والمكاتب ومن في حكمها] قال في المجموعة: وإن غرت الأمة عبدًا أو مكاتبًا أو مدبرًا أو معتقًا إلى أجل فإن أولادهم رقيق معها. [(2) فرع: في الأمة تستولد ثم تستحق أنها مدبرة] محمد: ومن ابتاع أمة فأولدها ثم استحقت أنها مدبرة، فإنه يأخذها ويأخذ قيمة ولدها عبيدًا. وقال ابن القاسم: قيمتهم على الرجاء والخوف- وليس هذا بشيء؛ لأن من باع مدبرًا وفات بالعتق كان الثمن كله للبائع، وعلى هذا ثبت مالك، وقاله أصحابه أجمعون- وإن كانت هذه التي أولدها المبتاع مكاتبة فإنه يأخذ

قيمة الولد رقيقًا. قال ابن القاسم: وتُوقف القيمة- ولا معنى لذلك وليكن ذلك محسوبًا من آخر الكتابة ويتعجلها السيد، ولو تأخر الحكم حتى حل الأجل وأدت الكتابة فلا شيء على الأب من قيمتهم- وأما المعتقة إلى أجل وأم الولد، فقيمة الولد على الرجاء والخوف، وكثير من هذا في كتاب النكاح. [(6) فصل: في استحقاق العبد بعد أن يعتق] قال ابن القاسم في المدونة: ومن اشترى عبدًا فأعتقه ثم استحق، فللمستحق أن يفسخ عتقه ويصير رقيقًا لسيده أو يجيز البيع فيتم عتقه. محمد: وقال أشهب: ولو كان ليس لربه رد العتق؛ لكان ذلك داعية إلى زوال رقيق الناس من أيديهم بأن يجعل العبد من يبيعه ممن يعتقه. قال محمد: ولو أنه بعد العتق وارث الأحرار، وشهد ونفذت أموره على أمور الأحرار، ثم استحق فاختار ربه إجازة البيع ونفاذ العتق لنفذت أموره المتقدمة على أمور الأحرار، وليس على أن البيع والعتق اليوم جاز، إنما البيع والعتق جائز حتى يُرد؛ كالمولى عليه يتزوج بغير إذن وليه، أو عبد بغير إذن سيده فيُجيزه فهو جائز بالعقد الأول، وإن أخذه سيده ردت أفعاله كلها إلى حكم الرق، فإن كان اقتص له من قاطع كفه لرجع المقتص منه على عاقلة الإمام

بدية كفه، ورجع عليه السيد بما نقصه. [(7) فصل: في استحقاق الدار بعد أن بنيت مسجدًا] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن بنى داره مسجدًا ثم استحقها رجل فله هدمه؛ كمن باع عبدًا فأعتقه ثم استحق، فلربه رد البيع والعتق. قال سحنون في غير المدونة: كأنه نحا إلى أن يأتي النقض- لما جعله الله- فلا يأخذ فيه قيمة ولكن يأخذه ويجعله في مسجد غيره، وهذا إنما يكون فيمن بنى في غصب بلا شبهة، فأما إذا بنى بشبهة فإنما يقال للمستحق: أعطه قيمته قائمًا، فإذا أخذ قيمته جعلها في نقض مثله في بناء مسجد. قال بعض العلماء: وقد يكون ابن القاسم أراد أنه لما حبس الأنقاض لم يقض فيها بقيمة، وإن كان بشبهة، ألا ترى أن سحنونًا لم يجعل للمغصوب منه أن يُعطي قيمة الأنقاض منقوضًا؛ لأن ذلك يؤدي إلى إبطال الحبس، وكذلك المشتري ليس له أخذ قيمة الأنقاض؛ لأن ذلك الحبس إنما هو لله تعالى، فصا أخذ عينه أولى ويجعل في بناء مسجد غيره.

[الباب السادس] فيمن اشترى سلعا أو رقيقا فاستحق بعضها أو وجد به عيبا، وحكم المكيل والموزون في ذلك

[الباب السادس] فيمن اشترى سلعًا أو رقيقًا فاستحق بعضها أو وجد به عيبًا، وحكم المكيل والموزون في ذلك [(1) فصل: فيمن اشترى سلعًا كثيرة فاستحق بعضها، أو وجد به عيبًا قبل قبضها أو بعده] قال مالك: ومن اشترى ثيابًا كثيرة أو صالح بها من دعواه فاستحق بعضها، أو وجد به عيبًا قبل قبضها أو بعد، فإن كان ذلك أقلها رجع بحصته من الثمن فقط، وإن كان وجه الصفقة- محمد: مثل أن يقع له أكثر من نصف الثمن- انتقض ذلك كله ورد ما بقي، ثم لا يجوز له أن يتماسك بما بقي بحصته من الثمن، وإن رضي البائع؛ إذ لا يعرف حتى يقوم، وقد وجب الرد فصار بيعًا مؤتنفًا بثمن مجهول- وأجازه ابن حبيب- ولو كان ما ابتاع مكيلاً أو موزونًا، فإن استحق القليل منه رجع بحصته من الثمن أو يرده، وكذلك في جزء شائع مما لا ينقسم؛ لأن حصته من الثمن معلومة قبل الرضا به. قال مالك: ومن ابتاع سلعًا كثيرة صفقة واحدة فإنما يقع لكل سلعة منها حصتها من الثمن يوم وقعت الصفقة. [(2) فصل: فيمن اشترى صبرتين جزافًا على أن لكل صبرة من الثمن كذا فاستحقت إحدى الصبرتين] ومن ابتاع صبرة قمح وصبرة شعير جزافًا في صفقة بمئة دينار على أن لكل

صبرة خمسين دينارًا، أو ثيابًا أو رقيقًا على أن لكل عبد أو ثوب من الثمن كذا وكذا، فاستحق أحد الصبرتين أو أحد العبيد أو أحد الثياب، فإن الثمن يقسم على جميع الصفقة فما أصاب الذي استحق من الثمن وضع عن المبتاع- يعني إذا لم يكن وجه الصفقة- ولا ينظر إلى ما سميا من الثمن؛ لأنه لم يبع هذه بكذا إلا على أن الأخرى بكذا فبعضها يحمل بعضًا، وقيل: البيع فاسد إذا أطلق هكذا؛ لأنه كالمشترط الأنض الثمن، وأن ما سميا هو الذي يرجع به في الاستحقاق. محمد: فإن كان الثمن مما لا ينقسم رجع بقيمة الحصة التي قابلت منه المستحق، يريد: مثل أن يكون الثمن عبدًا وقد استحق ربع الصفقة، فإنه يرجع بربع قيمة العبد ولا يرجع في عينه إن كان قائمًا؛ لضرر الشركة، وقاله ابن القاسم وأشهب: فيمن وجد ببعض الصفقة عيبًا، وقال أشهب أيضًا: بل يرجع في العبد نفسه. ومن المدونة: ولو اشترى صبرة القمح، وصبرة الشعير على الكيل على أن كل قفيز بدينار لم يجز البيع؛ للغرر إذ لا يدري كم القمح من الشعير. ومن غير المدونة: وإن قال: عشرة أقفزة من هذه، وعشرة من هذه كل قفيز بدينار جاز.

[(3) فصل: فيمن اشترى عبدين صفقة فاستحق أحدهما بعد قبضه أو قبله] ومن المدونة: ومن اشترى عبدين في صفقة فاستحق أحدهما بحرية بعد أن قبضه أو قبل، فإن كان وجه الصفقة فله رد الباقي، وإن لم يكن وجهها لزمه الباقي بحصته من الثمن، وإنما يقوم المستحق قيمته أن لو كان عبدًا، وكذلك لو كان المستحق مكاتبًا أو مدبرًا أو أم ولد.

[الباب السابع] في المتصالحين على الإقرار والإنكار، يستحق ما بيد أحدهما

[الباب السابع] في المتصالحين على الإقرار والإنكار، يستحق ما بيد أحدهما. [(1) فصل فيمن ادعى شيئًا بيد رجل ثم اصطلحا على الإقرار على عرض فاستحق] قال ابن القاسم: ومن ادعى شيئًا بيد رجل ثم اصطلحا على الإقرار على عرض، فاستحق ما أخذ المدعي، فليرجع على صاحبه فيأخذ منه ما أقر له به إن لم يفت فإن فات بتغير سوق أو بدن وهو عرض أو حيوان، رجع بقيمته، حكمه حكم البيع سواء. قال أشهب في المجموعة: وإن استحق ما بيد المدعى عليه بالبينة والحكم، فليرجع على المدعي بما دفع إليه. وقال الطحاوي في كتابه: لا يرجع عليه بشيء؛ لأنه أقر أنه للمدعي وأن ما أخذ منه ظلم، وذكر أن هذا قول أهل المدينة وابن أبي ليلى ومن قال بقولهم.

[(2) فصل: فيمن ادعى شيئًا بيد رجل ثم اصطلحا على الإنكار فاستحق] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن كان الصلح على الإنكار فاستحق ما بيد المدعي عليه، فليرجع بما دفع إن لم يفت، فإن فات بتغير سوق أو بدن وهو عرض أو حيوان رجع بقيمته. [(1) فرع: في المدة التي يحق للمدعى عليه أن يرجع فيها] وقال في المجموعة: إن استحق بحضرة الصلح فليرجع ما دفع، وإن كان ذلك قد تطاول في مثل ما تهلك فيه البينات، وينقطع فيه العلم فلا يرجع بشيء؛ لأن الذي صالح يقول: كانت لي بينة عادلة، فمنعتني من أن أثبت حقي، ودفعتني بما أعطيتني، فلما هلكت بينتي، وأخذت من يدك بالجور والعداء تريد أن ترجع علي؟ فلا أرى له أن يرجع عليه، والصلح لهما لازم. وقال سحنون في كتاب ابنه: لا يرجع على المدعي بشيء؛ لأنه إنما أعطاه ما صالحه عليه دفعًا للخصومة عن نفسه لا لشيء ثبت له عليه، ومن أصحابنا من يرى له الرجوع عليه بما أعطاه أو قيمته أو مثله؛ لأنه يقول: إنما أعطيتك خوفًا أن يستحق ما في يدي، فإذا لم يكن لك ملك فبأي شيء تأخذ مني ما صالحتني عليه؟ قال سحنون: والأول أبين وأثبت. [المسألة الأولى: إذا استحق ما قبض المدعي والصلح على الإنكار فبماذا يرجع؟] قال سحنون: وإن استحق ما قبض المدعي والصلح على الإنكار، فليرجع

بقيمة ما قبض أو مثله إن كان يوجد له مثل. وقال ابن اللباد: المعروف من قول أصحابنا- إذا استحق ما بيد المدعي والصلح على الإنكار- أنهما يرجعان على الخصومة، وقاله أبو سعيد ابن أخي هشام وغيره. م: والصواب في هذا أن يرجع بقيمة ما استحق من يده أو مثله؛ لأن الرجوع إلى الخصومة غرر؛ إذ لا يردي ما يصح له، فلا يرجع من معلوم إلى مجهول؛ ويكون كمن صالح من دم عمد- وجب له- على عبد فاستحق، فإنه يرجع بقيمته؛ إذ لا ثمن معلومًا لعوضه فكذلك هذا. [فائدة في تحصيل الاختلاف في هذه المسألة] م: وتحصيل هذا الاختلاف: أنه لا خلاف إذا استحق ما بيد المدعي والصلح على الإقرار أنه يرجع في شيئه أو قيمته، أو مثله إن فات كالبيع. وإن استحق ما بيد المدعى عليه فقيل: يرجع بما دفع، وقيل: لا يرجع وإن كان الصلح على الإنكار فاستحق ما أخذ المدعي فقيل: يرجع بقيمة ما قبض أو مثله، وقيل: يرجعان على الخصومة. وإن استحق ما بيد المدعى فقيل: يرجع بما دفع إليه، وقيل: لا يرجع بشيء، وقيل: إن استحق بحضرة الصلح رجع، وإن كان بعد الطول الكثير لم يرجع.

ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن كان له على رجل مئتان فصالحه على أن يترك له مئة، وعلى أن يأخذ بالمئة الأخرى عبده ميمونًا، فذلك جائز، فإن استحق العبد فإنه يرجع بالمئتين؛ لأن مالكًا قال: فيمن باع سلعة بثمن سماه على أن يأخذ بذلك الثمن سلعة بعينها نقدًا أو مضمونة مؤجلة إن البيع إنما وقع بتلك السلعة، ولا أنظر إلى اللفظ ولكن إلى ما انعقد من الفعل، فإذا صح الفعل لم يضرهم قبح كلامهم. والله المستعان.

[الباب الثامن] فيمن نكح أو خالع أو صالح من دم عمد على عوض أو قاطع به مكاتبا ثم استحق العوض

[الباب الثامن] فيمن نكح أو خالع أو صالح من دم عمد على عوض أو قاطع به مكاتبًا ثم استحق العوض [(1) فصل: فيمن نكح أو خالع أو صالح من دم عمد على عوض ثم استحق ذلك العوض] قال مالك: ومن صالح من دم عمد- وجب له- على عبد، جاز ذلك، فإن استحق العبد رجع بقيمته- إذ لا ثمن معلومًا لعوضه- ولا سبيل إلى القتل، وكذلك من نكح بعبد فاستحق أو وجدت المرأة به عيبًا فإنها ترده وترجع على الزوج بقيمته- لا بمهر مثلها- وتبقى له زوجة، والخلع بهذه المنزلة. [(1) فرع: فيمن فرق بين أن يستحق العوض- إذا كان عبدًا- بملك أو بحرية] قال أشهب في المجموعة: وسواء استحق بملك أو حرية فإنها ترجع بالقيمة. وقال المغيرة: إن استحق بحرية رجعت بصداق المثل، وكأنه لم يمهرها شيئًا وإن استحق بملك رجعت بقيمته؛ لأن ربه لو تركه للزوج لم يكن لها غيره، ولو مات في يديها ثم استحق بملك، فلا شيء لها، ويرجع ربه على الزوج، وإن استحق بحرية رجعت عليه بصداق المثل؛ لأنه لم يعطها شيئًا. [المسألة الأولى: إذا تزوجت المرأة بشقص من دار فأراد الشفيع أخذه] ومن المدونة قال مالك: وإن تزوجت المرأة بشقص من دار فأراد الشفيع أخذه، فليأخذه بقيمة الشقص لا بصداق مثلها.

[(2) فصل: فيمن كاتب عبده فعتق ثم استحق ما دفعه العبد] ومن كاتب عبده على عرض موصوف أو حيوان أو طعام فقبضه وأعتق العبد ثم استحق ما دفع العبد من ذلك، فأحب إليّ ألا يرد العتق ولكن يرجع عليه بمثل ذلك. قال في كتاب المكاتب: وإن قاطع سيده على عبد فاعترف مسروقًا، فليرجع السيد على المكاتب بقيمة العبد. قال ابن نافع: فإن لم يكن له مال عاد مكاتبًا. وقال أشهب: لا يرد عتقه؛ لأن حرمته قد تمت، ويتبع بذلك. قالا عن مالك: وإن قاطع سيده على وديعة أودعت عنده فاعترفت فليرد عتقه، ويرجع مكاتبًا. وقال ابن القاسم: إن غر سيده بشيء تقدمت له فيه شبهة ملك، ثم استحق مضى عتقه، ورجع عليه بقيمة ما استحق في ملئه، ويتبع به في عدمه، وإن لم يتقدم له فيه شبهة ملك رجع مكاتبًا. [المسألة الأولى: فيمن أعتق عبده غير المكاتب على عرض موصوف أو حيوان أو طعام فقبضه ثم استحق ما قبض السيد] ومن كتاب الاستحقاق: وإن أعتقه على شيء مما ذكرنا بعينه وهو عبد غير مكاتب ثم استحق ذلك، فالعتق ماض لا يُرد، وهذا بين لا شك فيه؛ لأنه

كأنه مال انتزعه منه ثم أعتقه. قال ابن القاسم في كتاب التدليس: ولو بعته نفسه بجارية وليست له يومئذ- قال يحيى: وهي بعينها في ملك غيره- قال ابن القاسم: ثم وجدت بها عيبًا فلتردها عليه، ويتبعه بقيمتها، وهو حر تام الشهادة.

[الباب التاسع] في استحقاق الثمن أو المثمون أو بعض ذلك، وفي بيع العرض بالعرض

[الباب التاسع] في استحقاق الثمن أو المثمون أو بعض ذلك، وفي بيع العرض بالعرض [(1) فصل: في استحقاق الثمن والمثمون أو بعض ذلك] قال مالك: ومن اشترى عبدًا فأصاب به عيبًا فصالحه البائع على العيب على عبد آخر دفعه إليه جاز، وكأنهما في صفقة، فإن استحق أحدهما فليفض الثمن عليهما وينظر هل هو وجه الصفقة أم لا؟ كما وصفنا فيمن ابتاع عبدين في صفقة فاستحق أحدهما. [(2) فصل: في استحقاق أحد العرضين إذا بيع بالآخر] ومن باع عبدًا بعبد فاستحق أحدهما من يد مبتاعه أو رده بعيب، فإنه يرجع في عبده الذي أعطاه فيأخذه إن وجده، وإن فات بتغير سوق أو بدن لم يكن له إلا قيمته يوم الصفقة، ولا يجتمع لأحد في هذا خيار في أخذ سلعته أو تضمينها. [المسألة الأولى: إذا كان أحد العرضين عبدًا فاستحق] قال مالك: وإن بعت عبدًا بثوب فاستحق الثوب وقد عتق العبد، فإنك ترجع بقيمة العبد، وإن ابتعت جارية بعبد فحال سوقها عندك، أو ولدت الأولاد ثم استحق العبد بملك أو حرية فإنما عليك قيمة الجارية يوم الصفقة، وكذلك إن زوجت الأمة ثم استحق العبد أو وجد به عيب فذلك في الجارية فوت، أخذت لها مهرًا أم لا، وعليك قيمتها يوم الصفقة؛ لأن التزويج عيب، وقد قال مالك: فيمن ابتاع أمة فزوجها ثم وجد بها عيبًا فليردها وما نقصها التزويج، والنكاح

لا شك أنه نقصان عند الناس وإن كانت من وخش الرقيق. [المسألة الثانية: فيمن باع عرضًا بعرض فاستحق جزء أحدهما] قال مالك: ومن باع جارية بعبد فقبضه ثم أعتقه ثم استحق نصف الجارية قبل حوالة سوقها، فلمبتاعها حبس نصفها الباقي والرجوع بنصف قيمة عبده أو رد باقيها وأخذ جميع قيمة عبده لفوته بالعتق، وذلك إن كان الغلام هو الذي استحق نصفه والجارية هي المعتقة على ما ذكرنا. م: ولو كان العبد قائمًا لم يعتق فأراد أن يمسك نصف الجارية ويرجع بنصف العبد لم يكن له ذلك عند ابن القاسم لضرر الشركة وله ذلك عند أشهب، وقال في قيام العبد: له حبس نصف الجارية والرجوع بنصف قيمة العبد مع قدرته على رد نصف الجارية وأخذ جميع العبد، فصار إذا حبس أخذ نصف قيمة العبد وذلك مجهول وقد أمكنه الرد، فهذا رجوع منه إلى ما روى ابن حبيب أن ذلك جائز، إلا أن يقول لا يكون له التخيير إلا بعد معرفة نصف قيمة العبد. وقال ابن القاسم في كتاب القسم: ومن ابتاع عبدًا فباع نصفه، ثم استحق رجل ربع جميع العبد، فقد جرى الاستحقاق فيما بيع منه وفيما بقي. ومن قول مالك فيمن ابتاع عبدًا كاملاً فاستحق أيسره أن له رده كله لضرر الشركة فيه، فالمستحق في مسألتك يأخذ الربع من جميعه مما باع المبتاع، ومما أبقى، ثم للمبتاع الثاني أن يرجع من ثمنه على بائعه بقدر ما استحق من العبد من

حصته، أو يرد بقية صفقته إن شاء، ويكون المشتري الأول مخيرًا كما وصفنا. قال سحنون: هذه خطأ وإنما يقع الاستحقاق فيما بقي بيده دون ما باع ويرجع المشتري على بائعه بقدر ما استحق، وليس له رد ما بقي؛ لأنه قد باع نصف العبد. م: وإنما جعل ابن القاسم للمبتاع الثاني الرد وهو على ضرر الشركة دخل؛ لزيادة الضرر عليه؛ لأنه يقول إنما رضيت مشاركتك لنصفك فإذا دخل معنا ثالث فلا أرضى مشاركته، لغير ما وجه يتعذر به؛ كالشفيع إذا قيل له: إن فلانًا قد ابتاع نصيب شريكك، فسلم، ثم ظهر أنه ابتاعه فلان وآخر معه فله القيام بشفعته؛ لزيادة الضرر عليه.

[الباب العاشر] في استحقاق الهبة أو العوض منها

[الباب العاشر] في استحقاق الهبة أو العوض منها قال مالك: ومن وهب لرجل هبة ثم عوضه منها، فاستحق العوض، فإنه يرجع في هبته إن كانت قائمة إلا أن يعوضه قيمته فتلزمه، وليس للواهب قيمة العوض وإن كان أكثر من الهبة؛ لأن الذي زاده أولاً في عوضه على قيمة هبته إنما كان تطولاً، وإن استحقت الهبة رجع في العوض إلا أن يفوت في بدن أو سوق، فيأخذ قيمته يوم قبضه الواهب. قال أشهب في المجموعة: إن كان أثابك ذلك بعدما لزمته هبتك بقيمتها فإنما باعك ذلك بيعًا بالقيمة، فإنما لك عليه إذا استحق ذلك بيدك قيمة هبتك، وإن كان إنما أثابك ذلك قبل أن تلزمه قيمة الهبة فذلك بيع للعوض بسلعتك، فإنما لك عليه قيمة ما أخذ منك بسلعته المستحقة؛ كمن باع سلعة بسلعة، ولو أثابك دنانير قبل أن تلزمه السلعة بقيمتها، فاستحقت الدنانير فإنك ترجع بمثل تلك الدنانير، ولو أثبكها بعد أن لزمته هبتك بالقيمة فإنما ترجع عليه بقيمة سلعتك، وما كان زادك أولاً صلة ليس لك الرجوع عليه بها إلا أن يكون كان أثابك دنانير أقل من قيمتها فقبلتها ثم استحقت، فلترجع بمثل تلك الدنانير لا بهبتك ولا بقيمتها في فوتها، وهذا كمن تزوج بتفويض فدفع إليها دنانير أو عروضًا في صداقها قبل البناء فاستحق ذلك من يدها فإنها ترجع عليه بجميع ما اعترف في يديها الذي كان أصدقها، وإن دفع ذلك إليها بعد البناء فلترجع عليه بصداق المثل يوم عقد النكاح.

[الباب الحادي عشر] فيمن شهد بموته فقسم ماله، أو بيع ثم استحقت رقبته، أو قدم حيا

[الباب الحادي عشر] فيمن شهد بموته فقسم ماله، أو بيع ثم استحقت رقبته، أو قدم حيًا قال ابن القاسم: ومن أوصى بحج أو غيره، ثم مات فبيعت تركته وأنفذت وصيته ثم استحقت رقبته، فإن كان معروفًا بالحرية لم يضمن الوصي ولا متولي الحج شيئًا، ويأخذ السيد ما كان قائمًا من التركة لم يبع، وما بيع وهو قائم بيد مبتاعه فلا يأخذه السيد إلا بالثمن، ويرجع بذلك الثمن على البائع، وكذلك قال مالك فيمن شهدت بينة بموته فبيعت تركته، وتزوجت زوجته ثم قدم حيًا، فإن ذكر الشهود ما يعذرون به في دفع تعمد الكذب؛ مثل أن يروه في معركة [بين] القتلى طريحًا فيظنوا أنه ميت، أو طعن فلم يتبين لهم أن به حياة، أو شهدوا على شهادة غيرهم، فهذا تُرد إليه زوجته وليس له من متاعه إلا ما وجده لم يبع، وما بيع فهو أحق به بالثمن إن وجده قائمًا لم يفت، وأما إن فاتت عينه بيد مبتاعه، أو تغير عن حاله في بدنه أو فات بعتق أو تدبير أو كتابة أو أمة تحمل من السيد أو صغير يكبر، فإنما له الرجوع بالثمن على من باع ذلك كله، فإن لم تأت البينة بما يعذر به من شبهة دخلت عليهم فذلك كتعمدهم للزور فليأخذ متاعه حيث وجده، وإن شاء أخذ الثمن الذي بيع به، وتُرد إليه زوجته، وله أخذ ما عتق من عبد أو كوتب أو دبر، أو صغير كبر، أو أمة اتخذت أم ولد، فيأخذها وقيمة ولدها من المبتاع يوم الحكم؛ كالمغصوبة يجدها بيد مشتر.

وقال عبد الملك في المجموعة: إذا نعي الرجل ثم قدم حيًا فإن ما بيع من ماله ماض وقد بيع بشبهة ووطئ بها الفرج واستحل، ورفع به الضمان، وأما الزوجة فترد إليه، وما أنفذ له من عتق مدبريه فليرد، وكذلك أم الولد. [(1) فائدة: في سبب التفريق بين المسائل السابقة وبين مسائل الاستحقاق] م: فرقوا بين هذه المسائل ومسائل الاستحقاق؛ لتولي الحاكم بيع ذلك قياسًا على ما بيع في المغانم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي وجد بعيره في المغنم: ((إن وجدته فخذه، وإن قسم فأنت أحق به بالثمن)). [(2) فائدة: في بيان سبب التفريق بين من شهد الشهود بتحقيق موته وبين شهادتهم بغير تحقيق]. وإنما فرقوا بين الذي لم يعرف بالحرية وشهادتهم بغير تحقيق وبين شهادتهم بتحقيق موته- وإن كان الحاكم قد ولي بيع ذلك- لأن هؤلاء كالغصاب؛ كما لو غصب رجل عبدًا فباعه عليه الحاكم في دين ولم يعلم بغصبه، أن ربه إن أتى ينقص بيع الحاكم فيه؛ لأنه بيع بغير حق، ولا شبهة ملك، وكقطاعة المكاتب سيده بما لم تتقدم له فيه شبهة ملك أن ذلك ينقض، وإنما ردت إليه زوجته على كل حال وإن دخل بها بخلاف امرأة المفقود؛ لأن المفقود تزوجت امرأته مع إمكان حياته لما تقدم لها من ضرب الأجل والتلوم وأنه لم يمت بعد. م: وتشبه هذه المسائل مسألة الذي باع الحاكم عليه متاعه في دين ثبت عليه في غيبته، فيأتي فيثبت بالبينة أنه كان قد قضاه فلا يأخذ شيئًا مما بيع عليه

حتى يدفع الثمن للمشتري. [(3) فائدة: كل ما باعه الإمام يظنه لرجل فإذا هو لغيره فربه أحق به بالثمن] م: اعرف أن كل ما باعه الإمام يظنه لرجل فإذا هو لغيره فربه أحق به بالثمن؛ أصله: ما بيع في المغانم، ثم استحقه رجل، أنه له، وهذه المسألة التي استحقت رقبته بعد موته، والذي شهدت البينة بموته وذكروا ما يعذرون به، وأما ما باعه على ربه لغيبته في حق عليه كمن قيم عليه بدين فبيع عليه ربعه أو رقيقه ثم قدم فأثبت أنه قد قضى الدين، أو بيع عليه رقيقه، أو حيوانه أو متاعه؛ لأن ذلك ضال، أو وجد مع لصوص ثم أتى ربه وأقام البينة أن ذلك له فليس له أخذ ذلك؛ لأنه بيع عليه بيع نظر له فهو بخلاف ما بيع يظن أنه له فإذا هو لغيره فاعلم ذلك، وبالله التوفيق.

[الباب الثاني عشر] في استحقاق الثمن والمثمون في السلم

[الباب الثاني عشر] في استحقاق الثمن والمثمون في السلم [(1) فصل: في القضاء في الدنانير والدراهم إذا استحقت في البيع والسلم] قال ابن القاسم: والقضاء في الدنانير والدراهم إذا استحقت في البيع ألا ينتقض؛ لأنها أثمان لا تراد لعينها وسائر المثمونات تُراد لعينها، وكذلك ما استحق من السلع المضمونة رجعت بمثله بخلاف المعينات، فمن أسلم دنانير في طعام أو غيره فاستحقت بيد المسلم إليه قبل أن تقبض ما أسلفت فيه أو بعد فالسلم تام، وعليك مثلها، وكذلك الدراهم والفلوس، وكذلك في البيع الناجز. قال سحنون في المجموعة: ومن لا يجيز القراض بالتبر يرى أنها إذا استحقت انتقض السلم. [(2) فصل: في غير الدنانير والدراهم إذا استحقت في البيع والسلم] [المسألة الأولى: في المعينات إذا أسلمت في طعام أو غيره فاستحقت] قال ابن القاسم: ولو أسلمت عرضًا أو حيوانًا أو رقيقًا أو شيئًا من السلع في حنطة موصوفة فاستحق ما دفعت، أو وجد به عيب- فرده- قبل أن تقبض الطعام، أو بعد قبضه، فالسلم ينتقض، ويرجع، فيأخذ طعامه إن كان قائمًا، أو مثله إن كنت استهلكته. [المسألة الثانية: في الطعام أو العرض إذا أسلم فاستحق] وإن أسلمت شيئًا مما يكال أو يوزن من طعام أو عرض فيما يجوز أن يسلم فيه

فاستحق ما دفعت، أو وجد به عيب فرده فإن السلم ينتقض، ولا يرجع عليه بمثل كيله ولا وزنه؛ أو لا ترى أن من ابتاع طعامًا كيلاً أو وزنًا فتلف قبل أن يقبضه انتقض البيع وليس للبائع أن يأتي بطعام مثله، ولا ذلك عليه. [المسألة الثالثة: في العرض إذا بيع بعرض ثم استحق] وإن ابتعت عرضًا بعرض ثم استحق أحد العرضين، انتقض البيع ورجع من استحق ذلك من يده على صاحبه بعرضه فيأخذه، فإن فات بتغير بدن أو سوق رجع بقيمته، وإن كان العرض الذي يرجع به مما يكال أو يوزن، أو كان طعامًا يُكال أو يوزن أخذه وإن حال سوقه إلا أن يفوت أو يتغير في عينه فيرجع بمثله إلا أن يكون ابتاعها بجزاف ففيه القيمة يوم البيع كالعروض. [المسألة الرابعة: فيمن أسلف في طعام أو سلعة أو عبد فلما قبضه استحق من يده] ومن أسلف في طعام مضمون أو سلعة أو عبد فلما قبضه استحق من يده، فإنه يرجع بمثله في صفته التي شرط لا ينظر أزاد عنده أو نقص، ولا ينتقض السلف. [المسألة الخامسة: فيمن ابتاع سلعة على أن يهبه البائع أو يتصدق عليه فاستحقت السلعة وفاتت الهبة] ومن ابتاع سلعة على أن يهبه البائع أو يتصدق عليه، فإن كان شيئًا معلومًا جاز ذلك، فإن استحقت السلعة وفاتت الهبة، فإن الثمن يفض على قيمتها من قيمة الهبة، فيرجع من الثمن بحصة السلعة؛ لأن الثمن إنما وقع على السلعة وعلى ما شرط من الهبة، يريد: كانت السلعة

وجه الصفقة أو لم تكن إذا كان الثمن عينًا أو كان عرضًا قد فات، وأما لو كان عرضًا قائمًا لافترق وجه الصفقة من غيره، فإن كانت السلعة هي الوجه، رد قيمة الهبة وأخذ عرضه. [المسألة السادسة: فيمن قال أبيعك عبدي هذا بخمسة أثواب موصوفة إلى أجل] ومن قال لرجل: أبيعك عبدي هذا بخمسة أثواب موصوفة إلى أجل، فالعبد رأس المال، ولو قال له: أشتري منك عبدك هذا بعشرة أثواب إلى أجل، فالعبد رأس المال فإن استحق العبد بطل السلم. [المسألة السابعة: فيمن أسلم ثوبًا في عشرة أرداب حنطة إلى أجل وعشرة دراهم إلى أجل أبعد منه ثم استحق نصف الثوب] ومن أسلم ثوبًا في عشرة أرادب حنطة إلى أجل وعشرة دراهم إلى أجل أبعد منه، جاز ذلك، فإن استحق نصف الثوب قبل أن يدفعه أو بعد، فالمسلم إليه مخير في رد باقي الثوب وينتقض السلم، أو التماسك بنصفه ويلزمه نصف الطعام ونصف الدراهم؛ لأن من ابتاع عبدًا أو ثوبًا بثمن فاستحق نصف ذلك خير المبتاع في رد باقيه أو يتماسك به ويرجع على البائع بنصف الثمن وإن كره، وكذلك كل ما يدخله ضرر الشركة، فما استحق منه من جزء قل أو كثر، فله نقض البيع؛ للضرر في منع وطء الأمة، والسفر بالعبد ونحو ذلك وهو

مما لا ينقسم، وله الرضا بباقيه والرجوع بحصة المستحق من الثمن. محمد: فأما جماعة رقيق يستحق منهم جزء شائع، فإن أخرجه القسم فهو كاستحقاق رأس بعينه، وإن لم يخرجه القسم فهو كاستحقاق بعض عبد. [المسألة الثامنة: فيمن أسلم ثوبين في فرس موصوف فاستحق أحدهما] قال ابن القاسم: ومن أسلم ثوبين في فرس موصوف فاستحق أحدهما فإن كان وجه الثوبين بطل السلم، وإن كان الأدنى رده ورجع بقيمته وثبت السلم، وهذا وما بيع يدًا بيد سواء، ما يفسخ في بيع يد بيد يفسخ في السلم. وروى محمد: أنه يرجع بحصته من قيمة الفرس- فإن كانت قيمة أدنى الثوبين من قيمة صاحبه الربع، رجع بربع قيمة الفرس في صفقته إلى أجل وثبت السلم. قال محمد: من قيمة الفرس إلى أجله على مثل بائعه، يريد: إن كان الثوب الربع أعطاه ربع قيمة الفرس نقدًا على أن يقبض الفرس إلى الأجل. م: يريد: لضرر الشركة.

وعلى قول أشهب يأتي المسلم إليه بالفرس عند الأجل على الصفة ويكون له ربعه. وروى عيسى عن ابن القاسم: فيمن ابتاع دابة بثوبين قيمتهما سواء فاستحق أحدهما قال: يرجع بنصف قيمة الدابة فاتت أو لم تفت. [المسألة التاسعة: فيمن أسلم ثوبين قيمتها سواء في فرسين صفقة واحدة فاستحق أحد الثوبين] م: قيل فإن أسلم ثوبين قيمتهما سواء في فرسين صفقة واحدة فاستحق أحد الثوبين، لوجب أن يسقط أحد الفرسين ويبقى له عليه فرس إلى أجل؛ لأن كل ثوب له نصف فرس، فإذا بقي له نصفًا فرسين، جمع له ذلك في فرس واحد لاتفاق الصفة، وأجبر على الإتيان بفرس؛ كما لو أسلم إليه في نصف فرس ثم أسلم إليه في نصف فرس على الصفة؛ لأجبر على أن يأتيه بفرس كامل؛ وكمن باع بنصف دينار ثم باع بنصف آخر لأجبر على أن يأتيه بدينار كامل، ولو أسلم ثوبين متكافئين في طعام فاستحق أحدهما فرضي بالباقي فقال مشتري الطعام: قد ذهب لي نصف ما اشتريت وقد قصدت شراء الجملة لرخصه، فله حجة في فسخ البيع كاستحقاق نصف الطعام.

[الباب الثالث عشر] في: القضاء في الاستحقاق في بيع الحلى بمثله أو بخلافه، وأخذ الثمن

[الباب الثالث عشر] في: القضاء في الاستحقاق في بيع الحلى بمثله أو بخلافه، وأخذ الثمن قال ابن القاسم: ومن اشترى إبريق فضة بدنانير أو دراهم، فاستحقت الدنانير أو الدراهم انتقض البيع؛ لأنه صرف، - وكان مالك يكره هذه الأشياء التي تصاغ من الذهب والفضة من الأباريق، والمداهن، والمجامر، وكره أن تشترى- ومن اشترى خلخالين من رجل بدنانير أو دراهم، فنقده ثم استحقها رجل بعد التفرق، فأراد إجازة البيع واتباع البائع بالثمن لم يجز ذلك، ولو استحقها قبل تفرق المتبايعين واختار أخذ الثمن فلا بأس به إن حضر الخلخالان وأخذ الثمن مكانه، ولو كان المبتاع قد بعث بهما إلى بيته لم تجز، ولو افترقا لم أنظر إلى ذلك الافتراق، ولكن إذا حضر الخلخالان وأخذ المستحق الثمن من البائع أو من المبتاع مكانه فذلك جائز، وإن غاب الخلخالان لم يجز. قال أشهب: هذا استحسان والقياس الفسخ؛ لأنه صرف فيه خيار. قال سحنون: القياس قول ابن القاسم، وقول أشهب: أنه مفسوخ، ليس بشيء. وجميع هذا موعب في كتاب الصرف.

[الباب الرابع عشر] فيمن يتعرف شيئا فيهلك قبل أن يقضى له به

[الباب الرابع عشر] فيمن يتعرف شيئُا فيهلك قبل أن يُقضى له به من العتبية قال سحنون: قال مالك: فيمن أقام بينة في عبد أنه غصب منه وهو بيد مشتر فمات العبد بعد قيام البينة، فإن مصيبته من الذي استحقه. قال سحنون: وأنا أقول: إن المصيبة من المشتري حتى يقضى به لمستحقه. وقال عنه ابن القاسم: في رجل اعترف جارية عند مبتاع، وأقام عدلين أنها له فهلكت الجارية بيد المبتاع قبل أن يُقضى بها لمستحقها، قال مالك: مصيبتها من الذي اعترفها ولا شيء له من ثمنها. قال ابن القاسم: ويرجع المبتاع بالثمن على بائعه وهذا ما لم يكن وطئها المبتاع، فإن كان وطئها ولم يدع استبراء، فماتت قبل أن تستبرأ، فإن مصيبتها منه؛ لأن كل من عليه أن يستبرئ، فإن المصيبة منه حتى يستبرئ. قال عيسى عن ابن القاسم: فيمن ادعى عبدًا أو دابة بيد رجل وزعم أنه استودعه ذلك، فأنكر من هو بيده فخاصمه، فماتت الدابة أو العبد قبل أن يستحقها صاحبها، ثم تستحق قال: الجاحد غارم لقيمتها، وكذلك الدار

الجامع لمسائل المدونة للإمام العلامة ابن يونس المتوفى 451 هـ كتاب الحبس- كتاب الصدقة- كتاب الهبة والهبات كتاب الوصايا الجزء التاسع عشر إعداد فؤاد بن أحمد بن عبد الغني خياط

كتاب الحبس

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كتاب الحبس [الباب الأول] السنة في الأحباس وهل تورث أو تباع [(1) فصل: في السنة في الأحباس] رُوي أن الرسول صلى الله عليه وسلم حبس سبع حوائط أوصى له بها محيريز لما قُتل يوم أحد بأن يضعها حيث أراه الله عز وجل فحبسها، وهي من أموال بني النضير وذلك لاثنين وثلاثين من الهجرة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب في الحائط الذي أراد صدقته: ((حبس أصله وصدق ثمرته)) ففعل، وذلك على سبع سنين من الهجرة.

ابن حبيب: ويقال له ثمغ. وقال محمد بن سعد بن زرارة: ما أعلم أحدًا من المهاجرين والأنصار من الصحابة إلا وقد أوقف من ماله حبسًا، منهم: عمر بن الخطاب وابن عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وزيد بن ثابت وعمرو بن العاص وعبد الله بن زيد وأبو طلحة وأبو الدحداح وغيرهم، وجعلها عمر للسائل والمحروم والضيف ولذي القربى، وفي سبيل الله وابن السبيل. [(2) فصل [فيمن أنكر الحبس] قال مالك: وقال شريح: لا حبس عن فرائض الله تعالى. م: يريد أنه يورث. قال مالك: تكلم شريح ببلده، ولم يرد المدينة فيرى أحباس الصحابة باقية، فينبغي للمرء ألا يتكلم إلا فيما أحاط به خُبرًا. قال ابن عبدوس: والأحباس من ناحية المساجد، فإن جاز أن تورث المساجد جاز ذلك في الأحباس، ولا خلاف في المساجد، وبقاء أحباس السلف دائرة دليل على منع ميراثها وبيعها. [(3) فصل: في بيع الحبس] [المسألة الأولى: متى يصح بيع الحبس؟] قال سحنون: ولم يجز أصحابنا بيع الحبس بحال إلا دارًا بجوار مسجد احتيج

أن تضاف إليه ليتوسع بها فأجازوا ذلك، ويُشترى بثمنها دار تكون حبسًا، وقد أدخل في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام دور حبس كانت تليه. وذكر ابن وهب في موطئه: أن ربيعة أرخص في بيع ربع دثر وتعطل أن يعاوض به في ربع نحوه في عمارة تكون حبٍسًا. وقال ابن القاسم عن مالك: لا يُباع الحبس من الدور وغيرها وإن خربت الدار وصارت عرصة، ولقد كان البيع أمثل. [المسألة الثانية: إذا غلب على حبس سلطان فضمه إلى ملكه] قال مالك: ومن باع حبسًا فسخ البيع، إلا أن يغلب على بيعه سلطان فأدخله في موضعه، ودفع إليهم ثمنًا، فليشتروا به دارًا مكانها من غير أن يُقضى به عليهم، وكذلك إن باعها فأُدخلت في مسجد، وقاله ابن القاسم. وقال عبد الملك: يُقضى عليه أن يشتري بثمنها مثلها. [المسألة الثالثة: فيما إذا استحق الحبس] قال: وأما إن استحق الحبس أو الصدقة فأخذ فيه ثمنًا، فليصنع به المحبس أو المتصدق ما شاء؛ لأنه لم يحبس الثمن إنما حبس شيئًا بعينه فاستحق، وقاله ابن القاسم وأشهب وهو قول مالك. [المسألة الرابعة: إذا هلك الحيوان الحبس] وقال عبد الملك: ومن حبس عبدًا للمسجد- يخدم فيه- أو فرسًا في

السبيل فيقتلان، فليخلف بأثمانهما مثلهما في ذلك الحبس. [المسألة الخامسة: في مال العبد المحبس يهلك] وقال: في مال العبد الحبس إذا مات يُخلف به مثله في مثل ذلك؛ لأنه خلده، ولو حبسه على رجل بعينه حياة العبد فمات العبد لرجع ماله إلى سيده. [المسألة السادسة: في بيع الحبس من الرقيق، والدواب تكون في السبيل، وكيف إن هزلت ولم ينتفع بها، وفي حبس الثياب والسروج وكيف إن بليت] ومن المدونة قال: ومن حبس رقيقًا أو دواب في سبيل الله، استعملوا في ذلك ولم يباعوا، ولا بأس أن يحبس الرجل الثياب والسروج. قال مالك: وما ضعف من الدواب المحبسة في سبيل الله حتى لا تكون فيها قوة على الغزو، بيعت واشترى بثمنها ما يُنتفع به من الخيل، فتجعل في السبيل. قال ابن القاسم: فإن لم يبلغ ثمن فرس أو هجين أو برذون فليعن بذلك في ثمن فرس. قال ابن وهب عن مالك: وكذلك الفرس يخبث ويكلب. قال ابن القاسم: وما بلي من الثياب المحبسة ولم تبقَ فيها منفعة، بيعت

واشتري بثمنها ثياب ينتفع بها، فإن لم يبلغ تصدق به في السبيل. [المسألة السابعة: فيمن قال: إنه لا يباع ما لم يعد به نفع من حيوان أو ثوب فيما حبس من أجله] قال سحنون: وقد روى غيره أنه لا يباع ما حُبس من عبد أو ثوب؛ كما لا يباع الربع المحبس إذا خرب، وبقاء أحباس الصحابة خرابًا دليل على أن بيعه غير مستقيم، وإن كان قد روي عن ربيعة وغيره في الرباع، والحيوان خلاف هذا إذا رأى ذلك الإمام. قال ابن الجهم: إنما لم يبع الربع المحبس إذا خرب؛ لأنه يمكن أن يوجد من يصلحه بإجارته سنين فيعود كما كان، وأما الفرس إذا حطم فلا يرجع كما كان أبدًا، فذلك يباع ويشتري غيره. قال أبو محمد: أصل هذا في غير الرباع حديث عمر في الفرس الذي تصدق به فخبث فبيع فنهاه النبي عليه الصلاة والسلام عن شرائه لئلا يكون كالعائد في صدقته، ولم ينه غيره.

[الباب الثاني] في الحبس المبهم، أو على مجهولين أو معينين ومن قال حبس صدقة أو حبس سكنى

[الباب الثاني] في الحبس المبهم، أو على مجهولين أو معينين ومن قال حبس صدقة أو حبس سكنى [(1) فصل: في الحبس المبهم] [المسألة الأولى: فيمن قال في حبسه هو في سبيل الله] قال مال: ومن حبس في سبيل الله فرسًا أو متاعًا، فسبل الله كثيرة ولكن يصرف ذلك في الغزو، ويجوز أن يصرف في مواحيز الرباط كالإسكندرية ونحوها، وسواحل الشام، ومصر وتونس بالمغرب، وسُئل عمن أوصى بمال في سبيل الله فأراد وصيه أن يفرقه في جدة فنهاه مالك عن ذلك وأمره أن يفرقه في السواحل، فقيل لمالك: أن العدو نزل بها، فقال: إنما كان ذلك مرة شيئًا خفيفًا، وسأله قوم أيام كان من دهلك ما كان وقد تجهزوا يريدون الغزو إلى عسقلان والإسكندرية، واستشاروه أن ينصرفوا إلى جدة فنهاهم عن ذلك، وقال لهم: الحقوا بالسواحل. قال يحيى بن عمر: دهلك أمير ناحية من بلد السودان. ابن وهب وقال ربيعة: كل ما جعله حبسًا أو حبسًا صدقة فذلك يُصرف في مواضع الصدقة حيث يجوز النفع به، إن كانت دواب ففي الجهاد، وإن كانت غلة أموال فعلى ما يراه الإمام من أوجه الصدقة.

قال مالك في المجموعة: فيمن حبس في سبيل الله، قال: هذا لا يكون إلا في الجهاد. قال أشهب: كل سبيل خير يدخل فيها، قال: والقياس في أي سبيل الخير وضع فيها جاز، والاستحسان أن يجعل في الغزو؛ لأنه جل ما يعنون به ذلك، وهو أحب إليّ، إلا أن يكون في سواحل المسلمين المخوف فيها من العدو. قال ابن كنانة: من حبس دارًا في سبيل الله فلا يسكنها إلا المجاهدون والمرابطون، ثم من مات منهم فيها فلا تخرج امرأته منها حتى تتم عدتها، ويخرج منها من ليس بمرابط ولا مجاهد، والصغار من ولد الميت. قال: ومن حبس ناقته في سبيل الله عز وجل فلا ينتفع بها ولا بنتاجها إلا في سبيل الله، وله أن ينتفع بلبنها لقيامه عليها. [المسألة الثانية: فيمن أوصى بشراء عبد ليجعل في السبيل] ومن العتبية قال ابن القاسم: ولو أوصى بشراء عبد يجعله في السبيل قال: يُشترى ويُجعل في الرباط يخدم الغزاة، قيل: فطعامه، قال: يعمل في طعامه. قال سحنون: ومن قال: ثمر حائطي حبس ولا يسمى أجلاً، فإن كان فيه حينئذ ثمر قد أبر، فله الثمرة تلك السنة. م: أراه يريد: وإن لم يكن فيها ثمر، فيكون ثمره أبدًا في سبيل الله.

[المسألة الثالثة: فيمن قال داري حبس، ولم يجعل لها مخرجًا] ومن المدونة قال مالك: ومن قال في وصيته: داري حبس، ولم يجعل لها مخرجًا فهي حبس على الفقراء والمساكين، قيل له: إنها بالإسكندرية، وجل ما يحبس الناس بها في سبيل الله، قال: ينظر في ذلك الإمام ويجتهد، وأرجو أن تكون له سعة في ذلك. [(2) فصل [في الحبس على مجهولين أو معينين، وفيمن قال حبس صدقة أو صدقة حبس] [المسألة الأولى: فيمن قال داري حبس أو صدقة على فلان وعقبه ولم يذكر لها مرجعًا] قال مالك: ومن قال: هذه الدار حبس على فلان وعقبه أو عليه وعلى ولده وولد ولده أو قال: حبس على ولدي ولم يجعل لها مرجعًا، فهي موقوفة لا تباع ولا توهب، وترجع بعد انقراضهم حبسًا على أولى الناس بالمحبس يوم المرجع وإن كان المحبس حيًا. قال مالك: ومن تصدق بداره على رجل وولده ما عاشوا، ولم يذكر لها مرجعًا إلا صدقة هكذا لا شرط فيها، فهلك الرجل وولده، فإنها ترجع حبسًا على فقراء أقارب الذي حبس ولا تورث. قال ابن عبدوس: في الذي قال: صدقة على فلان وعقبه، ولم يقل حبسًا. فقد قال بعض أصحابنا: إنها تكون لآخر العقب مالاً، ثم تورث عنه،

وكذلك إن كان [آخرهم] امرأة أو شيخًا فانيًا، فليبع ويصنع كيف شاء، وأكثرهم يراه بسبيل الأحباس. ومن المدونة قال بعض رجال مالك: كل حبس أو صدقة- لا مرجع لها- على مجهول من يأتي فهو الحبس الموقوف، ولا يرجع ملكًا، مثل أن يقول: على ولدي ولم يسمهم، فهذا مجهول، ألا ترى أن من حدث من ولده بعد هذا القول يدخل فيه، وكذلك لو قال: على ولدي وعلى من يحدث لي بعدهم، فإنها لا ترجع ملكًا. [المسألة الثانية: فيمن تصدق على جماعة من الناس لا يحاط بعددهم] قال ربيعة: إذا تصدق الرجل على جماعة من الناس لا يحاط بعددهم فهو بمنزلة الحبس الموقوف لا يرجع ملكًا، وأما إن تصدق على قوم بأعيانهم وسماهم بأسمائهم- ومعناه: ما عاشوا- ولم يذكر عقبًا، فهذا تعمير، وترجع بعد انقراضهم إلى صاحبها ملكًَا، ويبيعها إن شاء بعد أن ترجع إليه. قال مخرمة بن بكير: وإن مات الرجل قبل أن ترجع إليه رجعت إلى ورثته ملكًا.

[المسألة الثالثة: فيمن قال صدقة وفيمن قال حبسًا صدقة] قال ابن القاسم: وأصل قول مالك ومذهبه أنه إذا قال حبسًا ولم يقل صدقة، فهي حبس إذا كانت على مجهولين، وإن كانت على معينين فقد اختلف قوله فيه: فقال مرة: ترجع بعد انقراضهم إلى ربها ملكًا أو إلى ورثته بعد موته ملكًا تباع، وقال مرة: لا ترجع ملكًا ولكن حبسًا كقوله لا تباع، وأما إن قال في المعينين: حبسًا صدقة أو قال: حبسًا لا تباع ولا توهب فانقرضوا، فلم يختلف قوله أنها لا تباع وترجع إلى أقرب الناس بالمحبس يوم المرجع، ولا ترجع إلى المحبس على حال وإن كان حيًا. ابن حبيب: قال مطرف وابن القاسم: ومن حبس على رجل حبسًا فسماه حبسًا فهو حبس موقوف وإن لم يذكر صدقة ولا عقبى ولا قال لا تباع؛ لأن الحبس لا يرجع إلا بشرط، إلا أن يقول: ما عاش أو على فلان بعينه أو قال: فلان وفلان بأعيانهم بلفظ، يقول: بعينه أو بأعيانهم، فتكون عمرى ترجع إليه ملكًا، ولا يخرمها مع ذلك قوله: صدقة ولا قوله: لا تُباع أو لعقبه إذا قال: ما عاشوا أو ما عاش أو ما قال: بعينه أو بأعيانهم. وقال ابن الماجشون وابن كنانة: إذا كانت على إنسان بعينه فهي عُمرى وإن سماها صدقة ما لم يقل لا تُباع ولا تورث أو بعقبها، وبه أقول.

[(1) فائدة: تلخيص كلام الإمام في المسألة السابقة] م: وتحصيل ما في المدونة من ذلك ونحوه في كتاب ابن المواز- وهو الصواب إن شاء الله- أنه إذا قال: هذه الدار حبس صدقة، أو صدقة، حبس على قوم بأعيانهم أو بغير أعيانهم، فإنها ترجع بعد انقراضهم حبسًا على فقراء أقارب المحبس. وإن قال: هي صدقة سكنى على معينين أو مجهولين، فإنها ترجع بعد انقراضهم إلى صاحبها ملكًا. قال ابن المواز: وأحسن ما فيه أن ينظر إلى مراده، وأسباب مخرج قوله فيوجه إلى ذلك، فإن كان المحبس حيًا وعري قوله من دليل سألته وقبلت قوله. [المسألة الرابعة: فيمن قال: داري حبس، ولم يسم أحدًا] قال ابن القاسم: وإن لم يسم أحدًا، ولكن قال: داري حبس كانت حبسًا أبدًا على الفقراء والمساكين أو في سبيل الله إن كانت في موضع جهاد. [(2) فائدة: فيما يرجع ميراثًا، وفيما يرجع حبسًا] قال عيسى عن ابن القاسم: وكل ما يرجع ميراثًا فهو لأولى الناس به يوم موته، وكل ما يرجع حبسًا فلأولاهم به يوم المرجع من ولد أو عصبة، وبالله التوفيق.

[الباب الثالث] فيمن يستحق مرجع الحبس ومن يدخل في أصله

[الباب الثالث] فيمن يستحق مرجع الحبس ومن يدخل في أصله [(1) فصل: فيمن يستحق مرجع الحبس] ومن كتاب ابن المواز قيل لمحمد: من أقرب الناس بالمحبس الذين يرجع إليهم الحبس بعد انقراض من حبس عليهم؟ قال: قال مالك: على الأقرب من العصبة، ومن النساء من لو كانت رجلاً كانت عصبة للمحبس فيكون ذلك عليهم حبسًا، قال مالك: ولا يدخل في ذلك ولد البنات ذكرًا كان أو أنثى ولا بنو الأخوات ولا زوجة ولا زوج. قال ابن القاسم: وإنما يدخل من النساء مثل العمات والجدات وبنات الأخ والأخوات أنفسهن شقائق كن أو لأب، ولا يدخل في ذلك الإخوة، والأخوات لأم. محمد: واختلف في الأم، فقال ابن القاسم: تدخل في مرجع الحبس، وقال أشهب عن مالك: لا تدخل. وقال عبد الملك: لا تدخل أمه ولا أحد من الإناث إلا من يرثه منهن، قال في المجموعة: كالبنات وبنات الأبناء والأخوات، وأما الأم فلا؛ لأنها ليست من جذم النسب. قال في الكتابين: فأما عمة وبنت عم وبنت أخ فلا، وإن كان

أخ وأخت فذلك بينهما نصفين؛ لأنه لو كانت الأخت وحدها لأحاطت به، وسواء كان في أصل حبسه: وللذكر مثل حظ الأنثيين أم لا، فإن المرجع الذكر والأنثى فيه سواء. [المسألة الأولى: إذا كان مع النساء عصبة والنساء أقرب] قلت: فإن كان ثم من سميت من النساء وثم عصبة معهن والنساء أقرب، قال ابن القاسم قال مالك: يدخلون كلهم إلا ألا يكون سعة فيبدى بإناث ذكور ولده على العصبة، ثم الأقرب فالأقرب- ممن سميت وكذلك العصبة الرجال يبدى الأقرب فالأقرب- ويدخل في ذلك مواليه إذا لم يكن ثم من العصبة أقرب منهم، وإذا لم يكن ثم إلا النساء كان كله لهن على قدر الحاجة إلا أن يفضل عنهن. قال أصبغ: لا يُعجبني قوله: إلا أن يفضل عنهن، وما فضل عن سد حاجتهن فليرجع عليهن؛ لأن الأحباس إذا استووا في الغنى أو الحاجة لم يصرف إلى غيرهم من السبيل. وقال عبد الملك: لا يفضل ذو الحاجة على الغنى من أهل الحبس إلا بشرط من المحبس؛ لأنه إنما تصدق على ولده وهو يعلم أن فيهم الغني والمحتاج ولم يفضل بعضهم على بعض. قال محمد: وأحسن ما سمعت فيه أن ينظر إلى حبسه أو ما حبس، فإن كان

إنما أراد المسكنة وأهل الحاجة جعل مرجعه كذلك على من يرجع، فإن كانوا أغنياء لم يعطوا منها، وإن كان إنما أراد مع ذلك القرابة وأثرتهم رجع عليهم وأوثر أهل الحاجة إن كان فيهم أغنياء، قاله مالك، وإن كانوا كلهم أغنياء فهي لأقرب الناس بهؤلاء الأغنياء إذا كانوا فقراء. محمد: فإن لم يكن فيهم فقير ردت إليهم إن استووا في الغنى وكان أولاهم بها الأقرب فالأقرب، والذكر والأنثى سواء في المرجع، وإن اشترط أن للذكر مثل حظ الأنثيين فلا شرط له؛ لأنه لم يتصدق عليهم؛ ألا ترى لو لم يكن أقعد به يوم المرجع إلا أخت أو ابنة لكان ذلك لها وحدها، وكذلك إذا كان معها ذكر كان بينهما شطرين. [المسألة الثانية] [في مرجع الحبس الذي حبسه صاحبه على ولده وولد غيره] ومن المدونة قال ربيعة: ومن حبس داره على ولده وولد غيره فليسكنوها بقدر مرافقهم، فإذا انقرضوا فهي لولاته دون ولاة من ضم مع ولده. قال يحيى بن سعيد: ومن حبس داره على ولده، فهي على ولده وولد ولده ذكورهم وإناثهم إلا أن ولده أحق من أبنائهم ما عاشوا، إلا أن يكون فضل فيكون لولد الولد.

[(2) فصل: فيمن يدخل في أصل الحبس] [المسألة الأولى: فيمن قال: هذا حبس على ولدي] قال مالك: ومن قال: حبس على ولدي، فإن ولد الولد يدخلون مع الآباء ويؤثر الآباء، وإن قال: على ولدي وولد ولدي، دخلوا أيضًا ويبدأ بالولد، فإن كان فضل كان لولد الولد، وكان المغيرة وغيره يساوي بينهم. ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك: فيمن حبس على ولده، أو قال: على ولدي وولد ولدي، فذلك سواء، ويبدأ بالآباء فيؤثرون، فإن كان فضل كان لولد الولد. قال ابن المواز: وقد اضطرب قول مالك في دخول ولد الولد مع الأعيان واختلف فيه قول ابن القاسم وأشهب. فروى ابن القاسم عن مالك: فيمن حبس على عقبه ولعقبه ولد، فإنه يساوي بينهم وبين آبائهم فيه إلا أنه يفضل ذو العيال فيه بقدر عياله، والذكر والأنثى فيه سواء، وقال عنه: فيمن حبس داره على ولده حبسًا صدقة، فولد لهم أولاد، فإنهم مع آبائهم في حياة الآباء، وقال عنه: فيمن حبس داره على ولده وولد ولده أن الأبناء إنما يسكنون مع الآباء إن وجدوا فضلاً، وإلا فالآباء أحق. وذهب أشهب: إلى أنه إذا قال: على ولدي فأدخلنا ولد الولد معهم بالتأويل فليبدأ بالأعيان إذا استوت الحال، أما إن قال: على ولدي وولد ولدي فلا يكون

الآباء أولى في استواء الحال؛ كقوله: على ولدي وأجنبي، وإن اختلف الحال أوثر الأحوج من ولده أو ولد ولده. وقال ابن القاسم: ذلك سواء ويبدأ بالأعيان وللأبناء ما فضل في استواء الحال، فأما إن كانت الحاجة في ولد الولد فليؤثروا، ويكون الآباء معهم، وقال مثله عبد الملك. قال ابن المواز: وقول ابن القاسم استحسان، وقد قال مالك: لا يدخل ولد الولد إلا في الفضل، وشأن الأحباس أن يؤثر أقربهم ممن حبسها، وكذلك في مرجعها. وقال محمد: وقوله: على ولدي يتعدى إلى ولد الولد، أما قوله: على ابني فلا يدخل فيه ولد الابن، ولم أجد لقول أشهب حجة إذا سمى ولد الولد، ولعل مالكًا أراد ذلك فيما فيه الفضل والسعة، وكان جواب مالك في ذلك سواء، قال ولدي أو قال ولدي وولد ولدي، وأما قول ابن القاسم: إلا أن تكون الحاجة في ولد الولد فيؤثر ويعطي الأب أيضًا معه إنما قال ذلك في رأيي لئلا ينقطع سببه وإن كان غنيًا، ولو كانت الحاجة في الأعيان لم يدخل معهم ولد الولد إلا بعد غناء الآباء، فإن اعتدلوا بدئ بالأعيان، فأما إذا بلغوا حتى يكون الولد أغنى عن ذلك من ولد الولد أعطي معهم ولد الولد. [المسألة الثانية] [إذا قال: حبس على ولدي: فهل يدخل ولد البنات في ذلك؟] قال مالك: وإذا قال: هذه الدار حبس على ولدي لم يكن لولد البنات شيء

في ذلك، وقد قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ} [النساء: 11]، فأجمع الناس على أنه لا يقسم لولد البنات شيء إذا لم يكن له بنات لصلبه، وأن بني البنين الذكور والإناث يقسم لهم الميراث ويحجبون من يحجبه من كان فوقهم إذا لم يكن فوقهم أحد. [المسألة الثالثة: فيمن قال: حبس على ابنتي وعلى ولدها] ومن العتبية: قال سحنون عن ابن القاسم: ولو قال: حبس على ابنتي وعلى ولدها، فإنه يدخل في ذلك ذكور ولدها وإناثهم، فإذا ماتوا كان لولد ذكور ولدها إناثهم وذكورهم، ولا شيء لولد بناتها من ذكر وأنثى، قاله مالك، وقال غيره: إنما يكون حبسًا على ولد الابنة دنية من الذكور والإناث، فإذا ماتوا لم يكن لأولادهم شيء. [المسألة الرابعة: فيمن حبس على بنات له، فهل تدخل بنات بنيه الذكور؟] قال عيسى عن ابن القاسم: ومن حبس على بنات له حبسًا، فبنات بنيه الذكور يدخلون مع بناته لصلبه في الحبس. [المسألة الخامسة: فيمن حبس على مواليه ولهم أولاد، وله موال لبعض أقاربه يرجع ولاؤهم إليه] قال ابن القاسم عن مالك: ومن حبس على مواليه ولهم أولاد، وله موال لبعض أقاربه يرجع ولاؤهم إليه، فلا يكون في الحبس إلا مواليه الذين أعتق، وأولادهم يدخلون مع آبائهم في الحبس إلا أن يحصهم بتسمية، وقال مالك بعد ذلك: إن موالي الأب والابن يدخلون مع مواليه، ويبدأ بالأقرب من ذوي الحاجة إلا أن يكون الأباعد أحوج.

[الباب الرابع] في قسم الحبس بين أهله في السكنى والغلة، وهل يخرج أحد لأحد

[الباب الرابع] في قسم الحبس بين أهله في السكنى والغلة، وهل يخرج أحد لأحد [المسألة الأولى: فيمن لم يجد مسكنًا في دار حبست عليه] قال مالك: ومن حبس دارًا على ولده فسكنها بعضهم ولم يجد بعضهم فيها مسكنًا، فقال الذي لم يجد: أعطوني من الكراء بحساب حقي، فلا كراء لهن ولا أرى أن يخرج أحد لأحد، ولكن من مات أو غاب غيبة يريد المقام بالموضع الذي انتقل إليه استحق الحاضر مكانه، وأما إن أراد السفر إلى موضع ثم يرجع فهو على حقه، وكذلك في كتاب محمد. وقال عطاء: لا يخرج أحد لأحد إلا أن يكون بيده فضل مسكن. [المسألة الثانية: فيمن حبس على ولده وأعقابهم ولا عقب له يومئذ فأنفذه في صحته ثم هلك هو وولده وبقي ولد ولده] قال مالك: ومن حبس على ولده وأعقابهم ولا عقب له يومئذ، فأنفذه في صحته ثم هلك هو وولده وبقي ولد ولده وبنوهم فذلك بين جميعهم إن تساووا في الحاجة والحال والمئونة سواء بينهم، إلا أن الأولاد ما داموا صغارًا لم يبلغوا ولم ينكحوا ولم تعظم مؤونتهم، فإنه لا يقسم لهم ولكن يعطى للأب بقدر ما

يمون، وإذا نكح الأبناء وعظمت مؤونتهم وكانت حاجتهم كحاجة أبيهم كانوا بقسم واحد مع آبائهم. قال ربيعة: إن كثر المال دخل الولد مع الأعمام، وإن قل فالأعمام أحق وقد يكون العسر واليسر فينظر في ذلك. [المسألة الثالثة: فيمن يقدم ويبدي من أهل الحبس في الغلة والسكنى] قال ربيعة: لا فضل في الحبس إلا في كثرة عيال- في سعة مسكن- وعظم مؤنة. ومن العتبية وكتاب ابن حبيب قال ابن القاسم: في قسم الحبس بين أهله في الغلة والسكنى ليس على كثرة العدد، والمبدى به والمقدم فيه أهل الحاجة منهم، وليس على عددهم ولكن بقدر كثرة عيال أحدهم إن كانت سكنى، أو عظم مئونته وخفته إن كانت غلة، وأعظمهم فيها حظًا أشدهم فاقة، فما فضل بعد حاجتهم رد على الأغنياء، فسكن كل واحد منهم على قدر حاجته، ليس الأعزب كالمتأهل المعيل. والحاضر أولى بالسكنى من الغائب، والغلة بين الحاضر والغائب سواء، والمحتاج الغائب أولى فيها من الغنى الحاضر، وذلك على الاجتهاد. [المسألة الرابعة: هل يخرج أحد لأحد، وكيف إن خرج رجل من أهل الحبس فسكن في بلد آخر ثم قدم] ولا يخرج أحد من مسكنه وإن كان ثم من هو أحوج منه، ومن خرج من بلده فأوطن بلدًا غيره فالمقيم أولى منه، ثم إن قدم لم يخرج له وإن كان القادم أحوج منه، أو كان المقيم غنيًا، وأما إن خرج لتجارة أو حاجة ثم رجع فهو كالحاضر.

[المسألة الخامسة: إذا خرج أحد الساكنين من أهل الحبس خروج انتجاع] ومن كتاب محمد قال: ومعنى قول مالك: إن هرج أحد من الأدنين خروج انتجاع سكن الذين يلونهم، وإنما ذلك إذا لم تكن سعة فسكن من هو أولى، فإن رجع المنتجع لم يخرج له. [المسألة السادسة: فيمن يُقدم ويبدى في فضلة الكراء والغلات من الثمر] قال مالك: هذا الشأن في السكنى، وأما فضلة الكراء والغلات من الثمر وغيره فإن حق من انتجع أو غاب لا يسقط، وإنما يسقط عنه السكنى إذا لم يكن فيه فضل. قال ابن القاسم: وإنما ذلك فيمن حبس على ولده أو ولد فلان، أو آله أو آل فلان، فأما على قوم بأعيانهم مسمين ليس على التعقيب فإن حق المنتجع منهم ثابت في السكنى، محمد: غنيهم وفقيرهم سواء. قال ابن القاسم: وإذا طلب المنتجع من غير المعينين أن يكري منزله أو يُقطع له بقدر حصته يكريها، لم يكن له ذلك. [المسألة السابعة: في الحبس على غير المعينين إذا خرجوا ثم عادوا وكان فيه سعة وفضل] قال مالك: وإذا رجع فلا يخرج له من مسكنه ولكن له حقه فيما تقدم من المساكن إن كان فضل، وليس انقطاعه عن البلد يقطع عنه حقه فيما تفرغ من المساكن ولا كراء من غلة أو ثمر، إنما ذلك في المساكن التي لا فضل فيها، فإنه

إذا سكن مَنْ سكن- لأنه أحوج- ثم حدث به غنى وقدم المنتجع فلا يُخرج له الساكن إلا أن يكون فضل فيدخل فيه المنتجع، ولو خرج غير منتجع ثم قدم فليرد إليه منزله، ويخرج له من فيه، وله أن يكري منزله إلى أن يرجع. [المسألة الثامنة: فيمن يُفضل في قسم الغلة] ويُفضل في قسم الغلة أهل الحاجة والعيال بالاجتهاد، فإن تكافأت حاجتهم أو غناهم قُسمت الغلة بينهم على العدد، الذكر والأنثى في ذلك سواء، إلا أن يشترط في أصل حبسه أن للذكر مثل حظ الأنثيين فيكون كما شرط ولو شرط ذلك ثم رجعت إلى أولى الناس به لم يكن له في المرجع شرط، وكان الذكر والأنثى سواء؛ لأنه لم يتصدق عليهم. قلت: فلو كانت قبل أن يرجع كان آخر عقبة امرأة واحدة وقد كان شرط أن للذكر مثل حظ الأنثيين، قال: تكون أحق بالجميع؛ لأن معنى قوله إنما هو إذا كان معها رجل، قال: وإذا كانت المساكن من أول لا تسعهم وقد استووا في الحال أكريت واقتسموا الكراء إلا أن يرضى أحدهم أن يسكن بكراء فيسكن. قال فإن هلك بعض من سكن- لأنه أولى- وبقيت امرأته فإن لم يترك ولدًا من أهل الحبس تُركت لتمام عدتها هي وعياله ثم أُخرجوا، وإن كان له ولد من أهل الحبس لم يخرجوا منه وسكنوا فيه بأمهم على ما سكن أبوهم.

[الباب الخامس] فيمن حبس في مرضه دارا على ولده وولد ولده

[الباب الخامس] فيمن حبس في مرضه دارًا على ولده وولد ولده فترك أمًا وزوجة- هي مسألة ولد الأعيان-. قال ابن القاسم: ومن حبس في مرضه دارًا على ولده وولد ولده، والثلث يحملها ثم مات وترك أمًا وزوجة فإنها تُقسم على عدد الولد وولد الولد، فما صار لولد الولد نفذ لهم بالحبس، وما صار لولد الأعيان كان بينهم وبين الأم والزوجة على الفرائض موقوفًا بأيديهم حتى ينقرض ولد الأعيان فتخلص الدار كلها لولد الولد حبسًا، ولو ماتت الأم أو الزوجة كان ما بأيديهما لورثتهما موقوفًا، وكذلك يُورث نفع ذلك عن ورثتهما أبدًا ما بقي أحد من ولد الأعيان، قال: وإذا مات أحد ولد الأعيان قُسم نصيبه بالتحبيس على بقية ولد الأعيان وولد الولد على عددهم فما صار لولد الأعيان دخلت فيه أم الميت الأول، وزوجته بحق الميراث عنه وكذلك ورثتهما- إن كانا ماتا- بمثابتهما، وما بقي من نصيب ولد الأعيان من ذلك قُسم بين من بقي من ولد الأعيان وبين الميت منهم، فما وقع للميت فهو الذي يجب لورثته عنه يكون لهم بالميراث عنه موقوفًا بأيديهم حتى ينقرض ولد الأعيان فتخلص الدار كلها لولد الولد، فإن انقرض ولد الأعيان وولد الولد رجعت الدار حبسًا على أقرب الناس بالمحبس. وقد فسر أبو محمد- رحمه الله- هذه المسألة وأنعم شرحها، وأنا أذكر من ذلك ما يليق ذكره، ولا يسع جهله، بلفظ لين وشرح بين واختصار حسن إن شاء الله: قال أبو محمد: اعلم أن هذه المسألة من المسائل التي يتسع فيها المقال ويتفرع فيها السؤال ويدق فيه الفقه، وقد قال سحنون: إنها من حسان المسائل، وقل

من يعرفها، وهي في أكثر الكتب خطأ لدقة معانيها وغامض تفريعها., فاعلم أنه لما حبس على ولده وولد ولده، والثلث يحمل ذلك كان في ذلك حبس على غير وارث وهم: ولد الولد، وعلى وراث وهو: الولد. فنحن لا نقدر أن نُبطل ما كان للولد من ذلك- إن شاء ذلك بقية الورثة-؛ لأن فيه شرطًا لغير وارث من ولد الولد، وما يتناسل من الأعقاب فلم يكن بد من إيقاف ذلك على معاني الأحباس إلا أن ما صار من ذلك بيد ولد الأعيان قام فيه بقية ورثة الميت من أم وزوجة وغيرهما إن لم يجيزوا فيدخلون في تلك المنافع، إذ ليس لوارث أن ينتفع دون وارث معه، إذ لا وصية لوارث، فكأنا جعلنا الميت ترك: زوجة وأمًا وثلاثة بنين وثلاثة من ولد الولد- لكل واحد من ولد الأعيان ولد- قال مالك وأصحابه: فيقسم أصل الحبس من غلة أو غيرها على ستة أسهم: ثلاثة لولد الولد فتنفذ لهم بالحبس- قال سحنون وابن المواز: إذا كانت حالهم واحدة، وإلا فعلى قدر الحاجة. قال عيسى عن ابن القاسم: والذكر والأنثى فيه سواء- وما صار لولد الأعيان أخذت الأم سدسه، والزوجة ثمنه، وقسم ما بقي على ثلاثة- عدد ولد الأعيان؛ لأنهم ذكور، ولو كانوا ذكورًا وإناثًا، فللذكر مثل حظ الأنثيين- لأن الذكر يحتج بالميراث ليوفى سهمه كما احتجت الأم والزوجة- وسواء اختلفت حاجتهم أو لم تختلف؛ لأنهم ها هنا بالميراث أخذوه.

واختلف إن مات واحد من ولد الأعيان: فقال سحنون وابن المواز ويحيى بن يحيى عن ابن القاسم: ينتقض القسم كما ينتقض لحدوث ولد لولد الأعيان أو لولد الولد. ويُقسم جميع الحبس على خمسة عدد بقية الولد وولد الولد، فما صار لولد الولد نفذ لهم بالحبس وما صار لولد الأعيان أخذت الأم سدسه والزوجة ثمنه وقُسم ما بقي على ثلاثة عدد أصل ولد الأعيان فيأخذ الحيان منهما سهميهما، وورثة الميت سهمًا بينهم تدخل فيه أمه وزوجته إن كان له زوجة، وولده وهو أحد ولد الولد فيصير لولد هذا الميت نصيب بمعنى الحبس من جده في القسم الأول والثاني، ونصيب بمعنى الميراث. وعلى ما روى عيسى بن دينار عن ابن القاسم وفيما ذكره سحنون في المجموعة: لا ينتقض القسم، ويُقسم ما كان أخذه في القسم أولاً وهو سدس الحبس: يؤخذ ما بيده ويضم إليه ما خرج منه للأم والزوجة وهو ثلث ما في أيديهما حتى يكمل له السدس- ويقال لهما: قد كنتما تحتجان عليه أن يستأثر بذلك دونكما وأنتما وارثان معه فلما مات لم تبق لكما حجة في بقاء ما أخذتما منه بأيديكما لقيام ولد الولد فيه بحق التحبيس ولا حجة لكما على ولد الولد إذ هم غير ورثة- فيقسم هذا السدس على ولد الولد ثلاثة، وعلى

من بقي من ولد الأعيان وذلك اثنان، فيقسم على خمسة ثلاثة لولد الولد، وسهمان لولد الأعيان. قال في العتبية: فما صار لولد الأعيان قُسم عليهم وعلى ورثة الهالك منهم على الفرائض، وتأخذ فيه الأم والزوجة سهميهما. يعني: أن هذه السهمين اللذين صارا لولد الأعيان تقوم فيهما أم الميت الأول وزوجته فيأخذان سدسهما وثمنهما، ثم يُقسم ما بقي منهما على ثلاثة- عدد ولد الأعيان- يُحيا الميت بالذكر فيكون لكل حي سهم، وسهم الميت لورثته، يكون بينهم على الفرائض موقوفًا، فيصير بيد ولد هذا الميت نصيب بمعنى الحبس من جده في القسم الأول والثاني، ونصيب بمعنى الميراث عن أبيه هذا على ظاهر ما في العتبية، وكذلك فسره أبو محمد. وقال سحنون في المجموعة: فما صار لولد الأعيان ضُم إليه السدسان اللذان كانا بأيديهما بعد رد الأم والزوجة ما كان أخذتا منهما، ويجمع ذلك كله ثم يخرج منه ثمنه للزوجة وسدسه للأم، ويقسم ما بقي على ثلاثة أسهم للأحياء من ولد الأعيان سهمان وسهم لورثة الميت منهم يكون بينهم موقوفًا على فرائض الله تعالى. م: وإن شئت قلت: فما صار لولد الأعيان من قسم سدس حبس الميت منهم وذلك خمسان تأخذ الأم منه سدسه والزوجة ثمنه، ويضمان ما بقي من

ذلك إلى ما كان بقي في أيديهما في قسم الحبس أولاً بعد أخذ الأم والزوجة سدسه وثمنه، فيقسمان ذلك على ثلاثة: لهما سهم ولورثة الميت سهم موروث على الفرائض، وهذا والأول سواء وهما جميعًا يرجعان إلى نقض القسم سواء؛ لأن سدس الحبس إذا قُسم على خمسة صار سدس كل واحد من ولد الولد خمسًا، وإذا ردت الأم والزوجة ما كانتا أخذتا من ولد الأعيان صار في أيديهما الخمسان، فصار الأمر إلى أن الحبس يُقسم على خمسة ثم تدخل الأم والزوجة في سهمي ولد الأعيان، فلا معنى لتطويل ما ذكره سحنون، وقسمه جميع الحبس على خمسة أبين، وإنما المسألة على مذهبين: نقض القسم، وما ذُكر في العتبية فهو غير نقض القسم. قال أبو محمد: وإنما قُسم سهم الميت من ولد الأعيان على خمسة لقيام ولد الولد في ذلك بمعاني قسم الحبس بوصية الميت ليتوفر سهم لهم بنقصان عدد أهل الحبس، فما حصل لولد الأعيان صارت الحجة عليهم فيه لمن ورث الميت الأول- المحبس- معهم، وكذلك صارت لمن يرث الميت من ولد الأعيان حجة أيضًا أن ينالوا نفع ما ورثه وليهم مادام أحد من الورثة ينتفع بمعنى الميراث عن الميت الأول، قال: وإنما يختلف نقض القسم من غير نقضه على ولد الأعيان وعلى ورثة الميت منهم، فأما على ولد الولد أو على أم المحبس وزوجته فلا. وإن شئت اعتبار ذلك: فاقسم الحبس بموت الجد على ألفين ومئة وستين

فالسدس لكل واحد ثلاثمائة وستون، فتأخذ الزوجة ثمن ما بيد كل واحد من ولد الأعيان فيجتمع لها مائة وخمسة وثلاثون، وتأخذ الأم السدس من كل واحد فيجتمع لها مائة وثمانون، فلما مات واحد من ولد الأعيان زدت إليه ما أخذت الزوجة منه وذلك خمسة وأربعون، ومن عند الأم: ستون، فيعود السدس كما كان ثلاثمائة وستين، فتُقسم على خمسة، اثنان وسبعون: لكل واحد من ولد الولد، وولدي الأعيان، فتأخذ الأم سدس ما بيد كل واحد من ولدي الأعيان، وذلك اثنا عشر، والزوجة ثمنه وذلك تسعة، فيبقى لكل واحد: واحد وخمسون، فجميع ذلك مئة وسهمان، فيأخذ كل واحد ثلثه: أربعة وثلاثين، ولورثة أخيهما الميت أربعة وثلاثون، ويصير لكل واحد منهما مائتان وتسعة وثمانون، وبيد زوجة الأب مئة وثمانية، وبيد أمه مئة وأربعة وأربعون، وبيد كل واحد من ولد الولد أربعمائة واثنان وثلاثون، فهذا ما صار لهم في ظاهر قول ابن القاسم الذي لا يرى فيه نقض القسم.

وإذا قسمت ذلك على ما رواه عنه يحيى بن يحيى وقول سحنون وابن المواز في نقض القسم بموت واحد من الولد، فإنك تقسم أصل الحبس وهو ألفان ومئة وستون على خمسة، فخمس ذلك أربعمئة واثنان وثلاثون- وكذلك كان بيد كل واحد من الولد في القسم الأول- ثم تأخذ زوجة الأب من كل واحد من ولدي الأعيان ثمن ما بيده، وذلك أربعة وخمسون، فيجتمع لها مئة وثمانية- كما كان لها في القسم الأول- وتأخذ الأم منهما سدس ما بأيديهما: مئة وأربعة وأربعين- كما كان لها في القسم الأول- ثم ينظر إلى ما بقي بيد ولدي الأعيان، فوجدناه ستمئة واثني عشر، تُقسم على ثلاثة، فثلث ذلك لورثة أخيهما وذلك مئتان وأربعة، فزادهما في هذا القسم- أعني: نقض القسم على القسم الأول في ظاهر قول ابن القاسم- مئة وسبعين؛ لأنه إنما كان لهم أربعة وثلاثون، فهذه الزيادة كانت عند عميهما، ونقص كل واحد من عميهما خمسة وثمانون عما كان بيده في القسم الأول؛ لأنه كان قد استقر بيد كل واحد منهما مئتان وتسعة وثمانون، وأن ما بأيديهما الآن في هذا القسم: مئتان وأربعة، فالذي نقصهما هو الذي زاد ورثة أخيهما، وهذا هو أشبه- والله أعلم- بحجة ولد الميت من ولد الأعيان أن يتساوى أبوهما فيما يُورث

عنه، وعماهما فيما يجري فيه حكم الميراث والله أعلم. قال سحنون في المجموعة: وإنما هذا في الثمار وأشباهها من الغلات يقسم عند كل غلة على من وجد يومئذ حيًا من ولده لصلبه وولد ولده ثم يجمع حق ولد الصلب فيقسم على الفرائض، فأما فيما يسكن من دار أو يزرع من أرض فلابد من نقض القسم في جميع الحبس، فيقسم على من بقي من ولد الأعيان، وولد الولد فما صار لولد الأعيان دخل فيه أهل الفرائض، وما صار لولد الولد أخذوه. م: وهذا القول إنما يصح على قول من لا يرى نقض القسم في جميع الحبس، وسحنون يقوله في المجموعة كنقض القسم سواء، فانظر. م: وإن مات ثان من ولد الأعيان، فعلى نقض القسم بينهم: يُقسم جميع الحبس على أربعة، فما صار لولد الولد أخذوه في الحبس، وما صار للباقي من ولد الأعيان أخذت الزوجة ثمنه، والأم سدسه، وقسم ما بقي على ثلاثة، يحيا الميتان بالذكر فما صار لكل واحد منهما أخذه ورثته على الفرائض موقوفًا، وما صار للحي كان له أيضًا. وعلى قول من لا يرى نقض القسم يسترجع من يد الأم، والزوجة ومن يد ورثة الهالك أولاً من ولد الأعيان تمام خمس جميع الحبس على ما في يد الهالك الثاني ليكمل له الخمس- وهو ما كان صار له في القسمة الثانية بعد موت أخيه وقد أخذت الأم سدسه، والزوجة ثمنه، وورثة أخيه ثلث ما بقي في يديه وهو تسع وثمن الخمس- فيأخذ ذلك منهم فيكمل له الخمس فيقسمه على أربعة:

لولد الولد ثلاثة، والباقي من ولد الأعيان سهم، فتأخذ أم المحبس من هذا السهم سدسه، وزوجته ثمنه، ثم يُقسم ما بقي على ثلاثة يحيا الميتان بالذكر، فما صار للحي أخذه، وما صار لكل ميت ورثه عنه ورثته على الفرائض موقوفًا، فإن مات الثالث من ولد الأعيان خلص جميع الحبس لولد الولد. ولو كان إن ما مات أولاً واحد من ولد الولد ولم يمت من الأعيان أحد لم يأخذ سهمه وورثته؛ لأنه بمعنى الحبس. وقال ابن المواز وغيره: وينتقض القسم بموته كقوله في موت ولد الأعيان، ويقسم جميع الحبس على خمسة، فما صار لولد الولد نفذ لهم بالحبس، وما صار لولد الأعيان أخذت الأم سدسه، والزوجة ثمنه، وقسم ما بقي على ثلاثة- عدد ولد الأعيان- وجعل الأم والزوجة يدخلان فيما ازداده ولد الأعيان من قبل ولد الولد. وقال عيسى عن ابن القاسم: لا ينتقض القسم، ويقسم نصيب الميت من ولد الولد وهو السدس على خمسة: عدد بقية ولد الولد وولد الأعيان، فما صار لولد الولد نفذ لهم في الحبس، وما صار لولد الأعيان الثلاثة دخلت فيه الأم، والزوجة أو ورثتهما إن ماتا، فيكون ذلك على مواريثهم، وكذلك قال سحنون في كتاب ابن عبدوس فتدخل فيه الأم والزوجة وكل من ورث المحبس؛ لأن ما رجع إلى ولد الأعيان من نصيب ولد الولد إنما يرجع بسبب الوصية لا بالولاية؛ لأنه على مجهول من يأتي، قال: وهذا قول أكثر الرواة.

قال غيره: ولو كان بسبب مراجع الأحباس لأثر به أهل الحاجة من أقرباء الموصي. قال سحنون في العتبية: لا تدخل فيه الأم والزوجة لأن وصية الميت قد نفذت أولاً وارتفعت التهمة- يريد: وإنما يرجع إليهم هذا بالولاية-، قال غيره: ويلزم من ذهب إلى هذا أن يؤثر أهل الحاجة من ولد الموصي؛ لأن ذلك سنة مراجع الأحباس. م: وما ذكره عنه ابن عبدوس أبين، وما ذكره ابن المواز من نقض القسم لا يختلف، إذا أدخلا الأم والزوجة فيما صار لولد الأعيان في الوجهين؛ لأن أخذ السدس والثمن من الثلاثة أخماس التي أصابت ولد الأعيان في نقض القسم مثل أخذها من الثلاثة أسداس التي تأتيهم في القسم أولاً من ثلاثة أخماس السدس التي تأتيهم فيا القسم الثاني؛ لأن ثلاثة أسداس كل عدد، وثلاثة أخماس سدسه مجموعين مثل ثلاثة أخماسه، فلا فرق بين أخذ الأم والزوجة السدس والثمن من ذلك مجتمعًا أو متفرقًا، فإذا صح ذلك فعمل نقض القسمة أخصر وأبين، وكذلك الحكم إذا لم يدخلا الأم والزوجة فيما ازداده ولد الأعيان في القسم الثاني، الجواب واحد لا يختلف، وإنما يختلف إذا أدخلتهما في قول ولم تدخلهما في الثاني، وهذا أبين، واعتبره بالأعداد تقف على صحته إن شاء الله. ثم إن مات ثان من ولد الولد فعلى نقض القسم يُقسم الحبس كله على عدد من بقي من ولد الولد والأعيان وذلك أربعة، فسهم لولد الولد الباقي، وثلاثة لولد الأعيان، وتدخل الأم والزوجة معهم على هذا القول، ولا تدخل في قول غيره، فإن هلك الثالث من ولد الولد كان جميع الحبس لولد الأعيان؛ لأنهم أقرب الناس بالمحبس.

قال سحنون في العتبية: إذا انقرض ولد الولد رجع ما كان بأيديهم إلى أقرب الناس بالمحبس وهم ولد الأعيان ولا تدخل فيه الأم والزوجة؛ لأن وصية الميت قد نفذت أولاً، وارتفعت التهمة- يريد: وإنما يرجع هذا إليهم بالولاية- قال: وقد قيل: إن ما دار إلى ولد الأعيان من ولد الولد حتى انقرضوا أو ما دار إليهم عن واحد منهم أن زوجة المحبس وأمه يدخلان فيه، وهو الذي ذكره عنه ابن عبدوس، وقاله عيسى ويحيى عن ابن القاسم. قال سحنون: وإذا انقرض ولد الولد، وصار ما بأيديهم لولد الأعيان، ثم مات واحد منهم فلتأخذ الأم والزوجة ميراثهما مما في يديه من السدس الذي أخذ أولاً مما دار إليه عن ولد الولد، فما بقي قسم بين ولدي الأعيان. م: يريد سحنون بالأم والزوجة: أم هذا الميت وزوجته؛ لأن أم المحبس الأول وزوجته قد أخذتا أولاً من هذا السدس سدسه وثمنه، فلا يرد من عندهما لانقراض ولد الولد اللذين لهم في ذلك حجة، ولكن يُقسم ما بيديه من بقية ذلك السدس على ورثته: لأم نفسه سدسه، ولزوجته حقها الربع، ولبقية ورثته ما بقي، فإن كان أخواه هذين فهو لهما، وأما ما بيده عن ولد الولد وهو سدس ثان، فهو سبيل الأحباس عنده، وفي رواية العتيبي لا شيء لورثته

فيه، ويرد إلى أولى الناس بالمحبس، وهو أخو هذا الميت بينهما نصفين- يريد إذا استووا في الحال- كذلك فسره أبو محمد. قال أبو محمد: وإن كان إن ما مات أولاً واحد من ولد الأعيان فقُسم نصيبه على ما فسرنا، ثم إن مات بعد ذلك ولد من ولد الولد فإنه يؤخذ ما كان بيد هذا الميت من ولد الولد، وهو الخمس المأخوذ في قسم الحبس من قبل جده، ومن قبل موت أبيه دون ما بيده عن أبيه بالميراث، فيُقسم هذا الخمس على أربعة أسهم، فلكل واحد من ولد الولد سهم، وسهمان للحيين من ولد الأعيان تأخذ فيهما أم الجد، وزوجته السدس والثمن، ثم يُقسم ما بقي من السهمين على ثلاثة: سهمان لولد الأعيان الحيين، وسهم لورثة أخيهما الميت تدخل فيه أمه بالسدس، وزوجته بالثمن- وإن لم يكن له الآن ولد؛ لأنه إنما يُقسم ذلك على قسم ما ورث عليه يوم مات لا اليوم- الباقي لولده الذي قد مات، فحكم ذلك: أنه يضم نصيب ولده من ذلك لورثة ولده، فتأخذ منه أمه أيضًا الثلث، إذ لا ولد له ولا إخوة، وتأخذ زوجته من الربع وما بقي لعميه، وإنما جعلنا ذلك لولد الميت من ولد الأعيان ثم قسمناه بين ورثته؛ لأن ما قسم بالميراث فإنما يُقسم على القسم الأول، ثم يكون لورثة الميت، ثم لورثة ورثته أبدًا، وهذا على قول ابن القاسم في دخول الأم والزوجة في المرجع. قالوا: وكل من مات من أهل السهام فلا يُنتقض بموته قسم، ويصير ما بيده لورثته على المواريث، وكذلك لورثة ورثتهم موقوفًا ما بقي من ولد

الأعيان أحد، فإذا انقرضوا رجع الحبس إلى لولد الولد، قالوا: وينتقض القسم بحدوث ولد لأحد من ولد الأعيان أو لأحد من ولد الولد، ولا أعلم اختلافًا في ذلك، ويقسم قسمًا ثانيًا على عدد الولد وولد الولد الأولين والذين حدثوا، وكذلك إن اشترط في حبسه: ليس لمتزوجة حق- إلا أن تردها رادة من موت أو طلاق- فتزوجت ابنة له، فهذه عند تزويجها ينتقض القسم، ولا يُقسم لها في قسم الحبس بشيء، ولكن ما صار للأعيان منه دخلت فيه بمعنى الميراث؛ لأنها أخت لهم، ثم إن رجعت انتقض القسم وقُسم لها في أصل الحبس، كنصيب الذكر إن كان حالهما سواء مع ولد الولد على عددهم، فما ناب ولد الأعيان دخلت فيه الأم والزوجة، وقُسم ما بقي على الميراث، للذكر مثل حظ الأنثيين، وينتقض القسم أيضًا بتزويج واحدة من بنات الولد، وينتقض برجوعها إذا تأيمت، وما نابها مع ولد الولد، فلا يدخل فيه عليهم أحد. م: وفيما ذكرنا من هذا كفاية، وبالله التوفيق، فهو الموفق للصواب، ولله المرجع والمآب.

[الباب السادس] في المسكن يشترط مرمة الدار، أو المحبس يشترط مرمة الحبس أو نفقته، وهل يورث ما بني في الحبس؟

[الباب السادس] في المسكن يشترط مرمة الدار، أو المحبس يشترط مرمة الحبس أو نفقته، وهل يورث ما بُني في الحبس؟ [(1) فصل: في المسكن يشترط مرمة الدار أو المحبس يشترط مرمة الحبس أو نفقته] [المسألة الأولى: فيمن أسكن رجلاً دارًا حياته أو سنين مسماة على أن عليه مرمتها] قال ابن القاسم: ومن أسكن رجلاً دارًا حياته، أو سنين مسماة على أن عليه مرمتها لم يجز، وهو كراء مجهول، وأما إن أعطاه رقبتها على أن ينفق على ربها حياته فهو بيع فاسد، والغلة للمعطى بالضمان، وترد الدار إلى ربها، ويتبعه بما أنفق عليه، إلا أن تفوت فيغرم له قيمتها ويقاصه في ذلك بما أنفق عليه. [المسألة الثانية: فيمن حبس دارًا على رجل وولده واشترط عليه إصلاح ما رث منها] قال ابن القاسم: ومن حبس دارًا على رجل وولده، وولد ولده واشترط على الذي حبس عليه إصلاح ما رث منها من ماله، لم يجز، وهو كراء مجهول، ولكن يمضي ذلك وتكون حبسًا، ولا مرمة عليه، وتكون مرمتها من غلتها؛ لأنها فاتت في سبيل الله ولا تشبه البيوع، وقد قال مالك: من حبس فرسًا على رجل واشترط على المحبس عليه حبسه سنة وعلفه فيها ثم هو له بتلاً بعدها، قال- في باب بعد هذا: أو دفعها إليه يغزو عليها سنتين أو ثلاثة وينفق عليها فيها ثم هو للمعطى بعد الأجل، أنه لا خير فيه؛ لأنه غرر إذ قد تهلك الفرس قبل تمام السنة فيذهب علفه باطلاً. قال ابن القاسم: وأنا أرى إن لم يمض الأجل أن يخير الذي حبس الفرس، إما ترك الشرط وبتل الفرس للرجل أو أخذه وأدى للرجل ما أنفق عليه، فإن

مضى الأجل لم يرد وكان للذي بتل له بعد السنة بغير قيمة، وأما بائع العبد على أنه مدبر على المبتاع فقد فات بالتدبير، ويرجع البائع على المبتاع بتمام الثمن إن كان هضم له منه شيئًا. قال أبو محمد: يريد: له الأكثر من القيمة أو الثمن. وقال أشهب وغيره: في الفرس لا يُبطل شرطه العطية، ورواه ابن وهب عن مالك. قال أشهب: وهو كمن أعاره لرجل يركبه سنة، ثم هو لفلان فترك المعار عاريته لصاحب البتل، أنه يتعجل قبضه، فهو إذ جعله عارية له ثم مصيره إليه، سقطت العارية ووجبت له الرقبة ولم يكن فيه خطر. م: وحُكي عن بعض فقهائنا القرويين: في مسألتي الفرس المتقدم ذكرهما أنهما غير مفترقي الجواب كما قدمنا ها هنا، وكذلك جمعها أبو محمد، وقال: ويكون الفرس فيهما بعد الأجل ملكًا للمدفوع إليه كما قدمنا، وقال غير أبي محمد: معناهما مفترق؛ لأن المسألة الأولى ذكر فيها تحبيس الفرس فينبغي أن يكون الفرس بعد الأجل حبسًا على المعطى لا ملكًا، والمسألة الثانية لم يذكر فيها تحبيسًا فينبغي أن يكون الفرس بعد الأجل ملكًا للمعطى، قال: وكيف يكون الفرس في المسألة الأولى ملكًا للمعطى وقد ذكر فيها ابن القاسم أنه يأخذه بعد الأجل بغير قيمة وأمره لا يعدو أن يكون كراء فاسدًا أو بيعًا فاسدًا، فإن كان كراء فاسدًا فكيف أمضاه له بعد الأجل ولم يفسخه؟ وإن كان بيعًا فاسدًا فكيف يأخذه المعطى بغير قيمة؟ هذا أمر غير مستقيم، فلم يبق

إلا أن يكون بيده بعد السنة حبسًا كما شرط ربه، ويرجع هذا المعطى على رب الفرس، بما أنفق عليه السنة، وافتراق المسألتين في الكتاب بين؛ لأنه استشهد بالأولى على مسألة من حبس داره فاشترط على المحبس عليه أن ما احتاجت إليه الدار من مرمة رمها من ماله فقال: لا يصلح، وهو كراء فاسد، ولكن يمضي ذلك ويكون حبسًا وتكون مرمتها من كرائها؛ لأنها فاتت في سبيل الله تعالى، ثم استشهد بقول مالك في الفرس، فكذلك ينبغي إذا فاتت أن تكون حبسًا، ولما سُئل بعد هذا عمن وهب لرجل نخلاً وشرط لنفسه ثمرتها عشر سنين، فقال: إن سلم النخل للموهوب له يسقيها بماء نفسه لم يصلح؛ لأنه كأنه قال له: اسقها إلي عشر سنين ثم هي لك، ثم استشهد بمسألة الفرس الثانية فبان بذلك افتراقهما، وأن الأولى ترجع الفرس فيها إلى المحبس كما رجعت الدار، والثانية إلى ملك كما اشترط في النخل. وذكر مثل هذا عن الشيخ أبي الحسن القابسي. قال الشيخ أبو الحسن: في مسالة الفرس الأولى: إذا أدرك الأمر قبل تمام السنة فخُير المحبس وأسقط الشرط وأنفذ التحبيس فليدفع أيضًا ما أُنفق على الفرس؛ لأنها شرط من المحبس ثم بعد ذلك يتم الحبس، ألا ترى إلى قول مالك: أرأيت إن هلك الفرس قبل السنة أيذهب علفه باطلاً؟ وأما إن لم يُدرك حتى فات الأجل فقد فات بالتحبيس الذي لا شرط فيه، فلابد أن يغرم المحبس علف الفرس في السنة، وهو وجه قول مالك، والله أعلم.

وإنما لم يجعل على المحبس عليه قيمة الفرس إذا فات الأجل، من أجل أن الفوت إنما وقع من قبل المحبس، والمدبر إنما وقع فوته من قبل المشتري، وإنما شبهها بها في نفس الفوت فالعبد بنفس الشراء يكون مدبرًا، والفرس بتمام الأجل تكون حبسًا. قال: ومعنى دفعه الفرس في المسألة الثانية أن المدفوع إليه يغزو عليه سنتين أو ثلاثة، ويكون ثواب عمل الفرس في الغزو للدافع، والمدفوع إليه ينفق على الفرس في الأجل ثم هو للمدفوع إليه بعد الأجل بتلاً، فصارت النفقة عليه في الأجل ثمنًا له، وشرط البيع إنما وقع بعد حلول الأجل، فهذا إن أدرك قبل تمام الأجل فالدافع بالخيار: فإن شاء أن يُمضي عطيته بلا شرط ويدفع ما أنفق عليه، وإن أبى ارتجع فرسه وغرم ما أُنفق عليه، وإن لم يعلم بذلك حتى مضى الأجل فإن لم يتغير الفرس بحوالة سوق فأعلى، فسخ البيع؛ لأنه الآن صار بيعًا فاسدًا فيُفسخ ويغرم له ما أنفق عليه، وإن فات بشيء من وجوه الفوت غرم القابض قيمة الفرس حين حل الأجل؛ لأنه من ذلك الحين ضمنه- يريد: ويرجع على الدافع بما أنفق عليه- قال: وإن كان إنما قبضه على أن يغزو عليه بنفسه من الدافع رجع عليه بأجر مثله إن كان قد غزا عنه. قال يحيى بن عمر في الدار المشترط مرمتها على المحبس عليه، إن ذلك إذا وقع مضى الحبس وسكن المحبس عليه، فإن احتاجت إلى مرمة أخرجناه منها وأكريناها من غيره بقدر مرمتها، فإذا أرمت وانقضى أجل الكراء رجع فسكن، إلا أن يقول المحبس عليه: أنا أسكن وأرم بقدر ما يُكرى من غيري، فذلك له، ولا يخرج كذلك إن احتاجت بعد ذلك فهو على ما فسرنا، وهذا معنى ما في المدونة إلا أن هذا أقيس.

[(2) فصل فيما أدخله أحد المحبس عليهم في الحبس من زيادة] قال مالك: ومن حبس دارًا على ولده وولد ولده فبنى فيها أحد البنين أو أدخل خشبة أو أصلح، ثم مات ولم يذكر لما أدخل في ذلك ذكرًا، فلا شيء لورثته فيه. قال ابن القاسم: وإن كان قد أوصى به، أو قال: هو لورثتي، فذلك لهم، وإن لم يذكرهم فلا شيء لهم فيه قل أو كثر. وقال المغيرة: لا يكون من ذلك صدقة محرمة إلا الشيء اليسير مثل الستر والميازيب وما لا يتعاظم خطره، وأما البناء الذي له قدر، فهو مال من ماله يورث عنه، ويُقضى به دينه. وكذلك في كتاب ابن المواز، وقال: ليس لورثته في اليسير حق أوصى به أم لا؛ لأنه أراد به الحبس. م: وبه قال عبد الملك. وقال ابن كنانة: من سكن دارًا محبسة فبنى فيها، ثم مات وصار سكناها لغير ورثته، فليس لمن بنى في الحبس قيمة بناء ولا عمارة. قال عبد الملك: وإن عمر في غير حيزه الذي هو بيده وهو من أهل الصدقة، فهو كأجنبي عمره، فحقه فيه ثابت بغير الصدقة.

قال ابن القاسم عن مالك: ومن حبس على رجل حياته دارًا أو أرضًا فبنى فيها مسكنًا أو غرس نخلاً ثم مات قال: إن أرضى رب الدار ورثة الباني فذلك، وإلا قلعوا البناء والنخل، إلا أن يعطيهم قيمة ذلك ملقى.

[الباب السابع] في إخراج البنات من الحبس، وهل يخرج أحد لأحد

[الباب السابع] في إخراج البنات من الحبس، وهل يخرج أحد لأحد [(1) فصل: في إخراج البنات من الحبس] قال مالك: ويكره لمن حبس أن يُخرج البنات من محتبسه، وقد حبس جماعة من الصحابة على بنيهم وأعقابهم فما أخرجوا البنات من ذلك، ونهت عائشة رضي الله عنها عن إخراج البنات من الحبس وأغلظت فيه، وقالت: ما مثل ذلك إلا كما قال الله سبحانه في أهل الكفر: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ} [الأنعام: 139]. قال سحنون: فهذا من قول عائشة رضي الله عنها يدل أن الصدقات فيما مضى إنما كانت على البنين والبنات حتى أحدث الناس ما أحدثوا من إخراج البنات، وقد أراد عمر بن عبد العزيز أن يرد صدقات الناس التي أخرجوا منها البنات. ومن كتاب ابن المواز والعتبية قال مالك: إخراجهن منه من عمل الجاهلية، وما أريد به وجه الله عز وجل لا يكون هكذا. وقال عنه ابن القاسم أيضًا: إذا حبس على ولده وأخرج البنات منه إن تزوجن فالشأن أن يبطل ذلك. ورأي ابن القاسم: إذا فات ذلك أن يمضي على ما حبس، وإن كان حيًا ولم يحز عنه الحبس، فليرده ويُدخل فيه البنات، وإن حيز عنه أو مات مضى على شرطه ولم يفسخه القاضي، ولم يذكر في كتاب ابن المواز: إن حيز عنه.

وقال مالك: في الذي شرط أن من تزوج من بناته أُخرجت من الحبس إلا أن تردها رادة، قال: أرى أن ينقض ذلك، ويجعله حبسًا مسجلاً. قال محمد- وإنما يفعل ما قال مالك من فسخ الحبس وأن يجعله مسجلاً: إنما ذلك ما لم يأب عليه من حبس ذلك عليهم، فإن أبوا لم يجز له فسخه ويقر على ما حبس وإن كان حيًا إلا أن يرضوا له برده وهم كبار. قال مالك: إن لم يخاصم فليرد الحبس حتى يجعله على الصواب. قال ابن القاسم: وإن خوصم فليقره على حاله. [(2) فصل في إخراج أحد المحبس عليهم لغيره عند ضيق الحبس] وقد تقدم أنه لا يُخرج أحد لأحد في الحبس، وأن من لم يجد مسكنًا فلا كراء له، وإن مات أو غاب غيبة انتقال استحق الحاضر مكانه، وإن كان يريد الرجوع فهو على حقه، وقد قال عطاء: لا يُخرج أحد لأحد إلا من بيده فضل مسكن، وأن من حبس على ولده وأعقابهم ولا عقب له يومئذ فأنفذه في صحته، ثم هلك هو وولده وبقي ولد ولده وبنوهم، فذلك بين جميعهم إن تساووا في الحال، إلا أن الأولاد ماداموا صغارًا لم يبلغوا ولم ينكحوا أو تعظم مؤنتهم لا يُقسم لهم، ولكن يُعطى الأب بقدر ما يمون، فإذا نكح الأبناء وعظمت مؤنتهم كانوا في القسم سواء.

[الباب الثامن] جامع القول في حيازة الأحباس والصدقات

[الباب الثامن] جامع القول في حيازة الأحباس والصدقات [المسألة الأولى: فيما تتم به حيازة الأحباس والصدقات] قال مالك وأصحابه في غير موضع: لا تتم الأحباس والصدقات التي في الصحة إلا بأن تُحاز في صحة المحبس والمتصدق، إلا الأب في ولده الصغار وبناته الأبكار، فإن حبس على صغار ولده دارًا أو وهبها لهم أو تصدق بها عليهم فإن حوزه لهم حوز، إلا أن يكون ساكنًا في كلها أو جلها حتى مات فيبطل جميعها، وأما الدار الكبيرة يسكن أقلها ويكري لهم باقيها، فذلك نافذ فيما سكن وفيما لم يسكن، وقد حبس زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر داريهما وسكنا من ذلك منزلاًَ منزلاً حتى ماتا فنفذ حبسهما فيما سكنا وفيما لم يسكنا. قال: فأما ما كان بمعنى الوصية للأجنبي في صحة أو مرض، أو ما بتل في المرض فلا تراد فيه الحيازة، وهو نافذ من الثلث؛ لأن أفعال المريض موقوفة إلى بعد الموت، هذا هو الأصل. [المسألة الثانية: إذا حبس في صحته، وكتب في حبسه أنهم حازوا] وإذا حبس في صحته وكتب في حبسه أنهم حازوا فلا ينفع في ذلك إقرارهم بالحوز ولا إقرار المحبس حتى تُعاين البينة الحيازة، وكذلك الصدقة والهبة والرهن. [المسألة الثالثة: فيمن حبس حائطه على المساكين في مرضه فلم يخرجه من يده حتى مات] قلت: فمن حبس حائطه على المساكين في مرضه فلم يُخرجه من يده حتى

مات أيجوز ذلك في قول مالك؟ قال: نعم إذا كان الثلث يحمله؛ لأنها وصية، كأنه قال: إذا مت فحائطي على المساكين حبس تجرى عليهم غلتها؛ ولأن ما فعله في مرضه من بت صدقة أو بت عتق لا يُحتاج فيه إلى أن يُقبض؛ ولأنه لو قبض من يده كان موقوفًا لا يجوز لمن قبضه أكل غلته إن كانت له غلة، ولا أكله إن كان مما يؤكل حتى يموت فيكون في الثلث أو يصح فينفذ البتل كله إن كان لرجل بعينه، وإن كان للمساكين أو في السبيل أمر بإنفاذ ذلك كله، ولا يجوز من فعل الصحيح إلا ما قُبض وحيز قبل أن يموت أو يُفلس، وقد كان له قول في فعل المريض إذا كانت له أموال مأمونة أنه يتم بتله. [المسألة الرابعة: فيمن حبس في صحته ما لا غلة له مثل السلاح والخيل ولم ينفذها ولا أخرجها من يده حتى مات] ومن حبس في صحته ما لا غلة له مثل السلاح والخيل والرقيق وشبه ذلك فلم ينفذها ولا أخرجها من يده حتى مات فهي ميراث، وإن كان يخرجه في وجوهه وترجع إليه فهو نافذ من رأس ماله؛ لأنه خرج في وجهه، وإن أخرج بعضه وبقي بعضه فما أخرج فهو نافذ وما لم يخرج فهو ميراث. قال أشهب في كتاب محمد والمجموعة: وما كان يرد إليه بعد القفول من العدو فيعلف من عنده الخيل، ويرم السلام وينتفع بذلك أيضًا هو في حوائجه ويعير ذلك لإخوانه ثم يموت، فإن ذلك ميراث؛ لأن المحبس إنما حاز لمنافعه. [المسألة الخامسة: فيمن حبس في صحته أو تصدق به على المساكين فكان يكريه ويفرق غلته كل عام عليهم ولم يخرجه من يده حتى مات] ومن المدونة قال مالك: وما حبس في صحته أو تصدق به على المساكين من حائط أو دار أو شيء له غلة، فكان يكريه ويفرق غلته كل عام على المساكين ولم يخرجه من يده حتى مات لم يجز ذلك؛ لأن هذا غير وصية إلا أن يخرج ذلك من يده قبل موته أو يوصي بإنفاذه في مرضه لغير وارث فينفذ من

ثلثه، ولا يجوز من فعل الصحيح إلا ما قُبض وحيز قبل أن يموت أو يفلس. [(1) فائدة: في الفرق بين الغلة يفرقها وبين السلاح وشبهه الذي يخرج من يده في وجهه ثم يرجع إليه] قال في المجموعة كتاب محمد: وليس تفرقة الغلة كالسلاح وشبهه الذي يخرج من يده في وجهه ويرجع إليه، يريد: لأن هذه الأشياء انتقلت من يده وأخرج جميعها، وفي الغلة لم يخرج الأصل من يده، فذلك مفترق. قال ابن عبد الحكم عن مالك: وإن جعلها بيد غيره وسلمها إليه يحوزها ويجمع غلتها ويدفعها إلى الذي حبسها يلي تفريقها وعلى ذلك حبس، إن ذلك جائز، وأبى ذلك ابن القاسم وأشهب. [المسألة السادسة: فيمن حبس دارًا أو سلاحًا أو عبدًا في السبيل وأنفذه ثم أراد أن ينتفع به مع الناس] ومن المجموعة قال ابن القاسم: فيمن حبس دارًا أو سلاحًا أو عبدًا في السبيل فأنفذ ذلك في وجهه زمانًا ثم أراد أن ينتفع به مع الناس، فإن كان من حاجة فلا بأس به. [المسألة السابعة: فيمن وهب أو تصدق على من يحوز لنفسه من وارث أو غيره فلم يقبض ذلك حتى مرض المعطى] قال في المدونة: وإن وهب أو تصدق على من يحوز لنفسه من وارث أو غيره فلم يقبض ذلك المعطى حتى مرض المعطي، لم يكن للمعطى قبضها الآن، وكانت إن مات مال وارث، وكذلك الحبس والعمرى والعطايا والنحل،

قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: إلا أن ينحل ولده الصغير الذي لم يبلغ أن يحوز نحله فيعلن بها ويشهد فيجوز وإن وليه الأب. قال مالك: فالأب يحوز للصغار من ولده ولمن بلغ من أبكار بناته ما وهبهم هو وأشهد عليه، قال أبو محمد: يريد: فيما يُعرف أو كانت دارًا ولم يسكن منها ما له قدر وبال. [المسألة الثامنة: فيمن حبس دارًا أو غيرها في السبيل وجعل عليها رجلاً يكريها وينفق في السبيل ثم أكراها من ذلك الرجل] ومن المجموعة وقال عن مالك: فيمن حبس دارًا أو غيرها في سبيل الله وجعل رجلاً يكري ويرم منها ما يحتاج إلى المرمة ويُنفق في السبيل، ثم أكراها من ذلك الرجل ونقده الكراء، فكرهه، وقال: أراها ميراثًا عنه. [المسألة التاسعة: فيمن حبس دارًا على ولده ثم اكتراها منهم] قال عنه هو وابن وهب وعلي: فيمن حبس الدار أو غيرها على ولده ثم يكتريها منهم بكراء يدفعه إليهم أو يعمل في الحائط مساقاة، فهذا يوهن الصدقة وهي باطلة إن مات، قالوا عنه إلا ابن وهب: ويُكره أيضًا من باب الرجوع في الصدقة. [المسألة العاشرة: فيمن حمل رجلاً على فرس في السبيل فأقره عنده ليعلفه ويقوم عليه حتى يحضر العدو، وأشهد على ذلك، ثم مات المعطي قبل أن يقبضه المعطى] وقال مالك: فيمن حمل رجلاً على فرس في سبيل الله فأقره عنده ليعلفه له ويقوم عليه حتى يحضر العدو، وأشهد على ذلك وأمكنه من قبضه فتركه لذلك،

ثم مات المعطي قبل أن يقبضه المعطى، فذلك نافذ إذا أشهد كما ذكرنا. قال محمد: ولا يصلح هذا إلا في مثل الفرس والسلاح وما لا غلة له. [المسألة الحادية عشر: فيمن حبس حبسًا فسكنه زمانًا ثم خرج منه بعد ذلك] وقال مالك: فيمن حبس حبسًا فسكنه زمانًا ثم خرج منه بعد ذلك، فلا أراه إلا وقد أفسد حبسه وهو ميراث. قال ابن القاسم: إن حيز عنه بعد ذلك في صحته حتى مات فهو نافذ، فإن رجع فسكن فيه بكراء بعد ما حيز عنه، فإن جاء من ذلك أمر بين من الحيازة فذلك نافذ، قاله مالك. قال محمد: هذا إذا حاز ذلك المحبس عليه نفسه أو وكيله ولم يكن فيهم صغير ولا من لا يولد بعد، فأما من جعل ذلك بيد من يحوزه على المتصدق عليه حتى يقدم أو يكبر أو يولد أو كان بيده وهو يحوزه لمن يجوز حوزه عليه، ثم يسكن ذلك قبل أن يلي الصغير نفسه وقبل أن يحوزه من ذكرنا ممن حبسه عليه، فذلك يبطله. قلت: وكم حد تلك الحيازة؟ قال: السنة أقل ذلك، قاله ابن عبد الحكم عن مالك. [المسألة الثانية عشر: فيمن حبس على عبده حبسًا حياته ثم هي على فلان فقبضها العبد ثم مات السيد] ومن المجموعة: ومن حبس على عبده حبسًا حياته، ثم هي على فلان،

فقبضها العبد وحازها، ثم مات السيد فلا شيء للأجنبي؛ لأن عبده لا يحوز عنه كما يحوز عنه غيره؛ لأنه يقدر على أن ينتزع ذلك من عبده بخلاف الأجنبي، وكذلك لو قال: هذه الدار حبس على ابني فلان الصغير، وأنا أحوزها له، فإذا انقرض فهي على فلان فيموت الأب قبل أن يبلغ الابن الحوز فذلك يبطل في الأجنبي، ويكون للابن إلى تمام عمره لحيازة الأب له، وذلك بخلاف من قال: عبدي حبس عليك سنين ثم هو لفلان، فحيازه الأول حيازة الثاني، وإن مات سيده قبل أن يخرج من الخدمة، وكذلك لو جعل مرجعه للثاني بعد حيازة الأول كان له إذا تمت الخدمة. وقال عبد الملك: إذا أعمره منزلاً فبعد أن حازه جعل مرجعه لآخر فلا تكون حيازة الأول حيازة للثاني إن مات ربه أو فلس، وأما لو كان ذلك في مرة حتى يكون قبض الأول عنه وعن الآخر، فذلك جائز. [(المسالة الثالثة عشر: فيمن حبس على فلان حياته ثم هي في السبيل] قال مالك: وإن حبسها عليك حياتك ثم هي في السبيل فإنها من رأس المال إن حزتها عنه، ولو قال: هي حبس عليك حياتي ثم هي في السبيل فهي من الثلث في السبيل، وقاله ابن القاسم وأشهب. وروى أشهب في هذا الأصل غير هذا: أنه يجعل ذلك من رأس المال؛ لأنها لا ترجع إليه ولا إلى ورثته من بعده.

[الباب التاسع] فيمن حبس ثمرة حائطه على قوم بأعيانهم فمات بعضهم

[الباب التاسع] فيمن حبس ثمرة حائطه على قوم بأعيانهم فمات بعضهم [المسألة الأولى: فيمن حبس ثمرة حائطه على رجل بعينه ثم مات المعطى وفيه ثمرة قد طابت] قال ابن القاسم: ومن حبس ثمرة حائطه على رجل بعينه حياته فكان يغتلها، ثم مات المعطى وفيه ثمرة قد طابت فهي لورثته، وإن لم تطب فهي لرب الحائط كما قال مالك فيمن حبس حائطه على قوم معينين- يريد: حياتهم- فكانوا يلونه ويسقونه فمات أحدهم بعد طياب الثمرة فإن نصيبه لورثته بلا اختلاف من قول مالك والرواة، وإن أبرأت ولم تطب فقال غير واحد من الرواة: إن حق الميت فيها أيضًا ثابت. وقال ابن القاسم: إن أُبرت ولم تطب فجميع الثمرة لبقية أصحابه يقوون بها على العمل وإن لم يُلوا عملها، وإنما تقسم عليهم الغلة فنصيب الميت ها هنا لرب النخل، ثم رجع مالك فقال: بل يُرد ذلك على من بقي من أصحابه. وقال في كتاب محمد: إلا أن يكون أوصى لكل رجل بمكيلة معلومة أو لهذا يومًا وهذا يومًا أو بسكنى، معروف لكل واحد أيام بعينها أو مسكنًا بعينه، فإن مات منهم أحد رجع نصيبه إلى صاحب الأصل. [المسألة الثانية: فيمن حبس على قوم بأعيانهم ما يقسم من غلة أو ثمرة فمات أحدهم، وكيف إن كانت دارًا لا يسكنها غيرهم] ومن المدونة: وروى الرواة كلهم عن مالك: ابن القاسم وأشهب

وابن وهب وابن نافع وابن زياد والمغيرة أنه قال: من حبس على قوم بأعيانهم ما يقسم من غلة داره أو ثمرة حائطه أو خراج غلامه، فإنه إذا مات أحدهم رجع نصيبه إلى الذي حبسه؛ لأن هذا مما يقسم عليهم، فإن كانت دارًا لا يسكنها غيرهم، أو عبد يخدم جميعهم فنصيب الميت ها هنا لباقيهم؛ لأن سكناهم الدار سكنى واحد واستخدامهم العبد كذلك، فثبت الرواة كلهم عن مالك على هذا إلا ابن القاسم فإنه أخذ برجوع الإمام مالك فقال: يرجع على من بقي كان يقسم أو لا يقسم. [المسألة الثالثة: إذا مات أحد الذين حبس عليهم ثمرة حائطه وقد أبر الثمر وكيف لو ولد لأحدهم ولد بعد الإبار أو قبله] قال سحنون: فإن مات منهم ميت والثمر قد أُبر، فحقه فيها ثابت، قاله غير واحد من الرواة. قال مالك وابن القاسم في المجموعة وكتاب محمد: ولو ولد لأحدهم ولد بعد الإبار أو قبله كان على حقه في الثمرة، ولو ولد بعد طيبها، فلا شيء لهم من ثمرة العام ولهم ذلك في المستقبل. قال محمد: ولو كانت محبسة حياة صاحبها فمات صاحبها وفيها ثمرة قد طابت فهي لهم، وإن أبرت ولم تطب فهي لورثة رب النخل، هذا معنى كلام محمد. [المسألة الرابعة: إذا مات أحد المحبس عليهم قبل طياب الثمرة وقد تقدمت له فيها نفقة] م: قال بعض أصحابنا: وإذا مات أحد المحبس عليهم قبل طياب

الثمرة وقد تقدمت له فيها نفقة أن لورثة الميت الرجوع بالنفقة؛ لأن أصحابه انتفعوا بنفقته وهو مات قبل أن يجب له حق في الثمرة، ويستأنى حتى تطيب الثمرة فيرجع الورثة عليهم بالأقل من نفقة الميت الذي أنفق أو ما ينوبه من الثمرة بعد محاسبتهم للورثة بما أنفقوا أيضًا، ولو أُجيحت الثمرة لم يكن للورثة شيء، قاله بعض فقهائنا. قال: وقال بعض شيوخنا القرويين: إذا تقدمت للميت نفقة فعلى أصحابه غرمها معجلاً؛ لأنه كالاستحقاق، وإذا استحق الأصل أن عليه غرم السقى والعلاج. م: وهذا أبين إلا أن يشاءوا أن يبقوا على نصيب الميت في هذه الثمرة فلا تلزمهم له نفقة، والله أعلم. وقد تقدم أن من أسكن رجلاً داره سنين مسماة أو حياته على أن عليه مرمتها أنه لا يجوز، وهو كراء فاسد، فإن أعطاه رقبتها على أن يُنفق عليه حياته فهو بيع فاسد، والغلة للمعطى بالضمان، ويرد الدار إلى ربها ويتبعه بما أنفق عليه، وبالله التوفيق.

[الباب العاشر] جامع مسائل مختلفة مما ليس في المدونة

[الباب العاشر] جامع مسائل مختلفة مما ليس في المدونة [(1) فصل: فيمن حبس على ولده ولا ولد له] ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن حبس على ولده ولا ولد له، فله أن يبيع فإن ولد له ولد فلا يبيع. قال ابن القاسم: وليس له أن يبيع حتى يُيأس له من الولد؛ لأني لو أجزت له أن يبيع لأجزت له إذا كان له ولد فماتوا أن يبيع ولم ينتظر إلى أن يولد له. قال: فأما إن مات الأب قبل أن يولد له ولد فلا حبس، ويصير ميراثًا. [المسألة الأولى: فيمن حبس على ولده ثم هي في السبيل فلم يولد له] قال: ومن حبس على ولده ثمرة ثم هي في السبيل فلم يولد له فله أن يبيع إن شاء، وإن وُلد له فلا سبيل له إلى البيع. قال محمد: وذلك إذا أيس له من الولد. قال عبد الملك: بل هي حبس. [المسألة الثانية: فيمن حبس على رجل وعقبه ثم مصيرها إلى رجل بتلاً فانقرض الجميع] قال مالك: ومن حبس على رجل وعقبه ثم مصيرها إلى رجل بتلاً فانفرض ذلك الذي بتل له ثم انقرض المحبس عليه وعقبه فإنها ترجع ميراثًا بين ورثة الذي بتلت له على تناسخ الميراث يوم مات.

[المسألة الثالثة: فيمن قال: ثلث مالي لبني فلان فلم يوجد لفلان ولد] قال: ومن قال: ثلث مالي لبني فلان في وصية فلم يوجد لفلان ولد، قال ابن القاسم: فقال إن كان أوصى وهو يعلم أنه لا ولد له رأيت أن يوقف ذلك، وإن لم يكن يعلم لم يوقف وكانت الوصية باطلة. وقال أشهب: إذا مات الموصي قبل أن يكون له ولد أو حمل، فالوصية باطلة. م: وقول ابن القاسم مذكور في الوصايا من المدونة. [(2) فصل فيمن قال في حبسه: إن احتاج المحبس عليهم باعوا] قال محمد بن المواز قال مالك: فيمن حبس داره على ولده وقال في حبسه: إن احتاجوا أو اجتمع ملؤهم على بيعها باعوا واقتسموا الثمن بينهم بالسواء ذكورهم وإناثهم فهلكوا جميعًا إلا واحدًا فأراد بيعها، قال مالك: ذلك له، ولا حق فيها لأحد من ولد بنات المحبس إن طلبوا ميراثهم، وقاله ابن القاسم: لأنه بتلها لبنيه خاصة في صحته فليس لسواهم من ورثة أبيهم فيها حق. وقال مالك: فيمن تصدق على ابنين بدار على وجه الحبس وكتب إن شاءوا باعوا وإن شاءوا أمسكوا، فرهق ابنيه دين فللغرماء أن يبيعوا حتى يستوفوا دينهم.

[(3) فصل فيمن جعل مرجع الحبس لآخر شخص من الحبس عليهم] قال محمد بن المواز: وإذا قال داري حبس على عقبي وهي للآخر منهم فإنها تكون للآخر منهم بتلاً، وهي قبل ذلك محبسة، وسواء قال: للآخر أو على الآخر، فإن كانت آخرهم امرأة باعت إن شاءت أو تصدقت، وإن كان آخرهم رجلاً يرجى له عقب أوقفت عليه، فإن مات ولم يعقب ورثها عنه ورثته؛ لأنه قد تبين بموته أنها قد صارت له، ولو تصدق هكذا وجعلها للآخر منهم فاجتمعوا على بيعها الأبعد منهم والأقرب، فليس لهم ذلك، إذ لعلهم ليسوا بالذين هي لهم، إلا أن يكونوا نساء كلهن من ولده فذلك لهن؛ لأنا نعلم أن إحداهن آخرهن فلم يعدها الرضا بذلك. قال ابن القاسم: وإذا قال رجل لرجلين: عبدي حبس عليكما وهو للآخر منكما، قال مالك: فذلك جائز وهو للآخر ملكًا، وقاله أشهب. قال: إلا أن يقول حبس عليكما حياتكما وهو للآخر منكما، فلا يكون للآخر إلا حبسًا عليه حياته. محمد: إلا أن يكون قوله: وهو للآخر منكما بعد أن ثبت قوله الأول فلا يكون للآخر إلا حبسًا.

[(4) فصل فيمن حبس حبسًا ثم أراد أن يبتله على من حبسه عليه] ومن العتبية: ومن سماع ابن القاسم: ومن حبس أمة حبسًا صدقة على أمه وأخته لا تباع ولا توهب ولا تورث، وأيتهما ماتت فهي للآخرة منهما، فماتت أخته فأراد أن يبتلها لأمه تبيع وتصنع بها ما شاءت قال: ذلك له بعد أن تفكر مليًا كأنه لم يرها مثل الدور. قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: وكأنه رآه من ناحية البر، وأن ذلك يجوز في الحيوان ولا يجوز في الرباع. قال محمد: إذا حوله إلى ما هو أفضل للعبد، وله هو في بر أمه، وأفضل لأمه، فإذا كان أفضل للثلاثة جاز في الحيوان، ولو حول إلى ما ليس بأفضل لم يجز. قال في العتبية: وليس له أن يفعل ذلك في الدور إلا أن يكون شرط أن مرجعها إليه فله أن يفعل مثل هذا، أو يجعلها في غيرهما بعدهما. قال أصبغ عن ابن وهب: فيمن حبس داره على رجل وقال: لا تباع ولا توهب ثم بدا له أن يبتلها له وقال: هي عليك صدقة، فقال: هي له يصنع بها ما شاء، سواء قال في حبسه هي حبس عليك حياتك أو لم يقل. قال أصبغ: لا أرى ذلك، وهي كالحبس المؤبد بعد موته وهي حبس أبدًا. م: وهذا على اختلاف قول مالك في قول المحبس إذا قال داري حبس

على معينين فقال مرة: ترجع إليه بعد انقراضهم ملكًا، فعلى هذا القول يجوز أن يبتلها له كما قال ابن وهب، وعلى قوله: ترجع حبسًا لا يجوز أن يبتلها له؛ لأن فيها حقًا لغيره بعده. [(5) فصل في حبس الرقيق والحيوان على العقب وكراهة الإمام مالك لذلك] ومن كتاب محمد بن المواز قال: وكره مالك حبس الرقيق والحيوان على أن تكون على العقب بخلاف الرباع؛ لأنه ضيق على العبد، إلا أنه لو وقع أمضاه على ما شرط، وإن أراد تغييره إلى ما هو أفضل للعبد وأقرب إلى الله تعالى جاز. قال محمد: إن حوله إلى ما هو أفضل للعبد وله هو والمحبس عليه جاز. قال ابن القاسم: ولو حول الحيوان إلى ما ليس بأفضل مما سُئل فيه لم يجز ذلك قاله مالك، بخلاف الدور؛ لأن الحيوان يموت ويمرض. قال أشهب: الحبس نافذ على ما شرط في الرقيق والدواب، وإن شرط في ذلك ما شرط في الرباع مضى ذلك على ما حبس، ويرجع ذلك كما ترجع الدور على الأقرب فالأقرب من عصبة المحبس فيُسلك به سبيل الحبس أبدًا لا يباع. وقد سُئل مالك: عمن أعمر أمه عبدين له حياتهما فلما حضرته الوفاة أعتق أحدهما قال مالك: لا يجوز ذلك إلا أن تجيزه أمه. [المسألة الأولى: فيمن أوصى ببقر له أن تحبس ويُقسم لبنها على المساكين فتوالدت] وقال ابن القاسم وابن عبد الحكم عن مالك: فيمن أوصى ببقر له أن

تحبس ويقسم لبنها على المساكين فتوالدت، قال مالك: فما ولدت من أنثى حبس معها، وما ولدت من ذكر حُبس لنزوها، فإذا كبر عن النزو بيع الفضل عن ذلك أيضًا فيُشترى بثمن ذلك إناث، وكذلك ما كبر من أنثى فانقطع لبنها فإنها تباع وتجعل في مثلها. [(6) فصل: في مل العبد الحبس، وكيف إن مات أو قتله السيد] قال محمد بن المواز: ومن حبس عبده على رجل ولم يشترط ماله، فماله بيده كالمخدم وليس لسيده ولا للمحبس عليه أخذه، ونفقته على المحبس عليه، وقال مثله في العتبية ابن القاسم عن مالك في العبد المخدم عمرى فماله موقوف بيده، وكذلك ما أفاد فلا ينزعه السيد ولا المعمر وهو يأكل منه ويكتسي بالمعروف، وإن مات ورثه سيده وله عقله إن قُتِل، وكذلك الأمة وما وُلد للأمة أو للعبد من أمته فبمثابتهما في الخدمة، وإن قتل السيد أحدهما خطأ فلا شيء عليه، وإن قتله عمدًا غرم قيمته، فيستأجر منها من يخدم المعمر، فإذا مات رجع الفضل إلى سيده. سحنون: وقد قيل يشترى بتلك القيمة عبد يخدم مكانه، وكذلك الأمة إذا أحبلها السيد. وقد تقدم هذا في كتاب العبيد مُوعبًا تم كتاب الحبس، والحمد لله وحده، وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

كتاب الصدقة

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه كتاب الصدقة [الباب الأول] جامع القول في حيازة الصدقات والهبات وشبهها وما يُبطل ذلك في صدقة المريض، وما يُحدثه المتصدق في الصدقة قبل الحوز أو بعده. [(1) فصل: في حيازة الصدقات والهبات وشبهها] قال أبو محمد: ولما كان الواهب لوارث أو لأجنبي إذا أمسك الهبة حتى يموت؛ كمن زاد على ثلثه في وصيته أو خص بالوصية بعض ورثته بطل؛ لأنه ينتفع بذلك حياته على أن يخرج ذلك من رأس ماله على ورثته بعد وفاته، وقد قال أبو بكر وعمر وعثمان وابن عمر وابن عباس وغيرهم: لا تجوز الصدقة حتى تُقبض، وقد قال الصديق لعائشة رضي الله عنها: فيما نحلها فلم نقبضه حتى مرض لو كنت حُزتيه لكان لك، وإنما هو اليوم مال وارث، قال عثمان رضي الله عنه: إلا أن ينحل ولده الصغير الذي لم يبلغ أن يحوز نحله، فأعلن بها فأشهد عليها فيجوز، وإن وليها أبوه.

قال ابن القاسم: وكل صدقة أو حبس أو نحلة أو عمرى أو عطية أو هبة لغير ثواب في الصحة يموت المعطي أو يفلس أو يمرض قبل حوز ذلك، فهي باطلة، إلا أن يصح المريض فتُحاز عنه بعد ذلك، ويُقضى للمعطى بالقبض إن منعه. [المسألة الأولى: في مطالبة المعطى بقبض العطية في مرض المعطى] ومن كتاب محمد: إذا مرض المعطي فقام المعطى الآن يقبض صدقته، ففيه اختلاف: فروى ابن القاسم عن مالك أن قبضه الآن لا يجوز وإن كان غير وارث، واحتج بأن أبا بكر رضي الله عنه لم يعط ذلك لعائشة رضي الله عنها لما مرض، وقال أشهب: يُقضى له الآن بثلثها، فإن صح قُضي له بباقيها، ولا أرى قول من قال: تجوز كلها من الثلث، ولا قول من قال يبطل جميعها؛ لأنه إذا مرض فله الحكم في ثلثه. قال محمد بن المواز: وأظن جوابه أنه لم يدع غيرها، فلذلك قال: ثلثها. قال أشهب: وقد ذهب ربيعة إلى أنه إذا لم يحز المعطى عطيته حتى مات المعطى أن له ثلث العطية. وقال ابن شهاب وغيره: هي للمعطى إن حملها الثلث، ولا أقول ما قالاه. [المسألة الثانية: إذا استدان المعطي ما أحاط بماله وبالصدقة ولم يحزها المعطى بعد] قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وإذا أدان المعطي ما

أحاط بماله وبالصدقة، فالدين أولى، والعطية باطلة، والصدقة بيوم تُقبض لا بيوم تصدق بها، والفلس كالموت والمرض. وقال أصبغ: الصدقة أولى من الدين المستحدث بعدها وإن لم تُقبض، وهي بيوم يتصدق بها لا بيوم تقبض ما دام حيًا، إذ لو قيم عليه لأخذت منه، ما لم يمرض أو يمت، وليس كالفلس وهي كالعتق إذا أعتق وله مال يفي بدينه لم يضر ذلك ما يحدث من الدين. قال ابن حبيب: لا تشبه العتق؛ لأن العتق قبض، والصدقة لم تُقبض حتى حدث الدين. [المسألة الثالثة: إذا مات المعطى قبل الحيازة، وكيف إن حازها المعطى ثم اكتراها المعطي أو سكنها ضيقًا أو مريضًا فمات بها] وقال ابن المواز: وإذا مات المعطى، لا يضر ذلك ولورثته القيام بطلبها، وأما موت المعطي قبل الحيازة فالعطية تبطل إلا فيما أعطى لصغار بنيه أو من يلي عليه لم يكن ذلك عينًا، وهذا في الأب والوصي فقط، ولا يجوز ذلك في أم ولا جد ولا أخ أو غيره إلا أن يكون وصيًا، وشيء آخر عذر به: مثل الرجل يتصدق بالثوب ونحوه في سفره، ومثل الحاج يشتريه لأهله فيُشهد على ذلك، ثم يموت في سفره فيجوز من رأس المال ولا ينفع أن يذكر ذلك حتى يُشهد عليه إشهادًا، وشيء آخر: ما كان من الحبس مما لا غلة له مثل سلاح أو مصحف، فإذا خرج من يده فيما جعله فيه ثم رجع إلى يده فهو نافذ، وإن مات وهو في يده فهو من رأس المال، وشيء آخر: الذي تحاز عنه الدار التي يُتصدق بها على قوم فيحوزونها مثل السنة فأكثر ثم يكتريها المتصدق بها فيسكنها فيموت فيها،

فهي نافذة من رأس ماله، فأما على من لم يولد بعد، فلا، ولا على الأصاغر، وإن حاز ذلك هو أو غيره حتى يكبر الأصاغر ويحوزوا مثل السنة فأكثر، ثم يكتريها منهم، ثم يموت فيها فيجوز وإن كنا نكره له ذلك من باب الرجوع في الصدقة. محمد: هذا كله قول مالك وأصحابه لا يختلفون فيه. قال: وإذا حاز المعطى وسكن ثم استضافه المعطي فأضافه، أو مرض عنده حتى مات أو اختفى عنده حتى مات فلا يضر ذلك العطية. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: أما إذا حاز المعطى الدار فمرض المعطي فنقله الموهوب إليه فمات فيها، أو كان مسافرًا فنزل به فأضافه، أو طريدًا فآواه فيدركه الموت بها فالصدقة تامة ولو كان ذلك بعد حيازة المعطى بيوم، وما كان على غير هذا المعنى فسكن فيها حتى مات فذلك يُبطل الصدقة ولو تقدمت حيازة المعطى فيها الزمان الطويل وسكنها باكتراء أو بإسكان، قالا: وكذلك لو كتب له بذلك المعطى كتابًا أنه أسكنه إياها حياته أو أكراها منه مدة بعد أن حازها المعطى زمانًا طويلاً فلم يسكنها المعطي حتى مات فهي أيضًا باطل كما لو سكن على هذا. قال وذهب ابن القاسم وأصبغ إلى أنه إذا حازها المعطى سنة ثم

سكنها المعطي بكراء أو منحة أو بأي وجه فإن ذلك لا يُبطلها وهي نافذة. ومن العتبية والواضحة قال ابن القاسم: ومن تصدق على رجل بدار ودفع إليه مفتاحها وبرئ إليه منها ليحوزها، فتلك حيازة وإن لم يسكنها المعطى ولا أسكنها أحدًا. أبو محمد: يريد: وهي حاضرة بالبلد. [(2) فصل في صدقة المريض] ومن المدونة قال ابن القاسم: وكل صدقة أو هبة أو حبس أو عطية بتلها مريض لرجل بعينه أو للمساكين فلم تخرج من يده حتى مات فذلك نافذ في ثلثه كوصاياه؛ لأن حكم ذلك وحكم ما أعتق الإيقاف، ليصح المريض فيتم ذلك أو يموت فيكون في الثلث، ولا يتم لقابض في المرض قبضن ولو قبضه كان لورثته إيقافه، فذلك لم تبطل الصدقة بترك الحيازة لها؛ لأنه ممنوع منها. قال: وليس لمن قبضها أكل غلتها ولا أكلها إن كانت مما يؤكل، ولا رجوع للمريض فيها؛ لأنه بتلها بخلاف الوصية، ولا للموهوب أو المتصدق عليه أن يتعجل قبضها إلا على أحد قولي مالك في المريض له مال مأمون فينفذ ما بتل من صدقة أو عتق أو غيره.

[(3) فصل فيما يحدثه المتصدق في الصدقة قبل حوز المتصدق عليه أو بعده] قال: ومن تصدق على رجل بدار فلم يقبضها المعطى حتى باعها المعطي، فإن علم المعطى بالصدقة فلم يقبضها حتى بيعت تم البيع، وكان الثمن للمعطى، فإن لم يعلم- أو علم ولم يفرط حتى غافصه بالبيع- فله نقض البيع في حياة الواهب وأخذها، فأما إن مات المعطي قبل أن يقبضها المعطى فلا شيء له بيعت أو لم تبع. وقال أشهب: إن خرجت من ملك المعطي بوجه ما، وحيزت عليه فليس للمعطى شيء. قال محمد: البيع أولى وإن لم يقبض؛ لأنه يضمنه، وتبطل الصدقة، ولا شيء للمتصدق عليه من الثمن. قال محمد: وأهل العراق يقولون في كل شيء: إن للمتصدق أن يرجع فيه ما لم يحز عنه، ويخرج من يده. ومن كتاب العتق: ومن وهب عبدًا أو تصدق به على رجل أو أخدمه إياه حياته ثم أعتقه المعطي قبل حوز المعطى جاز العتق وبطل ما سواه،

علم المعطى بالهبة أو بالصدقة أو لم يعلم. قال في كتاب محمد: كذلك لو كانت له أمة فأحبلها قبل الحيازة، وكذلك عنه في العتبية. قيل له- فيها-: فهل تؤخذ منه قيمة الأمة إذا حملت؟ قال: لعل ذلك أن يكون. وفي رواية أصبغ: ذلك بمنزلة العتق. قال أصبغ عن ابن القاسم: ولو قتل العبد رجل كانت القيمة للموهوب له. قال أصبغ: ولو كاتبه أو دبره أو أعتقه إلى أجل فلا يُرد ذلك ولا شيء للمعطى لا في خدمة المدبر ولا في كتابة المكاتب ولا في رقبته إن عجز. وروى عنه عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب: فيمن تصدق على رجل بعبد ثم أعتقه قبل أن يقبضه قال: لا عتق له، وإن كانت أمة فأحبلها فعليه قيمتها للمعطى إن كانت عطية جد. وروي عن ابن القاسم: أنه إن أعتق العبد وأراد به إبطال الصدقة نفذ عتقه

وغرم قيمته للمتصدق عليه. [المسألة الأولى: لو وهب العبد لآخر قبل حيازة الأول] قال في العتق: ولو لم يعتقه ولكن وهبه لآخر أو تصدق به عليه، فالأول أحق به وإن حازه الآخر ما لم يمت الواهب. وقال أشهب: بل الثاني أحق به إذا حازه وإن لم يمت الواهب، وبه أخذ محمد. وروي عن ابن القاسم: أنه إن تصدق به أو وهبه لآخر، والأول عالم فلا شيء له إذا حازه الآخر، وإن لم يعلم فهو أولى لم يمت الواهب. [(4) فصل: في تصرفات المتصدق بعد حوز المتصدق عليه] [المسألة الأولى: في حكم شراء الرجل صدقته] ومن كتاب الصدقة قال مالك: ولا يشتري الرجل صدقته من المتصدق عليه ولا من غيره. قال محمد بن المواز: ولا ترجع إليه باختيار من شراء أو غيره وإن تداولته الأملاك والمواريث، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه)). قال غيره: نهى النبي عليه الصلاة والسلام عمر عن شراء فرس كان تصدق به، وروي: ((لا يحل لأحد أن يهب هبة ثم يعود فيها إلا

الوالد لولده)). [المسألة الثانية: في شراء الأب جارية تصدق بها على ابنه الصغير] قال مالك: ومن تصدق على ابنه الصغير بجارية فتبعتها نفسه فلا بأس أن يقومها على نفسه ويشهد ويستقصي للابن. قال محمد عن ابن القاسم: وإنما رخص فيها لموضع الابن الصغير من أبيه، ولو كان كبيرًا أو أجنبيًا ما حل له ذلك، وقاله مالك. وقال ابن المواز: وللرجل أن يأكل من لحم غنم تصدق بها على ابنه، ويشرب من لبنها، ويكتسي من صوفها إذا رضي الولد، وكذلك الأم. قال محمد: وهذا في الولد الكبير، وأما الصغير فلا يفعل، وقاله مالك. [المسألة الثالثة: فيمن تصدق على أجنبي بصدقة فهل له أن يأكل من ثمرتها أو يركبها إن كانت دابة] قال في المدونة: ومن تصدق على أجنبي بصدقة لم يجز له أن يأكل من ثمرتها ولا يركبها إن كانت دابة ولا ينتفع بشيء منها ولا من ثمنها، وأما الأم أو الأب إذا احتاجا فلا بأس أن يُنفق عليهما مما تصدقا به على الولد. [المسألة الرابعة: في استعارة المتصدق ما تصدق به، وفي صدقة المتصدق عليه بالصدقة على المتصدق] قال ابن المواز: قال مالك: ولا يستعير ما تصدق به أو أعطاه لرجل في

السبيل، وإن تصدق بذلك عليه فلا يقبله، ولو حمله على فرس في السبيل فلا يستعيره يركبه ولو كان أمرًا قريبًا فلا أحبه، وقد ركب ابن عمر رضي الله عنه ناقة وهبها فصرع عنها فقال: ما كنت لأفعل مثل هذا. [المسألة الخامسة: إن تصدق بالغلة ولم يبتل الأصل فهل له الشراء؟] قال محمد رحمه الله: وأما إن لم يبتل الأصل، وإنما تصدق بالغلة عمرًا أو أجلاً، فله شراء ذلك، قاله مالك وأصحابه إلا عبد الملك: واحتج بالنهي عن الرجوع في الصدقة، وأجاز لورثته شراء المرجع، والحجة عليه، ما أرخص النبي عليه الصلاة والسلام من شراء العارية، ولو جعل الثمرة والخدمة لرجل عمره ثم الرقبة لآخر بعده، فلا يجوز لمن له الأصل شراء ذلك- لأنه قد بتله- ويجوز شراء ذلك لمن له مرجع الأصل ولورثته. م: لأنهم كمن أعمر رجلاً نخلة ثم مرجعها إليه. قال: ويجوز للذين لهم الغلة شراء مرجع الأصل ممن جُعل له، وقاله كله مالك. م: كما لو تصدق بأصل حائطه بعد عشر سنين فإن له شراء المرجع؛ لأن أصله معروف، فجعل له من الغلة والمرجع كالمتصدق عليه. [(6) فصل] ومن العتبية قال مالك: ومن تصدق على ولده الصغير بدين ثم اقتضاه الأب بعد ذلك، فهو بمنزلة العبد يتصدق به عليه ثم يبيعه، فالثمن للابن، ولا يكون بمنزلة الذهب يتصدق بها عليه وهي في يديه فليست للابن إذا لم

يجعلها على يد غيره. محمد وقاله مالك وأصحابه. قال عيسى عن ابن القاسم: لأن الدنانير قد حيزت مدة حيازة تامة قبل أن يقبضها الأب كما لو تصدق على ولده الصغير بدنانير وجعلها بيد رجل يحوزها له ثم حدث للرجل سفر أو مات فقبضها ومات فهي ماضية؛ لأنها حيزت مرة، وكالدار يتصدق بها فتحاز سنين ثم يسكنها بكراء أو غيره فيموت فيها فهي جائزة. ولو تصدق على رجل بدين له على آخر ثم قبضه من غريمه، فإن علم الغريم بالصدقة قبل الدفع ضمنها للمعطى وإلا رجع المعطى على المعطي.

[الباب الثاني] في موت المعطي قبل حوز المعطى وقد كان أخرج الصدقة من يده أو أشهد عليها

[الباب الثاني] في موت المعطي قبل حوز المعطى وقد كان أخرج الصدقة من يده أو أشهد عليها [المسألة الأولى: فيمن تصدق على رجل وجعلها على يد غيره فلم يقبضها المعطى حتى مات المعطي] قال ابن القاسم: ومن تصدق على رجل بدراهم وجعلها على يدي غيره والمعطى مرضي في نفسه ليس بسفيه ولا محجور عليه وهو حاضر يعلم بذلك فلم يقم على صدقته ولم يقبضها حتى مات المتصدق بها، فإن كان المتصدق لم يشترط على الذي جعلها على يديه أن لا يدفعها للمعطى إلا بإذنه كان للمعطى أخذها بعد موت المتصدق بها؛ لأنه تركها في يد رجل قد حازها له ولو شاء أخذها منه في حياة المتصدق، ولا رجوع للمتصدق فيها، وإن اشترط المتصدق ما ذكرنا بطلت الصدقة، وقد قال مالك: فيمن دفع في صحته مالاً لمن يفرقه في الفقراء أو في سبيل الله عز وجل ثم مات المعطى قبل إنفاذه، فإن كان أشهد حين دفعه لمن يفرقه، نفذ ما فات منه وما بقي فهو من رأس المال. قال ابن القاسم: وإن لم يشهد حين دفعه إلى المأمور فليرد ما بقي منه إلى ورثة المعطي ولا ينفعه ما أمره به، فإن فرق ما بقي بعد موت المعطي ضمن البقية للورثة. ومن ذلك أيضًا الرجل يحبس الحبس فيجعله على يدي رجل، فإن كان الذي حبس عليهم كبارًا فيجوز ذلك، ألا ترى أن أحباس من مضى عمر وغيره رضي الله عنهم إنما كانت في يد من جعلوها على يديه يجرون غلتها فيما أمروا به

وكانت جائزة مقبوضة. [المسألة الثانية: فيما اشتراه الرجل في سفره من هدية لأهله فمات قبل أن يصل إليهم] قال مالك: وأما ما اشترى الرجل في سفره من حج أو غيره من هدية لأهله من كسوة ونحوها، أو بعث بهدية لرجل فمات قبل أن يصل إلى أهله أو للرجل، فإن كان أشهد على ذلك فهو لمن اشتراه له، وإن لم يشهد فهو ميراث. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم قال: إنما هذا إذا اشتراه لصغار ولده وأبكار بناته ممن يجوز حوزه لهم فهذا إذا أشهد عليه جاز. م: قال بعض أصحابنا: إذا أشهد على المال ثم اشترى به الهدية فمات قبل أن تصل فإنها جائزة وإن لم تخرج من يده؛ لأنه قد نقله عن المال الذي وهبه إلى عوض، فهو غير ما وهب، وإن أشهد على العوض- الهدية- لم يجز حتى يخرجه من يده إلى غيره؛ لأن ذلك الشيء بعينه هو الهدية. م: وليس ذلك شيئًَا، والإشهاد في مثل هذا هو الحوز؛ لأنهم عذروا المعطي بالغيبة فجعلوا حوزه الإشهاد، وقد قال مالك في كتاب محمد والعتبية: فيمن تصدق في سفر على امرأته أو ابنته- وليسوا معه- بعبد معه وأشهد على ذلك والعبد يخدمه ومات السيد قبل أن يقدم، فإن أشهد على ذلك من يعرف المرأة أو الابنة فذلك نافذ، وإن أشهد من لا يعرفهما فلا أدري ما هذا، قال في كتاب محمد: وكذلك ما اشتراه في الحج من هدايا لأهله. [المسألة الثالثة: فيمن بعث بهدية أو بصلة لرجل غائب ثم مات المعطي أو المعطى قبل وصولها] ومن المدونة قال مالك: ومن بعث بهدية أو بصلة لرجل غائب، ثم مات

المعطي أو المعطى قبل وصولها، فإن كان المعطي أشهد عليها حين بعثه بها فهي للمعطى أو لورثته، وإن لم يشهد عليها حين بعثها فأيهما مات قبل أن تصل فهي ترجع إلى الباعث أو لورثته. وكذلك في كتاب ابن المواز في رواية أشهب عن مالك، قال: إذا لم يكن ذلك وصل إليهم ولا أشهد به إشهادًا وإنما كان يذكر ذلك للعدول عند الشراء أو غيره فهذا من مات منهما قبل أن يصل ذلك للمعطى فلا شيء للمعطى. وفي كتاب ابن المواز: أيضًا من مات منهما أولاً رجع ذلك إلى ورثة الميت. م: وهذا أبين؛ لأن الصدقة إنما تبطل بموت المتصدق لا بموت المتصدق عليه، وقد قال مالك في المدونة في باب آخر: إن كل من وهب هبة لرجل فمات الموهوب له قبل أن تُقبض هبته فورثته مكانه يقبضون هبته وليس للواهب أن يمتنع من ذلك. قال ابن القاسم: وكذلك من وهب لعبد رجل هبة فمات العبد كان لسيده أن يقوم على الهبة فيأخذها. ابن المواز: قال مالك: ولو أشهد الباعث أنها هبة لفلان ثم طلب استرجاعها من الرسول قبل أن يخرج فليس له ذلك. [المسألة الرابعة: في إشهاد الشهود على الإنفاذ] محمد: ولو بعث بها مع رجلين فأشهدهما، فإن قال لهما: اشهدا علي فهي على الإنفاذ.

وقال ابن عبد الحكم عن ابن القاسم: إنه إذا قال: ادفعا ذلك إلى فلان فإنني وهبته ذلك فهي شهادة، وإن لم يذكر فإني وهبته فليس بشيء. قال محمد بن المواز: إذا مات فهي ترجع إليه إلا أن يُشهد إشهادًا على الإنفاذ وتصل إلى المعطى. قال أشهب عن مالك: ولو أشهد فلا تتم حتى يكون قد أشهدهما إشهادًا. وكذلك قال عنه ابن القاسم: فيمن اشترى هدايا في الحج لأهله فلا تنفع الشهادة في ذلك حتى يشهدوا أنه أشهدهم، قال: ولو قالوا: إنا سمعناه يقول: هذا لامرأتي وهذا لابنتي، فلا ينفع حتى يقولوا: وأشهدنا على ذلك، والله أعلم.

[الباب الثالث] فيمن تصدق بنخل وادعى ثمرتها أو استثناه لنفسه

[الباب الثالث] فيمن تصدق بنخل وادعى ثمرتها أو استثناه لنفسه [(1) فصل: فيمن تصدق على رجل بحائط فيه ثمرة فزعم أنه لم يتصدق عليه بالثمرة] قال مالك: ومن تصدق على رجل بحائط فيه ثمرة فزعم أنه لم يتصدق عليه بالثمرة، فإن كانت الثمرة يوم الصدقة لم تؤبر فهي للمعطى، وإن كانت مأبورة فهي للمعطي كالبيع، ويُقبل قوله، وكذلك الهبة، ورب الحائط مصدق من حيث تأبير الثمرة. قال ابن القاسم: ولا يمين عليه في ذلك. قلت: وكيف حيازة النخل وربها يسقيها لمكان ثمرته؟ فقال: إن خلى بينه وبين الثمرة يسقيها كانت حيازة. قال ابن المواز: ويقبض الموهوب له النخل، ويكون سقيها على الواهب في ماله لمكان ثمرته، ويتولى الموهوب سقيها لمكان حيازته. [(2) فصل: في استثناء من وهب حائطًا ثمر الحائط لنفسه مدة] ومن المدونة قال ابن القاسم: وكذلك لو استثنى الواهب ثمرها لنفسه عشر سنين، فإن أسلم النخل إلى الموهوب يسقيها بماء الواهب ويدفع إليه ثمرها كل سنة فذلك حوز، وإذا كان الموهوب يسقيها بمئة والثمرة للواهب لم يجز؛ لأنه كأنه قال له: اسقها عشر سنين ثم هي لك، ولا يدري أتسلم النخل إلى ذلك الأجل أم لا؟ ولقد قال لي مالك: فيمن دفع إلى رجل فرسًا يغزو عليه سنتين أو ثلاثة وينفق عليه المدفوع إليه الفرس من عنده ثم هو للمدفوع إليه بعد الأجل فاشترط عليه ألا يبيعه قبل الأجل أنه لا خير فيه، وبلغني عنه أنه قال: أرأيت إن مات الفرس قبل الأجل أتذهب نفقته باطلاً؟ فهذا

غرر، فهذا يدلك على مسألتك في النخل، وأما إن كانت النخل بيد الواهب يسقيها ويقوم عليها ولم يُخرجها من يده، فهذا إنما وهب نخله بعد عشر سنين فذلك جائز للموهوب إن سلمت النخل إلى ذلك الأجل ولم يمت ربها ولا لحقه دين فله أخذها بعد الأجل، وإن مات ربها أو لحقه دين فلا حق له فيها. وقد تقدمت هذه موعبة في كتاب الحبس، وبالله التوفيق.

[الباب الرابع] في صدقة البكر وذات الزوج

[الباب الرابع] في صدقة البكر وذات الزوج قال مالك: وإذا تزوجت الجارية البكر ولم تدخل بيتها فلا تجوز صدقتها ولا عتقها في ثلث ولا غيره حتى تدخل بيتها وتكون رشيدة فذلك لها حينئذ، ويكون في ثلثها، وليس بعد الدخول حد مؤقت يجوز صنيعها إليه وإنما حدها الدخول إذا كانت مصلحة. قال محمد بن المواز: قال ابن عبد الحكم: في البكر البالغ- عليها ولي- لا يجوز كل ما تصنع في مالها، وإن لم يول عليها فجائز ما صنعت من بيع وشراء، فأما عتق أو صدقة أو عطية فلا، وكذلك قال أبو زيد والحارث، وسحنون يجوز صنيعها كله ما لم تول بولاية ولي. ومن المدونة قال ربيعة: كل امرأة أعطت وهي في سترها فلها الخيار بعد أن يبرز وجهها بين رد ما أعطت أو الرضى به فينفذ. ومن العتبية روى أشهب عن مالك: في البكر تتصدق على أبويها، ثم تتزوج ويدخل بها زوجها فتقوم في ذلك، فذلك رد ولها أخذه،

قال ابن نافع: ولو أقامت بعد البناء سنتين أو أكثر، ثم قامت وقالت: لم أكن أعلم أنه لا يلزمني، فلها رد ذلك، وتحلف. قال محمد: قال مالك: للبكر أن ترد ما صنعت قبل أن تصير إلى زوجها، ولو أجاز الزوج ما صنعت قبل أن يبني بها لم يجز ذلك، ولو ماتت البكر ولم يرد وليها ما صنعت أو لم يعلم، فلورثتها رد ما أعطت، كما يكون لها لو وليت نفسها ما لم تجزه بعد أن تلي نفسها أو تتركه بما يُعلم أنه رضى، ولو مات العبد الذي أعتقت لم يورث إلا بالرق، ولا يرث هو الأحرار أيضًا، والله أعلم. تم كتاب الصدقة والحمد لله وحده وصلواته على محمد نبيه وآله وصحبه وسلم. يتلوه كتاب الهبة.

كتاب الهبة والهبات

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كتاب الهبة والهبات كتاب الهبة [الباب الأول: في ما يلزم من الهبة والعدة وما لا يلزم] قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه)). قال ربيعة: ومن قال: اشهدوا أن لفلان في مالي صدقة مئة دينار لزمه ذلك إن حملها ماله، وإلا لم يتبع بما عجز به. ورأى ابن شهاب: أن من وهب لرجل من عطائه وكتب له بذلك كتابًا فلا رجوع له فيما أعطى. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ومن وهب هبة لصلة رحم أو على وجه الصدقة فإنه لا يرجع فيها). وقضى عمر بن عبد العزيز: أن الصدقة ليس لصاحبها أن يرجع فيها.

[(1) فصل في رجوع الذمي عن هبته لذمي قبل دفعها، وكيف إن كان أحدهما مسلمًا وفي صدقة النصراني] ومن المدونة: وإذا وهب ذمي لذمي هبة فلم يدفعها حتى بدا له فذلك له؛ لأنها عطية لم تحز، وقد قال غير واحد من العلماء ممن يؤخذ بقوله: إن ذلك لا يُقضى به بين المسلمين فيما لم يحز فكيف بأهل الذمة. قال ابن القاسم: ولو كان أحدهما مسلمًا لقُضي على المعطي بدفعها للمعطى. وكان أشهب يضعف صدقة النصراني وإن كانت على مسلم إن كان من أهل العنوة، وإن رجع فيها قبل أنه تحاز عنه فذلك له. [(2) فصل فيما يؤمر به للسائل فيوجد قد ذهب وكيف إن لم يقبله، وفيمن وعد شخصًا بمال إلى أمد فذهب فلم يجده] [المسألة الأولى: فيما يؤمر به للسائل فيوجد قد ذهب وكيف إن لم يقبله] ومن كتاب محمد ابن المواز قال مالك: في السائل يقف بالباب فيؤمر له بالكسرة أو بالدراهم فيوجد قد ذهب، فأرى أن تُعطى لغيره، وما هو بالواجب، ومن خرج إلى مسكين بشيء، فلم يقبله فليعطه لغيره، وهو أشد من الأول.

[المسألة الثانية: فيمن وعد شخصًا بمال إلى أمد فذهب فلم يجده] ومن سأل رجلاً شيئًا فوعده إلى غد فيأتيه فلا يجده، فإن أراد بذلك وجه الله تعالى فلينفذه إلى غيره، وكذلك لو سأله بعض أقاربه بصلة فوعده ثم ذهب إليه فلم يجده، فأحب إلي أن يُنفذه إلى غيره، وليس بواجب. [(3) فصل في الرجوع عن الوعد، وفيمن أدخل غيره بوعد في أمر لازم، وفيمن سأل غيره عارية دابته إلى حاجة كذا، وكيف إن لم يبين الحاجة] [المسألة الأولى: في الرجوع عن الوعد] قال مالك: ومن قال لمديان أو غيره: أنا أسلفك، أنا أعيرك، أنا أهبك، فلا يلزمه. وقد رغب عن مكارم الأخلاق، ولا أدري كيف ذلك فيما بينه وبين الله تعالى. [المسألة الثانية: فيمن أدخل غيره بوعد في أمر لازم] قال ابن القاسم: ومن أدخله بوعد في لازم فذلك الوعد يلزم، كقوله: بع عبدك من فلان أو زوجة ابنتك والثمن أو الصداق علي، فذلك عليه دون فلان في الحياة والممات. قال مالك: يلزمه إذا أشهد إلا أن يموت المعطي قبل القبض، فيبطل إلا أن يضمنها لمن زوجه أو باع منه. ومن العتبية قال ابن القاسم: ومن قال لرجل: احلف لي أنك ما شتمتني ولك كذا هبة مني فحلف له، قال ابن القاسم: تلزمه الهبة. قال سحنون: والذي يلزم من العدة في السلف والعارية أن يقول رجل لرجل:

اهدم دارك وأنا أسلفك أو اخرج إلى الحج، أو اشتر دار كذا أو تزوج وأنا أسلفك وشبه هذا مما يدخله فيه بوعده، فهذه العدة التي تلزم، وأما إن قال له: أنا أسلفك، أنا أهبك، أنا أعطيك بغير شيء ألزمه المأمور نفسه بأمر الآمر فلا يلزمه، وقال نحوه أصبغ. قال أصبغ: إذا قال له: إني أريد النكاح فأسلفني مئة دينار إلى أجل كذا، فقال: أنا أسلفك فانكح، فنكح فإنه يُقضي عليه بالسلف، ولو لم ينكح حتى قال له: لا تنكح فقد بدا لي، قال: لا رجوع له في ذلك نكح أو لم ينكح ويلزمه السلف بالحكم إذا شاء النكاح. [المسألة الثالثة: فيمن سأل عارية دابة يركبها وبين حاجته وكيف إن لم يبين] وكذلك لو سألك عارية دابتك أن يركبها في غد إلى حاجة كذا فأنعمت له بذلك ثم بدا لك، لم يكن لك ذلك ويُقضى عليك بعاريته، وكذلك لو قال لك: أسلفني مئة دينار فإني أريد شراء جارية فلان أو دابة فلان أو سلعة فأنعمت له فليس لك أن يبدو لك، وسواء ذكر في هذا كله للمال أجلاً أو لم يذكره، فإن لم يذكر الأجل فقلت: أنا آخذه منك حالاً فليس ذلك لك حتى ينتفع به المستسلف، ويمضي لذلك قدر ما يرى أن مثله يتسلف إلى مثل ذلك الأجل، ويُنظر إلى حال المستسلف إن كان غنيًا يقدر على رد ذلك في مثل الأجل القريب اجتهد في ذلك السلطان بقدر ما يرى من حال الرجلين.

قال: وإنما ألزمته مثل هذا وإن لم يدخله بوعده في أمر؛ لأنه روي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((وأي المؤمن واجب))، وقضى به عمر بن عبد العزيز في قوم وعدوا من أعطيتهم ثم نكصوا. قال أصبغ: والعدة التي لا يُحكم بها أن يقول لك: أعرني دابتك أو أسلفني كذا بغير سبب يذكره من حاجة نزلت به أو نكاح أو قضاء دين فوعدته، فذلك لا يلزمك. وفي كتاب الحمالة والمديان والخلع شيء من هذا.

[الباب الثاني] فيمن وهب من مال ولده شيئا [وفيمن وهب] مشاعا أو مجهولا أو دينا، وفي موت الموهوب قبل القبض]

[الباب الثاني] فيمن وهب من مال ولده شيئًا [وفيمن وهب] مشاعًا أو مجهولاً أو دينًا، وفي موت الموهوب قبل القبض] [(1) فصل: فيمن وهب شيئًا من مال ابنه الصغير لغير الثواب] قال ابن القاسم: ومن وهب شيئًا من مال ولده الصغير لغير ثواب لم يجز وتُرد الهبة إن كانت قائمة فإن فاتت ضمنها الأب. [(2) فصل في هبة المشاع] [المسألة الأولى: فيمن وهب نصفًا له في دار أو عبد] ومن تصدق على رجل أو وهبه نصفًا له في دار أو عبد فذلك جائز، كما يجوز بيع ذلك، ويحل المعطى محل المعطي فيه فيكون ذلك حوزًا. قال ابن المواز: ولا أعلم من أنكر هبة المشاع إلا بعض أهل المشرق، وما لكراهيتهم لذلك وجه ولا حجة. [المسألة الثانية: في حوز المشاع من الهبة] ومن تصدقت عليه بنصف عبدك فالحوز فيه أن يخدمك يومًا ويخدمه يومًا أو عشرة أيام وعشرة أيام، فإن مت فهو حوز تام، كان العبد حينئذ بيد المعطي أو المعطى، وإن كان عبدًا لغلة، واجراه جميعًا واقتسما الغلة، فأما إن تصدق بشقص له في عبد فلا يجوز أن يبقى بيد المتصدق منه شيء، ولكن يكون جميعه إما بيد الشريك وإما بيد المعطى أو بأيديهما.

قال: وإن أسلم مصابته وتكارى مصابة شريكه بطلت صدقته إلا أن يخرج عنها. [المسألة الثالثة: فيمن تصدق على رجل بمورثه المشاع] ومنه ومن العتبية قال ابن القاسم: ومن تصدق على رجل بمورثه من قرية مشاعًا، فعمل المعطى في القرية وعمر بقدر حصة المعطي، ثم هلك المعطي فاقتسم إخوته بعد موته فصار للمعطى مثل ما لكل أخ، فقال ورثة المعطي: إنك لم تحز، قال ابن القاسم وابن وهب: إن عمله حيازة؛ لأنه إنما أسلم إليهم حقه بما أسلموا إليه من حقوقهم، فهذه حيازة. وقال ابن القاسم: في امرأة تصدقت على رجل بمورثها من دار مشاع فبنى في ناحية منها، وسكن فيها بلا مقاسمة حتى ماتت المرأة، فهذه الصدقة رد إلا أن يكون شركاؤه صالحوه، يرتفقون هم بناحية وهو بناحية، فيكون ذلك حيازة. قال أصبغ: إلا الموضع الذي بنى فيه وحازه فإن حصة المعطي من عرضة ذلك البينان له، وذلك فيه حيازة. م: وهذه مثل الأولى الذي سلم لهم حقه بما سلموا إليه. قال ابن المواز: أما إن لم يكن بقي للمرأة فيها حق فهي حيازة؛ لأنها خرجت منها وانقطع الذي لها، وإن بقي لها فيها شيء فكما قال ابن القاسم.

م: وهذا على مذهب أشهب أن قبض الغاصب قبض؛ لأنه إنما يراعى زوال الهبة من يد الواهب. وقال ابن القاسم في الكتابين: فيمن تصدق بسهم له في أرض فيعمد المعطى إلى قدر حق المعطي منها فيعمره أو أقل منه بمحضر الباقين أو في غيبتهم وهم مستغنون عنها أو ضعفوا عن عملها، قال: لا يكون له إلا نصبه فيما عمر وعمل. م: لأنهم لم يُسلموا ذلك له بما سلم إليهم. [المسألة الرابعة: في صدقة بعض الورثة بناحية بعينها من الأرض قبل القسم] قال يحيى عن ابن القاسم: إذا تصدق بعض الورثة بناحية بعينها من الأرض على رجل قبل قسمتهم، قال: تُقسم الأرض كلها، فإن وقع للمتصدق تلك الناحية كانت للمعطى وإن وقع له غيرها بطلت الصدقة، وليس عليه أن يعوضه، وإن وقع له بعضها كان ذلك البعض للمعطى، ولو قال المعطى: أُقاسمكم هذه الأرض التي أعطاني بعينها- وهي تحمل القسم- دون سائر أرض القرية وأبى ذلك الورثة، قال: يُنظر، فإن كانت في كرمها أو ردائتها لا تضاف إلى سائر الأرض قُسمت وحدها فيأخذ المعطى منها حصة المعطي فيها، وإن كانت تضاف إلى غيرها في القسم فيما يوجبه الحكم بين الورثة قُسم الجميع وكان ما ذكرناه أولاً. [المسالة الخامسة: فيمن وهب لرجل عشرة أقساط من دهن] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن وهب لرجل عشرة أقساط من دُهن

جلجلانه هذا، جاز ذلك؛ لأن مالكًا أجاز أن يهب له ثمره حائطه قابلاً، فهبة دهن الجلجلان أجوز، ويلزم الواهب عصره. وفي كتاب ابن المواز: إن عصره عليهما بالحصاص على ما يخرج، فإن لم يخرج إلا عشرة أقساط فالعصر على المعطي. م: وما في المدونة أولى؛ لأنه إنما وهبه دُهنًا، فالعصر عليه حتى يصير دهنًا، قال في المدونة: فإن قال له: أنا أعطيك من غيره زيتًا مثل مكيلة زيته، لم يعجبني؛ لأني أخاف أن يدخله طعام بطعام مستأخر، ولعل ذلك الجلجلان الذي وهب له من زيته يتلف قبل أن يعصره فيكون قد أعطاه زيته باطلاً. [(3) فصل: في هبة المجهول] [المسألة الأولى: فيمن وهب لرجل مورثه ولا يدري كم هو، وكيف إن كانت دارًا فوهبها ولا يدري كم نصيبه منها؟] قال مالك: ومن وهب لرجل مورثه من فلان ولا يدري كم هو ربع، أو خمس، أو سدس، فذلك جائز. قال ابن القاسم: وكذلك إن وهبه نصيبه من هذه الدار ولا يدري كم هو؟ فهو جائز، ويجوز أن يهبه نصيبه من جدار، وإن وهبه نصيبه من دار ولم يُسمه قيل للواهب: قر بما شئت مما يكون نصيبًا.

[المسألة الثانية: فيمن وهب مجهولاً ثم أراد الرجوع فيما وهب] ومن العتبية قال أصبغ عن ابن القاسم: فيمن تصدق على رجل بما ورث عن أبيه وأشهد له وقبل ذلك منه، ثم بدا للمعطي وقال: كنت لا أدري ما أرث نصفًا أو ربعًا؟ ولا أدري عدد الدنانير والرقيق، ولا مبلغ الأرض والشجر، فلما تبين لي مبلغه استكثرته وكنت أظنه أقل من ذلك، قال: إن كان تبين ما قال إنه لم يكن يعرف يُسر أبيه ولا وفره لغيبة كانت عنه، حلف ما ظن ذلك، ويكون القول قوله، وإن كان عارفًا بأبيه ويُسره جاز ذلك عليه وإن لم يعلم قدر ذلك ومبلغه. [(1) فرع: فيمن نقل جواز هبة المجهول عن ابن القاسم، وفيمن نقل المنع] قال أبو محمد: وأعرف لابن القاسم في غير موضوع أن هبة المجهول جائزة. وقال محمد بن عبد الحكم: هبة المجهول جائزة وإن ظهر له أنها كثيرة بعد ذلك. وروى عيسى عن ابن القاسم: فيمن تصدق على رجل بما يرث من أبيه إذا مات، قال: لا يجوز ذلك ولا أقضي به عليه، وهو لا يدري ما هو يقل أو يكثر؟ فلا أدري ما هذا؟ وكذلك عنه في الواضحة. [(2) فرع: فيمن قال: تصدقت عليك بجميع ميراثي إلا كذا، وفي التركة أمور لم يذكرها] ومن العتبية قال أصبغ: في الرجل يتصدق بميراثه يقول: تصدقت عليك بميراثي أو بجميع ميراثي وهو كذا من البقر والرمك والرقيق والعروض والدور إلا الأرض البيضاء وفي التركة جنان لم يذكرها أو غير ذلك، هل يكون له ما نص

وما لم ينص إلا ما استثنى؟ قال: أرى له كل شيء إلا ما استثنى إذا كان يعرفه، كان جنانًا أو غيره. [(4) فصل: في هبة الدين وفي موت الموهوب قبل القبض] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن وهبت دينك لأحد ورثة غريمك كان له دونهم، وإن وهبت هبة لحر أو عبد فلم يقبض ذلك حتى مات الموهوب فلورثة الحر أو سيد العبد قبضها، وليس لك أن تمتنع من ذلك. وقد تقدم إيعاب هذا.

[الباب الثالث] فيمن وهب عبدا مديانا أو بعد أن جنى أو بعد أن باعه أو رهنه أو آجره أو أخدمه أو أعاره أو أودعه أو كان بيد غاصب أو وكيل، وفي هبة الذمي، وهبة الوديعة والدين والثمار وما تلد الأمهات، والحوز في ذلك كله

[الباب الثالث] فيمن وهب عبدًا مديانًا أو بعد أن جنى أو بعد أن باعه أو رهنه أو آجره أو أخدمه أو أعاره أو أودعه أو كان بيد غاصب أو وكيل، وفي هبة الذمي، وهبة الوديعة والدين والثمار وما تلد الأمهات، والحوز في ذلك كله [(1) فصل: فيمن وهب عبدًا مديانًا أو بعد أن جنى أو بعد أن باعه أو رهنه أو آجره أو أخدمه أو أعاره أو أودعه أو كان بيد غاصب أو وكيل] [المسألة الأولى: في هبة العبد المديان أو بعد أن جنى] قال ابن القاسم: ومن وهب لرجل عبدًا له مأذونًا وقد اغترقه الدين جاز، ويجوز بيعه إياه إذا بين أن عليه دينًا، ومن باع عبدًا أو وهبه أو تصدق به بعد أن جنى العبد والسيد بجنايته عالم لم يجز إلا أن يتحمل الجناية، فإن أبى حلف أنه ما أراد حملها ورد، وكانت الجناية أولى به في رقبته. م: أما في البيع فصواب، وأما في الهبة والصدقة فما أدري ما يمنع من ذلك؟ [لأن] الموهوب إن شاء أسلمه في الجناية ولا ضرر عليه في ذلك، أو افتكه بدية الجناية إن شاء. [المسألة الثانية: فيمن باع عبده بيعًا فاسدًا ثم وهبه لرجل آخر] قال ابن القاسم: ومن باع عبده بيعًا فاسدًا ثم وهبه البائع لرجل آخر قبل تغيره في سوق أو بدن، فإن قام الموهوب له قبل أن يدخله فوت قُضي له به وفسخ البيع، وجبر البائع على رد الثمن، وإن فات العبد بحوالة سوق فأعلى أو مات البائع فذلك باطل.

محمد: وقاله ابن القاسم وأشهب. قال محمد: إن قام قبل أن يفوت فهذا أحق به، وإن مات الواهب وإن لم يقم حتى فات، فالهبة باطلة. قال في المدونة: ولو مات الواهب قبل تغير سوق العبد وقبل قبض الموهوب إياه بطلت هبته، ولو كان إنما وهب العبد بعد تغير سوقه لم تجز الهبة؛ لأنه قد صار للمشتري ولزمته فيه القيمة، ولو أن البائع أعتق عبدًا قبل تغيره في سوق أو بدن جاز عتقه وكان حرًا ويرد البائع الثمن؛ لأن البيع كان بينهما مفسوخًا لم يفت العبد. محمد: قاله ابن القاسم، وقال أشهب: لا يعتق العبد إلا بعد وقوع الفسخ؛ لأن ضمانه من غيره. قال أشهب: ولو فسخ بيعه بعد عتقه لم يجز العتق إلا أن يأتنف العتق. وقول ابن القاسم أحب إلي. [المسألة الثالثة: فيمن رهن عبده ثم وهبه] ومن المدونة: ومن رهن عبده ثم وهبه جازت الهبة ويقضى على الواهب بافتكاكه إن كان له مال، وإن لم يقم الموهوب حتى افتكه الواهب فله أخذه ما لم يمت الواهب فتبطل الهبة، وليس قبض المرتهن قبضًا للموهوب له إن مات الواهب؛ لأن للمرتهن حقًا في رقبة العبد بخلاف من أخدم عبده رجلاً سنين، ثم قال بعد ذلك: هو هبة لفلان بعد الخدمة، فقبض المخدم قبض للموهوب له، وهو من رأس المال إن مات الواهب قبل ذلك؛ لأن المخدم لم يجب له في رقبة العبد

حق. وقال مثله أشهب في قبض المرتهن والمخدم. قال أشهب في كتاب محمد: إلا أن يقبضه الموهوب قبل أن يحوزه المرتهن فهو أحق إن كان الواهب مليًا، ويعجل له حقه إلا في هبة الثواب فتنفذ الهبة بكل حال ويعجل للمرتهن حقه من الثواب كالبيع، وإن كانت الهبة لغير ثواب فقبضها الموهوب قبل حوز المرتهن، والواهب ملئ ثم أُعدم فليتبع بالدين وتمضي الهبة. [المسألة الرابعة: فيمن غصب منه عبد ثم وهبه] ومن المدونة: ومن اغتصبه رجل عبدًا، فوهبه سيده لرجل آخر والعبد بيد الغاصب جازت الهبة إن قبضها الموهوب قبل موت الواهب، وليس قبض الغاصب قبضًا للموهوب له، قيل له: ولم والهبة ليست في يد الواهب؟ قال: لأن الغاصب لم يقبض للموهوب له ولا أمره الواهب بذلك فيجوز إذا كان غائبًا، وكذلك من استخلف خليفة على دار له ثم تصدق بها على رجل وهي في يد الخليفة لم يكن قبض الخليفة حيازة للموهوب له ولا للمتصدق عليه. قال ابن المواز: وقال أشهب: إن قبض الغاصب قبض وحيازة للموهوب. قال محمد: وهو أحسن؛ لأن الغاصب ضامن فهو كدين عليه فيجوز إذا أشهد، وكذلك قال سحنون: إن قبض الغاصب قبض. وأنكر ذلك يحيى.

[المسألة الخامسة: فيمن أجر دابته أو عبده ثم وهبه] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن آجر دابته أو عبده من رجل ثم وهبها لآخر فليس حوز المستاجر حوزًا للموهوب إلا أن يُسلم إليه إجارة ذلك معه فيتم الحوز، وأما العبد المخدم أو المعار إلى رجل فقبض المستعير والمخدم له قبض للموهوب وهو من رأس المال. قال ابن المواز: وقال أشهب: إن قبض المستأجر والمودع قبض نافذ للموهوب إذا أشهد الواهب على هبته، مثل ما إذا أعمر رجلاً حائطًا حياته ثم قال بعد ذلك: هو هبة لفلان بتلاً، فإن ذلك لفلان نافذ عاش الواهب أو مات. محمد: وهو أحب إلي وقول ابن القاسم أصوب. [(2) فصل في هبة العارية والدين والحوز في ذلك] [المسألة الأولى: في هبة العارية لمن هي بيده] قال ابن القاسم وأشهب فيه وفي المدونة: وأما لو وهبك ما قد أعاركه أو أودعكه أو آجره منك وهو بيدك، فقولك: قد قبلت حيازة وإن كنت ببلد والهبة ببلد آخر. قال ابن القاسم: وإذا وهبك وديعة له في يدك فلم تقل: قبلت حتى مات الواهب فذلك لورثته. وقال أشهب: ذلك قبض لمن كانت في يده؛ لأن كونها في يده أجوز للحوز.

قال في كتاب محمد: إلا أن يقول: لا أقبل. محمد: وهو أحب إلي. قال محمد: ولو وهب الوديعة ربها لغير المستودع وجمع بينهما وأشهد كانت جائزة وإن لم يقبضها الموهوب له حتى مات الواهب. وقال سحنون عن ابن القاسم في العتبية: إن رب الوديعة إذا أشهد بينة أنه تصدق بها على رجل ولم يأمره بقبضها، ثم مات المتصدق قبل قبض المتصدق عليه، فإن علم الذي هي عنده فتلك حيازة تامة، وإن لم يعلم فذلك باطل؛ لأنه إذا علم صار حائزًا للمعطى ثم ليس للمعطي أخذها، ولو دفعها المودع إلى المعطى قبل علمه ضمنها. [المسألة الثانية: في هبة الدين لمن هو عليه] ومن المدونة: ومن وهبك دينًا له عليك فقولك: قد قبلت: قبض، وإذا قبلت سقط الدين، وإن قلت لا أقبل بقي الدين بحاله. قال ابن المواز: وقال أشهب: هو له وإن لم يعلم به حتى مات الواهب، وأنا أحب أن لو أعلمه؛ وقد قال مالك: في الذي بعث بثوب أو دابة صدقة على غائب وأشهد له، فإنه حوز وإن لم يصل حتى مات المتصدق أو المتصدق عليه. قال فيه وفي المدونة: ولو كانت دينه على غيرك فوهب لك، فإن أشهد لك وجمع بينك وبين غريمه، ودفع إليك ذكر الحق إن كان حقه

بكتاب فهو أقبض، وإن لم يكن كتب عليه ذكر حق وأشهد لك وأحالك عليه كان ذلك قبضًا، وكذلك إن أحالك به عليه في غيبته وأشهد لك وقبضت ذكر الحق كان ذلك قبضًا؛ لأن الدين هكذا يقبض، إذ ليس هو شيئًا بعينه. [(3) فصل فيمن وهب هبة إلى أمد ثم هي صدقة وفي حوز ذلك، وفي هبة الذمي] [المسألة الأولى: فيمن وهب هبة إلى أمد ثم تصدق بها على آخر وفي حوز ذلك] ومن العتبية قال سحنون: فيمن أعطى غلة كرمه أو سكنى داره لرجل سنين أو حياته، ثم تصدق بذلك على ابنه الصغير، فذلك جائز وحوز للابن، وإنه لحسن أن يُشهد أنه جعل المعمر لابنه قابضًا، وإن لم يشهد فذلك حوز للابن، وأحب إلي أن لو كان ذلك كله في فور واحد: أن يشهد أنه منح السكنى أو الغلة لفلان كذا وكذا سنة، ثم الرقبة لفلان، وهو أقوي عندي؛ لأن أصحابنا اختلفوا فيها، فإن لم يكنفي فور واحد فذلك جائز نافذ كله. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون: ومن منح رجلاً أرضًا حياته ثم تصدق بها على آخر، فأن كان ذلك في فور واحد منح هذا وتصدق على هذا فهي إذا مات رجعت للمتصدق عليه؛ لأنها عطية محوزة بحوز المعمر كالقائل: عبدي يخدم فلانًا ثم هو لزيد بتلاً فهي حيازة لزيد، حتى لو قُتل العبد كانت قيمته لزيد، وأما إن تقدم الامتاع ثم بعد ذلك تصدق بها، فإن رجعت والمعطي حي كانت للمعطى، وإن رجعت وقد مات المعطي أو هو مريض أو مفلس فلا

شي للمعطى، وكذلك يقول في إبتاله العبد لرجل بعد أن كان أخدمه آخر. وقال مطرف وابن القاسم وأصبغ: ذلك كله حيازة في الوجهين، وبالأول أقول. [المسألة الثانية: في هبة الذمي] ومن المدونة: وقد تقدم أنه يُقضى بين المسلم والذمي في الهبات بحكم المسلمين، وإن كانا ذميين فامتنع الواهب من دفع الهبة لم أعرض لهما، وليس هذا من التظالم الذي أمنعهم منه. [(4) فصل: في هبة ما سيحدث من زرع أو ثمر أو ولد، والحوز في ذلك وفي غيره] قال ابن القاسم: ولا بأس بهبة ما لم يبد صلاحه من زرع أو ثمر أو ما تلد غنمه أو أمته أو ما في ضروعها من لبن أو على ظهورها من صوف أو وبر أو ما في شجرة من ثمر قد طاب، والحوز في ذلك كله: حوز الأرض في الزرع، والشجر في الثمار، والأمهات في هبة ما ولدت، وعلى الواهب تسليم ذلك كله إليه بالقضاء، والسقى فيما يسقى على الموهوب. قال ابن المواز: وقاله أشهب: في الصوف واللبن والثمرة والزرع، وأما في بطون الأمهات فالهبة جائزة، ولا يتم الحوز إلا بعد أن تضع، لا بحوز الأم؛ لأن العتق فيه ليس بحوز حتى يخرج، وقد تُباع الأمة قبل ذلك في الدين يُستحدث،

بخلاف الثمرة والزرع، ذلك يجوز أن يرهن ولا يرهن الجنين، ويباع الأصل وتبقى له الثمرة أو الزرع ولا يكون له الجنين. قال محمد: هذا أصوب. وقال ابن حبيب عن أصبغ: إن قبض الأمة في صحة المعطي فذلك حوز ولدت بعد موت المعطي أو قبله، وليس للورثة بيعها في دين على الميت ولا إدخالها في القسم، فإذا ولدت كان الولد للمعطى ويتقاوونها هي وولدها حتى يصير عند واحد. ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن أخدمه رجل عبده شهرًا فقبض الغلام فهو قابض للخدمة، أو أسكنه داره سنة فقبض الدار قبض للسكنى. قال مالك: ومن وهب لرجل ثمرة نخلة عشرين سنة أو أقل أو أكثر جاز ذلك إذا حاز الموهوب النخل أو جعلت على يد من يحوزها له. [(5) فصل في هبة ما تلد الأمهات، والحوز في ذلك، وفي أنواع من الحوز] قال ابن القاسم: وكذلك لو وهبه ما تلد جاريته عشرين سنة، فإن قبض الجارية وحازها أو جُعلت له على يد من يحوزها له مثل النخل، فذلك جائز، وإن لم يحزها هو أو تحز له حتى مات الواهب، فالهبة باطل، والصدقة في هذا والحبس والهبة والنحل بمنزلة واحدة إذا قبض فهو جائز.

ولا يُقضى بالحيازة إلا بمعاينة البينة لحوزها في حبس أو رهن أو صدقة، ولو أقر المعطي في صحته أن المعطى قد حاز وقبض وشهدت عليه بإقراره بينة ثم مات لم يُقض بذلك إن أنكر ورثته أن يكون حاز حتى تعاين البينة الحوز. وقد تقدم هذا. ومن تصدق عليه بأرض فقبضها حيازتها، فإن كان لها وجه تحاز به من كراء يكرى أو حرث يحرثه أو غلق يُغلق عليها، فإن أمكنه شيء من ذلك فلم يفعله حتى مات المعطي فلا شيء للمعطى، وإن كانت أرضًا قفارًا مما لا تحاز بغلق، ولا فيها كراء تكراه، ولا أتى لها إبان تُزرع فيه أو تُمنح أو يحوزها بوجه يعرف حتى مات المعطي فهي نافذة للمعطى، وحوز هذه: الإشهاد، وإن كانت دارًا حاضرة أو غائبة فلم يحزها حتى مات المعطي فلا حق للمعطى فيها وإن كان لم يفرط في قبضها؛ لأن لها وجهًا تحاز به فإذا لم يحزها فهي ميراث، وإذا قلت في الأرض الغائبة قبلت وقبضت لم يكن ذلك حوزًا، وذلك كالإشهاد على الإقرار بالحوز، وإن كان له في يديك أرض أو دار او رقيق بكراء أو عارية أو وديعة وذلك ببلد آخر فوهبك ذلك، فإن قولك قبلت حوز، وإن لم تقل: قبلت حتى مات الواهب فذلك لورثته. وقال غيره: ذلك حوز لمن ذلك في يديه. قلت: فالعبيد والحيوان والحلى كيف يكون قبضه، قال: بالحيازة.

[الباب الرابع] فيمن وهب لابنه الصغير وأجنبي، أو لحاضر وغائب، أو وهب لكبير وصغير وجعل من يحوزها له، وما يبطل الهبة من الشروط

[الباب الرابع] فيمن وهب لابنه الصغير وأجنبي، أو لحاضر وغائب، أو وهب لكبير وصغير وجعل من يحوزها له، وما يبطل الهبة من الشروط. [(1) فصل: فيمن وهب لابنه الصغير وأجنبي] قال ابن القاسم: ومن وهب عبدًا لابنه الصغير ولأجنبي فلم يقبض الأجنبي حتى مات الواهب فذلك كله باطل، كقول مالك فيمن حبس على ولده الصغار والكبار فلم يقبض الكبار الحبس حتى مات الأب أنه يبطل كله؛ لأن الكبار لم يقبضوا الحبس. قال مالك: ولا يُعرف إنفاذ الحبس للصغار ها هنا إلا بحيازة الكبار، بخلاف ما حبس على ولده وهم صغار كلهم، هذا إن مات كان الحبس لهم جائزًا. قال سحنون: وروى ابن نافع وعلي بن زياد عن مالك: فيمن تصدق على ولده الصغير مع الكبير أو أجنبي أن نصيب الصغير جائز ويبطل ما سواه، ولو كان حبسًا بطل جميع الحبس؛ لأنه لا يقسم ولا يملك أصله والصدقة يملكونها وتقسم بينهم وقد حازها للصغير من يجوز حوزه، فذلك جاز منها نصيب الصغير. ومن العتبية قال سحنون عن ابن القاسم: وإذا قال: غلة حائطي لابني الصغير ولفلان منه خمسة أوسق، وكان الحائط في يديه يليه ويُخرج منه للأجنبي خمسة أوسق حتى مات الأب، فهي صدقة جائزة لهما، ولو قال: غلة حائطي لفلان وللمساكين وكان في يديه يُخرج غلته للمساكين ولفلان حتى مات فذلك باطل. [(2) فصل: فيمن وهب لحاضر ولغائب] ومن المدونة قال ابن القاسم عن مالك: ومن وهب لحاضر وغائب أرضًا

فقبض الحاضر جميعها فقبضه حوز للغائب وإن لم يعلم ولا وكله، وكذلك إن وهب لغائب أو تصدق عليه بشيء وأخرجه من يده وجعل من يحوز له فذلك نافذ. قال غيره: ويدل على جواز ذلك أن أحباس السلف كان قابضها يحوز قبضه على الغائب والحاضر الكبير المالك لأمره وعلى الصغير وعلى من لم يولد بعد. [(3) فصل: فيمن وهب لصغير هبة وجعل من يحوزها له] ومن وهب لصغير هبة وجعل من يحوزها له إلى أن يبلغ وتُرضى حاله فيدفع إليه ويُشهد له بذلك، فذلك حوز كان له أب أو وصي حاضر أو لم يكن، فإذا بلغ فله أن يقبض، وأما إن وهب لحاضر غير سفيه ولا صغير ولا عبد هبة وجعلها على يد غيره وأمره أن لا يدفعها إليه لم تكن هذه حيازة؛ لأن الموهوب له قبلها وهو حاضر مرضي فلم يسلمها إليه، وإنما يجوز مثل هذا إذا حبس الأصل وجعل الغلة له واستخلف من يجريها عليه. قلت: فما الفرق بين الصغير إذا كان له أب وبين الكبير إذا وهبه وجعلها على يد غيره؟ قال: إنما جازت للصغير لخوف أن يأكلها الأب، ويفسدها فيحوزها له من جعلت على يديه إلى أن يبلغ الصغير ويقبضها، وأما الكبير المرضي فعلى أي وجه حازها هذا له أو إلى أي أجل يدفعها إليه؟ فلذلك لم يجز إلا أن يكون على وجه الحبس يجري عليه غلتها، فهذا فرق ما بينهما.

[(4) فصل: فيما يبطل الهبة من شروط] [المسألة الأولى: فيمن وهب لرجل هبة على أن لا يبيع ولا يهب] ولقد قال مالك: فيمن وهب لرجل هبة على أن لا يبيع ولا يهب أن هذه الهبة لا تجوز، قيل لمالك: فالأب في ابنه إذا اشترط هذا الشرط، فقال: لا يجوز إلا أن يكون صغيرًا أو سفيهًا فيشترط ذلك عليه- مادام في ولاية- فيجوز، وإن شرط ذلك عليه بعد زوال الولاية لم يجز كان ولدًا للواهب أو أجنبيًا. قال في العتبية: في الذي يشترط عليه أن لا يبيع ولا يهب، قال: لا تجوز الهبة والصدقة على هذا، ويقال له: إما بتلتها، وإلا فخذ صدقتك، قال مالك: إلا في السفيه والصغير يشترط ذلك عليه إلى البلوغ والرشد، فذلك جائز. محمد: وقاله ابن القاسم. وروى أشهب عن مالك أنه قال: أراها بتلاً وأراها صدقة ضعيفة. قال أشهب: هي حبس عليه وعلى عقبه، فإذا انقرضوا رجعت حبسًا على أقرب الناس بالمعطي يوم المرجع. وقال سحنون مثله في العتبية. [المسألة الثانية: فيمن تصدق واشترط أحقية الشراء إن أراد المتصدق عليه البيع] قال سحنون عن ابن القاسم: ومن تصدق بشيء على رجل ويقول: إن

أردت بيعه فأنا أحق، قال: ليست هذه الصدقة بشيء. وقال ابن وهب عن مالك: إنه جائز؛ لأنه ليس ببيع. [المسألة الثالثة: فيمن تصدق على رجل بعبد بتلاً واشترط عليه إن مات فالعبد يُرد إليه] وروى أشهب عن مالك: فيمن تصدق على رجل بعبد بتلاً على أنك إن مت أنت فالعبد إليّ رد، وإن مت أنا فهو لك بتلاً، فمات المعطى أولاً فإن العبد يرجع إلى المعطي. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: فيمن أعطاه أخوه منزلاً وشرط مثل ذلك ثم مات المعطي أولاً، قال ذلك: مثل الوصية تكون للمعطى من الثلث حيزت أو لم تُحز. قال أصبغ: وليس للمعطي أن يبيعها أو يُحولها عن حالها، فإن مات المعطى أولاً رجعت إلى المعطي كالعمرى، وإن مات المعطي أولاً فهي كالوصية تكون من الثلث ولا تكون كالوصية في الرجوع فيها. [المسألة الرابعة: فيمن قال لابنه إن ضمنت عني كذا فداري صدقة عليك] قال ابن القاسم: فيمن قال لابنه إن ضمنت عني الخمسين الدينار التي لفلان علي فداري صدقة عليك، قال: لا صدقة عليه وللابن أن يرجع عن الضمان.

وقال: فيمن قالت لزوجها إن حملتني إلى أهلي فمهري عليك صدقة وكانت مريضة فوضعته على هذا، ثم بدا له أن يحملها فخرجت هي من غير إذنه فصارت إلى أهلها، فإن خرجت مبادرة لتقطع ما جعلت لزوجها فلا شيء عليه، وأما إن بدا له وأبى أن يسير بها وعرف ذلك رجعت عليه بما وضعت عنه. قال أبو محمد: يريد: إن كانت بينة على هذا، ضمن. [المسألة الخامسة: فيمن تصدق على رجل بجارية على أن يتخذها أم ولد] ومن تصدق على رجل بجارية على أن يتخذها أم ولد فلا يحل له وطؤها على هذا، فإن وطئها فحملت فهي له أم ولد ولا قيمة عليه؛ لأنه اتخذها كما شرط، وليس كالتحليل في القيمة؛ لأن المحلل لم يعط الرقبة والمتصدق قد أعطاه رقبتها وإن لم تحمل فهي للواطئ ولا تُرد الصدقة؛ لأنه على الوطء وطلب الولد أعطيها، وقد طلب الولد بالوطء ولا قيمة عليه حملت أو لم تحمل. [المسألة السادسة: فيمن قال لابنه: أصلح نفسك وتعلم القرآن ولك قريتي ثم يموت الأب قبل الحوز] وعمن قال لابنه: أصلح نفسك وتعلم القرآن ولك قريتي فلانة فيُصلح نفسه ويتعلم القرآن، ثم يموت الأب وهو لم يبلغ الحوز والمنزل في يد أبيه، فليس ذلك بنافذ إذا كان إنما هو قول هكذا، وأخاف أن يكون ذلك منه على وجه التحريض، إلا أن يكون حقق ذلك بالإشهاد، يُشهد قومًا أنه إن قرأ القرآن فقد تصدق عليه بقريته أو بعبده، فذلك جائز إذا كان صغيرًا في ولايته، ويكون حوزًا له.

[المسألة السابعة: فيمن أعطى امرأته النصرانية داره على أن تُسلم فتُسلِم] ابن حبيب: قال مطرف: فيمن أعطى امرأته النصرانية داره التي هو بها على أن تُسلِم فَتُسلِم: إنه بمنزلة البيع لا يحتاج إلى حيازة ويجزئها الإشهاد وإن مات في الدار بخلاف العطية. وقال أصبغ: هو كالعطية ولا يتم إلا بالحيازة، وبالأول أقول.

[الباب الخامس] فيمن تجوز حيازته لما تصدق به من أبوين أو قريب أو أجنبي، ومن تصدق على ابنه فبلغ ورشد فلم يحز حتى مات الأب، والحيازة بين الزوجين فيما تواهباه، وفيما يهبه الرجل لأم ولده

[الباب الخامس] فيمن تجوز حيازته لما تصدق به من أبوين أو قريب أو أجنبي، ومن تصدق على ابنه فبلغ ورشد فلم يحُز حتى مات الأب، والحيازة بين الزوجين فيما تواهباه، وفيما يهبه الرجل لأم ولده [(1) فصل: فيمن تجوز حيازته لما تصدق به من أبوين أو قريب أو أجنبي] [المسألة الأولى: في حيازة الأب] وقضى عثمان وغيره فيمن نحل ابنه الصغير نحلة أن له أن يلي ذلك له، ويحوزه. قال مالك: يليه بوجه النظر له والتوفير عليه، وكذلك من يُولى عليه من بالغ أو بكر. [المسالة الثانية: في حيازة الأم لما تصدقت أو وهبت لصغار بنيها] قال مالك: ولا تكون الأم حائزة لما تصدقت أو وهبت لصغار بنيها وإن أشهدت، بخلاف الأب إلا أن تكون وصية للوالد أو وصية وصي الوالد فيتم حوزها لهم. [المسألة الثالثة: في حيازة الأم لابنها اليتيم] محمد: قال ابن القاسم وأشهب: في اليتيم إن لم تكن الأم وصية فلا حيازة لها بما تصدقت به على الولد، والسلطان يحوز لهم أو من يوليه أو تخرجه الأم من يدها إلى يد غيرها فيتم ذلك لهم، وإن كانت وصية جازت حيازتها لهم قالا: ولا تحوز الأم ولا غيرها صدقة على ابن أو غيره إلا أن تكون وصية من أب أو وصي، ورواه أشهب عن مالك. وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: حيازة الأم على اليتيم الصغير حيازة فيما وهبته أو وهبه له أجنبي، وكذلك من ولى يتيمًا على وجه

الحسبة من الأجنبي أو على وجه القرابة من القريب، فحيازته له حيازة فيما وهبه له هو أو غيره، وإن كان وإنما ابتدأوا ولايته من يوم الصدقة فذلك باطل. وقال ابن نافع وأصبغ. وأباه ابن القاسم فيهما إلا أن يكونا وصيين. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن وهب: أنه سُئل عمن تصدق على يتيم له صغير في حجره هل يكون حيازته له حيازة؟ قال: لا تكون حيازته له فيما أعطاه حيازة إلا أبًا أو وصيًا، والأم وإن لم تكن وصية، والأجداد كالأب والجدات كالأم إذا كان في حجر أحد من هؤلاء، فأما غيرهم فلا يحوز إلا أن يبرأ منه إلى الرجل يليه للصغير. وقال ابن القاسم: لا تجوز حيازة أحد فيما تصدق به إلا الأب أو الوصي أو وصي الوصي، ولا يحوز له إلا من يزوجه أو يباري عنه أو يشتري له ويبيع، ولا تجوز حيازة الأم عليه ما وهبت له إلا أن تكون وصية وكذلك سائر القرابات وذوي الأرحام. [المسألة الرابعة: في الأم تحوز ما نحلت لابنها الصغير ولابنها مال بيد أبيه أو وصيه] قال مالك: في امرأة نحلت ابنًا لها صغيرًا غلامًا لها، وللصبي مال بيد أبيه أو وصيه والغلام معها، فإن كان للغلة والخراج فليس ذلك بحوز حتى يحوزه أب أو وصي، وإن كان لخدمة الصبي ليكون معه وهو مع أمه، فذلك جائز. [المسالة الخامسة: في امرأة تصدقت بدارها على ولدها، ومن يحوز له ساكن بالدار] وقال أصبغ: في امرأة تصدقت بدارها على ولدها الصغير والأب ساكن بها معها حتى ماتت الأم، أو تتصدق بها على ابنها الكبير البائن

فيكريها من أبيه قبل أن يحوزها أو يسكنه إياها ثم ماتت، قال: الصدقة جائزة إذا مكنت الأب في صدقة الصغار من الدار حتى أن لو شاء أن يُخرجها فعل ولكن أقرها تسكن معه، فأما إن لم يكن قبض معروف له ولا للكبير فهي باطل، وكذلك لو تصدقت بها على الزوج نفسه وأمكنته فسكنها كما كانا فهو حوز. قال ابن القاسم: وهو حوز؛ لأن عليه أن يسكنها حيث شاء فقد صارت له وأسكنها، وصدقتها عليه تفترق من صدقته عليها بالمنزل الذي هما فيه، فإن كان هو المتصدق فلم تخرجه منها فليست بحيازة. [المسألة السادسة: فيمن يحوز للبنت البالغة البكر] ومن المدونة قال مالك: وما وهبت الأم لابنتها البكر وقد حاضت وليس لها والد والأم وصيتها وهي في حجرها، فهي حائزة، وكذلك الوصي. قال: وما دامت البكر في بيت أبيها وإن حاضت وهي مرضية فالأب يحوز لها صدقة نفسه. قال ابن القاسم: وإن دخلت بيتها وحسنت حالها وجاز أمرها ولم تقبض صدقتها حتى مات الأب فلا شيء لها، وإن كانت بحال سفه جاز ذلك لها؛ لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} وبلوغ النكاح: الاحتلام والحيض، فقد منعهم الله تعالى أموالهم مع الأوصياء بعد البلوغ إلا بالرشد، فكيف مع الآباء الذين هم

أملك بهم من الأوصياء، وإنما الأوصياء بسبب الآباء. قال: وإن كانت سفيهة في عقلها ومالها فدخلت على زوجها وقد طمثت أو لا، أو ولدت أولادًا فتصدق عليها الأب بصدقة فهو الحائز لها حتى يُؤنس منها الرشد بعد الدخول فتنقطع حيازة الأب عنها. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: في البكر يحوز لها أبوها وإن عنست. وقال أيضًا: إلا أن تكون عنست ورضيت. وقال ابن عبد الحكم: يحوز لها أبوها ما لم تبلغ التعنيس الكثير كالخمسين سنة أو الستين فهذه تحوز لنفسها وتلي مالها، فإن لم تحز لنفسها فلا شيء لها، ولا يزوجها أبوها إلا برضاها، فإن فعل بغير رضاها أجزته ولم أفسخه. وقاله أصبغ عن ابن القاسم. وقال ابن القاسم عن مالك: تجوز حيازته عليها وإن رضي حالها وجاوزت الثلاثين. قال ابن القاسم: ما لم تعنس جدًا فتبلغ الستين ونحوها، فإن لم تحز لنفسها فلا شيء لها.

[(2) فصل: فيمن تصدق على ابنه فبلغ ورشد ولم يحز حتى مات الأب] ومن المدونة: وإن وهب الأب لولده الصغار وأشهد لهم فهو الحائز عليهم، فإن بلغوا ورشدوا فلم يقبضوا صدقتهم حتى مات الأب فلا شيء لهم، وما داموا بحال السفه وإن بلغوا فحوز أبيهم لهم حوز؛ لأنهم بمنزلة الصغار. ومن العتبية قال ابن القاسم: في غلام في حجر أبيه لا يُعرف بصلاح ولا بفساد، تصدق عليه أبوه بحداثة احتلامه وأشهد له بذلك، فلم يقبض صدقته حتى مات الأب بعد شهرين أو ثلاثة فحوز أبيه له حوز، وليس احتلامه يخرجه من ولاية أبيه حتى تُرضى حاله ويشهد العدول على صلاح أمره، وقد قال مالك: يحوز الأب على ابنه المحتلم إذا كان في حجره وولايته حتى يُؤنس منه الرشد. ومن كتاب محمد قال ابن القاسم: ومن تصدق على ابنه الصغير بصدقة وأشهد أنه دفعها إلى فلان يحوزها له من أخ أو أجنبي، فلم يقبضها حتى مات الأب أو فلس فهي باطل، وإن كانت بيد الأب؛ لأنه جعل غيره الحائز ولم يُسلمها إليه ولم يُبقها على حيازة الأب، ولو لم ينسب الحيازة إلى أحد كانت نافذة بحوز الأب، ولو حبس حبسًا على صغار ولده ودفع ذلك إلى عبده أو أم ولده تحوزها لهم، فلم ير ابن الماجشون ذلك حوزًا؛ لأنهما تحت مقدرته فلا هي حيزت عنه ولا أبقى حيازته لهم. وقال محمد: بل هي حيازة تامة، ومن يقوم له غير مماليكه. [المسألة الأولى: فيمن وهب لابنه الصغير العبد هبة وأشهد له] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن وهب لابنه الصغير العبد هبة وأشهد

له لم يكن الأب حائزًا له؛ لأن سيده يحوز ماله دون أبيه، ولا تكون صدقة مقبوضة إلا أن تزول من يد معطيها، إلا أن يكون والدًا أو وصيًا لمن يليا عليه، وهذا الأب لا يلي على ولده العبد، فلذلك لم يكن حائزًا له صدقة نفسه. قال ابن القاسم: وإذا أخرج الهبة والد الصبي العبد فجعلها بيد أجنبي يحوزها للصبي، جاز ذلك وكان حوزًا رضي بذلك سيده أو كره. [(3) فصل في الحيازة بين الزوجين فيما تواهباه] ومن تزوج جارية بكرًا وقد طمثت أو لم تطمث، فتصدق عليها بشيء أو وهبه لها قبل البناء بها أو بعد، وهي سفيهة أو مجنونة جنونًا مطبقًا وأشهد على ذلك ولم يخرجه من يده، فلا يكون الزوج حائزًا لها إلا أن يُخرج ذلك من يده ويجعله على يد من يحوزه لها، ولا يكون التصدق حائزًا إلا أبًا أو وصيًا لمن في ولايته، والزوج لا يجوز أمره على امرأته ولا بيعه لمالها، وأبوها الحائز لها وإن دخل بها زوجها مادامت سفيهة أو في حال لا يحوز لها أمر. [المسألة الأولى: فيمن تصدق على امرأته التي معه في البيت بخادمه] ومن كتاب محمد والعتبية قال ابن القاسم عن مالك: فيمن تصدق على امرأته بخادمه وهي معه في البيت، فكانت تخدمها بحال ما كانت، فذلك جائز. قال سحنون في العتبية: وكذلك لو وهبها إياها، فهو حوز. وقال أشهب عن مالك في الكتابين: إذا أشهد لها بهذه الخادم فتكون

عندهما كما كانت في خدمتها أو وهبت هي له خادمها فكانت على ذلك أو متاعًا في البيت فأقام ذلك على حاله بأيديهما فهي ضعيفة. قال ابن المواز: وقال لي ابن عبد الحكم عن ابن القاسم وأشهب: إن ذلك فيما تواهبا جائز، وهي حيازة وكذلك متاع البيت، وبه أقول. [المسألة الثانية: في الفرق بين ما تواهبه الزوجان وبين أن يتصدق عليها بالمسكن الذي هما به] محمد قال ابن القاسم: وليس كذلك السكن الذي هما به يتصدق هو به عليها فأقاما فيه حتى مات، فإن ذلك ميراث، ولو قامت عليه في صحته قُضي لها. قال أصبغ: يعني أن يُسكنها غيرها حتى تحوز المسكن. قال ابن القاسم: وأما لو تصدقت هي عليه بالمنزل وهما فيه فذلك حوز؛ لأن عليه أن يُسكن زوجته، فسكناه بها فيه حوز وقد تقدم هذا. [المسألة الثالثة: فيمن تصدق على زوجته في مرضه فقبضتها ثم ماتت] ومن العتبية قال سحنون: فيمن تصدق على زوجته في مرضه بمئة دينار فقبضتها منه ثم ماتت قبله، فإن حملها ثلثه فهي حيازة تورث عنها ويُقضى بها دينها. [المسألة الرابعة: فيمن تصدقت بمهرها على زوجها بكتاب ثم سخط بعد أيام فرد عليها الكتاب فقبلته ببينة ثم توفي الرجل] قال عيسى عن ابن القاسم: وفي امرأة تصدقت بمهرها على زوجها وأعطته كتابها فقبله، ثم سخط بعد أيام فرد عليها الكتاب، فقبلت بشهادة بينة، ثم توفي

الرجل فلا شيء لها، بمنزلة عطية لم تُقبض، وكذلك لو منت به عليه فجدد لها كتابًا يكون عليه حالاً أو إلى موته، فإن لم تقبضه في صحته فهو باطل. [(4) فصل فيما يهبه الرجل لأم ولده] [المسألة الأولى: في حوز ما يهبه الرجل لأم ولده] قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: فيمن تصدق على أم ولده بخادم أو آنية أو ما أشبه ذلك- مما لا يزايلها حيث انتقل بها سيدها- فالإشهاد والإعلان بالصدقة حوز، وذلك أنها لا تقدر على حوزها بأكثر من ذلك، وحالها في ذلك كحال الحرة فيما يتصدق به عليها زوجها، وأما لو تصدق عليها بالعبد يخارج والدار تُسكن والمزرعة والشجر وما هو بائن عنها وقبضه يمكن، فعليها أن تحوزه بقبض خراج العبد وإخراج السيد من الدار وتعمر المزرعة أو تكريها وتجني الشجر ونحو هذا مما يحاز به العبيد والعقار، قال: وأما الحلي والثياب فالقبض فيها اللبس والعارية وشبه ذلك مما تصنعه المرأة بمتاعها إذا عُرف ذلك من صُنعها به، وإلا فلا شيء لها. قال أصبغ: والإشهاد حوز إن كان ذلك في يديها وإن لم يُعرف لبس ولا عارية. [المسألة الثانية: فيمن كسا أم ولده أو حلاها ثم مات] قال مالك: ومن كسا أم ولده أو حلاها ثم مات فذلك لها إذا كان يُشبهه

ويشبه ماله، ولو ادعت متاع البيت كُلفت البينة وإن كان من متاع النساء بخلاف الحرة، وأما ما كان من اللحاف والفراش والحلي والثياب التي على ظهرها فذلك لها. [المسالة الثالثة: فيمن تصدق على أم ولده في صحته بالأعطيات الكثيرة وصيرها في يديها] قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: فيمن تصدق على أم ولده في صحته بالأعطيات الكثيرة، وصيرها في يديها فذلك بقدر ما يشبه يُسره قرب مليء يعطيها الكثير من الحلي والثياب فينفذ ذلك، وأما القليل الوفر يُسرف بما لا يعطيه مثله لمثلها فهذا يُرى أنه توليج، فيُرد منه ما جاوز عطية مثله لمثلها، ويمضي ما لا يكون من مثله سرفًا، سواء كانت العطية في مرة واحدة أو شيئًا بعد شيء. وقال أصبغ: إن كانت العطية في مرة فلترد كلها، كزيادة ذات الزوج على ثلثها، وإن كان شيئًا بعد شيء مضى ما لا سرف فيه، ورُد الآخر الذي يُرى أنه توليج إليها. قال ابن حبيب: ويقول مطرف وابن الماجشون أقول.

[الباب السادس] جامع القول في الاعتصار

[الباب السادس] جامع القول في الاعتصار قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه)). وروي أنه قال: ((لا يحل لأحد أن يهب هبة ثم يعود فيها إلا الوالد)). قال مالك رحمه الله: فكل صدقة فلا اعتصار فيها للأبوين، وأما الهبة والعطية والعمرى والنحل فلهما الاعتصار في ذلك، وأما الحبس فإن كان بمعنى الصدقة لم يُعتصر، وإن كان بمعنى الهبة يكون سكنى أو عمرى فإنه يعتصر. قال أبو محمد: يريد: إذا حبس عليه وعلى عقبه لم يعتصر؛ لأنه يصير يعتصر من ولد الولد. قال محمد: وإن كانت العمرى بمعنى الصدقة لم يعتصر. [(1) فصل: في اعتصار الأم لما وهبت] ومن المدونة قال مالك: وللأم أن تعتصر ما وهبت أو نحلت لولدها الصغار في حياة أبيهم ما لم يستحدثوا دينًا أو ينكحوا. قال عمر بن عبد العزيز: أو يموتوا. قال ابن القاسم: وكذلك إن وهبت لولدها الكبار هبة فلها أن تعتصر

ذلك ما لم يستحدثوا دينًا أو ينكحوا أو يُحدثوا فيها حدثًا. ابن حبيب: وقال ابن دينار: إذا نكح الذكر لم يقطع نكاحه الاعتصار، وأما الأنثى فنكاحها يقطع العصرة؛ لأن الذكر دخل فيما مخرجه بيده ودخلت الأنثى فيما مخرجه بيد الزوج. [المسألة الأولى: في اعتصار الأم ما وهبته لابنها اليتيم] ومن المدونة قال مالك: وما وهبت أو نحلت لولدها الصغار ولا أب لهم فليس لها أن تعتصر؛ لأنه يتيم ولا يعتصر من يتيم، ويعد ذلك كالصدقة عليه، وإن وهبتهم وهم صغار لا أب لهم ثم بلغوا ولم يُحدثوا في الهبة شيئًا فليس لها أن تعتصر هبتها؛ لأنها وهبت لهم وهم يتامى وهي بمنزلة الصدقة. قال محمد: فإن وهبت لولدها الصغير فبلغ قبل أن يموت الأب، ثم مات أبوه كان للأم أن تعتصر ما وهبته، فأما إن مات الأب قبل بلوغ الولد ثم كبر الولد فليس للأم أن تعتصر؛ لأن بموت الأب قبل البلوغ انقطع الاعتصار فلا يعود بعد ذلك. قال: وإذا وهبت الأم لولدها اليتامى إلا أنهم مياسير فقال أشهب: لها أن تعتصر كما تعتصر من الكبار.

قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: في هبة الأم للولد في حياة الأب إنه إن قبضها الأب فلا تعتصر؛ لأنها لا تعتصر ما صارت ولايته لغيرها، ولو أعطت ابنها الذي ليس في ولاية الأب فلا تعتصره. م: هذا خلاف في الوجهين. قال: ويعتصر الأب ما أعطاه؛ لأن أصل العصرة للأب، وما أعطت لابنها الصغير بعد موت أبيه وهو في ولاية وصي فحاز له العطية فلا تعتصرها وهو كالأب، ولو كانت الأم تلي الصبي كان لها أن تعتصر، كان له أب أو لم يكن. وقال ابن القاسم ومطرف عن مالك: لا يُعتصر من يتيم. وقاله ابن القاسم وأصبغ، وبه أقول. [المسألة الثانية: لو وهبت الأم لبنيها وأبوهم مجنون جنونًا مطبقًا] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو وهبتهم والأب مجنون جنونًا مطبقًا فهو كالصحيح في وجوب الاعتصار لها. [(2) فصل: في اعتصار الأب] [المسألة الأولى: في اعتصار الأب ما وهبه لبنيه الصغار] قال مالك: وللأب أن يعتصر ما وهب أو نحل لبنيه الصغار والكبار- وإن لم يكن للصغار أم؛ لأن اليتم إنما هو من قبل الأب- ما لم ينكحوا أو يستحدثوا دينًا.

محمد: لأنه إنما أُنكح لغنائه ولما أعطي وعليه داينه الناس، وكذلك يُرغب في الابنة ويُرفع في صداقها فلذلك مُنع الاعتصار، وذلك إن كانت الهبة كثيرة مما يُزاد في الصداق من أجلها، فأما الثوب ونحوه فلا. [المسألة الثانية: في اعتصار الأب ما وهبه لبنيه الصغار ثم بلغوا] قال ابن القاسم: وكذلك إن وهب لأولاده الصغار ثم بلغوا فيه أن يعتصر هبته ما لم ينكحوا أو يُحدثوا دينًا أو تتغير الهبة عن حالها، وقضى عمر بن عبد العزيز فيمن نحل ابنه أو ابنته ثم نكحا على ذلك فلا رجوع له، وإن نحلهما بعد النكاح فذلك له ما لم يتداينا أو يموتا. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم: فيمن نحل ابنته نخلة فتزوجها رجل على ذلك ثم مات أو طلق فقد انقطع الاعتصار في النكاح فلا يعود، بنى بها أو لم يبن، وكذلك من نكح من الذكور والإناث أو داين ثم زال الدين أو زالت العصمة فلا اعتصار. [المسالة الثالثة: في اعتصار ما وهبه الأب لابنه في مرض أحدهما] قال يحيى بن عمر: وأما إن مرض الأب أو الابن فلا اعتصار في مرض أحدهما، فإن زال المرض فله أن يعتصر بخلاف النكاح والدين؛ لأنه لم يُعامل عليه في المرض.

وقال سحنون مثله في الأب، قال: ولا يشبه المعتصر المعتصر منه في ذلك. وقال أصبغ: إذا امتنع الاعتصار بمرض أحدهما أو بنكاح الولد أو بدين ثم زال المرض والدين والنكاح فلا اعتصار، وإذا زالت العصرة يومًا فلا تعود. وقاله ابن حبيب عن مالك، قال: وقال المغيرة وابن دينار: إذا صح المعطي والمعطى رجعت العصرة كما تنطلق يده فيما كان ممنوعًا منه. [(3) فصل: فيما يفوت به الاعتصار] محمد: وإذا وهبه أبوه أو أمه بعد تزويجه فله أن يعتصر ما لم يتداين الولد أو تنم الهبة أو يطؤها إن كانت جارية فيفوت الاعتصار وإن لم تكن بكرًا أو لم تحمل، قاله مالك وابن القاسم وأشهب وابن وهب. وقال المخزومي: لا يفيت الوطء الاعتصار. ابن حبيب: وقاله ابن الماجشون، قال: وتُوقف الجارية، فإن استمرت حاملاً فلا عصرة له، وبه أقول.

وقال ابن القاسم: لا عصرة بعد الوطء، ويصدق الابن في دعواه الوطءز قال يحيى بن عمر- رحمه الله-: وذلك إذا غاب عليها الولد. قال مالك في المدونة: إذا نحل ابنه الكبير أمة فوطئها الابن لم يكن للأب اعتصارها. قال أصبغ في العتبية: إذا وهبه والابن متزوج أو مديان أو مريض فله أن يعتصر في تلك الحال حتى يحول إلى غيره، وكذلك عنه في كتاب ابن حبيب. قال ابن حبيب: وقال ابن الماجشون: ليس له أن يعتصر كما لو تقدمت العطية هذه الحوادث. وفي المدونة: وقضى عمر بن عبد العزيز نحل ابنه بعد أن نكح أن للأب أن يعتصر ذلك. قال عيسى عن ابن القاسم: في الابن البائن التاجر وهو ذو مال ولا يُولى عليه يهبه أبوه ثم يتزوج ويعلم الناس أنه لم يتزوج لتلك الهبة، قال: فليعتصر منه إلا أن يأتي من ذلك من زيادة اليسر بها ما يُعلم أنه نكح لذلك، فأما أن ينحله عبدًا ثمن عشرين دينارًا وهو رب ألف دينار فليعتصر من

هذا إذا تزوج، وكذلك ما يشبه هذا مما يُعلم أنه لم ينكح لذلك. ابن حبيب: إذا كانت قليلة لا يرى أن من أجلها ادان أو زوج لقلتها فله أن يعتصر. ورواه مطرف عن مالك، وقال به وقاله أصبغ، وبه أقول. وقال ابن الماجشون عن مالك: ذلم يمنع الاعتصار وهو قد قوي بها. قال سحنون: فيمن نحل ابنه الصغير دنانير جعلها له بيد رجل ثم صاغها له حليًا فليس له اعتصار؛ لأنه قد غيره عن حاله، كما لو اشترى له بها جارية ثم أراد اعتصارها، وكذلك روى ابن وهب عن مالك. قال سحنون: ومن وهب لابنه هبة يريد بها الصلة فلا يجوز أن يعتصرها منه كان الابن صغيرًا أو كبيرًا؛ لأنها كالصدقة، وذلك مثل أن يكون ابنه أو ابنته محتاجين، وإنما يعتصر منه إذا كان الابن في حجره أو بائنًا عنه وله أموال كثيرة. قال ابن الماجشون: وإذا وهب لولده لله عز وجل أو لوجه الله تعالى أو لطلب الآخرة أو لصلة رحم فلا يعتصرها، وإنما يعتصر إذا وهب أو نحل نحلة مرسلة ولم يقل صلة رحم ولا لوجه الله تعالى ولا لطلب الثواب من الله سبحانه فهذا يعتصر، وقاله أصبغ.

[(4) في اعتصار الوالد صدقته على ابنه وهبته له] [المسألة الأولى: في اعتصار الأب صدقته على ابنه وفي اعتصار الولد من الوالد] ومن المدونة قال ربيعة ومالك: ولا يعتصر الأب صدقته على ابنه وإن عقه، قال ربيعة: ولا يعتصر الولد من الوالد. [المسالة الثانية: في اعتصار غير الأبوين] قلت: فهل يجوز لغير الأبوين من جد أو جدة أو عم أو عمة أو خال أو خالة أو غيرهم اعتصار هبتهم؟ قال: لا يجوز الاعتصار في قول مالك إلا للوالد والوالدة ولا يجوز لأحد غيرهم. محمد: قال مالك: وللأم من الاعتصار ما للأب، واختلف قوله في الجد والجدة: فروى عنه ابن وهب أنه لا يعتصر وهو لا تلزمه النفقة، ويرث معه الإخوة، ولا يكون بيده بضع بنات الابن. وروى عنه أشهب: أن الجد والجدة يعتصران كالأبوين. وقاله ابن عبد الحكم. قال: وقد قيل أن ليس لأحد أن يعتصر إلا الأبوان. [المسالة الثالثة: هل للأبوين طلب الثواب فيما ليس لهما اعتصاره؟] قال: ولا ثواب للأبوين فيما ليس لهما أن يعتصرا، وما كان له اعتصاره

فأثابه الابن منه فليس فيه اعتصار، وهو كالبيع، وكذلك إن أثابه عنه غيره. [المسالة الرابعة: في اعتصار الهبة إذا نمت في بدنها قال: وإذا نمت الهبة في بدنها فلا اعتصار للأب، وإذا نقصت في هبة الأجنبي: فقال أشهب: للأجنبي الواهب أخذها بنقصها كما للموهوب له ردها بزيادتها. وقال ابن القاسم: قد وجبت القيمة ولا ترد إلا باجتماعها. [المسألة الخامسة: في اعتصار الأب في حوالة السوق، وهل له إذا ادان دينًا أن يعتصر؟ وفي اعتصار الأب في مرض الابن] وللأب أن يعتصر في حوالة الأسواق، وذلك في الأجنبي فوت يوجب القيمة، وليس للأب إذا ادان دينًا أن يعتصر، ولا لغرمائه أخذ ذلك منه، وإن مرض الأب فلا اعتصار له، وإن مرض الابن فلا أدري.

[الباب السابع] في هبة الثواب وقبضها بغير أمر الواهب وهي لثواب أو غيره، وما لا ثواب فيه من الهبات

[الباب السابع] في هبة الثواب وقبضها بغير أمر الواهب وهي لثواب أو غيره، وما لا ثواب فيه من الهبات [(1) فصل: في هبة الثواب] وفي حديث عمر رضي الله عنه: (ومن وهب هبة يرى أنها للثواب فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض منها) وقد جرى في غير وجه من الأحكام أن المتعارف كالمشترط والهبة للثواب كالبيع في أكثر الحالات، وإن لم يسم العوض عند الهبة أجازه العلماء على ما روي عن عمر وغيره، وخالفت البيع في هذا كخلاف نكاح التفويض لنكح التسمية وكلاهما نكاح فيه عوض، ولا بأس باشتراط الثوب عند الهبة وإن لم يوصف، وأبى ذلك عبد الملك إذا اشترط الثواب، وبعد ذلك تأتي الحجة فيه. [(2) فصل: في قبض الهبة بغير أمر الواهب] قال مالك: ومن وهب لرجل هبة لغير الثواب فقبضها الموهوب بغير أمر الواهب جاز قبضه، إذ يُقضى على الواهب بذلك إذا منعه إياها، فأما هبة الثواب فللواهب منعها حتى يقبض العوض كالبيع، ولو قبضها الموهوب قبل الثواب وقف، فإما أثابه أو ردها، ويتلوم لها تلومًا لا يضر بهما فيه، وإن مات الواهب للثواب والهبة بيده فهي نافذة كالبيع، وللموهوب قبضها إن دفع

العوض للورثة، وإن مات الموهوب قبل أن يثيب الواهب فلورثته في الهبة ما كان له وعليهم من الثواب ما كان عليه. [(3) فصل فيما لا ثواب فيه من الهبات التي تكون بين الناس] قال مالك: ولا ثواب في هبة الدنانير والدراهم وإن وهبها فقير لغني، وما علمته من عمل الناس. قال ابن القاسم: إلا أن يشترط الثواب فيثاب عرضًا أو طعامًا. قال في كتاب ابن المواز: فإن اشترط في ذلك الثواب فهي هبة مردودة. وقاله أشهب. قال محمد: إنما لم يكن في العين ثواب؛ لأن العين هي الأثمان المرجوع بالقيمة إليها، فكأنها بيعت بما لا يُعرف من أصناف العروض. قال فيه وفي العتبية: ولا ثواب في ذهب ولا فضة غير مسكوك ولا في التبر والسبائك والنقار والحلي المكسور. قال فيه وفي المدونة: وأجاز مالك هبة الحلي المصوغ للثواب، والعوض عليه يعاوض عروضًا.

قال في كتاب محمد: أو يعاض عن الذهب ورقًا، وعن الورق ذهبًا. قال محمد: لا يجوز هذا بحال، وكذلك في المدونة لا يُعاوض من ذلك عينًا ولا ذهبًا أو فضة. [المسألة الثانية: في هبة الفواكه والرطب وشبهه] قال مالك: وإذا قدم غني من سفره فأهدى له جاره الفقير الفواكه والرطب وشبهه ثم قام يطلب الثواب، وقال إنما أهديت إليه رجاء أن يكسوني أو يصنع بي خيرًا فلا شيء فيه لغني أو فقير. قال ابن القاسم: ولا له أخذ هديته وإن كانت قائمة بعينها. محمد: وقاله كله أشهب أيضًا. قال أبو محمد: وذكر أبو بكر بن محمد أن بعض أصحابنا يرى له أخذها ما لم تفت. محمد: وأما القمح والشعير يوهب للثواب ففيه الثواب. [(4) فصل فيما لا ثواب فيه من الهبات بين الزوجين والولد والوالد والأقارب، وهبة السلطان للثواب] [المسالة الأولى: في هبة الزوجين والولد والوالد] ومن المدونة: ولا يُقضى بين زوجين بالثواب في الهبة ولا بين ولد ووالده

إلا أن يظهر ابتغاء الثواب بينهم، مثل أن تكون للمرأة جارية فارهة يطلبها منها زوجها، وهو موسر فأعطته إياها تريد بذلك استغزارًا لصلته وعطيته، والرجل كذلك يهب لامرأته، والابن لأبيه مما يُرى أنه أراد بذلك استغزار ما عند أبيه، فإذا كان مثل منهما في هبته، فإن لم يكن وجه ما ذكرنا فلا ثواب بينهما. وقال ربيعة: ما أعطى أحد الزوجين لصاحبه من عطية أو صدقة بت فلا ثواب بينهما، ولا لأحدهما أن يرجع فيما أعطى صاحبه إلا أن يشترطا ثوابًا فيلزمهما، وقاله مالك. [المسالة الثانية: في هبة الأقارب وذوي الرحم] قال ابن القاسم: وما وهبت لقرابتك وذوي رحمك وعلم أنك أردت ثوابًا فذلك لك إن أثابوك، وإلا رجعت فيها، وما عُلم أنه ليس لثواب كصلتك لفقيرهم وأنت غني فلا ثواب لك، ولا تُصدق أنك أردته، ولا رجعة لك في هبتك، وكذلك هبة غني لأجنبي فقير أو فقير لفقير ثم يدعي أنه أراد الثواب فلا يُصدق إذا لم يشترط ولا رجعة له في هبته، وأما إن وهب فقير لغني أو غني لغني، فهو مصدق أنه أراد الثواب، فإن أثابوه وإلا رجع في هبته. [المسالة الثالثة: في هبة السلطان للثواب] محمد: قال أشهب: إلا ما وهب ذو سلطان لغني فلا ثواب له، إذ لا يُعلم ذلك من السلاطين.

[الباب الثامن] فيما له أن يرجع فيه من هبة الثواب وما لا رجوع له فيه

[الباب الثامن] فيما له أن يرجع فيه من هبة الثواب وما لا رجوع له فيه وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من وهب هبة يرى أنه أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض منها، وإن هلكت فله شراؤها بعد أن يحلف بالله تعالى ما وهبها إلا رجاء أن يثيبه عليها) قال ابن حبيب قال مطرف: في هبة الثواب إذا أثابه قبل فوتها القيمة أو أكثر فالواهب مخير في قبول ذلك أو ردها على ظاهر حديث عمر رضي الله عنه- فهو على هبته إن لم يرض منها- إلا أن تفوت بموت أو وطء- وإن لم تحمل- وشبه ذلك، ولا يفيتها زيادة سوق ولا نقصه، ولا زيادة بدن ولا نقصه. وقال ابن الماجشون: إذا أثابه القيمة فلا حجة له وإن لم تفت وهو معنى حديث عمر لقوله: ما لم يرض منها، فجعل رضاه بيد الموهوب، فإذا أثابه القيمة فلا حجة له، وكذلك قال ابن القاسم ورأى أن النماء والنقص فوت. [المسألة الأولى: فيمن وهب عبدًا لرجلين فعوضه أحدهما] ومن المدونة: ومن وهب عبدًا لرجلين فعوضه أحدهما من حصته فله الرجوع في حصة الآخر إن لم يعوضه، كقول مالك: فيمن باع عبدًا من رجلين في صفقة، فنقده أحدهما حصته من الثمن وفلس الآخر أن بائعه أحق بنصيب الآخر من الغرماء إلا أن يدفعوا إليه حصته من الثمن. [المسألة الثانية: إذا عوض الواهب أجنبي عن الموهوب بغير أمره] وإذا عوض الواهب أجنبي عن الموهوب بغير أمره، ثم أراد أن يرجع على

الواهب في عوضه لم يكن له ذلك، ولكن إن رأى أنه أراد ثوابًا من الموهوب رجع بقيمة العوض- يريد: يرجع عليه بالأقل من قيمة الهبة أو قيمة العوض- إلا أن يكون العوض دنانير أو دراهم فلا يرجع عليه بشيء إلا أن يريد به سلفًا فله اتباعه بذلك، وإن لم يُرد ثوابًا ولا سلفًا فلا شيء له. قال محمد: وإن أثاب عنه قبل تغير الهبة خير الموهوب، فإن شاء رد الهبة على الواهب، ورجع المثيب بما أثاب على من أعطاه، وإن شاء حبس الهبة ودفع إلى المثيب الأقل من قيمة الهبة أو العوض.

كتاب الهبات

كتاب الهبات [الباب الأول] ما جاء في تغير الهبة وما يفيتها [(1) فصل: في تغير هبة الثواب عند الموهوب] ومن المدونة وكتاب محمد قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا في هبة الثواب تتغير عند الموهوب في بدنها بزيادة أو نقص فقد لزمته قيمتها يوم قبضها. محمد: وقال مرة أخرى: يوم وهبها. قال محمد: والصواب يوم قبضها؛ لأنه كان في قبضها بالخيار. وقال: وإذا أراد ردها وقد زادت عنده في بدنها وأبى الواهب إلا القيمة: فقال ابن القاسم: ذلك للواهب إلا أن يجتمعا على ردها، وهو قول مالك. محمد: وبعد معرفتهما بما لزمه من القيمة رجع. محمد: فقال: جائز إذا رضيا بردها وإن لم يعرفا القيمة؛ لأنها هبة مؤتنفة إلا أن يوجبها له على قيمتها فلا يجوز.

وقال أشهب: للموهوب ردها في الزيادة، وإنما معنى قول مالك عندي أنه ليس ذلك للموهوب في النقص ولا للواهب في الزيادة، ورواه ابن وهب عن مالك. وقال سحنون: وكذلك يلزم في الاعتصار على اختلافهما. [(2) فصل: فيما يفيت هبة الثواب] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا يفيت الهبة عند الموهوب حوالة الأسواق بخلاف البيع الفاسد. وقال ابن المواز: حوالة الأسواق بزيادة او نقص فوت عند ابن القاسم وأشهب، إلا أن ذلك عند أشهب كحوالة البدن وأن للموهوب ردها في زيادة السوق ما لم تنقص في البدن، أو في زيادة البدن ما لم تنقص في السوق، وابن القاسم لا يرى ذلك إلا أن يجتمعا. قال: وتباع عليه فيما لزمه من القيمة، وإن فلس فربها أحق بها كالبيع زادت أو نقصت، إلا أن يعطيه الغرماء قيمتها أو يسلمها إذا فاتت ويحاص بالقيمة. قال ابن القاسم: والفوت فيها كالفوت في البيع الفاسد في العروض والحيوان والرباع. وبعد هذا باب فيه تمام ما يفيت الهبة.

[الباب الثاني] في ما يجوز من العوض في هبة الثواب

[الباب الثاني] في ما يجوز من العوض في هبة الثواب. قال أبو محمد: ولما كانت الهبة للثواب كالبيع في أكثر الحالات كان لها حكمه فيما يحل ويحرم من عوضها. [المسألة الأولى: فيما يجوز من عوض هبة المكيل من الطعام والموزون] قال ابن القاسم: ومن وهبك حنطة فلا خير في أن تعوضه منها بعد ذلك حنطة أو تمرًا أو غيره من مكيل الطعام أو موزونه، إلا أن تُعوضه قبل التفرق طعامًا من طعام فإنه يجوز؛ لأن هبة الثواب بيع من البيوع عند مالك، إلا أن يعوضه مثل طعامه وصفته وكيله وجودته فلا بأس بذلك. قال سحنون: هذا لا يمكن وإنما محمله محل الصرف. قال ابن القاسم: ولا يعوضه دقيقًا من حنطة، وإن وهبه حنطة فطحنها وعوضه من دقيقها لم يجز؛ لأن من باع حنطة فلا يأخذ في ثمنها دقيقًا كان مثل كيلها أم لا. [المسألة الثانية: فيما يجوز من عوض هبة الحلي] قال مالك: ومن وهبك حليًا فلا تعوضه منه إلا عروضًا، ولا تعوض من حلي فضة ذهبًا، ولا ما لا يجوز أن تُسلم فيه الهبة. [المسألة الثالثة: فيما يجوز من عوض هبة الثياب] وإن وهبك ثيابًا فسطاطية فعوضته عليها بعد ذلك ثيابًا فسطاطية أكثر منها لم تجز إلا أن يكون مثلها سواء. [المسألة الرابعة: فيما يجوز من عوض هبة الدور] وإن وهبك دارًا جاز أن تعوضه قبل تغير الهبة سكنى دار أخرى أو خدمة عبد

أو دين لك قد حل أو لم يحل وذلك كبيع سلعة حاضرة بذلك، وإن تغيرت الهبة لم يجز أن يعوضك سكنى دار أو خدمة عبد لفسخك ما وجب لك من القيمة حالاً فيما لا تتعجله من خلافها، وأما الدين فلا بأس أن يعوضه إياه إن كان مثل القيمة في العين والوزن ومثل العدد فأقل حل الدين أو لم يحل؛ لأنها حوالة، ومعروف صنعته بالموهوب إذ برأت ذمته وتحولت بالقيمة في ذمة غيره، وقد قال مالك: افسخ ما حل من دينك فيما حل وفيما لم يحل- يريد: على غير غريمك- إذا فسخته في مثل دينك من عين أو عرض صفة ومقدارًا وإن كان الدين المؤجل أكثر من قيمة الهبة لم يجز؛ لأنه أخره بزيادة ولو لم تتغير الهبة جاز ذلك. محمد: وأجاز أشهب العوض بالدين مثل قول ابن القاسم، وأجازه في السكنى والخدمة. وروي عن مالك أنه أجاز أن تُكري دارًا بدين لك على رجل، وأما بدين لك على ربها فلا يجوز، وأجازه أشهب، قال: لأنه قد قبض الدار فلا يدخله الدين بالدين، ولم يأخذ به محمد. [المسالة الخامسة: في العرض المؤجل يكون عوضًا عن هبه] قال فيه وفي المدونة: وإن عوضه عرضًا له على رجل مؤجل لم يجز؛ لأنه يفسخ القيمة في عرض مؤجل فهذا بيع، ولو لم تتغير الهبة إلا بحوالة

السوق جاز العوض بالعرض المؤجل، وكأنه باعها بذلك إن كانت مما يجوز أن تُسلم في ذلك العرض. م: وهذا على قوله أنه ليس حوالة الأسواق فيها فوت. [المسالة السادسة: فيمن وهبته دارًا أو عبدًا أو دابة فأراد أن يعوضك عبدًا مثل القيمة أو أكثر] ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا وهبته دارًا أو عبدًا أو دابة فأراد أن يعوضك عبدًا أو عرضًا مثل القيمة أو أكثر فليس له ذلك إلا برضاك فاتت الهبة أو لم تُفت، ولا يثيبك إلا القيمة من الدنانير أو الدراهم. قال أبو محمد: وهذا الذي قال ابن المواز قول أشهب، وقال سحنون: لا أقول به، وكل ما أثابه مما فيه القيمة لزمه. م: وهو في مذهبه في المدونة. قال ابن المواز: فإن رضي بقبول غير العين نظر، فإن فاتت الهبة جاز قبوله بما يجوز أن تُسلم الهبة فيه، وإن لم تفت جاز قبول ما يجوز أن تُباع الهبة به يدًا بيد، فإن أبى، قيل له: إما أثبته بالعين وإلا رددت الهبة، فإن أثابه من العين مثل القيمة فلا حجة للواهب في رد الهبة.

[الباب الثالث] في ما يحل وما يحرم من الحوالة، ومن بيع الدين

[الباب الثالث] في ما يحل وما يحرم من الحوالة، ومن بيع الدين [(1) فصل: فيما يحل وما يحرم من الحوالة] قال مالك: ومن لك عليه دراهم حالة فأحالك على دنانير له على رجل وهي كصرف دراهمك وقد حلت أو لم تحل لم يجز، وكذلك لو فسخت دراهمك في طعام ولم تقبضه، وإن كان لك عليه عرض من بيع أو قرض قد حل فلا بأس أن تفسخه في عرض له على رجل آخر من بيع أو قرض إذا كان مثل عرضك الذي لك عليه، وهذا محمل الدنانير والدراهم، وإن كان العرض الذي يُحيلك به على غريمه مخالفًا للعرض الذي لك عليه لم يجز؛ لأنه دين بدين، وإن كان لك عليه طعام من قرض قد حل فأحالك على طعام له من قرض حل أو لم يحل جاز، كالعين، وإن أحالك على طعام له من سلم لم يحل لم يجز؛ لأنه يدخله بيع الطعام قبل قبضه، وإن حل أجل الطعامين جاز، وكذلك إن كان الذي لك عليه من سلم والذي له من قرض وقد حلا، ثم لا بأس في الوجهين أن يؤخر المحال من أحيل عليه. م: وأشهب يجيزه إذا حل المحال به كالعرضين. قال ابن القاسم: وإن كان الطعام الذي لك من سلم فلا يجوز أن يُحيلك على طعام له من سلم وإن حلا. [(2) فصل في بيع الدين بالدين] قال مالك: وكل دين لك من عين أو عرض فلك بيعه من غير غريمك قبل محله أو بعد بثمن تتعجله ولا تؤخره، فإن كان دينك دنانير أو دراهم بعته

بعرض، وإن كان عرضًا بعته بعين أو عرض يخالفه نقدًا، قال مالك: وهذا إذا كان الذي عليه الدين حاضرًا مقرًا، وإن كان الذي لك عليه ثوب فسطاطي من بيع أو قرض إلى أجل فبعته من غيره قبل الأجل بثوب مثله في صفته نقدًا أو أحلته به فليس ببيع ولكنه قضاك عن الرجل على أن أحلته عليه، فإن كان النفع لك جاز، وإن اغتزى هو بذلك نفع نفسه لسوق يرجوها ونحوه لم يجز، ولو بعته من غيره أيضًا قبل الأجل بثوب مثله إلى أجل لم يجز؛ لأنه دين بدين، وإن كان دينك دنانير فعجلها لك رجل على أن أحلته على غريمك إلى أجل لم يجز كان النفع ها هنا له أو لك دونه، وكذلك بلغني عن مالك أنه قال: أراه بيع الذهب بالذهب إلى أجل. قال سحنون: وقد قال ابن القاسم: لا بأس بهذا إذا كانت المنفعة لقابض الدنانير وهو سهل إن شاء الله، وهذا عندي أحسن. وقد تقدم معاني أكثر هذا الباب في كتاب البيوع.

[الباب الرابع] في المأذون يهب أو يوهب، وفي الأب يهب من مال ولده

[الباب الرابع] في المأذون يهب أو يوهب، وفي الأب يهب من مال ولده [(1) فصل: في العبد المأذون له بالتجارة يهب أو يوهب له] قال ابن القاسم: وللمأذون له أن يهب للثواب كالبيع ويُقضي عليه أن يعوض من وهبه، ومن وهب لعبد مأذون هبة فأخذها منه سيده قُضى على العبد بقيمتها في ماله. قال محمد عن أشهب: وسواء علم السيد أنها هبة للثواب أو لم يعلم وإن كان العبد غير مأذون لم يكن قبوله قبولاً إلا أن يأخذها منه سيده وهو يعلم أنها هبة للثواب فيكون كمن أذن له في ذلك ويُلزم قيمتها في ماله، وإن لم يعلم السيد والهبة بحالها لم توطأ ولا نقصت، خير السيد بين أن يردها أو يؤدي قيمتها يوم الهبة من مال نفسه، وإن وطئها السيد أو نقصت لزم العبد قيمتها في ماله. [(2) فصل في هبة الرجل من مال ولده] قال ابن القاسم: وللأب أن يهب من مال ولده الصغير للثواب، ويعوض عنه واهبه للثواب؛ لأن هذا كله بيع، وبيع الأب جائز على ابنه الصغير. ومن كتاب الشفعة: وإن تصدق الأب من مال ابنه الصغير أو وهب لغير ثواب، او حابي في بيع أو عوض أخذه له من هبة الثواب رُد ذلك كله ولم يجز منه شيء؛ لأنه إنما يجوز بيعه له بمعنى النظر، وهذا بخلاف عتقه عبد ابنه فهو إن كان مليئًا مضى عقته وضمن له القيمة، وإن كان عديمًا رد. وقد تقدم شيء من هذا.

[الباب الخامس] فيمن وجد عيبا في هبة الثواب أو في عوضها أو استحق ذلك

[الباب الخامس] فيمن وجد عيبًا في هبة الثواب أو في عوضها أو استحق ذلك قال ابن المواز: وليس في هبة الثواب عهدة السنة، ولا اشتراط البراءة، وهو في الثواب أخف إذا كان بعد فوات الهبة، وقد قال عبد الملك: لا تكون هبة الثواب بشرط أهبك على الثواب- وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من وهب هبة يُرى أنه أراد بها الثواب) - قال عبد الملك: فلو شددها أحد بالشرط لم يحل له؛ لأن الثمن فيها غير مسمى فيصير كبائع سلعة بالقيمة. وقاله عنه ابن حبيب. قال: وقال أصبغ ذلك جائز في الوجهين، وبالأول أقول. قال أبو محمد: وقول أصبغ هو قول ابن القاسم في المدونة وهو أولى؛ لأن هبة الثواب كالبيع، وقد جاءت الرخصة من السلف رضي الله عنهم في ترك تسمية عوضها، وهما وإن لم يشترطا الثواب فقد تعارفا أنه المقصود فيها، والعرف كالشرط.

[(1) فصل: فيمن وجد عيبًا في هبة الثواب أو في عوضها] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا وجد الموهوب بالهبة عيبًا فله ردها وأخذ العوض- يريد: إن لم تفت، وإن فاتت بحوالة سوق فأعلى وهو عرض أو حيوان فعليه قيمته- وإن وجد الواهب بالعوض عيبًا، فإن كان عيبًا مفسدًا لا يتعاوض الناس بمثله كالجذام والبرص فله رده وأخذ الهبة إن لم تفت إلا أن يعوضه مثل قيمتها، فإن لم يكن العيب فادحًا، نُظر إلى قيمة العوض بالعيب، فإن كان كقيمة الهبة فأكثر لم يجب له غيره؛ لأن ما زاده أولاً على قيمة الهبة تطوع غير لازم، وإن كان قيمة العوض معيبًا أقل من قيمة الهبة فإن أتم له الموهوب قيمة الهبة برئ، وليس للواهب أن يرد العوض إلا أن يأبى الموهوب له أن يتم له قيمة هبته؛ لأن الموهوب لو أعطاه الواهب وهو يعلم بعيبه، ولم يكن عيبًا مفسدًا وقيمته كقيمة الهبة لم يكن للواهب أن يرده عليه ويلزمه أخذه، وكذلك كلما عوضه من عرض أو عين فيه وفاء بقيمة الهبة وكانت العروض التي عوضها مما يثيبها الناس فيما بينهم فذلك للواهب لازم قبوله ولا سبيل له على الهبة، وإن عوضه تبنًا أو حطبًا لم يلزمه، إذ ليس ذلك مما يتعاوضه الناس بينهم. [(2) فصل: في استحقاق الهبة أو عوضها] [المسألة الأولى: في استحقاق الهبة] محمد: وإن استحقت الهبة رجع في العوض، فإن فات بحوالة سوق أو بدن أخذ قيمته إلا أن يكون عينًا أو طعامًا يكال أو يوزن فيرجع بمثله، قاله ابن القاسم وأشهب، وكذلك إن وجد

بالهبة عيبًا فردها. قال: وإذا وجد بالهبة عيبًا لم يفت ردها بحوالة سوق أو نقص أو زيادة في بدن، وليردها ويرجع في عوضه كما ذكرنا في فوته أو غير فوته، وإنما ذلك بمنزلة بيع السلعة بالسلعة، وأما لو وجد بالعوض عيبًا فله رده وإن حال سوقه ويأخذ هبته إلا أن تفوت بحوالة سوق فأعلى. قال ابن القاسم: إلا أن يكون في العوض المعيب مثل قيمة الهبة فلا يرد، أو يكون أقل فيتم له القيمة فلا يرد. قال أشهب: له رده كما تُرد الهبة ويُرد الشيء المعيب؛ لأنه يرى أنه لا يُقبل في عوضه إلا العين؛ ولأن أخذه العوض شراء له بالقيمة التي وجبت له. محمد: وهذا أحب إلي. [المسألة الثانية: في استحقاق العوض] ومن العتبية قال أصبغ: فإن كان العوض عينًا فاستحق، أو وجد به عيبًا والهبة لم تفت فليرجع بمثل العين؛ لأنه ثمن ما باع ولو كان العوض طعامًا يُكال أو يوزن أو كان جُزافًا فاستحق أو رده بعيب فله أخذ هبته، فإن فاتت فقيمتها، قال: وإذا فاتت الهبة قبل قبض العوض فلا تُبالي كان العوض عينًا أو غيره إذا

وجد به عيبًا أو استحق، فليرجع بقيمة الهبة؛ لأن القيمة قد وجبت عليه لفوات الهبة، فما أعطاه من العوض فعوض عن القيمة، فإذا استحق ذلك العوض رجع في القيمة، كما لو باع عرضًا بعين فأعطاه عن العين عرضًا فإذا استحق ذلك العرض فليرجع في العين؛ لأنه ثمنه. [المسألة الثالثة: إذا كان العوض عينًا وكان أكثر من القيمة فاستحق] قال أصبغ: ولو كان ما أعطاه أولاً من العوض عينًا أكثر من القيمة، فاستحق لم يلزمه الآن إلا القيمة، ولو أعطاه عينًا أقل من القيمة فاستحق أو وجد به عيبًا فلا يرجع إلا بمثله، كان ما أعطاه أولاً بعد فوت الهبة أو قبل. م: لأنه إن كان أعطاه أكثر فالزيادة تطوع، وإن أعطاك أقل فرضيته ثم استحق، فإذا أعطاك مثله لم يظلمك، وكأنه لم يُستحق من يدك شيء. [المسالة الرابعة: فيمن نكح بتفويض وأعطاها قبل البناء عرضًا أو عينًا ثم استحق أو وجدت به عيبًا] قال: ومن نكح بتفويض وأعطاها قبل البناء عرضًا أو عينًا مثل صداق المثل ثم استحق ما أخذت أو وجدت به عيبًا، فلترجع عليه بمثل العين أو بقيمة العرض الذي أخذت، وتفارق الهبة في هذا، وإن كان ما أعطاها بعد أن بنى بها رجعت ها هنا بصداق المثل. [المسألة الخامسة: فيمن وهبت له جارية للثواب فوطئها ثم أصاب بها عيبًا] قال أصبغ: ومن وهبت له جارية للثواب فوطئها- قال في موضع آخر أو

حال سوقها- ثم أصاب بها عيبًا بعد الوطء، أن له ردها بالعيب مثل البيع، وإن شاء تمسك بها وأدى قيمتها سليمة؛ بمنزلة من ابتاع أمة فظهر على عيب بها وهي قائمة لم تفت، فإن شاء ردها بعيبها أو تمسك بها بجميع الثمن، فالهبة كذلك إن شاء ردها وإن شاء تمسك بها بالقيمة كاملة. قلت: فإن فاتت عنده مما لا يقدر على ردها؟ قال: هذا خلاف الأول، فإن كان قد أدى قيمتها رجع بقيمة العيب من ذلك وصارت القيمة كالثمن في البيع- فإن نقصها العيب من قيمتها الربع، رجع بربع العوض، كان أقل من قيمتها أو أكثر، فيأخذ ذلك إن كان عينًا، وإن كان عرضًا فربع قيمته، وإن كان طعامًا يُكال أو يوزن فربع ذلك كيلاً أو وزنًا في صفته- وإن لم يؤد قيمتها، ولا عوض فيها فعليه ها هنا قيمتها معيبة؛ لأنها لزمته وانقطع خياره في ردها.

[الباب السادس] جامع مسائل مختلفة

[الباب السادس] جامع مسائل مختلفة [(1) فصل: في هبة الشقص من الدار] قال ابن القاسم: ومن وهب شقصًا من دار للثواب ففيه الشفعة، فغن سمى العوض فبقيمته إن كان مما يقوم أو بمثله في المقدار والصفة إن كان عينًا أو طعامًا أو ما يُقضى بمثله كانت الهبة بيد الواهب أو كان قد دفعها، وإن كان قد وهب على عوض يرجوه ولم يسمه فلا قيام للشفيع إلا بعد العوض. وهذا في كتاب الشفعة مذكور. [(2) فصل فيمن امتنع من دفع هبة وهبها لغير ثواب] ومن وهب هبة لغير ثواب فامتنع من دفعها قضي بها عليه للموهوب، ولو خاصمه فيها الموهوب في صحة الواهب، ورفعت الهبة إلى السلطان ينظر فيها، فمات الواهب قبل قبض الموهوب فإنه يُقضى بها للموهوب إن عدلت ببينته؛ كالمفلس يخاصمه الرجل في عين سلعته فتوقف السلعة، ثم يموت المفلس أن ربها أحق بها إن ثبتت ببينة، ولم لم يقم الموهوب فيها حتى مرض الواهب فلا شيء له إلا أن يصح، وقد تقدم أكثر هذا. [(3) فصل: فيمن استعار ثوبًا فضاع عنده فحلف على أن يغرم الثوب وحلف المعير على عدم القبول] قال مالك: ومن استعار ثوبًا فضاع عنده فحلف المستعير بالطلاق ثلاثًا إن لم

أغرمه، وحلف المعير بالطلاق ثلاثًا لا أقبل ذلك منه، فإن أراد المستعير بيمينه ليغرمنه له قبله أو لم يقبله، ولم يُرد بيمينه ليأخذنه مني، فلا يحنث إذا غرمه فلم يقبله المعير، ولا يحنث المعير أيضًا؛ لأنه لم يقبل، وإن أراد بيمينه ليأخذنه مني فإن لم يأخذه منه حنث، ولا يُجبر المعير على أخذ الغرم ويبرأ. قال مالك: وإن كان ذلك من دين عليه فأتى بالدين فحلف صاحب الحق ألا يأخذه، وحلف الذي عليه الحق ليأخذنه، فلا يحنث الذي عليه الحق، ويجبر رب الدين ها هنا على أخذ دينه، ويحنث. قال ابن القاسم: والفرق أن الدين لزم ذمته، والعارية إنما يضمنها لغيبه أمرها وليست بدين، فإنما يُقضى بالقيمة لمن طلبها في ظاهر الحكم وله تركها، وقد تسقط أن لو قامت بينه بهلاكها.

[الباب السابع] في بقية القول فيما يفيت هبة الثواب ويوجب قيمتها

[الباب السابع] في بقية القول فيما يفيت هبة الثواب ويوجب قيمتها [(1) فصل: فيما يعد فوتًا، وفيما لا يعد فوتًا] وفوات الهبة عند الموهوب يوجب عليه قيمتها. والفوت فيها وهي عرض أو حيوان خروجها من يده، والهلاك وحدوث العيوب وتغير الأبدان فوت، وليس حوالة الأسواق فوتًا، وقيل: إنه فوت. ابن القاسم: وولادة الأمة عند الموهوب فوت؛ لأنه نقص، وزوال بياض كان بعينها أو صمم بها فوت؛ لأنه نماء. والهدم والبناء في الدار فوت، والغرس في الأرض فوت يوجب القيمة، وليس له أن يقول: أنا أقلع بنياتي أو شجري وأردها، والبيع الحرام مثله، وإحالتها عن حالها رضى بالثواب. محمد: وله ردها عند أشهب؛ لأنها زيادة. وقال ابن القاسم: ليس له ذلك؛ لأنه قد لزمته قيمتها. محمد: وبه أقول؛ لأنه لما وجبت له الزيادة فقال: أنا أرضى بترك الزيادة

وأرد كان كبائع ما وجب له على ما أحب المشتري أو كره، وقاله ابن عبد الحكم. وقال ابن وهب: قال مالك: والحرث في الأرض فوت يوجب القيمة. وإن وهبه ثوبًا فصبغه أو قطعه قميصًا ولم يخطه فذلك فوت، وإن وهبه عبدًا فأعتقه أو كاتبه أو دبره أو وهبه أو تصدق به، فإن كان مليًا جاز ذلك كله ولزمته القيمة، وإن لم يكن له مال مُنع من ذلك كما يُمنع صاحب البيع. ولو وهبه بدنه فقلدها أو أشعرها ولا مال له فللواهب أخذها، ولو ابتاعها ففعل بها ذلك فإنها تُرد وتُحل قلائدها وتُباع على المشتري في الثمن. قال محمد عن ابن القاسم وأشهب: إذا أعتق العبد أو قلد البدنة وأشعرها وهو عديم فللواهب رد ذلك إن لم يفت إلا أن يكون يوم فعل ذلك مليًا أو أيسر بعد ذلك فلا رد له. قال في المدونة: وبيع الأمة فوت، وإن كانت دارًا فباعها ثم اشتراها فذلك

فوت وإن لم تحل، ولم يجعله في البيع الفاسد فوتًا. وقال غيره: إنه فوت في البيع الفاسد. قال محمد: إذا باعها الموهوب ثم اشتراها ولم تتغير في بدن ولا سوق فقد لزمته قيمتها، وليس له ردها، ولو فلس الموهوب لم يكن صاحبها أحق بها؛ لأن هذا شراء حادث غير شرائه من الأول، وبائعها الثاني أحق بها. [(2) فصل: في صور لوجوب القيمة في الفوت] [المسألة الأولى: لو كانت الهبة دارًا فباع الموهوب نصفها ثم استحقت أو وُجد بالعوض عيب] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو باع نصفها قيل له: اغرم القيمة لرب الدار، فإن أبى خير الواهب: فإما أخذ نصف الدار الذي بقي وضمنه نصف قيمتها، وإن شاء سلم الدار كلها وأخذ قيمة جميعها، وكذلك عنه في كتاب محمد. قال: وهو كقول مالك إذا اشترى [دارًا] فاستحق نصفها. قال محمد: وقد قيل أيضًا: تلزمه قيمتها كلها حين باع نصفها، ولو كانت عرصة

لا يضيقُ ما بَقِيَ منها لكانَ عليه قيمةُ ما بَاعَ يَوْمَ وُهِبَ ويَرُدُّ النصفَ الباقِيَ. قال محمد: وقولُ ابنِ القاسِمِ أحبُّ إلينا وأَصْوَبُ؛ أَنَّ واهبَها بالخِيَارِ إنْ شاء أَخَذَ منه ما بَقِيَ مِنَ الدارِ وألْزَمَهُ قيمةَ ما بَاعَ, وإنْ شَاءَ أَخَذَه بقيمَةِ الجمِيعِ إِلَّا أن يكونَ الذِي بَاعَ هو منها ما لا ضَرَرَ فيه. [المسألة الثانية: إذا كانت الهبة عبدين فباع الموهوب أحدهما ثم استحقت الهبة أو وجد في العوض عيباً] قالَ فيهِ وفي المدوَّنَةِ: وإنْ كانت الهبةُ عبديْن فباع الموهوبُ أحدَهما وأبى أن يُثِيبَ قيمَتَهُمَا, فإنْ كان الذي بَاعَ وَجْهَهَا وفيه كثرةُ لَزِمَهُ قيمَتُهُمَا, وإنْ لم يكن وجه الهبةِ غرمَ قيمَتَه يَوْمَ قَبْضِهِ وَرَدَّ الباقِي. قال محمد مثلَما قالَ مالكٌ في البيْعِ: قيمتُه ما بَلَغَتْ وليس قيمتُه مِنْ قِيمَةِ صاحِبهِ, وهو الصَّوَابُ. وقال أشهبُ: له أن يردَّ الباقيَ منهُمَا كان أَرْفَعَ أَوْ أَدْنَى؛ لأنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يردَّهُمَا جَمِيعاً ففاتَ أحدُهُما بِبَيْعٍ أو عِتْقٍ أو زِيَادَةٍ أو نَقْصٍ أو غَيْرِ ذَلِكَ فَصَارَ لا يقْدِرُ على ردِّ الْفَائِتِ مِنْهُمَا. [(1) فرع: إن وهبه عبدين فأثابه من أحدهما ورد عليه الآخر] ومنَ المدوَّنَةِ: وإنْ وَهَبَهُ عبدْين فأَثَابه مِنْ اَحَدِهِما وردَّ عليه الآخَرَ, فللواهبِ أن يأخذَ العبديْنِ إلا أن يُثِيبَهُ منهُمَا جَمِيعاً؛ لأنَّهَا صفْقَةٌ وَاحِدَة. [(2) فرع: فيمن وهب عبدين أو ثوبين فقبضهما الموهوب ثم زاد السوق حتى صار أحدهما يساوي مثل قيمتهما يوم الهبة] وَمِنَ العُتْبِيَّةِ قال عيسىَ عنِ ابْنِ القاسِمِ: فيمَنْ وَهَبَ عَبْدَيْنِ أو ثَوْبَيْنِ,

فقَبَضَهُمَا الموهوبُ, ثم زادَ السُّوقُ حتَّى صارَ أحدُهُمَا يسْوَى مِثْلَ قيمتِهِما يَوْم الْهِبَةِ, فعوَّضَهُ به فَلَا يَلْزَمُ الواهِبَ قَبُولُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ. [المسألة الثالثة: لو كان الهبة جارية فوطئها الموهوب فاستحقت أو وجد بالعوض عيبٌ, وكيف لو غاب عليها] قال ابنُ القاسِمِ: ولو كانتْ جاريةً فوطِئَها الموهوبُ فهو فوْتُ يُوجِبُ تعجِيلَ القيمةِ, فإن فَلَّسَ فللْوَاهِبِ أخذُها إلا أن يُعْطِيَهُ الغرماءُ قيمتَها يوْمَ الهِبَةِ. قال ابنُ حبيبٍ: قَالَ مُطْرَف وابْنُ الماجشون: إذا غابَ الموهوبُ على الجاريةِ الموهوبةِ للثوابِ فقد لَزِمَه الثوابُ, وَطِئَهَا أو لم يَطَاهَا, تَغَيَّرَتْ أو لم تَتَغَيَّر. وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. [المسألة الرابعة: لو كانت الهبة عبداً فجنى ثم استحقت الهبة أو وجد بالعوض عيباً] ومِن كتابِ ابنِ الموَّازِ: وإنْ جَنَى العبدُ الموهوبُ, فقال ابنُ القاسِمِ: ذلك فَوْتُ يُوجِبُ القِيمَةَ. وقال أشهبُ: إنْ كان ذلك خطأً ففدَاه مَكَانَه قَبْلَ أن يَفُوتَ بِشَيْءٍ فَلَيْسَ بِفَوْتٍ, فإنْ كان عَمْداً فقد فاتَ ووجَبَتِ القيمَة.

[الباب الثامن] فيمن ادعى أنه ابتاع الهبة من الواهب أو حاز هبته أو أنه أتاب منها

[الباب الثامن] فيمَن ادَّعَى أنَّهُ ابْتَاعَ الهبَة مِنَ الْوَاهِبِ أو حَازَ هبَتَه أو أنَّهُ أتَابَ مِنْهَا [(1) فصل: فيمن ادَّعى أنه ابتاع الهبة لغير الثواب ثم قام الموهوبُ يريد قبضها] قال ابنُ القاسمِ: ومن وهب لرجل هبة لغير ثواب ثم ادَّعى رجل أنه اَبتاعها من الواهبِ وجاء [102/ب] ببَيِّنَةٍ, فقام الموهوب يريد قبضها, فالمبتاع أحقُّ بها؛ وذلك كقول مالك: فيمن حبس على ولد له صغار حبساً ومات وعليه دَيْنٌ لا يدرى أقبل الحبس أو بعده؟ فقال البنون: قد حزناه بحوز الأب علينا, فإن أقام ولده بينة أن الحبس كان قبل الدين فالحبس لهم, وإن لم يقيموا بينة أن الحبس كان قبل الدين بيع للغرماء وبطل حبسهم, فكذلك الهبة لغير الثواب. وقال سحنون في العتبيَّة: البينة على أهل الدين, والأولاد أولى بالحبس, وقال مثله أصبغ قال: وسواء كانوا صغارا أو كبارا إذا حازه الكبار, والأب فهو الحائز للصغار, وقال ذلك ابن القاسم في الكبار إذا حازوا, فأما الصغار فالبينة عليهم أن الحبس عليهم قبل الدين. وذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون مثل قول سحنون قال: إلا أن يكون الدين مؤرخا فإن مالكاً وأصحابه يقولون: إن المؤرخ أولى, وعلى أهل الصدقة البينة من كبير أو صغير أنها قبل الدين, إلا المغيرة فإنه كان يساوي بين المؤرخ وغيره, ولا يرى الدين المؤرخ أولى حتى يعلم أنه قَبْلَ الصدقة, وقال به أصبغ وذكر عن ابن القاسم مثل ما في المدونة, وأخذ بقول مطرف وابن الماجشون.

[(2)] فصل [فيمن ادعى أنه حاز هبته] قال ابن حبيب عنهما: ومن تصدق على ولده الصغار بدار أو أرض أو جنان أو غير ذلك وأشهد بذلك, ثم مات فادَّعى باقي الورثة أن الأب لم يحز لولده الصغار فعليهم البينة بذلك, وإلا فهي أبداً على الحيازة لهم, ولو تصدَّق على الكبار كان عليهم البينة بحيازة الصدقة في صحته. وقاله أصبغ. قال: وذلك إذا أخلى الدار من سُكْناه بنفسه أو بعياله, فإن جُهِل أن يكون كان يسكنها؟ فهي على غير السُّكْنَى, إلا أن يعرف قبل الصدقة سُكْنَاه, فعلى الصغار البينة أنه تخلى من سُكْناها واستغلالها. قال مطرف وأصبغ: وإذا كانت صدقته بيد المعطي بعد موت المعطي وقال: كنت أحوزها في حياته. وقال الورثة: بل إنما حازها بعد موته. فهي نافذة, والبينة على الورثة, وكذلك الرهن يوجد بيد المرتهن بعد الموت والتفليس, هذا إذا ثبتت الصدقة والارتهان ببينة, فالحائز مُصَدَّقٌ أن حيازته متقدمة. وقال ابن الماجشون: على الحائز البينة في الصدقة والرهن أنه حازه في حياة الذي حوزه وقبل تفليسه. وبه أقول. [(3) فصل: فيمن ادعى أنه أثاب من هبة وُهِبَت له] ومن العتبية روى أشهب عن مالك: في الواهب يطلب الثواب فيدعي الموهوب أنه أثابه, فإنه إن لم يأت ببينة على ذلك حلف الواهب وأخذ هبته, كان على أصل الهبة بينة أو لم تكن؛ كالثمن في البيع, وكذلك لو قام بعد أربعة أشهر.

[الباب التاسع في] ما يلزم من الصدقة في يمين أو غير يمين وما يقضى به من ذلك وما يحدث في ماله بعد الحنث

[الباب التاسع في] ما يلزم من الصدقة في يمين أو غير يمين وما يُقضَى به من ذلك وما يحدث في ماله بعد الحنث. [(1) فصل: ما يلزم من الصدقة في اليمين] قال مالك: ومن قال: داري صدقة على المساكين أو على رجل بعينه في يمين فحنث لم يُقْضَ عليه بشيء, وإن قال ذلك في غير يمين, وإنما بتله الله عز وجل جبره السلطان إن كان لرجل بعينه. قال في كتاب ابن المواز: أو للمساكين. وقال أشهب: إنما يُجْبَرُ في هذا فيما كان بغير يمين وقد تصَدَّق به لله عز وجل على رجل بعينه يلي خصومته لا للمساكين. قال محمد: وما لم يجبر فيه فليُخْرِجْهُ كما أوجب, قاله مالك. محمد: ولا رخصة له في تركه. [(2) فصل: ما يلزم من الصدقة في غير يمين] قال فيه وفي المدونة: ولو قال: كل ما أملكه صدقة على المساكين لم يجبر على صدقة ثلث ماله, وأُمِرَ بإخراج [103/أ] ثلث ماله من عين أو عرض

أو دَين؛ لحديث أبي لُبابة. قال في المدونة: ولا شيئ عليه في أمهات أولاده؛ لأنهن لا يملكن ملك بيع ولا في مدبريه؛ لأنه لا يملك بيعهم ولا هبتهم, وأما المكاتبون فليُخرِج ثلث قيمة كتابتهم, فإن رقوا يوماً ما نُظرَ إلى قيمة رقابهم, فإن كان ذلك أكثر من قيمة كتابتهم يوم أخرج ذلك فليُخرِج ثلث الفضل, وإن لم يُخرِج ثلث ماله حتى ضاع ماله كله فلا شيء عليه فرَّط أو لم يُفَرِّطُ؛ لأن مالكاً سُئِلَ عمن قال: مالي في سبيل الله عز وجل في يمينٍ حنث بها فلم يُخْرِجُ ثلثه حتى تلف جُلّ ماله؟ فقال: أرى عليه ثلث ما بقي في يديه. [(3) فصل: فيما إذا حلف بصدقة ماله فحنث ثم حلف ثانية فحنث] ومن كتاب ابن المواز: وإذا حلف بصدقة ماله فحنث ثم حلف ثانية فحنث فقال ابن القاسم وأشهب: يُخرج الثلث, ثم يُخرج ثلث ما بقي, واختلف قول ابن كنانة فيه فقال هذا, وقال أيضا: يجزيه ثلث واحد, قال محمد: أما إن حلف باليمين الثانية قبل أن يحنث في الأولى فثلث واحد في حنثه فيهما يجزيه, وإن كان حنث ثم حلف فحنث فكما قال ابن القاسم وأشهب.

قال ابن القاسم: فإن فَرَّطَ في إخراجه حتى ذهب ماله فإنه يضمنه كالزكاة, ولو نما ماله لم يلزمه إخراج ثلث ما نما بعد أن حلف, فإن نقص فثلثه يوم حلف. وقاله مالك. وهذا خلاف ما تقدَّم له في المدونة, وبه أخذ سحنون أنه إن فرَّط ضَمِنَ كالمُفَرَّطِ في الزكاة وغيرها. قال محمد: وإنما عليه الأقل إذا كانت يمينه أن لا يفعل ثم حنث فلا يلزمه ما أتلف أو أكل أو زاد أو نقص, فإنما عليه ثلث ما معه يوم حنث لا يحسب عليه ما نقص ولا زاد, وعليه الأقل, ولو زاد بولادة رقيق أو حيوان أو غلَّات ثمارٍ وغيرها فلا شيء عليه فيه, وما نقص بسببه أو بغير سببه قبل الحنث لم يضمنه, ويضمن ما بقي منه بعد الحنث مما كان يملك يوم حلف, ولو ضاع شيء بقرب حنثه بلا تفريط لم يضمنه أيضا, هذا كله في يمينه أن لا يفعل, وأما يمينه فأفعلنَّ فيلزمه فيما ملك يوم حلف وفيما زاد بنماء أو ولادة أو غَلَّة, ويضمن ما تلف منه قبل حنثه لا ما تلف بغير سببه, قال: وليس الربح كالولادة والثمرة؛ لأن الغاصب له ربح المال ولا يكون له الولد والثمرة.

[الباب العاشر] فيمن أعمر رجلا دارا أو غيرها حياته, أو حبسها عليه, أو أسكنه إياها حياته

[الباب العاشر] فيمن أعمر رجلا دارا أو غيرها حياته, أو حبسها عليه, أو أسكنه إياها حياته. رُوِىَ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «المسلمون على شروطهم» فالعُمْرى على ما شَرَطَ صاحبها. قال ابن القاسم: ومن قال لرجل: قد أعمرتك هذه الدار حياتك, أو قال: هذا العبد أو هذه الدابة جاز ذلك عند مالك, وترجع بعد موته إلى الذي أعمرها أو الذي ورثته, قلت: فإن أعمر ثوبا؟ قال: لم أسمع من مالك في الثياب شيئاً, وأما الحليُّ فأراه بمنزلة الدور. قال في كتاب العاريَّة: والثياب عندي على ما أعراها من الشرط. ومن قال لرجلين: عبدي هذا حبسٌ عليكما وهو للآخر منكما جاز ذلك عند مالكٍ وهو للآخر منهما يبيعه ويصنع به ما شاء. ومن قال لرجل: داري هذه لك صدقة سُكْنَى, فإنما له السُكْنَى دون رقبتها, وإن قال له: قد أسكنتك هذه الدار وعقبك من بعدك, أو قال هذه الدار لك ولعقبك فإنها ترجع إليه [103/ب] مِلْكاً بعد انقراضهم, فإن مات فإلى أولى الناس به يوم مات أو إلى ورثتهم, وأما إن قال: حبسٌ عليك وعلى عقبك -قال مع ذلك صدقة أو لم يقل- فإنها ترجع بعد انقراضهم إلى أولى الناس بالمحبس وإن كان حياً, وهي لذوي الحاجة من أهل المرجع دون الأغنياء, فإن كانوا كلهم أغنياء فهي لأقرب الناس بينهم من الفقراء. وقد تقدم هذا في كتاب الحبس.

[الباب الحادي عشر] في هبة المريض ووصيته لرجل بدار وهبة الذمي للمسلم

[الباب الحادي عشر] في هبة المريض ووصيته لرجل بدار وهبة الذمي للمسلم. [(1) فصل: في هبة المريض] وهبة المريض عبداً للثواب تجوز كبيعه, فإن قبض منه الموهوب أو المبتاع ذلك فأعتقه ولا مال له لم يَجُزْ ذلك, ولورثة الواهب منع الموهوب من بيع الهبة حتي يعطيهم قيمتها. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: في المريض يهب لرجل مريض هبة لا مال له غيرها, ثم وهبها الموهوب له للواهب في مرضه ولا مال له غيرها قال: المال يُجْعَلُ من تسعة أسهم, فثلثها: ثلاثة للموهوب له أولاً فيرجع من هذه الثلاثة سهم للواهب الأول, فيصير بيد ورثة الأول سبعة, وبيد ورثة الثاني اثنان. قال أبو محمد: هذا الذي ذكر عيسى عن ابن القاسم هي مسألة دور ولم يجعل فيها دوراً, وقال ابن عبدوس في كتاب الدور له: إن التسعة الأسهم يكون منها ثلثها: ثلاثة لورثة الواهب الثاني, ثو يُؤْخَذُ منها سهم وهو ثلث ماله, فاعلم أن هذا السهم دائر؛ لأنك إن أعطيته لورثة الأول قام عليهم ورثة الثاني في ثلثه كمال طارئ؛ ولأن هبة البَتل تدخل فيما علم به الميت وفيما لم يعلم, ويقوم عليهم ورثة الأول في ثلث ثلثه فيدور هكذا بينهم حتى ينقطع, فلما كان هذا هكذا وجب أن يسقط السهم الدائر ويُقَسَّمُ ذلك السهم بين الورثتين على ما استقر بأيديهم, فيصير المال بينهم على ثمانية: ستة لورثة الواهب الأول, واثنين لورثة الواهب الثاني.

[(2) فصل: في وصية المريض لرجل بدار] ومن المدونة: وإذا أوصى المريض لرجل بدار بعينها, وثلثه يحملها فقال الورثة: نعطيك ثلث جميع ماله ولا نعطيك الدار فليس لهم ذلك؛ لأنها لو غرقت فصارت بحراً بطلت الوصية فيها؛ فلما كان ضمانها منه كان أولى بها. [(3) فصل: في هبة الذمي للمسلم] وقد تقدم أنه يُقضَى بين المسلم والذمي فيما وهب أحدهما لصاحبه أو تصدَّق عليه بحكم الإسلام؛ لأن كل أمر يكون بين مسلم وذمي فإنه يحكم بينهم بحكم الإسلام. وقد بقي من هذا الكتاب مسائل يسيرة ذكرتها في الأحباس والوصايا فأغنى عن إعادتها, والله الموفق للصواب.

[الباب الثاني عشر] جامع مسائل مما ليس في المدونة

[الباب الثاني عشر] جامع مسائل مما ليس في المدونة [(1) فصل: في تصدق الرجل بماله كله] ومن كتاب محمد والعتبية قال مالك: يجوز للرجل أن يتصدَّق بماله كله في صحته؛ وقد فعله الصِّدِّيق رضي الله عنه. وقال سحنون في العتبية: إذا تصدَّق بجُلّ ماله ولم يكن فيما أبقى منه ما يكفيه رُدَّت صدقته, وإن كان فيما أبقى منه ما يكفيه لم تُرَدّ. قال غيره من البغداديين: نحن نكره له ذلك, وليبق على نفسه؛ لأن الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم قد دلنا أن الإبقاء على الوارث أولى, فإبقاء المرء على نفسه أكثر وأولى من الإبقاء على الوارث. [المسألة الأولى: في تصدق الرجل بماله كله على أحد بنيه] قال مالك في الكتابين: ويُكْرَه أن ينحل أحد بنيه ماله كُلّه أو جُلّه مثل أن يفعل ذلك للصغير ويدع الكبير, قيل له: أَفْيُرَدُّ؟ فلم يقل في الرد شيئاً. أشهب: قلت له: فالحديث في الذي نحل ابنه عبداً له, فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: «أَكُلَّ ولدك نحلت مثل هذا؟ قال: لا, قال

فارجعه» , قال مالك: إن ذلك فيما أرى والله أعلم أنه لم يكن له مالك غيره, فقلت له: فإن لم يكن له مال غيره أَيُرَدُّ؟ قال: إن ذلك لَيُقَالَ, وقد قُضِيَ به بالمدينة. قال ابن القاسم: أكره ذلك [104/أ] , فإن فُعِلَ وحِيزَ عَنْهُ, فلا يُرَدَّ بقضاء. وذُكِرَ عن ابن القاسم: فيمن تصدَّق بماله كله على بعض ولده, وتَبَيَّنَ أنه حَيْفٌ وفِرَارٌ من كتاب الله تعالى رُدَّ ذلك في حياته وبعد مماته. قال أصبغ: إذا حِيَز عنه جاز على كل وجه. اجتمع أمر القضاة والفقهاء والحكام على هذا, وحرجه بينه وبين الله عز وجل. قال محمد صواب. وقد قال ابن القاسم غير هذا: أَكْرَه أَنْ يَعْمَلَ بِه أَحَدٌ, فإنْ فَعَلَ لم يُرَدَّ. قال أبو محمد: ووجه ما رُوِىَ من نَحَلٍ لبعض ولده دون بعض إنما هو -والله أعلم- فيمن نحل ماله كله, فأما من لم ينحله الجميع فهو جائز, وقد فعله الصِّدِّيق وقاله عمر وعثمان رضي الله عنهما, وعمل به الناس.

[(2)] فصل [في الصدقة بين الزوجين وفي الفرق بينها وبين الهبة بين الزوجين] ومن العتبية قال ابن القاسم: فيمن تصدق على زوجته فعوَّضته وضع صداقها عنه, أو تضع الصداق أولاً ليتصدَّق عليها بمنزل له, فيموت هو قبل حيازة المرأة, قال: ليس في الصدقات ثواب, وهي ماضية لمن تصدقت عليه إذا حِيزَت, ولا ثواب فيها, فهذه الزوجة التي أثابته بوضع صداقها على صدقته, فالصداق عنه موضوع ولا حق لها فيما أعطاها إلا بالحيازة, وكذلك إذا بدأت هي بوضع الصداق فهو عنه موضوع ولا حق لها فيما أعطاها إلا بالحيازة, وأما إذا وهبها هبة فأثابته بوضع الصداق فالهبة لها وإن لم تقبضها حتى مات إذا كانت الهبة للثواب يُعرَف ذلك من أمرهما, وكذلك لو ابتدأت بوضع الصداق, فالهبة مخالفة للصدقة. [(3)] فصل [فيمن وهب لعبده هبة ثم استُحِقَّ وكيف إن اعتقه؟] قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: فيمن وهب لعبده هبة ثم استُحِقَ بحرية أو مِلْك فله أَخْذُ ما أعطاه إلا ما كان أَعْمَرَه أو حبسه عليه فليس له ردُّ ذلك, وذلك يصحبه حيثما كان, ولا يستثنيه في عتق ولا بيع ولا لمن اشتراه أخذٌ ولا قبضٌ, ولو بقي عبده بيده فلا يرجع فيه ولا ينزع منه أصل العمرة أو الحبس ولكن ما حصل بيده من غلة ذلك فله انتزاعه, قاله كله مالك والمغيرة وغيرهما. قال مطرف وابن الماجشون: وإن أعتقه فأتبعه ما وهبه كماله ثم استُحِقَّ بحرية أو مِلْكٍ فلا يرجع فيما كان أعطاه. ولو أعتقه قبل العطية ثم أعطاه, ثم

استُحِقَّ بحرية أو مِلْكٍ فله أَخْذُ العطية؛ لأنه يقول: ظننته يكون مولى لي. وبه أقول. وقال مطرف وأصبغ: ليس له أَخْذُ ذلك. [(4)] فصل [في مسائل مختلفة] [المسألة الأولى: في العتق والصدقة والحج والغزو أيهم أفضل] قيل لابن المواز: أيما أفضل العتق أو الصدقة؟ قال: ذلك على قدر شدة الزمان ورخائه. ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك قال: الحج أحب إليَّ من الغزو إلا أن يكون خوف. قيل: فالحج أو الصدقة؟ قال: الحج إلا أن تكون سنة مجاعة. قيل: فالصدقة أو العتق؟ قال: الصدقة. قيل: فإطعام الطعام أو الصدقة بالدراهم؟ قال: كلٌ حسن. وقال في كتاب محمد: كان طاووس يصنع الطعام ويدعو هؤلاء المساكين أصحاب الصُّفَّة فيقال: لو صنعت طعاماً دون هذا، فيقول: أنتم لا تكادون تجدونه، وكان يجعل للعجائز الدُّهْنَ، فيأمر بهن فُيمَشِّطْنَ ويُدْهَنَّ.

[المسألة الثانية: في قبول العطية وردها وكيف إن كانت من سلطان] قال في العتبية: وكان رجال ببلدنا من أهل الفضل والعبادة يَرُدُّونَ العطية يُعْطَوْنَها إلا أن لا يكون لهم عنهم غنى. قيل: فمن حُمِلَ على فرس في السبيل أو أعطاه دنانير فلا يقبل إلا على وجه الحاجة؟ قال: أما من الوالي فلا بأس -قال ابن القاسم: يريد: الخليفة- وأما الناس بعضهم من بعض فإني أكرهه. [المسألة الثالثة: فيمن له الحق فيما جُعل في السبيل من علف وطعام وماء للشراب] مالك: وما جُعِلَ [104/ب] في السبيل من العلف والطعام فلا يأخذ منه الأغنياء, ولكن أهل الحاجة, وأما ما جُعِلَ من الماء في المسجد فليشرب منه الأغنياء؛ لأنه جُعِلَ للعِطَاش. [المسألة الرابعة: في خروج من لا يجدون ما ينفقون للحج والغزو وفي شراء كسور السؤال] قال مالك: وأكره لهؤلاء الذين لا يجدون ما ينفقون أن يخرجوا إلى الحج والغزو فيسألون. قال سحنون: لا بأس بشراء كسور السؤال, وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في بريرة: «هو لها صدقة ولنا هدية». تم كتاب الهبات بحمد الله وعونه.

كتاب الوصايا الأول

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الوصايا الأول [الباب الأول] في الحضِّ على الوصيَّة, ومن تركها أو قللها, والتشهد فيها. [(1) فصل في الحض على الوصية, ومن تركها أو قلل من شأنها] وقد أذِن الله سبحانه في الوصية بقوله سبحانه: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:11] , وأبان الرسول عليه الصلاة والسلام أن الوصايا مقصورة على الثلث في قوله لسعد «الثلث, والثلث كثير, إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ... الحديث» , وحض عليه الصلاة والسلام على الوصية بقوله: «ما حقُّ امرئ مسلم له شيء يُوصِي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة» , قيل معناه: يبيت موعوكاً, فلا ينبغي لمن له

ما يوصي به من دَين أو زكاة أو كفارة أو غير ذلك أن يدع الوصية وذلك واجب عليه وإنما يُرَخَّصُ في ترك التطوع. قال ابن نافع: كان ابن عمر يكتب وصيته ثم ترك ذلك, وقال: ما عندي ما أُحدث فيه وصية, رِباعي حبس, وحائطي صدقة, وما كان لي من شيء فقد أنفقته, فلما اتحتضر قال: قد كنت أصنع في الحياة ما الله أعلم به, أما الآن فلا أدري أحداً أحق به من هؤلاء. وقيل لسعد بن المسيب في المحنة: اعهد عهدك, قال: لست ممن يوصي بأمره إلى الرجال, ما كان من أمر فقد أحكمته. وقال على بن أبي طالب رضي الله عنه لمريض ذكر له الوصية: لا تُوصِ إنما قال سبحانه وتعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة:180] وأنت لا تترك إلا اليسير, دع مالك لبنيك. وقيل لعائشة رضي الله عنها: أيوصي من ترك أربعمئة دينار وله عدد من الولد؟ فقالت: ما في هذا فضل عن ولده. وقيل لميمون بن مهران: إن فلاناً مات وأعتق كل عبد له, فقال: يعصون

مرتين: يبخلون به وقد أمروا بالإنفاق فإذا صار لغيرهم أسرفوا فيه, لأن أوصى بالخُمُس أحبُّ إليَّ من الربع, وبالربع أحبُّ إليَّ من الثلث, ومَن أوصى بالثلث لم يترك شيئاً. وقال عمر رضي الله عنه: الثلث وسط لا بخس ولا شطط. [(2)] فصل [في تقديم ذكر التشهد قبل الوصية] قال مالك في المدونة: ومَن كتب وصيته فليقدم ذكر التشهد قبل الوصية, وكذلك فعل الصالحون وما زال ذلك مِن عمل الناس بالمدينة, وإنه ليعجبني وأراه حسناً. قال أشهب: وقال أيضاً: كل ذلك لا بأس به, تشهد أم له يتشهد, وقد تشهد ناس فقهاء صالحون وترك ذلك بعض الناس, وذلك قليل. قال ابن القاسم: ولم يذكر لنا مالك كيف هو. وقد روى ابن وهب أن أنس ابن مالك قال: كانوا يوصون أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله, وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله ربهم عز وجل ويصلحوا ذات

بينهم إن كانوا مسلمين, وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132] , وأوصى إن مات مِن مرضه هذا ... . وروى أشهب عن مالك في العتبية والمجموعة وكتاب محمد: قيل له: إن رجلاً كتب في وصيته أؤمن بالقدر خيرِه وشرِّه حلوِه ومرِّه, قال: ما أرى هذا! فألا كتب أيضاً: والصفرية والإباضية!!! قد كتب مَن مضى وصاياهم فلم يكتبوا مثل هذا.

[الباب الثاني] فيمن أوصى بعتق عدد أو جزء من عبيده, أو أوصى بذلك لرجل فماتوا أو مات بعضهم

[الباب الثاني] فيمن أوصى بعتق عدد أو جزء من عبيده, أو أوصى بذلك لرجل فماتوا أو مات بعضهم. قال ابن القاسم: ومن أوصى بعتق عبد من عبيده ماتوا كلهم بطلت الوصية, وكذلك من أوصى له بعبد فمات العبد فلا حق له في مال الميت, قال غيره: لأن ما مات أو تلف قبل النظر في الثلث فكأن الميت لم يتركه, وكأنه لم يوصَ فيه بشيء؛ لأنه لا يُقَوِّم ميت ولا يُقَوِّمُ على ميت. قال ابن القاسم: ومن أوصى بعتق عشرة من عبيده ولم يُعيّنهم, وعدد عبيده خمسون, فمات منهم عشرون قبل التقويم عَتَقَ ممن بقي عشرة أجزاء من ثلاثين جزءاً بالسهم -وهو ثلثهم- خرج عدد ذلك أقل من عشرة أو أكثر, ولو هلكوا كلهم إلا عشرين عَتَق نصفهم في ثلث الميت, ولو هلكوا إلا خمسة عشر عَتق ثلثاهم, ولو هلكوا إلا عشرة عتقوا إِنْ حملهم الثلث, وكذلك من أوصى لرجل بعدد من رقيقه أو أوصى بعشرة من إبله في سبيل الله وله إبل كثيرة فهلك بعضها فعلى ما ذكرناه. قال مالك: ومن قال ثلث رقيقي أحرار عتق ثلثهم بالسهم لا من كل واحد ثلثه, وإن قال: ثلثهم لفلان فله ثلثهم بالسهم, فإن هلك بعضهم أو أوصى له بثلث غنمه فاستُحق ثلثاها, فإنما للموصى له ثلث ما بقي من العبيد أو الغنم, ولا يكون له جميع الثلث الباقي وإن حمل ذلك الثلث, وسواء بقي ثلثهم أو أقل, فإن لم ينقسموا كان شريكاً بثلثهم, وإن أوصى له بجميع غنمه فهلك بعضها أو استُحق فللموصى له ما بقي إن حمله الثلث, وإن أوصى له بعشرة من غنمه وله مئة شاة فللموصى له عشرها يدخل

فيه ما دخل، فإن هلكت كلها فهي للموصي له وإن كانت تعدل نصف الغنم. إذا حملها الثلث. وإن أوصى له بعُشر غنمه وهي مئة فهلكت كلها إلا عشرة لم يكن للموصى له إلا عُشر ما بقي. وقال ابن الماجشون: سواء قال: عشرة من رقيقي أحرار وهم ستون، أو قال ستون، أو قال سدسهم فمات بعضهم فإنما يعتق سدس من بقي. فوجه قول ابن القاسم: إذا قال: عشرة، وسمى العدد فكأنه قصد ذلك العدد فإذا لم يمت منهم أحد وبقي أكثر من عشرة صار الورثة شركاء للعبيد وللموصى له بهم بأجزاء العدد فوجب أن يقرع بينهم في ذلك، فإذا وجبت القرعة سقط حكم العدد؛ إذ لا تتفق فيمتهم، فإذا لم يبق إلا العدد الذي سمى لم تبق شركة توجب الاقتراع، وكأن من مات منهم لم يكن، فصار كمن أوصى بعتقهم ولا عبيد له غيرهم. ووجه قول عبد الملك: أنه لما كان الحكم يوم الوصية عتق سدسهم، فكأن الميت قصد ذلك، وكأنه إذا لم يعينهم قصد الشركة بينهم، فالهالك بينهم، والباقي بينهم فلا يعتق إلا السدس من بقي وعلى هذا القول لو كانت غنماً فتوالدت لكن للموصى له سدس الجميع فيكون له ذلك في الأمهات ولأولاد؛ لأنه كالشريك مع الورثة.

وروى البرقي عن أشهب: فيمن أوصى لرجل بعشرة من إبله وهي مئة فولدت مئة أخرى قال: فله عشرها بولادتها، وكذلك الغلة مثل الولد. ولم يذكر على أي قول بناه، على قول ابن القاسم أو على قول عبد الملك. م: وهذا لا يختلفون فيه؛ لأن ابن القاسم يجعله شريكاً للورثة بقدر العدد؛ إذ ليس شيئاً بعينه؛ فإذا نمت وجب أن يكون النماء بينهم؛ إذ لا مزية لأحدهم على الآخر؛ وكذلك هو عبد الملك. م: ولأشهب قول آخر تركته. قال سحنون: فيمن أوصى لرجل بعشر شياه من غنمهن وهي ثلاثون فصارت بعد موته بولادتها خمسين أن له خمسها. وكأنه بناه على قول ابن القاسم؛ فكما تبقى التسمية إذا نقصت فكذلك بقاؤها إذا زادت، وكأنه قال: له عشر شياه من غنمي. م: والأشبه ما قدمنا أنه كالشريك. قال في كتاب العتق: وإن قال عند موته: أثلاث رقيقي أحرار أو أنصافهم عتق من كل واحد منهم ما ذكر إن حمل ذلك الثلث، وإن لم

يحمله عتق ما حمل ثلثه من كل واحد منهم بالحصاص بغير سهم. وقال بعض أصحابنا: وأما لو قال: أثلاث رقيقي لفلان، فإن له ثلثهم بالقرعة؛ لأنه شريك في كل واحد، ومن له جزء في رقيق، جمع له نصيبه عند التقاسم بخلاف العتق؛ إذ لا يستبد أحدهم بالعتق دون صاحبه وقد تساووا في الوصية فلا يفضل بعضهم على بعض، وفى الوصية لفلان، العبد أين ما وقع في الرق يقع فلا يفرق على هذا نصيبه لغير منفعة تصل إلى العبد، بل جميع نصيبه لواحد أنفع له، فاعلم ذلك.

[الباب الثالث] فيمن أوصى بشراء نسمة للعتق فماتت قبل العتق أو تلف ثمنها، أو جنت أو جني عليها، أو لحق دين بعد العتق

[الباب الثالث] فيمن أوصى بشراء نسمة للعتق فماتت قبل العتق أو تلف ثمنها، أو جنت أو جني عليها، أو لحق دين بعد العتق. قال ابن القاسم: ومن أوصى بنسمة تشترى فتعتق لم تكن بالشراء حرة حتى تعتق؛ لنه لو قتله رجل أدى قيمته قيمة عبد، وأحكامه في جميع أحواله أحكام عبد حتى يعتق، فإن مات بعد الشراء وقبل العتق كان عليهم أن يشتروا رقبة أخرى إلى مبلغ ثلث الميت. قال محمد عن ابن القاسم: ما بقي هكذا أبداً. قال محمد: مالم تمت بعد قسمة الميراث، فهاهنا إنما يشترى إن بقي من الثلث الأول شيء. وقال يحي بن عمر: إذا مات العبد قبل اقتسام الورثة المال أو بعد، فذلك سواء وعليهم أن يشتروا رقبة أخرى من ثلث ما بقي أبداً من المال شيء. قال في كتاب محمد: وكذلك أو أخرج ثمن العبد فسقط، فعليهم أن يشتروا عبداً من ثلث ما بقي ما لم يتلف بعد قسمة الميراث فإنما يشترون إن بقي من الثلث الأول شيء بمنزلة موت العبد سواء. قال: ولو هلك الباقي قبل القسم لعتق أبداً من ثلث ما بقي رقبة أخرى ما لم ينفذ عتقه أو يقسم المال، فإن قسم المال وقد أخرج ثمنه فذهب فلا شيء على

الورثة- لأن المقاسمة كالفاصلة بين الورثة وبين الميت في ثلثه- قال: إلا أن يكون معه وصايا نفذت فليؤخذ مما أخذوا ما يبتاع به رقبة؛ لأن العتق مبدى عليه إلا أن يكون معه في الوصايا من الواجب ما هو مثله فيكونان في الثلث سواء، ولو بقي بيد الورثة من بقية الثلث شيء فيه ثمن رقبة، أُخذ ذلك منهم بعد القسم فاشترى به رقبة ونفذ لأهل الوصايا وصاياهم. قال محمد: ولو جنى [106/أ] العبد قبل العتق خير الورثة، فإما أسلموه واشتروا غيره من ثُلث ما بقي أو فدوه، فأعتقوه هو أو غيره. محمد: فإن اسلموه فكأنه لم يكن أو مات، ويعتقوا غيره من ثلث ما بقي، وإن فدوه فمن ثُلث ما بقي لا بأكثر منه؛ كأنهم ابتدأوا شراءه وذلك إن لم يكن قسم بالثلث. قال أصبغ: ويرجع في هذا إلى باقي الثلث الأول- قال محمد: يريد إذا كان قد قسم به وقسم للورثة بالثلثين فينفذ لهم- ولا يرجع عليهم في ثلثهم بشيء في موت الرقبة ولا في إسلامها؛ لأنه صار ضمان كل قسم من أهله. محمد: وذلك بعد اقتسام المال والفراغ منه. وقال ابن حبيب عن أصبغ: إذا ماتت الرقبة قبل العتق أو عزل ثمنها ليُشترى به فتلف، فإن لم يفرط الموصى في إنقاذ عتق المُشترى ولا في تأخير الشراء

بالثمن المعزول لم يضمن، ولا يرجع في الثلث بشيء إن كان قد فُرق في أهل الوصايا، ولو كان فضل منه فضل أو كان بحاله فالقياس ألا يرجع فيه بشيء، ولكن استحسن أن يشترى من بقيته رقبة ثانية، ولو جنت فالجناية فيها كموتها، وإن جني عليها جناية لا يجزي مثلها في الرقاب بيعت للميت، فاشترى بثمنها مع الأرش رقبة، وإن لم تنقصها عتقت، وأُعين بالأرش في رقبة، وإن فرط في عتق المشتراة حتى ماتت أو في الشراء حتى تلف الثمن ضمن الثمن، وكذلك إن فرط حتى جنت، وإن جُني عليها فذلك للميت على ما قلنا فيه إن لم يفرط. ولو أوصى الميت بذلك الورثة فسواء فرطوا أو لم يفرطوا إن ماتت أو جني عليها أو جنت فلابد أن يعتقوا من ثلث ما بقي رقبة أخرى؛ لأنه لا ميراث لهم إلا من بعد إنقاذ الوصايا وهو الذين ولوا ذلك. ولو كانت رقبة بعينها فسواء أوصى إلى وصي أو إلى ورثة إذا ماتت فلا شيء عليهم، فرطوا أو لم يفرطوا، وإن جنت والثلث يحملها فذلك دين عليها وهي حرة، وإن لم يحملها قُسمت الجناية على ما عتق منها وما رق، وإن جُني عليها فالأرش لها وهي حرة، وكذلك سمعت ابن القاسم يقول في ذلك كله. [(1)] فصل [لو أوصى بعتق نسمة ولم يسم ثمناً، وكيف إن لحق الميت دين قبل العتق] ومن المدونة: ومن أوصى بعتق نسمة تُشترى، ولم يُسم ثمناً أُخرجت

بالاجتهاد بقدر قلة المال وكثرته، وكذلك إن قال: عن ظهاري. محمد وقال أشهب: لا يُنظر إلى قلة المال وكثرته ولكن تُشترى رقبة وسطة كما قيل في الغُرة، ولو عجز الثلث عن رقبة وسطة اشتري بمبلغه، ولو كان هو المعتق عن نفسه أجزأه قلة الثمن وإن كان عن واجب وإن كان رضيعاً، وأما إذا أوصى بنسمة ولم يُسم الثمن فيخرج رقبة وسطة في الواجب وغيره يحاص به أهل الوصايا، وهذا الاستحسان، والقياس لأن يحاص بقيمة أدنى النسم كما يجزي عن المظاهر وقاتل النفس، والأول أحب إلي؛ كما قلت في المتزوجة على خادم أنهما تكون وسطة. ومن المدونة قال ابن القاسم: وغن سمى ثمناً لا يسعه الثلث اشترى بثلثه إن كان فيه ما يشترى به رقبة، فغن لم يبلغ في التطوع شورك به في رقبة، فإن لم يبلغ أُعين به في مكاتب في آخر نجومه، وإن سمى ثمناً فيه كفاف الثلث، فاشتراها الوصي به فأعتقها عنه، ثم لحق الميت دين يغترق جميع ماله رد العبد رقاً، وإن لم يغترق الدين جميع ماله رد العبد وأعطى صاحب الدين دينه، ثم عتق من العبد مقدار ثلث ما بقي من مال الميت بعد قضاء الدين، ولا يضمن الوصي إذا لم يعلم بالدين.

[الباب الرابع] فيمن أوصى أن يشترى عبد فلان لفلان أو ليعتق، أو أن يباع عبده من فلان، أو ممن أحب العبد، أو ممن يعتقه

[الباب الرابع] فيمن أوصى أن يُشترى عبد فلان لفلان أو ليعتق، أو أن يباع عبده من فلان، أو ممن أحب العبد، أو ممن يعتقه [106/ب] [(1)] فصل: فيمن أوصى أن يشترى عبد فلان أو أن يباع عبده من فلان فامتنع المشتري أو امتنع البائع] قال مالك: ومن قال في وصيته: اشتروا عبد فلان لفلان أو فاعتقوه، أو بيعوا عبدي من فلان أو ممن أحب أو ممن يعتقه، فامتنع المشتري أن يشتريه بمثل ثمنه، أو امتنع البائع الذي يبتاع منه أن يبيعه بمثل الثمن، فإنه يزاد في المشترى وينقص في المبيع ما بينك وبين ثلث ثمنه لا ثلث الميت وإن لم يذكر الميت أن يُزاد أو ينقص. قال أبو محمد قال بعض أصحابنا: إنما قال ذلك؛ لأنه قد علم أن الميت قصد التخفيف في ثمن المبيع والتوفير في ثمن المشترى إذا احتيج إلى ذلك، فخفف الثلث بالاجتهاد؛ إذ هو حد بين القليل والكثير، ووفر في المشترى على هذا. قال ابن حبيب قال أصبغ: وخالف ابن وهب مالكاً في ذلك فقال: يُزاد في المشترى ويُنقص في المبيع ما بينك وبين ثلث الميت لا ثلث الثمن. قال أصبغ: ولو قال: اشتروا عبد فلان بالغاً ما بلغ، فإني أستحسن أن يُزاد في هذا إلى مبلغ ثلث الميت، كقول ابن وهب في الوجه الأول. [(2) فصل فإن أبى المشتري أن يأخذه إلا بأقل من ثلثي ثمنه، أو أبي الذي يبتاع منه أن يبيعه إلا بأكثر من ثمنه وثلث ثمنه] ومن المدونة قال ابن القاسم: فإن أبى المشتري أن يأخذه إلا بأقل من

ثُلثي ثمنه، أو أبى الذي يبتاع منه أن يبيعه إلا بأكثر من ثمنه وثلث ثمنه فذلك يختلف: أما الموصى أن يُشترى فيعتق، فسيأتي بثمنه- يريد: ويبدى على الوصايا- فإن بيع وإلا رجع ثمنه ميراثاً بعد الاستيناء بذلك. وقال في الوصايا الثاني: بعد الاستيناء والإياس من العبد. وروى ابن وهب وغيره عن مالك: أن الثمن يوقف ما رُجي بيع العبد إلا أن يفوت بعتق أو موت. قال سحنون: وعليه أكثر الرواة. م: وهذ وفاق لقول ابن القاسم، وكذلك روى عنه ابن المواز مثل رواية ابن وهب أنه يستأنى إلى موته أو عتقه بثمنه وثلث ثمنه، أو ما حمل الثلث منه وإن قل. وقال محمد، وقاله أشهب عن مالك وخالفه وقال: لا يُستأنى به إذا أبي ربه البيع. م: قال بعض الفقهاء: اُنظر هل يدخل في ذلك الوصايا، أو يُدفع إلى الورثة كالذي رد الوصية، وهو أشبه. [(3) فصل: فيمن أوصى أن يُشترى لفلان إن امتنع سيده من بيعه ليزداد ثمناً، دُفع ثمنه وزيادة ثلث ثمنه إلى الموصى له، فإن امتنع من بيعه أصلاً ضنا منه بالعبد عاد ذلك ميراثاً وبطلت الوصية.

وقال غيره: إن امتنع سيده أن يبيعه لزياده أو ضنا به لم يلزم الورثة أكثر من زيادة ثلث الثمن، وليكن ثمنه موقوفاً حتى ييأس من العبد فإن أيس منه رجع المال ميراثاً ولا شيء للموصى له؛ لأن الميت إنما أوصى له برقبة لا بمال. سحنون: وهذا أصح. م: فوجه قول ابن القاسم أن الميت لما أوصى أن يُشترى عبد فلان لفلان، فكأنه إنما قصد بالوصية المشترى له، وأن المشترى منه لو باعه بمثل ثمنه وثلث ثمنه كان العبد للمشترى له، وأن المشترى منه لو باعه بمثل ثمنه وثلث ثمنه كان العبد للمشترى له، فلما امتنع هذا من بيعه عاد ما بذل فيه إلى المشترى له؛ لأن ذلك عوضه. م: وكان يجب على قياس قوله في الذي يُباع منه فأبى أن يشتريه بوضيعة الثلث أن يُدفع ثلث ثمنه له، [و] أن يكون في المشترى منه إذا امتنع من بيعه بمثل ثمنه وثلث ثمنه أن يُدفع ثمنه له؛ لأنه لو باعه بمثل ثمنه لم يكن للمشترى له، فأما أن يكون للمشترى منه أو يكون ميراثاً. وقاله بعض القريين، قال: وإذا أوصى الميت بوصايا وأوصى أن يُشترى عبد فلان لفلان ونُظر ما يقع له في الحصاص فوُجد أقل من ثمن العبد وزيادة ثلث ثمنه وامتنع البائع أن يبيع على قول من جعل ألا شيء للموصى له في الثمن فيرجع ذلك إلى الورثة ولا يُقسم منه لأهل الوصايا كرد بعض أهل الوصايا

وصاياهم أن الورثة يتحاصون في ذلك وهو [107/أ] الأشبه. [(4) فصل في الذي أوصى أن يباع عبده من فلان فطلب المشترى وضيعة أكثر من الثلث] قال ابن القاسم: وأما الذي قال: بيعوه فلان، فطلب المشتري وضيعة أكثر من ثلث ثمنه، فإنه يخير الورثة بين بيعه بما سئلوا أو يقطعوا له بثلث العبد بتلا، وأما الذي يباع ممن أحب وليس من رجل بعينه، فيطلب المشتري وضيعة أكثر من ثلث ثمنه، فإنه يخير الورثة بين أن يبيعوه بما سئلوا أو يعتقوا ثلث العبد. وروى غير واحد عن مالك: أن الورثة إذا بذلوه بوضيعة الثلث فلم يوجد من يشتريه إلا بأقل، فليس عليهم غير ذلك-يريد: ويرجع ميراثاً- قال ابن وهب قال مالك: وهذا الأمر عندنا. م: وذلك أنه لما امتنع من الشراء بوضيعة الثلث، فكأنه رد الوصية؛ لأن الميت إنما أوصى له بالحطيطة بشرط شرائه، وهذا أشبه. [(5) فصل: في الذي أوصى أن يباع عبده ممن يعتقه] قال ابن القاسم: وأما الذي يباع ممن يعتقه فيُخير الورثة بين بيعه بما أعطوا أو يعتقوا ثلث العبد، وهذا مما لم يختلف فيه قول مالك. م: وكذلك عن ابن القاسم في الرابع من الوصايا من كتاب ابن المواز في هذا كله. وإن مالكاً لم يختلف قوله في البيع للعتق، كما ذكرنا هاهنا.

وقال ابن المواز: بل اختلف قوله بما هو أصوب، وبه أخذ أكثر أصحابه، فروى عن أشهب في المبيع للمعتق أو ممن أحب أنه إن حمله الثلث، فإنهم إن لم يجدوا من يأخذه بوضعية ثلث الثمن واستؤني به فلم يوجد فلا شيء عليهم فيه، وإن لم يحمله الثلث خيروا بين بيعه بوضعية ثلث ثمنه، وإلا أعتقوا منه مبلغ ثلث الميت كله؛ لأنه يصي عتقا مبدأ على وصية لفلان، هذا في المبيع رقبة للعتق أو ممن أحب، فإن بذلوه بوضعية ثلث الثمن فل يجدوا من يبتاع واستؤني به، فلا شيء عليهم فيه، وكذلك عن أشهب في المجموعة قال فيها: لو قال: بيعوه من فلان ولم يقب للعتق فلم يبيعوه منه بثلثي ثمنه لأنه لا يخرج من الثلث، قطعوا له بثلث الميت، ولو بذلوه بوضعية الثلث فأبى سقطت الوصية. قال أشهب وسحنون: ليس للمريض أن يوصي ببيع عبده ممن يعتقه إن لم يحمله الثلث وإن لم يحاب؛ إذ لا حكم له في الثلثين، وليس عليهم بيعه بثلثي ثمنه ولا بثمنه كله لو وجدوا من يشتريه بذلك، ولكنهم يخيرون بين بيعه بوضعية ثلث ثمنه أو يعتقوا منه محمل ثلث الميت بتلاً. م: قال بعض الفقهاء: فإن قيل لِمَ لَمْ يَقُل هاهنا يعتقون منه ما حمل الثلث من العبد بحطيطة ثلث ذلك المبيع، كما قال فيمن أوصى أن يُشترى عبد فلان، قيل لا يشبه هذا؛ لأن الميت عال على ثلث لمن أوصى به، فإن لم يُجز الورثة قطعوا له بالثلث، ولو بعنا منه ما حمل الثلث بحطيطة ثلث ثمنه لبقي للورثة ثلث المبيع فبقي لهم من الثلث وهم لم ينفذوا وصية الميت، وهذا لا يجوز، وإن كان مع ذلك وصايا ضرب الموصى له-بأن يشتريه- بثلث ثمنه مع أهل الوصايا، فما وقع له في الحصاص فهو الذي يحط عنه، كذا وقع في كتاب محمد، وفي ذلك نظر؛ لأن الورثة ليس عليهم بيع شيء من ثلثيهم، وهم قد أخرجوا

الثلث فيحاص فيه الموصى له، إلا أن يريد إن طاع الورثة بذلك، وإلا سلموا له ما وقع له في الحصاص. قال أشهب: ولو لم يملك غير العبد فأوصي بثلثه لرجل وأن يباع منه بثلثيه بالقيمة، فلا وصية له في الثلثين. وقال في الذي يباع ممن أحب: إذا لم يجدوا من يأخذه بوضعية الثلث ممن أحب، أن الوصية تبطل، وأنكر قول من قال-يعني ابن القاسم-: يقال لهم بعد ذلك: بيعوه بما وجدتم، وإلا فأعتقوا ثلثه، وقال: لو كان هذا لقيل لهم أول مرة، ولو كان هذا أصلاً لكان إن لم يفعلوا أعتقوا منه مبلغ ثلث الميت، هذا حكم ما حالت فيه [107/ب] الوصايا. [(6) فصل فيمن أوصى أن يباع عبده ممن أحب] قال أشهب وعبد الملك: في الذي يباع ممن أحب وأوصى بوصايا وضاق الثلث، قال: يقال للورثة: إما أجزتم، وإلا فاخلعوا الثلث، فإذا خلعوه دخل العتق وبُدِاءَ في الثلث، فإن فضل شيء كان لأهل الوصايا. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية. وفي كتاب محمد: إن كان معه وصايا حاص بثلث ثمنه،، فما وقع له في الحصاص فهو الذي يوضع لمن أحب العبد أن يشتريه -يريد: إن رضى الورثة بذلك؛ لأن بقيته لا يلزمهم بيعه؛ لأنه من ثلثيهم- وينبغي على مذهب

ابن القاسم- القائل: إن لم يشتر أعتق ثلثه- أن يقول: إنه يبدأ على الوصايا فيعتقون منه ما حمل الثلث. محمد وقال أشهب عن مالك: إذا أوصى أن يباع ممن أحب وأوصى بوصايا، فليوضع ثلث ثمنه ولا يبدأ على الوصايا، وإن أوصى أن يباع رقبته للعتق وضع ثلث ثمنه وبُدِاءَ على الوصايا. قال أشهب: وإذا بيع للعتق كما ذكرنا، ثم طرأت وصايا فلا يضره ذلك، ولو قال: يباع ممن أحب أو من فلان، فهذا يحاصه أهل الوصايا، قال: ولو طرأ دين لرد عتقه وبيعه ممن أحب أو من فلان، إلا أن يكون الثلث واسعا بعد الدين فيمضي، وإن لم يكن كذلك وقد بيع ممن أحب فأعتقه المبتاع، فليرجع على المشتري فيما وضع له ويمضي عتقه إياه. قال ابن القاسم وأشهب عن مالك: في الذي أوصى أن يباع عبده رقبة أو قال من فلان أو ممن أحب، فإنه يوضع فيه ثلث ثمنه ويُجبر الورثة على ذلك إذا حمله الثلث، ولا يبدأ على الوصايا منهم إلا الذي يباع رقبة للعتق. قال أشهب: وإذا قال: بيعوه نسمة للعتق ولم يقل من فلان، فليس عليهم ذكر الوضعية، ولهم بيعه بما يمكنهم، إلا أنهم إن لم يجدوا فليحيطوا ما بينهم وبين ثلث ثمنه؛ لأن الوصية في هذا للعبد لا للمشتري، فإن قال: بيعوه من فلان لعتق أو غير عتق، فعليهم أن يخبروه بالوصية لأنها وصية له، فإن قال: بيعوه من فلان لعتق أو غير عتق، فعليهم أن يخبروه بالوصية لأنها وصية له' فإن لم يخبروه رجع عليهم بما زاد على ثلثي الثمن.

وقال ابن القاسم: ليس على الورثة إعلام المشتري بذلك. وقال أشهب: وإن قال: ممن أحب العبد، فهي وصية للعبد، ولهم ألا يخبروا المشتري بالوصية، وقال أشهب عن مالك في العتبية والمجموعة. قال في كتاب محمد: وإن قال: بيعوه ولم يقل للعتق ولا من ولا ممن أحب فليس بشيء ولهم أن لا يبيعوه لأنه لم يوص لأحد. ولو قال: يخير في البيع أو البقاء لبيع إن خرج من الثلث وشاء العبد البيع؛ لأن ذلك وصية للعبد، إلا أنه لا يوضع لمشتريه شيء؛ لأنه بيع غير متقرر، ولم يخص أحداً بعينه لشرائه. وإذا أوصى أن يباع عبده ممن أحب أو من فلان فاعتقه الورثة، فليس لهم ذلك وليبيعوه منه بوضيعة الثلث، ولو قال: بيعوه ممن يعتقه، فشاء الورثة كلهم عتقه، فذلك لهم. ومن المجموعة قال ابن كنانة في الموصى له أن يباع ممن أحب: فلا يقام للمزايدة ولكن يجمع له الإمام ثلاثة أو أربعة فيقوم، ثم يحط ثلث تلك القيمة، وإن أوصى مع ذلك بوصايا لم يبدأ عليها، ولو أحب العبد أن يشتريه رجلان- قال أبو محمد يريد: هذا أو هذا' فليتزايدا عليه، فمن وقع له وضع عنه ثلث ذلك الثمن قال أبو محمد: أراه يريد: أن يتزيدا على أن

يحط الثلث، وإلا فلم يحط وقد تطوعا بالزيادة- قال ابن كنانة: وكذلك لو قال: بيعوه رقبة، قومه العدول، ثم يحط ثلث تلك القيمة ويبدأ هذا على الوصايا. وقال أشهب- في الذي يباع ممن أحب-: إن أبى من أحب أن يأخذ بوضيعة الثلث، فله أن ينتقل إلى غيره ممن أحب وإلى ثالث، مالم يطُلْ ذلك حتى يضر بالورثة. م: قال بعض القروين: وإذا أوصى أن يباع عبده من فلان، جعل في الثلث قيمة [108/أ] رقبة العبد، وإذا باع عبده في مرضه وحابى فيه لجعل في الثلث المحاباة. والفرق: أن هذا بتل البيع على نفسه وعلى الورثة، والذي أوصى أن يباع إنما ألزم ذلك الورثة ولم يُلزم نفسه؛ لأنه لو عاش لم يلزمه من ذلك شيء، وإذا أوصى أن يُباع عبده من فلان، فكان قيمة العبد ثلاثين ديناراً، وأوصى لرجل بعشرة أو بعشرين، وترك من المال سوى العبد ستين، فوصيته كلها جائزة؛ لأن ثلثه حملها؛ لأن ما أوصى به من الدنانير يُجعل فيما يأخذه الورثة من الذي أوصى أن يباع منه العبد؛ لأن العبد قيمته ثلاثون يحط لمشتريه عشرة، ويؤخذ منه عشرون، فيجعل ذلك في وصية الميت.

[الباب الخامس] فيمن أوصى بعتق عبده أو جاريته، أو بيعها رقبة، فلم يقبلا

[الباب الخامس] فيمن أوصى بعتق عبده أو جاريته، أو بيعها رقبة، فلم يقبلا. قال مالك: ومن أوصى في مرضه بعتق عبده فلم يقبل العبد، فلا قول له، هو حُر إذا مات سيده من الثلث أو ما حمل الثلث منه. قال أصبغ: وكذلك الجارية. قال: وإن أوصى أن تباع جاريته ممن يعتقها فقالت الجارية: لا أريد ذلك، فإن كانت الجارية من جواري الوطء فذلك لهان وإلا بيعت ممن يعتقها. قال أبو زيد عن ابن القاسم: وإن اختارت الرائعة أن تباع بغير شرط العتق، فللورثة حبسها أو بيعها. محمد: فإن بيعت بغير شرط العتق لم يوضع من ثمنها شيء، وإن بيعت بشرط العتق وضع ثلث ثمنها. وقال أشهب في المجموعة: في التي أوصى لأن تباع للعتق، فإن أراد السيد الضرر بها- مثل أن تعصيه- والبقاء لمثلها في الملك أفضل أن تُتخذ للولد، وإذا عتقت لم يتزوجها إلا أوباش الناس، فلها أن تأبى، وإن كانت من الوخش فلتتبع للعتق وإن كرهت؛ لأن العتق أرجى لها، لأنها في الملك تُمتهن وتُستخدم. وقال ابن المواز: ولأن العتق أضر بالجارية النفسية؛ وقد أبطل مالك وصية ابن سليمان أن تعتق جواريه بعد سبعين سنة، ورآه من الضرر.

قال سحنون في المدونة والمجموعة: وقد قيل: لا يُلتفت إلى قولها، كانت رائعة أو غير رائعة، وتُباع للعتق إلا أن لا يوجد من يشتريها بوضيعة ثلث الثمن. وذكر ابن حبيب عن ابن القاسم مثل ما تقدم من التفرقة بين الرائعة وغيرها. قال: وقال أصبغ: وكذلك لو قال لورثته: أعتقوها، فقالت: لا أُحب، فهو مثل قوله: بيعوها ممن يعتقها في القياس، ولكني أستحسن إن حملها الثلث أن تُعتق، وإن لم يحملها أو كان إنما قال: يُعتق نصفها أو ثُلثها فلم تُرد ذلك وهي رائعة، فالقول قولها، وهذا إذا قال: افعلوا ولم يقل هي حرة إذا مت أو نصفها حر، فأما إذا قال هذا، فلا ينظر إلى قولها وتنفذ بها الوصية. [(1) فصل [في الموصى لها أن تُخير بين العتق أو البيع، فاختارت أخذهما ثم بدا لها في الأخر] ومن العتبية والمجموعة قال ابن القاسم عن مالك: في الموصى لها أن تخير في البيع أو العتق، فذلك لها، فإن اختارت البيع ثم بدا لها في العتق قبل أن تُباع فذلك لها، قال ابن القاسم: فإن اختارت العتق فلن تقوم حتى بدا لها في البيع فذلك لها عندي، فإن قالت: بيعوني من فلان، وقالوا: نبيعك في السوق فذلك لهم، ولا يوضع من ثمنها شيء، وإن اختارت البيع فأرادوا حبسها فليس ذلك لهم غلا برضاها، وغن رضيت ترك البيع وأن تبقى لهم، ثم شاءوا بيعها فذلك لهم. قال عنه أو زيد: وإن اختارت البيع أو العتق ثم رجعت عنه، فإن كانت

[108/ب] في غير إيقاف من السلطان ولا بحضرة عدول ليخيروها فيشهدوا بذلك، فلها الرجوع ما لم يوقفها القاضي أو تشهد البينة بما اختارت، قيل: فإن سألها شهود عن رأيها في نفسها ولم يوقفوها للاختيار في أمرها وقطع اختيارها؟ قال: ذلك عندي سواء أوقفوها لقطع ما في يدها أو لم يوقفوها، إلا على وجه الاختيار، فلا رجوع لها وهو سواء. قال عنه عيسى وابن عدوس: وإن اختارت البيع ثم رُدت بعيب فأرادت أن ترجع إلى العتق، فليس لها ذلك. وقال مالك: وإن أعتقها بعض الورثة قبل أن تخير، فليس عتقه بشيء، وتُباع إن أحبت، وقاله ابن القاسم.

[الباب السادس] فيمن اشترى ابنه أو أباه في مرضه، أو أوصى بشرائه به موته

[الباب السادس] فيمن اشترى ابنه أو أباه في مرضه، أو أوصى بشرائه به موته قال مالك: ومن اشترى ابنه في مرضه جاز إن حمله الثلث وعتق وورث باقي المال إن كان وحده أو حصته مع غيره. قال ابن المواز: وإن اشتراه بأكثر من ثُلثه عتق منه ما حمل الُثلث ولم يرثه. قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية: شراؤه إياه جائز لا يرد، فإن حمله الثلث عتق وورث، فإن لم يحمله الثلث عتق منه ما حمله الثلث ورق ما بقي للورثة، فإن كان الورثة ممن يعتق عليهم عتق ما بقي عليهم، قلت: فإن اشترى أباه بماله كله، وورثته ممن يعتق عليهم، أيجوز اشتراؤه إياه؟ قال: شراؤه جائز ويعتق عليهم. وسئل عنها سحنون فقال: اختلف في ذلك كله، فذكر عن ابن القاسم مثل ما في المدونة. قال وقال ابن وهب: إذا اشترى من يعتق عليه وكان يحجب من يرث المشترى ويرث جميع المال كان ابنه أو غيره، فإنه يجوز شراؤه إياه بجميع ماله أو بما بلغ، ويعتق عليه ويرث ما بقي إن بقي شيء، وإن كان لا يحجب وله من يشركه في ميراثه، فلا يجوز له أن يشتريه إلا بالثلث ولا يرثه؛ لأنه إنما يعتق بعد موت المشتري وقد صار المال لغيره، قال سحنون وقال أشهب: لا يجوز له أن يشتريه إلا بالثلث، كان ممن يحجب أو ممن لا يحجب، ولا يكون له من الميراث شيء، وقال غيرهم: كل من يجوز له استلحاقة جاز اشتراؤه بجميع ماله، شركه في

الميراث غيره أو لم يُشركه؛ لأنه لو استحقه ثبت نسبه وميراثه. م: وكذلك روى ابن حبيب عن ابن الماجشون قال: ولا يجوز له أن يشتري سوى الابن من الآباء والأمهات والأخوة والأخوات؛ لأنه لا يستلحقهم، وذا قول المدنيين: ابن دينار وابن نافع وغيرهما. وقال ابن القاسم عن مالك: له أن يشتري الآبن والأب وغيره بالثلث ويرثه، وقاله أصبغ. وقال ابن المواز: واختلف فيه قول أشهب، فقال مرة: له شراء ابنه بماله كله إذا لم يكن معه وارث يشاركه أو يكون ثم وارث يرث في رق الولد ويحجبه الولد لو كان حُراً، فأما إن كان معه مُشارك في الميراث فليس له أن يشتريه إلا بالثلث فأقل، وكذلك يقول في كل من يعتق عليه. وأنكر قول مالك: لا يشتريه إلا بثُلثه، ولم يفصل. وروى عنه البرقي جواباً كقول مالك. م: قال بعض الفقهاء القرويين: لا يجوز عند ابن القاسم أن يشتريه بأكثر من ثُلثه - يريد: على مذهبه في المدونة - قال: ووجه هذا القول كأنه يقول: إنما للميت التصرف في ثُلثه فإذا اشترى به ابنه جاز، والحكم يُوجب له الميراث؛ لأن نسبه منه كان ثابتاً قبل اشترائه، فإن قيل: إن العتق لا يصح

إلا بعد التقويم فكيف يصح وقد مات عنه [109/أ] السيد وهو في حُكم العبيد؟ قيل: هذا هو القياس، وقد قال أصبغ: لا يرث بحال؛ لأنه لا يعتق إلا بعد الموت. واستثقل ابن عبد الحكم توريثه إذا اشتراه في مرضه بثلثه وقال: كيف يرثه وهو لو أعتق عبداً بتلا لم يُوارث أحرار ورثته حتى يُقوم في الثلث بعد موته إلا أن يكون ل÷ أموال مأمونة. ولكنه استسلم لقول مالك اتباعاً له. [(1) فصل: في تبدية الابن إذا اشتراه مع غيره] وقال أشهب: إن اشترى ابنه وأخاه في مرضه، فإن كان ذلك واحداً بعد واحد بُدِيء بالأول في ثُلثه، وإن كانا في صفقة، فعلى قياس قول مالك يتحاصان، وفي قولي: أبدأ الابن وأعتقه إن كان أكثر من الثلث وأورثه - يريد: على مذهبه الذي يرى أن يشتريه بجميع ماله إذا لم يكن معه وارث. قال محمد: بل إن حمله الثلث بُديء به وعتق، وإن بقي من الثلث شيء عتق فيه الأخ أو ما حمل منه، وإن اشترى أخاه أولاًن فإن لم يحمله الثلث عتق منه محمل الثلث، وعتق الابن في بقية ماله وورثه إن خرج كله، وإن لم يخرج كله لم يعتق منه إلا بقية الثلث بع الأخ. وقاله أيضاً أشهب. وقال في رواية البرقي: إذا كانا في صفقة تحاصا. وقال ابن القاسم: إذا اشترى أخاه في مرضه عتق منه ما حمل الثلث معجلاً ورق ما بقي، وإن صار إلى من يعتق عليه، عتق عليه بقيته.

ومن المدونة قال ابن القاسم: وغن أعتق عبداً له في مرضه واشترى ابنه فأعتقه وقيمته الثلث، فالابن مبدأ ويرثه؛ لأن مالكاً لما جعله وارثاً كان كمن اشتراه صحيحاً. م: وفي هذا الاحتجاج نظر؛ لأنه إذا كان كمعتق في الصحة فيجب أن لو بتل عتق عبده واشترى ابنه أن الابن يبدأ به، وفي ذلك رجوع عن التبتيل وهو لا يقدر أن يرجع عنه. م: وإنما الحجة فيه أنه كمن بتل عتقه في مرضه؛ لأنه لو صح لم يكن له الرجوع فيه، وإنما ورثه استحساناً؛ لأنه كأنه لم يزل حراً من يوم اشترائه، ألا ترى أن المبتل في أحد القولين إذا اغتل غلة بعد التبتيل أنه يقوم وحده في الثلث وكأن الغلة لم تزل ملكاً له يوم التبتيل. [(2) فصل: فيمن أوصى أن يشترى أبوه بعد موته] قال ابن القاسم: ومن أوصى أن يشترى أبوه بعد موته، فإنه يشترى ويعتق في ثلثه وإن لم يقل: فاعتقوه. يريد: وكذلك كل من يعتق عليه إذا أوصى بشرائه.

[الباب السابع] فيمن شرط في وصيته إن مات من مرضه أو في سفره. ثم بريء أو قدم من سفره

[الباب السابع] فيمن شرط في وصيته إن مات من مرضه أو في سفره. ثم بريء أو قدم من سفره قال ابن القاسم: ومن قال لعبده - لفظاً بغير كتاب أو بكتاب أقره عنه -: إن مت من مرضي هذا أو في سفري هذا فأنت حر، وقال لفلان كذا، فهذه وصية عند مالك، وله أن يغيرها ويبيع العبد إن شاء، وإن مات قبل أن يغيرها جازت من ثلثه إن مات من مرضه ذلك أو في سفره. قال مالك: فإن قدم من سفره أو بريء من مرضه فلم يغيرها حتى مات فذلك باطل، ولا ينفذ منه شيء، إلا أن يكون كتب بذلك كتابا ووضعه على بدي رجل فلم يغيره بعد قدومه أو إفاقته وأقره على حاله ولم يقبضه حتى مات، فهذه وصية تنفذ في ثلثه. قال سحنون: يريد: لم يغيره ولم يقبضه فهذه نافذة، وإن أخذه منه بعد البرء أو القدوم وأقره في يده حتى مات فهي باطل، وإن أشهد عليها. م: وهكذا ذكر ابن المواز عن ابن القاسم مشروحاً. وقال عن أشهب: إذا كان في وصيته [109/ب] الشرط فمات في مرض ثان أو سفر ثانٍ نفذت؛ لأنه لما أقرها في المرض الثاني فكأنه عناه، وسواء قال: إن مت من مرضي هذا أو في مرضي، وكذلك في السفر إذا مات في سفر آخر. وإن مات عن غير مرض أو عن غير سفر لم يجز، وإن كانت وصية مبهمة فهى جائزة، مات فجأة أو عن مرض أو في سفر أو خص

سفراً أو حضراً. يريد: إن كانت وصيته في يديه. وقال أشهب في المجموعة: الاستحسان أنه إن مات في غير سفر ولا مرض أنها تنفذ إذا لم يُغيرها لما علم أن قصد الناس من ذكر السفر والمرض تخصيص ذلك؛ ألا ترى أن لو كتب: إن مت من سفري. فبغته الموت قبل أن يُسافر لكانت نافذة. م: وقال بعض الفقهاء: وهذا بين إذا بغته الموت، فأما إذا سافر فرجه، فلأشبه به سقوطها إلا أن يضعها على يدي غيره ولم يأخذها منه، إلا أن تكون عادة من أراد الوصية أن ذكرهم السفر والمرض لغو، وأن القصد منهم الموت لا يقصدون هذا السفر بعينه ولا هذا المرض بعينه، فيكون كما قال أشهب. وفي المجموعة من رواية علي عن مالك: فيمن كتب وصيته إن مت من مرضي هذا، فعاش بعدها سنين ثم مات ووصيته تلك بيده لم يغيرها ولا أحث غيرها، أنها نافذة جائزة. م: اختلف قول مالك في العتبية في الذي كتب: إن مت من مرضي هذا أو من سفري هذا ثم يفيق أو يقدم، ثم يمرض فيموت فتوجد تلك الوصية بعينها ولم يذكر لها ذكر فقال مالك مرة: إن وضعها على يدي رجل فهي جائزة، وقال أيضاً إذا وجدت تلك الوصية ولم يغيرها فهي جائزة. قال في كتاب محمد: لأن أكثر وصايا الناس عند سفر أو مرض ثم يزول ذلك فيثق بوصيته أنها موضوعة، فيقرها فهي نافذة.

قال سحنون قول مالك في المسألة الأولى أجود ولا ينبغي أن تجوز ولا ينبغي أن تجوز إلا أن يجعلها عند غيره، وإلا لم تجز. وقال عيسى عن ابن القاسم عن مالك في العتبية: إذا وجدت وصية رجل بعد موته مكتوبه بخطه وشهد الشهود أنها خطه لا يشكون فيها، فإنها لا تنفذ ولا يجوز منها شيء إلا أن يكون قد أشهد فيها على نفسه، وإلا فلا تجوز. وكذلك روى ابن القاسم عن مالك في المجموعة قال فيها: إذا شهدوا أنه كتابه بيده، فلا تجوز؛ لأنه لعله لم يعزم عليها وإنما كتبها ووضعها. وقال في كتاب ابن المواز في الأول من الوصايا: وإذا أتى إلى الشهود بوصيته وقرأها عليهم إلى آخرها قال: لا تنفذ إلا أن يقول لهم: اشهدوا علي بما فيها ولم يجعل إتيانه بها إليهم وقراءتها عليهم بنفسه مما ينفذها. وذكرها الشيخ أبو محمد في نوادره وذكر فيها ما في العتبية والمجموعة أنها لا تنفذ وإن قطعوا أنها خطه حتى يقول: اشهدوا علي بما فيها، ولم يذكر فيها من جميع الدواوين التي أدخل في نوادره عن مالك ولا عن أحج من أصحابه خلافاً.

[(1) فصل: فيمن كتب وصيته عند سفره أو مرضه ووضعها على يد رجل ثم قدم أو بريء فقبضها منه] ومن المدونة قال مالك: ومن كتب وصيته عند سفره أو مرضه ووضعها على يد رجل، ثم قدم من سفره أو بريء من مرضه، فقبضها ممن هي عنده وأقرها بيده حتى مات وشهدت عليها ببينه أنها هي الوصية فهي باطل ولا تنفذ، وإنما تنفذ إذا جعلها على يدي رجل. يريد: إن مات من مرضه هذا أو من سفره هذا. ونحوه عن ابن القاسم في كتاب ابن المواز. وقال ابن شبلون: إذا قبضها ممن جعلها على يديه بطلت [110/أ] وإن لم يشترط فيها ذلك، وقبضه لها ممن هي في يديه يبطلها بخلاف ما لو تركها على يديه وهي مبهمة حتى مات، هذه تنفذ. م: ولم أروه. قال مالك: ومن كتب وصيته في مرض أو صحه وأشهد عليها وأقرها عنده حتى مات، فهي جائزة. قال ابن القاسم: وهذا إذا كانت الوصية مبهمة لم يذكر فيها موته من مرضه ولا في سفره، وغنما كتب فيها: متى ما حدث بي حدث الموت أو إن حدث بي حدث الموت وأخرجها من يده أو كانت على يديه، فهي جائزة إذا أشهد عليها الشهود

[الباب الثامن] في الإشهاد على الوصية وفي تغييرها

[الباب الثامن] في الإشهاد على الوصية وفي تغييرها [(1) فصل في الإشهاد على الوصية] قال ابن القاسم قال مالك: ومن كتب وصيته بغير محضر البينة ولا قرأها عليهم فدفعها إليهم مكتوبة، وقال لهمك اشهدوا علي بما فيها، فذلك جائز إذا عرفوا الكتاب بعينهن فليشهدوا عليها. وقال ابن وهب عن مالك مثله إذا طبع عليها ودفعها إلى نفر وأشهدهم: أن ما فيها منه، وأمرهم ألا يفضوا خاتمه حتى يموت فذلك جائز. محمد: قال أشهب: ذلك جائز، كانت مختومة أو منشورة، قرأها عليهم أو لم يقرأها، إذا قال لهم: اشهدوا علي بما فيها وأنها وصيتي وأن ما فيها حق، وكذلك لو قراؤها هم عليه وقالوا: نشهد بأنها وصيتك، فقال برأسه: نعم ولم يتكلمن فذلك جائز. ومن العتبية قال أصبغ وسألت ابن وهب، عن امرأة أوصت، ودعت شهود فقالت: هذه وصيتي وهي مطبوعة اشهدوا علي بما فيها لي وعلي وقد أسندتها إلى عمتي، وما بقي من ثلثي فلعمتي، ثم ماتت، ففتح الكتاب فإذا فيه وما بقي من ثلثي فلليتامى والمساكين والأرامل. قال: أرى أن يقسم بقية الثلث بين العمة وبين الصنوف الآخرين صنفين بالسواء؛ كما لو كانت لرجلين وسألت عنها ابن القاسم فقال له مثله سواء. [(2) فصل [في تغيير الوصية] ومن المدونة قال ابن القاسم: قال مالكك الأمر المجتمع عليه عندنا أن من أوصى في صحة أو مرض بعتق أو غيره، فإن له أن يغير من ذلك ما بدا له ويصنع

فيه ما شاء حتى يموتن وله أن يطرح تلك الوصية ويبدل غيرها. قال في كتاب محمد: ولا يرجع فيما بتل. ومن المجموعة قال ابن الماجشون: من صدر وصيته وكتب فيها: إن فلاناً حر قال: إذا أجراها مجرى الوصية فله الرجوع فيها. ابن القاسم: وإن كنت في أمته أنها مدبرة إن لم أُحدث فيها حدثاً. فهذه وصية. قال في المجموعة: إلا أن يُفهم من قوله أنه أراد التدبير، فليس له أن يغير ذلك فيها. وإن قال: عبدي مدبر بعد موتي فهي كالوصية. وقال عنه محمد: إن قال: إن مت من مرضي هذا فعبدي مُدبر، فلا يرجع فيه. وقال أصبغ: ينزل منه منزله التدبير، ولو دبره على غيره فله أن يرجع فيه. ومن كتاب المدبر: ومن قال: عبدي حر بعد موتي. فإن أراد التدبير فهو مدبر، وإلا فهي وصية. وقال أشهب: إذا قال ذلك في غير إحداث وصية فهو تدبير.

[الباب التاسع] فيمن قال في وصيته: كل مملوك لي مسلم حر أو قال: عبدي حر بعد موتي بشهر

[الباب التاسع] فيمن قال في وصيته: كل مملوك لي مسلم حر أو قال: عبدي حر بعد موتي بشهر [110/ب] [(1) فصل: فيمن قال في وصيته: كل مملوك لي مسلم فهو حر] قال مالك: ومن قال في صيته: إن مت فكل مملوك لي مسلم حر، وله عبيد مسلمون ونصارى، ثم أسلم بعضهم قبل موته لم يعتق منهم إلا من كان يوم الوصية مسلماً؛ لأنه لا أراه أراد غيرهم. م: قال بعض الفقهاء القرويين: لعله فهم منه: أراد عتق هؤلاء بأعيانهم، فإن لم يكن قصد، فلأشبه دخول من أسلم في وصيته؛ لأن الموصي إنما يُوصي فيما يكون له يوم الموت لا أعيان من كان عنده، ألا ترى لو قال: إذا مت فعبيدي أحرار وعنده عبيد يوم أوصى، فباعهم واشترى غيرهم عبيداً آخرين فمات عنهم، لكانت الوصية في الذين مات عنهم؟ ولو كان القصد من كان عنده يوم أوصى لوجب أن لا يدخل من اشترى. واختلف إن اشترى بعد الوصية عبيداً مسلمين: فقال ابن المواز عن ابن القاسم: إنهم يدخلون في الوصية. وقال ابن حبيب عن اصبغ: لا يدخلون فيها. قال ابن المواز: وإن لم يكن في عبيده يوم الوصية مسلمون فهاهنا من أسلم من عبيده أو اشتراه مسلماً يدخل في الوصية.

[(2)] فصل (1) [فيمن قال في وصيته: أعتقوا عبدي بعد موتي بشهر] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن قال في وصيته: أعتقوا عبدي بعد موتي بشهر أو قال: هو حر بعد موتي بشهر فهو سواء، فإن لم يحمله الثلث خُيِرَ الورثة بين أن يُجيزوا أو يعتقوا الآن منه محمل الثلث بتلا، فغن أجازوا الوصية خدمهم تمام الشهر، ثم خرج جميعه حُراً، وهو قول مالك، وكذلك لو حمله الثلث خدم الورثة شهراً ثم هو حر.

[الباب العاشر] فيمن قال: فلان وصيي، أو قال: وصيي في كذا أو إلى مدة كذا

[الباب العاشر] فيمن قال: فلان وصيي، أو قال: وصيي في كذا أو إلى مدة كذا قال ابن القاسم: ومن قال: اشهدوا أن فلاناً وصيي ولم يزد على هذا فهو وصيه في جميع الأشياء وإنكاح صغار بنين ومن بلغ من أبكار بناته بإذنهن والثيب بإذنها. وفي النكاح إيعاب هذا. قال مالك في كتاب محمد: ومن قال: فلان وصيي فقد بالغ في الإيصاء، ويكون وصياً على كل شيء كمن سميت له الأمور. قال ابن القاسم وأشهب: وإذا أوصي بماله فهو وصي على ماله وولده. قالا في المجموعة: وإن قال: فلان وصي على ولدي كان إليه فيهم جميع الأمور من مال وغيره. ومن المدونة: وإن قال: فلان وصيي على كذا لشيء خصه، فإنما هو وصيه على ما سمى فقط، وإن قال: فلان وصيي على قضاء ديني واقتضائه، أو قال: فلان وصيي على مالي، أو فلان وصيي على بُضع بناتي، أو قال: فلان وصيي حتى يقدم فلان فيكون القادم وصياً، فذلك كله جائز، ويكون كما قال. م: وينبغي أن لو مات فلان قبل أن يقدم لكان هذا وصياً؛ لأنه إنما

خلع هذا بقدوم فلان الغائب، فمتى لم يقدم فهو باق على الوصية. قال بعض الفقهاء: قلو قدم فامتنعن فالظاهر أن الوصي الأول قد سقطن لأنه علق نظره بغيبه فلان، فمتى قدم له لم يكن له نظر، إلا أن يكون المفهوم عنه أنه إذا جاء فقبل الوصية فيكون الوصي له، فمتى قدم فلم يقبل الوصية وجب أن يبقى هذا على ما كان عليه. ومن المدونة قيل لمالك: فلو قال فلان: وصيي على قبض ديوني وبيع تركتي، ولم يوص إليه بأكثر من هذا هل له أن يزوج بناته؟ فقال مالك: لو فعل ذلك رجوت أن يكون مُخزياً، ولكن أحب إلي أن يرفع ذلك إلى السلطان فينظر السلطان في ذلك. محمد وقال أشهب: له أن يزوج ولا يرفع إلى السلطان. [قال] ابن القاسم: إن شاء الله. وقال ابن القاسم قال مالك: فيمن أوصى بميراث بنت له صغيرة أن يُدفع إلي فلان أترى [111/أ] أن يلي بُضعها؟ قال: نعم. وأراه حسناً أن لو رفع ذلك إلى الإمام فينظر فيه.

[الباب الحادي عشر] في وصي الوصي ووصي الأم والجد والأخ

[الباب الحادي عشر] في وصي الوصي ووصي الأم والجد والأخ [(1) فصل: في وصي الوصي] قال مالك: وإذا مات الوصي فأوصى إلى غيره جاز ذلك وكان وصي الوصي مكان الوصي في النكاح والبيع وغيره. قال يحي بن سعيد: وإذا كانا وصيين أو ثلاثة فأوصى أحدهم عند موته بما أوصي به إليه من تلك الوصية إلى غير شريكه جاز ذلك. وقال أشهب وأباه سحنون. وقال يحي بن عمر قال سحنون: لا يجوز لأحد الأوصياء أن يُوصي إلى أحد، وإنما ذلك إلى الحاكم، إن رأى أن يجعل مع الوصيين رجلاً مكان الميت فعل، وإن رأى أن يُقرهما ولا يجعل معهما غيرهما فعل. وكذلك في العتبية عن سحنون. م: ووجه ذلك أنه لا يستبد أحد الأوصياء بفعل دون صاحبه، وإذا أوصى هو إلى غيره صار مستبداً بذلك دون الآخر، فلذلك لم يجز. [(2) فصل: في وصي الأم والجد والأخ] قال ابن القاسم: وللمرأة أن توصي في مالها في إنقاذ وصاياها، وعلى قضاء دينها وإن لم يكن عليها دين، ولا يجوز إيصاؤها بمال ولدها الطفل إلا أن تكون

وصية للأب، وإلا لم يجز. وسئل مالك: عن امرأة أوصت بتركتها إلى رجل، ولها ولد صغير، والذي تركت نحو ستين ديناراً فأجاز ذلك وخففه، وجعل الرجل الذي أوصت إليه وصياً على ذلك إذا كان عدلاً. قال ابن القاسم: وذلك رأي، وعندي فيمن لا أب له ولا وصي. قال في كتاب القسم: وذلك من مالك استحسان وليس بقياس. وقال غيره: لا تجوز وصية المرأة بمال ولدها فيما قل أو كثر. قال سحنون: قول غيره أعدل. قال ابن القاسم: وإن كانت تركة المرأة كثيرة لم يجز ذلك ونظر الإمام فيه. وإذا هلك رجل وله أخ صغير-يريد: ولا أب لخيه ولا وصي - فأوصى بتركته التي يرثها أخوه منه وبأخيه إلى رجل، فإن كان الأخ وصياً على أخيه جاز ذلك، وإلا لأم تكن وصيته تلك وصية وإن قل المال، وذلك إلى السلطان إن رأى أن يُقره وإلا جعل غيره بخلاف الأم؛ لأن الأم يجوز لها في ولدها أشياء كثيرة ولا تجوز للأخ، ولو أجزته للأخ لأجزته للعم أو للعصبة، وكذلك الجد إذا هلك وفي حجره ولد ابنه صغاراً لا أب لهم ولا وصي فأوصى الجد بهم إلى رجل، فإن لم يكن الجد وصياً لهم لم يجز ذلك. وفي كتاب القسم شيء من هذا.

[الباب الثاني عشر]: في الوصي يقبل الوصية ثم يبدو له، وكيف إن قبل بعضها

[الباب الثاني عشر]: في الوصي يقبل الوصية ثم يبدو له، وكيف إن قبل بعضها قال مالك: وإذا قبل الوصي الوصية في حياة الموصي فلا رجوع له بعد موته. محمد: قال أشهب: ولو قبلها في حياته ثم بدا له قبل موته فذلك له؛ لأنه لم يغُره؛ لأن هذا يقدر على الاستبدال. قال أشهب ولو قبل الوصية بعد موت الموصي أو جاء منه ما يدل على رضاه من البيع والاشتراء لهم مما يصلحهم والاقتضاء أو القضاء عنهم وغير ذلك لزمته الوصية. وإذا أبى من قبولها في حياته وأبى منها أيضاً بعد مماته، ثم أراد قبولها فليس له ذلك إلا أن يجعله السلطان لحسن [111/ب] نظره. قال ابن حبيب عن أصبغ: في الرجل يُوكله السلطان بالنظر لليتيم فيقبل ذلك منه، فليس له أن يعتزل ذلك، عُزِل ذلك السلطان أو لم يُعزل، إلا أن يُزيله السلطان على وجه النظر ويولي غيره لحُسن نظره. م: وهذا خلاف ما تقدم لأشهب إذا قبل الوصية في حياة الموصي، ثم بدا له في حياته قال ذلك له ذلك له؛ لأنه لم يغره، لأنه يقدر على الاستبدال؛ لأن رضاه للسلطان كرضاه للموصي. ومن العتبية روي أصبغ عن ابن وهب: فيمن أوصى إلى رجل بوصية وبما كان وصياً عليه فقبل وصيته في نفسه ولم يقبل ما كان عليه وصياً،

قال فذلك له، وليقم الإمام من يلي أمر الأول. قال أصبغ: وصية الأول هي من وصية الثاني، فإما قبل الجميع أو ترك، فإن قبل بعضها فهو قبول للجميع وتلزمه كلها. م: والذي أرى: أن يقول له الإمام: إما أن تقبل الجميع أو تدع الجميع؛ ألا ترى أن للإمام أن يقره على ما قبل، ويقيم من يلي وصية الأول، فذلك له.

[الباب الثالث عشر]: في الوصية إلى غير العدل أو إلى كافر، ووصية الكافر إليهم، ووصية الرجل على مكاتبه أو عبده

[الباب الثالث عشر]: في الوصية إلى غير العدل أو إلى كافر، ووصية الكافر إليهم، ووصية الرجل على مكاتبه أو عبده [(1) فصل: في الوصية إلى غير العدل أو الكافر] قال ابن القاسم قال مالك: لا يجوز إسناد الوصية إلى غير عدل، ويُعزل إن أوصى إليه. محمد: وقاله مالك وأصحابه قال فيه وفي المدونة: لا تجوز الوصية إلى ذمي؛ لأنه غير عدل. قال محمد: ولا يجوز إلى حربي وهو أشد، قال أبن القاسم وأشهب. ومن العتبية قال ابن القاسم: وكره مالك الوصية إلى اليهودي والنصراني، وكان قد أجازه قبل ذلك. قال ابن القاسم: وإذا كان على صلة الرحم [مثل أن] يكون أخوه أو أبوه نصرانياً أو أخواله، فيصل رحمهم، فلا بأس به وهو حسن، وأما لغير هذا فلا. قال عنه عيسى: وأما الأباعد فلا يعجبني.

قال ابن المواز وابن عبدوس: ولا يجوز أن يوصي إلى صبي أو ضعيف أو معتوه أو مأبون، ولا يجوز ذلك من النصارى إذا كانوا بهذه الأحوال. محمد: قال ابن القاسم وأشهب: ومن أوصى إلى محمد في قذف، فذلك جائز إذا كانت منه فلتة، وكان ممن تُرضى حاله- وإن لم يتبين حُسن حاله- إذا كان يوم حُد غير مسخوط، فأما من حد في زنا أو سرقة أو خمر فلا يقع في مثل هذا من له ورع؛ فلا تجوز الوصية إليه إلا أن تحدث له توبة وتورع يُعرف فضله فيه، فتجوز الوصية إليه. [(2) فصل: في وصية الكافر إلى المسلم والكافر] قال: وتجوز وصية الذمي إلى الذمي؛ لأنه على ملته. قال أشهب: ولو أوصى ذمي إلى حربي لم يجز، ولو كان مستأمنا، ولو أوصى الحربي المستأمن إلى ذمي جاز، قال: وتجوز وصية الحربي والذمي إلى المسلم. قال فيه وفي المدونة مالك وابن القاسم: وإذا أوصي ذمي إلى مسلم فإن لم يكن في تركته خمر أو خنازير، ولم يخف أن يُلزم بالجزية، فلا بأس بذلك.

محمد: وقال أشهب: أنا أكرهه خوفا أن يلزم بالجزية وليس ببين في الكراهية، ولو قبل لجاز ولزمته، وإن كان غير ذلك فلا بأس به، وإن يكن فيها خمر وخنازير فتكون الوصية فيما سوى الخمر والخنازير. ابن حبيب قال ابن الماجشون: وأما الذمي يوصي إلى الذمي وفى تركته خمر وخنازير وغيره مما يستحلونهن فلا أمنعه قسمته بينهم. [(3) فصل: في وصية الرجل إلى مكاتبه أو عبده] قال ابن القاسم: ومن أسند وصيته إلى مكاتبه أو عبده جاز ذلك، فإن كان في الورثة أكابر فقالوا: نحن نبيع العبد ونأخذ حقنا، اُشترِ يَ للأصاغر حصة الأكابر منه إن كان لهم مال يحمل ذلك فيكون العبد وصياً، وإن لم يكن في مالهم ما يحمل ذلك وأضر بهم بيعه، باع الأكابر حصته منه خاصة وتُرك حظ الأصاغر في العبد يُقَوم عليهم إلا أن يضر ذلك بالأكابر ويأبوا، فيقضى على الأصاغر بالبيع معهم.

[الباب الرابع عشر] في: فعل أحد الوصيين واقتسامهما المال

[الباب الرابع عشر] في: فعل أحد الوصيين واقتسامهما المال [(1) فصل في: الوصيين يتصرف أحدهما دون الأخر] قال مالك: ومن أوصى إلى وصيين [112/أ] فليس لأحدهما أن يُزوج دون صاحبه إلا أن يوكله صاحبه فإن اختلفا نظر السلطان في ذلك. قال ابن القاسم: ولا يجوز لأحدهما بيع ولا شراء ولا أمر دون الآخر. قال غيره: لأن إلى كل واحد منهما ما إلى صاحبه، وكأنهما في فعلهما فعل واحد. [(2) فصل في: اقتسام الوصيين المال وفي مخاصمة أحدهما وإقامة البينة دون الأخر. المسألة الأولى في: اقتسام الوصيين المال] قال ابن وهب قال مالك: وإذا أوصى رجل إلى قوم فلا يقتسمون ماله، ويكون عند أفضلهم. قال عنه ابن القاسم: وإذا اختلف الوصيان عند يكون المال منهما' فليجعل عند أعدلهما ولا يقسم بينهما. قال ابن القاسم: فإن استويا في العدالة جعله الإمام عند أحرزهما وأكفئهما. قلت: أرأيت: إن أخذ أحدهما بعض الصبيان عنده، وقسما المال، وأخذ كل واحد منهما حظ من عنده من الصبيان، قال: قد أخبرتك أم مالكاً قال:

لا يقسم المال ويكون عند أعدلهما. قال ابن حبيب في كتاب الصدقات قال ابن الماجشون: إذا اقتسم الوصيان المال ضمناه، فإن هلك ما بيد أحدهما ضمنه صاحبه حين أسلمه إليه. وقال أشهب في كُتبه: لو اقتسماه لم يضمناه؛ لأم الموصي قد علم أنه لا بد أن يلي ذلك أحدهما. [المسألة الثانية: في مخاصمة أحد الوصيين خصماء الميت دون الآخر وفي إقامة البينة] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا يخاصم أحد الوصيين خصماء للميت إلا مع صاحبه، ومن ادعى على الميت دعوى وأحدهما غائب، فليقم المدعي البينة ويُثبت حقه قدر على أحد الوصيين أو لم يقدر، ولأنا نقضي على الغائب، فإن جاء بالوصي الغائب بعد ما قضى القاضي على هذا الوصي الحاضر فكانت له حجة على الميت جهلها الوصي الحاضر، نظر في ذلك القاضي، فإن رأى ما يدفع به حجة هذا المستحق دفعها، ورد الحق إلى ورثة الميت، وإن لم يرد ذلك أنفذه.

[الباب الخامس عشر]: في بيع الوصي وشرائه وتأخيره بالدين

[الباب الخامس عشر]: في بيع الوصي وشرائه وتأخيره بالدين وحوالته به، [وفي أكل الوصي من مال التيم] قال مالك: ولا يبيع الوصي عقار اليتامى إلا أن يكون ذلك وجه نظر، مثل أن يكون داراً ليس في غلتها ما يحملهم ولا مال لليتامى يُنفق عليهم منه، أو يجاوره ملك يحتاج إليها فيُرغبه في الثمن فيُعطي بها ثمناً فيه غبطة وما أشبه ذلك، فلا بأس حينئذ ببيعها، وأما على غير ذلك فلا. قال عنه علي في المجموعة: لا يباع ربعهم إلا ثلاثة وجوه: في دين على الميت، أو في حاجة، أو خوفاً أن يخرب. م: قال بعض أصحابنا: وللأب أن يبيع على ابنه الصغير عقاره ولا يُعرض عليه بخلاف الوصي، قال ولا يهب الوصي ربع الصغير للثواب، لأن الهبة للثواب إذا فاتت بيد الموهوب إنما عليه قيمتها وهو لا يبيع بالقيمة سواء، وللأب أن يهب مال ولده للثواب بخلاف الوصي؛ لأن الوصي إنما هو بسبب الوالد، فهو أضعف حكما منه. م: والوصي العدل كالأب يجوز له ما جاز للأب؛ لأنه أقامه مقام نفسه، ولا يجوز للأب أن يبيع عقار ولده إلا لوجه نظر، كما قال في الوصي. والله أعلم ومن المدونة قال مالك: وعبد اليتامى إذا أحسن عليهم القيام، وحاط عليهم، فليس للوصي أن يبيعه إذا كان بهذه المنزلة.

قال مالك: ولا يشتري الوصي لنفسه من تركة الميت ولا يدس أو يوكل من يشتري له، وكان ينكر ذلك إنكاراً شديداً، قيل له: فإن فعل؟ قال: في ذلك، فإن كان فيه فضل كان لليتامى، وإن لم يكن فيه فضل تُرك في يد [112/ب] الوصي. وأتى إلى مالك رجل من أهل البادية فسأله عن رجل أسند إليه وصيته فوجد في تركته حمارين من حُمر الأعراب، فتسوق بهما في أهل المدينة والبادية واجتهد فبلغ ثمنها ثلاثة دنانير، فأراد أخذهما لنفسه بما أعطي، فوسع له مالك في ذلك واستخفه؛ لقلة الثمن. قال ابن القاسم: وإذا كان في الورثة أصاغر وأكابر فلا يبيع الوصي على الأصاغر التركة إلا بحضرة الأكابر، فإن كان الأكابر غُيباً بأرض نائية والتركة حيوان أو رقيق أو ثياب، فللوصي أن يبيع ذلك يجمعه ويرفع ذلك إلى الإمام حتى يأمره ويأمر من يلي معه البيع للغائب. [(1) فصل في: تأخير الوصي الغريم بالدين وحوالته به المسألة الأولى في: تأخير الوصي الغريم بالدين] ولا يجوز للوصي أن يؤخر الغريم بالدين إن كان الورثة كباراً، وإن كانوا صغاراً جاز ذلك على وجه النظر لهم، ولم يُجزه غيره، وهو أشهب قال: لأنه معرف. قال يحي: ولا يجوز تأخير الغرماء إلا أن يبرئوا ذمة الميت ويتبعوا الغريم. م: وحكى اللبيدي عن أبي محمد أنه قال: إنما يجوز تأخير

الوصي -للحالف: لا أقضينك إلا أن تؤخرني. والورثة صغار- ويبرأ الحالف، فذلك إذا كان على وجه النظر، مثل أن يكون الحالف لا بينة عليه فيخاف من جحوده، أو يكون كثير الدين، فغن طلبه وفلسه لم يقع للأطفال إلا بعض دينهم في الحصاص، وهو إن أخره رجاء أن يقتضي منه جميع دينهم، فإن كان لمثل هذا جاز وبريء الحالف، وإن كان تأخيره لغير وجه نظر، وإنما أخر الحالف من أجل يمينه لم يجز ذلك، ولا يبرا الحالف إلا أن يكون التأخير يسيرا مما لا ضرر على الأطفال فيه، فيبرأ الحالف ويكون مما يختلف فيه، فيقال فيه خسن نظر، ويقال: لا نظر في ذلك، فيجوز تأخير الوصي ويبرأ الحالف. هذا معنى ما في كتاب ابن المواز، وكذلك كان شيوخنا يفسرونه. ومن كتاب ابن المواز لأشهب: لا يؤخر الوصي بدين اليتيم إلا لوجه نظر من خوف جحود أو تفليس إن أقيم به، فيكون نظراً لليتيم، وكذلك لو وضع من دينه أو صالح عنه على هذا المعنى مما هو خير لليتيم ولو كان أمراً يرى لعض الناس أنه خير له، ولا يرى ذلك بعضهم، ففعله جائز -محمد: ما لم يفعله محاباة لم يفعله- قال: إذا كان بينا أنه ليس بنظر لم يجز ورد. [المسألة الثانية في: قبول الوصي الحوالة بالدين] قال أشهب في المجموعة: وله أن يبيع متاعهم بتأخير، وأن يحتال بدينهم وإن أُحيل على مُعدم ومُفلس، والآخر بين الفضل عليه في الملأ فاحتياله باطل، والدين على الأول بحاله.

[(2) فصل في: أكل الوصي من مال اليتيم] ومن المجموعة قال ابن وهب عن مالك: أكره للوصي أن يأكل من مال اليتيم، إلا أن يصيب من اللبن والتمر والعنب. محمد: قال مالك: لا يأكل من مال اليتيم، وقد قيل إلا أن يكون به وبماله مشغولاً فليأكل بقدر عمله إن كان محتاجاً، وإن استعفف فهو خير له. قال: وللأب أن يأكل من مال ولده قدر ما يحكم له به، وليس كالوصي. وقال في المجموعة: ولا أحب أن يركب دابة يتيمه ولا يتسلف ماله. قال: ولا أحب للرجل أن يتسلف من مال بيده لغيره، وأجازه بعض الناس فرُوجع، فقال: إن كان له مال فيه وفاء وأشهد بذلك، فلا بأس به.

[الباب السادس عشر] فيمن أوصى فقال: وصيتي عند فلان فصدقوه، أو ما قال فأنقذوه، أو ما ادعى علي فلان فأعطوه، وهل يكشف الوصي عما أنفذه؟

[الباب السادس عشر] فيمن أوصى فقال: وصيتي عند فلان فصدقوه، أو ما قال فأنقذوه، أو ما ادعى علي فلان فأعطوه، وهل يكشف الوصي عما أنفذه؟ [(1) فصل فيمن قال: وصيتي عند فلان فأنفذوا ما فيها وصدقوه] قال مالك رحمه الله: وإذا قال الميت: قد كتبت وصيتي وجعلتها عند فلان فأنفذوا ما فيها وصدقوه، فغنه يُصدق وينفذ ما فيها. قال في العتبية وغيرها: فلما مات الموصي أخرج الرجل [113/أ] وصيته ولا بينة فيها غير البينة على قوله هذا، فإن كان من هي بيده عدلاً نفذ ذلك. وقال ابن القاسم. وقال سحنون: تنفذ الوصية كان الرجل عدلاً أو غير عدل. قال بعض الفقهاء: وهو الأشبه؛ لأن الميت قد ائتمنه وأمر أن يٌقبل قوله، فهو كقوله: ما ادعى على فلان فصدقوه. [(فصل فيمن قال: قد أوصيت بثلثي وأخبرت به فلاناً فصدقوه، وكيف إن قال الوصي: إنما أوصى بالثلث لابني] قال فيهما وفي المدونة قال ابن القاسم: وكذلك إن قال: قد أوصيت بثلثي وأخبرت به الوصي فصدقوه، فإنه يُصدق.

فإن قال الوصي: إنما أوصى بالثلث لأبني. فقال ابن القاسم: لا يصدق؛ لأن مالكاً قال فيمن أوصى فقال: يجعل فلان ثلثي حيث يراه: أنه إن أعطاه لولد نفسه أو لقرابة له، لم يجُز إلا أن يكون لذلك وجه يُظهر صوابه. وقال أشهب: يصدق ويُقبل قوله قال: لبني أو لنفسي؛ لأن الميت أمر بتصديقه. قال في المجموعة وكتاب محمد: وليس هو مثل الذي يشهد لابنه، ولا مثل الذي يوصي إلى فلان أن يجعل ثُلثه حيث يرى فيجعله لنفسه، فإن فعل حسب استحقاقه لم آخذه منه. وقال ابن القاسم. قال: فإن قال: لولدي أوصى به. جعلته كشاهد له وكمسألة مالك فيما إذا قال فلان يجعل ثُلثي حيث يراه. قال محمد قال مالك في هذا: أنه لا يأخذ هو منه، وإن كان محتاجاً وإن أعطى منه ولده وكان لذلك موضعاً جاز.

[(3) فصل فيمن أوصى أن يُجعل ثلثه حيث أرى الله الوصي] وقال ابن عبدوس روى علي عن مالك: في الذي أوصى أن يجعل ثُلثه حيث أراه الله عز وجل لا يجوز أن يُعطي ذلك أقارب الميت، ولكن يُعطيهم كما يُعطي الناس. قال مالك: وإذا كان قد علم حين أوصاه يجعل ثُلثه حيث أه الله عز وجل أنه أراد أن يرده على بعض الورثة فلا يجوز، وليرجع كله ميراثاً. ومن العتبية وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم عن مالك: في الموصي إليه بالثلث يجعله حيث أراه الله، قال: ليجعله في سبيل الخير، وإن قال: اصرفه حيث شئت أو أحببت، فصرفه إلى أقارب الموصي أو أخوته، فلم يُجز ذلك الورثة، فليرجع ذلك ميراثاً. قال ابن القاسم في العتبية: إذا جعلها في بعض ورثة الميت قيل له: اتق الله واجعلها في غيرهم. فإن أبى رجعت ميراثاً إن لم يجزها الورثة، وليس للموصى أن يأخذ منه شيئاً ولا يأكله. قال: ولا يجبره السلطان أن يجعلها في سبيل الله عز وجل. قال في كتاب محمد: ويُنظر فيما فعل، فإن كان من وجه ما يتقرب الناس به، وكان في ذي حاجة فلينفذ، وإن كان في غير ذي حاجة لم يجز؛ لأن الميت إنما قصد به وجه الصدقات.

قال ابن حبيب عن أصبغ: فيمن أوصى أن يُجعل ثلثه في أفضل ما يراه وأقربه إلى الله عز وجل، هل يُعتق به رقابً؟ قال: إن سأل عن ذلك قبل أن يفعل رأيت الصدقة خيراً له. وقال مالك: الصدقة أفضل من العتق. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصدقة شيء عجيب))، ومع أنه يبقى في العتق الولاء لورثته، ولو جسر ففعل وأنفذه لم يُرد، كان عتقاً أو غيره، والعتق أحب إلي من الحج، وإن كان صرورة، ولو كان حياً كان الحج أولى به. [(4) فصل فيمن قال عند موته: على ديون وفلان ابني يعلم أهلها، فمن سمى له شيئاً فأعطوه وكيف إن قال: من ادعى على ديناً فحلفوه وأعطوه بلا بينة، أو قال: كنت أعامل فلاناً فما ادعى علي فأعطوه ومن كتاب ابن حبيب قلت لأصبغ: فيمن قال عند كوته: علي ديون وفلان ابني يعلم أهلها، فمن سمى أن له شيئاً فأعطوه. فإن عندنا عن ابن القاسم أنه كالشاهد [113/ب]: إن كان عدلاً حلف معه المدعي وأخذ؟ فقال أصبغ: ما هذا بشيء، ولا أعرفه من قوله، ولكن يُصدق من جعل إليه الميت التصديق، كان عدلاً أو غير عدل؛ كقول مالك فيمن قال: وصيتي عند فلان فما أخرج فيها فأنقذوه: إن ذلك نافذ وما استثنى مالك عدلاً من غير عدل؛

وكقول مالك في الذي قال: من ادعى على من دينار إلى عشرين ديناراً فافضوه بلا بينة أنه جائز، ولم يقل إن كان عدلاً، ولا يزاد هذا من ماله على أكثر من عشرين إن ادعى أخذ أكثر منها، ويعزل العشرين من رأس ماله، ولا يعجل فيها حتى يعلم من يدعي شيئاَ وليكتم ذلك ولا يفش ولو ادعاها جماعة، قال ابن القاسم: فليتحاصوا في العشرين فقط إذا ادعى كل واحد منهم أقل من عشرين، ومن ادعى عشرين فأكثر فلا شيء له إلا ببينة، ومن له بينة فهو المبدأ على صاحب العشرين، وكذلك في كتاب ابن سحنون أن صاحب البينة يبدأ على هؤلاء. قال: وبلغني عن ابن القاسم أن من ادعى عشرين كاملة فلا شيء له وقال عن مالك: يتحاص مدعي العشرين فأقل. وفي العتبية قال ابن القاسم عن مالك: يتحاص مدعي العشرين فأفل، ومن ادعى أكثر، فلا شيء له. وقال محمد بن خالد عن ابن القاسم: ومن ادعى مثل ما قال الميت

أعطي ذلك في يمينه، وكذلك في كتاب ابن المواز. [المسألة الثانية: فيمن قال: من ادعى على دينا فحلفوه وأعطوه بلا بينة] قال ابن حبيب عن أصبغ: وأما إن قال: من ادعى علي ديناً فحلفوه وأعطوه بلا بينة، أو قال بلا يمين ولا بينة، ولم يؤقت للدين نهاية، فهذا يكون من ثلثه بخلاف الذي وقت، وقضى به ابن وهب قاضي سليمان بن عبد الله. [المسألة الثالثة: فيمن قال: كنت أداين فلاناً أو كنت أعامل فلاناً، فما أدعى علي فأعطوه]. ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك: فيمن قال كنت أداين فلاناً وفلاناً، فهم مصدقون فيما ادعوا علي، قال: يعطون ما ادعوا بغير يمين. وقال عنه أصبغ: إذا قال: كنت أعامل فلاناً، فما ادعى علي فأعطوه قال: يصدق في معاملة مثله، وأراه ذكره عن مالك. قال ابن القاسم: ويكون من رأس ماله، وليس الناس في قلة المال وكثرته سواء، وإن ادعى ما لا يشبه بطلت دعواه، فلم تكن في ثلث ولا رأس مال. وقال: يبطل ما زاد على ما يشبه معاملة مثله. [(5) فصل في: متى يكشف الوصي عما أنفذه] ومن العتبية والمجموعة وكتاب محمد قال مالك: فيمن أوصى بعتق أو بشئ في السبيل وغير ذلك وأسند ذلك إلى رجل، فطلب الورثة

أن ينظروا في ذلك، فإن كان الوصي وارثاً، فلباقي الورثة أن ينظروا في ذلك ويكشفوا عنه الوصي، وإن لم يكن وارثاً فلا يكشف عن شيء إلا عما يبقي للوارث نفعه من العتق الذي لهم ولاؤه، زاد ابن نافع عن مالك في المجموعة: إلا أن يكون الوصي سفيهاً مارقاً فليكشف عن ذلك كله، فرب وصي لا ينفذ من الوصية شيئاً.

[الباب السابع عشر]: في شهادة الوارث أو غيره في وصيته أو موته. قال ابن القاسم: وإذا شهد وارثان أن أباهما أوصى إلى فلان، جاز ذلك

[الباب السابع عشر]: في شهادة الوارث أو غيره في وصيته أو موته. قال ابن القاسم: وإذا شهد وارثان أن أباهما أوصى إلى فلان، جاز ذلك. قال غيره: إن لم يجرا بذلك نفعاً إلى أنفسهما جاز، فإن جرا بذلك نفعاً لم يجز. قال ابن القاسم: وإن مات رجل فشهد على موته امرأتان ورجل، فإن لم تكن له زوجة ولا أوصى بعتق عبيد ونحوه، ولم يكن إلا مال يقسم، فشهادتهم جائزة. قال سحنون: وقد أعلمتك ما قال غيره في شهادة النساء. قال ابن القاسم: وإذا أقر وارث بوصية لرجل حلف معه إن كان عدلاً وقضي له، وإن نكل أخذ من حصة المقر ما يصير له من ذلك إن لم يول على المقر،

وكذلك إن [114/أ] أقر أن هذا الشيء أو العبد لفلان عند أبيه وديعة فليحلف مع شاهده إن كان عدلاً ويستحقه، فإن نكل كان له قدر ما ورث المقر من ذلك، ومن الثاني: وإن أقر بهذا وعليه دين يغترق ماله وأنكر غرماؤه، فإن كان إقراره قبل القيام عليه بالدين جاز، وإن كان بعد ما قاموا عليه لم يجز، وكذلك إن أقر الولد بدين على أبيه أو بوديعة عند أبيه وقد مات أبوه، فإن أقر الولد بذلك بعد قيام غرماء الولد عليه لم يقبل إقراره إلا ببينة، وإقراره قبل القيام عليه جائز، فإن كان المقر له حاضراً حلف واستحق. وفي الوصايا الثاني إيعاب هذا.

[الباب الثامن عشر] فيمن أوصى لزوجته أو لأم ولده، وكيف إن شرط إن تزوجت نزعت الوصية والحضانة منها، ومن أوصى بحمل امرأة فأسقطته

[الباب الثامن عشر] فيمن أوصى لزوجته أو لأم ولده، وكيف إن شرط إن تزوجت نزعت الوصية والحضانة منها، ومن أوصى بحمل امرأة فأسقطته [(1) فصل: فيمن أوصى لزوجته أو لأم ولده]. قال مالك: قد أوصى عمر بن الخطاب إلى حفصة رضي الله عنهما، وأراه فعل ذلك لمكانها من رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وسئل الك في العتيبة: فيمن أوصى لزوجته فتزوجت فخيف على المال هل تكشف؟ فقال: إن كانت لا بأس بحالها لم تكشف، وإن خيف كشفت عما قبلها، وإن عزلت الولد في بيت وأقامت لهم خادماًَ وما يصلحهم فهي أولى بهم أيضاً، وإن لم تفعل نزعوا منها؟. قال أبو محمد: أراه من باب الولاية بالوصية، فلذلك لم يمنعها الحضانة كما منعها إياها بالتزويج إذا لم تكن لهم وصية وكان لهم من يحضنهم، وهذه الأم الوصية تتزوج، فإن لم تكن لها أم ولا أخت فهي أحق من العصبة بالولد، لأن ولاء من الوصية. محمد: قال ابن القاسم: وأما المال فوجه ما سمعت منه أن ينظر إلى حالها، فإن رضي حالها وسيرتها والمال يسير، لم يؤخذ منها. محمد: ولم تكشف، وأما إن كان المال كثيراً وهي مقلة وخيف من ناحيتها نزع المال منها. وقاله ابن القاسم، وهي على الوصية على كل حال إلا أن تكون مبرزة في إبقاء المال عندها بعد النجاح في الحزم والدين

والحرز والستر، فيقر بيدها. [(2) فصل فيمن أوصى لامرأته وقال: إن تزوجت فانزعوا الولد والمال منها] قال مالك: وإن قال الميت: إن تزوجت فانزعوا الولد منها فأرادت النكاح فإن عزلتهم في مكان عندها مع خادم ونفقة فهي أولى بهم، وإلا نزعوا منها. محمد: لأن الميت لم يقل: إن تزوجت فلا وصية لها، إنما قال: ينزعون منها، فالوصية لها قائمة بعد، فإن عزلتهم في حرز وكفاية لم يؤخذوا منها, وأما المال فقد فسر ابن القاسم أمره تفسيراً حسناً. ومن المدونة قال مالك: ومن أسند وصيتة إلى زوجته على ألا تتزوج، فتزوجت، فلتفسخ وصيتها. قال ابن القاسم: وكذلك لو أوصى لأم ولده بألف درهم على ألا تتزوج فأخذتها، فإن تزوجت أخذت منها. م: كما جاز أن تعطي المرأة زوجها مالاً على ألا يتزوج عليها وإن كان ذلك حلالاً لهما، إلا أنهما منعا أنفسهما من الانتفاع بالنكاح لانتفاعهما بما أخذا من المال، فمتى رجعا عن ذلك، رجع عليهما بما أخذاه. [(3) فصل فيمن أوصى بحمل امرأة فأسقطته بعد موت الموصى] قال مالك: ومن أوصى بحمل امرأة فأسقطته بعد موت الموصى، فلا شيء له، إلا أن يستهل صارخاً.

[الباب التاسع عشر] في دعوى الوصى دفع أموال اليتامى والنفقة عليهم

[الباب التاسع عشر] في دعوى الوصى دفع أموال اليتامى والنفقة عليهم. [(1) فصل في دعوى الوصي دفع أموال اليتامى] قال مالك رحمه الله: وإذا قال الوصي: دفعت إلى الإيتام بعد البلوغ والرشد أموالهم فأنكروا [114/ب] لم يصدق إلا ببينة وإلا غرم، وقد قال الله سبحانه وتعالى: (فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا). م: لأنه وإن كان مؤتمناً فقد دفع إلى غير من ائتمنه، فعليه البينة بالدفع. قال ابن المواز قال مالك: إلا أن يطول زمان ذلك، مثل ثلاثين سنة وعشرين سنة يقيمون معه ولا يطلبونه ولا يسألونه عن شيء، ثم يطلبونه الآن، فإنما عليه اليمين: لقد دفع إليهم أموالهم. م: لأن العرف قبض أموالهم إذا رشدوا، فإذا أقاموا زماناً طويلاً لا يطلبونه صاروا مدعين لغير العرف، وهو مدع العرف، فكان القول قوله مع يمينه، كما قالوا في البياعات بغير اكتئاب وثائق إذا مضى من الزمان ما العادة فيه أن لا يتأخر البائعون إليه عن قبض أثمانهم: إن القول قول المشتري مع يمينه. [(2) فصل في الوصي يقول: أنفقت عليهم وهم صغار]. ومن المدونة قال مالك: ولو قال: أنفقت عليهم وهم صغار، فإن كانوا في حجرة يليهم، فالقول قوله ما لم يأت بأمر يستنكر، أو بسرف من النفقة. قال [في كتاب] محمد: إن كانوا في عياله أو عند غيره فكان يرى ينفق

عليهم ويكسوهم، فإنه ينظر فيما زعم أنه أنفق عليهم في تلك المدة، فإن كان سداداً أو زيادة اليسيرة حلف وكان مصدقاً، وإن جاء بسرف لم يحسب له من ذلك إلا السداد، كما لو كان على السرف بينة لم يحسب له من ذلك إلا السداد. وقاله ابن القاسم عن مالك. قال فيه وفي المدونة: وإن كان يليهم غيره مثلهم أمهم وأختهم أو غيرهما، فقال: أنفقت عليهم أو دفعت النفقة إلى من يليهم، وأنكروا، لم يصدق إلا ببينة، وإلا غرم. [(3) فصل في كيفية إنفاق الوصي على الأيتام] ومن العتبية قال أشهب عن مالك: وينفق الوصي على الأيتام على كل إنسان منهم بقدره من مصابته، ليس الصغير كالكبير. محمد: قال ربيعة: وليوسع ولا يضيق، وربما قال: وله أن يشتري لهم بعض ما يلهون به، وذلك مما تطيب به نفسه وتشتهيه. قال مالك: وإن كانت لهم سعة فليوسع عليهم ولا ينظر إلى صغير، فرب صغير أكثر نفقة من كبير. ومن المجموعة قال مالك: وله أن يحجهم قبل أن يبلغوا، وهو خير في أدبهم، وله أن يحجهم بعد حجة الإسلام بعد بلوغهم. قال ابن كنانة: وله أن ينفق على عرس اليتيم ما يصلح من صنيع وطيب

ومصلحة بقدر حاله وحال من تزوج إليه، وبقدر ذلك من كثرة ماله، وكذلك في ختانه، فإن خشي أن يتهم، رفع ذلك إلى الإمام فيأمره بالقصد من نحو ما ذكرنا. قال مالك في العتبية: وإذا زوج يتيمه وأنفق على ابتنائه أو في ختانه النفقة العظيمة، فأما الصنيع المعروف من غير سرف جائز، وأما ما أنفق في الباطل وعلى اللاعبين فلا يلازم اليتيم. قال عنه محمد: ولو أنفق عليهم سرفاً لم يحسب منه إلا السداد ويضمن السرف، وليزك مال يتيمه، ويخرج عنه وعن عبيده زكاة الفطر ويضحي عنه. قال أبو محمد: وهذا إذا أمن آن يتعقب بأمر من اختلاف الناس، أو كان شيئاً يخفى له.

[الباب العشرون]: في الموصى بعتقها إلى أجل تلد أو تجني أو يجنى عليها أو يعجل أحد الورثة عتقها

[الباب العشرون]: في الموصى بعتقها إلى أجل تلد أو تجني أو يجنى عليها أو يعجل أحد الورثة عتقها. [(1) فصل فيما تلده الموصى بعتقها إلى أجل قبل الأجل] قال ابن القاسم: ومن أوصى بعتق أمته بعد موته بسنة، والثلث يحملها فما ولدت بعد موته وقبل مضي [115/أ] السنة فهو بمنزلتها يعتقون بعتقها، وأرش جراحها وقيمتها إن قتلت قبل السنة للورثة وتقوم كالآمة، وما أفادت بعطية أو اكتسبت من الأموال فهو لها مقر بيدها ولا ينتزعونه. وقال غيره أيضاً: يتنزعونه ما لم يقرب الأجل. م: لأنهم حلوا محل ميتهم. وقال سحنون: لا يتنزعونه؛ لأنها به قومت في الثلث. [(2) فصل: في الموصى بعتقها إلى أجل تجني] قال ابن القاسم: وإن جنت خير الورثة، فإما فدوا الخدمة بجميع أرش الجناية أو يسلموا الخدمة للمجني عليه ويقاص بها في الجناية، فإن أوفت قبل السنة رجعت تخدم الورثة بقية السنة، وإن مضت السنة وقد بقى من أرش الجناية شيء عتقت وأتبعت بما بقي في ذمتها. م: وأما من أعتق في صحته أمة إلى أجل، ثم مات فالأصوب من هذه أن يتنزعوا مالها، وهي أبين من الأولى، وله هو إذا مرض ان يتنزعه ولورثته بعد

موته؛ لأنها غير مقومة بمالها؛ لأنها معتقة إلى أجل في الصحة لا يغير ذلك مرضه ولا موته. [(3) فصل: في تعجيل أحد الورثة عتق الموصى بعتقها إلى أجل] ومن المدونة قال مالك: ومن أوصى بعتق أمته بعد موته بخمس سنين، والثلث يحملها وترك وارثا واحداً، فعجل الوارث عتقها قبل الأجل، جاز ذلك وهو وضع خدمة، والعتق من الميت لا من الوارث. قال ابن القاسم: وليس للوارث بعد ما أعتقها أن يردها تخدمه إلى الأجل؛ لان عتقه إياها هبة لها منه خدمتها، وإن كانا وارثين فأعتقها أحدهما قبل الأجل فعتقه هاهنا وضع الخدمة، فيوضع عن الأمة حق هذا من الخدمة، ويكون نصيبه منها حراً، ولا يضمن لصاحبه قيمة خدمته منها، وتخدم هي الآخر نصف خدمتها إلى تمام الأجل، ثم تخرج حرة.

[الباب الواحد والعشرون] فيمن أوصى إلى عبده بثلث ماله أو بثلث نفسيه أو أن يعتق ثلثه أو بدنانير أقل من الثلث أو أكثر من التركة أو من ثمنه

[الباب الواحد والعشرون] فيمن أوصى إلى عبده بثلث ماله أو بثلث نفسيه أو أن يعتق ثلثه أو بدنانير أقل من الثلث أو أكثر من التركة أو من ثمنه. [(1) فصل: فيمن أوصى لعبده بثلث ماله] قال مالك رحمه الله: ومن أوصى لعبده بثلث ماله وقيمته الثلث عتق جمعيه، ويقوم بماله. م: وذلك أن ثلثه معتق، لأنه ملك ثلث نفسه بالوصية وملك ثلث التركة، فيقوم ثلثاه فيما ملك من المال منها. وقال مالك: وإن كان العبد أقل من الثلث أعطى ما فضل من الثلث بعد رقبته، وإن كان أكثر من الثلث أعتق منه محمل الثلث. قال ابن القاسم: وإذا لم يحمله الثلث وكان مع العبد مال استتم منه عتقه ولو لم يعتق فيما في يده من ماله ما عتق فيما بقي من ثلث سيده الذي بعد رقبته. م: وإذا جاز أن يقوم ثلثاه في بقية الثلث جاز أن يقوم فيها في يديه؛

لأن ذلك كله مال له. وقال ابن القاسم في المستخرجة: وإنما يستتم عليه عتق بقية رقبته؛ لأنه حين عتق عليه من نفسه شقص صار بمنزلة من أعتق شركاً له في عبد، فكان يقوم عليه، فالذي يعتق عليه شقص من نفسه أحرى أن يقوم عليه ما بقى من نفسه فيما يملك وهو قول مالك. وعند ابن وهب لا يقوم في ماله، ويرق البقية منه. وعند المغيرة لا يعتق إلا ثلثه فقط؛ لأن ما ملك من ثلث نفسه لا يملك رده فأشبه من ملك بعض من يعتق عليه بميراث أنه لا يقوم عليه البقية؛ لأنه لايقدر على رد ما ورث، فكذلك ما أوصى له به من ثلث نفسه لا يقدر على رده، فلا يقوم بقيته على نفسه. قال عيسى عن ابن القاسم: وإن أوصى بعتق ربع عبده لم يقوم على العبد باقية؛ لأن السيد هو المعتق بخلاف أن لو أوصى لعبده بربع نفسه هذا يعتق ربعه ويقوم باقيه على نفسه. [115/ب]. قال مالك: لأنه لو كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما مصابته لقوم عليه الباقي، فالعبد إذا ملك بعض نفسه أحرى أن يقوم عليه ما بقي منه.

ومن المدونة قال ابن وهب: قال مالك: إذا أوصى لعبده بثلث ماله أو بسدسه جعل ذلك في رقبة العبد، فإن كان قيمة العبد السدس خرج حرا وإن لم يترك إلا العبد وأوصى له بثلث ماله، وفي يد العبد ألف دينار، فلا يعتق من العبد إلا الثلث ويكون المال بيده على هيئته. وقال بعض كبار أصحاب مالك. قال سحنون: وهو أصح؛ لأنه من أعتق بعضه لا يحكم في ماله بغير إذن من له فيف الرق. [(2): فصل: [فيمن أوصى لعبده بمال] قال مالك: وإن أوصى لعبد نفسه بمال، كان العبد إن حمله الثلث، وليس للورثة انتزاعه، فإن باعه الورثة، فليبعوه بماله، ولمن اشتراه انتزاعه. م: والفرق بين الوارث والمشتري أن الوارث إذا انتزعه عادت الوصية ميراثاً، فصار لم ينفذ وصية الميت، وإذا باعه الورثة بماله فقد أعطى العبد ما أوصى له به ونفذت الوصية فلا يراعي بعد، انتزعته المشتري أو لم يتنزعه. وقال سحنون في المستخرجة: وإنما يعطي العبد ما أوصى له به من الدنانير إذا كانت أقل من الثلث، فأما إن كانت أكثر من الثلث فليعتق فيها، ويصير كالموصى له بالثلث أو بجزء من ماله، وهو معنى قول ابن القاسم عندي، وهي مسألة جيدة.

وقال أصبغ كقول سحنون. وقاله ابن المواز. وقاله ابن حبيب عن أصبغ قال: وهذا استحسان. م: وهذا كله إذا لم يجز الورثة فيقطع له بجميع ثلث الميت ويصير كمن أوصى له بجميع الثلث، وأما لو أجاز له الورثة ما أوصى له به من المال وكان ما بقى من التركة غير العبد يحمل ذلك المال لجاز، وبقي رقيقاً، والمال بيده؛ لأن من حجة الورثة أن يجيزوا له الوصية ثم يبيعوه بماله فيزيد ذلك في ثمنه، ثم يرثوا ذلك خير لهم من أن يمضي عليهم خروج الثلث أجمع، وروى أبن حبيب عن أصبغ كقول سحنون. قال: وهذا استحسان، والقياس أن يعطي من نفسه ثلثها ومن كل شيء ثلثه إذا عالت الوصية على الثلث ولم يجز الورثة. ومن كتاب ابن المواز: ومن أوصى لعبده بخمسة وعشرين ديناراً، فكانت تخرج من الثلث، فإن وجدت الخمسة والعشرون حاضرة ولم يحتج منها إلى شيء من ثمن العبد، لم يكن في ذلك عتق، وإن لم توجد إلا أربعة وعشرون والثلث خمسة وعشرون فلا يتم الثلث إلا من العبد، رجع ذلك كله عتقاً، فيعتق من العبد جميع ثلث الميت، وكذلك إن أوصى لعبده بدرهم أو بدينار واحد ولم يقل من ثمنه وليس له غير العبد، فليعتق منه قدر ذلك من ثمنه، فإن كان ذلك عشر ثمنه أو نصف عشر ثمنه عتق منه عشرة أو نصف عشرة،

وكذلك إن أوصى له بدنانير أو دراهم كثيرة، فإن كان للميت سوى العبد قيمة عدد ما أوصى به وذلك يخرج من الثلث، فلا عتق للعبد ويأخذ وصيته، وإن لم يكن فيما سوى العبد ما يحمل وصيته إلا أن وصيته تخرج من الثلث؛ لأن العبد أكثر من الثلين بمقدار ما؟ وإن قل فهذا ترجع الوصية في رقبته فيعتق بها. محمد: لأنه على نفسه عتق حين ملك بعض نفسه، فإن فضل له من الثلث شئ عن رقبته أخذه، وإن بخس ثلثه عن عتق جميعه، عتق مبلغ الثلث من جميع التركة أو مبلغ وصيته أقلهما، فإن قال الورثة: نحن نعطي العبد ما أوصي له به من عدد الدراهم أو الدنانير ولا يعتق شيء منه فليس ذلك لهم؛ إذ لا نفع لهم في ذلك، وكما لو قالوا: نبيعه ونعطيه من ثمنه؛ لأن الوصية صارت فيه، فهم مضارون يأبون [116/أ] أن يعتقوا بالوصية ويصير لهم الولاء، فقد طلبوا ما يضر بهم وبالعبد. وقال في المجموعة: فيمن أوصى لعبده بخمسين ديناراً وليس له غيره وثلثه لا يفي بالخمسين، فطلب الورثة بيعه ويعطونه ثلث ثمنه، وقال هو: بل يعتق ثلثي، قال: يعتق ثلثه إلا أن يعطيه الورثة الخمسين. م: وهذا ينحو إلى ما قال أبن حبيب عن أصبغ أنه القياس، أن الورثة يخيرون في أن يعطوه الخمسين أو يعتقوا ثلثه.

وقال أشهب: إذا أوصى لعبده بمال أو بشئ بعينه فيه قدر ثلثه فأقل، فليس له غيره ولا عتق له، وإن جاوز الثلث أخذ منه قدر الثلث ولا عتق له؛ إذ لم يوص له في نفسه بشئ. قال: وإن أوصى له بسكني داره حياته، أو غلة حائطه، وذلك يخرج من الثلث، فذلك له ولا عتق له، وإن لم يخرج من الثلث خير الورثة بين إنفاذ ذلك أو يقطعوا له بالثلث فيعتق فيه حينئذ ويأخذ فضلاً إن كان، ويصير كما لو أوصى له بالثلث. م: وهذا الذي ذكر أشهب فيما أوصى له بشئ بعينه أكثر من الثلث أنه يقطع له فيه بقدر الثلث، هو على أحد قولي مالك في المدونة فيما إذا أوصى لرجل بشئ بعينه، فقال فيه: علي ثلثه. قال أشهب: وكان لمالك في مقاسمة الورثة سائر المال قولان: أحدهما: يكون له ثلث نفسه وثلث باقي التركة، فيعتق فيه باقية بعد عتق ثلث نفسه، ويأخذ الورثة ثلثي قيمته عيناً. والقول الآخر: أن يعتق كله من الثلث، فإن كان هو نصف الثلث شارك الورثة بخمس ما بقي، وهذا أحب إلينا. قال: وكذلك هذان القولان فيمن أوصى لعبده بثلث ماله أنه يعتق ثلث العبد، ويستتم عليه باقيه فيما ملك من بقية الثلث، وفي مال إن كان للعبد قبل ذلك، وكذلك قال ابن القاسم.

قال أشهب: والقول الآخر أن يعتق كله في الثلث في بقية ما أوصى له به، وما زاد كان به شريكا ً للورثة كما ذكرنا، وإن نقص لم يستتم في مال كان له قبل ذلك؛ لأن الورثة شركاؤه في ذلك المال، وإنما له فيه الكسوة والنفقة بالمعروف، ولا يأخذ هو منه شيئاً لنفسه دونهم، وقاله مالك، وذكره عنه ابن وهب، واختاره ابن المواز. [(3) فصل: [فيمن أوصى لعبده بدنانير أقل من ثمنه] ومن الجموعة وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم عن مالك: فيمن أوصى لأمته بعشرة دنانير من ثمنها، فلا يكون ذلك عتقاً. قال ابن كنانة في المجموعة: فيمن أوصى أن يباع عبده فيعطى من ثمنه لأخت له من أبويه عشرة دنانير، وباقي الثمن للعبد، فلينفذوا ذلك إن حمله الثلث، وإن أوصى أن يباع منه بعشرة للأخت ويكون للعبد بقية نفسه فليبع منه بما ذكر للأخت، ويعتق باقيه إن حمله الثلث، ولو كان للعبد ما يؤدي منه العشرة، أخذت منه وعتق ويقوم في ذلك بماله، وذلك نفع للورثة في مزيد الولاء، ولم يضر بأحد، فلا يمنع من ذلك. قال علي عن مالك: فيمن أوصى في أمة له أن يعطي ثمنها لابن لها حر، فليس بعتق وليتبع ويدفع إليه الثمن إن حملها الثلث، ولعله أراد نفعه بالثمن لئلا تعتق عليه.

قال ابن القاسم وأشهب: فيمن أوصى أن يباع عبده بثلاثين ديناراً فيعطي منها فلان عشرة، قالا: فإن بيع بثلاثين فأكثر فليس له إلا عشرة. قال ابن القاسم: وإن بيع بأقل من ثلاثين وبأكثر من عشرين، فإنما له ما زاد علي عشرين، وإن بيع بعشرين فأقل لم يكن له شيء وكذلك روى عنه عيسى في العتبية، وقال عن محمد بن خالد: إن له ثلث ما بيع به [116/ ب] إن بيع بأقل من ثلاثين. وقال أشهب: له عشرة يبدأ بها، وإن بيع إلا بها فأقل فله جميع الثمن. [(4) فصل: [فيمن أوصى بعتق ثلث عبده] ومن المجموعة وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا أوصى بعتق ثلث عبده وأوصى له بباقي ثلثه أو بمال مسمي، فلا يعتق منه إلا ثلث رقبته، ويكون ما أوصى له بيده وكذلك لو أوصى لعبده بثلث نفسه وبثلث ما بقي من ماله سوى العبد، فإنما يعتق ثلثه ولا يستتم باقية فيما بقى ولكن يأخذه، ولو لم يقل سوى العبد، ولكن قال: وله ثلث ما بقي لدخلت بقية رقبته في ذلك حتى يعتق كله أو ما حمل منه ثم يقوم ما بقي منه على العبد إن كان له مال في قول ابن القاسم.

قال ابن المواز: ورواية ابن وهب أحب إلي. م: جعله إذا قال سوى العبد كالموصى له بمال مع ثلث رقبته، فإنه لا يقوم في ذلك المال، وإن لم يقل سوى العبد، فإنه يقوم في بقية الثلث وفي مال نفسه، وكان يجب أن لا يقوم في مال نفسه كما قال إذا أوصى له بثلث نفسه وبمال أنه لا تدخل رقبته في ذلك المال. [(5) فصل: [فيمن أوصى لعبده بثلث ماله وترك ديناً شهد فيه شاهد واحد] قال أشهب: إذا أوصي لعبده بثلث ماله وترك ديناً شهد فيه شاهد واحد فأن العبد يحلف مع الشاهد ويستحق، ولو أوصى أن عبدي حر لم يحلف العبد. قال في كتاب محمد: لأنه كتسمية دنانير قدر رقبته فلا يحلف كما يحلف الموصى له بالثلث، وكذلك كل من أوصى له بدنانير، وقال ابن وهب وابن دينار. [(6) فصل: [فيمن أوصى لعبده بثلث نفسه] ومن المجموعة: قال عبد الملك: وإذا قال: ثلث عبدي له، وله مئة دينار، فليس له أن يأخذ المئة في نفسه عتقاً؛ لأنه مال أوصى له به فيأخذه ويعتق ثلثه ويبقي ثلثاه رقيقاً، ويعال له بالمال أهل الوصايا، وأما إن قال: ثلثي لعبدي فهذا يعتق جميعه في ثلثه أو ما حمل منه الثلث، وما فضل فله، والعبد في هذا مبدأ على أهل الوصايا، وما فضل عنه لا يبدأ

فيه ويحاص به. وقاله كله مالك. وأنا أقوله. قال. وقال المغيرة وابن دينار وعبد العزيز: أنه يعتق ثلثه ويحاص بما فضل أهل الوصايا - قال الشيخ أبو محمد يريد: فما وقع له كان بيده- قالوا: ولو لم تكن وصايا، كان له ثلث ما بقى من التركة؛ لأنه ليس لأحد أن يأخذ من الورثة شيئاً بقيمته كرهاً إلا الميت وحده، وليس للعبد أن يأخذ من الورثة بقية نفسه بالقيمة للعتق وإنما له وصيته. قال ابن القاسم: فيمن أوصى لعبده بثلث ماله ولأجنبي بثلث ماله أنهما يتحاصان فما صار للعبد عتق فيه، وما صار للأجنبي أخذه ولم أبد العبد؛ لأنه عتق على نفسه. م: فصار إذا أوصى لعبده بثلثه ثلاثاً أقوال: قول: أنه يعتق جميعه مبدأ ويحاص بما فضل، وقول: أنه يعتق ثلثه ويحاص بما فضل، ولا فرق في الحقيقة بين أن يوصي له بثلثه أو بثلث نفسه ومئة دينار؛ لأن المعني في

الوجهين يؤول إلى معنى واحد، فإذا وجب أن يعتق في بقية الثلث وجب أن يعتق في المئة، وما وجب أن يعتق فيه وجب أن يكون مبدأ على الوصايا، وبدأه عبد الملك في بقية الثلث؛ لأنه يعتق فيه ولم يبدئه في المئة؛ إذ لا يعتق فيها، ولم يبدئه ابن القاسم؛ لأنه على نفسه عتق، وبدأه المغيرة في ثلث نفسه، ولم يبدئه بما فضل؛ إذ لا يعتق عليه فيه؛ لأنه غير قادر على رد عتق ثلث نفسه فأشبه من ورث بعض من يعتق [117/أ] عليه؛ لأنه لا يعتق عليه بقيته؛ إذ لا يقدر علي رد ما ورث، وقد تقدم هذا. ومن العتبية قال عيسى قلت لابن القاسم: فلو أوصى لعبده بثلث ماله وأوصى بعتق عبد آخر من المبدأ منهما في الثلث؟ قال: المعتق مبدأ؛ لأنه يعتق على الميت، والموصى له بالثلث إنما يعتق على نفسه. قلت: فلو أوصى لهذا العبد بثلث ماله، وأوصى لقوم بوصايا؟ فقال: العبد الموصي له بالثلث مبدأ على جميع أهل الوصايا إلا العتق. م: هذا خلاف لما قدمنا أنهما يتحاصان. قال سحنون: ولو أوصى لعبده بثلث ماله، وللعبد ولد بدئ بعتق الأب في الثلث، فإن بقي من الثلث شيء دخل فيه الابن فيعتق إن حمله الثلث أو ما حمل منه يبدأ عليه؟ فقال: الذي تبين لي أن لا يعتق عليه من ولده إلا ما

صار له منهم في الوصية ويأخذ ما بقي مالاً. م: وهذا على قوله إذا أوصى لعبده بثلث ماله أنه إنما يعتق منه ثلثه ولا يقوم على نفسه، وأول قوله: على نفسه على قوله: يستتم هو في بقية الثلث. قال الشيخ أبو محمد يريد: ويعتق على الأب لا بالوصية. قال معن بن عيسى عن مالك: ومن أوصى بثلث ماله لجاريته فولدت قبل موته، فإن ولدها هؤلاء لا يعتقون معها في الثلث إن حملهم، وأما ما ولدت بعد موته فيعتقون معها في الثلث إن حملهم الثلث، وإلا فبالحصاص فيها وفيهم، وإن حملهم الثلث وبقيت بقية كانت لأمهم دونهم. وقال ابن أبي حازم: مل ولد لها قبل موته وبعد الوصية- م: يريد: أو قبل الوصية - من ولد وما كان للميت ممن يعتق عليها، فإنها تبدأ هي عليهم حتى تخرج حرة في الثلث، فما بقي عتق فيه هؤلاء عليها، وإن لم

يسعها الثلث فلا عتق فيه لأحد من قرابتها. ومن العتبية قال أبو زيد عن ابن القاسم: وإن أوصى بثلث ماله لابن عبده، والابن حر، فإن كان كبيراً وقبل الوصية عتق عليه أبوه، وإن لم يقبل الوصية عتق عليه ثلث الأب، وإن كان صغيراً عتق ثلثه فقط وإن كان الثلث يجاوز رقبة الأب، وكذلك في المجموعة عن ابن القاسم وأشهب، وروى علي عن مالك: في التي أوصت لابن ابنتها وهو حرصغير بنصف ثلثها، أنه يعتق من الأمة نصف ثلث الأم، ويكون له نصف ثلث سائر التركة. قال علي وأشهب عن مالك: فيمن أوصى لرجل بثلث ماله وفي التركة أخ للموصى له، فإن أراد الموصى له أن يأخذ الوصية ويسكت عن أخيه لئلا يعتق عليه؟ قال: إن قبل الوصية عتق عليه كله، وأدى للورثة ثلثي قيمته، وقال أشهب. قال الشيخ أبو محمد: يريد أشهب وله أن يقبل الوصية إلا ثلث أخيه فلا يقبله ولا يلزمه عتق باقيه، ولكن يعتق ثلثه. [(7) فصل: فيمن أوصى بثلث ماله لعبده ولأولاده الأحرار من امرأة حرة] ومن المدونة قال ربيعة: في عبد له امرأة حرة وولد منها أحراراً فأوصى سيد العبد لجميعهم بثلث ماله، فليعتق العبد في ذلك؛ لأن ولده ملكوا منه

بعضه وملك هو من نفسه البعض. قال سحنون في كتاب العتق لابنه: وعلى مذهب ابن القاسم تطلق عليه امرأته؛ لأنها ملكت بعضه. قال أبو محمد: يريد فسخاً بغير طلاق، وهذا إن قبلت. قال سحنون: فإن كان ولده أربعة، فالثلث بينهم أسداس للعبد ثلث السدس من نفسه ولبنيه أربعة أسداس ثلثه، ويعتق نصيبهم ونصيبه منه، ويبقي للأم وهي الزوجة سدس ثلثه، وينظر إلى ما يقع له ولبنيه من بقية ثلث الميت فيعتق ما بقى من العبد في سهمه من باقي الثلث وسهام بنيه إن حمل ذلك ما بقي من رقبته، وإلا بما حمل منه، يكون سهم المرأة من ذلك المال لها، فإن بقي للعبد ولبنيه بقية من الثلث كانت بينهم على خمسة أجزاء، ثم يعتق سدس [117/ب] المرأة فيما صار للعبد من ذلك المال، فإن لم يحمله عتق منه ما حمل منه ويقوم باقيه على بنيه فيما لهم من ذلك المال ومن غيره إن قبلوا الوصية. وإن لم يترك إلا العبد وحده عتق خمسة أسداس ثلث العبد على نفسه وعلى بنيه ويبقي سدس المرأة لها، ثم يقوم ذلك السدس على ولده إن كان لهم مال إذا قبلوا الوصية.

قال ابن سحنون: ويقوم عليهم ثلثا العبد الباقي للورثة مع سدس المرأة إذا كان لهم مال. قال سحنون: ولا يقوم على العبد باقيه في مال إن كان له غير الوصية. قال أبو محمد: يريد سحنون على رواية ابن وهب عن مالك. قال سحنون: لأنه لما ملك بعض نفسه كان كعبد شركه في نفسه غيره، فلا يحكم في ماله بغير إذن شريكه. قال بعض الفقهاء القرويين: في بعض كلام سحنون نظر؛ لأنه جعل ثلثي الورثة من العبد يقوم على العبد وعلى بنيه ولم يبتدئ بالتقويم على العبد، فإن عجز قوم على ولده، وقال في سدس الزوجة يبتدأ بتقويمه على العبد، فإن عجز قوم على بنيه فيما ورثوا عنه في غيره، ولا فرق في التحقيق من ثلثي الورثة وسدس الزوجة، وينبغي لو لم يقبل الولد الوصية على مذهب ابن القاسم أن يكون ما وقع لهم من رقبة أبيهم عتيقاً عليهم كمن أوصى له بجزء ممن يعتق عليه ولا يقوم عليه باقيه، وعلى قول غيره لا يعتق عليه منه شيء.

[الباب الثاني والعشرون]: في الوصية بالخدمة والسكنى والغلة، وفي بيع المخدم ومرجعه ونفقته

[الباب الثاني والعشرون]: في الوصية بالخدمة والسكنى والغلة، وفي بيع المخدم ومرجعه ونفقته. [(1) فصل: في الوصية بالخدمة والسكنى والغلة] قال مالك: ومن أوصى لرجل بخدمة عبده أو غلته أو سكنى داره أو غلة حائطه سنة أو عمرى، جعل في الثلث قيمة الرقاب، فإن حملها الثلث نفذت الوصايا. م: وإنما جعل في الثلث قيمة الرقاب؛ لأن الميت أخرج الرقبة عن الورثة أمد الخدمة وأمد السكنى مع إمكان أن لا يرجع ذلك إلى الورثة؛ إذ قد يموت العبد أو تنهدم الدار، ولهذا جعل قيمة الرقبة في الثلث. قال مالك: وإن لم يجعل ذلك الثلث، خير الورثة في إجازة ذلك أو القطع للموصى له بثلث الميت من كل شيء تركه بتلاً. م: لأنه حبس على الورثة أكثر من ثلثه وجعل لهم بما زاد عليهم عوضاً من ذلك مرجع الرقبة، ولم يوص بالرقبة فيخرج منها محمل الثلث، ولا كانت الرقبة في وصيته بالخدمة تخرج من الثلث فتنفذ وصيته على ما أوصى به، فلما كانت أكثر من الثلث لم يكن على الورثة إنفاذ ذلك، ولا لهم أن يحبسوا من ثلث الميت شيئاً، فيكونون لم ينفذوا وصيته، ولا أن يقولوا نقطع له من الرقبة ما حمل الثلث يخدمه ثم يرجع إلينا فيكون الميت لم يتم له وصية، ولا أنفذ له ثلثه فلما كان الأمر كذلك لم يكن بد من تخبير الورثة في إجازة وصية الميت على وجهها أو يبرأوا له من جميع ثلثه في كل شيء ولا يجعلوا للموصى له في شيء

واحد، فإذا لا يكون الثلث، ولكن من كل شيء يكون به شريكا للورثة، وهذا قول مالك وأصحابه رضي الله عنهم. لا أختلاف بينهم في هذا الباب. قال محمد: وهو الصواب؛ لقوله الله عز وجل: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا) فلا يكون ميراثاً إلا من بعد إنفاذ الوصية والدين، وإن عال على الثلث فاردده بالسنة إلى الثلث. قال: وكذلك لو قال: عبدي لفلان بعد سنة أو قال: يخدم فلاناً سنة ثم هو لفلان. قال ابن القاسم في الوثايا الثاني: وأصل قول مالك في هذا أن كل من أوصى بوصية عال فيها على ثلثه، أو أوصى بأكثر من ثلث ماله العين الحاضر، وأبي الورثة أن يجيزوا، فإنهم يخرجون لأهل الوصايا من ثلث ما ترك الميت من عين أو دين أو عرض أو عقار أو غيره، إلا في خصلة واحدة [118/أ]، فإن مالكاً اختلف قوله فيها: فقال مرة: إذا أوصى له بعبد بعينه أو دابة بعينها وضاق الثلث، فإن لم يجز الورثة قطعوا له بثلث مال الميت من كل شيء. وقال مرة ثانية: يقطعون له بمبلغ ثلث جميع التركة في ذلك الشيء بعينه؛ لأن وصيته وقعت فيه، وهذا أحب إلي. قال محمد: هو الذي ثبت عليه قول مالك: وهو الصواب، وبه نأخذ؛

لأنا نقدر على استيعاب الثلث فيه بعينه بلا منفعة تبقى للورثة في شيء من الثلث أخر الدهر. ومن الأول قال مالك: والوصية في العبد بالخدمة وبالغلة سواء. [(2) فصل: في بيع العبد المخدم] قال مالك: ومن أوصى لرجل بخدمة عبده سنة، لم يجز للورثة بيعه على أن يقبضه المشتري إلى سنة. [(3) فصل: في مرجع العبد الذي أخدمه سيده مده ثم جعله هبة لآخرٍ] قال مالك: ومن أخدم عبده لرجل سنين، ثم هو بعد ذلك هبة لرجل آخر فقبضه المخدم ثم مات السيد في الأجل كان قبض المخدم في العبد قبضاً لنفسه وللموهوب له، وسواء كانت الهبة والخدمة معاً والخدمة معاً أو وهبه بعد الخدمة وقبضه المخدم وفي صحة السيد، فالعبد بعد الأجل للموهوب له. ومن قال في مرضه: يخدم عبدي فلاناً سنة، ثم هو حر، فلم يقبل فلان الخدمة، خدم العبد ورثة السيد سنة ثم يعتق، ولو وهبها للعبد أو باعها منه كان ذلك قبولاً للخدمة، ويعتق العبد مكانه، وإن كان الموصى له غائباً ببلد ناء أجره له السلطان، وأعتق للأجل، إلا أن يكون أريد به ناحية الحضانة والكفالة فينتظر به أو يكتب إليه أو يخرج العبد إليه،

فإن انقضت السنة من يوم مات الموصى فهو حر خدم فيها أو لا؛ لأن مالكا قال: فيمن قال لعبده اخدمني سنة وأنت حر فأبق العبد أو مرض حتى مضت السنة فإنه حر، وإنما رأيت أن يعتق إذا تمت السنة من يوم مات السيد؛ لان مالكاً قال: فيمن قال في وصيته وهو صحيح: عبدي حر بعد خمس سنين. أن الخمس سنين إنما تحسب من يوم موته، لا من يوم وصيته. قال ابن القاسم: وهذه وصية له أن يردها. [(4) فصل: [في نفقة العبد الذي أخدمه سيده مدة ثم يكون بعدها هبة لآخرٍ] قلت: فنفقة العبد على المخدم أم على الموصى له برقبته؟ قال: قال مالك: نفقته على الذي أخدم. محمد: وكذلك قال ابن القاسم وأشهب: إن نفقة الموصى بخدمته لرجل وبرقبته بعد الخدمة لآخر على من له خدمته، وكذلك من أوصى لرجل بما تلد جاريته في حياته، وبرقبتها لآخر، فإن نفقتها على الموصى له بما تلد حياته، فإذا مات فرقبتها للآخر. م: واختلف في زكاة الفطر عن العبد المخدم، فقيل على الذي له الخدمة اعتباراَ بالنفقة، وقيل: على من له مرجع الرقبة، وهو مذهب المدونة.

[الباب الثالث والعشرون]: في ولد المخدمة والموصى بعثقها وولد المدبرة والمدبر ومن فيها عقد

[الباب الثالث والعشرون]: في ولد المخدمة والموصى بعثقها وولد المدبرة والمدبر ومن فيها عقد. [(1) فصل: في الخدمة تلد حال الخدمة هل يخدم ولدها معها] قلت: فمن أوصى أن تخدم أمته رجلا حياته ثم رقبتها بعد الخدمة لفلان فولدت بعد موت الموصى في حال خدمتها، هل يخدم ولدها معها؟ قال: نعم؛ لأن مالكاً قال: من أخدم أمته أو عبده رجلاً حياته أو أجلاً فولدت الأمة أو ولد العبد من أمته: إن ولديهما يخدمان معهما إلى انقضاء الخدمة. قال محمد: والنفقة على المخدم. [(2) فصل: فيما ولدت الموصى بعتقها قبل موت السيد] قال ابن القاسم: وما ولدت الموصى بعتقها قبل موت السيد، فهم رقيق. م: لأنه قد زايلها قبل وجوب شيء فيها؛ إذ له الرجوع عن الوصية. قال: وما ولدت بعد موته فهم بمنزلتها، فيعتق أولادها معها في الثلث أو ما حمل منهم بغير قرعة. قال محمد: وما ولدت [118/ب] الموصى بعتقها قبل موت السيد ولو بساعة، فهم رقيق؛ لأن له أن يرجع في وصيته وتعتق هي في قيمة نفسها وقيمة ولدها مع سائر التركة، وما ولدت بعد موته فيعتق معها الحصص كولد المدبرة، ولو ماتت الأم قبل أن يقام في الثلث، فإن ولدها يعتقون في

الثلث، وكذلك لو أوصى وهي حامل أنها حرة، وأن ولدها مملوك فوضعته بعد موته فليعتق معها، ولا يجوز استثناؤه. [(3) فصل: فيما ولدت المدبرة بعد التدبير؛ وفي المدبر يولد له بعد التدبير] ومن المدونة: وما ولدت المدبرة بعد التدبير مما حملت به قبل التدبير أو بعده، فهو بمنزلتها يكون مدبراً معها، ولدته قبل موت السيد أو بعده، فيعتق معها بالحصص. [محمد]: وولد المدبر من أمته مما حملت به بعد التدبير بمنزلته، ولدته قبل موت السيد أو بعده، وإن كانت حاملاً يوم التدبير، فهو رقيق للسيد. ومن المجموعة قال مالك: ومن أوصى أن تباع أمته ممن أحبت وكانت حاملاً، فتأخر ذلك حتى ولدت، فولدها معها في الوصية. قال ابن القاسم: وإن أوصى أن يحج عنه بثمن جاريته فولدت بعد الموت: إن ولدها داخل في الوصية. [(4) فصل: فيمن أوصى بأمر فزاد الموصى به فما حكم الزيادة] قال مالك: وإن أوصى لنصرانية أنها حرة إن أسلمت فغفل عنها بعد موته حتى ولدت، ثم عرض عليها الإسلام فأسلمت، فإن ولدها يعتق معها؛ كما لو قال: إن أدت عشرة دنانير، أو إن رضي أبي فهي حرة، فغفل عن ذلك

حتى ولدت ثم أدت العشرة أو رضي الأب في التي اشترط رضاه، فإن ولدها معها، ولا يعجل بيعها إن أبت أن تبذل العشرة حتى يردد عليها فتأبى، ولها أن ترجع ما لم ينفذ فيها حكم بيع أو قسم. قال سحنون: فيمن أوصى لرجل بعشر شياه من غنمه فمات وهي ثلاثون فولدت بعده فتمت خمسين: إن له خمسها. واختلفت فيها قول أشهب فقال هذا مرة، وقال مرة أخرى: له من الأولاد بقدر ماله من الأمهات إن كانت الأمهات عشرين، أخذ عشرة من الأمهات ونصف الأولاد إن حملها الثلث أو ما حمل منها أو ما يصيبها من الأولاد. [(1) فرع: فيمن وهب حمل أمته أو أوصى به لرجل أو تصدق به عليه ثم أعتقها هو أو وارثه] ومن المدونة: ومن وهب حمل أمته أو أوصى به لرجل أو تصدق به عليه، ثم أعتقها هو أو وارثه عتقت عليه بما في بطنها وبطلت الوصية والعطية؛ ألا ترى أنه لو وهب ما في بطنها لرجل ثم فلس بيعت عليه، وكان ما في بطنها لمن اشتراها. وقد تقدم في كتاب العتق كثير من هذا.

[الباب الرابع والعشرين]: في وصية الأحمق والسفيه والمصاب والمحجور عليه والصغير

[الباب الرابع والعشرين]: في وصية الأحمق والسفيه والمصاب والمحجور عليه والصغير. [(1) فصل: في وصية الأحمق والسفيه والمصاب والمحجور عليه] قال ابن وهب قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا أن الأحمق والسفيه والمصاب الذي يفيق أحياناً تجوز وصاياهم إذا كان معهم من عقولهم ما يعرفونبه الوصية، وأما من كان مغلوباً على عقله فلا وصية له. قال ابن القاسم: وتجوز وصية المحجور عليه. م: وإذا ادان المولى عليه ثم مات، لم يلزمه ذلد إلا أن يوصى به وقد بلغ حال الوصية، فيجوز في ثلثه. ولابن كنانة: وإن سمى أن يقضى ذلك الدين من رأس ماله ولم يجعله في ثلثه لم يجز ذلك على ورثته. [(2) فصل: في وصية الصغير] قال مالك: وتجوز وصية صبي ابن عشر سنين. قال ابن القاسم: وابن أقل من عشر سنين بالشئ الخفيف تجوز وصيته إذا أصاب وجه الوصية إلا أن يكون في وصيته اختلاط، وقد أوصى غلام يافع ابن عشر سنين أو أثني عشر سنة ببئر جشم قيمتها ثلاثون ألفاً فأجازها عمر، وروى ابن وهب أن أبان ابن عثمان أجاز وصية جارية بنت ثمان

سنين أو تسع. قال محمد: تجوز وصية الصغير ابن تسع سنين أو شبهه، ولم يختلف فيها قول ماكل ولا أحد من أصحابه [119/أ]، وهي السنة من عمر بن الخطاب رضي الله عنه أجازه وأمر به. وقال أشهب: في صبي أوصى إلى غير وصيه أن يفرق ثلثه، فلم يجز ذلك وصيه، أن ذلك للوصي أن لا يلى غيره تفرقة ثلثه.

[الباب الخامس والعشرون]: في الوصية للوارث أو لعبده أو لعبد نفسه أو للقاتل أو للصديق، ومن أوصى لوارث فصار غير وارث أو لأجنبي فصار وارثا، وفي موت الموصى له بعد موت الموصى أو قبل

[الباب الخامس والعشرون]: في الوصية للوارث أو لعبده أو لعبد نفسه أو للقاتل أو للصديق، ومن أوصى لوارث فصار غير وارث أو لأجنبي فصار وارثاُ، وفي موت الموصى له بعد موت الموصى أو قبل. [(1) فصل: في الوصية لوارث أو لعبد الوارث أو لعبد نفسه] [المسألة الأولى: في الوصية لوارث] قال الرسول: ((لاََ وَصيِةَ لِوَارث))، ومنع القاتل عمداً من الميراث فكان الموصى له إذا قتل الموصي عمداً أبعد من الميراث. قال مالك: ومن أوصى لوارث بخدمة عبده سنة، ثم هو حر والثلث يحمله، دخل بقية الورثة في هذه الخدمة على المواريث إن لم يجيزوا له الخدمة، فإذا مضت سنة فهو حر، ومن أوصى أن يشتري عبد ابنه فيعتق لم يزد على قيمته بخلاف الأجنبي، ولا تجوز وصية رجلٍ لعبد وارثه إلا بالتافه كالثوب ونحوه مما يريد به ناحية العبد لا نفع سيده، كعبد كان قد نخدمه ونحوه. وقاله أشهب في المجموعة. [المسألة الثانية: في الوصية لعبد وارثه] قال: وإن أوصى لعبد وارثه بالشئ الكثير، وعلى العبد دين يستغرقه أو يبقي منه ما لا يتهم فيه، فذلك جائز. م: قال بعض القرويين: وفي ذلك نظر؛ لأن زوال الدين عنه يزيد في قيمته فيكون الوارث قد اتنفع، إلا أن يكون بقاء الدين عليه، وهو مأذون له متصرف لا ينقص من ثمنه كثيراً، وزواله عنه لا يزيد في ثمنه كثيراً، فيصح

الجواب، ويصير كأنه أوصى له بشئ يسير، مثل الثوب وشبهه. قال أشهب: ولا تجوز الوصية لمكاتب وارثه إلا بالشئ اليسير التافه، وأما بالكثير، فإن كان المكاتب ملياً يقدر أن يؤدي، فذلك جائز، وإن لم يكن بالواجد لم يجز. [المسألة الثالثة: إذا أوصى لعبد زارثه ولا وارث له غيره] ومن المدونة: وإن أوصى لعبد ابنه ولا وارث له غيره جاز، قل ذلك أو كثر إذا حمله الثلث، ولا ينزع ذلك منه الابن فيصير لم ينفذ وصية أبيه. قال أشهب في المجموعة: وإن أوصى مع ذلك لأجنبي تحاص مع العبد في الثلث إن ضاق الثلث، فما وقع للعبد كان له، وأما إن كان مع الابن ورثة، فينظر ما صار للعبد بحصاصه، فإن كان تافهاً فهو له، وإن كثر عاد ميراثاً إن لم يجزه الورثة، وليس وصيته لعبد وارثه لا يرثه غيره كوصيته لعبده؛ لأن ذلك للعبد حتى ينتزعه منه، فلذلك يحاصا، فأما إذا كثر صار كوصية لوارث، وأما وصية الرجل لمن يملك من عبد أو مدبر أو مكاتب أو أم ولد أو من يملك بعضه أو معتق له إلى أجل، فذلك جائز ويحاص الأجنبي. [المسألة الرابعة: إذا أوصى لعبد نفسه، وكيف إن أوصى لعبد أجنبي أو مكاتب نفسه] ومن المدونة: وإن أوصى لعبد نفسه بمال، كان للعبد إن حمله الثلث، وليس للوارث انتزاعه.

قال أشهب: إذا أنفذوا الوصية وتمتع بها العبد كما يتمتع أهل الأموال بأموالهم، جاز أن يتنزعوه إذا اجتمعوا على ذلك. قال ابن القاسم: ويباع بماله، ولمن اشتراه انتزاعه، وإن أوصى لعبد أجنبي بمال فلسيده انتزاعه، وإن أوصى لمكاتب نفسه بمال جاز ذلك. [(2) فصل: [في الموصى له إذا قتل الموصى خطأ] قال ابن القاسم: والموصى له إذا قتل الموصى خطأ جازت الوصية له في المال دون الدية. م: لأن الدية عنه [119/ب] أديت وهو يؤدي فيها، فلو أخذ منها صار كأنه لم يؤد شيئا أو أدى أقل مما يلزمه، وسواء مات بالفور أو حيي، وعرف ما هو فيه، بخلاف ما لو أوصى لغير القاتل بعد أن حيي وعرف ما هو فيه إن الوصايا تدخل في المال والدية؛ لأن الموصى له ليست الدية عليه كما هي على القاتل، وساوى بعض أصحابنا بينهما، وهو خطأ. قال ابن القاسم: وإن قتله عمداً، فلا وصية له في مال ولا دية؛ كما قتل وارثه، إن قتله خطأ فإنه يرث من المال دون الدية، وإن قتله عمداً لم يرث من مال ولا دية إن مات مكانه. وإن جنى ولم يغير وصيته، فقد اختلف في ذلك: فقيل: إن وصيته تكون في المال؛ لأن سكوته عنها كالمجيز لها، فوجب أن تجوز في ماله. وقيل: قد

بطلت حتى يبتدئ إجازتها بلفظ آخر غير ما تقدم؛ كما قال في المدبر إذا قتل سيده فلم يمت في الحال بل بقي حياً حتى مات بعد ذلك أن تدبيره يبطل حتى يجدد غيره. ومن المدونة: وإن أوصى له بعد أن ضربه وعلم أنه جنى عليه- قال ابن المواز: أو لم يعلم أن الجاني عليه؛ لأن الضارب هاهنا لايتهم أنه أراد استعجال شيء؛ لأن الوصية إنما كانت بعد الضرب- فإن كانت الضربة خطأ جازت الوصية في المال والدية، وإن كانت عمداً جازت الوصية في المال دون الدية. قال أبو محمد: يريد: لأن قبول الدية كمالٍ لم يعلم به؛ لأنها لم تجب إلا بعد موته، فلا تدخل فيه الوصايا. م: وقاله ابن القاسم: أن الوصايا لا تدخل في دية العمد إذا قبلت؛ لأنه مال لم يعلم به. قال ابن القاسم: ولو أنه أوصى فقال: إن قبل أولادي الدية فوصيتي فيها أو أوصى بثلثها لم يجز، ولا يدخل منها في ثلثه شيء؛ لأن ذلك عند الميت يوم أوصى مال مجهول. قال محمد: بل لا مال له، وكشئ لا يعلم أيكون أو لا يكون؟. م: ولو أنفذ قاتلة، مثل أن يقطع نخاعه أو مصرانه فبقى حياً يتكلم فقبل أولاده الدية، وعلمها فأوصى فيها لدخلت فيها وصاياه؛ لأنه

مال طرأ له وعلمه قبل زهوق نفسه فوجب أن تجوز فيه وصاياه. قال أبو محمد: وهذه المسألة في كتاب الهبات أيضاً، وجوابها في العمد مشكل، والذي كتبنا هو في كتاب ابن المواز، وذكره سحنون عن أشهب هو معنى كلام ابن القاسم في المدونة إن شاء الله. [(3) فصل: [إذا قتل الموصى من لايتهم] [المسألة الأولى: إذا أوصى لمعتوه أو إلى صبي فقتلاه] من الخامس قال أشهب في المجموعة وكتاب محمد: وإن أوصى لمعتوه فقتله المعتوه بعد الوصية، فالوصية نافذة؛ إذ لا تهمة عليه، وكذلك الصبي، وكما لو قتل الصبي والمعتوه وارثه لورثه، والمعتوه أعذرهما، وقد يؤخذ الصبي بفعله. قال: وإن أوصى لمكاتب رجل، فقتله سيد المكاتب، فإن كان المكاتب ضعيفاً عن الأداء- وأداء المكاتب أفضل لسيده- بطلت الوصية للتهمة، وإن كان قوياً على الأداء وعجزه أفضل لسيده؛ لكثرة ثمنه وقلة ما بقي عليه، فالوصية للمكاتب جائزة في الثلث، ولو كان القتل خطأ جازت له من ثلث ماله على كل حال، وأستحسن هاهنا أن تكون من ثلث عقله. [المسألة الثانية: إذا أوصى لعبد رجل أو لمدبره فعمد سيده فقتل الموصي]

قال في كتاب محمد بن المواز: ولو أوصى لعبد رجل أو مدبره أو معتق له إلى أجل أو معتق بعضه فعمد سيده فقتل الموصي، فذلك كله سواء، وتبطل الوصية إلا أن تكون الوصية بشئ تافه لا يتهم السيد في القتل على مثله فتنفذ وإن كان له أن ينتزعه منه يوماً ما أو يبيعه بذلك، فإذا كان تافهاً فذلك نافذ في العمد والخطأ، وإن كان شيئاً له بال بطلت الوصية في العمد [120/أ] وتجوز في الخطأ في ثلث المال، وأستحسن هاهنا أن يكون في ثلث العقل. [(4) فصل: [إذا أوصى لرجل فقتل الموصى أحد اقرباء الموصى له وفيمن وهب لرجل هبة في مرضه فقتله الموهوب] [المسألة الأولى: إذا قتل الموصى أحد أقرباء الموصى له] ومن أوصى لرجل بوصية فقتله ابن الموصى به، أو قتله أبوه أو أمه أو زوجته أو عبد أحدهما أو أم ولد الموصى له، فالوصية جائزة، كان القتل عمداً أو خطأ. م: صواب؛ لأنه لا يهتم أحد أن يقتل من وصى لأبيه أو لابنه، لعل أباه أو ابنه أن يعطيه من ذلك. [المسألة الثانية: فيمن وهب لرجل هبة في مرضه فقتله الموهوب] ولو وهب لرجل هبة في مرضه فقتله الموهوب، فالهبة له جائزة من الثلث، قتله عمداً أو خطأ، قبضها أو لم يقبضها إذا كانت بتلاً، عاش أو مات ولم تكن وصية؛ لأن قتله أضر به؛ إذ لو عاش كانت من رأس ماله، وهي الآن من ثلثه، ولو أقر له بدين في مرضه فقتله، فالدين له ثابت. محمد: ولو كثر الدين؛ لأنه ليس بقتله ثبت الدين، ولأن أم الولد إذا قتلت سيدها عمداً لعتقت إن عفي عنها.

ولو أقر لوارثه بدين أو وهب له هبة بتلا، فقتله الوارث، فلا شئ له من ذلك، بخلاف الأجنبي. م: لأنه استعجل ذلك بالميراث، فأحرمه. [(5) فصل [في المدبر وأم الولد يقتلان سيدهما عمداً أو خطا] [المسألة الأولى: في المدبر يقتل سيده عمداً أو خطاً] ومن كتاب محمد - وأراه لأشهب-: وإذا قتل المدبر سيده عمداً بطل تدبيره، وإن كان خطاً، فتدبيره بحاله، فإذا عتق لم يتبع من الدية بشئ؛ لأنه إنما لزمًه ذلك وهو عبده. وقال ابن القاسم: يتبع بدية سيده في الخطأ. [المسألة الثانية: في أم الولد تقتل سيدها عمداً وأم الولد إذا قتلت سيدها عمداً فعفى عنها فلتعتق لأنه عتق لازم من رأس المال، ولا تتبع بعقلٍ في عمد ولا خطأ. وقاله أبن القاسم في أم الولد، بخلاف المدبر عنه. وقال عبد الملك: تتبع مثل المدبر. [(6) فصل [في الوصية لوارث قتل مورثه عمداً فأبراه المقتول] وإذا قامت بينة على وارث أنه قتل مورثه عمداً فأبراه المقتول، فإنه يتهم في إبرائه؛ لأنه ولده يرى أنه يوجب له ميراثاً زال عنه بالقتل، وهو عفو جائز لا يقتل به لكن لا يرثه بذلك، ولا يكون مصابه له وصية من ثلثه.

م: لأنه أراد أن يخرج ذلك من رأس المال فاشبه قوله: كنت أعتقت عبدي هذا في صحتي. فلا يخرج من ثلث ولا رأس مال، وقيل: يخرج من الثلث. قال في كتاب محمد: ولكن لو لم يبرئه وقال: نصيبه من الميراث هو وصية له، فذلك جائز؛ لأنها وصية لغير وارث. قال أشهب: وإذا قامت بينة على وارث بالقتل عمداً فكذبهم بعض الورثة، وصدقهم البعض، فإن ما صار للمكذبين من ميراثهم - يريد: من الدية فهو للقاتل، وكذلك الموصى له بوصية، كما لو أقر الميت بدين لوارثه فصدقه بعض ورثته. قال: ومن زوج أمته، ثم قتلها السيد قبل البناء، فالمهر كله للسيد؛ لأنه لم يجب له بالقتل. [(7) فصل: [فيمن أوصى لوارث فأصبح غير وارث، أو أوصى لغير وارف فأصبح وارثا] ومن المدونة قال مالك: ومن أوصى لأخيه بوصية في مرضه أو في صحته وهو وارثه لم يجز، وإن ولد له ولد يحجبه جازت الوصية إن مات وهو يعلم بالولد؛ لأنه قد تركها بعد ما ولد له، فصار مجيزاً لها. وقال أشهب: الوصية للأخ جائزة، علم الموصى بما ولد له أو لم يعلم.

قال محمد عن ابن القاسم: فإن لم يمت الموصى حتى مات الولد بطلت الوصية للأخ؛ لأنه صار وارثاً. قال ابن القاسم في المدونة: ومن أوصى في صحته لامرأة بوصية ثم تزوجها، ثم مات بطلت الوصية. ومن المجموعة وكتاب محمد: ومن أوصى لابنه وهو عبد أو نصراني فلم يمت حتى عتق العبد وأسلم النصراني بطلت الوصية، وكذلك لو أوصى لامرأة، ثم تزوجها في صحته ثم مات، ولو كان أقر لها بدين لزمه، كإقراره لوارث بدين في الصحة وكذلك لو [120/ب] أقر لابنه العبد أو النصراني بدين في مرضه ثم أسلم أو عتق، فذلك كله جائز. م: كالإقرار بالدين لوارث في الصحة، والعلة أن الإقرار وقع في وقت جائز، فلا يراعى إلا ما يؤول إليه بعد ذلك، بخلاف الوصية؛ لأن الوصية إنما تصح بعد الموت فينظر إلى حال الموصى له حينئذ. [(1) فرع: في الهبة لغير وارث ثم يصير وارثاً] ابن المواز قال أشهب: ولو وهب لامرأة هبة في صحته، ثم تزوجها في صحته ثم مات، فإن حازتها في صحته فهي نافذة من رأس المال، وإن لم تحزها فهي ميراث، ولو وهبها في مرضه وقبضت الهبة ثم تزوجها في مرضه ثم مات، فالوصية جائزة في ثلثه؛ لأنها لا ترثه. ولو بتل لرجل هبة في مرضه وهو غير وارث ثم صار وارثا فوقع في كتاب محمد أن الوصية لا تجوز، لأنها لا تثبت إلا بعد الموت.

قال بعض القرويين: والأشبه أن يجوز له من الثلث على مذهب أبن القاسم الذي يرى أن البتل في المرض لا يقدر على الرجوع عنه؛ لأن الوصية إنما تبطل إذا صار الموصى له وارثاً؛ لأنه قادر على الرجوع عنها، فكأنه إنما أوصى له بعد أن صار وارثاً، وقد وقع في كتاب محمد ما يدل على أن الهبة له من الثلث وإن صار وارثاً. قال في حمالة المريض عن وارثه: إذا صح جازت الحمالة، يريد: لأنه يصير كمن تحمل عنه في الصحة. قال: وكذلك لو لم يصح ولكن ولد له في مرضه ولد يحجبه عن الميراث ثم مات بعد ذلك الولد، فعاد وارثاً على حاله لتثبت الحمالة، يريد: لأنه لما ولد له ولد يحجبه صار كأنه تحمل لغير وارث، فلا يضره إن صار وارثاً بمنزلة الذي صح ثم مات، إلا أن الأول من رأس المال وهذا من الثلث؛ لأنه بمنزلة من تحمل في مرضه من غير وارث فهو من الثلث، ولا يضره إن صار وارثاً، وكذلك إذا بتل هبة في المرض لغير وارث ثم صار وارثاً أنها جائزة له من الثلث؛ لأنه لا يقدر على الرجوع فيها، كما لا يقدر على الرجوع في الحمالة، فالهبة في المرض لغير وارث إذا صار وارثاً كالحمالة لغير وارث في المرض ثم صار وارثاً إن ذلك جائزة لهما من الثلث في المسألتين. [(8) فصل: [في الوصية للصديق] ومن المدونة قال ابن القاسم: وتجوز الوصية للصديق الملاطف - عند مالك- بالثلث فأقل منه، فإن زاد على الثلث لم يجز منه إلا الثلث إلا أن يجيزه الورثة، وإن أقر له بدينٍ جاز إن ورثه ولد أو ولد ولدٍ، وأما إن كان ورثته

كلالة أو زوجة أو أبوين أو عصبة ونحوه، لم يجز إقراره له. قال سحنون: لا في ثلث ولا غيره. م: لأنه لم يرد به الثلث، وإنما أراد أن يعطيه من رأس المال، ولا يكون من الثلث إلا الذي أريد به الثلث. قال في الحمالة: وإن كان عليه دين يغترق ماله لم يجز إقراره للصديق الملاطف ولا وصيته له ولا كفالته عنه. قال في العتبية: ومن أقر في وصيته أن فلاناً الميت كان أعطاه مئة دينار يتصدق بها فتلسفها، وفلان ليس له وارث سئل، فإن كان يرث المقر ولد أخرجت من رأس ماله، وإن كان يورث كلالة فإقراره باطل، ولو كان فلان حياً أو له ورثة فصدقوه فذلك جائز، وإن كذبوه بطل إقراره، وإذا أقر في مرضه في عبد أنه كان غصبه نفسه بأنه حر من أصله، فإن كان يورث كلالة بطل قوله، وإن ورثه ولده عتق من رأس ماله. م: كقوله في أمته أنها كانت ولدت منى، ولا يعرف ذلك إلا بقوله، ولا ولد معها. ويدخلها القول الآخر الذي قال فيه: لايعتق في ثلث ولا رأس مال؛ كقوله أعتقت عبدي في صحتي. [(9) فصل: [في موت الموصى له بعد موت الموصى أو قبل] قال مالك: وإذا مات الموصى له بعد موت الموصي، فالوصية لورثة الموصى

له علم بها أم لا، ولهم أن لا يقبلوها كشفعة له أو خيار [121/أ] في بيع ورثوه، وإن مات الموصى له قبل موت الموصى، فإن الوصية تبطل، علم الموصي بموته أو لم يعلم، واختلف قول مالك، هل يحاص بها ورثة الموصي أهل الوصايا أم لا؟ وفي الوصايا الثاني إيعا بُها، وإبعابُ الوصية للوارث. والله أعلم.

الباب السادس والعشرون: فيمن أوصى بأكثر من ثلثه، وما تدخل فيه الوصايا مما لم يعلم به

الباب السادس والعشرون: فيمن أوصى بأكثر من ثلثه، وما تدخل فيه الوصايا مما لم يعلم به. [(1) فصل: في الوصية بأكثر من الثلث] [المسألة الأولى: في وصية من لا وارث له بماله كله] قال محمد: قال مالك: لا يجوز لمن لا وارث له أن يوصى بماله كله؛ قال الله تعالى: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ)، فليس من أحد إلا وله وارث، عرف أو جهل. قال أشهب: وبلغني عن علي وابن مسعود وعبيدة السلماني فيمت لا وارث له أن يوصي بماله كله؛ لأن له الثلث، وكأنه أنفذ الثلثين فيما ينبغي أن ينفذ فيه. قال أشهب: وليس بقولنا، وللوصي أن ينفذ ذلك في وجهه، ولا ضمان عليه. وقال أبو زيد عن ابن القاسم: في المسلم يموت ولا وارث له، قال يتصدق بما ترك، إلا أن يكون الوالي مثل عمر بن عبد العزيز يخرجه في وجهه فليدفع إليه، وكذلك من أعتق نصرانياً فمات النصراني ولا وارث له، فليتصدق بماله ولا يجعل في بيت المال

قال مالك في العتبية: في نصرانية تبعث بدينار إلى الكعبة أيجعل فيها؟ قال: بل يرد إليها. [المسألة الثانية: في الرجل والزوجة يوصيان بأكثر من الثلث ولهما ورثه] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن أوصى في مرضه فعال على ثلثه جاز منه الثلث، إلا أن يجيزه الورثة، وأما المرأة ذات الزوج إذا عالت في عطيتها على ثلثها- يريد في الصحة- فلا يجوز منه شيئ؛ لأن المريض لا يريد الضرر، إنما يريد البر لنفسه، فيجوز من فعله الثلث، والمرأة ذات الزوج إذا زادت على ثلثها، فذلك ضرر عند مالك فيرد كله، ولا ينبغي أن يجاز بعض الضرر ويترك بعضه. وفي الحمالة إيعاب هذا. قال ابن القاسم: ومن أوصى لرجل بعبد له قيمته ألف درهم ولآحر بدار قيمتها ألف درهم وترك ألف دارهم، فلم يجزالورثة، فالثلث بين الموصى لهما في الأعيان، فيكون للموصى له بالعبد نصف العبد، وللموصي له بالدار نصف الدار، فهذا ثلث الميت، ويبقي في يد الورثة ألف درهم ونصف العبد ونصف الدار، وذلك ثلثا الميت.

[(2) فصل: [فيما تدخل فيه الوصايا مما علم به الميت أو لم يعلم] ومن المدونة: وكل وصية فلا تدخل إلا فيما به الموصي، إلا المدبر في الصحة، فإنه يدخل فيما علم به الميت أو لم يعلم به من غائب أو حاضر. قال في كتاب ابن المواز: وكذلك المدبر في المرض، فأما المبتل في المرض فلا يدخل في ذلك. وقال مالك في المدونة: ومن أوصى بثلثه أو بعتق أو غيره ولا مال له يوم أوصى، أو كان له مال فذهب ماله ذلك، ثم أفاد مالاً بعد ذلك بمورث أو غيره، فإن علم بالمال المستفاد قبل موته في صحته أو مرضه دخلت فيه الوصايا، وإن لم يعلم لم تدخل فيه الوصايا إلا المدبر في الصحة، وكل دار أعمرها أو أرض حبسها على جهة التعمير فرجعت بعد موته، فإن الوصايا تدخل فيها ولو رجعت بعد عشرين سنة، ويرجع فيها من انتقص من وصيته ويأخذون ثلثه، وأما الحبس المبتل فلا يرجع ميراثاً ولا يرجع فيه أهل الوصايا. قال ابن وهب عن مالك: ومن أوصى فقال: كل مملوك لي حر، وقد ورث رقيقاً لم يعلم بهم فلا يعتق منهم إلا من علمه منهم، ومن غاب عنه علمه فلا يعتق، والناس إنما يوصون فيما علموا من أموالهم. [121/ب]

[الباب السابع والعشرون]: جامع القول فيما يكون من رأس المال وما يبدأ به فيه

[الباب السابع والعشرون]: جامع القول فيما يكون من رأس المال وما يبدأ به فيه. م: أول ما يبدأ به من رأس مال الميت أسباب مواراته إلى دخوله قبره، فمن ذلك كفنه وحنوطه وحق غاسله وحامله وحافر قبره، ثم الدين ببينة أو بإقرار، كان لمن يجوز إقراره له أو لمن لايجوز قال الله سبحانه وتعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) ومعناه: من بعد وصية لا دين معها أو دين لا وصية معه، فإن اجتمعا في مورث فالدين مبدأ، وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((الدين مبدأ على الوصايا))، والإجماع على ذلك. فإن كان الدين لم يجوز إقراره له أخذه، وإن كان لمن لا يجوز إقراره له عزل وورث، وكانت الوصايا في ثلث ما بقي، لأنه كذلك أراد أن تكون الوصايا في ثلث ما بقي. وأن الدين فارغ من رأس المال، فلما منع من ذلك للتهمة نفذت الوصايا على ما أراده، إلا صداق المنكوحة في المرض والمدبر في الصحة. محمد: والمدبر في المرض، فإنه إن ضاق ثلث ما بقي من المال عزل الدين لمن يتهم فيه استتموا في ثلث ذلك الدين وفي الموروث الذي لم يعلم به لقوة الاختلاف في ذلك. وقد تقدم بعض هذا. والمريض تحل عليه زكاته في مرضه، أو تقدم عليه مال حل حوله، فما عرف

من هذا وأخرجها في مرضه أو أمر بإخراجها ثم مات، فإنها فارغة من رأس ماله، وكذلك من مات يوم الفطر أو ليلته فأوصى بالفطرة عنه فهي من رأس المال، فإن لم يوص بها أمر ورثته بإخراجها، ولم يجبروا؛ كزكاة العين تحل في مرضه، وأشهب يقول: هي من رأس المال أوصى بها أو لم يوص؛ كمن مات وقد ازهى حائطه وطاب كرمه وأفرك زرعه واستغنى عن الماء، فزكاة ذلك كله على الميت في رأس ماله إن بلغ ما فيه الزكاة أوصى بذلك أو لم يوص، ولم يختلف في هذا. وقد تقدم هذا في كتاب الزكاة

[الباب الثامن والعشرون]: جامع التبدية في العتق من وصية أو غيرها

[الباب الثامن والعشرون]: جامع التبدية في العتق من وصية أو غيرها [(1) فصل: في تبدية العتق على الوصايا، وفيما يقدم من الوصايا وما يؤخر] من الثاني: روي أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمر بتبدية العتق على الوصايا، وفعل ذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وقضوا به، وقاله ابن عمر والحسن. قال ابن القاسم: ومن قول مالك: أنه لا يقدم ما قدم الميت في اللفظ أو في كتاب وصيته ولا يؤخر ما أخره، ولكن يقدم الأوكد فالأوكد إلا أن ينص على تبدية غير الأوكد فيقول: بدئوا عتق النسمة بغير عينها على التي بعينها، أو بدئوا بكذا فينفذ. قال ابن الماجشون في الواضحة: ما أوصى به الميت أن يبدأ على ما هو أوجب منه، فذلك في كل ما كان وصية يجوز له الرجوع عنها، فأما ما ليس له الرجوع عنه من عتق بتل أو عطية بتلٍ أو تدبير في مرضه فلا يبدأ بما يقول، ولكن بما هو أولى؛ لأن تبدئته عليه رجوع عنه، وذلك لا يجوز. قال ابن القاسم: وإن أعتق عبداً له في مرضه واشترى ابنه فأعتقه وقيمته الثلث، فالابن مبدأ ويرثه. محمد: لأنه ساعة اشتراه حر، والمعتق لا يعتق حتى يقوم.

قال: ويبدأ على المبتل والمدبر في المرض، وإن اشترى ابنه وأخاه في مرضه، فإن اشتراهما واحداً بعد واحد بدئ بالأول، وإن اشتراهما في صفقة، فقيل يبدأ الابن، وقيل الأخ، وقيل يتحاصان، وقد تقدم هذا. [(2) فصل: في العتق إذا كان بعينه هل يبدأ على الوصايا سواء كان في ملكه أو غير ملكه] قال مالك: ومن السنة المعمول بها أن العتق يبدأ على الوصايا إذا كان بعينه، كان في ملكه أو في غير ملكه. محمد: وقاله مالك [112/أ] وأصحابه. قال أشهب: وقال لي الليث وابن أبي حازم وغيرهما: لا يبدأ إلا ما كان في ملكه، وأما النسمة تشتري بعينها فلا تبدأ. قال أشهب: قول مالك أحب إلي. قال مالك وأشهب: وإن أوصى بعتق رقبة عبده وبنسمة تشترى بعينها

بدئت التي في ملكه. وقاله أشهب وعبد الملك في المجموعة. قال عبد الملك: لتتم حريته، ولعل الآخر لا يتم شراؤه بامتناع أو غيره. قال أشهب: وأجمع العلماء إلا من شذ منهم: أن الذي في ملكه يبدأ على الوصايا، وأكثرهم لا يبدئون الآخر على الوصايا. وقال ابن القاسم: يتخاصمان ابن وهب: وقاله ربيعة. [(3) فصل: في تبدية المعتق على غير مال] ومن المدونة قال مالك: وإن أوصى بعتق عبده مرزوق وبعتق عبده ميمون، على ان يؤدي ميمون مئة دينار إلى ورثته، فإن عجل ميمون المئة تحاصا، وإلا بدئ بمرزوق، فإن بقي من الثلث ما لا يحمل ميموناً، خير الورثة بين إمضاء الوصية أو يعجلوا فيه عتق بقية الثلث. م: فإن أمضوا الوصية فلم يقدر ميمون على أداء المئة بعد التلوم عاد رقيقا. وقال أشهب: يبدأ الذي يعتق على غير مال وإن عجل الآخر المال. قال: وإن لم يعجل الآخر المال، أو أوصى بأن يكاتب عبد له آخر، فالذي

بعينه على غير مال مبدأ. وذكر محمد عن أشهب كقول ابن القاسم: إن عجل الآخر المال تحاصا، وإلا بدئ الآخر، إلا أن يعني أن ذلك بتل على أن يبقي عليه المال فيتحاصان. [(4) فصل: في العتق الناجز والمؤجل] قال ابن القاسم في الكتابين: وإن أوصى بعتق عبده ناجزاً وبعتق عبده الآخر إلى شهر تحاصا لقرب الشهر، ولو بعد بدئ المعجل. وقال أشهب: الشهر كثير، ويبدأ المعجل، إلا أن يكون اليومين والثلاثة فيتحاصان. قال ابن القاسم: ولو قال: يخدم هذا فلاناً شهراً ثم هو حر، وفي الآخر يخدم فلاناً سنة ثم هو حر، فصاحب الشهر يبدأ. ولو قال في الأول يخدم فلاناً سنة وفي الآخر يخدم فلاناً عشر سنين تحاصا. وقال في المجموعة: ها متباعد، وكأنه يرى أن يعجل الذي إلى سنة، فأما لو تقاربا مثل ثمانية وسبعةٍ وخمسةٍ لجمعا في الثلث. قال محمد: وإن أوصى بعتق عبد له وبعتق عبد له آخر بعد خدمة رجلٍ حياته، فضاق الثلث وأبت الورثة أن يجيزوا، فإنما يعتق منهما بتلاً محمل الثلث، ولا تبدئة للذي لم يوص فيه بخدمة هاهنا، وإن أوصي بكتابة عبده فلان وأن يعتق الآخر بعد سنة فضاق الثلث، فليسهم بينهما، فمن خرج أعتق في الثلث، فإن لم يحمله الثلث خير الورثة فإما أنفذوا قول

الميت، أو أعتقوا منه محمل الثلث بتلاً، فإن خرج الذي يعتق بعد سنة سقطت الخدمة. قال محمد: وأحب إلى أن يبدأ المعتق إلى سنة؛ لأنه بتله ولا عجز فيه. وقاله عبد الملك. قال ابن القاسم في غير المجموعة: إذا لم يحملها الثلث، قيل للورثة: إما أن تجيزوا، وإلا عتق محمل الثلث منهما بتلاً. قال سحنون: ولو أوصى بخدمة عبده لرجل سنة ثم هو لفلان، ثم أوصى بعتق عبد له آخر إلى عشر سنين ولم يحمل الثلث إلا أحدهما، فليبدأ المعتق إلى عشر سنين، ثم يخير الورثة: فإما أعطوا العبد الآخر للرجلين يبدأ فيه صاحب الخدمة، ثم يأخذه صاحب الرقبة، فإن أبوا أسلموا خدمة العبد الآخر إليهما يبدأ فيه الموصى له بالخدمة بقيمة خدمة الآخر سنة، وما فضل فهو للموصى له برقبة الآخر، ثم يعتق إذا تم الأجل. ومن العتبية قال ابن القاسم: فيمن قال: ثلثي حر، وعبدي فلان حر، فليبدأ بالذي سمى، فما بقي من [112/ب] الثلث أشترى به رقاباً فأعتقت، ولو كان له رقاب لبدئ المسمى، فإن بقي من ثلثه شئ أسهم فيه بين من بقي من رقيقه. [(5)] فصل: [في تبدية ما بتل] ويبدأ بعتق المبتل في المرض والتدبير فيه على الموص بعتقه بعينه.

محمد: وقاله ابن القاسم وابن وهب وابن دينار، وهو أول قولي مالك. وقال أشهب: يتحاصان. وهو آخر قولي مالك. محمد: وبقول ابن القاسم أقول؛ إذ له أن يرجع في الموصى بعتقه ولا يرجع في الآخرين. وقال ابن وهب عن مالك: والصدقة البتل تبدأ على الوصايا. قال ابن دينار: وتبدأ على الموصي بعتقه بعينه؛ إذ له أن يرجع فيه، ولا يرجع في المبتل. وقاله عبد الملك وسحنون في المجموعة. ومن العتبية قال ابن القاسم: وقف مالك في تبدئة الصدقة البتل على الوصايا، وتبدأ أحب إلي، وأما مع العتق فليبدأ العتق. قال محمد: إنما هذا إذا بتل العتق كما بتل الصدقة. قال: والمبتل في المرض والمدبر في المرض لا يبدأ أحدهما فيه على الآخر إذا كانا في كلام واحد وفور واحد، وإن لم يكن في كلام واحد بدئ بالأول فالأول.

محمد: ولم يختلف في هذا قول مالك وأصحابه. ابن حبيب: وقال ابن الماجشون: المبتل في المرض مبدأ على المدبر فيه. وقال في المجموعة: إذا دبر في الأرض وبتل فيه في فور واحد فإنهما يتحاصان فيه، إلا أن تكون له أموال مأمونة فيكون المبتل مبدأ، إذ قد تمت حرمته قبل موته ويعجلها من الثلث. ومن المجموعة قال عبد الملك: وإذا بتل المريض عتق عبده وأعتق من آخر نصفه، فالمعتق جميعه يبدأ، ويبدأ استتمام ذلك النصف على الموصى بعتقه الذي له أن يرجع فيه، وهذا شئ يلزمه. قال ابن القاسم: وإذا قال صحيح: لفلان عشرة دنانير من مالي - عشت أو مت- فإن قام عليه في صحته أخذها، وإن مات المعطى، فلورثته القيام فيها، وإن مات المعطي كانت في ثلثه مبدأة، وكذلك عتق البتل في المرض كما ذكرنا. قال محمد: وإذا مات فصدقة البتل مبدأة في ثلثه، ولو كانت له أموال مأمونة كان للمعطي تعجيلها، وتكون من الثلث إن مات، وأما إن مات المعطي ثم مات المعطي، فلا شئ لورثة المعطي؛ إذ لا تتم صدقة إلا بحوز، فإذا رجعت إلى معنى الوصية فقد مات الموص له قبل موت الموصى فبطلت، وحملها أبن القاسم محمل البتل؛ إذ لم يكن له أن يرجع فيها، وهو عندي مختلف؛ لأن العبد حائز لنفسه بالعتق، والصدقة لم تحز؛ ألا ترى لو

قال صحيح لرجل: لك عشرة دنانير من مالي إلى عشر سنين، وأعتق عبده إلى عشر سنين، ثم مات السيد لبطلت الصدقة وصح العتق؟ وقاله ابن القاسم، ولو استحدث ديناً قبل العشر سنين لبطلت الصدقة. قال أبو محمد: قول ابن القاسم حسن، لقوله: عشت أو مت فهي وصية في الموت، وعطية في الصحة.

[الباب التاسع والعشرون] جامع ترتيب ما يبدى بعضه على بعض في الثلث من العتق، وجميع أنواع الوصايا. مجموع من المدونة وغيرها. قال مالك: أول ما يبدأ به في الوصايا في الثلث المدبرفي الصحة على كل وصية، وعلى العتق الواجب وغيره؛ إذ ليس للميت أن يرجع فيه، وله

[الباب التاسع والعشرون] جامع ترتيب ما يبدى بعضه على بعض في الثلث من العتق، وجميع أنواع الوصايا. مجموع من المدونة وغيرها. قال مالك: أول ما يبدأ به في الوصايا في الثلث المدبرفي الصحة على كل وصية، وعلى العتق الواجب وغيره؛ إذ ليس للميت أن يرجع فيه، وله أن يرجع في وصيته بالعتق وغيره قبل موته إلا ما بتله في مرضه. م: واختلف قول ابن القاسم في المدبر في الصحة وفي صداق المنكوحة في المرض إذا بني فيه: فقال مرة: أول ما يبدأ به في الثلث المدبر في الصحة على صداق المنكوحة في المرض وغيره. وقال مرة: يبدأ بصداق [123/أ] المريض. وقال مرة: يتحاصان. ثم بعد هذين: الزكاة يفرط فيها فيوصي أن تؤدي عنه- ولا فرق بين زكاة الأموال وزكاة الحرث والماشية إذا فرط في ذلك كله- ثم زكاة الفطر، ثم كفارة من أكل أو وطئ في رمضان عامدان، ثم العتق في الظهار وقتل النفس معاً لايبدأ أحدهما على الآخر، وقيل يبدأ بعتق قاتل النفس، ثم كفارة الأيمان، ثم الإطعام عن قضاء رمضان، ثم المبتل والمدبر في المرض إذا كانا في فور واحد، فإن كان بعضهم قبل بعض بدئ بالأول فالأول، وقيل: إن المبتل في المرض يبدأ على المدبر إن كانا في فور وكلمة واحدة، ثم الموصي بعتقه إذا كان في ملكه أو

أوصى أن يشترى به فيعتق وهو بعينه أو أوصى أن يعتق إلى أجل قريب كالشهر ونحوه، أو يعتق على مال، فعجله على مذهب ابن القاسم- وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك- فإذا اجتمع من ذكرنا وضاق الثلث عنهم تحاصوا؛ لأنهم في رتبة واحدة عنده، ثم بعد ذلك الموصى أن يعتق إلى أجل بعيد كالسنة ونحوها، ثم من بعده الموصى أن يكاتب أو يعتق على مال - فلم يعجله معاً، فإن بعد أجل عتقه جداً كالعشر سنين ونحوها تحاص هو والموصى أن يكاتب أو يعتق على مالٍ- فلم يعجله- ثم النذر مثل قوله: لله على أن أطعم عشرة مساكين على مذهب أبن مناس، وأما أبو محمد فقدمه على المبتل والمدبر في المرض، ثم الموصى بالعتق بغير عينه وبالمال وبالحج، وقد قال ابن القاسم أيضاَ: إن العتق بغير عينه يبدأ على الحج. ولم يختلف قوله أنه إذا أوصى بمال لرجل وأوصى بعتق بغير عينه أنهما يتحاصان، وإذا أوصى بحج وأوصى بمال أنهما يتحاصان. والموصى برقبة وبحج وثلثه يحمل الرقبة وبعض الحج فبدأنا الرقبة، فإنه يحج عنه ببقية الثلث من حيث بلغ، ولو كان من مكة.

قال مالك: وإن أوصى أن يحج عنه فلم يبلغ ثلثه ما يحج به عنه إلا من المدينة أو من مكة، فلتنفذ وصيته. قال ابن القاسم: وإن لم يوص فلا يحج عنه، وقد كره مالك أن يتطوع الولد من مال نفسه فيحج عن أبيه، وكان يقول: لا يعمل أحد عن أحد م: فإذا اجتمع وصية بمال، وبحج عنه، وبعتق بغير عينه- على قوله يبدأ بالرقبة على الحج - فإنهم يتحاصون في ضيق الثلث، فما وقع للحج كانت الرقبة أولى به؛ كما لو كانا جميعاً، ومثلها إذا ترك الميت أخاً شقيقاً وأخاً لأب وجدا- على مذهب زيد - فإن الأخ الشقيق يحاسب الجد بالأخ للأب فيقتسمون المال على ثلثه، ثم يرجع الأخ الشقيق على الأخ للأب فيأخذ منه ما بيده؛ لأن الأخ الشقيق يحتج على الجد، فيقول له: لو كنا أخويا للأب لقاسمناك، فليس كوني شقيقاًمما يسقط عنك المقاسمة، ويحتج على الأخ للأب فيقول: لو كنت أنا وأنت لم يكن لك معي شئ، فليس كون الجد معنا مما يوجب لك شيئاًَ، وبالله التوفيق.

[(1) فصل: في] جامع مسائل مختلفة منه [المسألة الأولى: في الضرورة يوصى بحجة ورقبة بغير عينها وبمال] ومن كتاب ابن المواز قال أشهب عن مالك: في الصورة يوصى بحجة ورقبة بغير عينها وبمال فإنهم يتحاصون إن صار للحج ما يحج به، وإلا بدئ بالحج، وإن كان غير صرورة بدئ بالعتق والوصايا على الحج. وقد قال ابن القاسم: يبدأ بالعتق بغير عينه على الحج وإن كان صرورة. قال محمد: وقول ابن القاسم- الذي وافق فيه أصحابه أحب إلي - أن يحاص به مع الوصايا والعتق بغير عينه [123/ب] في حج الصرورة، ويحج بما وقع له من حيث بلغ، وإن لم يكن صرورة، فالوصايا مبدأة عليه، ونحوه لابن كنانة. قال أصبغ: كان صرورة أو غير صرورة، فهو إسوة مع الوصايا والعتق. وأجمعوا أن العتق والمعين يبدأ على الوصايا وحج الصرورة، إلا أبن وهب فإنه قال: إن الحج الصرورة يبدأ على العتق والمعين. [(2)] فصل: [في تتمة مسائل مختلفة فيما يبدأ بعضه على بعض في الثلث] [المسألة الثانية: فيمن أوصى بشئ في السبيل فيمن يبدأ منهم] ومن المدونة قال مالك: ومن أوصى بشئ في السبيل بدئ بأهل الحاجة منهم. قال مالك: ومن أوصى بثلثه في سبيل الله والفقراء واليتامى، قسم بينهم

بالاجتهاد، لا أثلاثا ولا أنصافاً. [المسألة الثالثة: فيمن قال ثلثي لفلان والمساكين] قال ابن القاسم: وإن قال: ثلث مالي لفلان وللمساكين، لم يعط لفلان نصف الثلث، وليقسم بينه وبين المساكين بالاجتهاد، ومن أوصى بعتق عبده بعد موته بسنة، ولفلان بثلثه أو بمئة دينار، والعبد هو الثلث بدئ بالعتق ولم يعتق إلا بعد سنة، وخير الورثة بين أن يعطوا الثلث أو المئة للموصى له بذلك ويأخذوا الخدمة، أو يسلموا هذه الخدمة للموصى له بذلك؛ لأنها بقية الثلث، فإن سلموها فمات العبد قبل السنة عن مال فهو لأهل الوصايا، وإن لم يحمل العبد الثلث، خير الورثة بين إجازة الوصية أو العتق من العبد مبلغ الثلث بتلاً، وتسقط الوصايا. وقاله جميع الرواة إلا أشهب. فقال أشهب في كتبه: إذا لم يحمل الثلث العبد قيل للورثة: إن شئتم فانفذوا ما قال الميت في العبد، ثم أنتم بالخيار في دفع ما أوصى به الميت، أو إسلام خدمة ما يخرج من الثلث من العبد، إن كان نصفه فنصف الخدمة، أو فاعتقوا منه الآن محمل الثلث بتلاً، وتسقط الوصايا. [المسألة الرأبعة: فيمن دبر عبداً في مرضه وقال لأخر إن مت أنت حر] ومن المدونة قال مالك: ومن دبر عبداً في مرضه، وقال لآخر: إن حدث بي حدث الموت، فأنت حر، فالمدبرمبدأ. قال سحنون: وهو قول جميع الرواة إلا أشهب.

وقال أشهب في كتبه: إنما يبدأ بالمدبر إذا كان الميت قد بدأ في لفظه بالتدبير، وأما إن بدأ بالموصى له وبالعتق ثم دبر الآخر ولم يصح من مرضه ذلك حتى مات، فإنهما يتحاصان، في الثلث وقد رجع مالك عن قوله يبدأ بالمدبر إلى أنهما يتحاصان، وعلى هذا القول لقي الله عزو وجل. [المسألة الخامسة: فيمن باع في مرضه عبدا أو حابي فيه واعتق عبداَ له آخر وقيمته الثلث] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن باع في مرضه عبداً أوحابى فيه وقيمته الثلث، وأعتق عبداً له آخر وقيمة المعتق الثلث بدئ بالمعتق؛ لأن المحاباة وصية؛ وقد قال مالك: فيمن أوصى في مرضه بوصية وأوصى بعتق عبد إن العتق مبدأ. [المسألة السادسة إذا اشترى المريض عبداً بمحاباة فأعتقه] ومن كتاب العتق: وإن اشترى المريض عبداً بمحاباة فأعتقه، فالعتق مبدا على المحاباة؛ لأن المحاباة وصية، فإن بقي بعد قيمة العبد شئ من الثلث كان في المحاباة، وأن لم يبق لم يكن للبائع غير قيمته من رأس المال، وقد قال ابن القاسم أيضاَ: يبدأ بالمحاباة؛ إذ لا يتم البيع إلا بها، فكأنه أمر بتبديتها في الثلث، فإن بقي من الثلث شيئ كان ذلك في العبد، أتم ذلك عتقه أم لا. قال سحنون: وهذا القول أحسن من الأول.

[الباب الثلاثون]: تعطيل مسائل التبدية المرتبة المتقدم لذكرها

[الباب الثلاثون]: تعطيل مسائل التبدية المرتبة المتقدم لذكرها. قال بعض أصحابنا: وجه قول ابن القاسم يبدأ المدبر في الصحة على صداق المنكوحة في المرض؛ فلأنه وجب له عقد في وقت كان له التصرف في جميع ماله وهو الصحة، وصداق المنكوحة في المرض إنما وجب لها في المرض الذي هو ممنوع فيه من ثلثي ماله فقوي حكم المدبر لهذا، والله أعلم؛ وأيضاً، فإن النكاح [124/أ] ابتدأة اختياراً بعد وجوب التدبير، فليس له أن يحدث عليه في مرضه حدثا يبطله وينقصه عما وجب له. ووجه قوله يبدأ بصداق المنكوحة في المرض؛ فلأنه أشبه باب المعاوضة لأخذ المريض بضع الزوجة بالصداق الواجب لها، وأيضاً، فإن بعض الناس يراه كسائر البياعات ويجيزه ويجعل الصداق فيه من رأس المال، وهو إذا صح عندنا كان الصداق عليه من رأس المال، والمدبر إنما مصيره في الثلث على كل حال، فوجب لما قدمناه أن يكون الصداق أقوى، والله أعلم. ووجه قوله يتحاصان؛ فلما قدمناه من ترجح وجه كل قولٍ وكأنهما تساويا عنده فرأى العدل بينهما التحاصص، والله أعلم. ثم بعدهما الزكاة، وإنما ضعف حكمها عنهما؛ لأن وجوبها إنما هو معلوم من جهتة، ونحن لا ندري أصدق في ذلك أم كذب؟ وما قدمناه ثابت بالبينة، فهو أقوى؛ وأيضاً، فإن لهذين طالباً معيناً مستحقاً لهما، والزكاة يستحقها

المساكين وهم غير معينين. وقال أشهب: إن الزكاة لا تبدأ على الوصايا. ووجه هذا: أن الموصي إنما قصد أن تكون من رأس المال؛ فأشبه قوله: كنت أعتقت عبدي في صحتي، فلا ينفذ من ثلث ولا رأس مال على أحد القولين، وقال ابن القاسم: إنه من الثلث غير مبدأ، فلعل أشهب بنى الزكاة على هذا. ثم زكاة الفطر، وإنما بدئت على كفارة القتل والظهارة؛ لأن هذا هو أدخله على نفسه؛ مع الاختلاف أن زكاة الفطر مفروضة. ثم العتق في الظهار وقتل النفس، ووجه تبدية الزكاة عليهما، لأن فيهما العوض عن العتق في العدم وهو الصوم، ولا عوض في الزكاة، ولا بد من نفاذها فهي أقوى. ووجه قوله: يبدأ بعتق قتل النفس؛ لأن عتق الظهار منه عوض في المال، وهو الاطعام، وعتق قتل النفس لا بدل منه في المال. ووجه قوله: يتحاصان. فلأنهما جمعا في كفارة، وقد استويا في العدم في الصوم، فوجب أن يستويا في المال. ووجه من قال: يقرع بينهما؛ فلأنه لا يجزي عتق بعض رقبة عن كل واحد منهما، فأقرع بينهما ليصح العتق لأحدهما؛ إذ ليس هو مقدماً حقيقة، فمن طار له السهم، فالله عز وجل أعطاه وأحرم صاحبه؛ كمن أوصى بعتق عبيده أو أبتل عتقهم في مرضه ولم يحملهم الثلث، فلما استوى حكمهم أقرع بينهم. ثم كفارة اليمين، وإنما بدئ العتق في الظهار وقتل النفس عليها؛ لأن كفارة اليمين هو فيها مخير بين العتق والإطعام والكسوة، وفي الظهار والقتل هو مقصور على العتق، ولا ينتقل عنه إلا بالعدم، وأيضاً فإن بدلهما في الصوم أكثر من بدل

كفارة اليمين، فبان أنهما أقوى، فبدئا لهذا. ثم كفارة الوطء في رمضان، وإنما بدئ بالكفارة عليها؛ لأنها واجبة بكتاب الله عز وجل، وكفارة رمضان واجبة بالسنة، فهي أضعف؛ وكفارة الإطعام في قضاء رمضان دونها؛ لأنها باجتهاد العلماء. ثم المدبر والمبتل في المرض معاً؛ وإنما بدئ بالإطعام عن رمضان عليهما؛ لأنه واجب بنص السنة، وهو عوض من الفرض؛ والتدبير والتبتيل هو اختياره، وأراد إدخال النقص على ما لزمه، فمنع من ذلك. ثم الموصي بعتقه بعينه وهو في ملكه أو أن يشتري فيعتق أو إلى أجل قريب أو على مال يتعجله، يتحاصان في ضيق الثلث؛ لأنهم في رتبته؛ وإنما بدئ المبتل والمدبر في المرض على هؤلاء؛ لأن له الرجوع فيهم [124/ ب] والتبتيل والتدبير قد لزمه لا يستطيع الرجوع عنه. ثم المعتق بعد موته بسنة، وإنما بدئ هؤلاء عليه؛ إذ قد يهلك قبل السنة فلا يصيبه عتق، وهؤلاء عتقهم ناجز. ثم الموصي أن يكاتب أو على مال فلم يعجله؛ وإنما بدئ المعتق إلى سنة

عليهما؛ لأنه بتله ولا عجز فيه. وإن بعد أجل عتقه كالعشر سنين ونحوها تحاصوا لكثرة الغرر في أن لا يصيبه العتق؛ إذ قد يهلك قبل تمام الأجل؛ وإذ قد يعجز هذا أو يهلك قبل الأداء، فكأنهم تساووا في الغرر. ثم النذر عند ابن مناس، وعند أبي محمد هو قبل المبتل والمدبر في المرض. فوجه قول أبي محمد أن النذر شئ أوجبه على نفسه في الصحة، فلا يدخل عليه في المرض مختاراً ما يبطله أو ينقصه من قدره. ووجه قول أبي موسى بن مناس: إن كان أراد النذر في الصحة، فلأنه لما فرط في إخراجه حتى أوصى به بعد موته أشبه الوصايا، والعتق مبدأ على الوصايا. وقال بعض أصحابنا: يحتمل أن يكون أبو محمد أراد: إن كان النذر في الصحة، وأبن مناس أراد: إن كان النذر في المرض. وذلك محتمل. وإنما بدئ النذر على الوصايا والعتق غير المعين والحج؛ لأنه شيء أوجبه على نفسه ولا يستطيع الرجوع عنه، وله ان يرجع في هذه الوصايا. وإنما بدئ بالرقبة غير المعينة على الحج في أحد قوليه: لأن الحج عمل بدن، وقد كره أن يعمل أحد عن أحد، وبالله التوفيق. تم كتاب الوصايا الأول بحمد الله وحسن عونه

كتاب الوصايا الثاني

كتاب الوصايا الثاني [الباب الأول]: في شهادة وارثين بعتق، أو أجنبيين بالثلث أو بعتق عبد آخر. قال ابن القاسم: وإذا شهد ولدان للميت أن أباهما أعتق هذا العبد، وشهد أجنبيان أنه أوصى بالثلث لرجل، والعبد هو الثلث، فإن كان عبداً يتهمان في جر ولائه, لم تجز شهادتهما وجازت الشهادة بالوصية، وإن لم يتهما في جر ولائه لدناءته جازت شهادتهما، وبدئ بالعتق؛ وهذا كشهادتهما بعتقه ومعهما من الورثة نساء، فإن كان ممن يتهمان في جر ولائه لم تجز شهادتهما، وإن لم يتهما فيه لدناءته جازت شهادتهما فيه، فما يتهمان فيه مع النساء يتهمان فيه مع الموصى له، وهذا قول مالك إذا كان معهما نساء، وهو رأيي في الوصية. ابن المواز: لا يتهمان في هذا؛ واحتج بأن الميت جائز له أن يعتق في مرضه. والولاء للرجال دون النساء، فلم يكن عتق محاباة للذكور ليصير الولاء لهم دون النساء. ولعمري إن هذا أمر من جهة الأحكام لو أراد الميت غيره ما قدر، وإذا اتهم الوارثان عند ابن القاسم فنفذ الثلث بشهادة الشاهدين، والعبد هو الثلث عتق أيضاُ على الوارثين؛ لأنهما يقولان: إنه حر، وأن الثلث الذي خرج

ظلمنا فيه. وجعل الثلث الخارج بشهادة البينة كأنه باق في أيديهما، ولم يجعله كما لو غضب من المال شيء، أو ضاع، أن العبد إنما يعتق في ثلث ما بقي إن حمله، أو ما حمل منه ثلث ما بقي، وأشهب يقول: لا يعتق إلا ثلثاه، وجعل الثلث الذي أخذه الموصى كجائحة أتت على المال، ولو لم يبق [125/أ] من المال إلا ثلثاه لعتق ثلثا العبد، لأنه ثلث ما بقي، وهذا هو الأشبه في القياس؛ لأن الورثة يقولون: قد ذهب ثلث المال بشهادة الشاهدين، ولا قدرة لنا عليه، فأشبه ضياع ذلك. ومثل هذا المعنى إذا أقر أحد الوارثين بمئتي دينار أنها دين على أبيهما، وقد ترك مئتين وابنين أخذ كل واحد مئة، والمقر ممن لا تجوز شهادته، فعند أشهب يعطي المئة التي في يديه كلها لصاحب الدين، ويعد ما أخذ أخوه كجائحة طرأت على المال، فلم يبق منه إلا مئة، فالدين أولى بها؛ إذ لا يصح ميراث إلا بعد قضاء الدين. وعلى مذهب ابن القاسم إنما يعطيه خمسين، ويعد ما أخذ أخوه بالأحكام كأنه قائم لم يضع ولم يتلف، فيقول: إنما إنما لك في يدي خمسون فخذها، ولك في يد أخي خمسون غصبكما. وأما إن كان المقر عدلاً، فعلى مذهب ابن القاسم يمين صاحب الدين معه صواب، وأما على مذهب أشهب فما كان ينبغي أن يحلف؛ لأنه يحلف ليأخذ غيره؛ إذ هو ملزوم عنده بغرم المئة التي في يديه، فصار الحالف غير منتفع بيمينه، وإنما ينتفع بها غيره؛ وهذا نحو قولهم في شهادة الحميل في عدم الغريم أن الذي له الدين يحلف، وهو لو شاء لأخذ الحميل لما أنكر الذي عليه الدين، فصارت يمينه

إنما ينتفع بها الحميل. ومن العتبية قال عيسى: سألت ابن القاسم عن رجل هلك وترك عبدين وابنين، وقيمة أحد العبدين ألف درهم، وقيمة الآخرألفاً درهم فأتى الذي قيمته ألفان بشاهدين يشهدان له بالعتق، وأتى الآخر بابني سيده يشهدان له أنه هو المعتق دون صاحبه، قال: أرى أن يبدأ بالذي شهد له الأجنبيان فيعتق في الثلث، ثم يرجع على الابنين فيعتق عليهما - الذي شهدا له - بما حمل الثلث منهما جميعاً إذا كان قولهما تكذيباً للشاهدين اللذين شهدا على عتق الآخر، قال: ولو أن الشاهدين شهدا على الميت أنه بتل عتق هذا في مجلس، وشهد الولدان أنه أعتق هذا في مجلس آخر، وقالا: لا علم لنا بما أشهدهما. رأيت أن تثبت الشهادتان جميعاً ويسهم بينهما- إذا كان العبد الذي شهد له الابنان لا يتهمان في جر ولائه لدناءته - فأيهما خرج سهمه عتق منه ما حمل الثلث، ورق ما بقي؛ لأنهما في هذا لم يدفعا شهادة الشاهدين، ولا كذبهما، قال: وإن اتهما في جر ولائه لم تجز شهادتهما، وذلك إذا شهدا أنه أعتق بعد الموت، وإن كان عتق أحدهما بتلاً والآخر بعد الموت، وإن كان عتق أحدهما بتلاً والآخر بعد الموت، كان المبتل مبدأ قبل صاحبه كان تبتيله إياه قبل صاحبه أو بعده، وإن كانا جميعاً مبتلين بدئ الأول فالأول. وفي آخر هذا الكتاب إيعاب هذا.

[الباب الثاني] في الوصية بخدمة أو بسكنى أو بمال وغيره

[الباب الثاني] في الوصية بخدمة أو بسكنى أو بمال وغيره. [(1) فصل: في الوصية بالخدمة] [المسألة الأولى: فيمن قال يخدم عبدي فلاناً سنة ثم هو حر ولم يدع غيره ولم تجز الورثة] قال ابن القاسم: ومن قال في وصيته: يخدم عبدي فلاناً سنة، ثم هو حر، ولم يدع سواه، ولم تجز الورثة، بدئ بالعتق، فعتق ثلث العبد بتلاً ويبقي للورثة ثلثاه وتسقط الخدمة. قال سحنون: وعلى هذا أكثر الرواة. م: وقال أشهب: يخدم ثلثه الموصى له بالخدمة سنة، ثم يعتق ثلث العبد. ووجه هذا: أن الميت أمر بتبدئة الخدمة على العتق، فإذا لم يجز الورثة وأعتقوا ثلث [125/ب] العبد صاروا قد بدأوا العتق على الخدمة، وهو خلاف وصية الميت. ووجه قول ابن القاسم أنهم لما لم ينفذوا ما قال الميت، ولم يتموا له مراده، قيل لهم: فأخرجوا ثلثة بتلاً، فصار في الوصايا مال وعتق والعتق مبدأ على الوصايا. قال بعض الفقهاء: فإن قال الورثة: نجيز العتق ولا نجيز الخدمة بقي معتقاً إلى أجل، وكان للموصى له خدمة ثلثه؛ لأنه الذي يحمله الثلث، ولا حجة للموصى له بالخدمة؛ لأنه يقال له: لو شاء الورثة عجلوا عتق ثلث العبد فسقطت الخدمة كلها، فإذا أعطيت ما وسع الثلث من الخدمة فلا كلام لك، ولو قالوا: نجيز الخدمة ولا نجيز العتق لأعتق ثلثه بتلاً، وكان باقيه يخدم المخدم جميع

الأمد: يكون للعبد يوم، وللمخدم يومان، فإذا انقضت الخدمة رجع ثلثاه رقاً للورثة. [(2) فصل: في الوصية بالخدمة والسكنى] [المسألة الأولى: فيمن أوصى لرجل بخدمة عبده سنة أو سكنى داره سنة وليس له مال غير ما أوصى أو له مال لا يفى] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن أوصى لرجل بخدمة عبده سنة أو سكنى داره سنة، وليس له مال غير ما أوصى فيه، أو له مال لا يخرج ما أوصى به من الثلث، خير الورثة في إجازة ذلك للموصى له، أو يقطعوا له بثلث جميع ما ترك الميت بتلاً، وأما إن أوصى له برقبة عبده أو داره، والثلث لا يحمل ذلك، فإنه يقطع له بمحمل الثلث في تلك الأعيان، وقد اختلف قول مالك فيه، وهذا أحب إلي. قال سحنون: وأما الوصية بالخدمة والسكنى فهو قول الرواة كلهم، لا أعلم بينهم فيه اختلافاً، وهو أصل من أصول قولهم. وكذلك قال ابن أبي سلمة: إذا أوصى له بسكنى داره ولا مال له غيرها: إن الورثة يخيرون في إجازة ذلك أو يقطعوا له بثلثها بتلاً؛ لأنها جميع ثلثه. وقد تقدمت الحجة في ذلك في الكتاب الأول. [المسألة الثانية: فيمن أوصى لرجل بخدمة عبده سنة أو حياته ثم هو لفلان]

قال ابن القاسم: ومن أوصى لرجل بخدمة عبده سنة أو حياته، ثم هو لفلان، فإن حمله الثلث بدئت الخدمة، فإذا انقضت الخدمة أخذه صاحب الرقبة ولا تبالي زادت قيمته الآن بعد الخدمة أو نقصت عن القيمة التى نفذت في الثلث. قال سحنون: وهذا قول الرواة، ولا أعلم بينهم فيه اختلافاً إذا حمله الثلث. قال ابن القاسم: وإن لم يحمله الثلث وأبي الورثة أن يجيزوا، أسلموا ثلث الميت فجعل في العبد، ونظر إلى حمل الثلث منه، فإن حمل نصفه خدم الموصى له بالخدمة يوماً والورثة يوماً، وللورثة أن يبيعوا حصتهم ويصنعوا بها ما شاءوا، فإذا انقضى أجل الخدمة- إن كانت إلى سنة أو إلى حياة المخدم- رجع ما حمل الثلث من العبد إلى الموصى له بالرقبة. ومن المجموعة قال أشهب: وإن أوصى: إن عبدي يخدم فلاناً سنة، ثم هو لفلان بعد سنتين، فإن حمله الثلث خدم الأول سنة ثم الورثة سنة، ثم أخذه الآخر، وإن كان العبد قدر ثلثي الميت، فلا أجعل نصفه يخدم هذا سنة والورثة سنة، ثم يأخذه الآخر فيكون الميت لم يستوف ثلثه ولا وصيته، ولكن يتحاصان في الثلث هذا بقيمة خدمته سنة، وهذا بقيمة مرجع الرقبة على غررها فيكونان شريكين للورثة بما أصابهما في جميع التركة. م: وهذا إذا لم تجز الورثة.

قال بعض الفقهاء: لم يجعل صاحب الرقبة يأخذه في الرقبة. وقد تقدم الاختلاف في ذلك، والله أعلم. [المسألة الثالثة: فيمن هلك ولم يدع غير ثلاثة أعبد قيمتهم سواء فأوصى بأحدهم لرجل وبخدمة الآخر لرجل آخر حياته] ومن المدونة: ومن هلك ولم يدع غير ثلاثة أعبد قيمتهم سواء، وأوصى [126/أ] بأحدهم لرجل، وبخدمة الآخر لآخر حياته، فإن لم يجز الورثة أسلموا ثلث الميت لأهل الوصايا، فضرب فيه صاحب الرقبة بقيمتها، وصاحب الخدمة بقيمتها على غررها على أقل العمرين: عمر العبد أو المخدم- يقال بكم يتكارى هذا العبد إلى انقضاء أقلهما عمراً- المخدم أو العبد- إن حيي إلى ذلك الأجل، فهو لكم، وإن مات قبل ذلك بطل حقكم- فما صار لصاحب الرقبة أخذه فيها، وما صار لصاحب الخدمة كان به شريكاً للورثة في سائر التركة. محمد: وقاله أشهب، وقال: والورثة مخيرون فيما صار لصاحب الخدمة في الحصاص بين أن يكون شريكاً لهم، وبين أن يسلموا إليه العبد يختدمه إلى أجله، وهذا التخيير للورثة، إن شئت بدأت به قبل الحصاص أو بعده. قال ابن القاسم في المدونة: وكذلك إن أوصى مع ذلك لآخر بالثلث، فإنهم يتحاصون في ثلث الميت إذا لم يجز الورثة كما وصفنا. محمد: وقال أشهب: إن كان الثلث ثلاثين، والعبد الموصى به قيمته ثلاثون،

وقيمة الخدمة خمسة عشر، فالثلث بينهم على خمسة - والمال كله خمسة عشر جزءاً- فلصاحب العبد جزءان، ولصاحب الثلث جزءان، ولصاحب الخدمة جزء، فسهما صاحب العبد يأخذهما فيه فيصير له خمساه، وتبقي ثلاثة عشر جزءاً من التركة في عبدين وثلاثة أخماس عبد، للورثة عشرة، ولصاحب الثلث جزءان، ولصاحب الخدمة جزء، هم في الجميع شركاء. قال: ولو أوصى برقابهم لرجل وبخدمة أحدهم لرجل حياته، فأثلاثهم لصاحب الرقاب يبدأ منهم صاحب الخدمة بثلث الذي فيه الخدمة، فإذا مات رجع إلى صاحب الرقاب، ولو حملهم الثلث لعجل لصاحب الرقاب الاثنان منهما، وبدئ المخدم بالثالث يخدمه، فإذا مات رجع إلى الآخر. ولو لم يملك غيرهم فأوصى لرجل بثلث كل عبد منهم بتلاً ولآخر بثلث واحد بعينه بتلاً قال: فلكل واحد ثلاثة أرباع وصيته، فيصير للموصى له بثلث كل عبد ربع كل عبد، وللموصى له بثلث العبد ربع ذلك العبد، ويصير نصفه للورثة مع ثلاثة أرباع الآخرين. [(3) فصل: في الوصية بالمال وبالخدمة] [المسألة الأولى: فيمن أوصى لرجل بمئة دينار ولآخر بخدمة عبده حياته ثم هو حر والعبد كفاف الثلث] ومن المدونة قال مالك: ومن أوصى لرجل بمئة دينار ولآخر بخدمة عبده حياته، ثم هو حر، والعبد كفاف الثلث، فليعمر الموصى له بالخدمة حياته أو

العبد إن كان أقصرهما عمراً، فتقوم خدمة العبد تلك السنين ذهباً، ثم يتحاص هو والموصى له بالمئة في خدمة العبد، فإذا هلك الموصى له بالخدمة خرج العبد حراً. قال ابن القاسم: وإن لم يحمل العبد الثلث، ولم تجز الورثة، عتق من العبد مبلغ الثلث، وسقطت الوصايا بالخدمة وغيرها. محمد قال ابن القاسم وأشهب: وإن كان العبد أقل من الثلث قدم العتق يعني إلى الأجل. قالا: ثم يحاص صاحب الخدمة بقيمتها وأهل الوصايا بوصاياهم في بقية الثلث وفي الخدمة، فيأخذ أهل الوصايا ما صار لهم في التركة وفي الخدمة، ويأخذ أهل الخدمة ما صار لهم في الخدمة، ولو كان أهل الوصايا أوصى لهم في شيء بعينه أخذوا فيه ما نابهم. وقال ابن القاسم: يضرب المخدم بقيمة الخدمة في الخدمة، وفي بقية الثلث، ولا يجمع له حقه في الخدمة. وقال أصبغ في كتاب ابن المواز: وإن كان العبد مع عشرة دنانيرهوالثلث، أخذ العشرة الموصى له بالمئة وهي عشر وصيته، ويعطي أيضاً لصاحب الخدمة عشر الخدمة، ثم يتحاصان في تسعة أعشارها [126/ب] بقدرما بقي لكل واحد من وصيته، فإن كانت قيمة الخدمة عشرة دنانير، فقد صار عشرها للخدم ويتحاصان في تسعة أعشارها على أحد عشر جزءاً: عشرة أجزاء

لصاحب المئة وجزءٌ لصاحب الخدمة, ولو كان باقي الثلث خمسينَ أخذَها صاحب المئة في نصف وصيّته, وأخذَ صاحبُ الخدمة نصفَها, ثم يتحاصان في نصفها بما بقيَ لهما, فإن كان قيمةُ الخدمة كلها خمسين تحاصا على الثلث والثلثين, وإنما تُقَوَّمُ الخدمةُ على أقل العُمرَينِ على غررها أيبلغها أم لا, فلا عُهدَةَ في ذلك ولا رجعة. قال أصبغ: فيأخذ صاحبُ الخدمة ما صار له فيها, ويُخيّرُ الورثةُ فيما ناب صاحبَ المئة من الخدمة أن يَفدُوُه منه ببقية مَنَابِتهِ, أو يدَعوا له ما أصابه منَ الخدمة. قال أحمد بن ميسر الإسكندراني, واختلفا إذا انكشفَ الأمرُ عَلَى خلاف ذلك التعمير, فقال أشهبُ: يؤتَنَفُ الحصاص مرةً أحرَى. وقال ابن القاسم: لا يردُ ذلك كحكمٍ مضى. [المسألة الثانية: فيمن قال في وصيته لفلان مئة دينار ولفلان خدمة عبدي هذا حياته ثم هو لفلان والثلث لا يحمل وصيته] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن قال في وصيته: لفلانٍ مئةُ دينارٍ, ولفلانٍ خدمةُ عبدي هذا حياتَه, ثم هو لفلان, والثلث لا يحمل وصيَّته, فإن لم يُجز الورثةُ, أسلموا الثلثَ فضرب فيه صاحب المئة بمئته ولا يضرب صاحب الرقبة

وصاحب الخدمة إلا بقيمة الرقبة فقط, فما صار لهما في المحاصة من الثلُث أخذاه في العبد, فما صار لهما من العبد بُدِئ فيه المُخدمُ بالخدمة, فإذا مات المُخدم رجع ما كان مِنَ العبد في الخدمة الرقبة, وما صار لصاحب المئة كان به شريكاً للورثة فيما بقيَ في أيديهم من العبد وفي جميع التركة, ولا يُعَمرُ المخدم في هذه المسألة كما عُمَّرَ في التي قبلها. [المسألة الثالثة: فيمن قال في وصيته عبدي يخدم فلاناً ولم يقل حياته ولا أجلا, وأوصى أن رقبته لفلان ولم يقل بعده] قال ابن القاسم: ومَن قال في وصيته: عبدي يخدم فلاناً, ولم يقل حياته ولا أجلاً, وأوصى أنّ رقبته لفلان, ولم يقُل: مِن بعده, قُوَّمَت الرقبة وقُوَّمَت الخدمةُ على غررها حياة الذي أُخدم. وفي كتاب أبي محمد: حياة المُخدَم, والمعنى واحدً. قال: ثم يتحاصان في رقبة العبد بِقدرِ ذلك. وقال أشهبُ: بل هي وصيّةٌ واحدةٌ, والخدمةُ حياةَ فلان, ثم يرجعُ إلى صاحب الرقبة. قال أبو محمد: قول أشهبَ أحسنُ؛ لأنك إن حملت ذلك على أنه حياةَ العبد, فهي رقبةً أوصى بها لرجلين, فهي بينهما, ولا معنى لحصاص المخدم بقيمة الخدمة, وإنما يحاص بقيمة الرقبة, وإن كانت حياة المُخدم كان مبدأً على

صاحب الرقبة. م: وابن القاسم: جعله يضربُ بالخدمة ويأخذ ما وقع له في الرقبة, وهذا خلاف أصلهم؛ لأنه إنما يرجعُ في الرقبة مَن أوصى له بالرقبة على اختلاف قول مالك. وقد قال سحنون: كلامُ غيره أحسنُ. وذكر ابنُ المواز المسألة, فقال: قال بن القاسم: يتحاصان هذا بقيمة خدمته حياتَه, وهذا بقيمة مرجع رقبته. وقال أشهبُ: يبدأُ بالخدمة فيخدُمه حياتَه, ثم تكونُ رقبتُه للآخَر, وإن لم يخرج منَ الثلث, فما خرج منه على هذا المعنى. قال محمد: وهذا هو الصوابُ, وأصلُّ قَولِ مالك, وقد قاله ابنُ القاسم فيمن أوصى لرجل بخدمة عبدِه حياتَه, ولآخر برقبته, ولآخر بمئة دينارٍ, والثلثُ لا يحمل ذلك, ولم يُجز الورثةُ, أنهما يتحاصان -الموصى له [بالرقبة وصاحبُ الخدمة]- بقيمة الرقبة فقط, فما صار لهما أخذاه فيها, وبُدِّئ صاحب الخدمة, فإذا مات أخذه صاحب الرقبة؛ بمنزلة مَن قال: اخدم فلاناً حياته ثم أنت [127/أ] بعد ذلك لفلان, قال في أول المسألة: وهذا بقيمة مرجع رقبته, وقال في المجموعة: بقيمة رقبته. مثل ما قال في المدونة, وهو أصوب. [المسألة الرابعة: فيمن أخدم عبده رجلاً أجلاً فمات الرجل قبل انقضاء الأجل] ومن المدونة قال مالك: وإن أخدمت عبدك رجلاً أجلاً مسمى فمات

الرجل قبل انقضاء الأجل, خدم العبدُ ورثته بقية الأجل إذا لم يكن من عبيد الحضانة والكفالة وإنما هو مِن عَبيد الخدمة, ومَن قال: قد وهبتُ خدمة عبدي لفلان, ثم مات فلانٌ, فإنَّ لورثته خدمةَ العبد ما بقيَ إلا أن يُستدل مِن قوله على أنه أراد حياة المخدم. قال أشهبُ: الخدمة هاهنا إنما هي حياة فلانٍ, ولو كان إنما أراد حياة العبدِ لكانت الرقبة للموهوب له الخدمة. م: وقال بعض أصحابنا: وقولُ ابن القاسم جيدٌ, وليس كهبة الرقبة؛ لأنه بيّن ما أراده مِنْ هبة الخدمة فقط دون مالٍ يموتُ عنه العبدُ, وأرش الجنايات عليه, هذه أبقاها لنفسه فلا يلزمهُ ما قال أشهبُ مِنْ أنها هبةٌ للرقبة. قال ابن المواز: ولو قال في وصيَّته: يخدم عبدي فلاناً. ثم مات ولم يكن وَقَّتَ وقتاً -فليس بين أصحابنا فيه اختلافٌ عَلمتُهُ-: إن ذلك حياة المخدم, وهو إن شاء الله قولُ ابن القاسم وأشهبَ. محمد: ومَن أوصى لرجل بخدمة عبده حياتَه, وأوصى بوصايا لغيرِه فلم يدَع غير العبد, فأجاز الورثةُ الوصيةَ بالخدمة, فليُبع ثلث العبدِ, فيتحاص في ثمنه أهلُ الوصايا وصاحب الخدمة بالتعمير. م: بثلُث الخدمة. فما صار له أخَذَه بتلاً, ثم يستخدم ثُلثَي العبد حياته, ثم يرجع إلى الورثة. وقاله أصبغ.

[الباب الثالث] فيمن أوصى بوصايا لقوم وبباقي الثلث لآخرين

[الباب الثالث] فيمن أوصى بوصايا لقوم وبباقي الثلث لآخرين. قال مالك: ومَن أوصى بخدمة عبده لرجل حياتَه, وما بقي من ثُلثُه فلفلانٍ, وكان العبدُ هو الثلث بُدئ بالخدمة, فإذا انقضت الخدمةُ كانت الرقبة لصاحبِ باقي الثُلث. قال ابن القاسم: زادت قيمتُه الآن أو نقصَت. قال مالك: وكذلك مَن قال: داري حبسٌ على فلان, وما بقيَ من ثُلُثي فلفلان, والدار كفافُ الثلُث, فإذا رجعت الدار كانت لصاحب باقي الثلُث. [م:] ولو مات العبد قبل التقويم لأحيى بالذكر, وأضيفت قيمته إلى ما بقيَ, إن كان هو الثلث فلا شيء للموصَى له ببقية الثلث, ولو أوصى مع ذلك بوصايا أُخرجَت الوصايا من ثُلُث ما بقيَ, ثم أحيى الميت بالذكر وحُسب مع الوصايا, فإن بقيَ بعد ذلك بقيةً منَ الثلث أَنفذتُ للموصىَ له ببقية الثلُث, وإن لم يبقى شيء فلا شيء للموصىَ لَه. قال ابن المواز: وإذا كان العبدُ في المسألة الأولى أقل من الثلث يوم النظر والحكم, كان للموصىَ له ما بقي من الثلث ما فَضَلَ من الثلث عن قيمة العبد, ومرجع العبد أيضاً متى ما رجع إن كان هو باقياً, أو إلى ورثته مِن بعده إن كان ميتاً, وإن كان العبد يوم النظر في أمره أكثرَ منَ الثلُث خُيَّر الورثةُ: فإن شاءوا أجازوا للمخدم العبدَ كلَّه يخدمه حياته على أنه إذا رجع كان ما حمل

الثلُث منه اليومَ ليس يومَ يرجع للموصَى له بما بقيَ منَ الثلُث, وإن أَبَوْا فليقطعوا للمخدم بثلُث مال الميت منْ كل شيء تركه [127/ب] بتلاً, وتسقط الوصيَّةُ بباقي الثلث. م: ونزلت عندنا فيمن أوصى أن يكاتبَ عبده بستين ديناراً, وبباقي ثلُثه لفلان والعبدُ كفافُ الثلُث أو أقل, ورضيَ العَبد بالكتابة, فقال جماعَةُ من أصحابنا: إنَّ الكتابةَ تكون لصاحب باقي الثلُث, وكذلك إن بقيَ بعدَ قيمة العبد من الثلث شَيءُ, فإنه يكون له مع الكتابة؛ لأن العبد إذا كان كفاف الثلث يوم التقويم فقد استوفى الميت ثُلُثه, والورثة الثلثين, فلا شيء لهم منَ الكتابة ولا حجةَ لهم أن الميت أخرج أكثرَ منْ ثُلُثِه؛ لأنَّ الكتابة غلةُ ذلك الثلُث, فهي كبقيته, فلا شيء للورثة فيها, ألا ترى أنَ المريضَ إذا كاتَبَ عبده بألف وقيمَةُ رقبته مئةُ وذلك كفافُ الثُلُث, وأوصى بكتابته لرجل: إن الكتابة والوصيَّةَ جائزةٌ؟ فَلما خرج العبد منَ الثلُثَ لم يُرَاعُوا ما يُقبَضُ منه منَ الكتابة؛ لأن ذلك غلةُ ما خرج منَ الثلُث, وكأنه لم يُخرج إلا ثُلُثه فقط. وقد قيل في هذه المسألة: إنه يَجعل قيمةَ الكتابةِ في الثلُث, وإن كانت أكثرَ من قيمة الرقبة, فإذا حملها الثلثُ بعد إسقاط قيمة الرقبة من مال الميت جازت الوصية والكتابة, يريد: وإن كان ذلك كلُّه أكثرَ منَ الثلُث, ولا يجوز أن تُقَوَّمَ الرقبةُ والكتابةُ في الثلُث, فاعلَم ذلك. [(1)] فصل [في مسألة الباب من العتبية, وكيف إن مات العبد الموصى به أو رد أحد أهل الوصايا وصيته] ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: قال مالك: فيمن أوصى بوصايا لقومٍ وأوصى ببقية ثلُثه لرجل, ثم أقام أيَّاما فأوصى بعتق رقيقٍ له وأوصى بوصايا لقوم آخرين, ولم يُغَيَّر منَ الوصيَّة الأولى شيئاً ثم ماتَ, قال مالك: يُبدأ بالعتق, ثم يكون أهل الوصايا الأولين والآخرين في الثُلث سواءً, إن وَسعَهُم

أخذُوه, وإلا تحاصوا فيه بقدر وصاياهم بعد العتق, ولا يكونُ للموصىَ له ببقيَّة الثلُث شيءً إلا بعد العتق, وبعد أخذِ أهل الوصايا الأولينَ والآخرين وصَاياهم. قال ابن القاسم: وإن مات أحدُ العبيد أو استُحق فأخذوا له قيمةً, أو رَد أحدٌ من أهل الوصايا وصيته, لم يكن للذي أوصى له ببقية الثلث في ذلك شيءٌ, ويدخل في الثلث قيمةُ الميت وثمن المستحق ووصية الرَّادِّ, ويكون ذلك للورثة, فإن فَضَلَ بعد ذلك شيءٌ منَ الثلَث أخذَه, وإلا فلا شيء له. وقال: فيمن أوصى لرجل بعشرةٍ, ولآخرَ بعشرة, ولآخرَ بعبده, أو أوصى بعتقه, ولآخَرَ ببقية الثلُث فمات العبدُ قبل النظر في الثلُث, فإنه يُنظَرُ في ذلك؛ فإن كان الثلُث -بالعبد- قدر العبد والعشرتين, فلا شيءَ لصاحب باقي الثلُث, وإن كان ثُلُثه قدرَ قيمة العبد فقط, زال صاحبُ باقي الثلث, ورجع صاحبا العشرتين فأخذا وصيَّتَهما من ثُلُث ما بقيَ بعد العبد أو ما حمل منهما؛ لأن ما هلك من التركة كما لم يكن, وإنما اعتبرنا قيمتَه لصاحب باقي الثلث [ليعلم بذلك قدر وصيته كأن وصيته إنما كانت بعد العبد] , ولو لم يُوص بباقي الثلُث كانت الوصايا في ثُلُث ما بقيَ, وأُلغيَ العبدُ. قال في كتاب ابن الموَّاز: يأخذُ أهل التسمية ما سُمِّيَ لهم من ثُلُث ما بقيَ بعد العبد كأنه لم يكن, ثم يُحيى العبد الميت بالذكر, فتضم قيمته إلى ما ترك

الميتُ, ثم يُخرج من ثلُث الجميع: العبدُ والوصايا, فإن بقيَ بعد ذلك شيء منَ الثُلث كان لصاحب بقي الثلُث, وإلا فلا شيءَ له. ومن المجموعة [128/أ] قال علي وابن وهب وابن القاسم عن مالك: ومَن أوصى بعتق عبده ولرجل بباقي ثلثه, فمات العبد قبل النظر فيه, قال: يُقَوَّمُ وتُضَمُّ قيمتُه إلى باقي المال, ثم يُنظَرُ ثلثُ ذلك, فيُطرح منه قيمةُ العبد, فما بقيَ, فهو كلُّه للموصَى له بباقي الثلث, وقاله ابن كنانةَ. وقال المغيرة: يُنظَرُ إلى قيمة العبد صحيحاً فيُطرَحُ من ثلُث ما بقيَ من مال الميت سوى العبد, فإن بقيَ منه شيءٌ كان لصاحب باقي الثلث. وقال علي: ولو أوصى مع ذلك بعشرةٍ لرجلٍ, حملت قيمة العبد على بقيَّةِ المالِ, ثم أزلت من ثلُث الجميع قيمة العبد, ثم العشرة فما بقيَ فلصَاحب باقي الثلث, فإن لم يكن فيه بعدَ العبد عشرةً نُظرَ إلى ثلُث المال غير العبد فأُعطىَ منه صاحب العشرة عشرةً, وكان ما بقي للورثة. وقال عبد الملك: موتُ العبد في الوصايا المسماة من رأس المال, وفي الذي له باقي الثلُث منَ الثلُث. م: وهذا هو الأصلُ, فاعتمد عليه, ووجه ذلك أن الموصَى له ببقية الثلث قد خصه إن كذا وكذا مبدأُ عليه, وإنما له ما بقيَ بعده فكأنه إنما أوصى له بتلك البقية لا يعدوها, فسواءٌ هلكت تلك الوصايا المبدأَةُ أو بقيت, إنما لهذا ما

بقيَ بعد تقدير إخراجها, كذلك أراد الميتُ, والوصايا المسماة لم يخصَّها بشيء, وإنما قال: لفلان كذا, وعبدي حرٌ, ولفلان كذا فإن مات العبد قبل ذلك فكأنه لم يُوص فيه بشيء وبقيَ من قوله لفلان كذا, فوجب أن تكون من ثُلُث ما بقيَ والآخَرُ إذا مات العبدُ بقيَ من قوله لفلان ما بقيَ بعد العبد, فوجب أن يكون كذلك, والله أعلم. قال على عن مالك: وإذا أوصى لرجل بمالٍ, ولآخرَ بباقي الثلُث فمات الموصىَ له بالتسمية قبل موت الموصي ولم يعلم به, فإنما لصاحب الثلُث ما بقيَ بعد إخراج التسمية منَ الثلث, ثم تعود التسميةُ ميراثاً. وقال في التي أوصَت بعتق أمةٍ لها, وبعشرةٍ لفلان, وخمسةٍ لفلان, وباقي الثلُث لفلان, ثم صحت فأعتقت الأمةَ, وماتَ الموصَى لهم بالمال, ثم ماتت هي, فلصَاحب باقي الثلُث ما بقيَ بعد قيمة الجارية, وبعد الخمسةَ عشرَ. ومن العتبيَّة والمجموعة قال ابن القاسم: قال مالك: فيمن قال: اكتُبوا ما بقيَ من ثُلُثي لفلان, فإني أريد أن أُوصيَ غداً فمات قبل أن يوصىَ, فلا شيء لفلان. قال ابن القاسم: لأنه لا يدري أن لو أوصى, أيبقى له شيء أم لا؟ وقال أشهب في العتبية: له الثلثُ كلُه. قال عيسى عن ابن القاسم: ولو أوصى لرجلٍ بعشرة دنانيرَ, ثم قال: أنا أريد أن أوصيَ غداً, ولكن اشهدوا أنَّ ما بقيَ من ثُلُثي لفلان, ثم مات قبل أن يوصىَ, فلا شيءَ لَهُ.

[الباب الرابع] فيمن أوصى بشيء مجهول وأوصى معه بوصايا

[الباب الرابع] فيمن أوصى بشيء مجهول وأوصى معه بوصايا. قال مالك رحمه الله: ومَن قال في وصيَّته: قِدُوا في هذا المسجد مصباحاً أقيموه له, وأوصى مع ذلك بوصايا, فليحاص للمسجد بقيمة الثلُث, ولأهل الوصايا بما سمى لهم في الثلُث, فما صار للمسجد في ذلك من المحاصة وُقف له, فيستصبح به فيه حتى ينجز. قال سحنون: وقاله الرواة. قال ابن الماجشون في المجموعة: ومَن أوصى بما لا أمد له في غير شيء وأوصى بوصايا غيرها, فإنه يُضرَبُ للمجهُولات كُلِّها بالثلُث وكأنها صنفٌ واحدٌ, ولو لم يوص بغير المجهولات قُسِّم الثلُثُ [128/ب] على عدد المجهولات. م: وقال بعضُ الفقهاء: إذا أوصى بوقيد قنديل في مسجد كلَّ ليلةٍ للأبد, وأن يسقى كل يوم راوية ماء, فعلى قول مَن قال: يَضربُ للمجهولات كلّها بالثلُث يجب أن يُنظَرَ كَم ثمنُ راوية كل يوم, وكم ثمن وقيد قنديل كل ليلة, فيقسم بينهما على قَدر ذَلكَ. م: وهذا خلاف ما ذكرَ ابنُ الماجشونَ: لأنه قال: يُقسم الثلُث على عدد المجهولات, ووجه هذا: فلأن كُلَّ مجهولٍ لو انفرد لضُرب له بالثلُث, فإذا اجتمعوا قُسِّم الثلث على عددهم. قال: وقد قيل: يَضربُ لكل مجهول بالثلُث, فعلى هذا يجب أن يُقسم الثلث بينهما نصفين لتساوي الضرب بينهما؛ إذ كُلُّ واحد منهما ضرب له بالثلث.

ومن كتاب ابن المواز وأراه لأشهب: ومن أوصى أن يُنفَقَ على فلان درهم في كل شهر, أوصى بعتق, وحَمَلانٍ في سبيل الله, وأن يُتصدق بدرهم كل شهر, فليعمَّر صاحب النفقة ويحاص له بدرهم كلَّ شهر مبلغ تعميره, ويحاص للفرس والعبد بقيمة وسطة, ويحاص للصدَقة بالدرهم كل شهر بالثلث كُلِّه, وإن قلتَ بالمال كله كان حسناً, فإن خرج نصفُ وصاياهم أنفق على الموصَى له بدرهم كل شهر نصفَ درهمٍ, وأما الصدقةُ بدرهمٍ كلَ شهرٍ فيُتصدقُ بدرهم كاملٍ كلَ شهرٍ؛ لأن تعجيل الصدقة أفضلُ, وإن لم يصر للعبد والفرس ما يُشترى به ذلك, أُعين به فيهمَا. وذكر ابن القرطيى أن أشهبَ يرى أن يُحَاصَّ بما أوصى به مما لا أمد له من وقيد مسجدٍ أو سقي ماءٍ بالمالِ كُلَّه.

[الباب الخامس] فيما يختلع لأهل الوصايا فيه من الثلث, والوصية بالعين والدين

[الباب الخامس] فيما يُختَلع لأهل الوصايا فيه منَ الثلُث, والوصيَّةُ بالعين والديْن [(1) فصل: فيما يختلع لأهل الوصايا فيه من الثلث] قال مالك: ومَن أوصى بسكنى داره لرجل -ولا مال له غيرُها- قيل للورثة: أسلموا له سكناها, أو فاقطعوا له بثلُثها بتلاً, إن أوصى أن تؤجرَ أرضُه سنين مسماة بثمن معلوم, وقيمة الأرض أكثرُ من الثلث ولم يُجز الورثةُ, قيل لهم: فأخرجوا له من ثلُث الميت بتلاً بغير ثمن. م: وحَكَى لنا بعضُ فقهاء القرويينَ أنه قال: ولو أوصى أن تكرى أرضُه من رجل, ولم يُسَمَّ ما تكرى به منه, والثلُث يحملها فبذلها الورثة للموصَى له بحطيطة ثلُث الكراء, فلم يقبل إلا أن يُحطَ عنه أكثرُ, فإنّ الورثة إن لم يكروا منه بما قال قطَعوا له بثُلُث الأرض يزرعُها بغير كراء, ولو لم يحملها الثلثُ وأبى الورثةُ أن يحطوه ثلثَ الكراءَ -م: يريد: أو أبَوا أن يُكْرُوها منه- فليَقْطَعُوا له بثُلُث الميت من كل شيء تَرَكهُ, ولو سَمى الميت أن تُكرى منه بكذا لم يُحط من تلك التسمية شَيءٌ. وفي كتاب محمد: وإن أوصى بدنانيرَ, وله دُورٌ وعينٌ, والوصيةُ تخرج من ثلُث الجميع, فذلك جائزٌ, ولم يَجعَل للورثة حجةٌ في أن الميتَ جمع ثلُثَه في العين وعوضهم عن ذلك العروضَ. وفي غير كتاب محمد: إنهم مُخَيّرُونَ إن شاءوا دفعوا الدنانيرَ أو قطعوا له بثلُث الميت في الدنانير والعروض.

وقال بعض فقهاء القرويين: ينبغي إن كانت عروضاً لا مشقة في بيعها: أن ذلك لازمٌ لهم, كما للميت أن يقصد بثلُثه داراً من دوره أو عبداً من عبيده ولا كلام للورثة, فكذلك له أن يجعل ثُلُثه في العين, إذ لا مشقةَ عليهم ولا ضرَرَ في بيع ذلك العرض, وأما لو كانت العروضُ أو الدورُ يشق بيعها ويطول, فإنهم مُخَيَّرُونَ في إجازة ذلك, أو يقطعوا له بالثلُث في كل شيء. [المسألة الأولى: فيمن أوصى بوصايا وله مال حاضر ومال غائب ولا تخرج الوصايا مما حضر] ومن المدونة: ومَن أوصى بوصايا وله مال حاضر ومال غائبٌ ولا تخرج الوصايا مما حضر, خُيَّر الورثةُ بين إخراجها مما حضر, أو إسلامِ ثلُث الحاضر وثلُث الغائب لأهل الوصايا يتحاصون فيه. قال مالك: وكذلك إن أوصَى لرجل بمئة دينارٍ, وله دُيُونٌ, زولا تخرج المئة من ثُلُث ما حضر, خُيِّر الورثة بين أن يُعَجلُوا له المئة [129/أ] مما حضر أو يقطعوا له بثلث الميت في الحاضر, فإذا خرج الدَّينُ أخذ ثُلُثه. قال عبد الملك في المجموعة: وقد أعتق النبي صلى الله عليه وسلم ثُلثَ العبيد الذينَ أعتق الميتُ جميعَهم فمنع بعضهم العتقَ, والميت قد أشاعه في جميعهم, قال: وعلى هذا جماعة أهل المدينة. واحتج غيرُه في غير المجموعة بما وافقنا به المخالفُ في جناية العبد بما يقل أرشُه, فيأبى سيَّدُه أن يفديَه ويسلمه, فيُسلمُ كثيراً في قليل إذا أبى أن يفديَه,

فكذلك على الورثة للميت في إسلاَم وصيتِه أو إسلام ثُلُث تَركتَه. [(2) فصل: في الوصية بالعين والدين] [المسألة الأولى: فيمن ترك مئة عيناً ومئة ديناً فأوصى لرجل بثلث العين ولآخر بثلث الدين] ومن المدونة قال مالك: وإن لم يترك إلا مئة عيناً ومئة ديناً, فأوصى لرجل بثُلُث العين, ولآخَرَ بثُلُث الديْن, فذلك نافذٌ, ولكل واحد ثُلُثُ مئته بلا حصاص, وإن أوصى لهذا بخمسين منَ العين, ولهذا بأربعين منَ الديْن, فإن لم يُجز الورثة أسلموا ثلثَ العين وثلثَ الدين إليهما, ونُظر كم قيمة الأربعين الدين نقداً, فإن قيل: عشرون. كان ثُلُث العين والدين بينهما على سبعة أجزاء: للموصَى له بالعين الخمسينَ خمسةُ أجزاء, وللموصًى له بالأربعين الدين جزءان, فهكذا يقتسمون ثلُث الحاضر وثُلُث الدين على سبعة أسهُم كما وصفنا. محمد: قال مالك: وإن لم يترك إلا مئة عيناً ديناً, فأوصى لرجل بنصف العين, ولآخَرَ بنصف الدين أو بثُلُث هذه وثلُث هذه, أو بعدد من هذه ومنَ الأخرى بعددٍ مثله, أو لهذا بالمئة العين ولهذا بالمائة الدين, فلكل واحدٍ ما سمى له من مئته إن حملَه الثلُثُ, وإلا فلكُل واحد ثُلُثُ مئَته, فأما إن خلف غيرَ المئتين ولا يخرج ما سمى من الثلُث, فلا بد أن يُخيَر الورثةُ فيجيزوا أو يسلموا الثلُثَ من كل شيء فيتحاص فيه صاحب العين بعدد وصيته, وصاحب الدين بقيمة وصيته. وقاله ابن القاسم وأشهبُ في المجموعة. قالا: وكذلك لو ذكر لهذا منَ العدد في العين خلاف ما سمى للآخَر من الدين, ولم يحمل الثلُث ذلك, كان التخييرُ للورثة, فإن لم يجيزوا أسلموا ثلُثَه فيتحاصان

فيه بعدد العين وقيمة الدين. قال سحنون: سواء اتفقت وصيتُهما أو اختلفت إذا لم يُجز الورثةُ قطعوا لهما بالثلُث فيتحاصان فيه في العين بعدده, وفي الدين بقيمته, ألا ترى لو أوصى بمئة الدين ولم يُجز الورثةُ لضيق الثلث أنهم يقطعون للموصًى له بالثلث, ولا يكون كَعرضٍ بعينه لَهُ فيه. م: وقولُ سحنون موافقٌ لما في المدونة, ونحوُه لابن القاسم في المستخرجة. [المسألة الثانية: فيمن ترك ديناً وعيناً فأوصى بالعين أن يخرج عنه وقيمة الدين مثل العين, وكيف إن أوصى بالدين] م: قال ابن القاسم: إذا ترك الميت دَيناً وعًيناً, فأوصى بالعين أن يُخرج عنه, وقيمة الدين مثل العين, قال: لا يلزم ذلك الورثةَ لتعذر بيع الدين أو لغيبة مَن هو عليه, فلا يجوز بيعُه, فيصير الميت قد أخذ منهم ما هو ناض وأبقى لهم ما عليهم من ضررٌ. وأما لو أوصى بالدين وقيمته الثلث لجاز؛ لأنَّ الدينَ كالعرض, فكأنه أوصى بعرض قيمته الثلثُ؛ مثل أن يترك عيناً ومئةً ديناً, وقيمة المئة الدين خمسون, فوصيتُهُ بها جائزة ولا كلامَ للورثةِ, ولو لم يحمل الدين الثلث لخُيَّرَ الورثةُ, فإما أجازوه أو قطعوا له بثُلُث العين والدين, وقيل: يقطع له بالثلث في الدين كالعرض الموصىَ له به ولا يحمله الثلث أنه يُقطع له فيه. وروي عيسى عن ابن القاسم: فيمن أوصى لرجل باثنى عشر ديناراً, هي له عليه -وهو معدَمٌ- وأوصى لآخرَ باثنى عشر عيناً تركها لا مال له غير ذلك فلك يُجز الورثة, قال: يُخرج ثلث الاثنى عشرَ العين, وهي أربعةٌ لأهل الوصايا,

ويكونُ ثُلُثَاها ثَمانيةٌ للورثة, ثم يُنظرُ كم قيمةُ الاثنى عشر الدين الساعة, فإن كان أربعةً ضَرب الذي أُوصي [129/ب] له بالاثنى عشر الدين بأربعةٍ؛ لأنها وصيتهُ, وضَرب الموصَى له بالعين باثنى عشر, عدد وصيته في هذه الأربعة التي هي ثلث العين, فيصير للموصىَ له بالعين منها ثلاثةٌ فيأخذها, ويصير للآخَر دينارٌ, فيوقَفُ ويطرح عنه مثلُه من الدين, ثم يرجع إلى ثُلث الاثنى عشر الدين, فيعاد فيها الضرب كما صُنع في الأولى: يضرب الذي هي عليه بأربعة, والآخر باثنى عشر يضربان بذلك في ثُلُثها, وثُلُثُاها للورثة, فثُلُثُها أربعةٌ فيصير لصاحب الاثنى عشر ثلاثَةٌ, ولصاحب الأربعة واحدٌ فتطرح عنه من الدين الذي هو عليه, وقد طُرحَ عنه آخَرُ مكان الدينار الذي صار له من العين في المحاصة فتبقى عليه عشرة, ثم يرجع الورثةُ والذي أوصىَ له بالعين إلى الدينار الذي أوقف فيتحاصون فيه بمقدار ما ناب كل واحدٍ من الاثنى عشر الدين, فيضرب فيه الورثة بقدر موارثيهم وهو ثمانية, والموصىَ له بالعين بثلاثة أسهمُ التي صارت له بالمحاصة فيها, ولا يضربُ الموصَى له بالدين بشيءٍ فيه؛ لأنه قد ضرب فيه مرة, وإنما هذا شيء صار له في المحاصة وأخذ منه في الدين الذي عليه ثم ما اقتضى من العشرة الباقية عليه فعلوا فيه مثل ذلك سواء, ولا يدخل الذي عليه الدين معهم في شيء من ذلك. قال ابن القاسم فيها وفي المجموعة: ولو كانت له مئة ٌعلى ملئ ومئة على مُعدَم, وترك مئة عيناً لا غير, وأوصى للغريمين, لكل واحد بما على صاحبه

ولم يجز الورثة, فليتحاصوا في ثُلثِ المئة الحاضرة, وثلث المئتين الدين. قال في المجموعة: يُنظَرُ إلى قيمة المئة التي على المليء إن كانت لم تَحُلُ أن لو بيعت بالنقد, فإن قيل: ستُّونَ, وقيل في التي على المعدم ثلاثون, فثلثَا الثلث للمعدم, وثلُث الثلث للمليء من عينٍ ودين, فصار للمعسر مما على الموسر ثلثا ثلثه, وذلك اثنان وعشرون ديناراً وتسعا دينارٍ, وللموسر مما على المعسر ثلثُ ثلثه وهو أحدَ عشرَ وتُسع, وليس له أن يقاصه بهَا, لأنَّ عليه دَيناً للورثة, فيُؤخَذُ من الموسر ما كان للمعسر فيُضم إلى ما للمعسر بالحصاص من المئة الناضة, وذلك اثنان وعشرون وتُسُعَان أيضاً, فيكون الجميع أربعةً وأربعين وأربَعَةَ أتساعٍ, يتحاص في ذلك كله الورثةُ والموسر بقدر ما للكُل واحد عند المعسر. م: يريد: الذي للموسر على المعسر أحدَ عشر وتُسعٌ, وللورثة عليه ستةٌ وستون وثلُثان, ثلُثا المئة التي عليه, فيقتسمون ذلك على سبعة أجزاء, للورثة ستةُ أجزاء وللمليء جزءٌ, فيقع للورثة من ذلك ثمانيةُ وثلاثون وستةُ أسباع تسعٍ, وللمليء ستةُ وثلاثون أسباع وسبع تسع.

ويسقط عن المعدَم جميع ما أوصى له به وذلك تُسُعَا كل مئة, وهو ستة وستون وثُلُثان, وتبقى عليه ثلاثة وثلاثون وثلُثُ, فكل ما اقتضى منه بعد ذلك من شيء فيقتسمه الورثة والمليء على سبعة أجزاء كما وصفنا. قال ابن القاسم: ولو كانت المئةُ التي على المليء حالةً لضرب المعسر في الحصاص بعددها بعد أن تُؤخَذَ منَ المليء فتضمُ إلى المئة الأخرى, فيكون كمن ترك مئتين عيناً ومئة ديناً على عديم, فأوصىَ بالمئة الدين لرجل, وبمئة منَ العين لآخَرَ, فيُعمل فيه على ما مضى منَ التفسير. م: وهذا كله موافقٌ لما في المدونة. وذكر ابن المواز المسألة فقال: إذا كانت له مئةٌ على مليء, ومئة على معدَم, وأوصى لكل واحد بما على صاحبه, قال: هذا بمنزلة ما لو أوصى بكل مئة منهما لأجنبي, فإن حمل ذلك الثلثُ, فلكل واحد مئتُه التي أوصى له بها بعينها, وإن لم يكن له غيرُهما واستوت وصيتُه من كل مئة بعددٍ أو جزءٍ أكثرَ منَ الثلث,

قُطع لكل واحد منهما بثُلُثِ مئته [130/أ] التي أوصى له بها بعينها, ولا يشتركان في كل مئة, ولا حصاص بينهما, وإنما يشتركان أبداً أن لو كان للميت شيءٌ آخَرُ غيرُ المئتين الدين, ولا تحمل وصيتُه الثلث, ولا يجيز ذلك الورثة؛ لأن هاهنا يُقطع لهما بالثلث, فيكونان شريكين بما قُطع لهما, ويتحاصان بقيمة وصية كل واحد؛ لأنهما إذا شاركا الورثة في كل شيء, لم يقدر على إنفاذ الوصية بعينها فيما أوصى لهم به بعينه. قال محمد: وقولُ مالكٍ وابن القاسم وأشهبَ أنه لا يُقَوَّمُ الدين الموصىَ به وإنما يحسب عدده, فإن خرج ذلك من الثلُث, وإلا لم يكن بُدُّ من قطع الثلث من كل شيء بعينه, إلا أن يُنَفذَ الورثة الوصيةَ. وأنا أستحسن إن كان الدين إذا قُوِّمَ خرج منَ الثلُث قومتُه بالنقد, ثم كان لكل واحد مئتُه بعَينِها, وإن لم يخرج لم أُقَوِّمهُ. ومذهب المغيرة المخزومي وابن وهب: يُقَومُ الدين الموصىَ به على كل حال, فإن خرج, وإلا كانت المحاصة على القيَم, وساويا بين الوصية بالدين لهما أو لغيرهما. وأنا أرى أنه مفترقٌ؛ فإن أوصى به لغير مَن هو عليه, فإنه يُقَومُ وإن لم تكن معه وصيةٌ لغيره, وإن أوصى به لمن هو عليه, فإن كان حالاً ولم تكن معه وصية لغيره فلا يُقَومُ, ويحسب عددُه في الثلُث؛ لأنه كالحاضر؛ إذ يتعجله لنفسه مكانَه, وإن كان معه وصيةُ وهو عديمٌ, فلا بُدَّ

منَ التقويم في ضيق الثلث؛ لأنه كالأجل, وكذلك إن كان إلى أجل قُوم, فإن خرج من الثلُث, وإلا خُلعَ الثلثُ من كل شيء إذا لم تُجز الورثة. قال: ومَن أخَذَ بقول مالك في الدين أنه إنما يُحسب عدده ولا يُقومُ, فإنما ذلك إذا لم يُوصَ معه لغيره, فأما إن أوصى لغيره فلا بد منَ التقويم في ضيق الثلُث للمحاصة, قال مالك وابنُ القاسم والمغيرة وابنُ كنانةَ وأصحابُ ابن القاسم. قلت: فإن كان له على رجل عشرونَ ديناراً فأوصى له بتركها, وله ناض ثلاثون ديناراً, ولم يوص لغيره والدين حالٌ, فأسقط عن الغريم ستةَ عشرَ ديناراً وثُلثَي دينارٍ, وهو ثُلثُ الجميع, ويتبَعُه الورثةُ بما بقيَ عليه من دينهَ وهو ثلاثة دنانيرَ وثُلثُ دينارٍ, وإن كان الدين لم يَحل فإنه يُقَومُ, فإن خرج منَ الثلُث نفذت له الوصيةُ, وإن لم يخرج خُيَّرَ الورثةُ بين إنفاذ ذلك أو القطع له بثُلُث الميت, فيعطى ثلُثَ الحاضر مُعَجلاً ويسقط عنه ثلثُ الدين, فإذا حل الأجلُ اتبعوه بثُلُثَي ما عليه الدين. قلت: فإن أوصى معه لغيره بثلث ماله والدين حالٌ, كيف يُقَومُ؟ قال: أما

إن كان الذي عليه الدينُ موسراً, فإن ذلك يُؤخَذُ منه, فلا يكون فيه تقويمٌ, وإن كان عديماً فهي كالآجلة, فلا بد من تقويمها بالعَرض أو الطعام نقداً, ثم يُقَومُ ذلك بالعين نَقداً, فإن كان قيمة ذلك خمسة عشرَ -كأن جميعَ مالِ الميت خمسةٌ وأربعونَ, فالثلثُ الذي أوصى به خمسةَ عشر- وقيمة الدين الذي أوصى بَتركه لمن هو عليه خمسةَ عشرَ, فصار الثلثُ بينهما نصفين, فيُترك للذي عليه الدين نصف ما عليه, ويؤدي ما بقيَ, ويكون صاحب الثلث شريكاً للورثة في سائر مال الميت مما بقيَ على هذا المديان وغيره على خمسة أجزاء, للموصَى له جزءٌ وللورثة أربعةُ أجزاءٍ, وفيه وجهُ آخَرُ أنهما يشتركان في ثلُث الدين, وثلث العين فما صار للذي عليه الدينُ من العين أخَذَه شريكُه في الوصية, والورثة يقتسمونه على خمسة أجزاء ويسقط عن المديان مثلُه مما بقيَ عليه؛ كالجواب [130/ب] إذا لم يحل الدينُ. م: وهذا خلافُ الوجه الأول. قال محمد: وإذا لم يحل الدينُ ولم يُجز الورثة, فلا بد للورثة من أن يقطعوا لهما بثلُث العين والدين, فيكون ذلك بين الموصىَ لهما فما صار للذي عليه الدينُ سُلم إليه, فإذا حل ما عليه من الدين أتبعه الورثةُ والموصىَ له بالثلث بما بقيَ لهم عليه, وذلك ستةَ عشرَ وثلثان, فيقتسمان ذلك على خمسة أجزاء للموصىَ له سهمٌ, وللورثة أربعةُ أسهُمٍ. قلتُ: فلو كانت له عشرةُ دنانير على موسر, وعشرة على معدَم, وله عشرةٌ أخرى ناضة, فأوصى بما على الموسر لرجلٍ, وبما على المعدَم لرجل آخَرَ, قال: لو لم يكن له غيرُ العشرتين الدين, لكان لكل واحد منهم ثلثُ عشرته التي أوصى له بها؛ لأنه استوت وصيتُهما من كل عشرة, فأما إذا كان له سواهما مما لا يُخرج

العشرتين منَ الثلُث, ولم يُجز الورثة فلا بد أن يُقطع للموصىَ لهما بثُلُثِ كل عشرةٍ من الناض والدين فيقتسمان ذلك على قدر قيمة عشرة كل واحد منهما, ويصير للورثة ثلُثا كل عشرة, وكذلك إن كانت العشرتان إلى أجل ولم يحلا, فليقتسما ثلثَ الناضبة بينهما على قدر قيمة عشرة كل واحد منهما, وكلُّ ما حلت عشرةٌ أخَذَ الورثةُ ثلثيها واقتسم هذان ثلُثَها على ما وصفنا. وكذلك لو أوصى بما على الموسر للمعسر وبما على المعسر للموسر, قال: ولو أوصى لكل واحدٍ بعشرته التي عليه وقد حلتا لقطع لكل واحدٍ بنصف عشرته التي عليه, فيستوعبان بذلك ثلث الميت, إلا أن يكونَ ما على المعدَم مما لا يُرجى فلا تكونُ له قيمةٌ, وكأنه لم يوص لصاحبهما بشيءٍ ويُقطع لصاحب العشرة التي تُرجى بثلثيهما, سبعةٌ إلا ثلثاً. قلت لمحمد: وقد كنا نعرف من قول مالك إذا أوصى بما على المليء للمعدَم وبما على المعدم للمليء, وله عشرةٌ ناضَّة أن يكونَ لكل واحدٍ ثلثُ العشرة الموصىً له بها, ويكون ثلُث الناضَّة بينهما نصفين, قال: كنت أقول به, وقال به مَن أرضى, ثم رأيته لا يعتدل, وإن اعتدل إذا حَلتا لم يعتدل إذا لم يحلا أو حل أحدُهما؛ لأنك تجعل للمعدَم نصيبَه من العين ويُقطع له مما عليه فقد استوفى وصيته ولم يستوفِ الورثةُ ما لهم. والصوابُ أن يُقطَعَ لهما بثلُث كل مئةٍ

فيتحاصان في ذلك على القيم, أوصى بذلك لمن ذلك عليه أو لأجنبي. قال: ومن أوصى لرجل بعشرة دنانير, وليس له إلا مئة دينارٍ ديناً فيقبض من المئة عشرةً, فلا يُجيزُ الورثة في دفعها أو القطع له بثلُث الميت؛ لأن الميت قد علم أن جميعَ ماله دينٌ, فإنما أشركه في المئة بعشرةٍ, ولم يقُل من أولها ولا من آخرها فقد أوصىَ له بعُشرها, ولو كان منَ الميت شيءٌ يدل على تبديَته وقع التخييرُ. قيل: فلو قبض منَ المئة ثلاثينَ, أيُعطَى الموصَى له منها عشرةً؟ فقال: لا يُعطَى منها إلا عُشرُها, ولو كان قبض الميت منها خمسةَ عشرَ قبل أن يموت, أو كان عنده خمسةَ عشرَ من غيرها, خُيَّر الورثةُ بين دفع العشرة نقداً أو القطع له بالثلُث كُله بتلاً, وكذلك لو كانت خمسةً يخيرون بين دفع الخمسة, ويكونُ شريكاً فيما بقيَ بخمسةٍ وبين القطع له بالثلُثِ بتلاً.

[الـ]ـباب [السادس] فيمن أوصى بعتق وله على وارثه دين

[الـ]ـباب [السادس] فيمن أوصىَ بعتق وله على وارثه دينٌ ومن كتاب ابن المواز: وعن امرأةٍ تركت زوجَها وابنَها وتركت مدبرةً أو موصى بعتقها, قيمته مئةٌ ولها على زوجها مئة, وهو عديمٌ, فالمال بينهم على ستة أسهم: سهمان للأمةِ, وهو الثلُث, وربعُ ما بقي للزوج وهو واحد, وثلاثة للابن, فأزل سهم الزوج؛ لأن عنده أكثرَ من حقه, تبقى خمسةٌ يقسم [131/أ] عليها ما حضر وهو قيمة الأمة, للابن ثلاثةُ أسهمٍ, وللأمة سهمان, فَيعتق خمسا الأمة, ويسقط عن الزوج مما عليه ما يخصه وهو ثلث المئة التي عليه؛ لأن له سدسَ جميع التركة فيسقط ذلك مما عليه ويُتبَعُ بما زاد على ميراثه, وهو في مسألتنا ثلثا المئة التي عليه, ثم كل ما قُبضَ منَ الزوج من ثُلُثي المئة الباقي عنده كان للابن ثلاثةُ أخماسه, وخمسة يعتق فيه من بقية الأمة حتى يَكمُل عتق ثلثيها, ويكمل للابن مئةٌ وهي التي له من التركة, ويبقى للزوج ثلث المئة, وهو حقه. قال أصبغ في كتاب ابن حبيب: وإن تركت مع ذلك مئة عتق أربعةُ أخماس الأمة؛ لأن الفريضة من ستة, سهمان للأمة, وثلاثة للابن, وسهم للزوج فأسقطه, ويُقسم ما حضر وهو مئتان بين الأمة والابن على خمسة: فللأمة خمسا المئتين -ثمانون- يَعتق فيها أربعة أخماسها, ولابن المئةُ الناضَّةُ وعشرون في الأمةِ, ويسقط عن الزوج مما عليه بمقدار ما كان يرث منَ المئتين وذلك ثلثُ المئة, ثم كل ما تُقُوضيَ من الزوج شيءٌ مما بقيَ عليه عتق من المدبرة ما يخص خمسيه وقُبض عن الابن ثلاثة أخماسه, فإذا تم عتق الأمة بقيَ للزوج خمسون مما بقيَ عليه وهو حقه, وصار للولد خمسون ومئة, وهو حقه.

محمد: وإن لم يترك غير المدبرة وقيمتُها مئةُ دينارٍ وعلى الزوج أربعُمئة دينار' عجَّل عتق خُمُسي المدبرة, ولو كانت الأربعمئةٍ على الابن, عُجلَ عتقُ ثُلُثي المدبرة, لأن ما حضَرَ منَ التركة بين الزوج والمدبرة سهمان لها, وسهمٌ له. ولو ورثها ابنان وزوج وعلى أحد الابنين دَينٌ قل أم كَثُرَ, عُجلَ من عتق الأمة أربعة اتساعها؛ لأن الفريضةَ من اثني عشر للأمة الثلثُ أربعةٌ, وربع ما بقي: للزوج سهمان, ولكل ابنٍ ثلاثةٌ, فأسقط منهم سهمَ الابن المديان تبقى تسعةٌ: أربعةٌ منها للأمة, ولو كان الدين على الزوج عُجلَ عتقُ خُمُسها, ولو تركت ابناً لها عليه مئةُ دينارٍ, وزوجاً لعُتق ثُلُثا الأمة ويبقى ثُلثُها للزوج, وعند الابن حقه, فكل واحد قد أخذ حقه. ولو كان على الزوج لأجنبي دينٌ مثلُ ما لزوجته, فإن مُصابه من الأمة هو السدس نصفه في دين الأجنبي, ونصفه بين الأمة والابن على خمسة, على ما ذكرنا. وروى أبو زيد عن ابن القاسم: إذا تركت مدبرة قيمتها مئة وخمسون, ولها على الزوج مثلُها, وتركت زوجها وأخاها, أنه يُعجلُ عتقُ نصف الأمة؛ لأن لها ثلثَ نفسها, وثلثٌ للزوج, وثلثٌ للأخ, فيؤخذ ثلثُ الزوج فيما عنده من الدين, فيكون بين الأخ والأمة نصفين, ويبقى على الزوج فاضلاً عن

حقه خمسون بين الأخ والمدبرة نصفين. م: أما الذي في النوادر: ويبقى على الزوج فاضلاً عن حقه خمسون للأخ وخمسون للمدبرة, وليس الأمر كذلك؛ لأنَّ الزوج أخذَ منه ثلثُ المدبرة فيما عليه, فيُسقط عنه بذلك خمسون, وتَسقط عنه خمسون أخرى حصته من الدين, وبقيَ عليه خمسون أُخرى بين الأخ والمدبرة نصفين, خمسةُ وعشرون لكل واحدٍ -فيعمل الأخ في سهمه ما شاء من بَيعٍ وغيره, ويُعجل بيع ما للمدبرة عليه بعرض, ثم يُباع بعينٍ, ويعطى للأخ ليتعجل عتق ما قابل ذلك منها. قال ابن القاسم: وهذا أحبُ إلى من أن يُنسأ ذلك على الزوج فيورثُ حقه أو يُباع أو يُفلس, ولو كان الزوج غائباً بعيد الغيبة لا يُعرف حالُه لم يُبع مما عليه شيء إلا أن يكون قريباً يعرف ملؤهُ من عُدمِهِ, ولو لم يُبع مما عليه شيء ولا أيسر حتى حالت قيمة المدبرة بزيادة أو نقص, ثم أيسر لم يُؤتنف فيها قيمة, والقيمة المتقدمة كحكم نَفَذ, ولو ماتت الأمةُ قبل ذلك وقد تركت المرأةُ زوجَها وابنَها, فإن ما كان لها على الزوج للابن كُله, ولو استوفى منَ الزوج وقد زادت قيمةُ الجاريةِ حتى صارت قيمةُ ثلاثة أخماسها

أكثرَ مما كان, لم يُنظر إلى ذلك, ولم يَعتق منها غَيرُ ما عَتق, ولو قُبض منَ الزوج بعد ما نقصت فَليَعتقَ منها تمام الثلثين, زادت قيمتها أو نقصت, ولو يئسَ مما على الزوج فباع الابنُ ثلاثةَ أخماسها, ثم أيسر الزوج, فَليُنقض من ذلك البيع تمام ثُلُثيها فَيَعيق, زادت قيمتُها أو نقصَت ويرد الابن على المشتري حصة ذلك ولا يُمنَع الابنُ أو الأخُ من بيع ما بيده منها, وإن لم ييأَس مما على الزوج بعُدمٍ أو موتٍ, ولكن إن شاء البيع بُدئَ ببيع ما للمدبرة على الزوج ليُعجل منه عتقُها, ويأخذ الابن ثمنَه, ثم تُطلق يده على بيع ما بقيَ له فيها إلا أن يُيأس مما على الزوج لعدم أو موت فللابن تعجيلُ بيع جميع ما بيده منها, ثم إن طرأ للزوج مالٌ, نُقض من ذلك البيع ما يُتم به عتق ثلثيها, ولو لم يكن عتقٌ وكانت وصيةٌ بمالٍ لرجلٍ أو صدقة, وعلى أحد الورثةِ دينٌ, فالجواب مثلُ ما تقدم في العتق سواءٌ, ويحاصُّ ذوا الوصية الوارثَ الذي لا دين عليه فيما حضر, وسواءٌ كانت الوصيةُ دنانيرَ بعينها أو بغير عينها, فهو سواء عند مالك وأصحابه, إلا شيء ذُكرَ عن أصبَغَ. قال محمد: وقولُ مالكٍ أبيّنُ وأصوبُ. م: ونقلت مسألة مَن رد وصيته أنها ترجع ميراثاً, ويحاصُّ بها أهل الوصايا إلى مسائل مَن مات قبل الموصي في آخر الكتَاب.

[الباب السابع] بقية القول فيما يختلع من الثلث في وصيته بدين أو عين أو شيء بعينه

[الباب السابع] بقيةُ القول فيما يُختلع منَ الثلث في وصيته بدين أو عين أو شيء بعينه. [(1) فصل: فيمن أوصى فقال في وصيته على ثلثه, أو أوصى بأكثر من ثلث ماله الحاضر فأبى الورثة] قال مالك: ومَن أوصىَ لرجل بدين له ولم يحمل ذلك الثلثُ, وأبى الورثةُ أن يجيزوا قطعوا له بثلث العين والدين, وإن أوصى بنقد ولم يكن فيما ترك الميت من النقد ما يخرج وصيته من ثُلث النقد, فقالت الورثةُ: قد عَالَ, وليس له أخذ العين ويعطينا العرض, فإما أعطَوه ذلك من النقد وإلا قطعوا له بثلُث الميت حيثما كان. وأصلُ هذا من قول مالك أن مَن أوصى بوصيةٍ فيها على ثُلُثه, أو أوصى بأكثرَ من ثلث ماله -العين الحاضرِ- فأبى الورثةُ أن يُجيزُوا, فإنهم يُخرجون لأهل الوصايا من ثلُث ما ترك الميتُ من عرض أو عين أو دين أو عَقَارٍ أو [131/ب] غيره إلا في خصلةٍ واحدةٍ, فإنّ مالكاً اختلف قولُه فيها, فقال مرة: إذا أوصى له بعبد بعينه أو بدابة بعينها وضاق الثلثُ, فإن لم يُجز الورثة قطعوا له بثلُث مال الميت من كل شيء, وقال مرة: يقطعون له بمبلغ ثلث جميع التركة في ذلك الشيء بعينه؛ لأن وصيتهُ وقعت فيه. وهذا أحبُّ إليّ, بخلاف الوصيةِ بالخدمة والسكنى. ومن كتاب ابن المواز ونحوه في المجموعة قال أشهبُ إذا أوصىَ لرجل بعبدٍ بعينه ولآخرَ بفرس بعينه حاضران, فإن خرجا من ثُلُث ما حضر مضى ذلك, وإلا أنفذ منهما ما يخرج منَ الحاضر, فإن كان جميعُ الحاضر ثلاثمئة

والعبد مئة والفرس مئة. أنفذ نصف العبد لهذا ونصف الفرس لهذا, وخُيرَ الورثة في نصفهمَا أن ينفذوا ذلك أو يقطعوا للرجلين بثُلُث الغائب يتحاصان فيه. قال ابن المواز: وقد قيل: إن ما حمله ثلثُ الحاضر يأخذَانه في الأعيان, ويأخذان ثلُث الغائب في كل شيء إذا أبى الورثة أن يجيزُوا, ونحن نستحسنُ أن يُخَيرَ الورثةُ, فإما أنفذوا الوصيةَ كما أوصى, أو قطعوا لهما بثُلُث الميت فيما حضر وغاب في كُل شيءٍ منه. قال أشهب: وإذا أوصى لرجلٍ بعشرةِ دنانيرَ ولم يُخَلف عيناً غيرها وله عُروض وشوَارٌ ورقيقٌ ودوابٌ -يريد حاضرةً- قال: يُدفع إليه العشرةُ وإن كَره الورثةُ, سواءً أوصى بعشرةٍ بعينها, أو قال: بعشرةٍ هكذا, ولو لم يُخَلف منَ العين إلا خمسةً لأخذَها وبيعَ له بخمسةٍ, قيل: فيُباع له من ساعته, قال: نعم. إلا أن يكون ضررٌ, فيؤخر اليومين والثلاثة. وقال ابن القاسم: إذا أوصى بمئة دينارٍ وترك عُروضاً, وليس له مالٌ غائبٌ, أنه لا تَخَيرَها هنا وتُباعُ عروضُه, ويُعطَى المئةَ, وإن كاننت المئة حاضرةً بدأت بالوصية ولم أنتظر البيعَ. قال ابن المواز: إذا كان مالُه عُروضاً أو حيواناً أو طعاماً وذلك حاضرٌ.

فهو كالعين الحاضر لا يُخيرُ فيه , بخلاف الدين والمال الغائب, ولتعَجلُ وصيةُ الميت إن أوصى بشيءٍ, فإذا ترك مئة عيناً وقد أوصى بمئة, وباقي التركة عُروض وحيوان حاضرة, فلا يُنظر بَيعَ ذلك, وليأخُذ الموصَى له المئة, إن حملها الثلثُ. قال ابن القاسم: وكذلك إن أوصى له بدنانيرَ, والتركة كُلها عُروضٌ حاضرةً, فليس عليهم خلعُ الثلث إن لم يَصبر, وعليه أن يَصبر حتى تُباعَ العروضُ ويُعطَى, وإذا أوصَى له بعبدٍ بعينه لم يُعجلُ له حتى يَعرفَ الورثةُ تحصيلَ المال بالقيمة. محمد: ليُعرف خُرُوجُه منَ الثلُث. ومن العتبية قال أصبغ عن ابن القاسم: فيمن لم يترك لا ثلاثَةَ أدوُرٍ وأوصى بخمسة دنانيرَ لرجل, فأبى الورثةُ أن يُعطُوه مالًه, فلا بد أن يُعطُوه ذلك أو يقطعوا له بثُلُث الميت. قيل: ولا يبيع السلطانُ من دوره بخمسة دنانير؟ قال: لا, وقاله مالك فيه, وفي المالِ الغائبِ والمفترقِ. وقال عنه عيسى بنُ دينارَ وابنُ المواز وابن عبدوس: وإنْ كان له زرع أخضرُ أو ثمرةٌ صغيرةٌ, وتَرَك رقيقاً وأوصى بوصايا يضيق عنها ثُلُثه, فإن كانت الوصايا بالمالِ فليُبَيع رقيقه ولا يُوقف, ويُعطَى لأهل الوصايا ثُلُثُ ما نضَّ, فإذا حلَّ بَيعُ الرزعِ والثمرةِ بيعَ فأخَذُوا ثُلُث الثمَن,

وأما إن كان في وصايا عتق, أو أوصى ببعض الرقيق لأحد, فلا يباع من فيه وصية منهم ويوفقون, فإذا حل بيع الزرع بيع, ولا يقسم من المال شيء, لا ثلث ولا غيره حتى يباع الزرع, إلا أن يجيز [132/أ] الورثة ذلك فيقتسمون بقية المال ويبقى لهم الزرع. وقال أصبغ في العتبية: وإن لم يجز الورثة وكان الزرع أول ما بذره ويتأخر الأشهر الكثيرة, وفي ذلك عطب الحيوان والضرر على العبيد, فليعتق منهم محمل ما حضر, ويرجى الزرع. ومن المدونة قال مالك: ومن أوصى بعتق عبده, وله مال حاضر ومال غائب, والعبد لا يخرج مما حضر, فليوقف العبد حتى يجتمع المال الحاضر والغائب, فإذا اجتمع, قوم العبيد في ثلثه, فإن خرج, وإلا عتق منه محمل الثلث. قال ابن القاسم: فإن قال العبد: المال الغائب بعيدا عنا, أو أجله بعيد فأعتقوا مني ثلث المال الحاضر, وأوقفوا ما بقي حتى ينظر في المال الغائب, فإن خرج أعتقتم مني ما حمل الثلث, وإن لم يخرج كنت قد عتق مني مبلغ ثلث المال الحاضر؛ لأني أخاف أن يتلف المال الحاضر. فلا أرى ذلك له. قال سحنون: إلا أن يضر ذلك بالموصي له وبالورثة فيما يعسر جمعه ويطول. وكذلك روى أشهب عن مالك وقاله ابن القاسم قال: وإنما هذا فيما يُقبض إلى أشهر يسيرة أو عرض يباع, ما يبعد جداً أو تبعد غيبته,

فليعجل العتق في ثلث ما حضر, ثم إذا قبض ما بقي أتم فيه. قال ابن المواز: وقال أشهب: بل للعبد أن يعجل منه عتق ثلث الحاضر حتى لو لم يحضر غيره لعجل عتق ثلثه ويوقف باقيه, فكلما حضر شيء من الغائب زيد فيه عتق ثلث ذلك حتى يتم أو ييأس من المال الغائب. قال: ولا أرى أن يوقف جميع العبد لاجتماع المال, وإن كان قد قاله لي مالك. ولم يأخذ سحنون بقول أشهب, وقال: لو كان هذا الأخذ الميت أكثر من ثلثه؛ لأنه استوفى ثلث الحاضر وصار باقي العبد موقوفاً عن الورثة. وقال ابن المواز: وإن كان المال الغائب غير بعيد انتظر, وإن كان بعيداً مثل الأشهر الكثيرة أو السنة أنفذ ثلث الحاضر, وأنفذ الميراث, ولو كان مع ذلك وصايا خير الورثة في إنفاذ الوصايا أو القطع بثلث الحاضر والغائب فأبديء العتق فيما حضر وما بقي فلأهل الوصايا, وأما إن أوصى بعتق, وجميع ماله عروض حاضرة, أو دور حاضرة أو غائبة, والرقيق يخرجون من ثلث ذلك لو بيع, لعجل عتقهم. وكذلك روى أشهب عن مالك إذا أوصى بعتق وله دور فطلب الورثة التأخير حتى تباع الدور, فليس لهم ذلك, ويعجل عتق العبد إذا حمله الثلث

[الـ] باب [الثامن] فيمن أوصى لجماعة بأجزاء مختلفة وذكر إجازة الورثة أم لا؟ وكيف إن أوصى مع ذلك بدنانير أو شيء بعينه؟

[الـ] باب [الثامن] فيمن أوصى لجماعة بأجزاء مختلفة وذكر إجازة الورثة أم لا؟ وكيف إن أوصى مع ذلك بدنانير أو شيء بعينه؟ [(1) فصل: فيمن أوصى لجماعة بأجزاء مختلفة من ثلثه] قال مالك في غير كتاب: فيمن أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بنصف ماله, فليقسم الثلث بينهما على خمسة إن لم يجز الورثة, وإن أجازوا أخذ كل واحد وصيته واقتسم الورثة السدس الباقي, فإن أجازوا لصاحب النصف وحده أخذه, وأخذ الآخر خمسي الثلث, وإن أجازوا لصاحب الثلث وحده أخذه وأخذ الآخر ثلاثة أخماس الثلث. محمد: وقال أشهب: يتحاصان, فما صار للذي أجازوا له, أتموا له من مواريثهم. محمد: وإن لم يجز إلا بعضهم, نظر إلى خروجها بغير إجازة فما وقع لمن لم يجز أخذه, وينظر إلى خروجها على أنهم أجازوا, فما وقع للمجيز أخذه وما فضل عن حصته لو لم يجز, فللموصي له. وبيان ذلك: أن يهلك الهالك ويترك الدين, ويوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بنصفه, فأجاز أحد [132/ب] الوالدين الوصيتين, ورد الآخر الوصيتين, فتعمل الفريضة على تقدير إجازتها جميعاً, وذلك أن تنظر إلى أقل عدد له ثلث ونصف صحيح وذلك ستة, فتخرج ثلثها ونصفها للموصي لهما, وذلك خمسة, فيبقى واحد لا ينقسم على الولدين, فتضرب الستة في اثنين فتكون اثني عشر, للموصى له بالنصف ستة, وللموصى له بالثلث أربعة, وتبقى اثنان لكل ابن واحد, ثم تعملها على أنهما لم يجيزا, فتأخذ ثلث الستة ونصفها وذلك خمسة فتجعلها ثلث مال يكون جميعه خمسة عشر, فللموصى له بالثلث اثنان, وللموصى له

بالنصف ثلاثة, ولكل ابن خمسة, ثم توفق بين المسألتين: أعني مسألة الإجازة ومسألة الرد, فتجدهما تتفقان بالأثلاث, فتضرب ثلث أحدهما في كامل الآخر, وذلك أربعة في خمسة عشر, أو خمسة في اثني عشر, فيكون ستين, فمنها تصح الفريضتان, فتقسمها على مسألة الرد - خمسة عشر - فيقع لكل سهم أربعة, فمن كان له شيء من خمسة عشر أخذه مضروباً في أربعة, فللموصى له بالثلث سهمان في أربعة بثمانية, وللموصى له بالنصف ثلاثة في أربعة باثني عشر, ولكل ابن خمسة في أربعة بعشرين فيأخذ الابن الذي لم يجز عشرين وينصرف, ثم تقسمها على مسألة الإجازة - اثني عشر- فيقع لكل سهم خمسة, فمن كان له شيء من اثني عشر أخذه مضروباً في خمسة, فللابن المجيز واحد من اثني عشر في خمسة بخمسة, فيأخذها ويستفضل عما وقع له لو لم يجز خمسة عشر فيدفعها للموصي لهما يقتسمانها على خمسة, فيصير لصاحب الثلث منها ستة يضيفها إلى الثمانية التي وقعت له في مسألة الرد فيصير له أربعة عشر, ويصير للآخر من هذه الخمسة عشر تسعة, فيضيفها إلى الاثني عشر التي وقعت له في مسألة الرد فيصير له أحد وعشرون, وللابن المجيز خمسة, وللراد عشرون, فجميع ذلك ستون. وهذا وما أشبه سنذكره في كتاب الفرائض بهذا الكتاب مشروحاً إن شاء الله. [(2) فصل [فيمن أوصى لجماعة بأجزاء مختلفة من ثلثة وأوصى مع ذلك بدنانير] ومن المدونة قال مالك: ومن أوصى لرجل بماله, ولآخر بنصفه, ولآخر بثلثه, ولآخر بعشرين ديناراً, فإنه ينظر إلى مبلغ وصيه كل واحد منهم ومبلغ العشرين من مال الميت, فيتحاصون في الثلث على الجزاء إن لم يجز الورثة.

وتفسير ذلك أن تجعل التركة ستين دينارً فخذ لصاحب الكل ستة أجزاء, ولصاحب النصف ثلاثة أجزاء, ولصاحب الثلث جزأين, ولصاحب العشرين سهمين - لأن العشرين هي من جملة المال الثلث - فذلك ثلاثة عشر جزءاً, فيقسم الثلث عليها, فيأخذ كل واحد ما سمينا له, وكذلك إن أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بربعه, ولآخر بخمسة أو سدسه ولم يجز الورثة فإنهم يتحاصون في الثلث من عين ودين وعرض وغيره على الأجزاء, وهذا على حساب عول الفرائض سواء. قال مالك: وما أدركت الناس إلا على هذا. قال سحنون: وهذا قول الرواة كلهم, لا أعلم بينهم فيه اختلافاً. قال ربيعة وأبو الزناد: ومن أوصى لرجل بثلث الثلث, أو بربع الثلث ولآخرين بعدد دنانير فليتحاصوا في الثلث. [(3) فصل [فيمن أوصى لجماعة بأجزاء مختلفة من ثلثه وأوصى مع ذلك بشيء بعينه] قال ابن القاسم: ومن أوصى لرجل بربع ماله أو بثلث ماله, وأوصى بأشياء بأعيانها لقوم شتى, نظر إلى قيمة هذه المعينات وإلى ما أوصى به من ثلث أو ربع فيضربون في ثلث الميت بمبلغ وصاياهم, فما صار لأصحاب الأعيان أخذوه في ذلك الذي أوصى لهم به, وما صار للآخرين كانوا به شركاء مع الورثة, وهذا قول مالك: فإن هلكت الأعيان [133/أ] التي أوصى بها بطلت الوصايا فيها

وكان ثلث ما بقى بين أصحاب الثلث والربع يتحاصون فيه. قال: ومن أوصى لرجل بثلثه, لآخر بعبده وقيمته الثلث, فهلك العبد بعد موت السيد قبل النظر في الثلث, فإن ثلث ما بقي للموصى له بالثلث, كأن الميت لم يوص إلا بثلث لهذا فقط. وذكر بعض فقهاء القرويين عقي هذه المسائل مسألة موت الموصى له قبل موت الموصي, وقد ضاق الثلث قال: ويجب أن يدخل هذا الاختلاف في موت العبد الموصى به أو له قبل قسمة المال, فعلى قوله: يحاص به أهل الوصايا. يحيى العبد الميت بالذكر ويحاص به أهل الوصايا؛ لأن الميت كأنه إنما أوصى لهم مع هذا العبد فقام الورثة مقامة, وعلى القول الآخر: لا يحاص به أهل الوصايا, وما مات قبل القسمة كأنه لم يكن ولم يوص الميت فيه بشيء. وقال ابن حبيب عن أصبغ: فيمن أوصى بعتق عبده الآبق وأوصى بوصايا, فلينظر إلى قيمة العبد على أنه آبق فيعتق من ثلثه وتكون الوصايا فيما بقي من ثلثه, فإن ثبت أنه مات قبل سيده كان الشيء لم يكن, ورجع أهل الوصايا إلى ثلث المال كله لا يحسب فيه الآبق, وإن ثبت أنه مات بعد موت السيد قبل النظر في الثلث حاص الورثة أهل الوصايا بقيمته ونزلوا منزلته فصار لهم ما وقع له في المحاصة بقيمته. وهذا خلاف لقول مالك, وقول مالك الصواب والفقه. وإذا أوصى بأشياء بأعيانها وأوصى بأشياء بغير أعيانها فماتت المعينات, فإن كان حكم

بأن تقطع لهم شائعة قبل موتها - على القول الذي يرى أن يقطع لهم - شائعاً - كان ضمان ما هلك بعد القطع شائعا من جملة الموصى لهم؛ لأن أصحاب الأعيان نفذ حكم لهم بالقطع شائعاً فصار حقهم شائعاً كغيرهم, وأما إن ماتت الأعيان قبل القطع فلا خلاف أن وصاياهم قد سقطت على القول الذي يقول يقطع لهم فيها, والقول الذي يقول يقطع لهم شائعاً وهم على أن الأعيان لهم حتى يحكم لهم بالقطع شائعاً. [(4)] فصل [فيمن أوصى لجماعة بأجزاء مختلفة وبشيء بعينه والعين هو الثلث] ومن المدونة قال مالك: ومن أوصى لرجل بعبده, ولآخر بسدس ماله, والعبد هو الثلث, فللموصى له بالعبد ثلثاً الثلث في العبد, والآخر شريك للورثة بسبع ما يبقى من بقية العبد, وسائر التركة, وإن كان العبد السدس, كان جميعه للموصى له بالعبد, والآخر شريك للورثة بخمس بقية التركة. وقاله علب بن زياد ورواه عن مالك. وقاله أشهب في المجموعة. قال أشهب: ومن قال: إن الموصى له السدس يكون له سدس الخمسة أسداس, ويكون سدس العبد بينه وبين الآخر؛ لأنه أوصى لهما جميعاً بسدسه فقد أخطأ, وإنما يؤخذ في الوصايا بما يُرى أن الميت أراده؛ كما قال عمر رضي الله عن: من وهب هبة يرى أنها للثواب ...). ولو قلت إذا القلت: إن وصيته بالسدس رجوع في سدس العبد عن الأول.

قال سحنون: لا يدخل الموصى له بالثلث على أهل التسمية ولا يكون رجوعاً عن شيء من العبد. قال سحنون: فإن أجاز الورثة كان العبد للموصى له به, والثلث كاملاً للموصى له به, ولا يحمل انه أدخل الموصى له بالثلث على صاحب العبد, ولا يكون رجوعاً عن العبد أيضاً. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية أنه قال: إن أجازوا, فليس عليهم تسليم العبد مع جميع الثلث, ولكن يسلموا العبد [133/ب] وثلث ما بقي, فيقسم ثلث العبد بينهما؛ لأنه أوصى لهما به فيأخذ الموصى له بالثلث سدس العبد وثلث ما بقى سوى العبد, ويأخذ الآخر بقية العبد. قال أبو محمد: وهو الذي أنكره أشهب وابن المواز. ومن كتاب ابن المواز: ومن أوصى لرجل بعبد ولآخر بسدس ماله, وقيمة العبد مئة دينار, وترك خمسمئة دينار عيناً, قال: يأخذ الموصى له بالعبد جميع العبد والآخر مئة دينار. وذكر أصبغ عن ابن القاسم خلاف هذا, وذلك أن يأخذ الموصى له بالعبد خمسة أسداسه, والآخر سدس العين, ويكون سدس العبد بينهما. ولم يعجبنا هذا؛ لأن الوصايا إنما تُحمل على ما ظهر من مقاصد الموصى لا على اللفظ. وذكر مثل ما تقدم عن أشهب.

ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: فيمن أوصى لرجل بدار ولآخر بعبد, ولآخر بحائط, فضاق الثلث ولم يجز الورثة, قال: يتحاصون في الثلث بقيمة ما سمى لكل واحد, فما وقع لكل واحد أخذه فيما أوصى له به, ولو أوصى معهم لرجل بمئة دينار, لقطع لهم بالثلث في جميع ماله, ولم يأخذوا وصاياهم فيما سمى لهم خاصة؛ لأن الوصايا قد حالت, ولابد من بيع ذلك أو بعضه بسبب العين. ومن المجموعة قال ابن القاسم: إذا أوصى لرجل بعد, وهو أكثر من الثلث فلم يجز الورثة, فقد اختلف فيه قول مالك فقال مرة: يجمع له الثلث في العبد. وقال مرة: يكون له الثلث في جميع المال إن لم يجز الورثة. واختار ابن القاسم: أن يجمع له في العبد إن كان المال حاضراَ, فإن كان له ديون فله الثلث من كل شيء إن لم يجز الورثة, وكذلك لو أوصى له بشيء غائب, فلا يقطع له في ذلك الغائب ولكن في كل شيء. قال ابن عبدوس: وإذا أوصى بوصايا لا تخرج من ثلث ما حضر, وله مال غائب خير الورثة بين إجازة ذلك, أو خلع الثلث من الحاضر والغائب في هذا وفي غيره. قال: وقال عبد الملك: وإذا خلع الثلث لهم فقد اختلف في أخذهم في

أعيان ما أوصى لهم به من عبد أو دار أو عرض, فقال مالك: يأخذ كل واحد ما صار له من الثلث فيما أوصى له فيه بعينه. وقال غيره: يكونون شركاء في جميع التركة. وقاله عبد الملك, وابن كنانة. وروى ابن القاسم وأشهب القولين عن مالك, واختار أن يأخذ كل واحد فيما أوصى له فيه بعينه. قالوا كلهم: فإن مات العبد المعين قبل خلع الثلث بطلت وصية صاحبه. وقال أشهب: فلذلك قلت: يأخذ في ذلك الشيء بعينه؛ لأنه كان في ضمانه. قال ابن عبدوس: وإذا أوصى لرجل بعبد لا يحمله الثلث فقال الرجل: أنا أؤدي بقية ثمنه للورثة ويكون لي, وقال الورثة: نحن نعطيك قيمة حقك ويبقى لنا, فليس ذلك للجميع, والعبد يبقى بينهم يتقاوونه أو يبيعونه. ومن المدونة قال مالك: ومن أوصى لرجل بدار, ثلثه يحملها, فأبى الورثة أن يعطوه الدار, وقال الورثة: نحن نعطيك ثلث الميت حيث كان, فليس ذلك للورثة, وللموصى له أخذ الدار. قال ابن القاسم: ألا ترى أن الدار لو غرقت فصارت بحراً لبطلت وصيته, فهذا يدلك أنه أولى بها.

[الـ] باب [التاسع] فيمن أوصى لوارث وأجنبي وبقية القول في الوصية للوارث

[الـ] باب [التاسع] فيمن أوصى لوارث وأجنبي وبقية القول في الوصية للوارث [134/أ] [(1) فصل: في فيمن أوصى لوارث وأجنبي] روى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة» قال ابن القاسم: ومن أوصى بعبده أو بوصية لوارث, وأوصى لأجنبي بوصية فليحاص الوارث الأجنبي بوصيته في الثلث, ثم تكون حصة الوارث لجميع الورثة. قال مالك: ومن قال: ثلث مالي لفلان وفلان, وأحدهما وارث ومعه وارث غيره, فللأجنبي نصيبه, أما نصيب الوارث فيرجع إلى جميع الورثة قال مالك: وإن أوصى لوارث بوصية ولم يدع غيره وأوصى بوصايا لأجنبيين ولم يسع ذلك الثلث, وبدئ بالأجنبيين ولم يحاصهم الوارث بشيء من وصيته. ومن كتاب ابن المواز وغيره قال مالك وأصحابه: فيمن أوصى لوارث وأوصى بوصايا لأجنبيين, فإن كان مع الوارث وارث من زوجة أو غيرها فإنه يحاص الأجنبي في الثلث فما صار للوارث رجع ميراثاً وإن لم يكن معه وارث غيره, فللأجنبيين وصاياهم بغير حصاص للوارث, وكأنه أوصى له بميراثه, وإذا كان معه وارث علم انه أراد تفضيله عليه بما أوصى له به, فيحاص بذلك ويقاسمه فيما وقع له من ذلك,

ولو أوصى لجميع ورثته مع الأجنبي فأنصباؤهم في الميراث والوصية سوا, فالأجنبي مقدم ولا حصاص فيه, إلا أن يكون الورثة ذكوراً وإناثاً فيساوى بينهم في الوصية, فقد عُلم أنه خص الأنثى دون الذكر بوصيته, فيحاص الأجنبي. وقد اختلف بماذا يحاص؟ فروى أصبغ عن ابن القاسم: في ابن وابنة أنه إذا أوصى لكل واحد بمئة ولأجنبي بمئة أن الأنثى تحاص الأجنبي بخمسين, وهي التي زادها على مورثها, لما أعطى الذكر مئة كان يجب لها خمسين, وقاله أبو زيد: وقال لي غيرها من أهل العلم: يحاص بثلث المئة؛ لأن مورثها من المئتين ثلثا مئة فيحاص بالزائد وهو ثلث المئة, ولو أوصى لورثته بما جعله بينهم على سهام مواريثهم كانوا كوارث واحد ولا حصاص لهم, وكذلك لو أوصى بشيء سماه لجملتهم ولم يفصل ولم يقسم, فلا حصاص لهم مع أهل الوصايا, وكذلك لو أوصى بوصايا وأوصى بخدمة عبده لولده, فإن لم يرثه غيره فلا حصاص له مع الأجنبي, فإن كان يرثه غيره وقع الحصاص, فما صار له من قيمة الخدمة شاركه فيه الورثة إن شاءوا. ومن المجموعة قال أشهب: وإذا قال: مالي بين ابني وابنتي يعني نصفين, ولفلان ثلث مالي, ولا وارث له غيرهما, فلهما الحصاص مع الأجنبي يحاصصانه بستة أسهم وهو بسهمين, فيقع له ربع الثلث, وباقيه لهمل على الفرائض, إلا إن يجيز البن لأخته. قيل: ولا يطرح قدر نصيب الابن والابنة بالميراث وما زاد حوصص به الأجنبي؟ قال: لا.

ولو أوصى لهما بقدر المواريث لم يكن حصاص, مثل أن يوصي للابن بعشرين وللابنة بعشرة, فلا يحاصص الأجنبي ويسلما إليه الثلث فيأخذ منه وصيته. وقال ابن القاسم: مثله من أول المسألة. ومن العتبية قال أصبغ عن ابن وهب: فيمن أوصى بالثلث لإخوته ولم يدع غيرهم, وهم أخوان لأبوين وأخوان لأم وأخوان لأب, فليقسم الثلث على ستة, فما صار للذين للأب أخذاه؛ لأنهما لا يرثانه, وتُضم الأربعة بقية الثلث إلى بقية ثلثي [134/ب] المال, فيكون ميراثاً. قال ابن وهب: ولو أوصى لهم بذلك, وله ابن ثم مات الابن قبله فالجواب سواء. [(2)] فصل [في بقية القول في الوصية للوارث] ومن المجموعة وكتاب محمد قال أشهب عن مالك: في امرأة أوصت إلى بعض ورثتها, وقال الزوج: كنت كاتب الصحيفة, وما علمت أنه لا وصية لوارث, قال: إذا حلفت أنك ما علمت ذلك لم يلزمك ذلك. [(3)] فصل [فيمن أوصى بثلث ماله وأوصى أن لا تنقص أمه من السدس] قال محمد: ومن أوصى بثلث ماله أو بأكثر, وأوصى أن لا تُنقص أمه من السدس, فلتعزل وصية الأجنبي, ويقسم ما بقي على الورثة, فما أصاب الأم نُظر ما بقي لها إلى تمام السدس, فحاصصت به الأجنبي في الثلث, فما صار لها من ذلك, فإن أجازة الورثة كان لها, وإلا رجع ميراثاً, ولو أجازوا لها وللأجنبي خرجوا لهما من النصف, وقسم الورثة ما بقي على مواريثهم بعد طرح سهم الأم.

وإذا تركت المرأة زوجها وأمها وأختين لأم وأختين لأب أو شقائق وأوصت أن لا تُنقص الأم من السدس فأجاز الورثة, فالفريضة بالعول من عشرة: للأم منها سهم فأسقطه فتبقى تسعة, ثم أعط الأم السدس من أصل المال, واقسم ما بقي على تسعة: للزوج ثلاثة وللأختين للأم سهمان, وللأختين للأب أربعة, وكذلك لو تركت الأم نصيبها للورثة, أو قالت معي نصيبي. وتصح المسألة من أربعة وخمسين؛ لأنك إذا أخرجت للأم السدس من أصل الفريضة بقيت الخمسة أسداس لا تنقسم على تسعة, فتضرب ستة في تسعة تك أربعة وخمسين, فمن كان له شيء من ستة أخذه مضروباً في تسعة, فللأم واحد من ستة في تسعة بتسعة, ومن كان له شيء من تسعة أخذه مضروباً في الخمسة المنكسرة فللزوج ثلاثة في خمسة بخمسة عشر, للأخوات للم اثنان في خمسة بعشرة, لكل واحدة خمسة, وللشقائق أربعة في خمسة بعشرين لكل واحدة عشرة. وهذا وما أشبهه يأتي موعباً في كتاب الفرائض إن شاء الله [(4)] فصل [فيمن أوصى بثلثه لفلان إلا نصيب أمه فيبقى لهل] ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم وهو عنه في المجموعة: فيمن أوصى بثلثه لفلان إلا نصيب أمي منه فيبقى لها, قال: يُعزل الثلث ثم يؤخذ منه سهم الأم - يريد هو سدس الثلث - فيرد إلى ثلثي المال فيقسم بين جميع الورثة, إلا أن يجيز لها ذلك باقي الورثة. ولو أوصى بثلث ماله لرجل وأوصى أن لا تُنقص أنه من سدسها, فيُخرج الثلث لأجنبي فيُوقف, ثم تأخذ الأم ميراثها مع الورثة, ثم ينظر سدس الثلث الموقوف منه وما للأم فيحاص بذلك الأجنبي في الثلث, فما صار لها, كان

للورثة أن يدخلوا معها فيه بقدر مواريثهم, أو يجيزوا لها. وهذه مخافة للتي قبلها؛ لأن الموصي قال في وصيته: وفروا لأمي سهمها وثلث ما بقي من التركة لفلان, فإنما وصى له بثلث خمسة أسداس المال فيأخذه ووصى للأم بسدس ثلث المال, فيعود ذلك ميراثاً إن لم يُجيزه الورثة, والثانية: إنما أوصى للأجنبي بالثلث, وللأم بسدس الثلث فوجب أن يتحاصا في الثلث بذلك, فما صار للأم في المحاصة دخل فيه بقية الورثة, فاعلم ذلك. [(5)] فصل [فيمن أوصى بثلثه في السبيل فأراد بعض الورثة أن يغزو به] ومن المدونة قال يحيى بن سعيد: فيمن أوصى بثلثه في السبيل فأراد بعض الورثة أن يغزو به, فلا بأس بذلك, والوارث أحق من خرج فيه أذن له الورثة وطيبوا. وقال أيضاً يحيى بن سعيد: فيمن أوصى بثلثه في سبيل الله, فإن وليه يضعه في سبيل الله, فإن أراد أن يغزو به, وله ولد غيره يريدون الغزو, فإنهم يغزون فيه بالحصص, وإن لم يرثه [135/أ] غيره فلا بأس باستنفاقه فيما وضع فيه. قال بعض شيوخنا في قول يحيى بن سعيد يغزون فيه بالحصص: معناه يُعطي كل إنسان ما يكفيه إن حمل ذلك الثلث, فإن ضاق الثلث تحاصوا فيه على مقدار كفاية كل واحد لا على قدر مواريثهم. قال ربيعة: وإن أوصت امرأة إلى بعض ورثتها بوصية, وفي سبيل الله بوصية فسلم زوجها الوصية رجاء أن يُعطوه الوصية التي في السبيل؛ لأنه غاز, فمُنع منها فأراد أن يرجع فيما أجاز للورثة, فليس له في ذلك رجوع, ويلزمه ما أجاز.

[الباب العاشر] جامع القول في الوصية بالحج

[الباب العاشر] جامع القول في الوصية بالحج, قال ابن القاسم: ومن أوصى عند موته أن يحج عنه, فأحب إلى أن ينفذوا ما أوصى به, ويحج عنه من قد حج أحب إلي, وإن استؤجر من لم يحج أجزأ عنهم. قال مالك: وتحج المرأة عن الرجل, والرجل عن المرأة, قال ابن القاسم: ولا نجزي أن يحج عنه صبي أو عبد أو من فيه عُلقة رق؛ إذ لا حج عليهم, ويضمن المال من دفعه إليهم, إلا أن يكون عبداً ظنه حُراُ ولم يعرفوه, فلا يضمن الدافع. وقال غيره: لا يزول عنه الضمان بجهله. فوجه قول ابن القاسم, فلأن الوصي مأذون له صرف هذا المال على الاجتهاد بإذن مالكه, فلا يضمن؛ كالأجير إذا كسر شيئاً في البيت المأذون له لدخوله؛ والراعي إذا مات ما أُذن له في رعايته - وقد اختلف في المخطئ في الزكاة يدفعها إلى نصراني أو عبد أو غني وهو لا يعلم, فضمنه ابن القاسم في المدونة, وفي الأسدية: لا ضمان عليه؛ فمن لم يضمنه جعله كالموكل إذا فعل ما أُمر به فأخطأ, فلا ضمان عليه كما قُلنا في الوصي

ومن ضمنه جعله مخطئاً على مال غيره؛ فأشبه الماشي في الطرق يعثر على مال رجل أنه يضمن, والأشبه ألا ضمان عليه في الزكاة؛ لأنه كالوكيل على تفريقها, والماشي في الطريق وإن كان المشي له مباحاً, فقد أخطأ بمشيه على مال غيره فوجب ضمانه. [المسألة الأولى: إن أوصى أن يحج عنه عبد أو صبي بمال] قال ابن القاسم: وإن أوصى أن يحج عنه عبد أو صبي بمال, فذلك نافذ, ويدفع ذلك إليه به إن أذن السيد لعبده أو الوالد لولده, ولا تُرد وصيته ميراثاً؛ لأن الحج بر وإن حج عنه صبي أو عبد؛ لأن حجة الصبي والعبد تطوع, والميت لو لم يكن ضرورة فأوصى بحجة تطوع أنفذت ولم ترد؛ فهذا مثله, وإن لم يكن للصبي أب فأذن له الوصي في ذلك, فإن كان على الصبي في ذلك مشقة وضرر وخيف عليه في ذلك ضيعة, فلا يجوز إذنه له, وإن كان الصبي قوياً على الذهاب, وكان ذلك نظراً له ولم يكن عليه في ذلك ضرر جاز إذنه له؛ لأن الولي لو أذن له أن يتجر فأمره بذلك جاز, ولو خرج في تجارة من موضع إلى موضع بإذن الولي لم يكن به بأس؛ فكذلك يكون إذنه له في الحج على ما وصفنا. وقال غيره: لا يجوز للوصي أن يأذن لليتيم في هذا. قال ابن القاسم: فإن لم يأذن له وليه وقف المال إلى بلوغه, فإن حج به, وإلا رجع ميراثاُ؛ لأنه حين أوصى أن يحج عنه الصبي علمنا أنه أراد التطوع لا الفريضة. قال ابن المواز عن ابن القاسم: ولو كان ضرورة - حتى يُعلم أنه أراد

الفريضة, يريد: فظن أن حج الصبي والعبد يجزئه - أنفذ ذلك لغيرهما مكانه, ولم يُنتظر به عتق العبد, ولا بلوغ الصبيِّ؛ لأنا علمنا أن الموصي إنما قصد الفرض, فليس غلطه أن الصبي والعبد يؤديان عنه الفرض بالذي يُسقط قصده [135/ب] الذي قصد إليه من أداء الفرض. قال ابن القاسم: ولأن الصبي ممن لا حج عليهما؛ كمن أوصى بعتق عبد فان, فأبى ربه بيعه, فإن كان في واجب جُعل ذلك في غيره, وإن كان تطوعاً عاد ميراثاً بعد الاستيناء والإياس من العبد. وحكي لنا عن غير واحد من فقهائنا المتأخرين في الذي يوصي أن يحج عنه عبد فيأبى السيد أن يأذن له, لا يُستأنى في ذلك كما يستأنى في الصبي إذا لم يأذن له وليه؛ لأن الصبي ينتظر إلى وقت يتحصل ويعرف, والعبد لا يُنتظر إلى وقت معلوم, وليس هذا كالعبد يُوصى أن يشتري فيُعتق فهاهنا يُنتظر لحرمة العتق, والله أعلم. وفي كتاب ابن المواز قال أشهب: إذا لم يأذن للصبي وصيه وللعبد سيده, تُرُبِّص بذلك حتى ييأس من عتق العبد وبلوغ الصبي, فإن عُتق العبد وبلغ الصبي فأبيا عاد ميراثاً. وهذا هو الصواب؛ لأنه كما كان يُنتظر في العتق لحرمة العتق كذلك يُنتظر في الحج لحرمة الموصى به؛ لأنه أراد به البر لنفسه, وهذا الذي يدل عليه كلام ابن القاسم, والله أعلم.

[المسألة الثانية: فيمن أوصى أن يحج عنه رجل بعينه فأبى ذلك الرجل] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو كان صرورة فسمي رجلاً بعينه يحج عنه فأبى ذلك الرجل أن يحج عنه, فليحج عنه غيره, بخلاف المتطوِّع الذي قد حج إذا أوصى أن يحج عنه رجل بعينه تطوعاً, هذا إذا أبى الرجل أن يحج عنه رجع ذلك ميراثاً؛ كمن أوصى لمسكين بعينه بمال فمات المسكين قبل الموصي, أو أبى أن يقبل, فذلك يرجع ميراثاً؛ وكمن أوصى بشراء عبد بعينه للعتق من غير عتق واجب عليه, فأبى أهله أن يبيعوه, فالوصية ترجع ميراثاً بعد الاستيناء والإياس من العبد. وقال غيره: في الموصي بحجة تطوع إذا أبى الرجل أن يحج عنه لا يرجع ميراثاً, والصرورة في هذا وغير الصرورة سواء؛ لأن الحج إنما أراد به نفسه, بخلاف الوصية لمسكين بعينه بشيء يرده, أو بشراء عبد بعينه للعتق. [المسألة الثالثة: فيمن قال أحجوا فلاناً ولم يقل عني] قال ابن القاسم: ومن قال في وصيته: أحجوا فلاناً ولم يقل عني, أُعطي من الثلث قدر ما يحج به إن حج, فإن أبى أن يحج فلا شيء له, وإن أخذ شيئاً رده إلا أن يحج به, وإن أوصى أن يحج عنه وارث في فرض أو تطوع أنفذت وصيته ولم يُزد الوارث على النفقة والكراء شيئاً, ولو أوصى أن يصوم عنه وارث وله كذا, فليرد ذلك ولا يصوم أحد عن أحد, وكان مالك يكره الوصية بالحج, فإن نزل أمضاه. [المسألة الرابعة: فيمن قال ادفعوا ثلثي لفلان يحج به عني, وكيف إن كان وارثاً] قال مالك: وإن قال: ادفعوا ثلثي لفلان يحج به عني, فإن كان وارثاً لم يُدفع إليه إلا قدر نفقته, وقيمة كرائه - يريد:

ذاهباً وراجعاً - ويرد ما بقي على الورثة, وإن كان أجنبياً كان له فضل من الثلث يصنع به ما شاء؛ كمن أخذ نفقة يحج بها عن رجل ففضل منها شيء, فإن استأجروه فله ما فضل, وإن أخذها على البلاغ فليرد ما فضل - والبلاغ: قولهم تحج بهذه الدنانير عن فلان وعلينا ما نقص عن البلاغ - أو خُذها فحج منها عن فلان. والإجازة: أن يُستأجر بمال على أن يحج عن فلان, فهذا يلزمه الحج, وله ما زاد, وعليه ما نقص.

[الـ] باب [الحادي عشر] فيمن أوصى لرجل كل سنة بكذا من غلة داره أو حائطه, أو قال من غلة كل سنة, وكيف إن أوصى مع ذلك بوصايا والوصية بالنفقة أجلا أو عمرا

[الـ] باب [الحادي عشر] فيمن أوصى لرجل كل سنة بكذا من غلة داره أو حائطه, أو قال من غلة كل سنة, وكيف إن أوصى مع ذلك بوصايا والوصية بالنفقة أجلاً أو عمراً [(1) فصل: فيمن أوصى لرجل كل سنة بكذا من غلة داره أو حائطه أو قال من غلة كل سنة المسألة الأولى: فيمن أوصى لرجل من غلة داره بدينار كل سنة] قال ابن القاسم: ومن أوصى لرجل من غلة داره بدينار كل سنة, أو من غلة حائطه بدينار كل سنة, أو بخمسة أو سُق كل سنة والثلث يحمل الدار والحائط فأكرى الورثة الدار أول سنة بعشرة دنانير, واستغلوا من [136/أ] الحائط خمسين وسقاً, فأخذ كل عام ما بقي من غلة العام الأول شيء؛ لأن ذلك من كراء الدار وغلة الحائط ولا شيء للورثة من ذلك حتى يأخذ الموصى له وصيته, فإن لم يبق من ذلك شيء وبارت بعد ذلك سنين, فإذا غل ذلك أخذ منه لما تقدم, وكذلك لو أكروا الدار أول سنة بعشرة دنانير فضاعت, إلا ديناراً منها كان ذلك الدينار لموصى له, وكذلك الحائط. ولو أكروها بعد موت الموصى بعشرة دنانير وانتقدوها, لوجب عليهم أن ينتقدوه ديناراً, ولو تلفت كلها إلا ذلك الدينار لوجب للموصى له؛ لأنه من

كراء الدار, ولو انهدمت بعد ستة أشهر لأخذ من حصة ما مضى الدينار؛ لأنه الباقي من كراء الدار, ولا قول لمن قال: بل يأخذ نصف دينار؛ لأنه إنما يأخذ الدينار من كراء السنة كلها وهذا خطأ؛ لأنهم لو أكروها وقد بقي من السنة شهر بدينار لوجب أن يأخذه؛ لأنه من كراء الدار وهذا بين, ولو مات الموصى له بعد ستة أشهر فقد قيل: ليس له إلا نصف دينار؛ لأنه إنما أعطى من كرائها كل سنة بدينار, فيجب له في نصف السنة نصف دينار؛ وكما لو مات بعد موت الموصي قبل أن تُكرى الدار ما كان لورثته من الكراء إن أُكريت تلك السنة شيء, وأما لو أُكريت وهو حي لانبغى أن يكون له من الكراء ديناراً؛ لأنه قد وجبت له وصيته قبل موته. [المسالة الثانية: فيمن أوصى لرجل من غلة كل سنة قدراً معيناً] ومن المدونة: ولو قال: أعطوه من غلة كل سنة خمسة أو سق أو من كراء كل سنة ديناراً لم يكن له أن يأخذ من غلة سنة عن سنة أخرى لم تُغل, ولو أكريت الدار أول عام بأقل من دينار, أو جاءت النخل بأقل من خمسة أو سق لم يرجع بذلك في عام بعده. وقال مالك. وقاله أشهب عن مالك في العتبية. قيل: فإن أكريت الدار نصف سنة لا ينبغي أن يكون له نصف دينار إذا تعطلت بقية السنة؛ لأنه إنما أعطاه ديناراً من كراء كل سنة, فيكون له نصفه

في نصف السنة. قال أشهب في العتبية: فإن لو يحمل الثلث داره, أو حائطه فليخير الورثة بين إنفاذ ذلك أو القطع له بثلث التركة من كل شيء, قال: فإن حملها الثلث فوقفت لذلك فبارت سنة, ثم أغلت فيأخذ مما أغلت السنة, ويجبر به ما تقدم ويُحبس أيضاً لما يُخشى من بوارها, أو نقص من غلتها من الوصية, فيوقف بيد عدل إلا أن تكون كثيرة جداً, فلا يحبس منها إلا بقدر ما أوصى به من قلته وكثرته وما يخاف في ذلك, ومن الحوائط ما لا يؤمن عليه, ومنها المأمون كأرض خيبر فلا يوقف في هذا شيء. [(2)] فصل [فيمن أوصى لرجل بدرهم كل شهر من غلة عبده وأوصى مع ذلك بوصايا المسألة الأولى: فيمن أوصى لرجل بثلثه ولآخر بدرهم كل شهر من غلة عبده ولم يدع غيره, وكيف أن أوصى لرجل بخدمة عبده ولآخر بدرهم من غلة ذلك العبد كل شهر] قال ابن القاسم: ولو أوصى لرجل بثلثه, ولآخر بدرهم كل شهر من غلة عبد له لم يدع غيره, تحاصاً, فيضرب صاحب الثلث بثلث قيمته, ويضرب الآخر بتعميره, فما بلغ حسب لكل شهر درهم, وحاص بذلك, فما أصابه وُقف له بيد عدل يُنفق منه عليه, فإن مات قبل نفاذه عاد الباقي إلى صاحب الثلث, وإن فني وهو حي ورجع على صاحب الثلث بما يرى أنه بقي له من

عُمره لو حوصص له بذلك أولاً - قال أبو محمد: وقد اختلف في ائتناف الحصاص بعد التعمير إذا ظهر خلاف ما مضى, ويأتي ذكره بعد هذا إن شاء الله - وإن أوصى لرجل بخدمة عبده, ولآخر بدرهم من غلة ذلك العبد كل شهر, والعبد هو الثلث, فليبدأ صاحب الدرهم بدرهمه على صاحب الخدمة كم أوصى بثلثه لرجل ولآخر بمئة من ثلثه, فليبدأ صاحب المئة [136/ب] , فإن شاء المُخدم أدى كل شهر درهماً وأخذ الخدمة, وإلا استؤجر العبد فيبدأ بالدرهم من إجازته, وكذلك من أوصى لرجل بثمرة حائطه, ولرجل آخر بعشرة أصبغ من ثمرته كل سنة [فالآصع] مبدأة كل سنة, وما فضل فللآخر, ولو أصاب أقل من عشرة آصع أخذ تمام العشرة من العام المقبل. ومن العتبية قال سحنون عن ابن القاسم: في الموصى له من غلة عبده أو حائطه دينار كل شهر حياته, والثلث يحمل ذلك, فإن ضمن له الورثة ذلك, وإلا أوقفوا العبد والحائط, وإن لم يحمله الثلث وحالت الوصية ووقعت المحاصة حوصص بقدر تعميره, ويكون في العبد على أقل العُمرين. [المسالة الثانية: فيمن أوصى بوصايا لرجل بنفقته حياته من بقية الثلث ثم مات فلم ينظر في ذلك حتى مات الموصى له بالنفقة] قال عنه أصبغ - وهو في كتاب ابن المواز-: وإن أوصى بوصايا,

وأوصى لرجل بنفقته حياته من بقية الثلث, ثم مات فلم ينظر في ذلك حتى مات الموصى له بالنفقة, فإن فضل من الثلث شيء أُعطي منه ورثة الموصى له بالنفقة قدر ما كان عاش صاحبهم بعد موت الموصي لا من يوم يجمع المال قال ابن القاسم: وكذلك لو لم يمت الموصى له بالنفقة, فغنما يحسب له ما كان يصيبه من النفقة من يوم مات الموصي؛ كمن أوصى بخدمة عبده أجلاً مسمى فلم يُجمع المال, ولم تُنفذ الوصايا حتى مضى بعض الأجل, إن ذلك محسوب للعبد في الخدمة من يوم مات السيد؛ كما لو أبقها أو مرضها, فالأجل من يوم وجبت الوصية, وهو يوم مات الموصي. قال ابن القاسم: وإن لم يقل: ينفق عليه من باقي ثلثي, ولكن قال: يُنفق على فلان حياته. ويُحاصص ورثة الوصي له بالنفقة أهل الوصايا في جميع الثلث بقدر ما عاش صاحبهم بعد موت الموصى بنفقة مثله؛ لأنه لو كان حياً لعُمر من يوم مات الموصي ووُقف له نفقة مثله, فإن مات قبل أن يستنفذ ذلك رجع أهل الوصايا فيما فضل من ذلك حتى يستوعبوا وصاياهم, وإن فضل بعد ذلك شيء دُفع لورثة الموصي, فإن فني ما أصابه وبقى حياً لم يرجع على أهل الوصايا بشيء, ولم يُؤتنف له تعمير, وهو كحكم نفذ. وهو أحب إلي. قال محمد: بل الرجوع أصوب. وقد قال ابن القاسم: وأما القياس, فالرجوع والتعمير ثانية, ومن رأى ذلك, فإنه يرجع على أهل الوصايا على كل واحد بما ينوبه ولا يتبع المليء بما على المعدم, كطريان وصية لم يُعلم بها, وذلك

على قول من يرى الرجوع, ولست أراه. وقال أصبغ: إذا كان لا يرجع على أهل الوصايا إذا استنفذ النفقة في حياته فلا يرجع إذاً على ورثته إذا مات وقد بقي منها شيء, ويكون ميراثاُ لورثته, وينفذ له ما وقع له في المحاصة في التعمير بتلاً, ولا يوقف عليه. وقاله عبد الملك. قال أصبغ وهذا رأيي, ولا أعلم ابن القاسم إلا وقد رجع إليه, لا شك فيه. قال: ومن رأى أن ذلك يرجع إلى أهل الوصايا إذا مات وقد بقي مما أُقف له شيء فهو أيضاً يرجع عليهم إذا نفذت النفقة في حياته, ويأتنف المحاصة ثانية بتعميره ما بقي من عمره. قال أصبغ: وهو القياس. وهو رأي أشهب, وتفرقة ابن القاسم في هذا المجال قال ابن عبدوس عن عبد الملك مثل ما قال عنه أصبغ: إن ما وقع له في الحصاص بالتعمير فليأخذه يصنع به ما شاء, ولو زاد عمره لم يرجع بشيء قال: وقاله سحنون: لأن الوصايا لما حلت فإنما يأخذ ما وقع له, وكذلك السكني, وإن جاوز قيمة السكني. وقاله ابن نافع. قال ابن عبدوس: وقال ابن القاسم- وذكره عنه عيسى [137/ب] في العتبية-:إن ما نابه في الحصاص في النفقة بالتعمير يأخذه بتلاً, ثم إن مات بعد ذلك بيوم لم يرجع عليه الورثة بشيء؛ لأنهم خيِّروا فاختاروا خلع الثلث,

وكذلك سائر أهل الوصايا كحكم نفذ, ولو زاد عمره على التقدير لم يرجع على أحد بشيء, ولو أنفذ الورثة الوصية على وجهها لرجعوا بما بقي له في موته قبل فناء ما أخذ, وكذلك لو حمل الثلث النفقة وبقي من الثلث بقية بعدما أُقف له في هذا نفقة تعميره, فهذا إن مات قبلها رد ما بقي, وإن فنيت هو حي رجع في بقية الثلث بنفقة عمره, وكذلك في الوصية بالسكنى في التعمير إذا خلع الثلث فلا رجوع له, ولا عليه زاد عمره أو نقص. وقال أشهب: إذا عمر فكان في الثلث ملغ وصاياهم, ووصايا غيرهم وبقيت فضلة أخذها الورثة, فإن مات جميع أهل النفقة قبل فراغها رُد الباقي إلى الورثة, وإن فنيت وهو أحياء رجعوا بدءاً في بقية الثلث حتى يفرغوا به, ولو أعدم الورثة لم يرجعوا على أهل الوصايا إلا بعد فراغ باقي الثلث, ولو وجد بعض الورثة مليئاً أخذوا منه مما بيده فضلة والثلث ويرجع هو على باقي الورثة بما يصيبهم كما لو كانوا أملياء, ولو لم يبق من الثلث شيء رجعوا على أهل الوصايا فحاصوهم - يريد: يأتنفون حصاصاً بتعمير مؤتنف- ويحسب عليهم ما أخذوا أولاً, وما رجعوا به من ببقية الثلث. قال أشهب: فإن وجدوا أهل الوصايا عُدماً إلا واحداً منهم, فلا يأخذوا منه إلا ما يصيبه بمحاصتهم بخلاف الورثة, أولئك لا ميراث لواحد منهم, حتى يؤدوا الوصايا كغريم طرأ على ورثة, وهو مع أهل الوصايا كغريم طرأ على غرماء. قال: وإذا كانوا قد حاصوا موصى له برقبة عبد, وموصى له بخدمة عبد

سنة فبقي ما بيد أهل النفقة فلينظر الآن إلى قدر ما بقي من أعمارهم, فيُنظر ما كان ينبغي أن يحاص لهم به فينتزع من الآخرين ما كان ينقصهم ذلك, فأما صاحب العبد فيؤخذ من العبد حصة ذلك فيُباع ويُوقف لهم, وأما المُخدم سنة فيُنظر فيه بما كان يُعمل فيه لو كان الثلث أولاً ضيقاً, فإنما كان يخير الورثة بين إجازة ذلك أو خلع الثلث للحصاص فيما وقع لهذا المخدم أخذه في جميع التركة؛ لأن وصيته قد حالت وصاحب العبد يأخذ في عين العبد, فليُنظر الآن في هذا المخدم, فإن كان قد خدم السنة نًظر إلى قيمتها فاحتبس منها ما كان يقع له في حصاصه ويُرد ما بقي لهؤلاء مع ما أخذ من صاحب العبد, فإن اكتفوا بذلك في بقية أعمارهم وإلا أخذوا العبد الراجع إلى الورثة- يريد: لأنه بقية الثلث- فيوضع لهم, فإن استغرقوه أيضاً ائتنفوا حصاصاً مع أهل الوصايا, ورجعوا عليهم, ولا يرجعون على الورثة إذ لم يبق بأيديهم من الثلث شيء, وإن انقرضوا وبقي من ذلك شيء رُد إلى أهل الوصايا بقدر ما انتقصوا. قال سحنون: إنما ينبغي أن يجمع الثلث كله ما استخدم المخدم والعبد الموصي به والعبد الذي رجع إلى الورثة بعد الخدمة وما صار على هؤلاء بالنفقة, ثم يتحاصون في ذلك كله هؤلاء بالنفقة الأولى, وهؤلاء بقدر ما يرى أنه بقي من أعمارهم, وصاحب الرقبة بالرقبة وصاحب الخدمة بالخدمة. [المسألة الثالثة: فيمن أوصى لرجل بعشرين ديناراً ولآخر بعشرة ولآخر بدينار كل شهر حياته] قال ابن نافع: ومن أوصى لرجل [137/ب] بعشرين ديناراً, ولآخر بعشرة,

ولآخر بدينار كل شهر حياته, فعمر ذو الحياة فكان عمره ثلاثين شهراً, فذلك ثلاثون ديناراً, فإن كان الثلث أربعين ديناراً أخذ كل واحد ثلثي وصيته, فينفق على صاحب النفقة ثلثا دينار كل شهر مما اجتمع بالحصاص, ولا يُتم له منه دينار لنقص الوصية, فإن مات وقد بقي مما نابه شيء رد إلى أهل الوصايا فيتحاصون فيه بقدر ما بقي لهم. وفيمن أوصى أن ينفق على فلان عشر سنين فعُزل ذلك كله له, ثم مات بعد سنة إن الباقي راجع إلى ورثة الموصي؛ كما لو أوصى بالنفقة عليه حياته فعُزل لذلك مال, ثم مات قبل إنقاذه. قال ابن المواز: لأنه لم تكن معه وصايا تضرب بالثلث, فتكون محاصة. [المسألة الرابعة: فيمن أوصى لخمسة نفر بنفقتهم حياتهم] ومن المجموعة وكتاب محمد والعتبية قال مالك: فيمن أوصى لخمسة نفر بنفقتهم حياتهم, قال: يعمرون سبعين سنة ويجمع ما صار لهم بيد عدل, فيُنفق عليهم منه, فكلما مات منهم أحد رجع على من بقي من الخمسة, فإن ماتوا كلهم رجع ما بقي إلى أهل الوصايا, إن بقي لهم شيء, فإن استوعبوا رجع ما بقي إلى الورثة, وإن فرغ المال وهم أحياء, فلا رجوع لهم شيء على أهل الوصايا. قال ابن كنانة والمغيرة: وإن نابهم نصف وصاياهم لم يعطوا مما أُوقف لهم كل شهر إلا نفقتهم كاملة لا نصف نفقة كل شهر. قال غيرهما عن مالك: وكذلك الموصى له بدينار كل شهر فيقع له في الحصاص نصف دينار كل شهر, فيجمع له, فلا يُعطى منه كل شهر إلا ديناراً؛

لأن الميت قصد التوسعة عليه, فإن مات وقد بقي منه شيء رجع إليهم, وإن عمر أكثر من ذلك فقد استوفى وصيته. وقد تقدم لابن نافع أن يعطى من وصيته نصف دينار كل شهر. [(3)] فصل [في مقدار تعمير من أوصى لهم أعمارهم] قال - في هذه الكتب - أشهب عن مالك: في الوصية لنفر أن ينفق عليهم أعمارهم, قال: يعمرون سبعين سبعين. قال غيره عن مالك: يعمرون ثمانين ثمانين, وإن كان ابن ثمانين عُمر تسعين, وإن كان ابن تسعين عمر مئة, ويُعمر في كل شيء بقدر ما يرى الإمام من الاجتهاد. قال ابن المواز: في التعمير في المفقود وغيره من السبعين إلى المئة, والمئة كثير. قال ابن القاسم: وأحب التعمير إلى سبعون. وقال علي عن مالك: يعمر أعمارهم أهل زمانه. [(4)] فصل [في الموصى لهم بالنفقة ما عاشوا, ماذا يفرض لهم؟] ومن كتاب محمد - وهو يف المجموعة عن مالك - قال في الموصى لهم بالنفقة ما عاشوا: يفرض لهم الطعام والإدام والماء والحطب والدهن والثياب, ولا أدري ما ثياب الصون.

قال أبو محمد: يريد: التي يُصان بها لمثل الجمعة وغيرها. وقال عبد الملك: لا يفرض للموصى له بالنفقة الخدمة, ولا يكون ذلك إلا بوصية وقال أشهب: إذا أوصى أن ينفق عليهم عشر سنين عُزل لهم ذلك, فأما الذين يُنفق عليهم حياتهم فيعزل لهم ثلث الميت لا شك فيه, فيُنفق على كل إنسان منهم, بقدر حاله, وشدة مؤنته وكثرة عياله, فإن مات أحد منهم كان ما أُوقف له ينفق على بقيتهم, إلا أن يعلم أن من بقي لا يستوعب ذلك فيُحبس له ما يرى أنه ينفقه, ويرد إلى الورثة ما بقي, فإن ماتوا وبقي شيء رُد إلى الورثة, وإن نفذت النفقة وبقوا, فلا شيء لهم, إلا أن يكون رُد إلى الورثة منه شيء فيرجع فيه. محمد: عن مالك فيمن أوصى لفلان بنفقته وكسوته سنين فدُفع إليه نفقة سنة, فمات قبل تمامها بأشهر, فما كان من خلق ثوب وشبهه فلا يُرجع فيه, وما كان من طعام, فإنه يُرجع بما بقي منه. ومن كتاب ابن المواز والعتبية روى أشهب [138/أ] عن مالك: فيمن أوصى لخمس أمهات أولاد له أن يعطين من غلة أعذق له من حائطه في كل سنة ما عشن لكل [لفلانة] خمسة آصع, ولفلانة عشرة ولفلانة كذا حتى أتمهن كلهن فأخذن كذلك, ثم مات منهن أربع قال: يرجع نصيبهن إلى الورثة دون الباقية؛

لأنه سمى لكل واحدة ما تأخذ, فلا تزاد, ولو قال: لكل واحدة خمسة آصع فبقيت واحدة ولم تُغل الأعذق إلا خمسة آصع, فليس لها منها إلا حصاصها, ولو أصابت النخل ستين صاعاً في حياتهن, فأخذن ما سمى لهن, فلهن إيقاف ما بقي إذا كانت النخل قد لا تُغل ما سمى لهن في المستقبل, فيُتم لهن من ذلك, فإن لم يبق منهن إلا واحدة لم يوقف لها ذلك كله, وليوقف لها منه ما يُرى, وليس لهم أخذ ذلك الفاضل وإن ضمنوه لها إلا برضاها. - يعني ما يوجب الحكم إيقافه_. قال ابن المواز: ولو لم يُسم ما لكل واحدة من الكيل لكان نصيب من مات منهن لمن بقي, وذلك إذا ماتت قبل طيب الثمرة, فأما بعد طيبها وحلول بيعها, فذلك لورثة من مات منهن بالوجهين - إذا سمى لكل واحدة أو لم يسم - وقاله مالك وابن القاسم. وإن مات بعضهن بعد الإبار, فاختلف فيه أصحاب مالك, فقال أشهب: ذلك لورثة من مات ممن حُبس علية. وقال مالك وابن القاسم: لا شيء لورثة من مات إلا بعد طيبه وحلول بيعه. قال أشهب: وسواء حبس حياة المحبس أو حياة المحبس عليه. [(5)] فصل [فيمن أوصى لرجل بمئة دينار ينفق عليه منها كل سنة كذا وعلى الموصى له دين] ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم: فيمن أوصى لرجل بمئة دينار ينفق عليه منها كل سنة كذا, وعليه دين, فقال أهل الدين: عمروه لنا وأعطونا الفضل, فليس ذلك لهم؛ لأن الفضلة ترجع إلى ورثة الموصى,

ولو أوصى له بنفقة دينار كل شهر, فقالوا: أعطنا ما يفضل من الدينار عن النفقة فذلك لهم؛ لأن الدينار صار مالاً من ماله. وقال عبد الملك في المجموعة: في الموصى له بالنفقة والخدمة والسكنى يُفلس, فغن سمى له فضلاً بيناً, مثل خمسة دنانير في الشهر, فهذه وصية بالنفقة وبغير النفقة, فإن سمى مثل ما بين ضيق وسعتها, فلا شيء فيه للغرماء, وكذلك في فضل المسكن.

[الباب الثاني عشر] فيمن أوصى بغلة داره, أو جنانه أو غيره للمساكين أو لقوم بأعيانهم وشراء ذلك من الموصى له به

[الباب الثاني عشر] فيمن أوصى بغلة داره, أو جنانه أو غيره للمساكين أو لقوم بأعيانهم وشراء ذلك من الموصى له به. [(1) فصل: فيمن أوصى بغلة داره أو جنانه أو غيره للمساكين أو غيرهم المسألة الأولى: فيمن أوصى بغلة داره أو جنانه أو غيره للمساكين أو غيرهم] قال ابن القاسم: ومن أوصى بغلة داره أو جنانه للمساكين, جاز ذلك. محمد: قال أشهب: فإن لم يحمل الثلث الدار أو الجنان أُخرج من ذلك بعينه ما حمل الثلث, ولا تخيير للورثة فيه ولا قطع الثلث من جميع المال, ولكن ما أوصى به بعينة, وكذلك لو أوصى بذلك في سبيل الله أو في اليتامى والأرامل فلا تخيير فيه وإن لم يحمله الثلث, ويكون ما حمل منه موقوفاً تكون غلته فيما ذُكر كالوصية بالرقبة؛ إذ لا مرجع له إلى الورثة يرجى, ولو كان على قوم بأعيانهم فلم يسعه الثلث, ولم يُجز الورثة, قُطع لهم بثلث التركة بتلاً؛ إذ له مرجع إذا هلكوا, ولو أوصى للمساكين بعدة أو سق من بستانه, أو بدنانير من غلة داره كل عام, فهذا بخير فيه الورثة, فإما أجازوا أو قطعوا له بالثلث بتلاً, بخلاف وصيته بالجميع لمن لا انقطاع له. [المسألة الثانية: فيمن أوصى بظهر دابته أو بخدمة عبده أو سكن داره للمساكين فلمن يلي النظر أن يؤجر ذلك ويقسم بينهم أو يوقفه فمن احتاج منهم انتفع] قال ابن القاسم وأشهب: ومن أوصى بظهر دابته أو بخدمة عبده أو سكنى داره [138/ب] للمساكين, فلينظر من جعل النظر إليه فيه , فإن رأى أن يؤجر ذلك ويقسم إجارته في المساكين فعل, وإن رأى أن يوقفه فمن احتاج سكن أو ركب أو اختدم فعل, كمن أوصى بعبد للمساكين, فإن رأى ولي النظر بيعه وتفرقة ثمنه فعل, وإن رأى أن يدفعه برمته للمساكين يصنعون به ما

شاءوا فعل, فإن لم يحمله الثلث فما حمل منه صنع فيه مثل هذا, ولا يخير الورثة في هذا؛ لأن الميت استوعب ثلثه وقطعه عنهم للأبد. قال أبو محمد: يريد لأنه لما أبده للمساكين, فكأنه أوصى لهم بعينه. [(2)] فصل [في شراء ما أوصى له به] ومن المدونة قال مالك: ومن أسكن رجلاً داراً حياته, ثم أراد بعد ذلك أن يبتاع منه السكنى, فلا بأس به. قال ابن وهب وابن نافع: وقاله عبد العزيز بن أبي سلمة, قال سحنون: والرواة كلهم في الدار على ذلك. لا أعلم بينهم فيه اختلافاً. قال ابن القاسم: ولا بأس لورثته أيضاً أن يشتروا سكناها, يريد: لأنهم ورثوا ما كان لميتهم وحلوا محله. قال ابن القاسم: وكذلك لو أوصى له بثمرة حائطه حياته فلا بأس لصاحب النخل أن يشتري الثمرة, وإن مات الموصي والثلث يحمل الحائط, فلورثته أيضاً أن يشتروا الثمرة من الموصى له؛ لأن الأصل لهم, وإنما شراؤهم للثمرة قبل أن تثمر كشرائهم للسكنى في الغرر سواء, لا بأس به. وإنما جاز ذلك؛ لأن أصله معروف, فأُرخص فيه كما أُرخص في شراء العرية بخرصها تمراً, والامتناع من مثل هذا داعية إلى انقطاع المعروف, فخفف لهذا, والله أعلم.

قال ابن القاسم: وكل من حبس على رجل حائطاً له حياته, أو داراً حياته ثم أراد أن يشتريهما جميعاً, فلا بأس به, وكذلك من أخدم رجلاً عبده حياته أو أوصى بالخدمة أو السكنى حياته, فلصاحب ذلك أن يشتريه هو أو ورثته من المعطي, ولا يجوز بيع ذلك من أجنبي, وقد قال مالك فيمن أعرى عرية, ثم باع بعد ذلك حائطه أو ثمرته أنه يجوز لصاحب الثمرة أن يشتري تلك العرية بخرصها تمراً, كم يجوز لصاحب الحائط, وكذلك الموصى له بالخدمة حياته يبيع تلك الخدمة من ورثة الموصى بدين, ولا يجوز بيع تلك الخدمة من أجنبي, وإنما يجوز أن تبيع خدمة العبد من أجنبي أو تُؤجره إياها مدة قريبة كسنة أو سنتين, وأمد مأمون, ولا يكريه إلى أجل بعيد غير مأمون, بخلاف كرائه لعبده. وقد قال مالك: ومن أكرى عبده من رجل عشر سنين, فلا بأس به, وما رأيت أحداً فعله. قيل لابن القاسم: فلم أجاز لسيد العبد أن يكريه عشر سنين, ولم يجز للمخدم حياته أن يكريه أجلاً بعيداً؟ فقال: لأن سيد العبد إذا مات لزم ورثته تمام الكراء بقية الأجل, والمُخدم حياته إذا مات بطل فضل ما تكاراه إليه؛ لأنه يرجع إلى ورثته كما رجع إلى ورثة مالكه, فلا يجوز من بيع خدمته إلا الأمد المأمون, وأما الموصى له بخدمة عبد عشر سنين, فلا بأس أن يكريه فيها؛ لأن المخدم هاهنا إذا مات ورث ورثته خدمة العبد بقية الأجل وقال غيره: لم يعتبر موت العبد في الإجازات؛ لأنه أمر لا يقدر على دفعة, وإن بطلت الإجازة بموت غير العبد فذلك غرر, فمتى صارت الإجازة تبطل بموت غير العبد لم تجز. وقال ابن المواز: ومن اسكنه رجل داراً حياته, فلا يجوز له أن يكريها إلا

مدة قريبة [139/أ] كالسنة وشبه ذلك إن اشترط النقد, وإن لم يشترط النقد, فلا بأس؛ لأنه متى مات انفسخ الكراء ورجعت الدار إلى صاحبها ومن المدونة: والموصى له بخدمة العبد حياته إذا صالح الورثة من خدمته على مال, فمات العبد ويقي المخدم حياً, فلا يرجع عليه الورثة بشيء مما أخذ منهم, وللرجل أن يؤجر ما أوصى له به من سكنى دار أو خدمة عبد, إلا أن يكون عبداً - قال له: اخدم ابني ما عاش, أو اخدم ابنتي أو ابن أخي وشبه هذا, ثم أنت حر- وهو من العبيد الذين لا يراد منهم الخدمة وإنما ناحيتهم الحضانة والكفالة, فليس له أن يؤجره؛ لأن مالكاً قال: فيمن قال لعبده أو لجاريته: اخدم ابني أو ابنتي أو ابن أخي عشر سنين, أو حتى يبلغ أو ينكح, ثم أنت حر, مات الذي قيل له: اخدمه قبل الأجل, فإن كان ممن أريد به الخدمة خدم ورثة الذي مات بقية الأجل, ثم هو حر, وإن كان ممن لا يصلح للخدمة لفراهيته وإنما أُريد به ناحية الحضانة والكفالة والقيام, عُجل له العتق الساعة ولم يؤخر. قال مالك: وقد نزل هذا ببلدنا وحكم به وأشرت به. قال ربيعة: ومن قال لعبده: إذا تزوجت ابني فأنت حر, فبلغ الابن النكاح وهو موسر, فأبى أن ينكح وتسرر, فإن العبد يعتق الآن؛ لأنه أراد بلوغ أشده وأن يستعين بالعبد فيما قبل ذلك من السنين. قال بعض أصحابنا عن غير واحد من فقهائنا: ولو بلغ الابن النكاح وهو معسر لم يعتق العبد حتى يكون للولد ما يتزوج به مثله في حاله.

[الباب الثالث عشر] فيمن أوصى لرجل بحائط فأثمر, أو بعبد فأفاد مالا, أو بأمة فولدت

[الباب الثالث عشر] فيمن أوصى لرجل بحائط فأثمر, أو بعبد فأفاد مالاً, أو بأمة فولدت. [(1) فصل أوصى لرجل بحائط فأثمر المسالة الأولى: فيمن أوصى لرجل برقبة جنانه فأثمر الجنان قبل موت الموصى ثم مات الموصى والثلث يحمل الجنان وما أثمر] قال ابن القاسم: ومن أوصى لرجب برقبة جنانه, فأثمر الجنان قبل موت الموصي بسنة أو سنتين فمات الموصي والثلث يحمل الجنان وما أثمر, فالثمر للورثة دون الموصى له, وكذلك إذا أُبرت النخل, وأُلقحت الشجر قبل موت الموصي؛ لأن مالكاً قال فيمن أوصى بأمة لرجل, وأوصى بعتقها بعد موته فولدت الأمة قبل موت الموصي: إن ولدها رقيق للورثة, ولا شيء للموصى له في الولد إلا أن يموت قبل الإبار أو قبل الولادة, فيكون ذلك للموصى له كالبيع. وذلك أن الوصايا كلها إنما تنفذ بعد موت الموصي؛ إذ لو شاء الموصي لرجع عنها, فما كان بعد الموت فكأنه وهبه حينئذ, فكأنه وهب العبد وله خراج, والأمة ولها ولد, والجنان وقد أبر, فلا يدخل ذلك إلا الموصى به وحده, وإذا قُومت الأصول وحدها فخرجت من الثلث وكانت الغلات تبعاً لها وقد كان أُنفق على الجنان نفقة من مال الميت إلى أن نمت ثمرته, فيجب أن يكون على الموصى له تلك النفقة؛ لأنه لما حمله الثلث كأنه لم يزل ملكاً للموصى له؛ ولأن الميت لم ينتفع بالغلة ولا كثر بها ماله, فلذلك تكون النفقة على الموصى له والله أعلم. [المسألة الثانية: فيمن أوصى لرجل برقبة جنانه فأثمرت بعد موت الموصي وقبل النظر في الثلث] قال ابن القاسم: وما أثمرت الجنان بعد موت الموصي, وقبل النظر في الثلث,

فتلك الثمرة للموصى له إن حمل الثلث الجنان, ولا تقوم الثمرة مع الأصل؛ لأنها ليست بولادة, وإنما تُقوم مع الأصل بعد موت الموصي الولادة وشبهها, والثمرة هاهنا بمنزلة الخراج والغلة, وكذلك ما أفاد المدبر والموصى به لرجل من فوائد بعد موت الموصي, قبل النظر في الثلث [139/ب] فلا يُقوَّم معهم في الثلث, وإنما يقوم معهم من أموالهم ما مات السيد وهو بأيديهم, أو نما من ربحه بعد موته, وليس لهم أن يتجروا فيه بعد موته, فإن فعلوا فالربح بمنزلة رأس المال, وكذلك لا يقوم مع المُبتل في المرض ما أفاد بعد عتقه قبل موت السيد أو بعد موته, وهذه فوائد لهم, وللموصى له بالعبد إن حما الثلث رقابهم - يعني: وإن حمل الثلث بعض الرقاب- أُوقف ذلك المال بأيديهم, واستحداث الميت الدين في المرض يرد ما بتل من العتق في مرضه, ويضر بالعبد كما يضره ما تلف. قال سحنون: وقد قال غير هذا, وهو أكثر الرواة: أن ما اجتمع بعد موت السيد في حال الإيقاف لاجتماع ماله في يد المدبر أو الموصى بعتقه, أو برقبته لرجل من مال تقدم لهم أو ما ربحوه فيه من تجارة أو بعمل أيديهم, أو بهبة أو بغيرها من الفوائد, فإن ذلك كله يقوم معهم في الثلث, خلا أرش ما جُني على المدبر فليس له, وذلك للسيد كبعض تركته, وكذلك المبتل في المرض يُقوم ماله معه, وما أفاد من ذلك كله بعد العتق قبل موت السيد أو بعده, وكذلك الجنان الموصى بها لرجل أن ما أثمر بعد موت الموصي يُقوم مع الأصول في الثلث, فإن حمل الثلث جميع العبيد الذين ذكرنا كان المال لهم

وللموصى له بالعبد, كذلك الجنان إن حملها الثلث بثمرته كانت الثمرة للموصى له, وإن حمل الثلث نصف ما ذكرنا وقف المال بأيدي العبيد ولا يُنتزع ممن جرت فيه حرية منهم, ويكون للموصى له بالجنان نصف النخل ونصف الثمر. قال سحنون: وهذا أعدل أقاويل أصحابنا. [(2) فصل: فيمن أوصى لرجل بعبد فأفاد مالاً أو بأمة فولدت] قال بعض الفقهاء: وذلك أن نماء العبد لم يُختلف فيه, أنه إنما يُقوم على هيئته يوم التقويم, وكذلك ولد الأمة, ولم يُذكر فيه اختلاف أنه يقوم معها كنماء أعضائها؛ فكذلك يجب أن تُقوم الغلات مع الرقاب؛ لأنها كالنماء في الموصى به, وإذا قومنا الغلة مع الأصول, فالنفقة على ذلك من مال الميت؛ لأن في ذلك انتفاعاً له بتكثير ماله بالغلة مع الأصول. قال: وإذا مات العبد الموصى به لرجل وترك مالاً- على مذهب من يرى أن ماله يتبعه في الوصية - فيجب أن يُقوم ماله, فإن خرج من الثلث أخذه الموصى له, ولو اغتل غلة بعد الموت- فعلى قول من قومه بما اغتل - تُقوم الغلة للموصى له به, كذلك كأن يجب. وفي كتاب محمد: إن ما اكتسب, لورثة سيدة إذا مات ولم يكن له مال مأمون, وكذلك عبده لو جًني عليه فأخذ لذلك أرشاً كان لورثة سيده, ولا شيء

للموصى له به من ذلك, وكذلك لو قتل فقيمته لورثة سيده. قال بعض الفقهاء: والأشبه أن يكون ذلك الموصى له به, كما وهبه عبداً فقُتل أن قيمته للموهوب, وأما الموصى بعتقه, فلا شك أن قيمته لورثة سيده؛ إذ لم تتم حريته بل مات عبداً, أما من لم ير تقويم الغلة, فإذا مات العبد فقد يقال إن ما ترك للورثة لما لم يصح أن تكون الغلة تبعاً له. حُكي عن بعض شيوخنا القرويين: في العبد الموصى بعتقه إذا كان له مال اكتسبه قبل الموت, فإنه يقوم معه على القولين, وأما ما اكتسبه بعد الموت فلا يقوم معه على القول الواحد, وذلك إذا حمله الثلث؛ لأنه إذا كان الثلث حاملاً له ظهر لنا أن العبد من حين مات سيده وجبت حريته, ومال الحر تبع له [140/أ] فلا يقوم معه, وأما إن لم يحمل الثلث العبد, فلابد أن يُقوم بماله, لأنه يوقف بيده؛ إذا قد وجبت الشركة فيه. قال: وأما ثمر النخل فلا تقوم مع الصول, حمل الأصول الثلث أو لم يحملها - على أحد القولين - لأن التمر ينقسم, ويبين فيه كل واحد بحقه, والمال موقوف بيد العبد لا يُقسم, فالمسألتان مفترقة, والله أعلم.

[الباب الرابع عشر] فيمن أوصى لرجل بولد أمته أو غنمه وبرقبتها لآخر أو أوصى بالولد أو بزرع أو ثمر حائطه وأوصى مع ذلك بوصايا أو أوصى بثلث غلة حائطه أو بغلة ثلثه

[الباب الرابع عشر] فيمن أوصى لرجل بولد أمته أو غنمه وبرقبتها لآخر أو أوصى بالولد أو بزرع أو ثمر حائطه وأوصى مع ذلك بوصايا أو أوصى بثلث غلة حائطه أو بغلة ثلثه. [(1) فصل: فيمن أوصى لرجل بولد أمته أو أوصى بولدها لرجل وبرقبتها لآخر] ومن العتبية: قال أصبغ عن ابن وهب: فيمن قال: أوصيت لفلان بما ولدت جاريتي هذه أبداً, فإن كانت يوم أوصى حاملاً فهو له, وإن لم تكن يومئذ حاملاً فلا شيء له, ولو حدث بها بعد ذلك حمل لم يكن له فيه شيء, ولربها بيعها إن شاء. ومن كتاب محمد واراه لأشهب: وإذا أوصى بولد أمته لرجل وبرقبتها لآخر, فهو كذلك لهذا ما تلد ما دام حياً, وعليه نفقتها, فإذا مات فرقبة الأمة للموصى به بالرقبة. وهذا أصوب من قول ابن وهب قال ابن المواز: وهذا إن لم تكن يوم أوصى حاملاً, فإن كانت حاملاً يومئذ, فليس له إلا حملها فقط. قال: ومن أوصى لرجل بما تلد غنمه أو بصوفها أو بلبنها وبرقبتها لآخر فنفقتها على صاحب الغلة, وله ما كان عليها من صوف تام يوم مات, وما في ضروعها من لبن وما في بطونها من ولد وما تلد بعد ذلك إلى مماته, ثم هي لصاحب الرقاب.

م: أراه يريد: ولم تكن حوامل يوم الوصية, وإنما حملت يوم مات؛ فلذلك قال: وما تلد غنمه بعد ذلك إلى مماته, ولو كانت حوامل يوم الوصية لم يكن للموصى له بولدها غيره, إلا بأن يوصى له بما تلد حياته أو يُعلم أنه أراد ذلك. [(2) فصل: فيمن أوصى بما في بطن أمته أو غنمه أو بثمر نخله وأوصى مع ذلك بوصايا] ومن المجموعة قال عبد الملك: وإذا أوصى بما في بطن أمته أو غنمه أو بثمر نخله وأوصى مع ذلك بوصايا, فإن ولدت الأمة والغنم قبل النظر في ذلك, حُوصص بذلك على قدر ما هو به من حسنٍ وقبيحٍ, ونقص وتمام, وصحة ومرض, وإن لم تضع حوصص بغير قيمة الأمهات, فإن أخطأ ذلك قبل فوات الأمهات فبان وخابت أو ماتت, رد ما أوقف من ذلك على أهل الثلث. قال أبو محمد: أراه في قوله: فبان وخابت أو ماتت يريد: فبان ألا حمل بها أو خابت. قال عبد الملك: وإن فاتت أعيان الأمهات وعمي أمرها, وكان الحمل بينا, مضى الحصاص على غير قيمة الأمهات. قال: وقال بعض أصحابنا: إن الأمهات تباع ولا تُنتظر ولا تكون أسوأ. خالاً ممن يُعتق ما في بطنها, ثم يموت, فإنها تباع في دينه. والأول أحب إلي. وقال: في ثمرة النخيل: يُنظر كم تسوى لو حل بيعها فيحاص بذلك, وكذلك يحاص في العبد الآبق - يوصى به- بقيمته على غرره.

قال ابن القاسم: في الموصى له بزرع لم يبد صلاحه فليستأن به حتى يحل بيعه فيحاص به الثلث, فما نابه أخذه في الزرع, وإن أُجيح الزرع بطلت وصيته. قال أشهب: وإن أوصى بما في بطن أمته, فإن حمل الثلث الأم حاملاً وقفت حتى تضع, فيأخذه الموصى له به, أو يعتق إن أوصى بعتقه. ومن كتاب ابن المواز والعتبية قال ابن القاسم: ومن أوصى فقال: لفلان ثمرة حائطي. لم يزد على هذا, ولم يذكر أي ثمرة, ولا كم من المدة, فإن كان فيها يوم الوصية ثمرة لم يكن له غيرها سنته تلك, وإن لم تكن فيها يومئذ ثمرة - قال أصبغ: ولا حمل يريد: بالأمة [140/ب] قال ابن القاسم: فله ذلك الحائط حياته. [(3) فصل: فيمن أوصى بثمرة في حائطه أو بغلة ثلثه] قال أشهب في كتاب محمد والمجموعة: وإن أوصى بثمرة في حائطه ولم يدع غيره, فإن أُبرت قومت وقوم الحائط, فإن خرجت من الثلث جاز أو ما خرج منها, وإن لم تؤبر لم يلزمهم إيقاف الحائط, كله حتى يؤبر أو يجذ, فإما أجازوا, وإلا حائطه أبداً أو سنة, فإن حمله الثلث أُنفذ ذلك, وإن لم يحمله خير الورثة في إمضاء ذلك له أو القطع له بثلث التركة, وأما إن أوصى له بغلة ثلث حائطه فبخلاف الأول, وهذا جائز لازم للورثة؛ كما لو أوصى بثلث حائطه ملكاُ, وأما قوله ثلث غلة حائطي, فهذا إيقاف لجميع الحائط, ولا يصلح فيه القسم, والآخر يصلح فيه القسم؛ لأنها وصية بغلة ثلث الحائط, وللورثة غلة الحائط. قال أبو محمد: يريد: وإن خرج من الثلث.

قال سحنون في المجموعة: إذا أوصى بغلة ثلث حمامه للمساكين, ثم أراد الورثة قسمته, فليس ذلك لهم وإن كان الحمام يخرج من الثلث, ويبقى موقوفاً كله مثل مالا ينقسم من العبيد والحيوان؛ لأن الميت أولى بثلثه من الورثة, وإن لم يحمله الثلث خير الورثة: فإما أوقفوه كله, وإلا قطعوا له بثلث مال الميت للمساكين. قال أبو محمد: إنما قال سحنون: هذا في الحمام؛ لأنه لا ينقسم, فلابد أن يبقى جميعه موقوفاً, ولو كان داراً يحملها القسمة لافترق قوله: ثلث غلة داري, من قوله غلة ثلث داري؛ كما ذكر أشهب في الحائط. قال أشهب: وإذا أوصى حائطه التي فيه الآن لرجل, وبغلته فيما يُستقبل لآخر حياته, فإن خرج من الثلث فذلك جائز لهما أُبرت الثمرة أو لم تؤبر أو طابت, فإن لم يخرج من الثلث أو لم يترك غيره نظرت, فإن طابت الثمرة أو أُبرت قُومت, وقومت الغلة حياة الآخر, فإن كانت قيمتها سواء, فلصاحب هذه الثمرة نصف الثلث في تلك الثمرة بعينها, وللآخر نصف الثلث يكون به شريكاً للورثة في جميع التركة, وإن لم تؤبر الثمرة كان ثلث التركة بينهما بتلاً بقدر قيمة وصاياهما, إن لم يجز الورثة. تم كتاب الوصايا الثاني بحمد الله وعونه.

كتاب الوصايا الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم كتابً الوصايا الثالث [الباب الأول] جامع القول في الوصيًة على الضرر [المسألة الأولى: فيمن قال غلة داري في المساكين وأنا أتولى غلتها وأفرقها ما دُمت حياً, ردِّها ورثتي بعد موتي, فهي وصية تباع ويتصدق بثمنها] قال الله سبحانه وتعالى في الموصي: {غَيْرَ مُضَارٍّ}. فلا تجوز الوصية على الضرر. قال ابن القاسم: ومن قال وهو صحيح: غلة داري في المساكين, وأنا أتولى غلتها وأُفرقها ما دُمت حياً, فإن ردها ورثتي بعد موتي, فهي وصية في ثلثي, تُباع ويُتصدق بثمنها, فذلك نافذ كما قال. قال محمد: وقد اختلف في هذا, فقال ابن القاسم: ذلك جائز نافذ. وقال أشهب: لا يجوز. وقول ابن القاسم: أبين؛ لأنه ليس فيها وصية لوارث, ولا ضرر به. قال ابن القاسم فيه وفي المدونة: ولو قال: هي على ورثتي, وأنا

ألي قسمتها, فإن رد ذلك ورثتي بعد موتي بيعت وتُصدق بثمنها من ثلثي على المساكين, لم يجز ذلك, وكانت [141/أ]. محمد: وقاله أشهب. [المسألة الثانية: فيمن أوصي بغلامه لبعض ورثته وشرط إن لم ينفذوا ذلك له فالغلام حر] قال ابن القاسم: وقد قال بعض من أثق به من أهل العلم: فيمن أوصى بغلامه لبعض ورثته, وقال: فإن لم ينفذوا ذلك له فهو حُر, فلم ينفذوه, فلا حرية له وهو ميراث, وقاله مالك. ولو قال: هو حر أو سبيل الله إلا أن يشاء ورثتي أن ينفذوه لابني, فذلك نافذ على ما أوصى به. محمد: وقال أشهب: ذلك سواء, بدأ بالوصية للابن, أو بدأ بالخدمة, فلا يجوز, وهو من الضرر. وقال ابن وهب كقول ابن القاسم. قال أصبغ: وهو رأيي على إتباع العلماء. [المسألة الثالثة: فيمن أوصى بثلثه لوراث وشرط إن لم يجزه باقي الورثة فهو في السبيل] ومن المدونة قال مالك: ومن أوصى بثلثه لوارث, وقال: فإن لم يجزه باقي الورثة فهو في السبيل, فلا يجوز ذلك للوارث ولا في السبيل, ويرد ميراثاً؛ لأنه مضار بالورثة إذا منعوه مالهم منعه. قال محمد: وقال ذلك أصبغ, وهو قول جميع المدنيين,

وقاله ابن كنانة وابن نافع وابن وهب قال: وقال ابن القاسم: ذلك إذا بدأ بالوارث, ولو بدأ بالأجنبي أو السبيل وقال: إلا أن يجيزوه لابني فلان, كان ذلك جائزاً حيث جعله, إلا أن ينفذوه الورثة لوارث كما قال؛ لأنه لا يُتهم في ذلك على الضرر إذا بدأ بغير الوارث, ولم يكن أصل ما بني عليه لوارث, فافهم هذا, فإنه أحسن ما سمعت وأصوب إن شاء الله, وهو رأيي. قال أصبع: وأنا أقوله استحساناً واتباعاً, وقال غير ابن القاسم من أهل المدينة, وفيه بعض المغمز, وأما القياس, فهو مثل الأول. [المسالة الرابعة فيمن قال داري أو فرسي في السبيل إلا أن يشاء الورثة أن ينفذوا ذلك لابني فلان] ومن المدونة: قال مالك: ومن قال داري أو فرسي في السبيل إلا أن يشاء الورثة أن ينفذوا ذلك لابني فلان. فذلك جائز, وينفذ في السبيل إن لم يُنفذ لابنه؛ وليس لهم أن يردوه. [المسألة الخامسة: فيمن أوصى بغلامه لابنه, وكيف إن قال: غلامي يخدم ابني حتى يبلغ ثم هو حر] محمد: قال مالك: فيمن أوصى بغلامه لابنه, فإن لم يُجز ذلك الورثة فهو حُر, فإنه ميراث ولا حرية له, ولو قال: غلامي يخدم ابني حتى يبلغ, ثم هو حر؛ فإن لم يُجز الورثة فثُلثي صدقة على فلان. قال: فالغلام حر إلى ألجل إن خرج من الثلث, ويخدم جميع ورثته على مواريثهم إلى بلوغ من ذكر, فيعتق. قال محمد: وإنما وقع الضرر هاهنا بالوصية بالخدمة, وأما الحرية فقائمة جائزة لوقتها.

قال محمد: وإن لم يسعه الثلث, خير الورثة بين إجازة ذلك أو عجلوا عتق محمل الثلث منه بتلاً. قال محمد: وهو قول أصحاب مالك أجمع, وهو مذهبهم. [المسألة السادسة: فيمن أوصت في جارية لها أن تخدم ابنها حتى يبلغ, ثم هي حرة] وقال: فيمن أوصت في جارية لها أن تخدم ابنها حتى يبلغ, ثم هي حرة, فقيل لها: إن هذا لا يجوز, فقلت: إن كان ذلك لا يجوز فثلثي يُحج به عني. قال مالك: تكون خدمة الجارية بين جميع الورثة على فرائضهم حتى يبلغ ابنها فتعتق. [المسألة السابعة: فيمن أوصى بوصية فخاف ألا يجيزها القاضي فشرط إن ردها أن تباع ويتصدق بثمنها] قال أشهب: فيمن أوصى بوصية من غلة داره أو عبده, فخاف أن لا يُجيزها القاضي, فشرط إن ردها القاضي فقد أوصيت أن تُباع ويُتصدق بها. قال: أما إذا أوصى لمن تجوز وصيته له فذلك نافذ, ولا شيء للمساكين. قال غيره: وإن قال: عبدي لفلان. وهو أكثر من الثلث, فإن لم تُجزه الورثة فهو حر, فذلك جائز وهو حر. قال أبو محمد: يريد ما حمل الثلث منه.

[الباب الثاني] فيمن أوصى بوصيتين, أو بوصية بعد وصية من جنس أو جنسين, أو أوصى لرجل بشيء ثم أوصى به لغيره, وما يعد منه رجوعا

[الباب الثاني] فيمن أوصى بوصيتين, أو بوصية بعد وصية من جنس أو جنسين, أو أوصى لرجل بشيء ثم أوصى به لغيره, وما يُعد منه رجوعا. [(1) فصل: فيمن أوصى بوصيتين لرجل واحد المسألة الأولى: فيمن أوصى لرجل بثلاثين ديناراً, ثم أوصى له بالثلث] قال ابن القاسم: ومن أوصى لرجل بثلاثين ديناراً, ثم أوصى له تارة أخرى بالثلث, فليضرب مع أهل الوصايا بالأكثر عند مالك. قال سحنون في المجموعة: معناه أن ماله كله عين, وكذلك قال ابن المواز [141/ب] وقاله أصبغ. قال: وإن كان ماله عيناً وعرضاً ضرب معهم بثلث العرض, وبالأكثر من ثلث العين أو التسمية. قال عنه ابن حبيب: وإن كان ماله كله عرضاً ضرب مع أهل الوصايا بالثلث وبالتسمية, وإن لم تكن معه وصايا فإنما له بالثلث, إلا أن يُجيز الورثة فيُعطى الوصيتين. [المسألة الثانية: فيمن أوصى لرجل بدار, ثم أوصى له بعشرة آدر] ومن المدونة: قلت: فمن أوصى لرجل بدار, ثم أوصى له بعشرة آدر وللميت عشرون داراً, قال: فله أكثر الوصيتين - عشرة آدر- فيكون له من جميع الدور نصفها بالسهم إن حمله الثلث, أو ما حمل منه, إلا إن يُجيز ذلك الورثة.

وقال مالك: فيمن أوصى لرجل بمبذر عشرين مُدياً من أرضه, فإن كانت الأرض مبذر مئة, فله خمسها بالسهم, وقع له أقل من مبذر عشرين لكرم الأرض أو أكثر لرداءتها. قال ابن القاسم: والدور عندي بهذه المنزلة. قال: وإن كانت الدور في بلدان شتى أُعطي نصف كل ناحية بالسهم. [المسألة الثالثة: من أوصى لرجل بدنانير ثم أوصى له مرة أخرى بدنانير] قال مالك: من أوصى لرجل بدنانير ثم أوصى له مرة أخرى بدنانير, فله أكثر الوصيتين كانت الأولى أو الآخرة, وإن أوصى له بدنانير, ثم أوصى له مرة أخرى بغير الدنانير فله الوصيتان جميعاً, وإن أوصى له بعشرة أرادب حنطة, ثم أوصى له بخمسة عشر إردب حنطة, فله أكثر الوصيتين بمنزلة الدنانير, وكذلك إن أوصى له بعشرة شياه, ثم أوصى له بعشرين شياه, فله الأكثر بمنزلة الدنانير, ثم يُنظر إلى عدد الغنم, فإن كانت مئة, فله خمسها بالسهم, وقع له في ذلك أكثر من عشرين أو أقل؛ وكذلك قال مالك: فيمن قال: لفلان عشرون شاة من غنمي وهي مئة شاة, فله خمسها بالسهم, ويدخل في ذلك الخمس ما دخل, وكذلك إن قال: لفلان عبدان من عبيدي, ثم قال له عشرة أعبد من عبيدي, فله أكثر الوصيتين مثل الغنم, وإذا أوصى لرجل بوصيتين من نوع واحد أخذ الموصى له أكثر الوصيتين, كانت الأولى أو الثانية ولا يجمعان له.

ومن المجموعة وكتاب ابن حبيب قال عبد الملك: إذا أوصى له بدنانير ثم أوصى له في وصية أخرى بأكثر من ذلك أو أقل, أعطيناه أكثر الوصيتين؛ لأنه لما لم يتبين أنه رجع عن الأولى واحتمل أن يكون نسيها أعطيناه أكثرهما, وأما إن كانت وصية واحدة فسمى له في أولها عشرة, ثم سمى له في آخرها عشرة أخرى فأقل, فله المالان جميعاً, فأما إن سمى له في آخرها أكثر من عشرة, فله الأخيرة فقط, ويحمل كأنه تقلل الأولى فزاده, فقال: له عشرون, منها العشرة الأولى, ولا يحسن في المسألة الأولى أن يقول له عشرة منها العشرة الأولى. ولو قال: لزيد عشرة, ولفلان كذا, ولفلان كذا, ولزيد عشرون, فإنما له عشرون, وكانت واو النسق على ما قارنها من ذكر غيره. ولو قال: لزيد عشرة, وانظروا فلاناً, فإنه فعل بنا كذا, أو ظلم فلانا, ولزيد عشرون, فهذا لا يحسن أن ينسق إلا على الأول, وكأنه قال: لزيد عشرة ولزيد عشرون فله ثلاثون, ولو قال: لزيد عشرة, لزيد عشرون لم يكن له إلا عشرون. قال عنه ابن حبيب: ى وكذلك ما يكال أو يوزن, في بدايته بالأكثر أو بالأقل فهو كالدنانير, وكذلك العين كله - الدنانير والدراهم- لأنه صنف واحد- بدأ بالذهب أو الفضة- ويعتبر بالأكثر والأقل بالصرف. وقاله مطرف- في ذلك كله - وروياه عن مالك.

[المسألة الرابعة: فيمن أوصى لرجل بوصيتين في كتابين منفصلين] قال ابن الماجشون: ولو كانا في كتابين أخذ أكثر الوصيتين لا يُراعى فيها شيء. وقال مطرف: كانتا في كتاب أو كتابين, يراعى الأقل إذا بدأ به أو بالأكثر, فإن كانتا عروضاً وعروضاً أو عروضاً وعيناً, فله الوصيتان جميعاً, تفاضل ذلك أم لا, كانا في كتابين أو في كتاب واحد, وساوى ابن القاسم بين كتاب وكتابين كانت الوصيتان عيناً أو ما يكال أو يوزن, فله الأكثر منهما, كانت الأولى أو الأخيرة, وجعل الدنانير والدراهم صنفين في هذا, وله الوصيتان, وقاله أصبغ. وقال ابن حبيب بقول مطرف وابن الماجشون. وقال أشهب في المجموعة - ورواه عن مالك-: إن كل ما كان من صنف واحد, فله أكثر [142/أ] الوصيتين, كانت الأولى أو الأخيرة. قال أشهب: كان ذلك مما يكال أو يوزن أم لا, كان حيواناً أو عروضاً أو غيرهما ما لم يكن ذلك شيئاً بعينه. وكذلك قال ابن القاسم, وذكر عنه مثل ما في المدونة. وكذلك ذكر محمد عن أشهب عن مالك: نحو ما تقدم, أنه إذا أوصى بشيء بعد شيء في كتاب واحد أو في كتاب بعد كتاب, ولم يذكر الأولى, فما كان من نوع واحد من دنانير, أو دراهم أو طعام يُكال أو يوزن, فله أكثرهما, وإن كانت أشياء مختلفة دنانير وعبداً ودابة, أخذ الجميع وحوصص له به. محمد: وكذلك دنانير ودراهم وسبائك فضة أو قمح وشعير, فله ذلك كله.

وذكر يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية مثله. وكذلك روى عنه سحنون وأصبغ: إذا أوصى لرجل بدنانير ودراهم, أو بصيحاني وبرني في وصية واحدة أو وصيتين, فله الصنفان جميعاً. [(1) فائدة في اختصار المسألة] واختصار ذلك كله أنه لا خلاف إذا كانتا جنسين: أن له الوصيتين, كانت بكتاب أو بكتابين. وإن كانتا نوعاً واحداً: فقيل: له أكثر الوصيتين كانتا بكتاب أو بكتابين, وقيل: ينظر, فإن بدأ بالأقل, فله أكثر الوصيتين, وان بدأ بالأكثر أو كانتا متساويين, فله الوصيتان, وقيل: إنما هذا إذا كانتا بكتاب واحد, و'ن كانتا بكتابين فله أكثر الوصيتين. والأول أصوبهما, وبالله التوفيق. [المسألة الخامسة: فيمن أوصى بثلثه لفلان وفلان وفلان, ثم قال: وأعطوا فلانا مئة دينار لأحد الثلاثة] قال أصبغ: عن ابن القاسم: فإن أوصى بثلثه لفلان وفلان وفلان, ثم قال: وأعطوا فلانا مئة دينا لأحد الثلاثة, فإنه يضرب بأكثر الوصيتين من المئة ومن ثلث الثلث. قال أصبغ: وفيها شيء, ولها تفسير. وإنما يعني أصبغ, والله أعلم أن هذا الجواب إنما يصح إذا كان ماله كله عيناً دنانير, وأما إن كان ماله عينا وعروضاً, فله تُسع العروض والأكثر من تُسع

العين أو التسمية يضرب بجميع ذلك كله مع أهل الوصايا. وقد تقدم له مثل هذا من كتاب محمد في أول مسألة من هذا الباب. قال عيسى عن ابن القاسم: وإذا أوصى لرجل بعشرة دنانير, ولآخر بعشرين, ولآخر بثلاثين, ثم أوصى لهم بعد ذلك بالثلث, فإنهم يُعطون التسمية, ثم يقتسمون ما بقي من الثلث أثلاثاُ. وقال أيضاً: يقتسمونه بقدر ما بأيديهم. [(2)] فصل [فيمن أوصى بوصية بعد وصية من جنس أو جنسين] قال ابن القاسم عن مالك: فيمن أوصى لرجل بمئة مبدأة, ولقوم بوصايا, ثم قال بعد ذلك: ولصاحب المئة ألف دينار, قال: يحاص المئة بالألف, فإن وقع له أكثر من مئة أخذه فقط, وإن وقع له أقل من مئة أخذ المئة المبدأة. قلت لابن القاسم: فإن قال: زيدوا لصاحب المئة المبدأة ألفاً؟ قال: يأخذ المئة المبدأة ويحاص أهل الوصايا بالألف في بقية الثلث, فيأخذ الوصيتين جميعاً. قال أشهب عن مالك: ولو أوصى لرجل بثلاثمئة وبمسكن, وقال: يُبدأ بذلك على أهل الوصايا, ثم أقام ثمان سنين, ثم أوصى لفلان كذا ولفلان كذا, ولفلان يعني الأول ألف دينار, وذكر وصايا لقوم ثم قال: وزدت فلاناً مع ألف مئة دينار, فإنه يُبدأ الأول بالمسكن, ثم يحاص أهل الوصايا بالألف وبالمئة التي لم يبدأ بها, فإن صار له أكثر من ثلاثمئة فذلك له؛ لأن له الأكثر,

فإن صار له أقل من ثلاثمئة أُتم له ثلاث مئة مبدأة. وكذلك في كتاب ابن المواز عن مالك. [(3)] فصل [فيمن أوصى لرجل بشيء ثم أوصى به لغيره] ومن المدونة: ومن أوصى لرجل بشيء بعينة من دار أو ثوب أو عبد, ثم أوصى بذلك لرجل آخر فهو بينهما. ابن عبدوس: وقاله ابن القاسم وأشهب, وهو قول مالك. قال أشهب: لأنه قد أوصى لهما به, فتساويا وليس ما يُبدأ به في اللفظ يوجب التبدئة, وإن رد أحدهما نصفه, فذلك النصف للورثة. قال [142/ب] ابن القاسم وأشهب: وإن أوصى بعبد لوارث, ثم أوصى به لأجنبي فهو بينهما, ويرجع نصيب الوارث ميراثاُ, إلا أن يجيز له الورثة. قال في المدونة: ولو أوصى لرجل بثلث ماله, ثم أوصى لرجل آخر بجميع ماله كان الثلث بينهما على أربعة أسهم, ولم تكن وصيته للآخر بجميع ماله نقضاً للوصية الأولى. [المسألة الأولى: فيمن أوصى بثلثه في سبيل الله ثم قال يُقسم ثلثي أثلاثاً] قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية: فيمن أوصى بثلثه في سبيل الله ثم قال: بعد يوم أو يومين يُقسم ثلثي أثلاثاً فثًلث في المساكين, وثلث في الرقاب, وثلث يُحج به عني. قال ابن القاسم: يُقسم ثلثه نصفين, فنصفه في

سبيل الله, ونصفه يقسم أثلاثاً على ما نص في وصيته [المسألة الثانية: فيمن له ثلاثة آدر فأوصى بثلثهن لرجل فاستًحق داران] ومن المدونة: ومن له ثلاثة آدر فأوصى بثلثهن لرجل فاستحق منها داران, أو أوصى له بثلث داره, فاستُحق ثلثها لم يُنظر إلى ما استحق وإنما يكون للموصى له ثلث ما بقي. قلت: فلو قال العبد: الذي أوصيت به لزيد هو وصية لعمرو, قال: أرى هذا نقضاً للوصية الأولى وهو للثاني, وقد قال مالك: إذا كان في الوصية الآخرة ما ينقص الأولى فالآخرة تنقض الأولى. وإن أوصى بعتق عبد بعينه, ثم أوصى به لرجل فهو كله للرجل, ولو أوصى به أولاً للرجل, ثم أوصى به للعتق كان حراً ولا يكون للموصى له به قليل ولا كثير, والوصية الآخرة في هذا تنقض الأولى؛ إذ لا يُشترك في العتق. وقال أشهب: الحرية أولى به, قدمها أو أخرها, قال ربيعة: ومن أوصى بوصية بعد وصية أن الآخرة تجوز مع الأولى إذا لم يكن في الآخرة نقض الأولى. [المسألة الثالثة: فيمن أوصى بعبده لفلان, ثم أوصى ببيعه] محمد: قال أشهب: ومن أوصى بعبده لفلان, ثم أوصى ببيعه, أو قال: بيعوه من فلان, وسمى ثمناً أو لم يسم فهو رجوع, والوصية الآخرة, ويباع من الذي سمى ويحط ثلث ثمنه إن لم يُسم, وإن سمى ثمناً لم يُحط منه شيء,

فإن قبله, فذلك له, وإلا عاد ميراثاً, ولو قال: عبدي لفلان, وبيعوه من فلان فليبيع منه ثلثي ثمنه, ويُعطي للأول, وإن ترك الموصى له بابتياعه شراءه, فالثلث الذي أوصى به للورثة دون الموصى له به, ويكون للموصى له بالعبد ثلثاً ثمنه. قال ابن القاسم: ومن أوصى بعبده لفلان, وفي وصيه له أخرى أن يُباع من فلان غيره, ولا مال له غيره, فإن ثلث العبد يكون بينهما أرباعاً: للموصى له بالعبد ثلاثة أرباعه, وللموصى له ببيعه ربع الثلث. قال ابن عبدوس: وقاله أشهب. وقال سحنون: فيمن أوصى أن تباع داره من فلان بمئة, وأوصى بعد ذلك أن تُباع تلك الدار من آخر بخمسين, فإن حملها الثلث, بيع نصفها من هذا بخمسين ونصفها من هذا بخمسة وعشرين, وإن لم يحملها الثلث خير الورثة, فإما أجازوا لهم, أو برئوا لهم من ثلث الميت في داره, فيكون بينهما نصفين. قال: ولا أرى للمريض أن يوصي ببيع داره بعد موته وليس له غيرها, وإن لم يُحاب؛ لأنهم يملكون بموته الثلثين, وإنما له ذلك في حياته. قال أشهب: وإذا قال في وصية: غلة عبدي لفلان, ثم قال: ببعد ذلك خدمته لفلان آخر, فليس برجوع, والغلة والخدمة سواء, فإن حمله الثلث اختدماه أو استغلاه جميعاً يكون بينهما بالسواء, وإن لم يحمله الثلث خير الورثة في أن يُجيزوا ذلك, أو يسلموا إليهما ثلث الميت.

[المسألة الرابعة: فيمن قال: عبدي يخدم فلاناً سنتين ثم هو حر, ثم قال: يخدم فلاناً سنة] قال ابن القاسم: وإن قال: عبدي يخدم فلاناً سنتين ثم هو حُر, ثم قال: يخدم فلاناً سنة, فإنهما يتحاصان في خدمته سنتين, فلصاحب السنة خدمة ثلثي السنة, ثم هو حر, ثم قال: يخدم فلاناً سنتين فليتحاصا في خدمة سنة, لهذا ثلثاها, وللآخر ثلثها, ثم هو حر. [(4)] فصل [فيما يعد رجوعاً في الوصايا] [المسألة الأولى: فيمن أوصى لرجل بدين له على رجل ثم اقتضاه فأنفقه] ومن المجموعة والعتبية [143/أ] قال ابن القاسم: فيمن أوصى لرجل بدين له على رجل, ثم اقتضاه في مرضه فأنفقه أو استودعه, فهو رجوع ولا شيء له. [المسألة الثانية: فيمن أوصى بزرع ثم حصده, أو بثمرة ثم جذها وكيف إن كان عبداً فرهنه] وقال في المجموعة: وإن أوصى له بزرع ثم حصده, أو ثمرة ثم جذها, أو بصوف ثم جزه, فليس برجوع, إلا أن يدرس القمح ويكتاله ويُدخله بيته, فهذا رجوع, وإن أوصى له بعبده ثم رهنه, فليس برجوع, ولينفذ من رأس المال وكذلك لو آجره فالعبد للموصى له, قاله مالك: [المسألة الثالثة: فيمن أوصى بشيء ثم أدخل فيه صنعه لم تغيره عن حاله] ومنه ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب: وإن أوصى له بثوب فصبغه, فالثوب بصبغه للموصى له,

وكذلك لو غسله أو كانت داراً فحصصها, أو زاد فيها بناء, أو أوصى له بسويق فلته؛ لأنه لم يغير الاسم عن حاله. قال أشهب: ولو أوصى لع بعرصة فبناها داراً, فذلك رجوع, ولو أوصى له بدار فهدمها حتى صارت عرصة فليس برجوع عنها؛ لأنه موصى له بعرصة وبناء, فأزال البنيان وأبقى العرصة. قال في كتاب محمد: ولا وصية له في النقض الذي نقض, قال: وأما الموصى بعرصة فبناها داراً, فإنه لا يقع عليها بعد البناء اسم عرصة, وقاله سحنون في العتبية. قال ابن عبدوس: قال ابن القاسم: إذا هدم الدار فالعرصة والنقض للموصى له. قال عنه أبو زيد واصبغ في العتبية: إذا أوصى له بعرصة ثم بناها فهما شريكان فيها بقدر قيمة البناء من العرصة, وقاله أصبغ وكذلك لو أوصى له بثوب فصبغه, أو بسويق فلته كانا فيه شريكين بقدره من قدر الصبغ واللتات. [المسألة الرابعة: فيمن أوصى بشيء ثم أدخل عليه صنعه غيرته عن حاله] ومن المجموعة, ونحوه في كتاب محمد قال ابن القاسم: ولو أوصى له بغزل ثم حاكه ثوباً أو برداء فقطعه قميصاً فهو رجوع, قاله أشهب.

قال أشهب: ولو أوصى له بقميص ثم قطعه قباء أو بجبة فردها قميصاً أو ببطانة, ثم بطن بها ثوباً أو بظهارة, ثم ظهر بها ثوباً أو بقطن, ثم حشا به أو غزله, أو بغزل ثم نسجه, أو بفضة ثم صاغها خاتماً, أو بشاة ثم ذبحها, ثم مات. فهذا كله رجوع وتبطل الوصية؛ لأنه لا يقع عليه الاسم الذي أوصى به. قال أشهب: وإن أوصى له بعبد أو بثوب باعه, فإن مات قبل أن يشتريه فقد رجع ولا وصية له, وإن اشتراه عادت الوصية فيه بحالها إن مات كان للموصى له, وإذا أوصى له بعبد في غير ملكه أن يُشتري له, ثم صار ذلك العبد إلى الموصى بميراث أو صدقة أو هبة, ثم مات, فالوصية فيه نافذة. ومن العتبية قال أصبغ عن ابن وهب: فيمن أوصى لرجل بمزود جديدة ثم لته بسمن أو عسل, فليس برجوع؛ كما لو أوصى بعبد ثم علّمه الكتاب. قال أصبغ: ويكون شريكاً فيها بقدرها من قدر اللتات, وكذلك الثوب يصبغه والقاعة يبنيها. [المسألة الخامسة: فيمن أعتقت أمتها في مرضيها, فقيل لها لا يجوز منها إلا الثلث فقالت اعتقوا ثلثها.] قال ابن حبيب: عن أصبغ: في امرأة أعتقت أمتها في مرضها, فقال لها: من يجهل: لا يجوز منها إلا الثلث. قالت: فإذا لا يجوز فأعتقوا ثلثها. قال: هذا رجوع فلا يعتق إلا ثلث الأمة؛ لأنها قد صدقت من قال لها ذلك, ولو قالت: فإن كان لا يجوز ذلك فأعتقوا ثلثها, فهذه تعتق كلها في الثلث

لقولها: فإن كان, كأنها قالت: فإن لم يجز ذلك. [(5)] فصل [فيمن أوصى بشيء ثم باعه وأخلف مكانه المسألة الأولى: فيمن أوصى لرجل بثيابه ثم باع بعضها وأخلف ثياباً] ومن العتبية: قال أشهب عن مالك: فيمن أوصى لرجل بثيابه ثم باع بعضها وأخلف ثياباً أو بمتاع [143/ب] بيته فتنكسر الصفحة ويذهب الشيء ثم يُخلفه, فذلك للموصى له, وكذلك من أوصى لأخيه بسلاحه فيذهب سيفه ودرعه فيشتري سيفاً آخر ودرعاً آخر, فهو للموصى له؛ كما لو أوصى له بحائطه فتنكسر منه النخلات, ويغرس فيه ودياً أو ينبت, أو يزرع فيه زرعاً, فذلك له, وهذا الذي أراد الميت, وأما لو أوصى له بعبد بعينه - محمد: أو أوصى بعتقه - فمات العبد فأخلف غيره فبخلاف ذلك. لأنه عينه, وإذا لم يعين وأجمل فما وقع عليه ذلك الاسم من تركته فهو للموصى له. قال مالك: ولو قال: رقيقي أو ثيابي لفلان فمات بعضهم وخلق بعض الثياب فأفاد رقيقاً وثياباً, فللموصى له جميع رقيقه وثيابه إن حمل ذلك الثلث؛ كما أوصى لرجل بسدس ماله, فله سدس ماله على ما هو به يوم يموت وكما لو قال: إذا مت فرقيقي أحرار فيبيعهم ويبتاع غيرهم فالوصية بحالها,

وكذلك لو زاد إليهم غيرهم ومن كتاب ابن المواز: وإذا أوصى في عبد له بالعتق, أو لفلان فمات العبد أو باعه أو وهبه, ثم اشترى عبداً غيره, فإن كان الأول بعينه - سماه- أو قال: هذا. فلا وصية له في الثاني, وتكون وصايا الميت في ثلث ما بقي بعدهما, فأما لو قال: عبيدي أو رأس أو عشرة من رقيقي أو من إبلي لزيد, فمات بعضهم أو كلهم, ثم أفاد غيرهم من لإبل أو عبيد, فالوصية ترجع فيما أفاد كما كانت محمد: وأما قوله: حائطي لزيد فتنكسر منه نخلات فغرس مكانهن أو زاد أو زرع فذلك له؛ لأنه حائطه بعينه باق؛ فأما لو ذهب الحائط واشترى آخر فلا شيء للموصى له إذا عينه أو قصد تعينه, وإن لم يقل هذا الحائط بعينه ولكن وصفه بصفة, ثم هلك الحائط أو باعه واستحدث مثله في صفته فاختلف فيه فابن القاسم: يقول تسقط الوصية وروى هو وأشهب ذلك عن مالك في التي قالت: ثوبي الخز لفلانة, فذهب ثوبها وأخلفت مثله, أنه لا شيء للموصى لها فيه. وخالف ذلك أشهب: فيمن أوصى برقيقه فساهم, ووصف سلاحه وثيابه بصفة ذلك وجنسه, ثم استهلك بعض ذلك واستفاد مثله, ثم هلك, قال: فلا يكون ذلك للموصى له, إلا أن يوافقه في الاسم؛ مثل أن يقول: عبدي نُجيح النوبي [حر] وقميصي المروي الكذا لزيد, وسيفي الهندي في السبيل, إن الوصية تقع في الثاني الذي هو الأول في الاسم والصفة

قال أشهب: فإن قيل: إنه إن حلف بحريته إن فعل كذا, فباعه واشترى مثله اسماً وصفةً, ثم فعل ذلك أنه لا يحنث, قيل له: ذلك يختلف؛ لأن الوصية يرجع فيها ولا يرجع في اليمين. ولو حلف بعتق رقيقه فحنث, فغنما يلزمه فيمن عنده يوم حلف, وإذا أوصى برقيقه ثم بدلهم, أو زاد أو نقص, فإنما للموصى له من يكون عنده يوم مات لا يوم أوصى , قاله مالك, وكذلك وصيته في جزء من المال, ولم يأخذ محمد بقول أشهب حين جعل المبهم والموصوف بالاسم والصفة سواء, ومسألة مالك: في التي أوصت بثوبها الخز ترد هذا. [المسألة الثانية: فيمن أوصى إن غلامي النوبي حر, فباعه ثم ابتاع مثله] قال ابن القاسم في الذي أوصى: إن غلامي النوبي أو الصقلي حر, فباعه ثم ابتاع مثله, فلا يعتق إلا أن يشتريه بعينه. وقاله أصبغ. قال محمد: وليس قوله: عبدي أو ثلاثة أعبدي كقوله عبيدي؛ لأن قوله عبدي أو ثلاثة أعبدي تعيين لهم لا يعدوهم العتق, وقوله: عبيدي. غير تعيين, فالعتق فيمن عنده يوم يموت زاد فيهم أو نقص قبل ذلك. وقال أشهب: إذا أوصى فقال: غلامي نُجيح الصقلي حر [144/أ] فباعه واشترى من اسمه نُجيح وهو نوبي, فلا وصيه فيه حتى يوافقه في الاسم والجنس, ولو قال: غلامي نُجيح حر ولم يصفه فاشترى من اسمه مبارك فسماه نجيحاً لعتق.

قال محمد: وقد أخبرتك أنه إنما يُنظر إلى المعين فيكون بخلاف المبهم, ولو قال: غلامي نًجيح حر, فسماه مباركاً لم تزل الوصية عنه؛ لأنه عبد بعينه. وقال أشهب: ولو اشترى آخر فسماه باسم الذي غير اسمه لم يعتق إلا الأول [المسألة الثالثة: فيمن أوصى بأن عبده حر, ولم يسميه, وليس له غيره, ثم اشترى غيره, ثم مات] قال أشهب: ولو قال في وصيته: عبدي حر, ولم يسمه, وليس له غيره, ثم اشترى غيره, ثم مات, فالاستحسان أن يعتق الأول, وبه أقول: لأنه إياه أراد, والقياس أن يعتق نصفهما بالسهم, وقال محمد: لا يعتق إلا الأول. قال أشهب: ولو أن له عبدين, فقال: أحدهما حر, فمات أحدهما واشتري آخر فهما حران, وقال محمد: لا يعتق عندي إلا الباقي من العبدين؛ كمن قال عبدي حر لا كمن قال: عبيدي. قال محمد: والصواب عندنا - وهو قول مالك وابن القاسم- إن من قال: عبدي حر أو عبداي حران أو ثلاثة أعبدي أحرار أنه تعيين لا ينصرف العتق إلى غيرهم؛ كمسألة مالك في الثواب الخز, ورواها أشهب وأما إن قال: عبدي حر وله عبيد فهو؛ كمن أعتق أحد عبيده, وليس كمن له غيرهم. والصواب من ذلك كله ما ذهب إليه محمد مع موافقته قول مالك وابن القاسم.

[(6)] فصل [فيمن وطئ جارية أوصى بها فلان هل يعد ذلك رجوعاً منه] منه ومن المجموعة قال ابن القاسم: ومن أوصى لرجل بجارية, فله وطؤها, وليس ذلك برجوع وقاله عنه أصبغ وأبو زيد في العتبية. قال عنه أبو زيد: فإن أُوقفت الأمة بعد موته خيفة أن تكون حاملاً منه فقتلها رجل, فقيمتها للسيد الميت؛ إذ قد تكون حاملاً منه, ولا شيء للموصى له في قيمتها. وذكره عنه ابن عبدوس, وقال: انظر في هذا, هي إنما فيها القيمة, والقيمة تدخل في المال, وتدخل فيها الوصايا لو لم يوص برقبتها, فلما أوصى بها فالموصى له أحق بقيمتها؛ لأن حكمها حكم الأمة حتى يتبين حملها, وكذلك أمة لعبده كان يطؤها, فأعتقه سيده, ثم أعتقها العبد فحكمها حكم الأمة حتى تضع. وقال أصبغ عن ابن القاسم في العتبية: ولا يطأ المبتلة للعتق, أو لرجل في المرض وإن كانت من الثلث؛ لأنه لو صح نفذ عليه ذلك, والله أعلم.

[الباب الثلث] فيمن أوصى بمثل نصيب أحد بنيه, أو أحد ورثته أو بجزء من ماله, وجامع القول في الوصايا المبهمات

[الباب الثلث] فيمن أوصى بمثل نصيب أحد بنيه, أو أحد ورثته أو بجزء من ماله, وجامع القول في الوصايا المبهمات, [(1) فصل: فيمن أوصى بمثل نصيب أحد بنيه أو أحد ورثته المسألة الأولى: إذا أوصى لرجل بمثل نصيب أحد ورثته] قال مالك: ومن أوصى لرجل بمثل نصيب أحد ورثته وترك رجالاً ونساءً, فليقسم المال على عدد ذممهم الذكر والأنثى فيه سواء, ثم يؤخذ حظ واحد منهم فيُعطى للموصى له, ثم يُقسم ما بقي بين ورثته إن كانوا ولده, للذكر مثل حظ الأنثيين. قال ابن القاسم: وإن قال لفلان مثل نصيب أحد بنيه, فإن كانوا ثلاثة فله الثلث. قال ابن المواز: أما إذا قال لفلان مثل نصيب أحد ورثتي وهم رجال, ونساء وزوجات وأم, فقال مالك: ينظر إلى عدد جميع من يرثه, فإن كانوا عشرة أُعطي العًشر مما ترك وإن كانوا تسعة أُطي التُسع, ثم يُقسم ما بقي على فرائض الله تعالى. قال محمد: وإذا أوصى بمثل [144/ب] نصيب أحد ولده نُظر إلى حق من يرثه مع الولد من أم أو زوجة أو غيرهما, فيُعزل حتى يُعرف حق الولد خاصة, ثم يُنظر إلى عدد الولد, فإن كانوا ثمانية وكلهم ذكور أو ذكور وإناث كان للموصى له ثُمن ما يصير للولد خاصة, وإن كانوا ثلاثة كان له الثلث من

ذلك, وإن كانا اثنين كان له نصف ما يصير لهما, وإن كان واحداً كان له مثل ما يصير له إن حمل ذلك الثلث, ثم يُضم ما بقي إلى ما عُزل لمن كان يرث الميت مع الولد, فيُقسم كل ذلك ثانية على فرائض الله تعالى, وإن كان ولده كلهم إناثاً كان لهن الثلثان, ثم يُنظر إلى عددهن, فإن كن أربعاً أُعطي للموصى له ربع الثلثين, وإن كن ثلاثاً أعطي ثلث الثلثين, وإن كن اثنتين أُعطي نصف الثلثين, وإن كانت واحدة أعطي مصابها, وهو نصف المال إن أجاز ذلك الورثة, وإن لم يجيزوا كان له ثلث المال, ثم يُضم ما بقي من سائر مال الميت فيقسم على الفرائض على البنات وسائر الورثة من العصبة وغيرهم. قال أصبغ: وهذا كله قول مالك ومذهبه, وقول ابن القاسم وأشهب, قال ابن عبد الحكم: وهو أصح من قول أهل الفرائض. يريد أن أهل الفرائض يقولون: إذا أوصى بمثل نصيب أحد ولده وهم ثلاثة أُعطي الموصى له الربع, وإن كانوا أربعة أعطي الخمس, يزيدون: سهما على عددهم, وحجتهم في ذلك: أن الموصي إنما أراد أن يُعطي الموصى له مثل ما يُعطى أحد ولده سواء لا يفضلهم, وأنت إذا كانوا ثلاثة وأعطيته الثلث فقد فضلته عليهم, وإن أعطيته الربع فقد ساواهم, وأعطي مثل ما صار لكل واحد منهم, وحجة مالك: أن الموصى إنما أوصى له بنصيب أحد ولده, وقد علمت أن نصيب أحد ولده الثلث في هذا؛ فكأنه إنما أوصى له بالثلث, وهذا أصوب. [المسألة الثانية: إذا أوصى فقال فلا وارث مع ولدي أو له سهم كسهم ولدي] وقال ابن حبيب عن مالك: إذا أوصى لرجل بمثل نصيب أحد بنيه مثل

ما تقدم من كتاب محمد. وأما إن قال: فلان وارث مع ولدي, أو من عدد ولدي أو ألحقوه بولدي, أو ألحقوه بميراثي, أو ورثوه في مالي, ففي هذا كله إن كان البنون ثلاثة فهو كابن رابع معهم, وإن كان ولده ثلاثة ذكور وابنتين, والموصى له ذكر فهو كرابع للذكور, وإن كان أنثى, فهو ثالث مع الإناث فتكون وصيته تُسع المال. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: إذا قال: له سهم كسهم ولدي. وله ولد واحد, فإما أعطاه جميع المال, وإلا فالثلث, وإذا قال: من عدد ولدي. فإن كان الموصى له ذكراً, فله سهم ذكر, وإن كان أنثى, فله سهم أنثى ويخلط مع الولد في العدد, فإن كان معهم أهل الفرائض أخرجت فرائضهم, ثم بقي بين جميع الورثة, ولو قال: هو وارث مع ورثتي. فلتعد الجماجم, فإن كانوا ثلاثة فهو رابعهم, ثم على هذا الحساب قال ابن حبيب عن أصبغ: فيمن ترك ورثة مختلفين من زوجة وأم وإخوة لعلات فقال: لفلان سهم مثل سهم أحد ورثني, فانظر إلى عددهم, فيُعطى نصيباُ منه, ولو قال: وارث مع ورثتي زدته على عددهم, ثم أخذ نصيباً منه من جملة العدد, ولو قال: مثل سهم أحد ولدي وهم ذكور وإناث, فله سهم من عدد الذكور والإناث بخلاف قوله هو وارث مع ولدي. محمد: قال أصبغ: إذا أوصى فقال: لفلان مثل سهم أحد ولدي, أو مثل جزأيه, أو كبعض ولدي أو كأحدهم, فهو سواء وهو كوصية بمثل نصيب أحدهم.

ومنه ومن العتبية قال ابن القاسم: وإن أوصى له بمثل نصيب أحد ولده ولا ولد له, وجعل يطلب الولد, فمات ولم يولد له, فلا شيء للموصى له, وقد قال مالك: فيمن قال: أكتبوا ما بقي من ثلثي لفلان حتى أنظر لمن أوصى, فمات ولم يوص, فلا شيء لصاحب باقي الثلث, [المسألة الثالثة: إذا قال في وصيته لفلان نصيب أحد ولدي ولا ولد له] قال أشهب عن مالك: فيمن أوصى لرجل بمثل نصيب رجل من ولده, وهم خمسة, فهلك بعضهم قبل الموصي, فللرجل مثل نصيب أحدهم يوم موت الموصي, وكذلك لو ولد له فمات وعددهم أكثر, فإنما يُنظر إلى عددهم يوم موت الموصي, ولو لم يبق إلا واحد, فهذا يرجع إلى الثلث إن لم يُجز الورثة. [(2)] فصل [فيمن أوصى بجزء من ماله] قال عيسى: عن ابن القاسم: فيمن أوصى لرجل بجزء من ماله, أو بسهم من ماله, فلينظر من كم تقوم فريضته, فإن كانت من ستة فله السدس, وإن كانت من اثني عشر, فله نصف السدس, وإن كانت من أربعة وعشرين فله سهم منها, وإن كان ورثته ولده, فإن ترك ذكراً وأنثى فله الثلث, وإن ترك ابنين وابنتين فله السدس؛ لأن ستة أسهم أدنى ما تقوم منه هذه الفريضة, فإن لم يترك إلا ابنته ومن لا تحوز الميراث وليس معه غيره فإن له سهماً من ثمانية؛ لأنه أقل سهم سماه الله عز وجل لأهل الفرائض. ومن كتاب ابن المواز قال ابن عبد الحكم: إن أوصى له بجزء من ماله

أو بسهمٍ من سهام ماله فقد اختُلفَ فيه: فقيل: له الثمنُ؛ لأنه أقلُّ سهم ذكره الله عز وجل في الفرائض. وقيل: يُعطَى سهماً مما تنقسم عليه الفريضةُ, قَلتِ السهامُ أو كَثُرَت. وقيل: يُعطَى سهماً من سهام فريضته إن كانت تنقسمُ على ستةٍ فأقل, ما لم يجاوز الثلُث فيرد إلى الثلُث إن لم يُجز الورثةُ, فأما إن انقسمت على أكثرَ من ستةٍ فلا يُنقَضُ منَ السدس؛ لأن ستةً أصل ما تُقَوَّمُ منه الفرائضُ. م: وهذا أضعفُها. قال ابن المواز: والذي هو أحبُّ إليّ -وعليه جُلُّ أصحاب مالك واختاره ابنُ عبد الحكم- أن له سهماً مما تنقسم عليه فريضتُه قلَّتِ السهامُ أو كثُرَت. وقال أشهبُ: إذا أوصىَ له بسهمٍ من ماله فله سهمٌ مما تنقسمُ عليه فريضتُه كما قال مالكُ: فيمَن أوصى أن يُعتق من عبده دينارٌ, فليُنظر إلى مبلغ قيمته فيُعتق منها دينارٌ ويكون حراً فيه, وإن لم يكن للموصى بالسهم إلا ولدٌ واحدٌ, فللموصَى له جميعُ المال إن أجاز ذلك الولد, وإلا فالثُلث؛ كمن أوصى لرجل برأسٍ من رقيقه فلم يدَع إلا رأساً واحداً أو ماتوا إلا واحداً, فهو له إن حملَه الثلُث, وإن لم يدَع غير بنتٍ أو أختٍ أو مَن لا يَحُوزُ المالَ ولا معها مَن يُعرف بعينه ولا يُعرف عددُه, فإنَّ له الثمن استحساناً, وذلك بعد الإيَاسِ من معرفة خبره, ولو

زيدَ على الثمن بقدر ما يُرى من حاجته رأيته حسناً؛ لما بلغني عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وعبيده أنهم أجازوا لمن لا وارث له أن يوصي بماله كُلَّه وكأنه أنفذ الثلثين فيما ينبغي أن يفعلَ فيه بعده. قال أشهبُ: لأنَّ الثلثَ له وإن كان ليس بقولنا إلا أني قويت به عَلَى الاستحسَان. [(3) فصل: جامع القول في الوصايا المبهمات] [الـ] فصل [الأول: فيمَن قال: اكتُبُوا ما بَقيَ من ثلثي لفلان, فإني أريدُ أنْ أوصي غداً فمات] ومن العتبية قال ابن القاسم: قال مالك: فيمَن قال: اكتُبُوا ما بَقيَ من ثُلُثي لفلان, فإني أريدُ أن أوصيَ غداً فمات قبل أن يُوصىَ فلا شيءَ لفلانٍ. قال ابن القاسم: لأنه لا يدري أن لو أوصى أيبقى له شيء أم لا؟ وقال أشهبُ: له الثلُث كلُّه. قال عيسى عن ابن القاسم: فيمن أوصى لرجلٍ بعشرة دنانيرَ, ثم قال: أنا أريد أن أوصيَ غداً ولكن اشهَدوا أنَّ ما بَقيَ من ثُلُثي لفلان, ثم مات قبل أن يوصيَ لفلان, فلا شيء له. [الـ] فصل [الثاني فيمَن أوصىَ لفلان بمئة دينار, ولآخر بمئتين, ثم قال لثالث: ولك مثله. ولا يدري أيهما أراد] ومنَ المجموعة والعتبية وكتاب محمد قال مالكُ: فيمَن أوصىَ لفلانٍ بمئة [145/ب] دينارٍ, ولآخر بمئتين, ثم قال لثالثٍ: ولك مثله. ولا يدري أيهما

أراد قال: لو أعطي نصفَ ما سمَّى لكُلَّ واحدٍ لكان صواباً, قال: وإن كانوا ثلاثةَ أُعطىَ ثلُث نصيب كُلّ واحد, فإن ضاقَ الثلُثُ حاصَصَ بذلك أهلَ الوصايا, وإن قال: لفلان وفلان وفلان خمسُمئة دينارٍ, ثم قال: ولفلان مثلُه أُعطي ثلُث الخمسمئة دينار, وإن لم يسع الثلث حاصَصَ بذلك. قال ابن القاسم: وإن قال: لفلان مئةٌ, ولفلان مئتان. قيل له: ففلان. قال: هو شريكٌ معهما. قال: تُجمَعُ الثلاثمئة فيُعطَى ثلُثَها, ثم يُقسمُ ما بقيَ على الرجلين على الثلُث والثلثين. قال ابن المواز: وإن كانوا ثلاثة فهو رابعٌ, وإن كانوا أربعةً فهو خامسٌ. وكذلك عنه في العتبية في أول المسألة: إن له ثلُث الثلاثمئةٍ, ويَقسم الرجلان المئتين على الثلث والثلثين. قال: وقد قال ابنُ القاسم في غير هذا الكتاب: يكون له نصفُ وصية كُل واحد منهما مما أوصى لهما به ليس من بقية الثلُث. وقال: فيمن أوصى لأربعةٍ بوصايا مختلفةٍ لواحد بعشرةٍ, ولآخَرَ

بعشرينَ, ولآخَرَ بثلاثينَ, ولآخَرَ بأربعينَ, فكُلِّم في آخَرَ, فقال: والله ما بقيَ شيءٌ, ولكنه شريكٌ معهم, ثم مات, فقال: يُعطَى نصف وصية كل واحد مما أوصى لهم به ليس من بقية الثلُث. قيل له: فإن قال: هو شريك معهم بالسوية. قال: يُعطى رُبُعَ كُل وصيةٍ, وإن كانوا خمسةً فخُمُسها. [الـ] فصل [الثالث: فيمن أوصى لفلان بمئة ولم يُسَمَّ شيئا ولا يُدرَى ما أراد] ومن كتاب محمد, والمجموعة والعتبية قال ابنُ القاسم: فيمن أوصى لفلان بمئة ولم يُسَمِّ شيئاً ولا يُدرَى ما أراد, فإن كانت بَلَدُه الغَالبَ فيها الدنانيرُ, فله الدنانيرَ, وإن كان الغالب فيها الدراهمُ, فله الدرهمُ, وإن كان فيها هذا وهذا فله الدراهمُ, وهي الأقلُّ حتى يُوقنَ أنه الأكثرَ, أو يكون لوصيته وجهٌ يُستدَلُ به؛ مثلُ أن يقولَ: لفلان مئةُ دينارٍ, ولفلانٍ عشرةٌ, ولفلان مئة, ولا يذكر ما هي, فله مئةُ دينارٍ, وكذلك إن تقدم ذكرُ الدراهم فله الدراهمَ وإن كانت بلدَ دنانيرَ إذا كان للكلام بساطَّ يدلُّ عليه. [الـ] فصل [الرابع: فيمن أوصى بشاة من ماله] قال محمد: وإذا أوصى بشاةٍ من ماله, فإن كان له غنمٌ فهو شريكٌ بواحدة في عددها ضأنها ومعزها, ذكورها وإناثها, صغارها وكبارها, فإن هلكت كلُّها فلا شيء له, وإن لم يكن له غنمٌ فله من ماله قيمةُ شاةٍ من وسط الغنم إن حملها الثلثُ أو ما حمل الثلثُ منها, ولو قال: من غنمي, فمات وليس له غنمٌ, فلا شيء له,

وإن لم يترك إلا شاةً كبيرةً أو صغيرة, فهي إن خرجَت من ثُلُثه أو ما خرج منها. قال أشهبُ: وإن أوصى له بتيس من غنمه, فلينظر إلى كل ما يقع عليه اسم تيس, وإلى عدد ذلكَ فيكونُ فيها شريكاً بواحدة, وأما إن قال: شاةٌ من غنمه فالتُّيُوسُ والمعزُ والضأنُ, والصغيرُ والكبيرُ يدخل في العدد. ولو قال: كبشاً لم يدخُل في ذلك إلا كبارُ ذكور الضأن, ولو قال: نعجة لم يدخل إلا كبارُ إناث الضأن, ولو قال: بقرة من بقري دخل فيها ذكور البقر وإناثُها. م: يريد؛ لأنَّ ذلك اسمٌ يقع على الجميع عندهم, وأما ببلدنا فلا يقع ذلك إلا على الإناث. قال: وإن قل: ثَوْرٌ, لم يكن إلا في ذكور الكبار, وإن قال: عجل, لم يكن إلا في ذكور العجول. [الـ] فصل [الخامس: فيَمن أوصى بصدقة عشرينَ ديناراً فقيل له: زدُ فقال: زيدُوا وَزيدُوا] قال ابنُ كنانةَ في المجموعة: فيمن أوصى بصدقةٍ عشرينَ ديناراً فقيل له: زد فإن لك مالاً, فقال: زيدُوا وَزيدُوا, فقال: لو زادوا على العشرينَ مثلَ ثلُثها لكان حسناً. ابنُ حبيب قال أصبَغُ: فيمَن أوصى بوصيةً فكُلمَ أن يَزيدَ فقال: زيدُوا ثم مات ولم يسمِّ ما يَزيدُون؟ قال: قد قيل: يُزاد مثلُ ثُلُث وصيته [146/أ] ولا أراهُ. ولكن يُزاد بقدر المال وقدر الوصية بالاجتهاد من الإمام مع مشورة أهل العلم.

[الـ] فصل [السادس: فيمَن أوصى بثلثه لثلاثة نفر, ثم قال لفلان عشرةً ولفلان عشرونَ وسكتتَ عن الثالث] ومنَ العتبية قال مالكٌ: ومَن أوصىَ بثُلُثه لثلاثة نفر, ثم قال لفلان عشرةٌ ولفلان عشرونَ وسكَتَ عن الثالث, فللذي عنه ثُلثُ الثلُثِ, ويُعطَى للموصىَ لَهُ بعشرةٍ عشرةً, للآخر عشروُنَ, ثم يُقَسمُ ما بَقيَ منَ الثلُث على العشرة والعشرينَ بالحصص. م: ولو قال قائلٌ: يُعطَى للموصىَ له بعشرةٍ عشرةً, وللآخَر عشروُنَ, وباقي الثلث للذي لم يُسمِّ شيئاً لكانَ له وجه, وكأنه قالَ: ثُلُثي لهؤلاء الثلاثَة, لفلاَن منه عشرة, ولفلان منه عشرونَ, فيُفهَمُ أن الباقيَ للثالث, والله أعلم. [الـ] فصل [السابع: فيمن أوصى فقال: لفلان عشرة دنانيرَ, ولفلان وفلان عشرة] ومن كتاب ابن المواز -وأراه لأشهبَ-: فيمن أوصى فقال: لفلان عشرة دنانيرَ, ولفلان عشرة, قال: فللأول سبعةٌ ونصفٌ, وللثالث سبعةٌ ونصفٌ وللأوسط خمسةٌ. م: ووجه ذلك: أن الأوسطَ يُحتمل أن يكون مضافاً إلى الأول, ويحتمل أن يكون مضافاً إلى الثاني ففي كلا الوجهين لا يكون له إلا خمسةٌ فيعطيه كلُّ واحد من عشرته دينارين ونصفاً للاحتمال. م: وظاهرُ قول الموصي: أنَّ للأول عشرةً, وللثاني والثالث عشرةٌ: خمسة خمسة؛ لأنه لما قالَ: للأول عشرةُ دنانيرَ فقد أفرده بها, ثم قال: ولفلان وفلان عشرة فقد أشركهما فيها خاصة, والله أعلم بما أراد. قال في كتاب محمد: ولو قال: ثُلُثي لفلان أو فلان أو فلان, فالورثةُ مُخَيَّرُونَ في دفع الثُلثِ إلى مَن شاءوا منهم, أو قسموه بين اثنين أو ثلاثة, أو

فضلوا بعضهم على بعض, فإن لم يقبل أحدهم فيكون ما دُفعَ إليه لصاحبيه مَن شاء الورثة منهما, ولا يرجع ميراثاً إلا أن يُعرض جميع الثلُث على كل واحد منهم فيأباه, فليَرجع ميرَاثاً. [الـ] فصل [الثامن: فيمَن أوصىَ بعتق خيَار رقيقه] ومن كتاب محمد والمجموعة قال ابن القاسم: فيمَن أوصىَ بعتق خيَارٍ رقيقة, فَليَعتق أعلاهم ثمناً, ثم الذي يليه ويقاربُه في الثمن حتى يُوعَبَ الثلثُ. قال أصبَغُ: إلا أن يُرَى أنه أراد الخيارَ في الدين والصلاَح بسببٍ يَدُلُّ عليه أو بساط, فَيُحمَلُ على ذلك, وإلا فأعلاهُم ثمناً. قال ابنُ القاسم: فإن وسَعَهُم كلهم الثلثُ أُعتق المرتفعون, ولا يُعتق الوخش -مثلُ ثمن خمسةَ عشرَ- هذا إن كانوا متباينين جداً في الثمن فيُعرَفُ بذلك أنه أراد المرتفعين منهم, وأما إن تقاربت أثمانهم فَليُبدأ أهل الصلاح منهم. وإن قال: أعتقُوا قدماءَ رقيقي, عتق الأولُ فالأول حتى ينفذ الثلثُ, فإن وَسعَهُم الثلثُ كلهم نُظر إلى الذي يُظنُّ أنه أراد في قدم الكسب وحدوثه فيُبدأ بالقدماء ولا شيءَ للمحدثينَ, وإن اشتراهم جملةً واحدةً عتق ثُلُثهم بالسهم. وقاله أصبَغُ. قال ابن القاسم في العتبية: في الذي قال: أعتقُوا قدماء رقيقي وله عبيدٌ منذ عَشر سنينَ, ومنذ خمس سنينَ, ومنذ سنةٍ, فإن حملهم الثلثُ عتقوا كُلهم, وإن لم يحملهم الثلُث تحاصوا وعتق منهم محملُ الثلُث, وإن كان له عبيد منذ أقل من سنة فليسوا بقدماءَ.

قال سحنون: ومَن أوصى بعتق بعض عبيده, فَليَعتق ما لا يُشَكُّ أنه بعضهم وهو عبدُّ, ولا يكون بعض نصفَ عبيده, ومَن قال: بعضُ رقيقي أحرارٌ, أو قال: حُرٌ, فأما قولُه فهو واحدٌ من اثنين فأكثرَ, وأما قولُه أحرارٌ فهم اثنان من ثلاثة فأكثر. [الـ] فصل [التاسع: فيمن له ثلاثة أفراس فأوصى لرجل بفرس منها ولم يعيُنه, وقال خَيروُا فلاناً بين الباقيين] قال ابن القاسم في العتبية: فيمن له ثلاثةُ أفراس أو ثلاثةُ أعبُد, فأوصى لرجل بفرس منها أو عبد ولم يعيَّنه, وقال [146/ب] خَيِّروُا فلاناً بين الباقيين, فيأخذ ما شاء, والثالثُ لفلان, فليُعطَ الأولُ ثُلُثَها يُعطى وسطاً منها يكونُ قيمَتُه ثُلُثها. قال أصبَغُ: يعني: يجمع له ثُلث قيمة كل واحدٍ في فرس منها بالسهم, فإن زادت القيمةُ عليه أتم له من غيره ما بقيَ له, ثم يُخَيَّرُ صاحبُ الخيار في خَير ما بقيَ حتى يكمل له فرساً إن كان فيها كسرٌ من فرس, ثم يكون للآخَرِ ما بقيَ جبيراً كان أو كسيراً. ومثلُه في المجموعة عن ابن القاسم. وقال فيها أشهبُ [وهو] في كتاب محمد: يُعطَى

لصاحب الفرس المبهم ثلثُ قيمتهم يأخذُه بالسهم, فإن جاءهُ أقلُّ من فرس, فليس له غيره, ويُخَيِّرُ المُخَيرُ في الباقيين فيأخذ أحدَهما, ويأخذ الأخرَ الباقي, ويأخذُ الورثةُ ما فضل منَ الفرس الأول, فإن وَقَعَ سهمٌ صاحب الفرس المبهم في اثنين أخَذَ ذلك, وأخذَ ذو الخيار الفرسَ الثالثَ, كما لو وقع سهم الأول في واحدٍ, وماتَ واحدٌ, لكان لذي الخيار الثالث, فإن وقع للأول فرس ونصف أخَذَ ذو الخيار الفَرَسَ الباقي وأخذَ الثالثُ النصفَ. قال محمد: فإن قال المُخَيرُ: يأخذُ نصفَ هذا ونصفَ الثالث. فقال أصبَغُ: ذلك له. ولم يعجبني. م: والقياسُ ما قال أشهبُ: وأنا أستحسنُ إذا اختلفت قيمتُهُم وكَانَ أوسطُهم ثلثَ قيمتهم أن يُعطاه صاحب المبهم بلا سهم, ويخير المخيرُ في الباقيين, ويُدفع الباقي للثالث, كذلك أراد الميتُ أن يأخذ كل واحد منهم فرساً, وإن اختلفت قيمتُهم ولم يكن أحدُهم ثلثَ قيمتهم, فكما قال أشهبُ. قال ابن القاسم في جميع هذه الكتب: فإن سمَّى للأول فرساً بعينه فَنُسيَ فله ثُلُث كل فرس ثم يأخذ المخيرُ ثُلُثَي المرتفع وثلثَ الوسَط, ويأخذ الآخَرُ ثُلُثي الدنيء, وثُلُثَ الوسَط. وقاله سحنون.

محمد: ولو قال لفلانٍ: خَيرُها, ولفلان أوسطُها, ولفلان أدنَاها, فهلك أحدُها, فلم يعلم ما هو خيرُها أو الوسطُ أو الدونُ, فللموصَى له بخيرها ثلثا المرتفع منَ الباقينَ, وللموصىَ له بالأدنى ثلُثا أدناها, ولصاحب الوسط ثلُثُ كل واحدٍ. [الـ] فصل [العاشر: فيمن أوصت بجميع ما في بيتها لمولاتها فهل تدخل فيه ثياب ظهرها] ومن كتاب محمد والمجموعة والعتبية روى أشهبُ عن مالك: في التي أوصت بجميع ما في بيتها لمولاتها, أو قالت: ما في بيني لها. فقالت المولاةُ: نأخذ ثيابَ ظهرها. وقال الورثةُ: لم تُرد الثيابَ, فقال مالكُ: مَن يرثُها؟ فقيل كلالَةً. قال وكم ثيابُها؟ قيل: أمرٌ يسيرٌ. قال: إذا لم تكن ثيابُها الثيابَ الرفيعَة التي يُضنُّ بها عن مثلها, ولم تَقُل متاع بيتي إنما قالت ما في بيتي. رأيتُ ذلك لها, وما أرادت إلا أن تكون ثيابُها لمولاتها, وما ثيابُها من متاع البيت؟ ولكنها تُورَثُ كلالةً, وكأنها أرادت أن تكافئ مولاتها بثيابها. قيل: فالتي ماتَت فيها تدخلُ في ذلك؟ قال نعم. قيل: فما كانَ لها الثياب مرهونةً؟ قال: إنما قالت ما في بيتي: فأما أن تكون لها ثيابٌ عند أختها أو مرهونةً فلا. [الـ] فصل [الحادي عشر: فيمَن قال: ادفعوا هذا الخيشَ لفلان, فوجدوه مملوءاً طعاماً] ومن هذه الكتب قال ابن القاسم: فيمَن قال: ادفَعُوا هذا الخَيشَ أو المسح الشعر لفلان, فوجدوه مملوءاً طعاماً فليأخذه بطعامه, ولو قال: أعطوه الخريطَة الحمراءَ وهي مملوءةٌ دنانيرَ, فله الخريطةُ بما فيها,

وكذلك إن قال: أَعطُوهُ زقً فوُجِد مملوءاً عسلاً, فهو له بم فيه من عَسَل, [147/أ] ولو كان مملوءاً دراهمَ لم يأخذه إلا فارغاً. قال ابن القاسم في كتاب التفليس: إلا أن يكون عُرفَ أنَّ فيه دراهمَ فهو له بما فيه. قال ابنُ القاسم: وإن تصدقَ بثُلُثِ داره في مَرَضه وفيها طوبٌ وخشبٌ أعدَّهُ للبناء, وطلب المعطىَ ثلثَ ذلك, ومنعه الورثةُ. قال: لا شيءَ له في الطوبِ والخشب. وروى عنه أبو زيد: فيمن أوصى بثُلُثه في السبيل إلا العراص, وفي العراص خشب وطوب مُلقىً لبنائها, فإن كان شيئاً نقضه منها فلا يُباعُ منه شيءٌ, وإن كان إنما جاء به لبنائها, فذلك يُباعُ ويُخرَجُ ثلُثُه.

[الباب الرابع] فيمن أوصى لولد ولده, أو لأخواله وأولادهم, أو لمواليه, أو لولد فلان أو لبني فلان, أو لقبيلة كذا, أو لقرابته, أو لجيرانه, وجامع ما يشبهه

[الباب الرابع] فيمن أوصى لولد ولده, أو لأخوَاله وأولادهم, أو لمواليه, أو لولد فلان أو لبني فلان, أو لقبيلة كذا, أو لقرابته, أو لجيرانه, وجامع ما يشبهه. [(1) فصل: فيمن أوصى لولد ولده أو لأخواله وأولادهم أو لمواليه وكيف إن مات بعضهم وولد غيرهم] قال مالكُ: ومَن أوصى لولد ولده بثلثه, فذلك جائزٌ إذا كانوا غير ورثة, قلت: فإن مات بعضُهم وولد غيرهم بعد موت الموصى قبل قسمة المال. قال: فذلك لَمن حضر القسمَ؛ وقد قال مالكُ: فيمن أوصى لأخواله وأولادهم أو لمواليه بثُلُثه فمات منهم بعد موته نفرٌ ووُلد لآخَرينَ منهم, وذلك قبل قسمة المال, فإنما يكون الثلُثُ لمن أدرك القسم منهم؛ فكذلك مسألتُك. قال ابن القاسم: وإن قال ثُلُثي لهؤلاء النفر وهم عشرةٌ فمات أحدهم بعد موت الموصي قبل قسمة المال, فنصيبُ هذا الميت لورثته, وهذا خلاف الأول؛ لأن الأول إنما قال: لولد ولدي, أو لأخوالي وأولادهم, أو لبني عمي, أو لبني فلان, فهذا لم يُسمَّ قوماً بأعيانهم, فإنما ذلك لمن حَضَر القسم, وإذا ذكر قوماً بأعيانهم فمات بعضُهم بعد موت الموصي ورثَ نصيبه وارثوه. قلتُ: فإن قال: ثُلث مالي لولدِ فلان وهم عشرةٌ ذكورُ وإناثٌ؟ قال: الذي سمعتُ من مالك أنه أوصى بحبس داره أو ثمرة حائطه على ولد رجلٍ, أو على ولد ولده, أو على بني فلان, فإنه يُؤثَرُ أهل الحاجة منهم في السكنى والغلة, قال ابن القاسم: وأما الوصايا, فإني أراها بينهم بالسوية. قال سحنون: وهذه المسألةُ أحسنُ من المسألة التي قال فيمن أوصى لأخواله وأولادهم.

وقد روى ابنُ وهب في الأخوال مثلَ رواية ابن القاسم. إلا أن قول عبد الرحمن في هذه المسألة أحسنُ, وكذلك يقولُ غيره, وليس وصيتُه لأخواله بشيء ناجز يقتسمونه بينهم كوصيته لهم بغَلةٍ موقوفةٍ محبسة عليهم؛ لأن الحبس إنما قسمَتُهُ إذا حضرت الغلة كل عام, وإنما أُريد بذلك مجهولُ مَن يأتي, فأما وصيتُه لأخواله أو ولد فلان بشيءٍ ناجزٍ يقسم مكانَه وهم معروفُون لقلتهم وأنه يحاطُ بهم فكالوصية لقوم مُسَمين بأعيانهم, وإذا كانت الوصيةُ لقوم مجهولين لا يُعرَفُ عدُدُهم لكثرتهم مثلُ قوله: لبني تميم أو لبني زهرة أو للمساكين, فهذا لم يرد قوماً بأعيانهم؛ لأنَّ ذلك لا يُحصَى ولا يُعرَفُ, وإنما يكون لَمن خَضَرَ القسم. م: ألزم سحنون ابنَ القاسم التناقض بقوله: وأما الوصايا فإنها تُقسم عليهم بالسواء. م: وليس ذلك تناقضاً ولا خلافاً لما تقدم, وإنما تكلم في هذه المسألة على الفراق [147/ب] بين الحبس والوصَايا, فقال: الحبسُ يُؤثَر فيه أهل الحاجة -ذلك سنته- والوصَايا يساوَى بينهم فيها إذا حضرت القسمةُ؛ لأنهم استَوَوْاَ في الوصية, وهو شَيء ناجزٌ يقسم بينهم, ولم يتكلم في هذه المسألة, هل يُحرَمُ مَن مات ويُعطَى لمَن وُلد! ومذهب ابن القاسم جيد مع موافقته لمالك رحمهما الله؛ وذلك أن قولَه: ثُلُثي لولد فلانٍ ليس بتعيين للولد, فما وقعَ عليه ذلك الاسمُ يوم القسم فله الوصيةُ؛ كقوله رقيقي أحرارٌ أو عبيدي أحرارٌ, فمات بعضُهم واشترى غيرهم إن جميعَ مَن تُركَ منَ العبيد أحرارٌ إذا حملهم الثلُث؛ لأنه لم يعيَّن, فراعيتُ قولَ الموصي يوم موته, فما وقع عليه اسمُ عبدٍ أعتَقه, وكذلك ما وقع عليه اسمُ ولدٍ, أو خالٍ يوم موتِ الموصي, فله الوصيةُ.

وأما إذا عينَ فلا تعدو الوصيةُ المعينَ, والتعيين كقوله ثُلُثي لولد فلان هؤلاء أو يُسَمهم بأسمائهم, ويكون لفلان ولدان أو ثلاثةٌ, فيقولُ: ثُلُثي لوَلَدَي فلان, أو الثلاثة أولاد فلان, فإذا سمى أو أشار إليهم أو قصد قصداً يُعلم أنه أراد التعيين فلا تعدوهم الوصيةُ إلى غيرهم, وكذلك العتق. وقد روى أشهبُ عن مالك في العتبية: في امرأة أوصت في مرضها لولد فلانة, لكل واحد بعشرةِ دنانيرَ, فوُلد لها قبل موتها ولدٌ ومات ولدٌ آخَرُ, فلا شيءَ لمن مَاتَ منهم وأما مَن وُلد فيُعطَى مع مَن يُعطَى. وكذلك في كتاب ابن المواز: وكذلك إن أوصت لهم وهي تَعرفُ عددهم. قال: وقال أشهبُ: إذا أوصى بثُلُثه لبني فلان وهم أربعةٌ فَعَرَفَ عدتهم أولا يَعرِفُهَا, فمات بعضُهم قبل موت الموصي, ووُلدَ آخروُن فالثلث لمن بَقيَ وللمولود ولا شيء لمن مَاتَ, ولو سماهم لم يكن للمولود شيءٌ, وترد حصة الميت منهم إلى ورثة الموصي. م: يريد: لأنه مات قبل موت الموصي. قال ابن المواز: وكل مَن أوصى لقوم بأعيانهم تَعَمدهم, وعُلم أنه قصدهم بأعيانهم, ولم يكن حبساً, فالقسمُ بينهم بالسوية, ولا يُحرمُ مَن ماتَ بعد موت الموصي, ولا شيءَ لمن وُلِدَ, وهذا قولُ مالكٍ الذي عليه أصحابهُ أجمَعُ.

ومنَ المجموعة ذكر رواة ابن القاسم: في الموصى لولد فلان, أو لولد ولده, أو لمواليه, أن ذلك لمن حضر القسم لا يحرمَ من وُلد ولا شيءَ لمن مات, وكذلك لأخواله وأولادهم. قال: وقال أشهبُ: إذا أوصى لولد ولد رجلٍ أو لمواليه وهم عشرةٌ معروفُون, فمَن مات منهم قبل القسم, فنصبيه لورثته, ولا شيء لمن وُلد, بخلاف مَن أوصى للمساكين أو لابن السبيل أو الأرامل أو لبني تميم. قال مثلَه عبدُ الملك. وقال: إذا كانوا معروفين, فيُحمل أمرُه على أنه أراد أعيَانَهم. وقاله سحنون. م: وهذا مثلُ ما تقدم لسحنون في المدونة, وهو خلافٌ لما قدمناه لمالك وابنِ القاسم. [(2)] فصل [فيمن أوصى بثلثه لموالي فلان, فمات بعضُهم وأعتق فلان آخرين قبل أن يُقسم المال, وفي الوصية لبني فلان أو قبيلة كذا] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومَن قال: ثُلُثُ مالي لموالي فلان, فمات بعضهم أعتق فلان آخرينَ قبل أن يُقسم المال فذلك لمن حَضَرَ القَسم؛ كالوصية لولد الولد, وإن أوصى بثُلُثه لبني تميم أو قَيسٍ جازت وصيتُه وقُسمت على الاجتهاد؛ لأنا نعلم أنه لم يرد أن يَعُم قيساً كلهم, ولا شيء فيها للموالي, ولقد نزلت أن رَجُلاً

أوصىَ لَخولاَن بوصية, فأجازها مالكُ ولم يَرَ فيها للموالي شيئاً. [المسألة الأولى: فيمَن أوصى لقبيلة أيُعطى لمواليهم مع عَرَبيهم إن كانُوا محاويج؟] محمد: قيل لأشهبَ: فيمَن أوصى لقبيلة أيُعطى لمواليهم مع عَرَبيهم إن كَانُوا محاويجَ؟ قال: أما قولُه لتميم فيَعُم, وأما قولُه لبني تميم فلا؛ لأنَّ قولَه لبَني هم أنفُسُهُم. وقال ابنُ حبيب: عن ابن الماجشونَ: ذلك سواءٌ. وليدخل فيها الموالي, وعابَ قولَ أشهبَ. وقال: قد تكون قبائلُ لا يَحسُن أن يُقال فيها بني [148/أ] فلان منها: قيس وربيعة ومُزَينَة وجُهَينَة وغيرهم لا يقال فيها بني, والأمر فيهم واحدٌ حتى يقول للصُّلبية دون الموالي, أو للموالي دون الصُّلبية. [المسألة الثانية: إذا قال ثلثي لفخذ ما أو لقبيلة يحصون أو لا, أو لبني فلان كيف يقسم الثالث بينهم] قال أشهبُ: إذا وَصى بثُلُثه لفخذ أو لقبيلةٍ أو لبطنٍ يُحصَون أو لا يحصون يُعرفون أو لا يُعرفون, أو قال لبني فلان, فالثلثُ بينهم على قَدرِ الحاجة والذُّكُورُ والإناثُ بقدر حاجتهم لا على عدَدهم. [المسألة الثالثة: إذا قال ثلثي لولد فلان فهل يدخل الإناث, وكيف إن قال لبني فلان ولا ذكور فيهم] قال ابن القاسم في العتبية: إذا قال ثُلُثي لولد عبد الله بن وهب فذلك لذكوره ولده دونَ الإناثِ, وأما إن قال: لبني فُلان, فيدخل فيه الذكورُ والإناثُ. محمد: قال ابن القاسم: إذا قال: ثُلُثي لولد فلان وهم عشرةُ ذكورٍ وإناثٍ, فذلك

بين ذكورهم وإناثهم بالسوية. وقال أشهبُ: بل على قدر الحاجة, وذلك استحسانٌ. وإذا قال: لبني فُلانٍ في حبس أو وصيةٍ, فإذا هن بناتٌ لا ذكور فيهن, فذلك بينهن, وكذلك لو كان معهن بنُون فماتوا وبقيَ البناتُ, فذلك لهن. محمد: وقاله كلَّه ابنُ القاسم وأشهبُ. قال ابن القاسم: لأن من كلام العرب أن يكون النساء بني, والمرأة من بني زهرة ومن بني كنانة. محمد: ولو قال: لبنات فلانٍ. لم يدخُل معهن البنون على كل حالٍ, ولكن إن كانَ لبعض بنية بناتٌ, فذلك لبنات ابنه دون أبيهنَّ, وإن كان له بناتُ وبنتُ ابن دخلت مع عماتها كما يدخل ولدُ الولد مع الولد في هذا بخلاف المواريث. [(3)] فصل [إذا أوصى بثلثه لموالي فلان وله مَوَالٍ أنعموا عليه وأنعم هو على موالٍ] ومن المدونة: ومَنَ أوصى بثُلُثه لموالي فلان وله مَوَالٍ أنعموا عليه وموالٍ أنعم هو عليهم, كان لمواليه الأسفلينَ دون الأعلين. وقال أشهبُ في كتاب محمد: يُنظَرُ في ذلك, فإن لم يُتَيَقن أنه أراد أحد الفرقتين بسبب أو وجه منَ الوصية, كانت الوصيةُ بين الفريقين جميعاً شطرين, وإن كان أحدُ الفريقين أكثرَ عدداً؛ لأنه لم يشركهُما جميعاً في وصيةٍ, وإنما وقعت الوصيةُ لأحد الفرقتين وحدَها, قال: ولو كان أحدُ الفريقين ثلاثةً, والآخرُ واحداً كانت الوصيةُ للثلاثة, ولا شيءَ للواحدِ كانَ من أسفلَ أو من فوقَ؛ لأن الواحد لا

يَقَعُ على اسمُ موالٍ, ولو كان مواليه من فوق اثنين أو وَاحداً, ومواليه من أسفل اثنين أو واحداً, لم يكن في أحد الفريقين موالٍ حتى يجمعَهم, فأرى الثلُثَ بينهم على قدر عَدَهم. ونحوُه عن ابن الماجشونَ في المجموعة. [المسألة الأولى: فيمَن أوصى بصدقة على مواليه وله موالٍ من قبَل أبيه, وموالٍ من قبَل أمه وموال من قبل قرابة له يوارثونه] ومنَ الكتابين قال مالكُ: فيمَن أوصى بصدقة على مواليه وله موال من قبَل أبيه, وموال من قبَل أمه وموال من قبل قرابة له يوارثُونه, فليُبدأ بالأقرب فالأقرب دنيه وَيُعطَى الآخروُنَ منه إن كان في المال سَعةٌ, إلا أن يكونَ في الأباعدِ مَن هو أحوجُ منَ الأقارب, فيؤثرونَ عليه ويُبدأُ أهل الحاجة أباعدُ أو غيرهم, وما في ذلك أمر بيّن غير ما يُستدل عليه من كلامه ويُرى أنه أراده. قال محمد: كل موليَّ له يوم مات كان هو أعتقَهم أو ورث ذلك من عصبةٍ قريبة أو بعيدةٍ فهو مواليه, والوصيةُ لهم كلُّهم إلا أنه يُؤثَرُ أهلَ الحاجةِ أينما كانوا ويُقسمُ بينهم على قدر حاجتهم. قال مالكُ: ويدخل أمهات أولاده الذين يَعتقون بعد موته مع مواليه. قال ابن القاسم: وكذلك مُدَبروهُ إذا خرجوا منَ الثلُث وفضَلَت منه فضلة. قال عن مالكٍ: وكذا الموصىَ بعتقه -يَعتق في ذلك الثلُث- يدخل في

ذلك؛ لأنه منَ الموالي, وأما المعتق إلى أجلٍ والمكاتَب, فإن نفذ عتقهم بأداء الكتابة وبلوغ أجل المؤجلِ قبل القَسم دخلوا في الوصية, وإن سبقهم القسمُ فلا شَيءَ لهم. وقال في العتبية: يدخل المعتَقُ إلى أجل والمكاتَبُ مع الموالي [148/ب] فيقسم بينهم بالسواء, فما صار للمكاتَب والمعتَق إلى أجل وُقفَ لهما, فإن أدى المكاتب, وأعتق المؤجل أخذاه, وإن عجز المكاتَب أو مات المعتق دون الأجل رجع حقهم بقية الموالي. وقال عبدُ الملك: إذا لم يحلَّ أجلُ المؤجل فلا يدخل إلا أن تكون الوصية شيئاً يغتل في كل إبانٍ؛ كالثمرة وشبهها فليأخذُوا منه فيما وافق عتقهم وفيما بعده, لا فيما قبل ذلك؛ لأنهم حينئذٍ عبيدهُ. وذكر مثلَه ابنُ حبيب عن مطرف وابن الماجشونَ. قال ابنُ عبدوس: قال عليُّ عن مالك: في قوله على موالَّ. إنه يدخل فيه مَوَالي الموالي مع الموالي. وقال ابنُ الماجشونَ: إن قال: على موالي عتَاقَةً, فهو أعتق خاصة لا موالي مواليه, ولا موالي أبيه وجدَّه, ولا أولاد مَن أعتقه الموصي, وإن قال لموالي وهم ممن يُحاط بهم لقلتهم, فكذلك أيضاً, وإن كانوا كثيراً متفرقين مجهولينَ ولم يقُل عتاقة, دخل فيه موالي الموالي وأبناؤُهم, وموالي أبيه وابنه وأخيه. قال علي عن مالكٍ: وإن أوصت امرأةٌ لمواليها ولم تقُل عتاقة, ولا دُريَ أنها

أرادت شيئاً بعينه, فيُعلم أنها أرادت مَن أعتقت وولد مَن أعتقت؛ كمن قال: أصلي هذا على ولدي, ولا ولد له علمنا أنه أراد مَن يحدث له ويكون حَبساً؛ لأنه أراد مجهول مَن يأتي, ولو كان له أولادٌ يوم أوصى كان ذلك لهم مالاً يفعلون به ما شاءوا ولا يُنتظَرُ به عَقبٌ ولا نَسَبٌ. ومن كتاب محمد والعتبية: وإذا قال: ثُلثُي لموالي وله أنصافُ مَوَالٍ, فليُعطَ كلَّ نصفٍ منهم نصفَ ما يُعطى المولى التام؛ إن جعل للتام لكل واحد عشرة فهؤلاء خمسةٌ خمسةٌ. [(4)] فصل [فيمن أوصى لقرابته] ومن كتاب محمد والمجموعة قال مالكُ: فيمن وصى لأقاربه, فليُقسم على الأقارب فالأقرب بالاجتهاد. محمد: قال مالكُ: ولا يدخُلُ في ذلك ولدُ البنات, وقال في العتبية. قال عيسى: ويُنظَرُ فيه عل قدر ما يَرىَ ويَنزل فربما لم يدَع غيرَ ولدِ البناتِ وولدِ الخالات. م: يريد: فيُعطَونَ حينئذ. قال ابن القاسم: ولا يدخُلُ الخالُ والخالةُ, ولا قرابتُه منَ الأم إلا أن

تكونَ له قرابةٌ من قبل الأب. قال ابنُ عبدوس عن ابن كنانةَ: في الموصى لقرابته وله أعمامٌ وعماتٌ, وأخوال وخالات, وبناتُ أخ وبناتُ أخوات, فليقسم ذلك الإمام بينهم على الاجتهاد على قدر حاجتهم. والأخوةُ والأعمامُ وبنوهم هم الأقربُ, ولا يَقطَع حظ العمات والخالات وبنات الإخوة من ذلك. م: وعلى هذا القول يدخلُ فيه ولدُ البناتِ.

وقال أشهبُ فيه وفي كتاب محمدٍ: في الموصي لقرابته أو قال: ذوي رحمي, فهو سواءٌ, ويدخُلُ في ذلك كلَّ ذي رحمٍ منه منَ الرجال والنساء مَحرَمٌ أو غيرُ مَحرَمٍ ولا يفضلون بالقرب, وأسعَدُهم به أحوَجُهم, ولا يدخلُ فيه قرابتُه الوارثون استحساناً, وكأنه أراد غيرَ الوارث؛ كالموصى للفقراء بمالٍ, ولرجل فقيرٍ بمالٍ, فلا يُعطَى مما للفقراء كما لا يُعطَى العاملُ الفقيرُ على الزكاة سهمين. قال عنه محمد: ويدخل فيه قرابتُه المسلمون والنصارى ويُؤثَرُ الأحوجُ. قال ابن القاسم في العتبية وكتاب محمد: فيمن أوصى بثُلُثه للأقرب فالأقرب, فليُفضل الأقربُ فالأقربُ ما لم يكُونوا ورثةً -فإنه لم يُرد بوصيته ورثته- والأخ أقربُ منَ الجد, ثم الجد ثم العم فيُعطَى الأخُ أكثرَ, وإن كان أيسرَهُم ثم الجدُّ ثم العمُّ على نحو هذا, وإن كان له ثلاثةُ إخوةٍ مفترقينَ فالشقيقُ أولاً, ثم الذي للأب, وإن كان الأقربُ أيسَرَ. قال ابنُ كنانةَ: في الموصي لأقاربه وسماها صدقةً فلا يُعطَى إلا الفقراءُ خاصة, فإن لم يقل صدقة, فأغنياءُ قرابته وفقراؤهُمُ سواءٌ, إلا أن يريد الفقراءَ. ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف وابنُ الماجشونَ: إذا أوصى لقرابته أو لذوي رحمه أو لأهله أو لأهل بيته, فإن قولنا -وهو قول [149/أ] مالك

وأصحابه- أنه يدخل في ذلك جميعُ قرابته ورحمه وأهله من قبَلِ أبيه وأمه الإخوة والأخوات, والأعمامُ والعَمَّاتُ, والأخوال والخالات, وبنوهم الذكُورُ والإناثُ وبناتُ ومَن أشبههن منَ القرابات. وذكر لي أصبَغُ عن ابن القاسم أنه قال: ليس لقرابته أو لذي رحمه من قبَل أمه من ذلك شَيءٌ مع قرابته من قبَل أبيه, ولا لولد البنات إلا أن [لا] يكون له قرابة من قبل الأب, فيكونُ ذلك لجميع قرابته من قبَل أمه؛ لأنه يرى أنه إياهُم أراد, أو يكون له من قبَلِ أبيه قرابةً قليلةً كالواحد والاثنين, وبقول مطرف وابن الماجشون أقولُ: ولكن يُؤثَرُ الأقربُ على قدر القربى والحاجة, ولكُلهم فيها حق. [(5)] فصل [فيمن أوصى لجيرانه] ومنَ المجموعة قال عبدُ الملك: فيمن أوصى لجيرانه, فَحَدُّ الجوار الذي لا شك فيه: ما كان يواجهُه, وما لصقَ بالمنزل من ورائه وجَنَبَاته, فأما إن تباعد ما بين العدوتين حتى يكونَ بينهم السُّوقُ المتسع فليس كذلك, إنما الجوار ما دنا من العدوتين, وقد تكون دارا عُظمىَ ذاتَ مساكنَ كثيرة كدار معاوية وكثير بن الصلت فإذا أوصى بعض أهلها لجيرانه اقتصر به على

أهل الدار. قال: وإن سكن ربها هذه الدارَ وهو الموصى, فإن أشغل أكثَرَها وقد أسكن معه غيره, فالوصيةُ لمن كان خارجاً عنها لا لمَن فيها, وإن كان إنما سكن أقلَّها فهو كالمكتري, فالوصيةُ لمن في الدار خاصةً ولو اشغَلَها كُلِّها بالكراء ثم أوصىَ لجيرانه, فالوصيةُ للخارجينَ منها من جيرَانه. وقال مثلَه كلَّهُ سحنون في كتاب ابنه. قال عبدُ الملك: وجوارُ البادية أوسعُ من هذا وأشدُّ تراخياً, ورُبَّ جارٍ وهو على أميالٍ إذا لم يكن دونه جيرانً إذا جمعهم الماءُ في المَورد والمسرَح للماشية, وبقدر ما ينزل, ويُجَتَهَدُ في ذلك. قال ابنُ سحنون عن أبيه: كُلُّ قريةٍ صغيرةٍ ليس لها اتصالٌ في البناء والكبر والحارات فهم جيرانٌ, وإن كانت كبيرةً كثيرةَ البُنيَانِ كقلشانة فهي كالمدينة في الجوار. قال عبدُ الملك: وإذا أوصى لجيرانه, فإنما يُعطَى الجارُ الذي له المسكنُ وزوجتُه وولدُه الكبيرُ البائنُ عنه بنفقته, ولا يُعطى الصغيرُ ولا ابنتُه البكرُ ولا خَدَمُه ولا ضيفٌ ينزل به إلا أن يَنُصهُم, وأما الجارُ المملوكُ فمَن كان يسكنُ بيتاً على حدة, فَليُعطَ كان سيده جاراً أو لم يكُن. وقال ابنُ سحنون عن أبيه: يُعطَى ولدُه الأصاغرُ, وأبكارُ بناته ويدخلُونَ في الاجتهاد إن شاءَ الله.

[الباب الخامس] فيمن أوصى لولد رجل ولا ولد له, أو لفقراء بني فلان وهم أغنياء أو لمن قد مات, وفي موت الموصى له قبل موت الموصي

[الباب الخامس] فيمَن أوصى لولد رجلٍ ولا ولدَ له, أو لفقراء بني فلان وهم أغنياءُ أو لمن قد مات, وفي موت الموصَى له قبل موتِ الموصي. [(1) فصل: فيمن أوصى لولد رجل ولا ولد له] قال ابن القاسم: ومَن قال: ثُلُثي لولد فلانٍ, وقد عَلم أنه لا ولدَ له جاز, ويُنتظر أيوُلَدُ له أم لا؟ ويُساوَى فيه بين الذكر والأنثى, وإن لم يَعلم أنه لا ولد له فالوصيةُ باطلةٌ؛ لأنَّ مالكاً قال: فيمن أوصى بثُلُثه لرجل, فإذا الرجلُ قد مات قبل الوصية, فإن كان قد علم بموته نفذت الوصية لورثة الموصَى له وقضى بها دينَهُ, وإن كان لم يعلم بموته, فلا وصيةَ له ولا لورثته ولا لأهل دينه؛ فأرى مسألَتَكَ مثلَ هذا. محمد: وقال أشهبُ: إذا مات الموصي ولا ولدَ للموصى لولده, فالوصيةُ باطلةٌ, علم الموصي بأنه لا ولدَ له أو لم يعلم وإن وُلد له بعد ذلك, إلا أن يكونَ كانَ حملٌ يومَ ماتَ الموصي. ومنَ العتبية قال عيسى: عن ابن القاسم: [149/ب] فيمن أوصىَ لبني فُلانٍ فلم يُوجد لفلانٍ ولدٌ, فإنه يرجعُ ميراثاً. [(2) فصل: فيمن أوصى لفقراء بني فلان فوجدوا أغنياء أو لمن قد مات] قال عنه أبو زيد: وإذا أوصى لفقراء بني عَمِّه فوُجدُوا أغنياء كُلُّهُم, فليوقف عليهم, فمن افتقرَ منهم دُفع إليه, وإن لم يفتقر منهم أحدٌ رجعت الوصيةُ ميراثاً لورثة الموصي.

ومنَ المدونة قال ابن القاسم: وإن قال: ثُلُثُ مالي لفلان وفلان, وأحدُهما غنيٌ والأخَرُ فقيرٌ, فالثلُث بينهما نصفين. قال مالكٌ: فإن ماتَ بعد موت الموصى ورثَ نصيبَه ورثَتُه, وإن مات قَبلَهُ, فللباقي نصفُ الثلث ولا شيءَ لورثة الآخرَ, ويرجع نصيبُه إلى ورثة الموصي. [(3)] فصل [في رد أخ الموصى لهم للوصية أو موته قبل موت الموصي أو بعده] ومنَ المدونة قال مالكُ: ومَن أوصى لثلاثة نفرٍ بعشرةٍ عشرةٍ, وثُلُثُه عشرةٌ, فردَّ أحدهم وصيته, فليحاص الورثةُ بوصية الذي رد أهلَ الوصايا فيأخذُونَ وصيتَه فيقتسمونَها مع ميراثهم, ويكون للباقين ثُلُثَا الثلُث. قال غيره: إذا رد واحدٌ منهم رجَع ما كان للميت, فكان للورثة محاصةُ الباقينَ؛ لأن الورثةَ دخلوا مدخل الراد, وقد كان الراد لو لم يرد لحاصهم فلما رد دخل الورثةُ مدخلَه. قال سحنون: وهذا قولُ الرواةِ, لا أعلم بينهم فيه اختلافاً. م: يريد أنه رد الوصية بعد موت الموصى, فأما لو رد قبل موت الموصي لكانت مثل موت الموصَى له قبل موت الموصي, ويدخلُها اختلافُ قَولِ مالك, وكذلك في كتاب ابن الموز قال فيه: إذا أوصى لرَجُلينِ بعشرةٍ عشرة, وثلثه عشرةٌ, فرد أحدُهما في حياته, فإن علم بذلك, فللآخَرِ عشرةٌ كاملةٌ, وإن لم يعلم, فله خمسةٌ وتورَثُ خمسةَ.

قال أبو محمد: وهذه في المدونة: وقد اختَلَفَ فيها قولُ مالك, فشبه رده قبل موت الموصى بموته قبل موت الموصي فاعرفه, فإنها جيدةٌ. قال مالكُ: وإذا مات الموصَى له بعد موت الموصي, فالوصية لورثة الموصَى له, علم بها أو لم يعلم, وإن مات قبل موت الموصي بطلت الوصيةُ, علم الموصي بموته أم لا. قال مالكٌ: ويحاصُّ بها ورثةُ الموصي أهلَ الوصايا في ضيق الثُلُث, ثم تُورَثُ تلك الحصةُ, وقد قال أيضاً مالكٌ: إذا علم الموصى بموت الموصَى له بطَلَت الوصيةُ ولا يحاص بها أهلَ الوصايا. قال سحنون: وعلى هذا القول الرواةُ. وقال ابنُ نفع: لأنه إذا علم بموته, فكأنه أقَرَّ وصيتَه لمن بَقيَ من أهل الوصايا. وقالهُ ابنُ المواز. قال سحنون: وإنما يحاصُّ الورثةُ أهلَ الوصايا بوصية الموصَى له إذا مات قبل موت الموصي, والموصي لا يعلم؛ لأن الموصيَ مات والأمرُ عنده أن وصيتَه لمن أوصى له جائزة, فلما بطلت بموت الموصَى له رجع ما كان له إلى مال الميت وخل الورثة مدخله, فحاصوا أهل الوصايا بوصيته؛ لأنه هو كذلك كان يحاصُّهم بوصيته.

قال مالك: ومَن قال: ثُلثُ مالي فلانٍ وفلان, فمات أحدُهما بعد موت الموصي ورث نصيبه ورثته, فإن مات قبله, فللباقي نصفُ الثلُث, ولا شيء لورثة الآخَر, ويرجع نصيبه إلى ورثة الموصي. وإن أوصى لفلان بعشرةٍ ولفلان بعشرةٍ, والثلثُ عشرةٌ, فمات أحدُهما قبل موت الموصي, فكان مالك يقول أول زمانه: إن علم الموصي بموته فالعشرةُ للباقي منهما؛ وكأنه أقَرَّ وصيتَهُ, وإن لم يعلم حاصَّ الورثةُ بها هذا الباقي, فيكونُ لهذا الباقي خمسةٌ وترجع الخمسة التي وقعت للميت لورثة الموصي. قال سحنون: وهذه الروايةُ التي عليها الناسُ. ثم قال مالكٌ: تكون العشرة للباقي, علم لموصى بموته أم لا. ثم قال مالك في آخر زمانه: أرىَ أن يحاص بها الورثةُ الثانيَ, علم الموصي بموت الآخَر أم لا. م: قد تقدم [150/أ] لابن نافع وسحنون وجهُ قول مالك وتفرقته بين العلم بموت الموصَى له أم لا, ووجهُ قولهِ إلاَّ حصاص للورثةِ, علم الموصي بموت الموصَى له أم لا؛ فلأن

الوصيةَ لما بطلت بموت الموصَى له فكأن لم يوصِ بها فوجب أن لا يحاصَّ بها, كما لو أوصى لرجل بعبد ولآخرينَ بوصايا, فماتَ العبدُ أن للموصَى لهم ثلثَ ما بقيَ ولا يحاصون بقيةَ العبد؛ لأنه لما مات بطلت الوصيةُ به؛ وكأن الموصى لم يوصِ إلا بما بقيَ منَ الوصايا فكذلك هذا. ووجهُ قوله يحاصصُ الورثةُ في الوجهين؛ فلأن الموصىَ لما عال على ثُلُثه علم أن الخيارَ في إجازة الزائد للورثة وأنهم إن لم يُجيزُوا فإنما يحصل لهذا الباقي خَمسةٌ, فكأنه إنما أوصى له بخمسةٍ, وخمسة أخرى إن أجازها له الورثةُ, وكذلك إن أوصى للذي مات, فالذي قد بطلت وصيَتُه بموته قبل موت الموصي وبقيَ الأخَرُ على أصل ما أوصى له به إن أجاز له الورثةُ العشرةَ أخَذَها, وإلا أخذ خمسةً؛ ولأن الورثة يقولون له: إنما كان يصح له خمسةٌ لو لم يمت هذا, فليس موتُه يوجب لك شيئاً لم يكن لك قبل ذلك؛ ولأن بموت الموصَى له بطلت وصيتُه وصار ما كان للورثة فحلوا محله في أخذ الوصية وفي الحصاص بها كما لو مات بعد موت الموصى لَحَل ورثَتُهُ محله لانتقال الوصيةِ لهم, وبالله التوفيقُ. قال ابن القاسم: وبهذا آخُذُ. وقد ذكر ابنُ دينار أن قوله هذا الآخَر هو الذي يُعرف من قَوله قديماً. قال ابن القاسم: وكذلك قولُه: ثلُثُ مالي لفلان, وثلُثَا مالي لفلانٍ فيموتُ أحدُهما على اختلاف القولِ في صاحبي العشرتين سواءً, فإن كان الميتُ

منهما صاحبَ الثلُث كان للباقي منهما ثلثا الثلث في قول مالك الآخر ويحاصه الورثة, علم الموصي بموت الآخر أو لم يعلم -قال ابن القاسم: وبه أقول- وفي قول مالك الأول يختلف -إن علم أو لم يعلم- بحال ما وصفنا, وفي قوله الأوسط يكون للباقي جميعُ الثلُث, فقس على هذا ما يَردُ عليك.

[الباب السادس] فيمن أذن له ورثته في مرضه أو صحته أن يوصي بأكثر من ثلثه, أو يوصي لبعض ورثته., والمديان يجيز وصية أبيه

[الباب السادس] فيمَن أذن له ورثتُه في مَرَضه أو صحتُه أن يُوصيَ بأكثرَ من ثُلُثه, أو يوصي لبعض ورثته., والمديَانُ يجيز وصية أبيه. [(1) فصل: فيمن أذن له ورثته في مرضه أو في صحته بأن يوصى بأكثر من ثلثه أو يوصى لبعض ورثته فلما مات رجعوا المسألة الأولى: فيمن إذن له ورثته في مرضه أو في صحته بأن يوصى بأكثر من ثلثه] قال مالكٌ: إذا أوصى المريضُ بأكثر من ثلثه فاستأذنَ ورثَتُه في مرضه في إجازة ذلك فأذنُوا له, ثم رجعوا بعد موته, فمَن كان عنه بائناً من ولدٍ أو أخ أو ابن عم وليس من في عياله, فليس لهم أن يرجعُوا, وأما امرأتُه وبناتُه اللاتي لم يَبن منه, وكل ابنٍ في عياله وإن كان قد احتلم, وعصبتُه الذين يحتاجون إليه ويخافون إن منعوه وصح أضر بهم في منع رفده, فلهؤلاء أن يرجعوا إذا رُئيَ أن إجازتهم ذلك خوفٌ مما وصفنا. قال ابن القاسم: إلا أن يجيزوا وصيتَه بعد موته, فلا يكون لهم أن يرجعوا, ويجوزُ ذلك عليهم إذا كانت حالُهم مَرضيةً, ولا يجوز إذنُ البكر, ولا الابن السفيهِ وإن لم يرجعَا. قال ابنُ كنانةَ في المجموعة: إلا المعنسةَ فيلزَمُها ذلك, فأما الزوجةُ تأذنُ له في مرضه فلها أن ترجع؛ إذ قد تخاف من وجده إن صَحَّ, وليس التي يسألها زوجُها في ذلك فتأذن كالتي تَبتَدئُهُ وتُمَكنُهُ. فيَنظرُ في ذلك الإمام. محمد قال أشهبُ: وليس كلُّ زوجة [150/ب] لها أن ترجع؛ رُبَّ زوجةٍ لا ترهب منعه ولا تهابه فهذه لا ترجعُ, وكذلك ابنٌ كبيرٌ غيرٌ سفيه وهو في

عيال أبيه فلا رجوعَ له. إذا كان ممن لا يُخدع. قال ابنُ القاسم: لمثل هؤلاء أن يرجعوا إذا كانوا في عياله. ومن العتبية والمجموعة وهو في الموطأ قال مالكٌ: وإذا أذن الورثةُ للصحيح أن يُوصىَ بأكثرَ من ثُلُثه لم يلزمهم ذلك إذا مات؛ لأنهم أذُنوا له في وقتٍ لا منعَ لهم. ومن العتبية قال مالكٌ: فيمن أذنَ له ورثتُه عند خرُوجه إلى غزوٍ أو سفر أن يُوصىَ بأكثرَ من ثُلُثه ففعل, ثم مات في سفره: أنَّ ذلك يلزمُهم كالمريض وقاله ابنُ القاسم. قال أَصبَغُ: وقال لي ابنُ وهب: كنت أقول هذا ثم رجعتُ إلى ألا يلزمهم ذلك؛ لأنه صحيحٌ, وكذلك لو أذن له أحدُهم في هبة ميراثه؛ كالصحيح يأذنون له بالعول على ثُلُثه. قال أصبَغُ: وهو الصوابُ. وذكر في كتاب ابن المواز عن ابن الحكم عن مالك مثلُ رواية ابن القاسم. وروى يحيى بنُ يحيى عن ابن القاسم فيمن أذنَ له ورثتُه في مرضه في الوصية بأكثرَ من ثُلُثه, ثم يصحُّ وأقر وصيتَهُ, ثم مرض فمات, فلا يلزمهم ذلك الإذنُ؛ لأنه صح فاستغنى عن إذنهم, فلا يلزمُهُم حتى يأذنوا في المرض الثاني. وكذلك ذكر عنه في المجموعة.

وقال ابنُ كنانةَ: ولكن يحلفون ما سكتوا عن تغيير ذلك رضاً به. ومن كتاب ابن حبيبٍ: ومَن أوصى في مرضه بمئة دينارٍ لرجل وبوصايا وعال على الثلُث فأجاز له الورثة الوصيةَ بالمئة, ثم مات. قال مطرف عن مالكٍ: ويحاص صاحبُ المئة أهلَ الوصايا فما انتقصَ, فعلى الورثة تمامُه. قال أبو محمد: يريد مما ورثوا, لا من أموالهم. قال مطرف: ولو أوصى له بمئةٍ وهيَ أكثرُ من ثُلُثه وأجازوا له ذلك, ثم أوصى لغيره بوصايا بعد ذلك, فليحاصهم الموصىَ له بالمئة, ثم يُنظر, فإن علم الورثةُ بما أوصى به لغيره فَرَضُوا أو سكَتُوا حتى مات فليرجع علهم بما انتقصَ منَ المئة, وإن لم يعلموا أو علمُوا, فقالوا: لا نُجيزٌ للذي جَوزنَا أولاً إلا ما زادت وصيتُه على الثلُث أولاً, فذلك لهم ولا يرجعُ عليهم إلا بما تنقصُه المئةُ منَ الثلُث قبل أن يوصىَ بما أوصى بعد ذلك. وقالهُ ابنُ الماجشونَ. ومن المجموعة قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك: وإذا استوهب المريضُ وارثه ميراثَه ففعل, ثم لم يقبض فيه شيئاً, فإنه يُردُّ إلى واهبه. وقال عنه ابنُ وهبٍ: إلا أن يكون سَمَّى له من يَهَبُه له من ورثته فذلك ماضٍ, ولو وهب له ميراثَه فأنفذ بعضَه, فما بقيَ يُرد إلى مُعطيه ويَمضي ما أنفذ. [المسألة الثانية: فيمن أذن له ورثته في مرضه أو في صحته بأن يوصي لبعض ورثته] ومن كتاب محمد قال مالكٌ: في امرأة تصدقت في مرضها على ابن ابنها بسُدسُ دارٍ لا تملك غيره, فأشهد ابنٌ لها ثانٍ أنه إنما سَكَتَ كراهيةَ سُخطها, ثم

حاز ابنُ الابن وقاسم عمَّه, وجاز له عنده فضلٌ فأخذَه منه, ثم لم تزل الأم في الدار حتى ماتت قال: يمضي ذلك ولا ينفع الابنَ ما أشهد؛ قد قاسمه ابن الابن وحاز وأخذ فضلاً, فلا رد لذلك. وقاله ابنُ القاسم. وقال أشهبُ: إذا أشهد ابُنها كراهيةَ سُخطها فذلك ينفعُه, ولا يضرُه ما قاسَمَ. وقاله لي عنهما ابنُ عبد الحكم. ومنَ العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: في مريض أوصى بجميع ماله, وليس له وارثٌ إلا ابنٌ مريضٌ, فأجاز صنيعَ الأب, وقال الابنُ: ثُلثُ مالي صدقةٌ على فلان, فمات الأبُ ثم مات الابنُ وترك الأبُ ثلاثمئة دينارٍ ولا مالَ لَهُ غيرُ ذلك, قال: فللذي أوصى له الأبُ مئةُ دينارٍ, ثم يتحاصُّ هو والذي أوصى له الابنُ, يضرب هذا بالمئتين التي أجازها له الابنُ, ومَن أوصى له الابنُ بثُلُث المئتين. قال عيسى: إنما هذا إذا أجاز الابنُ في الصحة, ثم مرض فأوصى بثُلُث ماله, فليس ذلك المالُ له بمالٍ إذا قَبَضَه المتصدقُ به عليه قبل موت هذا ومرضه, وإن لم يقبضهُ حتى مرض الابنُ فلا شيءَ له, لأنه صدَقَةٌ لم تُجَز. قال أبو محمد: يريد تبطُلُ إجازةُ الابن لما أجاز, ويَجُوزُ من وصيةِ الأب الثلُثُ.

[(2) فصل: في إجازة المديان وصية مورثة] منَ المدونة قال ابن القاسم: ومَن أوصى بجميع ماله وليس له إلا وارثٌ واحد مجديانٌ, فأجاز ذلك, فلغرمائه رد الثلثين وأخذه في دَينهم. قال أشهبُ في المجموعة: لأنه وهب الثلثين للموصَى له, وهي جائزةٌ أبداً حتى يردُّها الغرماءُ, فإن علَموُا فلم يردُّوا فلا رد لهم بعد ذلك. محمد: وقاله ابنُ القسم وأشهبُ. محمد: وإن كان منهم مَن يَجهل أن له ردُّ ذلك, فله الردُّ إذا حَلَفَ مع معرفة الناس أن مثلَه يجهل ذلك. ومنَ المجموعة قال ابنُ وهب عن مالكٍ: وكذلك لو أذنَ له الولدُ المديانُ في مرضه, كان للغرماء ردُّ الثلثين. [(3)] فصل [في إقرار الولد المديان أن أباه أوصى بثلثه لفلان] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا أقر الولدُ أنَّ أباه أوصى لرجل بثُلُث ماله, وعلى الولد دينٌ يغترق موروثَه, وأنكر غرماؤه الوصية, فإن كان إقراره قبل القيام عليه بالدين جاز إقراره, وإن أقر بعد ما قاموه عليه لم يَجُز, وكذلك إن أقر الولدُ بدينٍ على أبيه, أو بوديعة عند أبيه وقد مات أبوه, فإقرار الولد بذلك بعد قيام غرماء الولد عليه لا يُقبلُ إلا ببينةٍ, وإقراره قبل أن يُقام عليه جائزٌ, فإن كان المقَرُّ له حاضراً حلف معه واستَحق كقول مالك: فيمن شهد أن هذا الذي في يديه تصدق به فلان على فلان, وتركه له في يديه

وأنكر الذي هو له, فإن حضر المشهودُ له كان ذلك له مع يمينه, وإن كان غائباً لم يُقبل قوله؛ لأنه يُتهم أن يكون إنما أقر ليبقى ذلك الشيءُ بيده. محمد: وقال أشهبُ: إذا أقر الوارث المديانُ -يريد: قبل قيام الغرماء عليه- أنَّ أباه أوصَى لرجلٍ بالثلُث أو بعتق ولا بيَنَةَ فيه لم يَجُز إقراره ولا شهادتُه, ولا إقرارهُ بعتقٍ في صحةٍ إذا لم يُصَدِّقهُ غرماؤُه, وأما إقراره على أبيه بدينٍ فيلزَمُهُ, بخلاف إقراره عليه بصدقةٍ أو عتق, كما لو فعل ذلك هو في مال نفسه. قال ابن القاسم: ذلك كلُّه جائز, أقَرَّ على أبيه بدينٍ أو بوصيةٍ أو بعتق وإن أحاط الدينُ بماله, إذا أقر قبل قيام الغرماء عليه؛ كإقراره على نفسه بدين. محمد: وهذا أصوبُ؛ لأن أشهبَ يقول: لو أجاز وصية أبيه بأكثر من ثُلُثه, فلم يقبضه الموصَى له حتى مات الابنُ إن ذلك جائز من ثُلُثِ الأب ولم يَجعَلهُ كصدقته من مال نفسه. م: وهذا خلافُ ما تقدم لعيسى, وقولُ عيسى: أبينُ؛ لأنها هبةٌ لم تُقبض قال أشهبُ: وإذا أقر بوديعةٍ عند أبيه, فذلك لازمٌ, كإقراره بدين على أبيه. قال أشهبُ: ولو أقر ولا دين عليه أن أباه أوصى بأكثر من ثُلُثه, وأنه أجاز ذلك أشهدَ به, ثم مات الابنُ بعد أن تَدَايَنَ ولم يكن قبض الموصَى له وصيتَهُ, فليُبدأ بوصية أبيه إذا عرف مالُ أبيه؛ لأنه حق قد تم للموصَى له في

وقت يجوزُ فيه قولُ الابن, فإن لم يوجَد للأب شيءٌ من ماله وعلى الأب دَينٌ, فإن الموصَى لهم يحاصون غرماءَ الابن في مال الابن, وإن وجدوا من مال الأب شيئاً أخذَه الموصَى له خاصة, فما عجز عليه حاص به غرماء الابن؛ لأن الوصية صارت [151/ب] على الابن دَيناً حين استهلك التركةَ قبل إنفاذهَا. قال محمد: أما فيما بلغ ثُلُثَ الأب فهو كذلك, وأما فيما جاوزَه, فإن كان مال الأب بيد الابن حتى مات, بطلَ ما زاد على الثُلث مما أجاز الابنُ, وإن كان ذلك بيد غيره نفذ ذلك للموصَى له. [المسألة الأولى: فيمَن هلك وترك ولدين وألفَي درهم, فأقر أحدُهما لرجل أن له على الأب ألفَ درهم] ومن المدونة: قال مالكٌ: ومَن هلك وترك ولدين وألفَي درهمٍ, فأقر أحدُهما لرجل أن له على الأب ألفَ درهمٍ. فإن كان عدلاً حلف وأخذَها من جَميعِ التركةِ, وإن نكل أو لم يكن عدلاً, فليأخذ منَ المقر خمسمئةٍ ويحلف له المُنكر, فإن نكل غرم له خمسمئةٍ. وقاله مالكٌ وابن القاسم, وهذا في المدونة. محمد: وقال أشهبُ: له أن يأخذُ الألفَ كُلها من نصيب المقر. قال:

لأنه لا ميراثَ لوارث يزعم أن على الميت دَيناً. قال: وهو بخلاف إقراره بالوصيةِ؛ لأن الموصَى له شريكٌ في المال, وأما الدينُ فلا ميراثَ إلا بعد قضائه. قال محمد: وقولُ مالك وابن القاسم أولى, وقد قالا: لو شهدَ بالألفِ الدين عدلان بعد أن اقتسما فأعدم أحدُهما, فليأخذ الألفَ كلها من الآخَر ويرجع على أخيه فيتبعهُ بنصفها, وخالفا بين البينة والإقرار؛ لأن البينة أثبتت الألفَ على الميت فَتُؤخَذُ من ماله حيث وُجد ويصير للأخ العهدةُ على أخيه, وأما بإقرار الأخ, فلم يثبُتِ الدينُ على الميت ولا يُوجبُ له بالعدم عُهدَةً على أخيه, فصار إقرار الوارث على نفسه أن عنده زيادةٌ على حقه, ولم يَجب عليه أن يَغرَمَ عن أخيه ما لا يَرجعُ به عَلَيه. قال: ولو أقر هذا لرجلٍ بألفٍ, وأخوه لرجل آخرَ بألفٍ على أبيهما وكل واحد ينكر قول أخيه, فإن كانَا عدلين قُضيَ لكل طالب بشهادة مع يمينه, فإن حلف واحدٌ أخذَ الألفَ منَ الأخوين, ثم يرجع الناكلُ على مَن أقر له بخمسمئة, ويحلف له الأخُ الآخرُ أنه ما يعلم ما شهد به أخوه ويبرأ, فإن نكل غرم له خمسمئة, وإن لم يكونا عدَلين كان ما قلناه من اختلاف قول ابن القاسم وأشهبَ كذلك في نكول مَن نكل مع العدل. قال: ولو أقر كُلُّ واحدٍ لرجل بوصية الثلُث -أقر كلُّ واحد لغير الذي أقر له أخوه- فلم يختلفا في هذا إن كانا عدلين وإن كان أحدُهما عدلاً, فليحلف كلُّ طالبٍ ويأخذ ذلك من الولدين,

فإن نكل واحدٌ, فالثُلثُ لمن حلف ولا شيء للذي أبَى اليمينَ على الذي شهد له؛ لأنه لم يبقَ بيده منَ الثلُث شيءٌ, بخلاف الدين؛ لأن الدينَ من رأس المال والوصيةُ من الثلث ولم يبقَ من الثلُث شيءٌ بيده, وإن نكلاَ أو كان الولدان غيرَ عدلين أدَّى كلُّ واحدٍ إلى الذي أقر له ثُلثَ مت في يده, ولو رجعا بعد الحكم وأقرا بأن الذي شهد به صاحبهُ حَق بعد أن أخَذَ كل واحد ما أقر به صاحبُه, فإن كل واحد منهما ضامنٌ للذي أنكر وصيته ثلثَ ما في يديه؛ لأنه أقر أنه استهلك ذلك عليه. قال: وإذا اقتسم الوارثان ثم غاب أحدُهما, أو أعدم ثم قامت بيّنةٌ بوصية الثلث لرجلٍ, أو أقر له الحاضرُ, فإنما يأخذ ثلُثَ ما بيده ويَتبَعُ الآخَرَ بمثله, ولو ترك مئة حاضرةً مئةً على أحد الولدين -يريد: محمد: وهو عديم أو غائبٌ- وأثبت رجلٌ الوصيةَ له بالثلُث, فإن المئة الحاضرةَ بين الموصَى له والولد الآخَر نصفان؛ لأن لكل ولحدٍ منهما ثُلُثَهَا, وثُلُثُها للذي عليه الدينُ, فيُؤخَذُ منه, فيكون بين هذين؛ لأن حقَّهُمَا في مال الميت سواءٌ, ولو أقرَّ الولدُ الحاضرُ للموصىَ له وكان عدلاً وحلف معه كان كما ذكرنا, وإن نكل أو لم يكن عَدلاً, لم يكن له مع المقر في المئة إلا ثُلُثُهَا. ولو قامت له بيَّنةٌ أنه أوصى له بمئةٍ لا بالثلُث, والمالُ كما ذكرنا, فالجوابُ واحدٌ؛ لأنه يرجع إلى الثلُث [152/أ] ,

ولو أوصى له بأقل منَ الثلُث, مثل أن يُوصىَ له بمئة ويترك مئةً حاضرةً وأربعمئةٍ على أحد الولدين, فليخَير الورثةُ بين أن يُعطُوه المئةَ الحاضرةَ أو يقطعوا له بثلُث الحاضر وثلث الدين, فيكون حينئذٍ كموصى له بالثلث, فيقسم المئة الحاضرة بينهما نصفين؛ لأن حظهما في المال سواءٌ؛ لأن سهامَ الفريضة سهمان, فزد عليهما نصفَهُمَا لصاحب الثلث فصارت ثلاثةً, فأسقط سهم المديان فبقيَ لهذين سهمان: لكل واحد سهم, ولو ترك ثلاثةَ بنينَ, وثلاثمئةٍ, منها مئةٌ على أحد الولَدَين دَينَاً, ومئتان حاضرةٌ, وقد أوصى بالثلُث, فالفريضة من ثلاثة: زد عليها مثلَ نصفها تكون أربعةً ونصفاً, فأضعفها -لذكر النصف- تكون تسعةً, الثلثُ ثلاثةٌ, ولكل ولد سهمان, فأسقط سهم الولد المديان تبقى سبعةٌ, فللموصَى له ثلاثةُ أسباع المئتين الحاضرة, ولكل واحدٍ من الولدين سُبُعَا المائتين. ولو ترك ولداً واحداً فأقر أن هذه وديعةٌ لفلان عند أبيه, ثم قال: ولفلان معه, فإن كان قولاً متصلاً فهي بينهما, وإن لم يكن متصلاً: فإن كان عدلاً, حلف الآخَرُ وكانت بينهما, فإن لم يحلف أو كان غيرَ عدلٍ, فهي للأول مع يمينه, ولم يضمن المقرُّ للآخرَ شيئاً؛ لأنه لم يدفع إلى الأول شيئاً بَعدُ, ولكن لو دفعها, ثم أقر بعد ذلك أنها لفلان معه, فإنه يضمن للآخَرِ ما أقرَّ أنه له فيها, كانَ عدلاً أو غيرَ عَدلٍ. ولو شهد شاهدان منَ الورثة أنَّ أباهما أوصى لفلان بالثلُث ودفعا ذلك إليه ثم شهدَا أنه إنما كان أوصى به لآخَرَ وأنهما أخطأ فلا يُصَدقَانِ على الأول, وإن كانا عدلين للضمان الذي دخل عليهما, ويَضمَنَانِ للآخَرِ الثلُث ولو لم

يكونا دَفَعا, أجَزتُ شهادتَهما للآخَر وأبطلتُها للأول. وإذا أقر الوارثُ بدين على الميت يغترق التركةَ, ثم أقر لآخَرَ بمثله, فإن لم يكن عدلاً بُدئ بالأول؛ إذ لا يقدَرُ على الرجوع عنه, فكذلك لا يَدخُلُ عليه مَا يَنقُصُه, ولو كان عدلاً وجاء بعُذرٍ بيّن قُبلَ قولُه, وحَلَف الآخَرُ مع شهادته, فإن لم يحلف كان كما قُلنا إن لم يكن عدلاً -قال محمد: ويحلف الأول على علمه إذا نكل الآخَرُ- ولو أقر الوارثُ أولاً بوصيةٍ تُخرج من الثلُث أو بعتقٍ, ثم أقر بدين -يريد: يغترق التركةَ- فإن كان عدلاً جازت شهادتُه ما لم يكن نفذ الحكم بإقراره الأول, أو كان دَفَعه هو, فلا يُرَدُّ, ويلزمُه الدين فيما ورث وإن أحاط الدينُ بجميع ميراثه, وإن لم تنفذ الوصية فلا تباعةَ عليه, ويحلف المقرَّ له بالدين ويثبت دينُه وتسقط الوصيةُ, فإن لم يكن عدلاً أو نكل الطالب لم يُرد عتقٌ ولا وصيةٌ, ثم يأخذ الطالبُ دينه مما ورث هذا, فإن بقيَ له شيءٌ من دَينه لم يَتبع به الوارثَ ما لم يكن هو الذي أنفذ الوصيةَ فيُتبَع بما أنفذ من عتق أو وصيةٍ. وإذا قال: أوصى أبي بالثلث, ولفلان بدين. كلاماً متصلاً, فالدينُ أولَى, وتبطل الوصية إن أغترق الدين المالَ, وكذلك لو أقر بتدبير في الصحة؛ لأنه قولٌ متصلٌ, إن بدا بالوصية ثم قطع ثم أقر بالدين, فإن كان عدلاً حلف طالبُ الدين وكان له, وتَبطَلَ الوصيةُ, إلا أن يَفضُلَ عن الدين شيءٌ فيكون للآخَر ثُلُثُه, فإن لم يحلف أو كان الولدُ غيرَ عدلٍ, فللموصَى له جميعُ الثلُث, وما بقيَ للدين,

فإن لم يَف ما بقيَ بالدين لم يضمن الوارثُ شيئاً [152/ب] ولو لم يقرَّ بالدين حتى دُفعَ الثلثُ إلى الموصَى له ضمن ذلك لطالب الدين وإن لم يف الباقي بعد الوصية بالدين, ولا تبَاعة لواحدٍ منهما على الموصَى له. ولو أقر فقال: أوصى أبي لفلان بالثلُث, وأعتق هذا العبد وهو الثلثُ, فإن كان كلامًا متصلًا فالعتق أولى وإن لم يكن الولدُ عَدلاً, وإن كان في كلام غيرٍ مُتصل بُدئَ فيه بالوصية فهو مبدأٌ, ثم يعتق العبدُ كلُّه على الوارث. محمد: سواءٌ كان عدلاً أو غيرَ عَدلٍ إن كان لعبدُ يحملهُ الثلثُ, وليس إقرارُه بالعتق يردُّ ما ذكر منَ الوصية, بخلاف الدين الذي يحلفُ معه طالبهُ ويُستَحقُّ. ولو كان وارثين فأقرا هكذا لكان مثلَ الدين تَبطُلُ به الوصيةُ, ولو ترك وارثاً واحداً وترك ثلاثةَ أعبُدٍ قيمتُهُم سَوَاءٌ لم يَدَع غيرهم, فقال: أعتَقَ أبي هذا العبدَ وشهد عدلان أنه أعتقَ عبداً غيرَه, فإن كذَّبَهُمَا الوارثُ وقال: لم يعتق أبي إلا هذا, أعتقتُ العبدين جميعاً, وإن لم يكذبهُمَا أعتقتُ الذي أثبَته الشاهدان كُلَّهُ؛ لأنه الثلُث, وأعتقتُ نصفَ الذي شهد له الوارثُ؛ لأنه حينَ لم يكذبهما فكأن أبَاهُ أوصى بعتقهما, فالثلُث بينهما, وإذا أَكذَبَهُما فقد أَقَرَّ أنَّ الحريةَ لهذا وحده, فلا يملك مَن أقر بحريته. م: وفيها قولُ آخَر لأشهبَ تَرَكتُهُ. [المسألة الثانية: إن شهد أجنبيان أنه أوصى لهذا بالثلث وشهدَ وارثان أنه أعتقَ عبدَه في مرضيه, وهو قدرُ الثلث] قال: وإن شهد أجنبيان أنه أوصى لهذا بالثلُث وشهدَ وارثان أنه أعتقَ عبدَه

في مرضه, وهو قدرُ الثلُث, فالشهادتان جائزةٌ, ويبدأ بالعتق في عدالة الوارثين ما لم يُتهَما على جَر الولاء في عبد يرغب في ولاية؛ فتبطُلُ شهادتُهما, ويصير الثُلث كلُّلُ للموصىَ له به من هذا العبد ومن غيره. قال محمد: ويَعتقُ أيضاً العبدُ في قول ابن القاسم إذا كان يخرج منَ الثلُث لو لم تنفُذ الوصيةُ إن لم يكن مع المقرِّين ورثةٌ سواهُما؛ لأنهما مُقرَّان بأنه حُرٌ مُبُدأٌ, وإن كان معهما ورثةٌ لم يعتق عليهما بقضَاءٍ وإن ثَبَتَا على إقرارهما, إلا أن يَملكاهُ أو يملكهُ أحدُهُما, وإلا أُمرَا أن يجعلا ما يصيرُ من ثَمنَه في عتقٍ بغير قضية, وكذلك في خدمته يُؤمَرُ أن يترك خدمته في يومهما, وهذا قَولُ مالك وأصحابه في الوارث يُقرُّ بأن أباه أعتَق هذا العبدَ ومعه ورثةٌ سوَاه؛ لأنه لا يُقوم عليه إذ على الميت يعتق, فلا يجوزُ عتقُ عبد بلا تَقويمٍ, وإن شهد وارثان أن الميتَ أوصى لفلان بالثلُث وأنه رجع فأوصى به لفلانٍ وهما يُتَّهَمَان في الثاني, فإن لم يكن معهما وارثٌ غيرهُما جازت شهادتُهما للثاني إن كان قولاً متصلاً, وإن كان معهما ورثة لم تَجُز شهادتُهما إلا فيما يصيرُ لهما من ذلك إن أقاما على شهادتهما, وإن شهد الوارثُ لرجلٍ بوصيةٍ ألف درهم بعينها وهي الثلُث, ثم أقر لآخَرَ بعد ذلك بالثلُث -محمد: يريد: لمن يُتهَم عليه- فإنه يُقضى للأول بالألف, ولا شيءَ للثاني, والوصيةُ بعينها والثلُث في ذلك سواء. [153/أ]

م: لأنه لم يكن كلاماً متصلاً, وإنما أقرَّ للثاني بعد أن ثَبَتتِ الوصيةُ للأول, والثاني ممن يُتهمُ فيه, فاتهم في نقل الوصية إليه, فلم تَجُز شهادتهُ له, وفي المسألة الأولى كانت شهادتُهما كلاماً متصلاً, وإنه رجع عن الأول, فلا ينبغي أن يسقط بعضُ الكلام ويُجَازَ بعضُه.

[الباب السابع: في مسائل متفرقة من كتاب الأقضية لابن سحنون]

[الباب السابع: في مسائل متفرقة من كتاب الأقضية لابن سحنون] [المسألة الأولى: لو شهد أجنبيان أنه أوصى بعتق عبده سالم, وشهد وارثان أنه رجع عن ذلك وأوصى بعتق عبده صالح] ومن الأقضَية لابن سحنون قال أشهبُ: ولو شهد أجنبيان أنه أوصى بعتقِ عبده سالمٍ, وشهد وارثان أنه رجع عن ذلك وأوصى بعتق عبده صالح, فإن استوت قيمتُهما جازت شهادتُهما وأعتق صالحٌ وحدَه, إلا أن يُتهَما في ولاءِ صالحٍ واسترقاق سالمٍ. [المسألة الثانية: لو شهد أجنبيان أنه أوصى لزيدٍ بعبده ميمون, وشهد وارثان أنه رجع عن ذلك وأوصى لعمرو بمرزوق] ولو شهد أجنبيان أنه أوصى لزيدٍ بعبده ميمون, وشهد وارثان أنه رجع عن ذلك وأوصى لعمروٍ بمرزوق, وهو ممن لا يتهمان عليه, فإن تساوت قيمةُ العبدين أو كان مرزوق أرفعَ, فالشهادة جائزةٌ, وإن زادت قيمةُ ميمون زيادة يتهمان فيها لم تَجُز الشهادة وجازت شهادةُ الأجنبيين. [المسألة الثالثة: لو شهد الأجنبيان أنه أوصى بالثلث لزيدٍ وشهد الوارثان أنه رجع عن ذلك وأوصى به لعمرو] ولو شهد الأجنبيان أنه أوصى بالثلُث لزيدٍ وشهد الوارثَان أنه رجع عن ذلك وأوصى به لعمرو, أو أنه أشرَكه معه فيه لجازت شهادتُهما, إلا أن يُتَّهَما في الذي شهدا له, فتبطُلُ شهادتُهما, ثم لا طلبَ للذي شهدا عليهما فيما في أيديهما, ولو لم يشهد الأجنبيان, وإنما شهد الوارثَان أنه أوصى بالثلُث لزَيدٍ, ثم رجع فأوصىَ به لعمروٍ وهما يُتهمان في عَمروٍ, فإن لم يكن معهُما ورثةٌ فيرهُما جاز ما شهدا به لعمروٍ, وإن كان معهما ورثةٌ لم تَجُز شهادتُهما إلا فيما يصيرُ لهما. وقد

تقدمت لابن القاسم: [المسألة الرابعة: إذا شهد رجلان أنه أعتق عبديه هذين في مرضه وقيمتُهما سواءً أو مختلفة, ولم يدع غيرَهما] وإذا شهد رجلاَن أنه أعتق عبديه هذين في مرضه وقيمتُهما سواءٌ أو مختلفةٌ, ولم يدع غيرُهم, فلَيعتق من كل واحد منهما ثُلُثُه, وفيها قولٌ آخَرُ, وهو قول مالك: أن يسهم بينهما, فمن وقع له السهم عَتَق منه مبلغ ثُلُثهما جميعاً إن كان ذلك فيه, وإن كَمُلَ عتقُه وبقيَ منَ الثلُث شيء كان في لآخَر, وأما لو أوصى بكل عبدٍ لرجلٍ لكان لكل واحدٍ ثُلثُ ذلك العبد, بخلاف العتق عند الموت؛ لأنه خصتهُ السنةُ بالسَّهمِ. [المسألة الخامسة: إذا شهد رجلان أن رجلا قال: إن قتلتُ فعبدي فلان حرٌ, ثم شهدا هما أو غيرُهما أنه قُتل, وشهد غيرُهما أنه مات] قال أشهبُ: وإذا شهد رجلان أن رجلاً قال: إن قُتلتُ فعبدي فلانٌ حرٌ, ثم شهدا هما أو غيرُهما أنه قُتل, وشهد غيرُهما أنه مات موتاً, قال: يُنظَرُ إلى أعدَلِ البينتين فيُقضَى بها. وقال سحنون: بل يُؤخَذُ ببينةِ القتل. قال أشهبُ: وكذلك لو شهدا أنه أعتقه إن ما من مرضه هذا, أو إن قَدِمَ من سفره هذا, وأنه مات في ذلك المرض أو السفر, وشهد آخرَان أنه أفاق من ذلك المرض أو قدم من ذلك السفر, فليُؤخذ بأعدَلهما. م: هذا إن شهدت البينةُ التي قالت: إنهُ مات في ذلك المرض أو السفر أنها

لم تفارقه في سفره ذلك أو في مرضه ذلك حتى مات, فيكونُ حينئذٍ [153/ب] تناقضاً, وإلا فالشهادةُ شهادةُ مَن قال: إنه قَدمَ من ذلك السفر وبرئ من ذلك المرض؛ إذ قد يقدم, ثم يعودُ مسافراً ثم يموتُ, وإذا قد يبرأ ثم يَمرَضُ فيموتُ ولا علمَ للآخرينَ بقدومه ولا بُرئه. قال أشهبُ: ولو شهدا أنه أعتقه إن قُتل قتلاً وأنه ماتَ مَوتاً, وشهد آخرَان أنه قُتل قتلاً ولم يشهد على عتقه فلا عتقَ له؛ لأن شاهديه بالعتق أبطلاه عنه برفع القتل؛ كمن شهد أن فلاناً أسلف فُلاناً ألفَ درهمَ ثم قَبَضَها منه. وإن شهد رجلان أنه قال: إن مت في سفري هذا فمتُّ في أهلي فميمون حُرٌّ, فإنه حُرٌ في ثُلُثه بكل حال, ولو كان في ذلك موضعٌ للنظر بأي الشاهدين يُعتقُ؟ لعتقُ بأعدَلهما. وإن شهدا أنه قال: إن مت في جُمادى الآخرة ففلان حرٌ, وإن مت في رجب ففلان حُرٌ, فشهد رجلان أنه مات في جُمادى الآخرة, وشهدَ آخران أنه مات في رجب, فليُقضَ بأعدل البينتين. [المسألة السادسة: وإن شهدا أنه قال: إن متُ من مرضي هذا فعبدي حرٌ قالا: ولا ندري هل مات من مرضه ذلك؟ وقال العبدُ: منه مات] وإن شهدا أنه قال: إن مت من مرضي هذا فعبدي حرٌ قالا: ولا ندري هل مات من مرضه ذلك؟ وقال العبدُ: منه مات, وكذَّبهُ الورثةُ, فالقولُ قولُ الورثة مع أيمانهم؛ لأن العبدَ مُدعٍ لما يزيل ما ثَبَتَ من رقه ولو أقام بقله بينّةً, والورثةُ بقولهم بيّنةً قَضَيتُ بأعدَلهما؛ لأنهما قد تَكَاذَبَا. [المسألة السابعة: إن قال: إن مت من مرضي هذا ففلانٌ حرٌ, وإن بَرئتُ منه ففلان الآخرُ حُرٌ] وإن قال: إن متُّ من مرضي هذا ففلانٌ حرٌ, وإن بَرِئتُ منه ففلان الآخَرُ حُرٌّ,

فادعَى كلُّ عبد ما يُوجبُ عتقَه, وقال الورثة: قد برئ منه, فالقولُ قولُهم مع أيمانهم, ولا يَعتق إلا مَن صدقُوه, فإن أقام مَن كذَّبوه بيَّنةً ولم يُقمهَا الذينَ صدقُوهُ قُضيَ بالبينة, ثم سُئلَ الورثةُ, فإن ثَبَتُوا على قولهم وكان العبدُ الذي صدَّقوُه يخرج من ثُلُث جميع التركة عَتق عليهم, إلا أن يكونَ لم يُقر بذلك إلا بَعضُهُم فليُبَع عليهم, ويُؤمَرُ مَن أقرَّ أن يجعل حصته من ثَمَنه في عتقٍ, ولَو اشتَراه أحَدٌ منَ المقربينَ وأقام على قوله عَتق عليه, وإن أقام مَن صَدقَه الوراثةُ بيَّنةٌ أنه برئ, قُضيَ بأعدَل البينتين, فإن كانت بيَّنةُ مَن كذَّبوه أعدلَ البينتين عَتق ذلك بالبينة, والآخرُ بإقرار الورثة له, وإن كانت بينةُ مَن صدَّقوه أعدلَ, عَتَق وزال عتقُ الآخَر. وقولُ ابن القاسم: أنه يعتق على مَن ملكه منَ الورثة المقرِّينَ, أقاموا على إقرارهم أو رَجَعُوا, وكذلك إن اختلَفَا في البَيِّنَةِ.

[الـ] باب [الثامن]: في البينة تشهد بعتق عبد فردت شهادتهما ثم اشتراه أحدهما

[الـ] بابُ [الثامن]: في البينة تشهَدُ بعتق عبدٍ فرُدَّت شهادتُهما ثم اشتراه أحدُهما. قال المغيرةُ: مَن شهد أن فلاناً أعتَقَ عبدَه, ثم دار إلى ملك الشاهد بعد ذلك بابتياعه, فإن كان الإمَامُ رَدَّ شهادتَه لشيءٍ كَرِهَهُ منَ الشاهد, سُئل الآن, فإن أقام عليها, عَتق عليه, وإن رجع لم يَعتق, فإن لم يَرُدهُ الإمامُ [154/أ] إلا لانفراده, فالعبدُ حر عليه, والولَاءُ للمشهُودِ عَلَيه. وقال سحنون: في الذي شهدت عليه بينةٌ أنه قال: إن متُّ من مرضي هذا فعبدي ميمونٌ حُرٌّ, وأنه ماتَ منه, وشهد آخَرَان أنه قال: إن فُقتُ منه, فعبدي مرزوق حرٌ, وأنه أفَاقَ منه, ثم مَاتَ, فإن كان البينتَان عدلتين أو في العدالة سَوَاء, فيُقضَى لميمون ويسقُطُ مرزوق. وروى أبو زيدٍ عن ابن القاسم في العتبية: أنه يَعتقُ نصفُ ميَمون ونصفُ مَرزُوق. ثم كتابُ الوصايا الثالث بحمد الله وعونه, وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آلهِ وصحبه وسلمَ تسليماً.

خاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات, أحمده سبحانه على ما أتم لي من نعمة إنجاز هذه الرسالة وإعداد هذا البحث, وعلى ما يسر وذلل من صعاب, تفضلاً وتكرمًا منه سبحانه, والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه, وبعد: فلعل من تمام ما قمت به من عمل في هذا البحث أن أسطر ما توصلت إليه من نتائج وتوصيات أرى أن يوجه الاهتمام إليه. أهم النتائج التي توصلت إليها: (1) أن تهذيب الإمام ابن يونس واختصاره للمدونة يعد أدق من تهذيب البرادعي الذي ذاع صيته في الآفاق حتى أنه كان يدعى بالمدونة. (2) أن كتاب الجامع للإمام ابن يونس قد جمع بين دفتيه الإمام مالك وتخريجات كبار أصحابه من أقواله واجتهاداتهم الخاصة, فكتاب الجامع مصدر أصيل من مصادر الفقه المالكي. (3) دقة الإمام ابن يونس في النقل واقتصاره على ما روي من الأقوال. (4) أن الإمام ابن يونس رحمه الله نفذ ما أوصى به ابن أبي زيد من الجمع بين المدونة وبين نوادره وزيادته على المدونة فأصبح يستغنى بالجامع عنهما. (5) أن كتاب الجامع للإمام ابن يونس رحمه الله تضمن مع المدونة والنوادر تعليقات أبي إسحاق التونسي على المدونة, والنكت والفروق لعبد الحق الصقلي. (6) أن كتاب الجامع من الكتب التي اعتنت بذكر الخلاف داخل المذهب وخارجه مع الاستدلال. (7) أن الإمام ابن يونس كان له الأثر الكبير على من جاء بعده من علماء المذهب. التوصيات: من التوصيات الملحة: (1) استخراج المدونة من وسط الجامع وطبعها بمفردها, فقد هذبها الإمام ابن يونس رحمه الله أحسن تهذيب وأكمله. (2) طبع كتاب الجامع للإمام ابن يونس رحمه بعد اكتمال تحقيقه ليتسنى للأمة الاستفادة منه. وبعد: فإن هذا ما وفقني الله له من العمل فما أصبت فمن الله وما أخطأت فمني ومن الشيطان, واستغفر الله العظيم الكريم التواب الرحيم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

كتاب الشفعة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم كتاب الشفعة الأولى [الباب الأول] القضاء فيما فيه الشفعة وما لا شفعة فيه [فصل: 1 - دليل مشروعية الشفعة، وأنها تكون فيما يقبل التقسيم] روى مالك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشفعة فيما لا يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة».

وقاله: عمر وعثمان. قال بعض علمائنا في قوله عليه السلام: "فإذا وقعت الحدود فلا شفعة دليل أنه لا شفعة إلا فيما فيه الحدود من ربع أو أرض أو نخل أو عقار. وفيه- أيضاً- حجة على من يقول أن للجار الشفعة؛ لأن الحدود بينهما قائمة، والأنصباء مفروزة، وإنما الشفعة في الشائع لقوله: "الشفعة فيما لم يقسم وهذا يقضي على من يرويه من قوله: "الجار أحق بصقبه".

والصقب: اللصيق، ومحمل ذلك عندنا على مجاورة الشركة؛ لأن الشريك يسمى جاراً والزوجة تسمى جارة. قال الأعشى:- (أجارتنا بيني فإنك طالقة ... كذاك أمور الناس غاد وطارقة) فإذا حملت أحاديثهم على ذلك كانت الأخبار غير متناقصة، وصح الجمع بينهما. [قال] ابن المواز: وروى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشفعة في كل

شرك في أرض أو ربع أو حائط. [فصل 2 - الشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء] ومن المدونة قال مالك: والشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء من الدور والأرضين والنخل والشجر وما يتصل بذلك من البناء أو ثمره. [فصل 3 - فيما لا شفعة فيه] ولا شفعة بالجوار والملاصقة في سكة لا تنفذ أو غيرها. وقاله: عمر عبد العزيز. قال مالك: ولا شفعة بالشركة في الطريق، ومن له طريق في دار رجل فبيعت الدار فلا شفعة له فيها؛ لأنه إنما له حق في جوار ولا حق له في نفس الملك. قال مالك: ولا شفعة في دين ولا حيوان ولا سفن، ولا بز ولا طعام ولا

سارية ولا حجر ولا عرض مما ينقسم أو لا ينقسم. قال مالك في المجموعة: فيمن باع ديناً له على رجل فلا يكون من هو في ذمته أحق به بالشفعة، وبيعه نافذ إلا أن يجري على ضرر بيعه من عدو ونحوه. [قال] ابن المواز: ولم يقل أحد إن في الدين الشفعة، ولكن الذي هو عليه أحق به للضرر؛ كما أن المكاتب أحق بما بيع من كتابته. قال أشهب: هو فكاك من رق الدين الذي عليه. وروى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الذي عليه الدين أحق بما بيع به من مشتريه"

قال ابن القاسم: قال مالك: إنه يحسن أن يكون أحق به ولا يقضي بذلك. [فصل 4 - الشفعة في الساحة] ومن المدونة قال المالك: وإذا اقتسم قوم داراً وتركوا الساحة لم يقسموها فباع أحدهم ما صار له من الدار فلا شفعة بينهم. قال: وإذا كانت الساحة واسعة فأرادوا قسمتها ليحوز كل واحد حصته إلى منزل فيرتفق به، فإن لم يكن ضرر فلا بأس به. قال سحنون: ولا يقسم بالسهم؛ لأن حظ أحدهم يصير على باب بيت الآخر.

قال أشهب في المجموعة: وليس لأحدهم بيع حصته من العرصة خاصة إلا أن يبيع نصيبه من البيوت وإن كانت العرصة واسعة إلا أن يجتمع ماؤهم على بيعها فيجوز، فإن أباه أحدهم فهو مردود؛ لأنها أبقيت مرفقاً بينهم. [فصل 5 - لا شفعة في الماء ولا في فحل النخيل، وتعليل ذلك] قال مالك: وإذا قسمت النخل وبقي فحلها أو ما يسقى به الأرض من عين أو بئر أو نهر فلا شفعة فيه. وقاله عثمان بن عفان رضي الله عنه. م: لأنهما تبع لأصل لا شفعة فيه، فوجب أن يكون لهما حكم الأصل، وللضرر الذي يدخل على المشتري في بقاء ما اشترى فلا فحل ولا بئر،

وذلك أشد من ضرر الشريك. ولو كانت الأرض غير مقسومة لكان فيها الشفعة؛ لأنهما تبع الأصل فيه الشفعة وهي الأرض التي لم تقسم، ولا ضرر يدخل في ذلك على المشتري، وكأحد الشريكين يبيع حصته من الثمرة، والأصل بينهما مشاعاً. [فصل 6 - الشفعة في الوقف] ومن المدونة قال مالك: وإذا بنى قوم في دار حبست عليهم ثم مات أحدهم فأراد بعض ورثته بيع نصيبه من البناء فلإخوته فيه الشفعة. استحسنه مالك، وقال: ما سمعت فيه بشيء. م: قيل معنى ذلك: أن الميت أوصى أن يملك ما بنى وأنه لم يبته على طريق التحبيس. ولو لم يوص لم يجز للورثة بيعه، حسب ما قال في كتاب الحبس.

وقد يحتمل- أيضاً- أن يكون حبسه عليهم ليسكتوه خاصة كالتعمير، لا حبس موقوف والله أعلم. [فصل 7 - الشفعة في أنقاض البناء] قال مالك: ومن بنى في عرصة رجل بإذنه ثم أراد الخروج منها فلرب العرصة أن يعطيه قيمة النقض، يريد: مقلوعاً، أو يأمره بقلعه. وإذا بنى رجلان في عرصة رجل بإذنه ثم باع أحدهما حصته من النقض فلرب الأرض أخذه بالأقل من قيمته، يريد: مقلوعاً، أو من الثمن الذي باعه به، فإن أبى فلشريكه الشفعة للضرر، والضرر أصل الشفعة، يريد: بالثمن. فإن قيل: فلماذا أخذ رب الأرض النقض بالشفعة وهو لا شركة له في النقض، وهم قد قالوا: فيمن ابتاع نقض دار على أن يقلعه، فجاء رجل فاستحق القاعة وأراد أخذ النقض أنه يأخذه من المشتري بقيمته منقوضاً، ولا يأخذه بالثمن إذ لا شركة له في النقض.

قيل: الأشبه كان ألا يأخذه بالثمن، ولعله إنما استخفوا ذلك؛ لأن ثم من يأخذه بالشفعة وهو الشريك في النقض، وكان هذا لما كان مقدماً عليه حل محله. وعلى هذا الاعتلال لو لم يكن معه شريك في النقض فباعه لم يأخذه رب الأرض إلا بقيمته؛ كما قالوا في الذي استحق القاعة وقد باع النقض من كانت بيده على القلع أنه لا يأخذه إلا بقيمته مقلوعاً. وقال أشهب وسحنون: لا يجوز بيعه؛ لأن رب العرصة له أخذه، فتارة يشتري ثمناً وتارة يشتري نقضاً. م: لو هذا أن يفسد ذلك البيع لم يجز أن يباع بشيء من المبتاع؛ لأن الشفيع فيه مقدم كرب العرصة.

قال في كتاب القسم: وإن أقام بناءهما في العرصة قدر ما يعار إلى مثله ثم أراد ربها إخراج أحدهما فإن قدر على قسمة البناء قسم، وخير في المخرج، فإما أعطاه قيمة حصته، يريد: مقلوعاً، أو يأمره بقلعه. وإن لم ينقسم، قيل للشريكين: اصطلحا إما أن تتقاويا أو تبيعا، فإن أراد البيع فللمقيم في العرصة أخذ ذلك بما بلغ.

[الباب الثاني] في الشفعة بين المسلم والذمي

[الباب الثاني] في الشفعة بين المسلم والذمي [فصل 1 - الشفعة للذمي] قال مالك: وإذا كانت دار بين رجلين؛ مسلم وذمي، فباع المسلم حصته من مسلم أو ذمي، فلشريكه الذمي الشفعة كما لو كان مسلماً. م: لقوله عليه السلام: "الشفعة في كل شرك من ربع او حائط، لا يحل له أن يبيعه حتى يعرضه على شريكه، فإن باعه فالشريك أحق به بالثمن" فعم. ولأنه حق موضوع لإزالة الضرر عن المال فاستوى فيه المسلم والكافر، كالرد بالعيب. [فصل 2 - في شفعة النصراني] قال ابن القاسم في المجموعة: إذا باع المسلم شقصه من نصراني والشفيع

نصراني فلا شفعة له؛ لأن الخصمين نصرانيان. ولو باع النصراني نصيبه من نصراني فللمسلم الشفعة، يريد: بلا اختلاف. [فصل 3 - الشفعة بين الذميين] وقال في الشفعة: ولو كانت بين ذميين لم أقض بالشفعة بينهما إلا أن يتحاكما إلينا. قال ابن المواز: وقال أشهب: إذا كان المبتاع مثلهما فلا شفعة فيه وإن تحاكما إلينا. وقد قال الأوزاعي: لا شفعة لنصراني. قال أشهب في المجموعة: فإن كان أحد الثلاثة مسلماً بائع أو مبتاع أو شفيع ففي ذلك الشفعة.

[فصل 4 - الشفعة في المال الحرام] وروى البرقي عن أشهب: في نصراني اشترى شقصاً من نصراني بخمر أو خنازير زالشفيع مسلم، فله الشفعة بقيمة الشقص. وقال محمد بن عبد الحكم: بل بقيمة الخمر والخنازير. وقال يحيى بن عمر؛ لأنهما مما يحل للنصراني تملكها، وهي ممن الشقص فأشبه شراء الشقص بعرض.

وقال عبد الملك: في المسلم يستهلك للنصراني خمراً لا قيمة له عليه، فإذا دفعها فذلك أحرى أن لا تكون لها قيمة. م: والأشبه أن يأخذها بقيمة الشقص، لأن الشقص صار ملكاً لمشتريه، فلما تعذر أن يدفع إليه قيمة ثمنه إذ لا قيمة له عنده وجب أن لا يأخذه من يده إلا يدفع قيمته، والله أعلم.

[الباب الثالث] في قسمة الشفعة بين الورثة والشركاء ومن أولى بذلك

[الباب الثالث] في قسمة الشفعة بين الورثة والشركاء ومن أولى بذلك [فصل 1 - الشفعة تقسم بين الورثة على قدر أنصابهم لا على عددهم] قال مالك: والقضاء أن الشفعة إذا وجبت للشركاء قسمت بينهم على قدر أنصبائهم لا على قدر عددهم. قال ابن القاسم: وقاله علي بن أبي طالب. وقال أشهب في المجموعة: لأن الشفعة إنما وجبت بشركتهم لا بعددهم فيجب تفاضلهم فيها بتفاضل الشركة. قال عبد الوهاب: ولأن الشفعة معنى هو مستفاد بالملك فوجب أن يكون

معتبراً بقدر الأملاك لا بقدر الملاك، أصله غلة الدار وكسب العبد وربح المال. وقال أبو حنيفة: هي على عدد الروؤس. ومن المدونة قال مالك: وإن كان للمبتاع منهم سهم متقدم حاصهم به فقط. [فصل 2 - استحقاق الورثة للشفعة بقوة ما يدلون به من القرابة] قال: ومن هلك وترك ثلاث بنين، اثنان شقيقان وآخر لأب، وترك بينهم داراً فباع أحد الشقيقين حصته قبل القسمة فالشفعة بين الشقيق والأخ للأب سواء؛ إذ بالبنوة ورثوا المالك، ولا ينظر إلى الأبعد بالبائع. قال: ولو ولد لأحدهم أولاد ثم مات، فباع بعض ولده حصته فبقية ولده أولى بالشفعة من أعمامهم؛ لأنهم اهل مورث ثان.

قال: فإن سلموا فالشفعة لأعمامهم. وإن باع أحد الأعمام فالشفعة لبقية الأعمام مع بني أخيهم؛ لدخولهم مدخل أبيهم. [قال] ابن المواز: قال أشهب: وإنما كان ورثة الميت يتشافعون بينهم دزن أعمامهم؛ لأنهم شركاء فيما ترك أبوهم دون أعمامهم. [فصل 3 - الورثة أحق بالشفعة من الشركاء] قال: وكذلك لو كانوا مشتريين ولم يكونوا ورثة، ثم مات أحدهم وترك ورثة، ثم باع أحد ورثة هذا الميت كان شركاؤه في الميراث أحق بالشفعة من شركاء ميتهم؛ لأن الورثة شركاء في حصة الميت دون شركاء الميت. قال: وإن باع أحد من شركاء ميتهم دخل ورثته كلهم بقدر مصابة الميت مع من بقي من الشركاء. قال: وكذلك ثلاثة اشتروا داراً بينهم أو ورثوها، فباع أحدهم نصيبه من نفر

وسلم الشريكان، ثم باع أحد بالنفر المشتريين مصابته، فبقية النفر أشفع من شريكي البائع. ولو باع أحد شريكي البائع لدخل في الشفعة شريكه الذي لم يبع وسائر النفر الذين اشتروا الثلث الأول، فيصير لهم النصف وللشريك الذي لم يبع النصف. وخالفه ابن القاسم في هذا وقال: لا يكون الذين اشتروا الثلث الأول أشفع فيما باع بعضهم من شركاء بائعهم، بل هم كبائعهم يقومون مقامه، إذا باع أحدهم كانت الشفعة لمن بقى منهم، وسائر شركاء البائع منهم على الحصص بخلاف ورثة الوارث أو ورثة المشتريين. قال أصبغ: وهذا من الحق إن شاء الله، وهو الصواب. م: الفرق بين الورثة وبين المشتريين أن السهم الموروث لا شفعة فيه لشركاء الميت مع الورثة ولا تسليم، فوجب إذا باع أحد الورثة أن يكون بقيتهم أشفع من شركاء الميت، وشركاء البائع لهم الشفعة والتسليم فيما باع شريكهم، فوجب أن

يكون لهم دخل فيما أخذ الشريكين المشترين كما كان لهم الدخول فيما اشتروا. قال ابن القاسم: ولو باع أحد شريكي البائع الأول لدخل المشترون من الأول مع من بقي من شركاء بائعهم بقدر حصة بائعهم. وقاله مالك. [فصل 4 - فيمن أوصى لقوم بثلث حائطه لمن تكون الشفعة] [قال] ابن المواز: وقال أشهب عن مالك فيمن أوصى لقوم بثلث حائطه، أو بسهم معلوم فيبيع بعضهم: إن شركاءه أحق بالشفعة فيما باع من بقية الورثة. وقاله أشهب، وابن الحكم. وقال ابن القاسم: للورثة الدخول معهم كالعصبة مع أهل السهام. فقيل لابن القاسم: إن مالكاً قد رأى في الوصية أنهم أهل سهم واحد. فقال: قد كان مالك مرة يقول في العصبة: إنهم أهل سهم. قال أصبغ: ثم ثبت أن أهل السهم المفروض هم الذين يتشافعون خاصة. [م]: وعليه جماعة الناس.

[فصل 5 - أهل السهام أولى بالشفعة من العصبة] ومن المدونة قال مالك: وإن ترك ابنتين وعصبة، فباعت إحدى البنتين، فأختها أشفع من العصبة؛ لأنهما أهل سهم، فإن سلمت فالعصبة أحق ممن شركهم بملك؛ لأنهم أهل مورث. قال: ولو باع أحد العصبة فالشفعة لبقية العصبة وللبنات، وكذلك الأخوات مع البنات حكم العصبة؛ لأن العصبة ليس لهم فرض مسمى. [قال] ابن المواز: وقاله مالك وابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ. ورأى أشهب: أن بقية العصبة أحق كأهل سهم. وكان من حجته: قول مالك في الرجل يوصي ثلث حائطه لنفر، فيبيع بعضهم: أن بقية من أوصى له أحق بالشفعة من سائر أهل الحائط.

قال أشهب: فهذا والعصبة سواء. قال ابن المواز: وليس من أوصي له بجزء معلوم فأشركهم في ثلث أو ربع بمنزلة من لا يكون له إلا ما بقي. وقول مالك أحب إلينا وأصوب، وعليه جماعة أصحابه. [قال] أبو محمد: وقال كقول أشهب: ربيعة وابن شهاب. [فصل 6 - العصبة أحق بالشفعة من الشريك الأجنبي] ومن المدونة قال: ولو ترك داراً بينه وبين رجل وورثته عصبة، فباع أحدهم حصته قبل القسمة فبقيتهم أحق بالشفعة من الشريك الأجنبي؛ لأنهم أهل مورث، فإن سلموا فللشريك الأخذ. وإن ترك أختاً شقيقة وأختين لأب، فأخذت الشقيقة النصف، وأخذت الأختان

للأب السدس تكملة الثلثين، فباعت إحدى الأختين للأب فالشفعة بين الأخت الأخرى للأب وبين الشقيقة؛ إذ هم أهل سهم. [قال] ابن المواز: وقال أشهب: لا تدخل معها الشقيقة، والأخت للأب أولى، وإن باعت الشقيقة فالتي للأب أحق من العصبة، وإن باع العصبة فهن كلهن في الشفعة سواء. قال في المجموعة: وإن باع جميع الأخوات للأب فالشقيقة أحق من العصبة. [فصل 7 - الشفعة بين الورثة] ومن المدونة قال مالك: وإذا ورث الجدتان السدس فباعت إحداهما، فالشفعة لصاحبتها دون ورثة الميت، لأنهما أهل سهم واحد. ولا يرث عند مالك أكثر من جدتين. وكذلك الإخوة للأم إذا ورثوا الثلث، فباع أحدهم حصته من الدار فالشفعة لبقيتهم دون غيرهم من الورثة؛ لأنهم أهل سهم.

وفي كتاب محمد وغيره: وإذا ترك الميت زوجات وجدات وأخوات لأم وأخوات لأب، فباع أحد الجدات، أو بعض أهل السهام المفروضة نصيبه، فالشفعة لبقية أشراكه في ذلك السهم دون غيرهم. هذا قول مالك وجميع أصحابه لا اختلاف فيه بينهم إلا ابن دينار. فإن سلم بقية أهل السهم كان بقية الورثة من أهل السهام والعصبة سواء في تحاصهم في هذا الجزء المبيع؛ لأنهم إنما ينتسبون إليه بالميت، فلا فضل لأهل السهام على العصبة. فإن سلم جميع الورثة فالشركاء بعدهم. ولو باع بعض أهل الورثة لدخل جملة أهل السهام مع بقية العصبة في ذلك. ولم يجعل ابن القاسم: العصبة كأهل سهم.

وأشهب يرى العصبة كأهل سهم يتشافعون فيما بينهم إذا باع أحدهم منه دون بقية الورثة. [فصل 8 - في شفعة الموصى لهم والاختلاف فيه] وأما الموصى لهم بالثلث أو بجزء مسمى. فعند ابن القاسم: أنهم كالعصبة، إن باع بعض الورثة لم يدخلوا عليهم، وإن باع بعض الموصى لهم دخل هل بقيتهم أهل الميراث. وعند أشهب ومحمد: أنهم كأهل سهم. م: فصار الاختلف في ذلك على ثلاثة أقوال:- فابن القاسم لا يرى أن يختص بالشفعة فيما بينهم إلا أهل السهام المفروضة. ومحمد يرى الموصى لهم بسهم كأهل السهام بخلاف العصبة. وأشهب يرى الموصى لهم والعصبة كأهل السهام المفروضة. م: وإذا هلك وترك زوجة وابناً وبنتاً، فمات الابن وترك أخته وأمه وعصبة، فباع بعض العصبة. قال بعض الفقهاء القرويين: فوقع في كتاب محمد أن الأم والأخت يتشافعان مع بقية العصبة ربما ورثا من الميت الأول ومن الثاني.

قال: وفي هذا نظر؛ لأنهم في موت الابن أهل وراثة ثانية، فلا يجب أن يضربوا مع بقية العصبة إلا بالقدر الذي ورثوه معهم من موت الابن؛ لأنهم متى ضربوا بالمورثين أضروا بالعصبة وصاروا يدخلون مع أهل الوراثة الثانية بالوراثة الأولى. ويلزم على هذا إذا مات وترك أولاداً ثم مات أحد ولده وترك ورثة، فباع أحد ورثته أن عمومته يدخلون فيما باع أحد ورثة الابن؛ إذ لا فرق بين أن يكون لهم ميراث في الثاني أم لا. م: والصواب ما قال، ولكن الذي عندنا في كتاب محمد أن الأم والأخت يشافعانهم مما ورثا من السهم الآخر وهذا مثل ما فسر بعض القرويين، وخلاف ما ذكر أنه في كتاب محمد.

[الباب الرابع] في شفعة الصغير والغائب والمولى عليه والحمل

[الباب الرابع] في شفعة الصغير والغائب والمولى عليه والحمل [فصل 1 - في شفعة الصغير ومن يقوم بها] قال مالك: وللصغير الشفعة يقوم بها أبوه أو وصيه، فإن لم يكونا فالإمام ينظر له، ولو كان له جد لم يأخذ له، ولكن يرفع ذلك إلى الإمام. وإن لم يكن له أب ولا وصي وهو بموضع لا سلطان فيه فهو على شفعته إذا بلغ. ولو سلم من ذكرنا من أب أو وصي أو سلطان شفعة الصبي لزمه ذلك، ولا قيام له إن كبر. [فصل 2 - متى تنتهي شفعة الصبي] ولو كان له أب فلم يأخذ له بالشفعة ولم يترك حتى بلغ الصبي وقد مضى لذلك عشر سنين فلا شفعة للصبي؛ لأن والده بمنزلته؛ ألا ترى أن الصغير لو بلغ فترك أخذ شفعته عشر سنين كان ذلك قطعاً لشفعته.

[قال] ابن المواز: والشفعة للصغير والمولى عليه أبداً حتى يقيما بعد زوال الولاية سنة. وكذلك للغائب بعد قدومه وعلمه سنة، إلا أن يكون للصبي أو للمولى عليه أب أو وصي أو من جعله القاضي يليه فيكون تركه ذلك سنة بعد علمه به يقطع الشفعة. قلت: فإن بلغ الصغير وولي نفسه قبل تمام السنة؟ قال: إن كان له من يلي عليه قبل تمام السنة من يوم وجبت له الشفعة وعلم بها، وإن لم يكن له من يلي عليه فله سنة مستأنفة من يوم ولي نفسه إلا أن يكون الذي يولي عليه قد سلم وليه الشفعة، فلا يكون له بعد ذلك ولا لوصيه شفعة. وقاله أشهب عن مالك. [فصل 3 - في الوصيان يختلفان فيأخذ أحدهما بالشفعة ويسلم الآخر] قلت: فإن كان لليتيم والمولى عليه الكبير وصيان فاختلفا، فأخذ أحدهما وسلم

الآخر. قال: لا يلزمه أخذ هذا ولا رد هذا، وينظر السلطان في ذلك، أو يأمر بالنظر فيه، فإن كان أخذها غبطة أخذها وإلا تركها. فإن طال ذلك ولم يرجع إلى السلطان حتى تمت السنة، فإن كان ذك بيد المبتاع زالت الشفعة، وإن كان ذلك بيد الآخذ للصبي إذا بلغ مخير إما أخذ أو ترك؛ لأن فعل أحد الوصيين لا يلزمه. وإن لم يكن بلغ نظر السلطان- أيضاً- فينفذ قول أصوبهما. [فصل 4 - في شفعة الصبي الذي لا وصي له] م: وإذا قام مشتري الشقص الذي شفيعه صبي لا وصي له فرفع إلى القاضي، نظر القاضي له في الأخذ أو الترك ويستعين في ذلك بمشورة ذوي الرأي، ولا أرى له مطل المشتري إلى أن يوليه رجلاً؛ لما في ذلك من الضرر بالمشتري، إلا أن يكون على ثقة من اتخاذ ذلك معجلاً في مثل اليوم واليومين والثلاثة أكثره. وقاله أشهب في كتاب محمد.

[فصل 5 - في شفعة الجنين] ومن المدونة قال مالك: ولا يأخذ الوصي للحمل بالشفعة حتى يولد ويستهل صارخا؛ إذا لا ميراث له حتى يولد ويستهل صارخاً.

[الباب الخامس] في حد ما تنقطع إليه الشفعة، وما يوجب قطعها

[الباب الخامس] في حد ما تنقطع إليه الشفعة، وما يوجب قطعها [فصل 1 - في قطع الشفعة] قال مالك: والشفيع على شفعته حتى يترك بصريح مقالة، أو يأتي من طول الزمان ما يعلم أنه تارك لشفعته. وإذا علم بالشراء فلم يطلب شفعته سنة فلا يقطع ذلك شفعته، وإن كان قد كتب شهادته في الشراء. ولم ير مالك التسعة الأشهر ولا السنة بكثير إلا أنه إذا تباعد هكذا يحلف ما كان وقوفه تركاً لشفعته. ومن كتاب ابن المواز عن مالك: أنه يجلف في سبعة أشهر أو خمسة، ولا يحلف في شهرين. وأما إذا حضر الشراء وكتب شهادته ثم قام بعد عشرة أيام، فأشد ما عليه أن يحلف ما كان ذلك منه تركاً لشفعته، ويأخذها.

[فصل 2 - في مدة ما تنقطع فيه الشفعة] ومن المدونة قال مالك: وإذا جاوز السنة بما يعد به تاركاً لشفعته شفعة له. [قال] لبن المواز: وقال أشهب: إذا غربت الشمس من آخر أيام السنة ولم يقم فلا شيء له. وقال ابن المواز: وقال أشهب: إذا غربت الشمس من آخر أيام السنة ولم يقم فلا شيء له. وقال ابن ميسر: ما قارب السنة داخل في حكمها. قال غيره: إلا أن يقول الشفيع: أنا على شفعتي ويشهد على المبتاع بذلك فله الشفعة، وإن طال مكث ذلك؛ لأنه أشهد عليه أنه يأخذ فترك القيام عليه، إلا أن يكون قد أوقفه السلطان فلم يأخذ بالشفعة وأشهد عليه فلا شفعة له. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون عن مالك: لا يقطع شفعة الحاضر شيء ما لم يوقفه الإمام على الأخذ أو الترك، أو يتركها هو طوعاً، أو يأتي

من طول الزمان ما يرى أنه كان تاركاً لها، أو يحدث فيها المبتاع بناء أو غرساً أو هدماً أو تغيراً وهو حاضر فيقطع شفعته ذلك، إلا أن يقوم بحدثان ذلك ومقاربته. وأنكرا أن يكون مالك حد سنة، وقالا: سمعناه وقد سئل عن شفيع حاضر قام على شفعته بعد خمس سنين، وربما قيل له: أكثر من ذلك؟ فيقول: في هذا لا أراه طولاً ما لم يحدث المشتري بنياناً أو يغير شيئاً وهو حاضر فإن أجله أقصر من أجل الذي لم يحدث عليه شيئاً. وقال أصبغ: هو على شفعته السنتين والثلاث ونحو ذلك ما لم يبن فيه تنقطع قبل السنة، وإن لم يكن كذلك فإلى السنة. قال في كتاب محمد: والسنة أصل في غير شيء.

م: قال عبد الوهاب: وعند أب حنيفة والشافعي: أنها على الفورة؛ كالرد بالعيب، فإن أمسك عن المطالبة بعد علمه وتمكنه منها بطلت. ودليلنا: أن المطالبة بالشفعة حتى للشفيع، ومن له حق فلا يسقطه سكوته عنه، وهو مخير في المطالبة به أي وقت شاء إلا أن يعلم منه ترك له؛ ولأنه حق فيه استيفاء مال لم يكن في تدليس، فلم تجب المطالبة به على الفور أصله الدين، وفيه احتراز من الرد بالعيب؛ ولأن في إيجاب المطالبة في الفور ضرراً على الشفيع؛ لأنه قد يعلم ولكن لم يحصل له الثمن، ولا باع ما يحصل به من جهته، فيؤدي ذلك إلى تفويته. وإنما قلنا: إن الغائب لا تنقطع شفعته لقوله صلى الله عليه وسلم: "ينتظر بها وإن كان غالباً، ولأنه معذور؛ لأن الغيبة لا تمكن معها المطالبة.

ووجه قوله: أن للحاضر سنة؛ لما قد ثبت أن المطالبة ليست على الفور، ولابد من مهلة تتصرف بإحضار المال فيها فجعلت له السنة؛ لأنها قد جعلت في الشرع حداً لأحكام كثيرة منها: العنة والعهدة وحولاً في الزكاة وغير ذلك. ووجه التأييد قوله عليه السلام: "الشريك أحق به" ولم يعلقه بمدة؛ ولأنه استيفاء مال فلم يبطل بترك المطالبة كإرش الجنايات. م: ويلزم على هذا التعليل: أن لا تبطل شفعته وإن أوقفه السلطان على الأخذ أو الترك، وهذا خلاف قولهم أجمع. [قال] ابن المواز: وقال ابن عبد الحكم: وإذا قال الشفيع: لم أعلم بالبيع وهو بالبلد فهو مصدق ولو بعد أربع سنين. [قال] ابن المواز: وإن الأربعة لكثير ولا يصدق في أكثر منها، وقاله لي ابن عبد الحكم.

[فصل 3 - حكم الدار البعيدة في الشفعة] ومن الشفعة قال مالك: وإذا كانت الدار بغير البلد الذي هما فيه فهو كالحاضر مع الدار فيما تنقطع إليه الشفعة، ولا حجة للشفيع أنه لا ينقد حتى يقبضها، لجواز النقد في الرابع الغائب. [قال] ابن المواز: وكذلك لو كانا حاضرين في موضع الشقص ثم سافرا جميعاً في مدينة أو في موضع، والشفيع عالم بوجوب الشفعة فهو كالحاضر، وإنما ينظر إلى حضور الشفيع مع المشتري، ولا ينظر إلى غيبة الدار. [فصل 4 - الوكالة وأثرها في الشفعة] وإذا كان الشفيع حاضراً بموضع الدار، والمبتاع غائب بعد الشراء، أو اشتراها في غيبته، أو اشتراها وكيل له فالشفعة له قائمة، وإن طالت غيبة المشتري. وكذلك إن كان وكيله يهدم ويبني ويكون بحضرة الشفيع ما لم يكن موكلاً

بدفع الشفعة عنه ببينة عادلة حاضرة قد علم بها الشفيع واطلع عليها فلا يكون له حينئذ شفعة إذا أتى عليه من الزمان ما تنقطع فيه الشفعة وهو لا يطلب شفعته. [م]: ولو أراد الشفيع أن يأخذ بالشفعة والمبتاع غائب ولا وكيل له حاضر فذلك له، ويوكل السلطان من يقبض الثمن للغائب. قيل: فإذا كان كذلك ويقضي له به، فكيف لا تنقطع عنه الشفعة إذا طال زمان ذلك قبل أخذه؟ قال: لموضع العذر في استثقال اختلاف الناس إلى القضاة، وربما ترك المرء حقه؛ إذا لم يأخذه إلا بالسلطان، وإن كتابة العهدة عليه أحسن.

قال ابن ميسر: إذا كان الوكيل يهدم ويبني ويكون ذلك بحضرة الشفيع، فلابد أن يلي ذلك معه، وهذا يقطع شفعته، وكذلك إن لم يل ذلك معه وقامت بينة بعلمه ذلك وحضوره فلا شفعة له إذا مضى ما تنقطع إليه الشفعة. [قال] ابن المواز: وإن أخذ الشفيع الشفعة في غيبة المبتاع فليس له أخذها من وكيله وأن يكتب عهدته على الوكيل ولكن على الغائب ويدفع الثمن إلى الوكيل على الشراء إن كان وكله وهو يعلم أن لها شفيعاً، فيكون ذلك توكيلاً على قبض الثمن، وإن لم يعلم بالشفيع فلا يدفع الثمن إليه ولكن إلى من يراه الإمام، وإنما لا يكتب عهدته على الوكيل إذا ثبت أنه للغائب اشتراها قبل عقد البيع والإشهاد أنه لفلان يشتري. وأما على إقراره بذلك بعد الشراء فلا يقبل، ولا يزيل العهدة عنه، ثم إن قدم الغائب فأقر بمثل ذلك، فالشفيع مخير في أن يقبل ذلك ويبريء الوكيل من العهدة ويكتبها على هذا، ثم لا رجوع على الوكيل بعد ذلك إن كانت استحقاقاً، وإن اختار عهدته على الوكيل فذلك له، فإن وقع استحقاق فهو مخير في إتباع أيهما شاء، إلا أنه إن رجع على الوكيل رجع الوكيل على الموكل بإقراره له.

فصل [5 - في شفعة الغائب] ومن المدونة قال مالك: والغائب على شفعته وإن طالت غيبته وهو عالم بالشراء وإن لم يعلم فذلك أحرى وإن كان حاضراً. [قال] ابن المواز: وقاله مالك وأصحابه. وقد روى أشهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ينتظر وإن كان غائباً". قال أشهب: وقضى عمر بن عبد العزيز بالشفعة للغائب بعد أربع سنين. قال مالك: إلا أن يقدم بعد طول الزمان مما يجهل في مثله أصل البيع ويموت الشهود فإن الشفعة منقطعة، وأما في قرب الأمر مما يرى أن المبتاع أخفى الثمن لقطع الشفعة، فلتقوم الأرض على ما يرى من ثمنها يوم البيع فيأخذها به. قال أشهب: إلا أن تكون غيبة الشفيع قريبة لا مؤنة عليه في الشخوص، فطال زمانه بعد علمه بوجوب الشفعة فلا شفعة له، وهو كالحاضر.

[فصل 6 - في شفعة المرأة والضعيف والمريض ومن لا يستطيع النهوض به] قال غيره في المجموعة: وليس المرأة ولا الضعيف ومن لا يستطيع النهوض في ذلك مثل غيرهم، وإنما فيه اجتهاد السلطان، ولسلطان بلد المشتري الكتاب إلى سلطان بلد الشفيع فيوقفه فإما أخذ أو ترك. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: والمريض الحاضر والصغير والبكر كالغائب، لهم بعد زوال ذلك العذر مثل ما للحاضر، سواء كان الغائب والمريض عالماً بشفعته أو جاهلاً. وقال أصبغ: المريض كالصحيح إلا أن يشهد في مرضه قبل مضي وقت الشفعة أنه على شفعته، وأنه ترك التوكيل عجزاً منه، وإلا فلا شيء له بعد ذلك كله. قال ابن حبيب: والأول أحب إلينا. [فصل 7 - في الشفيع يسافر بعد حدثان الشراء] ومن المدونة: قال مالك: ومن اشترى داراً وشفيعها حاضر ثم سافر الشفيع بحدثان الشراء وأقام سنين كثيرة ثم قدم فطلب الشفعة بشفره، فإن كان سفره يعلم أنه لا يؤوب منه إلا بعد أجل تنقطع في مثله شفعة الحاضر فجاوزه فلا شفعة

له، وإن كان سفراً يؤوب منه قبل ذلك فعاقه أمر يعذر به فتخلف له فهو على شفعته، ويحلف بالله ما كان تاركاً لشفعته، أشهد عند خروجه انه على شفعته أم لا. [فصل 8 - الإكتراء والمساومة والمساقاة في الشقص تقطع الشفعة] وإذا اكترى الشفيع الشقص من المتباع، أو ساومه به ليشتريه، أو ساقاه في النخل فذلك قطع لشفعته. [قال] ابن المواز: وقال أشهب: لا يضره ذلك وهو على شفعته؛ لأنه يقول: أكتري منك أو أساقيك كما لو اكترى منك غيري أو ساقاك بحضرتي وعلمي، ويقول: ساومته لأروزه، فإن أعطانيه بأقل وإلا أخذته بشفعتي، وكما لو ساومه غيري بحضرتي وعلمي ثم لا يقطع ذلك شفعتي.

وكذلك لو حضر وهو يباع في المزايدة فزايد فيه ثم يبيع بحضرته ثم طلب شفعته كان ذلك له. [قال] ابن المواز: قال أشهب: ولو قاسم المشتري الشفيع بعد الشراء كان ذلك قطعاً لشفعته.

[الباب السادس] في اختلاف الشفيع أو البائع والمبتاع في الثمن

[الباب السادس] في اختلاف الشفيع أو البائع والمبتاع في الثمن [فصل 1 - في اختلاف الشفيع والمبتاع في الثمن] قال ابن القاسم: وإذا اختلف الشفيع والمبتاع في الثمن صدق المبتاع؛ لأنه مدعى عليه، إلا أن يأتي بما لا يشبه الثمن مما لا يتغابن الناس بمثله، فلا يصدق إلا أن يكون مثل هؤلاء الملوك يرغب أحدهم في الدار اللصيقة لداره فيزيد في ثمنها فالقول قوله إذا أتى بما يشبه. م: لم يذكر هاهنا في اختلاف الشفيع والمبتاع يمين. وقال ابن المواز: إن ادعى الشفيع أنه حضر المبايعة فعلم أن الثمن أقل مما ادعى المشتري، حلف المشتري، وإن إحلافه من غير تحقيق ضرب من التهم لا يلزم اليمين فيها إلا لمن يليق به.

قال ابن القاسم: وهذا إذا أتى بما يشبه. وقال أشهب: القول قول المشتري بلا يمين إذا أتى بما يشبه، وإن أتى لا يشبه فالقول قوله مع يمينه إلا أن يكون ملك مجاور له أو سلطان فيصدق فيما لا يشبه الثمن بلا يمين. [فصل 2 - فيما لو أقام الشفيع والمشتري بينة وتكافأت في العدالة] ومن المدونة قال: وإن أقاما بينة وتكافأت في العدالة كانا كمن لا بينة لهما ويصدق المبتاع؛ لأن الدار في يديه. قال سحنون في المجموعة: لا يبطلان في التكافؤ والبينة بينة المبتاع وليس من التهاتر؛ لأنها أزيد، كاختلاف المتبايعين في الثمن ويقيمان البينة فالبينة بينة البائع؛ لأنها زادت، فكذلك المبتاع والشفيع، وقال أشهب مثله. م: وهذا إذا كانت الشهادة في مجلس واحد. فقيل: إنه تكاذب، وقيل: يقضي بالبينة الزائدة.

وفي كتاب ابن المواز: إن كانت الشهادة في مجلسين، فالقول قول بينة الشفيع إن كانوا عدولاً وإن كانت بينة الآخر أعدل؛ لأنه إن كانت بينة الشفيع قبل فقد زاده المبتاع بعد الصفقة، وإن كانت بعد فهي وضيعة من الثمن، وإن كانت شهادتهم على صفة واحدة ومجلس واحد قضي بأعدلهما، وإن تكافؤوا سقطوا وكان القول قول المشتري مع يمينه. قال سحنون: وإذا لم يقيما بينة وظهر للحكم في ثمن الشقص تجاوز إلى ما لا يشبه التغابن فيه ولا لزيادة ملك يجاوره وكان الأغلب أنه حيلة لقطع الشفعة، فليرد إلى أشبه ذلك وأقربه من قيمة الشقص. وإن ادعى الشفيع علم الثمن قضى لربه مع يمينه، إلا أن يأتي بأقل من القيمة. [قال] ابن المواز: وإذا اختلف الشفيع والمبتاع في الثمن فصدق البائع أحدهما لم ينظر إلى قول البائع وإن كان عدلاً جائز الشهادة؛ لأنه يشهد على فعل نفسه، والقول قول المشتري، ولم يختلف فيه قول مالك وأصحابه. واختلفوا: إذا أتى المشتري بما لا يشبه. فروى أشهب عن مالك: أن المبتاع مصدق فيما يشبه بلا يمين وفيما لا يشبه

مع اليمين إلا أن يكون ملك مجاور له أو سلطان فيصدق فيما لا يشبه الثمن بلا يمين، وإن لم يكن كذلك فلابد من يمينه إذا أتى بما لا يشبه، إذا أتى بما لا يشبه، فإن نكل حلف الشفيع على ما ادعى واستحق به الشفعة. م: وذكر الشيخ محمد عن ابن القاسم مثل ما في المدونة. قال ابن المواز: وإنما ذلك كله إذا لم يدع الشفيع أنه قد حضر مبايعتهم ولم يعلم الثمن كم هو، فأما إذا ادعى علم الثمن لم يكن بد من يمين المشتري، فإن لم يحلف حلف الشفيع، ولم يكن عليه غير ما حلف عليه من الثمن، وهو قول مالك في موطئه. م: وقد اختلف إذا أتى المشتري في ممن الشقص بما لا يشبه، وأتى الشفيع بما لا يشبه. فأعدل الأقاويل أن يحلفا جميعاً ويأخذ الشفيع بالقيمة، وإن نكل أحدهما وحلف الآخر كان القول قول الحالف، وإن طال الزمان حتى نسى الثمن، وقال

المشتري: لا أعرفه بطول الزمان وغيبة السفر سقطت الشفعة. وإذا كانت دار في يد رجل فأقام رجل البينة أنه اشتراها منه، أقام الذي هي في يديه البينة أنه اشتراها من المدعي، فإن وقتت حكم بآخرها وقتاً وإن لم يوقت تحالفا وقسمت بينهما إن لم تكن في يد واحد منهما أو في يديهما جميعاً. وإن كانت في يد أحدهما فهي له بعد يمينه، وإذا كان ذلك شقصاً، وكان في يد أحدهما فحلف أخذ الشفيع منه بالثمن الذي يقر به. وإن كانت بأيديهما أخذ من كل واحد بالثمن الذي أقر أنه اشتراه به. فصل: [3 - في اختلاف البائع والمشتري والشفيع في الثمن] ومن المدونة- وقال في باب بعد هذا-: وإذا قال البائع: بعت الشقص بمائتين، وقال المبتاع: بمائة، وقال الشفيع: بخمسين، أو لم يدع شيئاً، فإن لم تفت الدار

بطول الزمان وتغير الأسواق أو انهدام من الدار أو تغير المساكن أو ببيع أو هبة ونحوه وهي بيد المبتاع أو البائع، فالقول قول البائع ويترادان بعد التحالف، ثم ليس للشفيع أن يقول: أنا آخذها بمائتين ولا تردوا البيع، ولا شفعة حتى يتم البيع فتصير العهدة على المبتاع، وههنا هي على البائع، ألا ترى أنه لا شفعة في هبة الثواب إلا بعد العوض. م: قال بعض الفقهاء: يشبه أن لو رضي الشفيع أن تكون عهدته على البائع أن يأخذ منه بالشفعة، كما قيل: إنه لو أقر أنه باع هذا الشقص من فلان الغائب أن الشفيع يأخذ منه في أحد القولين. فإن جاء المشتري فأنكر، فاختلف في ذلك:- فقيل: تبقى عهدته على البائع إن شاء، واستحسنه محمد. وقيل: يره الشقص. [فصل 4 - أثر تغير الدار في استحقاق الشفعة] ومن المدونة قال: وإن تغيرت الدار بما ذكرنا وهي بيد المبتاع صدق مع يمينه وأخذها الشفيع بذلك.

قال ابن المواز: وأشهب يخالف في هذا الأصل، ويرى أن يتحالف المتبايعان وإن فاتت السلعة، ويلزم المشتري قيمتها يوم الصفقة إلا أن تكون القيمة أكثر من دعوى البائع أو أقل مما أقر به المشتري، ثم يكون للشفيع الشفعة بما تستقر به القيمة. قال ابن المواز: وإذا لم تتغير الدار بشيء فحلف البائع أنه باع بمائتين ونكل المبتاع لزمه الشراء بمائتين، وأخذها الشفيع بشفعته بمائة؛ لأنه الثمن الذي أقر به المشتري، وقال: إن البائع ظلمه وأخذ ما ليس له. وقال ابن عبد الحكم وأصبغ في الواضحة: بل يأخذها بمائتين. م: لأن المشتري يقول: إنما خلصت الشقص بهذه المائة الثانية، فصرت كأني ابتدأت الشراء بمائتين؛ لأني لو حلفت لانتقض البيع ولم يكن للشفيع شفعة. قال ابن المواز: ولو رجع المشتري عن قوله إلى قول البائع ما قبل ذلك منه. م: قال بعض الفقهاء: انظر لو غرم على الشقص غرماً، هل يأخذه الشفيع بالثمن وبما غرم عليه.

وقد اختلف فيمن اشترى شيئاً من أيدي اللصوص، هل يأخذه وبه يغرم، أو بغير غرم؟ وبعد هذا باب فيه شيء من اختلاف المبتاع والشفيع.

[الباب السابع] القضاء في عهدة الشفيع وإلى من يدفع الثمن

[الباب السابع] القضاء في عهدة الشفيع وإلى من يدفع الثمن [فصل 1 - في عهدة الشفيع] قال مالك رحمه الله: والقضاء في العهدة أن عهدة الشفيع على المبتاع خاصة، وإليه يدفع الثمن كان بائعه قد قبض الثمن أو لم يقبض. م: لأن المبيع يحصل في ملك المشتري بنفس العقد، ومنه ملائه قبل القبض وبعده، فإذا تم البيع فقد صح، إنما يأخذه من المشتري بعد تعذر ملكه عليه، فوجب أن تكون العهدة عليه؛ ولأن الأخذ بالشفعة كالبيع، والمشتري إذا باع فالعهدة عليه. قال مالك: ولو غاب المبتاع قبل أن ينقد الثمن ولم يقبض الدار، نظر الإمام في ذلك، والبائع له منع الشقص حتى يقبض الثمن، فإن شاء الشفيع أن ينقده ويقبض الشقص فذلك له، وعهدته على المبتاع؛ لأنه عنه أدى.

[قال] ابن المواز: وقاله أشهب، وبه أقول، إن كانت غيبته قريبة كتب السلطان إليه حتى يقدم، فيكتب الشفيع عهدته عليه، وإن بعدت غيبته قضى للشفيع بشفعته، وقضى للبائع بقبض الثمن منه إن لم يكن قبضه، وإن كان البائع قد قبضه أخذه الإمام من الشفيع فأوقفه للمبتاع، وكتب عليه العهدة، فإذا قدم أشهد بذلك على نفسه. [فصل 2 - فيما إذا كان على مبتاع الشقص دين فالشفيع أولى من الغرماء] ومن المدونة: وإذا كان على مبتاع الشقص دين فلم يقبض الشقص ولا دفع الثمن إلى البائع حتى قام غرماؤه وقام الشفيع، قيل للشفيع: ادفع الثمن إلى البائع قضاء عن المبتاع واقبض الدار، ولا شيء للغرماء؛ لأن البائع منع الشقص حتى يقبض الثمن؛ ولأن الشفيع لو سلمها بيعت الدار وأعطى للبائع الثمن الذي باع به وكان أحق به من الغرماء، إلا أن يقوم غرماء المبتاع فيقسموه، فيكون البائع أحق بداره إلا أن يضمن له الغرماء الثمن.

م: ولو مات المشتري وقد سلم إليه البائع الشقص ولم يقبض ثمنه لوجب أن يكون للشفيع أخذه، ويكون ما يدفعه الشفيع مالاً من مال الميت يكون البائع فيه أسوة؛ لأنه قد سلم الشقص. وقد وقع في كتاب محمد أن المشتري إذا مات وقد قبض الشقص فأخذه الشفيع ودفع الثمن، أن البائع أحق بثمنه، وفي ذلك ضعف. والرواية الصحيحة: إذا غاب، ويقضي للشفيع بالشفعة في غيبة المبتاع كالقضاء عليه، ويكون على حجته إذا قدم، وكذلك من اشترى شقصاً من دار لرجل غائب كان للشفيع أن يأخذه بالشفعة.

[الباب الثامن] ما جاء في الشفعة فيما اشترى بدين

[الباب الثامن] ما جاء في الشفعة فيما اشترى بدين [فصل 1 - فيمن ابتاع شقصاً بثمن إلى أجل] قال مالك: ومن ابتاع شقصاً بثمن إلى أجل فللشفيع أن يأخذه بالثمن إلى ذلك الأجل إن كان ملياً وأتى بضامن ثقة ملي. قال ابن القاسم: وإن قال البائع للمبتاع: أنا أرضى أن يكون مالي على الشفيع إلى الأجل لم يجز؛ لأنه فسخ ما لم يحل من دينه في دين على رجل آخر. وإن عجل الشفيع الثمن فللمبتاع قبضه، ثم ليس عليه أن يجعله للبائع، وليس للبائع أن يمنعه من قبض الدار. [قال] ابن المواز: وإذا كان الشفيع عديماً لم يأخذه إلا بحميل ثقة،

ولم يختلف فيه قول مالك وأصحابه، وإن كانا مليين. وقال أشهب: إن لم يكن الشفيع مثله في الملأ فليأت بحميل مثل ثقة المشتري وملائه. [قال] ابن المواز: ليس ذلك عليه إذا كان ملياً ثقة وإن كان المبتاع أملأ منه، ولم يشترط هذا في رواية ابن القاسم وأشهب عن مالك حتى يكون مثله في الثقة والملأ، وإنما قال: إن كان الشفيع ملياً فله الشفعة إلى ذلك لأجل. وإن اتفقا في العدم وأبى المبتاع تسليم الشفعة إلا بحميل، واحتج بتفضيل البائع له أو جهله بعدمه فلا حجة له ولا حميل له، وإن كان أعدم منه فليأت بحميل ف مثل عدم المبتاع أو ملائه. وقال ابن المواز: إذا كانا الشفيع عديماً فلا شفعة له إلا بحميل ثقة، كان المبتاع عديماً أو لم يكن. [فصل 2 - قيماً إذا اشترى بثمن مؤجل وأتى بحميل أو رهن] وقال أشهب: وإذا اشترى بثمن مؤجل بحميل أو رهن، فقام الشفيع وهو أوملأ له، فإن لم يجد حميلاً أو رهناً مثله فلا شفعة له، ولو جاء برهن لا شك أن فيه وفاء

لم يقبل منه إلا مثل الأول، ولو كان برهن وحميل فجاء برهن ولم يقدر على حميل فلا شفعة. [قال] ابن المواز: وأصبنا لأشهب أنه إن كان الشفيع أملأ من الحميل ومن الغريم فله أن يأخذ بلا رهن ولا حميل. [قال] ابن المواز: والأول أولى عندنا. [فصل 3 - في تأخر الشفيع بالمطالبة حتى حل أجل الدين] قال عبد الملك: وإن لم يقم الشفيع حتى حل أجل الدين [وأدى] الثمن، فإن للشفيع من الأجل مستأنفاً مثل أجل المشتري الأول، فإن كان ثقة دفع ذلك إليه، وإن لم يكن ثقة قيل له: إئت بحميل ثقة. وكذلك ذكر ابن حبيب عنه وعن مطرف، وزاد: فإن عجز عن ثقة ولم يكن هو ثقة قطع السلطان شفعته، فإن وجد ثقة ما بينه وبين حلول أجل الدين أو بعده فلا شفعة له، وذلك كعجزه عن الثمن إذا أوقفه، السلطان. قال ابن حبيب: وقال أصبغ: إذا قام بعد محل الأجل فلا يأخذ الشفيع إلا بنقد. [قال] ابن حبيب: وبالأول أقول، وهو قول مالك. م: وهو أصوب؛ لأن الشفيع يجب أن ينتفع بتأخير الثمن كما انتفع المشتري.

[فصل 4 - بم يأخذ الشفيع؟] ومن المجموعة وكتاب محمد وابن حبيب قال عبد الملك: وإن كان إنما اشترى الشقص بدين له على البائع إلى سنة فلا يأخذه الشفيع إلا بقيمة الدين عرضاً يدفعه الآن؛ لأن الدين عرض من العروض، وكذلك إن لم يقم الشفيع حتى حل الأجل. قال ابن عبدوس: وقال مثله سحنون إلا أنه قال: يقوم الدين بعرض نقداً ثم يقوم العرض بعين ثم يأخذه الشفيع بذلك. قال ابن المواز وابن حبيب: وقال مالك: لا يأخذه الشفيع إلا بمثل ذلك الدين أو يترك، وكذلك إن كان البائع عديماً بذلك الدين فلا يأخذه إلا بمثله أو يترك. وقال أشهب عن مالك وقال: لا قيمة في الذهب والفضة، وإنما القيمة في العروض. قال ابن المواز: فإن اشتراها منه بعد حلول الأجل لم يأخذها الشفيع إلا بالعدد بعينه.

قال عبد الملك في المجموعة وكتاب محمد: وإن اشتراه بكتابة مكاتب أخذه بقيمة الكتابة عرضاً، يقوم على أنه يعجز أو يؤدي، فإن عجز فهو رقيق لبائع الشقص. [قال] ابن المواز: قال أشهب: وإن اشتراه بعرض موصوف، فللشفيع أخذه بقيمة العرض إلى أجله على مثل من هو عليه في يسره وعدمه واستقامته ولدده، ولا يجوز له أن يأخذه قبل معرفتهما بقيمته. [قال] ابن المواز: وهذا غلط ولا يأخذه إلا بمثل العرض إلى أجله، وإنما تؤخذ القيمة نقداً في شرائه بعرض بعينه؛ ولأنه إذا استحق العرض المعين قبل قيام الشفيع انتقض البيع، وفي استحقاق الموصوف لا ينتقض البيع والشفعة فيه قائمة.

[الباب التاسع] في أخذ بعض الشفعاء وأخذ بعض الصفقة أو الصفقات

[الباب التاسع] في أخذ بعض الشفعاء وأخذ بعض الصفقة أو الصفقات [فصل 1 - في تعدد الشفعاء والدار واحدة] قال مالك: ومن ابتاع شقصاً من دار له شفيعان، فسلم أحدهما، فليس للآخر أن يأخذ بقدر حصته إذا أبى عليه المبتاع، فإما أخذ الجميع أو ترك، وإن شاء هذا القائم أخذ الجميع فليس للمبتاع أن يقول له: لا تأخذ إلا بقدر حصتك. قال ابن حبيب عن أصبغ: إن كان تسليم من سلم على الهبة للمبتاع والصدقة عليه بها، فليس للآخر إلا بقدر سهمه، وللمبتاع سهم من سلم، وإن كان على ترك الشفعة وكراهة الأخذ، فللمتمسك أخذ جميعها. قال عبد الملك: فإن قال الأول الآخذ للجميع لما قدم الآخر: أنا أسلم الجميع إليك، فليس له ذلك إلا برضى القادم، فإن رضيا بذلك، ثم جاء ثالث فإنما طاع به الأول للثاني مما هو فوق ما يلزمه بيع يأخذه الثالث من الثاني بالشفعة، إلا أن

يشركه الثاني فيه بقدر حقه مما يصيبه في ذلك من الشفعة، وإن كان الثاني هو التارك للأول إلا قدر ما يصيبه مع جميع شركائه فليس يبيع، ولا شفعة فيه إلا الشفعة الأولى يأخذ منها الثالث بقدر حقه لو حضر معهما. [فصل 2 - في تعدد المال المباع والشفعة فيها] ومن المدونة قال مالك: ومن ابتاع شقصاً من دارين في صفقة، وشفيع كل دار على حدة، فسلم أحدهما فللآخر أن يأخذ شفعته في التي هو شفيعها دون الآخر. قال ابن القاسم: ومن اشترى ثلاثة أشقاص من دار أو من دور في بلد أو في بلدان من رجل أو من رجال، وذلك في صفقة واحدة، وشفيع ذلك كله واحد فليس له أن يأخذ إلا الجميع أو يسلم. وكذلك إن اشترى من أحدهم حصته في نخل ومن آخر حصته في قرية ومن آخر حصته في دار في صفقة واحدة، أو كان بائع ذلك كله واحد، أو شفيع ذلك كله واحد، فإما أخذ الجميع أو سلم. وإن ابتاع ثلاثة ما ذكرنا من واحد أو من ثلاثة في صفقة والشفيع واحد، فليس له

أن يأخذ من أحدهم دون الآخر، وليأخذ الجميع أو يدع. وقال أشهب وسحنون في غير المدونة: له أن يأخذ من أحدهم، وقاله ابن القاسم مرة، ثم رجع عنه. قال بعض الفقهاء: وكلام أشهب أطهر؛ لأن المأخوذ منه لا ضرر عليه؛ إذ قد أخذ منه جميع ما في يديه، ولا حجة له بالتسليم إلى شريكه إلا أن يكونا متفاوضين فيصح. جواب ابن القاسم: لأن المتفاوضين كرجل واحد، فيصير كأنه أخذ بعض صفقته؛ لأن ما يبقى هو بين الشريكين. [فصل 3 - في الشفعة فيما لو تعدد الصفقات] ومن المدونة قال مالك: ومن اشترى حظ ثلاث رجال في ثلاث صفقات فللشفيع أن يأخذ ذلك جميعه، أو يأخذ أي صفقة شاء، فإن أخذ الأولى لم يستشفع معه فيها المبتاع، وإن أخذ الثانية كان للمبتاع معه الشفعة فيها بقدر صفقته الأولى

فقط، وإن أخذ الثانية خاصة كان للمبتاع معه الشفعة فيها بقدر صفقته الأولى فقط، وإن أخذ الثالثة خاصة كان للمبتاع فيها بالأولى والثانية. وفي كتاب محمد: وإذا كانت دار بين أربعة أخوة أرباعاً فغاب ثلاثة، وباع الحاضر ربعه من رجل في ثلاث صفقات، فقدم واحد فإن أخذ الصفقة الأولى من الربع المبيع لم يدخل معه المبتاع فيه، وإن أخذ الآخرة استشفع معه المشتري بالصفقتين الأولتين، وكان ثلث الربع مقسوماً بينهما على خمسة أسهم: للمشتري سهمان، وللقادم ثلاثة، ثم إن جاء آخر فسلم الصفقتين الأولتين كان ثلث الربع مقسوماً بينهما على خمسة أسهم: للمشتري سهمان، وللقادم ثلاثة، ثم إن جاء آخر فسلم الصفقتين الأولتين كان ثلثا الربع مقسوماً بينهم على ثمانية أسهم: للمشتري سهمان، ولكل واحد من القادمين ثلاثة ثلاثة، ثم إن جاء الثالث فسلم

للأولين ضرب معهم أيضاً بثلاثة، فيقسم ثلث الربع بينهم على أحد عشر سهماً، فإن أخذ هذا الثالث السهمين الذين سلمهما الأول أضافهما إلى سهامه فضرب معهم بخمسة، وأخوته بثلاثة ثلاثة، وإن أخذها الاثنان ضربا بأربعة أربعة وضرب الذي سلمهما معهم بثلاثة. م: وإن كان الثالث إنما أخذ الثانية ضرب هو بأربعة وأولئك بثلاثة ثلاثة والمشتري بواحد، وكذلك إن أخذ الأولى ضرب هو بأربعة والباقون بثلاثة، والمشتري بواحد، وهي الصفقة الثانية. م: وهذا كله صواب وحساب مستقيم. [فصل 4 - فيما إذا كان المشتري هو الشفيع] ومن المدونة قال: ومن ابتاع شقصاً هو شفيعه مع شفيع آخر تحاصا فيه بقدر حصتهما يضرب فيه المبتاع بقدر حصته من الدار قبل الشراء، ولا يضرب بما اشترى.

[فصل 5 - في غيبة الشفعاء واختلافهم] قال: ومن ابتاع شقصاً من دار له شفعاء غيب إلا واحد حاضر، فأراد أخذ الجميع ومنعه المبتاع أخذ حظوظ الغياب، أو قال له المبتاع: خذ الجميع، وقال الشفيع: لا آخذ إلا حصتي، فإنما للشفيع في الوجهين أن يأخذ الجميع أو يترك، فإن قال الشفيع: أنا آخذ حصتي فإذا قدم أصحابي فإن أخذوا شفعتهم وإلا أخذت شفعتهم، لم يكن له ذلك، إما أن يأخذ الجميع أو يدع، فإن سلم فلا أخذ له مع أصحابه إن قدموا، ولهم أن يأخذوا الجميع أو يدعوا، فإن سلموا كلهم إلا واحداً قيل له: خذ الجميع أو دع، ولو أخذ الحاضر الجميع، ثم قدموا فلهم أن يدخلوا كلهم معه إن أحبوا، فيأخذوا بقدر ما كان لهم من شفعتهم. والصغير إذا لم يكن له من يأخذ له بالشفعة كالغائب، وبلوغه كقدوم الغائب.

قال أشهب في المجموعة: وإذا أخذ الحاضر الجميع، ثم قدم أصحابه فدخلوا معه في ذلك فهم في كتاب شفعتهم مخيرون، إن شاؤا كتبوا عهدتهم على الحاضر؛ لأنه أخذ لنفسه وضمانه منه، وإن شاؤا كتبوا عهدتهم على المأخوذ منه لشفعتهم، وليس لهم أن يكتبوا ذلك عليهم جميعاً. ومن المدونة قال مالك: وإن أبى البعض وأخذ البعض لم يكن للآخذ أن يأخذ بقدر حصته فقط، ولكن يساوي الآخذ قبله فيما أخذ أو يدع. يريد: إن اتفق حظاهما، وأما إن اختلف كان للآخذ أن يأخذ الجميع هو والذي أخذ قبله فيقتسمانه على قدر حصتيهما. قال أشهب في المجموعة: وله أن يكتب عهدته عليك، وإن شاء على المبتاع أنت وهو، وخرقت أنت كتابك الأول. قال عبد الملك: وإن قال الشفيع أنا أسلم الجميع إليك فليس له ذلك إلا برضا القادم وإن رضيا بذلك، ثم جاء ثالث فإن ما طاع به الأول للثلني فوق ما يلزمه

بيع، يأخذه الثالث من الثاني بالشفعة إلا أن يشركه الثاني فيه بقدر حقه بما يصيبه في ذلك من الشفعة. قال سحنون: وإذا حضر أحدهم فأخذ الجميع ثم باعه من أجنبي ثم قدم شفيع ثاني فله أن يأخذ نصف هذا الشقص من المشتري الأول بنصف الثمن، ويأخذ النصف الآخر من المشتري من الشفيع بنصف الثمن الذي اشترى به هذا الثاني. قال سحنون: ومن اشترى شقصاً بنقد فباع بدين وله شفيعان، فقال أحدهما: نأخذ بالبيع الأول: وقال الآخر: بالبيع الآخر، فليس ذلك لهما أن يفرقا عليه الصفقة. قال محمد بن المواز: وذلك إذا كانت الصفقة واحدة، وإن كانت في صفقات فللحاضر أن يأخذ أي صفقة شاء، ثم إن قدم ثاني شركه فيها، وكان له أخذ بقية الصفقات أو ما شاء منها.

[الباب العاشر] ما يضاف إلى الشقص في البيع من عرض أو غيره

[الباب العاشر] ما يضاف إلى الشقص في البيع من عرض أو غيره [فصل 1 - في شفعة من ابتاع شقصاً من دار وعرض صفقة واحدة] قال مالك: ومن ابتاع شقصاً من دار، وعرض في صفقة بثمن، فالشفعة في الشقص خاصة بحصته من الثمن بقيمته من قيمة العرض يوم الصفقة، تغيرت الدار بسكناه أو لم تتغير، وليس للشفيع أخذ العرض، لا ذلك عليه إن أباه. م: فعلى قول من يرى الشفعة كالاستحقاق إن كان قيمة ذلك الشقص الجل، فللمبتاع رد العرض على البائع لأنه استحق جل صفقته، وعلى قولهم أنه كبيع مبتدأ فلا رد له بحال. قال ابن المواز: وكل ما بيع مع الشقص مما لا شفعة فيه فليقض الثمن عليه وعلى الشقص، فيأخذ الشفيع بما قابل الشقص منه، وإن استوجبه قبل المعرفة بما يقع على الشقص لم يجز، وأما آلة الحائط وعبيده ودوابه، فذلك كبعضه إلا أن يضاف إليه يوم الصفقة، وقد كان أخرج منه قبل ذلك فلا شفعة فيه، ويقبض الثمن.

وقال مالك وابن القاسم وأشهب: فيمن اشترى شقصاً وبعيراً بعبد، فإن كان العبد من الشقص قدر ثلث الجميع بالقيمة يوم الصفقة أخذه الشفيع بثلثي قيمة العبد، ثم استحق البعير رجع بائع العبد بثلث قيمة العبد على بائع الشقص. [فصل 2 - فيمن ابتاع شقصاً وقمحاً بدنانير] وإن ابتاع شقصاً وقمحاً بدنانير، فلابد من التقويم للقمح والشقص، فيأخذ الشفيع بحصة ما يقع للشقص. م: وليس للمشتري أن يقول: لا أدعك أن تفرق الصفقة، لأن الشفيع لا يلزمه أن يأخذ ما لا شفعة فيه، والمشتري دخل على تفريق الصفقة، بخلاف من اشترى أشقاصاً شفيعها واحد، فأراد الشفيع أن يأخذ بعضها بحصته من الثمن، لم يكن له ذلك؛ لأن الشفعة له في الجميع، فهو المختار لتبعيض الصفقة، فلا يترك ذلك.

[الباب الحادي عشر] في الشفيع يخبر بما وقع به الشراء فيأخذ أو يترك ثم يتبين له خلاف ذلك وفي تسليمه الشفعة قبل الشراء أو بعده على مال أو غير مال

[الباب الحادي عشر] في الشفيع يخبر بما وقع به الشراء فيأخذ أو يترك ثم يتبين له خلاف ذلك وفي تسليمه الشفعة قبل الشراء أو بعده على مال أو غير مال [فصل 1 - في إخبار الشفيع بخلاف ما وقع به الشراء] قال ابن القاسم: وإذا أخبر الشفيع بالثمن فسلم، ثم ظهر أن الثمن دون ذلك، فله الأخذ بالشفعة، ويحلف ما سلم إلا بما ذكر له من كثرة الثمن. [قال] ابن المواز: ولا يمين عليه عند أشهب في هذا خاصة؛ لظهور سبب تسليمه، وأما ابن القاسم: فيرى اليمين في هذا وما أشبهه. قال ابن المواز: وإذا قيل للشفيع: إن البيع وقع بمائة إردب قمح، فسلم أو أخذ، ثم ظهر أنه باع بدنانير أو دراهم، فله في تسليمه أن يرجع فيأخذ بالشفعة وإن كانت الدنانير أكثر من ثمن القمح لعذر في أخذه بالقمح لتعب كيل القمح وحمولته إلى موضع يقبضه البائع، ويحلف بالله ما كان إسلامه إلا لذلك. وأما في أخذه بالقمح ثم علم بالدنانير، فلا رد له؛ لأن الدنانير أخف مؤنة.

[قال] محمد ابن المواز: إلا أن تكون الدنانير أكثر من ثمن القمح بأمر بين. ولو قيل له: بيع بدنانير مسماة فسلم، ثم ظهر أنه بيع بقمح، فهاهنا يلزمه تسليمه، إلا أن يكون القمح أقل ثمناً، ولو كان قد أخذ أولاً لم يلزمه إلا أن يشاء. ولو قيل لك: بيع بمائة إردب قمح فسلمت، ثم ظهر أنه عدس أو تمر أو شيء يكال، فإن كان قيمة ما سمي لك أكثر، فلك أن ترجع في شفعتك فتأخذها ولا يلزمك تسليمك، ولا حجة لك في تعب الكيل؛ لأنه واحد. ولو ظهر لك أنه بيع بما يوزن من عسل أو زيت، فلك الرجوع؛ لأن الوزن أخف بعد يمينك أنك ما سلمت إلا لذلك. ولو قيل لك بجارية صفتها كذا، يريد: وقيمتها كذا أو كذا، أو بعرض صفته كذا فسلمت أو أخذت، ثم تبين لك أن ذلك بدنانير، فذلك يلزمك في التسليم والأخذ؛ لأنك تؤدي القيمة ما لم تكن قيمة ذلك أكثر وقد سلمت فلك

الرجوع، أو يكون أقل وقد أخذت فلك الرجوع. وكذلك لو سمى لك دنانير فأخذت، ثم تبين لك أنه عرض أو حيوان، فأخذك جائز لازم، يريد: وتدفع قيمة ذلك ما لم تكن القيمة أكثر، وإن سلمت لزمك ما لم تكن القيمة أقل. ولو قيل لك بجارية أو عرض ولم توصف فسلمت، ثم ظهر أنه بدنانير فلا حجة لك؛ لأن التسليم مع جهل مبلغ الثمن لازم، وإنما يؤدي في العرض مالاً، وإنما يكره الأخذ قبل معرفة الثمن، وأما التسليم فلا. قال ابن القاسم: إلا أن يأتي من ذلك ما لا يكون مثله ثمناً لما سمي من جارية أو عرض لقلته، مثل دينار أو عشرين درهماً فلك الأخذ ولا يلزمك تسليمك. ولو قيل له: بمائة دينار أو بمائة درهم ولم يوصف وزنها، فأخذه لزمه بالوزن الذي يتبايع به يومئذ، فإن وقع البيع على الأعلى من ذلك فهو مخير أن يأخذ أو يترك. وإن سمي له قمحاً بكيله ولم يوصف فهو خفيف، فإن أخذ لزمه إن كان بالوسط منه أو بدونه، وإن كان بالأعلى من الوسط فإما أخذ أو ترك. ولو قال المشتري للشفيع: أد الوسط لم يلزمه إلا أن يشاء؛ إذ لا يلزمه قبول المعروف.

وكذلك لو قيل له بمائة دينار فأخذ، ثم ظهر أنه بمائة وخمسين ديناراً فترك فأسقط عنه المبتاع الخمسين الزائدة ليلزمه الأخذ، فلا يلزمه إلا أن يشاء. ولو قيل له: بجارية أو عرض لم يوصف فأخذ، فهذا أخذ فاسد لا يلزمه، وكذلك لو وصف له ولم يعرف القيمة فأخذه فاسد وينقض، وإن رضيا جميعاً بالإقامة عليه بعد المعرفة لم يجز ولابد من فسخه. وفي كتاب محمد بن المواز في باب آخر: إذا قيل له أنه بيع بعبد فأخذ، فذلك جائز إذا عرفاه وإن جهلا قيمته، فأما إذا كانت الشفعة إنما تجب بقيمة الشقص فهذا لا يلزمه الأخذ فيه إلا بعد معرفة قيمته. [فصل 2 - في شفعة من ابتاع الكل وأخبر بأنه ابتاع النصف] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن قيل له: قد ابتاع فلان نصف نصيب شريكك

فسلم، ثم ظهر أنه ابتاع جميع النصيب فله القيام أيضاً في شفعته، فلا يلزمه تسليم النصف الذي سلم إن أراد المبتاع. م: لأنه يقول: لم يكن لي غرض في أخذ النصف؛ لأن الشركة بعد قائمة، فلما علمت بأنه ابتاع الجميع أخذت لارتفاع الشركة وزوال الضرر. وقال ابن المواز: ذلك للمشتري ويلزم الشفيع إسلام النصف ويأخذ النصف الآخر بالشفعة أو يسلمه، وهو قول أشهب. قال: ولو كان حين قيل له: ابتاع فلان النصف، قال: أنا آخذ، ثم ظهر أنه ابتاع الجميع فله أخذ باقيه، فإن أبى فالمبتاع مخير أن يقول له: رد النصف أو خذ الجميع. [فصل 3 - في إخبار الشفيع بمشتر آخر] ومن المدونة قال ابن القاسم: فإن قيل له: ابتاعه فلان فسلم، ثم ظهر أنه ابتاعه مع آخر، فله القيام وأخذ حصتهما، ولا يلزمه التسليم للواحد. [قال] ابن المواز: لأنه يقول إني إن أخذت مصابة من لم أسلم له، فقد تبعض الشقص علي ولعل بعضه يضيق لقلته.

وقال أشهب: يلزمه التسليم للذي سلم له ويأخذ حصة الآخر، ثم تكون الحصة التي سلم أولاً بين المشتريين؛ لأنهما شركا في شرائه في صفقة واحدة إن رضيا بالتمسك بما سلم ويكتب عهدته عليهما فيما أخذ، وإن شاء ألزماه أخذ ما سلم، أو سلم لهما جميع الشراء. قال ابن المواز: إذا كانا متفاوضين فليس له إلا الأخذ منهما جميعاً أو التسليم إليهما جميعاً. قال: ولو سميا له كلاهما؟ فقال أشهب: له الأخذ من أحدهما والتسليم للآخر. [قال] ابن المواز: وهذا إن لم يكونا متفاوضين. وقال ابن القاسم: ليس له إلا أخذ الجميع أو يدع. [قال] ابن المواز: قلت: فإن سمى لي المشتري فسلمت، فإذا هو غير من سمى لي فبدا لي ورجعت في أخذ شفعتي، قال: ذلك لك كائن من كان الرجل. قلت: فإن قلت: قد أخذت، فإذا المشتري غير من سمى لي، فقلت: لا حاجة لي به.

قال: ليس ذلك إذا كنت قد عرفت الثمن. قلت: فإن لم يكن قد سمى لي أحداً. فقلت: قد سلمت، فلما تبين لي قلت: قد أخذت. قال: فلا رجعة لك هاهنا ولا حجة كائن من كان الرجل عدواً أو شريراً أو غيره. قلت: فإن كنت قلت: قد أخذت، فلما سمى لي بدا لي من الأخذ. قال: فلأخذ لك لازم سمى لك الرجل أو لم يسم إذا سمى لك الثمن. م: وإذا سمى له الثمن ولم يسم له المشتري، فأخذ أو سلم، لزمه ذلك. م: صواب؛ لأنه لما لم يسأل عن المشتري لم يكن له به حجة، وإن سمى له المشتري ثم تبين أنه غيره، لزمه الأخذ ولم يلزمه التسليم؛ لأنه في التسليم يقول: رضيت شركة هذا لخيره وأمانته، فإذا تبين أنه غيره لم أرض مشاركته إذ لا أعلم حاله، أو لأنه شرير.

[فصل 4 - في إشهاد الشفيع بأخذ شفعته ثم رجوعه عنه] ومن المدونة: وإذا قال الشفيع بعد الشراء: اشهدوا أني قد أخذت شفعتي، ثم رجع، فإن علم الثمن قبل الأخذ لزمه، وإن لم يعلم به فله أن يرجع. [قال] ابن المواز: قال أشهب: وإن لم يعلم إلا بعد أخذه فعلم به ورضي لم يجز، وفسخ ذلك على ما أحيا أو كرها، ثم تكون له الشفعة بعد الفسخ. [فصل 5 - فيما إذا سلم الشفيع الشفعة بعد البيع] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا سلم الشفيع الشفعة بعد البيع فلا قيام له، علم الثمن أو جهله. م: إلا أن يأتي من ذلك ما لا يكون ثمناً لمثله لقلته فلا يلزمه تسليمه. وقد تقدم لابن القاسم في مسألة: الذي قيل له بيع بجارية أو عرض ولم يوصف نحوه. [فصل 6 - للشفيع الحق بالشفعة بعد الشراء إن سلمها للمبتاع قبل الشراء] قال مالك: وإذا قال الشفيع للمبتاع قبل الشراء: اشترى فقد سلمت لك الشفعة وأشهد بذلك، فله القيام بعد الشراء؛ لأنه سلم ما لم يجب له بعد.

م: ولأن من وهب ما لا يملك لم تصح هبته. قال أشهب وعبد الملك: كمن أذن له ورثته أن يوصي بأكثر من ثلثه في صحته فلا يلزمهم ذلك. قال في كتاب ابن المواز: وإذا سلم في شقص بيع بخيار في أيام الخيار بعوض وبغير عوض لم يلزمه، وهو على شفعته. قلت: فإن انقضى أجل الخيار ورضيا بما كان بينهما وأنفذاه. قال: لا يجوز ذلك حتى ينقض فعلمها؛ لأن الشفعة بيع يحله ما يحل البيع ويحرمه ما يحرم البيع، فإن فسخا ذلك بقضية أو بغير قضية استأنفا ما أحبا.

[الباب الثاني عشر] ما جاء في الشفعة في هبة الثواب وفي الثمن يزاد فيه أو ينقص منه ومقاسمة المشتري وهبته وصدقته وبيعه وإقالته وتزويجه به وخلعه

[الباب الثاني عشر] ما جاء في الشفعة في هبة الثواب وفي الثمن يزاد فيه أو ينقص منه ومقاسمة المشتري وهبته وصدقته وبيعه وإقالته وتزويجه به وخلعه [فصل 1 - لا شفعة في هبة الثواب] قال مالك: ولا شفعة في هبة الثواب إلا بعد العوض. قيل: فلم أجاز مالك الهبة لغير ثواب مسمى؟ قال: لأنه على وجه التفويض في النكاح، وفي القياس: لا ينبغي أن يجوز لك ولكن قد أجازه الناس. [فصل 2 - النقصان في الثمن وأثره في الشفعة] ومن اشترى شقصاً بألف درهم ثم وضع عنه البائع تسعمائة درهم بعد أن أخذ الشفيع أو قبل، نظر: فإن أشبه أن يكون ثمن الشقص عند الناس مائة درهم إذا تغابنوا بينهم أو اشتروا بغير تغابن وضع ذلك عن الشفيع، لأن ما أظهرا من الثمن الأول إنما كان سبباً لقطع الشفعة وإن لم يشبه أن يكون ثمنه مائة.

م: يريد مثل أن يكون ثمنه ثلاثمائة أو أربعمائة لم يحط الشفيع شيئاً وكانت الوضيعة هبة للمبتاع. وقال في موضع آخر: إن حط عن المبتاع ما يشبه أن يحط في البيوع وضع ذلك عن الشفيع، وإن كان مالاً يحط مثله في البيوع، فهي هبة ولا يحط للشفيع شيئاً. م: وهذا والأول سواء. [قال] ابن المواز: وقاله أشهب، وقال: هذا استحسان، والقياس: أن ما وضع من قليل أو كثير فهو موضوع عن الشفيع، مثل ما لو باعه ثوباً بما لا يباع به مثله على التكايس بنصف ثمنه أو بثلثه على وجه الصلة والمعروف، فإن الشفيع أولى بذلك بثمنه، فكذلك ينبغي إذا وضع البائع عن المشتري مثل هذه الوضيعة قبل أخذ الشفيع الشفعة أو بعده. م: وقال الشافعي: لا يحط عن المشتري شيء أصلاً. ودليلنا: أن الذي يلزم الشفيع أن يؤدي إلى المشتري بما عاوض به على

الشقص وهو الثمن الذي أدى دون ما حط عنه؛ لقوله عليه السلام "هو أحق به بالثمن"، ولأنه إذا حط عنه ما زاد على قيمة الشقص، علمنا أن الذي أظهراه لم يكن الثمن وإنما الثمن ما بقي بعد الحطاط، وأما إذا حط مالاً يشبه أن يكون الباقي ثمناً للشقص علمنا أن ذلك هبة لا تتعلق بغلاء الشقص ولا برخصه، فوجب ألا يحط عن الشفيع شيء، وبالله التوفيق. [قال] ابن المواز: وقال ابن القاسم فيمن باع شقصاً له في مرضه بمحاباة، أن بيعه جائز والمحاباة في ثلثه وللشفيع أخذه بالشفعة بذلك الثمن، وكذلك لو كان صحيحاً، إلا أن يبيعه بما لا يشبه أن يكون ثمناً لقلته فلا يكون فيه شفعة كان صحيحاً أو مريضاً. [فصل 3 - الزيادة في الثمن وأثرها في الشفعة] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا زاد المبتاع للبائع في الثمن بعد البيع، فإن للشفيع أخذه بالثمن الأول؛ لأنه بيع قد وجب. قال ابن القاسم وأشهب في المجموعة: وإذا قال البائع بعد البيع للمبتاع: قد

استرخصته فزدني فزاده، فلا شيء على الشفيع من الزيادة. قال أشهب: وللمبتاع أن يرجع على البائع بما زاده بعد أن يحلف ما زاده إلا فراراً من الشفعة، وإلا فلا رجوع له. [قال] ابن المواز: وقال عبد الملك مثلهما في الوضيعة، وأما في زيادة المشتري للبائع، فقال: يجب ذلك على الشفيع، فإن شاء أخذ بما زيد أو سلم، ولايتهم المشتري أن يزيد إلا لصلاح البيع. [فصل 4 - الشفعة في الشقص المقسوم بين الشريكين] ومن المدونة قال مالك: ومن اشترى شقصاً من دار له شفيع غائب فقاسم الشريك ثم جاء الشفيع، فله نقض القسم وأخذه؛ إذ لو باعه المشتري كان للشفيع رد بيعه. وقاله ابن القاسم وأشهب في المجموعة. قال أشهب: وإنه ليأخذ بالقلب أن ليس له رد القسم؛ لأنهم قاسموا من يجوز قسمه. وقال سحنون: يمضي القسم وللشفيع أخذ ما وقع للمبتاع في القسم بالشفعة.

م: وإنما كان له نقض القسم على قول ابن القاسم؛ لأنها شفعة وجبت له قبل القسم، وأما لو قاسمه هذا البائع ثم باع لم تكن له شفعة؛ لانقطاعها بالقسم قبل البيع. [فصل 5 - الشفعة في الشقص بعد بناء المسجد أو هبته أو التصدق به] ومن المدونة قال مالك: ولو بنى فيه المشتري بعد القسم مسجداً فللشفيع أخذه وهدم المسجد، ولو وهب المبتاع ما اشترى من الدار أو تصدق به كان للشفيع إذا قدم نقض ذلك ودفع الثمن للموهوب أو المتصدق عليه؛ لأن الواهب علم أن له شفيعاًً، وكأنه وهبه الثمن بخلاف الاستحقاق. [قال] ابن المواز: وقال أشهب: الثمن للواهب أو المتصدق به كالاستحقاق. [قال] ابن المواز: وهذا أحب إلينا؛ لأنه بالبيع يأخذ فهو يفسخ ما بعده. وقاله سحنون؛ إذ عليه يكتب العهدة ولو جعلته للموهوب لجعلت عليه العهدة.

[فصل 6 - الشفعة في الشقص تتداوله الملاك] ومن المدونة قال مالك: ومن ابتاع شقصاً ثم باعه فتداولته الأملاك فللشفيع أخذه أي صفقة شاء وينقض ما بعدها، وإن شاء أخذه بالبيع الآخر وثبتت البيوع كلها، وكذلك إن بيع الشقص على المبتاع في دين عليه لغرمائه في حياته أو بعد وفاته، فللشفيع الأخذ بالبيع الأول وينقض الثاني وإن شاء أخذ بالثاني. قال أشهب: فإن تبايعه ثلاثة فأخذها من الأول، كتب عهدته عليه ودفع من ثمن الشقص إلى الثالث ما اشتراه به؛ لأنه يقول: لا أدفع الشقص حتى أقبض ما دفعت، ويدفع فضلاً إن كان إلى الأول، وإن فضل للثالث مما اشتراه به شيء رجع به على الثاني وليس الثالث حبسه حتى يدفع إليه بقية ثمنه، ثم يرجع الثاني على الأول بتمام ما اشترى به الشقص منه، وإن أخذها من الثاني فعهدته عليه ويثبت بيع الأول ويدفع من ثمن الشقص إلى الثالث ما اشتراه به ويدفع فضلاً إن كان للثاني، وإن فضل الثالث ما اشترى به الشقص شيء رجع به على الثاني ولا

تراجع بين الأول والثاني؛ لتمام بيعهما، وإن أخذها من الثالث كتب عهدته عليه وتم ما قبل ذلك من بيع. [فصل 7 - الإقالة في الشفعة، وعلى من تكون العهدة] ومن المدونة قال مالك: ومن اشترى شقصاً ثم استقال منه، فللشفيع الشفعة بعهدة البيع وتبطل الإقالة وليس له أخذها بعهدة الإقالة. والإقالة عند مالك: بيع حادث في كل الأشياء إلا في هذا، وإن في هذا، وإن سلم الشفيع شفعته صحت الإقالة. [قال] ابن المواز: وقاله مالك وأصحابه. قال أشهب: وسواء كان للبائع هو المستقيل أو المشتري أنه لا يأخذ الشفيع إلا من المشتري وعليه يكتب عهدته. [قال] ابن المواز: لأنه ينزل أمره أنه هرب من العهدة فلذلك تثبت عليه. [قال] ابن المواز: وإذا سلم الشفيع شفعته ثم تقابل المتبايعان، كان للشفيع الشفعة بعهدة الإقالة من البائع ويصير بيعاً حادثاً؛ لزوال التهمة، مثل: ما لو تولاه غيره لكان للشفيع الشفعة على من شاء منهما.

قال أشهب: وكذلك لو تقابلا بزيادة أو نقصان قبل تسليم الشفيع، فله الشفعة على أيهما شاء منهما. قال أشهب: والقياس عندي إذا استقال البائع المشتري فأقاله بغير زيادة ولا نقصان وقبل تسليم الشفيع شفعته أن يأخذ من أيهما شاء، ولو قاله قائل: لم أعبه، ولكن الاستحسان أن لا تكون له شفعة إلا على المشتري؛ لفراره من العهدة، وبه أخذ محمد بن حبيب. قال مطرف وابن الماجشون: إن رأى أن التقايل بينهما كان لقطع الشفعة، فالإقالة باطلة وللشفيع الشفعة بعهدة الشراء، وإن رأى أنها على وجه الصحة وإرادة الإقالة فهو بيع حادث، وللشفيع الشفعة بأي البيعتين شاء. وذكر عبد الوهاب: أن مالكاً اختلف قوله على من تكون العهدة، فقال مرة: تكون على المشتري وتبطل الإقالة، وقال أيضاً: هو بالخيار إن شاء كتبها على البائع وإن شاء كتبها على المشتري. ووجه هذا لأن الشفعة تجب بالصفقتين، فبأي ذلك شاء أخذها منه.

[فصل 8 - الشفعة في شقص خولع أو تزوج به] ومن المدونة: وإذا اشترت المرأة شقصاً فخالعت به، فإن شاء الشفيع أخذه وتكون عهدته على الزوجة فليأخذه بالثمن الذي اشترته به، وإن شاء كتب عهدته على الزوج فليأخذه منه بقيمته يوم أوقع الخلع، فإن أخذه من الزوجة بالثمن رجع عليها الزوج بقيمته يوم الخلع. وكذلك قال مالك في الذي يشتري شقصاً فتزوج به إن شاء الشفيع كتب عهدته على الزوج أخذه بالثمن ورجعت عليه زوجته بقيمته يوم وقع النكاح به، وإن شاء الشفيع أخذه من الزوجة بقيمته يوم وقع النكاح وكتب عهدته عليها. وبعد هذا باب فيه إيعاب هذا.

[الباب الثالث عشر] في تأجيل الأخذ بالشفعة وفي الأخذ وفي الثمن وفي انهدام الشقص بعد الأخذ والقضاء على الغائب والوكالة فيها

[الباب الثالث عشر] في تأجيل الأخذ بالشفعة وفي الأخذ وفي الثمن وفي انهدام الشقص بعد الأخذ والقضاء على الغائب والوكالة فيها [فصل 1 - تأجيل الأخذ بالشفعة] قلت: فمن أراد الأخذ بالشفعة ولم يحضره الثمن أيتلوم له الأيام؟ قال: قال مالك: رأيت القضاة عندنا يؤخرون الأخذ بالشفعة في النقد اليوم واليومين. واستحسنه مالك وأخذ به. قال ابن المواز: إنما يؤخر هكذا إذا أخذ بشفعته، فأما إذا أوقعه الإمام ليأخذ بشفعته، فقال: أخروني اليومين والثلاثة لأنظر في ذلك، فليس له ذلك، ويقال له: تأخذ أنت بشفعتك الآن في مقامك وإلا فلا شفعة لك، وقاله أشهب في المجموعة. وقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: يؤخره السلطان اليومين والثلاثة ليستشير وينظر.

[قال] ابن المواز: وإن أوقفه غير السلطان فذلك بيده وإليه حتى يوقفه السلطان، وإن أخذ بالشفعة وطلب التأخير بالثمن فأخره السلطان اليومين والثلاثة فلم يأت به إلى ذلك الأجل، فالمشتري أحق بها. قال محمد عن أشهب وهو في العتبية عن ابن القاسم: وإذا طلب التأخير بعد الأخذ فأخر، ثم يبدو له ويأبى المشتري أن يقيله فلأخذ قد لزم الشفيع، وإن لم يكن له مال بيع عليه حظه الذي استشفع فيه وحظه الأول حتى يتم المشتري جميع حقه، ولا يقال: إلا أن يرضى المشتري أن يقيله. [فصل 2 - في ضمان الشقص إذا انهدم قبل القبض] ومن المدونة قال مالك: وإذا أخذ الشفيع الشقص بالشفعة فلم يقبضه حتى انهدمت الدار، فضمان الشقص من الشفيع، وكذلك في البيوع ما أصاب الدار بعد الصفقة وقبل القبض فمن المشتري في قول مالك.

[فصل 3 - الشفعة في غيبة المبتاع] ويقضي للشفيع بالشفعة في غيبة المبتاع كالقضاء عليه، ويكون على حجته إذا قدم، وكذلك من اشترى شقصاً من دار لرجل غائب، كان للشفيع الأخذ بالشفعة. [فصل 4 - الوكالة في أخذ الشفعة] ولك أن توكل بأخذ الشفعة غبت أو حضرت، ولا يلزمك تسليم الوكيل إلا أن تفوض إليه في الأخذ أو الترك، ولو أقر الوكيل أنك تسلمتها فهو كالشاهد يحلف معه المبتاع، فإن نكل حلفت أنت وأخذت، فإن أقام الوكيل بينة أن فلاناً الغائب وكله على طلب الشفعة في هذه الدار مكن من ذلك.

[الباب الرابع عشر] ما يحدث بالشقص من هدم أو بناء ولمن ثمن الهبة في الاستحقاق

[الباب الرابع عشر] ما يحدث بالشقص من هدم أو بناء ولمن ثمن الهبة في الاستحقاق [فصل 1 - الشفعة في الشقص يحدث فيه النقص] قال مالك: والقضاء في الشفعة أن المبتاع لا يضمن الشفيع ما حدث عنده في الشقص من هدم أو حرق أو غرق. قال ابن القاسم: أو ما غار من عين أو بئر، ولا يحط الشفيع لذلك من الثمن شيئاً، فإما أخذ بجميع الثمن أو ترك. قال مالك: وكذلك لو هدم المبتاع البناء ليبنيه أو ليوسع فيه، فإما أخذ ذلك الشفيع مهدوماً مع ما نقصه بجميع الثمن أو ترك. م: وإذا استحق نصفها وطلب أخذ بقيتها بالشفعة، فله أخذ النصف المستحق مهدوماً ونصف نصفه، وأخذ النصف الآخر بنقصه مهدوماً

بالشفعة بنصف جميع الثمن إن شاء، ولا يحط عنه للهدم شيء، ولو تلف النقض بأمر من الله عز وجل لم يكن عليه للنصف المستحق شيء؛ لأنه لم يتعد وأخذ النصف المستشفع فيه بنصف الثمن لا يحط عنه لتلف النقض شيء؛ لأنه لم يأخذ فيه شيئاً. وكذلك إن وهب النقض فهلك عند الموهوب بأمر من الله تعالى لم يضمن ذلك المبتاع الواهب ولا الموهوب وأخذ الشفيع بنصف جميع الثمن. م: قال بعض الفقهاء: كما قالوا فيما ولدت الجارية المغصوبة فوهبه الغاصب فمات عند الموهوب فلا ضمان على واحد منهما. وإن باع النقض وكان قائماً، فالأحسن من الأقاويل: أنه لا شفعة له إلا بأن ينقص بيع النقض ويأخذه؛ إذ هو قادر على ذلك وليس له أن يأخذ العرصة بما ينوبها من الثمن مع وجود النقض إن رضي المشتري بذلك؛ لأنه يصير آخذاً للعرصة بثمن مجهول وليس بمضطر إلى ذلك لما كان قادراً على أخذ النقض.

م: فإن قيل: فإن عرف ما ينوب النقض من الثمن وما ينوب العرصة. قيل: لا يلزم ذلك بائع النقض؛ لأنه يقول: إنما رضيت ببيع النقض برخص من الثمن رغبة في بقاء الأصل بيدي، فلا يلزمه ذلك إلا أن يرضى بذلك فيجوز، ويصير كمن أرضاه على أن يأخذ بعض مال له فيه الشفعة وسلم بعضه، فأما لو قال المستحق: أنا أجيز بيع نصيبي من الأنقاض في النصف الذي قد استحقه وأخذ النصف الآخر مع نصف العرصة بالشفعة لكان للمشتري الخيار في النصف المستحق من الأنقاض. فإن قيل: فلم كان للمشتري الخيار وهو لو استحق عليه نصف الأنقاض لم يكن له خيار؟ قيل له: لأن المستحق هاهنا قادر على إجازة بيع جملة ما استحق وما استشفع أو أخذ جملتها، فليس له أن يأخذ بعضها دون بعض، كمن استحق جملة سلع بيعت، فقال: أنا أجيز بيع نصفها وأرد النصف، لم يكن له ذلك، إلا على قولة لأصبغ أن ذلك له، ولأشهب نحوها.

[فصل 2 - الشفعة فيما لو هدم المبتاع ثم بنى] ومن المدونة قال: ولو هدم المبتاع ثم بنى، قيل للشفيع: خذ بجميع الثمن وقيمة ما عمر فيها. قال أشهب: يوم القيام، وله قيمة النقض الأول منقوضاً يوم الشراء بحسب كم قيمة العرصة بلا بناء، وكم قيمة النقض مهدوماً، ثم يقسم الثمن على ذلك، فإن وقع منه للنقض نصفه أو ثلثه فهو الذي يحسب للشفيع على المشتري، ويحط عنه من الثمن، ويغرم ما بقي مع قيمة البناء قائماً. [قال] ابن المواز: وهو قول مالك وأصحابه. م: وإنما قال: يغرم الشفيع قيمة العمارة يوم القيام؛ لأن المبتاع هو الذي أحدث البناء، وهو غير متعد فيه، والأخذ بالشفعة كالاشتراء، فعلى الشفيع قيمته يوم أخذه بشفعته، وإنما حسب للشفيع على المبتاع قيمة النقض مهدوماً يوم الشراء؛ لأنه لم يكن في هدمه متعدياً، فكأنه اشتراه مع العرصة مهدوماً ثم بنى به وهو في ملكه وضمانه، فوجب أن يأخذ العرصة بقيمتها من قيمة النقض من الثمن يوم الشراء كما لو اشتراها مع عرص. قال مالك: فإن لم يفعل فلا شفعة له. قيل لابن المواز: وكيف يمكن أن يحدث بناء في مشاع؟ قال: يكون قد اشترى الجميع وأنفق وبنى وغرس، ثم استحق رجل نصف ذلك مشاعاً، أو يكون شريك البائع غائباً فرفع المشتري إلى السلطان يطلب القسم،

والقسم على الغائب جائز، فيقسم السلطان للمبتاع حقه بعد الاستقصاء وضرب الجل ثم لا يبطل ذلك شفعة الغائب. [فصل 3 - الشفعة فيما لو استحق نصف الدار بعد هدمه وبنائه] ومن المدونة: -وقال في باب بعد هذا- ومن ابتاع داراً فهدمها وبناها ثم استحق رجل نصفها واستشفع، فإن دفع إليه في حصة الشفعة قيمة نصف بنائه وإلا لا شفعة له، ويقال له: في النصف الذي استحق، ادفع إليه قيمة نصف بنائه يوم القيام أيضاً، فإن أبى قيل للآخر: ادفع إليه نصف قيمة الأرض بغير بنيان إن كان قد هدم جميع بنيانها. م: يريد ويرى النقض الأول بغير انتفاعه، وأما لو بناها بنقضها لحسب للمستحق نصف قيمة ما سلم من نقض الدار مطروحاً يوم بنائه؛ لأنه لم يكن عليه في هدمه تعد ولا ضمان لما ذهب منه، وهو في ضمان المستحق إلى حين إفاتة المبتاع بالبناء. قال ابن القاسم: فإن أبيا كانا شريكين بقيمة ما لكل واحد منهما. [قال] ابن المواز: وإذا صارا شريكين في النصف المستحق بما ذكرنا فله نصف النصف الآخر بالشفعة إن شاء بنصف الثمن وبنصف قيمة ما بنى قائماً. يريد: يوم الحكم. [قال] ابن المواز: فتكون الدار بينهما؛ لأنه لما شاركه في نصفه الذي استحقه فقد احتبس نصف النصف المستحق، فله من شفعته بقدر ما أخذ في الاستحقاق ويحسب على المستحق فيما أخذ منه بالشفعة قيمة ربع بعض الدار منقوضاً يوم الشراء؛ لأنه قد

أدى للمشتري قيمة ذلك مبنياً مع نقضه. م: ولو كان لما قيل للمشتري: ادفع إليه نصف قيمة عرصته فدفعها، فأراد المستحق أخذ النصف الثاني بالشفعة، فله ذلك على قول من رأى أنه إذا باع ما يستشفع به فلا يسقط ذلك شفعته، وليس له ذلك على قول من قال: إذا باع سقطت شفعته. [فصل 4 - الشفعة فيما لو استحق نصف الدار بعد فوات النقض] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اشترى داراً فهدمها وباع النقض، ثم استحق رجل نصفها وقد فات النقض عند مبتاعه، فإن المستحق إن لم يجز البيع في نصيبه أخذ نصفها ونصف ثمن النقض باستحقاقه، ثم إن شاء أخذ بقيمتها بالشفعة، فإن أخذه قسم نصف ثمن الدار على قيمة نصف ثمن الأرض وقيمة نصف الشقص منقوضاً يوم الصفقة. يريد: صفقة شرائه، ثم أخذ نصف الأرض بما ينوبها، ولا ينظر إلى ثمن ما باعها به، وأما ما قابل النقض من الثمن فلا شفعة فيه لفواته وثمنه للمبتاع. وقال ابن المواز: وإن باع النقض وقبض ثمنه، فللمستحق أخذ نصف الدار بالشفعة بجميع ثمن النصف إلا أن يحسب له على المشتري للشفيع في الثمن الأقل مما وصل إليه من نصف ثمن النقض أو من قيمته ملغي من الثمن أجمع بعد قبض الثمن على الأرض،

والنقض ملغي يوم الصفقة؛ لأن المبتاع يقول: ليس لك علي في ثمن النقض شفعة فتكون أحق به، وإنما لك أخذ النقض إن وجدته قائماً، فإن فات فلك قيمة ما بيع عليه من الثمن، وإن شاء قال: مالك علي فيه إلا ما صار إلي من ثمنه؛ إذ هو أقل من قيمته؛ لأني لو حابيت في ثمنه لم يكن لك علي إلا ما صار إلي من ثمنه واتبع أنت بالمحاباة مشتريه، وإن لم يصل إلي من ثمنه شيء أو وهبته لم ينقص من ثمن الشقص شيء، وأما في النصف المستحق فله ثمن النقض على بائعه قل أو كثر. م: وقو ل ابن القاسم أبين؛ لأن الأنقاض لما هدمت كانت كعرض اشترى مع العرصة وهو لو باع العرض المشترى مع العرصة لم ينظر إلى ثمنه وكان له أخذ العرصة بما ينوبها من الثمن من قيمتها من قيمة العرصة، فكذلك حكم النقض، والله أعلم.

[فصل 5 - في شفعة النقض ولما يفت] ومن المدونة: ولو وجد المستحق النقض لم يبع، أو وجده قد بيع وهو حاضر عند مبتاعه لم يفت، فله أخذ نصفه مع نصف العرصة بالاستحقاق وباقيها بالشفعة، ولا يضمن المبتاع في الوجهين لهدمه شيئاً. [قال] ابن المواز: وليس للشفيع أن يجيز بيع النقض ويأخذ ثمنه من بائعه مع نصف العرصة بشفعته بنصف الثمن؛ لأنه لا شفعة له في الثمن، كان الثمن عرضاً أو عيناً، وفي العين أشد وأحرم، وكيف يحكم له بثمن ما لم يملكه قط ولم يضمنه بشفعته، ولا يكون للشفيع أن يسلم بعض الصفقة ويأخذ بعضها فهذا يريد أن يأخذ الأصل ويسلم النقض. قال ابن المواز: ولو أخذ نصف الدار باستحقاقه وسلم شفعته في النصف الثاني لكان لمستحق الشفعة في النقض؛ لأنه صار شريكاً للمبتاع فيما باع من النقض أو من العرصة، فلشريكه فيه الشفعة. [قال] ابن المواز: وقد روى أشهب أن المستحق إذا أخذ نصف الدار بالشفعة

أن له أن يأخذ ثمن ما بيع من النقض قل أو كثر، فإن كان أكثر من ثمن نصف الدار كما يأخذه عما استحقه، وهو وهم لم يصوبه أحد من أصحابه. [فصل 6 - فيما لو أبى الشفيع أخذ ما استحق من الدار مهدوماً، أو هدمه أجنبي] ومن المدونة: وإن أبى أن يأخذ ما استحق من الدار مهدوماً، قيل له: فارجع على البائع بالثمن الذي باع به حصتك إن أحببت، وإن هدم الدار أجنبي تعدياً وأتلف النقض فلم يقم عليه المبتاع حتى قام المستحق فاستشفع، فله الشفعة فيما بقي من حصته بالتقويم كما لو باعه المبتاع ينظر ما قيمتها بلا بناء وما قيمة البناء مهدوماً، فيقسم الثمن على ذلك، فيأخذ العرصة بحصتها من الثمن بشفعته، ثم يتبع المشتري الهادم بنصف قيمة ما هدم فكان له، ويتبعه المستحق بمثل ذلك. يريد: يتبعانه جميعاً بما بين قيمة الدار مهدومة وقيمتها صحيحة، وهذا بخلاف ما انهدم بأمر من الله تعالى، لأن المتعدي هاهنا ضامن فجرى مجرى البيع. وقال بعض الفقهاء: لا يشبه ذلك البيع؛ لأنه في البيع إنما باع النقض مهدوماً وما أحدثه من الهدم فلا يضمنه، ولا يحسب عليه فيه شيء، والجاني هاهنا متعد في الهدم، فهو يتبع بما هدم قائماً، فكيف يربح المشتري.

م: وما قاله ابن القاسم فهو جار على مذهبه؛ لأنه يقول إذا باعه بمائة وكان ما يقع عليه من الثمن في النقض خمسين لم يكن عليه إلا ذلك، ويربح الخمسين، فكذلك إذا كان يأخذ في قيمة الهدم من الهادم مائة ويخص قيمته مهدوماً من الثمن خمسون، أن ذلك له كالبيع. وقال ابن المواز: إذا لم يقدر على الهادم فلا يأخذ الشفيع إلا بجميع الثمن كالهدم من السماء. م: وهذا بين؛ لأنه إذا لم يقدر على الأخذ منه فلا نفع يصل إلى المشتري من ذلك، فهو كالهدم من الله تعالى. وهذا لا يخالفه ابن القاسم؛ لأن ابن القاسم إنما قال: فلم يأخذ المشتري فيه ثمناً حتى استحق هذا نصف الدار، فظاهر كلامه أنه ممن يقدر على الأخذ منه، فلما استحق هذا وجب أن يطالبه كل واحد منهما بماله قبله، فأشبه ما يأخذ المشتري من الثمن في البيع.

[فصل 7 - الشفعة فيما لو ترك المبتاع قيمة ما هدم] ومن المدونة قال: ولو كان المبتاع قد ترك للهادم قيمة ما هدم فللمستحق طلب الهادم بنصف قيمة ذلك من النصف المستحق، ويسقط عنه حصة المبتاع، وإن كان الهادم عديماً أتبعه المستحق دون المبتاع. [قال] ابن المواز: قال ابن القاسم: وسواء كان المتعدي عديماً أو موسراً فإنه يحسب للشفيع على المشتري قيمة النقض كما لو باعه. قال: وقال أيضاً ابن القاسم: إن هدمها أجنبي تعدياً فليتبعه مستحق نصفها بنصف قيمة الهدم، وإن أخذ بالشفعة أخذ بنصف جميع الثمن، ولا يحط عنه للهدم بشيء. [قال] ابن المواز: وهو أحب إلينا، وكذلك لو ترك المبتاع للهادم قيمة ما هدم، أو وجده عديماً فتركه، ثم جاء الشفيع لم يكن له أن يأخذ الشقص المهدوم إلا بنصف الثمن لا ينقص للهدم شيء؛ لأنه لم ينتفع ولكنه أمر نزل به مغلوباً مثل الحرق والغرق وشبهه، فمتى ما أخذ من المتعدي شيئاً كان ذلك للشفيع. وذكر ابن المواز القول الأول عن ابن القاسم في كتاب الغصب. قال محمد: وإنما ذلك إذا كان المتعدي موسراً يقدر المشتري على أخذ ما وجب له عليه، فأما من لا يقدر على أخذ ذلك منه فهو بمنزلة ما هلك بأمر من الله، فلا

يأخذ ذلك بالشفعة إلا بالثمن كله، فإما إن كان مليئاً فللشفيع أن يحسب على المشتري قدر قيمة ذلك نقضاً يوم الشراء من قيمة العرصة من الثمن، ويتبع المشتري الهادم بقيمة ذلك قائماً يوم هدمه بالغاً ما بلغ. وقد جعله ابن القاسم مثل بيعه للنقض؛ لأنه قد وجب له على المتعدي شيء يرجع به، فهو بخلاف ما هلك بأمر من الله، وذلك في المليء. وقال أشهب في المجموعة: إذا هدمها رجل بيد المبتاع ظلماً، فللمستحق أن يأخذ من المبتاع نصف ما ابتاع مهدوماً ولا شيء له في الهدم، ويأخذ بقية الدار بالشفعة. يريد: نصف جميع الثمن. قال: ويتبع هو الهادم بما بين قيمة الدار مهدومة وقيمتها مبنية، وإن لم يستشفع اتبعه هو والمبتاع بذلك. وأنكر سحنون قول ابن القاسم إذ جعله كالبيع، وقال: يقول أشهب هذا. [فصل 8 - فيمن استحق داراً وهب لرجل قد هدمها، وجارية استحقت بحرية] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اشترى داراً فوهبها لرجل فهدمها، أو وهب نقضها لرجل فهدمه، ثم استحق رجل نصفها فلا شيء له على الهادم فيما هدم وهو كالمشتري، ولو وهب الدار مبتاعها لرجل، ثم استحق رجل نصفها وأخذ باقيها بالشفعة، فثمن النصف المستشفع للواهب، بخلاف من وهب شقصاً ابتاعه وهو يعلم أن له شفيعاً هذا ثمنه للموهوب إذا أخذه الشفيع.

[قال] ابن المواز: وقال أشهب: بل الثمن للواهب في الوجهين كالاستحقاق، وقد تقدم هذا. قال ابن القاسم: ومن وهب لرجل أمة فاستحقت بحرية، أو أنها مسروقة، فما رجع به من ثمنها فللواهب أو لورثته دون الموهوب.

[الباب الخامس عشر] في الشفعة في البيع الفاسد والولية فيه

[الباب الخامس عشر] في الشفعة في البيع الفاسد والولية فيه [فصل 1 - هل في البيع الفاسد شفعة؟] قال مالك: ويفسخ البيع الفاسد في الدور وغيره إذا لم يفت ولا شفعة فيه، ولو علم به بعد أخذ الشفيع فسخ بيع الشفعة والبيع الأول؛ لأن الشفيع دخل مدخل المشتري. وكذلك لو باعها المبتاع من غيره بيعاً فاسداً لرد البيع الأول والآخر جميعاً إلا أن يفوت، ويجب في ذلك القيمة فلا يرد. ومن كتاب ابن المواز: فإن لم يفسخ بيع الشفعة حتى فاتت بيد الشفيع بما يفوت به الربع في البيع الفاسد، فرجع البائع على المشتري بقيمته يوم قبضه لزم الشفيع ما لزم المشتري من تلك القيمة إلا أن تكون أكثر مما أخذ به الشفيع، فالشفيع مخير إن شاء رد الشفعة وإن شاء تماسك بها بتلك القيمة ما بلغت.

[فصل 2 - في فوات الشقص قبل أخذ الشفيع] قال: وإن كان فوات الشقص عند المشتري قبل أخذ الشفيع ثم أخذه الشفيع ثم ترادا البائع والمبتاع القيمة انتقضت الشفعة بكل حال، وخير الشفيع إن شاء أخذه بالقيمة التي رجع المشتري إليها ما بلغت وإن شاء سلم. قال ابن المواز: بل ذلك سواء فات عند المشتري قبل أن يأخذ الشفيع بالثمن الأول، أو لم يفت حتى أخذه الشفيع فقد لزم الشفيع أخذه بما ترادا به إلا أن يكون أكثر فيكون مخيراً بين أن يرده أو يأخذه بذلك. م: وقال بعض فقهاء القرويين: إن فات الشقص عند المشتري قبل أخذ الشفيع أخذ بالقيمة، فإن لم يعلم وأخذه بالبيع الفاسد رد ذلك إلا أن يفوت عند الأخذ بالشفعة، فيكون عليه الأقل من قيمته يوم قبضه هو، أو القيمة التي وجبت على المشتري؛ لأنه لا يقدر على رده لفواته عنده. قال: فإن قال: فإني لا آخذ بالشفعة، رد قيمة ما قبض، وإن أخذه بالشفعة أخذ بمثل القيمة التي وجبت على المشتري ولو كان أخذه بالشفعة قبل فوات ففاته عنده كان عليه الأقل كما تقدم.

م: وهذا خلاف ما تقدم لابن المواز، وهذا أبين؛ لأن الأخذ بالشفعة كالشراء، فإذا فات عند الشفيع لزمته القيمة يوم قبضها، فإن كانت أكثر قال: أنا آخذ بما لزم المشتري. [فصل 3 - الشفعة فيما لو لم يفسخ البيع الفاسد حتى فات] ومن المدونة: وإذا لم يفسخ البيع الأول حتى فات ولزمت المبتاع قيمته يوم قبضه، ففيه حينئذ الشفعة بتلك القيمة. [قال] ابن المواز: وليس للشفيع أخذها إلا بعد معرفته بالقيمة التي لزمت المشتري، فإن أوجبها على نفسه قبل معرفته بالقيمة وإن كانت قد وجبت فذلك باطل. [فصل 4 - بم يفوت الربع بالبيع الفاسد] ومن المدونة: ويفيت الربع في البيع الفاسد البناء والهدم والغرس وبناء البيوت وعطب الغرس، وليس تغير سوق الرباع فوتاً، ولا أعرف أن تغير البناء فوت، أو طول المدة السنتين والثلاث فوت.

[قال] ابن المواز: وقال أشهب: حوالة الأسواق في الرباع فوت مثل غيرها من الأشياء. [فصل 5 - في شفعة الدار إذا فاتت] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا فاتت الدار ببناء زاده المبتاع فيها لم يأخذها الشفيع حتى يدفع إلى المبتاع قيمة ما أنفق مع القيمة التي لزمته، وإن انهدمت الدار لم ينقض لشفيع للهدم شيئاً، وقيل له: خذها بجميع القيمة التي لزمت المبتاع أو دع، فذلك فوت أيضاً، وللشفيع الأخذ بثمن البيع الصحيح ويترادان الأولان القيمة. وكذلك من ابتاع شيئا من جميع الأشياء بيعا فاسدا ثم باعه بيعا صحيحا قبل أن يفوت عنده، ثم البيع الثاني ويترادان الأولان القيمة، وليس للشفيع الأخذ بالبيع الأول الفاسد؛ لأنا نزيل البيع الذي أفاته، ويعود بيعا فاسدا لا يفوت فيه، هذا إذا لم تفت الدار ببناء أو هدم، وأما 'ن فاتت بذلك فليأخذ الشفيع إن شاء

بالثمن الصحيح أو بالقيمة في البيع الفاسد. يريد: بعد معرفته بتلك القيمة. قال: وإن لم يفت بهذا، إلا أن المتابعين ترادا القيمة بعد البيع الثاني، فللشفيع أن يأخذ بأي ذلك شاء لتمام البيع بأخذ القيمة، تراداها بقضية أو بغير قضية؛ لأن مبتاع الصحة لو رد ذلك بعيب وجده بعد أن ترادا الأولان القيمة لم يكن للمبتاع الأول ردها على البائع الأول بالبيع الفاسد؛ لأنه بيع قد صح بينهما بأخذ القيمة، ولكن له الرد بالعيب ويأخذ القيمة التي دفع. وقد قال مالك في المكتري يتعدى الموضع فتتلف الدابة فيغرم القيمة، ثم توجد بحالها فليس لربها أخذها؛ لأنه قد أخذ قيمتها. قال ابن عبدوس: قال سحنون كيف يكون للمشتري الأول ردها بالعيب على البائع الأول والبيع الأول قد انتقض ووجبت فيه القيمة لفوته، وإنما يجب عليه الرجوع بفضل ما بين القيمتين قيمتها صحيحة وقيمتها معيبة، فيصير على المشتري غرم قيمة ما فات في يده وليس له ردها، كقولهم فيمن تعدى على دابة

رجل فضلت فغرم قيمتها بعد أن وصفها وحلف، ثم وجت على غير ما وصف، فليس لربها أخذها وإنما له تمام القيمة. [فصل 6 - حكم التولية في البيع الفاسد] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا تجوز التولية في البيع الفاسد ويرد؛ لأن المبتاع إن كان ابتاع على أن أسلف فقد دخل الثاني مدخله. ولو قال له: هذه السلعة قامت علي بمائة دينار وأنا أبيعكها بذلك كان كاذبا؛ لأنه إن كان اشتراها بمائة على أن أسلفه عشرة دنانير وقيمة السلعة خمسون دينار فلم تقم عليه بمائة، ويخير المبتاع منه في أخذها بمائة أو ردها، فإن فاتت بيده قبل أن يختار لزمه الأقل من قيمتها أو من المائة.

[الباب السادس عشر] في شفعة من اشترى المديان وبيع الشفعة ووكالة الشفيع على بيع الشقص أو شرائه والتداعي في الدور والكفالة في بيعها

[الباب السادس عشر] في شفعة من اشترى المديان وبيع الشفعة ووكالة الشفيع على بيع الشقص أو شرائه والتداعي في الدور والكفالة في بيعها [فصل 1 - فى شفعة المديان] قال مالك: ومن ابتاع شقصاً فيع فضل، فقام غرماؤه في فلسه أو موته، فللشفيع أخذ الشقص دونهم. قال مالك: وإذا ترك من أحاط الدين بماله القيام بشفعته فليس لغرمائه أخذها، وذلك إليه أخذ أو سلم. قال ابن المواز: قال أشهب: وذلك ما لم يفلس، فإذا فلس فلغرمائه أن منعه من أخذ الشفعة إذا كان ذلك نظرا لهم وله، وليس لهم أن يكرهوه على الأخذ

بالشفعة وإن كان فيه فضل كثير ونظر له ولهم، كما لا يعتصر لهم ما وهب لابنه الصغير. قال أشهب: والقياس أن لا يكون للشفيع أخذها لتباع لغرمائه؛ لأنه إنما يأخذ لغيره، كما ليس له أن يعتصر إذا فلس؛ لأنه إنما يعتصر لغيره. ولو قاله قائل: لم أعبه ولكني آثرت الاستحسان من قبل أن ورثته يقومون بعد موته مقامه في الأخذ أو الترك، وليس لهم اعتصار ما وهب. وصوب سحنون قول أشهب الذي قاله: انه القياس في المجموعة واستجاده. وقال: لأن الشفعة في السنة إنما هي للضرر بالشفيع. [قال] ابن المواز: قال أشهب: وإذا مات الشفيع ليس لغرمائه أخذ شفعته، وذلك لورثته إن شاءوا أخذوا أو سلموا، فإن أخذها ورثته بمال الميت بيعت عليهم في دين الميت وأخذ الغرماء الثمن والفضل، فإن بقي شيء عن دينهم كان ميراثا، وإن أخذوها بما لهم بيعت أيضا ودفع إلى الورثة رأس مالهم وقضي بالفضل دين الميت، فإن لم يسو إلا رأس المال فأقل لم تبع عليهم. قال ابن عبدوس: قال سحنون: لمالك فيها تفسير لم يقع عليه أشهب، وكانت تعجب سحنون، ويراها أصلاً حسناً وهي للمغيرة.

قال سحنون: قال مالك: يبدأ بالورثة، فيقال لهم: إن قضيتم الدين فلكم الشفعة؛ لأن الميراث بعد الدين، فإن أبوا وبيع ميراث الميت للدين فلا شفعة لهم؛ لأن الشقص الذي يستشفع به قد بيع ولم يملكوه في حال ولا حلوا محل الميت لتبرئتهم من تركته. قال المغيرة: ولا شفعة أيضا للغرماء؛ لأنهم لا يملكون الشقص الذي به الشفعة. [فصل 2 - حكم التنازل عن الشفعة على مال يأخذه] ومن المدونة قال مالك: وإذا سلم الشفيع الشفعة بعد الشراء على مال أخذه جاز، وإن كان قبل الشراء بطل ورد المال وكان على شفعته. قال مالك: ومن وجبت له شفعة فأتاه جنبي فقال له: خذها بشفتك ولك مائة دينار أربحك فيها، لم يجز ويرد ذلك إن وقع، ولا يجوز له أن يأخذ شفعته لغيره. [فصل 3 - حكم بيع الشقص قبل أخذه بالشفعة] قال مالك: ولا يجوز بيعه للشقص قبل أخذه إياه بشفعته؛ لأنه من بيع ما ليس عنده، وهذا بخلاف تسليمها للمشتري على مال يأخذه منه فذلك جائز؛ لأنه لم يبع

منه شقصا إنما باع منه حقا وجب له. [فصل 4 - التوكيل في بيع الشقص وشرائه] قال مالك: ومن وكل رجلا يبيع له شقصا أو يشتريه والوكيل شفيعه ففعل لم يقطع ذلك شفعته. [قال] ابن المواز: قال أشهب: لأن الشفعة إنما وجبت للوكيل بعد أن باع أو بعد أن اشترى. [فصل 5 - حكم التداعي في لبدور] ومن المدونة قال مالك: وإذا كانت دار بيد أحد رجلين فأقام كل واحد منهما بينة أنه ابتاعها من الآخر، قضيت بأعدلهما، فإن تكافأتا بقيت الدار لمن هي بيده. [قال] ابن المواز: وإن تداعى رجلان شقصا كل واحد يدعي أنه اشتراه من الآخر وهو بيد غيرهما، وأقام كل واحد منهما بينة وكانت شهادتهما في مجلس واحد أو مجلسين ولم يؤرخا وتكافأتا في العدالة سقطتا، وكان الشقص لمن يقر له به

الذي هو بيده، وللشفيع عليه الشفعة، وإن قال الذي هو بيده: لا أدري لمن هو منهما، قسم بينهما وبين أيمانهما، ويأخذ الشفيع من كل واحد منهما النصف بما أقر أنه اشتراه به، فإن نكلا لم يكن لهما من الشقص شيء ولا شفعة فيه، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر، فهو لمن حلف ويؤخذ منه بالشفعة، ولو كان بيد أحدهما فهو لمن هو بيده مع يمينه، فإن نكل حلف الآخر وكان الشقص له ويأخذه الشفيع ممن قضي له به، وإن كانت إحداهما أعدل من الأخرى ولم يؤرخا قضي بأعدلهما. قال أشهب: وإن أرخت إحداهما ولم تؤرخ الأخرى قضي بالتي أرخت، وإن أرختا جميعا قضي بآخرهما تأريخا، ويأخذ الشفيع بأي الثمنين شاء ويكتب عهدته على من شاء أن يأخذ منه، فإن أخذ من الآخر لم يرجع واحد منهما على صاحبه، وإن أخذ من الذي لم يقض له به دفع إلى المقضي له به ما ذكر أنه اشتراه به ودفع فضل ذلك إلى الآخر. [فصل 6 - الكفالة في بيع الشقص] ومن الشفعة: ومن ابتاع داراً وأخذ من البائع كفيلا بما أدركه من درك فبنى في الدار ثم استحقت، لم يلزم الكفيل في قيمة البناء شيء، ولكن يقال للمستحق: ادفع

إلى المبتاع قيمة ما بنى، أو خذ قيمة البناء دارك، فإن دفع ذلك وأخذ الدار رجع المبتاع بالثمن على البائع، فإن كان غائبا أو عديما رجع به على الحميل.

[الباب السابع عشر] في ثمن الشقص يموت أو يرد بعيب أو يستحق قبل أخذ الشفيع أو بعده واختلاف الشفيع والمبتاع في قيمته واستحقاق الشقص أو رده بعيب والرجلين يعي كل واحد أنه باع أو اشترى من الآخر

[الباب السابع عشر] في ثمن الشقص يموت أو يرد بعيب أو يستحق قبل أخذ الشفيع أو بعده واختلاف الشفيع والمبتاع في قيمته واستحقاق الشقص أو رده بعيب والرجلين يعي كل واحد أنه باع أو اشترى من الآخر [فصل 1 - في ثمن الشقص يموت أو يرد بعيب] قال مالك ومن ابتاع شقصاً من دار بعبد بعينه فمات العبد بيده فمصيبته من بائع الشقص، وللشفيع الأخذ بقيمة العبد وعهدته على المبتاع؛ لأن الشفعة وجبت له بعقد البيع. قال: فإن أخذ الشفيع بقيمة العبد ثم وجد بائع الشقص بالعبد عيبا، فله رده ويأخذ من المبتاع قيمة الشقص وقد مضى الشقص للشفيع بشفعته، بخلاف البيع الفاسد الذي تبطل فيه الشفعة؛ لأن البيع فسد لعينه، والعيب لو رضيه البائع لتم، وإن استحق العبد قبل قيام الشفيع بطل البيع ولا شفعة في ذلك، وإن استحق بعد أخذ الشفيع فقد مضت الدار للشفيع، ويرجع بائع الشقص على مبتاعه بقيمة الشقص

كاملا كان أكثر مما أخذ فيه من قيمته الشفيع أو أقل، ثم لا تراجع بينه وبين الشفيع؛ إذ الشفعة كبيع ثان. [قال] ابن المواز: وقاله ابن القاسم وأشهب وأصبغ، وهو أحب ما في ذلك إلي. [قال] ابن المواز: وقال عبد الملك: ينتقض ما بين الشفيع والمشتري كما انتقض ما بين البائع والمشتري، ثم إن شاء الشفيع أن يأخذ بما حصل بيد البائع مما تراجعا إليه، وإن شاء ترك إن كان قيمة الشقص أكثر أخذ بها إن شاء، وإن كانت قيمته أقل رجع الشفيع بما بقي. وكذلك عن عبد الملك وسحنون في المجموعة. م: بيان ذلك إن كان قيمة العبد خمسين فأخذ بها الشفيع، فلما استحق العبد رجع بائع الشقص بقيمة شقصه فكانت ستين، فلا تراجع بينهم عند ابن القاسم؛ لأن أخذ الشفيع تفويت، وكذلك لو كانت قيمة الشقص أربعين.

وعبد الملك يرى: إن كانت قيمة الشقص ستين، فالشفيع مخير إن شاء أدى عشرة تمام قيمة الشقص وإن شاء رد الشقص، وإن كانت قيمة الشقص أربعين استرجع عشرة؛ لأنه كشف الغيب أن قيمته هي ثمنه فيها يجب أن يأخذ الشيع. [فصل 2 - حكم من ابتاع شقصا بحنطة بعينها] ومن المدونة قال مالك: من ابتاع شقصا بحنطة بعينها فاستحقت الحنطة قبل أخذ الشفيع، فسخ البيع ولا شفعة في ذلك. وكذلك إن ابتاع الحنطة بثمن فاستحقت، بطل البيع ورجع على البائع بالثمن، وليس على البائع أن يأتي بمثلها. قال في رواية الدباغ: وإن كان الاستحقاق بعد أخذ الشفيع مضى ذلك ورجع بائع الشقص على المبتاع بمثل الحنطة. قال ابن المواز: وهذا غلط بل يرجع بائع الشقص على المبتاع بقيمة الشقص، وقاله سحنون.

[فصل 3 - فيمن ابتاع أرضا بعبد فاستحق النصف] ومن المدونة: وقال ابن القاسم في باب بعد هذا: ومن ابتاع أرضا بعبد فاستحق نصف الأرض قبل تغير سوق العبد فله رد بقية الأرض وأخذ عبده، فإن شاء المستحق أن يأخذ بقيتها بالشفعة بنصف قيمة العبد فذلك له وعهدته على المبتاع. يريد: ويرجع المبتاع على البائع بنصف قيمة عبده لضرر الشركة، في قول ابن القاسم، وفي أحد قولي أشهب: يرجع في العبد نفسه. [فصل 4 - التدليس وأثره في الشفعة] م: وقال ابن القاسم في العتبية: وإذا ابتاع دار ثم ردها بعيب دلس له به البائع، ثم استحق رجل نصفها بعد أن ردها، فالشفعة له من حساب جميع الثمن. م: جعل الرد بالعيب كبيع مبتدأ. وقال أشهب في المجموعة: ومن ابتاع شقصا فوجد به عيبا فأراد رده وطلب الشفيع وأخذه ورضي بعيبه، فللمبتاع رده ولا شفعة للشفيع، وقاله سحنون في

العتبية وفي استحقاق أكثر ما اشترى فهو المقدم في الخيار، فإن اختار التماسك فللشفيع الشفعة. [فصل 5 - في اختلاف المبتاع والشفيع في القيمة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن ابتاع شقصا من دار بعرض، فاختلف المبتاع من الشفيع في قيمته وقد فات بيد البائع أو لم يفت، فإنما ينظر إلى قيمته يوم الصفقة لا اليوم، فإن كان مستهلكا صدق المبتاع في قيمته مع يمينه، فإن جاء بما لا يشبه صدق الشفيع فيما يشبه، فإن جاء بما لا يشبه وصفه المبتاع وحلف على صفته وأخذ الشفيع بقيمة تلك الصفقة يوم الصفقة أو ترك، فإن نكل المبتاع حلف الشفيع على ما يصف هو وأخذ بقيمة صفته. قال ابن المواز: إذا هلك العرض وهو ثمن، فأتيا جميعا بما لا يشبه، قيل للمبتاع: احلف ولك أقصى ما لا يتبين فيه كذبك، فإن أبى حلف الشفيع وكان عليه أدنى ما لا يظهر فيه كذبه، فإن نكل نظر، فإن ادعى أنه حضر أو علم الثمن ونكل لم يأخذه إلا بأكثر مما لا يتبين فيه كذب المبتاع، فإن لم يدع العلم فليس

بناكل والمبتاع ناكل، فيكون للشفيع بأقل مما ادعى مما لا يعرف فيه كذبه بعد أن يحلف أنه ما يعلم ما ادعى المشتري. قال ابن المواز: فإن حلف فأحب إلي أن يحبس المشتري حتى يحلف، وإن ادعى الشفيع العلم ونكل فلا شفعة له. وروى أشهب وابن وهب عن مالك: أنه إذا هلك العرض فزعم المشتري أن قيمته ألف، وقال البائع أقل، فليحلف المشتري على ما قال، ثم إن شاء الشفيع أخذ بذلك وإلا ترك أن تقوم بينة بخلاف ذلك. وقال عبد الملك: إذا أبى المشتري أن يحلف، فقد مضت من أصحابنا في هذه قضية، وهي صواب: أن الشفيع يقبض الشقص إن شاء، ويقال للمشتري: متى أثبت حقك بشهادة أو حلفت فلك القيمة من يوم سلمته إلى البائع، وإن قال الشفيع: لا أقبضه لأني لا أدري لعله يكثر فلا بد حينئذ من أن يحلف المشتري على ما يعلمه أو يسجن.

[فصل 6 - الشفعة فيما إذا أنكر المشتري وادعاه البائع] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا أنكر المشتري الشراء وادعاه البائع ودعاه البائع فتحالفا تفاسخا، فليس للشفيع أن يأخذ بالشفعة بإقرار البائع؛ لأن عهدته على المشتري، فإذا لم يثبت للمشتري شيء فلا شفعة للشفيع. قال أبو محمد: قوله فتحالفا: إنما يعني أن المبتاع وحده يحلف، فإذا حلف برئ. قال محمد: وإن كان المدعي عليه الشراء غائبا بعيد الغيبة، فللشفيع أخذ ذلك. قال في باب آخر: ويدفع الثمن إلى البائع إن لم يفر بقبضه، ولا يكون له على البائع عهدة إلا في الاستحقاق، ويكتب للغائب العهدة في كل شيء، ثم إن قدم الغائب فأقر كتب عليه العهدة، وإن أنكر حلف ورجع الشقص على بائعه. قال ابن المواز: وأحب إلي أن لا يرجع على البائع إذا رضي أن يأخذه بلا كتاب عهدة، ولكن يشهد على البائع بقبض الثمن، وتلزمه عهدة الثمن فقط. قال أحمد بن ميسر: وإذا لم يثبت البيع إلا بإقرار أحد المبايعين فلا شفعة فيه. [فصل 7 - حكم الشفعة بالإقرار] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن أقر رجل أنه ابتاع هذا الشقص من فلان الغائب فقام الشفيع، فلا يقضي له بالشفعة بإقرار هذا حتى تقوم له بينة على الشراء؛

لأن الغائب إذا قدم فأنكر البيع، له أن يأخذ داره ويرجع على مدعي الشراء بكراء ما سكن. وإذا قضى قاض للشفيع بإقرار هذا لم يرجع عليه الغائب بذلك ولا على مدعي الشراء، فيبطل حق الغائب في الغلة بلا بينة. [قال] ابن المواز: وقال أشهب: إن كان الشقص بيد المدعي للشراء ففيه الشفعة، ثم إن جاء البائع فأنكر ولم تكن له بينة أخذ شقصه، ورجع الشفيع بالثمن. قال ابن المواز: وقول ابن القاسم أحب إلينا.

[الباب الثامن عشر] فيمن ابتاع شقصا ودراهم بعبد وما لا شفعة فيه

[الباب الثامن عشر] فيمن ابتاع شقصا ودراهم بعبد وما لا شفعة فيه [فصل 1 - الشفعة فيمن ابتاع عبد بشقص ودراهم] قال مالك: ومن ابتاع عبدا قيمته ألف درهم بألف درهم وبشقص قيمته ألف درهم، ففي الشقص الشفعة بنصف قيمة العبد وذلك خمسمائة. [فصل 2 - الشفعة في العرض التي لا ينقسم] قال مالك: ومن كان بينه وبين رجل عرض مما لا ينقسم، فأراد بيع حصته، قيل لشريكه: بع معه أو خذ بما يعطى، فإن رضي وباع حصته شائعة فلا شفعة لشريكه. [فصل 3 - الشفعة في العيون والآبار] قال: وإن كان بينهما أرض ونخل ولها عين، فاقتسما الأرض والنخل خاصة، ثم

باع أحدهما نصيبه من العين فلا شفعة فيه، وهو الذي جاء فيه ما جاء ألا شفعة في بئر قال: وإن لم يقتسموا، ولكن باع أحدهم حصته من العين أو البئر خاصة، أو باع حصته من الأرض والعين جميعا، ففي ذلك كله الشفعة. قال: ويقسم شرب العين بالقلد، وهي القدر. وقال ابن القاسم عن مالك في العتبية: إن الشفعة في الماء الذي يقسمه الورثة بينهم بالأقلاد وإن لم يكونوا شركاء في الأرض التي تسقى بتلك العيون والحيوان. قال مالك: وأهل كل قلد يتشافعون بينهم دون شركائهم [فصل 3 - الشفعة في النخل إذا قسمت دون الأرض] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن كان بينهما أرض ونخل فاقتسما النخل خاصة، فلا شفعة لأحدهما فيما باع الآخر من النخل لأن كل ما قسم عند مالك فلا شفعة

فيه. م: أراه يريد اقتسماها على القلع، ولو كان على البقاء لم يجز قسمتها إلا بأرضها؛ إذا لو قسمت الأرض على حدة والنخل على حدة صار لكل واحد نخله في أرض صاحبه، قاله ابن القاسم في هذا الكتاب وكتاب القسم. قال ابن المواز: ولو قسمت النخل وحدها بلا أرض بشرط فسخ ذلك بينهم. [فصل 4 - الشفعة فيما لو باع نخلة في بستان] ومن المدونة: قال مالك: ومن باع نخلة له في جنان رجل، فلا شفعة لرب الجنان فيها، وإذا كانت نخلة بين رجلين فباع أحدهما حصته منها، فلا شفعة لصاحبه فيها. قال في رواية ابن المواز: وإن بيعت بثمرها. قال ابن حبيب: وقال ابن الماجشون: فيها الشفعة؛ لأنها من الأصول، وبه قال أشهب وأًبغ وابن حبيب. تم كتاب الشفعة الأول بحمد الله وعونه.

كتاب الشفعة الثاني

كتاب الشفعة الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم كتاب الشفعة الثاني [الباب الأول] فيمن ابتاع أرضا فزرعها أو نخلا فأثمرت عنده أو كان ذلك فيها ثم قام شفيع أو مستحق وحكم الغلة في ذلك [فصل 1 - الشفعة في الأرض بعد زراعتها وفي النخيل بعد طلعها] قال مالك رحمه الله: ومن اشترى شقصاً من أرض فزرعها فللشفيع أخذها بالشفعة ولا كراء له والزرع للزارع، ولو غرسها المبتاع شجرا أو نخلا فإما أدى الشفيع قيمة ذلك قائما مع ثمن الأرض وإلا فلا شفعة له. قال: ومن ابتاع أرضاً فزرعها ثم استحقها رجل فلا شيء له من الزرع ولا كراء له إلا أن يقوم في إبان الزراعة فيكون له كراء مثلها، وإن استحق نصف الأرض خاصة واستشفع فله كراء ما استحق إن قام في إبان الزراعة على ما وصفنا، ولا كراء له فيما استشفع.

م: يريد لأن نصف الأرض المستحق قد كان في ملكه قبل أن يزرع، والذي أخذ بالشفعة لم تجب له إلا بعد أخذه وقد زرعها المشتري وهي في ملكه فافترقا. [قال] ابن المواز: فإن كان حين استحق نصف الأرض خاصة واستشفع ولم يبرز الزرع من الأرض فهو كالطلع، وللشفيع أخذه مع الأرض بالثمن وبقيمة ما أنفق في البذر والعلاج، وكذلك النخل إذا اشتراها فأنفق وسقى حتى صار فيها طلع ولم تؤبر، فعلى الشفيع مع الثمن قيمة ما أنفق. [قال] ابن المواز: ولا يأخذ الشفيع الأرض إلا بزرعها ولا النخل إلا بما فيها من الطلع؛ لأن الشفعة يبع من البيوع، فلا يحل لمن باع ذلك أن يستثني حبسه لنفسه. [قال] ابن المواز: وقال أشهب: إذا أراد الشفيع أن يأخذ بالشفعة فليأخذها بما فيها من البذر بالثمن الذي وقع على الشقص وبقيمة الزرع على الرجاء والخوف وإلا فلا شفعة له، فإن كان قد بدأ الزرع من الأرض فلا شفعة فيه ولا يحل. قال ابن المواز: بل يأخذها الشفيع إذا لم يبرز زرعها بالثمن، وبقيمة ما أنفق في البذر والعلاج. ولقد كلم أشهب في جوابه حتى قال: لو قال قائل في ذلك ليس له أن يأخذ إلا بالثمن وبقيمة ما أنفق لم يكن به بأس، وهو أقيس القولين، وإنما استحسنت ما

قلت لك؛ لأنه ربما كان الذي أنفق عينا. قال ابن عبدوس: قال سحنون: والزرع مخالف لطلع النخل؛ لأن من زرع أرضا ثم استحقت قبل ظهوره فالزرع لزارعه. يريد: ولو استحقت النخل وفيها طلع فهو للمستحق. قال: وابن القاسم يرى الأخذ بالشفعة كالاستحقاق؛ لأنه جعل الثمرة وإن أبرزت للشفيع كالاستحقاق، وإذا أخذ الأرض بالشفعة فلا شيء له في البذر كالمستحق. وأشهب يرى الأخذ بالشفعة كالبيع، فالبذر للشفيع؛ لأنه لا يستثني في البيع. [فصل 2 - الشفعة لمن استحق نصف الأرض بعد بيعها بزرعها الأخضر] ومن المدونة قال مالك: ومن ابتاع أرضا بزرعها الاخضر فاستحق رجل نصف الأرض خاصة واستشفع، فالبيع في النصف المستحق باطل، في نصف الزرع؛ لانفراده بلا أرض، ويرد البائع مصف الثمن ويصير له نصف الزرع، وللمستحق نصف الأرض ثم أبدي الشفيع بالخيار في نصف الأرض الباقي، فإن أحب أخذه بالشفعة ولم يكن له في نصف الزرع شفعة فذلك له، فإذا أخذ رجع الزرع كله إلى بائعه. [قال] ابن المواز: ويأخذ نصف الأرض. بما قابله من الثمن بقيمتها من قيمة نصف الزرع على غرره يوم الصفقة، فإن أخذ نصف الأرض بالشفعة كما وصفنا رجع

الزرع كله للبائع الذي زرعه؛ لأنه صغير لا يحل بيعه بلا أرض، ويرد البائع الثمن كله إلى المشتري إلا ما أخذ المشتري من الشفيع في نصف الأرض، وعلى البائع للمستحق كراء نصف الأرض المستحق دونا ما أخذ بالشفعة إذا استحق في إبان الزراعة. م: وأنكر بعض الفقهاء القرويين قوله: ورجع الزرع كله للبائع. وقال: للمشتري أن يتماسك بنصف الزرع الذي قابل النصف المأخوذ منه بالشفعة؛ لأنه لم ينتقض فيه البيع؛ لأن الأخذ بالشفعة كبيع مبتدأ. م: وهو صواب. م: والذي قال ابن المواز من أن الزرع كله يرجع للبائع مثبت في كتاب الشفعة من المختلطة، ووجه هذا القول أن الأخذ بالشفعة فيه ضرب من الاستحقاق إذ تؤخذ وإن كره المبتاع، فاحتاط للتحريم وجعله كالاستحقاق، ألا ترى أن ابن القاسم جعل الثمرة وإن أبرت للشفيع كالاستحقاق. وأما أشهب فيرى الثمرة المأبورة للمبتاع دون الشفيع كالبيع، وكذلك يكون له الزرع في مسألتنا على مذهبه وبالله التوفيق.

[فصل 3 - في تخيير المبتاع بين الرد أو التماسك بنصف الأرض والزرع] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن لم يستشفع خير المبتاع بين رد ما بقي في يديه من الصفقة وأخذ جميع الثمن؛ لأنه قد استحق من صفقته ما له بال، وعليه قيمة الضرر، وبين أن يتماسك بنصف الأرض ونصف الزرع ويرجع بنصف الثمن. [قال] ابن المواز: وقال أشهب: المشتري يبدأ بالتخيير، فإن تماسك ففيه الشفعة. وحجة ابن القاسم أنه ليس بيع خيار بل هو بيع بتل وجبت فيه الشفعة، وهو كعيب يرضى به الشفيع فهو المبدأ. [قال] أبو محمد: وقال سحنون: ينتقص البيع كله؛ لأنه لما ثبت الاستحقاق كان كمبتاع الأرض من رجل ومن آخر زرعا لم يبد صلاحه في صفقة واحدة ففسدت كلها.

قال ابن المواز: فإن لم يستحق نصف الأرض إلا بعد يبس الزرع فهذا لا يفسخ بيع الزرع لا فيما استحق ولا فيما استشفع، ويكون الزرع كله للمشتري؛ لأنه يحل بيعه لو انفرد. قال ابن المواز: وإن استحق نصف الأرض ونصف الزرع الأخضر فله الشفعة في الأرض والزرع بل ليس له أن يأخذها إلا بزرعها. وقال أشهب: وهو كآلة الحائط ورقيقه وبئره لو بيع مفردا لم تكن فيه شفعة، وإذا بيع مع الحائط ففيه الشفعة، وكذلك الزرع. قال: وليس لمن قال غير هذا صواب، ورواه عن مالك. قال ابن المواز: ولم يختلف ابن القاسم وأشهب في هذا إذا كان اشتراؤه الأرض بعد أن برز الزرع من الأرض وبعد إبان الثمرة أن الشفعة في الجميع ولم يختلف أيضا إذا كان اشتراؤه قبل أن يبرز الزرع وقبل أن تؤبر الثمرة أن ذلك للشفيع، ويغرم الثمن والنفقة. قال ابن المواز: فإن كره المشتري ببقية الصفقة لكثرة ما استحق. قال ابن القاسم: يبدأ بتخيير الشفيع، فإن لم يستشفع فالخيار للمشتري. وأشهب يبدأ بتخيير المشتري، فإن تماسك ففيه الشفعة.

قال ابن عبدوس: وأنكر سحنون قول أشهب أن في الزرع الشفعة، كآلة الحائط وهي لو انفردت لم تكن فيها شفعة. وقال: يقول ابن القاسم: أنه لا شفعة في الزرع. قال سحنون: والزرع بخلاف آلة الحائط؛ لأن آلة الحائط ورقيقه وبئره من مصالحه وما به يقوم، وليس الزرع مما تقوم به الأرض، وأما الثمرة إذا بيعت مع الرقاب وقد أبر ثمرها أو أزهى فالشفعة في الجميع؛ إذ لو بيعت الثمرة وحدها كان فيها الشفعة؛ وليس الشفعة فيها مع النخل؛ لأن فيها منفعة للنخل كما ذكرنا، وأيضاً فيها غذاء للنخل؛ لأن فيها منفعة للنخل لكن لما ذكرنا، وهي أيضا فيها غداء للنخل ونفع لها فكأنها منها، فإذا يبست زال ذلك منها وزالت عنها الشفعة. قال ابن المواز: فإن كان الزرع يوم الشراء لم يبرز من الأرض فلم يأت الشفيع حتى بدأ وبرز كله إلا أنه اخضر لم يبس بعد. قال: قد اختلف في هذا الأصل ابن القاسم وأشهب وقاساه جميعا بثمرة النخل إذا اشتريت قبل الإبار فلم يأت الشفيع حتى أبرت أو أزهت. فقال ابن القاسم: الشفعة في الثمرة مع الأصل بالثمن والنفقة وكذلك الزرع. وقال أشهب: لا شفعة في الثمرة ولا في الزرع؛ لأن الشفعة بيع من البيوع وقد جعلها الرسول عليه السلام للبائع إلا أت يشترطها المبتاع.

[فصل 4 - الشفعة فيمن ابتاع أرضا دون زرعها ثم ابتاع الزرع بعد ذلك] ومن المدونة قال: ومن ابتاع أرضا ذات زرع أخضر دون زرعها ثم ابتاع الزرع في صفقة أخرى، أو ابتاع الجميع في صفقة ثم استحق رجل جميع الأرض خاصة بطل البيع في الزرع؛ لانفراده، وإنما أجيز بيعه أخضر مع أرضه في صفقة أو بيعه بعد ابتياعه الأرض فيبقيه فيها ويحل محل البائع ثم له بيع الأرض دون الزرع ولا يبطل البيع في الزرع؛ لأن شراءه للأرض لم ينتقض، وفي الاستحقاق قد انتقض. [الشفعة في الثمرة فصل 5 - حكم المزهية قبل قسمتها] وإذا كان بين قوم ثمر في شجرة قد أزهى فباع أحدهم حصته منه قبل قسمته والأصل لهم أو بأيديهم في مساقاة أو حبس. فاستحسن مالك لشركائه فيه الشفعة ما لم ييبس قبل قيام الشفيع أو تباع وهي يابسة، وقال: ما علمت أن أحدا قاله قبلي. [قال] ابن المواز: وقاله ابن القاسم وأشهب، ورواه عبد الملك عن مالك ولم يأخذ به. قال محمد: والصواب عندنا أن الشفعة في الثمرة ما لم تيبس ما كان الأصل مشاعا،

كبئر الحائط وحديده وآلته ورقيقه ودوابه ففي ذلك الشفعة إذا بيع وحده، وإن بقي في الحائط ما يستغني به مادام الحائط مشاعا لم يقسم. م: ووجه قول عبد الملك قوله عليه السلام "فإذا وقعت الحدود فلا شفعة" فعلقها بما ينقسم من الأراضي؛ ولأن الشفعة فيما يدوم فيه الضرر وذلك معدوم في الثمار، فكانت كالعروض اعتبارا بما يبس منها. م: والفرق عند ابن القاسم بين ما يبس من الثمار وبين بئر النخل وحديده وآلته أن ذلك مما يدوم فيه الضرر، والثمار إذا يبست أن جذاذها انتفاء ضررها، فكانت كالعروض وهو الفرق بينها وبين ما لم ييبس منها؛ لأن ضرر ما لم ييبس دائم، والضرر هو الأصل في الشفعة. قال أشهب: ولو باعا حائطهما وبقيت الثمرة لهما فباع أحدهما مصابه من الثمرة فلا شفعة لشريكه فيها؛ لأنه لا شركة بينهما في الأصل. [قال] ابن المواز: ولو لم يبيعا الأصل وباعا الثمرة من رجلين فباع أحدهما نصيبه من الثمرة ففيها الشفعة. قال ابن القاسم وأشهب: لأنهما يقومان مقام صاحبي الأصل، وكذلك لو أن الأصل لرجل وباع الثمرة من رجلين لكانت الشفعة بين المشتريين في الثمرة دون صاحب الأصل.

[فصل 6 - الشفعة في الزرع بعد يبسه] ومن الشفعة قال مالك: وأما الزرع يبيع أحدهم حصته منه بعد يبسه فلا شفعة فيه، وهو لا يباع حتى ييبس، وكل ما بيع من سائر الثمار مما فيه الشفعة قبل يبسه مثل التين والعنب وما ييبس في شجره فبيع بعد اليبس في شجره فلا شفعة فيه، كالزرع كما لا جائحة فيه حينئذ ولا في الزرع. [فصل 7 - في استحقاق من ابتاع نخلا] ومن ابتاع نخلا لا ثمر فيها، أو فيها ثمر لم يؤبر، ثم استحق رجل نصفها واستشفع، فإن قام يوم البيع أخذ النصف بملكه والنصف الآخر بشفعته بنصف الثمن، ويرجع المبتاع على بائعه بنصف الثمن، وإن لم يقم حتى عمل وأبرت وفيها الآن بلح أو فيها ثمر قد أزهت ولم تيبس فكما ذكرنا، ويأخذ الأصل بثمره، وعليه للمبتاع قيمة ما سقى وعالج فيما استحق واستشفع، وإن لم يستشفع فذلك عليه فيما استحق فقط، فإن أبى أن يغرم ذلك فيما استحق فليس له أن يأخذه وليرجع إن شاء بالثمن على البائع ويجيز البيع، فإن قام بعد اليبس في الثمرة أو جدادها لم يكن له في الثمرة شفعة، كما لو بيعت الثمرة حينئذ، ويأخذ نصف الأصول بالشفعة بنصف الثمن، ولا

يحط عنه للثمن شيء إذ لم يقع لها يوم البيع من الثمن حصة. [قال] ابن المواز: وإذا أخذ نصف النخل باستحقاقه لم يكن له من الثمرة التي فيها أيضا شيء؛ لأنها لم يبست صارت غلة حدثت عند المبتاع، ولا شيء عليه مما أنفقه المبتاع في السقي وغيره؛ لأنه لم يصر للمستحق من الثمرة شيء، وقال ابن القاسم. وقال أشهب مثله فيما استحق خاصة. ومن المدونة: وقال بعض المدنيين: إذا قام الشفيع وقد أبرت الثمرة فهي للمبتاع دونه، وأباه مالك. [قال] ابن المواز: وقال أشهب مثله: أنها للمبتاع دونه، وقد بلغني ذلك عن مالك. قال أشهب: وهو عندي صواب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من باع نخلا وفيها ثمرة قد أبرت فثمرها للبائع"، وإنما الشفعة بيع جديد، وإن قال الشفيع: أنا أشترطها للحديث إلا أن يشترطها المبتاع قيل له: إنما ذلك بطوع البائع.

[فصل 8 - في شفعة من اشترط الثمرة] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإذا ابتاع النخل والثمرة مأبورة أو مزهية فاشترطها المبتاع ثم استحق رجل نصفها واستشفع، فله نصف النخل ونصف الثمرة باستحقاقه. قال ابن المواز: جدت أو لم تجد يبست أو لم تيبس. وإن بيعت فله نصف الثمن إلا أن تكون قائمة بيد مشتريها فيكون مخيراً بين أخذ نصفها أو أخذ ثمنه من البائع، وإن باعها مشتريها أو أكلها فهو مخير إن شاء أخذ الثمن الذي باعها به مشتري الرقاب أو الثمن الذي باعها به مشتريها، أو أغرمه مثلها إن أكلها، فإن لم يعرف كيلها أغرمه قيمتها ورجع مشتريها على بائعها منه بما دفع إليه من الثمن ورجع مشتري الرقاب على المستحق بالنفقة في السقي والعلاج وهو النصف من ذلك كله، فإن كانت أكثر من قيمة الثمرة أو من ثمنها لم يأخذ شيئاً من ذلك إلا بغرم النفقة، أو يسلم ويأخذ ثمن شقصه من بائعه. قال ابن القاسم وأشهب: والقول قول المشتري فيما ادعى من النفقة في السقي والعلاج مع يمينه ما لم يتبين كذبه.

[فصل 9 - فيمن أخذ النصف باستحقاقه] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن أخذ النصف باستحقاقه كما وصفنا رجع المبتاع بنصف الثمن على بائعه، فإن شاء المستحق الشفعة في النصف الثاني فذلك له ويكون له أخذ الثمرة بالشفعة مع الأصل ما لم تجد أو تيبس، ويغرم قيمة العلاج أيضا، وإن قام بعد اليبس أو الجداد فلا شفعة له في الثمرة، كما لو بيعت حينئذ ويأخذ الأصل بشفعته بحصته من الثمن بقيمته من قيمة الثمرة يوم الصفقة؛ لأن الثمرة وقع لها حصة من الثمن. قال ابن المواز: اختلف قول ابن القاسم في ذلك، فقال مرة: له الشفعة في الثمرة ما لم تجد أو تيبس، فإن جدت صغيرة أو كبيرة أو يبست ولم تجد فلا حق للشفيع فيها مثل ما قال في المدونة. [قال] ابن المواز: ورواه عن مالك، وقاله عبد الملك إلا أن عبد الملك لم ير على الشفيع فيما سقى المبتاع وعالج نفقة. وقال ابن القاسم مرة أخرى: له الشفعة في الثمرة وإن يبست وجدت، وإن فاتت رد مثلها إن عرف كيلها. قال ابن المواز: وإن لم يعرف كيلها، أو جدها وهي صغيرة ولم تطب لم يرد قيمتها ولا ثمنها؛ إذ لا شفعة في الأثمان، ولكن يأخذ الأصل بالشفعة بحصته من الثمن بفض الثمن على قيمة الأصل وقيمة الثمرة ناب الأصل أخذه به، ورواه أيضا عن مالك.

[قال] ابن المواز: وهذا أحب قولي ابن القاسم إلينا. [قال] ابن المواز: وقال أشهب: في هذا له الثمرة وإن فاتت بالجداد يابسة أو رطبة أو ثمنها إن باعها أو قيمتها إن أكلها مشتري الرقاب، كما قال في الاستحقاق لم يفرق بينهما. قال محمد: وإنما قال يأخذ فيما استحق نصف الثمرة يبست أو جدت، إنما معنى ذلك إذا أبرت الثمرة والأصل بيد المستحق أو بيد المغصوب، وأما إذا كان التعدي عليه بالبيع قبل الإبار فلا حق له في الثمرة إذا جدت أو يبست. [فصل 10 - فيمن ابتاع نخلا ثم فلس] ومن المدونة قال ابن القاسم: فأما من ابتاع نخلا لا ثمر فيها أو فيها ثمر قد أبر أو لم يؤبر، ثم فلس وفي النخل ثمر حل بيعها، فالبائع أحق بالأصل والثمرة ما لم تجد إلا أن يعطيه الغرماء الثمن بخلاف الشفيع.

[فصل 11 - فيمن ابتاع نخلا بزرعها الأخضر واستحقت بعد طيبه] ومن ابتاع أرضا بزرعها الأخضر ثم قام شفيعه بهد طيبه، فإنما له الشفعة في الأرض دون الزرع بما ينوبها من الثمن بقيمتها من قيمة الزرع على غرره يوم الصفقة؛ لأن الزرع وقع له حصة من الثمن في الصفقة، وليس كنخل بيعت وفيها ثمر لم يؤبر ثم قام شفيع بعد يبس الثمرة، هذا لا شيء له في الثمرة ولا ينقص لذلك من الثمن شيء؛ لأن الثمرة لم يقع لها حصة من الثمن في الصفقة؛ لأن النخل إذا بيعت وفيها طلع لم يؤبر فاستثناه البائع لم يجز استثناؤه، والأرض إذا بيعت وفيها زرع لم يبد صلاحه كان الزرع للبائع فافترقا ولو كانت الثمرة يوم البيع مأبورة وقام بعد يبسها لسقط عنه حصاصها من الثمن، فظهور الزرع من الأرض كإبار الثمرة في النخل في هذا، وفي أن ذلك للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فيصير له بالإشتراط حصة من الثمن ولم يكن للشفيع في الزرع شفعة؛ لأنه غير ولادة وليس له منه شيء، والثمرة ولادة، وللشفيع نصفها، فإذا قام قبل يبسها كانت له الشفعة. [فصل 12 - حكم الشفعة في النخل إذا اغتلت سنين] ومن ابتاع نخلا لا ثمر فيها فاغتلها سنين، فلا شيء للشفيع إن قام من الغلة.

قال: ولا يبيعها مرابحة حتى يبين، كقول مالك في الثياب والحيوان إذا حالت أسواقها عنده لم يبعها مرابحة حتى يبين. [فصل 13 - فيمن ابتاع وديا صغارا بعد أن صارت بواسق] ومن ابتاع وديا صغارا ثم قام شفيع بعد أن صارت بواسق، فإنه يأخذها ويدفع إلى المبتاع قيمة ما عمل. يريد: بأنه كان غائبا. قال سحنون: لا شيء عليه إذ ليس بعين قائمة كالصغير يكبر ثم يستحق. قال ابن المواز: وله الثمرة إن لم تيبس وعليه قيمة السقي والعلاج، وإن استغلها سنين فإنما على الشفيع السقي في السنة التي قدم فيها إن لم تيبس الثمرة ووجبت له شفعته وبالله التوفيق.

[الباب الثاني] في الشفعة في الرحاء والحمام والأنذر والماء ومن اشترى أرضا: هل يدخل في البيع ما فيها من زرع أو نخل؟

[الباب الثاني] في الشفعة في الرحاء والحمام والأنذر والماء ومن اشترى أرضا: هل يدخل في البيع ما فيها من زرع أو نخل؟ [فصل 1 - الشفعة في الرحاء] قال مالك: ولا شفعة في الأرحية. قال ابن القاسم: وليست من البناء، وهي كحجر ملقى، ولو بيعت معها الأرض أو البيت الذي نصب فيها، ففيها الشفعة دون الرحى بحصة ذلك، وسواء أجراها الماء أو الدواب. [قال] ابن المواز: وقال أشهب وعبد الملك: إن نصبوها في أرضهم ففيها الشفعة وإن نصبوها في غير أرضهم فلا شفعة فيها، باع أحدهم حصته من الرحى أو حصته منها ومن البيت. قال أشهب ورحى الماء والدواب سواء إذا نصباها فيما يملكان، وإن باع أحدهما مصابته فلشريكه الشفعة وإن شاء فسخ بيعه، إلا أن يدعوه البائع إلى المقاسمة

فلا يفسخ حتى يقاسمه، فإن صار موضع الرحى للبائع جاز بيعه وإن صار لشريكه انتقض بيعه. قال: ولم يصب من قال: لا شفعة في الرحى ولم يجعله كالبنيان، ولهي عندنا في البنيان أثبت من الأبواب التي إذا شاء قلعها بغير هدم وإن شاء ردها بغير مؤنة، ثم فيها الشفعة إن بيعت مع الدار أو وحدها، وأن الشفعة لتكون في حديد الحائط ورقيقه فكيف لا تكون في الرحى. قال ابن المواز: وبه أقول. [فصل 2 - الشفعة في الحمام] ومن المدونة: قال مالك: في الحمام الشفعة. قال ابن المواز: ولهو أحق أن تكون فيه الشفعة من الدور والأرضين لما في قسم ذلك من الضرر، وقاله مالك وأصحابه أجمع. قال ابن الماجشون في غير كتاب محمد: أبى مالك من الشفعة في الحمام من قبل أنه لا ينقسم إلا بتحويله عن أن يكون حماما، وأنا أرى فيه الشفعة. قال عبد الوهاب: اختلف قوله في الحمام وفي العقار الذي لا ينقسم، فقال: لا

شفعة في ذلك، وقال: فيه الشفعة، فوجه المنع قوله صلى الله عليه وسلم: "الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة فيه" فأحال على اعتبار المقسوم؛ ولأن كل مبيع لا ينقسم لا تدخله الشفعة كالثوب والعبد، ووجه إثباتها فلأنها مما تقع فيها الحدود، ويجب فيها القسم؛ لقوله تعالى: {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} فذلك مبني على وجوب القسمة؛ لأن الشفعة تبع للقسمة في الإثبات والمنع. [فصل 3 - الشفعة في الأندر]: ومن العتبية قال سحنون: ولا شفعة في الأندر وهو كالأفنية لا شفعة فيها. وروى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب أنه قال: إذا كانت نفقة الأندر بينهما ففيها الشفعة لا شك، كغيره من البقاع.

قال أشهب: الشفعة فيه كان أندرا أو غير أندر، كان قليلاً أو كثيراً إذا كان ملكاً لهما. [فصل 4 - الشفعة في البئر والنهر والعين] ومن المدونة: قال مالك: ولا شفعة في بئر لا بياض لها ولا نخل لها وإن سقى بها زرع أو نخل، والنهر والعين مثله. قال ابن القاسم ولم يختلف في هذا قول مالك في هذا قط. قال مالك: ولو كان لهذه البئر أرض أو نخل لم تقسم، فباع أحدهما حصته من البئر أو العين خاصة ففيه الشفعة، بخلاف بيعه لمشاع البئر بعد قسم الأرض، ولا بأس بشراء شرب يوم أو يومين أو شهر أو شهرين يسقي زرعه به في أرضه دون شراء أصل العين. قال مالك: فإن غار الماء أو نقص قدر ثلث الشرب الذي ابتاع وضع عنه

كحوائج الثمار. قال ابن القاسم: وأنا أرى أنه مثل ما أصاب الثمرة من قبل الماء، فإنه يوضع عنه إن نقص شربه ما عليه فيه ضرر بين وإن كان أقل من الثلث، إلا ما قل مما لا خطب له فلا يوضع لذلك شيء، وقاله سحنون. [فصل 5 - فيمن اشترى أرضاً فيها زرع لمن يكون الزرع؟] قال ابن القاسم: ومن ابتاع أرضاً فيها زرع، فهو للبائع إلا أن يشترطه المبتاع، وأما من ابتاع أرضاً ولم يذكر شجرها فهي داخلة في البيع كبناء الدار إلا أن يقول البائع: أبيعك الأرض بلا شجر. [فصل 6 - فيمن تصدق بأرض فيها شجر ولم يذكرها] وقد قال مالك فيمن تصدق بالأرض ولم يذكر الشجر أو تصدق بالشجر ولم يذكر الأرض أن الأرض داخلة مع الشجر في الصدقة، وكذلك البيع.

ومسألة من اشترى أرضاً بعبد فاستحق نصف الأرض قد تقدمت في باب قبل هذا.

[الباب الثالث] فيمن اشترى نخلا أو نقضا على القلع وكيف إن ابتاع الأرض قبل ذلك أو بعده

[الباب الثالث] فيمن اشترى نخلاً أو نقضاً على القلع وكيف إن ابتاع الأرض قبل ذلك أو بعده [فصل 1 - فيمن اشترى نخلاً على القلع ثم استحق آخر نصف جميع ذلك] قال ابن القاسم: ومن ابتاع نخلاً ليقلعها ثم ابتاع الأرض فأقر النخل فيها ثم استحق رجل نصف جميع ذلك، فله أخذ نصف النخل والأرض بالشفعة بنصف ثمنها لا بالقيمة في أحدهما، وليس للمبتاع حجة في النخل أنه ابتاعها للقلع؛ لأن المستحق قد صار شريكاً له في جميع النخل، فإن لم يستشفع خير المبتاع بين التماسك بما بقي أو رده. [قال] ابن المواز: وقال أشهب: له الشفعة في الأرض وحدها دون النخل؛ لأنها اشتريت على القلع. قال ابن عبدوس: قال سحنون: إنما يقال أولاً للمستحق: أنت بخير في أن تجيز بيع نصيبك أو تأخذ الثمن من شريكك ثم لا حجة للمبتاع؛ لأن صفقته سلمت له، فإن لم يجز بيع نصيبه أخذه، ورجع المبتاع على البائع بنصف الثمن، ثم ينظر إلى النخل فإن تفاضل جنسها من صيحاني وبرني أو صغير أو كبير وشبهه

فالبيع يفسخ في نصف البائع؛ لأنه لما باع النخل على القلع صار بيعاً مجهولاً لا يعرف ماذا يقع له في القسم؛ لأن الأرض تقسم مع النخل فيقع في نصيبه كثير من النخل مع قليل من الأرض أو قليل من النخل مع كثير من الأرض للكرم والدناءة، فأما إن كانت النخل والأرض لا تختلف حتى تقسم قسماً معتدلاً فالبيع جائز في نصيب البائع، ثم يبدأ المشتري بالخيار في قول أشهب في رد ما بقي في يديه أو حبسه، فإن أمسكه فللشفيع الشفعة في الأرض والنخل بنصف الثمن. كما قال مالك في الشفعة في الشقص وإن كانت الأرض لغيرهما. وقال ابن القاسم: يبدأ الشفيع في التخيير في أن يأخذ أو يسلم. [فصل 2 - فيمن اشترى عرصة شقص على نقض البنيان] ومن المدونة: قال ابن القاسم فيمن اشترى عرصة شقص من دار وفيها بنيان على أن النقض لرب الدار، ثم اشترى بعد ذلك النقض، أو اشترى النقض أولاً ثم

اشترى العرصة بعد ذلك، فقام شفيع يعني: استحق النصف واستشفع قال: فله أخذ العرصة والنقض جميعاً بشفعته، يأخذ العرصة بالثمن والنقض بقيمته قائماً. وقال في كتاب محمد: إذا اشترى نخلاً أو نقضاً على القلع ثم اشترى الأرض فأقر ذلك فيها، ثم استحق رجل نصف الجميع فله الشفعة فيها بنصف ثمن الجميع. قال أصبغ: وإلى هذا رجع ابن القاسم وعليه ثبت. وكان أشهب يرى له الشفعة في الأرض ولا يراها في النخل ولا في البناء. قال ابن المواز: وقول ابن القاسم هو الصواب وعليه أصحابنا؛ لأن المشتري قد صار كأنه اشترى ذلك جملة واحدة ولولا ذلك لفسخ. [فصل 3 - في شفعة شقص شائع أو حصة من نخل على القلع] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن ابتاع نقض شقص شائع من رجل أو حصته من نخل على أن يقلع ذلك المبتاع وشريك البائع غائب لم يجز؛ إذ لا يقدر هو ولا البائع على القلع إلا بعد القسم؛ وإذ لو شاء البائع أن يقاسم شريكه النخل خاصة ليقلعها لم يكن له ذلك إلا مع الأرض.

[قال] ابن المواز: ووجه آخر أنه اشترى جذوعاً لا يدري ما يصير له منها؛ إذ لا تقسم إلا بأرضها، فقد يقل عدد ما يصير له لكرم محترثها وموضعها من الأرض وكرمه أو يكثر لرداءة موضعها. [قال] محمد: ولو كانت النخل تستوي في قسمها لتشابهها في الصفة وتشابه الأرض حتى تقع القسم على عدد واحد لأجزته، وقاله أشهب، ورآه كالغنم والثياب والدواب يبيع أحدهما مصابته. قال أشهب: ثم لا شفعة في النخل؛ لأنها بيعت على القلع، والقلع لا يكون إلا بعد القسمة، وكأنه وقع بيعها بعد المقاسمة، والقسمة لابد منها، وعليها وقع البيع، ولو أخذها بالشفعة لوجب عليه قلعها كما وجب على مشتريها. قال أشهب: وكذلك لو اشترى مصابة بائع النخل من الأرض بعد شراء مصابته من النخل لم يجز أيضاً. [قال] ابن المواز: ويفسخ بيع الأرض والنخل إن كانت غير متشابهة. [قال] ابن المواز: ولو لم يشتر إلا مصابته من الأرض وحدها لفسخ؛ لأنها لا تقسم إلا مع غيرها، وكل من اشترى شركاً مما يقسم مع غيره لم يجز؛ لأنه يقل مرة

لسبب ما يقسم معه ويكثر مرة إلا أن يشتري جميع حصته من النخل والأرض صفقة واحدة فلا بأس به، وأما صفقة بعد صفقة فكلاهما مفسوخ لأنه غرر. قال أشهب: إلا أن يكون ذلك متشابهاً في صفتها وقدرها وموضعها فلا بأس به كيف ما كان، فإن اشترى الجميع صفقة بعد صفقة فللشفيع أخذ الأرض بالشفعة فقط وكلف المشتري قسم النخل وقلعها. قال ابن المواز: لا يعجبني، وأنا أرى إذا اشترى مصابته من النخل قبل الأرض أن له الشفعة في الأرض والنخل وما إن اشترى الأرض دون النخل فله الشفعة في الأرض دون النخل من قبل أن الشفعة في النخل إنما وجبت لشركتهما في الأرض، وإذا باع النخل أولاً فله فيها الشفعة؛ لأنهما بعد شريكان في الأرض أولاً فقد انقطعت شركتهما في الأرض وبقيت النخل بلا أصل فلا شفعة له فيها، وهذا كمن باع مصابته من الحائط والثمرة وبقي البئر والرقيق مشاعاً فلا شفعة له في البئر والرقيق إن بيع بعد ذلك، ولو باع البئر والرقيق قبل ذلك لكانت فيه الشفعة.

قال ابن المواز: وإذا باع مصابته من النخل وهي صفقة واحدة ثم باع مصابته من الأرض وهي- أيضاً- صفة واحدة من مشتري النخل أو غيرة فللشفيع أخذ النخل وحدها ويسلم الأرض أو يأخذ الأرض ويسلم النخل أو يأخذهما جميعاً، فإن أخذ إحداهما فلابد من المقاسمة، وإن أخذ النخل قاسم شريكه النخل والأرض جميعاً، فما صار له بنصفه الذي يملكه أخذه بنخله، وما صار لشريكه قلع عنه نخله وسلم للشريك أرضه، وإن كان إنما أخذ الأرض قسموا النخل وحدها؛ لأنها صفو واحدة، ولولا ذلك لم يجز بيعها بلا أرض فما صار لشريكه كلف قلعه. وكثير من هذا في كتاب محمد. [فصل 4 - الشفعة في نقض دار قائم على القلع] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن ابتاع نقض دار على أن يقلعه ثم استحق رجل نصف الدار فللمبتاع رد بقية النقض ولا شفعة فيه للمستحق؛ لأنه بيع على القلع ولم يبع الأرض دون النخل، وأما إن استحق جميع الأرض دون النقض أو كانت نخلاً بيعت على القلع فاستحق رجل الأرض دون النخل كان البيع

تاماً في النقض والنخل وكان للمستحق أخذ ذلك من المبتاع بقيمته مقلوعاً لا بالثمن وليس بمعنى الشفعة ولكن للضرر، وليس للمبتاع أن يمتنع من ذلك؛ لأنه في امتناعه مضار، وإن أبى المستحق من أخذ ذلك بقيمته مقلوعاً قيل للمبتاع: اقلعه. وأنكر هذا سحنون، وقال: إن كان البائع غصب الأرض حاكمه المستحق للأرض، فإن شاء للمشتري بنقضه، وإن كان بائع الأنقاض مشترياً للأرض أعطاه قيمة الأنقاض قائمة وانتقض البيع فيها وليس لمشتري الأنقاض أن يقول: أنا آخذ بهذه القيمة التي أخذها البائع مني، كمن باع سلعة بمائة دينار ثم باعها من آخر بتسعين فأراد المبتاع الأول أن يأخذها بتسعين فليس له ذلك، وإن قال مستحق الأرض: لا أعطيه قيمة البناء، قيل لبائع النقض: أعطه قيمة أرضه فيحوز بيعه في الأنقاض، فإن أبى كانا شريكين، وينقض بيع المشتري فيما

صار له نصف الأنقاض لمستحق الأرض، ويجوز بيعه فيما صار لبائع الأنقاض إذا صار لمشتري الأنقاض نصف ما اشترى فأكثر، كعروض اشتراها فاستحق بعضها؛ لأن ما أخذه مستحق الأرض بسبب كأنه استحق من المشتري. [قال [ابن المواز: وقال أشهب: استحقاق المستحق للنصف فسخ لبيع البناء والنخل. قال: وذلك يرجع إلى ما وصفت لك فيمن اشترى مصابة أحد الشريكين من بناء أو نخل على القلع أن ذلك لا يجوز إذا كانت غير متشابهة. قال: إلا أن يجيز المستحق البيع فيجوز. [قال] ابن المواز: لأن الصفقة وقعت بين المتبايعين صحيحة. قال: ولو كانت النخل متشابهة مما يجوز بيع نصفها على القلع، لزم المشتري ما لم يستحق منها؛ لأن النخل قلعها مأمون ليس فيها من الجهالة فيما يأتي عليه من القلع مثل ما يأتي في هدم البناء. [فصل 5 - فيمن اكترى أرضاً سنين وغرسها شجراً فانقضت مدتها] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وقد قال مالك فيمن اكترى أرضاً سنين فغرسها شجراً فانقضت المدة، أن لرب الأرض أن يعطيه قيمة الشجر مقلوعاً أو يأمره بقلعها. [فصل 6 - فيمن بنى أو غرس في أرض يظنها له] وقال وأما من بنى أو غرس في أرض يظنها له ثم استحقت، فعلى المستحق في هذه قيمة ذلك قائماً للشبهة، فإن أبى دفع إليه الذي عمر قيمة أرضه بغير عمارة

فإن أبيا كانا شريكين هذا بقيمة أرضه وهذا بقيمة شجره، بخلاف المكتري؛ لأنه غرس إلى مدة.

[الباب الرابع] في الشفعة في الهبة والقضاء فيها

[الباب الرابع] في الشفعة في الهبة والقضاء فيها [فصل 1 - لا شفعة في هبة الثواب] قال مالك: ولا شفعة في هبة الثواب إلا بعد العوض. [قال] ابن المواز: وقاله مالك وأصحابه. قال ابن المواز: فإن فاتت الهبة فوتاً تجب فيها القيمة؟ فقال ابن القاسم وعبد الملك: لا شفعة فيها أيضاً حتى يدفع الثواب، أو يقضي به ويعرف. قال عبد الملك: إذ لعله يقول: لم أرد ثواباً وإن أرى الناس أني أردته فلا ثواب له ولا شفعة في ذلك إلا بعد قبض الثواب والحكم به، ولا قول للشفيع: إنك أردت إبطال شفعتي. قال: وإذا رأى أن الثواب قبض وكتم، أحلف من بيده الشقص. وقد قال مالك في رجب تصدق على رجل بشقص، فقال الشفيع: أخاف أن يكون باعه أو أثابه في السر وأظهر الصدقة لقطع شفعتي؟ فقال مالك: إن كان المتصدق عليه ممن لا يتهم لم يحلف، وإن كان ممن يتهم أحلف.

[قال] ابن المواز: وقال أشهب: إذا فاتت فوتاً يمنع بع من اعتصارها وردها فقد وجبت القيمة والشفعة. قال ابن القاسم: وحوالة الأسواق في الهبة والبيع الفاسد فوت، إلا في الربع قائماً يفيته البناء والهدم والغرس. وقال أشهب: حوالة الأسواق في الربع فوت في الهبة والبيع الفاسد، وقاله ابن عبد الحكم. [فصل 2 - في شفعة من وهب أو تصدق على عوض] ومن المدونة: قال مالك: ومن وهب شقصاً من دار للثواب أو تصدق به على عوض أو أوصى به على عوض فهو بيع وفيه الشفعة، فإن سمى العرض فالشفعة بقيمة العوض إن كان مما له قيمة من العروض أو بمثله في المقدار والصفة إن كان عيناً أو طعاماً أو إداماً كانت الهبة بيد الواهب أو قد دفعها، فإن وهب على عوض يرجوه لم يسمه فلا قيام للشفيع إلا بعد العوض، ولا يجير الموهوب على ثواب إذا لم تتغير الهبة في بدن وللواهب ردها إن لم يثبه الموهوب، فإن أثابه بمثل القيمة لزم الواهب، وإن أثابه أقل لم يلزمه إلا أن يشاء وله أخذ هبته إلا أن تتغير في البدن فلا يأخذها ويقضى على الموهوب بقيمتها يوم قبضها، ويقال للشفيع: خذ الآن أو دع إذا قضى على الموهوب بالقيمة، وإذا تغيرت الهبة في بدن ثم أثاب الواهب

أضعاف قيمتها قبل قيام الشفيع، ثم قام لم يأخذها الشفيع إلا بذلك كالثمن الغالي، وإنما يهب الناس ليعتاضوا أكثر. [قال] ابن المواز: وقاله عبد الملك. وقال أشهب: إذا أثابه بعد فوات الهبة أخذها بالأقل من قيمة ذلك أو من قيمة الهبة، وإن أثابه قبل فوتها فلا يأخذها الشفيع إلا بجميع العوض كان أكثر من قيمة الهبة أو أقل. [قال] ابن المواز: وهو قول جماعتهم في هذا. م: وقول ابن القاسم أبين؛ لأنه إذا كان له أن يعوضه قبل الفوات فبقيمة الشقص. واتفقوا إذا عوضه أضعاف القيمة لم يأخذها الشفيع إلا بذلك فكذلك إذا عوضه بعد الفوات أكثر من القيمة، وإن كان له أن يعوضه القيمة فلا فرق بين أن يعوضه قبل الفوات ولا بعده؛ إذ له أن يعوضه القيمة في الوجهين إلا على قول من رأى الهبة في الوجهين إذا لم تفت لم يلزم الواهب أن يأخذ قيمتها وأنه على

هبته ما لم يرض منها، فعلى هذا يجب أن لا يأخذ الشفيع إلا بجميع ما أثابه قبل الفوات؛ لأن الموهوب غير قادر على أخذها إلا بما رضي الواهب، وإذا فاتت أخذها بالأقل لوجوب القيمة. [فصل 3 - فيمن وهب بغير ثواب فعوض فيه] ومن المدونة: ومن وهب شقصاً بغير ثواب فعوض فيه. فقيل: فإن رأى أن الهبة كانت لصدقة أو لصلة رحم فلا شفعة فيها. [قال] ابن المواز: ولو أثابه- أيضاً- شقصاً له في دار لم يكن في الثواب أيضاً شفعة؛ لأن المثيب دفع شقصه فيما لم يكن يلزمه. [فصل 4 - فيمن تصدق على رجل بصداقة فأثابه، ثم رجع في صدقته] قال في كتاب الشفعة وفي كتاب محمد: وقد قال مالك في رجل تصدق على رجل بصدقة فأثابه المتصدق عليه ثم بدى له فرجع في ثوابه وقال: ظننت أنه يلزمني، فليرجع في العوض إن كان قائماً فإن فات فلا شيء له. [قال] ابن المواز: وكذلك هذا العوض لو كان شقصاً لم تكن فيه شفعة؛ لأن لصاحبه فيه الرجعة ولو بتله لم يرجع فيه بشيء على علم منه أن له الرجعة ما

كانت عليه فيه شفعته. قال ابن عبد الحكم في المختصر: اختلف قول مالك في الشفعة في الشقص يوهب لغير ثواب؟ فقال مرة: فيه الشفعة، وقال مرة: لا شفعة فيه، ولم يختلف قوله ألا شفعة في الميراث. م: فوجه قوله أن لا شفعة في الهبة والصدقة اعتباراً بالميراث؛ لأنه انتقال ملك بغير عوض. ووجه إيجاب الشفعة فيه اعتباراً بالبيع؛ لأنه انتقال ملك باختيار المتعاقدين؛ لأن الضرر يدخل على صاحبه والضرر أصل الشفعة. م: والأول أصح؛ لأن الحديث إنما ورد في البيع لقوله: "الشفعة في كل شرك في ربع أو حائط لا يحل له أن يبيعه حتى يعرضه على شريكه، فإن باعه فالشريك أحق به بالثمن. [فصل 5 - الشفعة في الوصية] ومن المدونة: ومن أوصى أن يباع شقصه من فلان بكذا فلم يقبل، فليس للشفيع أخذه بذلك. قال سحنون في العتبية: فيمن أوصى ببيع ثلث داره في وصاياه، فباع الوصي ثلثها، فلا شفعة لورثته؛ لأنه كان الميت باع ذلك.

[فصل 6 - في الشفعة المعلقة] ومن المدونة: قال: ومن قال: اشهدوا أني بعت شقصى من فلان بكذا وكذا إن قبل، فلم يقبل فلا شفعة للشفيع. [فصل 7 - فيمن وهب شقصاً لابنه الصغير على عوض] ومن وهب شقصاً من دار هو لابنه الصغير على عوض جاز وفيه الشفعة. يريد: بعد أن يثاب، ولا تجوز محاباته في قبول الثواب ولا ما وهب أو تصدق به من مال ابنه الصغير، ويرد ذلك كله وإن كان الأب موسراً، بخلاف عتقه في ملاله فإنه يجوز ذلك على الأب ويضمن قيمته في ماله. قال مالك: وإنما يجوز بيع الأب مال ابنه على وجه النظر. [فصل 8 - الشفعة في هبة ما اليتيم] وهبة الوصي لشقص اليتيم كالبيع لربعه لا يجوز ذلك إلا بالنظر لمن يرغب فيه

بثمن كثير مثل ملك يجاوره أو مليء مصاقب، أو ليس في غلته ما يكفيه، أو لوجه نظر فيجوز وفيه الشفعة، وما كان على غير هذا الوجه لم يجز. [فصل 9 - الشفعة في هبة مال المكاتب والعبد المأذون] وهبة المكاتب والمأذون على عوض تجوز بلا محاباة وفي ذلك الشفع. ومن اشترى عبداً فوهبه لرجل ثم استحق، قيل للمستحق: إن شئت فاتبع البائع بالثمن وإلا فاطلب العبد، فإن وجدته أخذته وإلا فلا شيء لك على الواهب.

[الباب الخامس] في الشفعة بيع الخيار ومن وجبت له شفعة فلم يقم بها حتى باع شقصه أو باع بعض شقصه هل يستشفع فيه بما بقي له؟

[الباب الخامس] في الشفعة بيع الخيار ومن وجبت له شفعة فلم يقم بها حتى باع شقصه أو باع بعض شقصه هل يستشفع فيه بما بقي له؟ [فصل 1 - الشفعة في بيع الخيار] والقضاء أن الشفعة إنما تجب للشفيع بعد تمام البيع ومعرفة الثمن، فإذا تم عقد البيع وعرف الثمن وجبت الشفعة، نقد الثمن أو لم ينقده، قبض الشقص أو لم يقبضه. قال مالك: ومن ابتاع شقصاً على أن المشتري أو البائع بالخيار فلا شفعة فيه حتى يتم البيع. ومن ابتاع شقصاً على خيار له فانهدم، فله رده ولا شيء عليه كما كان له رده وهو قائم ولا شفعة فيه حتى يتم البيع. ومن ابتاع شقصاً بخيار وله شفيع فباع الشفيع شقصه قبل تمام الخيار بيع بتل فإن تم بيع الخيار فالشفعة لمبتاعه، وإن رده فهو لبائعه. [قال] ابن حبيب: وقاله مطرف.

م: ووجه هذا أن بيع الخيار لما أمضى فكأنه لم يزل ماضياً لمشتريه من يوم عقد فكانت له الشفعة على مشتري البتل. فإن قيل: فيجب على هذا الإعتلال أن تكون الشفعة على مشتري الخيار لبائع البتل، لأن بائع البتل يقول: إذا أمضيتم بيع الخيار من يوم عقد، فقد بعت أنا شقصي بعد أن وجبت لي الشفعة. قيل: ينبغي أن يكون ذلك له على مذهب من رأى أن من باع بعد وجوب الشفعة له أن له الشفعة. وإنما لم يجعل له ذلك ابن القاسم؛ لأنه يرى أن من باع شقصاً له فلا شفعة له. فإن قيل: فإذا أسقطت شفعته بنفس بيعه، فلم لا جعلت مشتريه يقوم مقام بائعه فتكون له الشفعة فيما بيع بالخيار. قيل: لا يلزم ذلك؛ لأنا تقدر أن بائع البتل إذا باع لم يزل مسلماً لشفعة، فصار مشتري الخيار شريكاً لبائع البتل وقد سلم شفعته ببيعه فوجب أن تكون الشفعة لمشتري الخيار على مشتري البتل.

وأما على مذهب أشهب: فإنه جعل في بيع الخيار كأنه مضى يوم اختار المشتري إنفاذه، فصار بائع الخيار قد وجبت له الشفعة في بيع البتل قبل أن يبيع؛ لأنه يرى أن من وجبت له شفعة قبل أن يبيع أن بيعه لا يسقط شفعته، وهو مذهب ابن الماجشون. قال ابن الماجشون: إن اختار المشتري- وله الخيار- تنفيذ البيع كانت الشفعة لبائع الخيار في بيع البتل؛ لأنه كأنه باع بعد أن وجبت له الشفعة، فإن ترك البائع بالخيار الأخذ بالشفعة، فالشفعة لمشتري البتل فيما بيع بالخيار؛ لأن بيع الخيار إنما يثبت يوم الخيار، وقال مثله أشهب. وفي غير كتاب ابن حبيب قال أشهب: الشفعة لمبتاع البتل في البيع بالخيار. قال ابن المواز: والذي هو أحب إلينا أن تكون الشفعة للبائع الأول الذي باع على الخيار نفذ بيع شقصه أو رده؛ لأنه لم يزل شريكاً في أيام الخيار حتى باع صاحبه ووجبت له الشفعة قبل وجوب بيع الخيار، وقاله أصبغ ولم يعجبه قول ابن القاسم. قال ابن المواز: وكذلك لو باع أحد الشريكين بيع بتل فلم يأخذ شريكه بالشفعة حتى باع هو أيضاً نصيبه من الذي اشترى من شريكه أو من غيره ولم يبق له في

الدار شركة ولا حق فالشفعة له ثابتة، ولا يبطلها بيعه لمصابته كان بذلك عالماً أو جاهلاً؛ لأن الشفعة قضاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق وجب له. [فصل 2 - الشفعة فيمن باع شقصه وهو لا يعلم] قال ابن القاسم: وإن باع شقصه وهو لا يعلم فالشفعة له ويكتب عهدته على المبتاع. وقال أشهب في المجموعة: اختلف فيه قول مالك رحمه الله، وأحب إلي أن لا شفعة له بعد بيعه. قال ابن ميسر: لا شفعة له إلا أن تبقى له بقية أخرى؛ لأن الشفعة إنما تدخل عليه من الضرر من تضييق الواسع وخراب العامر فهذا ليس له شيء يدخل فيه الضرر. قال غيره: ولو باع السلطان على غائب بعض شقصه في دين عليه ثم قدم فلا شفعة له فيه، كما لو باعه هو نفسه.

قال أبو محمد: ويتبين لي لو أن رجلاً باع شقصاً له في دار، ثم أن المشتري منه باع ذلك الشقص من رجل آخر أن لبائعه الأول فيه الشفعة ولا حجة عليه فيه، وليس له أخذه بالشفعة من المشتري منه؛ لأنه ولي بيعه. م: والذي قاله أبو محمد قد قاله محمد وهو بين.

[الباب السادس] في الشفعة في الكراء وفي المساقاة

[الباب السادس] في الشفعة في الكراء وفي المساقاة [فصل 1 - الشفعة في الكراء] ومن كتاب كراء الدور قال ابن القاسم: وإن أكرى رجلان دارا بينهما فلأحدهما أن يكري حصته منها. قال مالك: ولا شفعة فيه لشريكه بخلاف البيع. قال ابن المواز: اختلف قول مالك في الشفعة في الكراء واختلف فيه أصحابه. فروى ابن القاسم القولين. وروى ابن وهب: أن لا شفعة في الكراء وإنما الشفعة في البيع، وقاله المغيرة وعبد الملك. وقال أشهب: إن في ذلك الشفعة، وقد بلغني ذلك عن مالك ابن حبيب. وقاله مطرف وابن الماجشون وابن القاسم وأصبغ، وبه أقول. قال ابن المواز: وهو أحب إلى؛ لأنه مما يخرج إلى القسمة التي معها تضييق الواسع وتغيير البناء، ولمثل هذا وجبت الشفعة. وقال أشهب: فإن أحب أن يسلم الشريك شفعته ويقاسمه السكنى فذلك له،

فإن طلب قسمة الدار مع شريكه في الأصل فذلك له، فإن وقع نصيب المكري على غير استوى، فالمكتري مخير في التماسك أو الرد، وذلك إذا وقع له أقل من نصف الدار في الانتفاع لا في القيمة، وإن لم يقع له أقل فلا حجة له. قال: وكذلك رجلان اكتريا داراً فأكرى أحدهما نصيبه فلصاحبه الشفعة وعهدته على المكتري من صاحبه، ثم عهدتهما على رب الدار. قال: وإن اكتريا داراً ثم استقال أحدهما رب الدار فأقاله، فلشريكه الشفعة على رب الدار المستقيل. [قال] ابن المواز: بل يأخذ من المكتري الذي أقال؛ كالإقالة في الشراء. [فصل 2 - الشفعة في المساقاة] قال: وإذا أكرى رجلان أرضهما أو ساقيا نخلهما من رجلين، فأكرى أحدهما أو كلاهما الأرض من رجل أو ساقيهما أو أحدهما النخل من سواهما، فليس لصاحبي الأصل أو أحدهما شفعة في كراء ولا سقى؛ إذ لا شركة بينهما وبين المتكاريين في بئر ولا في كراء وقد سلما ذلك إليهما، وإنما لهما رقبة ذلك فهو كالمقسوم بينهما.

ولو أن أحد المكتريين أو المساقيين ساقاً أو أكرى حصته فلشريكه الشفعة دون صاحبي الأصل، فإن سلم شفعته فصاحب الأصل أحق بالمساقاة لشركتهما في الثمرة ولا شركة لهما في الكراء. قال: ولو لم يكري صاحبا الأصل جميعاً ولكن أكرى أحدهما أو ساقا فلشريكه الشفعة في الكراء والمساقاة، فإن سلم ذلك ثم ساقا المساقي غيره أو غيره أو أكرى المكتري من غيره فإن له أيضاً الشفعة. قال: ولو كان الأصل لواحد فأكرى النصف مشاعاً أو ساقا النصف مشاعاً، ثم أكرى المكتري من غيره أو ساقا المساقي من غيره، فلرب الأرض الشفعة مثل ما لو باع ذلك مشاعاً ثم باعه مشتريه من آخر مشاعاً. قال: ولو أكراه شيئاً بعينه منها مقسوماً أو ساقاه كذلك، فلا شفعة لرب الأصل فيما أكرى وله الشفعة فيما ساقا لشركته في الثمرة. قال: ولو أكرى من رجلين نصف أرضه أو ساقهما نصف نخله فساقا أحدهما صاحبه أو أكرى مصابته من رجل فشريكه أولى بالشفعة من صاحب الأصل، فإن سلم فذلك لصاحب الأصل؛ كما لو باعها ذلك مشاعاً ثم باع أحدهما حصته فشريكه المبتاع معه أشفع، فإن سلم فصاحب الأصل الشريك لهما شفيع في ذلك، وهذا على أصل أشهب الذي جعل المشتريين كورثة الوارث.

وأما ابن القاسم فيرى للبائع منهم أن يدخل مع الشريك الذي لم يبع. وقد بينا ذلك في أول الكتاب. قال ابن المواز في باب آخر: ولو أن نخلاً بين شريكين فساقا أحدهما حصته. فقال أشهب: لا شفعة في ذلك لشريكه. قال ابن المواز: وأظن ابن القاسم يرى في ذلك الشفعة، وجدته في كتبي ولا أدري ممن سمعته.

[الباب السابع] في الشقص ينكح به أو يخالع به أو يصالح به عن دم عمد أو خطأ أو قذف

[الباب السابع] في الشقص ينكح به أو يخالع به أو يصالح به عن دم عمد أو خطأ أو قذف [فصل 1 - الشفعة في النكاح والمخالعة] قال ابن القاسم: ومن نكح أو خالع أو صالح من دم عمد على شقص ففيه الشفعة بقيمته يوم العقد؛ إذ لا ثمن معلوم لعوضه. يريد: ولا يجوز الاستشفاع في ذلك إلا بعد المعرفة بقيمته. وقال الشافعي: فيه الشفعة بمهر المثل. ودليلنا أن النكاح لما كان طريقة المكارم والمواصلة دون محض المعاوضة فيتزوج الإنسان بعشرة أمثال مهر المثل لرغبته في الزوجة، ويتزوج آخر بعشر مهر المثل للرغية في الزوج، فلم يصح للبضع قيمة متقررة، فكان الرجوع إلى قيمة الشقص الذي تراضوا به أولى، وقد يكون مهر المثل ألفاً فسامحته الزوجة فأخذت منه شقصاً قيمته مائة، فلو ألزمنا الشفيع أن يأخذ الشقص بألف كنا قد حفنا عليه وأعطينا للمرأة أكثر مما عاوضته به وقد يكون أيضاً قيمة الشقص ألفاً ومهر مثلها مائة، فلو

جعلنا للشفيع أخذ الشقص بمائة وهو يساوي ألفاً كنا قد حفنا على المرأة وأذهبنا بفضل الزوج عليها، فكان الأعدل في ذلك قيمة الشقص. وكذلك الحجة في الخلع وفي الصلح عن دم العمد؛ إذ لا قيمة معلومة لذلك، فكان الأعدل أن يرجع إلى قيمة الشقص، وبالله التوفيق. [فصل 2 - بم تؤخذ الشفعة فيمن أجذ الشقص من دم الخطأ] ومن المدونة: قال ابن القاسم: وإن أخذ الشقص عن دم خطأ ففيه الشفعة بالدية، فإن كانت العاقلة أهل إبل أخذه بقيمة الإبل، وإن كانت أهل ذهب أو ورق أخذه بذهب أو ورق، ينحم ذلك على الشفيع كالتنحيم على العاقلة، الدية في ثلاثة أعوام وثلثها في عام وثلثاها في عامين.

والنصف قال مالك مرة: يؤخذ في سنتين، وقال- أيضاً- يجتهد فيه الإمام على قدر ما يرى، إن رأى أن يجعله في سنتين أو في سنة ونصف فعل. قال ابن القاسم: وفي سنتين أحب إلي؛ لما جاء أن الدية تقطع في ثلاث سنين أو أربع. [قال] ابن المواز: وأما أشهب فقال: يؤخذ في أول سنة ثلث الدية وفي السنة الثانية السدس. قال ابن المواز: قال ابن عبدوس: قال سحنون: لا يجوز أن يأخذ في الدية شقصاً ولا غيره حتى يمضي فيه قضية من حاكم يقطعها على العاقلة في سنتين أو غير ذلك؛ لأن ذلك إلى اجتهاد الحاكم فهو مجهول، فلا يباع بشيء حتى يعرف بالحكم في قول ابن القاسم. وقال في المصالح عن جميع الدية على شقص: إن كان أعطى ذلك والعاقلة أهل ذهب أو ورق فالصلح جائز، ويرجعه ابن القاسم عليهم بالأقل من قيمته أو الدية إن كان صلحه عليهم وإن كانوا أهل إبل.

فإن كان القاتل يعطي الشقص ولا يرجع بذلك على العاقلة فهو جائز، وإن كان إنما صالح عنهم ليرجع عليهم لم يجز الصلح؛ لأنهم مخيرون، ويرجع هذا إلى مسألة ابن القاسم في الكفيل يصالح عن الغريم. وقد كان سحنون يقول في هذا الأصل بقول عبد الملك: إن الدين له حكم العرض، فإذا اشترى الشقص بالدية وهي ديته، فإن كانت دنانير أو دراهم قومت بالعرض على أن تؤخذ في ثلاث سنين، ثم يقوم العرض بعين. وقال عبد الملك: يؤخذ ذلك بالعرض الذي قوم به الدين. قال سحنون: وإن كانت الدية إبلاً قومت بالنقد على أن تؤخذ في ثلاث سنين ثم يأخذ الشفيع بذلك أو يدع، يريد: وينقد.

م: وكذلك ظاهر المدونة أن يأخذ بقيمة الإبل نقداً ولم يجعل ذلك مثل الدين إذا أخذ منه شقصاً أنه يأخذه يمثل الدين إلى الأجل فكان يجب أن يأخذ بمثل الإبل إلى الأجل؛ لأنها ثمن الشقص وهي موصوفة. وأراه: إنما فرق بين ذلك؛ لأن صفات الإنسان غير محصلة، فهي بخلاف أن لو كانت ثمناً للشقص؛ إذ لا يصح بيع الشقص إلا بأن تكون الإبل موصوفة معلومة الصفة. فإن قيل: فقد، قال: يأخذ بقيمة الإبل. وهل يقوم إلى ما يوصف؟ قيل: لعله رأى أن الغرر في الصفة أخف من أخذ عين الإبل. [فصل 3 - فيمن صالح من موضحة عمد وموضحة خطأ على شقص] ومن كتاب الصلح وكتاب الشفعة: قال ابن القاسم: ومن صالح من موضحة عمد وموضحة خطأ على شقص جاز، وفيه الشفعة بدية موضحة الخطأ وبنصف قيمة الشقص؛ لأنا قسمنا الشقص على الموضحتين فإحداهما معقولة والأخرى مجهولة. [قال] ابن عبدوس: وهو قول أشهب. وقال المخزومي: الصلح جائز وتحمل دية الخطأ وهي خمسون على قيمة الشقص فإن يكن قيمة الخمسون ثلث الجميع استشفع بخمسين دينار وبثلثي قيمة الشقص، فهكذا يحسب فيما قل أو كثر من الأجزاء.

قال ابن عبدوس: ونحوه عن ابن الماجشون. وقاله سحنون في مسألة من خالعت على آبق وزادها الزوج دنانير. م: وقد شرحتها في كتاب الخلع. [قال] ابن المواز: قال ابن نافع: لا يكون لموضحة العمد إلا ما فضل عن قيمة الشقص، فيأخذ بقيمة الشقص أبداً إلا أن ينقص عن خمسين فلا ينقص منها، وبهذا أخذ ابن المواز، وأعاب قول ابن القاسم. م: فوجه قول ابن القاسم أنا علمنا أن المصالح بالشقص إنما دفعه عوضاً من الموضحتين، فكان أعدل الأشياء أن يجعل لكل موضحة نصف الشقص، ولو جعلنا لموضحة الخطأ ما قابلها من قيمة الشقص وما فضل للعمد أمكن أن تستغرق موضحة الخطأ الشقص أو تزيد، فتبقى موضحة العمد لا عوض لها وهو إنما دفع الشقص عنهما، وهذا كمن باع سلعة بسلعتين أن قيمة السلعة مفضوضة على قدر قيمة السلعتين، وإن كانت قيمة كل واحدة من السلعتين أكثر من قيمة المنفردة فكذلك الموضحتان. ووجه قول المخزومي: أن الشقص لو صالح به من موضحة عمد فقط كان للشفيع الأخذ بقيمة الشقص، فصارت قيمة الشقص كأنها ديية موضحة العمد ولو دفعه أيضاً

عن موضحة الخطأ كان قيمة الشفعة بخمسين دية موضحة الخطأ، فلما دفعه عنهما ضرب في قيمته بموضحة الخطأ بديتها خمسين وبموضحة العمد بقيمة الشقص؛ لأن كل واحدة لو انفردت كان كذلك يضرب لها. وهذا- أيضاً- كمن أوصى بمعلوم ومجهول فإن جميع ذلك في الثلث يضرب فيه للمعلوم بقدره وللمجهول بالثلث. ولو قلنا في الشقص المصالح به عن الموضحتين: أن نصفه للخطأ ونصفه للعمد لوجب أن يقول فيمن أوصى بمائة دينار وبوقيد مسجد: أن نصف الثلث لصاحب المائة ونصفه للمسجد متى كان أقل من مائتين. ووجه قول ابن نافع: أنه لما كان عوض الشقص معلوماً ومجهولاً، والمجهول لا دية له إلا ما اصطلحوا عليه، جعلنا ما قابل المعلوم من قيمة الشقص ثمناً للمعلوم وذلك خمسون وما فضل عن ذلك ثمناً للمجهول إذا لم نجد للمجهول مقداراً نرده.

إليه فلم يجز أن ينقص المعلوم من مقداره لمقدار غير متحقق، فإن نقصت قيمة الشقص عن خمسين لم ينقص منها كالمشتري بالثمن الغالي. والفرق بين هذا وبين الوصايا أن موضحة العمد لما لم يجعل لها عوضاً معلوماً علمنا أنه إنما أراد أن يجعل لها ما فضل عن دية الخطأ المعلومة، فإن لم يكن فضل علمنا أنه أراد إسقاطها والعفو عنها إذ له ذلك، والموصي قد أمر بتنفيذ وصاياه، وأن يعطي كل ذي حق ما يجب له، فوجب علينا النظر فيما يصير للمعلوم والمجهول. والفرق- أيضاً- بينها وبين من اشترى سلعة بسلعتين أن السلعتين معلومتنا القيمة وموضحة العمد مجهولة، فلا يقاس مجهول على معلوم. وإن كان إنما صالح من موضحة عمد وموضحة خطأ على شقص؟ فعلى قول عبد الملك: أن المجهولات في الوصايا يضرب لها كلها بالثلث، فالجواب على ما قدمناه في جميع الأقوال لا يختلف. وعلى قول من قال في الوصايا يضرب لكل مجهول بالثلث، فينبغي على قياس قول ابن القاسم في هذه أن يأخذ الشفيع بخمسين دينار وبثلثي قيمة الشقص؛ لأنه قسم الشقص على المواضح، فوقع لكل موضحة ثلث الشقص.

وعلى قياس المخزومي يحمل الخمسين دية موضحة على قيمة الشقص مرتين، فإن كانت الخمسون خمس الجميع استشفع بخمسين ديناراً وبأربعة أخماس قيمة الشقص. وأما على قول ابن نافع: فلا يتغير في كلا المذهبين. وقيل أن قول ابن القاسم لا يختلف أيضاً. والأصح ما قدمناه، وبالله التوفيق. قال يحيى بن عمر: ولو صالحه منهما بشقص وبعشرة دنانير، فالعشرة مأخوذة من موضحة الخطأ خاصة ويأخذ الشقص بأربعين دينار وبخمسة أتساع قيمة الشقص. يريد: في قول ابن القاسم. قال: ولو صالح منهما على شقص وعرض قيمته عشرون ديناراً فالعرض مقسوم على الموضحتين؛ إذ ليس من جنس ما يجب في الخطأ فلم يختص بإحداهما دون الأخرى وليأخذ الشفيع الشقص بأربعين ديناراً وبنصف قيمة الشقص. قال أبو محمد: ولو قيل: إن مجرى كلام ابن القاسم أن يقسم أيضاً ما أخذ من عين مع الشقص على الموضحتين كما فعل في العرض لكان صواباً، وذلك أن يقسم الشقص والعشرة على الموضحتين فيقع لكل موضحة نصف الشقص وخمسة دنانير

فيأخذ الشقص بخمسة وأربعين بقية الدية موضحة الخطأ وبنصف قيمة الشقص عن موضحة العمد؛ لأنه أخذ من موضحة العمد خمسة دنانير ونصف شقص وقيمتها مجهولة، فوجب أن يأخذ النصف الآخر بنصف قيمة الشقص. م: وفي هذا القول نظر؛ إذ لو دفع ثمانية وتسعين ديناراً مع الشقص لقلت: يأخذ بدينار بقية دية من موضحة الخطأ وبنصف قيمة الشقص، ولو دفع مائة دينار مع الشقص فيجب على هذا أن يقول: يأخذ بنصف قيمة الشقص فيكون ذلك ليس بمستقيم. ويظهر لي أن كلام يحيى بجعل العين كله للخطأ أصوب، ويضرب للعمد بخمسين مع ما بقى من دية الخطأ ويأخذ بخمسين العمد حصتها من قيمة الشقص، فيأخذ بذلك مع ما بقي من دية الخطأ، فإن استغرق العين دية الخطأ أخذ الشقص بقيمته، وكذلك إذا زاد العين على دية الخطأ أخذ الشقص بقيمته. م: وقول أصبغ في العرض المأخوذ مع الشقص أصوب من قول يحيى.

قال أصبغ: إذا صالح منهما على شقص وعبد، وقيمة العبد كقيمة الشقص فقد أخذ العبد بنصف الموضحتين وبقي للشقص نصفهما، فيأخذه بنصف موضحة الخطأ وبنصف قيمة الشقص ما بلغ، وإن كان العبد من ذلك الثلث أو الربع أو الثلثين فما بقي للشقص فهو للموضحتين. قال أصبغ: ولو كان المجروح أعطى عبداً وأخذ شقصاً؟ فقال: تقوم موضحة العمد بالإجتهاد وينظر ما قيمة العبد وإلى عقل موضحة الخطأ فيأخذ بذلك كله. قال أبو محمد: يريد أصبغ إن كانت قيمة العبد بالإجتهاد قدر الثلث من الجميع أخذ الشقص بخمسين للخطأ وبقيمة العبد وبثلث قيمة الشقص. م: ويحتمل أن يكون إنما أراد أصبغ أن تقوم موضحة الخطأ فيصير ذلك عيناً كله، فيأخذ بذلك الشفيع أو يترك. والذي يجري على قياس قول ابن القاسم أن تعلم قيمة العبد، فإن قيل: خمسون أضافها إلى دية موضحة الخطأ فتصير مائة فيأخذ بها وبنصف قيمة

الشقص؛ لأنه دفع الشقص عن معلوم، وذلك قيمة العبد ودية موضحة الخطأ، وعن مجهول وهي دية موضحة العمد فقسم ذلك بينهما. م: ويحتمل- أيضاً- أن تجعل دية موضحة العمد كأنها خمسون ودية موضحة الخطأ خمسون، وينظر إلى قيمة العبد فإن كانت خمسين استشفع بمائة وبثلث قيمة الشقص، وإن كانت قيمة العبد مائة استشفع بمائة وخمسين ويربع قيمة الشقص، كما فعل ابن القاسم إذا لم يدفع المجروح شيئاً جعل دية موضحة العمد والخطأ سواء؛ لأنه جعل للعمد نصف قيمة الشقص. قال ابن المواز: ولو دفع الجارح في الموضحتين عبداً وأخذ من المجروح شقصاً، فإن زادت قيمة العبد على قيمة الشقص ودية موضحة الخطأ شيئاً فالزيادة للعمد، وإن لم تزد لم يكن للعمد شيء. م: مثل أن تكون قيمة العبد مائة وخمسة وعشرين وقيمة الشقص خمسين، فصار خمس العبد للعمد وخمساه للخطأ وخمساه للشقص، فيأخذ الشفيع بخمسي قيمة العبد.

قال: وإن كان قيمة العبد مائة أو أقل، علم أن العمد لم يؤخذ له شيء ولم يأخذ الشفيع إلا بنصف قيمة الشقص خمسين، وإن كانت قيمته مائة أخذه بثلثي قيمة العبد. م: وهذا على قياس قول ابن نافع، وأما على قياس قول ابن القاسم فينظر إلى قيمة الشقص، فإن كانت خمسين صار المجروح دفع دية موضحة الخطأ خمسين وموضحة عمد بمثل ذلك لتساويهما عنده وشقصاً بخمسين، وأخذ في جملة ذلك عبداً فيجب أن يؤخذ الشقص بثلث قيمة العبد لا تبالي ما يسوى العبد. وعلى مذهب المخزومي: ينظر إلى قيمة العبد فإن كانت مائة كان مدفوعاً عن موضحة العمد خاصة، ثم تحمل عليه موضحة الخطأ وقيمة الشقص وهي خمسون، فيصير الجميع مائتين، والذي ناب الشقص ربع قيمة العبد، فيأخذه الشفيع بذلك. قال ابن المواز: ولو أخذ من موضحة خطأ شقصاً ودفع خمسين ديناراً فليأخذ

الشفيع بمائة، وإن كانت موضحة عمد فقط فأدى المجروح عشرة دنانير وأخذ شقصاً فلينظر إلى قيمته فإن كانت خمسين فعلى الشفيع عشرة وأربعة أخماس قيمة الشقص، وإن كانت قيمته ستين فعشرة وخمسة أسداس قيمة الشقص. م: وذلك راجع إلى أن يأخذ بقيمة الشقص ما لم ينقص عن عشرة فلا ينقص منهل وهو على قياس قول ابن نافع. قال ابن المواز: ولو نكح بشقص ومعه عرض أو مال فالشفعة فيه بقيمة الشقص ما بلغ، ولو كانت قيمته ربع ما دفع معه أو ثمنه لم يأخذ الشفيع إلا بقيمته. وكذلك لو خالعت به امرأة زوجها أو صالحت به من دم عمد ومع الشقص غيره من عرض أو عين لم يأخذ الشفيع إلا بقيمته، وقاله عبد الملك. وفي كتاب محمد زيادات كثيرة من هذا الصنف يطول ذكرها. [فصل 4 - فيمن صالح من قذف على شقص أو مال] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن صالح من قذف على شقص أو مال لم يجز، ورد ولا شفعة فيه؛ لأن الحدود التي هي لله لا عفو فيها إذا بلغت الإمام، فلا يجوز الصلح فيها على مال قبل أن تبلغ الإمام، وإنما للمقذوف العفو ما لم يبلغ الإمام، فإذا بلغه أقيم الحد.

قال أبو محمد: قال أبو بكر: الذي أقول به أنه يجوز العفو عنه وإن بلغ الإمام وإن لم يرد ستراً، وهو قول مالك الأول؛ لأنه إذا كان له أن يقوم به كان له تركه والعفو عنه، وإن يصالح عليه بما أحب فيجوز ذلك. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وكذلك من قتل قتيلاً في حرابة فأخذ قبل أن يتوب لم يجز فيه عفو الأولياء وإن بلغوا الإمام ولا صلحهم على مال وذلك مردود.

[الباب الثامن] في الشفعة في الشقص يؤخذ من كراء أو إجارة أو صلح

[الباب الثامن] في الشفعة في الشقص يؤخذ من كراء أو إجارة أو صلح [فصل 1 - الشفعة في الشقص يؤخذ كراء أو إجارة] قال مالك: ومن اكترى إبلاً إلى مكة بشقص ففيه الشفعة بمثل كراء الإبل إلى مكة، ولو اكترى به داراً فبقيمة كرائها، ولو أجر فبقيمة الإجارة. وقال أشهب في المجموعة: يأخذ بمثل كراء الإبل إلى مكة من مثل صاحبها إن كان مضموناً فمضمون وإن كانت بأعيانها فبأعيانها. وقاله عبد الملك في الإجارة بمثل أجرة من استؤجر بها. قال ابن المواز عن ابن القاسم: وإن أخذ الشفيع بذلك ثم مات الأجير وانهدم المسكن، أو هلكت الدابة بعد أن مضى نصف العمل ونصف السكنى والركوب فليرجع بنصف قيمة شقصه؛ لأن أخذ الشفيع فوت. وقال أشهب في المجموعة: إذا ماتت الإبل في نصف الطريق فيرجع عليه المتكاري بنصف قيمة الشقص رجع المكري على الشفيع بما رجع به رب الشقص عليه ويقاصه من نصف ما أخذ منه من قيمة كراء إبله، إلا أن تكون قيمة

كرائها أكثر من قيمة الشقص فيكون الشفيع هو الراجع عليه بنصف كراء إبله ويدع له من ذلك نصف الشقص، ونحوه عن عبد الملك. م: وهذا على أصل عبد الملك فيمن اشترى شقصاً بعبد فأخذ الشفيع بقيمته ثم استحق العبد، وقد تقدم القول فيه. [فصل 2 - فيمن تكفل بنفس رجل فغاب فصالح الطالب الكفيل على شقص] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن تكفل بنفس رجل فغاب فصالح الطالب الكفيل على شقص، فجائز إن عرفا مبلغ الدين وفيه الشفعة بمثل الدين ويرجع الكفيل على المطلوب بالأقل من المال الذي عليه أو من قيمة الشقص، وإن لم يعرف كم الدين فلا يصلح الصلح فيه. قال أشهب في المجموعة: وإن صالحت وأنت لا تدري ما يثبت الذي تكلفت له إلا أنه قد سماه لك، فللشفيع أن يحلفه أن دينه كذا وكذا، ثم يأخذ الشفيع بذلك إن شاء، فإن أخذ به ثم جاء الغريم فلم يستحق قبله من دعواه شيئاً لم يرجع الكفيل عليه بشيء ورجع على المتحمل له بالثمن الذي أخذ من الشفيع؛ لأنه الذي رضي أن يبيع به شقصه، وهذا إن كان صلحاً بغير إقرار، وإن كان بإقرار منك لم ترجع عليه بشيء، والشفعة في جميع ذلك إنما أخذها به، ثبت الحق أو لم يثبت أو

ثبت بعضه، وإن كان إنما تحمل بالوجه وليس من المال في شيء فصالحه على شقص فللشفيع الشفعة بالأقل من قيمة الشقص أو مما على الغريم. قال ابن حبيب: قال أصبغ في الطالب يصالح المدعي عليه من دعواه وهو منكر على شقص من دار: أنه لا شفعة فيه؛ لأنه كالهبة. [فصل 3 - فيمن تكفل بنفس رجل ولم يذكر ما عليه] ومن المدونة: قال ابن القاسم: ومن تكفل بنفس رجل ولم يذكر ما عليه جاز، فإن غاب المطلوب قيل للطالب: اثبت حقك ببينة وخذ من الكفيل، فإن لم يقم بينة وادعى أن له على المطلوب ألف درهم فله أن يحلف الكفيل على علمه، فإن نكل حلف الطالب واستحق. يريد: ولا يرجع الكفيل على المطلوب بما غرم من سبب نكوله، إلا أن يقر له المطلوب وللكفيل أن يحلفه، فإن نكل غرم. [فصل 4 - فيمن ابتاع داراً فاستحق رجل منها شقصاً] قال ابن القاسم: ومن ابتاع داراً فاستحق رجل منها شقصاً فاصطلحوا على أن يأخذ المستحق بالشفعة بيتاً من الدار يصيبه من الثمن بعد تقويم جميع الدار فذلك جائز.

[فصل 5 - فيمن ادعى شقصاً بيد رجل فصالحه منه على مال] قال في باب بعد هذا: ومن ادعى شقصاً في دار بيد رجل فصالحه منه على مال، فإن جهلاه جميعاً، قال سحنون: أو عرفاه جميعاً جاز ذلك، وإن عرف المدعي دعواه منها وحده فليسمه، وإن لم يسمه بطل الصلح ولا شفعة فيه. وقد قال مالك في الزوجة إذا صالحت الورثة على ميراثها: فإن عرفت هي وجميع الورثة مبلغ التركة جاز الصلح وإن لم يعرفوه لم يجز. قال ابن المواز: ومن ادعى حقاً في دار رجل غابت عنه معرفته والمدعى عليه ينكر فصالحه منه بدنانير فلا شفعة في ذلك. [فصل 6 - فيمن ادعى جزء دار بيد رجل فأنكر] ومن المدونة: وإن ادعيت سدس بيد رجل فأنكر، فصالحك منه على شقص دفعه إليك من دار له أخرى، فالشفعة في الشقص الذي لا دعوى فيه بقيمة المدعى فيه؛ لأن قابضه مقر أنه إنما اشتراه ودفع في ثمنه السدس المدعى فيه ولا

شفعة في السدس المدعى فيه الشقص؛ لأن قابضه يقول: إنما أخذت حقي وافتديته بما دفعت فيه ولم أشتره. قال أبو محمد: ولو كان الصلح على إقرار كانت الشفعة في الشقص ولو صالحه منه على عرض أو دراهم فإن كان على إقرار ففيه الشفعة بقيمة العرض أو مثل الدراهم، وإن كان على إنكار فلا شفعة فيه. ومن ادعيت عليه أنه قتل دابتك فصالحك على شقص، ففيه الشفعة بقيمة الدابة والقول قولك في قيمتها ولا تكلف صفتها. وإن ادعيت ما لا يشبه صدق الشفيع فيما يشبه، كقول مالك فيمن اشترى شقصاً بعرض وفات العرض ثم قام الشفيع: أن القول فيه قول المشتري. والصلح من القذف والحدود على شقص لا يجوز بلغت السلطان أو لم تبلغه. قال بعض الفقهاء: إذا لم تبلغ السلطان لا يجوز العفو فيها على مال، وذلك حق له إن شاء قام به وإن شاء تركه، وإذا عفا عنه لزمه ذلك، فأشبه الجراح إلا أن يكون على مذهب أشهب الذي يقول: إن العافي في القذف له أن يقوم بعد أن عفا، وأنه على هذا حق لله تعالى كالزنى والسرقة الذي لا يجوز في ذلك العفو، وأما بعد بلوغه السلطان فلا عفو فيه، فيصير حينئذ كالزنى والسرقة.

ومسألة من اشترى داراً فهدمها وبناها ثم استحق رجل نصفها واستشفع، قد تقدمت في باب ما يحدث بالشقص من هدم أو بناء.

[الباب التاسع] في شفعة المفاوض والمقارض والعبد ومن فيه علقة رق وشفعة ذات الزوج وميراث الشفعة

[الباب التاسع] في شفعة المفاوض والمقارض والعبد ومن فيه علقة رق وشفعة ذات الزوج وميراث الشفعة [فصل 1 - في شفعة المفاوض والمقارض] قال مالك: وليس لأحد المتفاوضين فيما باع الآخر شفعة؛ لأن بيع أحدهما يلزم صاحبه. قيل: فإن تفاوضا في الدور؟ قال: ما أعرف المفاوضة في الدور، فإن نزل فلا شفعة للآخر. قال: وإذا اشترى المفاوض من المال شقصاً هو شفيعه وفيه فضل فله الشفعة ولا يمنعه رب المال، ولو كان رب المال هو الشفيع فله القيام أيضاً؛ لأن مالكاً قال فيمن اشترى شقصاً هو شفيعه مع آخر: أن المبتاع يضرب فيه بالشفعة بقدر نصيبه قبل الشراء، ولا يضرب بما اشترى. قال أشهب في المجموعة: وعهدة كل واحد من المفاوض أو رب المال على البائع. قال مالك: وليس لرب المال أن يبع شيئاً مما في يد العامل بغير أمره.

[فصل 2 - في شفعة العبد ومن فيه علقة رق] قال: ولأم الولد والمكاتب الشفعة، وللعبد المأذون، فإن لم يكن مأذونا فذلك لسيده إن أحب أخذ العبد أو ترك، وإن سلمها المكاتب لزمه ولا أخذ للسيد، وإن سلمها المأذون فلا قيام لسيده، ولو أراد المأذون أخذها وسلمها السيد، فإن لم يكن العبد مديانا جاز تسليم السيد، وإن كان مديانا وله فيه فضل فلا تسليم للسيد. قال ابن المواز: وإن سبق المأذون فأخذ أو سلم قبل أن يعلم سيده لزمه ولا قول للسيد بعد ذلك، وكذلك إن سبق السيد من سبق منها فلا كلام للآخر إلا أن يكون على المأذون دين فلا يلزم تسليم سيده. قال: وإن أخذ المأذون وفيها غبن شديد أو في تسليمها وعلم أن فيه محاباة بينة فليس له ذلك. قال: وأم الولد والمدبر والمعتق إلى أجل وكل من لسيده انتزاع ماله، مثل العبد المأذون من سبق منهم أو من سيدهم بإسلام أو بأخذ، فذلك نافذ لازم رضي الآخر أو كره.

قال مالك: وأما المكاتب فذلك له دون السيد وله أن ينقض تسليم سيده أو أخذه. قال أشهب: إلا أن يتبين من المكاتب في أخذه أو تركه محاباة بينة. يريد: فلسيده نقضه، وإلا فما فعل من ذلك على وجه النظر فجائز. قال ابن المواز: والمكاتب والمعتق بعضه وأم الولد والمدبر والمعتق إلى أجل والعبد إذا لم يكن لواحد منهم مال يأخذ به الشفعة وطلبوا الأخذ فليس للسيد أخذ ذلك لنفسه؛ لأن الشفعة لغيره وجبت، فأما أن يأخذ ذلك لمن وجبت له بسلف أو هبة فذلك جائز في عبده ومدبره وأم ولده ومعتقه إلى سنين على ما أحبوا أو كرهوا، ولا حجة للمشتري، وليس له ذلك في المكاتب والمعتق بعضه إلا برضاهما. م: إذ لا يقدر على انتزاع أموالهما. [فصل 3 - في شفعة الزوجة] ومن المدونة: قال مالك: ولذات الزوج تسليم شفعتها وإن كان فيه فضل كثير، أو أخذها وإن كان فيها غبن كثير إلا أن يكون الغبن أكثر من ثلثها فلزوجها رده.

قال: ولها الشراء والبيع ولا يمنعها من ذلك زوجها ولا من أن تتجر، وإن حابت في الشراء والبيع فذلك في ثلثها، فإن جاوزه بطل جميعه إن لم يجزه الزوج. والمغيرة يجيز منه الثلث كوصيتها. قال مالك: وليس لأحد رد محاباتها إذا لم تكن سفيهة في عقلها ولم يول عليها إلا الزوج. وفي كتاب الكفالة من هذا. [فصل 4 - في توريث الشفعة] قال مالك: وتورث الشفعة عن الميت.

[الباب العاشر] فيمن أعمر عمرى على عوض أو تصدق بدار على أن ينفق عليه حياته ومسائل من الهبة

[الباب العاشر] فيمن أعمر عمرى على عوض أو تصدق بدار على أن ينفق عليه حياته ومسائل من الهبة [فصل 1 - الشفعة فيمن أعمر عمرى على عوض] قال مالك: ومن أعمر عمرى على عوض لم يجز، ورد ولا شفعة فيه؛ لأنه كراء فاسد، ويرد المعمر الدار، وإن استغلها رد غلتها وعليه إجازة ما سكن؛ لأن ضمانها من ربها ويأخذ عوضه. قال ابن المواز: والصواب أن تكون الغلة التي استغلها له، وعليه كراء مثلها في السنين التي سكنها، ويفسخ ما بقي من عمره؛ لأنه كراء إلى أجل مجهول. وكل من اكترى كراءا فاسدا فسكن فعليه كراء مثله وإن كان ضمانه من ربه. [فصل 2 - فيمن تصدق بدار على أن ينفق عليه حياته] ومن المدونة قال مالك: ومن تصدق على رجل بدار على أن ينفق عليه حياته، فهذا بيع فاسد والغلة للمتصدق عليه؛ لأنها في ضمانه ويرجع بما أنفق ويرد الدار، ولو هلكت الدار بيده بغرق أو غيره ضمن قيمتها يوم قبضها.

[فصل 3 - مسائل من الهبة] وتجوز الهبة غير مقسومة. قيل: فما وهب للقيط أو تصدق به عليه أيكون الذي هو في حجره قابضا له، ولم يجعله السلطان ناظرا ولا وصيا؟ قال: نعم؛ لأن مالكا قال: من تصدق على غائب بصدقة ودفعها إلى أجنبي ليقبضها للغائب ويجوزها له والغائب غير عالم بالصدقة أن ذلك جائز، والموهوب له الشقص والمتصدق به عليه يقول له الشفيع: أخاف أنك ابتعته منه أو عاوضته فيه سرا وأردتما قطع الشفعة بما أظهرتما فاحلف، فإن كان ممن يتهم أحلفه وإلا لم يحلف.

[الباب الحادي عشر] جامع مسائل مختلفة مما فيه الشفعة أم لا

[الباب الحادي عشر] جامع مسائل مختلفة مما فيه الشفعة أم لا [فصل 1 - حكم الشفعة في دور القرى] قال ابن القاسم: والشفعة في دور القرى كهي في دور المدائن. وإذا كان حائط بين رجلين فباع أحدهما حظه منه فالشفعة فيه لشريكه، وإن ملكه أحدهما وللآخر فيه حمل خشب فلا شفعة لمن له الحمل. ومن له علو دار ولآخر سفلها فلا شفعة لأحدهما فيما باع الآخر منها. [فصل 2 - الشفعة في أرض العنوة وأرض الصلح] قال مالك: ولا شفعة في أرض العنوة ولا يجوز بيعها. وأما أرض الصلح تباع فإن كان على أن خراج الأرض باقي على الذمي البائع فجائز والشفعة فيها إن كان شريكه مسلم، فإن اشترط الخراج على المبتاع المسلم لم يجز؛ إذ بإسلام الذمي ينقطع الخراج عنه وعن الأرض وهذا مجهول وغرر.

قال سحنون: قال أشهب: بيعها جائز وعلى المسلم الجزية إذا شرطها عليه الذمي. وروى ابن نافع عن مالك: أنه لا يجوز لأهل الذمة بيع أرضهم من نصراني ولا من مسلم إذا كان عليها جزية، وإن كانت الجزية على جماجمهم ولم تكن على أرضهم جزية جاز بيعها من المسلمين والنصارى. وهذا في كتاب التجارة بأرض الحرب مذكور. [فصل 3 - فيمن باع أرضا على أن يدفع له المشتري شيئا كل عام] قال في كتاب الشفعة: ولا ينبغي لرجل أن يبيع من رجل أرضا على أن على المبتاع كل عام شيئا يدفعه. [فصل 4 - الشفعة فيمن غصب عبدا فابتاع به شقصا] ومن غصب عبدا فابتاع به شقصا فلا قيام للشفيع ما دام العبد لم يفت، فإن فات فوتا تجب به على الغاصب قيمته، فللشفيع الأخذ بقيمة العبد يوم اشترى به الدار. [قال] ابن المواز: لأنه لو أعوز عند الغاصب لزمه قيمته صحيحا ولا يكون على الشفيع إلا قيمته على حالة ما كان يسوى يوم اشترى به الشقص.

قال محمد: ولا يأخذ الشفيع حتى يفوت العبد بموت، ولا تفيته العيوب هاهنا؛ لأن رب العبد بالخيار إن شاء أخذ عبده ناقصا إذا لم يفت بموت وينقض بيع الشقص، وإن شاء أجاز ذلك وأخذ ثمنه من بائعه. قيل: فإن مات العبد، أيجب على الشفيع أن يأخذ بالشفعة قبل أن يعرف قيمة العبد؟ قال: نعم إذا كانا قد عرفا العبد قبل أن يموت، كما لو اشترى رجل شقصا بعبد أو حمار لوجب للشفيع الشفعة قبل معرفة قيمة العبد أو الحمار، وإنما مثل ذلك كما لو اشترى رجل عبدا أو حمارا قبل أن يعرف قيمة ذلك أنه جائز، فأما إذا احتيج إلى أن يعرف قيمة الشقص ليأخذ بها فلا شفعة إلا بعد معرفة قيمته. م: والقياس أن ذلك سواء، ولا فرق بين أن يأخذ الشقص بقيمته أو بقيمة غيره. وأما احتجاجه بقوله: كما لو اشترى عبدا أو حمارا قبل أن يعرف قيمته، فذلك غير معتدل؛ لأنه إنما اشترى معلوما بثمن معلوم فلا ينظر إلى قيمته وإنما تشتبه المسألتان أن لو جاز أن يشتري العبد أو الحمار بقيمته، فلما كان ذلك لا يجوز فكذلك لا يجوز

أن يأخذ الشقص بشفعته حتى يعرف قيمته، والله أعلم. قال سحنون: ليس جواب ابن القاسم في العبد الغصب جوابا، وإنما ينظر فإن كان مشتري العبد عالما بالغصب فاشتراه على ذلك فإنه ينتظر ربه فإن جاء فأجاز البيع وجبت الشفعة، وإن أخذ عبده انفسخ البيع. وإن لم يعلم مشتريه بالغصب، أو علم بذلك في قيام الشفيع، فإن كان رب العبد قريب الغيبة انتظر حتى يقدم فيجيز أو يفسخ، وإن بعدت غيبته فللمبتاع فسخ البيع ويرجع إليه الشقص. وإن لم يعلم حتى أخذ الشفيع بالشفعة فقد مضت الشفعة، ويرجع إلى مسألة ابن القاسم إذا أخذ بالشفعة ثم استحق العبد. [فصل 5 - الشفعة فيمن غصب ألف درهم فابتاع بها شقصا] ومن المدونة: ولو غصب ألف درهم فابتاع بها شقصا، فالشراء جائز وللشفيع الشفعة مكانه وعلى الغاصب مثلها، وإن وجدها المغصوب منه بعينها بيد البائع

وأقام عليها البينة أخذها ورجع البائع على المبتاع بمثلها والبيع تام. وإذا ادعى المبتاع أنه بنى وأكذبه الشفيع فالمبتاع مدع، وبالله التوفيق.

[الباب الثاني عشر] جامع مسائل مختلفة من الشهادات والأقضية والاستحقاق وغيره

[الباب الثاني عشر] جامع مسائل مختلفة من الشهادات والأقضية والاستحقاق وغيره [فصل 1 - شهادة القربى] قال ابن القاسم: ومن لا تجوز شهادته من القرابة لقريبه، فلا يجوز أن يشهد له أن فلانا وكله على شيء، ويجوز أن يشهد عليه أنه وكل غيره. [فصل 2 - فيم تصح شهادة النساء وتزكيتهن؟] قال مالك: وما لا تجوز فيه شهادة النساء من عتق أو طلاق أو قتل فلا تجوز شهادتهن على الوكالة فيه. قال: وتجوز شهادتهن في الأموال وفي الوكالة عليها، وتجوز شهادتهن في الوكالة على أخذ الشفعة أو تسليمها أو على أنه شفيع، أو يشهدن على المبتاع أنه أقر أن فلانا شفيع هذه الدار فذلك جائز؛ لأنه مال، وكل ما جازت فيه شهادتهن جاز أن يشهدن على الوكالة فيه. قال مالك: ولا تجوز تزكيتهن على كل حال لا للرجال ولا للنساء في شهادة مال ولا غيره.

[فصل 3 - في شفعة الخصم] قال ابن القاسم: وللحاضر أن يوكل كم يطلب شفعته أو يخاصم عنه خصما له. يريد: وإن لم يرض بذلك الخصم إلا أن يوكل عليه عدوا له فلا يجوز. وقد قال مالك فيمن ابتاع دينا على رجل أراد بذلك إعناته لعداوة بينهما: إنه لا يمكن من ذلك. قيل لمالك: فرجلان اختصما عند قاض ونظر في أمرهما وتحاجا فحلف أحدهما أن لا يخاصم صاحبه، وأراد أن يوكل عليه؟ قال: ليس ذلك له إلا لعذر، مثل أن يشتمه أو يتسرع عليه. قال ابن القاسم: أو أراد سفرا أو حجا أو غزوا أو مرض ولم يكن ذلك منه لددا بصاحبه ولا قطعا له في خصومته، فله أن يستخلف ويكون المستخلف على حجة الأول لو يحدث من الحجة ما شاء وما كان أقام الذي لم يوكل من حجته أو بينة قبل وكالة صاحبه فهي جائزة على الوكيل.

[فصل 4 - حكم بيع الصدقة والوقف] ومن بنى مسجدا على ظهر بيته أو في أرضه على وجه الصدقة والإباحة أو حبس عرصة أو بيتا في المساكين أو على المسلمين لم يجز له بيع ذلك. [فصل 5 - الإسلام وأثره في الرق والنكاح] وإذا أسلم عبد النصراني ومولاه غائب فإن بعدت غيبته باعه السلطان عليه ولم ينتظره، وإن قربت غيبته نظر في ذلك وكتب إليه. وكذلك إسلام الزوجة قبل البناء يفسخ في البعيد بغير طلاق ولا عدة عليها، وينتظر في القريب خوفا أن يكون قد أسلم قبلها، وإن بنى وغيبته بعيدة أمرها الإمام بالعدة فإن قدم بعد العدة وقد أسلم بعدها أو بعد إسلام التي لم يبن بها فلا سبيل له إليها، وإن أسلم في الوجهين قبلها أو في التي بنى بها في العدة فهو أحق بها ما لم تنكح ويدخل بها الثاني كالمفقود.

[فصل 6 - فيمن اشترى أرضا ونخلا في صفقة فاستحق بعضه] ومن اشترى أرضا ونخلا في صفقة والأرض أرض النخل فاستحق من النخل شيء يسير وضع عنه حصته من الثمن ولزمه البيع في الباقي، وإن استحق من النخل كثير، يعني: على الأجزاء، فله رد جميع ذلك أو يتماسك بما بقي في يديه ويأخذ من الثمن بقدر ما استحق من النخل، وإن كانت الأرض على حدة والنخل على حدة فابتاعها في صفقة فاستحق بعض النخل، فإن كان ما استحق منها وجه الصفقة وفيه رجاء الفضل فله رد جميع ذلك، وإن لم يكن وجه الصفقة فله رد جميع النخل خاصة إن كان للمستحق منها أكثرها. قال سحنون: لا يرد جميعها ولكن ما استحق منها خاصة. قال ابن القاسم: وإن كان ما استحق منها تافها فإنما ينتقض من الصفقة حصة ذلك، ويرجع بما يصيبه من الثمن وتصح بقية الصفقة.

[فصل 7 - فيمن ابتاع دارين صفقة واحدة فاستحق شيئا من أحدهما] وإن ابتاع دارين في صفقة فاستحق بعض واحدة وهي ليست بوجه ما اشترى، فإن كان ما اتحق من هذه الدار تافها رجع بحصته من الثمن فقط، وإن كان أكثر تلك الدار وهو ضرر رد تلك الدار فقط بحصتها من الثمن ولا يرد الأخرى. قال سحنون: إذا كان المستحق أكثرها ليست بوجه الصفقة لم يرد إلا ما استحق منها فقط. قال ابن القاسم: وإن كانت وجه الدارين فاستحق جلها أو ما فيه ضرر رد الدارين لذلك، وإن استحق ما فيه منها لا ضرر فيه رجع بحصته من الثمن من الدارين فقط. [فصل 8 - فيما إذا كان عرضا بين رجلين نصفين فباع أحدهما نصفا منها] وإذا كانت دار بين رجلين نصفين فباع أحدهما نصفا منها بعينه قبل القسم بغير أمر شريكه ثم قدم الشريك فله نصف المبيع، فإما أجاز بيعه وأخذ نصف ثمن

المبيع، وإلا أخذ منه حصته وأخذ باقيه بشفعته إن شاء ودفع نصف الثمن للمشتري ويرجع المشتري بنصف الثمن الباقي على البائع ثم يقاسم الشفيع شريكه النصف الباقي إن شاء. قيل: أفلا يقاسم هذا الذي لم يبع شريكه الذي باع، فإن وقع النصف المبيع في حصة بائعه مضى عليه؟ قال: لا ولكن يفعل ما وصفنا. [قال] ابن المواز: قال مالك: وإن شاء لم يجز بيع حصته وأخذها وسلم الشفعة وقاسم شريكه بقية الدار، ويكون المبتاع مخيرا في التماسك به أو رده، فترجع الدار بين الشريكين كما كانت، وإن شاء جعل بيع شريكه قسمة وأمضى ذلك ثم لا شفعة له في المبيع وإن شاء فسخ بيع الشريك كله وقاسم شريكه الدار كلها؛ لأنه يقول: أدخل البائع على مقاسمة بعض الدار دون بعض إذا لم آخذ بالشفعة ولم أرض بشركة من باع منه. م: ومن حجته أيضا أن يقول: أقاسم هذا ثم أقاسمك أيها الشريك بقية الدار إن كان ذلك ينقسم فأؤدي حق القاسم مرتين فذلك ضرر، ولكني أفسخ

وأقاسمك مرة واحدة، وقد يكون - أيضا - ينقسم على اثنين ولا ينقسم على أربعة إلا بضرر فأفسخ لذلك. ثم ذكر محمد بعد ذلك قول أشهب، وذكره ابن عبدوس عن سحنون: أنه إن لم يجز البيع في نصيبه ولا أجاز بيع نصيب شريكه ولا أخذ بالشفعة فليس له فسخ البيع حتى يقاسم شريكه البائع الدار نصفين، فإن وقع ما باع في سهم البائع نفذ فيه البيع، وإن لم يقع في سهمه انتقض البيع. [قال] ابن المواز: وكذلك قال أشهب في بيع أحدهما بيتا من الدار بعينه أو بيع حصته من فحل النخل فإن لم يأخذ بالشفعة ولا أجاز بيع حظه ولا سلم بيع نصف شريكه مما باع فلا يفسخ ذلك حتى يقاسم شريكه الدار أو النخل. قال: لأن فحل النخل يقسم معها فقد يقع في القسم لأحدهما. قال أشهب: وأما من باع نصيبه من عرصة الدار فله إذا أبى مما ذكرنا الفسخ قبل المقاسمة في العرصة؛ لأن العرصة لا تقسم إلا بتراض الشركاء، وبيع الشريك

مصابته من العرصة قسمة لها، فإن رضي شريكه أنفذه له وإن شاء أخذه بالشفعة وإن شاء فسخ بيعه. قال أشهب: وأما بيعه لنصيبه من بئر الأرض أو عينها فليس للآخر فيه فسخ، إنما له الأخذ بالشفعة أو تسليمه لمشتريه وبيعها جائز؛ لأنها لا تنقسم مع الحائط ولا تصير في أحد النصيبين، وإنما تترك بعد المقاسمة يقتسمان ماءها بالأيام وبالأقلاد. قال في موضع آخر: وأما إن باع أحدهما منها شرب يوم أو أقل فلصاحبه فيه الشفعة، وإن شاء أجاز بيعه وإن شاء رده إذا كانت الأرض تحتاج إلى البئر؛ لأنه ليس في يومين أو ثلاثة مما يقتسمون فيه الأرض فيبقى في ذلك شرب من ماء هذا خاصة.

[فصل 9 - في شفعة من أوقف داره لرجل آخر] ومن المدونة: قال مالك في دار بين رجلين حبس أحدهما نصيبه على رجل وولده وولد ولده فباع شريكه في الدار نصيبه: فليس للذي حبس ولا للمحبس عليهم أخذه بالشفعة إلا أن يأخذه المحبس فيجعله في مثل ما جعل نصيبه الأول. [فصل 10 - في الطلاق المعلق] ومن تزوج امرأة على امرأة له أخرى فحلف للأولى بطلاق الثانية إن آثر الثانية عليها ثم طلق الأولى. قال: فإن الثانية تطلق عليه؛ لأنه لما طلق الأولى فقد آثر الثانية عليها، وبالله التوفيق. تم كتاب الشفعة الثاني بحمد الله وحسن عونه

كتاب القسم الأول

كتاب القسم الأول

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كتاب القسم الأول [الباب الأول] جامع القضاء في القسم بالسهم أو التراضي ومن باع مورثه من دار أو اشترى ممرا في دار [فصل 1 - دليل مشروعية القسم] قال الله سبحانه وتعالى: {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} وقال: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ} الآية وقال تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} وقال: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ}.

وقسم النبي صلى الله عليه وسلم بالسهم إذ أعتق ثلث الرقيق الستة الذين أعتقهم رجل عند موته ثم مات ولا مال له سواهم. وقال عليه السلام: "لا تعضية في القسم"، والتعضية: التفرقة. وفي الحديث لأبي عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تعضية في الميراث إلا فيما يحمل القسم" يعني أن المشترك إن كان شيئا أن قسم كان فيه ضرر فلا يقسم، وهو التعضية يعني التفريق كما قال تعالى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ} يعني: أنهم آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه يعرفوه. والذي يحمل القسم يدخل في الحديث الآخر: "لا ضرر ولا ضرار"، قال القارعي: معناه لا يضر الإنسان بجاره ولا يضره، والضرر هو أن يفعل الإنسان شيئا يضر فيه ... ويغيره، فكل ما فعل ما يستضر به جاره منع من ذلك.

[فصل 2 - متى يجب القسمة] قال ابن القاسم: وإذا ادعى أحد الأشراك إلى قسم ما يقسم من ربع أو حيوان أو رقيق أو عروض أو غيرها، وشركتهم بمورث أو شراء أو غيره جبر عليه من أباه. وإن لم يقسم فإن دعا إلى البيع جبر عليه من أباه، ثم للآيي أن يبيع مع شريكه فإن شاء أخذ الجميع بما يعطي به أو يدع. [فصل 3 - في قسمة ما لو لم يعرف نصيبه] قال وإن ورث رجلان دارين فباع كل واحد نصيبه في إحداهما بنصيب الآخر في الأخرى، فإن عرف كل واحد نصيبه ما هو ونصيب صاحبه جاز وإن لم

يسمياه. وكذلك إن رضيا بأن يأخذ أحدهما بمورثه نصف أحد الدارين وثلث الأخرى ويسلم بقية بقيتهما لصاحبه، فإن جهل أحدهما مبلغ حقه منهما لم يجز. كما لا يجوز صلح الزوجة على مورث لها في دار لا تعلم مبلغه، وقاله مالك. [فصل 4 - في قسمة ما لا تعرف قيمته] قال مالك: ومن باع مورثه من هذه الدار ولم يسم عند عقد البيع ما هو من ثلث أو ربع، فإن عرفا مبلغه جاز ذلك، وإن جهله أحدهما أو كلاهما لم يجز، وإن تصدق بذلك أو وهبه جاز وإن لم يسمه. [فصل 5 - حكم الجمع في القسمة بين عدة رجال في الدار] ولو أن دارا بين ثلاثة رجال رضوا بأن يأخذ أحدهم بيتا من الدار على أن يكون للآخرين بقية الدار، جاز ذلك عند مالك.

قلت: أليس قد قال مالك لا يجمع بين رجلين في القسم؟ قال: إنما قال ذلك مالك في القرعة بالسهم. م: قيل: إنما لم يجمع بين سهم رجلين في القسم؛ لأن القسم بالسهم غرر وإنما جوز ضرورة؛ إذا كل واحد يحتاج إلى تمييز حقه، ولا ضرورة في جمع رجلين فأكثر نصيبهم فمنع منه، ولاتساع الغرر أيضا وخروج الرخصة عن موضعها. [فصل 6 - حكم القرعة في القسمة] قال ابن بكير في كتابه: قال مالك: لا تجوز القرعة بين من له الحق وبين من لا حق له، وإنما تكون بين المتساويين في السبب الذي يقرع من أجله؛ كإقراع النبي صلى الله عليه وسلم بين نسائه في الغزو، ولأنهن متساويات في أن ليس عليه أن يخرج بواحدة منهن. وكذلك إقراع القاسم بين المقتسمين لتساويهما فيما يقسم.

وكذلك إقراع النبي صلى الله عليه وسلم بين الأعبد؛ لأنهم متساوون فيما عقده المعتق، والقرعة بين الأعبد أيضا إنما هي بين الميت المعتق وبين الورثة كالشريكين. [فصل 7 - جواز قسمة الدار على أن لأحدهما العلو وللآخر السفل] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا اقتسم رجلان دارا بينهما على أن لأحدهما الغرف وللآخر السفل جاز ذلك. [فصل 8 - فيما جاء في تقسيم الممر ومما شابهه] قال: ومن اشترى من رجل ممره من داره من غير أن يشتري من رقبة البنيان شيئا جاز ذلك.

قال أشهب في كتابه إن كان ذلك الممر يخرج به المشتري إلى انتفاع ينتفع به جاز البيع وإلا لم يجز؛ لأنه باعه مالا ينتفع به وأخذ ماله بالباطل. قال ابن القاسم: وإذا اقتسم رجلان دارا بينهما فأخذ هذا طائفة وهذا طائفة على أن الطريق لأحدهما وللآخر فيه الممر جاز ذلك. قال سحنون في المجموعة: إنما هذا بالتراضي بغير سهم، وإنما يضرب بالسهم بعد رفع الطريق ويبدأ القاسم برفع الطريق، ويجريها من باب الدار إلى أقصى بيوت الدار، ويطرح ذلك فلا يحسبه على أحد من الشركاء، ثم تقسم الدار بالقيمة، يقوم البيت الجديد ببنيانه على قدر سعته ومساحته ويجعل عدله بيتين أو ثلاثة بالقيمة، فإذا اعتدلا في القيمة استهما عليهما فيأخذ هذا من الدار قليلا جيدا قيمته مثل ما أخذ صاحبه من الكثير الردئ. وكذلك تقسم الأشياء كلها إذا كانت صنفا واحدا مثل الغنم والرقيق وغير ذلك فيصير لأحدهما خمس شياه قيمتها عشرة دراهم، وللآخر شاة قيمتها

عشرة دراهم، فهكذا تكون القسمة وبهذا أمر سحنون قسامه حين ولي القضاء فكانوا يقسمون على ما وصفنا. قال ابن عبدوس: فاعمل عليه فهو أصل المدنيين، مالك وأصحابه. [فصل 9 - حكم من عدل عن القسمة قبل تقسيمها] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا قسم رجلان دارا بينهما فرضيا بأن يأخذ كل واحد منهما طائفة منها، ثم رجع أحدهما قبل أن تنصب الحدود لزمهما ذلك ولا رجوع لهما فيه عند مالك؛ لأن هذا بيع من البيوع. وكل ما قسم من ربع وغيره فعلى قيمة عدل، ثم يضرب بالسهم، فمن خرج له سهمه لزمه ولا رجوع له عنه.

[الباب الثاني] في قسمة الدور والأراضي والقرى والأجنة والعيون ومن ادعى دارا بيد غائب

[الباب الثاني] في قسمة الدور والأراضي والقرى والأجنة والعيون ومن ادعى دارا بيد غائب [فصل 1 - في قسمة الدور] قال مالك رحمه الله: وإذا كانت دور بين قوم فأردوا قسمتها فطلب بعضهم أن يجعل نصيبه في دار واحدة، وأراد الباقون قسمة كل دار على حدة، فإن كانت الدور في النفاق والرغبة في مواضعها وتشاح الناس فيها سواء، وكان بعضها قريبا من بعض، رأيت أن يجمع نصيب كل واحد فيجعل في دار واحدة في موضع واحد، ولا تفرق أنصباؤها في كل دار. وإن كانت مواضعها مختلفة مما يتشاح الناس فيها لعمران أو غيره قسمت كل دار على حدتها إلا أن يتفق منها دارا أو ثلاثة في الصفة والنفاق في مواضعها، فتجمع المتفقة في القسم، ويقسم باقيها كل دار على حدة. قال ابن القاسم: وأخبرني بعض أهل العلم وأراه من قول مالك أن الرجل إذا مات

وترك دورًا وكان ورثته يسكنون في دار من دوره، ودوره كلها سواء في مواضعها، وتشاح الناس فتشاح فيها الورثة في الدار التي يسكنونها، أن تلك الدار تقسم بينهم، فيأخذ كل واحد نصيبه فيها إذا كانت الدور التي ترك الميت في غير موضع هذه الدار التي يسكنونها، ثم تجمع في القسم بقية الدور، فيجعل نصيب كل واحد في موضع واحد إذا كانت متفقة متقاربة، وهو رأي. وذكر ابن حبيب: أن الرجل الشريف إذا هلك وترك دارا كان يسكنها ولها حرمة لسكناه، وترك دورا غيرها، فإن كانت بالقرب منها، فتشاح الورثة في تلك الدار، فأراد كل واحد أخذ حظه منها، أن تلك الدار تقسم بينهم وحدها إن حملت القسم، ويعمل في غيرها ما ينبغي في القسم.

وقال ابن أبي زمنين: ظاهر المدونة أن الدار التي كانوا سيسكنونها ليس معها غيرها في شفع واحد ولو كان معها غيرها لجمعت في القسم ولا كلام للورثة، بخلاف مال قال ابن حبيب. [فصل 2 - في قسمة ما تباعد من الدور] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا تباعد ما بين الدارين، تكون دار في موضع من المدينة والأخرى في ناحية أخرى، إلا أن موضعهما سواء في الرغبة والتشاح، فإنه يجمع نصيب كل واحد منهم في موضع واحد من إحدى الدارين، ولا يلتفت إلى افتراقهما في المصر إذا كانت بحال ما وصفنا. قال مالك: وإذا كان بين الدارين مسيرة اليوم واليومين لم تجمع في القسم وإن استوت مواضعها في النفاق والرغبة. قال أشهب في المجموعة: إذا كانت داران في نمط واحد جمعتا في القسم، وإن كان بعضها أعمر من بعض كالأرضين في نمط واحد وبعضها أكرم فتجمع عند أشهب. وقال سحنون: ليست الدور كالأرضين وقد تكون الدور في نمط واحد.

وتفاوتها مختلف، ومن داري إلى الجامع نمط واحد وهو متباين الاختلاف، وأما الأرضون في نمط واحد فلتجمع وإن تباينت في الكرم، كقول مالك في قسم الحائط وفيه ألوان الثمر. وابن القاسم: لا يجمع الأرضين كالدور حتى تتفاوت في الأماكن والنفاق. [فصل 3 - في كيفية قسمة الفدادين] ومن المدونة قال ابن القاسم: والأقرحة وهي: الفدادين، إذا كانت بين قوم فطلب بعضهم أن يجمع له في القسم نصيبه منها في موضع واحد، فإن كان بعضها قريبًا من بعض وكانت في الكرم سواء، جمعت في القسم وجعل نصيب كل واحد في موضع واحد. ولم يجد لنا مالك في قرب الأرض بعضها من بعض حدًا، وأرى الميل وشبهه قريبًا في الحوائط والأراضين. وإن كانت الأقرحة مختلفة وهي متقاربة، أو كانت في الكرم سواء وبينها تباعد

كاليوم واليومين قسم كل قريح على حدة. قال ابن عبدوس: وذهب أشهب في هذا أن ينظر إلى الأرض فإن كانت متقاربة أو كان بعضها أكرم من بعض فإنها تجمع في القسم، فإن طلب بعضهم جمع نصيبه في موضع واحد وطلب غيره أن تقسم له في كل أرض فإنه يجعل نصيب الذين أرادوا التفرقة بينهما واحدًا، ولكل من أراد الجمع بينهم في سهم، ثم يضرب بينهم بالسهام على أن الأرض بمجموعة، فإن خرج سهم الذين أرادوا التفرقة جمع إليه حقوقهم وصار كأنه حق رجل واحد، ثم تقسم كل أرض مما صار لهم بينهم على حدثها وحيث ما خرج سهم الذين أرادوا الجمع جمع لكل واحد حقه حيث ما خرج. قال: وإن كانت الأرض متباعدة مما لا تجمع في القسم، جعل نصيب الذين أرادوا الجمع نصيبًا واحدًا ولكل من أراد التفرقة بينهم سهم سهم، ثم يضرب

بالسهام بينهم في كل أرض على حدتها، فإن خرج سهم الذين أرادوا الجمع جمع لهم حقوقهم كأنه حق رجل واحد في تلك الأرض على حدتها، وأعطى الذين أرادوا التفرقة كل واحد نصيبه منها؛ حيث صار له، ثم يعمل ففي كل أرض كذلك، ثم يرجع إلى الذين أرادوا الجمع فيجمع لكل واحد منهم مما صار له من أنصبائهم من تلك الأراضي المتفرقة، ويعدل بينهم بالقيمة، فهذا تفسير قول أشهب. وقد خالف في هذا أصحابه، كما قال: إن الشركاء إذا تراضوا قسموا الشيء المتخلف بالسهم، مثل أن يجعلوا عبدًا قيمته مائة وفرسًا بمائة ودارًا بمائة، ثم يضربون بالسهام فأجازه، وهذا غرر دخلو فيه بالتراضي.

وأصل القسم بالسهم غرر، وإنما جوز للضرورة في تمييز الحق. وقد أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في العتق ليقاسم الميت الورثة فيؤخذ له الثلث ويعطي للورثة الثلثين. فكلما كان صنفًا واحدًا جبر على القسم فيه بالسهم من أباه لمن أراده بالحكم وكل ما اختلف حتى لا جيبروا على قسمته بالسهم، فإذا تراضوا صار بيعًا وعاد ذلك إلى الغرر؛ كما لو ابتاعا عبدًا وفرسًا قيمتهما سواء فاقتسماهما بالسهم فذلك غرر، لا يجيزه هو ولا غيره، وهذا معنى كلام ابن عبدوس فيها. [فصل 4 - في قسمة القرى] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا كان بين قوم قرى ورثوها أو اشتروها، فإن كانت متقاربة وهي في الرغبة والنفاق سواء جمعت كلها في القسم وأعطي

كل واحد حصته في موضع واحد. وإن كان بين القرى تباعد مسيرة اليوم واليومين، قسمت كل قرية على حدة وإن كانت متساوية في الكرم والنفاق. [فصل 5 - في قسمة قرية ذات دور وأرض وشجر] وإذا كانت بين قوم قرية ذات دور وأرض بيضاء وشجر، فليقسموا دورها كما وصفنا في قسم الدور، ويقسموا أرضها كما وصفنا في قسم الأرض. وأنا الأشجا فإن كانت مختلفة مثل تفاح ورمان وخوخ وغيره من أنواع الفاكهة وكلها في جنان واحد مختلطة فإنها تقسم كلها مجتمعا بالقيمة؛ كقول مالك في النخل يكون في حائط فمنه البرني والصيحاني والجعرور وأنواع الثمر أنه يقسم على القيمة ويجمع لكل واحد منهم حظه في موضع واحد من الحائظ، ولا يلتفت إلى ما يصير في حظ أحدهم من ألوان الثمر.

قال ابن عبدوس: والعمل في هذا أن يبدأ القاسم فيقوم النخل كله بقيمة عدل من أهل المعرفة بقيمة ذلك الموضع ويسأل أهل المعرفة بذلك النخل عن ما عرف من حمل كل نخلة ثم تجمع القيم ويقسمها السهام ويعرف ما ينوب كل سهم، ثم يضرب بالسهم على أي الطريقين يبدأ، فإذا عرف ذلك كتب اسم كل واحد من الأشراك في رقعة وخلطها في داخل كمه ثم يخرج أول سهم ثم الثاني ثم الثالث حتى يفرغ منهم، ثم يبدأ بالأول فيعطيه من تلك الناحية التي وقع عليها السهم فيعطيه شجرة شجرة حتى يكمل له قيمة ما صار له، فإن وقع بقية حق في بعض شجره كان شريكًا فيها بقدر ما بقى له مع الذي يليه ثم يصنع في الثاني والثالث كذلك. وكذلك يصنع في الأرض إلا أن يكون بعض الأرض أو بعض الشجر أكرم بالأمر المتباين جدًا فلا يجمع في القسم، ويقسم كل صنف على حدة. وقال سحنون: لا تثسم الجنان المختلف الثمار هكذا إلا على التراضي. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن كان التفاح جنان على حدة والرمان جنان على حدة وكل نوع جنان على حدة، وكل واحد يحتمل القسم فليقسم بينهم كل

جنان بالقيمة. [فصل 6 - في قسمة أرض ذات أشجا مفترقة] وإن ورث قوم أرضًا فيها شجر مفترقة، هاهنا شجرة وهاهنا شجرة، وأرادوا قسمتها فليقسموا الأرض والشجر جميعًا؛ إذ لو قسموا الأرض على حدة والشجر على حدة صار لكل واحد شجرة في أرض صاحبه. [فصل 7 - في قسمة الأراضي والعيون] وإذا ورث قوم أراضي وعيونًا كثيرة فأراد أحدهم قسم كل أرض وعين وأراد غيره اجتماع حصته من ذلك، فإن استوت العيون في سقيها الأرض واستوت الأرض في الكرم، وكانت الأرض قريبة لبعضها من بعض لا يكون فيها تباعد شديد قسمت الأرض لكل واحد حصته في موضع واحد، وإن

اختلفت العيون في سقيها الأرض وغورها واختلفت الأرض في كرمها وقسمت كل أرض وعيونها على حدة. قال مالك في الموطأ والمجموعة: لا يقسم ما يقى بالنضح والسواقي مع ما يسقى بالعيون، ولا يقسم البعل مع السقي وإن تقاربت الحوائط، ويقسم كل واحد من هذا على حدة إلا أن يتراضوا أن يجمعوه في القسم فذلك لهم. قال سحنون: وذلك بغير قرعة ولا يصلح بالقرعة؛ لأن ذلك مختلف، ويصير كمن جمع فرسًا وحمارًا في القسم بالسهم، وقال ابن الماجشون. وأشهب يجيز هذا كله إذا تراضيا. [فصل 8 - في قسمة القرية على أجزاء مختلفة وقسم مجاري الماء] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن ورثوا قرية على أجزاء مختلفة ولها ماء ومجرى ماء، ورثوا ماءها وأرضها وشربها وشجرها، قسمت الأرض بينهم عند مالك على قدر مواريثهم منها. ولا يقسم مجرى الماء ويكون لهم من الماء على قدر مواريثهم منه.

وكل قوم كانوا شركاء في قلد منه، فباع أحدهم نصيبه من ذلك فشركاؤه دنية أحق بالشفعة من سائر شركائه في الماء. قلت: والدنية أهل وراثة يتوارثون دون شركائهم؟ قال: نعم. قال مالك: وإن قسموا الأرض دون الماء ثم باع أحدهم حظه من الماء فلا شفعة فيه، وهذا في كتاب الشفعة مذكور. فصل [9 - في التداعي في القسمة] قيل: فمن ادعى في دار بيد غائت أنه وارثها مع الغائب، أو أنها لأبيه ورثها عنه ولا حق للغائب فيها وأتى ببينة. قال: لا يقضى له، وقد سمعت من يذكر عن مالك أنه لا يقضى على الغائب في الدور. قال عبد الملك: إنما يقول: لا يحكم على غائب أهل العراق، فأما علماء أهل المدينة فيرون القضاء على الغائب في الرباع وغيرها. قال ابن القاسم: وهو رأي إلا في البعيد الغيبة مثل الأندلس وطنجة وما بعد، فليقض عليه السلطان، وإن كانت الغيبة مثل ما يسافر إليه الناس ويقدمون مما ليس بالمنقطع، فليكتب إليه فيوكل أو يقدم.

ولا يقيم القاضي لغائب أو طفل وكيلا يقوم بحجتهما، وفي باب القسم على الغائب شيء من هذا. [قال] أصبغ: أرى للسلطان أن يوكل للغائب من يقوم بحجته إن لم يكن له وكيل يدفع عنه ويقضي للطالب عليه.

[الباب الثالث] في قسمة الثمار والبقل والزرع والبلح الكبير والصغير

[الباب الثالث] في قسمة الثمار والبقل والزرع والبلح الكبير والصغير [فصل 1 - في قسمة الزروع والثمار] قال مالك: وإذا ورث قوم شجرًا أو نخلًا وفيها ثمر فلا يقسموا الثمار مع الأصل. قال ابن القاسم: وإن كان الثمر طلعًا أو بلحًا إلا أن يجدوه مكانه. أسقط سحنون الطلع وقال: إذا كان فيها طلع لم يجز قسمتها بحال؛ لأنهما وإن لم يستثنيًا شيئًا فهو طعام بطعام مؤخر. قال مالك: وكذلك الزرع لا يقسم مع الأرض، ولكن تقسم الأرض والأصول وتترك الثمرة والزرع حتى يبدوا صلاحه ويحل بيعه فيقسموا ذلك حينئذ كيلا أو يبيعوه ويقسموا ثمنه على فرائض الله تعالى. ولا يقسم الزرع فدادين ولا مذارعة ولا قتا ولكن كيلًا. قلت: ولم كره مالك أن يقتسما الأرض والزرع جميعًا وقد جوز بيع الزرع قبل طيبه مع الأرض.

قال: إنما أجاز مالك بيع الزرع والأرض جميعًا بالذهب والفضة، كان الزرع أقل من ثلث ثيمة الأرض أو أكثر، ولم يجز بيع ذلك بطعام، وهذان إذا اقتسما صار كل واحد منهما اشترى نصف ما في يديه من الزرع والأرض بنصف ما صار لصاحبه من الزرع والأرض قصار بيع أرض وزرع بأرض وزرع وهذا لا يجوز، وكذلك البلح والنخل عند مالك. قال مالك: وأما ثمر النخل والعنب فإنه إذا طاب وحل بيعه واحتاج أهله إلى مقسمته فإن كانت حاجتهم إليه واحدة مثل أن يريدوا كلهم أكله أو بيعه رطبًا فلا يقسم بالخرص. قال ابن القاسم: لأنه إذا كانت حاجتهم إليه واحدة كان بمنزلة الطعام الموضوع بينهم فلا يقسموه إلا كيلا. قال مالك: وإن اختلفت حاجتهم إليه فأراد بعضهم أن يبيع وآخر يرد أن يتمر وآخر يريد أن يأكل رطبًا فإنه يقسم بينهم بالخرص إذا وجدوا عالمًا بالخرص. قال ابن القاسم: وجعل مالك الخرص في ثمرة النخل والعنب إذا طابا واختلفت حاجتهم إليه بمنزلة الكيل وفي غيرهما من الزرع وسائر الثمار.

وإذا اقتسما الثمرة كما وصنفا بعد قسمة الأصول كان على كل واحد منهم سقي نخله، وإن كان ثمرها لغيره؛ لأن على صاحب الأصل سقيه إذا باع ثمرته. قال سحنون: السقي هاهنا على رب الثمرة؛ لأن القسم تمييز حق لا كالبيع، وكان ما كان له هو ميراثه. م: وإنما كان السقي في بيع الثمرة على البائع؛ لأنه باعها على حياتها من الماء؛ ولأنه يسقي نخلة فتشرب ثمرة هذا، والقسم عنده كالبيع لأنه باع نصف ثمرته بنصف ثمرة صاحبه، والصواب أنه تمييز حق كما قال سحنون، وأما من باع أصل حائطه دون الثمر فالسقي على البائع؛ لأن المبتاع لا يسلم إليه الأثل حتى يجد البائع ثمرته، وقاله مالك. وقال المخزومي: السقي على مشتري الأصل لأنه يسقي نخله فتشرب ثمرة هذا. قال ابن القاسم: وإذا لم تطب ثمر النخل والعنب فلا يقسم بالخرص ولكن يجدوه إن أرادوا ثم يقسموه كيلا.

[فصل 2 - في قسمة الأشجار بالخرص] قال مالك: وإذا ورث قوم شجرًا غير النخل فلا يقسموا ما في رؤوسها إذا طاب بالخرص. قال: والفواكه من الرمان والخوخ والفرسك وما أشبهه فلا يقسم بالخرص وإن احتاج إليه أهله؛ لأن هذا مما ليس فيه الخرص من عمل الناس وإنما الخرص في النخل والعنب، فلا يقسم بالخرص غيرهما. قال ابن القاسم: وقد ذكر بعض أصحابنا أن مالكًا أرخص في قسم الفواكه بالخرص، فسألته عنه، فقال: لا أرى ذلك، ثم سألته عنه غير مرة، فأبى أن يرخص فيه. ومن العتبية والمجموعة: قال أشهب عن مالك: لا بأس بقسم جميع الثمار بالخرص من نخل وعنب وتين وغير ذلك إن وجدوا من يحسن ذلك، وطاب وحل بيعه واختلفت حاجتهم إليه. قال ابن حبيب: يقسم مدخر الثمار كلها بالخرص إذا بدى صلاحها، مثل الثمر والعنب والتين والجوز واللوز والجلوز والفستق وشبهه إذا اختلفت الحاجة

إليه، وإن لم تختلف أو يبس في شجره لم يقسم إلا كيلا بعد جمعه، قاله مالك وأصحابه إلا ابن القاسم فإنه لم يجز الخرص إلا في النخل والعنب. قال ابن عبدوس وابن حبيب: وإنما كره مالك قسم ما لا يدخر من الفواكه بالخرص في شجره؛ لأنهما لا يتقابضا في الوقت ويتأخر جمعه، فيجمع هذا اليوم وهذا غدًا فيصير بيع ثمرة بثمرة غير مناجزة، فأما إن كانا يجدانه جميعًا قبل أن يبرحها فلا بأس أن يقتسماه في شجره بالتحري في تعديله، أو بالتفضيل لجواز التفاضل فيه. [فصل 3 - في قسمة البقول] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا ورث قوم بقلًا قائمًا لم يعجبني أن يقتسموه بالخرص، وليبيعوه ويقتسموا ثمنه؛ لأن مالكًا كره قسم ما فيه التفاضل من الثمار بالخرص، فكذلك البقل. قال ابن عبدوس: إنما لم يجز قسمة البقل قبل أن يجز بالخرص؛ لأنه لا يقبض

كل واحد منهما ما صار له فصار طعامًا بطعام ليس يد بيد، فأما إن كان جزأه قبل أن يفترقا فلا بأس أن يقتسماه بالتحري أو بالتفضيل قبل جزه أو بعده. وقاله سحنون كقوله في قسمة الزرع الأخضر على التحري وفي بيع فدان كراث بفداني كراث. قال ابن حبيب: إلا البصل والثوم فإنه يدخر وييبس فلا يجوز فيه التفاضل، ولا يقسم تحريًا وهو أخضر أو يابس، ويقسم يابسًا عددًا أو كيلًا. م: وقسمته عددًا يدخله التفاضل؛ لأنه يختلف ولا يكاد يتساوى، والصواب أن يقسم بالوزن. قال ابن حبيب: وإن اختلفت حاجتهم إليه وهو أخضر قائم قد بلغ مبلغ الانتفاع به فإنه يجوز قسمته بالخرص وهو قائم كمدخر الثمار. [فصل 4 - حكم بيع البقول والثمار متفاضلًا أو مختلفة] ومن المدونة قال ابن القاسم: وبيع فدان كراث بفداني كراث أو سريس

خس أو سلق لا خير فيه عند مالك، إلا أن يجد الجميع قبل التفرق. وقد قال مالك: فيمن اشترى ثمرة قد طابت بثمرة مخالفة لها يابسة، أو هي في شجرها مزهية أن ذلك لا يحل، إلا أن يجدا ما في الشجر من ذلك قبل أن يفترقا. قال ابن القاسم: وإن جد أخدهما وتفرقا قبل أن يجد الآخر ما في النخل لم يجز ذلك عند مالك، وكذلك لو اشترى ما في رؤوس النخل بحنظة فدفعها وتفرقا قبل أن يجدا ما في النخل لم يجز ذلك عند مالك. [فصل 5 - في قسمة الزرع الأخضر قبل بدو صلاحه] قال: ولا بأس بقسمة الزرع قبل بدو صلاحه بالتحري على أن يجذاه مكانهما، إن كان يستطاع أن يعدل بينهما في قسمه تحريًا. وقد قال مالك في القصب والتين إذا قسم على التحري: أنه جائز، فكذلك هذا. قال ابن القاسم: وإن حصد أحدهما حصته وترك الآخر حتى يحبب الزرع، انتقض القسم؛ لأنه يبيع من البيوع، كما لا يصلح لأحدهما بيع حصته من الزرع قبل يبسه على أن يتركه مشتريه حتى يصير حبًا، وليرد الذي حصد قيمة ما حصد.

قال أشهب: يوم جده لا على الرجاء والخوف. قال هو وابن القاسم: فتكون تلك القيمة مع الزرع القائم بينهما. قال ابن القاسم: وكذلك إن تركاه جميعًا حتى صار حبًا، فإن القسم ينتقض، ويقسمان ذلك كيلا. [فصل 6 - في قسمة البلح الكبير في رؤوس النخل] قال: وإذا ورث قوم بلحًا كبيرًا أو اشتروه، فأرادوا قسمته في رؤوس النخل، فإن اختلفت حاجتهم إليه، فأراد أحدهم أكله بلحًا، وأراد الآخر بيعه بلحًا فلا بأس أن يقتسموه بالخرص؛ لأن مالكًا جعله كالبسر والرطب في تحريم التفاضل فيه، فكذلك ينبغي أن يكون البلح مثلهما في القسمة. قال ابن عبدوس ولم ير سحنون هذا اختلاف حاجة إذا كان أمرهم يرجع إلى الجد؛ لأن الذي يأكل يجد، والذي يبيع إنما يبيع على الجد ولا يتركه؛ لأنه تركه يبطل القسمة.

قيل لابن القاسم: أما يخشى في هذا البلح حين اقتسامه بالخرص لاختلاف حاجتهم أن يكون ذلك بيع طعام بطعام ليس يد بيد. قال: إذا عرف كل واحد منهم ما صار له من البلح فهو قبض فيه وإن لم يجده، والخرص فيه بمنزلة الكيل؛ وإن جد الذي حاجته إلى الأكل أو إلى البيع بعد يوم أو يومين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك جاز ذلك ما لم يتركه حتى يزهى؛ لأن مالكًا قال: إذا اقتسموا الرطب بالخرص لاختلاف حاجتهم كان لكل واحد منهم أن يجد كل يوم من الرطب بمقدار حاجته من ذلك، فكذلك البلح الكبار في رأيي. قال ابن القاسم: وإن ترك أحدهم حصته من البلح حتى أزهى أو تركوا ذلك

جميعًا حتى أزهرت النخل انتقض القسم؛ لأنه لا يصلح أن يباع البلح وإن كان كبيرًا على أن يترك حتى يزهى. قال مالك: وإن قسموه بالخرص بعد زهوه وحاجتهم إلى مختلفة فتركوه حتى أثمر لم ينتقض القسم. قال ابن القاسم: وكذلك من اشترى رطبًا في رؤوس النخل ثم تركه حتى أثم لم ينتقض البيع بينهما عند مالك، وما كان مثل ثمر إفريقية فإنهم يجدونه بسرا إذا بدا قبل أن يرطب ثم يترك حتى يثممر على ظهور البيوت. وفي الأنادر لا بأس أن يقتسماه بعد أن يجدانه كيلا وإن كان يختلف نقصانه إذا يبس فلا يضر ذلك؛ لأن الرطوبة تجري في جميعه. [فصل 7 - في قسمة البلح الصغير] ولا بأس بقسم البلح الصغير بالتحري على أن يجداه مكانهما إذا اجتهدا حتى يخرجا من وجه الخطر.

قال مالك: وإنما البلح الصغير علف. قال ابن القاسم: وهو بقل من البقول، ويجوز أن يقسماه وإن لم تختلف حاجتهم إليه بخلاف الرطب، وإنما هو بمنزلة البقل والعلف. قال مالك/ وإن كان اقتسماه وفضل أحدهما على صاحبه بأمر يعرف فضله، جاز ذلك. قال ابن القاسم: ويجوز في البلح الصغير بلح نخلة ببلح نخلتين على أن يجداه مكانهما، وإن اقتسما هذا البلح فلم يجد حتى صار بلحًا كبيرًا، فإن كانا اقتسماه على تفاضل انتقض القسم، وإن اقتسماه على تساوٍ وكان إذا كبر يتفاضل في الكيل انتقض القسم أيضًا وإلا لم ينتقض. وقال أشهب: ينتقض القسم على كل حال. قال بعض فقهاء القرويين: ولو اقتسما هذا البلح الصغير ثم أكل أحدهما جميع حظه وبقى نصيب الآخر حتى صار بلحًا كبيرًا فلا ينتقض القسم؛ لأن البلح الصغير بالبلح الكبير متفاضلًا جائز، فلا تفسد القسمة، إقتسما أولًا، على

تفاضل أو على غير تفاضل، بخلاف إذا تركا ذلك جميعًا حتى صار بلحًا كبيرًا؛ إذا قد آل أمرهما إلى الاقتسام في بلح كبير متفاضلًا وذلك لا يجوز. م: وقد نقل أبو محمد مسألة إذا أكل أحدهما جميع حظه وبقي الآخر حتى صار بلحًا كبيرًا، -من المجموعة- عن ابن القاسم، وقال فيها: إن كان اقتسماه على غير تفاضل وكان إذا كبر لا يتفاضل فذلك جائز، وهذا نقل فيه نفطر، فانفطر الأصل. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو تركا ذلك حتى أزهى انتقض القسم، ولو جد أحدهما وترك الآخر نصيبه حتى أزهى انتقض القسم؛ إذ لا يجوز بيع ذلك على أن يترك إلى طيبه، وليرد الذي أكل وجد قيمة ما جد فيقسما ذلك ما أزهى.

ولو أكل أحدهما جميع ما صار له في القسم وأكل الآخر نصف حظه وبقي نصفه حتى أزهى بطل القسم فيما أزهى، ورد الذي أكل جميع حظه، نصف قيمة ما صار له. قال أشهب: يوم جده لا على الرجاء والخوف. قال: فيقتسمان ذلك مع أزهى، يريد بخلاف من اشترى بلحًا على أن يتركه حتى يطيب فيجده بعد ازهائه، فهذا بيع فاسد وعليه قيمة ذلك على الرجاء والخوف؛ لأنه الترك اشترى، واللذان اقتسما إنما اقتسما على الجد.

[الباب الرابع] ما جاء في بيع حائط بمثله

[الباب الرابع] ما جاء في بيع حائط بمثله [فصل 1 - في بيع حائط بمثله] قال مالك: ومن باع حائط نخل بمثله، فإن لم يكن فيهما ثمر فلا بأس به، وإن كان فيهما طلع قد أبر أو بلح أو بسر أو رطب أو ثمر، فلا خير في أن يشترط كل واحد ثمرة صاحبه مع أصلها. قال ابن القاسم: وإن تبايعا الأصلين دون تمرتيهما يريد/: أو سكتا في العقد عن اشتراط الثمرة، جاز ذلك فيهما، وإن كانت ثمرتهما لم تؤبر لم يجز التبادل فيهما بحال؛ لأن الثمرة إن استثناها بائعها لم يجز؛ لأنها بالسنة للمبتاع، فاستثناء البائع لها كشرائها قبل بدو صلاحها، وإن لم يستثنيا وبقيت تبعا دخله التفاضل في تبايع الطعامين، وإن كان في أحدهما ثمرة ولا ثمرة في الآخر فلا

بأس به، وإن كانت ثمرة أحدهما قد أبرت وثمرة الآخر لم تؤبر جاز أن يبيع أحدهما لصاحبه إن بقيت المأبورة خاصة لربها، وإن اشترطها الذي لم تؤبر ثمرته لم يجز. وأصل ما كره مالك من هذا أن النخل إذا كان فيها طلع أو بلح أو رطب أو ثمر لم يصلح أن تباع تلك النخل بما في رؤوسها بشيء من الطعام، إلا أن يجدا ما في رؤوس النخل ويتقابضا ذلك قبل أن يفترقا، فيجوز إذا كان الطعام مخالفًا لثمرة الخل ويجوز بيعها مع ثمرتها بعرض أو عين.

[الباب الخامس] ما جاء في قسمة اللبن في الضروع والصوف على ظهور الغنم

[الباب الخامس] ما جاء في قسمة اللبن في الضروع والصوف على ظهور الغنم [فصل 1 - عدم جواز قسمة اللبن في الضروع] قال ابن القاسم: ولا يجوز قسمة اللبن في الضروع؛ لأن هذا مخاطرة، وأما إن فضل أحدهما الآخر بأمر بين على المعروف وكانا إن هلك ما بيد هذا من الغنم رجع فيما بيد صاحبه، فذلك جائز؛ لأن أحدهما ترك للآخر فضلًا بغير معنى القسم. وقال أشهب في كتبه: لا يجوز ذلك وإن فضل أحدهما صاحبه فهو أحرم له؛ لأنه لبن بلبن متفاضل، هو لو كان محلوبًا ما جاز ذلك فيه، فكيف يجوز ذلك في الضروع اجتمعت فيه كراهيتان. قال ابن عبدوس: وأخذ سحنون بقول أشهب أن ذلك لا يجوز، إلا أنه أنكر حجته فيها. قال سحنون: إنما لم يجز؛ لأنه طعام بطعام غير يد بيد، ولو حلباه قبل التفرق لجاز إذا فضل أحدهما الآخر بأمر بين وكان اللبن صنفًا واحدًا، لا أن يكون لبن ضأن ولبن معز.

قال سحنون: وقد قال أشهب في كتبه في صبرة بين رجلين: أنه لا بأس أن يأخذ أحدهما ما لا يشك أنه أكثر من حقه أو أقل، ويسلم لصاحبه باقيها؛ لأنه من المعروف. قال ابن عبدوس: فهذا من قول أشهب يرد احتجاجه في منع التفاضل في اللبن. [فصل 2 - جواز قسمة الصوف على ظهور الغنم] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا بأس بقسمة الصوف على ظهور الغنم إن جزأه الآن أو إلى أيام قريبة يجوز بيعه إليها، ولا يجوز فيما بعد.

[الباب السادس] ما يجمع في القسم وما لا يجمع

[الباب السادس] ما يجمع في القسم وما لا يجمع [فصل 1 - الأصل في القسمة] ولما أرخص في تمييز الحقين بالسهم على غرره لم يجز خروج الرخصة عن موضعها فيصير إلى الغرر المنهي عنه، وكالبيع بالقرعة، فما كان من الأشياء المتقاربة المشتبهة فهي تجمه في القسم، فإن تباعدت الأصناف لم تجمع في القسم لما ذكرنا. [فصل 2 - ما يجمع في القسمة من الثياب] قال ابن القاسم: فإذا كان المتاع خزًا وحريرًا وقطنًا وكتانًا وصوفًا فإن ذلك كله يجمع في القسم؛ لأن هذه ثياب كلها، ويجمع ذلك مع القراء، وهذا إذا لم يكن في كل صنف من ذلك ما يجمله القسم في انفراده، وأما إن كان في كل صنف من ذلك ما يحمل القسم في انفراده قسم كل صنف على حدة. وقيل لابن القاسم في موضع آخر: أرأيت من ترك ثياب خز وحرير وقطن وكتان وجباب وأكسية، أيقسم كل نوع على حدة أم يجعل ذلك كله في القسم كنوع

واحد؟ قال: أرى أن يجمع البز كله في القسمة فيجعل نوعًا واحدًا، فيقسم على القيمة مثل الرقيق؛ لأن الرقيق عند مالك نوع واحد وفيهم الصغير والكبير والهرمة والجارية الفارهة، وثمنهم متفاوت بمنزلة البز أو أشد، فالبز عندي بهذه المنزلة. [فصل 3 - ما يجمع في القسم من الماشية] وكذلك تقسم الإبل وفيها أصناف مختلفة، والبقر وفيها أصناف مختلفة في الصغر والكبر الجودة والرداءة، ويختلف أثمانها لذلك، فتجمع كلها في القسمة على القيمة. [فصل 4 - ما يجمع في القسمة من الأقمصة والسراويل وغيرها من الأردية] ولو ترك قمصًا وجبابًا وأردية وسراويلات، جمع ذلك كله في القسم على القيمة، ولا تجمع مع الأمتعة والثياب بسطا أو (وسائد).

وقال أشهب في كتبه: ما كان من هذه الأصناف يجوز بيعه اثنان بواحد إلى أجل، فإنه يجمع في القسمة، وكل ما لا جوز أن يباع منه اثنان بواحد إلى أجل فلا يجمع في القسم. قال ابن عبدوس: وبهذا أخذ سحنون، وأنكر أن يجمع الفراء والصوف مع الخز والحرير والديباج. قال أشهب: وليس الخز كالحرير، ويقسم كل واحد على حدة، وكذلك ما بان اختلافه من ثياب الكتان فجاز بيعه متفاضلًا إلى أجل، فليقسم كل واحد على حدته، ولا يجمع اللؤلؤ مع الياقوت والزبر جد مع الياقوت إلا أن يتراضوا. قال أشهب: ولو لزم جمع ما يقع عليه اسم بز في القسم مع اختلافه لزم مثله فيما يقع عليه اسم دابة، فيقسم الرقيق مع الدواب والخيل مع الحمير والإبل. قال ابن حبيب: ثياب القطن والكتان صنف، وإن كان فيها قمص وأردية وعمائم، وثياب الخز والحرير من الوشي وغيره صنف، وثياب الديباج صنف لا

تقسم مع ثياب الخز والحرير، وثياب الصوف والماعز صنف، وفري الخراف صنف لا تضم إلى فري القلنيات لبعد اختلافهما، ولا تضم فري معمولة إلى ما ليس بمعمولة. [فصل 5 - ما لا يجمع في القسمة] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا يجمع في القسم بالسهم الخيل والبغال والحمير والبراذين ولكن يقسم كل صنف على حدة. قال: والخيل والبراذين صنف، والبغال صنف، والحمير صنف. وبعد هذا باب فيه من معاني هذا الباب.

[الباب السابع] ما ينقسم وما لا ينقسم، أو ما في قسمه ضرر وقسمة الدين وحده أو مع عرض

[الباب السابع] ما ينقسم وما لا ينقسم، أو ما في قسمه ضرر وقسمة الدين وحده أو مع عرض [فصل 1 - فيما ينقسم وما لا ينقسم، أو ما في قسمه ضرر] قال ابن القاسم: ويقسم العبيد إذا اقتسموا وإن أبى ذلك بعضهم. قال مالك في الجذع بين الرجلين: فإن أراد أحدهما قسمته وأبى ذلك صاحبه فلا يقسم. قال أشهب: فإن قيل: من الخشب ما يصلحه القطع، قيل: فإن من الثياب ما يكون قطعه صلاحًا ولا يكلف ذلك من أباه، وإنما القسم في غير الرباع والأرضين فيما لا يحال من حاله ولا يحدث بالقسم فيه قطع ولا زيادة دراهم. قال مالك: في الثوب لا يقسم بينهما إلا أن يجتمعا على ذلك. قال ابن القاسم: وكذلك الباب والمصرعان والخفان والنعلان والثوب الملفق قطعتين من العدني وغيره والرحى، إذا أراد هذا أن يأخذ حجرًا وهذا حجرًا، لا

يقسم شيء من ذلك إلا بالتراضي، والساعدان والساقان والرأسان لا يقسم، ولاحبل والخرج لا يقسم إذا أبى ذلك أحدهم. وذكر أشهب في كتبه: أن هذا الذي ذكرنا كله يجوز قسمته على التراضي. قال ابن القاسم: والفص والياقوتة واللؤلؤة والخاتم هذا كله لا يقسم عند مالك. وذكر أشهب في كتبه: إن الفص إذا كان كبيرًا لم يقسم إلا بالتراضي. قال ابن القاسم: وإن اجتمع من كل صنف من ذلك عدد يحمله القسم، قسم كل صنف من ذلك على حدة ولا يجمع من ذلك صنفان في القسم. والغرارتان إن كان في قسمهما فساد لم يقسما وإن لم يكن فسادًا قسما مثل النعلين والخفين، والمحمل إذا كان في قسمه ضرر على أحدهما

ونقص ممن لم يقسم إلا أن يجتمعا. انظر: إنما يراعي نقصان الثمن في قسمة العروض خاصة وأما الرفيع فلا ينظر إلى الثمن إذا صار في نصيب كل واحد من الربع ما ينتفع به وإن نقص ثمنه، ونحوه لأبي محمد في الربع. وتقسم الجبنة وإن أبى ذلك أحدهم كالطعام. وقد قال مالك في الطعام: أنه يقسم. وبعد هذا باب فيه من هذا المعنى. [فصل 2 - في قسمة الديون وحدها أو مع عرض] قال ابن القاسم: ومن هلك وترك عروضًا حاضرة وديونًا على رجال شتى، فاقتسم الورثة، فأخذ أحدهم العروض وأخذ آخر الديون على أن يتبع الغرماء، فإن كان الغرماء حضورًا مقرين، وجمع بينه وبينهم جاز، وإن كانوا غيبًا لم يجز؛ لأن مالكًا قال: لا يشترى دين على غريم غائب.

قال مالك: وإن ترك ديونًا على رجال، لم يجز للورثة أن يقتسموا الرجال، فيصير ذمة بذمة، وليقسموا ما على كل رجل. قال مالك: وسمعت بعض أهل العلم يقول: الذمة بالذمة من وجه الدين بالدين.

[الباب الثامن] في التداعي في القسم والغلط فيه

[الباب الثامن] في التداعي في القسم والغلط فيه [فصل 1 - فيما لو ادعى أحد الشركاء غلطًا في القسمة] قال ابن القاسم: وإذا ادعى أحد الشركاء بعد القسم غلطًا، مضى القسم ويحلف المنكر إلا أن تقوم للمدى بينة أو يتفاحش الغلط فينقض؛ كقول مالك فيمن باع ثوبا مرابحة ثم ادعى وهمًا، أنه لا يقبل قوله إلا ببينة أو يأتي من رقم الثوب ما يدل على الغلط فيصدق مع يمينه، وكذلك القسم. قال أشهب: لا يمين على منكر الغلط في القسم وهو بمنزلة الرجل يكتب على نفسه ذكر حق، ثم يأتي فيدعي الغلط في المحاسبة. قال ابن حبيب: إذا ادعى أحدهم الغلط بعد القسم، فإن قسموا بالتراضي بلا سهم وهم جازوا الأمر فلا ينظر إلى دعوى ذلك وإن بان الغلط ببينة أو بغير بينة من أمر ظاهر؛ لانه كبيع التساوم فيلزمه فيه التغابن، وإن قسموا بالسهم على تعديل القيمة فلا يقبل قوله إلا ببينة أو يتفاحش فيه الغلط فترد القسمة كبيع المرابحة.

ولا تعدل الأنصباء على أن يبقوا على سهامهم ولكن يقسم ثانية، ولو لم يكن الغلط إلا في نصيب واحد وقع عنده زيادة نقض القسم، فإن فات نصيبه بالبناء رجع عليه من نقص سهمه بقيمة ذلك مالًا ولو فات ببيع، فإن لم يكن المبتاع بنى أرضًا نقض بيعه وردت القسمة، فإن بنى المبتاع رجع الناقص سهمه على البائع بقيمة ذلك مالًا، فإن لم يجد عنده شيئًا رجع به على المشتري مالًا، ورجع المشتري على البائع في ذمته. قال أبو محمد: كيف يرجع على المشتري، وبماذا يرجع، بحصة الثمن أو القيمة؟ م: والذي أراد ابن حبيب أن يرجع عليه بقيمة ما نقص من سهمه، كما كان يرجع على البائع منه. قال ابن حبيب: وإن بنى الذي لم تقع الزيادة في سهمه، ولم يبن الذي عنده الزيادة، انتقض القسم فيما لم يبن من السهام، وفي سهم الذي فيه زيادة، وما فات بالبناء مما لم يقع فيه الغلط ماضٍ لصاحبه، هكذا فسره لي مطرف وابن الماجشون وأصبغ. [فصل 2 - فيما لو أقر بالقسمة ثم عدل عنها] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو اقتسما عشرة أثواب فأخذ هذا ستة وهذا أربعة، ثم ادعى صاحب الأربعة ثوبًا من الستة في قسمه لم يصدق المدعي؛ لأنه قد أقر

بالقسمة وادعى ثوبًا مما في يد صاحبه، فلا تنقض القسمة بينهما إذا أشبه قسم الناس ويحلف حائز الستة، وكذلك إن أقاما بينة فتكافأت في العدالة. وكذلك الغنم إذا اقتسماها قم ادعى أحدهما الغلط فهي في ذلك بمنزلة الثياب، وليس هذا كمن باع عشرة أثواب من رجل فقبضها المبتاع ثم قال البائع: لم أبع إلا تسعة وغلطت بالعاشر، وقال المبتاع: بل اشتريت العشرة، هذا إن كانت الثياب قائمة انتقض البيع فيها بعد أيمانهما بخلاف القسم. قال أبو محمد: إذ يحتمل في البيع بيع نصف ثوب أو ثلث أو ما شاء، ولا يقسم هذان إلا على جزء الشركة فالحائز لما نابه مدعى عليه وقد اجتمعا أن الثوب السادس داخل في القسم، وما اختلفا فيه في البيع لم يجتمعا أنه داخل في البيع. م: وإنما قال في مسألة البيع إذا كانت الثياب قائمة تحالفًا وتفاسخا؛ لأن التسعة الأثواب التي اتفقا أنها دخلت في البيع اختلفا في ثمنها، لأن المبتاع يقول:

حظها تسعة أعشار الثمن، والبائع يقول: بل جميع الثمن. م: فإن فاتت الثياب بحوالة سوق حلف المبتاع أنه ما ابتاع إلا عشرة أثواب وحلف البائع أنه لم يبع إلا تسعة ويكن له أخذ ثوب منها، ويلزم المبتاع التسعة بما يخصها من الثمن الذي تصادقا عليه، فإن فاتت بذهاب أعيانها نظرت فإن كانت قيمة الثوب منها أكثر مما يخصه من الثمن حلف المبتاع ولزمه ما يخص التسعة أثواب وحلف البائع وأخذ منه قيمة الثوب العاشر، وإن كان قيمة الثوب ما يخصه من الثمن فأقل حلف المبتاع وبرئ، وبالله التوفيق. قال ابن عبدوس: وقال أشهب في القسم: يتحالفان ويتفاسخان. وأنا أقول: يقتسمان هذا الثوب المختلف فيه بينهما نصفين بعد أيمانهما. واختار سحنون قول ابن القاسم. [فصل 3 - فيما لو تداعيا بيتًا وساحة بعد القسمة] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو اقتسما دارًا فتداعيا بيتًا منها وليس ذلك البيت بيد أحدهما تحالفا وفسخت القسمة كلها بينهما، ومن حاز البيت أو

أقام بينة صدق ومن لزمته منهما لصاحبه يمين فنكل عنها لم أقض لصاحبه حتى يرد اليمين عليه. ولو قال كل واحد: حد الساحة من هاهنا ودفع إلى جانب صاحبه فإن كان اقتسم البيوت على حدة والساحة على حدة تحالفا إن لم تكن بينهما بينة، وفسخ قسم الساحة وحدها، ولو جمعاها في القسم وتراضيا بذلك فسخ الجميع إذا تحالفا.

[الباب التاسع] جامع مسائل مختلفة من نفي الضرر

[الباب التاسع] جامع مسائل مختلفة من نفي الضرر [فصل 1 - دليل مشروعية نفي الضرر] قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار". [فصل 2 - مدى التصرف فيما تملك إن كان ضمن ملك الآخرين] قال مالك: وإذا انقلعت لك نخلة في أرض رجل من الريح، أو قلعتها أنت فلك أن تغرس مكانها أخرى. قال ابن القاسم: ولك أن تغرس مكانها شجرة من سائر الشجر، يعلم أنها لا تكون أكثر انتشارًا منها ولا أكثر ضررًا بالأرض من النخلة، ولا تغرس مكانها نخلتين. وإن كانت لك نخلة في أرض رجل، فليس له منعك من الدخول إليها لإصلاحها وجدادها، أنت ومن يلي ذلك لك. وإن كانت أرضه مزروعة فلك السلوك فيها من غير ضرر به مع من يجدها لك، وليس لك أن تجمع لذلك نفرًا يطئون زرعه. ولو كان لك في وسط أرضه المزروعة أرض فيها رعي لم يكن لك السلوك

بماشيتك فيها إليه لترعاه، ولكن الدخول لإحتشاشه. وإذا كان لك نهر ممره في أرض قوم فليس لك منعهم أن يغرسوا بحافتيه شجرًا، فإذا كنست نهرك حملت سنة البلد في طرح الكناسة، فإن كان الطرح بضفتيه لم تطرح ذلك على شجرهم إن أصبت بها من ضفتيه متسعًا، فإن لم يكن فبين الشجر، فإن ضاق عن ذلك طرحت فوق شجرهم إذا كانت ذلك سنة بلدهم طرح طين النهر على حافتيه. ونقلت إلى آخر الكتاب مسألة: من اقتسما أرضًا على أن لا طريق لأحدهما على الآخر وهو لا يجد طريقًا إلا عليه أن ذلك ليس بجائز ولا هو من قسم المسلمين.

[الباب العاشر] في الدين أو الوارث أو الموصي له يطرأ بعد القسمة أو قبلها

[الباب العاشر] في الدين أو الوارث أو الموصي له يطرأ بعد القسمة أو قبلها [فصل 1 - ما يشترط في قسمة المواريث] ومن غير المدونة: ولا يقسم القاضي ميراثًا بين ورثة حتى يثبتوا عنده موت الميت وعدد ورثته، وأنه يملك هذه الرباع كانوا بالغين أو فيهم صغير، ولا يقضي بالقسم بتقاررهم، وإن كانوا بلغاء كلهم ولا دين على الميت، وكذلك لا يقضي بدار بين الشريكين بقسمتها بتقاررهما حتى يقيما البينة أنها لهما. ومن كتاب القسم: وإذا قسم القاضي بين الورثة لم يأخذ منهم كفيلًا مما لحق الميت من دين، فإن قسم القاضي بينهم ثم طرأ دين انتقضت القسمة كقسمتهم بغير أم قاض وهم رجال.

[فصل 2 - في قسمة الدين] قال مالك: ومن هلك وعليه دين وترك دارًا بيع منها بقدر الدين، ثم قسم الورثة باقيها، إلا أن يخرج الورثة الدين من أموالهم فتبقى لهم الدار فيقتسمونها. وإن هلك وعليه دين وترك دورًا ورقيقًا وصاحب الدين غائب، فجهل الورثة أن الدين قبل القسمة، أو لم يعلموا بالدين، فاقتسموا ميراثه ثم علموا بالدين، فالقسمة ترد حتى يوف الدين إن كان ما اقتسموا قائمًا، وإن أتلف بعضهم حظه، يريد: فأعدم، وأبقى أحدهم حظه بيده فلرب الدين أخذ دينه مما بيده، فإن كان دينه أقل مما بيده أخذ قدر دينه وضم ما بقى بيد هذا الوارث بعد الدين إلى ما أتلف بقية الورثة فحاز هو التركة، فما بقى بيد الغارم كان له ويتبع جميع الورثة بتمام مورثه من مال الميت بعد الدين ويضمن كل وارث ما أكل أو استهلك مما أخذ، وما باع فعليه قمنه لا قيمته إن لم يجاب. [فصل 3 - حكم ما تلف من حيوان أو هلك بأمر من الله تعالى] قال مالك: وما مات بأيديهم من حيوان أو هلك بأمر من الله تعالى من عرض أو غيره، فلا ضمان على من هلك ذلك بيده وضمانه من جميعهم. قال ابن القاسم: لأن القسمة كانت بينهم باطلة للدين الذي على الميت.

قال في رواية غير يحيى: ولا يرجع في باقي مال الميت بإرث، ولا يرجع عليهم بشيء من قبل الدين. قال أشهب: أما ما يغاب عليه، فهو مضمون عليهم. قال ابن عبدوس: قال سحنون: إن الدين إذا لحق الميت لم ينتقض القسم، وهو تمييز حق ليس ببيع، والدين شائع في جميع ما بأيديهم، ويكون على جميع الورثة لا على قدر مواريثهم فيضر بهم؛ إذ قد يكون أحدهم غبن في القسم أو تغير سوق ما بيده، فيؤدي أكثر مما بيده، ولكن يقوم ما بيد كل واحد منهم يوم البيع للدين، ويقسم عليه الدين، فما وقع على كل واحد، بيع مما بيده بقدره، ولكل واحد أن يفتك ما يباع عليه بأداء ما ينوبه، وإذا كان في البيع من نصيب كل واحد ضرر على طالب الدين لطوله وكان بعض ما بيد أحدهم أحضر ثمنًا فليبع ما هو أنجز له مما هو بيد أحدهم ثم يرجع هو على إخوته بمقدار ما كان ينوبهم من الدين يوم قضاه.

[فصل 4 - فيمن يتبع الجاني على الرقيق] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا جنى على الرقيق بعد القسم قبل لحوق الدين ثم لحق الدين، فإن جميعهم يتبع الجاني لانتقاض القسم بلحوق الدين. قال أشهب في المجموعة: هذا إن أخذ الدين من جميع الورثة، وأما إن أخذ من أحدهم فإنما يرجع هو وحده على الذي صار له ذلك العبد بما يصيبه من العبد وله من الجناية بقدر مصابته من العبد. م: وبيانه مثل أن يترك الميت ثلاثة بنين وثلاثة أعبد قيمة كل عبد مائة، فأخذه كل ابن عبدًا فقتل عبد أحدهم ثم طرأ دين مائة، فإن باع الغريم أحد العبدين الباقيين في الدين رجع من بيع عبده على أخيه القائم عبده بثلث قيمة العبد، ورجع على الجاني بثلث قيمة العبد المجني عليه ورجع عليه صاحب العبد المجني عليه بثلثي قيمته، ولو أخذ رب الدين من كل واحد من الأخوين نصف الدين لرجعوا كلهم على الجاني أثلاثًا. قال ابن عبدوس: هذا القول كأنه جعل الدين عليه كالاستحقاق. ومذهب سحنون أن رب الدين يأخذه مما بيد الورثة، فإذا أخذه منهم لم

يرجعوا على المجني على عبده بشيء، ولكن على الجاني بحصة ما يلحق قيمة العبد المجني عليه إذا فض على جميع ما بأيديهم، ويرجع المجني على عبده على الجاني بما بقى، مثل أن يكون قيمة المقتول يوم القتل خمسين وقيمة كل عبد بيد أخويه مائة والدين مائتان فبيع العبدان اللذان بيد الأخوين، فإن الأخوين يأخذان من مال الجاني أربعين وأخوهما عشرة، ولو كان كالاستحقاق لرجعوا فيه أثلاثًا. [فصل 5 - فيما لو أقر أحد الورثة بعد القسمة بدين على الميت] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا أقر أحد الورثة بعد القسمة بدين على الميت، فإن كان عدلًا حلف الطالب مع واستحق. فإن قال الورثة: إنما أقر لنقض القسم. قيل لهم: فادفعوا أنتم وهو الدين ويتم القسم وإلا أبطلنا القسم، وأعطينا هذا دينه وقسمنا بينكم ما بقى، فإن أخرجوا منابتهم من الدين وأبى المقر إلا نقض القسم، قيل له: إما أخرجت منابتك من الدين وإلا بعنا عليك ما طرأ

لك بالقسم، ولو أقر قبل القسم وحلف الطالب لم يجز لهم أن يقسموا حتى يأخذ رب الدين دينه. قال سحنون: إلا أن يكون المال واسعًا. يريد: مما أبقوا. وروي عن مالك أنه قال: وإن كان المال واسعًا فلا يقسم إلا بعد قضاء الدين. وذكر الشيخ أبو عمران عن الشيخ أبي الحسن: إذا ترك الميت ثلاثمائة دينار عينًا وترك ثلاثة بنين وأخذ كل منهم مائة، ثم طرأ موصى له بالثلث فوجد الاثنين قد أتلفوا المائتين ووجد في يد الثالث مائة. فقال الشيخ: صاحب الوصية أولى بهذه المائة؛ لأنها عين شيء الميت. قال: وقاله ابن المواز وغيره. انظر: كأنه رأى أن التركة إذا كانت كلها عينا صار كالموصى له بتسمية، بخلاف العرض.

[فصل 6 - فيم لو طرأ مستحق بعد القسمة] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا طرأ وارث أو موصى له بالثلث بعد القسم، والتركة عين أو عرض، فإنما يتبع كل وارث بقدر ما صار إليه من حقه إن قدر على قسم ما بيده من ذلك، ولا يتبع المليء بما على المعدم، وليس كغريم طرأ على ورثة ولكن كغريم طرأ على غرماء، وقد قسموا مال الميت أجمع وأعدم بعضهم، فلا يتبع المليء إلا بما عنده من حصته في الحصاص. وهذا مذكور في كاتب المديان. قال ابن حبيب: قال أشهب: هذا إن كان عينًا أو طعامًا أو ما لا يعرف بعينه، ولو اقتسموا عروضًا أو رقيقًا، لشرك كل واحد فيما بيده إلا أن يكون لو قاسمهم إياها على اجتماعهم اجتمع له حقه في شيء واحد أو شيئين. ومن كتاب القسم: وإن كانت التركة دورًا وليس فيها عين، فاقتسمها الورثة ثم قد وارث أو موصى له بثلث، نقض القسم، كأن قد جمعوا الدور في القسم أو قسموا كل دار على حدة.

ولو قدم موصى له بدنانير أو دراهم يحملها الثلث, كان كلحوق الدين, إما أدوه أو نقض القسم, ولا يجيروا على أدائه من أموالهم ومال الميت قائم, إلا أن يستهلكوه, وأما ما هلك بأيديهم مما أخذوه من مال الميت بغير سببهم لم يضمنوه, ولو طاع أكثرهم بأداء الوصية والدين وأبى أحدهم, وقال: انقضوا القسم وبيعوا لذلك واقسموا ما بقي فذلك له, ولا يجبر على الشراء. ولو قبلنا قول من أبى نقض القسم وأدى, وقلنا لمن أبى الداء: بع حظك للدين أو للوصية لم يستقم ذلك, ولعل ذلك يغترف حصته إما لحوالة سوق ما بيده وإما لتغابن كان في القسم فرضوا به, فإذا أبى أحدهم فلابد من نقض القسم.

قال: وهذا إذا كان ما في يد الذي أبى القسم قد تغير؛ بانهدام مساكن أو بحوالة سوق الحيوان أو بنقض دخلها في أبدانها, فأما إذا مات ما قد أخذ من الرقيق, أو صارت المساكن بحرا أو نحو هذا من التلف, فلا يرجع عليه بشيء من قبل الدين, لا يرجع هو على من قاسمه بشيء, ويقال للذين بقوا: إما أديتم جميع الدين وتبقى قسمتكم بحالها وإلا نقض القسم بينكم وأديتم الدين مما في أيديكم خاصة. ولو دعوا إلى نقض القسم إلا واحدا قال: أنا أؤدي جميع الدين أو الوصية عينا كانت أو طعاما ولا تنقضوا القسم ولا أتبعكم بشي؛ لرغبته في حصته وقد قسموا ربعا أو حيوانا فذلك له. قال ابن عبدوس: قال ابن القاسم وأشهب: إذا طرأ الدين وقد تلف ما بيد أحدهم كانت حيوانا فماتت أو دورا فانهدمت أو غصبها فلا شيء له ولا عليه, وإن باعه أو أتلفه بهبة أو غيرها رجع عليه صاحب الدين بدينه فيما يخصه ما بينه وبين ما كان صار له من التركة. وأنكره سحنون. وقال أشهب في مسألة أخرى: لا يضمن الوارث إلا ما اتلف, كمن اشترى عبدا فاستحق من يده وقد باعه, أنه إنما عليه ثمنه, وإن أعتقه رد عتقه, وإن وهبه لم يتبع بشيء منه.

قال أشهب: فالقسمة مثل هذا اقتسموا بسلطان أو بغير سلطان, وقاله سحنون. وتفسير قوله: إن كان الدين يغترق التركة, فإن رب الدين يأخذ ما وجد قائما ويأخذ ممن باع الثمن إن لم يحاب في البيع, وليس له أن ينقصه, وقاله مالك. وإن لم يغترق الدين التركة ولم يحاب وليس معروفا بالدين, قسم الدين على قيمة سلعة من بقيت سلعته قائمة, وعلى القدر الذي باع به من باع, ومن أدركه مليا أخذ منه, ومن كان عديما فليأخذ من المليء عنه, ثم يرجع المليء على المعدمين بما كان يرجع به عليهم صاحب الدين. ولو وهب أحدهم أو أعتق ثم طرأ دين يغترق التركة, فليرد الهبة أو العتق ويباعوا في الدين, وإن لم يحط الدين بالتركة فض على جميع ما طرأ للإخوة, ثم يباع مما وهب بقدر منابته من الدين, وتجوز الهبة فيما بقي, وأما

المعتق فيلزمه إن كان مليا ويقوم عليه حصة الدين فيعتق كله, وإن كان معدما بيع من العبد بقدر حصة الدين وعتق ما بقي. قال ابن المواز: قال ابن عبد الحكم: اختلف في الوارث يطرأ على الورثة. فقيل: هو كغريم طرأ على غرماء لا يتبع المليء بما صار إلى المعدم, وكالموصى له يطرأ على موصى لهم, قاله ابن القاسم ورواه عن مالكو وقاله اصبغ. وقال ابن عبد الحكم غير هذا وهو قول أشهب: أن الطارئ يقاسم من وجد من الورثة مليا بما صار له, حتى كأنه لم يترك الميت غيرهما, ثم يتبعان باقي الورثة, فمن أيسر دخلوا معه وساووه, هكذا حتى يعتدلوا. قال محمد: فإن ترك على هذا امرأة وابنا, فأخذت المرأة الثمن والابن ما بقي, ثم طرأت زوجة أخرى فوجدت صاحبتها عديمة والابن مليا, فلترجع على الإبن بثلث خمس ما صار إليه, وهو جزء من خمسة عشر مما في يديه؛ له أربعة عشر من ستة عشر, ولكل واحدة من الزوجتين سهم, ثم يرجعان على الزوجة بنصف ما أخذت, وكل ما وجدوا عندها من ذلك اقتسماه على خمسة عشر حتى يستوفياه, ولو قالت الطارئة لما قدمت: قد صار إلى ميراثي, فيكون كقولها:

تركت لكما ميراثي لا حاجة لي به, وينقض القسم فيقسمان على خمسة عشر جزءا, للابن أربعة عشر ولهذه جزء يعلم أنه قد صار لهذه الطارئة مثل ما أخذت هذه من الابن, فيصير ذلك على ستة عشر بينهما مقسما على التعديل.

[الباب الحادي عشر] ما يجوز قسمه بالسهم وما لا يجوز وقسمة الحلي ومن لم يرض بما خرج له بالسهم, أو قال للقاسم: غلطت أو لم تعدل وشراء ما يخرج بالسهم, وقسم الشيء الغائب أو بالخيار

[الباب الحادي عشر] ما يجوز قسمه بالسهم وما لا يجوز وقسمة الحلي ومن لم يرض بما خرج له بالسهم, أو قال للقاسم: غلطت أو لم تعدل وشراء ما يخرج بالسهم, وقسم الشيء الغائب أو بالخيار [فصل 1 - ما يجوز قسمه بالسهام وما لا يجوز] قال ابن القاسم: وإذا ورث قوم دورا ورقيقا وعروضا وحيوانا, فأرادوا القسمة فجعلوا العروض حظا والدور حظا والرقيق حظا والبقر حظا على أن يضربوا على ذلك بالسهم لم يجز, وإن كان قيمة كل صنف مثل قيمة الآخر؛ لأنه خطرا, ولكن يقسم كل نوع على حدة, البقر على حدة والغنم على حدة والعروض على حدة, إلا أن يتراضوا على شيء بغير سهم, وقاله مالك. قال ابن القاسم: وكذلك لا يجوز أن يجعلوا دنانير ناحية وما قيمة مثلها ناحية, وكذلك من ربع أو عروض أو حيوان ويقترعوا, وأما بالتراضي بغير قرعة فجائز, وليس هذا كدارين بين رجلين وهما في الموضع والنفاق سواء, إلا أنهما

متفاضلتان في البناء فواحدة جديدة وأخرى رثة, أو دار بعضها رثيت وباقيها جديد, فقد جوز مالك أن يجمع ذلك كله في القسم بالسهم بالقيمة؛ لأنه صنف واحد منه جيد ودون, كقسمة الرقيق على تباينها, وكل صنف لابد من ذلك فيه, بخلاف صنفين مختلفين. م: وقد تقدم هذا. [فصل 2 - في قسمة الحلي] ومن هلك وترك متاعا وحليا, قسم المتاع بين الورثة بالقيمة والحلي بالوزن. قال مالك: فإن قالت الأخت: أعطوني حظكم من الحلي بوزنه ذهبا يدا بيد فرضوا جاز ذلك. قال ابن القاسم: فإن كان في الحلي جوهر لا يبين منه فإن كانت الذهب والفضة قدر الثلث فأدنى. أو كانت سيوفا محلاة حلية كل واحد منها الثلث فأدنى, فلا بأس بقسمة ذلك كله بالقيمة؛ لأن السيف إذا كان فيه من الفضة الثلث فأدنى يجوز بيعه نقدا بفضة أقل مما فيه أو أكثر عند مال, ويجوز بيعه بالفضة والعروض, أو سيف فضته أكثر من الثلث أو أدنى وكذلك القسمة, وإن

كانت فضة كل سيف أكثر من الثلث فلا خير في القسمة فيها بالقيمة وكذلك الحلي. فصل: [3 - فيما لو لم يرض أحدهم بالقسمة, وهل القاسم بمنزلة القاضيٍ وإذا قسم القاسم بين قوم دورا أو رقيقا أو عروض, فلم يرض أحدهم ما أخرج له السهم أو لغيره, أو قال: لم أظن أن هذا يخرج لي فقد لزمه, وقسم القاسم ماض كان في ربع أو حيوان أو غيره. وكذلك إن قالوا له: غلطت ولم تعدل, أتم قسمه ونظر الإمام فذ ذلك, فإن كان قد عدل أمضاه وإلا رده. ولم يري مالك قسم القاسم بمنزلة حكم القاضي. [فصل 4 - حكم الأجنبي يشتري ما يخرج بالسهم] ولا يجوز لأجنبي أن يشتري من أحدهم ما يخرج له بالسهم من هذه الثياب؛ إذ لا شركة له فيها, وإنما جاز ما أخرج السهم في تمييز حظ الشريك خاصة؛ لأن القسمة عند مالك بالقرعة ليس من البيوع, والقسمة تفارق البيوع في بعض الحالات.

[فصل 5 - في قسمة ما لا يعرف] قال ابن القاسم: وإذا ورثا نخلا وكرما ولم يعرفاه ولا رأياه, أو عرف ذلك أحدهما فرضيا بأن يأخذ أحدهما الكرم ويأخذ الآخر النخل لم يجز ذلك عند مالك, إلا أن يكونا قد رأيا ذلك أو وصف لهما فيجوز على ما تراضيا عليه. [فصل 6 - في قسم الشيء الغائب بالوصف] ولا بأس أن يقتسما دارا غائبة على ما يوصف لهما من بيوتها وساحتها ويميزا حصتيهما منها بالصفة, كما يجوز بيعها بالصفة. قال ابن عبدوس: قال سحنون: لا تقسم إلا بتراض بغير قرعة, ولا يجوز بالقرعة لا يجبر عليه من أباه؛ لأن القسمة بالقرعة لا تكون إلا باعتدال القيمة. ولا يقوم دارا بمصر من هو بإفريقية؛ إذ قد تحول أسواقها من يوم

المعارضة, أو يتغير بنيانها في طائفة دون أخرى, فلا يقدر حينئذ على التعديل, إلا أن تكون غيبته قريبة جدا فيجوز قسمها بالقرعة. [فصل 7 - شرط الخيار في القسمة] قال مالك: ولو قسما دارا أو رقيقا أو عروضا على أن لحدهما الخيار أياما يجوز مثلها في البيع في ذلك الشيء فذلك جائز. قال ابن القاسم: وليس لمن لا خيار له منهما رد وذلك لمشترطه, وإذا بنى من له الخيار أو هدم أو سام بها للبيع, فذلك رضا كالبيوع.

[الباب الثاني عشر] في القسم على الغائب والصغير وقسم الأب والوصي والأم ووصيها ووصي الجد والعم وقسم الكافر والملتقط والزوج

[الباب الثاني عشر] في القسم على الغائب والصغير وقسم الأب والوصي والأم ووصيها ووصي الجد والعم وقسم الكافر والملتقط والزوج [فصل 1 - في القسم على الغائب] قال ابن القاسم: وإذا ورث قوم دارا والشريك غائب فأحبوا القسم, فالقاضي يلي ذلك على الغائب ويعزل حظه, وكذلك هذا في الرقيق وجميع الأشياء, وإنما يتوقف في الحكم على الغائب ويستأني إذا ادعى في ربعه إلا تكون غيبته بعيدة كالأندلس وطنجة, وأما في القسم فيقسم عليه. قال أشهب في المجموعة: يوكل القاضي من يقوم له بذلك, إن لم يجد ذلك إلا بأجر فليستأجر له. قال ابن القاسم: وكذلك إن كان الشريك حاضرا, أو غاب بعض الورثة وقام الحاضر أو قام موصى له بالثلث والورثة غيب, فطلب القائم القسم, فالقاضي يلي ذلك ويوكل من يقسم بينهم, ويعزل نصيب الغائب. فإن رفعوا ذلك إلى الشرط فقسم بينهم لم يجز ذلك إلا بأمر قاض.

[قال] ابن حبيب: قال ابن القاسم عن مالك في صاحب الشرط: إن كان عدلا فمقاسمته على الصغار جائزة. [فصل 2 - في القسم على الصغير] ومن المدونة قال ابن القاسم: ويجوز أن يقاسم على الصغير أبوه أو وصيه, الدور والعقار وغيره, مالك ذلك بمورث عن أمه أو بغير ذلك, وقاله مالك. رآه نظرا. وقال سحنون: يجوز قسم الوصى بين الأصاغر دون الإمام. قال ابن القاسم: وإن كان مع الأصاغر أكابر فأراد الوصى أن يقاسم الكبار للصغار دون الإمام على وجه الإجتهاد والأصابة, جاز ذلك حضر الأصاغر أو غابوا وما صار لكل صغير منهم بقسم وصي أو قاض مع أكابر بقي بحاله

لا يخلط أنصباؤهم بعد ذلك, ولو غاب أحد من الأكابر لم يجز قسم الوصي عليه. ولا يقسم لغائب إلا الإمام ويوكل بذلك ويجعل ما يصير له بيد أمين, وليس لوصى الأصاغر أن يقول: أبقوا: حظ الغائب بيدى حتي يقدم, وإنما ينظر للغائب السلطان. [فصل 3 - في قسمة الحالفة] قال مالك في الحالفة: لتقاسمن إخوتها أحب إلي أن يرفعوا ذلك إلي القاضي, فيأمر من يقسم بينهم خوفا من الدلسة فتحنث. قال حمديس: وعلى أصله لو قاسمتهم على الصحة وتستوثق بالبيئة لكانت غير حانثة. [فصل 4 - في قسمة غير المسلمين] ولا يجوز لمسلم أن يسند وصيته إلى ذمي ولا من لا ترضي حالة من المسلمين.

[فصل 5 - في محاباة الأب في قسمة ابنه] وإذا قاسم للصغير أبوه فحابى, لم تجز محاباته في ذلك ولا هبته ولا صدقته بمال ابنه الصغير, ويرد ذلك إن وجد ولم تفت عينه. [قال] ابن الماجشون: تمضي صدقته إن كان موسرا ويغرم القيم, وإن كان معسرا ردت ورد العتق وإن طال. وقال أصبغ: يمضي ذلك معسرا ويتبع بالقيمة. قال مالك: وترد الصدقة والهبة وإن كان الأب موسرا, فإن فات ذلك وتلفت عند المعطي ضمنها الأب في ماله إن كان مليا يوم يختصمون دون المعطي, وإذا غرم الأب في ملائه لم يكن للأب والمعطي بشيء, وإن كان الأب عديما رجع الولد على المعطي بذلك, وإن كان الأب المعطي غديمين يوم يختصمون, اتبع الولد أولهما يسرا بالقيمة, ومن أدى منهما لم يرجع على صاحبه بشيء, ولو أيسر الأب أولهما لم يكن للابن تركة وإتباع الأجنبي, كما ليس له ذلك في ملائهما. قال مالك: وإن أعتق الأب غلام ابنه الصغير.

يريد: عن نفسه لا عن الصبي, جاز ذلك إن كان الأب موسرا يوم أعتق وعليه الثمن في ماله, وإن كان معسرا يوم أعتق لم يجز عتقه ورد, إلا أن يتطاول زمان ذلك وينكح الحرائر وتجوز شهادته, فلا يرد ويتبع الأب بقيمته. فصل [6 - في قسمة وصي الأم] قال مالك: وإذا هلكت امرأة وتركت ولدا صغيرا يتيما لا أب له ولا وصي فأوصت بالصبي وبمالها إلى رجل لم يجز ذلك, ولا يكون وصيا ولا تجوز مقاسمته عليه ولا شيء من صنيعه وهو كرجل من الناس؛ إلا أن المال الذي ورث الولد عن أمه لا ينزع من الوصي إن كان يسيرا نحو ستين دينارا. قال ابن القاسم: وإنما استحسن ذلك مالك وليس بقياس. وإن أوصت إليه الأم بتنفيذ ثلثها جاز, وله تنفيذه. [فصل 7 - في قسم وصي العم أو الجد أو الأخ] ولا يكون وصي العم أو الجد أو الأخ وصيا في يسير مال ولا كثيرة, والأم بخلافهم؛ إذ لها اعتصار ما وهبت لولدها كالأب, وليس للأخ والجد أن يعتصرا. قيل: فما يصنع بهذا المال الذي أوصوا به؟ قال: ينظر فيه السلطان ويجزه على الصغير والغائب.

وفي كتاب الوصايا من هذا. ومن الواضحة قال مطرف وابن الماجشون: إن مالكا وغيره أجازوا للأيتام الذين لا أب لهم ولا وصي, ولهم أم أو عم أو أخ رشيد أو غيره ممن احتسب فيهم من الأجنبيين فقاموا بولائهم, أنع يجوز له فيهم وعليهم ما يجوز ولهم كما يجوز ما يجوز للوصي على من أوصى لهم إليه من مقاسمة أو بيع أو تباع أو صلح أو تزويج. قال: أو حيازة صدقة منه أو من غيره, ينزل في جميع ذلك بمنزلة الموصي, وقاله أصبغ. وقاله ابن القاسم فيمن يلي اللقيط. وكذلك في من ولي يتيما فاكتفله فهو له كالوصي. [فصل 8 - في قسم الأب على ابنه الكبير والكافر والملتقط والزوج] ولا يجوز قسم الأب على ابنه الكبير وإن غاب, ولا الأم على ابنها الصغير إلا أن تكون وصية, ولا الكافر على ابنته المسلمة البكر كما لا يزوجها, ويجوز قسم ملتقط اللقيط عليه. ومن كنف أخا له صغيرا أو ابن أخ إحتسابا فأوصى له أحد بمال فقام فيه, لم يجز بيعه له ولا قسمته, وكذلك لو ورث على تركة أخيه وولده بغير إيصاء فهو كالأجنبي.

ولا يجوز قسم الزوج لزوجته البكر ولا قبض مالها, والأب أو وصيه أولى بذلك ولو دخلت حتى يؤنس رشدها بعد الدخول فيدفع إليها حينئذ مالها, وليس للزوج قضاء في مالها قبل البناء ولا بعده. وإن مات الأب ولم يوص لم يجز للزوج أن يقسم لها إلا بأمر قاض.

[الباب الثالث عشر] فيمن وجد في نصيبه عيبا بعد القسمة

[الباب الثالث عشر] فيمن وجد في نصيبه عيبا بعد القسمة [فصل 1 - في العيب بالدور وغيرها بعد القسمة] قال ابن القاسم: وإذا اقتسم شريكان دورا رقيقا أو عروضا أو أرضين فوجد أحدهم ببعض ما أخذ عيبا, فإن كان وجه ما نابه أو أكثره رد الجميع وابتدأ بالقسم إلا أن يفوت ما بيد صاحبه ببيع أو هبة أو حبس أو صدقة أو هدم أو بناء, فيرد قيمته يوم قبضه فيقتسمان تلك القيمة مع الحاضر المردود. وليس حوالة الأسواق في الدور فوتا. قال ابن حبيب: فغن فات بعضه رد قيمة ما فات, فكان ذلك مع ما لم يفت بينهما, وكذلك بعض النصيب الذي وجد فيه العيب يرد نصف قيمة ما فات عنه لصاحبه. واختلاف الأسواق في ذلك عند مالك فوت في جميع الأشياء إلا في الدور والأرضين.

قال أبو محمد: في المعيب باختلاف الأسواق ليس بقول مالك, وإنما هو فوت في عوضه, والعوض في القسم أقامه ابن حبيب مقام البيع وقد اختلف فيه. ومن كتاب القسم قال ابن القسم: وإن كان المعيب الأقل رده, ولم يرجع فيما بيد شريكه وإن لم يفت إذا لم ينتقض القسم, ولكن ينظر فإن كان المعيب قدر سبع ما بيده رجع على صاحبه بقيمة نصف سبع ما أخذ ثمنا, ثم يقتسمان هذا المعيب. وكذلك إن اقتسما دارا واحدة ثم وجد أحدهما عيبا يسيرا أو كثيرا, أو اقتسما على التراضي فأخذ أحدهما نخلا ودورا ورقيقا وحيوانا, وأخذ الآخر بزا وعطرا وجوهرا, فأصاب أحدهما بصنف مما أخذ عيبا, فعلى ما ذكرنا ولو بنى أحدهما في حصته من الدار أو هدم بعد القسمة ثم وجد عيبا فذلك فوت, ويرجع بنصف قيمة العيب ثمنا على ما فسرنا.

قال ابن عبدوس: قال سحنون: لم يحملها محمل البيع ولا محمل القسم. قال ابن عبدوس: كأنه يقول ليس البناء فوتا إذا ظهر على عيب, لكن يكون شريكا بالبناء وتكون الدار بينهما, كما قال في المبتاع يصبغ الثوب ثم يظهر به على عيب فله رده ويكون بالصبغ شريكا, وهذا محمل البيع, والقسمة ليس فيها فوت ويرجع فيه على كل حال. [فصل 2 - فيمن ابتاع دارا عظيما أو نحوه فوجد به عيبا] ومن المدونة قال مالك: فيمن ابتاع دارا عظما أو نخلا فاستحق بعضها أو وجد به عيبا, فأما اليسير كبيت من دار عظما, أو نخلات يسيرة من كثيرة, فإن ذلك يرجع بحصته من الثمن, ويلزمه البيع فيما بقي, وإن كان كثيرا رد البيع, وكذلك القسمة. [فصل 3 - فيمن وجد عيبا في الحنطة بعد طحنها] وإذا اقتسم رجلان حنطة فأصاب أحدهما بما أحدهما بما أخذ عيبا بعد أن طحنها, رد قيمتها ويرد الآخر الطعام الذي أخذ أو مكيلته إن فات ثم يقتسمان ذلك,

وليس له يرجع بنصف قيمة العيب في حنطة صاحبة, فيدخله التفاضل في الطعام, ولا عليه أن يأتى بحنطة معيبة مثلها؛ إذ لا يحاط بمعرفتها. والقسم في وجوب الرد بالعيب والاستحقاق كالبيع فمن ابتاع عرضا أو حيوانا أو غيره فوجد به عيبا بعد أن فات عنده, فإنه إنما يرجع بحصة العيب من الثمن, وليس عليه ولا له أن يأتى بسلعة معيبة مثلها؛ إذ لا يحاط بمعرفة ذلك, ولو كان يحاط بمعرفته كان له أن يخرج مثلها فيما يكال أو يوزن. قال ابن عبدوس: وقال أشهب: يرد مثل الحنطة, ثم يقتسمان ذلك وحصة الآخر نصفين. بلغني أن سحنون قال: يكون شريكا بقيمة الطحن يكون ما بقي وحصة الآخر بينهما.

[الباب الرابع عشر] في تبادل الطعامين ومن اشترى نصف عبد فاستحق ربع جميع العبد

[الباب الرابع عشر] في تبادل الطعامين ومن اشترى نصف عبد فاستحق ربع جميع العبد [فصل 1 - في تبادل الطعامين عفنا أو مغشوشين] قال ابن القاسم: وإذا تبادلا قمحا عفنا بعفن مثله, اشتبها في العفن فلا بأس به, وإن تباعدا لم يجز. وإن كانا مغشوشين, أو كان أحدهما أو كلاهما كثير التبن والتراب حتى يصير خطرا لم يجز أن يتبادلاه إلا في العلف الخفيف أو يكونا نقيين. وكذلك سمراء مغلوثة بشعير مغلوث لا يجوز إلا أن يكونا نقيين, وليس حشف الثمر بمنزلة غلث الطعام؛ لأن الحشف من الثمر, والعلث في الطعام هو غير الطعام. قال ابن القاسم: ولو كان بينهما طعام مغلوث وهو صبرة واحدة, جاز لهما

أن يقتسماه بينهما, وإن كانا صبرتين مختلفتين لم نجيز ذلك؛ لأنه لا يدرى موقع غلث كل واحدة من صاحبتها فهو غرر, أجيز من القمح بالقمح أو القمح بالشعير أن يكونا نقيين أو يكونا مشتبهين, ولا يكون أحدهما غلثا والآخر نقيا. قال مالك: ويغربل القمح للبيع وهو الحق الذي لا شك فيه. فضل [2 - فيمن استحق جزءا من العبد] ومن اشترى عبدا فباع نصفه ثم استحق رجل ربع جميع العبد, فقد جرى الاستحقاق فيما بيع وفيما بقي. ومن قول مالك فيمن ابتاع عبدا كاملا فاستحق أيسره أن له رده كله؛ لضرر الشركة, أو يحبس ما بقي من العبد بحصته من الثمن. قال ابن القاسم: فالمستحق يأخذ الربع من جميع ما باع المبتاع ومما أبقا بيده, ثم للمبتاع الثاني أن يرجع من ثمنه على بائعه بقدر ما استحق من العبد من حصته, أو يرد بقية صفقته إن شاء, يخير المشتري الأول أيضا كما وصفنا

قال سحنون: هذا خطأ, وإنما يقع الاستحقاق فيما أبقى بيده دون ما باع, ويرجع المشتري على بائعه بقدر ما استحق, وليس له أن يرد ما بقي؛ لأنه باع نصف العبد. قال أشهب: ليس للمستحق أن يأخذ من النصف المبيع من العبد شيئا, كعبد بين رجلين باع أحدهما نصفه, فليس للآخر أن يدخل معه فيما باع, بأن يقول: بعت نصف عبد وهو بيني وبينك فلهم نصف الثمن, وليس هذا مثل طعام بينهما باع أحدهما نصف الطعام وكاله لصاحبه؛ لأن الطعام كان القسم فيه ممكنا قبل البيع, والعبد لا قسمة فيه, فكان كل واحد في بيع نصيبه منه كالمقسوم المميز, وكذلك إذا باع ربعه ولا يعلم أن لأحد فيه شيئا, فإنما وقع البيع على ما ملك لا على ما ملك عليه, وأعجب هذا القول سحنون وقال به وقد تقدم بعض هذا في كتاب الاستحقاق. قال ابن القاسم في كتاب القسم: ولو اطلع المبتاع على عيب بالعبد بعد أن باع نصفه فرضي به المبتاع الثاني, أراد المشتري الأول رده, فالخيار هاهنا للبائع في أن يغرم له نصف قيمة العيب, أو يقبل نصف العبد بنصف الثمن.

[الباب الخامس عشر] في من استحق نصيبه بعد القسمة

[الباب الخامس عشر] في من استحق نصيبه بعد القسمة [فصل 1 - فيما لو استحق نصف نصيب صاحبه] قال ابن القاسم: وإن اقتسما عبدين فأخذ أحدهما عبدا والثاني عبدا فاستحق نصف عبد أحدهما, فللذي استحق ذلك من يده أن يرجع على صاحبه بربع العبد الذي في يديه إن كان قائما, فإن فات ببيع أو حوالة سوق فأعلى رجع على صاحبه بربع قيمته يوم قبضه ولا خيار له في غير هذا. قال أبو محمد: إذا استحق نصف أحدهما ففيما استحق ربع كان له وربع عاوض به من ربع العبد الآخر, فيرجع بعوضه وهو ربع العبد إن كان قائما أو بقيمة ربعه يوم قبضه إن فات, وحوالة الأسواق فأعلى فيه فوت؛ لأنه كالثمن, ولما استحق نصف ما صار إليك لم يكن لك رد باقيه, بخلاف مبتاع عبده يرده باستحقاق أيسره؛ لضرر الشركة من منع السفر والوطء في الأمة؛ لأنهما في قسمة العبدين لم يبع أحدهما من الآخر عبدا كاملا, فيكون ضرر الشركة بالاستحقاق حجة له في رد باقيه؛ لأنهما على ضرر الشركة كانا, ولو جعلت ذلك حجة لم

أردهما إلا ضرر الشركة, فصار كمبتاع عبدين متكافئين يستحق احدهما, أو مبتاع لدور أو سلع لا يرد في ذلك الصفقة إلا باستحقاق أكثرها. قال ابن عبدوس: جعل واحد منهما يضمن ما بيده أن لو مات عبد أحدهما واستحق عبد الآخر فجعل من مات بيده يغرم للآخر ونصف قيمته الميت يوم قبضه, مثل من باع عبدا بعبد. قال سحنون: وهذا خلاف أصل مالك, والقسم بخلاف البيع, ألا ترى أنه لو طرأ دين لم يضمن من مات عبده في يديه. قال ابن عبدوس: أرأيت لما استحق عبد هذا فأوجبت له أن يرجع على الذي مات العبد في يديه, ثم طرأ دين ما أنت صانع؟ فإن أمرت من أخذ نصف القيمة أن يعطيه في الدين فقد ضمنت من مات عبده في يديه لرب الدين, وأصلك لا تضمن من مات بيده لأهل الدين, فإن لم يرجع رب الدين على الذي أخذ نصف القيمة كنت قد ورثت مع قيام الدين. فإن أسقطت بلحوق هذا الدين الرجوع للأخ على أخيه بشيء فهو أشنع في القول. ولو كان القسم بيعا لكان لمستحق العبد أن يجيز البيع في نصفه ويأخذ نصفه الآخر.

وإن وجد عبده قد مات كان له أخذ نصف الآخر؛ لأنه ثمن نصف عبده. وكله قول أشهب وسحنون. ثم اختلف فيما أحدث أحدهما بفعله هل هو فوت أم لا؟ فقال أشهب: إذا استحق عبد أحدهما رجع على شريكه فيما أخذ , ولا يفيت ذلك حوالة سوق أو بدن, فأما إن باع أو دبر أو كاتب أو بنى أو هدم أو حبس فذلك فوت يوجب عليه القيمة يوم القسم. قال ابن عبدوس: ويدخل في هذا على أشهب ما ذكرنا في الموت, يقال له: فلو ذهبت يده بعد القسم ثم أعتقه, فأوجبت عليه قيمته صحيحا يوم القسم وهي مائة, وقيمته يوم العتق خمسون فأغرمته مائة, فقد ضمنته ما لم يكن له في تلفه فعل. قال: فإن قال ضمنته يوم القسم؛ لأن التسليط بالقسم وقع. قيل: فقد كان التسليط موجودا والضمان مرتفعا, وإنما وقع الضمان بالعتق. فأما سحنون فإنما ضمنه قيمته يوم العتق. قال سحنون: فإن باع أحدهما عبده واستحق عبد الآخر كان الثمن بينهما. ولو كانت أمة فاتخذها أم ولد فإنما يضمنه قيمتها يوم حملت. وعند أشهب: قيمتها يوم قاسم. وأما إن وهب أو حبس فعلى أصل سحنون تجوز والهبة في نصيبه لا في نصيب شريكه, ويأخذ شريكه نصيبه من الموهوب, وإن كان فيما ينقسم قاسمه.

وفي قول أشهب: يضمن لأخيه نصف قيمته يوم قاسم, فإن أعتق, فقال أشهب: إنما يضمن قيمته يوم قاسم. وعلى أصل سحنون يعتق نصيبه, ويقوم عليه نصيب شريكه بقيمته يوم التقويم إن كان مليئا. [فصل 2 - فيما لو استحق الأرض بعد البناء, وأن الهدم ليس يفوت] وأما إن كان ما يبني فبنى؟ فقال ابن القاسم وأشهب وابن كنانة: يضمن نصف قيمة ما قبض. قال سحنون: ليس هذا أصل ابن القاسم, وينبغي على أصل القسمة أن يشاركه في قاعة ما بنى, ثم يتعاملان في البناء على حديث حميد بن قيس في الاستحقاق. قال سحنون: والهدم في القسم ليس بفوت. وقد قال ابن القاسم في الموصى له بالثلث: يأخذ ثلث دور الميت مقاسمة ثم يستحق ما بيده يرجع على الورثة وقد هدموا, أن له ثلث ذلك مهدوما, فهذا هو أصل جيد. قيل: فلو قسما خشبا فعمل أحدهما نصيبه أبوابًا.

قال: قد قال مالك فيمن ابتاع عزلا فنسجه ثم فلس, أن النسج ليس بفوت. وبلغني عن سحنون: أن الطحن ليس بفوت في القسم, فكذلك ينبغي في الخشب. [فصل 3 - في اغتلال العبد] وقال: إذا اغتل العبد ثم استحق عبد الآخر, أنه يرجع في العبد الآخر وفي غلته. فقلت: مثل المطلقة قبل البناء تغتل عبدا أصدقها, فسكت, وقال بعد ذلك: قد اختلفوا فيه. قال ابن عبدوس: فأما غله العبد المستحق, فإن كان في يد أحدهما بغصب فغلته للمستحق, وإن كان بشراء فالمستحق من يده مخير إن شاء تماسك بما في يده من الغلة ولم يرجع على أخيه بشيء, ولا رجع أخوه عليه, بشيء, وإن شاء رد الغلة فكانت مع العبد الباقي وغلته بينهما نصفين. وروى أشهب عن مالك: في ثلاثة إخوة ورثوا أعبد فاقتسموهم, فأخذ كل واحد منهم عبدا, فمات عبد أحدهم واعترف عبد الآخر, فمن مات بيده العبد فلا يرجع بشيء ولا يرجع عليه بشيء, ويرجع الذي استحق من يده العبد

على أخيه الذي بقي عبده, فيكون له ثلثه ويكون للذي هو بيده ثلثاه. ولو مات - أيضا- هذا العبد لم يرجع على من كان بيده بشيء. قال أشهب: فلو كانت القسمة كالبيع لرجع من استحق من يديه على من مات بيده بثلث قيمته ولكن ليس كالبيع. قال سحنون عن قاسم: وإن كان العبد المستحق, رجع فيه بثمن على بائعه لما استحق فثلثا ذلك الثمن وثلث العبد الباقي للمستحق منه, وثلث الثمن وثلثا العبد الباقي للذي العبد في يديه, وقاله سحنون. قال ابن عبدوس: وتفسير هذا عندي على مذهب ابن القاسم فيما أوجب من الضمان بالقسمة, إنما ذلك إذا كان ما رجعوا به من الثمن على بائع العبد مثل قيمة العبد المستحق يوم اقتسموا, فإن كان أكثر مما زاد على ذلك رجع فيه الذي مات عبده في يديه بثلثه, وأما مقداره من الثمن فلا حجة له فيه؛ لأن

مصيبته منه, ولو لم يمت منهم أحد حتى استحق أحدهم فالمستحق مخير في أن يجيز البيع ويرجع بالثمن على البائع ويمضي القسمة, إن شاء أخذ عبده , ورجع الإخوة بالثمن على البائع فقسموه بينهم أثلاثا, ورجع المستحق منه العبدين ولا هما ذلك إن طلباه. وهذا على مذهب ابن القاسم الذي يضمن بالقسم من مات في يديه, وأما من لا يضمنه, ففي مسألة إذا مات عبد احدهم واستحق عبد الآخر, فقد مات العبد, وثلثه للمستحق منه العبد الآخر فمنه ضمانه وثلثاه من الذي مات العبد في يديه, ثلث هو له وثلث عاوض به الذي بقي العبد في يديه؛ لأن القسمة بين هذين قد تمت وبينه وبين المستحق منه قد انتقضت, فيكون الثمن بينهم أثلاثا, وللمستحق منه العبد ثلث العبد الباقي, هذا على الأصل.

[فصل 4 - في العيب أو الاستحقاق يطرأ بعد القسم] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا اقتسم رجلان عشرين دارا بالسهم أو التراضي, فوقع لكل واحد عشرة أديرة, فاستحقت واحدة أو وجد بها عيبا, فإن كانت جل ما بيد من وقعت له وأكثره ثمنا انتقض القسم, وإن لم تكن جله, فإن كانت قدر عشر نصيبه وقد استحقت رجع بنصف عشر قيمة ما بيد الآخر ثمنا, ولا يرجع فيه وإن كان قائما, وإن كان إنما وجد بها عيبا فليردها ويرد الآخر عشر قيمة ما بيده, ثم يكون ذلك مع الدار المعيبة بينهما إذا لم ينتقض القسم, واستحقاق دار من دور أو ثوب من ثياب في البيوع بخلاف الدار الواحدة يبتاعها ثن يستحق بعضها؛ لما يدخل عليه من الضرر فيما يريد أن يبني ويسكن, إلا أن لا يضر ذلك في بقيتها, والنصف والثلث فيها كثير يوجب له رد باقيها أو حبسه بحصته من الثمن, وأما في القسم فلا ينتقض القسم إلا باستحقاق جل نصيبه حتى يضر به في باقيه. ولو اقتسمنا دارا بينهما بالسوء, فأخذ هذا ربعها من مقدمها وأخذ الآخر ثلاثة أرباعها من مؤخرها جاز ذلك, فإن استحق نصف نصيب أحدهما لم ينتقض القسم, ورجع على صاحبه بربع قيمة ما بيده, ولا ينتقض القسم في هذا إذا

استحق من يد كل واحد منهما تافه يسير, وإن استحق جل ما بيده انتقضت القسمة ورد ما بقي بيده وابتدئا بالقسم إلا أن يفوت نصيب صاحبه فيخرج قيمته. وإن اقتسما دارا أو أرضا أو أراضي فبنى أحدهما أو غرس ثم استحق نصف نصيبه, فتلك العمارة فوت, وكذلك إن استحق نصف نصيب الذي لم يبن, فالبناء والغرس فوت وليرد الذي لم يبن ما بقي, ويرد الذي غرس أو بنى قيمة جميع حظه لفوته بالعمارة, ويقسمان ذلك كله إن كان ما استحق كثيرا. م: يريد أكثر من النصف. قال: وإن كان يسيرا تركت القسمة, ونظرا إلى ما قابل ذلك بيد صاحبه, فيرجع عليه بنصف قيمته, ولو كان الاستحقاق في نصيب الذي عمر, فإما دفع المستحق إليه قيمة ما عمر قائما, وإلا دفع هذا إليه قيمة أرضه؛ إذا هو ليس بغاصب, وينظر فإن كان الذي استحق قليلا قد ربع ما بقي في يديه لم ينتقض القسم,

ورجع على صاحبه بثمن ما بقي في يديه, ولا يرجع بذلك في حظ شريكه وإن كان قائما. م: يريد وإن كان أكثر من النصف رد قيمة ما بقي في يديه: ورد لم يعمر ما بيده وكان ذلك بينهما. قال أبو محمد: هكذا أشار ابن القاسم في أول المسألة ثم قال في آخرها: وانظر أبدا إلى ما استحق, فإن كان كثيرا كان له أن يرجع بقدر نصف ذلك فيما بيد صاحبه شريكا فيه إن لم يفت, في اليسير يرجع بنصف قيمة ذلك ثمنا من دنانير أو دراهم, وهذا قول مالك. وكذلك العبيد في اليسير يرجع بنصف قيمة ذلك ثمنا, وفي الكثير يكون به شريكا لصاحبه فيما بيده في القسم. وأما في البيع فيرجع في اليسير بحصته من الثمن, وفي الكثير يرد الجميع ويأخذ الثمن إن كان ذلك جملة عبيد فيستحق بعضها, بخلاف العبد الواحد يستحق بعضه هذا له رد جميعه باستحقاق أيسره؛ لضرر الشركة. وأما العروض أو العرض الواحد يستحق أيسر ذلك, فليرجع بحصته من الثمن, وفي الكثير, يريك أكثر من النصف, يرد الجميع ويأخذ الثمن إن كان عينا, أو قيمته إن كان عرضا فائتا. وقد قال مالك فيمن اشترى مائة إردب حنطة فاستحق منها خمسون, فالمشتري مخير في أن يحبس ما بقي بحصته من الثمن أو يرده ويأخذ جميع الثمن بخلاف

العروض, وإن أصاب بنصف الطعام أو بثلثه عيبا لم يكن له إلا أن يحبس الجميع أو يرد الجميع. وقد تقدم شرح ذلك في كتاب العيوب قال ابن القاسم: وإن اقتسما عشرين شاة فوقع لهذا خمسة عشر ولهذا بالقيمة والسهم جاز, فإن استحق من يد أحدهما شاة لم ينتقض القسم ونظر, فإن كانت قدر خمس ما بيده رجع على صاحبه بعشر قيمة ما بيده. وفي مختصر أبي محمد: فإن كان قدر نصف ما بيده رجع على أخيه بربع ما في يديه إن لم يتغير, فإن حال أو تغير رجع على أخيه بربع قيمة ذلك, وإن استحق جل ما صار لأحدهما انتقض القسم. م: وبلغني عن بعض فقهائنا القرويين أنه قال: الذي تحصل عندى في وجود العيب أو الاستحقاق يطرأ بعد القسم أن ينظر, فإن كان ذلك كالربع فأقل رجع بحصة ذلك ثمنا وإن كان نحو النصف أو الثلث فيكون بحصة ذلك شريكاً فيما

بيد صاحبه, ولا ينتقض القسم, وإن كان فوق النصف انتفض القسم وابتدئاه, فهذا الذي يتحصل من ذلك والله أعلم. م: وهذا التحصيل حسن ليس في هذا الباب ما يخالفه, إلا في مسألة الدار يأخذ أحدهما ربعها ويأخذ الآخر بثلاثة أرباعها, فيستحق نصف نصيب أحدهما. قال: يرجع بربع قيمة ذلك فيما بيد صاحبه. ولو قال: ربع ما بيد صاحبه لاستوت المسائل وحسن التأويل ولم يكن في الكتاب تناقض. [فصل 5 - في استحقاق الجارية بعد الحمل] ومن المدونة: وإن اقتسما جاريتين فأخذ كل واحد منها جارية فاستحقت جارية أحدهما بعد أن أولدها, فلربها أخذها وقيمة ولدها, ويرجع هذا على صاحبه بنصف الجارية الأخرى إن لم تفت, فإن فاتت بتغير سوق أو بدن أو غير ذلك من الفوت, أخذ منه نصف قيمتها, كمن باع جارية بجارية.

وهذا مما رده سحنون؛ لأنه جعله يضمن ما تغير أو فات بيد صاحبه, والقسم بخلاف البيع في الضمان. قال ابن القاسم: وقد قال مالك فيمن استحق أمة وقد ولدت من مبتاعها, فليأخذها وقيمة ولدها يوم الاستحقاق, وأخذ به ابن القاسم, ثم رجع مالك فقال: لا يأخذها؛ لأن في ذلك على المبتاع ضررا لما يلحقه من العار ويلحق ولده إذا أخذت أمه منه, ولكن يأخذ المستحق قيمتها وقيمة ولدها. وقد قال ابن القاسم: ولو رضي المستحق بأخذ قيمتها, لم يكن للذي ولدها أن يأبي ذلك, ويجبر حينئذ في قولي مالك جميعا على غرم قيمتها وقيمة ولدها. قال مالك: وإنما يأخذ قيمتها يوم يستحقها؛ لأنها لو ماتت عند المبتاع قبل أن يستحقها ربها لم يلزم المبتاع قيمتها, ولو لزمه قيمتها إذا هلكت ما لزمه من قيمة ولدها شيء, فليس لربها إلا قيمتها وقيمة ولدها يوم الاستحقاق. م: وقد أوعبت شرح هذه المسألة في كتاب الاستحقاق. [فصل 6 - في الأمة تباع ثم تحول في يده] قال ابن القاسم: وأما من باع أمة في سوق المسلمين بعين أو عرض أو حيوان, ثم

استحقت من يد المبتاع بعد أن حالت في يده في سوق أو بدن بأمر من الله تعالى وحال الثمن الذي بيعت به, وإن كان عرضا بزيادة أو نقص في سوق أو بدن بأمر من الله تعالى, فليس لربها إلا أخذها بحالها, أو يجيز البيع ويأخذ من بائعها ما بيعت به على ما هو به من نقص أنماء. [فصل 7 - في العيب يوجد بالعرض بيع بمثله وقد حال سوقه] قال: ومن باع عرضا بعرض فوجد أحدهما بالعرض عيبا وقد حال سوقة, فليرد ويأخذ عرضه ما لم يفت بحوالة سوق فأعلى, فلا تكون له إلا قيمته. قال ابن القاسم: والموصي له بالثلث 'ذا قاسم الورثة فأخذ ثلث الربع فبناه ثم استحق ما بيده, فللمستحق أن يعطيه قيمة بنائه, يريد: قائما يومئذ, وإلا أعطاه هذا قيمة أرضه براحا, فإن دفع إليه المستحق قيمة بنائه قائما وكان ذلك أقل مما أنفق فيه بحوالة سوق النقض لم يرجع بنقض ذلك على الورثة ولا على غيرهم, وينتقض القسم, ويرجع فيقاسم الورثة ما بأيديهم من الربع, إلا أن يفوت

ببناء أو بيع فيرجع عليهم بقيمة الرباع يوم قبضوها, تلك القيمة, فإن فات ذلك في يد الورثة بهدم لم يكن له غير ثلث ذلك مهدوما مع ثلث النقض, وإن بيع من النقض شيء فله ثلث ثمنه فقط ولا قيمة له عليهم, لأن مالكا قال فيمن ابتاع دارا فهدمها أو احترقت في يديه ثم استحقت: أن المستحق مخير إن شاء اتبع البائع بالثمن, أو أخذ داره مهدومة ولا تباعه له على المبتاع. قال ابن القاسم: إلا أن يكون باع من النقض شيئا فعليه الثمن الذي قبض فيه. وكذلك إن ابتاع جارية فعميت عنده ثم استحقت فلا شيء علي, وإنما لربها أخذها بحالها أو أخذ ثمنها من البائع. قال أبو محمد: انظر قوله: إلا أن يفوت ما بيد الورثة ببيع فليرجع عليهم بقيمة الرباع, ثم قال: إن هدم النقض وبيع فإنما يرد الثمن, وقال قيل هذا فيمن أصاب ببعض ما أخذ عيبا وهو جل ما بيده فرده قائما فإن ما أخذ أصحابه إن فات ببيع ردوا إلى القيمة, فانظر ما الفرق بين ذلك. وقال سحنون: ليست الأصل. م: والأصل في هذا أن يردوا الثمن في ذلك كله, وبالله التوفيق. تم كتاب القسم الأول بحمد الله

كتاب القسم الثاني

[كتاب القسم الثاني]

[كتاب القسم الثاني] [الباب الأول] في قسمة التمر والحنطة والشعير والقطنية والزروع وبيع حنطة ودراهم بمثلها وما يجوز قسمه تحريا أم لا [فصل 1 - حكم التفاضل في القسمة] قال ابن القاسم: ولا يجوز في قسمة تمر الحائط على تفضيل أحد في الكيل لرداءة حظه ولا التساوي في المقدار على أن تزيد في أخذ الجيد ثمنا لصاحبه ولا يجوز بيع حنطة ودراهم بحنطة ودراهم مثلها. ولو ورثا ثلاثين قفيز قمح وثلاثين درهما فاقتسما ذلك, فأخذ واحد الدراهم وعشرة أقفيزة, وأخذ عشرين قفيزا, فإن كان القمح مختلفا سمراء ومحمولة أو نقيا ومعلوثة, فلا خير فيه, وإن تساوا القمح والجودة والحسن, أو كان من صبرة يتفق أعلاها وأسفلها فذلك جائز؛ لأن هذا لم يأت أحدهما بطعام وأتى الآخر بطعام ودراهم فيكون فاسدا. ولو اقتسما مائة قفيز قمح ومائة من شعير فأخذ هذا ستين قمحا وأربعين شعيرا, وأخذ الآخر ستين شعيرا وأربعين قمحا فذلك جائز.

وإن اقتسما حنطة وقطنية, فأخذ هذا الحنطة وهذا القطنية يدا بيد جاز, ولو كان هذا القمح والقطنية زرعا قد بلغ وطاب للحصاد فلا خير فيه إلا أن يحصداه مكانهما. قال ابن الحبيب: فإن وقع في حصاده تأخير, دخله بيع طعام بطعام غير يد بيد. قال مالك: ولو كان الزرع كله صنفا واحدا, لم يجز أن يقتسماه زرعا حتى يحصداه ويدرساه ويقتسماه كيلا. وقد تقدم باب فيه من هذا المعنى. [قال] محمد: وإذا كان بينهما صبرة قمح وصبرة شعير, والقمح أكثر بأمر بين, فأخذ أحدهما القمح وأخذ الآخر الشعير لم يجز, وقاله ابن القاسم وأشهب في المجموعة. [فصل 2 - حكم القسمة جزافا] قال ابن القاسم في الكتابين: وإن ترك أحدهما نصيبه من صبة القمح واقتسما صبرة الشعير جزافا, لم يجز ويجوز كيلا, وكأنه في الجزاف خاطره فيها بما ترك له من القمح. قال أشهب: وإن قال له: خذ الشعير ونصف أو ثلثي القمح جاز. قال: والصبرة بينهما إن قال له: خذ ثلاثة أرباعها, أو خذ منها كذا وكذا واترك

باقيها, فإن كان مما لا يشك أنه أقل من حقه أو أكثر فجائز. ومن كتاب ابن المواز: وكل ما يكال من طعام أو غيره فلا يقسم تحريا وبيعا, وإن كان لا يمكن فيه إلا الوزن, فيجوز قسمة تحريا وبيع بعضه ببعض تحريا, مثل اللحم والخبز والحيتان. قال عيسى عن ابن القاسم: وذلك في الشيء القليل. وقال مثله ابن حبيب وذكر البيض في ذلك. قال: والفرق بين ما لا يمكن فيه إلا الوزن وبين المكيل, أن الكيل لا يفقد ولو بالأكف, وهذا فيما لا يجوز فيه التفاضل, وأما ما يجوز فيه التفاضل من الطعام والثمار, أو من العروض مثل الحناء والقطن والمسك والزعفران والحديد والرصاص وغيره فلا باس باقتسامه تحريا على التعديل أو التفضيل, ولا يجوز على الشك في تعديله. وقال مطرف وابن الماجشون, وروياه عن مالك, وقاله أصبغ. وبه أقول, وقاله أشهب في المجموعة في الحناء والمسك وغيره مما يجوز فيه التفاضل مما يكال أو يوزن أنه يقسم بالتحري؛ لأن المتقى في ذلك في الطعام التفاضل. وروى ابن المواز وابن عبدوس عن ابن القاسم: أنه لا يجوز قسم الحناء والكتم والتين والمسك والكتان والنوى إلا كيلا فيما يكال أو وزنا فيما يوزن, إلا أن يقتسماه على معرفة التفاضل البين فيجوز. قال ابن عبدوس: وقول ابن القاسم أسعد بالأصل وهو أحب إلي.

[الباب الثاني] في قسمة النقض وبيعه وكيف إن كان في عرصة معارة

[الباب الثاني] في قسمة النقض وبيعه وكيف إن كان في عرصة معارة [فصل 1 - في قسمة النقض وبيعه] قال ابن القاسم: وإذا كان بين رجلين نقض دون القاعة جاز أن يقتسماه على تراض, أو بالقيمة أو السهم, ويجبر من أباه منهما لمن أراده, فإن أراد هدم النقض ورب العرصة غائب رفعا ذلك إلى الإمام, فإن رأى شراء ذلك للغائب بقيمة النقض منقوصا فعل وإلا تركهم, ولزم الغائب ما فعل السلطان. قيل: فمن أين يدفع الثمن عن الغائب؟ قال: هو أعلم بذلك. وإن نقضا البناء دون الإمام فلا شيء عليهما ويقتسمان النقض. [فصل 2 - في قسمة بناء بأرض معارة] وإذا أذنت لرجل أن يبني في عرصتك ويسكن ولم توقت كم يسكن فذلك جائز, فإن أردت إخراجه بعد ما بنى, فأما بقرب ذلك مما لا يشبه أن تعيره إلى مثل تلك المدة القريبة فليس لك إخراجه إلا أن تعطيه من أنفق. وقال في موضع آخر: قيمة ما أنفق وإلا تركته إلى مثل ما يرى الناس أنك أعرته إلى مثله من الأمد, وإذا أردت إخراجه بعد ذلك الأمد فلك أن تعطيه قيمة البناء منقوضا

وإلا أمرته بقلعه, إلا أن يكون مما لا قيمة له ولا نفع فيه من جص ونحوه فلا شيء للباني فيه. وفي كتاب العارية تمام هذا. وإذا بنى رجلان في عرصة رجل بإذنه فأقام بناها في العرصة قدر ما يعار إلى مثله, فأراد ربها إخراج أحدهما, فإن قدر على قسمة البناء قسم وخير في المخرج, فأما أعطاه قيمة نقضه, يريد: ملقى, أو أمره بقلعه, وإن لم ينقسم قيل للشريكين: لابد أن يقلع هذا الذي قال له رب العرصة أقلع نقضك فاصطلحا, فإما أن تتقاويا أو تبيعا, فإن باعا وبلغ ثمنا فللمقيم في العرصة أخذ ذلك بشفعته بما بلغ. وفي كتاب الشفعة من هذا.

[الباب الثالث] في قسمة الطريق والجدار والحمام والماجل] وأصل العيون والآبار وتفسير القسم بالقلد

[الباب الثالث] في قسمة الطريق والجدار والحمام والماجل] وأصل العيون والآبار وتفسير القسم بالقلد [فصل 1 - في قسمة الطريق والجدار] قال ابن القاسم: ولا يقسم الطريق إذا أبى ذلك أحدهم وكان في ذلك ضرر عند مالك. قال ابن القاسم: والجدار إذا كان بين شريكين فطلب أحدهما قسمته وأبى الآخر, فإن لم يدخل في ذلك ضرر وكان ينقسم قسم بينهما, وإن كان فيه ضرر لم يقسم قلت: فإن كان لكل واحد عليه جذوع؟ قال: إذا كانت جذوع هذا من ههنا, وجذوع من ههنا لم يستطع قسمته, ولكن يتقاوياه بمنزلة ما لا ينقسم من العروض والحيوان. [قال] ابن حبيب: وقال مطرف وابن الماجشون: ولا يقسم الجدار بين الشريكين إلا عن تراض منهما كان في ذلك ضرر أو لم يكن.

[فصل 2 - في قسمة الحمام والماجل] ومن المدونة قيل: فلم منع مالك من قسمة الطريق والحائط إذا كان في قسمته ضرر عليها, وأجاز قسمة الحمام وفيه ضرر؟ قال: لأن الحمام عرصة, والطريق والحائط ليست لهما كبير عرصة فلا يقسما إلا بالتراضي, أو على غير ضرر. وتأويل مالك قول الله تبارك وتعالى: {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} [النساء: 7] فرأى أن يقسم الحمام والماجل والبيت والأرض القليلة والدكان الصغير في السوق إذا كان أصل العرصة بينهم, وإن لم يقع لأحدهم ما ينتفع به. قال مالك في المجموعة: وقد عمل ذلك بالمدينة حتى صار لبعضهم ما لا ينتفع به. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن كل ما لا ينقسم إلا بضرر ولا يكون فيما يقسم منه منتفع من دار أو أرض أو حمام فإنه لا يقسم, ويباع فيقسم ثمنه, لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» , وكذلك الماجل إلا أن يصير لكل واحد ماجل ينتفع به فيقسم. قال ابن حبيب: قال مطرف عن مالك أنه تقسم الأرض وإن قلت ولم يقع لأحدهم إلا مزود.

قال ابن حبيب: وقاله أبو حنيفة, وهذا شاذ, ولم يقل به من أصحاب مالك إلا ابن كنانة, وباقي أصحابه المدنيين والمصريين على خلافه. وقالوا معنى قول الله سبحانه: {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} [النساء: 7] يقدر له حظه مما قل أو كثر, ثم يقسم على السنة وبقي الضرر, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» , فمن أعظم الضرر أن يقسم بينهم ما لا ينتفع به, ولكن يباع ويقسم ثمنه. قال مطرف: وبهذا كان يقضي قضاة المدينة كلهم إلا هشام بن عبد اله المخزومي. قال مطرف: والذي آخذ به إن كان بعضهم ينتفع بسهمه لسعته, ويضيق على بعضهم لقلة سهمه فليقسم بينهم كما قال مالك, وإن كان لا ينتفع به واحد منهم لقلة سهمه فيباع ويقسم الثمن. وقال ابن الماجشون: سواء ضاق السهم عن جميعهم أو عن بعضهم, وإن كان أقلهم حظا فإنه لا يقسم بينهم, وإن كان لأصغرهم حظا انتفاع في وجه من وجوه المنافع وإن قل مما لا ضرر فيه فالقسم قائم.

فصل [3 - في قسمة العيون والآبار, وتفسير قسمة الماء بالقلد] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا يقسم أصل العيون والآبار ولكن يقسم شربها بالقلد, ولا يقسم مجرى الماء, وما علمت أن أحدا أجازه. قال ابن حبيب: وتفسير قسمة الماء بالقلد إن تحاكموا فيه واجتمعوا على قسمته: أن يأمر الإمام رجلين مأمونين عدلين أو يجتمع الورثة على الرضا بهما فيأخذان قدرا من فخار أو شبهها فيتقبان في أسفلها بمنقب يمسكانه عندهما ثم يعلقانها ويجعلان تحتها قصرية ويعدان الماء في جرار, ثم إذا انصدع صبا الماء في القدر فسال الماء من الثقب, وكلما هم الماء أن يفرغ صبا حتى يكون سيل الماء من الثقب معتلا النهار كله والليل كله إلى انصداع الفجر, ثم ينحيانها ويقتسمان ما اجتمع من الماء على أقلهم سهما كيلا أو وزنا, ثم يجعلان لكل وارث قدرا يحمل سهمه من الماء ويثقبان كل قدر منهما بالمنقب الذي ثقبا به القدر الأولى, فإذا أراد أحدهم أن يسقي علق قدره بمائة وصرف الماء كله إلى أرضه فسقى ما سال الماء من قدره, ثم كذلك

بقيتهم, ثم إن تشحوا في التبدية أسهموا فيه. م: قوله: ثم جعل لكل وارث قدر يحمل سهمه, فإنما يصح ذلك إذا تساوت أنصباؤهم, وأما إذا اختلفت كان صاحب الكثير مغبونا؛ لأن القدر كلما كبرت ثقل فيها الماء وقوي جريه من الثقب حتى يكون مثلي ما يجري من الصغيرة أو أكثر؛ لأن أحدهم قد يكون له عشرة أسهم وللآخر سهم, فإذا أخذ هذا حقه من الماء فوضعه في قدره خف جري الماء فأخذ أكثر من حظه. والذي أرى: أن يقسم الماء بقدر أقلهم سهما فيأخذ صاحب السهم قدرا, ويأخذ الآخر عشر قدور, وهذا بين, وبالله التوفيق.

[الباب الرابع] [في كيفية قسمة الصنفين بين الرجلين وقسم مالا ينقسم]

[الباب الرابع] [في كيفية قسمة الصنفين بين الرجلين وقسم مالا ينقسم] [فصل 1 - في قسمة صنفين مختلفينٍ] ومن المدونة قلت: فإذا كانت نخلة وزيتونة بين رجلين، هل يقتسمانهما؟ قال: إن اعتدلنا في القسم وتراضيا بذلك قسمتهما بينهما، فيأخذ هذا واحدة وهذا واحدة، وإن كرها لم يجيرا، وإن لم يعتدلا في القسمة تقاوياهما أو باعاهما، مثل ما لا ينقسم من شجرة أو ثوب أو عبد وغيره. م: قوله: تراضيا، يريد: تراضيا أن يستهما عليهما، فلذلك شرط الإعتدال. قال سحنون: ترك ابن القاسم قوله: لا يجمع صنفان مختلفان في القسم بالسهم. قال ابن القاسم: وقد قال مالك في الثوب والعبد بين النفر: أنه لا يقسم، ومن دعا منهم إلى البيع جير عليه من أباه، فإذا قامت السلعة على ثمن، قيل لمن أبي البيع: إن شئت فخذ أو بع مع صاحبك. والنخلة كذلك، فإن باع فلا شفعة لصاحبه فيها. [فصل 2 - في قسمة ما ينقسم إذا أبى أحدهمٍ] قال مالك: وإذا دعا أحد الأشراك إلى قسم ما يتقسم من ربع أو حيوان أو رقيق أو عروض أو غيرها، وشركتهم بمورث أو شراء أو غيره جبر على القسم من أباه، فإن لم

ينقسم ذلك فمن دعا إلى البيع جبر عليه من أباه، ثم للآبي أخذ الجميع بما يعطي، إلا أن يشاء صاحبه بيع حصته مشاعة فلا أخذ للآخر إلا بمشيئته إلا أن يقوم بعد البيع بالشفعة فيما فيه الشفعة. وقال مالك في ثوب بين رجلين طلب أحدهما قسمته وأبى الآخر. فقال: لا يقسم، ويقال لهما: تقاوياه بينكما أو بيعا، فإذا استقر على ثمن فإن للذي كره البيع أن يأخذ وإلا بيع. قال ابن الماجشون في الواضحة: وإذا دعى أحد الأشراك إلى مقاواة ما لا ينقسم لم يلزم ذلك شركاءه إلا أن يرضوا بذلك، وإن طلب أحدهم البيع جبر عليه من أباه. ونحوه عن ابن القاسم في المجموعة. وقال غيره: إن قال بعضهم: تتزايد عليه، وقال بعضهم: يقومه بيننا أهل المعرفة العدل، فمن دعا إلى المزايدة فذلك له. قال بعض شيوخنا: إذا طلب أحدهم المزايدة والآخر البيع نودي على السلعة، فإذا بلغت ثمنا كان للذي طلب المزايدة أن يأخذها بذلك إلا أن يزيد عليه الآخر فيتزايدو فيها حتى يسلم أحدهما لصاحبه بالزيادة، فتلزم من سلمت إليه.

[الباب الخامس] في الدار يكون داخلها لقوم وخارجها لقوم آخرين أراد أهل الخارج تحويل الباب أو تضييقه أو أراد الداخلون فتح أبواب إلى الخارجة لأنصبائهم وفتح الباب في الدار المشتركة والحكم في الأجنحة والأفنية والقسم بالتراضي قال النبي (صلى الله عليه وسلم

[الباب الخامس] في الدار يكون داخلها لقوم وخارجها لقوم آخرين أراد أهل الخارج تحويل الباب أو تضييقه أو أراد الداخلون فتح أبواب إلى الخارجة لأنصبائهم وفتح الباب في الدار المشتركة والحكم في الأجنحة والأفنية والقسم بالتراضي قال النبي (صلى الله عليه وسلم): " لا ضرر ولا ضرار. [فصل 1 - حكم تغيير باب دار داخلها لقوم وخارجها لآخرين] قال ابن القاسم: وإذا كانت دار داخلها لقوم وخارجها لقوم، وللداخلين الممر في الخارجة، فأراد أهل خارجها تحويل بابها إلى موضع قريب من مكانه لا ضرر على الداخلين فيه فذلك لهم، وإن لم يكن يقرب موضعهم فللداخلين منعهم في ذلك. قال سحنون في المجموعة: ليس هذا أصلهم وليس لهم تغيير باب الدار إلا برضا اهل الداخلة؛ لأن حديث محمد بن مسلمة لم يأخذ به مالك.

[فصل 2 - حكم فتح باب آخر لأهل الخارجة] ومن المدونة قال: ولو أراد أهل الخارجة أن يصنعوا باب الدار فلأهل الداخلة منعهم من ذلك، ولو قسم أهل الداخلة فأراد أهل كل نصيب فتح باب لنصيبه إلى الخارجة، فللخارجين منعهم ألا يدخلوا إلا من الباب الأول. قال ابن حبيب: كان الحائط الذي أرادوا أن يفتحوا فيه الأبواب لهم أو لصاحب الخارجة. [فصل 3 - حكم فتح باب في الدار المشتركة] قال ابن القاسم: وإذا كانت دار بين رجلين لأحدهما دار تلاصقها، فأراد أن يفتح في المشتركة بابا يدخل منه إلى داره، فللشريك منعه لشركته معه في موضع الفتح. قال محمد: ولو فتح في حائط دار نفسه ليدخل منه في دار الشركة، لم أر به باسا وكان ذلك له. ومن المدونة قال ابن القاسم: فإن أرادوا القسمة فقال: اجعلوا نصيبي إلى جنب داري حتى أفتح فيها بابا، لم يقبل وقسمة الدار بالقسمة، فحيث وقع سهمه أخذه، فإن وقع بجنب دار فتح فيها بابه إن شاء كما وصفنا، وإن وقع نصيبه في الموضع الآخر لم يكن له غيره. وإن اقتسما هذه الدار فاشترى أحد النصيبين رجل يلاصق داره، ففتح إلى النصيب من داره بابا، ويجعل يمر من داره إلى طريق النصيب هو ومن اكترى منه أو

يسكن معه، فذلك له إن أراد ارتفاقا، ولا يمنع إلا أن يجعل ذلك فيه، كسكة نافذة لممر الناس يدخلوان من باب داره ويخرجون كالزقاق، فليس له ذلك. قال محمد: ذلك صواب ما لم يكن فتح من حائط الشركة، فلا يكون له ذلك إلا بإذن شريكه. [فصل 4 - في قسمة الأفنية والأجنحة] قال ابن القاسم: وإن اقتسما دارا على أن أخذ كل واحد طائفة، فإن من صارت الأجنحة في حظه فهي له ولا تعد من الفناء، وإن كانت في هذه الأفنية، أو هي تعد من الفناء ومن خزائن الدار لهم أجمعين المرتفق به. [فصل 5 - حكم التفاضل في قسمة التراضيٍ] قال ابن القاسم: ولا بأس بالتفاضل في قسمة التراضي، يأخذ هذا طائفة من الدار وهذا طائفة على أن يزيد أحدهما الآخر عرضا أو حيوانا بعينه نقدا أو موصوفا إلى أجل معلوم، أو عينا نقدا أو مؤجلا، ولا يجوز على دين موصوف إلا أن يضربا له أجلا يجوز من هذا ما يجوز في البيع ويفسد منه ما يفسد في البيع. قال مالك: وإن اقتسما دارا بينهما فأخذ هذا طائفة وهذا طائفة على أن يتصدق أحدهما على صاحبه بصدقة معروفة أو هبة معروفة، فذلك جائز.

[الباب السادس] في أرزاق القضاة والقسام وغيرهم

[الباب السادس] في أرزاق القضاة والقسام وغيرهم [فصل 1 - جواز أخذ القسام الرواتب على قسمتهم] قال مالك: ولا بأس بأرزاق القضاة وكذلك العمال إذا عملوا على حق- وكل عامل للمسلمين على حق- وما بعث فيه الإمام من أمور الناس، فالرزق فيه من بيت المال. وكره مالك لقسام القاضي أن يأخذوا على القسم أجرا. قال في كتاب الجعل: ولم يكن خارجة بن زيد ومجاهد يأخذان لذلك أجرا. قال: وإنما كره مالك ارتزاق القسام؛ لأنه إنما يفرض لهم من أموال اليتامى وسائر الناس، كما كره ارتزاق صاحب السوق من أموال الناس، ولو كانت ارزاق القسام من بيت المال، جاز ذلك. قال ابن حبيب: فإذا أجرى له عطاؤه من بيت المال أو من الفئ لم يحل له أن يأخذ ممن يقسم بينهم شيئا؛ لأنه كالقاضي المرتزق، فإن لم يجر له رزق فلا بأس عليه أن يأخذ، ولو قسم احتسابا كان أفضل له. [فصل 2 - فيمن استأجروا قاسما على من تكون أجرته] ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا بأس أن يستأجر أهل مورث أو مغنم قاسما برضاهم، وأجر القاسم على جميعهم ممن طلب القسم أو أباه، وكذلك أجر كاتب الوثيقة.

قال مالك في قوم أرادوا أخذ مال عند رجل فيستأجرون من يكتب بينهم كتابا يتوثق له ولهم، وأجره على الذي يوضع على يديه المال وعليهم. م: إنما كان الأجر عليه وعليهم؛ لأنه براءة له ومفاصلة بينهم في ذلك المال، فإنه صار إلى كل واحد حقه ولأتباعه على صاحبه. قال ابن حبيب: ويكون الأجر في ذلك على عددهم لا عدد أنصبائهم، وأرى الذي كان عليه المال كواحد منهم. [فصل 3 - فيمن أعتق في مرض موته] وقد تقدم في كتاب العبيد ذكر من أعتق في مرضه أنهم يعتقون أن حملهم الثلث، ويقرع بينهم إن لم يحملهم الثلث، فمن خرج سهمه أعتقته إن كان كفاف الثلث، وإن لم يحمله أعتقت منه ما حمل الثلث، وإن كان أقل أعتقته وأعدت السهم ليكمل الثلث في غيره. وأما المديرون فإن دبرهم في كلمة، عتقت منهم محمل الثلث بالحصص، وإن دبر واحدا بعد واحد بدئ بالأول فالأول في الثلث، وإن حملهم الثلث عتقوا كلهم، وسواء في هذا كله كان المدير في صحة أو مرض.

[الباب السابع] في قسمة الدار مذارعة، وقسمة البناء والساحة والإرتفاق بها ورفع الطريق وسعة باب الدار

[الباب السابع] في قسمة الدار مذارعة، وقسمة البناء والساحة والإرتفاق بها ورفع الطريق وسعة باب الدار [فصل 1 - في قسمة الدار مذارعة بالسهم] قال ابن القاسم: وإذا اقتسما دارا مذارعة بالسهم، فإن كانت الدار كلها سواء جاز، وإن كان بعضها أجود من بعض، أو كانت كلها سواء وجعلا في ناحية أكثر من ناحية لم يجز، إلا أن يتراضوا بذلك من غير سهم فيجوز. [فصل 2 - في قسمة الساحة والبناء معا] ولا باس أن يقتسما البناء بالقيمة، والساحة بالذراع إذا تساوت الساحة في القيمة والذراع أو كانت تحمل القسم، وإن كانت متفاضلة لم يجز. قال ابن القاسم: وإن أرادوا قسم البناء والساحة معا، فإن كان يصير لكل واحد من الساحة ما ينتفع به في مدخل ومخرج ومربط دابة وغيرها، قسمت الساحة مع البناء، وإن كان يصير منها تلك المنافع لبعضهم ويصير لأقلهم نصيبا من الساحة ما لا ينتفع به، أو ما لا ينتفع به إلا في دخوله وخروجه فقط، قسم البناء بينهم وتركت الساحة لانتفاعهم ولأقلهم نصيبا من النفع بالساحة ما للأكثر، سكن معهم أو لم يسكن ولهم منع من بيني في الساحة معهم.

[فصل 3 - في قسمة الدار وفيها بيوت وساحة وغرف وسطوح] وإذا كانت دار بين قوم وفيها بيوت وساحة ولها غرف وسطوح بين يديها، فقسموا البناء على القيمة وأبقوا الساحة، فالسطح يقوم مع البناء، تقوم الغرفة بما بين يديها من المرفق، ولصاحب العلو أن يرتفق بساحة السفل كارتفاق صاحب السفل ولا مرفق لصاحب السفل في سطح الأعلى، إذ ليس من الأفنية، ويضيف القاسم قيمة خشب السطح والغرفة مع قيمة البيوت التى تحت ذلك، وما رث من خشب العلو الذي هو أرض الغرفة والسطح فإصلاحه على صاحب الأسفل وله وملكه كما عليه إصلاح ما هي ورث من جدار الأسفل. وإذا سقط العلو على الأسفل فهدمه، جير رب الأسفل على أن يينيه أو يبيع لمن يبني، حتى يبني رب العلو علوه، فإن باعه ممن يينيه فامتنع من بنائه جبر المبتاع- أيضاً- على أن يبنيه أو يبيعه ممن يبنيه. م: قيل: إنما ذلك إذا لم يكن له مال غير القاعه فلا يقدرعلى أكثر من بيعها عليه، وأما إذا كان له مال فليجبر على بنائها؛ لأنه حق لصاحب العلو، وفي تربصه إلى البيع ضرر عليه وقطع لمنافعه.

وقد قال سحنون: إنما جوز هذا البيع ضرورة لعدم البائع، ولو كان له مال لم يجز بيعه ممن يبنيه باشتراط، ولكن يجبر على بنائه على ما أحب أو كره. وكذلك الجارية يأذن لها سيدها في الإحرام فتحرم ثم يطأها أن عليه أن يجحها، فإن فلس يبعت عليه ممن يجحها لضرورة الفلس. ومن ذلك الأمة لها الولد الصغير يعتق السيد أحدهما، فلا يجوز له بيع الرقيق منهما إلا في فلس في ضرورة، فتباع في قول ابن القاسم، ويشترط على المبتاع ألا يفرق بينهما. [فصل 4 - حكم الارتفاق في الساحة] ومن المدونة: وإن اقتسم قوم دارا وتركوا الساحة مرتفقا، فكل واحد منهم أولى بما بين يدي بابه من الساحة في الإرتفاق، وإن أراد بعضهم أن يطرح بين يدي باب غيره العلف والحطب لم يكن له ذلك إن كان في الدار سعة من ذلك، فإن احتاج إلى طرح ذلك في الساحة ووقع بعض ذلك على باب غيره طرحه، إلا أن يكون في ذلك ضرر على من يطرح على بابه فيمنع أن يضر به. [فصل 5 - في الطريق يكون بينهم] وإن اقتسموا البناء والساحة رفعوا الطريق ولا يعرض فيها أحد لصاحبه.

وإن اقتسما على أن يصرف كل واحد بابه من ناحية أخرى ولا يدعا طريقا بتراض جاز، ولا يرفع لهم طريق، وليصرف كل واحد طريقه حيث شاء إن كان له حيث يصرفه. وإن اقتسموا البناء ثم قسموا الساحة ولم يذكروا رفع الطريق، فوقع باب الدار في حظ أحدهم ورضي بذلك صاحبه، فإن لم يشترطوا في أصل القسم أن طريق كل حصة ومدخلها فيها خاصة فإن الطريق بينهم على حالها، وملك باب الدار لمن وقع في حظه، ولباقيهم فيه الممر. قال أبو محمد: وهذا على مذهب سحنون لا يجوز بالسهم إلا برفع الطريق بينهم. قال أبن حبيب: إذا لم يذكروا الطريق عند القسم، أعدت القسم ثانية على ذكر ذلك ومعرفة مخرج كل سهم ما لم يشترطوا قطع الطريق. وكذلك لو اقتسموا دارا بتراض بلا سهم أو بالسهم ومجرى مائها في ناحية، فصارت تلك الناحية في سهم واحد منهم، فكره مجرى مائها عليها ولم يذكروه عند القسم، فإن القسم ينتقض ثم يعاد على ذكر ذلك وبيانه. [فصل 6 - في قسمة الساحة وهي واسعة] ومن المدونة قال مالك: وإن اقتسموا الساحة وهي واسعة يقع لكل واحد ما يرتفق به إذا قسمت بينهم وليس لهم طريق ولا مخرج إلا من باب الدار فاختلفوا في سعة الطريق، فقال بعضهم: اجعلها ثلاثة أذرع، وقال بعضهم أكثر من ذلك، جعلت بقدر دخول الحمولة ودخولهم.

قيل لابن القاسم: ولا يترك لهم من الطريق قدر عرض باب الدار. قال: لا أعرف هذا من قول مالك. وإن اقتسما دارا، يريد: بتراض، فأخذ أحدهما دبر الدار وأعطى الآخر مقدمها على ألا طريق لصاحب المؤخر على الخارج، جاز ذلك على ما شرطا ورضيا إن كان له موضع يصرف إليه بابه وإلا لم يجز. وكذلك إن اقتسموا دارا على أن أخذ أحدهما الغرف على أن لا طريق له في السفل، فعلى ما ذكرنا. وإن اقتسما أرضا على ألا طريق لأحدهما على الآخر، وهو لا يجد طريقا إلا عليه لم يجز، وليس هذا من قسم المسلمين.

[الباب الثامن] في قسم الرباع على أقل السهام وتشاح الورثة على أحد الطرفين

[الباب الثامن] في قسم الرباع على أقل السهام وتشاح الورثة على أحد الطرفين [فصل 1 - في قسمة الرباع على أقل السهام] قال مالك: وكل ما قسم من ربع أو غيره فعلى قيمة عدل، ثم يضرب بالسهم فمن خرج له سهمه لزمه. قال مالك: ووجه قسمة الربع بالسهم إذا اختلفت الأنصباء لواحد خمس ولآخر ربع ولآخر سدس، أن يقسم على أقلهم سهماً. وكذلك من ترك زوجة وأما وأختاً، إلا أن من خرج له سهمه جمع له تمام باقي حصته ولا يفرق. وإذا تشاحوا على أي الطرفين يضرب أسهم أيهم يبدأ، فما خرج عرفه، ثم أسهم للقسم، فمن خرج سهمه أعطاه من ذلك الطرف وضم له فيه سهمائه مجتمعة وإن كثرت لضرب الفريضة في الإنكسار، ثم يضرب أيضاً لسهام من بقي، فيضرب على أقلهم سهما، فإن تشاحوا - أيضا- على أي الطرفين يضرب، فعلى ما ذكرنا أولاً، فإذا بقي منهم اثنان فتشاحا على أي الطرفين، لم ينظر إلى قول واحد منهما وضرب القاسم على أي الطرفين شاء؛ لأنه إذا ضرب على أحد الطرفين فقد ضرب لهما جميعا. قال محمد بن عبد الحكم: فإن كان لواحد النصف ولآخر الثلث ولآخر السدس جعل ذلك ستة أنصباء معتدلة، فإن اتفقوا على أي الطرفين يبدأ به أسهم بينهم منه، فإن خرج

صاحب السدس كان له سهم من الطرف الذي اتفقوا أن يبدأ به أو أخرجه السهم، ثم يسهم بين من بقي، فمن خرج سهمه من صاحب النصف أو صاحب الثلث أخذه وضم إليه بقيه سهمه وكان ما بقي لصاحبه، وكذلك لو خرج أولا صاحب النصف أخذ جميع سهمه في أحد الطرفين وأسهم بين صاحب السدس والثلث فإن خرج صاحب السدس اخذ سهمه في الوسط. وقد قيل: إن صاحب السدس لا يكون إلا في أحد الطرفين. قال: والأول أحب إلينا. وقال محمد: إنما هذا إذا كانا نصيبين، مثل ابن وزوجة. [فصل 2 - في تشاح الورثة على أحد الطرفين] ومن المدونة: وإن ترك زوجة وابنا أو عصبة، لم يسهم للزوجة إلا على أحد الطرفين لا في الوسط، فأي الطرفين خرج لها أخذته، وكان الباقي للولد أو للعصبة، وكذلك إن كان الولد أو العصبة عددا، ولا يجمع حظ رجلين في القسم وإن أراد ذلك الباقون إلا في مثل هذا. قال ابن حبيب: قال مطرف: يقسم الربع بين الورثة على أقلهم سهما وإن كثرت سهام الفريضة، فإن كانت الأرض مستوية قسمت بالقياس، وإن كانت مختلفة فبالقيمة، فإذا أستوت كتب أهل كل سهم اسم سهمهم في بطاقة، ثم أخرجت بطاقتان من جملتها بطاقة في هذا الطرف وبطاقة في هذا الطرف الآخر، فمن خرج سهمه في طرف ضم إليه ما بقي من حقه، ويصير أهل الثمن كالزوجات أهل سهم واحد والجدات

أهل سهم واحد، وأهل الثلث من الكلالة أو موصى لهم به أهل سهم واحد، ثم بعد هذا القسم يقسم أهل كل سهم ما صار لهم. وقال ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ وقالوا: هو قول جميع أصحابنا، وبالله التوفيق. تم كتاب القسم والحمد لله.

كتاب الفرائض الأول

[المقدمة] بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله علي سيدنا محمد ومولانا وآله وسلم قال الشيخ أبو بكر محمد بن عبد الله بن يونس التميمي الصقلي- رحمه الله:- الحمدلله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبين، وعلى آله الأخيار المتقين الطيبين. أما بعد:- يسرنا الله وإياك لطاعته وتوفيقه، هدانا لصالح طريقه. فقد كنا شرطنا في كتاب الولاء والمواريث من الكتاب الجامع لمسائل المدونة أنا نضع كتابا مختصراً جامعا لأصول الفرائض، وتعريفها، واختلاف وجوهها، وتوجيه أقوا المختلفين، رغبة لما عند رب العالمين ولما حض عليه نبينا محمد عليه الصلاة والتسيم خاتم النبين على تعليمها، وأخير بسرعة اندارسها ونسيانها.

فقد روي عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «تعلموا الفرائض فإنها من دينكم، وأول علم ينسى». وروى عنه أنه قال: «تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما». وقد حض على تعليمها جماعة من الصحابة والتابعين، فلا ينبغي لعالم جهلها ولا أن لا يتسع فيها.

كتاب الفرائض الأول

[الباب الأول] باب الأسباب التي يجب بها التوارث [فصل 1 - أقسام المواريث] المواريث تجري بين الناس على قسمين: أحدهما نسب، والآخر: سبب. فالنسب على ثلاثة أقسام:- فالأول: ذو السهام. والثاني: العصبة. والثالث: ذوو الأرحام. فذو السهام ومن أهل النسب: البنات، والأمهات، والأخوات، والآباء في بعض الحالات. والعصبات: البنون وبنوهم، والآباء وبنوهم، والأجداد للأب وبنوهم وهم الذين يحكم لهم بجميع المال، وبما فضل منه بعد قبض ذوي السهام، وقد أجمعت الأمة على توريثهم على منازل رتبوها، ووجوه بينوها. وذوو الأرحام: هم قوم يدلون بالقرابات إلى ذوي السهام والعصبات، وقد اختلف في توريثهم.

ولم يورثهم مالك؛ إذ ليس لهم فرض بكتاب ولا سنة، وسنين من هم والاختلاف في توريثهم إن شاء الله. والقسم الثاني: هو السبب ينقسم قسمين:- فالأول منه: النكاح- الزوج والزوجة-. والثاني: الولاء، وهو كل من أنعم عليه بالعتق يرثه من أعتقه إذا لم يكن له وارث بنسب، ولا عصبة يحوز جميع المال، وإن كان له وارث يرث بعض المال ورث المولى بقيته، وسيأتي شرح ذلك مبينا إن شاء الله. [فصل 2 -] عدة من أجمع على توريثه من الرجال والنساء. المجمع على توريثه من الرجال خمسة عشر رجلا، وهم:- الابن وابن الابن وإن سفل، والأب، والجد أب الأب وإن علا، والأخ الشقيق، والأخ للأب، والأخ للأم، وابن الأخ الشقيق وإن بعد، وابن الأخ من الأب وإن بعد، والعم الشقيق، والعم للأب، وابن العم الشقيق وإن بعد وابن العم للأب وإن بعد، وعمومة الأب وبنوهم داخلون في العمومة، والزوج، ومولى النعمة.

ويرث من النساء عشرة:- البنت، وبنت الابن وإن سفلن، والأم، والجدة للأم، والجدة للأب، والأخت الشقيقة، والأخت للأب، والأخت للأم، والزوجة، ومولاة النعمة. فمن هؤلاء المذكورين من يرث بكتاب الله عز وجل، ومنهم من يرث بسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ومنهم من يرث بإجماع الأمة. وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله عز وجل [فصل 3 - عدة من لا يرث بحال] وعدة من لا يرث بحال تسعة:- العبد، والمدبر، والموصى بعتقه، والمعتق إلى أجل، والمرتد، والقاتل عمدا، والكافر للمسلم رجالا كانوا أو نساء، وأم الولد، والمطلق في المرض بتاتا لا يرث المطلقة، واختلف إن مات هو هل ترثه هي واختلف في المكاتب، والمعتق بعضه، والقاتل خطأ، والمولود إذا لم يستهل صارخا، والأسير إذا خفي أمره، ومن أسلم على ميراث قبل قسمته، ومن يرث المرتد، ومن مات من أهل الذمة ولا وارث له، وميراث ذوي الأرحام، وأهل الملل. وقيل: يرث المسلم الكتابي، ولا يرث الكتابي المسلم.

[الباب الثاني] باب من يرث بكتاب الله تعالى

[الباب الثاني] باب من يرث بكتاب الله تعالى قال الشيخ أبو بكر رحمه الله: جملة ما نص الله عليه في كتابه ستة عشر فريضة، تجمعها ثلاث آيات من سورة النساء، للولد: ثلاثة، وللأبوين: ثلاث، وللزوج: اثنان، وللزوجة: اثنان، وللإخوة والأخوات من الأم: اثنان، وللإخوة والأخوات من الأب والأم: أربع. [فصل 1 - في ميراث الولد] قال الله تعالى في الولد: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وقال: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} قال: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} قال أبو بكر: فأجمعت الأمة أن من هلك من المسلمين الأحرار وترك أولادا ذكروا وإناثا أحرارا مسلمين، ولم يكن منهم قاتل للموروث: أن جميع ما خلف من تركته بعد إخراج أسباب مواراته إلى دخوله قبره، وبعد إخراج الدين إن

كان عليه دين، وبعد إخراج وصية أوصى بها أن تقسم بقية التركة بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. وإن كان معهم أحد من ذوي السهام ورث ذو السهام سهمه، وكان ما بقي مقسوما بين الولد للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كان الولد ذكرا أخذ جميع ما بقي، وإن كانوا ذكورا قسم ما بقي بينهم بالسواء، وإن كانت ابنة فلها النصف، وإن كانت ابنتان فأكثر فلهن الثلثان؛ إلا ما ذكر عن ابن عباس: أن اللابنتين النصف، وهو شاذ من القول، وسنأتي بالحجة عليه إن شاء الله. وحكم بني الابن، وبنات الابن إذا لم يكن بنون ولا بنات حكم البنين والبنات سواء، وقد فسرناه. وإن اجتمع ولد الصلب وولد الولد نظرت: فإن كان في ولد الصلب ذكر سقط من دونه من ولد الولد ذكوراً كانوا أو إناثا، وإن كان ولد الصلب إناثا خاصة واحدة فأكثر فإنهن يأخذن فرضهن، وينظر في ولد الولد: فإن كان فيهم ذكر كان لهم ما بقي إن كانوا في طبقة واحدة، أو كان الإناث فوقه.

وإن لم يكن في ولد الولد ذكر وإنما كن إناثا خاصة فإنهن يسقطن؛ إلا أن تكون بنت الصلب واحدة فيكون لها النصف، ولبنات الابن إذا كن في طبقة السدس تكملة الثلثين. وبيان هذه الجملة:- أن يترك الهالك ابنا ذكرا، أو بني ابن وبنات أبن فالمال كله للابن، ولا يرث معه أحد من ولد الولد اجتمعوا أو تفرقوا. فإن ترك بنتا، وابن ابن كان للبنت النصف، ولابن الابن ما بقي. وإن كانوا جماعة كان ما بقي بينهم بالسواء. وإن كانوا ذكورا وإناثا كان ما بقي بينهم للذكر مثل حظ الانثيين. وإن ترك بنتا، وبنت ابن كان للبنت النصف، ولابنة الابن السدس تمام الثلثين، وما بقى للعصبة. وإن كن بنات الابن جماعة لم يزدن على السدس تمام الثلثين شيئا، ويكون ما بقي للعصبة. وإن ترك ابنتين وابنة ابن، أو بنات ابن كان اللابنتين الثلثان، وسقط بنات الابن إلا أن يكون معهن ذكر بإزائهن أو أسفل منهن، فيكون لهم ما بقي للذكر مثل حظ الانثيين. وما ذهب جميع الصحابة إلا ابن مسعود فأنه جعل ما بقي لابن الابن خاصة

لاستكمال بنات الصلب الثلثين، وستأتي الحجة عليه إن شاء الله. فصل [2 - في ميراث الأبوين] وقال الله تعالى في الأبوين: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} وقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَه أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}. وقال تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}. وأجمعوا أن الموروث إذا خلف أبويه وولدا ذكرا، أو أبن أبن أن لكل واحد من الأبوين السدس، وما بقي فللابن أو لابن الابن. وإن كان الولد بنتا، أو بنت أبن فللأبوين السدسان، وللبنت أو بنت الابن النصف، وما بقي الثُّلُث) وإن لم يترك الميت إلا أبويه فللأم الثلث، وما بقي فللأب بقوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ { فدل أن الباقي للأب. وإن انفرد الأب بالميراث وحده، أو كان معه إخوة كان له جميع الميراث، ولا شيء للإخوة معه. وإن انفردت الأم بالميراث كان لها الثلث، وإن كان معها أخ أو ابن أخ، أو

عم أو ابن عم كان ما بقي له، لأنه عصبة. وإن كان مع الأم أخوان فصاعدا كان لها السدس وما بقي للإخوة. وهذا قول جميع الصحابة إلا ابن عباس فإنه قال: لها مع الأخوين الثلث، ومع الثلاثة فأكثر السدس، وستأتي الحجة عليه إن شاء الله تعالى. وإن كان مع الأبوين أخ أو إخوة فميراث الأم كما وصفنا إذا انفردت مع عدم الإخوة، ويكون ما بقي للأب ولا شيء للإخوة معه. وهذا قول الجماعة إلا رواية شاذة عن ابن عباس فإنه قال: إذا ترك أبويه وثلاثة إخوة فأكثر فإن للأب الثلثين، وللأم السدس، والسدس الباقي الذي حجبها عنه الإخوة هو للإخوة، والمشهور عن ابن عباس مثل قول الجماعة، والقول الآخر غلط عنه لأنه لا يورث الإخوة مع الجد أب الأب، لأنه يراه كالأب فكيف يورثهم مع الأب، ويعد هذا تمام الحجة في ذلك. فصل [3 - في ميراث الزوجين] وقال تعالى في الزوجين: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع).

وقال تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ}. واجمعوا أن المرأة إذا هلكت وتركت زوجها ولم تترك ولدها منه ولا من غيره ولا ولد ابن ذكرا ولا أنثى فإن للزوج النصف، وما بقي للعصبة. وإن تركت ولدا منه أو من غيره أو ولد ابن حجبه عن النصف إلى الربع، وكذلك إذا كان ولدها هذا من زنى زنته فإنه يحجب الزوج؛ لأن الولد للفراش ويرثها، ويحجب زوجها، وكذلك إن كان هذا الولد من عبد كان تزوجها ثم فارقها، أو مات عنها ثم تزوجت هذا بعده؛ لأن ولدها من العبد حر بحريتها فهو يرثها ويحجب زوجها، فيكون له ما بقي بعد ربع الزوج. وإذا هلك الرجل وترك زوجته ولم يترك لها ولدا منها ولا من غيرها، ولا ولد ابن ذكرا ولا أنثى كان لها الربع. وإن ترك ولدا منها أو من غيرها ابنا أو ابن ابن، أو بنتا أو ابنة ابن فإنها لها الثمن، وسواء كان ولده من حرة تزوجها أو من أمة له أولدها فإنه يحجب زوجته عن الربع إلى الثمن، ويرث ما بقي إن كان ذكرا، وإن كانت بنتا أو بنت ابن ورثت النصف وما بقي للعصبة.

وحكم الزوجتين والثلاث والأربع كحكم الواحدة، الربع بينهن إذا لم يكن له ولد، والثمن إن كان له ولد، ولا يجوز أن يجتمع في ملك رجل في وقت واحد أكثر من أربع زوجات. فصل [4 - في ميراث الإخوة للأم] وقال تعالى في الإخوة للأم: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}. وقال: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}. فمعنى قوله تعالى: {أَوِ امْرَأَةٌ} يقول: أو امرأة تورث أيضا كلالة. والكلالة: اسم اشتق من كلل الرحم وبعده، وذلك إذا بعد ما بين الوارث والموروث ولم يكن في الورثة والد ولا ولد، وقيل: إذا لم يكن في الورثة ولد. وقد اختلف الناس -أيضاً- فيمن يستحق هذا الاسم: الميت أو الورثة. فقيل: هو الميت إذا لم يترك والدا ولا ولدا. وقيل: هم الورثة الذين ليس فيهم والد ولا ولد. وقيل: بل هي اسم الفريضة التي لا يرث فيها والد ولا ولد، فتسمى تلك الفريضة: كلالة.

وقوله تعالى: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} أجمع الناس انه إنما أراد الإخوة للأم، وكان سعد بن أبي وقاص يقرأ: وله أخ أو أخت من أم. فأجمعوا أن الهالك إذا ترك أخاه لأمه كان له السدس، فغن ترك أخوين لأن كان لكل واحد منهما السدس، وإن ترك ثلاثة أو أربعة فما فوق كان بينهم الثلث بالسواء لا يزادوا عليه شيئا، حظ الذكر والأنثى فيه سواء. ولو ترك أختا كان لها السدس، ولو ترك أختين فأكثر كان بينهن الثلث بالسواء، وكذلك لو كانوا ذكورا وإناثا فالثلث بينهم بالسواء. ويحجبهم عن الميراث ستة:- الابن، وابن الابن وإن سفل، والبنت، وبنت الابن وإن سفلت، والأب، والجد أب الأب وإن علا. فصل [5 - في ميراث الأخوة للأب] وقال تعالى في الأخوة للأب: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ}. وقال: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ}.

وقال: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. ومعنى قوله: {أَنْ تَضِلُّوا} يقول: لئلا تضلوا في قسمة المواريث وغيرها. فأجمع الناس أن الله تعالى إنما أراد بهذه الآية: الإخوة للأب. فإذا هلك هالك وترك أخا شقيقا فإن له جميع ماله، وإن ترك أخوين شقيقين فأكثر كان المال بينهم بالسواء، وإن ترك أختا شقيقة كان لها النصف وما بقي للعصبة، وإن ترك أختين كان لهما الثلثان وما بقي للعصبة، وكذلك لو ترك أخوات أكثر من ذلك لم يزدن على الثلثين شيئا كالبنات. وإن ترك أخا وأختا كان المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذلك لو كانوا أكثر من ذلك فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، حكم الإخوة والأخوات كحكم البنات والبنين في جميع الوجوه إذا انفردوا، فإذا كانوا ذكورا خاصة قسمت المال على عددهم، وإن كانوا ذكورا وإناثاً أعطيت لكل ذكر سهمين، ولكل أنثى سهما، فما اجتمع من العدة قسمت المال عليه. مثاله: لو قيل لك ترك عشرة أخوة، وعشر أخوات، الجميع شقائق! فتجعل للذكور عشرين سهما، وللإناث عشرة أسهم، فجميع ذلك ثلاثون سهما، فيقسم المال على ثلاثين، لكل أخ سهمان، ولكل أنثى سهم، وكذلك فيما قل

أو كثر، وكذلك الولد. وحكم الإخوة والأخوات للأب إذا انفردوا حكم الإخوة والأخوات الشقائق سواء في جميع الوجوه، فإذا اجتمعوا كان حكمهم كحكم ولد الابن إذا انفرد مع ولد الصلب في جميع الأحوال إن كان في الأشقاء ذكر سقط الذي للأب أجمع. وإن كانت الشقيقة أنثى أخذت النصف، ونظر في الذين للأب فإن كان فيهم ذكر كان لهم ما بقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كانوا ذكورا كان ما بقي بينهم بالسواء، وإن كانت أنثى أو إناثا كان لهن السدس تكملة الثلثين، وإن كان الأشقاء أختين كان لهما الثلثان ولا شيء للأخوات للأب إلا أن يكون معهن ذكر فيكون ما بقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، حكمهم كحكم ولد الابن مع ولد الصلب في جميع الوجوه.

[الباب الثالث] ذكر من يرث بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبإجماع الأمة

[الباب الثالث] ذكر من يرث بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبإجماع الأمة [فصل 1 - في ميراث الجد] أجمعت الأمة على توريث الجد أب الأب فقام مقام الأب في عدم الأب إذا انفرد أو كان مع الولد أو الأم أو الزوجين. واختلف في قدر ميراثه مع الإخوة، وقد أفردت له بابا فيه تفريع منازله مع العصبات وذوي السهام، واختلاف القول في ذلك مبينا مشروحا. [فصل 2 - في ميراث بنت الابن مع البنت، والأخت مع البنت] وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراث بنت الابن، والأخت مع البنت، وتوريث الجدة، والعصبة، ومولاة النعمة. وروى البخاري عن آدم ابن أبي إياس عن شعبة عن أبي قيس قال:

سمعت هزيل بن شرحبيل يقول: سئل أبو موسى الأشعري عن بنت وابنة ابن وأخت، فقال: للبنت النصف وللأخت النصف، وائت ابن مسعود فإنه سيتابعني! فسئل ابن مسعود، وأخبر بقول أبي موسى فقال: لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين! أقضي فيهما بما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت. ففي هذا الحديث أدلة:- أحدها: توريث بنت الابن مع البنت. والثاني: توريث الأخت مع البنت، فدل بذلك أن الأخوات عصبة البنات. والثالث: إثبات الثلثين للابنتين، حجة على من قال: لهما النصف؛ لأنه إذا كان للبنت وابنة الابن على بعدهما الثلثان كان للابنتين أحرى أن يكون لهم الثلثان، فإيجابه للبنتين أولى.

وقد فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنتي سعد بن الربيع من أبيهما الثلثين. قال ابن سحنون: وهو أول ميراث قسم في الإسلام. [فصل 3 - في ميراث الجدة] وأما ميراث الجدة، فروى مالك عن ابن شهاب عن عثمان بن إسحاق بن خرشة عن قبيصة بن ذؤيب قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه تسأله ميراثها؟ فقال لها أبو بكر: مالك في كتاب الله من شيء، وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فارجعي حتى اسأل الناس، فسأل الناس، فقال المغيرة بن

شعبة: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذه لها أبو بكر، ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب تسأله ميراثها، فقال: مالك في كتاب الله من شيء، وما كان القضاء الذي قضي به إلا غيرك، وما أنا بزائد في الفرائض شيئا، ولكن هو ذلك السدس، فغن اجتمعتما فيه فهو بينكما، وأيتكما خلت به فهو لها. قال شيخنا أبو بكر: وقد قيل: إنه أراد إسقاطها، فقام إليه رجل من الأنصار فقال يا أمير المؤمنين: إنك لتسقط التي لو تركت الدنيا وما عليها لكان ابن ابنها وارثها، وتورث التي لو تركت الدنيا وما عليها لم يرثها ابن ابنتها، فقال: حينئذ ما قال. ورأيت في غيره أن مالكا روى عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال:

أتت الجدتان إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فأراد أن يجعل السدس للتي من قبل الأم، فقال له رجل من الأنصار: أما إنك تترك التي لو ماتت وهو حي لكان يرثها، فجعل أبو بكر السدس بينهما. ولا يرث عند مالك أكثر من جدتين: أم الأم وأم الأب، فإن عدمتا فأمهاتهما، فإن اجتمعتا وكانتا في درجة واحدة جعل السدس بينهما، وكذلك إن اختلفتا وكانت التي من قبل الأم أبعد، فإنه يجعل السدس بينهما، وإن كانت التي من قبل الأم أقرب كان السدس لها خاصة من أجل أن التي من قبل الأم هي التي ثبت توريثها من النبي عليه الصلاة والسلام. وإلى هذا ذهب مالك وأصحابه، وهو المشهور عن زيد بن ثابت. وروى عن علي بن أبي طالب: أنه جعل السدس للقربى كانت من قبل الأم أو الأب، وإن استوتا فهو بينهما.

وبعد هذا أذكر اختلاف الناس في توريث الجدات مشروحا إن شاء الله. [فصل 4 - في ميراث العصبة] وأما ميراث العصبة من السنة فقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ألحفوا الفرائض بأهلها، فما أبقت السهام فلأولى رجل ذكر". والعصبة الذين يرثون بالسنة والإجماع:- ذكور ولدك الذكور وإن سلفوا، وذكور ولد أبيك الذكور وإن سلفوا، وذكور ولد جدك الذكور وإن علوا. وسيأتي ترتيب منازلهم بعد هذا إن شاء الله تعالى. [فصل 5 - في ميراث الموالي] وأما الميراث بالولاء فقد روى سحنون عن ابن وهب عن عيسى بن يونس عن

إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أن مولى لابنة حمزة بن عبد المطلب مات وله ابنة، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه بين ابنته وابنة حمزة نصفين. قال ابن سحنون: وروى حسين بن علي الجعفي هن زائدة عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الله بن شداد عن ابنة حمزة قال محمد: وهي أخت ابن شداد لأمه، قالت: مات مولاي وترك ابنته، فقسم

رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله بيني وبين ابنته، فجعل لها النصف ولي النصف. قال سحنون: فليس لأحد مع فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة. قال أبو بكر: ففي هذا الحديث توريث المولى، وإبطال الرد على البنت معه. وروى محمد بن سحنون عن علي بن أبي طالب في بنت ومولى، للبنت النصف، وللمولى النصف. وروى إسماعيل القاضي: أن رجلا قال لعمر بن الخطاب: أن أختا لي سافحت في الجاهلية، فولدت غلاما فسبي ففديته من العدو، ثم إن الغلام مات وترك إبلا، فقال عمر للخال: ما يصيبك منه إلا ما يصيب المسلمين، فقال ابن مسعود: يا أمير المؤمنين إن لم تعده لقرابته فأعطه؛ لأنه مولى نعمة، ففعل. ففي هذا الخبر أن عمر لم يورث الخال لأنه من ذوي الأرحام، وإنما ورثه لأنه مولى نعمة.

[الباب الرابع] باب ميراث العصبة وترتيب منازلهم

[الباب الرابع] باب ميراث العصبة وترتيب منازلهم [1 - فصل 1 - أدلة ميراث العصبة] قال أبو بكر محمد بن عبد الله بن يونس: ليس أحد يرث من العصبة بصريح الكتاب إلا ولد الصلب، والأب، والإخوة. وأما سواهم فيرث بدليل الكتاب وبالسنة وإجماع الأمة. فالذين يرثون بدليل الكتاب: هم ولد الولد؛ لوقوعهم تحت اسم الولد، وكذلك الأجداد للأب لوقوعهم تحت اسم الأبوة وميراثهم وميراث بني الإخوة والعمومة وبنيهم بالسنة والإجماع. فالسنة: قوله صلى الله عليه وسلم: «ألقوا الفرائض بأهلها فما أبقت السهام فلأولى رجل ذكر».

وقد أجمعت الأمة على توريثهم. والعصبة: اسم واقع على كل من لم يكن له في الفريضة سهم معلوم، وإنما يرث المال أو ما فضل منه بعد فرض ذوي السهام، وليس في العصبة من له فرض معلوم إلا الأب فإنه يفرض له مع الولد، وكذلك الجد يقوم مع الولد مقام الأب إذا لم يكن له أب ولا أخوة. [فصل 2 - في أقسام العصبة] وتوريث العصبة على ثلاثة أقسام:- فالأول: أن تعلم أن من قرب إليك من عصبة ولدك هو أولى بالميراث ممن هو أسفل منه، وكذلك من قرب إليك من عصبة أبيك أولى بالميراث ممن هو أعلى منه، وكذلك عصبة جدك لأبيك. وبيان ذلك: أن يترك الموروث: ابنا، وابن ابن فالمال للابن سوى ابن الابن. وكذلك لو ترك ابن ابن، وابن ابن ابن فالمال لابن الابن دون ابن ابن الابن، تجعل المال أبدا للأعلى؛ لأنه أقرب بطنا.

وكذلك إن ترك أخاه، وابن أخيه فالمال لأخيه. وإن ترك ابن أخيه، وابن ابن أخيه فالمال لابن أخيه. وكذلك إن ترك عمه، وابن عمه فالمال لعمه. وإن ترك ابن عمه، وابن ابن عمه فالمال لابن عمه، تجعل المال أبدا للأعلى؛ لأنه أقرب نسبا. وكذلك إن ترك أباه وجده فالمال لأبيه. وإن ترك جده وجد أبيه فالمال لجده؛ لأنه أقرب، وبه يتقرب الأبعد فهو أولى. والثاني: أن تعلم أن عصبة ولدك أولى من عصبة ولد أبيك؛ لأن ولدك أقرب إليك من أبيك فعصبته أولى من عصبة أبيك، وتعلم -أيضا- أن عصبة ولد أبيك أولى من عصبة ولد جدك؛ لأن أباك أقرب إليك من جدك فعصبته أولى. مثال ذلك: لو ترك الموروث ابنه أو ابن ابنه وأخاه فالمال لابنه أو ابن ابنه وإن سفل دون أخيه؛ لأن ابنه من صلبه، وأخاه من صلب أبيه. وإن ترك أخا أو ابن أخ وعما فالمال للأخ أو ابن الأخ وإن سفل دون العم؛ لأن أخاه اجتمع معه في صلب أبيه، وعمه في صلب جده، فالأقرب أولى. والثالث: أن يترك الموروث وارثين متساويين في الطبقة إلا أن أحدهما يدلي بقرابة الأب والأم، والثاني يدلي بقرابة الأب خاصة، فاجعل الميراث للذي يدلي بالقرابتين.

وإن اختلفت منزلتهما فاجعل المال للأعلى. مثاله: أن يترك الموروث أخا شقيقا وأخا للأب فالمال للشقيق. وإن ترك ابن أخ شقيق وابن أخ لأب فالمال لابن الأخ الشقيق. وإن كان للشقيق ابن ابن أخ فالمال لابن الأخ للأب، هكذا أبدا إذا استوت منزلتهما فالشقيق أولى، وإن اختلفت فالأعلى أولى. وكذلك العمومة في هذا المعنى. ومنه -أيضا- أن يترك الهالك: ابن ابن، وعشرة ابن ابن آخر فالمال بينهم بالسواء. وكذلك ابن عم، وعشرة بني عم آخر فالمال بينهم بالسواء؛ لاستواء منزلتهم، ولا يرث كل فريق ما كان يرثه أباه؛ لأنهم إنما يرثون بأنفسهم لا بآبائهم. ولا يرث ولد الإخوة للأم ولا بنات الإخوة للأب ولا بنات العمومة عند مالك وأصحابه؛ لأنهم من ذوي الأرحام.

[الباب الخامس] باب ذكر ذوي الأرحام الذين ليسوا بذوي سهام ولا عصبة

[الباب الخامس] باب ذكر ذوي الأرحام الذين ليسوا بذوي سهام ولا عصبة [فصل 1 - عدة ذوي الأرحام وذكر الاختلاف في توريثهم] قال أبو بكر: اختلف في توريث ذوي الأرحام الذين ليسوا بذوي سهام ولا عصبة وهم ثلاثة عشر: ستة من الرجال، وسبعة من النساء. فالذين من الرجال: الجد أبو الأم، وابن البنت، والخال، وابن الأخت من أي وجه كانت، وابن الأخ للأم، والعم أخو الأب لأمه. ومن النساء: بنت البنت، وبنت الأخ، وبنت الأخت من أي وجه كان الأخ والأخت، وبنت العم من أي وجه كان، والجدة أم أبي الأم، والعمة من أي وجه كانت، والخالة من أي وجه كانت. فذهب زيد بن ثابت، ونحوه عن ابن عمر: أنه لم يورث أحداً ممن ذكرنا ولا آباءهم ولا أبناءهم. وبه قال: مالك، والشافعي، وأكثر أهل الحجاز.

وذهب عمر، وعلي، وابن مسعود، وجماعة من أهل العلم، وأهل العراق إلى توريثهم إذا لم يكن ثم ذو سهم من ذوي الأنساب، ولا عصبة، ولا موالي نعمة. [فصل 2 - في ترتيب منازل ذوي الأرحام] واختلف من قال بتوريثهم: هل يورث الأقرب فالأقرب على ترتيب العصبات، أو يورث كل واحد نصيب الوارث الذي تمت به، وإن كان الذي تمت به يرث ممن يحوز جميع المال إذا انفرد دخل هذا مدخله، فإن كان ممن لا يحوز جميع المال إلا بالرد عليه حل هذا -أيضا- محله. وإلى هذا ذهب عمر، وعلي، وابن مسعود فيما روي عنهم، وإليه ذهبت جماعة من العلماء.

وذهب أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن إلى أنهم يرثون على ترتيب العصبات الأقرب فالأقرب. وقد أفردنا لذوي الأرحام بابا بعد هذا فيه كيفية ميراثهم على منازلهم، ووجه كل قول والاحتجاج عليه.

[الباب السادس] باب ذكر الاختلاف المشهور عن الصحابة والفقهاء في مسائل الصلب

[الباب السادس] باب ذكر الاختلاف المشهور عن الصحابة والفقهاء في مسائل الصلب [فصل 1 - في ذكر موافقة ومخالفة الصحابة بعضهم في مسائل الصليب] قال أبو الحسن ابن اللبان البغدادي: اتفق علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما في جميع الصلب إلا في المشتركة وهي: زوج وأم وإخوة لأم وإخوة شقائق فاختلف عنهم فيها وسيأتي شرح هذا. وكل مسألة خالف فيها ابن عباس عليا وزيدا رضي اللع عنهما، وافقهما فيها ابن مسعود. وكل مسألة خالف فيها ابن مسعود عليا وزيدا، وافقهما فيها ابن عباس. وهذا في مسائل الصلب خاصة. [فصل 2 - في ذكر مفردات ابن عباس] وانفرد ابن عباس عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين بخمس مسائل:-

[الأولى] منها: زوج وأبوان، وزوجة وأبوان فأعطى للأم ثلث جميع المال في المسألتين، وكان عمر وعلي وزيد وابن مسعود يعدونها ثلث ما بقي بعد فرض الزوج والزوجة، وبه قال عامة الفقهاء. [الثانية] ولم يعل المسائل. [الثالثة] وأخل النقص على البنات وبنات الابن والأخوات الأشقاء أو لأب، ووافقه على ذلك جماعة من التابعين، وعليها سائر الصحابة والفقهاء. [الرابعة] ولم يجعل الأخوات عصبة البنات، وجعلهن سائر الصحابة والفقهاء. [الخامسة] ولم يحجب الأم بدون الثلاثة من الإخوة، وحجبها باثنين عامة الصحابة والفقهاء. [فصل 3 - في ذكر مفردات ابن مسعود] وانفرد -أيضا- ابن مسعود بخمسة أصول:- [الأول] كان يحجب الزوج والزوجة والأم بالكفار دون العبيد والقاتلين. وروي عنه -أيضاً- أنه اسقط الأخوات بالولد المشرك والولد المملوك. وروي أنه لم يسقطهن. وروي عنه أنه أسقط الجدة بالأم المشركة والمملوكة. وروي أنه لم يسقطها. وكان علي وزيد وفقهاء الأمصار لا يجبون إلا بالحر المسلم غير القاتل. [الثاني] وكان ابن مسعود إذا استكمل البنات الثلثين جعل الباقي لبني البنين دون أخواتهن.

[الثالث] وإذا استكمل الأخوات الشقائق الثلثين جعل الباقي للإخوة للأب دون أخواتهن، وكان سائر الصحابة يجعلون الباقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. [الرابع] وكان يقول في بنت وبنات ابن وبني ابن للبنت النصف، ولبنات الابن للأحق بهن من المقاسمة أو السدس، ويجعل الباقي لبني الابن. [الخامس] وكذلك في أخت شقيقة وأخوات وأخوة لأب، جعل للأخوات للأب للأحق بهن من المقاسمة أو السدس، وجعل الباقي للإخوة، وكذلك إن كان مع البنت أو الأخت ذو فرض. وكان سائر الصحابة والفقهاء يجعلون الباقي من فرض ذوي السهام بين الإناث والذكور للذكر مثل حظ الأنثيين. [فصل 4 - اختلاف الصحابة في ميراث ابني عم أحدهما لأم] واختلفوا في ابني عم أحدهما أخ لأم، فكان عمر وابن مسعود يجعلان المال كله للأخ للأم؛ كالأخ الشقيق مع الأخوة للأب، وبه قال أشهب.

وكان علي وزيد وابن عباس يعطون للأخ فرضه، ويقسمون الباقي بينهما. وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة. [فصل 5 - تفريع مسائل الصلب، وذكر احتجاج كل فريق] وذكر ابن شفاعة الاحتجاج لكل قول فقال: اختلف الصحابة في مسائل الصلب في أربع عشرة مسألة غير مسائل العول. فمنها: أن يخلف الهالك بنتا وأختا شقيقة أو لأب. فذهب علي وزيد وابن مسعود أن للابنة النصف وما بقي فللأخت، وجعلوا الأخوات عصبة البنات، وبه قال عامة الفقهاء. وقال ابن عباس للبنت النصف وما بقي فللعصبة، ولاحظ للأخت مع البنت لقول الله تعالى: {امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} وأنتم تجعلون لها مع الولد النصف. ودليل الجماعة أن الله تعالى قال عقيب هذا: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} فيجب على هذا ألا يرث مع البنت؛ لأنها ولد.

وقد أجمعوا أن الأخ يرث مع البنت بأصل الميراث فدل إجماعهم أن ليس الولد المذكور ههنا هو البنت التي تأخذ نصف المال والأخ بقيته, بل الولد المذكور هو الولد الذي لا يبقي من المال للأخ ولا للأخت شيئا, فإذا كانت بنتا أخذ ما فضل عنها بالتعصيب. وقد روى أن النبي عليه السلام ورث الأخت مع البنت وابنة الابن, وهو ما روي عن هزيل بن شرحبيل أنه قال: جاء رجل إلى أبي موسى الأشعري وسليمان بن ربيعة الباهلي فسألهما عن بنت وابنة ابن وأخت شقيقة, فقالا: للبنت النصف وما بقي فللأخت, وائت ابن مسعود فإنه سيتابعنا, فأتى الرجل ابن مسعود فأخبره بما قالا, فقال ابن مسعود: لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ولكني سأقضي فيها بما قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: للبنت النصف ولابنة الابن السدس تمام الثلثين وما بقي فللأخت, فلا أقول لأحد مع النبي عليه السلام. ومنها أن يخلف الموروث: أما وأخوين.

فذهب عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود رضي الله عنهم إلى أن للأم السدس وما بقي فللأخوين, وحجبها الأخوان عن السدس الآخر, وبه قال عامة الفقهاء. وذهب ابن عباس أن للأم الثلث وما بقي للأخوين, واحتج بقول الله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء:11] قال: فالإخوة ثلاثة فصاعدا. والدليل للجماعة أن أصل الجمع عند أهل العربية التثنية, والعرب قد يسمون الاثنين باسم الجماعة. والدليل لذلك من الكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال الله العظيم: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء:78] ولم يقل لحكمهما. وقال في الخصمين: {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ} [ص:21 - 22] ولم يقل: تسورا المحراب, ولا دخلا, ولا قالا. وقد روي عن النبي عليه السلام أنه قال: «الاثنان فما فوقهما جماعة». وقد أجمعت الأمة: أن الموروث إذا ترك أخا وأختين لأبوين أو لأب فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين, فقد أقامهما مقام الإخوة لقوله تعالى: {وَإِنْ

كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:176] , فلما كان ميراث الاثنين من الإخوة كحكم الجمع كان حكمهما في الحجب كذلك. ومنها: أن يخلف الموروث زوجة وأبوين, أو تخلف الموروثة زوجا وأبوين. فقال عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود: للزوجة الربع سهم من أربعة, وللأم ثلث ما بقي وهو الربع, وما بقي فللأب وهو النصف. وكذلك قالوا: للزوج: النصف ثلاثة من ستة, وللأم ثلث ما بقي وهو السدس, وما بقي فللأب وهو الثلث, وبه قال عامة الفقهاء. وقال ابن عباس وشريح وداود: للزوجة الربع ثلاثة من اثني عشر, وللأم الثلث أربعة, وللأب ما بقي خمسة. وقال في الثانية: للزوج النصف ثلاثة من ستة, وللأم الثلث سهمان, وما بقي فللأب وهو سهم, فيفضل في هذه المسألة الأم على الأب, وقال: لا أجد في

كتاب الله تعالى ثلث ما بقي للأم. وقد أرسل ابن عباس إلى زيد فقال له: أقال الله: للأم ثلث ما بقي, أو قال: للأم الثلث؟ فرد إليه زيد: إنما ذكر الله تعالى رجلا يرثه أبواه فأعطى للأم الثلث, وللأب الثلثين, فإذا دخلت معهما امرأة فلها الربع وما بقي فعلى ما قال الله. فأرسل إليه ابن عباس: أرأيت من زعم أن للأم الثلث أكذب على الله؟ فقال زيد: لا أقول: كذب على الله, ولكن ليفرض ابن عباس برأيه, وأفرض أنا بالذي أرى. والجليل للجماعة أن الله تعالى جعل المال للأبوين إذا انفردا, للأم الثلث, وللأب الثلثان, كما جعل للابن والبنت إذا انفردا, وللأخ والأختين للأبوين إذا انفردا. فلما أجمعت الأمة إذا دخل مع الابن والبنت, أو مع الأخ والأخت زوج أو زوجة أخذ الزوج أو الزوجة فرضه, وكان ما بقي بين الابن والبنت, أو الأخ والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين كما كان إذا انفردا, فكذلك يكون حكم الأبوين مع أحد الزوجين.

ومنها أن يترك الموروث ثلاثة إخوة, وأبوين. فقال على وزيد وابن مسعود: للأم السدس, وما بقي فللأب, وإن الإخوة يحجبون الأم عن السدس الآخر, ولا يرثون مع الأب شيئا. وقال ابن عباس: للأم السدس, وللإخوة السدس الذي حجبوا الأم عنه, وما بقي فللأب. قال: وكيف يحجب من لا يرث, وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو قول ابن عباس. قال ابن شفاعة: يحتمل إن صح هذا الخبر فإنما يكون السدس الذي صار للإخوة لوصية أوصى لهم به؛ لأن الإجماع أن لا يرث أحد من الإخوة مع الأب. وقال غيره: المشهور عن ابن عباس مثل قول الجماعة. ومنها أن يخلف الموروث: ابنتين, وابن ابن, وابنة ابن. فقال على وزيد وابن عباس وعائشة أن للبنتين الثلثين, وما بقي بين ابن الابن, وبنت الابن للذكر مثل حظ الأنثيين, وبه قال مالك وسائر الفقهاء. وقال ابن مسعود: ما بقي للابن دون أخته.

وكذلك إن خلف الموروث أختين لأبوين, وأخا وأختا لأب. فقال الجماعة: للأختين الأشقاء الثلثان, وما بقي بين الأخ والأخت للأب للذكر مثل حظ الأنثيين. وقال ابن مسعود: ما بقي للأخ من الأب دون أخته. ووافقه على ذلك الأسود وعلقمة والنخعي وأبو ثور. واحتج من ذهب إلى قول ابن مسعود أن الله تعالى قد فرض للبنات والأخوات الثلثين فلا يزدن على ذلك, وما بقي يجب أن يكون للذكور العصبة دون إناثهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت السهام فلأول رجل ذكر». وقد أجمعوا أن لو ترك الميت: بنتين, وبني إخوة, أو عمومة وعمات لكان ما بقي للذكور دون الإناث, فكذلك حكم بنات الابن أن يسقطن مع البنتين وإن كان معهن أخوة.

فالجواب عن قولهم: لا يزدن البنات على الثلثين شيئا أن يقال لهم: أرأيت لو ترك الميت عشر بنات وابنا فلا بد أن يقولوا المال بينهم على اثني عشر سهما, فقد جعلوا للبنات خمسة أسداس المال. وأما تشبيههم ببنات الابن إذا [قارنهن] ذكر بني الإخوة وبنات الإخوة فغير مشبه؛ لأن الله تعالى لم يفرض لبنات الإخوة ولا للعصبات إذا انفردن, أو إذا قارنهن ذكر شيئا, كما فرض الله للأخوات إذا انفردن أو قارنهن ذكر. وقد أجمعنا أن بنات الابن وبني الابن يرثون المال للذكر مثل حظ الأنثيين, بخلاف بني الإخوة وبنات الإخوة إذا اجتمعوا, فبان فساد تشبيههم, فيحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فما أبقت السهام فلأولى رجل ذكر» فيمن لا يرث من النساء بحال حسبما بينا.

دليله قول النبي صلى الله عليه وسلم في بنت وابنة ابن وأخت, أن للابنة النصف, ولابنة الابن السدس, وما بقي فللأخت, فقد جعل ما بقي لغير الذكر. وقد اتفقنا: أن لو كان مع الأخت أخ لكان الباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين, فكان يجب على قولهم: أن يكون الباقي للأخ دون أخته, فبان صحة ما قلناه وبالله التوفيق. ومنها: أن يخلف الموروث بنتا, وبنتي ابن, وابن ابن. فقال علي وزيد وابن عباس وعائش: للبنت النصف, وما بقي بين بنتي الابن وابن الابن للذكر مثل حظ الأنثيين, فيجب لبنتي الابن الربع على قولهم. وبه قال مالك, عامة الفقهاء. وقال ابن مسعود: للبنت النصف, ثم ينظر أي شيء أضر على بنات الابن: السدس أو المقاسمة, فيعطي الأضر فسمي لذلك باب الإضرار. وكذلك لو ترك أختا شقيقة, وأخا وأختين لأب.

فقال علي وزيد وابن عباس وكافة الفقهاء: للشقيقة النصف, وما بقي للأخ والأختين للأب للذكر مثل حظ الأنثيين. وقال ابن مسعود للشقيقة النصف, وللأختين للأب السدس تكملة الثلثين, وما بقي لأخيهما, كقوله: في بنت وابن ابن, وبنتي ابن. والحجة لقول الجماعة أنا اتفقنا لو لم تكن بنت لكان المال بين ابن الابن وأختيه للذكر مثل حظ الأنثيين, ولذلك لو لم تكن أخت شقيقة لكان المال بين الأخ والأختين للأب للذكر مثل حظ الأنثيين, فإذا كانت بنت أو أخت شقيقة أخذت فرضها وبقي باقي المال على أصل القسمة, فحكمهم في الفاضل كحكمهم في جميعه. كما لو كان مكان البنت أو الأخت أم أو زوج أو زوجة لأخذت فرضها وكان ما بقي بين هؤلاء للذكر مثل حظ الأنثيين كحكمهم إذا انفردوا, كما قال في زوج وأبوين, أو زوجة وأبوين أنه جعل قسمة الأبوين في الاجتماع والانفراد

للذكر مثل حظ الأنثيين فكذلك هذا. ومن عيب هذا القول أن يقال لمن ذهب إليه إن كان حكم بنات الابن مع البنت السدس تكملة الثلثين فلم قسمت لهن إذا أضر بهن المقاسمة, وإن كان حكمهن المقاسمة فلم أفردتهن بالسدس إذا كان ذلك أضر بهن وما ذنبهن حتى ألزمن الإضرار. ومنها: أن يخلف الموروث الحر المسلم أبوين حرين مسلمين, وأخوين مشركين أو مملوكين أو قاتلين. فقال عمر وعلي وزيد: للأم الثلث, وما بقي فللأب, وكانوا لا يحجبون بعبد أو كافر أو قاتل, وبه قال فقهاء الأمصار. وقال ابن مسعود: للأم السدس, وما بقي فللأب, وكان يحجب بهؤلاء ولا يورثهم. وكذلك عنده لو خلفت الحرة المسلمة زوجا حرا مسلما وابنا كافرا أو عبدا أو قاتلا أو خلف المسلم زوجة حرة مسلمة وابنا كافرا, أو عبدا أو قاتلا فإن للزوج الربع وللزوجة الثمن ويحجبهم بمن ذكرنا.

وذهب عمر وعلي وزيد أن للزوج النصف, وللزوجة الربع, ولم يحجبوا بمن لا يرث, وبه قال فقهاء الأمصار. واحتج من ذهب إلى قول ابن مسعود بأن الله تعالى حجب بالولد ولم يسم مسلما ولا كافرا, فهو على عمومه. فيقال له: ما تقول فيمن هلك وترك ولداً كافرا وأبوين مسلمين؟ فإن قال: للأم السدس, وما بقي فللأب, وهو قوله, قيل له فلم حجبت الأم دون الأب؟ والله تعالى حجبهما جميعا بالولد! فإن حملت الآية على العموم وجب أن تحجبهما, وإلا تناقضت. وإن قلت: إنما ذلك بالولد المسلم الحر فوجب أن لا يحجب بالكافر. -وأيضا- فإنا أجمعنا أن الجد الحر المسلم لا يرث مع الأب الحر المسلم, ويرث مع الأب العبد أو الكافر, وكذلك ابن الابن الحر المسلم لا يرث مع الأب الحر المسلم, ويرث مع الأب العبد أو الكافر, وكذلك ابن الابن الحر المسلم لا يرث مع الابن الحر المسلم, ويرث مع الابن العبد أو الكافر, فلما كانوا لا يحجبون ابن الابن ولا الجد, فكذلك لا يحجبون أما ولا زوجة ولا زوجا. ومنها: أن يترك الموروث ابني عم, أحدهما أخ لأم. فقال عمر وابن مسعود: المال للأخ للأم دون ابن العم؛ كالأخ الشقيق مع الأخ للأب. وقال علي وزيد: للأخ للأم السدس, وما بقي بينهما نصفان.

وبه قال مالك والشافعي والحنفي. واحتج من ذهب إلى قول عمر وابن مسعود بأن قالوا: أجمعت الأمة أن الموروث إذا خلف أخا شقيقا, وأخا لأب أن جميع المال للشقيق, وكذلك إن كانا ابني أخوين أو عمين أو ابني عمين أن المال لأقربهما بأم, فكذلك إذا خلف ابني عم أحدهما أخ لأم. والحجة للقول الآخر أنا وجدنا الإخوة للأم إذا انفردوا مع سائر الإخوة أو بني الإخوة أو العمومة أو بينهم أوجبت لهم فرضا لا يشاركهم فيه أحد؛ فلما كان لا يدخل عليهم فيه أحد فكذلك لا يدخلون به على غيرهم, فإذا اجتمع مع ذلك بنو عم ورثوا به على جدته وبإخوة للأم على جدته. ألا ترى أنهم اتفقوا إذا ترك الموروث أخوين لأم أحدهما ابن عم أن لهما جميع الثلث بأخوة الأم, وما بقي للذي هو ابن عم, ولم يكن هذا أولى بالجميع, فكذلك إذا كانا ابني عم أحدهما أخ لأم, أن للأخ للأم فرضه وما بقي بينهما, ولا يدخل أحدهما على صاحبه فيما يختص به, وهذا عدل وبالله التوفيق.

ومنها: فريضة المشتركة وهي: امرأة توفيت وتركت زوجها وأمها وإخوتها لأمها وإخوتها لأبيها وأمها. فأصلها من ستة: للزوج النصف ثلاثة, وللأم السدس واحد, وللأخوين للأم الثلث اثنين, وفرغ المال, فيرجع الأخوة الأشقاء على الذين للأم فيشاركونهم في الثلث الذي أخذوا, فتصبح الفريضة من اثني عشر. وإلى هذا رجع عمر بعد أن قضى أن لا شيء للأشقاء ثم نزلت به مرة أخرى فأراد أن لا يشرك بينهم, واحتج عليه الأشقاء, وقالوا: يا أمير المؤمنين هؤلاء إنما ورثوا الثلث بأمهم وهي أمنا, وهب أبونا كان حمارا! أليس الأم تجمعنا؟ فأشرك بينهم, فسمين بذلك الحمارية. قال شيخنا أبو بكر الفقيه الفرضي: وما علمت أحدا من الصحابة ممن تكلم في الفرائض إلا وقد اختلف قوله في المشتركة, فمرة أشرك, ومرة لم يشرك, إلا أن المشهور عن علي أنه لم يشرك. وبه قال أهل الكوفة, وأبو حنيفة, وقاله ابن اللبان.

قال عتيق: والمشهور عن زيد أنه أشرك. وقال ابن اللبان: وبه قال مالك والشافعي وأهل البصرة. فوجه قول من أشرك: أن الأم قد جمعت الأشقاء والذين للأم فوجب اشتراكهم في الميراث كاشتراكهم في الأمومة, ولأن الأشقاء يدلون بالأبوة والأمومة فلا يكونون أسوأ حالا ممن لا يدلي إلا بالأمومة؛ لأن من يدلي بقرابتين آكد ممن يدلي بقرابة واحدة. ووجه قول من لم يشرك: أن الله تعالى خص كل فريق بفرض معلوم, فجعل الذين للأم لأحدهم السدس, وللاثنين فصاعدا الثلث, وساوى فيه بين الذكر والأنثى, وجعل فرض الأشقاء للذكر مثل حظ الأنثيين, وللذكر إذا انفرد جميع المال, وللأنثى إذا انفردت نصفه, فهذان فرضان مختلفان, فوجب أن لا يدخل أهل فرض على أهل فرض كما لا يدخلون على زوجة أو زوج. ومما احتج به علي رضي الله عنه قال: أرأيتم لو كان الأخوة للأم مائة! أكنتم تزيدونهم على الثلث شيئا؟ فقالوا: لا, قال: فكذلك لا تنقصوهم منه. قال غيره: ويؤيد ذلك لو لم يكن في الفريضة أم للزم من أشرك أن يقول:

للزوج النصف, ويشرك بين الأشقاء والذين للأم؛ فإن الأم تجمعهم, وهذا لا يقوله أحد. ألا ترى لو تركت زوجا وأما وأخا لأم وعشرة أخوة لأب وأم, لكان للزوج النصف, وللأم السدس, وللأخ للأم السدس, وما بقي وهو السدس للعشرة الشقائق, وهذا إجماع. ويلزم من شرك أن يساوي بينهم؛ لأن الأم تجمعهم, فدل بذلك أن للإخوة للأم فرضا لا يشاركهم فيه غيرهم, وبالله التوفيق. قال أبو بكر: إنما تكون المشتركة إذا كان الإخوة الأشقاء ذكوراً أو ذكورا وإناثا. فأما إن كن إناثا خاصة فليست بمشتركة؛ لأن الإناث يربأ لهن بالثلثين فتصح من عشرة, وهذه تسمى: البلجاء, وسيأتي شرح ذلك في باب العول إن شاء الله. ولو كان هؤلاء الأخوة لأب لم تكن مشتركة؛ لسقوط حجتهم من طريق الأم الذي احتج بها الأشقاء, وهذا مما لا اختلاف فيه. قال أبو بكر: فصح مما قدمنا أنما تكون مشتركة باجتماع ثلاثة شرائط:- وهي بأن يستكمل بفرض الإخوة للأم المال, وبأن يكون الأشقاء ذكورا, أو ذكوراً وإناثاً.

وتسقط أن تكون مشتركة بثلاثة أوجه -أيضا-:- وهي بأن يبقى من المال بقية, أو بأن يكون الأشقاء إناثا, أو بأن يكون الإخوة لأب ما كانوا ذكورا وإناثا. قل أبو النجا الفارض: وإذا كان في المشتركة جد سقط جميع الإخوة, وكان ما بقي بعد فرض الزوج والأم للجد خاصة دون جميع الإخوة. فالحجة في ذلك: أن الإخوة للأم لا يرثون مع الجد, والإخوة الأشقاء إنما يرثون في هذه المسألة بسبب الأم, والجد يحجب كل أخ يرث بسبب الأم, وأما الذين للأب, فيقول لهم الجد: أرأيت لو لم أكن معكم أكان يكون لكم شيئا؟ فيقولون: لا, فيقول لهم: فليس حضوري بالذي يوجب لكم شيئا لم يكن لكم. قال أبو بكر: وهذا القول عندي إنما يجري على قول ابن مسعود في بنتين وبنت ابن وابن ابن, والصواب أن يرثوا مع الجد كانوا أشقاء أو لأب. والحجة لهم في ذلك بأن يقولوا له: أنت لا تستحق من الميراث إلا شاركناك فيه, فلا تحاسبنا بأنك لو لم تكن؛ لأنك كائن بعد, ولو لزم ما قلته للزم في

ابنتين وبنت ابن وابن ابن أن لا ترث بنت الابن مع ابن الابن شيئا. وتحتج بمثل احتجاجك أن تقول: أرأيت لو لم أكن أكان يكون لك شيئا؟ فليس كوني يوجب لك شيئا لم يكن. ولكن الحجة لهما أن تقول: أنت لا تستحق من الميراث شيئا إلا كان لي مثل نصف ما لك؛ لأن منزلتنا واحدة, فلا تحاسبني أنك لو لم تكن وأنت كائن. وهذا قول الجماعة إلا ابن مسعود, وبالله التوفيق.

[الباب السابع] باب الحجب وتفسيره

[الباب السابع] باب الحجب وتفسيره قال أبو بكر: اعلم أن أصل الفرائض معرفة الحجب وحفظه, فيجب إيعابه وحفظه. [الفصل 1 - أنواع الحجب] والحجب على وجهين: حجب إسقاط, وحجب نقص. فأما حجب النقص فإن الولد وولد الابن واحدهم وجماعتهم ذكورهم وإناثهم يحجبون الزوج عن النصف فيردونه إلى الربع, والزوجة عن الربع فيردونها إلى الثمن, والأب والجد عن جميع المال فيردونهما إلى السدس إلا أن الأب والجد يرث كل واحد منهما إذا انفرد مع البنات أو بنات الابن ما فضل وإن كان أكثر من السدس, ويحجبون الأم عن الثلث إلى السدس. وكذلك الأخوة والأخوات من أي وجه كانت الأخوة إذا كانوا اثنين فصاعدا يحجبونها من الثلث إلى السدس, وإن لم يكن لها ولد في قول الجماعة إلا ابن عباس فإنه لا يحجبها بدون الثلاثة, ولا يحجبها بنو الأخوة إجماعا. والبنت تحجب بنت الابن إذا لم يكن معها ابن ابن فتردها من النصف إلى

والسدس تكملة الثلثين, وكذلك تحجب بنات الابن عن الثلثين إلى السدس. وكذلك الأخت الشقيقة مع الأخت والأخوات للأب فهذا حجب النقص. [فصل 2 - أقسام حجب الإسقاط] وأما حجب الإسقاط فعل قسمين:- أحدهما: أن المسلمين الأحرار يحجب الأقرب الأبعد. وبيانه: أن تعلم أن الابن والبنت والأبوين والزوجين لا يسقطان جملة, ويسقط الجد للأب مع الأب؛ لأنه به يتقرب فكان من يقرب به أولى, وكذلك كل جد لأب علا فإنه يحجب من هو أقرب منه. وتسقط الجدة أم الأم مع الأم, وتسقط الجدة أم الأب مع الأب ومع الأم؛ لأن الأم تحجب الجدتين جميعا؛ لأنها أم أقرب إلى الموروث, وإنما ورثتا الجدتان السدس لأنها أم أبعد من الأم فأعطيت أدنى منازل الأم وهو السدس. ويسقط ابن الابن مع الابن, وكذلك كل ابن ابن وإن سفل يسقط مع من هو فوقه من بني الابن. وتسقط بنت الابن أو بنات الابن مع الابن ومع البنتين فصاعدا, وكذلك كل بنت ابن أو بنات ابن إذا سفلن يسقطن مع ابن ابن أو بني ابن فوقهن. ويسقط الأخ أو الأخت الشقيقة في ثلاث مواضع: مع الابن, وابن الابن وإن سفل, ومع الأب.

ويسقط الأخ لأب في أربع مواضع: مع الابن وابن الابن والأب والأخ الشقيق. وتسقط الأخت للأب في هذا الأربع مواضع, ومع الأختين الشقيقتين إذا لم يكن معهما أخ لأب. ويسقط الأخوة للأم ذكرهم وأنثاهم في ستة مواضع: مع الابن, وابن الابن, والبنت, وبنت الابن, ومع الأب, والجد أب الأب وإن علا. وقد بينا في باب توريث العصبات أن ولد الولد وإن سفل أولى من ولد الأب وإن علا, وأن ولد الأب أولى من ولد الجد, هكذا الأقرب أولى, وإن استوت منزلة الرجلين فالذي يدلي بقرابتين أولى كالأخ الشقيق والأخ للأب والعم الشقيق والعم للأب, فالشقيق أولى, وقد تقدم هذا وما أشبهه. والقسم الثاني: وهو أن كل من لا يرث بحال لعلة فيه كالكافر والمرتد والعبد والقاتل عمدا والمولود إذا لم يستهل صارخا فإنه لا يحجب, ومن هو أبعد منه أولى بالميراث منه, وهو كمن لم يكن.

مثاله: أن يترك الموروث الحر المسلم ابنا كافرا أو عبدا أو قاتلا أو من لم يستهل صارخا, ويترك ابن ابن وإن سفل, أو أخ, أو ابن أخ, أو عما أو ابن عم حرا مسلماً فالمال له وإن بعد, ولا شيء للابن الموصوف, وكذلك إن ترك أباه وهو بهذه الصفة, أو ترك جده أبا أبيه وإن علا فهو أولى من أبيه.

[الباب الثامن] باب ذكر أصول حساب الفرائض

[الباب الثامن] باب ذكر أصول حساب الفرائض [فصل 1 - في أصول الفرائض] اعلم أن أصول الفرائض سبعة: أربعة لا تعول, وثلاثة ربما عالت, فإذا كان في الفريضة نصفا وما بقي, أو نصفا ونصفا فأصلها من اثنين؛ لأن أقل عدد له نصف صحيح اثنان. وإن كان فيهما ثلث وما بقي, أو ثلث وثلثان, أو ثلثان وما بقي فأصلها من ثلاثة؛ لأن أقل عدد له ثلث صحيح ثلاثة. وإن كان فيها ربع وما بقي, أو ربع ونصف وما بقي, فهي من أربعة؛ لأن أقل عدد له ربع صحيح أربعة. وإن كان فيها سدس وما بقي, أو سدس وثلث وما بقي, أو نصف وثلث وما بقي فهي من ستة؛ لأن أقل عدد له سدس صحيح ستة. وإن كان فيها ثمن وما بقي, أو ثمن ونصف وما بقي, فهي من ثمانية؛ لأن أقل عدد له ثمن صحيح ثمانية.

وإن كان فيها ربع وثلث, أو ربع وسدس فهي من اثني عشر وهو أقل عدد له ربع؛ ولأن الربع من أربعة, والسدس من ستة, والأربعة توافق الستة بالإنصاف, فاضرب نصف أحدهما في كل الآخر تكون اثنا عشر وهو أقل عدد له ربع وثلث وسدس صحيح. وإن كان فيها ثمن وثلث, أو ثمن وسدس فأصلها من أربعة وعشرين؛ لأن الثمن من ثمانية, والسدس من ستة, والستة توافق الثمانية بالإنصاف فاضرب نصف أحدهما في كامل الآخر تكون أربعة وعشرون وهو أقل عدد له ثمن وسدس صحيح. فهذه السبعة هي أصول حساب الفرائض, فما كان أصله من اثنين أو ثلاثة وأربعة أو ثمانية فهي التي لا تعول مجال, وما كان أصله من ستة أو اثني عشر أو أربعة وعشرين فربما عالت, وسيأتي شرح ذلك مبينا, إن شاء الله. وعلم أنه إذا كان الوارث المحيط بالمال واحد فتصح فريضته من واحد, وإذا كانوا جماعة كبنين أو أخوة ففريضتهم تصح من عددهم, وإن كانوا ذكورا وإناثا أثنيت عدد الذكور وحملته على عدد الإناث فمنه تصح فريضتهم, ولم يدخل هذا في الأصول السبعة؛ لأن القسمة على العدد فلا يحتاج فيه إلى حساب.

[فصل 2 -] ما يخرج من اثنين إذا هلك وترك ابنته أو ابنة ابنه أو أخته شقيقة أو لأبيه وعصبة, فإن الابنة أو ابنة ابنه أو أخته النصف وما بقي فللعصبة فأصلها من اثنين: التي لها النصف واحد, ويبقى واحد للعصبة, فإن كان العصبة واحدا أخذه وصحت الفريضة, وإن كانوا أكثر من واحد ضربت عددهم في أصل المسألة وهو اثنان فما اجتمع فمنه تصح الفريضة. بيانه: أن لو ترك ابنته وخمسة أخوة أو خمس أخوات فأصلها من اثنين: للبنت النصف واحد ويبقى واحد لا ينقسم على خمسة, فتضرب خمسة في اثنين أصل الفريضة تكون عشرة للابنة واحدة في خمسة بخمسة, وللأخوة أو الأخوات واحد في خمسة بخمسة لكل أخ أو أخت سهم سهم.

ولو اجتمع مع البنت هؤلاء الإخوة والأخوات لكان للبنت النصف وما بقي للأخوة والأخوات للذكر مثل حظ الأنثيين فتصح من ثلاثين للبنت خمسة عشر ولكل أخ سهمين ولكل أخت سهم. [فصل 3 -] ما يخرج من ثلاثة إذا هلك الموروث وترك أمه وأخاه فلأمه الثلث وما بقي فلأخيه, وكذلك لو كان مكان الأخ ابن أخ أو عم أو ابن عم. وإن ترك ابنتيه وترك أخاه أو أخته فلابنتيه الثلثان وما بقي فلأخته أو لأخيه إذا كانا أشقاء أو لأب. وإن ترك أختيه لأمه وأختيه لأب, فلأختيه لأم الثلث ولأختيه لأبيه الثلثان وأصلها من ثلاثة لأختيه لأمه الثلث الواحد, وواحد لا ينقسم على اثنين, ولأختيه لأبيه الثلثان اثنان منقسمة عليهما, فتضرب اثنين عدد الأخوات للأم في ثلاثة أصل الفريضة تكن ستة, فمن له شيء من ثلاثة أخذه مضروبا في اثنين, فللأخوات للأم

واحد في اثنين باثنين لكل واحدة واحد, وللأخوات للأب اثنين في اثنين بأربعة لكل واحدة اثنان. وإن ترك ابنتين وابن ابن وبنت ابن, فللابنتين الثلثان اثنان من ثلاثة وما بقي وهو واحد لابن الابن وبنت الابن, فواحد لا ينقسم على ثلاثة, فتضرب ثلاثة عدد سهام بني البنين في أصل الفريضة ثلاثة تكن تسعة, فمن له شيء من ثلاثة أخذه مضروبا في ثلاثة فللابنتين اثنين مضروبة في ثلاثة ستة لكل واحد ثلاثة, ولبني الابن واحد في ثلاثة بثلاثة للذكر سهمان وللأنثى سهم. وإن ترك ست بنات وأختا فللبنات الثلثان اثنان لا ينقسمان على ستة ولكن توافقها بالنصف, فنصف الستة ثلاثة وما بقي وهو واحد للأخت فتضرب ثلاثة وفق عدد البنات في أصل الفريضة تكن تسعة فللبنات اثنان في ثلاثة بستة لكل بنت واحد, وللأخت واحد في ثلاثة بثلاثة. نوع منه آخر: إذا التقى عددان في الفريضة فانكسر عليهما ما أصابهما إلا أن أحد العددين مساو لعدد الآخر فإنك تسقط أحد العددين وتضرب الآخر في أصل الفريضة.

وكذلك إن توافق أحدهما ما يصيبه بجزء ما فكان وفقه مساو للعدد الآخر فإنك تسقط أحدهما وتضرب الآخر في أصل الفريضة. بيان هذه الجملة: إذا ترك ثلاث بنات وثلاث أخوات فللبنات الثلثان اثنان لا ينقسمان على ثلاثة, وللأخوات ما بقي واحد لا يتجزأ على ثلاثة, فثلاثة عدد البنات مساوية لعدد الأخوات فتسقط أحدهما وتضرب ثلاثة في ثلاثة أصل الفريضة تكن تسعة, فمن له شيء من ثلاثة أخذه مضروبا في ثلاثة, فللبنات اثنان في ثلاثة بستة لكل بنت اثنان وللأخوات واحد في ثلاثة بثلاثة لكل أخت واحد, ولو كن البنات ستة لقلت: لهن الثلثان اثنان لا تنقسم على ستة لكن توافقها بالإنصاف فتأخذ نصف الستة ثلاثة فهي موافقة لعدد الأخوات فثلاثة تجزئ عن ثلاثة, فتضرب ثلاثة في أصل الفريضة وتصنع كما وصفنا. نوع منه آخر: إذا التقي عددان في فريضة فانكسر عليهما جميعا ما أصابهما, أو وافق أحدهما ما أصابه فكان أحدهما يدخل في الآخر, أو وافق أحدهما يدخل في الآخر فإنك تسقط القليل وتضرب الكثير في أصل الفريضة, فما بلغ فمنه تصح. وصفة دخول العدد في العدد أن تثنى القليل أو تثلثه أو تربعه فيبقى القليل وتقسم الكثير على القليل فتخرج القسمة صحيحة بلا كسر, فحينئذ يكون القليل

داخلا تحت الكثير. بيان ذلك: لو ترك الهالك ثلاث بنات وستة أخوات, فللبنات الثلثان اثنان لا ينقسمان وللأخوات ما بقي واحد لا يتجزأ على ستة, وثلاثة عدد البنات داخلة في ستة عدد الأخوات فتسقط الثلاثة وتضرب الستة في أصل الفريضة تكن ثمانية عشر للبنات اثنان من ثلاثة في ستة باثني عشر لكل بنت أربعة, وللأخوات واحد في ستة بستة لكل أخت واحد. ولو ترك ستة أخوات شقائق, وتسعة عمة, فلأخواته الثلثان اثنان توافق عددهن بالنصف, فنصف الستة ثلاثة وما بقي للعمومة, واحد لا يتجزأ على تسعة, وثلاثة وفق عدد الأخوات داخل في التسعة عدد العمومة, فتسقط الثلاثة وتضرب التسعة في أصل الفريضة ثلاثة تكن سبعة وعشرين, فمن كان له شيء من ثلاثة أخذه مضروبا في تسعة, فللأخوات اثنان في تسعة بثمانية عشر لكل أخت ثلاثة, وللعمومة واحد في تسعة لكل عم واحد. نوع منه آخر: إذا التقى عددان في فريضة فانكسر عليهما جميعا ما أصابهما, ووافق أحدهما ما أصابه بجزء فكان أحد العددين أو وفقه لا يساوي العدد الآخر ولا يدخل فيه إلا أنه وافقه بجزء, فإنك تضرب وفق أحد العددين في كامل الآخر ثم في أصل الفريضة, فما بلغ فمنه تصح الفريضة. بيان ذلك: إذا ترك ستة إخوة لأم وتسعة إخوة لأب, فللإخوة للأم الثلث واحد

لا يتجزء على ستة وما بقي وهو اثنان لا ينقسم على تسعة, والستة توافق التسعة بالأثلاث فتضرب ثلث أحدهما في كامل الآخر تكن الآخر تكن ثمانية عشر ثم تضربها في ثلاثة أصل الفريضة تكن أربعة وخمسين, فمن كان له شيء من ثلاثة أخذه مضروبا في ثمانية عشر, فللأخوة للأم واحد في ثمانية عشر مقسوم على ستة لكل واحد ثلاثة, وللأخوة للأب اثنان مضروبا في ثمانية عشر ستة وثلاثين مقسوم على تسعة أربعة أربعة. وإن ترك ثمني أخوات شقائق وست أخوة لأب, فللشائق الثلثان اثنان لا ينقسمان على ثمانية ويوافقانها بالنصف فنصف الثمانية أربعة, وللأخوة للأب ما بقي واحد لا ينقسم على ستة والأربعة والستة يتفقان بالإنصاف, فتضرب نصف أحدهما في كامل الآخر تكون اثنا عشر ثم تضربها في ثلاثة أصل الفريضة تكن ستة وثلاثين, فللأخوات اثنان في اثني عشر بأربعة وعشرين لكل أخت ثلاثة, وللأخوة للأب واحد في اثني عشر لكل أخ اثنان. نوع منه آخر: إذا التقى عددان في فريضة فانكسر عليهم ما أصابهما ولم يوافقهما بجزء ولا تساويا العددان ولا دخل أحدهما في الآخر ولا اتفقا بجزء فإنك تضرب أحد العددين في الآخر ثم ما اجتمع في أصل الفريضة فما بلغ فمنه تصح الفريضة.

بيان ذلك: أن يترك الهالك ثلاث بنات وأربه أخوات, فللبنات الثلثان اثنان لا تنقسم على ثلاثة, وللأخوات ما بقي واحد لا يتجزأ على أربعة, فتضرب ثلاثة في أربعة تكن اثنا عشر ثم تضربها في أصل الفريضة وهي ثلاثة تكن ستة وثلاثين للبنات اثنان في اثني عشر بأربعة وعشرين لكل بنت ثمانية , وللأخوات واحد في اثني عشر لكل أخت ثلاثة. [فصل 4 -] ما يخرج من أربعة إذا تركت زوجها وابنها أو ابن ابنها, فلزوجها الربع واحد من أربعة, وما بقي فلابنها أو ابن ابنها. وكذلك لو ترك الهالك زوجته وأخاه شقيقه أو لأبيه, فللزوجة الربع واحد من أربعة, وما بقي فلأخيه. وإن تركت زوجها وابنتها وابن ابنها, فأصلها من أربعة للزوج الربع واحد ولابنتها النصف اثنان, وما بقي فلابن الابن, وكذلك إن كان مكان ابن الابن أخ أو ابن أخ أو عم أو ابن عم. وإن هلك وترك زوجته وأخته شقيقة وأخاه لأبيه, فلزوجته الربع واحد ولأخته النصف اثنان, ويبقى واحد للأخ للأب.

وإن ترك زوجتيه وأخويه وأختيه, فلزوجتيه الربع واحد لا يتجزأ على اثنين, وما بقي وهو ثلاثة للأخوة والأخوات لا ينقسم على ستة, وتوافقها بالأثلاث, فتأخذ ثلث الستة اثنان, واثنان تغني عن اثنين فتضرب اثنين في أربعة أصل الفريضة تكن ثمانية, فمن كان له شيء من أربعة أخذه مضروبا في اثنين, فللزوجات واحد في اثنين لكل زوجة واحد, وللأخوة والأخوات ثلاثة في اثنين بستة لكل أخ سهمان ولكل أخت سهم. وإن ترك أربع زوجات وثمانية أخوة لأب, فللزوجات الربع واحد لا يتجزأ على أربعة, وللأخوة ما بقي ثلاثة لا تنقسم على ثمانية, والأربعة داخلة في الثمانية فأسقطها واضرب الثمانية في أصل الفريضة وهو أربعة تكن اثنين وثلاثين, فمن كان له شيء من أربعة أخذه مضروبا في ثمانية, فللزوجات واحد مضروبا في ثمانية بثمانية لكل زوجة اثنان وللأخوة ثلاثة في ثمانية بأربعة وعشرين مقسومة على ثمانية فيصير لكل أخ ثلاثة. وإن ترك أربع زوجات وسبع أخوة وأربع أخوات لأب, فللزوجات الربع واحد لا يتجزأ على أربعة, وللأخوة والأخوات ما بقي وهو ثلاثة لا ينقسم على

ثمانية عشر لكنها توافقها بالأثلاث, فخذ ثلث الثمانية عشر وهو ستة, وأربعة عدد الزوجات لا تساوي ستة ولا تدخل فيها ولكنها توافقها بالأنصاف, فاضرب نصف أحدهما في كامل الآخر تكن اثنا عشر, ثم اضرب ذلك في أصل الفريضة تكن ثمانية وأربعين, فمن كان له شيء من أربعة أخذه مضروبا في اثني عشر, فللزوجات واحد في اثني عشر لكل زوجة ثلاثة وللأخوة والأخوات ثلاثة في اثني عشر بستة وثلاثين مقسومة على ثمانية عشر فيصح لكل أخ أربعة ولكل أخت اثنان. وإن ترك ثلاث زوجات وخمسة أخوة فللزوجات الربع واحد لا يتجزأ على ثلاثة, وثلاثة لا تنقسم على خمسة, وثلاثة لا تساوي خمسة ولا توافقها بشيء, فاضرب الثلاثة في الخمسة تكن خمسة عشر ثم اضربها في أصل الفريضة تكن ستين, فمن كان له شيء من أربعة أخذه مضروبا في خمسة عشر, فللزوجات واحد في خمسة عشر بخمسة عشر لكل زوجة خمسة, وللأخوة ثلاثة في خمسة عشر بخمسة وأربعين مقسومة على خمسة لكل واحد تسعة تسعة. [فصل 5 -] ما يخرج من ستة إذا ترك أباه أو أمه وابنه أو ابن ابنه فللأب أو الأم السدس واحد من ستة, وما بقي فلابنه أو ابن ابنه وذلك خمسة.

وإن ترك أبويه وابنا, فلأبوية لكل واحد منهما السدس واحد واحد, وما بقي وهو أربعة فللابن. وإن ترك جدته وأخاه أو عمه, فلجدته السدس, وما بقي فلأخيه أو عمه. وإن ترك أمه وأخته شقيقته وأخته لأمه وأخته لأبيه, فللأم السدس واحد, وللأخت الشقيقة النصف ثلاثة, وللأخت للأب السدس تكملة الثلثين واحد, وللأخت للأم السدس واحد. وإذا ترك جدتيه وأربعة أخوة لأم وستة أخوه لأب, فللجدتين السدس واحد ولا يتجزأ على اثنين, وللأخوة للأم الثلث اثنين لا ينقسم على أربعة لكن يوافقها بالنصف, فتأخذ نصف الأربعة اثنين, وللأخوة للأب ما بقي ثلاثة لا ينقسم على ستة وتوافقها بالثلث وثلث الستة اثنان, ففي يدك اثنان واثنان واثنان, فقل: فاثنين تغني عن اثنين, ثم تضرب اثنين في أصل الفريضة

ستة تكن اثني عشر, من كل له شيء من ستة أخذه مضروبا في اثنين, فللجدتين واحد في اثنين لكل واحدة واحد, وللأخوة للأم اثنان في اثنين بأربعة لكل واحد واحد, وللأخوة للأب ثلاثة في اثنين بستة لكل واحد واحد. وإذا ترك جدتين وأربعة أخوة لأم وأربع أخوات لأب, فللجدتين السدس واحد لا يتجزأ على اثنين, وللأخوة للأم اثنان غير منقسم على أربعة ولكن توافقها بالنصف, فخذ نصف الأربعة اثنين, وللأخوة للأب ما بقي ثلاثة غير منقسمة على أربعة, ففي يدك اثنان وأربعة باثنان تغني عن اثنين, واثنان داخلة في أربعة وإن شئت قلت: اثنان واثنان داخلتان في أربعة, فتضرب أربعة في أصل الفريضة وهي ستة تكن أربعة وعشرين, من له شيء من ستة أخذه مضروبا في أربعة, للجدتين واحد في أربعة بأربعة لكل جدة اثنان, وللأخوة للأم اثنان في أربعة بثمانية منقسمة على أربعة لكل واحد اثنان, وللأخوة للأب ثلاثة في أربعة باثني عشر لكل واحد ثلاثة. وإن ترك جدتين واثنا عشر أخا لأم واثنا عشر أخا لأب, فللجدتين السدس واحد لا يتجزأ على اثنين, وللأخوة للأم الثلث اثنان لا ينقسم على اثني عشر وتوافق بالنصف, فخذ نصف اثنا عشر ستة, وتبقى ثلاثة لا تنقسم على عدد

الأخوة للأب وتوافق بالثلث, فخذ ثلث اثني عشر وهو أربعة فقل: اثنان داخلة في أربعة وأربعة توافق الستة بالنصف, فاضرب نصف أحدهما في كامل الآخر تكن اثني عشر ثم اضربها في أصل الفريضة ستة تكن اثنين وسبعين, فمن له شيء من ستة أخذه مضروبا في اثني عشر, فيصح للحدث ستة ستة, ولكل واحد من الإخوة للأم اثنان اثنان, ولكل واحد من الأخوة للأب ثلاثة ثلاثة. وإن ترك أربع جدات واثني عشر أخا لأم وعشرة لأب, فللجدات السدس واحد لا يتجزأ على أربعة, وللأخوة للأم الثلث اثنان لا ينقسم على اثني عشر وتوافقها بالإنصاف, فخذ نصفها ستة وتبقى ثلاثة لا تنقسم على عشرة عدد الأخوة للأب, ففي يدك أربعة وستة وعشرة فهي لا تساوي ولا تدخل بعضها في بعض لكن تتفق بالنصف, فإن شئت فاضرب نصف أحدهما في نصف الآخر ثم في كامل الثالث, وإن شئت فاضرب نصف أحدهما في كامل الثاني ثم وفق بين ما اجتمع لك وبين الثالث فتجده يتفق بالإنصاف فاضرب نصف أحدهما في كامل الثالث فأي ذلك فعلت اجتمع لك ستون فاضربها في أصل الفريضة ستة تكن ثلاثمائة وستين, فللجدات واحد في ستين لكل واحدة خمسة عشر, وللأخوات للأم اثنان في ستين بمائة وعشرين مقسومة لكل واحد عشرة, وللأخوة للأب ثلاثة في ستين بمائة وثمانين مقسومة لكل واحد ثمانية عشر.

وإذا لم تنقسم سهام كل فريق على عددهم ولم تتفق أعدادهم بشيء فاضرب أحد الأعداد في الثاني ثم في الثالث, فما اجتمع ضربته في أصل الفريضة ثم تعمل كما وصفنا. ومن الموافقات نوع يسمى بالموقوف:- وهو أن يخلف الموروث خمسة عشر جدة وواحد وعشرين أخا لأم وخمسة وثلاثين عما, فالسدس واحد لا يتجزأ على خمسة عشر جدة, والثلث اثنان لا ينقسمان على أحدى وعشرين, وما بقي ثلاثة لا تنقسم على خمسة وثلاثين, ففي يدك خمسة عشر وواحد وعشرين وخمس وثلاثون فهي لا تساوي ولا يدخل بعضها في بعض, لكن كل عدد يوافق الثاني بجزء لا يوافق به الثالث. فوجه العمل في مثل هذا أن توقف أحد الأعداد ثم توفق فيه بين كل واحد من العددين الباقيين, فتجد وفق العددين متساوية فتسقط أحدهما وتضرب الثاني في الموقوف ثم في أصل الفريضة. بيان ذلك: أن لو أوقفت الخمسة و [الثلاثين] فتجدها تتفق مع الخمسة عشر بالأخماس, فخذ خمس الخمسة عشر ثلاثة ثم توافق بينهما وبين الأحد وعشرين فتجدهما يتفقان بالأسباع, فخذ سبع وعشرين وذلك ثلاثة ثم قل: ثلاثة تجزء عن ثلاثة ثم اضرب ثلاثة في خمسة وثلاثين تكن مائة وخمسة ثم اضربها في أصل الفريضة, وكذلك لو أوقفت الأحد وعشرين لوجدت وفقها مع الخمسة وثلاثين بالأسباع وهو خمسة, ومع الخمسة عشر بالأثلاث وهو خمس -أيضاً- فتسقط

خمسة, وتضرب خمسة في الموقوف تكن مائة وخمسة, وكذلك تصنع إذا أوقفت الخمسة عشر, وإن شئت إذا أوقفت أحد الأعداد وقفت بين الثاني والثالث فتجد وفق كل واحد منهما يدخل في الموقوف فتسقطه ثم تضرب وفق أحدهما في كامل الآخر, وإن شئت ابتدأت فتضرب وفق أحدهما في كامل الآخر فتجد الموقوف داخل فيما اجتمع من الضرب فأسقطه ثم تضرب المجتمع في أصل الفريضة. وبيان ذلك: إن أوقفت الأول وهو الخمسة عشر ثم وقفت بين الإحدى وعشرين, والخمسة والثلاثين فتجدهما يتفقان بالأسباع, فسبع الأحد وعشرين ثلاثة, وسبع الخمسة وثلاثين خمسة, والثلاثة والخمسة يدخل كل واحد منهما في الخمسة عشر فأسقط الخمسة عشر ثم اضرب ثلاثة في خمسة وثلاثين, أو خمسة في إحدى وعشرين تكن خمسة ومائة فهي التي تضرب في أصل الفريضة, والخمسة عشر -أيضا- داخلة في هذه الخمسة ومائة؛ لأنها سبعها فيجب إسقاطها -أيضاً- من هذه الخمسة, وإن شئت أوقفت الإحدى وعشرين وتوفق بين الخمسة عشر, والخمسة وثلاثين فتجدهما يتفقان بالأخماس ووفق كل واحد منهما

يدخل في الواحد والعشرين الموقوفة فتسقطها ثم تضرب خمس أحدهما في كامل الآخر تكون مائة وخمسة, والأحد وعشرين -أيضاً- داخلة في المائة وخمسة؛ لأنها خمسها فيجب إسقاطها من هذه الجهة, وكذلك إن أوقفت الخمسة وثلاثين ووقفت بين الخمسة عشر والأحد وعشرين فتجدهم يتفقان بالأثلاث, وثلث كل واحد منهما داخل في الخمسة وثلاثين فتسقطها ثم تضرب ثلث أحدهما في كامل الآخر تكون مائة وخمسة فتضربها في أصل الفريضة ستة تكن ثلاثين وستمائة, فمن كان له شيء من ستة أخذه مضروبا في مائة وخمسة, فللجدات واحد في مائة وخمسة مقسوم على عددهن خمسة عشر يقع لكل واحدة سبعة, وللأخوة للأم اثنان في مائة وخمسة بمائتين وعشرة مقسومة على واحد وعشرين لكل واحد عشرة, وللعمومة ثلاثة في مائة وخمسة بثلاثمائة وخمسة عشر مقسومة على خمسة وثلاثين يقع لكل واحد تسعة. وفيما ذكرنا دليل على ما يرد منه إن شاء الله تعالى. [فصل 6 -] ما يخرج من ثمانية إذا ترك زوجة وابنا أو ابن ابن, فللزوجة الثمن واحد من ثمانية, وما بقي فللابن أو ابن الابن وهو سبعة.

وإن ترك زوجة وبنتا وابن ابن, فللزوجة الثمن واحد, وللبنت النصف أربعة, ولابن الابن ما بقي وهو ثلاثة. وإن ترك زوجتين وابنين, فللزوجتين الثمن واحد لا يتجزأ على اثنين, وللابنين ما بقي سبعة لا تتجزأ على اثنين, واثنان تتجزأ على اثنين فتضرب اثنان في أصل الفريضة ثمانية تكن ستة عشر منها تصح, فللزوجتين الثمن واحد في اثنين لكل واحدة واحد, وللابنين اثنين في سبعة بأربعة عشر لكل ابن سبعة. إن ترك أربع زوجات وثلاث ابنين وابنتين, فللزوجات الثمن واحد لا يتجزأ على أربعة, وما بقي سبعة لا تنقسم على ثمانية, وأربعة داخلة في ثمانية, فتضرب ثمانية في أصل الفريضة ثمانية تكن أربعة وستين, فللزوجات واحد في ثمانية لكل زوجة اثنان, وللبنين والبنت سبعة في ثمانية بستة وخمسين لكل بنت سبعة ولكل ابن أربعة عشر, وإن شئت قلت: للزوجات الثمن واحد لا يتجزأ على أربعة, وللبنين والبنات ما بقي سبعة لا تنقسم على ثمانية, فتضرب ثمانية في أصل الفريضة ثمانية تكن أربعة وستين ثم تقول له: من له شيء من أصل الفريضة أخذه مضروبا في ثمانية, ومن له شيء من ثمانية عدد سهام الولد أخذه مضروبا في السبعة المنكسرة

عليهم, فللزوجات واحد من ثمانية في ثمانية لكل زوجة اثنان, ولكل ابن اثنان من ثمانية في سبعة بأربعة عشر ولكل بنت واحد في سبعة بسبعة. وإن ترك أربع زوجات وبنتا وستة بني ابن وست بنات ابن, فللزوجات الثمن واحد لا يتجزأ على أربعة, وللبنت النصف أربعة, ولولد الولد ما بقي ثلاثة لا تنقسم على ثمانية عشر, لكن توافقها بالأثلاث, فتأخذ ثلث ثمانية عشر ستة, وفي يدك أربعة وأربعة لا تساوي ستة ولكن توافقها بالنصف, فاضرب نصف أحدهما في كامل الآخر تكن اثنا عشر فاضربها في أصل الفريضة ثمانية تكن ستة وتسعين, فمن كان له شيء من ثمانية أخذه مضروبا في اثني عشر ثم تستم العمل كما وصفنا, فيصح لكل زوجة ثلاثة, وللبنت ثمانية وأربعون, ولكل ابن ابن أربعة, ولكل بنت ابن اثنان. وعلى العمل الآخر تقول: إذا انتهيت إلى قولك: من كان له شيء من ثمانية أخذه مضروبا في اثني عشر, قلت: ومن له شيء من ثمانية عشر أخذه مضروبا في اثنين, وفق عدد الزوجات للست ثلاثة عد سهامهم. وإن ترك زوجتين وبنتا وثلاثة أخوة لأب وثلاث أخوات, فللزوجتين الثمن واحد لا يتجزأ على اثنين, وللبنت النصف أربعة, وما بقي وهو ثلاثة للأخوة

وللأخوات للأب لا ينقسم على تسعة عدد سهامهم ويوافقها بالثلث, فثلث التسعة ثلاثة لا توافق عدد الزوجات, فتضرب ثلاثة في اثنين ثم في ثمانية أصل الفريضة تكون ثمانية وأربعون, فمن له شيء من ثمانية أخذه مضروبا في ستة فيصح لكل زوجة ثلاثة, وللبنت أربعة وعشرون, ولكل أخ أربعة, ولكل أخت اثنان. وعلى العمل الآخر تقول: من كان له شيء من ثمانين أخذه مضروبا في ستة, ومن كان له شيء من تسعة أخذه مضروبا في اثنين عدد الزوجات. [فصل 7 -] ما يخرج من اثني عشر إذا ترك زوجته وأمه وأخاه لأبيه, فأصلها من اثني عشر للزوجة الربع ثلاثة, وللأم الثلث أربعة, وما بقي وهو خمسة للأخ. ولو تركت زوجها وأبويها وابنها, فللزوج ثلاثة, وللأبوين السدسان أربعة لكل واحد اثنان, وما بقي فلابنها خمسة. ولو ترك زوجتين وأربع جدات وثمانية أخوة لأم وستة أخوة لأب, فللزوجتين الربع ثلاثة لا تنقسم على اثنين, وللجدات السدس اثنان لا تنقسم على أربعة

وتوافقها بالنصف, فتأخذ نصف الأربعة اثنان, وللأخوة للأم الثلث أربعة لا تنقسم على ثمانية وتوافقها بالربع, فربع الثمانية اثنان, وما بقي وهو ثلاثة لا تنقسم على ستة عدد الأخوة للأب, وتوافق بالثلث, فثلث ستة اثنان فاثنان تجزئ عن اثنين واثنين واثنين, فتضرب اثنين في أصل الفريضة اثني عشر تكن أربعة وعشرين, فمن كان له شيء من اثني عشر أخذه مضروبا في اثنين, فللزوجتين ثلاثة في اثنين بستة لكل زوجة ثلاثة, وللجدات السدس اثنين في اثنين بأربعة لكل جدة واحدة, وللأخوة للأم الثلث أربعة في اثنين بثمانية لكل واحد واحد, وللأخوة للأب ما بقي ثلاثة في اثنين بستة لكل واحد واحد. ولو ترك أربع زوجات وأربع جدات وثمانية أخوة لأم واثني عشر أخا لأب, فللزوجات الربع ثلاثة لا تنقسم على أربعة ولا توافقها, وللجدات السدس اثنان لا تنقسم على أربعة وتوافقها بالنصف, فخذ نصف الأربعة اثنين, وللأخوة للأم الثلث أربعة لا تنقسم على ثمانية وتوافقها بالربع, فربع الثمانية اثنان -أيضا-, وللأخوة للأب ما بقي ثلاثة لا تنقسم على اثني عشر وتوافقها بالثلث, فثلث الاثني عشر أربعة, ففي يدك أربعة وأربعة واثنان واثنان, فقل: اثنان تجزئان عن اثنين, وأربعة تجزئ عن أربعة, واثنان داخلة في أربعة, فتضرب أربعة في أصل الفريضة اثني عشر تكن ثمانية وأربعين, للزوجات ثلاثة في أربعة باثني عشر لكل زوجة ثلاثة,

وللجدات اثنان في أربعة بثمانية لكل جدة اثنان, وللأخوة للأم أربعة في أربعة بستة عشر لكل أخ اثنان, وللأخوة للأب ثلاثة في أربعة باثني عشر لكل واحد واحد. وإن ترك أربع زوجات واثني عشر جدة واثني عشر أخا لأم واثني عشر أخا شقيقا, فللزوجات الربع ثلاثة لا تنقسم على أربعة, وللجدات السدس اثنان لا تنقسم على اثني عشر وتوافقها بالنصف, فنصف الاثني عشر ستة, وللأخوة للأم الثلث أربعة لا تنقسم على اثني عشر وتوافقها بالربع, فربع الاثني عشر ثلاثة, وما بقي وهو ثلاثة لا ينقسم على اثني عشر عدد الأخوة الأشقاء وتوافقها بالثلث, فثلث الاثني عشر أربعة, ففي يدك أربعة وأربعة وثلاثة وستة, فأربعة تجزئ عن أربعة, وثلاثة داخلة في ستة, وأربعة توافق الستة بالنصف, فاضرب نصف أحدهما في كامل الآخر تكن اثني عشر فاضربها في اثني عشر أصل الفريضة تكن مائة وأربعة وأربعون, فمن كان له شيء من أصل الفريضة أخذه مضروبا في اثني عشر, فللزوجات ثلاثة في اثني عشر بستة وثلاثين يصح لكل زوجة تسعة, وللجدات اثنان في اثني عشر بأربعة وعشرين لكل جدة اثنان, وللأخوة للأم أربعة في اثني عشر بثمانية وأربعين لكل أخ أربعة, وللأشقاء ثلاثة في اثني عشر بستة وثلاثين لكل أخ ثلاثة. وإن ترك زوجتين واثني عشر جدة وخمسة عشر أخا لأم وعشرة أشقاء, فللزوجتين الربع ثلاثة لا تنقسم على اثنين, وللجدات السدس اثنان توافق عددهن بالنصف, فنصف الاثني عشر ستة, وللأخوة للأم الثلث أربعة لا تنقسم على خمسة عشر,

وللأشقاء ما بقي ثلاثة لا تنقسم على عشرة, ففي يدك اثنان وستة وعشرة وخمسة عشر, فاثنان داخلة في ستة فأسقطها, ثم توفق بين الستة والعشرة فتجدهما يتفقان بالإنصاف, فنصف الستة ثلاثة, وهي داخلة في الخمسة عشر, وإن وفقت بين الستة والخمسة عشر فتجدهما يتفقان بالأثلاث, فثلث الستة اثنان داخلتان في العشرة, فلما كان وفقها مع هذه يدخل في هذه, ووفقها مع هذه يدخل في هذه فأسقطها كأنها لم تكن, ثم توفق بين العشرة والخمسة عشر فتجدهما يتفقان بالأخماس, فاضرب خمس أحدهما في كامل الآخر تكن ثلاثين فتضربها في أصل الفريضة اثني عشر تكن ثلاثمائة وستين. وكذلك إن أوفقت العشرة للموافقة تجد وفقها مع الستة تدخل في الخمسة عشر, ووفقها مع الخمسة عشر تدخل في الستة فقط, فتسقط العشرة كأن لم تكن, ثم توفق بين الستة والخمسة عشر فتجدهما يتفقان بالأثلاث, فتضرب ثلث أحدهما في كامل الآخر تكن ثلاثين, وكذلك إن أوقفت الخمسة عشر للموافقة تجد وفقها مع هذه تدخل في هذه, ووفقها مع تدخل هذه فتسقطها, ثم توافق

بين الستة والعشرة وتضرب وفق أحدهما في كامل الآخر تكن ثلاثين, ثم تضربها في أصل الفريضة تكن ثلاثمائة وستين, فمن كان له شيء من اثني عشر أخذه مضروبا في ثلاثين, فتصح لكل زوجة خمسة وأربعون, ولكل جدة خمسة, ولكل أخ لأم ثمانية, ولكل أخ شقيق تسعة. وهذا الباب يسمى الموقوف, فقس عليه ما يشابهه. وإذا ترك زوجتين وثلاث جدات وخمسة أخوة لأم وسبعة لأب, فسهام كل فريق لا تنقسم عليهم ولا يوافقهم ولا تتفق أيضاً بعضها مع بعض, فتضرب كامل الأعداد بعضها في بعض, ثم في أصل الفريضة تكن ألفين وخمسمائة وعشرين, فمن كان له شيء من اثني عشر أخذه مضروبا في مائتين وعشرة, فيحصل لكل زوجة ثلاثمائة وخمسة عشر, ولكل جدة مائة وأربعون, ولكل أخ لأم ثمانية وستون, ولكل أخ لأب تسعون. [فصل 8 -] ما يخرج من أربعة وعشرين إذا ترك زوجة وأما وأبا وأبنا, فللزوجة الثمن ثلاثة من أربعة وعشرين, وللأم السدس أربعة, وللابن ما بقي وهو سبعة عشر.

وإن ترك زوجتين وثمان جدات واثني عشر بنتا وابني ابن, فللزوجتين الثمن ثلاثة لا تنقسم عليهما ولا توافق, وللجدات السدس أربعة لا تنقسم على ثمانية ولكن توافق بالربع, فربع الثمانية اثنان, وللبنات الثلثان ستة عشر لا تنقسم على اثني عشر وتوافق بالربع, فربع الأثني عشر ثلاثة, ولبني الابن واحد لا يتجزأ على اثنين, ففي يدك اثنان واثنان واثنان وثلاثة, فاثنان تجزئ عن اثنين واثنين, وثلاثة لا تساوي الاثنين ولا توافقها, فتضرب اثنين في ثلاثة تكن ستة ثم في أربعة وعشرين تكن مائة وأربعة وأربعين, فمن كان له شيء من أربعة وعشرين أخذه مضروبا في ستة, فللزوجتين ثلاثة في ستة بثمانية عشر لكل زوجة تسعة, وللجدات أربعة في ستة بأربعة وعشرين لكل جدة ثلاثة, وللبنات ستة عشر في ستة بستة وتسعين لكل بنت ثمانية, ولابني الابن واحد في ستة لكل واحد ثلاثة. وإن ترك أربع زوجات وبنتا وثلاث جدات وستة بني ابن, فللزوجات الثمن ثلاثة لا تنقسم على أربعة ولا توافق, وللجدات السدس أربعة لا تنقسم على ثلاثة, وللبنت النصف اثني عشر, ولبني الابن ما بقي وهو خمسة لا تنقسم على ستة ولا توافق, والثلاثة داخلة في الستة والأربعة توافقها بالنصف, فتضرب نصف إحداهما

في كامل الآخر تكن اثنا عشر, ثم في أصل الفريضة تكن مائتين وثمانية وثمانين, فمن كان له شيء من أربعة وعشرين أخذه مضروبا في اثني عشر, فيصح لكل زوجة تسعة, ولكل جدة ستة عشر, وللبنت مائة وأربعة وأربعون, ولكل ابن ابن عشرة. وإن ترك زوجتين وثلاث جدات وخمس بنات وتسعة بني ابن, فسهام كل فريق غير مقسومة عليهم ولا موافقة, فتضرب الأعداد بعضها في بعض تكن مائتان وعشرة, ثم في أصل الفريضة تكن خمسة آلاف وأربعين, فمن كان له شيء من أربعة وعشرين أخذه مضروبا في مائتين وعشرة, فيصح لكل زوجة ثلاثمائة وخمسة عشر, ولكل جدة مائتان وثمانون, ولكل بنت ستمائة واثنان وسبعون, ولكل ابن ابن ثلاثون. قال أبو بكر: وقد ذكرنا من أصول الموافقات ما فيه كفاية, ودليل على ما يرد منه إن شاء الله. وأصل الموافقات على أربعة أقسام: أن تتساوى الأعداد, أو يدخلها بعضها في بعض, أو تتفق بجزء ما, أو لا تتفق بشيء, وقد شرحنا ذلك كله مبينا بتوفيق الله تعالى وعونه.

ولم يبق من أصول حساب الفرائض إلا أصلين: وهو ما يخرج منه السدس وثلث ما بقي, والسدس والربع وثلث ما بقي, وسيأتي الكلام عليها في مواضعها إن شاء الله.

[الباب التاسع] باب العول

[الباب التاسع] باب العول [فصل 1 - أول من حكم بالعول] إذ اجتمع من الورثة من له سهام معلومة إذا اجتمعت لم يحملها المال فهي شيء لم يتكلم عليه في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولا في زمان أبي بكر وأول من نزل به ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: لا أدري من قدمه الكتاب فأقدمه, ولا من وخره فأوخره, ولكن قد رأيت رأيا فإن يكن صوابا فمن الله, وإن يكن خطأ فمن عمر, وهو أن يدخل الضرر على جميعهم وينقص كل واحد من سهمه قدر ما انتقص من سهمه, فحكم بالعول. ويقال: إن الذي أشار عليه بالعول العباس بن عبد المطلب. ولم يخالف في العول أحد من الصحابة إلا ابن عباس, فإنه قال: لو أن عمر

رضي الله عنه نظر من قدمه الكتاب فقدمه, ومن أخره فيؤخره ما عالت فريضته, فقيل له: وكيف تصنع؟ فقال: ينظر إلى أسوأ الورثة حالا وأكثرهم بعدا فيدخل عليهم الضرر, وهم على قوله: على البنات والأخوات. والصواب ما ذهبت إليه الجماعة كالمحاصة في الديون. [فصل 2 - أقسام العول] والفرائض التي تعول ثلاثة:- [الأول] وهو ما كان أصله من ستة فتعول إلى سبعة وإلى ثمانية وإلى تسعة وإلى عشرة, لا تعول إلى أكثر من ذلك. والثاني: ما كان أصله من اثني عشر فتعول إلى ثلاثة عشر وإلى خمسة عشر وإلى سبعة عشر, لا تعول إلى أكثر من ذلك. والثالث: ما كان أصله من أربعة وعشرين تعول مرة واحدة إلى سبعة وعشرين.

[فصل 3 -] ذكر ما يعول من ستة إذا تركت زوجها وأختيها لأبيها أو لأبيها وأمها، فلزوجها النصف ثلاثة، ولأختيها الثلثان أربعة بلغت سبعة، عيل فيها بمثل سدسها ينقص لكل واحد سبع ما لفظ له به. وكذلك لو تركت زوجها وأختا شقيقة وأختا لأب أو لأم، فللزوج النصف، وللشقيقة النصف، والتي للأب أو للأم السدس بلغت سبعة، عيل فيها بمثل سدسها ينقص لكل واحد سبع ما لفظ له به إذا تركت زوجها وأمها وأختا شقيقة أو لأب، فللزوج النصف ثلاثة، وللأم الثلث اثنان، وللأخت النصف ثلاثة بلغت ثمانية، عيل فقيها بمثل ثلثها، ينقص لكل واحد ربع ما لفظ له به. وإن تركت زوجها وأمها وأختين شقيقتين أو لأب، فللزوج النصف ثلاثة، وللأم السدس واحد، وللأختين الثلثان أربعة بلغت ثمانية، عيل فيها بمثل ثلثها، ينقص لكل واحد ربع ما لفظ له به. وإن تركت زوجاً وأماً وثلاث أخوات مختلفات، فللزوج النصف ثلاثة، وللأم

السدس واحد، وللأخت للأم السدس واحد وللشقيقة النصف ثلاثة، والتي للأب السدس تكملة الثلثين بلغت تسعة، عيل فيها بمثل نصفها، فنقص الكل واحد منهم ثلث ما لفظ له به. وإن تركت زوجها وأمها وأختيها لأمها وأختها شقيقتها، فللزوج النصف ثلاثة، وللأم السدس واحد، وللأختين للأم الثلث اثنان، وللشقيقة النصف ثلاثة، عيل فيها بمثل نصفها- أيضاً- ينقص كل واحد منهم ثلث ما لفظ له به. ولو تركت زوجها وأمها وأختيها لأمها وأختيها شقيقتيها، الثلثان أربعة بلغت عشرة، عيل فيها بمثل ثلثيها، ينقص كل واحد منهم خمس ما لفظ له به. وما أشبه هذه المسائل فله حكمها، وعملتا فيها على مذهب الجماعة، وتركتا العمل على مذهب ابن عباس؛ إذ ليس بمعمول به. [فصل 4 -] ما يعول من اثني عشر إذا ترك زوجته وامه وأختيه شقيقتيه أو لأبيه، أو إحداهما شقيقة والثانية لأب أو لأم فاصلها من اثني عشر بلغت ثلاثة عشر، عيل فيها بمثل نصف سدسها، ينقص

كل واحد منهم جزء من ثلاثة عشر. وإن ترك زوجته وأمه وثلاثة أخوات مختلفان، فللزوجة الربع ثلاثة، وللأم السدس اثنان، وللأخت للأم السدس اثنان، وللأخت للأم السدس اثنان، وللشقيقة النصف ستة، والتي للأب السدس تكملة الثلثين اثنان، أصل الفريضة من اثني عشر بلغت خمسة، عيل فيها بمثل ربعها، وينقص كل واحد خمس ما لفظ له به. وإن ترك زوجته وأمه وأختين شقيقتين وأختين لأم، فللزوجة الربع ثلاثة، وللأم السدس اثنان، وللأختين للأم الثلث أربعة، وللشقيقتين الثلثان ثمانية، بلغت سبعة عشر، عيل فيها بمثل ربعها وسدسها، ينقص كل واحد منهم خمسة أجزاء من سبعة عشر. ولو ترك زوجتين وأربع جدات وثمانية أخوة لأم وأختا شقيقة وأربع أخوات لأب، فللزوجات الربع ثلاثة لا تنقسم على اثنين، وللجدات السدس اثنان لا تنقسم على أربعة وتوافقها بالنصف، وللأخوة للأم الثلث أربعة لا تنقسم على ثمانية وتوافقها بالربع فربع الثمانية اثنان، وللشقيق النصف ستة وللأخوات للأب السدس اثنان لا تنقسم على أربعة وتوافقها بالنصف، فنصف الأربعة اثنان، ففي يدك اثنان واثنان

واثنان، فاثنان واحدة تجزئ عن الجميع فتضربها في أصل الفريضة بعولها تكن أربعة وثلاثين، فمن كان له شيء من سبعة عشر أخذه مضروباً في اثنين، فتصح لكل زوجة ثلاثة، ولكل جدة واحد، ولكل أخ لأم واحد، وللشقيقة اثني عشر، وللأخوات للأب أربعة لكل واحدة واحد. [فصل 5 -] عول أربعة وعشرين إذا ترك زوجته وابنتيه وأبويه، أصلها من أربعة وعشرين، للزوجة الثمن ثلاثة، ولابنتيه الثلثان ستة عشر، ولأبويه لكل واحد منهما السدس أربعة، بلغت سبعة وعشرين، عيل فيها بمثل ثمنها، ينقص كل واحد منهم تسع ما لفظ له به. وهي التي تسمى المنبرية؛ لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سئل عنها وهو على المنبر، فقال: صار ثمنها تسعاً، فقال الشعبي: ما رأيت أحداً قط أحسب من علي رضي الله عنه.

[الباب العاشر] باب الرد على من لا يستكمل المال من ذوي السهام

[الباب العاشر] باب الرد على من لا يستكمل المال من ذوي السهام [فصل 1 - عدة من يرد عليهم] قال أبو بكر: أجمع المسلمون أن لا يرد على زوج لا زوجة، وأن الباقي بعد فرضهما على مذهب من لا يورث من ذوي الأرحام لبيت مال المسلمين أو للفقراء والمساكين، وعلى مذهب من ذهب إلى توريث ذوي الأرحام يكون الباقي بعد فرض الزوجين لذوي الرحام، وبيان ذلك في توريث ذوي الأرحام. واختلف الصحابة رضي الله عنهم في الرد على غير الزوجين من ذوي السهام إذا لم يستوعب سهامهم المال. فذهب زيد بن ثابتك إلى أن لا يرد على أحد من الورثة، وأن الباقي بعد فرض أهل الفرائض لبيت مال المسلمين، أو للفقراء أو المساكين.

وبه أخذ مالك، وأهل المدينة، والشافعي. وذهب عي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن يرد على كل وارث بقدر ما يرث سوى الزوجين المتقدم ذكرهما. وإلى مثل هذا ذهب عبد الله بن مسعود وزاد: أن لا يرد على كل وارث أربع مع أربع: لا يرد على أخت لأم مع أم، ولا على أخت لأب مع أخت شقيقة، ولا على بنت ابن مع بنت، ولا على جدة مع ذوي سهم من ذوي الأرحام غير الزوجين، ويرد عليهما مع الزوجين، وكان يرى الملاعنة عصبة مع ولدها، وولد ذكور ولدها، فيجعل لها ما فضل بعد فرض ذوي الفرض. قال أبو بكر: وإنما اتفقوا على أن لا يرد على زوج ولا زوجة؛ لأن الزوجين لا يرثان بنسب ولا قرابة، وإنما يرثان بسبب وهو النكاح، وقد انقطع ذلك السبب. ووجه قول ابن مسعود: أن لا يرد على أربع مع أربع؛ أنا وجدنا السبب الذي استوجبوا به رد الفاضل هو الرحم، فلا يخلوا: إما أن يدخل في هذا الفاضل كل رحم دنا أو نأى، أو يختص به الأقرب دون الأبعد، فلما اتفقوا أن لا شيء لبنت البنت أو بنت العم أو غيرهن من ذوي الأرحام لبعدهن من البنت، وجب أن لا

تدخل بنت الابن على البنت؛ لأنها أقرب رحما، ولا الأخت للأب على الأخت الشقيقة؛ لأنها أقوى رحما وأكد تعصيبا، ولا الأخت للأم على الأم؛ لأن بها تتقرب، ولا الجدة على ذوي سهم؛ لأنهم أقرب منها رحما. ووجه قول عي في الرد على هؤلاء الأربع مع الأربع أنا وجدناهن لم يمنعهن بعدهن أن يدخلن معهن في أصل المال، فكذلك لا يمنعهن أن يدخلن معهن في فاضل المال، فلما لم يكن لغيرهن من ذوي الأرحام ميراث مع ذوي سهم في اصل المال فكذلك لا ترثن ولا يدخلن في فاضل المال، وهذا بينز [فصل 2 -] تفريغ مسائل الرد إذا ترك الهالك أخا لأم. فعلى مذهب زيد يكون للخ للم السدس، وما بقي لبيت مال المسلمين أو الفقراء أو المساكين، وكذلك الحكم عنده في جميع ذوي السهام، فلا فائدة في تكرير قوله. وعلى مذهب علي وابن مسعود: للأخ للأم السدس، ومما بقي رد عليه، فيحصل له جميع المال، وكذلك الحكم إن ترك جدته. وإن ترك زوجة وأختا لأم. فللزوجة الربع، وللأخت للأم السدس، وما بقي رد عليها دون الزوجة، تصح من أربعة.

وإن كانت أختا شقيقة أو لأب كان للزوجة الربع، وللأخت النصف، وما بقي رد عليها، تصح -أيضل- من أربعة. وإن تركت زوجها وجدتها. فلزوج النصف، وللجدة السدس، وما بقي رد عليها، تصح بعد القطع من اثنين. وإن تركت زوجا وبنت أبن. فللزوج الربع، ولبنت الابن النصف، وما بقي رد عليها، تصح من أربعة. وإن ترك أمه وبنته. فلأمه السدس، ولبنته النصف، وما بقي رد عليها، أصلها من ستة للأم واحد، وللبنت ثلاثة، تبقى اثنان لا ينقسمان على أربعة وتوافقها بالنصف، فتضرب نصف الأربعة اثنين في ستة تكن اثني عشر، للأم اثنان، وللبنت ستة، وتبقى أربعة للبنت من ذلك ثلاثة، وللأم واحد فيتفق ما في أيديهما بالأثلاث، فيصح للم واحد، وللبنت ثلاثة، هذا عمل البسط. واختصاره: أن تقيم الفريضة فننظر كم اجتمع في يدك مما يستحقه كل واحد منهم، فمنه تصح الفريضة والمال بينهم على عدد سهامهم. وإن تركت أما وأختا لأب. فأصلها من ستة، للأم الثلث اثنان، وللأخت النصف ثلاثة، فجميع ذلك خمسة، فقل: المال بينهم على خمسة.

ولا خلاف بين علي وابن مسعود في جميع ما تقدم. وإن تركت جده واختا لأم. فعلى مذهب علي: الجدة السدس واحد، وللأخت للأم السدس -أيضا- واد، وما بقي رد عليهما، تصح من اثنين. وعلى قول ابن مسعود: للجدة السدس، وللأخت السدس، وما بقي رد على الأخت خاصة، تصح من ستة. وإن ترك أختين إحداهما شقيقة والأخرى لأب. فعلى قول علي: للشقيقة النصف، والتي للأب السدس الثلثين واحد فذلك أربعة، وما بقي رد عليهما، تصح من أربعة للشقيقة ثلاثة، وللأخرى واحد. وعلى قول ابن مسعود: يرد ما بقي على الشقيقة خاصة، فيصير لها خمسة أسهم، والتي للأب واحد. وإن ترك أما وأخوين لأم. فعلى قول علي: للأم السدس، وللأخوين للأم الثلث اثنان، وما بقي رد عليهما، فتصح من ثلاثة لكل واحد منهم سهم. وعلى قول ابن: ما بقي رد على الأم خاصة، فيصير للأم أربعة، ولكل أخ سهم. وإن ترك بنتا وبنت ابن.

فعلى مذهب علي: للبنت النصف، ولبنت الأبن السدس تكملة الثلثين، وما بقي رد عليهما، تصح من أربعة. وعلى مذهب ابن مسعود: ما بقي رد على البنت، تصح من ستة للبنت خمسة، ولابنة الابن واحد. وإن ترك زوجا وأختا لأم وجدة. فعلى مذهب علي: للزوج النصف ثلاثة من ستة، وللأخت للأم السدس واحد، وللجدة السدس واحد، وما بقي رد على الأخت والجدة واحد لا يتجرأ على اثنين، فتضرب اثنين في ستة تكن اثنا عشر للزوج النصف ستة، وللجدة ثلاثة، وللأخت واحد. وعلى طريق الاختصار نقول: للزوج النصف، وما بقي بين الجدة والأخت للأم لاستواء سهامها، فتصبح من أربعة. وعلى قول ابن مسعود: للزوج النصف ثلاثة، وللجدة السدس واحد، وللأخت السدس واحد، وما بقي وهو واحد رد على الأخت، تصح من ستة. وإن ترك زوجة وأما وأختاً لأم. فعلى مذهب علي: للزوجة الربع واحد، وما بقي بين الأم وبين الأخت على ثلاثة تصح من أربعة. وعلى قول ابن مسعود: للزوجة الربع ثلاثة من اثني عشر، وللأخت السدس اثنان، وللأم الثلث أربعة؛ وما بقي رد على الأم خاصة، تصح من اثني عشر. وإن ترك زوجة وبنتاً وبنت ابن.

فللزوجة الثمن ثلاثة من أربعة وعشرين، وللبنت النصف اثنا عشرن ولبنت الأبن السدس تمام الثلثين أربعة، تبقى خمسة لا تنقسم على أربعة أسهم البنت وبنت الأبن؛ لأنه نصف وسدس، فتضرب أربعة وعشرين في أربعة تكن ستة وتسعين، فمن له شيء من أربعة وعشرين أخذه مضروباً في أربعة، ومن له شيء من أربعة أخذه مضروباً في الخمسة المنكسرة، فللزوجة ثلاثة في أربعة باثني عشر، وللبنت اثنا عشر من أربعة وعشرين في أربعة بثمانية وأربعين، ولها ثلاثة من أربعة في خمسة بخمسة عشر، ولها واحد من أربعة في خمسة بخمسة، فيصير لها أحد وعشرون، فيتفق ما بأيديهم بالأثلاث، فتصح من اثنين وثلاثين، وعلى طريق الاختصار: للزوجة الثمن واحد من ثمانية، وما بقي بين البنت وبنت الابن على أربعة، فتضرب أربعة في ثمانية تكن اثنين وثلاثين، فمن له شيء من ثمانية أخذه مضروباً في أربعة، ومن له شيء من أربعة أخذه مضروباً في السبعة المنكسرة عليها، فللزوج واحد من ثمانية في أربعة، وللبنت ثلاثة من أربعة في سبعة بأحد وعشرين ولبنت الابن واحد من أربعة في سبعة بسبعة. وعلى قول ابن مسعود للزوجة الثمن ثلاثة، وللبنت النصف اثني عشر، ولبنت الابن السدس أربعة، وما بقي وهو خمسة رد على البنت خاصة تصير لها سبعة عشر. وإن ترك زوجة وأماً وبنتاً وبنت ابن.

فعلى قول علي: للزوجة الثمن، وما بقي مقسوم على خمسة، تصح من أربعين على طريق الاختصار. وعلى قول ابن مسعود: للزوجة الثمن ثلاثة من أربعة وعشرين، وللأم السدس أربعة، وللبنت اثني عشر، ولبنت الأبن السدس أربعة، ويبقى واحد ثلث الأم، والثلث على أربعة، فتضرب أربعة في أربعة وعشرين بستة وتسعين، فمنها تصح؛ لأنها لا تتفق. وما أشبه هذا فله حكمه.

[الباب الحادي عشر] [باب] ميراث ابن الملاعنة

[الباب الحادي عشر] [باب] ميراث ابن الملاعنة [فصل 1 - تفريغ مسائل ابن الملاعنة] إذا ترك ابن الملاعنة أمه وابنته. فعلى قول زيد: لأمه السدس، ولبنته النصف، وما بقي فلموالي أمه إن كانت مولاة، وإن كانت عربية فلبيت مال المسلمين، أو الفقراء والمساكين. وعلى قول علي: ما بقي رد على الأم والبنت على أربعة ومنها تصحن وإن لم يرثه ذو سهم كان ما بقي لعصبة أمه. وعلى قول ابن مسعود: ما بقي للأم؛ لأنها عصبة له، فتصح بعد القطع من اثنين للبنت واحد، وللأم واحد. وإن ترك أمه وأختا شقيقة. فإن الشقيقة تصير أختا لأم؛ لأنه لا يرثه أحد من قبل أبيه؛ لأن الأب نفاه عن نفسه، وكما لا يرثه الأب فلا يرثه أحد يتقرب إليه بالأب كالعم للأب والأخ للأب والجد للأب؛ فلذلك جعلنا الشقيقة أختا لأم، فيكون للأم الثلث، وللأخت السدس، وما بقي فلموالي أمه إن كانت مولاة، وإن كانت عربية فلبيت المال على قول زيد.

وعلى قول علي: ما بقي رد عليهما على ثلاثة ومنها تصح. وعلى قول ابن مسعود: ما بقي للأم تصح من ستة، للأم خمسة، وللأخت واحد. وإن ولدت هذه الشقيقة معه في بطن واحد فإنهما يتوارثان من قبل الأب والأم. وقد قيل غير هذا، وهذا أحسن إن شاء الله تعالى. فعلى هذا يكون لأمه الثلث، ولأخته النصف، وما بقي فلموالي أمه إن كانت مولاة، وإن كانت عربية فلبيت مال المسلمين على قول زيد. وعلى قول علي: يكون المال بينهما على خمسة. وعلى قول ابن مسعود: يكون المال بينهما نصفان. وإن ترك زوجته وأمه وابنتين. فعلى قول زيد: لأمه السدس، ولزوجته الثمن، ولابنتيه الثلثان، وما بقي فلموالي أمه، وإن كانت عربية فلبيت المال. وعلى قول علي: فللزوجة الثمن، وما بقي مقسوم على خمسة تصح من أربعين. وعلى قول ابن مسعود: ما بقي للأم خاصة؛ لأنها عصبة، تصح من أربعة وعشرين، فإن ماتت إحدى الابنتين بعد ذلك كان لأمها الثلث، ولأختها النصف، وتسقط الجدة، وما بقي فلموالي أمه، وإن كانت عربية فلبيت المال. وعلى قول علي: يكون المال بين الأم والبنت على خمسة. وعلى قول ابن مسعود: يكون ما بقي للجدة؛ لأنها عصبة ولدها وولد ذكور ولدها.

فإن ماتت البنت الأخرى بعد ذلك. فعلى قول زيد: للأم الثلث، وما بقي فلموالي أبيها، وإن كانت عربية فلبيت المال. وعلى قول علي: ما بقي رد على الأم. وعلى قول ابن مسعود: ما بقي للجدة. ولا ترث جدة مع أم إجماعاً للمسلمين إلا في هذه المسائل عل قول ابن مسعود. [فصل 2 - في ميراث التوأم] وقد تقدم الكلام في توأم الملاعنة، وتوأم المغتصبة، وتوأم المحتملة بأمان، أو مسبية. [و] في كتاب أمهات الأولاد أن في كل توأم قولين:- يتوارثان من قبل الأب والأم. وقيل: من قبل الأم خاصة. ولا خلاف في توأم الزانية: أنهما يتوارثان من قبل الأمة خاصة. والصواب في توأم الملاعنة والمسبية والمستأمنة: أنهما يتوارثان من قبل الأب والأم؛

لأن الملاعن لو استحقهما لحقا به، ولو استلحق أحدهما لحد ولحقا به جميعا؛ ولأن زنى المشركين ونكاحهم سواء. وقد ألاط عمر ما كان في الشرك بالقافة وهو زنا. وأما توأم المغتصبة والزانية: فالصواب أن يتوارثان من قبل الأم خاصة؛ لأن المغتصب والزاني لو استلحقهما لم يلحقا به. وبالله التوفيق.

[الباب الثاني عشر] باب ميراث الجدات وذكر الاختلاف المشهور فيهن وترتيب طبقاتهن

[الباب الثاني عشر] باب ميراث الجدات وذكر الاختلاف المشهور فيهن وترتيب طبقاتهن [فصل 1 - في ميراث الجدة إذا انفردت] لا اختلاف أن الجدة أم الأم وإن علت إذا انفردت أن لها السدس وكذلك الجدة أم الأب وإن علت لها السدس إن انفردت به. وإن اجتمعتا أم الأم وأم الأب وكانت في طبقة، فالسدس بينهما، لا اختلاف في هذه الجملة. [فصل 2 - في ميراث الجدات إذا اختلفت منازلهن] واختلفت إن اختلفت منازلهن:- فكان علي رضي الله عنه يورث القربى خاصة سواء كانت من قبل الأب أو من قبل الأم، وروي عن زيد نحوه. وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه.

وروي عن زيد- وهو المشهور عنه-: أنه إن كانت القربى من قبل الأم ورثها دون التي من قبل الأب، وإن كانت القربى من قبل الأب أشرك فيه بينهما. وإليه ذهب مالك وأصحابه، والشافعي. وذهب ابن مسعود: إلى أن يشرك بين التي من قبل الأم وبين التي من قبل الأب، لا يبالى من قرب منهما أو بعد. [فصل 3 - في ميراث الجدات من قبل الأب] واختلف عنه إن كانت من قبل الأب. فقيل عنه: أنه أشرك بين القربى والبعدي ما لم تكن إحداهما أم الأخرى، فيكون للأقرب، وهو أصح الروايتين عنه. وقيل عنه: أنه جعل السدس للقربى، وأسقط البعدى. فصل [4 - عدد من يرث من الجدات] قال مالك رحمه الله: ما علمت أحداً ورث أكثر من جدتين مذ كان الإسلام وإلى اليوم.

وقال سعد بن أبي وقاص حين عاب ابن مسعود: وتره بواحدة لا شفع قبلها، فقال سعد: يعيبني أن أوتر بواحدة، وهو يورث ثلاث جدات، فرأى أن عيب توريث ثلاث جدات أشد من عيب الوتر بواحدة. وإلى هذا ذهب خلق كثير من التابعين بالمدينة. قال ابن شفاعة: وروي عن علي وزيد وابن مسعود: أنهم ورثوا ثلاث جدان معا، وهن: أم أم الأم، وأم أم الأب، وأم أب أم، وأم أب الأب، فأصرف أم أب الأب، وورث سائرهن، وبه قال سفيان. وقد روي عن ابن عباس وجابر بن زيد وابن سيرين: أنهم يذهبون إلى توريث أربع جدات، وهن: جدتا الأم، وجدتا الأب على أقرب منازل الجدات، فإن

اجتمعن فالسدس بينهم، ومن انفردت به فهو لها. وذهب ابن عباس وجابر والحسن وابن سيرين: إلى توريث الجدة أم أب الأم. والذى روي من إسقاطها إذا اجتمعت معهن أولى وأثبت في النظر؛ وذلك أن الجد أبا الأم لا يرث من المتوفي شيئاً، أحرى أن لا ترث، لأنها به تتقرب. فصل [5 - في ميراث الجدة أم أب الأب وابنها حي] واختلف الصحابة في الجدة أم أب الأب، هل ترث وابنها حي؟ فروي عن عمر وابن مسعود وأبي موسى الأشعري وعمران بن الحصين وأبي الطفيل: أنهم ورثوا الجدة وابنها حي. قال ابن مسعود: وأول جدة ورثت في الإسلام مع ابنها. وروي عن عثمان وعلي وزيد: أنهم كانوا لا يورثون أم الأب إذا كان ابنها حياً.

وإلى هذا ذهب مالك والحنفي والشافعي. ووجه ذلك أنهم أجمعوا أن أم الأم لا ترث مع ابنها؛ لأنها به تتقرب، وكالجد أب الأب لا يرث مع الأب؛ لأنه به يتقرب، وكابن الابن لا يرث مع الابن؛ لأنه به يتقرب. ووجه قول من ورثها معه: أن الجدان أمهات، فلا تحجب الأم إلا أم هي أقرب منها؛ كما أن الأجداد آباء، فلا يحجب الأب إلا أبا أقرب منه، وكم أبن الابن ابنا، فلا يحجب الابن إلا ابن أقرب منه. وليس العلة أنما تحجب الأم الجدة؛ لأنها ابنتها وبها تتقرب، فكذلك الأب يحجب أمهح لأنه ابنها وبه تتقرب. ولو لزم هذا لوجب أن لا تحجب الأم الجدة التي من قبل الأب؛ لأنها ليست ابنتها ولا بها تتقرب؛ وإنما حجبتها لأنها أم أقرب. ولو لزم-أيضاً- أن كل من يتقرب بأحد لا يرث معه، لوجب أن لا يرث الأخ للأم مع الأم؛ لأنها بها تتقرب، وقد اتفقوا على توريثه معها.

فصح أن العلة إنما تحجب الأمهات أم أقربن والآباء أب أقرب، والأولاد ولد أقرب والله أعلم. فصل [6 - إذا أدلت الجدة بقرابات] واختلف في الجدة إذا أدلت بقرابات مثل أن تكون لهم أم أم أب، وأم أم أم؟ فكان محمد وزفر وطائفة من أهل الكوفة يورثونها نصيب جدتين وكل ما زادت بقرابة ترث بمثلها مع الجدات الأخر بعدد قراباتها. فصل [7 - في منازل الجدات] وإذا سئلت عن جدتين متحاذيتين على أقرب منازل الجدات، فهما أم الأم وأم الأب والسدس بينهما. فإن قيل لك: ثلاث جدات متحاذيات يرثن، فقل: هن أم أم الأمن وأم أم الأم، وأم أب الأب والسدس بينهن.

وإن قيل لك: فأربع جدات متحاذيات يرثن، فقل: أم أم أم أم، وأم أم أم أب، وأم أم أبي أب، وأم أبي أبي أب. والأصل في هذا كله أبدا إذا ذكر أربع جدات أو خمس أو أكثر، فتلفظ بذكر الم على عدد ما ذكر من الجدات ثم تسقط من عدد الأمهات واحدة وتجعل موضعها أبا، ثم تسقط اثنتين وتجعل أبا، ثم تسقط ثلاث أمهات، وتلفظ بثلاثة آباء هكذا حتى تستكمل عدد الجدات، وإنما تكون من قبل الأم واحدة، والباقي من قبل الأب. وإن قيل لك: خمس جدات متحاذيات يرثن:- فقل: أم أم أم أم أم، تلفظ بذكر ألم خمس مرات، وهذه خاصة من قبل الأم. ثم تقول: وأم أم أم أم أب تلفظ بذكر الأم أربع مرات، وبذكر الأب مرة. ثم تقول: وأم أم أبي أبي أب، تلفظ بذكر الأم مرتين، وتلفظ بذكر الأب ثلاث مرات. ثم تقول: وأم أبي أبي أبي أب.

فهذ خمس جدات متحاذيات، وما زاد فعلى هذا. وهذا لا يدرك في زماننا لنقص الأعمار، وإنما ذكرته لتعلم ترتيب ذلك، ولا فائدة في تفريع مسائل لا تنزل.

[الباب الثالث عشر] [باب] ذكر ميراث الجد وما جاء فيه من الإجماع والاختلاف

[الباب الثالث عشر] [باب] ذكر ميراث الجد وما جاء فيه من الإجماع والاختلاف [فصل 1 - الإجماع على ميراث الجد] قال أبو بكر: أجمع الناس جميعاً أن الجد للأب وإن علا يرث ما لم يكن دونه أب أقرب إلى الموروث منه. وأجمعوا أنه يقوم مع الولد مقام الأب ما لم يكن في الفريضة أخوة وأخوات أشقاء أو لأب. [فصل 2 - في ميراث الجد مع الأخوة] ثم اختلفوا في حكمه مع الأخوة المذكورين. فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يجعل الجد أبا، وأن حكمه مع الإخوة والأخوات من أي وجه كانت الأخوة حكم الأب، يرث الجد ما كان يرثه الأب، ويحجب الإخوة والأخوات كما كان يحجب الأب.

وتابعه على ذلك من الصحابة ابن عباس ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وأبي بن كعب وعبد الله ابن الزبير وأبو موسى الأشعري وعائشة رضي الله عنها. وتابعهم على ذلك جماعة من التابعين، وأبو حنيفة وجماعة من الفقهاء يكثر عددهم. وكان عمر رضي الله عنه يقول بقول أبي بكر صدراً من خلافته، فلما صار جدا تورع أن يستأثر بالميراث دون الأخوة، فشاور في ذلك علياً رضي الله عنه وزيداً، فأشارا عليه بمشاركة الإخوة بالميراث وضرباً له في ذلك مثلاً. فكان من قول على أن قال: سأل سيل فانشقت منه شعبة ثم انشقت من الشعبة

شعبتان فإن رجع ماء الشعبتين رجع فيهما جميعا، فما جعل الجد أولى من الأخ. وكان من قول زيد: إنما مثله مثل الشجرة نبتت على ساق فخرج منها غصن ثم خرج من الغصن غصنان، فالساقي يسقي الغصن، فإن قطعت إحدى الغصنين رجع الماء إلى الآخر. فورث عمر رضي الله عنه عند ذلك الإخوة مع الجد. وروي عن عمر أنه قال: قضيت في الجد بسبعين قضية مختلفة لا آلو في شيء منها عن الحق. وروي عنه أنه قال: ليت النبي صلى الله عليه وسلم أوقفنا من الجد على أمر ينتهي إليه. وروي عن عثمان وعلي في الجد الروايتين: أنه كالأب ومرة أشركوا الإخوة معه، ولكن المشهور عن علي وعثمان الاشتراك وهو الصحيح عنهما. وهو مذهب ابن مسعود وزيد بن ثابت. * قال شيخنا أبو بكر عتيق الفقيه: ولم ينقل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه سئل عن أخوة وجد، ونزل ذلك في زمانه فقضى بالميراث للجد دون الإخوة، وإنما ذكر عنه أنه قال الجد: أب.

وهذا قول محتمل، يحتمل ما تأولوه عنه، ويحتمل أن يكون أراد به أنه أب في الحرمة لا في الميراث، فإذا احتمل الوجهين لم يكن أحد أولى بأحد الوجهين من غيره فيسقط هذا القول للمنازعة فيه. واحتج من ذهب إلى أن الجد أب بحجج منها:- قوله تعالى: {يا بني آدم} فسمي آدم أباً لجميع ولده. ولقوله تعالى {يا بني إسرائيل} فنسبهم أيضاً إلى جدهم. ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا ابن الذبيحين" يعني أباه عبد الله وجده إسماعيل. ومر صلى الله عليه وسلم بناس من الأنصار يرمون، فقال: "ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً". فأوجبوا للجد بذلك حكم الأب في جميع الأحكام. قال ابن شفاعة: ومن طريق النظر والقياس على الأصول المتفق عليها: أنهما جمعوا أن الجد يحجب الإخوة للأم كما يحجبهم الأب، فكذلك كان يجب أن يحجب الأشقاء كما يحجبهم الأب كالولد.

قالوا: قد اتفقنا أن العصبتين إذا اجتمعتا ورث الأقوى، واتفقنا أن الجد يرث مع الابن، ولا يرث معه الأخ، فدل أن الجد أقوى فلا يرث معه الأخ. قالوا واتفقنا أن أبا الجد وإن علا يحجب ابن الأخ، فكذلك يجب أن يكون الجد الأدنى يحجب الأخ الأدنى. وقد اتفقنا -أيضاً- أن ابن الأبن يحجب أبوي جده فيرد كل واحد منهما إلى أسفل السدس كما يحجبهما أبوه لوقوع اسم البنوة عليه، فإذا كان ابن الأبن وإن سفل للجد ولد يحجب أبويه، فكذلك الجد وإن علا يكون لولد ولده أباً يحجب جميع إخوته، وكيف يكون لي ولداً ولا أكون له والداً. وبهذا احتج ابن عباس إذ قال: لئن شاء زيد لا باهلته عند الحجر الأسود، فجعل ابن الابن بمنزلة الابن إذا لم يكن دونه ابن، ولا يجعل الجد بمنزلة الأب إذا لم يكن دونه أب. قال: ولم يذكر الله تعالى جداً ولا ابن ابن، ولكنه أب مكان أب، وابن مكان ابن. قالوا: وقد اتفقنا أن الموروث إذا خلف أبا جده وعمه وهو ابن جده أن المال لأبي جده دون ولد جده، فكذلك بحجب إذا ترك أبا أبيه وابن أبيه وهو أخوه أم المال يكون لأبي أبيه دون ابن أبيه.

قال شيخنا أبو بكر: واحتج من ذهب إلى قول علي وزيد على قولهم أن الله تعالى سمى الجد أباً، بأن قالوا: إنما أراد الله تعالى، ونبيه صلى الله عليه وسلم بهذه التسمية في الحرمة والانتساب، لا في المواريث والأحكام. ودليلنا أم الله تعالى أعطى الجدة اسم الأم فقال: {كما أخرج أبويكم من الجنة}. فإن لزم أن يكون للجد حكم الأب وجب أن يكون للجدة حكم الأمن، وأجمعت الأمة أنها لا تستحق منولة الأم في كل الأحكام، وأنها إنما ترث بالجدودة فربما وافقت حكم الأم وربما خالفتها، فكذلك الجد. وقال تعالى: {ورفع أبويه على العرش} وإنما كان أبوه وخالته، فإن لزم أن يعطي الجد بذلك حكم الأب وجب أن يكون للخالة حكم الأم. وقال تعالى: إخبارا عن ولد يعقوب عليهم السلام {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} وإسماعيل عمه وليس أبوه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" احفظوني في العباس فإنه بقية آبائي" فسماه أباً وإنما هو عم. وقد أجمعوا أن الأب يزوج ابنته البكر التي لم تبلغ، وأجمعوا أن الجد لا يزوجها حينئذ. وأجمعوا أن الأب تلزمه نفقة ولده، والولد تلزمه نفقة والده، وأن الجد لا تلزمه نفقة

ولد ابنه، والرجل لا تلزمه نفقة جده. فبان افتراقهما من غير ما وجه، فبان بذلك أنه خلاف الأب، والله أعلم. [فصل 3 - في كيفية مشاركة الجد الإخوة في الميراث] ثم اختلف القائلون بمشاركته الإخوة في كيفية ذلك. فكان مذهب زيد رضي الله عنه أن الجد يقاسم الإخوة والأخوات، فيجعله ذكرا معهم ما لم تنقصه المقاسمة من الثلث، فإن نقصته من الثلث أرده بالثلث وجعل للإخوة ما بقي. ووافقه ابن مسعود إذا كان الأخوة ذكوراً أو ذكوراً وإناثاً، وخالفه إذا كن إناثاً خاصة، فجعل الإناث ذوات فرض منصوص لا مقاسمة للجد معهن، إنما يجعل له ما بقي إلا أن يبقى له أقل من السدس فيتم له السدس بالعول. وكان مذهب علي رضي الله عنه أن الجد يقاسم الإخوة والأخوات ما لم تنقصه المقاسمة من السدس، فإن نقصته من السدس أفرده بالسدس، وجعل لهم ما بقي، وكان مذهبه إذا كن إناثاً خاصة مثل مذهب ابن مذهب ابن مسعود، وان الإناث ذوات فرض منصوص عليهن

يأخذن فرضهن، ويكون للحد ما بقي إلا أن يكون ما بقي أقل من السدس فيتم له السدس بالعول. وإن شرك الإخوة أحد فريضة مسماة أخذ ذو الفرض، وينظر للجد على مذهب زيد وابن مسعود فيخير بين ثلاث خصال:- المقاسمة فيما بقي، ويكون ذكراً معهم. أو ثلث ما بقي. أو السدس من رأس الفريضة. وأي ذلك كان أفضل للجد أعطيه، وكان للإخوة ما بقي. وكان علي رضي الله عنه وابن مسعود: يريان أن الأخوات ذوات فرض منصوص إذا لم يكن معهن ذكر. وقد قال زيد بن ثابت رضي الله عنه لما سأله مروان بن الحكم عن حكم الجد- وفي موضع آخر- لما سأل معاوية بن أبي سفيان عن الجد، فقال: رأيت الخليفتين قبلك

يعطيانه النصف مع الأخ، والثلث مع الأثنين فاكثر. [فصل 4 -] تفريغ مسائل الجد مع الأخوة على مذهب من لا يراه كالأب إذا ترك الهالك جداً وأخاه شقيقه أو لأبيه، فالمال بينهما نصفين لا خلاف بينهم في ذلك. وإن ترك جده وأخويه، فالمال بينهم أثلاثاً، ولا خلاف بينهم في ذلك-أيضاً- وإن ترك جده وثلاثة أخوة. فعلى مذهب زيد وابن مسعود: للجد الثلث وما بقي للأخوة، تصح من تسعة، للجد ثلاثة، ولكل أخ اثنان. وعلى مذهب علي: المال بين الجد والإخوة أرباعاً. وإن ترك جدا وأربعة أخوة. فعلى مذهب زيد وابن مسعود: للجد الثلث، وما بقي للأخوة، تصح من ستة. وإن ترك جداً وخمسة أخوة. فعلى مذهب زيد وابن مسعود: للجد الثلث، وما بقي للإخوة، تصح من خمسة عشر. وعلى مذهب علي: للجد السدس، وما بقي للإخوة، تصح من ستة. وإن ترك أخاً وأختاً وجداً.

فالمال بينهم أخماساً في قول الجميع، للجد سهمان ولأخ سهمان، وللأخت سهم. وإن ترك أخاً وأختين وجداً. فالمال بينهم أسداساً، للجد سهمان، وللخ سهم، ولكل أخت سهم فلا خوف -أيضاً- لاستواء المقاسمة والثلث. وإن ترك أخوين وأختاً وجداً. فعلي مذهب زيد وابن مسعود: للجد الثلث، وما بقي بين الأخوين والأخت أخماسا، تصح من خمسة عشر، للجد الثلث خمسة أسهم، ولكل أخ أربع أسهم، وللأخت سهمان. وعلى قول علي: المال بينهم على سبعة، للجد سهمان، ولكل أخ سهمان، وللأخت سهم. وإن ترك جداً وثلاثة أخوة وثلاث أخوات. فعلى مذهب زيد وابن مسعود: للجد الثلث، وما بقي بين الأخوة والأخوات على تسعة، تصح من سبعة وعشرين. وعلى مذهب علي: المال بينهم على أحد عشر سهماًن للجد سهمان، ولكل أخ سهمان، ولكل أخت سهم. فإن زاد الأخوة على: المال بينهم على أحد عشر سهماً، للجد سهمان، ولكل أخ سهمان، ولكل أخت سهم. فإن زاد الإخوة على ذلك أفراد الجد بالسدس. وإن ترك جداً وأختاً. فعلى مذهب زيد: المال بينهم أثلاثاً، للجد سهمان، وللأخت سهم.

وعلى مذهب علي وابن مسعود: للأخت النصف، وما بقي فللجد، تصح من اثنين. وإن ترك أختين وجداً. فالمال بينهم على أربعة، على قول زيد. وعلى قول علي وابن مسعود: للأختين الثلثان، وما بقي فللجد، تصح من ثلاثة. وإن ترك ثلاث أخوات وجداً. فعلى قول زيد المال بينهم على خمسة. وعلى قول علي وابن مسعود: للأخوات الثلثان، وما بقي فللجد، تصح من تسعة. وإن ترك أربع أخوات وجداً. فقد استوى الثلث والمقاسمة على مذهب زيد، فله الثلث، وللإخوة ما بقي، تصح من ستة، له اثنان، ولك أخت واحد. وعلى قول علي وابن مسعود: للأخوات الثلثان، وما بقي للجد، تصح -أيضاً- من سنة، له اثنان. إلا أن زيداً ابتدأ بالجد فجعل له الثلث فرضاً، وعلي وابن مسعود يبدآن بالأخوات فيجعلان لهن الثلثين فرضاً، وما بقي للجد. وبالله التوفيق.

[فصل 5 -] ذكر الأم مع الإخوة والجد إذا ترك أمه وأخاه وجده. فللأم الثلث، وما بقي بين الأخ والجد نصفين، تصح من ثلاثة. وإن ترك أما وأخوين وجداً. فللأم السدس، وما بقي بين الأخوين والجد على ثلاثة، تصح من ثمانية عشر، للأم ثلاثة، للم ثلاثة، ولكل واحد من الأخوة والجد خمسة خمسة. وإن ترك أما وأخاً وأختاً وجداً. فقد استوت المقاسمة، وثلث ما بقي للجد، فللأم السدس واحد من ستة، وتبقي خمسة لا تنقسم على ستة، تصح من ستة وثلاثين، للأم ستة، وللجد عشرة، وللأخ عشرة، ولكل أخت خمسة. ولا خلاف في هذه المسائل بين علي وزيد وابن مسعود. وإن ترك أماً وثلاثة أخوة وجداً. فعلى مذهب زيد وابن مسعود أصلها من ثمانية عشر، للأم السدس ثلاثة، وللجد ثلث ما بقي وهو خمسة، وما بقي وهو عشرة بين الأخوة على ثلاثة ولا تنقسم ولا توافق، فتضرب ثلاثة في ثمانية عشر تكن أربعة وخمسين سهما، تصح للأم تسعة، وللجد خمسة عشر، ولكل أخ عشرة عشرة.

وعلى مذهب علي: للأم السدس، وما بقي بين الجد والإخوة على أربعة وتصح من أربعة وعشرين، للأم أربعة، وللجد خمسة، ولكل أخ خمسة. وإن نرك أما وأربعة أخوة وجداً. فأصلها على قول زيد وابن مسعود من ثمانية عشر، للأم السدس ثلاث، وللجد ثلث ما بقي خمسة، وتبقى عشرة لا تنقسم على أربعة وتوافقها بالنصف، فنصف الأربعة اثنان في ثمانية عشر بستة وثلاثين، ومنها تصح لأم ستة، وللجد عشرة، ولكل أخ خمسة. وعلى قول علي: أصلها من ستة، ومنها تصح، وقد استوت المقاسمة والسدس عنده. فإن زاد الأخوة على ذلك أفرده بالسدس، مثل أن يترك خمسة أخوة وأما وجداً. فعلى قول زيد وابن مسعود: للأم السدس، وللجد ثلث ما بقي، وما بقي للإخوة، وأصلها من ثمانية عشر، ومنها تصح. وعلى قول علي: للأم السدس، وللجد ثلث ما بقي، وما بقي للإخوة وأصلها من ثمانية عشر، ومنها تصح. وعلى قول علي: للأم السدس، وللجد السدس خير له من المقاسمة، وما بقي للإخوة تصح من ثلاثين للأم خمسة، وللجد خمسة، ولكل أخ أربعة أربعة. وإن ترك أما وأختاً وجداً، فهذه تسمى الخرقاء، وتسمى العثمانية. فعلى قول زيد: للأم الثلث، وما بقي بين الجد والأخت على ثلاثة تصح من تسعة، للأم ثلاثة، وللجد أربعة، وللأخت اثنان. وعلى قول علي: للأم الثلث، وللجد السدس، وللأخت النصف صحت من ستة. وعلى قول عثمان: للأم الثلث، وللجد الثلث، وللأخت الثلث، ولانفراده بهذا

القول سميت العثمانية. واختلف فيها قول ابن مسعود. فمرة قال: للأخت النصف، وما بقي بين الأم والجد نصفين تصح من أربعة، وهي أحد مربعات ابن مسعود، وإنما قال ذلك؛ لأنه قال: ما كان الله ليراني أفضل أما على جد. وقال-أيضاً- للأخت النصف، وللأم السدس، وما بقي للجد وهو الثلث، جعلها من ستة. وإن ترك أما وأختين وجداً. فقال زيد: وللأم السدس، وما بقي بين الأختين والجد على أربعة تصح من أربعة وعشرين، وللأم أربعة، وللجد عشرة، ولكل أخت خمسة. وعلى قول علي وابن مسعود للأم السدس، وللأختين الثلثان، وما بقي للجد وهو السدس. وإن ترك أما وثلاث أخوات وجداً. فعلى قول زيد: للأم السدس وما بقي بين الجد والأخوات على خمسة، صحت من ستة، للأم واحد، ولكل أخت واحد، وللجد اثنان. وعلى قول علي وابن مسعود: للأم السدس، وللجد السدس، ولأخوات الثلثان لا تنقسم على ثلاثة، تصح من ثمانية عشر للأم ثلاثة، وللجد ثلاثة، ولكل أخت أربعة.

وإن ترك أماً وأربع أخوات وجداً. فقد استوى ثلث للأم السدس ثلاثة، وللجد ثلث ما بقي خمسة، وللأخوات ما بقي وهو عشرة لا تنقسم وتوافق بالنصف، فتصح من ستة وثلاثين للأم ستة، وللجد عشرة، ولكل أخت خمسة خمسة. وعلى قول علي وعبد الله: أصلها من ستة، ومنها تصح للأم السدس واحد، وللجد السدس واحد، وللأخوات الثلثان أربعة ولكل أخت واحد واحد. [فصل 6 -] ميراث الجد والزوجة والأخوة والأخوات إذا ترك زوجته وأخاه وجده. فللزوجة الربع، وما بقي بين الجد والأخ نصفين، تصح من ثمانية للزوجة اثنان، وللأخ ثلاثة، وللجد ثلاثة. وإن ترك زوجته وأخويه وجداً. فللزوجة الربع، وما بقي بين الجد والأخوين على ثلاثة، تصح من أربعة. وإن ترك زوجة وأخاً وأختاً وجداً.

فللزوجة الربع، وما بقي بين الجد والأخ والأخت على خمسة، تصح من عشرين. وإن ترك زوجة وأخاً وأختين وجداً. فللزوجة الربع، وما بقي على ستة، تصح من ثمانية. ولا خلاف في هذا كله. وإن ترك زوجته وثلاثة إخوة وجداً. فللزوجة الربع، وللجد ثلث ما بقي، وما بقي للأخوة، تصح من اثني عشر، هذا مذهب زيد وابن مسعود. وعلى مذهب علي: للزوجة الربع، وما بقي بين الجد والإخوة على أربعة، تصح من ستة عشر، للزوجة الربع، ولكل أخ من الإخوة والجد ثلاثة. وإن ترك زوجة وأربع إخوة وجداً. فعلى قول زيد وعبدالله: أصلها من أربعة، للزوجة الربع واحد، وللجد ثلث ما بقي واحد، وما بقي للإخوة، تصح من ثمانية. وعلى قول علي: للزوجة الربع وللجد السدس، خير له من المقاسمة، وما بقي للإخوة، تصح من ثمانية وأربعين، للزوجة اثنا عشر، وللجد ثمانية، ثم على نحو هذا. وإن ترك زوجته وأخته وجده. فعلى قول زيد: للزوجة الربع، وما بقي بين الجد والأخت على ثلاثة، تصح أربعة، للزوجة واحد، وللجد اثنان، وللأخت واحد. وعلى مذهب علي وابن مسعود: للزوجة الربع، وللأخت النصف اثنان، وما بقي للجد وهو الربع واحد. وإن ترك زوجته وأختين وجداً. فعلى مذهب زيد: للزوجة الربع، وما بقي بين الجد والأختين على أربعة، تصح من ثمانية، وللزوجة اثنان، ولكل أخت واحد.

وعلى قول مذهب علي وعبدالله: للزوجة الربع ثلاثة من اثني عشر، وللأختين الثلثان ثمانية، وللجد السدس تبلغ ثلاثة عشر. وإن ترك زوجة وثلاث أخوات وجداً. فعلى قول زيد: للزوجة الربع، وما بقي بين الجد والأخوات على خمسة، تصح من عشرين. وعلى قول علي وابن مسعود: أصلها من اثني عشر تبلغ ثلاثة عشر، وينكسر الثلثان على الأخوات تصح من تسعة وثلاثين. وإن ترك أربع أخوات. فتستوي المقاسمة، وثلث ما بقي على قول زيد، فتقول: للزوجة الربع واحد، وللجد ثلث ما بقي واحد، وما بقي وهو اثنان لا ينقسم على أربعة، تصح من ثمانية للزوجة الربع اثنان، وللجد اثنان، ولكل أخت واحد. وعلى قول علي وابن مسعود: تصح من ثلاثة عشر، وبالله التوفيق. [قصل 7 -] ميراث الزوجة والإخوة والجد إذا تركت زوجها وأخاها وجدها. فللزوج النصف، وما بقي بين الأخ والجد تصح من أربعة. وإن تركت زوجها وأخويها وجدها. فللزوج النصف, وللجد ما بقي، وما بقي للأخوين، تصح من ستة.

فإن كان الإخوة أكثر من ذلك لم ينقص الجد من السدس. ولا خلاف في ذلك. وإن تركت زوجاً وأختاً وجداً. فعلى قول زيد: للزوج النصف، وما بقي بين الأخت والجد على ثلاثة، تصح من ستة. وكذلك يقاسم الأختين والثلاث والأربع، وتستوي له المقاسمة في الأربع، وثلث ما بقي، وتصح في الأربعة من اثني عشر للزواج ستة، وللجد ثلث ما بقي اثنان، ولكل أخت واحد. وعلى قول علي وابن مسعود: للزوج النصف، وللأخوات الثلثان، وللجد السدس تبلغ ثمانية، وإن كن الأخوات اثنان أو أربع صحت من ثمانية، وإن كن ثلاث صحت من أربعة وعشرين. ثم على هذا [فقس]، وبالله التوفيق. [فصل-8] ميراث الزوجة والأم والإخوة والجد إذا ترك زوجته وأمه وأخاه وجده. فللزوجة الربع ثلاثة من اثني عشر، وللأم الثلث أربعة، وما بقي بين الجد والأخ، تصح من أربعة وعشرين، للزوجة ستة، وللأم ثمانية، وللجد خمسة، وللأخ خمسة هذا على قول علي وزيد.

وأما ابن مسعود فقال: ما كان الله يراني أفضل أما على جد، فقسم المال بينهم أرباعاً، وهي أحدى مربعاته الكبرى. وإن ترك زوجة وأماً وأخوين وجداً. فللزوجة الربع، وللأم السدس، وما بقي بين الأخوين والجد على ثلاثة تصح من ستة وثلاثين في قول الجميع. وإن ترك زوجة وثلاثة أخوة وأما وجداً. فللزوجة الربع، وللم السدس، وللجد السدس خير له من المقاسمة، وما بقي للأخوة، تصح من ستة وثلاثين. ولا خلاف في ذلك. وإن ترك زوجة وأما وأختاً وجداً. فللزوجة الربع، وللأم الثلث، وما بقي بين الأخت والجد على ثلاثة، تصح من ستة وثلاثين للزوجة تسعة، وللأم اثنا عشر، وللجد عشرة، وللأخت خمسة، هذا مذهب زيد. وعلى قول علي: للزوجة الربع، وللأم الثلث، وللخت النصف، وللجد السدس، بلغت خمسة عشر عالت بمثل ربعها، ينقص كل واحد خمس ما لفظ له به.

وعلى قول ابن مسعود: للزوجة الربع، وللأم السدس؛ إذ كان لا يفضل أما على جد، فللأخت النصف، وللجد السدس عالت بسهم، ينقص كل واحد جزءا من ثلاثة عشر مما لفظ له به. وإن ترك زوجة وأماً وأختين وجداً. فللزوجة الربع ثلاثة، وللأم السدس اثنان، وما بقي بين الأختين والجد على أربعة، تصح من ثمانية وأربعين. وعلى قول علي وابن مسعود: للزوجة الربع، وللأم السدس، وللأختين الثلثان، وللجد السدس، بلغت خمسة عشر عالت بثلاثة، ينقص كل واحد ربع ما لفظ له به. وإن ترك زوجة وأماً وثلاث أخوات وجداً. فالمقاسمة خير الجد، وإن كن أربع أخوات فقد استوت المقاسمة وثلث ما بقي على مذهب زيد. فإن لفظت للجد بثلث ما بقي كان أصلها من ستة وثلاثين، وتصح من اثنين وسبعين، وإن لفظت بالمقاسمة كان أصلها من اثني عشر، تصح -أيضاً- من اثنين وسبعين. وإن زاد الأخوات لم يلفظ له إلا بثلث ما بقي، ويكون أصلها من ستة وثلاثين. وأما على مذهب علي وابن مسعود: فأصلها من اثني عشر تعول إلى خمسة عشر سواء كانت أختاً أو أخوات، فإن انقسم الثلثان على الأخوات صحت من خمسة عشر، وإن لم تنقسم ضربت عدد الأخوات، أو وفق عددهم في أصل الفريضة بعولها فمما خرج تصح، وقد بينا ذلك كله بعون الله، وبالله التوفيق.

[فصل 9 -] ميراث الزوج والأم والإخوة والجد إذا تركت زوجها وأمها وأخاها وجدها. فللزوج الصف، وللأم الثلث، وللجد السدس، ويسقط الأخ. وفي قول ابن مسعود -إذ كان لا يفضل أما على جد-: للزوج النصف، وللأم السدس، وللجد السدس، وللأخ السدس. كان لزوجها النصف، وللأم السدس، وللجد السدس، وما بقي فللأخوين، تصبح من اثني عشر. ولا خلاف في هذا، وكذلك ن زاد الإخوة لم ينقص الجد من السدس. وإن تركت زوجها وأمها وأختها وجدها. وقيل: إنما سميت الغراء إذ لا شبيه لها في المسائل، فهي مشورة مثل غرة الفرس.

وقيل: لأن الجد أغرى على الأخت فشاركها. وجوابها على مذهب زيد: أصلها من ستة للزوج النصف ثلاثة، وللأم الثلث اثنان وللجد السدس واحد، وللأخت النصف ثلاثة تبلغ تسعة، ثم يضم الجد سدسه سهمه إلى نصف الأخت فيقسمان ذلك على ثلاثة، تصح من سبعة وعشرين، للزوج تسعة، وللأم ستة، وتبقى اثنا عشر للجد ثمانية، وللأخت أربعة. وهذه مسألة تلقى في المعايات وهو أن يقال: أربعة ورثوا هالكاً، فأخذ أحدهم ثلث المال وانصرف، وأخذ الثاني ثلث ما بقي وانصرف، وأخذ الثالث ثلث ما بقي وانصرف، وأخذ الرابع ما بقي وانصرف. وعلى مذهب علي: للزوج النصف ثلاثة، وللأم السدس واحد، وللجد السدس واحد، وللأخت النصف ثلاثة تبلغ ثمانية. وإن تركت زوجاً وأماً وأختين وجداً. فللزوج النصف ثلاثة، وللأم السدس واحد، وللجد السدس، وللأخوات ما بقي، وقد استوت المقاسمة، والسدس تصح من اثني عشر. وعلى قول علي وعبد الله بن مسعود: تصح من تسعة بعولها.

[الباب الرابع عشر] باب محاصة الإخوة الشقائق للجد ما للإخوة للأب

[الباب الرابع عشر] باب محاصة الإخوة الشقائق للجد ما للإخوة للأب [فصل 1 - تفريغ مسائلهم] إذا اجتمع أخوة شقائق وأخزة لأب وجد. فمذهب زيد: أن الشقائق يعادون الجد بإخوتهم لأبيهم، ثم ما حصل للأخوة للأب أخذه الشقائق دونهم إلا أن تكون الشقيقة واحدة تستوفي من جميع المال فرضها وهو النصف، ويكون ما بقي للذين للأب. وكان علي وعبد الله يقولان: إنما يقاسمون الجد بالأشقاء خاصة ويسقطان الذين للبن هذا إن كان الأشقاء ذكوراً أو ذكوراً وإناثاً، وإن كن الأشقاء إناثاً خاصة دفعاً إليهن فرضهن، ونظر في الذين للأب، فإن كن إناثاً -أيضاً- جعلا الباقي للجد إلا أن تكون الشقيقة واحدة، فيجعلا للتي من قبل الأب السدس تمام الثلثين، والباقي للجد.

وإن كان في الذين للأب ذكرن فاختلف علي وابن مسعود. فذهب علي: إلى أن الجد يقاسم الإخوة للأب فيما بقي ما لم تنقصه المقاسمة من السدس، فإذا نقصته أرده السدس. وكان مذهب ابن مسعود: أن يجعل الباقي للجد دون الذين للأب. وبيان هذه الجملة، إذا قيل لك: ترك الهالك أخاً لأب وجداً، فالمال بينهم على ثلاثة، ثم يرجع الأخ الشقيق على الأخ الذي للأب فيأخذ منه ما بيدهن هذا مذهب زيد. وإن ترك أخاً شقيقاً وأخوين لأب. فالمال بينهم على ثلاثة، ثم يرجع الأخ الشقيق على الأخ للأب فيأخذ منه ما بيدهن هذا مذهب زيد. وإن ترك أخاً شقيقاً وأخوين لأب وجداً. فللجد الثلث، وما بقي فللشقيق إذ لا ينقص الجد مع الأخوة من الثلث في مذهبة. وإن ترك أخاً شقيقاً وأختاً لأب وجداً. فالمال بينهم على خمسة، ويرجع الشقيق على الأخت فيأخذ ما بيدها. وإن كن أختين لأب فقد استوت المقاسمة والثلث فيه، فيعطيه الثلث، وما بقي للشقيق يعاد الجد بأخوته، ثم لا يرثن معه شيئاً. وعلى مذهب علي وابن مسعود: المال في جميع هذه المسائل بين الشقيق والجد نصفين.

وإن ترك شقيقة وأختاً لأب وجداً. فالمال بينهم على أربعة، ثم ترجع الشقيقة على التي للأب فتأخذ ما بيدها، فيصح لها النصف وللجد النصف، وتصح من اثنين، هذا مذهب زيد. وعلى قول علي وابن مسعود: للشقيقة النصف، وللتي للأب السدس تمام الثلثين، وما بقي للجد. وإن ترك أختاً شقيقة وأختين لأب وجداً. فالمال بينهم على خمسة للجد اثنان، ولكل أخت واحد، ثم ترجع الشقيقة على اللتين للأب فتأخذ منهن تمام نصف جميع المال، وما بقي بين اللتين للأب، تصح من عشرين للجد ثمانية، وللشقيقة عشرة، وللتين للب واحد واحد. وعلى قول علي وابن مسعود: للشقيقة النصف والتين للأب السدس تكملة الثلثين، وما بقي للجد، تصح من اثني عشر. وإن ترك أختاً شقيقة وثلاث أخوات لأب وجداً. فقد استوت المقاسمة للجد والثلث، أصلها من ستة للجد الثلث اثنان، وللأخوات أربعة، وترجع الشقيقة على التي للأب فتأخذ مما بأيديهن تمام فرضها نصف جميع المال، تصح من ثمانية عشر للجد الثلث ستة، وللشقيقة تسعة، ولكل أخت لأب واحد. وعلى قول علي وابن مسعود: للشقيقة النصف، وللتي للأب السدس تكملة الثلثين، وما بقي للجد تصح من ثمانية عشر -أيضاً-. وإن ترك أختين شقيقتين وأختاً لأب وجداً.

فالمال بينهم أخماساً للجد الخمسان، ويرجع الأشقاء على التي للأب فيأخذان ما بيدها، تصح من عشرة للجد أربعة، ولكل شقيقة ثلاثة. وعلى قول علي وزيد: للشقيقتين الثلثان، وما بقي للجد. وإن ترك أختين شقيقتين وأختين لأب وجداً. فقد استوت المقاسمة والثلث، فللجد الثلث، وما بقي للشقيقتين. وعلى قول علي وعبد الله: للشقيقتين الثلثان، وما بقي للجد، يتفق الجواب وإن اختلفت العبارة. وإن ترك أختاً شقيقة وأخاً لأب وجداً. فأصلها من خمسة، للجد الخمسان، وترجع الشقيقة على الأخ للأب فتأخذ منه تمام نصف جميع المال، وما بقي له تصح من عشرة للجد أربعة، وللشقيقة خمسة، وللأخ واحد. وعلى قول علي: للشقيقة النصف، وما بقي بين الجد والأخ نصفان، تصح من أربعة. وعلى قول ابن مسعود: للأخت النصف، وما بقي للجد، ويسقط الأخ للأب. وإن ترك أختاً شقيقة وأخاً وأختاً لأب وجداً. فقد استوت المقاسمة والثلث، فللجد الثلث، وللشقيقة النصف، وما بقي وهو واحد للأخ والأخت للأب ولا يتجرأ على ثلاثة، تصح من ثمانية عشر، للجد ستة، وللشقيقة تسعة، وللأخ اثنان، ولأخته واحد.

وعلى قول عليك للأخت النصف واحد، وما بقي بين الجد والأخ والأخت للأب على خمسة، تصح من عشرة للشقيقة خمسة، وللجد اثنان، وللأخ اثنان، ولأخته واحد. وعلى قول ابن مسعود: للشقيقة النصف، وما بقي للجد. وإن ترك اختين شقيقتين وأخاً لأب وجداً. فقد استوت-أيضاً- المقاسمة والثلث، فللجد الثلث، وللشقيقتين الثلثان. وعلى قول ابن مسعود: للشقيقتان الثلثان، وما بقي للجد، يتفق الجواب- أيضاً -. وعلى قول علي: استوت المقاسمة والسدس، فللشقيقتين الثلثان، وللجد السدس, وللأخ للأب السدس. وفيما ذكرنا من هذا كفاية ودليل على ما يرد منه. فصل [2 - في ميراث الزوجة والإخوة الشقائق والإخوة للأب والجد] إذا ترك زوجة وأخاً شقيقاً وأخاً وجداً. فللزوجة الربع، وللجد ثلث ما بقي، وما بقي للشقيق، فقد استوت المقاسمة وثلث ما بقي، وكذلك إن زاد الإخوة للأب يفرض للجد ثلث ما بقي، وما بقي للشقيق، تصح من أربعة. وإن ترك زوجة وأخاً شقيقاً وأختاً لأب وجداً.

فللزوجة الربع، وللجد خمسا ما بقي، وما بقي للشقيق، تصح من عشرين للزوجة خمسة، وللجد ستة، وللشقيق تسعة، وإن كانت أختين لأب فقد استوت المقاسمة وثلث ما بقي، فيقرض للجد ثلث ما بقي، وتصح من أربعة للزوجة واحد وللجد واحد وللأخ اثنان. وعلى قول علي وابن مسعود: للزوجة الربع، وما بقي بين الجد والأخ نصفان، وتصح من ثمانية. وإن ترك زوجة واختا شقيقة وأخاً لأب وجداً. فللزوجة الربع، وللجد خمساً ما بقي، وللشقيقة ما بقي. وعلى قول علي وابن مسعود: للزوجة الربع، وللشقيقة النصف، وما بقي للجد، تصح من أربعة. وإن ترك زوجة وأختا شقيقة وأختا لأب وجداً. فللزوجة الربع، وللجد نصف ما بقي، وللشقيقة ما بقي، تصح من ثمانية. وعلى قول علي وابن مسعود: للزوجة الربع، وللشقيقة النصف، وللتي للأب السدس تمام الثلثين، وللجد السدس، أصلها من اثني عشر تبلغ ثلاثة عشر ومنها تصح. وإن ترك زوجة وأختا شقيقة وأختين لأب وجداً. فللزوجة الربع، وللجد خمسا ما بقي، وما بقي الشقيقة، تصح من عشرين. وعلى قول علي وابن مسعود: للزوجة الربع ثلاثة من اثني عشر، وللشقيقة النصف، وللتين للأب السدس تمام الثلثين، وللجد السدس، تصح من ثلاثة عشر.

فإن كن الأخوات للأب ثلاثة فقد استوت المقاسمة وثلث ما بقي، فيكون للزوجة الربع، وللجد ثلث ما بقي، وما بقي للشقيقة، أصلها من أربعة ومنا تصح. وعلى قول علي وابن مسعود: يكون للزوجة الربع، وللجد السدس، وللشقيقة النصف، وللاتي للأب السدس تمام الثلثين اثنين لا تنقسم على ثلاثة، تصح من تسعة وثلاثين. وإن ترك زوجة وأختا شقيقة وأخا لأب وجداً. فللزوجة الربع، وللجد خمسا ما بقي، وما بقي للشقيقة، تصح من عشرين. وعلى قول علي: للزوجة الربع، وللشقيقة النصف وللجد السدس خير له من المقاسمة، وما بقي للأخ للأب، تصح من اثني عشر. وفي قول ابن مسعود: للزوجة الربع، وللشقيقة النصف، وما بقي للجد، تصح من أربعة. وإن ترك زوجة وأختا شقيقة وأخا وأختا لأب وجداً. فقد استوت المقاسمة وثلث ما بقي، فيكون للزوجة الربع وللجد ثلث ما بقي، وما بقي للشقيقة. وفي قول عبد الله: للزوجة الربع، وللشقيقة النصف، وما بقي للجد.

وعلى قول علي: للزوجة الربع، وللشقيق النصف، وللجد السدس، وما بقي للأخ والأخت من الأب، تصح من ستة وثلاثين. فصل [3 - لافي ميراث الزوج والإخوة الشقائق والإخوة للأب والجد] وإن تركت زوجاً وأخاً شقيقاً وأخاً لأب وجداً. فقد استوت المقاسمة وثلث ما بقي وسدس جميع المال، فيكون للزوج النصف وللجد السدس، وللشقيق ما بقي. وعلى قول ابن مسعود: للزوج النصف، وما بقي بين الشقيق والجد نصفين، وإن كانت أختاً شقيقة، فللزوج النصف، وللجد خمساً ما بقي، وما بقي للشقيقة، تصح من عشرة. وعلى قول علي وابن مسعود: للزوج النصف، وللأخت الشقيقة النصف، وللجد السدس، تصح من سبع. وإن تركت زوجاً وأختاً شقيقة وأختاً لأب وجداً. فللزوج النصف، وللجد النصف مما بقي، وما بقي للشقيقة. وعلى قول علي وابن مسعود: للزوج النصف، وللشقيق النصف، وللتي للأب السدس تمام الثلثين، وللجد السدس، تعول بسهمين فتبلغ ثمانية.

فصل [4 - في ميراث الأم والإخوة الشقائق والإخوة للأب والجد] وإن ترك أماً وأختاً لأب وجداً. فللأم السدس، وللجد نصف ما بقي، وللشقيقة ما بقي، تصح من اثني عشر للأم اثنان، وللجد خمسة، وللأخت خمسة. وعلى قول علي وابن مسعود: للأم السدس، وللشقيقة النصف، وللتي للأب السدس تمام الثلثين، وللجد السدس، تصح من ستة. فللأم السدس، وللجد خمساً ما بقي تصح من ستة. وإن كن الأخوات للأب ثلاثاً فأكثر فللأم السدس، وللجد الثلث ما بقي، وللشقيقة النصف، وما بقي للأخوات للأب، أصلها من ثمانية عشر، للأم ثلاثة وللجد خمسة، وللشقيقة تسعة، ويبقى واحد لثلاث أخوات، وتصح من أربعة وخمسين. وعلى قول علي وابن مسعود: للأم السدس واحد من ستة، وللجد السدس واحد، وللشقيقة النصف ثلاثة، وللأخوات للأب السدس تمام الثلثين واحد لا يتجزأ على ثلاثة، تصح من ثمانية عشر. وفيما ذكرنا دليل على ما يرد منه إن شاء الله.

[الباب الخامس عشر] [باب] ميراث الجد مع الإخوة والولد

[الباب الخامس عشر] [باب] ميراث الجد مع الإخوة والولد [فصل 1 - في ميراث الجد مع الإخوة والولد] أجمع الناس أن الموروث إذا ترك ولداً ذكراً أو ولد ولد ذكراً وأخوة وجداً. أن للجد السدس، وما بقي للولد أو لولد الولد الذكور. والعلة في ذلك: أن الأخوة لا يرثون مع الولد أو ولد الولد الذكور، فليس كون الجد معهم يوجب لهم شيئاً لم يجب. واختلفوا إن كان الولد بنتاً أو بنت ابن. فذهب زيد وابن مسعود: إلى أنه إذا ترك بنتاً وأخاً شقيقاً أو لأب وجداً، أن للبنت النصف، وما بقي للجد والأخ نصفان، تصح من أربعة. وذهب علي بن أبي طالب رضي الله عنه: غلى أن للبنت النصف، وللجد السدس، وما بقي للأخ، وكان لا يزيد الجد على السدس مع الولد، ويجعل ما بقي للأخوة والأخوات. وقولهما أبين؛ لأن الجد أقوى تعصيباً من الإخوة؛ لأنه عند علي يقاسم الإخوة ما لم تنقصه المقاسمة من السدس فيفرده بالسدس، فدل أنه أقوى تعصبياً من الإخوة.

ولأنه يرث مع الولد ويقوم مقام الأب، والإخوة لا يرثون مع الولد الذكور، ولا مع الأب الذي قام الجد والأخوة على خمسة، تصح من عشرة. وعلى قول علي: للبنت النصف، وللجد السدس، وما بقي بين الأخ والأخت، تصح من ثمانية عشر. وإن ترك بنتاً وأخاً وأختين فأكثر وجداً. فيكون للبنت النصف، وللجد السدس، وما بقي بين الإخوة والأخوات، ولا خلاف في ذلك. وإن ترك بنتاً وأختاً وجداً. فعلى قول زيد: للبنت النصف، وما بقي بين الجد والأخت على ثلاثة، تصح من ستة للبنت ثلاثة، وللأخت واحد، وللجد اثنان. وعلى قول علي: للبنت النصف، وللجد السدس، وما بقي للأخت، تصح-أيضاً- من ستة. وعلى قول ابن مسعود: للبنت النصف، وما بقي بين الجد والأخت نصفان، واحتج في ذلك بأن قال: وجدت الجد إذا انفرد مع البنت كان له ما بقي، والأخت إذا

انفردت مع البنت يكون لها -أيضاً- ما بقي، فوجب إذا اجتمعا أن يكون الباقي بينهما نصفين، وهذه أحد مربعات ابن مسعود التي انفرد بها. وفيما ذكرنا من هذا كفاية ودليل على ما يرد منهن إن شاء الله، والله الموفق للصواب. [فصل 2 -] في ذكر مربعات ابن مسعود رضي الله عنه فمنها: هذه المسألة التي قبل هذا الرسم وهي: بنت وأخت وجد. والثانية: إذا ترك امرأة وأماً وأخاً وجداً. قال: فإن للمرأة الربع، وللأم ثلث ما بقي، وما بقي بين الجد والأخ نصفان لكل واحد الربع. وروي عنه-أيضاً-:أن للزوجة الربع، وللأم السدس، وما بقي بين الأخ والجد نصفان, تصح من أربعة وعشرين. والثالثة: أن تخلف الموروثة زوجاً وأما وجداً.

فروي عنه: أن للزوج النصف، وما بقي بين الجد والأم نصفان. وروي عنه: أن للزوج النصف، وللأم ثلث ما بقي، وما بقي للجد. وروي عنه: أن للزوج النصف، وللأم السدس، وما بقي للجد، وهذه ترجع إلى التي قبلها. والرابعة: أن تترك أما وأختاً وجداً. فروي عنه: أن للأخت النصف، وما بقي بين الجد والأم نصفان، تصح من أربعة. وروي عنه -أيضاً-: أن للأخت النصف، وللأم ثلث ما بقي، وما بقي للجد. وروي عنه: أن للأخت النصف، وللأم السدس، وما بقي للجد. وقال أبوبكر: وهذا والذي قبله سواء وإن اختلفت العبارة، وبالله التوفيق.

[الباب السادس عشر] باب حساب قسمة الأموال على الورثة

[الباب السادس عشر] باب حساب قسمة الأموال على الورثة [فصل 1 - أوجه العمل في قسمة التركة] وجه العمل في قسمة التركة على الورثة أن تقسم سهام الفريضة وتعلم مبلغها، ثم تعلم نصيب كل وارث، ثم تقسم تركة الموروث على ذلك. وقد ذكرنا في كتاب القسم كيف قسمة الأراضي والدور والأجنة وسائر العروض فأغنى عن إعادته. ووجه العمل في قسمة العين أن يقيم سهام الفريضة وتعلم مبلغها ومبلغ ما يصير لكل وارث، ثم تنظر إلى ما تركه من العين. فإن وافق عدده عدد سهام كل الفريضة بجزء ما، علمت عدد جزء العين وعدد جزء سهام الفريضة، ثم ضربت عدد سهام كل وارث في عدد جزء العين، ثم

قسمت ما اجتمع لك على عدد جزء الفريضة، فما خرج فهو الذي يستحقه ذلك الوارث من العين. وإن لم يتفق عدد العين وسهام الفريضة بشيء، ضربت سهام كل وارث في جملة عدد الدنانير، وقسمت ما اجتمع على عدد سهام الفريضة أجمع، فما خرج لك فهو الذي يستحقه ذلك الوارث. وبيان ذلك: إذا تركت زوجها وأمها وأختاً شقيقة، وتركت عشرة دنانير. فقد علمت أن أصل الفريضة من ستة تعول إلى ثمانية، والدنانير توافق سهام الفريضة بعولها بالنصف، فنصف سهام الفريضة أربعة وهو الجزء المقسوم عليه، ونصف عدد الدنانير خمسة وهو الجزء المضروب فيه، ثم تقول: للزوج ثلاثة من ثمانية في خمسة بخمسة عشر فاقسمها على أربعة، يخرج القسم ثلاثة وثلاثة أرباع، وكذلك للأخت ثلاثة في خمسة مقسومة على أربعة فيصير لها ثلاثة وثلاثة أرباع، وللأم اثنان في خمسة بعشرة مقسومة على أربعة باثنين ونصف. ولو تركت زوجاً وأماً وثلاث أخوات مختلفات، وخمسة عشر ديناراً. فأصل الفريضة من ستة تعول إلى تسعة، والتسعة توافق الخمسة عشر بالثلث،

فثلث التسعة ثلاثة وهو الجزء المقسوم عليه، وثلث الخمسة عشر خمسة وهو المضروب فيه، ثم تقول: من كان له شيء من تسعة أخذه مضروباً في خمسة مقسوماً على ثلاثة، فما خرج منه فهو له. ولو ترك زوجة وأما وثلاث أخوات مختلفات، وترك أحد عشر دينارا. فأصل الفريضة من اثني عشر عالت إلى خمسة عشر، وخمسة عشر لا توافق الأحد عشر بشيء، فتقول: من كان له شيء من خمسة عشر أخذه مضروباً في أحد عشر مقسوماً على خمسة عشر. وما أشبه هذا فله حكمه. فصل [2 -] منه في استخراج المجهولات إذا قيل لك: امرأة هلكت وتركت زوجاً وأماً وأختاً شقيقة، فأخذت الأم بميراثها خمسة دنانير، كم جملة المال؟ فوجه العمل في مثل هذا أن نعلم سهام ذلك الوارث ما أسهمه من جملة سهام الفريضة، فمثله يكون اسم ما وقع له من الدنانير من جملة المال، فقد علمت

أن سهم الأم من جملة سهام الفريضة الربع، فيجب أن يقع لها من جميع المال الربع، فالخمسة التي وقعت لها هي ربع جميع المال، فالمال كله عشرون. وإن شئت فاضرب جميع سهام الفريضة فيما وقع للأم، ثم اقسم ما اجتمع لك على عدد السهام التي للأم. العمل في ذلك: أن تعلم أن نسبة سهام الأم من جملة سهام الفريضة، مثل نسبة ما يقع لها من جملة المال، فإذا كان الأمر في الرابع مثل ضرب الثاني في الثالث، لا يحول ذلك أبدا، وكذلك ذكره إقليدس، وعليه بنى أصل حساب مسائل البيع والشراء، فإذا ثبت أن ضرب الأول في الرابع مثل ضرب الثاني في الثالث. فإن كان أحد هذه الأعداد مجهولاً نظرت ما هو؟

فإن كان الأول ضربت الثاني في الثالث، وقسمت على الرابع، وإن كان الرابع مجهولاً ضربت -أيضا- الثاني في الثالث، وقسمت على الأول، وإن كان الثاني مجهولاً ضربت الأول في الرابع وقسمت على الثالث، وإن كان الثالث مجهولاً قسمت على الثاني. وإنما ذكرت هذا ههنا؛ لأن أهل الفرائض يعلمون هذه المسائل بلا علة عليها، فمن عرف الصل عمل به كلما ورد عليه من هذا. فإن قيل لك: هلك وترك أماً وثلاث أخوات مختلفات، وترك مائة دينار وثوباً، فأخذت الأم بميراثها الثوب، كم قيمة الثوب؟ فقد علمت أن سهم الأم السدس وهو مثل خمس بقية السهام، فكذلك تكون قيمة الثوب مثل خمس بقية المال، وبقية المال مائة، وخمسها عشرون وهي قيمة الثوب. وإن شئت قلت: نسبة سهم الأم من بقية سهام الفريضة كنسبة ما يخصها من بقية المال، وما يخصها في هذه المسألة هو المجهول، وهو الثالث، فاضرب الأول وهو سهم الأم وهو واحد في الرابع وهو بقية المال وهو مائة، واقسمه على الثاني وهي بقية سهام الفريضة بعد إخراج سهم الأم وذلك خمسة، يخرج لك عشرون وهو قيمة الثوب.

فإن قيل لك: أن الأم لما أخذت الثوب، زادت عشرة دنانير، كم قيمة الثوب؟ فقد علمت أن قيمة الثوب الآن عشرة وهو السدس، فزد العشرة على المائة تكن مائة وعشرة، فاضرب فيها سهم الأم وهو واحد واقسم ذلك على بقية سهام الفريضة وذلك خمسة، فيخرج القسم اثنان وعشرون، وهو ما يخص الأم، فزد عليه عشرة تكن اثنين وثلاثين وهو قيمة الثوب. والعلة في ذلك أنك قد علمت أن قيمة الثوب الآن عشرة وهو سدس جميع التركة، وهو مثل خمس ما بقي منها، وقد علمت أن نسبة سهم الأم وهو واحد من بقية سهام الفريضة وذلك خمسة كنسبة ما يخص الأم وهو الثوب إلا عشرة من بقية المال وهو مائة وعشرون؛ لأن الأم لا تأخذ الثوب حتى تزيد العشرة فيحصل في بقية المال مائة وعشرة، فتضرب سهم الأم واحد وهو الأول في الرابع وهو بقية المال مائة وعشرة، واقسم على الثاني وهو خمسة يخرج اثنان وعشرون

وهو سهم الأم، فزد عليه عشرة تكن اثنين وثلاثين وهو قيمة الثوب، وجميع المال معهن الثوب مائة واثنان وثلاثون. فإن قيل: أن الأم أخذت الثوب وزادها الورثة عشرة، فانقص العشرة من المائة التي خلفها الموروث، يبقى تسعون، ثم تضرب سهم الأم واحدا في تسعين وتقسم على الخمسة تخرج ثمانية عشر وهو سهم الأم، فانقص من ذلك العشرة تبقى ثمانية وهي قيمة الثوب فضمها إلى المائة تكن مائة وثمانية، وذلك جميع التركة مع قيمة الثوب فضمها إلى المائة تكن مائة وثمانية، وذلك جميع التركة مع قيمة الثوب، والعلة في ذلك نحو ما ذكرنا في الأول. وهذا وما أشبهه إنما يقوى عليه من نظر في كتب الحساب. وله عمل آخر من طريق الجبر والمقابلة يجري على أصل واحد، تركته؛ لأنه يحتاج إلى مقدمات وقد شرحتها في كتاب ألفته في الجبر والمقابلة. وفي ما ذكرنا في هذه المسائل دليل على ما يرد منه إن شاء الله.

[الباب السابع عشر] باب من المناسبة ومسائل المعايات

[الباب السابع عشر] باب من المناسبة ومسائل المعايات [فصل-1 ما لقرابة في كل من المسائل الآتية] إذا قيل لك: رجلان ليس بينهما قرابة، تزوج كل واحد منهما أم الآخر فأولدها غلاماً، فما القرابة بين الغلامين؟ فقل: كل واحد منهما عم صاحبه لأمه. فإن قيل لك: فتزوج كل واحد منهما بنت صاحب، فأولدها غلاماً، ما القرابة بين الغلامين؟ فقل: كل واحد منهما خال صاحبه. فإن قيل لك: فتزوج كل واحد منهما أخت صاحبه، فأولدها غلاماً، ما القرابة بين الغلامين؟ فقل: ابن الذي تزوج الأم عم ابن الذي تزوج البنت أخو أبيه لأمه، وهو-أيضاً- خاله أخو أمه لأبيها، وابن الذي تزوج البنت ابن أخي الآخر وابن أخته،

فأيهما مات قبل صاحبه لم يرثه الآخر؛ لأن ابن الأم عم لأم وخال، وابن البنت ابن أخ لأم وابن أخت. فإن قيل لك: فرجل وولده، تزوج الرجل امرأة، وتزوج ابنه ابنتها، فأولدها كل واحد غلاماً، ما القرابة بينهما؟ فقل: ابن الأم عم ابن البنت وخاله، وابن البنت ابن أخت ابن الأم وابن أخيه، ويرث كل واحد منهما صاحبه؛ لأن ابن الأم عم لأب، وابن البنت ابن أخ لأب. وإن كان الأب تزوج البنت، وتزوج الأبن الأم، فابن الأب عم ابن الابن وابن أخيه، ويكون ابن الابن خال ابن الأب وابن أخيه، فأيهما مات قبل ورثه الآخر؛ لأن أحدهما عم الأب، والآخر ابن أخي الأب. فصل [-2 في مسائل مناسبة] فإن قيل: أخوان لأب ورثاً هالكاً وليس هو مولى، فأخذ أحدهما ثلاثة أرباع الميراث، وأخذ الآخر ربعه؟ فهذه امرأة تركت ابني عمها أحدهما زوجها. فإن قيل لك: أخوان ورثا هالكاً، فأخذ أحدهما الثلث، والآخر الثلثان؟ فقل: هذه امرأة تركت ابني عمها أحدهما زوجها، والآخر أخوها لأمها، فأخذ الزوج النصف بالزوجية، والسدس ببنوة العم، وأخذ الآخر سدساً بأخوة الأم، وسدساً ببنوة العم، وهذا كله على قول زيد.

فإن قيل لك: ثلاثة أخوة ورثوا هالكا غير مولى، فأخذ أحدهم النصف، والآخر الثلث، والآخر السدس؟ فقل: هذه امرأة تركت ابني عمها أحدهما أخوها لأمها، والذي ليس هو اخوها لأمها ليس بينه وبينها رحم لكنه زوجها، فللزوج النصف، وللأخ للم السدس، وما بقي لابن العم، على قول علي وزيد. فصل [-3 فيما ذكر من مسائل المعايات] فإن قيل لكك امرأة ورثت من زوجها نصف ماله؟ فقل: هذه امرأة تزوجت مولى كانت أعتقت منه ثلثه، وأعتق غيرها ثلثيه، فلما توفي أخذت الزوجة بالزوجية الربع، وثلث ما بقي وهو الربع الثاني بالولاء. وفيها يقول الشاعر:- ألا أيها القاضي المصيب قضاؤه ... أعندك من علم فتخيرنا وصفا بوراثة من زوجها نصف ماله ... به نطق القرآن ما كذبت حرفا فإن قيل لك: رجل هلك وترك سبع عشرة امرأة، زوجات وغير ذلك، وترك سبعة عشر ديناراً، فأخذت كل واحدة منهن ديناراً ديناراً؟ فقل: هذا رجل ترك ثلاث زوجات وجدتين وأرع أخوات لأم وثمان أخوات لأب، فأصلها من اثني عشر تبلغ سبعة عشر للزوجات الربع ثلاثة لكل واحدة

واحد، وللجدتين السدس اثنان لكل واحدة واحد، وللأخوات للم الثلث أربعة لكل واحدة واحد، وللأخوات للأب الثلثان ثمانية لكل واحدة واحد. وفيها يقول الشاعر:- ألم تسمع وأنت بأرض مصر ... بذكر فريضة في المسلمينا بسبع ثم عشر من إناث ... فخرت بهن عند الفأريضينا فاحرزن الوراثة قسم حق ... سواء من ديون الوارثينا فإن قيل لك: رجل أتى مريضاً يعوده، فقال له: أوص في ميراثك. فقال له المريض: ترثني خالتاك وعمتاك وجدتاك وامرأتاك وأختاك. فقل: تزوج الصحيح جدتي المريض أم أمه وأم أبيه، وتزوج المريض جدتي الصحيح أم أمه وأم أبيه، فأولد المريض كل جدة ابنتين، فاللتين ولدتهما أم أم الصحيح هما خالتاه، واللتين ولدتهما أم أبيه هما عمتاه، وأما الأختان فإن أبا المريض قد كان تزوج أم الصحيح فأولدها بنتين فهما أختا الصحيح لأمه، وأختا المريض لأبيه، فلما مات المريض كان لبناته الثلثان وهما عمتا الصحيح وخاتاه، ولزوجتيه

الثمن وهما جدتي الصحيح، ولجدتي المريض السدس وهما زوجتي الصحيح، وما بقي فلأختي المريض وهما أختا الصحيح لأبيه. وفيها يقول الشاعر:- أتيت الوليد معيداً وقد ... وأورث في القلب مني سقاما فقلت له أوص فيما تركت ... فقال: ألا قد كفيت الكلاما ففي خالتيك وفي عمتيك ... وفي جدتيك تركت السواما وأختاك حقيهما ثابت ... وامرأتاك سواء تماما فقال الوليد أبو خالد ... سمعت بعشر حوين السهاما فإن قيل لك: ثلاثة أخوة أشقاء ورثوا هالكا، فأخذ أحدهم ثلثي المال، وأخذ الآخران سدسا سدسا؟ فقل: هذه امرأة تركت ثلاث بني عم، وكان الأصغر زوجها، فأخذ الزوج النصف، وما بقي بينهم، فحصل له الثلثان، وللأخوة سدس سدس.

وفيه يقول الشاعر:- ثلاثة أخوة لأب وأم ... وكلهم إلى خير فقير أفادتهم صروف الدهر ارثا ... وكان لميتهم مال كثير فحظ الأكبرين هناك ثلثا ... وباقي المال أحرزه الصغير فإن قيل لك: ثلاثة نفر أحرزوا ميراث رجل، أخذ أحدهم النصف، والآخر الثلث، والآخر السدس؟ فقل: هذا رجل ترك أخاً لم وابني عم أحدهما أخا لأم، فللأخوين للأم الثلث، وما بقي فلابني العم، فقد أخذ المنفرد بأخوة الأم السدس، والذي جمع الطرفين النصف، والمنفرد ببنوة العم الثلث. وفي ذلك يقول الشاعر:- أتخبرنا يا عمرو عن أهل ميت ووا ماله لما ثوى ساكنا رمسا ثلاثة رهط إذا جالوا سهامهم ولم يدخلوا فيما أصابهم وكسا فأحرز منهم أول نصف ماله وثانيهم ثلثا وثالثهم سدسا

فإن قيل لك: رجل هلك وترك خاله وعمه، فورثه خاله دون عمه؟ فقل: هذا رجل تزوج امرأة، وتزوج أبوه ابنتهما، فولد لكل واحد منهما غلاماً، فولد الابن خال ابن الأب، وابن أخيه، فتوفي ابن الأب، وترك عما وابن أخيه هذا الذي هو خاله، فورثة دون عمه. وفيه يقول الشاعر:- فما خال حوى الميراث عفوا ... وعم الميت لم يأخذ فتيلاً فإن قيل لك: امرأة مرت بقوم يقسمون ميراثاً، فقالت: لهم لا تعجلوا فإني حامل، فإن ولدت ذكراً لم يرث، وإن ولدت أنثي ورثت الثلث؟ فقل: هذه امرأة هلكت وتركت زوجها وأمها وأخويها لأمها، فلزوجها النصف، ولأمها السدس، ولأخويها لأمها الثلث، وفرغ المال، والمرأة المخاطبة للورثة هي زوجة أبي الهالكة، توفي وتركها حامل، فإن ولدت غلاما كان أخا لأب لا يرث؛ لأنه عاصب، وإن ولدت أنثى كانت أختا لأب يربى لها بالثلث تبلغ الفريضة تسعة، فصار نصفها ثلثا. وفي ذلك يقول الشاعر:- (ما أهل بيت ثوى بالأمس ميتهم ... فأصبحوا يقسمون المال الحلالا) فقالت امرأة من غيرهم لهم: أني سأسمعكم أعجوبة مثلا

في البطن مني جنين دام رشدكم فاحرزوا المال حتى تعلموا الحبلا فإن يك ذكراً لم يعط خردلة وإن ألد غيره أنثى فقد فصلا فالثلث حق ليس ينكره من كان يعرف قول الله إذ نزلا فإن قيل لك: رجل مات وترك عشرين ديناراً، وعشرين درهماً، فأصابت كل امرأة ديناراً ودرهما؟ فقل: هذا رجل خلف أختيه لأمه وأختيه لأبيه وأربع زوجات، فأصل الفريضة من اثني عشر تعول إلى خمسة عشر، فيصير ربع الزوجات خمساً فلهن خمس المال أربعة دنانير وأربعة دراهم لكل واحدة منهن دينارا ودرهما. وفيه يقول الشاعر:- سألقي على الفراض مني فريضة توهمتها باللب مني توهما فما تارك إذ مات عشرين درهما وعشرين دينارا عتيقا متمما فأعطيت امرأة الذي مات حقها هنالك دينارا سواء ودرهما وكان جميع المال عشرين درهما وعشرين دينارا على ذلك يقسما

فإن قيل لك: امرأة ورثت أربعة أزواج وهم أخوة، فورثت نصف جميع أموالهم، كم ملك كل واحد؟ فقل: هذه امرأة تزوجت هؤلاء الإخوة واحدا بعد واحد، فكان ملك الأول ثمانية دراهم، والثاني ستة، والثالث ثلاثة، والرابع درهم، فورثت من صاحب الثمانية درهمين وإخوته درهمين درهمين، فصار لصاحب الستة ثمانية، ولصاحب الثلاثة خمسة، ولصاحب الدرهم ثلاثة، فتوفي صاحب الثمانية فأخذت منه درهمين، وإخوته ثلاثة ثلاثة، فصار للثالث ثمانية، وللرابع ستة، ثم توفي الثالث فأخذت منه درهمين، وما بقي لأخيه وهو ستة، فصار للرابع اثنا عشر، فمات عنها فأخذت منه ثلاثة دراهم، فصار بيدها تسعة دراهم وهو نصف جميع المال. وفي ذلك يقول الشاعر:- لقد جئت من أرض الحجاز مبادراً لميراث قوم كان فيهم تفكر لوارثة بعلا وبعلين بعده وبعلا أبوهم دو الجناحين جعفر فكان لها من قسمة المال نصفه بذلك يقضي العالم المتدبر ولو قيل: تزوجت أربعة فأخذت من كل واحد نصف ما ترك؟

فهذا رجل ترك أربعة أعبد وابناً وبنتاً، فأعتق الأربعة الأعبد، ثم تزوجتهم البنت واحداً بعد واحد، فورثت من كل واحد الربع بالنكاح، وثلث ما بقي بالولاء. وفيه يقول الشاعر: (فما ذات صبر على النائبات ... تزوجها نفر أربعة) (فتحوز من مال كل امرء ... لعمرك شطرا له مربعة) (وما ظلمت واحداً منهم ... نقيراً ولا ركبت مفظعة) وبالله التوفيق، وفيما ذكرنا من ذلك دليل وكفاية والله الموفق للصواب.

[الباب الثامن عشر] جامع ما جاء في المناسخة وكيف العمل في حسابها

[الباب الثامن عشر] جامع ما جاء في المناسخة وكيف العمل في حسابها [فصل 1 - في تعريف المناسخة لغة واصطلاحها] اشتق اسم المناسخة من التناسخ، وهو: كون حال بعد حال، ومنه الناسخ والمنسوخ. والمناسخة بالمواريث: أن يموت ميت بعد ميت في مال واحد قبل أن يقسم. [فصل 2 - أنواع التركة وعمل المناسخة فيها] فإن كان مال الأول عين أو ما يكال أو يوزن من الطعام أو العروض فلا

يحتاج في ذلك إلى عمل المناسخة؛ لأنك تقسم ذلك على فريضة الميت الأول فتعلم ما بقي منه للميت الثاني فتقسمه -أيضاً- على فريضته. وإن كانت تركة الأول مثل الدور والأرضين والضياع والرقيق والحيوان والعروض المختلفة قيمها أو أجناسها فلا بد من العمل فيها؛ إلا أن يكون ورثة الثاني ثم ورثة الأول، وميراثهم من الثاني كميراثهم من الأول، فإنك تجعل الميتين كميت واحد، وتقسم جمعي تركة الأول بين من بقي من الورثة على نحو ما يجب لهم. وإن كان هم الذين ورثوا الأول إلا أن ميراثهم الثاني بخلاف الأول، أو كان معهم ورثة سواهم، فلا بد من عمل المناسخة. [فصل 3 - في كيفية صفة العمل بالمناسخة] وصفة العمل: أن تنظر إلى مسألة الهالك الأول من كم سهم صحت وانقسمت على أهلها، ثم صحح فريضة الثاني، ثم اقسم سهام الميت الثاني من الفريضة الأولى على فريضة الميت الثاني.

فإن انقسمت فقد صحت المسألتان مما صحت منه مسألة الميت الأول. وإن لم تنقسم، ولكن وافقتها بجزء ما، كثلث أو ربع أو عشر أو أقل أو أكثر فاضرب وفق مسألة الثاني في جملة عدد مسألة الأول فمنه تصح المسألتان. وإن لم توافق سهام الثاني مسألته بشيء فاضرب جميع عدد مسألته في جميع عدد مسألة الأول، فمنه تصح المسلتان. ثم تقول: من كان له شيء من الفريضة الأولى أخذه مضروباً في وفق الفريضة الثانية، أو في كاملها إن لم توافق، ومن كان له شيء من الفريضة الثانية أخذه مضروباً في عدد تركة الميت الأول أو في وفق إن كان لها. فإذا فرغت من هذا العمل وأردت أن تعرف صحة عملك فاعرف كم صار لكل واحد من ورثة الأول والثاني من الأولى والثانية فاجمعه، فإن كان مثل ما صحت منه المسألتان علمت أنك قد أصبت. وكذلك إن مات ثالث ورابع فصحح مسألة كل ميت، ثم اقسم ماله من مسائل المتوفين قبله من السهام على مسألته. فإن انقسم صحت المسألة مما صحت منه مسائل المتوفين قبله.

وإن لم تنقسم فاضرب عدد مسألته أو وفقها إن وافقت بجزء ما فيما صحت منه مسائل المتوفين قبله، فما اجتمع صحت منه المسائل. ثم كل ما تمت لك مسألة نظرت كم صح في يد كل وارث، فإن اتفق ما في أيديهم بجزء إما بثلث أو ربع أعطيت كل واحد ثلث ما بيده أو ربعه، تصح المسائل كلها من ثلث العدد الأول أو ربعه وإن لم تتفق الأعداد بقيت المسائل من العدد الأول، وسأبين ذلك كله بتوفيق الله. [فصل 4 - تفريغ مسائل المناسخة] ومنه إذا قيل لك: امرأة هلكت وتركت أبويها وزوجها وابنيها، فلم يقسم المال حتى مات الأب وترك زوجته وهي أم الميتة الأولى وأخاه لأبيه. فأصل المسألة الأولى من اثني عشر، تصح من أربعة وعشرين للزوج الربع ستة،

وللأبوين لكل واحد منهما السدس أربعة، ولكل ابن خمسة، فلما هلك الأب ترك أخاه وزوجه كانت فريضته من أربعة للزوجة الربع، وما بقي لأخيه، وتركته أربعة منقسمة على أربعة، فتصح المسألتان من أربعة وعشرين، ويصير سهم الأب لزوجته وأخيه، فيصير للزوجة خمسة أربعة من ابنتها وواحد من زوجها، وللأخ ثلاثة من أخيه. فلو كان إنما ترك الأب زوجته هذه وأخويه. فالمسألة الأولى من أربعة وعشرين منها بيد الأب أربعة، وفريضته تصح من ثمانية، وأربعة لا تنقسم على ثمانية لكن توافقها بالربع فربع فريضته اثنان، فاضربها في كامل الفريضة الأولى تكن ثمانية وأربعين. فمن كان له شيء من الفريضة الأولى وهي أربعة وعشرون أخذه مضروباً في وفق الفريضة الثانية وهو اثنان، ومن كان له شيء من الفريضة الثانية أخذه مضروباً في وفق تركة الثاني وذلك واحد، فللزوج ستة من أربعة وعشرين في اثنين باثني عشر، ولكل ابن خمسة في اثنين بعشرة، وللأم وهي زوجة الميت الثاني أربعة في اثنين بثمانية، ولها من الفريضة الثانية اثنان في واحد فيصير لها عشرة، ولكل أخ من الفريضة الثانية ثلاثة

في واحد بثلاثة، فإذا جمعت ذلك كله كان ثمانية وأربعين، فصحت المسائل منها؛ إذ لا يتفق ما بأيديهم بشيء واحد. وإن ترك الموروث أماً وابناً وابنتين فلم يقسم المال حتى هلكت الأم، ثم أرادوا القسمة. فقد علمت أن للأم السدس، وما بقي للابن والبنتين على أربعة، تصح من أربعة وعشرين للام أربعة، وللابن عشرة، ولكل بنت خمسة، فلما هلكت الأم عن أربعة أسهم ورثها بنتا ابن وابن ابن، تصح -أيضاً- من أربعة، فكانت تركتها منقسمة على ورثتها فاستغنيت عن ضربها، فيأخذ ابن ابنها من تركتها اثنين، وكل بنت واحد، فيحصل في يد ابن الابن اثنا عشر، وفي يد كل واحدة من بنتي الابن ستة، فيتفق ما بأيديهم بالأسداس فتنقطع الفريضتان إلى سدسها أربعة أسهم لابن الابن اثنان، ولكل بنت ابن واحد.

وإن ترك ثلاثة بنين وثلاثة بنات أمهم واحدة، فمات أحد البنين قبل قسمة الميراث ثم مات ابن آخر ثم ماتت إحدى البنات ثم ماتت أخرى. فاقسم جميع تركة الميت أبيهم بين الابن الباقي والبنت الباقية للذكر مثل حظ الأنثيين؛ وذلك أنه لما مات أبوهم كان المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، وكلما مات واحد من البنين والبنات عاد ما كان وجب له على من بقي منهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا يجب من تقدم موته منهم لوارثيهم. وكذلك لو كانت معهم زوجة ليست أم أحد البنين والبنات كانوا كلهم أشقاء، وقد هلكت أمهم قبل أبيهم لكان الميراث بعد حظ الزوجة بين الولد للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم إن مات ابن وثان وبنت وثانية يكون الباقي بعد فرض الزوجة بين البنت الباقية والابن الباقي للذكر مثل حظ الأثنيين؛ وذلك أن ميراث من بقي من الميت الأول ومن الثاني والثالث وأحد للذكر مثل حظ الأنثيين، فاجعل من مات كأنه لم يكن واجعل بقية التركة لمن بقي للذكر مثل حظ الأنثيين.

وكذلك لو أن رجلاً هلك وترك زوجته وأمه وخمسة إخوة وخمس أخوات لأب خاصة، فلم يقسم المال حتى مات ثلاثة إخوة وأختان. فأصل الفريضة من اثني عشر لزوجة الميت الأول الربع ثلاثة، ولأمه السدس اثنان، وتبقى سبعة منقسمة على بقية الإخوة والأخوات، فطرحت من مات منهم كأنه لم يكن؛ لأن كل من مات منهم عاد ما كان وجب له على من بقي من إخوته وأخواته للذكر مثل حظ الأنثيين، ولم يدخل معهم ذو سهم، فتحول قسمتهم. وما أشبه هذا فله حكمه. وإن ترك خمسة إخوة فلم يقسم المال حتى هلك أحدهم وخلف بنتاً وإخوته الأربعة، ثم هلك ثان وخلف بنتين وإخوته. فالفريضة الأولى من خمسة، فلما هلك أحدهم عن بنت وأربعة إخوة، ثم هلك ثان وخلف بنته وأربع إخوة كانت فريضته من ثمانية، وتركته سهم لا ينقسم على ثمانية، فاضرب ثمانية عدد الفريضة الثانية في الفريضة الأولى تكن أربعين، ثم تقول: من كان له شيء من خمسة أخذه مضروباً في ثمانية عدد الفريضة الثانية، ومن كان له شيء من الفريضة الثانية أخذه مضروباً في واحد، فلكل

أخ من الأربعة واحد من خمسة في ثمانية، وله واحد من ثمانية في واحد فصار لكل أخ تسعة، ولبنت الميت الثاني أربعة في واحد بأربعة، فلما هلك الأخ الثاني وترك ابنتين وثلاثة إخوة كانت فريضته من تسعة، وتركته تسعة فتقسمه عليهم، فيصير لكل أخ عشرة، ولبنت الميت الثاني أربعة، ولكل واحد من ابنتي الميت الثالث ثلاثة، ولا يتفق ما بأيديهم شيء. [فصل 5 -] مسألة في المناسخات على مذهب من يقول بالرد إذا ترك زوجته وابنتيه، ولم يقسم المال حتى ماتت إحدى الابنتين. فللزوجة من الفريضة الأولى الثمن، وما بقي لابنتيه، تصح من ستة عشر للزوجة سهمان، ولكل بنت سبعة أسهم. فلما هلكت البنت عن أمها وأختها صحت فريضتها من خمسة للأم خمسان، وللأخت ثلاثة أخماس، وتركت الميت سبعة لا تنقسم على فريضتها ولا توافق، فاضرب الفريضة الثانية في الأولى تكن ثمانون للأم بالزوجية اثنان من ستة عشر في خمسة بعشر، ولها بالأمومة اثنان من خمسة مضروبة في تركة الميت وهي سبعة تكن أربعة عشر، فتصح لها أربعة وعشرون، وللبنت سبعة من ستة عشر في خمسة بخمسة وثلاثين، ولها ثلاثة من خمسة في سبعة بأحد وعشرين، فيصير لها ستة وخمسون، ويتفق ما أبديهما بالأثمان، فثمن ما في يد الأم ثلاثة، وثمن ما في يد البنت سبعة، فتصح من عشرة.

هكذا تصنع أبداً إذا صحت الفريضة الثانية مع الأولى نظرت إلى ما في يد كل وارث. فإن اتفق ما بأيديهم حططتها إلى الموفق، ثم تعمل الفريضة الثانية، وتستمر العمل حتى تصح الفرائض الثلاثة، ثم تنظر -أيضاً- ما في يد كل وارث فتوفق بينهم وتقطعها إلى ما اتفقت هكذا أبداً، كلما علمت موته وقفت، ومن كان له شيء من ذلك أخذه، ثم تستم العمل كما وصفت لك. وهذا كله على مذهب مالك. وهكذا استخراج البصريين وهو اختصار حسن. وفيما ذكرنا من هذا كفاية على ما يريد منه.

[الباب التاسع عشر] [باب] ذكر الإقرار بالولد وغيره من الورثة

[الباب التاسع عشر] [باب] ذكر الإقرار بالولد وغيره من الورثة [فصل 1 - ذكر الإقرار بالولد] إذا ادعى رجل في صبي أنه ابنه. فذهب أكثر أهل المدينة وجمهورهم: إلى أن النسب لا يثبت، والاستلحاق لا يصلح، إلا أن تكون أم الصبي كانت في ملك المستلحق بنكاح أو ملك يمين وكان أصل الحمل بالصبي في ملكه وولد في يده أو بعد خروج الأم من يديه بما يخرج به مثلها إلى مثل ما يلحق فيه الأنساب وهو خمس سنين فدونها، ولم يحز الولد نسب معروف. فإن تمت هذه الشرائط صح نسبه وثبت استلحاقه، وإن سقط شرط منها لم يقبل قوله، هذا قول الجماعة، وهو أحد قولي ابن القاسم، ثم رجع ابن القاسم إلى أن قول المستلحق مقبول والنسب ثابت وإن لم يعرف للأم خبر إذا صدقه الولد، أو صغيراً في حوزة لا يعرب عن نفسه إلا أن يتبين كذبه، فلا يقبل قوله. وصفة تبين الكذب:

أن يكون مثل الصبي لا يولد لمثله؛ لأنه ليس بينهما من السنين ما يمكن أن يكون هذا أبا هذا. أو يكون الولد قد حازه نسب معروف فلا يلحق، ويكون النسب المعروف أولى. أو يكون الولد محمولاً من أرض العدو، أو من بلد يعلم أن المستلحق لم يدخلها قط. أو تشهد بينة عادلة أن أم الصبي المولود لم تزل زوجة لفلان غير هذا المستلحق حتى ماتت، فحينئذ لا يقبل قوله، ولا يثبت استلحاقه. قيل: ليس في هذا بيان كذب، ولعله قد تزوجها. وذهب أهل العراق إلى أن استلحاق الولد ثابت، ولم يشترطوا فيه شرطاً، وأظنهم لا يدفعون ثلاثة أوجه من هذه الشروط وهي: أن لا يكون مثله يولد له. أو يكون قد حاز الولد نسب معروف.

أو شهدت بينة أن أمه لم تزل زوجة لغير المستلحق حتى ماتت تحته. فهذه صورة الاستلحاق. [فصل 2 - ذكر الإقرار بالأب] ولو أقر رجل بأب وصدقه الأب فهي المسألة المتقدمة؛ لأن الأب بتصديقه له صار مستلحقاً له. [فصل 3 - ذكر الإقرار بالزوجية] وإن أقرت امرأة بزوج أو أقر رجل بزوجة وصدق الآخر صاحبه. فقال أهل المدينة: إن كان غريبين طارئين قبل قولهما ولم يكلفا بينة على عقد النكاح. وإن كانا حاضرين مقيمين لم يقبل قولهما إلا ببينة على عقد النكاح. وقال أهل العراق: قولهما مقبول على كل حال، كانا غريبين أو مقيمين، والنكاح والميراث بينهما قائم. [فصل 4 - ذكر الإقرار بالمولى] وإن أقر الرجل أو المرأة بمولى، فقال: هذا مولاي أعتقني.

فإجماع أهل المدينة وأهل العراق أن إقراره يثبت وهو وارثه بالولاء إلا أن يتبين كذبه، مثل أن يكون له ولاء معروف قد حازه، أو يكون من أصل حرية ثبتت له لم تجز عليه ولاية لأحد ولا عتق متقدم، فيكون قد تبين كذبه، وسقط إقراره. فهؤلاء الاربعة الذين يجوز الإقرار بهم عند أهل المدينة وأهل العراق على ترتيب ما تقدم. قال أبو بكر: هكذا كان يدارسنا شيخنا الفقيه أبو بكر عتيق الفقيه الفارض، وهو المذكور في كتابه. وذكر ابن شفاعة في كتابه: أن الكوفيين والبصريين اختلفوا في إقرار الرجل بالزوجة والمولى، وإقرار المرأة بالزوج والمولى. فأجاز إقرارهما أهل الكوفة وجعلوا ذلك كإقرار الرجل بالابن والأب ما لم يتبين كذبهما. مثل أن يقر بزوجة لها زوج معروف، أو كان طلقها ولم تنقض عدتها، أو يقر بمولى عليه ولاء معروف، أو هو من أصل حرية معروفة، فلا يقبل حينئذ إقراره. قال البصريون: لا يجوز إقرار الرجل إلا بالولد والأب، ولا إقرار المرأة إلا بالأب وحده؛ لأن الزوج والمولى قد يجدان على ما يدعياه بينة. قال: وقول مالك في هذا موافق لقول أهل البصرة!

وليس الأمر كما قال، وإنما هو موافق لقول أهل الكوفة، إلا أن أهل الكوفة لم يشترطوا في الزوجين أن يكونا غريبين طارئين، ولا حضريين وقول مالك أبينهما، والله أعلم. قال أبو بكر: فإذا أقر الرجل بهؤلاء الأربعة الذين يجوز إقراره بهم، أعني الأب والولد والزوجة والمولى، أو أقرت المرأة بالأب والزوج والمولى كان إقراراً صحيحاً، وكان للرجل والمرأة ورثة معروفون من ذوي السهام أو التعصيب فإقرارهما جائز، ويرثون مع المعروفين كثبات ذلك بالبينة. فصل [5 - حكم استلحاق الأقارب] قال شيخنا أبو بكر: فكل من استلحق أحداً من أقربائه مثل أخ أو ابن أخ أو ابن ابن، أو جد أو عم أو ابن عم أو غيرهم من الأقارب لم يجز استلحاقه عند جميع الناس؛ لأنه إنما استلحق في فراش غيره. ألا ترى أن المرأة لما لم يكن لها فراش -لأن الفراش لزوجها- لم يجز استلحقاها بالولد، وإنما يجوز استلحاقهما بالأب إذا صدقها، وبالزوج وبالمولى عليه كما تقدم.

[فصل 6 - في ميراث المقر به] فإن أقر ببعض من ذكرنا أنه لا يثبت نسبه، ثم مات المقر أو المقر به، فإن كان للميت وارث معروف يحيط بالمال لم يكن للمقر به شيء عند جميع الناس، وكان الوارث المعروف أولى. وإن كان المعروف ذا فرض لا يستوعب المال فإنه يأخذ فرضه، ويكون ما بقي لبيت مال المسلمين عند أهل المدينة، ورداً على الوارث المعروف عند من ذهب إلى الرد، ولا شيء للمقر له، إلا في قول شاذ وهو أحد قولي ابن القاسم: فإنه جعل ما بقي للمقر له إذا كان من أهل العصبات. فإن لم يكن للميت وارث معروف من عصبة أو ذي سهم إلا أن له ذا رحم مثل الخال والخالة ونحو ذلك، فإن المال لبيت مال المسلمين عند أهل المدينة دون المقر به أو ذوي الرحم، إلا في القولة الشاذة التي لابن القاسم، فإنه جعل المال للمقر به.

وقال أهل العراق: المال لذي الرحم دون المقر به ودون بيت المال. فإن لم يكن للميت ذو سهم ولا عصبة ولا ذو رحم، كان المال لبيت مال المسلمين عند أهل المدينة إلا في قولة ابن القاسم، وإلى مثل ذلك ذهب أهل العراق. وقال أصبغ وأهل الكوفة: فإن المقر [له] أولى. واحتجوا بما كتب به ابن مسعود إلى أهل همدان أنه كتب إليهم: يا أهل همدان أكثر شيء فيكم أهل همدان أن الرجل يهلك ولا يدع وارثاً، فإن ماله له يضعه حيث شاء. فكان هذا المقر به يأخذ المال عندهم بمعنى الوصية؛ إذ له أن يوصي بماله كله لهذا الحديث. قال أبو بكر: وقال سحنون في كتاب ابنه وقال أصبغ: أنه إذا أقر بأخ أو ابن عم ونحوه وليس له وارث معروف ولا موالي غير هذا المقر به، فإنه يجوز إقراره به ويستوجب بذلك ميراثه، ولا يثبت به نسبه.

وإن أتى بعد ذلك آخر وأقام البينة أنه وارثه فإنه أحق بالميراث من المقر به. وقال -أيضاً- سحنون: لا يجوز إقراره له؛ لأن المسلمين يرثونه وذلك كالوارث المعروف. قال أبو بكر: وإنما استحب في زماننا هذا أنه إذا لم يكن له وارث معروف أن المقر به أولى من بيت المال؛ إذ ليس ثم بيت مال المسلمين يصرف ماله في مواضعه. وبالله التوفيق. [فصل 7 -] تفريع مسائل هذا الباب على مذهب أهل المدينة وغيرهم إذا أقر الرجل بأب وابن، وله بنون وبنات معروفون، وأقر بزوجة وهما طارئان. فلأبيه السدس ولزوجه الثمن، وما بقي بين بنيه وبناته والمقر به للذكر مثل حفظ الأنثيين. وإن أقر بمولى وله بنت معروفة فلابنته النصف، وما بقي لمولاه. فهؤلاء الأربعة الذين يجوز إقرار الرجل بهم. وإن أقرت المرأة بأب وزوج، فللزوج النصف، وما بقي للأب.

وإن كان مكان الأب مولى، فللزوج النصف، وما بقي للمولى. فهؤلاء الثلاثة الذين يجوز إقرار المرأة بهم. فإن أقر رجل بزوجة وهما طارئان، وأقر بابن ابن. فللزوجة الربع، وما بقي لبيت المال. وعلى أحد قولي ابن القاسم وسحنون وقول أصبح: ما بقي لابن الابن، ولا يحجب هذا ابن الابن هذه الزوجة عن الربع، إلا أن تقر به الزوجة وتصدقه في ذلك، فيكون لها الثمن، ويكون الحكم في الباقي كما ذكرنا. وكذلك يقول أهل العراق، إلا أنهم لا يفرقون بين أن يكون الزوجان طارئين أو حضريين. فصل: [8 - تفريع مسائل ميراث استلحاق الأقارب] وإذا أقرت المرأة بزوج وهما طارئان، وأقرت بابن ابن. فللزوج النصف، وما بقي لبيت المال. وعلى القول الآخر: ما بقي لابن الابن، فإن صدقها الزوج في ابن الابن كان له الربع. وإن أقر الموروث بابن ابن وله أب معروفة. فالمال للأب المعروف بلا خلاف إلا أن يصدقه الأب فيكون له السدس، وما بقي لابن الابن المقر به.

وكذلك لو كان مكان الأب جد، الجواب واحد. وإن أقر بجد وله ابن ابن معروف النسب فالمال لابن الابن. وكذلك إن كان له عم أو ابن عم معروف، فالمال له دون الجد المقر به. فإن كان له مكان العم خال أو ابن خال. فالمال لبيت مال المسلمين عند أكثر أهل العلم المدنيين. وعلى أحد قولي ابن القاسم وسحنون وقول أصبغ: المال للجد المقر به دون ذوي الأرحام. وعلى قول الكوفيين: المال لذوي الرحم مثل: الخال والخال والعمة دون الجد المقر به. وإن أقر بمولى وله خال معروف. فعلى قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-،وهو قول أهل المدينة: المال للمولى دون الخال. وعلى قول ابن مسعود: المال للخال دون المولى؛ لأنه كان يورث ذوي الأرحام. وأما إن أقر بخال وله مولى معروف. فلا خلاف أن المال للمولى المعروف.

وإن أقر بزوجة وبنت ابن وأخت وهم حضريون، ثم مات وبعضهم ينكر بعضا. فلا شيء لواحدة منهن عند أهل المدينة، وما ترك لبيت المال. وعلى أحد قولي ابن القاسم: لبنت الابن النصف، وما بقي للأخت. وإن كانوا غرباء. فعلى قول أهل المدينة: للزوجة الربع، وما بقي لبيت المال. وعلى قولة ابن القاسم: للزوجة الربع، وما بقي بينت الابن والأخت على سبعة، لبنت الابن أربعة، وللأخت ثلاثة، وهو كقول أهل العراق. وحجتهم في ذلك: أن الزوجة لو صدقت بنت الابن لكان لها الثمن واحد، ولبنت الابن النصف أربعة، وما بقي للأخت وهو ثلاثة، فلما أنكرت أخذت الربع كاملاً، وقسم ما بقي بين بنت الابن والأخت على ما كان يجب لهما أن لو أقرت. وكذلك قال أهل العراق: فيمن أقر بزوجة وبنت ابن وبنت ابن ابن وأخت. فقالوا: لو ثبت الإقرار لكان للزوجة الثمن ثلاثة من أربعة وعشرين، ولبنت الابن النصف اثنا عشر، ولبنت ابن الابن السدس أربعة، وللأخت ما بقي خمسة، فلما أنكرت الزوجة أخذت الربع كاملاً واحداً من أربعة، ويقسم ما بقي بينهن على ما كان يجب لهن في الأصل، أو بقي ثلاثة لا تنقسم على أحد وعشرين وتوافقها

بالثلث، فتضرب سبعة في أربعة تكن ثمانية وعشرين للزوجة الربع سبعة، ولبنت الابن اثنا عشر، ولبنت ابن الابن أربعة، وللأخت خمسة. وما أشبه هذا فله حكمه، وبالله التوفيق.

[الباب العشرون] باب ذكر إقرار الورثة بعضهم لبعض

[الباب العشرون] باب ذكر إقرار الورثة بعضهم لبعض [فصل 1 - شروط إثبات نسب المقر به] إذا هلك وترك ورثة، فأقر بعضهم بوارث معهم. فإن اقر بذلك رجلان عدلان ثبت نسب المقر به بشهادتهما، وأخذ جميع موروثه من جميع المال، ولا خلاف يثبت في هذا. وإن كان المقر ممن لا يثبت بشهادته؛ لأنه واحد وإن كان عدلاً، أو لأنهم جماعة غير عدول، أو لأنهم نساء، وليس الجميع بسفهاء. فأجمع أهل العلم: أن النسب لا يثبت بقوله/ز واختلفوا في الذي يغرمهم للمقر به. فذهب أهل المدينة ومن تابعهم: إلى أن المقر يستوفي جميع ما يجب له في حال الإقرار، فإن بقي في يده شيء مما كان أخذه في مسألة الإنكار على ما يجب له دفعه إلى المقر به، وإن لم يستفضل شيئاً فلا شيء للمقر به.

وذهب أهل العراق: إلى أن المقر بقسم ما في يديه من مسألة الإنكار على ما يجب له، وللمقر به في مسألة الإقرار. وذهب الشافعي: إلى أنه لا يدفع شيئاً إذا لم يثبت نسبه. فهذا تحصيل اختلافهم في هذا الباب، فاعلم. [فصل 2 -] تفريع مسائل هذا الباب على اختلافهم إذا هلك وترك ابنين، فأقر أحدهما بابن ثالث. فعلى مذهب أهل المدينة: أن المقر يدفع إلى المقر به ثلث ما في يديه؛ وذلك أن أصلها في الإنكار من اثنين، وفي الإقرار من ثلاثة، فقل: اثنان لا تساوي ثلاثة ولا تدخل فيها ولا توافقها بجزء، فاضرب إحداهما في الأخرى تكن ستة تقسمها على الإنكار لكل واحد منهما ثلاثة، ثم تقسمها على الإقرار لكل واحد منهم اثنان، فيستوفي المقر الاثنين التي تجب له، ويدفع الواحد الذي استفضله من الثلاثة التي وجبت له في الحال الإنكار إلى المقر به. وعلى مذهب أهل العراق: أصلها في الإنكار من اثنين، ففي يد المقر نصف جميع المال ومسألتهم في الإقرار من ثلاثة للمقر واحد، وللمقر به واحد، فذلك اثنان،

فتقسم عليهما الواحد الذي في يد المقر من مسألة الإنكار، وواحد لا ينقسم على اثنين، فاضرب اثنين مسألة الإنكار في اثنين تكن أربعة، للمنكر اثنان، وللمقر واحد، وللمقر به واحد. وحجتهم في ذلك: أن المقر معترف أنه لا يجب له شيء إلا وجب لأخيه مثله، أن يدفع غليه ما في يده دون ما في يد غيره. وإن كان إنما أقر بأخت لهما. فعلى مذهب أهل المدينة: يدفع إليها خمس ما بقي في يده، تصح من عشرة للمنكر خمسة، وللمقر أربعة، وللمقر بها واحد. وعلى مذهب أهل العراق: أنه يقاسمها ما في يديه على ثلاثة، فتصح من ستة للمنكر ثلاثة، وللمقر اثنان، وللمقر بها واحد. وإن أقر أحدهما بأم لأبيه.

فأصلها في الإنكار من اثنين، وفي الإقرار من اثني عشر، واثنان داخلان في اثني عشر فهي على الإنكار لكل ابن ستة، وعلى الإقرار للأم اثنان، ولكل ابن خمسة، فقد استفضل للمقر واحداً وهو سدس ما في يده يدفعه للأم. وعلى مذهب أهل العراق: له في يد المقر في الإنكار واحد لا يتجزأ على ما يجب له، وللأم في الإقرار [ستة]، وذلك سبعة، فاضرب اثنين مسألة الإنكار في سبعة تكن أربعة عشر، للمنكر سبعة، وللمقر خمسة، وللأم اثنان. وإن كان إنما أقر بزوجة لأبيه، فهي في الإنكار من اثنين، وتصح في الإقرار من ستة عشر، فاثنان داخلان في ستة عشر، ففي الإنكار لكل ابن ثمانية، وفي الإقرار للزوجة اثنان، ولكل ابن سبعة، يستفضل المقر واحد يدفعه إلى الزوجة. فإن هلكت وتركت ثلاثة بنين، فأقر أحدهم بزوج لأمه. فهي في الإنكار من ثلاثة، وفي الإقرار من أربعة، فاضرب ثلاثة في أربعة تكن اثنا عشر، ففي الإنكار يقع لكل ابن أربعة، وفي الإقرار لكل ابن ثلاثة، يستفضل المقر واحداً يدفعه للزوج. وعلى مذهب أهل العراق: يدفع للزوج نصف ما في يده، تصح من ستة. فإن كان البنون أربعة أقر أحدهم بزوج فإنه يدفع إليه ربع ما في يده، وتصح من ستة عشر، لكل واحد من المنكرين أربعة، للمقر ثلاثة، وللزوج واحد.

وعلى مذهب أهل العراق: في يده واحد في الإنكار يقسمه على ماله في مسألة الإقرار، وذلك سبعة تصح من ثمانية وعشرين لكل واحد من المنكرين سبعة، وللمقر ثلاثة، وللزوج أربعة. وإن تركت بنتاً وعصبة، فأقرت البنت بأخ لها. فإنها تدفع إليه ثلث ما في يدها، تصح من ستة للعصبة ثلاثة وللمقرة اثنان، وللمقر به واحد. وعلى قول أهل العراق: تعطيه ثلث ما في يديها؛ لأنها تزعم أنها لا يجب لها شيء إلا وجب لأخيها مثليه، وتصح -أيضاً- من ستة للعصبة ثلاثة وللبنت واحد، وللمقر به اثنان. ولو كن البنات أربعة فهي في الإنكار تصح من ستة، وفي الإقرار -أيضاً- من ستة، فالواجب لها في الوجهين سدس جميع المال فإنما أقرت له بسهم العصبة. وفي قول العراقيين: يدفع إليه ثلثي ما في يدها، فتصح من ثمانية عشر؛ لأن لها في الإنكار واحد من ستة، ولها واحد في الإقرار، وللأخ اثنان، فواحد لا يتجزأ

على ثلاثة، فتصح من ثمانية عشر لكل بنت ثلاثة، وللعصبة ستة، وللمقرة واحد، وللأخ اثنان. فإن ترك بنين وبنات، فأقر أحدهم بابن فإنه يرث أبدا قلوا أو كثروا. مثاله: لو ترك ثلاثة بنين، وثلاثة بنات، فأقر أحدهم بأخ لهم، فهي في الإنكار من تسعة، وفي الإقرار من أحد عشر فتضرب تسعة في أحد عشر تكن تسعة وتسعين، فهي في الإنكار لكل ابن اثنان وعشرون، ولكل بنت أحد عشر، وفي الإقرار لكل ابن ثمانية عشر، ولكل بنت تسعة فإن أقر به ابن دفع إليه أربعة أسهم، وإن أقرت به بنت دفعت إليه سهمين. وعلى مذهب أهل العراق: إن أقر به ذكر دفع إليه نصف ما في يديه، وبقيت من تسعة، وإن أقرت به بنت دفعت إليه ثلثي ما في يديها، تصح من سبعة وعشرين. وإن تركت زوجها وأمها وأختها لأمها، وأقرت الأخت للأم ببنت للهالكة.

فأصلها في الإنكار من ستة، وفي الإقرار من اثني عشر للزوج ثلاثة، وللأم اثنان، وللبنت ستة، وللعصبة واحد، فأقرت الأخت للأم أن لا شيء لها وإنما سهمهما وهو السدس للبنت وللعصبة على سبعة، فواحد لا يتجزأ على سبعة، فاضرب سبعة في ستة بأحد وعشرين، وللأم اثنان في سبعة بأربعة عشر، وللبنت ستة، وللعصبة واحد. وهذه المسألة تسمى: عقرب تحت طوبة؛ وإنما سميت بذلك: لغفلة من تلقى عليه عما أقرت به للعصبة ولا خلاف في هذا. وإن ترك أمه وأخاه، فأقرت الأم بأخ آخر. فإنها تدفع إليه نصف ما في يديها، وتصح من ستة للمنكر أربعة، للأم واحد، وللمقر به واحد وهذا هو الصحيح على مذهب أهل المدينة. وقد قيل: أن السدس الذي تزول عنه الأم يكون بين الثابت النسب والمقر به نصفين؛ لأنهما جميعاً حجباها عنه. وعاب هذا سحنون وقال: لا يخلو أن تكون الأم صادقة أو كاذبة، فإن كانت

صادقة فله سدسان ونصف سدس، وإن كانت كاذبة فله ثلثا المال، فقد استوفى أوفر حظيه، وعلمنا أنه لا مدخل له في الثلث الذي في يد الأم. وعلى مذهب أهل العراق: تقاسمه ما في يدها على سبعة؛ لأن لها في الإقرار اثنين، وللمقر به خمسة، فلها واحد لا ينقسم على سبعة، فتضرب سبعة في ثلاثة تكن واحداً وعشرين، للثابت النسب أربعة عشر، وللمقر به خمسة، ولها اثنان. فإن تركت بنتاً وأختاً، فأقرت البنت بأخت. فعلى مذهب أهل المدينة: لا تدفع إليها شيئاً؛ لأنها إنما أقرت لها بشركة الأخت الثانية. وعلى مذهب أهل العراق: تدفع إليها ثلث ما في يدها؛ لأنه يجب لها في الإقرار اثنان من أربعة، وللمقر بها واحد، فيقسم الواحد الذي يجب لها في الإنكار على ثلاثة، فتصح من ستة للثابتة النسب ثلاثة، وللبنت اثنان، وللمقر بها واحد. وإن كان إنما أقرت الأخت ببنت، فهي في الإنكار من اثنين، وفي الإقرار من ثلاثة، فاضرب اثنين في ثلاثة تكن ستة، للأخت في الإنكار ثلاثة ولها في الإقرار اثنان استفضلت واحداً تعطيه للبنت المقر بها، وهو ثلث ما في يدها. وعلى قول العراقيين: تعطيها نصف ما في يديها، تصح من أربعة.

ولو كانت إنما أقرت البنت ببنت معها فإنها تدفع إليها ثلث ما في يديها، تصح من ستة. وعلى قول العراقيين: تعطيها نصف ما في يديها، تصح من أربعة. وإن كان إنما أقرت الأخت بالأخت معها، فإنها تعطيها نصف ما في يديها، تصح من أربعة بلا خلاف. وإن أقرتا جميعاً بأخت أو بنت. فإنها تأخذ ما أقرتا به لها، وإن كانت المقرة بها بنتاً أخذت كل واحدة منهن ثلث المال، وإن كانت أختاً أخذت كل واحدة من الأختين ربع المال، وأخذت البنت نصف المال. وإن أقرت البنت بأخت وأقرت الأخت ببنت. فإنما يثبت عند أهل المدينة إقرار الأخت، وتأخذ المقر لها ثلث ما في يديها، ولا يثبت لها إقرار البنت؛ لأنها إنما أقرت لها بشركة الأخت. فإن زعمت البنت أنها بنت معها، وزعمت الأخت أنها أخت معها. فهي في الإنكار من اثنين، وعلى إقرار البنت من ثلاثة، وعلى إقرار الأخت من أربعة، واثنان داخلان في أربعة، ثم اضرب ثلاثة في أربعة تكن اثنان عشر، ففي الإنكار للبنت ستة، وللأخت ستة، وعلى الإقرار بالبنت للبنتين الثلثان، لكل

بنت أربعة، وما بقي للأخت، استفضلت البنت المقرة اثنين، فيأخذاه من يديها، وعلى إقرار الأخت يكون لكل أخت ثلاثة، استفضلت المقرة ثلاثة جمعت مع الاثنين فصارت خمسة، ثم خوطبت المقر بها فقيل لها: لا يجوز أن يثبت لك النسبان، وأنت لو ثبت لك البنوة أخذت ثلث جميع المال أربعة، ولو ثبتت لك الأخوة أخذت ربع جميع المال ثلاثة، فتعطي أوفر حظيك أربعة، ويبقى الآخر موقوفاً حتى ترجع إحدى المقرتين عن إقرارهما، فتأخذه. وقيل: يوقف بيد البنت والأخت على خمسة للبنت خمساه، وللأخت ثلاثة أخماسه؛ لأن البنت أقرت لها بسهمين، والأخت بثلاثة، فاقتسما الواحد الموقوف على قدر ما أخذ من أيديهما. وفيما ذكرنا من هذا دليل على ما يرد منه إن شاء الله تعالى. فصل [3 - تفريع مسائل أخرى من هذا الباب] فإن تركت زوجها وأمها وأختها شقيقتها وجدها، فأقرت الأخت بأخ لها.

فهي على الإنكار غراء، تصح على مذهب زيد من سبعة وعشرين، وهي في الإقرار من ثمانية عشر، والثمانية عشر تتفق مع السبعة وعشرين بالتسع، فاضرب تسع إحداهما في كامل الأخرى تكن أربعة وخمسين، فاقسمهما على الإنكار، فمن كان له شيء من سبعة وعشرين أخذه مضروباً في اثنين، فللزوج تسعة في اثنين بثمانية عشر، وللأم ستة في اثنين باثني عشر، وللجد ثمانية في اثنين بستة عشر، وللأخت أربعة في اثنين بثمانية. ثم تقسم على الإقرار، فمن كان له شيء من ثمانية عشر أخذه مضروباً في ثلاثة للزوج تسعة في ثلاثة بسبعة وعشرين نفعه إقرارها بالأخ بتسعة أسهم، وللأم ثلاثة في ثلاثة بتسعة، فلا تقبل شهادتهما عليها، وللجد ثلاثة في ثلاثة بتسعة، فلا يقبل إقرارها عليه -أيضاً-، ولها واحد في ثلاثة بثلاثة، وللمقر به اثنان في ثلاثة بستة، فتأخذ الأخت من الثمانية التي في يديها من مسألة الإنكار ثلاثة، فتستفضل خمسة يقتسمها الزوج والأخ المقر به على نحو ما أقرت لهما، يضرب فيها الزوج

بتسعة، والأخ بستة، والتسعة والستة تتفقان بالأثلاث فيرجع الزوج إلى ثلاثة، والأخ إلى اثنين، والخمسة منقسمة على الخمسة للزوج ثلاثة، وللأخ اثنان. وعلى قول أهل العراق: إن أقر الزوج خصم ما بيده من مسألة الإنكار إلى ما في يد الأخت منها ثم اقتسما ذلك مع الأخ المقر به على ما يجب لهم من مسألة الإقرار وفي أيديهما من مسألة الإنكار ثلاثة عشر، ويجب لهم من مسألة الإقرار اثنا عشر، وثلاثة عشر لا تنقسم على اثني عشر ولا توافقها، فاضرب اثني عشر في أصل الفريضة، وهي سبعة وعشرون تكن ثلاثمائة وأربعة وعشرين، من كان له شيء من سبعة وعشرين أخذه مضروباً في اثني عشر، ومن كان له شيء من اثني عشر أخذه مضروباً في ثلاثة عشر المنكسرة. وإن لم يقر الزوج جمع ذلك على حساب ما لو أقر، وضرب وقسم، ثم نظر فإن فضل له شيء وقف عليه، وإن كان عليه الدرك لم يتبع بشيء. وهذه المسألة قد علمت ما فيها من الاختلاف، فإن أردت عملها على كل قول، فاعمل على ما بينت لك، تقف على الصواب إن شاء الله تعالى.

فإن تركت أماً وجداً وأختاً شقيقة، فأقر أحدهم بزوج. فهي في الإنكار: خرقاء، وفي الإقرار تصير: غراء. فهي على مذهب زيد: في الإنكار من تسعة، وفي الإقرار من سبعة وعشرين، فتسعة داخلة في سبعة وعشرين فاقسمها على الإنكار للأم تسعة، وللجد اثنا عشر، وللأخت ستة، ثم تقسم على الإقرار للزوج تسعة، وللأم ستة، وللجد ثمانية، وللأخت أربعة، فأيهم أقر به دفع إليه ثلث ما في يديه، فإن أقرت الأم دفعت إليه ثلاثة، وإن أقر الجد دفع إليه أربعة، وإن أقرت الأخت دفعت إليه اثنين. وفي قول أهل العراق: في الإقرار والإنكار على مذهب زيد في الغراء والخرقاء إن أقر به الجد فاقسم ما في يديه على سبعة عشر للجد ثمانية، وللزوج تسعة، تصح عندهم على إقرار الجد من مائة وثلاثة وخمسين، وإن أقرت به الأخت قاسمته ما في يديها على ثلاثة عشر، له تسعة، ولها أربعة، تصح من مائة وسبعة عشر. والأصل عندهم كما بينا قبل هذا أنك تجمع سهم المقر والمقر به من مسألة الإقرار، فتقسم عليه ما في يد المقر من مسألة الإنكار. والاختلاف في هذه المسألة كثير؛ لاختلاف الناس في الغراء والخرقاء.

[فصل 4 -] في ذكر المناسخة في الإقرار والإنكار إذا ترك ابنين فتوفي أحدهما وترك بنتاً، ثم أقر الحي بأخ له. فأصلها في الإنكار من اثنين، مات أحدهما عن سهم وترك ابنته وأخاه، فريضته من اثنين، وتركته واحد لا يتجزأ على اثنين، فاضرب اثنين في مسألة الإنكار تكن أربعة، ومسألة الإقرار من ثلاثة. مات أحدهم عن سهم وترك ابنته وأخويه. تصح فريضته من أربعة، وتركته واحد لا يتجزأ على أربعة، فاضرب أصل الفريضة ثلاثة في أربعة تكن اثنا عشر، ومسألة الإنكار أربعة داخلة في اثني عشر، فاقسم الاثنا عشر على الإنكار وهي اثنان، فلكل واحد ستة، فمات أحد الابنين عن ستة وترك ابنته وأخاه، فتأخذ لابنته ثلاثة، ولأخيه ثلاثة، صار في يد الأخ من أبيه وأخيه تسعة، ثم اعتبرها على الإقرار فاقسم الاثنا عشر على ثلاثة يكن لكل واحد أربعة.

مات أحدهم عن أربعة وترك ابنته وأخويه. لابنه اثنان، ولأخويه واحد واحد، فصار في يد المقر من أبيه وأخيه خمسة فيأخذها من التسعة التي له من مسألة الإنكار، فيفضل له أربعة يدفعها إلى الأخ المقر به. وعلى قول أهل العراق: يدفع إليه نصف ما في يديه، وفي يديه من مسألة الإنكار ثلاثة لا تنقسم على اثنين، فاضرب اثنين في أربعة تكن ثمانية، لابنة الميت اثنان، وللمقر ثلاثة، وللمقر به ثلاثة. ولو كان إنما أقر الحي بأخت لهما فهي في الإنكار بعد موت الأخ من أربعة، وفي الإقرار أصل المسألة الأولى من خمسة. مات أحدهما عن سهمين، وترك ابنته وأخاه وأخته. تصح فريضته من ستة، وتركته اثنان غير منقسمة على ستة وتوافقهما بالنصف، فاضرب نصف الستة ثلاثة في أصل الأول وهي خمسة تكن خمسة عشر، ثم ارجع إلى مسألة الإنكار وهي أربعة، فقل: أربعة لا تساوي خمسة ولا تدخل فيها ولا توافقها بجزء، فاضرب أربعة في خمسة عشر تكن ستين، فاقسمها على الإنكار وهي أربعة فلكل سهم خمسة عشر، فللمقر خمسة وأربعين، ولابنة الميت خمسة عشر، ثم اقسم للبنتين على الإقرار على خمسة لكل سهم اثنا عشر، فللذكر أربعة وعشرون، ولأخيه أربعة وعشرون، وللأخت اثنا عشر.

مات أحدهم عن أربعة وعشرين، وترك ابنته وأخاه وأخته. فلابنته اثنا عشر، ولأخته ثمانية، ولأخته أربعة، صار للمقر اثنان وثلاثون فيأخذها مما في يديه من مسألة الإنكار وذلك خمسة وأربعون، فيستفضل ثلاثة عشر يدفعها للمقر بها. وعلى قول أهل العراق: يدفع إليها ثلث ما في يديه، وفي يديه ثلاثة يدفع إليها واحداً، تصح من أربعة. [فصل 5 -] في ذكر الاستهلال في الإقرار والإنكار لو أن رجلاً هلك وترك أخوين وزوجة حاملاً، فولدت ولداً ذكراً، فزعمت أنه استهل صارخاً فمات، ثم صدقها أحد الأخوين وأنكر الآخر استهلال الولد. فهي على الإنكار تصح من ثمانية للزوجة الربع اثنان، ولكل أخ ثلاثة. وعلى الإقرار أصلها من ثمانية للزوجة الثمن واحد، ويبقى للابن سبعة. مات عن سبعة، وترك أمه وعميه. فلأمه الثلث، ولعميه الثلثان، تصح من ثلاثة، وتركته سبعة لا تنقسم على ثلاثة ولا توافقها بجزء، فاضرب ثلاثة في أصل الفريضة ثمانية تكن أربعة وعشرين، ثم قل: ثمانية مسألة الإنكار داخلة في أربعة وعشرين فاقسمها على الإنكار للزوجة الربع

ستة ولكل أخ تسعة، ثم اعتبرها على الإقرار للزوجة الثمن ثلاثة، يبقى واحد وعشرون للابن. مات عنها فلأمه ثلثها سبعة، ولكل عم سبعة، وقد كان في يد المقر في مسألة الإنكار تسعة، استفضل اثنان يدفعها إلى الزوجة، فيصير الواجب لها ثمانية، وللمقر سبعة وللمنكر تسعة. وعلى قول أهل العراق: في يد المرأة والمقر سبعة من مسألة الإنكار فاقسمها على ما يجب لهما من مسألة الإقرار وذلك سبعة عشر، للمرأة عشرة، وللمقر سبعة، وخمسة لا تنقسم على سبعة عشر ولا توافقها، فاضرب سبعة عشر في مسألة الإنكار وهي ثمانية تكن مائة وستة وثلاثين، للمنكر ثلاثة في سبعة عشر بأحد وخمسين وللمقر سبعة من سبعة عشر في الخمسة المنكسرة بخمسة وثلاثين، وللمرأة عشرة في خمسة بخمسين. ولو كانت إنما ولدت بنتاً فادعت أنها استهلت صارخة فصدقها أحد الأخوين وكذبها الآخر. فهي في الإنكار تصح من ثمانية، وأصلها في الإقرار من ثمانية، تصح من ستة عشر للزوجة الثمن اثنان، وللبنت النصف ثمانية، ولكل أخ ثلاثة. ماتت البنت عن ثمانية وتركت أمها وعميها.

ففريضتها من ثلاثة، وتركتها ثمانية لا تنقسم على ثلاثة ولا توافقها، فاضرب ثلاثة في ستة عشر مسألة الإقرار تكن ثمانية وأربعين، ثم قل: ثمانية مسألة الإنكار داخلة في ثمانية وأربعين، فاقسم ثمانية وأربعين على الإنكار للزوجة الربع اثنا عشر، ولكل أخ ثمانية عشر، ثم اقسمها على الإقرار للزوجة الثمن ستة، وللبنت النصف أربعة وعشرون، ولكل أخ تسعة. ماتت البنت عن أربعة وعشرين. فلأمها ثلثها ثمانية، ولكل واحد من عميها ثمانية، فصار للمقر سبعة عشر، وكان في يديه في الإنكار ثمانية عشر، استفضل واحد يدفعه إلى الأم فيصير لها ثلاثة عشر، وللمقر سبعة عشر، وللمنكر ثمانية عشر. وعلى قول أهل العراق: يجمع ما في يد المرأة والمقر من مسألة الإقرار يكن ذلك أحد وثلاثين، فاقسم عليها ما لهما من مسألة الإنكار وذلك خمسة، وخمسة لا تنقسم على أحد وثلاثين ولا توافقها، فاضرب الأحد والثلاثين في مسألة الإنكار ثمانية تكن مائتان وثمانية وأربعون، ثم قل: من كان له شيء من ثمانية أخذه مضروباً في أحد وثلاثين، ومن كان له شيء من أحد وثلاثين أخذه مضروباً في الخمسة المنكسرة، فللمنكر ثلاثة من ثمانية في أحد وثلاثين بثلاثة وتسعين، وللمقر

سبعة عشر من أحد وثلاثين في خمسة بخمسة وثمانين، وللمرأة أربعة عشر في خمسة بسبعين، كان مثل الجميع مائتان وثمانية وأربعون. وما أشبه هذا فله حكمه، وبالله التوفيق. [فصل 6 -] ذكر إقرار أحد الورثة بوارث بعد وارث إذا ترك ابناً فأقر الابن بأخ له، فإنه يعطيه نصف جميع المال عند جميع أهل العلم. فإن أقر بعد ذلك بأخ ثان فقد اختلف في ذلك: فذهب سحنون إلى حكمهما كحكم ولدين ثابتي النسب، أقر أحدهما بأخ ثالث لهما، فيدفع إليه ثلث ما في يديه، وكذلك لو أقر برابع وبخامس فإنه يدفع إليه الذي يستفضل بعد إقراره ويمسك ما زعم أنه يجب له. وذكر أن هذا معنى قول ابن القاسم وغيره. وقال أشهب: لا ينظر في هذا إلى ما يجب للمقر، وإنما ينظر إلى ما يجب للمقر به؛ لأن جميع المال كان في يد المقر، وكان قادراً أن يقر بهما جميعاً معاً، فلا يتلف على المقر به الثاني شيئاً مما يجب له. فإذا أقر بثالث لهم، فقد أقر أن الذي يجب للثالث ثلث جميع المال فيدفع ذلك إليه، ويبقى في يده السدس.

فإن أقر برابع فإنه يعطيه السدس الذي بيده، ويغرم له من ماله تمام ربع جميع المال، وهو نصف سدس. وكذلك إن كان أقر بخامس فإنه يغرم له من ماله مثل خمس جميع المال. ثم على هذا يكون العمل سواء. وسواء كان غرم للأول ما كان يجب له قبل إقراره بالثاني أو لم يغرم، وسواء كانت غرامته للأول بقضاء قاض أو بغير قضاء، وسواء أقر بالأول وهو يعلم بالثاني أو لم يعلم؛ لأن جميع المال كان في يديه، فقد أتلف على المقر به الآخر حقه أو بعض حقه بعمد أو خطأ؛ لأن الخطأ والعمد في أموال الناس سواء. وقال أهل العراق: إن كان دفع للأول بقضاء قاض دفع إلى الثاني نصف ما بقي في يديه، ولم يتبع بما دفع للأول، وإن كان دفعه بغير قضاء غرم للثاني جميع ما يجب له من جميع المال، مثل ما قال أشهب. وإن كان حين أقر بالثاني أنكر الأول، وقال: كنت فيه كاذباً.

فقال سحنون: يقاسم الثاني ما بقي في يديه نصفين. وكذلك يقول أهل العراق إذا كان دفعه للأول بقضاء. وعلى قول أشهب: يدفع إلى الثاني النصف الذي بقي في يديه كله. وكذلك يقول أهل العراق إذا كان دفعه بغير قضاء. وإن أقر بثالث وأنكر الأول والثاني. فعلى مذهب سحنون: يقاسم الثالث ما بقي في يديه نصفين -أيضاً-. وهو قول أهل العراق إذا دفع للأول والثاني بقضاء. وعلى مذهب أشهب: يدفع للثالث -أيضاً- مثل نصف جميع المال. وهو قول أهل العراق إذا كان دفعه إلى الأوليين بغير قضاء. [فصل 7 -] في إقرار أحد الورثة بوارثين يصدقه بعضهم في أحدهما إذا ترك ابنين فأقر أحدهما بأخوين لهما فصدقه أخوه في أحدهما. فعلى قول أهل المدينة: إذا كانا عدلين ثبت نسب المصدق به بشهادة

أخويه له فصار وارثاً وموروثاً. وإن كانا غير عدلين أو أحدهما غير عدل لم يثبت نسبه إذ لا تثبت الأنساب بشاهد ويمين، ولكن يأخذ مما في أيديهما ما استفضل كل واحد منهما كما يأخذ الذي لم يصدق من المقر. ووجه العمل في هذا أنك تقول: أصل الفريضة في الإنكار من اثنين، وفي التصديق من ثلاثة، وفي الإقرار من أربعة، واثنان داخلان في الأربعة، فاضرب ثلاثة في أربعة تكن اثني عشر، فاقسمها على الإنكار فيحصل لكل ابن ستة، ثم على التصديق يجب لكل ابن أربعة، فقد استفضل المصدق سهمين مما في يديه يدفعهما للمصدق به خاصة. ثم اقسمها على الإقرار يجب لكل ابن ثلاثة، فقد استفضل المقر ثلاثة يدفعها للمقر به والمصدق به يقتسمانها نصفين عند أكثر أهل المدينة، وثلاثة لا تنقسم على اثنين، فتضرب اثنين في اثني عشر تكن أربعة وعشرين، فمن كان له شيء من اثني عشر أخذه مضروباً في اثنين، ومن كان له شيء من اثنين أخذه مضروباً في ثلاثة، فللمصدق أربعة في اثنين بثمانية، وللمصدق به اثنان في اثنين بأربعة وله واحد في ثلاثة

بثلاثة، فصار في يده سبعة وللمقر به واحد في ثلاثة بثلاثة وللمقر ثلاثة من اثني عشر في اثنين بستة. فإن كان المصدق به مقراً بأخيه المقر به دفع إليه ما استفضل على ربع جميع المال وذلك واحد، وإن كان منكراً لم يدفع إليه شيئاً. وذكر عن إسماعيل القاضي أنه قال: إنما يضرب المصدق به فيما استفضل المقر بما بقي له مما أقر له به المقر بعد الذي أخذه من يد المصدق به. ففي هذه المسألة يقول المقر به للمصدق به: أقر لك المقر بثلاثة، ولي ثلاثة، ووصل إليك من الثلاثة الاثنان التي أخذت من المصدق لك، وبقي لك واحد فتضرب به، واضرب أنا بالثلاثة كاملة فثلاثة لا تنقسم على أربعة فتضرب الاثني عشر في أربعة تكن ثمانية وأربعين، فمن كان له شيء من اثني عشر أخذه مضروباً في أربعة، ومن كان له شيء من أربعة أخذه مضروباً في الثلاثة المنكسرة، فللمصدق أربعة في أربعة بستة عشر، وللمصدق به اثنان في أربعة بثمانية، وله واحد من أربعة في ثلاثة، فيحصل له أحد عشر، وللمقر ثلاثة في أربعة باثني عشر، وللمقر به ثلاثة من أربعة في ثلاثة بتسعة.

وعلى قول أهل العراق: يقول المقر للمصدق به: لو لم يصدقني أخي فيك قاسمتك ما في يدي مع المقر به على ثلاثة لكل واحد منا سهم، فلما صدقني فيك حمل عني نصف سهمك، وبقي لك نصف سهم ولي سهم وللمقر به سهم، فيقسم المقر ما في يديه وهو نصف جميع المال على خمسة، فإذا انقسم نصف المال على خمسة كان جميعه عشرة، في يد المقر خمسة له منها اثنان، وللمقر به اثنان، وللمصدق به واحد يضيفه إلى الخمسة التي في يد المصدق فتصير ستة فيقسمانها نصفين للمصدق ثلاثة، وللمصدق به ثلاثة. وفيها قول آخر تركته. فإن هلك وترك أخوين شقيقين أو لأب، فأقر أحدهما بأخ وأخت لهما بصدقه أخوه في الأخ خاصة، ولم يكونا ممن يثبت النسب بهما. فأصلها في الإنكار من اثنين، وفي التصديق من ثلاثة، وفي الإقرار من سبعة ولا تتفق الأعداد بشيء فاضرب اثنين في ثلاثة ثم في سبعة تكن اثنين وأربعين فقسمها على الإنكار يكون لكل أخ أحد وعشرون، ثم على التصديق يكون لكل أخ أربعة عشر، وقد استفضل المصدق سبعة يدفعها للمصدق به، ثم اقسمها على الإقرار يكن لكل أخ اثنا عشر، وللأخت ستة، فقد استفضل المقر تسعة يدفعها إلى المقر بهما.

فعلى قول الجماعة: يقسم بينهما على ثلاثة للمصدق به ستة يصير في يديه ثلاثة عشر، وللمقر بها ثلاثة. وإن كان المصدق به مقراً بها دفع إلى أخته ما استفضل على سبعي جميع المال وذلك واحد يصير لها أربعة ثم ينقطع إلى نصفها؛ لاتفاق ما في أيديهم بالأنصاف. وإن لم يقر بها لم يدفع إليها شيئاً، وبقيت من اثنين وأربعين. وعلى ما ذكر عن إسماعيل القاضي، تقول الأخت المقر بها للمصدق به: أقر لك المقر باثني عشر وصل إليه منها سبعة، وبقي لك خمسة فيها تضرب، وإن أقر بتسعة فيها تضرب، فتقسم التسعة التي استفضلها المقر على أحد عشر فهي لا تنقسم ولا توافق، فتضرب الأحد عشر في اثنين وأربعين تكن أربعمائة واثنين وستيتن، ثم قل: من كان له شيء من اثنين وأربعين أخذه مضروباً في أحد عشر، ومن كان له شيء من أحد عشر أخذه مضروباً في تسعة المنكسرة، فللمصدق أربعة عشر في أحد عشر بمائة وأربعة وخمسين، وللمصدق به سبعة في أحد عشر بسبعة وسبعين، وله خمسة في تسعة بخمسة وأربعين فصار له مائة واثنان وعشرون، وللمقر اثنا عشر في أحد عشر بمائة واثنين وثلاثين، وللأخت ستة في تسعة بأربعة وخمسين، ثم تتفق الأعداد التي في أيدهم بالأنصاف فتتقطع الفريضة إلى نصفها، ونرجع كل واحد إلى نصف ما كان له.

وعلى قول العراقيين: يقول المقر للمصدق به: لو لم يصدقني أخي فيك قاسمتك ما في يدي مع أختنا على خمسة، فلما صدقني أخي فيك حمل عني نصف سهمك وذلك واحد، وبقي لك سهم ولي سهمان ولأختنا سهم، فيقسم المقر ما في يديه وهو نصف المال على أربعة له سهمان، وللمصدق به سهم، وللأخت سهم، فيضيف المصدق به ذلك الواحد إلى ما في يد المصدق فيصير خمسة فلا ينقسم على اثنين، فتضرب اثنين في أصل الفريضة ثمانية تكن ستة عشر، للمقر أربعة، وللمقر بها اثنان، وتبقى عشرة بين المصدق والمصدق به لكل واحد خمسة. هذا وجه العمل في هذا فقس عليه ما يشابهه. [فصل 8 -] إقرار الورثة بوارث فيصدقهم ثم يقول معي [ما] يصيبني إذا ترك أمه وعميه، فيقر العمان بأخ لهما وصدقتهم الأم، فيقول العم المقر به: صدقتم، ولكن بيدي من تركة ابن أخي مثل ما يصيبني من ميراثه. فذكر ابن شفاعة وشيخنا عتيق الفقيه رحمهما الله فيها عملا فيه تطويل وبعد

وما علمت وجهه، ثم ظهر لي في ذلك عمل أخصر من ذلك وأبين في الفقه، والله عز وجل أعلم. وبيانه: أن الورثة لما أقروا كلهم بالعم فكأن الميت ترك ثلاثة عمومة وأمه. فأصل فريضته من ثلاثة، تصح من تسعة للأم الثلث ثلاثة، ولكل عم اثنان. فلما قال المقر به: معي نصيبي فأسقط سهمين من التسعة التي صحت منهما الفريضة، تبقى سبعة فمنها تصح فريضة الثابت النسب للأم الثلث ثلاثة، ولكل عم اثنان. ولو تركت زوجها وابناً وبنتاً، فيقر الابن والبنت بأخ لهما، ويصدقهما الزوج، فيقول المقرب به: صدقتم، ولكن معي نصيبي. فهي على إقرارهم تركت زوجها وابنيها وبنتها، فللزوج الربع وما بقي مقسوم على خمسة، تصح من عشرين للزوج الربع خمسة، ولكل ابن ستة، وللبنت ثلاثة، فاسقط سهم الذي قال معي نصيبي وذلك ستة تبقى أربعة عشر، منها تصح فريضة الباقين، وعليها يقسمون تركة الميت للزوج خمسة وللابن الثابت النسب ستة وللبنت ثلاثة.

وصفة عمل ابن شفاعة وشيخنا عتيق رحمهما الله تعالى: هو أن تقام فريضة الإنكار وذلك أربعة للزوج واحد، وللابن اثنان، وللبنت واحد، وفريضة الإقرار من عشرين للزوج خمسة، وللبنت ثلاثة، وللابن ستة، وللمقر به ستة، فاطرح نصيب المقر به من عشرين تبقى أربعة عشر وانسب الستة منها فهي ثلاثة أسباعها، فزد على فريضة الإنكار مثل ثلاثة أسباعها فأربعة لا سبع فيها فاضربها في سبعة ليكون لها سبع تكن ثمانية وعشرين، فاحمل عليها ثلاثة أسباعها وذلك اثني عشر تكن أربعين سهماً، فاقسم الأربعة بينهم يكون للزوج الربع عشرة، ولكل ابن اثنا عشر، وللبنت ستة، ثم أزل الاثني عشر التي حملت، واقسم الثمانية والعشرين بينهم على الإنكار للزوج سبعة وقد كان الواجب له في الإقرار عشرة بقي له ثلاثة، وللابن أربعة عشر وقد كان الواجب له في الإقرار اثنا عشر استفضل اثنين يدفعهما إلى الزوج، واستفضلت البنت واحداً تدفعه إلى الزوج فيصير له عشرة، فيتفق ما في أيديهم بالأنصاف، فتصح من أربعة عشر. هذه صفة عملهم، وهو عمل مطول لا معنى لذكره ولا فائدة فيه، وما ذكرنا أخصر وأبين.

وقد رأيت نحوه لابن المواز فاعتمد عليه: وهو أن تقيم المسألة على الإقرار ويسقط منها نصيب الذي قال معي نصيبي، فما بقي فمنه تصح المسألة. [فصل 9 -] إقرار بعض الورثة بوارث فيجحد المقر به إذا قيل لك: رجل بيده مال، زعم أنه ورثه عن أبيه، ثم أقر برجل أنه أخوه ووارث معه، فقال المقر به: أنا ابن الميت ووارثه، وهذا المال لي دونك. فقال أهل العراق: القول قول المقر، ويعطيه نصف ما في يده. وقال زفر بن الهذيل: يدفع المقر إلى المقر به جميع ما بيده؛ لأنهما قد اجتمعا على المقر به وارث. واختلف في ميراث المقر، فالذي اجتمعا على ميراثه أولى بالميراث. قال أبو بكر: ويحتمل عندي أن يكون للمقر ربع المال، وللمقر به ثلاثة أرباعه كمال تداعياه، فالمقر يقول: لي نصفه ولك نصفه، والمقر به يقول: بل لي جميعه، فالنصف للمقر به بلا منازعة، والنصف الثاني كل واحد منهما يدعيه لنفسه، فيقسم بينهما بعد أيمانهما، فيصير للمقر ربعه، وللمقر به ثلاثة أرباعه.

وهذا كله إذا لم يكن المقر ثابت النسب. وأما لو كان معروفاً أن الميت أبوه فلا يكون للمقر به إلا نصف المال بلا خلاف في ذلك. قيل: فلو كان المال بيد رجل فقال لرجل آخر: إن زوجتي فلانة توفيت فروثتها بالزوجية، وأنت أخوها لأبيها وإرثها معي، فقال المقر به: صدقت أنا أخوها، ولست أنت بزوجها. أو قالت امرأة: إن زوجي فلان توفي وورثته بالزوجية، وأنت أخوه لأبيه، فقال أخوه لأبيه: صدقت أنا أخوه ووارثه، ولست أنت له زوجة. فالمال للأخ في قول أهل العراق وقول زفر، ولا يرث الزوج ولا الزوجة منه شيئاً؛ لأن الزوج والزوجة يدعيان الميراث بسبب أحدثه الميت وهو النكاح، فلا يصدقان إلا ببينة إلا أن يصدقهما الوارث. ولذلك حكم الولاء كحكم الزوجية، وليس هذا كالإقرار في الأنساب. وكان الحسن بن خليفة النصلي يقول: ما حكم الزوج والزوجة وغيرهما في الإقرار إلا سواء يأخذ الزوج والزوجة ميراثهما، ويكون ما فضل للذي أقر به.

قال: ألا ترى لو أن رجلاً قال: أقبل قول زيد في النكاح ولا أقبله في النسب، لكان مثل قوله: أقبله في النسب ولا أقبله في النكاح. قال أبو بكر: وعلى طريق التداعي يكون للزوج الربع، والباقي للمقر به، وللزوجة الثمن، والباقي للمقر به. [فصل 10 -] في المقر به يقر بوارث إذا ترك ابنين فأقر أحدهما بابن ثالث، ثم أقر الثالث برابع. ففي قول ابن أبي ليلى: يدفع الابن المعروف إلى الابن الذي أقر به ثلث ما في يديه وهو سدس المال، وهو قول أهل المدينة، ثم يعطي الثالث للرابع ربع ما في يديه وهو ثمن ما في يديه ثلث جميع المال؛ وذلك أن الرابع يقول للثالث: لما أقرت به زعمت أن الواجب لي ربع جميع المال في يد المعروفين، في يد كل واحد منهما ثمن المال، فقد أخذت أنت من الذي أقر لك سدس المال، وإنما لك معه على إقرارك ثمن المال، فمعك فضل عن حقك وهو ثلث ثمن المال، فتصح من أربعة وعشرين في يد المنكر اثنا عشر، وفي يد المقر ثمانية، وفي يد الثالث ثلاثة، وفي يد الرابع واحد. وفي قول أبي حنيفة رحمه الله: يعطي المقر المعروف للذي أقر به وهو الثالث نصف ما في يديه وهو ربع المال، ثم يعطي هذا الثلث للرابع نصف ما في يديه

وهو ثمن جميع المال، تصح من ثمانية، ففي يد المنكر أربعة، وفي يد المقر اثنان وفي يد الثالث واحد، وفي يد الرابع واحد. والله الموفق للصواب، وهو حسبنا ونعم الوكيل تم كتاب الفرائض الأول بحمد الله وحسن عونه والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه وسلم تسليما

كتاب الفرائض الثاني

كتاب الفرائض الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه كتاب الفرائض الثاني [الباب الأول] ذكر المواريث بالولاء وتصرف وجوهها والاختلاف فيه قال أبو بكر محمد بن عبد الله بن يونس رحمه الله: قد تقدم في كتاب الولاء والمواريث مسائل الولاء ووجوهها وشيء من الاختلاف فيها فأغنى عن إعادتها، وأنا أذكر ههنا بقية القول في مسائل الولاء وما يتعلق بها والاختلاف فيها إن شاء الله. [فصل 1 - أقسام الولاء] اعلم أن اسم الوالي في كلام العرب على ثلاثة أقسام: أحدها: الوصية، قال الله عز وجل: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} [النساء:33]. وقال تعالى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم:5]. قال ابن عباس في تفسيره: يعني بالموالي [الورثة وهم] العصبة. والقسم الثاني: موالي الموالاة والمعاقدة ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ} [التحريم:4] يريد: وليه وناصره.

وقد كان في أول الإسلام يوالي الرجل الرجل فيقول: هدمي هدمك، ودمي دمك ترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، فنسخ الله ذلك بقوله: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال:75]. والقسم الثالث: موالي النعمة، وهم المعتقون قال الله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء:33] ولا خلاف أن ولي النعمة له في الدم سلطان. وقد كان زيد بن حارثة يدعى زيد بن محمد فأنزل الله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب:5]. وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الولاء لمن أعتق)، ونهى عن بيع الولاء وهبته. وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب أقروه حيث جعل الله".

[فصل 2 - حكم الولاء] واتفق علماء الأمصار جميعاً أن الولاء نسب ثابت للمعتق من معتقيه، وأن حكم المولى المعتق حكم العصبة يعقل عن مولاه من أسفل ويرثه إن لم يكن له عصبة، ولا مولى دونه، وأن الولاء لا يباع ولا يوهب ولا ينتفى ... ؛ لأنه كالنسب. وقد رويت في ذلك أحاديث كثيرة بطول ذكرها. وما روي عن عثمان وزيد وابن عباس رضي الله عنهم أنهم أجازوا هبة الولاء، منهم من أجاز بيعه ليس ذلك ثبات عنهم. والصحيح ما ثبت عن النبي -عليه السلام- في بيع الولاء وهبته من المنع، وعلى ذلك فقهاء الأمصار جميعاً. وقال ... لا يجوز بيع الولاء ولا هبته. فصل [3 - ذكر من يرث بالولاء] واعلم أن الولاء لا ينبسط في الميراث كانبساط القربى ولا يجري مجراه، وإنما يرثه العصبة خاصة وهم: ذكور ولد المعتق وإن سفلوا، ولا يرث أحد من الزوجين ولا الأخوة للأم ولا النساء من ولاء من أعتقه غيرهم.

وقد جاء عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم أنهم قالوا: الولاء للكبر. ولا خلاف في هذه الجملة بين علماء الأمصار. ولم يختلف أيضاً أنه إذا مات المعتق ولم يختلف وارثاً له برحم فإن مولاه الذي أعتقه أحق بميراثه. واختلف إن مات السيد المعتق أولاً وخلف ورثه يرثون الولاء ثم مات العبد المعتق؟ فذهب مالك والحنفي والشافعي وجمهور الفقهاء أن الولاء يستحق أقرب الناس من السيد المعتق يوم مات العبد المعتق، ولا ينظر إلى من حازه ثم مات السيد المعتق. وذهب آخرون: إلى أن ورثة ما حازه يوم مات السيد المعتق أولاً. وبيان ذلك: لو أن رجلاً هلك وترك أخاً شقيقاً وأخاً لأب وترك مولى، فولاء المولى للأخ الشقيق؛ لأنه أقرب، وإن مات هذا الشقيق وترك ابناً ثم مات المولى فميراثه على قول الجماعة لأخ مولاه لأبيه دون ابن أخي مولاه شقيقه؛ لأن أخا مولاه أقرب من ابن أخيه. وعلى القول الآخر: المال لابن الأخ الشقيق؛ لأن أباه أحرز ولاءه، فمن أحرز الولاء فقد أحرز الميراث، والصواب ما تقدم.

وقد جاء الخبر أن علياً وزيداً قالا في رجل ترك أخاً شقيقاً وأخاً لأب ومولى: أن الولاء للأخ الشقيق فإن هلك الأخ وترك ابنه وأخاه لأبيه فإن الولاء للأخ للأب، فإن مات الأخ للأب وترك ابناً فإن ولاء المولى لابن الأخ الشقيق دون ابن الأخ للأب. ولما مات عثمان -رضي الله عنه- ترك ابنيه عمراً وأبان فورثا ماله وولاءه مواليه، ثم مات عمرو فخلص الولاء لأبان دون ولد عمرو ثم توفي أبان فصار الولاء بين ولد أبان وولد عمرو سواء. وعلى هذا إذا مات رجل وترك ابنين فورثا ولاء مواليه فمات أحدهما وترك ابناً، ومات الآخر وترك عشرة من البنين، فإن الولاء بين بني البنين على أحد عشر سهماً. وعلى القول الآخر يكون الولاء بين بني البني بنصفين، لابن الابن الواحد النصف؛ لأن أباه قد حاز نصف الولاء، وللعشرة بني الابن الآخر النصف، تصح من عشرين إن مات حينئذ المولى ولا فرق عند هذا القائل بين وارثه المال وبين وارثة الولاء؛ لأنهم يقولون من أحرز الولاء فقد أحرز الميراث. ويلزمهم على هذا القول أن يورثوا النساء من الولاء، وهذا خلاف الإجماع.

[الباب الثاني] باب من أحق بولاء الموالي من سائر العصبات

[الباب الثاني] باب من أحق بولاء الموالي من سائر العصبات [فصل 1 - الابن أولى من الأب] إذا أعتق السيد عبداً ثم مات السيد وترك ابنه وأباه، ثم مات المعتق فإن ما ترك لابن مولاه دون أبي مولاه. وكذلك لو ترك ابن ابن مولاه وإن سفل أحق بالولاء من أبي مولاه. واحتج من ذهب إلى هذا بأن الولاء إنما يرثه العصبة ولا يرثه أصحاب الفرائض المسماة، والأب ههنا ذو فرض مسمى وكذلك الجد، والابن هو عصبة يوجب أن يكون أولى. وذهب آخرون إلى أن للأب السدس وما بقي فللابن، وكذلك إن كان مكان الأب جداً نزلوه بمنزلة وارثه النسب. والقول الأول أولى لما بيناه. [فصل 2 - الأب أولى من الأخ، وذكر الخلاف في الجد] وإن ترك أباً مولاه وأخاً مولاه شقيقه، فالمال لأبي مولاه دون أخيه في قول الجميع. فإن ترك جد مولاه وأخاً مولاه ففيها ثلاثة أقوال: أ؛ دها: من جعل الجد أباً جعل المال للجد. والثاني: أن يكون المال بين الأخ والجد بنصفين على مذهب من ورث الأخوة مع

الجد، وجعل ميراث الولاء كميراث القرابة. والثالث: أن المال للأخ دون الجد، وهو قول أهل المدينة ومالك وأصحابه، وبه قال الشافعي. وكذلك عندهم أن ابن الأخ أولى من الجد وإن سفل. وحجتهم في ذلك أن الولاء إنما يستحقه الأقرب من العصبة والأخ وابن الأخ أقرب إلى من الجد؛ لأن الذي يتقرباه به جميعاً هو الأب، ولو كان الأب هو المعتق لكان ابنه وهو الأخ وابن ابنه وإن سفل وهو ابن الأخ أولى من أبيه وهو الجد. قال شيخنا أبو بكر عتيق الفقيه الفرضي: قد بلغني أن ابن اللباد الفارض طرد هذا الأصل، فقال في عم وأبي جد: أن العم أولى من أبي الجد؛ لأن العم وأبا الجد إنما يفترقان بالجد فلو كان الجد هو المعتق لكان ابنه وهو العم وابن ابنه وإن سفل أولى من أبيه وهو أبو الجد. وذكر ابن شفاعة هذه الأقوال واختار أن الجد أولى؛ لأن من مذهبه أن الجد كالأب يرث ما يرثه الأب ويحجب ما يحجبه الأب، وعاب ما ذهب مالك إليه وقال: لا نعلم من ذهب إليه. وقد ساوى مالك والشافعي بين الأخ والجد في باب المواريث وجعلا الجد أولى من ابن الأخ، فكذلك يجب أن يقولوا في الولاء وإلا كانت مناقضة. قال: وإنما الناس في هذا على قولين: أحدهما: أن ميراث الولاء كله للجد. والآخر: أنه بينه وبين الأخ. ولم يختلفوا في الميراث لابن الأخ مع الجد.

وهذا من ابن شفاعة غلط أن يكون مالك وأهل داره الهجرة ومن أدرك مالك من التابعين مخالفين للصحابة أجمعين جهلاً بقولهم أو تعمداً لخلافهم، وهذا مما يغني عن الاحتجاج عليه. [فصل 3 - فيمن يستحق الولاء إذا اختلفت درجة القرابة] واعلم أن ولدك وإن سفلوا أولى من ولد أبيك، وأن ولد أبيك وإن سفلوا أولى من ولد جدك، وأن الأخ الشقيق أولى بالولاء من الأخ للأب، وأن الأخ للأب أولى من ابن الأخ الشقيق، وكذلك العم الشقيق أولى من العم للأب والعم للأب أولى من ابن العم الشقيق هكذا إن استوت الدرجة فالشقيق أولى، وإن اختلفت فالأعلى أولى على ما قدمنا في ميراث القرابة.

[الباب الثالث] باب ميراث مولى المرأة

[الباب الثالث] باب ميراث مولى المرأة [فصل 1 - لمن يكون ولاء مولى المرأة] وإذا أعتقت المرأة عبداً لها ثم ماتت ثم مات مولاها الذي أعتقت فاختلف لمن يكون ولاء مولاها؟ فذهب أهل المدينة ومالك وأبو حنيفة وأكثر أهل العلم أن ولاء مولاها لبنيها جناية فعقلها على عصبة أبيها وجدها، فإذا انقرض ولدها وولد ولدها رجع ولاء المعتق إلى عصبتها الذين عليهم العقل دون عصبة ولدها. فإن لم يكن لها عصبة وكانت مولاة، فالولاء لمواليها. وإن كانت عربية فلبيت مال المسلمين. واحتج من ذهب إلى هذا بحكم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في ولاء موالي عصبة بنت المطلب؛ وذلك أن الزبير ولدها وعلياً ابن أخيها رضي الله عنهما اختصما في ولاء مواليها. فقال الزبير: أنا ولدها وعصبتها وأولى بولاء مواليها منك يا علي. وقال علي: أنا ابن أخيها وعصبتها وأولى بولاء مواليها منك يا زبير. فقضى عمر بالولاء للزبير، وجعل العقل على علي وقومه.

وذهب آخرون إلى أن ولاء مواليهم لعصبتها الذين عليهم العقل. واحتجوا بما ذهب إليه علي، وقالوا: لو لم ير علي أن ذلك حق له لما نازع الزبير. وذهب آخرون إلى أن الولاء لبنيها وبني بنيها وإن سفلوا والعقل عليهم. وقالوا: كما يرثونهم فكذلك يعقلون عنهم، فإذا انقرض بنوها وبنو بنيها رجع الولاء لعصبتها، وكان العقل عليهم. وذهب آخرون إلى أن الولاء لبنيها وإن سفلوا والعقل عليهم، فإذا انقرضوا رجع الولاء والعقل لعصبتهم دون عصبتها؛ لأن بنيها قد أحرزوا ولاء مواليها كما أحرزوا ميراثها. وهذا القول أضعفها؛ لأنه إنما ينظر في ميراث الولاء يوم يموت المولى، فأخو مولاته وابن أخيها أولى من ابن زوجها الذي هو أخو ولدها لأبيه. والقول الأول أبينها، وهو الذي جرى به حكم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولم ينكر ذلك عليه أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولا يلزم أن الميراث لا يكون إلا حديث يكون العقل؛ ألا ترى أن المعتقة لو كانت حية فجنى مولاها جناية لكان عقلها على قومها وميراثه إن مات لها؛ ألا ترى أن الرجل لو مات لورثه بناته وأخواته، ولو جنى لكان عقل جنايته على قومه.

[الباب الرابع] باب ميراث المولى مع ذوي السهام أو ذوي الأرحام

[الباب الرابع] باب ميراث المولى مع ذوي السهام أو ذوي الأرحام [فصل 1 - ميراث المولى مع ذوي السهام] وإذا ترك الميت أصحاب فرائض لا يستوعبون ميراثه ولم يترك عصبة، وترك مولى من فوق أو مولى مولاه، فليأخذ أهل الفرائض فرائضهم وما بقي فلمولى النعمة يقوم مقام العصبة. وعلى هذا جمهور الأمصار مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وجماعة يكثر تعدادهم. واحتجوا بحديث عبد الله بن شداد أن ابنة حمزة بن عبد المطلب أعتقت رجلاً فهلك وترك بنتاً له ومولاته ابنة حمزة فأعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنت المعتق النصف، وأعطى ما بقي لمولاته بنت حمزة. فلما أعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مولاته النصف مع البنت وهي بذلك رحم ونسب وفرض منصوص، وكانت هذه حال المولى مع ذوي التجربة فحاله مع ذوي الأرحام الذين لا سهم لهم ولا هم عصبة أقوى، فيجب أن يكون المولى أولى بالميراث من ذوي الأرحام لهذه السنة. وإلى هذا ذهب علي وزيد وابن مسعود أن للمولى ما فضل عن ذوي السهام وهو أولى بجميع الميراث من ذوي الأرحام.

وما روي عن علي أنه رد على البنت مع المولى فغير صحيح، وقد قيل: أنه كان مولى مولاة لا مولى عتاق. والصحيح عنه وعن زيد وابن مسعود مثل ما تقدم. وذهب بعض أهل الكوفة إلا أن المولين لا يرثون مع ذوي الأرحام شيئاً كانت لهم سهام معلومة أو لم تكن، ويجعلون ذوي الأرحام أحق بميراث المتوفى من مواليه. وروي ذلك عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما. وقالوا: إنهما كانوا لا يرثان ذوي الأرحام دون الموالي، والصحيح عنهم ما قدمنا. ولو ثبت ما قالوه لكانت السنة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقدمة على ذلك. وقد أجمع المسلمون على توريث الموالي، واختلفوا في الرد على ذوي السهام وتوريث ذوي الأرحام. فإذا اجتمعوا فالمتفق على توريثهم أولى.

[الباب الخامس] باب عتق المسلم النصراني وعتق النصراني أو لنصراني أو مسلم

[الباب الخامس] باب عتق المسلم النصراني وعتق النصراني أو لنصراني أو مسلم [فصل 1 - لمن يكون ولاء عبد المسلم النصراني] وإذا أعتق المسلم عبداً له نصرانياً فولاؤه له لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الولاء لمن أعتق). فإن مات العبد المعتق بعد أن أسلم ولم يترك إلا مولاه ورثه بالولاء. وإن مات المعتق على نصرانية لم يرثه ماله لقوله -عليه السلام-: (لا يرث المسلم الكافر) وكان ميراثه لبيت مال المسلمين إن لم يكن له ثرابة يرثونه من أهل دينه. ولا خلاف في ذلك إلا قولة ذكرت عن أهل العراق وبعض أهل المدينة فإنهم قالوا: نرث أهل الكتاب ولا يرثونا، كما ننكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا. وإن كان لهذا النصراني قرابة من أهل دينه فاختلف أصحاب مالك في ميراثهم؟ فقال ابن القاسم: يرثه من قرابته كل من يرث المسلم من أقاربه كان ذلك الوارث معتقاً أو غير معتق. وروى أشهب عن مالك: أنه لا ميراث لقرابته منه وميراثه لبيت مال المسلمين. وقال أشهب عن مالك: أنه لا ميراث لقرابته منه من رأيه لا يرثه من قرابته إلا ولده خاصة، ولا يرثه أخ ولا غيره. وقال بعض أصحاب مالك -أيضاً-: يرثه من قر ابته كل من كان منهم أعتقه مسلم؛ لاستواء حاله وحال الميت في سقوط الحرية عنهما، واستحسن ذلك شيخنا عتيق.

فصل [2 - ولاء العبد النصراني لسيده النصراني] وإذا أعتق النصراني عبداً له نصراني فقد وجب له ولاؤه وثبت له كثبوت النسب، فإن مات العبد على نصرانيته ورثه مولاه بالولاء. وكذلك إن أسلما جميعاً ورثه مولاه لاتفاق دينهما، وإن أسلم أحدهما ثم مات العبد لم يرثه مولاه؛ لاختلاف دينهما، والولاء قائم بينهما كالنسب، كما لو أسلم ابن النصراني ثم مات أحدهما لم يتوارثا؛ لاختلاف الدينين. وإن كان النسب قائماً بينهما، فإن كان العبد هو الذي أسلم ولسيده النصراني قرابة مسلمة مثل ابن أو أخ أو عصبة كان ميراث هذا العبد المعتق لهم، وإن لم يكن لمولاه قرابة مسلمون ابن وأخ كان ميراثه لبيت مال المسلمين. وإن جنى جناية حملها بيت مال المسلمين. وإن أسلم سيده قبل موت العبد المعتق كان ميراثه له؛ لاتفاق الدينين، ولا خلاف في ذلك. فصل [3 - فيما إذا أسلم العبد قبل العتق] وإن أسلم العبد قبل العتق لم يكن إسلامه مزيلاً لملك سيده عنه ولكن ليس لسيده أن يستديم ملكه لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه" فلما كان كذلك وجب أن يباع عليه ويدفع إليه ثمنه، فإن لم يبع عليه حتى أسلم السيد أيضاً ثبت له ملكه ولم يبع عليه؛ لارتفاع العلة التي أوجبت بيعه. فإن لم يسلم السيد بعد إسلام العبد حتى يرد فأعتقه كان عتقه ماضياً؛ لأنه أعتق ملكه. واختلف هل له ولاية على العبد؟ فذهب أهل المدينة: إلى أن ولاءه لجميع المسلمين، ولا يكون ولاؤه لمن أعتقه.

واحتجوا في ذلك بأن قالوا: إنما منع النصراني أن يستديم ملك المسلم؛ لأن ذلك إذلال له وصغار، فلما منع من استدامة ملكه برد فأعتقه لتبقى له منه شعبة من شعب الرق وهو الولاء فألزمناه ما لزم نفسه ومنعناه من ولائه كما منعناه من استدامة ملكه، وكمنع القاتل الميراث؛ لأخذه له من غير وجهه. وذهب أهل العراق: إلى أن ولاءه لسيده النصراني الذي أعتقه، ولكن لا يرثه؛ لاختلاف الدينين، فإن أسلم ورثه. وحجتهم في ذلك قوله -عليه السلام-: "الولاء لمن أعتق". وقال أبو بكر: قال أصحابنا: وقد ثبت أن النبي -عليه السلام-، أمر بالعتق عن الميت، وأخير أن ذلك ينفعه، وليس للميت في هذا المعتق غير الولاء، فقد صح أن الولاء في هذا لغير من أعتق. ولقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مخان يشسه إليها من وفقه الله.

[الباب السادس] [باب] في عتق الرجل عن غيره بأمره أو بغير أمره وعتق السائبة

[الباب السادس] [باب] في عتق الرجل عن غيره بأمره أو بغير أمره وعتق السائبة [فصل 1 - إذا أعتق الرجل عبده من غيره فلمن يكون الولاء] إذا أعتق الرجل عبده من غيره. فقال مالك وأصحابه: أن ولاء العبد للرجل المعتق عنه كان بأمره أو بغير أمره، كان بجعل دفعه إلى رب العبد أو بغير جعل. واحتجوا في ذلك بما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن العتق عن الميت هل يفعل وهل ينفعه ذلك؟ فأمر بالعتق عنه وأخبر أن ذلك نافع له، وليس شيء يبقى بعد العتق ويلحق الميت إلا الولاء. قالوا: ومثل ذلك كرجل وجب عليه دين فقضاه عنه غيره بإذنه أو بغير إذنه أن ذلك سواء، وهم لا يختلفون أن الدين قد زال عمن قضي عنه. وذهب أهل العراق إلى أن قالوا: إن كان أعتقه عنه بأمره فالولاء لمن أعتق عنه، وإن كان بغير أمره فالولاء لسيده الذي أعتقه. وقال الشافعي: الولاء للسيد سواء أعتقه بأمر المعتق عنه أو بغير أمره إلا أن يكون بجعل أخذه رب العبد فيكون الولاء للمعتق عنه وكأنه اشتراه فأعتقه.

فصل [2 - في عتق السائبة] وكذلك اختلفوا في عتق السائبة وهو: أن يعتق الرجل عبده شكراً لله عز وجل فيقول: قد أعتقتك سائبة لله جل جلاله، أو يقول: قد سيبتك. واختلفوا في الولاء لمن يكون؟ ولم يختلفوا في نفاذ العتق. فذهب مالك وأصحابه: إلى أن الولاء فيه لجميع المسلمين؛ لأن المعتق كأنه أعتقه عن جميع المسلمين فيكون الولاء لهم. قال سحنون: وقد أعتق جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم سوائب فلم يرثوهم، وكان ميراثهم للمسلمين. وأن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: ميراث السائبة لبيت مال المسلمين. وكتب به عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله. وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن ولاء المعتق سائبة لمن أعتقه. وحجته في ذلك قوله -عليه السلام-: (الولاء لمن أعتق) ولمن يخص، فغير جائز أن يخص أحد ما لم يخصه صاحب الشريعة -عليه السلام-. ولا فرق بين قول الرجل لعبده: أنت حر سائبة ولا بين قوله: أنت حر ولم يقل سائبة؛ لأنه إذا أعتقه فقد سيبه. ولو كان لا يكون له ولاؤه لضارع ذلك ما سيب من الأنعام في الجاهلية؛ لأنهم حرموا الانتفاع بها، فنهى الله عز وجل عن ذلك لقوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} [المائدة:103] واحتج في ذلك المالكيون بأن قالوا: لو ضارع عتق

السائبة ما سيب من الأنعام لوجب رد عتقه كما رد ما سيب من الأنعام، وقد اتفقنا على إنفاذ عتق السائبة فدل أنه بخلاف ما سيب من الأنعام. وقد أجاز الصحابة رضوان الله عليهم عتق السائبة فدل أن النبي إنما رده فيما سيب من الأنعام؛ وذلك أن الجاهلية كانوا يقطعون أذن الناقة ويسمونها بحيرة ويعتقونها فتصير عندهم مالكة نفسها كملك بني آدم أنفسهم لا يحد ظهرها ولا لحمها. وأما السائبة فكانوا يسيبونها من غير تجديع. وأما الوصيلة فكانت عندهم التي تلد سبع إناث متواليات وتتصل بذكر فتسمى حينئذ وصيلة وتصير حرة مالكة نفسها. وأما الحامي فكان عندهم الذي يولد من ظهره عشرة ذكور فيقولون: قد حمى ظهره أن يركب أو يحمل عليه. فعاب الله عز وجل ذلك من فعلهم. وأجمع المسلمون أن من فعل هذا في الأنعام لا يخرجها إلا الحرية ولا يزيل ملك أربابها عنها. وأجمعوا -أيضاً- أن التسيب في بني آدم جائز مباح، وأن ذلك يخرجهم إلى الحرية ويزيل عنهم ملك أربابهم، فبان أنه بخلاف ما سيب من الأنعام فاعلم ذلك. وقد تقدم في كتاب الولاء. [فصل 3 -] ذكر العبد النصراني أنه يلحق بدار الحرب والنصراني يعتق عبداً نصرانياً مثله ثم ينقض العهد فيسبى فيشتريه عبده المعتق، أو النصراني يدخل بلاد الإسلام بأمان فيعتق عبيداً ويولد له أولاد ثم ينقض العهد فيسيبى ثم يعتق فيولد له أيضاً أولاداً ويعتق رقيقاً لمن يكون ولاء ذلك؟ كله مبيناً مشروحاً فأغنى ذلك عن إعادته، وكذلك تقدم القول في اللقيط وولائه. وقد تقدم في كتاب العتق من يعتق عن المرء إذا ملكه من أقاربه.

[الباب السابع] [باب] في ولاء الرجل يسلم على يدي الرجل وولاء المعاقدة، وميراث المولى الأسفل من الأعلى

[الباب السابع] [باب] في ولاء الرجل يسلم على يدي الرجل وولاء المعاقدة، وميراث المولى الأسفل من الأعلى [فصل 1 - في ولاء الرجل يسلم على يد مسلم] اختلف في الرجل يسلم على يدي الرجل هي يكون مولى لهم أم لا؟ فذهب مالك والحنفي والشافعي وجمهور أهل العلم إلى أنه لا يكون بذلك مولاه، ولا يرثه إن مات، ولا يعقل عنه. إلا أن أبا حنيفة قال: له أن يوالي من شاء فيكون مولى له يرثه ويعقل عنه. وقال إسحاق بن راهويه: يكون مولى للذي أسلم على يديه يرثه ويعقل عنه. والصواب القول الأول لقوله -عليه السلام-: (الولاء لمن أعتق). فصل [2 - في ولاء المعاقدة] واختلف في ولاء الموالاة والمعاقدة؟

فروي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وزيد بن ثابت: أنهما أبطلا ولاء الموالاة ولم يورثا به، ولم يثبت عن الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- ولا عن أسلافنا الماضين إثبات ولاء الموالاة. وبه قال مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة وأصحابه: الموالاة جائزة فمتى مات الموالي ولا وارث له ورثة الذي والاه وعقل عن جنايته. قالوا: وله أن يتحول عنه بولاية إلى من أحب فيكون مرة من بني هاشم ومرة من بني تميم ومرة من الأزد؛ وذلك كله ما لم يعقل عنه، فإذا عقل عنه لم يكن له أن يتحول بولاية إلى أحد. والقول الأول أولى، وإنما يكون الولاء لمن أعتق. فصل [3 - في ميراث المولى الأسفل من الأعلى] وقد اختلف في ميراث الموالي الأسفل من الأعلى؟ فذهب جمهور العلماء مالك والشافعي والحنفي إلى أنه لا يرث مولاه الأعلى.

وذهبت طائفة إلى أنه يرثه إذا لم يكن له وارث غيره، وروي في ذلك [أحاديث] يطول ذكرها. والصواب ما ذهب إليه الجماعة لقوله -عليه السلام- «إنما الولاء لمن أعتق».

[الباب الثامن] [باب] في العبد يتزوج مولاة قوم فيولدها ثم يعتق بعد ذلك؟

[الباب الثامن] [باب] في العبد يتزوج مولاة قوم فيولدها ثم يعتق بعد ذلك؟ [فصل 1 - لمن يكون ولاء أولاد الحرة المعتقة] روي عن عمر وعلي وابن مسعود -رضي الله عنهم- أن العبد إذا تزوج حرة معتقة وأولدها فإن ولدها أحرار، ويكون ولاؤهم لموالي أمهم. وإذا أعتق العبد جر ولاءهم إلى معتقة. وقد قدم الزبير بن العوام خيبر فرأى فيها فتياناً فأعجبه ضربهم، فسأل عنهم؟ فقيل له: إنهم موالي لرافع بن خديج وأبوهم عبد لبعض الخرقة أو لبعض أشجع، فأرسل الزبير فاشترى أباهم فأعتقه، ثم قال للفتية: إنكم موالي فانتسبوا إلي، فقال رافع: بل هم موالي، عتقوا بعتاقة أمهم وأبوهم عبد، فاختصموا إلى عثمان -رضي الله عنه- فقضى بولائهم للزبير. وهو قول شريح وعمر بن عبدالعزيز وجماعة من التابعين.

وهو قول أهل المدينة ومالك وأبو حنيفة والشافعي. وقيل ولاؤهم ثابت لموالي الأم لا ينتقل عنهم بعتق الأب. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وإليه ذهب قبيصة بن ذؤيب وعبد الملك بن مروان وجماعة من أهل العلم. واحتج من ذهب إلى هذا بأن قال: اجتمعت الأمة أن ولاء الولد قد ثبت لموالي أمه إذا كان أبوه عبداً، فلما عتق العبد اختلفوا في انتقال الولاء عن مواليه، فغير جائز أن يزول ما ثبت بإجماع الأمة إلى إجماع مثله أو خبر عن الرسول -عليه السلام- أو عن الصحابة -رضي الله عنهم- لا معارض له. والحجة عليهم أن يقال لهم: إذا اتفقنا أن لو ولدها الأب بعد عتقه لكان ولده بإجماع لمواليه فلما أولدها وهو عبد كان الولاء لوالي أمهم لعلة عبودية العبد، فلما زالت العلة رجع الإجماع على حاله، وهذا كولد الملاعنة فإن موالي أمه يعقلون عنه ويرثونه في قول جمهور العلماء، فإذا استحلفه أبوه رجع ولاء الولد لمواليه. وفي هذه المسألة قول ثالث وهو أن الأب إذا عتق جر ولاء ولده إلى مواليه فإن مات الأب رجع ولاء الولد إلى موالي أمه، وروي ذلك عن ابن عباس ولم يقله غيره. [فصل 2 - تفريع] مسائل من هذا الباب [مسألة] إذا تزوج الحر المعتق أمة فعتقت فجاءت بولد بعد العتق لأقل من ستة أشهر فولاء الولد لموالي الأم؛ لأنها كانت حاملاً يوم عتقت، وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر يوم عتقت فولاء الولد لموالي العبد؛ لأنه يمكن أن تكون حملت به بعد العتق إلا أن يقر موالي الأب أنها كانت حاملاً يوم عتقت فيكون ولاء الولد لموالي الأم.

[مسألة] وإن جاءت بولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر منذ عتقت والآخر لأكثر من ستة أشهر وبين الولدين أقل من ستة أشهر مما يعلم الناس بطن واحد فولاؤهما جميعاً لموالي الأم، لأن الولد الثاني تابع للأول، وإن كان بين الولدين ستة أشهر فصاعداً فولاء الولد الأول لموالي الأم، وولاء الولد الثاني لموالي الأب. [مسألة] ولو أن رجلاً عربياً تزوج حرة معتقة فأولدها كان اللد منسوباً إلى أبيه ولا ولاء عليه لموالي أمه، قال الله عز وجل: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:5] فالنسب للأب دون الأم. ولو لم يعرف للأب نسب؟ فقد قيل: أن ولاء الولد لموالي أمه، وقد قيل: لا ولاء لهم عليه، وقد [قيل]: سبيله سبيل أبيه. [مسألة] واختلف في ولد الزنى إذا كانت أمه معتقة؟ فقال أكثر أهل العلم: ولاؤه لموالي أمه، وقيل: بل يكون حراً ولاء عليه. فصل [3 - في الجد هل يجر الولاء] واختلف في الجد هل يجر الولاء؟ فكان مالك وأهل المدينة وأهل البصرة والشعبي وابن أبي ليلى وسفيان بن ثور يقولون: الجد يجر ولاء ابنه العبد من الحرة إلى مواليه، فإن اعتق أبوهم رجع الولاء لموالي الأب وإن مات الأب عبداً كان الولاء والميراث لموالي الجد إذا كان الجد قد مات. وذكر الزبير بن أحمد في كتابه أن الجد إنما يجر ولاء ولده إلى مواليه لإذا كان الأب قد مات عبداً، فأما مادام العبد حياً فلا يجر الجد الولاء، وهو خلاف لقول مالك.

وقال أبو حنيفة: لا يجر الجد الولاء ولا يجره إلا الأب وحده. [فصل 4 - تفريع] مسائل - أيضاً- من هذا الباب [مسألة] إذا تزوج المملوك معتقة فأولدها وله أب جد معتق. فولاء ولد العبد لموالي جدهم في قول الجماعة. وفي قول أبي حنيفة يكون ولاء الولد لموالي أمهم دون موالي الجد. [مسألة] إذا ترك الهالك أباً عبدأً وما معتقة فلأمة الثلث وما بقي لمواليهم في قول الجميع. فإن كانت الأم لم يجر عليها رق ولها أبوان حران معتقان فالولاء لموالي أبي أمه دون موالي أم أمه؛ لأن موالي أبي أمه موالي أمه وموالي ولدها. فلو كان أبو الأم مملوكاً، فإن ترك أباً عبداً وأما معتقة وللأم أبوان حران معتقان وللأب- أيضاً- أبوان حران معتقان إلا أن الجد أبا الأب قد كان مات قبل ولد ولده فللأم الثلث وما بقي فلموالي الجد أبي الأب في قول من قال الجد يجر الولاء. وفي القول الآخر: الولاء لموالي الأم. [مسألة] ولو أن رجلاً حراً لم يجر عليه رق وله أم معتقة وأب حر لم يجر عليه رق، ولهذا الأب مملوك وأم معتقة. فولاء هذا الرجل لموالي أم أبيه؛ وذلك أن موالي أم أبيه هم موالي أبيه؛ لأن موالي جدته أولى من موالي جده إذا كان جده مملوكاً؛ وإنما كان موالي أم أبيه من موالي أم نفسه؛ لأن الأب أولى من الأم في باب الولاء، وكذلك موالي الأب أولى من موالي الأم إذا كان النسب إنما هو بالأب فاعلم.

[الباب التاسع] [باب] ذكر إقرار المرأة ولاء من أعتقت أو أعتق من أعتقت وجر ولاء من أعتقت

[الباب التاسع] [باب] ذكر إقرار المرأة ولاء من أعتقت أو أعتق من أعتقت وجر ولاء من أعتقت [فصل 1 - في ميراث المرأة من الولاء] قال سحنون: أجمع المسلمون أن النساء لا يرثن من الولاء إلا من أعتقن أو من أعتق من أعتقن أو ولد من أعتقن وإن سفل من ولد الذكور خاصة أن ذلك الولد ذكراً أو أنثى. وقال غيره: روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا يرث النساء من الولاء إلا من أعتقن أو ولد من أعتق أو ولد من أعتقن». وقد حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعائشة بولاء بريدة إذ هي تولت عتقها. فإذا أعتقت المرأة عبداً ثم إن عبدها أعتق عبداً ثم إن المولى الثاني أعتق ثالثاً فميراثهم كلها لها ما لم يخلف من مات منهم مولى أقرب إليه منها. [فصل 2 - تفريع مسائل من هذا الباب] مسألة وإذا اشترت امرأة فعتق عليها ثم مات الأب وترك ابنته هذه. ورثت النصف بالنسب وما بقي بالولاء، ولو ترك معها بنتاً أخرى لورثتا الثلثين بالنسب وما بقي للتي أعتقته، فإن ماتت بعد ذلك البنت التي لم تشتره فللأخت النصف بالنسب وما بقي بالولاء؛ لأنها ترث بالولاء ولد من أعتقت، ولو كان الذي ترك معها ولداً ذكراً ورثاه بالنسب للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم إن مات الذكر بالنسب والولاء.

[مسألة] ابنتان اشترتا أباهما فعتق عليهما، فإن مات الأب ورثتا الثلثين بالنسب والثلث بالولاء، وتصح من اثنين. [مسألة] ابنتان اشترتا أباهما على الثلث والثلثين، فإن مات الأب ورثتا الثلثين بالنسب وما بقي بينهما بالولاء على ثلاثة، تصح من تسعة للتي اشترت الثلثين خمسة: ثلاثة بالنسب واثنان بالولاء، وللأخرى أربعة: ثلاثة بالنسب وواحد بالولاء. ولو اشترتاه على الربع وثلاثة الأرباع فلهما الثلثان بالنسب وما بقي على أربعة، تصح من أثنى عشر لكل واحدة أربعة بالنسب، وللتي اشترت ثلاثة أرباعه بالولاء يصير لها سبعة، وللأخرى واحد تصير لها خمسة. مسألة ابن وبنت اشترتا أباهما، ثم مات الابن عن بنت وماتت البنت عن ابن ثم مات الأب فلابنة ابنه النصف بالنسب وما بقي لمواليه وهما الابن والبنت الميتان قبله فما صار للبنت يرثه ابنها، وما صار للابن يكون لموالي أبيه؛ لأن ابنته لا ترث من الولاء شيئاً، وموالي أبيه هو وأخته فما صار للبنت ورثه ابنها - أيضاً- وما صار له يكون لموالي أمه، وتصح من ثمانية: لابنه الابن النصف أربعة، ولابن البنت ثلاثة اثنان بعتق الأم نصف أبيها، وواحد بما جر أبوها إليها من ولاء أخيها، ولموالي أم الابن واحد. [مسألة] فلو مات الابن وحده عن بنت ثم مات الأب وترك ابنته وابنة ابنه، فلابنته النصف ثلاثة بالنسب، ولابنه ابنه السدس تمام الثلثين، وما بقي لمواليه، ومواليه ابنه وابنته فللابنة نصف ما بقي وهو السدس، وللابن السدس يكون لموالي أبيه؛ لأن ابنته لا ترث من الولاء، وموالي أبيه هو وأخته فواحد لا يتجزأ على اثنين فتضرب ستة في اثنين تكن اثني عشر للبنت من ذلك ستة بالنسب واثنان بعتقها لأبيها وواحد بما جر إليها أبوها من ولاء أخيها ولابنه الابن السدس اثنان بالنسب وللابن واحد يكون لموالي أمه. مسألة ابنتان اشتريا أباهما نصفين، فمات الأب فورثاه كما ذكرنا، ثم ماتت إحدى البنتين فلأختها النصف بالنسب وما بقي لموالي أبيها، وموالي أبيها هي وأختها

الباقية فيكون ما بقي بينهما نصفين، فيصير للباقية ثلاثة أرباع المال ويكون الربع لموالي أم الميتة وإن كانت عربية فلبيت مال المسلمين هذا قول جمهور العلماء. وذهب محمد ابن دينار إلى أن ذلك الربع يكون لبيت المال دون موالي الأم؛ لأنه يقول في العبد إذا اشتراه ابنه الحر أن ولاء الابن ينتقل عن موالي الأم إلى الأب، وولاء الأب وجب للابن، فقد صار ولاؤه إلى نفسه فصار كمن دخل في الإسلام ولم يجر عليه منه عتق لأحد فكان ولاؤه للمسلمين. وذهب الفقيه البويطي: إلى أن جعل الأخت الباقية من أختها الميتة سبعة أثمان المال، وأدارها مرتين وهو وهم منه بين. مسألة ابنتان اشترتا أبها نصفين فماتت إحداهما فورثها أبوها ثم مات الابن فلابنته النصف بالنسب وما بقي لمواليه، ومواليه: هي وأختها الميتة، فهو بينهما نصفين فصار للحية ثلاثة أرباع المال وللميتة ربعه وهو موروث عنها يكون لموالي أبيها، وهما: هي وأختها فيكون من ذلك للحية الربع نصفه يصير لها سبعة أثمان المال وللميتة الثمن يكون لموالي أمها. وعلى قول ابن دينار: يكون لبيت المال. وذهب بعض الناس إلى أن جعلها من أربعة ولم يذرها ثانية وهو وهم بين أيضاً. مسألة ابنتان اشترتا أباهما ثم اشترت إحداهما مع الأب أخاً لهما وهو ابن الأب، ثم مات التي لم تشتر الأخ، ثم مات الأب ثم مات الأخ فلما ماتت التي لم تشتر الأخ ورثها أبوها، ولما مات الأب كان ميراثه للابن والبنت للذكر مثل حظ الانثيين بالنسب، ثم لما مات الأخ كان لأخته النصف بالنسب وما بقي فلمواليه، ومواليه: أخته هذه وأبوه فهو بينهما نصفان فيصير لها ثلاثة أرباع المال، وللأب الربع، ويكون لمواليه - أيضاً- ومواليه: هذه الحية والميتة فيصير للحية سبعة أثمان المال وللميتة

الثمن وهو لموالي أبيها، وهما: هي وأختها الحية فيكون لهما منه نصفه فيصير لها سبعة أثمان ونصف ثمن، وللميتة نصف ثمن، ثم يكون لموالي أبيها، تصح من سبعة عشر. وعلى قول ابن دينار: يكون نصف الثمن لبيت المال. مسألة ابنتان اشترتا أباهما نصفين، ثم إن الأب وإحدى البنتين اشترتا أمهما فأعتق الأب نصابه ثم اشترت الأم مع التي اشترتها أخاً لهما وهو ابن الأب والأم ثم ماتت التي لم تشتر غير الأب، ثم ماتت الأم ثم مات الأخ، فلما ماتت التي لم تشتر غير الأب كان لأمها السدس وما بقي لأبيها، فلما مات الأب كان ميراثه بين الابن والابنة بالنسب للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شيء لزوجته إذا انفسخ النكاح بملكه بعضها، ثم لما ماتت الأم ورثها الابن والبنت بالنسب للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم لما مات الأخ كان لأخته النصف بالنسب وما بقي لمواليه، ومواليه: أخته هذه وأمه الميتة فهو بينهما نصفان فيصير للأخت ثلاثة أرباع المال، وللأم الربع يكون ذلك لمواليها، ومواليها: ابنتها هذه وزوجها فيكون بينهما نصفان، فيصير للبنت سبعة أثمان المال وللأب الثمن ويكون ذلك الثمن لمواليه، ومواليه: بنته هذه وأختها الميتة فهو بينهما نصفان يصير للحية سبعة أثمان ونصف ثمن وللميتة نصف ثمن، ثم يصير نصف الثمن لموالي أبيها، وموالي أبيها: هي وأختها الحية فيصير للحية نصفه، فيصير لها سبعة أثمان ونصف ثمن وربع، وللميتة ربع ثمن يكون لموالي أمها. فتصح المسألة من اثنين وثلاثين، وجب لهذه الباقية بالنسب وبما تولت من عتق أبيها وعتق أمها وعتق أخيها وبما جر إليها -أيضاً- أبوها من ولاء أختها أحد وثلاثون: ستة عشر بالنسب، وثمانية بما تولت من عتق أخيها، وأربعة بما تولت من عتق أمها، واثنان بما تولت من أبيها، وواحد بما جر غليها أبوها من ولاء أختها، ولموالي الميتة واحد وهو الذي يجعله ابن دينار لبيت المال، فقد ورثت هذه البنت بوجه واحد من النسب وبأربعة أوجه من الولاء.

وقد علمت أن موالي أم الميتة هذه الباقية والأب، فما صار للأب فيقطع؛ لأن عن يده خرج، فيصير للباقية جميع المال. مسألة ثلاث بنات اشترين أباهن أثلاثاً، فماتت اثنتان منهن، ثم مات الأب، فلما ماتت الابنتان في حياة الأب كان ميراثهما له، فلما مات الأب كان لابنته النصف بالنسب، وما بقي لمواليه، ومواليه: بناته الثلاث، فصار للحية ثلثا المال، ولكل واحدة من الميتتين سدس سدس فهو موروث عنهما لموالي أبيهما فيكون ميراث الواحدة لموالي أبيها، وموالي أبيها هي وأختاها، هو بينهن على ثلاثة تكن ثمانية عشر في يد الحية أربعة في ثلاثة باثني عشر، وفي يد كل واحدة من الميتتين ثلاثة فهي موروثة عنها ولها منه واحد يكون لموالي أمهما وللحية واحد يصير لها ثلاثة عشر وواحد للميتة الأخرى يعزل ناحية ثم يقسم الثلاثة التي في يدها فيعزل لها منها واحد يكون لموالي أمها وواحد للحية فيصير لها أربعة عشر وواحد للميتة الأخرى فصار في يد الحية أربعة عشر وفي يد موالي أم هذه الميتة واحد وفي يدها هي واحد وهو الذي ورثته من الميتة الأخرى وكذلك الميتة الأخرى في يد موالي أمها واحد، وتحديدها: هي واحد ورثته من الميتة الأخرى فكذلك الواحد الذي في يد كل واحد من الميتتين موروث عنها يكون لموالي أبيها وموالي أبيها: هي وأختها فتزيد أن تقسمها على ثلاثة فتضرب ثمانية عشر في ثلاثة يكن أربعة وخمسين، في يد الحية أربعة عشر في ثلاثة باثنين وأربعين وفي يد موالي كل واحد من الميتتين واحد في ثلاثة بثلاثة فلها منه واحد يكون لموالي أمها وواحد للحية يصير لها ثلاثة وأربعون وواحد راجع إلى يد الميتة الأخرى وعن يدها خرج ومنها ورث فيطرح حتى كأنه لم يكن؛ لأنك لو جعلت فيه الميراث وأدرته لبقي منه أبداً بقية ترجع إلى يد الموروث عنه فلم يستبد من قطعه. وكذلك الثلاثة التي في يد الميتة الأخرى لها منها واحد يكون لموالي أمها، وواحد للحية يصير لها أربعة وأربعون وواحد يرجع إلى الميتة التي عنها ورث فيختزل أيضاً

فتصبح الفريضة بعد الخزل من اثنين وخمسين للبنت الباقية أربعة وأربعون وواحد يرجع إلى الميتة التي عنها ورث فيتخذه أيضاً فتصبح الفريضة بعد الخزل من اثنين وخمسين للبنت الباقية أربعة وأربعون ولموالي أم كل واحدة من الميتتين أربعة ثم يتبين ما بأيديهم بالأرباع فتنقطع الفريضة إلى ربعها فيصير للحية أحد عشر وفي يد موالي أم كل واحدة واحد. هذا أحسن ما قلنا في طريق الخزل ودور الولاء، وقد ذكر أيوب في كتابه، وأخذ به ابن شفاعة عملاً يخالف هذا المعنى. وهو أن قالوا: يجب للباقية بالنسب وبما تولت من عتق أبيها ثلثا المال فيعزل ناحية ولا يكون فيه عمل ويكون في كل واحدة من الميتتين سدس ففيه يكون العمل والقطع. فيعزل ذلك السدس مقسوم على ثلاثة للتي هي في يدها واحد وللحية واحد وللميتة الأخرى واحد وكذلك السدس الذي في يد الميتة الأخرى لها منه واحد وللحية واحد وللميتة الأخرى واحد، ثم يقسم الواحد الذي في يد كل واحدة من الميتتين التي ورثته عن صاحبتها على ثلاثة: لها منه واحد وللحية واحد راجع إلى يد الميتة التي خرج منها فيخزل أيضاً فيصح كل سدس من تسعة ثلاثة للتي هو في يدها يكون لموالي أمها، وثلاثة للميتة الأخرى، وثلاثة للحية، وكذلك السدس الذي في يد الميتة الأخرى تسعة لها منه ثلاثة لموالي أمها، وثلاثة للحية، وثلاثة للميتة الأخرى ثم ترجع إلى الثلاثة التي في يد كل ميتة فتعزل لها: منه واحد لموالي أمها وواحد للحية، وواحد رجع إلى يد الميتة فيخزل. وكذلك في الثلاثة التي في يد الميتة الأخرى لها منه واحد يكون لموالي أمها وواحد للحية، وواحد راجع إلى الميتة الأخرى فيخزل، فيصح الثلث من ستة عشر للحية منها ثمانية وفي يد موالي أم كل واحد أربعة فيتفق ما في أيديهم بالأرباع فيصح للحية اثنان ولموالي أم كل واحدة واحد.

وإن كان ثلث المال أربعة كان جميعه اثنا عشر فمنها تصح الفريضة، يجب للبنت الثانية عشرة، ولموالي أم كل واحدة واحد. فإن كانت أم البنتين واحدة رجعت الفريضة من ستة لاتفاق ما في أيديهم بالأنصاف، فللحية خمسة ولموالي الأم واحد. وهو أيضاً عمل جيد والله أعلم بالصواب. مسألة ثلاث بنات اشترين أباهن أثلاثاً فمات الأب ثم ماتت واحدة من البنات ثم ماتت أخرى فلما مات الأب كان لبناته الثلثان بالنسب وما بقي بالولاء، تصح الفريضة من ثلاثة، فلما ماتت واحدة كان لأختيها الثلثان بالنسب، وما بقي لموالي ابيها، وموالي أبيها: هي وأختاها الحيتان، تصح من تسعة لأختيها ستة بالنسب وثلثا ما بقي بحد الولاء، يصير لكل واحدة أربعة وما بقي واحد يكون لموالي أم الميتة، ثم لما ماتت الثانية كان لأختها النصف بالنسب وما بقي لموالي أبيها، وموالي أبيها هي وأختاها الحية والميتة قبلها فتصير من ستة ثلاثة للحية ويبقى ثلاثة للحية منها أيضاً واحد يصير لها أربعة، وواحد للميتة الثانية يكون لموالي أمها وواحد للميتة الأولى يكون لموالي أبيها، ومالي أبيها هي وأختاها فهو مقسوم على ثلاثة، تصح من ثمانية عشر للحية منها اثنا عشر وللميتة الأخيرة ثلاثة لموالي أمها، وللميتة الأولى ثلاثة واحد منها لها بقدر ما أعتقت من أبيها يكون ذلك لموالي أمها، وواحد للحية يصير لها ثلاثة عشر، وواحد راجع إلى يد الميتة وعن يدها خرج فيختزل، وتصح الفريضة من سبعة عشر. مسألة ثلاث أخوات كبرى ووسطى وصغرى اشترين أختا لهن رابعة، ثم اشترت الكبرى منهن مع الرابعة أختاً لهن خامسة، ثم اشترت الوسطى مع الخامسة أختاً لهن سادسة، ثم اشترت الصغرى مع السادسة أختاً لهن سابعة، ثم ماتت الرابعة وماتت بعدها الخامسة وماتت بعدها السادسة وماتت بعدها السابعة.

فلما ماتت الرابعة تركت ست أخوات فلهن الثلثان بالنسب وما بقي فلأخواتها الثلاث الكبرى والوسطى والصغرى اللاتي عتقنها. تصح فريضتهن من سبعة: لكل أخت من اللاتي أعتقنها اثنان، وواحد بالنسب، وواحد بالولاء، وللآئي لم يعتقنها واحد بالنسب. ولما ماتت الخامسة كان لأخواتها الخمس الثلثان، اثنان لا تنقسم على خمسة، وما بقي للآتي أعتقتها وهما الكبرى والرابعة الميتة، بينهما نصفين فنصف الرابعة يحتاج إلى قسمة بين الثلاث اللائي أعتقنها فصار الواحد الباقي الموروث بالولاء لا يتجزأ على ستة، والاثنان لا ينقسمان على خمسة، وخمسة لا توافق ستة فاضرب خمسة في ستة تكن ثلاثين ثم في ثلاثة أصل الفريضة تكن تسعين، فللأخوات الخمس الثلثان ستون لكل أخت اثنا عشر، وتبقى ثلاثون للكبرى نصفها خمسة عشر، وللرابعة الميتة خمسة عشر تكون بين اللائي اعتقنها لكل واحدة خمسة، يصير في يد الكبرى اثنان وثلاثون، وفي يد الوسطى سبعة عشر، وفي يد الصغرى تسعة عشر، وفي يد كل واحدة من السادسة والسابعة اثنا عشر. ثم لما ماتت السادسة تركت أربعة أخوات لهن الثلثان وما بقي للتين أعتقاها وهما الوسطى والخامسة. تصح من ستة في يد الوسطى اثنان وفي يد الكبرى والصغرى والسابعة واحد واحد، وفي يد الميتة واحد يكون للتين أعتقاها وهي الكبرى والرابعة واحد لا يتجزأ على اثنين، فاضرب الستة في اثنين تكن اثنى عشر يصير في يد الوسطى أربعة، وفي يد الكبرى ثلاثة، وفي يد الصغرى اثنان، وفي يد السابعة اثنان وفي يد الرابعة الميتة واحد يكون لمواليها وهن الكبرى والوسطى والصغرى، وواحد لا يتجزأ على ثلاثة فاضرب اثني عشر في ثلاثة تكن ستة وثلاثين، فمن كان له شيء من اثنى عشر أخذه مضروباً في ثلاثة، ومن له شيء من ثلاثة أخذه مضروباً في الواحد المنكسر، فيصح للوسطى ثلاثة عشر، وفي يد الكبرى عشرة، وفي يد الصغرى سبعة، وفي يد السابعة ستة. ثم لما ماتت السابعة تركت ثلاث الأخوات الأول فلهن الثلثان بالنسب وما بقي لمن أعتقها وهي الصغرى والسادسة، فاثنان لا ينقسمان على ثلاثة، وواحد لا يتجزأ

على اثنين فاضرب اثنين في ثلاثة تكن ستة، ثم في ثلاثة أصل الفريضة تكن ثمانية عشر. للأول الأول والثلثان اثنا عشر لكل أخت أربعة وتبقى ستة ثلاثة منها للصغرى يصير لها سبعة، وثلاثة للسادسة وهي ميتة فيكون ذلك لمواليها، ومواليها الوسطى والخامسة، وثلاثة لا تنقسم على اثنين فاضرب ثانية عشر في اثنين تكن ستة وثلاثين في يد الصغرى سبعة في اثنين بأربعة عشر، وفي يد الوسطى أربعة في اثنين بثمانية، وكذلك في يد الكبرى. وفي يد السادسة ثلاثة في اثنين بستة منها للوسطى ثلاثة يصير لها أحد عشر، وللخامسة ثلاثة وهي ميتة يكون لمن أعتقها وهي الرابعة والكبرى، وثلاثة لا تنقسم على اثنين فاضرب ستة وثلاثين في اثنين وسبعين في يد الصغرى أربعة عشر في اثنين بثمانية وعشرين، وفي يد الوسطى أحد عشر في اثنين باثنين وعشرين، وفي يد الكبرى ثمانية في اثنين ستة عشر، وفي يد الخامسة ثلاثة في اثنين بستة وهي موروثة عنها الكبرى منها ثلاثة تصير لها تسعة عشر، والرابعة ثلاثة وهي موروثة لمواليها الكبرى والوسطى والصغرى يصير في يد الكبرى عشرون، وفي يد الوسطى ثلاثة وعشرون، وفي يد الصغرى تسعة وعشرون. مسألة أربع بنات اشترين أباهن أرباعاً فمات الأب فلهن الثلثان بالنسب وما بقي بالولاء فيصير ماله جميعاً بينهن أرباعاً. ثم إن ماتت إحداهن كان لأخواتها الثلثان بالنسب وما بقي لموالي أبيها، وموالي أبيها هي وأخواتها الثلاث، فالثلثان اثنان لا تنقسم على ثلاثة وما بقي واحد لا يتجزأ على أربعة فاضرب ثلاثة في أربعة ثم في ثلاثة أصل الفريضة تكن ستة وثلاثين، لأخواتها الثلثان أربعة وعشرون، ولكل واحد ثمانية، ويبقى اثنا عشر لكل واحدة من الأحياء ثلاثة، وللميتة ثلاثة تكون لموالي أمها.

ثم إن ماتت الأخرى يكون لأختيها الثلثان بالنسب، وما بقي لموالي أبيها، وموالي أبيها هي وأخواتها، وواحد لا يتجزأ على أربعة فتضرب أربعة في ثلاثة يكون اثنى عشر للأختين الميتتتين الثلثان ثمانية لكل أخت أربعة، ولها بالولاء واحد فيصير في يد كل أخت من الأحياء خمسة وواحد لهذا الميتة يتكون لموالي أمها، وواحد للميتة الأولى يكون لموالي أبيها، وموالي أبيها هي وأخواتها الثلاث، وواحد لا يتجزأ على أربعة فتضرب اثنى عشر في أربعة يكون ثمانية وأربعين في يد كل واحدة من الباقين خمسة في أربعة بعشرين، وفي يد موالي أم الميتة الثانية أربعة، وفي يد الميتة الأولى اربعة تكن لموالي أبيها فللباقيتين واحد واحد يصير في يد كل واحدة أحد وعشرون، وفي يد الميتة الأولى واحد يكون لموالي أمها، وللميتة الأخيرة واحد، ومن يدها خرج فيخزل، فتصح المسألة من سبعة وأربعين. ثم إن ماتت الثالثة كان لأختها النصف بالنسب، وما بقي لموالي أبيها، وهن: هي وأخواتها. تصح من ثمانية: للحية أربعة بالنسب وواحد بالولاء، ولهذه الميتة واحد يكون لموالي أبيها، ولكل واحدة من الميتتين قبلها واحد يكون لموالي أبيها، وهن هي وأخواتها الثلاث، وواحد لا يتجزأ على أربعة، فتضرب ثمانية في أربعة تكون اثنين وثلاثين للحية خمسة في أربعة بعشرين، ولموالي أم الميتة الأخيرة واحد في أربعة بأربعة، وفي يد كل واحدة من الميتتين أولاً واحد في أربعة بأربعة يكون ذلك لموالي أبيها، فواحد لها يكون لموالي أبيها، وواحد للميتة الثانية التي معها يكون معزولاً للحية، وواحد للميتة الثالثة فيخزل؛ إذ عن يدها خرج، وواحد للباقية، وكذلك الأربعة التي في يد الميتة الأخرى واحد لها يكون لموالي أمها، وواحد للميتة الثانية التي معها فيعزل، واحد للميتة الثالثة فيخزل أيضاً إذ عن يدها خرج، وواحد للحية فيصير في يدها اثنان وعشرون، وفي يد موالي أم الميتة الثالثة أربعة، وفي يد موالي أم الميتة الأول واحد، وفي يدها هي مما ورثته من الثانية واحد.

وكذلك في يد الأولى واحد، فالواحد الذي في يد كل واحدة من الميتة الأولى والثانية يكون لموالي أبيها فهو لا يتجزأ على أربعة فتضرب اثنين وثلاثين في أربعة تكون مائة وثمانية وعشرين، في يد الباقية اثنان وعشرون في أربعة بثمانية وثمانين، وفي يد موالي أم الميتة الثالثة أربعة في أربعة بستة عشر، وفي يد موالي أم الميتة الأولى واحد في أربعة بأربعة، وكذلك في يد موالي أم الميتة الثانية، وفي يد كل واحدة من الميتة الأولى والثانية واحد في أربعة بأربعة يكون لموالي أبيها، لها منه واحد يكون لموالي أمها، فيصير لهم خمسة، وللميتة الثانية معها واحد فيخزل؛ إذ عن يدها خرج، وللحية واحد. وكذلك الأربعة التي في يد الميتة الثانية لها منه واحد يكون لموالي أمها يصير لهم خمسة، وواحد للميتة الأولى فيخزل، وواحد للميتة الثالثة فيخزل، وواحد للميتة فيصير لها تسعون في يد موالي أم الميتة الثالثة ستة عشر، وفي يد كل واحدة من الميتة الأولى والثانية وخمسة. فتصح الفريضة من مائة وستة عشر. وإن كان إنما مات ثلاث البنات في حياة الأب ثم مات الأب وترك ابنه واحدة فلها النصف بالنسب، وما بقي لمواليه الأربع بالولاء. تصح من ثمانية: للحية أربعة بالنسب ووحدة بالولاء، ولكل واحدة من واحدة يكون ذلك لولاء أبيها، وموالي أبيها وهم: هي وأخواتها الثلاث، فلا يتجزأ الواحد على أربعة، فتضرب ثمانية في أربعة تكون اثنين وثلاثين، ففي يد الباقية خمسة في أربعة بعشرين، وفي يد كل ميتة واحد في أربعة بأربعة لكل ميتة مما في يدها واحد يكون لموالي أمها وواحد لكل ميتة فيعزل جهة، وواحد للباقية. وكذلك تصنع في الأربعة التي في يد الميتة الثالثة فيصير في يد الحية ثلاثة وعشرون، وفي يد موالي أم كل ميتة واحد، وفي يد كل ميتة اثنان ورثتهما من الميتتين معها، فيحتاج أن يقسم ما ورثته كل ميتة عن أختها على أربعة، والواحد الذي ورثته من كل ميتة لا ينقسم على أربعة، فاضرب اثنين وثلاثين في أربعة تكن مائة وثمانية وعشرين في يد الباقية ثلاثة وعشرون في أربعة باثنين وتسعين، وفي يد موالي أم كل واحدة واحد في أربعة بأربعة، وفي يد كل واحدة من الموتى واحد ورثته من الميتة

الثانية في أربعة بأربعة، وواحد ورثته من الميتة الثالثة في أربعة بأربعة، وكذلك في يد الميتتين الأخيرتين في يد الثانية أربعة ورثتها عن الأولى، وأربعة ورثتها عن الثانية، وفي يد الثالثة أربعة ورثتها عن الأولى وأربعة ورثتها عن الثانية، فتقسم الأربعة التي في يد الأولى من الثانية فلها منها واحد يكون لموالي أمها، وواحد للحية، وواحد للميتة الثانية فيخزل؛ لأن عن يدها خرج. ووحد للميتة الثالثة فيعزل، ثم تقسم الأربعة التي ورثتها من الثلاثة فلها منها واحد يكون لموالي أمها، وثان للحية، وثالث للثانية فيعزل، ورابع للثالثة فيخزل؛ لأن عن يدها خرج، ثم تقسم الأربعة التي في يد الثانية التي ورثتها من الأولى فلها منها واحد يكون لموالي أمها، وثان للحية، وثالث للأولى فيعزل، ورابع للثالثة فيخزل؛ لأن عن يدها خرج، ثم يقسم الأربعة التي ورثتها من الثالثة فلها منها واحد يكون لموالي أمها، وثان للحية، وثالث للأولى فيعزل، ورابع للثالثة فيخزل؛ لأن عن يدها خرج، ثم تقسم الأربعة التي ورثتها عن الثانية فلها منها واحد يكون لموالي أمها، وثان للحية، وثالث للأولى فيعزل، ورابع للثالثة فيخزل؛ إذ يدها خرج فجميع ما صار للحية ثمانية وتسعون ولموالي أم كل واحدة ستة، وفي يد كل واحدة منهن أيضاً اثنان ورثتهما من أختها احتجت أن تقسم كل واحدة من هذه الاثنين على أربعة؛ لأنه موروث عنهما بالولاء فتضرب مائة واثنين وعشرين وهو الذي بقي في أيديهم بعد الخزل في أربعة تكن أربعمائة وثمانية وثمانين، في يد الباقية ثمانية وتسعون في أربعة بثلاث مائة واحدة اثنان في أربعة بثمانية، ففي يد الأولى أربعة ورثتها عن أختها الثانية لها منها واحد يكون لموالي أبيها، وللحية واحد، وللثانية واحد فيخزل؛ إذ عن يدها خرج، وللثانية واحد فيخزل؛ إذ عن الثالثة صار إلى الثانية، وللأولى واحد فيخزل؛ إذ عن يدها خرج، وللثالثة واحد؛ إذ عن الثانية صار إلى الثالثة.

وكذلك تصنع في الأربعة التي ورثتها عن الثالثة لها منها واحد يكون لموالي أمها وثان للحية وثالث للثالثة فيخزل، ورابع للثانية فيخزل؛ إذ عن يد الثانية صار للثالثة. وكذلك الميتة الثانية في يدها أربعة ورثتها عن الأولى فلها منها واحد يكون لموالي أمها، وللحية واحد، وللأولى واحد فيخزل؛ إذ عن يدها خرج، وللثالثة واحد فيخزل؛ إذ عن يد الثانية صار إلى الأولى. وكذلك الأربعة التي ورثتها عن الثالثة لها منها واحد فيكون لموالي أمها، وثان للحية، وثالث للثالثة فيخزل؛ إذ عن يدها خرج، ورابع للأولى فيخزل؛ إذ عن الأولى صار للثالثة. وكذلك الأخت الثالثة في يدها أربعة ورثتها عن الميتة الأولى لها منها وحد تكون لموالي أمها، وثان للحية، وثالث للأولى فيخزل؛ إذ عن يدها خرج، ورابع للثانية فيخزل؛ إذ عن الثانية صار للأولى. وفي يد الثالثة أيضاً أربعة ورثتها عن الثانية فواحد لموالي أمها، ووحد للحية وواحد للثانية فيخزل؛ إذ عن يدها خرج، وواحد للأولى فيخزل إذ عن يدها الأولى صار إلى الثانية فجميع ما صار للأخت الباقية ثلاثمائة وثمانية وتسعون، ولموالي أم كل واحدة ستة وعشرون ما في أيديهم بالأنصاف فترد على واحدة إلى نصف ما في يديها فيصير للباقية مائة وتسعة وتسعون، ولموالي أم كل واحدة ثلاثة عشر، فتصح بعد القطع من مائتين وثمانية وثلاثين. مسألة ثلاث بنات أعتقت اثنان منهن أباهن نصفين، ثم إن إحداهن والتي لم تشتر الأب ولا أب اشتروا أخاً لهن وهو ابن الأب أثلاثاً، فمات الأب ومات الأخ بعده، فلما مات الأب ابناً وثلاث بنات، فالمال بينهن للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم لما مات فأصل فريضته من ثلاثة لأخواته الثلثان منكسر عليهن، وما بقي لمواليه على ثلاثة أيضاً فثلاثة تغني عن ثلاثة فاضرب ثلاثة في أصل الفريضة تكن تسعة، لأخواته ستة

بالنسب لكل أخت اثنان وللائي أعتقناه مما بقي سهمان وسهم للأب فهو لمن أعتقه فواحد لا ينقسم على اثنين فاضرب اثنين في تسعة يكن ثمانية عشر لأخواته الثلثان اثنا عشر وما بقي وهو ستة لمن أعتقه سهمان لمن اشترى الأخ خاصة، وسهمان لمن اشترى الأخ والأب وسهمان للأب يكونان لمواليه فيصير للتي أعتق نصف الأب وثلث الأخ سبعة أسهم وللتي أعتقت نصف الأب خاصة خمسة أسهم وللتي أعتقت ثلث الأخ خاصة ستة أسهم. وإن كانت المسألة بحالها كما أن الأخوات الثلاث والأب والأخ اشتروا أمهم أخماساً فأعتقوها فمات الأب أولاً وترك ابناً وثلاث بنات فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ولا ترث المرأة من ذلك شيئاً؛ لأنها لما ملك الأب بعضها بطل النكاح. فإن مات الأخ بعده صحت فريضته من ستة للأم السدس بستة ولأخواته الثلثان أربعة وعشرون لكل أخت ثمانية وتبقى ستة هي بين من أعتق الابن أثلاثاً سهمان لكل أخت أعتقه وسهمان للأب يكونان لمن أعتقه أيضاً فيصير في يد مشتريه الأب والأخ أحد عشر ثمانية بالنسب وسهمان بما تولت من عتق للأخ وسهم بما جر إليها أبوها من ولاء أخ وفي يد التي أعتقت من الأب خاصة تسعة ثمانية بالنسب وسهم بما جر إليها أبوها من ولاء الأخ وفي يد المشترية من الأخ خاصة عشرة، ثمانية بالنسب واثنان بما تولت من عتق الأخ، والأم أخذت بفرضها ستة فإن ماتت الأم بعد ذلك صحت فريضتها من خمسة وأربعين وذلك أن أصلها من ثلاثة للبنات الثلثان اثنان منكسران على ثلاثة وما بقي واحد لموالي الأم لا ينقسم على خمسة، وثلاثة وخمسة لا يتفقان فاضرب ثلاثة في خمسة بخمسة عشر في ثلاثة أصل الفريضة يكن خمسة للبنات الثلثان بالنسب وذلك ثلاثون لكل بنت عشرة وما بقي فلموالي الأم لكل واحد ثلاثة فيصير لكل بنت ثلاثة عشر وفي يد الأب ثلاثة وفي يد الأخ ثلاثة بثلاثة للابن يكون لمواليه وهم الأب والأختان فيصير في يد الأب أربعة هي للابنتين اللتين أعتقتاه فيصير في يد التي أعتقت الأب والأخ والأم ستة عشر ويكون للتي أعتقت الأب والأم خمسة عشر وللتي أعتقت الأخ والأم أربعة عشر.

ولو أن ابناً وثلاث بنات اشترت الكبرى والوسطى أباهن ثم اشترى جميع الأولاد أمهم أرباعاً ثم إن جميع الأولاد والأم والأب اشتروا ابناً للأم من غير أبيهم أسداساً فأعتقوه كلهم ثم ماتت الأم ثم مات الأب ثم الأخ للأم. فلما هلكت الأم كان ميراثها بين الابنين وثلاث البنات للذكر مثل حظ الأنثيين، ولم يرث الأب منها شيئاً؛ لانفساخ نكاحه بشراء الأولاد لها فلما مات الأب كان ميراثه بين الابن والبنات على خمسة ولما مات الأخ من الأم كان لأخوته الثلث واحد لا ينقسم على أربعة وما بقي لمواليه اثنان لا ينقسمان على ستة ولكن توافقها بالنصف فتضرب نصف الستة ثلاثة في أربعة ثم في أصل الفريضة تكن ستة وثلاثين لأخوته الثلث اثنا عشر لكل واحد ثلاثة ولمواليه الثلثان لكل واحد أربعة فيصير في يد كل واحد من الأولاد سبعة وباسم الأب أربعة وباسم الأخ أربعة فأربعة الأم للابن والبنات الذين أعتقوها وأربعة الأب للبنتين اللتين أعتقتاه فيصير في يد كل واحدة منها عشرة، وفي يد الابن والبنت التي لم تشتر الأب ثمانية فيتفق ما في أيديهم بالأنصاف فتصح من ثمانية عشر. مسألة ابن وبنت اشتريا أمهما ثم أنهما والأم اشتروا أباهما فأعتقوه ثم مات الأب ثم ماتت الأم ثم مات الابن فلما مات الأب كان ماله للابن والبنت على ثلاثة وكذلك ميراث الأم، فلما مات الابن كان لأخته النصف وما بقي لموالي أبيه مقسوم على ثلاثة فاضرب اثنين في ثلاثة يكن ستة للأخت النصف ثلاثة وما بقي لموالي أبيه وهم: هو وأخته وأمه فيصير للأخت أربعة وباسم الأم واحد وله هو واحد يكون لموالي أمه هو وأخته فلا ينقسم على اثنين فاضرب اثنين في ستة يكن اثنا عشر ففي يد الأخت أربعة في اثنين بثمانية وفي يده هو واحد في اثنين باثنين وكذلك للأم فما بقي في يده يكون لموالي أمه لأخته واحد فيصير لها تسعة وله هو واحد يخزل لأن عن يده خرج، وفي يد الأم اثنان تكون لمواليها ومواليها الابن والبنت فللبنت واحد يصير

لها خمسة وللابن واحد فتخزل لأن عن يده خرج فيصير جميع المال للبنت فتضح الفريضة من واحد. مسألة ابن وبنت اشتريا عبداً فأعتقاه نصفين ثم إن العبد والابن اشتريا أبا الابن والبنت بنصفين فأعتقاه، فمات الابن عن بنت وماتت البنت عن ابن ثم مات الأب بعدهما ثم مات العبد فلما مات الابن كان لبنته النصف وما بقي لأبيه، ولما ماتت البنت كان للأب السدس وما بقي للابن، ولما مات الأب كان لبنت ابنه النصف وما بقي لمواليه: وهو العبد والابن الميت فللعبد ربع التركة وللابن الربع فيكون ذلك لموالي أبيه وموالي أبيه: هو والعبد فالربع بينهما بنصفين فيصير للابن ثم التركة يكون لموالي أمه، وللعبد ثلاثة أثمانها ولابنة الابن النصف، ثم لما مات العبد كان ماله لمواليه وهما: الابن والبنت، فما وجب للبنت وهو النصف فهو لابنها وما وجب للابن فهو لموالي أبيه وموالي أبيه هو والعبد فما صار للابن وهو الربع يكون لموالي أمه وما صار للعبد فهو لمواليه ومواليه الابن والبنت فما صار للبنت وهو ثمن يكون لأبيها وما صار للابن فيختزل لأن عن يده خرج فيصير لابن البنت النصف والثمن خمسة من ثمانية ولموالي أم الابن ربع وهو اثنان من ثمانية خزل واحد وصحت من سبعة. هذا على ما أصل شيخنا عتيق الفارض من أن الدور يكون في جميع سهام الفريضة. وذكر ابن شفاعة: أن العبد لما مات كان ماله لمواليه وهما الابن والبنت فنصف البنت يكون لأبيها فتوقفه، ونصف الابن فيه يكون الدور والخزل فيكون لموالي أبيه وموالي أبيه هو والعبد فيجعل ما في يد الابن أربعة ليقسم ما يصير منه للعبد على اثنين فللأب منهما اثنان يكون من موالي أمه والسهمان اللذان في يد العبد يكونان لوليه وماليه الابن والبنت فما صار للابن يختزل وما صار للبنت يكون لابنها فصار نصف الابن الذي كنا جعلناه أربعة منقسماً على ثلاثة اثنان لموالي أمه وواحد لابن البنت فيكون نصف ابن البنت الذي كان بيده أيضاً ثلاثة فيصير بيده، فهذا السهم ثلثا المال أربعة ولموالي أم الابن اثنان تتفق بالأنصاف تصح المسألة من ثلاثة واحد لموالي أم الابن ولابن البنت اثنان.

وما ذكر عتيق هو الصواب، وفيما سطرناه من مسائل دور الولاء كفاية ودليل على ما يرد عليه منه، وبالله التوفيق.

[الباب العاشر] باب ميراث المعتق بعضه

[الباب العاشر] باب ميراث المعتق بعضه [فصل 1 - ذكر الاختلاف في ميراث المعتق بعضه] اختلف في ميراث المعتق بعضه: فروي عن زيد بن ثابت أنه قال: "هو بمنزلة العبد حتى يعتق جميعه". وإليه ذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة. وروي عن ابن عباس: أنه كالحر يرث ما يرث الحر ويحجب ما يحجب الحر. وإليه ذهب ابن أبي ليلى وغيره. وروي عن علي ابن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه يرث ويحجب بقدر ما عتق منه. وإليه ذهب سفيان الثوري وغيره. فإن اجتمع منهم جماعة بقدر ما عتق منهم كالواحد إذا انفرد. وإن اجتمع حر مع معتق بعضه فاختلف الذاهبون في كيفية توريثهم على مذهب علي: فقيل: يشرك بينهم على قدر الحرية التي فيهم كالأول.

وقيل: يجرون على مذاهب أهل الدعوى في المال، وبيان ذلك على مذهب زيد وابن عباس في هذا الباب غير موجود؛ لأن زيداً يراه كالعبد فله حكم السيد، وابن عباس يراه كالحر فله حكم الأحرار. [فصل 2 - تفريغ مسائل من هذا الباب] [مسألة] فأجرينا المسائل على مذهب علي -رضي الله عنه- أنه إذا ترك الميت ابناً نصفه حر فله نصف المال، وما بقي للعصبة. [مسألة] وإن ترك ابنين نصف كل واحد منهما حر فالمال بينهما نصفان. [مسألة] فإن كان ثلث كل واحد منهما حراً فلهما ثلث المال بينهما وما بقي للعصبة. [مسألة] وإن كان أحدهما نصفه حر والآخر ثلثه حر فللذي نصفه حر نصف المال، وللآخر ثلث المال، وما بقي للعصبة. [مسألة] وإن كان أحدهما حراً، والآخر نصفه حر فقد اختلف في تقدير قول علي في ذلك: فقال بعضهم: يكون المال بينهما على ثلاثة للكامل الحرية الثلثان، وللذي نصفه حر الثلث. وقال آخرون: هو كمال ادعى أحدهما جميعه والآخر نصفه، فيقول الذي ادعى جميعه: النصف لي بلا منازعة فيسلم إلي، والنصف كل واحد يدعيه أنه له فيقسم بينهما، فيصير للكامل الحرية ثلاثة أرباع المال، وللآخر ربعه. [مسألة] وإن كان أحدهما حراً والآخر ثلثه حر. فعلى القول الأول: المال بينهما على أربعة، للكامل الحرية ثلاثة، وللآخر واحد. وعلى مذهب أهل الدعوى: الثلثان للحر بلا منازعة، وتنازعا الثلث فيقسم بينهما، فيصير للحر خمسة أسداس المال، وللآخر السدس. [مسألة] فإن كانوا ثلاثة: أحدهم حر، والثاني نصفه حر، والثلاث ثلثه حر.

فعلى القول الأول: ينظر من كم يقوم النصف والثلث وذلك ستة أسهم، فيكون للكامل الحرية ستة أسهم، وللذي نصفه حر ثلاثة أسهم، وللذي ثلثه حر سهمان فتصح فريضتهم من إحدى عشر سهماً، وهكذا مذهب مالك في الدعوى. وعلى قول أهل الدعوى وهو مذهب ابن القاسم في التداعي: يقول الكامل الحر للمعتق نصفه: أنت إنما تدعي نصف المال فسلم إلى النصف والثلثين فهذا السدس يدعيه المعتق نصفه والكامل الحرية فيقسم بينهما، والثلث يدعيه كل واحد منهم فيقسم بينهم فيصير للكامل الحر نصف المال ونصف سدسه وتسعه، وللمعتق نصفه نصف سدس المال وتسعه، وللمعتق ثلثه سبع المال. وهذه الأخرى تقوم من ستة وثلاثين: فللكامل الحرية نصف الستة والثلاثين، ونصف سدسها وتسعها، وذلك خمسة وعشرين وللمعتق نصفه نصف سدس وتسع وذلك سبعة، وللآخر تسع وذلك أربعة. والقول الأول أصح، وهو قول مالك في مسائل التداعي في المال. [مسألة] فإن ترك بنتاً نصفها حر، فلها ربع المال، وما بقي للعصبتين. [مسألة] وإن ترك ابنتين نصفهما حر، فلهما نصف المال؛ لأنهما كبنت حرة. [مسألة] فإن كانت إحداهما حرة والأخرى نصفها حر فلهما نصف المال ونصف سدسه بينهما أثلاثاً، وإنما كان لهما نصف المال ونصف سدسه؛ لأن للجدة لو كانت وحدها النصف فلما كان معها نصف بنت أعطيت نصف سدس؛ لأنها لو كانت حرة كلها لأعطيتها السدس تمام الثلثين، فلذلك كان لهما نصف ونصف سدس وهو سبعة من اثني عشر يقسمان ذلك على ثلاثة، فتضرب اثني عشر في ثلاثة يكون ستة وثلاثين، فلها سبعة في ثلاثة بأحد وعشرين للحرة أربعة عشر، وللأخرى سبعة، وللعصبة ما بقي، وما أشبه هذا فله حكمه. [مسألة] ولو ترك ابناً وبنتاً نصف كل واحد حر فلنصف الابن نصف المال ولنصف البنت ربع المال ويكون الربع الباقي للعصبة.

[مسألة] فإن ترك ابنتاً حرة وابناً نصفه حر فالمال بينهما نصفين. فصل منه [3 - إذا ترك ابناً وأباً نصف كل والحد حر] وإذا ترك ابناً وأباً نصف كل واحد حر؟ فعلى مذهب أهل الدعوى يقول الابن للأب: لو كنا حرين لحجبتني عن سدس المال فلما كان نصفك حراً وجب أن تحجبني عن نصف سدس المال فيكون لي خمسة أسداس ونصف سدس لو كنت أنا حراً، فلما كان بلغ نصفي حراً وجب لي نصف ذلك وهو أحد عشر سهماً من أربعة وعشرين. ويقول الأب أيضاً للابن: لو كنا حرين حجبتني عن خمسة أسداس المال فلما كان نصفك حراً حجبتني عن سدسين ونصف سدس ويبقى لي ثلاثة أسداس المال ونصف سدس، فلما كان نصفي حراً وجب لي نصف ذلك وهو سبعة أجزاء من أربعة وعشرين ويبقى ربع المال يكون للعصبة. وقيل: بل يكون المال بينهما نصفين؛ لأن كل واحد لو انفرد كان له والأول أبين. ويحتمل أن يقال: بل يكون نصف المال بينهما على ستة للأب سدسه وللابن خمسة أسداسه؛ كما كان جميعه في كونهما حرين، ولا حجة للابن أنه لو انفرد كان له النصف؛ لأنه لو انفرد بالحرية كان له الجميع فإذا شاركه الأب أخذ سدسه فكذلك يأخذ سدس النصف إذا كان نصفهما حراً، والله أعلم. فصل منه [4 - إذا ترك ابناً وابن ابن نصف كل واحد منها حر] إذا ترك ابناً وابن ابن نصف كل واحد منهما حر؟ فعلى مذهب أهل الدعوى: يكون للابن النصف ولابن الابن الربع وما بقي للعصبة، وإنما كان ذلك لأن ابن الابن يسقط في حالتين ويثبت فيهما الابن وهما أن يكونا حرين، أو يكون ابن الابن عبداً، ويثبت في حال ويسقط فيها الابن وهو أن

يكون الابن عبداً أو ابن الابن حراً، فلما كان ذلك وجب أن يكون للابن مثل مال لابن الابن والابن إذا انفرد ونصفه حر فأخذ نصف المال فيجب أن يكون لابن الابن إذا اجتمع معه الربع. وقيل: المال بينهما نصفين؛ لأن كل واحد منهما لو انفرد كان له نصفه. وقيل: إن الابن يحجبه فيكون للابن نصف المال وما بقي للعصبة. فإن ترك بنتاً وبنت ابن نصف كل واحدة حر فهي حرة كاملة مستحقة لنصف المال ولكل واحدة منهما ربع المال، وإنما هذا على قولهم في ابن وابن ابن المال بينهما بنصفين لا على ما أصله في الأحوال فيكون للبنت الربع ولبنت الابن السدس؛ لأن للبنت يكون في حالتين جميع المال، ولبنت البنت فيهما السدس ويكون لبنت الابن في حال النصف وتسقط البنت؛ فلما وجب للبنت في حالتين جميع المال وجب لبنت إذا انفردت كان لها الربع فيكون لبنت الابن السدس وما بقي للعصبة يكون بينهما الثلث على أربعة لكان صواباً؛ لأنهما لو كانتا حرتين لكان لهما الثلثان على أربعة للبنت ثلاثة ولبنت الابن واحد، فلما كان نصفها حراً كان لهما نصف ذلك بينهما على القسمة الأولى. ولو كانت البنت حرة وبنت الابن نصفها حر لكان للبنت نصف المال ولبنت الابن نصف سدس المال. ولو كانت بنت الابن حرة والبنت نصفها حر فللبنت الربع ولبنت الابن الثلث؛ لأن لهما حرية ونصفاً فللحرية النصف ولنصف الحية نصف سدس فأخذت البنت من ذلك الربع فبقي لبنت الابن الثلث. فصل منه آخر [5 - في البنت نصفها حر مع أحد الزوجين] إذا ترك بنتاً نصفها حر وزوجة حرة؟

فللبنت الربع وللزوجة الثمن ونصف الثمن؛ لأن نصف البنت حجبها عن نصف ثمن. فإن كانت الزوجة أيضاً نصفها حر فلها نصف هذا وهو نصف ثمن وربع ثمن. وإن تركت بنتاً نصفها حر وزوجها فللبنت الربع وللزوج ربع وثمن؛ لأن نصف البنت حجبه عن ثمن. وإن كان نصف الزوج حراً فله نصف ذلك وهو ثمن ونصف ثمن. وإن ترك بنتاً نصفها حر فلها نصف ذلك، وأما حرة فللبنت الربع وللأم السدس ونصف السدس؛ لأن البنت حجبتها عن نصف سدس. فإن كانت الأم نصفها حر فلها نصف ذلك وهو ثمن. فإن ترك ثلاث أخوات مفترقات نصف كل واحدة منهن حر فللتي للأم نصف السدس، وللشقيقة الربع، وللتي للأب الربع؛ لأنها تستحق تمام النصف كما تستحق في حال الحرية تمام الثلثين. وفيما ذكرنا من هذا الباب دليل على ما يرد منه وإنما ذكرناه وإن كنا لا نأخذ به لئلا يخفي كتابنا من شيء ذكره الفراض ومعرفته أحسن من الجهل به. فصل [6 - في ذ كر اختلاف المكاتب] وأما المكاتب فقد اختلف في حكمه، فقال زيد وأهل المدينة وروي ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. وقيل: أنه يعتق منه بقدر ما ادعى في كتابته، روي ذلك عن علي -رضي الله عنه-. وقيل: إذا ادعى أكثر كتابته فهو حر، روي ذلك منه عن ابن مسعود -رضي الله عنه-. وقيل: إذا كتبت الصحيفة فهو حر مديان.

فمن ذهب إلى أنه عبد فحكمه حكم العبد في جميع. ومن ذهب إلى أنه حر فله حكم الأحرار. ومن ذهب إلى أنه يعتق منه بقدر ما ادعى فله حكم المعتق بعضه، وقد تقدم إيعاب حكمه. وبالله التوفيق.

[الباب الحادي عشر] [باب] حكم المتوارثين يموتان ولا يعلم أيهما مات قبل صاحبه

[الباب الحادي عشر] [باب] حكم المتوارثين يموتان ولا يعلم أيهما مات قبل صاحبه [فصل 1 - ذكر الاختلاف في ذلك] إذا مات المتوارثان بغرق أو هدم أو حرق أو سيل أو طاعون أو حرب ولم يدر أيهما مات قبل صاحبه فميراث كل واحد منهما للورثة الأحياء، ويجعل كأن الميتين ليست بينهما قرابة، فلا يرث ميت من ميت شيئاً. وعلى هذا جمهور الصحابة وأكثر الفقهاء. وكذلك روي عن خارجة بن زيد أنه قال: لم يتوارث أحد ممن قتل يوم الجمل ويوم الحرة ويوم صفين إلا من علم أنه مات قبل صاحبه. وجعل ميراث كل ميت لورثته من الأحياء. وذكر عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: يرث بعضهم بعضاً من صلب أموالهم، ولا يرث ميت ممن خرج عن يده شيئاً. وذكر عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: إذا وجدت يد أحدهما على صاحبه يورث الأعلى من الأسفل، وهذا قول لا يسعده القياس. [فصل 2 - تفريع مسائل من هذا الباب] وبيان ذلك: إذا هلك أخوان وتركا خالهما.

وأما فعلى قول الجماعة: للأم الثلث مما تركه كل واحد منهما، وما بقي فلأخيهما الثالث. وعلى قول علي: يحيى أحدهما ويمات الآخر، ثم يقسم ميراثه، فيكون للأم السدس، وما بقي للأخوين، فتصح فريضة من اثني عشر للأم السدس اثنان ولكل أخ خمسة فيعزل خمسة للميت، ثم يمات الذي عزلت له الخمسة، وتقسم تركته سوى الخمسة ويحيى الذي أميت أولاً فيكون قد ترك أمه وأخويه، فللأم السدس اثنان ولكل أخ خمسة، فصار في يد الأم اثنان من تركة هذا واثنان من تركة هذا، وفي يد الأخ الحي خمسة من تركة هذا، وخمسة من تركة هذا، وفي يد كل ميت خمسة ورثها من الميت الآخر، فيماتان جميعاً ميتة واحدة فيكونان قد تركا أخاً وأماً، فيكون للأم الثلث مما في يد كل واحد منهما في ثلاثة يكون ستاً وثلاثين، ففي يد الأم اثنان من تركة كل واحد منهما في ثلاثة بستة، وفي يد الأخ الحي خمسة من تركة كل واحد في ثلاثة بخمسة عشر، وفي يد كل واحد من تركة الآخر خمسة في ثلاثة بخمسة عشر، فلأمه من هذه الخمسة عشر خمسة، ولأخيه عشرة، وكذلك لها من تركة الآخر خمسة، ولأخيه عشرة، فصار جميع الواجب لها من تركة كل واحد أحد عشر فذلك اثنان وعشرون، وصار للحي من تركة كل واحد خمسة وعشرون فذلك خمسون، فيتفق ما بيد الأم والأخ بالأنصاف فيكون في يد الأخ خمسة وعشرون، وفي يد الأم أحد عشر. وبالله التوفيق.

[الباب الثاني عشر] [باب] ذكر الاحتجاج في توريث ذوي الأرحام وتفريع مسائلهم

[الباب الثاني عشر] [باب] ذكر الاحتجاج في توريث ذوي الأرحام وتفريع مسائلهم [فصل 1 - ذكر الاحتجاج في توريث ذوي الأرحام] قد تقدم الاختلاف في توريث ذوي الأرحام الذين ليسوا بذوي سهام ولا عصبة، وشرطنا أن نذكر احتجاج الفريقين، وتفريع المسائل على أبين الأقاويل. فاحتج من ذهب إلى توريثهم بقول الله تعالى: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال:75] قالوا: فالآية على عمومها. قالوا: والدليل على ذلك أنا اتفقنا أن الآية ليست مقصورة على من سمى الله في كتابه، ولو كانت مقصورة عليهم لم يجب أن يرث غيرهم من الأعمام وبني الإخوة، وإذا كان الأمر كذلك لم يكن لكم أن تخصوا رحماً دون رحم. فإن قالوا: فقد روي عن جماعة من الصحابة إنما نزلت في ذوي التحديد والعصبات. قيل لهم: فقد روي عن جماعة من الصحابة أن الآية نزلت في كافة ذوي الأرحام. وقد روي أن الرسول -عليه السلام- قال: (الخال وارث من لا وارث له).

وروى ابن شفاعة أحاديث متصلة برفعها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (الخال وارث من لا وارث له). وروى ابن شفاعة أحاديث متصلة (أنا مولى من لا مولى له أرث ماله وأفك عانيه، والخال مولى من لا مولى له يرث ماله ويفك عانيه). وقال في حديث آخر: (الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له). ففي هذه الأحاديث دليل على توريث ذوي الأرحام. قال: وما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن توريث العمة والخالة فقال: (لا شيء لهما) فليس بصحيح ولا ثابت عنه، وهو حديث منقطع لا يحتج بمثله على الأحاديث الصحاح. ولو صح ذلك لاحتمل أن يكون قال ذلك قبل نزول {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}، فلما نزل ذلك ورث الخال من ابن أخته. وقد جاء حديث آخر أنه -عليه السلام- ورث ابن الأخت من خاله. وقد روي عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم أخبار نزل على إيجاب الموارثة لذوي الأرحام منها: ما روي عن عمر -رضي الله عنه- أنه ورث الخالة الثلث، والعملة الثلثين. وروي عنه أيضاً في خال وعم لأم، أنه أعطى الخال الثلث، والعم الثلثين. فإن قالوا: فقد روي عن عمر أنه منع العمة الميراث، وروي أنه قال: عجباً العمة تورث ولا ترث.

قيل لهم: هذا خبر منقطع: والخبر عنه أنه ورث العمة أشهر وأثبت. وقد روي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه ورث الخالة الثلث، والعمة الثلثين، وبنت الأخ نصيب الأخ، وبنت الأخت نصيب الأخت. وعن ابن مسعود: أنه قضى في بنت بنت وبنت أخت أن لبنت البنت النصف، ولبنت الأخت النصف، وورث الخالة الثلث والعمة الثلثين، وبنت الأخ نصيبه، وبنت الأخت نصيبها. وعن أبي هريرة: انه ورث الخال. قال: ومع ذلك إنا لا نعلم رواية تصح عن صاحب أنه أبطل توريث ذوي الأرحام إلا زيد بن ثابت ... وجب تقليد زيد بتقليد عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم في توريث ذوي الأرحام أولى. والحجة فيما ذهب إليه مالك ومن أخذ بقول زيد أما مالكاً روى عن محمد بن أبي بكر ابن عمر بن حزم عن عبد الرحمن بن حنظلة أنه أخبره عن مولى يقال له ابن

موسى أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كتب كتاباً في شأن العمة يسأل عن ميراثها، ثم دعا بالكتاب فجاءه، ثم قال -رضي الله عنه-: لو رضيك الله لأقرك ولو أقر الله لرضيك. وروى مالك عن محمد بن أبي بكر أيضاً أنه سمع أباه كثيراً يقول: كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: عجباً للعمة تورث ولا ترث. وروى مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا والذي لا اختلاف فيه وأدركت عليه أهل العلم ببلدنا أن ابن الأخ للأم والجد أبا الأم والعم أخا الأب للأم والخال والجدة، أم أبي الأم وابنة الأخ والعمة والخالة لا يرثون بأرحامهم شيئاً، وأن لا ترث المرأة هي ابد من المتوفى ممن سمينا برحمها، وأنه لا يرث أحد من النساء إلا حيث سمين من كتاب الله، وذلك ميراث الأم من ولدها، وميراث البنات عن أبيهن، وميراث الزوجات من أزواجهن، وميراث الأخوات للأب، وميراث الأخوات للأم، وورثت الجدة السنة. والمرأة لمن أعتقت بقول الله تعالى: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب:5]. وأهل العلم الذين أدرك مالك هم التابعون فيبعد أن يجهلوا السنن مع قرب عهدهم بالرسول -عليه السلام-، وبجمهور الصحابة رضوان الله عليهم ويعلمها غيرهم. وقد روي عن سحنون وإسماعيل القاضي أن النبي -عليه السلام- سئل عن ميراث العمة فقال: (لا أجد لها شيئاً). وفي حديث آخر أنه قال -صلى الله عليه وسلم-: (أخبرني جبريل -عليه السلام- أنه لا شيء لها)، وفي حديث آخر: (لا ميراث لها). قال سحنون: وقول عمر مشهور في دار الهجرة: "عجباً للعمة تورث ولا ترث"، يريد ولم ينكر ذلك من قوله أحد من الصحابة.

قال سحنون: ومعنى قوله: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال:75] هم العصبة الذين كانوا لا يتوارثون قبل الهجرة، ولو كان تأويل ذلك في أهل الأرحام الذين ليسوا بعصبة ما جهل ذلك أهل دار الرسول -عليه السلام- وعليهم أنزلت الآية وفي دارهم، وما علمت أحداً من أهل المدينة ورث ذوي الأرحام من غير العصبة. قال سحنون: ألا ترى أن العمة أقرب في الرحم من ابن العم وله الميراث دونها عند جماعة العلماء. ويدل على فساد قول من قال في ذوي الأرحام الذين ليسوا بعصبة: أنزلوهم منازل آبائهم أنا وجدنا الأخ يرث المال أجمع. فإن هلك الأخ وترك ابناً وبنتاً ثم توفي العم والعمة أن المال لابن الأخ دون ابنة الأخ، فأبطلوا الميراث بالرحم وجعلوا ذلك للعصبة، وكان يلزمهم أن يجعلوا البنات بمنزلة الآباء فيرثن مع بني الأخوة الذكور كميراث الأخوات مع الإخوة. وقد أجمعوا على ميراث ابنة الابن مع ابن الابن، وحجبوا ابنة الأخ مع ابن الأخ. وفي إجماعهم دليل على سقوطها إذا انفردت من قبل، لو كان لها حق في الانفراد ما بطل في اجتماعها مع من هو مثلها في الرحم كما كان حق ابنة الابن ثانياً في الانفراد فلم يجب سقوطها في اجتماعها مع من هو مثلها في الرحم. قال إسماعيل القاضي: فمتى كان للميت عصبة من ذوي أرحامه فهم أولى، فإن لم يكونوا فالولاء، فإن لم يكن ولاء فبيت مال المسلمين، فإن لم يكن بيت فأولوا الأرحام؛ لما جاء في ذلك من الآثار المتقدمة لا سيما إن كانوا ذوي حاجة وفاقة، فيجب اليوم أن نتفق على توريثهم، وإنما تكلم مالك وأصحابه إذا كان للمسلمين بيت مال؛ لأن بيت المال يقوم مقام العصبة إذا لم تكن عصبة، ألا ترى أن الرجل لو قتل قتيلاً خطأ ولم يكن له عصبة ولا موال وجب أن يعقل عنه من بيت مال المسلمين، فكذلك يكون ميراثه لبيت المال، فإذا لم يكن بيت مال أو كان بيت المال لا

يوصل إلى شيء منه وإنما يصرف في غير وجهه فيجب أن يكون ميراثه لذوي رحمه الذين ليسوا بعصبة إذا لم يكن له عصبة ولا موال. وإلى هذا ذهب كبراء فقهائنا ومشايخنا من أهل زماننا هذا، ولو أدرك مالك وأصحابه زماننا هذا لجعلوا المواريث لذوي الأرحام إذا انفردوا، ولرد الرد على من يجب له الرد من ذوي السهام. [فصل 2 - في كيفية توريث ذوي الأرحام] واختلف القائلون بتوريث ذوي الأرحام في كيفية توريثهم، هل يرثون الأقرب فالأقرب على ترتيب العصبات أم يرث كل واحد نصيب الوارث الذي لم يمت به؟ فكان أكثرهم يورثهم على التنزيل، فينزلون ولد البنات والأخوات بمنزلة أمهاتهم وبنات الإخوة وبنات الأعمام بمنزلة آبائهم، والخالات والأخوال وأبا الأم بمنزلة الأم، والعمات بمنزلة الأب، فيما روي عن عمل وابن مسعود. وبيان هذه الجملة: أن يترك الهالك بنت بنت، فيكون لها النصف كميراث أمها، ويرد عليها النصف الباقي كما يرد على أمها إذا انفردت ولم تكن عصبة ولا ولاء. وكذلك لو ترك بنت أخت لأب، فلها النصف أيضاً كاملاً، والنصف الباقي بالرد فيكون لها جميع المال. ولو ترك بنت بنت وبنت أخت، لكان لبنت البنت النصف، وما بقي لبنت الأخت كاجتماع البنت مع الأخت. وإن ترك بنت أخ أو بنت عم لأب، كان لها جميع المال كأبيها، فإن اجتمعتا كان المال لبنت الأخ كاجتماع الأخ مع العم. وإن ترك بنت أخ أو بنت أخت لأم، كان لها ميراث من تتقرب به وهو السدس، وأبو الأم يتقرب بالأم فله الثلث أو السدس في حال السدس.

وكذلك الخال أو الخالة يدليان بالأم، فمن انفرد كان له نصيب الأم ويكون باقي المال رداً عليه؛ إذ ليس ثم من يرث الباقي غيره، وإنما يظهر حكم التسمية في الاجتماع، فإن كان الخال والخالة أخوي الأم لأمها فالميراث بينهما سواء، الذكور فيه والإناث فيه سواء، وإن كانا أخويها لأبيها، فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين. وكذلك خال الأم وخالة الأم يدليان بأختهما وهي الجدة للأم، فلها السدس. وكذلك خال الأب وخالة الأب يدليان بأختهما وهي الجدة أم الأب، فلهما السدسان الذي يجب لها لو كانت باقية، ومن انفرد به أخذه وورث باقي المال بالرد. وكذلك العمة يدلي بأخيها وهو الأب، فلها نصيبه، وعمة الأب تدلي بأخيها وهو الجد أبو الأب فلها نصيبه. ثم على هذا فقس ما يرد عليك من هذا فعلية جمهور من قال بتوريث ذوي الأرحام. وكان أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسين يقولون بالتنزيل، إلى أنهم قالوا: ولد الولد وإن سفل أولى من ولد ولد الجد وإن قرب. وبيانه: أن يخلف الموروث بنت بنت بنت، ويخلف بنت أخ أو بنت أخت، فيجعلون المال لبنت البنت وإن سفلت دون بنت الأخ أو بنت الأخت. وكذلك إن ترك بنت بنت بنت أخ من أي وجه كانت الأخوة وترك معها عمة فالمال لبنت الأخ أو بنت الأخت وإن سفلت دون العمة. وحجتهم في ذلك: أنه لما كان ميراث العصبة المتفق على توريثهم إنما يرثون الأقرب فالأقرب كان ذلك عندنا ميراث الأرحام الأقرب فالأقرب؛ لأن الكل إنما ورثوا لعموم الآية فلا فرق. وقد اختلف في توريث ذوي الأرحام على أقوال شتى تركتها لتوعر حفظها، وقد اقتصرت في تفريع المسائل على مذهب جمهور العلماء، وهو مذهب عمر بن الخطاب.

وعلي بن أبي طالب وابن مسعود رضي الله عنهم فيما ذكره المخالف لمالك، وهو مذهب أهل التنزيل فاعلمه.

[الباب الثالث عشر] باب تفريع مسائل ذوي الأرحام على مذهب التنزيل

[الباب الثالث عشر] باب تفريع مسائل ذوي الأرحام على مذهب التنزيل [فصل 1 - في توريث أولاد البنات] إذا ترك الموروث بنت بنت، فالمال لها، وكذلك إن كان ابن ابنة، فالمال له كله إذا انفرد ويكون لها النصف بالنص، والنصف بالرد، وكذلك ولدها. وإن ترك بنتي بنتين، فالمال بينهما بنصفين. وإن ترك ابن بنت بنت أمهما واحدة، فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين. وإن كانا من بنين مثل أن يترك بنت بنت وابن بنت أخرى، فالمال بينهما نصفان، ولكل واحد منهما نصيب أمه ذكراً كان أو أنثى. فإن ترك بنت بنت وبنت بنت بنت، فالمال لبنت البنت؛ لأنها أسبق إلى الرحم. وإن ترك بنتي بنتين وبنت بنت ابن، فالمال لبنتي البنتين خاصة على معنى إذا استكمل بنات الصلب الثلثين سقط بنات الابن. وإن ترك بنت بنت بنت وبنت بنت ابن، فالمال لبنت بنت الابن؛ لأنها أسبق إلى الرحم المستحق للميراث. وإن ترك بنت بنت وبنت بنت ابن، فالمال بينهما على أربعة، لبنت البنت ثلاثة، ولبنت بنت الابن سهم، على قول علي -رضي الله عنه- في الرد. وعلى قول ابن مسعود في الرد لبنت بنت الابن السدس، وما بقي فلبنت البنت. فصل منه آخر [2 - في توريث أولاد الإخوة] إذا ترك بنت أخ لأب أو لأم، فالمال لها وإن سفلت؛ لأن بنت الأخ للأب ترث نصاب أبيها، وبنت الأخ للأم ترث نصاب أمها السدس، وترث بالرد بقية المال. وكذلك إن كان ابن أخت له المال وإن سفل.

وإن ترك بنت أخ شقيق وبنت أخ لأب، فالمال لبنت الأخ الشقيق؛ لأن كل واحدة كأبيها. وإن ترك بنت أخ لأب وبنت ابن أخ شقيق، فالمال لبنت الأخ للأب؛ لأن أباها أقرب بدرجة، وهو كابن أخ لأب وابن ابن أخ شقيق. وإن ترك بنت أخ لأم وبنت أخ لأب، فلبنت الأخ للأم السدس، ولبنت الأخ للأب ما بقي؛ لأن كل واحدة منهما بمنزلة أبيها؟؟؟؟؟؟؟ اجتمعا. وإن ترك بنت أخت شقيقة وبنت أخت لأب، فهما كأخت شقيقة وأخت لأب، فيكون لبنت الأخت الشقيقة النصف، وما بقي لبنت الأخ للأب. وإن ترك بنتي أختين لأب وأم وبنتي أخ وأخت لأب، ... لها كأختين شقيقتين وأخ وأخت لأب، فلبنتي الأختين الشقيقتين الثلثان، ولبنتي الأخ والأخت من الأب ما بقي على ثلاثة أسهم بنت الأخ سهمان ولبنت الأخت سهم، وعلى قول ابن مسعود الذي لا يرى للأخت للأب مع الأختين الشقيقتين شيئاً يكون ما بقي لبنت الأخ للأب. وإن ترك بنتي أختي شقيقتين، وبنت أخت لأب، فالمال لبنتي الشقيقتين، ولا شيء لبنت الأخت للأب، والمعنى أنه إذا استكمل الأشقاء الثلثين ولا شيء لبنت الأخت للأب. ثم على هذا فقس. [فصل 3 -] ميراث الأخوال والخالات وجد أبي الأم إذا ترك الموروث خالاً أو خالة أو خالات أو خال أم أو خالة أم أو خالة أب أو جداً أبا أم أو عمة أو عم أم ... له سهم الأم التي بها يتقرب، والباقي بالرد. وإن ترك خالاً لأب وأم وخالاً لأب، فالمال للخال الشقيق؛ لأنه أقرب إلى الأم بدرجة.

وإن ترك خالاً لأب وابن خال لأب وأم، فالمال للخال لأب، لأنه أقرب إلى الأم بدرجة. وإن ترك خالاً لأب وخالاً لأم، فللخال للأم السدس، لأنه أخ للأم، وللخال ما بقي، لأنه أخو الأم لأبيها. وإن ترك خال أم وخال أب، أو خالة أم أو خالة أب، فالمال بينهما نصفان، وهما بمنزلة الجدتين أم الأم وأم الأب. وإن ترك بنت خال وابن خالة، فالمال بينهما على ثلاثة أسهم لبنت الخال سهمان نصيب أبيها، ولابن الخالة سهم نصيب أمه. وإن ترك جداً أبا أمه وخالاً وخالة، فالمال للجد؛ لأنك إذا أمت الأم كان أبوها أولى من أخيها وأختها. وإن ترك خال لأم وعم أم، فالمال لخال الأم؛ لأن خال الأم هو أخو الجدة للأم، وعم الأم أخو الجد أبي الأم، والجدة للأم أولى من الجد أبي الأم. [فصل 4 -] ميراث العمات وعمات الأب وأولادهم إذا ترك عمة شقيقة أو عمة لأب أو عمة لأم، فالمال لها. وإن ترك عمة شقيقة وعمة لأب، فالمال بينهما على أربعة للشقيقة ثلاثة وللتي للأب واحد على قول علي ابن أبي طالب في الرد، وعلى قول ابن مسعود: للعمة للأب السدس، وما بقي للعمة الشقيقة. وإن ترك عمة لأمه وعمة شقيقة، فالمال بينهما على أربعة للشقيقة ثلاثة، وللتي للأم واحد على قولهما. وإن ترك عمات مفترقات، فعلى قول علي في الرد يكون المال بينهن على خمسة للشقيقة ثلاثة، وواحد لأولئك.

وعلى قول ابن مسعود: أصلها من ستة، للشقيقة النصف ثلاثة، ولليتي للأب السدس تكملة الثلثين واحد، وللتي للأم السدس واحد، وما بقي وهو واحد مردود على الشقيقة والتي للأم على قدر سهامها وذلك أربعة، وواحد لا ينقسم على أربعة فتضرب أربعة في ستة بأربعة وعشرين، للتي للأب السدس من ذلك أربعة، وللشقيقة خمس عشر، وللتي للأم خمسة. وإن ترك ثلاث بنات مفترقات فهن بمنزلة أمهاتهن فإن كان مع كل واحدة أخوها شقيقها فعلى قول علي المال بينهم على خمسة كما كان على أمهاتهم لولد الشقيقة للذكر منها اثنان، وللأنثى واحد ولولد التي للأب واحد لا ينقسم على ثلاثة، وكذلك لولد التي للأم فتضرب ثلاثة في خمسة يكون خمسة عشر، فلولد الشقيقة ثلاثة في ثلاثة بتسعة للذكر ستة وللأنثى ثلاثة، وللتي للأب للأم ثلاثة ثلاثة لكل ذكر اثنان ولكل أنثى سهم. وفي قول ابن مسعود تصح من اثنين وسبعين لولد العمة من الأب اثنا عشر، ولولدي العمة للأم خمسة عشر، ولولدي العمة الشقيقة خمسة وأربعون؛ لأن سهم التي للأب كان أربعة من أربعة وعشرين لا ينقسم على ثلاثة، وسهم التي للأم خمسة لا تنقسم على ثلاثة أيضاً فتضرب أربعة وعشرين في ثلاثة فإن كان له شيء من أربعة وعشرين أخذه مضروباً في ثلاثة. وإن ترك عمة وبنت عم، فالمال للعمة دون بنت العم؛ لأن العمة بمنزلة أخيها وهو الأب، وبنت العم بمنزلة أبيها، والعم لا يرث مع الأب. فإن ترك عماً وعمة أخوي أبيه لأبيه، فالمال بينهما نصفان كالإخوة للأم. [فصل 5 -] ميراث ولد الولد مع الخالات والعمات إذا ترك الموروث بنت بنت وخالة، فالمال بينهما على أربعة وكأنه ترك بنته وأمه. وإن ترك بنتي بنتين وخالة، فالمال بينهن على خمسة، وكأنه ترك بنتين وأماً.

وإن ترك بنت بنت وبنت ابن وخالة، فكأنه ترك بنتاً وبنت ابن وأما، فالمال بينهن على خمسة على مذهب علي في الرد، وعلى قول ابن مسعود: لبنت البنت ثلاثة من ستة، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وللخالة السدس، وبقي واحد يرده على بنت البنت والحالة على أربعة فتصح من أربعة وعشين. فإن ترك خالة أم وخالة أب، فكأنه ترك جدة لأم وجدة لأب، فالمال بينهما نصفان. فإن ترك معهما بنت بنت وعمة شقيقة أو لأب أو لأم، فلبنت البنت النصف، وما بقي للعمة، وكأنه ترك بنتاً وأباً. وإن ترك بنت بنت وثلاثة عمات مفترقات، فلبنت البنت النصف، وما بقي بين العمات على خمسة على قول علي -رضي الله عنه-. [فصل 6 -] ميراث بني الأخوة مع الخالات والعمات وإن ترك خالة وبنت أخ، فكأنه ترك أماً وأخاً، فالمال بينهما على ثلاثة للخالة سهم ولبنت الأخ سهمان، وإن كانت بنت الأخ للأم، فالمال بينهما أيضاً على ثلاثة للخالة سهمان ولبنت الأخ سهم هذا على قول علي في الرد. وعلى قول ابن مسعود على ستة للخالة خمسة ولبنت الأخ سهم. فإن ترك خالة وثلاثة بنات أخوة مفترقين، فكأنه ترك أماً وثلاثة إخوة مفترقين، فيكون للخالة السدس، ولبنت الأخ للأم السدس، وما بقي لبنت الشقيق. وإن ترك خالة وبنت أخت لأب، فكأنه ترك أماً وأختاً، فالمال بينهما على خمسة، فإن كانت بنت أخت لأم، فالمال بينهما على ثلاثة للخالة سهمان على قول علي. فإن ترك خالة وثلاث بني أخوات مفترقات، فالمال بينهن على ستة للخالة سهم وللشقيقة ثلاثة، وللتي للأب سهم وللتي للأم سهم. وإن تلك عمة وبنت أخ أو بنت أخت أو بنات إخوة أو أخوات مفترقات، فالمال للعمة، وكأنه ترك إخوة وأباً، وقيل: غير هذا، وهو أصوب.

[فصل 7 -] ميراث ذوي الأرحام مع الزوجين اختلف في ميراث ذوي الأرحام من ولد الولد مع الزوج والزوجة. مثل: [إذا تركت] الموروثة زوجاً وبنت بنت وبنت أخ أو أخت. فقيل: يعطى الزوج أو الزوجة فرضه ويكون حكم بنت البنت وبنت الأخ فيما بقي كحكمهما لو انفردتا. بيانه: أن يأخذ الزوج نصفاً وبنت البنت ربعاً وما بقي فلبنت الأخ، تصح من أربعة للزوج اثنان ولكل بنت واحد. وقيل: يقدر أن للزوج الربع واحد من أربعة، ولبنت البنت النصف اثنان، وما بقي فلبنت الأخ أو الاخت، ثم يرجع فيعطى الزوج النصف، ويقسم ما بقي على ثلاثة لبنت البنت سهمان، ولبنت [الأخ أو الأخت] سهم، فتصح من ستة. قد ذكرنا من وجود مواريث ذوي الأرحام ما فيه كفاية ودليل على ما يرد منه، وأجريناه على مذاهب أهل التنزيل؛ إذ هو قول الجمهور، وتركنها ما سواه من الاختلاف لتوعره والعمل على خلافه.

[الباب الرابع عشر باب في ميراث المولود الذي لم يستهل صارخا وما جاء في ميراث الحنين، ومن مات ولأمه زوج غير أبيه ومن مات وترك زوجة أو أم ولد حاملا وفي إسلام أحد الأبوين الكافرين والولد صغير]

[الباب الرابع عشر باب في ميراث المولود الذي لم يستهل صارخاً وما جاء في ميراث الحنين، ومن مات ولأمه زوج غير أبيه ومن مات وترك زوجة أو أم ولد حاملاً وفي إسلام أحد الأبوين الكافرين والولد صغير] فصل [1 - في المولود الذي لم يستهل صارخاً] واختلف في ميراث المولود إذا لم يستهل صارخاً. فذهب مالك وأهل المدينة إلى ألا يرث حتى يستهل صارخاً. وكان أبو حنيفة والشافعي وأصحابهم يورثونه إذا علمت حياته بصياح أو حركة أو اختلاج أو عطاس، وكذلك عند أبي حنيفة إذا خرج أكثره من الرحم وعلمت حياته، ثم خرج ميتاً فإنه يرث. فإن خرج أقله حياً ثم وجد ميتاً فإنه لا يورث إجماعاً.

[فصل 2 -] جامع ما جاء في الجنين إذا ضرب إنسان بطن امرأة فألقت جنيناً ميتاً اتفقت جماعة العلماء أن على عاقله غرة عبداً أو وليدة. وقد ثبت ذلك عن النبي -عليه السلام-. ثم اختلفوا في ميراث الغرة: فذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة: أنها تكون بين ورثته على فرائض الله تعالى. وقال الليث بن سعد: ديته لأمه خاصة؛ لأنه كجرح من جراحها. وقال ربيعة: ديته لأبويه جميعاً بالسواء، وسواء في ذلك كان الجنين ذكراً أو انثى. وإن خرج حياً ثم مات، فأجمعوا أن فيه الدية كاملة، إن كان ذكراً فمائه من الإبل، وإن كانت أنثى فخمسون. قال مالك: بعد قسامة أوليائه لمن ضربه مات ثم توريث ديته على ما نص الله عز وجل في كتابه.

[فصل 3 -] فيمن مات ولأمه زوج غير أبيه روي عن علي وعمر بن عبد العزيز -رضي الله عنهما وغيرهما-: إن مات ولأمه زوج غير أبيه أن زوجها يعزل عنها حتى يستبرئها بحيضة؛ ليعلم إن كان بها حمل أم لا احتياطاً للميراث. فإن لم يعتزلها أو قال: اعتزلتها فلم يصدقه الورثة فإن العلماء قد اتفقوا أنها إن ولدت لأقل من ستة أشهر ورثه بأخوة الأم إلا أن يكون للميت من بحجبه، وإن ولدته لستة أشهر فأكثر لم يرثه إلا أن يصدقها الورثة أنها كانت حاملاً يوم مات ابنها، تشهد بذلك امرأتان فصاعداً. [فصل 4 -] فيمن مات وترك زوجة أو أم ولد حاملاً اختلف العلماء فيمن مات وترك زوجة أو أم ولد حاملاً كيف العمل في ميراثه؟ فوري عن مالك أنه قال: لا يقسم ميراثه حتى تضع أو يقع اليأس من حملها. ونحوه عن سفيان الثوري والشافعي. وقال الليث: إلا أن يتشاح الورثة ويطلبوا القسم فيقسم لهم، ويوقف له سهم ذكر. وقاله أبو يوسف، وذكر أن أكثر النساء إنما يلدن واحداً فجعلناه ذكراً احتياطاً. وقال محمد بن الحسن: يوقف له ميراث ذكرين؛ إذ قد تلد توأمين. وقال أبو حنيفة: يوقف له ميراث أربعة.

وأعجب ذلك ابن المبارك وقال: هو أكثر ما تلد النساء. [فصل 5 -] في إسلام أحد الأبوين الكافرين والولد صغير اختلف العلماء إذا أسلم أحد الأبوين والولد صغير. فروي عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يقول: يكون مسلماً بإسلام أحد الأبوين. وبه قال الحسن وعطاء والأوزاعي والحنفي والشافعي. وقال الشافعي: لأن الله تعالى أعلى الإسلام على الأديان، فأولى أن يكون له الحكم. وقال مالك وأصحابه: لا يكون مسلماً إلا بإسلام أبيه؛ لأنه تبع له في الحرية والانتساب والولاء وحمل العقل، فوجب أن يكون تبعاً له في الدين. وقال بعض أهل المدينة: لا يكون مسلماً إلا بإسلام الأم؛ لأنه تبع لها في الرق والحرية فكذلك الدين، وهو أضعف الأقوال، والأول أقواها.

[الباب الخامس عشر باب في ميراث المطلقة في المرض وفي ميراث القاتل والأسير والمرتد]

[الباب الخامس عشر باب في ميراث المطلقة في المرض وفي ميراث القاتل والأسير والمرتد] [فصل 1 -] في ميراث المطلقة في المرض اتفق الناس على أن الرجل إذا طلق زوجته في المرض أو الصحة طلاقاً رجعياً ثم مات أحدهما قبل عدة المطلقة أنهما يتوارثان. واتفقوا أيضاً أنه إن طلقها في مرضه طلاقاً بائناً ثم ماتت هي أنه لا يرثها. واختلفوا إن مات هو؟ فروي عن عمر وعثمان رضي الله عنهما وأهل العراق أيضاً أنها ترثه. وروي عن عبد الرحمن بن عوف وغيره: أنها لا ترثه. واختلف الموروثون لها في الحال التي ترث فيها؟ فقال أهل المدينة وأهل العراق: أنها ترثه وإن انقضت عدتها منه وتزوجت الأزواج. وقال أبو حنيفة وأصحابه: أنها ترثه ما لم تنقض العدة. وقال ابن أبي ليلى: أنها ترثه ما لم تتزوج.

[فصل 2 -] في ميراث القاتل اتفق العلماء أن قاتل العمد لا يرث من مال المقتول ولا من دينه شيئاً، وأن قاتل الخطأ لا يرث من الدية. واختلفوا هل يرث من مال المقتول أم لا؟ فذهب مالك وأهل المدينة: أنه يرث من المال دون الدية. وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة والشافعي وغيرهم: أنه لا يرث من مال ولا دية كقاتل العمد. وقال أبو حنيفة: إلا أن يكون القاتل صبياً لم يحتلم، أو مجنوناً فلا يحرم من الميراث؛ لارتفاع القلم عنهما. يريد: وكذلك من نام على ولده فقتله. [فصل 3 -] في ميراث الأسير واختلفوا في ميراث الأسير إذا خفي أمره؟ فروي عن سعيد بن المسيب والنخعي: أنه لا يرث. وقال عمر بن عبد العزيز: أنه يرث ويورث ما أقام على دينه. وقال شريح: وهو أحوج ما يكون إلى ميراثه، إنما أن يفدى به أو يوقف.

وقال الزهري: لا تتزوج زوجته ولا يقسم ماله. وإذا ماتت من يرثه الأسير ويجهز من ماله وقف له ميراثه حتى يعرف أحي هو أم ميت، فإن صحت حياته فهو له، وإن كان مات ذلك رد إلى ورثة الميت يوم مات وإن كان يرثه مع الأسير غيره، فأنت تعمل الفريضة على أن الأسير حي، ثم على أنه ميت، ثم يعطي هذا الوارث أقل حظيه ويوقف الباقي للأسير. بيانه: لو أن امرأة هلكت وتركت أختيها لأبيها وزوجها وهو أسير، فهي على أنه حي من سبعة، وعلى أنه ميت من ثلاثة، فتضرب ثلاثة في سبعة تكون أحد وعشرين فتقسمها على أنه حي فتقول: من كان له شيء من سبعة أخذه مضروباً في ثلاثة، فلكل أخت اثنان، ثلاثة بستة، للأسير ثلاثة في ثلاثة بتسعة، فتعطى الأختين ستة ستة، وتوقف التسعة للأسير فإن قام أخذها وإن ثبت أنه مات قبل زوجته دفع إلى الأختين سهمان تمام الأربعة عشر، وبقي للعصبة ما بقي وهو سبعة، فترجع على الاختصار من ثلاثة. ثم هكذا فاصنع فيما يرد عليه من مسائله. [فصل 4 -] في ميراث المرتد اختلف في ميراث المرتد؟ فذهب ربيعة: إلى أن ماله للمسلمين إذا مات أو قتل مرتداً. وروي عن علي وابن مسعود: أنهما جعلا ماله لورثته المسلمين.

وبه قال ابن المسيب وغيره، وسواء في هذين القولين كان ماله هذا مما اكتسبه قبل ردته أو بعدها. وقال آخرون: أما ما اكتسبه بعد ردته فهو لجماعة المسلمين. وقال آخرون: إذا كان ورثته على دينه الذي ارتد إليه فهم يرثونه دون ورثته من المسلمين. واتفقوا أنه لا يرث هو من مات من المسلمين.

[الباب السادس عشر باب فيمن مات من أهل الذمة ولا وارث له وميراث من أسلم أو عتق قبل قسم الميراث وميراث المسلم الكافر، وأهل الملل بعضهم بعضا والمجوس إذا أسلموا وقد تزوجوا المحارم]

[الباب السادس عشر باب فيمن مات من أهل الذمة ولا وارث له وميراث من أسلم أو عتق قبل قسم الميراث وميراث المسلم الكافر، وأهل الملل بعضهم بعضا والمجوس إذا أسلموا وقد تزوجوا المحارم] [فصل 1 -] فيمن مات من أهل الذمة ولا وارث له اختلف في ذلك؟ فروي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن ميراثه للذين يؤدون جزيته. وقال النخعي: لأهل جزيته يقرون به على إخراجهم. وقال أبو حنيفة والشافعي: يجعل ماله في بيت مال المسلمين. وكذلك قال ابن القاسم في المدونة في الصلحي يموت وقد ضرب عليه الجزية والخراج على أرضه فإذا مات ولا وارث له من قرابته فميراثه لأهل مؤداه؛ لأن موته لا يضع عمن بقي من أصحابه شيئاً مما صولحوا عليه فميراثه لهم وجزيته على ... ويجب أن يعرف في هذا فإن كانت الجزية مجملة عليهم لا يوضع منها شيء لموت من مات منهم فهذا يكون ميراثه لأهل جزيته، وإن كانت الجزية إنما هو على الجماجم ومن مات سقط عنه فهذا إن مات ولا وارث له يكون ماله للمسلمين كمال المرتد.

[فصل 2 -] في ميراث من أسلم أو ع تق قب لقسم ميراث من يرثه واختلف في ميراث أو عتق قبل القسم. فروي عن عمر وعثمان رضي الله عنهما أنه [من] أسلم قبل قسم ميراث من يرثه أو عتق قبل قسمة الميراث فإنه يرثه. وبه قال جماعة من العلماء. وكان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: لا يورث من أسلم على ميراث. وبه قال ابن المسيب وعطاء وطاووس ومالك وأصحابه وأبو حنيفة والشافعي؛ لأن الميراث وجب لأهله يوم مات الميت لا يوم القسمة وكذلك إن أعتق العبد قبل قسمة الميراث فلا يرث. والميراث لمن كان حراً مسلماً يوم مات الميت. وأجمعوا أن قسم الميراث قبل الإسلام أو العتق لا يوجب شيئاً مما أسلم أو عتق وقد وجب الميراث لأهله الذين يرثونه.

[فصل 3 -] ميراث المسلم الكافر روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم». وقاله: عمر وعلي وجمهور الصحابة رضي الله عنهم. وبه أخذ مالك وأهل المدينة وغيرهم. وروي عن معاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان أنهما قالا: يرث المسلم الكافر الكتابي، ولا يرث الكافر المسلم. قال معاوية: لقول النبي -عليه السلام-: «الإسلام يزيد ولا ينقص، ويعلو ولا يعلى عليه» يوجب أن ترث أهل الكتاب ولا يرثونها، كما تنكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا. فصل [4 - في ميراث] أهل الملل بعضهم بعضا واختلف في ميراث الكفار المختلفة أديانهم. فقيل: إن الإسلام ملة والكفر ملة. واحتجوا: بقوله تعالى: {فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التغابن:2]. وبقوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج:19].

وبقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:73]. وبقوله -عليه السلام-: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم». وقال بذلك: ابن شبرمة والثوري وأبو حنيفة والشافعي. وقال آخرون: الإسلام ملة، والكفر ملل شتى. واحتجوا: بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [الحج:17]. وبقوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة:113]. وبقوله -عليه السلام-: «لا يتوارث أهل ملتين». وبقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لا نرث أهل الملل ولا يرثونا" فسماهم مللاً.

وقالوا: إن المجوس أهل كتاب؛ لأن النبي -عليه السلام- أخذ من مجوس البحرين الجزية وأقرهم على مجوسيتهم؛ ولأن النبي -عليه السلام- قال: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب». وقد قال علي -رضي الله عنه-: "إن المجوس أهل كتاب أسرى على كتابهم فأصبحوا ولا كتاب لهم". وهو قول أهل المدينة: الإسلام ملة والكفر ملل لا ترث ملة ملة. وقال آخرون: الإسلام ملة والنصارى ملة واليهود ملة والمجوس والصابئون وعبدة النيران وعبادة الأوثان ملة؛ لأنهم لا كتاب لهم. والصواب ما ذهب إليه أهل المدينة. [فصل 5 -] ميراث المجوس إذا أسلموا وقد تزوجوا البنات والأمهات روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عدي بن أرطأة أن يسأل الحسن بن الحسن: ما منع من قبلنا من الأئمة أن يحولوا بين المجوس وبين ما أجمعوا من النساء اللواتي لا يجمعهن أهل المال سواهم؟ فسأل عدي الحسن فأخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل من مجوس البحرين الجزية وأقرهم على مجوسيتهم. واتفق الناس أن المجوس إذا أسلم وقد كان تزوج أمه أو ابنته أو أخته أو من لا يحل له تزويجها عندنا من القرابات أن النكاح يفسخ بإسلامهم. ثم إن مات بعد ذلك لم ترثه بالزوجية؛ لانفساخ ذلك بالإسلام، وورثته مع سائر الورثة بالنسب. ثم إن مات بعض ورثته بعد موته وترك ورثة فاختلفوا هل يرثه ورثته بالقرابتين أو بإقرارها، وصفة القرابتين؟

والقومة منهما: أن المجوسي إذا تزوج ابنته وأولدها بنتاً فأسلم المجوسي فإنه يفسخ، فإن مات بعد ذلك فقد ترك ابنته التي كانت زوجته وابنته منها، فلابنتيه الثلثان وما بقي للعصبة. فإن ماتت بعد ذلك ابنته التي كانت زوجته فقد تركت بنتها وهي أختها لأبيها. فقد روي عن علي وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم:؛ أنها ترث بالقرابتين النصف؛ لأنها بنت وما بقي، لأنها أخت. وبه قال الأوزاعي والثوري والحنفي وجماعة يكثر عددهم. وروي عن الحسن والدسدي وبه قال مالك والشافعي وأهل المدينة: أنها ترث بأقوى القرابتين وهو بالنبوة وما بقي للعصبة، ومعرفة أقوى القرابتين من أضعفها أن تنظر كل من لا يسقط في الحجب أصلاً فهو الأقوى، ومن قد يسقط هو الأضعف، مثل: ولد الصلب لا يسقطون أصلاً، ومثل: الأم لا تسقط. وأما ولد الولد فيسقطون مع الولد الذكر، وكذلك الإخوة معه ونحو ذلك. فعلى مذهب من يرث بأقوى القرابتين فإن المسائل تجري على ما تقدم من مسائل الصلب فلا فائدة في إعادة ذلك. وأما من ورث بالقرابتين فيجب بيان ذلك. ومثاله: لو أن مجوسياً تزوج ابنته فأولدها ابنتين فأسلموا جميعاً، ثم هلك الأب، فلبناته الثلاث الثلثان وما بقي للعصبة، فإن لم تكن عصبة فالثلث رد عليهن على مذهب من يقول بالرد.

فإن مات بعد ذلك إحدى بناته من فقد تركت أمها وهي أختها من أبيها وتركت أختها من أبيها وأمها، فلأمها السدس حجبت نفسها؛ لأنها أخت وأم وبنت أخت أخرى، فللأخت الشقيقة النصف وللأخت للأب التي هي للأم السدس تكملة الثلثين وما بقي للعصبة أو يرد عليهما إن لم تكن عصبة. وتصح من خمسة: ثلاثة للشقيقة واثنان للأم. مجوسي تزوج أمه فأولدها بنتاً، ثم أسلموا، ثم مات المجوسي بعد الإسلام، فلأمه السدس ولابنته النصف. فإن ماتت الأم بعد ذلك فقد تركت ابنتها وهي ابنة ابنها، فلها النصف والسدس تمام الثلثين وما بقي للعصبة أو يرد عليها إن لم تكن عصبة. فإن تزوج أمه فأولدها بنتين، ثم تزوج إحدى بناته فأولدها ابناً وبنتاً، ثم مات المجوسي بعد أن أسلموا جميعاً، فقد ترك أمه وثلاث بنات وابناً، فلأمه السدس ولأخته الشقيقة النصف، ولأمه وأخته الأخرى التي هي خالته السدس تكملة الثلثين؛ لأنهما أختاه لأبيه، وما بقي للعصبة، تصح من اثني عشر. فإن كان لم يمت الابن ولكن ماتت الأم الكبرى بعد موت ابنها، فلابنتها من ابنها الثلثان، وما بقي بين ابن ابنها أو بنات ابنها الثلاث للذكر مثل حظ الأنثيين، تصح من خمسة عشر، ثم على نحو هذا.

[الباب السابع عشر] باب ذكر الخنثى وميراثه

[الباب السابع عشر] باب ذكر الخنثى وميراثه [فصل 1 - في كيفية معرفة الخنثى] إذا ولد مولود وله ذكر كذكر الرجل وفرج كفرج المرأة، فهذا هو الخنثى. فلم يرو أحد عن مالك أنه تكلم في بشيء، بل قد قال ابن القاسم: وما اجترأنا على سؤال مالك في الخنثى. وأجمع المتكلمون فيه: إلى أنه ينظر إلى مباله، فإن باب من ذكره فهو ذكر له حكم التذكير في جميع أحواله، وإن بالت من فرجها فلها حكم التأنيث في جميع أحوالها. فإن كان صغيراً ممن يجوز النظر إلى عورته كشف عن ذلك. وإن كان كبيراً: جعل يبول إلى حائط، أو من على حائط، فإن ضرب بوله الحائط أو جزع عنه إن بال من فوقه فهو ذكر، وإن سلسل بين فخذين فهو أنثى. وقيل: أنه تجعل مداة أمامه في حين بوله ثم ينظر في المرأة ليتبين أمره، فإن بال منهما نظر ايهما سبق فله الحكم فإن بدر منهما جميعاً فذهب أكثر المتكلمين أن ينظر إلى أيهما أكثر كان له الحكم. وأنكر ذلك الشعبي قال: أيكال أم يوزن. والأول أصوب؛ لأن الأكثر يظهر، فإن بال منهما جميعاً بولاً متكافئاً فهو مشكل في حال صغره. وينظر في حاله كبره وبلوغه: فإن احتلم من ذكره فهو ذكر، وإن حاضت من فرجها فهي أنثى.

فإن حاضت واحتلم، ينظر: فإن نبتت له لحية ولم ينبت له ثدي فهو ذكر، فإن نبتت له ثدي ولم ينبت له لحية فهي أنثى. قال ابن سحنون: ولأن أصل نبات اللحية من البيضة اليسرى، ومنها يكون الولد. فإن نبتت له لحية وثدي أو لم ينبتا فهذا هو المشكل عند أكثرهم. وقيل: ينظر إلى عدد أضلاعه؛ لأن أضلاع المرأة من كل جانب ثمانية عشر ضلعاً، وأضلاع الرجل من الأيمن كذلك ومن الأيسر سبعة عشر وذكر أن الله عز وجل لما خلق آدم -عليه السلام- ألقى عليه النوم ثم استل من جانبه الأيسر ضلع فخلق منه حواء، فالرجل أنقص من المرأة بضلع واحد. وذكر أن علياً -رضي الله عنه- قضى به في امرأة ابنه، فزعمت أنها متزوجة بابن عيب وهي خنثى وهو خنثى وأنها وقعت على خادم لها فحملت، فأمر -رضي الله عنه- خادمه فتبرأ أن يدخل إليها فيعد أضلاعها، فأعلمه أن أضلاعها كأضلاع الرجال فبعث وراء ثياب تصلح للرجال ورداء فكساها وأخرجها بعد أن بعث وراء ابن عمها فقالت: ... من حمل الخادم منها فصدقها، فقال له: هل أصبتها بعد ذلك؟ فقال: نعم، فقال له: إنك لا أجرأ من خاصي الأسد. وإنما ذكرنا هذه الأحوال لأن أهل العلم تكلموا عليها، وإذ قد يقع ذلك فيحتاج إلى النظر فيه وأن لا يخلى كتابنا عن ذلك. وقد قال أيضاً بعض أهل العلم: لا يجوز أن يقال: أن الله خلق خلقاً مشكلاً ولم يبينه في كتابه عز وجل، بل قد بين لنا حكم الذكر والأنثى فقال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38].

[فصل 2 - في الخنثى المشكل] ثم اختلف المتكلمون في الخنثى المشكل: فذهب أكثرهم: إلى أن يكون لها نصف ميراث ذكر، ونصف ميراث أنثى. وقال بعضهم: بل يكون له ثلاثة أرباع ميراث الذكر، يجعل ذلك سهماً إذا قارنه غيره، فإن كان معه ابن كان المال بينهما على سبعة للذكر اربعة وللخنثى ثلاثة، وإن كان معه أنثى فإن المال بينهما على خمسة له ثلاثة وللأنثى اثنان، ثم على هذا يكون العمل عنده، وبهذا أخذ ابن حبيب. وذكر أكثر القائلين نصف نصيب ذكر ونصف نصيب أنثى: أنه يورث بالأحوال، فيجعل له حالان: حال يكون فيها ذكراً، وحال يكون فيها أنثى. وذهب بعض المتكلمين في الخنثى: إلى أنه يورث بالدعوى، فالخنثى تقول: أنا ذكر ولي جميع الميراث إذا انفردت، والعصبة يقولون: إنك أنثى فلك النصف، فيسلمون له النصف بلا منازعة، والنصف يدعيانه جميعاً، فيقسم بينهما، فيصح له ثلاثة أربع المال، وهذا كقول أهل الأحوال، وإليه يرجع في المحصول إذا انفرد. وقال الحنفي: حكمه حكم أنثى. وقال الشافعي: يعطى أقل حاليه، وإن كان أنجى له أن يكون ذكراً أعطيه وإن كان أضر به أن يكون أنثى أعطي حظ أنثى، ثم يكون ما بين الحظين موقوفاً حتى يثبت له أحد الأمرين، وإلا وقف أبداً كما لم يعلم له صاحب. فهذا الذي حفظناه من الاختلاف عن شيخنا عتيق رحمه الله. [فصل 3 - تفريع مسائل هذا الباب على اختلافهم] وأنا أبين فيه مسائل ليتقرر أصلها إن شاء الله: إذا ترك ابناً وابن ابن أو أخاً شقيقاً أو أخاً للأب وهو خنثى:

فله ثلاثة أرباع المال على قول من يجعل له نصف نصيب ذكر ونصف نصيب أنثى. وعلى مذهب أهل الدعوى، ومذهب أبي حنيفة: له النصف وما بقي للعصبة. وعلى قول الشافعي: له النصف والباقي موقوف. فإن ترك ابناً خنثى وابناً ذكراً: فعلى مذهب التنصيف تصح المسالة من سبعة. وعلى قول أهل الأحوال تكون المسألة في حال التأنيث من ثلاثة، وفي حال التذكير من اثنين، فاضرب اثنين في ثلاثة تكن ستة، ثم في اثنين من أجل الحالين يكن اثنى عشر، فنقسمها على أنه ذكر فيقع لكل واحد ستة، فيأخذ كل واحد منهما نصف ما صار له ثلاثة يقسمها على أنه أنثى للذكر ثمانية وللأنثى أربعة، فيأخذ كل واحد نصف ما صار له في القسم الأول فيصير للذكر سبعة وللخنثى خمسة. وكذلك تصح على قول أهل الدعوى؛ لأن الذكر يقول للخنثى: لك الثلث بلا منازعة، ولي النصف بلا منازعة، والسدس كل واحد منهما يدعيه لنفسه فيقسم بينهما، فيكون للخنثى خمسة من اثني عشر وللذكر سبعة. واعلم أن مذهب أهل الدعوى وأهل الأحوال يرجع إلى معنى واحد فاستغنى بأحد العملين عن الآخر، وعمل أهل الدعوى أسهل فاعمل عليه تقف على صوابه إن شاء الله تعالى. وعلى قول أبي حنيفة: للخنثى ثلث المال، وللذكر ثلثاه. وعلى قول الشافعي: للخنثى الثلث وللذكر النصف وما بقي موقوف وهو السدس. فإن كان مع الخنثى ابن وبنت وزوج فللزوج الربع وما بقي على خمسة إن كان الخنثى ذكر، تصح من عشرين، وعلى أنه انثى يكون ما بقي على أربعة، تصح من ستة عشر فيوفق بين المسألتين فيتفقان بالأرباع، فاضرب ربع أحدهما في كامل الآخر تكن ثمانين ثم اضربها في اثنين لأجل الحالين يكن مائه وستين، فللزوج الربع على كل حال أربعون، وتبقى مائة وعشرون فيقسمها على أن الخنثى ذكر على خمسة يكون لكل سهم أربعة وعشرون فللذكر ثمانية وأربعون وكذلك الخنثى وللبنت أربعة وعشرون، فيأخذ كل واحد نصف ما في يده يصح للذكر والخنثى أربعة وعشرون

أربعة وعشرون وللبنت اثنا عشر، ثم تقسمها على أن الخنثى أنثى على أربعة يكون لكل سهم ثلاثون فيكون للبنت خمسة عشر فتضمها إلى الاثنتي عشر فيكون سبعة وعشرين، ويكون للخنثى أيضاً خمسة عشر فتضمها إلى الاثني عشر فيكون سبعة وعشرين، ويكون للخنثى أيضاً خمسة عشر فتضمها إلى الأربعة وعشرين التي صحت له في القسم الأول فتصح له تسعة وثلاثون، ويزكون للذكر ثلاثون فتضم ذلك إلى الأربعة وعشرين التي صحت له في القسم الأول يكون له أربعة وخمسون، ثم لا تنقطع إذ لا يتفق فيتبقى مائة وستين. على مذهب أهل الدعوى يقول الخنثى: لي خمسا ما بقي بعد الربع، ويقول له الأخ والأخت: بل لك ربع ما بقي، فيحتاج أن يكون للثلاثة الأربع ربع وخمس، فاضرب أربعة فخرج الربع في عشرين فخرّج الربع والخمس تكن ثمانية، فللزوج ربعها عشرون وتبقى ستون، فيقول الخنثى: لي خمساها أربعة وعشرون، ويقول له الأخوان: بل لك ربعها خمسة عشر فيسلمان له الخمسة عشر وتبقى من الأربعة وعشرين تسعة فتقسم بينهما، فتسعة للنصف صحيح لها فتضرب الثمانين في اثنين تكن مائة وستين، للزوج الربع أربعون، وتبقى مائة وعشرون فالخنثى يقول: لي خمسا ما بقي ثمانية وأربعون، والأخوان يقولان: لك الربع ثلاثون فيقسمان ما بين ذلك وهو ثمانية عشر فيكون للخنثى منها تسعة يأخذ الذكر منها ستة يضمها إلى ثمانية وأربعين، يصير له أربعة وخمسون وتأخذ الأنثى ثلاثة تضمها إلى أربعة وعشرين يصير لها سبعة وعشرون. فبان ذلك أن المحصول على مذهب أهل الدعوى وأهل الأحوال واحد وإن اختلف العمل. وأما على مذهب ابن حبيب فيكون للزوج الربع وما بقي مقسوم على تسعة للخنثى ثلاثة واثنان للأنثى، وأربعة للذكر. وعلى مذهب أبي حنيفة: للزوج الربع، وما بقي على أربعة، تصح من ستة عشر.

وعلى مذهب الشافعي تصح على أن الخنثى ذكر من عشرين، وعلى أنه أنثى من ستة عشر، فيتفقان بالأرباع فربع أحدهما مضروباً في كامل الآخر ثمانون، للخنثى على تذكيره أربعة وعشرون وكذلك للذكر والأنثى اثنا عشر، وله على أنه أنثى خمسة عشر فيأخذها فيستفضل تسعة تكن موقوفة. فإن ترك ابنين وأخوين خنثيين؟ فالجواب على مذهب أهل الأحوال هو على تذكيرها من اثنين، وعلى تأنيثها من ثلاثة، وعلى تذكير الأكبر خاصة من ثلاثة، وعلى تذكير الأصغر خاصة من ثلاثة بثلاثة فجزء من ثلاثة وثلاثة، فاضرب ثلاثة في اثنين ثم في أربعة لأهل الأربعة الأحوال تكن أربعة وعشرين فاقسمهما على تذكيرهما اثنين يكون لي واحد اثنا عشر فلك ربعها: ثلاثة، وعلى تأنيثهما ثلاثة يكون لكل واحد ثمانية، وللعصبة ثمانية فلكل واحد ربع ما في يده اثنان فصار لكل واحد منهما خمسة، وللعصبة اثنان، ثم على تذكير الأكبر على ثلاثة، للأكبر ستة عشر وللأصغر ثمانية فلكل واحد ربع ذلك، فيكون للأكبر تسعة وللأصغر سبعة، ثم على تذكير الأكبر على ثلاثة، للأكبر ستة عشر وللأصغر ثمانية فلكل واحد ربع ذلك، فيكون للأكبر تسعة وللأصغر سبعة، ثم على تذكير الأصغر يكون له ستة عشر، وللأكبر ثمانية ولكل واحد ربع ذلك فيصير لكل واحد منهما أحد عشر وللعصبة اثنان. وعلى مذهب أهل الدعوى يقول الخنثيان للعصبة: يجب لنا جميع المال في ثلاثة أحوال: أحدها أن يكونا ذكرين أو أكبرنا ذكراً أو أصغرنا ذكراً، فلنا الثلث الذي تنازعه في ثلاثة أحوال، وهو لكم في حال واحدة فيجب لكم ربعه ولنا ثلاثة أرباعه وربع الثلث يقوم من اثني عشر فللعصبة سهم من اثني عشر وما بقي بينهما نصفان فتصح من أربعة وعشرين للعصبة اثنان ولكل واحد منهما أحد عشر. فقد بان أن أهل الدعوى والأحوال يرجعان إلى أمر واحد، وعمل العوى أخصر فاعلم عليه. وعلى ما ذهب إليه ابن حبيب: يكون المال بين الخنثيين نصفين ولا شيء للعصبة. وعلى قول أبي حنيفة: للخنثيين وما بقي موقوف.

قال الفقيه أبو بكر محمد بن عبد الله بن يونس مؤلفه -رضي الله عنه-: وهذا باب واسع تطول مسائله وفيما ذكرنا منه كفاية وبالله عز وجل التوفيق.

[الباب الثامن عشر] باب ذكر ميراث من لم يولد في الإسلام

[الباب الثامن عشر] باب ذكر ميراث من لم يولد في الإسلام [فصل 1 - ذكر الاختلاف في ذلك] روي أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما أبيا أن يورث أحد من الأعاجم إلا من ولد في الإسلام. فاختلف الناس في قول عمر هذا: فذهب أكثرهم وجمهورهم: إلى أن معنى ذلك إذا لم تثبت العادلة أو بعضهم ورثة بعض وإنما ذلك بدعواهم فلا يجب قبول قولهم، فأما إذا أثبتت البينة أن بعضهم ورثة بعض فإنهم يتوراثون بذلك. وذهب ابن حبيب: إلى أن معنى قول عمر هذا: أنهم لا يتوارثون وإن ثبتت البينة، قال: ولو كانوا يتوارثون إذا ثبتت البينة لم يكن لقول عمر هذا وجه، ولم يكن فرق بين ولادة الشرك وولادة الإسلام. والدليل لقول الجماعة قول الله تعالى: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال:75] ولم يحصر ولادة من ولادة. وقد أجمع المسلمون على أيجاب التوارث بين الصحابة بالولادة التي كانت قبل الإسلام، فلا فرق بينهم وبين الأعاجم؛ لأنهم كلهم كانوا مشركين. فبان أن معنى قول عمر: لا يقبل منهم إذا ادعوا ذلك بلا بينات؛ لأن الحمية تلحقهم في تصيير أموالهم إلى بعضهم دون المسلمين. ولا تجوز شهادة بعضهم لبعض في ذلك إلا أن يتحمل أهل الحصر والعدد الكثير فيسلمون، أو يؤسر أهل حصر فيعتقون ويسلمون فيشهد بعضهم لبعض فيقولون: هؤلاء ورثة هؤلاء فتقبل شهادتهم؛ إذ لا يمكن تواطؤ الجماعة على الكذب.

قال ابن القاسم في المستخرجة: والعشرون عدد كثير، وأبي ذلك سحنون. ولا فرق عند أهل المدينة في الحملاء أو المتحملين يدعي بعضهم أنهم إخوة بعض أن بنوهم أو آباؤهم أنهم لا يقبل قولهم إلا أن يتحمل العدد الكثير. وقال أهل العراق: وفي سائر القرابات مثل قولنا، قالوا: وأما إذا ادعى أحد المتحملين أن هذا الطفل ولده قبل قوله، وكان ذلك استحلافاً كاستحلاف المسلم. قال أهل المدينة وأهل العراق: إن ادعى المتحمل أن هذا أخوه أو عمه أو ابنه أو ابن ابنه فلا يقبل منه ولا يثبت نسبه منه وغيره من العصبة وإن بعد، والموالي أولى منه. قال أهل العراق: وكذلك أولوا الأرحام الذين لا فرض لهم ولا عصبة أولى من هذا، فإن لم يكن فيها عصبة ولا ولاء ولا رحم غير هذا المذكورون. وأهل المدينة يجعلون ميراث المتحمل لبيت المال. وقال أهل العراق: بل المدعي أولى؛ لحديث ابن مسعود الذي قال فيه: في الذي يهلك ولا يدع وارثاً فإن ماله له يضعه حيث شاء فكان هذا الميت، قال: هذا أولى الناس بمالي. وقد تقدم بعض هذا الباب في كتاب الولاء، وفيه ذكر الولد يدعيه الرجلان، وذكر القافة، وأنا أذكر بعض ذلك في هذا الموضع، وصفة توريثه؛ ليكون هذا الكتاب مستقلاً بنفسه والله الموفق للصواب. [فصل 2 - في ذكر القافة] روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرحاً تبرق

أسارير وجهه فقال: «ألم تر أن مجزز المدلجي أنها انظر إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: إن بعض هذا الأقدام من بعض». وثبت أن عمر بن الخطاب قضى بقول القافة. قال مالك: إنما القافة في الأمة يطأها الرجلان في طهر واحد فتأتي بولد يدعيانه، وأما الحرائر فلا قافة فيهن، فإن أتت الأمة بالولد لأقل من ستة أشهر من يوم وطئ الثاني فهو للأول، وإن أتت به لستة أشهر فأكثر فادعياه دعي له القافة فمن ألحقه به كان ابناً له وأمه أم ولد له، فإن كانت الأمة بينهما غرم هذا لصاحبه نصف قيمتها وإن قالت القافة اشتركا فيه. فقال سحنون: لا يقبل منهما ويصرفان، ويؤتى يغيرهما حتى تلحقاه بأنصحهما شبهاً. وقال ابن القاسم: يكون ابناً لهما جميعاً، ويكون على كل واحد نصف نفقته وكسوته وجميع مؤنته، فإذا كبر وبلغ كان له أن يوالي من شاء منهما فيكون له ابناً خاصاً. ونحوه عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.

وقال غير ابن القاسم: ليس ذلك للولد، ولا يزول النسب بشهادة الولد ويكون ابناً لهما جميعاً، ويكون على كل حال منهما نصف نفقته وكسوته، ويكون له من كل واحد نصف البنوة. وكذلك الجواب عن ابن القاسم إذا قال: لا أولي أحداً منهما أو قال: أوليهما جميعاً يرث من كل واحد منهما بنصف بنوة، ويرث منه كل واحد منهما بنصف أبوة. فأما أهل العراق: فلا يقولون بالقافة وأوجبوا الولد لمن سبق بالدعوى، فأي السيدين ادعى الولد حملاً كان أو مولوداً كان ابناً له وأمه أم ولاد له، وإن ادعياه جميعاً معاً كان ابناً لهما جميعاً، وأوجبوا له من كل واحد منهما إذا مات ابن كامل، وإن مات هو ورثاه جميعاً فإن مات أحدهما فورثه الولد ثم مات الولد فإن الأب الحي يرث من الولد ميراث أب كامل. وكذلك إن كان لهذا المدعي أخ من أحد الأبوين يوم مات المدعي فإنه يرث منه ميراث أخ كامل حر، وعلى هذا جروا في توريثهم كله إلا في موضع واحد نقضوا أهلهم ورجعوا إلى قول أهل المدينة، وهذا إذا مات الأبوان وترك كل واحد منهما أماً وماتت أم الولد تركت أماً ثم مات المدعي وترك الثلاث الجدات فقالوا: لأم أمه نصف السدس؛ لأن لها حكم جدة كاملة، ولكل واحدة من أم الأبوين ربع السدس؛ لأنها نصف الجدات، فيلزمهم أن يقولوا: هذا إذا ترك أخاً من أحد الأبوين أو عماً أو غير ذلك أن يجعلوا له نصف أخ ونصف عم.

[فصل 3 - تفريع] مسائل من هذا الباب إذا مات هذا الولد الذي اشتركا فيه قبل بلوغه وترك أمه وأبويه فألمه الثلث؛ لأنه لما قالت القافة: قد اشتركا فيه عتقت الأم عليهما جميعاً، فصارت ترث ولدها، ثم يكون ما بقي بين الأبوين نصفين فإن كان لكل واحد من الأبوين اثنان من الولد فصاعداً كان للأم السدس وما بقي بين الأبوين، تصح فريضتهم من اثني عشر. وإن كان لكل واحد منهما ولد واحد، كان لأمه الثلث ولا يحجبها ها هنا هذان الأخوان إلى السدس؛ لأنه إنما لكل واحد منهما نصف أخوة. وقد اختلف هل يحجبها الأخوان الكاملان فكيف بهذين وكان سحنون يحجبهما بهذين الأخوين. وكان شيخنا عتيق يحجبها بهما، وقال: أرأيت لو ترك هذا الولد أختين من كل أب أختاً وترك أمه؟ لكان الجواب على قول سحنون: للأم السدس ولكل أخت نصف النصف وهو الربع فصار لهما جميع نفص كنصيب أخت واحدة وجعلهما في الحجب كأختين فهذا متناقض، والأصل في هذا أن يقسم ماله بنصفين، فيقول: نصف موروث من طريق هذا الأب ونصف موروث من طريق هذا الباب، فترك الهالك في هذا النصف أختاً وأماً فلأخت النصف وللأم الثلث وكذلك يفعل في النصف الآخر. وكذلك يصنع في جميع ما يرد عليك من هذا الباب وكذلك يصنع سحنون وغيره من أصحابنا في كثير من مسائل هذا الباب. فلو هلك هذا المدعي وترك أبويه، ولأحد أبويه ولدان وللآخر واحد، فيقسم المال نصفين، ثم يقال: ترك في هذا النصف أبوين وأخوين، فللأم السدس وما بقي للأب وهو خمسة أسداس النصف وهو ربع وسدس من جميع المال، وتقول في النصف الآخر: ترك أبويه وأخاً، فللأم الثلث وما بقي للأب وهو ثلث جميع المال فيجعل لأبي الأخوين خمسة من اثني عشر وللآخر أربعة للأم ثلاثة. وإن لم يمت المدعي ولكن مات أحد أبويه وترك معه ابناً فعلى ما ذهب إليه سحنون يكون المال بينهما أثلاثاً، للكامل البنوة سهمان وللمدعي سهم.

وعلى الأصل الآخر: يقسم المال نصفين فنصف فيه ابنان فالمال بينهما، ونصف فيه ابن فله جميعه، فيحصل للابن الكامل ثلاثة أرباع المال وللآخر الربع؛ لأنه إنما يرث بنصف أبوه. فإن ترك معه بنتاً فعلى مذهب سحنون: ويكون المال بينهما نصفين؛ لأنه استحق بنصف البنوة النصف، واستحقت البنت بالبنوة الكاملة النصف، وحرم في هذا القول جميع العصبة. والصواب في هذا أن يقسم المال نصفين، فتقول: نصف فيه ابن وبنت، فللابن ثلثاه وللبنت ثلثه، وفي النصف الآخر: بنت فلها نصفه وما بقي للعصبة، فيجعل للابن أربعة من اثني عشر، وللبنت خمسة وللعصبة ثلاثة، ولا يجوز أن يحرم العصبة إلا بابن كامل. وإن ترك معه ابنتين فعلى مذهب سحنون: يكون المال بينهم على ثلاثة: ثلث ثلث. وعلى القول الآخر نصف يكون فيه ابن وابنتان فهو بينهم على أربعة أسهم له سهمان ولهما سهم سهم، ونصف فيه ابنتان فلهما ثلثاه وما بقي للعصبة وهو السدس، تصح من أربعة وعشرين فللابن الربع ستة ولكل بنت بسعة وللعصبة أربعة. وإن ترك معه ابناً فعلى قول سحنون: المال بينهم على أربعة للابن التام سهمان وللبنت سهم وللمدعي سهم. وعلى القول الآخر: نصف فيه ابنان وبنت فهو بينهما على خمسة، ونصف على ثلاثة، تصح من ثلاثين، ثم تنقطع إلى خمسة عشر. وإن شئت قلت: نصف بينهما على خمسة للمدعي خمساه وهو خمس جميع المال، ويكون ما بقي بين الذكر والأنثى على ثلاثة، تصح من خمسة عشر. فإن لم يترك الأب ولداً ولكن ترك معه ثلاث أخوات مفترقات فعلى قول سحنون: للمدعي نصف المال، وللشقيقة نصفه.

وعلى القول الآخر: نصف فيه ابن وثلاث أخوات، فللابن جميعه، ونصف فيه ثلاث أخوات مختلفات، فللشقيقة نصفه، وللتي للأب سدسه، وللتي للأم سدسه وما بقي للعصبة. فإن كانت أم هذا الولد نصرانية بين مسلم ونصراني وقد اشتركا فيه فعلى مذهب ابن القاسم: له أن يوالي من شاء منهما ولا يكون الولد إلا بين مسلم أو نصراني وقد اشتركا فيه. فعلى مذهب ابن القاسم وإن مات أبوه النصراني لم يرثه لاختلاف الدينين، فإن مات هو؟ فكان شيخنا عتيق يقول: لا يرثه أبوه النصراني. والنص لابن الماجشون بخلاف قوله وهو أن ماله يكون بينهما بنصفين كمال يدعيانه، ولم أر للمتقدمين خلافه. وقال أهل العراق: وإذا ادعياه جميعاً، فالدعوة للمسلم وهو أحق به من النصراني. ولو كانت بين أب وابن فقضت القافة فيه باشتراكهما فهو ابن لهما. وقال أهل العراق: وإذا ادعياه معاً فالدعوة للأول. وما ذكرنا دليل على ما لم نذكر من هذا الباب

كتاب القطع في السرقة

كتاب القطع في السرقة [الباب الأول] القضاء في السرقة, وذكر ما يجب فيه القطع, والشهادة على قيمة السرقة وعلى من سرقها

[1 - فصل: دليل القطع في السرقة] [96/ب] قال الله سبحانه: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [المائدة:38] الآية. وبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يجب فيه القطع, «فقطع في مِجَنِّ قيمته ثلاثة دراهم». و"وفعله عثمان بن عفان" رضي الله عنه. وقالت عائشة رضي الله عنها: «مَا طَالَ عَلَيَّ ولاَ نَسيتُ, القَطْعُ في رُبْعِ دينَارٍ فَصَاعِدا».

2 - فصل [في القضاء في السرقة, والنصاب الذي يجب فيه القطع, وحكم المغشوش والرديء من النقدين] قال مالك رحمه الله فيمن سرق ذهباً: يُنظر إلى وزنه دون قيمته, فإذا بلغ وزنه دينار قطع وإن كانت قيمته درهماً واحداً, وإن لم يبلغ وزنه ربع دينار لم يقطع وإن ساوى ثلاثة دراهم. وكذلك من سرق فضة نُظِر إلى وزنها دون قيمتها من الذهب, فإذا بلغ وزنها ثلاثة دراهم قطع. وإنما يقوّم غير الذهب والفضة من سائر الأشياء. م: وإنما لم يقوّم الذهب والفضة؛ لأن القطع جاء في ربع دينار فوجب ألا ينظر إلى قيمته.

(وقطع عليه السلام فيما قيمته ثلاثة دراهم) , ففي الثلاثة دراهم نفسها أحرى أن يقطع؛ ولأن الذهب والفضة هي أثمان الأشياء, وبها تقوّم المتلفات فوجب ألا تقوّم؛ لأن وزنها هو قيمتها فعوّل على وزنها. قال عيسى بن دينار: وكذلك في الحَلْي المصوغ من ذهب أو فضة لا ينظر إلى قيمته ولكن إلى وزنه. ومن كتاب ابن الموَاز: وسواء كان الذهب والفضة دنيئاً أو جيداً, نقرة كان ذلك أو تبراً, ذهبا يعمل أو فضة.

قال: وإذا سرق ثلاثة دراهم ينقص كل درهم نحو الخروبة, أو ثلاث حبات وهي تجوز؛ فلا يقطع فيها حتى تكون قائمة الوزن. ابن المواز قال أصبغ: وأما مثل الحبتين من كل درهم؛ فإنه

يقطع. وقال بعض أصحابنا: عن بعض شيوخه القرويين: من سرق دراهم فيها نحاس كثير فإنما يراعى ما فيها من الفضة, ولا يقطع في ثلاثة دراهم منها إلا أن يكون النحاس يسيراً فيقطع. وكذلك في الزكاة يراعى النحاس القليل من الكثير. م: وهذا فيه نظر؛ لأن الذهب والفضة الدنيء إنما دناؤه ذلك من غش فيه, فإذا صُفِّي صار ذهبا وفضة جيدين, وكذلك إذا كان

فيهما نحاس فصفي عاد ذهبا وفضة جيدين, فلا فرق بين المغشوش بنحاس أو رصاص أو غيره. إذ لا يكون [97/أ] قطع وزكاة إلا في الجيد الصافي منه, ويكون ذلك في المغشوش إذا كان هو جواز الناس, وهذا أحوط, وهو ظاهر كتاب محمد, والله أعلم. [3 - فصل: فيما تُقوَّم به العروض المسروقة, وتكون بقيمتها يوم السرقة] ومن المدونة: قال مالك: وأما من سرق شيئاً من العروض فإنه يقوّم بالدراهم, فما بلغت قيمته ثلاثة دراهم فأكثر وجب فيه القطع وإن لم يساو ربع دينار, ولو ساوى ربع دينار ولم يساو ثلاثة دراهم لم يقطع فيه. م: وإنما قال ذلك؛ (لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنّما قوّم

العرض المسروق بالدراهم). وقال بعض أصحابنا: إنما يعني بذلك في بلد إنما يباع فيه العرض بالدراهم خاصة. فأمّا إن كانت البلدة يباع فيها بالدنانير والدراهم جميعا؛ فهذا إن بلغت القيمة ثلاثة دراهم أو ربع دينار فإنه يقطع وإن لم يساو ثلاثة دراهم. قال: وقد ذكر الأبهري نحو ذلك. قال عن بعض شيوخه: ولو كان البلد إنما يباع فيه العرْض ولا يتبايعون بالعين قومت السرقة بالدراهم في أقرب المواضع إليهم التي يُتبايع فيها بالدراهم.

ومن المدونة قال مالك: وصرف الدَّينار في حد القطع اثني عشر درهما بدينار على ما «قوّم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الدية اثني عشر ألف درهم» , فلا ينظر إلى الصرف في هذه الأشياء, ارتفع أو انخفض, وإنما ينظر في هذا إلى ما مضت به السنة, وإنما ينظر إلى قيمة السرقة يوم سرقها السارق ولا تبالي زادت قيمتها يوم القيام به أو نقصت. 4 - فصل [في صفة من يُقوّم السرقة, وعددهم, واختلافهم في التقويم] ويقوّم السرقة أهل العدل والنظر, ولا يقطع بقيمة رجل واحد. قيل: فإن اختلف المقومون فيها؟. قال: إذا اجتمع عدلان بصيران أن قيمتها ثلاثة دراهم وجب القطع.

ابن المواز قال أشهب: كما لو شهدا له بها ديناً على رجل, وشهد له آخران بدرهمين؛ فإنه يقضي بثلاثة دراهم. 5 - فصل [في الشهادة على قيمة السرقة, وما ينبغي للإمام أن يسألهم عنه] قال ابن القاسم: وينبغي للإمام إذا شهدت عنده بينة على رجل أنه سرق ما يقطع في مثله أن يسألهم عن السرقة: ما هي؟ وكيف هي؟ ومن أين أخرجها؟. كما يكشفهم عن شهادتهم في الزنى, فإن كان في ذلك ما يدرأ به الحد درأه. وإنما القطع حد من حدود الله تعالى, وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ادْرؤُا الحُدُودَ بالشُّبُهَاتِ».

قال سحنون: إن كان الشهود عالمين بمواقع الشهادة لم [97/ب] يكشفوا, وإن كانوا ممن يجهل ذلك كشفوا. قال بعض أصحابنا: وضعّف قول سحنون هذا بعض فقهائنا, فقال: ينبغي أن يكشفوا وإن كانوا لا يجهلون, إذ قد يكون رأي الحاكم فيه نفي القطع, ويرى باجتهاده خلاف ما يرونه, فلهذا ينبغي أن يسألهم كما

شرط ابن القاسم. [6 - فصل: في حبس السارق بعد الشهادة, وتزكية الشهود, وتغير حالهم قبل الحكم أو بعده, ورجوعهم عن شهادتهم] ومن كتاب السرقة: وإذا شهدت بينة على رجل بالسرقة حبس السارق حتى تزكى البينة, ولا يؤخذ في الحدود والقصاص كفيل, فإن زكوا أقام القاضي ذلك الحد, غاب الشهود وصاحب السرقة أو حضروا, وكذلك إن زكوا بعد أن ماتوا, أو عموا, أو جنوا, أو خرسوا, نفذ الإمام الحد الذي شهدوا به من سرقة, أو زنا, وكذلك الحقوق, وإن ارتدوا, أو فسقوا قبل الحكم لم يحكم بشهادتهم, وسقطوا, وإن ظهر ذلك منهم أو أخذوا يشربون الخمر بعد أن حكم الإمام بإقامة الحد, أو القصاص, إلا أن ذلك لم يقم بعد فإن ذلك ينفذ, ويقام الحد والقصاص وكذلك هذا في الحقوق؛ لأن هذا حكم نفذ بالأمر فيه.

وإذا نفذ الحكم بقتل, أو قصاص, أو رجم, ثم رجعوا قبل إقامة ذلك: قال ابن القاسم مرة: ينفذ ذلك ويقام, ثم توقف, وقال: أحب إليّ في القتل والقطع والرّجم ونحوه ألاّ يُقام كحرمة القتل ونحوه, قال: فيه العقل, والقياس أن يمضي القتل, ولكني أقف لحرمة القتل وذلك بخلاف الحقوق. وقال أشهب: ينفذ عليه القتل. ثم قال: لا ينفذ. وروى عنه في المرجوم: ألاّ يرجم, ويقام عليه أدنى الحدّين, وهو الجلد. وروى عنه أصبغ: أنه لا يقام ذلك في قطع لسرقة, أو قصاص, بخلاف رجوعهم في الأموال. قال أصبغ: والقياس أن يقام القتل والقطع ولكني

استحسن أن يبطل, ولا تكون فيه دية على الشهود, ولا على المشهود عليه.

وقاله ابن المواز. وأما المرجوم فيجلد ولا يرجم. [7 - فصل: في شهادة المبرَّزين, والكفار, والأخوين لأخيهم] ومن المدونة: وإذا شهدت البينة في الحدود لم يفّرِّقهم الإمام إذا كانوا عدولاً مبرزين إلا أن يستنكر منهم شيئا. ولا تجوز شهادة أهل الكفر في سرقة ولا غيرها على مسلم أو كافر. قال في باب بعد هذا: وشهادة الأخوين لأخيهما أن هذا سرق متاعه جائزة إن كانا عدلين.

الباب [الثاني] في القيام [98/أ] بالسارق, والعفو عنه, والشفاعة له, والشهادة عليه

الباب [الثاني] في القيام [98/أ] بالسارق, والعفو عنه, والشفاعة له, والشهادة عليه [8 - فصل: صاحب الحق في رفع الدعوى على السارق والعفو عنه] قال مالك: ومن سرق متاعاً سراً لرجل غائب فقام به أجنبي قطع, وإذا لم يقم رب المتاع على السارق وتركه بعد أن أخذ منه السرقة أو لم يأخذها, أو عفا عنه, ثم رفعه بعد ذلك بزمان هو أو غيره إلى السلطان قطع. وكذلك إن قام بزانٍ فإنه يحد. قال مالك: وليس للوالي أن يعفو إذا انتهت إليه الحدود. وقد قال صلى الله عليه وسلم لصفوان في الذي سرق ردآءه: «فَهَلاَّ قَبْلّ أنْ تأتِيَنَي به».

وهذا بخلاف القاذف يرفعه غير المقذوف, هذا لا يحد حتى يرفعه المقذوف. ولو سمع الإمام رجلا يقذف رجلا ومعه من تثبت شهادته عليه أقام عليه الإمام الحد. ومن عفا عن قاذفه قبل بلوغ الإمام لزمه, ولا رجوع له فيه, وكان مالك يقول: في القذف العفو وإن بلغ الإمام. "وقاله عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه".

ثم رجع مالك فقال: لا عفو فيه إذا بلغ الإمام؛ إلا أن يريد المقذوف ستراً, مثل أن يخاف أنه إن لم يعف عنه أثبت ذلك عليه. وفي كتاب القذف إيعاب هذا. قال مالك: ولا يحل للبيَّنة الكف عن الشَّهادة على السرقة إذا رُفع السارق إلى الإمام. [9 - فصل: في الشفاعة للسارق, والشهادة عليه] ولا بأس بالشفاعة للسارق إذا لم يعرف منه أذى للناس, وإنما كانت منه زلة, ما لم يبلغ الإمام, أو الشرط, أو الحرس, فإذا بلغهم لم تجز الشفاعة. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللهُ الشَّافِعَ والمُشَفْعَ لَه».

قال مالك: وأما المعروف بالفساد فلا ينبغي أن يشفع له, ويترك حتى يحد. وإذا عاينت البينة إخراج المتاع من البيت ولا يدرون لمن هو فلا يشهدوان بملكه لرب البيت, ولكن يؤدون ما عاينو وعلموا, ويقطع السارق, ويقضى بالمتاع لرب الدار. وكذلك إن عاينوا أنه غصبه ثوباً, وكذلك يشهدون لبائع السلعة في فلس المبتاع أنه باعها منه, ولا يقولون: أنها له حين باعها, ولا يشهدون من ذلك إلا ما عاينوا وعلموا.

الباب [الثالث] فيمن سرق متاعا فقال: ربه أرسلني. فصدقه ربه أو قال: هو له, أو ما سرق مني شيئا

الباب [الثالث] فيمن سرق متاعاً فقال: ربه أرسلني. فصدقه ربه أو قال: هو له, أو ما سرق مني شيئاً. قال مالك: ومن سرق متاعاً لرجل وقال: رب المتاع أرسلني فليقطع وإن صدقه ربه أنه بعثه, [98/ب] كان معه في بلد أو لم يكن. وإن أخذ في جوف الليل ومعه متاع فقال: فلان أرسلني إلى منزله فأخذت منه هذا المتاع فإن عرف منه انقطاع إليه وأشبه ما قال, لم يقطع, وإلا قطع ولم يصدق. وإذا شهدت بينة على رجل أنه سرق متاعاً فقال رب المتاع:

ما سرق مني شيئاً؛ فليقطع. ولو قال السارق: حلَّفوه أنه ليس المتاع لي, فلا بد من قطعه, ويحلف له الطالب ويأخذه, فإن نكل حلف السارق وأخذه. قال ابن المواز: ولو أقام المشهود عليه شاهداً عدلاً أن المتاع له؛ فليقض له به مع يمينه ويقطع. قال في العتبية: ولو صدقه المسروق منه فقال: هو متاعه, فلا بد من قطعه. قال عيسى: أحب إلى إذا صدَّقه صاحب المتاع ألاَّ يقطع.

الباب [الرابع] في سرقة الجماعة, والسرقة من الجماعة, وتكرار السرقة, والسرقة من غير مالك, أو ما قطع فيه, وسرقة الذمي, وسرقة الخمر والخنزير

الباب [الرابع] في سرقة الجماعة, والسرقة من الجماعة, وتكرار السرقة, والسرقة من غير مالك, أو ما قُطع فيه, وسرقة الذمي, وسرقة الخمر والخنزير [10 - فصل: في سرقة الجماعة] قال مالك رحمه الله: وإذا سرق جماعة ما تعاونوا في إخراجه من الحرز لثقلة قطعوا كلهم, وإن لم يكن في قيمته إلا ثلاثة دراهم فأكثر. وكذلك إن حملوه على ظهر أحدهم في الحرز, ثم خرج به, إذا لم يقدر على إخراجه إلا بمعاونتهم ورفعهم معه, ويصيرون كأنهم حملوه على دابة فيقطعون إذا تعاونوا عليه لثقله أو لكثرته. وإذا حملوه على ظهر أحدهم وهو قادر على حمله دونهم كالثوب, والصرة, لم يقطع إلا الخارج به, كما لو خرج به دون عونهم.

قال ابن حبيب عن ابن الماجشون: وإن خرجوا بالثوب, أو الشيء الخفيف يحملونه جميعا فإن كان في قيمته لو قسمت عليهم ما يقع لكل واحد ربع دينار قطعوا. وإن كان يقع لكل واحد أقل من ربع دينار فلا قطع عليهم. ونحوه روى عنه ابن المواز, وقال سحنون. قال ابن المواز: قال مالك: وإنما مثل الجماعة يسرقون ما قيمته ثلاثة دراهم, فيقطعون, كما قطعوا يد رجل عمداً لقطعوا, وفي الخطأ تلزم عواقلهم دية اليد, وإن لم يقع على كل عاقلة إلا

ربع عشر الدية. ومن المدونة قال مالك: ولو خرج كل واحد منهم حاملاً لشيء دون الآخر, وهم شركاء فيما أخرجوا لم يقطع إلا من أخرج منهم ما قيمته ثلاثة دراهم. [11 - فصل: في السرقة من الجماعة, وتكرار السرقة] قال مالك: ومن سرق عرْضاً قيمته دراهم [99/أ] وهو لرجلين أو لرجل قطع. ومن العتبية قال أشهب عن مالك: في السارق يأتي البيت فيه القمح فيسرق منه, وينقله بقُفّةٍ قليلا قليلا ما لا يجب فيه القطع في كل نقلة إلى خارج, حتى يجتمع له ما يجب فيه القطع في سرقة واحدة. قال: أرى عليه القطع.

وقال أبو زيد عن ابن القاسم في السارق يدخل البيت في ليلة عشر مرات وكل ذلك يخرج بقيمة درهم أو درهمين: أنه لا قطع عليه حتى يخرج في مرة واحدة ما قيمته ثلاثة دراهم. قال أبو بكر بن اللباد, قال سحنون: يقطع إذا كان في فور واحد وطلب أن يحتال فاحتيل عليه. 12 - فصل [في السرقة من غير ملك كسرقة ما بيد مودَع ونحوه, وسرقة ما سرقة غيره, وسرقة ما سبق أن قُطع فيه] قال مالك: ومن سرق متاعاً ممن هو بيده وديعه, أو عارية, أو بإجازة قطع لأنه سارق سرقه من حرز له. ومن سرق متاعا فسرقة منه سارق, ثم سرقه من الثاني ثالث, قطعوا كلهم

لأنهم سراق كلهم. ومن سرق متاعا فقطع فيه, ثم سرقة ثانية وثالثة فإنه يقطع في كل مرة. [13 - فصل: في سرقة المرأة, والذمي, وكيف إذا حارب أو زنى] وإذا سرقت الحرة, أو من فيها بقية رق, أو ذمية, قطعت. وإذا سرق الذمي قطع لأن السرقة من الفساد في الأرض, فلا يقروا عليها كالحرابة. وأجمع الناس أنه إذا حارب حكم عليه بحكم المحارب. وأمَّا إن زنى فلا يقام عليه الحد, إذ ليس فيه من الضرر ما في الأموال, ويرد إلى أهل دينه, ولا أمنعهم رجمه إن شاءوا.

14 - فصل [في سرقة الخمر والخنزير] ولا قطع في سرقة خمر, أو نبيذ مسكر, أو خنزير, وإن كان لذمي إذا لا ثمن في ذلك عندنا, وسواء سرقة مسلم أو ذمي, إلا أن للذمي المعاهد قيمته على المسلم إذا زالت عينه, وكذلك على الذمي إذا حكمنا بينهما. قال عبد الملك: لا قيمة فيما حرم الله عز وجل وعليه الأدب.

الباب [الخامس] في السرقة من الدار المشتركة, والمباحة, والمأذون فيها, وسرقة الدواب من مرابطها وموافقها

الباب [الخامس] في السرقة من الدار المشتركة, والمباحة, والمأذون فيها, وسرقة الدواب من مرابطها وموافقها [15 - فصل: في السرقة من الدار المشتركة كالفنادق والعمارات السكنية ذات الشقق ونحوها] قال ابن القاسم: وإذا كانت دار مشتركة مأذون فيها. م: -يريد لسكانها- وبيوتها محجورة عن الناس كالفنادق. قال مالك: فإن السارق إذا أخرج المتاع من بيت منها قطع وإن أخذ في الدار؛ لأنه قد صيَّره إلى غير حرزه. م: يريد أنه قد صيرَّه إلى موضع لو سرق هو منه لم يقطع.

قال سحنون: وذلك [99/ب] إذا كان السارق من سكانها, وإذا لم يكن من سكانها لم يقطع حتى يخرج من باب الدار. م: يريد إلى موضع لو سرق هو منه أيضاً لم يقطع؛ لأنه صيره إلى موضع ليس بحرز لسارقه. قال ابن القاسم: ولو نشر أحد من أهل هذه الدار ثوبه على ظهر بيته وهو محجور عن الناس قطع سارقه. م: لأن ظهر بيته كداخل بيته. وقد قال ابن القاسم عن مالك فيمن حلف ألاّ يدخل داراً سماها فقام على ظهر بيت منها: فإنه يحنث. قال ابن القاسم: ولو كان الثوب في صحن الدار لم يقطع سارقه إن كان سارقه من أهل الدار, وإن كان من غيرها قطع إذا خرج به من جميعها, إلا أن تكون الدار مباحة لا يمنع منها أحد فلا يقطع.

قال سحنون: جيدة [16 - فصل: في أحكام الدار الخاصة, وذكر الخائن, وسرقة الضيف] قال ابن القاسم: وإن كانت الدار مأذونا فيها -م: يريد غير مشتركة. قال:- وفيها تابوت مغلق ففتحه بعض من أذن له في الدخول فيها, وأخرج المتاع منه, وأخذ قبل أن يبرح بالمتاع منه, فلا يقطع. م: يريد: وكذلك لو خرج من جميع الدار لم يقطع, لأنه ممن أذن له في الدخول فهو خائن. قال ابن القاسم: وإن كان ممن لم يؤذن له لم يقطع أيضاً, إذا أخذ في الدار, إلا أن يؤخذ بعد ما خرج منها فليقطع هذا. وقد قال مالك في الضيف يسرق من بعض منازل الدار المغلقة عنه: لا يقطع لأنه؛ إئتمنه حين ادخله بيته. وقال سحنون: يقطع الضيف والمأذون له إذا سرقا من بيت مغلق

عنهما, وكذلك من تابوت كبيرا؛ لأنه كالخزانة, فإذا أخرج منه المتاع, أو من البيت المغلق قطع, وإن أخذ في الدار, كالزوجة تسرق من بيت قفله عنها زوجها. وأما غير المأذون فلا يقطع حتى يخرج بالسرقة من الدار. ولو سرق المأذون له تابوتاً صغيراً. أو فتح قفله فسرق منه لم يقطع. وفي النوادر قال سحنون عن ابن القاسم, وفي مختصر أبي محمد. قال ابن المواز عن مالك في الضيف يسرق من بيت من الدار مغلق, أو يكسر تابوتاً فيها ويسرق ما فيه: فلا يقطع, إن كانت الدار غير مشتركة. وكذلك إن دق خزانة في البيت, أو تابوتاً كبيراً, فسرق منه, فهو خائن. م: وهذا وفاق لما في المدونة.

[17 - فصل: في سرقة أحد الزوجين من الآخر] قال في الكتابين: وكذلك أحد الزوجين يسرق [100/أ] من متاع صاحبه من منزل من الدار قد أغلقه دونه, وما لا يؤذن له في دخوله. فإن كانت الدار غير مشتركة فلا قطع عليه. وإن كان فيها ساكن غيرهما فعلى ذلك القطع, كالدار المشتركة, وكذلك مماليكهما إذا أذن لهما في الدخول في دخول الدار وهي غير مشتركة. م: وتلخيص فقه هذه الدور في ثلاثة أوجه: فدار مشتركة مأذون فيها لسكانها خاصة. ودار مشتركة مباحة لجميع الناس, كدار الأنماط بمصر ونحوها.

ودار مأذون فيها غير مشتركة. فالدار المشتركة المأذون فيها لسكانها: من سرق من السكان من بيت محجور عليه فإنه إذا أخرج المتاع من البيت إلى الساحة قطع, لأنه صيره إلى غير حرز له, وإن سرق من الساحة لم يقطع وإن خرج به من جميع الدار؛ لأنه موضع مأذون له فيه. وأما إن كان السارق من غير السكان فإنه لا يقطع حتى يخرج من جميع الدار, سواء سرق من البيت أو الساحة, وقاله سحنون. وقال ابن المواز في هذه: أنه يقطع إذا أخرجه من البيت إلى الساحة, ولو سرق من الساحة لم يقطع حتى يخرج به من جميع الدار.

م: ووجه هذا القول: أنه إذا أخرجه من البيت إلى الساحة فلأنه أخرجه من حرزه إلى موضع الإباحة له, فقد صيره إلى غير حرز له. ووجه قول سحنون: فلأنه إنما أخرجه إلى موضع محجور عنه لو سرق هو منه لقطع, فلم يصيره إلى موضع الإباحة له, فكأنه أخذ في الحرز الأول لأن الجميع حرز من هذا السارق. م: والدار المشتركة المباحة لجميع الناس: بيوتها كبيوت السكة النافذة, وساحتها كالسكة النافذة, فمن سرق من بيوتها قطع. إذا أخرج السرقة من البيت, كان من سكانها, أو من غيرهم. ومن سرق من ساحتها لم يقطع, وإن خرج من جميع الدار, كان من سكانها, أو من غيرهم. والدار المأذون فيها الغير مشتركة: فهذه إن سرق منها من أذن له فيها من بيت حجر عليه وأخذ في الدار, أو بعد أن خرج من جميعها, لم

يقطع, وقيل: يقطع إذا أخرجه من البيت. وساوى سحنون وابن المواز بين الضيف وبين أحد الزوجين يسرق مما حجر عليه الآخر. غير أن سحنون قال: يقطعون. وقال ابن [100/ب] المواز عن مالك: لا يقطعون. قال ابن القاسم: يقطع أحد الزوجين, ولا يقطع الضيف. م: والفرق عنده بينهما والله عز وجل أعلم: أن أحد الزوجين قد حجر على صحبه ذلك البيت وخصه بالتحجير عليه فقوي الأمر في قطعه, والضيف لم يخصه بالتحجير, ولا من أجله كان الغلق, فكأنه لم يحجره عليه, فلم يقطعه. م: والقياس المساواة بينهم. ووجه قول سحنون: أن هذه دار فيها حجر وإذن كالدر المشتركة المأذون فيها لسكانها, فإذا سرق الضيف من بيت حجر فهو كأحد أهل الدار

المشتركة يسرق من بيت محجور عليه فيخرج به فيقطع. ووجه قول ابن المواز عن مالك: أنها دار لرجل واحد لا يشاركه في سكناها غيره, وجميعها حرز من غير من أذن له فيها, فإذا أخرج المأذون له السرقة من بيت غلق عنه إلى موضع أذن له فيه فهذا إنما أخرجه من حرز إلى حرز فوجب إلاّ يقطع, ثم إذا أخرجه من ذلك الموضع المأذون له فيه إلى خارج الدّار كان أحرى ألاّ يقطع؛ لأنه أخرجه من موضع أذن له فيه فهو خائن, وقد جاء: «لاَ قَطْعَ عَلَى خَائِن».

قال ابن المواز: ولو كان لرجل حانوتان في دار فسرق من كل واحد درهماً ونصفاً, فإن كانت دراً مشتركة لم يقطع, خرج بذلك من الدار كلها أو لم يخرج. وإن لم تكن مشتركة فإن خرج بذلك من جميع الدار قطع, وإن أخذ فيها لم يقطع. م: وهذا على أصله في الدار المشتركة: أنه إذا سرق أحد من بيت محجور عنه ما فيه القطع, فأخذ بعد خروجه من البيت فإنه يقطع. كان من السكان أم لا, فلهذا كان هذا لما سرق من الحانوت ما لا قطع فيه, وأخرجه إلى موضع الإباحة لم يجب قطعه, فبطل أن يضيف إليه ما سرق من غيره لأنها سرقة بعد سرقة. م: وأما إن كانت الدار غير مشتركة فالسرقتان قد اجتمعتا في يده قبل خرجه من الحرز؛ لأنه لو أخذ في ذلك الموضع وقد سرق من بيت ثلاثة دراهم لم يقطع لأنه في الحرز بعد, فإذا خرج بها من جميع الدار وجب قطعه.

[18 - فصل: في سرقة الدواب من مرابطها ومواقفها, وسرقة الأشياء الثقيلة, وبيان حرز ذلك] ومن المدونة قال ابن القاسم: والدار المشتركة المأذون فيها إذا سرق رجل منها دواباً من مرابطها قطع. قال ابن المواز: وإن أخذ في الدار إذا جاوز بها مرابطها, وكذلك الأعكام من الثياب, [101/أ] والأعدال, والشيء الثقيل قد جعل ذلك موضعه, فهو كالدابة على مدودها في الدار المشتركة, أنه يقطع إذا أبرز به عن موضعه. قال: وأما المتاع يكون في قاعتها مما جعل ليرفع لا على أن يكون ذلك موضعه, فهذا إنما يجب عليه القطع إذا أخرجه من جميع الدار إلا أن يكون يؤذن فيها لكل أحد كالقياسير فلا يقطع في هذا المتاع.

ومن المدونة قال ابن القاسم: وكذلك إن كان مربط الدواب في السكة معروفا بفنائه فإنه يقطع من سرقها منه. ولو كانت على باب المسجد, أو باب الأمير؛ لم يقطع سارقها إلا أن يكون معها حافظ لها فهو حرز لها.

الباب [السادس] في السارق يؤخذ في الحرز بالمتاع أو بعد أن ألقاه خارجا, أو ناوله لغيره فيه, أو من باب الحرز, أو النقب, أو ربطه بحبل, وما يكون حرزا أم لا

الباب [السادس] في السارق يؤخذ في الحرز بالمتاع أو بعد أن ألقاه خارجاً, أو ناوله لغيره فيه, أو من باب الحرز, أو النقب, أو ربطه بحبل, وما يكون حرزاً أم لا. [19 - فصل: الدليل على اشتراط الحرز] قال الرسول عليه السلام: «لاَ قَطْعَ في قَمَرٍ مُعَلَّقٍ وَلاَ في حَرِيسَةِ جَبَلٍ

حتى يَأوِيهَا المُرَاحُ أَوِ الجَرِيْنُ».

كان في ذلك دليل ألاَّ قطع في السرقة حتى تؤخذ من حرز. قال مالك: ويخرج بها. قال: وأما إذا جمع السارق المتاع وحمله فأدرك في الحرز قبل أن يخرج به لم يقطع. [20 - فصل: في السارق يؤخذ في الحرز بعد أن يلقي المتاع خارجاً, وكيف لو قصد إتلافه] قال ابن القاسم: ولو أُخذ السارق في الحرز بعد أن ألقى المتاع خارجاً: فقد شك فيها مالك بعد أن قال لي: يقطع, وأنا أرى أن يقطع. وروى عنه أشهب وابن عبد الحكم: أنه يقطع.

قال مالك: وإنما القطع في خروج المتاع لا في خروج السارق. قال عبد الملك: وما رمى به السارق من الحرز فأتلفه قبل أن يخرج هو من الحر؛ فإن قصد إتلافه مثل أن يرميه في نار تأكله فلا قطع عليه, وأمّا ما كان على غير هذا يرميه ليخرج من الحرز فيأخذه؛ فإنه يقطع؛ هلك أو بقي, وإن أخذ هو في الحرز. [21 - فصل: فيمن أُخذ خارج الحرز بعد أن ألقى المتاع, أو ناوله لغيره في الحرز, أو كان خارجاً عنه, من باب الحرز أو النقب, أو ربطه بحبل] ومن المدونة قال مالك: ولو ألقاه خارجاً ثم خرج في طلبه وأُخذ خارجاً فإنه يقطع. وكذلك لو أدخل فأخذ متاعاً فناوله رجلا خارجاً من الحرز قطع الداخل وحده أخذ في الحرز أو بعد أن خرج.

ولو أدخل [101/ب] الخارج يده في الحرز فناوله الداخل إياه وهو في داخل الحرز قطع الخارج وحده. وقال أشهب: إن أخرجه بمناولة الداخل قطعا جميعاً. قال ابن القاسم: ولو التقت أيديهما في المناولة في وسط النقب قطعا جميعاً. وكذلك لو ربطه الداخل بحبل وجره الخارج, قطعا جميعاً. م: والفرق بين هذا وبين الذي أدخل يده فتناول السرقة من الداخل عند ابن القاسم: أن الذي أدخل يده فارقت السرقة يد الداخل قبل خروجها من الحرز فهو كما لو كانا جميعا في الحرز فناول أحدهما الآخر شيئاً فخرج به لم يقطع إلا الخارج, والذي ربط السرقة بالحبل رباط الداخل وصنعه في السرقة قد خرج إلى خارج الحرز والآخر جرها إلى خارج فقد تساويا في إخراجها فوجب أن يقطعا جميعا.

وكان أشهب رأى أن المناولة كالرباط. قال ابن القاسم: ولو قربه الداخل إلى باب الحرز أو النقب فتناوله الخارج؛ قطع الخارج وحده. [22 - فصل: فيمن جَرَّ شيئاً من حرزه, أو أشار لدابة بعلف فتبعته] قال: وإذا نقب السارق الحرز وأدخل يده فأخرج الثوب أو جره بقصبة أو عود؛ قطع. ومن العتبية قال أشهب عن مالك في الذي يأتي الشاة بالعلف وهي في حرزها يشير إليها بالعلف حتى تخرج إليه, قال مالك: لا يقطع. وقال ابن القاسم وأشهب: يقطع. 23 - فصل [ما يكون حرزاً وما لا يكون] ومن المدونة قال ابن القاسم: ويقطع من سرق من الحوانيت, أو

مما وضع في أفنيتها للبيع, أو في الموقف للبيع. وكذلك إن لم يكن هناك حانوت كان معه ربه أم لا, سرقه في ليل أو نهار. وكذلك إن سرق شاة أوقفها ربها في سوق الغنم للبيع وهي مربوطة أو غير مربوطة فعليه القطع. قال: والمنازل, والبيوت, والدور, والحوانيت, حرز لما فيها, غاب أهلها أو حضروا, وكذلك ظهور الدواب. ومن سرق متاعاً من الحمام؛ فإن كان معه من يحرزه قطع, وإلا لم يقطع, إلا أن يسرقه أحد لم يدخل الحمام من مدخل الناس, لم يدخل من بابه مثل: أن يتسور, أو ينقب, ونحو ذلك؛ فإنه يقطع, وإن لم يكن مع المتاع حارس. وليس كالمتاع يوضع في الأفنية للبيع؛ هذا يقطع سارقه وإن لم [102/أ] يكن معه ربه لأنه حاز موضعه دون الناس فصار حرزاً.

والحمام مشترك للداخلين فهو كالصَّنِيع يجتمع الناس فيه فيسرق أحدهم من البيت؛ فإنه لا يقطع. قال في العتبية: وكذلك من يسرق ما يبسطه الرجل في المسجد في رمضان للجلوس عليه؛ فإن كان معه صاحبه قطع إذا حمله من مكانه وإن لم يخرج به من المسجد, وإن لم يكن معه أحد لم يقطع. وكذلك قال مالك في محارس الإسكندرية يعلق الناس سلاحهم ومتاعهم فيُسرق من ذلك شيء؛ فإن كان صاحبه عنده قطع, وإلا لم يقطع إلا أن يكون نقب الجدار من ورائه فإنه يقطع, كان عند المتاع أحد أو لم يكن. قال: ومن سرق من حلي الكعبة شرَّفها الله لم يقطع, لأنهم قد أُذن لهم في دخولها. قال عيسى عن ابن القاسم: ومن سرق حصر المسجد قطع وإن كان المسجد الحرام الذي لا باب له, وكذلك لو سرق أبواب المسجد فعليه

القطع. وقاله ابن المواز وأصبغ. وقال أشهب: لا قطع في حصر المسجد, وقناديله, وبلاطه. م فوجه قول ابن القاسم: فلأن المسجد حرز لحصره, وقناديله, فذلك كالأمتعة في الموقف للبيع. ووجه قول أشهب: فلأن المسجد مأذون له في دخوله فلا قطع على من سرق منه؛ كالدار المأذون في دخولها لجميع الناس. ومن العتبية, وقال في غير هذا الكتاب في الذي يسرق حصر المسجد: إن كان سرقها نهاراً لم يقطع. وإن كان تسور عليها ليلا بعد أن أغلق بابه قطع. وقال أيضاً في الذي يسرق من المسجد الحرام, أو مسجد لا غلق فيه: لا يقطع.

قال: ومن سرق من القمح الذي يجمع في المسجد من زكاة الفطر يقطع وإن لم يخرجه من المسجد. وقاله مالك. ابن حبيب وقال أصبغ: إذا سرقها من المسجد قطع كان معها حارس أو لم يكن كقناديله, وحصره. ابن حبيب: وبقول مالك أقول أنه لا يقطع إلا أن يكون معها حارس. وقال ابن القاسم: في الرجل يجعل ثوبه قريباً منه في المسجد ثم يقوم يصلي فيسرقه رجل, قال: أرى عليه القطع حين قبضه قبل أن يتوجه به, ولو لم أر عليه القطع حتى يتوجه إذاً لا يكون عليه قطع حتى يخرج به من المسجد. ابن القاسم [102/ب] قال مالك في مطامير يخزن فيها الطعام

فيسرق منها رجل, قال: أما ما يكون في الفلاة قد أسلمه صاحبه وأخفاه فلا أرى فيه قطعاً, وما كان بحضرة أهله معروفا فعلى من سرق منها ما قيمته ثلاثة دراهم القطع. وقال في المدونة: ومن جر ثوباً منشوراً على حائط بعضه في الدار وبعضه خارج إلى الطريق لم يقطع. م لدراءة الحد بالشبهة إذ بعضه في موضع الإباحة. وروى عن ابن القاسم وغيره: أنه يقطع بمنزلة ما على البعير. واختلف عن مالك فيما على حبل الصبَّغ والقصَّار. وقال في الغسال يخرج بالثياب إلى البحر وينشرها وهو معها فيسرق منها: فلا قطع عليه, وهي بمنزلة الغنم في مراعيها.

الباب [السابع] في سرقة الثمار المعلقة والزرع القائم أو بعد أن آواه الجرين, وسرقة المواشي في مراعيها أو مراحها, وما يكون مرعى أو مراحا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل, فإذا آواها الم

الباب [السابع] في سرقة الثمار المعلَّقة والزرع القائم أو بعد أن آواه الجرين, وسرقة المواشي في مراعيها أو مراحها, وما يكون مرعىً أو مراحاً قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ وَلاَ فِي حَرِيْسَةِ جَبَلٍ, فإذا آوَاهَا الْمُرَاحُ أّوِ الْجَرِينُ فَالْقَطْعُ فِيمَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ». [24 - فصل: في سرقة الثمار المعلقة والزرع القائم, أو بعد أن آواه الجرين] قال ابن القاسم: ولا قطع في ثمر في رؤوس النخل في الحوائط, ولا في زرع أو بقل قائم حتى يأويه الجرين. محمد: وأما في نخلة أو شجرة في دار رجل فإنه يقطع.

قال ابن القاسم: وإذا جمع في الجرين الحب, أو التمر وغاب ربه وليس عليه باب ولا حائط ولا غلق؛ قطع من سرق منه. وقال ابن المواز عن أشهب: إذا كان الجرين في صحراء ولا حارس عليه ولا غلق فلا قطع على من سرق منه. وقال ابن القاسم: عليه القطع. م فوجه قول ابن القاسم عموم الحديث. ووجع قول أشهب: فلأن الغالب من الجرين ألاّ يكون في الصحراء وإنما يكون بحضرة الحوائط والفدادين, فكأنه بحضرة أهله فهم الحراس عليه, وفيه ورد الحديث. وهو كالمطامير تكون بحضرة أهلها أو بالصحراء؛ أن ذلك مفترق, فكذلك هذا.

[25 - فصل: في سرقة ما حُصد وجُمع موضعه ولم ينقل إلى الجرين] ومن العتبية قال ابن القاسم: سئل مالك عن القمح والقَرَظ, يزرع بمصر يحصد ويوضع في موضعه الذي حصد فيه أياماً لييبس فيسرق, أترى على من سرق منه القطع؟ قال: لا, إنما جاء الحديث: «إذا آواه الجرين». وقال أشهب عن مالك في الزرع يحصد فيجمع في الحائط [103/أ] في موضع ليحمل إلى الجرين فربما كان عليه من يحرسه, وربما لم يكن, فيسرق منه قتاتا يجب في قيمتها القطع, أترى عليه قطعا؟ قال: نعم, وهو عندي بمنزلة إذا آواه الجرين؛ لأنه قد جمع في الحائط وضم بعضه إلى بعض فصار له حرزاً, وليس ذلك بمنزلة الزرع القائم,

ولا ما في رؤوس النخل من الثمر بمنزلة ما قد جد ووضع في أصولها ففي ذلك القطع. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو كان في الحائط نخلة قد زال رأسها فقطعها رجل من أصلها, أو قطع نخلة بثمرها, فسرقها رجل؛ لم يقطع, وكذلك جميع الشجر. ولو قطع هذا الجذع ربع وألقاه في الحائط فكان ذلك حرزاً له؛ فإنه يقطع سارقه. قال أشهب: إذا كان الجنان في حرز وله حارس قطع من سرق النخلة المطروحة فيه.

قال محمد: وأظنه لأنه لا حرز لها إلاّ حيث القيت في الحائط, وأما لو قطعت لتحمل إلى حرز لها معروف لم يقطع. [25 - فصل: في سرقة المواشي في مراعيها أو مراحها] قال مالك: ولا قطع في شيء من المواشي في مراعيها حتى يأويها المراح, فإذا آواها المراح فإن كان مراحها إلى غير الدور وليس عليها غلق باب ولا حيطان؛ فعلى من سرق منها القطع, وإن لم يبت معها أهلها كالدواب في مرابطها المعروفة وإن لم يكن لدورها أبواب ولا غلق, والمتاع في الأفنية للبيع, ولا غلق مع ذلك, ولا معه أهله, ففي ذلك القطع. 26 - فصل: [السرقة من غنم بات بها الراعي في المرعى] ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم في الراعي يبعد بغنمه فيدركه

الليل في موضع لم يكن لها مراح فيجمعها ثم يبيت عليها فيسرق منها, قال: على من سرق منها ما يجب فيه القطعُ القطعَ؛ لأن ذلك مثل مراحها. قال: وحريسة الجبل كل شيء يسرح للمرعى من بعير أو بقرة أو شاة أو دابة أو غير ذلك؛ ليس على من سرق منها شيء. قيل: فالراعي يجمع غنمه ويخرجها من المرعى فيسوقها للمشي على الطريق رائحا بها إلى مراحها فتسرق منها شاة؟ قال: على من سرق منها ما قيمته ربع دينار القطع. وقال ابن حبيب عن أصبغ: لا يقطع إلا أن يسرق منها بعد أن أدخلها القرية وخالطت البيوت وهو يسوقها؛ فإنه يقطع.

م: وجه القول الأول: أنها خرجت من الرعي فليست بحريسة جبل التي ورد فيها نفي القطع. ووجه الآخر قوله: (حتى يأويها المراح)؛ وهذه لم يأويها مراح [103/ب] بعد. قال ابن حبيب: وكذلك إذا ساقها من مراحها إلى مسرحها فيسرق منها رجل قبل أن تخرج من بيوت القرية؛ فإنه يقطع. [27 - فصل: فيما يكون مرعا وما يكون مراحا] ومن العتبية قال ابن القاسم: وسئل مالك عن الدواب التي تكون في الربيع وقَوَمَتُها معها فتسرق منها دابة وهي على أوتادها مربوطة؟ قال: أراه من ناحية الرعي, وما يعجبني أن يقطع. قال ابن القاسم: وذلك رأيي. وكذلك قال عنه أبو زيد في رجل ضرب خباءه في قُرْط فربط

دوابه حوله وفضل عليها لا يحولها من مواضعها فيسرق منها رجل دابة. قال: لا قطع عليها فيها. وكذلك في كتاب ابن المواز أيضاً, وقال فيه أيضاً: ومن ربط دابته في مرج ينقل إليها العلف فسرقت؛ فإن كان عندها حارس قطع, وإلا فلا, كان في ليل أو نهار. قال محمد: ما لم تكن مطلقة ترعى. م: أرى هذا لأنه لم يخرج إلى ربيعها فتكون من ناحية من ناحية المرعى, وإنما خرج لحاجة فنزل بها في مرج فربطها فيه, وحصد لها العلف فلذلك قال: يقطع, وإن لم يكن هذا معناه فهو تناقض. م: وقول محمد ما لم تكن مطلقة ترعى يريد: وهي بعيدة عن صاحبها, وأما لو كانت بقرب صاحبها فإنه يقطع.

وكذلك في المستخرجة في هذا. [28 - فصل: فيمن رفع السلاح في العمران لأخذ المال] وفي كتاب المحاربين: من كابر بسلاح أو غيره على ماله في زقاق أو دخل عليه حريمه في المصر حكم عليه بحكم الحرابة. وقد تقدم: أن الحربي إذا دخل إلينا بأمان فسرق فإنه يقطع؛ لأنه لو قتل قتلناه ولو تلصص حكم عليه بحكم الحرابة.

الباب [الثامن] في سرقة المأذون له, والصبي, والمجنون, والأب والابن, وأحد الزوجين لصاحبه, أو عبد أحدهما للآخر, والمكاتب من مال سيده, والسيد من مال مكاتبه, والشريك من مال شريكه

الباب [الثامن] في سرقة المأذون له, والصبي, والمجنون, والأب والابن, وأحد الزوجين لصاحبه, أو عبد أحدهما للآخر, والمكاتب من مال سيده, والسيد من مال مكاتبه, والشريك من مال شريكه. [29 - فصل: في سرقة المأذون له, والصبي, والمجنون, والأب والجد] قال الرسول عليه السلام: «ادْرَءُوا الحُدُودَ بالشُّبُهَاتِ». وقال عليه السلام: «أَنْتَ وَمَالُكَ لأبِيكَ». وروى عنه عليه السلام أنه قال: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ

ثَلاَثَةٍ»؛ فذكر المجنون حتى يفيق, والصبي حتى يحتلم. قال مالك: ومن أذنت له في دخول بيتك أو دعوته إلى طعامك فسرقك؛ فلا قطع عليه وهذه خيانة, وقد رُوي: «لاَ قَطْعَ عَلَى خَائِن». قال مالك: ولا يجب على الصبيان حد في سرقة ولا زنى حتى يحتلم الغلام وتحيض الجارية, أو يبلغا سناً لا يبلغه أحد إلا بلغ ذلك من احتلام أو حيض. وبعد هذا بقية القول فيه. ولا يقطع المجنون المطبق [104/أ] إذا سرق, وأما الذي يجن ويفيق؛ فإن سرق في حال إفاقته قطع, وإن سرق في حال جنونه

لم يقطع إلا أنه إن سرق في حال إفاقته فأخذ في حال جنونه استوني به حتى يفيق ثم يقطع. قال مالك: وإذا سرق أحد الأبوين من مال الولد لم يقطع. قال ابن القاسم: وكذلك الأجداد من قبل الأب والأم أحب إلى أن لا يقطعوا؛ لأنهم آباء؛ ولأن الدية تغلظ على الجد إذا قتل ابن ابنه ولا يقتل. فإن قيل: إن الجد يقطع؛ لأن نفقة ولد ولده لا تلزمه. قيل له: فالأب لا تلزمه نفقة ابنه الكبير ولا ابنته الثيب, وهو لا يقطع فيما سرق من أموالهما, ولا يجد فيما وطئ من جواريهما, فكذلك الجد لا حد عليه, ولا قطع ولا نفقة.

30 - فصل [في سرقة الابن من مال أبيه, وأحد الزوجين لصاحبة, أو عبد أحدهما للآخر] وإذا سرق الابن من مال أبيه قطع, وإذا زنى بجارية أبيه حد. م: ولم يأت في هذا ما جاء في الأب. وتقطع المرأة إذا سرقت من مال زوجها من غير بيتها الذي تسكنه, وكذلك خادمتها إن سرقت من مال الزوج من بيت قد حجره عليهم, أو تسرق خادمة الزوج من مال المرأة من بيت قد حجرته عليها. وقد تقدم بعض هذا.

31 - فصل [في سرقة الأجنبي مع الأب أو العبد أو الأجير] وإذا سرق الأب مع أجنبي من مال الولد ما قيمته ثلاثة دارهم, قال أشهب: أو ما يقع على الأجنبي منه أكثر من ربع دينار لم يقطع وحد منهما؛ لأن الأب أذن له وذلك شبهة. وكذلك إن سرق منك رجل أجنبي مع عبدك أو مع أجيرك الذي أئتمنته على دخول بيتك لم يقطع واحد منهما, وإن تعاونا في السرقة. قال ابن المواز: وذلك إذا كان من موضع أذن للعبد في دخوله, وإن لم يؤذن له في دخوله فالقطع على الأجنبي دون العبد إن سرقا ثلاثة دراهم. 32 - فصل [في السرقة مع الصبي والمجنون] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن سرق شيئاً مع صبي أو مجنون ما قيمته ثلاثة دراهم الصبي ولا المجنون وقطع الذي معه هاهنا.

م: والفرق بينهما وبين سرقة الأجنبي مع الأب أو العبد أن العبد والأب أذنا للسارق وهما ممن يصح أذنهما, والصبي والمجنون ممن لا يصح أذنهما فافترقا. 33 - فصل [في سرقة العبد من سيده وبالعكس] قال مالك: وإذا سرق العبد أو المكاتب من مال سيده لم يقطع. قال في العتبية: وإن سرق العبد من مال ابن سيده قطع. قال في المدونة: وإن سرق السيد من مال عبده أو مكاتبه, أو مكاتب ابنه أو عبد ابنه لم يقطع. 34 - فصل [في سرقة أحد الشريكين أو عبده من مال الشركة] قال مالك: وإن سرق الشريك من مال الشركة مما قد أغلقا

عليه لم يقطع. وإن كان أودعاه لرجل [104/ب] فسرقة أحدهما منه قطع, إن كان سرق من حصة شريكه فضلا عن حصته ربع دينار. قال ابن المواز: مثل أن يسرق ما قيمته ستة دراهم. ورواه أشهب عن مالك: إذا لم يؤتمن عليه, ومنع منه, كان بيد أجنبي أو بيد أحدهما, وقد حجر عن الآخر, ولم يرض فيه بأمانته. قال ابن حبيب: وقيل: لا يقطع حتى نصيبه من الجميع بثلاثة دراهم, وهو حسن للدراءة بالشبهة. والأول أقيس. قال أشهب: إن سرق عبد من متاع بين سيده وبين رجل آخر فاختلف فيه قول مالك. وأحب إلينا أنه إن سرق فوق حق سيده بثلاثة دراهم قطع؛ وذلك إذا كان شريك سيد أحرزه عن سيده, ولو كان عند سيده لم يقطع, كما لو

سرق من وديعة عند سيده. وقد تقدم أن شهادة الأخوين لأخيهما أن هذا سرق متاعه جائزة إذا كانا عدلين. وبعد هذا يأتي أن من سرق من بيت المال, أو من المغنم, وهو من أهله فإنه يقطع.

الباب [التاسع] في سرقة الطعام والماء والعروض والطير والسباع وما لا يحل بيعه

الباب [التاسع] في سرقة الطعام والماء والعروض والطير والسباع وما لا يحل بيعه قال مالك: ومن سرق ما قيمته دراهم من الطعام الذي يبقى أو لا يبقى مثل اللحم والبطيخ والقثاء وشبهه؛ قطع, والأترجة التي قطع فيها عثمان بن عفان رضي الله عنه كانت تؤكل ولم تكن ذهبا. ويقطع سارق القثاء والبقل إذا آواه حرزه ما لم يكن قائماً, وكذلك

سارق الماء يقطع إذا بلغت قيمته دراهم. ويقطع سارق الزِّرْنيخ والنْطْرون والنّورة والحجارة؛ إذا بلغت قيمته ثلاثة دراهم. ومن سرق شيئا من سباع الطير بازياً أو غيره؛ قطع فيما قيمته ثلاثة دراهم, وكذلك في غير سباعه؛ لأن الجميع يؤكل.

وأما سباع الوحش التي لا تؤكل لحومها إذا سرق منها سارق وكان قيمة جلودها إذا ذكيت دون أن تدبغ ثلاثة دراهم قطع؛ لأن لصاحبها بيع جلودها إذا ذكيت, والصلاة عليها, وإن لم تدبغ. محمد وقال أشهب: أنه إذا سرق سَبُعاً قيمته في عينه ثلاثة دراهم؛ قطع. قال عن ابن القاسم: ومن سرق حماماً عُرِف بالسبق, أو طائراً عُرِف بالإجابة إذا دعي فأحب إلينا ألا تراعى إلاّ قيمته, على أنه ليس فيه ذلك

مما هو للعب والباطل, وأما سباع الطير المعلمة, فلينظر إلى قيمتها على ما فيها من ذلك. وذكر عن أشهب: أنه يقوّم ذلك كله بغير ما فيه من ذلك, كان بارزاً معلماً أو غيره, وهو نحو قول مالك في أداء المحرم إياه إذا [105/أ] قتله. ومن المدونة: ولا قطع في جلد ميتة لم يدبغ, فإذا دبغ ثم سرق فإن كان قيمة ما فيه من الصنعة دون الجلد ثلاثة دراهم قطع, وإلا لم يقطع. قال ابن المواز: وقال أشهب: إذا كان قيمة الجلد المدبوغ ثلاثة دراهم قطع. وروى عن مالك في غير المدونة: أن من استهلك جلد ميتة لم يدبغ فلا شيء عليه. قال في المدونة: ومن سرق كلباً صائداً أو غير صائد لم يقطع؛ (لأن

النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم ثمنه). ابن حبيب: وإن كانت في عنقه قلادة تسوي ثلاثة دراهم, وقد رآءها السارق قطع. قال أبو محمد: وقال أشهب: يقطع في كلب الصيد والماشية. قال ابن القاسم: في الكلب المأذون فيه: لا يعجبني ثمنه, وإن احتاج محتاج إلى شرائه فهو أخف. وأجاز ابن كنانة شراءه, وأجازه غيره. ابن المواز قال أشهب: ومن سرق زيتاً وقعت فيه فأرة

فماتت, فإن كان يسوي أن لو بيع على هذا ثلاثة دراهم؛ قطع. ومن سرق لحم أضحية, أو جلدها, وقيمة ذلك ثلاثة دراهم؛ قطع. وقاله أشهب. وقال ابن حبيب: إن سرق الأضحية قبل الذبح قطع, وأما إن سرقها بعد الذبح فلا يقطع؛ لأنه لا تباع في فلس, ولا موت, ولا تورث للبيع, ولكن لتؤكل. ولو سرق لحمها ممن تصدق به عليه قطع فيما قيمته ثلاثة دراهم. [35 - فصل: في سرقة ما لا يحل بيعه] قال فيه, وفي العتبية ابن القاسم: ومن سرق مزماراً أو عوداً أو غير ذلك من الملاهي, فإن كان في قيمته بعد الكسر ربع دينار قطع, وإلا لم يقطع, وسواء سرقة مسلم أو ذمي.

قال في كتاب ابن حبيب: أو سرقة ذمي من ذمي؛ لأن على الإمام كسرها عليهم إذا أظهروها, ولو كان في ذلك فضة وزنها ثلاثة دراهم, وقد علم بها السارق قطع. قال في الكتابين: وأما الدّف والكَبَر يسرقهما, فإن كان في قيمة ذلك صحيح ربع دينار قطع؛ لأنه قد أرخص في اللعب بهما. ومن المدونة قال مالك: ومن سرق صبياً صغيراً حراً أو عبداً من حرزه قطع. وإن سرق عبداً كبيراً فصيحاً لم يقطع, وإن كان أعجمياً قطع. قال ابن المواز: وقاله مالك وأصحابه, وابن شهاب,

والليث, وربيعة. قال أشهب: وذلك إذا كان الحر الصغير لا يعقل نفسه, والأعجمي الكبير لا يعقل ما يراد به, [105/ب] وإن كان الصبي يعقل فلا قطع

عليه فيه. وقال ابن الماجشون في موضع آخر: لا قطع على من سرق حُرّاً. قال الأبهري: قال بعض أصحابنا: ولما كان سارق المال يقطع من أجل الضرر في المال كان المدخل على نسب الإنسان وحرمته الضرر أولى بالقطع. [36 - فصل: في سرقة المصحف, وحكم الطرَّار والنباش] قال في المدونة: ومن سرق مصحفاً, أو باب دار, أو حلّ الطرَّار من داخل الكم أو خارجه, أو أخرج من الخلف ثلاثة دراهم؛

قطع. والقبور حرز لما فيها لقول الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المرسلات:25 - 26] فإذا أخرج الكفن من القبر وقيمته ثلاثة دراهم فأكثر قطع.

الباب [العاشر] في السرقة في السفر من السفن, أو من قطار, أو محمل, أو من على البعير, أو اختلسه

الباب [العاشر] في السرقة في السّفر من السفن, أو من قطار, أو محمِل, أو من على البعير, أو اختلسه [37 - فصل: في المختلس والمكابر ونحوهما] وقال الرسول عليه السلام: «لا قَطْعَ عَلَى مُخْتَلِس». وروى ذلك عن علي, وزيد, وغيرهما, ورواه كثير من التابعين.

قال أبو محمد: ولما كان حكم المحارب غير حكم السارق لم تكن السرقة إلا أسراراً. قال مالك: لا قطع على مختلس ولا مكابر. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم في سارق دخل بيت رجل فأتزر بإزار فأخذ في البيت والإزار عليه, ثم أفلت من بين أيديهم, وأُخْرج من الدار والإزار عليه وقد علم أهل البيت بالإزار أو يعلموا, قال: لا قطع عليه. يريد: لأنه كالمختلس.

قال عنه أصبغ: ولو أن رب البيت رأى السارق قد نقب, فذهب فأتى بشاهدين يشهدان عليه, فنظرا إليه ورب المتاع معهم, ولو أراد أن يمنعه منعه, قال: ليس عليه قطع, وهو قول مالك. وقال أصبغ: عليه القطع؛ لأنها سرقة. م: إن رآهم السارق ففر فهو مختلس, وإن خرج من الدار ولم يرهم فهو سارق يجب قطعه, والله أعلم. 38 - فصل [في سرقة متاع المسافر, وفي السرقة من الإبل والدواب وهي تُساق مقطورة أو غير مقطورة] ومن المدونة قال مالك: وإذا وضع المسافر متاعه في خبائه أو خارجاً من خبائه وذهب لحاجته فسرقه رجل, أو سرق لمسافر فسطاطاً مضروباً,

أو حل بعيراً من القطار في مسيره وبان به قطع. ابن المواز قال مالك: وإذا سيقت الإبل غير مقطورة فمن سرق منها قطع, والمقطورة أبين وكذلك الزوامل. قال: وكذلك إذا سيقت الإبل والدواب إلى المرعى سوقاً غير مقطورة, فمن سرق منها قطع ما لم تنته إلى الرعي, والمقطورة أبين. وكذلك إذا نُحَّيَت من المرعى وهي راجعة تساق غير مقطورة, وقد خرجت من حد الرعي [106/أ] ولم تصل إلى مراحها فتسرق في تلك الحال فإنه يقطع سارقها. قلت: وكيف وقد جاء «حتى يأويها المُرَاح» , وقال كذلك في التمر: «حتى يأويه الجرِين» , فلو حمله أحد إلى الجرين, أو إلى بيته,

أو حمله على دابته فسرق من عليها ألاّ يقطع, وإنما يؤخذ في الحديث بما أريد به. وقد تقدم نحو هذا. [39 - فصل: من سرق أو اختلس من محمل أو من على ظهر البعير, وفي المسافرين يسرق بعضهم بعضا] قال في المدونة: ومن سرق من المحمِل شيئاً مستتراً, أو أخذ من على البعير غرائر وشقها وأخذ ما فيها, أو أخذ ثوباً من على ظهر البعير مستتراً, قطع في ذلك كله, إن بلغه ثمنه ما فيه القطع, وإن أخذ الثوب غير مستتر فهو خلسة, ولا قطع عليه. والرُّفقة في السفر ينزل كل واحد على حدته, فإن سرق أحدهم من الآخر شيئاً قطع, كأهل الدار ذات المقاصير يسرق أحدهم من بعضها شيئاً؛ فإنه يقطع.

ومن ألقى ثوبه في الصحراء وذهب لحاجته وهو يريد الرجعة إليه ليأخذه فسرقه رجل, فإن كان منزلاً نزله قطع سارقه, وإلاّ لم يقطع. ابن المواز قال أشهب: إن طرحه رجل بموضع ضيعة فلا قطع فيه, وإن طرحه خلفه فلا قطع عليه, وإن طرحه بقرب منه, أو من خبائه, أو من خباء أصحابه؛ فإن كان سارقه من غير أهل الخباء قطع, وقاله يحيى بن سعيد. قال ابن المواز: وأما أهل السفينة يسرق بعضهم من بعض فلا قطع عليه, كالحرز الواحد, إلا أن يسرق منهم أحد من غير أهل السفينة مستتراً فليقطع إذا خرج ذلك من المركب. وكذلك في المدونة, وبعد إيعاب القول فيها إن شاء الله.

الباب [الحادي عشر] فيمن سرق ما لا يسوى دراهم وفيه ذهب أو فضة ولم يعلم بذلك

الباب [الحادي عشر] فيمن سرق ما لا يسوى دراهم وفيه ذهب أو فضة ولم يعلم بذلك قال مالك: ومن سرق ثوباً أو خرقة لا تساوي ثلاثة دراهم وفي ذلك دنانير أو دراهم مصرورة ولم يعلم أن ذلك فيه, فأما الثوب وشبهه مما يعلم الناس أنه يُرفع ذلك في مثله؛ فإنه يقطع, وإن لم يدر ما فيه. ولو سرق شيئاً لا يرفع ذلك فيه كالحجر والخشبة والعصا, لم يقطع إلا في قيمة ذلك دون ما فيه من ذهب أو فضة. م: قال بعض فقهائنا: ومن سرق خرقة مما يعلم أن أحداً لا يصرّ ذلك فيها لدنائتها لم يقطع لما فيها إذا لم يعلم به. قال ابن حبيب [106/ب] عن أصبغ: ومن سرق ليلاً عصاً مفضضة وفضتها ظاهرة فيها أكثر من ثلاثة دراهم, وقال: لم أر الفضة بالليل, فإن علم أنه لم يبصر الفضة لم يقطع, ويصير كما لو كانت الفضة في داخلها.

الباب [الثاني عشر] بقية القول في الشهادة في السرقة, والاختلاف فيها

الباب [الثاني عشر] بقية القول في الشهادة في السرقة, والاختلاف فيها وقد تقدم القول أن شهادة الأخوين لأخيهما أن هذا سرق متاعه جائزة إذا كانا عدلين. قال ابن المواز عن مالك: ولو كانا غير مبرزين ولو شهدا لغير أخيهما لقبلا فمثل هؤلاء عندي لا يقضي بهما للأخ بالمال, ولا يقطع بهما السارق حتى يكونا ثابتي العدالة فيقضي بهما في المال والقطع, إلا أن يشهدا في اليسير كربع دينار وشبهه فتجوز في المال والقطع وإن لم يكونا مبرزين, أو يكون السارق عديماً فتجوز أيضاً؛ لأنهما إنما شهدا على قطع بغير غرم. م: يريد: فتجوز في الكثير في هذا.

40 - فصل [في الاختلاف في الشهادة] قال فيه وفي المدونة: وإذا شهد شاهد على رجل أنه سرق نعجة, وشهد آخر أنه سرق كبشاً واجتمعا في الوقت والموضع والفعل, فهي مختلفة فلا تجوز ولا يقطع بها. ولو اجتمعا على الكبش وصفته, وقال هذا سرقه يوم الخميس, وقال الآخر سوقه يوم الجمعة لم يجز أيضاً. قال ابن المواز: قال ابن القاسم, وكله قول مالك: كما لو شهد واحد أنه شرب أمس خمراً, وشهد آخر أنه شربه اليوم, لم يجز؛ لأنه من باب الفعل لا من باب الإقرار, وشهادتهما في القذف من معنى الإقرار يقضى بها وإن اختلف اليوم. قال: وكذلك إن شهد واحد أنه سرق بالمدينة وشهد آخر أنه سرق بمصر لم يجز, وقاله أصبغ.

الباب [الثالث عشر] في السارق يحدث في السرقة في الحرز حدثا

الباب [الثالث عشر] في السارق يحدث في السرقة في الحرز حدثاً [41 - فصل: فيمن أكل طعاماً داخل الحرز أو ابتلع ديناراً أو ادّهن] قال مالك: وإذا دخل السارق الحرز, فأكل الطعام, ثم خرج؛ لم يقطع, وعوقب, وضمنه في ملائه وعدمه, قلّت قيمة ذلك أو كثرت. قال في العتبية: ولو ابتلع ديناراً في الحرز وخرج؛ لقُطع؛ لأنه خرج به وهو شيء يخرجه منه ويأخذه. قال في المدونة, وكتاب محمد: وإن دهن السارق رأسه ولحيته في الحرز بدهن أو غالية [107/أ] ثم خرج, فإن كان ما في رأسه ولحيته من الدهن إن سلت -ابن المواز قال أشهب: أو غُسِل- يبلغ ربع دينار

قطع, وإلا لم يقطع. ابن المواز: أمّا ما يساوى بعد السلت ما فيه القطع فإنه يضمنه في يسره لا في عسره, إذ فيه قطع, وباقي ذلك يضمنه في عدمه وملائه, ويحاص به غرماؤه. [42 - فصل: فيمن ذبح شاة داخل الحرز, أو قطَع ثوبا خرقا, أو سرق زعفرانا وصبغ به] قال في المدونة: وإن ذبح الشاة في الحرز ثم خرج بها مذبوحة, فإن سويت مذبوحة ما فيه القطع قطع. قال في كتاب محمد: فإن كان له مال يوم سرقت ضمن قيمتها حية, وإن لم يكن له مال أتبع بما بين قيمتها حيه وقيمتها مذبوحة, في ذمته ولم يتبع بقيمة الشاة مذبوحة؛

لأن كل ما أفسد في الحرز من كسر جرة زيت, أو خرق ثوب فهو لقيمته ضامن إذا قُطع, كان له مال أو لم يكن؛ لأنه ليس فيه قطع, وإنما قطع في قيمة الذي خرج به, إن خرج بشيء منه. قال: وإن لم يكن في قيمة ذلك على ما هو به من الإفساد ثلاثة دراهم لم يقطع, وأتبع بجميع القيمة في ملائه وعدمه. وكذلك لو قطّع ثوباً من الوَشْي في الحرز خِرَقاً, فإن خرج بها وقيمتها ثلاثة دراهم ضمن قيمته صحيحاً في ملائه إلا أن يشاء ربها أخذ الخرق, فإن أخذها فلا شيء على السارق, وإن لم يأخذها فله تضمينه ما بين قيمته صحيحاً وقيمته مقطوعاً إن كان عديماً, وأما ذو المال فهو يغرم قيمة جميعه.

وإن دخل الحرز بثوب له فصبغه بزعفران من الحرز وخرج به, فإن زادت قيمته يوم خرج به ثلاثة دراهم قطع, وليس كالدهن الذي يتلف في الرأس؛ لأن ذلك لا يزيد في قيمة من ادهن به كان حراً أو عبداً, ويلزم السارق قيمة الزعفران كله في ملائه, وإن كان عديماً وقد قطع, فأما ما زادت قيمة الثوب بالصبغ فإن زادت عشرة دراهم فلا يسقط عنه؛ لأنه عين قائمة له في الثوب, -يريد: ولم يهلك الثوب-, وأما باقي قيمة زعفرانه فليأخذه من باقي ثمن الثوب إن لم يكن على السارق دين, فإن كان على السارق دين تحاصوا في ذلك الباقي مثل: أن يكون ثمن الزعفران ديناراً فصبغ به الثوب في الحرز, وقيمته أبيض نصف دينار, فصار به يسوى ديناراً, فإنما [107/ب] قطعت يده في نصف والنصف الآخر لزمه في داخل الحرز, فإن كان عديماً والذي على السارق من الدين دينار فرب الثوب أولى بالثوب حتى يأخذ نصف الذي زاد في الثوب؛ لأنه عين شيئه, ثم يحاص الغرماء

بنصف الدينار الذي لزمه السارق في الحرز, كما لو صبغ صباغ ثوباً وقبضه ربه, وقام الصباغ بحقه وفلس رب الثوب فالصباغ أحق بما زاد الصبغ في الثوب, ويحاص ببقية حقه. ولو أخرج السارق الزعفران من الحرز وقيمته دينار فصبغ به ثوبه فزادت قيمته نصف دينار وعليه دينار دينا فرب الزعفران أولى بالثوب حتى يقبض ما زاد فيه زعفرانه وهو نصف دينار, ويكون الغرماء أحق بما بقي من ثمن الثوب الذي صبغه؛ لأنه قطع فيه وهو عديم فلم يلزم ذمته وإن لم يزد في قيمة الثوب الذي صبغه السارق وقطع فيه وهو عديم فإنه لا يتبع السارق بشيء منه, وغرماؤه أحق بالثوب, وذلك بخلاف أن لو سرق ثوباً وصبغه بزعفران نفسه فلم يزده فهذا لا شيء لغرمائه فيه مع صاحب الثوب, وفيه اختلاف. قال: وإذا سرق زعفراناً فصبغ به ثوبه ثم باعه فقام رب الزعفران والسارق عديم فرب الزعفران أحق بالثوب حتى يستوفي منه ما زاد فيه صبغة على قيمته أبيض. وكذلك لو باعه المبتاع من ثان والثاني من ثالث فله ذلك فيه؛ لأنه عين شيئه, والبائع متعدٍ وليس كما لو باع ثوبه الذي صبغه له الصباغ, هذا

ليس للصباغ فيه طلب بحق إذا بيع؛ لأنه غير متعد في بيعه. م: كما لو اشترى سلعة فباعها. قلت: فإذا أفسد السارق المتاع في الحرز ثم خرج به وقيمته ثلاثة دراهم فقطع فيه, فهل ربه أحق بما وجد من متاعه وإن قطع فيه, ويتبعه بما نقصه الفساد مما لم يقطع فيه أم لا؟ قال: أما في الفساد الكثير فليس له ذلك؛ لأني لا أسلمه إليه إلا بعد وجوب القطع فيما خرج به, فإن شاء أخذ ذلك بما لزم السارق داخل الحرز من الفساد فذلك له ما لم يكن على السارق دين فيحاص غرماؤه فيه بقدر ذلك, وإن لم يكن فساداً كثيراً فله أخذه. [108/أ] قال ابن القاسم: ويتبعه مع ذلك بما نقصه فعله به في الحرز. ابن المواز: وهو أحب إليّ؛ لأنها جناية لزمته قبل السرقة إذا لم

يكن ذلك يبلغ به التلف. قال: ولو أخرجه ثم أفسده فساداً فليس له أخذه وما نقصه عند أشهب, وإنما له أن يضمَّنه قيمته يوم سرقة أو يأخذه مفسوداً ولا شيء له؛ لأنه أحدث ذلك فيه بعد أن ضمنه. قلت: فلم قطعته فيما خرج به وقد ضمَّنته إياه قبل أن يخرج به حين ذبح الشاة ثم أخرج اللحم وهو يسوى ثلاثة دراهم؟ قال: لأن ذلك اللحم ليس بحلال له ولو تاب مكانه لم يجز له أكله حتى يقضي عليه بالقيمة, ألا ترى أن لو سرق أمه أعجمية من حرزها وأصابها عنده عيب مفسد تلزمه به قيمتها يوم سرقها, فوطئها لقطع وحُدَّ للزنا إن كان بكراً, وإن كان محصناً رجم ولو لم يقطع. م: يريد: فكل من فعل فعلاً في مال غيره تلزمه به قيمة ذلك الشيء يوم الفعل فإن الحدود جارية عليه فيه حتى يقضي عليه بالقيمة فيه فيصير حينئذ مالاً من ماله يطأ ويأكل.

الباب [الرابع عشر] في ضمان السارق وصفة قطعه

الباب [الرابع عشر] في ضمان السارق وصفة قطعه [43 - فصل: في ضمان السارق ولو سرق ما لا قطع فيه] قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [المائدة:38]. فلا يجوز أن يجازى بأكثر من الجزاء الذي جعله الله تعالى جزاءه. فلذلك قال مالك: لا يضمنها إلا في وجده؛ كنفقة الزوجة, والقيمة على من أعتق شِقْصاً له في عبد, ومن جعلها في ذمته عاقبة عقوبتين, فأما المليء فإنما يغرمه من المال الذي أصابه بالسرقة وأنماه بها. ابن المواز قال مالك وأصحابه: ولو سرق ما لا يجب فيه القطع إما لقلّته أو لأنه من غير حرز, أو لغير ذلك, فإنه يتبع بذلك في عدمه, ويحاص به

غرماءه, وإذا كان يجب فيه القطع لم يتبع في عدمه ولا يتبع إلا في يسر متصل من يوم سرق إلى يوم يقطع, وإلا لم يتبع, وإن كان الآن مليئاً بعد عدم تقدم. قال مالك: وهذا الأمر المجتمع عليه عندنا. قال مالك: ولو كان يلزمه الغرم إذا أيسر بعد عدم لكان ذلك في رقبة العبد إذا أعتق. قال ابن المواز: وإن قطعت يده وقد استهلك السرقة وبيده مال قال: أدْته بعد السرقة, وقال الطالب: بل قبل. فالقول قول السارق, إلا أن يقام عليه بالقرب مما سرق مما لا يكون فيه كسب ولا ميراث فلا يصدق.

ولو قطع وهو مليء [108/ب] يوم سرق إلى يوم قطع ثم أعدم بعد القطع قبل أن يغرم فقال أشهب: لا شيء عليه إلا من الشيء الذي سرق منه. وقال ابن القاسم: يتبع بها دينا, وإنما ينظر من يوم أقيم الحد. قال: وإذا سرق فاستهلك السرقة وعليه دين, فإن لم يكن بيده إلا قدر الديون فأهل الديون أحق من صاحب السرقة, إلا أن يفضل شيء عن دينهم فلا يتبع بشيء غيره. 44 - فصل [في صفة قطع السارق] قال مالك في غير المدونة: وتقطع يد السارق ثم يحسم موضع القطع بالنار, وكذلك في الرِّجل. وحد القطع في اليد من مفصل الكوع, وفي الرجل من مفصل الكعبين, وكذلك في المحارب.

قال في المدونة: ومن سرق مرة قطعت يمينه, ثم إن سرق قطعت رجله اليسرى, ثم إن سرق فيده اليسرى, ثم إن سرق فرجله اليمنى. قال ابن المواز: وقد قطع الصديق والفاروق اليدين والرجلين من خلاف في السرقة. قال أبو محمد: وقد أمر الله عز وجل في المحاربين بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف لسعيهم في الأرض فسداً, والسرقة من الفساد في الأرض. قال مالك: ثم إن سرق بعد أن قطعت يداه ورجلاه ضرب وسجن. قال أبو محمد: وذكر ابن حبيب حديثاً في السارق إذا قُطع أربع مرات ثم سرق أن يقتل, وليس بالثابت.

ومالك وأصحابه على أنه يعاقب, إلا أبا المصعب فإنه قال: يقتل.

ولو سرق أولاً ولا يمين له قطعت رجله اليسرى قال مالك, وأخذ به ابن القاسم. ثم قال مالك بعد ذلك: تقطع يده اليسرى. قال مالك: وإن سرق ويده اليمنى شلاء قطعت رجله اليسرى. قال ابن القاسم: ثم عرضتها عليه فمحاها وأبى أن يجيبني فيها بشيء, ثم بلغني عنه أنه قال: تقطع يده اليسرى, وأراه تأول قول الله تعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38] , والقول الأول أحب إليَّ. وإن سرق ولا يدين له ولا رجلين, أو كان أشل اليدين والرجلين, واستهلك السرقة وهو عديم لم يقطع منه شيء, ولكن يضرب ويسجن, ويضمن قيمة السرقة.

قال أبو محمد: وقال أشهب: لا يتبع في عدمه بشيء. قال ابن القاسم: وكلّ ما درأت به الحد في السرقة ضمَّنت السارق قيمة السرقة وإن كان عديما. قال: وإن سرق وقد ذهب من يمنى يده أصبع [109/أ] قطعت يده, كما لو قطع يمين رجل وإبهام يده مقطوعة أن يده تقطع, وإن لم يبق من يمنى يده إلا أصبع أو أصبعان قطعت رجله اليسرى, وإن كانت يداه ورجلاه كذلك لم يقطع وضرب وسجن, وضمن قيمة السرقة. م: المقطوع الأصبع الواحدة كالصحيح, تقطع يده في السرقة, ويقتص له إن قطعها رجل, ويقتص منه إن قطع هو يد رجل. ولا نص في المدونة إن كان ذهب من يد السارق أو القاطع أصبعان.

وقال في الصحيح يقطع يد رجل وقد ذهب منها أصبعان: ليس له إلاّ العقل. وإن كان إنما ذهب من أيديهم ثلاثة أصابع فتقطع رجل السارق اليسرى, وخيّره في القاطع بين أن يقتص منه من اليد الناقصة وإلا لزمه العقل. وأما الصحيح يقطع يد ناقصة فليس عليه إلاّ العقل.

الباب [الخامس عشر] في رجوع البينة قبل الحكم أو بعده, والكشف عنهم, وجرحتهم وجامع مسائل الشهادات

الباب [الخامس عشر] في رجوع البينة قبل الحكم أو بعده, والكشف عنهم, وجرحتهم وجامع مسائل الشهادات. [45 - فصل: في رجوع البينة قبل الحكم أو بعده] قال مالك: وإذا شهد رجلان على رجل بالسرقة ثم قالا قبل القطع: أوهمنا بل هو هذا الآخر؛ لم يقطع واحد منهما. وما بلغ من خطأ الإمام ثلث الدية فأكثر فعلى عاقلته, مثل خطأ الطبيب والمعلم والخاتن. قال ابن القاسم: وأبي مالك: أن يجيبنا في خطأ الإمام بشيء. وإذا رجع الشاهدان قبل الحكم ولهما عذر بيّن يعرف به صدقهما وكان بيني العدالة؛ أقيلا وجازت شهادتهما بعد ذلك, وإن لم يتبين صدقهما لم يقبلا فيما يُسْتَقْبل ولو أُدَّبا لكانا بذلك أهلا, ولو رجعا بعد

الحكم وقد شهدا على دين أو طلاق أو حد أو عتق أو غير ذلك, فإنهما يضمنان الدَّين, ويضمنان العقل في أموالهما, ويضمنان قيمة المعتق, وفي الطلاق إن دخل بالزوجة فلا شيء عليهما, وإن لم يدخل ضمنا الصداق للزوجة. 46 - فصل [في الكشف عن البينة وتجريحهم] ولا يقضي القاضي ببينة حتى تزكى عنده وإن لم يطعن فيهم الخصم, ويكشف عنهم إن شاء في السر والعلانية, ولا يقبل إلا تزكية رجلين عدلين, لا يبالي فيما كانت الشهادة, في حق الله عز وجل أو للناس, من حد أو قصاص. إذا ارتضى القاضي رجلاً للكشف جاز, ويقبل منه ما نقل إليه من التزكية عن رجلين لا أقل من ذلك.

فإذا زكيت البينة والمطلوب يجهل وجه التجريح من جهلة الرجال, أو من ضعفة النساء فليخبره [109/ب] القاضي بماله من ذلك ويبينه له لعل بينه وبينهم عداوة أو شركة مما لا يعلمه المعدِّلون. وإن كان مثله لا يجهل وجه التجريح لم يدعه إليه, ليس كرد اليمين الذي لا يتم الحكم إلا بها. وإن أقام المشهود عليه بينة على الشهود بعد أن زكوا أنهم شربة خمر, أو أكلة ربا, أو فجّار, أو أنهم يلعبون بالشطرنج, أو بالنرد مدمنون عليها, أو بالحمام, فذلك كله مما تجرح به شهادتهم. وإن ثبت أنهم حدوا في قذف, فمن تاب ممن حد في القذف وحسنت حالته, أو زاد على ما كان يعرف منه من حسن الحال جازت شهادته. ولو حُدّ نصراني في قذف ثم أسلم بالقرب قبلت شهادته.

47 - فصل [جامع مسائل الشهادات] ولا تجوز شهادة العبد في شيء من الأشياء. وإن شهد رجل وامرأتان على رجل بالسرقة لم يقطع؛ وضمن قيمة ذلك, ولا يمين على صاحب المتاع. وإن شهد بذلك رجل واحد حلف الطالب مع شهادته وأخذ المتاع إن كان قائما بعينه, ولا يقطع السارق, وإن كان المتاع مستهلكاً ضمن السارق قيمته وإن كان عديماً. وتجوز الشهادة على الشهادة في السرقة وغيرها إذا شهد رجلان على شهادة رجل. وإذا شهدت بينة على رجل غائب بالسرقة ثم قدم فإنه يقطع, ولا تعاد البينة حضروا أو غابوا إذا كان الإمام قد استأصل تمام شهادتهم, وإذا لم يقم بالسرقة حتى طال الزمان, وحسنت حالة السارق, ثم اعترف, أو قامت عليه بذلك بينة فإنه يقطع, وكذلك حد الزنى, والخمر, ولا يحد السكران حتى يصحو. وقد تقدم في كتاب الشهادات إيعاب مسائل هذا الباب فأغنى عن إعادتها.

الباب [السادس عشر]

الباب [السادس عشر] [48 - فصل: في السارق يُحدث فيما سرق بيعاً أو صبغاً أو غيره] قال مالك: وإذا باع السارق السرقة فقطع ولا مال له ثم أُلْفِيَت عند المبتاع قائمة فلربها أخذها. وكذلك لو كانت غنماً فتوالدت عند المبتاع لأخذها ربها وأولادها, وأتبع المبتاع السارق بالثمن. فإن هلكت السرقة عند المبتاع بسببه أكلها, أو لبسها, أو حرقها, أو باعها, فلربها أن يرجع على المبتاع بقيمتها, وإن هلكت عنده بأمر من الله تعالى فلا شيء عليه. قال ابن المواز: وأما إذا باعها المشتري فلا يلزمه إلاّ الثمن الذي باعها به, وإن أكلها فعليه [110/أ] قيمتها, ويرجع هو على السارق بالأقل مما دفع إلى صاحبها, أو بالثمن الذي كان دفع إلى السارق. وقاله أشهب.

قال: وإن ألفى ربها المشتري عديما فلربها أن يتبعه بذلك في ذمته, وإن أيسر السارق قبله رجع عليه ربها بالأقل من قيمتها يوم أكلها المشتري, أو الثمن الذي دفع إلى السارق, أو من قيمتها يوم سرقها. فإن كانت قيمتها يوم أكلها المشتري أكثر, رجع على المشتري بتمام ذلك يتبعه بها دينا. وإنما يرجع بما ذكرنا على السارق؛ لأنه غريم لغريمه المشتري. قال أبو محمد: كذا في الأم, فانظر لو أكلها وقيمتها يوم الأكل مثل الثمن, وقيمتها يوم السرقة أقل, لِم لا يأخذ من السارق وهو غريم غريمه؟ وهو لو أخذ قيمتها من المشتري كان له على السارق الثمن. 49 - فصل [في السارق يُحدث فيما سرق صبِغاً أو غيره] ومن المدونة: ومن سرق ثوباً فصبغه ثم قُطع ولا مال له غيره فلرب الثوب

أن يعطيه قيمة الصبغ ويأخذ ثوبه, فإن أبى بِيع الثوب وأخذ ربه من الثمن قيمة ثوبه يوم سرقه وكان الفضل للسارق, وإن عجز ثمنه لم يتبع السارق بشيء لعدمه. قال في كتاب محمد: وإن كان عليه دين فالغرماء أحق بثمنه دون ربه, إلا أن يفضل منه شيء, لأنه أسلمه وفات بالبيع وليس لربه نقض بيعه ولا أخذ ثمنه, لأنه بعد إسلامه بيع, وليس هو ثمن سرقته بعينها. م: واختُلف إذا قام ربه فوجده مصبوغاً. فروى عن ابن القاسم أنه قال: له أخذ الثوب بعد أن يدفع قيمة الصبغ كما في المدونة. وروى عنه: أنه ليس له أخذ الثوب بحال, وإن دفع قيمة الصبغ. وقال أشهب: ربه مخير, إن شاء أخذ قيمة يوم السرقة, وإن شاء دفع قيمة الصبغ, وأخذ ثوبه, وإن شاء كان فيه شريكاً بقيمته أبيض. وروى عنه: أن له أخذه مصبوغاً ولا غرم عليه في الصبغ إن شاء أخْذه, كمن غصب داراً فبيّضها وزوقها وهذا الثابت من قوله, وبه أخذ أصبغ

وغيره. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن قطع السارق الثوب وجعله ظهارة لجبة أو لقلانس, فأراد ربه فتقه وأخذه مقطوعا فذلك له, لأن مالكاً قال فيمن سرق خشبة فبني عليها: فلربها أخذها وإن خربت بنيانه, فكذلك هذا. وإن أبى أن يأخذ ثوبه مقطوعا والسارق عديم صنع به كما وصفنا في الصبغ. قال: ومن [110/ب] سرق حنطة فطحنها سويقا ولتها ثم قطع ولا مال له غير ذلك فأبى رب الحنطة أخذ السويق, فهو مثل ما وصفنا, يباع السويق ويشتري له من ثمنه مثل حنطته. م: وفي الأم فقال رب الحنطة: أنا آخذ السويق فهو مثل ما وصفنا, يباع السويق ويشتري له من ثمنه مثل حنطته. م: وهذا أصوب؛ إذ ليس لرب الحنطة أخذ السويق ملتوتاً.

وقد قال ابن القاسم وأشهب في كتاب محمد: ليس لرب الحنطة أخذ السويق ولكن يباع ويشتري له مثل حنطته, وما فضل للسارق, وما عجز فلا يتبع بشيء لعدمه. قال أشهب: وهو كالخشبة يعمل منها بابا, وهما بخلاف الصبغ, لأن ثوبه قائم بعينه. قال فيه وفي المدونة: وإن سرق فضَّة فصاغها حلياً, أو ضربها دراهماً, ثم قطع ولا مال له غيرها, فليس لربها إلا وزن فضته, لأني إن أجزت له أخذها ظلمت السارق, وإن أمرته بأخذها ودفع أجرة الصياغة كانت فضة بفضة وزيادة, وهذا ربا. وإن سرق نحاساً, فعمل منه قمقماً, فعليه مثل وزنه, ليس له أخذه, كالنُّقرة يصوغها دراهماً. محمد, وقاله أشهب. وقال أيضاً: إن ربه مخيرا, إن شاء أخذ القمقم وأعطاه قيمة صنعته, وإن شاء أغرمه مثل وزن نحاسه.

محمد: وهذا أحب إليَّ, وليس في النحاس حجة إلا إحالته عن حاله, فإذا أخذ قيمة صنعته لم يظلم, والدراهم لا يقدر أن يعطيه قيمة صنعته, لأن يصير فضلا بين القضيتين, وإن أخذه بغير غرم لأجر الصنعة ظلم السارق. قال فيه وفي المدونة: ومن سرق خشبة فعملها باباً فعليه قيمتها. محمد: يوم سرقها, وليس لربها أخذها وإن أدى قيمة الصنعة. قال سحنون: كل ما غيره حتى صار له اسم غير اسمه, فليس لربه أخذه, وإنما له أخذ قيمته فيما يقوَّم, أو مثله فيما له مثل. محمد, قال ابن القاسم: فيمن غصب عموداً أو خشبة وبنى عليها قصراً فلربه أخذه, وإن أخرب بنيانه. واستحسن أشهب: أنه إن كان يخرب به سائر بنيانه ألاّ يأخذ إلا قيمته

يوم السرقة. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون: فيمن سرق فضة فصاغها حلياً, أو صفراً فعمله آنية, أو ثوباً فصبغه أو خاطه وجعله بطانة لجبة أو ظهائر قلانس, أو خشبة عمل منها باباً, أو تابوتاً, أو حنطة [111/أ] فطحنها فكل ما أثر فيه من هذا ولا يقدر على أخذ صنعته إلا بأن يشاركه فيه, فإن لرب السرقة أخذها بما في ذلك من الصنعة بلا غرم شيء, نقصه ذلك أو زاده, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقَّ».

فيأخذ الثوب المصبوغ, والقمح المطحون, والفضة والنحاس المعمولين, والباب والتابوت. وأما الثوب الذي جعله ظهائر قلانس, أو بطانة جبة, فله أن يفتق ذلك ويأخذه, ويسلَّم إليه ما زاد, لأنه عين شيئه, والمسروق منه مخيّر في أخذ ذلك كله بلا غرم عليه, أو يسلمه ويغرم السارق قيمته يوم سرقه, والغاصب والسارق سواء. وقد قال مالك: في غاضب الأرض يبنيها, أو يزوق الدار أو يجصصها؛ فلربها أخذ ذلك ولا شيء عليه في التزويق والتجصيص, وأما البناء, وماله قيمته, إذا نقص فيأذن له في أخذه, أو يعطيه قيمته منقوصا, فهذا أصل ذلك. ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: وإذا سرق عصفراً أو زعفراناً لرجل, وثياباً لآخر, فصبغها بذلك, وأخذ وقطعت يده؛ فإن

كان له مال يوم السرقة لزمته قيمة الثياب, ومثل العصفر أو الزعفران, وإن لم يكن له مال ووجدت الثياب مصبوغة فليتحاصّا في ثمنها هذا بقيمة ثيابه, وهذا بقيمة عصفره أو زعفرانه. وكثير من معاني هذا الباب في كتاب الغصب. م: قال بعض أصحابنا: الفرق عند ابن القاسم بين صبغ الثوب, وبين عمل النحاس قمقماً: أن رب النحاس إذا أعطيناه مثل صفة نحاسه ووزنه لم يُظلم, ولم يظلم السارق بجبره على بيع صنعته, والثوب ليس مما يقضي فيه بمثله, فلو لم يبح لربه أن يعطى السارق قيمة الصبغ لم يبق إلا أن يعطيه السارق قيمة ثوبه.

فلما كان كل واحد منهما يباع عليه شيئه كان أولاهما الحمل عليه السارق, وكان رب الثوب مقدماً عليه. والله أعلم.

الباب [السابع عشر] في السارق يقطع رجل يمينه, أو يغلط القاطع فيقطع يساره وفيمن اجتمعت عليه حدود

الباب [السابع عشر] في السارق يقطع رجل يمينه, أو يغلط القاطع فيقطع يساره وفيمن اجتمعت عليه حدود [50 - فصل: في السارق يقطع رجل يمينه] قال مالك: ومن شهدت عليه بينة زكَّيت أنه سرق فحبسه القاضي حتى يقطعه رجل يمينه في السجن؛ لم يقتص منه, ونُكِّل, واجزأ ذلك من قطع السرقة. ولو فعل ذلك به قبل عدالة البينة [111/ب] أرجئ الحكم, فإن عدل البينة كان الأمر كذلك, وإن لم تعدل البينة اقتص منه. محمد قال مالك: ومن سرق ثم قطع رجل يمينه عمداً أو خطأ, فقد زال عنه قطع السرقة, ولا قصاص في يده في عمده, ولا دية في الخطأ, ويعاقب المتعمد.

وكذلك المحارب الذي وجب عليه القتل لو تعمد رجل قتله لم يقتص منه, وإن قتله خطأ فلا دية فيه. [51 - فصل: في السارق يغلط القاطع فيقطع يساره] ومن المدونة: وإذا أمر القاضي بقطع يمين السارق فغلط القاطع فقطع يساره أجزأه ولا تقطع يمينه ولا شيء على القاطع. محمد قال أشهب: وقد روى ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ابن حبيب: وقاله مطرف عن مالك, ولا شيء على الإمام ولا على القاطع. وقال ابن الماجشون: ليس خطأ الإمام والقاطع مما يزيل القطع عن اليد التي أمر الله تعالى بها, ولتقطع يمين السارق, ويكون عقل يساره في مال

الإمام خاصة إن كان هو المخطئ, أو في مال القاطع دون عاقلته إن كان هو المخطئ, أو في مال المسروق منه إن كان هو قطع يساره دون أمر الإمام, وإن قطع يمينه عوقب ولا شيء عليه في ماله, هذا إذا أقام شاهدين أنه سرق ما يحجب فيه القطع, وإلا اقتص منه. ابن حبيب: وبالأول أقول, وإليه ذهب المصريون. [52 - فصل: فيمن اجتمعت عليه حدود] ومن المدونة قال مالك: وإذا قطعت يمين السارق كان ذلك لكل سرقة تقدمت أو قصاص وجب في تلك اليد, وإن ضرب في شرب خمر, أو أقيم عليه حد الزنا أجزأه لهذا ولما كان قبله من ذلك, فإن فعل بعد ذلك شيئا أقيم عليه ذلك.

الباب [الثامن عشر] في التحصص في مال السارق وتقويم السرقة

الباب [الثامن عشر] في التحصص في مال السارق وتقويم السرقة قال مالك: ومن سرق فقطعت يده ولا مال له إلا قدر قيمة السرقة فغرمها ثم قام قوم سرق منهم قبل ذلك؛ فإن كان من وقت سرق منهم لم يزل مليئا بمثل هذا الذي غرم الآن تحاصوا فيه كلهم, وإن أعدم في خلال ذلك ثم أيسر, فكل سرقة سرق من يوم يسره المتصل إلى الآن فأهلها يتحاصون في ذلك دون من قبلهم, وإن لم يحضروا يوم القطع كلهم فلمن غاب الدخول عليهم فيما أخذوا كغرماء المفلس. ومن سرق سرقة لرجلين وأحدهما غائب؛ فإنه يقطع إن كانت قيمتها ثلاثة دراهم فأكثر ويقضي للحاضر [112/أ] بنصف قيمتها إن كانت مستهلكة, ثم إن قدم الغائب والسارق عديم؛ فإن كان يوم القطع مليء بقيمة الجميع رجع على شريكه بنصف ما أخذ, ويتبعان السارق بنصف القيمة,

فإن لم يكن معه يوم القطع إلا ما أخذ الشريك رجع على الشريك بنصف ما أخذ, ولم يتبعا السارق. وهذا مثل ما قال مالك في الشريكين يكون لهما دين على رجل فيقبض منه أحدهما حصته وصاحبه غائب, ثم يقدم الغائب فيجد الغريم عديماً فإنه يدخل مع صاحبه فيما كان أخذ. م: وحكى عن الشيخ أبي محمد رحمه الله: أنه فرّق بين هذه المسألة وبين مسألة الكفالة إذا قضى للشريك بحقه والغريم مليء بحقيهما ثم قدم الغائب أنه لا يدخل على المقتضي فيما أخذ وإن أعدم الغريم. وقال في المسروق منه: أنه يدخل على شريكه. قال: والفرق بينهما أن السارق لم يأمنه المسروق منه على بقاء ما وجب له في ذمته؛ فكان يجب أن يوقف القاضي نصيب الآخر, فلما جهل وغلط صارت قسمة غير جائزة فلم يتم للقابض ما قبض.

وفي مسألة كتاب الكفالة صاحب الدين هو الذي ائتمن الغريم على بقاء دينه في ذمته فالقسمة جائزة، فلا رجوع للغائب على القابض إذا حكم له القاضي قبض نصيبه. وأبى أبو محمد أن يكون معنى مسألة كتاب السرقة أنه قبض جميع حصته بغير حكم، قيل له: فقد مثلها بالدين، فقال: إنما مثلها به ليرى أن للشريك أن يدخل مع شريكه فيما قبض، وأما الأمر في الحكم فعلى ما تقدم. وقد تقدم في الباب الأول أن يقوم السرقة أهل العدل والنظر. قيل: فإن اختلف المقومون؟ فقال: إذا اجتمع عدلان بصيران أن قيمتها ثلاثة دراهم وجب القطع، ولا يقطع بقيمة رجل واحد، وهناك الحجة فيها موفاة فاعلم ذلك.

الباب [التاسع عشر] في سرقة السفينة، أو منها، أو من دار الحرب، ويرقة الحربي، أو منه، أو من بلد الحرب، وإقامة الحدود في الجيش، ومن أكل لحم الخنزير، أو شرب خمرا في رمضان

الباب [التاسع عشر] في سرقة السفينة، أو منها، أو من دار الحرب، ويرقة الحربي، أو منه، أو من بلد الحرب، وإقامة الحدود في الجيش، ومن أكل لحم الخنزير، أو شرب خمراً في رمضان. [53 - فصل: في سرقة السفينة، أو منها] قال ابن القاسم: ومن سرق من سفينة قطع. ومعناه: أن السارق من غير أهل السفينة، فهو إذا سرق منها مستتراً فليقطع إذا أخرج ذلك من المركب، قاله ابن المواز. قال: أما أهل السفينة يسرق بعضهم من بعض فلا قطع عليه، وهي كالحرز الواحد.

ومن المدونة قال: وإن سرق السفينة نفسها فهي كالدابة تحبس وتربط وإلا ذهبت، فإن كان معها من يمسكها قطع سارقها وإلا فلا. وإن نزلوا بالسفينة في سفرهم منزلاً فربطوها فإنه يقطع سارقها، كان معها ربها أو ذهب لحاجته. قال ابن المواز: قال ابن القاسم، وأشهب: إن السفينة في المرسا على وتدها، أو بين السفن، أو بموضع لها حرز، فعلى سارقها القطع، وإن لم يكن معها أحد. وإن كانت مخلاة، أو أفلتت ولا أحد معها، فلا قطع فيها إلا أن يكون معها أحد. وإذا كان فيها مسافرون فأرسو بها في مرسا، وربطوها، ونزلوا كلهم، وتركوها: فقال ابن القاسم: يقطع من سرقها. وقال أشهب: إن ربطوها في غير مربط لم يقطع؛ كالدابة. وقال محمد: غن كانت بموضع يصلح أن ترسا به قطع، وإن كان

غير ذلك لم يقطع. 54 - فصل [في السرقة من دار الحرب، وسرقة الحربي، وإقامة الحدود في الجيش] وقد تقدم أن كل ما درأت به الحد في السرقة ضمنت السارق قيمة السرقة وإن كان عديماً. قال: وإذا سرق مسلم من حربي دخل إلينا بأمان قطع. وإن سرق مسلم الحربي وقد دخل بأمن قطع. وإن دخل المسلمون دار الحرب فسرق بعضهم من بعض، أو زنى، أو شرب الخمر، ثم قدموا فشهد بعضهم على من فعل ذلك؛ فإنه يجد. ويقيم أمير الجيش الحدود بدار الحرب على أهل الجيش في السرقة وغيرها، وذلك أقوى له على الحق.

قال: وإذا دعاك إمام عادل إلى قطع يد رجل أو رجله في سرقة، أو إلى قطع أو قتل في حرابة، أو رجم في زنى، وأنت لا تعلم صحة ما قضى به إلا بقوله، فعليك طاعته، "وقد أقام علي بن أبي طالب الحدود بأمر عمر رضي الله عنهما"، وقد أمر الخلفاء الناس بالرجم فرجموا، ويطاع في ذلك الإمام العادل العارف بالسنة، وأما الجائر فلا، إلا أن تعلم صحة ما أنفذ من الحد وعدالة البينة، فلتطعه لئلا تضيع الحدود. [55 - فصل: فيمن أكل لحم خنزير، أو شرب خمراً في رمضان] ومن المدونة: وإذا أكل المسلم لحم الخنزير عوقب، وإن شرب الخمر في رمضان جلد الحد للخمر ثمانون، ثم يضرب

للإفطار في رمضان، وللإمام أن يجمع ذلك عليه أو يفرقه.

الباب [العشرون] متى يجب الحد على الصبيان؟

الباب [العشرون] متى يجب الحد على الصبيان؟ وقد تقدم أن لا يجب على الصبيان حد في سرقة ولا زنى حتى يحتلم الغلام وتحيض الجارية، أو يبلغا سناً لا يبلغه أحد إلا بلغ ذلك من احتلام أو حيض. قيل لابن القاسم: فإن أنبت الشعر قبل ذلك؟ قال: قد قال مالك: يجد إذا أنبت، وأحب إلي ألا يحكم بالإنبات، وقد أصغى مالك إلى الاحتلام حين كلمته في الإنبات. قال ابن المواز: وثبت غيره من أصحاب مالك أنه يجب الحد بالإنبات. قال محمد: وذلك في الإنبات البين، قاله مالك. قال ابن حبيب: وهو سواد الشعر. " وحكم عثمان رضي الله عنه بالإنبات". قال أشهب: وإذا بلغ سناً لا يبلغه أحد إلا احتلم ولم يحتلم ولم

ينبت، أو كانت جارية فلم تحض ولم تنبت حكم لهم بحكم البلوغ. قال ابن حبيب وغيره: وذلك ثماني عشرة سنة، وقيل: سبع عشرة سنة. أبو محمد: وقال بعض أصحابنا من البغدادين: إن الاحتلام من المرأة بلوغ وإن لم تحض. قال يحي بن عمر: أما أكل شيء بين المرء وبين الله عز وجل مما يلزمه فيقبل قوله أنه لم يحتلم، وأنها لم تحض، ولا يراعى الإنبات، وأما كل شيء يطلب به من حد أو شبهه فلا ينظر فيه إلى إنكاره البلوغ ويحكم فيه بالإنبات.

ومثل هذا في الحديث، وحكم السلف أن ينظر إلى مؤتزره.

[الباب الواحد والعشرون] جامع الإقرار في السرقة عن محنة أو غير محنة ثم يرجع وكيف إن أخرجها، وفي حبس المتهم وعقوبته ويمينه

[الباب الواحد والعشرون] جامع الإقرار في السرقة عن محنة أو غير محنة ثم يرجع وكيف إن أخرجها، وفي حبس المتهم وعقوبته ويمينه والقطع في السرقة يجب بأمرين: إما بشاهدين، أو بإقرار يثبت عليه المقر حتى يحد، وإن رجع أقيل. لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بلص اعترف اعترافًا ولم يوجد معه متاع، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما إخالك سرقت)، فقال: بلى، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثًا، (فأمر به فقطع)، فقال: (استغفر الله وتب إليه) قال: استغفرته وتبت إليه، فقال: (اللهم تب عليه).

ففي تكرير النبي صلى الله عليه وسلم: (ما إخالك سرقت)؛ دليل على أنه لو رجع قبل منه. وقد روي أن المرجوم لما أخذته الحجارة هرب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فهلا تركتموه). وإذا انتهت الحدود إلى الإمام وجب أن تقام ولا يجوز فيها العفو، وذلك

أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لصفوان: (فهلا قبل أن تأتيني به). قال مالك في آخر الكتاب: فيمن أقر أنه سرق من رجل مائة درهم من غير محنة ثم نزع لم يقطع، ويغرم المائة لمدعيها. وقيل: لا يقال إلا بعذر بين. م: والأول أبين لقول النبي عليه السلام (ما إخالك سرقت)، ولقوله (فهلا تركتموه)، وه لم يأت بعذر. قال ابن القاسم عن مالك: ومن شهدت عليه بينة أنه أقر بالسرقة أو بالزنى فأنكر، فإن ذكر أنه إنما أقر لأمر يعذر به أقيل، وإن جحد ذلك الإقرار أصلاً أقيل أيضاً. وقال غيره: لا أقيله إلا لعذر بين. قال في كتاب محمد: وإذا رجع قبل تمام الحد أقيل، ويغرم الحر

قيمة السرقة يوم سرقها، ولا شيء على العبد، ويتبع بذلك الحر في عدمه. وكل واحد هو لله عز وجل لم يثبت إلا بإقرار المقر فإنه يقبل رجوعه فيه ما لم يحد أو يأت من ذلك من السبب ما يشبه البينة من تعيين المتاع في السرقة وهو من أهل التهم، فهذا يقطع ولا يقبل رجوعه. ونحو هذا روى القاسم عن مالك في العتبية فقال: فيمن اعترف بالسرقة بغير محنة ثم نزع قال: لا يقال، قال ابن القاسم: يريد إذا عين وبلغني ذلك عن مالك. وقال عنه في رواية عيسى: لا أرى أن يقام عليه الحد حتى يعين ما قال بأمر يقيم عليه. قال ابن القاسم: وهو رأيي، قيل له: فإن أخرج الدنانير، فقال:

هذه هي؟ قال: ليس في الدنانير تعيين. قال: وإذا اعترف بعد أن ضرب عشرة أسواط، أو حبس ليلة لم يلزمه إقراره، كان الوالي عدلاً، أو غير عدل، وربما أخطأ العدل، وقد قال رجل لعمر بن عبد العزيز: إن ضربتي سوطاً واحداً أقررت على نفسي، فقال: ماله قبحه الله؟ فإذا أقر على خوف لم يلزمه إقراره إلا أن يعين،- يعني يرى بعض ما أقر به-. وقال محمد بن خالد عن ابن القاسم فيمن أقر بسرقة وعينها-

والتعيين الإظهار لها-، هل عليه قطع إن أنكر بعد ذلك؟ قال ابن القاسم: إن أقر بها وعينها عند غير السلطان فإنه يقطع، وإن أقر بها على الضرب وعينها ثم أنكر فلا يقطع. ابن المواز وقال أشهب: إذا أخرج السرقة فإنه يقطع وإن كان بعد ما ذكرت من سجن وقيد ووعيد وإن نزع لم يقبل نزوعه، وأما إن لم يعين فلا يحد أبداً، وإن ثبت على إقراره؛ لأنه يخاف أن يعاد لمثل الأمر الأول. محمد: وروي عن ابن عمر ويحي بن سعيد وربيعة في المقر عن جلد: أنه لا يقطع حتى يبرز السرقة. قال محمد: ولو أخرج المتاع ثم نزع وكان له سبب مثل أن

يقول: قيل لي: إن أخرجت المتاع خليت، فبعثت وأخذته من فلان، فهذا لا يقطع. وروى نحوه ابن وهب عن يحي بن سعيد وعن مالك. ومن المدونة قال مالك: ومن أقر بشيء من الحدود بوعيد أو سجن أو قيد أو ضرب أقيل، وذلك كله إكراه، فإن تمادى على إقراره بعد زوال الإكراه فإنه يحبس حتى يستبرأ أمره، فإن تمادى على إقراره بعد أن أمن أقيم عليه الحد إذا أتى بأمر يعرف به صدقه وعين وإلا يحد في قطع ولا غيره. محمد قال أشهب: إذا لم يعين فلا يحد أبداً وإن ثبت على إقراره؛ لأنه يخاف أن يعاود لمثل الأمر الأول. قال في المدونة: وإن أخرج السارق السرقة أو القتيل في حال التهديد، لم أقطعه ولم أقتله حتى يقهر بعد ذلك آمناً، ولو جاء ببعض المتاع

وأتلف بعضه لم أضمنه ما بقي إن جاء بما يعذر به في إقراره، وكذلك لا أضمنه الدية في القتيل إذا جاء بوجه يعذر به. وإذا أقر عبد أو مدير أو مكاتب أو أم ولد بسرقة قطعوا إذا عينوا السرقة وأظهروها، فإن ادعى السيد أنها له صدق يمينه، وقاله مالك في أمة ادعى رجل في ثوب فصدقته وادعاه السيد لنفسه: أنه يقضى له به مع يمينه. قال محمد: إذا كان المتاع الذي أقر به أنه سرقه بيده، لم يصدق فيه ويقطع فيه إذا كان مما فيه القطع، ويكون سيده أحق به، ويحلف السيد أنه ما يعلم لهذا فيه حقاً. قال أشهب: وكذلك إذا قال: لا أدري ألعبدي هو أم لا، ولكنه بيد عبدي، فهو للعبد أبداً ولا يقبل فيه إقراره إلا أن تقوم بينة بمعرفة المتاع لربه.

م: إن ادعى السيد أن الثوب له حلف على البت أنه له، وإن ادعى أنه لعبده حلف أنه لعبده ما يعلم لهذا فيه حقاً، وإن قال: هو بيد عبدي لا أدري أهول له أم لا، فلا يمين عليه إلا أن يدعي المقر له أنه يعلم أنه له فيحلفه أنه ما يعلم له فيه حقاً، قاله بعض فقهائنا. ومن قامت عليه بينة بسرقة لم أر للإمام أن يقول له: قل: ما سرقت، إنما يعني بينة بإقراره، فأما المعاينة فلا يقبل إنكاره، وروى ابن عيينة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بسارق فقال له: (أسرقت؟ ما إخالك فعلت). فقال: قد فعلت، (فأمر أن يقطع ثم يحسم)، ثم قال: (تب إلى الله). فتاب، فقال: (اللهم تب عليه). وروى مثله ابن حبيب.

ومن المدونة: ومن أقر أنه سرق من فلان شيئاً وكذبه فلان؛ فإنه يقطع بإقراره ويبقى المتاع له إلا أن يدعيه ربه فيأخذه. ولو قال المسروق منه: قد سرقه مني إلا أنه كان له وديعة عندي، أو بعثه إليه معي رجل، لم يقبل ذلك منه ويقطع. ومن سرق متاعاً كان أودعه رجلاً فجحده إياه فإن أقام على ذلك بينة وعرفوا المتاع بعينه لم يقطع، وقد تقدم بعض هذا. [56 - فصل: في حبس المتهم وعقوبته ويمينه] قال ابن القاسم: ومن ادعى على رجل أنه سرقه لم أحلفه له إلا أن يكون متهماً يوصف بذلك فإنه يحلف ويهدد ويسجن وإلا لم يعرض له، وإن كان المدعى عليه من أهل الفضل وممن لا يشار إليه بهذا أدب الذي ادعى ذلك عليه.

وقد تقدم في كتاب الشهادات ذكر المرأة تدعي: أن فلاناً أكرهها، أنه إن كان ممن لا يشار إليه بذلك حدت، وإن كان ممن يشار إليه بذلك نظر فيه الإمام. ومن كتاب ابن المواز، وذكره ابن حبيب عن أصبغ قال: ومن جاء إلى الوالي برجل فقال: سرق متاعي؛ فإن كان موصوفاً بذلك متهماً هدد وسجن واحلف، وإن يكن كذلك لم يعرض له، وإن كان من أهل الصلاح والبراءة لا يشار إلى مثله بذلك؛ أدب له المدعي. ابن حبيب قلت لمطرف: فمن سرق له متاع فاتهم من جيرانه رجلاً غير معروف، أو اتهم رجلاً غريباً لا يعرف حاله، أيسجن حتى

يكشف عنه؟ قال: نعم، ولا يطال سجنه، وذكر: (أن النبي صبى الله عليه وسلم حبس رجلاً اتهمه المسروق منه بسرقة لغيره وقد صحبه في السفر). قال مطرف: وإن كان المتهم بالسرقة معروفاً بها كان سجنه أطول، وإن وجد معه مع ذلك بعض السرقة فقال: اشتريته، ولا بينة له، وهو من أهل التهم، لم يؤخذ منه غير ما في يديه؛ فإن كان غير معروف حبسه وكشف عنه، وإن كان معروفاً بذلك حبسه أبداً حتى يموت في السجن، وقاله مطرف وابن الماجشون وأصبغ.

محمد قال ابن وهب عن الليث: فيمن وجد معه متاع مسروق فقال: اشتريته؛ فإن كان متهماً عوقب. وكتب عمر بن عبد العزيز في مثله أن يسجن إن اتهم حتى يموت. وقال مالك: يسجن بقدر ما يرى الإمام ثم يعاقب ويسرح ولا يسجن حتى يموت. قال أشهب: وإذا شهد عليه أنه متهم فإنه يسجن بقدر ما اتهم عليه، وعلى قدر حاله، ومنهم من يجلد بالسوط مجرداً، وإن كان الوالي غير عدل فلا يذهب به إليه، ولا يشهد عليه عنده، إلا أن يعلم أن السلطان لا يخالف فيه إلى غير حق.

الباب [الثاني والعشرون] في إقامة الحد في البرد أو الحر، ومن اجتمع عليه حد لله تعالى وحد للعباد، ومن سرق من بيت المال أو من المغنم، وسرقة من فيه علقة رق من سيده، والسارق يرث السرقة أو توهب له

الباب [الثاني والعشرون] في إقامة الحد في البرد أو الحر، ومن اجتمع عليه حد لله تعالى وحد للعباد، ومن سرق من بيت المال أو من المغنم، وسرقة من فيه علقة رق من سيده، والسارق يرث السرقة أو توهب له [57 - فصل: في إقامة الحد في البرد أو الحر] قال مالك: ومن سرق في شدة البرد فخيف عليه الموت إن قطعت يده فليؤخره الإمام إلى بعد ذبك. قال ابن القاسم: وإن كان الحر أمراً يعرف خوفه كالبرد فأراه مثله. قال ابن المواز: قال مالك: يقطع في شدة الحر؛ لأنه ليس بمتلف وإن كان فيه بعض الخوف؛ لأنه حق لزمه وإن مات فيه، قال مالك: وإنما يتقي هذا في البرد.

قال محمد: وإذا رأى الإمام قطع المحارب من خلاف وذلك في برد شديد فلا يؤخره بخلاف من لزمه القطع في سرقة؛ لأن الإمام لو قتل هذا المحارب جاز له ذلك. [58 - فصل: فيمن اجتمع عليه حد لله تعالى وحد للعباد] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن سرق وقتل عمداً فإنه يقتل ولا يقطع، والقطع داخل النفس، ولو عفا عنه ولي القتيل لقطعته للسرقة. وإن سرق وقطع يمين رجل قطع للسرقة فقط إذ هي آكد ولا عفو فيها ولا شيء للمقطوعة يده، كما لو ذهبت يد القاطع بأمر من الله لم يكن للمقطوعة يده على القاطع دية ولا غيرها؛ لأن الذي كان حقه فيه قد ذهب. ولو سرق وقطع شمال رجل قطعت يمينه في السرقة وشماله قصاصاً، وللإمام أن يجمع ذلك عليه أو يفرقه بقدر ما يخاف عليه أو يأمن، وكذلك الحد والنكال يجتمعان جميعاً على رجل.

وإذا اجتمع عليه الحد لله تعالى وحد للعباد بدأ بالحد الذي لله تعالى إذ لا عفو فيه، فإن عاش أخذ منه حد العباد، وإن مات بطل ذلك، ويجمع الإمام ذلك كله عليه إلا أن يخاف عليه الموت فيفرق ذلك. والقطع في السرقة في الرجل والمرأة سواء. 59 - [فيمن سرق من بيت المال أو من المغنم] ومن سرق من بيت المال أو من المغنم وهو من أهله قطع، قيل لمالك: أليس له في المغنم حصة؟ قال: قال مالك: وكم تلك الحصة؟ قال غيره في كتاب العتق: إنما يقطع إذا سرق فوق حقه بثلاثة دراهم، لأن حقه في الغنيمة واجب معروف، بخلاف حقه في بيت المال؛ لأنه إنما يجب له إذا أخذ وإن مات لم يورث عنه. واختلف قول سحنون فقال مرة: يقطع إن سرق فوق حقه من الغنيمة كلها ثلاثة دراهم، وقال مرة: فوق حقه من المسروق.

60 - فصل: [في سرقة من فيه علقة رق من سيده] ولا تقطع أو الولد إذا سرقت من مال سيدها، وكذلك العبد، والمكاتب، وإذا شهد على أخرس بالسرقة قطع، وكذلك إن أقر بوجه يعرف به إقراره وإلا لم يقطع. [61 - فصل: في السارق يرث السرقة أو توهب له] ومن سرق سرقة فلم يقطع حتى ورثها أو اشتراها أو وهبت له أو تصدق بها عليه، فلابد من قطعه. وقد تقدم القول فيمن سرق متاعاً كان أودعه، أو سرق لرجلين وأحدهما غائب، وبعض معاني هذا الباب فأغنى ذلك عن إعادتها هنا.

[كتاب المحاربين والمرتدين]

[كتاب المحاربين والمرتدين] [الباب الأول] جامع القضاء في المحاربين وشيء من مسائل المرتدين قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ} الآية. وقال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ}. وقال النبي عليه السلام: (من قتل دون ماله فهو شهيد). وقال مالك: وجهاد المحاربين جهاد.

[1 - فصل: في المحارب إذا أخذ قبل توبته] قال: وإذا أخذ المحارب قبل توبته فحكمه إلى الإمام لا عفو فيه لأحد وهو فيه مخير، إلا أنه إن قتل فلابد من قتله ليس له أن يختار قطعه من خلاف أو نفيه. قال: وإن أخاف وأخذ المال ولم يقتل أحداً؟ قال مالك: فأرى أن يقتل إذا رأى ذلك الإمام لأن الله تعالى قرن الفساد في الأرض بالقتل بقوله: {أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ}. وإن لم يقتل ولم يأخذ مالاً وحارب وأخاف فالإمام فيه مخير أن يقتله أو يقطع يده ورجله من خلاف أو يضربه بقدر اجتهاده وينفيه ويسجنه في المكان الذي ينفيه إليه حتى تظهر توبته وكذلك إن لم يخف، وأخذ مكانه قبل أن يتفاقم أمره، أو خرج بعصا وأخذ مكانه فهو مخير وله أن يأخذ في هذا بأيسر الحكم، وذلك الضرب والنفي، ويسجنه في المكان الذي ينفيه إليه. قال محمد: فيمن عظم فساده وأخذ المال ولم يقتل قال مالك وابن

القاسم: إنه يقتل. وقال أشهب: الإمام فيه مخير. وقال ابن القاسم: إنما يخير إذا أخاف ولم يأخذ مالاً ولم يقتل وأخذ بحضرة ذلك أو بعد الطول فهو مخير فيه، فأما من طال زمانه واشتدت مناصبته وأخذ المال ولم يقتل فليقتله ولا يكون فيه مخيراً. م: وما روي في المدونة في من أخذ المال أو لم يأخذه إذا أخاف وحارب ولم يقتل؛ أن الإمام فيه مخير كقول أشهب. [2 - فصل: في المحارب يؤخذ بحضرة خروجه، أو بعد تمكنه وحرابة النساء والعبيد وفي بعض أحكام النفي] ومن المدونة قال ابن القاسم: وليس للإمام أن يعفو عن أحد من المحاربين ولكن يجتهد في ضربه ونفيه إن أخذ بحضرة خروجه، وقد نفى عمر بن عبد العزيز محارباً أخذ بمصر إلى شغب.

قال مالك وقد كان ينفي عندنا إلى فدك وخيبر ويسجن في الموضع الذي ينفي حتى تعرف توبته. قال بعض أصحابنا: وأقل النفي عند مالك على مسيرة يوم وليلة، دليله (نهي النبي عليه السلام: أن تسافر المرأة مع غير ذي محرمٍ منها سفر يومٍ وليلةٍ). فذلك أقل السفر. ومن المدونة قال مالك: وإذا أخذ الإمام المحارب وقد قتل وأخذ المال وأخاف السبيل؛ فليقتله ولا يقطع يده ولا رجله والقتل يأتي ذلك كله، وأما الصلب مع القتل إلى الإمام يصنع ما يراه.

قال مالك: لوم أسمع أحداً صلب إلا عبد الملك بن مروان فإنه صلب الحارث الذي تنبأ وهو حي وطعنه بالحرية بيده، وكذلك يفعل بمن صلب من المحاربين. وحكم النساء والعبيد وأهل الذمة في الحرابة مثل ما وصفنا في الأحرار المسلمين إلا أنه لا نفي على النساء والعبيد. محمد: الذي جاء عن النبي عليه السلام قال: (لا تسافر المرأة إلا ومعها ذو محرمٍ)، فالضيعة تصيبها، وأما العبد فإن ذلك ضرر على سيده. قلت: فقد جاء عن عمر بن خطاب رضي الله عنه: "أنه جلد امرأة وغربها إلى البصرة".

قال: فقد "جلد أبو بكر الصديق رضي الله عنه الرجل والمرأة البكرين في الزنى، وغرب الرجل" ولم يبلغنا أنه غرب المرأة. قيل: فما يرد ما جاء عن عمر "أن عبداً كان يقوم على رقيق الخمس فاستكره جارية من ذلك الرقيق فوقع بها فجلده عمر ونفا، ولم يجلد الوليدة لأنها مكرهة". قال: قد جاء عن النبي عليه السلام وعن عمر ما يدل على خلافه، قوله عليه السلام في الأمة: (إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم عن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفيرٍ). قال ابن شهاب: لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة. والضفير: الحبل.

فقد قال عليه السلام: (إن زنت فاجلدوها). قال مالك: ولم يقل عليه السلام في ذلك نفي ولا ذكره. وفي حديث آخر "أنه أمر بجلد من ولائد الإمارة خمسين خمسين في الزنا". قال مالك: ولم أسمع في ذلك بنفي، قال: وعليه أدركت أهل العلم ببلدنا أن لا نفي على العبيد. قال عنه ابن وهب: ولا على النساء للحديث: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرمٍ). والضيعة تصيبها. قيل: فكيف النفي؟ وكم وقته؟ قال: قد نفي من مصر إلى الحجاز؛ شغب وما والاها، ومن المدينة إلى فدك وخيبر من الحجاز، ويكتب إلى وإلي ذلك الموضع حتى يقبضه

ويسجنه أبداً حتى يتوب، وليس لحبسه وقت كما ليس لضربه وقت، وأما الزاني فيحبس سنة من يوم يصير في الحبس وتكون النفقة في حملهما وحبسهما وكراهما على أنفسهما من أموالهما، فإن لم يكن لهما شيء ففي مال المسلمين. قال مالك: سمعت (إن الرسول صلى الله عليه وسلم نفى المخنثين)، ولا أرى نفيهم إلا حسنا. وقال: إنما ينفى المخنثون إلى الموضع القريب، ولا يحبسون ويخلون اليوم بعد الأيام للمسألة والمعاش.

قلت: فقاتل العمد الذي يجب عليه ضرب مائة وحبس سنة؟ قال: يحبس في موضعه، ولا نفي عليه، ولا على أحد غير من سمينا لك. [3 - فصل: في استواء حكم المحارب فيما أخذ من المال، وفيمن قطع عليهم] ومن المدونة قال مالك: وحكم المحارب فيما أخذ من قليل المال أو كثيره سواء وإن كان أقل من ربع دينار، وإن قطعوا على المسلمين أو على أهل الذمة فهي سواء، وقد قتل عثمان مسلماً قتل ذمياً على وجه الحرابة على ما كان معه. [4 - فصل: في توبة المحاربين قبل القدرة عليهم وقد تعاونوا على قتل رجل أو أخذ مال، وفي عفو الأولياء عنهم، وفي الشفاعة لهم، وحرابة الصبيان، وفيمن يقطع ثم يعاود الحرابة، وفي الأموال التي بأيدي المحاربين] قال مالك وإذ أتى المحارب تائباً قبل أن يقدر عليه سقط عنه ما يجب عليه لله تعالى من حد المحارب، وثبت ماللناس عليه من نفس أو جرح أو مال، ثم

للأولياء القتل أو العفو فيمن قتل. وكذلك المجروح في القصاص. قال: وإن كانوا جماعة قتلوا رجلاً، ولي أحدهم قتله وباقيهم عون له، فأخذوا على تلك الحال؛ قتلوا كلهم. وذكر مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً"، وذكر عن عمر أن ربيئة كان ناظراً للذين قتلوا عمر معهم. قال ابن القاسم: وإن تابوا قبل أن يؤخذوا دفعوا إلى أولياء المقتول فقتلوا من شاءوا، وعفوا عمن شاءوا، وأخذوا الدية ممن شاءوا. قال: وإذا ولي أحدهم أخذ المال، وكان الباقون له قوة، ثم اقتسموا فتاب أحدهم ممن لم يل أخذ المال؛ فإنه يأخذ جميع المال ما أخذ في سهمه وما أخذ أصحابه. وإذا أخذوا المال ثم تابوا وهم عدم فذلك عليهم دين، وإن كانوا أخذوا قبل أن يتوبوا فأقيم عليهم الحد قطعوا، أو قتلوا ولهم أموال أخذت

أموال الناس من أموالهم- يريد: ويسرهم متصل من يوم أخذوه-، وإن لم يكن لهم يومئذ مال لم يتبعوا بشيء مما أخذوا كالسرقة. قال مالك: وإذا أخذوا الإمام وقد قتلوا أو جرحوا وأخذوا الأموال فعفى عنهم أولياء القتلى وأهل الجراح والأموال، لم يجز العفو هاهنا لأحد ولا للأمام، ولا يصلح لأحد أن يشفع فيه لأنه حد لله تعالى قد بلغ الإمام. فإن تابوا قبل أن يقدر عليهم وقد قتلوا ذمياً فعليهم ديته لأوليائه؛ إذ لا يقتل مسلم بذمي ولو كانوا أهل ذمة أقيد منهم؛ لأن مالكاً قال: يقتل النصراني بالنصراني. وتعرف توبة المحاربين من أهل الذمة بترك ما كانوا فيه قبل أن نقدر عليهم. فإن كان فيهم نساء فلهم حكم الرجال في ذلك، وأما الصبيان فلا يكونوا محاربين حتى يحتلموا وإن قطعوا الطريق إلى مدينتهم التي خرجوا منها فأخذوا فهم محاربون.

وإذا قطع يد المحارب ورجله ثم حارب ثانية ثم أخذه الإمام فرأى أن يقطعه، فليقطع يده الأخرى ورجله، وإذا أخذ الإمام محارباً وهو أقطع اليد اليمنى فأراد قطعه فليقطع يده اليسرى ورجله اليمنى، وقد قال مالك في سارق لا يمين له: أن تقطع رجله اليسرى، واليد والرجل من المحارب كعضو واحد من السارق، يبتدأ الحكم في الذي بعده. وإذا خرج محارب بغير سلاح ففعل فعل المحارب من التلصص وأخذ المال مكابرة فهو محارب، ويكون الرجل الواحد محارباً. وتجوز على المحاربين شهادة من حاربوه إذا كانوا عدولاً إذ لا سبيل إلى غير ذلك، شهدوا بقتل أو بأخذ مال أو غيري ذلك، ولا تقبل شهادة أحد منهم في نفسه، وتقبل شهادة بعضهم لبعض. والمحاربون إذا أخذوا ومعهم أموال فادعاها قوم لا بينة لهم فلتدفع إليهم بعد الاستيناء في استبراء ذلك من غير طول فإن لم يأت من يدعيها دفعت إليهم بعد أيمانهم بغير حميل، ولكن يضمنهم الإمام إياها إن جاء

لذلك طالب محمد ويشهد عليهم. محمد: وقال بعض أصحابنا: يضمنوها وإن ذهبت عندهم بأمر من الله تعالى. وأما إن أخذ المتاع ببينة؛- يريد: أو بشاهد ويمين- ثم يثبت ما هو أقطع من ذلك وقد هلك بأمر من الله تعالى فإنه لا يضمن شيئاً. [5 - فصل: في التجار يقطع بعضهم الطريق على بعض، وفي الخناقين وشبههم، وفي قتل الغيلة، ومن قاتل رفقته في السفر لأخذ أموالهم] ومن المدونة: وإذا خرج التجار إلى أرض الحرب فقطع بعضهم الطريق على بعض ببلد الحرب، أو قطعوها على أهل ذمة دخلوا دار الحرب بأمان فهم محاربون.

والخناقون والذين يسقون الناس السيكران ليأخذوا أموالهم محاربون. ومن قتل أحداً قتل غيلة فرفع إلى قاض يرى ألا يقتله، وقضى بأن أسلمه إلى أولياء المقتول فعفوا عنه، فذلك حكم قد مضى، ولا يغيره من ولي بعده لما فيه من الاختلاف. أبو محمد: وقال أشهب وغيره: لغيره نقض ذلك وقتله؛ لأنه اختلاف شاذ، وقاله ابن القاسم في نقض الحكم بالشاذ كتوريث العمة ونحوه. قال في المستخرجة: والمغتال الذي يعرض للرجل أو للصبي فيخدعه حتى يدخله بيتاً فيقتله ثم يأخذ متاعه وماله، وإنما قتله على ذلك فهو بمنزلة المحارب. وسئل عمن صحب أربعة نفر في الطريق وأطعمهم سويقاً فمات منهم اثنان ولبط بصاحبيها فلم يدر أحيان هما أم ميتان حتى من الغد

وأخذ منهم خمسة دنانير فأخذ الرجل فاعترف، وقال: ذلك السويق أعطانيه رجل وأخبرني أنه يسكر من أكله، فأطعمتهم إياه للسكر ولم أرد قتلهم، وإنما أردت أخذ ما معهم، قال مالك: أرى عليه القتل؛ لأنه محارب أراد قتلهم. قيل: إنه لم يرد القتل؟ قال: ومن يقبل ذلك منه، أما هو فقد تعمد إطعامهم، أرأيت من ضرب إنساناً فمات من ذلك، فقال: لم أرد قتله، أيقبل ذلك منه؟ لا يقبل ذلك منه. [6 - فصل: فيمن قتل محارباً أو سارقاً ونحوهما، وفيما يعتبر حرابة وما لا يعتبر] ومن المدونة قال مالك: وإذا قامت بينة على محارب فقتله رجل قبل أن يزكوا البينة فإن زكيت أدبه الإمام، وإن لم تزك قتل به. قال مالك: ومن دخل على رجل حريمه ليأخذ ماله فهو كالمحارب. قال مالك: ومن قتل سارقاً دخل إليه وادعى أنه كابر وقاتله؛ لم يقبل

قوله وقتل به، وكذلك لو قال: وجدته مع امرأتي يطأها. قال في كتاب الغصب: وليس كل غاصب محارباً لأن السلطان يغصب ولا يعد محارباً، والمحارب القاطع للطريق أو من دخل على رجل بيته فكابره على ماله، أو كابره عليه في طريق بعضاً أو سيف أو غير ذلك. قال في العتبية فيمن لقي رجلاً عند العتمة أو في السحر في الخلوة فيبتزه ثوبه وينتزعه منه؛ لا قطع عليه إلا أن يكون محارباً. م: يريد؛ لأن هذا مختلس ولا قطع على مختلس. قال: ومن دخل على رجل حريمه فكابره حتى يجرحه أو ضربه أو قتله، ثم خرج ولم ينهب متاعاً إنما كان ذلك لعداوة أو نائرة بينهما؛ فهذا ليس بمحارب وعليه القصاص، وفيه العفو من أولياء المقتول، فإن عفوا جلد مائة جلدة وحبس عاماً.

قال في كتاب الجهاد: وإن طلب اللصوص مثل العلف أو الثوب فأحب إلى أن يعطوه ولا يقاتلوا. وقال سحنون: لا يعطوا شيئاً، ولا يدعوا لأن الدعوة لا تزيدهم إلا استئساداً وجرأة، فلا أرى أن يدعوا وليقاتلوا. قال أصبغ: وسئل ابن القاسم عن اللص يولي مدبراً أيتبع؟ قال: إن كان قتل فنعم فليتبع ويقتل، وإن لم يكن قتل فلا يتبع ولا يقتل. قال: ولا بأس بقتل الأسير من اللصوص إذا قتل وإن لم يبلغ به الإمام، وقاله مالك؛ لأنه قد استوجب القتل.

قلت لابن القاسم: إنه استوجب القتل وإن لم يقتل. قال: ذلك أشكل، ولا يقتله إلا الإمام إذا اجتهد الرأي. قلت لابن القاسم: أرأيت إن كان بعضهم قتل؟ قال: إذا قتل واحد منهم فقد استوجبوا القتل جميعاً ولو كانوا مائة ألف. سئل سحنون: عن اللصوص إذا ولوا مدبرين أيتبعون؟ قال: نعم يتبعون ولو بلغوا برك الغماد. قيل له: فلو أن لصاً أو محارباً عرض لي فجرحته أو ضربته بشيء فأسقطته أترى أن أجهز عليه؟ قال: نعم. فأعلمته بفول ابن القاسم: أنه لا يجهز عليه فلم يره شيئاً، وقد حل حين عرض ونصب للحرب وقطع الطريق وأخاف السبيل.

[الباب الثاني] جامع القول في المرتدين وأولادهم وما يعد ارتدادا أم لا

[الباب الثاني] جامع القول في المرتدين وأولادهم وما يعد ارتداداً أم لا [7 - فصل: تعريف المرتد، ودليل قتله، والقول في استتابته، ودليلها] من المستخرجة قال السلام عليه: (من غير دينه فأقتلوه). قال مالك: وذلك فيمن خرج من الإسلام إلى غيره لا من خرج من ملة سواه إلى غيرها.

وجاء عن عمر وغيره: "استتابة المرتد ثلاثاً"؛ لقول الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}. وسئل مالك عن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ألا حبستموه ثلاثاً، وأطعتموه في كل يوم رغيفاً؟ " فقال: لا بأس به، وليس بالمجتمع عليه.

وروي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه: "استتاب امرأة ارتدت عن الإسلام فلم تتب فضرب عنقها". قال مالك: وإذا تاب المرتد قبلت توبته، ولا حد عليه فيما صنع من ارتداده. قال سحنون: وكذلك الراجع عن شهادته قبل أن يقضي بها أنه يقال ولا عقوبة عليه وإن كان غير مأمون؛ لأنه لو عوقب الناس بالرجوع عن شهادتهم لم يرجع شاهد بباطل إذا تاب خوفاً من العقوبة قياساً على المرتد. 8 - فصل: [في جناية المرتد، والجناية عليه، وولاء ما أعتق من عبيده، وما يقام عليه من الحدود بعد توبته وما لا يقام] وقال ابن القاسم: في المرتد يقتل في ارتداده نصرانياً أو يجرحه؟، قال: إن أسلم لم يقتل به، ولم يستقد منه في جرح؛ لأنه ليس على دين يقر عليه، وحاله في ارتداده في القتل والجراح حال المسلم إن جرح مسلماً أو قتله؛ اقتص منه، وإن قتل نصرانياً أو جرحه لم يقتل به، ولم يستقد منه. وكذلك قال أصبغ في المرتد يقتل مسلماً أو نصرانياً أو عبداً خطأ أو

عمداً أو يجرح بعضهم أو يقذف أو يسرق فإنه يستتاب، فإن لم يراجع الإسلام قتل وأتى القتل على ذلك كله إلا الفرية، وإن راجع الإسلام أقيم عليه الحد الذي أقيم على المسلم في كل ما وصفنا وهو بمنزلة ما كان منه قبل الارتداد إذا راجع الإسلام. وإن قذفه رجل في حال ارتداده فلا حد على القاذف، رجع المرتد إلى الإسلام أو قتل. وإن كان قذفه قبل ارتداده فإن رجع إلى الإسلام حد له، وإن قتل على الارتداد فلا حد عليه، ولم ترثه ورثته. وأما الزنديق قتل الزنديق فقد اختلف في ميراثه. قال أبو محمد: يعني الذي يشتهر بالتوبة فلم يقبل منه أو ينكر ما شهد

به عليه فيقتل، وأما المتمادي فلا خلاف أنه لا يورث. قال ابن القاسم: وإذا جرح المرتد في ارتداده عمداً أو خطأ فإن عقل جراحاته للمسلمين إن قتل، وله إن تاب، وعمد من جرحه كالخطأ لا يقاد ممن جرحه. قلت: فلو كان جارحه عمداً نصرانياً؟ قال: فلا قود له لأنه ليس على دين يقر عليه فعمد من أصابه بجرح خطأ يعقل، ولا يقاد، أصابه بالجرح مسلم أو غير مسلم. وقال سحنون: في المرتد يقتل عمداً أنه لا دية له ولا قصاص على عاقلته إلا الأدب من السلطان فيما افتات عليه. وقد كان عبد العزيز بن أبي سلمة يقول: يقتل المرتد ولا يستتاب.

ويذكر "أن أبا موسى الأشعري وقف على معاذ بن جبل وأمامه مسلم تهود فقال له معاذ: انزل أبا موسى، فقال: لا والله لا نزلت حتى يقتل هذا". فلو رأى عليه استتابة ما قاله، ولو رأيت عليه استتابة لرأيت ذلك

في المحارب والزاني المحصن، ودمهما أيسر من المرتد. قلت لابن القاسم: أرأيت ولاء ما أعتق من عبيده، أيثبت له إذا تاب ولزمه عتقهم؟ قال: الولاء للمسلمين؛ لأنه عتقهم حين لم يثبت له ولاء ما أعتق من المسلمين، قال: وكذلك ولاء ما كاتب من المسلمين إذا رأى ما كوتب به فولاؤه للمسلمين، وإن عجز رق له. والكتابة تمضي عليه إذا تاب، وترد إن قتل وكذلك التدبير يمضي عليه إن تاب ويرد إن قتل. وإذا زنى أو شرب الخمر أو قذف في حال ردته أو قبل ذلك لم يقم عليه حد الزنا ولا شرب الخمر إذا تاب، ويقام عليه حد الفرية والقطع في السرقة.

9 - فصل [في أحكام أولاد المرتد] قال ابن القاسم: وما ولد للمرتد وهو مسلم فأدخلهم في نصرانيته قبل أن يموت فإن ذلك الولد يستتاب ويكره على الإسلام على ما أحب أو كره ويضيق عليه ولا يبلغ به القتل، وما ولد له في حال ارتداده؛ فإن أدركوا قبل أن يحتلموا، أو يحضن النساء فليجبروا على الإسلام، وإن لم يدركوا حتى كبروا وصاروا رجالاً ونساء رأيت أن يقروا على دينهم؛ لأنهم إنما ولدوا على ذلك وليس ارتداد أبيهم قبل أن يولدوا ارتداداً لهم. وقال ابن كنانة: في ولد المرتد إذا قتل أنه يعقل عنه المسلمون، ويصلون عليه إذا مات، فإذا تنصر وعلم بأمره استتيب فإن تاب وإلا قتل، وإن غفل عنه حتى تشيخ وتزوج لم يستتب ولم يقتل. 10 - فصل [فيما يعد ارتداداً أم لا] من سماع عيسى ابن القاسم وقال: في نصراني اشترى جارية مسلمة فلما ظهر عليه قال: أنا مسلم، ثم علم أنه نصراني، وقال: أنا نصراني وإنما قلت أنا مسلم لمكانها. قال: يؤدب.

قيل: أيؤدب سبعين؟ قال: الأدب في هذا ذلك. من سماع يحي قال ابن القاسم عن مالك في النصراني يصحب المسلمين فيصلي بهم أياماً ثم يتبين لهم أمره: أنهم يعيدون كل ما صلى بهم أبداً، ولا أرى عليه قتلاً. وسئل عنها سحنون فقال: إن كان النصراني في موضع يخاف فيه على نفسه فدارى بذلك عن نفسه وماله فلا سبيل إليه، ويعيد القوم صلاتهم، وإن كان موضع يأمن فيه فإنه يعرض عليه الإسلام، فإن أسلم لم يعد القوم صلاتهم وصلاتهم تامة، وإن لم يسلم ضربت عنقه وأعاد القوم صلاتهم.

م: وفي كتاب الصلاة زيادة فيها. وسئل ابن وهب: عن راهب قيل له: أنت فصيح عربي، وقد عرفت فضل الإسلام على غيره فما يمنعك منه؟، قال: كنت مسلماً زماناً فعرفته وما رأيت ديناً خيراً من النصرانية فرجعت إليها، فبلغ ذلك السلطان فسأله. فقال: قد قلت ذلك ولم أكن قط مسلماً فحبسه والتمس البينة على إسلامه فلم يجد إلا القول الذي أقر به، قال: لا أرى عليه قتلاً ولا عقوبة ولا استتابة، وإنما المرتد من شهد عليه أنه يصلي ولو ركعة. قال ابن القاسم: سمعت مالكاً يقول: لا يقتل على ارتداد إلا من ثبت عليه أنه كان على الإسلام طائعاً من غير أن يدخل فيه هرباً من ضيق عذاب على الجزية أو حمل منها مالا طاقة له به فألجأه ذلك إلى الإسلام فإنه يقال، وقاله ابن وهب. وقال أشهب: يقتل إذا رجع عن الإسلام، كان أسلم من ضيق وشهد له أبه أم لا.

الباب [الثالث] فيمن يظهر الإسلام ويسر دينا غيره والحكم في الساحر والمتبني

الباب [الثالث] فيمن يظهر الإسلام ويسر ديناً غيره والحكم في الساحر والمتبني [11 - فصل: فيمن يظهر الإسلام ويسر ديناً غيره] قال مالك: ومن أسر اليهودية أو النصرانية أو الزندقة، فإن أتى تائباً قبلت توبته، وإن أخذ على دين أخفاه قتل ولم يستتب، وقاله ابن القاسم، قال: وميراثه لورثته من المسلمين إذا أنكر ما شهد به عليه أو تاب فلم تقبل توبته، قال: هذا ميراثه للمسلمين، وأما المتمادي فلا خاف أنه لا يورث، قاله أبو محمد. قال: ومن كفر بمحمد عليه السلام وأنكره من المسلمين فهو بمنزلة المرتد. ومن عبد شمساً أو قمراً أو حجراً؛ أو غير ذلك فإنهم يقتلون ولا يستتابون إذا كانوا في ذلك مظهرين للإسلام مستمرين بما أخذوا عليه؛ لأنهم لا تعرف توبتهم، ويرثهم ورثتهم من المسلمين؛ لأنهم مقرين بالإسلام

وبأحكامه فهم كالمنافقين الذين كانوا علة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن النفاق الذي كانوا عليه إسرار الكفر وإظهار الإسلام؛ لأن الله تعالى يقول: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}، ولكنهم يستخفون بذلك وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم بكفرهم، وورثهم ورثتهم من المسلمين. قال ابن القاسم: وتجوز وصاياهم وعتقهم لأنهم يورثون. قال سحنون: سألت ابن نافع عن ميراث الزنديق والمرتد، وهل سمع من مالك فيه شيئاُ؟ فقال: سمعت مالكاً يقول: ميراثهما للمسلمين ليس في أموالهما سنة دمائهما.

قال سحنون: فأخبرت بذلك عن ابن عبد الحكم فاستحسن روايته فيها جداً. قال عيسى عن ابن القاسم: وكل من أعلن من أولئك دينه الذي هو عليه وأظهره واستمسك به فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وميراثه للمسلمين عامة بمنزلة الفيء، ولا يرثه المسلمون. قال: وأما أهل الأهواء الذين هم على الإسلام والعارفين بالله مثل القدرية والإباضية وشبههم ممن هو على غير ما عليه جماعة المسلمين من البدع والتحريف لكتاب الله وتأويله على غير تأويل، فإن أولئك يستتابون

أظهروا ذلك أو أروه، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم لتحريفهم لكتاب الله وخلافهم الجماعة والتابعين لرسول الله عليه السلام ولأصحابه بإحسان، وبذلك عملت أئمة الهدى وعمر بن عبد رضي الله عنهم ومن قتل منهم على ذلك فميراثه لورثته لأنهم مسلمون إلا أنهم إنما قتلوا لرأيهم السوء. 12 - فصل [فيمن علم بزنديق فقتله، وفيمن شتم النبي صلى الله عليه وسلم، والحكم في الساحر والمتنبئ]. وسئل أصبغ عن رجل أيقن برجل أنه زنديق فاغتاله فقتله؟ قال: إن صح ذلك بالبينة عززه السلطان للعجلة قبل أن يثبت ذلك للسلطان وهو محسن فيما بينه وبين الله تعالى إذا كان على يقين لا لبس فيه من أمره وكفره وزندقته، ولعل الولاة تصنع مثل هذا ولا تصححه. وقد بلغني عن ابن عمر أنه ذكر له راهب يتناول النبي عليه

السلام فقال: "فهلا قتلتموه"، وبلغني عنه أنه يهودياً يتناول شيئاً من حرمة الله تبارك وتعالى غير ما هو فيه من ذمته ويحاج فيه فاغتاظ عليه "فخرج عليه بالسيف فطلبه حتى هرب منه". قال عيسى فيمن سمع نصرانياً أو يهودياً يشتم النبي عليه السلام فاغتاظ فقتله، قال: إن كان شتمه شتماً يجب به القتل وثبت ذلك عليه ببينة فلا شيء عليه، وإن لم يثبت ببينة، أو شتمه بما لا يجب عليه به القتل فأرى عليه ديته ويضرب مائة ويسجن عاماً. قال عن ابن القاسم في النصراني يوجد على الزندقة قال: يترك وزندقته. من سماع أصبغ عن ابن القاسم قلت له: أرأيت الساحر من أهل الذمة إذا عثر عليه؟ قال: إن أسلم لم يقتل، وإن لم يسلم قتل، وهو بمنزلة من

شتم النبي عليه السلام من النصارى إذا أسلم لم يقتل، وإن لم يسلم قتل. قلت: فلو أن رجلاً تنبأ وزعم أنه يوحى إليه هل يستتاب؟ قال: نعم يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. ويقتل الساحر ولا يستتاب كالزنديق.

الباب [الرابع] فيمن سب الله تعالى أو أحدا من الملائكة أو النبيين أو الصحابة أو تكلم بسنة الكفر

الباب [الرابع] فيمن سب الله تعالى أو أحداً من الملائكة أو النبيين أو الصحابة أو تكلم بسنة الكفر قال عيسى عن ابن القاسم: ومن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شتمه أو عابه فإنه إن كان مسلماً قتل ولم يستتب، وميراثه لجميع المسلمين، وهو بمنزلة الزنديق الذي لا تعرف توبته؛ لأنه يتوب بلسانه ويراجع ذلك في سريرته، وإن كان نصرانياً فإنه يقتل صاغراً قميئاً إلا أن يسلم؛ لأنه ليس على هذا عوهدوا ولا نعمت عين [على شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم] وليس يقال له: أسلم. ولكن يقتل إلا أن يسلم طائعاً لقول الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}، وكذلك قال مالك. قال أبو محمد في الرسالة: وكذلك من سب الله تعالى بغير ما به كفر،

ويقتل النصراني إلا أن يسلم. قال العتبي: وبلغني عن مالك أنه قال: إذا قال النصارى أو اليهود: إن محمداً لم يرسل إلينا وإنما أرسل إليكم وإنما نبينا عيسى وموسى فليس في ذلك شيء، فأما إن قالوا: ليس بنبي ولم يرسل، ولم ينزل عليه قرآن وإنما هو بقوله وما أشبهه، فالقتل على من قال ذلك واجب لا شك فيه. قال عيسى عن ابن القاسم: وإن قالوا نبينا خير من نبيكم، أو لما سمعوا المؤذن قال: أشهد أن محمداً رسول الله، قال: كذلك يعطيكم الله، فأرى أن يعاقبوا عقوبة موجعة مع طول السجن. قال ابن القاسم ومن سب أحداً من الأنبياء أو من الرسل أو جحد بما أنزل عليه أو جحد أحداً منهم فهو بمنزلة من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع به كما يصنع فيه سواء؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} الآية، وقال تعالى: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ

وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} ثم قال تعالى: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. وقال تعالى في سورة النساء: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} قلت لسحنون فإن شتم ملكاً من الملائكة؟ قال: عليه القتل، وإن قال: إن جبريل أخطأ استتيب فإن تاب وإلا قتل. قلت: فإن شتم أحداً من الصحابة أبي بكر أو عمر أو علي أو معاوية أو عمرو بن العاص؟

قال: أما إن قال: إنهم كانوا على ضلال أو كفر قتل، وإن شتمهم بغير هذا كما يشتم الناس رأيت أن ينكل نكالاً شديداً. قلت: فمن لزم رجلاً بدين فأغضبه فقال له الغريم: صل على محمد، فيقول صاحب الدين وقد غضب: لا صلى الله على من يصلي عليه، هل ترى عليه قتلاً؟ قال: لا إذا كان على ما وصفت من الغضب؛ لأنه لم يكن مضمراً على الشتم وإنما لفظ بهذا على وجه الغضب. ابن القاسم وسئل مالك عمن نادى رجلاً باسمه فقال له: لبيك اللهم لبيك أعليه شيء؟ قال: إن كان جاهلاً أو على وجه السفه فلا شيء عليه.

[الباب الخامس] جامع القول في أهل الأهواء ومجانبتهم وترك جدالهم والقول في القدر والاستواء على العرش والأسماء والصفات

[الباب الخامس] جامع القول في أهل الأهواء ومجانبتهم وترك جدالهم والقول في القدر والاستواء على العرش والأسماء والصفات قال أشهب سئل مالك عن القدرية فقال: قوم سوء لا تجالسوهم ولا تصلوا وراءهم وإن جامعوكم في مصر فأخرجوهم منه. قال سحنون: وكان ابن غانم يكره مجالستهم، ويقول: أرأيت لو أن أحداً قعد إلى سارق وفي كمه بضاعة أما كان يحترز منه خوفاً أن يغتاله فيها فدينك أولى بأن تحترز به منه. قال مالك: قال عمر بن عبد العزيز: "من جعل دينه عرضاً

للخصومات أكثر التنقل". قال مالك: أراه يعني أصحاب الأهواء. قال مالك: كان هاهنا رجل يقول: ما بقي دين إلا وقد دخلت فيه، يعني من فرق الإسلام، قال: ولم أر شيئاً مستقيماً، فقال له رجل: أنا أخبرك ما شأنك لم تعرف المستقيم، أنت رجل سوء لا تتقي الله عز وجل، يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}. قال سحنون عن قول مالك في أهل البدع والإباضية والقدرية وجميع أهل الأهواء: أنه لا يصلى عليهم، فقال: لا أرى ذلك، وأرى أن يصلى عليهم ولا يتركوا بغير صلاة لذنب ركبوه، ومن قال: لا أصلي عليهم فقد كفرهم بذنوبهم، وقد جاء الحديث أن الرسول عليه السلام قال (لا تكفروهم بذنبٍ)، وإنما قال مالك: لا يصلي على موتاهم تأديباً

لهم، ونحن نقول ذلك على وجه التأديب، فأما إن بقوا ولم يوجد من يصلي عليهم فلا يتركون بغير صلاة وليصلى عليهم. قيل له: فما تقول في إعادة الصلاة خلف أهل البدع؟ قال: لا يعيد من صلى خلفهم في وقت ولا بعده، وكذلك يقول جميع أصحاب مالك وأشهب والمغيرة وابن كنانة، قال: وإنما يعيد من صلى خلف نصراني وهذا مسلم وليس دينه مما يخرجه من الإسلام فكما تجوز صلاته لنفسه كذلك تجوز لمن خلفه، والنصراني لا تجوز صلاته لنفسه فكذلك لا تجوز لمن خلفه، وقد أنزله من يقول تعاد الصلاة خلفه أبداً بمنزلة النصراني، وركب فيه قياس قول الحرورية والاباضية الذين يكفرون جميع المسلمين بالذنوب من

القول. قيل له: فأهل البدع يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا كما قال مالك؟. قال: أما ما كان بين أظهرنا وفي جماعة أهل السنة فإنه لا يقتل والشأن فيه أن يضرب مرة بعد أخرى ويحبس وينهى الناس أن يجالسوه أو يسلموا عليه تأديباً له ولا يبلغ به القتل، ألا ترى "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب صبيغاً بجريد النخل حتى إذا كاد أن يبرأ الجراح ضربه وحبسه ثم إذا كاد أن يبرأ ضربه، فقال صبيغ: يا أمير المؤمنين إن كنت تريد دوائي فقد بلغت مني الدواء، وإن كنت تريد قتلي فأجهز،

فخلى عمر عنه ونهى الناس أن يجالسوه"، فيفعل بمن كان بين أظهر المسلمين كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصبيغ. وأما من كان من أهل البدع قد بان عن الجماعة ودعوا إلى ما هم عليه ومنعوا فريضة من الفرائض؛ كان على الإمام أن يدعوهم إلى السنة وإلى مراجعة الجماعة، فإن أبوا ونصبوا الحرب قاتلهم واستتابهم فإن تابوا وإلا قتلهم كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين قال: "لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه"، فجاهدهم وأمر بجهادهم، وقتلهم على تلك

البدعة فهذا يبين لك جميع ما سألت عنه، فقد مضت السنة من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وعمر الفاروق رضي الله عنه في من بان أو لم يبن. وأخبرني ابن وهب عن محمد بن عمرو عن ابن جريج عن عبد

الكريم: أن الحرورية خرجوا فنازعوا علياً رضي الله عنه وفارقوه وشهدوا عليه بالشرك فلم يهجهم حتى خرجوا إلى حروراء، فأخبر علي أنهم يتجهزون من الكوفة، فقال: "دعوهم حتى يخرجوا" فنزلوا بالنهروان فمكثوا شهراً، فقيل: اغزهم الآن، فقال: "لا، حتى

يهريقوا الدماء ويقطعوا السبيل ويخيفوا الآمن" فلم يهجهم حتى قتلوا فغزاهم فقتلهم. قيل له: فهؤلاء الذين قتلهم الإمام من أهل الأهواء لما مالوا عن الجماعة هل يصلى على قتلاهم؟. قال: نعم، وهم مسلمون، وليس بذنوبهم التي استوجبوا القتل بها تترك الصلاة عليهم، ألا ترى أن الزاني المحصن قد وجب عليه القتل بذنبه، والمحارب والقاتل عمداً قد استوجبوا القتل، فإن قتلوا لم تترك الصلاة عليهم، وليس ذنوبهم التي ركبوها واستوجبوا بها القتل تخرجهم من الإسلام فكذلك أهل البدع. [13 - فصل في القول في القدر والاستواء على العرش والأسماء والصفات] من سماع ابن القاسم قال: وسمعت مالكاً يقول لرجل: سألتني أمس عن القدر، فقال له الرجل: نعم، فقال: يقول الله تبارك وتعالى في كتابه

العزيز: {وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}، حقت كلمته ليملأن جهنم فلابد مما قال. قال سحنون أخبرني بعض أصحاب مالك أنه كان عند مالك جالساً فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله مسألة، فسكت عنه، ثم قال مسألة، فسكت عنه، ثم أعاد عليه، فرفع فيه رأسه كالمجيب له، فقال له السائل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف كان استواؤه؟، قال: فطأطأ مالك رأسه ساعة ثم رفعه فقال: سألت عن غير مجهول، وتكلمت في غير معقول، ولا أراك إلا امرئ سوء، أخرجوه. قال أصبغ عن ابن القاسم: من قال: إن الله تعالى لم يكلم موسى استتيب فإن تاب وإلا قتل، وأراه من الحق والواجب الذي أدين الله سبحانه عليه.

قال ابن القاسم: ولا ينبغي لأحد أن يصف الله عز وجل إلا بما وصف به نفسه في القرآن، ولا يشبه يديه بشيء، ولكن يقول: له يدان كما وصف به نفسه، وله وجه كما وصف به نفسه، يقف عند ما وصف به نفسه في الكتاب، فإنه تبارك وتعالى لا مثل له ولا شبيه ولا نظير ولا يدر أحد هذه الأحاديث أن الله خلق آدم على صورته أو نحوها من الأحاديث ولكن هو الله الذي لا إله إلا هو كما قال جلت قدرته: {يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}، {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} سبحانه وتعالى هو كما وصف نفسه فلا يشبه بشيء فإنه تعالى لا شبيه له.

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله كتاب الرجم والزنى

كتاب الرجم والزنى

[الباب الأول] في تحريم الزنى وفرض الحد فيه ورجوع المقربه [1 - فصل: دليل تحريم الزنى] قال الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}. وعم تحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن. وقال تعالى: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}. وقال عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} إلى قوله: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}. وقال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}.

[2 - فصل: في ثبوت الحد بالإقرار ورجوع المقر] ورجم الرسول عليه السلام الزاني الثيب بإقراره، وقال فيه لما هرب حين أخذته الحجارة (فهلا تركتموه)، ورأى أن ذلك رجوع منه، فدل بذلك أنه يقبل رجوعه ما لم يحد. ولا خلاف بين مالك وأصحابه أنه يقبل رجوعه إذا ذكر لإقراره وجهاً يعذر به. واختلفوا إذا لم يذكر له وجهاً إلا على وجه التوبة: فروى ابن القاسم عن مالك: أنه لا يقبل رجوعه إلا أن يأتي بوجه. وأخذ بهذا أشهب وعبد الملك، وأباه ابن القاسم وابن وهب وقالا: يقبل رجوعه وإن لم يأت بعذر. ورواه ابن وهب عن مالك ما لم يكن لأحدٍ فيه تباعة. قال ابن القاسم: وكذلك كل حد هو لله تعالى بخلاف ما للناس، واحتج ابن القاسم بحديث ماعز حين هرب لما أخذته الحجارة فضربه رجل فقتله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فهلا تركتموه)، ورأى أن ذلك منه رجوع. قال محمد: وبه آخذ أن رجوعه جائز وإن لم يكن له عذر، وإن

كان إظهار عذره أفضل. م: ولا يقبل الإنكار مع البينة. [3 - فصل: الرجم هو حد الثيب والثيبة ودليل ثبوته] ومن كتاب ابن المواز وغيره: والرجم فرض من الله سبحانه على كل ثيب وثيبة، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "الرجم في كتاب الله تعالى حق". قال بعض البغداديين: قال الله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ}، هي ذات الزوج المحصنة، ولم يذكر ما ذلك العذاب، فبين الرسول عليه السلام أن الرجم في الثيب. م: وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "وإياكم أن تهلكوا عن هذه الآية أن يقول قائلٌ: لا نجد حدين في كتاب الله عز وجل فقد قرأناها". (وحكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وجد في

التوراة قبل الفرقان). [4 - فصل: في عقوبة الزنى في أول الإسلام، ونسخها، وبيان ما استقر عليه الأمر بعد ذلك] وقد أنزل الله تعالى في كتابه في الثيب والبكر غير الرجم والجلد ثم نسخ ذلك بالرجم والجلد وذلك قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَاتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ}

الآية، فكان هذا حد الثيبة أن تحبس أبداً حتى تموت، أو يجعل الله لهن سبيلاً. يريد: أو ينزل عز وجل فيهن غير ذلك، فأنزل الله بعد ذلك الرجم فهو السبيل. قال ابن حبيب: قال الثوري: قال الرسول صلى الله عليه

وسلم: (قد جعل الله لهن سبيلاً)، والسبيل الرجم. قال فيه وفي كتاب محمد ثم قال في البكرين: {وَاللَّذَانِ يَاتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا}، يريد والله أعلم: يفضحون بذلك ويعيرون ويردد عليهم ذلك ويؤذون به ويشتهرون حتى يتوبوا ويصلحوا فيعرض حينئذ عنهما. ثم أنزل عز وجل ما نسخ ذلك، فقال عز وجل: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَاخُذْكُمْ بِهِمَا رَافَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} الآية، فأخبر أن هذا دين الله تعالى وحكمه. (وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم الثيب والثيبة، وجلد البكر مئة ونفاه).

قال محمد: أخبرنا أصحاب مالك أن مالكاً أخبرهم عن ابن شهاب أنه أخبره عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وعن زيد بن خالد الجهني (أن رجلين أتيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يختصمان، فقال أحدهما: يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر وكان أفقههما: أجل فاقض بيننا بكتاب الله يا رسول الله وأذن لي أن أتكلم، إن ابني كان عسيفاً على هذا، وأنه زنى بامرأته، فقال: إن على ابني الرجم، فافتديت منه بمئة شاةٍ، ثم سألت أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مئةٍ وتغريب عامٍ، وإنما الرجم على امرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله عز وجل؛ أما غنمك وجاريتك فردٌ عليك)، وجلد ابنه مئةً، وغربه عاماً، وأمر أنيساً الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها، فاعترفت

فرجمها. م: وفي هذا الحديث من الفقه: نقض الصلح الحرام، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أما غنمك وجاريتك فردٌ عليك). وفيه: تغريب البكر الزاني عاماً. وفيه: أن من أقر على نفسه بالزنى مرة واحدة وكان محصناً رجم، بخلاف من قال: لا يحد حتى يقر أربع مرات، كما لا يحد إلا بشهادة أربعة، وكما في ظاهر حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الذي أقر بالزنى وإنما أعرض النبي عليه السلام عن هذا المقر بعد إقراره من أجل ما وقع في نفسه

أنه مجنون، ولذلك سأل عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أبصاحبكم من جنةٍ) فلما أخبر أنه عاقل وإنما أقر تائباً من ذنبه أمر به فرجم. وقال الرسول عليه السلام في اليهودي واليهودية: (إني أقضي بينكما بما في التوراة فأمر بهما فرجما). وقال: (اللهم إني أشهدك أني أول من أحيا أمرك وأماتوه) ثم أمر بهما فرجما.

[الباب الثاني] جامع ما يجب فيه حد الزنى من شهادة أو إقرار أو حمل واختلاف البينة ورجوعها

[الباب الثاني] جامع ما يجب فيه حد الزنى من شهادة أو إقرار أو حمل واختلاف البينة ورجوعها [5 - فصل: الأدلة على حد الزنى] قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. (وحد الرسول عليه السلام الزاني والزانية بإقرارهما).

الأبهري: وقد روى مالكٌ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "الرجم في كتاب الله حقٌ على من زنى إذا كانت البينة أو الحمل أو لاعتراف"، فأجرى الحمل إذا لم يعلم أنه من نكاح أو ملك مجرى البينة والاعتراف. ونحوه عن عثمان وعلي وابن عباس رضي الله عنهم، ولا مخالف لهم في الصحابة، وقد خالف في الحمل أبو حنيفة والشافعي وهذا خلاف أصلهما؛ لأن القول إذا انتشر في الصحابة ولم

يعلم له خلاف كان إجماعاً عندهما. [6 - فصل: البينة التي يثبت بها حد الزنى] قال في كتاب ابن المواز: ولا يجب رجم ولا جلد إلا بأحد هذه الثلاثة أوجه: إما بإقرار لا رجوع بعده إلى قيام الحد، أو يظهر الحمل بحرة غير طارئة ولا يعرف لها نكاح، أو بأمة لا يعرف لها زوج، وسيدها منكر لوطئها، أو يشهد أربعة رجال عدول كما أمر الله عز وجل وبعد أن يصفوا

حقيقة ذلك على معاينة الفرج في الفرج كالمرود في المكحلة بصفة واحدة وموضع واحد ووقت واحد وإلا لم تتم الشهادة. [7 - فصل: اختلاف الشهود في غير الرؤية] قال محمد: وإن قال بعضهم: ليلاً وقال بعضهم: نهاراً، وقال بعضهم: كان وطؤه إياها متكئة، وقال بعضهم: مستلقية، وقال بعضهم: في غرفة، وقال بعضهم: في سفل، واختلفوا في الأيام والساعات بطلت شهادتهم، وحدوا حد القذف، بخلاف الإقرار يشهدون به عليه في وقتين. وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون: في الشهود يتفقون على صفة الزنا والرؤية ويختلفون في الأيام والمواطن، فهذا لا يبطل الشهادة، وانظر فإذا اختلفوا فيما ليس على الإمام أن يسألهم عنه، وتتم الشهادة مع

السكوت عنه، فلا يضرهم اختلافهم فيه مع ذكرهم له. قال ابن المواز: وإن وصفوا كلهم وصفاً واحداً ولم يقولوا: كالمرود في المكحلة، فالنكال على المشهود عليه، وذلك إن لم يكن في شهادتهم أنه زنى، ولا ذكروا زنى، وإنما يشهدون على ما وصفوا. [8 - فصل: في سؤال الشهود، ودرء الحد] قال فيه وفي المدونة معناه: وينبغي للقاضي أن يسأل الشهود عن صفة شهادتهم، كيف رأوه؟ وكيف صنع؟، فإن رأى في شهادتهم ما يدرأ به الحد درأه؛ "كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالذين شهدوا على المغيرة"، وقد (سأل النبي صلى الله عليه وسلم المعترف بالزنى:

كيف صنع؟)، إذ قد يكون ممن يجهل وجه الزنى فيرتفع عنه الحد، وكذلك البينة. م: وهذه رحمة من الله تعالى، وكذلك بالتأكيد في الشهادة كالمرود في المكحلة، ودراءة الحد بالشبهة، هذا كله رفقاً من الله تعالى بعباده وستراً عليهم، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فهلا سترته بردائك)، وقوله عليه السلام: (من أتى شيئاً من هذه القاذروات

فليستتر عنا بستر الله عز وجل). قال بعض البغداديين: وليس بواجب على البينة إذا رأوا رجلاً يزني أن يوقعوا شهادتهم عليه، ويسعهم الستر عليه، ويدل على ذلك قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}، وهم لا يأتون إلا بمن تقدمت رؤيته، فلو كان لم يسعهم السكوت عنه لكان تركهم الشهادة عليه حتى يدعوا إليها تجريحاً لهم، ويدل عليه أيضاً أمره صلى الله عليه وسلم: من أتى شيئاً من ذلك بالستر على نفسه. قال ابن المواز: فإن غاب الشهود الأربعة قبل أن يكشفهم الإمام عن

صفة شهادتهم غيبة بعيدة أو ماتوا قال: إذاً لا تنفذ شهادتهم، ويقام الحد على من شهدوا عليه بالزنا، وكذلك بالسرقة، فأما إن أمكن الإمام مسألتهم أو مسألة أحد منهم لم ينفذ الحد أبداً حتى يسأله؛ فإن وجد في شهادة من قدر عليه منهم ما لا يوجب الحد على المشهود عليه سقطت شهادة جميعهم، ووجب عليهم حد الفرية، وإن كان ذلك في سرقة لم يعاقبوا. [9 - فصل: في رجوع بعض الشهود عن شهادتهم] قال: وإن كان الشهود أكثر من أربعة فغاب منهم أربعة بعد أن شهدوا لم يسأل من حضر، ولم يكشف، وكان الحد ثابتاً؛ لأن من حضر لو رجع عن شهادته لكان الحد ثابتاً بمن غاب، وكذلك لو كانوا حضروا كلهم ورجع بعضهم وبقي أربعة لم يسقط الحد، ولو كان بعد إقامة الحد لم يكن على من رجع غرم. قال ابن القاسم: وإذا بقي بعد الراجعين أربعة عدول لم يختلفوا أقيم

على الثيب الرجم، وعلى البكر الجلد، وحد الراجعون حد الفرية؛ لأنهم عند أنفسهم وغيرهم ممن ثبت على شهادته قاذفون لمن لم يزن، وكاذبون عليه، وقاله أشهب. قال ابن المواز: وقد سمعت عن ابن القاسم وأشهب فيه اختلافاً، وأحب إلي ألا يكون على الخامس حد ولا غرم؛ لأن الحد قد أثبته أربعة شهود، وكذلك لو قذف رجلاً فحبس ليجلد فأخذ المقذوف في زنى غير ما رمي به، ولكن إن رجع بعد ذلك من الأربعة واحد لزمه غرم ربع الدية ثم شركة في الغرم من رجع قبله وإن كثروا يتساووا في كل ذلك على قدر عددهم ويحدوا، وقاله ابن القاسم وأشهب، ثم إن رجع آخر كان على كل من رجع نصف الدية مع الحد، وكذلك إن رجع الثالث كان على كل من رجع ثلاثة أرباع الدية، وكذلك إن رجع الباقي تمت الدية على جماعتهم مع الحد؛ لأنهم مقرون أنهم قاذفون لمن هم عليه كاذبون وكل من قذفه من غيرهم فلا حد عليه؛ لأن الحد قد كان وجب على المشهود عليه وليس بساقط عنه برجوع هؤلاء.

الباب [الثالث] في كشف الزاني عن حاله، وما يوجب الإحصان، واختلاف الزوجين بعد الزنى في الوطء، وفيمن وجد مع امرأته رجلا

الباب [الثالث] في كشف الزاني عن حاله، وما يوجب الإحصان، واختلاف الزوجين بعد الزنى في الوطء، وفيمن وجد مع امرأته رجلاً [10 - فصل: في كشف الزاني عن حاله من حيث الإحصان وعدمه] وقد سأل الرسول صلى الله عليه وسلم المعترف بالزنى (أبكرٌ أنت أم ثيبٌ)؟، وحد البكر، ورجم الثيب. قال مالك: وإذا عدلت البينة على رجل بالزنى والقاضي لا يعرف أبكر هو أم ثيب، فينبغي أن يقبل قوله أنه بكر ويجلده مئة؛ لهذا الحديث؛ إلا أن يشهد عليه شاهدان بالإحصان فيرجم. ولا يجوز في الإحصان شهادة النساء وحدهن، ولا مع رجل، ولا في النكاح، ولا تجوز إلا حيث أجازها الله تعالى فيه في الدين، وما

لا يطلع عليه إلا النساء؛ للضرورة إلى ذلك. قال ابن المواز: وقيل: لا يسأله حتى يكشف عنه، فإن وجد من ذلك علماً، وإلا سأله وقبل قوله بلا يمين، وهو أحب إلينا. [11 - فصل: في عدم جمع الجلد والرجم على الثيب] ومن المدونة قال مالك: ولا يجمع الجلد والرجم في الزنى على الثيب، والثيب حده الرجم بغير جلد، والبكر حده الجلد بغير رجم، بذلك مضت السنة، وقد قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} إلى قوله: {طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}. وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ذلك في البكر، وقد ثبت الرجم على الثيب بدليل الكتاب والسنة. قال الأبهري: وإجماع الصحابة عليه، "رجم عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم" ولا أعلم في ذلك خلافاً في الصدر الأول، والفقهاء

الذين يعتمد عليهم في الأحكام. [12 - فصل: فيما يوجب الإحصان والرجم] قال مالك في المدونة: وإنما الرجم على من أحصن بنكاح يصح عقده، ويصح الوطء فيه. وقد ذكرنا مسائل الإحصان في كتاب النكاح. قال الأبهري: ولا يجب الرجم على الإنسان إلا باجتماع شرائط وهي: البلوغ، والحرية، والإسلام، والتزويج بنكاح صحيح، والدخول فيه بوطء مباح، وأن يكون الإنسان عاقلاً مميزاً. فمتى انخرم واحد من هذه الأوصاف لم يجب الرجم؛ لا خلاف في هذه الجملة بين أهل العلم إلا في الوطء، فإن من أهل العلم من يقول: إذا وطء زوجته في حال منهي عنها كالحيض والإحرام أن ذلك يحصنها إذا صح عقده في النكاح.

ومالك يقول: لا يحصنها ذلك؛ لأن الوطء وقع على وجه فاسد ممنوع، كالعقد إذا وقع على وجه فاسد أنه لا يحصن. م: وهذا وجه قول مالك. ووجه قول غيره: أنه حر مسلم بالغ صحيح العقل وطأ زوجته في عقد نكاح صحيح وطأ تعفف به فوجب أن يكون محصناً. [13 - فصل: في اختلاف الزوجين بعد الزنى في الوطء] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن تزوج امرأة وتقادم مكثه معها بعد الدخول بها فشهد عليه بالزنى، فقال: ما جامعتها منذ دخلت عليها، فإن لم يعلم وطؤه بولد يظهر أو بإقرار بالوطء لم يرجم، لدراءة الحخد بالشبهة، وإن علم منه إقرار بالوطء قبل ذلك رجم. وقد قال في كتاب النكاح: إذا قامت امرأة مع زوجها عشرين سنة ثم زنت، ثم قالت: لم يكن الزوج جامعني، والزوج مقر بجماعها فهي محصنة. فنحا يحيى بن عمر أن ذلك منه اختلاف قول، وليس الأمر كما توهم. م والفرق بينهما: أن مسألة هذا الكتاب لم تدع الزوجة أنه وطئها،

وفي مسألة النكاح الزوج مقر بجماعها، وقد قال ابن المواز: إذا اختلفا في الوطء بعد أن وقع الزنى؛ لم يقبل قول الزاني منهما ورجم وإن لم يكن ابتنى بها إلا ليلة أو أقل، وأما إن اختلفا قبل الزنا فلا يكون المقر منهما محصناً ولو كان قد أقام معها الدهر الطويل، وهذا قول ابن القاسم وعبد الملك. م: فهذا يبين فرق ما بينهما. وإنما فرق بين الإقرار قبل الزنى وبعده؛ لأن الزوجة تقول: قبل الزنى إنما أقررت لأخذ جميع الصداق، والزوج يقول: إنما أقررت لتكون لي الرجعة لو

[صفحة ساقطة] من أصل الطباعة

[14 - فصل: فيمن وجد مع امرأته رجلاً] ومن كتاب محمد قلت: فما تفسير حديث علي رضي الله عنه في الذي وجد مع امرأته رجلاً فقتله: "إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته"؛ أذلك في البكر وفي الثيب؟ قال: قال مالك: لم أسمع فيه شيئاً. وقال ابن القاسم: وذلك عندي سواء في البكر والثيب أنه إذا أقام أربعة شهداء يشهدون أنهم رأوه معها يطؤها، لم يقتص منه لواحد منهما ويترك، ولكن إن كان بكراً فدية الخطأ على عاقلته، وإن لم يأت بأربعة شهداء قتل القاتل بكراً كان المقتول أو ثيباً.

م وإلى هذا رجع ابن كنانة: أن في البكر دية الخطأ، وثبت المخزومي فقال: لا شيء على القاتل إذا أتى بأربعة شهداء كان المقتول بكراً أو ثيباً. محمد: وقاله ابن عبد الحكم إذا كان قد أكثر فيه الشكية قبل ذلك. قلت: فمن وجد مع امرأته رجلاً في بيت بشهادة رجلين؟. قال: يجلد الرجل والمرأة نكالاً على قدر ما يراه الإمام من شنعة ذلك، وربما كان النكال للمرأة أكثر من الرجل، "وقد جلد فيه علي رضي الله عنه مئة، وجلد عمر رضي الله عنه دون المئة".

[الباب الرابع] جامع القول في النفي

[الباب الرابع] جامع القول في النفي [15 - فصل: من ينفى ومن لا ينفى] وقامت السنة من النبي صلى الله عليه وسلم بنفي البكر الحر بعد الجلد، ولم يأت ذلك في النساء والعبيد، وقد (نهى الرسول عليه السلام أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم منها)،وقال في الأمة: (إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفيرٍ)، فردد ذكر الجلد بعد ذكر نفي والنفي لا نصف له كما للحد. قال مالك: ولا نفي على النساء والعبيد ولا تغريب، ولا ينفى إلا الرجل الحر في الزنى أو في الحرابة. [16 - فصل: مواضع النفي ومدته] وقد "نفى عمر بن عبد العزيز محارباً أخذ بمصر إلى شغب". قال مالك: وكان ينفى عندنا إلى فدك وخيبر، قال: ويسجنان جميعاً في الموضع الذي ينفيان إليه، يسجن الزاني سنة. محمد عن

ابن القاسم: من يوم يصير في السجن، والمحارب أبداً حتى تعرف توبته ونزوعه ويخلى سبيله. محمد: وليس لحبسه وقت كما ليس لضربه وقت، وتكون النفقة في حملهما وحبسهما وكرائهما على أنفسهما من أموالهما، فإن لم يكن لهما شيء ففي مال المسلمين، وقاله كله أصبغ. قال مالك: وسمعت (أن الرسول صلى الله عليه وسلم نفى المخنثين)، ولا أرى نفيهم إلا حسناً. م: وإنما ينفى المخنثون إلى الموضع القريب ولا يحبسون ويخلون اليوم بعد الأيام للمسألة والمعاش. قال ابن حبيب: (كان في عهد النبي عليه السلام مخنثان فنفاهما

إلى عير جبل بالمدينة). قلت لمحمد: فقاتل العمد الذي يجب عليه ضرب مائة وحبس عام؟ قال: يحبس في موضعه ولا نفي عليه ولا على القاذف، ولا على أحد غير من سميت ذلك، وإنما ينفى الرجال الأحرار وأما العبيد والنساء الأحرار والإماء فلا نفي عليهم؛ لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (ألا تسافر المرأة إلا ومعها ذو محرمٍ منها)، والضيعة تصيبها. وأما العبد فذلك ضرر على سيده.

قال غيره: وإنما ينفى ذو القرار ولا قرار للعبيد. [17 - فصل: في ذكر آثار عن الخليفتين في النفي] قيل لمحمد: فقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه "أنه جلد امرأة في الزنى وغربها إلى البصرة". قال: فقد "جلد أبو بكر الصديق رضي الله عنه المرأة والرجل البكرين في الزنى، وغرب الرجل" ولم يغرب المرأة فيما بلغنا. وروى ابن وهب عن نافع عن عبد الله بن عمر: "أن رجلاً أتى إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فأخبره عن أخته بعض الخبر، فأعرض عنه أبو بكرٍ وكره ما قال، ثم قال: أدع لي عمر، فدعاه له، فقال: انظر ما يقول هذا؟، فقال له عمر رضي الله عنه: قم لا أقام الله رجليك، فسأله؟ فأخبره: أن أخته أحدثت برجلٍ كان يدخل عليهم، ويضيف بهم، فقال له عمر: ما اتقيت الله ولا حل لك هذا، وما كان لك أن تكشف

ستراً ستره الله عز وجل، قال: فدعي الرجل فسئل فاعترف، فجلده أبو بكر رضي الله عنه ونفاه، وجلد المرأة ولا أعلم أنه نفاها، قال: ثم تزوجها الرجل فرأيت لهما أولاداً. قلت لمحمد: فما يرد به ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما كنت حدثتنا به عن أصحاب مالك: أنهم أخبروك عن مالك عن نافع "أن عبداً كان يقوم على رقيق الخمس وأنه استكره جاريةً من ذلك الرقيق فوقع بها فجلده عمر ونفاه ولم يجلد الوليدة؛ لأنه استكرهها؟ " قال: قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر رضي الله عنه ما يدل على خلافه، أخبرنا أصحاب مالك عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة، وعن زيد بن

خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ فقال: (إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها ثم قال في الثالثة أو الرابعة: ثم بيعوها ولو بضفيرٍ)، والضفير: الحبل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن زنت فاجلدوها). قال ذلك مراراً وأسقط النفي ولم يذكره في ذلك كله. وحديث لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أخبرنا أصحاب مالك عنه عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسارٍ أن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال: "أمرني عمر بن الخطاب رضي الله عنه بجلد ولائد من ولائد الأمارة خمسين خمسين في الزنا". قال مالك: ولم أسمع في ذلك بنفي، وعليه أدركت أهل العلم ببلدنا ألا نفي على العبيد إذا زنوا، وذلك أحب ما سمعت إلي. قال غيره: إنما نفى عمر هذا العبد؛ لأنه لم يكن عبداً لرجل بعينه فيقع

بنفيه الضرر على سيده، وإنما كان موقوفاً لخدمة المسلمين مع غيره من العبيد فلذلك نفاه، وولائد الأمارة خدم قد رتبهن عمر يضعن الطعام لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم يطعمهم إياه. قال: وحديث عبد الله بن عياش: "أمرنا عمر بن الخطاب في فتية من قريشٍ فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين في الزنا". قال عيسى بن دينار: هم الذين جلدوهم وكانوا مع ذلك طائفة، لقوله عز وجل: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}. [18 - فصل: الدليل على عدم نفي النساء] قال مالك: ولا أرى على النساء تغريباً للحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا ومعها دو محرمٍ منها)، والضيعة تصيبها. قال غيره: ولو كلف وليها السفر معها لكان في ذلك المشقة على الولي؛ ولأنها لو غربت وحدها كان ذلك سبباً لإتيانها الفاحشة.

الباب [الخامس] جامع مسائل من القذف

الباب [الخامس] جامع مسائل من القذف [19 - فصل: القيام بالقذف بعد موت المقذوف أو طول الزمان] قال ابن القاسم: ومن خاصم في قذف فمات قبل إيقاع البينة فلورثته القيام بذلك، ويحد لهم القاذف إن أتوا ببينة، وإن لم يقم المقذوف بقذفه حتى مضت سنة أو أقل أو أكثر، ولم يسمع منه عفو ثم مات فقام بذلك وارثه، فإن لم يمض من طول الزمان ما يعد به المقذوف تاركاً فلورثته القيام، فإن مضى من طول الزمان ما يرى أنه ترك فلا قيام لهم، فأما لو قام المقذوف نفسه بعد طول الزمان لحلف بالله ما كان تاركاً لذلك، ولا كان وقوفه إلا على أن يقوم بحقه إن بدى له بخلاف ورثته. [20 - فصل: قيام ورثة ولي الدم مقامه بعد موته] وقد سئل مالك: عن رجل قتل وله أم وعصبة فماتت الأم؟ فقال مالك: ورثتها مكانها إن أحبوا أن يقتلوا قتلوا، وأن لا عفو للعصبة دونهم، كما لو كانت الأم باقية.

[21 - فصل: من قذف محدوداً في زنى] قال مالك: ومن افترى على رجل مجلود في زنى، أو مرجوم في زنى، فلا حد عليه. قال: ومن قال لرجل: يا ابن الزانية، وقال: أردت جدة من جداته لأمه؛ فإن كانت جدته لأمه قد عرفت بذلك، حلف أنه ما أراد غيرها ولا حد عليه، وعليه العقوبة. قيل: فهل ينكل في قذفه هؤلاء الزانة؟ قال: إذا آذى مسلماً نكل.

الباب [السادس] فيمن رجع من البينة على زنى أو غيره، أو وجد مسخوطا، أو كان ممن لا تجوز شهادته في الزنى، أو شهد على مجبوب، وخطأ الإمام، وغيبة الشهود وعماهم قال ابن القاسم: وإذا شهد أربعة على رجل بالزنى فرجع أحدهم قبل إقامة الحد، أو وجد عبدا أو مسخوط

الباب [السادس] فيمن رجع من البينة على زنى أو غيره، أو وجد مسخوطاً، أو كان ممن لا تجوز شهادته في الزنى، أو شهد على مجبوب، وخطأ الإمام، وغيبة الشهود وعماهم قال ابن القاسم: وإذا شهد أربعة على رجل بالزنى فرجع أحدهم قبل إقامة الحد، أو وجد عبداً أو مسخوطاً أو من لا تجوز شهادته؛ فإنهم يحدون كلهم حد الفرية، ولا حد على المشهود عليه. م: لأنه لما سقط واحد منهم لم تتم شهادتهم، وصاروا قذفة، فوجب حدهم، كالذين شهدوا على المغيرة. وإن رجع شهود الزنى بعد الرجم حدوا حد الفرية، وكانت الدية في أموالهم. قيل لابن المواز: فإن قالوا: تعمدنا الشهادة عليه بالزور حتى قتل بها،

هل يقتلون؟ قال: لا قتل عليهم؛ لأنهم ليس هم القاتلون، ورواه أصبغ عن ابن القاسم، وقاله ابن عبد الحكم، وغيره. وكذلك إن قالوا: تعمدنا الشهادة عليه في قطع أو قصاص، لم يقتص منهم، وعليهم غرم دية اليد والنفس، وقاله أصبغ. م: وقال الأبهري: روى ابن وهب عن جرير بن حازم عن الحسن وإبراهيم "أنهم إذا قالوا: تعمدنا الزور ليقتل، قتلوا به جميعاً،

وإن قالوا: شبه علينا فلا قتل عليهم، وعليهم الدية في أموالهم". قال في المدونة: وإن رجع واحد بعد قيام الحد جلد الراجع وحده دون الثلاثة، وإن كان رجماً؛ غرم الراجع وحده ربع الدية. قال ابن القاسم: وإن علم بعد الرجم أو الحد أن أحدهم عبد، يريد: أو نصراني أو أعمى أو ولد زنى؛ حد الشهود أجمع، يحد النصراني والأحرار ثمانون والعبد أربعون، وإن وجد أحدهم مسخوطاً لم يحد واحد منهم؛ لأن شهادتهم قد تمت باجتهاد الإمام في عدالتهم، وقد يعدل المسخوط ويسخط العدل، ولم تتم في العبد وشبهه، ويصير ذلك من خطأ الإمام، وإن لم يعلم الشهود كانت الدية في الرجم على عاقلة الإمام، فإن علموا فذلك على الشهود في أموالهم ولا شيء على العبد في الوجهين، وما اخطأ به الإمام من حد هو لله عز وجل فبلغ ثلث الدية فأكثر فعلى عاقلته، وما كان دون الثلث ففي ماله

خاصة. ولا تجوز شهادة الأعمى في الزنى، ويحد. قال: وإذا حكم القاضي بشاهدين في مال ثم تبين أن أحدهما عبد، أو ممن لا تجوز شهادته، حلف الطالب مع شهادة الباقي، ونفذ الحكم، فإن نكل حلف المطلوب، واسترجع المال. وإن شهدا عليه بقطع يد رجل عمداً، فاقتص منه، ثم تبين أن أحدهما عبد، أو ممن لا تجوز شهادته، لم يكن على متولي القطع شيء، وهذا من خطأ الإمام. [22 - فصل: في شهادة أربعة على امرأة بالزنى أحدهم زوجها] قال ابن المواز: وإن شهد أربعة على امرأة بالزنى فلم ترجم حتى ظهر أن أحدهم زوجها، جلد الثلاثة، ولاعن الزوج، فإن لم يلتعن؛ جلد الحد معهم. الأبهري: إنما قال ذلك؛ لأنهم صاروا قذفة؛ لسقوط شهادة الزوج، وإنما سقطت شهادة الزوج؛ لأنه خصم لها في ذلك، ويلاعن؛ لأن به حاجة إلى رفع نسب ولد ليس منه. قال ابن القاسم: وإن لم يعلم بذلك حتى رجمت ثم علم به، قيل له لاعن، فإن التعن لم يحد، وإن نكل حد، ولم يكن على الثلاثة حد، لاعن

الزوج أو لم يلاعن، ويكون له الميراث منها، لاعن أو لم يلاعن. قال أصبغ: إلا أن يعلم أنه تعمد الزور ليقتلها، وهو يعلم أن شهادته لا تجوز، فلا يرث، ويكون عليه الحد، والقول قوله إن قال: لم أتعمد وشهدت بحق. م: وإنما لم يحد الثلاثة لاعن الزوج أو لم يلاعن؛ لأن الشهادة قد تمت ورجمت، وإنما الزوج كالمسخوط؛ لأنه خصم، وكما لو رجع واحد من الأربعة بعد الرجم أنه لا حد على الثلاثة. وقال ابن حبيب عن أصبغ: إن الزوج إن لاعن بعد الرجم سقط الحد عن الشهود، وإن لم يلتعن حد هو وهم. والأول أبين لما قدمنا، ولا يكون أسوأ حالاً من الراجع. محمد وقال ابن القاسم: ولا يكون على الزوج من ديتها شيء، ولا على الشهود، ولا على الإمام؛ لأن ذلك ليس بخطأ صراح، وهو مما يختلف فيه الحكم وليس كالخطأ بإجازة شهادة العبد والنصراني، وقاله أصبغ، وأعجبه ما خلا الميراث، فإنه توقف عنه، ورأى أن لا ميراث له؛ لأن فيه تهمة القتل العمد، وقد جاءت السنة: (ألا يرث من قتل عمداً من ديةٍ ولا

مالٍ). قال محمد: وأخبرت عن أشهب أنه قيل لمالك: أن ابن شهاب حدث "أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أتاه رجلٌ من البادية بثلاثة شهودٍ وهو رابعهم يشهدون أنهم وجدوا غلاماً مع امرأته يزني بها، فجلد عثمان الثلاثة، ولاعن بين الزوج وامرأته"، فقال مالك: هو الصواب والذي عليه رأيي. [23 - فصل: من قذف امرأة رماها زوجها بالزنى] قال محمد: وإن قذفها رجل بعد ما رماها به زوجها فليضرب قاذفها الحد، ولا ينتظر به أن يلاعن الزوج. قيل: فإن كان قذفه إياها بعد لعان الزوج وقبل لعانها؟. قال: قد اختلف فيه قول ابن القاسم وأشهب:

فقال أشهب: يحد قاذفها ولا ينتظر به التعانها. وقال ابن القاسم: بل أؤخره حتى تلتعن هي فأحده، أو تنكل فلا أحده، وكذلك لو ماتت قبل أن تنكل، وقبل تلتعن فلا حد على قاذفها بعد لعان الزوج؛ لأن لعان الزوج أربع شهادات. قال محمد: يجب عليها بذلك الرجم إن لم تدفع ذلك باللعان، قال: وكذلك لو قذفها قاذف بعد موتها ولم تكن التعنت لم يكن على قاذفها حد؛ لأن لعان الزوج أوجب ذلك عليها حين لم تخرج منه قبل موتها. [24 - فصل: في الشهادة بالزنى على مجبوب] قال في المدونة: وإذا شهد أربعة على رجل بالزنى فرجمه الإمام ثم أصابوه مجبوباً؛ لم يحد الشهود، إذ لا يحد من قال لمجبوب: يا زان، وعليهم الدية في

أموالهم، مع وجيع الأدب وطول السجن. محمد وقال أشهب: بل على عاقلة الإمام، وعليهم الأدب وطول السجن إلا أن يقولوا: رأينا يزني قبل جبابه، فتجوز شهادتهم؛ ولا حد عليهم على كل حال. [25 - فصل: في تزكية الشهود بعد غيبتهم وعماهم ونحوه] قال في المدونة: وإذا شهدت بينة على الحدود فماتوا، أو غابوا، أو جنوا، أو عموا، أو خرسوا، ثم زكوا بعد ذلك؛ فليقم الإمام الحد؛ إذا كان قد استقصى شهادتهم وكذلك الحقوق.

الباب [السابع] فيمن يتولى إقامة الحد، وما يصنع بالمحدود، وصفة الحد

الباب [السابع] فيمن يتولى إقامة الحد، وما يصنع بالمحدود، وصفة الحد [26 - فصل: من يتولى إقامة الحد] قال ابن القاسم: ولم يكن مالك يعرف أن البينة تبدأ في الرجم ثم الإمام ثم الناس، ولا أن الإقرار أو الحمل يبدأ الإمام ثم الناس. قال: وليأمر الإمام في ذلك كله كسائر الحدود. قال الأبهري: وإنما قال ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يباشر حد ماعز ولا غيره بنفسه، وإنما أمر بذلك غيره. قال محمد: وقد أقامت الأئمة الحدود في القذف، وقطعوا في السرقة، وجلدوا البكر في الزنا مائة، والمفتري ثمانين، ولم يعلم أن أحداً من الأئمة ولي شيئاً من ذلك بنفسه، ولا لزم ذلك أحد من الشهود خاصة، وإنما الرجم حد من الحدود يأمر به الإمام كما يأمر بغيره، فيرمي بالحجارة التي يرمي بمثلها، وأما بالصخور العظام فلا.

قال مالك: ولا يرفع عنه بالرمي حتى يأتي على نفسه، والمرأة في ذلك كالرجل. م وإنما قال ذلك؛ لأن الزاني المحصن قتله بالرجم، كذلك فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أجمعين بماعزٍ والغامدية رجا حتى ماتا. [27 - فصل فيما يصنع بالمحدود] ومن المدونة قال مالك: ولا يربط المرجوم، ولا يحفر له، وكذلك المرأة، وفي الحديث: (فرأيت الرجل يحني على المرأة)، فلو كان في حفرةٍ ما حني عليها. م: قوله: يحني: أي يتطأطأ عليها ليقيها من الحجارة. الأبهري: إنما قال لا يحفر للمرجوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالحفر لماعز بن مالكٍ: ألا ترى أنه قيل في الحديث: (فلما أذلقته الحجارة حضر)، ومعناه: عدا، فلو كان في الحفرة ما

قدر أن يعدو؛ ولأن الرجم يجب أن يكون على جملة البدن، فإذا حفر له غاب شيء من بدنه عن الرجم. [28 - فصل في كون جنازة المحدود كسائر المسلمين] ويغسل المرجوم، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن، ولا يصلى عليه الإمام. م: تأديبا لغيره. الأبهري: وإنما قال ذلك؛ لأنه كذلك فُعِلَ بماعز، غسل وصلى عليه؛ لأن حكمه حكم المسلمين في كل شيء، من المواريث وغيرها، وكذلك غسله والصلاة عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في ماعز: (لقد تاب توبة لو قسمت على أهل الأرض كفتهم)، أو هذا معناه. وقوله: والمرأة في ذلك كالرجل؛ لأنه لا فرق بين الرجل والمرة في هذا بين أهل العلم.

[29 - فصل في هيئة جلد الحد وتجريد الرجل] ومن المدونة قال مالك: ويضرب المحدود في الزنى، والقذف، والخمر، على ظهره ويجرد الرجل في الحدود، والنكال، ويكشف ظهره بغير ثوب، ويُقعد ولا يُقام ولا يمد. قال محمد: قال مالك: وتترك له يداه، ولا يمد في الحِبَالِ، وقد قال على بن أبي طالب رضي الله عنه للذي يجلد: "اضْرِبْ، وَيَدعُ لَهُ يَدَاهُ يَتَّقِي بِهِمَا".

وتُقعد المرأة، ولا تُجرَّد مما لا يقيها الضرب، وإن جعلت على ظهرها ما يقيها الضرب من لِبَدٍ ونحوه نُزِع، وبلغ مالكا أن بعض الأئمة أقعد امرأة للجلد في قُفَّةٍ فأعجبه ذلك. [30 - فصل في صفه الحد] قال: وصفة الجلد في الزنى، والشرب، والفرية، والتعزيز، واحد؛ ضربا بين الضربين، ليس بالمبرح ولا بالخفيف، ولم يجد مالكا ضم الضارب يده إلى جنبه، ولا يجزئ في الحدود بقضيب، ولا بشراك ولا دِرة، ولكن السوط، وإنما كانت دِرَةُ عمر للأدب، فإذا وقعت الحدود قرب السوط. [31 - فصل: أمر الإمام بإقامة الحد] وإذا دعاك إمام عادل عارف بالسنة؛ إلى قطع يد رجل أو رجله في سرقة،

أو إلى قطع أو قتل في حرابة، أو إلى رجم في زنى، وأنت لا تعلم صحة ما قضى به إلا قوله؛ فعليك طاعته، وأما الجائر فلا، إلا أن يعلم صحة ما أنفذ من الحد، وعدالة البينة، فعليك طاعته؛ لئلا تضيع الحدود، "وقد أقام علي بن أبى طالب رضي الله عنه حداً أمره بإقامته عمر بن الخطاب رضي الله عنه"، قال عبد الله بن عياش أمرنا عمر بن الخطاب في فتية من قريش نجلد ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين".

الباب [الثامن] في زنى الصغير، والمجنون، ومن زنى بنائمة، أو مجنونة، أو مغصوبة، أو ذمية، أو مرهونة، وهل يعذر بالجهالة؟، وكيف إن ادعى النكاح؟، ومن اشترى حرة فوطئها

الباب [الثامن] في زنى الصغير، والمجنون، ومن زنى بنائمة، أو مجنونة، أو مغصوبة، أو ذمية، أو مرهونة، وهل يعذر بالجهالة؟، وكيف إن ادعى النكاح؟، ومن اشترى حرة فوطئها [32 - فصل: حد البلوغ في الرجال والنساء والدليل عليه] قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى ينتبه). قال الأبهري: وحدُّ البلوغ في الرجال: الاحتلام أو الإنبات، وفي النساء الاحتلام أو الحيض أو الإنبات أو الحمل، وقاله مالك. [33 - فصل: في زنى الكبير بالصغيرة وزنى الكبيرة بالصغير] ومن المدونة قال مالك: ومن زنى بصغيرة يوطأ مثلها ولم حض فعليه الحد. م: لأنه ينال منها من اللذة ما ينال من الكبيرة، ولا حد على الصغيرة، لعدم

اللذة، ورفوع القلم عنها. قال ابن المواز: ولا صداق لها؛ لأنه إنما زنا بها برضاها، ولو لزمه في ذلك صداق لزمه في الأمة والبكر إذا طاوعتاه. قال مالك: وإن زنت امرأة بصبي مثله يجامع إلا أنه لم يحتلم فلا حد على واحد منهما؛ لعدم اللذة لجماعه وإنما ذكره كالإصبع. م: وإن كان الصبي مراهقا ممن يلتذ بوطئه وتنزل المرأة لجماعه فينبغي أن يكون عليها الحد؛ لأنها نالت منه ما تنال من الكبير، وكوطء الكبير للصغيرة، ولم أره لغيري. [34 - فصل: الزنى بالمجنون والمجنونة والنائمة] قال مالك: وإن زنت بمجنون فعليها الحد؛ لأنه بالغ تلتذ به كالعاقل، ولا حد عليه هو لرفع القلم عنه، وعدم الالتذاذ له. قال: ويحد قاذف المجنون. وإن زنى رجل عاقل بمجنونة؛ فعليه الحد، والصداق؛ لأنه نال منها ما ينال من العاقلة، ولا حد عليها لرفع القلم عنها، وعدم اللذة لها، وكذلك إن أتى نائمة فعليه الحد، والصَّداق، والعلة واحدة.

قال محمد: وهما كالمكرهة. [35 - فصل: فيمن أتى امرأة ميتة أو بهيمة أو مغتصبة] وأما من أتى ميتة فعليه الحد ولا صداق عليه. محمد: كما لو قطع لها عضو لم يلزمه أرش. ومن أتى بهيمة لم يحد، وعوقب، وقول [ابن] عمر رضي الله عنه "لو وجدت من أتى بهيمة لقتلته". فعلى وجه التغليظ. وكذلك إن غصب امرأة نفسها فعليه الحد والصداق، ولا شيء على المرأة؛ لأنها مكرهة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (حمل عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).

الأبهري: وإنما جعل عليه الحد والصداق؛ لأن الحد حق لله عز وجل،

والصداق حق لآدمي، فلا يسقط أحدهما الآخر، كالدية والكفارة في قتل الخطأ؛ لأن الكفارة حق لله عز وجل، والدية حق لآدمي، وكذلك قيمة الصيد إذا قتله محرم لرجل فعليه قيمته للرجل، وجزاؤه للمساكين، فكذلك الصداق والحد في المغتصبة. [36 فصل: في زنى المسلم بالذمية] قال مالك: وإن ونى مسلم بذمية حُدَّ وردت إلى أهل دينها، فإن شاءوا رجمها لم أمنعهم. الأبهري: إنما قال: يحد المسلم؛ لأن الله عز وجل حرَّم الزنى على المؤمنين، فا تبالي ما كانت المزني بها، وإنما لم تحد هي؛ لأن الحد تطهير للمسلمين، والكافر لا يطهره الحد. فإن قيل: فقد (رجم النبي صلى الله عليه وسلم يهوديين زنيا)؟. قيل له: إنما أقام النبي صلى الله عليه وسلم عليهما التوراة؛ لأنه قال: (ما حد الزاني المحصن فيكم)؟. فقالوا: الجلد، فكذبهم عبد الله بن سلام وقال: في التوراة

الرجم، فأقامه النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بما في التوراة. [37 - فصل: في وطء الأمة المرهونة ونحوها وادعاء الجهل] ومن المدونة: قال: ومن وطئ أمة بيده رهناً وقال: ظننت أنها تحل لي، حُدَّ ولا يعذر بذلك، وكذلك إن كانت بيده وديعة أو عارية أو بإجارة، وكذلك العحم إذا ادعوا الجهالة، ولم يأخذ مالك بالحديث الذي قال: "زنيت بمرعوش بدرهمين"، ورأى أن يقام الحد في هذا.

م: وأراه إنما ذلك في أول الإسلام وأما اليوم فقد علم الناس أن الزنى حرام، والمرهونة لا تحل؛ فلذلك لم يعذرهم مالك رحمة الله عليه. قال ابن حبيب: وذهب أصبغ إلى الأخذ بحديث مرعوش، وأن يدرأ الحد عن من جهل الزنى ممن يرى أنه يجهله، مثل السبي وغيرهم. [37 - فصل: فيمن وجد مع امرأة فادعت أنه زنى بها وادعى هو نكاحها] قال مالك: وإذا قالت امرأة: زنيت مع هذا الرجل، وقال الرجل: هي زوجتي وقد وطئتها، أو وجد في بيت فأقر لها بالوطء، وادعيا النكاح، فإن لم يأتيا ببينة حدا. م: لأن من سنة النكاح الإظهار والإعلان كما قال الني صلى الله عليه وسلم (أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالغِربال)، يعني

الدف، فإذا ادعيا ما لا يعرف ولم يسمع لم يقبل قولهما؛ لأنهما يريدان إسقاط حد قد وجب. محمد وقال أشهب في التي أقرت أنها زنت مع هذا الرجل، وقال هو: تزوجتها، وأقر بالوطء: أنه لا حد على الرجل؛ لأنه إنما قال: وطئتها بنكاح، وتحد هي؛ لأنها أقرت بالزنا لأنها تقذف، وقال: وهي بخلاف من أخذ من امرأة ثم ادعى نكاحها؛ لأنه قد أخذ فهو يدفع عن نفسه، فلا يصدق. وقال ابن القاسم: هما سواء يحدان. [38 - فصل فيمن اشترى حرة ووطئها] ومن المدونة: ومن اشترى حرة وهو يعلم أنها حرة فأقر أنه

وطئها حُدَّ، لأن الحر لا يصح فيه ملك يمين فقد وطأ من ليست له بزوجة ولا بملك يمين، فعليه الحد. قال ابن القاسم: ولا تحد هي إن أقرت له بالملك، يريد: وإن كانت تعلم أنها حرة؛ لأنه لا ينفعها دعواها الحرية، إذ لا بينة لها تقوم بهم. وقال الأبهري: تحد هي إذا علمت بأنها حرة؛ يريد: لأنه كان الواجب عليها أن تمنعه من نفسها، وتدعي الحرية فلعله يصدقها، ويكف عنها، وإن لم يصدقها وأكرهها على الوطء؛ فلا حد عليها بإجماع، والله عز وجل أعلم.

الباب [التاسع] بقية القول في الشهادة على الزنى، والشهادة على الشهادة، ومسائل من الشهادات

الباب [التاسع] بقية القول في الشهادة على الزنى، والشهادة على الشهادة، ومسائل من الشهادات وقد تقدم: أن وجه الشهادة في الزنى؛ أن يأتي الأربعة شهداء في وقت واحد، فيشهدون على وطء واحد، في موضع واحد، بصفة واحدة، بهذا تتم الشهادة. ويسألهم الإمام كيف رأوه؟، فإن وصف الثلاثة الزنا وقال الرابع: رأيته بين فخذيها، حد الثلاثة، وعوقب الرابع، و "كذلك فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الذين شهدوا على المغيرة". وقال في كتاب محمد: يحد الثلاثة، ولا شيء على الرابع. قال محمد: ولو شهد اثنان: أنه زنى بها؛ كالمرود في المكحلة، وشهد اثنان: على الخلوة والنفس العالي والملاصقة؛ فليحد الشاهدان على الرؤية، ويعاقب الرجل والمرأة بشهادة الذين شهدوا على الخلوة والنفس. قال أشهب: مئة جلدة ونحوها، ولا شيء على الشاهدين بخلاف شهادة الواحد على الخلوة.

قال محمد: ولو شهد اثنان: أنه زنى بها، وشهد اثنان: أنه غلبها على نفسها؛ حد الأربعة، ولا حد على الرجل والمرأة ولا أدب. م: والفرق بينهما وبين الأولى: أن الأربعة في هذه أثبتوا على الرجل الزنى، واختلفوا في صفته؛ فوجب حدهم، وفي الثانية: لم يقل إلا اثنان أنه زنى بها، وإنما شهدوا على الخلوة والملاصقة، فقبلت شهادتهم عليه، ووجب أدبه. [39 - فصل في قيام الشهود بالزاني وحضورهم حين الشهادة] قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: إذا شهد بالزنى أربعة جازت شهادتهم، وإن كانوا هم القائمين بذلك، وجاءوا مجتمعين أو مفترقين إذا كان افتراقهم قريبا بعضهم من بعض. وقال أصبغ عن ابن القاسم في العتبية: في أربعة شهدوا على رجل بالزنى، فتعلقوا به وأتوا به السلطان فشهدوا عليه، فلا تجوز شهادتهم عليه، وأراهم قذفة، وروى عنه خلافه. محمد: قال أشهب فيمن قذف رجلا بالزنى، وقال: أنا أقيم عليه أربعة، فأتي بواحد، وقال: هذا آخر في المسجد، وهذا آخر في القيسارية،

وآخر في السوق، فذكر أمكنة قريبة، وأتى بهم من ساعته؛ قال: كان ينبغي للإمام أن لا ينتظره، ويحده ومن شهد معه إذا لم تكن متواترة، فأما إذا تمت الشهادة قبل إسقاطها بجهالة من الإمام فهي جائزة. قال: وكذلك لو أتى بشاهدين اليوم أو بواحد، ولم يضرب حتى أتى بآخر بعد ذلك ثم بآخر حتى أتم أربعة متفرقين؛ فإنه تقبل شهادتهم؛ يحد المشهود عليه. قال محمد:- ونحوه في المدونة- وإن جاء رجل إلى الإمام على وجه الشهادة فقال: أشهد على فلان انه زنا فليحد، إلا أن يأتي بأربعة سواه، فإن ذكر أنهم حضور أو قريبة غيبتهم ترك، وتوثق منه، وكلف أن يبعث فيهم، وإن ادعا بينة بعيدة حد، ثم إن جاء بهم سقطت عنه جرحة الحد، وأقيم على المشهود عليه حد الزنى. [40 - فصل في الشهادة على الشهادة في الزنى] قال مالك: وتجوز الشهادة على الشهادة في الزنى، مثل أن يشهد أربعة على شهادة أربعة، او اثنان على شهادة اثنين، واثنان على شهادة اثنين

آخرين، فتتم الشهادة .. ولو شهد اثنان أو ثلاثة على شهادة أربعة؛ لم يجز ذلك، ويحدوا إلى أن يقيموا أربعة سواهم على شهادة أربعة أشهدوهم فلا يحدوا، ويحد الزاني أو يرجم. وكذلك لو شهد ثلاثة على شهادة ثلاثة، وواحد على شهادة واحد؛ لم تتم الشهادة ويحدوا إلى أن يشهد على الرابع اثنان. قال ابن القاسم: ولا تتم الشهادة حتى يكون الشهود عند الحاكم أربعة، ثم يؤخذ عدد الشهود على الرؤية أربعة، مثل أن يشهد اثنان على رؤية أنفسهما، واثنان على شهادة اثنين، أو يشهد واحد على رؤية نفسه، وثلاثة على شهادة ثلاثة، فتجوز الشهادة؛ لأنها تمت أربعة من كلا الفريقين، وأما لو شهد شاهد على رؤية نفسه، وشاهدان على شهادة ثلاثة على رؤية أنفسهم مع الرابع لم تجز الشهادة، ويحد الشاهد على رؤية نفسه، ولا شيء على الشاهدين إذا لم يكن في شهادتهما أنه زانٍ، وإنما شهدوا على شهادة غيرهم أن فلانا رأيناه يزني، وفلانا معنا، يعنون الذي شهد على رؤية نفسه، ويحد الثلاثة إذا قدموا إلا أن يتأخر ضرب الأول حتى يتقدم الثلاثة؛ فتجوز شهادتهم،

ويحد المشهود عليه. وقال ابن حبيب عن مطرف عن مالك: لا يجوز من الشهادة على الشهادة في الزنى إلا أن يشهد على كل واحد من الأربعة أربعة، ولا تجوز أربعة على أربعة، وإن كانوا كلهم قد سمعوا من الأربعة، إلّا ستة عشر شاهدا. قال: ولو حضر ثلاثة على رؤية أنفسهم وغاب الرابع أو مات فلا تقوم شهادته إلا بأربعة ينقلون عنه، وإن احتاج الإمام إلى تعديلهم فلا يقبل إلا أربعة يعدلون كل واحد. وقال ابن الماجشون، وابن القاسم، وجميع أصحاب مالك: تجوز شهادة أربعة على شهادة أربعة إذا كانوا كلهم سمعوا من الأربعة، فإن تفرقوا جاز اثنان على كل واحد معهم حتى يصيروا ثمانية، ويجوز في تعديلهم ما يجوز في تعديل غيرهم، اثنان على كل واحد، وأربعة عليهم أجمعين. م: وهذا كله خلاف المدونة. [41 - فصل فيمن قال لرجل: سمعت فلانا يشهد أنك زان] ومن قال لرجل: سمعت فلانا يشهد أنك زان، أو يقول لك

فلان: يا زاني؛ إلا أن يقيم بينة على قول فلان. قال ابن المواز: وقيل: إن كان ذلك منه في غير مشاتمة؛ لم يكن على الشاهد حد ولا يمين أنه لم يرد به القذف. محمد: وهذا أحب إلي؛ ألا يحد إلا أن يكون ذلك على وجه المشاتمة، وقد قال مالك على من افترى على رجل ولا شاهد عليه وطلب يمينه أنه لا يمين عليه. قيل: فإن أقام عليه شاهدا أنه زنَّاه؟ قال: فعلى المشهود عليه اليمين، فإن نكل سجن أبدا حتى يحلف، ورواه ابن القاسم عن مالك. قال ابن القاسم: فإن طال سجنه جداً رأيت أن يخلى سبيله، ولا أدب عيه. قال أصبغ: إلا أن يعرف بالمشازرة والفحش، وإلا فسجنه أدباً له يكفيه. [42 - فصل: فيمن سمع رجلاً يقذف غائباً، وفيمن سمع رجلين فطلب أحدهما شهادته، وفيمن نسي الشهادة] ومن المدونة: ومن سمع رجلا يقذف رجلا غائباً فليشهد له إن كان معه

غيره. م: خوف أن يقول له المشهود له ما شتمني أحد وإنما أنت عرَّضت بشتمي فيحده. قال مالك: وإن مرَّ برجلين يتكلمان في أمر فسمع منهما شيئا وبم يُشْهداه، ثم طلب أحدهما تلك الشهادة فلا يشهد له. قال ابن القاسم: وإذ قد يكون قبله أو بعده كلام لا تتم الشهادة أو تسقط إلا به، ولا يجيز القاضي شهادة مثل هذا إلا أن يستوعب كلاهما من أوله إلى آخره فليشهد وإن لم يشهداه. قيل لمالك: فمن شهد بين رجلين في حق فنسي بعض الشهادة وذكر بعضها؟ فقال: إن لم يذكرها كلها فلا يشهد. قيل: فرجلين تنازعا في أمر فأدخلا بينهما رجلين على ألا يشهدا بما سمعا منهما فيتقاررا ثم يتفرقا فيتجاحدا؟ قال: فليعذر الشاهدان إليهما ولا يعجلان، فإن تماديا على الجحد فليشهدا عليهما.

الباب [العاشر] في القاذف يضرب بعض الحد ثم يقذف أو يقذف بعد تمام الحد، وفي العفو عنه، وهل يجمع على الرجل حدان في وقت؟

الباب [العاشر] في القاذف يُضرب بعض الحد ثم يَقذف أو يقُذف بعد تمام الحد، وفي العفو عنه، وهل يجمع على الرجل حدَّان في وقت؟ ومن قذف رجلا ثم ضُرب أسواطاً قذف آخر، أو قذف الذي يُجلد له؛ ابتدأ الجلد عليه ثمانين من حين يقذفه، ولا يعتد بما مضى من السياط. ومن قذف رجلا فحُدَّ له ثم إن قذفه حد له ثانية. [42 - فصل في العفو عن القذف، وكتابته، وشهادة القاذف] ومن عفا عن قاذفه جاز عفوه ما لم يبلغ الإمام، فإن عفا عنه على أنه متى شاء قام بحده، وكتب بذلك كتاباً، وأشهد على ذلك؛ فذلك له متى قام به، فإن مات كان لولده أن يقوم عليه بذلك الكتاب، ولا تبطل شهادة القاذف حتى يحد، وكذلك إن عفا عنه فإذا ضرب سقطت شهادته حتى يُحْدث توبة وخيراً. ومن عفا عن قاذفه لم يكن لغيره أن يقوم بحده.

[43 - فصل: في القذف هل هو حق للمقذوف أو حق لله سبحانه وتعالى؟ أو هو حق مشترك] وإن رفع القاذف إلى الإمام أجنبي غير المقذوف لم يمكن من ذلك ولا يحد له. قيل: أليس هذا حد لله عز وجل قد بلغ الإمام؟ قال: هذا حد للناس لا يقوم به عند الإمام إلا صاحبه. واختلف في العفو عن حد القذف بعد بلوغ الإمام فأجازه مالك مرة ثم رجع عنه. وفي كتاب القذف إيعاب هذا والزيادة فيه. [44 - فصل في اجتماع الحدود، وكيفية الضرب، وأي الحدود يقام أولاً؟] ومن قذف وشر خمراً سَكِر منه أو لم يسكر، جُلد حداً واحداً. قال مالك: وجعل حد الخمر على وجه حد الفرية؛ لأنه إذا شرب هذي، وإذا هذي افترى. "وقاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه". ومضى

عليه العمل أن حد الخمر ثمانون. ابن القاسم: وإذا اجتمع على الرجل في حد الزنى حد قذف أو شرب خمر، أقيما عليه جميعا، ويجمع الإمام ذلك عليه، إلا أن يخاف عليه فيفرقهما، وذلك إلى اجتهاده. محمد: وقال عبد الملك: وإذا زنى وقذف، ضربه أكثر الحدين مئة وأجزأه عن الحدين. وبقول ابن القاسم أقول. قال ابن القاسم في المدونة: وإذا اجتمع عليه حد الزنى، وحد الفرية؛ فأحب إلي أن يبدأ بحد الزنى؛ لأنه حد لله عز وجل لا عفو فيه. [45 - فصل في إقامة الحد على المريض أو في البرد أو الحر] قال: والمريض إذا خيف عليه الموت من إقامة الحد فليؤخر. قال محمد: وقد جاء " أن عمر أقام حد الخمر على قدامة بن مظعون

ثمانين وهو مريض"، غير أن العمل على خلافه، وسمعنا من يقتدي به أنه لا يراه، وينهى عنه، ومن الحجة له في ذلك إنما وجب عليه الجلد لا القتل، فإذا ضربته حين الخوف عليه فأنا الذي قتلته. ابن وهب: وقاله ربيعة ومالك. قال مالك في المدونة: وكذلك إذا خيف على السارق أن يقطع في البرد فليؤخر. قال ابن القاسم: والذي يضرب الحد عندي في البرد بمنزلة القطع في البرد إذا خيف عليه فيؤخر ويحبس إلى إمكان ذلك فيه، فالحر عندي بمنزلة البرد في ذلك، وأما في الرجم فلا يؤخر لمرض ولا غيره؛ لأنه الموت.

[46 - فصل: في أن المرأة الحامل لا تحد حتى تضع] قال مالك: ولا تجلد البكر الحامل في الزنى حتى تضع وتستقل من نفاسها لأنه مرض، ولو كانت محصنة أمهلت حتى تضع، فإذا وضعت رجمت مكانها، ولم تؤخر لأن حدها القتل، وهذا إذا وجد للمولود من يرضعه، وإن لم يوجد أو يقبل غيرها أخرت حتى ترضع ولدها لخوف هلاكه، وكما يجب تأخير الحمل خوف هلاك الولد، فكذلك تؤخر بعد الوضع لعدم من يرضعه لخوف هلاكه، وروي ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. محمد وروى ابن وهب أنه قال: أتى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بامرأة حامل وقد أحدثت فأراد ضربها، فقال له معاذ بن جبل: "هذا لك عليها، فما الذي لك على ما في بطنها؟ أخِّرها حتى تضع ثم شأنك بها". فقال عمر: "أعجزت النساء أن تأتي بمثل معاذ، ولولا معاذ هلك عمر". قال في المدونة: وإذا زنت امرأة فقالت: إني حامل، وكيف إن قالت

البينة: إنا رأيناها تزني منذ شهرين أو ثلاثة أو أربعة؛ فإنه ينظر إليها النساء فإن صدقوها لم يعجل عليها، وإلا حدت. [47 - فصل: لا تقبل شهادة النساء في تصديقهن المشهود عليها بالزنى أنها عذراء، وتقبل في تصديقهن ادعائها الحمل] قال: وإذا شهد عليها بالزنى أربعة عدول، فقالت: أنا عذراء، أو رتقاء، ونظر إليها النساء وصدقوها؛ لم ينظر إلى قولهن، وأقيم عليها الحد لأنه قد وجب ذلك بخلاف الحمل، ألا ترى أن البكر إذا أنكر زوجها الوطء بعد إرخاء الستر وادعته، وشهد النساء أنها بكر، أن قولهن لا يقبل، وتصدق المرأة، ولا يكشف الحرائر عن مثل هذا. م: ولأن شهادة النساء في الحمل لم ترفع الحد وإنما أخرته؛ لخوف هلاك الحمل ثم تحد بعد ذلك، وفي شهادتهن عذراء، أو رتقاء، أردن أن يرفعن حداً قد وجب، وكذبن البينة في شهادتها، فلم يقبل منهن.

[48 - فصل: في زنى زوجة الغائب وهي حامل، وكيف ينفى الولد؟] قال في المدونة: وإذا شهدت بينة على امرأة بالزنى أنها زنت منذ أربعة أشهر، والزوج غائب منذ أربعة أشهر، وادعت هي الحمل، وصدقها النساء، فأُخرت حتى وضعت، ثم رجمت، ثم قدم الزوج فنفى الولد، وادعى الاستبراء؛ فإن كانت المرأة قالت قبل أن ترجم: ليس الولد منه، وقد استبرأني، نفى الولد بلا لعان أن مالكا قال فيمن ظهر بامرأته حمل قبل البناء فنفاه، وصدقته هي أنه من زنى، وأنه لم يطأها: فإنه ينفى بلا لعان وتحد هي. قال ابن القاسم: وإن كانت بكراً جلدت، وبقيت له زوجة، وإن شاء أمسك، وإن شاء طلق، وغن لم تذكر المرأة قبل موتها الاستبراء في المسألة الأولى، وادعى الزوج الاستبراء، أو نفى الولد فلا ينفيه هاهنا إلا بلعان، وكذلك لو نفاه ولم يدع استبراء فإنه يلتعن وينفي الولد. قيل: أليس من قول مالك: أن من لم يدع استبراء ونفى الولد ضرب الحد والحق به الولد؟ وقاله المخزومي. وابن دينار قال: ليس ذلك قول مالك، ولكن قال مالك: إذا

رأى رجل امرأته تزني وقد كان يطأها قبل الرؤية؛ لاعن ونفى الولد، إلا أن يطأها بعد الرؤية فيلحق به الولد ويحد، وإن لم يطأها بعد الرؤية إلا أنها كانت حاملا يوم قال: رأيتها تزني، فإنه يلاعن، ويلحق به الولد، إذا كان حملها يومئذ بينا مشهودا عليه، أو مقرا به قبل ذلك؛ لأنه لم ينتف من الحمل، فإن لم يلتعن صار قاذفا وحد، ولحق به الولد. وفي كتاب اللعان إيعاب هذا.

الباب [الحادي عشر] في حد العبد والذمي

الباب [الحادي عشر] في حد العبد والذمي قال مالك: وحد العبد في الزنى خمسون جلدة، وفي الخمر والفرية أربعون جلدة. قال ابن المواز: وأن عمر ابن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم "جلدوا عبيدهم نصف حد الحر في الخمر أربعين". م لقوله عز وجل" في المملوكات: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المُحْصَنَاتِ مِنَ العَذَابِ} وليس على العبيد في الزنى رجم، لأن الله تعالى جعل عليهن نصف حد المحصنات، ولا نصف للرجم، ومعنى الإحصان هاهنا إحصان الفرية، لا إحصان النكاح؛ لأن الإحصان في اللغة ينصرف على وجوه: فمنه إحصان الفرية، وإحصان عفاف، وهو قوله عز وجل:

{والَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا}، وإحصان بنكاح. [49 - فصل: في العبد إذا ارتكب حداً أو جناية أو طلق ثم بان أنه عتق قبل ذلك فكا الحر] ومن المدونة قال مالك: وإذا زنى العبد أو قذف، أو شرب خمراً، ثم قامت بينة أنه عتق قبل ذلك؛ فإنه يكون له وعليه حكم الحر في ذلك كله، وفي القصاص بينه وبين الحر، وإن كان قد طلق زوجته تطليقتين بعد العتق جعلت له عليها الثالثة، علم العبد بعتقه في ذلك كله أو لم يعلم، كان السيد مقراً بالعتق أو منكراً، والقول في غلته وخدمته في كتاب العتق. قال ابن المواز: ولو أقيم عليه حد العبد، ثم علق أنه كان حينئذ حراً؛ فليرجع عليه بحكم الحر. يريد: يتم عليه حد الحر. قال: ولو زنى وهو مملوك ثم عتق قبل الحد فليس عليه إلا حد

العبد وكذلك كل أمر جناه في رقه، وقاله مالك وأصحابه. وكل من كان فيه بقية رق، من كتابة، أو تدبير، أو أم ولد، أو من بعضه حر، فحدهم حد العبيد، في جميع الحدود. [50 - فصل في بعض أحكام أهل الذمة في الحدود والجنايات] قال مالك: وما تظالم به أهل الذمة بينهم من قطع جارحة، أخذ ذلك من بعضهم لبعض، وإن قتل ذمي ذميا؛ قتل به، وإن سرق ذمي من مسلم أو من ذمي؛ قطع؛ لأن هذا من الحرابة، ولا يقبل في شيء من ذلك إلا شهادة المسلمين، وإذا زنى الكافران لم يحدا، ويردا إلى أهل دينهما، وإن أعلنوا بالزنى، وشرب الخمر؛ فلينكلوا، فأما إن وجدوا على ذلك ولم يعلنوه فلا. الأبهري إنما قال ذلك: لأن اظهارهم الزنى، وشرب الخمر بين

المسلمين، مما قد منعوا من إظهاره، فإن أظهروه عوقبوا، ولم يجب عليهم في ذلك حد؛ لأن الحد يطهر، والكافر لا يطهر. ولأن ذلك من حقوق الله عز وجل فلا يقام عليهم كما لا يقام عليهم حد الكفر، فأما القتل، والسرقة، والقذف، فهو حذ لآدمي، فإن أتوا شيئا من ذلك وجب عليهم إقامة الحد. [51 - فصل: إذا ارتكب النصراني ما يوجب الحد ثم أسلم] قال: وإن أسلم النصراني قبل أن يقام عليه حد القتل، والفرية، والسرقة؛ فإنه يقام عليه؛ لأنه حق لآدمي فهي لازمة له كالدين، ألا ترى أنها تقام على المسلم إذا أتاها، فكذلك إذا ارتكبها الكافر ثم أسلم، فأما حقوق الله عز وجل فلا يقام عليه، كحد الزنى، والخمر؛ لقوله عز وجل: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}. [52 - فصل: في الذمي يزني بمسلمة، أو يستكره أمة، ووجه الفرق بينهما في الحكم] وإن زنى ذمي بمسلمة حدت وعوقب هو أشد العقوبة، ولا يقتل إلا أن

يكرهها. الأبهري: ولو استكره أمة مسلمة، فعليه لسيدها ما نقصها، بكراً كانت أو ثيباً، ولا يقتل، وقاله الليث بن سعد. وإنما قال ذلك: لأنه لا يجوز للنصراني أن يملك الأمة المسلمة بوجه؛ لأنه لو اشتراها أو ورثها لبيعت عليه، وكذلك لو اسلمت وهي في ملكه لبيعت عليه، فقد صح ملكه على هذه المسلمة بوجه ما، فلهذا لم يقتل. وأما إذا استكره الحرة المسلمة؛ فإنه يقتل؛ لأنه لا يجوز أن يملكها بوجه، فما لا يصح له نكاحها ولا ملكها، فلا شبهة له فيها، فيقتل بنقضه العهد؛ لأنه إذا زال عهده صار حربيا، فوجب قتله إلا أن يسلم.

الباب [الثاني عشر] فيمن أفض زوجته أو أمته أو غيرها، أو وطئ امرأة في دبرها، أو قذف صبيا، أو صبية

الباب [الثاني عشر] فيمن أفض زوجته أو أمته أو غيرها، أو وطئ امرأة في دبرها، أو قذف صبيا، أو صبية [53 - فصل: فيمن أفض زوجته البكر، وأفض امرأة بالزنى] قال مالك: ومن دخل بزوجته البكر فأفضها ومثلها يوطأ، فماتت من جماعه؛ فإن علم أنها ماتت من جماعه، فديتها على عاقلته، وإن لم تمت فعليه ما شانها بالاجتهاد في ماله، وتبقى له زوجة إن شاء طلق أو أمسك، فإن بلغ الاجتهاد في ذلك ثلث الدية فأكثر؛ كان على العاقلة، وقد جعل في هذا بعض الفقهاء ثلث الدية على عاقلته، وجعلوا ذلك بمنزلة الجائفة. وأن وطأ أمته فأفضها، فلا شيء لها، ولا تعتق عليه؛ لأنه لم يقصد إلى المثلة وهذا كالأدب يؤول إلى المثلة.

وإن زنى بامرأة فأفضها، فلا شيء عليه لها، إن أمكنته من نفسها، وإن اغتصبها فلها الصداق مع ما أشانها جميعاً، كمن أوضح رجلاً موضحة، فسقطت عينه من ذلك؛ فعليه دية الموضحة، ودية العين جميعاً، ولا يدخل بعض ذلك في بعض. م: والفرق بين الزوجة إذا أفضاها، وبين الأجنبية إذا أطاعت: أن الزوجة واجب عليها تركه يطأها، ولا تستطيع الامتناع من ذلك؛ فلذلك كان عليه ما شانها. والأجنبية الواجب عليها منعه، فلما طاعت له لم يكن لها عليه شيء، كما لو أذنت له أن يوضحها. [54 - فصل في الوطء في الدبر] ومن وطأ امرأة في دبرها زنى؛ فعليه الحد، وهو وطء يغتسل منه، وقد جعله الله عز وجل وطأ، فقال: {إِنَّكُمْ لَتَاتُونَ الْفَاحِشَةَ}.

ومن آلى من امرأته فجامعها في دبرها فقد حنث، ويسقط عنه الإيلاء، ولزمته الكفارة. قيل: أيسقط الإيلاء وهو لم يكفر؟ قال: نعم؛ لأن هذا عند مالك جماع لا شك فيه إلا أن يكون نوى الفرج بعينه حين حلف؛ فلا تلزمه كفارة في الدبر، وهو مولي بحاله. وإن وطأها المولي فيما دون الفرج، ولا نية له؛ فعليه الكفارة، ويسقط عنه الإيلاء إذا كفر؛ لأنه لو كفر قبل أن يطأ لسقط عنه الإيلاء، فكيف إذا كفر للإيلاء. وقال في كتاب الإيلاء: لا يفيء بالوطء دون الفرج، إلا أن الكفارة تلزمه بذلك الوطء، إلا أن يكون نوى الفرج فلا تلزمه الكفارة.

[55 - فصل: من قذف امرأة زنت في صغرها أو صبياً] ومن زنى بصغيرة لم تحض طائعة، ومثلها يوطأ فحد ثم قذفها رجل بعد أن بلغت؛ فإنه يحد؛ لأن ما فعلته في الصبا لم يكن زنى، وكذلك لو قذفها بالزنى وهي لم تبلغ المحيض، ومثلها يوطأ، فعليه الحد لما يلحقها من العار. ولا يحد من قذف صبيا لم يحتلم وإن كان مثله يطأ، إذ لا عار يلحقه في ذلك.

الباب [الثالث عشر] في البينة تتعمد النظر للزاني، وكيف إن قال الزاني: هم عبيد، أو القاذف للمقذوف: إنه عبد، وتعمد القاضي للجور

الباب [الثالث عشر] في البينة تتعمد النظر للزاني، وكيف إن قال الزاني: هم عبيد، أو القاذف للمقذوف: إنه عبد، وتعمد القاضي للجور [56 - فصل: في البينة تتعمد النظر للزاني، واتهامه لهم بالرق] قيل لابن القاسم: وإن شهد أربعة على رجل بالزنى، فقالوا: تعمدنا النظر إليهما لنثبت الشهادة؟ فقال: وكيف يشهد الشهود إلا هكذا. قلت: فإن قال المشهود عليه: هم عبيد، وقال الشهود: نحن أحرار، فهم على قولهم أنهم أحرار، والبينة عليه أنهم عبيد، وأصل الناس عند مالك على الحرية حتى يثبت رقهم. أبو محمد: وقال أشهب: إن لم يعرفوا فعليهم البينة أنهم أحرار، كالتزكية يقيم الطالب أنهم عدول.

وقول ابن القاسم أبين؛ لأن تكليف التزكية إنما احدثت لكثرة ما أحدث الناس من الفساد. [57 - فصل: قول القاذف للمقذوف إنه عبد] ومن المدونة: ومن قذف رجلا لا يعرف برقٍ وهو يدعي الحرية، وقال القاذف: بل هو عبد، فهو على الحرية، ومن يعرف البصري والشامي والأفريقي بالمدينة، فأرى أن يحد له إلا أن يأتي ببينة على رقه، فإن ادعى بذلك بينة قريبة لم يعجل عليه، وأن كانت بعيدة جلد الحد، ولم يلتفت إلى قوله، ثم أن أقام تلك البينة بعد الضرب زالت عنه جرحة الحد، وجازت شهادته، ولا يكون له من أرش الضرب شيء. [58 - فصل: في تعمد القاضي للجور] وإن أقر القاضي أنه رجم، أو قطع الأيدي، أو جلد تعمدا للجور، أقيد منه. وقد (أقاد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه فيما لم يظلم فيه أحدا)، "أقاد الخلفاء من أنفسهم فيما لم يتعمدوا فيه ظلما"، وذلك على التحرج منهم، والله عز وجل أعلم.

الباب [الرابع عشر] في السيد يقيم الحد على عبده، أو يقتص منه

الباب [الرابع عشر] في السيد يقيم الحد على عبده، أو يقتص منه قال ابن القاسم: ولا بأس أن يقيم السيد على عبده حد الزنى، وحد الخمر، وحد القذف. محمد: قال ابن القاسم: وهو قول مالك وأصحابه أجمع، والمدنيون كلهم. قال ويحضر لجلده في الخمر والفرية رجلين، ويحضر في الزنى أربعة نفر عدول.

قال مالك: لأن العبد عسى أن يعتق يوما، ثم يشهد بين الناس فيجد من شهد عليه ما يرد به شهادته. قال فيه وفي المدونة: وأما السرقة فلا، وإن شهد بها عليه غير السيد عدلان سواه؛ فلا يقيمها على العبد إلا الوالي. قال في الجنايات: لأنها ذريعة إلى أن يمثل بعبده، ويدعي أنه سرق، قال هاهنا: فإن قطعة السيد دون الوالي، وكانت البينة عادلة، وأصاب وجه القطع؛ عوقب. ولا يحد السيد عبده في الزنى إلا بأربعة شهداء سوى السيد، فإن كان السيد رابعهم فلا يحده هو، وليرفعه إلى الإمام فيقيم الإمام عليه الحد، ويكون السيد شاهدا، ألا ترى أن الإمام إذا شهد على حد فلم تتم الشهادة إلا به، أنه لا يقيم الحد في ذلك، ولكن يرفعه إلى من هو فوقه فيقيمه، ويكون هو شاهدا. الأبهري: إنما قال: لا يقيم عليه السيد الحد بعلمه إلا بأربعة شهداء سواه؛ لأنه كالحاكم الذي لا يحكم بعلمه في رعيته.

قال: وقد قال: أن له أن يحده بعلمه؛ ووجه ذلك: بأنه لا يتهم في جلد عبده؛ لأن في ذلك إضرارا بماله، وإدخال النقص عليه، فصار في ذلك مخالفا للحاكم؛ لأن الحاكم لا يدخل عليه في ذلك ضرر في ماله فيتهم فيه. [60 - فصل: فيمن زنت جاريته المتزوجة] ومن المدونة قال: ومن زنت جاريته ولها زوج فلا يقيم عليها الحد، وإن شهد عليها أربعة سواه، حتى يرفع ذلك إلى السلطان. قال في المختصر، وكتاب ابن المواز: وهذا إذا كان زوجها حرا، أو مملوكا لغيره. وأما إن كان الزوج عبدا له؛ فله أن يقيم عليها الحد. الأبهري: إنما قال ذلك: لأن للزوج حقا في الفراش؛ وما يحدث له فيه من ولد فليس لسيد الأمة أن يفسده، ولا يدخل عليه فيه ضرر إلا بحكم، وجاز له ذلك في عبده؛ لأنه ليس بخصم لسيده.

قال أشهب: إلا أن يكون زوجها وغدا لا يلحقه عيب ذلك فله أن يقيمه عليها، قال: وكذلك المرأة في عبدها، وقد بلغني أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم "حدت مملوكها". [61 - فصل: السيد لا يقيم القصاص على عبده] قال فيه وفي المدونة: ولا يقيم الرجل على عبده قصاصاً حتى يرفعه إلى الإمام، وكذلك إن كان العبدان له، فجرح أحدهما صاحبه فلا يقتص منه حتى يرفعه إلى الإمام. وقال ناس: إن كان العبدان له فلا قصاص له عليهما؛ لأن ماله جرح ماله، وأبى ذلك مالك، قال: وله أن يقتص إن شاء بعد مطالعة الإمام، وثبات ذلك عنده.

الباب [الخامس عشر] فيمن لا تجوز شهادته، وتجريح البينة، وقذفهم

الباب [الخامس عشر] فيمن لا تجوز شهادته، وتجريح البينة، وقذفهم ولا تجوز شهادة آكل ربا، أو شارب خمر، أو لاعب بالحمام، إذا كان يقامر عليها، ولا شهادة من يعصر الخمر ويبيعها، وإن كان لا يشربها. وإذا طلب المشهود عليه تجريح البينة أمكن من ذلك فمن أقام البينة عليه بشيء أنه فيه مما لو شهد عند القاضي، فعلمه القاضي منه أبطل به شهادته، كان ذلك له تجريحا، وإذا ادعى الخصم بينة بعيدة في التجريح لم ينتظر؛ لأن الحق وجب، وإنما يتلوم له القاضي في التجريح بقدر ما يرى، فإن جرحهم وإلا مضى الحكم عليه. وإن جرح واحداً من شهود الزنى وهم أربعة؛ حد جميعهم حد الفرية.

ومن شهدت عليه بينة بالزنى فقذفهم؛ حد للزنى، وحد لقذفهم حد الفرية، ولا تبطل شهادتهم بالزنى لطلبهم لحد القذف منه. وأكثر هذا في كتاب الشهادات.

الباب [السادس عشر] في شهادة الإمام أو القاضي، وكتبة قاض إلى قاض، ومن يقيم الحدود

الباب [السادس عشر] في شهادة الإمام أو القاضي، وكتبة قاض إلى قاض، ومن يقيم الحدود [62 - فصل: في شهادة الإمام أو القاضي] قال مالك: وإذا شهد الإمام على حد، رفعه إلى من فوقه إذا كان معه غيره ممن يثبت الحد بهم، فإن لم يكن فوقه أحد رفعه إلى قاضيه، وشهد عنده. محمد: روى ابن وهب أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: "لو رأيت رجلا على حد من حدود الله عز وجل ما أخذته ولا دعوت إليه أحداً حتى يكون معي غيري". قال ابن شهاب: فيرى إن كان معه غيره ممن يجب بشهادتهم الحد، أن يرفعوه إلى السلطان.

قال ابن وهب: وأخبرني محمد بن عمرو، عن ابن جريج، أن سليمان بن عبد الملك في خلافته "رأى غلاماً له يزني، فهم بحده، فنهاه عمر بن عبد العزيز أن يأخذ بشهادته". قال ابن وهب: وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري: "أن لا ياخذ الإمام بعلمه ولا بظنه"، وقال ربيعة نحوه. الأبهري: وإنما لم يحكم الإمام بعلمه؛ لانفراده بما يدعيه من العلم الذي لا يشاركه فيه غيره، وقد يجوز عليه الهوى والميل، وقد (ترك النبي صلى الله عليه وسلم الحكم بعلمه في تركه قتل المنافقين بعلمه، وإقامة الحد

على المرأة التي أتت بالولد على النعت المكروه). [63 - فصل: كتابة القاضي إلى قاض في الشهادة على الحدود والحقوق] وإذا كتب قاضٍ إلى قاضٍ بما ثبت عنده من شهادة على رجل في حد أو قصاص، أو حق سواه، أو بقضاء نفذه في ذلك كله، فثبت ذلك عند المكتوب إليه أن هذا كتاب القاضي الذي كتب إليه، وطابعه، أو كان له طابع فانكسر، أو ثبت أنه كتابه ولا طابع فيه، فذلك سواء، وينبغي لهذا الذي جاءه الكتاب إنفاذ ما فيه. قال ابن المواز: وكذلك إذا ثبت ذلك عند القاضي الذي كتب

الكتاب في الزنى بأربعة عدول، فقبل شهادتهم، فعلى القاضي الذي جاءه الكتاب أن يقيم عليه الحد، وإن لم يشهد على الكتاب إلا شاهدان، قال: ويحضر له طائفة أربعة عدول فصاعدا يشهدون ضربه كما قال الله عز وجل: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، وأقل الطائفة أربعة، فيجوز ذلك، ويتخلص بذلك من قال فيه بعد اليوم من حد القذف. أبو محمد: وقال سحنون: إذا كتب قاض إلى قاض أنه شهد عندي أربعة على فلان بالزنى؛ فلا يقبل فيه إلا أربعة يشهدون على الكتاب الذي فيه شهادة الأربعة في الزنى؛ لأن بهذا الكتاب يتم الحكم. وقال ابن القاسم: يجزئ فيه شهادة رجلين. م: وقول سحنون عندي أبين، كالشهادة على الشهادة في الزنى. قال في المدونة فإن عزل المكتوب إليه، أو مات، ووصل الكتاب إلى من ولي بعده؛ فلينفذه، وكذلك إن عزل الذي كتب به، أو مات قبل

وصوله، أو بعده؛ فلينفذه من وصل إليه، وإن لم تشهد البينة على ما في كتاب القاضي لم يلتفت إلى طابعه. [64 - فصل: فيمن يجوز له أن يقيم الحدود من الولاة] ولا ينبغي أن يقيم الحدود ولاة المياه وليجلب إلى الأمصار، ومصر كلها لا يقام الحد فيها إلا بالفسطاط، او يكتب إلى والي الفسطاط، فيكتب إليه بأمره بإقامة ذلك. وقد تقدم كثير من هذا الكتاب في كتاب الأقضية.

كتاب القذف

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله كتاب القذف وما دخله من كتاب الرجم قد تقدم كثير من مسائل هذا الكتاب والزيادات فيها في كتاب الرجم فأغنى عن إعادتها. [الباب الأول] فيمن وطأ امرأة وادعى نكاحها، أو أمة وادعى شراءها قال ابن القاسم: ومن شهد أربعة أنه وطأ هذه المرأة، ولا يدرون ما هي منه؛ فعليه الحد إلا أن يقيم بينة أنها زوجته أو أمته، أو يكونا طارئين فلا شيء عليه؛ إذا قال: هي امرأتي أو أمتي، وأقرت له بذلك، إلا أن تقوم بينة

بخلاف ما قال. م: وإنما قال ذلك: لأن من شأن النكاح الإعلان، فإذا لم يعلم ذلك أهل موضعه وجب حده، إلا أن يأتي بالبينة على ذلك، وأما الطارئان فبخلاف ذلك؛ لغيبتهما عن موضع الإشهاد والإعلان، فلم يدعيا خلاف العرف؛ فقبل قولهما، إلا أن تقوم بينة بخلافه. قال مالك في كتاب محمد: وسواء وجد مع امرأة يطأها، أو أقر بذلك وادعيا الزوجية؛ فليحدا. قال ابن القاسم: وجدا في بيت أو طريق، إلا أن تقوم بينة بالنكاح. ولا تقبل فيه شهادة أبيها أو أخيها، إلا أن يكون أمر قد سمع وعرف؛ فلا يحدان، ولكن لا يثبتان على ذلك حتى يأتنفا نكاحاً جديداً بعد الاستبراء. وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن قال عند قوم: وطأت فلانة بنكاح، أو اشتريت أمة فلان ووطئتها، فلا يكلف بينة بالنكاح، ولا بالشراء، ولا يحد؛ لأنه لم يوجد مع امرأة يطأها، فيقول: هي زوجتي، فهذا

يكلف البينة إن لم يكن طارئاً، وقاله علماؤنا، وقد غلط فيها بعض من يشار إليه، وقاله مطرف واصبغ. قال ابن الماجشون: ولو شهدت بينة عليه أنهم رأوا فرجه في فرج امرأة غابت عنا لا ندري من هي، فقال هو: كانت زوجتي وقد طلقتها، أو أمتي وقد بعتها، وهو معروف أنه غير ذي زوجة ولا جارية، فهو مصدق، ولا يكلف بينة، ولو وجد معها كلفته البينة إن لم يكن طارئاً؛ لأنه قد قصد في امرأة معلومة دعوى بنكاح أو ملك، وهي تعرف بغير ذلك؛ فيحد حتى يقيم بينة بما قال، والأول ادعى ذلك في امرأة مجهولة، قال: ولو لم يدع ذلك، وقال: كذب الشهود؛ لحد، وقاله مطرف وأصبغ. [1 - فصل: في شهادة ولي المرأة على نكاحها] ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن وطء امرأة وادعى نكاحها، وصدقت هي ووليها، وقالوا: عقدنا النكاح، ولم نشهد، ونحن نريد أن نشهد، فعلى المرأة والزوج الحد، إلا أن يقيما بينة على ما قالاه غير

الولي. إنما حدا لدعواهما خلاف العرف، ولم تجز في ذلك شهادة الولي؛ لأنه يشهد على فعل نفسه، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل النكاح إلا بصداق، وولي، وشهود عدولٍ)، فجعل الشهود غير الولي. قال ابن القاسم: وإن حددتهما وهما بكران، فأرادا أن يحدثا إشهاداً على ذلك النكاح، لم يجز حتى تستبرأ من ذلك الماء الفاسد، ثم يأتنفا نكاحاً إن أحبا. ومن وطء أمة رجل وادعى أنه ابتاعها منه، وأنكر ذلك سيدها؛ فإن لم يأت بالبينة على الشراء حددته، وحددت الأمة، وإن أتى بامرأة تشهد على الشراء لم يزل عنه الحد بذلك، وإن طلب الواطئ يمين السيد أنه لم يبيعها منه، أحلفته له، فإن نكل الواطئ، وقضى له بها، ودرأ عنه الحد. وقال أشهب في كتاب محمد: إن كانت بيده وحوزه لم يحد، ولحق به الولد، وحلف ربها أنه ما باعها منه، وأخذها وأتبعه بقيمة الولد،

وإن لم تكن في يديه؛ فعليه الحد إذا لم يعرف بحوز لها، ولا يلحق به الولد، ويحلف السيد ويأخذها وما ولدت، فإن نكل عن اليمين حلف الواطئ، وكانت له أم ولد بإقراره، وأما الولد فلا يلحق به؛ لأنه قد حد في وطء جاء منه هذا الولد، وليس له أن يسترق الولد، ولا يسترق أمهم فيبيعهم لإقراره أنهم ولده، وأنهم أحرار. قال: وحددناهما بظاهر الحكم، ولم يسقط عنه الحد بنكول السيد عن اليمين؛ لأنه لو صدقه لم يزل عنهما الحد، ولكن تصير له الأمة وولدها بالنكول، ولا يسقط الحد شاهد مع إقرار السيد بالبيع ولو كان شاهد وامرأتان استحسنت دراءة الحد؛ لأنه قد جاء بما يوجب الملك من الشهادة، وليس بالقياس. وخالفه ابن القاسم وقال: إذا نكل السيد عن اليمين حلف الواطئ وصارت له، وسقط عنه الحد. قال: وقول ابن القاسم أحب إلينا، وربما كان الاستحسان في العلم أفضل، وأقرب إلى الصواب من القياس.

وقد قال مالك: فيمن أعتق عبده ولا مال غيره فادعى عليه رجل بدين وأقام على ذلك رجلا وامرأتين، فإنه يرد بذلك عتق العبد، وكذلك لو أقام شاهدا وحلف معه، وكذلك لو لم يقم شاهدا، فطلب يمين المعتق، وبينهما خلطة، فنكل له عن اليمين، فحلف المدعي؛ لوجب له حقه، ورد بذلك العتق. [2 - فصل: ما تجوز فيه شهادة النساء وما لا تجوز] وكذلك من تزوج أمة وأقام سيدها رجلا وامرأتين أن زوجها ابتاعها منه؛ فإنه يثبت بيعه، وتحرم على زوجها. والنساء لا تجوز شهادتهن في طلاق ولا عتاق. ومن ذلك أن شهادة المرأتين تجوز في الاستهلال بغير يمين، فيرث ويورث، وفي ذلك الأموال العظام، ولو شهدت امرأتان على درهم واحد لم يؤخذ بشهادتهما إلا أن يكون معهما رجل أو يمين.

[3 - فصل: فيمن وطء جارية امرأته] قال ابن القاسم: ولقد أتت امرأة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت له يا أمير المؤمنين: زوجي وطء جاريتي، فأرسل إليه عمر، فاعترف بوطئها، وقال: إنها باعتها مني، فقال عمر رضي الله عنه: "لتأتيني بالبينة أو لأرجمنك، فاعترفت المرأة أنها باعتها منه، فخلا سبيله. فهذا يدلك على أن من أقر بوطء جارية، وادعى أن سيدها باعها منه، أن سيدها إن أنكر حد هذا، وإن أقر له دراً عنه الحد. وفي حديث غير مالك أنها لما اعترفت ضربها حد الفرية، وكان مالك لا يرى عليها حداً؛ لأنها غيرى لا تدري ما تقول. واحتج أشهب في ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا

مر بالرجل الذي شكته زوجته أنه وطئ أمتها ثم أقرت أنها باعتها منه، يقول له: "ما أقمنا عليك حد الله عز وجل"، وكان يقال لذلك الرجل: نكب وجهك عن عمر، خوفا أن يحده. [4 - فصل: في الفرق بين من وطئ أمة وادعى شراءها ونكل سيدها عن اليمين وبين من سرق متاعاً ونكل صاحبه عن اليمين] محمد: والفرق عند ابن القاسم بين الذي يطأ أمة ويدعي شراءها، فيجب على سيدها اليمين فينكل عنه، أن الحد يسقط عن الواطئ إذا حلف، وقضى له بها، وبين الذي سرق متاعا من دار رجل ثم يقول: حلفوا رب المتاع، أنه ليس هو لي، فينكل عن اليمين، ويحلف هذا، ويستحق المتاع، أن القطع لابد منه. أن الوطء من شأنه الاستسرار، كان مباحا أو محظورا، فإذا وطئ هذا مستسرا فقد فعل المعروف المأمور به، فلا حجة عليه، والآخر الذي أخذ المتاع مستسرا، فقد فَعَل فِعْل السارق؛ فوجب

قطعه، إذ لو كان لو لكان يأخذه إظهارا، فهو بخلاف الواطئ، والله عز وجل أعلم.

الباب [الثاني] فيمن تزوج من لا تحل له، وما يعذر به من ذلك

الباب [الثاني] فيمن تزوج من لا تحل له، وما يعذر به من ذلك روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ادرءوا الحدود بالشبهات). قال ابن حبيب: وحدثني ابن المغيرة عن الثوري عن ابراهيم قال: "كان يقال: ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فلأن يخطئ حكم من الحكام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة، إذا رأيتم للمسلم مخرجا فادرءوا الحد عنه".

قال ابن القاسم: ومن تزوج خامسة، أو امرأة طلقها ثلاثا البتة قبل أن ينكحها زوجا غيره، أو أخته من الرضاعة أو النسب، أو شيئا من ذوات المحارم عليه، عامدا عارفا بالتحريم، أقيم عليه الحد ولم يلحق به الولد، إذ لا يجتمع الحد وثبات النسب، يريد وإن عذر بالجهالة ومثله يجهل ذلك. قال أصبغ: مثل الأعجمي وشبهه، فلا حد عليه. قال: وإن تزوج امرأة في عدتها، أو على عمتها، أو خالتها، أو نكح نكاح متعة عالما بالتحريم؛ لم يحد وعوقب. قال في كتاب ابن حبيب: والعالم أعظم عقوبة من الجاهل، ويلحق به الولد، وكذلك ناكح امرأته المبتوتة؛ لا يحد، عالما كان أو جاهلا؛ للاختلاف فيها، وأما إن كانت مطلقة ثلاثا؛ فإن كان عالما حد؛ لأنه لم يختلف فيه، وإن

كان جاهلا لم يحد استحساناً. أبو محمد: وروى علي بن زياد عن مالك فيمن نكح في العدة ووطئ فيها، ولم يعذر بجهل: أنه يحد. م: وهذا خلاف المدونة، وإنما تجب عليه العقوبة، ألا ترى أنها لا تحل لآبائه ولا أبنائه، بهذا المسيس لشبهة النكاح؛ فيجب لذلك أن يرفع عنه الحد.

[5 - فصل: في إقامة الحد على القاذف وإن درئ عن المقذوف] قال في المدونة: وكل وطء درأت فيه الحد عن الرجل؛ وإن كان ذلك الوطء لا يحل، فعلى من قذفه الحد. وإن افترى ذمي على مسلم؛ جلد ثمانين. م: وقد نقلت إلى كتاب النكاح الثاني مسألة من دفع إلى امرأته نفقة سنة، أو كسوتها، بفريضة قاض، أو بغير فريضة، ثم مات أحدهما بعد ذلك؛ فليرد من النفقة بقدر ما بقي من السنة، واستحسن في الكسوة ألا ترد إذا مات أحدهما بعد أشهر، ولا تتبع المرأة فيها بشيء. قال ابن القاسم: وإن مات بعد عشرة أيام أو نحوها، فهذا قريب. قال مالك: إذا مضى الأشهر.

الباب [الثالث] في وطء أحد الشريكين أمة بينهما، وعتقه لحصته، أو لجميعها

الباب [الثالث] في وطء أحد الشريكين أمة بينهما، وعتقه لحصته، أو لجميعها [6 - فصل: وطء أحد الشريكين أمة بينهما] قال ابن القاسم: وإذا وطئ أحد الشريكين أمة بينهما، وهو عالم بتحريم ذلك؛ لم يحد؛ لشبهة الملك، وعليه الأدب إن لم يعذر بجهل، وقاله ابن عمر. قال ابو الزناد: ويعاقب بمئة جلدة. قال مالك: ويخير الشريك إن لم تحمل، بين أن تقوم عليه بقيمتها يوم وطئها، أو يتماسك بحصته منها؛ فإن قومها عليه فلا صداق له، وإن تماسك فلا صداق له أيضا، ولا ما نقصها؛ لأن القيمة وجبت له فتركها وتمسك بنصيبه ناقصا.

محمد: وقال مالك: عليه نصف ما نقصها وطأه إذا تمسك بها، وقول ابن القاسم: أحب إلينا، وإن كانت بكرا فافتضها؛ لأن القيمة وجبت له فتركها فلم يكن له ما نقصها، فهذا أصل مالك وأصحابه. م: فإن قيل: فإن ابن القاسم قال: إذا أفسد المتعدي الثوب فسادا كثيراً؛ أن ربه مخير أن يضمنه قيمته أو يتماسك به، ويغرمه ما نقصه. قيل له: قد اختلف قول ابن القاسم في ذلك، فجوابه في مسألة الأمة على القول الذي لا يرى له ما نقص إذا تمسك بالثوب، وقاله بعض فقهائنا. قال ابن القاسم: وإن حملت والواطئ مليء؛ غرم قيمتها يوم حملت، ولا شيء عليه من قيمة ولده، وتكون له أم ولد. قال ابن المواز: واختلف في يوم تقويمها: فقيل: يوم حملت، وقيل: يوم الحكم، وقيل: يوم الوطء، والصواب عندنا: إن شاء شريكه يوم

الوطء، وإن شاء يوم الحمل، وهذا إن وطئها مرة بعد مرة، وإن كان مرة واحدة فيوم الوطء هو يوم الحمل، وإذا لم يتبين بها حمل فرضي بإمساكها ثم ظهر بها حمل، لم تقوم إلا يوم الحمل، وقاله مالك في الموطأ. م: إن قيل: لم كانت القيمة على الشريك يوم الوطء أو يوم الحمل كيف شاء شريكه، والشريك إذا أعتق شقصا إنما يغرم قيمته يوم الحكم ولا تخيير لشريكه، والحمل فهو يجر إلى العتق؟ فالجواب: إن وطء الشريك وطء عداء، والمتعدي إنما تقوم عليه يوم العداء، والمعتق شقصه ليس بمتعدٍ، فهذا فرق ما بينهما. ومن المدونة: وإن كان معسرا خير شريكه، فإن شاء تماسك بنصيبه، واتبعه بنصف قيمة الولد، وألحق الولد بأبيه، وإن شاء أخذه بنصف قيمتها يوم حملت، وبيع ذلك النصف على الواطئ بعد أن تضع فيما لزمه من نصف قيمتها فيأخذ الشريك ثمنه إن كان كفافا لما لزمه ويتبعه بنصف قيمة الولد دينا، وإن بلغ أقل مما لزمه أتبعه بالناقص مع نصف قيمة الولد. يريد: وإن بلغ أزيد مما لزمه لم يتبع منها إلا بقدر ما لزمه من نصف قيمتها يوم حملت، ويكون الباقي منها بحساب أم ولد، ويتبع بنصف قيمة الولد على كل حال.

وقال سحنون في غير المدونة: لا شيء له من قيمة ولدها إذا اختار قيمتها. قال ابن القاسم: ويعتق عليه النصف الذي بقي بيده، إذ لا متعة له فيه، ويكون النصف الآخر رقيقا لمن اشتراه. وقال غيره: لا يعتق عليه ذلك النصف إذ لعله يملك باقيها فيحل له وطؤها. محمد: وقاله ابن القاسم أيضا، ورواه أشهب عن مالك، وهو أحب إلي، وليس لها منفعة في تعجيل العتق بل ذلك أضر بها. قال في المدونة: ولو ماتت هذه الأمة قبل أن يحكم فيها، كان عليه نصف قيمتها مع نصف قيمة الولد. [7 - فصل: عتق أحد الشريكين حصته من أمة أو جميعها ووطء الآخر لها قبل التقويم] وإذا أعتق أحد الشريكين في الأمة حصته منها، وهو مليء، ثم وطئها المتمسك بالرق قبل التقويم؛ لم يحد؛ لأن حصته في ضمانه قبل التقويم، ولا صداق عليه إن طاوعته، ولا ما نقصها، وإن أكرهها فعليه نصف ما نقص من قيمتها بلا صداق؛ لأن من اغتصب أمة فوطئها؛ إنما عليه ما نقصها مع

الحد، وإن كان نصفها حرا، فوطئها رجل مكرهة؛ فعليه الحد مع نقصها، ويكون ما نقصها بينها وبين السيد الذي يملك نصفها، وكذلك أرش جراحتها بينها وبين الذي يملك نصفها، وأحكامها أحكام أمة. وإن جنت هي خير السيد بين أن يسلم نصفها، أو يفديه بنصف الأرش. وأما مهرها الذي تتزوج به بإذن السيد، فجميعه يكون موقوفا بيدها، كالفوائد، بخلاف الأرش، ويزوجها المتمسك بالرق برضاها دون الآخر. قال مالك: وإن أعتق أحد الشريكين في الأمة جميعها وهو مليء؛ لزم ذلك شريكه. قال ابن القاسم: ثم ليس لشريكه عتق حصته. قال سحنون: بل له ذلك، عند جميع الرواة غيره. قال ابن القاسم: وإن وطئها الآخر بعد علمه بعتق المليء لجميعها؛ لحد، إن لم يعذر بجهالة، وإن جهل أن عتق الشريك يلزمه؛ فلا حد عليه. وقال أشهب: لا يحد بحال.

قال أبو محمد: ويلزم على قول ابن القاسم؛ أن عليه القيمة يوم العتق، لا يوم الحكم، وتلزم تركته، وليس هذا أصلهم أجمع. قال ابن القاسم: وإن كان المعتق لجميعها عديما؛ لم يحد الواطئ بحال، ولو كان مليئا فلم يؤخذ بالقيمة حتى أعدم، فإن علم الآخر بعتقه فتركه ولو شاء أقام عليه فأخذه بذلك فالعتق ماض، وتلزمه نصف القيمة دينا، وإن كان غائبا، أو لم يعلم بالعتق حتى أعسر المعتق؛ فهو على حقه منها. م: قال بعض أصحابنا: وهذا خلاف أصله في هذه المسألة، وكان ينبغي على ما أصل فيها ألا يفترق كون الشريك حاضرا، ولا غائبا؛ لأنها قد فاتت بعتق جميعها لما كان المعتق موسرا، ووجب نفاذ العتق، هكذا يلزمه، ولكنه رجع في غيبة الشريك إلى أصلهم، والله عز وجل أعلم.

الباب [الرابع] في وطء المكاتبة، أو المطلقة، أو أم الولد بعد العتق أو الارتداد، أو وطء المجوسية، أو شيء من ذوات محارمه بملك يمينه، ووطء الأب أمة ولده، أو من أحلت له

الباب [الرابع] في وطء المكاتبة، أو المطلقة، أو أم الولد بعد العتق أو الارتداد، أو وطء المجوسية، أو شيء من ذوات محارمه بملك يمينه، ووطء الأب أمة ولده، أو من أحلت له. [8 - فصل: في وطء المكاتبة] قال ابن القاسم: ومن وطئ مكاتبته؛ فلا حد عليه، اغتصبها أو طاوعته، وينكل إن لم يعذر بجهل، وعليه ما نقصها إن اغتصبها، ولا صداق لها. ومن وطئ مكاتبة بينه وبين رجل فلا حد عليه. [9 - فصل: من وطئ مطلقته أو أم ولده بعد عتقها أو ارتدادها] ومن طلق امراته قبل البناء، ثم وطئها بعد التطليقة، وقال: ظننت أنه لا يبينها مني إلا الثلاث؛ فلها صداق واحد، ولا حد عليه إذا عذر بالجهالة.

وكذلك لو طلقها بعد البناء بها ثلاثاً ثم وطئها في العدة، أو أعتق أم ولده، ثم وطئها في العدة، وقال: ظننت ذلك يحل لي؛ فإن عذر بالجهالة لم يحد وإلا حد؛ كمتزوج الخامسة، أو أخته من الرضاعة، وليس على الذي وطئ في العدة بعد الطلاق البائن، أو العتق البتل صداق مؤتنف، وذلك داخل في الملك الأول؛ كمن وطئ بعد حنثه فيهما ناسيا ليمينه، أو لم يعلم بحنثه. ومن ارتدت أم ولده ثم وطئها وهو عالم أنها لا تحل له في حال ردتها؛ لم يحد لشبهة الملك. [10 - فصل: في وطء المجوسية] محمد: وكذلك من وطئ مجوسية بالملك عالما بالتحريم؛ فلا يحد، وهو بخلاف أن لو تزوج مجوسية فوطئها عالما بالتحريم؛ هذا يحد، إذ لا شبهة ملك له فيها، وهو كمتزوج الخامسة يحد إن لم يعذر بجهالة. [11 - فصل: في وطء المحارم بملك اليمين] قال فيه وفي المدونة: ولو وطئ بملك يمينه من ذوات محارمه من لا يعتق عليه إذا ملكه، مثل العمة، والخالة، وبنت الأخت، أو الأخت من الرضاعة، أو البنت، أو الأم من الرضاعة، وهو عالم بتحريم ذلك؛ لم يحد، للملك الذي له في

ذلك، وينكل عقوبة موجعة، فإن حملت منه لحق به الولد، وعتق عليه معجلا إذ لم يبق له فيهن منفعة ولا متعة. قال ابن المواز: ورواه عيسى عن ابن القاسم في العتبية. ولو وطئ بملك يمينه من يحرم عليه بالنسب ويعتق عليه بالملك؛ مثل الأم، والبنت، والأخت، والجدة، وشبهها عامدا عالما بالتحريم؛ فإنه يحد ولا يلحق به الولد، إلا أن يعذر بجهل، فيدرأ عنه الحد، ويلحق به الولد، ويعتقن عليه. م: وإنما حد فيمن يعتق عليه بالنسب؛ لأنهن أحرار بعقد الشراء، فلا شبهة ملك له فيهن، بخلاف من لا تعتق عليه. قال ابن القاسم: ومن زنى بأمه، أو بأخته، أو بعمته، أو بخالته، أو بذات رحم محرم منه؛ فعليه الحد. [12 - فصل: في وطء الأب أمة ولده] ولا يحد الأب إذا وطئ أمة ولده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك)، فكان ذلك شبهة أسقطت عنه الحد، ويغرم الأب قيمتها، حملت أو لم تحمل، فإن لم يكن له مال بيعت عليه بعد الاستبراء إن لم

تحمل في قيمتها التي لزمته بالوطء، فإن نقص ثمنها عن ذلك أتبعه ولده بتمام القيمة، وإن فضل كان ذلك للأب، وكذلك الجد لا يحد في أمة ولد ولده، كان لأب أو لأم؛ لأنه كالأب في رفع القود وتغليظ الدية. محمد: وقاله ابن القاسم، وعبد الملك، وخالفهما أشهب وقال: عليهما الحد والقطع بخلاف الأب. قالوا: ويدرأ عن الأم في السرقة من مال الولد القطع. وأما إن وطئها عبد ابنها، قال أشهب: تحد كما تحد في عبدها. [13 - فصل: فيمن وطئ جارية أحلت له] قال في المدونة: وكل من أحلت له جارية، أحلها له أجنبي، أو أقاربه، أو امرأته، فإنها ترد أبدا إلى سيدها، إلا أن يطأها الذي أحلت له، فيدرأ عنه الحد بالشبهة؛ كان جاهلا أو عالما، ويلزمه قيمتها حملت أو لم تحمل، وليس لربها التماسك بها بعد الوطء وإن لم تحمل، بخلاف وطء الشريك؛ لأن وطء الشريك وطء عداء، وهذا قد أذن له، فإذا تماسك بها صح ما قصداه من عارية الفرج، وإذ قد لا يؤمن أن يحلها ثانية فمنع منه.

قال ابن القاسم: فإن كان له مال أخذ منه قيمتها، وإن كان عديما وقد حملت، كانت القيمة في ذمته، وإن لم تحمل بيعت عليه في ذلك، فكان له الفضل وعليه النقصان. الأبهري: وهذا كله إذا كان غير عالم؛ لأن وطئها لا يحل له بإباحة مالكها؛ فأما إن كان يعلم أنه لا يحل له وطئها، وأن أباحه ذلك مالكها فوطئها؛ عليه الحد، ولا يلحق به الولد؛ لأنه زان بوطئه من لا زوجة له ولا ملك يمين، ولا هو جاهل بتحريم الوطء، فعليه الحد لهذه العلة. م: وهذا خلاف لما في المدونة وغيرها. وقد روى ابن حبيب أن النعمان بن بشير رفع إليه رجل وطئ جارية امرأته، فقال: "لأقضين فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن أحلتها له جلدته،- يريد نكالاً-، وإن لم تحلها له رجمته، فوجدها قد أحلتها له، فجلده مئة".

[14 - فصل: في الشهادة على الزنى] وقد تقدم في كتاب الرجم إذا شهد على امرأة بالزنا أربعة أحدهم زوجها؛ فإنه يحد الثلاثة، ويلاعن الزوج، وفيه ذكر الشهادة على الشهادة في الزنى. ومن قذف رجلا بالزنى فقال القاذف حين رفع إلى القاضي: أنا آتيك بالبينة أنه زان، أمكن من ذلك، ولا يجوز في ذلك إلا أربعة شهود عدول يشهدون سوى القاذف.

الباب [الخامس] فيمن أقر أنه زنى بفلانة، وكشف المقر، ورجوعه، ومن قالت: تزوجني فلان وحملي منه، ومن أقر أنه كان زنى في حال كفره، وزنى المسلم بالذمية، وإقرار العبد بالحدود

الباب [الخامس] فيمن أقر أنه زنى بفلانة، وكشف المقر، ورجوعه، ومن قالت: تزوجني فلان وحملي منه، ومن أقر أنه كان زنى في حال كفره، وزنى المسلم بالذمية، وإقرار العبد بالحدود [15 - فصل: فيمن أقر أنه زنى بفلانة، وكشف المقر، ورجوعه] قال ابن القاسم: ومن قال عند الإمام أو غيره، زنيت بفلانة؛ فإن أقام على قوله حد للزنى وللقذف، وإن رجع عن ذلك حد للقذف، وسقط عنه حد الزنا، ويقبل رجوعه، سواء قال: أقررت لوجه كذا أو لم يقل. وقيل: لا يقبل رجوعه إلا أن يذكر عذره في ذلك. والأول أحسن: وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في ماعز حين أخذته الحجارة فهرب، فضربه رجل فقتله: (فهلا تركتموه)، ورأى أن ذلك رجوع منه. والمعترف بالزنى لا يكشف كما تكشف البينة، ويلزمه الحد، رجماً كان أو

جلداً بإقراره مرة واحدة، ولا يقرر أربع مرات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأنيس: (أغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)، ولم يأمره أن يقررها أربع مرات، وإنما رد النبي صلى الله عليه وسلم ماعزاً لما أنكر من أمره، ألا ترى أنه قال لأهله: (أبصاحبكم جنة)؛ لا أنه أراد أن يعترف أربع مرات، ولو كان الاعتراف أربع مرات بمنزلة الشهادة لكان إذا رجع بعد اعترافه أربع مرات لم يقبل رجوعه، كما لا يقبل بعد الشهادة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في ماعز لما هرب حين أخذته الحجارة (فهلا تركتموه)، ورأى أن ذلك رجوع منه، والله اعلم. قال ابن القاسم: فإذا رجع المقر أقيل، وكذلك إن رجع بعدما أخذت الحجارة مأخذها، أو بعد أن ضرب بعض الحد أو أكثره، لقوله صلى الله عليه وسلم: (فهلا تركتموه). محمد: وقال أشهب وعبد الملك: لا يقال إلا أن يورك فيقال، ما لم

يضرب أكثر الحد فليتم عليه، ولا يقال وإن ورك. م: ووجه ذلك: أنه لما أقر فقد ألزم نفسه حكم ما أقر به عند الإمام، فوجب حده، كما لا تجوز الشفاعة له حينئذ؛ فإن ذكر بعد ما يعذر به مثل أن يقول: وطئت في الحيض، أو جارية لي فيها شرك، وظننت أن ذلك زنى، قبل ذلك منه، وأقيل لدرائه الحد بالشبهة. م: وقول ابن القاسم أبين. [16 - فصل: من قالت: تزوجني فلان وحملي منه] قال في المدونة: وإن ظهر بامرأة حمل، فقالت: تزوجني فلان، والحمل منه؛ فإن لم تقم بينة بالنكاح حددتها، ويحد الزوج إن صدقها، ولا يلحق به الولد، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "الرجم في كتاب الله عز وجل حق إذا كانت البينة، أو الحمل، أو الإقرار"، فقد ساوى بين الحمل، والشهادة، فلذلك وجب حدها.

[17 - فصل: فيمن أقر أنه كان زنى حال كفره، وزنى المسلم بالذمية والحربية] ومن المدونة: ومن أسلم ثم أقر أنه زنى في حال كفره، لم يحد؛ لأن ذلك زنى لا حد فيه. وإذا زنى مسلم بذمية حد، وردت هي إلى أهل دينها. وإن دخل مسلم دار الحرب بأمان، فزنى بحربية، فقامت عليه بينة مسلمون، أو أقر بذلك؛ فعليه الحد. وكذلك فيما وطئ من المغنم، وله فيه نصيب. محمد: وقال أشهب: لا يحد فيهما. [18 - فصل: إقرار العبد بجناية على عبد وإقراره بحد من حدود الله] وما أقر به العبد من قصاص، أو حد لله عز وجل يحكم به في بدنه؛ أقامه عليه الإمام لإقراره. وإن أقر أنه جرح عبداً فليس لسيد العبد المجروح إلا القصاص، وليس لهم أن يستحيوه ويأخذوه؛ لأن العبد يتهم حينئذ أنه أراد الخروج من يد سيده إلى هذا. وكذلك إن أقر أنه قتل حراً أو عبداً؛ فإنما لسيد العبد، أو ولي الحر القصاص، وليس لهم أن يستحيوه ويأخذوه.

الباب [السادس] فيمن اجتمعت عليه حدود

الباب [السادس] فيمن اجتمعت عليه حدود والسنة في الحدود إذا تكررت، وكان موجبها أمرا واحدا، أجزأ فيها حد واحد؛ ألا ترى أن الزاني إذا أولج مرة أو مرارا، إنما عليه حد واحد، وإذا تجرع الخمر جرعة واحدة أو جرعاً؛ فإنما عليه حد واحد، وكذلك تكرر سرقته؛ لأن الحد تطهير له، فكما كان الإنسان إذا أحدث مراراً يجزيه طهر واحد، فكذلك موجب الحد إذا تكرر كالطهر من الحدث، ولا خلاف بين فقهاء الأمصار في هذا. قال أصبغ: وقد (جلد النبي صلى الله عليه وسلم الذين خاضوا في أمر عائشة رضي الله عنها)، كل واحد حداً واحداً، ولو كان على ما قاله

المخالف لجلد كل واحد منهم حدين، حداً عن عائشة رضي الله عنها، وحداً عن الذي رموها به.

[19 - فصل: في تقديم بعض الحدود على بعض في الاستيفاء] قال ابن القاسم: ومن اجتمع عليه قصاص في بدنه للناس، وحدود لله عز وجل، بدأ بما هو لله عز وجل؛ لأنه أكد إذ لا عفو فيه، وإن كان فيه محمل أقيم عليه ما للناس مكانه، وإن خيف عليه الموت أخر حتى يبرأ أو يقوى، وإن سرق وزنى وهو محصن، رجم ولم تقطع يده؛ لأن القطع يدخل في القتل، ولا يتبع بقيمة السرقة إن كان معدما، وإن طرأ له مال علم أنه أفاده بعد السرقة بهبة أو غيرها، لم يأخذ منه المسروق منه شيئا في قيمة سرقته إلا أن يعلم أن هذا المال كان له يوم سرق؛ ولأن اليد لم يترك قطعها، وإنما دخل قطعها في القتل. [20 - فصل: في تداخل الحدود] ومن أقر أو شهدت عليه بينة أنه زنى بعشر نسوة أجزأه حد واحد، وإن شهدوا عليه أنه زنى وهو بكر، ثم زنى بعد أن أحصن، فإنما عليه الرجم، ولا يجلد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)، ولم يأمره بغير ذلك. وكل حد لله عز وجل، أو قصاص، اجتمع مع القتل، فالقتل يأتي على ذلك كله، إلا حد القذف، فإنه يقام قبل القتل، وذلك لحجة

المقذوف من لحوق عار القذف به إن لم يحد له. ومن قذف جماعة في مجلس، أو مفترقين، فعليه حد واحد، فإن قام به أحدهم فضرب له، كان ذلك الضرب لكل قذف كان قبله، ولا يحد لمن قام به منهم بعد ذلك، وقد زالت عنهم بذلك معرة القذف، فلا حجة لهم. وكذلك لو شرب خمراً، وقذف، رجلاً، فإنما عليه حد واحد. قال في كتاب محمد: ولو شرب خمراً، فضرب الحد له، ثم ثبت بعد ذلك أنه افترى على رجل قبل شربه، فإن ضربه للخمر يجزئ. وكذلك لو افترى على رجل فضرب له الحد، ثم ثبت أنه قد شرب الخمر قبل ذلك؛ فإنه لا يضرب له ثانية، وقاله أصبغ، وقال: وهو الصواب، والسنة والمجتمع عليه، وإنما اشتق أحدهما من صاحبه.

الباب [السابع] فيمن عمل عمل قوم لوط، أو أتى بهيمة، وذكر المتساحقتين

الباب [السابع] فيمن عَمِل عَمَل قوم لوط، أو أتى بهيمة، وذكر المتساحقتين [21 - فصل: فيمن عمل عمل قوم لوط] قال سبحانه في قوم لوط: {إِنَّكُمْ لَتَاتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ}. وقال عز وجل: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً}. فدل أن اللواط أشد من الزنى؛ لأنهم أتوا بما لم يأت به أحد ممن سبقهم، ولأنه أتى من لا يستباح بوجه، والمزني بها قد تستباح بالنكاح. وروى أبو هريرة، وابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقتلوا الفاعل والمفعول به)، وفي حديث أبي هريرة: (أحصنا أو لم يحصنا).

قال ربيعة: وهي العقوبة التي أنزلها الله عز وجل على قوم لوط، وبذلك حكم الصديق رضي الله عنه، وكتب فيه إلى خالد بن الوليد، بعد مشورة خير القرون، وكان أشدهم فيه علي بن أبي طالب رضي الله عنهم

أجمعين، وروي ذلك عن ابن عباس وغيره من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم. وذكر ابن حبيب: "أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب أن تحرقهم بالنار" ففعل ذلك، وفعل كذلك ابن الزبير رضي الله عنه في

زمانه، وهشام بن عبد الملك في زمانه، والقسري بالعراق. قال: فمن أخذ بهذا لم يخطئ، والرجم هو الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن شهاب ومالك: إن عليه العمل. وفي مختصر أبي محمد: ولو كانا عبدين، أو كافرين؛ لرجما.

وقال أشهب يحد العبد خمسين، ويؤدب الكافران، وليس على العبيد في الزنى رجم؛ لأن الله عز وجل جعل عليهم نصف حد المحصنات، ولا نصف للرجم. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولا صداق على الفاعل في ذلك، في طوع ولا إكراه؛ فإن كان المفعول مكرهاً، أو صبياً طائعاً، لم يرجم، ورجم الفاعل، والشهادة فيه كالشهادة على الزنى. [22 - فصل: في إتيان المرأة في دبرها] وإن أتى امرأة أجنبية في دبرها، ليست له بزوجة؛ ولا ملك يمين؛ أقيم عليه حد الزنى، وإن أكرهها فعليه المهر مع الحد، ولا حد عليها هي للإكراه. [23 - فصل: فيمن أتى بهيمة] وإن أتى بهيمة، لم يحد ونكل، ولا تحرق البهيمة، ولا يضمنها، ولا بأس أن يؤكل لحمها. محمد: وقول ابن عمر: "لو وجدت من أتى بهيمة لقتلته"، فقاله

على وجه التغليظ، كما قال عمر: "لو تقدمت بقول في نكاح السر والمتعة لرجمت". قال غيره: وما روى عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وطئ بهيمة فاقتلوه واقتلوها)، فهو حديث ليس من حديث أهل المدينة، وقد روى أبو رزين عن ابن عباس رضي الله عنهما

أنه قال: "ليس على الذي يأتي البهيمة حد"، فهذه الرواية أصح من رواية عكرمة عن ابن عباس، وبها أخذ أهل المدينة. ومن المدونة: وأنكر مالك الحديث: (أن من غل أحرق رحْلُهُ).

[24 - فصل: في المتساحقتين] ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في المرأة تساحق المرأة، تقر أو يشهد عليها بذلك: فليس في عقوبتهما حد، وذلك على اجتهاد الإمام على ما يرى من شنعة ذلك وخبثهما. وكذلك روى عنه أصبغ. وقال أصبغ: ويجلدان خمسين خمسين ونحوهما، وعليهما الغسل إن أنزلتا، وقاله ابن وهب. وقال ابن شهاب: سمعت رجالا من أهل العلم يقولون: أنهما يجلدان مئة مئة.

الباب [الثامن] في الشهادة في القذف وغيره

الباب [الثامن] في الشهادة في القذف وغيره ولم يذكر الله سبحانه شهادة النساء إلا في آية الدين، فلا تجوز شهادتهن في الحدود، ولا يجوز فيها إلا شهادة رجلين حرين، مسلمين، عدلين. ومن شهد عليه شاهد أنه قال لفلان يوم الخميس: يا زاني، وشهد آخر أنه قال له يوم الجمعة: يا زاني؛ فعليه الحد، وكذلك الطلاق والعتاق. فلو شهد واحد أنه طلق امرأته في رمضان، وآخر في رجب؛ لطلقت عليه. وإن شهد عليه رجل أنه قال يوم السبت: إن دخلت دار فلان فامرأتي طالق البتة، وشهد عليه آخر أنه حلف بتلك اليمين يوم الاثنين، فإنه إن حنث

طلقت عليه بشهادتهما. ولو شهد واحد أنه قال: إن دخل دار فلان فامرأته طالق البتة، وشهد عليه آخر أنه حلف إن ركب دابة فلان فامرأته طالق البتة، وشهدت عليه بينة أنه دخل الدار، وركب الدابة، لم تطلق عليه؛ لأنهما شهدا على فعلين مختلفين، بخلاف الأول. والعتق مثل هذا سواء. ولو شهد شاهد على رجل أنه شج فلاناً موضحة، وشهد عليه آخر أنه أقر أنه شجه موضحة، قضى بشهادتهما؛ لأن الإقرار والفعل هاهنا شيء واحد، ولو اختلف الفعل والإقرار لم يقض بشهادتهما. ولو شهد عليه رجل أنه ذبح فلاناً ذبحاً، وقال آخر: أشهد أنه أقر عندي أنه أحرقه بالنار، فالشهادة باطلة.

[24 - فصل: فيمن شهد بحد ثم أكذب نفسه أو تأخرت بينته أو نقصت] وإن قالت البينة بعد ما وجب الحد: ما شهدنا إلا بزور؛ دُرئ الحد. وإذا شهد رجل على رجل بشرب الخمر، أو بالزنى، وقال للقاضي: أنا آتيك بالبينة على ذلك، فإن ادعى أمراً قريباً في الخمر، حبس هو والمشهود عليه، ولا يؤخذ في هذا كفيل، وقيل له: ابعث إلى من يشهد معك، فإن أتى بمن يشهد معه، اقيم على المشهود عليه في الخمر الحد، وإن لم يأت به وادعى

شهادة بعيدة؛ لم ينتظر، ونكل. وأما في الزنى فلا يخرجه من حد القذف إلا أن يأتي بأربعة سواه. وكذلك لو قذفه بالزنى قذفا، ثم جاء هو وثلاثة يشهدون؛ فإنهم يحدون أجمعون. وقد تقدم القول فيمن قذف جماعة، وكثير من مسائل هذا الباب مشروحة في غير هذا الكتاب، فأغنى عن الزيادة فيها.

الباب [التاسع] في العفو عن حد القذف، والقيام به، وكتب القضاة إلى القضاة في الحدود

الباب [التاسع] في العفو عن حد القذف، والقيام به، وكتب القضاة إلى القضاة في الحدود [25 - فصل: في العفو عن حد القذف، والقيام به] وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب) ورواه بن وهب. قال ابن القاسم: فليس في حد القذف عفو إذا بلغ الإمام، أو صاحب الشرط، أو الحرس، إلا أن يريد المقذوف ستراً. م: لأن واجباً على الإنسان أن يستر على نفسه، وكان مالك يجيز العفو بعد أن يبلغ الإمام وإن لم يرد ستراً، كما روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. يريد: لأنه حد للناس، ثم رجع مالك، فلم يجزه عند الإمام، إلا أن يريد المقذوف ستراً. قال ابن المواز: وهذا إذا قذفه في نفسه، وإما أن قذفه أبويه، أو

أحدهما، وقد مات المقذوف؛ لم يجز العفو فيه بعد بلوغ الإمام، قاله ابن القاسم وأشهب. قال محمد: ويجوز عفو الولد عن الأب عند الإمام، قاله مالك وأصحابه رضي الله عنهم، إذا قذفه في نفسه، وإما إن قذف أمه وقد ماتت، أو قذفت أمه أباه وقد مات؛ فلا عفو فيه بعد بلوغ الإمام، قال: ويجوز عفوه عن جده لأبيه عند الإمام كأبيه، وأما عن جده لأمه؛ فلا. ومن كتاب القذف: وأما النكال والتعزيز، فيجوز فيه العفو والشفاعة وإن بلغ الإمام، وقد قال مالك فيمن يجب عليه التعزيز والنكال وانتهى إلى الإمام، قال: إن كان من أهل العفاف والمروءة وإنما هي طائرة منه؛ تجافى السلطان عن عقوبته، وإن عرف بالأذى؛ ضرب النكال. قال: ويجوز العفو عن حد القذف قبل بلوغ الإمام، وقاله مالك. محمد: وروى أشهب عن مالك: أنه متى قام به بعد ذلك العفو؛

حد له إلا أن يكون أراد سترا، وقاله ابن شهاب وابن وهب. وقال أصبغ: قول مالك وابن القاسم أحب إلينا، وهو قول الناس: إن عفوه قبل بلوغ الإمام؛ يسقط عنه الحد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لصفوان إذ عفا عنده عن سارق ردائه: (فهلا قبل أن تأتيني به)، وقال: (تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب). ورواه ابن وهب. قال في المدونة: ومن عفا عن قاذفه قبل بلوغ الإمام، ولم يكتب عليه بذلك كتاباً؛ فلا قيام له بعد ذلك عليه، وكذلك النكال، فإن عفا عنه على أنه متى شاء قام بحده، وكتب بذلك كتاباً، وأشهد على ذلك، فذلك له متى ما قام به، فإن مات كان لولده أن يقوم عليه بذلك الكتاب. محمد: قال مالك: وإني لأكره أن يكتب عليه بذلك كتابا، وما ذلك من عمل الناس.

قال في المدونة: ويجوز العفو في القصاص الذي للناس بعد بلوغ الإمام. ولا يقوم بالقذف غير المقذوف. قال: وإذا شهد قوم على رجل أنه قذف فلاناً، وفلان يكذبهم، ويقول: ما قذفني؛ لم تجز شهادتهم إلا أن يكون المقذوف هو الذي أتى بهم، وادعى ذلك، ثم أكذبهم بعد أن شهدوا عند السلطان، أو قال: ما قذفني؛ فإنه يحد؛ لأنه حد قد وجب لا يزيله، هذا بمنزلة عفوه عنه بعد بلوغ الإمام، ويضرب القاذف الحد. ابن حبيب: قال اصبغ في القاذف إذا هم الإمام بضربه، فأقر المقذوف على نفسه بالزنى، وصدقه؛ فإن ثبت على إقراره حد للزنا، ولم يحد القاذف، وإن رجع عن إقراره؛ لم يحد، وحد القاذف. وقال ابن الماجشون: إذا رجع عن إقراره بتوريك؛ درئ عنه الحد، ودرئ عن القاذف الحد بإقراره. قال ابن حبيب: وهو أحب إلي، ما لم يتبين أنه أراد بإقراره إسقاط الحد عن القاذف، فيبطل إقراره.

ومن العتبية قال أشهب عن مالك في القاذف يعطي مئة دينار للمقذوف، على أن عافاه من الحد، قال: لا يجوز ذلك، وعليه الحد. [26 - فصل: كتب القضاة إلى القضاة في الحدود] ويجوز كتب القضاة إلى القضاة في الحدود، والقصاص، والأموال. وقد تقدم في كتاب الرجم كثير من معاني هذا الباب.

الباب [العاشر] جامع في القذف وصنوف الشتم، وما فيه الحد من ذلك أو الأدب

الباب [العاشر] جامع في القذف وصنوف الشتم، وما فيه الحد من ذلك أو الأدب قال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} - وهن الحرائر العفائف- {ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}، فناب ذكر النساء عن ذكر الرجال، وهذا من الحكم المسكوت عنه بحكم ما يشبهه من المذكور. وقد "ضرب عمر رضي الله عنه الحد الذين شهدوا على المغيرة، إذ لم تتم شهادتهم، ثمانين ثمانين، وضرب في التعريض الحد أيضا". ومن ذلك ما قال الله سبحانه من قول قوم شعيب لشعيب عليه السلام:

{إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}، وقال تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}. قال مالك رحمه الله: فلا يجب الحد إلا في قذف بما فيه الحد، أو نفي، أو تعريض يرى أنه أريد به القذف. فمن قال لرجل: يا لوطي، أو يا عامل عمل قوم لوط؛ فعليه حد الفرية. وإن قذفه ببهيمة أدب أدباً موجعاً ولم يحد؛ إذ لا يحد من أتى بهيمة. وكل ما لا يقام فيه الحد فليس على من رمى رجلا بذلك، حد الفرية. ومن قذف رجلا بالزنى؛ فعليه الحد، وليس له أن يحلف المقذوف أنه ليس بزان، وإن علم المقذوف من نفسه أنه قد زنى، فحلال له أن يحده. ومن قال لرجل: يا مخنث، فرفعه إلى الإمام؛ حد، إلا أن يحلف أنه لم يرد به قذفا، فإن حلف، أدب، ولم يحد. قال غيره: هذا إذا كان في كلامه، أو في عمله، أو بدنه، توضيع؛

وإلا حد، ولم يحلف. ومن قال لرجل: يا سارق، على وجه المشاتمة؛ نكل، وأما إن قال: سرقت متاعي، ولا بينة له، وكان الذي قال له ذلك من أهل التهم؛ فلا شيء عليه، وإما إن كان شهد عليه أنه سرق متاع فلان، حلف صاحب المتاع، واستحقه، ولم يقطع السارق بشهادة واحد. وإن لم يكن للسرقة طالب، مثل أن يقول: رأيته دخل داراً، فأخذ منها شيئا؛ فإن كان الشاهد عدلاً؛ لم يعاقب، وإلا عوقب، إلا أن يأتي بالمخرج من ذلك. [27 - فصل: في بعض الفاظ القذف] ومن كتاب محمد: ومن قال لرجل: يا قرنان؛ جلد لزوجته إن طالبته؛ لأن القرنان عند الناس: زوج الفاعلة. وقال ابن القاسم في غير كتاب ابن المواز: أنه يحد، ولم يذكر زوجه، ولم ير يحي بن عمر فيه الحد، وقال: يجلد عشرين سوطاً، وقد روي عن أشهب فيمن قال لرجل: يا مؤآجر، أنه يحد.

محمد: ومن قال لرجل: يا مؤآجر بارت إجارتك عليك، على وجه المشاتمة؛ فعليه الحد. قال يحى بن عمر فيمن قال لامرأته: يا قحبة؛ فعليه الحد. ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن قال له: يا مأبون: وهو رجل في كلامه تأنيث، يضرب الكبر، ويلعب في الأعراس، ويغني، ويتهم بما قيل له؛ فما يخرجه من الحد إلا أن يحق ذلك. [28 - فصل: فيمن قال: زنيت وأنت صغيرة أو نصرانية أو أمة] ومن قال لأجنبية: زنيت وأنت صبية، أو زنيت وأنت نصرانية، أو قال ذلك لرجل؛ فعليه الحد؛ لأنه لا يخلو أن يكون قاذفا، أو معرضاً، وكذلك لو قال لهما: رأيتكما تزنيان في حال الصبا، أو في حال كفر تقدم، أو قذفهما بالزنى قذفا ثم أقام بينة أنهما زنيا في حال الصبا، أو في حال كفر تقدم منهما؛ لم ينفعه ذلك؛ ويحد؛ لأن هذا لا يقع عليه اسم زنى. وأما من قال لعبد وأمة قد عتقا: زنيتما في حال رقكما، أو قال لهما:

يا زانيان، ثم أقام بينة أنهما زنيا في الرق؛ لم يحد لأن اسم الزنى في الرق لازم لهما، وإن لم تقم بينة؛ حد. محمد: وقال عبد الملك: إن أقام بينة في ذلك كله؛ لم يحد، وإن لم تقم بينة؛ حد، وإن سمى فقال: في صغرك، أو نصرانيتك، أو رقك. وقال أشهب: إن سمى فقال: في نصرانيتك، أو صغرك، أو رقك، فإن كان في غير مشاتمة لم يحد، وإن كان في مشاتمة؛ حد، إلا أن يقيم البينة. [29 - فصل: من قال لزوجته أو لأجنبية: زنيت مستكرهة] ومن المدونة: ومن قال لزوجته: زنيت وأنت مستكرهة، أو قال ذلك لأجنبية؛ فإنه يلاعن الزوج، وإلا حد، ويحد الأجنبي، ولو جاء في هذا ببينة لم يكن عليه حد، وإن لم يلحقها اسم الزنى بالاستكراه، فقد بين أنه أراد الغصب. وفي كتاب محمد قال: يحد: وإن أقام البينة لأنها ليست بذلك زانية. ومن قذف مستكرهة؛ حد، ولو كانت زوجة له لاعن، وإلا حد.

[30 - فصل: فيمن عرض لزوجته بالزنى، أو قال لمسلمة: قذفتك في نصرانيتك] قال فيه وفي المدونة: ومن عرض بالزنى لامرأته ولم يصرح بالقذف، ضرب الحد إن لم يلتعن. ويكون الذي قذف التي أسلمت، والتي اعتقت، أو الصغيرة التي قد بلغت الوطء، أو امرأته قاذفا حين تكلم بذلك. ومن قال لامرأته قد أسلمت: كنت قذفتك في نصرانيتك بالزنى؛ فإن كان إنما سألها العفو ممتحناً، أو أخبر بذلك أحداً على وجه الندم على ما مضى من ذلك؛ فلا شيء عليه، وإن لم يقل ذلك لوجه يعذر به فعليه الحد. محمد قال أشهب: إن كان في مشاتمة حد، وإلا لم يحد.

الباب [الحادي عشر] في القيام بحد القذف

الباب [الحادي عشر] في القيام بحد القذف [31 - فصل: حد القذف ينتقل إلى أقارب المقذوف بالموت] ابن القاسم: ومن قذف ميتاً فإن لولده وولد ولده، ولأبيه، وجده لأبيه؛ أن يقوموا بذلك، ومن قام منهم أخذه بحده، وإن كان ثم من هو أقرب منه؛ لأنه عيب يلزمهم، وليس للأخوة وسائر العصبة مع هؤلاء قيام؛ فإن لم يكن من هؤلاء أحد فللعصبة القيام، وللأخوات، والجدات القيام بالحد إلا أن يكون له ولد ولد. وقال في كتاب محمد: إذا ترك ولداً، وولد ولد، وأباً وجداً لأب؛ فهم سواء، ومن قام منهم فله أن يحده، فأما اخوة، أو بنات، أو جدات، أو غير من سمينا؛ فلا قيام له بحد الميت إلا أن يوصي به. وقال أشهب: لا يقوم إلا الأقرب فالأقرب، فلا قيام لابن الابن مع الابن ولا عفو، والابن أولى بذلك، ثم ابن الابن، ثم الأب بعدهما، ثم الأخ بعده، ثم الجد بعد الأخ، ثم العم بعد الجد، وكذلك قراباته من النساء، الأقرب فالأقرب،

وأما الزوجة، وبنت البنت، فلا حق لهما. قال في المدونة: فإن لم يكن لهذا المقذوف وارث، فليس لأجنبي أن يقوم بحده، وأما الغائب فليس لولده ولا لغيره القيام بقذفه إلا أن يموت، إذ قد يعفو، أو يريد سترا، وإن مات ولا وارث له فأوصى بالقيام بقذفه، فلوصيه القيام به. [32 - فصل: هل يقوم أحد عن الميت والغائب في حد القذف؟] وإذا قذفت ميتة، أو غائبة، فقام بحدها ولد، أو ولد ولد أو أخ، أو أخت، أو ابن أخت، أو جد، أو أب، أو عم، فأما في الموت فيمكن من ذلك، وأما في الغيبة فلا. قال محمد: قال ابن القاسم: لا يقوم بذلك ولده ولا غيرهم، وإن طالت الغيبة، وقاله أصبغ. وقد قيل: لولده القيام في الغيبة البعيدة، ويحد لهم، وليس لهم ذلك في القريبة، ويكتب إلى المقذوف. وذكر ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم: لا يقوم للغائب أحد من

أقربائه إلا الولد في أبيه وفي أمه. قال: ولو أن السلطان سمعه مع شاهدين عدلين؛ حده، وإن كان المقذوف غائبا. وقال محمد عن مالك وابن القاسم: إذا سمعه رجلان فرفعا ذلك إلا الإمام؛ فلا ينتظر في ذلك، ويحد.

الباب [الثاني عشر] في قاذف واطئ المجوسية، والحائض وفي الصبي والعبد، والمحارب، والذمي والحربي، يقذف أو يقذف

الباب [الثاني عشر] في قاذف واطئ المجوسية، والحائض وفي الصبي والعبد، والمحارب، والذمي والحربي، يُقذف أو يَقذف [33 - فصل: في قاذف واطئ المجوسية والحائض] قال ابن القاسم: ومن وطئ أمة له مجوسية، أو امرأته وهي حائض، فقذفه رجل بالزنى؛ فعليه الحد؛ لأنه لا يحد من وطء مجوسية، أو حائض. [34 - فصل: في قذف الصبي والصبية] ولا يحد من قذف بالزنى صبياً لم يحتلم وإن كان مثله يطأ؛ يريد: لأنه رماه بما لا حد عليه فيه، ولا عار يلحقه به. قال: وإن قذف بذلك صبية لم تبلغ الحيض ومثلها يوطأ؛ فعليه الحد. محمد: لأن ذلك عار يلحقها، ولا يرغب في نكاح مثلها، وإذا قذفته هي؛ لم تحد، كما يحد من زنى بها، ولا تحد هي، وأما الغلام فلا حد له ولا

عليه في القذف، كما لا يحد في وطئه، ولا تحد الموطوءة، وقاله يحي بن سعيد، وابن شهاب، ومالك، والأوزاعي. م: ابن الجهم، وابن عبد الحكم، يخالفان مالكاً في قاذف الصبية، ويقولان: لا حد عليه. [35 - فصل: في قذف المجنون والمجبوب] ولا حد على المجنون إن قذف؛ لرفوع القلم عنه. ومن قال لمجنونة في حال جنونها: يا زانية؛ فعليه الحد.

قال محمد: إلا أن يكون أصابها الجنون من صغرها إلى كبرها لم تفق؛ فلا حد عليه، ولا يلحقها اسم الزنى. وكذلك المجبوب إذا جب في الصغر وقذف في الكبر، وإن جب في الكبر وهو حر مسلم؛ فعلى من قذفه الحد. [36 - فصل: لا يحد الصبي والصبية، حتى يبلغا] ومن المدونة: ولا يحد الصبي ولا الصبية، في زنى أو غيره من الحدود، حتى يبلغ الغلام، وتحيض الجارية، فإن تأخر فحتى يبلغا سنا لا يبلغه أحد إلا رأى ذلك من احتلام، أو حيض، فإن أنبت الغلام وقال: لم أحتلم، وممكن فيمن بلغ سنه أن يحتلم؛ فلا يحد حتى يحتلم، أو يبلغ سنا لا يبلغه أحد إلا احتلم. وقد تقدم إيعاب هذا في كتاب الرجم. [37 - فصل: في قذف العبد وأم الولد] ومن قذف عبدا، أو أم ولد؛ أدب. محمد: وقذف رجل بأمه، وهي أم ولد، في خلافة عمر بن عبد العزيز، فأخبر أباه، فأعتق أبو أمه، ثم عاد متعرضا له حتى قذفه ثانية، فرفع إلى

عمر؛ فحده. قال ابن حبيب: وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في امرأةٍ قالت لأمتها: يا زانية فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لم تجلدك في الدنيا جلدتك في الآخرة)، فقالت لأمتها: اجلديني، فأبت، وقالت: عفوت عنك، فأعتقتها، وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (عسى). قال الأوزاعي: إن كانت كذلك وإلا حدت لها يوم

القيامة. ومن قاله لكتابية، أو مجوسية، سئل عن ذلك يوم القيامة. من كتاب محمد: وقال في الموصى بعتقه، أو الأمة الحامل من سيدها، يقذفها رجل بعد موت سيدهما، قبل أن يعتق العبد في الثلث، وقبل أن تلد الأمة، فأما الأمة فيحد قاذفها إن تبين حملها، ولم يختلف فيه قول مالك. وأما الموصى بعتقه فلا يحد قاذفه وإن خرج بعد ذلك من ثلثه. واختلف قوله إذا ترك سيده مالا مأموناً، فقال: لا يحد حتى ينفذ في الثلث، وقال أيضا: يحد قاذفه، وأخذ به ابن القاسم، وإليه رجع مالك. ومن المدونة: وكل من فيه علقة رق إذا زنى أو قذف فحده حد العبيد، وذلك النصف من حد الأحرار، ويؤخذ المحارب إذا تاب بما قذف في حال حرابته، وبحقوق الناس. [37 - فصل: في الذمي يُقذف أو يَقذف] ومن قذف ذمياً زُجر عن أذى الناس كلهم، ومن قذف نصرانية ولها بنون

مسلمون، أو زوج مسلم، نكل بإذاية المسلمين، وقد "جلد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه رجلا قذف نصرانية، لها ولد مسلم، بضعا وثلاثين سوطاً"، ذكره محمد وابن حبيب. وإذا افترى ذمي على مسلم؛ حد ثمانين. ويقطع الذمي إذا سرق، ولا يحد إذا زنى، وقد تقدم هذا. [38 - فصل: في الحربي والذمي يُسلمان بعد ارتكابهما حداً] وإذا قذف حربي في بلد الحرب مسلما ثم أسلم الحربي بعد ذلك، أو أسر فصار عبدا؛ لم يحد للمقذوف، ألا ترى أن القتل موضوع عنه، يريد: وأما الذمي يسلم؛ فإنه يؤخذ بما كان في كفره من قذف، أو سرقة، أو قتل، وإذا زنى. وإذا أتى حربي بأمان فقذف مسلماً فإنه يحد، وإن سرق قطع؛ لأنه كالحرابة، وليس على هذا عوهد.

الباب [الثالث عشر] في المقذوف يرد على القاذف

الباب [الثالث عشر] في المقذوف يرد على القاذف [39 - فصل: من قال لامرأته أو غيرها: يا زانية، فردت عليه] قال ابن القاسم: ومن قال لامرأة: يا زانية، فقالت: زنيت بك؛ حدت للزنى وللقذف إلا أن ترجع عن الزنى فتحد للقذف فقط، ولا يحد الرجل؛ لأنها صدقته وكذلك عنه في كتاب محمد. قال: وقال أشهب: إلا أن تنزع وتقول: إنما قلت ذلك على المجاوبة ولم أرد قذفه، ولا إقرارا بالزنى؛ فيجلد الرجل حينئذ، ولا تحد هي في قذف ولا زنى. وقال أصبغ: يحد كل واحد منهما لصاحبه وإن رجعت عن قولها؛ لأن كل واحد منهما قاذف للآخر، وليس قولها تصديقا له، ولكن رد عليه. وروى يحي بن يحي عن ابن القاسم: فيمن قال لامرأته يا زانية، فقالت: بك زنيت، فقال: لا شيء عليهما؛ لأنها تقول: أردت اصابته إياي بالنكاح، فيدرأ عنهما بهذا الحد، ولا يعد هذا إقرارا منها بالزنى.

وقال عنه عيسى: لا حد عليها للقذف، وعليه لها الحد، إلا أن يلاعن. وقال عيسى: لا حد عليه ولا لعان. [40 - فصل: إذا قال المقذوف لقاذفه: أنت أزنى مني] محمد: ومن قال لرجل: يا زاني، أو أراك زاني، فقال له الآخر: أنت أزنى مني، وهما عفيفان، قال: عليهما الحد، وقاله يونس عن ربيعة، وقال ابن شهاب: إن ذلك قذفا له، وإقرارا على نفسه بالزنى. م: يريد فيحد المجاوب حد الزنى وحد القذف على هذا القول، إلا أن يقول: ما كان ذلك مني إقرار، وإنما كان على المجاوبة، فيحد للقذف فقط، ويعد ذلك رجوعا منه، والله عز وجل أعلم. [41 - فصل: فيمن قذف عبداً أو نصرانيا أو ابن زنى فرد عليه] ومن المدونة: وإن قال حر لعبد: يا زاني، فقال له العبد: لا، بل أنت،

نُكل الحر، وجلد العبد حد الفرية أربعين. ومن كتاب محمد، والعتبية قال أصبغ عن ابن القاسم: ومن قال لنصراني: يا بن الفاعلة، فقال له النصراني: أخزى الله ابن الفاعلة؛ فليحلف النصراني أني ما أردت قذفه، فإن نكل سجن حتى يحلف. وقال أصبغ: يجلد النصراني ثمانين؛ لأنه جواب على المشاتمة، فهو تعريض، وكأنه قال لها: يا زانية، فقالت: زنيت بك، قال: ويعاقب المسلم. ومن كتاب محمد وقال: فيمن أمه زانية، فقال له رجل: يا بن الزانية، فقال له رجل أمك شر منها، فقال فيها ابن شهاب: لا حد عليه، وإن كان عرض، ولكن لو قال: أمك أزنى منها؛ جلد الحد. [42 - فصل: فيمن قال لرجل يا أحمق، فعرض به الآخر] ابن حبيب قال أصبغ: ومن قال لرجل: يا أحمق، فقال له الآخر: أحمقنا ابن الزانية، فهو قذف من قائلة؛ لأنه جواب للشتم، واستتار عن القذف بذكر الحمق، وسواء كان المقول له ذلك أحمق أو حليماً.

الباب [الرابع عشر] في الشتم بما فيه النكال، أو يتعلق له فيه الحد

الباب [الرابع عشر] في الشتم بما فيه النكال، أو يتعلق له فيه الحد روى ابن وهب أن علي بن أبي طالب، وابن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، وعراك بن مالك، وسليمان بن حبيب المحاربي،

وابن قسيط، وابن شهاب، وغيرهم رضي الله عنهم، أنهم قالوا: من قال لرجل: يا فاسق، يا كافر، يا خبيث، يا خنزير، يا شارب الخمر، يا محدود في الفرية، ولم يقل في الزنى؛ فلا حد عليه في شيء من ذلك، ولكن يعاقب بإذاية أخاه المسلم. قال في المدونة: ومن قال لرجل: يا فاجر، يا فاسق، أو قال له: يا بن الفاجرة، أو يا بن الفاسقة؛ فعليه في ذلك النكال. وإن قال له: يا فاجر بفلانة؛ ضرب الحد ثمانين، إلا أن يأتي ببينة على أمر صنعه بها على وجه الفجور، أو يدعي أمراً له فيه مخرج، مثل: أن يجحدها مالاً، فتقول له: لم تفجر بي وحدي، قد فجرت بفلانة قبلي، للأمر الذي كان بينهم، فليحلف أنه إنما أراد ذلك، ويصدق؛ فإن لم يكن على ما وصفت؛ فعليه الحد. قال سحنون: وقال أيضا في قوله يا فاجر بفلانة: أنه يحلف ما أراد قذفا، وإذا قال له: يا خبيث؛ حلف ما أراد القذف، ونُكل، فإن لم يحلف؛ لم

يحد، ونُكل. ولو قال له: يا بن الخبيثة؛ حلف أنه ما أراد قذفا، فإن لم يحلف؛ لم يحد، وسجن حتى يحلف، فإن طال سجنه نُكل. وذكر ابن المواز عن ابن القاسم: أنه إذا نكل؛ سُجن في الوجهين، فإن طال سجنه؛ نُكل، وخلي. قال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم: فيمن قال لرجل: يا ولد الخبيث فإنه يحد، وإن قال له: يا بن الخبيثة؛ فليحلف ما أراد القذف، وأنه أراد خبثا في فعل، أو خلق ونُكل، فإن نكل عن اليمين سُجن حتى يحلف. وكذلك إن قال: يا بن الفاسقة أو الفاجرة؛ فإن طال سجنه، ولم يحلف؛ أوجع أدبا، وخلي. وقال ابن الماجشون في هذا كله: إذا نكل حد، وبه أقول. وقد تقدم أن من قال لرجل يا مخنث: أنه يحد، إلا أن يحلف أنه ما أراد قذفاً، ونكل، وهذا إذا كان في كلامه توضيع، أو لين، أو يعمل عمل النساء؛ فإن لم يكن في الرجل شيء من ذلك حد له، وكذلك في كتاب محمد، وابن حبيب عن ابن الماجشون عن مالك.

قال ابن حبيب: ولم ير عمر بن عبد العزيز فيه الحد، إلا أنه جلد فيه جلدا أشد من الحد. قال في كتاب محمد: وكذلك إن قال له: يا مؤنث، وفي كلامه لين خلقة فيه، أو غيره مما يشبهه؛ فليحلف، ويؤدب. [43 - فصل: اختلاف النكال باختلاف أقدار الناس] قال في المدونة: والنكال على قدر ما يرى الإمام، وحالات الناس في ذلك مختلفة؛ فالمعروف بالأذى يُبالغ في عقوبته، وأما ذو الفضل والمرؤة تقع منه الفلتة؛ فليعاقب في الشتم الفاحش عقوبة مثله، وإن كان شتما خفيفا فليتجافى عنه. ومن قال لرجل: يا شارب الخمر، أو يا خائن، أو يا آكل ربا، أو يا حمار، أو يا بن الحمار، أو يا ثور، أو يا خنزير؛ فعليه النكال.

الباب [الخامس عشر] في التعريض

الباب [الخامس عشر] في التعريض [43 - فصل: في التعريض والقذف الموجب للحد] قال ابن المواز: ومن السنة ألا يجب حد إلا في قذف مصرح، أو بنفي أحد من آبائه، أو ترعيض يرى أنه لزنى، وقاله مالك. وقد جلد عمر في التعريض، وقال: "حمى الله عز وجل لا ترعى جوانبه". ومن قال لرجل: جامعت فلانة حراماً، أو وطئتها حراماً، أو حكى ذلك عن نفسه، فطالبته المرأة بذلك، فقال: لم أرد قذفا، وإنما أردت أني كنت وطئتك بنكاح فاسد؛ فإنه يحد، إلا أن يقيم البينة في الوجهين؛ أنه تقدم فيها نكاح فاسد منه، أو من الرجل المقذوف، إما تزوجها في عدتها، أو تزويجا حراما؛ ويحلف أنه ما أراد إلا ذلك؛ فيدرأ عنه الحد. وكذلك قوله لرجل: كنت وطئت أمك، وقال: أردت بنكاح؛ فإن أتى

ببينة أنه تزوجها لم يحد، وإلا حد. وإذا قال لرجل: جامعت فلانة بين أفخاذها، أو في أعكانها؛ فهو تعريض بين، ويحد له، وقال أشهب: لا حد عليه في ذلك؛ لأنه صرح بما رماه به. ومن قال لرجل: ما أنا بزاني، أو قال: قد أخبرت أنك زاني؛ فإنه يحد، فإن أقام شاهدين على إقرار المقذوف بالزنى، فقال ابن القاسم، وعبد الملك: لا حد عليه. وقال أشهب: عليه الحد. [44 - فصل: من أقر بعد القذف أو قال: أشهدني فلان] محمد: إن أقر بعد القذف؛ فلا حد على قاذفه، وإن كان القذف بعد رجوعه؛ فالحد على قاذفه. وإن قال له: أشهدني فلان أنك زان، حد إلا أن يقيم البينة على قول فلان. وكذلك إن قال: يقول لك فلان: يا زان، قال ذلك كله

عند الإمام أو عند غيره. [45 - فصل: في القذف في الفرج وغيره] ومن قال لرجل: زنى فرجك، أو يدك، أو رجلك؛ فعليه الحد، يريد: وذلك من التعريض في غير الفرج. محمد: وقال أشهب: يحد في قوله: زنى فرجك، ولا يحد في قوله: زنت يداك، أو رجلاك؛ وينكل. محمد: ومن قال لرجل في مشاتمة: إني لعفيف الفرج، أو ما يُطعن في فرجي؛ فعليه الحد، وقاله لي عبد الملك، قال: وكذلك لو قال: إنك لخبيث الفرج؛ فعليه الحد، وقاله غير واحد من العلماء. قلت: فإن قال له: إني لعفيف، قال: إن كان في مشاتمة؛ حلف ما أراد الفرج، وأدب، وهو في الرجل أخف منه في المرأة.

[46 - فصل: من قال لرجل: يا بن العفيفة، أو منزلة الركبان، أو ذات الراية] ابن وهب: وبلغني عن مالك فيمن قال لرجل: يا بن العفيفة؛ أنه يحلف أنه ما أراد القذف، ويعاقب. وقال أصبغ: إن قاله على وجه المشاتمة فعليه الحد. ابن حبيب: وقاله مطرف، وابن الماجشون. ومن كتاب ابن المواز: ومن قال: يا بن منزلة الركبان؛ فإنه يحد؛ لأنه كان في الجاهلية إذا طلبت المرأة الفاحشة أنزلت الركبان، قال يحي بن سعيد: "جلد مروان في ذلك الحد". قال: ومن قال: يا بن ذات الراية؛ حد، وكان في الجاهلية على باب المرأة البغي راية، وقد "جلد عمرو بن العاص في ذلك".

الباب [السادس عشر] جامع في النفي عن الآباء، وعن القبيلة

الباب [السادس عشر] جامع في النفي عن الآباء، وعن القبيلة قال الله سبحانه: {ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}. قال مالك: فمن نفى أحداً عن آبائه، أو قبيلته؛ فعليه الحد. [47 - فصل: في نفي النسب أو قذف الأبوين] قال: ومن قال لرجل مسلم: لست لأبيك، وأبوه وأمه نصرانيان، أو كان أبوه عبدا مسلما؛ فإنه يحد؛ لأنه نفاه، ألا ترى أن بعض الصحابة رضوان الله عليهم آباؤهم مشركون، ولو قال ذلك لأحدهم؛ لحد. وكذلك إن قال: لست ابن فلان لجده، وجده كافر؛ لحد. قال في كتاب محمد: وكذلك إن قال له: يا ولد زنى، أو يا بن زنى، أو أنت للزنى، أو ولد زانية، أو لزانية، أو فرج زنى، فالحد في هذا كله وإن كانت أمه مملوكة، أو مشركة، وأبوه وجده كذلك بخلاف قوله: يا بن الزانية، وأمه مملوكة، أو ذمية.

م: يريد وكذلك قوله: يا بن الزاني؛ لأن هذا قذف للأبوين، والأول نفي. قال ابن القاسم: وقوله: يا ولد الخبيث مثل قوله: يا ولد زنى؛ لأن مخرجه مخرج الزنى والنفي. [48 - فصل: فيمن قطع نسب رجل بنفيه من أبيه أو جده] ومن المدونة: ولو قال لرجل من ولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لست ابن الخطاب؛ فإنه يحد؛ لأنه قطع نسبه. وإن قال: ليس أبوك الكافر ابن أبيه؛ لم يحد حتى يقول لمسلم لست من ولد فلان. وكذلك لو قال لكافر: لست لأبيك، أو ليس أبوك فلاناً، أو يا ولد زنى، أو يا بن الزانية؛ فلا يحد، وإن كان للمقذوف ولد مسلم. وإن قال لرجل: لست ابن فلان لجده، وقال: أردت أنك لست ابنه لصلبه؛ لأن دونه لك أب؛ لم يصدق، وعليه الحد، كان جده مسلما، أو كافرا.

محمد: قال أشهب: وهذا إذا كانت ولادة جده في الإسلام، ولم يكن محمولا، فإن كان محمولا لم يحد إن كان مولى. وكذلك لو نفاه من أبيه دنية، أو قال له: يا ولد زنى؛ لأن المحمولين لا تثبت أنسابهم، ولا يتوارثون بها، وإن كان من العرب؛ حد، وإن كان ولادة أبيه أو جده في الجاهلية، وولد المنفي في الإسلام، وإن كان محمولا مع أبيه لم يحد من نفاه. [49 - فصل: فيمن نسب آخر إلى جده أو عمه أو خاله أو زوج أمه في مشاتمة أو غير مشاتمة] ومن المدونة: وإن قال له: أنت ابن فلان، فنسبه لجده لأبيه؛ لم يحد، لا في مشاتمة ولا غيرها. وكذلك لو نسبه إلى جده لأمه؛ لم يحد؛ لأنه كالأب، يحرم عليه ما نكح. وقال أشهب: يحد إن كان في مشاتمة. قال محمد: قول ابن القاسم أحب إلي، إلا أن يكون ثم ما يعرف به أنه

أراد القذف، مثل أن يتهم الحر بأمه ونحوه، وإلا لم يحد، وقد ينسب إليه لشبهه به في خلق أو طبع، فيقال أنت ابن فلان، يريد: لشبهه به. ومن المدونة: ولو نسبه إلى عمه، أو خاله، أو زوج أمه؛ لحد. محمد: وقال أشهب: لا يحد إلا أن يقوله في مشاتمة. وقاله أصبغ، ومحمد. قال أصبغ: وقد سمى الله عز وجل العم أباً بقوله تعالى: {إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ}. ومن المدونة: وكذلك إن نسبه إلى غير أبيه، أو جده، على سباب أو غير سباب، فعليه الحد. محمد: وقال أشهب: لا يحد لأنه قاله وهو يرى أنه كذلك إلا أن يقوله على السباب فيحد. وقال محمد: يحد إلا أن يقوله على وجه الخطأ أو الاختبار، وإن علم أنه تعمد ذلك؛ حد له، وإن أشكل، وادعى الخطأ؛ أحلف وترك.

[50 - فصل: في النفي عن القبيلة] ومن المدونة ومن قال لعربي: لست من بني فلان؛ للقبيلة التي هو منها؛ حد، ولو كان مولى لم يحد بعد أن يحلف أنه لم يرج نفيا؛ لأن من عرض بقطع نسب رجل كمن عرض بالحد. وكذلك إن قال لعربي: يا نبطي؛ فعليه الحد. وإن قال ذلك لرجل من الموالي؛ حلف أنه لم يرد نفيا، ونكل، فإن لم يحلف؛ لم يحد؛ ونكل. وإن قال لرجل من الموالي: لست من موالي بني فلان، وهو منهم؛ ضرب الحد؛ لأنه قطع نسبه. وكذلك إن قال له: لست من الموالي، وله أب معتق، أو قال له: لست من موالي بني فلان، وفلان قد أعتق أباه أو جده؛ فإنه يحد، وقال أشهب: لا يحد. ابن القاسم: وإن قال لرجل: لست مولى فلان، وفلان قد أعتقه.

نفسه؛ لم يحد؛ لأنه لم ينفه من نسب. [51 - فصل: في نفي من أمه أم ولد، والنفي من الأم، ونفي العبيد] ومن قال لرجل: لست ابن فلان، وأمه أم ولد؛ ضُرب الحد. ومن قال لرجل: لست ابن فلانة لأمة؛ لم يحد؛ قاله مالك وأصحابه. ومن قال لعبده وأبواه حران مسلمان: لست لأبيك؛ ضرب سيده الحد. وكذلك إن قال له: يا بن الزانية، أو يا بن الزاني، ولو قال له: يا بن الزانيين؛ فإنما عليه حد واحد؛ كالحر في ذلك كله. وإن كان أبوا العبد قد ماتا ولا وارث لهما، أو لهما وارث؛ فإن للعبد أن يحد سيده في ذلك. وإن قال لعبده: لست لأبيك، وأبوه مسلم، وأمه كافرة أو أمة؛ فقد وقف فيها مالك. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن يحد؛ لأنه حمل أباه على غير أمه، فصار قاذفا لأبيه.

م: يريد بقوله لأنه حمل أباه على غير أمه، يعني: أن أباه زنى بغير التي يزعم هذا أنها أمه، فهو ولد زنى لا يلحق بأبيه فقد رمى أباه بالزنى، والله أعلم. [52 - فصل: في كون عفو المنفي المسلم عن نافيه متعلق بأبوية، ومن قال: لست لأبيك] م: قال بعض أصحابنا: وإذا نفى مسلما من أبيه فوجب حده، فأراد المنفي أن يعفو عن الذي نفاه، فإن كان أبواه عبدين، أو نصرانيين؛ كان ذلك له، ولم يكن لأبويه في ذلك متكلم، وإن كان أبواه حرين مسلمين؛ كان لأبويه أن يقوما بذلك على من نفى ولدهما ويحد لهما؛ لأنه قطع نسبه من أبيه، وزنى أمه. وكذلك إن كان أبوه حراً مسلماً، وأمه نصرانية، أو أمة؛ كان لأبيه أن يقوم

بحده على من نفى ولده منه؛ لأنه حمل أباه على غير أمه، فصار قاذفا لأبيه. ولو كان أبوه عبداً، وأمه حرة مسلمة؛ كان لها أن تقوم بحدها على من قال لولدها: لست لأبيك، وإن كان ولدها قد عفى عنه؛ لأنه رماها بالزنى. م: وهذا كله على قول ابن القاسم فيمن قال لعبده: لست لأبيك وأبواه حران مسلمان. وذكر ابن المواز عن أشهب أنه قال: لا حد عليه؛ لأن الابن عبد، ولا حد في نفيه، ولم يقذف الأب الحر، ولم ينفه من نسبه، وكذلك رواه ابن حبيب عن ابن الماجشون: لا حد عليه؛ إذ لا حد في نفي نسب العبد من أبيه؛ لأنه لا حرمة لأمه. [53 - فصل: فيمن قال لرجل: يا بن السوداء، أو الأمة، أو البربرية، أو اليهودية] قال: وقال مطرف: من قال لرجل: يا بن السوداء، وأمه بيضاء، حد؛ لأنه حمل أباه على غير أمه، وجعله ابن زانية. ولو قال له: يا بن زينب السوداء، وأمه زينب، وهي بيضاء؛ لم يحد. وقال ابن الماجشون: ذلك سواء؛ ولا حد عليه في الوجهين.

وقول مطرف أحب إلي. قال: وكذلك اختلفا إذا قال له: يا بن الأمة، أو يا بن البربرية، وأمه عربية. وقال ابن الماجشون: لا يحد؛ لأنه ليس في الأم نفي، وكأنه قال لأمه: أنت أَمَة، فلا شيء عليه. وقال مطرف: يحد، إلا أن يسميها باسمها. وكذلك في المختصر، وكتاب ابن المواز: أنه يحد؛ لأنه نفى أمه من أبيها. محمد: ولو قال له: لست ابن فلانة؛ لم يحد، وإن قال له: يا بن النصرانية، أو اليهودية، وهي مسلمة؛ لم يحد. ومن المدونة: ومن قال: إن فلاناً الميت ليس لأبيه؛ فلأبي الميت القيام بالحد لما نفي من نسب ولده. [54 - فصل: فيمن نسب رجلا إلى غير قومه] ومن قال لعربي: لست من العرب، أو قال له: يا حبشي، أو يا فارسي، أو يا رومي؛ فعليه الحد. وإن قال لفارسي: يا رومي، أو يا حبشي، أو لبربري: يا فارسي، أو

يا حبشي، أو نحو هذا لم يحد. وقد اختلف عن مالك في الذي يقول لبربري، أو لرومي: يا حبشي؛ أن عليه الحد، ولا حد عليه. وأنا أرى ألا حد عليه إلا أن يقول: يا بن الأسود، فإن لم يكن في آبائه أسود فعليه الحد، وأما إن نسبه إلى حبشي فيقول له: يا بن الحبشي، وهو بربري، فالحبشي، والرومي، في هذا سواء إذا كان بربرياً. م: وساء قال له يا حبشي، أو يا بن الحبشي، أو يا رومي، أو يا بن الرومي؛ فإنه لا يحد، وكذلك عنه في كتاب محمد. قال فيه: ويحلف أنه ما أراد نفيه، وينكل؛ فإن نكل؛ لم يحد، وينكل، وقال أشهب: يحد. ومن المدونة: وإن قال لفارسي، أو لبربري: يا عربي؛ فلا حد عليه. وإن قال لعربي: يا فارسي، أو لمصري: يا يماني، أو ليماني: يا مصري، أو لقيسي: يا كلبي، أو لرجل من كلب: يا تميمي؛ فعليه الحد؛ لأن

العرب تنسب إلى آبائها، وهذا نفي لها من آبائها. وإما إن قال لقرشي: يا عربي؛ فلا حد عليه؛ لأن كل قبيلة من العرب يجمعها هذا الاسم. محمد: وكذلك إن قال لقرشي: يا مُضري؛ لم يحد بذلك؛ لأن قريشا من مُضر.

الباب [السابع عشر] فيمن قذف ولده، أو ولد ولده، أو قال لزوجته، أو لأمته في ولدها منه: لم تلديه

الباب [السابع عشر] فيمن قذف ولده، أو ولد ولده، أو قال لزوجته، أو لأمته في ولدها منه: لم تلديه [55 - فصل: فيمن قذف ولده أو ولد ولده] قال ابن القاسم: ومن قذف ولده، أو ولد ابنه، أو ولد ابنته؛ فقد استثقل مالك أن يحد لولده، وقال: ليس ذلك من البر. قال ابن القاسم: وأرى إن قام على حده أن يحد له، ويجوز في ذلك عفوه عند الإمام. وكذلك ولد الولد، ولا يقاد من أب، أو جد، في نفس، أو في جارحة، وتغلظ عليهم الدية، إلا في العمد البين، مثل: أن يضجعه فيذبحه، أو يشق جوفه. ومن قال له أبوه: يا بن الزانية، فله القيام بحد أمه إن كانت ميتة، وإن كانت حية؛ فلا قيام له بذلك إلا أن توكله. ومن قال لبنيه: ليسوا بولدي، فقام عليه اخوتهم لأمهم من رجل غيره، فطلبوا حد أمهم وقد ماتت؛ فإن حلف أنه لم يرد قذفا، وأنه أراد في قلة طاعتهم له؛ لم يحد، وإن نكل؛ حد، ولو كانت الأم حية كان القيام لها دون بنيها.

[56 - فصل: من قال لزوجته، أو أمته في ولدها منه: لم تلديه، ومن رأت رجلا فقالت: هو ابنها] ومن قال لامرأته في ولدها: أنك لم تلديه، وقالت: بلى قد ولدته؛ فإن كان مقرا به قبل ذلك فهو ولده ولا يلاعن فيه وليس بقاذف، وإن كان لم يقر به قط ولم يعلم بالحبل؛ فالولد ولده، إلا أن ينفيه بلعان؛ لأن من أقر بالوطء فالولد ولده، فإن نفاه التعن وإن نكل عن اللعان، لزمه الولد، ولم يحد، وكان كمن قال لرجل: لست لأمك؛ بأنه لا يحد ومن أقر بوطء أمته، ثم أتت بولد، فقال لها: لم تلديه، ولم يدع استبراء، وقالت الأمة: بلى، قد ولدته منك؛ فهي مصدقة، والولد به لاحق. وإذا نظرت امرأة إلى رجل فقالت: ابني، ومثله يولد لمثلها، وصدقها، لم يثبت نسبه منها؛ إذ ليس هاهنا أب يلحق به. [57 - فصل: لا يقيم القاضي حد القذف بسماعه وحده أو بسماعه مع آخر ويرفع الأمر إلى قاضي آخر] وقد تقدم في كتاب الأقضية أن من قذف رجلا بين يدي القاضي وليس معه غيره؛ فلا يقيم عليه الحد، وإن شهد معه رجل غيره؛ فلا يحد هو أيضا وليرفع ذلك إلى من هو فوقه فيقيم عليه الحد، وكذلك إن رأى رجلا اغتصب رجلا مالا، ولم يره غيره؛ فليرفع ذلك إلى من فوقه؛ ويكون هو شاهدا.

الباب [الثامن عشر] فيمن نفى رجلا من أبيه إلى غير جنسه، أو صفته، أو عمله

الباب [الثامن عشر] فيمن نفى رجلا من أبيه إلى غير جنسه، أو صفته، أو عمله [58 - فصل: فيمن نسب رجلا من أبيه إلى غير صفته، أو نفى عنه صفته] قال ابن القاسم: ومن قال لرجل: يا بن الأقطع، أو المقعد، أو الأعمى، أو الأحمر، أو الأزرق، أو الأصهب، أو الآدم، أو الأسود؛ فإن لم يكن أحدا من آبائه كذلك؛ جلد الحد. محمد: كان عربياً أو مولى. قال مالك: وأما إن قال ذلك في نفسه: يا أعور، يا أقطع؛ فلا حد عليه، كان عربيا، أو مولى، حتى يقول: يا بن كذا، بخلاف القائل لعربي: يا حبشي، يا عبد، يا أعجمي، أو سماه بشيء من الأجناس؛ فهذا إن كان عربيا حد له.

وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون: من قال لعربي: يا يهودي؛ لم يحد، ولو قال له: يا بن اليهودي؛ حد. قال محمد: ولو سمى أباه باسمه لم يحد، وإن وصفه بصفة غير صفته، مثل أن يقول له: يا بن فلان الأقطع، أو الأسود، قال عبد الملك: وهو شاتم ويؤدب. [59 - فصل: فيمن نسب أباً إلى غير عمله] قال في المدونة: وإن قال له: يا بن الحجام، أو يا بن الخياط؛ فإن كان من العرب ضُرب الحد، إلا أن يكون من آبائه أحد عمل ذلك العمل، فإن كان من الموالي رأيت أن يحلف بالله ما أراد أن يقطع نسبه؛ فلا يحد، وعليه التعزيز؛ لأن ذلك عمل الموالي. وروى ابن وهب عن مالك في موطأه: أن عليه الحد، كان من الموالي أو من العرب، إلا أن يكون في آبائه أحد من هو كذلك. وقال أشهب: هما سواء لا حد عليه، ويحلف ما أراد نفيا، وكأنه قال: أبوك الذي ولدك حجام، أو حائك، أو دباغ؛ فلا حد عليه، وإن كان

عربيا. وروى ابن وهب "أن عمر بن عبد العزيز رفُع إليه في رجل قال لآخر: يا بن الحجام، وأبوه جزار، فلم ير عليه حداً، ولا رآه نفياً لنسبه". وقال ربيعة، ويحى بن سعيد: "عليه الحد"، وقاله ابن وهب، وابن كنانة. ومن المدونة: قال ابن القاسم: وسئل مالك عن من قال لرجل: يا بن المطوق- يعني الراية التي تجعل في الأعناق- وهو مولى؟، فقال: لا يحد، وكأني رأيته أن لو كان عربياً لجعل عليه الحد. [60 - فصل: فيمن نفى رجلا من أبيه إلى غير جنسه] ومن قال لرجل أبيض: يا حبشي؛ فإن كان من العرب حد، وإن كان من غير العرب، فدعاه بغير اسم جنسه من البيض كلهم؛ فلا حد عليه، وإن قال له: يا بربري، وهو حبشي؛ لم يحد. ومن قال لرجل: يا أعور، يا مقعد، وهو صحيح، على وجه المشاتمة؛ فإنما عليه الأدب؛ لأن من آذى مسلما أدب. وإن قال لعربي: يا مولى، يا عبد؛ فعليه الحد. وإن قال لمولى: يا عبد؛ لم يحد.

ومن قال لرجل: يا بُني، يا أبي؛ فلا شيء عليه. وإن قال له: يا يهودي، أو يا نصراني، أو يا مجوسي، ونحوه؛ نكل. ولم يحد مالك في النكال حدا، وذلك على قدر أذى القائل، وحال المقول له. وإن قال له: يا بن اليهودي، أو يا بن المجوسي، أو يا بن عابد وثن؛ حد، إلا أن يكون أحدا من آبائه كذلك؛ فينكل. ابن المواز: وقال أشهب: لا يحد إذا حلف أنه لم يرد نفيا. قالا: ولو قال له نفسه: يا يهودي، يا عابد وثن، لم يحد، وإن كان عربيا، وينكل. وروى الليث في هذا للنبي صلى الله عليه وسلم: فيمن قاله لأنصاري: (أنه يجلد عشرين سوطاً). وقد تقدم أن من قال: جامعت فلانة بين أفخاذها، أو في أعكانها؛ أنه يحد؛ لأنه تعريض. ولو قال: جامعتها في دبرها؛ فإنه يحد لها، وإن ثبت على إقراره؛ حد للزنى.

الباب [التاسع عشر] فيمن قذف مرتدا، أو ملاعنة، أو ولدها

الباب [التاسع عشر] فيمن قذف مرتداً، أو ملاعنة، أو ولدها [60 - فصل: فيمن قذف مرتدا] قال ابن القاسم: ومن قذف رجلا، ثم ارتد المقذوف، أو قذفه وهو مرتد؛ لم يحد قاذفه، ولو رجع إلى الإسلام؛ لم يحد له، كمن قذف رجلا بالزنى فلم يحد له حتى زنى المقذوف؛ فلا يحد قاذفه. ومن قذف رجلا ثم ارتد القاذف أو قذفه وهو مرتد؛ فإنه يحد، أقام على ردته، أو راجع الإسلام. [61 - فصل: فيمن قذف ملاعنة أو ولدها] ومن قذف ملاعنة التعنت بولد أو بغير ولد؛ حُد. ومن قال لولد الملاعنة: لست لأبيك، فإن كان في مشاتمة، حد، وإن كان على وجه الخبر لم يحد.

وفي كتاب الرجم مسألة من وطئ جارية بيده رهناً، أو عارية، أو وديعة، أو بإجارة؛ فعليه الحد. تم كتاب القذف بحمد الله وعونه، وصلى الله على محمد رسوله وعبده.

كتاب الأشربة

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ونبينا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الأشربة [الباب الأول] في تحريم الخمر، وما يحرم من الأنبذة [1 - فصل: في التدرج في تحريم الخمر] قال مالك رحمه الله: وما أسكر كثيره من الأشربة فقليله حرام. قال ابن حبيب: ذم الله سبحانه الخمر في آيتين، وحرمها في الثالثة التي أنزلها بعدهما في سورة المائدة فنسخ بها الآيتين، وهما قوله عز وجل:

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ}، يقول: ما يجر إليه من دواعي السكر، ومنافع للناس، كان يشربها الرجل للهم يعرض له فتسكه، ومنافع الميسر مقامرتهم به، وإثمه ما يقع في خلال ذلك من الشحنة والمنازعة، ثم أنزل الله سبحانه الآية الثالثة الناسخة: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ} إلى قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوهُ} إلى قوله: {مُنْتَهُونَ}، فأمره عز وجل باجتنابها تحريم لها؛ لأن أوامره

واجبة، وقد قرنها عز وجل بالميسر والأنصاب- وهي الأصنام-. [2 - فصل: في الإجماع على أن الشدة في العصير تنقله إلى الخمر] قال غيره: وأجمعت الأمة على انتقال اسم العصير إلى اسم الخمر بالشدة الحادثة في العصير، فدل ذلك على أن الشدة أصل التحريم، فكل ما كانت الشدة فيه موجودة من جميع الأشربة وجب له حكم الخمر، وإنما حُرمت الخمر؛ لأنها تحدث منها العداوة والبغضاء، وتصد عن ذكر الله عز وجل، وعن الصلاة. [3 - فصل: فيما يحرم من الأنبذة وعلة تحريمه] قال أبو بكر بم البكير: والخمر التي حرم الله عز وجل هي السكر، وهو المسكر الذي يثمل كثيره، ويدعو إلى العداوة، والبغضاء، ويصد عن ذكر الله عز وجل وعن صلاة، فالخمر لم تحرم لطيب طعم، ولا للون، ولا رائحة، لكن لما يكون عنها، ولا فرق بين مسكر العنب، ومسكر التمر

وغيره، وإنما سميت خمراً لمخامرتها العقل، والسكر إنما سمي سكراً؛ لأنه يسكر بمخامرته العقل، قال الله عز وجل: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا}، فالسكر الخمر، وقد قال أنس: "إن خمرهم كانت يوم نزل تحريمها من فضيخ التمر والرطب، فأمر من حضر من الأنصار أن يريقها حين نزلت الآية، فلم يشكوا أنها الخمر". والفضيخ: هو أن يؤخذ البُسر فيهشم ويصب عليه الماء، ثم يترك حتى يطيب ثم يشرب، ومن تركه حتى تحدث فيه الشدة صار خمراً حراماً.

وقد قال عمر رضي الله عنه: "نزل تحريمها يوم نزل وهي من خمس، ثم أجمل فقال: ألا وإن الخمر ما خامر العقل". فبين معناها. ومن القياس: أن مسكر العنب والتمر وغيره سواء، إذ من أجل السكر حرمت، واحتيط على العباد فمنعوا من قليلها إذا كان داعيا إلى كثيرها، كما منع من التصريح بالخطبة في العدة، إذ ذلك داعية إلى النكاح فيها، ومنع سائق الهدي التطوع الأكل منه خيفة التطريق إلى نحره، ثم يدعي عطبه، ومنع البيع عند النداء خيفة فوت الجمعة، ومثل هذا كثير. [4 - فصل: في نصوص السنة الواردة في تحريم المسكر] وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل مسكرٍ

حرام). وقال: (ما أسكر كثيره فقليله حرام). وقال: (كل مسكرٍ خمر). وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن البتع؟، فقال: (كل

شراب أسكر حرام). قال أحمد بن خالد: حديث البتع صحيح. والبتع: شراب العسل. وقال صلى الله عليه وسلم للذين سألوه من اليمن عن شرابهم، وأنه لا يصلحهم إلا ذلك لبرد أرضهم، فقال عليه السلام: (ايسكر؟)، قالوا: نعم. فنهاهم عنه، وقال: (كل مسكر حرام). ولم يريدوا أنه لا يصلحهم إلا السكر منه، وإنما رغبوا في شربه، فحرمه عليهم.

[5 - فصل: في الإثبات بالمعقول أن قليل الخمر ككثيره في التحريم] ولما كان العصير من العنب الذي جامعونا عليه لا يجب له اسم الخمر إلا بحدوث الشدة فيه، دل على أن الشدة أوجبت هذا الاسم لقليله وكثيره، وقد قرن الله عز وجل النخيل والأعناب فيما يحدث عنهما بما يجب له هذا الاسم، وقد أمر الله عز وجل باجتناب الخمر فوجب اجتناب قليله إذ اسم الخمر واقع عليه، فكذلك كل ما وقع عليه اسم خمر من سائر الأشربة. فإن قيل: وجب له اسم الخمر لقليلها وكثيرها بالشدة، لكن حرم كثيرها لما فيه من السكر الداعي إلى ما ذكر الله عز وجل من الصد عن ذكر الله، والصلاة. قيل: إن الخمر هو الداعي إلى ذلك، ولذلك حرمه. ولأن قليله يدعو إلى كثيره، ويتطرق به إليه، كما يدعو كثيره إلى نهاية تلك الأمور، وكثير في

الشريعة بهذا المعنى يمنع للجرائر والدواعي، وقد ألزمنا المخالف لما أقر بما ثبت من الحديث في تحريم المسكر أن جملة المشروب هو المسكر؛ لأن آخر المشروب لا يسكر منفرداً كأوله، فقد دخل القليل تحت هذا الاسم، فوجب هذا الاسم لقليله وكثيره. فإن قيل: إن ذلك مثل قليل العقار القاتل كثيره، وما يشم من الطعام، وما دونه من الأكل. قيل: قد نص الله سبحانه وتعالى على تحريم الخمر، وقد بينا أن القليل يقع عليه اسم خمر، وأجمعت الأمة على أن قليل العقار الضار كثيره جائز أكله، فهذا كالنص بتحليل قليله، فقاسوا بغير مشتبه. وأيضاً: فإن أخذ قليل العقار ليس بداعية إلى المزيد فيه، وتناول

قليل الخمر داعية إلى المزيد فيه؛ لأنه يحدث في النفس تطلباً إلى المزيد، وطرباً إليه. وأيضاً: فإنا اتفقنا أن الحد يجب على السكر من الخمر، فيلزمهم أن يحدوا في السكر من كثير العقار؛ لأنه تناول حراماً كما تناول من الخمر، وهذا لا يقوله أحد. [6 - فصل: في الإثبات بالمنقول أن قليل الخمر ككثيره في التحريم] قال ابن المواز: أخبرنا ابن عبد الحكم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل مسكر حرام)، قيل: يا رسول الله أحدنا يشرب القدح في غدائه وعشائه؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام). وقالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(ما أسكر الفرق منه فالحسوة منه حرام). وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ما أسكر كثيره فقليله حرام". وروى أن الأنصار قالوا: يا رسول الله أرأيت لو عمد أحدنا إلى الشربة فمذقها بالماء؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حرام قليل ما أسكر كثيره).

[7 - فصل: في النقطة من الخمر تقع في الطعام] وروى ابن المبارك عن خالد بن راشد عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه قال: "لو أن قطرة من خمرٍ مسكرٍ وقعت في برمة ماءٍ

لحرم ذلك على أهله. وقال ابن حبيب في النقطة وشبهها تقع في كثير من الطعام: فلا تجرم، كالنقطة من الدم تقع في ماء كثير فتذهب فيه فلا تفسده.

الباب [الثاني] في الحد في شرب الخمر، وفي رائحته، وفي المدمن عليه، وفي الاستنكاه

الباب [الثاني] في الحد في شرب الخمر، وفي رائحته، وفي المدمن عليه، وفي الاستنكاه [8 - فصل: في الحد في شرب المسكر من أي شراب كان وإن قل] قال مالك رحمه الله: ومن شرب خمراً، أو نبيذاً مسكراً، قليلاً كان أو كثيراً، سكر منه أم لا؛ فعليه الحد ثمانون جلدة، وكذلك إن شهدت عليه بينة أن ربه رائحة مسكر؛ جلد الحد، كان أصله عصير عنب، أو زبيب، أو تمر، أو تين، أو حنطة، أو غير ذلك، وكذلك الأسكركة إذا أسكرت؛ لأنها عنده خمر إذا كانت تسكر. والسكركة: شراب يعمل من القمح.

[9 - فصل: في الحد على من ظهرت منه رائحة الخمر، وحكم المدمن عليه] قال ابن حبيب: وهي السنة أن يحد ثمانين جلدة من شرب مسكراً، سكر أو لم يسكر، أو وجد منه رائحة سكر، وكذلك فعل عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما "جلدا في الرائحة". قال ابن المواز: وأول من جلد في شرب المسكر ثمانين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو السنة، أجمع المسلمون على ذلك، ويقويه حكم العمرين، وقاله علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، ومضى عليه العمل أن الحد في الخمر ثمانون، وكل مسكر خمر. وإنا لنرى فيما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخليطين

وغيره من الأنبذة الأدب الوجيع لمن نهي عنه وعرف ذلك فارتكب المعصية تعمداً. وقال أشهب عن مالك في المدمن في الخمر: يجلد كلما أخذ الحد. وأرى أن يلزم السجن إذا كان مدمناً خليعاً، "وقد فعله عامر بن الزبير بابن له كان ماجناً".

[10 - فصل: في العمل بالاستنكاه] قال ابن القاسم في الاستنكاه: أرى أن يعمل به. وقال أصبغ: وقد حضرت العمري القاضي، وكان عنده ابن وهب، وجماعة من العلماء، فأمروا بالاستنكاه، ففاوهه بالكلام والمراجعة، ثم أدخل مشمه في شدقه، فقطع عليه أنها خمر؛ فجلده، قال: وأحب أن يستنكهه اثنان كالشهادة، فإن لم يكن إلا واحد فعليه الحد إذا كان الإمام هو الذي أمره بالاستنكاه حين استرابه، وأما إن كان شاهداً عليه بالاستنكاه من قبل نفسه فلا يجوز إلا اثنان كالشهادة.

الباب [الثالث] ما يحل وما يحرم من الأنبذة، وذكر المطبوخ، والخليطين، والنبيذ في الدباء والمزفت

الباب [الثالث] ما يحل وما يحرم من الأنبذة، وذكر المطبوخ، والخليطين، والنبيذ في الدباء والمزفت [11 - فصل: فيما يحل وما يحرم من الأنبذة] قال مالك رحمه الله: وعصير العنب، ونقيع الزبيب، وجميع الأنبذة، شربها حلال ما لم يسكر، فإذا أسكرت فهي خمر، ولا أحد في قيام الانتباذ قدراً من توقيت وقت أو غليان، والسكر علة التحريم، ولا ينظر إلى الغليان. قال ابن حبيب: وحد بعض التابعين فيه الغليان، وإنما حرموه بالغليان حوطة؛ لأنه علم لاختماره، فأنا أنهى عنه، وبالسكر يجب التحريم.

[12 - فصل: في شرب المطبوخ ورأي السلف فيه وخلطه بالماء] قال مالك: وكنت أسمع أن المطبوخ إذا ذهب ثلثاه لم يكره، ولا أرى ذلك، ولكن إذا طبخ حتى لا يسكر كثيره حل، وإن أسكر كثيره حرم قليله. محمد قال أشهب: ولو نقص تسعة أعشاره. وقد حدث مالك: "أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام شكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اشربوا العسل. فقالوا: لا يصلحنا العسل. فقال رجل من أهل الأرض: هل لك أن أجعل لك من هذا الشراب شيئاً لا يسكر قال: نعم. فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث، فأتوه به، فأدخل عمر فيه إصبعه ثم رفع يده فأتبعها يتمطط، فقال: هذا الطلاء، هذا مثل طلاء الإبل. فأمرهم عمر رضي الله عنه أن يشربوه. فقال له عبادة بن الصامت: أحللتها والله. قال عمر

رضي الله عنه: كلا والله، اللهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم". وإنما قال ذلك عبادة من أجل أنه اتقاء ألا يبالغ في طبخها، فتبقى على حالها فتصير خمراً، فلما فهم عمر قول عبادة قال: "اللهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم". قال محمد: وأكثر ما يعرف من العصير إذا طبخ فذهب ثلثاه أنه يحل؛ لأنه لا يحرم ولا يسكر، وليس ذلك في كل شراب، ولا كل عصير، فأما الموضع المعروف بذلك فلا بأس به إن شاء الله، وقد شربه جماعة من

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أبو موسى الأشهري، وأبو الدرداء، وعقبة بن عامر، وأبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم، وسئل الحسن رضي الله عنه: عن الطلاء المنصف؟

فقال: "لا تشربه". قلت: فما ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه، وجعل في الخوابي تكون هي أوعيته؟ قال: اشربه. قلت: أتشربه أنت يا أبا سعيد؟ قال: نعم، "كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يشربونه". محمد: قيل لمالك: فمن مزج طلاء العنب بالماء ثم يتركونه يوم ثم يشربونه؟ قال: إن لم يسكر فلا بأس به. [13 - فصل: في جعل شيء في الشراب يعجل بشدته] قال مالك: ولا يجعل دردي المسكر وعكره في شراب يضرى

به ولا في شيء من الأشربة أو الأطعمة،- يريد: فأما دردي غير المسكر فلا بأس به-، ورواه أشهب عن مالك. وروى عنه ابن القاسم في النبيذ يجعل فيه عكره يضرى به: فكرهه. وأخذ أصبغ بقول مالك، ولم يعجبه قول ابن القاسم. ومن المدونة: وأرخص مالك أن يجعل في النبيذ عجين، أو دقيق، أو سويق، ليعجله أو يشتد به قليلا، ثم نهى عنه، وقال: بالمغرب تراب يجعلونه في العسل، وأنا أكرهه، وهذه الأشياء يريدون بها إجازة الحرام. قال ابن القاسم: ولا أرى به بأساً ما لم يسكر. [1 - فصل: في حكم الخليطين] قال مالك: ولا يعجبني أن ينبذ البسر المذنب

الذي قد أرطب بعضه حتى يكون بسراً كله. قال غيره: وقد "كان ابن عمر ينبذ النبيذ فينظر إلى الثمرة بعضها بسرة وبعضها رطبة فيقطعها ولا ينبذها كلها" كراهية أن ينبذ البسرة والرطب جميعا؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وعن الخليطين في الانتباذ؛ لأن بعض ذلك يهيج بعضاً. قال مالك: ولا يجوز أن ينبذ تمر مع زبيب، ولا بسر أو زهو مع رطب، ولا حنطة مع شعير، ولا شيء من ذلك مع تين أو عسل؛ (لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ البسر والتمر جميعا، أو الزهو والتمر جميعا).

قال مالك رحمه الله: وإن نبذ كل واحد مما ذكرنا على حدة لم ينبغ أن يخلطا عند الشرب، وما حل من الأنبذة فلا يجوز فيه الخليطين؛ (لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الخليطين من الأشربة). قال ابن حبيب: ولا يجوز شرب الخليطين نبذا كذلك، أو خلطا عند الشرب، كانا من جنس واحد أو جنسين، مثل عنب وزبيب، أو زهو ورطب، أو تمر مذنب. قال: وإن نبذ زبيب وحده؛ لم يجز أن يصب عليه عند شربه عسل، أو يلقى فيه تمر أو تين، قال: إلا الفقاع فقد استخف أصبغ أن يحلى بالعسل عند شربه، قال: وإن كان نبيذان أصلهما زبيب؛ جاز أن يخلطا عند الشرب، وكذلك نبيذ زبيب يطرح عليه زبيب ليحليه أو يشده، أو عسل

يطرح على نبيذ عسل. وذكر ابن المواز في معاني الخليطين نحو ما ذكر ابن حبيب. قال غيره: ولا بأس أن يخلط شراب ورد مع شراب بنفسج ويشربان؛ لأن اصلهما واحد وهو السكر. قال ابن القاسم: ولا بأس أن يخلط العسل مع اللبن ويشرب. قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب: لا بأس أن يجعل العسل في البس؛ لأنه مثل الماء، وليس هو مثل الخليطين. وقال عيسى: لا يصلح؛ لأنهما خليطان.

ومن المدونة: وإن خلط العسل بنبيذ لم يصلح،- يريد بنبيذ غير العسل-. قال ابن القاسم: ولا بأس أن يخلط نبيذه بالماء ويشربه؛ لأن الماء لا ينبذ وإنما يكره أن يخلط بشيء يكون منه نبيذا، ولا بأس بأكل الخبز بالنبيذ؛ لأن الخبز ليس بشراب. قيل: فهل ينقع الخبز في نبيذ ويتركه يوماً أو يومين ثم يشربه قبل أن يسكر؟ قال: هذا مثل ما أعلمتك من الجذيذة وشبه ذلك أن مالكاً كرهه في قوله الآخر. [15 - فصل: في النبيذ في الدباء والمزفت ونحوهما] قال ابن القاسم: قال مالك: ولا يصلح أن ينبذ في الدباء والمزفت. قيل: أليس نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الظروف ثم وسع

فيها؟ قال مالك: ثبت عندي (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والمزفت)، فلا ينبذ فيهما، ولا يكره غير ذلك من الفخار أو غيره من الظروف، وأكره مزفت الدباء وغير مزفته، وأكره كل ظرف مزفت كان زقاً أو فخاراً أو غيره. والزفت: شيء يعرفه الناس يزفتون به قلالهم وظروفهم. وذكر ابن حبيب رواية مالك (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت)، قال: ورواه جابر وزاد: (والنقير

والحنتم). قال ابن حبيب: والنقير: ما كان من عود، والحنتم: ما كان من الجر من فخار أخضر كان أو أبيض. وقال أهل العلم: نهي عن ذلك لئلا يتعجل ما ينبذ فيها.

ثم روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه أرخص فيها بعد ذلك فقال: (كنت نهيتكم عن الأوعية فانبذوا، ولا أحل كل مسكر). وأن (عائشة رضي الله عنها كانت تنبذ للنبي صلى الله عليه وسلم في جر أخضر)، "وكانت عائشة رضي الله عنها تشربه فيها". وروي (ما كان بين نهيه ورخصته إلا جمعة). واختلف الصحابة في إباحة ذلك وحظره. وأراه ممن لم تبلغه الإباحة. فروي عن علي، وابن مسعود، ومعاذ، والخدري، وأنس،

رضي الله عنهم "أنهم لم يكونوا يتقون نبيذ الجر ولا غيره"، وأخذ بذلك نافع، وربيعة. وأخذ بالتحريم من الصحابة عمر، وابن عمر، وابن عباس، وأبو هريرة، ورضي الله عنهم، ومن التابعين: الحسن، وابن سيرين، وعطاء، وطاوس، وسعيد بن جبير، وابن شهاب. وأشد ما جاء

عنهم نبيذ الجر. وأخذ مالك بكراهية نبيذ الدباء، والمزفت، وأرخص في نبيذ النقير والحنتم. والتحليل في جميعه أحب إلي. ومن كتاب ابن المواز: وكره مالك الدباء، والمزفت، والنقير عنده كالمزفت. قال عنه أشهب: وأجاز نبيذ الجر، وأجاز الزقاق وإن كانت مزفتة، وكره القرعة وإن لم تكن مزفته ولا مقيرة، وأن يجعل فيها نبيذ.

[16 - فصل: في تغسيل أواني الخمر واستعمالها] ومن العتبية روى أشهب عن مالك في الزكرة للخمر تغسل أيجعل فيها الخل؟ قال: لا؛ لأنها قد تشربت فلا يفعل، وأخاف أن لا يخرج ريحها منها وإن غسلت، وأما الجرار إذا غسلها فلا بأس بها. قال في المختصر الكبير: إذا طبخ فيها الماء وغسلت.

الباب [الرابع] في تخليل الخمر، أو يعمله مربى، وفي التداوي بها

الباب [الرابع] في تخليل الخمر، أو يعمله مربى، وفي التداوي بها [17 - فصل: في تخليل الخمر من مسلم أو نصراني، وحكم أكلها] قال مالك رحمه الله: وإذا ملك المسلم خمراً فليهريقها، فإن اجترأ وخللها وصارت خلا أكلها، وبئس ما صنع. وقال في كتاب محمد: ولا بأس إذا خللها النصراني أن تؤكل. ومن كتاب ابن حبيب: ومن عصر عصيراً يريد به الخل فلا بأس أن يعالجه ليخلله ويلقيه على دردي العنب وحثالته، وإن دخلته الخمر ثم إن عجل بفتحه قبل أوانه فوجده قد دخله عرق الخل فله أن يقره ويعالجه حتى يتحقق تخليله وإن لم يدخله عرق خل، ولا رائحته، فهو خمر فليهريقه، ولا يحل له حبسه ولا علاجه ليصير خلا، فإن اجترأ على المعصية فحبسها حتى صارت خلاً؛ فقد باء بإثمه.

وقد اختلف في أكلها: فنهى عمر أن يؤكل خل من خمر خللت حتى يبدأ الله عز وجل يتخليلها، وقاله ابن مسعود، وأخذ به ابن الماجشون. وأجازه ربيعة، وبه قال مالك وأصحابه، وبه أقول. [18 - فصل: في عمل الخمر مربا] قال في المدونة: وسئل مالك عن الخمر يجعل فيه الحيتان فتصير مربا؟. فقال: لا أرى أكله، وكرهه ابن حبيب. ولا بأس بالمربا الذي يعمل من العصير.

[19 - فصل: في التداوي بالخمر] قال ابن حبيب: وقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التداوي بالخمر، وقال: ليس فيما حرم الله عز وجل شفاء). وكذلك روينا عن غير واحد من الصحابة والتابعين النهي عن ذلك منهم: عمر، وعائشة، وابن مسعود، وابن عمر، رضي الله عنهم.

وكره ابن عمر أن تسقاه الناقة، وأن تداوى بها دبر الدواب. قال مكحول، ومالك: ولا يحل لمضطر أن يشربها لعطش أو جوع؛ لأنها لا تغني من ذلك.

الباب [الخامس] في بيع الخمر، وبيع العنب ممن يعصره خمرا

الباب [الخامس] في بيع الخمر، وبيع العنب ممن يعصره خمرا [20 - فصل: في بيع الخمر والعصير والعنب] من كتاب ابن المواز: وابن حبيب: وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في الخمر: (إن الذي حرم شربها حرم بيعها)، (ولعن شاربها، وساقيها، وبائعها، ومشتريها، وحاملها، والمحمولة إليه، وعاصرها، ومعتصرها، والقيم عليها، وآكل ثمنها).

"ونهى ابن عمر عن بيع العصير، فقال له رجل: إذا أشربه، قال: نعم. قال: فحل شربه وحرم بيعه؛ فقال له: أجئت تستفتيني أو تماريني". قال ابن حبيب: وإنما نهى عن بيعه خيفة أن يخمره مشتريه؛ لأنه لا يصرف إلا إلى الخمر، إلا أن يكون مبتاعه مأموناً يعلم أنه يشربه عصيراً فيجوز. قال: وكذلك بيع الكرم إذا خيف أن يشترى ليعصر خمراً لم يجز بيعه منه وإن كان مسلماً، وأما رومي فلا يحل بحال؛ لأنه هو شأنهم. ونهى عنه ابن عمر، وابن عباس، وعطاء، والأوزاعي، ومالك، وغيرهم. قال الأوزاعي: هو كمن باع سلاحاً ممن يعلم أنه يقتل به مسلماً،

وقاله مالك في الكتابين: فيمن يبيع العسل، أو التمر، أو الزبيب، أو القمح، ممن يعمله شراباً مسكراً، وكره طعام عاصرها، وبائعها، ومعاملته، وإن كان مسلماً، أو يكري حانوته من خمارٍ، أو شيئاً يستعمل في أمر الخمر. ونهى عنه ابن عمر، وابن المسيب. تم كتاب الأشربة بحمد الله وعونه، وصلى الله على محمد رسوله وعبده.

كتاب الجراح

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كتاب الجراح [الباب الأول] في ديات الأعضاء، وشبه العمد، والدية المغلظة، ودية العمد إذا قبلت، ودية الخطأ، وأسنان الإبل في ذلك كله.

[1 - فصل: في ديات الأعضاء، وكتاب عمرو بن حزم] قال سحنون: أجمع العلماء على ما في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى نجران. قال مالك: وعليه الأمر عندنا: (أن في النفس مئة من الإبل، وفي الأنف إذا أوعب جدعاً مئة من الإبل، وفي العين خمسون من

الإبل، وفي الأذن خمسون من الإبل، وفي اليد خمسون من الإبل، وفي الرجل خمسون من الإبل، وفي كل إصبعٍ مما هنالك عشر من الإبل، وفي المأمومة ثلث النفس، وفي الجائفة ثلث النفس، وفي المنقلة خمسة عشر فريضة، وفي الموضحة خمس من الإبل، وفي السن خمس

من الإبل). محمد: وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن في اللسان الدية، وفي الذكر الدية، وفي الأنثيين الدية كاملة، وفي العقل الدية، وفي الصلب الدية، وفي الشفتين الدية).

قال مالك: ولم أزل أسمع أن في الصوت إن انقطع الدية، وما نقص منه فبحسابه. وقضى عمر، وعثمان، وعمر بن عبد العزيز، وجماعة من التابعين في عين الأعور بالدية. م: وسيأتي ذلك كله في موضعه مشروحاً إن شاء الله. [2 - فصل: في شبه العمد، وتغليظ الدية، ومن يحملها] قال مالك في المدونة: شبه العمد باطل لا أعرفه، وإنما هو عمد

أو خطأ. قال أشهب في المجموعة: شبه العمد هو فعل المدلجي بابنه، وفيه الدية المغلظة، وهي ثلاثة أسنان، ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة وهي التي في بطونها أولادها، وهي: ما بين الثنية إلى بازل عامها.

وروي مثله عن عمر، وأبي موسى الأشعري، وزيد بن ثابت. وذكر ابن شهاب أنه ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن في شبه العمد دية مغلظة) على هذه الأسنان.

قال مالك في المدونة: ولا تغلظ الدية إلا في مثل ما فعل المدلجي بابنه رماه بسيف فقتله، فإن الأب إذا قتل ابنه بحديدة حذفه بها، أو بغيرها مما يقاد من غير الوالد فيه؛ فإن الأب يدرأ عنه الحد، وتغلظ عليه الدية، وهي: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها، لا تبالي من أي الأسنان كانت، وكذلك حكم عمر رضي الله عنه في المدلجي. قال مالك وابن القاسم: وتكون في مال الأب حالة؛ لأنه من العمد، والعاقلة لا تحمل العمد، ولا يرث الأب من ماله ولا من ديته شيئا؛

لأنه من العمد. وقال أشهب وعبد الملك: بل هي على العاقلة حالة. قال عبد الملك: ألا ترى أن عمر رضي الله عنه أمر سراقة أن يجمع له إبل تلك الدية، من أجل أن سراقة كان سيد ذلك الحي، ثم دفعها عمر إلى أخي المقتول؛ لأنه هو الذي انفرد بميراثه، ولم يحجبه أبوه عن الميراث؛ لأن

من لا يرث لعلةٍ فيه لا يحجب. قال أشهب: ولأن من العمد ما لا قود فيه يبلغ ثلث الدية فتحمله العاقلة. قال ابن القاسم: إنما أمره عمر رضي الله عنه أن يعدد له عشرين ومئة ليختار منها مئة. [3 - فصل: مقدار دية العمد إذا قبلت، ومن يحملها] قال مالك: ودية العمد إذا قبلت مبهمة فهي على أربعة أسنان، وهي إناث كلها، خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، بذلك مضت السنة، وقاله الليث، وعبد العزيز.

وإذا قبلت دية العمد في النفس، وفيما فيه القصاص من الجراح؛ فلا شيء على العاقلة من ذلك، وذلك في مال الجاني حالا، فإن كان عديما ففي ذمته إلا عقل الجائفة، والمأمومة عمداً؛ فإن ذلك على العاقلة، كان للجاني مال أو لم يكن، وعليه ثبت مالك، وبه أقول، وكان يقول: أنها في ماله إلا أن يكون عديما فهي على العاقلة ثم رجع. والفرق بينهما وبين اليد؛ أن الجائفة والمأمومة موضعها قائم، ولا يستطاع القود منه لأنها متلفة، واليد يقاد منها. [4 - فصل: في صفة دية الخطأ] قال مالك: ودية الخطأ مخمسة وهي: عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون ذكراً، وعشرون حقة، وعشرون جذعة.

محمد: وذكره ابن وهب عن ابن مسعود وعدد من التابعين رضي الله عنهم. قال سليمان بن يسار: وما أصيب به من الجراح خطأ فبحساب المخمسة. وقالوا: في دية العمد إذا قبلت؛ أنها مربعة نحو ما قدمنا، إلا أن يصطلحوا على شيء بعينه فهو على ما تراضوا به. م: وكذلك إذا عفا أحد الأولياء فجاز ذلك على من بقي قضي لمن بقي من حساب الدية المربعة أيضاً.

[5 - فصل: في الذين تغلظ عليهم الدية في القتل والجراح] قال مالك في المدونة: وتغلظ الدية على الأم إذا قتلت ولدها كالأب، وكذلك تغلظ على أبي الأب كالأب.

قال: وكذلك الجدود والجدات. قال مالك: ولا تغلظ الدية في أخ، ولا زوج، ولا زوجة، ولا في أحد من القرابات، ولا تغلظ الدية في الشهر الحرام، ولا على من قتل خطأ في الحرم. قال مالك: وإذا جرح الأب ولده، أو قطع له شيئا من أعضائه بحال ما صنع المدلجي، فإن دية ذلك تغلظ عليه بحساب المثلثة، ويكون في مال الأب حالا كان أقل من ثلث الدية أو أكثر، ولا تحمله العاقلة. [6 - فصل: متى يقاد أحد الأبوين بالابن؟] قال مالك: ولو أضجع رجل ابنه فذبحه ذبحا، أو شق بطنه، مما يعلم أنه تعمد القتل، أو صنعت ذلك والدة بولدها؛ ففيه القود، إلا أن يعفو من له العفو والقيام وقد قال غيرنا: أنه لا يقاد منه في هذا أيضاً.

وسئل مالك: عن امرأة فجرت، فقال لها ابنها: لأخبرن أبي بذلك فقتلته؟. قال: تقتل به. قال: وإذا وضعت الفاجرة، فألقت ولدها في بئر فمات، فإن ألقته في مهلك كالبحر، أو بئر كبير، فما أحقها بالقتل، وإن كان مثل بئر الماشية، وما يرة أنه يؤخذ منه فلا تقتل. [7 - فصل: في مقدار الدية من النقدين، وصفة تغليظها، ومالا يودى به] ومن المدونة قال مالك: وتغليظ الدية على أهل الذهب والورق، ينظر كم قيمة أسنان دية المغلظة، وكم قيمة أسنان دية الخطأ، وهي عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لون، وعشرون ابن لبون، وعشرون حقة،

وعشرون جذعة، فينظر كم زادت قيمة المغلظة على قيمة أسنان دية الخطأ؛ فإن كان قدر ربعها كان له من الذهب والورق دية وربع دية وكذلك فيما قل أو كثر من الأجزاء ولم يمض في هذا توقيت، ولكن ينظر في كل زمان فيزاد في الدية بقدر ما بين القيمتين. قال مالك: "وقوم عمر رضي الله عنه دية الخطأ على أهل الذهب الف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر الف درهم"، فلا تتغير هذه القيمة، ولا يؤخذ في الدية غنم، ولا بقر، ولا خيل، ولا يؤخذ فيها إلا هذه الثلاثة أشياء، الإبل أو الذهب أو الورق، وعلى هذا عمل الناس ببلدنا، ولا يؤخذ من أهل صنف صنف غيره. م: وحكى بعض أصحابنا عن شيوخه القرويين في صفة هذا التقويم: أن تقوم أسنان دية الخطأ، وأسنان المغلظة، أن لو كانت حالة، ولا تقوم أسنان الخطأ على التأجيل. قال: ولو روعي هذا فيها لروعي في

المغلظة إن كانت على فقير أو مليء، فربما أدى ذلك إلى أن تكون قيمة أسنان دية الخطأ لأمنها أكثر من أسنان المغلظة على الفقير. م: وليس الأمر على ما ذكر، بل تقوم أسنان دية الخطأ على تأجيلها حسب ما جعلت على العاقلة، وتقوم الدية المغلظة حالة حاضرة حسب ما جعلت على القاتل، لا يراعى في ذلك ملأه من عدمه؛ لأنه إن كان مليئا أدى القيمة الآن، وإن كان عديما اتبع بها دينا كما كان يؤدي الإبل إن كان من أهلها، إن كان مليئا أداها حالة، وإن كان عديماً أتبع بها ديناً، وكذلك يكون حكمه في قيمتها، وإنما نقلناه من إبل إلى عين فلا يعتبر في ذلك حال ذمته؛ لأن حكمها في الإبل حكمها في العين، وهذا بين. والله عز وجل أعلم.

[8 - فصل: في العمد الذي يقاد منه والذي لا يقاد منه] قال مالك: ومن تعمد ضرب رجل، بلطمة، أو بلكزة، أو ببندقة، أو بحجر، أو بقضيب، أو بعصا، أو بغير ذلك، ففي هذا كله القود إن مات من ذلك. قال مالك: ومن العمد ما لا قود فيه، كالمتصارعين، أو يتراميا بشيء على وجه اللعب فيموت من ذلك، ففي هذا كله دية الخطأ على العاقلة أخماسا، ولو تعمد هذا على وجه القتال فصرعه فمات، أو أخذ برجله فسقط فمات؛ كان في ذلك القصاص.

الباب [الثاني] تفسير ما فيه دية مؤقتة أو حكومة، وأسماء الجراح، وصفاتها

الباب [الثاني] تفسير ما فيه دية مؤقتة أو حكومة، وأسماء الجراح، وصفاتها [9 - فصل: ذكر ما فيه دية مقدرة] وقد تقدم في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه له النبي صلى الله عليه وسلم: (أن في الأنف الدية مئة من الإبل إذا أوعب جدعا). قال سحنون: والإجماع على ما فيه. قال مالك: واجتمع الناس أن في اللسان الدية، وفي الذكر الدية، وفي كل فرد مثل هذا الدية كاملة، وفي الأنثيين الدية كاملة.

قال في المدونة: وفي الأنف الدية كاملة، قطع من المارن أو من أصله، كالحشفة فيها الدية، كما في استئصال الذكر، وإذا قطع بعض الحشفة فمن الحشفة يقاس، لا من أصل الذكر، فما نقص منها ففيه بحسابه من الدية، وكذلك ما قطع من الأنف إنما يقاس من المارن لا من أصله، ألا ترى أن اليد إذا قطعت من المنكب تم عقلها، وإن قطع منها أنملة فإنما فيها بحساب الإصبع. قال محمد: وقد (قضى النبي صلى الله عليه وسلم في أنف استؤصل بالقطع بالدية كاملة، وقضى في أنف قطع مارنه- وهي الأرنبة- بالدية أيضاً كاملة)، وقاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعمر بن

عبد العزيز والمشيخة السبعة التابعين رضي الله عنهم أجمعين. [10 - فصل: في الأنف إذا خرم] ومن المدونة قال مالك: ومن خرم أنف رجل أو كسره خطأ؛ فبرأ على غير عثم فلا شيء فيه، وإن برأ على عثم ففيه الاجتهاد. قال سحنون: ليس في هذا اجتهاد؛ لأن الأنف قد جاء فيه فرض مسمى؛ فإذا برأ على عثم كان فيه بحساب ما نقص من ديته؛ لأن العثم نقص.

[11 - فصل: في كل نافذة في عضو، وعقل الموضحة] قال مالك: وكل نافذة في عضو من الأعضاء إذا برأ ذلك وعاد لهيئته على غير عثم فلا شيء فيه، وإن برأ على عثم ففيه الاجتهاد، وليس العمل عند مالك على ما قيل: أن في كل نافذة في كل عضو ثلث دية ذلك العضو، وليس كالموضحة تبرأ على غير عثم، وينبت الشعر في موضع الشجة فيكون فيها ديتها، وذلك نصف عشر الدية؛ لأن الموضحة فيها دية مسماة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس في خرم الأنف عقل مسمى. قال مالك: وفي الموضحة الخد عقل الموضحة، وليس الأنف واللحي الاسفل من الرأس في جراحهما؛ لأنهما عظمان منفردان، وإنما في موضحة ذلك الاجتهاد، وليس فيما سوى الرأس من الجسد إذا أوضح عن العظم عقل الموضحة، وموضحة الرأس والوجه إذا برئت على شين زيد في عقلها بقدر الشين، ولم يأخذ مالك بقول سليمان بن يسار في موضحة الوجه أنه يزاد لشينها ما بينها وبين نصف عقلها.

قال مالك: وما سمعت أن غيره قاله. وعظم الرأس من حيث ما أصابه فأوضحه فهو موضحة، وكل ناحية منه سواء، وحد ذلك منتهى الجمجمة، فإن أصاب أسفل من الجمجمة فذلك من العنق؛ لا موضحة فيه. [12 - فصل: في تحديد الموضحة والمنقلة والمأمومة والجائفة، ومقدار دية كل منها] والموضحة، والمنقلة، لا تكون إلا في الوجه أو الرأس. وحد الموضحة: ما أفضى إلى العظم ولو بقدر إبرة فأكثر. وحد المنقلة: ما أطار فراش العظم وإن صغر. ولا تكون المأمومة إلا في الرأس، وهي ما أفضى إلى الدماغ ولو بمدخل إبرة. وحد الجائفة: ما أفضى إلى الجوف ولو بمدخل إبرة. وإذا نفذت الجائفة فقد اختلف فيها قول مالك، وأحب إلي أن يكون فيها ثلثا

الدية. محمد: وبه أخذ أشهب, وابن عبد الحكم, وأصبغ. وقد جاء هذا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه من غير جهة؛ وإنما كان قوم يرمون فمرَّ رجل فأصابه سهم في جوفه فخرج من الجانب الآخر, فقضى في ذلك أبو بكر بدية جائفتين ثلثي [166/أ] الدية, وقال: هما جائفتان. أشهب: وهو قول مالك في العمد والخطأ, وإن كان قد روي عنه غير هذا. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنَّ في المَامُومَةِ ثُلُث الدَّيةِ, وفي الْجَائِفَةِ ثُلُثَ الدَّيةِ, وفي المُنْقَّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً, وَفي الْمُوضِحَةِ خَمْساً مِنَ الإبِلِ». كذلك في كتاب عمرو بن حزم. قال سحنون: وأجمع الناس عليه. قال محمد: وأخبرنا عبد الملك, وابن عبد الحكم, وابن بكير

عن مالك أنه قال: الأمر المجتمع عليه عندنا: أنه ليس فيما دون الموضحة من الشجاج عقل, وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما انتهى في كتاب عمرو بن حزم إلى الموضحة, ولم تقض الأئمة عندنا في القديم ولا في الحديث فيما دون الموضحة بعقل. قالوا: وقال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا أن المأمومة, والمنقلة, والموضحة لا تكون إلا في الرأس والوجه, فأما ما كان في الجسد من ذلك وكان خطأً فبرأ وعاد لهيئته بلا نقص فلا شيء فيه, وإن برأ على ففيه الاجتهاد, إلا المأمومة, والجائفة, والمنقلة, والموضحة, فإن في ذلك ديته وإن برأ على غير شَيْن. فإن برأ على شين فاختلف فيه قول مالك: فروى ابن القاسم عنه: أنَّه يُزاد على عقلها بقدر ما شَانت من قليل أو كثير.

وروى عنه أشهب: أنه ليس فيها إلا خمس من الإبل. قال أشهب: وقد (قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بذلك) ولم يذكر: بِشَين ولا بغير شَين, ومما يدل على ذلك: أن الموضحة تكون بقدر إبرة وتكون شِبْراً, وديتها سواء, فكذلك إذا شانه لا يزاد فيها. 13 - فصل [في الجناية على اللسان خطأ, وكيف إن قطع ما يمنع الكلام كله أو بعضه أو لم يمنع شيئاً] ومن المدونة قال مالك: وإذا قُطع اللَّسان من أصله ففيه الدَّية كاملة, وكذلك إذا قُطع منه ما منع الكلام وإن لم يمنع من الكلام شيئاً ففيه الاجتهاد بقدر شَيْنه إن شَانه, وإن منع من بعض الكلام فبحساب ذلك إذا كان يتكلم بالحروف كلها قبل ذلك وإنما الدَّية في الكلام لا في اللسان,

بمنزلة الأذنين إنما الدَّية في السمع لا في الأذنين. محمد: وقد روى أشهب أن الرسول صلى الله عليه وسلم [166/ب] قال: «في اللَّسَانِ الدَّيَةُ إذَا مُنِعَ الْكَلَامُ» , وقضى أبو بكر رضي الله عنه فيه إذا أوعب قطعه من أصله: بالدَّية, وقضى عمر رضي الله عنه فيمن ضُرب بحجر في رأسه فذهب لسانه: بالدَّية, وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يجعل في اللسان إذا انقطع كله أو انقطع كلامه: الدَّية كاملة, وما كان دون ذلك فبحسابه, وكتب بذلك إلى عامله بالمدينة. ومن المدونة قال مالك: وإن قُطع من لسانه ما ينقص من حروفه؛ فعليه بقدر ذلك, ولا يعمل في نقص كلامه على عدد الحروف, فرُّب حرف أثقل من حرف في المنطق, ولكن بالاجتهاد في قدر ما نقص من كلامه.

قال ابن القاسم في العتبية: وذلك على قدر ما يتوهم الناظر في ذلك عند الاختبار, ويقع في نفسه أنه ذهب نصف كلامه, أو ثلثه, فيعطي نصف الدية, أو ثلثها, وإن شكوا فقالوا: هو الربع أو الثلث, أعطى الثلث حملاً على الظالم. وقال بعض الناس: على الباء والتاء, يريد على عدد الحروف.

والأول أحب إلينا. قال أبو محمد: وذلك أن بعض الحروف لا حظَّ للسان فيها مثل الباء والميم والحاء ونحوها, فمراعاة الكلام أشبه. قال ابن حبيب: قال مجاهد: تجزأ الدَّية على عدد حروف المعجم, وهي ثمانية وعشرون حرفاً, فما نقص من هذه الحروف فبحسابه. ابن حبيب: وقال لي مثله جماعة ممن سألته من أهل العلم. وقاله أصبغ.

ابن حبيب: والحرف الثقيل والخفيف سواء. [14 - فصل: شروط القود في اللسان البرء والتماثل] ومن المدونة قال مالك: وفي اللسان القود إذا كان يستطاع القود منه ولم يكن مُتْلِفا, مثل الفخذ, والمنقلة, والمأمومة, وشبه ذلك فإن كان مُتْلِفاً لم يُقَدْ منه. ابن القاسم: ولا يقاد من ذلك أو يعقل حتى يبرأ, وقد سمعت أهل الأندلس سألوا مالكاً عن اللسان إذا قطع, وزعموا أنه ينبت, فرأيت مالكاً يصغي إلى أنه لا يعجل به حتى ينظر إلى ما يصير إذا كان القطع قد منعه الكلام, قلت: في الدَّية أو في القود؟ قال: في الدِّية, وفي لسان الأخرس الاجتهاد.

15 - فصل [في الانتظار بالقود أو الدية برء المجني عليه] قال: ومن قُطعت حشفته فأخذ الدية, ثم قُطع عسيبه, ففيه الاجتهاد, ويُنتظر بالمقطوع حشفته حتى يبرأ؛ لأن مالكاً قال: لا يقاد من جراحه العمد, ولا يعقل من الخطأ إلا بعد البرء, وقال: ذلك الأمر المجتمع عليه عندنا. قال ابن القاسم: فإن أراد المقطوع الحشفة تعجيل فرض الدِّية إذ لا بد منها مات أو عاش؛ لم يكن له ذلك, ولعل [167/أ] أُنثييه أو غيرها يذهب من ذلك, وكذلك إن أوضحه رجل فأراد تعجيل دية الموضحة, فلا يعجل له شيء إذ لعله يموت فتكون القسامة فيه, وكذلك إن ضربه مأمومة خطأ فالعاقلة تحملها مات أو عاش, ولكن لا يعجل له شيء حتى يبرأ؛ لأنه لو مات منها لم تجب الدية إلا بقسامة, فإن أبى ورثته أن يقسموا, كان على العاقلة ثلث الدية لمأمومته, وإنما في هذا الاتباع والتسليم للعلماء.

وقال أشهب: ما بلغ ثلث الدية من الخطأ مما لو برأ على غير شين, لم يكن بد من عقله كالجائفة, والمأمومة, أو مواضح, أو مناقل, تبلغ ثلث الدية, فقد وجبت ساعة جرح على العاقلة, لا محيص لهم منها, عادت بفساد, أو برئت. م: وهذا أقيس. 16 - فصل [في دية الصلب] قال مالك: وفي الصُّلْب الدِّية. قال ابن القاسم: وذلك إذا أقعده عن القيام, مثل اليد إذا شلّت, وإن مشي على عثل, أو حدب, ففيه الاجتهاد يعني بقدر ذلك من الدية من ما ذهب من قيامه.

قال أشهب: ما نقص من قيامه فله بحسابه. محمد: وقد قال ابن المسيب: «قضى رَسُولُ اللهِ صلَّى الله علَيهِ وسلَّم في الصُّلْبِ بِالدِّيَةِ كَامِلَةً, مِئَةً مِنَ الإبِلِ» , وَيِذَلِكَ مَضَتِ السُّنَّةُ, وقاله مالك وأصحابه, وقاله عبد العزيز بن أبي سلمة, قال عبد العزيز: وما جناه بعد كسر فبحساب ما نقص من ذلك, وهذا قول أشهب. ومن المدونة: والصُّلب إذا كُسِر خطأً فبرأ وعاد لهيئته فلا شيء فيه. محمد: وكذلك لو كُسر عمداً فبرأ وعاد إلى هيئته فلا شيء فيه لأنه لا قصاص في عمده؛ لأنه متلف, وكل جرح لا قصاص في عمده فهو بمنزلة الخطأ. قال فيه وفي المدونة: وكذلك كل كسر يبرأ ويعود لهيئته فلا شيء فيه إلا أربع جراحات؛ الجائفة والمأمومة والمنقلة والموضحة فإنهن وإن برئن ففيهن ديتهن إلاّ أن يكون عمداً يستطاع منه القصاص فإنه يقتص منه وإن كان عظيماً, وأما المأمومة, والجائفة, والمنقلة, فليس في عمد ذلك إلا الدية مع الأدب, وكذلك ما لا يستطاع أن يقتص منه.

[17 - فصل: فيما يجري فيه القصاص وما لا يجري من جراحات الجسد] قال مالك: وفي عظامك الجسد القود من الهَاشِمة وغيرها إلا ما كان مخوفا مثل الفخذ وشبهه فلا قود فيه. قال ابن القاسم: وإن كانت الهاشمة في الرس فلا قود فيها؛ لأني لا أجد هَاشمة تكون في الرأس إلا كانت مَنَقَّلة. ولا قصاص في الصلب, ولا في الفخذ, وعظام [167/ب] العنق؛ لأنه مخوف. وفي كسر أحد الزندين -وهما قصبتا اليد- القصاص, وإن كان خطأ فلا شيء فيه, لا أن يبرأ على عشم فيكون فيه الاجتهاد. وفي كسر الذراعين, والعضدين, والساقين, القدمين, والإصبَع, عمداً القصاص. وإذا كسر الضلع خطأ فيبرأ على عثم؛ ففيه الاجتهاد, وإن برأ على غير عثم؛ فلا شيء فيه, وإن كسر عمدا, فهو كعظام الصدر إن كان مخوفاً كالفخذ فلا قود فيه, وإن كان مثل اليد والساق ففيه القصاص.

وفي التَرقُوة إذا كسرت عمداً القصاص؛ لأن أمرها يسير لا يخاف منه, وإن كسرت خطأً وبرئت على عثم الاجتهاد, وإن برئت على غير عثم فلا شيء فيها. وإن قطعت اليد من أصل الأصابع, أو من المنكب خطأ؛ فقد تَمّ عقلها, وذلك على العاقلة, وإن كان عمداً ففي ذلك القصاص, ويقتص منه من المنكب أو من الأصابع, كما قطع هو. والأنف إذا كسر عمداً اقتص منه, فإن برأ الجاني على مثل حال المجني عليه أو أكثر فقد مضى, وإن كن في الأول عثل وبرأ المقتص منه على غير عثل, أو على عثل دون عثل الأول؛ اجتهد للأول من الحكومة على قدر ما زاد شينه, وهذا مثل اليد.

18 - فصل [في الحكومة فيما دون الموضحة, ومعنى الحكومة] وقد تقدم أن مالكاً قال: الأمر المجتمع عليه عندنا: أنه ليس فيما دون الموضحة من شجاج الخطأ عَقْلٌ مُسَمَّى وإنما انتهى النَّبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم إلى المْوُضحة فيما سمى له عقل, وليس أجر الطبيب بأمر معمول به. وقد سُئل عمن كُسرت فخذه ثم انجبرت مستوية, أَلَهُ ما أنفق في العلاج؟ قال: ما علمته من أمر الناس, أرأيت إن برأ على شَيْنٍ أيأخذ ما شَأنه وما أنفق, لا يكون قضاءان في شيء واحد, وإنما فيه ما شأنه. قال ابن القاسم, وأشهب: وليس في الدَّامية, والبَاضعة, والسمحاق, والملطاء إذا كانت خطأ شيء إذا برأ, إلا أن يبرأ على شين ففيه

حكومة يقوّم ذلك أهل المعرفة بقدر شينه وضرره. وروى عن مالك في تفسير الحكومة: أن يقوِّم المجروح على أنه عبد صحيح ويقوَّم وبه ذلك الشين فما نقصه نقص مثله من ديته, وكذلك في كتاب الأبهري. م: يريد فيغرم الجارح ما نقص. [19 - فصل: في أسماء الجراح وصفاتها] قال ابن حبيب: أسماء الجراح في الوجه والرأس عشر: أولها الدَّامية: تدمي الجلد, بخدش أو بغير خدش.

ثم الحارِصَة: تحرص الجلد, أي تشقه. ثم السَّمْحاق: التي [168/أ] تسلخ الجلد, كأنها تكشطه عن اللحم. ثم الباضعِة: تبضع اللحم بعد الجلد, أي تشقه. ثم الملْطا: بينها وبين العظم صفاق رقيق. ثم الْمُتَلاحِمة: التي أخذت في اللحم فقطعته في غير موضع. ثم الْمُوضِحة: التي توضح عن العظم. ثم الهاشِمة: التي تهشم العظيم. ثم المنقَّلة: التي تطير فراش العظم مع الدواء.

ثم المأمومة: وهي ما أفضت إلى الدماغ. قال ابن المواز: والْمَلْطا هي السَّمحاق, وهي التي لا تقطع الجلد ولكن تهشيم اللحم ونتنف الشعر وتدمي ولا تقطع من الجلد شيئاً, والدامية: تدمي ولا تقطع الجلد, والباضعة: هي تبضع في الرأس ولا تبلغ العظم. 20 - فصل [في دية العقل] قال مالك: وفي العقل الدية. محمد: قال ذلك مالك وأصحابه, وجاءت به السُّنَةُ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم, وقاله عُمر وغيرُه. قال أشهب: وقضى عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه في رَجُلٍ أُصيبَ بِحَجَرٍ في رَأسِهِ فَذَهَبَ سَمْعُهُ, وَلِسَانُهُ, وَعَقْلُهُ, وَذَكَرُهُ فَلَمْ يُصِبِ

النَّسَاءَ, فَقَضَى لَهُ عُمَرُ بِأَرْبَعِ وَهُوَ حَيَّ. وقاله ربيعة. 21 - فصل [في دية الأذنين] قال مالك: وفي الأذنين الدية إذا ذهب السمع, أصْطُلِمَتَا أو بقيتا. وذكر بعض البغداديين: أن مالكاً رأى مرة في أشراف الأذنين الدية كاملة, ثم قال: بل حكومة. ومن كتاب ابن المواز: وقد رأى عمر بن عبد العزيز, وأبو الزِّناد في أشراف الأذنين الدية, ذكره أبو الزِّناد عن غير واحد من العلماء

وذلك لما في ظاهر كتاب عمرو بن حزم, وفي الأذن خمسون من الإبل. ابن المواز: وقد قال فيه: وفي العين وإنما يعني بذلك البصر, وقال: وفي اليد وإنما يعني بذلك الأصابع. وقد روى أشهب عن ابن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه إنما أُريد بالأذن السَّمع, وهو معروف من كلام العرب, يقول: أذنت لك أي استمعت لك. وقد جاء عن معاوية وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «في السَّمْعِ الدَّيَةُ».

وقضى بذلك عُمر وعُثمان, وعلي رضي الله عنهم, وزيد, وابن عبَّاس, وكَعْب بن سُوْر رضي الله عنهم, وقضي أن ما نقص من السمع أعطى بحسابه. وقضى أبو بكر الصديق رضي الله عنه في اصطلام الأذنين بالاجتهاد بخمس عشرة فريضة, ولم يقض فيهما بالدَّية, وقال: «يُوَارِيِهِمَا الشَّعَرُ وَالعِمَامَةُ وَالْقَلَنْسُوَةُ».

[22 - فصل: فيمن ردّ أذنه أو سنه بعد الجناية عليها أو القصاص منها فنبتت] قال في المدونة: ومن قُطعت أذنه عمداً فردها فنبتت؛ فله القود فيها, والسن كذلك, ولو ردَّ السَّن في الخطأ لكان له العقل. وقال أشهب: إذا رُدت الأذن أو السَّن [168/ب] في الخطأ فنبتت فلا عقل لها؛ لأن جراح الخطأ إذا برئت فلا شيء فيها, إلاّ أن تَبْرَأَ على شَيْنٍ, إلاّ الْمُوضِحة, والْمُنَقَّلة, والمامُومة, والجائِفة. ومن العتبية قال يحيى عن ابن القاسم: ومن قطع أذن رجل فردها فنبتت, فإن عادت لهيئتها فلا عقل له فيها, وإن كان في نبوتها ضعف فله بحساب ما يُرى من نقص قوتها. قيل له: فالسن تطرح ثم يردها بعد ذلك صاحبها فتنبت؟ قال: يغرم عقلها تاماً. والفرق بينهما: أن الأذن إذا ردت استكملت وعادت لهيئتها, وجرى فيها الدم, والسَّن لا يجري فيها دمها أبداً, ولا ترجع كما كانت

أبداً, وإنما تراد للجمال. ومنه ومن كتاب محمد قال أشهب عن مالك: وإن كُسرت سن الكبير خطأ, فأخذ ديتها ثم ردها فنبتت؛ فإنه لا يرد شيئاً؟ محمد: وقال ابن القاسم, وليس السَّن عند ابن القاسم كغيرها؛ لأنه يرى فيها ديتها وإن نبتت قبل أن يأخذ. وقال أشهب: هي كغيرها من الجراح لا شيء له إن نبتت أو ردها فنبتت -إلا أن يكون ذلك [بعد] أن يأخذ لها عقلا- فلا شيء له إلا في العمد, فله القصاص. قال فيه وفي المجموعة عن مالك: ولو طرح سن رجل عمداً, أو

قطع أذنه عمداً, فردها فلم تثبت, فاقتص من الجاني فردها الجاني فنبتت؛ فإن للمجروح عقل أذنه وسنه. قال: وكذلك لو ردهما الأول فنبتا ثم اقتص من الجاني فردهما الجاني أيضاً فنبتا, فللأول العقل, وإن لم ينبتا للجاني؛ فلا شيء له. 23 - فصل [في دية الأسنان] ومن المدونة قال مالك: وفي كل سن خمس من الإبل, والأضراس والأسنان سواء. محمد: وقاله ابن القاسم وأشهب عن مالك, واجتمع عليه رأي أهل العلم؛ لقول النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم: «في السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الإبِلِ». والضَّرسُ سِنٌ, رُوي ذلك عنه من غير طريق.

وفي حديث ابن شهاب: «في كُلِّ سِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الإبِلِ». قال مالك: وأخبرني داود بن الحُصَين أنَّ أَبَا غَطَفَانَ الْمُرِّيَّ أخبره أنّ مَرْوانَ بنَ الحَكَمِ أَرْسَلَهُ إلى عَبْدِا للهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ عَنْ مُقَدَّمِ الفَمِ مِثْلُ الأضْرَاسِ؟ فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: "لَوْ لمْ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ إلاّ بِالأَصَابِعِ, عَقْلُهُمَا سَوَاءٌ". قال أشهب: وأخبرني بعض أهل العلم من هل المدينة عن عطاء بن أبي

رباح عن عبيد بن عمير الليثي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "الأسْنَانُ كُلُّهَا سَواءٌ الضَّرْسُ وَغَيْرُهُ". وإن كان قد [169/أ] اختلف في ذلك عن عمر, فروي عنه: أنه قضى في الضِّرسِ بِجَمَلٍ, وفي التَّرْقُوَةِ بِجَمَلٍ, وَفي الضَّلْعِ بِجَمَلٍ. وقال سعيد بن المسيب: إنما قضى مُعَاوِيَة في الضَّرْسِ بِخَمْسَةِ أَبْعِرَةِ, تزيد الدية في قضاء معاوية,, وتنقص في قضاء عمر, ولو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين فيتم عقل الفم الدية سواء, واستحسن هذا عبد العزيز بن أبي سلمة.

محمد: ولسنا نرى ذلك صواباً, ويكتفي في ذلك بقول الرَّسُولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «إنَّ في السَّنِ خَمْساً مِنَ الإبِلِ» , فلو كان الضرس خلاف السِّن لذكره مع ما وافق ذلك. ومن قول عمر, وابن عباس: "إن الأضراس والأسنان سواء", وقاله عروة بن الزُّبير, وشُريح, ومسْرُوق, وقاله مالك وأصحابه.

قال مالك: وذلك الأمر المجتمع عليه عندنا. ابن مزين: الأضراس عشرون, والأسنان اثنتا عشرة سناً, أربع ثنايا, وأربع رباعيات, وأربعة أنياب, وهذا جارٍ على قول سعيد بن المسيب. وغير ابن مزين يقول: الأضراس ستة عشر, ويزيد في الأسنان أربع

ضواحك, وهي التي تلي الأنياب. قال في المدونة: وفي السن السوداء خمسٌ من الإبل كالصحيحة. محمد: لأنه قد أذهب منفعتها, ولو ضربه فاسودَّت سنه؛ قد تم عقلها؛ لأنه قد أذهب جمالها, وأن عمر رضي الله عنه لما صنَّف أمر العقول قال: "وفي السنَّ إذَا اسْوَدَّتْ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا, وإذَا طُرِحَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا أيضاً مَرَّةً أُخْرَىَ", وقاله سعيد بن المسيب, وقاله مالك, وكفى بقول مالك حجة. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "يُنْتَظَرُ بِالْسِّنِّ حَوْلاً كَامِلاً إذَا أُصِيبَت, فَإِن اسْوَدَّتْ فَفِيهَا دِيَتُهَا كَامِلَةً, وإلاَّ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ".

وكتب بذلك عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى عامله بالمدينة: "أنَّ السَّنِّ إذَا اسْوَدَّتْ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا". قال مالك في المدونة: إلا أن تكون السِّن السوداء تظطرب اظطرابا شديداً فليس على من قلعها إلا الاجتهاد, وإن كانت سن أو ضرس مأكولة قد ذهب بعضها, فقلعها رجل عمداً أو خطأً؛ ففيها على حساب ما بقي من ديتها؛ لأنها غير تامة. وإذا كانت السِّن سوداء, أو صفراء, أو حمراء, فأسقطها رجل؛ ففيها العقل كاملاً, والسوداء أشد. قيل: فإن ضربه فاسودَّت [169/ب] سنه, أو احمرَّت, أو اصفرَّت أو اخضرَّت؟ قال: إذا اسودت فقد تم عقلها, فإذا كان ذلك كالسواد فقد عقلها, وإلا فعلى حساب ما نقص.

قال أشهب: الخضرة أقرب إلى السواد, ثم الحمرة ثم الصفرة, وفي ذلك كله بقدر ما ذهب من بياضها إلى ما بقي منه إلى اسودادها. قال ابن القاسم في المستخرجة نحو قول أشهب هذا. ومن المدونة قال مالك: وإذا ضُربت السِّن فتحركت؛ فإن كان اظطراباً شديداً, ثم عقلها؛ وإن كان تحريكاً خفيفاً عقل لها بقدر ذلك. قال ابن القاسم: والسّنُّ الشديدة الاظطراب ينتظر بها سنة. قال في الديات: ومن كسر بعض سن رجل عمداً ففيها القصاص بِرَأي أهل المعرفة. 24 - فصل [فيما جاء في الأجفان والحاجبين, وشعر الرأس, والظفر] قال مالك: وليس في جفون العين, وأشفارها, إلا الاجتهاد. وفي حلق الرأس إذا لم ينبت الاجتهاد, وكذلك اللحية. وليس في عمد ذلك قصاص. وكذلك الحاجبين إذا لم ينبتا.

وفي الظفر القصاص؛ إلا أن يقلع خطأ فلا شيء فيه إذا برأ وعاد لهيئته, فإن برأ على عثم ففيه الاجتهاد. 25 - فصل [في الجناية على العين, وكيف لو أخذت الدية وبرئت العين, ومدة الانتظار بالجراح, وتأخير القود إلى البرء, ونماء جرح المستقاد منه] قال مالك: ومن ضرب عين رجل خطأ فانخسفت, أو أبيضت, أو ذهب بصرها وهي قائمة؛ ففيها ديتها, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «في الْعَيْنَيْنِ الدَّيَةُ, وفي البَصَرِ الدَّيَةُ». قال أشهب: فإذا ذهب البصر فليس فيه إلا ما فرض النبي صلى الله عليه وسلم, ولا يزاد لشينها, برئت أو انخسفت. قال مالك: وإن كان ذلك عمداً فانخسفت؛ خسفت عينه, وإن كان يستطاع القود من البياض والعين قائمة؛ أقيد, وإلا فالعقل. ومن ضرب عين رجل, فنزل فيها الماء أو ابيضَّت, فأخذ ديتها,

ثم برئت؛ فليرد الدية. محمد: وقال أشهب: لا يرد شيئا إذا كان قد استونى بها, وبلغت حقيقتها, ولعل ذلك بقضية قاض مجتهد. ابن المواز: إن كان ذلك بقضية, وبعد الاستقصاء, والأناة؛ فلا يرد, وإن عادت لهيئتها قبل أن يقبض شيئا وقبل الاستيناء بها فلا شيء له. قال في المدونة: وينتظر بالعين سنة؛ فإن مضت السَّنة والعين منخسفة لم تبرأ, فلينظر برؤها, ولا يكون قودا ولا دية إلا بعد البرء. محمد: وذكر ذلك مالك عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه. [170/أ] وقاله مالك. وقال أيضاً: ينتظر سنة. وبالسَّنة أخذ أشهب قال: وينتظر بالعين تبيض إلى تناهي أمرها, فإن استقر مفرها؛ عُقِل ما ذهب منا, وإن كان قبل السنة, وليس وراء السنة

انتظار, وذلك في الخطأ؟ قيل لأشهب: فإن مضت السنة والجرح بحاله؟ قال: يعقل مكانه ثم إن برأ فله ما أخذ, وإن ترامى إلى أكثر من ذلك, طالبه بما زاد, والظالم أولى بالحمل عليه. ومن المجموعة: روى ابن القاسم, وابن وهب, عن مالك قال: الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا يقاد من كسر اليد, والرجل, ولا يقاد من الجراح, ولا يعقل في الخطأ حتى يبرأ المجروح فيستقيد, ثم إذا نما جرح المستقاد منه إلى غيره, أو إلى النفس؛ فلا شيء له على الأول, ولو برأ وشل الأول, أو برأ جرحه على عثم, فلا قود عليه في ذلك, ويعقل له بقدر ذلك الشين, قال عنه علي: في مال الجاني دون العاقلة, ويتبع به في عدمه, وكذلك جراح الجسد. قال أشهب: وإنما لا يقاد من الجراح حتى يبرأ؛ لأنه قد يتفرع إلى

النفس فلا تؤخذ بقصاص جرح ونفس، وإن كان جرح لا يقاد منه؛ فلا تجتمع عليه دية جرح، وقود نفس، وإن كان خطأ فقد تعود نفساً، أو تصير إلى ما تحمله العاقلة، وقد كان مما يكون في ماله، وأما كل جرح تحمل العاقلة أوّله كالجائفة، والمأمومة، أو مواضح تبلغ ثلث الدية؛ فقد لزم العاقلة الثلث لا يزول فله تعجيل ما حل منها، وما تنامى من زيادة فله إذا تنامى. ولم ير ابن القاسم: أن يعجل له شيء، إذ قد يجب على العاقلة دية النفس بقسامة، وقد تقدم هذا. قال ابن القاسم: وكذلك مقطوع الحشفة لو قال: لي الدية بكل حال، فلم يؤخرونني؟ لم يكن بد من تأخير ذلك، ولعل ذلك تؤول إلى جراحة أخرى. وقال أشهب في هذا أيضاً: لولا ماضي من فعل السلاف ألا قود ولا دية حتى يبرأ المجروح، وبلغني ذلك عن الصدِّيق، لكان هذا لا يؤخر، ولا أدري لعل هذا أصل لا ينبغي خلافه، ولعل من يتوقف في هذا إذ قد تنبت

الحشفة، وقد قيل لمالك: إن اللسان ينبت، فقال: لا يعجل فيه بالدية. قال أشهب: فلا تفرض عليهم الدية حتى تبرأ الحشفة، فإن تمت سنة ولم تبرأ؛ فلتفرض عليهم الدية في ثلاث سنين مؤتنفة لا يحسب فيها ما تقدم. قال في المدونة: وإن ضُربت العين فسال دمعها؛ انتظر بها سنة فإن لم يرقأ دمعها ففيها حكومة. 26 - فصل [في الجناية على اليد أو الرجل، ومن يقتص في الجراح والقتل] ومن ضرب يد رجل، أو رجله، فشلت؛ فقد تم عقلها، وإن كانت الضربة عمداً؛ فإن الضارب يضرب مثلها قصاصاً، فإن شلت يده وإلا كان

العقل في ماله دون العاقلة. قال أشهب: وهذا إذا كانت الضربة بجرح فيه القود، وأما إن ضربه على رأسه بعصا فشلت يده؛ فلا قود عليه، وعليه دية اليد. قال في المدونة: ولا يمُكَّن الذي له القود في الجراح أن يقتص لنفسه لئلا يتجاوز، ولكن يقتص له من يعرف القصاص، وأما القتل فإنه يدفع إلى ولي المقتول فيقتله وينهى عن العبث عليه. قال مالك: وفي شلل الإصبع ديته كاملة، ثم إن قطع هذا الإصبع بعد ذلك عمداً أو خطأ؛ ففيه حكومة، ولا قود في عمده. 27 - فصل [في دية الإبهام والكف وتقطيع اليد، وخلقتها بنقص أو زيادة] وفي المفصلين من الإبهام عقل الإصبع تام، عشر من

الإبل، في كل مفصل خمس من الإبل، وإبهام الرجل مثلها. قال مالك: وهو شيء ما سمعت فيه بشيء، ولكنه رأيي. ومن قطعت إبهامه فأخذ دية الإصبع، ثم قطع رجلٌ بعد ذلك العقد الذي بقي من الإبهام في الكف؛ فليس فيه إلا حكومة، وإذا لم يكن في الكف إصبع؛ فعلى من قطعها أو بعضها حكومة، وإن كان فيها إصبع واحدة؛ ففي الإصبع ديته، واستحسن في الكف حكومة. وقال أشهب: لا شيء في الكف ما دام بقي شيء له دية.

قال ابن القاسم: وأما إن كان فيها إصبعان؛ فلا شيء في الكف، ومن قطعت له إصبعان بما يليهما من الكف؛ ففيهما خمسا دية الكف، ولا حكومة له بعد ذلك. وقال أشهب: إلا أن ينقص بذلك شيء من قوة بقية الأصابع؛ فله بحساب ذلك. قال في غير المدونة: وإذا كانت خِلقَة يد على أربع أصابع؛ ففي كل واحدة منهن عشر من الإبل، وفي جميعهن أربعون، وكذلك من في يده ثلاث أصابع، أو إصبعان، فقطعت يده؛ فيها بقدر الأصابع. ومن بيده، أو برجله إصبع زائدة، فإن كانت قوية كسائر الأصابع؛

فعقلها تام، وإن قطعت عمداً؛ فلا قصاص فيها، إذ لا نظير لها، ولو قطعت يده كلها خطأ ففيها ستون من الإبل، وإن كانت الزائدة ضعيفة، فقطعت اليد، لم يزد في ديتها، وإن قطعت الإصبع فقط؛ ففيها حكومة، ثم إن قطعت اليد؛ ففيها ديتها كاملة لا يحاسب بالحكومة فيها. [28 - فصل: الجناية على الأنثيين، وقطعهما مع الذكر أو قبله أو بعده] ومن المدونة قال مالك: وفي الأنثيين إذا أخرجهما أو رضاهما الدية كاملة. قيل لابن القاسم: فإن أخرجهما ورضهما عمداً؟ قال: قال مالك في الأنثيين القصاص، ولا أدري ما قول مالك في الرض، إلا أني أخاف أن يكون رضهما متلفاً؛ فإن كان رضهما متلفاً فلا قود فيهما، وكذلك كل ما علم أنه متلف فلا قود فيه. قال مالك: وإن قطعت الأنثيان مع الذكر ففيهم ديتان؛ وذلك أن

النبي -صلى الله عليه وسلم- «قضى في الذكر بالدية، وفي الأنثيين بالدية». قال مالك: وإن قُطعتا قبل الذكر أو بعده ففيهما الدية، وإن قطع الذكر قبلهما أو بعدهما؛ ففيه الدية، ومن لا ذكر له ففي أنثييه الدية، ومن لا أنثيين له، ففي ذكره الدية. والبيضتان عند مالك سواء اليمنى أو اليسرى؛ في كل واحدة نصف الدية، وقاله علي بن أبي طالب، وأبو الزناد رضي الله عنهما عن من لقي من فقهاء المدينة من كبار التابعين رضي الله عنهم. وذكر ابن حبيب أن ابن الماجشون، ومطرفاً رويا عن مالك: إنه إن

قطع الذكر أولاً أو آخراً، ففي الذي قطع بعده حكومة، بخلاف رواية ابن القاسم. وقال أهل العراق: إن قطع الذكر قبل ففيه الدية، وإن قطعت الأنثيين قبل ففيهما الدية، وإن قطعتا بعد الذكر ففيهما حكومة فإن قطع الجميع معاً فإن بدأ من أسفل فديتان وإن بدأ من فوق الذكر فدية وحكومة. وأخذ ابن حبيب: بأنهما إن قطعتا بعد الذكر فلا دية فيهما، وفي الذكر الدية قطع قبل أو بعد، وإن قطع الجميع في مرة واحدة ففي ذلك ديتان، كان القطع من فوق أو من أسفل. قال ابن حبيب: وقد قيل في اليسرى من البيضتين الدية كاملة، وفي

العليا من الشفتين ثلثا الدية، وهو قول شاذ. 29 - فصل [في دية الشفتين] قال مالك: وفي الشفتين الدية، في كل واحدة منهما نصف الدية، كانت السفلى أو العليا، ولم يأخذ مالك بقول سعيد بن المسيب: "إن في السفلى ثلثي الدية". قال محمد: وجاءت السنة أن في الشفتين الدية. قال مالك وجميع أصحابه: في كل واحدة منهما نصف الدية. قال أشهب: ومن قال بقول ابن المسيب: أن في السفلى ثلثي الدية؛

لأنها أحمل للطعام واللعاب، فالذي تستر به العليا من الوجه أعظم، مع انفراده بهذا القول الذي لم يقله أحد من أهل العلم، واليد اليمنى أشد من اليسرى لفضل منفعتها وقوتها، وأن الأكل بها، ولم يفضل أحد من أهل العلم بينهما. وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «في الشفتين الدية»، ولم يقل في السفلى ثلثي الدية، "وأن عمرو بن عبد العزيز كان يساوي بينهما يجعل في كل واحدة نصف الدية"، وقاله أبو الزناد، والشعبي، والنخعي، وهو قول مالك، وابن أبي سلمة رضي الله عنهم، وليس بعد

هذا شك لغير مخذول. 30 - فصل [في الجناية على الألتين والشفرين والثديين] قال ابن القاسم: وأليتي الرجل والمرأة سواء فيهما حكومة. محمد وقال أشهب: في أليتي المرأة ديتها كاملة؛ كما أن في ثدييها ديتها كاملة وهما أقل ضرراً عليها في الجمال والمنفعة من أليتيها وإن كان لها في ثدييها جمال لصدرها، ونماء لولدها، فإن لها في أليتيها جمالاً لجميع جسدها، ونفاقاً عند زوجها، ولمصيبتها بأليتيها أعظم وأجل. قال ابن حبيب: روى ابن وهب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

: "قضى في شفري المرأة بالدية إذا سلبا حتى يبدو العظم. يعني: شفري فرجها. وقاله ابن الماجشون ومطرف، في شفريها وفي أليتيها، وأن ذلك أعظم عليها مصيبة من ذهاب ثدييها، أو عينيها، أو يديها. ومن المدونة قال ابن القاسم: وليس في ثدي الرجل إلا الاجتهاد، وأما ثديا المرأة ففيهما الدية. محمد: قال أشهب: وقاله أبو الزناد عن المشيخة السبعة. قال ابن القاسم: وإن قطع حلمتيها؛ فإن كان قد أبطل مخرج اللبن أو أفسده فيه الدية، وإن قطع ثديي الصغيرة؛ فإن استوقن أنه أبطلهما فلا يعودان أبداً فيهما ديتهما، وإن شك في ذلك وضعت ديتها واستوني

بها، كسِّن الصبي؛ فإن نبتا فلا عقل لها، وإن لم ينبتا، أو انتظرتا فيبستا أو ماتت قبل أن يعلم ذلك ففيهما دية ذلك.

[الباب الثالث] ما يؤخذ في الدية من العين، والإبل، وذكر تأجيلها، وما تحمل العاقلة منها

[الباب الثالث] ما يؤخذ في الدية من العين، والإبل، وذكر تأجيلها، وما تحمل العاقلة منها وقد (كتب النبي صلى الله عليه وسلم: أن في النفس مئة من الإبل)، فهذا أصل الدية. "وقوم عمر رضي الله عنه الدية على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم"، حين صارت أموالهم ذهباً وورقاً، وترك دية الإبل على أهل الإبل على حالها. [31 - فصل: الأصل في الدية الإبل وتقسط على ثلاث سنين] قال مالك: فلا يؤخذ في الدية إلا الإبل والدنانير والدراهم، وتؤخذ في ثلاث سنين، كانت إبلاً أو ذهباً أو ورقاً، وثلث الدية في سنة، وإن كان أقل من الثلث ففي مال الجاني حالاً، وثلثا الدية في سنتين.

وأما نصفها فقال فيه مالك مرة: تؤخذ في سنتين، وقال أيضاً: يجتهد فيه الإمام؛ إن رأى أن يفعله في سنتين أو في سنة ونصف فعل. قال ابن القاسم: وفي سنتين أحب إلى؛ لما جاء "أن الدية تقطع في ثلاث سنين أو أربعة". قال ابن القاسم: وثلاثة أرباعها تؤخذ في ثلاث سنين، قيل له فخمسة أسداسها؟ قال: يجتهد الإمام في السدس الباقي. قال مالك: وإنما قوّم عمر رضي الله عنه الدية على أهل الذهب والورق حين صارت أموالهم ذهباً وورقاً، وترك أهل الإبل على حالهم.

قال مالك: وأهل الذهب أهل الشام ومصر، وأهل الورق أهل العراق، وأهل الإبل أهل البادية والعمود. وقال أصبغ في العتبية: أهل مكة والمدينة الآن أهل ذهب. قال مالك: ولا يقبل من أهل صنف من ذلك صنف غيره، ولا يقبل في الدية بقر ولا غنم ولا عروض ولا غيرها. 31 - فصل [إذا عُدمت عاقلة الرجل فكل سكان مدينة يعقلون عن أفرادهم] قال في الديات: ومصر والشام أجناد قد جندت، فكل جند عليهم جرائرهم، لا يعقل أهل مصر مع أهل الشام، وأفريقية وطرابلس جند

واحد يُضم بعضهم إلى بعض، ولا يعقل أهل البدو مع أهل الحضر. وفي الديات إيعاب هذا.

[الباب الرابع] في معاقلة المرأة مع الرجل فيما دون النفس إلى ثلث دية

[الباب الرابع] في معاقلة المرأة مع الرجل فيما دون النفس إلى ثلث دية قال أبو بكر بن الجهم: لم يختلف أن دية المرأة في النفس مثل نصف ادية الرجل، وأنها على النصف منه في الميراث والشهادة، والإجماع في جملة الدية حتى تنزل إلى الثلث ففيه اختلاف، فقال الفقهاء السبعة رضي الله عنهم من تابعي أهل المدينة منهم ابن المسيب: أنها مثل دية الرجل في الجراح إلى ثلث ديته، فترجع حينئذ إلى عقلها، وما روى مخالفاً عن عمر وعلي رضي الله عنهما بإسناد ضعيف، ولنا عنهما خلافة، وروى عُروة البارقي عن عمر: أنهما سواء في السن

والموضحة، وروى عنه شريح إلى ثلث ديته، وقاله عمر بن عبد العزيز، والزهري وعروة وغيرهم رضي الله عنهم. وروى محمد بن علي عن علي رضي الله عنهما فيما بلغ من الجراح

أربعين فعلى نصف دية الرجل. وقال أشهب في كتابه: وروى عن علي: أنها تساويه في ثلث عقلها. قال ابن الجهم: ولم يختلف عن ابن عباس، وزيد أنها مثل الرجل إلى ثلث ديته. وروي عن ابن مسعود: أنهما في السن والموضحة سواء. فلا يجد مخالفنا عن صاحب أنها على النصف منه فيما قل؛

لأن عمر وعلياً رضي الله عنهما اختلف عنهما مع ضعف روايتهم عنهما فلا حجة لهم من قول السلف. قال غيره: ودلت السنة على تساوي الذكر والأنثى في القليل من الدية، من ذلك دية الجنين: الذكر والأنثى فيه سواء. قال ابن الجهم: وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «في كل إصبع عشر»، فظاهره لا يفرق بين الذكر والأنثى. فإن قيل: فألا قلته في الأربع أصابع؟ قلت: لاجتماعهم فيها، ولا نقيس القليل على الكثير لمخالفته له، كمجامعتنا بين الأخذ بالنهي عن بيع ما ليس عندك، وإجازة السلم بالإجماع.

ويحتمل قول ابن المسيب: هي السنة، أنه مستنبط من هذا، ويحتمل أن يكون عن سنة البلد، فأنه متظاهر في التابعين. قال ابن هرمز: أخذنا ذلك عن الفقهاء. قال مالك رحمه الله: فالمرأة تعاقل الرجل في الجراح إلى ثلث ديته لا تستكمله. قال ابن القاسم: فإذا بلغت ذلك رجعت إلى عقل نفسها، وتفسير ذلك: أن لها في ثلاث أصابع ونصف أنملة إحدى وثلاثين بعيراً وثلثي بعير، وهي والرجل في هذا سواء، وإن أصيب منها ثلاث أصابع وأنملة رجعت

إلى عقلها، فكان لها في ذلك ستة عشر بعيراً وثلثا بعير. قال مالك: وإن قطع لها إصبع ففيه عشرة من الإبل، وكذلك في ثاني وكذلك في ثالث، ولو قطع لها ثلاث أصابع معاً من كف واحدة؛ فلها ثلاثون من الإبل، ثم إن قطع لها من تلك اليد الإصبعان الباقيان في مرة واحدة أو مرتين؛ فإن في كل إصبع خمساً من الإبل. قال: ولو قطع لها ثلاث أصابع فأخذت ثلاثين بعيراً، ثم قطع لها من اليد الأخرى إصبع أو إصبعان أو ثلاث في مرة أو مرتين، لابتدئ فيها الحكم كالأولى، فيكون لها في الثلاث أصابع ثلاثون بعيراً. قال: وإن قطع لها إصبعان من كل يد في ضربة واحدة؛ كان لها عشرون بعيراً.

م: كما لو قطعها من يد واحدة. قال ابن القاسم: ثم إن قطع لها من إحدى اليدين إصبع؛ أخذت عشراً من الإبل، وكذلك لو قطع لها إصبع من اليد الأخرى ففيها عشرة من الإبل، وكذلك لو قطع لها هاتان الإصبعان من اليدين معاً؛ ففيهما عشرون، فما زاد بعد ثلاث أصابع من كل كف ففي كل إصبع خمس خمس، كان القطع معاً أو مفترقاً؛ وإن قطع لها ثلاث أصابع من يد وإصبع من يدها الأخرى في ضربة؛ أخذت خمساً خمساً، ثم إن قطع لها من اليد المقطوع منها الثلاث رابع، ومن اليد الأخرى إصبع أو إصبعان؛ أخذت في الرابع من أحد اليدين خمسة أبعرة، وفي الإصبع أو الإصبعين من

اليد الأخرى عشرة عشرة، افترق القطع أو كان في ضربة واحدة، ما لم يقطع لها من اليدين في مرة واحدة أربعة أصابع، وكذلك رجلاها على نحو ما فسرنا في اليدين. قال ابن القاسم: ولو قطع لها إصبعان عمداً فاقتصت أو عفت، ثم قطع لها من تلك الكف إصبعان أيضاً خطأ؛ فلها فيهما عشرون بعيراً، وإنما يضاف بعض الأصابع إلى بعض في الخطأ. ولو ضربها منقلة ثم منقلة؛ فلها في كل ذلك مثل ما للرجل إذا لم يكن في فور واحد، وكذلك لو كانت المنقلة الثانية في موضع الأول نفسه بعد برئها؛ فلها فيها مثل ما للرجل، وكذلك المواضح. ولو أصابها في ضربة واحدة بمناقل أو بمواضح تبلغ ثلث الدية؛ رجعت فيها إلى عقلها. يريد: وكذلك لو كان ذلك في فور واحد، وقاله أشهب في المجموعة وكتاب ابن المواز.

قال أشهب: كالسارق ينقل من الحرز قليلاً قليلاً في فور واحد إما لضعفه أو لئلا يُقطع؛ في سرقة واحدة ويقطع. قال في كتاب محمد: واختلف في هذا مالك وعبد العزيز. فقال مالك: إذا كان الضرب في فور واحد فهو كضربة واحدة، إلا أن يريد ضربة واحدة ثم يبدو له فيضرب أخرى. وقال عبد العزيز: ما كان مفترقاً فلا يضم بعضهم إلى بعض وإن كان في فور واحد، وليس كالضربة الواحدة. أشهب: وقول مالك أحب إلي، كالسارق يواصل سرقته. قال ابن المواز: واختلف قول ابن القاسم في الأسنان: فجعلها مرة كالأصابع يحاسب بما تقدم إلى ثلث الدية. قال أصبغ: وقوله الأول: في كل سن خمس من الإبل، ولا يحاسب بما تقدم وإن أتى على جميع الأسنان ما لم يكن في ضربة واحدة بخلاف الأصابع، وإلى هذا رجع ابن القاسم، وهو أحب إلي.

قال محمد: الأسنان عندي كالرأس يصاب بمواضح أو مناقل؛ فلا يجمع عليها إلا ما كان في ضربة ما لم يكن من شيء واحد له دية، فيحسب منه ما ذهب كالأرنبة، والسمع، والبصر، وأما المواضح والمناقل فلا يضم شيء منها إلى ما قبله. محمد: والف عبد العزيز مالكاً في الأصابع فجعلها وإن كانت من كف واحدة كالأسنان والمواضح؛ أن لها في كل إصبع عشرة من الإبل، وإن أتى على جميع الأصابع ما لم يكن ذلك في ضربة واحدة، وقاله ابن وهب وعبد الملك.

وقال عبد العزيز: وإن قطع لها أربع أصابع في ضربة فأخذت فيها عشرين بعيراً، ثم قطعت لها الخامسة ففيها خمس فرائض. وقال عبد الملك: بل فيها عشر فرائض. وهو أقيس لقول أبيه. وهذا كله خلاف لمالك وأصحابه. وقولهم: فيه خمسة كان قطع الأربعة مجتمعاً أو مفترقاً. وعبد العزيز يقول: فيه خمسة بعد ضربة واحدة في الأربع، ويخالف في ضربة بعد ضربة، فيرى حينئذ في الخامس عشرة.

[الباب الخامس] فيمن جنى على عضو ضعيف أو ناقص، عمدا أو خطأ

[الباب الخامس] فيمن جنى على عضو ضعيف أو ناقص، عمداً أو خطأ [32 - فصل: في الجناية على لسان الأخرس، واليد الشلاء، وذكر الخصي، والرجل العرجاء، وما كان ناقصاً بأصل الخلقة، أو ضعف لكبر أو مرض] قال مالك رحمه الله تعالى: وفي لسان الأخرس الاجتهاد. قال أصحاب مالك في كتاب محمد والمجموعة: أن المجتمع عليه عندهم أن ليس في لسان الأخرس، وفي العين القائمة التي ذهب بصرها، وفي اليد الشلاء، وفي الأصابع إذا تم شللها، وفي ذكر الخصي إذا قطع ذلك؛ إلا الاجتهاد، وليس في هذا كله مما ذهب منافعه قصاص. قال مالك: وفي ذكر الخصي هذا عسيب قد قطعت حشفته، فأما مقطوع الأنثيين فقط؛ ففي ذكره الدية كاملة.

قال مالك: وكذلك الرجل العرجاء التي لم يبق فيها منفعة؛ فإنما فيها الاجتهاد كاليد الشلاء. ومن المدونة قيل لابن القاسم: كم في الرجل العرجاء؟ قال: العرج مختلف، وما سمعت من مالك فيه شيئاً، إلا أني سمعته يقول: كل شيء من الإنسان إذا أصيب منه شيء وانتقص ثم أصيب بعد ذلك الشيء؛ فإنما له على حساب ما بقي من ذلك العضو. قال مالك: وما كان من خلقة خلقها الله تعالى لم ينتقص منها شيء مثل استرخاء البصر، أو العين الرمدة يضعف بصرها، أو ضعف في يد أو رجل من كبر أو علة إلا أنه يبصر بالعين، ويستمتع بيده ورجله، ويبطش بيده؛ ففي هؤلاء الدية كاملة. وكذلك الذي يصيبه أمر من السماء مثل العرق يضرب في رِجل رَجُل فصيبه منه عرض، أو رمد، إلا أنه يمشي على الرجل، ويبصر بالعين،

وقد مسها ضعف؛ ففيها إن أصيبت الدية كاملة، ولو كان ضعف هذه العين، أو اليد، أو الرجل بجانبه خطأ أخذ فيها عقلا، ثم أصيبت بعد ذلك فإنما له ما بقي من العقل. قال ابن القاسم: والعرج عندي مثل هذا، قال: وإن كان الذي أصيبت به بعد ذلك عمداً اقتص منه ولم يحاسب، بخلاف الدية، وأما أصابع الكف يصاب بعضها عمداً، أو خطأ، أو من السماء، ثم يقطع باقيها؛ خطأ ففيها حصة ذلك من الدية. [33 - فصل: في الجناية على عضو سبقت عليه جناية] قال مالك في باب بعد هذا في العين يصيبها الرجل بالشيء فينقص بصرها، أو اليد فيضعفها ذلك، وبصرها قائم، واليد تبطش، ولم يأخذ لها عقلاً: فعلى ما أصابها بعد ذلك العقل كاملاً، وذلك أن في السن السوداء إذا أصيبت العقل تاماً. قيل لمالك: فإن كان أخذ لنقصان العين واليد شيئاً؟ قال: ذلك

أشكل، أي ليس له إلا ما بقي، ويقاص بما أخذ. قال ابن القاسم: وقد قال لي قبل ذلك: ليس له بحساب ما بقي. م: فظاهر هذا إنما اختلف قول مالك إذا لم يأخذ لنقص ذلك عقلاً، فقال مرة: يحاسب الثاني ينقص ذلك. وقال مرة: لا يحاسب، ويكون عليه العقل تاماً، فأما إن أخذ لنقصان ذلك شيئاً فإنه يحاسب بلا اختلاف من قوله، هذا ظاهر المدونة. وفي كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: اضطرب في هذا قول مالك. م: يريد وإن أخذ للنقص عقلاً. قال: فقال فيمن أصيب على بصره بشجة أو بشيء، فنقص لذلك بصره، ثم تفقأ بعد ذلك: فإن كان نقص الأول نقصاً إلا أنه يبصر بها كلها وينتفع فله الدية كاملة. فقلت له: فإن كان أخذ لذلك عقلاً.

فقال: ذلك أشكل. ثم قال قد قال ابن المسيب في السن: إذا اسودت ففيها العقل، ثم إن طرحت بعد ذلك كان فيها عقلها ثانية أيضاً. فهذا مثله، ولا يضربه ما نقص من بصره إذا كان يبصر به ففيه الدية كاملة وقال أيضاً مالك إن كان أخذ لما نقص بصره عقلاً، وكان ذلك من جناية بها أو ضربة في رأسه فنقص بذلك بصره، ثم فقأت بعد ذلك؛ لم يعط إلا بحساب ما بقي، وإن كان من ضعف الكبر، أو الرمد، أو خلقة؛ لم يوضع لذلك شيء. قال محمد: هذا أحسن ذلك عندنا، وهو وجه ما قال مالك، ومذهب ابن القاسم وأشهب، وإن كان لأشهب فيه اختلاف: أن العين إذا أصيبت خطأ، وقد كان أصابها قبل ذلك شيء نقص بصرها؛ فإن كان من جناية وقد أخذ لها عقلاً حوسب به قل أو كثل؛ لأنه لم يأخذ إلا من نقص معروف، وجزء مسمى، فأما من ضعف البصر فلا يأخذ

لذلك شيئاً أبداً، إلا أن ينقص لذلك شيئاً معلوماً وإن قل. يريد: فيأخذ له. قال: ثم لا يكون على الفاقئ إلا ما بقي، وإن كان عمداً اقتنص منه، ولم يحاسب. م: يريد وإن كان ضعف لا يؤخذ له شيء لقلته، فعلى الفاقئ بعد ذلك العقل تاماً. قال: وكذلك إن كان ذلك بأمر من السماء ليس من جناية، ولا ضربة؛ لم يحاسب مما كان من ضعف يسير، وكان لها عقلها تاماً. 34 - فصل [في الجناية على العين القائمة، والسن السوداء والحمراء والخضراء والصفراء] وقد تقدم أن في العين القائمة الاجتهاد.

ولم يأخذ مالك بما ذكر عن زيد: أن فيها مئة دينار. وأن في السن السوداء، والحمراء، والصفراء؛ العقل كاملاً، وإذا ضربت سِنة فاسودت، أو احمرت أو اخضرت، أو اصفرت، ففي السواد تم عقلها، وإن كان ذلك كالسواد فقد تم عقلها، وإلا على حساب ما نقص، وإن اضطربت اضطراباً شديداً تم عقلها، وإن كان خفيفاً؛ عقل لها بقدر ذلك وينتظر بالشديدة الاضطراب سنة. 35 - [فصل]: فيمن جنى على يد ناقصة، أو كانت يد الجاني ناقصة قال: وإذا ذهب إصبع من الكف بأمر من الله سبحانه، أو بجناية وقع فيها قصاص أو عقل، ثم أصيبت الكف خطأ؛ ففيها أربعة أخماس الدية، ولو ذهب منها أنملة قد اقتص منها لقوصص بها في دية الكف، ومن قطع كفاً خطأ وقد ذهب بعض أصابعهما؛ فإنما عليه بحساب ما بقي من الأصابع في الكف، فإن لم يبق في الكف إلا أصبع واحدة؛ فعليه في الإصبع

ديته، وأستحسن في الكف حكومة. وقال أشهب: لا شيء في الكف ما دام يبقى شيء له دية. قال ابن القاسم: ومن قطع كف رجل عمداً وقد ذهب منها إصبعان أو ثلاثة بأمر من الله تعالى، أو بجناية وقع فيها قصاص، أو عقل، لم يقتص منه، ولكن عليه العقل في ماله، ولو ذهب منها إصبع واحدة؛ فقطعت يده قصاصاً، وسواء كانت المقطوعة الإبهام أو غيرها. محمد: وقال أشهب: لاقتصاص له مثل الإصبعين؛ وإنما له أربعة أخماس دية اليد في ماله، وكذلك في الأنملتين مثل الإصبع؛ لأنه إذا ذهب أكثر الشيء جعلت أقله تبعاً، ولكني أستحسن في الأنملة أن يقتص منه. ابن القاسم: ولو كانت المقطوعة صحيحة وقد ذهب من يد القاطع إصبع؛ لاقتص منه أيضاً.

وقال في المدونة: ولو كان قد ذهب منها إصبعان أو ثلاثة؛ لخير المقطوعة يده بين أن يقتص من اليد الناقصة، أو يغرمه دية يده. محمد: قال ابن القاسم: قال مالك: إذا ذهب من يد القاطع إصبع فقطعت هذه اليد قصاصاً؛ فإنه يغرم دية الإصبع الخامس. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن ليس له إلا قطع كفه بأربع أصابع، ولا دية له في الإصبع الخامس، ولا خيار له في غير ذلك. محمد: وقد قال ابن القاسم: إن شاء استقاد من يد [ذي] الإصبع، وإن شاء غرمه دية يده، مثل ما لو ذهب من يد القطاع إصبعان. وقال مالك وابن القاسم: إنه مخير في الإصبعين، إن شاء استقاد، أو أخذ دية يده. وقال أشهب وعبد الملك: ليس له أن يستقيد إذا كان قاطعه مقطوع

أكثر من إصبع؛ لأن ذلك من وجه العذاب، إلا أن يكون إنما نقصت بعد أن قطع كف الأول فإنه يقتص منه فيقطع ما بقي ثم يرجع على من قطع من كف قاطعه، فإن شاء أخذ منه عقل ذلك، أو اقتص منه إلا أن يرضيه قاطع قاطعه.

[الباب السادس] فيمن جنى على عضو وليس له مثله، أو له مثله وهو مما لا يقاد منه، وما تحمله العاقلة من ذلك

[الباب السادس] فيمن جنى على عضو وليس له مثله، أو له مثله وهو مما لا يقاد منه، وما تحمله العاقلة من ذلك قال: ومن قطع يمين رجل عمداً ولا يمين له فديته في ماله لا على العاقلة، فإن كان عديماً ففي ذمته، ولا تغلظ عليه الدية كدية العمد إذا قبلت. وعقل المأمومة والجائفة عمداً على العاقلة، كان للجاني مال أو لم يكن، وعليه ثبت مالك، وبه أقول، وكان مالك يقول: إنه في ماله إلا أن يكون عديماً فيكون على العاقلة، ثم رجع. والفرق بين ذلك وبين اليد: أن الجائفة والمأمومة موضعها قائم ولا يستطاع منه القود؛ لأنه متلف، واليد المقطوعة لا نظير لها عند القاطع. قال أشهب: ولأن عمد الجائفة والمأمومة بمنزلة الخطأ إذ لا قود فيها وموضعها قائم؛ فمنزلة المجنون والصبي يقتل أو يجرح رجلاً عمداً، فلما ارتفع عنهما القصاص للجنون والصغر وفيهما موضع ذلك القود وعد فعلهما كالخطأ فكذلك الجائفة والمأمومة والمنقلة.

ومن المدونة قال مالك: كل ما يجنيه الجاني عمداً وفي جسده مثله ولا يستطاع منه القود فعل ذلك على العاقلة، وعلى الجاني الأدب، وذلك في المأمومة والجائفة وكذلك كل ما لا يستطاع منه القود لأنه متلف إذا بلغت الحكومة فيه ثلث الدية. وأما ما ذهب من جسد الجاني ولو كان قائماً لاقتص منه فعقل ذلك في ماله، أو في ذمته في عدمه ولا تحمل العاقلة أقل من الثلث، وإنما تحمل الثلث فصاعداً إذا كان خطأ. ومن شج رجلاً ثلاث مأمومات في ضربة واحدة خطأ ففيها الدية كاملة على العاقلة. وإن شجه ثلاث منقلات في ضربة واحدة حملته العاقلة؛ لأن هذا يبلغ أكثر من ثلث الدية، وإن كان ذلك في ثلاث ضربات وكان ضرباً متتابعاً لم يقلع عنه؛ فهي كضربة وا حدة تحمله العاقلة، فإن كان متفرقاً في غير فور واحد؛ لم تحمله العاقلة.

[الباب السابع] فيمن طرح سن صبي لم يثغر

[الباب السابع] فيمن طرح سن صبي لم يُثغر قال مالك: ومن طرح سن صبي لم يثغر خطأ؛ وقف العقل بيد عدل، فإن عادت لهيئتها رجع العقل إلى مخرجه، وإن لم تعد؛ أعطي الصبي العقل كاملاً، وإن هلك الصبي قبل أن تنبت سنه؛ فالعقل لورثته، وإن نبتت أصغر من قدرها الذي قلعت منه؛ كان له من العقل قدر ما نقصت، ولو قلعت عمداً؛ وقف له العقل أيضاً، ولا يعجل بالقول حتى يستبرأ أمرها، فإن عادت لهيئتها فلا عقل فيها ولا قود، وإن عادت أصغر من قدرها؛ أعطي الصبي ما نقصت، وإن لم تعد لهيئتها حتى مات الصبي؛ اقتص منه، وليس فيها عقل، وهو بمنزلة ما لم ينبت. تم كتاب الجراح بحمد الله وعونه وصلى الله على محمد رسوله وعبده

كتاب الجنايات

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الجنايات [الباب الأول] في جناية العبد على الحر وما فيه القصاص من ذلك قال مالك رحمه الله: والسنة الا قود بين الأرقاء والأحرار في الجراح كلها، فأما في النفس فلا يقتل حر بعبد. قال ربيعة، وابن شهاب: إلا في حرابة. قال مالك: ويقتل العبد بالحر إن شاء ولاة الحر، فإن استحيوه خير

سيده بين إسلامه أو فداه بدية الحر. وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: "يقاد للحر من العبد من الجراح إذا رضي الحر، ولا يقاد من الحر للعبد وإن رضي الحر"، وبه يقول محمد بن عبد الحكم. محمد: قال أشهب: أخبرنا بعض أهل العلم: أن جعفر بن محمد حدثه أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "إذا قتل العبد رجلاً عمداً دُفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤا قتلوه وإن شاؤا استحيوه فكان لهم

عبداً". قال مالك: إلا أن يفديه سيده بالدية كاملة، ويصير حينئذ بمنزلة الخطأ. أشهب: وقال نحوه يحيى بن سعيد، وربيعة بن أبي عبد الرحمن. 1 - فصل [في العبد يقتل رجلاً له وليان فيعفو أحدهما] قال ابن القاسم: وإذا قتل عبد رجلاً له وليان فعفا أحدهما عن العبد على أن يأخذ جميعه ورضي بذلك سيد العبد؛ فإن دفع السيد إلى أخيه نصف الدية جاز، وإن أبى خيّر سيده العافي بين أن يكون العبد بينهما أو يرده فإن رده فلهما القتل أو العفو؛ فإن عفوا عنه خُيّر السيد بين اسلامه أو فداه منهما بالدية. وقد قال ابن القاسم أيضاً: إن للأخ الدخول في العبد فيكون بينهما لشركتهما في الدم. وكذلك إن عفا أحدهما على أن دفع إليه السيد العبد القاتل وزاده عبداً آخر؛ فإن سيده إن دفع إلى الذي لم يعف نصف الدية تم ما صنع، وإن

أبى قيل للعافي: ادفع إلى أخيك نصف القاتل وحده، فيتم فعلك، فإن أبى رد العبدين وكانا على أمرهما، وقد قيل: إن للآخر الدخول مع أخيه في العبدين بالقضاء؛ لأنهما ثمن للدم الذي بينهما. وقاله بعض الرواة. قال: وإذا قتل عبدٌ رجلاً له وليان فعفا أحدهما ثم قال: إنما عفوت ليكون لي نصف العبد؛ لم يصدق إلا أن يأتي بدليل، فإن جاء به كان العبد بين الوليين إلا أن يفديه سيده بجميع الدية، وله فداء نصفه بنصفها من أحدهما، وإسلام نصفه إلى الآخر. محمد: ولم يكن لواحد منهما أن يأبى ذلك على السيد. [2 - فصل: في العبد يقتل عمداً فيعفو عنه المقتول] قال ابن القاسم: ومن عفا عن عبد قتله عمداً؛ جاز عفوه، وبقي العبد لمولاه، إلا أن يعفو على أن يسترقه؛ فيرجع الخيار إلى سيده بين أن يفديه بالدية أو يسلمه، وإن كان القتل خطأ فكانت قيمته قدر ثلث تركة القتيل؛ جاز عفوه، وإلا جاز منه قدر الثلث.

قال أبو محمد: إنما ينظر إلى ما تركه المقتول، وإلى ما يجب له في الدية؛ فإن كان قيمة العبد مثل ثلث جميع ذلك؛ جاز عفوه. م: يريد: لأن الذي يجب له في الدية العبد إلا أن يفديه سيده، فلما عفا عنه صار كأنه أوصى به إلى سيده، فينظر؛ فإن كان قيمة العبد مئة، وما تركه المقتول مئتين؛ جاز عفوه، وإن كان ما تركه المقتول مئة غير قيمة العبد؛ كان لسيد العبد ثلثا العبد، وخير في فداء ثلثه من الورثة بثلث الدية، أو إسلامه؛ وإن لم يترك شيئاً كان لسيد العبد ثلث العبد، وللورثة ثلثاه، ويخير السيد في فداء ذلك منهم بثلثي الدية أو إسلامه. قال سحنون: وقيل إنما يكون في الثلث الأقل من قيمة العبد أو الدية. م: يريد: لأن السيد لما كان مقدماً على المجني عليه في أن يسلم له العبد أو فيديه بالدية؛ كان الواجب له في الدم أحدهما، وبه أوصى له؛ فوجب أن يجعل في الثلث الأقل؛ لأنه الذي أتلف على الورثة، كما قال فيمن أوصى لرجل بمكاتبة: أن يجعل في الثلث الأقل من قيمة الرقبة، أو قيمة الكتابة، فكذلك هذا.

م: قال بعض فقهائنا: وهذا لا يخالفه ابن القاسم، وهو تفسير لقوله، وأصل مذهبه. م: وظاهره خلاف ما تقدم لابن القاسم. والله عز وجل أعلم. [3 - فصل: في العبد يقتل خطأ فيوصي المقتول بالعفو عنه] محمد: وقال أشهب في عبد قتل رجلاً خطأ فأوصى أن يعفا عنه، ويرد إلى سيده ولا مال له، ولم يُجز الورثة، قال: يقال لسيده إن شئت فديت جميعه بثلثي الدية؛ لأن ثلثها عنك ساقط بالوصية، وإلا فأسلم إليهم جميع العبد بثلثي الدية كما لو جرح عبدك حراً جرحاً ديته مئة دينار، فيطرح المجروح عن سيده خمسين ديناراً؛ لكان سيده بالخيار؛ إن شاء أفتك جميعه بالخمسين، وإن شاء أسلم جميعه بالخمسين، بمنزلة الرهن يضع المرتهن بعض حقه؛ فيكون جميع الرهن رهناً بما بقي. محمد: ولم يعجب أصبغ قول أشهب في وصية المقتول بالعفو، وقال: ليس للورثة إلا ثلثا العبد لثلثي الدية؛ فإن شاء سيده أسلم ثلثيه وإن شاء

افتكها بثلثي الدية، وأما ثلثي العبد فهو لسيده بالوصية، أسلم بقيته أو فداه، بخلاف المجروح، وقوله في المجروح صواب، وهو بمنزلة الرهن كما قال. محمد: وقول أصبغ جيد؛ لأنه لو تمسك الورثة بجميع العبد بثلثي الدية ولعله لا يسوى؛ لم ينفذ للميت من وصيته شيء، ومنعوه الوصية، ألا ترى أنه لو أوصى المقتول بالعبد لأجنبي ولا شيء له غيره؛ لكان له ثلث العبد بثلث الدية، إن فدا منه بذلك كانت له، وإلا كان له ثلث الرقبة فكذلك السيد سواء؛ لأن الميت إنما أراد ألا يعرض للعبد وأن يسلم لسيده. قال أصبغ: وكذلك قال أشهب في وصيته به لأجنبي: أن للموصى له ثلث العبد؛ فإن شاء سيده أفتكه منه بثلث الدية أو أسلمه بها، وإن شاء أيضاً أن يفتك من جميع الورثة ثلثيه بثلثي الدية فذلك له، ولا يدخل الموصى له على الورثة في شيء مما فدى به، وإن شاء افتك من بعض الورثة قدر ما يقع له من العبد، وأسلم إلى الباقين نصيبهم.

قال أصبغ: صواب كله. قال محمد: فهذا كوصيته بالعفو عن قاتله.

[الباب الثاني] فيمن جنى عبده ثم أعتقه أو باعه

[الباب الثاني] فيمن جنى عبده ثم أعتقه أو باعه [4 - فصل: فيمن جنى عبده فأعتقه فليُسأل: هل أراد حمل الجناية أم لا؟] قال مالك: ومن أعتق عبده بعد علمه أنه قتل قتيلاً خطأ؛ سئل، فإن أراد حمل الجناية فذلك له، وإن قال: ظننت أنها تلزم ذمته ويكون حراً يتبع بها؛ حلف على ذلك، ثم يرد عتقه، ثم إن كان للعبد مال قدر الجناية؛ أخذ منه في جنايته وعتق، وإن لم يكن له مال ووجد من يعينه بمال؛ لم يرد عتقه أيضاً. قال مالك: وكذلك إن جرح عبد حراً، ثم أعتقه سيده وقال: ما أردت حمل الجناية؛ حلف على ذلك، ورد عتقه؛ فإن كان للعبد مال قدر الجناية، أو وجد معيناً على أدائها مضى عتقه، فإن لم يجد معيناً، وكان في رقبته فضل عن الأرض بيع منه بقدر الجناية، وعتق ما فضل، وإن كان

لا فضل فيه؛ أسلم رقاً لأهل الجناية. وذكر ابن المواز عن مالك: أن السيد إذا حلف أنه لم يرد حمل الجناية؛ رد عتق العبد، ثم خير سيده في افتكاكه، أو إسلامه، فإن أفتكه كان حراً، وإن أسلمه نظر: هل للعبد مال أو يجد معيناً، نحو ما في المدونة. م: وهو تفسير لما في المدونة. وكذلك قال في المدونة في المدبر يجني ثم يعتقه سيده، ويحلف أنه لم يرد حمل الجناية: أن السيد يخير أولاً؛ فإن أسلمه نظر: هل له مال، أو يجد ميعناً وهو والعبد في ذلك سواء. قال ابن المواز: وإذا لم يجد العبد معيناً، وكان في قيمته فضل عن الأرش، ولسيده مال يعتق فيه ما بقي؛ عتق كله، وغرم السيد دية الجرح. م: قال بعض أصحابنا: ويجب على هذا إذا كان السيد موسراً؛ ألا يحلف أنه لم يرد حمل الجناية؛ لأنه إذا أسلمه فبيع بعضه في الجناية،

وعتق باقيه؛ أن يقوم عليه ما بيع منه فيلزمه أرش الجناية، شاء أو أبى. قال محمد: وقال ابن عبد الحكم: إذا حلف السيد أنه لم يرد حمل الجناية؛ فليرد عتقه، ثم يخير السيد في أن يفديه، ويبقى له عبداً أو يسلمه عبداً، فعجبت من قوله، ثم أخبرت بمثله عن أشهب. وقال المغيرة في المجموعة: إذا أعتقه عالماً بالجناية؛ فهو ضامن، كما لو أولد أمته. [5 - فصل: في العبد يجرح رجلين فأعتقه سيده بعد علمه بأحدهما] محمد: قال ابن القاسم: وإذا جرح رجلين، فعلم السيد بأحدهما، فأعتقه رضاً بتحمل الجناية التي علم بها، ودفعها إليه، ثم قام الثاني والجنايتان سواء؛ فعليه أن يعطي الثاني الأقل من أرش جرحه، أو نصف قيمة العبد. قال محمد: وله أن يرجع على الأول فيدفع له مما دفع إليه قدر نصف قيمة العبد إن كان ما دفع إليه أكثر من ذلك، ويأخذ ما بقي؛ لأنه فدا منه جميعه، وظهر أنه إنما استحق نصفه وهو لا يقدر أن يسلم إليه نصفه بما أحدث فيه من العتق.

6 - فصل [فيمن جنى عبده فباعه أو وهبه] قال ابن القاسم: ومن باع عبده بعد علمه أنه قد جنى؛ حلف ما أراد حمل الجناية، ثم إن دفع الأرش لأهل الجناية وإلا كان لهم إجازة البيع وقبض الثمن، ولهم فسخه، وأخذ العبد. قال غيره: إلا أن يشاء المبتاع دفع الأرض إليهم فذلك له ويرجع على البائع بالأقل مما افتكه به أو الثمن. قال ابن القاسم: ولو افتكه البائع فللمبتاع رده بهذا العيب إلا أن يكون البائع بينة له؛ فيلزمه البيع. قال غيره: هذا في العمد وإما في الخطأ فلا، وهو كعيب ذهب. قال بعض القرويين: يجب أن يكون إذا افتكه المشتري بأقل من الثمن أن تكون عهدته على البائع؛ لأن البيع الأول قائم، وإنما يرجع عليه بما غرم لسبب الجناية التي كانت عنده، وإن افتكه بالثمن فأكثر؛ فالعهدة على أهل الجناية؛ لأن البائع قد رد الثمن الذي أخذ فيه، وانتقض بيعه، وكأن المشتري

اشتراه بما فداه به ممن استحق رقبته والله أعلم. قال في قول ابن القاسم: وللمبتاع رده بهذا العيب إلا أن يكون البائع بينة له؛ فيلزمه. يريد: إذا جنى عنده جناية أتلف بها مالاً، ولو كانت جناية يجب على العبد فيها قصاص؛ لكان في هذا البيع غرر؛ لأن المشتري لا يدري هل يقتض منه أم لا، فكان يجب أن لا يجوز، وهذا بين والله أعلم. قال ابن القاسم في كتاب الحبس: ولو وهبه بعد علمه بالجناية فلم يرض بأداء الجناية وحلف ما أراد حملها؛ فإن الجناية أولى به. ومن كان الجنايات قال مالك: ومن جنى عبده جناية فقال: أبيعه وأدفع الأرش من ثمنه؛ فليس له ذلك إلا أن يضمن، وهو ثقة مأمون، أو يأتي بضامن ثقة فيؤخر اليومين ونحوها، وإلا فداه أو أسلمه. قال ابن القاسم: وإن باعه ودفع إلى المجني عليه دية الجرح؛ جاز بيعه، وإلا لم يجز.

[الباب الثالث] في الأمة تلد بعد الجناية، وجناية المأذون له، وتكرر جناية العبد

[الباب الثالث] في الأمة تلد بعد الجناية، وجناية المأذون له، وتكرر جناية العبد [7 - فصل: في الأمة تلد بعد الجناية] قال ابن القاسم: وإذا ولدت الأمة بعد أن جنت؛ لم يسلم ولدها معها، إذ يوم الحكم يستحقها المجني عليه وقد زايلها الولد قبله، ولكن تسلم بمالها، وهو قول أشهب في المال والولد؛ أنها تسلم بمالها ولا يسلم ولدها معها. وقال المغيرة: إن ما ولدت بعد الجناية فهو رهن معها في الجناية. قال ابن القاسم: ولو ماتت فأهل الجناية أحق بمالها إلا أن يدفع السيد الأرش إليهم. 8 - فصل [في جناية المأذون له، وفي أم الولد تُسبى وتُغنم أكثر من مرة] وإذا جنى عبد مأذون وعليه دين من تجارته، ثم أسره العدو فابتاعه رجل من العدو فلم يفده سيده بالثمن؛ فليس لأهل الجناية أخذه إلا بدفع الثمن الذي

صار به لمبتاعه، إذ لو أسلمه سيده أولاً بالجناية لم يكن لمن صار له أخذه إلا بدفع الثمن وأما الدين فباق في ذمته، وإنما يسقط عن العبد وعمن يصير له ما كان قبل أن يؤسر العبد في رقبته، وأما ما كان في ذمته فهو ثابت عليه يؤخذ به. وقال سحنون في العتبية: يفتكه السيد بالأكثر من أرش الجناية أو بما ابتاعه هذا به، أو صار له في سهمانه، فإن كان أخذه بعشرة دنانير وأرش الجناية عشرون؛ أفتكه بعرين، فيأخذ من هو بيده عشرة والمجني عليه عشرة، وإن كانت الجناية عشرة والذي صار به في السهمان عشرون؛ دفع السيد العشرين إلى صاحب السهمان، وليس لصاحب الجناية شيء. وكذلك لو أن أم ولد رجل سباها العدو ثم غنمها المسلمون فصارت في سهمان رجل بمئتي دينار، ثم سبيت ثانية، ثم غنمت فصارت في سهمان آخر بمئة دينار، ثم سبيت ثالتة، ثم غُنمت فصارت في سهمان ثالث بخمسين، ثم أتى السيد الأول وكل من صارت في سهمانه، وهي

في يد صاحب الخمسين؛ فإن السيد الأعلى يأخذها بمئتين، فيعطي الذي هي بيده خمسين؛ لأنه أحدثهم ملكاً فهو أولى، ثم يعطى الذي يليه مئة، ثم يعطى الثالث ما بقي وهو الذي كانت في يديه بمئتين. ولو كانت صارت للأول بخمسين، وللثاني بمئة، وللثالث بمئتين؛ فإن السيد الأول أولى بها بالخيار، فيدفع مئتين إلى من هي بيده ويسقط حق الباقي، وكذلك لو كان موضع أم الولد عبد فاسلك به هذا المسلك. قال عنه ابن عبدوس: وإنما كان على السيد الأكثر؛ لأن الجناية قد لزمته قبل أن يوسر، وإنما بدأت بمن هو بيده؛ لأنه أحدثهم ملكاً. قال: وإن صار في سهمان رجل ثم جنى، ثم قام ولي الجناية وأبى السيد؛ خُيّر السيد في أن يسلمه أو يفتكه بالأكثر، فإن كانت الجناية أكثر أخذ ذلك

المجني عليه ولا شيء للآخر، وإن كان الذي صار له في السهمان أكثر أخذ منه المجني عليه قدر جنايته، وكان الفضل لصاحب السهمان، وإن أسلمه السيد؛ خير من هو بيده بين أن يسلمه فيرق للمجني عليه، أو يفتكه فيبقى في يديه. قال: وإن جنى ثم صار في السهمان، ثم جنى؛ فإن بعضهم لا يدخل على بعض، والآخر منهم مبدأ. 9 - فصل [في تكرار جناية العبد] ومن المدونة قال مالك: وإذا جنى عبد فلم يحكم فيه حتى جنى جنايات على قوم؛ فإن سيده يخير فأما فداه بدياتهم أجمع، وإلا أسلمه إليهم فتحاصوا فيه بقدر مبلغ جناية كل واحد منهم، ولو فداه ثم جنى؛ فعليه أن يفديه ثانية أو يسلمه.

[الباب الرابع] في جناية المعتق بعضه، والجناية عليه، والقضاء أن كل من لم تتم حريته فله حكم العبد في حرمته

[الباب الرابع] في جناية المعتق بعضه، والجناية عليه، والقضاء أن كل من لم تتم حريته فله حكم العبد في حرمته [10 - فصل: في جناية المعتق بعضه قبل عتق بقيته] قال ابن القاسم: ومن أعتق نصف عبده ثم جنى قبل القضاء بعتق بقيته؛ لم يكن كالحر، إذ لو مات السيد، أو لحقه دين قبل الحكم؛ رق باقيه، ولكن يلزم السيد الأقل من نصف قيمته أو من نصف الأرش للمجني عليه، ويعتق جميعه؛ لأنه لو أسلمه لقوّمته عليه أيضاً إن كان موسراً وعتق، ويكون نصف الأرش الباقي في ذمة العبد بكل حال، ولو مات السيد قبل القيام كان نصف الأرش في ذمة العبد ويخيّر الورثة في النصف الرقيق بين اسلامه رقاً وبين أن يفدوه، ويكون لهم رقاً.

[11 - فصل: في العبد بين رجلين عتق أحدهما حصته منه وهو موسر فجنى العبد قبل تقويمه عليه، أو وهبه المتمسك بالرق لغيره] ولو أعتق المليء شقصاً من عبد بينه وبين رجل ثم جنى العبد قبل التقويم خيّر المتمسك بين أن يفدي شقصه منه ثم يقومه على المعتق، أو يسلمه فيقومه المسلم إليه على المعتق بقيمته يوم الحكم معيباً، ويتبع العبد لا العاقلة بنصف الجناية وإن جاوزت ثلث الدية؛ لأن العاقلة لا تحمل عن عبد. ومن أعتق شقصه من عبد، ثم وهب المتمسك نصيبه منه لرجل بعد العتق؛ جاز ذلك، وكان التقويم للموهوب له بخلاف بيعه لنصيبه، هذا يرد بيعه إذا كان الذي أعتق موسراً؛ لأنه في البيع باع نصفه بعين أو عرض، على أن يأخذ المبتاع قيمة مجهولة، فذلك غرر، ولا غرر في الهبة. 12 - فصل [تخيير سيد المعتق نصفه إذا جنى بين إسلامه أو فداه] قال مالك: وإذا جنى المعتق نصفه؛ خيّر سيده في أن يسلم ماله فيه

رقاً بنصف دية الجناية أو يفدي نصفه نصف دية الجناية ويكون نصف دية الجناية الآخر على العبد في نصفه الحر، فإن كان له مال؛ أخذ منه في نصف دية الجناية، وإن قصر ذلك، أو لم يوجد له شيء؛ اتباع به على كل حال. محمد: قال أشهب: هذا قول مالك حرفاً بحرف. محمد: ولم يختلف فيه قول مالك، ولا أحد من أصحابه. [13 - فصل: في الجناية على المعتق نصفه، وحكمه كعبد كله] قال فيه وفي المدونة: واختلف قول مالك إذا كان العبد مجنياً عليه، فقال مرة: يكون أرش ما جني عليه للسيد نصفه، وللعبد نصفه، كما أنه إذا جنى هو كان عليهما، وأخذ به ابن القاسم. قال محمد: وهو القياس؛ لأنه إنما يكون له من الحكم كما يكون

عليه. قال فيه وفي المدونة: وقد كان مالك يقول: إن عقل جميع ذلك لسيده وحده وليس للعبد منه شيء. محمد: وبهذا أخذ أشهب استحساناً. قال أشهب: وإنما استحسنت أن يكون للسيد وإن كان القياس أن يكون بينهما كما يكون ذلك عليهما لو جنى هو من قبل أنه عبد في جميع أموره، وليس ما أصيب به العبيد بمال من أموالهم، ألا ترى أنه لو قتل لكانت قيمته قيمة عبد كله لسيده، فكذلك ما قطع منه، والعبد إذا جنى هو المجترم للجناية، فلذلك لم أحمل على سيده إلا ما يخص ما يملك منه فقط، ولا أسقط عن العبد ما يخصه، فيكون ذلك ذريعة إلى تعاونه بالجناية إذا لم يلزم ذلك ماه الذي بيده ولا ذمته، فرأيت ذلك أحسن، وأديت عنه في المستقبل، وكذلك قاله مالك. قال محمد: وهذا قول حسن، ولكن ما أخبرتك مما أخذت به

أقيس القولين، وهو قول ابن القاسم، وابن وهب، وعبد الملك، والمخزومي، وابن دينار: أن ذلك بينهما.

[الباب الخامس] في جناية الموصى بعتقه، والجناية عليه

[الباب الخامس] في جناية الموصى بعتقه، والجناية عليه [14 - فصل: في جناية الموصى بعتقه والثلث لا يحمله] قال ابن القاسم: ومن أوصى فقال: عبدي حر بعد موتي بشهر، فمات السيد والثلث لا يحمله، قيل للورثة: أجيزوا الوصية وإلا فاعتقلوا منه ما حمل الثلث بتلاً؛ فإن أجازوا خدمهم تمام الشهر ثم خرج كله حراً، فإن جنى قبل مضي الشهر قيل للورثة افتدوا خدمته أو سلّموها، فإن سلموها خدم العبد في الجناية، فإن تم الشهر عتق واتبع ببقية الأرش في ذمته، وإن افتكه الورثة خدمهم بقية الشهر ثم عتق، ولم يتبع بشيء؛ فإن لم يجيزوا الوصية؛ عتق من العبد محمل الثلث، ثم إن جنى اتبع بما يقع على ما عتق منه، ويخير الورثة في إسلام ما رق منه أو فداه، ولو جنى قبل تخيير الورثة في

ضيق الثلث؛ خيروا بين أن يفدوه ويخدمهم إلى الأجل ويعتق ولا يتبع بشيء فيكونوا قد أجازوا الوصية، وإن أبوا عتق منه بتلاً ما حمل الثلث، واتبع من الأرش بحصة ذلك، وخيروا في فداء ما رق منه أو اسلامه. [15 - فصل: في جناية الموصى بعتقه قبل موت السيد وتغيير الوصية] وإذا جنى موصً بعتقه قبل موت السيد؛ خير سيده في اسلامه أو فداه؛ فإن فداه كان على الوصية إذا لم يغيرها قبل موته، وإن أسلمه بطلت الوصية؛ إذ له أن يغيرها، فإن لم يقم ولي الجناية حتى مات السيد فالعبد رهن بالجناية إن أسلمه الورثة رق للمجني عليه، وإن افتكوه عتق في ثلث سيده. قال ابن المواز: وتفسيره أن يسقط قيمته من مال الميت؛ لأن العبد قد استُحقت رقبته، فيخرج قيمته من رأس ماله، وقد أوصى بعقته وأقر وصيته، فهو بمنزلة من أوصى بعتق عبد لغيره، فإذا أسقطت قيمته من رأس المال

كان ما بعده هو ماله، فإن فدوه بثلث ما يبقى من مال الميت بعد العتق؛ نفذ العتق، وإن فدوه بأكثر من الثلث؛ لم يعتق إلا ما حمل الثلث. محمد: وخالفه أشهب وقال: يكون للورثة فيه من الأمر ما كان لميتهم إن شاؤا أسلموه للمجروح رقيقاً، أو يفدوه منه فيكون رقيقاً لهم بعد أن يحلفوا ما علموا أن الميت أقره تحملاً للجناية، فإن نكلوا؛ أخرجوا الدية من رأس المال، وأعتقوا العبد من ثلث ما بقي. [16 - فصل: في جناية الموصى بعتقه بعد موت السيد حمله الثلث أم لم يحمله] ومن المدونة قال: وإن أوصى بعتق عبد بعينه بعد موته فجنى العبد بعد موت السيد قبل أن يقوّم في الثلث فهو كما لمدبر يجني بعد موت السيد؛ فإن حمله الثلث عتق، وكانت الجناية في ذمته، وحرمته وجدوده كالعبد فيما جنى أو جني عليه، وإن كان الثلث يحمله حتى يعتق في الثلث إلا أن تكون أموال السيد مأمونة فيكون في جنايته، والجناية عليه كالحر.

قال سحنون: وقد أعلمتكم باختلافهم في المال المأمون. قال ابن القاسم: وإن لم يحمله الثلث عتق منه محمله واتبع بما يقع عليه من الأرش، وخيّر الورثة في فداء ما رق منه بما يقع عليه من الجناية أو إسلامه فيه.

[17 - فصل: فيمن أوصى بشراء عبد بعينه وعتق فجنى العبد قبل العتق] قال ابن القاسم: وإن أوصى أن يُشترى عبد بعينه فيعتق، فاشتروه ثم جنى قبل العتق؛ كان كالموصى بعتقه بعينه يجني بعد موت السيد؛ فإنه يعتق ويتبع بالجناية في ذمته، بخلاف عبد ليس بعينه؛ لأن لهم إذا اشتروه ألا يعتقوه ويستبدلوا به غيره إذا كان ذلك خيراً للميت.

[الباب السادس] [181/أ] في جناية المبتل في المرض، والجناية عليه

[الباب السادس] [181/أ] في جناية المبتل في المرض، والجناية عليه [18 - فصل في جناية المبتل في المرض ولسيده مال مأمون أو كثير غير مأمون] قال ابن القاسم: ومن بتل في مرضه عتق عبده ثم جنى، فإن كان يوم بتله له مأمون من ريع أو عقار، كان كالحر في جنايته والجناية عليه، يقتص في العمد، ويتبع العاقلة في الخطأ، وإن كان ماله كثيرًا وليس بمأمون؛ وقف إلى موته، وكان كالمدبر، وكالموصى بعتقه، يجني بعد موت السيد، إن حمله الثلث، عتق واتبع بالجناية، وإن لم يحمله الثلث اتبع بحصة ما حمل منه، وخير الورثة فيمارق منه، وقد تقدم هذا.

[19 - فصل: في جناية المبتل في المرض وليس لسيده مال ثم أفاد السيد مالاً مأمونًا بعد الجناية] قال ابن القاسم: ولو بتله في المرض ولا مال له، أو له مال غير مأمون، فجنى العبد جناية، فلم ينظر فيه حتى أفاد السيد في مرضه مالاً مأمونًا فإني أبتل عتق العبد، ويتبع بالجناية في الذمة، ولا تحملها العاقلة؛ لأنه يوم جنى كان ممن لا تحمل العاقلة جريرته، والعاقلة لا تحمل جريرته حتى يحمل هو معهم ما لزمهم من الجرائر، ولو جُني عليه في مرض السيد أو قُتل، فعقله عقل عبد، إذ لا تتم حرمته حتى تكون أموال السيد مأمونة. والذي قال مالك في المال المأمون أنه الدور والأرضون والنخل. [20 - فصل: في المبتل في المرض يجني ويموت سيده ولا مال له غيره] وإن بتله في المرض فجنى جناية ثم مات السيد ولا مال له غيره عتق ثلثه، واتبع بثلث الأرض، وخير الورثة في فداء منه أو إسلامه، وهذا كالمدبر سواء، وإن صح السيد عتق العبد واتبع بالجناية. [21 - فصل: في وقف المبتل في المرض إذا جنى، وكيف يُصنع في ماله] وإذا جنى المبتل في المرض وقف، ولا يقال لسيده أسلمه أو أفده، كما

يقال له في المدبر؛ لأن هذا لا خدمة له فيه ولا رق، له في المدبر الخدمة إلى الموت. قال سحنون: وعلى هذا ثبت ابن القاسم بعد أن قال غيره، وهو أصل قوله وأحسنه، فكل قول تجده له أو لغيره على خلاف هذا فأصلحه على هذا. قال ابن المواز: اختلف فيه قول ابن القاسم، فذكر عنه مثل ما تقدم ها هنا، قال: وقال مرة: يخير سيده في أن يسلم خدمته إلى المجروح إلى موت سيده، أو يفتديها مثل المدبر. وقال أشهب مثل [181/ب] قول ابن القاسم هذا: أما أن يفتديه سيده أو يسلمه يختدمه المجروح، ويحسب ذلك كالمدبر. قال محمد: الذي هو أحب إلينا: أن ليس له أن يسلمه ولا يكون مثل المدبر؛ لأن المدبر له فيه الخدمة إلى الموت ولا خدمة له في المبتل. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا وقف المبتل في المرض وقف ماله معه، وإن جنى لم يسلم ماله معه في جنايته؛ لأنه قد يعتق بعضه إن مات

سيده ولا مال له غيره. م: يلزمه على هذه العلة أن المدبر أيضًا لا يسلم ماله في جنايته؛ لأنه قد يعتق بعضه بعد موت سيده، ولكن العلة: أن المبتل في المرض يتبعه ماله إذا لم يشترطه السيد حين بتله، فالسيد حينئذ لا يملك منه خدمة ولا مالاً فلم يكن له أن يسلم منه مالاً يملكه، كما ليس له أن يسلم رقبته وله في المدبر الخدمة، وانتزاع المال، فله أن يسلم ذلك في جنايته، فهذه العلة أصح والله أعلم. قال ابن القاسم: وليس للورثة إن افتكوا مارق منه أن يأخذوا ماله، وإن أسلموه فلا يأخذ منه المجني عليه شيئًَا، ويكون المال موقوفًا معه؛ لأن من دخله شيء من الحرية وقف ماله معه، ولم يكن للذي له بقية الرق أن يأخذ من ماله شيئًا. قال سحنون: هذه المسألة أصل مذهبهم، فلا تعدها إلى غيرها. قيل: فلم وقف مالك جميع مال العبد المعتق بعضه معه؟ قال: لأنه شريك في نفسه، وكل عبد بين رجلين فليس لأحدهما أن يأخذ من ماله قدر نصيبه، إلا أن يجتمعا على أخذ ماله، وإن أذن

أحدهما لصاحبه في أخذ حصته من المال، وأبقى هو نصيبه في يد العبد جاز؛ لأنه إن كانت هبة منه أو مقاسمة فهي جائزة، ثم إن باعا العبد بعد ذلك واشترط المبتاع ماله، فالثمن بينهما نصفين، لا يحاص هذا بما زاد المال في ثمنه، إذ لا حصة له من الثمن. محمد: ولو استثنى ماله الذي أبقى حصته بيده ليخص به نفسه، لم ينفعه ذلك، وكان بينه وبين شريكه نصفين. قال أصبغ: لأن ما أبقي صار مالاً للعبد [182/ أ] لو أراد الذي تركه أن يأخذ منه شيئًا لم يكن له ذلك إلا باجتماعهما. قال أبو محمد: يريد لأنه أبقاه ملكًا للعبد حتى لو أخذه مع صاحبه ثم رد إليه أحدهما ما أخذ منه أو شيئًا منه ليكون بيده للذي رده؛ كان له أخذه بعد ذلك. قال في المدونة: ومن بتل في مرضه عتق عبده وماله غير مأمون وللعبد مال، فهو كمن لا مال له.

[الباب السابع] في جناية المخدم، والمعتق إلى أجل، والجناية عليه

[الباب السابع] في جناية المخدم، والمعتق إلى أجل، والجناية عليه [22 - فصل: في جناية العبد الُمخدم سنين معلومة] قال مالك رحمه الله: ومن أخدم عبده رجلاً سنين معلومة، فجنى العبد، خُير مالك رقبته، فإن فداه بقي في خدمته، وإن أسلمه خُيِّر المخدم، فإن فداه خدمه، فإذا تمت خدمته، فإن دفع إليه السيد ما فداه به أخذه، وإلا أسلمه للمخدم رقًا., قال ابن القاسم: وكذلك إن كانت خدمة العبد حياة الرجل. [23 - فصل: في جناية الموصى بخدمته لرجل مدة وبرقبته لآخر] وأما الموصى بخدمته لرجل سنة، وبرقبته لآخر، والثلث يحمله إذا جنى، فإن صاحب الخدمة يبدأ، فإن فداه خدمه ثم أسلمه بعد الأجل إلى الموصى له بالرقبة ولا يتبعه بشيء مما أدى، وإن أسلمه خير صاحب الرقبة، فإن فداه أخذه، وسقطت الخدمة.

قال ابن القاسم وهذا الذي سمعت، وبلغني عن مالك. قال سحنون: قد اختلف قول ابن القاسم في هذا الأصل، وأحسن ما قال هو وغيره من كبار أصحاب مالك: أن من أخدم عبده رجلاً سنين، أو أوصى بذلك ثم برقبته لآخر، والثلث يحمل الموصى بذلك فيه ثم جنى، أن يبدأ صاحب الخدمة بالتخيير للخدمة التي له فيه، وإذ لا سبيل لصاحب الرقبة إليه إلا بتمامها، فإن فداه خدمة بقية الأجل، ثم لم يكن لصاحب الرقبة سبيل إليه حتى يعطيه ما افتكه به، وإلا كان للذي فداه رقًا، وإن أسلمه المخدم سقط حقه، وقيل لصاحب الرقبة: أسلمه أو افتكه، فإن اسلمه استرقه المجني عليه، وإن فداه صارت له وبطلت الخدمة، فكلما جاءك من هذا الأصل فرده إلى ما أعلمتك، فإنه أصح مذاهبهم.

[24 - فصل: في جناية العبد المُخدم سنين ثم مرجعه إلى سيده، أو إلى حرية، أو إلى رجل ملكًا] محمد: قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم يقول: اختلف قول مالك فيمن أخدم عبده رجلاً سنين معلومة ثم مرجعه إلى سيده، فجنى العبد جناية، فقال: [182/ب] أولاً يبدأ بالمخدم فيخير، فذكر مثل ما اختار سحنون، قال: ثم رجع مالك فقال: بل يبدأ السيد أولاً، فذكر مثل ما تقدم في أول المسألة لابن القاسم. قال: وروى أشهب القولين عن مالك مثل ما روى ابن القاسم، وأبى ما رجع إليه مالك، ثم قال: ولكن الذي آخذ به: أن يكونا جميعًا فيه كالشريكين يقوم مرجع رقبته، فإن قيل عشرة دنانير، قومت خدمته أيضًا، فإن كانت عشرة دنانير؛ صار حقهما فيه سواء النصف والنصف، فإن فدياه جميعًا دفع كل واحد منهما نصف دية الجرح، وكان العبد على حاله، وإن أسلماه رق مكانه للمجني عليه، وإن افتك أحدهما بنصف دية الجرح وأسلم الأخر، فإن أسلم صاحب الخدمة لم يكن للمجني عليه غير بقية الخدمة، وإن أسلمه صاحب الرقبة، كان للمجني عليه بعد الخدمة.

قال أصبغ: وقول مالك: الذي رجع إليه أحب إلينا، وهو قول ابن القاسم. قال محمد: وهو أحب إلي، وذلك أن رقبته لسيده، وإليه مرجعه، ولو قُتل لكانت له قيمته، ولم يكن للمخدم فيه قليل ولا كثير. قيل: فإن كان مرجعه إلى حرية؟ قال: يكون بمنزلة المعتق إلى أجل، يحل المخدم محل مالك الرقبة، فيخير بين أن يفدي خدمته فإذا تم الأجل لم يتبعه بشيء أو يسلمها فيخدم المجروح، فإن تمت الخدمة خرج حرًا وأتبعه المجروح ببقية جنايته، فإن استوفى دية جرحه قبل تمام الخدمة، رجع إلى المخدم بخدمة بقية الأجل. قيل: فإن كان مرجعه إلى رجل آخر ملكًا؟ قال: هو بمنزلة من مرجعه إلى حرية، إن شاء المخدم افتكه بدية الجناية واختدمه بقية الأجل ثم أسلمه إلى المبتل بلا شيء، كما لا يتبع العبد نفسه إذا كان مرجعه إلى حرية، قال: وهو بخلاف إذا كان مرجعه إلى سيده. قال أصبغ: ذلك عندي سواء، وخيّر من له المرجع أولاً، فإن فداه بقي على حاله، وإن أسلمه خير المخدم، فإن فداه خدمه بقية الأجل، ولم يكن لمن له مرجع الرقبة أخذه إلا بدفع ما فداه به؛ لأنه إنما أحيا بالفداء خدمته

كالمرتهن يحوز رهنه، فما افتكه به ثابت في رقبته مبدأ قبل دين المرتهن، وكذلك المخدم [183/أ] وأما من مرجعه إلى حرية فهو كالمعتق إلى أجل إن فداه سيده لم يرجع عليه بشيء. قال محمد: وقول ابن القاسم أحب إلي؛ لأن صاحب المرجع لم تصر له رقبته بعد، ولو مات لم يرثه، ولو قتل لم يأخذ قيمته. [25 - فصل: في المُوصى بخدمته يُقتل أو يُجرح] ومن المدونة: وإذا أوصى بخدمة عبده لرجل سنة، وبرقبته لآخر، والثلث يحمله، فمات السيد، وقبضه المخدم، فقتله رجل، كان ما لزمه من قيمته للموصى له برقبته. وكذلك من أوصى لرجل بخدمة عبده سنين معلومة فقتله رجل، أو قطع يده في الخدمة، كان ما يجب في ذلك للذي له الرقبة. قال سحنون: ولم يزل هذا قول مالك، واختلف فيه أصحابه، فكل ما سمعت خلاف هذا فرده إلى هذا، فإنه أصل مذهبي مع ثبوت

مالك عليه. قال ابن المواز: الذي لم يختلف فيه قول مالك وأصحابه: إذا أخدم عبده رجلاً سنين ثم مرجعه إلى سيده، أو أبتله لرجل بعد سنة، فقُتل في الخدمة، أو في السنة، فإن قيمته لسيده؛ لأن رقبته له بعد. قال أشهب: ألا ترى أن السيد لو أحدث دينًا لكان دينه أولى به ممن أبتله له بعد سنة، ولو مات كان العبد ميراثًا؛ لأن المبتل له بعد سنة لم يحزه بعد قبل موت صاحبه، ولا قبل فلسه. قال محمد: وإنما اختلف قول مالك وأصحابه: في الذي أخدمه رجلاً سنة ثم مرجعه لفلان بتلا فقبضه المخدم ثم قتله رجل في الخدمة. قال ابن القاسم: فاختلف فيه قول مالك. فمرة قال: هو لصاحب البتل. ومرة قال: هو للسيد الأول. قال ابن القاسم: وأحب إلى أن يكون لسيده الأول، وهو بمنزلة ما لو جعله حرًا بعد خدمة هذا فقتل في الخدمة، أو مات، فإن قيمته وميراثه لسيده

الذي كانت له رقبته، وقاله مالك في الذي مرجعه إلى حرية. وقال أشهب في الذي مرجعه إلى آخر بتلاً، قبض المخدم إياه حيازة له، وللمبتل له معه، وخروج ملك سيده منه لا يدخله دين استحداثه، ولا يبطله موت سيده، فإذا قتل فقيمته مثل رقبته فيشتري منها من يخدم مكانه بقية السنة، ثم يصير لصاحب المرجع. قال أصبغ: وقول ابن القاسم هو الصواب، وأقيس الأقوال؛ لأن الرقبة بعد لم تتم لصاحب البتل، ولا تتم له إلا بعد [183/ب] الخدمة، وإنما المخدم حائز لنفسه، وإنما تكون حيازة للمبتل إذا بقيت الحيازة حتى يأتي وقت البتل. قال أصبغ: وقد قال أشهب مثل قول ابن القاسم، هذا الذي عليه رأيي. قلت: فمن أخدم عبده سنة فقبضها المخدم فقتله سيده؟ قال: إن كان ذلك خطأ فلا شيء عليه، وعليه في العمد غرم قيمته،

يوقف بيد عدل فيؤآجر منها للمخدم بقية الأجل أو العُمْرى إن كان أعمره إياه، فما فضل فلسيده، وما عجز فلا شيء له عليه. قال ابن القاسم: يشتري منها من يخدمه، والإجارة عندي أبين، ولو اشترى عبدًا لجاز. قال أصبغ: كل ذلك حسن، ولا حجة للسيد، ولا للمخدم، والقياس أن يؤآجر له، كان يرجع إليه أو إلى حرية. [26 - فصل: من أخدم أمته لرجل فجرحته] قال: ومن أخدم أمته رجلاً ثم هي حرة، فجرحته، فليختدمها بالجناية، فإن استوفى رجعت تخدم بقية الأجل، وإن انقضت الخدمة ولم يستوف اتبعها بما بقي، فكذلك إن جنت على غيره، كقول مالك في المدبر يجني على سيده.

[27 - فصل في جناية المعتق إلى أجل] ومن المدونة: وإذا جنى معتق إلى أجل، خيّر سيده، فإما فدى الخدمة وإما أسلمها، فإن فداه خدم العبد إلى الأجل ولم يتبعه بشيء، وإن أسلمها خدم العبد في الجناية فإن أوفاها قبل الأجل رجع إلى سيده، وإن حل الأجل ولم تتم عتق، واتبع ببقية الأرش، وإذا جنى المعتق إلى أجل على سيده فسبيله سبيل المدبر.

[الباب الثامن] في جناية المدبر، والجناية عليه، والقضاء في المدبر يجني أو يستهلك مالا أن ذلك في خدمته إذ هي التي يملك السيد منه يومئذ، إلا أنه إن كان للمدبر مال دفع في جنايته، إلا أن يكون مديانا فغرماؤه أحق بماله والجناية في خدمته

[الباب الثامن] في جناية المدبر، والجناية عليه، والقضاء في المدبر يجني أو يستهلك مالاً أن ذلك في خدمته إذ هي التي يملك السيد منه يومئذ، إلا أنه إن كان للمدبر مال دفع في جنايته، إلا أن يكون مديانًا فغرماؤه أحق بماله والجناية في خدمته [28 - فصل: في جناية المدبر على جماعة] قال مالك: وإذا جنى المدبر على جماعة أُسلم إليهم فتحاصوا في خدمته، ولو جرح واحدًا فأسلم إليه خدمته ثم جرح آخر تحاص مع الأول في الخدمة هذا بجنايته والأول بما بقي له. [29 - فصل: في جناية المدبر أو استهلاكه مالاً ولا مال له] قال مالك وعبد العزيز: إذا جنى المدبر ولا مال له، خيّر سيده بين أن يفدي خدمته بجميع ما جنى، أو استهلك، ولا يتبعه بشيء، وإما أسلم خدمته، فاختدمه المجني عليه فيما يجب له بسبب جنايته، فإن تم قصاصها

وسيده حي، رجع إليه مدبرًا، وإن مات السيد [184/أ] قبل وفائها ولا دين على السيد وكان يخرج من ثلثه، عتق واتبع ببقية الجناية، وإن خرج بعضه اتبع بحصة ذلك، وخيّر الورثة في إسلام مارق منه، أو افتدائه بحصته مما بقي من الجناية، وقال نحوه المشيخة السبعة، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم. قال محمد: وإنما خير الورثة فيه وقد كان السيد أسلمه؛ لأنه إنما أسلم خدمته فلما صار بعضه رقيقًا خيروا فيه. قيل: فإذا استوفى الجريح ديته من خدمته ثم كان ما بقي من خدمته لسيده، ولو مات المدبر قبل وفاء الجناية لم يضمن له السيد ما بقي، فكما كان لا يضمن له فلم كان أحق منه بفضل الخدمة؟ قال: لو كنت لم أجعل للمجروح غير الخدمة كان ما قلت، ولكن

جعلت له تضمين المدبر، وإتباعه بما يبقى له مع ما يضمن له الورثة من ذلك فيما رق منه. [30 - فصل: في جناية المدبر وعلى سيده دين] قال مالك وعبد العزيز: وإذا مات سيده وقد كان أسلمه في الجناية فأدرك سيده دين يوفه، والجناية والدين يغترقانه، فالمجني عليه أحق برقبته، يكون له رقًا لا تدبير فيه إلا أن يفديه أهل الدين ببقية الجناية، وإن كان لا يغترقانه، بيع منه للجناية والدين، ثم عتق ثلث ما بقي. قال ابن القاسم: وإذا جنى المدبر في حياة سيده وعلى سيده دين يغترق قيمة المدبر أو لا يغترقه، فأهل الجناية أحق بخدمته، إلا أن يدفع لهم الغرماء الأرش ويأخذوه فيؤآجروه حتى يستوفوا دينهم، فإن لم يأخذه الغرماء وأسلم للمجني عليه يختدمه، ثم مات السيد وعليه دين،

وفي رقبة المدبر كفاف الدين والجناية وفضلة، بيع منه لذلك، وبُدئ بالبيع للجناية ثم للدين ثم عتق ثلث ما بقي، وإن كان لا فضل في قيمته عنهما أو قيمته أقل منهما، قيل للغرماء: أهل الجناية أحق به منكم إلا أن تزيدوا على قيمة الجناية، فتأخذوه ويحط عنه الميت بقدر الذي زدتم فذلك لكم. م: مثل أن تكون الجناية عشرة دنانير والدّين عشرة، وقيمة العبد عشرون فأقل، فإنه لا يباع منه للأرش والدين بل يكون جميعه لأهل الجناية إلا أن يفتكه [184/ب] أهل الدين كما ذكرنا، فإن كان في قيمته فضل عن عشرين ولو درهمًا، فإنه يباع منه للجناية والدين، ثم عتق ثلث ما بقي؛ لأن ها هنا يحصل فيه جزء من الحرية ولا يتوصل إلى ذلك إلا بعد أخذ أهل الجناية وأهل الدين ما لهم، ويعلم ما بقي، فيعتق ثلثه.

قال محمد: إن فداه الغرماء بدية الجناية فقط، بيع لهم، فإن عجز ثمنه عما فدوه به، لم يكن لهم غيره، وبقي دينهم على حاله، وإن كان في ثمنه فضل على ما فدوه به حسب ذلك الفضل عليهم من دينهم، فإن باعوه بمثل ما فدوه به وبالدين ويفضل، استوفوا من ذلك الأرش والدين، وكان ما بقي لورثة الميت. محمد: وإنما هذا في العبد فأما المدبر فيعتق منه ثلث الفضل، ويرق ثلثاه، وإن أحب الغرماء أن يفدوه بدية الجناية وبزيادة شيء يحطونه من دينهم على أن يكون العبد لهم ملكًا إن زاد فلهم وإن نقص فعليهم، فذلك لهم. محمد: وإن أحب الورثة أن يفدوه بدية الجناية على أن يباع في دين أبيهم فقط، فما فضل عتق ثلثه ورق ثلثاه لهم، فذلك لهم، ولا يحسب لهم

شيء مما فدوه به؛ لأن الورثة في هذا بمنزلة الميت في فدائه. قال محمد: والدّين هو الذي يرد المدبر إلى البيع، ولولا الدين لم يبع للجناية وإن كانت أضعاف قيمته، فإذا بيع منه للدين كان صاحب الجناية أولى بما يباع منه حتى لا يبقى من دية جنايته شيء، ثم يقضى بعد ذلك دين سيده ثم يعتق منه ثلث ما بقي ويرق ثلثاه للورثة. م: يريد لأنه لو كان يغترق الدين نصفه فبيع لهم من المدبر نصفه لقام عليهم فيه أهل الجناية؛ لأن جنايتهم أقوى، لتعلقها بالرقبة، فيأخذون منهم ثمن ما بيع منه، فإذا أخذوه منهم قام أهل الدين على ما بقي من المدبر فبيع لهم أيضًا، إذ لا يعتق منه شيء وعلى سيده دين، فإذا بيع لهم ثانية قام عليهم أيضًا أهل الجناية فيأخذون ثمن ذلك حتى يستوفوا

جنايته، فإن فضل شيء كان لأهل الدين، فلما كان الأمر كذلك بدأ بالبيع للجناية ثم للدين ثم عتق ثلث ما بقي، [185/أ] وعلى نحو هذا قاس أشهب مسألة: من أعتق عبده وعليه دين يغترق نصفه ثم استحدث دينًا بعد العتق يغترق ما بقي منه؛ فإنه إذا بيع للدين المتقدم نصفه قام عليهم الغرماء الآخرون فحاصوهم فيه فيأخذون نصف ما بأيديهم، فإذا أخذوه رجع الأولون على النصف المعتق فأخذوا منه مقدار ما أُخذ منهم، فيرجع عليه الآخرون بنصف ما فضلوهم به، ثم يرجع هؤلاء على المعتق بمثل ما أخذ منهم، هكذا حتى يرد عتق جميع العبد، وخالفه ابن القاسم في هذا. قال محمد: ولو أسقط الغرماء دينهم على الميت كان كمن لم يكن عليه دين، ويعتق ثلث المدبر أو ما حمل الثلث منه، ويتبع من الجناية بقدر ما عتق منه، ويخير الورثة فيما رق منه، وقاله ابن القاسم وهو أحب إلينا وقد اختلف فيه: فقيل: إن المجروح أحق برقبته؛ لأن ذلك وجب له بعد موت السيد، فلا يزيله إسقاط الدين، وقد قال أشهب فيمن أعتق في مرضه أو بعد موته

رقيقه وعليه دين يحيط بهم، ولا مال له غيرهم، فترك أهل الدين دينهم، وأجازوا له العتق: إنه لا يجوز على الورثة إلا عتق ثلثهم بالسهم كمن مات ولا دين عليه، وهذا موافق لجواب ابن القاسم في المدبر. [31 - فصل: في جناية المدبر وله مال وعليه دين] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا جنى المدبر وله مال وعليه دين فغرماؤه أحق بماله، فإن لم يكن له مال، كان دينه في ذمته، وجنايته في خدمته، والعبد إذا جنى وعليه دين فإن دينه أولى بماله، وجنايته أولى برقبته، يقال لسيده: ادفع أو افد، وإذا مات سيد المدبر وعليه دين يغترق قيمة المدبر، وعلى المدبر دين، فليبع في دين سيده، ويكون دينه في ذمته يتبع به، أو في مال إن كان له مال، ولغرماء السيد أن يؤآجروا المدبر في دينهم في حياة سيده إن أعدم السيد. وفي كتاب المدبر طرف من هذا.

[32 - فصل: الفرق بين جناية العبد والمدبر على سيدهما] قال ابن القاسم: وإذا جنى العبد على سيده فلا شيء عليه، وأما المدبر يجني عليه سيده: فإن عبد الحكم بن أعين أخبرني عن مالك أنه قال: يختدمه السيد بجنايته، فإن مات السيد ولم يتمها عتق في ثلثه واتبع ببقية الجناية، وإن عتق بعضه في الثلث اتبع بحصة ما عتق منه من بقيتها وسقط ما بقي ورق باقيه للورثة. [185/ب] وقال غيره: لا يختدمه السيد بجنايته إذ له عظم رقبته، وإذ لو فداه من أجنبي لم يتبعه بما فداه، ولا اختدمه فيه، ولو أسلمه لأتبعه المجروح بما يبقى إن عتق في الثلث. م: اعلم أنه إذا أعتق بعضه على قول ابن القاسم واتبع بما يخص الجزء العتيق من الجناية أنه متى أدّى من ذلك شيئًا دخل فيه الجزء الرقيق

فيعتق منه مقدار ثلث ما أدى، وجعل على ما عتق منه الآن أيضًا قدر ما يقع عليه من بقية الأرش، ويكون ما يؤدي كمال طارئ يدخل فيه المدبر؛ لأنه يدخل فيما علمه السيد وفيما لم يعلمه، فكلما أدّى شيئًا عتق منه مقدار ثلث ما أدى، وجعل على ذلك الجزء ما يخصه من بقية الجناية، هكذا كلما أدّى شيئًا عتق منه ما يخص ثلث ما أدّى وجعل عليه ما يخص ذلك وهي مسألة دور فاعرفها. [33 - فصل: في جناية المدبر على سيده وعلى أجنبي، ومتى يبطل التدبير] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا جنى المدبر على سيده وعلى أجنبي؛ اختدماه بقدر جنايتهما. قال سحنون: وهذه مثل الأولى.

محمد: إذا جرح المدبر سيده فليختدمه في جرحه في العمد والخطأ ويقاصه بذلك، وإن كان له مال ولا دين عليه، أخذه وحبسه في جرحه، فإن وفى رجع كما كان في خدمة التدبير، وإن لم يف اختدمه فيما بقي، ولو قتل سيده عمدًا، قُتل به، فإن استحيي بطل تدبيره، ورق للورثة، ولو قتله خطأ عتق في ثلث ماله دون ثلث الدية، وأخذ منه الدية، قال: فإن لم يكن له مال اتبع بها دينًا، أو بما عجز ماله عنها، وإن لم يحمله الثلث عتق منه ما حمل ورق ما بقي واتبع بحصة ما عتق منه من الدية إلا أن يكون له مال فيؤخذ منه مكانه ما لزمه من ذلك. [34 - فصل: اشتراك المدبر مع غيره في الجناية] ومن المدونة قال مالك: ولو أن مدبرًا ورجلاً قتلا قتيلاً خطأ، كان نصف ديته على عاقلة الرجل، ونصف الدية على المدبر في خدمته،

وإذا قتل مدبر رجلاً عمدًا فعفا أولياؤه على أخذ خدمته فذلك لهم إلا أن يفديها السيد بجميع الدية، وليس لهم أن يعفوا على رقه وإن رضي السيد. [35 - فصل: فيما إذا جنى المدبر ثم أعتقه سيده ثم استحدث السيد دينًا] وإذا جنى المدبر ثم أعتقه سيده، فإن أراد حمل الجناية لزمه، وإلا حلف ما أراد حملها، ثم ردت خدمته، وخير السيد بين أن يسلمه مدبرًا، أو يفديه حرًا، فإن أسلمه وكان للمدبر [186/أ] مال أُديت منه الجناية وعتق، وإن لم يكن له مال، اختدمه المجروح، وإن لم يكن في ماله وفاء بالجناية، أُخذ منه وخدم المجروح، فإن استوفى عقل جرحه والسيد حي خرج المدبر حرًا، وإن مات السيد قبل وفاء ذلك، سقط عتق البتل، ورجع إلى عتق التدبير في ثلث سيده؛ لأن التدبير ثابت، وإنما يسقط عتق البتل؛ لأنه لم يرجع إلى ملك سيده الذي أعتقه، وإنما رجع إلى ملك ورثته حتى صار ممنوعًا من ماله، فإن حمله ثلث سيده عتق واتبع ببقية الجناية وإن لم يدع السيد غيره عتق ثلثه واتبع بثلث باقي الأرش ورق باقيه للمجروح، وإن كان قيمة ذلك مثل ما قابله من بقية الأرش، ولا خيار فيه للورثة؛ لأن صاحبهم قد تبرأ منه لما أسلمه.

قال سحنون: إنما لم يخير الورثة فيما رق منه؛ لأن السيد أعتقه وتبرأ من رقه وأسلم الخدمة التي كانت فيه، فلم يكن لهم فيه خيار كما لم يكن لوليهم الميت. قال ابن القاسم: فإن لم يحلف السيد أنه ما أراد حمل الجناية عتق، وكانت الجناية على السيد، وإن لم يكن له مار ردّ عتقه وأسلم إلى المجروح يختدمه. قال محمد: إذا لم يكن للسيد مال لم استحلفه ولم يكن بد من إسلامه إلى المجروح يختدمه. قال في المدونة: فإن أدى في حياة سيده عتق، ولم يلحقه دين استحدثه السيد بعد عتقه، وإن لم يوفها حتى مات السيد وقد استحدث بعد عتقه دينًا يغترق المدبر، لم ينظر إلى ذلك، وعتق في ثلث السيد واتبع ببقية الجناية، وإن لم يترك غيره عتق ثلثه، واتبع ببقية الأرش، ثم إن كان له مال أو مُعِين في فداء ثلثيه بثلثي باقي الجناية، عتق، وإلا رقّ ثلثاه لأهل الجناية إلا

أن يكون في ثمن ثلثيه فضل عن ثلثي باقي الجناية، فيباع من ثلثيه بقدر ثلثي باقي الجناية ويعتق ما بقي. قال أبو محمد: وفي غير رواية يحيى وأحمد وقيل: إن كانت قيمة ثلثي الرقبة أقل من قيمة باقي الأرش، لم يقبل منه معونة من يعينه بمال ورق ثلثاه لأهل الجناية. قال سحنون: وإنما أعتقت ثلثه وعلى السيد [186/ب] دين يغترقه استحدثه بعد عتقه؛ لأن الذي ردّ من أجله عتقه هو الجناية التي قبل العتق فلا حجة لأهل الدين؛ لأنه أعتق قبل دينهم، ويقال لأهل الجناية قد كان يعتق في ثلثه لو لم يكن أعتقه فلا يضره ما أحدث من العتق.

م: ولأن هذا الدين لما لم يرد عتقه لأنه مستحدث بعد العتق كان كمن لا دين على سيده، فلا حجة لأهل الجناية في عتق ثلثه. وفي كتاب ابن المواز: إنما لا يضره الدين المستحدث متى رجع وسيده حي، فإن لم يرجع حتى مات سيده فقد سقط عتق البتل، وعتق بالتدبير فيكون الدين المستحدث أولى به، وتكون الجناية أولى به من الدين إلا أن يكون فيه فضل عن الدين وعن الجرح؛ فيعتق من تلك الفضلة ثلثها، ويرق سائرها. ومن المدونة قال: وإن كان دين السيد قبل العتق وقبل الجناية، كان كمدبر لم يعجل له عتق سواء. [36 - فصل: في العبد بين رجلين يجني وقد دبّر أحدهما نصيبه] قال: ولو أن عبدًا بين رجلين، دبر أحدهما نصيبه فرضي شريكه وتماسك وهو جاز، فإن جنى خُيِّر من دَبَّر في إسلام خدمة نصف العبد أو

دفع نصف الجناية، وخير المتمسك في إسلام نصف الرقبة أو دفع نصف الجناية. [37 - فصل: فيما استهلكه العبد والمدبر من الأموال وما جنياه] قال: وما جنى العبد أو استهلك من الأموال فهو في رقبته، وأما المدبر يجني أو يستهلك مالاً، فذلك سواء، وهو في خدمته إلا أن يكون للمدبر مال فيدفع في جنايته، فإن كان فيه وفاء بجنايته رجع إلى سيده، وإن لم يف بذلك، أو لم يكن له شيء، خير سيده، فإما فدى خدمته لجميع ما جنى أو استهلك، أو لما عجز عنه ماله من ذلك، أو يدفع إليهم خدمته فيتحاصون فيها، فإن مات السيد، والثلث يحمله، عتق، وأتبعوه بما بقي لهم، وإن لم يترك غيره، عتق ثلثه، وأتبعوه بثلث ما بقي لهم، وخير الورثة في فداء مارق منه أو إسلامه.

[38 - فصل: في الجناية على المدبّر] قال مالك: وما جُني على المدبر، فعقله لسيده، وليس كماله، ومهر المدبرة كمالها، وهي أحق به بعد موت السيد من ورثته، إذ به استحلت، ولو اغتصبت [187/أ] المدبرة نفسها، فما نقصها للسيد. [39 - فصل: في جناية مدبر الذمي، وجنايته بعد إسلامه] وإذا جنى مدبر الذمي والمدبر ذمي، خُير بين إسلامه عبدًا، إذ لا أمنعه بيعه، كما لو أعتق عبدًا فلم نخرجه من يده، كان له بيعه، وإن فادى المدبر بقي على تدبيره، ولو أسلم مدبره ثم جنى، خير في إسلام خدمته أو افتدائها، فيؤآجر له ولا يختدمه؛ لأن مدبر الذمي إذا أسلم ألزمته فيه التدبير، وأجبرته عليه، وصار حكم بين مسلم وذمي، ولا يعتق عليه. ولو حلف ذمي بعتق رقيقه فأسلم ثم حنث لم يعتقوا عليه، ولو حلف بعتقهم، وفيهم مسلمون، فحنث عتقوا عليه، إذ لو أعتق النصراني عبده المسلم لزمه ذلك. وإذا أسلم مدبر الذمي ثم قتل أو جرح كان عقله لسيده الذمي؛ لأن العبد إذا مات كان ماله لسيده وإن كان على غير دينه.

[40 - فصل: في جناية المدبر الصغير] قال ابن المواز: وإذا جنى المدبر وهو صغير لا عمل عنده ولا كسب له، فلا شيء عليه ولا على سيده حتى يبلغ العمل ويطيقه، وإن مات هذا المدبر قبل بلوغ ذلك، سقط حق المجروح، وكذلك المدبرة التي لا عمل عندها ولا صنعة.

[الباب العاشر] في جناية أم الولد، وولدها، والجناية عليهم

[الباب العاشر] في جناية أم الولد، وولدها، والجناية عليهم [41 - فصل: فيما يلزم السيد بجناية أم ولده] قال مالك رحمه لله: أحسن ما سمعت في جناية أم الولد أن يلزم السيد الأقل من أرش جنايتها أو من قيمتها أمة يوم الحكم، زادت قيمتها أو نقصت، فذلك عوض من إسلامها لما لم يكن سبيل إلى إسلامها، فجعلت قيمتها موضع رقبتها، وخيّر سيدها في إسلام قيمتها أو فداه بدية الجناية، كما كان له الخيار في الرقبة، ولزم ذلك سيدها لما دخل فيها من فوات إسلامها، وليست بحرة فيلزمها أو عاقلتها، ولا فيها خدمة، فيسلمها وما فيها إلا ما استثنى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه قال: "أيما وليدة ولدت من سيدها فهي له متعة ما عاش لا يبيعها ولا يهبها فإذا مات فهي حرة"، فلم يكن أحد أولى بتحمل ذلك عنها ممن عقد فيها ما منع

إسلامها، قال مالك: وذلك الأمر المجتمع عليه عندنا. [فصل: فيما أهلكته أو أفسدته أم الولد أو ولدها وإخراج قيمتها] قال مالك: وكذلك ما أهلكت [187/ب] أو أفسدت بيدها أو يد ابنها، أو بحفر حفرته حيث لا ينبغي لها، أو اغتصبت أو اختلست؛ لأن هذا كله من العبيد جناية، وعلى السيد فيه الأقل كما ذكرنا، وإن كان ذلك أكثر من قيمتها لم يتبع السيد بما ناف على قيمتها، ولا هي إن عتقت؛ لأنها لو كانت أمة فأسلمت لم يكن عليها فضل الجناية، وإخراج قيمتها بأمر قاض أو بغير أمره سواء، ويحاص أهل جنايتها بذلك غرماء سيدها في ماله في الفلس وفي الموت، وتقوم أمة بغير مالها، وقاله مالك وأشهب. وقيل: تقوم بمالها، وقاله المغيرة، وعبد الملك.

قال مالك: ولا يقوم ولدها معها وإن ولدته بعد الجناية، إذ لا تسلم أمة بولدها، يوم الحكم يستحقها المجني عليه، وقد زايلها الولد قبله، وأما إن أسلم السيد عبده أو أمته بجرح أصابه واحد منهما، فليس عليه أكثر من ذلك. [43 - فصل: في الولد تجني على رجل بعد آخر، وكذا المدبر] ومن قتلت أم ولده رجلاً خطأ فلم ينظر فيه حتى قتلت آخر خطأ، وقيمتها أقل من ذلك، فإنه يدفع قيمتها، تكون بين أوليائهما نصفين، ولو حكم في الأول بالأقل ثم جنت على ثاني، وجب للثاني الأقل أيضًا ثانية يوم يحكم به، وكذلك يفديها كلما جنت إلا أن يتأخر الحكم حتى يجتمع لها جنايات، كل جناية مثل قيمتها وأكثر، فلا يغرم إلا قيمة واحدة يتحاصون فيها بقدر جناية كل واحد منهم، كالعبد يجني فيفديه السيد، ثم يجني، فعليه أن يفديه أيضًا أو يسلمه، وإن اجتمعت له جنايات قبل أن يفديه، خير السيد بين أن يدفع قيمة ما جنى، لكل واحد منهم أو يسلمه

فيتحاصون فيه بقدر جناياتهم، وقيمة أم الولد مثل رقبة العبد. قال محمد: وخالفنا في هذا أبو حنيفة وقال: إذا أسلم سيدها قيمتها مرة واحدة، فليس عليه فيما جنت في المستقبل شيء أبدًا إلا أن تزيد قيمتها، قال: ويرجع الآخر على الأول الذي أخذ قيمتها فيدخل معه فيها، وهذا عظيم من القول، وباطل من الفتيا أن يأخذ سيدها ما جني عليها، ويؤدي غيره جنايتها، وزعم أن ما أدى من [188/أ] قيمتها أولاً كإسلامها، وليس كما قال؛ لأن الأمة إذا أسلمها لم يبق له فيها نفع، وهذه منافعه فيها قائمة، وإن ما أعطى من قيمتها كأرش فدى به عبده فيصير العبد عبدًا له على حالهن فكذلك أم الولد تبقى له على حالها.

ومن المدونة قال مالك: وأما المدبر يجني فَيُسْلِم خدمته، ثم يجني عليه آخر فإنه يحاص الأول في الخدمة، ولا يخير السيد ها هنا، ولا من أسلم إليه، بخلاف العبد. [44 - فصل: في جناية أم الولد على رجلين أحدهما أقل من قيمتها والآخر أكثر أو أحدهما حاضر عند القيام والآخر غائب] وإن جنت أم الولد على رجل أقل من قيمتها ثم جنت على آخر أكثر من قيمتها، فعلى سيدها قيمتها لهما فيقتسمانها بقدر جناية كل واحد منهما. ولو جنت على رجل، ثم جنت على آخر، فقام أحدهما والآخر غائب، فله الأقل من أرشه أو مما ينوبه في الحصاص مع الغائب من قيمتها الآن، ثم إن قدم الغائب فله الأقل من أرش جرحه أو حصته من قيمتها يوم تقوم. قال محمد: وإن علم السيد بأحدهما فدفع إليه الأقل من دية جرحه أو من قيمة الأمة، ثم أتي الثاني، فليدفع إليه سيدها الأقل من دية جرحه أو

ما يصير له مع الأول في قيمتها الآن لو تحاصا ثم يرجع على الأول فيترك له الأقل من دية جرحه، وأما ما ينوبه في الحصاص مع الغائب من قيمتها يوم قام الأول. قال محمد وسحنون، واللفظ لسحنون في أم الولد تجني على رجلين موضحة موضحة، فقام أحدهما وأسلم إليه السيد قيمتها، ولم يعلم الآخر وكانت قيمتها يومئذ مثل أرش الموضحة سواء، فلم يقم الثاني حتى جرحت ثالثًا موضحة أيضًا، ثم قام هو والثاني: فإنه يرجع السيد على الأول بخمسة وعشرين؛ لأنه إنما كان له يوم قام نصف الجناية، ثم ينظر إلى قيمتها اليوم، فإن كانت ستين دينارًا قيل للثالث: قد جنى عليك نصفها المفتك وهو فارغ والنصف الآخر وهو مرتهن بجناية الثاني، فنصف موضحتك في النصف الفارغ، فيفتكه السيد منك بخمسة وعشرين؛ لأن نصف جنايتك أقل من نصف قيمتها الآن، والنصف الثاني بينك وبين الثاني على ما بقي لك وله، والذي بقي لك نصف جنايتك، وللثاني جميع [188/ب] جنايته،

فيقتسمان نصف قيمتها على الثلث والثلثين، فلك ثلثه عشرة وله ثلثاه عشرون. وذكر ابن سحنون لسحنون أن أبا زيد روى عن ابن القاسم في هذه المسألة: أنه إذا قام الثاني والثالث، فإن السيد يرتجع نصف ما أعطى للأول، ثم يعطي لهذين إن شاء دية جرحيهما كاملاً أو قيمتها الآن فيكون بينهما نصفين، فأنكر سحنون قوله: نصفين، وقوله: دية جرحيهما كاملاً، وقال: هذا خطأ، وأبو زيد رحمه الله لا يقوم بهذه المسألة، ثم ذكر ابن عبدوس أن أشهب قال فيها مثل رواية أبي زيد، فأنكره سحنون، ثم ذكر شرحها مثل ما قدمنا ها هنا لسحنون وابن المواز، وهو الصوب إن شاء الله تعالى.

[45 - فصل: في تأخر الحكم على أم الولد والعبد في جنايتهما إلى أن يُجنى عليهما] ومن المدونة: ولو جنت أم الولد فلم يحكم عليها حتى جُني عليها، فأخذت له أرشًَا، فعلى سيدها أن يخرج الأقل من أرش الجناية أو من قيمتها معيبة يوم يحكم فيها مع الأرش الذي أخذه فيها، وكذلك العبد يَحني ثم يُجنى عليه قبل أن يحكم فيه بشيء، فسيده مخير بين إسلامه مع مع أخذ في أرشه أو يفديه، وهذا إذا كان ما أخذ في أرشهما أقل من دية ما جنيا، فإن كان فيه وفاء لذلك أو أكثر، فلا خيار للسيد، ويؤدي من ذلك للمجني عليه أرش جرحه، ويبقوا لسيدهم. [46 - فصل فيما يلزم سيد أم الولد إذا قتلت عمدًا فعفي عنها على أخذ قيمتها، والعفو عن الحر على أن يغرم الدية] وأم الولد إذا قتلت رجلاً عمدًا، فعفا أولياؤه على أخذ قيمتها من السيد، لم يلزم السيد ذلك إلا أن يشاء، فإن أبى فلهم القتل أو العفو، كالحر يعفا عنه في العمد على غرم الدية فيأبي. وقال غيره: يلزم السيد في أم الولد غرم الأقل من قيمتها أو من الأرش،

وليست كالحر، ولها حكم العبد. وقال أشهب: في الحر تلزمه الدية وإن كره، ولا يقتل، كمن فداه من أيدي العدو. واختلف فيه قول مالك. ووجه قول ابن القاسم: أن الواجب القصاص لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] فالدية لا تكون إلا بالتراضي. قال ابن القاسم: ولو عفا الولي في العمد على أخذ رقبتها، لم يكن ذلك له، وإن رضي السيد، وكذلك المدبر. [47 - فصل في موت أم الولد أو سيدها بعد جنايتها وقبل الحكم] وإن جنت فلم يحكم فيها حتى ماتت، فلا شيء على السيد، كالأمة الجانية تموت قبل الحكم؛ لأن قيمة أم الولد [189/أ] إنما جعلت

مكانها حين لم يستطيع السيد تسليمها، فإذا ماتت فقد صارت لا قيمة لها، وذهب ما كان حقه فيه، كما لو اعورت لم يكن عليه قيمتها إلا عوراء يوم ينظر فيها. قال ابن القاسم: ولو لم تمت ومات السيد ولا مال له، فلا شيء على أم الولد. م: لأن ذلك إنما كان لازمًا للسيد فلا يسقطه موته ويوجبه عليها. قال سحنون: وقال غيره: هذا إذا قاموا على السيد وهو حي. قال في غير المدونة: إذا قاموا عليه وقوّموا عليه جرحها، ثم مات السيد فلا شيء عليها، وأما إن مات السيد قبل قيامهم، فلا شيء عليه،

وذلك عليها؛ لأنها هي الجانية. قال سحنون في غير المدونة: وقاله عبد الملك، وروي عن ابن القاسم. م: ووجه ذلك أن الجناية إنما استحقها المجني عليه يوم الحكم وقد صادفها ذلك وهي حرة، فوجب أن يكون ذلك عليها، إلا أن يكونوا قد قاموا على السيد، وقوّموا الجرح عليه، فيكون ذلك في ماله، ولا يسقطه موته. والله عز وجل أعلم. [48 - فصل: في الجناية على أم الولد] قال ابن القاسم: وما جُني على أم الولد، فعقله لسيدها، وكذلك المدبرة. قال محمد: وإن جُني على أم الولد فلم يقبض السيد دية ما جُني عليها حتى مات سيدها، فقال ابن القاسم: اختلف قول مالك في ذلك: فقال أولاً: أن ذلك لورثة السيد مثل غيرها من العبيد يعتق بعد أن وجبت له جناية أن ذلك لسيده.

ثم قال: هو لأم الولد؛ لأن لها حرمة ليست لغيرها. وقوله الأول هو القياس، ولكن استحسنا قوله الذي رجع إليه، واتبعناه فيه، ورأيناه أعجب إليه أن يكون لأم الولد، وكذلك لو لم يمت ولكنه أعتقها قبل أن يأخذ ما جني عليها، فإنه يكون لها، قاله مالك، وهو استحسان. محمد: وقال أشهب: بل ذلك للسيد قال مالك: وأما العبد يُجنى عليه فيعتقه سيده بعد علمه بالجراح، أو يهبه، فإن جرحه لسيده وإن لم يستثنه، بخلاف ماله. [49 - فصل: اغتصاب الحرة أو من فيها علقة رق نفسها] قال مالك: ومن اغتصب حرة نفسها فعليه صداقها، وإن اغتصب أمة نفسها، أو أم ولد، [189/ب] أو مكاتبة، أو مدبرة، فلم ينقصها ذلك، فلا شيء عليه إلا الحد، وإن نقصها غرم ما نقصها، وكان ذلك للسيد إلا في

المكاتبة، فإن سيدها يأخذه ويقاصها به في آخر نجومها، وإنما يقوّم من ذكرنا ممن فيه عُلقة رق في الجناية عليه قيمة عبد. [50 - فصل: في جناية أم الولد على سيدها] وإذا جنت أم الولد على سيدها فلا شيء عليها، وأما المعتق إلى أجل فهو في جنايته على سيده كالمدبر، وقد ذكرناهما. قال: وليس أم الولد في جنايتها على سيدها كالمدبرة، ألا ترى أن أم الولد إذا جنت على أجنبي لزم سيدها جنايتها، والمدبرة لا يلزم سيدها جنايتها، بل ذلك في خدمتها، وما بقي في ذمتها إن عتقت. [51 - فصل: في جناية ولد أم الولد] وإذا ولدت أم الولد ولدًا من غير سيدها بعدما صارت له أم ولد، فجنى ذلك الولد جناية أكثر من قيمته أو أقل، فإن السيد مخيّر بين أن يفديه ويبقى على حاله، أو يسلم خدمته فيُختدم في الأرش، فإن أوفى رجع

إلى سيده، وإن مات السيد قبل أن يوفي عتق وتوبع ببقية الأرش، وهو بخلاف أمه، فيما جنت، وللمجني عليه أن يأخذ خدمة الولد حتى يتم حقه إلا أن يفتكها السيد بدية الجناية. [52 - فصلك في جناية أم ولد الذمي، والفرق بين جنايتها قبل إسلامها وبعده] وإذا جنت أم ولد الذمي فله أن يفديها بالأقل من ذلك، وله إسلامها رقًا للمجني عليه، إذ لا أمنعه بيعها، ويحل وطؤها لمن أسلمت إليه أو ابتاعها. وقال أشهب: لا يفديها إلا بجميع الأرش. قال ابن حبيب: فإن جنت ثم أسلمت قبل الحكم، فإنه يقال لسيدها: افدها وتعتق عليك، وإلا فأسلمها؛ لأنها كانت مرتهنة بالجناية قبل إسلامها،

فإن أسلمها وفي ثمنها فضل عن جنايتها بيع منها لذلك وعتق ما بقي، وإن كانت كفافا أو أقل من الجناية، رقت للمجني عليه. قال: ولو أسلمت ثم جنت قبل أن يحكم عليه بعتقها، فإنها تكون حرة، وعلى السيد الأقل من جنايتها أو قيمتها كأم ولد المسلم؛ لأنه لم يكن يقدر على بيعها ولا على إسلامها؛ ولأنها لو ماتت قبل الحكم [190/أ] عليه بعتقها لورثها بالرق، ولو قتلت أخذ قيمتها قيمة أمة، وإن أسلم كان أحق بها، وإن جُني عليها فجنايتها جناية أمة، وأرش ذلك في القياس لسيدها وإن لم يسلم، والاستحسان أن يكون لها إن لم يسلم سيدها. م: وما ذكره ابن حبيب من تفرقته بين جنايتها قبل الإسلام أو بعده، فعلى طريق الاستحسان، والقياس أن ذلك سواء لأن إسلامها

ليس بعتق لها؛ لأن جميع أحكام أم الولد باق عليها، ولأن الجناية إنما تستحق يوم الحكم فقد صادفها ذلك قبل العتق، فوجب على السيد الأقل من قيمتها أو من الأرش، ولم يكن له أن يسلمها؛ لأنه قد صار لها بالإسلام حكم أم ولد المسلم؛ لأنه حكم بين مسلم وذمي، وهذا هو القياس. والله أعلم. وروى محمد بن خالد عن ابن القاسم أنها إذا أسلمت ثم جنت قبل أن تعتق عليه: أنها تتبع بجنايتها دون سيدها. وكذلك روى عنه يحيى بن يحيى وقال: لأنه لا ينبغي أن تعتق عليه، ويؤدي الجناية عنها لأن عتقها أمر ثابت لازم. م: ليس ذلك بثابت لأنه لو أسلم هو بقيت له أم ولد، ولو قُتلت كان له قيمتها، فكذلك يجب عليه غرم الأقل من قيمتها أو جنايتها.

[53 - فصل: في وطء السيد لأمته بعد جنايتها وحملها منه، والابن يطأ من تركة أبيه أمة وعلى الأب دين، والسيد يبيع أمته بعد جنايتها فتلد للمشتري] قال ابن القاسم: وإذا جنت أمة ثم وطئها السيد فحملت، فإن لم يعلم بالجناية أدى الأقل من قيمتها يوم حملت أو الأرش، فإن لم يكن معه اتبع به دينًا، وإن علم بالجناية قبل الوطء لزمه جميع الأرش، وإن جاوز قيمتها، فإن لم يكن له مال أسلمت للمجني عليه. م: يريد بعد الوضع- قال: ولا شيء عليه في الولد، إذ لا تسلم أمة بولدها. م: وهذا إذا لم يكن فيها فضل عن الأرش، فأما إن كان فيها فضل، بيع منها بقدر الأرش، وكان الباقي بحساب أم ولد. م: وهذا على قياس قوله: إذا أُعتق عبده بعد علمه أنه قد جنى، وقاله بعض فقهائنا.

قال ابن القاسم: وكذلك الابن يطأ من تركة أبيه أمة فتحمل وعلى الأب دين يغترقها، فإن علم به وبادر الغرماء، لزمه لهم قيمتها، فإن لم يكن له مال، بيعت لهم في دينهم، وإن لم يعلم بدين أبيه [190/ب] اتبع بقيمتها في عدمه، وكانت له أم ولد. وقال غيره: هذه بخلاف التي وطئ السيد، وعلى السيد إسلامها في عدمه إن لم يعلم بالجناية، إذ لو باعها ولم يعلم بالجناية فأعتقها المبتاع لم يكن ذلك فوتا يبطل حق المجني عليه، ولو باعها الورثة ولم يعلموا بالدين فأعتقها المبتاع، لم يرد العتق، وإنما لهم الثمن إن وجدوه، وإلا اتبعوا به من أخذه. م: وإنما يلزم الابن جميع الدين إذا وطئها عالمًا كما لزم السيد جميع الأرش إذا وطئها عالمًا؛ لأن الجناية في رقبة الجانية، والدين إنما هو في ذمة الأب، وإنما للغرماء مال، فإذا دفع إليهم الولد قيمتها، فلا كلام لهم إذ

هو كثمنها، وإن دفع إليهم الدين إذ هو أقل من القيمة؛ فلا كلام لهم أيضًا، وهذا بيّن. وذكر ابن المواز في التي وطئها السيد عن مالك نحو ما تقدم لابن القاسم. واستحب محمد في إذا وطئها عالمًا بالجناية وكان موسرًا؛ أن يحلف أنه لم يكن ذلك منه رضًا بتحمل الجناية إذا كانت أكثر من قيمتها، فإذا حلف غرم قيمتها فقط، وإن نكل غرم دية الجناية ما بلغت. م: وإنما لم يحلفه ابن القاسم إذا وطئها عالما بجنايتها أنه لم يرد حمل الجناية كما صنع في العبد المعتق بعد أن جنى؛ لأنه يقول في العبد: أردت أن يتبع بذلك بعد العتق، وفي هذه جناياتها لازمة له بعد الإيلاد، بخلاف المعتق فلا حجة له في ذلك، وإنما الزمناه جميع الأرش؛ لأنه منع بوطئه من اسلامها فكأنه رضي بافتكاكها بالأرش.

قال محمد: فإن لم يعلم بجناية أمته حتى باعها فأولدها المبتاع ثم علم بذلك، قال: فإن دفع البائع إلى المجني عليه دية الجناية بعد البيع ولا شيء للمشتري عليه إلا أن تكون الجناية عمدًا فيرجع على البائع بقيمة العيب، ولا يرجع عليه في الخطأ بشيء، وإن لم يدفع البائع دية الجناية؛ فعلى المشتري أن يفديها بالأقل من دية الجناية أو من قيمتها اليوم، ويرجع على البائع بالثمن إلا ما يقع على المشتري من قيمة الولد. قال مالك: بعض الثمن على الأم وعلى الولد، كأنه اشتراهما في صفقة واحدة، فيرجع على البائع [191/أ] بما يقع على الأم من الثمن إلا أن يعطي البائع دية الجناية للمجني عليه، وقيمة العيب في العبد للمبتاع فلا يرجع عليه بشيء.

[الباب الحادي عشر] بقية القول في جناية العبد، والجناية عليه وإقراره بالجناية

[الباب الحادي عشر] بقية القول في جناية العبد، والجناية عليه وإقراره بالجناية [54 - فصل: في القود بين الحر والعبد] قد تقدم القول في أول الكتاب ألاّ قَوَد بين الأرقاء والأحرار في الجراح كلها، وقضى بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "وَعَقْلُ العَبْدِ قِيْمَةُ رَقَبَتِهِ، وَجِرَاحِهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيْمَةِ رَقَبَتِهِ يُقَوَّمُ صَحِيْحًا ثُمَّ يُقَوَّمُ مَجْرُوحًا، فَيَغْرَمُ الْجَارِحُ لِرَبِهِ مَا نَقَصَهُ". قال مالك: فأما في النَّفس فلا يقتل حر بعبد. قال ربيعة: إلا في حرابة. قال مالك: ويقتل العبد بالحر إن شاء ولاة الحر، فإن استحيوه خير سيده فأما أسلمه أو فداه بدية الحر؛ لأنه يعود كالخطأ.

ابن وهب: وقال نحو قول مالك؛ ربيعة، وابن شهاب، وعطاء، ومجاهد، وأبو الزناد. ابن وهب: وَقضَى عُمَرُ عبدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه في أَمَةٍ عَضَّتْ إِصْبَعَ صَبِيِّ فَضَمَرَتْ إِصْبِعُهُ فَمَاتَ؛ "أَنْ يَحْلِفَ وُلاَتُهُ خَمْسِينَ يَمِينًا لَمَاتَ مِنْ عَضَّتِهَا، وَتَكُونَ الأَمَةُ لَهُمْ، وَإِلاَّ فَلاَ شَيءَ لَهُمْ". قال مالك: وإن قتل حر عبدًا فعليه قيمته ما بلغت وإن جاوزت الدية، وإن جرحه فعليه ما نقصه بعد برئه. قال مالك: وموضحة العبد، ومنقلته، وجائفته، ومأمومته، في ثمنه بمنزلتهن في دية الحر، قال عبد العزيز: إذ لا ينقصون ثمنه إذا برئت، فلابد أن يكون فيهن ما ذكرنا.

55 - فصل [في القصاص في جراح العبيد، وتخيير سيد المجروح، والفرق بين الحر والعبد في القتل عمدًا فيعفى عنهما على الدية] قال مالك: والقصاص في المماليك بينهم كهيئته في الأحرار، نفس الأمة بنفس العبد، وجرحها بجرحه؛ لقول الله سبحانه: {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178]، وقال تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45]. قال مالك: يخير سيد المجروح، إن شاء استقاد، وإن شاء أخذ العقل، إلا أن يسلم إليه الجاني سيده. ابن وهب: وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إَذَا جَنَىَ الْعَبْدُ فَلَيْسَ عَلَى سَيِّدِهِ غُرْمٌ فَوْقَ رَقَبَتِهِ، إِنْ أَحَبَّ أَسْلَمَهُ أَوْفَدَاهُ". وقال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: "يُقَادُ الْعَبْدُ مِنَ الْعَبْدِ في كُلِّ عَمْدٍ يَبْلُغُ نَفْسَهُ فَمَا دُونَ ذَلِكَ مِنَ الْجِرَاحِ، فَإِنِ اصْطَلَحُوا فَقِيْمَةُ

الْمَقْتُولِ عَلَى أَهْلِ الْقَاتِلِ". وقاله عمرُ بن عبد العزيز. والقضاء أن ليس في العبد دية مؤقته، وإنما هو سلعة يقل ثمنه ويكثر، قال ذلك عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وغيرهما رضي الله عنهما، وإنما ذكر الله عز وجل الدية في الحر. قال مالك: وإن جرح عبد عبدًا عمدًا فقال سيد العبد المجروح: لا أقتص ولكن آخذ العبد الجارح إلا أن يفديه سيده بالأرش، وقال سيد الجارح: إما أن تقتص وإما أن تدع فالقول قول سيد المجروح، وكذلك في القتل. م: لأن نفس القاتل قد وجبت لسيد المقتول فإن شاء قتله أو أحياه؛ فإن أحياه صار عمده كالخطأ، فرجع الخيار إلى سيده؛ بين أن يسلمه أو يفديه.

والفرق بين العبد في هذا وبين الحر يقتل حرًا فيعفى عنه إلى الدية فيأبى؛ أن ذلك لا يلزمه على قول ابن القاسم: أن العبد سلعة تملك، فلما جاز قتله وإتلافه على سيده جاز استرقاقه وخروجه من ملك سيده، والحر لا يتملك ولا يجوز أخذ ماله إلا بطوعه، وأيضا فإنه يقول: أُءدي قصاصي وأبقي مالي لورثتي، والعبد لا حكم له في نفسه، ولا حجة لسيده؛ لأن قتله وأخذه عليه سواء إلاّ أن يدفع الأرش، فلا حجة لورثة المقتول؛ لأنهم رفعوا عنه القود، فصار فعله كالخطأ، ولا يستقيم ذلك في الحر؛ لأنه كان تكون الدية على عاقلته، وهي لا تحمل شيئا من عمده، فأمرهما مفترق. ومن المدونة قال مالك: وإذا جنى العبد جناية خيّر سيده كما ذكرنا، فإن مات العبد قبل تخيير سيده بطلت الجناية. م: لأن الجناية إنما كانت في رقبته وقد ذهبت الرقبة.

قال: وإذا جنى العبد وله مال كانت رقبته ومال في جنايته، يقال لسيده: ادفعه وماله أو افده بعقل جنايته، ولو كان العبد مديانًا فأهل دينه أحق بماله والجناية في رقبته. قال سحنون: إنما يخير السيد في الجناية إن كان مال العبد عرضًا أو عينًا لا وفاء فيه، فأما إن كان عينًا فيه وفاء فلا يخير ها هنا. م: يريد: ويدفع الجناية من مال العبد. 56 - فصل [في عبدي الرّجل يجني أحدهما على الآخر ويريد السيد أن يقتص من الجاني] قال مالك: وللرجل أن يقتص من عبده لعبده في النفس والجراح، ولا يكون ذلك إلا عند السلطان ببيِّنة تثبت، وكذلك في قطع [192/أ] السرقة لا يقطعه إلا السلطان، وإنما للسيد أن يقيم حد الخمر والزنى، فإن قطع يد عبده في سرقة دون الإمام؛ عوقب إلاّ أن يعذر بجهل، ولا يعتق عليه إذا كان له بسرقته بيِّنة؛ لأن بعض الصحابة قد قطع دون الإمام، وإنما زُجر الناس

عن ذلك لئلا يدعي من مثَّل بعبده أنه سرق. وقد سئل مالك عن رجل عَدَا فقتل قاتل وليه دون الإمام؟ قال: إن كان هو الذي إليه العفو والقتل لم يلزمه غير الأدب، لئلا يجترأ على الدماء. 57 - فصل [في العبد يُجرح أو يُقذف ثم يقر سيده بعتقه] وإذا جرح رجل عبدًا أو قذفه، فأقر سيده أنه أعتقه عام أول؛ لم يصدَّق

السيد على ذلك إلا ببينة، وأرشه أرش عبد يكون للعبد دون سيده لإقراره بحريته، ولو قامت بالعتق بينة كان له حكم الحر في ذلك كله، أقر السيد أو جحد. ولو جرحه السيد أو قذفه ثم ثبت أنه كان أعتقه قبل ذلك، والسيد جاحد، فلا شيء عليه من ذلك إلا أنه يحكم عليه بالعتق. وجعل له ابن القاسم حكم الحر مع الأجنبيين بخلاف السيد. وقال غيره: إذا جحد عبده العتق فأثبت ذلك ببينة فله حكم الحر فيما مضى من حد أو جرح له أو عليه، مع أجنبي أو مع السيد ذلك سواء، وبه قال سحنون. م: وهو القياس. وقد تقدمت هذه المسألة في كتاب العتق الثاني أتم مما هاهنا. 58 - فصل [في جناية العبد المباع هل هي في رقبته أو في ذمته] قال مالك: ومن باع عبدًا سارقًا دلَّس به، فسرق من المبتاع فرده على سيده بالعيب؛ فذلك في ذمته، إن عتق يومًا ما.

وقال سحنون: بل ذلك في رقبته. م: لتعديه. وكذلك اختلفوا إذا أُودع المأذون وديعة فأكلها. قال مالك: ولو سرق من أجنبي مالا قطع فيه فرده على البائع؛ فهي جناية، إما أسلمه البائع أو فداه بها، بخلاف سرقته من المبتاع إذ لا يقطع في سرقته من المبتاع لإذنه له في دخول بيته وائتمانه عليه، وسرقته من الأجنبي يقطع فيها، وإنما يلزم المبتاع ما حدث عنده من العيوب من غير العيب الذي دلَّس له به البائع.

م: يريد ولو لم يدَّلس [192/ب] فرده بعيب السرقة، لردَ معه ما نقصه القطع. ولو سرق مالا قطع فيه واستهلكه لم يرده المبتاع حتى يفديه، ولو كان إنما سرق من المبتاع فرده لم يتبعه بشيء إلاّ بعد عتقه؛ لأن ذلك في ذمته. قال ابن القاسم: وما سرق العبد من سيده فلا يتبع بشيء منه، عتق أو رق، قل ما سرق من ذلك أو كثر. 59 - فصل [في العبد يغتصب حرة أو أمة] قال مالك: وإن اغتصب العبد حرة، أو أمة نفسها، ففي رقبته للحرة صداق مثلها، وللأمة ما نقصها، أما فداه سيده بذلك، أو أسلمه، وقضى بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قال ربيعة في عبد افتض بكرًا: فهو لها إلا أن يكون صداقها دون

رقبته؛ فإنه يباع في غير أرضها فتأخذ صداقها من ثمنه، وما فضل فلسيده. ابن وهب: وأن عمر بن عبد العزيز أُتِيَ بِعَبْدٍ افْتَضَّ جَارِيةً وَهِي كَارِهَةٌ؛ "فَجَلَدَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ثُمَّ بَاعَهُ بِغَيْرِ أَرْضِهَا، وَأُعْطِيَتْ ثَمَنَهُ". "وقضى عمرُ بنُ الخطَّاب رضي الله عنه فِيمَنْ اسْتَكْرَهَ بِكْرًا أَنْ يَغْرَمَ الصِّدَّاقَ مَعَ الْحَدِّ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَكَانَ ثَمَنُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَدَاهُ أَهْلُهُ إِنْ أَحَبُوا وَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ أَقَلَّ فَلَيْسَ لَهَا إِلاَّ الْعَبْدُ". قال أبو الزناد: وإن كانت أمة غرم ما نقصها. 60 - فصل [في إقرار العبد على نفسه بالجناية] قال ابن القاسم: وإن أقر عبد أنه وطئ هذه المرأة أو هذه الأمة غصبًا؛ لم يصدَّق إلا أن تأتي وهي مستغيثة أو متعلقة به،

وهي تدمى إن كانت بكرًا وإن كانت ثيبًا أدركت وهي مستغيثة متعلقة؛ فإنه يصدق. وقد قال مالك في عبد أقر أنه وطئ على أصبع صبي فقطع، قال: إن أدرك الصبي وهو متعلق به يدمى صدق في مثل هذا، وخيّر سيده في أن يفديه أو يسلمه، ولا يتهم هاهنا بقرار إلى شيء، وما لم يتبين هكذا لم يصدَّق، ولا يلزم ذمته إن عتق. ألا ترى أن إقرار الحر بقتل خطأ؛ يلزم العاقلة بقسامة، فإنه أبى الأولياء من القسامة فلا شيء على العاقلة، ولو اتهم أنه أراد غنى ولد المقتول لقرابة أو صداقة؛ لم يلزمه، هو ولا عاقلته شيء، فكذلك لا يلزم العبد كما لا يلزم السيد

[193/أ] وقضىَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ في أَمَةٍ أَقَرَّتْ أَنَّهَا عَضَّتْ إصْبَعَ صَبِّيِّ، وَقَدْ ضَمَرَتْ إِصْبَعُهُ فَمَاتَ؛ "أَنْ يَحْلِفَ وُلاَتُهُ خَمْسِينَ يَمِيْنًا لَمَاتَ مِنْ عَضَّتِهَا وَيَاخُذُوا الأَمَةَ وَإِلاَّ فَلاَ شَيءَ لَهُمْ". وقد تقدم هذا. قال ابن القاسم: وما أقر به العبد مما يلزمه في جسده من قتل أو قطع أو غيره؛ فإنه يقبل إقراره. قال أبو الزناد: إذا أقر طائعًا غير مسترهب. قال ابن القاسم: وما آل إلى غرم على سيده فلا يقبل إقراره فيه إلا ببينة على فعله، مثل إقراره بغصب أمة أو حرة نفسها ولم يكن من تعلقها به ما وصفنا؛ فلا يصدق. يريد: ويحد. قال: وكذلك إقراره بجرح، أو بقتل خطأ، أو باختلاس مال أو استهلاكه، أو سرقته إذا كانت لا قطع فيها، ولا يعلم ذلك إلا بقوله؛ فلا

يصدَّق العبد على سيده، ولا يتبع العبد بشيء من ذلك إن عتق. قال ابن وهب: أخبرني من أثق به قال: سمعت رجالاً من أهل العلم يقولون: "مَضَتِ السُّنَّةُ ألاّ يجوز اعتراف العبد على نفسه بما يدخل غرمًا على سيده إلا ببينة، إلا اعترافه بما يقام عليه في جسده، من حد، أو قود، أو قطع، أو قتل؛ فإنه يؤخذ به ويقام عليه". قال مالك: وإن أقر العبد أنه قتل حرًا عمدًا؛ فلوليه القصاص، فإن عفا على أن يستحييه لم يكن له ذلك، وله معاودة القتل إن كان ممن يظن أن ذلك له، كعفو الولي عن رجل حر قُتل وليه عمدًا على أخذ الدية فيأبى القاتل أدائها فللولي أن يقتله.

وإذا أقر بسرقة، فقال المسروق منه: أنا آخذ السرقة وأعفو عن قطع يده ولا أرفعه إلى الإمام؛ لم يكن له شيء من ذلك. ومن العتبية روى أشهب وابن نافع عن مالك في عبد اعترف بقتل خطأ؛ فلا شيء على سيده ولا يمين. قيل: فإن أقام سيد المقتول شاهدًا؟ قال: يحلف معه. قيل: فإن نكل أيحلف سيد المقر؟ قال: ما أرى ذلك. ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: ويقبل إقرار المكاتب بالدين، ولا يقبل في الجناية. وقال أشهب [193/ب] في الجناية: أن للسيد أن يبطل عنه ذلك قبل عتقه، فإن عتق قبل أن يبطله لزم ذلك المكاتب، يلزمه الأقل من قيمته أو من دية ذلك الجرح، ولو كان قد أبطله سيده؛ سقط ذلك عنه، إلا أن يقر به بعد عتقه.

وقال ابن القاسم: إقراره باطل قبل عتقه وبعد عتقه. قال محمد: وهو صواب؛ لأن جنايته برقبته، فإما فداه سيده أو أسلمه عبدًا، هذا أصل مالك وأصحابه. قال أحمد: قول أشهب أصح بخلاف العبد يقر بالجناية بعد عتقه؛ لأن جناية العبد في رقبته، وجناية المكاتب في ماله إن كان له مال يؤديها، وإن لم يرض سيده ولا يكون على سيده إلا بعد عجزه. [61 - فصل: ما يلزم الحر بإقراره بالجناية على العبد] محمد: قال مالك: ولو أقر حر أنه جرح عبدًا أو ضربه، فأقام أيامًا ثم مات؛ فعليه قيمته، ولا يمين على السيد لَمِنْ ضربه مات.

قال محمد: وأحب إلي أن لا يكون للسيد شيء حتى يحلف لمن ضربه مات، وروى نحوه ابن القاسم عن مالك. قال ابن القاسم: فإن نَكَلَ حلف مَن ضَرَبَهُ: ما مات من ضربِه، فإن نَكَل ضَمِن قيمته وبالله التوفيق.

[الباب الثاني عشر] في جناية المكاتب، والجناية عليه، وإقراره، وغير ذلك من أحكامه

[الباب الثاني عشر] في جناية المكاتب، والجناية عليه، وإقراره، وغير ذلك من أحكامه [62 - فصل: في جناية المكاتب، وعجزه عن أرش جنايتة، وأداء سيده عنه] قال مالك رحمه الله: أحسن ما سمعت من جناية المكاتب عمدًا أو خطًأ أنه إن أدّى جميع العقل حالاً وإن جاوز قيمة رقبته، وإلا عُجِّزَ وخُيِّر سيده في أن يسلمه رقًا أو يفديه بالأرش ويبقى له رقًا، وعجزه عن الأرش قبل القضاء عليه به وبعده سواء، ولا ينجَم عليه الأرش، بخلاف العاقلة. ابن وهب: قال ابن شهاب وعطاء ومجاهد: "مضَت السُّنة به". قال مالك: ولو قوي على أداء ما حلَّ من الكتابة دون الأرش حالاً

فقد عجز؛ لأن الأرش وحقوق الناس ينبغي أن تؤدى قبل الكتابة. قيل: فإن عَجِزَ المكاتب عن أداء العقل وأداه عنه سيده، هل يبقى على كتابته؟ قال: إذا لم يقو على أداء الجناية؛ رق مكانه، وخيّر سيده بين أن يسلمه أو يفديه رقًا، وكذلك إن جنى على سيده فلم يعجل له الأرش عجزه. م: وقال بعض فقهائنا: إن أدى عنه سيده الأرش على أن لا يرجع عليه بما أدَى بقي على حاله مكاتبًا؛ لأن الجناية سقطت، [194/أ] فإن أدَى عنه على أن يتبعه به: فعلى مذهب من يرى أنه يجبر عبده على الكتابة: يجوز ذلك، ويكون ككتابة من السيد مبتدأة. وعلى مذهب من يقول أنه: لا يجبره على الكتابة لا يجوز

ذلك، ويرجع العبد له رقًا؛ لأنه قد عجز عن الأرش، فوجب إرقاقه، وقد دفع السيد ذلك عنه فداء له. [63 - فصل: في المكاتب يبيع أم ولده في جنايته] قال ابن القاسم: وللمكاتب بيع أم ولده في جنايته إن خاف العجز، كما له بيعها في عجزه عن الكتابة. م: قال بعض علمائنا: وإن باعها من غير خوف العجز:- فعلى القول الذي يراها أم ولد له إذا عتق ينبغي أن يرد البيع إلا أن يفوت بشيء من عقود الحرية، فيمضي ذلك فيها؛ لأنها إن ردت قد

يحصل لها أن تكون أم ولد بأداء الكتابة أو لا يحصل لها إن عجز، فلا تنقل عن أمر متحقق قد حصل لها إلى أمر يكون أو لا يكون. وعلى قوله: لا تكون له أم ولد إن عتق؛ فهذه لا يرد بيعها على كل حال. والله عز وجل أعلم. 64 - فصل: في عجز المكاتب عما يُصالح عليه، وإقراره بالقتل] قال ابن القاسم: وإذا جنى مكاتب جناية عمدًا، فصالحه منها أولياء الجناية على مئة دينار فلم يؤدها حتى عجز، فإن ثبت الجناية؛ خير السيد في إسلامه أو افتدائه بالأقل من المئة أو قيمة الأرش. وإن أقر مكاتب بقتل عمدًا أو خطأ فصالح منه على مال؛ لم يجز، ولهم في العمد قتله بإقراره، فإن لم يقتصوا لم يكن لهم في مال المكاتب شيء، ولا في رقبته إن عجز.

وإن أقر مكاتب بقتل خطأ لم يلزمه شيء؛ عتق أو عجز، ولو أقر بدين؛ لزم ذمته؛ عتق أو رق. [65 - فصل: في المكاتب يقتل رجلاً له وليان فيعفو أحدهما] وإذا قتل مكاتب رجلا له وليان عمدًا، فعفى أحدهما؛ فإن أدّى إلى الآخر نصف الدِّية تمادى على كتابته وإلا عجز وخيِّر سيده في إسلامه نصفه أو افتدائه بنصف الدية، ولا شيء للعافي، أدّى نصف الدية المكاتب أو السيد بعد عجزه، إلا أن يزعم أنه عفا لأخذ الدية ويستدل على ذلك وإلا لم يقبل قوله. [66 - فصل: في المكاتب يجني فيؤدي كتابته قبل القيام عليه بالجناية] وإذا جنى المكاتب ثم أدّى الكتابة، وعتق قبل القيام عليه؛ فلا عتق له إلا أن يؤدي الجناية حالة للقائم بها وإلا رق، وخير سيده؛ فاما فداه أو أسلمه ورد معه ما اقتضى من نجم بعد الجناية، ولا يحبس ذلك إذا أسلمه.

67 - فصل [في المكاتب يموت عن مال وعليه دين وجناية، أو معه ولد حدثوا في كتابته، وعجزه وأداء ولده عنه] وإذا مات مكاتب وترك مالاً وعليه دين وجناية خطأ؛ فأهل [194/ب] الدين أولى بماله؛ لأن الجناية في رقبته والدين في ماله، فإن فضل من ماله شيء كان لأهل الجناية حتى يستوفوا الجناية. وإن مات ولا دين عليه؛ فأهل الجناية أولى بماله من سيده إلا أن يدفع إليهم السيد الأرش، والعبد مثله. وإن مات ولم يترك مالا بطلت الجناية والدين. وإذا كان على المكاتب دين وجناية ومعه ولد حدثوا في كتابته؛ لم يلزم الولد دينه، وتلزمه الجناية في حياة الأب إذا لم يقدر عليها الأب، فإن لم يؤدها الابن عُجِّزًا. وقال غيره: وكذلك الدين إن لم يؤده الولد عجزا، إذ لا تؤدى كتابة قبل دين.

قالا: فإن عجز أسلم السيد الجاني وحده أو فداه، والدين باق في ذمته. محمد: قال أشهب: عجز المكاتب عن قضاء دينه كعجزه عن قضاء دية جرحه، تنقض كتابته ويرق، ويتبع بذلك في ذمته. قال محمد: ولا يعجبنا هذا، وليس عجزه عن قضاء دينه بمنزلة عجزه عن دية جنايته، ألاَ ترى أن العبد يكون عليه دين لا وفاء له به؛ فلا بأس أن يكاتبه سيده، ولا يصلح أن يكاتبه وفي عنقه جناية صغرت أو كبرت؛ لأن الجناية في رقبته، فهي أولى من كتابته، والدين إنما هو في ذمته أو مال يوهب له، وقد يؤدي كتابته إذا كان عليه دين من حيث لا سبيل لأهل دينه فيه من اجارته. وقد قاله ابن القاسم عن مالك في المكاتب يؤدي كتابته وعليه دين، فيقوم الغرماء يريدون أخذ ما دفع في كتابته؛ أن ذلك ليس لهم إلا أن يعلم أن الذي أخذ السيد هو من أموالهم، فإن لم يعلم ذلك؛ لم يكن لهم شيء مما أخذ السيد.

قال غيره في المدونة: ولو أدّى الولد الدين أو الجناية وعتقا؛ لم يرجع على أبيه بشيء؛ كادائه عنه الكتابة؛ لأنهما إنما اعتقا بأداء ذلك، كما يعتقان بأداء الكتابة. قال ابن القاسم: ولو مات الأب قبل القيام عليه ولم يترك مالاً؛ بطلت الجناية والدين، ولم يلزم ولده من ذلك شيء، وإنما كان للأب معونة مال الولد في خوف العجز في جنايته، فإذا مات عنها عديمًا لم يلزم ولده من دينه شيء ولا من جنايته أيضًا. محمد: إلا أن يدع الجاني مالاً؛ فللمجني عليه أخذ الجناية منه وهو أولى به ممن معه في الكتابة، ومن السيد، وكذلك لو قتل فما أخذ فيه فللمجني عليه من أرشه، إلا أن يفدي ذلك منه السيد أو المكاتبون معه؛

لأن فضلة ذلك محسوب لهم على السيد [195/أ] في آخر كتابتهم. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو قام ولي الجناية في حياة الأب، ولا مال له، فاختار الولد أدائها ويتمادوا على كتابتهم، فلم يؤدوها حتى مات الأب؛ لزمهم ذلك. [68 - فصل: موت المكاتب وعليه دين وترك عبدًا جانيًا] وإذا مات المكاتب وترك دينًا عليه، وترك عبدًا قد جنى قبل موته أو بعده؛ فولي الجناية أحق بالعبد إلا أن يفتكه غرماء المكاتب بالأرش؛ فذلك لهم، وكذلك عبد الحر المديان يجني جناية. ومن جنى ما لا تحمله العاقلة وعليه دين وليس له إلا عبد؛ ضرب فيه أهل دينه وأهل جنايته؛ لأن ذلك كله لزم ذمته. 69 - فصل [الجناية على المكاتب من سيده أو أجنبي عمدًا أو خطأً] ومن قتل مكاتبه عمدًا أو خطأ، ومعه ولد في الكتابة؛ فليقاصوا السيد

بقيمته في آخر نجومهم، ويسعون فيما بقي، فإن وفى ذلك بالكتابة عتقوا، وإن كان فضل أخذوه بينهم بالميراث، كانوا ممن كاتب عليهم أو حدثوا معه في الكتابة. وكذلك إن قتله أجنبي، فأخذ السيد قيمته؛ فليقاص ولده بها كما وصفنا، ولو شجه السيد موضحة؛ فليقاصه في آخر نجومه بنصف عشر قيمته مكاتبًا على حاله في أدائه وفوته، وكذلك إن جرحه؛ فليحسب له ذلك في آخر كتابته. وكذلك المكاتبة تلد ولدًا في كتابتها فيقتله السيد؛ فإنه يغرم قيمته، فإن كان فيه وفاء بالكتابة كان قصاصًا، وإن كان فيه فضل عن الكتابة أخذت الأم من ذلك الفضل قدر مورثها. محمد: قال أشهب: إن قتله خطأ وفي قيمته وفاء وفضل عن الكتابة؛ أخذت الأم ثلث ما فضل، وهو مورثها منه ويسقط عن السيد ثلثاه،

وإن كان القتل عمدًا لم يسقط عن السيد منه شيء، وغرم الجميع، وإن كان فيه فضل كان ذلك لأولى الناس به بعد السيد. م: والصواب ألاّ فرق بين العمد والخطأ؛ لأن القيمة التي تجب على السيد كالدية فلا ينبغي أن يرث منها شيئًا؛ لأن قاتل العمد والخطأ لا يرثان من الدية، فيجب أن يكون الباقي بعد موروث الأم لأولى الناس بعد السيد، كان قتله عمدًا أو خطأ. والله عز وجل أعلم. [70 - فصل: في المكاتب يُقتل تحسب له قيمته ويعتق من معه من أب أو ولد بوفائها لنجومه] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا قُتل مكاتب، ومعه في الكتابة أبواه وولده يعجل للسيد قيمته، وحسب ذلك من آخر النجوم، فإن

أوفت بالكتابة عتقوا فيها، ولا تراجع بينهم، وإن كان في القيمة فضل فهو لورثته الذين معه [95/ب] في الكتابة ميراتًا. وكذلك لو كان السيد هو الجاني، وليس لغرماء المكاتب أو العبد في قيمتهما إذا قُتلا شيء، قتلهما أجنبي أو السيد، ولا في شيء من قبل رقبتيهما من نفس أو جرح، كما لا يدخلون في ثمن العبد إن بيع، والدين باق في ذمتهما، وعلى قاتل المكاتب قيمته عبدًا مكاتبًا في قوة مثله على الأداء وصفته، ولا ينظر إلى قلة ما بقي عليه وكثرته، حتى لو بقي عليه دينار فقط، وآخر لم يؤد شيئا، فقتلهما رجل، وكانت قوتهما على الأداء سواء، وقيمة رقابهما سواء، فقيمتهما متفقة وإذا تفاضلت قِيَم الرقاب خاصة وقوة الأداء واحدة فقيمتهما مختلفة؛ وإنما يقوم على قدر قوته على الأداء مع قيمة رقبته. وفي كتاب المكاتب ذكر من وضع عن مكاتبه ما عليه في المرض أنه يجعل في الثلث الأقل من قيمته مكاتبًا أو من قيمة كتابته.

وقيل: بل عدد الكتابة، فأي ذلك حمل الثلث جازت الوصية. 71 - فصل [في الأبوين يكاتبان فيولد لهما ولد ويُجنى عليه] ومن كاتب عبده وأمته وهما زوجان في كتابة واحدة، فحدث بينهما ولد، ثم جُني على الولد ما قيمته أكثر من الكتابة؛ فللسيد تعجيل الكتابة من ذلك ويعتقون، وما فضل فللولد ولا يرجع على أبويه بما عتقا به، وأما ما أكتسب الابن فهو له، وعليه أن يسعى معهما، ويؤدي في الكتابة عل قدر قوته وأداء مثله، وليس للأبوين أن يأخذا ماله إلا أن يخافا العجز؛ فإن لهما أن يؤديا الكتابة من مال الولد، وكذلك إن كان للأبوين مال وخاف الولد العجز؛ فإن الكتابة تؤدى من مال الأبوين، وليس للأبوين أن يعجزا أنفسهما إن كان لهما مال ظاهر، وكذلك الولد، ولا يرجع بعضهم على بعض بشيء مما أدّى عن أصحابه. وفي كتاب المكاتب إيعاب هذا.

[72 - فصل: موت المكاتب وتركه وُلْدًا لا يستطيعون السعي] قال مالك: وإذا مات مكاتب وترك ولدًا لا سعاية فيهم؛ رقوا مكانهم إلاّ أن يكون فيما ترك ما يؤدى عنهم نجومهم إلى أن يبلغوا السعي فيفعل ذلك بهم، أو يترك ولدًا ممن يسعى فيدفع المال إليهم؛ فإن لم يقووا ومعهم أم ولد للأب دفع إليها المال إن لم يكن فيه وفاء، وكان لها أمانة وقوة على السعي؛ فإن لم يكن فيها ذلك وكان في المال مع ثمنها إن بيعت كفاف [196/أ] الكتابة؛ بيعت وأديت الكتابة، وعتق الولد أو يكون في ثمنها مع المال ما يؤدى إلى بلوغ الولد السعي، فإن لم يكن ذلك رقوا أجمعون مكانهم. 73 - فصل [الجناية على المكاتب كالجناية على العبد] قال مالك: لا اختلاف عندنا أن ما جُني على المكاتب كجناية عبد، وإن ذلك يتعجله السيد، ويحسب عليه من آخر النَجوم؛ لحجته أن يعجز المكاتب فيرجع إليه معضوبًا.

74 - فصل [في جناية عبد المكاتب] وإذا جنى عبد المكاتب فلسيده أن يسلمه أو يفديه على وجه النظر. 75 - فصل [في جناية عبد المكاتب عليه] والمكاتب إذا قتله عبده فلسيده إن يقتص منه في النفس والجرح بأمر الإمام، كعبدين له إلا أن يكون مع المكاتب ولد في كتابته فيصير له مثل ما للسيد من الحجة في النفع بماله، فإن اجتمع هو وهم على القصاص قتلوا، ومن أبى ذلك من سيد أو ولد فلا قتل للباقي، ثم إن صار العبد للولد بالأداء أو للسيد بالعجز؛ لم يكن لمن عفا منه ومنهم أن يقتله إن صار إليه، وإن صار لمن كان أراد القتل من ولد أو سيد فله أن يقتل. 76 - فصل [في قتل المكاتب أو العبد لرجل عمدا والعفو عنهما على استرقاقهما] وإذا قتل المكاتب رجلاً عمدًا فعفا أولياؤه على استرقاقه؛ بطل القتل، وعادت كالخطأ، وقيل للمكاتب: أدِّ الدِّية حالة، فإن عجز عن ذلك خيِّر

سيده بين إسلامه أو افتدائه بالدية. قال محمد: إذا جنى المكاتب فقيل له: أدِّ الجناية، فقال: ما عندي. فقد عجز، فيخبر سيده في إسلامه أو افتدائه عبدًا، وإن قال: ما عندي الآن ولكن اودي إلى أيام؛ فإنه لا يرق إلاّ بالسلطان فيقول له السلطان: إن أديت هذا من يومك وشبهه وإلا فأنت رقيق؛ جاز، فإن أدّى وإلا فقد عجز، وخيّر فيه سيده. قال في المدونة: وكذلك العبد إذا قتل رجلاً عمدًا فعفا أولياؤه على أن يكون لهم؛ فسيده مخيّر كما ذكرنا. [77 - فصل: في جناية المكاتب على عبد سيده أو مكاتبه] وإذا جنى مكاتب على عبد لسيده أو على مكاتب آخر لسيده وهو معه في كتابة أو ليس معه في كتابة؛ فعليه تعجيل قيمته للسيد، فإن عجز رجع رقيقًا ويسقط ذلك عنه، وكذلك ما استهلك له؛ لأنه أحرز ماله،

بخلاف العبد يجني على السيد؛ لأن العبد لو استهلك مالاً لسيده لم يلزمه غرمه. 78 - فصل [في العبدين يكاتبان كتابة واحدة فيجني أحدهما على الآخر] ومن كاتب عبدين له في كتابة، فقتل أحدهما الآخر، عمدًا أو خطأ، وهما أخوان أو أجنبيان، فللسيد أخذ القيمة في الخطأ، ويخيّر في العمد [196/ب] بين أن يقتص أو يعفو على أخذ القيمة، فإن أخذها في عمد أو خطأ، وكان فيها وفاء بالكتابة عتق بها الجاني، واتبعه السيد بحصة ما عتق به منها في عمد أو خطأ، كان أخًا أو أجنبيًا. م: لأنه لا يرث من القيمة كما لا يرث القاتل من الدية. قال: ولا أتهم الجاني أن يكون أراد تعجيل العتق في القيمة التي أدّى إذا كان على أدائها قادرا قبل العتق ويعتق بها، فأما إن لم يكن للجاني مال، أو كان معه أقل من القيمة، وللمقتول مال؛ فلا أعتقه فيما تركه المقتول، إن

قتله عمدًا إذا استحيي للتهمة على تعجيل العتق هاهنا، ويكون عليه قيمة المقتول؛ فإن كانت كفافًا عتق، واتبعه السيد بما ينوبه منها وإلا عجز، وإن أدَّى القيمة ولم تف بالكتابة، أخذها السيد وحسبها له في آخر الكتابة. محمد: ولا يؤدى من مال المقتول تمام الكتابة، وإن كانا أخوين. قال ابن القاسم: ويسعى هذا القاتل فيما بقى عليه، فإن أدّى عتق، ورجع عليه السيد بما كان حسبه له من القيمة في حصته من الكتابة، وإن كان القتل خطأ؛ عتق القاتل في تركة المقتول؛ إذا لم يكن في القيمة التي أدّى وفاء بالكتابة، كان أخًا أو أجنبيًا؛ لأنه لا تهمة عليه، إلا أن السيِّد يرجع على الأجنبي. بما أدّى عنه من المال الذي تركه المكاتب وبقيمة المقتول

أيضًا، ولا يرجع السيد على الأخ بما عتق به من التركة، ويرجع عليه بقيمة المقتول؛ لأن القاتل خطأ يرث من المال، ولا يرث من الدية. محمد: قال أشهب: وإذا لم يكن مع الأخ القاتل خطأ ما يؤدي منه القيمة، أو كان معه بعضها؛ عجل تمام الكتابة من مال المقتول وعتق، واتبع القاتل بجميع القيمة أو بما أُدِّى عنه منها، وإن كان في القيمة التي أدّى وفاء بالكتابة فإنما تؤدى الكتابة من هذه القيمة لا من مال المقتول، وقاله ابن القاسم، وأشهب. ابن المواز: وإذا كان أخوان في كتابة، فقتل أحدهما الآخر، ولم يكن السيد قبض من الكتابة شيئًا، وقيمة المقتول مثل الكتابة فأداها القاتل وعتق؛ فليرجع عليه السيد بما عتق به منها، وذلك نصفها إن كانا [197/أ] في الكتابة معتدلين.

وقال أشهب: يرجع عليه بجميعها، وجعله كموت أحد المكاتبين؛ أنه لا يوضع بذلك عن الباقي شيء ولا يعجبنا ذلك؛ لأن قيمة المقتول عوض منه في النفع بها، والميت إذا ترك مالاً أُدِّيت منه الكتابة، ورجع على من معه من الأجنبيين بحصته بعد محله، وإذا لم يدع شيئا لم يرجع على الباقين بشيء، وهذا قول ابن القاسم، وعبد الملك، وغيرهما. وهو الصواب إن شاء الله تعالى. [79 - فصل: في المكاتب يقتله أجنبي، ومن كاتبوا كتابة واحدة فجنى أحدهم وعجزوا عن الغرم] ومن المدونة: والمكاتب إذا قتله أجنبي فأدّى قيمته؛ عتق فيها من كان معه في الكتابة، ولا يرجع عليه بشيء إذا كان ممن لا يجوز له ملكه. وإذا جنى أحد المكاتبَين في كتابة فعَجَز عن الغرم فإن لم يؤد من معه في الكتابة الأرش حالاً عُجِّزَا، وإن لم يحل شيء من نجومهما، وخيّر

السيد في الجاني وحده، ولو أدّى الذي معه الأرش ثم عتقا؛ رجع به عليه إلا أن يكون ممن يعتق عليه فلا يرجع عليه، كأدائه عن الكتابة. قال محمد: قال أشهب: وكذلك كل من بينهما رحم وإن لم يتوارثا. محمد: ولا يعجبنا هذا بل يرجع على كل من لا يعتق عليه بالملك لو كان حرًا، وهذا قول ابن القاسم، وعبد الملك، وابن عبد الحكم، وأصبغ. [80 - فصل: في قتل المكاتبة ولدها عمدًا] قال في المدونة: وإذا قتلت مكاتبة ولدها عمدًا لم تقتل به ولا يقاد من الأبوين إلا في مثل أن يضجعه فيذبحه، وليس للمكاتب أن يعفو عن قاتل [عبده] عمدًا أو خطًأ على غير شيء إن منعه سيده؛ لأنه معروف صنعه؛

لأن للسيد منعه من هبة ماله، ومن صدقته، ويخيّر سيد الجاني إذا كان عبدًا بين فدائه أو إسلامه رقًا للمكاتب، ولو طلب هو أن يقتص وعفا سيده على أخذ قيمة العبد فذلك للسيد دونه إلا أن يعجل المكاتب كتابته فيتم له ما يشاء من عفو أو قصاص. [81 - فصل: في جناية السيد على مكاتب مكاتبه] وإذا قتل السيد مكاتبًا لمكاتبه أو عبدًا؛ غرم له قيمته معجلاً، ولم يقاصه بها من كتابته؛ لأنه جنى على مال له لا على نفسه، فإن كان للمكاتب الأسفل ولد فللمكاتب الأعلى تعجيل تلك القيمة من سيده ويأخذها قصاصا من آخر كتابة المقتول، ويسعى ولد المقتول فيما بقي، وإن كانت كفافًا عتقوا، وإن كان فضلا ورثوه. قال ابن المواز: [197/ب] وإن كان السيد عديمًا بيع عليه كتابة مكاتبه فيما وجب عليه لمكاتبه من قيمة المكاتب المقتول ويكون

المكاتب مكاتبًا لمن اشتراه على حاله، فإن عجزت كتابته عن قيمة المقتول اتبعه المكاتب المباع، بذلك وإن أراد المكاتب أن يشتري كتابة نفسه بما وجب له على سيده من قيمة مكاتبه فذلك له، وهو أحق بذلك من غيره، ويخرج حرًا. م: وهذا جارٍ على قول الغير في كتاب أمهات الأولاد إذا وطئ الرجل أمةَ مكاتَبِهِ فحملت، وعلى قول ابن القاسم فيها يجب أن يكون يقاصه السيد بالكتابة في العسر؛ فإن كانت كفافًا عتق المكاتب، وإن بقي له من القيمة شيء اتبع به سيده، فذلك كما قال في وطء أمة مكاتبه، وهذا بيِّن.

82 - فصل [من عجل عتق مكاتبه أو عبده فماتا وعليهما دين] قال في الجنايات: ومن عجل عتق مكاتبه أو أعتق عبده وكتب عليهما مالاً يدفعانه إليه وثبتت حرمتهما ثم ماتا، أو فلسا؛ لم يدخل السيد مع الغرماء ولا يكون له إلا ما فضل بعد الدين. م: والسيد هاهنا بخلاف المجني عليه يقوم على الجاني وقد فلس؛ فإنه يحاص الغرماء بدية جرحه، ولأن دين المجني عليه إنما وجب ذلك عليه بسبب فعل الجاني فأشبه ما يستحدثه من ديون المبايعات، وما جعله السيد على عبده لا صنع للعبد فيه ففارق جنايته، وأيضًا فإن عتق عبده على مال يكون عليه ككتابته إياه، فكما لا يحاص بالكتابة

الغرماء فكذلك لا يحاص بهذا. م: والمكاتب في هذا عندي بخلاف العبد، لا يجوز على المكاتب أن يعتقه على مال يبقى عليه إلا أن يكون مثل الكتابة فأقل فأما أن يعتقه على أن يكتب عليه ألف دينار وكتابته مئة فلا يجوز ذلك عليه إلا برضاه، والعبد لا ضرر عليه في ذلك. وفي كتاب العتق من هذا. قال ابن القاسم: وليس لسيد المكاتب إن يفلس مكاتبه إلا عند محل النجم فينظر في حال العبد في العجز والأداء. 83 - فصل [في موت المكاتبة بعد جنايتها وولادتها] وإذ ولدت المكاتبة بعد أن جنت ثم ماتت هي؛ فلا شيء على الولد، وكذلك الأمة إذا ولدت بعد الجناية ثم ماتت؛ فلا شيء على الولد ولا على السيد، ولو لم تمت لم تكن الجناية إلا في رقتها، ولا تكون في ولدها

ولدتهم قبل الجناية أو بعدها [198/أ] وقاله مالك. تم كتاب جنايات العبيد بحمد الله وعونه وصلى الله على محمد رسوله وعبده.

كتاب الديات

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا ونبينا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كتاب الدِّيات [الباب الأول] في دية أهل الكفر، والعبيد، وذكر العاقلة وحملها للدية [1 - فصل: في مقدار دية أهل الذمة والمجوس في النفس والجراح] روى ابن وهب عن عمرو بن العاص أن النَّبيَّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّم قال: «عَقْلُ الْكَافِرِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُؤْمِنِ». وقضى به عمر بن عبد العزيز، وقاله فقهاؤنا -يعني بالمدينة-: أنَّ دية

أهل الكتاب على النصف من دية المؤمن، واجتمع على ذلك أهل العلم، وأن دية نسائهم على النصف من دية رجالهم. وقال مالك: ما أعرف في نصف الدية فيهم إلا قضاء عمر بن عبد العزيز، وكان إمام هدى وأنا أتبعه. قال: ودية المجوسي ثمان مئة درهم، ودية المجوسية أربع مئة درهم. محمد: وروي ذلك عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وكثير

من التابعين. قال: وعلى أهل الذهب ستة وستون دينارًا وثلثا دينار، والمرأة نصف ذلك، وذلك من صرف اثني عشر درهما بدينار، كذلك حسبت الديات، وجراحهم على حساب دياتهم. محمد: وإن كانوا أهل إبل فدية الرجل منهم ستة أبعرة وثلثا بعير على أسنان المخمسة في الخطأ، بعير وثلث من كل صنف، وفي العمد على المربعة بعيران إلاّ ثلث من كل صنف، والمرأة على نصف ذلك. قال مالك فيه وفي المدونة: وجراحهم في دياتهم على قدر جراح المسلمين من دياتهم.

2 - فصل [في جناية المسلم على الذمي أو المجوسي خطأ بقتل أو جراح وبالعكس] وإن قتل مسلم ذميًا خطأ حملت عاقلته الدية في ثلاث سنين. وكذلك إن كانوا جماعة؛ فالدية على عواقلهم. والدِّيات كلها دية المسلم والمسلمة، والذمي والذمية، والمجوسي والمجوسية؛ إذا وقعت تحملها العاقلة في ثلاث سنين. وإن جنى مسلم على مجوسية خطأ ما يبلغ ثلث ديتها؛ حملته عاقلته، مثل أن يقطع لها إصبعين، فيحمل ذلك عاقلته؛ لأن ذلك أكثر من ثلث ديتها؛ لأن لها في الإصبعين مثل ما للرجل منهم، وذلك مئة وستون درهمًا، وإنما ثلث ديتها مئة وثلاثة وثلاثون درهما وثلث درهم. وكذلك كل امرأة دية إصبعيها أكثر من ثلث ديتها؛ لأنها فيها كالرجل. قال مالك: ولو جنت امرأة على رجل ما يبلغ ثلث ديتها

[198/ب] حملته عاقلتها أيضًا. قال مالك: والأول أَبْيَن. قال: وأصل هذا أن الجناية إذا بلغت ثلث دية الجاني، أو ثلث دية المجني عليه؛ حملته العاقلة، وثلث دية المجني عليه أَبْيَن. قال: ولو جنى مجوسي أو مجوسية على مسلم ما يبلغ ثلث دية الجاني؛ حمل ذلك أهل معاقلتهم الرجال منهم دون النساء، وهم الذين يؤدون معهم الخراج. قال مالك: وإن جنى نصراني جناية؛ حمل ذلك أهل جزيته، وهم

أهل كورته الذين خراجه معهم. وإن قتل ذمي مسلمًا خطًأ؛ حمل ذلك عاقلته. 3 - فصل [فيما يلزم بالجناية على عبيد الكفار بقتل أو جراح] وعلى قاتل عبيدهم قيمتهم ما بلغت، كعبيد المسلمين؛ وإن كانت القيمة أضعاف الدية، إلا أن في مأمومة العبد وجائفته في كل واحدة ثلث قيمته، وفي منقلته عُشر قيمته ونصف عُشر قيمته، وفي موضحته نصف عشر قيمته، وفيما سوى ذلك من جراحاته ما نقصه بعد برئه. م: إنما قال ذلك: لأن دية العبد هي قيمته فكما كان ذلك فيها من دية الحر، فكذلك يكون فيها من قيمة العبد، وكما كان للحر فيما سواها من جراحاته حكومة كان في ذلك للعبد ما نقصه؛ لأن ذلك تفسير

الحكومة: أن يقوّم المجروح أن لو كان عبدًا سليمًا ثم يقوّم مجروحًا فما نقص من قيمته سليمًا كان على الجارح مثله من الدية، فكذلك يكون في العبد ما نقصه من قيمته فحُكِم فيه حكم الحر في الوجهين، وهذا بين. م: وإن برأت الجائفة أو المأمومة أو المنقلة أو الموضحة على شين؛ فقال بعض المتأخرين: ينظر إلى ما نقصه ذلك الجرح؛ فإن يكن أكثر من دية الجرح أُعطى ما نقصه، وإن يكن أقل أُعطى دية الجرح، إنما له الأكثر من دية الجرح أو ما نقصه. وظهر لي أن دية الجرح له ثابتة على كل حال، وله زيادة عليه ما شانه، يقوّم على أنه جريح سالم مما شانه، ثم يقوّم على أنه جريح بذلك الشين، فما نقصه من ذلك غرمه مع دية الجرح، كما يصنع في الحر، وهذا على قول ابن القاسم، وأما على قول أشهب: فلا شيء

عليه إلا دية الجرح المفروضة، ولا شيء عليه في الشَّيْن؛ لأنه كذلك يقول في الحر فاعلم. 4 - فصل [في جناية أهل الذمة بعضهم على بعض] قال ابن القاسم: وإذا أصاب أهل الذمة بعضهم بعضا خطأ حمل ذلك عواقلهم. قال مالك: وما تظالموا بينهم فالسلطان يحكم بينهم فيه. 5 - فصل [فيما تحمله العاقلة وما لا تحمله، والمراد بالعاقلة، ومقدار ما يحمله أحدهم، وذكر من يحمل العقل ومن لا يحمله، وما يُسقط الدية بعد توظيفها] وإن جرح مسلم ذميًا، أو قطع يديه أو رجليه أو قتله عمدًا فذلك في ماله، ولا تحمل العاقلة من عمد المسلم في [199/أ] جنايته على الذمي إلاّ المأمومة والجائفة، وإنما استحسن مالك حمل العاقلة للمأمومة والجائفة ولم يكن عنده بالأمر البين.

قال ابن القاسم: وقد اجتمع أمر الناس أن العاقلة لا تحمل العمد. محمد: روى ابن وهب أن ابن عباس وغيره من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أنهم قالوا: "إِنَّ الْعَاقِلَةَ لاَ تَحْمِلُ عَمْدًا، وَلاَ عَبْدًا، وَلاَ صُلْحًا، وَلاَ اعْتِرَافًا". وبهذا قال مالك، إلاّ أنه في الاعتراف ربما جعله كشاهد على العاقلة يؤخذ بالقسامة، وأمّا في الجراح فلا، إذ لا قسامة فيها. ومن كتاب آخر: وحمل العاقلة الدِّية أمر قديم (كان في الجاهلية فأقره النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في الإسلام).

والعاقلة: عشيرة الرجل وقومه، فإن حملوا ذلك بغير إفداح وإلاّ ضُمَّ إليهم أقرب القبائل إليهم حتى يرتفعوا. محمد: ولم يجد مالك كم يؤخذ من كل رجل، وليس المكثر كالمقل، ومنهم من لا يؤخذ منه شيء لإقلاله. قال مالك: والمجتمع عليه عندنا أنها على أحرار الرجال البالغين، ولا عقل على النساء، وعلى الصبيان، ولا على مديان، ولا على معدم. قال في المدونة: وإنما العقل على القبائل كانوا أهل ديوان أم لا، ومصر والشام أجناد قد جندت، فكر جند عليهم جرائرهم دون غيرهم من

الأجناد، لا يعقل أهل مصر مع أهل الشام، ولا أهل الشام مع أهل مصر، ولا أهل الحضر مع أهل البدو، ولا أهل البدو مع أهل الحضر، إذ لا يكون في دية واحدة إبل ودنانير أو دراهم ودنانير، وإن انقطع بدوي فسكن الحضر عقل معهم، وكذلك الشامي يوطن مصر فإنه يعقل معهم؛ بمنزلة رجل من أهل مصر. ثم إن جنى وقومه بالشام وليس بمصر من قومه من يحمل ذلك لقتلهم؛ ضُمَّ إليه أقرب القبائل بها إلى قومه، وإن لم يكن بمصر من قومه أحد فليضم إليه أيضًا أقرب القبائل من قومه حتى يقووا على العقل، إذ لا يعقل أهل الشام مع أهل مصر. ويحمل الغني من العقل بقدره، ومن دونه بقدره، وذلك على قدر طاقة الناس في يسرهم. قال ابن القاسم: ولم يحد لنا مالك في ذلك حدًا، وقد كان يحمل على

[199/ب] الناس في أعطيتهم من كل مئة درهمٌ ونصفٌ. قال في غير المدونة: وأَكْرَه أن يبعث فيه السلطان من يأخذه فيدخل فيه فساد كثير. قال سحنون في كتاب ابنه: ويضم عقل أهل افريقية بعضهم إلى بعض من طرابلس إلى طُبْنَة. محمد: وإنما يجب على كل من كان من أهل العاقلة يوم تقسم عليهم الدية وتوظف حيًا بالغًا ليس يوم مات المقتول، ولا يوم جرح، ولا يوم

يثبت الدم، ولكن يوم تفرّق، فتجعل على الملئ بقدره، وعلى المعسر بقدره، ثم لا يزول عن من مات بعد ذلك أو أعدم، ولا يدخل فيها بعد ذلك من يبلغ من صغير أو يقدم من غائب أو منقطع، ولا يزاد على من أيسر منهم. قال سحنون: إذا وضعت صارت كدين ثابت لا يسقط عن من مات ويكون في ماله، وانكر قول من قال: يوظف ذلك على بقية العاقلة. وقال اصبغ: من مات منهم ممن جعل عليه بقدره قبل أن يحل، فلا يكون ذلك في ماله، ويرجع ذلك على بقية العاقلة. وقال سحنون: ومن استُحِقَّ بملك بعد توظيفها رجع ما كان عليه على بقية العاقلة، ولا يزاد في التوظيف على بني عمه ديته أكثر مما

يجعل على بقية العاقلة، وهم غيرهم سواء وذلك على قدر المال والوجد. قال أصبغ: ولا يدخل مع العاقلة صبي ولا مجنون، وأما السَّفيه البالغ فيؤخذ من ماله بقدره. وقاله ابن القاسم وابن نافع. قال ابن نافع: كما توضع عليه الجزية لو كان نصرانيا. قال سحنون: ولا يعقل معهم مولى القاتل من اسفل. وقال أصبغ عن ابن القاسم: يعقل معهم.

[الباب الثاني] في جناية الصبي والمجنون والأب على ولده

[الباب الثاني] في جناية الصبي والمجنون والأب على ولده [6 - فصل: جناية الصبي والمجنون، ورأي السلف في ذلك، وما يكون في ماله من جنايته وما لا يكون، وجناية من يفيق أحيانًا] قال مالك: وإذا جنى الصبي أو المجنون عمدًا أو خطأ بسيف أو غيره؛ فهو كله خطأ تحمله العاقلة إن بلغ الثلث، فإن لم يبلغه ففي ماله ويتبع به دينًا في عدمه. محمد: وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لاَ قَوَدَ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ". وقاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال: "كُلُّ مَا أَصَابَ الصِّبْيَانُ مِنْ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخَطَأِ؛ لَيْسَ فِيهِ قَوَدٌ".

"وأٌتِيَ أبو بكرٍ الصدِّيق رضي الله عنه بِغُلاَمَينِ تَقَاتَلاَ فَعَضَّ أَحَدُهُمَا أُذُنَ صَاحِبِهِ فَقَطَعَ بَعْضَهَا فَأبَى أَبو بكرٍ رضيَ اللهُ عنه أَنْ يَقِيدَ مَنْهُ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ". وقضى عثمان بن عفان رضي الله عنه في صِبْيَان [200/أ] اقْتَتَلُوا فَجَرَحَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: "ألاَّ قَوَدَ بَيْنَهُمْ، وَأَنْ يَعْقِلَ ذَلِكَ عَاقِلَةُ الْجَارِحِ مِنْهُمْ". وقضى بذلك عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بمشورة الفقهاء: "أَنَّ

عَمْدَ الصَّبيِّ خَطَأٌ لاَ قَوَدَ فِيهِ". وقاله مالك، قال: وكذلك المجنون. وَقَدْ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ "أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّهُ أُتِيَ إِلَيْهِ بِمَجْنُونٍ قَتَلَ رَجُلاً فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَنِ اعْقِلْهُ وَلاَ تُقِدْ مِنْهُ فَإِنهُ لَيْسَ عَلَى مَجْنُونٍ قَوَدٌ". وقال ذلك ابن المسيب، وسليمان بن يسار، وابن شهاب رضي الله عنهم: "أَنَّ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَجْنُونِ". قال أشهب عن الليث عن يحي بن سعيد: ما بلغ الثلث من ذلك فعلى العاقلة، وما كان دون الثلث ففي مال المجنون.

قال أشهب: وقد بلغني "أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أُتِيَ بِمَعْتُوهٍ عَدَاَ عَلَى رَجُلٍ بِسَيْفٍ فَقَتَلَهُ؛ فَضَمَّنَ عَقْلَهُ عَاقِلَةَ الْمَجْنُونِ، وقَالَ: عَمْدُهُ وَخَطَأُهُ سَوَاءٌ". قال محمد: وإذا بلغ الغلام أو الجارية الحلم، فجرح أو قتل؛ أُقيد منهما ما لم يكونا معتوهين. قال: وما أخبرتك من أمر الصبي فإنما ذلك فيمن عَرَف منهم ما يعمل، فأما الصبي الصغير فهو كلا شيء فيما أفسد. وأُخبرت عن ابن القاسم أنه سئل عن الصبي المرضع يفسد شيئا أو يكسر لؤلؤة، أو يطرح ذلك في بئر وشبهه أنه لا شيء عليه. محمد: يريد: لا يتبع بشيء منه. قيل: فإن جرح هذا الصغير رجلاً أو فقًأ عينه؟ فلم يُجب فيه بشيء،

وقال: قد تكلم الناس في هذا، وأما ما أفسد فهو بين لا شيء عليه فيه. قال فيه وفي المدونة: وإن كان المجنون يفيق أحيانًا؛ فما جنى في حال جنونه فهو كما وصفنا، وما جنى في حال الإفاقة فكالصحيح في حكمه في الجراح والقذف، وإذا رفع للقود وقد أخذه الجنون أُخر لإفاقته. [7 - فصل: في جناية الأب على ولده عمدًا أو خطًأ وإرثه من ماله وديته في الحالين وتعليل ذلك] قال ابن القاسم: ومن قتل ابنه خطأ؛ فديته على عاقلته، ويرث الأب من ماله ولا يرث من ديته، وإن قتله عمدًا كفعل المدلجي فغلظت عليه الدية؛ لم يرث من ماله ولا من ديته.

م: وإنما ورث في الخطأ من المال؛ لأنه غير متعمد للقتل، فلا يحمل عليه أنه استعجل الميراث قبل وقته فحرمه، وإنما لم يرث من الدية؛ لأن عليه حصة منها، فمتى رجع إليه شيء منها صار كأنه لم يخرج ما عليه [200/ب] منها، وكذلك العلة في ميراثه من دية العمد؛ لأنها واجبة عليه، فمتى ورث شيئا منها صار كأنه لم يؤدها كاملة، وأما ميراثه من المال؛ فلأنه استعجل الميراث قبل وقته فحرمه، كالمتزوج في العدة؛ يحرم عليه نكاحها للأبد؛ لأنه استعجله قبل وقته، وهذا أحسن التعليل في ذلك. والله أعلم.

[الباب الثالث] في دية الجنين وما تحمله العاقلة منها وجميع أحكامه

[الباب الثالث] في دية الجنين وما تحمله العاقلة منها وجميع أحكامه [8 - فصل: في دية الجنين] قال مالك: (قضَىَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علّيهِ وَسلَّم في الْجَنِينِ يَخْرُجُ مَيِّتًا بِجِنَايَةِ جَانٍ، بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ). قال مالك: والْحُمْرَان من الرَّقيق أحب إلي من

السودان، فإن قلَّ: الحمران بتلك البلاد فليؤخذ من السودان. قال في كتاب محمد: إلا أن يقل الحمران فمن أوسط السودان. قال في المدونة: والقيمة في ذلك خمسون دينارًا، أو ست مئة درهم، وليست القيمة كَسُنَّةٍ مجتمع عليها، وإنا لنرى ذلك حسنًا، فإذا بذل الجاني عبدًا أو وليدة؛ جبروا على أخذه، إن سوي ما بذل خمسين دينارًا أو ست مئة درهم، وإن سوي أقل من ذلك لم يجيروا على أخذه إلا أن يشاؤا، وليس على أهل الإبل في ذلك إبل، وقد قضىَ النِّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّم بالغُرَةِ والناس يؤمئذ أهل إبل، وإنما تقويمها بالعين أمر مستحسن.

محمد: وقال ربيعة: على أهل الإبل خمس فرائض، بنت مخاض، وبنت لبون، وابن لبون، وحقه، وجذعه، ولم يبلغنا عن مالك في الإبل شيء. وقال ابن القاسم: لا إبل فيها. وقال أصحابه بالإبل. وقال أصبغ: ولا أحسب إلا أن ابن القاسم قال: بالإبل، ورواه عنه أبو زيد. وأما توقفه وحجته فيه أن الحديث ليس فيه إبل وَهُم أهل إبل، فهذا ينكسر عليه؛ لأنه قد خرج إلى الورق على أهل الورق، والذهب على أهل الذهب. وقال أشهب: لا يؤخذ من أهل البادية إلاّ الإبل، ولا يؤخذ من أهل الذهب إلا الذهب، ومن أهل الورق إلا الورق، وقد "قوّم عمر رضي الله عنه الغرة؛ عُشر دية الأم الحرة".

9 - فصل [في وراثة دية الجنين] قال مالك: وإذا ضُربت امرأة عمدًا أو خطأ فألقت جنينًا ميتًا؛ فإن عَلِم النساء أنه حمل وإن كان مُضْغَةً أو عَلَقةً أو مصورًا ذكرًا أو أنثى؛ ففيه الغرة بغير قسامة في مال الجاني، ولا تحمله العاقلة، ولا شيء فيه حتى يزايل بطنها، وتورث الغرة على فرائض الله عز وجل. ابن حبيب: قال ابن الماجشون: قال ابن شهاب: [201/أ] الغرة موروثة على فرائض الله عز وجل. وقال ربيعة: هي للأم خاصة؛ لأنها ثمن عضو منها.

وقال ابن هرمز: هي للأبوين خاصة على الثلث والثلثين، فإن لم يكن إلاّ أحدهما فجميعها له. وقال بهذا مالك مرة، وقال به المغيرة، ثم رجع مالك إلى قول ابن شهاب: أنها موروثة على فرائض الله عز وجل. وقال ابن أبي حازم، والدَّراوردي. ابن حبيب: وبه قال أصحاب مالك أجمع. قال ابن نافع: وفي التؤم غرَّتان، ولو صرخا كان فيهما ديتان.

10 - فصل [في الكفارة بقتل الحر والجنين والعبد والذمي] قيل لابن القاسم: فهل على الضارب كفارة. قال: قال مالك: إنما الكفارة في قتل الحر خطأ، واستحسن مالك الكفارة في الجنين، وكذلك العبد، والذمي، إذا قُتلا ففيهما الكفارة، وفي جنينهما الكفارة. قال أشهب: وهي في العبد المؤمن أوجب. وروى أشهب عن مالك: أنه لا كفارة فيه. وقاله أشهب. ومن ضرب عبده على الأدب فمات فليعتق رقبة. قال مالك: في امرأة شربت دواءً فأسقطت؛ فإن كان دواءً يشبه السلامة فلا بأس به، وقد (كوَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وَسلَّم سَعْدًا فَمات).

قال: وإن سقت ولدها الصغير دواء فشرِق به فمات فما عليها الكفارة بواجبة، وإن كفَرت فحسن، وكذلك الطبيب يسقي الرجل الدواء فيموت. قيل: فقاتل العمد يعفا عنه، أيُكَفِّر؟ قال: نعم، هو خير له. والكفارة في قتل الخطأ عتق رقبة مؤمنة كما قال الله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4].

11 - فصل [في خروج الجنين ميتا أو حيًا بعد موت الأم أو قبله، وحكمه لو استهل ثم مات، ومعنى الاستهلال] قال ابن القاسم: ولو ضربها رجل فماتت، ثم خرج الجنين بعد موتها ميتا؛ فلا غرة فيه، وإنما على قاتلها الدية؛ لأنه مات بموت أمه، وعليه كفارة واحدة. وفي كتاب محمد: وإذا خرج الجنين بعد موتها ميتًا أو حيًا ثم مات؛ فأحب ما فيه إليّ أن تكون فيه الغرة مع دية الأم. قال أبو محمد: يريد ولم يستهل. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن ضرب بطنها خطأ فألقت جنينًا ثم ماتت بجنين في بطنها، أو مات الخارج قبل موتها أو بعد؛ ففي الأم دية واحدة والكفارة، ولا دية في الجنين الذي لم يزايلها ولا كفارة، والذي ألقته إن استهل صارخًا ففيه القسامة والدية، [201/ب] وإن لم يستهل صارخًا ففيه الغرة.

قال مالك في العتبية: الاستهلال: الصياح، فإذا صاح وجب له حكم الحي في الصلاة عليه، وفي دفنه، وميراثه، وليس العطاس استهلالاً. وقال ابن وهب في غيرها: العطاس والرضاع استهلال. 12 - فصل [إرث الجنين وتوريثه، وعدم توريث القاتل] قال مالك: وإذا خرج الجنين ميتًا أو حيًا، فمات قبل موت أمه، ثم ماتت هي بعده؛ ورثته، ولو ماتت هي وقد استهل، ثم مات بعدها؛ لورثها، ولو خرج الجنين ميتًا، ثم خرج آخر حيا بعده أو قبله، أو ولد للأب ولد من امرأة أخرى، فعاش واستهل صارخًا، ثم مات مكانه، وقد مات الأب قبل ذلك كله؛ كان لهذا الذي خرج حيًا ميراثه من دية الذي خرج

ميتًا، ألا ترى أن أن المولود إذا خرج حيًا يرث أباه الميت أو أخاه قبل ولادته. قال مالك: ولو ضرب الأب بطن امرأته فألقت جنينًا ميتًا؛ فلا يرث الأب من دية الجنين شيئًا، ولا يَحْجُب، ويرثها سواه. 13 - فصل [في القسامة في الجنين إذا استهل، وهل يقاد ممن تعمد إسقاطه أم لا؟ وما تحمله العاقلة من ديته وما لا تحمله] ومن ضرب بطن امرأة خطأ فألقت جنينًا حيًا، فاستهل ثم مات؛ ففيه القسامة، والدِّية على العاقلة، ولو كان ضرب بطنها عمدًا؛ ففيه القصاص بقسامة، وذلك إذا تعمد ضرب بطنها خاصة. قال: ولم يكن في الجنين يخرج ميتًا قسامة؛ لأنه كرجل ضُرب فمات ولم يتكلم، وإذا صرخ ثم مات؛ كان كالمضروب يعيش أيامًا ففيه القسامة، إذ لا يُدرى أمات الجنين من الضربة أم لِمَا عرض له بعد خروجه. محمد: وقال أشهب: إن كان حين استهل مات مكانه؛ فلا قسامة فيه، وإن أقام ثم مات ففيه القسامة، في العمد والخطأ، وفيه الكفارة، ولا قود فيه في العمد، وعمده كالخطأ؛ لأن موته بضرب غيره، وديته في العمد والخطأ

على العاقلة، وسواء ضرب بطنها أو غير بطنها؛ لأن إصابة الولد خطأ، وإنما العمد على الأم. وقال ابن القاسم: في عمده القود بقسامة، وكذلك عنه في المجموعة إذا تعمد الأجنبي ضرب البطن أو الظهر أو موضع يرى أنه أصيب به الولد؛ ففيه القود بقسامة إذا استهل صارخًا. فأما لو ضرب رأسها أو يدها أو رجلها، فطرحت دمًا، ثم ألقت الجنين فاستهل؛ ففيه الدية بقسامة، وتكون [202/أ] هذه الدية في ماله لازمة؛ لأن موته عن شبه ضرب عمد، وكما لو أوضح رجلاً عمدًا فتنامى الجرح إلى ذهاب عينه؛ فمذهب ابن القاسم: أن تكون دية العين في ماله. قال ابن حبيب عن أصبغ: إذا تعمد ضرب بطنها حتى يرى أنه

أراد أن يُسقط ولدها فماتت ومات ولدها بعد أن استهل؛ فليقسم ولاتها وولاة الجنين، أن مِن ضربه ماتا ويقتل، وإن تعمد ضربها في غير البطن فليقسم ولاتها لمن ضربه ماتت ويقتلونه، ويقسم ولاة الجنين لمن ضربه مات، ولهم ديته على العاقلة. وإن كان الضرب خطأ؛ أقسم ولاتها وولاة الجنين على الضرب، وكان على العاقلة ديتان، وإنما هذا إذا شُهد على الضرب، وإما بقولها فلا يكون ذلك إلاّ على نفسها وحدها يقسم ولاتها ويقتلونه في العمد، ويأخذون الدية من العاقلة في الخطأ، ولا شيء في الجنين؛ لأن ذلك بقولها، وهي شهادة لابنها. ومن كتاب ابن المواز: وإذا خرج الجنين حيًا فلم يستهل حتى قتله رجل؛ فلا قود فيه، وفيه الغرة، وعلى قاتله الأدب. وقال بعض العلماء: فيه الدِّية كاملة في ماله، ولا قود فيه. قال أشهب: ولا يعجبني هذا، ولو لزم هذا لزم مثله في المضروبة في البطن يخرج جنينها حيًا فيموت ولا يستهل، وإن كان قد قاله كثير من أكابر

العلماء. 14 - فصل [في ضرب المجوسي أو المجوسية بطن مسلمة خطأ أو عمدا] قال في المدونة: ولو ضرب مجوسي أو مجوسية بطن مسلمة خطأ، فألقت جنينًا ميتًا حملته عاقلة الضارب؛ لأنه أكثر من ثلث ديته، وإن كان ذلك عمدًا كان في مال الجاني. 15 - فصل [في جنين الأمة وأم الولد والذمية، وجنين من أسلمت تحت نصراني أو مجوسي، وجنين النصرانية الحرة تحت عبد مسلم] وفي جنين أم الولد من سيدها، ما في جنين الحرة، وفي جنين الأمة من غير سيدها؛ عُشر قيمة أمه، كان أبوه حرًا أو عبدًا. محمد: وقاله الحسن، وأبو الزناد.

قال أصبغ: قال ابن وهب: فيه ما نقصها من قيمتها، وقول مالك أحب إلينا، وقاله ربيعة، ويحي بن سعيد، وابن القاسم، وأشهب. قال: فإن استهل ففيه قيمته. قال ابن القاسم في العتبية: قيمته على الرجاء والخوف. قال في المدونة: وفي جنين الذمية -يريد: إذا لم يستهل- عُشر دية أمه، أو نصف عُشر دية أبيه، وهو سواء، والذكر والأنثى في ذلك سواء. ولو أسلمت نصرانية حامل تحت نصراني؛ ففي جنينها ما في جنين النصراني، وذلك نصف عشر دية أبيه، [202/ب] ولو استهل صارخًا ثم مات؛ حلف من يرثه يمينًا واحدة لمات من ذلك، واستحقوا ديته؛ لأن مالكًا قال في النصراني يقتل ويقُوم على قتله شاهد عدل مسلم أن ولاته يحلفون يمينًا واحدة، ويستحقون الدية على من قتله، مسلمًا كان أو نصرانيًا.

وإن تزوج عبد مسلم نصرانية حرة؛ ففي جنينها ما في جنين الحر المسلم؛ لأنه حر بأمه، ومسلم بأبيه. وإن أسلمت مجوسية حامل تحت مجوسي؛ ففي جنينها ما في جنين المجوسي، أربعون درهمًا.

[الباب الرابع] في الكبير والصغير يقتلان رجلا، وما يجب على قاتل العمد إن عفي عنه، والعافي يدعي إنما عفا على الدية، ومن أقر بقتل خطأ، أو جماعة أقروا بقتل عمد أو خطأ، والجماعة يقتلون رجلا خطأ، وفيمن قتل نفسه

[الباب الرابع] في الكبير والصغير يقتلان رجلاً، وما يجب على قاتل العمد إن عُفي عنه، والعافي يدعي إنما عفا على الدية، ومن أقر بقتل خطأ، أو جماعة أقروا بقتل عمد أو خطأ، والجماعة يقتلون رجلا خطأ، وفيمن قتل نفسه. [16 - فصل: في الكبير والصغير يقتلان رجلا] قال مالك رحمه الله: وإذا قتل رجل وصبي رجلاً عمدًا؛ قُتل الرجل، وعلى عاقلة الصبي نصف الدية؛ لأن عمد الصبي كالخطأ. م: يريد: وذلك إذا اعتمدوا جميعًا قتله، وتعاقدوا على ذلك، وتعاونوا عليه؛ فيقتل حينئذ الرجل كما لو لم يباشر قتله إلا الصبي والرجل معين له، حتى لو كانا رجلين لقتلا جميعا؛ فحينئذ يجب قتل الرجل، وأما لو لم يتعاقدوا على قتله، ولا تعاونوا عليه، وإنما رماه هذا عمدًا وهذا عمدًا، ولم يعلم من أي ضربة مات؛ لوجب أن لا يقتل الرجل عند ابن القاسم؛ لأن عمد

الصبي كالخطأ، ويكون كما لو رماه الصبي خطأ، والله أعلم. قال ابن القاسم: ولو كانت رمية الصبي خطأ، ورمية الرجل عمدًا فمات منهما جميعًا فأحب إليَّ أن تكون الدية عليهما؛ لأني لا أدري من أيهما مات. م: يريد: أن نصف الدية في مال الرجل، ونصفها على عاقلة الصبي. وقال أشهب: عمد الصبي وخطؤه سواء، وعلى عاقلته نصف الدية، ويقتل الكبير. قال محمد: وهذا أحب إلينا. [17 - فصل: في اشتراك الحر مع العبد، والأب مع غيره في القتل، ومن قتله رجلان أحدهما عمدًا والآخر خطأ] مالك: ولو قتل حر وعبد عبدًا عمدًا؛ لقتل العبد، وعلى الحر نصف قيمته في ماله؛ إذ لا يقتل حر بعبد، ولو قتلا آخرًا خطأ؛ فعلى عاقلة الحر نصف الدية، ويخير سيد العبد في أن يسلمه أو يفديه بنصف الدية.

قال مالك في المستخرجة: يُنَجَّم ذلك عليه. قال ابن القاسم قال مالك: ولو قتل الأب ورجلان ابنه عمدًا؛ قُتل الأب والرجلان، وإن كان بالرمية والضربة؛ لم يقتل به الأب. قال عبد الملك: وعليه ثلث الدية مغلظة، ويُقتل الرجلان. محمد: وإذا قتل رجلان رجلاً، جرحه أحدهما عمدًا والآخر خطأ: قال أشهب: يقسمون على أيهم شاؤا؛ فإن أقسموا على المتعمد قتلوا وكانت لهم على المخطئ دية الجناية. قال محمد: وذلك إذا عُرفت جناية الخطأ من جناية العمد. قال أشهب: وإن أقسموا على المخطئ كانت لهم الدية كاملة على عاقلته، واقتصوا من المتعمد جرحه إن كان مما فيه القصاص، وإن كان مما لا قصاص فيه أخذوا منه دية جنايته. وقال فيهما ابن القاسم: إن مات مكانه؛ قتل به صاحب العمد، وعلى

صاحب الخطأ نصف الدية. قال محمد: هذا إن لم يكن جرح الخطأ معروفًا بعينه. قال ابن القاسم: وإن عاش بعد ضربهم ففيه القسامية، فإذا أقسموا على واحد برئ الآخر، أما على المتعمد ويقتلونه، ولا شيء على الآخر، وإن أقسموا على المخطئ؛ فالدية لهم على عاقلته، ويبرأ المتعمد. قال محمد: ويضرب مئة، ويحبس سنة. 18 - فصل [فيما يجب على قاتل العمد إن عُفي عنه] قال في المدونة: ومن ثبت عليه أنه قتل رجلا عمدًا ببينة، أو بإقرار، أو بقسامة، فعفي عنه، أو أسقط عنه القتل؛ لأن الدم لا يتكافأ، فإنه يضرب مئة ويحبس عامًا، كان القاتل رجلاً أو امرأة، مسلمًا أو ذميًا، حرًا

أو عبدًا، لمسلم أو لذمي، والمقتول مسلم أو ذمي، حر أو عبد، لمسلم أو لذمي، وكذلك العبد يقتل وليك عمدًا، فتعفو عنه على أن أخذته فإنه يضرب مئة ويحبس عامًا. قال أصبغ: لا يحبس العبد ولا الأمة، ولكن يجلدان. قال مالك: وإذا أقسم على واحد من جماعة فإن من بقي ممن اتهم بالقتل يجلد كل واحد منهم مئة ويحبس سنة. قال عبد الملك: لأن الولي ملك إشاطة دم من شاء منهم. قال محمد: وإذا ردت اليمين على المدعى عليه فحلف؛ جلد مئة وحبس سنة، فإن كان عبدًا فلم يحلف المدعون وقد أقاموا شاهدًا على القتل، أو شاهدين على إقرار الميت، فليحلف السيد يمينًا واحدة على

علمه، فإن نكل أسلمه أو فداه بالدية، ويضرب مئة. قال اصبغ: ولا يحبس. وقد قيل: يحلف العبد خمسين يمينًا، ويجلد مئة، وإن كان ذلك من جرح أو ضرب فمات من ذلك فنكل المدعون فلا ترد اليمين هاهنا عند أشهب، وابن عبد الحكم، ويجلد [203/ب] العبد مئة. قال أصبغ: ولا يحبس، ويصير الجرح إن ثبت، في رقبة العبد. قال ابن القاسم: وليس في قتل الخطأ حبس ولا تعزير. قال مالك: ومن اقتص منه من جرح عمدًا فإنه يعاقب، وكذلك إن كانت منقلة فعليه مع الغرم العقوبة.

19 - فصل [في العافي يدعي إنما عفا على الدية] وإذا قتل عبد وليك فعفوت عنه ولم تشترط شيئا؛ فذلك كما لو عفوت عن الحر ولم تشترط الدية ثم تطلب الدية. قال مالك: لا شيء لك إلا أن يتبين أنك أردتها؛ فتحلف بالله ما عفوت على ترك الدية إلا لأخذها ثم يكون ذلك لك. قال ابن القاسم: وكذلك العبد لا شيء لك إلا أن يُعرف أنك إنما عفوت لتسترقه فذلك لك ثم يخير سيده. قال مالك: ولو عفوت عن العبد على أن تأخذه رقيقا، وقال سيده: أما أن تقتله أو تدعه؛ فلا قول له، والعبد لك إلا أن يشاء سيده دفع الدية إليك ويأخذه؛ فذلك له، وهذا إذا ثبت قتله إيَّاه ببينة، وإن كان بإقرار العبد فليس للولي أن يستحييه على أخذه، وليس له إلا أن يقتل أو يدع.

20 - فصل [فيمن أقر بقتل خطأ، أو جماعة أقروا بقتل عمدا أو خطأ، والجماعة يقتلون رجلاً خطأ] قال مالك: ومن أقر بقتل رجل خطأ؛ فإن اتهم أن يكون أراد غنا ولد المقتول كالأخ والصديق لم يُصدّق، وإن كان من الأباعد صُدِّق، إن كان ثقة مأمونًا ولم يخف أن يُرشا على ذلك ثم تكون الدية على عاقلته بقسامة، ولا تجب عليه بإقراره، فإن أبى ولاة الدم أن يقسموا فلا شيء لهم في مال المقر، وإذا لزمت العاقلة كانت في ثلاث سنين وإن أبى ولاة الدم أن يُقسموا فلا شيء لهم على العاقلة، ولا في مال المقر، كما لو ضرب رجل فقال: قتلني فلان خطأ؛ فإنه يُصدَّ، ويكون العقل على عاقلة القاتل بقسامة، وإلا لم يكن لهم في مال المدعى عليه شيء. ومن غير المدونة: ولو قال رجلان: إننا وفلانًا قتلنا فلانًا عمدًا؛ لم يصدقا عليه؛ إذ لا عدالة لهما، وإن قالا: خطأ فعلى ولاة الدم القسامة مع قول هذين إذا كانا عدلين؛ لأن هذين مقران على أنفسهما فلا تحمل ذلك العاقلة بغير قسامة، ويقسمون على الثالث لأن قول هذين فلان معنا

لوث بينة، ولو كانت قاطعة كانت الدية بغير قسامة، وليس لولاة الدم أن يقسموا على المقرين دون المنكرين، ولا أن يقسموا على ثلثي الدية، ولا أعرف قسامة في غير دية كاملة، وقد قال مالك إذا أتى الأولياء [204/أ] يشاهد أن فلانًا وفلانًا وفلانًا قتلوه، أو شهد على قول الميت ذلك؛ فإنهم يقسمون على قاتليه الثلاثة، وتكون الدية على عواقلهم، فكذلك هذا؛ ولأنه لو شهد رجل لابنه ولأجنبي لم يجز للأجنبي ولا للابن.

ومن المدونة: وإذا قتل عشرة رجالٍ رجلاً خطأً وهم من قبائل شتى؛ فعلى قبيلة كل رجل عُشر الدية في ثلاث سنين، وعلى كل رجل منهم كفارة، ولو جَنوا قدر ثلث الدية حملته عواقلهم أيضًا في سنة، وما كان دون الثلث ففي أموالهم ولا تحمله عواقلهم. 21 - فصل [فيمن قتل نفسه] قال في غير المدونة: ومن قتل نفسه عمدًا أو خطأ لم تحمله العاقلة، وإنما ذكر الله عز وجل الدية فيمن قتل غيره.

[الباب الخامس] في القصاص في عين الأعور والقصاص له

[الباب الخامس] في القصاص في عين الأعور والقصاص له [22 - فصل: في دية عين الأعور] قال مالك: ودية عين الأعور دية البصر كله ألف دينار، أو اثني عشر ألف درهم، أو مائة من الإبل؛ إذا كان ذلك خطأ. قال محمد: وذكر ذلك ابن المسيب أن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان قضيا بذلك، وقاله سعيد، وقضى به عمر بن عبد العزيز، وكتب به إلى عامِلِه على المدينة

عبد الرحمن بن الضحاك محمد: وقاله ابن عباس، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يَسَار، وقاله مالك، عن ربيعة، وابن شِهاب.

قال سليمان بن حبيب: قال علماؤنا: وسواء أخذ في الأولى عقلا أو أصابها ذلك بأمر من السماء؛ ففي الباقية الدية كاملة، وهو قول مالك وأصحابه أجمع. 23 - فصل [في أعور العين اليمنى يفقأ يمنى رجل صحيح، والقصاص في اليد والأسنان] قال مالك: وإذا فقأ أعور العين اليمين يمين رجل صحيح خطأ فعلى عاقلته نصف الدية، وإن فقأها عمدًا فعليه خمسمائة دينار في ماله، وهو كأقطع اليد اليمنى يقطع يمين رجل صحيح، فدية اليد في مال الجاني، ولا يقتص من اليد أو الرجل اليمنى باليسرى، ولا اليسرى باليمنى، وكذلك العين. وقاله ابن عمر. ولا يقاد سن إلا بمثلها في صفتها وموضعها، الرباعية بالرباعية، والعليا بالعليا، والسفلى بالسفلى، فإن لم يكن للجاني مثل التي طرح رجع ذلك إلى العقل.

قال مالك: وإن كان المفقؤة عينه أعور بعينه اليسرى فله في عينه اليمنى ألف دينار. قال [204/ب] ابن القاسم: لأنه لا قصاص له في عين الجانين ولأن دية عين الأعور ألف دينار. [24 - فصل: في الأعور يفقأ عين الصحيح التي مثلها باقية له] قال مالك: وإن فقأ الأعور عينَ الصحيح التي مثلها باقية للأعور فللصحيح أن يقتص، وإن أحب فله دية عينه ثم رجع مالك فقال: إن أحب أن يقتص اقتص، وإن أحب فله دية عين الأعور ألف دينار. قال ابن القاسم: وقوله هذا أعجب إليّ. محمد: وقاله عمر بن الخطاب،

وعثمان بن عفان، وقاله ابن شهاب، ويحي بن سعيد، وقاله عبد الملك وأصبغ. رضي الله عنهم أجمعين. قال أصبغ: وهو السُّنَّة والصواب. قال محمد: وهو أحب إليَّ. قال محمد: وأخذ أشهب بقول مالك الأول: أنه ليس له إلاّ القود. قال أشهب: وبلغني ذلك عن ابن عمر أنه قال: "تُفْقأُ عَيْنُهُ، قال الله عز وجل: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45]، قال ابن عمر: الْيُمْنىَ بِالْيُمْنَى، وَالْيُسْرى بِالْيُسْرى". قال: وقاله ربيعة، وعبد العزيز بن أبي سلمة.

قال محمد: وليس ما احتج به أشهب من قول ابن عمر، وربيعة، وغيره، حجة له؛ لأنه مخالف لقولهم في هذا بعينه؛ "لأنهم يقولون في الأعور إذا فقئت عينه: ليس له إلا القصاص". حتى أن ربيعة يقول: "القصاص في كل شيء حتى الجائفة والمنقلة والمأمومة"، وهذا خلاف للأثر. وأما حجته في قول الله عز وجل: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45]، فقد قال في الأعور تفقأ عينه: أنه بالخيار، إن شاء استقاد، وإن شاء دية عينه ألف دينار. وهو الصواب، وهو خلاف من احتج بقوله. [25 - فصل: في الأعمى يفقأ عين رجل عمدا، في الأعور يفقأ عيني رجل عمدًا] ومن المدونة قال مالك: وإن فقأ أعمى عين رجل عمدًا؛ فديتها في ماله لا على العاقلة. قال مالك: وإن فقأ أعور العين اليمنى عيني رجل جميعًا عمدًا؛ فله القصاص من عينه ونصف الدية من العين الأخرى.

قال ابن المواز: وقاله أشهب، قال: وقاله عطاء، وربيعة. وقال القاسم، وسالم: "تفقأ عينه الباقيه بعينيه كلتيهما، وليس عليه غير ذلك". قال أشهب: ولسنا نرى ذلك صوابًا. قال محمد: أما إن فقأهما عمدًا في ضربة واحدة، أو في فور واحد فللمجني عليه دية عينه اليمنى خمس مئة دينار، إذ لا قصاص له فيها، ويخير في عين الأعور اليسرى، فإن شاء [205/أ] فقأها أو تركها وأخذ منه ديتها ألف دينار، وإن كان ذلك خطأ فليس له إلا ألف دينار في عينيه جميعًا، وإن فقأهما واحدة بعد واحدة فإن كان ذلك خطأ ففيهما ألف وخمس مئة دينار على عاقلة الجاني لا تبالي بأيهما بدأ، وإن كان ذلك عمدًا، نُظرت: فإن بدأ بفقأ اليمنى فله فيها خمس مئة دينار إذ لا نظير لها،

ويخير في اليسرى فإن شاء استقاد منها فتركه أعمى، وإن شاء تركها وأخذ ألف دينار، وإن بدأ باليسرى التي مثلها باقية للأعور فله أن يستفيد منها ويأخذ في عينه اليمنى ألف دينار، وإن شاء تركها وأخذ ديتين ألفي دينار. محمد: وقاله مالك وأصحابه. [26 - فصل: في السمع يذهب من الأذن، ودية ما منه زوج في الإنسان] ومن المدونة قال مالك: ومن ذهب سمع أحدى أذنيه فضربه رجل فذهب سمع الأخرى فعليه نصف الدية بخلاف عين الأعور. قال ابن القاسم: وليس الدية عند مالك في شيء واحد مما هو زوج في الإنسان مثل اليدين والرجلين وشبههما إلا في عين الأعور وحدها لما جاء فيها من السنة، وإنما في كل واحد من ذلك نصف الدية سواء

ذهب أولاً أو آخرًا. قال محمد: وذلك أن الناظر بالعين الواحدة يبصر بها ما يبصر بالعينين جميعًا، ولا تجد أحدًا من الخلق يقوى بيد واحدة، ولا برجل واحدة قوته بكلتيهما. م: وبهذا احتج أشهب في المجموعة على العراقيين؛ لأنهم يقولون: في عين الأعور نصف الدية كأحدى اليدين. قال أشهب: وأما السمع فيسأل عنه، فإن كان يسمع بالأذن ما يسمع بالاثنين فهو كالبصر، وإلا فهو كاليد والرجل. [27 - فصل: الجناية على البصر الذي قد ذهب بعضه بجناية] قال فيه وفي كتاب محمد: وإذا أصيب من كل عين نصف بصرها ثم أصيب باقيهما في ضربة؛ فإنما له خمس مئة دينار؛ لأنه إنما ينظر بهما

نصف نظرهما، وكذلك إن أصيب بباقي أحدهما فإنما له مئتان وخمسون دينارًا، ثم إن أصيب بباقي بصر الأخرى فله هاهنا خمس مئة دينار؛ لأن ذلك قام مقام نصف جميع بصره، كما فيها لو كانت صحيحة ألف دينار. محمد: وقال عبد الملك عن مالك: إذا أصيب النصفان الباقيان من كل عين بضربة واحدة؛ كان فيهما ألف دينار لأنهما كعين واحدة، وإن كان ذلك مفترقا ففي الأولى على حساب خمس مئة، وفي الثانية على حساب ألف. ولو ضرب صحيح ضربة أذهبت نصف [205/ب] بصر إحدى عينيه، فأخذ نصف ديتها مئتين وخمسين، ثم أصيب ما بقي من عينيه

جميعًا بعد ذلك فله ألف دينار، لأنه بصره كله، ولو لم يصب إلا نصف العين الناقصة وبقيت الصحيحة فليس فيها إلا تمام ديتها مئتان وخمسون ديناراً ما دامت له عين أخرى، وهذا مالا اختلاف فيه بين أصحاب مالك. قيل: فإن أصيب الصحيحة أو نصفها وبقي نصف المصابة بحاله؟ قال: قد اختلف في هذا أصحاب مالك. فقال أشهب: له في الصحيحة إن ذهبت كلها ثلثا الألف، وإن ذهب نصفها؛ فثلث الألف، ثم على حساب هذا ما دام نصف الأولى قائما. محمد: فصار عنده فيما ذهب من العين المصابة على حساب خمس مئة، وفيما ذهب من العين الصحيحة على حساب ثلثي الألف.

وقال ابن القاسم، وعبد الملك: ليس له فيما يصاب به من العين الصحيحة إلا على حساب خمس مئة، ذهبت كلها أو بعضها ما دام في الأخرى بصر، وإذا لم يبق في الواحدة بصر فما ذهب من الثانية فعلى حساب ألف دينار. قال عبد الملك: ولو بني ذلك على القياس حتى يجعل في الأخرى ثلث الألف لخرج ذلك إلى خلاف الحق. قال سحنون في المجموعة: وناقض أشهب في هذا أصحابه بقوله: إذا أصيب بقية المصابة والأخرى صحيحة أن له تمام ديتها مئتان وخمسون. قالوا: وإن كان يلزمه أن يجعل فيها ثلث الألف كما حكم في الصحيحة بثلثي الدية، وأحسن ذلك أن يكون في الصحيحة خمس مئة، لأنه بقي له نصف عين، ثم إن يكن في الصحيحة خمس مئة؛ لأنه بقي له نصف عين، ثم إن أصيب هذا النصف عين فله في قولهم أجمع خمس مئة دينار نصف دية عين الأعور.

[الباب السادس] فيمن يضرب فيدعي ذهاب بصره أو سمعه أو بعض ذلك

[الباب السادس] فيمن يضرب فيدعي ذهاب بصره أو سمعه أو بعض ذلك [28 - فصل: كيفية اختبار بصر أو سمع من ضرب فأدعى تأثره بذلك] قال مالك رحمه الله: ومن أصيب إحدى عينيه فنقص بصرها، غلفت له الصحيحة، ثم جعل له بيضة أو شيء في مكان يختبر به منتهى السقيمة، فإذا رآها حولت إلى موضع آخر؛ فأن تساوت الأماكن أو تقاربت صدق، وقيست الصحيحة ثم أعطى بقدر ما انتقضت المصابة من الصحيحة، والسمع مثله يختبر بالأمكنة أيضا حتى يعرف صدقه. محمد: [206/أ] قال ابن القاسم وأشهب عن مالك: ويحلف

على ذلك. قال أشهب وابن نافع: وإن اختلف قوله ل يصدق. قال أشهب: ولا تبالي بأي عين بدأت. قال: وإذا اختلف قوله بأمر بين؛ لم يكن له شيء. قال أصبغ: وهذا قول مالك وأصحابه. وقال عيسى بن دينار: إذا اختلف قوله؛ عقل له الأقل مع يمينه. قال ابن القاسم في المدونة: وإن ادعى المضروب أن جميع سمعه أو بصره قد ذهب اختبر، إن قدر على ذلك، بما وصفنا. قال في كتاب محمد: يختبر بالإشارة في البصر، والصوت في السمع، ويغتفل مرة بعد مرة. قال في الكتابين: فإن لم يقدر على اختباره على حقيقته وأشكل أمره؛ صدق المضروب مع يمينه، وقاله مالك، وقال: الظالم لم أحق أن يحمل

عليه. محمد: وقال أشهب: وروى ما ذكرنا من اختبار البصر بالبيضة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقاله عطاء، وابن شهاب رضي الله عنهما. قال أشهب: وكذلك لو أدعى أنه نقص بصر عينيه جميعا، أو أذنيه، فإنه يقاس بالبيضة في البصر، والصوت في السمع، كما وصفنا؛ فإذا اتفق قوله أو تقارب، قيس له بصر رجل وسط مثله، فيحسب منتهى بصر ذلك الرجل، وسمعه، ثم يعتبر ما نقص من ذلك المضروب ثلثاً أو ربعاً، أو نصفا أو ما كان فيعطي بقدر ما نقص من سمعه وبصره بعد يمينه على ما ادعى، والظالم أحق بالحمل عليه، ولم يذكر ابن وهب عنه اليمين.

[الباب السابع] فيمن جرح رجلا عمدا أو خطأ فترامي الجرح إلى أكثر من ذلك

[الباب السابع] فيمن جرح رجلاً عمداً أو خطأ فترامي الجرح إلى أكثر من ذلك قال مالك رحمه الله: ومن شج رجلاً موضحة خطأ فذهب من ذلك سمعه عقله؛ فعلى عاقلته ديتان، ودية الموضحة؛ لأنها ضربة واحدة. قال ابن القاسم: وكما لو شجه موضحة ومأمولة في ضربة فعقلهما على العاقلة، وأما لو شجه موضحة ومأمومة في ضربة عمداً لاقتص منه امن الموضحة، وحملت العاقلة المأمومة.

[29 - فصل: في الجاني يقتص منه فإن ماثل وإلا فالعقل في الزائد] قال: وإن ضربه موضحة عمداً فذهب منها سمعه وعقله؛ فإنه يقاد من الموضحة بعد البرء، ثم ينظر إلى المقتص منه، فإن برأ ولم يذهب سمعه وعقله من ذلك كان في ماله عقل سمع الأول وعقله، وقد يجتمع في ضربة واحدة قصاص وعقل. محمد: وقال أشهب: إذا برأ المقتص منه ولم يذهب سمعه [206/ب] عقله؛ كان عقل ذلك على العاقلة. قلت لمحمد: كيف يكون ذلك على العاقلة، وقد أخبرتني أن ابن القاسم وأشهب قالا فيمن ضرب يد رجل عمداً فشلت: أنه يقتص من الضارب فإن شلت يده وإلا كانت دية اليد في مال الضارب؟ قال محمد: أما ابن القاسم، وعبد الملك، وأصبغ، فيجعلون ذلك كله في ماله، ترامى الجرح إلى زيادة فيه، أو ذهاب عضو غيره؛ لأن العمد جر ذلك كله. أما أشهب فيقول: كل جرح ترامى إلى زيادة لم يخرج إلى شيء غيره مما لو كان خطأ لم يكن له دية الجرحين إنما له دية الأكثر فذلك في العمد في

ماله؛ مثل أن يجرحه موضحة فتعود مأمومة، فعقل المأمومة فقط في الخطأ على العاقلة، وفي العمد في ماله، وقاله مالك أصحابه في هذا. قال أشهب: وأما كل جرح ترامى حتى ذهب غيره فكان فيه في الخطأ دية الجرحين؛ مثل أن يوضحه فيذهب بصره أو سمعه، فذلك في العمد يكون ترامى إليه على العاقلة، يتقص من الجرح الأول إن كان مما فيه القصاص، جعل ذلك من العمد الذي لا يقدر على القصاص منه، وهو في الجاني قائم. قال محمد: وأحب إلينا أن يكون ذلك كله في ماله؛ لأنه مما جره العمد، لو كان ذلك كالخطأ لكان إن ترامى ذلك إلى النفس أن يكون فيه الدية على العاقلة، وهذا لم يقل به أحد من العلماء بل فيه القصاص؛ لأن أصله كان عمداً، قد قال ذلك أشهب ولم يقدر يخالف فيه، ولكان أيضا من جرح يد رجل عمداً فشلت، فاقتص من الجارح فلم تشل يده أن يكون عقل المجروح الأول على العاقلة، وقد قال أشهب مع

أصحابه/: أنه في مال الجاني، فهذا كله في نوع واحد، والله عز وجل نسأله التوفيق. م: وقال أشهب في المجموعة كقول ابن القاسم، عبد الملك، أن ذلك كله في مال الجاني ولا شيء على العاقلة، قاله: في إذا أوضحه فذهب من ذلك سمعه عقله. قال في المدونة: ولو قطع إصبع رجل عمداً فشلت من ذلك يده أو أصبع أخرى؛ اقتص من الجاني في الأصبع، ويستأني به فإن برأ ولم تشل يده، عقل ذلك في ماله. قال مالك: وهذا أحب ما في ذلك إلى من الاختلاف. وإن ضرب [207/أ] رجلا خطأ فقطع كفه فشل الساعد، فعلى عاقلته دية اليد لا غير؛ لأنه ضربة واحدة.

30 - فصل [في جراح العمد تنتشر إلى النفس، والفرق بين التنامي إلى النفس والتنامي إلى العضو] ومن المجموعة/ نحوه في كتاب محمد، قال مالك في جراح العمد تنتشر فيعظم الجرح: فليس عليه قود إلا مثل ما أصاب، وليس عليه فيما انتشر إليه قود وإنما فيه العقل إلا أن ينتهي إلى النفس؛ فيقتل به بقسامة. قال ابن الماجشون: والفرق بين التنامي إلى النفس وبين التنامي إلى ما يزيد من الجرح إلى عضو: أن النفس لا بعض فيها للقود والجرح فيه للقود بعض، فليجعل الجديد موضعا جعله الأول. م: يريد: ثم يعقل له ما تنامي إليه الجرح.

وقال في كتاب ابن المواز: الفرق بين تنامي الجرح إلى النفس فيقتص منه، ولا يقتص فيما تنامي إلى غير النفس، أنه إذا بلغ إلى النفس، كان القصاص بالنفس، فسقط كل جرح لهذا أو لغيره؛ لأن الجرح عاد نفسا ألا ترى أن الجارح لو قطع يدي رجل ورجليه، وفقاً عينيه، ثم ضرب عنقه بعد الجراح؛ لاقتص منه بالقتل وسقطت عنه الجراح. وكذلك لو كان إنما فعل بغير هذا، ثم قتل هذا لكان القصاص بالقتل يسقط كل جرح لهذا أو لغيره؛ فإذا قطع يده خطأ ثم مات مكانه، فدية نفسه على العاقلة فقط، وسقطت دية يده، إن كان ذلك عمداً اقتص منه بالقتل فقط. م: يريد: فلما كان القتل يسقط كل جرح قبله صار لا حكم للجراح الأولى معه، ولما كان الجرح لا يسقط ما تقدمه من الجراح التي موضعها في الجارح قائم، وجب أن يكون حكم الجرح الأول باق، فإذا تنامى إلى

جرح أكثر منه اقتص من الجارح الأول، فإن تنامي إلى ما تنامي إليه جرح الأول فأكثر مضي ذلك، وإن لم يتنام إلى غيره؛ كان له فضل عقل الثاني على الأول. [31 - فصل: في الموضحة تتنامى منقله، أو تذهب منها العيم، والملطا والباضعة والدامية تتنامى موضحة] محمد: وقال مالك مرة: إذا شجه موضحة عمداً ليس فيها هشم فتنقلت على الدواء حتى صارت منقلة؛ أرى أن يستقاد من الجارح موضحة، فإن انتقلت بالمستقاد منه أو زادت أو مات فذلك بذلك وإن لم ينتقل كان له بقية دية المنقلة، وهو ما بين المنقلة والموضحة، وذلك عشر فرائض، ومن الذهب مئة دينار. قال مالك: وكذلك [207/ب] لو شجه ملطا فصارت موضحة؛ أقيد أيضا منه ملطا، فإن صارت موضحة إلا عقل له ما بقي.

قال محمد: وقال مالك أيضا في الموضحة وحدها إذا آلت إلى منقلة: أنه يؤخذ من الجارح عقل المنقلة، وإن كان عمداً، ولا يقتص منه بشيء، وقال: أخاف أن يكون كانت منقلة من أول، والبطء لا يأتي منه نقل العظام لولا أن الضربة هشمت العظم. قال ابن القاسم وهو أحب إلى، إليه رجع مالك، وليس هكذا ما سواه من الجراح. قال مالك: ولو شجة موضحة خطأ فصارت منقلة، كان فيها عقل المنقلة، وكذلك لو شجه ملطا، أو باضعة أو دامية، فانتشرت حتى صارت موضحة؛ كان في ذلك عقل الموضحة فقط، وهو الأكثر. قال أشهب: ول استغررت الموضحة حتى ذهب من ذلك العين لأعطى العقلين عقل الموضحة مع عقل العين. قال محمد/ ولا يشبه هذا الشجاج؛ لأن هذا جرح آل إلى جرحين

مفترقين، فلذلك أعطاه مالك الديتين، دية الموضحة ودية العين. فأما الموضحة إذا صارت منقلة فهو جرح واحد في موضع واحد، فليس فيه إلى عقل واحد، وهو الأكثر الذي ترامى إليه، هذا كله في الخطأ. وقد فسرت لك قول مالك في العمد: أنه لا يقتص إلا من الجرح الأول، إن كان مما يستقاد منه ثم يكون فيما ترامى إليه فضل ديته على الأول إلا أن يترامى جرح المستقاد من أيضا إلى مثله أو أكثر، وهذا كله قول مالك وأصحابه إلا ما بينا من اختلاف قول مالك في الموضحة تعود منقلة.

[الباب الثامن] في الصلح عن الدم، وجناية النائم ومن جنى ما لا تحمله العاقلة

[الباب الثامن] في الصلح عن الدم، وجناية النائم ومن جنى ما لا تحمله العاقلة [32 - فصل: في الصلح عن الدم في العمد الخطأ] قال مالك: وقاتل العمد إذا صولح على أكثر من الدية فذلك جائز؛ كان من أهل الإبل أو غيرهم لأنه إنما فدى نفسه فما تراضوا به جاز. قال: وإذا قبلت دية العمد مبهمة فهي في مال القاتل مربعة، ولا شيء على العاقلة. ومن جني خطأ وهو من أهل الإبل، فصالح الأولياء عاقتله على أكثر من ألف دينار؛ فذلك جائز إن عجلوها، فإن تأخر لم يجز؛ لأنه دين بدين. ولو جني عمدا فصولح الجاني على مال إلى أجل جاز ذلك؛ لأن هذا دم [208/أ] وليس بمال. ولو صالح الجاني على العاقلة، والجناية خطأ مما تحملها العاقلة،

فقالت العاقلة: لا نرضى بصلحه ولكنا نحمل ما علينا من الدية؛ فذلك لهم. 33 - فصل [فيما أصاب النائم والنائمة] وما أصاب النائم من شيء يبلغ به ثلث الدية؛ فهو على عاقلته. وقال مالك في امرأة نامت على ولدها فقتلته: إن ديته على عاقلتها وتعتق رقبة. 34 - فصل [في جناية من كان من أهل الإبل، ومقدار دية الإصبع منها] قال مالك: ومن جني من أهل الإبل ما لا تحمله العاقلة؛ فذلك في ماله من الإبل فإن قطع أصبع رجل خطأ؛ كان في ماله ابنتا مخاض، وابنتا لبون وابنا لبون، وحقتان، وجذعتان وكذلك لو جني ما هو أقل من بعير؛ كان ذلك عليه في الإبل.

[الباب التاسع] في القسامة، وما يوجبها من شهادة، إقرار، أو تهمة

[الباب التاسع] في القسامة، وما يوجبها من شهادة، إقرار، أو تهمة. [35 - فصل: في العمل بالقسامة] محمد: قال أشهب: والقسامة سنة لا رأى لأحد فيها، و (كانت

في الجاهلية فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام

قال غيره: وكذلك قال ابن شهاب لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. قال مالك: وما ذكر الله عز وجل من شأن البقرة التي ضرب القتيل

بلحمها فحيي، وأخبر من قتله؛ دليل أنه يقسم مع قول الميت. قال أبو محمد: فإن قيل: إن ذلك آية؟ قيل: إنما الآية حياته، فإذا صار حيا لم يكن كلامه آية وقد قبل قوله فيه. و (سن الرسول عليه السلام الإيمان في القسامة) قال ابن المواز: فإن قيل: قد يدعي على عدوه؟

قيل: فالعدواة مزيدة في الظنة واللطخ ومما يقوي قوله مع الأيمان. قال غيره: و (لم يدع النبي صلى الله عليه وسلم الحارثيين إلى الإيمان حتى ادعوا على اليهود القتل)، بينهم يومئذ عدواة ظاهرة، وأمر قوي به دعواهم. قال غيره: وقد فرق الله عز وجل بين حكم الدماء وغيرهم تعظيما للدماء، فجعل الدية على من لم يجن. وغيرنا يحكم بالدية مع القسامة في القتيل يوجد في المحلة فأخرجوا

ذلك عن سائر الحقوق، فهي مع قول الميت أو الشاهد العدل أولى. 36 - فصل [فيما يوجب القسامة من قول الميت أو لوث، وما يكون لوثا وما لا يكون] قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا، وما أدركت الناس عليه؛ أن القسامة لا تجب إلا بأحد أمرين: إما أن يقول الميت: دمي عند فلان، أو يأتي ولاته [208/ب] من بينة وإن لم تكن قاطعة. واختلف في المدونة: هو الشاهد العدل الذي يرى أنه حاضر الأمر، ولا يقسم مع شهادة المسخوط، ولا النساء، ولا العبيد، ولا الصبيان، قال: وإنما يقسم مع الشاهد العدل. وبه أخذ ابن القاسم، وابن وهب، وابن عبد الحكم.

محمد: وروى عنه أشهب: أن اللوث الشاهد وإن لم يكن عدلا. قيل له: أفترى شهادة المرأة من ذلك؟. قال: نعم، وليس شهادة العبد من ذلك. وبهذا أخذ أشهب وأما شهادة العبد، والصبي، والذمي؛ فلم يختلف فيه قول مالك وأصحابه: أنه ليس بلوث. قال ابن عبد الحكم: ولا شهادة للنساء في قتل عمد، ولا يكون لطخا. محمد: يريد: في امرأة واحدة، وأما امرأتان فيقسم مع شهاتهما إن كانتا عدلتين، ويقتل بذلك، قاله ابن القاسم. قال ابن الحكم عبد الحكم: ويوجب القسامة ما يدل على قتل القاتل بأمر

بين؛ مثل أن يرى يجره ميتاً، أو يرى خارجاً ملطخا بالدم من منزل يوجد فيه القتيل وليس معه غيره ومثل أن يعدو عليه في سوق عامر فيقتله فيشهد بذلك من حضره. يريد: وإن لم يعرفوا، فإن تظاهر ذلك كاللوث تكون معه القسامة، قاله من أرضي. وقال ابن حبيب: وروى ابن وهب عن مالك: أن شهادة النساء لوث؛ ومثل أن يرى المتهم بحذاء المقتول وقربه، ولم يره حين أصابه. وقال ربيعة، ويحيى بن سعيد: إن شهادة المرأة لطخ توجب القسامة،

قالا: وكذلك شهادة العبيد، والصبيان، واليهود، والنصارى، والمجوس، إذا حضروا قتلاً فجأة، أو لضرب أو لجرح فذلك يوجب القسامة. قال في المجموعة/ هذا لا يقوله مالك ولا أحد من أصحابه. قال ابن حبيب: قال مطرف عن مالك/ ومن اللوث الذي تكون به القسامة؛ اللفيف من السواد، والنساء والصبيان، وغير المعدول، يحضرون ذلك. ومن روى عنه: أن اللوث الشاهد العدل فقد وهم، وإنما كان يسأل: هل الشاهد العدل لوث؟ فيقول: نعم، واللوث مثل ما أخبرتك، وقد حكم به عندنا. [209/أ] وقال ابن الماجشون، وأصبغ مثل قول مطرف. قال ابن المواز: إن شهد عدل أنه قتله غيلة لم يقسم مع شهادته.

ولا يقتل هاهنا إلا بشاهدين. قال أبو محمد: ورأيت ليحيى بن عمر: أنه يقسم معه. قال ابن المواز: إنما يقسم مع شهادة الواحد على معاينة القتل، بعد أن تثبت معاينة جسد القتيل، فيشهدون على موته، ويجهلون قاتله؛ كما عرف موت عبد الله بن سهل. وكذلك لو شهد امرأتان ورجل على قتله، ولم يعرف موته؛ فلا قسامة فيه إلا أنه يحبس المشهود عليه ولا يعجل بتخليته، فعسى أن يأتي بشاهد آخر، ويثبت موت الميت. يريد: برجلين. قال ابن الماجشون/ لأن القتل يفوت والجسد لا يفوت.

37 - فصل [في شهادة المحدود في قذف، وشهادة النساء، وشهادة الواحد على قتل الخطأ أو الإقرار به] قال في المدونة: وإذا حسنت حال المحدود في القذف جازت شهادته في الدم وغيرهن وتجوز شهادة النساء في جراح الخطأ، وقتل الخطأ؛ لأن ذلك مال، وإن شهدت على رجل على منقلة أو مأمومة عمدا، جازت شهادتهن؛ لأن العمد والخطأ فيهما إنما هو مال ليس فيه قود. قال مالك: وإذا شهد شاهد على رجل أنه قتل فلانا خطأ؛ فليقسم أولياء القتيل، ويستحقون الدية على العاقلة، ولو شهد رجل على رجل أنه قتل فلانا خطأ، وشهد آخر على إقرار القاتل؛ فلا يجب على العاقلة بذلك شيء إلا بالقسامة. قال أشهب: ويقسمون مع الشاهد على علم القتل. قال ابن القاسم: وإن شهد شاهد على إقرارا القاتل أنه قتله خطأ؛ فلا يثبت ذلك من إقراراه إلا بشاهدين، فيقسمون حينئذ معهما ويستحقون. يريد: إذا لم يعرف منه نكر. قال أشهب: وإذا أنكر القاتل قول الشاهد لم تجز الشهادة، وهو

كشاهد شهدوا على شهادته وهو ينكرها. قال ابن القاسم/ وذلك بخلاف من أقام شاهدا على إقرار رجل بدين؛ هذا يحلف مع شاهده ويستحق. [38 - فصل: الخلاف في وجوب القاسمة بشهادة رجل على قول المقتول: إن فلانا قتله] قال ابن المواز: وإن شهد شاهد على قول المقتول إن فلاناً قتله؛ فقال عبد الملك: [209/ب] إنه يقسم مع شهادته، وقال ابن عبد الحكم وغيره: لا يجوز على قول المقتول إلا شاهدان، وقاله ابن القاسم في العتيبة قال: لأن الميت كشاهد فلا يثبت قوله إلا بشاهدين، وبه قال ابن المواز: قال: وإنما تكون القسامة حيث يكون اليمين مع الشاهد. ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو قال المقتول: دمي عند فلان، وشهد شاهد أنه قتله لم يحتزأ بذلك ولابد من القسامة.

[الباب العاشر] فيمن قال: دمي عند فلان واختلاف الأولياء في صفته قتله، ويمينهم، ونكولهم في ذلك

[الباب العاشر] فيمن قال: دمي عند فلان واختلاف الأولياء في صفته قتله، ويمينهم، ونكولهم في ذلك [39 - فصل: هل التدمية لوث] قال مالك رحمه الله: وإذا قال المقتول: دمي عند فلان قتلني عمدا، أو قال: خطأ؛ فولاته أن يقسموا ويقتلوا في العمد، ويأخذوا الدية في الخطأ من العاقلة. ابن القاسم: وليس للورثة أن يقسموا على خلاف ما قال المقتول. [40 - فصل: في اختلاف الأولياء في صفة القتل، ويمينهم، ونكولهم في ذلك، ورد اليمين على المدعى عليهم، واشتراك الجاني في القسامة، ونكوله، وحبسه] قال أشهب في غير المدونة: إن قال المقتول: قتلني خطأ، وقال ولاته: بل عمداً؛ فقد أبطلوا ما وجب لهم من ديته، ولا سبيل لهم إلى القتل بقولهم، وإن

قال هو: عمداً، وقالوا هم: خطأ، فقد أبطلوا القود، ولا شيء لهم من الدية. قال ابن القاسم في المدونة: وإن قال: قتلني، ولم يقل عمداً ولا خطأ؛ فما ادعى ولاة الدم من عمد أو خطأ أقسموا عليه واستحقوه. وإن قال بعضهم: عمداً، وقال بعضهم: خطأ، فإن حلفوا كلهم استحقوا دية الخطأ بينهم أجمعين، ولا سبيل إلى القتل وإن نكل مدعوا الخطأ، فليس لمدعي العمد أن يقسموا ولا دم لهم، ولا دية. قال مالك: وإن قال بعضهم عمداً، وقال الباقون، لا علم لنا بمن قتله، ولا نحلف، فإن دمه يبطل. وإن قال بعضهم: خطأ، وقال الباقون/ لا علم لنل، أو نكلوا عن اليمين؛ حلف مدعوا الخطأ، وأخذوا نصيبهم من الدية، ولا شيء للآخرين، ثم إن أراد الآخرون أن يحلفوا بعد نكولهم، ويأخذوا نصيبهم من

الدية، لم يكن لهم ذلك. قال مالك: وإذا نكل مدعوا الدم عن اليمين، وردوا الأيمان على المدعي عليهم، ثم أرادوا بعد ذلك أن يحلفوا؛ لم يكن لهم ذلك، وكذلك من أقام شاهدا على مال وأبي أن يحلف معه، ورد اليمين على المطلوب [210/أ] ثم بدى له أن يحلف؛ فليس له ذلك، فإن نكل المطلوب هاهنا غرم، ولا يرد اليمين على الطالب؛ لأنه هو ردها، فإن لم يكن للمقتول إلا وارث واحد فاجعى الخطأ؛ فليحلف خمسين يمينا، ويستحق الدية كلها، وإن ادعى العمد؛ لم يقتل المدعي عليه إلا بقسامة رجلين فصاعدا فإن حلف معه آخر من ولاة الدم وإن لم يكن مثله في القعدد؛ قتلوا، وإلا ردت الإيمان على المدعي عليه؛ فإذا حلف خمسين يمينا برأ، وإن نكل حبس حتى يحلف، وكذلك من أقام شاهداً على جرح عمداً؛ فليحلف ويقتص، فإن نكل قيل للجارح: احلف وابرأ، فإن نكل حبس حتى يحلف.

قال مالك: والمتهم بالدم إذا ردت اليمين عليه لا يبرأ حتى يحلف خمسين يميناً، ويحبس حتى يحلفها. م: قال بعض أصحابنا: وإذا ادعى القاتل أن ولي الدم عفى عنه فطالبه باليمين فنكل عنها؛ فليلحف القاتل يمينا واحدة لا خمسين يمينا، لأنها اليمين التي ردت عليه؛ ولأنه تناغ في عفو يجري الحكم فيه كسائر التداعي، بخلاف نكول الورثة عن القسامة فيردوها على المدعي عليه؛ هذا يحلف اليمين التي ردت عليه خمسين يمينا. ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا ردت الأيمان على أولياء القاتل لنكول أو لفقد من يحلف أنه إ حلف أولياء القاتل خمسون منهم خمسين يمينا، فإن لم يكن له إلا اثنان حلفوا خمسين يمينا دون القاتل، وبرأ المدعي عليه، ولا يحلف هو معهم، وليس يجبرون على

الأيمان إلا أن يطوعوا لصاحبهم، فإن قالوا: نحلف بعضها، ويحلف المدعي عليه بعضها، لم يجز ذلك، ولابد أن يحلف من ولاته رجلان فأكثر، فإن لم يجد إلا رجلا واحداً لم يجز أن يحلف المدعي عليه معه؛ لأنه إذا حلف المدعي عليه لم يبرئه إلا خمسون يمينا، يحلفها كلها وحده. قال مالك: فإن نكل حبس أبداً حتى يحلف. وقال عبد الملك: يحلف فيها المدعي عليه، ومن استعان به من عصبته، ويتساوون في الأيمان وإن شاء حلف هو الأكثر، [210/ب] ويحلفون هم أقل منه، فإن لم يجد حلف هو وحده. قال محمد: وقول ابن القاسم أشبه بما قال مالك في موطأه.

[41 - فصل: إذا ردت الأيمان على المدعي عليه في التدمية وكانت القسامة بجراحه أو بقوله قبل الموت] قال محمد: وإذا وجبت القسامة بقول الميت، أو بشاهد على القتل فردت الأيمان على المدعي عليه، فإنه يحلف هو أو ولاته أنه ما قتله، فإن نكل هاهنا حبس حتى يحلف، وإن أقر قتل. هذا قول مالك وأصحابه. وأما إن كانت القسامة بضرب أو بجرح ثم مات بعد ذلك:- فقال ابن القاسم، وعبد الملك: يحلف ما من ضربي ولا من جرحي مات، فإن نكل حبس حتى يحلف، وإن حلف ضرب مئة وحبس سنة، وإن لم يحلف واعترف أن من ضربه مات، لم أقتله ولابد أن يحلف. وقال أشهب، وابن عبد الحكم، وأصبغ: لا يحلف في هذا، وهذا غموس وهو أحب إلينا، وإن كان المدعون يباح لهم اليمين فيما لم

يحضروا، فإن ذلك لا يشبه يمين المدعي عليه؛ لأن نكول المدعي يبطل به الدم، وترد لهم الأيمان على المدعي عليهم، فإن نكلوا لم يحكم عليهم بنكولهم، وكيف يحلفون يمينا، وهو لو أقروا أو نكلوا لم يؤخذوا بذلك.

[42 - فصل: في عدم القسامة في الجراح] ومن المدونة قال ابن القاسم/ وليس في شيء من الجراح قسامة، ولكن من أقام شاهداً عدلاً على جرح عمداً أو خطأ، فليحلف معه يمينا واحدة، ويقتص في العمد، ويأخذ العقل في الخطأ، وإنما يحلف خمسين يمينا في النفس لا في الجراح. قيل لابن القاسم: قال ذلك مالك في جراح العمد، وليست بمال؟ فقال: كلمت مالكاً في ذلك فقال: إنه لشيء استحسناه، وما سمعت فيه بشيء. قال أشهب: كما يقسم مع شاهد واحد في النفس، كذلك يقتص معه بيمين واحدة في الجراح إذ لا قسامة فيها، وقاله غير واحد من أهل العلم.

[الباب الحادي عشر] في أيمان القسامة، ومن يحلفها، ومن نكل عنها أو عفا، وكيف إن كان في الأولياء صغير، أو غائب، أو مجنون

[الباب الحادي عشر] في أيمان القسامة، ومن يحلفها، ومن نكل عنها أو عفا، وكيف إن كان في الأولياء صغير، أو غائب، أو مجنون [43 - فصل: فيمن يبدأ بحلف أيمان القسامة] قال مالك في غير كتاب: السنة التي لا اختلاف فيها عندنا، وما أجمعت عليه الأمة في القديم والحديث: أن يبدأ المدعون للدم في القسامة، و (كذلك فعل الرسول عليه [211/أ] السلام في الحارثيين)، فإن حلفوا استحقوا الدم. والفرق بين ذلك وبين سائر الحقوق: أنك تقدر في غير الدم أن تستثبت والدماء إنما يترصد بها الخلوات، فلو فعل فيها كغيرها لاجترأ الناس عليها.

وقد روى ابن وهب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده

(أن النبي صلى الله عليه وسلم: بدأ المدعين في العمد والخطأ خمسين يميناً) [44 - فصل: الذين يقسمون في العمد وأقل ما يقبل فيه] قال مالك رحمه الله: الأمر المجتمع عليه: أنه لا يقسم في دم العمد أقل من رجلين. قال ابن القاسم: ولا أراه أخذه إلا من قبل الشهادة؛ إذ لا يقتل أحد إلا بشاهدين. قال أشهب: وقد جعل الله تعالى مكان شهادة رجل في الزنى يمينا من الزوج في لعانه.

وقال عبد الملك: ألا ترى أنه لا يحلف النساء في العمد إذا لا يشهدون فيه، وإنما (عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جماعة) والجماعة اثنين فصاعدا. [45 - فصل: صيغة اليمين في القسامة] قال في المدونة: ويحلف الورثة في القسامة بالله الذي لا إله إلا هو أن فلانا قتله، لو لهو ضربه، ومن ضربه مات إن كان حيي، ولا يزاد في أيمانهم "الرحمن الرحيم" وكذلك سائر الأيمان. قال أبو محمد: المغيرة يزيد: الرحمن الرحيم، ولم يره مالك. محمد: قال أشهب: فإن قال: والذي لا إله إلا هو، أو قال: والله فقط، فلا يقبل حتى يقول: والله الذي لا إله إلا هو لهو ضربه ومن ضربه مات. وقال عبد الملك: يحلف والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب.

والشهادة لقد مات من الذي شهد عليه به فلان وفلان، يردده هكذا. قال أشهب: قال مالك: لم يستحلف بهذا في القسامة إلا قريبا، ولا أرى ذلك، وهو من أيمان الأعراب. [46 - فصل: في أيمان القسامة هل هي على البت أو على العلم؟ ومواطن الحلف، ووقته] قال في المدونة وغيرها: ويمين القسامة على البت وإن كان أحدهم أعمى أو غائبا حين القتل، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم من لم يحضر القتل إلى اليمين، والصبي يحلف إذا كبر في دين أبيه مع شاهده، كما يجوز له أن يدعي بالخبر الصادق. قال أشهب: ولو لم يجز على البت لم يجز على العلم؛ لأنه إذا لم يعلم لم يجز أن يقول: علمي، ولكن يحلف في القسامة ومع الشاهد، كما

جاءت السنة، ويسلم لذلك. قال مالك: ويحلفون في المدينة عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم [211/ب] وفي غيرها في المسجد الجامع، ويحلفون قياماً دبر الصلوات وعلى رؤس الناس. قال مالك: ويجل من بأغراض المدينة، ومكة وبيت المقدس إليها، وإن كانوا على عشرة أيام، ولا يجلب إلى غيرها من البلدان إلا من مثل عشرة أميال. [47 - فصل: في عدد من يحلف في القسامة، وقسمة الأيمان فيها، وكيف إن كان للمقتول جد وأخوة، أو ابن وعشيرة، وفي استعانة الولي ببعض عصبته] قال مالك: فإن كان في الولاة خمسون رجلا حلف كل رجل يميناً، فإن لم يكونوا ردت عليهم الأيمان.

أشهب: وإن كانوا أكثر من خمسين وهم في القعدد سواء؛ فليس عليهم أن يحلف منهم إلا خمسون رجلاً، قال: لأن من لم يقسم فوق الخمسين لم يعد ذلك نكولا. قال أشهب وعبد الملك: وليس لهم أن يحلف اثنان منهم خمسين يميناً. قال عبد الملك: فإن أبوا إلا ذلك لم يجزهم وهو كالنكول حين لم تتم خمسين يمينا من كل رجل يمين. قال أشهب: فإن كانوا أربعين حلفوا يميناً يميناً، ثم قيل لهم: ليحلف بقية الأيمان منكم من شئتم إلا أن يكونوا خمسة وعشرين فيحلفون يمينين يمينين. محمد: وقال ابن القاسم: يجزئ أن يحلف من أولياء المقتول وإن كثروا رجلان، وذلك عندي إذا تطاوعوا، ولم يترك باقيهم اليمين نكولا، وهذا أحسن من قول أشهب وكما يحلف الخمسون عن من

بقي، والكبير عن الصغير، وكذلك يحلف اثنان عن بقيتهم. قلت: فإن كان للمقتول جد واخوة، كيف تقع القسامة عليهم؟ قال: أما ابن القاسم فقال: يقسم الجد مع الأخوة على قدر حقه معهم في الميراث، ويقسم الأخوة على قدر حقوقهم معه في دم العمد والخطأ. وهذا من ابن القاسم إذا تشاحوا في قسامة العمد. وقال أشهب: إنما يكلف الجد أن يحلف على قدر حقه في الخطأ، وأما في العمد فأيمان العصبة فيه على قدر العدد. ومن المجموعة قال ابن القاسم: فإن كان له ابن وعشيرة وهو من العرب، فإنه يقسم مع الابن من قرابته من هو معروف، وينتهي معه إلى جد يوارثه، وأما من هو من العشيرة هكذا بغير نسب معروف فلا يقسم كان للمقتول ولد أو لم يكن.

قال عبد الملك: ويستعين الولي من عصبته بمن شاء إلى منتهى خمسين رجلا، ولو حلف أحد الوليين ثم أصاب الآخر من يعينه فذلك له، وإن حلف الذي أعين مع من أعانه لم يكن على [212/أ] الثاني إلا شطر ما بقي بعد طرح أيمان المعينين له، ولم يحسب للحالف ما حلف عنه ويزاد عليه إلى مبلغ ذلك، وليس لأحد الوليين أني يحلف أكثر من خمسة وعشرين يمينا، كما لا يحلف رجل وحده في القسامة. [48 - فصل: فيمن نكل عن القسامة أو أكذب نفسه] قال في المدونة: وإن نكل واحد من ولاة الدم الذين يجوز عفوهم إن عفو فلا سبيل إلى القتل، كانوا اثنين أو أكثر. قال محمد: فرق مالك بين نكول الأولياء عن القسامة؛ قبل القسامة، وبعد أن تحلف جماعتهم، فقال: إن نكل منهم من له العفو قبل

القسامة؛ فلا قسامة لبقيتهم، ولا دم، ولا دية، ويحلف المدعي عليه خمسين يمينا إن لم يجد من عصبته من يحلف معه، ويضرب معه، ويضرب مئة ويحبس سنة، وإن نكل بعد يمين جماعتهم؛ لم يسقط حظ من بقي من الدية، ويكون هذا كعفوه، وقاله أصحابه المدنبون والمصريون إلا أشهب فقال: ذلك سواء، نكل قبل القسامة أو بعدها، ولمن بقي حظه من الدية إذا حلف خمسين يميناً، ورواه عن مالك. وقال أشهب: وعلى العاقلة الدية، وتسقط حصة الذي أكذب نفسه، وإن كان ممن لا يجوز عفوه لم ينظر إليه، وقتل الذين أقسموا إن شاؤا. وقال في باب بعد هذا: وإذا حلف الورثة في قسامة العمد وهم رجال عدد ثم أكذب نفسه واحد منهم قبل القتل؛ فلا سبيل إلى القتل إذا كان ممن لو أبي اليمين لم يقتل المدعى عليه.

[49 - فصل: في انتظار الصغير والغائب والمجنون إذا كانوا من أولياء الدم وكان القتل بقسامة أو بغير قسامة، وهل يجوز عليهم العفو أم لا؟] قال مالك: وإذا كان للمقتول ولد صغار لم ينتظر بلوغهم، ونظر لهم وليهم في القتل، أو أخذ الدية، وليس له أن يعفوا عن القتل والدية. قال أشهب في غير في غير المدونة: فإن لم يكن لهم وصي جعل السلطان لهم ناظراً، وله أن يأخذ في العمد أقل من الدية؛ لأنه كبيع من البيوع وأولى بالتجاوز فيه. قال سحنون وأشهب يقول: إن طلبت من القاتل الدية؛ فذلك يلزمه، فكيف يجوز للوصي أن ينقص منها، والصبي لو بلغ كان له أن يلزمه إياها. ومن المدونة: وإذا كان للمقتول أولاد صغار، والقتل بقسامة فللأولياء المقتول تعجيل القتل، ولا ينتظر أن يكبر أولاده فيبطل الدم، وإن عفوا

[212/ب] لم يجز عفوهم إلا على الدية لا أقل منها، وإن كان أولاد المقتول صغاراً وكباراً، فإن كان الأكابر اثنين فصاعداً؛ فلهم أن يقسموا ويقتلوا، ولا ينتظر بلوغ الصغار، فإن عفا بعضهم فللباقين منهم وللأصاغر حظهم من الدية، وإن لم يكن له إلا ولد صغير وكبير فإن وجد الكبير رجلا من ولاة الدم يحلف معه إن لم يكن ممن له العفو، حلفا خمسين يميناً، ثم للكبير أن يقتل، فإن لم يجد من يحلف معه حلف هو خمسة وعشرين يميناً واستوني بالصغير فإذا بلغ حلف أيضا خمسة وعشرين يميناً ثم استحق الدم. وإن كان القتل بغير قسامة وللمقتول ولدان أحدهما حاضر والآخر غائب، فإنما للحاضر أن يعفو فيجوز عفوه على الغائب، ويكون له حظه من الدية، وليس له أن يقتل حتى يحضر الغائب، ويحبس القاتل حتى يقدم الغائب، ولا يكفل إذ لا كفالة فيما دون النفس من القصاص، وإن كان للمقتول أولياء

صغار وكبار، فللكبار أن يقتلوا ولا ينتظروا الصغار، وليس الصغير كالغائب. الغائب يكتب إليه فيصنع في نصيبه ما أحب، والصغير يطول انتظاره فيبطل الدم، إلا البعيد الغيبة فيكون لمن حضر القتل. قال سحنون: وذلك فيمن بعد جداً، أو يئس منه كالأسير بأرض الحرب وشبهه، فأما من غاب من أفريقية إلى العراق فليس كالأول، وكذلك الصبي إن كان قد راهق وقارب فلينتظر بلوغه، وإن كان صغيراً لا يبلغ إلا إلى سنين؛ فللكبير أن يقتل، ولا أقول بقول عبد الملك: إن الصغير ينتظر.

ومن المدونة: وإن كان أحد الوليين مجنوناً مطبقاً فللآخر أن يقتل، وهذا يدل أن الصغير لا ينتظر، وإن كان في الأولياء مغمى عليه أو مبرسماً فإنه ينتظر إفاقته؛ لأن هذا مرض من الأمراض.

[الباب الثاني عشر] جامع القول في القسامة في الخطأ

[الباب الثاني عشر] جامع القول في القسامة في الخطأ [50 - فصل: في الذين يبدأون القسامة في الخطأ، والقسامة بشهادة النساء، وبقول الميت: قتلني فلان خطأ] قال مالك رحمه الله: الأمر المجتمع عليه عندنا أن المبدئين بالأيمان في الخطأ الذين يدعون الدية. قال ابن القاسم: ويقسمون مع الشاهد قال عبد الملك: ومع شهادة النساء [213/أ] وبقول الميت يجري مجرى قسامة العمد، إلا أن النساء يشهدن فيها، ولا يشهدن إلا فيمن علم الناس موته، وأما من لم يعلم موته فلا شهادة لهم فيه، ولا بشاهد واحد، ولا برجل وامرأتين، وقد تقدم هذا. قال أشهب/ وإذا قال المقتول: دمي عند فلان قتلني خطأ؛

فَلِولاته أن يقسموا ويأخذوا الدية من العاقلة، وهو أمر مجتمع عليه عند أهل المدينة؛ لأن القتل أوجب حرمة من المال، فكما يقسمون بقوله في العمد يقسمون بقوله في الخطأ. قال ابن المواز: اختلف قول مالك: في قول الميت في القسامة في الخطأ فروى عنه أصحابه: أنه يقسم إلا ان وهب فروى: أنه لا يقسم مع قوله إلا بلوث من شهادة. محمد: ولم تثبت عندنا هذه الرواية إلا في قوله: أنا قتلت فلانا خطأ، فأما في قوله: قتلني فلان خطأ أو عمدا فما علمنا فيه اختلافا من قول مالك وأصحابه كلهم، وهو قول أهل العلم. قال ابن القسام في العتبية: أخبرني من أثق به أن قول مالك قديما: لا يقسم مع قول الميت في الخطا، ثم رجع فقال: يقسم مع قوله.

قال محمد: ويبدأ ولاة المقتول في القسامة في الخطأ مثل العمد، قال: ولو اتهم في الخطأ أن يريد غنا ولده لاتهم في العمد أن يريد قتل عدوه، وقاله مالك: وقال: إن السنة عنده أن يبدأ مدعوا الدم في العمد والخطأ. [51 - فصل- في رد الأيمان على المدعي عليهم بنكول أولياء الدم أو أحدهم عن القسامة في الخطأ] قال ابن القاسم: وإذا نكل أحد من أولياء الدم عن القسامة في الخطأ فهو حق قد وجب على عاقلة المدعي عليه، وليس يبرؤهم إلا اليمين، ولو كانوا عشرة آلاف، فإن نكلوا غرموا الدية، والقاتل كرجل منهم في الغرم والإيمان. قال عنه سحنون قلت: فمن قال: دمي عند فلان قتلني خطأ، فامتنع ولاته أن يقسموا وردوا الأيمان على المدعي عليهم، فمن هؤلاء الذين يرد

عليهم: المدعى عليهم أو العاقلة؟ قال: ذلك على المدعي عليهم وعلى العاقلة؛ يحلف منهم خمسون رجلا، فإن أبوا وحلف عشرة؛ برأ العشرة، وسقط عنهم ما وقع عليهم على قدر قلة العاقلة وكثرتهم، ويكون بقية العقل على من بقي. وقال لي أيضا غير هذا: أن مالكا قال: هو مثل الحق؛ فإذا نكل أولياء الدم عن القسامة، فهو حق قد وجب على عاقلة [213/ب] المدعي عليه، فلا يبرأهم إلا اليمين، وإن كانوا عشرة آلاف فمن حلف منهم سقط عنه ما ينوبه، من نكل غرم. وقال عبد الملك: إذا قال الميت: دمي عند فلان خطأ فأبا الورثة أن يقسموا، فإن الأيمان لا ترد لهم، لأنها لا ترد على أقوام بأعيانهم، إنما هم العاقلة.

قال ابن وهب عن مالك: إذا نكل الفريقان في الخطأ؛ لم يكن على عاقلته عقل. [52 - فصل: في قسامة النساء في العمد والخطأ، وكون القسامة في الخطأ على قدر الميراث من الميت، والعمل في اليمين المنكسرة، وفي عفو الجدود والإخوة] قال في المدونة: ولا يقسم النساء في العمد، ويقسمن في الخطأ، وإنما يحلف ولاة الدم في الخطأ على قدر مواريثهم من الميت، فإن لم يدع الميت إلا ابنته بغير عصبة حلفت خمسين يمينا وأخذت نصف الدية، وإن جاءت مع العصبة حلفت خمسة وعشرين يمينا، والعصبة مثلها، فإن نكلوا لم تأخذ البنت نصف الدية حتى تحلف خمسين يمينا، ولو ترك مع ابنته ولداً غائبا، لم تأخذ البنت ثلث الدية حتى تحلف خمسين يمينا ثم إذا قدم الولد الغائب حلف ثلثي الأيمان وأخذ ثلثي الدية، وإذا انكسرت

عليهم يمين نظر من يقع عليه أكثر ذلك الكسر فيجبر عليه، فإن لزم واحد نصف اليمين، وآخر ثلث، وآخر سدس، حلفها صاحب النصف. وإن كان للمقتول أخ وجد، وأتوا بلوث من بينة وادعوا الدم عمداً أو خطأ، فليحلفا ويستحقان. فإن كانوا أخوة وجد، فعفا الجد في العمد عن القتل؛ جاز عفوه، وهو كأحدهم. وإن كانوا عشرة إخوة وجدا، حلف الجد في الخطأ ثلث الإيمان، وأخذ ثلث الدية، وحلف الإخوة ثلثي الأيمان واخذوا ثلثي الدية. قال أشهب في المجموعة: إن كان الإخوة اثنان فأكثر؛ فعليهم ثلاثة وثلاثون يمينا، وتجبر اليمين المنكسرة على الجد فيحلف سبعة عشر يمينا؛ لأنه يقع عليه أكثر الكسر. وإن كان مع الجد أخ وأختان؛ حلف الأخ نصف الثلاثة وثلاثين يميناً،

وتجبر اليمين المنكسرة على الأخ خاصة. يريد: فيحلف الجد سبعة عشر يمينا، ويحلف الأخ مثله، وتحلف كل أخت ثمانية أيمان، وإنما ذلك لأن الجد شريك لهم في جميع الأيمان، وقد وقع عليه ثلثا يمين، وعليهم هم ثلثا فجبرت عليه؛ لأن عليه أكثر الكسر، والأخ والأختان شركاء في ثلثي الأيمان، فوقع على الأخ من ذلك ستة عشر ونصف، ولكل أخت ثمانية وربع، فجبرت على الأخ؛ لأن له الأكثر. [53 - فصل: في قسامة الغائب لو حضر، وإرث القسامة، وكون المقتول مدياناُ، وهبة القتيل ديته] ومن المجموعة: [214/أ] قال عبد الملك: ولو حلف من استوعب الأيمان من ولد أو عصبة، ثم جاء آخر في درجتهم فليحلف بقدر ما يلزمه لو حضر، ويأخذ حقه منهم، وهو كغريم قدم على غرماء بعد ما أخذوا دية بالقسامة بقدر حقوقهم؛ فإنه يحلف بقدر ما لو حضر معهم، ثم يرجع على كل رجل منهم.

وإذا وجبت القسامة في الخطأ لرجل فمات، فإن لورثته من ذلك ما كان له يرثونه عنه يحلفون الأيمان التي كانت تجب عليه. وإذا أقسم ورثة المقتول وهو مديان، ولم يعلموا بالغرماء، ثم قدم الغرماء، ولهم دين محيط، أجزأهم أيمان الورثة إلا أنهم يحلفون للورثة ما قبضوا من دينهم شيئا، ولو لم يحلف الورثة وقام غرماء المقتول والدين محيط؛ فلهم أن يقسموا ويأخذوا الدية، بعد أن يحلفوا ما سقط من دينهم شيء، ولا يجوز أن يحلف الورثة عنهم؛ لأنه لا يحمل أحد عن احد يمينا في مال، وكأنه قام له شاهد بمال أخذه بيمين غيره؛ ثم إن قدم غريم حلف بقدر دينه ورجع عليهم. قال ابن القاسم: وإذا وهب القتيل ديته في الخطأ لرجل، والثلث يحملها أو أجاز له الورثة؛ فذلك الرجل يحلف في الدم دون الورثة.

[54 - فصل: في اشتراك الأب مع رجلين في قتل ابنه خطأ، وتوزيع ديته فيما لو ترك مع الأب أمه وأختيه وعصبة، وكم يقع على كل واحد من الأيمان حضروا جميعا أو مفترقين] قال مالك في غير كتاب فيمن حمل خشبة مع رجلين أعاناه فيها، فمشى ابن له صغير معهم فلما ألقوها وقعت عليه فلم يلبث إلا يسيراُ حتى مات، وشهد بذلك رجلان، قال: فإن مات في غمرته لم يتكلم؛ فالدية على عواقلهم بغير قسامة، وعلى كل رجل منهم عتق رقبة، وإن عاش شيئا من النهار ثم مات، وقامت على ذلك بينة، وقد ترك أمه وأختيه وأباه وعصبة؛ فليحلف ورثته خمسين يمينا لمات من ذلك، وتلزم الدية عواقلهم أثلاثا، فللأم سدس جميعها، وتحلف الأختان والعصبة ويأخذون بقية الثلث الذي على عاقلة الأب. م: يريد لأن الأب لا يرث، ولا يحجب في الثلث الذي يلزم عاقتله، فتأخذ الأم سدس ذلك الثلث، ويأخذ الأختان والعصبة خمسة أسداسه، ثم تأخذ الأم بقية مورثها من العاقلتين، فيكمل لها جميع السدس.

قال مالك/ ويحلف الأب [214/ب] لمات من ذلك، ويأخذ بقية الثلثين من عاقلة الرجلين. وإذا لم يأتوا كلهم، فحلفت الأختان والعصبة، يريد: والأم، قال: ثم إن جاء الأب بعد ذلك فإنه يحلف خمسين يمينا، وتقسم الدية على ستة وثلاثين سهما، للأم السدس ستة، وللأب عشرون، وللأختين ثلثا الثلث ثمانية وللعصبة سهمان. قال ابن القاسم: ويحلف الأب لمات من فعل الرجلين، ويحلف الأختان والعصبة؛ لمات من صنيع الأب، وتخلف الأم لمات من صنيعهم أجمع. وذكر ابن المواز المسألة نحو ما تقدم وزاد قال مالك: وإذا كانت في ذلك قسامة كانت الأيمان في ذلك على كل واحد بقدر ميراثه. يريد: إذا أتوا مجتمعين. قال: وإذا كان في الأيمان كسر جبرت اليمين على من عليه أكثر ذلك الكسر. م: ثم فسر محمد كم يقع على كل واحد من اليمين، فوهم

في الحساب ونقلها أبو محمد في النوادر ولم يتبين وهمه. وذلك أنه قال: يقع على كل أخت خمسة أيمان إلا ثلث، فيجبر عليها، فتحلف خمسة. قال: وعلى العصبة أربعة أيمان. م: والذي يقع على كل أخت من الأيمان خمسة أيمان وخمسة أتساع يمين، وعلى العصبة يمينا وسبعة أتساع يمين، فتجبر على العصبة، فيحلفون ثلاثة أيمان، وتحلف كل أخت خمسة أيمان وتبقى يمين تحلفها أحدة الأختين، فإن تشاحا؛ حلفت كل واحدة ستة أيمان. م: ويحتمل إذا تشاحا فيمن يحلف اليمين الباقية؛ أن يقرع بينهما فيها، ومن وقعت عليه حلفها. وبيان ذلك: أن فريضتهم تصح من ثمانية عشر سهما إذا كان العصبة واحداً، وذلك أن للأم في الثلث الذي على عاقلة الأب سدسه، وللأختين ثلثاه، وللعصبة ما بقي، ولا يرث منه الأب، ولا يحجب؛ لأنه قاتل فيه وللأم أيضا في

ثلثي الدية التي على عاقلة الرجلين سدسها، وللأب ما بقي، لأنه هاهنا يرث ويحجب. وأقل مال لثلاثة سدس ثمانية عشر، فللأم سدس الجميع ثلاثة، وللأختين ثلثي الثلث أربعة، لكل واحدة سهمان، وللعصبة ما بقي منه وهو سهم، وللأب خمسة أسداس الثلثين، وذلك عشرة [215/أ] أسهم، فيصير للأب خمسة أتساع الميراث، فعليه خمسة أتساع الأيمان، وذلك سبعة وعشرون يمينا، وسبعة أتساع يمين، فيجبر عليه فيحلف ثمانية وعشرين يمينا، وللأم من الجميع السدس، فيجب عليها سدس الأيمان، فتحلف ثمانية أيمان ويسقط عنها ثلث يمين ويجبر على غيرها ولكل أخت تسع الدية، فيجب عليها تسع الأيمان، وذلك خمسة أيمان وخمسة أتساع، فتحلف كل واحدة خمسة أيمان، ثم لابد أن يجبر على أحداهما يمين، فإن

تشاحا في ذلك حلف كل واحدة ستة أيمان، وإلا فلا شيء لها، هكذا يجب عندي فيها، والله أعلم. ويحلف العصبة إذا كان واحداً ثلاثة أيمان؛ لأن له نصف تسع الميراث، فيجب عليه نصف تسع الإيمان، وذلك يمينان وسبعة أتساع يمين، فيجبر عليه فيحلف ثلاثة أيمان، وإنما جبرنا السهم الباقي على إحدى الأختين، ولم نجبره على الأم؛ لأن كسر الأم ثلث، وكسر كل أخت خمسة أتساع فهو أكثر، فإذا طاعت إحدهما جبر عليها، وإلا جبر على كل واحدة منهما لأنهما قد تساويا، وأما الأب والعصبة فقد جبرت عليهما كسورهما. والله الموفق للصواب.

[الباب الثالث عشر] في حبس المشهود عليه في الدم، وهي يؤخذ منه كفيل، وفي القتيل يوجد في المحلة

[الباب الثالث عشر] في حبس المشهود عليه في الدم، وهي يؤخذ منه كفيل، وفي القتيل يوجد في المحلة [55 - فصل: في حبس المشهود عليه في الدم، وهل يؤخذ منه كفيل] قال ابن القاسم: وإذا شهد شاهد على دم عمد أو خطأ كانت القسامة، ولا يحبس المشهود عليه في الخطأ؛ لأن الدية إنما تجب على العاقلة، ويحبس في العمد حتى يزكي الشاهد؛ فيجب القسامة، وإن لم يزك فلا قسامة، إذ لا يقسم إلا مع الشاهد العدل، ولا يقسم مع شاهد مسخوط، وقد تقدم هذا. قال: ولا يكفل في القصاص، ولا في الحدود، وليس في قتل الخطأ حبس ولا تعزيز. 56 - فصل [في القتيل يوجد في المحلة] قال مالك: الأمر عندنا: إذا وجد قتيل في قرية قوم أو دارهم ولا يدرون من قتله؛ أن لا يؤخذ به أحد، وذلك أنه قد يقتل ويلقى على

باب قوم ليلطخوا به، ولو أخذ بهذا لم يشأ قاتل أن يقتل القتيل فيلقيه على قوم آخرين إلا فعل. قال ابن القاسم، وأشهب: وليس من اللطخ الذي يوجب قسامة، ولا قود فيه ولا دية، ويبطل دمه، ولا يكون فيه دية في بيت مال ولا غيره. يريد: وهذا إذا لم يوجد معه أحد، وأما إذا وجد [215/ب] في دار ومعه رجل، وعليه من أثر قتله ما يدل أنه قتله؛ فإنه يقتل به مع القسامة. وقد تقدم هذا. وغيرنا: يحكم يالدية مع القسامة في القتيل يوجد في المحلة.

[57 - فصل: في اتهام امرأة بقتل رجل نزل عندهاي وقد سئل مالك: عن رجل نزل عند امرأة فمات، فجاء وليه فقال: إنا انهمناها به. فقال مالك: يكشف أمرها فإن كانت غير متهمة، لم تحبس وخلي سبيلها.

[الباب الرابع عشر] فيمن قال: دمي عند فلان، وهو مسخوط، أو صبي، أو ذمي، أو يدعي ذلك على أحد منهم

[الباب الرابع عشر] فيمن قال: دمي عند فلان، وهو مسخوط، أو صبي، أو ذمي، أو يدعي ذلك على أحد منهم. [58 - فصل: في القسامة على قول المقتول: دمي عند فلان، وهو مسخوط أو امرأة] قال ابن القاسم: وإذا قال المقتول: دمي عند فلان وهو مسخوط أو غير مسخوط؛ فلا يتهم، وليقسم ولاته على قوله، وإن كانوا مسخوطين أيضا فذلك لهم في العمد والخطأ. ورواه عن مالك في المجموعة. قال ابن المواز: ومن لم يقبل قول المقتول حتى يكون عدلا فقد أخطاً، ويلزمه ألا يقسم مع قول المرأة، وإنما جعله العلماء لطخاً لا شهادة. وقال ابن القاسم في هذه الكتب: وكذلك المرأة تقول: دمي عند فلان فليقسم مع قولها ولاتها، ولا يشبه المقتول الشاهد إذا كان

مسخوطا، ألا ترى أن المدعي يحلف مع شاهده في الحقوق وإن كان المدعي مسخوطاً أو امرأة، ويقسم مع قول المرأة وهي غير تامة الشهادة، ولا يقسم مع شهادتها. 59 - فصل [في القسامة على قول الصبي: دمي عند فلان، وفي أخذه بإقراره بالقتل] قال مالك: وإذا قال الصبي المقتول: فلان الصبي قتلني، وقام على قوله بينة، وأقر القاتل بذلك؛ فلا يقسم على قوله، ولا يقبل إقرار الحي، ولا يجوز في ذلك إلا عدلان على معاينة القتل. يريد: فتجب الدية على عاقلة القاتل، أو يشهد به عدل فيقسمون مع شهادته. قال ابن القاسم: والصبي في هذا بخلاف المسخوط والمرأة؛ لأن الصبي لو أقام شاهدا على حقه لم يحلف معه، ولو أقام المسخوط أو امرأة، أو نصراني، أو عبد، شاهدا على حق له حلف معه واستحق.

قال أشهب في المجموعة: وقول كل أحد على نفسه أوجب من دعواه على غيره، فإذا لم يقبل إقرارا الصبي على نفسه بقتل أو جرح؛ فدعواه في ذلك على غيره أبعد. قال ابن المواز: قال بعض العلماء: يقسم [216/أ] مع قول الصبي وأباه مالك وأصحابه. وقول مالك وأصحابه أصوب. قال ابن سحنون: ويلزم قائل ذلك أن يقوله في النصراني. قال ابن حبيب: قال مطرف، ورواه عن مالك: لا يقسم على قول

الصبي إلا أن يكون قد راهق وأبصر وعرف، فيقسم على قوله، وقاله ابن الماجشون، وأصبغ. م: وهذا خلاف. ولا يقسم على قوله حتى يبلغ كما لا يحلف مع شاهده حتى يبلغ. 60 - فصل [في القسامة بقول النصراني: دمي عند فلان] قال مالك: وإذا قال النصراني: دمي عند فلان؛ لم يقسم على قوله؛ لأن النصاري لا يقسمون، وإنما يقسم المسلمون. قال ابن المواز: وذهب عبد العزيز بن أبي سلمة: إلى أن لأهل الذمة القسامة، وأباه مالك وأن تحاكموا إلينا. قال محمد: لا يقبل قول ذمي على ذمي ولا على غيره، ولا عبد على عبد ولا على غيره، ولا صبي على صبي ولا على كبير، كما ليس

لواحد منهم أن يقسم. قال أشهب في المجموعة: سنة القسامة كانت في حر مسلم، فلا يقسم في دم عبد وإن كان مسلماً، ولا في دم غير مسلم وإن كان حرا. 61 - فصل [في القسامة على قول المقتول إذا رمي بدمه على رجل ورع، أو صبي أو ذمي، أو عبد] وإذا قال المقتول: دمي عند فلان، فذكر رجلا، أورع أهل البلد؛ أقسم مع قوله، وإن رمي به صبيا؛ أقسم ورثته مع قوله، كما يقسمون في الخطأ، وكانت الدية على عاقلة الصبي، وإن رمي ذميا، أو عبدا؛ كان لورثته أن يقسموا ويقتلوا في العمد. قال ابن المواز: ولا يقسم هاهنا إلا العصبة، ويسقط الدم بنكول أحدهم، ولا يقسم فيها النساء، فإن أقسم عصبة في العمد ثم عفوا على الدية، كانت الدية لورثة المقتول دونهم بلا قسامة، ولا يمين عليهم، كان ذلك في ذمي أو عبد أو حر مسلم، في العمد كان ذلك بدعوى الميت، أو

بشاهد على القتل. قال في المدونة: فإن استحيوا العبد على استرقاقه خير سيده بين أن يفديه بالدية أو يسلمه، وإن ادعى الميت الخطأ أقسموا أيضا، وخير سيد العبيد في غرم الدين الدية أو اسلامه بها، وقيل لأهل جزية هذا الذمي احملوا العقل.

[الباب الخامس عشر] في قول ابن الملاعنة: دمي عند [216/ب] فلان، ومن قام على قتله شاهدان، وصفة القسامة، ومن تلزمه الدية

[الباب الخامس عشر] في قول ابن الملاعنة: دمي عند [216/ب] فلان، ومن قام على قتله شاهدان، وصفة القسامة، ومن تلزمه الدية [62 - فصل: فيمن يقسم على قول ابن الملاعنة: دمي عند فلان، وفي العفو عن دمه في العمد، والخطأ، أو قام على قتله شاهدان، أو واحد] قال ابن القاسم: وإذا قال ابن الملاعنة: دمي عند فلان؛ فإن كانت أمه معتقة، فلمواليها أن يقسموا، ويستحقوا الدم في العمد، والدية في الخطأ. وقال أشهب في المجموعة: يقسم مواليها وعصبتها في العمد، وأما في الخطأ فليقسم ورثته بقدر مواريثهم من رجال أو نساء، ويستكمل من حضر منهم خمسين يميناً.

قال في المدونة: وإن كانت من العرب أقسمت في الخطأ أمه واخوته لأمه، وأخذوا حظهم من الدية، وإن كان عمدا فلا قسامة فيه، وهو كمن لا عصبة له، فلا يقتل إلا ببينة، وليس لأخوته لأمه من الدم في العمد شيء. قال ابن المواز: إذا كانت من العرب فلا قسامة فيه في العمد؛ لأن العرب خؤولته ولا ولاية للخؤولة، وكذلك من لا ولاة له ولا موالي؛ لأن ماله لبيت المال. قال ابن القاسم في المدونة: وإذا قتل ابن الملاعنة ببينة فلأنة أن تقتل، كمن قتل وله أم وعصبة فصالحوا العصبة وأبت الأم إلا أن تقتل؛ فذلك لها، فإن ماتت الأم فلورثتها ما كان لها، وكذلك ابن الملاعنة.

قال في كتاب ابن المواز: إذا قال بالقتل شاهدان كان لأمه القتل أو العفو، كانت من العرب أو مولاة. محمد: وخالفه أشهب في عفو الأم، وقال أشهب: لا عفو لأمه في العمد والخطأ إذا ثبت القتل بشاهدين، ولها القتل في العمد كانت عربية أو مولاة، ولا يجوز عفوها، لأنها إن كانت عربية فالمسلمون ولاته يعقلون عنه، والسلطان ينظر لهم، ومن قام بالدم فهو أحق، وإن كنت مولاة فلمواليها أن يقتلوا، ومن قام بالدم منهم أو منها فهو أحق، وكذلك المنبوذ، والمعتق سائبة، ومن أسلم على يدي رجل؛ فهو مثل ما ذكرنا من ابن الملاعنة. قال أشهب: وإذا كانت أمه من العرب والقتل بقوله أو بشاهد؛ فلا قسامة فيه، في عمد ولا خطأ- وكذلك في [217/أ] النوادر- إذ

لا عصبة له تعرف، كشاهد قام على حبس دار حياة رجل، فلو كانت على رجل بعينه؛ حلف معه، وإن كانت على المساكين أو في السبيل؛ لم يحلف معه، وكذلك في الوصايا للمساكين أو في السبيل يقوم به شاهد، ولو كان لمعينين لحلفوا معه، وكذلك القسامة لا تكون في العمد إلا بأيمان عصبة تعرف، وأما في الخطأ فتكون بقدر مواريثهم من الدية. 63 - فصل: [فيمن قام على قتله شاهدان، أو واحد عدل] وإذا شهد رجلان على رجل بالقتل لم يكن في ذلك قسامة قال أشهب: وذلك إن شهد أنه قتله [فقضى] وإن قالا: إنه ضربه وإنه مات بعد ذلك من ذلك الضرب؛ فهذا يشبه الغموس، وأدنى أمرهما أن يكون لطخا فتكون مع قولهما القسامة.

وقال ابن القاسم: وأما لو قال المقتول: دمي عند فلان، وشهد شاهد أنه قتله؛ لم يجتزأ بذلك، ولابد من القسامة وقد تقدم هذا. وإن شهد رجل عدل أن هذا الرجل ضرب فلانا حتى قتله؛ فلأوليائه أن يقسموا ويقتلوا، وإن شهد أنه ضربه وعاش الرجل وتكلم وأكل وشرب، ولم يسألوه أين دمك؟ حتى مات؛ ففيه القسامة. [64 - فصل: صفة القسامة، ومن تلزمه الدية] وقد تقدم: أن إيمان القسامة بالله الذي لا إله إلا هو أن فلاناً قتله أو مات من ضربه، وأنها على البت، وإن كان أحدهم أعمى أو غائبا حين القتل، وقد تقدم في كتاب الجراح":أن ما لزم العاقلة من الدية فهو على الرجال خاصة دون النساء والذرية، ويؤدي الغني على قدره ومن هو دونه على قدره، وقد كان يحمل على الناس في أعطياتهم من كل مئة درهم ونصف.

[الباب السادس عشر] في القسامة في الجماعة يقتلون الرجل عمدا أو خطأ]

[الباب السادس عشر] في القسامة في الجماعة يقتلون الرجل عمداً أو خطأ] [65 - فصل: فيمن ضربه جماعة عمداً وعاش أياما ثم مات ففيه القسامة على واحد فقط، وكيف لو كانت الدعوى على رجال ونساء وصبين] قال مالك رحمه الله: وإذا ادعى الدم ورثة المقتول على جماعة، وأتوا بلوث من بينة، أو تكلم بذلك المقتول، أو قامت بينة على أنهم ضربوه، أو حملوا صخرة فرموا بها رأسه، فعاش بعد ذلك أياما وأكل وشرب ثم مات؛ فلورثته أن يقسموا على واحد، أيهم شاؤوا ويقتلوا، ولا يقسمون على جميعهم ويقتلونهم. قال في كتاب محمد: ولا يقسمون على جميعهم ثم يقتلون واحداً.

قال في المدونة: ولا يقسم في العمد إلا على واحد. قال في المجموعة: ولم يعلم قط قسامة كانت إلا على واحد. قال عبد الملك: لأنه [217/ب] لابد أن يكون قتله انصرف إلى من جعلناه منهم إما واحد أو أكثر، فاليقين واحد منهم والشك في أكثر منه، فلذلك يقسمون على واحد؛ ليصرفوه إذا لا يبطل دمه في سنة القسامة. قال مالك: وإذا أقسموا على واحد قالوا في القسامة: لمات من ضربه ولا يقولون: من ضربهم. قال أشهب: لهم أن يقسموا على واحد منهم أو على اثنين أو

أكثر أو على جميعهم، ثم لا يقتلون إلا واحدا ممن أدخلوه في قسامتهم، كان ذلك بقول الميت: قتلني فلان فلان وفلان وفلان، أو قال: ضربوني أو كان بشهادة شاهد على الفعل ومات مكانه، أو بشاهدين ثم عاش أياما. وإذا كانت الدعوى على رجال ونساء وصبيان فأقسموا أنهم قتلوه جميعاً؛ فلا يقتلون من البالغين إلا واحداً إما رجلا أو امرأة، وعلى عواقل الصبيان حصتهم من الدية، فإن كان الرجال والنساء عشرين والصبيان خمسة؛ فعلى عواقلهم خمس الدية، خمس الخمس على عاقلة كل صبي منهم لأنه من أصل دية كاملة. [66 - فصل: في القسامة على الجماعة في الخطأ، وفي تعيين المقتول واحدا منهم] ومن المدونة قال ابن القاسم: وإن ادعوا الخطأ على جماعة وأتوا بلوث من بينة، أقسم الورثة عليهم بالله الذي لا إله إلا هو أنهم قتلوه ثم تفرق الدية على قبائلهم في ثلاث سنين، وكذلك إن قامت بينة أنهم

جرحوه خطأ فعاش بعد ذلك أياما ثم مات فليس للورثة أن يقسموا على واحد ويأخذوا الدية من عاقتله ولكن يقسمون على جميعهم وتفرق الدية على عواقلهم في ثلاث سنين. والفرق بين العمد والخطأ أنه يقول في الخطأ: الضرب منا أجمعين فلا تخصوا عاقتلي بالدية، ولا حجة له في العمد ألا يقسم فيه عليه، لأن في القسامة على الجميع إيجابا لدمه إن شاؤا قتله. ومن المجموعة، وكتاب محمد، قال مالك: وإذا قال: ضربني فلان وفلان وفلان، وقال: إن فلانا منهم أنفذ مقاتلي، فليس للأولياء أن يقسموا إلا عليه. محمد: وليس على الباقين ضرب ولا سجن وهذا قول مالك، قاله لي عبد الملك، وابن عبد الحكم، وأصبغ. قال في المجموعة، إذا وجب الدم بقسامة فقال لهم: أقسموا على فلان؛ فليس لهم أن يقسموا على غيره كما كان لهم اختيار من يقسمون عليه فالميت أولى بذلك لعلمه بأشد ذلك عليه، وإن قال ذلك في الخطأ [218/أ] فالذي يقع في القلب أن لا يقبل منه، وليقسموا على جميعهم، ثم ينظر إلى

حصة من عافاه، فإن حمل ثلثه ما يقع عليهم سقط عنهم. وروى يحي بن يحي عن ابن القاسم وأشهب في العتيبة مثل ما ذكرنا في العمد وقال فيه: وإن قال: دمي خطأ عند فلان وفلان وفلان ولا يقسموا إلا على فلان دونهم فإن كان ثلثه يحمل ما يصير على من نهاهم أن يقسموا عليه فليس لورثته أن يقسموا إلا على من أمرهم، ويلزم عاقلته بقدر ما كان يصير عليهم من الدية وإن قل، ولا شيء على الآخرين من الدية، وإن لم يبلغ ذلك الثلث خير الورثة فإن شاؤا أقسموا على الذي أمر به وحده ويجيزوا وصيته، ويزول عن الباقين حصتهم من الدية فذلك لهم، وإن أبوا اقسموا عليهم، ويحاص الموصي لهم ألا يقسم عليهم في الثلث، ثم يوضع عن كل واحد من الدية بقدر ما نابه من الثلث ويكون ما بقي على عواقلهم، ويثبت على الذي أمر أن يقسم عليه ما ينوبه من الدية أقسموا عليه وحده أو عليهم كلهم. ولو قالت الورثة: لأنقسم إلا على جميعهم، فذلك لهم ضاق الثلث

أو اتسع، ثم يسقط عن الموصي لهم ما يجب عليهم من الدية. [67 - فصل: فيمن جرحه واحد عمداً والآخر خطأ ومات من ذلك وقامت البينة، أو قال ذلك الميت، ومخالفة البينة قول الميت] قال: وإن جرحه واحد خطأ وآخر عمداً، وقامت البينة بذلك ومات المجروح؛ فإن شاء الأولياء أقسموا على جارح العمد وقتلوه وأخذوا من الآخر عقل الجرح محمد: وذلك إذا عرفت جناية المخطئ من جناية المتعمد- فإن شاءا أقسموا على الخطأ وأخذوا الدية من عاقلته، واستقادوا من جرح العمد، وليس لهم أن يقسموا عليهما ليستقيدوا من جرح العمد، ويأخذوا الدية من جرح الآخر في

الخطأ، ولكن على ما فسرت لك. وإن لم يثبت الجرحان ببينة وإنما هو من قول الميت فهو كما ذكرنا في قيام البينة على الجراح. قال سحنون في المجموعة: البينة تخالف قول الميت إن اختاروا أن يقسموا على أحدهم بقول الميت بطل الجرح الآخر كان العمد أو الخطأ، لأنه لا يستحق بقول الميت إلا بقسامة، ولا قسامة في الجراح. م: يريد سحنون: إنما يخالف قول الميت للبينة إذا مات مكانه، وأما إذا عاش بعد الضرب حتى يستحق دمه بالقسامة فهما سواء. وكذلك روى أبو زيد [218/ب] عن ابن القاسم: أنه إذا عاش بعد

ضربهما ثم مات بعد ذلك فإن شاء ولاته أقسموا على المعتمد وقتلوه، ولا شيء على الآخر، وإن شاؤا أقسموا على المخطئ وكانت الدية على عاقلته، وبرأ الآخر- محمد: ويضرب مئة ويحبس سنة- قال: إلا أن يعلم أن ضربة أحدهما لا يموت من مثلها؛ فلا يكون عليه شيء. م: وهذا وفاق لقول سحنون، ومخالف لرواية يحي المتقدمة. قال ابن القاسم: وإن مات من ضربهما مكانه؛ فليقتل المتعمد، وعلى عاقلة الآخر نصف الدية. قال محمد: هذا إذا لم يكن جرح الخطأ معروفاً بعينه.

[68 - فصل: في القسامة تجب في الجماعة فيقر غيرهم بالقتل، وهل يصح للأولياء النزع عمن أقسموا عليه من الجماعة إلى غيره؟ وفي قول الميت: قتلني فلان وأناس معه، وأثبتت البينة اشتراكهم] قال مالك، وابن عبد الحكم، واصبغ: إذا وجبت في نفر القسامة فأتي غيرهم فأقر بالقتل؛ فإنه يقتل المقر، ويقسم الأولياء على واحد من هؤلاء ويقتلون أيضا. وقال ابن القاسم: لا يقتل إلا واحد، إما من هؤلاء بقسامة، أو المقر، وقال مرة: يقتل المقر أيضا. وقال ابن القاسم: لا يقتل إلا واحد، إما من هؤلاء بقسامة، أو المقر، وقال مرة: يقتل المقر أيضا بقسامة, وقال مرة: بغير قسامة، ولكن بإقراراه وأنكر قوله بقسامة ابن المواز، وأصبغ. وإذا أقسم الأولياء على واحد من جماعة ثم أرادوا أن يقسموا على غيره ويدعوا الأول؛ فليس ذلك لهم، وينظر فإن كان تركهم الأول على أن الآخر صاحبهم وبراءة للأول فلا سبيل لهم أيضا إلى قتل الأول، وإن كان انتقالهم إلى الآخر غضب عليه وندامة في تركهم قتله ولم يبرءوا الأول؛ فلهم قتل

الأول بقسامتهم. وإن قال: قتلني فلان وأناس معه؛ فلهم قتل الرجل الذي سمي بقسامة، وقوله: وأناس معه، فإن أثبتتهم البينة أنهم ضربوه [معه] أقسموا على أيهم شاؤا.

[الباب السابع عشر] في العبد يقتل أو يقتل، والقسامة في ذلك

[الباب السابع عشر] في العبد يقتل أو يقتل، والقسامة في ذلك [68 - فصل: في العبد يشهد على قتله رجل، أو يقول هو: دمي عند فلان الحر] قال ابن القاسم: ومن أقام شاهداً أن فلانا قتل عبده عمداً أو خطأ حلف يميناً واحدة مع شاهده؛ لأنه مال، وغرم له القاتل قيمته. قال ابن المواز: ولم يختلف في هذا ابن القاسم، وأشهب، ويضرب القاتل مئة ويحبس سنة. قال محمد: واختلفنا إذا قال العبد: دمي عند فلان الحر: فقال أشهب: يحلف خمسين يمينا ويبرأ ويضرب مئة، ويحبس سنة، فإن نكل حلف سيد العبد يمينا واحدة واستحق قيمة عبده [219/أ] مع ضرب مئة وسجن عام. وحجته في ذلك: أنه ممن يوجب القسامة بين الأحرار، ولو أن

حراً ادعاه على العبد لكانت فيه القسامة، وإنما تركت في هذا لأنه عبد ولا قسامة في عبد، ورواه أشهب عن مالك. قال ابن القاسم: يحلف المدعي عليه يميناً واحدة، ولا قيمة عليه، ولا ضرب ولا شجن، فأن نكل غرم القيمة وضرب مئة وسجن سنة. وقال ابن الماجشون: يحلف يميناً واحدة، فإن نكل ضرب أدبا، وليس يضرب مائة ويسجن سنة إلا من ملكت إشاطة دمه بقسامة أوغيرها. [70 - فصل: فيمن أقام شاهداً أن عبدا فلان قتل عبده عمداً، حلف يميناً واحدة أيضا، وخير سيد القاتل بين أن يغرم قيمة المقتول أو يسلم عبده، فإن أسلمه لم يقتل، ولأنه لا يقتل بشهادة واحد، ولأنه لاقسامة في العبيد في عمد ولا خطأ، ولم أسمع أحدا من أهل العلم قال ذلك. محمد: قال أصبغ: وإن كان إنما نزي في جرحه فمات، فإنه يحلف السيد يمينين، يمينا مع الشاهد على الجرح،/ ويمينا لمات منه، قاله ابن القاسم.

قال ابن القاسم: فإن نكل السيد لم يحلف سيد الجارح إلا أن يحلف: بالله ما أعلم. ولو كان المدعي عليه حراً ضرب في ذلك مئة وسجن سنة. وقال أشهب: وكذلك العبد يجلد مئة ويحبس سنة. [71 - فصل: في العبد يقتل الحر ويشهد بذلك شاهد ففيه القسامة] ومن المدونة قال مالك: وإذا قتل العبد رجلا حراً فأتي ولاة الحر بشاهد على ذلك؛ فلهم أن يحلفوا خمسين يميناً ويستحقوا دم صاحبهم؛ فيقتلوا العبد إن شاءوا أو يستحيوه، فإن قالوا: نحلف يميناً واحدة ونأخذ العبد نستحييه، لم يكن لهم ذلك، إذ لا يستحق دم الحر إلا ببينة عادلة، أو يحلفون خمسين يمين مع شاهدهم.

[الباب الثامن عشر] فيمن قتل بين الصفين

[الباب الثامن عشر] فيمن قتل بين الصفين [72 - فصل: في القسامة فيمن قتل بين الصفين] قال مالك رحمه الله: وليس فيمن قتل بين الصفين قسامة. قال سحنون في العتيبة عن ابن القاسم: لاقسامة فيه وإن شهد شاهد على قتله أو على إقراره. قال محمد: رجع ابن القاسم عن هذا إلى أنه يقتل بالقسامة من ادعى عليه المقتول وهو قول [219/ب] مالك، وأشهب وابن عبد الحكم، واصبغ. وكذلك إن شهد شاهد على قتله بعينه، وقد قال مالك في الجماعة يقتتلون فينكشفوا عن قتيل أو جريح لا يدري من فعل ذلك: أن فيه العقل

على الذين نازعوا أصحابه فتضمن كل فرقة ما أصابت من الفرقة الأخرى، وإن كان القتيل أو الجريح من غير الفريقين؛ فعقله على الفريقين جميعاً، ولا قسامة في ذلك ولا قود. قال أشهب: وهذا إذا لم يثبت دمه عند أحد بعينه. قال ابن القاسم: وقول مالك: لا قسامة في هذا، يعني بدعوى الأولياء: أن فلاناً قتله، وأما لو قال الميت: فلان قتلني، أو قام شاهد أن فلانا قتله لكانت فيه القسامة. [73 - فصل: في البينة على قتيل أو جريح بين الصفين] قال أشهب: وكذلك لو قام شاهدان أن فلانا قتله بين الصفين لقتل به. قال ابن القاسم: وإن شهد [شاهدان] أن فلاناً جرحه ثم مات بعد أيام من تلك الجراحة ففيه القسامة.

ابن وهب: قال مالك: في قوم قامت عليهم بينة أنهم شرعوا إلى رجل فضربوه فافترقوا وبه موضحة لا يدري أيهم شجه/ فإن العقل على جميعهم. قال ابن القاسم: إن أثبت المجروح أن أحدهم جرحه؛ حلف واقتص منه؛ لأنه يتهم أن يعرف الفاعل فينكره ليلزمهم العقل.

[الباب التاسع عشر] في الحامل تقول: دمي عند فلان، والولد يقول: دمي عند أبي

[الباب التاسع عشر] في الحامل تقول: دمي عند فلان، والولد يقول: دمي عند أبي. [74 - فصل: في المرأة تضرب فتلقي جنينا ميتا، وتقول: دمي عند فلان، ففيها القسامة وفي الجنين الدية] قال ابن القاسم: وإن ضربت امرأة فألقت جنيناً ميتاً، وقالت: دمي عند فلان؛ ففي المرأة القسامة، ولا شيء في الجنين إلا ببينة تثبت؛ لأنه كجرح من جراحها /، ولا قسامة في جرح، ولا يثبت إلا ببينة أو بشاهد عدل فيحلف ولاته معه يمينا واحدة ويستحقون ديته. يريد: يحلف من يرث الغرة كل واحد منهم يمينا أنه قتله يستحقون الغرة في مال الضارب، وكذلك في كتاب محمد.

[75 - فصل: في المرأة تضرب فتلقي جنينا حيا، وقالت: دمي عند فلان، أو قالت: دمي ودم فلانة عند فلان] قال في المدونة: وإن قالت: دمي عند فلان فخرج جنينها حياً واستهل صارخاً ثم مات ففي الأم القسامة، ولا قسامة في الولد؛ لأن المضروب غيره. قال في كتاب محمد: لأنها تجر بشهادتها إلى نفسها أو إلى زوجها إن كان أبوه أو إلى [220/أ] إخوته إن كانوا ولدها. قال فيه وفي المدونة: ولأنها لو قالت: قتلني وقتل فلاناً معي لم يكن في فلان قسامة. يريد: في قول ابن القاسم

قال: وكذلك لو قالت: ضربني فلان فألقت جنينها حياً فاستهل صارخاً ثم مات وعاشت الأم؛ لم يكن فيه قسامة. ولو قالت وهي حية: قتل ابني، لم يقبل قولها، ولا قسامة في ابنها. محمد: قال أشهب: إذا قالت امرأة: دمي ودم فلانة عند فلان عمداً أو خطأ، فالقسامة بذلك فيهما في العمد والخطأ، يقسم ولاة القائلة في دمها بقولها، ويقسم ولاة الأخرى بشهادتها وكذلك لو لم تشهد إلا للأخرى فالقسامة تجب مع شهادتها لأنها لوث. محمد: ما لم تكن شهدت لمن يرثها؛ لأنها شاهدة هاهنا بخلاف قولها في دم نفسها.

محمد: هذا قول أشهب، ومن يرى شهادة المرأة لوث توجب القسامة وخالفه ابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ، ولم يوجبوها إلا بشهادة عدل على القتل. قال ابن القاسم فيه وفي العتبية فيمن قال: قتلني فلان وقتل فلاناً معي: قبل قوله في نفسه وفي غيره، وأقسم ولاته في نفسه وإن لم يكن عدلا، ولا يقسم في غيره إلا أن يكون عدلا. قال: ولو قال: قتل ابني معي؛ لم يقبل قوله في ابنه. 76 - فصل [فيمن قال: دمي عند أبي، أو قال: ذبحني أو بقر بطني] قال ابن القاسم: ومن قال: دمي عند أبي، أقسم على قوله، وكانت الدية في الخطأ على العاقلة، وإن قال: عمداً أو لم يفسر عمداً من خطأ، أقسم على قوله، ولم يقد منه، وكانت الدية في مال الأب مغلظة.

قال في العتبية: ولو قال: أضجعني أبي فذبحني أو بقر بطني، فإنه يقسم مع قوله، ويقتل الأب إن شاء الأولياء أو يعفون. وقال أشهب: لا يقتل في العمد والد ولا والدة بالقسامة، ورأى ذلك مالا، وقد رأى أهل العلم: أن يقتل عشرة بواحد، ولم يروا أن يقتل عشرة بواحد في القسامة. 77 - فصل [في بطلان دم من سمي الجاني عليه ثم رجع عنه إلى غيره] ومن غير المدونة: ومن ضرب فسئل من بك؟ فقال: فلان وفلان، ثم سئل وخوف، فقال: بي فلان وفلان غير الأولين، ولم يذكر تبرئة الأولين؛ فليس للورثة أن يقسموا على الأولين ولا على الآخرين، وقوله الآخر تكذيب للأول، وكالذي أبرأ الأولين وادعى [220/ب]

على آخرين، فلا يقسم على الأولين ولا على الآخرين. قال سحنون: وإن قال: دمي عند فلان وفلان ثم أبرا أحدهما فقد أبطل قوله في الآخر.

[الباب العشرون] جامع القول في القصاص في النفس والجراح ومن قتل أو جرح جماعة، والجماعة يخرجون أو يقتلون رجلا

[الباب العشرون] جامع القول في القصاص في النفس والجراح ومن قتل أو جرح جماعة، والجماعة يخرجون أو يقتلون رجلا. [78 - فصل: في القصاص في النفس والجراح] قال مالك رحمه الله: أحسن ما سمعت في قول الله سبحانه وتعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} أن القصاص بين الأناث كما هو بين الذكور، والحرة بالحرة كالحر بالحر، والأمة بالأمة كالعبد بالعبد. والقصاص بين الرجال والنساء في النفس والجراح بقول اله سبحانه وتعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} إلى قوله عز وجل {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} فيقتل الرجل بالمرأة وتقتل المرأة بالرجل، وكذلك في الجراح بينهما القصاص ونفس الأمة بنفس العبد، وجرحها بجرحه.

وإذا قتل الصحيحُ [سقيماً] أجذم كان أو أبرص أو مقطوع اليدين والرجلين عمداً؛ قُتل به, وإنما هي النفس بالنفس لا يُنظر إلى نقص البدن 79 - فصل: [هل يُقتل الجاني بما قتل به؟] قال: ومن قتل رجلا بحجر قتل بحجر, وإن خنقه فقتله قُتل به خنقاً, وإن كتفه وطرحه في نهر فليُصنع به مثل ذلك. قال مالك: يُقتل بمثل ما قتل به قال في آخر الكتاب: وإن كان على وجه العداوة والقتل قتل به, وإن كان على غير ذلك ففيه الدية ولا يقتل به. م: يريد: وتكون الدية على العاقلة.

قال مالك: وإن قتله بعصا قُتل بعصا, وليس في هذا عدد, فإن ضربه عصاتين فمات فإن القاتل يضرب بالعصا أبدا حتى يموت. وقال عنه ابن نافع: ذلك إذا كانت الضربة مُجهزة, فإما أن يضربه ضربات فلا. وقال أيضاً: ذلك إلى الولي يستقيد بالسيف أو بما قتل به. وقال أشهب: إذ خيف ألا يموت من مثل ما فعله به أقيد منه بالسيف, وغن رجي ذلك فضرب ضربتين كما ضرب فلم يمت فإن رُجي إذا زيد ضربه أو ضربتين أن يموت فُعل ذلك به.

وقال عبد الملك: [21/أ] لا يقتل بالنبل ولا بالرمي ولا بالحجارة؛ لأنه لا يأتي على ترتيب القتل وحقيقته فهو من التعذيب, ولا يقتل بالنار؛ لأنه من التعذيب, ويقتل بالعصا وبالخنق وبالحجر الذي يشدخ. فإن قطع يديه ثم رجليه ثم ضرب عنقه؛ فإنه يقتل ولا يقطع يديه ولا رجليه م: يريد: إلا أن يفعله على وجه العذاب والمثلة به فيصنع به كذلك, وإلا فالقتل على كل قصاص.

وكذلك قال: فيمن قطع أصابع رجل عمداً ثم قطع بقية كفة: فإنما عليه أن يقطع يده من الكف إلا أن يكون فعل ذلك به على وجه العذاب فيصنع به مثل ذلك. [80 - فصل: من قطع طرفاً لجماعة ثم قتل آخر من غيرهم, أو قطع أصابع رجل ثم كف آخر] قال مالك: وإن قطع يد رجل, وفقأ عين آخر, وقتل آخر؛ فالقتل يأتي على ذلك كله. قال أشهب في المجموعة: فإن عفا عن دمه فللمجروح قصاص جرحه. قال ابن القاسم: ولو قطع لرجل أصبعين, ثم قطع لآخر كفاً فيها ثلاث أصابع؛ فليس لصاحب الكف غير ثلاثة أخماس دية اليد, ولصاحب الإصبعين القصاص بإصبعيه, ولو لم يقم صاحب الكف حتى اقتص منه للإصبعين؛ كان لصاحب الثلاث أصابع القصاص.

قال غيره مثله فيمن قطع كف رجل ثم قطع من آخر ذراعاً بغير كف ثم اجتمعا على أن يقطعاه من المرفق: فليس ذلك لهما؛ لأن صاحب الذراع لم يكن له قصاص يوم قطعه, وإنما وجبت له حكومة, ولو قطع الذراع بعد أن اقتص منه للكف؛ لصاحب الذراع القصاص. ومن المدونة: وإن شهد شاهد أنه قطع يد رجل خطأ ثم قتله بعد ذلك عمداً؛ فدية يده على العاقلة, ويقتل به القاتل, ويستحقون دية اليد بيمين واحدة, ولا يستحقون النفس إلا بقسامة. 81 - فصل [في الجماعة يقتلون امرأة أو صبياُ عمداً, والقتل وقطع الطرف غيلة] وإذا اجتمع نفر على قتل امرأة, أو صبي أو صبية عمداً؛ قُتلوا بذلك, وكذلك إن اجتمعوا على قتل عبد أو ذمي قتل غيلة؛ قتلوا به, وكذلك المحاربون يجتمعون على قتل أحد ممن [221/ب] ذكرنا, وقد قال عمر رضي الله عنه: "لَوْ تَمَالأَ عَلَيْهِ أَهلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ جَمِيعْاً".

وإذا اغتالت المرأة رجلا على مال فقتلته؛ حُكم عليها بحكم المحارب. ومن قطع يد رجل أو فقأ عينه على وجه الغيلة؛ فلا قصاص له والحكم فيه إلى الإمام إلا أن يتوب قبل أن يُقدر عليه فيكون عليه القصاص. ومن قُتل وليه قتل غيلة فصالح فيه على الدية فذلك مردود, والحكم فيه إلى الإمام فإما أن يقتله أو يصلبه حيا ثم يقتله على ما يرى من أشنع ذلك. 82 - فصل [في القصاص بين الحر والعبد, والمسلك والكافر] قال مالك: ولا يقتل الحر بالمملوك لقوله تعالى: {الْحُرّ بِالْحُرِّ} [البقرة:178]. قال: ولا يقتل المسلم بالكافر إذا قتله عمداً, ولا قصاص بينهما في جرح ولا نفس إلا أن يقتله قتل غيلة, وإن قطع يديه ورجليه غيلة؛ فهذا يحكم فيه الإمام بحكم المحارب.

قال مالك: ويقتل الكافر بالمسلم, والعبد بالحر. قال: وإذا جرح العبد حراً فأراد القصاص وترك العقل؛ فليس له أن يقتص منه. وقال عبد العزيز, وابن عبد الحكم: الحر مخير بين أن يقتص منه أو يأخذه بدية الجرح إلا أن يفديه سيده. قال مالك: وليس بين النصراني والعبد المسلم قصاص. قال سحنون: في نفس ولا حرج. قال مالك: ويًقتل اليهودي بالنصراني, والنصراني باليهودي, والمجوسي بهما, ويقتلان به.

وإن قتل مسلم كافراً أو عبداً مسلماً عمداُ؛ ضرب مئة وحبس عاماً, وإن قتل الذمي خطأ فديته على عاقلته, وكذلك إن كانوا جماعة فالدية على عواقلهم, وإن جرحه المسلم أو قطع يديه أو رجليه أو قتله عمداً؛ فذلك كله في ماله, ولا تحمل العاقلة من عمد المسلم في جنايته على الذمي وإلا المأمومة والجائفة, وإنما استحسن مالك حمل العاقلة للمأمومة والجائفة, ولم يكن عنده بالأمر البين. قال ابن القاسم: وقد اجتمع أمر الناس أن العاقة لا تحمل العمد وفي كتاب الجنايات ذكر القصاص بين العبيد. 83 - فصل [في شهادة الواحد على المسلم بقتل نصراني عمداً] محمد: ولو قام شاهد بأن مسلماً قتل نصرانيا [222/أ] عمداً فاختلف قول مالك فيه:- فالذي قال به أشهب وابن الحكم: أن يحلف المشهود عليه خمسين يميناً, قال أشهب: ويضرب مئة, ويحبس سنة, حلف أو نكل. والذي قال به ابن القاسم وعبد الملك: أن يحلف ورثة الذمي يميناً واحدة كل واحد منهم ويأخذ ديته, يضرب مئة ويحبس سنة.

محمد: وهذا أحب إلينا إن كان القتل بشاهد عدل, فأما بقول النصراني أو العبد: أن فلاناً قتلني فأحب إلى أن يحلف المدى عليه خمسين يميناً ويبرأ, ولا يجلد ولا يحبس بقول النصراني. ولو جُرح نصراني بشاهد فنزي في جرحه فمات؛ فقال ابن عبد الحكم: يحلف ولاته يميناً واحدة ويستحقون الدية, لا قسامة لهم, ولا يستقيم أن يحلف أنه مات من الجرح, فلم أجد بداً من أن أحلفهم أحب إلي من أعطيهم بلا يمين, ولا قسامة في النصراني. 84 - فصل [في النصراني يُجرح ثم يُسلم, والعبد يُجرح ثم يعتق ويقول كل منهما: دمي عند فلان] قال مالك: وإذا جُرح النصراني أو العبد المسلم ثم أسلم هذا وعتق هذا, وقال كل واحد منهما: دمي عند فلان؛ فإن كان للنصراني أولياء مسلمون, أو للعبد أولياء أحرار؛ أقسموا مع قوله واستحقوا

الدية في مال الجاني, ولا قود فيه, وقال المغيرة في النصراني يقتل النصراني عنداَ فلما خاف القتل أسلم: فإنه يقتل وإن أسلم وقال عبد الملك: في العبد يجرح العبد ثم يعتق الجارح: فلسيد المجروح أن يستقيد منه بعد العتق. 85 - فصل [في القود من الجماعة للواحد, ومن قطع بضعة لحم من رجل, والقود من اللطمة وضربة السوط] قال في المدونة: وإذا قطع جماعة يد رجل مداً؛ فله أيديهم كلهم, بمنزلة القتل, والعين كذلك. ومن قطع يد رجل من نصف الساعد اقتص منه كذلك, وإن قطع بضعة من لحمه ففيها القصاص. قال مالك: ولا قود في اللطمة. قال ابن القاسم: وفي ضربة السوط القود. قال سحنون وروى عن مالك: أنه لا قود فيه كاللطمة, وفيه الأدب.

وقد تقدم في كتاب الشهادات: إذا شهد صبيان على كبير قبل أن يفترقوا أنه جرح رجلا أو قتله؛ لم تجز شهادتهم, وإنما تجوز شهادتهم فيما بينهم [222/أ] فقط, وهناك إيعاب هذا. [86 - فصل: من جنى على جماعة جناية واحدة فقام عليه أحدهم فلا شيء للباقي, وكذلك لو ذهب العضو المماثل من الجاني بأمر من الله تعالى] ومن فقأ أعين جماعة اليمين وقتا بعد وقت ثم قاموا عليه فلتفقأ عينه لجميعهم, وكذلك اليد والرجل, كما لو قتل جماعة فإنما عليه القتل, ولو قام أحدهم وهو أولهم أو آخرهم؛ فله القصاص, ولا شيء لمن بقي, وكذلك لو قتل رجلا عمداً, ثم قتل بعد ذلك رجلا عنداً, فقتل بالأول؛ فلا شيء عليه لمن بقي, ولو قطع يمين رجل ثم ذهبت يد القاطع بأمر من الله عز وجل, أو سرق فقطعت يمينه؛ فلا شيء للمقطوعة يده. [87 - فصل: في أقطع الكف اليمين يقطع يمين رجل صحيح من المرفق, وفي القصاص من الناقص بالتام وبالعكس] وقال في أقطع الكف اليمين يقطع يمين رجل صحيح من المرفق:

فالمجني عليه مخيّر في أخذ عقل يده, وأما قطع اليد الناقصة من المرفق, ولا عقل له. محمد: وقال أشهب: لا قصاص له, وإنما مثل ذلك القائم العين يفقأ عين رجل صحيحة فيرضى بالاستقادة فلا يكون ذلك له؛ لأنه مضار حين يرضى بأخذ ما ليس له بعوض مما أصيب به, وإنما له في ذلك الدية في مال الجاني, فإن لم يكن له مال اتبع به دينا. قال ابن القاسم: وكذلك من قطع يد رجل صحيح والقاطع قد ذهب من يده ثلاثة أصابع؛ فلصاحب اليد أن يقتص من اليد الناقصة ولا عقل له, أو يأخذ العقل ولا قصاص له. وقال أشهب وعبد الملك: ليس له أن يسقيد إذا كان قاطعه مقطوعاً من يده أكثر من إصبع؛ لأن ذلك من وجه العذاب. وقد تقدم بعض هذا.

وإذا قطع أشل اليد اليمنى يمين رجل صحيحة فليس له إلا العقل ولا قصاص له. محمد: وقال أشهب: وذلك إذا يبست وبطلت؛ لأنها غير اليد وهذا من باب التعذيب والضرر وعليه العقل في ماله. قال أشهب: قال مالك: وأما إن كان فيها منفعة إلا أن بها عيبا أو شللا بيّنا وهو ينتفع بها فرضي أن يستقيد منه من هذه الناقصة وله فيها استمتاع؛ فذلك له إن رضي؛ تُقطع في السرقة, وإن لم تكن منفعة فليس ذلك له. واليد الشلاء يقطعها رجل صحيح فلا قصاص منها, وكذلك الإصبع قال أشهب: وكذلك إن كان أشل بعضها؛ لأنها لا يستطاع فيها

قود, لأنا نعطيه أكثر من حقه, وإنما فيها العقل بقدر تمام الشلل أو نقصه. قال مالك: ويكون ذلك في مال الجاني. قال مالك: ومن قطع أصابع كف منهن أصبعان شلاً [223/أ] فعليه القصاص في الثلاث, وله في الأصبعين حكومة وتكون في مال الجاني, وإن كان ذلك خطأ وبلغ ثلث الدية حملته عاقلته. [88 - فصل: [في كيفية القود من الجراح من حيث التساوي وعدمه بين عضو الجاني وعضو المجني عليه في القياس] قال في المدونة: ومن شج رجلا موضحة فأخذت مابين قرينه وهى لا تبلغ من الجاني إلا نصف رأسه, أو أخذت نصف رأس المشجوج وهي تبلغ من الجاني ما بين قرنية؛ فإنما ينظر إلى قياس الجرح فيشق في رأس الجاني بقدره.

وقال في غير المدونة: وإن استوعب الرأس ولم يف بالقياس فلا شيء له غيره, ولا يتم له ذلك من الجبهة, وقاله ابن القاسم, وعبد الله وقال أشهب: إذا أوضحه فأخذت ما بين قرنيه؛ فليؤخذ ما بين قرني الجاني كان أكثر في القياس أو اقل' وإن نصفاً فنصف. وقد قال مالك: فيمن قطع بعض إصبع وإصبعه أول من إصبع الجاني: فلا يقطع بقدره ولكن إن كان قدر ثلث إصبعه قطع من إصبع الآخر ثلثه, وكذلك قصاص الأنملة. قال في المدونة: وإن أوضحه من قرنه في ضربة فهي موضحة واحدة, وإن ضربه فأوضحه موضحتين؛ فله عقل موضحتين, وما دون الموضحة في العمد ففيه القصاص.

[الباب الواحد والعشرون] في القاتل أو الجاني يجنى عليه قبل أن يقتص منه, أو يقتله الولي بغير أمر السلطان, وفيمن يستقيد في الجراح والقتل

[الباب الواحد والعشرون] في القاتل أو الجاني يُجنى عليه قبل أن يُقتص منه, أو يقتله الولي بغير أمر السلطان, وفيمن يستقيد في الجراح والقتل [89 - فصل: في القاتل أو الجاني يُجنى عليه قبل أن يُقتص منه] قال مالك رحمه الله: ومن قتل رجلا عمداً, فعدا عليه أجنبي فقتله عمدا؛ فدمه لأولياء الأول, ويقال لأولياء المقتول الثاني: أرضوا أولياء الأول وشأنكم بقاتل وليكم, في القتل أو العفو, فإن لم يرضوهم فلأولياء الأول قتله أو العفو عنه, ولهم أن لا يرضوا بما بذلوا لهم من الدية أو أكثر منها. قال مالك: وإن قتل خطأ فديته لأولياء الأول. قال: ومن قطع يد رجل عمداً ثم قطعت يد القاطع خطأ فديتها للمقطوع الأول, وإن كان عمداً فللأول أن يقتص من قاطع قاطعه.

قال أشهب في غير المدونة: إلا أن يرضيه قاطعه, ويلي هو القصاص لنفسه فذلك له. قال: ومن فقأ عين رجل ففقأ آخر عين الفاقئ ثم مات الفاقئ الثاني؛ فلا شيء للمفقؤ الأول. ومن قطع يد رجل من المنكب ثم قُطعت يد القاطع من الكف؛ فالأول مخير [223/ب] إن شاء قطع كف قاطع قاطعه, وإن شاء قطع من المنكب بقية يد قاطعه. قال في المدونة: ومن قتل رجلا عمداً, فحبس للقتل, ففقأ رجل عينه أو جرحه في السجن عمداً أو خطأ؛ فله القود في العمد, والعقل في الخطأ, وله العفو في عمده, ولا شيء لولاة المقتول في ذلك كله, وإنما لهم سلطان على من أذهب نفسه, وكذلك لو حكم القاضي بقتله فأسلمه إليهم ليقتلوه فقطع رجل يده عمداً, فله القصاص بمنزلة ما وصفنا ومن قتل وليك عمداً فقطعت يده؛ فله أن يقتص منك, ثم تقتله

بوليك, ولو قطعت يده أو فقأت عينه خطأ؛ حملت ذلك عاقلتك, ويستقاد له ما لم يقد منه, وتحمل عاقلته ما أصاب من خطأ, وما أصيب به من الخطأ حملته عاقلة من أصابه. [90 - فصل: في الولي يقتل القاتل بغير أمر السلطان, وفيمن يستقيد في الجراح والقتل, وفي خطأ الطبيب] ومن وجب لهم الدم قِبَل رجل فقتلوه قبل أن ينتهوا به إلى الإمام؛ فلا شيء عليهم غير الأدب؛ لئلا يجترأ على الدماء. ولا يُمكن الذي له القود في الجراح أن يقتص لنفسه ولكن يقتص له من يعرف القصاص بأرفق ما يقدر عليه, وأجرة ذلك على من يقتص له. وأما

في القتل فإنه يدفع إلى ولي المقتول فيقتله ويُنهي عن العبث عليه. وقال أشهب: النفس والجراح لا ليليه بنفسه خوفا أن يتعدى. وفي كتاب الجراح من هذا قال ابن القاسم: وإن أخطأ الطبيب فزاد في الجرح فذلك على عاقلته إن بلغ ثلث الدية, وإن اقتص له من موضحة أقل من حقه, أو من أصبع فأبقى أنملة؛ لا يعاد عليه القصاص.

[الباب الثاني والعشرون] فيمن سقى رجلا ستما أو سيكرانا فمات منه

[الباب الثاني والعشرون] فيمن سقى رجلا ستماً أو سيكراناً فمات منه [91 - فصل: في القود من ساقي السُّم والقسامة على قول المسموم أو بشاهد واحد] قال ابن القاسم: ومن سقى رجلا سماً فقتله؛ فإنه يقتل به بقدر ما يرى الإمام.

قال ابن حبيب: إذا قال الرجل: فلان سقاني سماً وقد تقيأ منه أو لم يتقيأ فمات منه؛ ففيه القسامة, ولا يقاد من ساقي السم بالسم, بخلاف العصا والخنق, ولا يقاد من حرق النار بالنار, ألا ترى أنه لا يقاتل العدو بها, وكذلك لو شهد شاهد أن فلاناً سقاه سماً فمات؛ كانت فيه القسامة. قال فيه وفي المدونة: والذين يسقون [224/أ] الناس السيكران فيموتون منه, ويأخذون أموالهم فهم بمنزلة المحاربين. قال في كتاب أبن حبيب: ولو قالوا: لم نرد قتلهم؛ لم يصدقوا, كما لا يصدق الضارب بالعصا, وقد قتل النبي صلى الله عليه وسلم اليهودية التي سمّت له الشاة, فمات منها ابن معرور, وهو بشر بن

البراء بن معرور. [92 - فصل: في المرأة تضع السّم لزوجها في طعامه, والشهادة على قوله: أن زوجته وخالتها فعلا ذلك, والقسامة] قال أصبغ: فيمن قرَّبت إليه طعاماً فأكله فتفقأ مكانه أمعاءه فلما أيقن بالموت من ساعته: أشهد أن به امرأته وخالتها فلانة ثم مات, فأقرت امرأته أن ذلك إنما أتتها به خالتها هذه؛ قال: ففي ذلك القسامة.

وقوله: امرأتي وخالتها يكفي, وإن لم يقل: منه أموت, كما يكتفي بذلك في الجرح, وضربة السيف والعصا, وإن لم يقل منه أموت, كما يكتفي بقوله: فلان قتلني, وإن لم يكن به أثر جرح ولا ضرب ولا وصف ضربا, فيقسم على قوله ويقتل به, وقال مالك وجميع أصحابه في العمد والخطأ يقسم ولاته لفلان ضربه ومن ضربه مات إن سمى ضرباً, أو أن فلاناً قتله إن سمى قتلا, ولا يحتاج إلى كشف كيف قتله, أو كيف ضربه. فإذا ثبت قول الذي تقيأ أمعاءه بشاهدين فليقسم ولاته على إحدى المرأتين وتقتل, ولا ينفع المرأة قولها: خالتي أتتني به, وتضرب الأخرى مئة سوط وتحبس سنة.

[الباب الثالث والعشرون] فيمن صالح من جرح أو عفا ثم مات منه وفيمن ضرب فمات مكانه, أو عاش ثم مات, أو أنفذ مقاتله

[الباب الثالث والعشرون] فيمن صالح من جرح أو عفا ثم مات منه وفيمن ضُرب فمات مكانه, أو عاش ثم مات, أو أنفذ مقاتله [93 - فصل: في القسامة فيمن صالح من جرح أو عفا ثم مات منه] قال مالك رحمه الله: ومن صالح من موضحه خطأ على شيء أخذه, ثم نزي فيها فمات, فليقسم ولاته أنه مات منها, ويستحقون الدية على العاقلة, ويرجع الجاني فيما دفع, ويكون في العقل كرجل من قومه, وإن قطع يده عمداً فعفا عنه, ثم مات منها, فلأوليائه القصاص في النفس بقسامة, إن كان عفوه عن اليد لا عن النفس, وللمقتول أن يعفو عن قاتله عمداً, وكذلك في الخطأ إن حمل ذلك الثلث.

94 - فصل [فيمن ضُرب فمات مكانه, أو عاش ثم مات, أو أنفذ مقاتله] ومن ضُرب فمات تحت الضرب أو بقي مغموراً لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم ولم يفق حتى مات؛ فلا قسامة فيه, وإن أكل أو شرب أو عاش حياة تعرف, ثم مات بعد ذلك, ففيه القسامة في العمد والخطأ, إذ لعله مات من أمر عرض له غير ذلك, وكذلك إن قطع [224/أ] فخذه فعاش يومه, فأكل وشرب ثم مات آخر النهار؛ ففيه القسامة, وأما إن سقت حشوته فتكلم وأكل وعاش يومين أو ثلاثة؛ فإنه يقتل قاتله بغير قسامة إذا كان قد أنفذ مقاتله, ألا ترى أن الشاة إذا خرق السبع بطنها فشق أمعاءها ونثرها أنها لا تؤكل؛ لأنها غير ذكية, وهي لا تحيا بحال.

[95 - فصل: من ضُرب وبه أثر جراح فقال: فلان وفلان قاتلاني, ومن جُرح ثم ضربته دابة, أو وقع من فوق جدار, أو طرحه إنسان من على ظهر بيت فمات] ومن سماع ابن القاسم: وعمن كان بينه وبين رجل قتال فأتى وبه أثر ضرب [و] جراح, فقال: فلان وفلان قاتلاني , وعملا بي هذا, وقد أثرت فيهما في مواضع ذكرها, قال: يسجنان حتى يكشف أمرهما, والصلح في مثل هذا أحب إلي. وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن جُرح ثم ضربته دابة فمات, فلا يُدري من أي ذلك مات, قال: نصفه الدية على عاقلة الجارح وقال في المجموعة: إذا جرحه رجل ثم ضربته دابة, أو وقع من فوق

جدار فأصابته جراح أخرى ثم مات, فلا يُدرى من أي ذلك مات, فلهم أن يقسموا لمات من جرح الجارح, وهو كمرض المجروح بعد الجرح, وقد قال مالك: إذا مرض المجروح فمات فليقسموا لمات من ضربه, في الخطأ والعمد. قال ابن المواز: ولو كان أنما طرحه إنسان من على ظهر البيت بعد جرح الأول أقسموا على أيهم شاؤا, على الجارح أو الطارح وقتلوه, وضُرب الآخر مئة وسجن سنة.

[الباب الرابع والعشرون] عفو الأولياء, وقتلهم, واختلافهم في ذلك, ومن أولى به, وتعديهم فيه

[الباب الرابع والعشرون] عفو الأولياء, وقتلهم, واختلافهم في ذلك, ومن أولى به, وتعديهم فيه [96 - فصل: في عفو الأولياء, وقتلهم واختلافهم في ذلك, ومن أولى به] قال مالك رحمة الله: وإذا قتل جماعة رجلا عمداً, فللولي قتل من أحب منهم, والعفو عمن أحب والصلح مع من أحب, ولو عفا المقتول عن أحدهم كان للورثة قتل من بقي. قال ابن القاسم: أولى الأولياء الولد الذكور, ولا حق للأب أو الجد معهم في عفو ولا قيام, وإن كان مع الأب أو الجد بنات فلا عفو لهن إلا به, ولا له إلا بهن فإن لم يكن إلا أب وأم فلا حق للأم مع الأب في عفو ولا قيام, وكذلك إن كان مع الأب [225/أ] إخوة وأخوات فلا حق لهم

معه في عفو ولا قيام, وأما الأم والأخوة فلا عفو لهم إلا بها ولا لها إلا بهم. وإذا كان له أم وأخوات وعصبة؛ فإن اجتمعت العصبة والأم على العفو جاز على الأخوات, وإن عفا العصبة والأخوات فللأم القيام بالدَّم, وأما الأم والبنات والعصبة؛ فإن عفا البنات والعصبة جاز على الأم, وإن عفت الأم والعصبة لم يجز إلا بعفو البنات؛ لأنهن أقرب. ومن قُتل عمداً وله أخوة وجد, فمن عفا من الأخوة أو الجد جاز عفوه. وقال أشهب: ليس للجد معهم عفو ولا قيام, ولا مع بني الأخ, كالولاء بالقعدد. قال ابن القاسم: وليس للأخوة للأم في العفو في الدم نصيب. قال عبد الملك: وإذا قُتل رجل وله ابن عبد فعتق بعد القتل فلا

مدخل له مع الأولياء في دم ولا ميراث, ولو ألحق بأبيه بعد القتل لدخل في الولاية وورث المال. قال ابن القاسم: وإذا قامت بينة بالقتل عمداً وللمقتول بنون وبنات, فعفو البنين جائز على البنات, ولا أمر لهن مع البنين في عفو ولا قيام, فإن عفو على الدية دخل فيها النساء وكانت على فرائض الله عز وجل, وقُضي منها دينه, وإن عفا واحد من البنين سقط حظه من الدية وكان بقيتها بين من بقي الفرائض, وتدخل في ذلك الزوجة وغيرها, وكذلك في هذا إذا وجب الدم بقسامة, ولو أنه عفا على الدية كانت له ولسائر الورثة على المواريث, وإذا عفا جميع البنين فلا شيء للنساء من الدية, وإنما لهن إذا عفا بعض البنين. الأخوة والأخوات إذا استووا فهم كالبنين والبنات فيما ذكرنا, وإن كن الأخوات شقائق والأخوة للأب فلا عفو إلا باجتماعهم؛ لأن الأخوة لأب معهن عصبة, وإن كان للمقتول بنات وعصبة أو أخوات وعصبة؛ فالقول قول من دعا إلى القتل كان من الرجال أو من النساء ولا عفو إلاّ

باجتماعهم إلا أن يعفو بعض البنات وبعض العصبة أو بعض الأخوات وبعض العصبة فلا سبيل إلى القتل, ويُقضى لمن بقي بالدية. وإن قال بعض البنات: نقتل, بعضهن: نعفو, نُظر إلى قول العصبة, فإن عفوا تمَّ العفو. وإن قالوا: نقتل فذلك لهم. وإن قال بعض البنات وبعض العصبة: نقتل, وعفا من بقي من العصبة والبنات؛ فلا سبيل إلى القتل. والبنات [225/ب] والأخوات إذا اجتمعن فلا كلام للعصبة؛ لأنهن يحزن الميراث دونهم. وروى ابن وهب عن مالك: أن البنت يجوز عفوها مع ولاة الدم, ولا يجوز عفو الولاة دونها. ورواية ابن القاسم: ألا عفو لها إلا بهم, ولا هم إلا بها. قال في المدونة: وإن لم يترك إلا ابنته وأخته؛ فالابنة أولى بالقتل وبالعفو, وهذا إذا مات مكانه, وإن عاش وأكل وشرب ثم مات؛ فليس لهما أن يقسما؛

لأن النساء لا يقسمن في العمد, وليقسم العصبة, فإن أقسموا وأرادوا القتل وعفت الابنة فلا عفو لها, وإن أرادت القتل وعفا العصبة فلا عفو لهم إلا باجتماع منها ومنهم أو منها ومن بعضهم. قال مالك: إذا لم يثبت الدم بشاهدين وهو موضع قسامة؛ فللعصبة أو الموالي أن يقسموا ويستحقوا الدم, ولا عفو للنساء معهم؛ لأن الدم بأيمانهم وجب, ولو عفوا بعد وجوب الدم بأيمانهم وأراد البنات القتل فذلك لهن؛ لأن من قام بالدم أحق ممن ترك. م: وتحصيل مسائل هذا الباب أنه إذا كان الولاة رجالا وهم في القعدد سواء, فالقول قول من دعا إلى العفو, وإن كان بعضهم أقرب فلا قول للأبعد في عفو ولا قيام, وإن كانوا رجالا ونساء وهم في القعدد سواء فلا قول للنساء في عفو ولا قتل, فإن كان النساء أقرب فلا عفو إلا باجتماعهم, وإن انفرد بميراثه النساء واستحقوا الدم بقسامة فلا عفو إلا باجتماع منهن ومن العصبة الذين أقسموا, وإن كان القتل ببينة فليس للعصبة عفو ولا قتل.

97 - فصل [فيمن قُتل ولا عصبة له, وفي الذمي يُسلم ثم يُقتل, وقتل ابن الملاعنة] قال ابن القاسم: وإن كان رجل لا عصبة له وكان القتل خطأ؛ أقسمت ابنته وأخته وأخذتا الدية, وإن كان عمداً لم يجب القتل إلا ببينة.

ومن أسلم من أهل الذمة أو رجل لا تعرف عصبته, فقُتل عمداً ومات مكانه وترك بنات؛ فلهن أن يقتلن, فإن عفا بعضهن وطلب بعضهن القتل؛ نظر السلطان بالاجتهاد في ذلك إذ كان عدلاً, فإن رأى العفو أو القتل أمضاه. وإذا قُتل ابن الملاعنة ببينة؛ فلأمه أن تقتل كمن قُتل وله أم وعصبة فصاحوا وأبت الأم إلا أن [226/أ] تقتل؛ فذلك لها, فإن ماتت الأم فلورثتها ما كان لها, وكذلك ابن الملاعنة. قال ابن وهب عن مالك: في أم وأخ وابن عم فعفت الأم وقاما: فلا عفو للأم دونهما. والجدة للأب أو للأم لا تجري مجرى الأم في عفو

ولا قيام. [98 - فصل: في القاتل يدعي عفو الولي, أو ادعي بينه غالبة على ذلك, وفي المقتول يترك ولداً صغيراً وعصبة, ومن صالح عن ابنه الصغير عن دم] قال في المدونة: وإن ادعى القاتل أن ولي الدم عفا عنه؛ فله أن يستحلفه, فإن نكل ردت اليمين على القاتل. م: فيحلف يميناً واحدة لا خمسين يميناً؛ لأن المدعى عليه إنما كان يحلف يميناً واحدة أنه ما عفى عنه فهي اليمين المردودة. قال ابن القاسم: وإن ادعى القاتل ببنة غائبة على العفو تلوَّم له الإمام. وإذا كان لمقتول عمداً ولد صغير وإخوة أو بنو عم

فلعصبته تعجيل القتل, أو يأخذون الدية ويعفون, ويجوز ذلك على الصغير, وليس لهم أن يعفوا على غير مال, وكذلك من وجب لابنه الصغير دم عمد أو خطأ؛ لم يجز للأب أن يعفو فيه إلا على الدية لا أقل منها, فإن عفا الأب في الخطأ, وتحمل الدية في ماله؛ جاز ذلك 'ن كان الأب مليئا يعرف ملاؤه, وإن لم يكن مليئا لم يجز عفوه, وكذلك العصبة وإن لم يكونوا أوصياء. [99 - فصل: في اليتيم يُجرح أو يُقتل] وإذا جُرح الصبي عمداً وله وصي؛ فللوصي أن يقتص له, وأما إن قُتل فولاته أحق من الوصي بالقيام بذلك, وليس للأب أن يعفو عمن جرح ابنه الصغير إلا أن يعوضه من ماله, وليس للوصي أيضاً أن يعفو في ذلك إلا على مال على وجه النظر, والعمد في ذلك والخطأ سواء, ولا يأخذ الأب أو الوصي في ذلك أقل من الأرش إلا أن يكون الجارح عديماً, فيرى الأب أو

الوصي من النظر صلحه على أقل من دية الجرح فذلك جائز. وقال أشهب في غير المدونة: ذلك في العمد جائز على النظر؛ لأنه ليس له دية معلومة. قال ابن القاسم: وإن قُتل للصغير عبد عمداً فأحب إليَّ أن يختار أبوه أو وصيه أخذ المال إذ لا نفع له في القصاص. وفي آخر الكتاب ذكر تفضيل الصحابة مع ما يشبهه. [100 - فصل: في تعدي الأولياء بقتل القاتل قبل أن ينتهوا به إلى الإمام] قال ابن القاسم: ومن وجب لهم الدم قِبَلَ رجل فقتلوه قبل أن ينتهوا به إلى الإمام؛ فلا شيء عليهم غير الأدب.

[الباب الخامس والعشرون] في عفو المقتول خطأ عن ديته, ووصيته بثلثه, وفي القاتل يطلب منه دية العمد في نفس [226/ب] أو جرح فيأبى, ومن عفا عن نصف جرحه

[الباب الخامس والعشرون] في عفو المقتول خطأ عن ديته, ووصيته بثلثه, وفي القاتل يُطلب منه دية العمد في نفس [226/ب] أو جرح فيأبى, ومن عفا عن نصف جرحه [101 - فصل: في عفو المقتول خطأ عن ديته, ووصيته بثلثه] قال ابن القاسم: قال مالك: وإذا عفا المقتول خطأ عن ديته جاز ذلك في ثلثه, فإن لم يكن له مال, وأوصى مع ذلك بوصايا, فليتحاص العاقلة وأهل الوصايا في ثلث ديته. ولو أوصى لرجل بثلثه بعد الضرب, دخلت الوصية في ديته؛ لأنه قد علم أن قتل الخطأ مال, وكذلك إن أوصى بثلثه قبل أن يُضرب, وعاش بعد الضرب ومعه من عقله ما يعرف به ما هو فيه, فلم يغير الوصية؛ فإنها تدخل في ديته إلا أن تختلس نفسه ولا يعرف له بعد الضرب حياة, فلا تدخل الوصايا في ديته, ولو كان القتل عمداً فقبل

الأولياء الدية لم تدخل فيها الوصايا, وإن عاش بعد الضرب, وتورث على الفرائض إلا أن يكون عليه دين فأهل الدين أولى بذلك إذ لا ميراث إلا بعد قضاء الدين. 102 - فصل: [في القاتل يُطلب منه دية العمد في نفس أو جرح فيأبى] قال مالك: في قاتل العمد يطلب منه الأولياء الدية فيأبى إلا أن يقتلوه فليس لهم إلا القتل, قال الله عز وجل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] فإن قال بعض الأولياء: نعفوا ولم يعف بعضهم؛ فنصيب من لم يعف من الدية في مال الجاني. قال ابن القاسم: إذ لا سبيل إلى تبعيض الدم فزال القتل وصار كعمد المأمومة الذي لا يقدر فيه على القصاص. قال مالك: وكذلك جراح العمد إن طلب المجروح الدية فليس له إلا

القصاص إذا أبى الجاني. قال محمد: هذا قول مالك وأصحابه؛ ابن القاسم وأشهب وابن وهب قال أشهب: فأما قاتل العمد تطلب منه الدية فيأبى فليس له أن يأبى ويُجبر على ذلك إن كان مليئا؛ لأنه في قتل نفسه ليترك ماله لغيره مضار, ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه جعل للأولياء إن أحبوا فليقتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية). وقاله ابن المسيب.

[103 - فصل: فيمن عفا عن نصف جرحه] قال سحنون في المجروح يعفو عن نصف جرحه: فإن أمكن القصاص من بعضه اقتص, وإن كان إذا سقط نصفه لم يكن في باقيه قصاص؛ فالجارح يخير, إن شاء أجاز ذلك وأدى نصف عقل الجرح, وإن أبى قيل للمجروح إما أن تقتص أو تعفو. وقال أشهب: يجبر على أن يعقل له النصف.

[الباب السادس والعشرون] في القاتل أو غيره يرث بعض الدم, وفي الولي ولد [227/أ] القاتل, وفي هروب القاتل

[الباب السادس والعشرون] في القاتل أو غيره يرث بعض الدم, وفي الولي ولد [227/أ] القاتل, وفي هروب القاتل [104 فصل: في القاتل أو غيره يرث بعض الدم] ومن قتل رجلا عمداً فلم يُقتل حتى مات أحد ورثة المقتول, وكان القاتل وارثه, بطل القصاص؛ لأنه ملك من دمه حصة فهو كالعفو, ولبقية أصحابه عليه حظهم من الدية. قال أشهب: إلا أن يكونوا من الأولياء؛ الذين من قام بالدم منهم فهو أولى, فإن للباقين أن يقتلوا. ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا مات وارث المقتول؛ الذي له القيام بالدم, فورثته مقامه في العفو والقتل, وإن مات من ولاة الدم رجل وورثته

رجال ونساء, فللنساء من القتل أو العفو ما للذكور؛ لأنهم ورثوا الدم عمن له العفو والقتل, فهم كإياه. وقال أشهب في غير المدونة: إن مات من البنين واحد, وترك بنين وبنات؛ فأمر الدم لبنيه دون بناته, فإن عفو جاز عفوهم, كما إذا عفا أعمارهم. قال ابن القاسم: ومن قُتل عمداً وله بنون وبنات فماتت واحدة من البنات وتركت بنين ذكوراً فلا شيء لهم في الدم من عفو ولا قيام, كما لم يكن لأمهم, وإنما لهم إن عفا بعض البنين الذكور عن الدم حصة أمهم من الدية لا غير.

105 - فصل [في ولي الدم يكون ولد القاتل, وفي قتل الأب ابنه عمداً] ومن قتل رجلا عمداً فكان ولي الدم ولد القاتل فقد كره له مالك القصاص منه, وقال يكره أن يحلفه في الحقوق, فكيف يقتله. قال أشهب: وقد اختلف في الأب يقتل ابنه عمداً. فقال أكثر العلماء: لا يقاد من؛ لأنه لا يطلب الدم إلا من هو أبعد من ابنه رحماً منه, ومن لا يلزمه ما يلزم في الأب فكيف يقتل إياه والله عز وجل يقول: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء:23] ما أرى فيه إلا الدية على العاقلة.

106 - فصل [في هروب القاتل] قال ابن القاسم: وإذا هرب القاتل فلولاة الدم أن يقيموا عليه البينة في غيبته, ويقضى عليه؛ لجواز القضاء على الغائب, فإذا قدم كان على حجته ولا تعاد البينة. وقد تقدم في كتاب التفليس: أن المرأة إذا أفلست ثم تزوجت وأخذت مهراً فليس لغرمائها [227/ب] فيه قيام بدينهم, ولا يقضى منه دين ويبقى زوجها بلا جهاز إلا أن يكون الشيء الخفيف كالدينار ونحوه.

[الباب السابع والعشرون] في من استعمل صبيبا, أو عبدا محجورا عليه في عمل أو ركوب دابة؛ فهلك في ذلك أو أهلك غيره, وضمان ما أصاب السائق, والقائد والراكب, وشهبه

[الباب السابع والعشرون] في من استعمل صبيباً, أو عبداً محجوراً عليه في عمل أو ركوب دابة؛ فهلك في ذلك أو أهلك غيره, وضمان ما أصاب السائق, والقائد والراكب, وشهبه [107 - فصل: في من استعمل صبيا أو استأجر عبداً بغير إذن أهلها في عمل أو ركوب دابة فهلك أو أهلك غيره] وقد تقدم في كتاب الإجازة أن من استعمل صبياً, أو عبداً بغير إذن أهلها في شيء له بال؛ فهو ضامن لما أصابها؛ مثل: أن يأمر صبياً صغيراً أن ينزل في بئر أو يرقاً نخلة فالآمر ضامن لما أصابه. ابن وهب: قال مالك: وهو الأمر الذي عليه الفقهاء. وقال في باب بعد هذا: من استأجر عبداً في بئر يحفرها له ولم يأذن له

سيده في الإجازة ولا في العمل, أو بعثه بكتاب إلى سفر بغير إذن سيده فعطب فيه فهو ضامن, وفي الإجازة إيعاب هذا. ومن الدِّيات قال ابن القاسم: ومن دفع إلى صبي دابته, أو سلاحه يمسكه فعطب بذلك, فديته على عاقلته, وقاله مالك فيمن دفع دابته إلى صبي ابن اثنتي عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة يسقيها له فعطب أن ديته على عاقلته, ويكفر بعتق رقبة. محمد: وإن كانت دون الثلث ففي ماله. قال في المجموعة: وإن كان كبيراً فلا شيء عليه, وأما العبد فيضمنه صغيراً كان أو كبيراً. يريد: في ماله. قال محمد: وأما السلاح يدفعه إلي الصبي الحر يمسكه له؛ فإن كان مثله يمسك ذلك السلاح ويقوي عليه, ويعرف مايضره في إمساكه وما ينفعه؛ لم يضمن, وإن كان على غير ذلك ضمن, كما لو أمر صبياً أن يناوله

حجراً لا يثقل على مثله, فذهب ليناوله إياه فسقط على إصبعه فقطعه؛ لم يضمن, - ولو أمره أن يحمل له حجراً يثقل على مثله فناله ذلك منه لضمن؛ لأنه خطر -, وأما إمساكه الدابة له فيلزمه ما أصابه؛ لأنه خطر. قال في المدونة: ومن حمل صبياً على دابة يمسكها, أو يسقيها له فوطئت رجلاً فقلته؛ فالدية على عاقلة الصبي. قال ابن القاسم: ولا رجوع لعاقلته على عاقله الرجل الذي حمله على الدابة بشيء. قال في كتاب محمد: ولو كان المحمول على الدابة عبداً صغيراً فوطئت رجلاً فقتلته؛ فديته على سيد [228/أ] العبد. م: يريد: يخير سيد العبد بين أن يفديه بدية الحر أو يسلمه فيها.

قلت لمحمد: فهل ترجع عاقلة الصبي على حامله أو يرجع عليه سيد العبد؟ قال: قد اختلف فيه قول ابن القاسم, وأشهب. فقال ابن القاسم: وذكره عن مالك: أنه لا يرجع على الحامل ولا على عاقلة من ذلك بشيء, كما لو بعث العبد فيما لم يؤذن له فيه, أو الحر الصغير, فقتلا رجلا في الطريق؛ لم يكن على الباعث من ذلك بشيء. وقال أشهب: أري أن ترجع عاقلة الصبي بما لزمها من ذلك على عاقلة حامله, وإن كان دون الثلث فلزم مال الصبي فليرجع به الصبي في مال حامله. قال: ويخير سيد العبد في إسلام عبده يجنايته هذه أو يفديه بديتها؛

فإن أسلمه بها رجع على مستعينه بالأقل من قيمته يوم أسلمه أو من عقل جنايته. م: يريد: وإن فداه رجع عليه بما فداه به إلا أن يدفع أكثر من الأرش فيرجع عليه بدية الجرح فقط. قال محمد: قيل لأشهب: فإن أحب المجني عليه أن يتبع المستعين بما لزم الصبي أو عاقلته, أو بما لزم العبد؟ قال: ذلك له, وإنما يرجع عليه بما كان يرجع عليه الصبي أو سيد العبد أن لو غرما هما للمجني عليه. قال ابن المواز: وقول أشهب أحب إلي, وقاله من أرضي ممن لقينا, وذلك أن المستعين ضامن لما أصيب به الصبي والعبد من استعانته ولو فات الصبي والعبد من سبب الدابة, فكذلك إذا أتلف رقبة العبد فأخذت

في ذلك نفسه، أو أخذ مال الصبي أو مال عاقلته؛ لأنه الذي أتلف ذلك وفعله به، وهذا أبين. وما احتج به ابن القاسم لو أرسلهما فركبا دابة بغير أمره فأوطأ بها أحدًا قتلاه أو جرحاه لم يضمن، هذا قول صحيح ولا يشبه المسألة الأولى؛ لأن هذا فعل حادث لم يأمره به الباعث، وليس أصله غضبًا فيضمن جناياته، ولأنه لو نزل عن الدابة التي ركب، وركب غيرها برأيه فسقط فمات لم يضمنه، ولو كان غضبا ضمنه، وكذلك لو نزل عن النخلة التي أمره بطلوعها ثم طلع أخرى برأيه فهلك؛ لم يضمنه، ولو سقط من التي أمره بطلوعها لضمنه، وكذلك إن سقط منها أو من البداية التي أمره بركوبها على أحد فقتله لضمنته عاقلة المستعين، وبقول أشهب أخذ أصبغ وقال: إن قول ابن القاسم إنما بلغه عن مالك. قال أشهب: "وأخبرت عن ابن شهاب فيمن أمر عبد غيره أن ينزل البئر فيسقي له ففعل فخر فيها على عبد آخر فماتا أو مات

أحدهما؛ أنه ضامن". "وعن ربيعة فيمن حمل عبدًا بغير إذن سيده، أو صبيًا بغير إذن أبيه على فرس: أن عليه ما أصابت الدابة، وعليه ضمان العبد والصبي، وإن استأذنهما فلا شيء عليه، وذلك على أبي الصبي وسيد العبد". فهذا يرد ما قال صاحبنا، وذكر أنه بلغه عن مالك، وما علمت أن أحدًا كان أشد استقصاء لقول مالك ولا استخبارًا عنه في حياته وبعد وفاته مني فما سمعت بما زعم صاحبنا هذا أنه بلغه عن مالك قط. قال ابن المواز: ويشبه قول ربيعة قول ابن القاسم فيمن كان له ولد يجري الخيل فسأله رجل أن يجري له فرسه فأذن له فوقع عنه فمات، قال: فلا شيء على الذي حمله إلا عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، ورأى أن إذن الأب كالعفو عن ديته، وأما غير الأب فلا يجري إذنه مثل اليتيم للرجل وابن أخيه فذلك على عاقلته، ولا ينفعه

إذنه، وكذلك هذه المسألة عن ابن القاسم في العتيبة. ومن كتاب محمد: وإن استعنت صبيًا يجرى لك فرسًا فصدم رجلا فقتله ومات الصبي؛ فدية الصبي على عاقلتك، وأولياء المصدوم بالخيار إن شاءوا أخذوا ديته من عاقلتك، ثم لا طلب لعاقلتك على عاقلة الصبي، وإن شاءوا أخذوها من عاقلة الصبي ثم ترجع بها عاقلة الصبي على عاقلتك مع عقل الصبي؛ فذلك ديتان، ولو كان موضع الصبي عبدًا كان عليك غرم قيمته مرتين؛ لأن سيده يضمنك قيمته، وإن كانت مثل الجناية فأقل لم يلزم السيد غيرها فيؤديها ثم يرجع بها عليك ثانية؛ لأنك أتلفتها عليه بتعديك، وإن كان فيها فضل عن الجناية لم يرجع عليك إلا بما أدى منها. م: وهذا كله على قياس قول أشهب المتقدم شرحه.

108 - فصل [في ضمان ما أصاب السائق والقائد والراكب وشبهه] قال ابن القاسم: وإذا كان رجلان مرتدفين على دابة فوطئت رجلا بيديها أو برجليها فقتلته؛ فأراه على المقدم إلا أن يعلم أن المؤخر حركها أو ضربها فيكون عليهما؛ لأن المقدم بيده لجامها، أو يأتي من فعلها أمر يكون من المؤخر لا يقدر المقدم على دفعه، مثل أن يضربها المؤخر فترمح لضربه فتقتل رجلًا، فهذا وشبهه على عاقلة المؤخر خاصة. ولا يضمن المقدم النفحة إلا أن يكون سببها من فعله. قال ابن القاسم: وإذا كان منها لفعل المؤخر شيء لم يعلم به المقدم ولا استطاع حبسها؛ فذلك على المؤخر خاصة.

وإن كان المقدم صبيًا قد ضبط الركوب فهو كالرجل فيما ذكرناه. قال سحتون: وإن كان الصبي ليس له قبض ولا بسط فهو كالمتاع المحمول؛ فما كان من ذلك فعلى المؤخر. قال محمد: ولو كان عليها هذا الصغير الذي لم يضبط الركوب وحده، أو كان عليها نائم أو مريض فوطئت أحدًا فذلك عليه إلا أن يكون لها قائد أو سائق فلا يكون على الراكب شيء لأنه كالمتاع. ومن المدونة: قال ابن القاسم: ولا يضمن المقدم ما كدمت أو نفحت إلا أن يكون ذلك من سببه، وكذلك الراكل على الدابة لا يضمن ما كدمت أو نفحت؛ لأنه جبار، وقال النبي صلى الله عليه

وسلم: (جرح العجماء جبار) -يعني لا دية فيه- إلا أن يكون ذلك من شيء فعله بها الراكب فيضمن. قال مالك: وما أصابت الدابة وعليها راكبان في محمل ولا يقودها أحد فهما ضامنان بخلاف المرتدفين. قال ابن القاسم: ويضمن الراكب ما وطلعت الدابة بيديها أو رجليها؛ لأنه هو سيرها. محمد: قال أشهب فيمن ركب دابة فطارت من تحت يدها حصاة ففقأت عين رجل: فلا شيء عليه، قال محمد: إلا أن تكون الدابة دفعتها بحافرها فضربتها حتى اندفعت ففيها الدية، فأما إذا طارت من تحت الحافر من غير دفع فلا شيء فيها. قال ابن القاسم: وإن جمحت دابة براكبها فوطئت إنسانًا فعطب

فهو ضامن. قال ابن نافع عن مالك: وكذلك الصبي تجمح به فتصدم وهو لا يملك حبسها؛ فهو ضامن في ماله فيما دون الثلث؛ وما بلغ الثلث فعلى عاقلته. محمد: قال أشهب: لأن عمر ضمن مجرى الفرس وهو مغلوب؛ لأن بإجرائه إياه ضمن، بخلاف السفينة تغلب من الريح. قال ابن القاسم: ولو كان الفرس في رأسه اعترام فحمل بصاحبه فصدم؛ فراكبه ضامن؛ لأن سبب جمحه وفعله من فارسه، إما أذعره فخاف منه، أو غير ذلك إلا أن يكون إنما نفر من شيء مر به في الطريق من غير سبب راكبه؛ فلا ضمان عليه، وإن كان غيره فعل به ما جمح

به، فذلك على الفاعل، والسفينة لا يذعرها شيء والريح هو الغالب، فهذا فرق ما بينهما. قال محمد: ومن أفلتت دابته فنادى رجلا ليحبسها له فذهب ليحبسها فضربته فقتلته؛ فلا شيء عليه، وهذا من العجماء جبار. قال محمد: إلا أن يكون المأمور عبدًا لغيره، أو حرًا صغيرًا، فإن دية الحر على عاقلته، وقيمة العبد في ماله. قال محمد: ولو لم يرض أن يعترض ليمسكها حتى صدمته فقتلته؛ لنظرت: فإن كانت أفلتت من يد رجل؛ لزمت الدية عاقلته، وإن كانت أفلتت من مدودها؛ فهو جبار. وقد سمعت أصبغ ونزلت في رجل أخرج دابته يمرغها فخرمت الرسن من يده وشردت فصدمت إنسانًا فقتلته أن على عاقلته الدية، مثل مالو كان راكبها فغلبته وصدمت به

فقتلته. قال ابن القاسم في المدونة: ومن نخس دابة رجل فوثبت فقتلت رجلا؛ فديته على عاقلة الناخس. محمد: قال أشهب: وسواء كانت هملًا أو مساقة أو مركوبة أو مقودة فنخسها رجل آخر فكدمت إنسانًا أو ضربته بيديها أو برجليها، أو سقطت عليه فلا شيء على أحد فيه إلا على الناخس وحده إن كان دون الثلث ففي ماله، وإن كان الثلث فعلى عاقلته، ألا ترى أن الدابة لو ضربت بيد أو برجل أو بذنب، أو كدمت وهي مركوبة أو مسوقة لم يضمن أحد من ذلك شيئا إلا أن يكون فعل بها أحدهم شيئا

حتى فعلت ذلك فيضمن، والناخس هو فعل ذلك بها، وقد قال ابن مسعود في دابة مركوبة نخسها رجل: "إنه ضامن لما أصابت". ومن المدونة: ومن قاد قطارًا فهو ضامن لما وطئ البعير في أول القطار أو آخره، وإن نفحت رجلًا فأعطته لم يضمن القائد ذلك إلا أن يكون ذلك من شيء فعله بها. قال: والقائد والسائق والراكب كلهم ضامنون لما وطئت الدابة بيديها أو برجليها. قال: وإن اجتمع قائد وسائق وراك؛ فما وطئت الدابة فعلى القائد

والسائق. وقاله ابن القاسم، وأشهب في المجموعة. قال أشهب: لأن الراكب كالمتاع لا يقدمها ولا يؤخرها. قال ابن القاسم فيها وفي المدونة: إلا أن يكون فعلها بسبب الراكب فذلك عليه خاصة إذا لم يكن فيه عون من القائد أو السائق. محمد: وقال أشهب: إذا اجتمع قائد وسائق وراكب على دابة فأوطأت رجلا فقتلته فعلى عاقلة كل واحد منهم ثلث الدية إلا أن ترمح من غير أن يفعل بها شيء. قال أبو محمد: يريد أن الراكب شهركم في فعل فعلوه بها كان منه فعلها. م: وظاهر الكتاب خلاف ما تأول أبو محمد، ولكنه رده إلى الأصل.

قال: ومن قاد دابة فمرت به جارية فصاح بها: إياك إياك، فوطئتها الدابة فقطعت أنملتها؛ فعليه الغرم لها يحمل ويقول: إياك إياك. ومن المدونة قال مالك في حمال حمل عدلين على بعير لغيره بإذنه وهو أجير فسار به وسط السوق فانقطع الحبل فسقط عدل على أحد فقتله: أن الحمّال ضامن دون صاحب البعير. محمد: قال أشهب: وذلك إذا كان الذي يقوده هو الذي حمل المتاع عليه، وإن كان غيره الذي حمله فذلك على حامله إلا أن يكون من قوده ما يطرح لخوفه المتاع فيكون عليه. قال مالك: ومن سقط عن دابته على أحد فقتله فالساقط ضامن وذلك

على عاقلته. قال في غير المدونة في بصير قاد أعمى فوقع في شيء ووقع الأعمى عليه فقتله: فديته على عاقلة الأعمى. 109 - فصل [في من نفّر دابة عمدا أو خطأ] قال ابن شهاب فيمن جاء يحمل متاعاً على دابة فنظرت إلية دابة رجل فنفرت براكبها فطرحته فقتلته، قال: يضمن من نفرها ما أصابه من ذلك إن كان خطأ فالدية على عاقلته، وفي عمده القود. وقال ربيعة فيمن رقد على قارعة الطريق فنفرت منه دابة براكبها وهو نائم فهو ضامن، وإن كان نائما على غير الطريق لم يضمن إلا أن يتحرك. قال ابن المواز: ووجدت لبعض أصحابنا: أنه هدر. ولا شيء عليه

فيه وإن كان على الطريق إلا أن تنفر من حركته فتلزم عاقلته، ولو نفرها فعليه القصاص. 110 - فصل [في من أمسك غريقاً فخشي على نفسه فأطلقه، وفي من ربط آخر بحبل ودلاه في بئر ثم تركه، ومن اتقى رمية فأصابت غيره] ومن طلب غريقاً فلما أخذه خاف على نفسه الموت فسرحه فلا شيء عليه، ولو ذهب ليعلمه العوم فلما خشي على نفسه تركه فمات فهو ضامن. ولو تردى رجل في بئر فسأل رجلا أن يدلي له حبلا فدلاه إليه فجره فخشي على نفسه فسرحه فمات فهو ضامن، وكذلك لو انفلت من يده فإنه يضمن، ولو انقطع لم يضمن شيئا. وقال مالك فيمن ربط رجلا بحبل فدلاه في بئر لطلب حمام وربط حبلا آخر في خشبة فانقطع الحبل الذي في الخشبة فخشي الرجل أن يذهب معه في البئر فترك هو الحبل الآخر فخر الرجل فمات؛ فهو ضامن.

ومن رمى رجلا بحبل فاتقاها بيده فرجعت على غيره فقتله فإن ردها حتى أوقعها على غيره؛ فالدية على المرمي، -يريد: على عاقلته-، وإن كان إنما اتقاها دون أن يرد الحجر بشيء فالعقل على الرامي. م: يريد: على عاقلته؛ لأنه إنما رمى غيره. وروى ابن وهب حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم: (فيمن عض يد رجل فجذبها فقلع أسنانه، أن أسنانه هدرٌ)، وهذا الحديث ليس من رواية مالك. قال يحيى بن عمر: وبهذا الحديث أقول؛ لأنه روي في ذلك عن مالك وغيره من أصحابه أن يضمن.

[111 - فصل: في صبي عبث بسقا فطاحت القلة فأصابت الصبي أو غيره، وفي الجماعة يتهاوون في بئر أو حفرة، وفي البئر تنهار على اثنين بداخلها] وقال ابن القاسم في صبي عبث برجلٍ سقّاء على عنقه قُلّة حتى سقطت القلّة على الصبي فمات فلا شيء على السقّاء، ولو سقطت على غير الصبي كانت الدية على عاقلة الصبي. قال مالك: ومن ارتقى في بئر فيدركه آخر في أثره فحبذ الأسفل الأعلى فيخران فيهلكان فعلى عاقلة الأسفل دية الأعلى. قال ابن حبيب: وروي عن ابن المسيب في خمسة فسهم أسد فتعلق الذي يلي الأسد بالثاني وتعلق الثاني بالثالث وتعلق الثالث بالرابع والرابع بالخامس فقضي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "أن الأول

فرسه الأسد وأن الأول عليه دية الثاني وعلى الثاني دية الثالث وعلى الثالث دية الرابع وعلى الرابع دية الخامس". قال ابن حبيب: يريد على عواقلهم. قال أشهب: وإن حفر رجلان بئراً فانهارت عليهما فمات أحدهما فعلى عاقلة الثاني نصف الدية والنصف هدر؛ لأنه شريك في قتل نفسه، وإن ماتا فعلى عاقلة كل واحد نصف الدية.

[الباب الثامن والعشرون] في الفارسين أو السفينتين أو الحاملين يصطدمان

[الباب الثامن والعشرون] في الفارسين أو السفينتين أو الحاملين يصطدمان [112 - فصل: في الفارسين يصطدمان] قال مالك: وإذا اصطدم فارسان فمات الفرسان والراكبان؛ فدية كل واحد على عاقلة الآخر، وقيمة فرس كل واحد في مال الآخر. محمد: وقاله ابن القاسم وأشهب. قال أشهب: وقال ذلك ابن شهاب وربيعة، وقد أخبرني بعض أهل العلم يرفعه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في رجلين اصطدما فماتا: "فإن عقل كل واحد منهما على صاحبه". قال أشهب: وقد خالف في ذلك بعض أهل العراق فقال: على

عاقلة كل واحد منهما نصف دية صاحبه، زعم أن كل واحد منهما قاتل نفسه مع صاحبه، ولسنا نرى ذلك، ولو كان كما قال؛ لكان إذا سلم أحدهما لم يكن عليه للميت إلا نصف ديته. -يريد: على عاقلته- ولكن الذي يهوي في البئر قاتل نفسه مع حافرها، ولكان الواطئ على الحسك وقد نصبها رجل فيما لا يملك ولا يجوز له قاتلاً لنفسه مع ناصبها، وقد قال أهل العراق: إن دية الواقع في البئر على حافرها فخالف بينهما. وقد روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره من صاحب وتابع مثل ما ذكرنا.

[113 - فصل: في اصطدام الحر والعبد، واصطدام الحاملين] قال مالك فيه وفي المدونة: ولو أن حراً وعبداً اصطدما فماتا جميعاً فقيمة العبد في مال الحر، ودية الحر في رقبة العبد بتقاصان، فإن كان ثمن الغلام أكثر من دية الحر كان الزائد لسيد العبد في مال الحر، وإن كانت دية الحر أكثر لم يكن على السيد من ذلك شيء. قال محمد: إلا أن يكون للعبد مال فيكون بقية العقل في ماله. وقال في رجلين اصطدما وهما يحملان جرتين فإن انكسرتا؛ غرم كل واحد منهما ما كان على صاحبه، وإن انكسرت إحداهما غرم ذلك له صاحبه. [114 - فصل: في السفينتين تصطدمان] قال مالك: في السفينتين يصطدمان فتغرق إحداهما بما

فيها، فلا شيء في ذلك على أحد؛ لأن الريح تغلبهم إلا أن يعلم أنه لو أراد النواتية صرفها قدروا فيضمنوا، وإلاّ فلا شيء عليهم. محمد: قال ابن القاسم: ولو قدروا على حبسها إلا أن في ذلك هلاكهم فلم يفعلوا؛ فلتضمن عواقلهم دياتهم، ويضمنوا هم الأموال في أموالهم، وليس لهم أن يطلبوا نجاتهم بغرق غيرهم، ولكن لو غلبتهم الريح أو غفلوا لم يكن عليهم شيء. وقال فيها أشهب: إذا عُلم أن ذلك من أمر غلبهم لم يغلبهم من خوفة كانت منهم؛ فلا شيء عليهم، وإن لم يعلم ذلك فذلك عليهم تحمله عواقلهم. وبالله التوفيق.

[الباب التاسع والعشرون] فيمن أحدث شيئا أو أوقف دابة في طريق المسلمين أو داره، وما أصاب الكلب العقور والجمل الصؤول والحائط المائل، وما أفسدت المواشي

[الباب التاسع والعشرون] فيمن أحدث شيئاً أو أوقف دابة في طريق المسلمين أو داره، وما أصاب الكلب العقور والجمل الصؤول والحائط المائل، وما أفسدت المواشي. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار).

[115 - فصل: فيمن أحدث شيئاً كحفر ونحوه أو أوقف دابة في طريق المسلمين أو داره] قال مالك: فمًا أحدثه الرجل في طريق المسلمين من ميزابٍ أو ظُلَّةٍ أو حفر بئراً أو سرباً للماء أو للريح في داره أو أرضه، أو حفر شيئا مما يجوز له في داره أو في طريق المسلمين مثل بئر المطر أو مرحاض يحفره إلى جنب حائطه؛ فلا غرم عليه لما عَطب في ذلك كله. قال أشهب: هذا إن لم يضر ما حفر من بئر أو مرحاض بالطريق. قال مالك: ولا بأس بإخراج العساكر والأجنحة إلا أن يخرجه في

أسفل حائطه مما يضر بالناس في طريقهم فإنه يمنع من ذلك. قال: وما صنعه في طريق المسلمين مما لا يجوز له فعله من حفر بئر أو ربا دابة ونحوه فهو ضامن لما أصيب بذلك إن كان دون ثلث الدية ففي ماله، وإن كان الثلث فأكثر فعلى العاقلة، وإن صنع من ذلك ما يجوز له؛ كمن نزل عن دابته ويدخل لحاجته وهي واقفة في الطريق فلا يضمن، وكذلك على باب المسجد أو باب الإمام أو في السوق فلا يضر شيئاً. قال أشهب: أو يغشى رجلاً في منزله فيوقف دابته على الباب؛ فلا يضمن شيئاً وليس ذلك كمن اتخذ لها مربطا في طريق المسلمين.

قال مالك: ومن حفر حفيراً في دار رجل بغير إذنه فسقط فيه إنسان ضمنه الحافر، وإذا حفر حفيراً في داره أو جعل حبالة ليعطب بها سارقا فعطب بها السارق أو غيره؛ فهو ضامن لما عطب في ذلك. قال أشهب: لأنه احتفره لما لا يجب. قال في آخر الكتاب: ومن وضع سيفاً في طريق المسلمين، أو في موضع يرصد به قتل رجل فعطب به ذلك الرجل؛ فإنه يقتل به، وإن عطب به غيره فديته على عاقلته. قال مالك: وإن جعل في حائطه حفيراً للسباع أو حبالة لم يضمن ما عطب بذلك من سارق أو غيره، وإن جعل بباب جنانه نصباً يدخل في رجل من يدخله، أو اتخذ تحت عتبته مسامير لمن يدخل، أو رش

فناءه يريد به زلق من يدخله من دابة أو إنسان، أو اتخذ فيه كلباً عقوراً؛ فهو ضامن لما أصيب من ذلك، ولو رش لغير ذلك لم يضمن ما عطب فيه؛ كحافر البئر في داره لحاجته، أو لإرصاد سارق فهو مفترق. 116 - فصل [فيما أصاب الكلب العقور وضمان ذلك] ولو ربط كلباً للصيد بداره فدخل إنسان فعقره؛ لم يضمن إلا أن يعلم أنه يفترس الناس، ولو ربطه لعقر من يدخل؛ لضمن، وكذلك إن ربطه في غنمه يذب السباع عنها؛ لم يضمن إن أصاب إنساناً، وإن ربطه ليعدو على من أرادها من طارق أو سارق؛ فهو ضامن لما أصاب.

وقيل في مثل هذا: كله في ماله. وقيل: على العاقلة. قال مالك: ومن اتخذ كلباً عقوراً فهو ضامن لما أصاب إن تقدم إليه فيه. قال ابن القاسم: وذلك إذا اتخذه حيث يجوز له فلا يضمن ما أصاب حتى يتقدم إليه فيه، وإن اتخذه بموضع لا يجوز لله اتخاذه فيه كالدور وشبهها وقد عرف أنه عقور؛ فيدخل الصبي والخادم والجار فيعقره؛ فإنه ضامن لما أصاب. 117 - فصل [فيما أصاب الجمل الصؤول وغيره من العجماء] ومن كتاب محمد وغيره: والجمل إذا صال على الرجل فخافه على نفسه فقتله؛ فلا شيء عليه إذا قامت له بينة أنه أراده وصال عليه، وإن لم تقم له بينة ضمن.

قال ابن القاسم: والجمل الصؤول، والثور النطاح، وغير ذلك من العجماء إذا عرف بالعداء على الناس: فإنه يؤمر صاحبه ويتقدم إليه فإن عقر بعد التقدم فهو ضامن؛ فما بلغ الثلث فصاعداً فعلى العاقلة، وما كان دون الثلث ففي ماله، كالكلب العقور في موضع يجوز له. قيل له: أفتكون في ذلك قسامة مع الشاهد أو مع قول الميت؟ قال: لا تكون القسامة فيما أصابت العجماء، ولا يثبت إلا بشاهدين عدلين، وإن شهد له واحد حلف ورثة المقتول مع العدل يميناً واحدة ويستحقون ديته مثل الحقوق. 118 - فصل [فيما أصاب الحائط المائل] قال مالك: والحائط المائل المخوف إذا شهد على ربه ثم عطب به أحد فربه ضامن. قال ابن القاسم: وإن لم يشهدوا عليه لم يضمن وإن كان مخوفاً، وإن

كانت الدار مرهونة أو مكتراة لم ينفعهم الإشهاد غلا على ربها، فإن غاب رفع أمره إلى الإمام، ولا ينفعهم الإشهاد على السكان إذ ليس لهم هدم الدار. محمد: قال أشهب: إما إذا بلغ الحائط ما لا يجوز لصاحبه تركه لشدة ميله والتغرير به فهو متعد ضامن لما أصيب به وسواء أشهد عليه أو لم يشهد. وكذلك لو كان السلطان قد تقدم إليه في هدم حائطه على حسن النظر للرعية؛ فهو ضامن أيضاً لما أصاب جداره. وأما نهي الناس وإشهادهم فليس بلازم له. م: وحكي عن بعض فقهائنا القرويين في مثل هذا: أن ينظر إلى

صاحب الحائط؛ فإن كان منكرا لما قيل له من غرر حائطه، ويقول: ليس فيه تغرير بل يؤمن سقوطه، فها هنا يحتاج التقدم فيه إلى الحكم، وإما إن كان يقر بأن حائطه مخوف فها هنا ينفع الإشهاد عليه دون الحكم. قال: وكذلك في الشفعة إذا أبى الشفيع الأخذ وأبى أن يسلم؛ فلا ينفع الإشهاد عليه حتى يرفع إلى السلطان، وإن رضي بترك الشفعة ينفع الإشهاد عليه دون الحكم. وكذلك في اقتضاء أحد الشريكين ديناً أصله بينهما إن أبى صاحبه أن يخرج ولم يرض أن يسلم لصاحبه أن يقتضي فلابد من حكم، وإن رضي بأن يقتضي صاحبه دونه نفع صاحبه الإشهاد دون الحكم. والله أعلم.

119 - فصل [فيما أفسدت المواشي] وما أفسدت المواشي والدواب بالليل ضمنه أربابها من زرع أو حوائط وإن لم يحل بيعه قوِّم على الرجاء والخوف فيغرم ذلك وإن كان أكثر من قيمة الماشية، كان على ذلك حارس أو لا حارس له، أو عليه تحظير أو لا تحظير عليه. وما أفسدت بالنهار لم يضمنه، ولو وطئت على رجل إنسان بالليل فقطعتها لم يضمن ربها، وإنما الغرم في الزرع والحوائط والحروث كلها.

[الباب الثلاثون] جامع القول في بقية جنايات الأحرار والعبيد

[الباب الثلاثون] جامع القول في بقية جنايات الأحرار والعبيد وهذا باب قد تقدم أكثره في كتاب الجنايات والجراح وهناك تمامه فلذلك اقتصرت عليه ولم أكرر زياداته. [120 - فصل: في اشتراك الحر والعبد في القتل خطأ، ومن جرح رجلا جرحين، وفي العبد يقتل رجلا له وليان، أو قتيلين وليهما واحد، أو لكل قتيل ولي، وفي برء الجرح ثم انتقاضه، واشتراك العبيد في القتل ومالكهم واحد أو جماعة] قال ابن القاسم: وإذا قتل حر وعبد جميعاً رجلاً خطا فعلى عاقلة الحر نصف الدية، ويقال لسيد العبد: ادفع عبدك أو افده بنصف الدية. ومن جرح رجلاً جرحين خطأ، وجرحه آخر جرحا خطأ فمات من ذلك فأقسمت الورثة عليهما؛ كانت الدية على عاقلتهما نصفين لا على

الثلث والثلثين. وإن قتل العبد رجلاً له وليان فعفا أحدهما، قيل لسيده: ادفع نصفه أو افده بنصف الدية. وإن قتل قتيلين وليهما واحد فليس له أن يسلم نصفه بدية أحدهما ويفتك نصفه بدية الآخر، ولكن يسمله كله أو يفتكه كله بديتهما. وإن كان لكل قتيل أولياء فعفا أولياء أحدهما فلأولياء الآخر قتله، فإن استحيوه ليأخذوه، قيل لسيده: إما أن تسلم نصفه أو تفديه بنصف الدية. وإن جرح العبد رجلاً فبرأ جرحه وفدا العبد سيده، ثم انتقض الجرح فمات منه؛ فليقسم ولاته ولهم قتله في العمد، فإن استحيوه على استرقاقه صار الجرح كالخطأ، وخير سيده بين أن يسلمه أو يفديه بالدية، فإن أسلمه

رجع بما دفع أولاً في الجرح، وإن فداه قاصه به في الدية. ولو أن عبيداً قتلوا رجلا خطأ أو جرحوه وهم لمالك واحد، أو لجماعة فدية النفس أو الجرح تقسم على عددهم، فمن شاء سيده منهم فداه بما يقع عليه أن اسلمه فيه قلّت قيمته أو كثرت، قلَّ ما يصير عليه أو كثر، كانوا لواحد أو لجماعة. 121 - فصل [فيما يلزم من أبطل عبداً بجنايته عليه] ومن فقأ عيني عبد لرجل أو قطع يديه جميعا فقد أبطله، ويعتق عليه، ويضمن قيمته، وإن لم يبطله مثل أن يفقأ [233/أ] له عيناً واحدة أو يجدع أذنه وشبهه؛ فعليه ما نقصه، ولا يعتق عليه. قال ابن القاسم: وقد سمعت أنه يسلم إلى من فعل ذلك به فيعتق

عليه وذلك رأيي إذا أبطله على صاحبه. 122 - فصل [في العبد يقطع يد رجل ويقتل آخر خطأ] وإن قطع عبدك يد رجل خطأ وقتل آخر خطأ؛ فإن أسلمته فهو بينهما أثلاثاً، ولو استهلك مع ذلك مالاً حاصّ أهل المال أهل الجراح في رقبته بقيمة ما استهلك لهم، ولو قتل واحداً خطأ وفقأ عين آخر خطأ فلك أن تفدي ثلثيه في القتل بجميع الدية وتسلم إلى صاحب العين ثلثه فيكون معك في العبد شريكاً. 123 - فصل [في جناية العبد المدبر] قال مالك في المدبر يجني فيسلم سيده خدمته في الجناية فيموت السيد قبل أن يفي ما خدم بالجناية فإن جمله الثلث عتق واتبع بما بقي عليه من الجناية، وإن لم يحمله الثلث عتق منه ما حمل الثلث ثم نظر ما بقي لأهل الجناية فيقسم على مارق منه وما عتق فأما فدى الورثة مارق منه بما ينوبه

أو أسلموه فيه وما وقع على العتيق منه أتبع به. قيل: أفيأخذون جميع كسبه حتى يستوفوا بقية الجناية مما على العتيق منه؟ قال: قد قال مالك في العبد نصفه حر يجني فيفدي السيد حصته: أن ما بيد العبد من مال يؤخذ في نصف الجناية التي لزمته، وكذلك المدبر فيما بيده من المال، وأما ما اكتسب فلا يؤخذ منه من الجزء العتيق إلاّ ما فضل عن عيشه وكسوته، والذي أخذ من العبد في جنايته إنما هو قضاء لنصيبه الذي عتق منه، فإن كان كفافا لم يتبع بشيء، وإن كان فيه فضل وقف الفضل بيده. ابن عبدوس: وقال غيره: إنما هذا في كل ما استفاده المدبر في مرض السيد أو بعد موته، فأما كل ما استفاده في صحة السيد بعد الجناية أو قبلها فذلك قد وجب عليه لأهل الجناية أخذه حتى يستوفوا منه جنايتهم أو لا يكون فيه وفاء فيقسم ما بقي منها على ما عتق منه ومارق. قال ابن المواز في الثاني من الجنايات: وإنما يؤخذ مال المدبر فيما جنى

قبل أن يعتق أو بعضه، وسواء أقيم عليه في حياة السيد أو بعد موته فإنه يؤخذ ذلك من ماله، فأما ما جنى بعد أن عتق بعضه في ثلث سيده فهو بمنزلة المعتق بعضه يجني جناية فينظر ما يفضل من كسبه بعد عيشه وكسوته، فيؤخذ منه عن ما يصير على جزئه العتيق، وغن استوعب ذلك كل ما يبقى بيده. قال ابن القاسم في المدونة: وإن قصر ذلك اتبع به في حصة الجزء العتيق، وأما مارق لهم منه فلا يتبعونه فيه بشيء من الجناية؛ لأنه رقيق لهم وعليهم أن يطعموه ويكسوه بقدر الذي رقَّ لهم. 124 - فصل [في إقرار العبد بالجناية] قال مالك في عبد على برذون مشى على إصبع صبي فقطعه

فتعلق به يقول: هذا فعل ذلك بي وصدقه العبد: فما كان مثل هذا يتعلق به وهو يدمى ويقر به العبد فهو في رقبته؛ إما فداه سيده أو أسلمه، وأما على غير هذا من إقرار العبد فلا يقبل إلا ببينة، وإن أقر العبد بقتل عمداً فلهم قتله وإن استحيوه ليأخذوه فليس ذلك لهم؛ للتهمة أن يكون أقر ليفر إليهم. [125 - فصل: في جناية العبد المودع أو العارية] وإن جنى عبد في يديك عارية أو وديعة أو رهنا أو بإجاره ومولاه غائب ففديته ثم قدم فإما دفع إليك ما فديته به وأخذه، وإلا أسلمه إليك ولا شيء عليه. 126 - فصل [في عجز العبد المكاتب وعليه دين] وإذا عجز المكاتب وعليه دين فدينه في ذمته إلا أن يكون له مال حين عجز فيؤدي منه الدين، وكلما أفاد بعد عجزه فللغرماء أن يأخذوه في دينهم إلاّ ما كان من كسب يده وعمله في الأسواق فإن ذلك لسيده.

وإذا أذن المكاتب لعبده في التجارة فرهق العبد دين، وعلى المكاتب دين فقام الغرماء فالعبد يباع في دين المكاتب ويبينون أن عليه ديناً، ويبقى دين العبد في ذمته يتبع به. 127 - فصل [في جناية المكاتبة] وإذا جنت مكاتبة ثم ولدت فماتت فلا شيء على الولد من جنايتها، ولا مما في ذمتها من دين. وكذلك المدبرة تلد بعد الجناية فلا يدخل ولدها في الجناية. وكذلك الأمة تجني وهي حامل، او حملت بعد أن جنت ثم وضعت؛ فلا يسلم ولدها معها في الجناية، وتسلم بمالها كسبته قبل الجناية أو بعدها. وإذا جنت الأمة منع السيد من وطئها حتى يُحكم فيها. 128 - فصل [في جناية أم الولد] وإذن قتلت أم الولد رجلا عمداً وله وليان فعفا أحدهما فعلى السيد للآخر الأقل من نصف قيمتها أو نصف الدية، فإن قال السيد:

لا أدفع شيئاً إنما لكم قتل فليس ذلك له؛ كالحر يقتل رجلا له وليان فيعفو أحدهما فعليه للآخر نصف الدية، ويجبر على ذلك. بخلاف أن لو كان له واحد فعفا على الدية وأبى القاتل إلاَ القتل فذلك له. وقال أشهب: يجبر على الدية وقد تقدم هذا. 129 - فصل [في مسائل متفرقة: بعضها في طرف من شهادة النساء في الجراح، وبعضها في المماثلة في القود] ولا تجوز شهادة النساء في دم العمد ولا في العفو عنه، وتجوز شهادتين في قتل الخطأ وجراح الخطأ؛ لأن ذلك مال. وإن شهدن على منقلة لرجل أو مأمومة عمداً جازت شهادتهن، لأن العمد والخطأ فيهما إنما هو مال، ليس فيه قود. وإن شهد رجل أن فلاناً قتل فلاناً بالسيف وشهد آخر أنه قتله بالحجر؛ فذلك باطل ولا يقسم في ذلك.

قال سحنون: وذلك إذا ادعى الولي شهادتهما جميعاً، وأما إن ادعى شهادة أحدهما ففيه القسامة مع ذلك الشاهد. وقد تقدم: أن من قطع أصابع رجل عمداً ثم قطع بقية كفه، فإنما عليه أن تقطع يده من الكف إلا أن يكون فعل ذلك به على وجه العذاب فيصنع به مثل ذلك. ولو طرح رجلاً في نهر ولم يدر أنه لا يحسم العوم فمات؛ فإن كان على وجه العداوة والقتال قتل به، وإن كان على غير ذلك ففيه الدية. م: يريد على العاقلة ولا يقتل به. ومن وضع سيفاً في طريق المسلمين، أو في موضع يرصد به قتل رجل فعطب به ذلك الرجل فإنه يقتل به، وإن عطب به غيره فديته على عاقلته.

قال محمد بن عبد الله بن يونس: وإنما كررت هذه المسائل لأني نقلتها إلى ما يشبهها ثم كررتها لجهة التوالي، وأن لا يفوت قاريَّ موعد ما في الأمهات حسب ما شرطناه في أول هذا الديوان، والله عزَّ وجلَّ نسأله العصمة والتوفيق بمنِّهِ. مسائل من غير المدونة مما يتعلق بهذا الكتاب. 1 - فصل [فيمن أمر رجلاً بقتل رجل فأطاعه، أو أمسك رجلاً لمن قتله، أو أمر عبده أو ابنه بشيء من ذلك] من المختصر قال ابن القاسم: ومن أمر رجلاً أن يقتل رجلا فقتله قُتل به القاتل دون الآمر.

م: كالمحرم يأمر محرماً بقتل صيد أن الجزاء على القاتل. قال ابن القاسم: ومن أمسك رجلاً لآخر فقتله فإن أمسكه وهو يرى أنه يريد قتله قُتِلا به جميعاً. م: كمحرم أمسك صيداً لمحرم فقتله فعليهما جزاؤه. قال ابن القاسم: وإن لم يظن ذلك وظن أنه يضربه كضرب الناس قتل القاتل وبولغ في عقوبة الممسك وسجن ولم يُقتَل. وإذا أمر السيد عبده أو العامل الظالم بعض أعوانه بقتل رجل بغير حق؛ فإنه يقتل به الآمر والمأمور كما قال في جزاء الصيد. قال ابن القاسم: وأما الأب يأمر ابنه، أو المعلم يأمر بعض صبيانه، أو الصانع يأمر متعلمه؛ فإنه إن كان المأمور منهم محتلماً فالقتل عليه وليس على الآمر قتل ولا على عاقلته دية وعليه العقوبة، وإن لم يحتلم فالقتل على الآمر، وعلى عاقلة الصبي نصف الدية، وإن كثر الصبيان فالدية على

عواقلهم، وإن لم يجب على كل عاقلة إلا أقل من الثلث فإنها تحمله. والسكران يقتل رجلا في حال سكره فإنه يقتل به. قال أشهب: وليس كالصبي والمجنون. 2 - فصل [فيمن أذن لرجل في الجناية عليه أو على عبده] ومن قال لرجل اقطع يدي أو يد عبدي أو افقأ أعيننا ففعل؛ فعلى المأمور العقوبة، ولا غرم عليه في الحر ولا في غيره. 3 - فصل [في القتل والقصاص في الحرم، والقصاص من المحرم] قال مالك: ومن قتل رجلاً في الحرم فلا بأس أن يقاد منه في الحرم، ولو قتله في الحل فظفر به في الحرم فلا بأس بالقود منه فيه. قال ابن القاسم: ويقتل وهو محرم ولا يترك حتى يحل. قال مالك: يقاد من حدود الله عز وجل كلها غي الحرم، ولا ينتظر

بها، ولا يخرج به إلى الحل فعسى أن ينفلت من الأسر أو يأتيه من يقتله قبل خروجه. 4 - فصل [في خير الناس بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم] سُئل مالك: عن خير الناس بعد نبيهم؟ فقال: أبو بكر، ثم قال: أو في ذلك شك؟ قيل له: فعلي وعثمان رضي الله عنهما أيهما أفضل؟ فقال: ما أدركت أحداً يفضل أحدهما على

صاحبه. ويرى الكف عنهما. وروى عنه أيضاً: أن أفضل الصحابة رضي الله عنهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي. م: وسنذكر بيان ذلك في الجامع لهذا الكتاب مع ما يشبهه من الاعتقادات والآداب والسِّير والسنن والأخبار إن شاء اله عز وجل. تم كتاب الديات من الكتاب الجامع وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

كتاب الجامع

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه كتاب الجامع [الباب الأول] باب ما يجب على المكلفين اعتقاده ولا يسع جهله قال القاضي أبو بكر بن الطيب رحمه الله وغيره:- الواجب على كل مكلف أن يعرف به بالأوائل والمقدمات التي لا ينم فيه النظر في معرفة الله عز وجل وصفاته وحقيقة توحيده إلا بها.

[فصل 1 - تعريف العلم] فأول ذلك القول في العلم وأحكامه ومراتبه. فحد العلم: معرفة المعلوم على ما هو به. [فصل 2 - أقسام العلم] والعلوم كلها تنقسم على قسمين:- فقسم منها علم الله سبحانه، وهو علم قديم ليس بحادث ولا عرض ولا جنس من الأجناس، ولا يحصل العلم به اضطرارا ولا استدلالا، ولا مما له ضد ينفيه، ولا يصح عدمه، ولا يختص في تعلقه بمعلوم أو معلومات مخصوصات، بل هو متعلق بما لا نهاية له منها، وهو علم الله سبحانه الذي هو لم يزل ولا يزال عالما به، وهو صفة لذاته.

قال الله عز وجل: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ}. وقال جل من قائل: {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ}، فأثبت لنفسه علما. والقسم الآخر: علم الخلق وهو ينقسم على قسمين:- فقسم منه: علم اضطرار. والآخر: علم نظر واستدلال. فالضروري: ما لزم أنفس الخلق لزوما لا يمكنهم دفعه ولا الشك في معلومه، نحو العلم بما أدركته الحواس الخمس وما أفتي في النفس من الضرورات. والنظري: ما احتيج في معرفته إلى الفكر والرواية. [فصل 3 - طرق تحصيل العلم] وجميع العلوم الضرورية تقع للخلق من ست طرق، فمنها:- درك الحواس الخمس وهي: حاسة الرؤية، وحاسة السمع، وحاسة الذوق، وحاسة الشم، وحاسة اللمس. والسادس: العلم المبتدأ في النفس نحو: علم الإنسان بوجود نفسه وما

يحدث فيها من لذة وألم وغم وفرح وصحة وسقم، والعلم بأن الضدين لا يجتمعان، وأن الاثنين أكثر من واحد، وأن الثمر لا يكون إلا من شجر، واللبن لا يكون إلا من ضرع، وكالعلم بالبلدان والدول، ونحو ذلك. وما عدا هذه العلوم لا يحصل إلا مع استيفاء النظر. وأن تعلم أن الاستدلال هو نظر القلب المطلوب به ما غاب عن الحس، والدليل ما أمكن أن نتوصل بصحيح النظر فيه إلى معرفة ما لا يعلم باضطرار. وأن تعلم أن المعلومات على ضربين: معدوم، وموجود. فالمعدوم: الذي ليس بشيء، قال الله عز وجل: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا}. والموجود: هو الكائن الثابت، قال الله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} وهو سبحانه وتعالى شيء موجود. وقول أهل اللغة: علمت شيئا، ورأيت شيئا إشارة إلى شيء موجود، وقولهم: ليس بشيء إشارة إلى معدوم.

فصل [4 - أنواع الموجودات وأقسامها] وأن تعلم أن الموجودات على ضربين: قديم لم يزل: وهو الله عز وجل وصفات ذاته. ومحدث: وهو لم يكن فكان. وأن تعلم: أن المحدثات على ثلاثة أقسام: جسم، وجوهر، وعرض. فالجسم: هو المؤلف المركب أقل ما يجتمع من جوهرين. والجوهر: هو الذي له حيز وهو إشغال مكان، أو ما يقدر تقديرا لمكان من غير أن يوجد فيه غيره، وهو الجزء الذي لا يتجزأ. والعرض: كالحركات، والألوان تعرض في الجواهر والأجسام، ولا يصح بقاؤه. فيتبين من قولهم: عرض لفلان عارض من مرض إذا قرب زواله، وقوله عز وجل: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}. فكل شيء قرب زواله وصف بذلك. [فصل 5 - الدليل على وجوب وجود الخالق] وأن يعلم: أن للعالم محدثاً أحداثه.

والدليل على ذلك: وجود الحوادث بعد أن لم تكن، ولأن المحدث لو لم يتعلق بمحدث أحدثه لم تتعلق الكتابة بكاتب ولا البناء ببان. ويدل على ذلك -أيضا- علمنا بتعلق الفعل بالفاعل في كونه فعلا، كتعلق الفاعل في كونه فاعلا بفعل، وأن تعلق الكتابة والصناعة بالكاتب والصانع، كتعلق الكاتب في كونه كاتبا بالكتابة، والصانع بالصناعة، فلو جاز فعل لا من فاعل، وكتابة لا من كاتب لجاز وجود محدث لا محدث له، وذلك محال. فصل [6 - في ذكر بعض صفات الخالق] ومن صفات هذا الصانع أنه موجود قديم واحد حي عالم قادر مريد متكلم سميع بصير باق، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير. والدليل على أنه موجود: أن الأفعال يستحيل أن تقع إلا بوجود القدرة، والقدرة يستحيل أن تقوم بمعدوم، فأثبت أنها قائمة بوجوده. -وأيضا- فلو لم يقتض حدوث العالم وجود المحدث له لم يقتض البناء وجود الباني، ولا الكتابة وجود الكاتب. والدليل على أنه قديم: لأنه لو كان محدثا لاقتضى محدثا أحدثه، واقتضى محدثه محدثا أحدثه إلى ما لا نهاية له وذلك محال، فوجب أن يكون الصانع قديما. والدليل على أنه عالم قادر حي: ظهور الأفعال المحكمة منه، لاستحالة ظهورها من العاجز الجاهل.

ولما ثبت أنه عالم قادر استحال أن يقصد إلى فعله وليس بحي، ولو جاز ذلك لم يدر فعل سائر ما يظهر من الحيوان من تدبرهم، وسائر صنائعهم تظهر منهم وهم موتى، فلما استحال ذلك ثبت أنه حي. والدليل على أنه واحد: أنه لما ثبت أن للعالم محدثا أحدثه، ولم يكن في الأفعال ما يدل على صانع ثان، فلو أثبتنا الأفعال ثانيا لم يقم عليه دليل، ولم يكن أولى من إثبات ثالث ورابع وذلك لا نهاية له، وذلك محال، وما أدى إلى المحال محال. -وأيضا- فلو كان للعالم أكثر من صانع لكان لا يستحيل أن يريد أحدهما خلاف ما يريد الآخر، فإن تم ما يريد أحدهما، فالذي لم يتم مراده عاجز، والعاجز لا يكون إلها، فدل أن صانع العالم واحد. والدليل على أنه سميع بصير: أنه لما ثبت أنه حي، والحي إذا لم يكن سميعا بصيرا كان موصوفا بضد السمع والبصر، ومن ذلك من الآفات الدالة على حدث من جازت عليه وقد أثبتنا أنه قديم. -وأيضا- فإنه لو كان غير سميع بصير لعجز عن الرؤية والسمع والعاجز لا يكون إلها.

والدليل على أنه مريد قاصد لمراده: لأنه يستحيل ترتيب الأفعال ووضعها مواضعها ممن ليس بمريد ولا قاصد إلى ترتيبها، واستحالة ذلك كاستحالة ظهورها ممن ليس بعالم، وقد أثبتنا أنه عالم. والدليل على أنه ليس كمثله شيء: لأنه لو أشبه الأشياء لجاز عليه ما يجوز عليها، ولكان محدثا من حيث أشبهها، وكانت قديمة من حيث أشبهته، وذلك محال، واجتماع لضدين. وفيما ذكرنا من ذلك كفاية.

[الباب الثاني] باب البيان عن إثبات الرسل صلى الله عليهم أجمعين

[الباب الثاني] باب البيان عن إثبات الرسل صلى الله عليهم أجمعين [فصل 1 - الدليل على إثبات نبوة الأنبياء] لو قيل: ما الدليل على إثبات نبوة نبيكم وغيره من الرسل صلى الله عليهم أجمعين؟ قيل له: الدليل على ذلك ما ظهر عليهم من الآيات وإتيانهم بظهور المعجزات، وبعث كل رسول منهم إلى قومه لما يفوق به الضرب الذي به يعجزون وعليه يعولون، فتحداهم على الإتيان بمثله، وقرعهم بالعجز عن معارضته.

[فصل 2 - من معجزات موسى عليه السلام] فبعث الله موسى على نبينا وعليه السلام إلى قوم، وجل ما يحسنون، ومعظم ما به يعجزون علم السحر، فتحداهم بقلب العصا حية، وإخراج اليد بيضاء، وفلق البحر، وإرسال الضفادع والقمل. فتلقفت عصاه ما يأفكون، وانقلب فرعون وقومه خاسرين، وقال السحرة آمنا برب العالمين، رب موسى وهارون بعد أن قال لهم موسى: ما جئتم به السحر إن الله سيبطله. [فصل 3 - من معجزات عيسى عليه السلام] وبعث عيسى على نبينا وعليه السلام إلى قوم عظيم عملهم الطب، فتحداهم بإحياء الموتى، وإقامة الزمنى، وإبراء الأكمه والأبرص، فأذعنوا لقومه منقادين، وتيقنوا أن ما أتاهم به خارج عن إمكان المخلوقين، وأنها شهادة له من رب العالمين

[فصل 4 - من معجزات محمد صلى الله عليه وسلم] وبعث محمدا صلى الله عليه وسلم إلى قوم بلغاء فصحاء، أصحاب نثر ونظم وخطابة، وسجع وشعر، وكانوا أفصح أهل عصرهم، ومن جميع الناسبين بعدهم. [معجزة القرآن العظيم] فأنزل الله عز وجل عليه القرآن العزيز وأمره في قصد التلاوة بتحديهم، فتحداهم بالإتيان بمثله، وبالغ في توبيخهم بالعجز عن شبهه. فقال عز وجل: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَاتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَاتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}. وقال عز من قائل: {فَاتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. ثم قال عز وجل: {فَاتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}، ولم يقل من طوالها دون قصارها فلم يستطيعوا ذلك، ولا تسرعوا إليه ولا تعاطوه، ولو كانوا على ذلك قادرين لتسارعوا إليه ولكان ذلك أخف عليهم وأيسر من المسابقة وبذل المهج،

ونصب الحرب معه، وما أداه إليه من ذهاب أنفسهم، وقتل كبرائهم وإجلائهم عن ديارهم, وتملك أرضهم واسترقاقهم. [معجزة الإخبار عن الغيوب] وقص عليهم سير الأولين، وأخبار المتقدمين، وشرائع الماضين مع علمهم بنشئه ومسكنه، ثم ما أخبرهم به من الغيوب المستقبلية، والحوادث الكائنة التي لا يعلمها إلا علام الغيوب. فقال عز وجل: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}. وقال تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} فدخلوه كما وعدهم. وقال تبارك وتعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي

ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} فمهد لهم البلاد وأذل لهم العباد حتى افتتحوا لهم البلاد ومصروا الأمصار وجبوا الأموال وسبوا الأولاد، وأزاحوا ملك الأكاسرة والجبابرة، واستقامت لهم البلاد، وصارت كلمتهم عالية إلى يوم التناد. [معجزة العادات الخارقة] مع ما ظهر على يديه من كلام الذئب، وحنين الجذع، ومجيء الشجرة ومشيها إليه وانقلاعها من موضعها ثم انصرافها إليه، وتسبيح الحصاة، وجعل قليل الطعام كثيرا، وانشقاق القمر، وقصة شاة أم معبد، وابتلاع الأرض لقوائم فرس سراقة بن مالك، وكلام الزراع المسمومة إلى غير ذلك مما قد تظاهرت به

أخبار الأحاديث وبمحضرة الجماعات الكثيرة إلى غيره، وظهور ذلك بمشهد منهم، والله عز وجل لا يظهر الآيات ويخترع المعجزات إلا للدلالة على صدق رسله والإقامة لهم بالفضيلة من جميع خلقه، لأن فعل ذلك مع تحديهم قام مقام القول: صدقوا أنني أرسلتهم وأمرتهم بالإبلاغ عني، فوجب لذلك أن يكون تعالى قد يشهد بتصديقهم وقطع العذر في الدلالة على نبوتهم. وهذا بيان شاف يكتفى به في إثبات التوحيد والنبوة لأنبيائه.

[الباب الثالث] [باب] ذكر ما أنعم الله على خلقه الحسي [الإدراك]

[الباب الثالث] [باب] ذكر ما أنعم الله على خلقه الحسي [الإدراك] [فصل 1 - نعمة إدراك اللذات وسلامة الحواس] فأول ذلك خلقه فيهم إدراك اللذات وسلامة الحواس. وقيل: ما يشبعون به من الشهوات التي تميل إليها طباعهم وتصلح عليها أجسامهم، ولو أحياهم وآلمهم ومنعهم إدراك اللذات لكانوا مستضرين بالآلام وبمثابة الأحياء المعذبين من أهل النار. [فصل 2 - نعمة الإيمان] وأفضل نعم الله تعالى على عباده المؤمنين خلقه الإيمان في قلوبهم وإجراؤه على ألسنتهم، وهذه نعمة خصهم بها دون الكافرين. ولذلك قال الله عز وجل: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}.

[وقوله]: {مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا}. وقال عز وجل: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.

[الباب الرابع] [باب] ذكر البيان عن طرق الأدلة التي يعلم بها الحق

[الباب الرابع] [باب] ذكر البيان عن طرق الأدلة التي يعلم بها الحق وهي خمسة:- أولها: كتاب الله عز وجل. والثانية: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثالثة: إجماع الأمة. والرابعة: ما استخرج من هذه النصوص وبني عليها بطريق القياس والاجتهاد. والخامسة: حجج العقول. [فصل 1 - الأمر باتباع الكتاب العزيز] قال الله عز وجل آمرا باتباع كتابه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}. وقال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرً}. وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}.

وقال تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}. وقال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}. [فصل 2 - الأمر باتباع السنة المطهرة] وقال عز من قائل في الأمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. وقال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}. [فصل 3 - الأمر باتباع إجماع المسلمين] وقال سبحانه وتعالى في وصف عدالة أمة نبيه صلى الله عليه وسلم، والأمر باتباعهم والتحذير عن مخالفتهم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ

وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}. وقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}. وقال عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. [فصل 4 - الأمر بالقياس] وقال جل ثناؤه في الأمر بالقياس والحكم بالنظائر والأمثال: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}. وقال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}. وقال النبي عليه السلام لقاضيه معاذ بن جبل حين أنفذه لإقامة الحدود واستيفاء

الحقوق بم تحكم؟ فقال: بكتاب الله عز وجل، قال: فإن لم تجد؟ قال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأي وأحكم، فقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسوله لما يحب ويرضى رسوله، فأمره على الحكم بالاجتهاد وجعله أحد طرق الأحكام. [فصل 5 - الأدلة على اتباع حجج العقول] وقال تعالى في اتباع حجج العقول: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}. وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ}. وقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.

وقال تعالى: {مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}. وقال تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}. وأمرهم بالاعتبار ورد الشيء إلى مثله، والحكم له بحكم نظيره.

[الباب الخامس] باب ترتيب المكلفين، وتنزيل جميع فرائض الدين

[الباب الخامس] باب ترتيب المكلفين، وتنزيل جميع فرائض الدين وجميع فرائض الدين على أربعة أقسام:- [فصل 1 - ما يلزم جميع الأعيان المكلفين] فقسم منها يلزم جميع الأعيان المكلفين وهو: الإيمان والتصديق له ولرسوله وكتبه وما جاء من عنده، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان والحج من استطاع إليه سبيلا مرة والجهاد، والكف عن جميع المحظورات من غضب الأموال وظلم العباد، والامتناع عن دفع الحقوق ونحو ذلك، والتوبة من جميع الموبقات والخروج عن الواجبات، وتجديد التوبة عن ذكر الذنب، وما يلزم من النذور والكفارات. فهذه فروض واجبة على جميع المتعبدين وسائر العقلاء المكلفين من راع ورعية وخاصة وعامة وذكر وأنثى وحر وعبد، ممن بلغ الحلم وجرى عليه القلم؛ غير أن العبد لا تجب عليه الزكاة ولا الحج حتى يعتق وتجتمع فيه شروط إيجاب ذلك.

[فصل 2 - ما يختص وجوبه بالأئمة دون العلماء والرعية] والقسم الثاني: من الفرائض يختص وجوبه بالأئمة دون الرعية من العلماء والعامة وهي: إقامة الحدود واستيفاء الحقوق وفصل الحكومات والقضايا والخصومات، وجنايات الجراح، وجنايات الأموال ووضعها في حقوقها وصرفها إلى أهلها لا يلي ذلك أحد من الرعية ولا يسوغ فيه الشروع لأحد من العامة الذين ليسوا الأئمة وخلفائهم والولاة من قبلهم. [فصل 3 - ما يلزم العلماء دون العامة] والقسم الثالث: من فرائض العلماء دون العامة وهي: الفتوى في النوازل والأحكام من الأمر إلى العامة بما يؤدي إليه النظر والاجتهاد، هذا الفرض مقصور على العلماء من سلطان ورعية لا يحل لأحد من العامة الذين ليسوا من أهل النظر في الأحكام الدخول فيه، وفتوى الإمام وخلفائه لا يكون حكما لازما بل هم وغيرهم في ذلك سواء.

وإنما ما يلزم من ذلك ويصير حكما ما قضي به على الرعية عند التخاصم والترافع إليهم، ويكره للقاضي والإمام أن يفتيا فيما يتعلق بالخصومات والحقوق لئلا تعرف مذاهبهم ويسرع في التحرز من أحكامهم ويتوصل بالحيل في ذلك إلى إبطال الحقوق. [فصل 4 - ما يختص بالعامة] والقسم الرابع: من الفروض يختص بالعامة خاصة، وهو الاستفتاء في الأحكام والرجوع إلى قول العلماء في تعريف ما يلزمهم في حكم الحلال والحرام، وهذا فرض مقصور على العامة، ومحظور على العلماء الذين لهم آية الاستنباط، وعلم بطريق القياس والاستخراج. وقد أجاز بعض الناس تقليد العالم للعالم عند تضيق فرضه وانغلاق طريق الحكم عليه. وأجاز ذلك آخرون على كل حال. وأنكره آخرون، وهو أولى، والله عز وجل أعلم.

[الباب السادس] باب القول في البيان عن الإسلام والإيمان ومعنى ذلك

[الباب السادس] باب القول في البيان عن الإسلام والإيمان ومعنى ذلك [فصل 1 - في معنى الإسلام والفرق بينه وبين الإيمان] معنى الإسلام: الانقياد، قال الله عز وجل: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} يريد: لأنه انقاد إليكم ظاهره وأذعن بكلمة الحق لكنكم لا تعرفون باطنه. وقال تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} أي انقاد له، فكل طاعة انقاد بها العبد لربه فاستسلم فيها لأمره فهي إسلام. والإيمان أعلى خصلة من خصال الإسلام، وهو الذي لا تتم طاعة الله عز وجل وقربه إليه إلا به، فوجب أن يكون كل إيمان إسلاما لله عز وجل من حيث كان قربه إليه وانقيادا له واستسلاما لأمره، ولا يكون كل إسلام إيمانا؛ لأن من الإسلام تصديقا وإيمانا ومنه ما ليس بتصديق.

قال الله عز وجل: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} يريد بإسلامهم: الاستسلام بدقائق السيف دون انشراح الصدر للإيمان، فأثبت لهم الاستسلام ونفى عنهم التصديق. فصل [2 - تعريف الإيمان] والإيمان بالله عز وجل: هو التصديق بالقلب بأن الله عز وجل هو الفرد الواحد الصمد القديم الخالق العليم الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. والدليل على ذلك أن الإيمان هو التصديق بالقلب قوله عز وجل: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} يريد: بمصدق لنا. وقوله عز وجل: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا} أي: تصدقوا. ويقال: فلان مؤمن بالله وبالبعث، أي: مصدق بذلك. وقد اتفق أهل اللغة على أن الإيمان في اللغة هو التصديق. فالإيمان بالله عز وجل هو التصديق بمضمن التوحيد له سبحانه، والوصف له

بصفاته، ونفي النقائص عنه الدالة على حدوث من جازت عليه. [فصل 3 - في زيادة الإيمان ونقائصه] قال أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله: الإيمان قول باللسان، وإخلاص بالقلب، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية نقصا عن حقائق الكمال لا محبطا للإيمان. ولم يختلف أئمة الدين في الزيادة، ولا يرفع في ذلك إلا أحاديث المرجئة الذين يقولون: أن إيمان أهل الكبائر كإيمان جبريل وميكائيل وإسرافيل وسائر النبيين صلى الله عليهم أجمعين. وقوله هذا هو الباطل الذي أكذبه القرآن، وقد نص الله تعالى على زيادته في القرآن وهو قوله عز وجل: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}. وقوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ}.

فأول الإيمان له حد ليس يكون بعده نقص إلا كان كافرا أو شاكا، فإذا سلم من هذا كان إيمانا يخرج به من الريب والشك إلى الإيمان والتصديق ثم يزيد فتقوى بصيرة من وهبه الله عز وجل المزيد فيزداد يقينه بأمور الله عز وجل ووعده ووعيده، ويعظم الله سبحانه في قلبه ويهون عليه الدنيا في طلب مرضاته لما عنده من مزيد الإيمان. وقد سمى الله تعالى الأعمال إيمانا بقوله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} يعني: صلاتكم إلى بيت المقدس حين نسخت القبلة. وإلى هذا المعنى يرجع أن العمل إيمان وأن النقص إنما يكون في تلك الزيادات فترى مؤمنين وبأحدهما من الخوف والإشفاق والزهد ما ليس بصاحبه، أفترى إيمان هذين سواء، هذا جهل من قائله، فنقص الإيمان إنما ينقص من تلك الزيادات حتى يبلغ إلى أقل الإيمان الذي النقص فيه شك وكفر.

قال الشيخ أبو الحسن الفاسي: اتفق أهل السنة أن الإيمان قول وعمل:- وذلك لقول الله عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ}. وقوله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أي صلاتكم إلى بيت المقدس. ولقوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآية، وفيها: وآتى المال على حبه، وفيها: وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون. وما في كتاب الله عز وجل من هذا فهو توكيد ويزيده بيانا. وأما السنة فكثيرة منها:- قوله صلى الله عليه وسلم:" بني الإسلام على خمس" فذكر بعد الشهادة إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت. والإيمان يزيد وينقص، ولم يختلف أهل السنة في زيادته؛ لأنه في كتاب الله تعالى. ووقف مالك عن القول في نقصانه وإنما توقف عن إطلاق النقصان لما يؤدي

ذلك إليه من الخصام، إذ لم ينص على النقص في كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلما كان إطلاق ذلك يدخل الشك على العوام أن من أبى من قبول نقصه يكون ما صدق به إيمانا لا يضره ما ارتاب فيه، ووقف الكلام في نقصه. وأما من أطلق القول من أهل السنة بأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية فمعناه: أنه إذا كان الإيمان قولا وعملا اقتضى أنه من وفى بالقول والعمل فقد جاء به كاملا بشروطه، ومن خالف بالعمل باقتراف الذنوب فقد نقص شروط الإيمان. وقد تختلف -أيضا- معرفة المؤمنين بالإيمان من غير أن يدخل على أقل المؤمنين معرفة به ريب فيما أمر به وإن تساووا في القبول والإقرار وفي السلامة من الشك والريب في شيء من الإيمان. فالقلوب تختلف في يقينها وشكها وحسن توكلها، وتختلف في القوة والضعف عند الابتلاء بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي البأساء والضراء وحين البأس.

قال أبو محمد بن أبي زيد: ولا يكمل قول إلا بعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة. [فصل 5 - في عدم تكفير أهل القبلة] وأنه لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة وإن كان كبيرا، ولا يحبط الإيمان غير الشرك بالله؛ كما قال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}. وفيما ذكرنا من ذلك كفاية لمن يفهم، والله الموفق لمن يشاء برحمته.

[الباب السابع] باب في التوحيد والأسماء والصفات وسائر الاعتقادات

[الباب السابع] باب في التوحيد والأسماء والصفات وسائر الاعتقادات [فصل 1 - في إثبات الأسماء والصفات] والتوحيد لله عز وجل هو: الإقرار بأنه ثابت موجود، وأنه واحد ليس له ثان، فرد صمد معبود {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} على ما ورد به قوله تعالى: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}. وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. وأنه الأول قبل المحدثات، الباقي بعد فناء المخلوقات على ما أخبر به عز وجل، وقوله عز وجل: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} إلى قوله عز وجل: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، والعالم الذي لا يخفى عليه شيء، والقادر على اختراع كل مصنوع وإبداع كل جنس

معقول على ما أخبر به عز وجل من قوله عز وجل: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}. وأنه الحي الذي لا يموت، والدائم الذي لا يزول، وأنه إله كل مخلوق ومبدعه ومنشئه ومخترعه، وأنه لم يزل مسميا لنفسه بأسمائه الحسنى، واصفا لها بصفاته العلا قبل إيجاد خلقه، وأنه قديم بأسمائه وصفات ذاته التي منها الحياة التي فارق بها الموات والأموات، والقدرة التي بها أبدع الأجناس والذوات، والعلم الذي به أحكم جميع المصنوعات، وأحاط بالمعلومات، والإرادة التي صرف بها أصناف المخلوقات، والسمع والبصر الذي أدرك بهما جميع المسموعات والمبصرات، والكلام الذي به فارق الخرس والسكوت وذوي الآفات، والبقاء الذي به سبق المكونات ويبقى بعد فناء جميع الفانيات، كما أخبر عز وجل في قوله سبحانه: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}. وقوله تعالى: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ}

[وقوله تعالى]: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ}. وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً}. وقوله تعالى: {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}. فنص عز وجل على إثبات أسمائه وصفات ذاته، وأخبر أنه تعالى ذو الوجه الباقي بعد انقضاء الباقيات كما قال سبحانه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ}. وقوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}. [صفة اليدين] واليدان اللتان نطق بإثباتهما له القرآن في قوله عز وجل: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}. وقوله عز وجل: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}. وأنهما ليستا بجارحتين ولا ذواتي صورة وبنية.

[صفة العينين] والعينان اللتان أفصح بإثباتهما من صفاته القرآن، وتواترت بذلك أخبار الرسول عليه السلام. فقال عز وجل: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} و {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}. وأن عينيه ليستا بجارحتين ولا بحاسة من الحواس ولا يشبه الجوارح ولا الأجناس. [صفة الإرادة] وأنه سبحانه لم يزل مريدا وشافيا ومحبا ومبغضا وراضيا وساخطا ومواليا ومعاديا ورحيما ورحمانا، وأن جميع هذه الصفات راجعة إلى إرادته في عباده ومشيئته، لا إلى غضب يعتريه ورضى يسكن طبعا له وحنق وغيظ يلحقه وحقد يجده؛ إذا كان سبحانه متعاليا عن الميل والنفور، وأنه سبحانه لم يزل راضيا في أزليته عمن علم أنه بالإيمان يختم عمله ويوافي به ربه إذ خلقه، وأنه لم يزل غضبانا على من يعلم أنه بالكفر يختم عمله وتكون عاقبة أمره.

فقد قال عز وجل: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}. وقال عز وجل: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}. وقال تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} وقال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}. فدل أنه يشاء ويريد. قال ابن فورك: وأن تعلم أن الله عز وجل ما خلق شيئا لعلة موجبة لخلقه سوى خلقه، وأن قول المعتزلة: خلق الخلق لينفعهم كلام باطل، وأنه سائغ في حكمه أن يخلق خلقا ينفعهم كلام باطل دائما أبدا دون وقت، أو يضرهم أو يضر بعضهم دائما أو منقطعا كل ذلك منه حكمة وصواب. فصل [2 - في الاستواء] قال القاضي رضي الله عنه: وأنه سبحانه مستو على عرشه كما قال عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} بغير مماسة ولا كيفية ولا مجاورة. وأنه تعالى في السماء إله وفي الأرض إله كما أخبر بذلك.

قال أبو محمد: قال رجل لمالك: يا أبا عبد الله، الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟ قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب، وأراك صاحب بدعة، أخرجوه. وأن تعلم أن الله عز وجل فوق سماواته وعلى عرشه دون أرضه، وأنه في كل مكان بعلمه، وأن له تعالى كرسيا كما قال تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}. ولما جاءت به الأحاديث أن الله عز وجل يضع كرسيه يوم القيامة لفصل القضاء. قال مجاهد: وكانوا يقولون: ما السماوات والأرض في الكرسي إلا كحلقة في فلاة من الأرض.

[فصل 3 - في رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة] قال القاضي: وأنه تعالى يتجلى لعباده المؤمنين في المعاد فيرونه بالأبصار على ما نطق به القرآن في قوله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، وأكد ذلك بقوله في الكافرين: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} تخصيصا منه تعالى برؤية المؤمنين، والتفرقة بينهم وبين الكافرين، وعلى ما وردت به السنن الصحيحة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك:- حديث أبي هريرة: أن الناس قالوا يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال عليه السلام: "هل تضارون في القمر ليلة البدر؟ " قالوا: لا يا رسول الله. قال: "هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ "، قالوا: لا يا رسول الله. قال: " فإنكم ترونه كذلك" ومنه حديث أبي سعيد الخدري قلنا يا رسول الله: هل نرى ربنا؟ قال: " هل تضارون في رؤية الشمس إذا كانت صحوا؟ " قلنا: لا، قال: "فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ كما لا تضارون في رؤيتها".

ومنه حديث ابن شهاب عن قيس بن حازم عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنكم سترون ربكم عيانا". وقال محمد بن يحيى النيسابوري: السنة عندنا، وهو قول أئمتنا مالك بن يونس، والأوزاعي، والثوري، وابن عيينة، وابن حنبل، وعليه عهدنا أهل العلم قالوا: إن الله عز وجل يرى في الآخرة بالأبصار، يراه أهل الجنة دون من سواهم من بني آدم، وفي ذلك سنن كثيرة يطول ذكرها، وعليه حذاق أهل الكلام والله الموفق للصواب.

فصل [4 - في الإدراك] وأن تعلم مع كونه سميعا بصيرا أنه مدرك لجميع المدركات التي يدركها الخلق من الطعوم والروائح واللين والخشونة والحرارة والبرودة بإدراك غير مكيف. وأنه مع ذلك ليس بذي جوارح وحواس توجد بها هذه الإدراكات، فتعالى عن التصوير والجوارح والآلات. وأن تعلم أنه مع إدراك سائر الأجناس المدركات وجميع الموجودات أنه غير ملتذ، فلا ألم لإدراك شيء منها ولا شبيه لها ولا نافر عنها ولا منتفع بإدراكها ولا متضرر بها ولا يجانس شيئا منها. وأن تعلم أنه سبحانه ليس بمغاير لصفات ذاته وأنها في أنفسها غير متغايرة؛ إذ كان حقيقة الغيرين ما يجوز مفارقة أحدهما للآخر بالزمان أو المكان أو الموجود أو العدم، فإنه سبحانه يتعالى عن المفارقة لصفات ذاته عن أن توجد الواحدة منها مع عدم الأخرى. فصل [5 - في أقسام الصفات] وأن تعلم أن صفات ذاته التي لم تزل ولا يزال موصوفا بها، وأن صفات أفعاله

هي التي سبقها. قال ابن شاذان: والذي تقول به في أسماء الله عز وجل أنها على ثلاثة أضرب:- منها ما يرجع إلى مجرد الذات لا إلى معنى، كقولنا: أنه موجود وذات ونفس وقديم، وهو الله عز وجل. ومنها ما يرجع إلى صفات الذات كعالم وقادر وحي ومتكلم وسميع وبصير ومريد وما أشبه ذلك فهو من العلم والقدرة والحياة والكلام والإرادة، وهذه الصفات خطأ أن يقال هي هو، وخطأ أن يقال هي غيره. وصفات أفعال كرازق وخالق ومحي ومميت وما أشبه ذلك، وما كان من ذلك فهو من الخلق والرزق وحياتها وموتها وهذه غيره. وزعمت المعتزلة أن أسماء الله عز وجل هي غيره, وأنها مخلوقة، وأسماؤه: الله الرحمن الرحيم، والمخلوقات تبيد، وأنه كان تعالى في الأزل بلا اسم ولا صفة، وهذا ما اجتمعت الأمة على خلافه.

ويجب أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى عبادة غير الله عز وجل؛ لأنه قال لهم: اعبدوا الله، والله اسم مخلوق، ويجب أن يكون قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} فيسبح معنى: سبح غير ربك، وكذلك قوله تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} معناه: تبارك غير اسم ربك إذا كان اسمه غيره، وهذا كفر صراح من قائله. قال القاضي أبو بكر: وتعتقد أن مشيئة الله سبحانه ورضاه ورحمته وكراهيته وغضبه وسخطه وولايته وعداوته هو أجمع راجع إلى إرادته، وأن الإرادة صفة لذاته غير مخلوقة لا على ما يقوله القدرية، وأنه مريد لكل حادث في سمائه وأرضه مما ينفرد سبحانه بالقدرة على إيجاده، وما يجعله منه كسبا لعباده من خير وشر، ونفع وضر وهدى وضلال وطاعة وعصيان، ولا يخرج حادث عن مشيئته، ولا يكون إلا بإرادته وقصده.

قال أبو بكر بن فورك: وأن الله عز وجل علم أن أقواما يسعدون بتوفيقه إذا خلقهم وكلفهم، فكان مريدا في الأزلية أن يسعدوا بذلك كما علمهم فخلقهم سعداء. وعلم أن آخرين يشقون عند خلقه بحرمانه إياهم العطا والتوفيق فأراد أن يكونوا كما علمهم فخلقهم أشقياء، وهو ما ذكره عز وجل في كتابه: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}. وقوله تعالى: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ}. وأنه عز وجل قد أراد الخير لأهل الخير، وأن يكونوا هم الخيرين به، وأراد الشر لأهل الشر وأن يكونوا هم الشريرين به. وأنه تعالى لا يخرج عن الحكمة بإرادة شيء من أفعاله، كما لا يخرج عنها بعلمه بها، بل يجب أن يكون كلما جرى في ملكه قصورا على علمه وحكمته وقضائه.

فصل [6] في الكلام وأن تعلم أن كلام الله عز وجل صفة لذاته لم يزل ولا يزال موصوفا به، وأنه قائم به ومختص بذاته، وأنه لا يصح وجوده لغيره، وإن كان محفوظا في القلوب ومتلوا بالألسن ومكتوبا في المصاحف، ومعزوا في المحاريب على الحقيقة لا المجاز، وغير حال في شيء من ذلك، فإنه لو حل في غيره لكان ذلك الغير متكلما به وآمرا وناهيا ومخبرا وقائلا إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني، وذلك خلاف دين المسلمين. وأن كلامه سبحانه لا يجوز أن يكون جسما ولا جوهرا ولا عرضا، وأنه لو كان كذلك لكان من جنس كلام البشر ومحدثا كهو فتعالى الله عز وجل عن ذلك علوا كبيرا أن يتكلم بمثل كلام المخلوقين. وتعلم أن كلامه مسموع بالآذان وإن كان مخالفا لسائر اللغات وجميع الأصوات، وأنه ليس من جنس المسموعات، كما أنه عز وجل مرئي في القيامة بالأبصار وإن كان مخالفا لأجناس المرئيات، وكما أنه موجود مخالف لسائر الحوادث الموجودات.

وأن سامع كلامه سبحانه منه بغير واسطة ولا ترجمان كجبريل وموسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم سمعوه من ذاته غير متلو ولا مقروء، ومن عداهم ممن لم يتول الله عز وجل خطابه بنفسه، إنما سمع كلاما متلوا مقروءا. وكذلك قال الله عز وجل: {كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}. وقال تعالى: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ}. وإن قراءتنا للقرآن كسب لنا نثاب عليها ونلام ونذم على تركها إذا وجبت علينا في الصلوات، وأنه لا يجوز أن يحكى كلام الله عز وجل ولا أن نلفظ به لأن حكاية الشيء مثله أو مقاربة، وكلام الله عز وجل لا مثل له من كلام البشر، ولا يجوز أن يلفظ به ويتكلم الخلق به؛ لأن ذلك يوجب كون كلام الله عز وجل للمتكلمين قائم بذاتين قديم ومحدث؛ وذلك فاسد بالإجماع والمعقول. وأن كلامه عز وجل غير منتقض ولا متغاير. قال ابن شاذان: الدليل على أن القرآن غير مخلوق:-

قوله عز وجل: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} ففصل بين الخلق والأمر، فلو كان أمره مخلوقا لكان كأنه قال: ألا له الخلق والخلق، وهذا تكرار من الكلام ولا فائدة فيه، فعلمنا أن أمره غير مخلوق. وآخر قوله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} والسماء والأرض لا تقوم بمخلوق، فعلمنا أن أمره غير مخلوق. وجواب آخر: قوله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} وما لا نفاذ له فغير مخلوق. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعوذ بكلمات الله التامات"، والنبي عليه السلام لا يستعيذ بمخلوق، وإنما يستعيذ بالله وصفاته. وروي عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "القرآن كلام الله ليس بمخلوق".

وروي عنه أنه قال: "فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه" فلما كان الله عز وجل غير مخلوق وهو مخلوقين كان كلامه غير مخلوق، وكلامهم مخلوق. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قصة الحكمين: ما حكمت مخلوقا إنما حكمت القرآن. ودليل عقلي: أنه لو كان القرآن مخلوقا لكان لا يخلوا:- أن يكون الباري خلقه في نفسه، أو قائما بنفسه، أو قائما بغيره. فيستحيل أن يحدث بنفسه؛ لأنه تعالى ليس بمحل للحوادث. ويستحيل أن يحدثه قائما بنفسه؛ لأنه صفة، والصفة لا تقوم بنفسها. ويستحيل أن يحدثه في غيره؛ لأنه لو خلقه في غيره لوجب أن يكون كلاما لذلك الغير. فلما فسد جميع ذلك صح أنه غير مخلوق. آخر: أن الباري سبحانه لا يخلوا:- أن يكون لم يزل متكلما، أو غير متكلم؟ فإن كان لم يزل متكلما ثبت أن كلامه غير مخلوق. وإن كان لم يزل غير متكلما ثبت أن كلامه غير مخلوق. وإن كان لم يزل غير متكلم وجب أن يوصف بضد الكلام كالسكوت والآفات الدالة على حدث من جازت عليه، وقد أثبتنا قدمه تعالى.

-وأيضا- فلو لم يزل غير متكلم لكان عاجزا عن الكلام، والعاجز لا يكون إلها. فثبت أنه لم يزل متكلما، وأن كلامه قديم كهو. وفيما ذكرنا من ذلك كفاية مقنعة. فصل [7 - في مسائل شتى من الاعتقادات] قال القاضي أبو بكر بن الطيب: وأن تعلم أن صفة الشيء ما قامت بالشيء الموصوف، وأن الوصف: هو قول الواصف الدال على الصفة، بخلاف ما تذهب إليه القدرية. وأنه عز وجل مقدر لأرزاق جميع الخلق ومؤقت لآجالهم، وخالق لأفعالهم، وقادر على مقدوراتهم، وأنه رب لها لا خالق لها غيره، ولا رازق سواه. كما أخبر تعالى في قوله عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}. وقال عز وجل: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَاخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}. وقال تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}. وأن بيده الخير والشر, والنفع والضر, وأنه مقدر جميع الأفعال لا يكون حادثا إلا

بأمره وإرادته، ولا يخرج مخلوق عن مشيئته، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه عز وجل فعال لما يريد، وأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ولا هادي لمن أضله، ولا مضل لمن هداه. كما قال تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا}. وكل ينتهي إلى سابق علمه، ولا محيص لأحد عنه. وأنه موفق لأهل محبته وولايته لطاعته، وخاذل لأهل معصيته، عدل ذلك من تدبيره وحكمته. وأنه عادل على خلقه بجميع ما يبتليهم به ويقضيه عليهم من خير وشر، ونفع وضر، وغنى وفقر، ولذة وألم، وصحة وسقم، وهداية وضلالة، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}. وأن على العباد حفظة يكتبون أعمالهم كما قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، ولا يسقط شيء من ذلك عن علم الله عز وجل {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}.

وأن ملك الموت يقبض الأرواح كلها بإذن الله عز وجل كما قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ}. وأن الخلق ميتون بآجالهم، وأنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، كما بدأهم يعودون حفاة عراة غرلا. وأن الأجساد التي أطاعت أو عصت هي التي تبعث يوم القيامة لتجازى، والجلود التي كانت في الدنيا والألسنة والأيدي والأرجل هي التي تشهد عليهم يوم القيامة على من يشهد عليه منهم. وأنه سبحانه يعيد العباد، ويحي الأموات، وأنه يجيء يوم القيامة لفصل القضاء، ويجيء بالملائكة صفا صفا. ويمد الصراط، وتوزن صحائف الأعمال كما قال عز وجل: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا}، {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. وأنهم أهل يمين وشمال، يؤتون كتبهم بأيديهم، فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك هم المفلحون، ومن أوتي كتابه وراء ظهره فأولئك هم الخاسرون.

وأنه سبحانه قد خلق الجنة والنار وأعدهما لأهل الثواب والعقاب، وقد أخبر بذلك في كتابه في قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ}. وقال تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}. وقال تعالى: {}. وقال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا}. وذكر الصراط في غير موضع من كتابه، وورد بثبوته صحيح الروايات، وما يلحق الناس عليه من الأهوال، {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ}. فيجوزه العباد بقدر أعمالهم مناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم، وقوم أوبقتهم فيها أعمالهم فيطرحون في غير الحياة فينبتون كما تنبت الحبة. وأن الله عز وجل لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء لمجتنبي الكفر، وهو الذي أراد بقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}.

وأنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وأنه يغفر لمن يشاء من المذنبين من أمة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مع المقام على ظلمهم كما قال عز وجل: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ}. وأنه يشفع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وأصحابه ومن يشاء من صالح عباده في عصاة أهل ملته ويخرج بشفاعة رسوله صلى الله عليه وسلم قوما من النار بعد أن صاروا جمعا وامتحشوا فيها. وأنه لا يديم عذابه إلا على الكافرين، ولا يخلد في ناره إلا الجاحدين المكذبين، كما قال تعالى: {لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}، {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}. وأنه تعالى يجازي بالحسنة عشر أمثالها، وبالسيئة مثلها، ويعفو عن كثير، ولا يضيع عمل عامل من المؤمنين، كما قال سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا}.

{أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى}. {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا}. {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}. وأن ورود حوض النبي صلى الله عليه وسلم لحق، لا يظمأ من شرب منه من المؤمنين، ويمنع منه من انحرف عن الدين وخالف الطريق المستقيم. وأن المؤمنين والكافرين يحيون في قبورهم، وأنهم يفتنون ويسألون، ويثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن أرواح المؤمنين منعمة إلى يوم الدين، وأرواح الكافرين في سجين في العذاب الأليم إلى يوم الدين. وأن الله سبحانه قد احتج على عباده برسله، وكشف قناعهم، وقطع عذر العباد في الدلالة على صدقهم بما آتاهم به من الآيات وظاهر المعجزات، وتابع الرسل وأنزل عليهم الكتب، وشرع الشرائع وفرض الفرائض، وختم النبوة برسالة محمد عليه السلام، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا نبي بعدي"، فجعله آخر

المرسلين، وفضله على العالمين، وجعل دينه وكتابه مقدما على جميع الكتب والأديان. ـ[فصل 8 - في فضل الصحابة ومراتبهم والكف عنهم] وأن خير القرون قرنه الذي بعث فيه، وأفضل أمته الذين شاهدوه فصدقوه ونصروه، وأخذوا عنه وبلغوا الخطاب عنه، ثم الذين يلونهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". وقال في أصحابه رضي الله عنهم: "لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه". وأفضل أصحابه رضي الله عنهم أهل عصره المهاجرون معه الذابون عنه، ثم الأنصار، ثم التابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين رضي الله عنهم أجمعين. وأن أفضل المهاجرين رضي الله عنهم العشرة المعدودون في الجنة. وأن أفضل العشرة رضي الله عنهم الأئمة الأربعة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم أجمعين.

وقيل: ثم عثمان وعلي، ويكف عن التفضيل بينهما، وروي ذلك عن مالك، وقال: ما أدركت أحدا أقتدي به يفضل أحدهما على صاحبه، ويرى الكف عنهما. وروي عنه القول الأول وعن سفيان وغيره، وهو قول أهل الحديث. ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر من المهاجرين، ثم من الأنصار، ومن جميع أصحابه على قدر الهجرة والمسابقة والفضيلة. وكل من صحبه ولو ساعة ولو رآه مرة فهو بذلك أفضل من أفضل التابعين رضي الله عنهم أجمعين. والكف عن ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بخير ما يذكرون به، وأنهم أحق أن تنشر محاسنهم، ويلتمس لهم أفضل المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تؤذوني في أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه". فصل [9 - في الإمامة] وأن الإمامة في قريش محصورة عليهم دون سواهم من جميع العرب والعجم. وأن إقامة الإمام مع القدرة عليه والإمكان منه فرض على الأمة لا يسع تركه ولا التخلف عنه، وأنه موكول إلى أهل الحل والعقد دون النص من الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه

من فروض الكفاية، وإذا قام به البعض سقط عن الباقين، وأنه واجب طاعة الأئمة وإعظامهم وتوقيرهم، وطاعة خلفائهم والنائبين عنهم، وترك المسابقة لهم، وذلك متفق في عليه العادل المستقيم منهم. وأما العادل عن ذلك منهم بظلم وتعطيل حد فإنه بجب وعظه وترك طاعته فيما هو عاص فيه ومعونته على ذلك، ويلزم إذكاره بالله عز وجل ودعاؤه إلى طاعته ومراجعته وإقامة العدل والقسط. قال أبو محمد: وكل ولي المسلمين عن رضى أو عن غلبة فاشدت شوكته [و] وطأته من بر وفاجر فلا يخرج عليه جار أو عدل، ويغزى معه العدو، ويحج البيت، وتدفع الصدقات إليهم وهي مجزية إذا طلبوها، وتصلي خلفهم الجماعة والعيدين. قال غير واحد من العلماء، وقاله مالك: لا تصلي خلف المبتدع منهم إلا أن تخافه فصل وراءه، واختلف في الإعادة. ولا بأس بقتال من دافعك من الخوارج واللصوص من المسلمين وأهل الذمة عن نفسك ومالك.

قال الرسول عليه السلام: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليهم بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار". وحذر صلى الله عليه وسلم من الفتن والأهواء والبدع، ومن زلة العالم. فصل [10 - في التزام السنن وتأويل السلف] ويلزم تسليم السنن وأن لا تعارض برأي ولا ترفع بقياس، وما تأوله منها السلف الصالح تأولناه، وما عملوا به عملناه، وما تركوه تركناه، ويسعنا أن نمسك عما أمسكوا، ونتبعهم فيما بينوا، ونقتدي بهم فيما استنبطوه ورأوه في الحوادث، ولا نخرج عن جماعتهم فيما اختلفوا فيه وفي تأويله.

وكل ما قدمنا ذكره هو قول أهل السنة وأئمة الناس في الفقه والحديث على ما بيناه، وكله قول مالك رضي الله عنه، فمنه منصوص من قوله ومنه معلوم من مذهبه. قال مالك: قال عمر من عبد العزيز رضي الله عنه: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة الأخذ بها تصديق لكتاب الله عز وجل، واستكمال لطاعته سبحانه، وقرة على دين الله عز وجل، ليس لأحد تبديلها ولا تغيرها، ولا النظر فيما خالفها، من اهتدى بها مهتد، ومن استنصر بها منصور، ومن تركها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا. قال مالك: أعجبني عزم عمى في ذلك. قال مالك: والعمل أثبت من الأحاديث، قال من اقتدى به: وإنه لضعيف أن يقال: حدثني فلان عن فلان، وكان رجال من التابعين يبلغهم الحديث عن غيرهم فيقولون: ما نجهل هذا ولكن مضى العمل على خلافه. وكان أبو بكر محمد بن أبي بكر بن حزم ربما قال له إخوة: لم لم تقض

بحديث كذا! فيقول: لم أجد الناس عليه. قال النخعي: لو رأيت الصحابة رضي الله عنهم يتوضؤن إلى الكوعين لتوضأت. كذلك، وأنا أقرؤها إلى المرفقين؛ وذلك لأنهم لا يتهمون في ترك السنن، وهم أرباب العلم وأحرص خلق الله على اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يظن ذلك بهم أحد إلا ذو ريبة في دينه. قال عبد الرحمن بن مهدي: السنة المتقدمة من سنة أهل المدينة خير من الحديث. وقال ابن عيينة: الحديث مضلة إلا للفقهاء. يريد: أن غيرهم قد يجهل شيئا على ظاهره وله تأويل من حديث غيره، أو دليل يخفى عليه، أو متروك أوجب تركه غير شيء مما لا يقوم به إلا من استبحر وتفقه. قال ابن وهب: كل صاحب حديث ليس له إمام في الفقه فهو ضال، ولولا أن الله عز وجل أنقذنا بمالك والليث لضللنا. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون

عنه تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين". وقال ابن مسعود: من كان مستنا فليستن بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة وأنورها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم. قال عمر رضي الله عنه: قد سننت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتكم على الواضحة إلا أن تميلوا بالناس يمينا وشمالا. قال مالك: وإنما فسدت الأشياء حين تعدى لها منازلها، وليس هذا الجدل من الدين بشيء. وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: من جعل دينه عرضا للخصومات أكثر الشغل، والدين قد فرغ منه، وليس بأمر يتوقف فيه النظر. قال عمر بن عبد العزيز: لست بمبتدع ولكني متبع.

قال مالك: وكان يقال: لا تمكن زائغ القلب من أذنيك؛ لأنك لا تدري ما يبلغك من ذلك. ولقد سمع رجل من أهل المدينة شيئا من بعض أهل القدر، فعلق بقلبه، فكان يأتي إخوانه الذين ينصحهم فإذا نهوه قال: فكيف بما علق بقلبي، ولو علمت أن لله رضى ألقي نفسي من فوق هذه المنارة فعلت. قال مالك: ولقد قال رجل: دخلت هذه الأديان كلها فلم أر شيئا مستقيما، فقال له رجل من أهل المدينة من المتكلمين: أنا أخبرك لم ذلك؛ لأنك لم تتق الله عز وجل، ولو اتقيته لجعل لك مخرجا. قال مالك: ولقد قال رجل: دخلت هذه الأديان كلها فلم أر شيئا مستقيما، فقال له رجل من أهل المدينة من المتكلمين: أنا أخبرك لم ذلك؛ لأنك لم تتق الله عز وجل، ولو اتقيته لجعل لك مخرجا.

ومن قول أهل السنة: أن لا يعذر من أداه اجتهاده إلى بدعة؛ لأن الخوارج اجتهدوا في التأويل فلم يعذروا إذ خرجوا بتأويلهم عن الصحابة فسماهم النبي صلى الله عليه وسلم: مارقين في الدين، وجعل المجتهد في الأحكام مأجورا وإن أخطأ. قال مالك: والقدرية أشر الناس، ورأيتهم أهل طيش وسخافة عقول، ونزع بآي كثيرة عليهم منها:- قول الله تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ}. ومنها: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ}. وقال عز وجل: {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}. فصل [11 - في ثبوت بعض الأحاديث] قيل لمالك: فمن يحدث بالأحاديث: أنه الله عز وجل خلق آدم على صورته، وأن الله يكشف عن ساقه يوم القيامة، وأنه يدخل يده في جهنم فيخرج منها من

أراد، وأن ابن عجلان يحدث بذلك! فأنكر ذلك إنكارا شديدا، وقال: لم يكن ابن عجلان من الفقهاء. ولم ينكر حديث التنزيل ولا حديث الضحك، وأنكر حديث أن العرش اهتز لموت سعد. [فصل 12 - في جملة اعتقاد المكلفين] قال القاضي وغيره: ويجب أن يعتقد المكلف، ويقول إن أمكنه القول: إنني رضيت بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وبالقرآن إماما، وبالسنة والأثر حجة وبيانا، وبالكعبة قبلة، وبالمسلمين إخوانا، وبالسلف الصالح والتابعين لهم بإحسان والذين جاؤا من بعدهم والمتمسكين بهديهم أئمة للدين أعلاما، وإنني دائن بكل ما أوجبه الله على خلقه من الإقرار بالشهادتين، وتصديق جميع ما أتت به الرسل والكتب،

وجميع فرائض الله في الدين، وما ندب الله عز وجل إليه ورغب في فعله، وإباحة جميع ما أحله وأطلقه لعباده، وتحريم جميع ما حرمه من سفك الدماء والسرقة والزنا واستحلال الأموال، وترك الواجبات، ونكاح ذوات المحارم من النسب والرضاع والصهر والمحصنات إلى غير ذلك من جميع المحرمات. واعتقاد هذه الجملة التي ذكرنا والتصديق بها وبما جاء من خبر الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات على ما صحت به الروايات، وأنه رأى من آيات ربه الكبرى، وبما ثبت من خروج الدجال، ونزول عيسى عليه السلام وقتله إياه، وبالآيات التي بين يدي الساعة من طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، وغير ذلك مما صحت به الروايات.

[الباب الثامن] باب في مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وأيامه ونسبه وعمره وصفته، وذكر ولده وزوجاته والعشرة من أصحابه رضي الله عنهم أجمعين وشيء من التاريخ، ومتى فرضت الشرائع؟

[الباب الثامن] باب في مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وأيامه ونسبه وعمره وصفته، وذكر ولده وزوجاته والعشرة من أصحابه رضي الله عنهم أجمعين وشيء من التاريخ، ومتى فرضت الشرائع؟ [فصل 1 - في مبعثه وأيامه] قال الإمام أبو محمد رضي الله عنه: قال غير واحد من أهل العلم ومنه كثير مما حفظ عن مالك في هذا المعنى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد يوم الإثنين لاثني عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول عام الفيل. ونبئ يوم الإثنين، قال مالك وغيره: وهو ابن أربعين سنة. قال محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي: ويقال: إنه نزل عليه القرآن

وهو ابن ثلاث وأربعين سنة. قال مالك: وأقام بمكة عشرا، وبالمدينة عشرا. قال وفرضت: الصلوات الخمس ليلة الإسراء بمكة، وأتمت الصلاة بالمدينة. قال مالك: وأقام أبو بكر للناس الحج سنة تسع بعد خروج أبي بكر لإقامة الحج من غير فرض ولكن لإقامة الحج على ما تقدم، ولو كان مفروضا ما أخره رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال مالك: وصرفت القبلة قبل بدر بشهرين. وقالوا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين لاثني عشرة ليلة خلت من شهر ربيه الأول حين اشتد الضحى لإحدى عشرة سنة

خلت من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين سنة، فيما قالت عائشة وابن عباس رضي الله عنهما، وفيما روى مالك عن أنس بن مالك أنه كان ابن ستين سنة. قال مالك: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ابنا ستين سنة. [فصل 2 - في صفاته] قال مالك: قال أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، وليس بالأبيض الأمهق ولا بالأدم، وليس بالجعد القطط، ولا

بالسبط، بعثه الله عز وجل على رأس أربعين سنة، وتوفاه الله عز وجل على رأس ستين سنة، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. [فصل 3 - في ذكر أولاده] وقالوا: مات صلى الله عليه وسلم ولم يخلف من ولده غير فاطمة رضي الله عنها، وكان جميع ولده ثمانية، ويقال: سبعة، فالذكور منهم القاسم وبه كان صلى الله عليه وسلم يكنى، والطاهر والطيب وإبراهيم، ويقال: أن الطاهر هو الطيب، ويقال: هو عبد الله، وبناته:

زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين. وولده كلهم من خديجة بنت خويلد إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية مات وهو ابن ثمانية عشر شهرا، ويقال: ستة عشر شهرا، وبناته كلهن أدركن الإسلام وهاجرن، وكانت زينب تحت أبي العاص بن الربيع زوجها إياه النبي

صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه الوحي، وأسلم أبو العاص زوجها بعدها، وتوفيت سنة ثمان، وتوفي أبو العاص في ذي الحجة سنة اثني عشرة. وأما رقية وأم كلثوم فتزوجهما عثمان بن عفان رضي الله عنه، فتوفيت رقية في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر. قال أسامة بن زيد: خلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عثمان عليها. ثم تزوج بعدها أم كلثوم، ويقال: توفيت أم كلثوم سنة تسع. وتزوج علي فاطمة سنة اثنتين من الهجرة، فولدت له الحسن والحسين، وتوفيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر.

[فصل 4 - في ذكر زوجاته] وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة امرأة كلهن من العرب إلا صفية، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده من زوجاته تسع: عائشة بنت أبي بكر الصديق، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وسودة بنت زمعة العامري، وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، وجويرية ويقال: برة وهي بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب الأموية هؤلاء قرشيات.

ومن قيس ميمونة بنت الحارث الهلالية أخت أم الفضل امرأة العباس بن عبد المطلب، وزينب بنت جحش الأسدية أسد خزيمة، وجويرية بنت الحارث ابن أبي ضرار الخزاعي، وصفية بنت حيي بن أخطب الإسرائيلية. وأول زوجاته خديجة بنت خويلد تزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، وتوفيت بمكة قبل مخرجه إلى المدينة بثلاث سنين، وتزوج عائشة بمكة وهي بنت ست سنين، وقيل سبع سنين، وأدخلت عليه بنت تسع سنين بعد مقدمه المدينة بثمانية

أشهر، ومكثت عنده تسع سنين، ثم مات صلى الله عليه وسلم وعاشت بعده ثمانية وأربعين سنة، وتوفيت في شهر رمضان سنة ثمان وخمسين سنة. ومات من أزواجه قبله خديجة وزينب. ولم يدخل بالعامرية، ولا بالتي تزوج من كندة حتى فارقهما صلى الله عليه وسلم. وفارق العالية بنت ظبيان بعد أن جمعها إليه. وتسرر مارية القبطية، وريحانة بنت زيد وهي من بني قريظة، ثم أعتقها فلحقت بأهلها، وقيل: إنه تزوجها ثم طلقها، وقيل: أنه مات عنها وهي زوجة له. قال ابن حبيب: وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت الضحاك بن سفيان

الكلابية من قيس، وقد بنى بها. واللائي لم يبن بهن: مليكة بنت داود الليثية، وأسماء بنت الحارث، وامرأة من بني كلاب، وليلى بنت الخطيم الأنصارية. فصل [5 - في نسبه] ونسب النبي صلى الله عليه وسلم: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف من قصي بن كلاب بن مرة بن كعب من لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة. [فصل 6 - في ذكر سيرة مختصرة عن العشرة المبشرة] واسم أبي بكر الصديق رضي الله عنه: عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة، ويقال: عتيق بن عثمان. وتوفي أبو بكر لثمان بقين من جمادى الآخرة يوم الإثنين سنة ثلاث عشرة، وكانت خلافته: سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليال. واستخلف أبو بكر: عمر رضي الله عنهما وهو: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط بن رباح بن رزاخ بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب، ويقال: عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قراط بن رزاخ. وقتل عمر رضي الله عنه في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين. قال مالك: طعنه أبو لؤلؤة غلام نصراني للمغيرة عند صلاة الصبح قبل أن يدخل

في الصلاة, فصلى بهم: عبد الرحمن بن عوف بأمره. ويقال: كانت خلافته: عشر سنين وخمسة أشهر وتسعة عشر يوما. ويقال: مات أبو بكر وعمر وهما ابنا ثلاث وستين سنة، ويقال: توفي عمر ابن خمس وخمسين سنة. ومات عمر وقد جعلها شورى إلى ستة نفر وهم: عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، فاجتمعوا على خلافة عثمان. وهو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، يكنى: أبا عمر، ويقال: أبا عبد الله. وكانت خلافته: اثنتي عشرة سنة، ويقال: إلا اثني عشرة ليلة. وقتل رضي الله عنه سنة خمس وثلاثين، وهو ابن تسعين سنة، ويقال: ثمان وثمانين سنة، ويقال: ست وثمانون سنة. ودفن ليلا، وصلى عليه: جبير بن مطعم. ثم بويع علي رضي الله عنه بالخلافة. وهو: علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.

وملك رضي الله عنه العراق على رأس ستة أشهر من مقتل عثمان، ويقال كانت خلافته: خمس سنين إلا ثلاثة أشهر. وأصيب غداة الجمعة لتسع عشر ليلة مضت من شهر رمضان، ومات رضي الله عنه ليلة الأحد لتسع بقين من شهر رمضان سنة أربعين، وهو ابن سبع وخمسين سنة، ويقال: ابن ثمان وخمسين. وروى شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخلافة ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا". وكانت الجماعة على معاوية سنة أربعين. وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة، قتل يوم الجمعة سنة ست وثلاثين، أصابه سهم فقطع من رجله عرق النساء فشج حتى نزف فمات، يقال: ابن خمس وسبعين سنة. وعبد الرحمن بن عوف بن الحارث بن زهرة بن كلاب، يكنى: أبا محمد، توفي بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين. والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، يكنى: أبا عبد الله، قتل يوم الجمل وهو منصرف في جمادى الأولى، ويقال: في رجب سنة

ست وثلاثين، قتله: ابن جرموز من بني تميم، وهو ابن أربع وستين سنة. وقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بشر قاتل ابن صفية بالنار". وسعد بن أبي وقاص، واسم أبي وقاص: مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب من مرة بن كعب، يكنى: أبا إسحاق. توفي سنة خمس وخمسين، ويقال: سنة ست وخمسين، ويقال أن ابن عمر خرج إليه إلى العقيق أول النهار يوم الجمعة وهو على أربعة أميال من المدينة، وترك الجمعة. وسعيد بن زيد بن عمر بن نفيل بن عبد العزى بن قرط بن رباح بن رزاي بن عدي، يكنى: أبا الأعور. توفي سنة إحدى وخمسين، وكان قدم من الشام منصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بدر، فضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره.

وأبو عبيدة بن الجراح، اسمه: عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر. توفي بالشام بالأردن سنة ثماني عشر من التاريخ.

[الباب التاسع] باب في فضل المدينة، وذكر القبر والمنبر والمسجد والكعبة

[الباب التاسع] باب في فضل المدينة، وذكر القبر والمنبر والمسجد والكعبة [فصل 1 - في فضل المدينة] قال مالك رضي الله عنه: اختار الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم المدينة لمحياه ومماته، وافتتحت القرى كلها بالسيف حتى مكة، وافتتحت المدينة بالقرآن. قال مالك: ولو علم عمر موضعا أفضل منها لم يدع الله أن يدفن فيها. قال مالك: وبها حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبها آثاره ومنبره، ومنها يحشر خيار الناس. وقد بارك فيها النبي صلى الله عليه وسلم في مدهم وفي صاعهم. ورغب في سكانها، والصبر على لأولئها وشدتها.

وروي أنه قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنك أخرجتني من أحب البقاع إلي، فأسكني أحب البقاع إليك" , فأسكنه المدينة. ومن ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنكر على ابن عباس قوله: إن مكة خير من المدينة. قال مالك: قال عمر: إن المسجد الذي أسس بيانه على التقوى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام". قيل: إن تفسيره بأنه مفضول بدون الألف. وقال صلى الله عليه وسلم: "ما بين منبري وقبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي". وفي حديث آخر: "على ترعة من تراع الجنة".

[فصل 2 - في ذكر المنبر] قال مالك: والمنبر من طرفاء الغابة نحته للنبي صلى الله عليه وسلم غلام نجار لسعد بن عبادة، وقال غيره: غلام لامرأة من الأنصار. وهو من ثلاث درجات. [فصل 3 - في ذكر القبر] وقيل لمالك: كيف كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته؟ قال: بمنزلتهما في مماته، يريد في القرب؛ إذ دفنا معه في البيت. وروى ابن وهب عن مالك: أن موضع قبر الرسول عليه السلام في الجدار الذي يلي القبلة، وأن أبا بكر رضي الله عنه رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم، وأن عمر رضي الله عنه خلف ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، وبقي موضع قبر آخر.

ويقال: إن قبر النبي صلى الله عليه وسلم في البيت مما يلي القبلة، وأبو بكر من خلف رأسه بحذاء كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر خلف رأسه بحذاء كتفي أبي بكر رضي الله عنهما، وقيل: غير هذا، والأول أثبت. وبقي في البيت موضع قبر آخر دفن فيه عيسى بن مريم صلى الله على نبينا وعليه وعلى جميع النبيين والمرسلين وسلم تسليما.

[الباب العاشر] باب في العلم وفضله، وهدي العلماء وآدابهم، وذكر الفتيا

[الباب العاشر] باب في العلم وفضله، وهدي العلماء وآدابهم، وذكر الفتيا [فصل 1 - في حكم طلب العلم] روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "طلب العلم فريضة على كل مسلم". وقال صلى الله عليه وسلم: "اطلبوا العلم وإن كان بالصين". وأن طلب العلم فريضة على كل مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقه في الدين". وقال عمر رضي الله عنه: تعلموا العلم وعلموه الناس، وتعلموا الوقار والسكينة، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم، ولا تكونوا جبابرة العلماء، فلا يقوم علمكم بجهلكم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "العلم بالتعلم والخير عامة، وإذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين".

وقال صلى الله عليه وسلم: قال أخي موسى: يا رب أرني الذي كنت أريتني في السفينة؟ فلم يلبث إلا يسيرا حتى أتاه الخضر وهو طيب الريح شديد بياض الثياب مشمرها، فقال: السلام عليك يا موسى ورحمة الله، إن ربك يقرأ عليك السلام، فقال موسى عليه السلام: هو السلام ومنه السلام وعليك السلام، الحمد لله الذي لا أحصي عدد نعمه، ولا أقدر على أداء شكره إلا بمعونته. ثم قال: أوصني بوصية ينفعني الله بها بعد ذلك. فقال: يا طالب العلم إن القائل أقل ملالة من المستمع فلا تمل جلساءك إذا حدثتهم، واعرف أن قلبك وعاء، فانظر ما تحشوا في وعائك، واهرب من الدنيا وانبذها وراءك، فإنها ليست بدار ولا لك فيها محل قرار، وإنما جعلت بلغة للعباد ليتزودا منها للمعاد، يا موسى وطن نفسك على الصبر تلقى الحكم، وأتبع قلبك إلى التقوى تنل العلم، روض نفسك على الصبر تخلص من الإثم، تفرغ للعلم إن كنت تريده، فإنما العلم لمن تفرغ له، ولا تكن مكثارا بالنطق مهدارا، فإن كثرة النطق تشين العلماء، وتبدي مساوئ السخفاء، وعليك بالاقتصاد فإنه من التوفيق والسداد، وأعرض عن الجهال، واحلم عن السفهاء، فإن ذلك فعل الحكماء ورأي

العلماء، وإذا أسمعك كلمة تغضبك فأعرض عنه حلما وجانبه حزما، فإن ما بقي من جهله عليك وشمته إياك أغيظ وأكثر. يا ابن عمران: لا تفتح بابا لا تدري ما غلقه، ولا تغلق بابا لا تدري ما فتحه، فإن الاندلات والتعسف من الانقحام والتكلف. يا ابن عمران من لا ينقضي من الدنيا اتهمته كيف يكون عابدا، ومن يحقر حاله ويتهم عز وجل على ما قضى به كيف يكون عالما، كيف يكف عن الشهوات من غلب عليه هواه، أو ينفعه طلب العلم والجهل قد حواه؛ لأن سفره إلى آخرته وهو مقبل على دنياه. يا موسى تعلم ما تعلمت لتعمل به، ولا تعلمه لتحدث به فيكون عليك وزره، ويكون على غيرك نوره. يا موسى اجعل الزهد والتقوى لباسك، واجعل الذكر والعلم كلامك، وزعزع بالخوف قلبك؛ فإن ذلك يرضي ربك، واستكثر من الحسنات فإنك مصيب السيئات، واعمل خيرا فإنك لا بد عامل شرا.

قد وعظت يا موسى إن حفظت. فولى عنه الخضر، وبقي موسى في مكانه حزينا كئيبا متخشعا. [فصل 2 - في فضل العلم] وروي أن رجلا دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما الذي تطلب، فقال العلم، فقال: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب". وروي عن مالك وغيره أن عبد الله بن سلام قال لكعب الأحبار: من أرباب العلم الذين هم أهله؟ قال: الذين يعملون بعلمهم، قال: بما ينفى العلم من صدور العلماء بعد أن علموه؟ قال: الطمع. وقال: محمد بن عبد الحكم: أخبرني ابن وهب قال: كنت عند مالك قاعدا أسائله،

فرآني أجمع كتبي لأقوم، فقال مالك: أين تريد؟ فقلت: أبادر الصلاة لئلا تفوتني، فقال: ليس الذي أنت فيه بدون ما تذهب إليه إذا صحت منك فيه النية وما أشبه هذا. وقال سفيان: ما علمت عملا أفضل من طلب العلم. ومر رجل بابن حنبل فقال له: هذا العلم، فمتى العمل؟ قال: أليس نحن في عمل. وقال الرسول عليه السلام: "خير دينكم أيسره، وأفضل العبادة الفقه". وقال صلى الله عليه وسلم: "الكلمة من كلام الحكمة يسمعها الرجل خير له من عبادة على سنة ذنبها". [فصل 3 - في فضل العلماء] وقال صلى الله عليه وسلم: "فقيه واحد أشد على إبليس من ألف عابد". وقال ابن عباس: إن الشياطين قالوا لإبليس: يا سيدنا ما لنا نراك تفرح بموت

العالم ما لا تفرح بموت العابد، والعالم لا تصيب منه والعابد تصيب منه؟ فقال: انطلقوا، فانطلقوا إلى عابد قائم في عبادته، فقال: أنا أريد أن أسألك، فقال له إبليس: هل يقدر ربنا أن يجعل الدنيا في بيضة؟ قال: لا أدري، فقال: أترونه قد كفر من ساعته. ثم جاء إلى عالم في حلقته يضاحك أصحابه، فقال: أريد أن أسألك، قال: هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا في بيضة؟ قال: نعم، قال: وكيف ذلك؟ قال: يقول له كن فيكون. قال: أترون ذلك لا يعدوا نفسه. وقال كعب: مؤمن عالم أشد على إبليس وجنوده من مائة ألف عابد؛ لأن الله عز وجل به من الحرام. وروى عيسى بن سكين عن عون عن رجاله قال: أربعة لا تأكل لحومهم

الأرض: الأنبياء والفقهاء والشهداء والمؤذنون. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من بث علما ابتغاء وجه الله أعطي بكل حرف من ذلك من رمل عالج حسنات، وكان له مثل أجر من عمل به إلى يوم القيامة". وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من حفظ على أمتي أربعين حديثا في إصلاح دينهم جاء يوم القيامة فقيها وكنت له شفيعا أو شهيدا". وقال صلى الله عليه وسلم: "من حمل من أمتي أربعين حديثا لقي الله عز وجل فقيها عالما". وروي عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سلك طريقا يطلب فيها علما سلك الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب

العلم رضى عنه بما يطلب، وإنه ليستغفر للعالم من في السموات والأرض حتى الحيتان في جوف الماء، ولفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دنانير ولا دراهم، ولكنهم ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر". وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عظم العالم فإنما يعظم الله عز وجل ورسوله، ومن تهاون بالعالم فإنما ذلك استخفاف بالله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس: إن الله عز وجل يحب أن يعظم حق أحبار المسلمين. وعن الزهري أنه قال: ذهب أبي بن كعب ليركب فأخذ ابن عباس له بالركاب، فقال: مه يا ابن أخي، فقال ابن عباس: إن الله يحب أن يعظم أحبار

المسلمين. وقال الرسول عليه السلام: "النظر في وجه المؤمن العالم عبادة". وقال صلى الله عليه وسلم: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أمتي". وروي عن مالك أنه قال عليكم بمعرفة حق أهل العلم والتماس برهم، وواجب عليكم ألا تمروا بقرية يبلغكم أن بها عالما واحدا إلا أتيتموه تسلمون عليه. وروي عنه ابن مسعود أنه قال: أيها الناس عليكم بطلب العلم قبل أن يرفع، ورفعه أن يقبض رواته، فوالذي نفسي بيده ليودن يوم القيامة رجال قتلوا في سبيل الله عز وجل شهداء أن يحشرهم الله علماء، لما ينظرون من كرامة الله عز وجل لهم وتفضيله إياهم. وقال عليه السلام: "يشفع يوم القيامة طبقات من المذنبين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صافح عالما صادقا فكأنما صافح نبيا مرسلا".

وروي: أن رجلا دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ما الذي تطلب"، فقال: العلم، فقال: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم لحب ما طلب". وقال ابن عباس: إن معلم الخير ليستغفر له كل شيء حتى الحوت في البحر. وقال الحسن رضي الله عنه: يؤتى بالعلماء يوم القيامة، فيقول الله عز وجل: ما جعلت فيكم نوري وحكمتي وأنا أريد أن أعذبكم، أشهدكم أني قد غفرت لكم على ما كان فيكم. [فصل 3 - في فضل طلب العلم] وقال يحيى بن يحيى: أول ما حدثني به مالك في خاصة نفسي حين أتيته طالبا لما ألهمه الله عز وجل إليه في أول يوم جلست إليه أن قال لي: ما اسمك؟ فقلت: له أكرمك الله يحيى، وكنت أحدث أصحابه سنا، فقال لي: يا يحيى الله الله عليك بالجد في هذا الأمر، وسأحدثك في ذلك بحديث إن شاء الله، قال: قدم إلى المدينة غلام من أهل الشام بحداثة سنك، أقبل إلى هذا الأمر قاصدا إلى ربيعة ونظرائه من علماء الدين، فكان معنا يطلب ويجتهد حتى نزل به الموت وهو طالب لهذا الأمر، فرأيت

على جنازته شيئا لم أر على أحد من أهل بلدنا إلا عالم أو طالب لهذا الأمر، ولقد رأيت جميع علمائنا يزدحمون عليه وعلى نعشه، ولم يكن له ولي بالمدينة يلي أمره، فلما وضع نعشه ليصلى عليه، ونظر أمير المدينة إلى علمائنا وفعلهم وازدحامهم على نعشه أمسك عن الصلاة عليه، ثم قال لهم: قدموا عليه من أحببتم، ثم قال بإثر كلامه: لو لم يرغب في هذا الأمر إلا لمثل هذا، فقدم أهل العلم ربيعة، ثم نهض به إلى قبره. قال مالك: وألحده في قبره ربيعة وزيد بن أسلم ويحيى بن سعيد وابن شهاب،

وأقرب الناس إليهم أيضا من أهل العلم محمد بن المنكدر، وصفوان بن سليم، وأبو حازم وأشباههم من أهل بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبنى اللبن على لحده ربيعة، وهؤلاء كلهم يناوله اللبن. قال مالك: فلما كان الثالث من اليوم الذي مات فيه رآه في النوم رجل من خيار بلدنا، في أحسن صورة وهو غلام أمرد عليه بياض، معتم بعمامة خضراء، وتحته فرس أشهب، نازل من السماء، فكأنه يأتيه قاصدا إليه ويسلم عليه، ويقول له: هذا ما بلغني إليه العلم، فيقول له الرجل: وما الذي بلغك إليه

العلم، فيقول: أعطاني الله عز وجل بكل باب تعلمته من العلم درجة في الجنة فلم أتبلغ في الدرجات إلى درجة أهل العلم. فقال الله عز وجل: زيدوا ورثة أنبيائي فقد حتمت على نفسي أنه من مات وهو عالم بسنتي وسنة أنبيائي أو طالب لذلك أن أجمعهم في درجة واحدة، فأعطاني ربي حتى بلغت إلى درجة أهل العلم، فليس بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا درجتين: درجة هو فيها جالس وحوله النبيون كلهم، ودرجة ثانية فيها أصحابه وجميع أصحاب النبيين كلهم الذين اتبعوهم بإحسان، ونحن من بعدهم فيها جميع أهل العلم وطلبتهم، فآنسوني حتى استوسطهم، فقالوا لي: مرحبا مرحبا. سوى مالي عند الله عز وجل من المزيد، فقال له الرجل: ومالك عند الله عز وجل من المزيد، قال: وعدني ربي أن يحشرني مع النبيين كما رأيتهم في زمرة واحدة، فأنا معهم إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة قال الله عز وجل: يا معشر العلماء، هذه جنتي قد أبحتها لكم، وهذا رضواني قد رضيت عنكم، فلا تدخلوا الجنة

حتى تتمنوا وتشفعوا، فأعطيكم ما شئتم وأشفعكم فيمن استشفعتم له لأري عبادي كرامتكم علي ومنزلتكم عندي، فتمنوا وتشفعوا فأعطيكم، فتمنوا تعطوا، واشفعوا تشفعوا. فلما أصبح الرجل حدث بذلك الحديث أهل العلم ببلدنا، وانتشر خبره بالمدينة. قال مالك: وكان بالمدينة أقوام بدأوا معنا في طلب هذا الأمر ثم كفوا عنه، فلما سمعوا هذا الحديث الذي حدثتك به فلقد رجعوا إليه وأخذوا بالجد، وهم اليوم من علماء بلدنا. قال يجيى بن يحيى: وأول حديث حدثني به الليث بن سعد ي أول يوم أتيته طالبا لما ألهمه الله عز وجل إليه وجعله أهله، فقد كان شبيها بمالك غي علمه وحلمه وعقله، وحسن السيرة في نفسه أن قال لي: ما اسمك، فقلت له: يجيى -متعني الله بك- فقال لي ي يحيى: الله جد في هذا الأمر، وسأحدثك إن شاء الله بحديث تزداد به بصيرة.

قال: وذلك أنا كنا عند ابن شهاب ونحن طالبون لهذا الأمر، فقال لنا يوما: يا معشر الطلبة أراكم تزهدون في هذا الأمر، وبالله الذي لا إله إلا هو لو أن بابا من العلم جعل في كفة ميزان وجعلت جميع أعمال البر في كفة أخرى لرجح الباب الذي من العلم بجميع أعمال البر؛ لأن الله عز وجل يقول في كتابه: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} والمتقون هاهنا هم أهل العلم. ومن عمل بمشورة أهل العلم فقد رشد، ومن عمل بغير علم وبغير مشورة أهل العلم فقد خسر خسرانا مبينا فالله الله جدوا في هذا الأمر. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما جميع أعمال البر في الجهاد إلا كبصقة في بحر، وما جميع أعمال البر والجهاد في طلب العلم إلا كبصفة في بحر". قال أبو بكر محمد بن عبد الله بن يونس رحمه الله: وفضائل العلم كثيرة، وأخباره طويلة، وقد ذكرنا منه ما فيه كفاية هاهنا، وفي أول كتاب الوضوء فأغنى ذلك عن إعادته.

ومنه ما روي عن يحيى بن عمرو ويحيى بن مسكين يرفعان ذلك إلى معاذ بن جبل قالا: قال معاذ: تعلموا العلم فإن تعليمه لله عز وجل خشية، وطلبه عبادة، وذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، والفكرة فيه تعدل بالصيام، ومدارسته تعدل بالقيام، وتعليمه لمن لا يعلم صدقة، وبذله لأهله قربة؛ لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبيل أهل الجنة، والأنس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والتزين عند الأخلاق، والقريب عند البعداء، يرفع الله به عز وجل أقواما فيجعلهم في الخير قادة هداة يهتدى بهم، وأئمة في الخير يقتدى بهم ويقتص آثارهم، وتزين أعمالهم، ويقتدى بفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، وترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، حتى كل رطب ويابس لهم مستغفر، حتى حيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، والسماء ونجومها؛ لأن العلم حياة القلوب من العمى، ونور الأبصار من الظلم، وقوة الأبدان من الضعف، يبلغ العبد منازل الأبرار، ومجالسة

الملوك، والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، به يطاع الله عز وجل، وبه يعلم، وبه يعبد الله تعالى، وبه يحمد، وبه يتورع، وبه يوحد، وبه توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال والحرام، امام العلم والعمل تابعه، يلهمه الله عز وجل السعداء ويحرمه الأشقياء. فصل [5 - في أرباب العلم] منه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ينتزع العلم انتزاعا من الناس، ولكن يقبضه الله عز وجل بقبض العلماء، فإذا ذهب العلماء اتخذ الناس رؤسا جهالا سألوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا". قال مالك: سئل كعب الأحبار: من أرباب العلم الذين هم أهله؟ قال: الذين يعملون بعلمهم، قال: صدقت، قال فما ينفيه من صدورهم بعد أن علموه؟ قال: الطمع، قال: صدقت. قال مالك: لم يكن إمام بالمدينة قط أخبر بحديثين مختلفين.

قال أشهب: يعني لا يحدث بما ليس عليه العمل. [فصل 6 - في التقديم والتأخير والزيادة في الحديث] وسئل مالك: هل يقدم في الحديث ويؤخر، والمعنى واحد؟ قال: أما ما كان من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أكره ذلك، وأن يزاد أو ينقص فيه، وما كان من قول غيره فلا أرى به بأسا إذا اتفق المعنى. وقيل لمالك رضي الله عنه -أيضا-: أرأيت حديث النبي صلى الله عليه وسلم يزاد فيه الواو والألف والمعنى واحد، قال: أرجو أن يكون ذلك خفيفا. م: إذ قد يكون ذلك نقص من الكاتب. [فصل 7 - هدي العلماء في أخذهم العلم والفتيا به] وقيل لمالك: أيؤخذ ممن لا يحفظ الأحاديث وهو ثقة؟ قال: فإما أن

يكتب يقول: إني كنت سمعتها، قال: لا يؤخذ منه؛ لأني أخاف أن يزاد في كتبه بالليل. وقال معن بن عيسى: سمعت مالكا يقول: لا يؤخذ العلم من أربعة، ويؤخذ ممن سواهم، لا يؤخذ من مبتدع يدعو إلى بدعته، ولا من سفيه معلن لسفهه ولا ممن يكذب في حديث الناس وإن كان يصدق في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عمن لا يعرف هذا الشأن. قيل لمالك: أرأيت من أخذ بحديث به ثقة عن أحد من الصحابة، أتراه في سعة، قال: لا والله حتى يصيب الحق، وما الحق إلا واحد، قولان مختلفان لا يكونان جميعا صوابا. وذكر عن ابن المسيب مثله.

قال مالك: لا يسلم رجل يحدث بكل ما سمع، ولا يكون إماما أبدا. ثم قال مالك: يلبسون الحق بالباطل. قال مالك: الذي غلب عليه أمر الناس هو المنهج وقد يكون الشيء حسنا وغيره أحسن منه وأقوى منه. قال مالك: إذا أصيب الجواب قل الكلام، وإذا كثر الكلام من صاحبه فيه الخطأ، فنهى عن الصياح في العلم كثرة واللغظ فيه. قال: وكان ابن هرمز قليل الكلام قليل الفتوى، وكان ممن أحب أن أقتدي به، وكان بصيرا بالكلام، وكان يرد على أهل الأهواء، وكان أعلم الناس بما اختلف الناس فيه من ذلك. قال محمد بن عجلان: ما هبت أحدا قط هيبتي زيد بن أسلم. وكان زيد يقول إذا سأله من لا يحسن: اذهب تعلم كيف تسأل ثم تعال. ويقال: إذا جلست إلى عالم فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول.

قال مالك: وربما مر بي زياد مولى ابن عباس: فيضع يده بين كتفي ويقول: عليك بالجد في هذا الأمر فإن كان ما يقول أصحابك من الرخص حقا لم يضرك، وإن كان الأمر على غير ذلك كنت قد أخذت بالجد. قال مالك: إذا رأيت هذه الأمور التي فيها الشكوك فخذ في ذلك بالذي هو أوثق. قال مالك: كان سليمان بن يسار أعلم هذه البلدة بعد سعيد بن المسيب، وكان إذا كثر الكلام واللغظ والمراء في المسجد أخذ نعليه وقام. وكان مالك يكره العجلة في الفتوى، وربما ردد السائل، وكثيرا يقول: لا أدري. وقال: جنة العالم: لا أدري، فإذا أخطأ أصيبت مقاتله. قال مالك: من إذلالة العالم أن يجب كل من سأله. وقال ابن عباس: من أجاب الناس في كل ما سألوه عنه فهو مجنون.

م: وفضائل العلم وآدابه كثيرة، وقد ذكرنا هاهنا وفي كتاب الطهارة ما فيه كفاية لمن يفهم وعمل، والله عز وجل نسأله التوفيق.

[الباب الحادي عشر] باب في الفتن وفساد الزمان وذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

[الباب الحادي عشر] باب في الفتن وفساد الزمان وذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [فصل 1 - في الفتن وفساد الزمان] قال مالك: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر: "كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس قد برحت عهودهم وأماناتهم واختلفوا وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه، قال: كيف بي يا رسول الله، قال: "عليك بما تعرف، وإياك وما تنكر، وعليك بخاصة نفسك، وإياك وعوامهم". قال مالك: لا أرى عمر دعا على نفسه بالشهادة إلا أنه خاف التحول من الفتن، وقد كان يحب البقاء في الدنيا. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان يمسي المرء مؤمنا ويصبح كافرا، ويصبح مؤمنا ويمسي كافرا"، قيل يا رسول الله: فأين العقول ذلك الزمان، قال: "تنزع

عقول أكثر أهل الزمان". وقرأ أبو هريرة: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا}، فقال: والذي نفسي بيده لقد دخلوا فيه أفواجا كثيرا، وسيخرجون منه أفواجا كثيرا. قال يحيى بن سعيد: لما كان زمان الفتنة اعتزل محمد بن مسلمة وغيره، فنزل محمد الربذة فأتاه أناس من أهل العراق يحرضونه فأراهم سيفه قد كسره، وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيت من الأمور ما تكره فاكسر سيفك على حجر من الحرة والزم بيتك وأغمض عينيك وأمسك لسانك". قال مالك: قتل يوم الحرة سبعمائة رجل ممن حمل القرآن.

قال ابن القاسم: أشك أن فيهم أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال مالك: كان يقال: من لقي الله عز وجل ولم يشرك في دم مسلم لقي الله عز وجل خفيف الظهر. قال مالك: لما حكم علي رضي الله عنه الحكمين خرجت تلك الخارجة فقالوا: لا حكم إلا لله، فقال علي رضي الله عنه: كلمة حق أريد بها باطل. وهي أول خارجة خرجت فتعدوا وكفروا الناس. فصل [2 - في الصبر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند السلف] قال مالك: ضرب محمد بن المنكدر وأصحاب له في أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وضرب ربيعة وحلق رأسه ولحيته في شيء غير هذا، وضرب

ابن المسيب وأدخل في تبان من الشعر. وقال عمر بن عبد العزيز: ما أغبط رجلا لم يصبه في هذا الأمر أذى. قال مالك: دخل أبو بكر بن عبد الرحمن وعكرمة بن عبد الرحمن على المسيب في السجن، وقد ضرب ضربا شديدا، فقالا له: اتق الله فإنا نخاف على دمك، فقال: أخرجا عني، أتراني ألعب بديني كما لعبتما بدينكما. وقال ابن مسعود: تكلموا بالحق تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله. قال مالك: وينبغي للناس أن يأمروا بطاعة الله عز وجل فإن عصوا كانوا شهودا على من عصى. قيل: أيأمر الرجل الوالي بالمعروف وينهاه عن المنكر، قال: إن رجا أن يطيعه فليفعل. قال: ويأمر والديه بالمعروف وينهاهما عن منكر ويخفض لهما جناح الذل من الرحمة.

قال مالك: مر على عمر بن الخطاب رضي الله عنه حمار عليه لبن، فطرح عمر عنه منه استكثره واستثقله ورآه يثقله. وقال سعيد بن جبير: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهي عن منكر. قال مالك: ومن هذا الذي ليس فيه شيء. [فصل 3 - في العفو عن المظلمة] قال مالك: وكان القاسم بن محمد يحلل من ظلمه يكره لنفسه الخصومة. وكان ابن المسيب: لا يحلل أحدا. قيل لمالك: أرأيت الرجل يموت ولي عليه دين لا وفاء له به، فقال: الأفضل عندي أن يحلله، وأما الرجل يظلم الرجل أو يغتابه وينقصه فلا أرى ذلك.

ومن دعائه صلى الله عليه وسلم عند النوم: يضع يده اليمنى تحت خده الأيمن واليسرى على فخذه الأيسر ثم يقول: "اللهم باسمك وضعت جنبي وباسمك أرفعه، اللهم إن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به الصالحين من عبادك، اللهم إني أسلمت نفسي إليك وألجأت ظهري إليك وفوضت أمري إليك ووجهت وجهي إليك رهبة منك ورغبة إليك، لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك، أستغفرك وأتوب إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبرسولك الذي أرسلت، فاغفر لي ما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت" ثم يقول: "اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك" يردها. ومن دعائه صلى الله عليه وسلم إذا خرج من بيته: "اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي". وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في الركوع: "سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة"، وفي السجود: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك".

ومما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يستحب دبر كل صلاة أن يسبح ثلاثا وثلاثين، ويكبر ثلاثا وثلاثين، ويحمد ثلاثا وثلاثين، ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير". قال مالك: من دعائه صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وإذا أردت بالناس الفتنة فاقبضني إليك غير مفتون". والتعوذ الذي علم جبريل للنبي عليه السلام إذ رأى عفريتا يطلبه بشعلة من نار حين أسري به: "أعوذ بوجه الله العظيم وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، وبأسماء الله الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر اينزل من السماء إلى الأرض، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن فتن الليل

والنهار، ومن طوارق الليل والنهار إلا طارق بخير يا رحمن". وقال صلى الله عليه وسلم: "من نزل منزلا فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل منه إن شاء الله".

[الباب الثالث عشر] باب في الصمت والعزلة والتواضع والقصد والحياء وحسن الخلق والزهد والعبادة ومواعظ وحكم

[الباب الثالث عشر] باب في الصمت والعزلة والتواضع والقصد والحياء وحسن الخلق والزهد والعبادة ومواعظ وحكم [فصل 1 - في فضل السكوت] قال مالك: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقي لها بالا فتهوي به في نار جهنم". وقال صلى الله عليه وسلم: "من وقي شر اثنين ولج الجنة، ما بين لحييه وما بين رجليه". وقال: "أكثر الناس حظا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل". وقال: "المؤمن ملجم لا يتكلم بكل ما يريد". وقال صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".

وقال عيسى بن مريم صلى الله على نبينا وعليه وعلى جميع النبيين والمرسلين: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله عز وجل فتقسوا قلوبكم فإن القلب القاسي بعيد من الله عز وجل ولكن لا تعلمون. وقال مالك: من لم يعد كلامه من عمله كثر كلامه. ويقال: إن من علم أن كلامه من عمله قل كلامه. وقال مالك: ولم يكونوا يهذرون الكلام هكذا، ومن الناس من يتكلم بكلام شهر في ساعة. فصل [2 - في حسن الخلق] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأمزح ولا أقول إلا حقا".

وقال صلى الله عليه وسلم: "لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء". وقال: "الحياء من الإيمان". وقال عليه والسلام للذي سأله أن يوصيه ولا يكثر عليه: "لا تغضب". وقال سفيان: صافي من شئت ثم أغضبه فليرمينك بداهية تمنعك من العيش. وقال: ما تجرع أحد أفضل من جرعة غضب. قال مالك: والفظاظة مكروهة؛ لقول الله عز وجل: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}. وقال تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}. فصل [3 - في الزهد والقصد] قال مالك: قال سعد بن عبادة: صل صلاة امرء مودع يظن أنه لا يعود،

وأظهر اليأس مما في أيدي الناس؛ فإنه الغنى، وإياك والطمع طلب الحاجات فإنه الفقر الحاضر، وقد علمت لا بد لك من قول فإياك وما يعتذر منه. قال مالك: ويقال: إن البلاء موكل بالمنطق، ومن أكثر الكلام ومراجعة الناس ذهب بهاؤه. قال مالك: ولم يكن في زمن سالم بن عبد الله أشبه منه بمن مضى في الزهد والقصد، كان يلبس الثوب بدرهمين، ويشتري الشملة يحملها، ويخرج إلى السوق في حوائج نفسه. وكان القاسم يلبس الخز والثياب الحسان. وكان ابن المسيب يسرد الصيام. قيل لمالك: فما روي فيه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل أشياء توسعة على الناس، وقد سرد قوم من الصحابة الصيام. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وشتت عليه أمره، ولم يأته منها إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة همه جعل الله غناه في

نفسه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة". وقال الصديق رضي الله عنه: الدنيا ملعونة ملعون ما كان فيها إلا ما كان من ذكر الله عز وجل أو أدى إلى ذكر الله عز وجل. وقال بعض الصالحين: الزهد: ترك الحرام وقصد الحلال، [وترك] المنزلة عند الناس، ولم يعجب سحنون قوله، وقال: ترك الحرام فريضة. وقال ابن شهاب: الزهد من لم يغلب الحرام صبره، ويشغل الحلال شكره. وقيل له: من الغافل؟ قال: من غلب الحرام صبره، والحلال شكره. قال سحنون: وزهد الغني بالترك، والفقير بالنية، وترك الدنيا زهد أفضل من طلبها وإلقائها في البر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره".

[فصل 4 - في التواضع] وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر: "اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك". [قال] "وكن في الدنيا كأنك غريب أو كعابر سبيل". وقال: "وما من آدمي إلا وفي أسه حكمة بيد ملك، فإذا رفع رأسه ضربه بها وقال: انخفض خفضك الله، وإذا تواضع رفعه بها وقال: ارتفع رفعك الله". وقال صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس استحيوا من الله حق الحياء" قالوا: أولسنا نستحي يا رسول الله من الله، قال: "من استحيى من الله فليبت وأجله بين عينيه، وليحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، وليذكر القبر والبلى، ومن أحب الآخرة فليترك زينة الحياة الدنيا".

[الباب الرابع عشر] باب في التجمل والعجل والرياء والكبر والكذب والغيبة وسوء الظن

[الباب الرابع عشر] باب في التجمل والعجل والرياء والكبر والكذب والغيبة وسوء الظن [فصل 1 - في التجمل] قال مالك: قال رجل يا رسول الله: إني أحب أن يكون ثوبي نظيفا، وشرك نعلي خصيفا، أفذلك من الكبر؟ قال: "لا، إنما الكبر من سفه الحق وغمص الناس". [فصل 2 - في العجب] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعت الرجل يقول: هلك الناس فهو أهلكهم". قال مالك: وأما الذي يقول ذلك على وجه التحزن فليس من ذلك. يريد: إنما لمكروه من قال ذلك طعنا وتنغصا. قال مالك: وقد أدركت الناس وهم يقولون: ذهب الناس.

قال ودخل رجل على عمر بن عبد العزيز فقال له: من سيد قومك؟ فقال له: أنا، فقال: لو كنت سيدهم ما قلته. وقال عمر رضي الله عنه: إن المدح هو الذبح. فصل [3 - في الرياء] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: من عمل عملا فأشرك فيه غيري فهو له وأنا منه بريء وأنا أغنى الشركاء عن الشرك". وقال مالك: رأى سعد بن أبي وقاص رجلا بين عينيه أثر السجود، فقال له: مذ كم أسلمت؟ فذكر له الرجل أمره، فكأنه تقربه، فقال له سعد: أسلمت أنا منذ كذا وكذا وما بين عيني شيء. وذكر مالك القصد وفضله، وقال: وإياك من القصد ما تحب أن ترفع به، وتعجب به الناس.

قيل لمالك: فالمصلي يصلي لله عز وجل ثم يقع في نفسه أنه يحب أن يعلم به الناس، ويحب أن يلقى في طريق المسجد، قال: إن كان أول ذلك لله عز وجل فلا بأس به، وربما كان ذلك من الشيطان فيمنعه من ذلك. وإن المرء يحب أن يكون صالحا، وقد قال عمر لابنه حين سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شجرة لا تسقط ورقها شتاء ولا صيفا، وضربها مثلا للمؤمن، قال: قلت في نفسي هي النخلة ولم أتكلم بذلك، فقال عمر رضي الله عنه: لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا، وهذا يكون في القلب لا يملك. قال الله عز وجل: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي}. وقال ابن عمر رضي الله عنه: اللهم اجعلني من أئمة المتقين. وقال بعض العلماء: إن تعمل عملا تحب أن يعرفك به الناس ويثنون به عليك، فإن قبل قلبك هذا فهو رياء. ويقال: من خاف الرياء سلم.

ويقال: من البر ألا نترك البر مخافة الرياء، ومن العجب أن ترى لنفسك الفضل على الناس وتمقتهم ولا تمقت نفسك. قال مالك: وإخفاء النوافل كلها، الصلاة وغيرها أحسن. فصل [4 - في الكذب] قال ابن مسعود: ما من خصلة في امرئ شر من الكذب. قيل لمالك: هل يؤدب الرجل أهله وولده على الأيمان بالكذب؟ قال: نعم. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا تنظروا إلى صوم امرئ ولا إلى صلاته، ولكن انظروا من إذا حدث صدق، وإذا اؤتمن أدى، وإذا أشفى ورع. فصل [5 - في النفاق] قال مالك: وكان الخير لا يعرف في عمر ولا في ابنه عبد الله حتى يقولا أو يعملا. قال ابن القاسم: أدركت الناس وما يعجبون بالقول. قال مالك: إنما ينظر إلى العمل.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المكر والخديعة والخيانة في النار". وقال صلى الله عليه وسلم: "إن من شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه". وقال عليه السلام: "من اتقاه الناس لشره". فصل [6 - في الغيبة] وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الغيبة أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع"، قيل يا رسول الله: وإن كان حقا؟ قال: "إذا قلت باطلا فذلك البهتان". وفي بعض الحديث: أن من خلع جلباب الحياء فلا غيبة فيه، فقيل: هو المعلن بالفسق، والله أعلم. وقيل: لا غيبة في أمير جائر، ولا ذي بدعة يدعو إلى بدعته، ولا فيمن يشاور فيه لنكاح أو شهادة أو نحوه.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس حين شاورته فيمن خطبها، فقال: "إن معاوية صعلوك لا مال له". وكذلك رأيت الأئمة لمن يقبل قوله من أهل الفضل أن تبيين أمر من يخاف أن يتخذ إماما، فيذكر ما فيه من كذب أو غيره مما يوجب ترك الرواية عنه. وكان سعيد بن شعبة يقول: اجلس بنا نغتاب في الله عز وجل. [فصل 7 - في سوء الظن] وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا يحل لامرئ مسلم يسمع من أخيه كلمة يظن بها شرا وهو يجد لها من الخير مصدرا. قال: وقد خلا ابن عمر بجارية، فرآه رجال، فآتى بها إليهم فقال: هي

جاريتي، فقالوا: يغفر الله لك أيتهمك أحد، فقال: لا، ولكني أحببت أن تعلموا ذلك. وقال القاسم: إني لأدع حاجة في موضع أخاف أن يظن بي سوء فيها.

[الباب الخامس عشر] باب في الورع والكسب وطلب الرزق وإصلاح المال والصدقة والتعفف عن المسألة وقبول الهدية والمسافر هل يأكل الثمار أو يشتري من العبيد؟ وأموال العبيد وأموال العمال وما يحل للمضطر أكله

[الباب الخامس عشر] باب في الورع والكسب وطلب الرزق وإصلاح المال والصدقة والتعفف عن المسألة وقبول الهدية والمسافر هل يأكل الثمار أو يشتري من العبيد؟ وأموال العبيد وأموال العمال وما يحل للمضطر أكله [فصل 1 - في الورع والكسب وطلب الرزق] قالت عائشة رضي الله عنها: قلت يا رسول الله: من المؤمن؟ قال: "من إذا أمسى سأل من أين قرصه، وإذا أصبح سأل من أين قرصه" قالت: ولو علم الناس أنهم كلفوا ذلك لتكلفوه، فقال صلى الله عليه وسلم: "قد علموا ذلك ولكنهم غشموا المعيشة غشما، يقول: تعسفوا تعسفا". ونظر عمر رضي الله عنه إلى المصلين فقال: لا يغرني كثرة رفع أحدكم رأسه وخفضه الدين: الورع في دين الله عز وجل والكف عن محارم الله تعالى،

والعمل بحلال الله سبحانه وحرامه عز وجل. وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أمسى وانيا من طلب الحلال بات مغفورا له". فصل [2 - في إصلاح المال] قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من كانت له أرض فليعمرها، ومن كان له مال فليصلحه؛ فإنه يوشك أن يأتي زمان من لا يعطي إلا من أحب. وقال عمر رضي الله عنه: لأن أموت بين شعبتي رجلي أبتغي من فضل الله عز وجل أحب إلي من أن أموت على فراشي. قال مالك: كان ابن عمر وسالم يخرجان إلى السوق فيجلسان فيه. وكان ابن المسيب يجلس عند أصحاب العباء.

فصل [3 - في الصدقة والتعفف عن المسألة] قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول". وقال عليه السلام: "من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خير وأوسع من الصبر". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا رسول الله: أليس قد أخبرتنا أن خيرا لأحدنا ألا يأخذ من أحد شيئا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما ذلك عن المسألة، وأما ما كان عن غير مسألة فإنما هو رزق رزقكه الله عز وجل". وقال عليه السلام: "لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب خير له من أن يأتي رجلا أعطاه الله من فضله، فيسأله أعطاه أو منعه". فقال صلى الله عليه وسلم: " لا تحل الصدقة لآل محمد". قال ابن القاسم: ذلك في الزكاة المفروضة. وقال صلى عليه وسلم: "لا تحقرن إحداكن لجارتها ولو كراعا محرقا".

ويقال: الصدقة على الأقارب يضاعف أجرها مرتين. قال مالك: الصدقة على الأقارب أفضل من عتق الرقاب. فصل [4 - في الهدية] قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تهادوا بينكم، فإن الهدية تذهب الشحناء". وقال ابن عمر: لقد كنا ما أحدنا أولى بدينار من أخيه المسلم، ثم ذهب ذلك، فكانت المواساة، ثم ذهبت المواساة فكان السلف. قيل لمالك: فالرجل له الفضل يخرج إلى السوق فيقارب في ذلك لمكان فضله، قال: لا بأس بذلك. وسئل رضي الله عنه: عن معنى الحديث في إضاعة المال، فقال: منعه من حقه ووضعه في غير حقه، قال الله عز وجل: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا}.

فصل [5 - في المسافر هل يأكل الثمار؟] قيل لمالك: الثمار تجد ثم يخلى عنها وفيها الشيء؟ قال: إن علم أن أنفسهم طيبة بأخذه فليأخذه. قال أشهب: ولا يدعى في الإقراط إلا ما علم أن صاحبه أذن فيه، قيل: إنه يراه، قال: ما أحبه إلا بإذنه، ولعله يستحي منه أو يخافه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحلب أحدكم ماشية أخيه إلا بإذنه وهو يحلب بكرة ويرجع عشية، والثمر لا يرجع إلا إلى عام قابل". قيل: فحائط لا الجدار عليه أيأكل منه ابن السبيل؟ قال: لا. قيل: فما سقط في الأرض؟ فكرهه، وقال: المربد بالأرض. قيل: أيأكل من جنان أبيه وأمه وأخيه؟ قال: لا، إلا أن يأذن. قيل فإن أطعمني خازن الجنان، أو باعني؟

قال: إن علم أنهم قد أذنوا له، أو أعلمك أصحاب الحوائط أنهم رأوه يبيع ويمنح ويكون كالقيم في الغنم، فلا بأس أن يشتري، فأما العبد الذي يستخفي فلا خير فيه. قيل: فتأتيه الأمة ببعض المناهل بلبن أو ثمر أيشتري ذلك؟ قال: لا بأس به إن لم يرتب أمرا، وهذه أشياء يبيعها العبد ونحوه. فصل [6 - فيما يحل للمضطر أكله] قال مسروق: ومن اضطر إلى الميتة فلم يأكل حتى مات دخل النار. قال ربيعة وابن شهاب ومالك: لا تحل الخمر للمضطر، وأما الميتة فليأكل وليشبع ويتزود حتى يجد عنها غنى عن الذي يتزود حتى يجد عنها غنى عن الذي تزود فيطرحه. قال القاسم: لو كانت الدنيا كلها حراما لما كان بد من العيش فيها. قال مالك: وكان ابن هرمز إذا قدمت غنم الصدقة لم يأكل اللحم. قال مالك: وأكره طعام عاصر الخمر، وكان يكبر. فقيل: الهدية من سوداء تبيع المزر بمصر؟ قال: لأني كنت أراها تغزل. قال الليث: إن لم يكن له مال سوى الخمر فليكف عنه.

وقال: وأكره طعام العمال من جهة الورع من غير تحريم. وقال الليث: ليس شيء بعد الدماء أشد من أخذ أموال الناس بغير حق. فصل [7 - حكم التعامل مع من يتعامل بالحرام] قال مالك: ومن قول أهل المدينة: أن من بيده مالا حراما فاشترى به دارا أو ثوبا من غير أن يكره على البيع أحدا، فلا بأس أن تشتري أنت تلك الدار أو الثوب من ذلك الذي اشتراه بالمال الحرام. قال ابن عبدوس: وذلك إذا كان البائع منه قد عرف عيب الثمن. ويذكر عن محمد بن سحنون: أنه أجاز ذلك، وإن لم يعرف البائع [عيب] الثمن. قال ابن عبدوس: فإما إن وهبك المشتري تلك الدار أو الثوب، فلا يجوز لك أخذ ذلك على الهبة؛ لأن من أحاط الدين بماله لا تجوز هبته ولا صدقته. وقال مالك: فيمن بيده مالك حلال وحرام فإن كان الحرام يسيرا في كثرة حلاه فلا بأس بمعاملته، وإن كان الحرام كثيرا فلا ينبغي معاملته.

ولا تعامل من يعمل بالربا من المسلمين، وكره أن تصرف من نصراني دينارا أخذه من خمر أو ربا، ولا بأس بأخذه منه في الدين. وغير مالك يرى أن ذلك أخف من النصراني؛ لأنه لو أسلم حل له ما في يديه. م: ولأنه يرى أن ذلك حلال له في دينه، والمسلم يرى ذلك حراما، فالنصراني أخف.

[الباب السادس عشر] جامع في السلام، وما يخرج من الهجرة وفي الإخوان في الله، والمكاتبة، والاستئذان، والمناجاة وتقبيل اليد، والمبالغة في البر للزوج والغريب وذي السن والعالم والوالدين، وتشمين العاطس

[الباب السادس عشر] جامع في السلام، وما يخرج من الهجرة وفي الإخوان في الله، والمكاتبة، والاستئذان، والمناجاة وتقبيل اليد، والمبالغة في البر للزوج والغريب وذي السن والعالم والوالدين، وتشمين العاطس [فصل 1 - في السلام] قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يسلم الراكب على الماشي، وإذا سلم واحد من القوم واحد أجزأ عنهم". وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإفشاء السلام. وقال ابن عباس: السلام ينتهي إلى البركة. وكان ابن عمر يقول في سلامه وفي رده سواء: السلام عليكم.

قيل لمالك: أيسلم على النساء؟ قال: أما المتجالة فلا كراهة، وأما الشابة فلا أحبه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الرد على اليهودي: "فقل: عليك". قيل لمالك: فمن سلم على يهودي أيستقبله؟ قال: لا. قيل: أفيكنون؟ قال: لا أحب أن يرفعوا، وينبغي أن يذلوا. وأرخص غيره في ذلك؛ لقول الرسول عليه السلام: "انزل أبا وهب". ولا ينبغي أن يقال في السلام: سلام الله عليك، ولكن: عليك السلام، أو السلام عليكم. فصل [2 - في المصافحة والتقبيل] قيل لمالك: أرأيت من قدم من سفر فتلقاه ابنته أو أخته فتقبله؟ قال: لا بأس بذلك، وقال: لا بأس -أيضا- أن يقبل خد ابنته.

قيل: أفترى أن تقبله ختنته وهي متجالة، أو [تعانقه]؟ فكره ذلك. وسئل مالك عن المصافحة؟ فقال: إن الناس ليفعلون ذلك، وأما أنا فما أفعله. وكره معانقة الرجل للرجل. وقال: قال الله عز وجل: {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ}. وروي عنه في المصافحة غير هذا، أنه صافح سفيان بن عيينة، وقال: لولا أنها بدعة لعانقتك، فاحتج عليه سفيان بمعانقة النبي صلى الله عليه وسلم لجعفر حين قدم من أرض الحبشة، فقال مالك: كان ذلك خاصا لجعفر، ورآه سفيان عاماً.

وأجاز مالك في رسالته لهارون الرشيد أن يعانق قريبه يقدم من سفره، وقيل: إن هذه الرسالة لم تثبت لمالك. وروي أن الرسول عليه السلام قال: "تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا [تحابوا و] تذهب الشحناء". وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما تواخا اثنان في الله قط إلا كان أحبها لله أشدهما حبا لصاحبه". وقال عمر رضي الله عنه: يصفي لك ود أخيك ثلاثة: أن تبدأه بالسلام إذا لقيته، وتدعوه بأحب أسمائه إليه، وأن توسع له في المجلس، وكفى بالمرء عيبا أن يأخذ على الناس فيما يأتي به أو يبدوا لهم منه ما يخفى عليه من نفسه، وأن يؤذيهم في المجلس فيما لا يعنيه.

[فصل 3 - في هجر المسلم أخاه] قال مالك: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام". قال مالك: فإذا سلم عليه فقد خرج من الهجرة. قال في موضع آخر: إن كان مؤذيا له فقد برئ من الشحناء. قال ابن القاسم: وإن كان غير مؤذ له لم يخرجه السلام من الهجرة إذا اجتنب كلامه، وأما أهل البدع فقد أمر بهجرانهم. قال سحنون: أدبا لهم. [فصل 4 - في تقبيل الرجل ابنته، وتعظيم أهل الفضل] قال مالك: ولا بأس أن يقبل الرجل خد ابنته إذا قدم من سفره. قال مالك: ويقال: من تعظيم الله عز وجل له تعظيم ذو الشيبة المسلم.

قيل فالرجل يقوم للرجل له الفقه والفضل فيجلسه في مجلسه؟ قال: يكره ذلك، ولا بأس أن يوسع له. [فصل 5 - في المبالغة في البر للزوج، وكراهية القيام والتقبيل] قيل له: قيل له: فالمرأة تبالغ في بر زوجها تلقاه فتنزع ثيابه ونعليه وتقف حتى يجلس؟ قال: أما تلقيها ونزعها فلا بأس به، وأما قيامها حتى يجلس فلا، وهذا من فعل الجبابرة، وربما يكون الناس ينتظرونه، فإذا طلع قاموا إليه فليس هذا من فعل الإسلام. ويقال أن عمر بن عبد العزيز فعل ذلك به أول ما ولي حين خرج إلى الناس فأنكره وقال: إن تقوموا نقم، وإن تقعدوا نقعد، وإنما يقوم الناس لرب العالمين.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار". وسئل مالك عن الرجل يقبل يد الوالي أو رأسه، أو المولى يفعل ذلك بسيده؟ قال: ليس ذلك من عمل الناس، وهو من عمل الأعاجم. قيل: فيقبل رأس أبيه؟ قال: أرجو أن يكون خفيفا. وسئل في رواية أخرى: هل يقبل خد أبيه أو عمه؟ قال: لا أرى أن يفعل، وإن من العبرة أن من مضى لم يكن يفعل ذلك. قيل: كان ابن عمر إذا قدم من السفر يقبل سالما، وقال: شيخ يقبل شيخا، فأنكر الحديث وقال: لا تتحدثوا بمثل هذه الأحاديث فتهلكوا فيها.

[فصل 6 - في الاستئذان والمكاتبة] قال مالك: الاستئذان ثلاث، لا أحب أن يزيد عليها، وكذلك جاء الحديث، إلا من علم أنه لم يسمع فلا بأس أن يزيد إذا استيقن، قال: وهو تأويل قول الله عز وجل: {حَتَّى تَسْتَانِسُوا} فيما نرى، والله أعلم. قيل فالرجل يكتب إلى الرجل: أقرء فلانا وفلانا السلام؟ قال: أرجو أن يكون في سعة. [فصل 7 - في تشمين العاطس] قال مالك: ولا تشمت العاطس حتى تسمعه يحمد الله عز وجل، فإن بعد منك وسمعت من يليك يشمته فشمته. ومن عطس في الصلاة فلا يحمد الله إلا في نفسه. قال سحنون: ولا في نفسه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عطس فشمته، ثم إن عطس فشمته، ثم إن عطس فشمته، ثم إن عطس فشمته فقل إنك مضنوك".

قال أبو محمد في كتاب الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد: أنه إن شمته واحد من الجماعة أجزأ عنهم كرد السلام. وقال يحيى بن مزين: إنه بخلاف رد السلام في رد واحد. [فصل 8 - صاحب المجلس أولى بمجلسه إذا رجع] قيل: فمن قام من مجلس، أهو أحق به إذا رجع؟ قال: ما سمعت فيه من شيء، وإنه لحسن إن كان رجوعه قريبا، وإن تباعد فليس ذلك له، وهذا من محاسن الأخلاق. [فصل 9 - لا يتناجى اثنان دون الثالث] وسئل عن أربعة، هل يتناجى ثلاثة دون واحد؟ قال: نهي أن يتركوا واحدا ولو كانوا عشرة اجتناب سوء الظن والحسد والكذب.

[فصل 10 - في بر الوالدين] قيل للحسن: ما بر الوالدين؟ قال: أن تبذل لهما ما ملكت وتطيعهما فيما أمراك ما لم تكن معصية. وسئل ابن المسيب عن قوله عز وجل: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} قال: قول العبد الذنب: للسيد الفظ. قال أبو هريرة: ولا تمش أمام أبيك، ولا تقعد قبله، ولا تدعه باسمه، وأما في الظلمة فيمشي بين يديه. انتهى.

[الباب السابع عشر] باب في الفطرة وقص الشارب وحلق العانة والختان والسواك والكحل وقص الشعر ووصله والحجامة، ودخول الحمام

[الباب السابع عشر] باب في الفطرة وقص الشارب وحلق العانة والختان والسواك والكحل وقص الشعر ووصله والحجامة، ودخول الحمام [فصل 1 - في خصال الفطرة] قال مالك: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمس من الفطرة تقليم الأظافر وقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة والاختتان". وقال غيره: وري عن ابن عباس في قول الله سبحانه: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} قال: [هي] الفطرة وهي خمس في الرأس وخمس في الجسد:- ففي الرأس: المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الإطار وفرق الشعر.

وفي الجسد: الختان وحلق العانة ونتف الإبط وقص الأظافر والاستنجاء. [فصل 2 - في فضل السواك] وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك". وفي حديث آخر: "وعليكم بالسواك". [فصل 3 - في قص الشارب] وسئل مالك عمن أحفى شاربه؟ قال: يوجع ضربا، وهذه بدعة، وإنما الإحفاء المذكور في الحديث قص الإطار وهو طرف الشعر.

وكان عمر رضي الله عنه يفتل شاربه إذا أكربه أمر، فلو كان محلوقا ما وجد ما يفتل. [فصل 4 - في الحجامة] قال: ولا بأس [بالإطلاء] والحجامة يوم السبت ويوم الأربعاء والأيام كلها، وكذلك السفر والنكاح، وأراه عظيما أن يكون من الأيام يوم يجتنب ذلك فيه، وأنكر الحديث في هذا. وقد كره بعض الصحابة ترك العمل يوم الجمعة نحو ما عظمت اليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد. وسئل عن الحجامة في يوم سبعة عشر وفي يوم خمسة عشر وثلاثة وعشرين؟ فكره أن يكون لذلك يوم محدود.

وذكر عن الليث أنه قال: إني لأتقي الحجامة والإطلاء يوم السبت ويوم الأربعاء لحديث بلغني. وقال مالك: حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن كان دواء يبلغ الداء فإن الحجامة تبلغه". قال مالك: وإني لأكره حلق موضع المحاجم في الرأس والقفا, وما أراه حراما. [فصل 5 - في طول اللحية ونتف الشيب ودفن الشعر وصبغه ووصله] وسئل عن طول اللحية جدا؟ فكرهه، وقال في نتف الشيب: ما أعلمه حراما، وتركه أحب إلي. وكره أن تحلق أماكن من رؤوس الصبيان وتترك أماكن.

وسئل عن دفن الشعر والأظافر؟ فقال: لا أرى ذلك؛ وهو بدعة، وقد كان من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلنسوة خالد بن الوليد. وسئل عن الصبغ بالسواد؟ فقال: ما سمعت فيه شيئا، وغيره من الصبغ أحب إلي، والصبغ بالحناء والكتم واسع، والدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ لبدات به. وكان عمر وعلي وأبي بن كعب لا يغيرون الشيب. ورأيت ابن شهاب يخضب بالحناء. ولا بأس للمرأة أن توشي يدها بالحنة وتطرفهما من غير خضاب. ولا ينبغي أن تصل المرأة شعرها بشعر ولا غيره. وقال الليث: لا بأس أن تصله بالصوف، وإنما يكره بالشعر.

وكره مالك أن تضع الجمة من الشعر على رأسها وضعا. قيل: فالخرق تجعلها في قفالها وتربط الوقاية، قال: أرجو أن لا يكون فيه بأس. [فصل 6 - في الاكتحال] قال مالك: وأكره الكحل للرجل في الليل والنهار إلا لمن به علة، وما رأيت من يكتحل إلا من ضرورة. وروي في الكحل أنه يكتحل وترا. [فصل 7 - في دخول حمام السباحة] وسئل عن دخول الحمام؟ فقال: إن وجدته خاليا أو دخلت مع قوم يستترون فلا بأس به، وإن كانوا لا يتحفظون لم أر أن تدخله.

وأكره للمرأة دخول الحمام وإن كانت مريضة إلا أن يكون معها أحد. [فصل 8 - في الختان] ولا يعجبني أن يختن الصبي ابن سبعة أيام، وذلك من فعل اليهود وأحب إلي إذا أثغر، ولا بأس أن يعجله قبله أو يؤخره بعده، وكلما عجل بعد الإثغار أحب إلي, قال: والنساء يخفضن [الجواري]. قال وأحب للنساء قص الأظافر وحلق العانة، والاختتان.

[الباب الثامن عشر] [باب] في ستر العورة وما ينبغي ستره للرجال والنساء والخلطة [في] المواكلة والمنام والخلوة بين ذوي المحارم وغيره

[الباب الثامن عشر] [باب] في ستر العورة وما ينبغي ستره للرجال والنساء والخلطة [في] المواكلة والمنام والخلوة بين ذوي المحارم وغيره [فصل 1 - في ستر العورة] قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رب نساء كاسيات عاريات". قالت عائشة رضي الله عنها: رحم الله نساء الأنصار لما نزلت آية الحجاب عمدن إلى أكثف مروطهن فاحترمن بها. قال مالك: كان النساء يخرجن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ينبغي لنسائك أن يخرجن هكذا؟ فنزلت آية الحجاب.

وكانت الحجر من جريد فسترت جوانبها بالمسوح لئلا يرى داخلها. قال مالك: وللرجل أن يجامع أهله ليس بينه وبينها ستر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة يغتسلان وهما عرايانين، فالجماع أولى بالتجرد. قال: ولا بأس أن يرى فرج امرأته في الجماع. قيل: وهل ترى خادمة الزوجة فخذ زوجها؟ قال: لا، ولا تدخل عليه المرحاض، وكذلك خادم ابنه وأبيه. قال الله عز وجل: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} قيل: فخادم له خصي يرى فخذه متكشفا؟ قال ذلك خفيف. [فصل 2 - في المواكلة والخلوة] قال: وأحب لمن دخل على أمه وأخته أن يستأذن عليهما قبل أن يدخل.

وقال في الموطأ: لا بأس أن تأكل المرأة مع ذي محرم منها أو مع غلامها. قال ابن الجهم: يعني العجوز المتجالة. ولا يخلو رجل مع امرأة ليس بينه وبينها محرم. ولا بأس على الرجل لو نظر إلى شعر أم زوجته، ولا ينبغي إن قدم من سفر أن تعانقه وإن كانت عجوزا. وأما أخت امرأته فليبعد منها ما استطاع. وأرى أن يتقدم إلى الصناع في قعود النساء إليهم. ولا تترك الشابة تجلس إلى الصانع، وأما المتجالة أو الخادم الدون ومن لا يهتم فيها فلا بأس. قال: ولا بأس أن تضع المرأة جلبابها عند زوج ابنتها. قال: واحتجبت عائشة رضي الله عنها من أعمى فقيل لها: إنه لا ينظر إليك؟

فقالت: لكني أنا أنظر إليه. [فصل 3 - في الاغتسال بغير إزار] [قال] ابن وهب قال مالك: لا بأس أن تغتسل المرأة في الفضاء بغير مئزر. وأخبرني ابن جريج عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا بالأبواء يغتسل على حوض عريانا بالبراز! فقال: "إن الله حيي يحب الحياء، وستير يحب الستر، فإذا اغتسل أحدكم فليتوارى". [فصل 4 - في المضاجعة] وأنكر مالك أن يبيت الخدم في لحاف واحد يتعرين فيه.

قيل: أفيضاجع ابنه ابن ست سنين ليس بينهما حجاب؟ قال: أحب إلي أن يكون بينهما ثوب. [فصل 5 - سفر المرأة والخروج في حوائجها] ولا بأس أن تحج المرأة مع جماعة من النساء وناس مأمونين ليس فيهم ذو محرم. قيل: فمن وطئ جارية هل يرسلها إلى السوق في حوائجه؟ قال: لا بأس بذلك، والحرة تخرج في حاجتها. وقد كانت أسماء تقود فرس الزبير زوجها في الطريق وهي حامل.

[الباب التاسع عشر] باب في الطعام والشراب وغسل اليد والأكل بالشمال والدعوة والضيافة

[الباب التاسع عشر] باب في الطعام والشراب وغسل اليد والأكل بالشمال والدعوة والضيافة [فصل 1 - في آداب الطعام] نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل الرجل بشماله أو يشرب بشماله. وروي أنه صلى الله عليه وسلم أكل الرطب بالبطيخ هذا في يد وهذا في يد. وكان صلى الله عليه وسلم إذا شرب أعطى من على يمينه. وقال صلى الله عليه وسلم: "سم الله وكل مما يليك".

ونهى صلى الله عليه وسلم عن النفخ في الشراب. و [نهى] عن الشرب في آنية الذهب والفضة. وشرب صلى الله عليه وسلم قائما. قال مالك: وقد كان عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم يشربون قياما. وقال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن يأكل في معاء واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء". فيه تمثيل لكثرة الأكل وقلته، وقيل: إنه في رجل واحد مخصوص. وقيل: بل الكافر قليل الأكل لو أسلم لكان أكله أقل لبركة التسمية. وكان صلى الله عليه وسلم لا يأكل الثوم ولا الكراث ولا البصل؛ من أجل أنه كان يكلم جبريل عليه السلام.

ونهى عن أكل ذلك من يأتي المسجد لئلا يؤذي الناس بريحه. قال مالك: ويكره النفخ في الشراب والطعام جميعا. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أما أنا فلا آكل متكئا". قيل لمالك: أيأكل الرجل من طعام لا يأكل منه أهله وعياله ورقيقه، ويلبس غير ما يكسوهم؟ قال: نعم والله إني لا أراه في سعة من ذلك، ولكن يحسن إليهم. قيل له: فحديث أبي الدرداء؟ قال: كان الناس يومئذ ليس لهم هذا القوت. قيل: من أكل مع أهله وولده أيتناول ما يليهم؟ قال: لا بأس بذلك. قيل: والقوم في الحرس يأكلون فيأكل بعضهم من بين يدي بعض وهم يوسعون له في ذلك؟

قال: لا خير في ذلك، وليس من الأخلاق التي تعرف عندنا. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القران في التمر، وفي بعض الحديث: إلا أن يستأذن أصحابه. قال: لا خير في القران في التمر يأكل تمرتين أو ثلاث في لقمة واحدة. وقال في موضع آخر: لأنهم شركاء فيه. وروى ابن نافع عنه أنه قال: إن كان هو أطعمهم فنعم. وفي وراية ابن وهب أن ذلك ليس بجميل. قال هو وغيره وكذلك التين. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أكل التمر تجول يده في الطبق. وقد تمندل عمر بأصلي قدميه.

وروى ابن وهب في الجلبان والفول وشبه ذلك أنه لا بأس أن يتوضأ به في الحمام وقد يدهن جسمه بالسمن والزيت والشقاق. وفي رواية أشهب سئل عن الوضوء بالدقيق والنخالة؟ قال: لا علم لي به، ولم يتوضأ به، إن أعياه شيء فليتوضأ بالتراب. وقد قال عمر: إياكم وهذا التنعم وأراه من فعل الأعاجم. وأكره غسل اليد قبل الطعام وأراه من فعل الأعاجم. [فصل 2 - في إجابة الدعوة] وأمر صلى الله عليه وسلم بإتيان الدعوة. قيل لمالك: من دعي إلى وليمة، أيجيب إذا كان فيها اللهو والبوق؟ قال: إن كان شيئا كثيرا مشتهرا فأنا أكرهه. وأرخص في التخلف عن الوليمة إذا كان فيها الزحام. قال ربيعة إنما استحب إتيان الدعوة لثبات النكاح وسماعه فإن البينة تهلك.

قال مالك: ولا أحب أن تجاب دعوة النصراني، وما أعلمه حراما. وسئل عن الدعوة في الصنيع والختان قال: ليس ذلك من الدعوة فإن أجاب فلا بأس، وإنما الإجابة في وليمة العرس. فصل [3 - في الضيافة] قال مالك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الضيافة جائزته يوم وليلة. قال: معناه أن يحسن ضيافته ويكرمه ويتحفه ويخصه يوم وليلة وثلاثة أيام ضيافة، وما زاد على الثلاثة فهو صدقة. قال مالك: ومن نزل من مسافر بذمي فلا يأخذ منه شيئا إلا بطيب نفس. قيل: فضيافة ثلاثة أيام التي جعلت عليهم! قال: كانوا يومئذ يخفف عنهم.

[فصل 4 - في الجلد المدبوغ] وقال مالك: كان يقال في جلود الميتة كل إهاب دبغ فقد طهر وإني لأتقيه، ولا بأس بلباس جلود الثعالب إذا ذكيت.

[الباب العشرون] [باب] في اللباس وذكر الحرير والخز والمصبغات والصوف والسدل والاشتمال والخاتم والحلي وآنية الفضة والانتعال والصور والتماثيل، وشكل أهل الذمة

[الباب العشرون] [باب] في اللباس وذكر الحرير والخز والمصبغات والصوف والسدل والاشتمال والخاتم والحلي وآنية الفضة والانتعال والصور والتماثيل، وشكل أهل الذمة [فصل 1 - في اللباس] قال النبي صلى الله عليه وسلم: "البسوا الثياب البيض وكفنوا فيها موتاكم، فإنها خير ثيابكم". وقال في الذهب والحرير: "هذان حرامان على ذكور أمتي، حل لإناثهم". وقال صلى الله عليه وسلم: "إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، وما أسفل من ذلك ففي النار". ونهى صلى الله عليه وسلم عن اشتمال الصماء.

[قال] مالك: وأكره للرجل سعة الثوب وطوله عليه. قيل لمالك: فلباس الصوف الغليظ؟ قال: لا خير في الشهرة، ولو كان يلبسه تارة وينزعه تارة لرجوت أن يكون خفيفا، وأما المواصلة حتى يعرف به ويشتهر فلا أحبه، ومن غليظ القطن ما هو في مثل ثمنه وأبعد من الشهرة. وقال في موضع آخر: لا أكره لباس الصوف لمن لم يجد. وكان عمر يكسو الحلل وقد كان يقول: أحب أن أرى القارئ أبيض الثياب. قال: ولا بأس أن يكون القميص رقيقا إذا كان قصدا ولم يكن على وجه السرف. قال: وأكره لباس الأقبية للوصائف؛ لأنها تخرج أعجازهن. وسئل عن لباس القلانس!

فقال: قد كانت قديمة في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لخالد بن الوليد قلنسوة جعل فيها من شعر النبي صلى الله عليه وسلم وهي التي قاتل عليها يوم اليرموك، وذلك أنه كانت له قلنسوة قد جعل فيها من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فسقطت من رأسه في ذلك اليوم فقاتل عليها أشد القتال حتى حازها ومنع منها المشركين وأخذها. قيل لمالك: فالمظال؟ قال: ما كانت من لباس الناس وما أرى بها بأسا. قال: ولا بأس بالتقنع بالثوب لحر أو برد، وأما لغير ذلك فلا. قال: ورأت سكينة أو فاطمة بنت الحسين بعض ولدها مقنعا رأسه فقالت: اكشف عن رأسك فإن القناع ريبة بالليل ومذلة بالنهار. ونهى عمر رضي الله عنه النساء عن لباس القباطي، وقال: إن لم تكشف فهي تصف.

قال مالك: العمة والانتعال من عمل العرب، وكانت العمة في أول الإسلام ثم لم تزل حتى كان هؤلاء القوم، ولم أدرك أحدا من أهل الفضل إلا وهم يعتمون: يحيى بن سعيد وربيعة وابن هرمز، وكنت أرى في حلقة ربيعة أحدا وثلاثين رجلا معتمين وأنا منهم، وكان ربيعة لا يدعها حتى تطلع الثريا. وقال: إني لأجد العمر تزيد في العقل. قيل: فترخى بين الكتفين؟ قال: لم أر أحدا ممن أدركت يرخى بين كتفيه ولكن يرسل بين يديه، ولست أكره إرخاءها من خلف؛ لأنه حرام ولكن هذا أجمل، وكان من أدركت يفعله إلا عامر بن عبد الله فإنه كان يرخي بين كتفيه، وقال: أرى أن النبي صلى الله عليه وسلم زار جبريل عليه السلام على صورة دحية الكلبي وقد أسدل من عمامته بين كتفيه. وأكره أن يعتم، ولا يجعل منها تحت ذقنه، فأما من يفعل ذلك في بيته وعند اغتساله وفي مرضه فلا بأس به.

قال مالك في النعل: أحب إلي المدور المختصر، وأن يكون له عقب مؤخر، قال: ورأيت نعل النبي صلى الله عليه وسلم إلى التقدير ما هي، وهي مختصرة يختصرها من مؤخرها وعقبه من خلفها، وكان لها زمامان في كل نعل. قال مالك: ولا بأس بالانتعال قائما، ولا يمشي في نعل واحدة إلا أن يكون أقطع الرجل. [فصل 2 - في التختم والخلخال والقرط] وأكره التختم في اليمنى، وقال: إنما يأكل ويشرب ويعمل بيمينه فكيف يريد أن يأخذ بالشمال ثم يعمل. قيل: أيجعل الفص إلى الكف؟ قال: لا. قيل: فيجعل الخاتم في اليمنى للحاجة يذكرها أو يربط خيطا في إصبعه. قال: لا بأس بذلك.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم تختم بخاتم فضة فصه حبشي. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم تختم بفص عقيق. وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان نقش خاتمه محمد رسول الله، وقيل: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يطبع به كتبه. ومن شأن الخلفاء والقضاة نقش أسمائهم في خواتمهم. ويقال كان نقش فص خاتم الملك: حسبي الله ونعم الوكيل. قال: ولا خير في أن يكون نقش فصه تماثلا. قيل: فإن كان فيه ذكر الله عز وجل، أيلبسه في الشمال ويستنجي به؟ قال: أرجو أن يكون خفيفا. قال: وأكره أن يجعل في فصه مسمار ذهب أو يخلطه بحبة أو حبتين من ذهب لئلا يصدأ. قال: ولا بأس أن تربط الأسنان بالذهب.

وأكره للمرأة الدملج من الحديد، وكرهته عائشة رضي الله عنها، وكانت إذا رأت في صبي خلخالا من حديد أمرته بطرحه. قال: وأكره قرطا الذهب للغلمان الصغار. وقال في رواية أخرى: أرجو أن يكون خفيفا إذا كان ذلك خفيفا. [فصل 3 - في لبس الحرير والخز] وكره لبس الحرير للصبيان. قال: ولا يلبس الحرير في غزو ولا غيره، ولا علمت أحدا أقتدي به لبسه في الغزو. قيل: أفيلبس الخز؟ قال: ما علمته حراما وغيره أعجب إلي منه. ولا يعجبني لبس ثوب سداه من حرير.

[فصل -4 في لباس أهل الذمة] قال مالك: أرى أن يلزم النصارى المناطق، وقد كان يفعل ذلك بهم قديما، وأرى أن يلزموا الصغار. وكتب عثمان أن يركبوا على الأكف عرضا.

[الباب الحادي والعشرون] [باب] في الطب والاكتواء والتعالج والرقاء والتعوذ وذكر التمائم والطيره، وذكر العين والطاعون، وذكر النجوم

[الباب الحادي والعشرون] [باب] في الطب والاكتواء والتعالج والرقاء والتعوذ وذكر التمائم والطيره، وذكر العين والطاعون، وذكر النجوم [فصل 1 - في العلاج والاكتواء والرقية من العين والتعوذ] قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجلين الذين عالجا الجريح: "أيكما أطب"، وقال: "أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء". واكتو سعد بن زرارة من الذبحة، واكتو عبد الله بن عمر من اللقوة ورقي من العقرب. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاسترقاء من العين والوضوء لذلك.

وقال صلى الله عليه وسلم لعامر حين نظر إلى سهل بن حنيف فوعك، " [علام] يقتل أحدكم أخاه، ألا بركت له، إن العين حق توضأ له". وفي حديث آخر: "اغتسل له" فغسل له عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخل إزاره في قدح ثم صب عليه، فراح سهل مع الناس ليس به بأس. قال مالك: داخل الإزار هو الذي يلي الجسد. [قال] ابن حبيب: هو الذي يضعه المؤتزر أولا على جنبه الأيمن. قال: وقال الزهري: يؤتى العائن بقدح فيه ماء فيدخل في كفيه فيتمضمض ثم يمجه في القدح ثم يغسل وجهه في القدح ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على اليمنى، ثم يصب باليمنى على اليسرى، ثم يصب باليسرى على مرفقه الأيمن ثم بيده اليمنى على مرفقه الأيسر، ثم بيده اليسرى على قدمه اليمنى، ثم بيده اليمنى

على قدمه اليسرى، ثم بيده اليسرى على ركبته اليمنى، ثم بيده اليمنى على ركبته اليسرى كل ذلك في القدح داخلا، ثم يغسل داخل إزاره في القدح ولا يوضع القدح في الأرض، ثم يصب على رأس المعين من خلفه صبة واحدة فيجري على جسده. قال مالك: ولا بأس أن تغسل القرحة بالبول إذا طهرت بعد ذلك بالماء. قال عنه ابن القاسم: وأكره التعالج بالخمر وإن غسل بالماء، وكرهه ابن عمر. قال مالك: ولا يشرب بول الإنسان ليتداوى به، ولا بأس بشرب أبوال الأنعام الثمانية التي ذكرها الله سبحانه في كتابه. ولا بأس أن يكتب للمحموم القرآن أو يرقى بالكلام الطيب. ولا بأس بالمعاذة تعلق وفيها القرآن وذكر الله عز وجل إذا خرز عليه جلدا. قيل إنهم يعقدون في الخيط الذي يربطون به؟ قال: لا خير فيه ولا في أن يكون في المعاذة خاتم سليمان.

24/ 181 - [ويكره أن ترقي الراقية وفي يدها حديدة والملح أخف. وكره في رواية أخرى، والعقد في الخيط أشد كراهية وقالت عائشة رضي الله عنها كان صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه، وأمسح عليه بيده، رجاء بركتها. وقال لعثمان بن العاص وبه وجع: امسحه بيمينك وقل: «أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد»، ومما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجل عسر عليه البول: قال: «ربنا الذي في السماء تقدس اسمك أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء]

فاجعل رحمتك في الأرض واغفر لنا ذنوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين، فأنزل شفاء من شفائك ورحمة من رحمتك على هذا الوجع". [قال] ابن وهب: ولا أكره رقية أهل الكتاب، وأخذ بحديث أبي بكر إذ قال: أرقها بكتاب الله، فلم يأخذ بكراهية مالك في ذلك. قال مالك: ولا بأس أن يعلق على النفساء والمريض الشيء من القرآن إذا خرز عليه أدم أر كان في قصبة، وأكره قصبة الحديد. ورأيت في بعض الأحاديث أنه يكتب للحامل تعسر ولادتها: حنا ولدت مريم، مريم ولدت عيسى، اخرج يا ولد الأرض تدعوك اخرج يا ولد، قال صاحب الحديث: فلربما كانت [الشاة ماخضا فأقولها] فما أبرح حتى تضع.

فصل [2 - في الطيرة والفال الحسن] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره الطيرة ويعجبه الفأل الحسن، والعين حق. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الشؤم في: الفرس والمرأة والمسكن". وفي حديث: "إن كان الشؤم ففي .. " ثم ذكر هذا. وقال لرجل في الدار التي ذهب فيها أهله وماله: "دعوها ذميمة". وقال صلى الله عليه وسلم: "لو كان شيء سبق القدر لسبقته العين". وقال صلى الله عليه وسلم لعامر: "العين حق".

فصل [3 - في التنجيم] وسئل مالك عمن ينظر في النجوم، فيقول: تكسف الشمس غدا، ويقدم فلان ونحوه؟ قال: أرى أن يزجر فإن انتهى وإلا أدب أدبا شديدا، والذي يعالج علم الغيب كاذب، ولو علم ذلك أحد لعلمه الأنبياء. وقد جعل للنبي صلى الله عليه وسلم سم في الشاة فلم يعلم به حتى تكلمت.

[الباب الثاني والعشرون] [باب] في اتخاذ الكلاب وما يعلق على الدواب ووسمها وخصائها والعجلة عليها وذكر الحيات والذر والنمل ونحوها

[الباب الثاني والعشرون] [باب] في اتخاذ الكلاب وما يعلق على الدواب ووسمها وخصائها والعجلة عليها وذكر الحيات والذر والنمل ونحوها [فصل 1 - في اتخاذ الكلاب] نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ الكلاب لغير زرع ولا ضرع، وأمر أن تقتل. قال مالك: يقتل ما يؤذي منها وما يكون بموضع لا ينبغي اتخاذها مثل قيروان الفسطاط. قيل: فأهل الريف يتخذونها في دورهم خيفة اللصوص على دوابهم، والمسافر يتخذ كلباً يحرسه.

قال: لا أرى ذلك ولا يعجبني، إنما الحديث في الزرع والضرع، ولا بأس باتخاذ الكلب للمواشي كلها، ولكن يكون بغير شراء. وقال ابن كنانة وغيره: لا بأس أن تشترى لما يجوز اتخاذها. فصل [2 - فيما يعلق على الدواب وفي وسمها وخصائها والعجلة عليها] وكره مالك تعليق الأجراس في أعناق الإبل والحمير، ولا بأس بوسم الدواب إلا في الوجه، ولا بأس به في الأذن للغنم؛ لأن صوف جسدها يغيب السمة. قال: ومن لهم سمة قد عرفوها قديمة، وأراد غيره أن يحدث مثلها فليس له ذلك؛ لأنه يلبس عليهم، وهم يطلبون بها ضوالهم وما هلك من إبلهم. وسئل عن المهاميز للدواب وربما أدمتها؟ قال: أرجو أن يكون ذلك خفيفا. قال وكان [عبد الله بن] عمر يكره الخصي للغيل، قال: وفيه تمام الخلق.

قال مالك: ولا بأس بخصي الأنعام صلاح للحومها. ويكره خصاء الخيل، ولا بأس بخصاء ما سواها من البغال والحمير وغيرها، وإذا كلب الفرس وخبث فلا بأس أن يخصى. ولا بأس بإنزاء حمار على فرس عربية. قيل: فإذا خبث العجل هل ينزا عليه ذكر مثله ليكسره؟ قال: ما أعلمه حراما وما هو بأمر حسن. ولا بأس أن تعلق على الخيل الخرز للزينة. فصل [3 - في الحيات والذر والنمل ونحوها] وسئل مالك عن حيات البيوت تظهر، أتؤذن ثلاثا؟ قال: إنما جاء الحديث في المدينة، وأرى ذلك حسنا في غيره. وأما ما وجد في الصحاري فيقتل، ولا يتقدم إليها إلا في البيوت.

وأكره قتل البرغوث والقملة بالنار، وقتل الدواب والذر في الحرم أو الإحرام. قال: وما يعجبني قتل الذر والنمل للحلال وإن أذته. قيل: فالنمل يؤذي السقف؟ قال: إن قدرتم أن تمسكوا عنها فافعلوا، وإن أضرت بكم فأرجو أن يكون في قتلها سعة. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ، ونهى عن قتل الضفادع.

[الباب الثالث والعشرون] [باب] في الرفق بالمملوك والبهائم وحفظ الجار واليتيم واحتساب المصيبة

[الباب الثالث والعشرون] [باب] في الرفق بالمملوك والبهائم وحفظ الجار واليتيم واحتساب المصيبة [فصل 1 - في الرفق بالمملوك والبهائم] روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوصيكم بالضعيفين المرأة والمملوك". وقال عليه السلام: "للمملوك طعامه وشرابه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق". قال مالك: وكان عمر يخرج إلى الحوائط يخفف عمن أثقل من الرقيق في عمله، ويزيد في رزق من أقل رزقه، وفيمن يعمل من الأحرار ما لا يطيق. قيل: والعبد يشكو الغربة ويسأل البيع، ويقول: وجدت موضعا؟ قال: ليس

ذلك عليه، ولو كان ذلك له لقاتله الخادم. قيل: فالعبد يريد الرجل شراءه فيقول له: بالله لا تشتريني، قال: أحب إلي أن يدعه، وأما أن يحكم عليه فلا. ولا يكره للعبد أن يقول لسيده: يا سيدي، قال الله عز وجل: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}. قيل: أيأكل الرجل من طعام لا يأكل منه عياله ورقيقه، ويلبس ثيابا لا يلبسهم مثلها؟ قال: أراه في ذلك سعة، ولكن يكسوهم ويطعمهم. قيل فحديث أبي الدرداء؟ [قال:] كانوا يومئذ ليس لهم هذا القوت. قال مالك: ولا ينبغي أن تفاحش المرأة ولا تكثر مراجعتها ولا تردادها. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: النساء ناقصات عقل ودين، ما رأيت أغلب للرجال ذوي اللب على أمورهم من النساء. وروي "أنها خلقت من ضلع أعوج فإن أقمتها كسرتها، وكسرها طلاقها، وإن

تركتها استمتعت بها على عوج". وروي أن إبراهيم عليه السلام شكا خلق سارة إلى الله عز وجل، فأوحى الله تعالى إليه: ألبسها على ما كان فيها ما لم تكن خربة في دينها. فصل [2 - في حفظ الجار] روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره". وقال صلى الله عليه وسلم: "مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه". فصل [3 - في فضل كفالة اليتيم] وقال صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة كهاتين وأشار بإصبعيه".

وروي في الحديث أن الله سبحانه ليقدس بيتا في يتيم مكرم إذا اتقى الله عز وجل، وقال: كن لليتيم كالأب الرحيم". ومن الأجر في اليتيم أن يؤدب بالمعروف على منافعه. فصل [4 - في احتساب المصيبة] وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يصيب المؤمن مصيبة حتى الشوكة يشاكها أو النكبة ينكبها أو شدة الكظم حين يؤخذ به إلا والله عز وجل يكفر بها عنه". وفي بعض الحديث: "من أصيب بمصيبة فاحتسب فله من الله صلوات ورحمة". وهذا كما قال الله سبحانه: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} إلى قوله {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}. وري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتلي من هؤلاء البنات بشيء فأحسن

صحبتهن كن له سترا من النار". وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلا كانوا له جنة من النار" قيل: واثنان يا رسول الله قال: "واثنان". وفي حديث آخر: "فتمسه النار إلا تحلة القسم".

[الباب الرابع والعشرون] [باب] في السفر وركوب البحر

[الباب الرابع والعشرون] [باب] في السفر وركوب البحر [فصل 1 - في السفر] روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهته، ويروى: سفره فليعجل إلى أهله". وكان عليه السلام إذا وضع رجله في الغرز يقول: "بسم الله اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة والأهل، اللهم ازو لنا الأرض وهون علينا السفر، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال". وقال عليه السلام: "الواحد شيطان والاثنان شيطانان والثلاثة ركب". وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان ليهم بالواحد والاثنين فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم" يريد في السفر.

وقال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسير الليل فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار". قال مالك: كان عبد الوهاب بن بخت يقول: لم يكن أحد أولى بها في رحله من رفقائه. قال مالك: ومن قدم من سفره ليلا فلا بأس أن ينتاب أهله تلك الساعة. [فصل 2 - في ركوب البحر] وقال عمر رضي الله عنه: لا أحمل أحدا في البحر أبدا. وتابعه على ذلك عمر بن عبد العزيز. وكان عثمان بن عفان أول من حمل فيه.

[الباب الخامس والعشرون] [باب] في الأنساب والأسماء والرؤيا

[الباب الخامس والعشرون] [باب] في الأنساب والأسماء والرؤيا [فصل 1 - في الأنساب] روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي أو فاجر شقي، أنتم بنو آدم وآدم من تراب". وقال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في رجل تعلم أنساب الناس: "علم لا ينفع وجهالة لا تضر". وقال عمر رضي الله عنه تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم. فصل [2 - في الأسماء] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره من الأسماء مثل حرب ومرة وحمزة وحنظلة.

[قال] مالك: ولا ينبغي أن يسمى الرجل بياسين ولا بجبريل ولا بمهدي. قيل: فالهادي؟ قال هذا أقرب؛ لأن الهادي يهدي إلى الطريق. ولا بأس أن يكنى الصبي قبل بلوغه، وإنما يسمى المولود يوم سابعه. قال: ومن أسلم من النصارى فلا بأس أن يغير اسمه ولا ينسب إلى غير أبيه، أو يقول: ابن عبد الله أو ابن عبد الرحمن. وأهل مكة يتحدثون: ما من بيت فيه اسم محمد إلا رأوا خيرا أو رزقوا. ولا بأس أن يتسمى الرجل بمحمد ولا يكنى بأبي القاسم، وربما كان اسم الرجل كنيته، وكان أبو سلمة وغيره اسمه كنيته. قال مالك: وكان علي بن حسين والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بني أمهات الأولاد.

فصل [3 - في الرؤيا] قال مالك: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لم يبق من النبوة إلا المبشرات" قالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له، وهي جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة". وقال صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، وإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ ويتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره إن شاء الله". قيل لمالك: يعبر الرؤيا كل أحد؟ قال: أبالنبوة يلعب. قال مالك: لا يعبر الرؤيا من لا يحسنها، ولا يفسرها إلا من يحسنها، فإن رأى خيرا أخبر به، وإن رأى مكروها فليقل خيرا أو ليصمت. قيل: هل يعبرها على الخير وهي عنده على مكروه لقول من قال: أنها على ما

أولت، قال: لا، والرؤيا جزء من أجزاء النبوة أفيتلاعب بأمر من أمر النبوة. وقد قال الصديق في رؤيا عائشة رضي الله عنهما لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أحد أقمارك وهو خيرها. وترك العبارة عنده، وكره أن يتكلم ألا وقال خيرا، ولو كان أحد ينبغي [له] أن يصرف التأويل إلى غير وجهه لما يتقى لصرف ذلك [أبو بكر] بتأويل يقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لم ير ذلك جائزا وسكت والله أعلم.

[الباب السادس والعشرون] [باب] في الشعر والغناء واللهو والنرد والشطرنج والسبق والرمي

[الباب السادس والعشرون] [باب] في الشعر والغناء واللهو والنرد والشطرنج والسبق والرمي [فصل 1 - في الشعر] قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر لحكمة". وقال صلى الله عليه وسلم: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا". قال مالك: وقد من الله سبحانه على نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ}. وقال صلى الله عليه وسلم: "ما قال أحد بيتا من الشعر مثل الذي قال لبيد:- ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل

فصل [2 - في الغناء] وقال مجاهد في قول الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} قال: الغناء. وقال القاسم: الغناء من الباطل. وسئل مالك عن ضرب الكبر وعن المزمار ينالك سماعه وتجد لذته في طريق أو مجلس؟ قال: فليقم إذا التذ لذلك إلا أن يكون جلس لحاجة أو لا يقدر أن يقوم، وأما الطريق فليرجع أو يتقدم أو يتأخر. وقال: والصنيع فيه اللهو والباطل؟ قال: لا يصلح لذي الهيئة أن يحضر اللعب. قال: ولا بأس بالدف في العرس. قال أصبغ: وهو الغربال المكشوف من ناحية. وفي الكبر في العرس بعض الرخصة. وقال الحسن: إن كان في الوليمة لهو فلا دعوة لهم.

فصل [3 - في اللهو والنرد] وروي أن الرسول عليه السلام قال: "من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله". وكره مالك: اللعب بالنرد والأربعة عشر والشطرنج، وقال: هي أنهى وأشر. فصل [4 - في السبق والرمي] وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا سبق إلا في حافر أو خف أو نصال". قال ابن المسيب: لا بأس برهان الخيل إذا دخل بينهما محلل. قال: ولا بأس أن يتراهن الرجلان يجعل هذا سبقا وهذا سبقا ويدخل معهما ثالث لا يجعل شيئا، فإن سبق أخذ وإن لم يسبق لم يكن عليه شيء، ولا يقول به مالك. والذي يحل عند مالك أن يجعل الرجل سبقا خارجا كسبق الإمام، من سبق فهو له، ولا بأس أن يجري معهم الذي جعل السبق فرسه، فإن جاء سابقا كان السبق للمصلي إن كانت خيلا كثيرة، وإن لم يكن إلا فرسان فسبق فرس الذي وضع السبق فالسبق طعام لمن حضر ذلك.

وروي عنه -أيضا- أنه قال: لا بأس أن يشترط صاحب السبق إن سبق أخذ ذلك السابق، وإن سبق هو أخذ سبقه. والقول الأول يكون سبقه خارجا، سبقه هو أو سبق غيره. وكذلك الرمي يضل أو تضل. والمصلي هو الثاني من السابق سمي بذلك؛ لأن جحفلة فرسه على صلا السابق وهو أصل ذنبه. ويقال للعاشر: السكيت ومن بعد الثاني إلى التاسع لا يسمى إلا تسمية العدد.

[الباب السابع والعشرون] [باب] في الهجرة والمغازي والتاريخ

[الباب السابع والعشرون] [باب] في الهجرة والمغازي والتاريخ [فصل 1 - في الهجرة] قال أبو محمد رضي الله عنه وهذا الباب منه ما حفظ عن مالك وأكثره عن غيره من أهل العلم بالمغازي والتاريخ. قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين صابرا على أذى المشركين، واشتد البلاء على أصحابه حتى أذن لهم في الهجرة إلى أرض الحبشة ثم كان أول آية نزلت عليه في الجهاد قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}، ثم أنزل {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} الآية. فلما أذن له في الحرب وبايعه الأنصار بالعقبة، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالخروج إلى المدينة مهاجرين فخرجوا متفاوتين.

وأقام الرسول عليه السلام بعدهم ينتظر: أيأذن الله عز وجل له في الهجرة، ولم يتخلف معه أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن إلا أبو بكر وعلي رضي الله عنهما، فكلما استأذن أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة قال: "لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحبا"، فرجا أبو بكر أن يكون هو، فابتاع راحلتين وأعدهما لذلك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطئه أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار. فلما كان يوم أذن الله عز وجل له في الهجرة أتى أبا بكر بالهاجرة، فلما رآه أبو بكر قال: ما جاء في هذه الساعة إلا لأمر حدث، فلما دخل تأخر له عن سريره فجلس فأعلمه صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل قد أذن له في الهجرة، فقال له أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، قال: "الصحبة" فبكى أبو بكر رضي الله عنه فرحا، وأعلمه استعداده للراحلتين فبعثهما مع عبد الله بن أرقط يرعاهما، ولم يعلم حينئذ بالهجرة إلا أبو بكر وعلي.

قال أبو بكر: وأمر عليا أن يتخلف بعده ليرد الودائع التي كانت عنده. ثم خرج هو وأبو بكر من خوخة في ظهر بيته إلى غار ثور وهو جبل بأسفل مكة فدخلاه ليلا، وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يسمع ما يقول الناس ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون، وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه ثم يريحها إلى الغار إذا أمسى، وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام إذا أمست. فأقاما في الغاز ثلاثا، وجعلت قريش فيه مائة ناقة حتى إذا سكن الناس عنهما بعد ثلاث أتاهما الذي استأجراه بالراحلتين، وأتت أسماء بالسفرة ونسيت أن تجعل لها عصاما فجعلت نطاقها، فسميت ذات النطاقين، ويقال: أنها شقت نصفه للسفرة وانتطقت بنصفه.

وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الراحلتين ولم يأخذها إلا بالثمن، وأردف أبو بكر مولاه عامر بن فهيرة ليخدمهما في الطريق وكان دليلهما عبد الله بن أرقط. قال مالك: اسم دليلهما رقيط، وكان كافرا، وقيل: اسمه أريقط. واتبعهما سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له؛ لما جعل المشركون في رده مائة ناقة. قال سراقة: فلما بدا لي القوم عثر بي فرسي فذهبت يداه في الأرض وسقطت عنه، ثم انتزعت يديه من الأرض وتبعهما دخان كالإعصار، فعلمت حين رأيت ذلك أنه قد منع مني وأنه ظاهر، فناديتهم: أنا سراقة بن مالك، انظروني لأكلمكم والله لا أريبكم.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه قل له: ما تريد، قال فسألني فقلت له: يكتب لي كتابا، فأمر أبا بكر رضي الله عنه فكتب لي في عظم أو رقعة ثم ألقاه إلي، فلقيته له يوم فتح مكة بالجعرانة. قال مالك: وإنما يحسب التاريخ من يوم مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة. [فصل 2 - أحداث السنة الأولى] قال عروة بن الزبير: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء يوم الإثنين من شهر ربيع الأول حين اشتد الضحى. وقال موسى بن عقبة: يوم الإثنين لهلال شهر ربيع الأول.

رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه. ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر يوم الأربعاء لثمان بقين من شهر رمضان. وفيها كانت غزوة قرقرة الكردى فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع سليم وغطفان، وخرج في غزة شوال ورجع لعشر خلوان منه، ولم يلق كيدا، وساق الغنم والرعاء. ثم غزوة المغنمة بعث غالب بن عبد الله الليثي لعشر خلوان من شوال فلقوا بني سليم وغطفان فقتلوا وأخذوا الغنيمة وانصرفوا لست عشرة ليلة خلت من شوال، واستشهد من المسلمين ثلاثة نفر. وفيها دخل علي بفاطمة رضي الله عنهما. وفيها غزوة السويق، بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن أبا سفيان أقبل إلى المدينة فخرج إليهم.

وكان موضع المسجد مربد للتمر ليتيمين من الأنصار في حجر أسعد بم زرارة فابتاعه منهما صلى الله عليه وسلم ثم بنى ذلك مسجدا. وفي تلك السنة بنى بعائشة رضي الله عنها في شوال على رأس ثمانية أشهر من الهجرة. وفيها تزوج علي فاطمة، ويقال: في السنة الثانية على رأس اثنين وعشرين شهرا. [فصل 3 - أحداث السنة الثانية] ثم كانت السنة الثانية وكانت فيها غزوة الأبواء غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين خاصة. قال ابن عقبة: أو غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة، بلغ الأبواء ثم رجع وأرسل ستين رجلا من المهاجرين الأول، ويقال: ثمانين راكبا مع عبيد الله بن الحارث، ويقال: بعث بمرة في ثلاثين راكبا ثم غزا في صفر. وفيها ولد عبد الله بن الزبير، وهو أول مولود ولد بالمدينة من المهاجرين. وفيها صرفت القبلة في صلاة الظهر يوم الثلاثاء في النصف من شعبان.

وفيها كانت فريضة شهر رمضان في شعبان. وفيها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر. ويقال: غزا فيها يوم الاثنين لثلاث مضين من شهر ربيع الآخر حتى بلغ بواط يريد قريشا، ثم رجع ولم يلق كيدا. وفيها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العشيرة وهي بين مكة والمدينة في جمادى الأولى. وخرج في جمادى الآخرة حتى بلغ واديا يقال له سفوان في طلب كرز بن جابر الفهري، يقال أنه أغار على سرح المدينة في فخرج طلبهم فلم يدركهم. وفيها بعث سعد بن أبي وقاص في ثمانية رهط في رجب. وفي رجب بعث عبد الله بن جحش إلى نخلة فلقي العير.

وقتل ابن الخضرمي في آخر يوم من رجب، وفي ذلك نزلت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ}. وفيها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب اللقاح في شعبان حتى بلغ ينبع فرجع باللقاح ومن فيها. وفيها استشار في الحرب مخرجه إلى بدر. وفيها كانت بدر البطشة الكبرى خرج إليه عشية الأربعاء لثمان ليال خلون من شهر رمضان. قال مالك: في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، وقال الأوزاعي: في ثلاثمائة وخمسة عشر، وقيل سبعة عشر، منهم أحد وثمانون من المهاجرين، ويقال: ثلاثة وسبعون من المهاجرين وحلفائهم، وسائرهم من الأنصار، ولم يحضرها إلا قرشي أو حليفه أو مولاه أو أنصاري أو حليفه أو مولاه، ويقال: فيهم مائة من المهاجرين فيهم من مواليهم أحد عشر. فالتقى بالمشركين صبيحة الجمعة، قال مالك: لسبعة عشر يوما خلت من شهر رمضان على سنة ونصف من مقدمه المدينة.

وكان المشركون ما بين التسعمائة إلى الألف معهم مائة فرس، وليس مع المسلمين إلا فرسان، ويقال: ثلاثة أفراس، فرس عليه الزبير، وفرس عليه المقداد، وفرس عليها أبو مرئد الغنوي. قال مالك: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المشركين يومئذ كم يطعمون كل يوم، فقيل: عشر جزائر يوما وتسعا يوما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القوم ما بين التسعمائة إلى الألف".

قالوا: واستخلف على المدينة أبا لبابة وابن أم مكتوم يصلي، ويقال: استخلف عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال مالك: وكان الشهداء يوم بدر قليلا، وكان الأسرى شبيها بمن قتل، وقتل من المشركين أربعة وأربعون رجلا. قال غيره: استشهد من المسلمين يوم بدر ثلاثة عشر، أربعة من قريش وتسعة من الأنصار، وقيل: أربعة عشر رجلا ثمانية من الأنصار وستة من المهاجرين. وقيل: قتل من المشركين خمسون، وقيل: سبعون، والأسرى مثل ذلك. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر بدر زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة بشيرين. وفيها ماتت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فتخلف عثمان بسببها فضرب له

قالوا: فنزل في حي بني عمرو بن عوف من الأنصار على سعد بن خثيمة، ويقال: على كلثوم بن الهدم. ولم يختلفوا أنه نزل بالمدينة على أبي أيوب الأنصاري، واسمه خالد بن زيد فأقام عنده حتى ابتنى مسكنه ومسجده صلى الله عليه وسلم. قالوا: وركب من بني عمرو يوم الجمعة فمر على بني سلمة فصلى فيهم الجمعة، ويقال: أقام في بني عمرو ثلاث ليال. وقال ابن شهاب وغيره: أقام في بني عمرو بضعة عشر يوماً، ثم ركب. وفي تلك السنة بنى مسجد قباء، وقيل: إنه الذي أسس على التقوى، وقيل: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أثبت عند العلماء، وقاله مالك وغيره.

رسول الله عليه السلام لتسع بقين من ذي الحجة فهرب هو وأصحابه وطرحوا أزوادهم، فقال لهم أصحابهم: إنما خرجتم تشربون السويق، ثم رجع لثمان بقين من ذي الحجة ولم يلق كيدا. وقال ابن عقبة: كانت تلك الغزوة سنة ثلاث في شعبان. [فصل 4 - أحداث السنة الثالثة] ويقال: فيها ولد الحسن بن علي رضي الله عنهما في النصف من شهر رمضان. وفيها علقت فاطمة بالحسين فلم يكن بينه وبين الحسن إلا طهر واحد، ويقال: خمسون ليلة. وفيها تزوج الرسول عليه السلام حفصة بنت عمر، وزينب بنت جحش، وزوج ابنته أم كلثوم عثمان بن عفان. وفيها كانت غزوة بني فطيو فآذنهم الرسول عليه السلام بالحرب أو بالجلاء فجلوا من غير قتال إلى الشام.

وفيها غزوة ذي أمر، ويقال: غزوة بني أنمار، غزاها الرسول عليه السلام بنفسه في عقب المحرم فأصاب فيها وقسم أبعرة، ورجع لخمس بقين من صفر. وفيها غزوة بني قينقاع في صفر فحاصرهم ونزلوا. وفيها كانت غزوة نجران معديا بالحجاز من ناحية الفرع. ورجع في أول جماد الآخرة ولم يلق كيدا. وفيها غزوة أحد، خرج إليها عشية الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من شوال. قال مالك: وكانت غزوة أحد وخيبر في أول النهار. وقال غيره: استشهد من المسلمين خمسة وسبعون منهم أربعة من المهاجرين. قال مالك: قتل من المهاجرين أربعة ومن الأنصار سبعون، ولم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ملحمة أكثر ولا أشد قتلاً منها.

قال: ثم خرج منصرفا من أحد إلى حمراء الأسد من الغد لست عشرة ليلة خلت من شوال وهي من المدينة على ثمانية أميال، وكان أبو بكر والزبير رضي الله عنهما أول من استجاب لله ورسوله يومئذ بعد ما أصابهم القرح. وفيها كانت غزوة الرجيع، ويقال: كان أصحاب الرجيع ستة نفر منهم خبيب بن عدي. [فصل 5 - أحداث السنة الرابعة] ثم كانت سنة أربع، ففيها كانت سرية بئر معونة على أربع مراحل من المدينة، فقتلهم عامر بن الطفيل في بني عامر وبني سليم، ويقال: أن عامر بن فهيرة لم يوجد، يرون أن الملائكة وارته. وفيها غزوة بني النضيرن، فخرج إليهم عشية الجمعة لتسع مضين من ربيع الأول، ثم راح إليهم عشية الثلاثاء فحوصروا ثلاثة وعشرين يوماً.

وفيها نزلت صلاة الخوف [وقيل: في ذات الرقاع، ويقال: كانت غزوة ذات الرقاع وصلاة الخوف] سنة خمس. قال ابن شهاب: كانت غزوة بني النضير في الحرم سنة ثلاث. وفيها غزوة ذات الرقاع، سميت بذلك لكثرة الرقاع في الرايات، خرج لخمس خلون من جمادى الأولى، وانصرف يوم الأربعاء لثمان بقين منه، ثم خرج إلى ميعاد أبي سفيان ببدر في شعبان فلم يلق أحدا. وفيها غزوة الخندق، وهي غزوة الأحزاب في شوال، ويقال: الخندق في سنة خمس. ثم غزوة بني قريظة. وقال مالك: كانت سنة أربع، وانصرف من قريظة لأربع خلون من ذي الحجة. وفيها كانت غزوة أبي عبيدة بن الجراح إلى سيف البحر فرجع ولم يلق كيدا. وفيها غزوة أبي عبيدة -أيضا- ذات القصة من طريق العراق، ولم يلق كيدا. [فصل 6 - أحداث السنة الخامسة] ثم كانت سنة خمس، ففيها بعث إلى مشركي قريش بمال؛ لما بلغه أن سنة شديدة أصابتهم. ويقال: فيها كانت غزوة ذات الرقاع، ويقال: فيها غزوة المريسع في شعبان إلى بني المصطلق، ويقال: فيها كانت غزوة الخندق,

وقال مالك: كانت غزوة الخندق على أربع سنين من الهجرة، وكانت في برد شديد. وقال مالك ولم يستشهد يومئذ من المسلمين إلا أربعة أو خمسة، ويومئذ أنزل الله عز وجل {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} الآية، جاءت قريش من ههنا والنجد من ههنا يريد هوازن. قالوا: وفي سنة خمس كانت غزوة دومة الجندل تهيأ إلى الخروج إلى الأكيدر في المحرم فهرب، ورجع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلق كيدا. وفيها بعث عبد الله بن أنيس إلى سفيان بن عبد الله. وفيها بعث [عمرو] بن أمية وصاحبه لقتل أبي سفيان.

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن رواحة في ثلاثين راكبا لقتل [اليسر] بن رزام اليهودي. وفيها غزوة غالب بن عبد الله الكريد إلى ابن الملوح فرجع ولم يلق كيدا. وفيها غزوة زيد بن حارثة إلى واد القرى فلقي ناسا من بني فزارة فقاتلهم. وفيها غزوة زيد الثانية إلى أم قرفة وأمره بقتلها، ولم يعلم أنه أمر بقتل امرأة غيرها فهزمها وقتلها. وفيها غزوة بني لحيان، خرج إليها النبي صلى الله عليه وسلم في غرة جمادى الأولى، خرج يطلب ثأر خبيب بن عدي وأصحابه. وبعث من فوره إلى القارة في دورها فاعتصموا بالجبال. وفيها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرايا. وفيها غزوة أبي عبيد إلى أسد وبلي، ورجع ولم يلق كيدا. [فصل 7 - أحداث السنة السادسة] ثم كانت سنة ست فيها غزوة بني المصطلق بالمريسيع على ست مراحل من المدينة أو سبع مما يلي مكة من ناحية الجحفة، واستخلف على المدينة أبا رهم

الغفاري، وسار في غرة شعبان، ونزلت حينئذ آية التيمم، وقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وسبى جويرية بنت الحارث فأعتقها وتزوجها، وكان الأسرى أكثر من سبعمائة، فطلبته فيهم ليلة دخل بها فوهبهم لها. وفيها رميت عائشة رضي الله عنها بالإفك، فأنزل الله عز وجل براءتها. وفيها غزوة الحديبية، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم معتمرا في ذي القعدة من سنة ست، وأهلوا بذي الحليفة، وبلغه في طريقه أن قريشا جمعت له وحلفت أن لا يدخل عليهم، فقال صلى الله عليه وسلم: "ويح قريش، ما خرجت لقتالهم ولكن خرجت معتمرا إلى هذا البيت". وفيها كانت القضية، وكان الصلح بينه وبين قريش سنتين، وقيل: عشر سنين وحل بالحديبية. وفيها بيعة الرضوان، وكانوا ألفا وأربعمائة، وقيل بايعوه صلى الله عليه وسلم على الموت، وقيل: على أن لا يفروا، ويقال: رجع إلى المدينة لخمس مضين من المحرم، فمكث نحو عشرين ليلة، ثم خرج إلى خيبر، وقيل: أقام بالحديبية شهرا ونصفا، وقيل: خمسين ليلة.

وفيها بعث بشير بن سعد إلى ناحية خيبر، فرجع ولم يلق كيدا. وفيها غزوة كعب بن عمير ذات [أطلاح] من أرض الشام فقتل هو وأصحابه. وفيها غزوة عبد الرحمن بن عوف ناحية الشام إلى بلي وكلب، ويقال: عممه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في سيره إلى دومة الجندل في شعبان. وفيها بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى فدك، وبعث عبد الله بن رواحة في خيل تكون بين علي وبين خيبر يفزع بها أهلها، فخرج أهل خيبر فأغار عليهم بضع عشرة غارة حتى أزاحهم، ثم أغار على بني سعد بن هديم. وفيها أوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حوائط. وفيها استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم لجدب أصاب الناس.

وفيها توفيت أم رومان امرأة أبي بكر في ذي الحجة، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبرها. وفيها اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما؛ وإنما اتخذه حين بعث الرسل، فقيل له: إن العجم لا تقرأ إلا كتابا مختوما فاتخذه، وكان نقش فصه محمد رسول الله، وقيل: لا إله إلا الله محمد رسول الله. [فصل 8 - أحداث السنة السابعة] ثم كانت سنة سبع فكانت فيها غزوة خيبر، قال مالك: كانت خيبر على ست سنين من الهجرة، قالوا: ولم يخرج إليها إلا أهل الحديبية إلا رجل من بني حارثة أذن له، وخرج في المحرم، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، وقيل:

أبا رهم كلثوم بن الحصين الغفاري، ففتح حصونهم وهي التي وعده الله عز وجل بالحديبية في قوله تعالى {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا}. وفيها غزوة فدك، إذ خافوا ما صنع بخيبر فقدمت رسلهم عليه بخيبر أو في الطريق أو بعد أن قدم المدينة فصالحهم على النصف من فدك، فقبل ذلك منهم، ولم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة. ثم أتى وادي القراة ففتحها ولم يجتمع له بها أحد. وفيها بعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى عظيم الفرس بكتاب فمزقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مزق الله ملكه". وبعث دحية الكلبي إلى قيصر عظيم الروم بكتاب. وفيها غزوة بعث زيد بن حارثة إلى من عرض لدحية في خمسمائة راكب. وفيها غزوة ذات السلاسل مما يلي الشام، غزاها عمرو بن العاص في بني سعد

الله ومن يليهم من قضاعة، واستمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمده، فخرج فيمن خرج إليه أبو بكر وعمر في سراة من المهاجرين، وأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح. وفيها خرج رسول الله عليه السلام في ذي القعدة وهو الشهر الذي صده فيه المشركون عن المسجد الحرام، حتى إذا بلغ [يأجج] وضع الأداة كلها ودخلوا بسلاح الراكب، القسي والسيوف مغمودة. وفيها تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة، وهي غزوة القضية. قال: ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأبطح لست عشرة خلت من ذي القعدة، فأقام بها ثلاثا وعلى ذلك كان الشرط، ثم رجع وخلف أبا رافع مولاه، ليخرج إليه بميمونة فبنى بها بسرف، وهي خالة عبد الله بن عباس، وقيل: إنها خالة خالد بن الوليد، وأختها أم الفضل عند العباس بن عبد المطلب، وإليه جعلت

أمرها فزوجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال: إنه بعث أبا رافع ورجلا من الأنصار فزوجها إياه. وفيها غزوة زيد بن حارثة إلى الطرف من ناحية العراق فرجع ولم يلق كيدا. وفيها بعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي ورجلين معه إلى الغابة على ثمانية أميال من المدينة لما بلغه أن رفاعة بن قيس يريد أن يجمع قيسا لحرب رسول الله عليه السلام، فكمنوا له ورماه أبي حدرد بسهم فقتله. وفيها غزوة ابن أبي حدرد -أيضا- إلى ذي خشبة. وفيها اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، ويقال: في سنة ثمان، قال مالك: عوده من طرفاء الغابة عمله غلام لسعد بن عبادة، وقال غيره: غلام لامرأة من الأنصار، ويقال: غلام للعباس بن عبد المطلب، فخطب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحن الجذع الذي كان قبل ذلك يخطب عليه فوضع رسول الله عليه السلام عليه يده فسكن.

[فصل 9 - أحداث السنة الثامنة] ثم كانت سنة ثمان فكانت فيها غزوة مؤتة، بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى مؤتة من أرض الشام في جمادى الأولى فأمر عليهم زيد بن حارثة، وقال: إن قتل فجعفر وإن قتل فعبد الله بن رواحة. فالتقوا مع هرقل في جموعه يقال: مائة ألف غير ما انضم إليه من المتعبدة، فالتقوا بقرية يقال لها مؤتة، فقتل الذين سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اتفق المسلمون على خالد بن الوليد ففتح الله به وقتلهم، وقدم البشير بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخبرهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قدومه. وفيها كانت غزوة الفتح، وقد كان أبو سفيان أتى إلى رسول الله عليه السلام يريد أن يزيد في الهدنة فلم يزد عليه شيئا، فرجع أبو سفيان إلى مكة. وأظهر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يريد غزوة هوازن فخرج وقد استخلف على المدينة أبا رهم الغفاري، ثم تهيأ بذي الحليفة وسار ولقيه العباس بذي الحليفة،

فقال له عليه السلام: "امض بثقلك إلى المدينة"، وبعث من موضعه هذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى المشلل في سرية أمره عليها وأمره بهدم الصنم، ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بأعلى مكة وضرب بها قبته. قال مالك: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في عام الفتح بثمانية آلاف أو عشرة آلاف وكتم الناس وجهته تلك؛ لئلا يعلم أحد أين يريد، ودعا الله عز وجل أن يخفي ذلك عليهم. قال يحيى بن سعيد: دخل النبي عليه السلام مكة عام الفتح في عشرة آلاف أو اثني عشر ألفا قد أكب على واسطة رحله حتى كادت تنكسر به، يريد تواضعا لله عز وجل وشكرا لربه، وقال: "الملك لله الواحد القهار". قال مالك: وافتتح مكة في تسعة عشر يوما من شهر رمضان على ثمان سنين من الهجرة، وخيبر على ست سنين، والخندق على أربعة سنين. قال: وفي سنة ثمان أخرج المقام من الكعبة وما كان فيه أو حوله، وعلى الصفا والمروة من الأصنام. وفيها بايع الرجال والنساء ثلاثة أيام.

وفيها بعث سرايا من مكة، فبعث خالد بن الوليد إلى أهل [الغميصاء]، ثم بعثه إلى نخلة [اليمانية] وهي بيت بنخلة فيها شجرة فهدمها خالد وقدم، فرده وقال: "اقطع أصلها". وفيها كان الدخان والله أعلم. وفيها كانت غزوة حنين، وسببها أنه لما أجمع صلى الله عليه وسلم على الخروج إلى مكة لنصرة خزاعة أتى الخبر إلى هوازن أنه يريدهم فاستعدوا للحرب حتى أتوا سوق ذي المجاز، فسار عليه السلام حتى أشرف على وادي حنين فمشى ليلة الأحد ثم صابحهم ليلة الأحد للنصف من شوال، وفيه بعث سرايا من حنين. وفيها غزوة الطائف، ثم انصرف لما بلغه اجتماع ثقيف إليها فتوجه إليهم فحاصرهم. وفيها غزوة الجعرانة حين فرغ من حنين والطائف ثم انصرف من عمرة الجعرانة في آخر ذي القعدة فأقام بالمدينة بقية ذي القعدة وذي الحجة، وحج

بالناس عتاب بن أسيد وقف بالمسلمين، ووقف المشركون على ما كانوا يفعلون في الجاهلية. [فصل 10 - أحداث السنة التاسعة] ثم كانت سنة تسع ففيها سارع الناس إلى الإسلام. وفيها كتب مسيلمة الكذاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابه. وفيها كانت غزوة تبوك، وهي جيش العسرة، فكتب الرسول عليه السلام بعد الفتح إلى القبائل التي لم يفش فيها الإسلام يدعوهم. وكتب إلى التي أسلمت وفشى فيها الإسلام بغزو الروم وواعدهم بتبوك، وتوجه في رجب وسار أول يوم من رجب، واستخلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه على المدينة، حتى انتهى صلى الله عليه وسلم إلى تبوك. قال مالك: وكانت غزوة تبوك في حر شديد. قالوا: فوافى بتبوك وفدا لعظيم الروم فردهم بالجواب إلى ملكهم، ثم بث السرايا بعد.

وفي هذه الغزاة مكرت بالنبي صلى الله عليه وسلم طائفة من المنافقين ليلقوه في العقبة، ونزل عليه من أمر المنافقين ما نزل في سورة براءة، وذكر المتخلفين الثلاثة الذين خلفوا. ورجع رسول الله عليه السلام منسلخ شوال. وبعث أبا بكر على الحج، ونزلت بعده براءة، فبعث بها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره أن ينادي ببراءة في الناس. قال مالك: وأول من أقام للناس الموسم أبو بكر رضي الله عنه في سنة تسع. [فصل 11 - أحداث السنة العاشرة] ثم كانت سنة عشر، ففيها تم إسلام أكثر الناس. وبعث عليا رضي الله عنه إلى اليمن فرجع ولم يلق كيدا. وبعث أسامة بن زيد إلى [الداروم] من أرض فلسطين فغنم وسبى. وفيها قدم بمال البحرين وهو مائة ألف درهم وثمانون ألف درهم على

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه رسول الله عليه السلام بين الناس. وفيها بعث عيينة بن حصن إلى بني العنبر يدعوهم فلم يجيبوا فقتل فيهم وسبى. وفيها بعث عليا -أيضا- إلى اليمن فقيل: إنه بعثه مفقها في الدين، وقيل: بعثه ليقبض الصدقات من العمال، وليوافي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة. وفيها حج حجة الوداع، وسميت حجة الوداع لأنه ودعهم، وسميت حجة البلاغ لأنه قال عليه السلام: هل بلغت، وسميت حجة الإسلام لأنها الحجة التي تنام فيها حج أهل الإسلام ليس فيها مشرك.

[فصل 12 - أحداث السنة الحادية عشرة] ثم كانت سنة إحدى عشرة فيها بعث النبي صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله إلى ذي الكلاع باليمن يدعوه إلى الإسلام فأسلم، وقدم جرير وقد قبض رسول الله عليه السلام. وفيها كان بعث أسامة بن زيد إلى مؤتة من أرض الشام، وأمره أن يهريق بها دما فلم ينفذ لبعثه حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنفذه بعده أبو بكر. وفيها قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول. قال ابن عقبة: في بيت عائشة رضي الله عنها وفي يومها وعلى صدرها حين اشتد الضحى. قال مالك: ودفن يوم الثلاثاء وصلى عليه الناس أفرادا لا يؤمهم أحد، وقيل: دفن

حين زالت الشمس، وغسله العباس والفضل وعلي ومولاه شقران، ويقال له: صالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزلوه في حفرته، ويقال: معهم أسامة وأوس بن خولي. وبدأ وجعه صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، ثم انتقل إلى بيت عائشة رضي الله عنها فمرض عندها حتى مات صلى الله عليه وسلم. وصلى أبو بكر رضي الله عنه بالناس في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة صلاة. وفيها بويع لأبي بكر رضي الله عنه.

وفيها ارتد من ارتد من العرب. وفيها أحرق أبو بكر الفجاءة واسمه إياس بن عبد الله بن ياليل؛ وذلك أنه سأل أبا بكر أن يعينه على من ارتد ويحمله ففعل وخرج فجعل يقتل المسلم والمرتد، فكتب فيها فأخذ فقتله ثم أحرقه. وفيها وجه خالد بن الوليد إلى طليحة فهزمه وقتل من قتل من أصحابه وهرب طليحة ثم أسلم وحسن إسلامه، ثم مضى بأمر أبي بكر إلى مسيلمة باليمامة، وقد كانت تنبأت امرأة يقال لها سجاح بنت الحارث من بني تميم فتزوجها مسيلمة باليمامة، وقتل خالد مسيلمة. وفتح الله اليمامة بصلح صالحه عليه مجاعة من مرارة، واستشهد بها ألف ومائة من المسلمين، وقيل: ألف وأربعمائة منهم سبعون جمعوا القرآن.

وفيها ماتت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لثلاث ليال خلون من شهر رمضان، وهي بنت تسع وعشرين سنة، وذلك بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، وقيل: بثلاثة أشهر، [قال] مالك: والأول أثبت. قال مالك: فتحت مصر سنة عشرين، وافريقية يوم موت حفصة، قال غيره: وذلك سنة سبع وعشرين. قال مالك: توفي معاذ بن جبل وهو ابن اثنين وثلاثين سنة، وبلغ عبد الله بن عمر من العمر سبعا وثمانين سنة، وولد ابن المسيب لثلاث بقين من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهم.

[الباب الثامن والعشرون] باب فيه ذكر مواعظ وآداب وحكم

[الباب الثامن والعشرون] باب فيه ذكر مواعظ وآداب وحكم [فصل 1 - رسالة مالك إلى هارون الرشيد] يذكر أن مالكا كتب بها إلى هارون الرشيد:- بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما، أما بعد:- فإني كتبت إليك هذا الكتاب ولم آلك فيه رشدا ولا نصحا، فيها من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم. اذكر نفسك في غمرات الموت وكربه وما هو نازل بك منه وما أنت موقوفا عليه بعد الموت من العرض والحساب والخلود، فأعد له ما يسهل به عليك ذلك. فإنك لو رأيت أهل سخط الله عز وجل وما صاروا إليه من ألوان عذابه وشدة نقمه، وسمعت زفيرهم في النار وشهيقهم بعد كلوح وجوههم لا يسمعون ولا يبصرون، ويدعون بالويل والثبور، وأعظم من ذلك حسرة عليهم إعراض الله عز وجل عنهم بوجهه، وانقطاع رجائهم من روح الله عز وجل، وإجابته إياهم بعد

طول الغم {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} ما تعاظمك شيء من أمر الدنيا أردت النجاة من ذلك. ولو رأيت أهل طاعة الله عز وجل ومنزلتهم منه وقربهم منه ونظرة وجوههم ونور ألوانهم وسرورهم بما صاروا لعظم في عينيك عظيم ما طلبت به صغير ما عند الله تعالى. واحذر على نفسك وبادر بها قبل أن تسبق إليها، وإياك وما تخاف الحسرة عليه غدا عند نزول الموت، وخاصم نفسك في مهل وأنت تقدر على جر المنفعة إليه وصرف الحجة عنها، واجعل لله عز وجل من نفسك نصيبا في الليل والنهار. فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صلى بالليل اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة".

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثماني ركعات مثنى مثنى. وقال صلى الله عليه وسلم: "صوم يوم ثلاثة عشر من الشهر وأربعة عشر وخمسة عشر يعدل صوم الدهر". وأد فرائض الله عز وجل من الصلاة والصوم والحج كل ذلك على واجبه وحقه. ومر بطاعة الله عز وجل، واحبب عليه، وانه عن معاصي الله عز وجل وابغض عليها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، فإنما هلك من كان قبلكم بركوبهم المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار، فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم". والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقدم أجلا ويقطع رزقا.

وأحسن إلى من خولك الله، واشكر الله بتفضيله إياك عليهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان عنده خول فليحسن إليهم، ومن كره فليستبدل، ولا تعذبوا خلق الله عز وجل". والزم أدب من وليت أمره، ولا تقنط الناس من رحمة الله تعالى، واخفض لهم جناحك، وألن لهم كنفك وكلامك. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أحدثكم بوصية نوح ابنه، قال: آمرك باثنين وأنهاك عن اثنين، آمرك بشهادة أن لا إله إلا الله؛ فإنها لو كانت في كفة والسماوات في كفة وزنتهما، وآمرك أن تقول: سبحان الله وبحمده؛ فإنها عبادة الخلق، وبها تكثر أرزاقهم فإنهما يكثران لمن قالهما الولوج على الله عز وجل، وأنهاك عن الشرك بالله والكبر؛ فإن الله عز وجل يحتجب منهما.

فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله أمن الكبر أن تكون لي الدابة النجيبة أو يكون لي الثوب الحسن أو يكون لي الطعام الطيب يكون عليه الشبع، قال: "لا". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الكبر أن تسفه الحق وتغمص الخلق". إياك والكبر والزهو فإن الله لا يحبهما، وقد بلغني عن بعض العلماء أنه قال: يحشر الجبارون والمتكبرون يوم القيامة في صور الذر يطأهم الناس لتكبرهم على الله سبحانه. ولا تصاعر خدك للناس لقول النبي عليه السلام: "إن الله يحب كل لين سهل طلق". لا تأمن على شيء من أمرك من لا يخاف الله عز وجل، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: شاور في أمرك من يخاف الله عز وجل.

احذر بطانة السوء وأهل الردى على نفسك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت"،وقال ابن مسعود رضي الله عنه: اتقوا فضول الكلام. أكرم واصلك وكافئه بمودته، ولا تأمر بحسن إلا بدأت به، ولا تنه عن قبيح إلا بدأت بتركه. إياك والغضب في غير الله عز وجل فإنه يسوء الله عز وجل. دع ما لا يعنيك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". صل من قطعك، واعف عمن ظلمك، وأعط من حرمك فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنها أفضل أخلاق الدنيا". ولا تكثر الضحك؛ لأن ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تبسما.

لا تمزح بكذب؛ فإنه كان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا. اترك من الأعمال ما لا يحل لك أن تفعله في العلانية، واتق كل شيء تخاف فيه التهمة في دينك ودنياك. أقل طلب الحوائج إلى الناس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسأل الناس". أحسن خلقك مع أهلك، ومن اعتداك فإن في ذلك رضى لربك ومحبة في أهلك، ونموا في مالك، ومنسأة في أجلك، وقد قال عليه السلام: "إن الله يحب الطليق الوجه، ويكره العبوس"، أحسن البشر بالناس عامة. اتق شتم الناس واغتيابهم؛ لقوله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَاكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} الآية، وقال الرسول عليه السلام: "لا تشتم الناس". لا تجالس أهل الردى، ولا تحادث أهل السفه فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: اعتبر

الناس بإخوانهم دائما. أكرم اليتيم واعطف عليه؛ لقوله عليه السلام: "من كفل يتيما له أو لغيره كنت أنا وهر في الجنة كهاتين" وأشار بإصبعيه فضمهما. خذ على يدي الظالم وامنعه من ظلمه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ثبت الله عز وجل قدميه يوم تزل الأقدام"، ولا تشد عضد الظالم؛ لقوله عليه السلام: "من مشى مع ظالم يعينه على ظلمه أزل الله عز وجل قدميه يوم تزل الأقدام". اتق اتباع الهوى، فقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أخاف عليكم اثنين: اتباع الهوى؛ فإنه يصد عن الحق، وطول الأمل؛ فإنه ينسي الآخرة. أنصف الناس من نفسك، ولا تستطل عليهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أشد الأعمال ثلاثة:

ذكر الله عز وجل على كل حال، ومواساة الناس في المال، وإنصاف الناس من نفسك". اقبل عذر من اعتذر إليك، ورجع عما كرهت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من اعتذر إليه أخوه المسلم فلم يقبل منه كان عليه مثل وزر صاحب مكس" يعني العشار. لتكن يدك العليا على يد من خالطته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما تحاب رجلان في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه". صل ذا رحمك وإن قطعك، ولا تكافئه بسوء فعله؛ لقوله عليه السلام: "إن أساؤا فأحسن، فإنه لا يزال لك عليهم من الله عز وجل يداً ظاهرة".

ارحم المسكين والمكروب والمضطرب والغريب والمحتاج، وأعنه على ما استطعت من أمره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل معروف صدقة"، ولقوله: "لا تزهد في المعروف ولو أن تصب من دلوك في إناء المستقي"، وقال عليه السلام: "رد عنك مذمة السائل ولو بمثل رأس الطائر من الطعام". إياك وسوء الخلق؛ فإنه يدعو إلى معاصي الله عز وجل؛ وقد قال الرسول عليه السلام: "إن خياركم أحسنكم أخلاقا". تواضع إذا خلوت فإنه روي أن ملكا أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: إن ربك يقول لك: إن شئت جعلتك نبيا ملكا أو نبيا عبدا، فأشار عليه جبريل عليه السلام أن تواضع، فما أكل رسول الله صلى اله عليه وسلم متكئا حتى مات. احذر البغي فإن عقوبته شديدة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يرحم الله من لا يرحم الناس".

لا تظلم الناس فيزيلهم الله منك، وقد قال بعض الصحابة: ما ظلمت أحدا أشد على من ظلم من لا يستعين إلا بالله عز وجل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم فإنها تظهر فوق الغمام، فيقول لها الجبار تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين". أحبب أهل طاعة الله يحبك الله عز وجل ويحببك إلى خلقه، قال الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}. وقد قال بعض العلماء: ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها إن كانت خيرا فخيرا، وإن كانت شرا فشرا. لتكون عليك السكينة والوقار في منطقك ومجلسك ومركبك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالسكينة".

عليك بالحلم والإغضاء عما كرهت؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب الحليم المتعفف، ويبغض البذيء المتفحش". ادفع السيئة بالتي هي أحسن؛ لقوله عليه السلام: "اتق العقوق وقطيعة الرحم، فإن في ذلك شينا في الدنيا وتباعة في الآخرة"، وقد قال عليه السلام: "إن الرحم اشتكت إلى ربها من يقطعها، فرد عليها: أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من سره أن ينسأ في أجله، ويزداد في رزقه فليتق الله ربه وليصل رحمه". وإذا غضبت في شيء من أمور الدنيا فاذكر ثواب الله عز وجل على كظم الغيظ؛ لقوله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ

الْمُحْسِنِينَ}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما امتلأ رجل غيظا فكظمه إلا ملأه الله عز وجل رضوانا يوم القيامة". وإذا وعدت موعدا من طاعة الله عز وجل فلا تخلفه، وإذا قلت قولا فيه طاعة الله عز وجل فأوف به ودم عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من تكفل لي بست تكفلت له بالجنة: إذا حدث لم يكذب وإذا وعد لم يخلف وإذا اؤتمن لم يخن وغض بصره وحفظ فرجه وكف يده". اشكر الناس بما أتوا إليك من معروف وخير وكافئهم إن قدرت على ذلك؛ لقوله عليه السلام: "من لم يشكر الناس لم يشكر الله تعالى". إذا ركبت دابتك فسم الله عز وجل، فإذا استويت راكبا فقل: الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، رب إني ظلمت نفسي

فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يفعل. اذكر اسم الله عز وجل إذا أكلت أو شربت؛ فإنه يحول بينك وبين الجن أن يأكلوا معك أو يشربوا معك، قاله ابن مسعود رضي الله عنه. وإذا فرغت فقل: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين، وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكل بيمينك، وكل مما يليك، ولا تأكل بشمالك؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إنها أكلة الشيطان". وليكن سفرك يوم الخميس؛ لأنه استحبه رسول الله عليه السلام، وإذا

سافرت فقل: اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال، وأعوذ بك من الجور بعد الكور؛ فذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر. وإذا ودعت مسافرا فقل: زودك الله التقوى ويسر لك الخير حيث ما كنت، استودع الله عز وجل دينك وأمانتك وخواتم عملك، وكذلك كان يفعل صلى الله عليه وسلم. وإذا أصابك كرب فقل: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، وكذلك كان يفعل صلى الله عليه وسلم إذا أصابه كرب، وفي حديث آخر: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صابك كرب فقل: الله الله ربي لا أشرك به شيئا، الله الله ربي لا أشرك به شيئا، الله الله ربي لا أشرك به شيئا"، وفي حديث آخر: "فليكن مفزعك إلى الله عز وجل" فمن فعل ذلك فرج الله عز وجل كربه.

واحترس ممن يتقرب إليك بالنميمة وتبليغ الكلام عن الناس للناس؛ لقوله عليه السلام: "ملعون من يلعن أباه، ملعون من يلعن أمه، ملعون من غير تخوم الأرض، ملعون كل صغار"، والصغار: النمام. اصبر على ما أصابك من مصائب الدنيا وفجائعها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد". وقد قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. ولا تمار أحدا وإن كنت محقا؛ لقوله تعالى: {وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}، والجدال: المراء. إذا هممت بأمر من أمور الدنيا فتفكر في عاقبته، فإن كنت ترجو ثواب الله عز وجل فامضه.

إياك والتجرد خاليا، وينبغي أن تستحي من الله عز وجل وملائكته وقد قال عليه السلام: "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت". إياك أن تدخل الحمام أو الماء إلا بمئزر، وقال: لا يحل لمسلم أن يدخل الحمام إلا بمئزر، واغضض بصرك عن غيرك. افش السلام واحذر ألا يسبقك إليه أحد فتفضل الناس بذلك؛ فقد قال عليه السلام: "السلام اسم من أسماء الله عز وجل فأفشوه بينكم، فإن المسلم إذا سلم كتب له عشر حسنات". أدب أهلك وخولك على أدبك وخلقك حتى يكونوا لك أعوانا على طاعة الله عز وجل. وإذا استشرت فإن شئت سكت وإن شئت تكلمت واجتهدت رأيك؛ وقاله النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تفش لأحد سرا فإنه أمانة استودعتها".

وقد قال عليه السلام: "حق المسلم على المسلم إذا دعاه أن يجيبه وإذا مرض أن يعوده، وإذا مات أن يشهد جنازته، وإذا لقيه أن يسلم عليه، وإذا عطس أن يشمته، وإذا استنصحه أن ينصحه". إذا علمت علما فلير عليك أثره وسمته وسكينته ووقاره وحلمه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء". اردد جواب الكتاب إذا كتب إليك فإنما هو كرد السلام، وقاله ابن عباس رضي الله عنه. الزم الحياء فإنه خلق الإسلام، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "كل دين له خلق وخلق الإسلام الحياء". إن حضرت أمرا ليس بطاعة الله تعالى ولا تقدر أن تنهى عنه فتنح عنهم؛

لقوله عليه السلام: "لا تمنعن أحدكم مخافة الناس أن يقول الحق إذا شهده وعلمه". الزم السواك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "السواك والنكاح من سنن المرسلين". افش الصدقة؛ فإنها تدفع ميتة السوء، وليكن ذلك طيبا، فإن الله لا يقبل إلا طيبا، وقد قال عليه السلام: "أما أحدكم لا يتصدق بالثمرة إذا كانت من طيب، ولا يقبل إلا طيبا، فيجعلها الله في يده فيربها له حتى يكون أعظم في يده من الجبل". ولا تضطجع على بطنك؛ لقول النبي عليه السلام: "إنها ضجعة يبغضها الله". إذا حضرت السلطان فاحضر بخير واشفع، وإياك والكلام عنده بما لا يرضي الله عز وجل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله عز وجل لا يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة،

وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم القيامة". اخف من صدقتك المتطوع بها ما أردت به وجه الله عز وجل ما استطعت؛ لقوله عليه السلام: "صدقة السر تطفئ غضب الرب". اتق التزكية منك لنفسك، ولا ترضى بها من أحد يقولها في وجهك؛ لقوله عليه السلام للذي مدح آخر: "ويحك قطعت عنقه، ولو سمعها ما أفلح أبدا"؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يحثى التراب في وجوه المداحين. اكره لكل مسلم ما تكره لنفسك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بايع جرير بن عبد الله على السمع والطاعة والنصحة لكل مسلم.

إياك والحسد والشر فإنهما خصلتان تؤذيان صاحبهما في الدنيا والآخرة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه الله مالا فسلطه على إنفاقه في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يعمل بها ويعلمها". اقتد في أمورك برأي ذوي الأسنان من أهل التقى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "خياركم شبانكم المتشبهون بشيوخكم، وشراركم شيوخكم المتشبهون بشبانكم". لا تجالس متهما، فإن الوحدة خير من جليس السوء. عليك بمعالي الأخلاق وكرائمها، واتق رذائلها وما يعيبك منها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها".

إذا رأيت من فضل الله عز وجل عليك في دينك ودنياك فأكثر حمد الله عز وجل على ذلك فإنه من الشكر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد لله إلا كان ذلك أعظم من تلك النعمة وإن عظمت". احذر الغضب فإن اعتراك قائما فاقعد، أو قاعدا فاضطجع؛ لأنه كذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. لا تطيرن من شيء تراه أو تسمع به، فإن اعتراك شيء من ذلك فقل: اللهم لا طير إلا طيرك ولا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يرفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وكذلك كان يفعل عليه السلام. لا تغير أظافرك بالحناء؛ لأنه ليس من سيماء أهل الفضل، ولا تتطيب بما يظهر لونه؛ لقوله عليه السلام: "طيب الرجال ما بطن لونه وظهرت رائحته، وطيب

النساء ما ظهر لونه وخفيت رائحته". الزم الزي الحسن والسمت الحسن والهدي الحسن والاقتصاد؛ فإن ابن عباس رضي الله عنه قال: فيهن جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة. ولا تدع العمامة والرداء في الأعياد والجمع؛ فإن الله عز وجل أعز الإسلام بالعمائم والألوية. إذا أخذت مضجعك فقل: اللهم أنت القائم الدائم الذي لا يزول، أنت خلقت كل شيء لا شريك لك علمت بغير تعليم، اغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقولهن، فقال النبي عليه السلام: "ألا قلتم كما قال علي". إذا انصرفت من الصلاة فقل: اللهم إني أسألك الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم من خير ما سألك به محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون، وأعوذ بك من شر ما

استعاذك منه محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما دعا نبي مرسل ولا عبد صالح بدعاء إلا وهذا فيه. من صافحك فلا تنزع يدك من يده حتى يبتدئ نزعها، وكذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن حدثك فلا تصرف وجهك عنه حتى يكون هو الذي يفعل ذلك. ومن جلس إليك أو جالسته فلا تقعد بين يديه ولا تجاور ركبتاك ركبتيه؛ فإنه بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. وإذا خفت من أمير ظلما أو تغطرسا فقل: الله أكبر الله أعز من خلقه

جميعا الله أكبر أعز من كل ما أخاف وأحاذر، أعوذ بالله الممسك السماوات السبع أن تقع على الأرض إلا بإذنه من شر فلان، كن لي جارا من فلان وجنوده من الجن والإنس أن يفرط علي أحد منهم أو أن يطغى، جل جلالك وعز جارك ولا إله غيرك، تقول ذلك ثلاث مرات، فقد بلغني عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان يأمر بذلك. وإذا نزلت منزلا فقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وذرأ وبرأ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من قال ذلك فقد وقي شر ذلك المنزل". وإذا فزعت في منامك فقل: أعوذ بكلمات الله التامات من عقابه وغضبه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون،

فإنه صلى الله عليه وسلم أمر بذلك. إذا أصبحت فقل: الحمد لله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد وأنت على كل شيء قدير عشر مرات، فإنه بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قالها عشر مرات وكل به ملكان يحرسانه حتى يمسي وكذلك إذا أمسى حتى يصبح". وفي حديث آخر: "إذا أصبحت فقل: اللهم لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد وأنت على كل شيء قدير عشر مرات إذا أصبح وعشرا إذا أمسى يوكل الله به ملكان يحرسانه حتى يمسي وحتى يصبح". وإذا استقبلت الهلال فقل: الله أكبر الله أكبر الحمد لله، اللهم إني أسألك خير هذا الشهر، وأعوذ بك من شر القبر وشر يوم الحشر. إذا رأيت منكرا في أهلك وخاصتك فقم بالذي يحق عليك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، إن كان مظلوما فخذ بحقه، وإن كان ظالما فخذ له من نفسه".

إذا هممت بطاعة الله تعالى فعاجلها، فإنك لا تأمن من الأحزان، وإذا هممت بمعصية فتأخر عنها لعل الله عز وجل يحدث لك تركها. لا تستحي إذا دعيت لغير حق أن تقول: لا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يستحي من الحق"، وقاله الله عز وجل في سورة الأحزاب. لا تخلون بامرأة لست منها بمحرم. ولا تقبلن يدك ولا شيئا من سائر جسدك. ولا تعانق رجلا ولا تقبله، ولا بأس بمعانقة ذوي الأرحام من الرجال؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضم جعفر إلى صدره وقبل بين عينيه حين مقدمه من الحبشة.

ولا ترفع صوتك في المسجد، ولا تشهر فيه سلاحا؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك. تخلل من الطعام؛ فإن الرسول عليه السلام قال: "ليس على الملك شيء أشد من أن يرى في الرجل طعاما وهو يصلي". لا ينبغي أن يقول لأحد: صلى الله عليك؛ فإن ابن عباس قال: لا تنبغي الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم. ولا تقولن لأحد جعلني الله فداك؛ فإن النبي عليه السلام قال للزبير بن العوام وقد قالها: "ما تركت أعرابيتك، يجعلني الله فداك". ولا تعاقب أحدا بأكثر من أربعين سوطا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين".

وإذا أحببت أحدا فأخبره؛ فإن الرسول عليه السلام قال لرجل وأخبره أنه يحب فلانا: "أخبره"، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب الرجل أخاه فليخبره بحبه إياه، فإذا أخبره فليقل [أحبك الله] الذي أحببتني له". الزم الصمت إلا من خير؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا يستكمل أحد الإيمان حتى يخزن من لسانه". إذا أشرفت على قرية تريدها فقل: اللهم ارزقنا خيرها واصرف عنا شرها ووباءها؛ فقد بلغني أن الرسول عليه السلام كان يقول ذلك. لا تشمتن أحدا إذا عطس حتى يحمد الله عز وجل، فإذا حمده فشمته. وقر الكبير وارحم الصغير؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من لم يرحم

صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف حق عالمنا". احتجم يوم سبعة عشر وتسعة عشر وأحد وعشرين؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ولا تحتجم يوم الأربعاء ولا يوم السبت؛ فإنه بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من احتجم فيهما فأصابه وخم فلا يلومن إلا نفسه"، وامسح على موضع المحاجم. وخفف عيادة المريض، وأقل اللبث عنده. وإذا مررت على المقابر فقل: "السلام على أهل المقابر من المؤمنين والمسلمين؛ وإنا بكم لاحقون، أنتم لنا فرط، ونحن لكم تبع، و [نسأل] الله العافية لنا ولكم من النار".

ولا تنفخ في الطعام ولا الشراب؛ فإنه بلغني أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك. ولا تمتن بمعروف تفعله؛ فإن الله يبطل أجرك؛ قال الله عز وجل: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}. من أولاك معروفا تقدر على مكافأته فأثن عليه واذكره؛ فقد بلغني ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أطب الطعام وادع إليه؛ فقد بلغني أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: "إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها" قيل: لمن هي يا رسول الله، قال: "لمن أطعم الطعام وتابع الصيام وأطاب وصلى بالليل والناس نيام". فطر الصوام وأحضرهم طعامك، وجهز الغزاة، وأعن على الخير؛ فقد بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من فطر صائما أو جهز غازيا أو حاجا أو خلفه في

أهله بخير كان له مثل أجره من غير أن ينقصه شيئا"، وبلغني عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الخلق عيال الله فأحب خلقه إليه أحسنهم صنعا إلى عياله". إذا عملت عملا فأحسنه فإن الله عز وجل يقول: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}. لا تعجل على أحد بلوم ولا تهمة حتى تعلم أمره. ولا تجامع وأحد يراك أو يسمع حسك؛ فإنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "استحيوا من الله كل الحياء" قيل: وما ذلك يا رسول الله؟ قال: "احفظوا الرأس وما حوى والبطن وما وعى، واذكروا الموت والبلى وذروا زينة الحياة الدنيا". لا تلعبن بهذه التماثيل ولا بالشطرنج؛ فإنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من لعب بها.

ولا تمضغ العلك وتحل إزارك ولا تحذف؛ فإنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ست من أخلاق قوم لوط: مضغ العلك والبغي وحل الإزار والبندق والجلاهق والحذف".

[الباب التاسع والعشرون] باب فيه آداب وفوائد حسان للقضاة والولاة

[الباب التاسع والعشرون] باب فيه آداب وفوائد حسان للقضاة والولاة [فصل 1 - في آداب الولاة والقضاة] إذا كنت قاضيا أو واليا أو أميرا فلا يكن من شأنك حب المدح والتزكية، وأن يعرف الناس ذلك منك، فيكون ذلك بلية من البلاء يقتحمون عليك منها وغيبة يغتابونك بها ويتضاحكون منها، وأعلم أن قائل المدح كمادح نفسه، والمرء جدير أن يكون حبه المدح هو الذي يحمله على رده، فإن الرد له ممدوح والقائل له مغيب. لتكن حاجتك في الولاية ثلاث خصال:- رضاء ربك، ورضاء سلطانك إن كان فوقك سلطان، ورضا صالح من تلي عليه. ولا عليك أن تلهو عن المال والذكر فسيأتيك منه ما يكفي ويطيب. اعرف أهل الدين والمروءة في كل كورة وقبيلة وقرية واجعلهم إخوانك وأخدانك وأعوانك وأنصارك وثقاتك وكفاتك، ولا يقذفن في روعك أنك إن استشرت

الرجال ظهرت للناس منك الحاجة إلى رأي غيرك فإنك لست تريد الرأي للعجز وإنما تريده للمنفعة، ولو أنك مع ذلك أردت الذكر لكان أحسن الذكرين لك، وأفضلهما عند أهل العقل أن يقال: لا ينفرد برأيه دون استشارة ذوي الرأي. وإنك إن التمست رضى الجميع فإنك ملتمس ما لا تدرك، وكيف يتفق الرضا من المختلفين، وما حاجتك إلى رضى من رضاه الجور، وإلى موافقة من موافقته الضلالة والجهالة، فعليك بالتماس رضى الأخيار وذوي العقول؛ فإنك متى فعلت ذلك وضع عنك مؤنة ما سواه. لا تمكن أهل البلاء الحسن من التذلل عليك ولا تمكن سواهم من الافتراء عليهم والغيب لهم. لتعرف رعيتك أبوابك التي لا ينال ما عندك من الخير إلا بها، وأبوابك التي لا يخافك خائف إلا من قبلها.

واحرص الحرص كله أن تكون بأمر أعمالك جائرًا، فإن المسيء يعرف من خيرتك به قبل أن تصيبه عقوبتك، والمحسن يستبشر بعلمك قبل أن يناله معروفك، ولتعرفهم فيما يعرفون من أخلاقك أنك لا تعاجل بالثواب ولا بالعقاب، فإن ذلك أدوم لخوف الخائف ورجاء الراجي. عود نفسك الصبر على من خالفك من رأي أهل النصيحة والتجرع لمرارة قولهم وعدلهم، ولا تسهل سبيل ذلك إلا لأهل الفضل والعقل والمروءة والستر لئلا ينشر من ذلك فيما يجده سفهاء أو يستخف شأنًا. ولا تتركن مباشرة جسيم أمرك فيعود شأنك صغيرًا، ولا تلزمن نفسك مباشرة الصغير فيعود الكبير ضائعًا. واعلم أن رأيك لا يتسع لكل شيء ففرغه للمهم، وإن مالك لا يغني الناس كلهم فاخصص به أهل الحق، وإن كرامتك لا تطيق العامة فتوج بها أهل الفضل، وإن ليلك ونهارك لا يستوعبان حاجاتك، فإن رأيت فيهما رأيين ليس إلى

رأيهما سبيل مع حاجة جسدك إلى نصيبه منهما فأحسن قسمتها بين عملك ورعيتك. واعلم أن ما شغلت من رأيك لغير المهم أضر بك في المهم. وما صرفت من مالك في الباطل فقدته حين تريد الحق. وما عدلت من كرامتك إلى أهل النقص أضر بك في العجز عند أهل الفضل. وما شغلت من ليلك ونهارك في غير الحاجة أردى بك في الحاجة. ولا تكن نزر الكلام والسلام، ولا تبلغن في إفراط الهشاشة والبشاشة فإن إحداهما من الكبر والأخرى من السخف. ليس للملك أن يغضب فإن القدرة من وراء حاجته، وليس له أن يكذب؛ لأنه لا يقدر أحد على استكراهه على غير ما يريد، وليس له أن يتحمل لأنه أقل الناس عذرا في خوف الفقر، وليس له أن يكون حقودا؛ لأن خطره قد عظم عن

المجازاة على الناس، ولا يكون حلافا؛ فإن أحق الناس باتقاء الأيمان الملوك، فإنه إنما يحمل الرجل على الأيمان إحدى خصال:- إما مهانة يجدها في نفسه وحاجة إلى تصديق الناس إياه. وإما عي في الكلام فهو يجعل الأيمان حشوا ووصلا. وإما تهمة قد عرفها من الناس فهو ينزل نفسه منزلة من لا يقبل قوله إلا بعد جهد اليمين. وأحق الناس بالخير لنفسه على العدل في القول والفعل الوالي الذي بعدله يعدل من دونه، والذي متى قال أو فعل كان أمره نافذا. ليعلم الوالي أن الناس يصفون الولاة بسوء العقد ونسيان الود، فليكابر في نقض قولهم وليبطل من نفسه صفات السوء. وليفقد فيما يتفقد من أمور رعيته فاقة الإخوان فيعمل على سدها وطغيان السفلة فيقمعهم، وإنما يصول الكريم إذا جاع، واللئيم إذا شبع.

ولا يحسن بالملك أن يحسن من دونه؛ فإنه أقل في ذلك من المسوقة غدرا التي إنما يحسد من فوقها وكل لا عذر له. ولا يلومن الوالي على الذلة من ليس بمتهم عنده في الحرض على رضاه إلا يوم أدب وتقويم. ولا يعدلن بالمجتهد في رضاه البصير بما يأتي أحدا، فإنهما إذا اجتمعا في الوزير والصاحب استراح الوالي وكفى حاجته. لا يلزمن الوالي سوء الظن وليجعل لحسن الظن عنده نصيبا يروح به عن قلبه. لا يضيفن الوالي التثبت عندما يقول وعندما يعطي وعندما يعمل، فإن الرجوع عن الصمت أحسن من الرجوع عن الكلام والعطية بعد المنع أجمل من المنع بعد الإعطاء، والإقدام على العمل بعد الأناءة فيه أخدم من الإمساك عنه بعد

الإقدام عليه، وكل الناس محتاج إلى التثبت وأحوجهم إليه الملوك الذين ليس لقولهم وفعلهم دافع وليس عليهم محتسب. وجميع ما يحتاج إليه من أمر الدنيا رأيان:- رأي يقوم به سلطانه ورأي يزينه في الناس، ورأي التقوية أخطهما بالتبرئة. [فصل 2 - في آداب مصاحبة السلطان] وإن ابتليت بصحبة السلطان فعليك المواظبة في غير طول المعاتبة، ولا يحدثن لك الاستئناس غفلة ولا تهاونا. وإذا جعلك أخا فاجعله سيدا وإن زاد فزده، وإذا نزلت من الوالي منزلة الثقة فاجزل عنه كلام الملق، ولا تكثرن له من الدعاء في كل كلمة؛ فإن ذلك

شبيه بالوحشة إلا إن كلمته على رؤوس الناس فلا تألوا عما عظمته به ووقرته. وإن ابتليت بصحبة الوالي لا يريد صلاح رعيته فاعلم أنك ابتليت بخصلتين ليس فيهما خيار:- إما الميل مع الوالي على الرعية فذلك هلاك الدين. وإما الميل مع الرعية على الوالي فذلك هلاك الدنيا، فلا خيار لك إلا الموت أو الهرب. واعلم أنه لا ينبغي لك وإن كان الوالي غير مرضي السيرة إذا علقت حبالك بحباله إلا المحافظة عليه حتى تجد إلى الفراق الجميل سبيلا. ولا يكون طلبك ما قبل الوالي بالمسألة ولا تستبطئه ولو أبطأ، ولكن اطلب ما قبله فالاستحقاق له؛ فإنك إذا استحققته أتاك من غير طلب، وإن لم تستبطئه كان أعجل له. لا تخبرن الوالي أن لك عليه حقا؛ فإنك تعد عليه ثقلا، وإن استطعت أن تنسى

حقك وبلاءك فافعل، وليكن ما تذكره به من ذلك تجريدك له النصيحة والاجتهاد، ولا يزال ينظر منك في أحد يذكره أو لا. واعلم أن السلطان إذا انقطع عنه الآخر نسي الأول، وإن أرحامهم مقطوعة وحبالهم مصرومة إلا عمن رضوا عنه. وإن ذكرت عند السلطان بسوء فلا ترين السلطان ولا غيره منك لذلك اختلاطا، ولا يقعن ذلك في نفسك موقع ما يكربك؛ فإنه إن وقع ذلك منك أدخل عليك أمورا مشتبهة بالريبة بما قال فيك الغائب، فإن اضطرك الأمر إلى الجواب فإياك وجواب الغضب والانتقام، وعليك بجواب الحلم والوقار والحجة ولا تشك أن العلو والعلية للحلم. لا تعدن شتم الوالي شتما ولا إغلاظه إغلاظا؛ فإن ريح القوة قد يبسط اللسان بالغلظة في غير سخط. ولا تأمن جانب المسخوط عليه والظنين عند السلطان.

ولا يجمعك وإياه منزل ولا مجلس، ولا تظهر له عذرا، ولا تثني عليه خيرا عند أحد من الناس فإن استيقن الوالي مباعدتك إياه وبان لك ما ترجو من الوالي يئس له فتضع عذره عند الوالي، واعمل في الرضى عنه في رفق ولطف. ليعلم الوالي أنك لا تستنكف عن شيء من خدمته، ولا تدع في ذلك أن تقدم إليه في حال رضاه وطيب نفسه القول في استعفائه من الأعمال التي يكرهها ذو المروءة والدين من الناس. إذا أصبت الجاه عند السلطان فلا يحدثن لك ذلك تغيرا ولا تكبرا على أحد من أهله ولا أعوانه ولا الاستغناء عنهم؛ فإنك لا تدري متى تكون أدنى هفوة فتذل لهم، وفي تلون الحال ما فيه. إذا سأل الوالي غيرك فلا تكن أنت المجيب، فإن استلابك الكلام خفة بك واستخفاف منك بالمسئول والسائل، وما أنت قاتل [إن] قال لك السائل: ما إياك سألت؟ أو قال لك المسئول: دونك فأجب، وإذا لم يقصد السائل بالمسألة رجلا

[صفحةٌ مكررةٌ في أصل الكتاب المطبوع]

واحدًا وعم بالمسألة الجماعة فلا تبادرن بالجواب ولا تواتين الكلام فإن ذلك شين وتكلف وخفة، فإنك إذا سبقت القوم إلى الجواب صاروا لجوابك خصمانا فتعقبوه بالعيب والطعن، وإذا حبست جوابك اعترضت أقاويلهم وتدبرتها ثم هيأت من تفكرك ومحاسن ما سمعت جوابا حسنا مرضيا ثم استدبرت به أقاويلهم حين يصغى إليك بالأسماع ويهدأ عنك الخصوم. وإذا فاتك الجواب فلا تحزن على فواته؛ فإن صيانة القول خير من سوء صنعه في غير موضعه، وإن كلمة واحدة من الصواب تصيب فرصتها خير من مائة كلمة في غير فرصتها مع أن كلام العجلة والبدار موكل بالزلل وسوء التقدير وإن ظن صاحبه أنه أحكم وأتقن. إذا كلمك الوالي فأصغ لكلامه ولا تشغل طرفك عنه بنظر إلى غيره، ولا أطرافك بعمل، ولا قلبك بحديث نفس، واحذر هذه الخصلة من نفسك وتعاهدها

جهدك. وارفق بنظرائك من وزراء السلطان واتخذهم إخوانك لا أعداء ولا تنافسهم في الكلمة يتقربون بها والعمل يؤمرون به؛ فإنما أنت في ذلك أحد رجلين:- إما أن يكون عندك فضل على ما عند غيرك فيسدوا ذلك ويحتاج إليه ويلتمس منك وأنت مجمل. وإما ألا يكون عندك فما أنت مصيب من موافقتك إياهم، وليتك لهم أفضل مما أنت مدرك بالمنابذة والمنافسة. لا تجزبن على مخالفة أصحابك عند الوالي ثقة باعترافهم لك وبمعرفتهم بفضل رأيك، فإنا قد رأينا الناس يعرفون فضل الرجل وينقادون له ويتعلمون منه وهم أخلاؤه، فإذا حضروا السلطان لم يرد أحد منهم أن يقر له، ولا أن يكون له عليهم في الرأي والعلم فضل، واجترؤا عليه بالخلاف والنقض، فإن ناقضتهم صار أحدهم وليس بواحد في كل حين سامعا فقها ولا قاضيا عدلا، وإن ترك مناقضتهم صار مغلوب الرأي مردود القول.

إذا أصبت عند السلطان لطف منزلة لغناء تجده عندك أو هوى يكون منه فيك فلا تطمح كل الطماح ولا تزين لك نفسك المزايلة عن أهل بعثه وسره؛ فإن ذلك سفه. إياك أن تشكو إلى وزير السلطان ودخلائه ما اطلعت عليه من رأي تكرهه له فإنك لا تريد أن تبغضهم لهواه وتقربهم منه بتزينك ذلك له والميل عليه معه. واعلم أن الرجل ذا الجاه عند السلطان والخاصة به لا محالة أن يرى من الوالي ما يخالفه من الرأي في الأمور، وإدناء من لا يجب إدناؤه، وإقصى من لا يجب إقصاؤه، فإذا آثر ما يكره يغير له وجهه ورأيه وكلامه حتى يبدو ذلك للسلطان وغيره فتفسد بذلك منزلته ومروته، واحتمال من خالفك من رأي السلطان أوجب؛ فإنه إنما كان سلطانا لتتبعه في رأيه وأمره، وليس بأن يكلفه اتباعك وتغضب من مخالفته إياك. لا تكن صحبتك للسلاطين إلا بعد رياضة نفسك على طاعتهم في المكروه عندك، وموافقتهم فيما خالفوك، وتقدير الأمور على أهوائهم، وألا تكتمهم سرك، ولا تستطلعهم ما كتموك، وتخفي ما أطلعوك عليه من الناس كلهم، وعلى الاجتهاد في

رضاهم والتلطف بحاجتهم والتصديق لمقالتهم والتزيين لرأيهم، وقلة الامتعاض مما فعلوا إذا شاؤوا، وترك الانتحال لما فعلوا إذا حسنوا. وأكثر النشر لمحاسنهم وحسن الستر لمساوئهم، والمقاربة لما قاربوا وإن كان بعيدا، والمباعدة لما باعدوا وإن كان قريبا، والاهتمام بأمورهم وإن لم يهتموا به، والحفظ له وإن ضيعوه، والذكر له وإن نسوه، والتخفيف عنهم من مؤنتك، والاحتمال لهم كل مؤنة. [فصل 3 - في صحبة الأصدقاء] ابذل لصديقك دمك ومالك، ولعارفك رفدك ومحضرك، وللعامة بشرك وتحيتك، ولعدوك عدلك، واضنن بدينك وعرضك على كل أحد إلا أن يضطر إلا بدل العرض لوال أو والد، فأما الولد ومن سواه فلا. إن سمعت من صاحبك رأيا أو كلاما حسنا فانسبه إليه، واعلم أن انتحال ذلك لنفسك مفسدة لصاحبك وعار عليك، فإذا بلغ ذلك بك أن

تشير برأي رجل أو تتكلم بكلامه حيث يسمع فهذا من سوء الأدب الفاشي بين الناس، ومن تمام حسن الخلق والأدب أن تسخو نفسك لأخيك عما انتحل من كلامك ورأيك، وتوفي عليه رأيه وكلامه وتؤيده مع ذلك بما استطعت. وإياك أن يكون من خلقك أن تبدأ حديثا ثم تقطعه ندامة على ابتدائك به فإن رجوعك عنه سخف وعي. احذر كلامك وعقلك إلا عند إصابة الموضع فإن أخطأك ذلك أدخلت الهجنة على عقلك وقولك. ولا يغضبك إذا رأيت صديقك مع عدوك فقد يكفيك شره أو يستر عورتك منه.

تحفظ في كلامك ومجلسك من التطول على الأصحاب، وطب نفسا عن كثير مما يفرض لك فيه صواب القول والرأي إلا بظن أصحابك أنه إنما بك التفضل عليهم. وإذا أقبل عليك مقبل بوجهه فأنعم الإقبال عليه. ولا تكثرن ادعاء العلم في كل ما يعرض بينك وبين أصحابك، فإنك في ذلك بين فضيحتين:- إما أن ينازعونك فيما ادعيت فيحجم منك على الجهالة والصلب، وإما أن تخلوا الأمر في يديك فينكشف منك التضييع والعجز. واستحي كل الحياء أن تخبر صاحبك أنك عالم وأنه جاهل مصرحا أو معرضا، واعلم أنك إن صبرت ولم تعجل ظهر ذلك منك بالوجه الجميل المعروف عند الناس، ولا يخيفن عليك أن حرص الرجل على إظهار ذلك منه، وقلة وقره في ذلك من البخل، وأن من خير الأعوان على ذلك الكرم والسخاء.

وإن أردت أن تلبس ثوب الجمال بحلية المروءة عند العامة وتسلك الجد الذي لا خيار فيه ولا عثار فكن عالما كجاهل وناطقا كعيي، فأما العلم فيرشدك وأما قلة الكلام فينفي الحسد عنك، وأما المنطق فإنك إذا احتجت إليه فستبلغ حاجتك، وأما الصمت فإنه سيكسبك المحبة والوقار. إذا رأيت رجلا يحدث حديثا قد علمته ويخبر خبرا قد سمعته فلا تشاركه فيها ولا تفتخر عليه حرصا على أن يعلم الناس أنك علمته؛ فإن في ذلك قلة حزم وسوء أدب وعجب. ليعرف إخوانك والعامة أنك إلى أن تفعل ما تقول أقرب منك إلى أن تقول ما لا تفعل؛ فإن فضل القول على الفعل عار، وفضل الفعل على القول مكرمة، وأنت حقيق فيما وعدت من نفسك أو أخبرت به صاحبك من منزلة عندك أن

يتحقق بعض ما في نفسك لإعداد بعض الفعل على القول لتسلم بذلك من تقصير إذا كان منك في الفعل، وقل ما تكون إلا مقصرا. احفظ قول الحكيم الذي قال: لتكن غايتك فيما بينك وبين عدوك العدل، وفيما بينك وبين صديقك الرضى؛ وذلك أن العدو خصم تصرعه بالحجة وتغلبه بالحكمة، وأن الصديق ليس بينك وبينه قاض وإنما هو رضاه وحكمه، فاجعل غاية ما بينك وبين من تواخي ومواصلة من تواصل الصبر، ووطن نفسك على أنه لا سبيل لك إلى قطيعة أخيك، فإن ظهر لك منه ما تكره منه فالبسه؛ فإنه ليس كالمرأة التي تطلقها متى شئت، ولكنه عرضك ومروءتك ومروءة الرجل إخوانه وعرضه أخدانه، فإن علم الناس أنك قطعت رجل من إخوانك وإن كنت معذورا دل ذلك عند كثير منهم منزلة الحناقة للإخاء، وإن أنت مع ذلك صبرت على مضاربته وهو غير راض أدى ذلك إلى العيب والنقيصة، فالإرشاد إلى الارتياد والتلبث والتثبت في حال امرء من ترتاد لإخائك، فإن كان من إخوان

الدين فليكن فقيها ليس بمراء ولا حريص، وإن كان من إخوان الدنيا فليكن حرا ليس بجاهل ولا كذاب ولا شرير، ولا مفسد نافع؛ فإن الجاهل أهل أن يهرب منه أبواه، وإن الكذاب لا يكون إخاؤه صادقا؛ لأن الكذب الذي يجري على لسانه إنما هو من فضول قلبه، وإنما سمي الصديق من الصدق وقد يتهم صدق القلب وإن صدق اللسان، فكيف به إذا أظهر الكذب على اللسان، وإن الشرير يكسبك الأعداء فما حاجتك إلى صداقة تكسبك العداوة، وإن تقربك إليهم يكسبك الصديق السوء، وسوء الأصدقاء أضر من الأعداء، فإنك إن وصلت الصديق السوء أعيتك جرائره وإن قطعته شانك اسم القطيعة.

ولا تعتذرن إلا إلى لمن يحب أن يجد لك عذرا، ولا تستعين إلا بمن يحب أن يظفر لك بحاجتك، ولا تحدثن إلا من يعد حديثك مغنما ما لم يغلبك أضراره. وإذا غرست من المعروف غرسا أو أنفقت عليه نفقة فلا تضن بالنفقة فيما غرست فتذهب النفقة ضياعا. إذا اعتذر إليك معتذر فتلقه بوجه مشرق وبشر طلق إلا أن يكون ممن قطيعته غنيمة. واعلم أن إخوان الصدق خير من مكاسب زينة الدنيا في الرخاء وهم عدة في الشدة ومعونة على حسن المعاش والمعاد، ولا تفرطن في اكتسابهم، واتبع الموصلات والأسباب إليهم.

[فصل 4 - في تهذيب النفس] احترس من سورة الغضب وسورة المحنة وسورة الجهل، وأعدد لك شيء من ذلك عدة تجاهد بها من الحلم والتفكر وذكر العافية وطلب الفضيلة. والصبر صبران: صبر الرجل على ما يكره، وصبره على ما يحب، واعلم أن اللئام أصبر أجساما، والكرام أصبر أنفسا وهو المحمود؛ وذلك أن يكون للنفس غلوبا وللمأمور محتملا وفي السراء مجملا ولنفسه عند الرأي والخفاء مرتبطا، وللحزم مؤثرا وللهو تاركا، وللمشقة التي يرجو حسن عاقبتها مستخفا، ولنفسه على مجاهدة الأهواء والشهوات موطنا. عود نفسك السخاء، واعلم أن السخاء سخاءان: سخاء نفس الرجل بما في يديه، وسخاء نفسه عما في أيدي الناس، وسخاء الرجل بما في يديه أكثرهما، وسخاء النفس عما في أيدي الناس أمحض المكارم وأنزه من الدنس، ومن جمعهما فقد استكمل الجود والكرم.

حبب لنفسك العلم والزمه حتى [تألفه] ويكون هو لهوك ولذتك وسلوتك. ليكن ما تصرف به العذاب عن نفسك ألا تكون حسودا؛ لأن الحسد خلق لئيم. فصل [5 - في تهذيب السلوك] وليكن ما تنظر فيه من أمور عدوك أن تعلم أنه لا ينفعك أن تخبر أنه عدوك فتزره نفسك وتؤذنه بحربك قبل الإمكان من الفرصة فتحمله على التسلح وتوقد ناره عليك، واعلم أن من أعظم خطرك أن تري عدوك أنك لا تتخذه عدوا؛ فإن ذلك عدة له وغرة به وسبيلا إلى القدرة عليه، وإن أنت قدرت واستطعت احتقار العداوة وألا تكافئ مشينا لك فقد استكملت عظيم

الخطر، وإن كنت مكافئا بالعداوة والضرر فإياك أن تكافئ عداوة السر بعداوة العلانية، وعداوة الخاصة بعداوة العامة؛ فإن ذلك هو الظلم والعدوان. واعلم أن ليس كل العداوة والضرر يجب أن يكافأ بمثله كالخيانة والسرقة فلا تكافئ بمثل ذلك. ومن الحيلة في أمر عدوك أن تصادق وتراضي أعداءه فتدخل بينه وبينهم في سبيل الشقاق والتلاحي والتجافي حتى ينتهي ذلك بهم إلى القطيعة والعداوة، فإنه ليس رجل ذو طرف يمتنع من إخائك إذا التمست ذلك منه، وإن كان إخوان عدوك غير ذي طرف فلا عذر لك. ولا تتخذن الشتم على عدوك سلاحا؛ فإنه لا يخرج في نفس ولا منزلة، ولا تدع مع السكوت عنه أخطاء معاييه ومعاثره واتباع عوراته حتى لا يخفى عليك من ذلك صغير ولا كبير من غير أن تشنع ذلك فيحذره ويستعد له، وأعون أنصارك على عدوك أن تحصي على نفسك العورات والعيوب كما تحصيها على عدوك، فإذا استحصيتها وكابد عدوك بإصلاح عيوبك وتحصين عوراتك وخذ لنفسك بذلك صباحاً ومساء.

فصل [6 - في آداب شتى] إن استطعت أن لا تخبر بالشيء إلا وأنت مصدق له ولا يكون تصديقك إلا ببرهان، ولا تقول كما يقول السفهاء: أخبر بما سمعت؛ فإن الكذب أكثر ما أنت سامع. احذر كثرة الكلام؛ فإن السكوت أزين وأجلب للمروءة وأبقى لك مهابة. واحذر المراء واعرفه واعلم أن المرائي هو الذي ينبغي أن يتعلم ولا يتعلم منه، فإن زعم أنه إنما يجادل الباطل فإنه وإن بانت حجته فإنه يخاصم إلى غير قاض، فإن استيقن ورجا من خصمه عدلا يقضي به على نفسه أصاب وجه أمره. واعلم أن فضل الفعل على القول مكرمة، وإن فضل القول على الفعل هجنة. واعلم أنك إن جاوزت الغاية في العناية صرت إلى التقصير، وإن جاوزتها في سبيل العلم لحقت بالجهال وإن تكلفتها في رضى الناس والخفة معهم في حوائجهم كنت المحسن المضيع. واعلم أن بعض العطية سرف وبعض البيان غنى وبعض العلم جهل، فإن استطعت أن لا يكون عطاؤك جورا ولا بيانك هدرا، ولا علمك وبالا، فافعل.

ووطن نفسك لم صحبت من الإخوان، وستبلى من أقوام بسفه وخفة فإن عارضتهم وكافيتهم بالسفه فإنك قد رضيت ما أتوا به، فاجتنب ذلك. لا تلتمس عليه صاحبك والطعن عليه في كلمة ورأي، ولا تفزعه ولا تنكته وإن وضحت حجتك واستبان رأيك فإن ذلك ضعف في العمل ولوم في الأخلاق. ولا يعجبك إكرام لدين أو مروءة فإن المروءة لا تزايلك في الدنيا والدين لا يزايلك في الآخرة. واعلم أن الخير منقلبة والحرص محرمة؛ لأن من يقبل مدبرا أكثر ممن يدبر مقبلا، وأن من يطلب إليك بالإجمال والتكرم تسخو نفسك بطلبته له أكثر مما يطلبك بالقوة. إذا عرض لك أمران ولم تدر أيهما أصوب، فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه؛ فإن أكثر الصواب في مخالفة الهوى. لا تجالس أحدا بغير طريقته.

إياك أن تلقى الجاهل بالعلم والحليم بالسفه، والعيي بالبلاغة، فإن فعلت أضعت علمك وآذيت جليسك. وإذا عاشرت أحدا فاحذر أن يرى منك العيب لأحد من إخوانه وأخدانه؛ فإن ذلك يأخذ من القلب مأخذا. وإن لطفك بصاحب صاحبك أحسن عنده موقعا من لطفك به نفسه. اعلم أنك ستسمع الحديث من جلسائك تمكره وتستخفه من المحدث عن نفسه أو عن غيره فلا يكن منك التسخيف ولا التكذيب في شيء مما يأتي به جليسك. اتق المزاح عند المحزون؛ فإنه يحقره، وتشكي للمكتئب؛ فإنه يألفه. اعلم أن اليقضة خوف والمودة أمن فاستكثر من المودة صامتا فإن الصمت يبيدعوها إليك، وناطق بالحسن فإن النطق بالحسن فإن النطق الحسن يزيد في ود الصديق ويسأل سخية الوعد.

اعلم أن خفض الصوت وسكون الريح ومشي القصد من دواعي المودة إذا لم يخالط ذلك زهو ولا عجب، فإن آثرت أن يخالط ذلك شيء من الزهو والعجب كان ذلك من دواعي المقت والمشنآن. وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام؛ فإن حسن الاستماع إمهال المتكلم حتى ينقضي حديثه، وقلة التفلت إلى الجواب، والإقبال بالوجه والنظر إلى المتكلم والوعي لما يقول. اعلم أن المستشار ليس بكفيل؛ فإن الرأي ليس بمضمون لي هو كله عذر؛ لأن أمور الدنيا ليس شيء منها يدركه الحازم إلا وقد يدركه العاجز، فإذا أشار عليك صاحبك برأي فلم تجد عاقبته على ما كنت تأمل فلا تجعل ذلك عليه لوما وعذابا، فتقول: أنت فعلت هذا، أو أنت أمرتني ولولاك، فإنه كله عجز ولوم، وإن كنت أنت المشير برأيك فوافق صوابا أو خطأ فلا تمنن له ولا تكثرن ذكره إن كان فيه نجاح، ولا تلمه عليه إن كان استبان في تركه ضرر،

ذكره إن كان فيه نجاح، ولا تلمه عليه إن كان استبان في تركه ضرر، تقول: ألم أقل لك، ألم أفعل؛ فإن هذا مجانب لأدب الحلماء. واعلم أن من الأخلاق السيئة مغالبة الرجل على كلامه والاعتراض فيه والقطع للحديث، فإذا أخذ في حديث تعرفه فلا تسابقه إليه وتفتحه عليه وتشاركه فيه حتى كأنك تريد أن تفصح للناس أن يعلموا أنك تعلم من ذلك مثل الذي يعلم، وما عليك أن تعنيه وتفرده به. وهذا الباب من أبواب البخل، وأبوابه كثيرة غامضة. وإن كنت في قوم ليسوا ببلغاء ولا فصحاء فدع التطاول بالبلاغة والفصاحة. وإذا تغير عليك شيء من دنياك ودعتك نفسك إلى الزهادة فيها على ما تغير عليك منها فلا يغرنك ذلك من نفسك على تلك الحال؛ فإنها ليست بزهادة

ولكنه ضجر عندما أعجزك منها وغضب منك عليه، فلو مضيت على رفضها أو أمسكت عن طلبها أوشكت أن ترى من نفسك الضجر والجزع أشد مما رأيت من الضجر الأول، ولكن إذا دعتك نفسك إلى رفض الدنيا وهي مقبلة عليك فأسرع إلى إجابتها. وإني أخبرك عن صاحب لي كان من أعظم الناس في عيني وكان من عظمته في عيني صغر الدنيا في عينه، وكان خارجا من سلطان بطنه لا يشتهي ما لا يجد ولا يكثر ما يجد، وكان خارجا من سلطان فرجه فلا يدعوه إلى موته ولا يسخف له رأيا، وكان خارجا من سلطان الجهالة فلا يقدم أبدا إلا على ثقة بمنفعة، وكان أكثر دهره صامتا، فإذا قال عند القائلين كان متضاعفا مستضعفا، وإذا جد الجد فالليث عاديا، وكان لا يدخل في دعوى ولا يشارك في مراء ولا يدلي بحجة حتى يرى قاضيا منصفا وشهودا عدولا، وكان لا يلوم أحدا على ما قد يكون العذر في مثله موجودا حتى يعلم ما اعتذاره، وكان لا يشكو وجعا إلا لمن يرجو عنده البرء، ولا يصاحب صاحبا إلا من يرجو عنده النصيحة لهما جميعا، وكان لا يتبرم

ولا يتسخط ولا يشتهي ولا يشتكي، ولا ينتقم من الولي، ولا يغفل عن العدو، ولا يخص نفسه دون إخوانه بشيء من اهتمامه وحيلته وقوته. فعليك بهذه الأخلاق إن استطعت وما أظنك تطيق ذلك، ولكن أخذ القليل من الكثير خير من ترك الجميع. وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. كمل كتاب الجامع وهو آخر الديوان بحمد الله وشكره وصلى الله على محمد رسوله وعبده وعلى آله وسلم تسليما وكان تمامه يوم السبت السابع عشر لشهر جمادى الآخرة من عام ثلاثة وأربعين وسبعمائة على يدي ناسخه لنفسه ثم لمن شاء الله من بعده العبد المعترف بذنبه الراجي عفو ربه (.......) وفقه الله والسلام

§1/1