التيسير في أحكام التسعير

المُجَيْلِدي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد وآلة ومما ألفه العالم الأفضل، القاضي الأعدل، أبو العباس سيدي أحمد بن سعيد رحمه الله تعالى بمنه وجوده وفضله ونفعنا ببركاته آمين. نص الكتاب أحمد من تفضل بالأقوات، وأمد الحيوة، (الحياة) بها في سائر الأوقات وخص النوع الآدمي بنصب الأحكام وكلفه بالعلم بها، والأحكام، وأصلى وأسلم على إنسان عين الحق، وعنصر الحقيقة والصدق، الحاكم على الخيار والأشرار بقوله (لا ضرر ولا ضرار) ورضي الله عن آلة وصحبه وأتباعه وحزبه. وبعد، فهذه أوراق ينتفع بها من أعمل فكره في مطالعتها وبذل الوسع في

مراجعتها ممن يتولى أمور الأسواق وكان على نفسه وعلى المسلمين ذا إشفاق والمحافظة على الحقوق وصف لازب ومجانبة العقوق أمر واجب فيجلب المتولي المنافع، ويأمر بالسراء ويرفع المضار، ويزجر عن الفساد، ومن استعمل في خطة من الخطط، فالمعرفة بأحكامها في حقه تشترط، إذ لا يحل لأحد أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه وإلا فهو ضال مضل ذو تمويه. والحامل لي على تسطير هذه الأوراق، وجمع نقول الأئمة فيها بعد الافتراق، إلحاح بعض من ابتلي بخطة الحسبة، ورغبته في تلفيق ذلك أعظم رغبة، فلبيت نداءه، وأجبت دعاءه، رجاء أن يضرب لي بسهم بين المستفيدين، وأن أعد بفضل الله ورحمته من فريق المفيدين. أجاب الله دعاءنا، وحقق رجاءنا، أنه سميع قريب كريم مجيب.

وقسمته إلى مقدمة وخمسة (عشرة أبواب) وخاتمة، ليسهل الفحص على مريد ذلك من مسائل الكتاب، ويقرب العثور على أي جزئية رامها في هذا الخطاب والتزمت النقل من اختصار ابن هرون، وابن عرفة، والمعيار لما فيه من إيضاح المسائل التي يشهد بها ذو معرفة. المقدمة أما المقدمة ففي تعريف ما رمت جمعه الأبواب وأما الأبواب فهي: الأول في فضل من قام بهذه الخطة الشريفة التي هي الحسبة وشروط المحتسب. والثاني في حكمه. والثالث في الأشياء التي تسعر، والتي لا تسعر. والرابع فيمن يسعر عليه، ومن لا يسعر عليه. والخامس في المعيار الشرعي، والعادي، وما يباع وزناً، أو كيلا، أو بهما وفي كيفيتهما.

والسادس في رد سعر الواحد، والاثنين، لسعر الجماعة. والسابع، في الأشياء التي يمنع بيعها، أو يكره، في الأسواق وفي منع ذوي العاهات، والقروح، من بيع المائعات وغيرها. والثامن، في وجوب رفع ضرر عام من الأزقة، والرحاب، وغيرها. والتاسع، في حكم اختلاط المسلمين في أحكامهم مع أهل الذمة، والتشبه بهم. والعاشر في بيان الغش، وما يعاقب به من ظهر عليه أو أتهم به. وأما الخاتمة ففي جمع مسائل لها تعلق بالمعنى الذي هو أساس هذا التأليف، وعليه المبنى وسميته. "التيسير في أحكام التسعير" والله سبحانه وتع (تعالى) المرشد للصواب، والملهم، إلى الحق الذي ليس فيه ارتياب. فأقول:

المقدمة

المقدمة في التعريف، بالتسعير، وكلام الأئمة فيه لغة، واصطلاحاً، على اختلاف التفسير. التسعير لغة، هو القدر الذي يقوم عليه الثمن، وسعروا تسعيراً، اتفقوا على سعر، قاله في القاموس، واصطلاحاً، قال ابن عرفة حد التسعير، تحديد حاكم السوق لبائع المأكول فيه قدراً للمبيع المعلوم، بدرهم معلوم.

الباب الأول في فضل الحسبة، وشروط المحتسب

الباب الأول في فضل الحسبة، وشروط المحتسب اعلم أن الحسبة من أعظم الخطط الدينية، وهي بين خطة القضاء وخطة الشرطة، جامعة بين نظر شرعي ديني وزجر سياسي سلطاني، فلعموم مصلحتها، وعظيم منفعتها، تولى أمرها الخلفاء الراشدون، والأمراء المهتدون لم يوكلوا أمرها إلى غيرهم مع ما كانوا فيه من شغل الجهاد، وتجهيز الجيوش للمكافحة والجلاد. شروط المحتسب ومن شروط المحتسب، أن يكون ذكراً، إذ الداعي إلى اشتراط الذكورية أسباب لا تحصى، وأمور لا تستقصي. ولا يرد ما ذكره ابن هرون أن عمر رضي الله عنه ولي الحسبة على سوق من أسواق المدينة لامرأة تسمى الشفاء "بنت عبد الله". وهي أم سليمان ابن أبي

خيثمة الأنصارية، لأن الحكم على الغالب، والشاذ لا حكم له وتلك القضية من الندور بمكان، أو لعله في أمر خاص يتعلق بأمور النسوة ومن شروطه أيضاً أن يكون مسلماً، إذ لا ولاية لكافر على مسلم ولا أمامه، وأن يكون بالغاً، إذ الأمور مع الصبي لا تكاد تنضبط غالباً بزمام، لامتزاجه في الغالب، بقلة التثبت، وكثرة الأوهام، وأن يكون عدلا إذ هي أصل في الخطط، والولايات، والأمور المباينة للجنايات، ومن شروط الكمال، أن يكون لا يخاف في الله لومة لائم- ذا مهابة، ووقار، وهمته عالية عن دني الأقدار، وفظاظة يشوبها رفق وروي عن علي رضي الله عنه، أنه أدب رجلا فقال له: قتلتني يا أمير المؤمنين، فقال الحق قتلك فقال له ارحمني فقال: الذي أوجب عليك الحد ارحم بك مني.

ومن حقه ألا يؤدب أحد حتى يتقدم له فيما أمر به، أو نهى عنه ويتأنى ولا يؤدب أحداً إلا بعد التحقيق، قال تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}. وقد أدب عمر رضي الله عنه رجلا رآه يصلي بين النساء فقال له: والله لئن كنت أحسنت، فقد ظلمتني وإن كنت اسأت فما اعلمتني، فقال له عمر أما سمعت ينهي أن يطوف الرجال مع النساء فقال له والله، ما سمعت، ثم ألقى له الدرة، فقال له: اقتص، فقال لا اقتص اليوم، فقال فاعف فقال لا، وانصرف ثم لقيه غداً فقال له: أما لك أن تقتص، أو تعفو، فقال قد عفوت. وعلى المحتسب أن يحتسب في كل ما يراه مصلحة للمسلمين وأن ينظر في جميع الأمور الجليلة، والحقيرة، وقد كان بعض أصحاب الشافعي لما قدم لها من بغداد، أقام قاضياً وجده يقضي في المسجد فقال له ألم تسمع قوله تعالى {في بيوت أذن الله أن ترفع}. ولكن هذا يخالف ما روي من استحباب

مالك الجلوس للقاضي، في المسجد، ليتوصل إليه القوي، والضعيف، والصغير، والكبير، وقد كان محتسب أمر المؤذنين أن يعصبوا على أعينهم، وقت صعودهم للتأذين على السطوح والمنائر وليكن ليناً في فظاظة، ضعيفاً في قوة: يوبخ ويزجر، ويتوعد ويسجن ويضرب، ويعاقب سراً وجهراً، ويطوف بعد التثبت، كما قال تعالى فتثبتوا أو فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين الآية. ويتخذ من ثقات أهل السوق، من يعرف ثقته وأمانته ونصيحته للمسلمين يبحث له عن أحوال الباعة ويتفقد الموازين، والامداد بنفسه مرة بعد مرة، في الأوقات المعهودة وغير المعهودة فما ظهر من المناكر غيره، بحيث لا يتجسس على أحد ممن ابتلي بشيء من هذه القاذورات الخاصة به إلا الجماهير وقد قال صلى الله عليه وسلم (من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله عليه، فإن من

تكميل

أبدى لنا صفحته أقمنا عليه الحد) كما قال تعالى (ولا تجسسوا). ولا ينبغي له أن يتسور دار قوم إذا اتهمهم بمعصية، ما لم ترتفع فيها أصوات الملاهي والمناكر، وضجيج السكارى، فله الهجوم عليهم حينئذ وتغيير المنكر واجب إذ ذاك. واجرة أعوان المحتسب كأجرة أعوان القاضي قال ابن عاصم: واجرة العون على طالب حق ... ومن سواه إن الد تستحق تكميل وسئل ابن مرزوق عمن له معرفة بأحوال أهل السوق والمعرفة في تسعير الفواكه وغيرها عدا الزرع، ويعرف من ذلك الجيد والرديء هل يجوز له أخذ الأجرة على الباعة أو لا يجوز ذلك فأجاب إن كان في نصبه ناظراً عليهم منفعة للمسلمين، لقطعه مادة فساد الباعة، من غش في المبيعات، وسرقة في المكيلات، والموزونات وما أشبه ذلك من الإضرارات، التي يفعلها الباعة، نصب وحل له الارتزاق على ذلك. وسئل عن أجرة عون القاضي، الذي يأتي بالمتخلف عن دعوة قاضي وطنهم والسجان هل على الطالب أو على المطلوب

وهل هي محدودة؟ وهل يجوز للقاضي أن يسجن في ولاة الأمر، أو لا يجوز له ذلك؟ فأجاب إن كان المطلوب يلد ويتغيب عن مجلس الحكم تعنينا وطالبه فالأجرة عليه، وإلا فعلى الطالب، والمحبوس كذلك، إن عرف أنه ملد، ظالم بالمطل، فالأجرة عليه، وإلا فالأجرة على الذي طلبه. وأما سجن الأدب فعلى المحبوس، ولا أعلم لذلك قدراً محدوداً، لكن ينظر القاضي فيما يشبه أن يكون أجرة، على ذلك الفعل الذي فعله المتصرف بين يديه، وقدر المؤونة من ذلك وكذا في سجن السجان، ولا يترك الخدم ينتقمون من الناس.

الباب الثاني في حكم التسعير

الباب الثاني في حكم التسعير في إباحة التسعير، وما ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن السلف الصالح. وعن ابن هرون. سئل النبي صلى الله عليه وسلم، عن التسعير فقال: (إن الله هو القابض الباسط والمغلي 2 ب والمرخص وإني لأرجو أن ألقي الله، وليس لأحد منكم عندي مظلمة)، ولهذا روى ابن القاسم عن مالك: أنه لا يجعل لأهل السوق سعراً يبيعون عليه، وروى أشهب عنه، في العتبية، يسعر على الجزارين، بقدر ما يرى من شرائهم يقول لهم اشتروا على هذا وإلا فاخرجوا من السوق. ابن عرفة، وأهل السوق في تركهم لبيعهم باختيارهم ومنعهم، سماع عيسى، ابن القاسم مع سماعه ونقله عن ابن حبيب.

عن سماع القرينين. وعليه يجب على صاحب السوق الموكل بمصلحته، أن يجعل لهم من الربح ما يشبه ويمنعهم من الزيادة عليه، ويتفقدهم في ذلك ويلزمهم إياه كيفما تقلب السعر زيادة أو نقصاناً، ومن عصاه يعاقبه بعد هذا الباب فليراجع، واجمعوا على أنه، لا يقول لهم، لا تبيعوا إلا بكذا، وكذا ربحتم أو خسرتم، من غير أن ينظر إلى ما يشترون به. وعلى أنه لا يقول لهم، لا تبيعوا إلا بمثل الثمن الذي اشتريتم به. وإن ضرب لهم الربح على ما يشترون، منعهم أن يغلوا السعر، وأن لم يزيدوا إذ يتساهلون فيه، وإن علم ذلك منهم، ضرب لهم الربح على ما يعلم من مبلغ السعر، وقال (يقول) لا تبيعوا إلا بكذا، وكذا، ولا تشتروا إلا عليه. قال ابن حبيب: لا يكون التسعير عند من أجازه إلا على (رضى) ومن أكره الناس عليه فقد أخطأ. ونص كلامه: صفة ما ينبغي للأمام أن يفعله من التسعير، أن يجمع وجوه ذلك الشيء، ويحضر غيرهم استظهاراً على صدقهم، ويسألهم كيف يشترون؟ وكيف يبيعون؟ وينازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة مصلحة وسداد.

ويجبرون على التسعير، وعلى هذا أجازه من أجازه كلامه. وسئل يحيي بن عمر، عن التسعير، فأجاب بنحو هذا الكلام وأطال النفس في ذلك فراجعه، في المعيار في كتاب البيوع إن شئت ومن كلامه (يحيى بن عمر) قال مالك: لا خير في التسعير على الناس ومن حط من سعر الناس أقيم. وعن ابن وهب، سئل مالك عن صاحب السوق، يريد أن يسعر، فيقول: أما بعتم بكذا وإلا خرجتم من السوق فقال: لا خير فيها. ونقل ابن رشد وجوب التسعير. وقصة عمر مع حاطب الآتية، تشهد لمن أجاز التسعير والله أعلم. وتأمل كلام ابن عرفة الآتي في الباب الذي بعد هذا، تجده نصاً صريحاً في الجواز.

الباب الثالث في الأشياء التي تسعر، والتي لا تسعر

الباب الثالث في الأشياء التي تسعر، والتي لا تسعر قال ابن هارون: يسعر الحاكم على الجزارين بقدر ما يرى من شرائهم يقول لهم اشتروا على هذا وإلا فاخرجوا من السوق. وقد مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه على حاطب بن أبي بلتعة يبيع زبيباً في السوق، فقال له إما أن تزيد في السعر وإلا فاخرج من سوقنا قال ابن حبيب، يختص بالمكيل والموزون خاصة، طعاماً كان أو غيره. فقوله: أو غيره لا يتناوله حد التسعير المتقدم لابن عرفة فتأمله، فأهل الحرف كالخراز، والحداد على هذا لا يسعر لهم لتفاوت صنعتهم جودة ورداءة (3 أ) وسيأتي في الباب الرابع الكلام عليه. قال ابن عرفة: إذا كان الإمام عدلا ورأى التسعير مصلحة، يجمع وجوه أهل (سوق) ذلك الشيء، ويسألهم كيف يبيعون؟ ؟ وكيف يشترون؟ وليس ما أجازه في القمح والشعير وشبهه من ذلك، لأن الجالب يبيعه ولا يترك التجار يبيعونه على أيديهم، إنما ذلك في مثل الزيت

والسمن والعسل واللحم والبقل والفاكهة وشبه ذلك، ما عدا البز والقطن وشبهه. قيل ليحيى بن عمر ضع لنا القيمة التي تقام على الجزارين وغيرهم من أرباب الحوانيت الذين يبيعون السمن والعسل والزيت والشحم، فإنهم إن تركوا بغير قيمة أهلكوا العامة، لخفة السلطان وضعفه وإن جعلت لهم قيمة، فهل ترى ذلك جائزاً؟ فإن كان جائزاً فماذا يجب على السلطان أن يفعل فيمن نقص من القيمة، وقدر من عندك بحجة ظاهرة، وأمر بين، وتبريرنا ما كتبنا به إليك، فأجاب وقال: قال مالك: لا خير في التسعير، ومن حط عن سعر الناس أقيم. وقال أيضاً: إن قال صاحب السوق بع على ثلث رطل من الضأن، ونصف رطل من الإبل قال: فما أرى به بأساً وإن سعر عليهم شيئاً يكون فيها ربح قدر لهم من غير اشتطاط.

الباب الرابع فيمن يسعر عليه، وفيمن لا يسعر عليه

الباب الرابع فيمن يسعر عليه، وفيمن لا يسعر عليه (قال) ابن عرفة، الجالب لا يسعر عليه. (قال) ابن رشد اتفاقاً قال: إن حط عن قدر السوق أمر بمساواته أو قيامه انظر تمامه في الباب السادس، ولا يسعر على المحتكر، حيث يؤمر بإخراج طعامه إلى السوق ويبيع ما فضل عن قوت عياله كيف شاء ولا يسعر عليه، فإن سألوا الناس ما يحتمل أن يكون ثمناً قال: هو مالهم يفعلون فيه ما أحبوه، ولا يجبرون على بيعه بسعر يوقت لهم، فهم أحق بأموالهم، ولا أرى أن يسعر عليهم، وما أراهم إنما رغبوا وأعطوا ما يشتهون. وأما التسعير فظلم لا يعمل به من أراد العدل. قال يحيى بن عمر قوت عيالهم يعني قوت سنة، كانوا تجاراً أو حرثوا لأنفسهم، يترك لهم قوت سنة، ويؤمرون ببيع ما بقي قال يحيى بن عمر وأرى على صاحب السوق أن يأمر البدويين إذا أتوا بالطعام يبيعونه، فلا ينزلوه في الدور والفناديق فلا يبيعوه لا في الدور، ولا في الفناديق وأن يخرجوه إلى

أسواق المسلمين حيث يدركه الضعيف والعجوز الكبيرة. قيل ليحيى فإن قال البدوي أنه تدخل على مضرة فيمن يشتري مني نصف دينار أو ثلث دينار، فربما طالت إقامتي ولا أرجع إلى بلدي، (وإنما معي زاد يوم أو يومين. قال يحيى. يقال له حط من السعر نصف الثمن أو ربعه، فينفذ طعامك سريعاً، وترجع إلى بلدك) وأما ما ذكرت من المقام والمضرة، فأنت تريد أن تبيع نافقاً وتريد أن ترجع سريعاً إلى بلدك فلا يمكنك هذا، لأنه ضرر على المسلمين، قيل ليحيى بن عمر: فإن جلبه من لا يعرف بيعه أراد ليأكله. فقال إذا صح هذا خلي بينه وبين طعامه ليحمله إلى داره، قيل له فإن أراد الرجل أن يبيع قمحاً جلبه من منزله إلى بيته. فاحتاج إلى ثمنه فعرض منه قليلاً في يده في السوق فاشترى منه الحناطون على الصفة، ليكتالوه في داره وينقلوه إلى حوانيتهم فقال أرى أن لا يمكن البائع أن يبيع في داره وأرى أن ينقله إلى سوق المسلمين. قيل له: فإن كان أهل القصر

ليس لهم رحبة ينصب فيها الطعام قال: أرى أن يكتروا الحوانيت ويبرزوه فيها، ويمنع الناس أن يشتروه في الدور (إذا كان السعر غالياً وأضر ذلك بالسوق) وإذا كان السعر رخيصاً ولم يضر بالسوق خلي بين الناس وبين أن يشتروا حيث أحبوا أو يدخروا. قيل ليحيى فإذا أراد الرجل الذي لا يعرف بيع الطعام ولا يحتكر، أن يشتري في الغلاء قوت سنة. قال لا يمكن من ذلك انتهى (كلام يحيى). ومن اشترى دون السعر، وهو جاهل به فله الرجوع بما بقي له بحساب السعر. قال المالقي: لا احتساب على جالب الطعام ولا لمن يبيع بغير دكان ولا حانوت يعرض للخاص والعام ولا على الفواكه، والخضر، إلا لغلاء مفرط، ولا على السكرى (السطري؟ ) ولا على الدباغ، والسمسار، والخراز، والبناء، والكاتب، والصاغة والشراط والنكاز والحواز والخياط والبرام والصفار، والقواس، والخراط، والفخار والحائك والنجار والرماح والحداد، وجميع أهل الحرف والصنائع والمتسببين من حمال أو سواه ودلائل وسمسار وغيرهم. ولكن ينبغي للوالي أن يقبض من أهل كل صنعة

حميلاً توثقاً بأثمان الناس وأن يكون أميناً وثقة عارفاً بصنعته خبيراً بالجيدو الرديء من حرفته يحفظ لجماعته ما يجب أن يحفظ من أمورهم ويجري أمورهم على ما يجب أن تجري، ولا يخرجون عن العادة، فيما جرت به العادة في صنعتهم وللمحتسب تمزيق ثوب إن خرج عن عادته، وتخريق الجلد وحرقه إن خرج عن عادته، وكذلك سائر الأشياء، وذلك بعد وقوف العارفين عليه (والله الموفق).

الباب الخامس في المعيار الشرعي (والعادي) وما يباع وزنا أو وكيلا أو بهما معا وفي كيفيتهما

الباب الخامس في المعيار الشرعي (والعادي) وما يباع وزناً أو وكيلا أو بهما معا وفي كيفيتهما قال صاحب المختصر: واعتبرت المماثلة بمعيار الشرع وإلا فبالعادة، فالمعيار الشرعي للذهب والفضة وسائر النقود الميزان وللقمح والشعير وسائر ما تؤدي منه زكاة الفطر، الكيل وغير ما ذكر تتبع فيه العادة العامة في كل بلد، كالوزن في اللحم والجبن، والخاصة كالجوز والرمان والأرز والسمن والعسل فإنه يختلف باختلاف البلدان، فيعمل في كل بلد بعادته

إن أتحدث وإلا فأغلبها إن اعتيدت وبهما معاً أن أستورده قال ابن عرفه: يقال لهم اشتروا على ثلث رطل إلخ فراجعه في الباب الذي قبل هذا وسئل مالك (4 أ) عما يجب على الكيال في الكيل، وهل يطفف؟ قال لا يطفف، لأن الله تعالى يقول (ويل للمطففين) ولا خير في التطفيف، ولكن يصب عليه حتى يجنبذه فإذا جنبذه أمسك. قيل لمالك: من اشترى وزناً من اللحم أو الزعفران أو غير ذلك، أيأخذ ذلك بميل الميزان أم لا فقال حد ذلك أن يكون لسان الميزان معتدلا. قيل: وإن سأله أن يميله قال لم أر ذلك له، قال مالك: وأرى السلطان أن يضرب الناس على الوفاء. والوفاء عندي إذا ملأ رأس المكيال. وأما الرزم والزلزلة فلا أراهما من الوفاء. رأيته كأنه يكره ذلك، وقال سمعت مالكاً وقد سئل عن التطفيف، في الربويات قال له صاحب السوق أنهم يستوفون في الحوائط، ويكيلون للناس هنا بكيل دون ذلك، فرأيت أن يمسح رأس الويبة

لا يبخس فيه أحد فقال مالك عليك أن تأمر الناس بالوفاء هنالك وما هنا فمن ظلم فنفسه ظلم. وكره مسح الويبة تطفيفاً كراهة شديدة، وقال: أكره التطفيف، وقرأ هذه الآية مرتين (ويل للمطففين). وعن ابن الماجشون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بتصبير الكيل، وأن يبايع عليه، وقال إن البركة في رأسه ونهي عن الطفاف وحدث أنه بلغه أن كيل فرعون إنما كان على الطفاف (الصفاق) مسحاً بالحديد قال ابن حبيب: وسمعت مطرفاً وابن الماجشون. يقولان: كان مالك يأمر أن يكون كيل الورق على التصبير، وينهى عن الطفاف (الصفاق) ويكره رزم الكيل وتحريكه قيل له كيف يكون؟ قال يملأ الصاع من غير رزم ولا تحريك، ويسرح (الكيال) الطعام بيده على رأس الكيل فذلك الوفاء، وقال ابن حبيب: سمعت ابن الماجشون يقول: ينبغي للسلطان أن يتفقد المكيال والميزان في كل حين وأن يضرب الناس على الوفاء، وكذلك كان مالك يقول ويأمر به ولاة السوق بالمدينة أهـ كلامه صح من المعيار زاد ويجب على الحناطين أن لا يبيعوا القمح

والشعير والفول والعدس والحمص وجميع القطاني حتى يغرباوه. والحناط هو الكيال كما فسره في غير هذا الموضع قال المالقي: بيع الدقيق بالوزن أولى من الكيل، والحب بالكيل والوزن لكن الكيل أعرف عند الناس وقد نهي عن ميزان الرمانة إلا إن كان الوازن بها أميناً غير بائع ولا مشتر فيجوز والله أعلم. ويؤمر الوازن بتطهير الميزان، ولا يوزن المأكول بما يوزن به غيره. وأصدق الموازين ما كان ثقبه في قصبته وعموده، وكان الثقب واسع الجهتين ضيق الوسط مشوكة. مثل المسمار وأكذبه ما كان ثقبه في اللسان أو كان وسط الثقب غير مشوك أو كان المسمار رقيقاً على (نشاع؟ ) الثقب. وكذلك إذا اختلفت أوزان الكفات. وأصدق المكاييل وأقربها للمصلحة المستدير الشكل. وأما المثلث أو المربع أو ذو الزوايا كيفما كانت، فليس بصحيح (4 ب) وللمكيال والوازن أنواع من الخدع والحيل فعلى المحتسب أن يتفقدهم في جميع الأحوال، وينبه على خدعهم من لا خبره له بأحوالهم الذميمة، ويتعرض لمن اشترى منهم بالقرب ويعيد ما وزنوه لعله يطلع على غشهم.

الباب السادس في رفع (سعر) الواحد والاثنين لسعر الجماعة

الباب السادس في رفع (سعر) الواحد والاثنين لسعر الجماعة (قال) ابن هرون: قال أصبغ: ولا تقام الجماعة لواحد أو اثنين ويقام الواحد والاثنان لجماعة قال ابن حبيب: هذا يختص بالكيل والموزون خاصة، طعاماً. (كان) أو غيره مع التساوي في الصفة فإن اختلفت صفته لم يؤمر بائع الجيد أن يبيع مثل سعر الدنيء قال ابن عرفة، سمع عيسى ابن، القاسم من حط السعر أو أدخل على الناس فساداً أمر بسعر الناس، أو الخروج، من السوق، ولو باع (واحد) أربعة أرطال، والناس يبيعون ثلاثة لم يقوموا لواحد، ولا لاثنين، ولا لخمسة، وإنما يقام الواحد والاثنان إذا حطوا عن جل سعر الناس، فأدخلوا فساداً. وسمع ابن القاسم ليس لجالب الطعام أن يبيع بدون سعر الناس. قال سحنون، يريد مما هو في جودة

سلعته، وليس عليه أن يبيع الجيد بسعر الرديء. قال ابن رشد: معنى بدون سعر الناس في المثمون؛ لا الثمن. وذكر بعض الناس تأويلا على رواية ابن القاسم هذه وأمثالها، أن الواحد والاثنين (من أهل السوق) ليس لهم أن يبيعوا بأرخص من (بيع) أهل السوق، لأنه ضرر بهم وممن قاله عبد الوهاب بن محمد بن نصر البغدادي، وهو غلط ظاهر إذ لا يلام أحد على المسامحة على البيع، بل يشكر عليها، ومثل قول سحنون الأول، قول ابن حبيب، إنما المنع إذا تساوي الطعام أو تقارب، وإن اختلف فزاد صاحب الجيد على صاحب الدنيء الدرهم والدرهمين في المد فلا يمنع، وتحديده بالدرهم والدرهمين في المد، فيما بين الجيد والرديء، إنما هو في الأندلس إذ ليس (بين) قمحها، من الاختلاف، مثل ما بأفريقية، ولا بمكة، حيث تجتمع سمراء الشام، والمحمولة قاله فضل، وهو صحيح، وإذا كان المرخصون الاثنين والثلاثة ونحو ذلك مما يصير لم يرد عليهم غيرهم، (ممن هو كثير، فإن كانوا كثيراً رد عليهم غيرهم ممن هو كثير) وإن كانوا أكثر منهم. وإن كان الكل قليلاً فالأقل تبع للأكثر، إذا كان الأكثر هم المرخصون وإلا ترك كل

وأحد على بيعه اهـ. قيل لمالك فالرجل يأتي بطعامه وليس بالجيد وقد سعره بأرخص من الآخر الطيب فيقول صاحب السوق لغيره: أما بعتم مثله وأما قمتم من السوق، فقال: لا خير في ذلك، ولكن لو أن رجلاً أراد بذلك فساد السوق، لرأيت أن يقال له: إما أن تلحق بسعر الناس، وإما خرجت. وإما أن يقال للناس كلهم إما أن تبيعوا بكذا وإما أن تخرجوا فليس بصواب.

الباب السابع في الأشياء التي يمنع بيعها، أو يكره في الأسواق وغيرها وفي منع ذوي العاهات والقروح من بيع المائعات وغيرها

الباب السابع في الأشياء التي يمنع بيعها، أو يكره في الأسواق وغيرها وفي منع ذوي العاهات والقروح من بيع المائعات وغيرها كره مالك عمل الداريات (والصور) وبيعها من الصبيان (5 أ) وكذا قال في العظام على قدر شبر يجعل لها صورة. ولا يحل للمحتسب أن يترك كل ما نهي الشرع عن بيعه أو شرائه، أن يباع في أسواق المسلمين، نهي عنه تحريم أو نهي كراهة، كآلات الملاهي من عود ودف، وبوق ومزهر وطنبور، وإن كان يجوز ضرب بعضها كالدف في الأعراس، لكن بيعه وكراؤه منهي عنه، وكذا الأواني التي لا تصلح إلا للخمر، أو النبيذ قال في المعيار، كتب إلى عبد الله بن طالب بعض قضاته، رفع إلى في

أمر قدور من نحاس تعمل عندهم لا تصلح لغير النبيذ وقالوا إذا أردت قطع النبيذ والتضييق على أهله، فاقطع هذه القدور، فأمرت بها فجمعت من عند أهلها، وصيرتها في موضع الثقة. وأوقفتها، فكتب إليه بخط يده، إذا لم تكن فيما منفعة إلا للخمر ولا تكتسب لغيره. فغير أمرها وأكسرها وصيرها نحاساً ورد نحاساً عليهم كما يفعل بالبوق، وامنع من يعملها. قيل ليحيى بن عمر هل تقول هذا؟ قال: نعم. ومما يتعين ويجب على الوالي إخراج ذوي العاهات من الأسواق، ومنعهم من بيع المائعات، ومن الشرب والوضوء، من الأواني التي يستعملها غيرهم من الأصحاء. سئل يحيى بن عمر عن الضرير يبيع الزيت والخل والمائع كله هل يمنع من ذلك كله؟ قال: نعم. قيل له: وإن كان له غنم، أيبيع من لبنها وجبنها؟ وهل يبيع بيض دجاجة؟ قال: يمنع من ذلك كله ويرد عليه إذا بيع له. فإن اشترى ذلك مشتر وهو عالم به فهو جائز، ولا يجوز للمشتري أن يبيع ذلك في أسواق المسلمين. وسئل أيضاً عن المجذوم إذا باع ثوباً وبعد أن وجبت الصفقة أعلم المشتري أنه لهذا المجذوم فقال: إذا كان ثوباً قد لبس فأري إن كان ينقصه الغسل، إذا غسل فهو

عيب يرده به (عليه) وإن كان لا ينقصه فليس هو عيباً يرد به، وقال سحنون: لا أرى أن يمنع المجذوم من الصلاة في المساجد، ولا من الجلوس في الجماعات وقد رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأة تطوف فقال يا أمة الله لو جلست في بيتك لكان خيراً لك ولم يعزم عليها، وأما سقيهم من الآبار ووضوءهم منها، فيمنعون من ذلك، بل يسقي غيرهم، ويفرغ لهم في آنيتهم قال صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) فورودهم الماء وإدخالهم أيديهم، فيه ضرر بالأصحاء جدا صح من المعيار. وليزجر الوالي من يبيع المحرمات كالخمر وغيره من المسكرات والمخدرات والمرقدات والمغصوبات، فيبذل جهده ما استطاع ولا يعذر في ذلك كله، وكذلك آلات اللهو كما تقدم ذكره. وقد نقل الحطاب الخلاف، في حلية الأفيون، والظاهر أن فساده

فرع

للجسم أعظم من صلاحه، كما شوهد (ظهر) ذلك فيمن يتعاطاه. فرع ذكر الخطاب (5 ب) بعد سرده الأشياء المسكرات، والمرقدات والمفرحات، والمخدرات والمغصوبات، وعلل ذلك بجواز بيع الأفيون، وأنه لم ير فيه نصاً صريحاً، لكن الظاهر أن يقال إن كان فيه منفعة غير الأكل جاز بيعه ممن ينتفع به في غير الأكل ويؤمر ألا يبيعه ممن يأكله. ثم زاد أنه من المفسدات وقال: من صلى به أو بالبنج تبطل صلاته إجماعاً وكذا غيره من المفسدات قال: ويجوز أن يتناول من الأفيون والبنج والسكران ما لا يصل إلى التأثير في العقل، والحواس. انتهى. زاد: ويجوز لمن ابتلي بأكل الأفيون، وصار يخاف على نفسه الموت بتركه، أن يستعمل منه القدر الذي لا يؤثر في عقله وحواسة ويسعي في تقليل ذلك، وقطعه ويجب عليه أن يتوب ويندم على ما مضى والله أعلم. وذكر لي البرزلي في الحشيشة ثلاثة أقوال: ثالثها أن حمصت فنجسه وفيها الحد، أولا، فلا حد ولا نجاسة. واختار القرافي لا حد مطلقاً، بل التعزيز الزاجر عن الملابسة وتبطل الصلاة بحملها.

فائدة

فائدة ظهر في هذا الأوان وقبله شراب يسمى القهوة اختلف فيه فمن قائل بحليته وآخر مجرمته، والحق أنه في ذلك لا يسكر بل ينشط النفس، ويحصل عند استعماله انشراح غير أنه تعرض له الحرمة لأمور، كاجتماع الرجال والنساء وإدارة الكؤوس وإنشادهم أشعار الغزل والمحبة فيسري إلى النفس التشبه بأصحاب الخمر خصوصاً من يتعاطى مثل ذلك، وسماع الغيبة والفحش من الأرذال، وذلك يسقط المروءة وقد سئل عنها زروق. فقال: أما الإسكار فليست بمسكرة، ولكن من كان طبعه الصفراء، والسوداء يحرم عليه شربها، لأنها تضر به في بدنه وعقله والبلغم توافقه وقد كثرت في هذا الزمن وكثر فيها القيل والقال. واختلفت فيها الفتوى ونظمت فيها

القصائد: مدحاً، وذماً، فينبغي تجنبها بالكلية إلا لضرورة شرعية، ومن سلم من هذه العوارض الموجبة للحرمة، فإنها ترجع في حقه إلا أصل الإباحة والله أعلم. وقد سئل عنها الإمام أبو الحسن البكري رضي الله عنه فأجاب ببيتين وهما: (طويل) أقول لأصحابي عن القهوة انتهوا ... ولا تجلسوا في مجلس هي فيه فليست بمكروه ولا بمحرم ... ولكن غدت شراب كل سفيه أقول، وبمثل هذا، في هذه العشبة المسماة عند المغاربة بتباغة وعند المشارقة بالغليون. وقد ألف الناس في ذلك فمنهم من حلل ومنهم من حرم، ومنهم من توقف، ولم يحلل ولم يحرم (6 أ) ومستند كل إلى الأقوال الثلاثة المنقولة في أصل الأشياء قبل الشرع فمن قال بالحلية. قال بحليتها حتى يرد النص بالحرمة ومن قال بالعكس قال بالعكس ومن قال بالوقف حتى يرد الشرع توقف وقد سألت عنها الأكابر من العلماء شرقاً وغرباً فلم أجد عند أحد منهم إلا مثل ما قيل في القهوة والله أعلم بالصواب في ذلك.

الباب الثامن في وجوب رفع ضرر عام من الأزقة والرحاب وغيرها

الباب الثامن في وجوب رفع ضرر عام من الأزقة والرحاب وغيرها سئل مالك عن الرجل يرش بين يدي حانوته فتزلق فيه الدواب فتنكسر فقال: إن كان شيئاً خفيفاً، لم يكن عليه شيء وإن كان كثيراً لا يشبه الرش خشيت أن يضمن، وسئل يحيى (بن عمر) عن طين المطر إذا كثر في الأسواق هل يجب على أهل الحوانيت كنسه (أم لا) وهو ربما أضر بالمارة، فقال: لا يجب عليهم كنسه، لأنه ليس من فعلهم، فقيل له: فإن لصحاب الحوانيت كدسوه وجمعوه في وسط السوق أكداساً فأضر بالمرة والحمولة قال: يجب عليهم كنسه (قال) المالقي: ويأمر المحتسب بتنقية الأسواق من الأزبال والأتبال سيما في الحر والصيف والخريف، لئلا يضر بالناس الوخم والطين، إن كان المطر، ولا يترك أحداً يجلس في خلوات الزقاق، ولا يتعرض لحرم المسلمين ويمنع من يشتغل بالكهانة والخط، والسحر، والمحبة والبغض ويؤدب

من ظهر عليه ذلك، لأنه من أكل أموال الناس بالباطل، ومن عرض من الكتاب والشعراء، بسب أحد أو هجوه، سجن وأدب وقد فعل ذلك عمر رضي الله عنه بالخطيئة سجنه حين عرض بالزبرقان بن بدر التميمي بقوله: دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي ويتبدم لكتاب الشوارع، أن لا يكتبوا كتاب فساد لامرأة ولا لصبي، ولا يهجو ولا بذم لمسلم. ولا يتطفل. ولتكت المكاتب في الشوارع العامرة. وليعلموا الصبيان على ما جرت به العادة من تعليم القرآن والكتابة والأدب والعدد وغير ذلك. ولا يستخدم المعلم الصبيان في حوائجه، إلا أن كان بمسامحة آبائهم ولا يسمح الأب بجلوس الأولاد البالغين مع الصغار ولا يغفل المعلم عن تفقدهم، وخصوصاً البالغين منهم. ولا يسمح لامرأة تحمل صبياً، يكتب لها كتاباً مثلاً. ويكون تأديبهم للصبيان، بالضرب على أرجلهم ثلاثا، أو خمساً، أو سبعاً برفق، ولا يمنعهم من انصرافهم لحاجة الإنسان، ويأمرهم معلمهم بالصلاة وخصوصاً المراهق، ويضرب على ذلك، ويمنع المخنث أن يشتهر بلسان النساء، أو بصفاتهن، ويؤدبه أسد التأديب، ويمنع النواتج.

والنائحات من فعل المنادب ويؤدبهم، ويزجرهم، ويمنع النساء أن يبدين وجوههن وزينتهن، ومن غنائهن والرجال يسمعون، وكذلك من غناء الرجال والنساء يسمعن، والقراءة بالتلحين (6 ب) ويأمر حافر القبور بالتعميق حتى لا تشم الرائحة، ولا يخاف عليه السباع، ولا الكلاب، وأن تستر عظام الموتى. ويحتسب على المؤذنين، في جفظ الأوقات، وكنس المساجد، لأن منفعة ذلك عامة، وأقلة يوم الجمعة وغسل القناديل في كل شهر، ويحفظونها من الكلاب ولعب الصبيان، وينزل الناس من الحوانيت إذا شرع خطيب الجمعة، فيأمر غلمانه بضرب من وجدوه حينئذ في الحوانيت، ضرباً وجيعاً، ويأمرهم بالتحفظ على الصلوات الخمس. ويأمرهم بتنظيف الأواني، بغسل ما يغسل ومسح ما يمسح وفي هذا كله رفع ضرر عام على المسلمين، فالنظر فيه للمحتسب واحتكار الطعام من الضرر، وفيه نهي ووعيد، ومن احتكر في في الرخاء جبر على بيعه في الغلاء، إذا لم يوجد سواه، فان أبي حجر عليه، وليس له بيعه في الدور، بل يخرج إلى السوق. ومن رفع الضرر إلزام من أخرج كنيفاً أن يطرحه خارج البلد، ولا يبقي يؤذي الناس (وحمله مقاطعة

أحسن من الإجمال). ويتخذ (جرساً بيده) ليتوقاه الناس ولا يحمل الواحد إلا دابة واحدة. ويحمل اللحم في أوعية نقية بحيث لا يقطر منه دم على الناس، ولا يحمل أحد حوتاً في يده، وليجعله في وعاء كيلا تمس أثواب الناس، ومن وجدت في يده أزبلت منه وجعلت في طرفة تنكيلا له. ويلزم حمال الأثقال ما جرت به العادة بينهم ولا يلبس سباطاً وإلالزمه الغرم ولا يخرجون عما جرت به العادة عندهم من أجر على حمل الأثقال، وكذلك للصحافون فهم مثلهم، ويلزم الحمامي إحضار مناديل نقية ومناديل للسترة. ويبيت الطيات المحاك والأحجار في الماء كل ليلة ويغسلون الحمامات، ويتحفظون على عرق الماء من الصهاريج ويلزم كل من دخل الحمام ممن بلغ أو راهق ستر عورته من طيات أو غيره ولأبي طالب المكي في

القوت ومما أحدثوا دخول النساء في الحمامات من غير ضرورة، ودخول الرجال الحمام من دون مئزر وهو فسق قال المواق: دخول النساء في الحمام لا يمتنع في هذا الزمن حيث ينفردن بوقت خاص، أو مجمام وحدهن، والله أعلم بالصواب وسئل إبراهيم بن إسحاق الحربي رحمه الله من يشرب النبيذ ولا يسكر، أيصلي خلفه؟ قال: نعم. قيل له فمن يدخل الحمام بغير مئزز قال: لا يصلي خلفه، لأن شرب النبيذ، إذا لم يسكر منه مختلف فيه، ولأن دخول الحمام بغير مئزر محرم بإجماع، وكان بعض العلماء يقول: يحتاج داخل الحمام إلى مئزرين: مئزر لوجهه، ومئزر لعورته وإلا لم يسلم في دخوله. وكان ابن عمر يقول: الحمام من النعيم الذي أحدثوه. ومن المنكر في الحمام تولي القيم لعورة الرجل المسلم بالنورة انتهى (7 أ) وفيه أيضاً مما أحدثوه البيع والشراء على

الطريق وكان الورعون لا يشترون شيئاً ممن قعد على الطريق للبيع وكذلك إخراج الرواشن من البيوت وتقديم العضائد بين يدي الحوانيت إلى الطريق مكروهة، ومما كرهه أهل الورع أيضاً، البيع والشراء من الصبيان، لأنهم لا يملكون، وكلامهم غير مقبول وحدثت عن أبي بكر المروزي، إن شيخاً ذا هيئة كان يجالس أحمد بن حنبل، وكان أحمد رضي الله عنه يقبل عليه فبلغه أنه طين حائط داره من الخارج، فأعرض عنه في المجلس فاستنكر الشيخ ذلك وقال: يا أبا عبد الله هل بلغك عني حدث أحدثته؟ قال: نعم، طينت حائطك من خارج. قال أولا يجوز ذلك؟ قال: لا، لأنك أخذت من طريق المسلمين أنملة قال: وكيف أصنع؟ قال: أما أن تكشط ما طينته، وأما أن تهدم الحائط وتؤخره إلى وراء مقدار أصبع ثم تطينه من خارج (قال فهدم

الرجل الحائط وأخره إصبعاً. ثم طينه من خارج) قال: فأقبل أبو عبد الله رحمه الله تعالى عليه كما كان. ومما كرهه السلف، طرح السنور والدابة على المزابل والطرقات، فيتأذى المسلمون بروائح ذلك وكان شريح وغيره إذا مات لهم سنور دفنوه في دورهم، ومثله إخراج الميازيب وصبها في الطرقات. كان أحمد بن حنبل (رضي) وأهل الورع يجعلون ميازيبهم إلى داخل بيوتهم (وقال إبراهيم النخعي لأحدهم يكذب مرتين ولا يشعر. يقول لا شيء وشيء ليس بشيء يعني قول الناس للشيء اليسير الذي لا يوصف بكبير، شيء، لا شيء فاستعظم هذا ورآه كذاباً مرتين انتهى).

الباب التاسع في حكم اختلاط المسلمين في أسواقهم مع أهل الذمة والتشبه بهم في زيهم

الباب التاسع في حكم اختلاط المسلمين في أسواقهم مع أهل الذمة والتشبه بهم في زيهم فروع: (قال) القلشاني: كره مالك الشراء من مجازر اليهود وقال نهى عمر أن يكونوا في أسواقنا جزارين أو صيارفه، وأمر أن يقاموا من الأسواق قال مالك: يريد لا يبيعون في أسواقنا شيئاً من أعمالهم، وأرى أن يكلم الولاة أن يقيموهم. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: ينهي عن الشراء منهم رجل سواء، ولا يفسخ شراؤه، وقد ظلم نفسه إلا أن يشتري من اليهود مثل الطريعة وشبه ذلك مما لا يأكلونه فيفسخ على كل حال، انظر تمام الفروع في الأصل (المدونة) ومن الشيخ يوسف بن عمر شارح الرسالة: قال عمر بن عبد العزيز: تجعل لهم علامة يعرفون بها، وقد كان أمر أن تجعل في أعناقهم حروز، وتجز نواصيهم، وهذا الزنار في زماننا يكون علامة لهم، ويمنعون من البيع في الأسواق، لمعاملتهم بالربا ولا سيما، في المصرف، قال بعض

المتأخرين، إنما كان هذا حين كان الغالب على المسلمين المعاملة الجائزة (7 ب) وأما الآن حين كئر الربا في الأسواق فمعاملة الذمي أحسن من معاملة المسلم، الذي يعامل بالربا، لأن الذمي غير مكلف، ومع هذا كله لا يجوز ظلم (الذمي قال عليه السلام (من ظلم ذمياً فأنا خصيمة يوم القيامة) فهذا تشديد انتهى. وسئل يحيى بن عمر، عن يهودي يوجد وقد تشبه بالمسلمين وليس عليه رقاع ولا زنار فأجاب: أرى أن يعاقب بالضرب والسجن ويطاف به في موضع اليهود، والنصارى، ليكون ذلك زجراً لهم، لمن رآه منهم. وكتب عبد الله ابن أحمد بن طالب إلى بعض قضاته في اليهود والنصارى، أن تكون الزنانير عريضة صغيرة مخالفة للون وجوه ثيابهم ليعرفوا بها، فمن وجدته تركها بعد نهيك "فاضربه عشرين سوطاً مجرداً ثم صيره" في الحبس فإن عاد "فاضربه ضرباً وجيعاً بليغاً، وأطل حبسه". وفي كتاب عمر رضي الله عنه المبعوث إليه من نصارى الشام، وقد اشترطوا عن أنفسهم شروطاً قبلها

منهم وزاد عليهم فيها شرطين (آخرين) ما يؤذن بالاقتداء به في إلزامهم هذه الشروط. ونصه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين، من نصارى الشام، أنكم لما قدمتم علينا سألنا كم الأمان لأنفسنا، وذرارينا، وأموالنا وأهل ملتنا شرطنا لكم على أنفسا ألا نحدث في مدائننا ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة، ولا بيعة ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب منها، ولا تمتع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل أو نهار وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل، وأن ننزل من مر بها من المسلمين ثلاث ليال نطعمه ولا نؤوى في كنائسنا، ولا منازلنا جاسوساً، ولا نكتم غشاً للمسلمين، ولا نعلم أولادنا القرآن، ولا نظهر شرعنا، ولا ندعو إليه أحداً، ولا نمنع أحداً من ذوي قرابتنا الدخول في الإسلام إن أراده، وأن نوقر المسلمين، ونقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس، ولا نتشبه بهم في شيء من لباسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق للشعر، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نتكنى بكناهم، ولا نركب السروج، ولا نتقلد السيوف، ولا نتخذ شيئاً من سلاح. ولا نحمله معنا، ولا نتقش على خواتمنا بالعربية، ولا نبيع الخمور، وأن نجز مقادم رؤوسنا، ونلزم زينا حيثما كان. وأن نشد الزنانير على أوساطنا، وأن لا نظهر صلباننا، وكتبنا

في شيء من طرق المسلمين وأسواقهم ولا نضرب بنواقيسنا إلا ضرباً خفيفاً، وألا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم، في شيء من طرق المسلمين وأسواقهم، وألا نجاوزهم بموتى (8 أ) ولا نتخذ من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين، ولا نطلع على منازل المسلمين "فلما بلغ الكتاب عمر زاد فيه ولا نضر بأحدهن المسلمين" شرطنا لكم ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا وقبلنا عليه الأمان. فإن نحن خالفنا في شيء مما شرطنا لكم، وضمناه على أنفسنا فلا ذمة لنا، وقد حل لكم منا ما يحل لكم من أهل المعاندة والشقاق". فكتب إليه أي "وإليه على الشام" عمر: إن أمض ما سألوه وألحق فيه "شرطين" اشترطهما عليهم، مع ما اشترطوه على أنفسهم: ألا يشتروا شيئاً من سبايا المسلمين. ومن ضرب منهم مسلماً عمداً فقد خلع عهده انتهى وصح من المعيار.

الباب العاشر في بيان الغش وما يعاقب به من ظهر عليه، أو اتهم به

الباب العاشر في بيان الغش وما يعاقب به من ظهر عليه، أو اتهم به "قال" خليل، وتصدق بما غش، ولو كثر، إلا أن يكون اشترى كذلك إلا للعالم بغشه، كبل الخمر بالنشاء وسبك ذهب جيد ورديء. ونفخ اللحم. "قال" ابن حبيب. قلت لمطرف وابن الماجشون: فما الصواب عندكم فيمن يغش أو ينقص الوزن فالا الصواب عندنا والأوجه في ذلك، أن يعاقبه السلطان بالضرب والسجن، والإخراج من السوق، وإن كان قد عرف بالغش والفجور في عمله. ولا أري أن ينتهب ماله ولا يفرق، إلا ما خف قدره من الخبز إذا نقص، واللبن إذا شيب بالماء، فلم أر بأساً أن يفرق على المساكين، تأديباً له، مع الذي يؤدب به من الضرب والسجن والإخراج من السوق، إذا كان يعتاد الفجور فيه بالغش، فأما ما كثر من اللبن، والخبز، أو غش من المسك والزعفران فلا بفرق ولا ينتهب. قال عبد الملك (بن حبيب) ولا ينبغي للإمام أن يرد إليه ما غش من المسك والزعفران، فلا يفرق، ولا ينتهب وغير ذلك مما عظم قدره بل يبيع ذلك من أهل الطيب، على بيان لما فيه من الغش،

ممن لا يريد أن يغش به وممن يستعمله في وجوه مصارفه من الطيب، لأنه أن أسلم إلى الذي غشه أو بيع من مثله، من أهل الاستحلال للغش، فقد أبيح لهم العمل به وما كثر من اللحم والشحم والسمن والعسل واللبن "إذا غش، والخبر إذا نقص فلا أرى أن ينتهب، ولكن يكسر الخبز ثم يرد إلى صاحبه، ويباع عليه السمن والعسل واللبن" على ما فيه من الغش، لمن يأكله أو يؤمن في بيعه، ولا يسلم إلى الذي غشه، ولا يباع من مثله فيباح لهم أو يغشوا به المسلمين. هكذا "جرى" العمل في كل من غش تجارات السوق، أو يجيز بيعها. قال يحيى بن عمر كالخبز إذا نقص وقد تقدم إليه النهي فلم ينته، يتصدق به ويقام من السوق، واللبن إذا مزج بالماء تصدق به ولا يطرح. وسئل عن الخبز يوجد مرمولا بالحجارة فقال يرد على صاحبه، وأرى أن يؤمر الخباز ألا يطحن قمحه "8 ب" حتى يغربله "وينقيه" ولا يرميه إثر النقش، فإن فعل شيئاً من ذلك تصدق بخبره. والخبر يوجد ناقصاً في الحوانيت يؤدب صاحبه ويخرج من السوق، ويتصدق به، وصاحب الرحي يرمي القمح إثر النقش، فيضمن مثل القمح، إلا أن يعلم ربه بذلك، فلا غرم "قال" يحيى أن

ظهرت في السوق دراهم مبهرجة أو مخلوطة بالنحاس فليشتد الوالي فيها جهده، ويبحث عمن أحدثها، فإذا ظفر به أناله من شدة العقوبة. وأمر أن يطاف به في الأسواق وينكله ويشرد به من خلفه لعلهم يتقون عظيم ما نزل به من العقوبة، ويحبسه بعد على قدر ما يرى ويأمر أوثق من يجد بتعاهد ذلك من السوق، حتى تطيب دراهمهم ودنانيرهم فهذا "أفضل" ما يحوط به رعيته، ويعمهم به نفعه في دينهم ودنياهم وترجى لهم بذلك الزلفى عند ربهم، والقربة إن شاء الله. وليحيى "بن عمر": من اشترى خبزة فكسرها فأخذ منها لقمة، فوجد فيها حجارة "فله أن يرد ما بقي منها، وعليه قيمة مثل ما أكل على أن فيه حجارة" وينهى صاحب الفرن عن هذا فإن عاد لمثله حبس وأخرج من السوق، ويتصدق بخبزه، وسئل يحيى عمن يخلط قمحاً جيداً برديء فقال يتقدم إليه فإن عاد عوقب بالضرب والطرد وكذا ينهي عن دهن التين بالزيت، فإن عاد إلى مثله بعد النهي تصدق بالتين المدهون أدباله، ولا تباع سائر الحبوب إلا بعد غربلتها وانظر ما عمت به البلوى، من عجن

الخبز بغير ملح، هل هو غش يتصدق به، ويعاقب فاعله أم لا، وسئل يحيى بن عمر عمن خلط اللحم السمين بالمهزول في الوزن، فقال: إن كان ذلك أرطالا يسيرة كالخمسة والستة، تباع بالدرهم والدرهمين، فلا أرى بذلك بأساً وإن كان كثيراً كالعشرين والثلاثين، فلا خير في ذلك لأنه من الغرور، وأرى أن يمنع من الغش الذي لا يحل قاله أصبغ. وسئل يحيى بن عمر عن نفخ اللحم وعن خلط الضأن بالمعز، فقال: أما الأول فمكروه عند أهل العلم فلينهو عنه أشد النهي فإن عادوا أخرجوا من السوق وأما خلطة فالأولى أن يجعل كل واحد على حدة فيباع كل بسعره. فهذا الذي أرى، وبالله التوفيق قال ابن وهب: سئل مالك، عن الرجل ينفخ اللحم فقال: أني أكره ذلك، وأرى أن يمنع منه. وسئل يحيى بن عمر عن الجزارين، والبقالين، يخلون السوق لواحد منهم، يبيع فيه وحده، يوماً أو يومين، ولا ينقص من السعر شيئاً وإنما صنعوا ذلك، للرفق به إذا فتي ما بيده، وأراد أن يتزوج مثلا فأجاب: إذا أخلوا السوق لهذا الرجل كما ذكرتم وكان في ذلك مضرة على العامة فنهوا عن ذلك، وإن لم ينقص من السعر، "ولم يكن على العامة ضرر فلا بأس به" وتأمل هذا فإنه كثير ما يخلون

تنبيه

السوق لأمناء كل حرفة، كالخباز، والسفاج، وغيرهما يوماً معلوماً، وقد شوهد في ذلك ضرر على العامة، فينبغي زجرهم، ونهيهم عن العود إليه فمن عاد إلى مثله، عوقب أشد العقوبة، وسئل عبد الله بن أحمد "بن طالب" عن الجزارين يخلطون المهزول بالسمين، وعن الخباز يوجد خبزه ناقصاً فيهربان بعد الاطلاع عليهما. فأجاب بأن ذلك يغلق عليه ويترك، فإن خيف فساده بيع مع البيان لما فيه من الغش، ويوقف له الثمن، وسئل يحيى "بن عمر" عن احتكار الطعام، إذا كان فيه ضرر على الناس في أسواقهم. فقال: أرى أن يباع عليهم ويكون لهم رأس مالهم، والربح يتصدق به أدباً لهم، وينهون عن ذلك، فمن عاد ضرب وطيف به، وسجن. وسئل ابن القاسم عن قول مالك، ينبغي للناس إذا غلا السعر واحتاج الناس أن يبيع الوالي ما عندهم من فضل الطعام. قال إنما يريد مالك، طعام التجار الذي خزنوه للبيع، من طعام جميع الناس إذا اشتدت السنة واحتاج الناس إلى ذلك يباع عليهم، ولكن قال يأمر "الوالي" بإخراجه وإظهاره للناس، ثم يبيعون ما عندهم مما فضل عن قوت عيالهم كيف شاوؤا، ولا يسعر عليهم. تنبيه إنما نسب هذا الكلام لمالك في باب "رفع الضرر من الأسواق" وقد تقدم نقله هناك، ومن الغش- والله أعلم- التظليل على حوانيت البزازين وغيرهم، لعدم تمكن المشترى من صفة ما اشتراه. فكثيراً ما يجده بعد الشراء مخالفاً

غرضه، في مكان الضوء. فقد نهى الشارع عن البيع والشراء في ليل مظلم أو مقمر، بحيث لا يوقف على حقيقة وصف ما اشتراه والتظليل قريب من ذلك فينبغي أن يتفطن له، وأن يزال هذا الضرر على المسلمين. "وفي المعيار سئل بعضهم عن تبييض الأكسية بالكبريت هل هو غش أم لا. فأجاب، بأنه غش لا يجوز والله أعلم".

خاتمة

خاتمة "مما" ينبغي للمحتسب. أن يتفطن لأشياء نهي الشارع عنها فهي مكروهة ويزجر فاعلها والعامل بها، كتلقي السلع قبل بلوغها إلى أسواقها، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ومن ذلك لا يختص المتلقي، بربحها دون غيره، فإن وقع نزعت منه، وشاركه غيره في الربح، والوضيعة على المتلقي فقط، فقيل يؤدب ولا تنزع منه وكبيع حاضر لباد قوله صلى الله عليه وسلم: "دع الناس يرزق الله بعضهم من بعض" وهذا فيما اكتسبوه، بغير عوض من الصوف والسمن وغيرهما، فإن وقع ذلك، فقال مالك وابن القاسم: يفسخ، وروى سحنون عن ابن القاسم، لا يفسخ، وأما شراء الحاضر للبادي، فيجوز كالنجش، وهو أن يزيد التاجر في ثمن السلعة، ولا يريد شراءها بل ليغر غيره، فيزيد فيها فإن وقع كان للمشتري الخيار في التمسك، والرد فإن فاتت لزمته القيمة ما لم تكن أكثر من الثمن ولا بأس بسؤال بعض الحاضرين، ليكف عن الزيادة، ولا يقول ذلك للكل. وكالتفريق بين الأم وولدها، في الآدميين فقط على المشهور، لقوله صلى الله عليه وسلم: من فرق بين والدة

وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة" ومقابل المشهور، وهو لابن القاسم عموم النهي، في الآدمي وغيره. والنهي المذكور مقيد بما قبل الأثغار. ومما ينبغي للمحتسب أن يتفطن له، المواضعة والاستبراء، في بيع الإماء، فيأمر بذلك ويؤكد عليه ولا يترك العامة سدى يفعلون ما أرادوا، لعموم الفساد وعدم التوقي لذلك. وذلك حيث احتيج إليه ولا يتبغي التساهل في شأنهما، والتغافل عن أمرهما، وليقدم على بيع الإماء من ترضى أمانته، وديانته، وقد أكد الله تعالى على حفظ الفروج وحفظها من الأمر الأكيد، الذي لا يتساهل في شأنه. والله ولي التوفيق نسأله سبحانه، أن يوفقنا لمراضيه. وأن يجنبنا من مساخطه وأن يختم لنا بالحسنى بمنه وكرمه وصلى الله على سيدنا،

"ومولانا" محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً والحمد لله رب العالمين "وهو حسبي ونعم الوكيل" ولا حول، ولا قوة إلا بالله العظيم العلي ووافق للفراغ من تبييضه، أواسط رجب الفرد من عام واحد وثمانين وألف "1981 هـ". كتب ممن كتب من نسخة المؤلف رحمه الله ونفعنا به وبسائر أهل الفن، والخير، آمين والسلام.

§1/1