الثورة البائسة

موسى الموسوي

بسم الله الرحمن الرحيم (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي*وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي) [طه:25 - 28]

الإهداء

الإهداء يا رسول الله يا نبي الرحمة، لقد تضافرت الفئة الضالة المضلة الحاكمة باسمك على رقاب المسلمين في تشويه رسالتك ونقاء صورتك، فصورت شريعتك السمحة السهلاء الرحماء، شريعة القتل والتعذيب والدمار والفناء. وبذلت هذه العصابة بكل ما أوتيت من جهد وقوة وسلطان ومكر ودهاء أن تتخذ من اسمك العظيم ورسالتك التي كانت للناس نورا وكرامة ومزيدا، ذريعة لظلم العباد وخراب البلاد فجلس كبيرهم الذي علمهم السحر على صرح من الجماجم البشرية باسم الإسلام وحوله تجري انهار من الدماء والدموع. لقد قتلوا العباد المخلصين باسم الله، وعذبوا خاصة الأولياء باسم الله وسلبوا ونهبوا أموال المؤمنين باسم الله، واقترفوا كل جرم وجريرة ونكر وفساد باسم الله، ولو أن يا رسول الله ويا إمام الهدى قدر لهذه العصابة النجاح والتوفيق في مآربها فلن يعبد الله في تلك الأرض ولن يذكر فيها اسمك، فها أنا قد نهضت لكي أردهم على أعقابهم واكشف سرهم وافضح أمرهم واجعلهم شذرا مذرا واستمد من الله الحول والقوة والعون والتوفيق والنجاح المكلل بالنصر المبين. واليك يا رسول الله اهدي ما خطته يميني في هذه الصحائف عسى أن يكون فيها رضا الله ورضاك وتنفعني في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

المقدمة

المقدمة لأول مرة يحدث مثل هذا الانحدار الخطير في تاريخ الإسلام، حيث تقوم شرذمة باسم الدين لتملأ العالم فسادا ونكرا وشرا لم يحدث له نظير من قبل ولا من بعد. وان اخطر ما يكمن في هذا الفساد والشر هو أن هذه العصابة حاولت بكل ما أوتيت من قوة وسلطان أن تقلب الموازين الثابتة للأخلاق وتغير الحدود الرصينة بين الخير والشر وبين المدنية والهمجية، ولتقضي على كل ما سجلته العصور السالفة من الصور الرائعة للفداء والتضحية في سبيل الحرية وكرامة الإنسان، ولتشوه كل ما أعطته الشرائع السماوية للبشرية من خير وسعادة ولتمحو كل ما ملته المثل الأخلاقية في سجل الأخلاق، ولتضرب بعرض الحائط كل ما أملته العقول النيرة من دليل وبرهان. إن هذه العصابة إذا قدر لها التوفيق في مساعيها الهدامة لكل موازين المنطق والعقل والأخلاق فإنها ستكون الطامة الكبرى والمصيبة العظمى ليست على الإسلام فحسب بل على البشرية وفي كل زمان ومكان. فلا ولم يحدث من قبل أن ارتكب أبشع صور الإجرام في حق الإنسان باسم الأخلاق وباسم الدين كما ارتكبه طغاة إيران، فلا ولم يحدث من قبل أن ارتكب القتل السياسي والتصفية الجسدية بحق شعب آمنٍ. باسم الواجب الديني ...................................... (المفسدون في الأرض) وارتكب التعذيب بأبشع صورة باسم ....................... (التعزيز الشرعي) وارتكبت السرقة ونهب الأموال باسم ...................... (حماية المستضعفين) وارتكب خنق الحريات وخمد الأصوات في الحناجر باسم ......... (مصالح الأمة)

وارتكب التجسس باسم .................................. (حماية مكاسب الإسلام) وارتكبت الفوضى والشر وهتك الأعراض باسم .......... (مكاسب الثورة الإسلامية) وارتكب التعاون مع الأجانب كعملاء وحلفاء باسم ........... (أصدقاء الثورة الإسلامية). وهكذا نرى أن الحدود الفاصلة بين الأخلاق الفاضلة والرديئة قد انقلبت رأسا على عقب فأصبح الشر خيرا والقتل حياةً والظلم إحسانا وأبشع صور الحكم في تاريخ الإنسان نموذجا لمدينة فاضلة طالما دعا إليها أفلاطون والفارابي. إن هذا الغزو الفكري البغيض إلى الله والى رسوله إذا نجح في تسخيره لعقول السذج من أبناء البشر ستكون نتائجه اشد وأنكى من أي غزو همجي شهدته الإنسانية في تاريخها الطويل فكيف وقد تصبح الحالة هي أن الظالم ينظر إلى عمله وكأنه حق طبيعي وهبه الله إليه يستخدمه أنى ومتى شاء ويرضخ المظلوم لهذا الحق برغبة ولهفة لان الله قد كتب له أن يرضخ لمثل هذا الحق ولو كان عليه، إذن إنها صورة حية لمجتمع الغاب يأكل القوي فيه الضعيف بلا خوف ولا وجل ويستسلم الضعيف للقوي بلا قيل ولا قال. إننا نستعرض في هذا التأليف أسرارا وحقائق وكشفا لهذه الهمجية البربرية التي أعقبت ثورة شعبية عارمة في تاريخنا المعاصر والتي نجحت بعد طول عناء وجهد وبذل تضحيات لتهزم هزيمة منكرة منذ الساعات الأولى من نجاحها. إنها قصة إيران الثورة منذ بدايتها حتى نهايتها وان شئت قل إنها قصة شعب قدر له البؤس والشقاء في ظل التيجان والعمائم على السواء. إنها قصة الإسلام ومحنته العظيمة سنقصه على الناس كافة لتكون ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

بداية النهاية

بداية النهاية • الوضع العام قبل سقوط الشاه. • تغيير السياسة الأمريكية في ايران. • الخطأ المميت. • التخبط في معالجة الازمة. • موقف الدول الكبرى من نظام الشاه. • محادثات الخميني مع الامريكان.

(وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ((16) بداية النهاية لقد آن للشاه أن يرحل. فقد اراد شعب إيران هذا الرحيل. والصراع مع الشاه له تاريخ طويل يمتد عمره إلى 25 عاما أي منذ سقوط الحكم الوطني الذي كان يرأسه الدكتور مصدق رحمه الله والذي اطاحت به المخابرات الامريكية ليعود الشاه إلى إيران بعد ان هرب إلى اوربا وليستبد بالسلطة كملك طائش جبار يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. والثورات الشعبية اذا غلت فلن تستطيع قوة الاستبداد ان تقف في وجهها، انها كالسيل الجارف تدمر كل شيء يعترض طريقها. والثورة الايرانية عندما وصلت إلى مرحلة الغليان لم يستطع الشاه وجيشه ومخابراته وملايين الدولارات من الاسلحة الحديثة ان تعترض طريقها فدمرت الرطب واليابس واطاحت بعرش كان عمره الفين وخمسمائة عاما، وجيش كان قوامه اربعمائة الف جندي مدجج باحدث انواع الاسلحة ومخابرات كانت من اقوى المخابرات في الشرق الاوسط. ان نجاح الثورة الايرانية لها اسباب كثيرة منها داخلية ومنها خارجية

وعندما تكاتفت هذه الاسباب كلها كانت نتيجتها المحتومة ثورة ومحنة ودم وعرق ودموع. كان الوضع العام في ايران وفي اواخر ايام الشاه نموذجا من تناقضات صارخة تنذر بالشر المستطير. 1. فالحريات السياسة كانت مفقودة. 2. الارهاب بلغ اشده في ظل السافاك حيث التعذيب البشع وقتل السجناء في سجونها ورمى المناوئين السياسين احياء في بحيرة ساوة. 3. الثورات المحلية كانت تخمد بالنار والحديد. 4. الوضع الاقتصادي كان ينذر بالكارثة. 5. ايرادات النفط كانت تنفق في شراء الاسلحة من امريكا واوربا والاسراف في نفقات الدولة والبلاط. 6. التدخل الامريكي في ايران بلغ إلى مرحلة الوصاية والقيمومة فكان هناك خمسين الف مستشار امريكي يتقاضون 4 الاف مليون دولار سنويا من ميزانية الدولة اضافة إلى قانون الحصانة الامريكية. 7. رجالات الدولة العليا اللهم الا القليل منهم كانت مجموعة من الاوغاد لايهمهم سوى ارضاء الشاه والانصياع لاوامره مهما كانت نوعها وشكلها. 8. القصص المثيرة من تلاعب الشاه واركان دولته باموال الشعب واستغلال النفوذ ونهب اموال الشعب بالبلايين كانت حديث كل فرد من افراد الشعب الايراني في مجالسه ونواديه. 9. ومع ان ظاهر البلد كان يوحي بوضع اقتصادي زاهر الا ان ثمانين بالمائة من افراد الشعب كان يعيش في حالة اقتصادية بائسة،

فالثروة كانت متكدسة في يد مجموعة من الناس لها صلة قريبة بالبلاط او بالمتنفذين من افراد الدولة او البلاط. اما الاكثرية من ابناء الشعب ولا سيما الذين كانوا يسكنون القرى والمدن الصغيرة كانوا في وضع بائس وحزين يتلخص في السطور التالية: 1) سبعون بالمائة من مجموع الشعب الايراني لا يقرأ ولا يكتب ولم تكن وسائل التعليم متوفرة لديه. 2) ثمانون بالمائة من مجموع الشعب الايراني كانوا ولايزالون تنقصهم الخدمات الطبية. 3) خمس وثمانون بالمائة من القرى والمدن الصغيرة كانت ولاتزال بحاجة إلى طرق المواصلات المعبدة واسالة الماء والكهرباء والبيوت الحديثة. 4) بلغ عدد العاطلين عن العمل في عهد الشاه الذي كان يدفع 4الاف مليون دولار سنويا إلى المشاورين الامريكان مليون ونصف مليون عاطل يتسكعون في الشوارع والازقة او يهاجرون إلى الخليج للحصول على لقمة العيش. وهكذا كان الشعب الايراني في ظاهره من اثرى شعوب المنطقة حيث كانت ايرادات بتروله تتجاوز اربعين بليون دولار في العام. وفي واقعه شعبا مسكينا لا يحصل على اقل القوت الآ بشق الانفس والجهد المرير، وكان الشاه بعيدا كل البعد عن مأساة شعبه وبلاده وفي الوقت نفسه يتخبط في الحديث ويهذي في الارقام حيث كان يعلن للعالم بصوت جهوري تردده اجهزة اعلامه: 1. ان ايران ستصبح رابع قوة في العالم في عام 1980. 2. ان الدخل القومي في ايران سيتجاوز الدخل القومي الياباني في عام

1980. 3. ان ايران كانت وستبقى جزيرة الامان والاستقرار في المنطقة. 4. ان ايران اصبحت دولة نموذجية تقتدي بها دول العالم. وقد سمعه العالم وهو يخاطب مؤسس الامبراطورية الفارسية بقوله: " وها انت يا كورش الكبير ويا ملك الملوك نم آمنا هادئا قرير العين فانا احرس هذا الشعب وهذه البلاد ". حقا لقد حرس محمد رضا بهلوي شعبه وبلاده وتاجه وعرشه، ثم نام قرير العين على شاطىء النيل الخالد بعيدا عن تراب وطنه الاف الاميال. وهكذا تعيش الملوك المسكينة في اوهامها حتى تدق الساعة التي لا فرار منها ولا ينفع الندم. كان استمرار هذا الوضع الشاذ كله يتوقف على عاملين اساسيين، بطش السافاك بالمناوئين واخماد التظاهرات الشعبية التي تقوم هنا وهناك بسلاح الجيش وكان من الواضح جدا ان السافاك والجيش كلاهما كانا مدعمين بالمستشارين الامريكان وان التخطيط الحاكم في كلتا الادارتين تخطيط امريكي اعد له من القوة والقدرة ما لايستطيع دحرها شعب اعزل من السلاح وحدثت المفاجأة التي مهدت للثورة في ايران فقد فوجئ العالم برئيس امريكي من الحزب الديمقراطي اسمه جيمي كارتر وصل إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الامريكية، وها هو يتحدث عن حقوق الانسان ويعد الشعب الامريكي بأن سياسة حكومته هي الوقوف بجانب الشعوب المضطهدة التي يمارس عليها الطغيان من قبل حكامها المستبدين وانه لا يناصر حاكما ظالما مهما كانت الصداقة التي تربطه بالولايات المتحدة الامريكية. واذا كان كارتر صادقا في مواعيده امام الشعب الامريكي والعالم فلاب وان على رأس قائمة هؤلاء الطغاة كان اسم شاه ايران الذي تربطه بامريكا تسعمائة معاهدة وميثاق وصفقات اسلحة

وعتاد وخبراء ومستشارين. وفوجئ الشاه نفسه بكارتر كما فوجئ غيره من ساسة العالم، وكانت الصدمة قوية عليه، فقد كان الحزب الجمهوري ورؤسائه هم الذين يناصرون الشاه وسياسته على مر السنوات وعلى عكس الحزب الديمقراطي الذي كانت ذكريات فوز رئيسه جون ف كندي وموقفه العدائي من الشاه لم تزل عالقة في ذهنه، ولا بد ان ادارة كارتر كانت على علم بالملايين من الدولارات التي صرفتها السفارة الايرانية في واشنطن بامر الشاه في الحملة الانتخابية التي خاضها جيرارد فورد من الحزب الجمهوري. ولابد ان مضاضة هذا التدخل الايراني في الحملة الانتخابية كانت قد اقلقت مضجع الرئيس الجديد. وصحيح ان اعتبارات المصالح الامريكية هي فوق كل شيء لدى أي مسؤول امريكي يتصدر سدة الحكم في البيت الابيض الا انه لم يكن بوسع كارتر ان ينسى مواعيده امام الشعب الامريكي والعالم ويساند الشاه كما كان يساند سلفه من قبل ولو في ظاهر الاحوال، فصدرت النصائح تلو النصائح من الرئيس الجديد إلى الشاه صديق امريكا القديم والحميم باعطاء الحرية المناسبة لشعب ايران كما ان الصحف الامريكية بدأت بكشف الحقائق المؤلمة عن التدخل الامريكي في عهد جيرار فورد في اسقاط حكومة اليندي في تشيلي واسناد حكومة العسكر فيها وكان لابد للرئيس الجديد الديمقراطي ان لايساند حكما مشابها لشيلي في ايران، وعرف الشاه طبعا الموقف الامريكي الجديد وعرف الشعب الايراني ايضا ان القوة القاهرة التي تساند الشاه غيرت موقفها من الاستبداد الحاكم في ايران. الا ان الخطأ المميت الذي ارتكبه الشاه هو انه انصاع للنصيحة الامريكية واعلن الانفتاح السياسي حسب الظروف والزمان، وهكذا ثبت ان شأنه شأن كل مستبد يعلق حياته السياسية وسياسة بلاده

ومصالح شعبه بسياسة اجنبية لابد له من الانصياع المطلق لما تأمره وتريده تلك السياسة. لقد تحرك الشعب يريد الخلاص من حاكمه الذي وقع اسير الاجانب وبطش به ما شاء إلى البطش سبيلا وها هو اليوم يعلن اللين والعطف نحو شعبه لانه امر به فلا بد للشعب من استغلال هذه اللحظة الحاسمة قبل ان يحدث تغير مفاجئ يجعل الليلة هذه شبيهة بالبارحة تلك. اضافة إلى هذا فقد كان الشعب الايراني يعرف جيدا نفسية الشاه الذي لعب ادوارا مماثلة طيلة 30 عاما من حكمه، وكانت الحكمة التي يكررها هي: اذا هبت العاصفة فعليك ان تنحني برأسك حتى تزول ولا جعلتك كالعصف المأكول: وانحنى الشاه برأسه مرات ومرات وبخضوع وخشوع لعواصف هبت في ايران، وعندما زالت العواصف تلك رفع الشاه رأسه من جديد وهو يقول متبجحا للشعب (لمن الملك اليوم). ومن اهم العواصف السياسية التي كادت تقضي على الملكية في ايران لولا الحكمة المتبعة من قبل الشاه هي حكومة قوام السلطنة والدكتور مصدق والجنزال زاهدي والدكتور علي اميني، فهذه الشخصيات الاربع استلموا الحكم في ظروف سياسية عصيبة للغاية والزموا الشاه العمل بالدستور الذي ينص على عدم تدخله في شئون البلاد، وكان الشاه يصل إلى قاب قوسين او ادنى من السقوط في عهد كل من هذه الحكومات الاربع، الا انه كان يجد المخرج المناسب في اللحظة المناسبة فينقض على خصومه كالاسد الهصور ليعلن نفسه الامر والناهي المطلق من جديد وليستبد بالبلاد ما شاء إلى الاستبداد سبيلا. لقد كانت الفئات السياسية المناهضة للشاه تعلم جيدا ان الفرصة مواتية لها وعليها ان لا تعطي الفرصة للشاه للمرة الخامسة ان يفلت من يدها، واذا كان الشاه بدأ بالتنازل امام مطالب الشعب فلابد وان

الرضوخ سيستمر كلما ازداد الشعب في المطالبة بحقوقه المغتصبة واتحدت الفئات السياسية كلها على العدو المشترك. وربما ان الشعب هو شعب مسلم يتغلب عليه روح الايمان فكان لابد من استغلال هذه الروحية لا سيما والعداء قد استحكم بين الشاه وكثير من رجال الدين وكان على رأس قائمة المناوئين الخميني الذي كان يعيش في العراق بعيدا من بطش الشاه وفي مأمن من سافاكه. فارتأب الفئات السياسية ان تتخذ من هذا الشيخ العجوز الذي بلغ الثمانين قائدا للنضال. وكان يخيل للناس كافة ان اختيار الخميني قائدا للثورة يعطي تماسكا للشعب الايراني في نضاله ويجتمع تحت لوائه من كل صنف ونوع، فلم يفكر احدا قط ان الثورة اذا نجحت فان مرشدها يخون ثقة الشعب به ويرتكب خيانة منكرة عظيمة تتجاوز حدود التصور، فيحتكر السلطة لنفسه ولزمرته ويرتكب في سبيل السلطة من الاثام ما تقشعر من سماعها الابدان، بل كان التصور السائد ان الرجل يقود الثورة وهو غير طامع في الحكم راغب عنه ولذلك لم تجد الفئات السياسية خيرا من الخميني للعمل على جمع الفئات السياسية المختلفة الاهواء تحت راية الثورة التي يقودها، وقد اقسم ايمانا مغلظة امام العالم انه لا هو ولا زمرته يطمعون في أي شيء من مكاسب الثورة، بل لايريدون لانفسهم جزاء ولاشكورا وانهم سيعتزلون السياسة عندما تنجح الثورة ويعودون إلى مدارسهم الدينية في مدينة قم، يقرأون ويؤلفون ويدرسون، والحرية المطلقة تكون للشعب في اختيار النظام يريده ويحبذه. لقد افردنا لهذه الخدعة الكبرى فصلا خاصا نلقي الاضواء على الاسباب التي ادت إلى اختيار الخميني مرشدا للثورة ومن ثم سطوه على الثورة الايرانية بالنار والحديد. اما الان فنعود إلى بيان الاسباب التي ادت إلى انهيار النظام الشاهنشاهي ليكون القاريء الكريم على بينة من امر

الثورة الاسلامية في ايران وليكون على علم باخطر مراحلها في اخطر مرحلة من تاريخ النظام الشاهنشاهي المقبور. لقد بدأ الشاه بالتنازل امام مطالب الشعب واقال عباس هويدا رئيس وزرائه المزمن الذي حكم البلد 14 عاما ارضاء للشعب ثم اقال الجنرال نصيري رئيس السافاك وعينه سفيرا في باكستان، وشكل حكومة جديدة يرأسها اموزكار المعروف بعمالته لامريكا وتعثر اموزكار في مهمته بسبب الاضرابات المستمرة التي شلت المصالح العامة فاستقال بعد شهرين ليخلفه شريف امامي الذي استقال بعد فترة وجيزة ليستلم الحكم الجنرال ازهاري، ولم يكن نصيب ازهاري في الحكم اكثر من سلفيه فاستمرت الاضرابات واشتدت المواجهة بين الشعب والحكومة، واراد الشاه ان يرضي الشعب فأمر باعتقال عباس هويدا رئيس وزرائه المفضل متهما اياه بالفساد والاستغلال واعيد جنرال نصيري إلى طهران ليعتقل مع هويدا بنفس التهمة وحملا مسئولية خراب البلاد ودمارها. وحصلت مواجهة دموية بين الشعب والجيش في تبريز استعمل الجيش فيها سلاح الجو، أي الطائرات السمتية لضرب المتظاهرين فقتل رهط كبير، وهاج الشعب وماج عندما علم بأنباء تلك المجزرة الرهيبة فاستمرت الاضرابات وامتنع الموظفون عن الذهاب إلى دوائرهم حتى ان طلاب المدارس الثانوية والمتوسطة بدأوا يقرأون اناشيد حماسية ضد الشاه في صفوف المدارس فأمرت الدولة بتعطيل المدارس الثانوية والمتوسطة، اما الجامعات فكانت تغلي وفي مواجهة مستمرة مع الجيش والسافاك وحصل ارتباك في اجهزة الدولة وفي الجيش كان اخرها يوم الجمعة الاسود الذي اطلق الجيش النار على المتظاهرين في طهران في ساحة (جاله) .. فاستشهد في تلك المواجهة عدد غفير من ضمنه نساء حوامل كن يتقدمن التظاهرات وزاد الطين بلة هذه المجزرة المنكرة فاستقال ازهاري وظهر

الشاه على شاشة التلفزيون يقول لشعبه: (لقد سمعت ندائكم وها انا معتذر اليكم، سأفعل ما تأمرون وها انا امد يدي إلى رجال الدين العظام ليساعدونني في حل مشاكل البلاد). لقد كان هذا الخطاب انتحارا للشاه وايذانا بنهاية نظامه، فقد ظهر بمظهر الضعيف المسكين الذي يستجدي العطف من اعدائه الذين عبر عنهم في خطاب جماهيري بالكلاب النابحة التي لا تستطيع رؤية القمر المنير. ان هذه الاهانة الموجهة إلى رجال الدين والخميني بالذات كانت قد صدرت من الشاه قبل ثلاثة اشهر فقط من خطاب الاعتذار ولم يزل صداه عالق في الاذان، وكان الشاه في الحقيقة قد ضيع اللبن في الصيف فلم يجد الاعتذار خيرا بل زاد في سخط الساخطين واتحاد المناوئين وعرف الشعب ان مليكه بدأ يستجدي العون من اعدائه ومن ينتظر من العدو خيرا ومرحمة فقد حانت ساعته فأجهز الشعب على ملكه من كل صوب وحدب. وبدأ الشاه يتخبط في اتخاذ القرارات، فطلب من الدكتور شاهبور بختيار عضور الجبهة الوطنية تشكيل حكومة تخلف حكومة الازهاري، الذي استقال تحت وطأة الهياج العام والاضرابات المستمرة. وكان للدكتور بختيار سجل حافل بالنضال وقضى سنوات في سجن الشاه وكان الشاه الاب رضا بهلوي قد قتل والده في السجن خشية نفوذه وسلطانه. وقبل الدكتور بختيار تشكيل الحكومة فطردته الجبهة الوطنية من عضويتها لانه خالف رأي الحزب الذي ينتمي اليه، وكانت الجبهة الوطنية قد طلبت من بختيار عدم التعاون مع الشاه، ومع ان بختيار ابلغ الجبهة انه قبل المسؤولية بشرطين: اولها حل السافاك والثاني مغادرة الشاه لايران لفترة طويلة يحل محله مجلس الوصاية على العرش وبذلك يكون مطلق اليدين في اتخاذ القرارات، الا ان الجبهة اصرت على رفضها في أي نوع من التعاون بين احد اعضائها البارزين والشاه، استلم بختيار

السلطة وشكل دولة مدنية اعتبرها الشعب اوهن من بيت العنكبوت، فلا الاضرابات توقفت ولا اجهزة الدولة تعاونت معه، بل ازداد الوضع السياسي من سيء إلى اسوأ. وبدأ كبار رجال الدولة واعضاء الاسرة المالكة يغادرون ايران حاملين حقائبهم المليئة بالاموال التي نهبوها من الشعب، وفي خلال ستة اشهر تجاوزت رؤوس الاموال التي خرجت من ايران عن طريق البنك المركزي واودعت في النبوك الاجنبية باسم الساسة القدامى واسرة الشاه الفا مليون دولارا. واخيرا غادر الشاه وملكته ايران بصورة مهينة، وعند سلم الطائرة رأى المودعون دموع الشاه تسيل على وجنتيه وكأنه يودع وداعه الاخير مع وطنه وامته. وعندما عرف الشعب مغادرة الشاه خرج إلى الشوارع عن بكرة ابيه يهلهل ويصفق واهازيج الافراح والابتهاج ملأت الخافقين. غادر الشاه طهران إلى المغرب بدعوة من الملك الحسن وترك المغرب بعد ايام إلى جزر الباهاما في البحر الكارائيبي ينتظر القضاء والقدر وفي قلبه بصيص امل للعودة إلى البلاد. كانت امال الشاه معلقة على ثلاثة عوامل: 1. تغير السياسة الامريكية نحوه. 2. حكمة بختيار في معالجة الازمة العارمة. 3. قادة الجيش الذين بقوا اوفياء معه إلى الساعة الاخيرة. وفي اقل من شهر واحد خابت امال الشاه كلها، فلا الامريكان غيروا سياستهم ولا بختيار بقى سيد الموقف والجيش استطاع التحرك، بل الذي اصبح سيد الموقف هو الشعب وحده وهكذا استجابت الاقدار لارادة الشعب الذي لم يخرج من محنته الكبرى الا بعد اللتيا والتي ليبتلي بالطامة العظمى، فكان شأنه كالمستجير من الرمضاء بالنار. اما تفاصيل الاسباب التي ادت إلى الانهيار التام للملكية وخيبة

امال الشاه في العوامل الثلاثة التي كان يعول عليها فانها تتلخص: 1) السياسة الامريكية والتي كانت السبب الرئيسي في ما لحق بالشاه من هزيمة منكرة فانها وان لم تقصد في بادئ الامر تغيير الشاه كما تدل الشواهد والاثار التي ظهرت ابان الثورة الايرانية وبعدها الا انها كانت تسعى تعديل السياسة القمعية التي كان يمارسها الشاه كدليل ساطع لالتزام الرئيس الامريكي الجديد بوعوده امام شعبه والعالم، ومن هنا نرى الرئيس الجديد للولايات المتحدة قبل دعوة الشاه لزيارة ايران وتبادل نخب الصداقة معه وعبر عن ايران (بجزيرة الاستقرار) في ظل النظام القائم فيها، ولا اعتقد ان تلك السفرة كانت سفرة اعتباطية عابرة بل خطط لها كل التخطيط، فالشاه كان يعتبر عاملا من عوامل السياسة الامريكية في المنطقة، واذا ما اضطر الرئيس الامريكي تحت وطأة الرأي العام بأن يسحب بساط القوة من تحت قدميه فهذا الامر لايعني انه اراد تقويض النظام والتعاون مع الخصوم للثورة ضده، ولذلك كان العالم يسمع تصريحات مشجعة لنظام الشاه في المؤتمرات الصحفية التي كان المسئولون الامريكان يعقدونها في البيت الابيض بما فيها الناطق الرسمي باسم الرئيس، ولم يكن معقولا ان يسقط نظام الشاه اذا كانت السياسة الامريكية تسانده بهذه السهولة وبين عشية وضحاها فخمسن الف مستشار امريكي الذين كانوا يعملون في الجيش والسافاك والأجهزة الاخرى كانت لهم من القوة والقدرة على تحريك الجيش والسافاك بكل ثقليهما لاخماد الثورة. ولكن كما اعترف الشاه في مذكراته ان الامريكان لم يعلموا شيئا لانقاذه عن طريق مستشاريهم عندما عرفوا ان ورقته خاسرة، بل كانوا يرغبون في مغادرته البلاد كما قال له الجنرال هايزر معون رئيس حلف ناتو والذي وصل إلى ايران بغير علم منه واتصل

بالمعارضة بدون علمه ايضا، وعندما زاره في قصره لم يبحث معه تطورات الازمة بل كان يسأله بصورة مكررة متى تغادر ايران؟ ويظهر من اعترافات زمرة الخميني بوضوح ان الامريكان غيروا سياستهم في دعم الشاه في الشهور الاخيرة قبل سقوط النظام وبدأوا بالاتصال مع الخميني وزمرته، فهل كان هذا لانهم علموا بان الشاه مصاب بالسرطان ولايعيش طويلا، واذا مات فليس هناك من يخلفه بقوته وجدارته ولا سيما فان ولي عهده لم يبلغ سن الرشد وزوجته الملكة لايحسب لها حساب فالبحث اذن عن نظام قوي صديق كانت تمليه السياسة الامريكية، وهنا لابد من ذكر الدور الكبير الذي لعبه الخميني وجماعته مع الامريكان موحيا لهم ان السياسة التي سيتبعونها في حالة نجاحهم ستكون موالية لهم وهنا نأخذ بعين الاعتبار ان اهتمام السياسة الامريكية قبل كل شيء ينصب على عدم انتصار الشيوعية في منطقة الشرق الاوسط ولاسيما في مثل ايران التى تحظى بموقع استراتيجي هام فزوال الشاه الحليف المريض اذا كان يخلفه نظام ديني ارتجاعي متزمت يقضي على الشيوعية بسيف الاسلام فانه يعتبر حليفا طبيعيا لهم، فدحر الشيوعية والقضاء عليها قضاء تاما باسم الدين وواجب الايمان كما يعرفه العالم انما هو في ضمن التخطيط الاساسي للسياسة الامريكية في هذه المنطقة الحساسة من العالم والمليئة بسبعين في المائة من احتياطي النفط العالمي الذي تتوقف عليه الحضارة في امريكا واوروبا. ومع اننا لاندري بالضبط المذكرات التي دارت بين الامريكان وزمرة الخميني الا اننا ندري انه التحق بالخميني في النجف وقبل ان يغادرها بيوم واحد صديقه ومستشاره الدكتور ابراهيم يزدي الامريكي الجنسية وكان هذا الشخص في رفقة الخميني في باريس ومن اقرب المقربين اليه، وكاد اليزدي يسبب مشكلة سياسية للخميني عندما

منعته الكويت الدخول إلى اراضيها ووافق العراق على عودته ماعدا اليزدي الذي كان يحمل الجواز الامريكي، واصر الخميني على اصطحاب اليزدي معه واصرت الحكومة العراقية على عدم الوافقة لأن الرجل امريكي وغادر العراق ولايحق له الدخول مرة اخرى الا بعد الحصول على الموافقات الرسمية التي تقتضيها الحالة الموجودة اثر قطع العلاقات الدبلوماسية بين العراق وامريكا، واخيرا دخل الخميني الاراضي العراقية وترك اليزدي في الحدود، وعندما وصل إلى بغداد قدم التماسا إلى السلطات العليا يطلب منح اليزدي اذن الدخول إلى العراق لاربع وعشرين ساعة فقط شريطة ان يغادرها بصحبته واستجابت السلطات العليا لرجاء الخميني والتحق اليزدي بالخميني في بغداد، واليزدي هذا عين في اول دولة شكلت بعد نجاح الثورة برئاسة بازركان نائبا لرئس الوزراء في شئون الثورة ومتابعتها ووزيرا للخارجية فيما بعد. ووجود شخص امريكي في قلب النظام كان تعبيرا بليغا عن التعاون الحميم بين الثورة وامريكا، ناهيك عن المحادثات التي دارت رحاها في باريس بين الخميني ورمزي كلارك وزير العدل الامريكم السابق وهكذا المحادثات التي دارت بين زمرة الخميني في طهران مع الامريكان كما اعترف بازركان وبهشتي ورفسنجاني وغيرهم من اركان الزمرة الحاكمة واعترفوا في الصحف والاذاعة والتلفزيون انهم اجروا تلك الاتصالات بالامريكان بعلم الخميني وامره، ولم يكن اليزدي هو الامريكي الوحيد في الدولة بل كان كلا من امير انتظام وزير الدولة والناطق الرسمي باسمها ودكتر جمران وزير الدفاع على شاكلة اليزدي يحملان الجنسية الامريكية وكان من الشائع ان اليزدي وزميليه عميلان مأجوران معروفان للمخابرات المركزية الامريكية. ومع ان نشوة الانتصار حجبت عن الشعب تلك الجسور الممتدة بين الخميني والامريكان، وكان يسمع من

الخميني في خطبه اليومية، ان الامريكان كانوا وراء كل مالاقاه الشعب الايراني من المحنة والبلاء على يد الشاه وهم السبب الحقيقي لما لاقته ايران في ربع قرن من الذلة والهوان، الا ان العيون الساهرة بدأت تراقب هذا التناقض في القول والعمل وظهرت على صفحات بعض الجرائد اسئلة حول وجود هؤلاء الامريكان في حكومة بازركان ثم اسئلة اخرى تسأل البازركان والخميني معا عن السبب في عدم الغاء المعاهدات العسكرية وصفقات الاسلحة بالاف الملايين وعن الاتفاقيات التجارية التي ابرمت بين نظام الشاه والحكومة الامريكية طالما ان الثورة الايرانية كانت في حقيقتها ضد السياسة الامريكية في ايران، كان جواب بازركان ان حجم هذه المعاهدات تتجاوز الاف الملايين وانها تتجاوز 900معاهدة عسكرية وتجارية وصفقات الاسلحة وان الغاء هذه المعاهدات يحتاج إلى دراسة وافية تستغرق شهورا بل سنوات ولايمكن ان نلغي المعاهدات من جانب واحد لما يترتب على ذلك من خسارات مالية عظيمة، واذا كان الشعب قد اقتنع بهذه الاجوبة الركيكة الا انه لم يسمع جوابا مقنعا عن سبب وجود الوزراء الذين يحملون الجنسية الامريكية في قلب الدولة الخمينية وبقيت العلاقات مع الامريكان على احسن مايرام إلى ان حدثت ازمة الرهائن وبذلك حدث تغير مفاجيء في ظاهرة السياسة الايرانية نحو الامريكان وقد نفرد فصلا خاصا لتلك المهزلة التي اضحكت العالم وابكته. وهنا نصل إلى بيت القصيد في شرح العلاقات الثنائية بين الخميني والامريكان إلى ماقبل ازمة الرهائن، ومن انها كانت علائق حسنة ووثيقة لا يستوجب التفريط بها لحماية الشاه الذي فقد كل قواعده الشعبية في ايران. وبما ان السياسات العالمية الكبرى لاتصل إلى احد في البلاد التي يحكمونها بصلة القربى، بل انها تنبع من مصالحها الهامة التي تسعى لاجلها فلذلك كانت التضحية بالشاه في سبيل الخميني امرا معقولا

اذا ما استمر الخميني على نهج الشاه في تنفيذ المخطط العام الذي كانت ترسمه له وهكذا ضحى الامريكان بالشاه وهم على امل صديق حميم قوي جديد. 2) اما حكمة بختيار في معالجة الازمة السياسية ذهبت ايضا ادارج الرياح، فان شاهبور بختيار الوطني الذي قضى شطرا كبيرا من حياته في معارضة الشاه وفي سجونه كان قد فقد في نظر الشعب تلك الوطنية بعد ان صافح الشاه واخذ على عاتقه حماية التاج، والازمة السياسية التي كانت تعد العدة للثورة تجاوزت حدود الاشخاص والافراد ولم يكن بمقدور شخص واحد ان يوقف زحفها مهما كانت وطنيته ونضاله المشرف. وعندما عين الدكتور بختيار رئيسا للوزراء كنت انا في بغداد واتصلت هاتفيا بالسيد ابو الحسن بني صدر وقلت له في حديث دام قرابة ساعة، الوطنية تفرض عليكم حماية هذا الرجل ان الوطنية تفرض عليكم وعلى الخميني ان تجدوا حلا وسطا لمساندته فباستطاعته ان يجد حلا فيه الخلاص من الملكية ومنع البلاد ومؤسساتها من الانهيار الكامل، ولم يجد كلامي اذنا صاغية في وقته فسافرت إلى باريس وانا في طريقي إلى امريكا وكان الخميني انذاك فيها والشاه في المغرب في السفرة التي لم يعد منها ابدا إلى بلاده فاتصل بي احد اقرباء بختيار يطلب مني ان اقوم بدور الوفاق بين بختيار والخميني، وارسل بختيار ابن عمه عباس قلي بختيار والذي كان وزير العمل في حكومته إلى باريس، وحاولت ان اصلح بين الرجلين ودامت المحادثات ثلاثة ايام، ومع ان الدكتور بختيار كان يعد باعلان الجمهورية شريطة ان يمهله الخميني ثلاثة اشهر، الا ان الخميني كان لايراه صادقا في مواعيده ثم كان يقول ما دام اننا وصلنا إلى ابواب الانتصار فلماذا ننتظر ثلاثة اشهر اخرى. وفي اخر لقاء مع الخميني سألته

بصراحة، اذا اعلن بختيار الجمهورية يوم غد فماذا يكون موقفك منه؟ هل تؤيده؟ ام تقف ضده، وبدا الاحراج على وجه الرجل. وقال: انه لن يفعل هذا. فسألته من جديد: اذا فعل فكرر الخميني كلامه مرة اخرى فكررت عليه القول، سنفرض انه فعل، ماذا يكون موقفك؟ طأطأ الخميني رأسه. ثم قال بعد برهة انه لن يفعل وسكت وانتهت المحادثات وخرجت من عند الرجل مقتنعا انه لايسمح لاحد ان يلعب دورا بارزا في الثورة بل يريد ان يحتكر كل دور لنفسه، وفي صباح اليوم التالي، قلت للسيد عباس قلي انا لااجد في المحادثات هذه نجاحا وتقدما وساطلب من السيد ابو الحسن بني صدر ان يتابع الوساطة فهو صديق الرجلين وغادرت باريس إلى الولايات المتحدة الامريكية، وبعد يومين اتصلت بالسيد بني صدر هاتفيا وسألته عن سير المحادثات، فقال: ان المهمة فشلت وانه سيترك باريس مع الخميني بعد يومين إلى طهران وسألته وعلى متن طائرة واحدة؟ اجاب نعم ثم اضاف قد تسقط الطائرة ونستريح جميعا، فقلت: والعالم بأسره، قال: أي والله. لم تستطع حكومة بختيار مواجهة التيار الحاد الذي كان يعصف بحكومته، فالتيار كان اقوى منه ولم يكن بختيار هو المقصود بالامر بل كان المقصود هو النظام الذي اصبح بختيار جزءا منه، وسقط النظام وسقط معه بختيار، وهكذا فقد الشاه ثاني امل في العودة وبقي الامل الثالث وهو الجيش وقادة الشاه الاوفياء وهذا الامر لم يكن اكثر من (سَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) وتفصيل فشل الجيش في مواجهة الثورة العارمة التي شلت كل مرافق الدولة بما فيها

الجيش نفسه يتخلص فيما يلي: اولا ان اكثرية قواد الجيش الذين نصبهم الشاه في مناصب مرموقة من مرافق القوات العامة لم يشترط فيهم الكفاءة العسكرية بل كان الشرط الاول والاخير هو الوفاء للشاه واطاعته اطاعة عمياء، وبما ان الجيش يتبع قادته في مواجهة الازمات الحادة فان القوات العسكرية لم تستطع حسم المواجهات المتتالية مع الشعب عسكريا سواء بسبب عدم كفائتهم او بسبب ضعف الشاه في اتخاذ القرارات الحاسمة او لعدم وجود ضوء اخضر من الامريكان الذين كانوا يسيطرون على مرافق الجيش المختلفة والهامة بمستشارين عسكريين وسياسيين كما ان من الضروري ان لا يغرب عن بالنا ان الجيش الايراني جيش مسلم ومتأثر بالمبادئ الاسلامية ومع وفائه المطلق للشاه الا ان وفائه لدينه يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار وقد اخذت الثورة طابعا دينيا في اخر ايامها حيث انضمت إلى الثورة اكثر الشخصيات الدينية الهامة ذات النفوذ في قلوب الشعب، وانضمام كثير من هؤلاء إلى الثورة كان اضطرارا وخوفا من الرأي العام والشارع الذي انضم إلى الرأي العام بدأ يتحكم في الوضع السياسي السائد في البلاد، كما ان كثيرا من رجال الدين الذين التحقوا بالثورة كانوا من انصار الشاه او من معارضي الخميني ولكنهم عندما علموا ان القطار المليء بالغنائم سيفوتهم اذا بقوا محايدين او مناصرين للشاه، انضموا إلى الثورة شأنهم شأن كل مستغل للظروف السانحة التي تعصف بالرطب واليأبس. اذا كان من الطبيعي ان يتأثر الجنود والضباط الصغار وهم الكثرة البالغة في الجيش بالعاصفة الشعبية المطلية بطلاء الدين ولاسيما ان الجنود كانوا من الشعب فلابد وانهم يتأثرون بالثورات التي تأخذ الطابع الشعبي العام فقد تحصل مواجهة بين الجيش والشعب ولكن لفترة محدودة ولمرة او

مرتين، اما المواجهة التي انتهت إلى انهيار الجيش الايراني امام الشعب فقد استمرت ستة اشهر وكانت تحصل المواجهة كل يوم وفي كل ناحية من ايران المترامية الاطراف وفي صورة كر وفر انتهت في آخر المطاف إلى تضعيف معنويات الجيش وعدم الولاء لقوادهم الذين كانوا هم بدورهم لايدرون حقيقة السياسة التي يجب عليهم اتباعها. وقد انتهت معنويات الجيش الايراني بمغادرة الشاه أي القائد الاعلى للقوات المسلحة إلى خارج ايران بتلك الصورة المشينة ولا شك ان جيشا كجيش ايران الذي تعود ان يظهر وجهه الحقيقي تحت راية ملوكه قد ينتهي وينهار اذا ما هرب إلى خارج البلاد قائده الاعلى وامبراطوره الذي كان يرى فيه مجد ايران القديم والحديث معا. وهكذا انهار بين عشية وضحاها جيش كان قوامه 400الف جندي مدجج بالسلاح ومعدات عسكرية ارضية وجوية كانت تقدر بثلاثين بليون دولار وخبرات عسكرية ومستشارين اجانب كانت تكلف الشعب اربع الاف مليون دولار سنويا من قوته ودمه، ليعلم العالم ان ارادة الشعب تنبع من ارادة الله واذا اراد الله شيئا هيأ اسبابه.

سقوط الامبراطور

سقوط الامبراطور • الفئات المتحالفة لاسقاط الشاه. • اذاعة بي بي سي الريطانية. • فرنسا تحمي الخميني. • الثورة الشاملة. • بازركان في الحكم.

قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) سقوط الامبراطور كيف سقطت الامبراطورية الايرانية؟ وكيف سقط الامبراطور محمد رضا بهلوي؟ ومن هم الذين مهدوا الطريق لاسقاطه؟ لقد توالت الاحداث تلو الاحداث ومهدت الطريق في سقوط امبراطورية كان عمرها 2500عاما. لقد كانت الاحتفالات العظيمة التي شهدتها برسبوليس بمناسبة مرور الفين وخمسمائة عام على عمر الملكية في ايران لم تزل حديث الملوك والرؤساء التسعين الذين حضروا تلك الاحتفالات من اقصى الارض عندما بلغهم ان القي وخمسمائة عاما من التاريخ الذي احتفلوا لاجله في برسبوليس قد تبخر في خلال 6ساعات فقط. قال المهندس بازركان في احدى خطبه ان الخميني لم يسقط الشاه بل الشاه هو الذي اسقط نفسه، ان اعدى اعداء الشاه كان الشاه نفسه وليس الخميني وزمرته والجماهير التي تعاونت لاسقاطه. ان السياسة التي اتبعها الشاه في ايران كانت نتيجتها المحتومة سقوطه وسقوط نظامه كما

اشرنا اليها بصورة اجمالية في فصل آخر من هذا الكتاب، اما الفئات التي تعاونت وتكاتفت لاسقاطه في اللحظة المناسبة ومن ثم استطاعت ان تستقطب الجماهير في كل مكان فانها كانت لا على سبيل الحصر: 1. الجبهة الوطنية والتي كانت ترى في الدكتور مصدق رحمه الله رائدا لها. 2. نهضة المقاومة الشعبية التي اسسها الامام الزنجاني والمهندس بازركان بعد ان انشقوا من الجبهة الوطنية وكانت لهاتين المجموعتين نفوذ كبير في الاوساط الجامعية وفي البازار (المركز التجاري لطهران والمراكز التجارية في مدن اخرى). 3. مجاهدين خلق: وهو الحزب الذي اسسه موسى خياباني ومسعود رجوي وغيرهما وبدأوا يعكرون صفو النظام بالمقاومة المسلحة وكان الاب الروحي لهؤلاء اية الله الطالقاني رحمه الله والتف حول هذا الحزب شباب المدارس والجامعات، وكان الشاه يعبر عنهم بالمركسيين الاسلاميين، وكان لهؤلاء دور بارز وعظيم في نجاح الثورة. (¬1) 4. كبار رجال الدين والذين اضطهدتهم سلطات الشاه في خلال السنوات التي تلت المجابهة الدامية بين الشاه والزعامة الروحية وكان لهؤلاء نفوذ واسع بين صفوف الشعب امثال، اية الله الطالقاني والامام السيد حسن القمي والامام الشيخ بها الدين المحلاتي والامام الخاقاني، وهؤلاء كانوا على طرفي نقيض مع الخميني وزمرته ¬

(¬1) "1" بعد مرور سنتين على استلام الخميني للسلطة حصلت مجابهة سياسية بينه وبين المجاهدين اعدم على اثرها منهم بضعة الاف من الفتيان والفتيات في غضون ثلاثة اشهر واستعمل معهم قصوة قلما نجد في تاريخ الطغاة مثيلا لها.

سواء في افكاره او في سياسته ولكن المصيبة كانت تجمعهم على كل حال فكانوا في خندق واحد ضد الشاه مع احتفاظهم باصالتهم في التفكير واستقلالهم في اتخاذ القرارات. 5. جماعة الدكتور شريعتي: وكلهم كانوا ولايزالون من الشبان الجامعيين المتحمسين للتجديد الاسلامي وقد سحرهم شريعتي بافكاره الغامضة التي كانت تفسر بانها ضد طبقة من رجال الدين الموالين للشاه وللنظام الحاكم. 6. خميني وزمرته من رجال الدين الموجودين في اخل ايران وخارجها. 7. الاحزاب اليسارية بما فيها حزب توده الشيوعي. لقد اجتمعت هذه الاحزاب والفئات كلها على اسقاط النظام، وبما ان كل حزب وفئة كانت ترى نفسها اولى واحق بتولية امور البلاد اذا ما قدر لها النجاح في اسقاط الشاه، فقد استقر رأيهم على اختيار زعيم يقود الحركة وهو على حد (زعمهم) لايطمع في الحكم فوقع الاختيار على الخميني. ولعب الخميني نفسه دورا عظيما في اغفال الشعب وسائر الفئات المناضلة وايهامهم انه يكون الرجل المفضل لقيادة الثورة اذا ما اجتمعوا تحت لوائه، ومن هنا جاء تعيينه للمهندس بازركان كاول رئيس للوزراء بعد الثورة ومشاركة نفر قليل من افراد زمرته في الحكم، دليلا قاطعا على التزامه بالنهج الذي اعلنه للشعب كافة. واستقر الخميني في نفل لوشاتو قرب باريس تحميه الشرطة الفرنسية وكل الاذاعات العالمية والصحف الكبيرة تنشر ما يقوله ضد الشاه وكانت زمرته في ايران تنشر الكاسيتات التي تحتوي على خطبه المثيرة للشعب وانضمت إلى الخميني اذاعة بي بي سي الفارسية في لندن لتذيع كلما يقوله الخميني ويطلبه من الشعب الايراني حتى اصبحت بوقا من ابواقه ولعب تلك الاذاعة البريطانية دورا

هاما في نجاح الثورة لانها الاذاعة الفارسية الوحيدة التي يهتم بسماعها الشعب الايراني الذي كان يعتقد انها تجسد السياسة البريطانية وكان الاستنتاج السياسي لدى الشعب الايراني وساسته ان الوضع الذي اتخذته اذاعة بي بي سي البريطانية في حمايتها للخميني وللثورة انها تمثل رأي بريطانيا وان الدول العظمى قد اتفقت على تصفية الشاه. فموقف الامريكان مع التناقض الموجود في تصريحات الساسة الامريكيين حول تأييدهم للشاه كان ضعيفا. وموقف بريطانيا كما تشهد به اذاعتهم الرسمية كانت مع الخميني والثورة، وان كانت البيانات الرسمية التي يدلي بها الساسة الانكليز تناقض اذاعتهم. اما فرنسا فقد جندت كل قواها لحماية الخميني واعطائه فرصة التحرك كما يحب ويشاء. اما الروس فهم ضد الملكية بطبيعة سياستهم وحزبهم (التودة) كان يتعاون مع الثورة والخميني تعاون الصديق مع صديقه. اذن كل القوى العظمى رضخت للامر الواقع وهو تصفية الشاه، وعاد الخميني إلى طهران عودة الابطال واستقبله 6 ملايين شخص لدى وصله مطار مهر اباد الدولي ولم يسقط سلاح الجو الايراني طائرة البوينغ التي كانت تقله في سماء ايران ومع ان قائدها كان يحمل في قلبه الولاء الكامل للشاه لم يقدم على هذا الامر الذي كان اخر بارقة امل لانقاذ النظام الشاهنشاهي في نظر المخلصين للنظام، وقد جازى الخميني بالاعدام هذا القائد الذي كان باستطاعته اسقاط طائرته والقضاء عليه وعلى زمرته التي كانوا في معيته و 150 صحفي من انحاء العالم. واعلن الخميني فور وصوله إلى طهران عدم شرعية حكومة بختيار وتعيين المهندس بازركان رئيسا للوزراء، واصبحت ايران تعيش في حالة من الفوضى والارتباك، وكان لابد للازمة ان تنتهي بنصر احد

المتخاصمين، وكانت الايام تمر بسرعة، ففي يوم 14فبراير من عام 1979 اعلنت حكومة بختيار الحم العسكري ومنع التجوال واعلن الخميني العصيان العام فخرجت ملايين الناس إلى الشوارع متجهة نحو الثكنات العسكرية وسلاح الجو ومقر السافاك والقوات الصاعقة التي كانت تحت امرة قائد حرس الشاه، وحصلت مواجهة صغيرة استولى الناس على تلك المرافق العسكرية والسلاح الموجود فيها وقتلوا بعض القادة العسكريين الذين ارادوا الدفاع عن ثكناتهم وجاء الجنرال قرباغي القائد الاعلى للقوات المسلحة إلى الخميني مستسلما للامر الواقع معلنا حياد الجيش في المجابهة التي كانت تدور رحاها في شوارع طهران وسائر المدن الايرانية الاخرى، وعاد الجيش إلى ثكناته بامر من قائده الاعلى واعلن الخميني ولادة الجمهورية الاسلامية الايرانية. فولى عصر ليشهد العالم عصر جديد. اما بختيار فقبل ان يستطيع الهرب القت مجموعة من المتظاهرين القبض عليه واقتادوه إلى مقر بازر كان رئيس الوزراء، غير ان بازركان وفاء لسنوات النضال إلى قضاها مع هذا الزميل المنكوب هيئ له وسائل الفرار، فهرب بختيار بعلم بازركان ومساعدته من ايران إلى فرنسا (¬1)، وهكذا انتهت الفين وخمسمائة عاما من التاريخ بسقوط الامبراطورية والامبراطور. ¬

(¬1) "1" لقد سمعت رواية فرار الدكتور بختيار من المقربين إلى المهندس بازركان عندما كنت في طهران وذكرتها بعض الصحف الايرانية ايضا اما الحقيقة فعلى بختيار ان يقول كلمته فيها.

الماكرون

الماكرون • الخدعة الكبرى • الدستور المزيف • حصر السلطات التنفيذية بالزمرة الخمينية • تأسيس الحزب الجمهوري الاسلامي • المجلس التشريعي المزور • الخميني يامر بن صدر باخفاء الحقائق عن الشعب • عزل الرئيس

(قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ (26)) الماكرون كيف استولت الزمرة الخمينية على السلطة؟ وما هي الاسباب التي ادت إلى تلك الخدعة الكبرى في تاريخ ايران؟ الجواب على هذا السؤال يحتاج إلى مراجعة التاريخ لقرن مضى ولاسيما تلك الفصول التي تتعلق بنضال الشعب الايراني بقيادة زعمائه الدينيين مبتدأ من ثورة الشيرازي الكبير السلمية ضد الانكليز في 1891 حتى آخر ثورة شهدتها ايران بقيادة زعمائه الدينيين والتي انتهت إلى سقوط الملكية واعلان الجمهورية. ان التاريخ يحدثنا بكل وضوح ان الزعماء الروحيين في تاريخ النضال الشعبي كانوا يقودون حركات التحرر باخلاص القائد الفذ وعندما كانت الثورة تنجح في مقاصدها كان الزعماء الروحيون يعودون إلى واجباتهم الروحية ولم يطلبوا لانفسهم جزاء ولا شكورا. قاد الشيرازي الكبير الثورة السلمية ضد الانكليز والملك المستبد ناصر الدين ولما رضخ الملك لامر الامام والغى معاهدة التبغ التي ابرمها مع الانكليز ابرق له الشيرازي يدعو له بالتوفيق ويطلب منه ان يكون قدوة

لكل الحاكمين. وبعد هذه الحادثة بخمس عشر سنة ثار الشعب الايراني بقيادة زعيم عظيم من زعمائه الروحيين وهو الاخوند محمد كاظم الخراساني ضد الملك المستبد محمد علي شاه الذي الغى الدستور وحل مجلس الامة ليستبد بالامور، وخاض ذلك الزعيم الروحي غمار تلك الثورة الشعبية التي قدمت من التضحيات الكثير لينال الشعب حريته، واخيرا عزل الاخوند محمدكاظم الخراساني الملك من وظائفه وخلعه من عرشه واضطر الملك المعزول اللجوء إلى سفارة الروس القيصرية في طهران وثبت الاخوند محمد كاظم رحمه الله ابن الملك المخلوع احمد شاه ملكا على ايران ولم يطلب لنفسه جزاء ولا شكورا. كان باستطاعة الخراساني ان ينصب نفسه واليا وآمرا بأمر الله على العباد والبلاد كما فعل الخميني ولكنه ارتفع عن هذا الامر بل انصرف إلى واجباته الروحية من جديد. وفي عام 1950 شهدت ايران ثورة عارمة ضد الانكليز قادها الامام الكاشاني والدكتور مصدق رحمة الله عليها واصبح الامام الكاشاني هو الحاكم المطلق في البلاد وكان باستطاعته تنصيب نفسه رئيسا للجمهورية ووليا للامر ولكنه لم يفعل ذلك بل جلس في داره القرفصاء وعندما انتخب رئيسا للمجلس النيابي ارتفع عن حضور جلساته وهكذا زهد في الرئاسة والحكم حتى ان اطاح الامريكان بمصدق فسجن مصدق ولقي الكاشاني من الهوان الكثير. اذن لم يخطر ببال الشعب الايراني ان زعيما من زعمائه الروحيين يناضل لاجل الاستيلاء على الحكم والسلطة لاسيما اذا كان ذلك الزعيم يؤكد اكثر من مرة بانه لايطمع في الحكم بل لايخطر في باله ايضا. كما ان الشعب الايراني لم يفكر قط ان زعيما دينيا مثل الخميني يكذب بهذه

الفضاحة امام العالم وعندما يصل إلى مأربه يجعل الوعود كلها تحت قدميه، وهناك شيء آخر لابد من الاشارة اليه وهو ان الخميني لم يكن هو الزعيم الديني الوحيد في ميدان النضال، بل كان هناك اخرون لهم دور قيادي كبير في نجاح الثورة، وبعد نجاح الثورة عادوا إلى بيوتهم لا يتعاملون مع الخميني بل هم معه على طرفي نقيض، وهم غير راضيين عما وصلت اليه الزعامة الدينية من انحدار وسقوط وذل وهوان. ان الامام السيد كاظم الشريعتمداري والامام القمي والامام الزنجاني والامام الطالقاني رحمة الله عليه، كان لكل منهم دور عظيم وهام في نجاح الثورة وهؤلاء الائمة الاربعة عارضوا استيلاء الخميني وزمرته على الحكم بالنار والحديد واعتبروا الدستور مزورا والانتخابات مزيفة واعلنوا ان كلما يبنى على الفاسد فاسد ايضا. اذن فان ما يقال من استيلاء رجال الدين على السلطة في ايران بصورة عامة انما هو في واقعه وحقيقته لايطابق الواقع وحقيقة الامر، بل هناك طبقة خاصة من بين رجال الدين استطاعت ان تستولي على الحكم وتحتكر السلطة لنفسها والصراع بين الحاكمين من اهل العمائم والمحكومين من الطبقة نفسها على اشده في ايران، اما تفصيل تلك المؤامرة الشنيعة على الحرية والشعب باسم الاسلام والدين فهو كما يلي: لا اعتقد ان الخميني وحده هو الذي وضع خطة احتكار السلطة، بل ان زمرته لعبت دورا هام في وضع الخطط المناسبة في الموقع المناسب مع الاخذ بعين الاعتبار سذاجة الشعب الايراني وايمانه بالثورة ومكاسبها وتاثير المواعيد الكاذبة والخطب الرنانة في نفسية هذا الشعب المغلوب على امره. لم يظهر الخميني في الايام الاولى بعد نجاح الثورة ما كان يضمره في قلبه من جعل نفسه وليا على العباد والبلاد، بل عين المهندس بازر كان رئيسا للوزراء واطلق يده في تعيين وزراءه ما عدا يزدي وجمران وصادق

طباطبائي وعاد إلى قم يستقبل جماهير الشعب كمرشد للثورة يلقي فيهم الخطب اليومية كلما اجتمع على بابه رهط من الناس ولكن في الوقت نفسه استولت زمرته على اربعة من اهم المرافق الحيوية في البلاد: 1. الحرس الثوري، الذي تم تشكيله منذ الايام الاولى من نجاح الثورة. 2. اللجان الثورية التي شكلت في المساجد وعلى رأس كل واحدة منها رجل من رجال الدين المحسوبين على الخميني. 3. المحاكم الثورية التي بدأت بتصفية المعارضين ورجال العهد الملكي فورا. 4. الاذاعة والتلفزيون. وفي الاسبوع الاول من العهد الجديد حكمت محكمة الثورة على خمسة من رجال العهد القديم بما فيهم الجنرال نصيري رئيس السافاك واعدموا فور صدور الحكم على سطح المدرسة التي كان يسكنها الخميني في طهران، واجريت المحاكمة بصورة سريعة وسرية مما ادهشت العالم وذلك لان تلك الشخصيات بما فيهم نصيري كانوا اهم ركائز العهد القديم وكان يمكن الحصول منهم على معلومات قيمة عن اسرار الدولة التي ولت الادبار، واعلن بازركان ان لاعلم له بهذه المحاكمات وبالاعدامات وانه لايرضى الا بمحاكمات عادلة وفق اصول متبعة في كل انحاء العالم، ولكن نداء بازركان لم يلق اذنا صاغية واستمرت المحاكم في محاكماتها وظهر للشعب ان الخميني هو وراء هذه المحاكمات وهو الذي يعين القضاة بأمره الخاص، وهكذا ظهرت قوة تنفيذية جديدة تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد ولا سلطان للدولة عليها. اما حرس الثورة واللجان الثورية فكان كلا منهما دولة في دولة لا تقل شأنا وخطورة عن المحاكم الثورية، لقد كانت باستطاعة أي منها ان ترسل رجالها إلى منزل رئيس الدولة في أي وقت تشاء لتقبض عليه وتجره إلى حيثما تريد وتشاء. وبذلك ظهرت في البلاد ثلاث قوى تنفيذية اضعفها

الدولة التي كانت تعتمد على الجيش والشرطة الذي دمر احدهما تدميرا كاملا والثاني اصبح تحت حكم اللجان الثورية، وهكذا استولت زمرة الخميني على السلطة منذ الايام الاولى من نجاح الثورة ولكن بصورة غير مباشرة، وكانت تلك الزمرة تعلن للناس ان المحاكم الثورية وقتية وستحل بعد انتهاء محاكمات رجال العهد القديم، وان اللجان الثورية ستعطي مكانها إلى الشرطة عندما يستتب الامن في البلاد وان حرس الثورة سينضم إلى الجيش في الوقت المناسب القريب، ويكون للجمهورية الاسلامية الايرانية جيش واحد فقط، وصدق الشعب تلك الادعاءات وكان يحلم بصبح قريب يصبح فيه سيد نفسه، ولم تظهر نوايا الخميني السيئة الخبيثة الخفية الا عندما تشكل المجلس التأسيسي لوضع الدستور الجديد للجمهورية الاسلامية الايرانية، أي بعد خمسة اشهر من نجاح الثورة، ولعب الحزب الجمهوري الاسلامي اسسته زمرة الخميني وعلى رأسه محمد حسين البهشتي المقبور ورفسنجاني وخامنئي واردبيلي وكنى دورا بليغا في تزوير انتخابات المجلس التأسيسي واسفرت الانتخابات المزورة تلك عن فوز ستين عضوا اكثرهم من الموالين للخميني (¬1) والسياسة الكبيرة، الا ان المنتظري فاز بالرئاسة بخمس واربعين صوتا، وقد عرف المعنيين بشئون السياسة الطريق الذي سيسلكه المجلس في اقرار بنود الدستور الجديد، وقد صحت التنبؤات واقر المجلس التأسيسي دستور الجمهورية الاسلامية في مائة وعشرين بندا، في ضمنها بنود تندى منها الجباه وتشمئز منها النفوس وتضحك منها الثكلى، انها البنود المتعلقة بولاية الفقيه، او بالاحرى بنود اقرت العبودية والذل والهوان للشعب واعطت للفقيه الحاكم الجبروت والاستبداد والسلطة المطلقة الالهية على البشر ¬

(¬1) (ومع ان اية الله الطالقاني انتخب في المجلس التأسيسي من طهران ولم يكن غيره احق واولى من رئاسة المجلس لنضاله القديم وشخصيته الدينية.

يستعملها انى ومتى شاء، وعندما اعلنت الصحف بنود الدستور صعق الشعب من اعظم مهزلة من مهازل العقل البشري في التاريخ الحديث، حيث يثور شعب للخلاص من ملك يستبد به مناقضا للدستور واذا به يبتلي بفقيه حاكم يستبد به بنص الدستور، وهكذا ادخل الخميني اسمه في الدستور بصفته مرشداأ للثورة والفقيه الذي يحق له حكم البلاد واعطى لنفسه صلاحيات اكثر مما كان الشاه يتمتع بها في الدستور القديم مائة مرة ومرة فاعطى لنفسه الحق في عزل رئيس الجمهورية ونصب الوزراء وعزلهم واختيار المدعي العام ورئيس المحكمة العليا، كما نصب نفسه القائد الاعلى للقوات المسلحة. لقد كان موقف الزعماء الدينيين من هذا الدستور موقف استنكار واشمئزاز، واعلنوا استنكارهم لهذا الدستور الذي يتناقض وروح الاسلام، وكاد الامام الشريعتمداري ان يقتل على يد زمرة الخميني اثر مخالفته للدستور، وقد افردنا فصلا خاصا سميناه (ولاية الفقيه) ذكرنا فيه تفصيل تلك المؤامرة الكبرى على الإسلام، وموقف الزعماء الروحيين منها في هذا الكتاب. لقد مهد الدستور الجديد للخميني وزمرته الاستيلاء المطلق على الحكم ولكن الدستور كان ينص ايضا أن يكون للجمهورية الإسلامية رئيسا للجمهورية ينتخبه الشعب، ومجلس شورى ورئيس دولة، وكان لابد من الاستيلاء على تلك المرافق الهامة الاخرى حتى تصبح الدولة كلها في يد الخميني وزمرته، لقد رشح الحزب الجمهوري الاسلامي رجلا اجنبيا يدعى جلال فارسي ليكون رئيسا للجمهورية، ولتأسيس هذا الحزب قصة محزنة سنوردها في محلها، لقد فشل الحزب في اسناد مرشحه لان الشعب عرف بالمؤامرة التي حاكها الحزب ضده، وعرف ان الرجل اجنبي لايحق له ان يتبوأ مقعدا كهذا وانما رشحه الحزب لانه خير مطية يستطيع

بواسطته ان يشد قبضته على البلاد. ودحر الحزب الجمهوري الاسلامي وفقد قواعده بين صفوف الشعب، وانتخب الشعب ابو الحسن بني صدر رغما عن انف الزمرة الحاكمة في الحزب. غير ان الحزب الجمهوري استغل ضعف بني صدر ووقوف الخميني بجانب الحزب فمهد الطريق للاستيلاء على السلطة عن طريق المجلس النيابي مرة اخرى وشهدت البلاد انتخابات مزورة اسوأ بكثير مما كانت تشهدها في عهد الشاه، ولكن المؤلم المحزن المؤسف ان الذي كان يزور الانتخابات في هذه المرة لم يكن جنرالا من حنرالات الشاه ولا الشاه نفسه بل معمما من زمرة الخميني وبامر الخميني نفسه وعلى يد الشيخ الكني وزير الداخلية استطاع الحزب الجمهوري ان يحتل اكثر المقاعد في البرلمان، وعندما عرف الشعب بتلك المؤامرة الدنيئة خرج متظاهرا يريد ابطال الانتخابات، واعلن رئيس الجمهورية بني صدر انّ من الواجب الانصياع لرغبة الامة المطلقة. ولكن الخميني ظهر على شاشة التلفزيون ليعلن للشعب ان الانتخابات كانت صحيحة وانها (عصارة الفضيلة الانسانية) على حد تعبيره، واغرب ما في الامر والذي يدل على مسؤولية الخميني الكبيرة في ما حل بالبلاد من خراب ودمار هو انه قبل الانتخابات اعلن للشعب بانه (سيقطع يد من يزور الانتخابات) واذا به يضع كل ثقله بجانب المزورين حتى ينفرد بالسلطة هو وزمرته. لقد كان واضحا ان الانتخابات اذا ابطلت فان المجلس الجديد لا يمكن ان ينتخب الا بانتخابات حرة وسليمة وبذلك كانت نهاية الحزب الجمهوري وزمرة الخميني، الامر الذي كان يعتبر نهاية النظام الحاكم، وهنا اذكر للتاريخ هذه القصة التي توضح مدى تلاعب الخميني وزمرته

بالانتخابات، لقد زارني الشيخ صادق الخلخالي المعروف بجلاد الثورة في البت وقال لي بلغني ترشيحك للمجلس النيابي وانا اريد ان اوجه اليك نصيحة ارجوك ان تأخذ بها. قلت: ما هي نصيحتك؟ قال: تحدث مع احمد حول الموضوع. قلت: من هو احمد؟ قال: ابن الامام. قلت: ولماذا احمد؟ كلامك نوع من الهراء قال: انني قاضي الثورة وشخصية معروفة يعرفني العالم، وعملت للخميني ما لم يستطيع احد ان يفعله من قبل ولا من بعد، ولكن مع ذلك لم ارشح نفسي من ولاية قم الا بعد ان استئذنت من احمد. قلت: ان ما اسمعه منك هو اهانة للثورة والانسانية معا، كيف تتصور ان يقدم شعبا الاف التضحيات حتى يخلف الامير غلام رضا الامير احمد، من هو احمد؟ ومن هو اباه؟ والله لقد جئت شيئا ادّا. قال الشيخ: سترى من هو احمد، ومن هو اباه. لقد صح ما زعمه الشيخ الجلاد فقد رأى الشعب حقيقة احمد وحقيقة اباه. وباستيلاء زمرة الخميني على مقاعد المجلس انتخب رغما عن ارادة رئيس الجمهورية معلما فاشلا وسائقا لاحدى عربات النقل رئيسا للوزراء وهو رجائي المقبور، واتسعت شقة الخلاف بين بني صدر والزمرة الخمينية حتى وصلت إلى نقطة اللارجوع. وكانت من بين الاتهامات المضحكة المبكية التي وجهها احد اعضاء الزمرة الحاكمة إلى بني صدر انه يصدق في القول ويخبر الشعب عن حقيقة الاوضاع على جبهات القتال في الحرب الايرانية العراقية، في حين ان امام الامة (الخميني) قال انه لايرى من المصلحة العامة ان تذاع على الشعب حقيقة ما يدور في جبهات القتال وهنا اشير

إلى قصة تاريخية يعرفها العالم ليقارن القارئ الكريم بين اخلاص الزمرة الحاكمة التي تحكم شعب ايران المسلم باسم الاسلام والدين وبين اكبر رئيس دولة استعمارية عرفها العالم وهو وينستون تشرشل الذي وقف في مجلس العموم البريطاني عندما كانت الحرب بين الحلفاء والمحور على اشدها ليقول (ليس عندي ما ادلي به للشعب البريطاني الا العرق والدماء والدموع، وعلى الشعب البريطاني ان يعرف حقيقة المأساة التي تواجهه). وازاحت الزمرة الخمينية بني صدر من منصبه في قصة يعرفها العالم وبارك الخميني هذا العمل، بل مهد الطريق له عندما عزله من قيادة القوات المسلحة وهرب بني صدر إلى فرنسا واستولت الزمرة على السلطة بصورة مطلقة، وكان سرورها عظيما عندما فاز الرجائي برئاسة الجمهورية بتلك الصورة المشينة من التزوير والتلاعب باصوات الناخبين، واصبح الشيخ باهنر رئيسا للوزراء غير ان شهر العسل لم يدم طويلا فنكبت الزمرة بمصرع الرجلين في آن واحد نكبة عظيمة كما نكب بمصرع 78عضوا بارزا من اعضاء الحزب الجمهوري والدولة في انفجار مقر الحزب من قبل وكان بين المقبورين احد الرؤوس الماكرة الكبيرة وهو البهشتي، وشهدت ايران بعد ذلك موجة من الاعتقالات والانفجارات والمجابهة بين انصار بني صدر ومجاهدي خلق الذين انضموا اليه وبين الزمرة الحاكمة كلف الخميني ارواحا ونفوسا كان يرى فيها الامتداد والامل في سياسته وكلف الشعب الايراني في غضون بضعة شهور فقط ثلاثة الاف شهيد، بين فتيان وفتيات من حزب مجاهدي الخلق. وهكذا استولت الزمرة الخمينية على السلطة، إلى هذه اللحظة من كتابة هذه السطور لايزال الماكرون متربعين على كراسي الحكم ينتظرون الساعة الرهيبة التي لابد منها لكل جبار عنيد.

تصدير الثورة

تصدير الثورة • المباديء الستة عشر التي يريد الخميني تصديرها. • فلسفة الثورة الخمينية. • التكرار واللايعني. • الخمينية قبرت. • الارهاب لازال قائما.

(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104)) تصدير الثورة لقد وجهت إلى الخميني عبر خطاب اذاعي هذا السؤال: ماهي العبقريات التي تريد تصديرها إلى العالم؟ 1 - الفوضى والدمار الشامل في كل شؤون البلاد. 2 - اعدام الفتيات المراهقات والشباب الذين لم يبلغوا سن الحلم. 3 - اعدام الشيوخ الذين تجاوزوا الثمانين او بلغوا التسعين. 4 - اعدام النساء الحوامل. 5 - الحرب الاهلية. 6 - الحرب مع الجيران وقتل الاخوة المسلمين. 7 - قتل الشعب من ابناء القوميات المختلفة بالالاف. 8 - الانهيار الاقتصادي في كل مرافق الحياة. 9 - المحاكم الثورية التي تحكم بالاعدام 100شخص في 100دقيقة.

10 - خمسة انواع سجون وخمسة انواع محاكم وخمسة انواع قوى تنفيذية. 11 - ثلاثون الف سجين سياسي. 12 - اربعة ملايين عاطل عن العمل. 13 - ثلاثة ملايين منكوبي الحرب. 14 - التضخم بمعدل 400 في المائة في خلال سنتين. 15 - اغلاق الجامعات لمدة غير معلومة. 16 - انهيار عملة البلاد إلى 500 في المائة من سعرها الرسمي. ثم اضفت قائلا: لا اعتقد انه توجد مقبرة من المقابر الدّراسة في العالم تقبل بتصدير ثورتك اليها فانها تكدر حتى صفو الاموات، كيف وبالاحياء. لقد شهد العام ثورتان عملاقتان في تاريخه الجديث غيرت مجرى التاريخ الانساني احدهما الثورة الفرنسية التي استلهمت اصولها من النظام الديمقراطي الانكليزي 1781 - 1791 واسقطت ملوكا وتيجانا واغرقت اوربا في ثورات اهلية استمرت سنوات طوال وادت في اخر المطاف إلى الديمقراطية التي تتمتع بها بلاد كثيرة في اوربا. والثورة العملاقة الثانية هي الثورة البلشفية التي اسقطت النظام القيصري في روسيا، ثم اجتاحت العالم شرقا وغربا فبلغت تخوم الصين في اقصى الشرق وبلغت مشارف نهر الراين في ادنى الغرب واكثر من ثلثي العالم يحكمهم النظام الشيوعي في الوقت الراهن، ولكل من الديمقراطية والشيوعية مبادئها ومزاياها الخاصة بها وقد الفت مئات الكتب في فلسفة كل من النظامين الحاكمين على المجتمع البشري، واليوم يسمع العالم ولاول مرة ثورة جديدة تسمى بالخمينية، يدعي الخمينيون انها ستجتاح العالم في غضون بضع سنوات، وهذه الثورة تتمثل في النظام الحاكم في ايران وما تصدر عنه من شر ونكر وبلاء ومحنة على منطقة الشرق الاوسط بكاملها ولا تحتاج الثورة هذه إلى كتب فلسفية تؤلف عنها ولا إلى دعاة

يدعون اليها، فالنكبات العظيمة التي حلت بايران في ظل النظام الثوري تحكي عن مغزى تلك الثورة التي تنتظر الزمرة الخمينية بسطها على العالم باقل من بضع سنوات، ان مايريد الخمينيون بسطه على العالم هو النازية والفاشية في تعابير الدين وقيم السماء ينفذها حراس الثورة الاسلامية بدلا من كستابو النظام الهتلري ورجال في لبوس الدين بدلا من اس اس الامام ادولف هتلر، لقد استطاعت النازية والفاشية قبل الخمينية ان تسيطر على مرافق الحياة في المانيا وايطاليا ولكنها لم تستطع ان تصدرها خارج حدودها، واذا كان هتلر وموسوليني لم يستطيعا بسط سلطانهما على خارج حدودهما وورائهما شعبان عملاقان معبئان بكل الطاقات اللازمة لتصدير النازية والفاشية فهل يستطيع شيخ عجوز بلغ من السن عتبا وحوله اقزام وشراذم من سفلة المجتمع، ان يرغموا امة الاسلام لقبول مبادئهم الهدامة التي ستقبر قبل ان تجد إلى النور سبيلا. ان من يمعن النظر في ثلاثة الاف خطاب اذاعي وتلفزي القاه مرشد الثورة الايرانية منذ استيلائه على الحكم حتى الان والتي طبعت في عشر مجلدات ضخمة يعرف ان الهذيان وسخف القول كيف وجد إلى عقول الامة سبيلا واصبح اللايعني شيئا في نظر امة لها من الحضارة 25 قرنا. ماذا قال الخميني في هذه المجلدات العشرة؟ وكيف ملاء النفوس بهذا الفراغ الفكري المطلق؟ انه معجزة الرجل. بل معجزة القرن. ان يتخبط انسان في القول ويهذي ما استطاع إلى الهذيان سبيلا، ولكنه في الوقت نفسه متربع على منصة الارشاد وله زمرة تاتمر بامره وتنتهي بنهيه. ان من يقرأ تلك المجلدات الضخمة التي تحتوي على خطب الخميني يعرف جيدا ماذا اعنيه وماذا اقوله، فهذه المجلدات الضخمة تحتوي على تعابير مكررة ركيكة باللغة الفارسية وفيها جمل ملحونة بالعربية، وفي مجموعها تكرار لاسم الاسلام مائة الف مرة.

وتكرار لجملة دم الشهداء 50 الف مرة. وتكرار لعبارة الشيطان الاكبر 30 الف مرة. وتكرار لعبارة لا شرقية ولا غربية 20 الف مرة. وتكرار لاسم محمد رضا بهلوي 10 آلاف مرة. وشتائم وسباب على اعداء الثورة الاسلامية 5 آلاف مرة. ثم لاشيء ولا شيء ولا شيء بل سخف في المنطوق والمفهوم معا. وهنا اكرر القول مرة اخرى واقول بصراحة بالغة ان على المصلحين من رجال الاسلام ان لاتشغل افكارهم تصدير الثورة الخمينية فانها اوهن من بيت العنكبوت، ولكن الخطر المحدق بالاسلام هي الخمينية كمدرسة ارهابية دينية لها انصارها منذ قديم الزمان، وسنفرد لهذا الخطر المبين فصلا خاصا في هذا التأليف بعون الله وحوله وقوته.

ولاية الفقيه

ولاية الفقيه • مراجع الدين يعارضون ولاية الفقيه. • صلاحيات المرشد. • احياء اسطورة السلطة الالهية. • الامام القائم يضطهد الامام القاعد. • ولاية الفقيه بدعة في الدين.

(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ (14)) ولاية الفقيه عندما كان الخميني في النجف ألف كتابا سماه (ولاية الفقيه)، ولم يفكر أحد قط أن هذا الكتاب سيكون في يوم ما مثل (كفاحي) لأدولف هتلر ويطبق على شعب ايران المسكين فلذلك لم يعر أحد اهتماما بمضامينه وفحواه، واعتبر فرضية فقيه كثيرا ما نجد مثلها في مؤلفات المؤلفين، وموضوع ولاية الفقيه من البدع التي ابتدعها الخميني في الدين الإسلامي واتخذ منه أساسا للاستبداد المطلق باسم الدين، وهناك اتفاق تام بين فقهاء الشيعة الإمامية والسنة، إن الغرض من كلمة أولو الأمر الواردة في الآية الكريمة (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) إنما هو الوالي الذي نصبه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حياته حيث يسري عليه من إطاعة الأمر ما يسري على الرسول الكريم نفسه فقط، أما أن يكون

الفقيه وليا للمسلمين يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فانه هذيان يأبى من قوله حتى المجانين. ولكي نعطي صورة واضحة المعالم لبشاعة هذه الفكرة التي ادخلها الخميني في الدستور الايراني نورد هنا هذا السؤال، من هو الفقيه؟ والجواب: ان الفقيه هو الرجل الذي يستطيع استنباط الاحكام الشرعية عن الكتاب والسنة الواردة من الرسول الكريم او الروايات التي صدرت من الائمة عليهم السلام او الاخذ بالقياس او دليل العقل في استنباط الاحكام الشرعية. فالعالم باحكام الصوم والصلواة والحج والزكاة وهكذا الاحكام المتعلقة بالمعاملات والديات وغيرها يكون فقيها، وهذا الفقيه قد يكون عادلا وقد يكون فاسقا وقد يوجد في بلد فقيه واحد او عشرين فقيها او اقل او اكثر، اذن الفقاهة هو الاختصاص في موضوع واحد من مواضيع العلم وهو الشريعة التي يستمد اصولها من العقيدة والايمان بالله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وليت شعري ان اعرف ما هي الرابطة بين الاختصاص في الاحكام الشرعية وادارة دفة الحكم بتلك الصورة الاستبدادية المطلقة، انها اذن تجسيد واحياء لنظرية السلطة الالهية التي كان رؤساء الكنيسة الكاثوليكية يصفون انفسهم بها في عهد محاكم التفتيش في القرن الثامن والتاسع الميلادي وارتكبوا بهذا الاسم من المجازر والاثام في اسبانيا ما لاينساه التاريخ الانساني، واليوم وفي عهد تسخير الفضاء وهبوط الانسان على سطح القمر، يجدد الخميني المسلم في بلد مسلم اسطورة السلطة الالهية المسيحية ولكن لتتجسد هذه المرة لا في البابا عزيعْوار المسيحي، بل في الامام الخميني المسلم. ولم يقنع الخميني باعطاء هذه السلطة الالهية لنفسه بل اعطاها لكل من هو على شاكلته والذين سماهم الفقهاء او المرشدين، وادخل هذا البند الجهنمي المشين للانسان وكرامته في الدستور الايراني بلا حياء ولا

خجل من الله ورسوله والتاريخ. ان على العالم اجمع من مسلمين وغير مسلمين ان يعرفوا ان فقهاء ايران الكبار والمراجع الدينية العظام فيها عارضوا ولاية الفقيه معارضة شديدة واعلنوا انها لاتمت إلى الدين بصلة وانها بدعة وضلال، وكاد الامام الشريعتمداري الزعيم الروحي الكبير والذي ساهم في الثورة الايرانية مساهمة عظيمة في اخر ايامها ان يدفع حياته ثمنا لمعارضته مع هذه الفكرة، وعندما اصر الامام الشريعتمداري على موقفه المعارض ارسل الخميني عشرة الاف شخص من جلاوزته يحملون العصى والهروات إلى دار الامام يريدون قتله وقتل اتباعه وهم ينادون بصوت واحد ويشيرون إلى دار الامام (وكر التجسس هذا لابد من هدمه واحراقه) ودافع حرس الامام الشريعتمداري دفاع الابطال عن دار الامام واستشهد رجلين من اتباعه في ذلك الهجوم البربري الذي شنه امام قائم ضد امام قاعد. وهكذا اعطى الامام الخميني درسا لكل الائمة الاخرين الذين ارادوا الوقوف ضد ولايته ليعلموا ان مصير الامام الشريعتمداري سيكون مصيرهم اذا ما ارادوا الوقوف ضد رغبته ولم يكن نصيب الامام الطباطبائي القمي في خراسان من المحن والبلاء اقل من نظيره الامام الشريعتمداري في قم عندما عارض ولاية الفقيه معارضة الابطال، لقد تقبل الامام القمي ما لاقاه من الاضطهاد من زميله القديم في السجن والجهاد الامام الخميني، صابراً للله تعالى محتسبا في سبيله، كما ابلى بلاء حسنا في مواجهة انصار الخميني الذين يسمون انفسهم (حزب الله) او كما يسميهم الناس حزب الشيطان، اذن فان الخميني وزمرته فرضوا رغباتهم وافكارهم على ماسواهم ائمة كانوا او مامومين. اما ما يتضمن الدستور الايراني الجديد في بنده العاشر بعد المائة حول صلاحيات الولي الفقيه (المرشد) فنورده هنا نصا ليكون تجسيدا حيا لمغزى الجملة المنسوبة إلى

الفيلسوف باسكال (من اراد ان يدرك اللامتناهي فليمعن جيدا فيما يتعرض للعقل البشري من سقوط او انحطاط). يقول البند 110: المرشد هو القائد الاعلى للقوات المسلحة وله الصلاحيات المدرجة ادناه: 1. تعيين الفقهاء المراقبين على صيانة الدستور والقوانين التي يسنها مجلس الشعب. 2. تعيين اعلى سلطة قضائية في البلاد. 3. نصب وعزل رئيس اركان الحرب. 4. نصب وعزل قائد الحرس الثوري. 5. صلاحية تعيين اعضاء الدفاع الوطني. 6. تعيين قادة القوات المسلحة (الارض، الجو، البحر). 7. اعلان الحرب والصلح. 8. تنفيذ رئاسة الجمهورية. 9. عزل رئيس الجمهورية اذا اقتضت مصالح الامة. 10. العفو عن المحكومين في حدود قوانين الاسلام وباقتراح من المحكمة العليا. وهكذا اسفرت الثورة التي قدمت الاف الشهداء للخلاص من ملك مستبد متوج واحد النقاب عن نوايا مرشدها، فسلط على رقاب الامة ولاة طغاة استبدلوا التيجان بالعمائم وهم يتبجحون بالسلطة الالهية المطلقة. فمرحى لهم مرحى.

الطابور الخامس في الاسلام

الطابور الخامس في الاسلام • التخطيط الاستعماري لضرب الاسلام. • تضخيم الثورة. • مقارنة مع الثورات الاخرى في هذا القرن. • تضخيم المرشد. • الاعمال المناقضة للدين. • تشويه صورة الاسلام. • النظام الحاكم في ايران نظام خليط من الفوضوية والشيوعية والنازية والفاشية ولايمت إلى الاسلام بصلة.

وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) الطابور الخامس في الإسلام ليست هذه اول مرة ينكب الاسلام بمثل ما نكب على يد الحاكمين في ايران والذين صوروا للعالم ان ماجرى ويجري في ظل الجمهورية الاسلامية الايرانية انما هو صورة لواقع الاسلام وحقيقته، ولكن الخطر الذي الم بسمعة الاسلام في هذه المرة هو ان الاعمال التي ارتكبت باسم الاسلام في ايران كانت انعكاساتها السيئة سريعة وشاملة في الكرة الارضية بسبب سرعة الاتصالات السلكية واللاسلكية واجهزة الاعلام العالمية التي يمتلكها اعداء الاسلام، والصهيونية العالمية من ورائها، الامر الذي كان هو المقصود منه لدى الذين خططوا هذا التخطيط الرهيب، حيث عرفوا الاسلام بدين التخلف وعدو الحضارة وقتل الصغار والكبار. لقد ارتكب ال عثمان في القرون السبعة التي حكموا البلاد الاسلامية في منصب امير المؤمنين من الاجرام ما تقشعر من سماعه الابدان ولكن اعمالهم البشعة كانت محصورة في نطاق دار الخلافة ولم يتجاوز حدود المدن التي كانت ساحة للمآسي والتعسفات الاستبدادية الفردية، فلم

يكن المجتمع البشري يعرف انذاك الصحف والاذاعة والتلفزيون والاقمار الصناعية التي تمد البشرية بمعلومات عن الكراة الاخرى، فلذلك كانت الاخبار تبقى محصورة في صدور المؤرخين يودعونها في بطون التاريخ، اما اليوم فالصحافة ووسائل الاعلام العالمية تراقب المجتمع البشري بخيره وشره، ولا تغادر صغيرة ولاكبيرة الا احصاها، وفي اقل من بضع ثوان يطلع سكان هذا الكوكب من القطب الشمالي إلى الجنوبي على كل ما تبثه نشرات الاخبار. لقد ظهر الاسلام منذ اواسط هذا القرن في مظهر التجديد الفكري الذي يوحي بمعالجة المشاكل الانسانية التي عجز عن حلها النظامان العملاقان العالميان الرأسمالي والشيوعي وبدأت تظهر كقوة ثالثة في العالم باسم الاسلام تقف ضد مطامع المستعمرين العظام في الدول الاسلامية التي للدول الكبار مطامع عظيمة فيها. وعلينا ان لاننسى ابدا الكلمة التي قالها كلادستون رئيس الوزراء البريطاني في مجلس العموم " ما دام القرآن في ايدي المسلمين ويعملون به لانستطيع من السيطرة عليهم " ثم علينا ان ناخذ درسا بليغا من الحقائق التاريخية وتجاربها وقد يكون من اهم هذه الدروس التي تكشف لنا الواقع الاليم الذي خططه الاستعمار للاسلام والبلاد الاسلامية، هي الاحداث التي شهدتها القارة الهندية بعد الاستقلال، لقد استطاع الشعب الهندي مسلمين وهندوس وبقيادة زعيمين كبيرين مهاتما غاندي ومحمد علي جناح طرد الاستعمار البريطاني من بلاده وذلك بعد عشرين عاما من التضحيات الجسام وتمخضت عن تلك الثورة العظيمة التي انتهت إلى اندحار اكبر دولة استعمارية في التاريخ البشري، ولادة دولتين كبيرتين احداهما الهند بنفوسها البالغة 400 مليون هندوسي وباكستان بنفوسها المائة والعشرين مليون مسلم. ومنذ عام 1948 أي العام الذي استقلت فيه الشبه القارة الهندية وشهد

العالم ولادة الدولتين الجديدتين، ساد الهند نظام ديمقراطي ثابت احتل موقعه في المجموعة الدولية بوصفه اكبر دولة ديمقراطية في العالم حيث يقف المجتمع البشري موقف الاجلال والاكبار من زعمائها الذين اخلصوا لبلادهم ومنحوها الحرية الحقيقة واطلقوا للشعب حرية اختيار النظام الذي سعى لاجله. اما باكستان الدولة الاسلامية الكبيرة فعلى نقيض اختها التوأم تجد حتى اليوم إلى الديمقراطية والحرية سبيلا. كانت باكستان في السنوات الاربع والثلاثون التي مرت عليها بعد الاستقلال وحتى اليوم مسرحا لاحكام عسكرية وعرفية مبتدأ بالجنرال ايوب ومنتهيا بالجنرال ضياء الحق وبينهما اسكندر ميرزا ويحيى خان وغيرها، ثم حوادث سياسية عنيفة شطرت البلاد شطرين وقسمتها تقسيما لارجعة فيه إلى التوحيد ابدا. واذا ماشهدت باكستان نوعا من الديمقراطية والحرية في عهد ذو الفقار علي بوتو الذي لم يدم طويلا، الا ان اعدامه في نهاية المطاف جاء رمزا لانتصار الاستبداد على الحرية التي قدمت قربانها الكبير على مسرح التاريخ بكل شموخ واباء. نحن نسأل الضالعون بشؤون التاريخ وفلسفته، ما هو التفسير المقنع لهذا التناقض الصارخ في حياة امة واحدة في ارض واحدة ناضلت سنوات طوال لتحقق استقلالها وحريتها وعندما بلغت ما تريد انشطرت شطرين بسبب الدين، فنالت احداها الحرية المطلقة وحرمت الاخرى منها؟ ... اليس السبب الرئيسى في حرمان الامة الباكستانية من حقوقها الاساسية وعرقلة مسيرة حريتها هو ان الشعب الباكستاني شعب مسلم ارادت السياسات الاستعمارية الكبرى له الهوان حيثما كان ويكون، واليس السبب في عدم عرقلة مسيرة الحرية في الهند هو ان الشعب الهندي شعب هندوسي غير مسلم. قد اكون على حق وقد لا اكون ولكنني شخصيا مقتنع بسداد رأي ولا

احيد منه قيد انملة، انه الرأي الذي اريد ان انطلق منه نحو الاحداث في ايران والتي ارتكبت باسم الاسلام وفي ظل حكم رجال الكهنوت الاسلامي، والسؤال الذي اضعه بكل اختصار: كم كان اعداء الاسلام ينفقون من مال وجهد حتى يصوروا للمجتمع البشري ان الاسلام دين الهمجية والبربرية والوحشية كما صوره الامام الخميني والخمينيون الحاكمون باسم الاسلام وباسم مكاسب الثورة الاسلامية في ايران؟ كم كان باستطاعة الاستعمار العالمي ان ينفق من مال وجهد حتى يقنع الامة الاسلامية التي تعيش كثير منها في ظروف مشابهة لحكم ال بهلوي ان يحمدوا الله على ما هم فيه ولا يتمنون قط ثورة اسلامية كالتي حدثت في ايران ويعاهدون الله على ان يكونوا مخلصين اوفياء لنظامهم الحاكم مهما كان نوعه وشكله؟ اليست النكته التي اطلقت في ايران " ان الامام الطالقاني رحمة الله عليه بعث برقية من الجنة إلى الخميني يقول فيها، التقيت بشاه ايران في الجنة ولكن لم ار احدا من شهداء الثورة الاسلامية الايرانية فيها " لها مغزى عميق يؤيد ما اردت قوله. اني ارى من السذاجة ان يتصور المرء ان رفض الصلح مع العراق الجار المسلم وايقاف الاقتتال بين اخوة مسلمين تجمعهم الجيرة والعقيدة من قبل الخميني مرشد الثورة الاسلامية يأتي في وقت يسافر فيه البابا إلى الفلبين الواقعة في اقصى الارض ليصلح بين الدولة المسيحية ومسلمون ثائرون ضدها في جزر مورو امر اعتباطي واتفاق عفوي لم يخطط له من قبل، ماذا يقول العالم وكيف يقارن بين نظام روحي اسلامي يريد المزيد من اراقة الدماء ومزيد من الدمار، ونظام روحي مسيحي يشد رئيسه الرحال مسافة 30 الف ميل لاجل السعي في احلال السلام ومنع اراقة الدماء بين المسلمين والمسيحيين؟ كما اني لا ارى من الصدفة اطلاقا ان

ان تصدر المحاكم الثورية الاسلامية في ايران احكاما بالاعدام على ثلاثة الاف شاب وشابة بينهم فتيات مراهقات لم يبلغن سن الرشد، وفتيان مراهقون لم يبلغوا الحلم لانهم قالوا " نريد الحرية " او " الموت للخميني " والاحكام تنفذ كلها في الايام نفسها التي اصدرت المحاكم الايطالية حكمها على شاب ارهابي له سجل اسود بالاجرام حاول اغتيال اعظم شخصية دينية في العالم المعاصر وهو البابا جان بول الثاني بالسجن المؤبد. ان توقيت الحاكمين على زمام السلطة في ايران اعمالهم اللاانسانية والبربرية باسم الاسلام في الوقت الذي تقوم الكنيسة المسيحية بعمل انساني عظيم ليست صدفة واعتباطا، انما هو تخطيط اريد منه الشر كل الشر للاسلام. كما اني لا ارى تضخيم الثورة الاسلامية الايرانية في اجهزة الاعلام العالمية واجهزة الاعلام الخمينية مع امر اعتباطي او غير مقصود، ان الحجم الذي اعطي للثورة الاسلامية اكثر بكثير من حقيقتها وواقعها حتى ان الوقاحة وصلت عند بعض المسؤولين في النظام الحاكم انهم قالوا ان ثورة الخميني ضد الشاه تأتي بعد ثورة الرسول الكريم ضد الشرك، والمتتبع لتاريخ الثورات يعلم جيدا ان هذا القرن بالذات شهد ثورات كبيرة وعنيفة يكون حجم الثورة الايرانية بالنسبة لها صغيرا، فشهدت اندونيسيا ثورة دامية استقل بسببها 120مليون مسلم اندونيسي من سيطرة المملكة المنخفضة (هولندا)، وثارت الهند ضد اكبر دولة استعمارية في التاريخ ونالت استقلالها، وثار العراق ضد 400الف جندي انكليزي مدجج بالسلاح ونال استقلاله قبل الثورة الايرانية باربعين عام. وثارت ايران نفسها ضد الانكليز في تأميم البترول وطردوا من ايران قبل الثورة الايرانية بثلاثين عام، وثارت شعوب اخرى وقدمت التضحيات العظيمات الجسام حتى نالت استقلالها، فالثورة البلشفية التي ادت إلى سقوط النظام القيصري في روسيا هي اعظم الثورات التي شهدها هذا

القرن، والثورة الصينية بزعامة ماوتسي تونغ ورحلة الاربعين عاما من اعظم الثورات في التاريخ المعاصر، حيث اصبحت الامة التي بلغ نفوسها ثلثي سكان العالم تظهر بمظهر جديد يتناقض و4الاف عام من الحضارة التي تعود عليها، ومع انني شخصيا لا احب الشيوعية في أي شكل من اشكالها والنظام الشيوعي هو ابعد شيء إلى قلبي، ولكن ليس من الحق والانصاف ان يبخس المرء حق الثورات العملاقة وان ادت إلى نتيجة لا يحبها ولايرتضيها في نفسه. فتقييم الحوادث الجسام لا بد وان يقارن بالموضوعية الشاملة لا بالحب والبغض. واعود إلى ثورة ايران لاقول ان الشعب الايراني لم يكن هو الوحيد الذي ثار بين الشعوب المضطهدة ولا الاول ولا الاخير والثورة حق طبيعي وواجب على المجتمع اذا ما اراد الحياة الكريمة، والحق سبحانه وتعالى يقول في سورة الرعد (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، ولكن علينا أن لا نطمس الواقع والحقيقة، وهنا أكشف حقيقة لم يستطع احد كشفها في ايران في ظل النظام الحاكم وهي ان الارقام التي كان الخيمني يعطيها عن عدد شهداء الثورة ويقدرها بثمانين الف شهيد كلها كاذبة وغير صحيحة والخميني كان يعرف ذلك لانه طلب من اسر الشهداء في بلاغات اذاعية وصحافية ان يقدموا بمكتبة ما يؤيد كونهم من ذوي الشهداء كما طلب صورة كل شهيد وبيانا عنه حتى يطبع تلك المعلومات في كتاب خاص يصدر باسم شهداء الثورة الاسلامية الايرانية ثم يقدم المكافآت المالية لذويهم، لم يراجع مكتب الخميني اكثر من الفين وتسعمائة وثمانية وثمانين شخصا فقط بالوثائق طيلة الشهور الستة التي كان المكتب خلالها يعلن نداء الخميني للشعب الايراني كرات ومرات، وعرف الخميني قبل غيره ان رقم ثمانين الف اكذوبة نيسان ما انزل الله بها من سلطان، ولذلك الغي مشروع نشر الكتاب للفضيحة التي كانت تلحق به، اما عدد

الثمانين الف فيبقى ثابتا على لسان الخميني لان " كلام الرجل واحد " كما يقول المثل. لااريد هنا ان اغبن حق الثورة الايرانية فالثورة في ايران نبعت من اعماق الشعب، وقدم الشعب التضحيات الجسام، ولكن اعود إلى القول مرة اخرى واقول انه لا ينبغي تضخيم الثورة اكثر مما تتحملها من تضخيم، فعلى هذا التضخيم الزائد على الحجم والواقع ارتكبت اخطاء جسيمة وعظيمة كانت نتيجتها ما تشاهده البلاد من دمار وانهيار، استغله الحاكمون المعممون في بسط سلطانهم ونفوذهم الشريرة بذريعة الاحتفاظ على مكاسب الثورة والحفاظ عليها. اما الحجم الذي اعطى للخميني بصفته مرشد الثورة الاسلامية وحامي حماها سواء من قبل الخمينيين او الاجهزة الاعلامية الداخلية والخارجية لايخلو من ذكاء بارع لتشويه سمعة الاسلام الذي يمثله هذا الشخص مهنة ولبوسا وشكلا وقولا، فبغض النظر من ان الخميني ليس صانع الثورة الايرانية بل الثورة هي التي صنعته لظروف خاصة اشرنا اليها في فصول مختلفة من هذا الكتاب الا اننا نسلم جدلا بما يقوله الخمينيون ونقارن هنا بين الخميني كمرشد للثورة الايرانية وبين زعماء اخرون صنعوا المعجزات والاعاجيب لبلادهم ولكن لم يضخموا لو يفخموا كما ضخم الخميني وفخم ولم يعط لا حد منهم (حق السلطة الالهية) كما اعطاه الدستور الايراني للخميني، كما ان اسم أي واحد من هؤلاء الزعماء لم يذكر في دساتير بلادهم كما ذكر الدستور الايراني اسم الخميني مرات عديدة، كما انه لم يصنع من احدهم اسطورة القرن كما صنع من الخميني. ولا اريد ان اقلب صفحات التاريخ للعثور على اسماء زعماء الثورة في

قديم الزمان بل اذكر اولئك الذين عاصرهم هذا الجيل من المجتمع البشري والجيل الذي سبقهم فقط، لقد اسس مهاتما غاندي اكبر دولة ديمقراطية في تاريخ الانسان، وهي الهند، واسس محمد علي جناح اكبر دولة اسلامية في التاريخ، وهي الباكستان، ولم يتميزوا بشيء عن سائر افراد الشعب الا بالحب الجارف والاخلاص العميق من قبل شعوبهم، ثم تخليدا ابديا في التاريخ، واحمد سوكارنو مؤسس اندونيسيا الاسلامية كافح الاستعمار الهولندي مكافحة الابطال، وبفضله استقلت ثاني اكبر دولة اسلامية. العالم يربو نفوسها المائة والعشرين من الملايين، ولم يفخم على غرار الخميني، وهذا هو الجنرال ديغول انقذ الامة الفرنسية وفرنسا من السقوط مرتين ولكنه ترك سدة الحكم مكسور الخاطر لان الشعب الفرنسي لم يشاء ان يعطي لزعيمه العظيم ما يتناقض وسلطة الشعب العليا، وهذا هو ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا انقذ المجتمع البشري من خطر النازية والفاشية، وكسب اعظم حرب شهدتها الانسانية في تاريخها الطويل، ويوم ان انتهت الحرب لصالح بريطانيا وحلفائها انتخب الشعب البريطاني حكومة اخرى لا طعنا في الرجل وعظيم خدمته، بل لكي يثبت للعالم ان الشعب هو الذي يصنع المعاجز لا الفرد، واذا استطاع فرد من ابناء الشعب ان يأتي بجلائل الاعمال فانه استطاع ذلك بمساعدة الشعب ومساندته. اذن هذا التضخيم للثورة، وهذا التضخيم لمرشدها ليس امرا اعتباطيا او غير مقصود منه، انه تخطيط دقيق لتسليط الضوء على ما يجري في ايران بقيادة الخميني والخمينيين الحاكمين والصاق اعمالهم بالاسلام تشويها له وازداراء به في حين ان الاسلام ورسوله براء منها. ان الاعمال الهمجية التي ارتكبت في ايران باسم الاسلام واعطت ذلك الانطباع المقصود الذي اشرنا اليه كانت النتيجة المتوخاة منها اظهار الاسلام بمظهر الدين

المتخلف، والنظام البربري الذي لا يليق بالانسان والمناقض مع كرامته وحقوقه في كل زمان ومكان، وقد كان تضخيم الثورة وتضخيم مرشدها بالصورة التي شهدها العالم سببا في تضخيم بشاعة وفداحة الاعمال التي ترتكب فيها باسم الاسلام، فكلما الصقت بالاسلام اعمالا بشعة وارتكبت باسمه احكاما جائرة واعمالا همجية، نجح المخططون في تخطيطهم نجاحا وعظيما، ونجح المنفذون في ارضاء سيدهم، ومن هنا جاءت تسمية الحاكمين في ايران بالطابور الخامس. وحقا اقول هنا انه لم تستطع زمرة قط من هدم الاسلام بمثل الزمرة الخمينية في غابر الزمان ولا في مستقبله، لقد نجح الخمينيون الحاكمون باسم الدين في ايران في غضون ثلاث سنوات من هدم معنويات الاسلام اكثر مما فعله اتاتورك في تركيا ورضا بهلوي في ايران من حكمها الذي كرسوه طيلة عشرين عاما لمحاربة الدين بالنار والحديد، فعندما ولى كل منهما وعادت الحرية إلى الشعبين التركي والايراني، عاد الاسلام إلى موقعه الطبيعي في البلدين بل زاد ايمان الناس وتعلقه به اكثر من قبل. لقد اعطت سياسة محاربة الدين على يد اناس غير محسوبين عليه نتيجة تناقض ما ارادها المخططون، فكان التخطيط الجديد الناجح الباهر ضرب الاسلام بالطابور الخامس وهدمه من الداخل على يد اناس ينتمون اليه في ظاهر الاحوال. ولكي اكون واضحا وصريحا فيما ذهبت اليه من القول رأيت من الضرورة ان اضع النقاط على الحروف واعدد هنا قائمة بالاعمال التي صدرت من هذه الزمرة وكلها تتناقض مع الاسلام ولكنها ارتكبت لتشويه صورته وسمعته وقد باركها مرشد الثورة الاسلامية (الامام الخميني) ليسد الطريق على الذين يريدون الدفاع عن الاسلام.

(1) تعريف الاسلام بانه دين الحقد والحرب واراقة الدماء، وقال الخميني مرشد الثورة الاسلامية " ان الاسلام بدأ بالدم ولا يصلح امره الا بالمزيد من اراقة الدماء ". وسياسة الجمهورية الاسلامية الايرانية منذ تأسيسها حتى الان هي السير في هذا الطريق الذي رسمه مرشدها، قتل الشعب والاخوة والجيران، فليس قتل الاقليات التي تطالب بحقوقها، وقتل الفئات السياسية التي تطالب بحريتها، والحرب مع الجيران الذين يقترحون السلام ويرفضه الخميني الا شاهدا واضحا على سياسة النظام الحاكم باسم الاسلام في ايران. والاسلام دين السلام والصلح والعفو والمغفرة، واسم هذا الدين جاء شاهدا ودليلا على مغزاه وواقعه الداعي إلى السلام والصلح. ان الآيات الكريمات التي جاءت في القرآن الكريم وهي تأمر بالسلام والصلح والعفو واحياء النفس والنهي عن اراقة الدماء تربوا على مائتين وخمس وستين آية نستشهد ببعض تلك الآيات البينات: 1 - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) سورة البقرة 208. 2 - (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) سورة الحجرات آية 10. 3 - (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) سورة ال عمران 159. 4 - (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) سورة النساء 93. 5 - (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) سورة المائدة 32.

اما سيرة الرسول العظيم والتي هي الحجة على المسلمين واتخذت مصدرا من مصادر التشريع الاسلامي فهي اوضح من الشمس في رائعة النهار كما تشهد بها كتب السيرة النبوية، فهذا هو رسول الله يدخل مكة فاتحا ويخاطب اهلها الذين حاربوه وشردوه وقتلوا اعز الناس إلى قلبه من اهل بيته وصحابته بقوله " اذهبوا فانتم الطلقاء ". كما انها صلى الله عليه واله وسلم اردف دار شيخ الامويين أبي سفيان بالكعبة وقال " من دخل دار ابي سفيان فهو امن " وابو سفيان حارب الرسول عشرين عاما وقاد المعارك بنفسه ضد النبي، وكان السبب الرئيسي في كثير من المحن التي المت بالاسلام. ودخل ابو سفيان في الاسلام كارها، وبعد ان ايقن ان راية الرسول اصبحت ترفرف على الجزيرة ولا مناص له من الدخول في الدين الجديد، وقبل الرسول العظيم اسلام ابي سفيان واعطاه المكانة التي كان يستحقها بين عشيرته واهل بلده، وجعل بيته مرادفا للكعبة، وهكذا اثبت الرسول العظيم ان الحقد لا يجد إلى قلبه سبيلا وان دينة دين الرحمة والعفو والمغفرة والاخاء والكرم. ووقف الرسول مرة اخرى في حجة الوداع امام الجموع المحتشدة من المسلمين وكان عددهم يقدر بمائة وعشرين الفا وخطب فيهم تلك الخطبة اليتيمة التي سجلتها كتب السيرة باحرف من نور، وقد جاء فيها " كل دم في الجاهلية تحت قدمي هذا " وهكذا جعل الرسول العظيم الاحقاد تحت قدميه لبناء المدينة الفاضلة التي كان يدعو اليها خالية من كل حقد وكراهية. وبعد كل هذا هل يستطيع فرد مهما وصل به الحقد والكراهية ضد الاسلام ان يصف هذا الدين بدين القتل واراقة الدماء. (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ).

(2) تعريف الاسلام بانه دين الاستبداد وسلب الحريات. وهي السياسة التي اتبعتها الجمهورية الاسلامية في ايران باسم الاسلام في كل مجالات الحياة الخاصة والعامة وباركها مرشد الثورة عندما قال " ساقطع لسان من يقول كلمة ضد الجمهورية " وليت شعري ان اعرف كيف يمكن ان يكون الاسلام دين الاستبداد وقرآن المسلمين يقول: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ). ويقول (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)). ويقول (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). ويقول (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ). ويقول (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ). وهذا رسول الاسلام كان يجلس دائريا حتى لايكون لمجلسه صدر او ذيل، وهذا هو الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال مؤنبا لقوم ظلموا فتيانهم " لماذا تستعبدون الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا ". وهذا علي بن ابي طالب عليه السلام اختصم مع يهودي من يهود الكوفة إلى شريح القاضي، وجلس امير المؤمنين الذي كانت امتداد دولته نصف الكرة الارضية انذاك مع يهودي من رعاياه امام قاضي الكوفة الذي يقضي بامره، وكان منصوبا من قبله، كخصمين متساويين في كل الحقوق ورضخ إلى الحكم الذي اصدره القاضي ضده برحابة الصدر وطيب الخاطر، ولكنه قال لقاضيه معاتبا " لقد اساءني شيء واحد فقط، وهو انك كنت تخاطبني بالكنية وتخاطب اليهودي بالاسم، وليتك كنت تعدل حتى في مناداة المتخاصمين ".

(3) تعريف الاسلام بانه دين بعيد عن العدالة والرحمة كما هي الحالة في محاكمات محكمة الثورة من اعدام الصبية والشيوخ والنساء الحوامل والمرضى والجرحى بتهم سياسية، ومحاكمة واعدام مائة شخص في مائة دقيقة، وقد بارك مرشد الثورة هذا العمل الاجرامي المغاير للانسانية بقوله " ان هؤلاء المجرمين لا يحتاجون إلى المحاكمة وينبغي ان ينالوا عقابهم في الشارع او المكان الذي يلقى فيه القبض عليهم فورا " وهذا هو قرآن المسلمين يقول ... (1) (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ). (2) (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ). (3) (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ). (4) (إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً). (5) (وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). وانا اتسأل من كل مسلم ومسلمة له او لها المام باحكام الاسلام ودستوره ويقرأ هذه الايات البينات ويستوعبها هل يجد فيها حرفا واحدا يمت بصلة ولو من البعيد البعيد إلى ما يحدث في محاكم الثورة الاسلامية باسم الاسلام، ام انها تتناقض تناقضا صارخا مع الاحكام الجائرة البربرية التي ارتكبتها تلك المحاكم باسم الاسلام. (4) تعريف الاسلام بانه دين مصادرة الاموال وسلبها من الناس ظلما وعدوانا، كما ارتكبها الطغاة في ايران باسم الاسلام وباركها مرشد الثورة بقوله " اموال الاثرياء كلها جمعت من الحرام ويجب مصادرتها لمصلحة المستضعفين "، ولذلك صودرت اموال كبار التجار وارباب الصناعات لصالح المستضعفين، اما من هم المستضعفين فعلمه عند الله، الا اننا

ندري ان دائرة المستضعفين انفقت الملايين على اصحاب الهروات والاوباش الذين يستخدمون العصي والهروات ضد الفئات الدينية والسياسية المعارضة سواء في تنظيم التظاهرات لتأييد السلطة الحاكمة او الهجوم البربري على بيوتهم ونواديهم ومجالسهم. واما الاسلام فيعتبر الاستيلاء على اموال الناس بغير رضاهم سرقة ونهبا. والاية الكريمة تقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ). (5) تعريف الاسلام بانه دين الكذب والخدعة: كما فعل مرشد الثورة وكذب امام العالم وانكر شراء الاسلحة والعتاد من اسرائيل وهكذا عندما اعطى المواثيق المغلظة بالايمان لشعب ايران بانه لا هو ولا زمرته يطمعون في الحكم وعندما استسلمت لهم البلاد دمروها تدميرا. اما سياسة الجمهورية الاسلامية فهي تطابق سيرة مرشدها، كلها كذب ودجل وخداع، وهنا اروي تلك القصة التي يعرفها اكثر ابناء الشعب الايراني والتي حدثت اثناء انتخابات الرئاسة الثالثة، فقبل ان تنتهي المدة المحددة لانتخاب رئيس الجمهورية بسويعات قليلة كانت النتائج تشير إلى ان عدد الذين اشتركوا في انتخاب رئيس الجمهورية لا يتجاوز مليوني شخص مع ان الخميني وكل جهازه وضعوا ثقلهم في الميدان وحثوا الناس على الاشتراك في انتخاب مرشحهم بما في ذلك تجنيد الموظفين والعمال للاشتراك في الانتخابات بسيارات حكومية، فحضر احمد إلى وزير الداخلية وقال للوزير المعمم والملتحي الشيخ الكني " لو ان ابي عرف ان الشعب احجم من الاشتراك في انتخابات الرئاسة بهذه الصورة السلبية فانه سيموت غدا افعلوا شيئا لانقاذ حياة ابي وسمعة الجمهورية الاسلامية معا " فاستعان الشيخ الوزير بفئة من انصار العهد

القديم التي كانت مهمتها تزوير الانتخابات بالصورة التي تأمرها السلطة في عهد الشاه. وبالفعل استطاعت تلك الفئة في اقل من خمس ساعات ان تضيف 14 مليون صوت إلى الاصوات الموجودة في صناديق الاقتراع فحصلت المعجزة التي كان يريدها احمد وزمرة الخميني، واعلنت النتائج بانتخاب علي خامنة رئيسا للجمهورية بستة عشر مليونا من الاصوات، واما الآيات الكريمات التي وردت في القرآن الكريم وكلها تنهي عن الخدعة والكذب فانها اكثر من مائة اية نستشهد ببعضها في هذا المجال. تقول الاية الكريمة في سورة البقرة (يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ) ويقول ايضا في سورة النساء (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) ويقول سبحانه وتعالى في سورة التوبة (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ) (6) تعريف الاسلام بانه دين التجسس والفتنة: كما امر به مرشد الثورة طلب من الاب ان يتجسس ضد ابنه، ومن الام ضد اولادها، ومن الجيران ضد الجيران، ومن الابن ضد والديه حتى يكتشف النظام الحاكم نوايا المعارضين الذين يريدون تقويضه، او محل اختفائهم او تجمعاتهم، والاية الكريمة تنهي عن التجسس وعن الفتنة، فيقول سبحانه وتعالى في سورة الحجرات (وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً). ويقول تعالى في سورة البقرة (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ). ويقول تعالى في مكان اخر من السورة نفسها (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ).

(7) تعريف الاسلام بانه دين الشتم والسب والقذف وبذيء الكلام: وهي السياسة الاعلامية للجمهورية الاسلامية الايرانية ويباركها مرشد الثورة بنفسه، في خطبه بالكلام البذيء والجارح والسب على زعماء الاسلام والمنطقة العربية ومعارضي حكمه، في حين ان الاسلام ينهى عن ذلك نهيا باتا. فتقول الاية الكريمة (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ). وتقول (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ). ورسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول " انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ". (8) تعريف الاسلام بانه دين الفرقة والاختلاف: كما هي السياسة المتبعة من قبل الحاكمين في ايران، ويباركها مرشد الثورة بتهديد الزعماء المسلمين بتصدير الثورة إلى بلادهم وتهديدهم بالويل والثبور، في حين ان الاسلام دين الوحدة والاتحاد وبني الاسلام على كلمتين " كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة "، ويقول الحق سبحانه وتعالى في سورة ال عمران (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ). ويقول سبحانه وتعالى (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ). (9) تعريف الاسلام بانه ضد العلم والمعرفة والحضارة: كما هي السياسة المتبعة لدى الحكام الجهلة في ايران وباركها مرشدهم عندما امر بغلق الجامعات واخراج العلماء منها وهدم المباني الاثرية وبيع

الخزانة الاثرية ونفائسها، في حين ان الاسلام دين العلم والمعرفة والحضارة، وكتاب المسلمين ينص على وجوب التعليم كما تقول الاية الكريمة (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ). وتقول ايضا (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء). ويقول الرسول العظيم " اطلُبوا العِلْمَ مِن المَهْدِ إلى اللَّحْدِ ". ويقول صلى الله عليه واله وسلم " اطلبوا العِلم ولو بِالصين ". (10) تعريف الاسلام بانه دين الظلم والجور والتوحض والبربرية: وهي السياسة القمعية اللاانسانية التي ارتكبها الخمينيون الحاكمون بحق الشعب الامن باسم الاسلام وباسم الله الرحمن الرحيم، فالمجازر البشعة الجماعية التي ارتكبوها بحق القوميات المختلفة والفئات السياسية المناهضة للنظام واعدام الصغار من الفتيان والفتيات على غرار ما فعله بل بت في كمبوديا وبوكاسا في افريقيا الوسطى، وهكذا قتل النساء الحوامل والاجهاز على الجريح، ورجم النساء بتهمة الزنا. قد اظهرت الاسلام امام العالم بانه دين التخلف والتوحش، وقد جاءت مباركة مرشد الثورة لتلك الاعمال الهمجية دليلا على تضلعه في المؤامرة على الاسلام، اليس هو القائل " اقتلوا المناوئين للنظام حيثما وجدتموهم لان هؤلاء المجرمين لايحتاجون إلى محاكمة " والاسلام دين الرأفة والرحمة والعدالة والفضيلة، وهذا هو كتاب المسلمين وقرآنهم ينطق بالحق ويدحض ما فعلته الزمرة الملحدة باسم الاسلام، فتقول الاية الكريمة في سورة ال عمران (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) وتقول في سورة الاسراء (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ).

ويقول سبحانه وتعالى في سورة يونس (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ). ويقول سبحانه (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء). ويقول تعالى مخاطبا النبي الكريم (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ). ويخاطبه في مكان اخر (وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ). ويخاطبه سبحانه وتعالى (كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ). وهنا اتساءل من اولئك الذين اتخذوا اعمال الطغمة الحاكمة في ايران دليلا على انها تمثل واقع الاسلام، ما هو وجه الشبه بين ما اقترفه اولئك الطغاة وبين ما ينص عليه دستور الاسلام العظيم في الرحمة والرأفة وكرامة الانسان والتحلي بالاخلاق الفاضلة الكريمة؟ وبعد كل ما اسلفناه واثبتناه بصورة قاطعة واكيدة ان هذه الزمرة ارتكبت باسم الاسلام ما يتناقض مع الاسلام وسيرة الرسول العظيم، واوردنا دلائل واضحة من القرآن الكريم ما لا يستطيع احد انكاره او رفضه الا المكابر والذي في قلبه مرض، نود هنا ان نضيف موضوعا آخر ذات اهمية كبيرة ارجوا ان ينتفع منه المغفلين الذين اغفلتهم الشعوذة الحاكمة باسم الاسلام في أي مكان من الارض وهو ان الخميني والخمينيين المتربعين على كراسي الحكم يطبلون ويزمرون بلا حياء وخجل ان نظامهم يطابق الاسلام وانه تجسيد لما كان عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وانا اتسأل من اولئك المغفلين وارجو من الله ان يعينهم على التمييز بين الحق والباطل، ما هو الشبه بين النظام الحاكم في ايران باسم الاسلام وما كان عليه الحكم في عهد الرسول العظيم؟ متى كان في عهد الرسول العظيم مناصبا باسم رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، والوزراء، ومرشد الثورة، ومجلس للنواب يسن القوانين، ومحاكم الثورة، واللجان الثورية، ودائرة الامن العامة (ساواما) بدلا من السافاك القديم، ومجلس الخبراء، وعشرات من

المناصب المستحدثة الاخرى التي تمثل البيروقراطية الغربية. ان هذا النظام الرئاسي والمؤسسات التابعة له نظام روماني قديم انتشر في سائر البلاد الاوربية بعد تحوير كبير في المحتوى، وانبثق منه النظام الديموقراطي الغربي السائد حاليا في كثير من البلاد الاوربية، وقد دخل البلاد الاسلامية والعربية منذ ابان هذا القرن وبعد ان ذهبت الخلافة الاسلامية في تركيا ادراج الرياح. ان هذا النظام القائم في ايران لا يمت بصلة إلى الاسلام شكلا ومضمونا وانه افتراء على الاسلام بلا شك وجدال، ان النظام السائد في الصدر الاول الاسلامي كان يتمثل في الرسول الكريم او الخليفة ثم الولاة والقضاة والجند وبيت المال فقط، وما هو اليوم موجود في ايران كنظام فهو خليط من الفوضوية والاستبداد وصورة مزيفة من الديمقراطية الغربية وتطبيق لبعض المبادئ الماركسية باسم الاسلام، ومن ثم مناصب وصفات ما انزل الله بها من سلطان، وهكذا يرزح شعب في ظل البغي والطغيان باسم الله الغفور الرؤوف الرحيم الكريم، (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ). صدق الله العلي العظيم

حرب الاحقاد

حرب الاحقاد • قطع الجسور. • تهديد الجيران. • التعاون مع اعداء الامس. • الخطأ في التقييم. • سياسة التفريق. • الخميني يهدد بقطع يد بازركان. • احمد يقول: ذاكرة ابي لا شيء، انا السيد والسيد انا. • وعلى ايران السلام.

(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)) حرب الاحقاد الحروب التي شهدها العالم لايتجاوز كونها حروبا قومية او اقتصادية او دينية ولاول مرة يشهد العالم نشوب حرب بين شقيقين مسلمين لاتحمل بين طياتها هذه العناصر الثلاثة منفردة او مجتمعة. فماذا نسمي الحرب الايرانية العراقية؟ هذه الحرب العجيبة الغريبة التي ادهشت العالم ولن ينساها التاريخ. فلنسمها اذن بحقيقتها وواقعها، انها (حرب الاحقاد). لماذا وكيف نشبت الحرب الايرانية العراقية وماهي اسبابها وماهي خفاياها؟ قد اكون انا خير من يستطيع الجواب على هذا السؤال لأنني عاصرت ظروفها في العراق وايران معا وتحدثت مع زعماء البلدين قبل نشوب الكارثة واطلعت على امور لم يطلع عليها احد من قبل ولامن بعد. لقد وصل الخميني إلى الحكم بصورة فجائية لم يتوقعها احد حتى هو نفسه لم يتوقعها ولم يفكر فيها. فلذلك لم يكن بعيدا على مثله ان يفكر في تصدير الثورة الايرانية التي كان يسميها الاسلامية إلى خارج حدود ايران، فاذا ما نجحت الثورة في ايران بالصورة التي لم يتوقعها هو ولا غيره فلماذا لم

تنجح في دول عربية مجاورة كانت حسب زعمه وتقديره مزرعة مستعدة لنمو افكاره لا سيما انها لابد وان تأثرت بثورة كانت نتائجها سقوط اقوى نظام مجاور في المنطقة بين عشية وضحاها. فكما لعبت الصدفة والمفاجأة في نجاح الثورة الايرانية فقد تتكرر الصدفة والمفاجأة في بلاد مجاورة اعجبت شعوبها بايران الثورة في ايامها الاولى. ولعب الحقد الدفين لدى الخميني لعبته فاختار العراق ليكون اول محطة من محطات تصدير الثورة اليها، ولكنه في نفس الوقت لم يسقط الدول المجاورة الاخرى من حسابه فشنت اجهزة اعلامه هجوما عنيفا على دول الخليج والدول العربية تهددهم بالويل والثبور وتنذر حكامها بمصير الشاه واعوانه. وهكذا قطع الخميني الجسور بينه وبين جيرانه منذ ان وصل إلى الحكم تاركا وراء ظهره معطيات العقل السليم وحسن الجوار ومصلحة ايران واخلاق الاسلام ودستور القرآن الكريم الذى يقول (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ولكي نضع النقاط على الحروف نعدد هنا الخطط الخمينية لضرب الحكم القائم في العراق لنكون على بينة من الاسباب التي ادت إلى حرب الاحقاد. منذ اليوم الاول لاستلام الخميني للسلطة نصب عميلا للمخابرات السورية وهو صادق قطب زادة رئيسا لاعلام الجمهورية الاسلامية الفتية، وقطب زادة هذا كان من اقرب المقربين إلى قلب الخميني (¬1) ولم ينفع نصح الناصحون بابعاده من هذا المنصب الخطير في الجمهورية الفتية، حتى ان الشيخ صادق الخلخالي المعروف (بجلاد الثورة) قال لي انه اخبر ¬

(¬1) "1" اعدام الخميني قطب زادة في العام المنصرم بعد ان اتهمه بالمؤامرة للاطاحة به.

الخميني بنفسه ان شقة قطب زادة في باريس مليئة بالخمور وانواع المسكرات وكل انواع اللهو والفجور وان رجلا كهذا لا يحق له ان يكون في مثل منصبه الا ان الخميني لم يعر اذا صاغية لكلامه وبفضل قطب زادة هذا فان كثيرا من مناوئي الحكومة العراقية الذين وصلوا إلى ايران لتوهم بعد الثورة احتلوا اماكن حساسة في الاذاعة العربية بطهران والاهواز وبدأوا بالهجوم الاذاعي على الحكومة العراقية بين حين وآخر. ولكن الطين زادت بلة عندما ارسل الرئيس العراقي احمد البكر برقية تهنئة إلى الخميني بمناسبة اقرار الشعب الايراني لنظام الجمهورية الاسلامية في استفتاء عام، فجاء رد الخميني مخيبا للآمال وضاربا عرض الحائط اصول الاخلاق بين رؤساء الدول واغرب من كل هذا ان الخميني نفسه الذي كان يبرق للرئيس البكر في العراق برقيات مهذبة يبدأها بالتحية ويختمها بالدعاء له ولدولته قد نسي ما خطه بيمينه في تلك الايام، وقد تضمنت برقيته هذه المرة وعيدا وتهديدا وكلاما جارحا وخطابا غليظا لكل زعماء العرب والاسلام الذين يسلكون طريقا يناقض الطريقة التي يسلكها هو وحكومته في ايران ثم ختمها بقوله والسلام على من اتبع الهدى. كان موقف العراق إلى ذلك التاريخ موقف جار يريد ان يعطي الفرصة لجاره المخدوع كي يفيق من اوهامه وخيلائه لعله يسلك النهج الصحيح في تقييم الامور ومعالجته لها. ومن هنا كانت سياسة العراق الصبر والتريث والمعاملة بالحسنى حتى تنجلى الغبرة ليقيم هو بدوره مستقبل العلاقات مع ايران. وهنا اسجل للتاريخ ما سمعته بنفسي من الرئيس صدام حسين قبل سفري إلى ايران كما اسجل هنا ما سمعته من الخميني بعد ذلك اللقاء ليعلم الناس كافة مدى الاختلاف الهائل في تفكير الزعيمين ومعالجتهما لأخطر القضايا المتعلقة ببلديهما. قال الرئيس صدام حسين: ان حكومة ايران الفتية التي وصلت إلى الحكم وهي تجابه مشاكل

داخلية عظيمة خلفها النظام السابق والمشاكل التي تحدث بعد كل ثورة بالطبع وقد كان من الواجب عليها ان تبدأ ببناء نفسها ومعالجة مشاكلها الداخلية وتستفيد من كل الامكانيات المتاحة لها سواء كانت داخلية او خارجية وان مصلحة هذا النظام هو الاستفادة القصوى من العراق الجار الذي ابدى استعداد كاملا لدعم النظام الجديد وهكذا من كل الجيران الذين ابدوا التعاطف مع النظام الجديد وهم على استعداد لمساعدته، اما خلق المشكلات واضافة بعضها إلى البعض فانها تنهك قوى هذه الدولة وتجرها إلى مشاكل داخلية عظيمة لاتستطيع الصمود عليها، وهنا قال الرئيس العراقي كلمة لن انساها وقد نقلتها بنفسي إلى الخميني وهي ان النظام الحاكم في ايران حتى في صورة عدائه للعراق لم يكن من مصلحته ان يتجاهر به ويعلنه، وكان عليه ان يتريث حتى يصلب عوده ويشتد عضده وحينئذ كان يستطيع التجاهر بكل ما يريد، اما وهو الآن على حافة الانهيار ويريد ان ينال من هذا الجار وذاك فانه انتحار لا للمجموعة الحاكمة بل للشعب والامة باسرها. وقال الرئيس صدام حسين انه مع كل ما ظهرت من النوايا غير الطيبة والعدائية من النظام الجديد فانه مستعد لفتح صفحة جديدة في العلاقات وانه مستعد لدعم ايران الثورة اذا تركت التدخل في شئون الآخرين، وطلب مني ابلاغ تحياته إلى مهندس بازركان رئيس الوزراء مع التمني له بالتوفيق، اذن لم يكن هناك خلاف اطلاقا من جانب العراق، كلما في الامر هو ان يلتزم النظام الجمهوري الجديد بحدوده ويترك جيرانه بسلام ويهتم بشئونه الداخلية. وبعدما سمعت من الرئيس صدام حسين طرت إلى طهران وانا متفائل جدا بمستقبل العلاقات بين البلدين ولدى هبوط طائرتي في مطار مهرآباد الدولي كانت سيارة السيد بني صدر وحرسه الخاص على مقربة من سلم الطائرة في انتظاري وقيل لي انه ينتظر مني مخابرة في أي ساعة اصل

إلى طهران، وكانت الساعة تشير إلى الواحدة صباحا فاتصلت به من الهاتف الموجود في سيارته وقال لي انه عائد لتوه من مجلس قيادة الثورة وكان يود ان يكون في استقبالي في المطار لولا الجلسة الطارئة للمجلس الذي كان يحتم عليه حضورها، وقال انه سيكون في داري في الساعة السادسة صباحا، وهكذا بعد سويعات من وصولي إلى طهران كان الرئيس بني صدر في داري وهو متلهف ليسمع رأي الرئيس العراقي في العلاقات بين البلدين، وكان السيد بني صدر يرى انه من اهم المشاكل السياسية لايران هي العلاقات مع العراق لان العراق يستطيع ان يلعب دورا هاما وحساسا في استقرار الوضع السياسي في ايران ولاسيما في منطقة الجنوب التي كانت تغلي والارهاب المتبع من قبل الادميرال مدني لم يكن يغنى من الحق شيئا، وان العراق اذا وقف مع ايران فسوف يمكن ايجاد حل مناسب يرضي الله والضمير لمشكلة العرب المتواجدين في الجنوب. اما اذا ما استفز العراق من قبل النظام الايراني في حدوده ومصالحه واراضيه فلا بد وان العراق سيتخذ سياسة اخرى تكون مدمرة لحل مشكلة الجنوب وقال لي السيد بني صدر انه لا يعلق امالا كبيرة على لقائي بالخميني واضاف بلهجة حزينة ان الخميني تغير كثيرا وسترى رجلا اخر يختلف تماما من الرجل الذي عهدناه في النجف وباريس وانه عاد رجلا لجوجا ركب رأسه واصبح احمق من هي النقة. وذهبت إلى قم والتقيت بالخميني في جلسة مغلقة طالت زهاء ساعة وخرجت من عنده وانا حزين القلب اندب حظ الامة الايرانية المسكينة التي اعطت قيادتها بيد هذا الشيخ العجوز. لقد كانت هذه هي اول مرة التقي بالخميني بعد ان استولى على سدة الحكم فرأيته كما قال بني صدر شخصية تتناقض تماما مع الخميني الذي تعودنا عليه زهاء خمسة وعشرين عاما سواء عندما كان في قم او في

النجف، ولمست فيه نفسا شريرة وروحا انتقامية وغرورا شيطانيا وابتسامة ساخرة بكل المثل والاخلاق، لم ار في هذه المرة ذلك الشيخ الوقور الناسك الزاهد الذي كان يتحدث دائما باسم الدين والاخلاق ومصلحة المسلمين، بل رأيت شيخا عجوزا غلبه هواه وسخره شيطانه وتجلى حقده وها هو يبتهج من اراقة الدماء ودمار البلاد واذلال العباد، وسأقص في آخر هذا الفصل تفاصيل هذا اللقاء المثير والمخيب للآمال ليسجل في التاريخ للاجيال الحاضرة والقادمة على السواء. وفي الايام نفسها التي كانت فيها العلاقات الايرانية العراقية تسير من سيء إلى اسوأ. استقبل الخميني ابنا ملا مصطفى البرزاني ودعا لهما بالتوفيق وامر بتزويد الرزاني بالاسلحة والعتاد لضرب العراق وايجاد القلاقل في شمال العراق وهنا تظهر احدى المفارقات للجمهورية الاسلامية التي كان يرأسها الخميني، كيف اجاز الخميني لنفسه ان يستقبل عميلين مكشوفين للمخابرات المركزية الامريكية (¬1) وعميلين للشاه الايراني في الوقت نفسه وهو الذي عاصر المجازر التي ارتكبت في شمال العراق على يد هؤلاء باسلحة امريكية ايرانية، وعاصر اقتتال الاخوة في شمال العراق بمساندة الشاه الذي كان الخميني احد ضحايا تعسفه واستبداده وها هو اليوم يصافح يدا طالما صافحت الشاه واخذت منه المال والسلاح لقتل المسلمين، ثم هو لا يقنع بالمصافحة بل يسلك الطريق نفسه الذي سلكه الشاه فيمد العصابة هذه بالسلاح والمال ويامرهم ان يسلكوا الطريق الذي امرهم الشاه ان يسلكوه. ان هذا من اغرب التناقضات التي يسجلها تاريخ الثورة الايرانية عن المنحنى الفكري لمرشد الثورة والذي بدأ ¬

(¬1) "1" راجع الخميني والمتناقضات.

يتجلى في تناقضه مع روح الاسلام ومصلحة المسلمين. وقد زاد الطين بله تنصيب الدكتور مصطفى جمران المسؤول عن منظمة امل اللبنانية المعروفة بعدائها للعراق وزيرا للدفاع لكي ينسق مع المنشقين العراقيين ضرب العراق، ومن اغرب المفارقات ايضا ان حسين الخميني حفيد الخميني ذكر لي انه حمل إلى جده وثائق زودته بها منظمة فتح تثبت ان جمران عميل للمخابرات المركزية الامريكية، كما انه ابلغ جده موقف جمران من القضية الفلسطينية وكيف ان يداه ملطختان بدماء الفلسطينيين عندما كان مسؤولا عن منظمة امل في لبنان الا ان جده لم يعر اذنا صاغية لهذه التقارير بل ازداد في تعلقه بجمران وثبته في مركزه كوزير للدفاع. ومع ان حسين الخميني صفع جمران في مطار طهران وامام الجموع المحتشدة عسى ان تؤدي هذه الاهانة الكبيرة لاستقالته من الحكومة الا ان جمران تمسك بمنصبه ولم تهزه صفعة الخميني الصغير املا بعطف الخميني الكبير، ولم يقنع الخميني بمساعدة البرزانيين فحسب بل مد يده إلى جلال الطالباني وامده بالمال والسلاح ليقوم هذا الشخص بدوره ايضا بايجاد القلاقل في العراق. ولقد اتصلت بي شخصية سياسية عربية كبيرة في حينه واخبرتني انه حسب المعلومات المتوفرة لدى حكومته فان جلال الطالباني يقوم بدور خطير للروس في المنطقة حسب الاتفاق مع سوريا وان امداد الطالباني بالسلاح والعتاد انما هو في حقيقته امداد للشيوعيين المتواجدين في ايران وان الجمهورية الاسلامية في حقيقة الامر تساهم في تسليح الشيوعيين الايرانيين الذين سيضربون الجمهورية عندما تحين لهم الفرصة وان هذه الاسلحة ستستخدم لضرب ايران في المستقبل لا لضرب العراق كما يرغب الخميني، وطلبت الشخصية السياسية العربية مني ابلاغ السيد بني صدر بهذا الامر فابلغته على عجل وبلغ بني صدر الخميني ولكن الاخير لم يعتبر بكل ما قيل له في هذا المجال حسب عادته المألوفة ودخلت الازمة الايرانية العراقية

إلى مراحل خطيرة عندما قال الخميني في خطاب اذاعي تلفزي انه سيحتل بغداد في غضون (4) ساعات واعلن بني صدر في خطاب اذاعي آخر انه لايستطيع وقف زحف الجيش الايراني على العراق واحتلال العاصمة العراقية اذا ما اراد الجيش الايراني ذلك، ونزولا عند رغبة الخميني ركزت اجهزة الاعلام الخمينية هجومها ضد العراق من الصباح حتى المساء وتحركت فرق من الجيش الايراني إلى الحدود واستقرت مجموعة كبيرة من حرس الثورة في الحدود الايرانية وبدأ القصف المدفعي للاراضي والقرى العراقية في اناء الليل واطراف النهار. ولما لم تنفع كل الخطوات الخمينية لضرب العراق ارتكب خطأ آخر كان بحد ذاته مميتا للخمينية في المنطقة ومدعاة للسخرية والاستهزاء في الوقت نفسه حيث كشف نواياه ونوايا خلفائه وحكومته لقد اراد الخميني ان يستغل الطائفية في العراق ويتخذ من شيعة العراق بصفته زعيم ايران الشيعي اداة لضرب الحكم القائم وبدأ يوجه نداءات إلى شيعة العراق يطلب منهم القيام ضد الحكومة والصعود على اسطح البيوت للتكبير والتهليل الامر الذي حدث في ايران في ظروف خاصة ومع ان شعب العراق بطائفتيه استهزأ بهذه النداءات الصبيانية الطائشة واستنكرها واتخذ من الخميني اضحوكة في مجالسه ونواديه الا ان الاخير لم يعتبر بكل هذه الاهانات بل كرر ابواقه ندائه بين فينة واخرى يطلب من الجنود العصيان في الثكنات ومن الشعب الصياح فوق السطوح واغرب ما في هذه الفكرة الحمقاء المضحكة هو ان صاحبها عاش في العراق 15 عاما وعاصر عن كثب السيد الحكيم الذي كان المرجع الديني الكبير للشيعة في العراق واراد استغلال الطائفية لضرب الدولة الحاضرة في ابان قيامها وأى بأم عينه كيف ان الشيعة خذلت الحكيم ووقفت ضده معبرة عن شعورها واستيائها العميق نحو زعيمها الذي اراد ان يستغلهم في صراع بينه وبين

الدولة لاقبل لشيعة العراق فيه. واثر هذا الصراع اهين السيد الحكسم في عقر داره والنجفيون رموا بالحجارة طلبة الافغان الذين خرجوا متظاهرين في شوارع النجف تأييدا للحكيم وضربوهم بالعصى واهانوهم شر اهانة. والخميني آنذاك كان في النجف يرى عن كثب كل ما الحق بالسيد الحكيم من اهانة وذل وهزيمة منكرة حتى هو بنفسه لم يقف بجانب السيد الحكيم في تلك المحنة بل وقف مع الدولة التي كان آنذاك يدعوا لها بالعمر المديد، انها الدولة التي هو اليوم في حرب معها، ثم ان الخميني اذا كان يقرأ تاريخ العراق المعاصر وكانت له قدرة الاستنتاج من الحوادث التاريخية لكان يستنتج بوضوح ان شيعة العراق لم يسمحوا لاحد مهما كان شأنه وقدره ان يستغلهم في مآربه السياسية وان ابغض الاشياء لديهم هو المتاجرة بانتمائهم الطائفي. ان التاريخ يحدثنا ان الشيعة والسنة اشتركوا في ثورة الاستقلال عام 1920 ودحروا الانكليز وقواه المدججة ب 400 الف جندي مسلح، وعندما اراد الشعب العراقي اختيار الملك ذهب زعماء الشيعة والسنة معا إلى الحجاز لدعوة ملك سني هو الفيصل بن الحسين ليتربع على عرش العراق وكان الوفد العراقي مؤلفا من زعماء الشعية والسنة معا. كان من الشيعة الشيخ محمد رضا الشبيبي والسيد محسن ابو طبيخ والحاج محمد جعفر ابو التمن وكان من السنة السيد النقيب. ولم يحدث أي نقاش بين الطائفتين لانتخاب الملك على اساس الطائفية او احقية احدى الطائفتين بان يكون الملك منها، بل ذهب وفد الطائفتين إلى الحجاز بقلب واحد وعقل واحد وروح واحدة، أي بالاخوة الاسلامية التي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لترسيخها في كل ضمير وعقل. وبعد ثورة الاستقلال يعيد التاريخ نفسه لتجتمع الشيعة والسنة لمحاربة الانكليز مرة اخرى وذلك في عام 1941 حيث افتى المرجع الاكبر للشيعة وهو جدنا السيد ابو

الحسن وسائر المراجع مثل الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء والسيد عبد الحسين الحجة ومراجع السنة الكبار مثل الشيخ نجم الدين الواعظ والشيخ امجد الزهاوي. وتكاتفت الشيعة والسنة لمحاربة العدو المشترك. وفي سنة 1949 اجتمعت الشيعة والسنة مرة اخرى لضرب معاهدة بورتسموث والاطاحة برئيس وزراء شيعي هو صالح جبر ولم يحدث أي نقاش بين الطائفتين حول اسقاط رئيس الدولة الذي كان ينتمي إلى الشيعة بل اتفقتا لاسقاطه عندما رأت انه يتعامل مع الاستعمار الانكليزي وبالفعل سقطت دولة الجبر بين عشية وضحاها وكانت التظاهرات الصاخبة محورها النجف وكربلاء اكثر من أي مدينة اخرى. ومرة اخرى اتفقت الطائفتان لضرب عبد الكريم قاسم ونجحتا في نضالهما المشترك ودحر القاسم وزال نظامه، ولم يحدث حتى الآن ان اتخذت احدى الطائفتين الرئيسيتين في العراق الطائفية وسيلة لاغراض العداء السياسي بينهما او مع الحكومة. نعم اذا كان هناك خطر حقيقي يهدد العراق فان الشيعة والسنة يواجهون الخطر مشتركين ويناضلان مشتركين واذا كانت هناك حكومة غير وطنية فانهما سيواجهونها بنفس الروحية ايضا كما حدث في حرب الاستقلال وثورة رشيد عالي او حكومة صالح جبر وعبد الكريم قاسم، اذن فان كلا من شيعة العراق وسنة العراق عراقيون قبل انتمائهما المذهبي. اليس من المؤسف والمؤلم ان الحاكمين في ايران وعلى رأسهم شيخهم الكبير لا يدركون بديهيات التاريخ ونفسيات الشعوب، اوليس جنود العراق المتواجدين اليوم من اقصى الحدود إلى اقصاها والذين يحاربون الدولة الخمينية كلهم من ابناء الشيعة والسنة معا من ابناء الكربلاء والنجف والكاظمية وسامراء والموصل وذي قار والانبار والبصرة، واليست الغلبة في الاسامي انما هي للحسين وعلي وجعفر وصادق وكاظم،

ومع كل هذا ألم يأن لهذا الشيخ العجوز ان يفيق من ظلمات الجهل والغدر والغباء. وبعد كل هذا ما هذا الاسلام الذي يدعيه الخميني واي اسلام هذا الذي اتخذ منه شعارا في اقتتال الاخوة وايجاد الفرقة والنعرات الطائفية والتعاون مع عملاء الاستعمار لضرب دولة جارة مسلمة وقتل ابنائها. ان لغة السياسة مع ما فيها من انعطاف واساليب ملتوية لا تجوز هذه السياسة النكراء التي تشمئز منها روح الانسانية فكيف وهذه المنكرات التي ترتكب باسم الاسلام اليس هذا يعني ان هناك مؤامرة شريرة للاطاحة بمعاني الاسلام ونقاء صورته وصفاء واقعه امام العالم وان الذين ينفذون هذه المؤامرة الخبيثة انما هم نفر من الجن ظهروا في لبوس رجال الدين لهدم الاسلام وقد بذلوا جهدا يفوق على ما بذله الصليبيون والمغول معا في تحقيق اهدافهم واخذوا على عاتقهم المشئوم هدم الاسلام في كل زمان ومكان وقد كانوا اطول باعا واقوى ذراعا من أي طابور خامس ظهر حتى الآن في تاريخ الدول القديمة والحديثة. ولقد كادوا الكيد ونشروا الرعب وقالوا في الاسلام ما لم يقله احد من قبل ولا من بعد. الا ان يقظة الامة الاسلامية وحرصها اكتشفت زيف هذه العصابة ونواياها الشريرة فوقفت صفا واحدا كالبنيان المرصوص تدافع في هذا المنعطف الخطير من تاريخ الاسلام عن كرامته وسمعته (ولولا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) لكانت امة الاسلام تنكب بالخمينية نكبة لا يقوم لها قائمة بعد اليوم، ولكن الحمد لله ان يقظة الامة لم تهمل الخميني لتظهر إلى الوجود كما ظهرت البهائية والقادرية بل تركها في مهب الريح لتنزف جراحا ودما وحقدا وبغضا ولتكون كالعصف المأكول في حاضر الزمان ومستقبله. وقبل ان انهي هذا الفصل اود ان اكشف هنا سرا قد يكون جوابا على كثير من التساؤلات التي تدور حول الحرب الايرانية العراقية بل انه

جواب للتاريخ وللاجيال القادمة التي لم تعاصر محنة الاسلام في هذه البلاد. قد اراد الخميني وبذل قصار الجهد لتنصيب متهم بعمالة اسرائيل واجنبي لاينتمي إلى ايران بصلة رئيسا لجمهورية ايران لانه كان متجاهرا بعدائه للعراق ويبارك الحرب معها بل هو من اشد المتحمسين لها. كان هذا هو جلال الفارسي الافغاني المولد والذي هاجر إلى ايران في سن الشباب وحصل على الجنسية الايرانية ثم انتمى إلى الخميني وجماعته، وجاء إلى العراق عندما كان الخميني لاجئا في العراق فتعرف عن طريق الخميني باجهزة الدولة العراقية التي كانت تحميه فزودته الحكومة العراقية بجواز سفر عراقي وبمساعدات مالية عندما غادر العراق إلى لبنان، غير ان الفارسي لم يلبث كثيرا في لبنان فقد داهمت الشرطة اللبنانية داره للقبض عليه بتهمة التجسس لاسرائيل وعثرت الشرطة في داره على مخطط للحدود اللبنانية الاسرائيلية وفر الفارسي إلى سوريا ونشرت الصحف اللبنانية هذا النبأ باسهاب واطناب. ودخل الفارسي إلى العراق بعد ذلك ليعيش فيه الا ان الحكومة العراقية رفضت ايوائه بعد التهمة الموجهة اليه وسحبت منه جواز السفر العراقي وارغمته على مغادرة العراق، فعاد إلى سوريا ليعيش فيها بعض الوقت والتحق بالخميني في باريس ليعود معه إلى ايران، وبدأ الفارسي في ايران حملاته ضد العراق من الاذاعة الفارسية ومنذ الايام الاولى من نجاح الثورة عرف نفسه بانه سيكون الرجل المفضل لدى الخميني في هذا المضمار، وعندما امر الخميني بتعيينه رئيسا للجمهورية رشحه الحزب الجمهوري الاسلامي وصرف الملايين لفوزه في انتخابات الرئاسة غير ان الرياح جرت على غير ما كان الخميني يشتهيه فانبرى قوم من المناضلين ضد هذا الترشيح.

لقد كنت انا اول من كشف هذا السر لان الرجل عندما كان في العراق صارحني بحواله وفصله ونسبه واردت اعلان الخبر في الصحف فمنعني اصدقاء مخلصون وطلبوا مني ان لاادخل المعمعة بنفسي حتى لا اثير الخميني وجماعته فيتحمسون للرجل اشد التحمس وسوف لايجدي الامر شيئا، ولذلك اخذوا على عاتقهم كشف السر للجماهير الايرانية وكان نجاحهم باهرا وعظيما في مهمتهم فبين عشية وضحاها عرف الشعب الايراني ان الخميني وحزبه يريدون تنصيب رجل اجنبي عليه كأول رئيس لجمهوريته الاسلامية، كما انهم قرأوا في الصحف نص البيان الرسمي الصادر من الاحوال المدنية الذي كان يقول ان الرجل مولود في افغانستان وانه حصل على الجنسية الايرانية بعد ان هاجر اليها وبلغ سن الرشد وهكذا منع الرجل من خوض انتخابات الرئاسة بنص الدستور الايراني الذي كان يقول ان رئيس الجمهورية يجب ان يكون مولودا في ايران ومن اب ايراني، ودحر الحزب الجمهوري والخميني معا وولوا الادبار. لقد اشرت في مقدمة هذا الفصل إلى محادثاتي مع الخميني وها انا اختم الفصل بكشف تلك المحادثات لنبدأ فصلا آخر من فصول الكتاب بأذن الله. لقد دام اللقاء ساعة تحدثت معه بصراحة بالغة وفي شتى المواضيع وكان بيت القصيد في المحادثات العلاقات الايرانية العراقية، قلت له: اذا كنت مغتاظا من الخروج من العراق فان ذلك قد مهد لك من الاتصال بالصحافة العالمية ما لم تستطع ان تفعله في النجف، اذن كان خروجك من العراق لمصلحة الثورة الايرانية. ان الحكومة العراقية قدمت لك ولحاشيتك من العون طيلة 15 عاما ما لم تقدمه اية حكومة اخرى في العالم لللاجئين السياسيين، وانت اليوم في سدة الحكم في ايران ما تزال محتاجا إلى مساعدة العراق فاذا تريد بناء ايران فلا تعادي الجيران ولا سيما اقربهم

إلى ايران ثم اقول لك ما عدا مما بدا ان رسائلك الموجهة إلى المسئولين العراقيين لازال حبرها لم يجف بعد وها انت الذي كنت تختمها بالدعاء والتوفيق والنصر لحكومة العراق رئيسا وشعبا واليوم يسمع منك العراق ما يناقض ما قلته وخطته بيمينك في الامس، ان هذا التناقض في القول والعمل قد يصدر من ممتهن السياسة البحتة ولاعجب ولا غرو اما من زعيم ديني فيحير العقل ويربك النفس، كان جوابه ماذا فعلت حتى تقول لي هذا الكلام فعددت له الكثير من الممارسات العدائية الي مارستها الجمهورية الفتية ضد العراق بما فيها البرقية الجوابية للرئيس العراقي احمد حسن البكر وما تضمنتها من جفوة وقسوة في الكلام، فقال كانت نصيحة فكان جوابي التحية ترد باحسن منها او مثلها كما تقول الآية الكريمة ولا ترد بالكلام الجارح، ثم اعلم الجار ما من صداقتها بد. قال: وزراء خارجية البلدين يتحدثان بينهما لحسم المشاكل وانا انتظر التقرير من وزير خارجية ايران. قلت: ان مايدور في اروقة وزارة خارجيتكم تضييع للوقت وتبديد للامال وانت تعرف هذا جيدا انا اضمن لك اذا قبلت اقتراحي ان يكون العراق نصيرا لايران وعونا وسندا وظهيرا لها في حاضرها ومستقبلها. ثم قال ... وقلت (¬1) ... وعرجت بعد ذلك إلى الاشاعة التي كانت تدور رحاها في ايران من انه ينوي ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، وقلت: حصلت الهند على استقلالها وبنفوسها البالغة 600 مليون هندوسي ومسلم بفضل مهاتما غاندي دحرت اعظم امبراطورية عرفها تاريخ الانسان، وبعد ان استقلت الهند، ارتفع غاندي عن قبول أي منصب بل كان مقامه اشمخ من ان يعرض عليه منصب ومقام وانصرف إلى رسالته الاساسية وهو التوحيد بين مختلف القوميات في الهند لبناء الهند ¬

(¬1) "1" راجع فصل الخميني في الميزان.

الجديد، والتاريخ يخلد غاندي لانه اسس اكبر دولة ديموقراطية في التاريخ الحديث وهو لم يغتنم منها جلد شعيرة. انك لو بقيت على وسادتك كمرشد للثورة وكزعيم روحي للامة ولم تطلب لجهادك جزاء ولا شكورا فان رؤساء الجمهورية سيصطفون على بابك وستدخل في التاريخ من اوسع ابوابه. قال: كلا، لم ارشح نفسي للرئاسة ولا اريد جزاءا ولا شكورا. ومع ان الرجل التزم بكلامه هذا وامتنع عن ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية الا انه رشح نفسه للولاية المطلقة والامامة العظمى ونال ما اراد، فقد جعل نفسه بنص الدستور الجديد حاكما بامر الله على العباد والبلاد يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهكذا جعل من الدستور الايراني اضحوكة وسخرية وهراء وعبثا تضحك الثكلى ولولا ان التاريخ قد يكشف للاجيال القادمة التزوير الذي اقر في ظله هذا الدستور المهين للانسان والانسانية واهانة كرامة الامة الايرانية في حاضرها ومستقبلها لكانت الاجيال القادمة تعلن في اناء الليل واطراف النار آباءا وامهاتا واجدادا وجداتا اقرت العبودية والرقية والذلة لشعب باسره ونصبت عليه ولاة طغاة جناة جفاة في رداء الاسلام ولبوس الدين لا يفقهون من الحق شيئا ولا يجدون اليه سبيلا. لقد خرجت من عند هذا الرجل وقد لمحت فيه آثار الارهاق والنسيان وعدم الاتزان في التفكير بما في ذلك روح اجرامية نمت وترعرعت لم نكن نعرفها من قبل. ورأيت ابنه احمد في قارعة الطريق وكانت من الاسئلة التي وجهتها اليه كيف ذاكرة ابيك فقال: لاشيء، ثم اضاف قائلا انا السيد والسيد انا، وقلت انا اتنفس الصعداء، وعلى ايران السلام وعلى الاسلام في ايران السلام. ولاحمد هذا من العمر 28 عاما، اما مبلغه من الثقافة فهو خريج المتوسطة.

وفي مشهد الرضا عليه السلام التقيت بالامام الشريعتمداري واعرب لي عن اهتمامه البالغ بالعلاقات بين العراق وايران وقال انه يتمنى من كل قلبه ان تسود العلاقات الاخوية الصادقة وحسن الجوار بين البلدين ولو كان بوسعه لعمل بكل ما اوتي من قوة وجهد في هذا السبيل الذي فيه رضا الله ورضى رسوله ومصلحة الاسلام والمسلمين. وفي طهران زارني السيد داريوش فروهر وزير العمل في دولة بازركان ورئيس حزب الامة ليخبرني بحديث مخيب للامال قال الوزير داريوش: ان مجلس الوزراء برئاسة بازركان بحث مقترحاتكم للتقارب مع العراق وفتح صفحة جديدة في العلاقات مزدهرة ونافعة، وكان بازركان متحمسا للفكرة اشد التحمس ويورد الدليل تلو الدليل لمصلحة التقارب والتعاون مع الجيران ولا سيما العراق واكثر الوزراء كانوا متحمسين ايضا واتخذ مجلس الوزراء بعض القرارات المناسبة لمثل هذه الخطوة، الا انه لم يمض يومين على تلك المحادثات واتخاذ القرارات حيث طلبني الخميني إلى قم على عجل وعندما بلغت مجلسه لم يمهلني الكلام بل بدا الحديث بغضب انفعال وقال لي: بلغ بازركان لقد بلغني تحمسك في التقارب مع حكومة العراق فوالله لو مددت يدك إلى الرئيس العراقي صدام حسين لقطعتها. واختم هذا الفصل بسرد حديثين متناقضين سمعتهما من بني صدر احدهما قبل رئاسته والاخر بعدها كي اثبت مدى توغل الخميني في اشعال الحرب ضد العراق ومسئوليته الكاملة لهذه الحرب امام الله والتاريخ، لقد قال لي بني صدر قبل ان ينتخب رئيسا للجمهورية، هل رأيت كيف ان الخونة لم ينتصحوا بنصحك عندما نصحتهم في التقارب مع العراق، فلماذا هذا العداء ونحن بحاجة ماسة إلى الاصدقاء لبناء بلادنا وحل مشاكلنا الداخلية، ولكنهم يريدون تحطيم ايران. ودارت الدوائر واصبح بني صدر رئيسا لايران وذلك بعد شهر من ادلائه بهذا الكلام واذا

به يفاجئني في اول لقاء معه في داره بقوله " لابد لنا من محاربة العراق " ومع انني عرفت فورا ان هذا الكلام انما هو من ايحاء الشيخ العجوز وهو مرغم على الادلاء به، الا انني خرجت من طوري واجبته بلهجة قاسية ان جيشك لايستطيع العبور من قصبة سنندج منذ عام فكيف تريد ان تحارب اقوى دول المنطقة، ثم اضفت وما عدا مما بدا، فطأطأ الرجل رأسه ولم ينبس بكلام، وهكذا خطط الخميني لحرب الاحقاد فكانت.

رفض الصلح

رفض الصلح • الالتقاء بين الخمينية والصهيونية لتضعيف الامة العربية. • الخروج على نص القرآن الكريم. • التناقض في القول والعمل. • احياء الغوبلزية. • احمد الخميني: نحارب العراق لان الحكومة العراقية قالت لابي: اما السكوت واما الخروج. • فلسفة الخميني: البقاء في الحكم باي ثمن.

(وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)) رفض الصلح لماذا يرفض الخميني الصلح الذي اقترحه العراق مرات ومرات، واقترحته اللجان الساعية لاحلال السلام بين البلدين والجارين المسلمين اكثر من مرة؟ والصلح لا يرفضه عاقل مسلم. والقرآن الكريم يقول " وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " (سورة الحجرات الاية 9). وهذه الاية الكريمة التي لاياتيها الباطل من بين يديه ولا من خلفه صريحة واضحة في ان واجب المتخاصمين من ابناء الامة الاسلامية هو الركون للصلح ولم تحدد الاية الكريمة المتعدي والمتعدى عليه حتى يتعذر احد المتحاربين بعدم الصلح كما هي الحالة في منطق الخميني. ان رفض الصلح خروج على نص القرآن الكريم، وليت شعري ان اعرف كيف يدعي نظام انه ينبع من روح الاسلام وهو يناقض ما امر به، ان من

اغرب الغرائب في العقلية الخمينية المتناقضة التي ابتلي الشعب الايراني بها هو ان الرجل الذي اعلن للصحافة وهو على متن الطائرة التي اقلته إلى ايران بعد 15سنة من الغياب عنها (انه لايحس باي شعور تجاه الوطن الذي كان بعيدا عنه واليوم يعود اليه)، وانه القائل (ان الوطنية ليست من الاسلام بشيء) يعود اليوم ليتحدث عن الوطن والحدود والتراب الذي يرى حبه مغايرا للروح الاسلامية والذي لم يشعر نحوه بحنان وحب حتى بعد الغياب عنها خمسة عشر عاما. ان هذا التناقض في القول والعمل امر مألوف في قاموس الخميني والخمينية وسنشير اليها في فصل خاص به. اذن رفض الصلح له اسباب كثيرة منها نفس الاسباب التي ادت إلى الحرب وهي الاحقاد التي اشعلت نار الحرب وفصلنا في محلها. وهناك سبب آخر وهو ان الخميني والزمرة الحاكمة يعلمون جيدا انهم سينتهون بانتهاء الحرب، فانهم يعلمون جيدا انهم لا ولن يستطيعوا تنفيذ الوعود التي اغروا الشعب بها، بل ان وضع الشعب وصل إلى مرحلة من البؤس لم يكن لها نظير من قبل ووصلت البلاد إلى حافة الانهيار. ان الذريعة الوحيدة التي يتذرع بها الخميني في استمرار هذا الوضع الشاذ هي الحرب فكل نكسة وراءها الحرب. وكل كارثة اقتصادية وراءها الحرب. وكل فشل يصيب الدولة في اناء الليل واطراف النهار سببها الحرب. اذن ذريعة الحرب فرصة العمر بالنسبة للخميني وزمرته، وتفويت هذه الفرصة تفريط بحياتهم وبقائهم على سدة الحكم، وعلينا ان لاننسى ايضا ان اجهزة الاعلام الخمينية والخميني نفسه لم يعترفوا حتى الان بالهزيمة التي الحقها العراق بهم، فالحكومة الخمينية بنت سياستها على نهج غوبلز وزير الدعاية النازي ابان الحرب الكونية الثانية الذي يقول ...

(اكذب، اكذب، اكذب حتى يصدقك الناس) فكذبت وتكذب وستكذب ماشاءت إلى الكذب سبيلا. ومن هنا نرى بوضوح ان البلاغات التي تصدرها وزارة الدفاع الخمينية وحرس الثورة عن سير القتال انها بلاغات صنعت بذكاء مفرط لاغفال الشعب، فهم يتحدقون عن النصر في هامش عبادان وعلى مرتفعات سربيل زهاب وعلى ابواب ديزفول وفي قلب خرمشهر وهذه كلها ارض ايرانية، ولاول مرة يستعمل في القاموس الحربي كلمة النصر عوضا من كلمة المواجهة لايهام الشعب المسكين بالنصر، ثم هناك ما هو اخطر من هذا بكثير ان البلاغات التسعمائة التي اصدرتها منذ نشوب الحرب حتى الان وزارة الدفاع الخمينية اذا جمعت الارقام المعلنة عن عدد القتلى والسلاح والعتاد الذي دمر من الجانب العراقي فستكون الارقام مدهشة ومضحكة في آن واحد. ان عدد القتلى من الجنود والعراقيين في مجموع هذه البلاغات حسب زعمها يتجاوز مليون وسبعمائة الف قتيل، وهذا العدد من الجنود يزيد على ما لدى الحلف الاطلسي والناتو ووارسو ومجموع الدول العربية، اما عدد الطائرات التي اسقطت حسب البلاغات المزعومة فهو يتجاوز الف وثمانمائة طائرة، أي اكثر من مجموع الطائرات الحربية التي تملكها بريطانيا وفرنسا. اما عدد الدبابات التي دمرتها فهي تتجاوز تسعة الاف دبابة، أي اكثر من مجموع الدبابات التي تملكها الدول الاوربية والاتحاد السوفياتي مجتمعة. اما عدد المزنجرات وسائر انواع العتاد التي دمرت حسب زعمها فانها تتجاوز الخمسين الف مجنزرة وناقلة جنود وشاحنات، أي عددا يتجاوز كل ما لدى الدول العربية والهند وباكستان. بهذه الارقام الخيالية والوهمية يستمر الخيمني في حربه مع العراق، فهو لا يستطيع الصلح

فالغالب لايصالح بل يذهب حتى نهاية المطاف. ثم هناك شيء اخطر من كل الملاحظات التي اشرنا اليها وهو انه باعتقادي ويقيني ان السياسة العالمية الاستعمارية الكبرى والتي تريد دوما ان تجعل من هذه المنطقة الحساسة من العالم موضع اضطراب وعدم استقرار لن ترغب ابدا في ان يحل السلام في هذه المنطقة الحساسة كما هي الحالة في لبنان، وحكام ايران الذين اعرفهم بسيرتهم البشعة وصورتهم الابشع لا يتورعون من افناء شعب وبلاد بكاملها اذا ما اقتضت مصالحهم الشخصية وهي البقاء على كرسي الحكم، فانى كان للخميني القابع في زاوية من زوايا النجف الاشرف او المنتظري والرفسنجاني والخامنة اى والكنى ومحمدي كيلاني وغيرهم من الزمرة الخمينية تسييس البلاد باسم الامام ونائب الامام ورئيس الجمهورية ومجلس الشورى وغيرها من المناصب السامية التي اقترفوا لغصبها ما تقشعر من سماعها الابدان. وهم الذين الحقوا بايران من الدمار والفناء ما لايمكن تداركه في مائة عام ومن الاموال 500الف مليون دولار، ان قوما كهؤلاء هل يتورعون من التعاون مع القوى الاستعمارية في سبيل بقائهم على كرسي الحكم؟ كلا ثم كلا. ان هذا اوضح من الشمس في رائعة النهار وال كيف تفسر ان الجمهورية الاسلامية الايرانية التي تدعي انها الدولة الاسلامية الوحيدة في العالم وهي تصافح الاياد الملطخة بدماء المسلمين في افغانستان، وتتعاون مع البلاد الشيوعية التي تقول فلسفتها: ان الدين افيون الشعوب وتستورد الاسلحة من اسرائيل لقتل الجار المسلم وتستخدم المستشارين العسكريين من كوريا الشمالية لتغير بطائرتها على اراضي الاسلام وتدمرها بالقنابل المحرقة. ان هذه الشرذمة من الناس لا ولن يانفوا القيام باي عمل اجرامي مهما كان نوعه لارضاء سيدهم الذي يحميهم، واذا كانت من سخريات

القدر ان تذل الامة الايرانية حتى يسودها اوباش اجلاف كهؤلاء، فان الجلف الجاف عندما يجد ضالته المنشودة فلا ولن يضيعها حتى بحد السيف ومن دونها خرط القتاد. ان من اغرب الغرائب في تاريخ الحروب هو هذه الحرب التي يشنها قوم ضد بلد يقدسون ترابها ويسجدون عليها في صلواتهم الخمسة اليومية. ان الجندي الذي اغفله الخميني والشعوذة الحاكمة في ايران لقصف العراق ومدنه يحمل معه دوما قطعة من تراب ذلك العراق (كربلاء) وهو يسجد عليها في كل صلاة ويقبلها ويتبرك بها ويستشفي بها، واعظم امنية له في الحياة هي زيارة صاحب تلك التربة الطاهرة المقدسة حسين بن علي بن ابي طالب عليهما السلام. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف يحارب الجنود الايرانيون في جبهات القتال ... ؟ والجواب هنا اثبته للتاريخ، ان الجنود المتواجدين على جبهات القتال على ثلاثة اصناف: مكرهون على القتال وهم اكثرية الجنود النظاميين الذين اعدم الخميني قوادهم وهم يعلمون ان هذه الحرب هي حرب الاحقاد التي يشعل الخميني نارها كلما جاء قوم لاطفائها وان شرطه لوقف القتال في عودة القوات العراقية إلى الحدود السابقة انما هو ذريعة جوفاء لان العراق اكد اكثر من مرة موافقته على ذلك اذا ما قبل النظام الحاكم على وقف اطلاق النار، ثم انهم يعلمون جيدا ان الوطنية التي بداء الخميني يغني بها انما هي خدعة من خداعه فلن ينسى الشعب الايراني ان الخميني قال وهو على متن الطائرة التي كانت تقله من باريس إلى طهران (اني لا احس بشعور خاص عند عودتي إلى ايران) ثم هو الذي حارب الوطنيين من انصار مصدق ورماهم بالزندقة لان الاسلام على حد زعمه يعارض الوطنية ثم ان اكثرية هذا الجيش

حاقد على تصنيفه في المرتبة الثانية وتقديم الحرس الثوري عليه في كل الامتيازات وفي كل الميادين، والحرس الثوري مجموعة من المرتزقة جمعهم النظام الحاكم من الشوارع والازقة لا يحسنون استعمال السلاح، وهذه المجموعة هي التي تتقدم على الجنود في جبهات القتال بصفتهم حراس الثورة وانهم المعتمد عليهم من قبل الخميني. والصنف الثاني هم العنصريون وانهم طبقة صغيرة من الجنود النظاميين الذين يحاربون لاحياء الامجاد الفارسية التي اكل عليها الدهر وشرب. واذكر هنا قصة للتاريخ لبيان هذه العنصرية التي نجدها لدى البعض من ابناء الشعب الايراني: عندما كنت خائضا معمعة الانتخابات، كانت بعض الفئات السياسية المعادية لي تنشر المناشير وتقول معلنة ان اعتراضها على انتخابي هو انني سيد هاشمي انتمي إلى رسول الله ورسول الله عربي، والغريب في الامر ان بعض هؤلاء الذين كانوا يقفون ضدي لانني هاشمي عربي كانوا اذا التقوا بي قبلوا يدي او ارادوا تقبيلها تبركا برسول الله وتقربا اليه، هذه صورة للعنصرية التي اشرت اليها في هذا المقال. اما الصنف الثالث المغفلون واكثرهم من الحرس الثوري الذين جمعهم النظام الحاكم من هنا وهناك، وقد امر الخميني بتقليدهم مفاتيح الجنة كما كان الباب غريغوار يقلد الجنود الصليبيين مفاتيح الجنة عندما ارسلهم لمحاربة المسلمين في فلسطين. حقا انه لامر مشين للغاية فيه سخط الله ورسوله ان يقلد مسلم مفاتيح الجنة لانهم يحارب اخاه المسلم ويريق دمه ... , واخيرا اختارت الزمرة الحاكمة الشباب المراهقين حراسا للثورة والحقوهم بجبهات القتال فكانت المآسي التي تحدثت عنها الصحف العالمية باسهاب وادانت النظام الارهابي الانتحاري في ايران وشبهت الخميني بهيتلر الذي جند المراهقين في الشهور الاخيرة من حربه الخاسرة.

ان هؤلاء المغفلين واولئك المكرهين هم الذين يقصفون تراب العراق وهم يتبركون بها، ويهدمون تربة العراق واعظم امانيهم هي زيارة تلك التربة، ويقتلون ابناء كربلاء والنجف واسم كربلاء والنجف يبكيهم ويدمع عيونهم. لا انسى ان احمد الخميني قال لي مرة: انك تحاول القيام بعمل عظيم، فلو قدر لك النجاح في عملك واستطعت ان تقرب بين العراق وايران وفتحت الحدود للزوار الايرانيين لزيارة العتبات المقدسة فستصبح محبوب الشعب كل الشعب ويذكر اسمك بعد اسم الامام (السيد الخميني). قلت له: اذا كنت مؤمنا بما تقوله تعاون معي لنجاح المهمة ودع الناس يعتقدون انك فعلت ذلك فتصبح انت محبوب الشعب فليذكر اسمك بعد اسم ابيك. وقال لي احمد: كيف نلتقي مع الحكومة التي قالت لولدي اما ان تسكت واما ان تخرج. وهكذا يدفع الشعب الايراني المسكين ثمن الحقد والانانية والجهل والخيانة الذي كلفه حتى الآن 300الف قتيل و500الف مليون دولار الخسارة في الاموال و 3ملايين مشردي الحرب. واختتم هذا الفصل بمقارنة بين رجليين احدهما هندوسي وآخر يدعي الاسلام. احدهما مرشد للثورة الهندية وهو مهاتما غاندي الذي قال لقاتلة الذي ارداه قتيلا (السلام عليكم) والآخر مرشد للثورة الاسلامية الايرانية الذي اعدم الآلاف من الصبية لانهم قالوا (الموت للخميني). لقد بلغ إلى مسامع مهاتما غاندي ان حربا دينية قومية ضروسا نشبت بين الهندوس والمسلمين في وسط القارة الهندية يذهب ضحيتها المئات من الجانبين في كل يوم، فطلب غاندي منهم ايقاف القتال فلم يستجيبوا فاعلن عزمه في السير إلى منطقة الحرب على الاقدام، وخرج مهاتما من اشرم قاصدا المنطقة المنكوبة والتي تبعد حوالي الف ميل، وكلما مر بمدينة

على قارعة الطريق طلب من اهلها الانضمام إلى مسيرة الصلح ووصل غاندي إلى المنطقة المنكوبة ومعه جمع غفير يحملون لافتات الرجاء إلى المتحاربين بايقاف القتال، فلم يستجب الطرفان لغاندي ولا للركب السائر في معيته، فأعلن مهماتما عزمه على الصيام حتى الموت الا اذا استجاب الطرفان لندائه، واستمرت الحرب واستمر الصيام، واشرف غاندي على الموت واعلن الاطباء ان زعيم الهند العظيم سيلقي حتفه اذا لم ينه الصوم في غضون 48ساعة. واستيقظت ضمائر المتخاصمين اجلالا واكبارا للزعيم الذي يضحي بحياته لانقاذ حياة الآخرين، وصام 45يوما حتى تنفذ كلمته، وانتهى القتال وعاد الوئام ورجع القوم إلى شئونهم الخاصة واعمالهم اليومية، اما غاندي فقد بقي طريح الفراش يعاني من آثار الصوم شهورا طوالا لايقوى على الحركة ولكن الابتسامة لم تفارق شفتيه لانه وجد إلى الصلح سبيلا. اما الامام الخميني مرشد الثورة الاسلامية الايرانية فرفض عروض الصلح من الجانب العراقي ورفض الوساطات الاسلامية، ورفض كل مبادرة خيرة لانهاء الاقتتال بين آخوة مسلمين تربطهم روابط الجيرة والدين، وها هو ينادي بالمزيد من اراقة الدماء ويسعى للمزيد من الدمار والفناء مناقضا بذلك ما امر به الله ورسوله وكتابه الكريم. وليت شعري ان اعرف ان الخميني اذا لم يشاء ان يسير على هدى الاسلام ورسوله في الصلح افلم يكن من الحري به ان يقتدي بسيره مصلح الهند، ولكن صدق الله العظيم حيث يقول، " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ".

مهزلة الرهائن

مهزلة الرهائن • الخميني وراء التخطيط. • الطلاب الشيوعيين والتابعين (للامام) وراء التنفيذ. • الخسائر العظيمة لم تقدر بثمن. • الخميني يوقع وثيقة الاستسلام. • الرابع والخاسر في الميزان.

(وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ (6)) مهزلة الرهائن بعد مهزلة الرهائن بثلاثة اشهر جمع الخميني جمعا من مرتزقته وخطب فيهم خطابا جاء فيه هذه الجملة " ان هذه الثورة الثانية - (أي اخذ الدبلوماسيين الامريكان كرهينة - حتى يعيد الامريكان الشاه وامواله إلى ايران)، اهم بكثير من الثورة الاولى التي ادت إلى تغير النظام "، اما المرتزقة الذين كانوا من حوله فكانوا يحركون رؤوسهم تصديقا لقوله ويقولون بلى بلى، واما الطبقة الواعية من ابناء الشعب فكانت تبكي وتضحك لما وصلت اليه امور البلاد. اما كيف بدأت تلك المهزلة المثيرة للسخرية؟ فقد قيل فيها الكثير والفت عنها الكتب ومئات المقالات تصدرت الصحف العالمية بشأنها، ولا اريد ان اكرر هنا ما قاله الآخرون فأنا لا أؤرخ المهزلة تلك وانما ابين هنا رأيي وقناعتي الخاصة حسب المعلومات التي توفرت لدي عندما عاصرت الازمة في طهران، وما سمعته

من الخميني عندما كان في باريس حول اسرة الشاه المتواجدين آنذاك في امريكا. انا شخصيا لا اشك ان الخميني بشخصه كان وراء مهزلة الرهائن، وهو الذي اوصى بتنفيذها إلى الطلبة عن طريق ابنه احمد، وهنا اسجل ما سمعته من الخميني عندما كان في باريس لاعطاء صورة عن المنحنى الفكري للرجل، مضافا اليها عوامل نفسية وسياسية اجتمعت كلها فخلقت مشكلة باسم الرهائن نتجت عنها خسارة اقتصادية لايران ببلايين الدولارات وخسارة معنوية لاتقدر بثمن. في احدى المرات التي التقيت بالخميني في باريس ولعلها كانت آخر مرة التقي به هناك قال لي " ان الصحف كتبت خبر وصول اسرة الشاه إلى امريكا، وكم يكون حسنا وياليت لو اخذوا هناك كرهائن ولم يفرج عنهم الا بعد ان تسترد منهم الاموال التي نهبوها من الشعب "، نظرت إلى الرجل باستعجاب وقلت له " كيف يمكن ان يحدث مثل هذا؟ وكيف يمكن القيام بهذه المغامرة؟ فمغامرة اخذ الرهائن مغامرة فاشلة، ثم اضفت ان الاموال التي خرجت من ايران لن تعود اليها، حتى الحصول عليها عن طريق القضاء امر صعب المنال ". قال لي " اخرجوا معهم اموالا كثيرة ومبالغ عظيمة، وكرر جملة مبالغ عظيمة عدة مرات "، وانتهى الحديث إلى هذا الحد لانني لم اعلق عليه اكثر مما قلت، فقد رأيت ان ما يقوله نوع من الهذيان ولايليق بعاقل ان يضيع وقته فيه، ولكن لم يخطر ببالي في تلك الليلة ان القدر قد خبأ للرجل دورا بارزا وعظيما في مهزلة تكون حديث العالم وتشغل المجتمع البشري لشهور طوال، وتسبب في سقوط رئيس الولايات المتحدة الامريكية في الانتخابات. فلنعد إلى الاسباب الحقيقية التي ادت إلى مهزلة الرهائن، اذا اخذنا

بعين الاعتبار ان موضوع اخذ الرهينة كوسيلة انتقامية، او كوسيلة لاعادة الاموال والاشخاص، كان من المواضيع التي تشغل بال الخميني قبل ان يستلم السلطة، ثم اضفنا إلى هذا الانحدار الفكري لدى الرجل والذي اشرنا اليه في مكان آخر من هذا الكتاب، هو ان الخميني يحب نفسه وسمعته ونقاء صورته اكثر من أي شيء آخر في هذه الدنيا، وقد سبق وان خاطب الشعب الايراني بعد نجاح الثورة بقوله: " انه سيعيد الشاه إلى ايران لمحاكمته "، فلو صدق هذا الوعيد واعيد الشاه حقا إلى ايران، لكان الخميني يصل إلى مصاف الاولياء يعزى اليه علم الغيب والمعاجز، الامر الذي كان يخدم الخميني ومآربه في تحريك الشعب حسب هواه وارادته، وفي هذا الوقت حدث ما لم يكن بالحسبان، فقد وصل الشاه من المكسيك إلى الولايات المتحدة الامريكية للعلاج، والخميني الذي كان يسيء الظن بكل شيء وبكل احد، زعم ان وجود الشاه في امريكا انما هو مؤامرة للاطاحة به وكان لا بد من عمل حاد لردع الامريكان من موقفهم العدائي، ومع ان العلاقات الايرانية الامريكية إلى ماقبل مهزلة الرهائن كانت ودية وكان وزراء من اعضاء الحكومة البارزين يحملون الجنسية الامريكية، هما اليزدي وامير انتظام ود. جمران، ثم كانت الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية الايرانية الامريكية التي عقدت في عهد الشاه والتي بلغت الملايين كانت ولازالت قائمة بقوتها في العهد الجديد، اذن كانت الصدمة قوية على الخميني الذي اعطى هذه الامتيازات للامريكان وهو يرى تلك الدولة تستضيف الشاه وتتعاون معه لتقويض حكمه ونظامه حسب زعمه. ودخل عنصر جديد في الميدان وهو الطلاب الشيوعيين (حزب تودة) الذين كانوا ينتظرون الفرصة المواتية للقيام بعمل يفرح موسكو ويقضي على النفوذ الامريكي في ايران. والمطلعون على المنحنى الفكري لمرشد الثورة الايرانية والاضطراب الذي يسوده، ومن ثم

النتائج المغلوطة التي يستنتجها هو من معادلاته الفلسفية مضافا اليها روحه الشريرة التي لاتريد الهدوء والاستقرار لايران لأنه يرى ان الشعب سينصرف إلى اعماله وبناء نفسه اذا لم يخلق له مشكلة تصرفه عن واجباته وبذلك يصبح هو كمرشد للثورة مهمل الذكر نسيا منسيا، الامر الذي يكون فيه نهايته وهو لن يسمح بذلك ما دام على قيد الحياة، فخلق حالة من الهياج العام تحيي من جديد ذكره وتلقي عليه الاضواء، وتجدد تماسك الناس حوله كان ضروريا في تقديره. وقد استخلص الخميني من معادلاته الرياضية انه اذا قام بعمل عدائي حاد للامريكان مهما كات نتيجته فانه سيكون جوابا رادعا لاولئك الذين يتهمونه بالتعاون مع الامريكان، وهنا لابد من صريح القول ان كثيرا من الطبقة الواعية من ابناء الشعب الايراني قبل مهزلة الرهائن كانوا يعتقدون ان سياسة الخميني نحو الامريكان امتداد لسياسة الشاه وكانوا يستشهدون بالوزراء الامريكيين في الدولة وعدم الغاء الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية بين البلدين، كما ان بعض الصحف المعارضة كانت تشير إلى هذا الموضوع بصراحة كما قلنا في مكان آخر من هذا الكتاب، وحانت اللحظة المناسبة، 1. ليدافع الخميني عن شرفه وقداسته امام الشعب الايراني باتخاذ موقف عدائي حاد ضد الامريكان يثبت فيه انه عدوهم اللدود وليس متعاونا وصديقا معهم. 2. ليرغم الامريكان على ابعاد الشاه من اراضيها واتخاذ موقف الحياد من الجمهورية الاسلامية الفتية. 3. او تسليم الشاه إلى ايران وبذلك يصدق وعده الذي يضيف له قداسة. 4. او استرداد الاموال التي اودعها الشاه في البنوك الامريكية هو تتجاوز الآلاف من الملايين.

5. او تسليمه إلى ايران مع الاموال التي اخرجها من البلاد، وبذلك يكون النصر المبين له ولدولته. 6. خلق جو من الهياج العام يشغل الناس به عن مشاكلهم الداخلية العظيمة التي كادت تعصف بالنظام الجديد بذريعة محاربة امريكا. 7. توحيد صفوف الشعب المتشتتة تحت لواء محاربة امريكا الشيطان الاكبر، ويطول بذلك امد الحكومة الخمينية إلى ان يجد ذريعة اخرى لاشغال الناس من جديد. اما الاستيلاء على السفارة الامريكية واحتجاز موظفيها فلم يكن امرا صعبا بالنسبة لدولة تملك من الامكانيات الكثير الكثير. لقد صدرت الاوامر من الخميني عبر ابنه احمد إلى الطلبة الموالين لخميني باحتلال السفارة واحتجاز موظفيها، وكان ضابط الاتصال بين احمد والطلبة شيخ في لباس رجل الدين يدعي خوئينيها كافأه الخميني بعد ذلك بمنصب نائب رئيس مجلس الامة، ولهذا الشيخ سجل حافل بالعمالة لروسيا وهو من الشيوعيين الاوائل وكان على اتصال بالطلاب الشيوعيين بطبيعة نشاطه الشيوعي وبالطلاب الموالين للخميني بطبيعة الصداقة ... الوثيقة التي كانت تربطه باحمد ابن الخميني، فتحركت المجموعات الطلابية من الفئتين قاصدة السفارة الامريكية وفي ضمنها جماعة من حرس الثورة بملابسهم العسكرية او في ملابس الطلبة. وفي يوم الرابع من شهر فبراير تشرين الثاني عام 1979 تم الاستيلاء على السفارة الامريكية في وضح النهار واحتجز الموظفين الدبلوماسيين فيها واصبحت السفارة في يد الطلبة من كل جوانبها، حدث كل هذا في الوقت الذي كان القائم بالاعمال الامريكي بروس لينغن في غرفة وزير الخارجية الايراني الدكتور ابراهيم يزدي يبحث معه حول المحادثات التي تمت بينه وبين بريجينسكي رئيس الامن القومي في الجزائر عن العلاقات بين امريكا وايران، وعندما وصل الخبر إلى وزير

الخارجية باستيلاء الطلبة على السفارة الامريكية طلب من القائم بالاعمال ان لايخرج من السفارة ريثما تنجلى الغبرة، وبقي بروس لينغن في الجناح الخاص بالضيوف وفي ضيافة الحكومة الايرانية سنة واربعة شهور لم يغادر غرفته الا بعد ان حلت ازمة الرهائن، وترك ايران مع اعضاء سفارته. وبعد استيلاء الطلبة على السفارة الامريكية بايام معدودة بارك الخميني رسميا عمل الطلبة، ونعت اعضاء السفارة بانهم جواسيس وينتمون إلى الشيطان الاكبر، وكانت مباركة الخميني تعني ان الدولة هي التي انضمت إلى الطلبة وهي التي تشترك في عملية اخذ الرهائن، وتجلي امام العالم واقع النظام الارهابي الايراني، والعقلية الارهابية الحاكمة في رأس مرشد الثورة. واستقال بازركان رئيس الوزراء من منصبه لانه لم يحتمل شيئا كهذا واعتبره اهانة لدولته ولسمعته في العالم، وتولى زمام السلطة مجلس قيادة الثورة واكثرهم من زمرة الخميني المعممين، ولم يعين المجلس رئيسا للوزراء بل طلب من الوزراء الاستمرار بالعمل ومراجعة المجلس في اعمالهم، وهكذا زاد الطين بلة وارتبكت امور الدولة لعدم وجود رئيس مسؤول يحكم الوزارات، وظهرت قوة جديدة هي قوة الطلبة المحتلين للسفارة الامريكية والذين لقبوا انفسهم (التابعون للامام)، وشهدت ايران حالة جديدة من الفوضى اثرت تأثيرا مباشرا على الحياة الاجتماعية السياسة، وكان من اهم تلك الاحوال الشاذة هي الاسرار والوثائق التي كان الطلبة يذيعونها على الناس زاعمين انهم استولوا عليها في السفارة الامريكية، وبما ان السفارة كانت تحت سلطة الطلبة الذين استولوا على اوراق السفارة والاختام الموجودة فيها فلم يكن من السهل

كشف الواقع والفرق بين الغث والسمين من الوثائق التي كانوا يذيعونها على الشعب، وهذه الوثائق كانت تحتوي على علاقة بعض الساسة الحاكمين آنذاك مع السفارة الامريكية او المخابرات المركزية الامريكية واغرب ما في الامر ان الطلبة عندما كانوا يكشفون اسماء الشخصيات السياسية الواردة في تلك الوثائق كانوا يعتقلون اولئك الاشخاص ويأخذونهم مخفورين إلى محكمة الثورة، والمحكمة كانت تأمر باستجوابهم واعتقالهم تمهيدا لمحاكمتهم. ووصل الاستهتار لدى (الطلبة التابعين للامام) انهم اذاعوا وثيقة جديدة عثروا عليها في السفارة تقول ان السيد منياجي وزير الارشاد قد التقى بالسفير الامريكي مرتين قبل نجاح الثورة، وبعد اذاعة البيان داهم الطلبة التابعين دار الوزير في منتصف الليل واخذوه مخفورا إلى محكمة الثورة بتهمة التجسس، والحاكم الثوري شكر الطلاب على عملهم وامر بسجن (وزير الارشاد) في احدى زنزاناتها تمهيدا لمحاكمته، وفي صباح اليوم التالي وعندما ذكرت الصحف ذلك الخبر هاج الشعب وماج من هذا العبث بالقانون والتلاعب بمقدرات العباد وكرامة الانسان في ظل الجمهورية الاسلامية. وكان الكلام الذي يردده الشعب (اذا كان الوزير غير مأمون في داره في اناء الليل ويلقى القبض عليه من قبل شرذمة غير مسئولة وباتهامات واهية، والسلطة القضائية العليا ترحب بذلك، فماذا يكون مصير الناس الدنيا؟ واين هي الدولة؟ واين هو الامان؟ واين هو الاستقرار؟). ودخل الميدان الرئيس بني صدر وشد حيازيمه وقواه وارسل حرسه ورهطا من تابعيه إلى محكمة الثورة لانقاذ الوزير المسكين، وبعد اللتيا والتي ومحادثات استمرت ساعات طوال استطاع بني صدر اطلاق سراح الوزير، وعاد الوزير إلى داره واعلن في مؤتمر صحفي قائلا ان الطلبة التابعين شرذمة من

الاوباش وما تضمنته الوثائق حول اتصال ومحاثاته مع السفير الامريكي كان بعلم رئيسه وامره وتوجيهاته. وظهر بازركان امام الصحفيين ليعلن لهم صدق قول الوزير، واضاف انه بدوره تلقى التوجيهات من الامام الخميني وان الامام هو الذي امره وآخرين من اعضاء مجلس قيادة الثورة مثل البهشتي والرفسنجاني باجراء المحادثات مع الامريكان والبقاء معهم على اتصال، وظهر البهشتي امين عام المجلس الثوري والذي والذي كان يدير دفة الحكم بعد استقالة بازركان امام الصحافة ليؤيد ما اعلنه بازركان، وظل الناس في حيص وبيص من هذه التصريحات التي كانت تفضح الخميني والخمينيين القابضين على زمام السلطة باسم الثورة والاسلام. وشغل فكر الشعب الايراني وجهده ووقته مهزلة الرهائن لمدة سنة واربعة اشهر كانت الحصيلة خسارة في اموال الشعب تقدر ببلايين الدولارات وفي سمعة النظام الحاكم لاتقدر بثمن. اما موقف الامريكان امام هذه الازمة فكان: 1. تحرك الاسطول الامريكي إلى المياه القريبة من الساحل الايراني. 2. التهديد باحتلال ابار النفط. 3. تجميد ارصدة ايران البالغة 9 بلايين دولار في البنوك الامريكية. 4. شن الحملات الاعلامية ضد النظام الحاكم في ايران. 5. تقديم الاقتراح إلى السوق الاوربية المشتركة بالمقاطعة الاقتصادية ووقف معاملاتهم التجارية مع ايران، وقد نفذت بعض الدول هذا الاقتراح واوقفت صادراتها إلى ايران. وانذرت دول اخرى ايران بانها ستقف مع شريكاتها في المقاطعة الاقتصادية اذا ما استمرت في حجزها للرهائن. وعندما كانت الازمة في اوجها غادر الشاه امريكا إلى باناما، وبعد

ان تلقى العلاج في احدى مستشفيات نيويورك، غير ان الخميني لم يغير شروطه لحل الازمة وكان يطالب بالشاه الذي اصبح خارج السطلة الامريكية. ومع انني شخصيا اشك كل الشك فيما اذاعه بيرسلينجر المعلق السياسي في التلفزيون الامريكي بعد انتهاء مهزلة الرهائن من ان الحكومة البانامية كانت تريد القاء القبض على الشاه وتسليمه إلى ايران وان صادق قطب زاده وزير خارجية ايران لجهله باختلاف الساعة بين البلدين، واعلانه خبر الاعتقال باثنتي عشر ساعة قبل الموعد المحدد، مهد الطريق لخروج الشاه إلى مصر المحطة الامنة بالنسبة لاه ولاسرته. فحتى لو صح ما ادعاه سلينجر وكانت الحكومة البانامية مصممة على اعتقال الشاه بعد وصول الوثائق التي تثبت ادانته، الا انني اشك كل الشك ان كان بوسع الحكومة البانامية تسليم الشاه إلى ايران، ولكن من المحتمل ان الاعتقال بحد ذاته كان يمهد الطريق لحل الازمة والحفاظ على ماء وجه الخميني امام الشعب الايراني. وفي يوم الرابع من شهر فبراير 1979 فوجىء العالم بالمؤتمر الصحافي الذي عقده جيمي كارتر رئيس الولايات المتحدة الامريكية ليعلن للعالم فشل خطة انقاذ الرهائن بعد ان ارتطمت طائرة ناقلة الجنود في مطار صحراء طبس الايرانية الواقعة في جنوب شرقي البلاد، بطائرة حربية اخرى وقتل طاقمهما والجنود الموجودين فيهما، وكانت الطائرتين في ضمن مجموعة اخرى من الطائرات التي ارسلت إلى تلك الناحية البعيدة من طهران لانقاذ الرهائن فيها، وكلما قيل عن الخطة واحتمال نجاحها وكتبت عنها الصحف في وقتها لم يتعد كونها خطة جنونية وان شئت قل انتحارية مما جعلت كثيرا من الناس يعتقدون ان ما ادعته ايران وامريكا حول سقوط الطائرات، والتخطيط الفاشل لانقاذ الرهائن، انما هو لالقاء الستار على المهمة الحقيقة لتلك الطائرات، وهي ايصال

المهمات العسكرية لثوار افغانستان عن طريق نهر هيرمند القريب من ذلك المطار الصحراوي الذي حدثت الفاجعة فيه، وكانت الاشاعات تقول ان هذه الامدادات كانت تصل إلى الثوار الافغان بعلم من الحكومة الايرانية، وعندما سقطت الطائرات ولم يكن بالمقدور اخفائها وتغطيتها اعلن النبأ بالصورة التي سمعها العالم ومن الجهتين الايرانية والامريكية بصيغة واحدة، ان هذه الاشاعة التي كانت تدور رحاها في ايران كانت في الوقت نفسه تعطي ذلك الانطباع الخطير لدى كثير من ابناء الشعب الايراني من ان مهزلة الرهائن انما هي مسرحية اريد منها اضفاء نوع من الواقعية على الثورة التي كان الخميني يدعي ان ثمانين الف شهيد راح ضحيتها والدعم الامريكي للشاه كان احدى اسباب تلك الضحايا، ومن ثم فان الصداقة التي تربط امريكا بالزمرة الحاكمة والتي يرددها كثير من الناس انما هي اشاعات لتشويه الثورة ورجالها. اننا نسجل هنا صورة من تفكير المجتمع الايراني بكل اجنحته حول مهزلة الرهائن، اما كشف الواقع فمتروك إلى الوقت الذي يسقط هذا النظام الجبار ويخلفه نظام آخر يكشف سوءة سلفه، ومهما كان من امر فان حادثة طبس استغلت من قبل الخميني وزمرته ضد الامريكان واجهزة الاعلام الخمينية اظهرت الحادث في مظهر المعاجز والكرامات وبدأت تشبه بين سقوط الطائرات الامريكية اثر العواصف الرملية بسقوط جيش ابرهة من جراء طير الابابيل التي كانت ترميهم بحجارة من سجيل، كما جاء في القرآن الكريم. وهكذا اخذ السذج الغفل من ابناء الشعب يطبل ويرمز ويتظاهر في الشوارع ابتهاجا بالنصر المبين لمرة اخرى، وفي الوقت الذي كان كثير من ابناء الشعب يملأون الشوارع عرضا وطولا بالتظاهرات الصاخبة وبحماس منقطع النظير لتأييد امامهم الذي انتقم من الامريكان.

كان صادق الطباطبائي رسول الخميني وصهره يقيم في المانيا الغربية وعلى اتصال مستمر بالحكومة الامريكية لحل مشكلة الرهائن، والشيء الوحيد الذي كان يطلبه الخميني هو ان تحفظ امريكا ماء وجهه امام شعب ايران، وتبقى التنازلات التي يقدمها لحل المشكلة سرية او في تعابير غير مفهومة للشعب الايراني، اما حجم التنازلات وثمنها الباهظ فلم يكن موضوع المحادثات التي استمرت ثلاثة شهور بين الطباطبائي واعضاء من وزارة الخارجية الامريكية، لان الخميني وزمرته كانوا يريدون الحل بأي ثمن، وقبل ان يعتلي ريغان سدة الحكم، وبشرط واحد فقط هو اظهار الخميني بمظهر المنتصر في هزيمته النكراء، واخيرا انتهت الصفقة بين الخميني وكارتر اما قصة تلك الصفقة فهي كالآتي: لقد خسر كارتر والحزب الديموقراطي معركة الرئاسة امام رونالد ريغان والحزب الجمهوري فالجمهوريون استعملوا في حملاتهم الانتخابية ازمة الرهائن واستغلها الرئيس المرشح رونالد ريغان في خطبه ولم يستطع كارتر ان يدافع عن موقعه الضعيف لحل مشكلة الرهائن جيدا وخسر المعركة، وفاز رقيبه باكثرية ساحقة، الامر الذي اعتبره نصرا مبينا للحزب الجمهوري ورئيسه. وكان اول تصريح ادلى به الرئيس المنتخب حول ازمة الرهائن هو " ان النظام الحاكم في ايران يتألف من مجموعة من الوحوش والبرابرة وليس لديه تعليق اكثر من هذا ". وكان الخميني والخمينيون يعلمون جيدا ان المشكلة التي خلقوها لانفسهم لم تجن لهم ثمارا غير الشوك ولابد ان ينهوها بشكل او بآخر، وكانوا على علم ان ريغان اذا استلم السلطة الفعلية بعد ان تنتهي مدة رئاسة كارتر سيواجهون شخصا عنيدا لا يلين، وقد تكون ايران اول محطة من محطات العنف على يد الرئيس الجديد الذي وصل إلى الحكم بالتهديد والوعيد، وحل مشكلة الرهائن بأي ثمن، كما انهم كانوا بحاجة إلى

ارصدتهم المحجوزة في بنوك امريكا للاستعانة بها في شراء الاسلحة للحرب مع العراق، وشراء المواد الاستهلاكية، وكان القحط يهدد البلاد بكارثة، وكان الخميني وزمرته يعلمون جيدا ان مشكلة الرهائن اذا لم تحل على يد الرئيس القديم جيمي كارتر فان حلها على يد ريغان سيكون اصعب بكثير من سلفه مع الاخطار المحتملة اذا تأخر الحل إلى موعد استلام الرئيس الجديد للسلطة، وكان الامريكيون يعلمون ايضا ان الخميني وزمرته يريدون الحل العاجل للاسباب التي مر ذكرها. الا ان النقطة الوحيدة التي كانت تهم كارتر وادارته هي حل الازمة قبل ان يترك البيت الابيض وبذلك يكون حل الازمة التي بدأت في عهد رئاسته على يده ايضا، والنقطة التي كانت تهم ريغان هو ان يقارن وصوله إلى البيت الابيض حل ازمة الرهائن حتى لا يواجه مشكلة يضطر لحلها باتخاذ الاجراءات العنيفة التي المح بها مما كانت تنطوي على اخطار عظيمة محتملة. وعلى اساس هذه المعادلات السياسية كان كلا من النظامين الحاكمين في ايران وامريكا تواقا لحل مشكلة الرهائن قبل ان يستلم السلطة الرئيس الجديد، ولكن رغبة الخميني كانت اشد واقوى، وكان يريد حلها بالسرعة القصوى وبأي ثمن، ولذلك ارسل الخميني الطباطبائي صهره وقريبه إلى المانيا ليجري الاتصالات المكثفة مع الامريكان، واخذت الحكومية الجزائرية على عاتقها في ظاهر الامر القيام بدور الوسيط بين ايران وامريكا، الا ان المحادثات الاساسية كانت تجري في المانيا وكانت نتائجها تصل إلى الخميني عن طريق احمد ابن الخميني وزوج شقيقة الطباطبائي، واخيرا وقبل ان يترك الرئيس كارتر البيت الابيض وقع البلدان اتفاقية اطلاق سراح الرهائن واطلاق سراح الاموال الايرانية من البنوك الامريكية معا، ولكن بهذا الفارق هو ان الخميني اطلق سراح كل الرهائن الموجودين في حوزته، اما الامريكان فاطلقوا

بعض الاموال الموجودة في حوزتهم ولم يطلقوا من مجموع 9بلايين دولار الا 6 بلايين فقط وبقيت البلايين الاخرى قيد الدرس وشروط اضافية جديدة حتى يبت فيها فيما بعد. واخيرا اطلق سراح الرهائن الامريكان من طهران بعد ان تعرضوا لاهانات غير انسانية من قبل حرس الثورة قبل مغادرتهم مطار مهر اباد، ولكن عوضا عن ذلك كارتر إلى المانيا الاتحادية ممثلا عن الرئيس الجديد الذي شغل منصبه في نفس اللحظة التي اطلق فيها سراح الرهائن ليكون في استقبال الركب الحزين. وبعد وصول الرهائن إلى واشنطن وحضور الحفل الكبير الذي اقامه رئيس الولايات المتحدة الامريكية على شرفهم وسلامة وصولهم، ذهب كل رهينة إلى بلدته ليستقبل فيها استقبال الفاتحين ويلقي محاضرة على المتجمهرين عن التوحش والبربرية ونقض العهد والمواثيق التي شهدوها في الجمهورية الاسلامية الايرانية وفي ظل نظام يحكمه الكهنوت الاسلامي واستمع الشعب الامريكي بكامله عن طريق قنوات التلفزة والاذاعة إلى احاديث الرهائن، واتخذوا اعداء الاسلام تلك المحنة ذريعة للنيل من الاسلام بالتهكم الجارح والنقد اللاذع والصقت بالشريعة المحمدية السمحاء من التهم الكاذبة الكثيرة وشنعت عليها ما استطاعت إلى التشنيع سبيلا. وهنا اختم هذا الفصل باعطاء تقييم عن مهزلة الرهائن من الناحيتين الاخلاقية الاسلامية والسياسية لتعرف الاجيال القادمة والحاضرة مدى الخسارة العظيمة التي الحقها الخميني بايران وسار الخمينيون على نهجه. لاشك ان الاسلام يامر باحترام المواثيق والعهود، وهناك عهد واتفاقية وموثق بين ايران والدول الاخرى ينص على احترام الموفدين العاملين في سفاراتهم وحفظ جاليتهم ودفع الاذى عنهم، وقد نصت هذه الاتفاقية على

حصانتهم حتى اذا ارتكبوا خطأ يتغاير مع قوانين البلاد ولم يكن من اللائق على دولة تحترم نفسها ومواثيقها وعهودها ان تضرب صفح الحائط العهود والمواثيق المبرمة مع الآخرين، ولكي اقيم برهانا واضحا على رأي الاسلام الصريح في احترام العهود والمواثيق، استشهد بآيات من القرآن الكريم لكي تكون شاهدا وبرهانا واضحا على نظرة الاسلام في هذا المضمار: تقول الآية الكريمة من سورة المائدة: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ " " قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) ... وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) " ونرى بوضوح كيف ان في الآية الاولى يأمر سبحانه وتعالى الوفاء بالعقود المبرمة بين المتعاقدين وفي سورة المؤمنون يجعل من شروط الايمان الرعاية للعهد. واما الاخلاق الفاضلة فقد تفرض على الدولة حماية الذين يعيشون في كنفها وان لاتكون كما يقول المثل حاميها حراميها، فليس من الاخلاق بشيء ان تقوم الدولة باقتحام الدار على جماعة عزل من السلاح وفيهم النساء والاطفال لايستطيعون الدفاع عن انفسهم، وتهددهم بالقتل وتذلهم وتعذبهم بابشع انواع التعذيب بحجة ان حكومة هؤلاء اقترفت السيئات بالنسبة لبلادها، والآية الكريمة تقول: " وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " ولذلك عندما كان الخميني يتبجح بمحاكمة بعض الرهائن بتهمة التجسس وكان يلمح باعدام بعضهم اذا لم يعاد الشاه وامواله إلى ايران، كان السؤال الذي يطرح عليه دائما ولم يجب عليه ابدا لماذا لم يطلق سراح غير الجواسيس؟ ولماذا لايحاكم الجواسيس اذا كانوا جواسيسا حقا؟ وكيف يتهم بالتجسس من لم تثبت ادانته؟ وكيف يهدد بالاعدام من لم

يقدم للمحاكمة حتى الآن؟ ثم ما هذه المقايضة بين متهم بالتجسس لم تثبت ادانته والشاه الذي ثبت عليه الاف التهم؟ ثم ما هي البطولة من مداهمة من لاحول له ولاقوة واعتبار هذا العمل المشين والمهين للانسانية عملا بطوليا واعتباره اهم من الثورة الاولى، ان هذا الانحطاط في درك المقاييس الاخلاقية كان السبب في الدرك الاسفل التي وصلت اليه اخلاق مجموعة من ابناء الشعب الايراني سموا انفسهم بتابعي الامام وذلك في دركها المعاكس لاخطر واهم الاسس الثابتة للاخلاق بحيث اصبح كثير منهم ينظرون إلى تلك الهمجية البربرية التي شاركوا فيها بنظرة بطولية كبرى، وكانوا يصفقون تصفيقا حارا لكل ما جرى من ظلم وتعسف على اناس لم يستطيعوا الدفاع عن انفسهم حتى بكلمة تخرج من افواههم. وكم يكون الفرق كبيرا بين دستور الاسلام الحقيقي الذي نص عليه القرآن الكريم مخاطبا الرسول العظيم: " وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ " حيث امر الله تعالى رسوله باعطاء الامان للمشرك الذي يكون في حمايته وكنفه ويأمره بأن يبلغه إلى بيته ومأمنه سالما بدون ان يلاقي اذى واضطهادا، من أي احد، وبين ما ارتكبته الزمرة الخمينية باسم الدين. صحيح ان السياسة الامريكية في ايران طيلة 25عاما، أي منذ سقوط مصدق حتى سقوط الشاه كانت اذلال الشعب الايراني وتأييد الشاه، والتدخل في شئون ايران الكبيرة والصغيرة، ثم استغلال ايران سياسيا واقتصاديا بحيث جعل من ايران مستعمرة يفعل الامريكان فيها ما يشاؤون ويحكمون ما يريدون، لذلك فان اهم الاسباب الرئيسية التي اطاحت بالشاه هي الاستياء العام الذي حصل لدى الشعب من تدخل

الامريكان في شئون بلادهم، والذي كان اوضح معالمها قانون الحصانة الامريكية الذي سنه المجلس النيابي الايراني والذي كان في واقعه اهدارا لكرامة الامة الايرانية، ثم تأييد الامريكان للشاه طيلة حكمه الذي دام خمسة وعشرين عاما، كما ان القمع الدموي الذي كان يتعرض له الشعب على يد هذا الاخير قد سجل في سجل التدخل الامريكي في شؤون ايران الداخلية وارغام الشعب على قبول نظام موال لامريكا. ان تأييد الحكومات الامريكية المتعاقبة للشاه وما صدر من هذا الاخير تجاه وطنه وشعبه بمساعدة ومباركة الامريكان لايبرر ابدا الاستيلاء على السفارة وحجز موظفيها سواء للانتقام من السياسة التي اتبعتها امريكا في ايران او لتسليم الشاه اليها، بل كان عملا طائشا ينمو من اللا مسئولية والحقد والغباء والجهل، ولا سيما وان هذا العمل كان يهدد الدبلوماسيين الايرانيين الموجودين في امريكا بنفس المصير، فلو كانت الحكومة الامريكية تريد ان تقوم بالمعاملة بالمثل وتحجز 200 دبلوماسي ايراني كانوا آنذاك في امريكا أي اربعة اضعاف الدبلوماسيين الامريكان المحجوزين في طهران لكانت مشكلة الرهائن تنتهي بين عشية وضحاها، كما انتهت بأقل من ذلك عندما اراد الخميني ان يرتكب نفس الجريمة مع الدبلوماسيين العراقيين في الاهواز وخرمشهر فلم تمض 24ساعة على احتجازهم حتى وصل إلى علم الخميني بصورة مؤكدة انه اذا لم يطلق سراحهم في خلال 24 ساعة فقط فان الدبلوماسيين الايرانيين في العراق سيلاقون نفس المصير، فارغم على اخلاء سبيلهم وترحيلهم بطائرة خاصة إلى بغداد، ولكن الامريكان لم يعملوا بالمثل الامر الذي فسر بعدم الاهتمام الحقيقي لقضية الرهائن او لان ادامة المهزلة تضمن مصالحهم اكثر من حلها بسياسة العمل بالمثل فلم يكن باستطاعة الحكومة الامريكية تجميد 9 بلايين دولار لمدة سنة ونصف بدون ان يدفع على

مثل هذا المبلغ الكبير ارباحا تصل إلى الفين مليون دولار اذا حلت مشكلة الرهائن بين عشية وضحاها، ثم لم يكن بمقدورها ايضا ان تؤدب نظام الخميني وتجعل منه العبرة وترغمه على الخضوع والخشوع امام (الشيطان الاكبر) على حد تعبيره حتى يخرج من المأزق الذي صنعته يداه، ولعل الخميني وزمرته لم يدركوا حتى الآن ان ترك الدبلوماسيين الايرانيين احرارا في امريكا يسرحون ويمرحون في القارة الامريكية بطولها وعرضها في المدة نفسها التي كان الدبلوماسيين الامريكيين محجوزين في سفارتهم بطهران كان جزء من الخطة التي لم يكتشف حتى الآن كل ابعادها. ولذلك استمر الدبلوماسيون الايرانيون في اعمالهم حتى ان قطع كارتر العلاقة الدبلوماسية مع ايران وذلك اثر فشل خطة تهريب الرهائن بسقوط الطائرات الامريكية في طبس فحملوا على مغادرة امريكا. وقبل ان اختم هذا الفصل لابد من الاشارة إلى عدة حقائق اخرى. اولا: خسرت ايران من مهزلة الرهائن التي عرفها مرشد الثورة بانها ثورة في ثورة ما يقارب من الفين مليون دولار وهي الارباح المتعلقة بـ9بلايين دولار التي جمدت في جست منهاتن بنك وبنوك امريكية اخرى لمدة 444يوما وهي الايام التي كان اعضاء السفارة الامريكية في رهينة الخميني. ثانيا: خسرت ايران ملايين الدولارات بسبب الحصار الاقتصادي الذي فرضته عليها الدول الاوربية بضغط من الحكومة الامريكية. ثالثا: خسرت ايران بلايين الدولارات بسبب الازمة الاقتصادية الداخلية والناجمة عن الحصار الاقتصادي وتضيع الوقت والجهد الذي صرف في التظاهرات اليومية التي ادت الى تعطيل مئات المعامل والمؤسسات المالية. رابعا: خسرت ايران كرامتها الدولية امام العالم وعرفت نفسها بانها

لاتحترم مواثيقها وعهودها الدولية. نترك ايران وخسارتها جانبا لنسأل عن الخسائر التي الحقت بامريكا بسبب ما حدث لموظفي سفارتها في طهران، يكون الجواب على النحو التالي: امريكا لم تخسر شيئا على الاطلاق، وهنا لابد من طرح سؤال آخر، اذا كانت ايران خسرت كل شيء وامريكا لم تخسر اي شيء، وهذا يعني ان المستفيد من العملية هم الامريكان والخاسرون هم الايرانيون، فمن الذي وضع هذه الخطة؟ وهل كانت نتيجة لجهل الخميني وزمرته؟ ام لخيانة ارتكبوها؟ ام ان العملية كانت من صنع المتحكمين في الاقتصاد العالمي على يد الزمرة الحاكمة في ايران؟ ان الحقيقة التي لاشك فيها ان ارصدة ايران كانت تودع في جست مانهاتن بنك الذي يملك اكثر اسهمه روكفلر وعائلته، واختيار جست مانهاتن بنك لم يكن اعتباطا او صدفة بل كان بأمر الشاه الذي كانت تربطه الصداقة الحميمة بروكفلر وعائلته، وقد سبقت تصريحات من قبل الحاكمين في ايران قبل ازمة الرهائن باسابيع قليلة ان ارصدة ايران في البنوك الامريكية وخاصة جست مانهاتن بنك قد تنقل الى بنوك اوروبية، كما ان بعض الجرائد الايرانية اثارت الشكوك حول الموضوع ولاشك ان مثل هذا المبلغ الضخم اذا كان يسحب دفعة واحدة من جست مانهاتن بنك لكان ضربة قاصمة اليه والى الكثير من المؤسسات المالية الامريكية العظيمة التي تتعامل مع البنوك المذكورة. وايران الثورة كانت تعيش في حالة من الفوضى والارتباك، والقرارات كانت تتخذ في اماكن عديدة ومن اناس غير مسئولين وغير مدركين بشؤون الحكم والسياسة وكثير منها كانت تتغاير مع المنطق والعقل. ومن هنا لم يكن من السهل مجابهة خطر سحب الارصدة بلغة المنطق

والعقل والمعادلات الاقتصادية كما انه لم يكن من السهل تجميد تلك الاموال بلا مبرر قانوني يقبله العالم ولايضر بسمعة البنوك الامريكية التي تستوعب ارصدة اجنبية عظيمة، فالحاجة كانت ملحة إلى مسرحية عالمية كبرى تبرر تجميد الارصدة الايرانية وفق القانون ومباركة المجتمع البشري لمثل ذلك القانون، ولذلك لانجد غرابة ان روكفلر صاحب الاسهم الكبيرة في جست منهاتن بنك الذي تكدست فيه البلايين من ارصدة ايران، وصديقه هنري كيسنجر هما اللذان مهدا الطريق لدخول الشاه إلى امريكا، وقد ثبت فيما بعد ان الادارة الامريكية كانت تعلم بردود فعل النظام الايراني اذا ما وصل الشاه إلى بلادها، وانها كانت تعلم ان ردود الفعل ستكون حادة وعنيفة، ومع ذلك وافق رئيس الولايات المتحدة الامريكية بدخول الشاه إلى بلاده " لاسباب انسانية " على حد تعبيره. وبعد ايام من وصول الشاه إلى نيويورك سيطر الطلبة التابعين للامام على السفارة الامريكية وهدد الطلبة الرهائن وموظفيها بالقتل او المحاكمة بتهمة التجسس، وثار الشعب الامريكي واعتبر الامر اهانة لكرامته، ووقف العالم يشارك الشعب الامريكي في موقفه من هذا العمل الذي يغاير مع كل الاعراف الدولية، ودخل الاسطول الامريكي مياه الخليج، واصدر جيمي كارتر قراره بتجميد الارصدة الايرانية في بنوك امريكا، وقرت عيون روكفلر وكبار المصرفيين المتحكمين في الاقتصاد الامريكي والعالمي من وراء الكواليس. اما الطلبة التابعون للامام الذين احكموا الطوق على السفارة الامريكية ومن فيها فكانوا في شغل عن كل هذا يسمرون في الليل ويعربدون في النهار وكان همهم الاول والاخير ان يظهروا بمظهر البطولات الكبرى لانهم استطاعوا بارشاد الامام العظيم السيطرة على (اناس بكماء لايقدرون على شيء) باسم جواسيس الشيطان الاكبر. وقد

استطاعت هذه الشرذمة من السوفسطائيين ان يقبلوا موازين الاخلاق في المجتمع الايراني، فلذلك لم يعر احد من ابناء الشعب اهتماما بالخبر الحزين الذي نشرته الصحف الايرانية والذي جاء فيه ان احدى الطالبات التابعات للامام والتي كانت ضمن المسيطرات على السفارة الامريكية قد قتلت برصاصات اخيها غسلا للعار، ومع ان الصحف المحت ان الطالبة تلك كانت على علاقة غرامية باحد الرهائن الامريكان وادت العلاقة إلى ما لايحمد عقباه فكان من خزي ومن عار، الا ان الاجهزة الاعلامية في ايران مرت على تلك الحادثة الحزينة مر الكرام لاجل ارضاء الخميني وحفظ شرف تابعيه، والشعب بدوره لم يدرك مغزى ما حدث وما كان يحدث باسم الاسلام والدين في اروقة السفارة الامريكية، وقد ثبت فيما بعد ان الطلبة التابعين للامام كانوا يشربون الخمور الموجودة في اقبية السفارة حتى الثمالة في اناء الليل لكي تعينهم على العربدة في الابواق المنصوبة على ابواب السفارة في اطراف النهار.

النظام الايراني واسرائيل

النظام الايراني واسرائيل • مائة مليون دولار من السلاح والعتاد في غضون 3 أشهر. • مقايضة السلاح بالنفط. • اضعاف الدول العربية قوة لاسرائيل. • كل جندي يقتل في جبهات القتال الايرانية العراقية احياء لجندي في اسرائيل. • الدول العربية التي تؤجج نار الحرب الايرانية العراقية (يخربون بيوتهم بايديهم).

(وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ (113)) النظام الايراني واسرائيل اسرائيل تعرف جيدا ان عدوها الاول والاخير هو العرب، واقوى الدول العربية هي اقوى اعدائها، اما ايران فكانت منذ قيام دولة اسرائيل صديقا حميما سواء في عهد الشاه او بعد سقوطه، واسرائيل على علم ويقين ان تصريحات الخميني وسائر زمرته من احتلال القدس والحرب مع الكيان الصهيوني هي للاستهلاك المحلي ومزايدات سياسية داخلية وخارجية. لقد ثبت هذا عندما زودت اسرائيل ايران بقطع الغيار والاسلحة لاستعمالها في الحرب الايرانية العراقية، ولقد حاولت الزمرة الخمينية الحاكمة اخفاء هذه الفضيحة الكبرى وحاول الخميني نفسه ان يدخل الميدان وكذب الخبر مرات وكرات، الا ان الفضيحة كانت اكبر من ان تخفى. ان المخطط المشؤوم االذي نفذته ايران بالتعاون مع اسرائيل يعطي مؤشرات خطيرة هي ابعد بكثير من التعاون الاقتصادي والسياسي بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والكيان الصهيوني، ان المتتبع لاحداث المنطقة يعرف بوضوح ان اسرائيل لاتستطيع العيش في المنطقة الا اذا

ضعفت الدول العربية التي تهدد كيانها التوسعي، فقوة الدول العربية تعني ضعف اسرائيل، وقد جاءت احداث لبنان الدامية وما استهلكت من اسلحة الدول العربية، وخروج مصر عن الحظيرة العربية سببا في تضعيف دول المواجهة مع اسرائيل، وبالطبع مصدر قوة كبيرة لها، ولكن يبدو ان خروج مصر من الحظيرة العربية واحداث لبنان التي لازالت تستهلك السلاح والجهد العربي لم يعط البعد اللازم لاقناع العرب بالوصول إلى حل سلمي مع اسرائيل، وكانت اقوى الدول العربية الرافضة لمعاهدة كامب ديفيد هي العراق الذي قاد الدول العربية في رفض الحلول الاستسلامية، وبما انه كان اقوى دول المواجهة عسكريا وبشريا والذي كان يقود السياسة العربية الرافضة للحل الاستسلامي الذي اتبعه الرئيس المصري انور السادات فكان لا بد من تضعيف العراق عسكريا باي ثمن ومهما كلف الامر وبدون ان تثير مخاوف دول المجابهة الاخرى، فلذلك كما قلت في فصل (رفض الصلح) من هذا الكتاب ان الحرب الايرانية العراقية كانت في ضمن التخطيط الاساسي لدعم الكيان الصهيوني، فتضعف اقوى دول المجابهة عسكريا هو في صالح اسرائيل وفي صالح الحل السلمي، أي تسليم العرب للامر الواقع، اني لا اعتقد ان توقيت ضم الجولان وتعصيم القدس القديمة في هذا الوقت كان امرا اعتباطيا بل استغلت اسرائيل الحرب الايرانية العراقية لتتوسع في الاراضي العربية كما تريد وبلا رادع ومانع. ان استمرار ايران في حربها مع العراق ورفضها للصلح هو مخطط صهيوني استعماري اوضح من الشمس في رائعة النهار، ان في ضعف العراق تكمن قوة اسرائيل، وضعف العراق ضعف العرب، وضعف العرب قوة اسرائيل ايضا. ان العالم يسخر بما يسمع من الخميني والخمينيون حول عدائهم مع اسرائيل ويعتبره نوعا من الهذيان السياسي، واسرائيل ترى تعاونها

وصداقتها مع النظام الاسلامي في ايران فرصة ذهبية لابد وان تستغلها في سبيل مآربها ولذلك يعتقد الضالعون في شؤون السياسة كما نشرتها بعض الصحف ان الاسلحة وقطع الغيار التي باعتها اسرائيل لايران تجاوزت مائة مليون دولارا، كما ان خبراء اسرائيليين وصلوا ايران لتدريب حرس الثورة على استعمال تلك الاسلحة وبعد كل هذا فلتقر عين السيد ياسر عرفات ومنظمة فتح في تعاطفهم مع الزمرة الخمينية في ايران، صحيح ان شهر العسل بين ايران والفلسطينيين قد انتهى وصحيح ان ايران اغلقت مكتب فتح في خرمشهر، وصبرت عليه المنظمة على مضض. لكن السؤال الاساسي هو كيف تصبر منظمة فتح على تعاون ايران مع اسرائيل عسكريا والذي ادى ويؤدي إلى تضعيف العراق عسكريا، أي تضعيف المقاومة وتضعيف جبهة الصمود وتضعيف العرب في آخر المطاف، اذا كانت الكلمات فقط تقنع منظمة فتح فنحن لا نلومهم لأن الكلام المعسول الذي اطلقه الخميني وزمرته ضد اسرائيل قد يضمن النصر للعرب وهنيئا لهم، واما اذا كانت هناك من سياسة حكيمة لتفريق الصديق من العدو فان ايران الخميني تلعب اليوم اعظم الادوار الهدامة في مأساة العرب الكبرى فلسطين. ان الجسور الممدودة بين ياسر عرفات والزمرة الخمينية الحاكمة في ايران حتى اذا قطعت فان ايران تستمر في طريقها لتدمير العرب واضعافهم، ولكن لصاحب الحق ان يقول كلمته. اما الدول العربية التي تواكب النظام الايراني في مسيرته الشائنة فانما تشارك في هدم نفسها وكيانها وشعوبها بعمد او جهل، ولاول مرة يحدث مثل هذا الخطأ الجسيم في تقييم العلاقات العربية الخمينية. ان تأييد حافظ الاسد للزمرة الخمينية الحاكمة في ايران انما هو تأييد لبيغن واسرائيل، وفي الحقيقة والواقع هدم لسوريا وامة العرب جميعا والاسلام.

كما ان الاموال التي ينفقها الاخ القذافي على النظام الحاكم في ايران فانما تضاف إلى ارصدة اسرائيل بعد تحوير صغير. واذا كانت الدول الاستعمارية الكبرى تساعد اسرائيل ضد العرب بالمال والسلاح، فان الجمهورية الاسلامية الخمينية تساعد اسرائيل بالمال والسلاح والدم، ان قتل كل جندي في جبهة الحرب الايرانية العراقية حياة لجندي اسرائيلي واقف في الجبهة العربية بالمرصاد. لقد ثبت لاسرائيل ان ايران في ظل التاج والعمامة سوق رائج له وصديق لا غنى عنه، فالبضائع الاستهلاكية التي تستورده ايران في عهد الشاه، والنفط الذي تستورده اسرائيل من ايران اضعاف ما كانت تستورده في عهد الشاه، والتعاون الايراني في ظل الخميني وزمرته يتجاوز تعاون الصديق مع صديقه، بل اصبح تعاون الحليف مع حليفه، فمتى كان الشاه يشترى الاسلحة ويستورد قطع الغيار من اسرائيل كما فعلت الدولة الخمينية، غير ان الشاه كان شجاعا في التصريح بعلاقته مع اسرائيل، والخميني وزمرته الحاكمة جبناء اذلاء، (وَمِنْ وَرائِهِم قَوم اشتَروا الضَّلالة بِالهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارتَهُم وَكانوا مِن الخَاسِرين) (¬1) ¬

(¬1) "1" كتبنا هذا الفصل قبل احتلال اسرائيل للبنان بنصف عام. الاحتلال الذي راح ضحيته عشرين الف قتيل من المدنيين واسفر عن مذبحة صبرا وشاتيلا وارغام المقاومة الفلسطينية على مغادرة الاراضي اللبنانية، الامر الذي يثبت ما اسلفناه في هذا الفصل ان الشعب الايراني عندما اراد الوقوف بجانب اللبنانيين والفلسطينيين في محنتهم لدرء الهجمات الاسرائيلية وظهرت تساؤلات كثيرة عن السبب في رفض الخميني اقتراح العراق بوقف الحرب الدائرة بينهما حتى يتسنى للعراق مساعدة لبنان. وجه الخميني نداء إلى الشعب الايراني يقول فيه: لا تلهيكم الحرب الصغيرة عن الحرب الكبيرة فمحاربة العراق اهم لنا بكثير من محاربة اسرائيل.

الارهاب باسم الله

الارهاب باسم الله • الاسلام ينهي عن الارهاب. • الارهابيون مجرمون بنص القرآن الكريم. • يعود تاريخ الارهاب الديني إلى عشرين قرن خلت. • محاكم التفتيش تجدد في ايران. • خطر الارهاب يهدد المنطقة بالانفجار لانه يستغل السذج من الناس عبر حدوده وممتلكاته. • السلطة الالهية المسيحية وولاية الفقيه. • الارهاب رمز الخمينية وامتداد لها في القرن العشرين. • الزمرة الحاكمة في ايران التقطت من الشوارع. • نداء إلى حكام المنطقة وزعماء الاسلام.

(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)) الارهاب باسم الله لم تكن هذه اول مرة يرهب المرهبون باسم الله امة من الامم على وجه الارض، فالارهاب باسم العقيدة له تاريخ طويل يبدأ من عصر البداوة، أي منذ اراد الانسان القوي ان يرغم الانسان الضعيف على قبول عقيدته، وما تاريخ الاضطهادات الدينية الا نموذجا صارخا للارهاب باسم الله والعقيدة. لقد يعتبر عهد السيطرة الرومانية على المسيحيين الاوائل من الصور القاتمة للارهاب الديني حيث كانت السلطة الوثنية ترمي المسيحيين امام الوحوش المفترسة احياء وكان الجمع الحاضر يهلهل ويصفق ويعربد وكأنه ينظر إلى اروع صور الحياة، وبعد ان دخلت اوربا في المسيحية شهدت اسبانيا في القرون الوسطى ارهابا من طراز آخر، حيث بدأت محاكم التفتيش تعمل ليل نهار لتمييز غير المسيحيين من المسيحيين حتى يعاقبوا عقابا شديدا، وسواء في عهد السلطة الرومانية التي اضطهدت المسيحيين او في عهد محاكم التفتيش التي اضطهدت غير المسيحيين كانت السيوف تقطع رقاب الناس باسم الله. فالسلطة الوثنية كانت تقتل غير

الوثنيين للتقرب إلى الآلهة، والسلطة المسيحية المتمثلة في محاكم التفتيش كانت تقتل غير المسيحيين للتقرب إلى الله، وها هو اليوم يخضع العالم لارهاب ثالث يقتل المسلمين وغير المسلمين فيه على السواء باسم الله وولاية الفقيه، انه هو الارهاب المتحكم في رقاب الامة الايرانية المسكية. وكما كان حراس الامبراطور كاليكولا يداهمون البيوت الامنة للعثور على رجل يقيم طقوسا مسيحية حتى يساق إلى المقصلة، وكما كان حراس محاكم التفتيش يداهمون بيوتا للعثور على رجل يقيم طقوسا دينية غير مسيحية حتى يساق إلى الموت، فان حرس الثورة الاسلامية الايرانية يداهمون بيوتا للعثور على رجل يقيم طقوسا لايرضى بها امامهم ومرشد ثورتهم حتى يساق إلى محاكم الثورة وينال جزائه العادل. ان الارهاب الديني اذا ما اتخذته الدولة نظاما متبعا في شؤون البلاد لاصبح ذلك البلد جحيما لايطاق، كما هي الحالة في ظل حكم الارهابيين الحاكمين باسم الله في ايران، ولاشك ان النظام الارهابي اذا اصبح سياسة الدولة الحاكمة، فان تلك الدولة واجهزتها تنقلب إلى قتلة ارهابيين يملأون الدنيا نكرا وفسادا، والاثار المترتبة على وجود دولة ارهابية تتجاوز حدود تلك الدولة ومصالح شعبها، بل تهدد بالخطر كل الدول المجاورة والبعيدة على السواء. فمكافحة الدولة الارهابية من الصعوبة بمكان لما تتمتع بها من امكانيات مادية وبشرية وسفارات مصونة في الخارج مما يسهل عليها القيام بالعمل الارهابي ضد الافراد او الحكومات على السواء، فلذلك فاني اعلن للعالم واخص بالذكر دول المنطقة ان النظام الحاكم في ايران اخطر لهذه الدول من الشيوعية او من أي غزو اجنبي، وان هذا النظام اذا قدر له البقاء فسيملأ المنطقة نارا وعدوانا وشرا وفسادا.

لقد استطاع الخميني تربية جيل ارهابي على شاكلته، ولذلك اني لم اتعجب عندما سمعت من جلاد الثورة الشيخ الخلخالي ان الخميني قال له انه يرى فيه امتداد لنفسه، وقلد الخميني الارهابيين الذين رباهم مناصب رفيعة حتى يكونوا مطلقي العنان في اصدار الشر والفساد إلى الداخل والخارج على السواء، وقد صبغ الارهاب باسم الدين والعقيدة ليعطي بعدا خطيرا لنجاح العمل الارهابي، كما طعمه بالطائفية البغيضة في كثير من الاحيان. والارهاب المتبع في داخل البلاد والذي يعاني منه الشعب الامرين ليعتبر من اكبر الدعائم لحفظ النظام القائم وفي الوقت نفسه طغيان مخيف وتجديد للعهود البربرية والوحشية في تاريخ الانسان، وكل هذا يحدث باسم الله الرحمن الرحيم وباسم الاسلام وباسم رسوله الذي ارسله الله رحمة للعالمين. لقد وصل الاستهتار بقيم الانسان في ظل الدولة الخمينية ان رجالا من الحرس الثوري يدخلون البيوت الامنة في اثناء الليل ويفتشون كل مكان فيها فاذا لم يجدوا ما يريبهم طلبوا من اهل الدار اقامة الصلوة امامهم، فان لم يفعلوا فيساقون إلى مقر اللجان الثورية بتهمة الفاسق الذي لايعرف صلاته واحكام دينه ليجرى عليهم الحد (التعذيب الجسدي)، وفيما المنساقون إلى محاكم اللجان الثورية يلاقون العذاب، ينهب الحرس الثوري بيوت الفساق (على حد تعبيرهم) من غال ورخيص، وهكذا في ظل النظام الارهابي يكون حامي البلاد حراميها. ان الفاشية والنازية خير من النظام الارهابي الديني الف مرة ومرة لان الامة في النظام النازي او الفاشي اذا لم تستطع التحرك السياسي وهي محرومة من ابداء الرأي الا انها حرة في حياتها الخاصة ومعتقداتها الدينية في كل مكان وزمان، ولم يحدث قط ان اس اس ادولف هتلر دخل إلى البيوت الآمنة في اناء الليل ليعتقل اصحابها بسبب اقامة حفلة دعي اليها الاقرباء والاصدقاء، او بسبب حفلة مختلطة دعي اليها الرجال

والنساء كما فعل الحرس الثوري في ايران، ولذلك فان فقدان الحرية السياسية احسن بكثير من فقدان الحريتين والذي يجعل من الحياة نارا يتلظى. اختم هذا الفصل بخطاب اوجهه إلى دول المنطقة واقول لهم بصراحة تامة، ان الخمينية كارهاب سياسي وفكري لاتتورع عن القيام باية جريمة في سبيل مأربها داخل ايران وخارجها والارهاب عندما يصبح سياسة الدولة الحاكمة تهدد المنطقة كما كانت النازية تهدد اوربا قبل الحرب الكونية الثانية، فان الحرب الايرانية العراقية التي لم يستطع المخلصون اطفائها حتى الان بسبب رفض مرشد النظام الارهابي لوقف سيل الدماء، وما احدثته مرتزقة الخميني في البحرين من شر وفساد، وهكذا التعاون مع اسرئيل لاضعاف الدول العربية وقتل ابنائها كلها شواهد اكيدة على الارهاب الذي يتبعه الخميني في المنطقة ومع الجيران، ولذلك فان دول المنطقة اليوم امام خطر عظيم يهدد كيانها وشعوبها، وان النظام الارهابي في ايران اذا قدر له النجاح (لاسمح الله) في مآربه التوسعية الداعية إلى (حكومة الفقيه) فانه سيجعل من المنطقة جحيما لايطاق ليس على انظمتها فحسب، بل على شعوبها ايضا، ولذلك فان واجب الدين والعقل والاخلاص لبلادهم يملي عليهم ان يتحدوا لدفع هذا الوباء الفكري البغيض، وهذا الخطر العظيم الذي يهدد القريب والداني، وان يعلموا ان دوام النظام الخميني في ايران يهدد سلامة البلاد المجاورة لأن الخمينية تهدد المنطقة كفكرة تستطيع استقطاب الناس لانها قبرت قبل ان تشهد النور كما قلنا في مكان آخر، بل لان سياسة الدولة اصبحت هي الارهاب المعزز بكل الامكانيات المتاحة وانها هي التي ستجعل من المنطقة نارا وجحيما، ولا اقصد بالخمينية شخص الخميني فقط، لان المشكلة تجاوزت الفرد الواحد واصبحت هناك مجموعة جمعهم الخميني من هنا وهناك

ليكونوا امتداد لحكومته ولمدرسته الارهابية، ولذلك لم يفطن العالم بمغزى كلام الخميني عندما قال بعد مقتل 78شخصا من اهم اركان دولته في انفجار مقر الحزب الجمهوري الاسلامي، وهكذا بعد مقتل رئيس جمهورية النظام ورئيس الوزراء معا في حادث انفجار مقر رئاسة الوزراء، " ان ايران اكثر بلاد العالم استقرارا ولا تضعضع هذه الاغتيالات الجماعية نظامه "، نعم لم يفطن الناس إلى كلام الرجل، بل حملوا كلامه بمحمل الهذيان، ولكن الحقيقة التي اراد الخميني بيانها بطريقته هو ان الزمرة الحاكمة في ايران لم تمثل النخبة الحكيمة والصفوة المختارة من الحاكمين الذين عليهم يتوقف ازدهار البلاد وسعادة الشعب بل انهم زمرة التقطهم من الشوارع لا يتصفون بموهبة او علم او اخلاق او فطنة فاذا حلت بهم اقدارا تعيسة فقد يأت بمثلهم من الشوارع ايضا كما فعل من قبل ... ولذلك لا يهم النظام الحاكم ان يغتال رئيس الجمهورية واركان نظامه الف مرة في كل يوم اذا كان الشاغر يملىء من الشوارع والزقة كما تملأ دلاء المياه من المستنقعات. ان مسؤولية حكام المنطقة امام الله وشعوبهم والتاريخ والاجيال القادمة هو ان يدرأوا هذا الخطر العظيم عن المنطقة وشعوبها، والواجب عليهم ان يتحدوا كما اتحد الحلفاء ضد المحور واملي عظيم ان يكون لندائي صداه الحقيقي في قلوب الحاكمين في هذه المنطقة الحساسة من الارض وذلك قبل ان يندموا على ما فرطوا فيه حيث لاينفع الندم ولات حين مناص. ولكي اضع النقاط على الحروف، واثبت بالبرهان الدامغ مدى خطر النظام الارهابي على المجتمع اود ان اقول، الارهاب دائما يعتمد على السذج الغفل من الناس والذين نفوسهم تواقة لعمل الشر بدافع عقيدي، ولذلك نرى ان الارهابيين الدينيين يجازفون بحياتهم في سبيل الموت

والوصول إلى الجنة، وتاريخ الاسلام مليء بالنكبات التي حلت به بسبب الارهابيين الدينيين، ولعل ابشع صورة من صور الارهاب في تاريخ الاسلام هو مقتل الامام علي عليه السلام على يد ارهابي متطرف من الخوارج هو عبد الرحن بن ملجم، وعندما ضرب الامام بسيفه المسموم وهو في الصلوة كبر ابن ملجم فرحا مستبشرا لمقتل خير خلق الله على يده، ان التفكير الارهابي يجعل من الانسان وحشا كاسرا في قرارة نفسه، ولكن يجعل مظهره مظهر الابرار الصالحين. ان حرس الثورة الخمينية في ايران عندما يجهزون على مئات الناس يكبرون، واصوات التكبير تعلو على دوي الطلقات التي يطلقونها لقتل الابرياء من ابناء وطنهم ودينهم، وهم فرحون مستبشرون بما قدر الله لهم من قتل (المفسدين في الارض) على حد تعبير امامهم. ان التاريخ يحدثنا ان الخوارج الذين شهروا السيف في وجه الامام علي عليه السلام كانوا في الليل صافون اقدامهم يرتلون القرآن ترتيلا، وفي النهار كانوا يريدون التقرب إلى الله بقتل علي واصحابه. هذه الصورة البشعة من التخلف الفكري تكفي لاعطاء صورة واضحة المعالم عن اخطار الارهاب الديني باسم الاسلام، ولاسيما في مجتمع لم يبلغ مرحلة النضج الفكري بسبب تفشي الامية بين افراده وفي عصر مثل هذا العصر حيث الضغط الاجتماعي والاقتصادي والتطلع إلى حياة افضل يسيطر على عقول الشباب وهم لايجدونه "ويراد الفتى كيما يضر وينفع"، فلانزلاق إلى هاوية المبادئ الخطرة الهدامة اصبح سهلا يسيرا، لاسيما اذا كان هذا الانزلاق يملأ الفراغ النفسي ويمنى صاحبه بحور عين وجنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها. والاسلام حرم الارهاب وجعله ممقوتا ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن الارهاب والغيلة ومؤرخو الاسلام يؤرخون باجلال واكبار

واعجاب موقف مسلم بن عقيل بن ابي طالب سفير الامام الحسين إلى الكوفة الذي كان يستطيع ان يغير موازين القوى لصالحه اذا كان يغتال ابن زياد في دار هاني بن عروة، ولكنه ابى ذلك قائلا " نحن من اهل بيت لانغدر " ثم استبسل في محاربة الاعداء حتى الشهادة، والغدر والغيلة تلازمان العمل الارهابي ولا ارهاب بلاغدر.

محاكم الثورة الاسلامية

محاكم الثورة الاسلامية • مائة حكم اعدام في مائة دقيقة. • الخميني وراء الاعدامات، ويقول لجلاد الثورة "قاتلوا ائمة الكفر". • تنمية الروح الشريرة في الحرس الثوري. • دس في التاريخ الاسلامي. • التقاء الخمينية واليهودية في تشويه عظمة الامام علي عليه السلام. • اعدام الفتيات والفتيان دون البلوغ القانوني وحتى الشرعي. • اعدام المرضى والجرحى والحوامل من النساء والشيوخ الذين تجاوزوا التسعين. • القراصنة يشغلون منصة القضاء. • فلسفة الخميني في محاكمه الثورية، جئنا لنبقى بأي ثمن.

(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93)) محاكم الثورة الاسلامية حدثني حسين الخميني حفيد الامام الخميني ان قاضي المحكمة الثورية في مدينة بندر عباس اصدر حكما بحق احد المتهمين الذين ساقه حظه التعيس إلى المحكمة تلك بتهمة الاخلال بامن البلاد بالنص التالي: 1) يحكم بالاعدام وتصادر امواله المنقولة وغير المنقولة. 2) تصادر اموال المنتسبين اليه من الدرجة الاولى. 3) تصادر اموال كل ذويه والمنتسبين اليه واقاربائه. وهكذا افتى القاضي بمصادرة اموال اولاد ادم وحواء جميعا لانهم ينتمون إلى المحكوم عليه بحكم القرابة العامة التي تربط البشر بعضه بالبعض "كلنا من ادم وادم من تراب " كما قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.

لقد حمل الخميني الصغير صورة من حكم القاضي إلى الخميني الكبير ليعلم جده الانحدار الذي وصل اليه القضاء الاسلامي بفضل الجمهورية الاسلامية، ولكن الخميني بعد ان اطلع على مضمون الحكم رمى الورقة جانبا وحوقل مرتين وانتهى كل شيء. وحدثني المحدث نفسه انه عندما ذهب بصحبة الخلخالي (جلاد الثورة) إلى كردستان لقمع الحركة الكردية، اراد الشيخ الجلاد لدى وصوله إلى سنندح تنفيذ حكم الاعدام في ثلاثين شخصا من المسجونين فورا وقبل التثبت من اتهامهم وهوياتهم. فقال له: اتق الله يا رجل، كيف تقتل اناسا لم تعرف اسمائهم؟ كيف باعمالهم؟ فاجابه الشيخ الجلاد: لألقاء الرعب في نفوس الناس عامة. وبعد الالحاح والرجاء والالتماس خفض الحاكم الجلاد عدد الثلاثين إلى عشرة، ثم قتل العشرة جميعا في بضع دقائق، وظهر فيما بعد انه كان بين المعدومين بلا جرم وذنب طفل عمره 13سنة وطبيب مجروح وامرأة معلمة، ولما سمع الخميني بما فعل جلاده حوقل ثلاث مرات وانتهى كل شيء. ان المحاكم الثورية الاسلامية ارتكبت من الظلم بحق الامة الايرانية ما لم يرتكبه أي جيش غاز باعدائه الالداء، ولكي يعلم العالم ان الامام الخميني بشخصه وراء الاعدامات بالجملة واراقة الدماء، ووراء اعدام الشبان المراهقين والفتيات اللواتي لم يبلغن سن الرشد، والشيوخ الذين بلغوا من السن عتيا. انقل هنا حديثا متواترا نقل من محمد الكيلاني رئيس المحاكم الثورية الاسلامية والذي اعدم من الشبان المجاهدين والشابات المجاهدات اكثر من الفين في غضون ثلاثة اشهر، لقد ذهب الكيلاني إلى الخميني يطلب منه الموافقة بوقف احكام الاعدام في الشباب المراهقين وارسالهم إلى دار الاحداث لتأديبهم تربية تتلائم مع اهداف الثورة، وترك

الشيوخ رهن المحبس حتى يلاقوا حتفهم، لأن الشباب على حد زعمه يمكن اصلاحهم والشيوخ هم على قاب قوسين او ادنى من الموت فلا داعي اذن لاراقة دمائهم، فكان جواب الخميني " قاتلوا ائمة الكفر "، وهكذا استمر الجلاد في تنفيذ اوامر سيده. واذكر هنا قصة اخرى تظهر بوضوح مدى تورط الامام في اراقة دماء المؤمنين، لقد حدثت هذه القصة بعد نجاح الثورة باسبوع واحد وذلك عندما حكم الخلخالي، الحاكم المنصوب من قبل مرشد الثورة على الجنرال نصيري رئيس السافاك وثلاثة من رفاقه من القواد العسكريين بالموت، ولكن لم يجد القاضي من ينفذ احكامه، وكلما طلب من هذا او ذاك تنفيذ الاحكام لم يستجب اليه احد بذريعة انه لم يسبق لأي من الزمرة المحاطة بالامام تنفيذ الاعدام بحق احد، وعندما سمع الخميني بالخبر نهر الذين كانوا حوله وقال لهم " ايتوني برشاشة حتى اذهب بنفسي وانفذ في هؤلاء المجرمين الموت "، وعندما سمع الحاضرين ان امامهم يريد ان يقوم بدور الجلاد ايقنوا ان الموت للمحكومين عقاب الهي يمليه الواجب الديني، فسارع قوم من الحاضرين لاعدام المحكومين، ونفذت الاحكام على سطح الغرفة التي كان يسكنها الامام في (مدرسة الرفاه) بطهران. وبعد ثلاث سنوات من اللحظة التي لم يجد فيها حاكم الثورة شخصا واحدا يستطيع تنفيذ حكم الاعدام بمجرمين كبار مثل الجنرال نصيري وفاقه، تفشت رائحة الدم وحب الاعدام وتطوع مئات من حرس الثورة لتنفيذ الاعدام بالجملة والافراد في البريء والمجرم على السواء واصبحت حياة الانسان ارخص شيء في ظل نظام الجمهورية الاسلامية، حتى قال شاهد عيان " ان حرس الثورة الاسلامية بعد تنفيذ القتل والاعدام في مجموعات كبيرة يتباهون امام رؤسائهم بالاعداد الغفيرة التي ارسلوها إلى الجحيم حسب زعمهم "، وهكذا شجع الامام مأموريه وتابعيه على ازهاق

النفوس المحترمة، ولقنهم بان في ذلك رضى الله ورسوله والمؤمنين. ان السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، كيف استطاع الخميني والخمينيون تنمية الروح الشريرة والتعطش إلى الدماء في نفوس الناس؟ فلم يكن من السهل في بلد اسلامي يأمر دينه بالعفو والسماحة والرحمة والرأفة بالمذنبين، كيف وبالابرياء خلق هذه النفسية الشاذة التي لا تستقر ولا تهدأ الا بالاسراف في القتل. ان الكلام الذي يردده الخميني والخمينيون لاضفاء الشرعية على اراقة الدماء والقتل بالجملة هو الاستشهاد بسيرة الامام علي عليه السلام في الحروب التي خاضها بعد ان الت الخلافة اليه، وبما ان الشعب الايراني يوالي عليا عليه السلام ويراه اماما وقدوة له فلذلك اتخذ حبه لعلى وسذاجته في المقارنة بين الحق والباطل، ذريعة لاضفاء الشرعية على اعمال الطغاة، فكلما اراق الطغاة مزيدا من دماء المسلمين، قالوا، اليس الامام عليا قتل المنشقين والخارجين على حكمه، واذا كان الامام علي يقتل المنشقين عليه بالجملة والاحاد ايام خلافته، فلماذا لايقتل الخميني المنشقين على نظامه الذي هو امتداد لحكومة الامام علي عليه السلام؟ لقد كانت ولا تزال لهذه الدعاية الاجرامية التي تريد النيل من سيرة امير المؤمنين عليه السلام وتشويه صورته النقية الطاهرة اثر كبير في نفسية القابضين على السلاح وتشجيعهم على القتل واراقة الدماء اسوة بالامام علي عليه السلام على زعم الشعوذة الحاكمة في رقاب المسلمين في ايران. وبما ان الاعلام الايراني هو في احتكار السلطة، ويسير في نفس الخط والمسيرة، ولا يستطيع احد التنفس ضد ما تدعيه السلطة والادلاء بكلام يغاير ارادة الحاكمين فيها، فلذلك لم يستطع احد ان ينبري لدحض تلك المزاعم الكاذبة والدفاع عن الامام علي عليه السلام. ان هذا التشويه للحقائق وللتاريخ ولسيرة ابطال الاسلام وعظماء الانسانية، واعطاء صورة

قاتمة سوداء عن الصدر الاول الاسلامي، يهز عرش الرحمن وطعن في امام المتقين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين، ان من يكون له ادنى المام بتاريخ الاسلام وسيرة الرسول العظيم كما وردت في كتب السيرة والتاريخ ليعلم بوضوح ان الامام عليا خاض حروبا دفاعية بصحبة الرسول الكريم صلى الله عليه واله وسلم ضد المشركين الذين كانوا يداهمون المدينة المنورة مقر الرسالة والوحي للقضاء على الرسول ورسالته واصحابه، وكان النبي وصحابته يدافعون عن انفسهم ورسالة السماء معا وقد استشهد في تلك الغزوات من خيرة صحابة الرسول ومن اعز اقربائه وذويه، كما ان المشركين كانوا يتكبدون بدورهم خسائر كبيرة في الارواح، والحرب كر وفر، والمحارب يقتل او يقتل ما دام هو في ساحة الوغى، اما الحروب التي خاضها الامام علي بعد ان آلت الخلافة اليه فقد كان هناك القاتل والمقتول في صفوف الامام وصفوف اصحاب الجمل والصفين والنهروان وبما ان الحروب التي خاضها الامام في ايام خلافته كانت مجابهة بين المسلمين المنشقين على الامام المفترض الطاعة وبين الامام القائم بالامر، فلم تحدث المجابهة الا بعد ان كان الامام يتم عليهم الحجة مرة بعد المرة وكتب التاريخ كلها تحكى بصورة متواترة ان الامام لم يبدأ بالقتال في أي حرب خاضها، وكان يردد دائما قبل ان يلتحم الطرفان " اللهم احقن دماء المسلمين " ثم كان يقرأ الآية الكريمة " ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خير الفاتحين " لقد روى البلاذري والشريف الرضي ان الامام عليا عليه السلام كان يوصي عسكره قبل لقاء العدو بصفين بالعبارات التالية: " لاتقاتلوهم حتى يبداؤكم فانكم بحمد الله على حجة ". " وترككم اياهم حتى يبدأوكم حجة اخرى لكم عليهم ". " فاذا كانت الهزيمة باذن الله فلا تقتلوا مدبرا ". "

ولاتصيبوا معورا ". " ولاتجهزوا على جريح ". " ولا تهيجوا النساء باذى وان شتمن اعراضكم وسبين امرائكم ". " ان كنا لنؤمر بالكف عنهن وانهن لمشركات ". (¬1) ان من يمعن النظر بهذه الوصية ليعلم بوضوح كيف كانت سيرة الامام في قتال خصومه، فمتى كان الامام علي يقتل المرأة والجريح والطفلة المراهقة كما فعل الخميني؟ ومتى كانت لعلي محاكم الثورة التي حكمت بالاعدام على ثلاثة الاف بريء في 3 شهور، وعشرين الف بريء في ظروف ثلاثة اعوام؟ ومتى كانت لعلي سجون فيها ثلاثين الف سجين سياسي؟ متى كان علي يصادر اموال الناس؟ ومتى كان علي يكذب؟ ومتى كان علي يأمر بالتجسس؟ ومتى كان علي يقتل الاقليات القومية؟ ومتى كان علي يعيش في كهف جمران بعيدا عن شعبه وامته؟ واذا ظهر في الشرفة لبضع دقائق ليمنح الحاضرين البركه تم متى كان علي محاطا بعيون الكترونية شرقية وغربية، وخمسمائة حارس مدربين للحماية من روسيا وكوريا ومتى كان علي سببا في حرب الاشقاء ويتعاون مع اليهود لقتل المسلمين والمسلمات وخراب بلاد الاسلام؟ ان المقارنة بين حكومة علي وحكومة الخميني هي المقارنة بين النور والظلمة، والوجود والعدم، والخير المحض والشر المطلق، ولولا اننا نعيش في عصر لا زالت الاساطير تتحكم في عقول السذج من الناس لكنت امر على هذا السخف في التفكير والسقط من الكلام مرور الكرام، ولكن ما الحيلة اذا كنت تخاطب قوما يعتقدون بالسلطة الالهية في الفقيه، ويقارنون اسوأ انواع الحكومات في تاريخ الانسان بافضلها، لقد استطاع الانسان بفضل التكنولوجيا والعلم ان يهبط على سطح القمر، الامر الذي كان يعتبر خيالا ¬

(¬1) "1" نهج البلاغة ج3 الصفحة 15.

ووهما في سابق الزمان، الا ان الاوهام والاباطيل لا زالت تحكم عقول كثير من ابنائها، وهناك عدم تكافؤ يدعو إلى الحزن والحيرة في مراتب الوعي الفكري لدى الانسان، فالانسان الذي سخر الفضاء بعلمه وعبقريته لا زال هو اسير الاوهام والاساطير، فهناك في الهند اربعمائة مليون انسان يقدسون البقرة وينحنون امامها اجلالا واكبارا وهي مظهر من مظاهر الالوهية عندهم. وعشرات الملايين في جنوب شرقي اسيا يعبدون التماسيح والضفادع والسلحفاة، فلذلك لانستغرب ابدا اذا التقينا بفئة او شرذمة في ايران يقدسون الفقيه ويعتقدون بحلول السلطة الالهية فيه، ويقارنون بين علي ومن لايساوي شسع نعله. واعود مرة اخرى إلى حكومة علي عليه السلام واقول متى كان لعلي حرس الثورة يداهم البيوت في اناء الليل واطراف النهار ليقتاد الناس إلى ساحات الاعدام؟ ومتى كان علي يقتل الناس لانهم قالوا (الموت لفلان)؟ ومتى كان علي يخدع الامة بوعوده الكاذبة، ويقول السقط من الكلام؟ قيل لعلي عليه السلام ستغتالك الفئة الخارجة عليك وقد اغتالوا قبلك الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، اتخذ لنفسك حراسا، فكان جوابه عليه السلام، كفى بالموت حارسا وكان يخرج من داره وحيدا قبل طلوع الفجر ليؤم الناس في صلاة الفجر في جامع الكوفة حتى ان ضربه ابن ملجم المرادي بالسيف المسموم وهو في اثناء الصلوة، وعندما ضربه ابن ملجم قال عليه السلام تلك الكلمة التي هزت الخافقين " فزت ورب الكعبة " ثم امر اهله بالعفو عن قاتله وهنا ادون نص الكلمة التي قالها الامام عليه السلام وهو في فراش الموت " انا بالامس صاحبكم واليوم

عبرة لكم وغدا مفارقكم، ان ابق فانا ولي دمي وان اعف فالعفو لي قربة وهو لكم حسنة فاعفوا " هذه كانت سيرة علي وهو الحاكم المطلق عل نصف المعمورة في عصره أي بلاد يمتد طولها من اليمن إلى بخارى شرقا، ومن الجزيرة حتى شمال افريقيا غربا. واما اهتمام علي عليه السلام بشؤون المسلمين فقد يتجلى في كتاب بعثه إلى واليه في البصرة وهو حنيف بن قيس الانصاري وقد جاء ضمن ما كتبه الامام " ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ولكن هيهات ان يقودني هواي لتخير الاطعمة ولذائذها ولعل بمالمنجد او اليمامة من لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع. ااقنع من نفسي بان يقال امير المؤمنين ولا اشاركهم في مكاره الدهر وجشوبة العيش، او ابيت مبطانا وحولي بطون غرثي واكباد حرى او اكون كما قال القائل " وحسبك داء ان تبيت ببطنه وحولك اكباد تحن إلى القد. " هذا علي بن ابي طالب الذي يريد الخمينيون تشويه صورته الطاهرة بالصاق التهمم التي الصقها رواة اليهود في كتبهم به من قبل، ورددها اليوم الخميني والخمينيون ليبرروا طغيانهم المخيف فوالله لقد جاءوا شيئا ادّا، وهنا اسجل فقرات من كتاب الامام علي إلى مالك الاشتر حين ولاه مصرا ليكون درسا وعبرة لكل من يريد ان يعرف سياسة الامام علي عليه السلام في ادارة دفة الحكم والبلاد، واطلب من الله ان يعين السذج الغفل من ابناء الشعب الايراني إلى التمييز بين الحق والباطل ويهديهم سواء السبيل: يوصي الامام في ضمن كتاب يحوي واجبات الوالي نحو الرعية جاء فيه: 1) واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم. 2) ولا تكونن عليهم سبعا ضارا تغتنم اكلهم.

3) فالناس صنفان، اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق. يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على ايديهم في العمد والخطأ فاعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب ان يعطيك الله من عفوه وصفحه. 4) ولا تندمن على عفو، ولا تبجحن بعقوبة. 5) الا ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده. 6) وليكن ابعد رعيتك منك وشنأهم عندك اطلبهم لمعائب الناس، فان في الناس عيوبا الوالي احق من سترها، فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك. 7) اطلق عن الناس عقدة كل حقد. 8) ولا تعجل إلى تصديق ساع فان الساعي غاش وان تشبه بالناصحين. ونختم هذا الفصل باعطاء صورة عن المآسي التي ارتكبت وترتكب في محاكم الثورة الاسلامية، فلاول مرة يحدث مثل هذا التناقض الصارخ في نظام دولة ترى نفسها دولة نموذجية في التاريخ مجلس للشورى وسجون ومحاكم ثورية، ولست ادري كيف يمكن الجمع بين محاكم الثورة التي تمثل عصرا استثنائيا خاصا، ومجلس الشورى الذي يحكي عن استقرار النظام ودولة المؤسسات ولكن الخمينيين والخميني نفسه ابعد الناس في درك هذه التناقضات، ومهما يكن من امر فان هذه المحاكم منتشرة في انحاء البلاد طولا وعرضا وحتى القرى لم تسلم منها، انها كالوباء القاتل تجد اثارها المشئومة في كل مدينة وقرية، وان شئت قل في كل دار ومتجر ومصنع ومزرعة ومقام.

لقد اختار الخميني لرئاسة هذه المحاكم اناسا لبوسهم لبوس الدين ولكنهم والله ابعد الناس من الدين، لم يراع فيهم العلم وشرائط القضاء والامانة والعفو وسداد الاخلاق، كلما اشترط فيهم هو الوفاء المطلق لشخصه وتنفيذ اوامره ومأربه، ولذلك وضعوا في دستورهم هذه العبارة " حب خميني حسنة لا تضر معها سيئة " وانطلاقا من هذا المضمون جرت وتجري المحاكمات الثورية على قدم وساق. فمن كان ضد الخميني يقتل ومن كان معه يطلق ولو كانت ذنوبه تعادل الجبال، لقد اعدم هؤلاء الوحوش الكاسرة باسم القضاء الاسلامي رهطا كبيرا من الناس بلا ذنب ولاجرم ليستولوا على اموالهم وبيوتهم ومزارعهم، وكانت المبررات التي اتخذوها اساسا لاحكامهم الجائرة اوهن من بيت العنكبوت، وعندما يبلغ الخبر مسامع الخميني يبتسم ابتسامة المنتصر على عدوه ويبعث للقاضي برسالة شكر وثناء. ان المحاكم الثورية الاسلامية في ايران منذ تأسيسها: 1) حكمت على ما يقارب من اربعين الف شخص بالاعدام ونفذ الحكم فيهم فورا. 2) حكمت على ما يتجاوز على خمس وعشرين الف شخصا بالحبس لفترات طويلة وقصيرة. 3) صادرات اموال ما يقارب من خمس واربعين الف شخص: وكان حراس الثورة يذهبون إلى دور المحكومين تلفظ عوائلهم صغيرا وكبيرا نساءا ورجالا إلى خارج منازلهم ليفترشوا الارض ويلتحفوا السماء، وكان يحل محلهم الحرس الثوري يتصرفون في الدار وما فيها تصرف المالك في ملكه.

4) حكمت هذه المحاكم على المرابي بالاعدام، وعلى المرأة الحاملة بالرجم، وعلى الطفل الصغير بالموت، وعلى المريض بالشنق. 5) هذه المحاكم لم تسمح للمتهمين الاستنجاد بمحامي الدفاع واستئناف الحكم ولم يأخذ مرور الزمان بعين الاعتبار بذريعة ان الاسلام لا يعترف بهذه الاشياء. 6) ان تنفيذ حكم الاعدام في هذه المحاكم يجري فور صدور الحكم ليلا كان ام نهارا. 7) السن القانوني لقبول الموت في محاكم الثورة، للفتيات 9 سنوات وللفتيان 15 سنة وهو سن البلوغ الشرعي. 8) لم يصدر الخميني العفو عن أي محكوم بالاعدام حتى الآن. ولكي نعطي صورة واضحة عن مدى استهتار هذه المحاكم بكل القيم الانسانية وشرائع السماء والتي اصبحت اداة من ادوات الطغيان في ايران، نذكر هنا ما تواترت إلى اسماع الناس من داخل تلك المحاكم: ان احكام الاعدام التي يصدرها القضاة لم يبلغ المحكوم عليهم بها في ساحة المحكمة خشية من حدوث بلبلة، وانما يؤمر الحرس الثوري الذي يقتاد المتهم خارج المحكمة بتنفيذها طي رسالة مغلقة يفتحها عندما يغادر ساحة القضاء، وقد يزعم المحكوم بالاعدام عندما يقتاد إلى خارج المحكمة ان ساحته برئت فلذلك يقدم شكره الجزيل إلى القاضي وعدالته ورأفته، وعندما يصل إلى الفناء الخارجي ينهال عليه رصاص حراس الثورة بغزارة ولم يسق حتى جرعة من الماء.

الخميني في الميزان

الخميني في الميزان • من هو الخميني. • الخميني في قم. • الخميني في العراق. • الخميني والمتناقضات. • الخميني والبدع في الدين. • الخميني بين القول والفعل. • الخميني والشيوعية. • انا والخميني.

(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72)) من هو الخميني قبل كل شئ يجب أن نعرف شخصية الخميني وهو جواب لأسئلة كثير تطرح نفسها. 1 - الخميني الذي يمجد نفسه يقدسها بحيث يجازي فخر الحجازي كثيرة الذي قال أن الخميني أعظم من النبي موسى وإبراهيم نائبا عن طهران ورئيسا لمؤسسة المستضعفين، أعظم مؤسسة مالية في البلاد. 2 - الخميني الذي جعل نفسه أعظم من النبي الكريم وأدخل اسمه في أذان الصلاة. 3 - الخميني الذي يرى نفسه حارسا إلهيا أرسله الله لإنقاذ البشرية ونصب نفسه وخلفائه في الدستور الإيراني الجديد متصفا بهذه الصفة، كما احتكر لشخصه كل الصلاحيات التي احتكرها المستبدون الطغاة. 4 - الخميني هذا الذي ترمز وتطبل له كل أجهزة إعلامه والصحف التي استولى عليها من الصباح إلى المساء وتصفه بالصفات البطولية

العظمى وتنسب إليه الكرامات والمعاجز لماذا هذا الإعلام وهذه الصحف نست أو تناست تماما أسرة خميني ونسبة وموطنه قبل أن يهاجر إلى إيران وهكذا الحالة الاجتماعية التي كانت أسرته تعيس فيها أن الذي يعرفه الجميع هو أن جدّ الخميني أحمد قدم من الهند إلى إيران، وذلك قبل مائة عام وسكن قرية خمين ووالد أباه مصطفى الذي قتل في أبان الشباب في تلك القرية، وهذا كل ما يعرفه الشعب الإيراني من نسب الرجل والقه أما من هم أسرته وأين كان موطنها في الهند قل الهجرة إلى إيران فهذا شئ لا يعرف أحد شيئا عنها ولا هو أشار إليها لا من القريب ولا البعيد ولا أجهزة الإعلام أشارت شيئا إلى هذا الموضوع الحيوي من حياة أسرته خميني، وكما أشرنا قبل قليل بما أن هجرة جدّ خميني إلى: غيران كانت قبل مائة عام، والمائة من السنين في حياة الأسرة يعتبر تاريخا لثلاثة أجيال فقط، فإذاً لا يمكن أن نصدق أن صلة الخميني مقطوعة بأسرته في الهند وقد نساهم، فإذاً ما هو السر لدفين تناسي أسرته وأقربائه وقطع الصلة بهم، أليس هناك ما يعتبر غريبا وخطيرا في هذا الكتمان الشديد وهذا التعميم غير طبيعي على نسب خميني ومؤسسي الجمهورية الإسلامية ومرشد الثورة الإسلامية في إيران. أبرك الجواب للمعجبين بالرجل ومريديه وصحافته وزمرته في أرجاء إيران وكل أملي أن لا يهمس بعضهم في أذن البعض الآخر قوله تعالى ((لا تسئلوا عن شيئا أن تبد لكم تسوءكم)) صدق الله العظيم. وهنا أورد أن أعرج إلى موضوع خطير له علاقة مباشرة بالحالة الراهنة في إيران المنكودة الحظ، وهذا أهم بكثير من معرفة نسب الخميني لأن هذا الأخير، سواء كان من سلالة الإمام موسى بن جعفر كما يحمل توقيعه أو لا يكون فالإنسان مسؤول أما الله بأعماله وبما يصدر منه من خير أو شر،

((يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خير يره ومن يعمل مثقال ذرة شر يره)). فقد يكون الإنسان منحدرا من أرفع السلالات ولكن عنصره سيئ لا يساوي خردلة، وقصة ابن نوح والتي جاءت في القرآن الكريم تغنينا عن الإسهاب في هذا الموضوع: ((ونادى نوح ربه فقال إن أبني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين، قال يا نوح أنه ليس من أهلك أنه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين)). وتقول الآية الكريمة في مكان آخر "" فإذا نفح في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون)).صدق الله العظيم. فالمهم إذاً تقيم الخميني بأعماله التي تحكى عن سريرته ودخائل نفسه. إن ما يحدث الآن في إيران من كرب وبلاء ومحنة هو من أزمة نفسية داخلية أو من تعقيدات في تركيب شخصية وبحكم اللقاءات الكثيرة معه والأحاديث المختلفة التي كانت تدور بيننا وما لمست فيه من تناقضات صارخة بين القول والفعل أدت إلى قطعية التي أشر إليها في مكان آخر من هذا الكتاب فقد كان تقييمي لرجل حسب قناعتي الخاصة كما يلي: الخميني شديد التعلق بنفسه وبكل ما يتعلق به من القريب وأو البعيد ولا يأنف أن يفني العالم في سبيل أنانيته التي جعلت منه الرجل الذي لا يرى إلا شخصية وما يتعلق بشخصه، وهذه الصفة من أخطر الصفات لدى الحاكم المستبد ولا سيما إذا كان ذلك الحاكم يزعم بأنه له السلطة الإلهية في معاملة العباد. وكل الصفات الأخرى التي تتناقض مع الزعامة الروحية وعلو الرتبة، تتبع من الأنانية وحب النفس ولذلك إذا أرتاي الخميني شيئا لا

يحيد عنه قيد النملة ولو انقلبت ذي على ذه، ومن هنا لا يتعامل معه إلا المطيعين والمتقادين، ثم أن الرجل شديد الظن بلك شئ ومن الصعب عليه أن يسمع كلاما ويحمله على الصحة أو الإخلاص، ومن هنا جاءت معاملته لكثير من المتعاونين معه سيئة بل اقتدى كثيرا منهم لفظ سمعته ونقاء صورته، وإن من أهم الصفات السيئة التي يحملها هو حقده الدفين على كل من أساء إليه ولو قبل نصف قر، فهو لا ينسى الإساءة ولا بد أن ينتقم لها عندما تسنح له الظروف، ولذلك نرى أنه أمر بإعدام علامة الوحيدي والدكتور جمشيد أعلم وهما عضوان من أعضاء مجلس الشيوخ الإيراني في عهد الشاه من بين 60 عضوا آخر لأنهما تطاولا في الكلام عليه في المجلس عندما كان يعارض حكم الشاه، أما سائر أعضاء مجلس الأعيان فلهم مطلق الحرية يسرحون ويمرحون في إيران، وأغرب من هذا أن أحد أقربائه المتصلين به سألني يوما هل تذكر يوم كنا في بيتك مع الخميني وتغذينا على مائدتك؟ قلت: نعم أنه كان في عام 1955 وعندما كنت مقيما في طهران فأضاف محدثي معلقا فإذا كان صحيحا ما سمعناه عن أيام إقامته في العراق ومن أنه كان يطلب منك العون في بعض الحالات. فكن على حذر منه فإنه سيقتلك إذا ظفر بك، لأن الخميني يحقد على شخصين ويريد أن يزجهما من الوجود إذا استطاع، شخص أساء غليه وشخص أحسن إليه لأنهما يذكر إنه بأيام ضعفه وهو لا يريد ان يذكر تلك الأيام حتى ولو كانت له. وقد ثبت لي صحة كلام الرجل بعد أن قتل الخميني الجواهريان ودستمالجي وكلاهما من أخلص المخلصين له، وكانا قد قدما له عشرات الملايين لنجاح ثورته عندما كان في العراق وفي باريس، أما التهمة الموجهة إليهما فكانت اتفه من التافه، أنها مساعدة بني صدر الموقوف ضد الملالي والزمرة.

كما أن قتل الشباب المجاهدين الذين على أكنافهم وبنضالهم وصل إلى سدة الحكم، وحربه مع العراق الذي أواه واسنده وقدم له العون طيلة 15عاما خير دليل على سداد رأي الرجل وصوابه، ورحم الله المتنبي الذي قال: " إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا " أما حبه للحياة وشهوته إلى الحكم وهو في أرذل العمر، وما ارتكب في سبيله من الأثام فإنه فريد في التاريخ، لقد قلت لبني صدر عندما التقيت به في باريس، أن سبب عداء الخميني لك هو إنك أظهرت نفسك بالشخصية التي يحبها الشعب أكثر من الخميني، وجهازك نشر إحصائية للرأي العام تؤكد أن شعبيتك 57 بالمائة وشعبية الخميني 47 بالمائة أن هذا التحدي كان انتحارا لك، ألم تكن تعرف الخميني، أنه يفتي الدنيا في سبيل أنانيته النابغة من جنون العظمة، وقلت له أيضا عندما قرأت في الصحف هذه الإحصائية تنبأت أن أيامك في الرئاسة معدودة، وهكذا كانت. أيد السيد بني صدر هذا الرأي قائلا أن صهر الخميني الشيخ الإشراقي كان ينصحني دوما أن لا أظهر بمظهر الزعيم الذي يحبه الناس لأن الخميني لا يتحمل أن يرى غيره زعيما يتعلق به الشعب. والخميني لا يهمه إراقة الدماء والعتل بالجملة والجماعات، فقد سمعت منه وهو يحاور الإمام الحكيم في النجف ويقول له قتل أتاتورك تسعين عالما دينيا في واقعة واحدة وزرت مقابر هؤلاء عندما كنت المنفى في تركيا، فماذا لا نضحي نحن بالجملة على غرار أولئك ليبقى اسمنا في التاريخ مخلدا، فأجابه الإمام الحكيم بابتسامة ساخرة، هل نقتل ليبقى اسمنا في التاريخ فقط؟ وضحك الحاضرون وامتقع لون الخميني وقال من جديد وكأنه يريد أن يدفع عن نفسه هذه السخرية لما لا لماذا لا تذكر الإمام الحسين عليه السلام

الذي قتل لأنه حارب الظلم ... فقال له الإمام الحكيم بنفس للهجة والابتسامة، لماذا لا نذكر الإمام الحسن عليه السلام الذي صالح معاوية حقنا للدماء وجلس في البيت. وساد المجلس سكوت وصمت رهيب، خرج الخميني أثره من منزل الإمام الحكيم ولم يودعه الحكيم التوديع اللائق. والرجل لا يعرف الرحمة والعفو، فحتى الصخرة بكث ورقت بإعدام ثلاثة آلاف شاب وشابة من المجاهدين وكلهم في ريعان الشباب وفي غضون ثلاثة أشهر فقط، ولكن الرحمة والرقة لم تجد إلى قلبه سبيلا. فلم يصدر العفو حتى على واحد من هذا الجمع الغفير الذي أعدمته محاكمة الثورية بالتهم السياسية. والخميني لا يأبى من الكذب أمام الخاصة والعامة على السواء، وإذا كذب يصر في الكذب ما استطاع إلى الإصرار سبيلا، فقد رأينا كيف أن كل أجهزته عندما اعترفت بشراء الأسلحة من إسرائيل أنكر الخميني ذلك أكثر من مرة، حينما ثبت ذلك أمام العالم بعد سقوط الطائرة الأرجنتينية وانكشفت حقيقة النظام الحاكم في إيران واعترفت إسرائيل بذلك في آخر الأمر، كرر الخميني إنكاره لشراء السلاح وبإصرار وعناد وكأنما هذا الشيخ العجوز يعيش في عالم آخر لا يرى الشمس حتى في رائعة النهار. والخميني دوانيقي في كرمه، ولا تزال الأزمات الخانقة المالية والفقر المدفع الذي لمّ به عندما كان طالبا بسيطا في قم مسيطر على تفكيره وعظمائه، وقد قال أحد المقربين منه أن الإمام إذا أراد أن يعطي أحدا ما يكفيه لشروة نقير ارتجفت يداه حتى الكتف، فالحوزة العلمية الدينية في قم بطلابها البالغ اثني عشر ألف طالب تعيش في حالة مالية مؤسفة بسبب جشع الخميني في تكديس الأموال في البنوك وعدم صرفها عليهم وكلما

حاولت زعماء الحوزة الكبار أمثال الإمام السيد كاظم شريعتمادري وكلبايكاني والمرعشي أن يحسنوا الوضع المالي للطلبة رفض الخميني ذلك ووقف ضد الإصلاح المالي بإصرار وعناد، قائلا أن الله قد جعل العلم في الجوع. وطلب الدين في الحوزة الدينية في قم تقاضى ما يعادل مائة دولار شهريا فقط حتى إذا كانت في عنقه عائلة تتجاوز أفرادها العشرة أو العشرين، يجزي هذا الظلم القادح على كل الحوزات الدينية في إيران وطلابها يأتون من أذى الفقر والجوع لأن الخميني لا يريد الرفاهية لهم وهو يملك مئات الملايين التي كدسها في البنوك باسمه وهذه الأموال أعطيت له كي يعطيها إلى الذين حرمهم منها، وهكذا أمام الأمة يخفون أموال الأمة. والخميني مغرم بمظاهر التكبر والجبروت وأذكر هنا ما حدث أمامي في مستشفى الأمراض القلبية الذي كان الخميني راقد فيه. كانت هناك غرفة صغيرة ملاصقة بالغرفة التي كان الخميني راقد فيها وهذه الغرفة كانت مخصصة لكبار زائريه. كنت أنا والمهندس بازركان وصهره الإشراقي وابنه أحمد والشيخ أحمد المولائي سادن الحضرة في مدينة قم في تلك الغرفة عندما دخل عليه صادق قطب زاده وزير خارجية إيران آنذاك وكان قد رشح نفسه لرئاسة الجمهورية فقاطعة الإشراقي قائلا ما هذا السؤال لابد أنه صوت لنفسه. فقلت أنا ضاحكا: إذا كان لقطب زاده ضمير حي فلا يختار نفسه لمثل هذا المنصب. وهنا ضح الحاضرون بصوت عال جدا. وبعد قليل جاء المرافق وقال للإشراقي (أجب الإمام) وعندما عاد الإشراقي أخبرنا أن الإمام سأله عن أسباب الضجيج الذي أقلق مضجعه وقد بلغني بعد ذلك أنه أمر بغلق تلك الغرقة واستقبال الزائرين جميعا في الصالون العام.

واختم هذا الفصل بقصة هدم مقبرة رضا بهلوي، تلك المقبرة التي كلفت الشعب 200مليون دولار في وقته، وكانت من البنايات الأثرية في إيران. لقد أمر الخميني بهدمها كي يثبت للشعب الإيراني أن تنبؤاته صادقة وأنه يلهم من عالم الغيب، فقد سبق وأنه قال في عهد الشاه وفي إحدى خطبه (أنه يأتي اليوم الذي يهدم الشعب مقبرة بهلوي) وعندما بلغني أن الشيخ الخلخالي جلاد الثورة بدأ يهدم المقبرة اتصلت به هاتفيا ... وقلت له: كما يعلم الجميع فإن جثمان بهلوي خرج من إيران بصحبة ابنه الشاه وهذه البناية هي ملك الشعب وليست ملكا لأسرة بهلوي وكنت قد اقترحت أن تكون متحفا لجرائم بهلوي الأب والابن فلماذا تهدم بناءا شاهقا هو من أجل المباني في هذه البلاد والشعب هو الذي دفع ثمن هذه البناية من عرقه وقوته، وهل تريد أن ينظر العالم إليكم كما ينظر إلى جنكيز وتيمور ويصفكم بهدام الحضارة. وبعد يومين أعلن الشيخ الجلاد أن الشعب هدم مقبرة بهلوي ليعلم الناس أن تنبؤات الإمام الخميني صادقة دوما. على مثل هذا الزيف والدجل والتلاعب بمعتقدات الناس وسذاجتهم بني الخميني صرح إمامته. وحول هذا الصرح يزمر ويطيل قوم ذكرهم الله تعلى في كتابه الكريم ((أولئك كالأنعام بل هم أضل سبيلا)) ووصفهم الإمام علي بقوله: " همج رعاع يميلون مع كل ريح، أتباع كل ناعق لم يستضيؤوا بنور الله ".

الخميني في قم لم يكن يفكر أحد قط أن شيخا بلغ الثمانين وهو متلبس الزهد والتقوى وقد عمم بالسود إشعارا بأنه من أبناء الرسول الكريم (ص) وهو يدعي التفقه في الدين وقد سمعه العالم أكثر من مرة يندد بالظلم والاستبداد الذي يجري في إيران على يد الشاه محمد رضا بهلوي، إن هذا الرجل نفسه وبهذه الميزات عندما ألت إليه السلطة يرتكب من الجرائم ما تقشعر من سماعه الأبدان، ويرتكب باسم الإسلام فسادا ونكرا يبقى وصمه عار في تاريخ البشرية ما شاء الله أن يبقى. إذاً من هو هذا الزاهد الطاغوت وهذا الفقيه الجبار وهذا الثائر المستبد وهذا العجوز الذي اتكل من الأمهات وأيتم من الأولاد وقتل من أبناء الشعب الإيراني بقومياته المختلفة في أربع سنوات عشرة أضعاف ما قتل سلفه في ثلاثين سنة، من هو هذا الذي يكون أعظم خداع في التاريخ بحق، وأكثر ممثل على مسرح الزمان منذ بداية إلى نهايته. كان روح الله الخميني مغمورا في أوائل الخمسينات عندما كان في قم يقوم بتدريس الفلسفة الإسلامية وكلما كان يعرف عنه أن الإمام البروجردي زعمي إيران الديني آنذاك غاضب عليه بسبب تطرفه الديني وقد قال الإمام عنه أن هذا الرجل سيهدم الحوزة الدينية ويكون على الإسلام وبالا، وتوفى الإمام البروجردي في عام 1961 وقد خلفه في الزعامة الإمام الشريعتمداري والكلبايكاني والنجفي المرعشي وكلهم الآن على قيد الحياة ولم يذكر أحدا الخميني في عداد خلفاء الإمام الراحل ولم يفكر أحد قط أن الخميني سيكون في عداد الزعماء الدينيين الجدد في قم، لأن الحوزة الدينية كانت تنظر إلى الخميني كأستاذ في الفلسفة ولم تكن تنظر إليه كفقيه مجتهد يحق له تصدير الفتوى ومن شروط الزعامة الدينية هو التفقه

في الدين والاجتهاد في الأحكام غير أن هذا الوضع لم يدم طويلا فقد أعلن الشاه تقسيم الأراضي الزراعية على الدهاقين فثار ثائرة رجال الدين وكان أكثرهم تحمسا وشدة في الكلام وهجوما على الشاه هو الخميني فاشتهر اسمه واعتلى نجمه ولا سيما أن الزعماء الدينيين الثلاث مع مخالفتهم لقرار التقسيم لم يخرجوا م طور المجاملة في التخاطب مع الشاه، ومع أن الخميني في بادئ البدء كان يخاطب الشاه في رسائله وأحاديثه بحضرة صاحب الجلالة والملك المعظم وكان يقول أنه لا يرى لإيران بديلا من الملكية إلا أنه يريد الإصلاح ولكنه عندما رأى أنه خرج من العزلة بسبب خطبه العنيفة، واشتهر صيته في البلاد واصبح يذكر مع الزعماء الثلاثة الآخرين فأراد أن يسبق الرهان فبدأ يتحرك في كل محور من محاور العمل الشعبي الجاد ضد الشاه فاجتمع على بابه رهط كبير من الناقمين والساخطين والمعجبين بخطبه الحماسية التي كانت تلهب مشاعر الشعب الإيراني واستغل هو وجماعته عنه المقربين هذا الإقبال الجماهيري لينادون به فقيها يستطيع تصدر الفتوى فكان لهم ما أرادوا وبعد تطاول على الشاه عاد إلى قم وهو يسير في نفس الطريق فنفاه الشاه بعد تسعة أشهر إلى تركيا ليظل تحت الرقابة في بورما سنة كاملة وقد تركها بعد ذلك إلى العراق بموافقة الشاه واستئذان الحكومة العراقية وبقى في العراق 15 عاما يأكل من قمح العراق وملحه، وقد شاءت الأقدار والظروف السياسية التي ذكرناها في هذا الكتاب أن يزاح الشاه عن عرشه ويحل الخميني عنه وكما قال لويس الرابع عشر (إذا مت فليكن الطوفان وقد كان).

الخميني في العراق وصل الخميني إلى العراق في أيلول من عام 1965 واتخذ من النجف الأشرف مقرا له واجتمع حول نفر من مريديه ثم انضم إليه رهط من إيران. وبقى الخميني في النجف حتى نهاية عام 1978 حيث غادرها إلى باريس في قصة يعرفها العالم. كان الخميني في النجف منطويا على نفسه له برنامج خاص يتبعه كل يوم لم يكن له نشاط يذكر ضد الشاه حتى عام 1968 أي سنة التي وصل حزب البعث إلى الحكم فلم يمض شهور قلائل على تسلم الحكومة الحاضرة لمقاليد الأمور حتى نشب نزاع مرير بين الحكومة العراقية والشاه بسبب المساعدات التي كان يقدمها هذا الأخير للملا البرازاني والانفصاليين الأكراد، وبدأت أجهزة إعلام الدولتين حرابا إعلامية ضد الدولة الأخرى وأعلنت الحكومة العراقية أنها تساعد وتأوي كل لاجئ يصل إلى العراق هاربا من حكم الشاه فوصلت إلى العراق جماعات كثيرة من مختلف الأحزاب والاتجاهات في المعارضة الإيرانية، وفي ضمن هذه مجموعات رجال من مؤيدي الخميني فأكرمهم العراق وأواهم وأعطى الأولوية للخميني في العناية ولجماعته. وعندما بدأت الإذاعة الفارسية في بغداد تشن هجوما عنيفا ضد حكم الشاه خصصت قناتا خاصة للخميني كان يقوم البث فيها رجل من أنصاره يدعى محمود دعائي وكان اسم البرنامج (النهضة الروحية)، وحصل تعاون وثيق بين الخميني والحكومة الحاضرة بحيث كان ابنه مصطفى يزور شخصيات السياسية في بغداد حاملا إليهم رسالة أبيه وثنائه وشكره على الحكومة التي أوتهم وأعطتهم كل الإمكانيات للانطلاق

السياسي الذي ما كانوا يحملون بمثله في أي مصر وعصر. ولكي أضع النقاط على الحروف أود أن أسجل هنا للتاريخ قائمة بتفاصيل المساعدات التي كان يتلقاها الخميني من الحكومة العراقية التي هو اليوم في حرب معها، ليعلم الشعب الإيراني قبل الشعب العراقي حجم المساعدات التي تلقاها الخميني من الحكومة العراقية طيلة العشر سنوات التي قضاها في كنفها ليعود بعد ذلك إلى إيران ويجازي العراق وشعبه جزاء سنمار. (1) أعطت الحكومة العراقية الأولوية القصوى بين اللاجئين السياسيين المتواجدين آنذاك في العراق للخميني وحاشيته وسهلت لهم العيش والحياة وزودت كثيرا منهم بالجوازات العراقية بعد أن حرمهم الشاه من هويتهم الإيرانية فسهلت له التنقل بين البلاد والاتصال بالعباد. (2) خصصت وزارة الإعلام للخميني قناتا خاصة في القسم الفارسي بإذاعة بغداد كان يبث منها لكما يتصل بالخميني ونضاله ضد الشاه وكان المذيعون فيها جماعته والمنتسبين إليه وكان يذاع منها برنامجا يوميا اسمه (النهضة الروحية). (3) كان مصطفى ابن الخميني على اتصال وثيق بالحكومة العراقية وكان يجري الاتصال بأركان الدولة مباشرة أو عن طريق المرحوم جنرال بختيار ويطلب المساعدات المختلفة لجماعة أبي وكانت طلباته لا ترد. (4) كانت الجهات المعينة بشئون التدريب العسكري تدرب جماعة الخميني خارج مدينة النجف وكان ممثل الخميني لدى الحكومة للإشراف على التدريب هو الشيخ يزدي زاده الموجود حاليا في إيران وكانت الحكومة تعطي لهم المال والسلاح. (5) كان الخميني يستقبل شخصيات كبيرة في الدولة وكانت أحاديثه معهم هو التغيير عن الشكر والامتنان للحكومة مع الدعاء لها بالتوفيق والتسديد.

(6) كان الخميني يقدم الرجاء إلى الرئيس العراقي في القضايا المتعلقة به وكان رجائه يقبل حتى في المناسبات الخطيرة كما جدث ذلك في عام 1970 عندما حكمت محكمة الثورة على السيد حسن الشيرازي الإعدام لاتهامه التجسس لصالح دولة أجنبية وكان هذا الشخص محسوبا على الخميني ومن حاشيته فكتب رسالة بخطه إلى الجنرال تيمور بختيار الموجود آنذاك في بغداد يطلب منه نقل رجائه إلى الرئيس صدام الحسين الذي كان آنذاك نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة يطلب الرحمة العفو عن المتهم فقبل رجائه وأعفى عن الشيرازي وأطلق سراحه بعد شهرين الأمر الذي لم يحدث له نظير من قبل. (7) عندما توفى ابنه مصطفى قدم الخميني رجاءا إلى الرئيس العراقي يطلب إصدار الأمر بدفن ابنه (بصورة استثنائية) في الروضة الحيدرية الأمر الذي كان ممنوعا بقرار من مجلس قيادة الثورة، ورفع الخميني هذا الرجاء عن طريقي فرفعه إلى الرئيس العرقي عن طريق وزير الأوقاف فقبل الرجاء ودفن ابنه حيثما أراد الخميني. (8) كان أحمد ابن الخميني يقدم الرجاء الحكومة يطلب حماية أبيه من اغتيال السافاك فكانت حكومة تجند لحماية الخميني رجالها وبالتنسيق مع أحمد. (9) عندما غادر الخميني العراق إلى الكويت ولم تسمح له السلطات الكويتية بالدخول إلى أراضيها بقي في الحدود الكويتية حيرانا لا يدري ماذا يفعل فعلمت حكومة العراق بذلك فوافقت لعودته إلى العراق وقبل له عندما وصل إلى بغداد أنه يستطيع العودة إلى النجف والعيش فيها إذا شاء على شرط أن يحترم قوانين العراق. وبعد كل هذا ليت شعري كيف يبرر الخميني والخمينيون حربهم مع العراق وكيف يبررون هذا الموقف العدائي لهذه الدولة التي أكرمتهم

وأوتهم وأحسنت وفادهم ثم هم يعبرون عن حكومة العراق في خطبهم وأجهزة أعلامهم (بالكافرة) فليت شعري أن أعرف متى أصبحت الدولة هذه كافرة يجب محاربتها وقبل أبنائها وتدمير أرضيها، هل كانت كافرة وهو في كنفهم يدعو لها بالتأكيد والعمر المديد أم أصبحت كافرة بعد أن قبلت له كلمتان (احترم قوانيننا أو اذهب إلى حيث ما شاء) ولا اعتقد أنه يوجد (ما عدا السذج الغفل) من الناس من لا يعرف أن هذه الحرب إنما هي كما سميناها (حرب الأحقاد) وليست حرب المبادئ والمصالح. وهنا أورد أن اكشف سرا للشعب الإيراني والعراقي معا وبذلك أكون قد أديت واجبي أمام الله والتاريخ ليعلم المسلمون في كل مكان وزمان فداحة الخطر الذي يحدق بالإسلام من هذه الطغمة الحاقدة التي آلت على نفسها القضاء على الإسلام باسم الإسلام، وخراب بلاد المسلمين باسم مصالح المسلمين، لقد حضرت حوار بين المرحوم جنرال بختيار ومصطفى ابن الخميني وأن كشف مضمونها بوضع للرأي العام الانحدار الخطير الذي وصل إليه الخميني وجماعته بعد وصولهم إلى السلطة وتحكمهم في رقاب الأمة وهذا تفصيل الحوار: لقد قطعت الحكومة العراقية علاقتها الدبلوماسية مع حكومة الشاه في عام 1970 وبعد أن احتلت إيران الجزر الثلاثة أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى وتدهورت العلاقات وصلت إلى الصفر وأمر الشاه جيشه بالتحرك إلى الحدود المتاخمة للعراق وكانت هناك نذرا تنذر بنشوب الحرب بين الدولتين فحضر مصطفى ابن الخميني إلى بغداد والتقى بالجنرال بختيار في قصر السلام ليطلب منه أن يبلغ الحكومة العراقية أن والده بصفته الزعيم الروحي لإيران قد أعد البيان الذي سيقرأه على الجيش الإيراني إذا ما أراد الشاه الهجوم على العراق وأنه يقول في خطابه " أن الواجب المحتم على الجيش الإيراني هو أن يحارب الشاه لا العراق لأن الشاه خارج عن ربقة الإسلام إذا ما تسبب في

حرب وقودها المسلمون وأن عرش الرحمن سيهتز كما أراق مسلم دم أخيه جار شقيق دم جاره الشقيق ". هكذا كان الخميني عندما كان في العراق بعيدا عن السلطة وهكذا يكون اليوم في إيران وهو على رأس السلطة حقا أن هذا الانحراف في تفكير الرجل الذي يقود إيران كارثة ليست بعدها كارثة.

الخميني والبدع في الدين إن البدع التي أبدعها الخميني في الدين كثيرة أشرت إليها عبر خطاب إذاعي وجهته إلى الشعب الإيراني، وهنا أعدد تلك البدع ليعلم علماء الإسلام في العالم والمصلحين من رواد الأمة الإسلامية. أنهم إذا سكتوا أمام هذه البدع التي تلطخ اسم الإسلام وسمعته فإن أمة الإسلام ستشهد مذهبا جديدا باسم الخمينية يضاف إلى البهائية والقادرية، وإني أدعو علماء الإسلام لعقدوا محكمة إسلامية كبرى تضم رجال الدين الكبار من مختلف طوائف المسلمين لمحاكمة الخميني وإبداء رأي الإسلام فيه وفي بدعه حتى يعلم المجتمع البشري أن ما يحدث في ظل الخمينية في إيران المسلم ليس من الإسلام بشيء بل أن الإسلام برئ منه، أن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قال: " إذا ظهرت البدع في أمتي فعلى العالم أن يظهر عليه وإلا فعليه لعنة الله " ويقول صلى الله عليه وآله وسلم في مقام آخر: " الساكت عن الحق كشيطان أخرس ". وإن الوقت قد حان على العلماء أن يظهروا علمهم ورأيهم في أخطر مرحلة عصيبة تمر على الإسلام في العصر الحديث وما تعرض إليه من البدع والزيف وزور القول والضلال على يد جماعة تنسب نفسها إلى الإسلام. وإلى العلماء الإسلام أرفع هذا النداء وأعدد لهم بدع الخميني في الدين: (1) أدخل الخميني اسمه في أذان الصلوات وقدم اسمه حتى على اسم النبي الكريم، فأذان الصلوات في إيران بعد استلام الخميني لحكم وفي كل جوامعها كما يلي:

الله أكبر الله أكبر (خميني رهبر) أي أن الخميني هو القائد، ثم أشهد أن محمدا رسول الله ... الخ. نستثني جامع كوهو شهادة في المشهد الرضوي، حيث لم يسمح الإمام الطباطبائي القمي أن تدخل هذه البدعة إلى الجامع الذي يصلي فيه، وأبلى البلاد حسنا في مقاومته لهذه البدعة، ولكن الله كتب له النجاح فتغلب على زمرة الخميني في آخر المطاف (¬1). (2) لقد جرت العادة في البلاد الإسلامية إذا ذكر اسم النبي الكريم صلّى الله عليه وسلم صلّى الحاضرون عليه إجلالا وإكبارا، وفي إيران اليوم إذا ذكر اسم الخميني صلّى الحاضرون ثلاث مرّات، وقال بازركان في خطاب جماهيري (ماذا تقولون لرسول الله إذا قال لكم تصلون عليّ مرّة إذا ذكرت وثلاثة مراّت إذا ذكر ابني) وكان البازركان يقد من (ابني) الخميني الذي يدعي أنه من أولاد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم وكاد البازركان يدفع حياته ثمنا لهذا الكلام. (3) رفض الخميني الصلح مع العراق الجار المسلم حيث تنص الآية الكريمة في القرآن الكريم على وجوب الصلح في كل الأحوال وبغض النظر على أسبابها والبادئ بها ويأمر بمقاتلة الرافضين للصلح حيث يقول تعالى ((وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما)) ((وإن بغت إحداهما على الآخر فقاتلوا التي تبغي حتى تفي إلى أمر الله)). (4) قتل المرابي كما حكمت به محاكمة الشرعية. (5) قتل الآلاف من المعارضين السياسيين باسم المفسدين في الأرض. (6) قتل الآلاف من الأقليات القومية التي كانت تطالب بحقوقها المغتصبة باسم الكفار الذين شهروا السلاح في وجه الدولة الإسلامية. ¬

(¬1) "1" منذ سنة والامام الطباطبائي معتكف في داره.

(7) المحاكمات الثورية الارتجالية التي تحاكم 100 شخص في مائة دقيقة. (8) قتل المهربين للمواد المخدرة. (9) مصادرة أموال الناس زورا وبهتانا باسم حماية المستضعفين. (10) تبني فكرة ولاية الفقيه وجعل نفسه حاكما بأمر الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. (11) تعيين ولي عهد لنفسه يدعى حسين علي منتظري بالطريقة التي سلكها معاوية بن أبي سفيان في تعيين ابنه يزيد وليا لأمور المسلمين، وجعل الزعامة الدينية والتي كانت الانتخاب المباشر ملكا عضوضا. (12) بث الفرقة وإيجاد القلاقل بين صفوف المسلمين في البلاد المجاورة والتي أدت إلى مئات الضحايا وإراقة الدماء.

الخميني والمتناقضات أما التناقضات التي تصدر من الرجل في القول والعمل فهي محيرة للعقل. (1) فعندما كنت في العراق وصلتني رسالة من الملا مصطفى البارزاني يدعوني إلى (كلالة) عاصمته التي كان يعيش فيها حتى يبحث معي سبل التعاون ضد الشاه. وعجبت من مضمون الرسالة لأنني كنت أعلم أن البارزاني هو عميل الشاه ولولا هذا الأخير لم يكن للبارزاني شأن. كما ثبت فيما بعد. وبما أنني لم أكن اشك بأن كاتب الرسالة هو الملا البارزاني لأن السيد مهدي الحكيم ابن الإمام الحكيم والذي كان على اتصال بالبارزاني هو الذي طلب مني أن أقاتل رسول البارزاني حامل الرسالة المذكورة. ومع الشكوك حول نوايا الرجل إلا أني فكرت بجد أنه ليس من الأخلاق أن يقوم زعيم يرى نفسه قائدا لأمته بدور رديء في حق رجل لم يعرف ولم يصدر منه أية إساءة بالنسبة إليه وذلك في سبيل إرضاء مخلوق آخر. فذهبت إلى مقابلة الرئيس العراقي أحمد حسن البكر رحمه الله وأطلعته على الرسالة وقلت له قد يكون من المصلحة الاستجابة لدعوة البارزاني لعلي أستطيع القيام بدور الوفاق بينكم وبينه إذا ما التقيت بالرجل. فضحك الرئيس البكر وقال إنها خدعة. ثم أضاف لقد سلّم البازراني خمسة أشخاص من المناضلين الإيرانيين الذين لجأوا إليه من بطش الشاه إلى هذا الأخير وقد أعدمهم الشاه فورا. ثم أضاف الرئيس قائلا إياك والذهاب إليه فإنه خبيث مخادع يريد

قتلك. وبعد أيام رأيت الخميني وقد علم بالموضوع فقال لي لا يخدعنك البارزاني أنه يريد تسليمك إلى الشاه وأضاف أن البارزاني وأولاده عملاء مزدوجين للشاه وللمخابرات الأمريكية. وبعد عشر سنوات من ذلك التاريخ صافح الخميني ابني البارزاني العملاء المزدوجين على حد تعبيره وزدهم بالسلاح والمال لقتل الشعب العراقي الجار المسلم. (2) والتناقض الثاني في سياسة الخميني هو أن فئة من أصحاب الإمام الحكيم اصدروا بيانا بعد وفاته بتوقيع شخصيات بارزة دينية من علماء النجف الأشرف جاء فيه أن الشخص المؤهل للزعامة الدينية بعد الإمام الحكيم هو الإمام السيد أبو القاسم الخوئي وليس غيره، وفي وقته اعتبر هذا البيان طعنا لاذعا في الخميني الذي كان في النجف أيضا ينافس الإمام الخوئي على الزعامة. وقد أعلن الخميني وأنصاره أن هذا البيان إنما صدر باعاز من السفارة الإيرانية في بغداد بتوجيه السافاك الإيراني لتحطيم الخميني وكان الحرب سجالا بين الخمينيين وحكيمين بعد صدور ذلك البيان الذي قام بتوزيعه في العراق عناصر من حزب الدعوة. وكان هذا الحرب يلقب الخميني المفسد الأكبر ومخرب الإسلام والحوزة العلمية وقد شكا الخميني عندي مرّة من الأذى الذي يلاقيه من أفراد هذا الحرب وعبّر عنهم بعملاء الشاه الحقراء المأجورين وخلايا النحل الذي يمده السافاك بالمال والتوجيه. وإذا بالخميني نفسه وبعد أن يعتلي سدة الحكم يصافح تلك الأيدي التي كان ينعتها بتلك النعوت ويقربهم إليه ويعطي لهم المال والسلاح يشكل منهم خلايا لمحاربة العراق. أنه مدعاة للسخرية حقا.

(3) والتناقض الثالث الذي لا بد من الإشارة إليه: لقد ذهب السيد موسوي الصدر إمام الشيعة في لبنان إلى ليبيا وبدعوة من العقيد القذافي ولم يعد منها أبدا. وقال الخميني إني ربيب الصدر وأدبته وهو بمثابة ابني ولا بد أن انتقم له. وعندما كنت في طهران قال لي أحمد ابن الخميني أنه سأل من ياسر عرفات عن مصير الصدر فكان جوابه: إنه طار. وإنه أخبرناه بمقتل الصدر في ليبيا ومع كل هذا قال الخميني أعلن الولاء للرجل الذي قتل تلميذه وأحب الناس إلى قلبه لأن يغدق بالأموال الكثيرة. على خليفته حسين علي المنتظري. والمنتظري هو الشيخ الذي قال للصحفيين بكل وقاحة. أنه يأخذ المال من العقيد القذافي لأنه أخيه ولا كلفه بين الأخوة (والجيب واحد). وبهذه المناسبة أذكر هذه القصة الطريقة عن حياة هذا الشيخ العميل: عندما كنت في طهران زارني سعد مجبر سفير ليبيا في داري ليسلمني دعوة من العقيد القذافي لزيارة ليبيا وفي أثناء الحديث أخبرني أنه كان في قم في زراية المنتظري وتغذى على مائدته الخبز والتمر واللبن ثم أشاد يزهد الشيخ وورعه. وهنا سألت السفير الليبي هل أن المنتظري يزهد أيضا في الدولارات التي تسلمها إليه أم يبتلعها حتى الثمالة؟ فقال السفير ضاحكا ولا والله أنه يكاد يطير فرحا عندما أسلّمه الأموال. (4) وتناقض رابع في حياة الرجل لا ينساه التاريخ فالرجل الذي يدعي أنه جاء لحماية الإسلام يتعاون مع أعداء الإسلام الحقيقيين وهو على أحسن العلاقات وأتمها من الاتحاد السوفيتي في حين أن أن الحرب سجال بين الإسلام والإلحاد في أفغانستان، ومئات الآلاف من المسلمين قتلوا ويقتلون على يد الجيش الأحمر بقنابل النابالم وبلغت الوقاحة إلى الشيخ الرفنسجاني رئيس مجلس الشورى أنه منع من الكلام واحد النواب الذي كان يريد الهجوم على الاتحاد السوفيتي بسبب الحرب التي يخوضها

ضد الشعب الأفغاني الأمن، وقال له تريد أن تفسد علاقتنا الحسنة مع الاتحاد السوفياتي، والخميني نفسه الذي يهجم دوما على البلاد الإسلامية وزعماء المسلمين ويحارب الجار الشقيق المسلم العراق ساكت على ما يجري في أفغانستان من إراقة الدماء ولم يذكر الاتحاد السوفياتي إلى الآن بكلمة غير سليمة. (5) ومن المتناقضات الصارخة في سياسة الرجل وعمله هو موقعه العدائي من كثير من دول المنطقة وتعاونه الحميم مع البعض الآخر، لقد قمت له في آخر لقاء تم بيننا في قم، لماذا تعادي دول المنطقة والخليج وكلهم جيران والجار لا يستطيع أن يعادي الجار بما في ذلك العداء يكمن أخطارا جسيمة لإيران والمنطقة بكاملها، فكان جوابه أنه لا يستطيع أن يصافح حكام هذه الدول لأن شعوبها من المستضعفين الذين وجدوا في الثورة الإيرانية أملا لمستقبلهم وهم لا يحبون حكامهم. قلت له: إذا قبلت كلامك جدلا، فهل تعتقد أن الشعب السوري يحب حكامه؟ وهل أن الشعب الليبي يحب حكامه؟ وأنت مددت بد الصداقة إليهم وترتبط معهم بأوثق الصلات. لم يتفوه الخميني بكلمة وقد طأطأ رأسه وامتقع لونه، وبدأ ينظر إلى الأرض شزرا. ولذلك لم يستغرب أحد من الضالعين بشئون التناقضات الخمينية عندما سمع من الرجل إن حزب البعث العربي في العراق كافر يجب محاربته، ولكن حزب البعث العربي في سوريا مسلمي يجب مصادقته. صدق الله العظيم حيث يقول ((ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين)). لقد سألت مصطفى ابن الخميني يوما، لقد كان والدك قبل الزعامة وفي أيام إقامته في قم هنا بشا لم تغادر الابتسامة شفتيه وكان لطيف المعشر

حلو الحديث لم يسأم الإنسان من محادثة وقد أصبح الآن قاسيا غليظا متعجرفا شائكا كظهر القنفذ، فما عدا مما بدا؟ فأجابني: عندما دخل أبي معمعمة السياسة كثر النقاش والجدال عنده حول طريقته في معالجة الأمور وآرائه السياسية، وتفاديا للنقاش والجدال بدأ يعبس ويقلل من الحديث حتى يسأم الزائرون من الجلوس عنده، وقد أصبحت هذه الحالة المصطنعة عادة ثانوية عنده لا تغادره حتى في حياته العائلية. أن أبي يعتقد أن الزعيم يجب أن يأمر فيطاع وإذا حلوا فقد أكله الناس وفقد سيطرته عليهم. (6) والتناقض الآخر في سياسة الخميني هو موقفه الشائن من فرنسا البلد الذي وفر له الحماية وكل الوسائل اللازمة للانطلاق ضد الشاه. فعندما كان الخميني في باريس كان يمجد بفرنسا ويعبر عنها بمهد الحرية وبعد أن وصل إلى سدة الحكم ملك طريق العداء معها. لأن فرنسا أوت المناضلين الإيرانيين الذين فرّوا من جحيم الجمهورية الإسلامية كما أوت الذين فرّو من جحيم الشاه من قبل. والخميني الذي أدخل الرعب في قلوب شعب إيران بقسوته التي تفوق القساوة النازية يزعم أنه سيرعب فرنسا أيضا بتهديداته الجوفاء الحمقاء وبالسب والشتائم والكلام البذيء وهذا هو شأن كل متكبر جبار يحاط به أقوام جبناء يصيرون له أن العالم يتحرك حسب إرادته وهواء، فهو لا ولن يفهم معنى الحرية والديمقراطية وسيادة الشعب على مقدراته. إن كل ما يعلمه المستبد الظالم هو الإسراف في القتل والتعذيب والمزيد من إراقة الدماء حتى أن يلمس نهايته الكئيبة التعيسة التي يعض يده عليها ويقول ياليتني مت قبل هذا وكنت ترابا. وأنني عندما استمع إلى التهديدات الجوفاء الحمقاء التي يطلقها

الخميني زمرته ضد دول العالم أذكر قصة تلك الفأرة التي قالت للجبل: سأرحل عنك حتى تستريح قليلا من عنائي. فأجابها الجبل: أيتها المسكينة أنا لم أعرف بغدوك كيف برواحك.

الخميني والشيوعية ليس الشبه الوحيد بين السيد الخميني مرشد الثورة في إيران والسيد لينين مرشد الثورة الشيوعية في روسيا، أن كليهما بدا بالعمل لإسقاط نظام بلديهما من باريس، ودخلا بلديهما بعد أن سقطت في إيران أسرة بهلوي الملكية وفي روسيا أسرة رومانوف القيصرية، كما أن الشبه بين الرجلين ليس أن كلا منهما كانت تحركه روح الانتقام الشخصي، فالخميني أراد أن ينتقم من الشاه لأنه قتل ابنه على حدّ زعمه ولينين أراد أن ينتقم من قيصر لأنه قتل أخاه ولكن وجه الشبه الحقيقي هو: 1 - إن الشيوعية اتخذت كلمة الفقراء (برولتراليسم) شعارا للثورة الشيوعية، وأخذ الخميني كلمة المستضعفين شعار للثورة الإسلامية الإيرانية. 2 - النظام الشيوعي لا يؤمن بالملكية المطلقة، ولذلك صودرت أموال كبار التجار والمعامل والأراضي في ظل الشيوعية، وخلقت من الأغبياء طبقة فقيرة تضاف إلى الفقراء، والخميني ونظامه صادروا أموال التجار وأراضي الناس والمعامل الكبيرة وأضافوا طبقة فقيرة إلى الفقراء وشعارهم أن الإسلام لا يؤمن بالملكية المطلقة المحدودة كما قال كارل ماركس. 3 - النظام الشيوعي يعتقد بأن الصحافة والإعلام يجب أن يعبر عن سياسة الحزب ويجب أن تكون في خدمة النظام الحاكم وتكون بوقا من أبواقه، ونظام الخميني صادر الصحف واستولى على الإعلام واستعمله في صالح حزبه.

4 - الحزب الشيوعي هو الذي يحكم في النظام الشيوعي، ويحكم الحزب الجمهوري الإسلامي إيران بقيادة الخميني. 5 - الشعب ممنوع من السفر إلى خارج البلاد في الأنظمة الشيوعية، والسفر ممنوع على شعب إيران في نظام الخميني. 6 - الشيوعية تدعو إلى الأممية ونبذ القومية، وأول شعار نادى به الخميني هو الأممية واعتبار القومية كفرا وإلحادا. 7 - في الأنظمة الشيوعية يؤلّه الحاكم كما إلّه ستالين في روسيا، وماوتسي تونغ في الصين وتيتو في يوغسلافيا، وفي نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية ألّه الخميني أكثر من أي إله آخر. 8 - في كثير من الدول الشيوعية تتخذ كلمات الحاكم إنجيلا واجب اتباعه، ويرددها الشعب في كل مناسبة ومكان، وكلمات الخميني اعتبرت إنجيلا يرددها اتباعه وأعوانه في كل مكان. 9 - النظام الشيوعي هو النظام القائم على القيادة الجمعية في حكم البلاد على شرط أن يكون القادة من المؤمنين بالماركسية، ونص دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية على القيادة الجماعية شريطة أن يكونوا من المؤمنين بالخميني، وشعارهم " حب خميني حسنة لا تضر معها سيئة ". 10 - في النظام الشيوعية تخضع كل دائرة للجنة شيوعية تنبثق من داخل تلك الدائرة، وفي نظام الخميني تخضع كل دائرة للجنة خمينية تنبثق من داخل تلك الدائرة. 11 - النظام الشيوعي يتخذ الفلسفة المكيافيلية (النتائج تبرر أساسا للمقدمات) دعامة للعمل السياسي، والنظام الخميني اتخذ الفلسفة نفسها أساسا للقمع الدموي. 12 - النظام الشيوعية يرى من واجبه مساعدة الشيوعية في الدول الأخرى لاستلام السلطة بأي ثمن ونظام الخميني يرى من واجبه مساعدة أنصار (ولاية الفقيه) في أي مكان من العالم لاستلام السلطة.

13 - النظام الشيوعي قسم الشعب إلى البرجوازية والفقراء واستغل هذا التقسيم في بسط نفوذه، والخميني قسم الشعب إلى أهل الشمال والجنوب، أي الأثرياء القاطنين في شمال طهران والفقراء الساكنين في جنوبها، واستغل هذه التفرقة لبسط سلطانه على الشعب. 14 - النظام الشيوعي يرى التصفية الجسدية لأعدائه ضرورة في بعض الأحيان كما تعرض لها تروتسكي أحد بناة الشيوعية وقادتها عندما كان لاجئا في المكسيك، ونظام الخميني اتخذ التصفية الجسدية شعارا له وهدد به المناوئين بكل وقاحة. 15 - في النظام الشيوعي كل حزب مكلف بأدلاء المعومات عن أعداء النظام، والخميني سن هذا القانون عندما طلب من كل أبناء الشعب أن يتجسسوا لصالح نظامه ولو على أقرب المقربين. 16 - قال لينين اعطني مرحا أعطيك شعبا، وقال الخميني اعطني الإعلام أعطيك شعبا. وبعد هذه المقارنة، لابد من الإشارة إلى عدة حقائق، هل أن تعاون المخابرات الروسية (ك ج ب) مع المخابرات الخمينية وتعليم الحرس الثوري طرق التجسس أمرا اعتباطي؟ وهل أن مصافحة الخميني للدول الشيوعية واستخدام الخبراء من كوريا الشمالية أمر اعتباطي؟ وكيف يمكن تفسير الحرية التي يتمتع بها الحزب الشيوعي (تودة) (¬1) في العمل السياسي والإعلامي في إيران الأول مرة منذ تأسيسها، وفي ظل نظام يدعي أنه جاء لحماية الإسلام. وماذا يعني سكوت الخميني عن المجازر التي ترتكب بحق المسلم في أفغانستان على يد المحتلين الروس؟ وما هو معنى هذا الهجوم العنيف ليل نهار على الاستعمار الغربي فقط، ¬

(¬1) "1" راجع فصل الرعب المدمر.

وعدم ذكر الاستعمار الشرقي، بل الإصرار بعدم التعرض له؟ وكيف يبرر الخميني إعطاء المناصب الحساسة في الدولة للشيوعية، والتعاون مع الحزب الشيوعي لقتل (مجاهدي خلق)؟ ومما أن الكلمات العبارات لا تغرني أبدا، بل انظر إلى العمل كمقياس حقيقي لتقيم الأفراد والجماعات، فلذلك لا أجد صعوبة في رمي الخميني بالشيوعية مع ما عليه من الطيلسان والعمة والرداء، وتكراره اسم الله والإسلام في كل أحاديثه. فالخميني الذي لم يتورع من الكذب وقتل الأبرياء والحرب مع الاخوة المسلمين واغتصاب أموال الناس والسطو على حقوق الشعب والتعاون مع إسرائيل لضرب المسلمين، وكل هذه القبائح لم تكن تعرف عنه قبل أن يعتلي سده الحكم بل لم يحلج بخلد أي بشر أنه سيتوغل فيها حتى قمة رأسه في يوم ما، فهل يكون من الصعب عليه أن يخفى آرائه السياسية كما أخفى دهرا أخلاقه اللئيمة؟ وسواء كان الخميني شيوعيا أم غير شيوعي، فالشيوعيون الإيرانيون يعيشون في ظل نظامه في عهد ذهبي لم يحملوا به من قبل إبداء، وأن إيران في ظل هذا النظام الفوضوي الجائر أصبحت أكثر استعدادا من أي وقت مضى لقبول السيطرة الشيوعية، وأن الشيوعيين الآن في إيران ينظرون اللحظة المناسبة للوثبة الأخيرة يساعدهم الدب القطبي من خارج البلاد والطابور الخامس من داخلها (¬1). ¬

(¬1) "1" قبل عام اعتقلت السلطات الإيرانية زعماء الحزب الشيوعي في إيران بعد أن اتهمتهم بمحاولة انقلابية فاشلة واعتقلت أيضا بعض القادة العسكريين بتهمة التعاون مع الحزب الشيوعي وفي ضمن المعتقلين العقيد بهرام أفضلي قائد القوات البحرية.

الخميني بين القول والفعل لابد من المقارنة ما قاله الخميني عن الشاه وهو يقود المعارضة ضده وما فعله هو بعد أن وصل إلى السلطة وأزاح الشاه من عرشه ليكون القارئ الكريم على بينة من أمر الرجل الذي خدع أمة الإسلامية بمعول الكلام والوعود الكذبة والمستقبل المشرق. (1) كان الخميني يندد بالدستور الإيراني ويسخر من البند الذي كان ينص على: أن الملكية وديعة الهبة أعطاها الله للملك عن طريق إرادة الشعب التي تجلت في الاستفتاء العام. وها هو الخميني جعل في البند بعد المائة من دستور الجمهورية الإسلامية نصا مماثلا. يقول: إن ولاية الفقيه سلطة إلهية أعطاها الله للفقيه عن طريق إرادة الشعب التي أقرها في الاستفتاء العام. (2) ندد الخميني في خطبة بصلاحيات الشاه كقائد أعلى للقوات المسلحة وإقالة الوزراء ونصهم وتعيين رئيس ديوان التمييز والمدعي العام وها هو حصل في البند الحادي عشر بعد المائة من الدستور الجديد هذا النص. آية الله الإمام الخميني هو القائد الأعلى المحكمة العليا والمدعي العام ورئيس ديوان التمييز وتنفيذ رئاسة الجمهورية بعد أن ينتخب الشعب الرئيس. (3) كان الخميني يندد بالشاه لتدخله في شؤون البلاد الكبيرة والصغيرة وكان يندد بأسرته وحاشيته ويتهمهم بالتلاعب بمقدرات البلاد

والعباد واستغلال أموال الشعب وعندما وصل هو إلى الحكم سلك الطريق نفسه كما أن ابنه أحمد وزمرته من آل الخميني يسيرون على سيرة أسلافهم من آل بهلوي في التلاعب بمقدرات الأمة واستغلال موارد البلاد وسرقة أموال الشعب، ويعتقد الضالعون بشؤون آل الخميني أن أرصدة أحمد في البنوك السويس تتجاوز المئات الملايين من الدولارات. (4) كان الخميني يندد في خطة بالزمرة الحاكمة ويصفها بأنها المحسوبة على النظام وكان يقول أن الشرط الوحيد لتسلم كرسي الحكم هو الإخلاص والوفاء والإطاعة العمياء للشاه. وها هو جعل الشرط الأول والأخير لأشغال المناصب الحساسة في جمهوريته الولاء والعبودية لشخصه ولفكره ولاية الفقيه. (5) كان الخميني يسخر ويندد في خطبة بتشكيل الأحزاب الحكومية في عهد الشاه وكان يعتبرها أحزابا غير شرعية كما كان يندد بالانتخابات النيابية ويعتبرها مزورة والخميني نفسه عندما وصل إلى الحكم أمر بطانته بتشكيل الحزب الجهوري الإسلامي أي الحزب الحاكم فعلنيا وكما كان الحزب الحاكم في عهد الشاه يزور الانتخابات ويفوز بالأكثرية النيابية هكذا زور الحزب الجمهوري الإسلامي والانتخابات وفاز بالأكثرية. فما شابه الليلة بالبارحة. (6) كان الخميني يندد بالشاه ويتهمه بإرسال جلاوزته لإخماد المتظاهرين بالعصي والهروات وها هو نفسه تجاوز سلفه في هذا المضمار كيرا حيث أرسل جلاوزته " حزب الله " إلى الاجتماعات التي تعقد ضده لإخماد الأنفاس كما أن هؤلاء المرتزقة يستعملون الأسلحة النارية في غالب الأحيان كما فعلوا مع المجاهدين وغيرهم وقتلوا سبعن طالبا جامعيا في حرم جامعة طهران.

(7) كان الخميني يدافع عن الجرائد التي انتقدت سياسة الشاه والتي عطلها هذا الأخير انتقاما منها. وعندما وصل هو إلى الحكم عطل العشرات من الجرائد التي كانت تنتقد سياسة بل ذهب إلى أبعد من ذلك حيث صادر الصحف الكبيرة مثل جريدة كيهان وجريدة إطلاعات وجعلها بوقا من أبواقه. (8) كان الخميني يندد بأسرة الشاه ويتهمهم الاتجار بالمخدرات وقبل بضعة أشهر اعتقل الشرطة الألمانية في مطار دوسلدوف صادق الطباطبائي صهر الخميني وهو يحمل حقيبة مليئة بالأفيون وكان وهكذا يفضح الله المنافقين والذين في قلوبهم مرض ليكونوا عبرة للناس كافة. (9) ندد الخميني في كثير م خطبة بإعدام المتهمين بتجارة الأفيون وكان يقول أن هذه ذريعة اتخذها الشاه لإعدام المناؤين لنظامه كما أنه كان يقول ويؤكد أن الإسلام لا يقر عقوبة الإعدام لتجّار المخدرات ولكنه عندما استلم السلطة أعدم أكثر من ألف وأربعمائة شخصا بتهمة الاتجار بالمخدرات. (10) كان الخميني يتهم الشاه بالهذيان في الكلام عندما كان يقول أن قوة بلاده أصبحت تخيف الدول القريبة والبعيدة لأنها القوة الرابعة في العالم أو أن اقتصاد إيران سيكون أكثرها ازدهار من الاقتصاد الياباني في عام 1980، وها هو الخميني يهذي في الكلام ما استطاع إلى الهذيان سبيلا. فتارة يزعم أنه ينظم جيشا قوامه عشرين مليون جندي يحارب به أمريكا وتارة يهدد فرنسا وضرب مصالحها في العالم وتارة يقول أنه تم في إيران بناء مائة ألف مدرسة في عام واحد كما أن العالم سمعه يهدد العراق باحتلال عاصمته في غضون أربع ساعات.

(11) كان الخميني يندد سياسة القمعية ولا سيما تصفية المناوئين في خارج البلاد على يد بوليسه السري (السافاك) وها هو الخميني سلك نفس الطريق حيث قتل بوليسه السري محيط الطباطبائي في واشنطن وابن شقيقة الشاه المسمى شهرام في باريس. كا قام بوليسه باغتيالات فاشلة بالنسبة لكل من الدكتور شاهبور بختيار رئيس الوزراء في عهد الشاه وبني صدر أول رئيس جهورية في عهده والدكتور علي أميني رئيس الوزراء الإيراني الأسبق وغيرهم. (12) كان الخميني يندد بالمحاكم العسكرية التي تصدر أحكاما بالإعدام في حق المناوئين لنظام الشاه ومحاكم الخميني الثورية أعدت من مناوئي حكمه في أربعة أعوام مئات أضعفا ما فعلت محاكم الشاه في ثلاثين عاما. وبهذا الفارق أيضا هو أن المتهمين السياسيين كان يحق لهم الدفاع عن أنفسهم في محاكم الشاه وكان يحق لهم التمييز والاستئناف في الأحكام الصادرة بحقهم أما في محاكم الثورة الإسلامية فلا دفاع ولا استئناف ولا تمييز مائة إعدام في مائة دقيقة. (13) سخر الخميني من الشاه عندما لقبه المجلس الثوري بـ (اريامهر) أي محبوب الشعب الاري ولكنه استبشر سرورا عندما لقبه أصحابه (إمام الأمة). (14) كان بيت القصيدة في خطب الخميني ضد الشاه اضطهاد هذا الأخير للأقليات القومية في أنحاء البلاد وعدم الاستجابة لمطالبهم المشروعة وها هو الخميني بعد استلام السلطة قتل اباد من القوميات الإيرانية المختلفة في شرق البلاد وغربها عشرات الآلاف ولا زالت الحرب سجلات بين حرس الخميني والأكراد في غرب إيران ومع التركمان في شرق البلاد. وقد قتل الخميني من الأكراد العرب والبلوش والتركمان في غضون أربعة أعوام من حكمه مئات أضعاف ما قتل سلفه في ثلاثين عاما.

(15) كان الخميني يسخر بالشاه عندما كان يدعي أنه يأتيه الإلهام من عالم الغيب والملكوت ويصفه بالكذب المخادع وها هو الخميني نفسه يبتسم راضيا عن أولئك الذين قالوا فيه ما ادعى سلفه بل زادوا في ذلك وقالوا أنه فعل ما لم يعله الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم. وهكذا ابتلى الشعب الإيراني المسلكين بمعتوه مجرم متعطش للدماء ولكنه ليس في لبوس الأباطرة بل في لبوس الزهاد والكهنوت.

انا والخميني لقد رأيت من الضرورة بمكان إضافة هذا الفضل إلى الفصول الأخرى من الكتاب حتى لا يتوهم القارئ الكريم ولا أولئك الذين يؤرخون هذه الحقيقة من تاريخ إيران أن مؤلف هذا الكتاب طفيلي على الثورة أو كان بعيدا عنها أو أنه بعيد عن الشؤون الإسلامية ومعارفها. وها أنا أعلن لأولئك الذين بهرتهم فكرة ولاية الفقيه بأني كأحد فقهاء الإسلام أعلن بصراحة مطلقة وصريح القول أن فكرة ولاية الفقيه بدعة ابتدعها الخميني وضلال أضل به المجتمع وأنه والله كملة لا يؤمن هو بها ولا زمرته، بل اتخذها ذريعة للسلطة على رقاب المسلمين ظلما وعدوانا، وأن الله ورسوله برئ منه كل من يحكم بالباطل ويتخذ الظالمين إماما وهاديا. لقد عشت في كنف الإمام الأكبر جدنا السيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني رحمه الله سبعة عشر عاما وكان هو المرجع الأعلى للطائفة الشيعية في شرق الأرض ومغاربها حتى قال فيه الإمام كاشف الغطاء الكبير رحمه الله أن السيد أبو الحسن (أنسى من قبله واتعب من بعده) فوالله لم اسمع منه مرة واحدة كلاما كهذا، بل كان رحمه الله دوما يوصي مراجع الإسلام بالابتعاد عن السلطة الزمنية والترفع عنها وكان يقول (واجب المجتهد هو هداية النفوس وإرشاد العباد والسعي في تكوين جامعة فاضلة لا حقد فيها ولا كراهية ولا ظلم ولا عدوان). وعندما استشهد ابنه الكبير في النجف وبين صلاة المغرب والعشاء وهو أبي، الذي قتله رجل متلبس بلباس طلبة العلوم الدينية أرسله الاستعمار من مدينة قم الإيرانية إلى النجف كي ينفذ جريمته النكراء، عفى الإمام الأكبر جدنا عن القاتل وقال (لا ينبغي لإمام المسلمين أن يتقاضى أحد أفراد أمته. ولوكان قاتل أبنه

ظلما وعدوانا). وكتب إلى المحكمة بخطه ((إمام المسلمين بمثابة الأب الروحي لجميع المسلمين ولا يليق به أن يتقاضى أحدا منهم وإلى الله المشتكى وهو نعم المولى ونعم النصير)). لقد كان تصور الشعب الإيراني أن الإمام الخميني قائد المسيرة ومرشد ثورته له خصال السابقين من مراجع الإسلام ولم يمر بخلده قط أن هذا الإمام بعيد عن الرحمة قريب إلى الشر إذ قتل أسرف في القتل، وإذا أسرف في القتل لم يأبى سيفه من قطع رقاب الصغار من الفتيات والشباب من الفتان، وقد قتل في غضون ثلاثة أشهر من عمر الزمان الثلاثة آلاف شاب مسلم وشابة مسلمة لأنهم قالوا كلمة واحدة (الموت للخميني). ولست أدري كسف يلقي الخميني ربه وفي رقبته من دماء المسلمين ما لا تعد ولا تحصى. وأعود الآن إلى بيت القصيد من هذا الفصل وأذكر معرفتي بالخميني منذ كان مغمورا في مدينة قم، لا يعرفه أحدا إلى أن أصبح مشهورا يعرف اسمه كل واحد. كنت إذا زرت مدينة قم التقيت بالخميني في قارعة الطريق أو في دار أحد الأصدقاء وكان مجلسه لطيفا لا تخلو أحاديثه من الفكاهة، وكانت له حلقه تدريس في الفلسفة الإسلامية ممزوجة بالتصوف والعرفان، وكان يقضي الصيف في مصايف طهران بعيدا عن مدينة قم وهجيرها في كل عام، وكنت إذا ما جاء إلى طهران أزوره مرة أو مرتين في بعض السنوات وأذكر إني دعوته مرة إلى طعام الغذاء في دارنا وكان بصحبه الإمام الشيخ مرتضى الحائري وهو الآن حي يرزق في مدينة قم ومن أكبر علمائها، وطبعا لم يلج ببالي آنذاك أن القدر سيسخر يوما ما بأمة إيران ويجعل من هذا الذي كنت اسقيه الماء والطعام بيدي الفاعل لما يشاء والحاكم لما يريد ومن ورائه دماء شامل وفناء عام، كان هذا في صيف عام 1955.

وتركت إيران إلى فرنسا لحصول على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون وكنت أول مجتهد يحمل الشهادة العليا في الفقه الإسلامية يسافر لطلب المعرفة الحديثة إلى أوربا حتى يكون كالسيف ذو الحدين، وانقطعت صلتي بالخميني ولم أسمع شيئا عن أخباره طيلة السنوات الأربع التي قضيتها في أوربا، وعدت إلى إيران في عام 1959 ودخلت معامع السياسية وانتخبت من ل منطقتي نائبا في المجلس النيابي، وعندما كنت نائبا كنت أقود المعارضة ضد الحكومة والنظام، لم اسمع شيئا عن الخميني أيضا وشغلتني واجباتي عن التفكير حتى بالرجل. وتوفى الزعيم الروحي الكبير الإمام البروجردي في عام 1961 في مدينة قم وبرزت أسماء الزعماء الجدد ولم يكن في ضمنها اسم الخميني، بل كان الزعماء الجدد وكلهم إلى الآن على قيد الحياة الشريعتمداري والكلبايكاني والمرعشي. ودارت الدوائر وإذا بالشاه يعلن تقسيم الأراضي على الدهاقين، فانبرت للشاه فئات كثيرة في ضمنها زعماء الدين والتحق الخميني تلك المجموعة، وأظهر من الحماس والجرأة في الكلام الكثير فاستقطب الجماهير وعلا يحمه واشتهرت صيته كما قلنا في موضع أخر من هذا الكتاب. وسجن الخميني بأمر الشاه وبرفقته الإمام القمي والإمام المحلاتي وزعماء دينيون آخرون وحصلت مجابهة دموية بين الشعب والنظام، ولم يدم سجن الخميني كثيرا فأطلق سراحه وبقي الخميني بعض الوقت رهين الإقامة الجبرية في طهران ثم عاد إلى قم واستأنف نشاطه ضد الشاه فسافر إلى تركيا لقيم في بورما وغادر تركيا إلى العراق، ليعيش في النجف رهطا من الزمان. ودارت الدوائر وإذا بالشاه يعلن تقسيم الأراضي على الدهاقين، فانبرت للشاه فئات كثيرة في ضمنها زعماء الدين والتحق الخميني تلك المجموعة، وأظهر من الحماس والجرأة في الكلام الكثير فاستقطب الجماهير وعلا يحمه واشتهرت صيته كما قلنا في موضع أخر من هذا الكتاب. وسجن الخميني بأمر الشاه وبرفقته الإمام القمي والإمام المحلاتي وزعماء دينيون آخرون وحصلت مجابهة دموية بين الشعب والنظام، ولم يدم سجن الخميني كثيرا فأطلق سراحه وبقي الخميني بعض الوقت رهين الإقامة الجبرية في طهران ثم عاد إلى قم واستأنف نشاطه ضد الشاه فسافر إلى تركيا لقيم في بورما وغادر تركيا إلى العراق، ليعيش في النجف رهطا من الزمان. عندما سجن الخميني ورفقائه في طهران ذهبت إلى الشاه لعلني أستطيع التوصل إلى حل بينه وبين الزعامة الدينية التي كادت تفجر

البلاد، وكان اللقاء معه ساخنا ودار حديث صريح بيننا انتهى إلى خروجي من قصر سعد آباد مأيوسا، كما كان ذلك اللقاء أحد الأسباب التي أدت إلى القطيعة الأبدية بيني وبين الشاه ومن ثم مغادرتي لإيران وما تعرضت إليه من أدى وأخيرا محاولة الاغتيال الفاشلة على يد سافاك الشاه في البصرة والتي نجوت منها بإرادة إلهية بعد أن استقرت رصاصة في ظهري واخترقت الأخرى يدي اليمنى. ولا أيريد أن أسرد هنا تفصيل الحوار مع الشاه مرة أخرى فقد نشرته في ضمن مذكراتي (إيران في ربع قرن) ولا داعي لتكراره. والمذكرات قد طبعت في عام 1972. وفي صيف 1965وصل الخميني إلى العراق وكنت أنا في النجف الأشرف ورحبت به كل الترحيب واستقبلته في الكاظمية وذهبت بصحبته إلى سامراء لزيارة الإمامين العسكريين وفي الطريق كان يحدثني عن الاضطهاد الذي لاقاه في تركيا وكيف أن الأتراك أرغموه على خلق الملابس الدينية وارتداء الزي الإفرنجي إذا أراد الخروج من الدار التي كان فيها تحت الحراسة حتى لا يعرفه الناس، وجاءني انبه مصطفى بعد أيام من وصله إلى النجف يستشيرني في أمير أبيه والضيقة المالية التي يتعرض هلا، فكتبت كتابا إلى السيد عباس المهري أحد العلماء البارزين في الكويت وهو الآن حي يرزق في قم بعد أن نفته السلطات الكويتية لعلاقته بالخميني، طلبت منه مساعدة الخميني ماليا لأنه كان على صلة بالتجار الموالين للزعماء الروحيين الذين كانوا ضد الشاه، وكانت له علاقة خاصة بالخميني، وبالفعل استجاب السيد المهري لندائي ووصلت إمداداته المالية إلى الرجل، ومرة أخرى أكرر هنا أن الخميني لم يكن هو الزعيم الروحي الذي كان يعارض الشاه بل كان آخرون يسيرون في نفس الطريق، وكان نصيبهم السجن والعذاب والتشرد، وقد أشرنا إلى أسمائهم في مكان لاحق غير أن الخميني عندما استبد بالسلطة قضى على

رفقاء النضال بصورة أخرى. فالإمام الشريعتمداري شبه مسجون في داره والإمام الخلقالي مسجون في داره. والإمام القمي الذي قضى 14 عاما في سجن الشاه يعيش نفس المأساة. والإمام الزنجاني الذي قضى 7 سنوات في سجن الشاه، جالس في داره ولم يغادرها منذ سنين. نعود إلى الحديث عن الخميني وما قدمته إليه من مساعدات وفي الفترة التي قضاها في النجف. كانا إذا ألمت به مشكلة طلب مني حلّها، ومرّات وكرات أنقذت جماعته من السجن أنهما كانوا يدخلون العراق خلسة وبصورة غير مشروعة فيلقى القبض عليهم، فكان يرجو مني أن أتدخل لدى السلطات لإنقاذهم وكان له ما يريد. وطلب مني أبيه مصطفى أن أطلب من السلطات العراقية تدريب جماعة أبيه على استعمال السلاح في خارج النجف فكان ما أراد. وطلب السلاح فحصلت له على السلاح من السلطات أيضا. وفي السنوات الأول من وجود في النجف كان الخميني يلاقي صعوبة ومعارضة داخلية من الحوزة العلمية التي كانت رئاستها مناطة بالإمام الحكيم المرجع الشيعي الأعلى في العراق آنذاك وكان الإمام الحكيم على صلة وثيقة بالشاه وكانت حاشيته وبعض أورده وأقربائه عملاء مأجورين للشاه يأخذون الأموال من هذا الأخير ويتعاونون مع سافاك الشاه ما استطاعوا إلى التعاون سبيلا. وكان الإمام الحكيم بطبيعة صلاته بالشاه وصلات بعض أولاده وحاشيته بالنظام الإيراني يقفون موقف الاستنكار من الخميني ونشاطه وأفكاره، وقد قال لي ابنه مصطفى ان جماعة الحكيم وبعض أولاده عندما يرون أبي في الطريق يصفحون بوجوههم عنه ولا يفسحون له في المجالس، كما ان الامام الحكيم لم يسمح للخميني ان

يتحدث باسم النجف والحوزة الدينية عندما كان على قيد الحياة، وشكى لي مصطفى مرة أخرى مما يلاقيه أباه من جماعة الحكيم وقال لي أنهم يصفون أبي بهادم الإسلام وهدام الحوزة العلمية، وعندما زار عباس أرام وزير خارجية الشاه النجف ظهرت صورة الإمام الحكيم واقفا بجنب الوزير في الصحف الإيرانية حتى يعرف الشعب الإيراني الذي كان يرجع أغلبيته إلى الحكيم في التقليد أن الزعامة الدينية العليا من الشاه وليس كما يقول الخميني أنها ضد الشاه، بل أن الخميني شذ عن الطريق وقد طلب مصطفى مني جماعة الحكيم فهددتهم بالويل والثبور إذا لم يقلعوا عن ملاحقة الرجل وكانوا يعلمون أن مركزي في النجف والعراق وانتسابي إلى الإمام الحكيم وكانوا لا يريدون أن يصل الأمر إلى المجابهة فتركوا الخميني وشأنه. وبدأت اكتشف الرجل ونفسيته وحبه لنفسه إلى مرحلة الجنون شيئا فشيئا أثر اللقاءات التي كانت لي معه، وقد زاد يقيني عندما صدر في كتاب إيران في ربع قرن الذي كان يحتوي على مذكراتي وكثيرا من القضايا السياسية التي عاصرتها في إيران، وقد أحدث الكتاب ضجة كبرى في وقته لأهم الأسرار التي كان يحتويها، وكان فصل (الزعامة الدينية) من أهم فصول الكتاب وكشفت فيه علاقة الإمام الحكيم وجماعته بالشاه، وفي هذا الفصل ذكرت الخميني بإجلال وإكبار، وذكرت جهاده ونضاله ضد الشاه بإسهاب. وبعد صدور الكتاب بأيام زارني أحد أقربائي ليقول لي أنه يحمل رسالة شفهية من الخميني قلت بلغ. قال يقول: بلغ الدكتور موسى إني أعرف أنك ألفت هذا الكتاب لتشويه صورتي فقط وقد كنت موثقا. لقد دهشت دهشة عظيمة عندما سمعت هذا الكلام.

وقلت لمحدّثي: هل جن الرجل؟ إن الكتاب ملئ بإجلال الرجل وإكبار دوره وعظيم منزلته في النضال، لماذا قال لك مثل هذا الكلام؟ قال يقول: إنك كلما ذكرت اسمه ذكرت الإمام الطباطبائي القمي معه ويعتبر هذا الترديف إهانة عظيمة أه فهو يرى نفسه الزعيم الكبير الذي لا يحق لأحد أن يردف اسمه به. قلت لمحدّثي: قل له أن الإمام الطباطبائي القمي مجتهد ومرجع مثلك، ودخل السجن برفقتك وقضى معك أشهرا في زنزانة واحدة وهو لم يزل أسير السجن منذ سبع سنوات وأنت طليق حر تنتقل في إرجاء العالم الفسيح لماذا تأنف تأبى أن يذكر اسمه معك؟ النضال ليس احتكار لأحد، كما أن المرجعية ليست احتكارا لأحد، ثم أنت كنت مدرس الأخلاق في قم لسنوات طوال هلا تعلمت درسا واحدا من الدروس التي ألقيتها على طلابك؟ أليس أول درس من دروس الأخلاق (ترك الذات وحب العباد). وحدثت بيننا فجوة بعد تلك الرسالة الجوفاء لكنها لم تصل إلى القطيعة حتى أن حل عام 1973 فقد زارني مصطفى الخميني في بغداد وقال يطلب مساعدتي في نشر مجلة شهرية باللغة الفارسية تصدر في النجف، تنطق باسم المناضلين ويريد تسميتها (النهضة الروحية) وأن صحابة أبيه سيتولون نشرها في النجف إذا ما سمعت الحكومية العراقية بذلك وأخذت مصطفى معي إلى دار الشخصية المسؤولة عن شؤون اللاجئين الإيرانيين. فطرحنا عليه الفكرة وحصلت الموافقة، وعين مصطفى المشرفين على المجلة وكلهم من صحابة والده، وانفق السيد شبيب المالكي محافظة كربلاء آنذاك من ميزانية الدولة على المشرفين في إصدار المجلة المال اللازم. وصدر عددين من المجلة أو ثلاثة وإذا بأحد المشرفين عليها يزورني في الدار ويقول أن الخميني يريد أن يراك على عجل، فذهبت إلى داره

وسمعت منه حديثا غريبا .. قال أريد منك أن تغير اسم المجلة إلى آخر. قلت: لماذا؟ قال: لأني أنا الزعيم المسؤول عن النضال الروحي، واسم المجلة يوحي بأنها الناطقة باسمي وأنا لا أريد أن تكون لي مجلة. قلت: (أولا) هناك غيرك من الزعماء الروحيون الذين خاضوا عمار النضار ولم يزالوا يخضونها وبعضهم في السجن مثل الإمام الطباطبائي القمي وبعضهم في المنفى مثل الإمام الزنجاني قلت أنت الوحيد في الميدان، (ثانيا) ابنك مصطفى هو الذي اقترح إصدار المجلة واقترح الاسم، وصدرت المجلة بناء على طلب منه. (ثالثا) لك قناة خاصة في إذاعة بغداد اشملها النهضة الروحية، أي اسم المجلة نفسها واحد أفرادك هو الذي يشرف عليه ويبث فمنها ساعتين في كل يوم، فلماذا لم تطلب غلق القناة تلك؟ قال: الكلام عبر الفضاء هواء في شبك أما المجلة هذه فمطبوع وملموس، والفرق كبيرين الكلام والكتابة. وبعد كلام طويل دار بيننا ومثل عادته أصر على رأيه. فقلت: لا أستطيع تغيير اسم المجلة لأنه ليس من اللائق أن تصدر مجلة لشهرين ثم يغير اسمها لأسباب ما أنز الله بها من سلطان، أن هذا مدعاة للسخرية والاستهزاء. قال: إن كان كذلك فأصحابي لا يقولون إصدارها. قلت: سيتولاها قوم آخرون، وكفى الله المؤمنين القتال. وامتنع أصحابه بناء على أوامره من العمل في المجلة كما قال، وتولاها مناضلون آخرون وصدرت المجلة حتى العدد الثلاثين بنفس الاسم ونفس المنهج المرسوم لها.

ومنذ أن أشرف على المجلة آخرون لم يذكر الخميني ونضاله في صفحاتها الأولى كما كان يذكر عندما كانت تحت إشراف زمرته. وحصلت لي قناعة أن من الأصلح أن اقطع صلاتي بالرجل الذي سبب لي متاعب لا أستطيع تحملها، وحصلت القطعية التي دامت لخمس سنوات لم أر فيها الخميني من القريب اللهم إلا في بعض المجالس العامة في النجف، ولم استجب الكثير من نداءات أصحابه أو ابنه لتجديد العلاقة به. وزار السيد أبو الحسن بني صدر العراق وحل في بيتي ضيفا في بغداد وحاول جاهدا أن يعيد العلاقات بيننا، فكان آخر كلامي له (هذا الرجل مريض بجنون العظمة، وأنه يضحي العالم وما فيه في سبيل حبه لنفسه وأنانيته، والتعاون مع إنسان كهذا لا يخلوا من الخطورة على الفرد المجتمع). قال بني صدر: أوافقك على كل ما تقوله، ولكن نحن نحتاج إلى زعم روحي يقود النضال ضد الشاه ولا يلين في جهاده بالوعد أو الوعيد وهذا هو الخميني ولا بديل له. قلت: حتى لو صح ما تقول فإنا لم أزل عند رأيي. ودامت القطيعة إلى عام 1967 حيث توفى ابنه مصطفى في حادث غامض لم يعرف له سبب وكنت في بغداد عندما اتصل بي هاتفيا ممثلة العام في النجف واخبرني بوفاة مصطفى وقال أن السيد الخميني يبلغك السلام ويرجو منك في هذه الساعة العصيبة أن تقف بجانبه في عرض رجائه على رئيس الجمهورية بإصدار الأمر لدفن ابنه في الروضة الحيدرية الأمر الذي كان ممنوعا بقرار مجلس قيادة الثورة، وما إني اعتقد أن محاسبة الناس في ساعات المحنة والنكبة مغاير مع الشهامة والأخلاق، ومع أنه لم يحضر فاتحة والدتي رحمة الله عليها في النجف بسبب القطيعة بيننا، وكان من حقي أن أرفض طلبه عملا بالمثل لكني قررت تلبية رجائه فاتصلت فورا بوزير الأوقاف الدكتور الجواري وأخبرته بالحادث

وبرجاء الخميني، ونقل الوزير رجاء الخميني إلى الرئيس الرجاء واعلم المسؤولين في النجف بالقرار ودفن مصطفى حيثما أراد واتصل بي حسين الخميني وهو يقد الشكر والامتنان الجزيل. وذهبت إلى النجف عصر نفس اليوم لتقديم التعازي إلى الأب المنكوب بفقد أكبر أولاده وطبعا يفقد صديق لي في الوقت نفسه، فاستقبلني وهو حزين القلب يردد عبارات الشكر والحمد وكان ابنه أحمد حاضرا في الجلسة وهو يبكي ويقول لي لن ننسى أفضالك. وأسجل هنا للتاريخ أن السيد المصطفى إذا كان على قيد الحياة لم يجرأ الخميني أن يفعل كثير من الأفعال التي فعلها، فهو كان بالنسبة لأبيه صمام الأمان وكان والده يخشى منه ومن غضبه، وكانت زمرة الخميني تخشاه أكثر مما كانت تخشى الخميني نفسه. وبعد أن مات مصطفى بصورة غامضة أشيعت في النجف شائعة مفادها أن زمرة الخميني هي التي قتلت مصطفى حتى يفصح لهم المجال بحرية العمل فمصطفى كان يمنع أباه من القيام بعمل حاد يتنافي مع مقامه وشيخوخته، وبالفعل بعد موت مصطفى خلا الجو لأحمد وللزمرة الخمينية واستطاعت أن تلعب بعقل الشيخ العجوز لتجعل منه مهزلة القرن وأضحوكة الزمان، وقد سمعت من مصطفى أكثر من مرة كان يقول (أبي هدام وليس بناء)، وكان إذا أغلظ أباه في الحديث ضد الشاه في خطبه وسبه وقذف عائلته كما كانت عادته منع مصطفى من تسجيل الحديث وطبعه إلا بعد حذف تلك العبارات الشانئة وكان يقول (هذا النوع من الكلام لا يليق بمرجع دين أو زعيم أو رجل في عمر أبي)، إنه كلام (المهرجين). ولم ألتق بالخميني بعد وفاة ابنه إلا مرة واحدة أخرى في نجف، ثم سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لغرض التفرغ العلمي في جامعة هارت فارد، وكنت في طرق العودة إلى بغداد وفي مطار أورلي في باريس صادف دخولي صالة المطار ورود الخميني صالة الداخلين،

فتصافحنا وسألته خيران إن شاء الله؟ قال: الخير فيما وقع. واجتمع نفر حوله كانوا في انتظاره، وبعد ذلك بشهرين كنت عائدا إلى أميركا ومارا بباريس حيث بقيت فيها أسبوعين ورأيت الخميني فيها عدة مرات، وأسجل هنا حوارين دار بيننا في آخر لقاء تم بيننا، أحد الحوارين يدل على أن الرجل من أهل الأحقاد العظام، والثاني يدل على أن الرجل مخادع مكار. الحوار الأول / قلت له: إني سأعود إلى طهران في القريب العاجل. قال: لماذا تعود إلى طهران إذاً؟ قلت: لأداء الواجب نحو الوضع الراهن. قال: تستطيع أن تؤدي واجبك في الخارج بعقد المؤتمرات الصحفية والعمل الإعلامي. قلت: ولكني سأعمل داخل إيران أفضل من خارجها. قال: لا اعتقد. قلت: ولكني سأعود على كل حال. وسكت الرجل ووجهه مكفهر، وانتهى الحوار. ولما خرجت من عنده قال لي صاحبي أرأيت كيف يريد إبعادك ولا يريد عودتك إلى إيران، أن حقده عظيم عليك. وكل ما بدر منه وفاة ابنه نحوك من الرجاء والشكر والثناء كان مكرا. قلت: لصديقي: ولا تكن في ضيقا مما يمكرون. إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. وأما الحوار الثاني / سألته، ماذا يكون عقاب الشاه لو ظفر الشعب به؟

قال: إذا لم يثبت إنه قتل أحدا من الناس مباشرتا فلا يجوز الاقتصاص منه. قلت: وفي رقبته دماء الآلاف من أبناء الشعب. قال: يقتص من المباشر في القتل وليس من الأمر. أن من أعجب العجائب وأغرب الغرائب أن صاحب هذا الكلام والرأي يقتل أربعين ألف إنسان في خلال أربع أعوام من حكمه، بين فتى وفتاة والشيخ والشيخة لأنهم قالوا (لتحيى الحرية وليسقط الاستبداد)، وصاحب هذا الرأي أيضا هو الذي أمر بقتل آلاف من الأكراد والعرب والبلوش والتركمان لأنهم قالوا (نريد حقوقنا المشروعة والتي اغتصبت في عهد الشاه). وأختم الفصل برد قضية سمعتها من ابنه مصطفى قبل بضع سنوات وأيدها الخميني عندما سألته عن صحته، قال لي مصطفى، عندما كان والدي في سجن الشاه وفي أشد الخلاف معه حكم محاكم الشاه على نفر من أنصاره بالإعدام ومنهم الطيب والحاجي رضائي لأنهما قادا التظاهرات في تأييده وقدمت جهات مختلفة التماس العفو إلى الشاه ليعفو عنهما فرض الشاه ذلك أن والدي عندما سمع ذلك قال إني مستعد أن أذهب إلى قصر الشاه وأقدم الالتماس للعفو عن هؤلاء المحكومين فيما إذا أكون على يقين بأنه يقبل التماسي ورجائي لأن فيه إنقاذ رجلين مسلمين من الموت وقد سألت الخميني عندما كان في النجف وفي مناسبة خاصة عن هذا الحديث الذي سمعته من مصطفى، فقال لقد صح ما سمعت. هكذا كان الخميني يتظاهر بالحب والحنان نحو عباد الله وخلقه حتى إذا وصل سدة الحكم انقض عليهم كالوحش الكاسر لم يأمن من سيفه حتى الصغار من صبية والصبيان وحتى الحوامل والجرحى. لقد صدق

قائل هذا البيت: صلى وصام لأمر كان يطلبه فلما قضى الأمر لا صلى ولا صاما.

الرعب المدمر

الرعب المدمر 1) اغتصاب الحرس الثوري الفتيات المجاهدات قبل اعدامهن 2) اربعين الف سجين سياسي 3) 300 الف قتيل ضحايا الحرب و60 الف قتيل ضحايا الحروب الاهلية 4) اضطهاد الامام الشر يعتمداري واعدام قطب زادة 5) غرفة الاغتيالات 6) اعتقال صهر الخميني في المانيا بسبب تهريب المخدرات 7) قصة مريم 8) الحجتية تنسف الخمينة 9) حاميها حراميها 10) التعذيب البشع في سجون الخميني 11) التاريخ يعيد نفسه 12) الخميني يرفض نداء علماء الاسلام 13) الخميني يقول: لاتلهيكم الحرب الصغيرة عن الحرب الكبيرة 14) المراهقون في جبهات الحرب مع العراق

(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27)) الرعب المدمر لقد مضى على تأليف الثورة البائسة عام ونصف عام وبسبب المرض الذي الزمني الفراش لمدة ثلاثة اشهر ومن ثم اسفار متلاحقة لم استطع تقديم الكتاب إلى المطبعة وها هو الكتاب يأخذ طريقه إلى النور بأذن الله وارادته. ان الشهور الثمانية عشر التي مرت على الثورة البائسة وهو بعد لم يقدم للنشر كانت شهور الاحداث الجسام في ايران فقد وصلت النكبات المتلاحقات إلى القمة وازداد عدد الضحايا بصورة مرعبة والتدمير الشامل للبلاد بلغ مبلغا عظيما لا يكاد يتصوره المرء. فكان لابد من تصحيح الارقام التي ذكرناها في الكتاب سواء تلك التي كانت تتعلق بالضحايا البشرية او الخسائر المادية. وهكذا تلك الاهوال الجسام التي مرت على الشعب الايراني المسكين في غضون هذه الفترة. لقد تم تصحيح الارقام في متن الكتاب عند مراجعتنا لتصحيحه ولكن رأينا من الافضل اضافة فصل خاص في آخر الكتاب يشمل كل الاحداث المرعبة والمدمرة التي حلت بايران في الفترة التي اشرنا اليها ولذلك جاء اسم الفصل بالرعب المدمر.

(1) اغتصاب الحرس الثوري الفتيات المجاهدات قبل اعدامهن لقد بلغ التوحش وتدمير الاخلاق اوجه في الجمهورية التي اسسها الخميني ولدى حرسه فلم يحدث حتى في العصور المظلمة والقرون الوسطى ما يحدث الان في سجون ايران وحتى المغول والتتار وما عرف عنهم من وحشية وتدمير ورعب وارهاب لم يرتكبوا ما يرتكبه حرس الامام بالنسبة لشعب ايران. ان هذه الزمرة المتوحشة تغتصب الفتيات المنتميات إلى (حزب مجاهدي خلق) قبل تنفيذ حكم الاعدام بهن. وها انا اشهد الله ورسوله بانني سمعت بهاتي اذني من شخصية دينية مرموقة (¬1) احتفظ باسمه خوفا على حياته انه قال لي والدموع تسيل من عينيه (ان هذا الامر الرهيب والخطب الفادح يحدث في سجون ايران والخميني يعلم بما يحدث وهو صامت لا ينبس بكلمة لان الذي يهدر دماء المسلمين والمسلمات لن يأبى من هدر اعراضهم) وقد تواترت الانباء عن ابنة احد الاطباء المعروفين والتي عثرت امها بين مخلفاتها التي حملت اليها بعد اعدامها هذه العبارة التي كتبتها على قميصها بالمداد (يا ابتاه ان حرس الثورة تجاوزوا على شرفي سبع مرات وها انا اساق إلى الموت بلا ذنب او جرم). والوقاحة الاشد والانكى هي ان حرسا ثوريا يذهب إلى ام الضحية وابيها ويقدم لهما مبلغا زهيدا يعادل عشرة دولارات ويقول لهما متبجحا ساخرا شامتا هذا مهر ابنتكم التي اعدمت وانا تزوجتها زواجا موقتا قبل ¬

(¬1) هذه الشخصية الدينية هو الامام المجاهد الكبير السيد رضا الزتجاني الذي التقينا به هنا عندما كان في سفر للعلاج وقد وافته المنية عندما كان هذا الكتاب تحت الطبع. فلذلك رأينا الأفصاح عن اسمه.

الاعدام حتى لاتدخل الجنة لاننا سمعنا من كبرائنا ان الباكر لاتدخل النار فكان لابد من ازاحة هذه العقبة لدخول ابنتكم النار. وقد حدث مرارا وتكرارا ان هذه الوحوش الكاسرة اعتدوا على اعراض المسلمات واغتصبوا الفتيات امام امهاتهن واقربائهن. ان القصة الحزينة التير يرددها الشعب الايراني في كل مناسبة هي قصة تلك الفتاة التي اعتدى اربعة حراس الثورة الاسلامية على شرفها وبحضور امها وذلك عندما داهموا بيتها لالقاء القبض على ابيها فلم يعثروا عليه وقد كانت وطأة الحادث المرعب شديد على الفتاة بحيث فقدت اتزانها واصيبت بالجنون فحملت على مغادرة ايران للعلاج ولكن العلاج لم يجد نفعا واخيرا انتحرت الفتاة بأن القت بنفسها من بناية شاهقة لكي تنسى جحيم الامام الخميني. وقد حدثني قاض الشرع في مدينة يزد الايرانية انه عندما حكم بالاعدام على احد افراد الحرس الثوري لانه داهم بيتا للسرقة واعتدى على شرف زوجة صاحب البيت خرج حراس الثورة يشيعون زميلهم المعدوم وهم يرددون بصوت واحد (ايها الاخ الشهيد اننا سنسير على دربك) وبعد يومين عزل الخميني قاض الشرع لانه اعدم حاميا من حماة الاسلام على حد تعبيره. (2) اربعون الف اعدام سياسي لقد تجاوز عدد الذين اعدمتهم المحاكم الثورية حتى كتابة هذه السطور اربعين الف شاب وشابة وشيخ وشيخة ثلاثون الف منهم فقط من حزب مجاهدي خلق كما ان بين هذه الضحايا بضعة الاف من الفتيات والفتيان الذين لم يبلغوا سن الرشد ولكن الجلادون لم يرحموا الصغار كما لم يرحموا الكبار.

(3) 300 الف قتيل ضحايا الحرب و 60 الف قتيل ضحايا الحروب الاهلية لقد تجاوز عدد ضحايا الحرب الدائرة رحاها بين ايران والعراق منذ اربع سنوات ثلاثمائة الف قتيل ونصف مليون معوق كما ان ضحايا الحروب الاهلية الدائرة رحاها في كردستان وغيرها تجاوزت الستين الفا واذا اضفنا إلى هذه الاعداد الاربعين الف شخصا الذين اعدمتهم المحاكم الثورية فيكون مجموع الاشخاص الذين لاقوا حتفهم في ايران منذ استيلاء الخميني على السلطة اربعمائة الف قتيل أي بمعدل ثلاثمائة قتيل في كل يوم وقد بدا واضحا وجليا وبعد ان رفض الخميني الصلح مع العراق اكثر من مرة ان ثلاثمائة قتيل في كل يوم لاتروى عطش الامام في اراقة الدماء فهو يطلب المزيد ثم المزيد. (4) اضطهاد الامام الشريعتمداري واعدام صادق قطب زادة لقد كان الامام الشريعتمداري مضطهدا منذ سنتين ولكن هذا الاضطهاد بلغ اوجه وبلغ مرحلة لم تحدث لها نظير حتى الان في تاريخ المرجعية الاسلامية في ايران وفي غير ايران. فقد اتخذ الخميني مؤامرة قطب زادة الفاشلة ذريعة للبطش بالامام الشريعتمداري وازاحته تماما من الطريق. فقد اتهم الشريعتمداري بالاشتراك في المؤامرة تلك وقد بلغت الوقااحة والخسة بالجلادين المعروفين الشيخ صادق الخلخالي واللاجوردي ان ذهبا إلى دار الامام وطلبا منه ان يعترف بالاشتراك في المؤامرة وتمويله لها وعندما نهرهما الشريعتمداري بشدة صفع اللاجوردي الامام البالغ من

العمر ثمانين عاما ثم قال له سنغتصب عرضك امام عينيك اذا لم تقل ما نمليه عليك وهكذا ارغم الامام ان يقول ما اثلج صدر الخميني واذاعت التلفزة والراديو اعترافات الامام حسب ادعائها ولم يقنع الخميني بكل هذا بل امر بوضع الشريعتمداري تحت الحراسة المشددة في بيته لايزور ولايزار وعندما طلب الامام الشريعتمداري السماح له بالسفر إلى خارج ايران للعلاج من مرض السرطان رفض الخميني ذلك قائلا فليعالج داخل ايران. اما قطب زادة فقد اعدمه الخميني ولم يرع فيه السنوات العشرين التي افناها في خدمته وقد ابنه الرئيس ابو الحسن بني صدر بقوله "هنيئا له فقد لاقى حتفه على يد اشقى اهل زمانه " حقا لقد صدق رسول الله صلى الله عليه واله وسلم " من اعان ظالما سلطه الله عليه. " (5) غرفة الاغتيالات لقد اسست غرفة الاغتيالات في دائرة ساواما التي حلت محل السافاك القديم. ويشرف على اعمال هذه الغرفة احمد الخميني ابن الامام الخميني والشيخ صادق الخلخالي واللاجوردي المعروفين ومهمة هذه الغرفة اغتيال المناوئين السياسيين للنظام في خارج ايران. ولهذه الدائرة ميزانية خاصة لا علاقة لها بميزانية الدولة بل تتصل مباشرة بميزانية الخميني الخاصة حتى تبقى اسرارها واعمالها سرية لايعرف بها احد الا الله والاشخاص الثلاثة المشرفين عليها. رحم الله قائل هذا البيت افضل من افضلهم صخرة ... لاتظلم الناس ولاتكذب

(6) اعتقال صهر الخميني في المانيا بسبب تهريب المخدرات لقد شاء الله ان يفضح هذا النظام الفاجر الذي اعدم اكثر من الف واربعمائة شخصا حتى الان بتهمة الاتجار بالمخدرات امام الاجيال الحاضرة والقادمة. فقد اعتقلت في اذار هذا العام (1983) الشرطة الالمانية في دوسلدرف صادق الطباطبائي وهو صهر الخميني واقرب المقربين اليه ومرشحه لرئاسة الدولة وهو يحمل في حقيبته اليدوية كيلوغراما وستمائة غرام من الافيوان. ولم يخجل النظام الحاكم في ايران من هذه الفضيحة بل بذل قصارى الجهد للافراج عنه وهدد النظام الايراني الحكومة الالمانية بقطع العلاقات السياسية معها اذ لم يفرج عن السجين الجبيب واخيرا رضخت الحكومة الالمانية إلى طلب ايران وافرجت عن الطباطبائي حيث طار إلى طهران واستقبله الخميني مباركا له الخلاص من سجن الالمان وفي صباح اليوم التالي اعلنت الحكومة الايرانية في نشرات اخبارها هذا النبأ. " لقد تم تنفيذ حكم الاعدام بحق احد عشر متهما بتهريب المخدرات في فجر هذا اليوم ". (7) قصة مريم انها القصة التي ترددها الالسن في كل مكان من ايران ومريم هي ابنة مصطفى ابن الخميني الذي وافاه الاجل في النجف (العراق) وعمرها لم يتجاوز السادسة عشر لقد جاءت الحفيدة إلى جدها وقالت له ماذا يكون الجواب يا جداه اذا قال مجتهد ورع عادل بأنك لست مسلما بسبب الاعمال التي ارتكبتها وتقليدك حرام في هذه الحالة وهنا سألها الجد بمكر

ودهاء من الذي يقول هذا الكلام يا ابنتاه؟ فأجابت الفتاة ببرائة الفتاة الساذجة المراهقة انه جدي لامي الامام الشيخ الحائري. فاكفهر وجهه الجد العجوز وقاله لها ناهرا اياها اخرجي من عندي ولاتعودي إلى داري ابدا. ولم يسمح الجد منذ ذلك اليوم ان تدخل عليه حفيدته اما الشيخ الحائري فهو الشيخ مرتضى اليزدي الرجل الذي يستسقى الغمام بوجهه ولا يختلف اثنان في علمه وورعه واجتهاده وتقواه وليس الامام الحائري هو الوحيد بين علماء الاسلام في ايران والذي قال في الخميني ما كدر صفو حياته بل هناك اعلام اخرون قالوا في الخميني المقالة نفسها ولكنهم لم يعلنوا ذلك خوفا من بطش الرجل بهم ولقد قال احد هؤلاء انه لايخشى من الخميني على نفسه ولكنه يخشى على عرضه فالامام الشريعتمداري خير نموذج لكل من اراد النيل من الخميني. (8) الحجتية تنسف الخمينية الحجتيون قوة دينية تسير في شريان الشعب الايراني ومن الصعب القضاء عليها مهما حاول الخميني. وليست الحجتية ظاهرة جديدة في ايران ولكنها ظهرت على مسرح الأحداث بعد ان ملأ الخميني البلاد فسادا وشرا ونكرا باسم الدين وتحت غطاء ولاية الفقيه. وتطلق على هذه الجماعة (الحجتية) تبركا باسم الحجة محمد ابن الحسن المهدي وهو الامام الثاني عشر للامامية في كل مكان. وعلماء الامامية قاطبة يعتقدون ان ولي امر المسلمين الذي يحق له ان يتصرف في شؤون الامة انما هو الامام المهدي الذي سيظهر بارادة الله ليملأ الارض قسطا وعدلا بعد ان ملئت جورا وظلما وليس لاحد غيره ان يتصدر هذا

المنصب ولذلك فان ولاية الفقيه التي اتى بها الخميني انما هي بدعة وضلال. وقبل ايام قليلة خطب الامام الطباطبائي القمي في جمع حاشد بمشهد الرضا عليه السلام واعلن هذا الرأي بجرأة وندد بولاية الفقيه وندد باستمرار الحرب مع العراق وقال ان الدماء التي تراق في ساحات القتال كلها برقبة الخميني وهو المسؤول عنها امام الله كما ان رفض الصلح الذي اقترحه العراق اكثر من مرة انما هو خروج على دستور الاسلام. وقد اراد الخمينيون ان يبطشوا بالامام الطباطبائي بعد هذا الموقف الشجاع ولكنهم لم يستطيعوا لما يتمتع به من شعبية عظيمة في البلاد ثم ان الامام الطباطبائي كان زميلا وندا للخميني في نضاله ضد الشاه وسجن معه في زنزانة واحدة اربعين يوما وبعد ذلك حمل الخميني على مغادرة ايران ليسرح ويمرح في ارض الله الواسعة قرابة خمسة عشر عاما اما الامام الطباطبائي فقد قضى كل هذه الفترة في سجن الشاه او قيد الاقامة الجبرية في مناطق نائية من ايران ولذلك لم يكن من السهل اخماد صوت الامام الطباطبائي القمي كما اخمدوا صوت الآخرين من الشخصيات الدينية الكبيرة. (9) حاميها حراميها لقد وصل الاستهتار في سلب اموال الشعب وممتلكاته في ظل النظام الحاكم إلى مرحلة خطيرة لابد من تسجيلها للتاريخ. فاللجان الثورية والمحاكم الثورية ليستا الوحيدتان في سرقة اموال الشعب وممتلكاته. ويبدو واضحا وجليا ان تلك الطبقة التي كانت تمد يدها إلى هذا وذاك

بالامس القريب لملء بطنها لم تقنع بمئات الملايين التي سرقتها من اموال الشعب باسم حماية المستضعفين بل ابتكرت اسلوبا بشعا آخر لسرقة اموال الامة. فالقابضون على السلاح في ايران يرسلون المسلحين في اناء الليل إلى دور الاغنياء ليسرقوا النفيس والغال منها واذا ذهب احدهم إلى السلطة يشكو مما حل به اصابه من الاذى والشر ما جعله يردد قائلا رضينا من نوالك بالرحيل. واما قصة العمولات التي يقبضها احمد الخميني وصهره صادق الطباطبائي من الشركات الاجنبية التي يستوردون منها الاسلحة والاغذية والحاجات الاخرى فانها تفوق الخيال. ان الضالعين بشؤون ايران الداخلية يعتقدون ان الاموال التي سرقها احمد الخميني وبطانته وصهره في اربعة اعوام من عمر الزمان يفوق ما استولى عليه الشاه واسرته في ثلاثين عاما من حكمه باضعاف مضاعفة. (10) التعذيب البشع في سجون الخميني ابشع من سجون السافاك ان انين السجناء السياسيين تحت التعذيب في سجون الامام الخميني يسمع الصم وينطق البكم. ان الاعمال الوحشية والربرية التي ترتكب بحق السجناء تفوق كثيرا على ما كانت تحدث في سجون السافاك بل حتى في سجون بوكاسا في افريقيا الوسطى. ان حديث الناس في مجالسهم ونواديهم تدور غالبا على اولئك الذين اصابتهم لوثة عقلية بسبب التعذيب الذي تعرضوا له على يد الحرس الثوري وقد اصبح شفائهم متعذرا لهول العذاب الذي لاقوة من حراس الاسلام على حد تعبير الامام الخميني.

ان قلع الاظافر وحرق الجسد بالسيجار والجلد حتى الاغماء وهكذا التجويع والتعطيش امر رائج في سجون الخميني ولكن الابشع والانكى هو تعذيب الاطفال الرضع امام امهاتهن لاخذ الاعتراف منهن اما ما يلاقيه افراد حزب مجاهدي الخلق على يد هذه الوحوش الكاسرة فقد تفوق الخيال. ان الشرط الاول والاخير لمن اراد من افراد هذا الحزب ان يظهر الندم وينجي نفسه من الاعدام هو ان يعرف اثنان من افراد حزبه للسلطة وان يطلق النار بنفسه على واحد من افراد الحزب عندما يحكم عليه بالاعدام. واخيرا افتى الخميني بتوقيعه على سحب دم المحكومين بالاعدام في محاكمه الثورية حتى يستفاد منه جرحى الحرب مع العراق. انه امر لم يحدث حتى في سجون هيتلر بالمانيا ولا في سجون ستالين في روسيا. (11) التاريخ يعيد نفسه ارى من الضرورة بمكان ان اسرد هنا حديثا دار بيني وبين الخميني عندما كان لاجئا في العراق دخلت عليه في غرفته في النجف الاشرف فرأيته مهموما مغموما حزينا كئيبا فسالته عن سبب حزنه وهمومه فاجابين انه يلاقي من ايادي الشاه الامرين وان انصار هذا الاخير بين رجال الدين الايرانيين ولا سيما انصار الامام الحكيم اقوياء يشلون كلما يريد القيام به واضاف ان امله في ازاحة الشاه اصبح ضعيفا لان الشعب الايراني بدا وكانه مل من القيام بعمل حاد ضده ولاسيما المرجعية العامة المتمثلة بالامام الحكيم تساند الشاه وتؤيده وهذا سند عظيم للنظام الايراني. قلت له ليست العبرة بما تسمعه وتراه هنا بقوة الشاه الظاهرية فانها قوة

السيف التي اذا التقي باقوى منه انهار وسقط ان مايحدث الان في داخل ايران يحكي بوضوح ان النظام منهار معنويا وقد وصلت الحالة بالشاه الذي كان الشعب يحبه ويحترمه ويجله انه يتسكع من هذا وذاك كلاما في مدحه ومآثره ان الشاه الذي كان يخاطبه الامام البروجردي العظيم بالشاه نشاه وخلد الله ملكه وصل إلى مرحلة من الضياع بحيث يأبى اصغر رجال الدين منزلة ان يجيب على تحيته وانا واثق تماما ان أي نظام يسقط معنويا لابد وان يسقط عمليا ايضا ولكن الامر بحاجة إلى بعض الوقت. فكر الخميني مليا ثم قال لي ان ما تقوله صحيح تماما ولكن من المؤسف ان اكثر الناس لايدركون مغزى هذا الواقع اني اخشى ان يدب اليأس إلى نفوس الناس. قلت له لاتخشى ولا تحزن فلا يسقط حق ورائه مطالب. كان هذا الحوار في عام 1971 وبعد اثنتي عشرة سنة من ذلك اليوم يعيد التاريخ نفسه واذا بالخميني الذي حل محل الشاه بعد اللتيا والتي وكان في بداية ايامه مظهرا من مظاهر الوحدة الوطنية وحب الشعب والتفاني في سبيله يصبح مظهرا من مظاهر القسوة والتوحش والفرقة وسفك الدماء. ويصل حقد الشعب عليه وعلى نظامه واركانه إلى مرحلة لم يحدث لها مثله نظير في تاريخ ايران حديثا وقديما. فاذا به سجين الشعب في جحره بقصبة جماران واركان نظامه بين مقتول ومعوق على يد الشعب الثائر وما بقى منهم لائذون في جحورهم من غضب الشعب واذا ساروا في الشوارع ساروا بسيارات الاسعاف لتمويه هوياتهم. وفي خلال اربعة اعوام فقط من عمر هذا النظام استطاع ابطال من ابناء الشعب البررة الصامدين ان يرسلوا إلى الدرك الاسفل من النار اكثر من مائة وخميسن رأسا من رؤوسهم الكبيرة والماكرة.

ولم يحدث قط في تاريخ اية امة من الامم في حاضرها وغابرها ان تصل ضحايا اركان النظام الحاكم على يد الشعب إلى هذه الضخامة. انه ايذان بانهيار النظام الذي سقط معنويا وسينهار بكامله في يوم قريب لا مناص منه. (12) الخميني يرفض نداء علماء الاسلام لقد اجتمع في بغداد اربعمائة عالما من علماء الاسلام في منتصف شهر نيسان من هذا العام (1983) وكانوا يمثلون اثنين واربعين بلدا فكان اضخم مؤتمر اسلامي عام يعقد في بغداد. وقد وجه المؤتمرون إلى الخميني نداء يطلبون منه ان يستقبل الوفد الذي انتخبه المؤتمر من كبار علماء الاسلام ليبحثوا معه سبل الاصلاح بين البلدين المسلمين. وقد كان المؤتمرون من علماء الاسلام متفائلين بنتائج جهودهم الخيرة وذلك لان الرئيس العراقي صدام حسين الذي حضر جلسة من جلسات المؤتمر خاطب العلماء المسلمين بهذه العبارات التي نسجلها هنا وبنصها للتاريخ. " لقد علمت بانكم قررتم ان ترسلوا دعوة إلى ايران وحسنا فعلتم " " فالواجب الشرعي عندما تتهيأ الظروف يقتضي ان يستمع المسلمون " " إلى الطرفين لكي يعرفوا الحق واين الحقيقة ونحن من جانبنا ليس" " لدينا تعصب تجاه اية فكرة منطقية واسلامية وانسانية، ونحن نعتبر " " قراركم هذا يحتوي على كل المعاني التي اشرنا اليها .. ورغم اننا في " " حالة حرب وقد يكون خلافا للمقاييس الدولية ولكناه ليست "

" نقيضة لمقاييسنا الاسلامية والعربية عندما نقول باننا نوافق " " ونستضيف حتى الخميني نفسه في ان يحضر إلى هذا المكان مثلما" " سبق لهذا الشعب ولهذه الارض ان استضفته 14 عام اذ ربما في" " استضافته مرة اخرى ما يذكره بالاستضافة الاولى وما يفتح امام " " الجميع فرص الخير والسلام والمحبة واكثر من هذا وايضا ربما خلافا " " للمقاييس المتعارف عليها في العرف الدولي ومسئولية الدول والحكام " " في الدول اقول مسبقا باننا نوافق على كل قرار تتخذونه في هذا " " المؤتمر، ومن الان نعطي الموافقة من اعلى سلطة في الدولة مع الاعتذار " " لشعب العراق ولفقهاء القانون الدولي والعاملين في السياسة " " والقوانين اذ ربما ينتقدون صدام حسين ويقولون كيف يجوز لرئيس" " دولة ان يعطي قرارا مسبقا بالموافقة على امر لايقره ولا يراه ولا" " يعرفه .. فاقول تعليقا على هذا بأن هذه الصفوة الخيرة التي جاءت" " من كل بطاح الارض من المسلمين اذا ما اجتمعوا عل رأي فهو " " الرأي الصواب وحتى لو كان لنا رأي آخر فلا نعتقد بأن رأينا هو " " اصوب من رأي هذه الجماعة. واذا كل واحد منا اعتبر اجتهاده بانه " " بديل عن الكل فليس بمقدور أي منا ان يلتقي ويتفاعل مع " " الاخرين ولنا من تاريخ المسلمين ومن علاقات زعمائها ومفكريهم" " وقادتهم الاوائل بما في ذلك العلاقة بين قادة المسلمين وبين الرسول " " الكريم (- صلى الله عليه وسلم -) ما يجعلنا نهتدي إلى الطريق الصحيح ". لقد زعم كثير من اعضاء المؤتمر الاسلامي ان هذا التسامح الكبير في خطاب الرئيس العراقي سيعطي للخميني فرصة ذهبية لقبول الصلح وايقاف النزيف الدموي الذي لايرضى به الله ولا رسوله ولكن الامر المؤسف المحزن هو ان رد الخميني جاء مخيبا للآمال ورفض استقبال قادة المسلمين وفوت على نظامه وعلى نفسه خير الدنيا والاخرة ولم يقنع الخميني

برفض نداء الصلح الذي وجهه اليه علماء المسلمين باسم الاسلام ومصلحة المسلمين بل اخذ يشتم ويسب العلماء الذين حضروا بغداد استجابة لنداء القرآن الكريم والواجب الديني وعبر عن المؤتمر بمؤتمر الشياطين. لقد وجهت إلى الخميني خطابا عبر الاثير بعد ان سمعت مقالته في علماء الاسلام ختمته بهذه العبارة " واما قولك ان مؤتمر علماء المسلمين (¬1) كان مؤتمر الشياطين فاقول لك وكل اناء بالذي فيه ينضح ". (13) الخميني يقول: (لاتلهيكم الحرب الصغيرة عن الحرب الكبيرة) جمع الخميني خطباء المساجد واجهزة اعلام نظامه واركان حكومته وخطب فيهم قائلا: " ان مايحدث في لبنان ولا سيما بعد احتلال اسرائيل لتلك البلاد انما هي مؤامرة لصرف انظاركم إلى تلك المنطقة المنكوبة والتقليل من شأن الحرب مع العراق. ان الحرب الكبيرة هي الحرب مع العراق واما الحرب مع اسرائيل فانها الحرب الصغيرة فلذلك لاتلهيكم الحرب الكبيرة عن الصغيرة ". هكذا ساند الخميني بيغن في احتلاله للبنان وهذا هو المنطلق الذي ينطلق الخميني منه لحفظ مصالح الاسلام والمسلمين والامة العربية. اما السبب الذي حدا بالخميني ان يخطب هذا الخطاب هو ان احداث لبنان بعد الاحتلال الاسرائيلي لها احدث رد فعل عنيف في ايران ولدى الشعب الايراني الذي بدأ يتسائل لماذا رفض الخميني اقتراح وقف ¬

(¬1) "1" لقد حضرت هذا المؤتمر على رأس وفد من المجلس الاسلامي في غرب امريكا.

اطلاق النار الذي اقترحه العراق في تلك الايام كي يكرس جهوده لمساعدة اللبنانيين في محنتهم كما انه ظهر شعور عام لدى الايرانيين بمساعدة لبنان. وجاءت تصريحات كبار المسؤولين في الدولة دليلا على اهتمام اركان النظام بما يحدث في لبنان. والخميني على عادته المألوفة ينتظر حتى يقول كل كلمته ثم يدلي برأيه ليحسم الموقف نهائيا وهكذا فعل في احداث لبنان فحسم الموقف في صالح اسرائيل. وبعد ذلك الخطاب لم يسمع احد من المسئولين اية كلمة بالنسبة للبنان ولا الصحف اشارت اليها باهتمام ولا سمح للشعب الايراني ان يبدي شعورا نحو المحنة الكبيرة التي كانت تمر بالشعب اللبناني والمقاومة الفلسطينية. وهنا لابد من تقديم الشكر الجزيل إلى الامام الخميني وذلك باسم بيغن وشارون ومن ورائهما الكسندر هيغ وزير الخارجية الامريكية المعزول والذي خطط لهذا الاحتلال. (14) المراهقون في جبهات الحرب مع العراق قبل انهيار المانيا بشهور قليلة امر ادولف هيتلر بارسال الشباب المراهقين إلى جبهات القتال حتى يسد الفراغ الذي احدثه ضخامة الضحايا بين جنوده. وامر الخميني ان يسد الفراغ الموجود بين جنوده بالشباب الذين لم يبلغوا الحلم ولكن اضاف الخميني مهمة اخرى إلى مهمة المراهقين الذين يساقون إلى جبهات القتال وهي القيام باعمال انتحارية انها السير على الالغام وتفجيرها. ويبدو واضحا ان هذه المهمة التي تناط بالاغنام في اماكن اخرى من العالم لتفجير الالغام تناط في ايران الخميني وفي نظام الجمهورية الاسلامية بالشباب المراهقين السذج الذين تلتقطهم اجهزة الامام من ساحات الابتدائية والثانوية او من

الشوارع ليلقوا حتفهم في المناطق الملغومة. وهكذا نرى بوضوح ان قيمة الانسان في الفلسفة الخمينية ارخص بكثير من قيمة الحيوان. حقا ان مايحدث اليوم في ايران يجسد لنا مأساة الانتحار الاجتماعي الذي حدث في غويانا قبل خمسة اعوام ولكن بصورة اكبر واكبر ولايستبعد ابدا ان يكون القس جونس هو الذي الهم الامام الخميني ان يسير على طريقته في الطرف الاخر من الكرة الارضية ولكن بفارق واحد الا وهو ان القس قد انتحر بعد ان اباد التسعمائة شخصا الذين كانوا من مريديه وتابعيه ولكن الامام الخميني لم ينتحر بل ينتظر بفارغ الصبر ان يرى ابادة الامة الايرانية عن بكرة ابيها ليتنفس بعد ذلك الصعداء ويشكر الله على ذلك ويحمده لانه ادخل إلى الجنة امة وشعبا على حد زعمه. لقد كان اعتراض الآباء والامهات شديدا وعنيفا حيث خرجوا في تظاهرة. يرددون " اذا كانت هذه شهادة ومن ورائها الجنة فلماذا لم يرسل الخميني ابنه احمد او احد افراد عائلته إلى الجنة " ولكن الحرس الثوري اباد المتظاهرين باسلوبه العنيف واصدر الخميني فتوى يقول فيها " ان الاطفال الذين لم يبلغوا سن الرشد يستطيعون الذهاب إلى جبهات الحرب مع العراق بدون موافقة ابائهم وامهاتهم " وهكذا افتى الخميني بما يتناقض ودستور الاسلام ونصوصه الواضحة. انها بدعة واضحة في الدين وخروج على اجماع الامة الاسلامية وفقائها.

المطاف الاخير

(ان الذين قالو ربنا الله ثم استقموا تتنزل عليهم الملئكة الا تخافوا ولاتحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون) المطاف الاخير • نداء إلى الشباب الذين يسطرون التاريخ بدمائهم الزكية. • إلى المناضلين في كل مكان. • إلى الذين زعزعت اعمال النظام الحاكم باسم الاسلام معتقداتهم الدينية. • إلى علماء الاسلام في كل مكان.

المطاف الاخير لقد حان الوقت والكتاب بلغ نهايته ان اصارح جهات عديدة تهددهم اخطار النظام الحاكم في ايران بالحقائق التالية: 1 - النظام الارهابي الحاكم في ايران لايستطيع الصمود امام التيارات المختلفة التي بدأت تعصف به من كل جانب، ولكن المشكلة الاساسية هي عدم اتفاق المعارضة فيما بينها في تعيين الطريقة التي يجب وينبغي أن تسلك لاسقاط النظام، لقد قلت لابو الحسن بني صدر في باريس ان المعارضة في اوربا وامريكا وغيرهما لاتستطيع اسقاط الخميني وزمرته، ان النظام يجب ان يسقط على يد المعارضة الداخلية وكان هذا هو رأيه ايضا، وفي لقاء مع شخصيات عسكرية وسياسية في اوربا اكدت على هذه النظرية وكنت اسمع تأييدا مطلقا لرأيي، ومع كل هذا لم يتحرك احد من اقطاب المعارضة من مكانه ليترك كرسيه الوثير قاصدا الحدود الايرانية ليبدأوا مسيرة الحرية والشرف، ولذلك فاني اكرر هنا ماقلته اكثر من مرة، وهو ان اسقاط الخميني وزمرته لا يمكن ان يتحقق الا بمجابهة داخلية مع اركان نظامه، وهذه المجابهة يجب ان تبدأ من الحدود وتنتهي في العمق، ان سقوط مدينة من المدن الكبيرة مثل كرمنشاه او شيراز في يد الثوار يضمن سقوط المدن التي تليها وحتى ان تصل رايات الحرية إلى طهران، واني لا اشك ان مدينة واحدة اذا سقطت فان الجبهة

الداخلية التي تنتظر الفرج العاجل ستلتحق بتلك القوى الثائرة وتوحد صفوفها وتتعاون معها للقضاء على الزمرة الحاكمة. ان فيدل كاستروا اسقاط باتيستا بهذه الطريقة، وان أي شعب يريد الحياة يجب ان يتحرك على هذا النمط المعقول. ان الوضع الداخلي في ايران الان مهدد بالانفجار، فقد بلغ الوضع إلى مرحلة من السوء لايمكن تصويره، ولكن لعدم وجود قوة منظمة تثبت وجودها وتستطيع استقطاب الملايين من الشعب الذين ينتظرون ساعة الخلاص بفارغ الصبر يستمر الخمينيون على كراسي الحكم شاهري سلاح الابادة والقمع، ان من السذاجة ان نتصور احتمال وقوع انقلاب عسكري يطيح بالنظام القائم في الوقت الراهن بسبب التصفية الشاملة التي تعرض لها القادة العسكريين الكبار وحتى الضباط منهم، ثم ان الحرس الثوري الذي اسسه الخميني على غرار أي أي النازي والحساسية الموجودة بين القوتين يجعل من الصعب ان يقوم العسكر بانقلاب ناجح، اما الثورة الداخلية على غرار ما حدث ضد الشاه فهذا ايضا صعب لسببين اساسيين، (اولهما) الارهاب الحاكم على البلاد والذي يفوق الارهاب الذي شهده الشعب الكمبودي في ظل نظام الخمر الحمر وزعيمهم بل بت، (والثاني) ان الشعب لايلتف بسهولة بعد الان حول اية شخصية سياسية تريد قيادته بسبب الخدعة الخمينية الكبرى، فاذا كان مرجعا دينيا مثل الخميني وهو يحمل على رأسه شعار الانتساب إلى رسول الله وبعد نضال طويل وحياة قضاها في العلم والتقوى والزهد يجسد بين عشية وضحاها قصة الشيطان ويخرج من جلده مشمرا ذراعيه لقتل العباد وافناء البلاد، ويخون ثقة الشعب وحسن ظنه به وبلبوسه وبمواعيده وهواليه مطمئن البال.

فهل يستطيع شعب بعد هذا ان يلتف حول قائد ديني او سياسي او عسكري؟ كلا. اني اعتقد ان اكبر خيانة ارتكبها الخميني وزمرته، انهم افسدوا ثقة الشعب وايمانهم بالثورة والقائد والنضال، فلذلك ليس من السهل تحريك الجماهير حول قائد جديد يقود الثورة المضادة، اللهم الا اذا كان ذلك القائد فذا يضع الامور في نصابها ويعيد الامن والاستقرار إلى البلاد ويقضي على هذه الفوضى السائدة، وتعدد مراكز القوى، ويسحب الاسلحة النارية من ايدي الناس، ويعيد إلى البلاد الامان والاستقرار والاطمئنان والكرامة المهدورة، فحينئذ يكسب ثقة الشعب لانه قدم اليهم مايرضيهم وماكانوا بحاجة ملحة اليه، والقائد الفذ لن ينتخب انتخابا بل يفرض نفسه على الشعب فرضا ويستقطب الجماهير من كل صوب وحدب. وهنا اود اشير إلى موضوع خطير جدا ارجو ان لا يساء فهمه، وهو ان خلافنا مع الخميني وزمرته الحاكمين المعممين ليس ابدا لانهم رجال دين في ظاهر الاحوال يحكمون البلاد، فانا اول المؤمنين بسيادة الشعب على مصيره والسيادة الشعبية تعني ان الشعب حر في ان ينتخب من يشاء للحكم وتسير دفة البلاد، والسيادة الشعبية لا تتقيد بقيد، والديمقراطية لاتتجزأ ابدا، ورجل الدين الوطني المخلص كسائر الرجال يستطيع ان يتبوأ أي مقعد يقدمه اليه الشعب ويختاره لملثه، ونحن عاصرنا الاسقف مكاريوس رئيسا لجمهورية قبرص ووزراء معممين في دولة الرئيس عبد الناصر بمصر، ووزيرا وعالما فذا هو الشيخ محمد رضا الشبيبي في العراق، وفي ايران انتخب الامام الكاشاني رئيسا لمجلس الشورى وقبله توزر الامام السيد حسن المدرس، اذن المشكلة القصوى ليست المهنة والتخصص

العلمي في الحاكمين ولا لبوسهم، بل المشكلة الخطيرة التي يعاني منها الشعب الايراني ونحن لها بالمرصاد هي ان الحكام الايرانيين معممين وغير معممين اغتصبوا الحكم بالتزوير والتزييف وهم يحكمون البلاد بالنار والحديد، وكل جرم وجريرة وفساد يرتكبونها ينسبونها إلى الاسلام تشويها لسمعته وخداعا للشعب. ان الخميني وزمرته اذا كانو يحكمون ايران بالديمقراطية السليمة وكانوا يمثلون الشعب تمثيلا ديمقراطيا صحيحا لم يكن من حق احج ان يعترض على الشعب في انتخاب ممثليه، ولكن كما يعلم الجميع ان هؤلاء استولوا على الحكم بالخدعة والمكر ونصبوا انفسهم ولاة على الشعب في ظل دستور مزيف مهين، واستولوا على الحكم بفضل انتخابات مزيفة ومزورة بيضت وجه النظام الملكي المقبور، وعندما وجدوا ضالتهم اخذوا يستبدون بالامور كابشع طغاة التاريخ، واتخذوا القمع الدموي الرهيب الاداة الوحيدة لبسط سلطانهم على الشعب الذي كان يطالب بحقوقه المغتصبة، ولذلك فنحن نقول بصراحة اننا لسنا من انصار الرهبانية، فلا رهبانية في الاسلام بل اننا من انصار الحرية السليمة التي هي جزء لايتجزأ من الاسلام. واذا قلنا على الزعامة الروحية ان تترفع عن المناصب الزمنية فهذا لا يعني انه حرام عليها ولكننا نود القول ان من الاليق والاولى على الزعيم الروحي ورجل الدين ان لايشغل نفسه الا بمهامه الروحية العليا التي هي اهم من اية مهمة اخرى. وبما اننا نؤمن بالازدواجية في هذا الكون، ونعتقد ان الانسان يتألف من روح وجسد ولكل منهما شأن خاص به، فكما يحتاج الانسان للرعاية الجسدية المادية يحتاج للرعاية الوحية، والرعاية الروحية اهم بكثير من اختها الجسدية، والمشاكل البشرية كلها تنمو من اهمال الجانب الروحي

في الانسان، والانسان اذا ضمن سعادة الروح ضمن سعادة الجسد ايضا ولاعكس فيه اطلاقا. ان عدد المنتحرين في السويد سنويا يتجاوز اعلى الارقام في العالم بالمقارنة مع البلاد الاخرى والشعب السويدي اسعد شعوب العالم من الناحية الاقتصادية والسياسية ومع ذلك ينتحر آلاف من هذا الشعب لانه يريد الخلاص من الفراغ الذي يعيش فيه، وهذا الفراغ نتيجة لاهمال الجانب الروحي في الانسان والذي يفقد في اثره الثقة والاطمئنان الداخلي الذي شرط الاستمرار في الحياة بنفس راضية مرضية. اذن العناية بالجانب الروحي في الحياة اهم بكثير من العناية بالجانب المادي، وقد يكون من الاليق بالرجل الذي اتخذ المهام الروحية مهنة لنفسه وسراج منيرا يمشي على ضوئه ان لا يبالي بالجانب الاوضع من الحياة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " اخر ما يخرج من رأس الصديقين حب الجاه " ولكن اذا شاء احد ان يجمع بينهما فله الحق ان يكون كما شاء ولكن بشرط ان يسلك طريق الحق والعدل والانصاف لا طريق القرصنة والخداع والظلم والامام علي عليه السلام يقول " والله ان دنياكم هذي عندي كعفطة عنزالا ان اقيم حقا او ابطل باطلا." والحق سبحانه وتعالى يقول في كتابه الحكيم " تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ". 3 - اعرج من هنا إلى موضوع اخر، هو من الاهمية بمكان لقد التقيت بكثير من ابناء الشعب الايراني وقد ضعف ايمانهم بالاسلام بل ارتد بعضهم على اعقابهم لانهم يزعمون ان الاسلام هو هذا الذي يمثله الخميني وزمرته كما التقيت باناس كانوا عبادا اتقياء صالحين قبل الثورة، اما بعدها فقد تركوا صلواتهم وصيامهم وكل شعائرهم

الدينية واصبحوا تائهين في خضم هذه الدنيا وقد ارتابوا في الاسلام كل الريب بعد ان زعموا ان اعمال الحاكمين في ايران تمثل واقع الاسلام وحقيقته. اني ابدأ كلامي مع هؤلاء الذين وقعوا فريسة للعدوان الديني باية من القرآن الكريم " يمنون عليك ان اسلموا قُل لاتمنوا عَليَّ اسلامكم بَل الله يَمنّ عليكم ان هَداكم للايمان ان كُنتم صدقين ". ثم اقول لهم ليس هذه اول مرة يحكم حاكم مجتمعا اسلاميا وهو يقترف باسم الاسلام ما الاسلام منه براء، ولاسيما انتم معاشر المسلمين الايرانيين عرفتم بحبكم الجارف للامام الحسين عليه السلام واقامة الشعائر في كل سنة من محرم في طول البلاد وعرضها تخليدا لذكرى شهادته. من الذي قتل الحسين؟ ولماذا استشهد سيد الشهداء في كربلاء؟ الذي قتل الحسين هو يزيد بن معاوية الخليفة الذي كان يحكم العالم الاسلامي باسم رسول الله وكان يعتلي المنبر ويخطب باسم الله ورسوله وكان معمما يلبس الجلباب والطيلسان. وقد قتل الحسين بذريعة الخروج على امام الزمان وشق عصا الطاعة. اذن الامام الحسين ابن فاطمة بنت رسول الله وولده واصحابه قتلوا جميعا باسم الاسلام وسبيت عائلة، رسول الله باسم الحفاظ على دين رسول الله فهل يجوز للمسلم ان يرتاب في دينه لان يزيدا وهو خليفة المسلمين الحاكم باسم الاسلام قتل ابن رسول الله. وليس يزيد هو الحاك الاول والاخير في الاسلام الذي اقترف باسم الاسلام ماهو الاسلام منه براء فحجاج بن يوسف الثقفي كان واليا من ولاة الاسلام وكان يتعمم بالسواد وهو القائل متى

اضع العمامة تعرفوني وكن سجل اعماله يحتوي على مئة الف شخص قتلهم صبرا، وتيمورلنك كان معمما يلبس الجلباب والطيلسان وكنه خرب البلاد الاسلامية وقتل نصف مليون من ابناء الاسلام، والخلفاء العثمانيون ارتكبوا طيلة خلافتهم التي دامت سبعة قرون باسم الاسلام ماتندى منها الجباه، فهل يعني ان ما فعله هؤلاء الطغاة كان يمثل واقع الاسلام وهل ينبغي للمسلم ان يرتاب في عقيدته. ان الاسلام شيء وما يفعله الطغاة باسمه شيء آخر، ان الواجب يملي على المرتاب في عقيدته ودينه ان يضع كتاب الله الحكيم امامه ويقارن بين ما فعله الطغاة باسمه وبين ما يأمر به كتاب الله. كما ان الواجب عليه ان يمعن النظر في سيرة الرسول العظيم والامام علي عليه السلام ويقارنهما بما فعلته الخمينية التي تدعي ان حكومة امامها امتداد لحكومة الرسول العظيم والامام علي عليه السلام، وحينئذ تنجلي الغبرة ويتميز الحق من الباطل ويصبح المرتاب على هدى وبينة من دينه. لا اريد ان اطيل البحث في هذا الموضوع اكثر من هذا فاكثرية المسلمين والحمد لله على هدى وبينة من امر دينهم. وهنا اود ان اوجه نداء إلى علماء الاسلام في كل الارض واكرر على مسامعهم ما قاله الرسول العظيم " الساكت عن الحق شيطان اخرس " واحثهم على تشكيل محكمة اسلامية عليا تتألف من علماء الاسلام من مختلف المذاهب لينظروا في ما فعله الخميني باسم الاسلام وليقولوا كلمتهم فيه وفي اعماله والبدع التي ابتدعها في الدين، ولا شك ان مثل هذا الموقف دفاع عن الاسلام ومبادئه الانسانية العظيمة وقيمه الروحية امام العالم والتاريخ والاجيال الحاضرة والقادمة من ابناء الامة الاسلامية.

§1/1