الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ

ابن أبي زيد القيرواني

باب ذكر السنن التي خلافها البدع وذكر الاقتداء والإتباع وشيء من فضل الصحابة ومجانبة أهل البدع

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على محمد كتاب الجامع باب ذكر السنن التي خلافها البدع وذكر الاقتداء والإتباع وشيء من فضل الصحابة ومجانبة أهل البدع الحمد لله الذي شمل الخلق بنعمته، وبعث محمدًا في أعقاب المرسلين، برحمته بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فهدى الله (عز وجل) من أحب هداه، بعثه وكانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم به، فقام في العباد بحق الله عليه، حتى قبضه الله إليه حميدًا، صلوات الله عليه وبركاته بعد أن أكمل الله به دينه، وبلغ رسالة ربه، وأوضح كل مشكلة، وكشف كل معضلة، وأبقى كتاب الله (عز وجل) لأمته نورًا مبينًا، وسنته حصنًا حصينًا، وأصحابه حبلاً متينًا. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما،

كتاب الله وسنة نبيه. وقال عليه الصلاة والسلام: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة. وحذر عليه الصلاة والسلام من الفتن والأهواء والبدع ومن زلة العالم. وقال عليه الصلاة والسلام: لتركبن سنن من كان قبلكم ووصف عليه السلام الخوارج فجعلهم ببدعتهم مارقين من الدين، وتتابعت الآثار في الخوارج، وفي القدرية والمرجئة والرافضة.

فعن هؤلاء تفرقت الأصناف الإثنان وسبعون فرقة التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها، وذلك أن في أمته من تفرق عليها. فيما أجمعت عليه الأمة من أمور الديانة، ومن السنن التي خلافها بدعة وضلالة: أن الله تبارك اسمه له الأسماء الحسنى والصفات العلى، [لم يزل بجميع صفاته] وأسمائه له الأسماء الحسنى والصفات العلى، أحاط علمًا بجميع ما برأ قبل كونه وفطر الأشياء بإرادته. وقوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 72]، وأن كلامه صفة من صفاته ليس بمخلوق فيبيد، ولا صفة لمخلوق فتبيد، وأن الله عز وجل كلم موسى بذاته وأسمعه كلامه لا كلامًا قام في غيره، وأنه يسمع ويرى ويقبض ويبسط، وأن يديه مبسوطتان والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه، وأنه يجئ يوم القيامة (بعد أن لم

يكن جائيًا) والملك صفًا صفًا لعرض الأمم وحسابها وعقوبتها وثوابها، فيغفر لمن يشاء من المذنبين، ويعذب منهم من يشاء، وأنه يرضى عن الطائعين ويحب التوابين ويسخط على من كفر به ويغضب فلا يقوم شيء لغضبه، وأنه فوق سماواته على عرشه دون أرضه، وأنه في كل مكان بعلمه، وأن لله سبحانه وتعالى كرسيًا كما قال (عز وجل): {وَسِعَ كُرسِيُّهُ السَّمواتِ وَالأرْضِ} [البقرة: 255]. ومما جاءت به الأحاديث أن الله سبحانه يضع كرسيه يوم القيامة لفصل القضاء.

قال مجاهد: كانوا يقولون: ما السماوات والأرض في الكرسي لا كحلقة ملقاة في فلاة. وأن الله سبحانه يراه أولياؤه في المعاد بأبصار وجوههم لا يضامون في رؤيته، كما قال عز وجل في كتابه وعلى لسان نبيه. قال الرسول صلى الله عليه وسلم في قول الله سبحانه: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] قال: الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله تعالى. (والله يكلم العباد) يوم القيامة ليس بينهم وبينه ترجمان

وأن الجنة والنار، قد خُلقتا، أعدت الجنة للمتقين، والنار للكافرين لا تفنيان ولا تبيدان. والإيمان بالقدر خيره وشره، وكل ذلك قد قدره ربنا وأحصاه علمه، وأن مقادير الأمور بيده، ومصدرها عن قضائه تفضل على من أطاعه فوفقه وحبب الإيمان إليه فيسره له وشرح له صدره فهداه و {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي} [الإسراء: 97]، وخذل من عصاه وكفر به فأسلمه ويسره لذلك فحجبه وأضله، ومن يضلل الله فلن تجد له مرشدًا، وكل ينتهي إلى سابق علمه لا محيص لأحد عنه. وأن الإيمان [2 ب] قول باللسان، وإخلاص بالقلب، وعمل بالجوارح، ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية نقصًا عن حقائق الكمال لا مُحبطًا للإيمان () ولا قول إلا بعمل، ولا قول وعمل إلا بنية، ولا قول وعمل ونية إلا بموافقة

السنة. وأنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب، وإن كان كبيرًا ولا يُحبط الإيمان غيرُ الشرك بالله كما قال سبحانه: {لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلك} [الزمر: 65]، وأن الله تبارك وتعالى لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وأن على العباد حفظة يكتبون أعمالهم، كما قال ربنا تبارك وتعالى في كتابه [العزيز] ولا يسقط شيء من ذلك عن علمه. وأن ملك الموت يقبض الأرواح كلها بإذن الله كما قال سبحانه: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11]. وأن الخلق ميتون بآجالهم: (فأراوح السعادة) باقية ناعمة إلى يوم يبعثون، وأرواح أهل الشقاء باقية في سجين معذبة إلى يوم الدين، وأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون. وأن عذاب القبر حق.

وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويضغطون ويبلون، ويُثبت الله منطق من أحب تثبيته. وأنه يُنفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون كما بدأهم يعودون عراة حفاة غرلاً. وأن التي أطاعت وعصت هي التي تبعث يوم القيامة لتُجازى، والجلود التي كانت في الدنيا (هي التي تشهد) والألسنة والأيدي والأرجل هي التي تشهد عليهم يوم القيامة على من تشهد عليه منهم. وتنصب الموازين لوزن أعمال العباد فأفلح من ثقلت موازينه وخاب وخسر من خفت موازينه، ويُؤتون صحائفهم: فمن أوتي كتابه بيمينه حوسب حسابًا يسيرًا، ومن أوتي كتابه بشماله فأولئك يصلون سعيرًا. وأن الصراط جسر مورود يجوزُه العباد بقدر أعمالهم، فناجون

متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم، وقوم أوثقتهم فيها أعمالهم. وأنه يخرج من النار من في قلبه شيء من الإيمان. وأن الشفاعة لأهل الكبائر من المؤمنين ويخرج من النار بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من أمته بعد أن صاروا حممًا [3 أ] [فيطرحون] في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة. [والإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم برده أمته] لا يظمأ من شرب منه، ويُذاد عنه من غير وبدل.

والإيمان بما جاء من [خبر الإسراء] بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات على ما صححته الروايات، وأنه رأى من آيات ربه الكبرى، وبما ثبت من خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام وقتله إياه، وبالآيات التي تكون بين يدي الساعة من طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة وغير ذلك مما صححت الروايات. ونُصدق بما جاءنا عن الله عز وجل في كتابه، وما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخباره يُوجب العمل بمحكمه ونقر بنص مشكلِه ومتشابهه، وبكل ما غاب عنا من حقيقة تفسيره إلى الله سبحانه، والله يعلم تأويل المتشابه من كتابه والراسخون في العلم يقولون: آمنا به كل من عند ربنا. وقال بعض الناس: (إن الراسخين يعلمون) مشكله ولكن الأول

قول أهل المدينة، وعليه يدل الكتاب. وأن خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، كما قال النبي عليه السلام. وأن أفضل الأيمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وقيل: ثم عثمان وعلي رضي الله عنهم، ويكف عن التفضيل بينهما، وروي ذلك عن مالك، وقال: ما أدركت أحدًا أقتدي به يفضل أحدهما على صاحبه ويرى الكف عنهما. وروي عنه القول الأول وعن سفيان وغيره، وهو قول أهل الحديث، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر من المهاجرين ثم من الأنصار ومن جميع أصحابه على قدر الهجرة والسابقة والفضيلة. وكل من صحبه ولو ساعة، أو رآه ولو مرة فهو بذلك أفضل من أفضل التابعين. والكف عن ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بخير ما يذكرون به.

وأنهم أحق الناس أن تنشر محاسنهم، ويلتمس لهم أحسن المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تُؤذني في أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه، وقال عليه السلام: [3 ب] إذا ذكر أصحابي فأمسكوا. قال أهل العلم: لا يُذكرون إلا بأحسن ذكر. [والسمع] والطاعة لأيمة [المسلمين]. وكل من ولي أمر المسلمين عن رضا أو عن غلبة فاشتدت وطأته من بر أو فاجر فلا يخرج عليه جار أو عدل، ويُغزى معه العدو ويحج البيت، ودفع الصدقات إليهم مجزية إذا طلبوها، وتُصلى خلفهم الجمعة والعيدان.

قال غير واحد من العلماء وقاله مالك: لا يصلى خلف المبتدع منهم إلا أن تخافه (على نفسك) فتصلي، واختلف في الإعادة. ولا بأس بقتال من دافعك من الخوارج واللصوص من المسلمين وأهل الذمة عن نفسك ومالك. والتسليم للسنن لا تعارض برأي ولا تدافع بقياس، وما تأوله منها السلف الصالح تأولناه، وما عملوا به عملناه، وما تركوه تركناه ويسعنا أن نمسك عما أمسكوا ونتبعهم فيما بينوا، ونقتدي بهم فيما استنبطوه ورأوه في الحوادث ولا نخرج عن جماعتهم فيما اختلفوا فيه أو في تأويله. وكل ما قدمنا ذكره فهو قول أهل السنة وأيمة الناس في الفقه والحديث على ما بيناه، وكله قول مالك، فمنه منصوص من قوله، ومنه معلوم من مذهبه. قال مالك: قال عمر بن عبد العزيز: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سننا الآخذ بها تصديقًا بكتاب الله واستكمالاً لطاعة الله وقوة على دين الله، ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها، ولا النظر فيما خالفها من اقتدى بها مهتد ومن استنصر بها منصور، ومن تركها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا. قال مالك: أعجبني عزم عمر في ذلك. قال مالك: والعمل أثبت من الأحاديث، قال من اقتدى به: إنه يصعب

أن يقال في مثل ذلك: حدثني فلان عن فلان، وكان رجال من التابعين تبلغهم عن غيرهم الأحاديث فيقولون ما نجهل هذا ولكن مضى العمل على خلافه. وكان محمد بن أبي بكر بن حزم ربما قال له أخوه: لِمَ لَمْ تقضِ بحديث كذا؟ فيقول: لم أجدِ الناس عليه. قال النخعي: لو رأيت الصحابة يتوضأون [4 أ] إلى الكوعين لتوضأت كذلك، وأنا أقرأها إلى المرافق، وذلك لأنهم لا يُتهمون في ترك السنن وهم أرباب العلم وأحرصُ خلق الله على إتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يظن ذلك بهم أحد إلا ذو ريبة في دينه. قال عبد الرحمن بن مهدي: السنة المتقدمة من سنة أهل المدينة خير من الحديث. قال ابن عيينة: الحديث مضلة إلا للفقهاء. يريد: أن غيرهم قد يحمل شيئًا على ظاهره، وله تأويل من حديث غيره،

أو دليل يخفي عليه، أو متروك أوجب تركه غير شيء مما لا يقوم به إلا من استبحر وتفقه. قال ابن وهب: كل صاحب حديث ليس له إمام في الفقه فهو ضال ولولا أن الله أنقذنا بمالك والليث لضللنا., وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين". وقال ابن مسعود: من كان مستنًا فليستن بمن قد مات أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبًا وأعمقها علمًا وأقلها تكلمًا. قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في أقوالهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الصراط المستقيم. قال مالك: قال عمر: قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض

وتركتم على الواضحة إلا أن تميلوا بالناس يمينًا وشمالاً. قال مالك: قد نهجت السبل (واستبان الأمر). قال ذلك الرجل: لأنا عليكم من العمد أخوف مني عليكم من الخطأ. قال مالك: وإنما فسدت الأشياء حين تُعدِي بها منازلها. قال مالك: وليس هذا الجدل من الدين بشيء. (قال عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه عرضًا للخصومات أكثر التنقل والدين حدوده بينة ليس بأمر توقف فيه النظر). قال عمر بن عبد العزيز: لست بمبتدع ولكني متبع. قال مالك: وكان يقال لا تُمكن زائغ القلب من أذنيك فإنك ما تدري ما يعلمك من ذلك، ولقد سمع رجل من الأنصار من [4 ب] أهل المدينة شيئًا من بعض أهل القدر، فعلق قلبه، فكان يأتي إخوانه الذين يستنصحهم، فإذا نهوه قال: فكيف بما علق قلبي ولو علمت أن الله رضي أن ألقي بنفسي من فوق هذه المنارة فعلت. قال مالك: ولقد قال رجل: لقد دخلت هذه الأديان كلها فلم أر شيئًا مستقيمًا، فقال له رجل من أهل المدينة من المتكلمين: أنا أخبركم لِمَ ذلك، لأنك لا تتقي الله [تعالى]، ولو اتقيته لجعل لك مخرجًا.

ومن قول أهل السنة: إنه لا يعذر من وداه اجتهاده إلى بدعة؛ لأن الخوارج اجتهدوا في التأويل فلم [يُعذروا] إذ خرجوا بتأويلهم عن الصحابة، فسماهم عليه السلام مارقين من الدين، وجعل المجتهد في الأحكام مأجورًا وإن أخطأ. قال مالك: والقدرية أشر الناس ورأيتهم أهل طيش وسخافة عقول وبدع بآي كثيرة عليهم، منها قول الله عز وجل: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ} [التوبة: 110]، ومنها: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ} [هود: 36]، وقال: {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} [نوح: 27]، وقال: {ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (162) إِلاَّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 163]، وقال: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة: 46]، في آي كثيرة. قال مالك: والإيمان قول وعمل يزيد وينقص. وفي بعض الروايات عنه: دع الكلام في نقصانه، وقد ذكر الله زيادته في القرآن.

قيل: فبعضه أفضل من بعض؟ قال: نعم. قال بعض أهل العلم: إنما توقف مالك عن نقصانه في هذه الرواية خوفًا من الذريعة أن نتأول أنه ينقص حتى يذهب كله فيؤول ذلك إلى قول الخوارج الذين يحبطون الإيمان بالذنوب، ولكن إنما نقصه عنده فيما وقعت فيه زيادة وهو العمل، قيل لمالك: أقول: مؤمن والله محمود، أو إن شاء الله؟ فقال: قل: مؤمن ولا تخلط معها غيرها. وقاله الأوزاعي. قال سحنون: لا تخلط معها غيرها، لا تقل: إن شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا والله محمود. قال محمد بن سحنون: فمن قطع الاستثناء وأوجب أنه مؤمن (عند الله) فقد أجابكم إلى القول بأنه مؤمن عند الله، ومن استثنى ولم يقطع لنفسه، قلنا له: أنت أعلم منا بضميرك، وما غاب عنا من عقدك [5 أ]

فأخبرنا عن غيبك فإن كنت كذا، فذكر شرايط الإيمان، وإن كنت كذا فأنت منافق ونحو هذا، ومن قطع لنفسه من أيمتنا فليس يعني مستكمل الإيمان، ولكن مؤمن مذنب يقول: آمنت بالله ورسله وما جاءت به رسله، فأنا مؤمن بذلك عند الله في وقتي هذا والله أعلم بخاتمتي. قال مالك: أهل الذنوب مؤمنون مذنبون. وقد سمى الله عز وجل العمل إيمانًا، وقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]، يريد: صلاتكم إلى بيت المقدس. قال مالك: القرآن كلام الله وكلامه لا يبيد ولا ينفد وليس بمخلوق. وقال رجل لمالك: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كيف استوى؟ قال: الاستواء غير مجهول، والكيف منه غير معقول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب، وأراك صاحب بدعة أخرجوه. قيل لمالك: أيُرى الله عز وجل يوم القيامة؟ قال: نعم، يقول الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة 22: 23].

وقال عز وجل في أخرى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]. قال مالك: قال عبد الله بن عمر: وإن دون الله سبحانه يوم القيامة سبعون ألف حجاب. قيل: فمن تحدث بالحديث: إن الله خلق آدم على صورته، وأن الله يكشف عن ساقه يوم القيامة، وأنه يُدخِلَ يده في جهنم فيُخرج منها من أراد فأنكر ذلك إنكارًا شديدًا، ونهى أن يحدّث به. قيل: قد تحدث به ابن عجلان؟ قال: لم يكن من الفقهاء. ولم ينكر مالك حديث التنزل، ولا حديث الضحك. قيل: فحديث إن العرش اهتز لموت سعد؟ قال: لا يتحدث به، وما يدعو الإنسان إلى الحديث بذلك وهو يرى ما فيه من التغرير؟ قيل: فالحديث: من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها.

أحدهما. قال: أراه في الحرورية. قيل: فتراهم بذلك كفارًا؟ قال: ما أدري يا هذا. قيل: فمن قوي على كلام الزنادقة والإباضية والقدرية وأهل الأهواء أيكلمهم؟ قال: لا، وإن الذين خرجوا إنما عابوا المعاصي، وهؤلاء تكلموا في أمر الله. وقال ذلك الرجل (يعني ابن عمر): أما أنا فعلى بينة من ربي، وأما أنت فاذهب إلى شاك مثلك خاصمه [5 ب]. قال مالك: لا تسلم على أهل الأهواء ولا تجالسهم إلا أن تغلظ عليهم، ولا يعاد مريضهم، وتحدث عنهم الأحاديث. قال مالك: قال لقمان لابنه: يا بني لا تجالس الفجار ولا تماشهم، وقال: جالس الفقهاء وماشهم، لعل الله أن ينزل عليهم رحمة فتصيبك معهم. قال مالك: وأرى أن يستتاب أهل الأهواء والقدرية فإن تابوا إلا قوتلوا.

باب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وأيامه وعمره ونسبه

وقال سحنون: الذي أقول: إنهم إن بانوا بدارهم ودعوا إلى بدعتهم قوتلوا وإن لم يبينوا بدارهم ويدعوا إلى بدعتهم فإنهم لا يُسلم عليهم، ولا يناكحوا ولا يُعاد مريضهم، ولا تُشهد جنائزهم أدبًا لهم، ويُؤدبون ويُسجنون حتى يرجعوا عن بدعتهم يريد: كما فعل عمر بصبيغ، ويرثهم ورثتهم إن ماتوا وإن صاعوا فلا بأس أن يصلى عليهم. باب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وأيامه وعمره ونسبه. وصفته وذكر بنيه وبناته وزوجاته، وذكر العشرة من أصحابه وأنسابه وأعمارهم وشيء من التاريخ، ومتى فرضت [الشرائع]. قال أبو محمد: قال غير واحد من أهل العلم، ومنه كثير مما حفظ عن مالك في هذا المعنى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول عام الفيل ونبيء يوم الاثنين. قال مالك وغيره: وهو ابن أربعين سنة. قال محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي: ويقال: أنزل عليه

القرآن وهو ابن ثلاث وأربعين سنة. قال مالك: وأقام بمكة عشرًا وبالمدينة عشرًا: قالوا: وفرضت الصلوات، خمس صلوات بمكة ليلة الإسراء، والإسراء بمكة، وأتمت الصلاة بالمدينة، وفرضت الزكاة والصوم بالمدينة. قال مالك: وأقام أبو بكر للناس الحج سنة تسع، وحج النبي عليه الصلاة والسلام سنة عشرة. ويقال: فرض الحج سنة تسع بعد خروج أبي بكر لإقامة الحج عن غير فرض افترض ولكن [6 أ] لإقامة الحج على ما تقدم، ولو كان مفروضًا ما أخره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ستة عشر. ورد بذلك قول من قال: إنه فُرِض سنة ثمان. قال مالك: وصرفت القبلة قبل بدر بشهرين. قالوا: وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين اشتد الضحى لإحدى عشرة سنة خلت من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة فيما قالت عائشة وابن عباس، وفيما روى مالك

عن أنس بن مالك أنه ابن ستين سنة. قال مالك: توفي النبي عليه السلام وأبو بكر وعمر أبناء ستين سنة. قال مالك: قال أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير وليس بالأبيض الأمهق وليس بالآدم وليس بالجعد القطط، ولا بالسبط. بعثه الله على رأس أربعين سنة وتوفاه على رأس ستين سنة وليس في رأسه عشرون شعرة بيضاء. وقالوا: مات عليه السلام ولم يخلف من ولده غير فاطمة [رضي الله عنها]. وكان جميع ولده ثمانية، ويقال سبعة. فالذكور منهم: القاسم وبه كان عليه السلام يكنى، والطاهر، والطيب،

وإبراهيم ويقال: إن الطاهر هو الطيب، ويقال: هو عبد الله. وبناته: زينب ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. وولده كلهم من خديجة بنت خويلد إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية، مات وهو ابن ثمانية عشر شهرًا، ويقال: ستة عشر شهرًا. وبناته كلهن أدركن الإسلام وأسلمن وهاجرن. فكانت زينب تحت أبي العاص بن الربيع زوَّجها إياه النبي عليه الصلاة والسلام قبل أن ينزل عليه الوحي، وأسلم أبو العاص زوجها [بعدها، وتوفيت سنة ثمان وتوفي أبي العاص] في ذي الحجة بمكة سنة ثنتي عشرة. وأما رقية وأم كلثوم فتزوجهما عثمان بن عفان، فتوفيت رقية في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر. قال أسامة بن زيد: خلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عثمان عليها، ثم

تزوج بعدها أم كلثوم. ويقال: توفيت أم كلثوم سنة تسع. وتزوج علي فاطمة [8 ب] سنة اثنتين من الهجرة، فولدت له الحسن والحسين، وتوفيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر]. وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة امرأة كلهن من العرب إلا صفية، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده من زوجاته تسع: عائشة بنت أبي بكر الصديق، [وحفصة بنت عمر بن] الخطاب، وسودة بنت زمعة العامرية، وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، وجُويرية، ويقال: برة وهو أثبت، وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب الأموية، هؤلاء قرشيات.

ومن قيس: ميمونة بن الحارث الهلالية أخت أم الفضل امرأة العباس بن عبد المطلب، وزينب بنت جحش الأسدية، أسد خُزيمة، وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعي وصفية بنت حُيي بن أخطب الإسرائيلية. وأول زوجاته خديجة بنت خويلد بن أسد الأسدية، أسد قريش تزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، وتوفيت بمكة قبل مخرجه إلى المدينة بثلاث سنين. وتزوج عائشة بمكة وهي بنت ست سنين، وقيل: سبع سنين، وأدخلت عليه بنت تسع بعد مقدمه المدينة بثمانية أشهر، فمكثت معه تسع سنين ثم مات عليه الصلاة والسلام وعاشت بعده ثمانية وأربعين سنة، وتوفيت في

شهر رمضان سنة ثمان وخمسين. ومات من أزواجه عليه الصلاة والسلام قبله: خديجة وزينب بنت خزيمة الهلالية، ولم يدخل بالعامرية ولا بالتي تزوج من كندة حتى فارقهما، وفارق العالية بنت ظبيان، بعد أن جمعهما إليه، وتسور مارية القبطية وريحانة بنت زيد وهي من بني قريظة، ثم أعتقها فالتحقت بأهلها، وقيل: إنه تزوجها ثم فارقها، وقيل مات عنها وهي زوجه. قال ابن حبيب: ومن أزواجه عليه السلام: فاطمة بنت الضحاك ابن سفيان الكلابية من قيس، وقد بنى بها. واللائي لم يبن بهن: مليكة بنت داود الليثية [وأسماء بنت

الحارث] وقيل ... الكندرية عاذتا بالله منه حين دخلتا عليه ففارقهما، وامرأة من بني كلاب، وليلى بنت الخطيم الأنصارية. ونسب النبي صلى الله عليه وسلم [7 أ] محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مُرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان. وأمه صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، واسم أبي بكر الصديق رضي الله عنه: عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، ويقال: عتيق بن عثمان، وتوفي أبو بكر [رحمه الله] لثمان ليال بقين من جمادي الآخرة يوم الاثنين سنة ثلاث عشرة، فكانت خلافته سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليال.

واستخلف أبو بكر عمر [رضي الله عنه] وهو عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط [بن رباح] بن رزاح، وقتل رضي الله عنه في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين. قال مالك: طعنه أبو لؤلؤة غلام نصراني للمغيرة عند صلاة الصبح قبل أن يدخل في الصلاة، فصلى بهم عبد الرحمن بن عوف بأمره. ويقال: كانت خلافته عشر سنين وخمسة أشهر وتسعة وعشرين يومًا. ويقال: مات أبو بكر وعمر وهما ابنا ثلاث وستين سنة. ويقال: مات عمر ابن خمس وخمسين، ومات عمر وقد جعلها شورى إلى ستة نفر، وهم: عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن ابن عوف، وسعد بن أبي وقاص، فأجمعوا على ولاية عثمان. وهو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، يكنى أبا عمرو، ويقال: أبا عبد الله. وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة، ويقال: إلا اثتنا عشرة ليلة. وقتل (رحمه الله) سنة خمس وثلاثين، وهو ابن تسعين سنة ويقال:

ثمان وثمانين، ويقال: ست وثمانين، ودفن ليلاً وصلى عليه جبير بن مطعم. ثم بويع علي (رضي الله عنه) بالخلافة. وهو علي [بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف] وملك علي رضي الله عنه العراق على رأس ستة أشهر من مقتل عثمان. ويقال كانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر وأصيب غداة الجمعة لتسع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، ومات علي رضي الله عنه ليلة الأحد لتسع بقين من شهر رمضان سنة أربعين، وهو ابن خمس وخمسين، ويقال: ابن ثمان وخمسين. وروى (سفينة) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [الخلافة ثلاثون سنة ثم تكون ملكًا].

وكانت الجماعة على معاوية سنة أربعين. وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو (بن عامر) بن كعب بن سعد ابن تميم بن مرة، قتل يوم الجمل سنة ست وثلاثين أصابه سهم غَرْب فقطع من رجله عرق النسا فنشح حتى نزف فمات يقال: ابن خمس وسبعين سنة. وعبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب يكنى أبا محمد وتوفي بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين. والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي بن كلاب يكنى أبا عبد الله، قتل يوم الجمل وهو منصرف، في جمادى الأولى ويقال في رجب سنة ست وثلاثين، قتله ابن جرموز من بني تميم وهو ابن أربع وستين سنة.

وقال له علي (بن أبي طالب) [رضي الله عنه]: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بشر قاتل ابن صفية بالنار". وسعد بن أبي وقاص، واسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب، يكنى أبا إسحاق توفي سنة خمس وخمسين، ويقال: سنة ست وخمسين، وهو ابن ثلاث وثمانين سنة، قال مالك: توفي بالعقيق فحمل إلى المدينة، ويقال: إن ابن عمر خرج إليه إلى العقيق أول النهار يوم الجمعة على أربعة أميال وترك الجمعة. وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن قرط بن رياح بن رزاح بن عَدي يكنى أبا الأعور، توفي سنة إحدى وخمسين وكان قدم من الشام منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من بدر، فضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره. وأبو عبيدة بن الجراح اسمه عامر بن عبد الله بن الجراح [8 أ] بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر، توفي بالشام بالأردن سنة ثمان عشرة من

باب في فضل المدينة وذكر القبر والمنبر والمسجد والكعبة، وذكر صدقات النبي صلى الله عليه وسلم وذكر إجلاء اليهود

التاريخ، وبعد هذا باب في التاريخ والهجرة والمغازي في آخر الكتاب. باب في فضل المدينة وذكر القبر والمنبر والمسجد والكعبة، وذكر صدقات النبي صلى الله عليه وسلم وذكر إجلاء اليهود قال أبو محمد: قال مالك: اختار الله سبحانه المدينة لرسوله صلى الله عليه وسلمك لمحياه ومماته: وتبوئت بالإيمان والهجرة وافتتحت القرى بالسيف حتى مكة، وافتتحت المدينة بالقرآن. قال مالك: ولما انصرف عمر من سرع، فلما نظر إلى المدينة قال: هذه المتبوأ. قال مالك: ولو علم عمر موضعًا أفضل منها لم يدع الله أن يدفن فيها. قال مالك: وبها جدث رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثاره ومنبره، ومنها يحشر خيار الناس، وقد بارك فيها النبي صلى الله عليه وسلم وفي مدهم وصاعهم، رغب في سكناها والصبر على لأوائها.

وروي أنه عليه السلام قال: اللهم إنك أخرجتني من أحب البقاع إليّ فأسكني أحب البقاع إليك، فأسكنه المدينة. وقد أنكر عمر بن الخطاب على عبد الله بن عباس قوله: إن مكة خير من المدينة. قال مالك: قال عمر بن الخطاب: إن المسجد الذي أسس على التقوى مسجد رسول الله. قال مالك: وسمعت أن جبريل هو الذي أقام قبلته للنبي صلى الله عليه وسلم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام"، قيل: إن تفسيره بأنه مفضول بدون الألف. وقال: "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على

حوضي، وفي حديث آخر: "على ترعة من ترعة الجنة". قال مالك: نهيت بعض الولاة أن يرقى منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخفين أو نعلين، ولم أر ذلك، وكذلك القبلة ولا بأس أن يجعل نعليه في حجرته إذا دخل الكعبة. [قال]: وكان: [بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم [8 ب] وجدار القبلة قدر ممر المشاة]، ثم قدم عمرُ القبلة إلى الحد المقصورة، ثم قدْمها عثمان إلى حيث هي اليوم، وبقي المنبر في موضعه. قال مالك: من طرف الغابة نحته النبي صلى الله عليه وسلم غلام نجار لسعد بن عبادة، وقال غيره: غلام لامرأة من الأنصار، وقيل: للعباس، فعمله من ثلاث درجات. وقيل لمالك: كيف كان أبو بكر وعمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته؟ قال:

منزلتهما بعد مماته، يريد في القرب إذ دفنا معه في البيت، وهو كان بيت عائشة. وروى ابن وهب عن مالك: أن موضع قبر النبي صلى الله عليه وسلم في الجدار الذي يلي القبلة، وأن أبا بكر رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم، وأن عمر بن الخطاب خلف ظهر النبي عليه الصلاة والسلام وبقي موضع قبر آخر. ويقال: إن قبر النبي صلى الله عليه وسلم [في البيت] مما يلي القبلة وأبو بكر من خلفه، رأسه حذاء كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر من خلفه رأسه حذاء كتفي أبي بكر. ويقال: إن أبا بكر خلف النبي صلى الله عليه وسلم قد جاز ملحده ملحد النبي صلى الله عليه وسلم، ورأس عمر عند رجلي أبي بكر قد جازتا رجلاه رجلي النبي صلى الله عليه وسلم والأول أثبت عند أهل العلم. ويقال: إنه بقي في البيت موضع قبر يدفن فيه عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم [وعلى نبينا] والله أعلم. وعمر بن عبد العزيز هو الذي جعل مؤخر القبر محددًا بركن، لئلا يستقبل قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلى إليه، جعل ذلك حين انهدم جدار البيت فبناه على هذا فصار للبيت خمسة أركان.

قال مالك: ويسلم الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم حين يقدم وحين يريد أن يخرج. قيل: فالرجل يمر بالقبر هل يسلم؟ قال: ماشيًا، وفي رواية ابن نافع يسلم كلما مر، وقد أكثر الناس من هذا. قيل: فهل من هذه المساجد شيء يأتيه؟ قال: مسجد قُبَا. قيل: فغيره؟ قال: لا أعلمه. وسئل مالك عن تفسير الصف الأول: هل هو دون المقصورة؟ قال: إن كانت المقصورة لا تدخل إلا بإذن فهو دونها، وإن كانت تدخل بغير إذن فهو الذي يلي الإمام. وحرم النبي [9 أ] صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة وهما حرمان. قال [مالك: لا يُصاد الجراد بالمدينة، ولا بأس] أن يطرد عن النخل.

وقيل: إن حرم المدينة يريد في بريد من جوانبها [كلها]. قال مالك: وكان ابن الزبير إذ بنى الكعبة يصب الطيب بين أضعاف البناء. قال مالك: سألت الحجبة: هل كانوا يُرزقون على الحجابة؟ قالوا: لا، وقد حرص على ذلك عمر بن عبد العزيز فأبينا ذلك. قال مالك: وذلك أجود للحجبة. قال مالك: ولا يُشرك معهم في الحجابة غيرهم؛ لأنها ولاية من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أعطى المفاتيح عثمان بن طلحة. قال مالك: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يُنفَيَن [إنسان] في جزيرة العرب". قال مالك: وهي مكة والمدينة واليمن وأرض العرب، فأجلى عمر أهل نجران (وأما أهل فدك فصولحوا) على النصف، فقوم النصف الذي لهم فأعطاهم به جمالاً وأقتابًا، وذهبا فابتاعه للمسلمين، وأجلى يهود خيبر ولم

يأخذوا شيئًا لأنه لم يكن لهم شيء. قال مالك: فأما تيماء فأمرها بين، بيننا وبينهم أحد عشر ليلة. ليست من بلاد العرب، وهي من ناحية الشام، وأرى الوادي- يعني وادي القرى- ترك من فيها من اليهود لأنهم لم يروها من أرض العرب. فأما مصر وخراسان والشام فلم يُجلوا منها لأنها من أرض العجم، ومن أُجلي من غير المدينة (الذين هم سكانها، فليؤخروا أكثر من ثلاثة أيام حتى يتحملوا، وإنما ضرب لهم عمر ثلاثة أيام بالمدينة لأنهم بها مارة مجتازون. قال ابن شهاب: خيبر عنوة، وبعضها صلح، وأكثر الكتيبة عنوة. قيل لمالك: ما الكتيبة؟ قال: أرض خيبر، وهي أربعون ألف عذق. وكتب أمير المؤمنين أن تقسم الكتيبة مع صدقات النبي صلى الله عليه وسلم وهم

باب في العلم وهدي العلماء وآدابهم [وذكر الفتيا]

يقسمونها على الأغنياء والفقراء. قيل لمالك: أترى ذلك للأغنياء؟ قال: لا، وأرى أن يفرق على الفقراء. قال: كانت صدقات النبي صلى الله عليه وسلم يقسمها الذين يلونها على من جاءهم ويؤثرون بها الأحوج، ولم يكونوا يعمون بها القبائل وكانت نفقتها من غلتها حتى أن أمير المؤمنين [9 ب] [صار ينفق عليهم من بيت المال ثم يجمع تمرها فيعطيها القبائل يعمهم بها كلهم على قدر حاجتهم ولم يكن قبل ذلك يعم بها] الناس هكذا. وأوقاف النبي صلى الله عليه وسلم سبعة حوائط [بالمدينة]. باب في العلم وهدي العلماء وآدابهم [وذكر الفتيا]. قال أبو محمد: قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "لا ينزع الله العلم انتزاعًا من الناس ولكن يقبض الله العلم بقبض العلماء، فإذا ذهب العلماء اتخذ

الناس رؤوسًا جهالاً سُئِلُوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا". قال مالك: سأل عبد الله بن سلام كعب الأحبار: من أرباب العلم الذين هم أهله؟ قال: الذين يعملون بعلمهم. قال: صدقت. قال: (فما الذي نفاه عن صدورهم) بعد أن عِلموه؟ قال: الطمع. قال: صدقت. قال مالك: لم يكن بالمدينة قط إمام أخبر بحديثين مختلفين. قال أشهب: يعني لا يحدث بما ليس عليه العمل. قال ابن المسيب: إن كنت لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد. وسئل مالك: هل يقدم في الأحاديث ويؤخر والمعنى واحد؟

قال: أما ما كان من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أكره ذلك وأن يزاد فيها أو ينقص وما كان من غير قوله فلا أرى به بأسًا إذا اتفق المعنى. وقيل لمالك أيضًا: أرأيت حديث النبي صلى الله عليه وسلم يزاد فيه الواو والألف والمعنى واحد؟ قال: أرجو أن يكون خفيفًا. قيل لمالك: أيؤخذُ ممن لا يحفظ الأحاديث وهو ثقة؟ قال: لا. قيل: يأتي بكتبه قد سمعها؟ قال: لا تؤخذ منه، أخاف أن يزاد في كتبه بالليل. قال معن بن عيسى: سمعت مالكًا يقول: لا يؤخذ العلم عن أربعة، ويؤخذ عمن سواهم: لا يؤخذ من مبتدع يدعو إلى بدعته، ولا عن سفيه معلن بالسفه، ولا عن من يكذب في أحاديث الناس وإن كان يصدق في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن من لا يعرف هذا الشأن.

قال مالك: أهل المدينة ليست لهم كتب، مات ابن المسيب والقاسم ولم يتركا كتابًا، وبلغني أن أبا فلانة ترك حمل [10 أ] بغل من كتب، ولم يكن عند ابن شهاب إلا كتاب فيه نسب قومه. قيل لمالك: أرأيت من أخذ بحديث حدثه به ثقة عن أحد من الصحابة أتراه في سعة؟ قال: لا والله حتى يصيب الحق، وما الحق إلا واحد، قولان مختلفان لا يكونان جميعًا صوابًا. وذكر عن الليث مثله. قال مالك: لم يكن من فتيا الناس أن يقال: هذا حلال وهذا حرام، ولكن يقول: أكره هذا ولم أكن لأصنعه، فكان الناس يكتفون بذلك. وفي موضع آخر كانوا لا يقولون حلال ولا حرام إلا لما في كتاب الله [تعالى].

قال مالك: إنما أفسد على الناس تأول ما لا يعلمون. قال مالك: ليس يسلم رجل حدث بكل ما يسمع ولا يكون إمامًا أبدًا. قال مالك: يلبسون الحق بالباطل. قال مالك: الذي غلب عليه أمر الناس هو المنهج، وقد يكون الشيء [حسنًا] وغيره أقوى منه. قال مالك: إذا أصبت الجواب قل الكلام، وإذا كثر الكلام كان من صاحبه فيه الخطأ. قال: ونهي عن الصياح في العلم وكثرة اللغط. قال: وكان ابن هرمز قليل الكلام، قليل الفتيا، وكان ممن أحب أن أقتدي به، وكان بصيرًا بالكلام وكان يرد على أهل الأهواء، وكان أعلم الناس بما اختلف الناس فيه من ذلك. قال محمد بن عجلان: ما هبتُ أحدًا قط هيبتي زيد بن أسلم، وكان زيد يقول له: اذهب تعلم كيف تسأل ثم تعال. ويقال: إذا جلست إلى عالم فكن على أن تسمع أحرص منك أن تقول. قال مالك: ربما مر بي زياد مولى ابن عياش فيضع يده بين يدي،

ويقول: عليك بالجد، فإن كان ما يقول أصحابك من الرخص حق لم يضرك، وإن كان الأمر على غير ذلك كنت قد أخذت الجد، يريد: ما يقول ربيعة وزيد بن أسلم. قال مالك: إذا رأيت هذه الأمور التي فيها الشكوك، فخذ في ذلك بالذي هو أوثق. قال مالك: كان سليمان بن يسار أعلم هذه البلدة بعد سعيد بن المسيب، وكان إذا كثر الكلام واللغط في المسجد أخذ نعليه وقام. قال مالك: ولا أحب الإكثار من المسائل والأحاديث، وأدركت أهل هذا البلد يكرهون الذي في الناس اليوم [10 ب]، ولم يكن أول هذه الأمة بأكثر الناس مسائل، ولا هذا التعمق، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن كثرة المسائل، وفي الحديث الآخر نهى عن قيل وقال وكثرة السؤال. قال مالك: فلا أدري هو ما أنتم فيه من كثرة السؤال أم سؤال الاستسعا، وكان مالك يكره العجلة في الفتيا وربما ردد المسائل، [وكثير القول: لا أدري].

وقال: جنة العالم: لا أدري، فإذا أخطأها أصيبت مقاتله. قال مالك: من إدالة العالم أن يجيب كل من سأله. وقال ابن عباس: من أجاب الناس في كل ما يسألونه عنه فهو مجنون. وسئل مالك عن شيء، فقال: ما أحب أن أجيب في مثل هذا. وقد ابتلى عمر بن الخطاب بمثل هذه الأشياء، فتركها ولم يجب فيها. قال عبد الله بن يزيد بن هرمز: إذا جعل الرجل قاضيًا أو أميرًا أو مفتيًا فينبغي أن يسأل عن نفسه من يثق به، فإن رآه أهلاًَ لذلك دخل فيه، وإلا لم يدخل. قال مالك: ومن عيب القاضي أنه إذا عزل لم يرجع إلى مجلسه الذي كان يتعلم فيه. قال مالك: ولا بأس أن يقول الرجل فيما قرأه على العالم: حدثني كما يقول: أقرأني فلان، وإنما أنت تقرأ عليه القرآن. قيل: فالرجل يقرأ عليك وأنا حاضر أيجوز لي أن أحدث به؟ قال: نعم.

قيل له: فالرجل يقول له العالم: هذا كتابي، فاحمله عني وحدث بما فيه؟ قال: لا أراه يجوز، وما يعجبني، وإنما يريدون الحمل. قال أشهب: يريد الحمل الكثير في الإقامة اليسيرة. وروي عن مالك غير هذا. وروي أيضًا عنه أنه قال: كتبت ليحيى بن سعيد مئة حديث من حديث ابن شهاب فحملها عني ولم يقرأها علي. وحكاية أخرى: قيل: أقرأتها عليه أو قرأها عليك؟ قال: كان أفقه من ذلك. وقد أجاز الكتب ابن وهب وغيره من العلماء. والمناولة أقوى من الإجازة إذا صح الكتاب. قال مالك: ما كتبت في هذه الألواح قط. قال: وقلت لابن شهاب: أكنت تكتب العلم؟ فقال: لا. قلت: فيعاد عليك الحديث؟ قال: لا. وقد تقدم في أول المختصر كثير من معاني هذا الباب.

باب في الفتن وفساد الزمان وذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذكر بعض من امتحن في ذلك وتحليل الظالم، وفي الرجل يطلب العمالة

[11 أ] باب في الفتن وفساد الزمان وذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذكر بعض من امتحن في ذلك وتحليل الظالم، وفي الرجل يطلب العمالة. قال أبو محمد: قال مالك: قال النبي عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن عمر: "كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا وكانوا هكذا؟ - وشبك بين أصابعه- قال: كيف بي يا رسول الله؟ قال: عليك بما تعرف وإياك ما تنكر، وعليك بخاصة نفسك وإياك وعوامهم". قال مالك: لا أرى عمر دعا على نفسه بالشهادة إلا أنه خاف التحول من الفتن، وقد كان يحب البقاء في الدنيا. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يأتي على الناس زمان يُمسي المرء مؤمنًا ويُصيح كافرًا ويصبح مؤمنًا ويُمسي كافرًا، قيل: يا رسول الله فأين العقول ذلك الزمان؟

قال: تنتزع عقول أكثر أهل ذلك الزمان. وقرأ أبو هريرة: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2)} [النصر 1: 2]، فقال: والذي نفسي بيده لقد دخلوا فيه أفواجًا وليخرجن منه أفواجًا كثيرة. قال مالك: قال طلحة بن عبيد الله: قد خفت الأمر وغلب سفهاء الناس علماءهم. قال: واعتزل أبو الجهم وترك مجالسة الناس فقال: إني وجدت قرب الناس شرًا. قال يحيى بن سعيد: لما كانت الفتنة اعتزل محمد بن مسلمة وغيره. فنزل محمد الربذة فأتاه ناس من أهل العراق يحرضونه، فأراهم سيفه قد كسره. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن رأيت من الأمور (ما تنكر) فاكسر

سيفك على حجر من الحرة والزم بيتك، وعض على لسانك". قال يحيى بن سعيد: لم يترك الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم منذ كان الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة أيام يوم قتل عثمان، ويوم الحرة، قال مالك: [11 ب] ونسيت الثالث. قال محمد بن عبد الحكم: هو يوم خرج بها أبو حمزة الخارجي. قال مالك: قتل يوم الحرة سبعمائة ممن حمل القرآن. قال ابن القاسم: أشك أن فيهم أربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام. قال مالك: كان يقال: من لقي الله لم يشرك في دم مسلم لقي الله خفيف الظهر. قال مالك: لما حكم على الحكمين خرجت تلك الخارجة، فقالوا: لا حكم إلا الله، فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل. وهي أول خارجة خرجت، فتعدوا وكفروا الناس. قال مالك: ضرب محمد بن المنكدر وأصحاب له في أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وضرب ربيعة وحلق رأسه ولحيته في شيء غير

هذا، وضرب ابن المسيب، وأدخل في تبان من شعر. وقال عمر بن عبد العزيز: ما أغبط رجلاً لم يصبه في هذا الأمر أذى. قال مالك: دخل أبو بكر بن عبد الرحمن وعكرمة بن عبد الرحمن على ابن المسيب في السجن وقد ضُرب ضربًا شديدًا، فقالا له: اتقِ الله فإنا نخاف على دمك، قال: اخرجا عني أترياني ألعب بديني كما لعبتما بدينكما؟. قال مالك: لا ينبغي المقام بأرض يعمل فيها بغير الحق والسب للسلف الصالح، وأرض الله واسعة، ولقد أنعم الله على عبد أدرك حقًا فعمل به. وقال ابن مسعود: تكلموا بالحق تعرفوا به، واعلموا به تكونوا من أهله. قال مالك: وينبغي للناس أن يأمروا بطاعة الله فإن عصوا كانوا شهودًا على من عصاه. قيل له: الرجل يعمل أعمالاً سيئة، يأمره الرجل بالمعروف وهو يظن [أنه لا يطيقه] وهو ممن لا يخافه كالجار والأخ؟ قال: ما بذلك بأس ومن الناس من يرفق به فيطيع، قال الله عز وجل: {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} [طه: 44].

قيل له: أيأمر الرجل الوالي أو غيره [بالمعروف وينهاه] عن المنكر؟ قال: إن رجا أن يطيعه فليفعل. قيل له: فإن لم يرج هل هو من تركه في سعة. قال: لا أدري. قيل له: أيأمر والديه بالمعروف وينهاهما عن المنكر؟ قال: نعم، ويخفض لهما جناح الذل من الرحمة. قال مالك: كان عمر بن الخطاب يقول إذا [12 أ] أكربه أمر: والله لا يكون ذلك ما بقيت أنا وهشام بن حكم. قال مالك: مر على عمر حمار عليه لبن، فطرح عنه منه، استكثره ورآه يثقله. قيل لمالك: أمور تكون عندنا علانية من حمل المسلم الخمر، ومشيه مع المرأة الشابة يحادثها؟ قال: وددت أن بعض الناس يقومون في ذلك. قيل: فإن كان لا يقوى إلا بسلطان، فأتاه فأذن له أيأمر في ذلك وينهي الرجل فيه؟ قال: إن قوي على ذلك (وأصاب وجه العمل) مما أحسنه.

قال ابن وهب: سمعت مالك يقول فيمن يرى الشيء مما يؤمر فيه بمعروف أو ينهى عن منكر. قال: إن أهل الخير والفقه مختلفون في هذا. قال مالك: وكل من رأى منكرًا يقوم حتى يأمر به. قال مالك: وقد دخلت على عبد الله بن يزيد بن هرمز وهو على سرير وليس عنده أحد، فذكر شرائع الإسلام وما انتقض منه وما خاف من ضيعته وإن دموعه لتُسكب. قال مالك: كان عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري رجلاً صالحًا يدخل على الوالي في الأمر ينصحه فيه فلا يرفق به فيه، ولا يكف عن شيء من الحق بكلمة به. قال مالك: وغيره من الناس يفرق أن يضرب. قال مالك: قال سعيد بن جبير: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. قال مالك: ومن هذا الذي ليس فيه شيء؟ قال مالك: وكان القاسم بن محمد يحلل من ظلمه، يكره لنفسه

باب في الدعاء وذكر الله وقراءة القرآن والقراءة بالألحان والقصص والذكر في المساجد والمصاحف ورطانة العجم والسمر بعد العشاء

الخصوم، وكان ابن المسيب لا يحلل أحدًا. وسئل عن ذلك مالك فقيل له: أرأيت الرجل يموت ولك عليه دين لا وفاء له به؟ قال: أفضل عندي أن أحلله، وأما الرجل يظلم الرجل، وفي رواية أخرى يغتابه وينتقصه، فلا أرى ذلك، قال الله عز وجل: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} [الشورى: 42]. وفي رواية أخرى، قال: كان بعض الناس يحلل من ظلمه ويتأول الحسنة بعشر أمثالها، وما هذا بالبين عندي، ولا (أدري ما) هذا فإن الذي لم يعف لمستوف حقه. قيل لمالك: فالرجل يُولي العمل فيأبى، ويشير بمن يعمل؟ قال: إن أشار بمأمون فلا بأس بذلك [12 ب]. قيل لمالك: فالجر يُدْعى للعمل فيكره أن يجيب ويخاف أن يُسجن أو يُجلد، طهره أو تُهدم داره؟ قال: فليصبر على ذلك ويترك العمل، وأما من خاف على دمه فلا أدري ما حدّ ذلك، ولعل له في ذلك سعة إن عمل. باب في الدعاء وذكر الله وقراءة القرآن والقراءة بالألحان والقصص والذكر في المساجد والمصاحف ورطانة العجم والسمر بعد العشاء قال أبو محمد: قال مالك: قال معاذ بن جبل: ما عمل آدمي من عمل أنجى له من عذاب

الله من ذكر الله هنا، وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام كان من دعائه كلما أصبح وأمسى: "اللهم بك نُصبح وبك نُمسي وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور"، وإذا أمسى قال: "وإليك المصير، اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك حظًا ونصيبًا من كل خير تقسمه في هذا اليوم، وفيما بعده من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه أو ذنب تغفره أو شدة تدفعها أو فتنة تصرفها أو معافاة تمن بها، برحمتك إنك على كل شيء قدير". ومن دعائه: "اللهم بنورك اهتدينا وبفضلك استغنينا وفي كنفك أصبحنا وأمسينا". ومن دعائه عند النوم، يضع يده اليمنى تحت خده الأيمن واليسرى على فخذه الأيسر ثم يقول: "اللهم باسمك وضعت جنبي وباسمك أرفعه اللهم إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به الصالحين من عبادك، اللهم إني أسلمت نفسي إليك وألجات ظهري إليك، وفوضت أمري إليك ووجهت وجهي إليك، رهبة منك ورغبة إليك لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك أستغفرك وأتوب إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبرسولك الذي أرسلت، ثم يقول: رب قني عذابك يوم تبعث عبادك"، يرددها. ومن دعائه عليه الصلاة والسلام إذا خرج [13 أ] من بيته: "اللهم إني أعوذ بك أن أضِل أو أُضل أو أَزِل أو أُزَل أو أَظِلم أو أُظلَم أو أجهل أو يُجهل علي". وفي باب السفر ذكر الدعاء عند السفر. وقال عليه الصلاة والسلام: "أما الركوع فعظموا فيه الله، وأما السجود فاجتهدوا

فيه بالدعاء فقمن أن يستجاب لكم"، يقول: فحري أن يُستجاب لكم". وروي من قوله في الركوع: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة. وسمع صلى الله عليه وسلم (يقول وهو ساجد من الليل): "أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أُحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك". ومما رُوي أنه يُستحب دُبُر الصلوات أن يُسبح ثلاثًا وثلاثين ويكبر ثلاثًا وثلاثين ويحمد ثلاثًا وثلاثين ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وروي مما يستحب عند الخلاء أن يقول: الحمد لله الذي رزقني لذته، وأخرج عني مشقته وأبقى في جسمي قوته.

قال: ودعا عمر بن الخطاب على نفسه بالموت حين قال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط .. قال: وقال عمر بن عبد العزيز لبعض من كان يخلو معه: ادع لي بالموت، وكان عمر بن عبد العزيز يدعو: اللهم رضني بقضائك وأسعدني بلقائك، حتى لا أحب تأخير شيء عجلته ولا تعجيل شيء أخرته. وقال مالك: كان عامر بن عبد الله يرفع يديه بعد الصلاة يدعو، ولا بأس به ما لم يرفع جدًا، وفي رواية ابن غانم: ليس رفع اليدين في الدعاء من أمر الفقهاء. قال مالك: وأكره أن يحلف أحد بحق الخاتم الذي على في أو يقول: رغم أنفي لله، وبلغني أن عمر بن عبد العزيز قال: رغم أنفي لله الحمد لله الذي قطع مدة الحجاج. وسئل مالك عن النوم بعد صلاة الصبح قال: غيره أحسن منه وليس بحرام. قال مالك: كان سعيد بن أبي هند ونافع مولى ابن عمر وموسى.

قال مالك: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت في قوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون". والتعويذ الذي علمه جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى عفريتًا يطلبه بشعلة من نار حين أسري به: "أعوذ بوجه الله الكريم وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وشر ما يعرج فيها وشر ما ذرأ في الأرض وشر ما يخرج منها ومن فتن الليل والنهار ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقًا يطرق بخير يا رحمن. قال مالك: وكان يقال: أعوذ بك من جور بعد كور، ويروى بعد طور. وهو أن يتحول عن صلاح [حال] كان عليه. ويقال: أعوذ بك من جار سوء في دار مقامة. قال مالك: وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (من نزل منزلاً فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل). قال مالك: يستحب للرجل إذا دخل منزله أن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله [13 ب] (وهو في كتاب الله عز وجل).

ابن ميسرة يجلسون بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ثم يتفرقون وما يكلم بعضهم بعضًا اشتغالاً بذكر الله [تعالى]. ولم تكن القراءة في المسجد في المصحف من أمر الناس القديم، وأول من أحدثه الحجاج، وأكره أن يُقرأ في المصحف في المسجد. وأنكر مالك القصص في المسجد. وقد قال تميم الداري لِعُمر: دعني أدع الله وأقص وأذكر الله، فقال عمر: لا، فأعاد عليه، فقال: أنت تريد تقول: أنا تميم الداري فاعرفوني. قال مالك: ولا أرى أن يُجلس إليهم، وإن القصص لبدعة، قال: وليس على الناس أن يستقبلوهم كالخطيب، وكان ابن المسيب وغيره يتحلقون والقصاص يقص. قال مالك: نهيت أبا قدامة أن يقوم بعد الصلاة فيقول: افعلوا كذا، وكره التابوت الذي [يجعل] في المسجد للصدقة. وسئل مالك عن الأكل في المسجد فقال: أما الشيء الخفيف مثل السويق ويسير الطعام فأرجوه، ولو خرج إلى باب المسجد كان أحب إلي، وأما الكثير فلا يعجبني ولا في رحابه، وأكره [14 أ] المراوح التي في مقدم المسجد التي يروح بها الناس.

وقال في الذي يأكل اللحم في المسجد: أليس يخرج يغسل يديه؟ قالوا: بلى، قال: فليخرج ليأكل مثل هذا. قال: وأكره أن يتكلم بألسنة العجم في المسجد، وأكره أن يبني مسجدًا ويتخذ فوقه مسكنًا يسكن فيه بأهله، ولا يقلم أظفاره في المسجد، ولا يقص فيه شاربه وإن أخذه في ثوبه، وأكره أن يتسوك في المسجد من أجل ما يخرج من السواك من فِيه يلقيه، ولا أحب أن يتمضمض في المسجد، وليخرج لفعل ذلك، وكره ما يصنع الناس من اجتماعهم لأكل الطعام في المسجد في رمضان. وسئل عما يتخذ من المساجد في القرى تتخذ يأكل فيها الصبيان ويبيتون؟ قال: أرجو أن يكون خفيفًا. قال مالك: إن استطعت أن تجعل القرآن إمامًا فافعل فهو الذي يهدي إلى الجنة. قيل: فالرجل المحصي يختم في الليلة؟ قال: ما أجود ذلك. قيل: هل يقرأ في الطريق؟ قال: الشيء اليسير، وأما الذي يديم ذلك فلا. قال سحنون: ولا بأس أن يقرأ الراكب والمضطجع. قيل: فالرجل يخرج إلى قريته ماشيًا أيقرأ؟ قال: نعم. قيل: فيخرج إلى السوق أيقرأ في نفسه ماشيًا؟ قال: أكره أن يقرأ في السوق.

وسئل عن القراءة في الحمام؟ قال: ليس الحمام بموضع قراءة، وإن قرأ الإنسان الآيات فما بذلك بأس. وسئل عن صبي ابن سبع سنين جمع القرآن؟ قال: ما أرى هذا ينبغي. قال: ولا يعجبني النبر والهمز في القراءة. وقال مالك: أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه. قال مالك: ولا تعجبني القراءة بالألحان ولا أحبه في رمضان ولا غيره؛ لأنه يشبه الغناء ويضحك بالقرآن، ويقال: [فلان] أقرأ من فلان. وبلغني أن الجواري يعلمن ذلك كما يعلمن الغناء أترى هذا من القراءة التي كان يقرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. قال مالكك ولا بأس بالحلية للمصحف، وإن عندي مصحفًا كتبه جدي إذ كتب عثمان [رضي الله عنه] المصاحف عليه فضة كثيرة. قيل: هل يكتب في أول السورة عدد آياتها؟ فكره ذلك في أمهات المصاحف [14 ب] وأن يشكل وينقط، فأما ما يتعلم

فيه الصبيان فلا بأس. قيل: فمما كتب اليوم من المصاحف أيكتب على ما أحكم الناس من الهجاء اليوم؟ قال: لا، ولكن على الكتبة الأولى، وبيان ذلك أن براءة لم يوجد في أولها بسم الله الرحمن الرحيم، فتركت. قيل: كيف قدمت السور الكبار في التأليف وقد نزل بعضه قبل بعض؟ قال: أجل، ولكن أراهم إنما ألقوه على ما كانوا يسمعون من قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قيل: أفيكتب في الألواح يتعلمون فيها بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة السورة، وكل ما يكتبون؟ قال: نعم.

وكره علم الأعشار في المصحف بالحمرة ونحوه، فقال: يعشر بالحبر، ورأينا مصحف مالك مُغَشى بخرق ديباج ومن فوقها غلاف طايفي أحمر. قال مالك: وهذا من ديباج الكعبة، وأستخف أن يشتري منه للمصحف. قال: ولا يُحلى بشيء من الذهب. قال ابن المسيب: لأن أنام عن العشاء الآخرة أحب إلي من أن ألغو بعدها. وقيل: فإن سمر بعدها في علم أو عمل يد ونحوه من القدر فلا يكره. وأنكر مالك أن يقال: صلاة العتمة، وأيام التشريق، وقال: يقول الله سبحانه: {وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء} [النور: 58]، وقال الله عز وجل: {وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} [البقرة: 208]، {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28].

باب في الصمت والعزلة والتواضع والقصد والحياء وحسن الخلق، وذكر في العبادة وشيء من مواعظ وحكم

باب في الصمت والعزلة والتواضع والقصد والحياء وحسن الخلق، وذكر في العبادة وشيء من مواعظ وحكم قال أبو محمد: قال مالك: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقي لها بال يهوي بها في نار جهنم). وقال من وقي شر اثنين ولج الجنة: ما بين لحييه وما بين رجليه. وقال: أكثر الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضًا في الباطل. وقال: التقي ملجم لا يتكلم بكل ما يريد. وقال: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينه. وقال عيسى بن مريم [15 أ] [صلى الله على نبينا وعليه]: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم، فإن القلب القاسي بعيد من الله تعالى.

قال مالك: من لم يعد كلامه من عمله كثر كلامه. ويقال: من علم أن كلامه من عمله قل كلامه. قال مالك: ولم يكونوا يهذرون الكلام هكذا، ومن الناس من يتكلم بكلام شهر في ساعة، أو كما قال. قال مالك: وكان الربيع بن خثيم أقل الناس كلامًا. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم). وقال عليه الصلاة والسلام: (إني لأمزح ولا أقول إلا حقًا). وقال عليه الصلاة والسلام: (لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء). وقال عليه الصلاة والسلام: (الحياء من الإيمان). وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل: (حسن خلقك للناس

معاذ بن جبل) وقال صلى الله عليه وسلم للذي سأله أن يوصيه ولا يكثر عليه: (لا تغضب). وقال عليه الصلاة والسلام: (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب). وقال سفيان: صاف من شئت ثم أغضبه فليرمينك بداهية تمنعك من العيش. ويقال: ما تجرع أحد أفضل من جرعة الغضب. قال مالك: والفظاظة مكروهة، يقول الله سبحانه: {وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]، وقال عز وجل: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه: 14]. قال مالك: سمعت بعض أهل العلم يقول: ما دخل علي أحد فيدينه أشد عليه من الإملاء. قال مالك: وليس في الناس شيء أقل من الإنصاف.

قالت عائشة [رضي الله عنها]: ولو نهي الناس عن جاحم الجمر لقال قائل: لو ذاقه. قال مالك: قال عمرك خرق المرء أشد علي من عدمه لأنه يستفيد المال والخرق لا يقوم له شيء. وقال عمر: لا تصحب فاجرًا، ولا تفش إليه سرك وشاور في أمرك الذين يخشون الله. قال: وقف رجل على لقمان قال: أنت عبد بني الحسحاس؟ قال: نعم، قال: أنت راعي الغنم؟ قال: نعم، قال أنت الأسود؟ قال: أما سوادي فظاهر، فما الذي يعجبك من أمري؟ قال: وطء الناس بساطك وغشيهم بابك ورضاهم بقولك، قال: يا ابن أخي إن صنعت ما أقول لك كنت كذلك. قال عثمان: غضي بصري، وكفي لساني، وعفة طعمتي، وحفظي فرجي، ووفائي بعهدي، ووفائي بوعدي [15 ب] وتكريمي ضيفي [وحفظي جاري] وتركي ما لا يعنيني. قال مالك: قال سعد بن عبادة: صل صلاة امرئ مودع يظن أن لن يعود، وأظهر اليأس مما في أيدي الناس فإنه الغنى، وإياك والطمع وطلب الحاجات فإنه الفقر الحاضر، وقد علمت أنه لا بد لله من قول، فإياك (وما

يعتذر) منه. قال مالك: ويقال إن البلاء موكل بالمنطق، ومن أكثر الكلام ومراجعة الناس ذهب بهاؤه. قال مالك: ولم يكن في زمان سالم بن عبد الله أشبه منه بمن مضى في الزهد والقصد، كان يلبس الثوب بدرهمين ويشتري الشملة بحملها ويخرج إلى السوق في حوائج نفسه. وكان القاسم يلبس الخز والثياب الحسان. وكان ابن المسيب يسرد الصوم. قيل لمالك: فما روي فيه؟ قال: كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل أشياء توسعة على الناس، وقد سرد قوم من الصحابة. وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وشتت عليه أمره ولم يأته منها إلا ما كتب له ومن كانت الآخرة همه جعل الله غناه في نفسه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة). قال الصديق: الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ما كان من ذكر الله أو أدى إلى ذكر الله. وقال بعض الصالحين: الزهد ترك الحرام وفضول الحلال وترك المنزلة عند الناس.

فلم يعجب سحنونًا قوله: تركُ الحرام، وقال: ترك الحرام فريضة، وقال: من الزهد ترك الفضول بعد المقدرة عليها، ولا خير في حب المنزلة. وقال ابن شهاب: الزاهد من لم يغلب الحرام صبرة ويشغل الحلال شكره. وفي موضع آخر قيل لابن شهاب: من الغافل؟ من غلب الحرام صبره والحلال شكره. قال سحنون: وزهد الغني بالترك، وزهد الفقير بالنية، وترك الدنيا زهدًا أفضل من طلبها وإنفاقها في البر. وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره). وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال لعبد الله بن عمر: (اعبد الله كأنك تراه، وكن في الدنيا كأنك غريب أو كعابر سبيل). وقال: ما من آدمي [16 أ] إلا وفي رأسه حكمة بيد ملك فإذا رفع نفسه ضربه بها وقال انخفض خفضك الله وإذا تواضع لله رفض بها، فقال: ارتفع رفعك الله.

باب في التجمل وذكر العجب والرياء والكبر والكذب والغيبة سوء الظن

وقال عليه السلام: (أيها الناس استحيوا من الله حق الحياء)، فقال رجل: أولسنا نستحيي يا رسول الله؟ أو لسنا نستحيي من الله؟ قال: (من استحيا من الله فليبت وأجله بين عينيه، وليحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، وليذكر القبور والبلاء، ومن أحب الآخرة فليترك زينة الحياة الدنيا). باب في التجمل وذكر العجب والرياء والكبر والكذب والغيبة سوء الظن قال أبو محمد: قال مالك: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحب أن يكون ثوبي نظيفًا وشراك نعلي خصيفًا، أفذلك من الكبر؟ فقال: (لا، إنما الكبر من سفه الحق وغمص الناس). [وقد] قال عليه الصلاة والسلام: (إذا سمعت الرجل يقول: هلك الناس، فهو أهلكهم). قال مالك: وأما الذي يقول ذلك على جهة التحزن فليس من ذلك ما

يريد: إنما المكروه من قال ذلك طعنًا وتنقصًا. قال مالك: وقد أدركت الناس وهم يقولون: ذهب الناس. قال مالك: ودخل رجل على عمر بن عبد العزيز فقال له: من سيد قومك؟ قال له: أنا فقال له: لو كنت سيدهم ما قلته. وقال عمر: إن المدح هو الذبح. وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يقول الله سبحانه يوم القيامة: من عمل عملاً أشرك فيه غيره فهو له، وأنا منه بريء، أنا أغني الشركاء عن الشرك). قال مالك: رأى سعد بن أبي وقاص رجلاً بين عينيه سجود فقال له: من كم أسلمت؟، فذكر له الرجل أمره كأنه بقر به، فقال سعد: أسلمتُ منذ كذا وكذا وما بين عيني شيء. وذكر مالك القصد وفضله، وقال: وإياك من القصد ما تحب أن ترتفع به وتُعجب به الناس. وقيل لمالك في المصلي لله ثم يقع في نفسه أنه يُحب أن يُعلم به، ويُحب أن يُلقى في طريق المسجد؟ قال: إن كان أولُ ذلك لله فلا بأس، وربما كان

ذلك من الشيطان [16 ب] ليمنعه ذلك. وإن المرء يحب أن يكون صالحًا، وقد قال عمر لابنه حين سألهم النبي عليه الصلاة والسلام عن شجرة ضربها مثلاً للمؤمنين، قال: فقلت في نفسي هي النخلة، ولم أتكلم بذلك، فقال عمر: لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا. وهذا يكون في القلب لا يُملك، قال الله سبحانه: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي} [طه: 39]. وقال ابن عمر: اللهم اجعلني من أيمة المتقين. قال أبو حازم: ما كان في نفسك فرضيته نفسك لها فهو من نفسك فقابلها، وما كان من نفسك فكرهته نفسك لها فهو من الشيطان، فتعوذ بالله منه. قال بعض العلماء: الرياء أن تعمل عملاًَ لا تحب أن يعرفك الناس به ويثنون به عليك، فإن قبل قلبك هذا فهو رياء، ويقال: من خاف الرياء سلم منه، ويقال: من البر أن لا تترك البر مخافة الرياء. ومن العجب أن ترى لنفسك الفضل على الناس، وتمقتهم ولا تمقت نفسك.

وقال بعض السلف: إذا كنت في الصلاة فقال لك الشيطان: إنك تُرائي فزدها طولاً، فإنه كذوب. قال مالك: واخف النوافل كلها للصلاة وغيرها أحسن. قال مالك: سمعت أنه ما خرف قط إنسان صدوق. قال ابن مسعود: ما من خصلة في امرئ أشر من الكذب. قيل لمالك: هل يؤدب الرجل أهله وولده على الأيمان بالكذب؟ قال: نعم. قال عمر بن الخطاب: لا تنظروا إلى صوم أحد ولا إلى صلاته ولكن انظروا من إذا حدث صدق وإذا ائتمن [أدى]، وإذا أشفى ورع. قال مالك: وكان الخير لا يُعرف في عمر ولا في ابنه عبد الله حتى يقولا أو يعملا. قال القاسم: أدركت الناس وما يعجبون بالقول.

قال مالك: يريد إنما يُنظر إلى العمل. وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (المكر والخيانة والخديعة في النار). وقال عليه الصلاة والسلام: (إن من شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه). وقال عليه الصلاة والسلام: (إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره). قال مالك: قال القاسم: من الرجال رجال لا تذكر عيوبهم. وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال: (الغيبة أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع). قيل: يا رسول الله: وإن كان [17 أ] حقًا؟ قال: (إذا قلت باطلاً فذلك البهتان). وفي بعض الحديث أن من خلع جلباب الحياء فلا غيبة فيه، فقيل: هو المعلن بالفسق والله أعلم، ويقال: لا غيبة في أمير جائر، ولا في ذي بدعة يدعو إلى بدعته، ولا فيمن يشاور فيه لنكاح أو شهادة ونحوه، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام لفاطمة بنت قيس فيمن خطبها، فقال: إن معاوية صعلوك

لا مال له. وكذلك رأت الأيمة أن لمن يقبل قوله من أهل الفضل أن يُبين أمر من يخاف أن يتخذ إمامًا فيذكر ما فيه من كذب وغيره، مما يوجب ترك الرواية عنه. وكان شعبة يقول: اجلس بنا نغتب في الله. قال عمر بن الخطاب: لا يحل لامرئ مسلم يسمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءًا وهو يجد لها من الخير مصدرًا. قال: وخلا ابن عمر بجارية فرآه رجال فأتى بها إليهم فقال: هي جاريتي، قالوا: يغفر الله لك أيتهمك أحد؟ قال: لا، ولكن أحببت أن تعلموا ذلك. وقال القاسم: إني لأدع حاجة في موضع أخاف أن يُظن بي فيه [السوء].

باب في الورع والمكاسب وطلب الرزق وإصلاح المال، وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة وقبول الهدية والإرفاق

باب في الورع والمكاسب وطلب الرزق وإصلاح المال، وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة وقبول الهدية والإرفاق، وفي المسافر: هل يأكل الثمار أو يشتري من العبد، وذكر أموال العمال، وما يحل للمضطر. قال أبو محمد: قالت عائشة رضي الله عنها: قلت: يا رسول الله من المؤمن؟ قال: الذي إذا أمسى سأل من أين فرضيه، وإذا أصبح سأل من أين فرضيه؟ قالت عائشة: لو علم [الناس] أنهم كلفوا علم ذلك لتكلفوه، فقال عليه الصلاة والسلام: (قد علموا ذلك ولكنهم غشموا المعيشة غشمًا)، يقول: تعسفوا تعسفًا. ونظر عمر إلى المصلين، فقال: لا يغرني كثرة رفع أحدكم رأسه وخفضه، الدين الورع في دين الله، والكف عن محارم الله، والعمل بحلال الله وحرامه. وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال: (من أمسى وانيًا من طلب الحلال بات مغفورًا له). وقال الحسن: الذكر ذكران: ذكر باللسان فذلك حسن، وأفضل منه ذكر الله عند أمره [17 ب] ونهيه. وقال ابن عمر: إني لأحب أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال ولا أحرمها. قال عمر: من كانت له أرض فليعمر ومن كان له مال فليصلحه، فإنه يوشك أن [يأتي] من لا يعطي إلا من أحب.

وقال عمر: لأن أموت بين شعبتي رحلي أبتغي من فضل الله أحب إلي من أن أموت على فراشي. قال مالك: وكان ابن عمر وسالم يخرجان إلى السوق ويجلسان فيه، وكان ابن المسيب يجلس عند أصحاب العباء. قال مالك: الصواب أن تكون الأسواق أول النهار لا كما يفعل أهل العراق يجعلونها آخره. وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول). وقال عليه الصلاة والسلام: (من يستعفف يعفه الله ومن يستغن يُغنه الله، ومن يتصبر يصبره، وما أعطى أحدًا عطاء خيرًا ولا أوسع من الصبر). وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله أليس قد أخبرتنا أن خيرًا لأحدنا أن لا يأخذ من أحد شيئًا؟ فقال: إنما ذلك عن مسألة، فأما ما كان من غير مسألة فإنما هو رزق رزقه الله.

وقال: لأن يأخذ أحدكم أحبله فيحتطب خيرٌ له من أن يأتي رجلاً أعطاه الله من فضله فيسأله أعطاه أو منعه. وكان عليه الصلاة والسلام يُجيب الدعوة ويقبل الهدية، ولا يأكل الصدقة. وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تحل الصدقة لآل محمد). قال ابن القاسم: وذلك في الزكاة المفروضة، فأما في التطوع فليس من ذلك. وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تحقرن إحداكن لجارتها ولو كراعًا محرقًا). ويقال: الصدقة على الأقارب يُضاعف أجرها مرتين.

قال مالك: والصدقة على الأقارب أفضل من عتق الرقاب. وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أختك وأخاك وأدناك فأدناك). وقال عليه الصلاة والسلام: (تهادوا بينكم فإن الهدية تُذهب الشحناء). قال ابن عمر: لقد كنا وما أحدُنا أولى بديناره من أخيه المسلم، ثم ذهب ذلك فكانت المواساة، ثم ذهب ذلك فكان السلف، ثم ذهب السلف فجاءت الغيبة. قال مالك: كان ببلدنا من أهل الفضل والعبادة يردون [18 أ] العطية يعطونها. قيل: فالحديث ما أتاك من غير مسألة فإنما هو رزق رزقكه الله، أفيه رخصة؟ [قال نعم]. قيل: فمن أُعطى شيئًا ووصل به؟ قال: تركه أفضل إن كان له عنه غنى، إلا أن يخاف على نفسه الجوع وهو محتاج فلا أرى بأسًا. قيل: فالرجل له الفضل يحضرُ السوق فيضارب في ذلك الشيء لمكان فضله؟ قال: لا بأس بذلك، وكان ابن عمر وسالم يخرجان إلى السوق ويجلسان فيه. وسئل مالك عن معنى الحديث في إضاعة المال: قال منعه

من حقه ووضعه في غير حقه، يقول الله سبحانه: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً}. قيل لمالك: الثمار تُجذ ثم يُخلى عنها وفيها الشيء؟ قال: إن علم أن أنفسهم طيبة بأخذه فليأخذه. وروى أشهب في الزرع يُحصد فيبقى فيه السنبل والشيء يدعه أهله؟ قال: لا يأكل إلا ما يعلم حلاً له. وكان يقال: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك). قال: ولا يُراعي في الإفراط إلا أن يعلم أن صاحبه أذن فيه. قيل: [إنه يراه قال]: ما أحبه إلا بإذنه، ولعله يستحيي منه أو يخافه. قيل لمالك: المسافر يصيب الثمار؟ قال: إن كان من ضرورة وإلا فلا وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: لا يحتلب أحدكم ماشية أحد إلا بإذنه وهو

يحلب بُكرة ويرجع عشية والثمر لا يرجع إلى عام قابل. قيل: فحائط لا جدار عليه أيأكل منه ابن السبيل؟ قال: لا. قيل: فما سقط على الأرض؟ فكرهه وقال: المربد بالأرض. قال مالك: ولا بأس بحصاد الليل وجذاذه. قال الليث: وإنما معنى النهي عنه لأنه إذا فعله نهارًا نال منه المساكين. قيل: أيأكل من جنان أبيه وأمه وأخيه إن مر به؟ قال: لا، إلا بإذن. قيل: فإن أطعمني خازن الجنان أو [باعني]. قال: إن علمت أنهم قد أذن لهم في ذلك. قال: وكيف أعلم؟ قال: يخبرك أصحاب الحوائط أنهم رأوه يبيع ويمنع ويكون كالقائم في الغنم فلا بأس أن يشتري منه، فأما العبد الذي يستخفي فلا خير فيه. قيل: فتأتيه الأمة ببعض المناهل بلبن أو تمر أتشتريه؟

قال: لا بأس به إن لم يُرتب أمرًا، وهذه أشياء يبيعها العبد ونحوه. وسئل الليث عنه إذا أضافه [18 ب] عبد؟ قال: أرجو ألا بأس به. قيل لابن القاسم: فالعبد يهدي قدر الدراهم والدرهمين ويكافأ عليه؟ قال: إن لم يغير عليه سيده فلا بأس. وسئل مالك عن الرجل يدخل الحوائط فيجد التمر ساقطًا؟ قال: لا يأكل منه إلا أن يعلم أن صاحبه طيب النفس [به] إلا أن يكون محتاجًا فأرجوا. قال مالك: وأما الشجر في الصحراء فليأكل منها ما شاء، وثمر وادي ... ، يبقى بعضه على بعض وليس به ساكن فلا بأس أن يأخذ منه ما شاء. وسئل سحنون عن ثمار شجر للمسلمين بينهم وبين عدوهم قد أجلاهم عنها العدو فبقيت غير مسكونة فإذا غزا المسلمون هل يأكل أحد ثمرتها؟ قال: إن غزا الجيش الكثير فلا، لأنه يصير لذلك قيمة لو شاء أهله بيعه في الجيش أصابوا فيه ثمنًا. فأما السرية ونحوها فلا بأس أن يأكل منها المار بها بخلاف العسكر الكبير. قال مالك: ومن لم يجد شيئًا فيضيف [قومه] فيمنعوه فليأكل الميتة إلا أن يجد تمرًا معلقًا لا قطع فيه. [وأما الذي في الجرين] فإن أمن

أن يعد سارقًا فليأكل وإلا فليأكل الميتة. ومن نزل بذمي فلا يأخذ [منه شيئًا] إلا عن طيب نفسه. قيل: فالضيافة التي جُعلت عليهم؟ قال: كان يُخفف عنهم يومئذ. قال مسروق: ومن اضطر إلى الميتة فلم يأكل حتى مات دخل النار. قال ربيعة وابن شهاب ومالك: لا تحل الخمر للمضطر وأما الميتة فليأكل ويشبع ويتزود حتى يجد عنها غنى. قال ابن القاسم: لو كانت الدنيا كلها حرامًا أكان بد من العيش فيها؟ قال مالك: كان ابن هرمز إذا قدمت غنم الصدقة لم يأكل اللحم. قال مالك: وأكره طعام عاصر [الخمر] وكان بكير يقبل

هدية سوداء تبيع المزر بمصر، قال: لأني كنت أراها تغزل. قال الليث: إن لم يكن له مال سوى الخمر فليكف عنه. قال الليث: وأكره طعام العمال من جهة الورع من غير تحريم. قال أبو محمد: يريد والله أعلم: ممن ليس من أهل الغصب البين. وقد قال الليث: ليس شي بعد الدماء أشد من أخذ أموال الناس بغير حق [19 أ] والمال الحرام يدخل في أشياء كثيرة، ومنه ما لا يتخلص منه الذي كسبه يتزوج المرأة ويُولد الولد ويكون له الرقيق والمصانع. وكره مالك طعام العمال الذين تحدث لهم أموال لأعمالهم لم تكن لهم قبل ذلك. قال مالك: وكل من عمل للمسلمين عملاً فله رزقه من بيت المال، ولا بأس بالجائزة يُجازبها الرجل يراه الإمام لجائزته أهلاً لعلم أو لدين عليه ونحوه. وقال مالك: وبلغني أن عمر جعل أعطيات بعض البدريين خمسة آلاف درهم .. ومن قول أهل المدينة: إن من بيده مال حرام فاشترى به دارًا أو ثوبًا من غير أن يكره على البيع أحدًا فلا بأس أن تشتري أنت تلك الدار وذلك الثوب

من ذلك الذي اشتراه بالمال الحرام. قال ابن عبدوس: وذلك إذا كان البائع منه قد عرف عيب الثمن. ويذكر عن محمد بن سحنون أنه أجاز ذلك وإن لم يعرف البائع عيب الثمن. قال ابن عبدوس: فأما إن وهبك المشتري تلك الدار أو ذلك الثوب [فلا] يجوز أخذ ذلك على الهبة؛ لأن من أحاط الدين بماله لا تجوز هبته ولا صدقته. قال مالك فيمن بيده مال حرام وحلال: فإن كان ما بيده من الحرام شيئًا يسيرًا في كثرة حلال فلا بأس بمعاملته، وأما إن كان الحرامُ كثيرًا فلا ينبغي معاملته. قال: ولا يعامل من يعمل بالربا من المسلمين. وكره أن يصرف من النصراني دينار ابتاع به خمرًا أو عمل به ربا. ولا بأس أن تأخذ منه في دين له قبله كما أذن الله عز وجل [في]

باب في رد السلام وما يخرج من الهجرة، والسلام على أهل الذمة وذكر الإخوان في الله [عز وجل] وذكر المكاتبة والاستئذان والمناجاة وتقبيل اليد والمبالغة في البر للزوج والقريب وذي السن أو العلم وبر الوالدين وتشميت العاطس

أخذ الجزية منهم. وغير مالك يرى أن ذلك أخف في النصراني؛ لأنه لو أسلم حل له ما بيده. قال مالك: ولا بأس أن تكري دارك من نصراني ويهودي إذا كان لا يبيع فيه الخمر [والخنازير] فهذا من نحو قول غيره. قال مالك: ولا بأس أن يصرف من عندك النصراني. باب في رد السلام وما يُخرج من الهجرة، والسلام على أهل الذمة وذكر الإخوان في الله [عز وجل] وذكر المكاتبة والاستئذان والمناجاة وتقبيل اليد والمبالغة في البر للزوج والقريب وذي السن أو العلم وبر الوالدين. [وتشميت العاطس] [19 ب] قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (يُسلم الراكب على الماشي وإذا سلم

من القوم [واحد] أجزأ عنهم. وأمر عليه السلام بإفشاء السلام. قال ابن عباس: السلام ينتهي إلى البركة. وكان ابن عمر يقول في سلامه وفي رده سواء: السلام عليكم. قيل لمالك: أيسلم على النساء؟ قال: أما المتجالة فلا أكرهه وأما الشابة فلا أحبه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرد على اليهود: (فقل عليك).

قيل لمالك: من سلم على يهودي أيستقيله؟ قال: لا. قيل لمالك: أفيكنون؟ قال: لا أحب أن يُرفعوا وينبغي أن يُذلوا. وأرخص غيره في ذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام: أنزل أبا وهب (قاله محمد بن عبد الحكم). قال: ولا ينبغي أن يقال في السلام: سلام الله عليك ولكن عليك السلام، أو السلام عليكم. وقيل لمالك: أرأيت من قدم من سفر فتلقاه ابنته أو أخته فتقبله؟ قال: لا بأس بذلك. وقال أيضًا: لا بأس أن يقبل خد ابنته. قيل: أفترى أن تُقبله ختنته أو تعانقه وهي متجالة؟ فكره ذلك. وسئل مالك عن المصافحة؟ قال: إن الناس ليفعلون ذلك وأما أنا فما أفعله.

وكره معانقة الرجل الرجل، وقال: قال الله [سبحانه] {تَحِيَّتهمْ فِيهَا سَلَام} [يونس: 10]. وروي عنه في المصافحة غير هذا: أنه صافح سفيان بن عيينه وقال [له]: لولا أنها بدعة لعانقتك، فاحتج عليه سفيان [بمعانقة] النبي عليه السلام لجعفر حين قدم من أرض الحبشة، فقال مالك: كان ذلك خاصًا لجعفر، ورآ سفيان عامًا، وأجاز مالك في رسالته لهارون الرشيد أن يعانق قريبه يُقدم من سفر. وقيل: إن هذه الرسالة لم تثبت لمالك. وروي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء). وروي أنه (عليه الصلاة والسلام) قال: (ما تواخى اثنان في الله قط إلا كان أحبهما إلى الله أشدهما حبًا لصاحبه).

قال عمر: يصفى لك ود أخيك ثلاث: أن تبدأه بالسلام وأن تدعوه بأحب الأسماء إليه، وأن توسع له في المجلس، وكفى بالمرء عيبًا أن يجد على الناس فيما يأتي أو يبدو لهم منه ما يخفى عليه من نفسه، وأن يؤذيه في المجلس بما لا يعينه. قال مالك: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام). قال مالك: فإذا سلم عليه فقد خرج من الهجران. قال في موضع آخر: إن كان مؤذيًا له فقد برئ من الشحناء. قال ابن القاسم: وإن كان غير مؤذ له، لم يخرجه السلام من الهجرة إذا اجتنب كلامه، وأما أهل البدع فقد أمر بهجرانهم. قال سحنون: أدبًا لهم. قال مالك: ولا بأس أن يقبِّل الرجل خد ابنته إذا قدم من سفره. قال مالك: ويقال من تعظيم الله [تعالى] تعظيم ذي الشيبة المسلم.

قيل: فالرجل يقوم للرجل له الفقه والفضل فيجلسه في مجلسه؟ قال: يُكره ذلك، ولا بأس أن يُوسع له. قيل له: فالمرأة تبالغ في بر زوجها فتلقاه فتنزع ثيابه ونعليه وتقف حتى يجلس؟ قال: أما تلقيها ونزعها فلا بأس، وأما قيامها حتى يجلس فلا، وهذا من فعل الجبابرة، وربما يكون الناس [ينتظرونه] فإذا طلع قاموا إليه، فليس هذا من فعل الإسلام. ويقال: إن عمر بن عبد العزيز فُعل ذلك به أول ما ولي حين خرج إلى الناس فأنكره وقال: إن تقوموا نقم وإن تقعدوا نقعد، وإنما يقوم الناس لرب العالمين. وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من أحب أن يتمثل له الناس قيامًا فليتبوأ مقعده من النار). وسُئل مالك عن الرجل يقبل يد الوالي أو رأسه، والمولى يفعل ذلك بسيده؟ قال: ليس ذلك من عمل الناس وهو من عمل الأعاجم. قيل: فيقبل رأس أبيه؟ قال: أرجو أن يكون خفيفًا.

وسئل في رواية أخرى: هل يقبل يد أبيه أو عمه؟ قال: لا أرى أن يفعل، وإن العبرة أن من مضى لم يكن يفعل ذلك. قيل: كان ابن عمر إذا قدم من سفر قبل سالمًا، وقال: شيخ يقبل شيخًا، فأنكر الحديث، وقال: لا نتحدث بمثل هذه الأحاديث، لا تهلكوا فيها. قال مالك: والاستئذان ثلاث لا أحب أن يزيد عليها، وكذلك جاء الحديث إلا من علم أنه لم يسمع فلا بأس أن يزيد إذا استيقن. قال: وهو تأويل قول الله تعالى: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور: 27]، فيما يرى، والله أعلم. وفي باب ستر العورة من هذا. وسئل [20 ب] عن الذي يبدأ بالكبار ... إلى من هو أصغر منه، ولعله ليس بأفضل منه؟ قال: لا بأس به أرأيت إن وسع له إذا جلس أو سعى فأعطاه إياه.

قيل: وأهل العراق يقولون: لا تبدأ بأحد قبلك ولو كان أبوك؟ فأعاب ذلك. وقال: قال النبي عليه الصلاة والسلام للذي أراد أن يتكلم قبل صاحبه: (كبّر، كبّر). وقال لأبي بكر حين أتاه بأبيه لِمَ تركت الشيخ في منزله؟ قيل: فالرجل يكتب إلى الرجل اقرأ فلانًا وفلانًا السلام؟ قال: أرجو أن يكون في سعة وقد يكون له عذر. قال مالك: ولا تُشمث العاطس حتى تسمعه يحمد الله: فإن بُعد منك وسمعت من يليه يشمته فشمته. ومن عطس في الصلاة فلا يحمد الله إلا في نفسه. قال سحنون: ولا في نفسه. وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن عطس فشمته ثم إن عطس فشمته ثم إن عطس فقل [له] إنك مضنوك). ورأيت في كتاب الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد أنه إن شمته واحد من الجماعة أجزأ عنهم كرد السلام.

وقال [يحيى] بن مزين: إنه بخلاف رد السلام في رد الواحد. قيل: فمن قام عن مجلسه: أهو أحق به إذا رجع؟ قال: (ما سمعت [من مالك] فيه بشيء، وأنه يحسن إن كان رجوعه قريبًا، وإن تباعد فليس ذلك له، وهذا من محاسن الأخلاق. وسئل عن أربعة: هل يتناجى ثلاثة دون واحد؟ قال: نهي أن يتركوا واحدًا وإن كانوا عشرة اجتناب سوء الظن والحسد والكذب. وقيل: إن كان ذلك بإذنه فلا بأس به. وسأله رجل له والدة وأخت وزوجة، قال: فكلما رأت لي شيئًا قالت: أعط هذا لأختك فأكثرت علي من هذا، فإن منعتها سبتني ودعت علي؟ قال له مالك: ما أرى أن تغايظها، وتخلص منها بما قدرت [عليه]

وغيب عنها ما كان لك. قال: أين أخبئه؟ ذلك معي في البيت، قال: أما أنا فما أرى أن تغايظها وأن تتخلص من سخطهما بما قدرت عليه. وذُكِرَ عن مالك أن رجلاً قال له: إن أبى في بلد السودان، فكتب إلي أن أقدم عليه وأمي تمنعني من ذلك قال له [مالك]: أطعِ أباك ولا تعصِ أمك، وكره أن يأمره بعصيان أمه. وذكر أن الليث أمره بطاعة الأم لأن لها ثلثي البر. وقال رجل لمجاهد: إن أبي يدعوني عندما تقام الصلاة؟ قال: أطعه. قيل للحسن: ما بر الوالدين؟ قال: تبذل لهما ما ملكت وتطعهما فيما أمراك ما لم تكن معصية.

باب في الفطرة وقص الشارب وحلق العانة والختان ونحوه وذكر السواك والكحل وصبغ الشعر ووصله وذكر الحناء والحجامة ودخول الحمام

وسُئل ابن المسيب: عن قوله عز وجل: {وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23]. قال: قولُ العبد المذنب للسيد الفظ. وقال أبو هريرة: لا تمش أمام [أبيك]، ولا تقعد قبله ولا تدعه باسمه، ولا تستسب له. وقيل: أما في الظلمة فتمشي بين يديه. قال مالك: ومن لم يُدرك أبويه أو أحدهما فلا بأس أن يقول: {رَبّ اِرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24]. باب في الفطرة وقص الشارب وحلق العانة والختان ونحوه وذكر السواك والكحل وصبغ الشعر ووصله وذكر الحناء والحجامة ودخول الحمام. وقال أبو محمد: قال مالك: قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (خمس من الفطرة: تقليم الأظفار، وقص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، والختان).

قال غيره: وروي عن ابن عباس في قول الله سبحانه {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} [البقرة: 124]، قال: الفطرة وهي: خمس في الرأس، وخمس في الجسد، ففي الرأس: المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب والفرق للشعر، وفي الجسد: الختان وحلق العانة ونتف الإبط وقص الأظفار والاستنجاء. قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك)، وفي حديث آخر: (عليكم بالسواك). وسُئل مالك عمن أحفى شاربه؟ قال: يُوجع ضربًا، وهذه بدعة، وإن الإحفاء المذكور في الحديث قص الشارب وهو طرف الشعر.

وكان عمر يفتل شاربه إذا أكربه أمر، فلو كان مملوصًا ما وجد ما يفتل فيه. قال: ولا أرى بأسًا بالإطلاء والحجامة يوم السبت ويوم الأربعاء والأيام كلها وكذلك السفر والنكاح، وأراه عظيمًا أن يكون من الأيام يوم يُجتنب فيه ذلك، وأنكر الحديث في مثل هذا. وقد كره بعض أصحابه ترك العمل يوم الجمعة نحو ما عظمت اليهود السبت والنصارى [21 ب] الأحد. وسئل عن الحجامة في سبعة عشر وفي خمسة عشر و (ثلاثة)

وعشرين فكره أن يكون لذلك يوم محدود. وذُكر عن الليث: إني لأتقي الحجامة والإطلاء يوم السبت ويوم الأربعاء لحديث بلغني. قال مالك: حُدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن كان دواء يبلغ الداء فإن الحجامة تبلغه). قيل لمالك: هل يُحلق موضع المحاجم في القفا وفي وسط الرأس؟ قال: إني لأكرهه وما أراه حرامًا وما يمنعه أن يجعل الخطمي ويحتجم. قال: ولا بأس أن يطلي الجنب. قال ابن المسيب: لا بأس بالإطلاء في العشي. قال مالك: وليس لقص الأظفار وأخذ الشارب وحلق العانة حد إذا انتهى إليه أعاده، ولكن إذا طال ذلك. قيل: فشعر الرأس هل فيه حد إذا بلغه فُرق؟ قال: لا أعلم فيه حدًا.

وسئل عن طول اللحية إذا طالت جدًا؟ فكرهه. قيل: أفترى أن يؤخذ منها؟ قال: نعم. قيل: فنتف الشيب؟ ق قال: ما أعلمه حرامًا وتركه أحب إلي. قيل: فالذوائب للغلمان؟ قال: يكره للقزع، وهو أن يُحلق من الرأس [أماكن] ويترك [أماكن]. قال: والقصة والذؤابة من ناحية القزع؟ قال: وما تعجبني أن يحلق قفا، وقصه للغلمان ولا للجواري. وسُئل عن المرأة تفتل من شعرها قيدًا ترسله إلى المرابطين فكره ذلك. وأحب إلي أن يوارى الشعر إذا حُلق وأرى تركه خفيفًا. وكره أن يُطرح شيء من الشعر بالجمرة يوم النحر، أو يُنتفع بما يطرح منه أو يباع. وسُئل في موضع آخر عن دفن الشعر والأظفار؟ فقال: لا أرى ذلك وهو بدعة، وقد كان من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في

قلنسية خالد بن الوليد. وقوم يكرهون طرح الدم على وجه الأرض، ويُلقُونه في المراحيض، وهذه بدعة ولا بأس أن يُطرح على وجه الأرض. وسئل عن الصبغ بالسواد؟ فقال: ما سمعت فيه شيئًا، وغيره من الصبغ أحب إلي والصبغ بالحناء والكتم واسع. قال مالك: والدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصبغ، أن عائشة قالت: كان أبو بكر الصديق يصبغ، فلو كان النبي عليه الصلاة والسلام [يصبغ] لبدأت [22 أ] به. قال مالك: وليست الحمامات من [بيوت] الناس الأول. وكان عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب وابن المسيب لا يغيرون الشيب. ورأيت ابن شهاب يخضب بالحناء، ولا بأس أن توشي يدها بالحناء

أو تطرفهما بغير خضاب. قيل له: قد قيل: إما أن تخضب يدها كله أو تدع وأن فيه حديثًا عن عمر؟ فأنكر ذلك. وقال: ولا ينبغي أن تصل المرأة شعرها بشعر ولا غيره. وقال الليث: لا بأس أن تصله بالصوف وإنما يكره بالشعر. قيل لمالك: أفتضع الجمة من الشعر على رأسها وضعًا؟ قال: لا خير فيه. قيل: فالخرق تجعلها في قفاها وتربط الوقاية؟ قال مالك: ما من علاجهن أخف من الخرق، وأرجو أن لا يكون به بأس. قال مالك في المرأة: تحج فتدخل مكة وقد قمل رأسها فأذاها ذلك افترى لها سعة أن تحلقه؟ قال: أرجو أن يكون خفيفًا لها في ذلك سعة على هذه الضرورة، والنساء يأتين يستفتين في ذلك كثيرًا. قال مالك: وأكره الكحل بالنهار والليل للرجل إلا لمن به علة، وما

أدركت من يكتحل هكذا إلا من ضرورة. وروي في الكحل أنه يكتحل وترًا. وفي رواية ابن نافع: أيكتحل بالإثمد؟ قال: ما هو من عمل الناس وما سمعت فيه بنهي. وسئل ابن القاسم عن دخول الحمام؟ قال: إن وجدته خاليًا أو كنت تدخل مع قوم يستترون فلا بأس، وإن كانوا لا يتحفظون لم أرَ أن تدخله، وإن كنت أن تتحفظ. وكان ابن وهب يدخله مع العامة ثم ترك فكان يدخله مخليًا. قيل: هل للمئزر التي يدخل بها الحمام قدر؟ قال: لا قال: وأكره للمرأة دخول الحمام وإن كانت مريضة إلا أن لا يكون معها أحد. قال مالك: ولا يعجبني أن يُختن الصبي ابن سبعة أيام وهذا فعل

اليهود وليس في ذلك حد من السنين، وأحب إليّ إذا أثغروا، ولا بأس أن يُعجل قبله أو يؤخر بعده وكل (ما بعد الإثغار) فهو أحب إلي. وكره أن يؤذن في أُذن الصبي المولود. قال مالك: إن النساء يخفضن الجواري. قال غيره: [22 ب]: روي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: الختان سنة للرجال مكرمة للنساء، وهو في النساء الخفاض وينبغي أن لا يُبالغ في قطع المرأة. وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لأم عطية وكانت تخفض: يا أم عطية أشمي ولا تنهكي، فإنه [أمرى للوجه [ودمه] وأحظى عند الزوج، يقول: أكثر لماء الوجه ودمه، وأحسن في جماعها. قال مالك: وأحب للنساء قص الأظفار وحلق العانة والاختتان مثل ما

باب في ستر العورة وما ينبغي من الستر للنساء والرجال والخلطة في المواكلة والمنام والخلوة بين ذوي المحارم وغيرهم، وسفر المرأة مع غير ذي محرم

هو على الرجال. قال: ومن ابتاع أمة فليخفضها إن أراد حبسها، وإن كانت للبيع فليس ذلك عليه. باب في ستر العورة وما ينبغي من الستر للنساء والرجال والخلطة في المواكلة والمنام والخلوة بين ذوي المحارم وغيرهم، وسفر المرأة مع غير ذي محرم قال أبو محمد: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (نساء كاسيات عاريات). قالت عائشة: يرحم الله نساء الأنصار لما نزلت آية الحجاب عمدن إلى أكثف مُرُوطهن فاختمرن بها.

قال مالك: كان النساء يخرجن في زمان النبي عليه الصلاة والسلام. وقال عمر: ما ينبغي لنسائك أن يخرجن كذا، فنزلت آية الحجاب وكانت الحُجُر من جريد فسُترت جوانبها المسوح لئلا يُرى داخلها. قيل لمالك: {لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النور: 58] إلى آخرها أترى ذلك على الناس اليوم؟ قال: أرجو، إنما كان ذلك قبل أن تتخذ الأبواب والستور فأرجو أن يكون عن الناس موضوعًا لأنه إذا خلا أغلق بابًا وأسبل سترًا. قيل: أترى القبة: مُجزية؟ قال: نعم. قيل: هل يجامع الرجل امرأته ليس بينه وبينها ستر؟ قال: نعم. قيل: إنهم يروون كراهيته؟ قال: ألغ ما يتحدثون به، قد كان النبي عليه الصلاة والسلام وعائشة [رضي الله عنها].

يغتسلان عريانين فالجماع أولى بالتجرد. قال: ولا بأس أن ينظر إلى الفرج في الجماع. قيل: أيدخل الحمام بإزار وليس على بعض من فيه إزار؟ قال: ما يعجبني. قيل: هل ترى خادم الزوجة فخذ زوجها؟ قال: لا، يقول الله عز وجل: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 6]، ولا يدخل عليه المرحاض خادم زوجته أو خادم ابنه أو أبيه ولا بأس بكشف الفخذ عند أهله. قيل له: فخادم له خصي ترى فخذه منكشفًا؟ قال: ذلك خفيف. قال: ولا بأس أن يأتزر الرجلُ تحت سرته ويبدي سرته إن كان عظيم البطن. وأنكر ما يفعل جواري المدينة يخرجن فيكشفن ما فوق الإزار، قال: قد كلمت فيه السلطان فلم أجب إلى ذلك، قال: واضرب الأمه على ذلك.

قال: لا بأس به إذا التحفت عليها ثيابها. قيل: أتلقي المرأة خمارها بين يدي الخصي لها أو لغيرها وهو من غير أولى الإربة؟ قال: لا بأس به إلا أن يكون حرًا، فلا: قال في رواية أخرى: إن كان مملوكًا وكان وغدًا. قال: ودخول خصيان زوجها من كبير أو صغير عليها أبين في خفة ذلك من خصيان غيره. قال: والتي لها الغلام الوغد لا منظر له لا بأس أن يرى شعرها وكتفيها وقدميها، وأما الفاره فلا. وأما الوغد لزوجها فكرهه. وكان بعض العلماء يُدخل سقاء على أهله. قيل: فغلام نصفه حر ونصفه لها، هل يرى شعرها؟ قال: لا أحبه.

قال: وأحب لمن دخل على أمه وأخته أن يستأذن عليها قبل أن يدخل. وقال في الموطأ: قيل: أفتأكل المرأة مع غير ذي محرم منها أو مع غلامها؟ قال: لا بأس بذلك إذا كان على وجه ما يعرف به للمرأة أن تواكله، قال علي بن الجهم: يعني العجوز المتجالة، وقد تأكل مع زوجها ومع غيره ممن تواكله، ولا تخلو مع رجل ليس بينه وبينها حرمة. ولا بأس على الرجل لو نظر إلى شعر أم زوجته، ولا ينبغي أن قدم من سفر أن تعانقه وإن كانت عجوزًا، فأما أخت امرأته فليبتعد منها ما استطاع، وأرى أن يتقدم إلى الصناع في قعود النساء إليهم، ولا تترك الشابة تقعد تجلس إلى الصناع، وأما المتجالة والخادم الدون ومن لا يُتهم على القعود عنده، ومن لا يُتهم أيضًا هو، فلا بأس بذلك، ولا بأس أن

تضع المرأة جلبابها عند زوج ابنتها. قال: واحتجبت [23 ب] عائشة رضي الله عنها من. قيل: إنه لا ينظر إليك. قالت: لكني أنظر إليه. قيل: هل ننظر إلى شعر نساء النصارى وهن ظئرنا لا نجد منهن بدًا؟ قال: ما يعجبني. قال ابن وهب: قال مالك: ولا بأس أن تغسل المرأة في الفضاء بغير مئزر. وأخبرني ابن جريج عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً بالأبواء يغتسل على حوض عريانًا بالبراز، فقال: إن الله حيي يحب الحياء وستير يحب الستر، فإذا اغتسل أحدكم فليتوار.

قيل لمالك: هل يبيت الخدم في لحاف واحد بتعرين؟ فأنكر ذلك. قيل: فيضاجع ابنه ابن ست سنين، ليس بينهما ثوب؟ قال: أحب [إلي] أن يجعل بينه وبينه ثوبًا. قال مالك: ويُكره للمرأة أن تسافر يومًا وليلة ليس معها ذو محرم منها، ولا بأس أن تحج المرأة في جماعة النساء وناس مأمونين ليس منهم ذو محرم. وقد جرى من هذا في باب السفر. قال: وأخوها من الرضاعة ذو محرم. قيل: وابن زوجها؟ فقال: قال الله عز وجل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الآية. قال: فهؤلاء ذوات المحارم، وأما رجل كان أبوه قد طلب امرأته وتزوجت أزواجًا يريد أن يسافر بها. قال: لا أحب ذلك. قيل: فالمرأة لا تجد من يعادلها إلا من ليس بذي محرم منها؟ قال: لا، ونهى عنه.

باب في الطعام والشراب وغسل اليد والأكل بالشمال، وشرب القائم، وغير ذلك من ذكر الطعام والشراب وإتيان الدعوة والضيافة، وذكر ضيافة أهل الذمة، وذكر جلد الميتة وعظامها

قيل: هل يحمل أم ولد أبيه في السفر؟ قال: أما أن يضمها إلى نفسه فلا يعجبني. وقال بعض من يحج: إن المرأة معهم تحتاج من يحملها وليس بمحرم فيضمها، فرأيت أن يتطأطأ حتى تضع رجلها على ظهره، فذلك للضرورة. يريد: لو وجد من ذلك بدًا لم يفعل. قال ابن وهب: ولا بأس أن يُقبل الرجل الصبية الصغيرة بنت ست سنين ونحوها. قال مالكك فيمن وطئ جارية: فلا بأس أن يرسلها إلى السوق في حوائجه، والحرة تخرج في حاجاتها وقد كانت أسماء تقود فرس زوجها الزبير في الطريق وهي حامل. باب في الطعام والشراب وغسل اليد والأكل بالشمال، وشرب القائم، وغير ذلك من ذكر الطعام والشراب وإتيان الدعوة والضيافة، وذكر ضيافة أهل الذمة، وذكر جلد الميتة وعظامها. [24 أ] قال أبو محمد: نهي النبي عليه الصلاة والسلام أن يأكل الرجال بشماله أو يشرب بشماله.

وفي بعض الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل الرطب بالبطيخ هذا في يد وهذا في يد، وكان عليه الصلاة والسلام إذا شرب أعطى من على يمينه. وقال عليه الصلاة والسلام: (سم الله وكل مما يليك). ونهى عليه الصلاة والسلام عن النفخ في الشراب وعن الشرب في آنية الفضة. وروي أنه عليه السلام شرب قائمًا. وقد قال مالك: قد كان عمر [وعثمان] وعلي يشربون قيامًا ولا بأس به عندي. وقال عليه الصلاة والسلام: (المسلم يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة

أمعاء، فهذا تمثيل لكثرة الأكل وقلته، وقيل: إنه رجل واحد مخصوص، وقيل: بل الكافر القليل الأكل لو أسلم لكان أكله أقل لبركة التسمية. وكان عليه السلام لا يأكل الثوم ولا الكراث ولا البصل من أجل أنه كان يكلم جبريل [عليه الصلاة والسلام] ونهى من أكل ذلك أن يأتي المسجد لئلا يؤذي الناس بريحه. قال مالك: ويكره النفخ في الطعام والشراب جميعًا. قيل: أفيأكل ويده يضعها على الأرض؟ قال: إني أتقيه وما سمعت فيه بشيء. قال غيره: وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أما أنا فلا آكل متكئًا).

قيل لمالك: أيأكل الرجل من طعام لا يأكله أهله وعياله ورقيقه ويلبس غير ما يكسوهم؟ قال: أي والله، وأراه في سعة من ذلك ولكن يحسن إليهم. قيل: فحديث أبي الدرداء؟ قال: كان الناس يومئذ ليس لهم هذا القوت. قيل: فمن [أكل] مع أهله وولده أيتناول مما يليهم؟ قال: لا بأس به. قيل: فالقوم في مثل الحرص يأكلون، فيأكل بعضهم من بين يدي بعض، وهو يوسعون له في مثل ذلك؟ قال: لا خير في مثل ذلك، وليس من الأخلاق التي تعرف عندنا، ونهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن القران في التمر. وفي بعض الحديث: (إلا أن يستأذن أصحابه): قال مالك: (ولا خير في القرآن) في التمر: أكل تمرتين في ثلاث في لقمة. قال في موضع آخر: لأنهم شركاء فيه.

وروى ابن نافع عنه أنه إن كان هو أطعمهم فنعم، وفي رواية ابن وهب: إن ذلك ليس بجميل. قال غيره: وكذلك التين. وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أكل [24 ب] التمر تجول يده في الطبق. قال مالك: لا بأس [بالشرب] من في السقاء، وما بلغني فيه نهي. قيل: فمن ثلمة القدح وما يلي الأذن؟ قال: قد سمعت سماعًا، وما علمت فيه بشيء. كأنه يضعفه. قيل: أيغسل يده بالدقيق؟ قال: غيره أحب إليّ منه، ولو فعل لم أر به بأسًا، وقد تمندل عمر [رضي الله عنه] بباطن قدمه. وروى ابن وهب في الجلبان والفول وشبه ذلك أنه لا بأس أن يتوضأ به، ويتدلك به في الحمام، وقد يدهن جسده (في الحمام) والزيت من الشقاق. وفي رواية أشهب: وسئل عن الوضوء بالدقيق والنخالة والفول؟ قال: لا علم لي به ولم يتوضأ به إن أعياه شيء فليتوضأ بالتراب.

وقال: قال عمر: إياكم وهذا التنعم وأمر الأعاجم، وأكره غسل اليدين قبل الطعام وأراه من فعل العجم، وأمر عليه الصلاة والسلام بإتيان الدعوة. قيل لمالك: من دُعي إلى الوليمة أيجب إذا كان فيها شراب؟ قال: ليترك فإنه أظهر المنكر. فقيل: ففيه اللهو والبوق؟ قال: إن كان شيئًا كثيرًا مشتهرًا فأنا أكرهه. قال ربيعة: إنما استحب إتيان الدعوة لثبات النكاح وسماعه، فإن البينة تهلك. وأرخص مالك في التخلف عن الوليمة يكون فيها زحام.

قيل لمالك: فالنصراني يصنع الصنيع فيدعوني أأجيبه؟ قال: ما أحبه، وما أعلم حرامًا. وقيل: إنه تخلف عنه عمر. وسئل عن الدعوة في الختان والصنيع؟ قال: ليس تلك من الدعوات، فإن أجاب فلا بأس، وإنما الإجابة في وليمة العرس. وسئل عما ينثر على الصبيان في خروج أسنان الصبي فينتهبونه؟ قال: لا أحب ذلك إذا كان منتهبًا. قال مالك في حديث النبي عليه الصلاة والسلام في الضيافة: جائزته يوم وليلة، قال: يُحسن ضيافته ويكرمه ويتحفه ويخصه يومًا وليلة، وثلاثة أيام ضيافة، وما بعد الثلاثة صدقة. قال مالك: ومن نزل من مسافر بذمي فلا يأخذ منه [شيئًا] إلا بطيب نفسه. [قيل] فالضيافة التي جُعلت عليهم ثلاثة أيام؟

باب في اللباس وذكر الحرير والخز والمصبغات وثياب الصوف وسدل الإزار واشتمال الصماء، وذكر الخاتم والحلي وآنية الذهب والفضة والانتعال، وذكر الصور والتماثيل، وذكر شكل أهل الذمة

قال: كانوا يومئذ فخفف عنهم. وقال مالك: يقال في جلود الميتة: (كل إهاب دبغ فقد طهر) وإني لأتقيه. قال: ولا بأس بلباس جلود الثعالب [25 أ] إذا ذكيت. قال: وما كان من العظام [ذكيا فلا بأس] به، وما كان من ميتة فلا خير فيه ولا يمتشط بها ولا يدهن فيها. وسئل عن عظام الميتة أيسيل برمادها الفضة؟ قال: لا [ولا ينتفع بشيء من الميتة]. باب في اللباس وذكر الحرير والخز والمصبغات وثياب الصوف وسدل الإزار واشتمال الصماء، وذكر الخاتم والحلي وآنية الذهب والفضة والانتعال، وذكر الصور والتماثيل، وذكر شكل أهل الذمة قال أبو محمد: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (البسوا البياض وكفنوا فيه موتاكم، فإنها من خير ثيابكم). وقال في الذهب والحرير: هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم.

وقال عليه السلام: (لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرًا)، وفي حديث آخر: (ثوبه خيلاء). وقال عليه الصلاة والسلام: (إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين وما أسفل من ذلك ففي النار). ونهى عليه الصلاة والسلام عن اشتمال الصماء. قال مالك: كره للرجل سعة الثوب يلبسه، وأكره طوله عليه. قيل: فلباس الصوف الغليظ؟ قال: لا خير في الشهرة، ولو كان يلبسه تارة وينزعه أخرى لرجوت، فأما المواظبة حتى تعرف ويشتهر فلا أحب، ومن غليظ القطن ما هو في مثل ثمنه وأبعد من الشهرة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام لذلك الرجل: (فليرَ عليك مالك).

وكان عمر يكسو الحلل، وكان يقول: أحب إلي أن أرى القارئ أبيض الثياب. وقال مالك في موضع آخر: لا أكره لباس الصوف لمن لم يجد غيره، وأكرهه لمن يجد غيره، ولأن يخفى من عمله أحب إلي، وكذلك شأن من مضى. قيل: إنما يريد التواضع بلبسه؟ قال: قد تجد من القطن بثمن الصوف. قيل: أفيلبس الرجل القميص الرقيق؟ قال: إذا كان الإزار كثيفًا فلا بأس أن يكون القميص رقيقًا إذا كان قصدًا، ولم يكن على وجه السرف، وأكره لبس الأقبية للوصائف لأنه يخرج أعجازهن. وسئل عن الصماء فقال: أن يشتمل على منكبيه ويخرج يده اليسرى من تحت الثوب ولا إزار عليه، فإن كان عليه إزار فلا بأس به. وقد قال بعد ذلك: لا يعجبني. [25 ب] وسئل عن القلانس؟ قال: قد كانت قديمة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت لخالد

بن الوليد قلنسية فيها من شعر النبي صلى الله عليه وسلم وهي التي قاتل عليها يوم اليرموك. قيل: فالمظال؟ قال: ما كانت من لبس الناس وما أرى بها بأسًا. ويقال: إن أول من جعل المحامل الحجاج. وسئل مالك عن التقنع بالثوب. قال: إن كان لحر أو برد أو لغيره من العذر فلا بأس به، وأما لغير ذلك فلا، وكان أبو النضر يلزمه لحر يجده. قال: ورأت سكينة أو فاطمة بنت الحسين بعض ولدها متقنعًا رأسه، [فقالت]: اكشف عن رأسك، فإن القناع ريبة بالليل ومذلة بالنهار.

قال مالك: وأكرهه لغير عذر، وما علمت حرامًا، ولكن ليس من لباس خير الناس. ونهى عمر النساء عن لبس القباطي، وقال: إن لم يشف فإنه يصف. قال مالك: يريد يلصق بالجسد. وجرى من هذا المعنى في باب ستر العورة. قال مالك: العمة والاحتباء والإنتعال من عمل العرب، وليس في العجم، وكانت العمة في أول الإسلام ثم لم تزل حتى كان هؤلاء القوم ولم أدرك أحدًا من أهل الفضل إلا وهم يعتمون: يحيى بن سعيد، وربيعة وابن هرمز، وكنت أرى في حلقة ربيعة أحدًا وثلاثين رجلاً معتمين وأنا منهم، وكان ربيعة لا يدعها حتى تطلع الثريا، وكان يقول: إني لأجد العمة تزيد في العقل. قيل: فُيرخي بين الكتفين؟ قال: لم أر أحدًا ممن أدركت يُرخي بين كتفيه ولكنه يرسل بين يديه،

ولست أكره إرخاءها من خلف لأنه حرام، ولكن هذا أجمل، وكان من أدركت يفعله إلا عامر بن عبد الله فإنه كان يرخي بين كتفيه، وقال: رؤي جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبي، وقد أسدل من عمامته بين كتفيه. وأكره أن يعتم ولا يجعل منها تحت ذقنه، فأما من يفعل ذلك في بيته وعند اغتساله ومرضه فلا بأس به. قال مالك في النعل: أحب إلى المدور المختصر، ويكون له عاقب ومؤخر. قال: رأيت نعل النبي عليه الصلاة والسلام إلى التقدير ما هي، وهي مختصرة تخصيرها من مؤخرها ومعقبة من خلفها، وكان لها [زمامان] في كل نعل. قال مالك: ولا بأس بالانتعال قائمُا، ولا يمشي في نعل واحد إلا أن يكون أقطع الرجل [26 أ] وأكره التختم في اليمين.

وقال: إنما يأكل ويشرب ويعمل بيمينه فكيف يريد أن يأخذ باليسار ثم يعمل؟ قيل: فيجعل فصه إلى الكف؟ قال: لا. قيل: فيجعل الخاتم في اليمين للحاجة يذكرها أو يربط خيطًا في إصبعه؟ قال: لا بأس بذلك. وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام تختم بخاتم فضة حبشي. وروي أنه عليه الصلاة والسلام تختم بفص عقيق. وروي أنه كان نقش خاتمه: محمد رسول الله، وقيل: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وكان يطبع به كتبه. ومن شأن الخلفاء والقضاة نقش أسمائهم في خواتمهم. ويقال: كان نقش فص مالك (حسبي الله ونعم الوكيل). وقال مالك: ولا خير في أن يكو نقش فصه تمثالاً. قيل: فإن كان فيه ذكر الله ويلبسه في الشمال أيستنجي به؟ قال: أرجو أن يكون خفيفًا.

قيل لمالك: فالمنطقة من شأن العجم، هل يشدها على ثياب إذا أراد سفرًا؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس، وأكره أن يجعل في فصه مسمارًا من ذهب أو يخلطه بحبة أو حبتين من ذهب لئلا يصدأ. ولا بأس بربط الأسنان بالذهب. قال: أفبلغك أن بعض الصحابة ذهب أنفه فاتخذ أنفًا من ذهب؟ قال: لا وكره للمرأة الدبلج من الحديد. قال: وبلغني أن عائشة كرهته، وكان إذا رأت في رجل صبي خلخال حديد أمرت بطرحه. قال مالك: ولا أحب أن يُدهن أو يُستجمر أو يؤكل أو يُشرب في آنية الفضة أو في قدح مضبب بفضة أو فيه حلقة فضة، وكذلك المرآة (... ها) حلقة فضة، وأكره القرط من الذهب للغلمان الصغار. وفي رواية أخرى: أنه كره الذهب للغلمان. قيل: أترجو أن يكون خفيفًا؟

قال: أرجو. وأكره لبس الحرير للصبيان. قال مالك: ولا يُلبس الحرير في الغزو ولا في غيره، وما علمت أحدًا يُقتدى به لبسه في الغزو. قيل: فلبس الخَز؟ قال: ما أعلم حرامًا وغيره أعجب إلى منه، ولا يعجبني لباس الثوب سداه حرير وكذلك السيحان الإبريسمية. قيل: فملاحف أعلامها حرير قدر إصبعين؟ قال: لا أحبه، وما أراه حرامًا. وفي رواية أخرى: لا بأس بالخيط الرقيق. وروي ابن بكير عن مالك: أنه [26 ب] لا بأس أن يُحرم الرجل في الثوب فيه قدر الإصبع من الحرير. قيل: فالركوب بصفة الأرجوان؟

قال: ما أعلم حرامًا. قال: وكان عطاء بن يسار يلبس الرداء والإزار بالزعفران ورأيت ابن هرمز يفعله ومحمد بن المنكدر يفعله، ورأيت في رأسه الغالية. [قال] ورأيت عامر بن عبد الله وربيعة وهشام بن عروة يفرقون شعورهم، وكانت لهم شعور. قال ربيعة، رأيت مشيخة بالمدينة، وإن لهم الغدائر وعليهم الممصر والمورد وفي أيديهم المخاصر وآثار الحناء كهيئة الفتيان ودين أحدهم أبعد من الثريا إذا أريد دينه. قال مالك: وما كان من التماثيل والصور في الطست والإبريق

والأسرة والقباب فإن كانت خرطت خرطًا فهي أشد، وبلغني أن أول ما اتخذت الصور في موت نبي فصور لهم ليأنسوا بصورته، فما زال ذلك حتى صار إلى أن عُبدت. قال ونزع أبو طلحة الأنصاري نمطًا من تحته لتصاوير فيه لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في التصاوير فقال له سهل بن حنيف: أولم تقل إلا ما كان رقمًا في ثوب؟ قال: (بلى، ولكنه أطيب لنفسي). قال أبو سلمة: كل ما يوطأ ويُلبس فلا بأس به. قال مالك: وتركه أحب إلي، ومن ترك ما فيه رخصة غير محرم له فلا بأس عليه. وأكره أن يشتري الرجل لابنته الصور وأن يُجعل في فص خاتمه التماثيل. قال مالك: أرى أن يُلزم النصارى المناطق وقد كان يُفعل بهم ذلك

باب في الطب والاكتواء والتعالج والرقي والتعوذ وذكر التمائم والطيرة وذكر العين والطاعون وعلاج الجان وذكر النجوم

قديمًا، وأرى أن يُلزموا الصغار، وكتب عمر أن يُركبوا على الأكف عرضًا. باب في الطب والاكتواء والتعالج والرقي والتعوذ وذكر التمائم والطيرة وذكر العين والطاعون وعلاج الجان وذكر النجوم قال أبو محمد: قال الرسول عليه الصلاة والسلام للرجلين اللذين عالجا الجريح: أيكما أطب؟ وقال: أنزل [الدواء] الذي أنزل الأدواء. واكتوى سعد بن زرارة من الدبحة واكتوى عبد الله بن عمر من اللقوة ورقي من العقرب.

وروي أن عمر حمى مريضًا، قال: فحماني عمر حتى إن كنت لأمص النوى من الجوع. وأمر النبي عليه الصلاة والسلام بالاسترقاء من العين والوضوء لذلك. قال مالك: وأرى للإمام أن ينهى هؤلاء الأطباء عن الدواء إلا طبيبًا معروفًا، ولقد قال لي ربيعة: لا تشرب من دوائهم إلا شيئًا تعرفه، وإني بذلك لمستوص. وسئل عن الحامل يوصف لها شراب؟ قال: أما ما لا تخاف منه فلا بأس به، وأما ما يُتخوف منه فلا. قال ابن وهب: كره يحيى بن سعيد الشراب لمنع الحبل. قال ربيعة: من ألبس امرأته خرزة لكي تحبل أو لكي لا تحبل فهذا من الرأي المسخوط. قيل لمالك: هل تُغسل القرحة بالبول أو الخمر؟ قال: إذا طهرها بعد ذلك بالماء فنعم، وإني لأكره الخمر في الدواء

وغيره، وبلغني أنه إنما يُدخل هذه الأشياء من يريد الطعن في الدين، والبول عندي أخف. وفي رواية ابن القاسم أنه كره التعالج بالخمر وإن غسله بالماء. قال: وبلغني أن ابن عمر أخبره غلامه أنه عالج به جملاً فكره ذلك. قال مالك: ولا يشرب بول الإنسان ليُتداوى به، ولا بأس بشرب أبوال الأنعام الثمانية التي ذكرها الله سبحانه. قيل له: كل ما يؤكل لحمه؟ قال: لم أقل إلا أبوال الأنعام، ولا خير في بول الأُتن. قيل له: فالشاة تحلب فتبول في الإناء؟ قال: لا بأس به. قيل: فيكتب للمحموم القرآن؟

قال: لا بأس به، ولا بأس أن يُرقى بالكلام الطيب ولا بأس بالمعاذة تُعلق وفيها القرآن وذكر الله إذا حرز عليها جلد. قيل: إنهم يعقدون في الخيط الذي يربطون به؟ قال: لا خير فيه. قيل: ويكون في المعاذة خاتم سليمان؟ قال: لا خير في ذلك. قيل: فهل تَرقي الراقية وبيدها حديد؟ قال: أكره ذلك. قيل: فبالملح؟ قال: هو أخف. وفي رواية أخرى: نرقي بالحديد والملح؟ فكره ذلك كله. والعقد في الخيط أشد كراهية. وأمر النبي عليه الصلاة والسلام بالاسترقاء من العين، وقالت عائشة كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيده رجاء بركتها. وقال لعثمان بن أبي العاص وبه وجع: امسحه بيمينك، وقل: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد. ومما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [27 ب] في رجل عسر عليه البول: (ربنا الله

الذي في السماء تقدس اسمك أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، واعف عنا حوبنا وخطايانا أنت رب العالمين فأنزل شفاء من شفائك ورحمة من رحمتك على هذا الوجع). قيل لمالك: فهل تُعلق الخرزة من الحمرة؟ قال: أرجو أن يكون خفيفًا. [قيل: والشيء ينجم تحت السماء ويجعل عليه حديدة؟ قال: أرجو أن يكون خفيفًا] وسئل عن النشرة بالأشجار والأدهان؟ قال: لا بأس بذلك، وبلغني أن عائشة شجرت فقيل لها في منامها: خذي من ماء من ثلاثة آبار يجري بعضها إلى بعض واغتسلي به ففعلت فذهب عنها ما كانت تجد. قال ابن وهب: لا أكره رقية أهل الكتاب، وآخذ بحديث أبي بكر إذا قال: ارقها بكتاب الله، ولم يأخذ بكراهية مالك في ذلك. قال الليث: لا بأس أن يعلق على النفساء والمريض الشيء من القرآن

إذا حرز عليه أدم، أو كان في قصبة وأكره قصبة حديد، ورأيت في بعض الحديث: يكتب للحامل يعسر عليها ولدها: حَنى ولدت مريم، مريم ولدت عيسى، أخرج يا ولد، الأرض تدعوك أخرج يا ولد. قال صاحب الحديث: فلربما كانت الشاة ما خضًا فأقوله فما أبرح حتى تضع. قال مالك: ولا بأس بالاكتواء وقد اكتوى ابن عمر من اللقوة وسعد ابن زرارة من الذبحة. وكان النبي عليه الصلاة والسلام يكره الطيرة ويعجبه الفال الحسن ويكره سيء الأسماء، وقال: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر) وخيرها الفال والعين حق. وقال عليه الصلاة والسلام: (الشؤم في الفرس والمرأة والمسكن). وفي حديث آخر: (إن كان الشؤم ففي ثلاث: ثم ذكر هذا). وقال للرجل في الدار التي ذهب فيها وأهله وما له: (دعوها ذميمة).

وروي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لو كان شيء سبق لسبقته العين). وقال عليه الصلاة والسلام لعامر حين نظر إلى سهل بن حنيف فوعك: (علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت له [إن العين حق، توضأ له]). وفي حديث آخر: (اغتسل له)، فغسل له عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح ثم صب عليه. فراح [28 أ] سهل مع الناس ليس به بأس. قال مالك: داخلة الإزار: التي تحت الإزار مما يلي الجسد. وقال ابن نافع: الطرف الداخل المتدلي. قال ابن حبيب: الذي يضعه المؤتز أولاً على حقوه الأيمن. قال ابن حبيب: وقال الزهري: يؤتَى العاين بقدح فيه ماء فيدخل فيه كفه فيتمضمض ثم يمسحه في القدح ثم يغسل وجهه في القدح ثم يدخل يده اليسرى فيصب [بها] على يده اليمنى ثم يصب باليمنى على اليسرى ثم يصب بيده اليسرى على مرفقه الأيمن ثم بيده اليمنى على مرفقه الأيسر، وبيده اليسرى على قدمه اليمنى ثم بيده اليمنى على قدمه اليسرى ثم بيده اليسرى على ركبته اليمنى، ثم بيده اليمنى على ركبته اليسرى، كل ذلك في القدح، ثم يغسل داخلة إزاره في القدح، ولا يوضع القدح بالأرض، ثم يصب على رأس

المعين من خلفه صبة واحدة تجري على جسده. وسئل مالك عمن به لمم، فقيل له: إن شئت أن تقتل صاحبك قتلناه. قال: لا علم لي بهذا، وهذا من الطب. قال: وكان معدن لا يزال يصاب فيه إنسان من قبل الجن فشكوا ذلك إلى زيد بن أسلم فأمرهم بالأذان، يؤذن كل إنسان، ويرفعون به أصواتهم، ففعلوا فانقطع ذلك عنهم وسئل مالك عمن ينظر في النجوم فيقول: [يكسف] بالشمس غدًا، ويقدم فلان، ونحوه؟ قال: أرى أن يزجر، فإن انتهى وإلا أدب أدبًا شديدًا، والذي يعالج علم الغيب كاذب ولو علم ذلك أحد لعلمته الأنبياء، وقد جُعِلَ للنبي عليه الصلاة والسلام سم في شاة فلم يعلم حتى تكلمت. قيل لمالك: أتكره إدامة النظر إلى المجذوم؟ قال: أما في الفقه فما سمعت فيه بكراهية، وما أرى ما جاء في ذلك من النهي إلا خيفة أن يُفزعه أو يخوفه.

بشيء يقع في نفسه. قال النبي عليه السلام في الوباء: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه). وسئل مالك عن البلد يقع فيه الموت وأمراض: هل يكره الخروج إليه؟ قال: ما أرى بأسًا خرج أو قام. قيل: فهذا شبه ما جاء به الحديث من الطاعون؟ قال: نعم.

باب في اتخاذ الكلاب وتعليق الحرز والجرس على الدواب، وفي وسم الدواب، وذكر الخصي والفحلة، وذكر الحيات والذر والنمل ونحوه

[28 ب] باب في اتخاذ الكلاب وتعليق الحرز والجرس على الدواب، وفي وسم الدواب، وذكر الخصي والفحلة، وذكر الحيات والذر والنمل ونحوه قال أبو محمد: نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن اتخاذ الكلاب لغير ضرع ولا زرع، وأمر عليه السلام بقتل الكلاب. قيل لمالك: أتقتل الكلاب؟ قال: نعم يقتل ما يؤذي منها، وما يكون منها في موضع لا ينبغي أن يكون فيه مثل قيروان الفسطاط فلا. قيل: فأهل الريف يتخذون كلابًا في دُورهم لما فيها من الدواب؟ قال: لا أرى ذلك، إنما الحديث لضرع أو زرع، ولم أره يشبه العايط، وما يكون من المواشي في الصحاري، وما ما جُعِل في الدور فلا يعجبني، قيل: يخاف اللصوص: يفتحون الأبواب ويخرجون الدواب؟ قال: لا يعجبني. قال ابن القاسم: إلا أن يكون يسرح معها في الرعي وينقلب.

قيل لمالك: فالمسافر يتخذ كلبًا لحراسته؟ قال: ما يعجبني. قيل: فالنخاسون الذين يُرتعون دوابهم فيتخذون الكلاب. قال: هي من المواشي. قيل: فيتخذ الحاضر كلبًا يصيد به. قال: إنما ذلك لمن يتخذه لعيشه لا للهو. قال: ولا بأس باتخاذ الكلب للمواشي كلها، ولكن بغير شراء وإني لأكره شراءه. وقال ابن كنانة وغيره: لا بأس باشترائه لما يجوز اتخاذه له. قيل لمالك: أتعلق الأجراس في أعناق الإبل والحمير؟ فكره ذلك. قيل: فالقلائد.

قال: ما سمعت فيها بكراهية إلا في الوتر. قال مالك: ولا بأس بوسم الدواب، ما لم يكن في الوجه فإنه يُكره ولا بأس (به) في الأذن للغنم لأن صوف جسدها يغيب السمة، وأما الإبل والبقر فتُوسم في غير ذلك من جسدها إذ ليست أوبارها وأشعارها كالضأن والمعز. قيل: أرأيت قومًا لهم سمة قديمة، فأراد رجل أن يتخذ مثلها. قال: ليس له ذلك؛ لأنه يلبس عليهم وهم يطلبون بها ضوا لهم وما هلك من إبلهم. وسئل من المهماز للدابة ربما يدميها؟ قال: أرجو أن يكون خفيفًا. قال مالك: كان عمر يكره الخصاء ويقول فيه: تمام الخلق. قال مالك: ولا بأس بخصاء الأنعام، وهو صلاح للحومها، وأكره خصاء الخيل، وسمعت أن ذلك يكره فيها ولا بأس [29 أ] بخصاء ما سواها من البغال والحمير وغيرها.

قال مالك: وإذا كلب الفرس وامتنع فلا بأس أن يخصى. قال: ولا بأس بإنزاء حمار على فرس عربية، ولا بأس في الحجور والرمك إذا عسر رحمها أن يسطو الرجل عليها بيده فيخففها. قيل: فإذا خبث الفحل، هل ينزى عليه ذكر مثله ليكسره؟ قال: ما أعلمه حرامًا، وما هو بالأمر الحسن. قال: وأكره حملان الصبيان الصغار على الخيل يجرونها للرهان. ولا بأس بما يعلق على الخيل من الخرز إذا كان للزينة. وسئل مالك عن حيات البيوت تظهر أتؤذن ثلاثًا؟ قال: إنما جاء الحديث في المدينة، وأرى ذلك حسنًا في غيرها.

وقال في الحية توجد في الصحراء: إنها تُقتل؟ ولا يتقدم إليها في البيوت. قال: وأكره قتل القمل والبراغيث بالنار وهذه مُثله، وأكره قتل الذباب والذر في الحرم أو في الإحرام. قيل: فقتل الذر الكثير أو النمل للحلال يؤذيه. قال: ما يعجبني. قال: إن قدرتم أن تمسكوا عنها، فافعلوا، فإن أضرت بكم ولم تقدروا على تركها فأرجو أن يكون من قتلها في سعة. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل [الأوزاغ]. وروي أنه نهى عن قتل الضفادع.

باب في الرفق بالمملوك والبهيمة، وذكر في النساء، وفي حفظ الجار، واليتيم، واحتساب المصيبة، وذكر في البنات، وذكر البضع

باب في الرفق بالمملوك والبهيمة، وذكر في النساء، وفي حفظ الجار، واليتيم، واحتساب المصيبة، وذكر في البنات، وذكر البضع. روي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أوصيكم بالضعيفين المرأة والمملوك). قال مالك: وقال عليه الصلاة والسلام: (للمملوك طعامهُ وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق). قيل لمالك: أكان عمر يخرج إلى الحوائط يخفف عمن أثقل عليه من الرقيق في عمله، ويزيد في رزق من أقل رزقه؟ قال: نعم، وفيمن يعمل من الأحرار ما لا يطيق. قيل: إن الولاة يأمرون أن يخفف عمن مر ببعير أو بغل مثقل؟ قال: قد أصابوا، ويكره ما أحدثوا من إجهاد الرقيق في

عمل الزرانيق. قيل: فمن له عبيد يحصدون نهارًا أيستطحنهم ليلاً؟ قال: أما العمل الذي لا يتعبهم بالمعروف [29 ب] فلا بأس به، وإذا كان في عمل تعب بالنهار فلا يستطحن بالليل. قيل: فالعبد يشكو العزبة فيسأل السيد ويقول: وجدت موضعًا؟ قال: ليس ذلك عليه، ولو كان هذا له لقالته الخادم. وليس على السادة بيع العبيد إلا أن يضروا بهم. قيل: فالعبد يريد الرجل شراءه فيسأله بالله أن لا يشتريه. قال: أحب إلي أن يدعه، وأما أن يحكم عليه فلا. قيل: فهل كره أحد بالمدينة أن يقول لسيده يا سيدي؟ قال: لا، قال الله سبحانه: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] وقال عز وجل: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39]؟ قيل: يقولون: السيد هو الله. قال: أين تجدونه في كتاب الله، وإنما في القرآن: ربنا: ربنا: ورب

اغفر لي ولوالدي. قيل: أيكره أن يدعو يا سيدي؟ قال: يدعو بما في القرآن أحب إلي، ودعاء الأنبياء. قال: ولا بأس بسرعة السير في الحج على الدابة وأكره المهاميز ولا

يصلح الفساد وإذا أكثر من ذلك خرقها، وقد مر بالنبي عليه السلام حمار قد كوي في وجهه فعاب ذلك. وسئل مالك بعد ذلك، وقيل له: ينخسها حتى يدميها؟ قال: لا بأس بذلك. قيل: أيأكل من طعام لا يأكل منه عياله ورقيقه ويلبس ثيابًا لا يكسوهم مثلها؟ قال: أراه من ذلك في سعة، ولكن يكسوهم ويطعمهم بالمعروف. قيل: فحديث أبي الدرداء؟ قال: كانوا يومئذ ليس لهم هذا القوت. قال مالك: وأكره أن يُسأل الرجل عما أدخله منزله من الطعام. قال مالك: ولا ينبغي أن يفاحش المرأة ولا يكثر مراجعتها ولا تردادها. قال عمر بن الخطاب: ما من ناقصات عقل ودين أغلب للرجال ذوي اللب على أمورهم من النساء. وروي أنها خلقت من ضلع أعوج فإن أقمتها كسرتها، وكسرها طلاقها، وإن تركتها (استمتعت) منها على عوج. وروي أن إبراهيم عليه السلام شكا سارة إلى الله عز وجل فأوحى الله إليه: البسها على ما كان فيها ما لم تكن خُربة في دينها.

قال مالك فإن الرسول عليه الصلاة والسلام سأله رجل: أأكذب لامرأتي؟ قال: (لا خير في الكذب). قال: فأعدها وأقول لها؟ قال: (لا جناح عليك). وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من كان يؤمن بالله واليوم [30 أ] الآخر فليكرم جاره). وأنه قال عليه الصلاة والسلام: (مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه). وقال عليه الصلاة والسلام: (أنا وكافل اليتيم له أو لغيره إذا اتقى في الجنة كهاتين). وروي في الحديث أن الله سبحانه ليقدس بيتًا فيه يتيم يكرم. وقال: كن لليتيم [كالأب الرحيم]. ومن الأجر في اليتيم أن يؤدب بالمعروف على [منافعه].

وقال عليه السلام: (لا تصيب المؤمن مصيبة حتى الشوكة يشاكها أو النكبة ينكبها أو شدة الكظم [حين] يوجد به إلا والله [تعالى] يكفر بها عنه). وفي بعض الحديث: (من أصيب بمصيبة فاحتسب، فله من الله صلوات ورحمة)، وهذا كما قال الله سبحانه: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 156]. وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من ابتلي من البنات بشيء فأحسن صحابتهن كن له سترًا من النار). وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يموت لأحدكم من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلا كانوا له جُنة من النار، قيل له يا رسول الله أو اثنان؟ قال: [واثنان]). وفي حديث آخر: (ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم).

باب في السفر وسفر المرأة وركوب البحر والتجارة إلى أرض العدو

قال مالك: والأشد: الحلم، وقيل ثلاثون سنة. قال: وبلغني أن البضع: ما بين الثلاث إلى التسع. وقد طرح يوسف عليه السلام (في السجن) وهو غلام. وقد روي غيره أنه كان ابن تسع عشرة سنة. وقال الله سبحانه: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [يوسف: 15]. باب في السفر وسفر المرأة وركوب البحر والتجارة إلى أرض العدو قال أبو محمد: قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهة سفره فليعجل إلى أهله). وكان عليه الصلاة والسلام إذا وضع رجله في الغرز يقول: (بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر (اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم أًزو لنا الأرض وهون علينا السفر، اللهم إني أعوذ بك

من وعثاء السفر) وكآبة المقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال). وقال عليه الصلاة والسلام: الواحد شيطان [30 ب] والاثنان شيطانان، والثلاثة ركب. وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الشيطان يهم بالواحد (والاثنين) وإذا كانوا ثلاثة لم يهم (بهم))، يريد: في السفر. وقال عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسير الليل فإن الأرض تطوى فيه ما لا تطوى بالنهار). وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر يومًا وليلة إلا مع ذي محرم منها).

ونهى عليه السلام أن نسافر [بالقرآن] إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو. وسئل مالك عن الخروج إلى أرض العدو للتجارة. قال: أرى أن يمنعوا من ذلك. وبلغني عن سحنون أنه قال: من ركب البحر في طلب الدنيا إلى أرض العدو، فتلك جرحه. قيل لمالك: أتسافر المرأة إلى مكة مع غير ولي؟ قال: تخرج في جماعة وناس مأمونين لا تخافهم على نفسها، يريد: إنما النهي في سفرها في غير الفريضة مع غير ذي محرم منها. قال مالك: من قدم من سفر ليلاً فلا بأس أن ينتاب أهله تلك الساعة. قال مالك: كان عبد الوهاب بن بخت لم يكن أحد أولى بما في رحله من رفقائه. قال مالك: سأل عمر بن الخطاب عمرو بن العاص عن البحر، فقال: خلق قوي يركبه خلق ضعيف، دود على عود، إن ضاعوا هلكوا، وإن بقوا

باب في الأسماء والكني والأنساب، وذكر الرؤيا

فرقوا، فقال عمر: لا أحمل فيه أحدًا [أبدًا]. وأستأذنه معاوية في ركوبه، فأبى أن يأذن له واستأذن بعد ذلك عثمان فأبى عليه، فلما ردد عليه كتب إليه: إن كنت تركبه بأهلك وولدك فاركبه، فركبه بامرأته، فكان عثمان أول من حمل فيه. ثم إن عمر بن عبد العزيز اتبع فيه أمر (عمر بن الخطاب) فلم يحمل فيه أحدًا حتى (مات). باب في الأسماء والكني والأنساب، وذكر الرؤيا قال أبو محمد: روي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله قد أذهب عنكم عُبية الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي أو فاجر شقي، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب). وذكر للنبي عليه الصلاة والسلام (رجل يعلم) أنساب الناس فقال: علم لا

ينفع، وجهالته لا تضر. وذكر عن عمر أنه قال: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم. وقال عليه الصلاة والسلام [31 أ]: (خير الأسماء عبد الله وعبد الرحمن). وكان عليه الصلاة والسلام يكره سيء الأسماء مثل حرب ومرة وجمرة وحنظلة، وأبدل عليه الصلاة والسلام اسم غير واحد ممن أسلم. قال مالك: ولا ينبغي أن يتسمى الرجل بياسين ولا بمهدي ولا بجبريل. قيل: فالهادي؟ قال: هذا أقرب لأن الهادي هادي الطريق. قال مالك: ولا بأس أن يكنى الصبي قبل بلوغه. قال: وإنما يسمى المولود يوم سابعه. قال: ومن أسلم من النصارى فلا بأس أن يغير اسمه ولكن لا ينسب إلى غير أبيه أو يقول ابن عبد الله أو أبي عبد الرحمن. قال: وما علمت بأسًا أن يتسمى بمحمد ويكنى أبا القاسم. قال: وأهل مكة يتحدثون: ما من بيت فيه اسم محمد إلا رأوا خيرًا أو رزقوا. قال: وأكره أن ينسب أحد حتى يبلغ آدم، ولا إلى إبراهيم.

قال: ومن يخبره من بينه وبين إبراهيم؟ وأكره أن يبلغ في أنساب الأنبياء كلهم وليس الأنبياء [صلوات الله عليهم] كغيرهم: يقول إبراهيم بن فلان بن فلان، من يخبره بهذا؟ قال مالك: وربما كان اسم الرجل كنيته، وكان أبو سلمة وغيره اسم أحدهم كنيته. قال مالك: كان علي بن الحسين والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بني أمهات أولاد .. قال مالك: وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات قالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: (الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو تُرى له جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة). وقال عليه الصلاة والسلام: (الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان). فإذا رأى أحدكم شيئًا يكرهه: فلينفث عن يساره ثلاثًا مرات إذا استيقظ وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره إن شاء الله). قيل لمالك: أفيفسر الرؤيا كل أحد؟ قال: أبالنبوة يلعب؟

باب في ذكر الشعر والغناء واللهو والنرد والشطرنج، وذكر السبق والرمي

قال مالك: لا يعبر الرؤيا إلا من أحسنها، فإن رأى خيرًا أخبره، وإن رأى مكروهًا فليقل خيرًا أو ليصمت. قيل: فهل يُعبرها على الخير وهي عنده على المكروه بقول من قال: إنها على ما أولت؟ قال: لا، والرؤيا من أمر النبوة، فيتلاعب بأمر من أمر النبوة، وقد قال الصديق (رضي الله عنه) في رؤيا عائشة لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أحد أقمارك [31 ب] وهو كبيرها وتلك العبارة عنده، وكره أن يتكلم أولاً، وقال خيرًا ولو كان أحد ينبغي أن يصرف التأويل إلى غير وجهه لابتغى لصرف ذلك أبو بكر بتأويل يقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يرَ ذلك جائزًا، وقال: خيرًا إن شاء الله. وسكت. باب في ذكر الشعر والغناء واللهو والنرد والشطرنج، وذكر السبق والرمي. قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن من الشعر [حكمة]، وإن من البيان لسحرًا). وقال: (لأن يمتليء جوف أحدكم قيحًا خير له من أن يمتليء شعرًا).

وقال: (ما قال أحد بيتًا من شعر مثل الذي قال: [طويل]. (ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل). وقال عليه الصلاة والسلام: (لست من دَدٍ ولا دَدٌ) يعني: اللهو واللعب. وسئل مالك عن إنشاد الشعر، قال: يُخفف منه ولا يكثر، ومن عيبه أن الله سبحانه يقول: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69]. قال مجاهد: في قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6]، قال: الغناء. وقال القاسم: الغناء من الباطل. وسئل مالك عن ضرب الكَبَر وعن المزمار ينالك سماعه وتجد له

لذنه في طريق أو مجلس؟ قال: فليقم إذ التذ لذلك، إلا أن يكون جلس لحاجة أو لا يقدر أن يقوم، وأما الطريق فليرجع أو يتقدم. قيل: فالصنيع فيه اللهو؟ قال: لا يصلح لذي الهيبة أن يحضر اللعب. قيل: فاللهو فيه البوق؟ قال: إذا كان كثيرًا مشهورًا فلا أحبه. قال: ولا بأس بالدف في العرس. قال أصبغ: وهو الغربال مكشوف من ناحية. وفي الكبر في العرس بعض الرخصة. وفي باب إجابة الدعوة شيء من هذا المعنى. وقال الحسن: إن كان في الوليمة لهو فلا دعوة لهم. وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من لعب النرد ففيه غضب الله ورسوله). وكره مالك كل ما يُلعب به من النرد والأربعة عشرة وكره الشطرنج وقال: هي ألهى وأشر.

قيل: أفيسلم على القوم يلعبون بها؟. قال: نعم، هم أهل الإسلام. [32 أ] وإذا بولغ في هذا ذهب كل مذهب، ولا تقبل شهادة من أدمن عليها. وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا سبق إلا في حافر أو خف أو نصال). قال ابن المسيب: لا بأس برهان الخيل إذا دخل فيها محلل. قال: ولا بأس أن يتراهن الرجلان يجعل هذا سبقًا وهذا سبقًا ويجعلا معهما ناسًا لا تجعل شيئًا، فإن سبق أخذ وإن سبق لم يكن عليه شيء، ولا يقول به مالك. والذي يحل عند مالك أن يجعل الرجل سبقًا خارجًا كسبق الإمام، من سبق فهو له، ولا بأس أن يجري معهم الذي يجعل السبق فرسه فإن جاء سابقًا كان السبق للمصلي إن كان خيلاً كثيرة، وإن لم يكن إلا فرسان فسبق واضع المسبق فالسبق طعم لمن حضر ذلك. وروي عنه أيضًا أنه لا بأس أن يشترط صاحب السبق إن سبق أخذ ذلك السبق، وإن سبق هو أحرز سبقه (والأول يكون سبقه) خارجًا سبق

باب في الهجرة والمغازي والتاريخ

هو أو سبقه غيره. وكذلك الرمي يصل. والمصلي: هو الثاني من السابق، سُمي بذلك لأن ححفلته على صلا السابق وهو أصل ذنبه، ويقال للعاشر: السكيت، وما بعد الثاني إلى التاسع لا يسمى إلا تسمية العدد. باب في الهجرة والمغازي والتاريخ قال أبو عبد الله: وهذا الباب منه ما حُفظ عن مالك وأكثره من غيره من أهل العلم بالمغازي والتاريخ. قالوا: أقام رسول الله عليه الصلاة والسلام ثلاث عشرة سنة صابرًا على أذى المشركين وتندر المستهزئين، واشتد البلاء على أصحابه حتى أذن لبعضهم في الهجرة إلى أرض الحبشة. ثم كانت أول آية نزلت على النبي عليه الصلاة والسلام في الجهاد قول الله سبحانه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39] ... الآيات.

ثم أنزلت: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة: 193]، الآيات. فلما أذن الله له في الحرب وبايعه الأنصار بالعقبة أمر رسول الله أصحابه بالخروج إلى المدينة مهاجرين، فخرجوا متهافتين وأقام النبي عليه الصلاة والسلام بعدهم ينتظر أن يأذن الله في الهجرة، ولم يتخلف معه أحد من المهاجرين إلا من حُبس أو فُتن إلا أبو بكر وعلي فكلما [32 ب] استأذن أبو بكر رسول الله قال: لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحبًا، فرجا أن يكون أبو بكر هو، فابتاع راحلتين فأعدهما لذلك وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطئه أن يأتي بيت أبي بكر طرفي النهار فلما كان يوم أذن الله له في الهجرة فأتى أبا بكر في الهجرة فلما رآه أبو بكر قال: ما جاء هذه الساعة إلا لأمر حدث، فلما دخل تأخر له عن سريره فجلس فأعلمه عليه الصلاة والسلام أن الله أذن له في الهجرة، فقال أبو بكر: الصحبة يا ر سول الله، قال: الصحبة، فبكي أبو بكر فرحًا وأعلمه استعداده الراحلتين لذلك، فبعثاهما مع عبد الله بن [أرقط] يرعاهما ولم يعلم خبر الهجرة إلا أبو بكر وعلي، قال أبو بكر: وأمر عليًا أن يتخلف بعده

ليرد الودائع التي كانت عنده، ثم خرج هو وأبو بكر من خوخة في ظهر بيته إلى غار بثور وهو جبل بأسفل مكة فدخلاه ليلاً وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يسمع ما يقول الناس ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه ثم يريحها إلى الغار إذا أمسى. وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام إذا أمسيا فأقاما بالغار ثلاثة أيام. وجعلت قريش فيه مائة ناقة، حتى إذا سكن الناس عنهما بعد ثلاث أتاهما ذلك الذي استأجراه بالراحلتين، وأتت أسماء بالسفرة ونسيت أن تجعل لها غطاء فجعلت نطاقها فسُميت ذات النطاقين: فلقد شقت نصفه وتنطقت بنصفه وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الراحلتين، ولم يأخذها إلا بالثمن، وأردف أبو بكر مولاه عامر بن فهيرة ليخدمهما في الطريق. ودليلهما عبد الله بن (أرقط). قال مالك: اسم دليلهما رقيط وكان كافرًا. وقال موسى بن عقبة: اسمه أريقط.

واتبعهما سراقة بن مالك بن جعشم على فرسه، جعل المشركون في رده مئة ناقة. قال سراقةك فلما بدا لي القوم عثر بي فرسي فذهبت يداه في الأرض وسقطت عنه، [ثم انتزع] يده من الأرض وتبعها دخان كالإعصار، فعرفت حين ذلك أنه قد مُنع مني (فناديت القوم فقلت): أنا سراقة انتظروني [33 أ] أكلمكم [فوالله لا أريبكم]، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي بكر: ([قل له] ما يريد)؟ فسألني، قلت: تكتب لي كتابًا، فأمر أبا بكر أن يكتب لي في عظم أو رقعة ثم ألقاه فتلقيته به يوم فتح مكة بالجعرانة. قال مالك: وإنما يُحسب التاريخ من مقدم رسول الله المدينة. قال عروة بن الزبير: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقُبا يوم الاثنين من هلال شهر ربيع الأول حين اشتد الضحى. قال موسى بن عقبة: يوم الاثنين لهلال شهر ربيع الأول، قالوا: فنزل في حرة بني عمرو بن عوف من الأنصار على سعد بن خيثمة.

ويقال: على كلثوم بن الهدم، ولم يختلفوا أنه نزل بالمدينة على أبي أيوب واسمه خالد بن زيد، فأقام عنده حتى ابتنى مسكنه ومسجده صلى الله عليه وسلم. قالوا: وركب من بني عمرو يوم الجمعة فمر على بني سالم فصلى فيهم الجمعة. ويقال: أقام في بني عمرو ثلاث ليال. قال ابن شهاب وغيره: أقام في بني عمرو بضعة عشر يومًا ثم ركب. وفي تلك السنة بنى مسجد قباء، وقيل: إنه الذي أُسس على التقوى. وقيل: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروي ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهو أثبت عند العلماء، وقاله مالك وغيره. وكان موضع المسجد مربدًا للتمر ليتيمين من الأنصار في حجر أسعد بن زرارة، فابتاعه منهما عليه الصلاة والسلام ثم بناه مسجدًا.

وفي تلك السنة بنى بعائشة [رضي الله عنها] في شوال على رأس ثمانية أشهر من الهجرة. وفيها تزوج علي فاطمة [رضوان الله عليهما] ويقال: في السنة الثانية على رأس اثنين وعشرين شهرًا. ثم كانت السنة الثانية: قال مالك: فكان فيها عزوة الأبواء غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه في المهاجرين خاصة. قال ابن عقبة: وأول غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم في صفر على رأس اثني عشر شهر من مقدمة المدينة، بلغ الأبواء ثم رجع وأرسل ستين رجلاً من المهاجرين الأولين ويقال: ثمانين راكبًا مع عبد الله بن الحارث. ويقال: بعث حمزة في ثلاثين راكبًا، ثم غزا في صفر.

وفيها ولد عبد الله بن الزبير فهو أول مولود ولد بالمدينة من [33 ب] المهاجرين. وفيها صرفت القبلة في صلاة الظهر، يقال: يوم الثلاثاء في النصف من شعبان. وفيها كانت فريضة شهر رمضان في شعبان. وفيها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر. ويقال غزا فيها يوم الاثنين لثلاث مضين من شهر بيع الآخر حتى بلغ بواط يريد قريشًا، ثم رجع ولم يلق كيدًا. وفيها خرج عليه الصلاة والسلام إلى العشيرة وهي بين مكة والمدينة في جمادي الأولى. وفيها خرج في جمادي الأخيرة حتى بلغ واديًا يقال له سفوان في

طلب كرز بن جابر الفهري، يقال: غار على سرح المدينة فخرج في طلبهم، فلم يدركهم. وفيها بعث سعد بن أبي وقاص في ثمانية رهط في رجب. وفي رجب بعث عبد الله بن جحش إلى نخلة فلقي العير وقتل ابن الخضرمي في آخر يوم من رجب، وفي ذلك نزلت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: 217]. وفيها خرج النبي عليه الصلاة والسلام في طلب اللقاح في شعبان حتى بلغ ينبع، فرجع باللقاح ومن فيها. وفيها استشار في الحرب مخرجه إلى بدر.

وفيها كانت بدر البطشة الكبرى خرج إليها عشية الأربعاء لثمان ليال خلون من شهر رمضان. قال مالك: في ثلاثمائة وثلاثة عشر. قال الأوزاعي: ثلاث مئة وخمسة عشر. وقيل: سبعة عشر. منهم: أحد وثمانون رجلاً من المهاجرين. ويقال: ثلاثة وتسعون من المهاجرين وحلفائهم وسائرهم من الأنصار، ولم يحضرهم إلا قرشي أو حليفه أو مولى أو أنصاري أو حليفه أو مولاه. ويقال: فيهم مائة من المهاجرين فيهم من مواليهم أحد عشر، فالتقى بالمشركين صبيحة الجمعة. قال مالك: (لسبعة عشر يومًا) من شهر رمضان على سنة ونصف من مقدمة المدينة. وكان المشركون ما بين تسع مئة إلى ألف معهم مائة فرس، وليس مع المسلمين إلا فرسان، ويقال: ثلاثة أفراس: فرس عليه الزبير وفرس عليه المقداد وفرس عليه أبو مرثد الغنوي.

قال مالك: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ عن المشركين كم يطعمون كل يوم؟ فقيل: عشر جزائر يومًا وتسع يومًا، فقال عليه الصلاة والسلام: القوم (ما بين ألف وتسعمائة). قالوا: واستخلف على المدينة أبا [34 أ] لبابة وابن أم مكتوم يصلي، ويقال: استخلف عثمان بن عثمان. قال مالك: وكان الشهداء يوم بدر قليلاً، وكان الأسرى شبيهًا بمن قتل من المشركين: أربعة وأربعين رجلاً. قال غيره: واستشهد من المسلمين يوم بدر ثلاثة عشر رجلاً: أربعة من قريش وتسعة من الأنصار. وقيل: أربعة عشر: ثمانية من الأنصار وستة من المهاجرين، وقتل من المشركين خمسون، وقيل: سبعون والأسرى مثل ذلك. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر بدر زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة

بشيرين إلى المدينة. وفيها ماتت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فتخلف عثمان عن بدر من أجلها، فضرب له بسهمه، ورجع عليه الصلاة والسلام من بدر يوم الأربعاء لثمان بقين من شهر رمضان. وفيها كانت غزوة قرقرة الكدر، فبلغ عليه الصلاة والسلام جمع سليم وغطفان، وخرج في غزة شوال ورجع لعشر خلون منه ولم يلق كيدًا وساق الغنم والرعاء. ثم غزوة المغنمة بعث غالب بن عبد الله الليثي لعشر خلون من شوال فلقوا بني سليم وغطفان، فقتلوا وأخذوا الغنم وانصرفوا لست عشرة خلت من شوال واستشهد من المسلمين ثلاثة نفر. وفيها دخل علي بفاطمة. وفيها كانت غزوة السويق وبلغ النبي عليه الصلاة والسلام أن أبا سفيان أقبل إلى المدينة فخرج إليهم عليه الصلاة والسلام لتسع بقين من ذي الحجة فهرب هو وأصحابه وطرحوا أزوادهم فقال لهم أصحابهم: إنما خرجتم تشربون

السويق ثم رجع لثمان بقين من ذي الحجة ولم يلق كيدًا. وقال ابن عقبة: كانت تلك الغزوة سنة ثلاث في شعبان. ويقال: فيها وُلد الحسن بن علي. ثم كانت سنة ثلاث: ويقال: فيها ولد الحسن بن علي في النصف من شهر رمضان. وفيها علقت فاطمة بالحسين، فلم يكن بينه وبين الحسن إلا طهر واحد، ويقال: خمسون ليلة. وفيها تزوج النبي عليه الصلاة والسلام حفصة بنت عمر، وزينب بنت خزيمة، وزج عثمان ابنته أم كلثوم. [34 ب] وفيها غزوة بني فطيون وآذنهم [النبي] عليه الصلاة والسلام بالحرب أو بالجلاء فجلوا من غير قتال إلى الشام. وفيها غزوة ذي أمر، ويقال غزوة بني أنمار غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه في عقب المحرم، فأصاب فيها وقسم أبعرة، ورجع لخمس مضين من صفر.

وفيها غزوة بني قينقاع في صفر فحاصرهم ونزلوا. وفيها غزوة بحران خرج [في غرة ربيع الآخر] يريد قريشًا وبني سليم حتى بلغ بحران معدن بالحجاز من ناحية الفرع ورجع في أول جماد الآخرة، ولم يلق كيدًا. وفيها غزوة أُحد خرج إليها عشية الجمعة لأربع عشر من شوال. قال مالك: وكانت غزوة أُحد وخيبر في أول النهار. قال غيره: واستشهد من المسلمين خمسة وستون، منهم أربعة من المهاجرين. قال مالك: قتل من المهاجرين أربعة ومن الأنصار سبعون. ولم يكن في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ملحمة هي أشد ولا أكثر قتلاً منها. قال: ثم خرج منصرفًا من أحد إلى حمراء الأسد، من الغد لست عشرة ليلة خلت من شوال، وهي من المدينة على ثمانية أميال، وكان أبو بكر والزبير أول من استجاب لله والرسول يومئذ من بعد ما أصابهم القرح

وفيها غزوة الرجيع، ويقال: كان أصحاب الرجيع ستة نفر منهم خبيب بن عدي. ثم كانت سنة أربع: ففيها كانت سرية بئر معونة على أربع مراحل من المدينة فقتلهم عامر [بن الطفيل] في بني سليم وبني عامر، ويقال: إن عامر بن فهيرة لم يوجد، يرون الملائكة وارته. وفيها غزوة بني النضير خرج إليهم عشية الجمعة لتسع مضين من ربيع الأول [ثم] راح إليهم عشية الثلاثاء فحُوصروا ثلاثة وعشرين يومًا.

وفيها نزلت صلاة الخوف، وقيل: في ذات الرقاع، ويقال: كانت غزوة ذات الرقاع وصلاة الخوف سنة خمس. قال ابن شهاب: كانت وقعة النضير في المحرم سنة ثلاث. وفيها غزوة ذات الرقاع [35 أ] سميت بذلك لكثرة الرقاع من الروايات، خرج لخمس خلون من جمادي الأولى وانصرف يوم الأربعاء لثمان بقين منه، ثم خرج إلى (ميعاد أبي) سفيان ببدر في شعبان فلم يلق أحدًا. وفيها غزوة الخندق، وهي غزوة الأحزاب في شوال، ويقال: الخندق سنة خمس.

ثم غزوة بني قريظة. وقال مالك: كانت سنة أربع. وانصرف من قريظة لأربع خلوان من ذي الحجة. وفيها غزوة أبي عبيدة بن الجراح إلى سيف البحر، فرجع ولم يلق كيدًا. وفيها غزوة أبي عبيدة أيضًا ذات القصة من طريق العراق ولم يلق كيدًا.

ثم كانت سنة خمس: ففيها بعث إلى مشركي قريش بمال لما بلغه أن سنة شديدة أصابتهم. ويقال: فيها غزوة ذات الرقاع. ويقال: فيها غزوة المريسيع في شعبان إلى بني المصطلق. ويقال: فيها كانت الخندق. وقال مالك: كانت الخندق على أربع سنين من الهجرة وكانت في برد شديد. قال مالك: ولم يستشهد يومئذ إلا أربعة أو خمسة ويومئذ أنزل الله عز وجل: إذ جاؤوكم من فوقكم {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} [الأحزاب: 10]، جاءت قريش من ها هنا واليهود من ها هنا والمجد من ها هنا، يريد هوازن. قالوا: وفي سنة خمس كانت دومة الجندل تهيأ إلى الخروج إلى الأكيدر في المحرم، فهرب فرجع النبي عليه الصلاة والسلام ولم يلق كيدًا.

وبعث فيها عبد الله بن أنيس إلى سفيان بن عبد الله. وفيها بعث عمرو بن أمية وصا (حبه) لقتال أبي سفيان. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن رواحة في ثلاثين راكبًا لقتل [أيسير] بن رزام اليهودي. وفيها [غزوة] غالب بن عبد الله الكديد إلى ابن [الملوح] فرجع ولم يلق كيدًا. وفيها غزوة زيد بن حارثة إلى وادي القرى فلقي ناسًا (من بني) فزارة فقاتلهم. وفيها غزوة زيد الثانية إلى أم قرفة وأمر بقتلها ولم يعلم أنه أمر بقتل

امرأة غيرها فهزمهم وقتلها. وفيها [غزوة] بني لحيان خرج إليها النبي عليه الصلاة والسلام في غرة جمادي الأولى [يطلب] ثأر [خبيب] بن عدي وأصحابه، وبعث من فوره [35 ب] إلى القارة في دورها فاعتصموا بالجبال. وفيها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم السرايا. وفيها غزوة أبي عبيد إلى أسد وبلي فرجع ولم يلق كيدًا. ثم كانت سنة ست: ففيها غزوة بني المصطلق بالمرسيع على ست مراحل من المدينة أو سبع مما بني مكة من ناحية الجحفة، واستخلف (على المدينة) أبا رهم الغفاري وسار في غرة شعبان ونزلت حينئذ آية التيمم.

وقتل النبي عليه الصلاة والسلام منهم، وسبا جويرية بنت الحارث فأعتقها وتزوجها، وكان الأسرى أكثر من سبع مئة فطلبته فيهم ليلة دخل بها فوهبهم لها. وفيها رميت عائشة بالإفك فأنزل الله براءتها. وفيها غزوة الحديبية خرج عليه الصلاة والسلام معتمرًا في ذي القعدة من سنة ست وأحرما بذي الحليفة وبلغه في طريقه أن قريشًا فجعت له، وحلفت ألا يدخلها عليهم، وقال عليه الصلاة والسلام: (ويح قريش ما خرجت لقتالهم، ولكن خرجت معتمرًا إلى هذا البيت). وفيها كانت القضية، وكان الصلح بينه وبين قريش سنتين، وقيل: أربعًا، وقيل: عشرة وحل بالحديبية.

وفيها بيعة الرضوان: وكانوا (ألفًا) وأربع مئة، قيل: بايعوه صلى الله عليه وسلم على الموت، وقيل: على أن لا يفروا، ويقال: رجع عليه الصلاة والسلام لخمس مضين من المحرم، فمكث نحو عشرين ليلة، ثم خرج إلى خيبر وقيل: أقام بالحديبية شهرًا ونصفًا، قيل: (خمسين) ليلة. فيها بعث بشير بن سعد إلى ناحية خيبر، فرجع ولم يلق كيدًا. وفيها غزوة كعب بن عمير ذات الكلاح من أرض الشام فقتل هو وأصحابه. وفيها غزوة عبد الرحمن بن [عوف] ناحية الشام بلي

وكلب، ويقال عممه رسول الله بيده في سريته إلى دومة الجندل في شعبان. وفيها بعث علي بن أبي طالب إلى فدك، وبعث عبد الله بن رواحة في خيل يكون بين (يدي) علي وبين خيبر ويفزع بها أهلها، فخرج أهل خيبر فأغار [36 أ] عليهم بضعة عشرة غارة حتى أذاحهم، ثم أغار على بني سعد بن هديم. وفيها أوقف النبي عليه الصلاة والسلام سبع حوائط له. وفيها استسقى عليه الصلاة والسلام لجدب أصاب الناس. وفيها توفيت أم رومان امرأة أبي بكر (رضي الله عنه) في ذي الحجة، ونزل عليه الصلاة والسلام في قبرها.

وفيها اتخذ النبي عليه السلام خاتمًا، وإنما اتخذه حين بعث الرسول، فقيل له: إن العجم لا تقرأ إلا كتابًا مختومًا فاتخذه، وكان نقش فصه: (محمد رسول الله)، وقيل: (لا إله إلا الله محمد رسول الله). ثم كانت سنة سبع: ففيها غزوة خيبر. قال مالك: كانت خيبر على ست سنين من الهجرة. قالوا: ولم يخرج إليها إلا أهل الحديبية إلا رجلاً من بني حارثة أذن له. وخرج في المحرم. واستخلف على المدينة سُبيع بن عرفطة الغفاري، وقيل: أبارهم كلثوم بن الحصين الغفاري، ففتح حصونهم. وهي التي وعد الله سبحانه [بها] بالحديبية في قوله تعالى: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّه بِهَا} [الفتح: 21]. وفيها كانت غزوة فدك إذ خافوا ما صنع بخيبر، قدمت رسلهم عليها بخيبر

أو في الطريق أو بعد أن قدم المدينة فصالحهم على النصف من فدك فقبل ذلك منهم ولم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، فكانت للنبي عليه الصلاة والسلام خاصة. ثم أتى وادي القُرى فافتتحها فلم يجتمع له بها أحد. وفيها بعث عبد الله بن حذاقة إلى كسرى عظيم الفرس بكتاب فمزقه وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (مزق الله عليه مُلكه). [وبعث] دحية الكلبي إلى قيصر عظيم الروم بكتاب. وفيها بعث زيد بن حارثة إلى من عرض لدحية في خمس مئة راكب. وفيها غزوة ذات السلاسل مما يلي طريق الشام غزاها عمرو بن

العاص في بني سعد بن عبد الله [ممن يليهم] من قضاعة، واستمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمده فخرج فيمن خرج أبو بكر وعمر في سواه من المهاجرين وأمر [36 ب] عليهم أبا عبيدة. وفيها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة وهو الشهر الذي صده فيه المشركون عن المسجد الحرام، حتى إذا بلغ [يأجج] وضع الأداة كلها، ودخلوا بسلاح الراكب القسي والسيوف مغمودة. وفيها تزوج (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ميمونة وهي غزوة القضية. [قال] ونزل عليه الصلاة والسلام بالأبطح لست عشرة خلت من ذي القعدة فأقام بها ثلاثة، وعلى ذلك كان الشرط، ثم رحل وخلف أبا رافع مولاه

ليخرج إليه بميمونة فبنى بها بسرف، وهي خالة عبد الله بن عباس. وقيل أيضًا: إنها خالة خالد بن الوليد، وأختها أم الفضل عند العباس ابن عبد المطلب، وإليه جعلت أمرها فزوجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال: بعث أبا رافع [ورجلاً] من الأنصار [فزوجاها] إياه. وفيها غزوة زيد بن حارثة إلى الطرف من ناحية طريق العراق فرجع ولم يلق كيدًا. وفيها بعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي ورجلين معه إلى الغابة على ثمانية أميال من المدينة لما بلغه أن رفاعة بن قيس نريد أن يجمع قيسًا لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكمنوا له ورماه ابن أبي حدرد بسهم فقتله. وفيها غزوة ابن أبي حدرد أيضًا إلى ذي خشب. وفيها اتخذ (رسول الله) صلى الله عليه وسلم المنبر ويقال: في سنة ثمان.

قال مالك: عوده من طرفاء الغابة عمله غلام لسعد بن عبادة. وقال غيره: غلام لامرأة من الأنصار. ويقال: غلام للعباس بن عبد المطلب. فخطب صلى الله عليه وسلم فحن الجذع [الذي] كان يقف إليه يخطب، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده فسكن. ثم كانت سنة ثمان: ففيها كانت غزوة مؤتة، بعث [النبي] عليه السلام بعثه إلى مؤتة من أرض الشام في جمادى الأولى، وأمر عليهم [زيد] بن حارثة. [وقال: إن] قُتِل فجعفر وإن قُتل فعبد الله [37 أ] بن رواحة، فالتقوا مع هرقل في جموعه يقال: مائة ألف غير من انضم إليهم من المستعربة،

فالتقوا بقرية يقال لها: مؤتة فقُتل الذي سمى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم اتفق المسلمون على خالد بن الوليد ففتح الله له وقتلهم وقدم البشير بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخبرهم بذلك كله صلى الله عليه وسلم قبل قدومه. وكانت فيها غزوة الفتح، وقد كان أتى أبو سفيان إلى النبي عليه الصلاة والسلام يريد أن يزيده من الهدنة، فلم يرد عليه شيئًا فرجع أبو سفيان إلى مكة. وأظهر النبي عليه الصلاة والسلام أنه يريد غزوة هوازن فخرج واستخلف على المدينة أبارهم الغفاري ثم تهيأ بذي الحليفة، وسار فلقيه العباس بذي الحليفة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (امضِ إلى المدينة بثقلك) وبعث موضعه علي بن أبي طالب إلى المشلل في سرية أمره عليها، وأمره بهدم الصنم. ثم سار عليه السلام حتى نزل على مكة، وضرب بها قبته.

قال مالك: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في ثمانية آلاف أو عشرة آلاف، وكتم الناس وجهه ذلك لئلا يعلم أحد أين يريد، ودعا الله عز وجل أن يُخفي ذلك عنهم. قال يحيى بن سعيد: دخل النبي عليه الصلاة والسلام مكة عام الفتح في عشرة آلاف أو اثني عشر ألفًا، قد أكب على واسط رحله حتى كادت تنكسر به، يريد: تواضعًا، وشكرًا لله، وقال: الملك لله الواحد القهار. قال مالك: وافُتتحت مكة في تسعة عشر يومًا من رمضان على ثمان سنين من الهجرة، وخيبر على ست سنين والخندق على أربع. وقالوا: في سنة ثمان أخرج المقام من الكعبة، وما كان فيه وما هو له وعلى الصفا والمروة من الأصنام وفيها بايع [الرجال] والنساء ثلاثة أيام. وفيها بعث سرايا من مكة: فبعث خالدًا إلى أهل الغميضاء ثم

بعثه إلى نخلة اليمانية وهي بيت بنخلة فيها شجرة فهدمها وقدم فرده، فقال: أقلع أصلها. وفيها كان الدخان (والله أعلم). وفيها كانت غزوة حنين وسببها أنه لما أجمع عليه الصلاة والسلام على الخروج إلى مكة لنصرة خزاعة أتى الخبر إلى هوازن أنه يريدهم فاستعدوا للحرب حتى أتوا سوق ذي المجاز فسار عليه الصلاة والسلام حتى أشرف على وادي جنين ممسيًا ليلة الأحد ثم صالحهم يوم الأحد للنصف من شوال. وفيها بعث سرايا من حنين. وفيها غزوة الطائف ثم انصرف لما بلغه اجتماع ثقيف إليها فتوجه إليها فحاصرهم.

وفيها غزوة الجعرانة (حين فرغ من حنين والطائف ثم انصرف من عمرة الجعرانة) في آخر ذي القعدة فأقام بالمدينة بقية ذي القعدة وذي الحجة، وحج بالناس عتاب بن أسيد وقف بالمسلمين، ووقف المشركون على ما كانوا يفعلون في الجاهلية. ثم كانت سنة تسع: ففيها تسارع الناس إلى الإسلام. وفيها كتب مُسيلمة الكذاب الكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابه (رسول الله). وفيها كانت غزوة تبوك، وهو جيش العسرة، فكتب النبي عليه الصلاة والسلام بعد الفتح إلى القبائل التي لم يفش فيها الإسلام يدعوهم وكتب إلى التي فشا فيها الإسلام بغزو الروم وواعدهم بتبوك، وتوجه في رجب وسار أول يوم من رجب واستخلف على المدينة علي بن أبي طالب حتى انتهى صلى الله عليه وسلم إلى تبوك.

قال مالك: وكانت غزوة تبوك في حر شديد. قالوا: فوافى بتبوك وفدًا لعظيم الروم فردهم بالجواب إلى ملكهم ثم بث السرايا بعد، وفي هذه الغزاة مكرت بالنبي طائفة من المنافقين ليلقوه من العقبة، وأنزل الله عليه من أمر المنافقين ما أنزل في سورة براءة، وذكر المتخلفين الثلاثة الذين خُلفوا. ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال وبعث أبا بكر إلى الحج، ونزلت بعده براءة، فبعث بها علي بن أبي طالب. وأمره أن ينادي ببراءة في الناس. قال مالك: وأول من أقام للناس الموسم أبو بكر (الصديق رضي الله عنه) سنة تسع. [38 أ]. ثم كانت سنة عشر:

وقد تتام الإسلام فبعث عليًا إلى اليمن، فرجع ولم يلق كيدًا، وبعث أسامه بن زيد إلى الداروم من أرض فلسطين فغنم وسلم. وفيها بعث عيينة بن حصن إلى بني العنبر، يدعوهم فلم يجيبوا فقتل فيهم وسبى. وفيها قدم بمال البحرين: مئة ألف أو ثمانية آلاف درهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه بين الناس. وفيها بعث عليًا أيضًا إلى اليمن، فقيل: بعثه مفقهًا في الدين، وقيل: لقبض الصدقات من العمال، وليوافي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع، فقد علي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة. وفيها حج حجة الوداع [سميت حجة الوداع] لأنه ودعهم، وسميت البلاغ لأنه قال: هل بلغت؟ وسميت حجة الإسلام لأنها الحجة التي تتام فيها حج الناس، ليس فيها مشرك.

وقيل: دفن حين زاغت الشمس، وغسله العباس وعلي والفضل بن عباس وشقران مولاه، ويقال له: صالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلوا في حفرته، ويقال: ومعهم أسامة وأوس بن خولى. وبدأ وجعه عليه الصلاة والٍسلام [38 ب] في بيت ميمونة بنت الحارث يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، ثم انتقل إلى عائشة، فمرض عندها حتى مات، وصلى أبو بكر بالناس في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع عشرة صلاة قبل وفاته عليه الصلاة والسلام. وفيها بويع لأبي بكر الصديق. وفيها ارتد من ارتد من العرب. وفيها أحرق أبو بكر [رضي اله عنه] ابن العجاة، اسمه إياس بن عبد الله بن ليل، وذلك أنه سأل أبا بكر أن يعينه على من ارتد ويحمله، ففعل فخرج فجعل يقتل المسلم والمرتد فكتب فيه، فأخذ، فقيل: قتله ثم أحرقه. وفيها: وجه خالد بن الوليد إلى طليحة فهزمه، وقتل من قتل من

ثم كانت سنة إحدى عشرة: وفيها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي الكلاع باليمن يدعوه إلى الإسلام فأسلم، وقدم جرير وقد قُبض رسول الله، وفيها بعث أسامة بن زيد إلى مؤتة من أرض الشام، وأمره أن يهريق بهادمًا، فلم ينفذ لبعثه حتى قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنفذ بعثه أبو بكر. [وفيها قبض] رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، ورحم وكرم يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول. قال ابن عقبة: في بيت عائشة وفي يومها وعلى صدرها حين اشتد الضحى. قال مالك: ودفن يوم الثلاثاء، وصلى عليه الناس أفذاذًا لا يؤمهم أحد.

أصحابه فهرب طليحة، ثم أسلم وحسن إسلامه، ثم مضى بأمر أبي بكر إلى مسيلمة باليمامة وقد كان تنبأت امرأة، يقال لها: سجاح بنت الحارث من بني تميم، فتزوجها مسيلمة. وقيل: خالد افتتح اليمامة بصلح صالحه عليها مجاعة بن مزارة واستشهد بها ألف ومئة من المسلمين، وقيل: ألف وأربع مئة منهم سبعون جمعوا القرآن. وفيها ماتت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لثلاث خلون من شهر رمضان، وهي بنت تسع وعشرين سنة، وذلك بعد النبي عليه الصلاة والسلام بستة أشهر، وقيل: بثلاثة أشهر. قال مالك: والأول أثبت. قال مالك: وفتحت مصر سنة عشرين وإفريقية يوم موت حفصة. قال غيره: سنة سبع وعشرين. قال مالك: توفي معاذ بن جبل وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة. وبلغ عبد الله بن عمر سبعة وثمانين سنة. وتوفي عمر بن عبد العزيز [ابن اثنين وأربعين] سنة، وقيل: ابن

ثماني وثلاثين [سنة]. وولد سعيد بن المسيب لثلاث سنين بقين من خلافة عمر بن الخطاب. قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد: قد ذكرنا في كتابنا هذا [المسمى] الجامع الذي جعلناه آخر المختصر بعض ما حفظ عن مالك وعن بعض أصحابه وغيرهم ممن [روى] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمن ذكرنا من سلفنا وأيمتنا في الآداب والأمر والنهي وغير ذلك من الفنون التي جرت فيه وأكثر ذلك من مجالس مالك ومن موطئه. وذكرنا شيئًا من التاريخ والمغازي وما شاكل ذلك فمنه لمالك ومنه لغيره من أهل العلم. وذكرنا في باب السير من هذا الكتاب ما أجمعت عليه الأمة، وجمعنا ذلك كله بما أمكننا من الاختصار والتحرير في تأدية ذلك إن شاء الله. وأسال الله أن يتغمدنا ربنا بمغفرته وأن ينفعنا وإياكم بما علمنا من حكمته، وأن يحقق رجاءنا في سعة رحمته، وأن يجعل ما يسرنا من ذلك إليه بركة على من رسمه، ونورًا لمن تعلمه. وصلى الله على محمد نبيه وعلى آل محمد وسلم تسليمًا كثيرًا. تم كتاب الجامع من مختصر أبي محمد بن أبي زيد رحمه الله وبه كمل

جميع مختصر المدونة والمختلطة بحمد الله وعونه في السادس من شهر ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة.

§1/1