التوكل
أبو يعلى ابن الفراء
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كِتابُ التَّوَكُّلِ
(ح) دَار الميمان للنشر والتوزيع، 1434 هـ فهرسة مكتبة الْملك فَهد الوطنية أثْنَاء النشر الْحَنْبَلِيّ، القَاضِي أبي يعلى مُحَمَّد الْحُسَيْن الْفراء كتاب التَّوَكُّل/ القَاضِي أبي يعلى مُحَمَّد الْحُسَيْن الْفراء الْحَنْبَلِيّ؛ يُوسُف عَليّ عبد الله الطريف - الرياض 1434 هـ 106 ص؛ 17 × 24 سم ردمك: 1 - 43 - 8100 - 603 - 978 1 - أَبُو يعلى، مُحَمَّد بن الْحُسَيْن، ت 458 هـ 2 - التَّوَكُّل 3 - الْإِيمَان (الْإِسْلَام) أ. الطريف، يُوسُف عَليّ عبد الله (مُحَقّق) ب. العنوان ديوي 240 ... 2583/ 1434 رقم الْإِيدَاع: 2583/ 1434 ردمك: 1 - 43 - 8100 - 603 - 978 جَمِيع حُقُوق الطَّبْع والنشر مَحْفُوظَة لدار الميمان للنشر والتوزيع، وَلَا يجوز طبع أَي جُزْء من الْكتاب أَو تَرْجَمته لأي لُغَة أَو نَقله أَو حفظه ونسخه على أَيَّة هَيْئَة أَو نظام إلكتروني أَو على الإنترنت دون مُوَافقَة كِتَابِيَّة من الناشر إِلَّا فِي حالات الإقتباس المحدودة بغرض الدراسة مَعَ وجوب ذكر الْمصدر. جرى تنضيد الْكتاب وتجهيزه للطباعة باستخدام برنامج أدوبي إنديزاين، وإدراج الْآيَات القرآنية بالرسم العثماني وفقًا لطبعة مجمع الْملك فَهد الْأَخِيرَة باستخدام برنامج "مصحف النشر للإنديزاين" الإصدار: (مُتَعَدد الرِّوَايَات) وَهِي أَدَاة برمجية (plug-ins) مطورة بِوَاسِطَة شركَة الدَّار الْعَرَبيَّة لتقنية المعلومات www.arabia-it.com الرائدة فِي مجَال البرمجيات الْمُتَقَدّمَة لخدمة التراث الإسلامي. الصُّور مرخصة قانونيًا من www.shutterstouk.com المخطوط وتصميم الغلاف: دَار الميمان للنشر والتوزيع الطبعة الأولى 1435 هجري - 2014 م دَار الميمان للنشر والتوزيع الْبَرِيد الإلكتروني: [email protected] موقعنا على الإنترنت: www.daralmaiman.com تابعنا على تويتر: DarAlMaiman@ هَاتِف: 996114627336 + فاكس: 966114612163 + جوال: 966500004568 + ص. ب: 90020 الرياض 11613
[مقدمة التحقيق]
المقدمة الحمد لله والصلاة والسلام علي نبينا محمد وعلي آله. أما بعد: فيعيش كثير من الناس في هذا الزمن وقد توافرت لهم أصناف النعم، وتوالت عليهم أنواع الخيرات، وتقلبوا في آلاء الله المختلفة، غير أن كثيرًا منهم ينشد راحة النفس وطمأنينة القلب، فلا يجد مطلوبه فيما فيه من النعم، لما يكتنفها من المصائب والمحن ... وقد تكفَّل الله جل وعلا بالطمانينة والسعادة والحياة الطيبة في الدنيا؛ لمن آمن وعمل صالحًا، وحقق معاني العبودية لربه تعالى. وإن من أعظم مقامات العبودية لله تعالى صدقَ التوكل عليه، فالتوكل عبادة تقوم بقلب المؤمن، إنه تعلقٌ بالله جل وعلا، وتفويضُ الأمر له سبحانه، وبراءة النفس من الحول والقوة إلا بربها سبحانه ... وقد ورد في كتاب الله تعالى آيات كثيرة، وجاء في سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أحاديث عديدة، تدل على شرف مقام التوكل، وعظيم منزلته من بين أعمال القلوب، وذلك لأن من حقق التوكل على الله فقد استكمل الإيمان، وهذا معنى قول ابن عباس رضي الله عنه وغيره من السلف: (التوكل جماع الإيمان). وقول الفضيل بن عياض -رَحِمَهُ اللهُ- وغيره: (التوكل قوام العبادة).
ومع عظم عبادة التوكل على الله تعالى، وعلو مقامها عند الله؛ إلا أن كثيرًا من المسلمين غفلوا عنها، واعتمدوا على الأسباب المادية وحدها في تحقيق مطالبهم والسعي في تحصيل معايشهم؛ خاصة في هذا الزمن الذي طغت فيه المادة، وفشا فيه الألحاد بكل صوره ... وقسم آخر من المسلمين ضلوا في هذا المقام، فظنوا أن التوكل لا يمكن تحقيقه إلا بترك الأسباب، واعتقدوا أن فعل الأسباب يناقض التوكل على الله تعالى وهذا ظاهر في كثير من المتصوفة، خاصة المتقدمين منهم ممن عاش في المائة الرابعة وهلم جرًّا. ولذا كتب كثير من العلماء مؤلفات خاصة في مقام التوكل، منهم: الحافظ عبد الله بن محمد، ابن أبي الدنيا (ت 218 هـ) والشيخ أبو حامد محمد بن محمد الغزالي (ت 505 هـ) والإمام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية (ت 728 هـ) وغيرهم، رحمة الله عليهم. ويضاف إليها كتاب: التوكل للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء الحنبلي، المتوفى سنة (458 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. وقد وجدتُ - بحمد الله - نسخة خطية لهذا الكتاب، فاستعنتُ بالله على خدمته، دراسةً وتحقيقًا. وذلك للأسباب التالية: 1 - أهمية هذا الكتاب، فموضوعه في مقام من أهم مقامات العبودية لله تعالى؛ ألا وهو التوكل على الله جل وعلا، والذي ضل فيه كثير من المسلمين. 2 - أن هذا الكتاب لا يزال مخطوطًا، وبتتبعي لفهارس الكتب المطبوعة،
خطة البحث
ولأبرز فهارس المكتبات في العالم؛ تبين لي أنه لم يطبع من قبل (¬1). 3 - قلة الكتب الأثرية المطبوعة في موضوع التوكل، التي ألفها الأئمة السابقون. 4 - خدمة التراث الإسلامي، والإسهام باداء الواجب نحو الأرث العلمي الذي تركه لنا علماء الإسلام عبر القرون. خطة البحث: اشتملت خطة المبحث على ما يأتي: المقدمة: وتتضمن: سبب اختيار المبحث، وخطة المبحث، ومنهجي في التحقيق. القسم الأول: الدراسة؛ وتتضمن مبحثين: المبحث الأول: ترجمة المؤلف. أولًا: نسبه ومولده وحياته العلمية. ثانيًا: شيوخه، وتلاميذه. ثالثًا: مؤلفاته، وأقوال العلماء فيه، ووفاته. المبحث الثاني: دراسة الكتاب. ¬
وفيه مطلبان: المطلب الأول: التعريف بالنسخة المخطوطة، وفيه: 1 - مصدر المخطوطة. 2 - اسم الناسخ. 3 - التعريف بالخط. 4 - حالة النسخة. 5 - عدد الصفحات والأسطر. 6 - نماذج مصورة من المخطوط. المطلب الثاني: التعريف بالكتاب، وفيه: 1 - تحقيق اسم الكتاب، توثيق نسبته إلى المؤلف. 2 - موضوع الكتاب. 3 - منهج المؤلف، وموارده في هذا الكتاب. 4 - تقويم الكتاب. 5 - من المآخذ على الكتاب. القسم الثاني: تحقيق الكتاب. الفهارس، وهي: 1 - فهرس الآيات القرآنية. 2 - فهرس الأحاديث النبوية.
منهجي في التحقيق
3 - فهرس الآثار المروية عن السلف. 4 - فهرس الأعلام المترجم لهم. 5 - ثبت المصادر والمراجع. 6 - فهرس الموضوعات. منهجي في التحقيق: لم يتوفر لدي من هذا الكتاب إلا نسخة خطية واحدة، لكنها بحمد الله جيدة مقروءة خالية من الخلل، كما سيأتي وصفها قريبًا. أولًا: كتابة النص: 1 - كتابة النص على الطريقة الإملائية الحديثة، دون الإشارة إلى الفوارق في ذلك. 2 - الإشارة إلى نهاية كل لوحة من المخطوط بوضع خط مائل في النص هكذا: والإشارة أمامه في الهامش إلى رقم اللوحة والوجه. 3 - الإلتزام بعلامات الترقيم، وضبط ما يحتاج إلى ضبط. 4 - التزمت بذكر الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما ذكره المؤلف؛ لأن ناسخ المخطوطة قد يهمل ذلك أحيانًا، أو يكتفي بقوله: صلى الله عليه. 5 - وضعت ترقيمًا للتقسيمات التي قد يذكرها المؤلف تسهيلًا على القارئ. ثانيًا: التخريج والعزو: 1 - عزو الآيات القرآنية الواردة في الكتاب؛ بذكر اسم السورة ورقم الآية
بين معقوفتين في المتن، وكتابتها بالرسم العثماني. 2 - تخريج الأحاديث النبوية؛ فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما فإني أكفي بالعزو إليهما، إليهما وإلا فإني أخرِّجه من بقية الكتب الستة ومسند الإِمام أحمد، إن كان ثمَّ، وإلا توسعت في ذلك حسب الحاجة، مع ذكر حكم أهل العلم عليه صحةً وضعفًا. 3 - تخريج الآثار من مصادرها. 4 - توثيق الأقوال التي ينقلها المؤلف من مصادرها. 5 - ترجمة الأعلام غير المشهورين. 6 - شرح الألفاظ الغريبة. 7 - التعليق على ما يحتاج إلى تعليق. والله الموفق، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وآله.
الدراسة
القسم الأول الدراسة المبحث الأول: ترجمة المؤلف. المبحث الثاني: دراسة الكتاب.
المبحث الأول ترجمة المؤلف
المبحث الأول ترجمة المؤلف أولًا: نسبه ومولده وحياته العلمية. هو: محمد بن الحسين بن محمد بن خلف، أبو يعلى، الفراء، البغدادي الحنبلي، و (الفراء) نسبة إلى خياطة الفرو وبيعه (¬1). ولد القاضي أبو يعلى سنة 380 هـ. كان أبوه من أعيان الحنفية، فلما مات كان لأبي يعلى عشرة أعوام، فلقَّنه مقرئه العبادات من مختصر الخرقي، فلذَّ له الفقه، وتحول إلى حلقة أبي عبد الله بن حامد شيخ الحنابلة، فصحبه أعوامًا، حتَّى برع في الفقه عنده، فتصدر بأمره للإفادة سنة 402 هـ ورحل في الطلب، فسمع بمكة، ودمشق، وحلب، وغيرها من البلاد، ثم ولي أبو يعلى القضاء بدار الخلافة. وتلا بالقراءات العشر، وكان ذا تعبد وتهجد، وأحب التأليف، فأفاد وأجاد، وأفتى ودرس، وتخرج به الأصحاب، وانتهت إليه الإمامة في الفقه، وكان عالم العراق في زمانه، مع معرفة بعلوم القرآن وتفسيره، والنظر والأصول (¬2). ¬
شيوخه، وتلاميذه
ثانيا: شيوخه، وتلاميذه. ذُكر لأبي يعلى جملةً من الشيوخ؛ أبرزهم: - أبو عبد الله الحسن بن حامد البغدادي (ت 403 هـ). - الحسين بن أحمد، المعروف بابن البغدادي. - عبيد الله بن عثمان المعروف بابن جنيقا. - علي بن أحمد المقرن، ابن الحمامي. ومن تلاميذ القاضي أبي يعلى: - الحافظ أحمد بن علي بن ثابت، المعروف بالخطيب البغدادي، صاحب تاريخ بغداد، (ت 463 هـ). - أبو الوفاء علي بن عقيل البغدادي الحنبلي، (ت 513 هـ). - أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني، (ت 510 هـ). - ابنه، أبو الحسين محمد بن محمد، القاضي، صاحب الطبقات، (ت 526 هـ). ثالثًا: مؤلفاته، وأقوال العلماء فيه، ووفاته. كان المؤلف القاضي أبو يعلى -رَحِمَهُ اللهُ- ممن اعتنى بالتأليف والإشتغال بالكتابة، فخلف كتبًا كثيرةً، في فنون العلم المتنوعة. لكن -وللأسف- أكثرها في عداد المفقود. ¬
أقوال العلماء فيه -رحمه الله-
فمن كتب المؤلف: في العقيدة: (مسائل الإيمان) و (إبطال التأويلات لأخبار الصفات) وهما مطبوعان (¬1). وللمؤلف كتب في العقيدة لم تر النور بعد؛ منها: (المعتمد في أصول الدين) و (عيون المسائل) و (الرد على الباطنية) و (الرد على المجسمة) و (مختصر إبطال التاويلات) و (القطع على خلود الكفار في النار) و (أربع مقدمات في أصول الديانات) و (إثبات إمامة الخلفاء الأربعة) و (إيضاح البيان في مسائل القرآن) (¬2). وله كتب في الفقه وأصوله طبع الكثبر منها. ومن أقوال العلماء فيه -رَحِمَهُ اللهُ-: - قال تلميذُه الحافظ الخطيب البغدادي: كان أحد الفقهاء الحنابلة، وله تصانيف على مذهب أحمد بن حنبل، درس وأفتى سنين كثيرة ... كتبنا عنه وكان ثقةً (¬3). - قال الحافظ ابن الجوزي: جمع الأمامة في الفقه، والصدق، وحسن الخلق، والتعبد والتقشف والخشوع، وحسن السمت، والصمت عما لا يعني، واتباع السلف (¬4). ¬
- قال الحافظ الذهبي: انتهت إليه الإمامة في الفقه، وكان عالم العراق في زمانه ... وكان ذا عبادة وتهجد، وملازمة للتصنيف، مع الجلال والمهابة ... وكان متعففًا، كبير القدر، ثخين الورع .... (¬1). - وقال الحافظ ابن كثير: شيخ الحنابلة، وممهِّد مذهبهم في الفروع (¬2). - وقال ابن العماد الحنبلي: صاحب التصانيف وفقيه العصر، كان إمامًا لا يُدرك قراره ولا يُشق غباره (¬3). هذا شيء من ثناء العلماء على القاضي أبي يعلى -رَحِمَهُ اللهُ-، ومن يطالع كتب الحنابلة في الفقه وأصوله؛ يتبين له ما للقاضي أبي يعلى من الأثر الكبير على الحركة الفقهية في التاريخ، فله إسهامات واجتهادات أفاد العلماءُ منها بعده. ومع هذه المنزلة الكبيرة للمؤلف إلا أن بعض العلماء انتقده من جهة روايته للأحاديث الواهية في كتبه، وكذلك تردده في بعض المسائل العقدية، كمسألة الصفات التي اضطرب في إثبات بعضها فخالف مذهب السلف. قال الحافظ الذهبي عن القاضي أبي يعلى: ولم تكن له يدٌ طولى في معرفة الحديث، فربما احتج بالواهي (¬4). ويقول عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: ممن سمع الأحاديث والآثار، وعظم مذهب السلف؛ لكنه شارك المتكلمين في بعض أصولهم، ولم يكن له خبرة بالقرآن والحديث والآثار؛ ما لأئمة السنة والحديث؛ لا من جهة المعرفة والتمييز بين صحيحها ¬
وضعيفها، ولا من جهة الفهم لمعانيها، وقد ظن صحة بعض الأصول العقلية للنفاة الجهمية، ورأى ما بينها من التعارض؛ فصار تارةً يختار طريقة أهل التأويل، وتارةً يفوض معانيها؛ ويقول: تجرى على ظواهرها (¬1). وما ذكره شيخ الإسلام عن القاضي أبي يعلى واضح لمن تأمل كتبه مثل: المعتمد في أصول الدين وإبطال التأويلات لأخبار الصفات، وهو أيضًا قد يختار قولًا مخالفًا لمذهب السلف؛ ثم يرجع عنه؛ كاختياره بأن أول واجب على المكلف النظر، في كتابه مختصر المعتمد، ورجع عنه إلى قول السلف في كتابه عيون المسائل، وقد نقل عنه ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية. وهو في الصفات يوجب إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو أثبته له رسوله وفي سنته. وقال في كتابه إبطال التأويلات (1/ 43): إنه لا يجوز رد هذه الأخبار -يعني أخبار الصفات- على ما ذهب إليه جماعة من المعتزلة، ولا التشاغل بتأويلها على ما ذهب إليه الأشعرية. والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات الله تعالى؛ لا تشبه سائر الموصوفين بها من الخلق ... وقد ألف كتابه هذا في الرد على أبي بكر ابن فورك الأشعري في تأويلاته التي شحنها كتاتج 5 مشكل الحديث وبيانه. وقد أُخذ على أبي يعلى توسعه في الإثبات، فأثبت صفات لم يصح بها الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقوله في إثبات الصفات الفعلية مضطرب؛ فتارة يؤولها كما في كتابه المعتمد في أصول الدين، وتارة يثبتها على أنها صفات ذاتية, لا تقوم بمشيئته، وتارةً يثبتها؛ وأنها تتعلق بمشيئة الله سبحانه؛ على مذهب السلف في ذلك (¬2)، ويتضح الإضطراب والتراجع عند القاضي أبي يعلى في مسألة الرؤية، فقد أثبت في أول كتابه ¬
وفاته
ابطال التأويلات: أن الله يرى لا في جهة وهو قول الأشعرية. ثم قال - عن نفيه الجهة: وقد منعنا في كتابنا هذا في غير موضع إطلاق الجهة عليه، والصواب جواز القول بذلك؛ لأن أحمد قد أثبت هذه الصفة؛ التي هي الإستواء على العرش، وأثبت أنه في السماء؛ وكل من أثبت هذا أثبت أنه في جهة (¬1). وقد ذكر أن بعض الناس شنع على القاضي أبي يعلى فقالوا بأنه يميل إلى التجسيم والتشبيه. وهذا باطل وكذب عليه، وهو من أقوال الأشعرية التي يثيرونها على كل من أثبت ما نفو 5 من صفات الباري سبحانه، وقد ألمح القاضي أبو يعلى إلى هؤلاء المشنعين في آخر كتابه ابطال التأويلات، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية مبينًا سبب ما وقع من أولئك (¬2). وهذه الإنتقادات للقاضي أبي يعلى لا تقلل من مكانته، فهو إمام في الفقه وغيره من علوم الشريعة، لكن الكمال لله وحده، ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلها. وفاته: توفي القاضي الإِمام أبو يعلى الحنبلي سنة 458 هـ. -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- (¬3). * * * ¬
المبحث الثاني دراسة الكتاب
المبحث الثاني دراسة الكتاب المطلب الأول: التعريف بالنسخة المخطوطة. 1 - مصدر المخطوطة. مصدرها: مركز الشيخ جمعة الماجد للثقافة والتراث، بدولة الإمارات العربية المتحدة، برقم (1131) وهي من مصورات دار الكتب الظاهرية بدمشق؛ في مخطوطات الدار ضمن مجموع رقم: (3249 عام/ 189 ب 196) وقد جاءت النسخة مقلوبة في المجموع، فأولها ورقة رقم 196 وآخرها ورقة رقم 189. والفضل في العثور على هذه النسخة يعود بعبد الله للدكتور / عبد الرحمن العثيمين، الذي أشار إلى موضع وجودها في تحقيقه لكتاب طبقات الحنابلة لإبن أبي يعلى. وإنني في هذه المناسبة أشكر مركز الشيخ جمعة الماجد للثقافة والتراث فيم دولة الإمارات العربية المتحدة، على تعاونه معي للحصول على النسخة، في وقت قياسي لم أعتده من قبل، فلهم مني جزيل الشكر والعرفان، وأسأل الله أن يوفقهم ويمدهم بعونه على ما يبذلونه من مساعدة كبيرة للباحثين.
2 - اسم الناسخ
2 - اسم الناسخ. جاء على طرة النسخة الخطية اسم ناسخه بهذا النص: (نسخه وسمعه مظفر بن فارس بن كرم (الخباز) داعيًا لمصنفه بالمغفرة. 3 - التعريف بالخط. خط النسخة: نسخي مقروء، يعود للقرن السادس الهجري. 4 - حالة النسخة. النسخة كاملة، ليس فيها نقص، فقد بدأت بالبسملة والحمد لله والصلاة والسلام على نبيه، وخُتمت بقول الناسخ: (فهذا آخر التعليقات، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وملائكتُه على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وسلم تسليمًا، ورحم الله مصنفه، وكاتبه، ومن دعا لهما). كما أن النسخة جاءت سليمةَ؛ لم تتعرض إلى مسح، أو شطب، أو سقط. والنسخة أيضًا مقروءة ومصححة، كما تشير إليها الدائرة المنقوطة في مواضع منها، وعلى النسخة بلاغات. 5 - عدد الصفحات والأسطر. تتكون هذه النسخة من 8 لوحات، كل لوحة عبارة عن صفحتين. ويتراوح عدد الأسطر ما بين 23 و 27 في الورقة. المطلب الثاني: التعريف بالكتاب، وفيه: 1 - تحقيق اسم الكتاب، وتوثيق نسبته إلى المؤلف. هذا الكتاب اسمه: التوكل، ومؤلفه: القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء
2 - موضوع الكتاب
الحنبلي البغدادي، فهذا ثابت لا ريب فيه؛ بدليل ما يلي: أ - أن هذا العنوان هو الموجود على طرة النسخة الخطية له، منسوبًا إلى القاضي أبي يعلى، كما يتضح من النموذج المصور آنفًا، والذي جاء نصه هكذا: كتاب التوكل مصَنَّفٌ للقاضي الأوحد الإِمام أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء رحمة الله عليه. ب - أن كل من ذكر هذا الكتاب ذكره بهذا العنوان: التوكل، ونسبه إلى مؤلفه القاضي أبي يعلى؛ كإبن المؤلف أبي الحسين محمد، ابن أبي يعلى في كتابه طبقات الحنابلة (2/ 238) وأبو الحسين هو أعلم الناس بمؤلفات والده، وكذا ذكر الكتاب بهذا الإسم ونسبه إلى مؤلفه؛ الحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام (30/ 459). 2 - موضوع الكتاب. يتضح موضوع الكتاب من عنوانه، فهوفي ذكر مقام من أهم مقامات العبودية؛ ألا وهو التوكل على الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وقد تكلم المؤلف عن هذا الموضوع المهم من خلال المحاور التالية بحسب ترتيب المؤلف: أ - الأصل في التوكل، ويعني بذلك الأدلة عليه من الكتاب والسنة. ب - فصل في حقيقة التوكل في الرزق، بينه وتطرق في هذا الفصل لأهم مسائل التوكل، والتي يخطئ في إدراكها كثير من الناس، ألا وهي علاقة التوكل بالأسباب. ج - مسألة في الشح؛ بيَّن أنواعه، وما ورد في ذمه. د - مسألة في البخل؛ بين معناه، وبعض ما ورد في ذمه.
3 - منهج المؤلف، وموارده في الكتاب
هـ - مسألة في الجزع؛ بين أنه على ضربين، وأن تحت كل ضربٍ أنواعًا، ثم بين حكم كل نوع منها. و- مسألة الخروج بالزاد في السفر، وعلاقة ذلك بالتوكل. ز - فصل في صفة المريد؛ بين فيه الخصال التي يحتاجها المريد، وجعلها تعود إلى أربع قواعد؛ وهي: الجوع، والسهر، والصمت، والخلوة ... وفصَّل في ذلك وأطال، مستدلًّا على ما ذكر بإيراد عددٍ من الأحاديث والآثار. وأشار إلى ما يُكره للمريد. ح - أنواع الهمِّ؛ ويقصد بذلك عزم النفس على أداء الفعل، فذكر أنه على نوعين، وبيَّن المذموم منها، وختم الكتاب بهذه المسألة. 3 - منهج المؤلف، وموارده في الكتاب. منهج المؤلف: المؤلف -كعادة كثيرٍ من المتقدمين- لم يشر في كتابه هذا إلى منهجه في تأليفه، لكن من خلال قراءتي للكتاب مرات عديدة؛ تبين لي ما يلي: - أن المؤلف انتقى مسائلَ مهمةً -في نظره- تتعلق بالموضوع الأساس للكتاب، وهو: التوكل على الله تعالى، والتي أشرت إليها في الفقرة السابقة، ولعله لم يرد ذكر كل ما له علاقة بموضوع التوكل. - أن المؤلف انتهج منهج الإختصار في بيان المسائل التي ذكرها في الكتاب، ولم يتبع أسلوبًا موحدًا في عرضه للمسائل. - لم يكن للمؤلف منهج واضح في ترتيب النصوص التي يستدل بها على ما ذكر من المسائل، بل ربما ذكر أثرًا ثم آيةً ثم حديثًا وهكذا.
هذا أبرز ما يمكن ذكره عن منهج المؤلف في كتابه هذا. موارد المؤلف: نقل المؤلف في كتابه هذا عن كتب من سبقه من العلماء، وكانت الكتب التي نص على النقل منها: 1 - كتاب التوكل على الله -عَزَّ وَجَلَّ- ولم يصرح باسم الكتاب، وهو للحافظ عبد الله بن محمد، ابن أبي الدنيا (ت 218 هـ) (¬1). 2 - كتاب الورع للشيخ أبي بكر أحمد بن محمد المروذي (ت 275 هـ (¬2) 3 - قوت القلوب للشيخ أبي طالب المكي (ت 386 هـ) (¬3). 4 - كتاب الورع، ومرة سماه: (كتاب الورع والإخلاص) للحافظ أبي بكر، أحمد بن محمد بن هارون، الخلال (ت 311 هـ). 5 - كتاب المعجم للحافظ أبي حفص، عمر بن أحمد بن شاهين (ت 385 هـ). 6 - الأمالي للإِمام أبي عبد الله، ابن بطة (ت 387 هـ) (¬4). هذه أبرز موارد المؤلف في كتابه ¬
4 - تقويم الكتاب
4 - تقويم الكتاب. تميز الكتاب بما بلي: 1 - أنه مختصر، بيَّن فيه المؤلف بعض المسائل المتعلقة بموضوع التوكل على الله تعالى، وهي من المسائل المهمة التي يخطئ في فهمها كثير من المسلمين، لا سيما من اتبع منهم طريقة المتصوفة. 2 - أن المؤلف كثر من الإستدلال بالكتاب والسنة على المسائل التي بحثها. 3 - للمؤلف جمل مختصرة جيدة وواضحة في قضايا مهمة تتعلق بالتوكل، كما في بيانه لحقيقة التوكل في الرزق، وعلاقة التوكل بفعل الأسباب، ونحو ذلك. 4 - اتبع المؤلف أسلوبًا سهلًا في بيان المسائل التي تعرض لها. 5 - أكثر المؤلف من ذكر الآثار عن السلف من الصحابة والتابعين، وهذا منهج يتميز به أهل السنة والجماعة عن غيرهم. 5 - من المآخذ على الكتاب: 1 - أن المؤلف في ذكره للمسائل لا يبين ارتباطها بموضوع الكتاب الذي هو التوكل على الله، كمسألة الشح والبخل. 2 - أن المؤلف قد ذكر بعض الأحاديث الضعيفة، ولم يبين ضعفها. 3 - أن المؤلف لم يعتنِ بتخريج الأحاديث مع كثرتها في كتابه. 4 - أن المؤلف ذكر شيئًا من أقوال المتصوفة ولم ينتقدها؛ كما يتضح ذلك في كلامه على صفات المريد.
نسأل الله أن يثيبه على ما ترك من علم لأمته، وأن يجمعنا به في مستقر رحمته.
نماذج مصورة من المخطوط
صورة اللوحة الأولى (أ)
صورة اللوحة الأخيرة (ب)
القسم الثاني النص محققًا
الأصل في التوكل
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحّمَّدٍ، وَآلِهِ. الأصل في التوكل (¬1) قولُهُ تعالى: {وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: 67]. وقال المؤمنون: {عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [يونس: 85]. وقال ربَّنَا: {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا} [الممتحنة: 4]. وقال: {وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: 67]. {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 122]. {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ} إلى ¬
قوله: {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [إبراهيم: 12]. وقال مخبرًا عن نبيه: {وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [يونس: 84، 85]. وروى ابن أبي الدنيا (¬1) باسناده عن عمر: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما ترزق الطير؛ تغدو خماصًا، وتروح بطانا" (¬2). وبإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله" (¬3). وبإسناده عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يدخل الجنة من ¬
أمتي سبعون ألفًا بفير حساب؛ لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون". فقام عكاشة بن محصن فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: "اللهم اجعله منهم". قام رجل آخر فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. قال: "قد سبقك بها عكاشة" (¬1). وبإسناده عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الطيرة من الشرك، ولكن الله يذهبها بالتوكل" (¬2). * * * ¬
فصل في حقيقة التوكل في الرزق
فصل في حقيقة التوكل في الرزق فهو: ألا تتشرف نفسُه إلى أحدٍ من الناس؛ بل يعلم أنه لا يرزق سواه، ولا يَضر ولا يَنفع شيءٌ إلابإذنه. والتعلق بالأسباب (¬1) ليس من ضعف التوكل (¬2) وإنما هو بلاءٌ من الطبع. ¬
وقد نصَّ أحمدُ (¬1) على (¬2) أن حقيقته قطع التشرف. في رواية المروذي (¬3) وقد سأله: أي شيءٍ صدقُ التوكل على الله تعالى؟ قال: "ألا يكون في قلبه أحدٌ من الآدميين يطمع أن يجيئه بشيء" (¬4). وقد نص -أيضًا- على أن التعلق بالأسباب ليس من ضعف التوكل في رواية المروذي، وقد سأله عن رجل يريد سفرًا: أيما أحب إليك يحمل معه زادًا أو يتوكل؟ قال: (يحمل معه زادًا ويتوكل) (¬5). فقد أمره بالتوكل مع السبب وهو الزاد. ونقلت من خط أبي حفص البرمكي (¬6): ...................................... ¬
سمعت أبا بكر عبد العزيز (¬1): سمعت أبا بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال (¬2) يقول: سئل أحمد عن الزاهد يكون زاهدًا ومعه مائة دينار؟ قال: (نعم. على شَريطة إذا زادتْ لم يفرح، وإذا نقصتْ لم يحزن) (¬3). والدلالة على أن حقيقته قطع التشرف، وهو أعلى المقامات؛ ما روى ابن أبي الدنيا باسناده عن المغيرة بن شعبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من استرقى واكتوى فقد برئ من التوكل" (¬4). ومعناه: برئ من حقيقة التوكل الذي هو أعلى المقامات (¬5). فإن قيل: هذا يعارضه ما تقدم من حديث عمر: "لو أنكم توكلتم على الله حق ¬
توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا، وتروح بطانًا" (¬1). فشبَّه حقيقة التوكل بمن يطلب الرزق من الطير، وطلبُ الرزقِ تشرُّفٌ. قيل: تقدير الخبر: لرزقكم كما تُرزق فراخُ الطير الذين لا طلب لهم، تغدو الأمهاتُ خماصًا، وتروح بطانَا فتغذي فراخَها، ولم يرد بذلك الأمهات. ويدل عليه ما تقدم من حديث عمران: "يَدخل الجنّةَ سبعون ألفًا بغير حساب وهم: الدين لا يكتوون ... " (¬2). فبين أن أعلى مقامات التوكل إذا لم يتعلق بالأسباب، التي هي الكيُّ؛ لأنه خرج مخْرَجَ المدح بإسقاط الحساب عنهم (¬3). وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن أبي سليمان (¬4) قال: لو توكلنا على الله ما بنينا حائطًا على لَبِنتَيْنِ، ولا جعلنا على بابنا غلقًا (¬5). قال (¬6): وقال زهير البابي (¬7): .............. ¬
ما أقدر أن أقول توكلت على الله (¬1). وهذا منهما يدل على حقيقة التوكل (¬2). والدلالة على صحة التوكل مع التعلق بالأسباب قوله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15]. وقوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ} [الجمعة: 10]. وقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]. وهذا كله يدل على الحث على الأسباب، فلو كان ذلك قادحًا في التوكل لم يحث عليه (¬3). وكذلك قوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]. ويدل عليه ما روت عائشة رضوان الله عليها وعلى أبيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال: "أطيبُ ما أكل الرجلُ من كسبه". ورُوي: "أفضلُ ما كل الرجلُ من كسبه" (¬4). وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان داود - عليه السلام - يأكل من عمل يده" (¬5). ورُوي ¬
عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من طلب الدنيا حلالًا استعفافًا عن المسألة، وتعطفًا على جاره، وكدًّا على عياله؛ لقي الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر" (¬1). وروى أبو هريرة أن أعرابيًّا مرَّ بأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ما أجْلَدَهُ, لو كان في سبيل الله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن كان يَكُدُّ على والديه فهو في سبيل الله، وإن كان يَكُدُّ على عياله فهو في سبيل الله" (¬2). وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "تقول امرأتك: على من تَكِلُني ويقول ولدُك: على من تَكِلُنا؟ " (¬3). ويدل عليه ما أخبرني جدي أبو القاسم -رَحِمَهُ اللهُ- (¬4) في الإجازة بإسناده عن ¬
أنسٍ، وذكره ابن أبي الدنيا، قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أعقلها وأتوكل؟ أو أطلقها وأتوكل؟ قال: "اعقلها وتوكل" (¬1). فأثبت التوكل مع السبب، وهو عَقْلُها. ويدل عليه ما رواه أحمد في المسند بإسناده عن أبي هريرة: إنكم تقولون: أكثر أبو هريرة عن النبي، والله الموعد، إنكم تقولون: ما بال المهاجرين لا يُحَدِّثون عن رسول الله بهذه الأحاديث، وما بال الأنصار لا يحدثون بهذه الأحاديث؟ , وإن أصحابي من المهاجرين كانت تشغَلُهم صفقاتهم في الأسواق، وإن أصحابي من الأنصار كانت تشغَلُهم أرضُهم، والقيامُ عليها (¬2). وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن معاوية بن قرة (¬3) أن عمر بن الخطاب لقي ناسًا من أهل اليمن فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون. فقال: "بل أنتم المتَّكِلون؛ إنَّما المتوكل الذي يُلقي حَبَّةَ في الأرض ويتوكل على الله" (¬4). ¬
وهذا يدل على إجماعهم في التعلق بالأسباب. وقال أحمد في رواية المروذي: كان علي بن أبي طالب يعمل حتى تُدْبرَ يدُه، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعملون (¬1). وأيضا فإن الأسباب لو كانت من ضعف التوكل لتداخله شك في علمه بأن الله هو الضار النافع لا غيره، فعلم أنه بلاءٌ من الطبع (¬2). * * * ¬
مسألة في الشح
مسألة في الشح (¬1) وهو على ضربين. أحدهما: ألَّا تسخو نفسُه بما أوتي أخوه المسلم؛ حتى يغُمَّه ذلك ويسوءه، ولهذا قال تعالى: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} [الحشر: 9]. والضرب الثاني: أن يَشُحَّ على أموال الناس، فلا تطيب نفسه بردِّ مظلمة، ولا يؤدّي أمانة، إنَّما همُّه الخيانة، وكسر الودائع؛ فروي عن ابن مسعود أنه قال: الشح أن يشح على ما في أيدي الناس (¬2). وقال بعض التابعين: رأيت عبد الرحمن بن عوف يطوف حول البيت، وهو يقول: رب قني شح نفسي. لا يزيد على ذلك، قال: فتقدمتُ إليه فقلت: ما لي لا أسمعك تدعو إلا بقول: رب قني شح نفسي. لا تزيد على ذلك؟! قال: إني ¬
إن وُقيتُ شح نفسي؛ وُقيت السرقة والخيانة وكذا وكذا ... حتى عدَّد (¬1). فإذا ألزم قلبَه الغمَّ ولم يؤدِّ أمانةً، ولا ما عليه، وظلم الناس في أموالهم؛ فقد استكمل الشحَّ، وقد قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} [الحشر: 9]. وقد روى أبو حفص ابن شاهين (¬2) في كتاب المعجم بإسناده عن خالد بن زيد بن جارية الأنصاري (¬3) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "برئ من الشح من أدى الزكاة وقرى الضيف، وأعطى في النائبة" (¬4). وروى أبو بكر الخلال في كتاب الورع بإسناده عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "شر ما في الرجل شحٌّ هالِعٌ وجبنٌ خالعٌ" (¬5). ¬
مسألة في البخل
مسألة وأما البخل (¬1) فهو: ألا تسخو النفس بأداء الحقوق التي أوجبها الله تعالى عليه في ماله. فرُوي عن ابن مسعود قال: البخل: أن تبخل بما في يديك، ألم تسمع ربي تبارك وتعالى يقول: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 180]. وقال: {وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} [محمد: 36]. إلى قوله: {هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد: 38] (¬2). وأخبرنا أبو بكر الخلال بإسناده عن أبي سعيد: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خصلتان ¬
لا يجتمعان في مؤمن؛ سوء الخلق، والبخل، (¬1). وذكر أبو بكر الخلال في كتاب الورع بإسناده عن حبيش بن مبشر (¬2) قال: قعدتُ مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين (¬3) والناس متوافرون؛ فأجمعوا أنهم لا يعرفون رجلًا صالحًا بخيلًا (¬4). وعن الحسن (¬5): {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]. قال: البخل (¬6). وعن بشرٍ (¬7) ....................................................................... ¬
قال: البخيل لا غيبة له (¬1). * * * ¬
مسألة في الجزع
مسألة في الجزع (¬1) وهو على ضربين: أحدهما: لا يَخرج به صاحبُه من الصبر؛ لكن يُنقِصُه من كمال الصبر. والثاني: ما يَخرج به صاحبُه من الصبر. أما الأول فهو على ضروب؛ منها: (1) إجماع القلب على الغم والحزن لما نزل به من مصيبة في نفسه أو غيره، ولا يظهر منه ما يكره الله تعالى، وقد روي عن سعيد بن جبير (¬2): إن الرجل ليجزع، وإنه لمتجلدٌ ما يُرى منه إلا الصبر (¬3). ومنه: ضرب آخر يزيد على ذلك: ¬
(2) أن يذكر للخلق ما نزل به على راحة النفس أو على استرحام الخلق له ليرقوا عليه، وليَخْلِفُوا عليه أن ذهب منه شيء، أو يُعِينُوه على أمر دنياه، ولا يذكر على التبرم والتضجر به. ومنه ضرب آخر يزيد على ذلك: (3) أن يقطعه عن كثير من أعمال البر مما ليس بواجب عليه. فهذه الأقسام من الجزع لا يحرمه الأجرَ، ولا إثم عليه فيه. الضرب الثاني من الجزع الدي يُخرجه من الصبر؛ وهو على ضربين: أحدهما: أن يحصل معه شكايةٌ واستعانةٌ. والآخر: أن يحصل معه استعانة بالمعاصي. وكلاهما لا أجر له عليه، وعليه الوزر. أما الذي يحصل معه الشكاية: فان يجمع الغمَّ على قلبه؛ فيخرجُه الغمُّ إلى أن يشكوَ إلى الناس ما نزل به على التَّبَرُّمِ والتضَجُّرِ، والإستنكارِ لما نزل به، وذلك مثل أن يقول: كان يوم أصابني هذا فيه يوم شؤمٍ، يا رب لا أريد هذا الأجر. أكنتُ أعظم الناس ذنبًا؟ وإلى كم هذا البلاء؟ وليت هذا لم يكن! وقد روي عن ابن مسعود أنه قال: لأن أَعَضَّ على جمرة حتى تبرد؛ أحب إلي من أن أقول لشيء قضاه الله: ليته لم يكن (¬1). وروي عن يعقوب - عليه الصلاة والسلام - أنه قيل له: ما قوَّس ظهرك، وأذهب نفسك؟ قال: أذهب نفسي حزني على يوسف، وقوَّس ظهري حزني على أخيه. ¬
فاوحى الله إليه: يا يعقوب، تفرَّغت لشكواي (¬1)؟ , والحديث: "من شكا مصيبةً نزلت به فإنما يشكو ربَّه" (¬2). الضرب الثاني: أن يستعين أو يستريح من شدة الضرِّ، أو ألم السقم، أو الجراحة، أو الضيق، أو ذهاب المال إلى معصية الله تعالى، كالرجل يُحَمُّ، أو يضرب عليه بعض جسده، أو يغتمُّ بذهاب ماله، أو ولده، فمن شدة الضجر يُزنِّي خادمَه، أو امرأته، أو ولده، أو يشتُم ويمتهنُ والديه، أو يضرب بعضَ هؤلاء ظالمًا له. يفعل ذلك من شدة الغمِّ، أو يتداوى بما لا يحل له؛ كالخمر، أو شحم الخنزير، أو لحمه، أو يظلم، أو يغصِب، أو يخونُ أمانتَه حين ذهبَ مالُه. يريد بذلك جبرَ مصيبته باختيان (¬3) ما في يديه، أو يمسك عن الإنفاق على مَنْ يجب عليه؛ كالوالدين والولد والأهل، أو يحبس حقًّا، أو يدعو بالويل، أو يشق الجيب، أو يلطم وجهه. وقد رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن ذلك، ولعن من شق الجيوب، ولطم الخدود، وخمش الوجوه (¬4). ¬
ورُوي أن رجلًا كانت له جاريةٌ ترعى غنمًا له، فأخذ الذئبُ شاةً منها؛ فصكَّها صكَّةً، فأخبر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فقال: "أعتقها" (¬1). وأمره بذلك في مقابلة فعله. ورُوي عن مُطَرِّفٍ (¬2) أنه قال في دعائه: أعوذ بك أن أستعين بمعاصيك من ضرٍّ نزل بي (¬3). ¬
مسألة والخروج بالزاد أفضل من الخروج بغير زاد
مَسألةٌ والخروجُ بالزاد أفضلُ من الخروج بغير زادٍ وهذا ظاهر ما رواه المروذي عن أحمد؛ أنه سئل عن الرجل يريد سفرًا أيما أحب إليك: يحمل معه زادًا، أو يتوكل؟ قال: يحمل معه زادًا ويتوكل (¬1). وقال في رواية الحسين بن حسان (¬2) وقد سئل عن الرجل يدخل المفازة بغير زاد، فأنكر ذلك، وقال: لا. ومدَّ بها صوتَهُ (¬3). خلافًا لمن يرى ترك الإكتساب أفضل، يرى الخروج بغير زاد أفضل. والدلالة عليه أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَه قد تزودوا، وتزود أصحابُه بعده، والعلماء بعدهم عصرًا بعد عصرٍ، ولا نعرف عالمًا يقول: ترك الزاد أفضل. بل يقول أكثرهم: من قال هذا القول فهو مبتدع. وقد قال أحمد في رواية المروذي لرجل قال: إني في كفاية. فقال: الزم السوق؛ ¬
تصل به الرَّحِمَ (¬1). وقال في رواية محمد بن موسى (¬2) لرجل دخل عليه ومعه ولده: أَلْزِمْهُ السوقَ، وجنبْه أقرانَه (¬3). وقال في رواية صالح (¬4) في قوم لا يعملون؛ يقولون: نحن متوكلون. قال: هؤلاء مبتدعةٌ (¬5). وقال في رواية أبي الحارث (¬6): ما أحسن الإتكالَ؛ ولكن لا ينبغي لأحد أن يقعد ولا يعمل شيئًا (¬7). ¬
فصل في صفة المريد
فصل في صفة المريد (¬1) قال أبو بكر الخلال في كتاب الورع والإخلاص: أخبرنا طالب بن حرّة الأذني (¬2) قال: حضرتُ أحمدَ بن حنبل، فقال له رجل (¬3) أخبرنا أحمد بن الحسن الحلا ¬
الحري (¬1). فقال أبو عبد الله: (علامة المريد قطيعة كل خليط لا يريد ما يريد) (¬2). قوله: (قطيعة كل خليطٍ). يقطعه عن الله -عَزَّ وَجَلَّ-، لا يريد ما يريده الخليطُ، وذلك لقوله تعالى: {فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [يونس: 89]. وقال تعالى: {وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 142]. وكيف يستقيم على سنن الطريق من يتبع طريق الجاهلين. وفي الخبر عن الله تعالى: "يا موسى، كن يقظانا وأجد لنفسك أخدانًا، وكل خدن لك وصاحب لا يؤازرك على طاعتي فانبد عنك صحبته، إنَّما كان عدوًّا" (¬3). وقد ذكر أبو طالب المكي (¬4) في جملة قوت القلوب فقال (¬5): "يحتاج المريد إلى سبع خصال؛ أربعة قواعد، وثلاثة أعلام، والقواعد الأربعة: الجوع، والسهر، والصمت، والخلوة. والأعلام الثلاثة: المعرفة بالطريق، والخشية، وطاعة الدليل". أما الأربعة القواعد التي هي: الجوع، والسهر، والصمت، والخلوة؛ فهي: ¬
سجن النفس وضيقها، وضرب النفس وقيدها (¬1). أما الجوع (¬2) فإنه يُنقص دم القلب فَيَبْيَضُّ؛ وفي بياضه نوره، ويُذيب شحمَ الفؤاد وفي ذوبه رقته، ورقته مفتاح كل خير؛ لأن في القسوة مفتاح كل شر، فإذا نقص دم القلب ضاق مسلك العدو منه؛ لأن دم القلب مكانه. فإذا رقَّ القلب ضعف سلطان العدو منه؛ لأن في غِلَظِ القلب سلطانه. والفلاسفة يقولون: النفس هي كلية الدم؛ لأن الانسان إذا مات لم يفقد من جسمه إلا دمه مع روحه. والعلماء منهم قالوا: الدم هو مكان النفس. وفي الحديث المروي: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فضيقوا مجاريه بالجوع والعطش" (¬3). وعن عيسى - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: "يا معشر الحواريين ¬
جوِّعو ابطونكم، وعطِّشوا أكبادكم، وأعْروا أجسادكم؛ لعل قلوبكم ترى الله -عَزَّ وَجَلَّ-" (¬1). وقال بعض الصحابة: أول بدعة حدثت بعد رسول الله الشبع؛ إن القوم لما شبعت بطونهم جنحت بهم شهواتهم (¬2). وعن عائشة: كان رسول الله وأصحابه يجوعون من غير عَوَزٍ (¬3). وقال ابن عمر: ما شبعتُ منذ قتل عثمان (¬4). وحديث أبي جحيفة (¬5) لما جشأ عند النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اكفف عنا جشاءك، فإن أطولكم شبعًا في الدنيا أكثركم جوعًا في الآخرة" (¬6). وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشدُّ الحجر على بطنه من الجوع (¬7). ¬
وقال - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة: "ما دخل فمَ أبيك طعامٌ مند ثلاث" (¬1). وقال الثوري (¬2): جُعل الخير كلُّه في بيت، وجُعل مفتاحه الجوع (¬3). وقال أبو بكر المروذي: قيل لأبي عبد الله: إن رجلًا قال: قد ذهب سمعي من الجوع. فقلت له: اصبر. فإنها أيام قلائل. فقال: ليته دام على الفقر والجوع إلى الممات. وقال: ذكرت أولئك الفتيان أصحاب الصلاة، أسال الله أن يسلمهم (¬4). وقيل لأبي عبد الله: الرجل يجد من قلبه رقةً، وهو يشبع؟ قال: ما أراه. وجعل يعظم أمر الجوع والفقر (¬5). وقال (¬6): لو كان إلي ما أكلت ولا شربت (¬7). وأما السهر فإنه ينير القلب، ويجلوه؛ فيصير القلب كأنه كوكب دري في مرآة مجلوَّة؛ فيرغب في الطاعات لمشاهدة الآخرة. ومنه حديث حارثة (¬8) لما قال: عزفتْ نفسي عن الدنيا، وكأني انظر إلى عرش ¬
ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون، وإلى أهل النار يتعاوون فقال - صلى الله عليه وسلم -: "عرفت، فالزم" (¬1). ووصف النبي - صلى الله عليه وسلم - قلبَ المؤمن؛ فقال: "قلب أجرد، فيه سراج يزهر" (¬2). معناه: يجرِّده من الهوى، وسراجه الذي يزهر فيه: هو نور اليقين. وقال بعض العلماء: من سهر أربعين ليلة خالصًا كوشف لملكوت السماء (¬3). ورُوي في حديث معاذ: "ثلاث منهن المقت من الله: الضحك من غير عجب، والأكل من غير جوع، ونوم النهار من غير سهر بالليل" (¬4). وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "قالت أم سليمان بن داود لابنها: لا تكثر النوم بالليل؛ فإن كثرة النوم تترك العبد فقيرًا يوم القيامة" (¬5). ¬
وقيل: كان شبان متعبدون في بني إسرائيل، فكانوا اذا حضر عشاؤهم قام فيهم عالمهم فقال: يا معشر المريدين، لا تأكلوا كثيرًا، فتشربوا كثيرًا، فترقدوا كثيرًا، فتخسروا كثيرًا (¬1). واعلم أن نوم العلماء عن غلبة بعد طول السهر بالقيام (¬2). وفي الخبر: قيل: يا رسول الله، إن فلانًا يصلي بالليل ويسرق بالنهار, فقال - صلى الله عليه وسلم -: "سينهاه ما تقول" (¬3). وفي الخبر عن لقمان أنه قال لابنه: "يا بني، لا تحب الحياة إلا لسهر الليل، وظمأ الهواجر، والذكر لله، وما كان سوى ذلك فهو الخسران" (¬4). وفي الخبر: "استعينوا على قيام الليل بقائلة النهار" (¬5). وقد قال عبد الصمد بن أبي مطر (¬6): بتُّ عند أحمد بن حنبل فوضع لي صاغرةَ ¬
ماء، قال: فلما أصبح وجدني لم أستعمله، فقال: صاحب حديث لا يكون له ورد بالليل! قلت: مسافرٌ. قال: وإن كنت مسافرًا؛ حج مسروقٌ فما نام إلا ساجدًا (¬1). وقال موسى بن عيسى الموصلي (¬2): ركبني دينٌ، فأتيت بشرًا، فقلت: قد ركبني دينٌ. قال: عليك بجوف الليل. ومضيت إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل؟ فقلت: ركبني دينٌ. قال: عليك بالسَّحَرِ (¬3). وأما الصمت فإنه يلقح العقل، ويعلم الورع، ويجلب التقوى. وقد قال عقبة بن عامر: يا رسول الله، فيمَ النجاة؟ فقال: "املك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك" (¬4). وأوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذًا بالصلاة والصيام وغير ذلك، ثم قال في آخر وصيته: "ألا أدلك على ما هو أملك بك من ذلك كله؟ هذا"، وأومأ بيده إلى لسانه. فقال: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما تتكلم به ألسنتنا؟ فقال: "ثكلتك أمك معاذ، وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم؟ إنك ما سكت فأنت سالمٌ، فإذا تكلمت فإنما هو لك أو عليك" (¬5). ¬
وروي في الخبر: "لا يتقي العبدُ ربَّه حقَّ تُقاته حتى يَخْزِنَ من لسانه" (¬1). وفي خبرآخر: "لا يصلح العبدُ حتى يستقيمَ قلبُه، ولا يستقيم قلبُه حتى يستقيمَ لسانُه" (¬2). وكان الضحاك بن مزاحم (¬3) يقول: أدركتهم وما يتعلمون إلا الصمت والورع، وهم اليوم يتعلمون الكلام (¬4). يقول: حدثنا أبو محمد جعفر بن نصر قال: أنبأنا أبو عبد الله محمد بن حامد الرازي، قال: أنبأنا أبو عثمان الوراق -وراق أحمد بن حنبل (¬5) - قال: حدثني المحاربي (¬6) قال: قال الأوزاعي (¬7): السلامة عشرة أجزاء، سبعة منها في التغافل. ¬
قال أبو عثمان: فعرضت ذلك على أحمد بن حنبل، فقال لي: يرحم الله الأوزاعي, عشرتها في التغافل (¬1). وأما الخلوة فإنها تُفَرِّغُ القلبَ من الخلق، وتَجْمع الهمَّ بأمر الخالق، وتجلب ادِّكار الآخرة، وتجدد الإهتمام بها، وتنسي ادِّكار العباد، وتواصِل ذكرَ المعبود. وروي عن ابن عباس أنه كان يقول: لولا الوسواس لم أبالِ أن أجالس الناس، وهل أفسد الناسَ إلا الناسُ؟ (¬2). وقال ابن مسعود: وددت أن بيني وبين الناس سور حديد (¬3). وقد روى الحسن بن محمد بن الحارث السجستاني (¬4) أنه قال لأبي عبد الله: التخلي أعجب إليك؟ فقال: التخلي على علم. وقال: يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم" (¬5). وقال في رواية أبي الصقر (¬6): إذا كانت الفتنة فلا بأس أن يعتزل الرجل حيث شاء، وأما ما لم تكن فتنة فالأمصار خير (¬7). ¬
وقال في رواية مثنى الأنباري (¬1): وقد سئل أيما أفضل؛ رجل أكل فشبع وأكثر الصلاة والصيام، أو رجل أقلَّ الأكل فقلَّت نوافله؟ فذكر ما جاء في الفكرة: تفكُّرُ ساعةٍ خيرٌ من قيام ليلة (¬2). وقال المروذي: ذكرت لأبي عبد الله رجلًا صبورًا على الفقر، وقد اعتزل: ما كان أحوجه إلى علمٍ؟ فقال: أسَكتَ لصبره، وعُزلته عن العلم؟! (¬3). فهذا شرح الخصال الأربعة القواعد. وأما الثلاثة الأعلام (¬4): 1 - فالمعرفة بالطريق، وهي: إصابة العلم في السعي، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فإن المنبتَّ لا ظهرًا أبقى، ولا أرضًا قطع" (¬5). وحسبه قوله تعالى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} [الروم: 29]. 2 - وطاعة الدليل، وهو: معلمه ومرشده (¬6). لقوله تعالى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ ¬
مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان:15]. ولابد للمريد من خصال: (1) أولها: الصدق في الإرادة، وعلامته: إعداد العدَّة. (2) ولابد له من السبب إلى الطاعات، وعلامة ذلك هجران قرناء السوء. (3) ولابد له من المعرفة بالحال، وعلامة ذلك استكشاف آفات النفوس، واستعلام ما يفسد الأعمال، واستحضار محاسن النيات، وصحة المقاصد في الإرادات. (4) ولابد له من مجالسة عالم بالله، وعلامة ذلك إيثاره على ما سواه، وحسن القبول منه، وإلقاء السمع بالإصغاء بصحة الفهم إليه. (5) ويحتاج المريد إلى توبة نصوح، فبذلك يجد حلاوة الطاعة، ويدوم إقبال القلب على الإرادة. (6) ويحتاج المريد إلى طعمة حلال لا يذمها العلم، وعلامة ذلك أن يكون بسبب مباح يوافق فيه حكم الشرع. (7) ولابد له من قرين صالح يؤازره على حاله ويساعده على صلاح أعماله، كما جاء في الخبر: "المؤمن مرآة المؤمن" (¬1). أي: يرى به ما لا يراه لنفسه، كما يرى المرآة من وجهه ما لا يراه بعينه، ¬
وعلامة الخليل الصالح معاونته على البر والتقوى، ونهيه عن الإثم والعدوان. وقد رُوي في الخبر: "خير الإخوان الذين يقولون: تعالوا نصوم، تعالوا نصلي. وشر الإخوان الذين يقولون: تعالوا نأكل ننام" (¬1). وقال بعض أهل المعرفة: يكره للمريد أن تكون وساوسه بالجنة وذكر ما فيها من النعيم. قال: واستحب له أن تكون وساوسه ذكر الله، وخواطره وهممه؛ متعلقة بالله لا سواه؛ لأن المريد حديث عهد بتوبة، غير معتاد لطول الاستقامة والعصمة، فإذا تذكر نعيم الجنة لم آمن عليه -لضعف قلبه- أن يشتهي ميله ما يشاهد في الدنيا من اللباس والطيبات والنساء؛ لأن هذا عاجل وذلك آجل، كان أبعد له من زينة الدنيا ولذاتها. ¬
تعليق في الزهد والورع
تعليق ذكر أحمد في غير موضع وقد سئل عن الزهد في الدنيا فقال: قصر الأمل (¬1). والوجهُ فيه ما نقلته من خط أبي بكر عبد العزيز (¬2) في جزء ترجمته العلم، بإسناده عن عبد الله بن عمرو قال: مر بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن نصلح خصًّا لنا، فقال: "ما هذا؟ ". فقلت: خصٌّ لنا وَهَى فنحن نصلحه. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما أرى الأمر إلا أسرع من ذلك". وفي لفظ آخر: "ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك" (¬3). وبإسناده (¬4) عن أبي سعيد الخدري قال: اشترى أسامة بن زيد بن ثابت وليدة بمائة دينار إلى شهر، قال: فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ألا تعجبون من أسامة اشترى إلى شهر! إن أسامة لطويل الأمل؛ والذي نفسي بيده ما طرفت عينايَ فظننت أن شفري يلتقيان حتى أُقبض، ولا رفعت طرفي إلى السماء فظننت أنِّي واضعه حتى ¬
أُقبض، ولا لَقَمتُ لقمةً فظننتُ أنِّي أُسيغها حتى أغصَّ فيها من الموت". ثم قال: "يا بني آدم، أن كنتم تعقلون فعدُّوا أنفسكم من الموتى، والذي نفسي بيده إن ما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعجزين" (¬1). ذكر أبو عبد الله، ابن بطة (¬2) في أماليه بإسناده عن أبي ذرٍّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا إن الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا ألا تكون لما في يديك أوثق منك لما في يدي الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أتت أصبتَ بها أرغبَ منك فيها لو أنها أُبقيت لك" (¬3). وبإسناده (¬4) عن جعفر بن محمد (¬5) .................................. ¬
عن أبيه (¬1) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "العلماء ورثة الأنبياء، وأمناء الرسل؛ ما لم يدخلوا في الدنيا". قالوا: يا رسول الله، وما دخولهم في الدنيا؟ قال: "اتباعهم السلطان، وحبهم الأغنياء. فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دمائكم، فإن الله يبطل حسناتهم" (¬2). وبإسناده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يأتي على الناس زمان يدعوفيه المؤمن للعامة، فيقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ادع لخاصة نفسك أستجبْ لك، فأما العامة فإني عليهم ساخط" (¬3). وبإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل العبادة توقع الفرج" (¬4). وبإسناده عن سهل بن سعد الساعدي قال: ما رأيت في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - مُنْخُلًا حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقيل له: فكيف كنتم تصنعون، وإنما طعامكم الشعير؟ قال: يطحن أحدُنا الشعير ثم ينسِفه فيتطاير منه ما يتطاير، ويبقى منه ما يبقى (¬5). وبإسناده عن أبي الدرداء قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل شيء ينقص إلا الشر فإنه ¬
يزاد فيه" (¬1). وبإسناده عن أبي أمامة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن من شرار الناس منزلةً يوم القيامة رجل أذهب آخرته بدنيا غيره" (¬2). وبإسناده عن عطية السعدي قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا لما به البأس" (¬3). وبإسناده عن أبي ذر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا إن الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا ألا تكون لما في يدك أوثق منك بما في يدي الله، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أتت أصبت بها أرغب منك فيها لو أنها أُبقيت لك" (¬4). وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال: باسم الله توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فيقال له حينئذٍ: كفيت، ¬
ووقيت، وتنحى له الشيطان" (¬1). وبإسناده قال: كتب عاملُ إفريقية إلى عمر بن عبد العزيز، يشكو إليه الهوام والعقارب، فكتب إليه: وما على أحدكم إذا أمسى أو أصبح أن يقول: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} الآية [إبراهيم: 12]. قال زرعةُ (¬2): وهي تنفع من البراغيث (¬3). وبإسناده عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الطيرة من الشرك، ولكن الله يذهبها بالتوكل" (¬4). وبإسناده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من استرقى، واكتوى، فقد برئ من التوكل" (¬5). ¬
وبإسناده عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من خرج من بيته يريد سفرًا فقال حين يخرج: بسم الله، آمنت بالله، واعتصمت بالله، وتوكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. رزق خير ذلك المخرج، وصُرف عنه شره" (¬1). روى بعضهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الزاهدون في الدنيا؛ هم الفائزون في الآخرة" (¬2). أبو داود (¬3): سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا يكاد يُرى أحد أنكر من هذا الرأي إلا وفي قلبه دغل على الأمة (¬4). روى الخلال في الورع بإسناده عن عبد الله بن شقيق (¬5) قال: قالوا: يا رسول الله، إن فلانًا لا يفتر من صلاة ولا صيام. فأتاه وهو يصلي، فأخذ بعضده، فقال: "إن هذا أخذ بالعسر وترك اليسر". قالها ثلاثًا. قال: ثم نشله ثلاث نشلات، قال: ثم دفعه في صدره، قال: فخرج من باب من أبواب المسجد؛ فلم يُرَ فيه (¬6). ¬
أبو بكر المروذي: قيل لأبي عبد الله: بما بلغ الذين بلغوا حتى ذُكروا؟ قال: بالصدق. قال: وإيش الصدق؟ قال: الإخلاص. قال: وإيش الإخلاص؟ قال: أن يخاف اللهَ العبدُ (¬1). وقال عبد المؤمن -يعني ابن محمد الفرعاني-: وجدت في كتاب سعيد بن الليث السمرقندي قال: جاء رجل إلى أحمد بن حنبل، فقال: بما يُذكر الصالحون؟ قال: بالصبر والرضا (¬2). وقد حدثنا أبو محمد الخلال (¬3) بإسناده حديثًا في هذا المعنى عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا بن مسعود، إن الإسلام علامةٌ، وعلامة الإسلام الإيمان، وعلامة الإيمان اليقين، وعلامة اليقين الإخلاص، وعلامة الإخلاص الورع، وعلامة الورع الزهد في الدنيا. من تمسك بالورع والزهد في الدنيا يرى كل درجة رفيعة، ومن تخلَّى منهما لقيني يوم القيامة على غير ملتي، فتمسكوا بالورع والزهد في الدنيا فبهما بعثتُ وبهما أُرسلتُ" (¬4). قال المروذي: سمعت أبا عبد الله يقول: الصبر في كتاب الله ثمانون موضعًا محمود، وموضعان مذموم: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم: 21 {أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} [ص: 6] (¬5). ¬
تعليق: فيما أُخذ على العلماء ألا تكتموا العلمَ. نقلت من خط أبي بكر (¬1) من كتاب العلم بإسناده عن قتادة (¬2) أنه كان يقول في هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: 187]. قال: هذا ميثاق أخذه الله على أهل الكتاب ممن علم علمًا فليعلِّمه (¬3). وبإسناده (¬4) عن أبي هريرة أنه قال: والله لولا آيتان في كتاب الله ما حدثت عنه -يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - لولا قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ ...} [البقرة: 174، 175]. إلى آخر الآيات (¬5). ذكر أبو بكر الخلال في كتاب الورع: أخبرني أحمد بن المكين الأنطاكي (¬6) أنه سمع أحمد بن حنبل قال له رجلٌ: أوصني. فقال له أحمدُ: انظر إلى أحب ما تريد أن يجاورك في قبرك؛ فاعمل به، واعلم أن الله تعالى يبعث العباد يوم القيامة على ثلاث خصال: محسنٌ ما عليه من سبيل؛ لأن الله يقول: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91]. وكافرٌ في النار؛ لأن الله يقول: {وَالَّذِينَ ¬
كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ} [فاطر: 36]. وأصحابُ الذنوب والخطايا، وأمرهم إلى الله، إن شاء عذَّب، وإن شاء عفا؛ لأن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (¬1) [النساء: 48، 116]. المروذي: قلت لأبي عبد الله: الرجلُ يكون مستورًا خمسين سنةً يستر نفسه، ثم ينكشف عند موته، من إيش يكون؟ قال: من حبه للدنيا. قلت لأبي عبد الله: إيش تفسير: "حب الدنيا رأس كل خطيئةٍ" (¬2)؛ قال: أن تكون الدنيا في قلبه يؤثرها على كل شيء. أنبأنا عبد الله (¬3) قال: سألت أبي: معنى حديث عبد الله (¬4): نهينا أن (¬5). قال: هاهنا وهاهنا. أخبرني محمد بن بشر (¬6) قال: سمعت يحيى بن معين يقول: حدثني حفَّار مقابرنا، قال: أعجب ما رأيت في هذه المقابر أني سمعت أنينًا من قبرٍ كأنينِ المريض، وسمعتُ مؤذنًا يؤذن وهو يجاب من قبر يقول كما يقول المؤذن. أو كما قال يحيى. ¬
أخبرني محمد بن بشر قال: حدثني سلمة بن شبيب (¬1) قال: حدثني حماد الحفار قال: دخلت المقابر يوم الجمعة فما انتهيت إلى قبر إلا سمعت فيه قراءة القرآن. المروذي: قيل لأبي عبد الله: هل للورع حادٌّ؟ قال: ما أعرفه (¬2). إنما لم يحدَّه؛ لأن الورع هو: ترك الشبهة أو المباحات، وذلك أكثر من أن يحصى، فلهذا لم يحدَّه. وقد رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا لما به البأس" (¬3). أبو الصقر (¬4): قال أحمد: إذا كانت الفتنة فلا بأس أن يعتزل الرجل حيث شاء، فأما ما لم تكن فتنة فالأمصار خير. لأن ما يحصل من الفتنة من الحصر بالنفس والمال والدين؛ أكثر مما يفوته من فضيلة المقام بالأمصار من إدراك الجماعات، وتعليم القرآن والسنن؛ لأن هذه الأشياء لا تجب. إسحاق بن إبراهيم (¬5): قال أحمد: ينبغي للمؤمن أن يكون رجاؤه وخوفه واحدًا (¬6) ............................................................ ¬
وهو قولُ الحسنِ (¬1) ذكره الخلالُ عنه، ومطرفٍ (¬2) ذكره أبو طالب المكي. إنما قال ذلك؛ لأنه إن زاد خوفه لم يؤمَن عليه القنوط من رحمة الله، وإن زاد رجاؤه لم يؤمَن عليه الإغراء بالمعاصي. وقد قال لقمان لابنه: "إن المؤمن له قلب كقلبين؛ يخاف بأحدهما، ويرجو بالآخر" (¬3). قال بعضهم: مثل الخوف من الرجاء مثل اليوم من الليلة، لما لم ينفك أحدهما عن الآخر؛ جاز أن يُعبَّر عن المدة بأحدهما فيقال: ثلاثةُ أيامٍ، وثلاثُ ليالٍ. وهما وصفان للإيمان؟ كالطير بجناحين. المروذي: سئل أبو عبد الله عن تفسير: "اعبد الله كأنك تراه". فقال: بقلبك (¬4). إنما حمله على رؤية القلب؛ لأن رؤية العين تختص بالآخرة دون الدنيا، وبالقلب يجوز في الدنيا ويقع عليه اسم الرؤية، بدليل قول ابن عباس: رأى محمد ربه بقلبه (¬5). ورُوي: رأى رسول الله ربه بفؤاده مرتين (¬6). الحسن بن علي بن الحسن (¬7): سألت أبا عبد الله عن الهمِّ؟ فقال: الهم همان؛ ¬
همُّ خطرات، وهمُّ إصرار (¬1). الهم على ضربين: أحدهما: الهم بالدنيا. والآخر: الهم بالآخرة. فأما الهم بالآخرة: فهو: الممدوح المرغوب فيه. وأما الهم بالدنيا: فهو على ضربين: هم خطرات؛ وهو أن يخطر بباله ولا يساكنه، فهو غير مؤاخذ به. لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عفي لأمتي عما حدثت به أنفسها" (¬2). والضرب الآخر: هم الإصرار: وهو أن يقيم عليه؛ فهو مذموم، وهو أن يديم الإهتمام بالدنيا، والإكتساب منها. وقد روى أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أعظم الناس همُّا المؤمن الدي يهم بأمر دنياه وآخرته" (¬3). وروى أنس: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت الآخرة همه؛ جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له" (¬4). ¬
أبو القاسم عبد السلام بن محمد المخرمي (¬1) قال أحمد بن محمد بن شيخ (¬2): حدثني أبو يوسف يعقوب بن إسحاق (¬3) قال: سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن التوكل. فقال: هو قطع الإستشراف بالإياس من الخلق. فقلت: ما الحجة؟ فقال: الخليل إبراهيم - عليه السلام - لما وضع في المنجنيق، ثم طرح إلى النار فاعترض جبريل. فقال: إبراهيم، لك حاجة؟ , فقال: أما إليك فلا. قال: فقال له: سَلْ من لك إليه حاجة؟ فقال: أحبُّ الأمرين إليه أحبُّهما إليَّ (¬4). فهذا آخر التعليقات. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وملائكتُه على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وسلم تسليمًا. ورحم الله مصنفه، وكاتبه، ومن دعا لهما (¬5). ¬
ثبت المصادر والمراجع
ثبت المصادر والمراجع 1 - الأباله عن شريعة الفرقة الناجية، عبيد الله بن محمد بن بطه العكبري، د. دار الراية، الرياض 1415. 2 - الآداب الشرعية، محمد بن مفلح المقدسي، ن: مؤسسة قرطبة، القاهرة، 1987. 3 - الأدب المفرد، محمد بن إسماعيل البخاري، ن: دار البشائر الإسلامية، بيروت، 1409، ط 3. 4 - إرواء الغليل في تخريج منار السبيل، محمد ناصر الدين الألباني، ن: المكتب الإسلامي، بيروت، 1407، ط 1. 5 - الإستيعاب في معرفة الأصحاب، يوسف ابن عبد البر، ن: دار الجيل - بيروت - 1412، ط 1. 6 - الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، ن: دار الجيل، بيروت، 1412، ط 1. 7 - الأعلام، خير الدين الزركلي، ن: دار العلم للملايين، بيروت 1410. 8 - إغاثة اللهفان، محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، ن: دار المعرفة، بيروت، 1395. 9 - الإيمان لإبن أبي شيبة، ت: ناصر الدين الألباني، ن: دار الأرقم، الكويت، 1405. 10 - البداية والنهاية، إسماعيل بن عمر بن كثير، مكتبة المعارف، بيروت. 11 - بلوغ المرام، أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، ن: دار الكتب العلمية، بيروت. 12 - تاريخ الإسلام، أحمد بن محمد الذهبي، ن: دار الكتاب العربي، بيروت، 1407. 13 - تاربخ بغداد، أحمد بن علي، أبو بكر الخطيب البغدادي، ن: دار الكتب العلمية، بيروت.
14 - تاريخ دمشق، ابن عساكر الدمشقي، ن: مؤسسة الرسالة، بيروت، 1424، ط 1. 15 - تحريم النظر في كتب أهل الكلام، موفق الدين ابن قدامة المقدسي، بيروت، 1962. 16 - تدكرة الحفاظ (أطراف، محمد بن طاهر بن القيسراني) ن: دار الصميعي، الرياض، 1415، ط 1. 17 - تذكرة الحفاظ، أحمد بن محمد الذهبي، ن: دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1. 18 - ترتيب الموضوعات، محمد بن أحمد الذهبي، ن: دار الكتب العلمية، بيروت، 1415 ط 1. 19 - التعريفات، علي بن محمد الجرجاني، ن: دار الكتاب العربي، بيروت، 1405. 20 - تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، ن: دار الفكر، بيروت، 1401. 21 - تقريب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، ن: دار الرشيد، دمشق، 1406، ط 1. 22 - تلبيس إبليس، عبد الرحمن ابن الجوزي، ن: دار الكتاب العربي، بيروت، 1405، ط 1. 23 - التهجد وقيام الليل، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، ن: مكتبة الرشد، الرياض، 1998. 24 - تهديب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ن: دار الفكر، بيروت، 1404، ط 1. 25 - تهديب الكمال، يوسف بن الزكي المزي، ت: د. بشار عواد، ن: مؤسسة الرسالة، بيروت، 1400، ط 1. 26 - التوكل على الله، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، ن: دار الأرقم، الكويت، 1404. 27 - التوكل وعلاقته بالأسباب، د. عبد الله الدميجي، ن: دار الوطن، الرياض، 1417. 28 - جامع البيان عن تأويل أي القرآن - محمد بن جرير الطبري، ن: دار الفكر، بيروت، 1405. 29 - الجامع الصحيح، محمد بن عيسى الترمذي، ن: دار إحياء التراث، بيروت. 30 - جامع العلوم والحكم، عبد الرحمن بن شهاب ابن رجب، ن: مؤسسة الرسالة، بيروت، 1413، ط 3. 31 - الجامع لأخلاق الراوي، أحمد بن علي الخطيب البغدادي، ن: مكتبة المعارف - الرياض - 1403.
32 - الجوع، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، ن: دار طيبة، الرياض، 1408. 33 - الحث على التجارة، محمد بن أحمد الخلال، ن: دار السلام، القاهرة، 1423. 34 - حسن الظن بالله، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، ن: دار طيبة، الرياض، 1408. 35 - الدر المنثور، عبد الرحمن بن الكمال السيوطي، ن: دار الفكر - بيروت - 1993. 36 - ذم الدنيا، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، ن: دار السلام، القاهرة، 1412. 37 - الزهد، أحمد بن حنبل، ن: دار الكثب العلمية، بيروت، 1398. 38 - الزهد، أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني، ن: دار الريان، القاهرة، 1408، ط 2. 39 - الزهد، عبد الله بن المبارك المروزي، ت: حبيب الرحمن الأعظمي، ن: دار الكتب العلمية، بيروت. 40 - الزهد، هناد بن السري، ت: عبد الرحمن الفريوائي، ن: دار الخلفاء، الكويت، 1406، ط 1. 41 - سلسلة الأحاديث الصحيحة، ناصر الدين الألباني، ن: المكتب الإسلامي، بيروت، 1403، ط 3. 42 - سلسلة الأحاديث الضعيفة، ناصر الدين الألباني، ن: مكتبة المعارف، الرياض، 1408، ط 2. 43 - السنن، سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني، ن: دار الفكر. 44 - السنن، عبد الرحمن بن شعيب النسائي، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، 1406، ط 2. 45 - السنن، محمد بن يزيد الفزويني، ن: دار الفكر، بيروت، وطبعة: دار الأفكار الدولية، الرياض، 1419 هـ. 46 - سير أعلام النبلاء، محمد بن أحمد الذهبي، ن: مؤسسة الرسالة، بيروت، 1413 هـ ط 9. 47 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، عبد الحي بن أحمد العكري، ن: دار الكتب العلمية، بيروت.
48 - شرح أصول اعتقاد أهل السنة، هبة الله بن الحسن اللالكائي، ن: دار طيبة، الرياض، 1402. 49 - شعب الإيمان، أحمد بن الحسين البيهقي، ت: محمد زغلول، ن: دار الكتب العلمية، بيروت، 1410، ط 1. 50 - صحيح ابن حبان، محمد بن حبان البستي، ن: مؤسسة الرسالة، بيروت، 1414 هـ ط 2. 51 - المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، ن: دار الكتب العلمية، بيروت، 1411، ط 1. 52 - صحيح ابن خزيمة، محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري، ن: المكتب الإسلامي، بيروت، 1390. 53 - صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، ن: بيت الأفكار الدولية، الرياض، 1419. 54 - صحيح الجامع الصغير، محمد ناصر الدين الألباني، ن: المكتب الإسلامي، بيروت 1410، ط 1. 55 - صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، ن: بيت الأفكار الدولية، الرياض، 1419. 56 - صفة الصفوة، عبد الرحمن ابن الجوزي، ت: د. محمد رواس، ن: دار المعرفة، بيروت، 1399، ط 2. 57 - الصمت، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، ت: نجم عبد الرحمن، ن: دار الغرب، بيروت، 1406، ط 1. 58 - ضعيف الترغيب والترهيب، للألباني، ن: مكتبة المعارف، الرياض 1410. 59 - ضعيف الجامع الصغبر، للألباني، ن: المكتب الإسلامي، بيروت، 1415، ط 1. 60 - طبقات الحنابلة، محمد بن أبي يعلى الفراء، ت: محمد حامد الفقي، ن: دار المعرفة، بيروت. 61 - الطبقات الكبرى، محمد بن سعد البصري، ن: دار صادر، بيروت. 62 - العبر في خبر من غبر، محمد بن أحمد الذهبي، ن: مطبعة حكومة الكويت، الكويت، 1948، ط 2.
63 - العقوبات، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، ن: مكتبة الرشد، الرياض، 1424. 64 - فتح الباري، عبد الرحمن بن أحمد ابن رجب الحنبلي، ن: دار طيبة، الرياض. 65 - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، محمد بن علي الشوكاني، دار الفكر، بيروت. 66 - الفرج بعد الشدة، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، ن: دار السلام، القاهرة، 1412. 67 - الفوائد المجموعة، محمد بن علي الشوكاني، ت: عبد الرحمن المعلمي، ن: المكتب الإسلامي، بيروت، 1407. 68 - قوت القلوب، أبو طالب المكي، ت: د. محمود الرضواني، ن: مكتبة دار التراث، بمصر، 1422. 69 - الكامل في ضعفاء الرجال، عبد الله بن عدي، ن: دار الفكر، بيروت، 1409، ط 3. 70 - كشف الخفاء، إسماعيل بن محمد العجلوني، ن: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1405، ط 4. 71 - لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي، ن: دار صادر، بيروت، ط 1. 72 - لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني، ن: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1406، ط 3. 73 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، علي بن أبي بكر الهيثمي، ن: دار الكتاب العربي، القاهرة، بيروت، 1407. 74 - مسند الشهاب، محمد بن سلامة القضاعي، ن: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1407، ط 2. 75 - المسند، أحمد بن حنبل، مؤسسة قرطبة - مصر، وطبعة: دار الأفكار الدولية، الرياض، 1419 هـ. 76 - المسند، سليمان بن داود الطيالسي، دار المعرفة، بيروت. 77 - مشاهير علماء الأمصار، محمد بن حبان البستي، ن: دار الكتب العلمية، بيروت، 1959 م. 78 - المصنف في الأحاديث والآثار، عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، ن: مكتبة الرشد، الرياض، 1409، ط 1.
79 - المعجم الأوسط، سليمان بن أحمد الطبراني، ن: دار الحرمين، القاهرة، 1415. 80 - المعجم الكبير - سليمان بن أحمد الطبراني، ن: مكتبة العلوم والحكم، 1404، ط 2. 81 - معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، ت: عبد السلام هارون، ن: مكتبة الخانجي، مصر، 1402 هـ. 82 - المقاصد الحسنة، محمد السخاوي، ت: محمد الخشت، ن: دار الكتاب العربي، بيروت، 1405، ط 1. 83 - المنتخب من مسند عبد بن حميد، ت: صبحي السامرائي، ن: مكتبة السنة، القاهرة، 1408، ط 1. 84 - المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، عبد الرحمن ابن الجوزي، ن: دار الكتب العلمية، بيروت، 1412، ط 1. 85 - النهاية في غريب الحديث، المبارك بن محمد بن الأثير، ن: دار الفكر، بيروت،1399، ط 2. 86 - هداية الرواة، أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، بيروت. 87 - الهم والحزن، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، ن: دار السلام، القاهرة، 1412. 88 - الورع، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، ن: الدار السلفية، الكويت، 1408. 89 - الورع، محمد بن الحجاج المروذي، ت: سمير الزهيري، ن: مكتبة المعارف، الرياض 1421. 90 - وفيات الأعيان، أحمد بن محمد بن خلكان، ت: إحسان عباس، ن: دار الثقافة، بيروت، 1968.