التوكل

أبو يعلى ابن الفراء

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

كِتابُ التَّوَكُّلِ

(ح) دَار الميمان للنشر والتوزيع، 1434 هـ فهرسة مكتبة الْملك فَهد الوطنية أثْنَاء النشر الْحَنْبَلِيّ، القَاضِي أبي يعلى مُحَمَّد الْحُسَيْن الْفراء كتاب التَّوَكُّل/ القَاضِي أبي يعلى مُحَمَّد الْحُسَيْن الْفراء الْحَنْبَلِيّ؛ يُوسُف عَليّ عبد الله الطريف - الرياض 1434 هـ 106 ص؛ 17 × 24 سم ردمك: 1 - 43 - 8100 - 603 - 978 1 - أَبُو يعلى، مُحَمَّد بن الْحُسَيْن، ت 458 هـ 2 - التَّوَكُّل 3 - الْإِيمَان (الْإِسْلَام) أ. الطريف، يُوسُف عَليّ عبد الله (مُحَقّق) ب. العنوان ديوي 240 ... 2583/ 1434 رقم الْإِيدَاع: 2583/ 1434 ردمك: 1 - 43 - 8100 - 603 - 978 جَمِيع حُقُوق الطَّبْع والنشر مَحْفُوظَة لدار الميمان للنشر والتوزيع، وَلَا يجوز طبع أَي جُزْء من الْكتاب أَو تَرْجَمته لأي لُغَة أَو نَقله أَو حفظه ونسخه على أَيَّة هَيْئَة أَو نظام إلكتروني أَو على الإنترنت دون مُوَافقَة كِتَابِيَّة من الناشر إِلَّا فِي حالات الإقتباس المحدودة بغرض الدراسة مَعَ وجوب ذكر الْمصدر. جرى تنضيد الْكتاب وتجهيزه للطباعة باستخدام برنامج أدوبي إنديزاين، وإدراج الْآيَات القرآنية بالرسم العثماني وفقًا لطبعة مجمع الْملك فَهد الْأَخِيرَة باستخدام برنامج "مصحف النشر للإنديزاين" الإصدار: (مُتَعَدد الرِّوَايَات) وَهِي أَدَاة برمجية (plug-ins) مطورة بِوَاسِطَة شركَة الدَّار الْعَرَبيَّة لتقنية المعلومات www.arabia-it.com الرائدة فِي مجَال البرمجيات الْمُتَقَدّمَة لخدمة التراث الإسلامي. الصُّور مرخصة قانونيًا من www.shutterstouk.com المخطوط وتصميم الغلاف: دَار الميمان للنشر والتوزيع الطبعة الأولى 1435 هجري - 2014 م دَار الميمان للنشر والتوزيع الْبَرِيد الإلكتروني: [email protected] موقعنا على الإنترنت: www.daralmaiman.com تابعنا على تويتر: DarAlMaiman@ هَاتِف: 996114627336 + فاكس: 966114612163 + جوال: 966500004568 + ص. ب: 90020 الرياض 11613

[مقدمة التحقيق]

المقدمة الحمد لله والصلاة والسلام علي نبينا محمد وعلي آله. أما بعد: فيعيش كثير من الناس في هذا الزمن وقد توافرت لهم أصناف النعم، وتوالت عليهم أنواع الخيرات، وتقلبوا في آلاء الله المختلفة، غير أن كثيرًا منهم ينشد راحة النفس وطمأنينة القلب، فلا يجد مطلوبه فيما فيه من النعم، لما يكتنفها من المصائب والمحن ... وقد تكفَّل الله جل وعلا بالطمانينة والسعادة والحياة الطيبة في الدنيا؛ لمن آمن وعمل صالحًا، وحقق معاني العبودية لربه تعالى. وإن من أعظم مقامات العبودية لله تعالى صدقَ التوكل عليه، فالتوكل عبادة تقوم بقلب المؤمن، إنه تعلقٌ بالله جل وعلا، وتفويضُ الأمر له سبحانه، وبراءة النفس من الحول والقوة إلا بربها سبحانه ... وقد ورد في كتاب الله تعالى آيات كثيرة، وجاء في سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أحاديث عديدة، تدل على شرف مقام التوكل، وعظيم منزلته من بين أعمال القلوب، وذلك لأن من حقق التوكل على الله فقد استكمل الإيمان، وهذا معنى قول ابن عباس رضي الله عنه وغيره من السلف: (التوكل جماع الإيمان). وقول الفضيل بن عياض -رَحِمَهُ اللهُ- وغيره: (التوكل قوام العبادة).

ومع عظم عبادة التوكل على الله تعالى، وعلو مقامها عند الله؛ إلا أن كثيرًا من المسلمين غفلوا عنها، واعتمدوا على الأسباب المادية وحدها في تحقيق مطالبهم والسعي في تحصيل معايشهم؛ خاصة في هذا الزمن الذي طغت فيه المادة، وفشا فيه الألحاد بكل صوره ... وقسم آخر من المسلمين ضلوا في هذا المقام، فظنوا أن التوكل لا يمكن تحقيقه إلا بترك الأسباب، واعتقدوا أن فعل الأسباب يناقض التوكل على الله تعالى وهذا ظاهر في كثير من المتصوفة، خاصة المتقدمين منهم ممن عاش في المائة الرابعة وهلم جرًّا. ولذا كتب كثير من العلماء مؤلفات خاصة في مقام التوكل، منهم: الحافظ عبد الله بن محمد، ابن أبي الدنيا (ت 218 هـ) والشيخ أبو حامد محمد بن محمد الغزالي (ت 505 هـ) والإمام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية (ت 728 هـ) وغيرهم، رحمة الله عليهم. ويضاف إليها كتاب: التوكل للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء الحنبلي، المتوفى سنة (458 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. وقد وجدتُ - بحمد الله - نسخة خطية لهذا الكتاب، فاستعنتُ بالله على خدمته، دراسةً وتحقيقًا. وذلك للأسباب التالية: 1 - أهمية هذا الكتاب، فموضوعه في مقام من أهم مقامات العبودية لله تعالى؛ ألا وهو التوكل على الله جل وعلا، والذي ضل فيه كثير من المسلمين. 2 - أن هذا الكتاب لا يزال مخطوطًا، وبتتبعي لفهارس الكتب المطبوعة،

خطة البحث

ولأبرز فهارس المكتبات في العالم؛ تبين لي أنه لم يطبع من قبل (¬1). 3 - قلة الكتب الأثرية المطبوعة في موضوع التوكل، التي ألفها الأئمة السابقون. 4 - خدمة التراث الإسلامي، والإسهام باداء الواجب نحو الأرث العلمي الذي تركه لنا علماء الإسلام عبر القرون. خطة البحث: اشتملت خطة المبحث على ما يأتي: المقدمة: وتتضمن: سبب اختيار المبحث، وخطة المبحث، ومنهجي في التحقيق. القسم الأول: الدراسة؛ وتتضمن مبحثين: المبحث الأول: ترجمة المؤلف. أولًا: نسبه ومولده وحياته العلمية. ثانيًا: شيوخه، وتلاميذه. ثالثًا: مؤلفاته، وأقوال العلماء فيه، ووفاته. المبحث الثاني: دراسة الكتاب. ¬

_ (¬1) بحثت في: فهارس مكتبات الجامعات؛ كجامعة الإِمام والملك سعود بالرياض، وجامعة أم القرى بمكة، والجامعة الإسلامية بالمدينة، وفهارس مكتبة الملك فهد والملك عبد العزيز بالرياض، وفهارس دور النشر داخل المملكة وخارجها، عبر مواقعها على شبكة الإنترنت، فلم أجده ضمن المطبوعات، وأخيرًا سؤال المختصين ... فبعضهم لم يعرفه وبعضهم أشار إلى فقده.

وفيه مطلبان: المطلب الأول: التعريف بالنسخة المخطوطة، وفيه: 1 - مصدر المخطوطة. 2 - اسم الناسخ. 3 - التعريف بالخط. 4 - حالة النسخة. 5 - عدد الصفحات والأسطر. 6 - نماذج مصورة من المخطوط. المطلب الثاني: التعريف بالكتاب، وفيه: 1 - تحقيق اسم الكتاب، توثيق نسبته إلى المؤلف. 2 - موضوع الكتاب. 3 - منهج المؤلف، وموارده في هذا الكتاب. 4 - تقويم الكتاب. 5 - من المآخذ على الكتاب. القسم الثاني: تحقيق الكتاب. الفهارس، وهي: 1 - فهرس الآيات القرآنية. 2 - فهرس الأحاديث النبوية.

منهجي في التحقيق

3 - فهرس الآثار المروية عن السلف. 4 - فهرس الأعلام المترجم لهم. 5 - ثبت المصادر والمراجع. 6 - فهرس الموضوعات. منهجي في التحقيق: لم يتوفر لدي من هذا الكتاب إلا نسخة خطية واحدة، لكنها بحمد الله جيدة مقروءة خالية من الخلل، كما سيأتي وصفها قريبًا. أولًا: كتابة النص: 1 - كتابة النص على الطريقة الإملائية الحديثة، دون الإشارة إلى الفوارق في ذلك. 2 - الإشارة إلى نهاية كل لوحة من المخطوط بوضع خط مائل في النص هكذا: والإشارة أمامه في الهامش إلى رقم اللوحة والوجه. 3 - الإلتزام بعلامات الترقيم، وضبط ما يحتاج إلى ضبط. 4 - التزمت بذكر الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما ذكره المؤلف؛ لأن ناسخ المخطوطة قد يهمل ذلك أحيانًا، أو يكتفي بقوله: صلى الله عليه. 5 - وضعت ترقيمًا للتقسيمات التي قد يذكرها المؤلف تسهيلًا على القارئ. ثانيًا: التخريج والعزو: 1 - عزو الآيات القرآنية الواردة في الكتاب؛ بذكر اسم السورة ورقم الآية

بين معقوفتين في المتن، وكتابتها بالرسم العثماني. 2 - تخريج الأحاديث النبوية؛ فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما فإني أكفي بالعزو إليهما، إليهما وإلا فإني أخرِّجه من بقية الكتب الستة ومسند الإِمام أحمد، إن كان ثمَّ، وإلا توسعت في ذلك حسب الحاجة، مع ذكر حكم أهل العلم عليه صحةً وضعفًا. 3 - تخريج الآثار من مصادرها. 4 - توثيق الأقوال التي ينقلها المؤلف من مصادرها. 5 - ترجمة الأعلام غير المشهورين. 6 - شرح الألفاظ الغريبة. 7 - التعليق على ما يحتاج إلى تعليق. والله الموفق، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وآله.

الدراسة

القسم الأول الدراسة المبحث الأول: ترجمة المؤلف. المبحث الثاني: دراسة الكتاب.

المبحث الأول ترجمة المؤلف

المبحث الأول ترجمة المؤلف أولًا: نسبه ومولده وحياته العلمية. هو: محمد بن الحسين بن محمد بن خلف، أبو يعلى، الفراء، البغدادي الحنبلي، و (الفراء) نسبة إلى خياطة الفرو وبيعه (¬1). ولد القاضي أبو يعلى سنة 380 هـ. كان أبوه من أعيان الحنفية، فلما مات كان لأبي يعلى عشرة أعوام، فلقَّنه مقرئه العبادات من مختصر الخرقي، فلذَّ له الفقه، وتحول إلى حلقة أبي عبد الله بن حامد شيخ الحنابلة، فصحبه أعوامًا، حتَّى برع في الفقه عنده، فتصدر بأمره للإفادة سنة 402 هـ ورحل في الطلب، فسمع بمكة، ودمشق، وحلب، وغيرها من البلاد، ثم ولي أبو يعلى القضاء بدار الخلافة. وتلا بالقراءات العشر، وكان ذا تعبد وتهجد، وأحب التأليف، فأفاد وأجاد، وأفتى ودرس، وتخرج به الأصحاب، وانتهت إليه الإمامة في الفقه، وكان عالم العراق في زمانه، مع معرفة بعلوم القرآن وتفسيره، والنظر والأصول (¬2). ¬

_ (¬1) كذا في الأنساب للسمعاني (9/ 246). (¬2) انظر: تاريخ بغداد، للخطيب، 2/ 256، وسير أعلام النبلاء تاريخ الإسلام، للذهبي =

شيوخه، وتلاميذه

ثانيا: شيوخه، وتلاميذه. ذُكر لأبي يعلى جملةً من الشيوخ؛ أبرزهم: - أبو عبد الله الحسن بن حامد البغدادي (ت 403 هـ). - الحسين بن أحمد، المعروف بابن البغدادي. - عبيد الله بن عثمان المعروف بابن جنيقا. - علي بن أحمد المقرن، ابن الحمامي. ومن تلاميذ القاضي أبي يعلى: - الحافظ أحمد بن علي بن ثابت، المعروف بالخطيب البغدادي، صاحب تاريخ بغداد، (ت 463 هـ). - أبو الوفاء علي بن عقيل البغدادي الحنبلي، (ت 513 هـ). - أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني، (ت 510 هـ). - ابنه، أبو الحسين محمد بن محمد، القاضي، صاحب الطبقات، (ت 526 هـ). ثالثًا: مؤلفاته، وأقوال العلماء فيه، ووفاته. كان المؤلف القاضي أبو يعلى -رَحِمَهُ اللهُ- ممن اعتنى بالتأليف والإشتغال بالكتابة، فخلف كتبًا كثيرةً، في فنون العلم المتنوعة. لكن -وللأسف- أكثرها في عداد المفقود. ¬

_ = (وفيات 451 - 460 هـ) ص 453.

أقوال العلماء فيه -رحمه الله-

فمن كتب المؤلف: في العقيدة: (مسائل الإيمان) و (إبطال التأويلات لأخبار الصفات) وهما مطبوعان (¬1). وللمؤلف كتب في العقيدة لم تر النور بعد؛ منها: (المعتمد في أصول الدين) و (عيون المسائل) و (الرد على الباطنية) و (الرد على المجسمة) و (مختصر إبطال التاويلات) و (القطع على خلود الكفار في النار) و (أربع مقدمات في أصول الديانات) و (إثبات إمامة الخلفاء الأربعة) و (إيضاح البيان في مسائل القرآن) (¬2). وله كتب في الفقه وأصوله طبع الكثبر منها. ومن أقوال العلماء فيه -رَحِمَهُ اللهُ-: - قال تلميذُه الحافظ الخطيب البغدادي: كان أحد الفقهاء الحنابلة، وله تصانيف على مذهب أحمد بن حنبل، درس وأفتى سنين كثيرة ... كتبنا عنه وكان ثقةً (¬3). - قال الحافظ ابن الجوزي: جمع الأمامة في الفقه، والصدق، وحسن الخلق، والتعبد والتقشف والخشوع، وحسن السمت، والصمت عما لا يعني، واتباع السلف (¬4). ¬

_ (¬1) الكتاب رقم (1) طبع بتحقيق د. سعود الخلف، نشرته: دار العاصمة، الرياض 1410 هـ ورقم (2) طبع بتحقيق: محمد النجدي، نشرته: دار إيلاف، الكويت 1415 هـ. وصدر منه جزآن في مجلد، لكنها طبعة ناقصة. (¬2) هذه الكتب كلها ذكرها ابن المؤلف في: طبقات الحنابلة (2/ 205)، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن كتاب عيون المسائل؛ في الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة، ونقل عنه كما في درء التعارض (4/ 36) ومجموع الفتاوى (6/ 275). ولم أعثر عليها. (¬3) تاربخ بغداد (2/ 252). (¬4) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (8/ 244).

- قال الحافظ الذهبي: انتهت إليه الإمامة في الفقه، وكان عالم العراق في زمانه ... وكان ذا عبادة وتهجد، وملازمة للتصنيف، مع الجلال والمهابة ... وكان متعففًا، كبير القدر، ثخين الورع .... (¬1). - وقال الحافظ ابن كثير: شيخ الحنابلة، وممهِّد مذهبهم في الفروع (¬2). - وقال ابن العماد الحنبلي: صاحب التصانيف وفقيه العصر، كان إمامًا لا يُدرك قراره ولا يُشق غباره (¬3). هذا شيء من ثناء العلماء على القاضي أبي يعلى -رَحِمَهُ اللهُ-، ومن يطالع كتب الحنابلة في الفقه وأصوله؛ يتبين له ما للقاضي أبي يعلى من الأثر الكبير على الحركة الفقهية في التاريخ، فله إسهامات واجتهادات أفاد العلماءُ منها بعده. ومع هذه المنزلة الكبيرة للمؤلف إلا أن بعض العلماء انتقده من جهة روايته للأحاديث الواهية في كتبه، وكذلك تردده في بعض المسائل العقدية، كمسألة الصفات التي اضطرب في إثبات بعضها فخالف مذهب السلف. قال الحافظ الذهبي عن القاضي أبي يعلى: ولم تكن له يدٌ طولى في معرفة الحديث، فربما احتج بالواهي (¬4). ويقول عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: ممن سمع الأحاديث والآثار، وعظم مذهب السلف؛ لكنه شارك المتكلمين في بعض أصولهم، ولم يكن له خبرة بالقرآن والحديث والآثار؛ ما لأئمة السنة والحديث؛ لا من جهة المعرفة والتمييز بين صحيحها ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء (18/ 92). (¬2) البداية والنهاية (12/ 102). (¬3) شذرات الذهب في أخبار من ذهب (3/ 306). (¬4) سير أعلام النبلاء (18/ 90).

وضعيفها، ولا من جهة الفهم لمعانيها، وقد ظن صحة بعض الأصول العقلية للنفاة الجهمية، ورأى ما بينها من التعارض؛ فصار تارةً يختار طريقة أهل التأويل، وتارةً يفوض معانيها؛ ويقول: تجرى على ظواهرها (¬1). وما ذكره شيخ الإسلام عن القاضي أبي يعلى واضح لمن تأمل كتبه مثل: المعتمد في أصول الدين وإبطال التأويلات لأخبار الصفات، وهو أيضًا قد يختار قولًا مخالفًا لمذهب السلف؛ ثم يرجع عنه؛ كاختياره بأن أول واجب على المكلف النظر، في كتابه مختصر المعتمد، ورجع عنه إلى قول السلف في كتابه عيون المسائل، وقد نقل عنه ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية. وهو في الصفات يوجب إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو أثبته له رسوله وفي سنته. وقال في كتابه إبطال التأويلات (1/ 43): إنه لا يجوز رد هذه الأخبار -يعني أخبار الصفات- على ما ذهب إليه جماعة من المعتزلة، ولا التشاغل بتأويلها على ما ذهب إليه الأشعرية. والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات الله تعالى؛ لا تشبه سائر الموصوفين بها من الخلق ... وقد ألف كتابه هذا في الرد على أبي بكر ابن فورك الأشعري في تأويلاته التي شحنها كتاتج 5 مشكل الحديث وبيانه. وقد أُخذ على أبي يعلى توسعه في الإثبات، فأثبت صفات لم يصح بها الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقوله في إثبات الصفات الفعلية مضطرب؛ فتارة يؤولها كما في كتابه المعتمد في أصول الدين، وتارة يثبتها على أنها صفات ذاتية, لا تقوم بمشيئته، وتارةً يثبتها؛ وأنها تتعلق بمشيئة الله سبحانه؛ على مذهب السلف في ذلك (¬2)، ويتضح الإضطراب والتراجع عند القاضي أبي يعلى في مسألة الرؤية، فقد أثبت في أول كتابه ¬

_ (¬1) درء تعارض العقل والنقل (7/ 33). (¬2) ينظر: المعتمد في أصول الدين (ص 61، 54 - 55، 86، 93) وعنه ينقل شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (12/ 54).

وفاته

ابطال التأويلات: أن الله يرى لا في جهة وهو قول الأشعرية. ثم قال - عن نفيه الجهة: وقد منعنا في كتابنا هذا في غير موضع إطلاق الجهة عليه، والصواب جواز القول بذلك؛ لأن أحمد قد أثبت هذه الصفة؛ التي هي الإستواء على العرش، وأثبت أنه في السماء؛ وكل من أثبت هذا أثبت أنه في جهة (¬1). وقد ذكر أن بعض الناس شنع على القاضي أبي يعلى فقالوا بأنه يميل إلى التجسيم والتشبيه. وهذا باطل وكذب عليه، وهو من أقوال الأشعرية التي يثيرونها على كل من أثبت ما نفو 5 من صفات الباري سبحانه، وقد ألمح القاضي أبو يعلى إلى هؤلاء المشنعين في آخر كتابه ابطال التأويلات، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية مبينًا سبب ما وقع من أولئك (¬2). وهذه الإنتقادات للقاضي أبي يعلى لا تقلل من مكانته، فهو إمام في الفقه وغيره من علوم الشريعة، لكن الكمال لله وحده، ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلها. وفاته: توفي القاضي الإِمام أبو يعلى الحنبلي سنة 458 هـ. -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- (¬3). * * * ¬

_ (¬1) إبطال التأويلات (ورقة 155/ ب) وعنه درء التعارض (6/ 257). (¬2) درء التعارض (5/ 238)، وانظر: من المصدر ذاته (1/ 352 و 7/ 33، 34) وقارن بما نقله الصفدي في كتابه: الوافي (3/ 8) وابن العربي في: العواصم (2/ 283). (¬3) من مصادر ترجمته - غير ما تقدم -: العبر في خبر من غبر للذهبي (3/ 243) والمنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإِمام أحمد للعليمي (2/ 128 - 142)، الأعلام للزركلي (6/ 99، 100).

المبحث الثاني دراسة الكتاب

المبحث الثاني دراسة الكتاب المطلب الأول: التعريف بالنسخة المخطوطة. 1 - مصدر المخطوطة. مصدرها: مركز الشيخ جمعة الماجد للثقافة والتراث، بدولة الإمارات العربية المتحدة، برقم (1131) وهي من مصورات دار الكتب الظاهرية بدمشق؛ في مخطوطات الدار ضمن مجموع رقم: (3249 عام/ 189 ب 196) وقد جاءت النسخة مقلوبة في المجموع، فأولها ورقة رقم 196 وآخرها ورقة رقم 189. والفضل في العثور على هذه النسخة يعود بعبد الله للدكتور / عبد الرحمن العثيمين، الذي أشار إلى موضع وجودها في تحقيقه لكتاب طبقات الحنابلة لإبن أبي يعلى. وإنني في هذه المناسبة أشكر مركز الشيخ جمعة الماجد للثقافة والتراث فيم دولة الإمارات العربية المتحدة، على تعاونه معي للحصول على النسخة، في وقت قياسي لم أعتده من قبل، فلهم مني جزيل الشكر والعرفان، وأسأل الله أن يوفقهم ويمدهم بعونه على ما يبذلونه من مساعدة كبيرة للباحثين.

2 - اسم الناسخ

2 - اسم الناسخ. جاء على طرة النسخة الخطية اسم ناسخه بهذا النص: (نسخه وسمعه مظفر بن فارس بن كرم (الخباز) داعيًا لمصنفه بالمغفرة. 3 - التعريف بالخط. خط النسخة: نسخي مقروء، يعود للقرن السادس الهجري. 4 - حالة النسخة. النسخة كاملة، ليس فيها نقص، فقد بدأت بالبسملة والحمد لله والصلاة والسلام على نبيه، وخُتمت بقول الناسخ: (فهذا آخر التعليقات، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وملائكتُه على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وسلم تسليمًا، ورحم الله مصنفه، وكاتبه، ومن دعا لهما). كما أن النسخة جاءت سليمةَ؛ لم تتعرض إلى مسح، أو شطب، أو سقط. والنسخة أيضًا مقروءة ومصححة، كما تشير إليها الدائرة المنقوطة في مواضع منها، وعلى النسخة بلاغات. 5 - عدد الصفحات والأسطر. تتكون هذه النسخة من 8 لوحات، كل لوحة عبارة عن صفحتين. ويتراوح عدد الأسطر ما بين 23 و 27 في الورقة. المطلب الثاني: التعريف بالكتاب، وفيه: 1 - تحقيق اسم الكتاب، وتوثيق نسبته إلى المؤلف. هذا الكتاب اسمه: التوكل، ومؤلفه: القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء

2 - موضوع الكتاب

الحنبلي البغدادي، فهذا ثابت لا ريب فيه؛ بدليل ما يلي: أ - أن هذا العنوان هو الموجود على طرة النسخة الخطية له، منسوبًا إلى القاضي أبي يعلى، كما يتضح من النموذج المصور آنفًا، والذي جاء نصه هكذا: كتاب التوكل مصَنَّفٌ للقاضي الأوحد الإِمام أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء رحمة الله عليه. ب - أن كل من ذكر هذا الكتاب ذكره بهذا العنوان: التوكل، ونسبه إلى مؤلفه القاضي أبي يعلى؛ كإبن المؤلف أبي الحسين محمد، ابن أبي يعلى في كتابه طبقات الحنابلة (2/ 238) وأبو الحسين هو أعلم الناس بمؤلفات والده، وكذا ذكر الكتاب بهذا الإسم ونسبه إلى مؤلفه؛ الحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام (30/ 459). 2 - موضوع الكتاب. يتضح موضوع الكتاب من عنوانه، فهوفي ذكر مقام من أهم مقامات العبودية؛ ألا وهو التوكل على الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وقد تكلم المؤلف عن هذا الموضوع المهم من خلال المحاور التالية بحسب ترتيب المؤلف: أ - الأصل في التوكل، ويعني بذلك الأدلة عليه من الكتاب والسنة. ب - فصل في حقيقة التوكل في الرزق، بينه وتطرق في هذا الفصل لأهم مسائل التوكل، والتي يخطئ في إدراكها كثير من الناس، ألا وهي علاقة التوكل بالأسباب. ج - مسألة في الشح؛ بيَّن أنواعه، وما ورد في ذمه. د - مسألة في البخل؛ بين معناه، وبعض ما ورد في ذمه.

3 - منهج المؤلف، وموارده في الكتاب

هـ - مسألة في الجزع؛ بين أنه على ضربين، وأن تحت كل ضربٍ أنواعًا، ثم بين حكم كل نوع منها. و- مسألة الخروج بالزاد في السفر، وعلاقة ذلك بالتوكل. ز - فصل في صفة المريد؛ بين فيه الخصال التي يحتاجها المريد، وجعلها تعود إلى أربع قواعد؛ وهي: الجوع، والسهر، والصمت، والخلوة ... وفصَّل في ذلك وأطال، مستدلًّا على ما ذكر بإيراد عددٍ من الأحاديث والآثار. وأشار إلى ما يُكره للمريد. ح - أنواع الهمِّ؛ ويقصد بذلك عزم النفس على أداء الفعل، فذكر أنه على نوعين، وبيَّن المذموم منها، وختم الكتاب بهذه المسألة. 3 - منهج المؤلف، وموارده في الكتاب. منهج المؤلف: المؤلف -كعادة كثيرٍ من المتقدمين- لم يشر في كتابه هذا إلى منهجه في تأليفه، لكن من خلال قراءتي للكتاب مرات عديدة؛ تبين لي ما يلي: - أن المؤلف انتقى مسائلَ مهمةً -في نظره- تتعلق بالموضوع الأساس للكتاب، وهو: التوكل على الله تعالى، والتي أشرت إليها في الفقرة السابقة، ولعله لم يرد ذكر كل ما له علاقة بموضوع التوكل. - أن المؤلف انتهج منهج الإختصار في بيان المسائل التي ذكرها في الكتاب، ولم يتبع أسلوبًا موحدًا في عرضه للمسائل. - لم يكن للمؤلف منهج واضح في ترتيب النصوص التي يستدل بها على ما ذكر من المسائل، بل ربما ذكر أثرًا ثم آيةً ثم حديثًا وهكذا.

هذا أبرز ما يمكن ذكره عن منهج المؤلف في كتابه هذا. موارد المؤلف: نقل المؤلف في كتابه هذا عن كتب من سبقه من العلماء، وكانت الكتب التي نص على النقل منها: 1 - كتاب التوكل على الله -عَزَّ وَجَلَّ- ولم يصرح باسم الكتاب، وهو للحافظ عبد الله بن محمد، ابن أبي الدنيا (ت 218 هـ) (¬1). 2 - كتاب الورع للشيخ أبي بكر أحمد بن محمد المروذي (ت 275 هـ (¬2) 3 - قوت القلوب للشيخ أبي طالب المكي (ت 386 هـ) (¬3). 4 - كتاب الورع، ومرة سماه: (كتاب الورع والإخلاص) للحافظ أبي بكر، أحمد بن محمد بن هارون، الخلال (ت 311 هـ). 5 - كتاب المعجم للحافظ أبي حفص، عمر بن أحمد بن شاهين (ت 385 هـ). 6 - الأمالي للإِمام أبي عبد الله، ابن بطة (ت 387 هـ) (¬4). هذه أبرز موارد المؤلف في كتابه ¬

_ (¬1) طبع الكتاب بتحقيق: جاسم الدوسري، نشر: دار الأرقم، الكويت،1404 هـ. (¬2) طبع الكتاب بتحقيق: مكتبة المعارف، الرياض 1421 هـ. (¬3) طبع بتحقيق: د. محمود الرضواني، نشرته: مكتبة دار التراث، بمصر، 1422 هـ. في ثلاثة مجلدات. (¬4) الكتب (4، 5، 6) لم أعثر عليها.

4 - تقويم الكتاب

4 - تقويم الكتاب. تميز الكتاب بما بلي: 1 - أنه مختصر، بيَّن فيه المؤلف بعض المسائل المتعلقة بموضوع التوكل على الله تعالى، وهي من المسائل المهمة التي يخطئ في فهمها كثير من المسلمين، لا سيما من اتبع منهم طريقة المتصوفة. 2 - أن المؤلف كثر من الإستدلال بالكتاب والسنة على المسائل التي بحثها. 3 - للمؤلف جمل مختصرة جيدة وواضحة في قضايا مهمة تتعلق بالتوكل، كما في بيانه لحقيقة التوكل في الرزق، وعلاقة التوكل بفعل الأسباب، ونحو ذلك. 4 - اتبع المؤلف أسلوبًا سهلًا في بيان المسائل التي تعرض لها. 5 - أكثر المؤلف من ذكر الآثار عن السلف من الصحابة والتابعين، وهذا منهج يتميز به أهل السنة والجماعة عن غيرهم. 5 - من المآخذ على الكتاب: 1 - أن المؤلف في ذكره للمسائل لا يبين ارتباطها بموضوع الكتاب الذي هو التوكل على الله، كمسألة الشح والبخل. 2 - أن المؤلف قد ذكر بعض الأحاديث الضعيفة، ولم يبين ضعفها. 3 - أن المؤلف لم يعتنِ بتخريج الأحاديث مع كثرتها في كتابه. 4 - أن المؤلف ذكر شيئًا من أقوال المتصوفة ولم ينتقدها؛ كما يتضح ذلك في كلامه على صفات المريد.

نسأل الله أن يثيبه على ما ترك من علم لأمته، وأن يجمعنا به في مستقر رحمته.

نماذج مصورة من المخطوط

صورة اللوحة الأولى (أ)

صورة اللوحة الأخيرة (ب)

القسم الثاني النص محققًا

الأصل في التوكل

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحّمَّدٍ، وَآلِهِ. الأصل في التوكل (¬1) قولُهُ تعالى: {وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: 67]. وقال المؤمنون: {عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [يونس: 85]. وقال ربَّنَا: {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا} [الممتحنة: 4]. وقال: {وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: 67]. {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 122]. {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ} إلى ¬

_ (¬1) لعل من المفيد هنا أن أذكر -بإيجاز- معنى التوكل في اللغة والشرع؛ حيث لم يبينه المؤلف: فهو: في اللغة: قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة، مادة (وك ل): التوكل: تَفَعُّل من الوكالة، بفتح الواو وكسرها: إظهار العجز في الأمر، والإعتماد على غيرك. وقال ابن منظور في لسان العرب، مادة (وك ل): وَكَلَ بالله وتوكَّل عليه، واتَّكل: استسلم له. وفي الشرع؛ جاء في تعريفه عبارات متنوعة للعلماء من السلف فمن بعدهم، ذكر المؤلف منها عن الإِمام أحمد، لما سئل عن التوكل؛ قال: هو: قطع الإستشراف بالإياس من الخلق. ورُوي عن السلف أقوال متقاربة، يكمل بعضها بعضًا، وأجمع تعريف للتوكل ما ذكره الحافظ ابن رجب في (جامع العلوم والحكم، ص 409) بقوله: هو: صدق اعتماد القلب على الله -عَزَّ وَجَلَّ- في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة. ولا يكون المؤمن متوكلًا على الله حق توكله إلا بالثقة بالله، وحسن الظن به سبحانه، والتسليم لأمره.

قوله: {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [إبراهيم: 12]. وقال مخبرًا عن نبيه: {وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [يونس: 84، 85]. وروى ابن أبي الدنيا (¬1) باسناده عن عمر: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما ترزق الطير؛ تغدو خماصًا، وتروح بطانا" (¬2). وبإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله" (¬3). وبإسناده عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يدخل الجنة من ¬

_ (¬1) عبد الله بن محمد بن عبيد، أبو بكر البغدادي، عمل مؤدبًا لعددِ من الأمراء، وكان بليغًا واعظًا، له تصانيف كثيرة في الزهد والرقائق غالبها مطبوع، قيل: له ثلائمائة مصنفٍ، قال الذهبي: فيها مخبآت وعجائب. (ت 128 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. انظر: تاريخ بغداد للخطيب (10/ 89)، وسير أعلام النبلاء للذهبي (13/ 397). (¬2) أخرجه: ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل (رقم 1) عن عبيد الله بن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني عن عمر بن الخطاب مرفوعًا. وأخرجه: أحمد في مسنده (1/ 30) وأبو داود (رقم 2344) وابن ماجة (رقم 4164) وابن حبان في صحيحه (2/ 509) والحاكم في مستدركه (4/ 354) كلهم من طريق عبيد الله بن هبيرة به بلفظه. وصححه ابن حبان والحاكم، والألباني في تخريج كتاب مشكلة الفقر للقرضاوي (ص 24). (¬3) أخرجه: ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل (رقم 9) من طريق محمد بن كعب عن ابن عباس. وأخرجه: عبد بن حميد في مسنده (رقم 225) وأبو نعيم س في حلية الأولياء (3/ 218) والحاكم في مستدركه (4/ 301) صححه، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وعزاه لمسند الحارث (2/ 967) كلهم من طريق محمد بن كعب به بلفظه، مع زيادة في أوله وآخره.

أمتي سبعون ألفًا بفير حساب؛ لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون". فقام عكاشة بن محصن فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: "اللهم اجعله منهم". قام رجل آخر فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. قال: "قد سبقك بها عكاشة" (¬1). وبإسناده عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الطيرة من الشرك، ولكن الله يذهبها بالتوكل" (¬2). * * * ¬

_ (¬1) أخرجه: ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل (رقم 25) من طريق هشام عن الحسن عن عمران. وأخرجه مسلم (رقم 221) من طريق الحكم بن الأعرج عن عمران، بلفظه. والحديث متفق عليه من حديث ابن عباس، أخرجه البخاري (رقم 6175) ومسلم (رقم 220). (¬2) أخرجه: ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل (رقم 41) من طريق زر بن حبيش عن ابن مسعود. وأخرجه أحمد في مسنده (1/ 438) وأبو داود (رقم 3910) والترمذي (رقم 1614) وابن حبان في صحيحه (13/ 491) والحاكم في مستدركه (1/ 64) كلهم من طريق زر عن ابن مسعود به بلفظه. وقال الترمذي: حسن صحيح. وصححه ابن حبان والحاكم والألباني، كما في صحيح الترغيب والترهيب للمنذري (رقم 3098).

فصل في حقيقة التوكل في الرزق

فصل في حقيقة التوكل في الرزق فهو: ألا تتشرف نفسُه إلى أحدٍ من الناس؛ بل يعلم أنه لا يرزق سواه، ولا يَضر ولا يَنفع شيءٌ إلابإذنه. والتعلق بالأسباب (¬1) ليس من ضعف التوكل (¬2) وإنما هو بلاءٌ من الطبع. ¬

_ (¬1) لعل المؤلف هنا لم يرد: تعلق القلب بالسبب؛ لأن هذا يضعف التوكل، أو يبطله. وإنما أراد: الأخذ بالأسباب المشروعة مع توكل القلب على الله -عَزَّ وَجَلَّ-. (¬2) تعرض المؤلف هنا إلى أهم مسألة في باب التوكل، وهي علاقة الأسباب بالتوكل، والتي ضل فيها كثير من الناس؛ وملخص المسألة ما يلي: اختلفت مواقف الناس في مسألة فعل الأسباب، والجمع بينها وبين التوكل على الله: 1 - قومٌ تعلقت قلوبهم بالأسباب المادية، فهم يفعلون الأسباب الموصلة إلى مصالحهم الدنيوية، وقلوبهم لاهية عن ربهم سبحانه. فهؤلاء أبعد الناس عن التوكل على الله تعالى. ومن هؤلاء من يرى أن الأسباب تؤثر بنفسها، لا يجعل الله لها مؤثرةً!! وهذا شرك في الربوبية. 2 - قومٌ يدَّعون الإعراض عن الأسباب، ويقولون: إن التوكل على الله تعالى لا يتحقق إلا بمحو الأسباب، يعني بتركها، أو اعتقاد عدم تأثيرها، وهم بذلك يعارضون الفطرة التي فطرهم الله عليها، كما يخالفون مقتضى العقل، ولذا قيل: محو الأسباب أن تكون أسبابًا قدح في العقل. وهذا قول كثير من المتصوفة، الذين يجعلون الأخذ بالأسباب ملغيًا للتوكل، وسيذكر المصنف الرد على من أنكر الأخذ بالأسباب، ومنه ترك التزود. وبين أن هذا من أقوال أهل البدع. =

وقد نصَّ أحمدُ (¬1) على (¬2) أن حقيقته قطع التشرف. في رواية المروذي (¬3) وقد سأله: أي شيءٍ صدقُ التوكل على الله تعالى؟ قال: "ألا يكون في قلبه أحدٌ من الآدميين يطمع أن يجيئه بشيء" (¬4). وقد نص -أيضًا- على أن التعلق بالأسباب ليس من ضعف التوكل في رواية المروذي، وقد سأله عن رجل يريد سفرًا: أيما أحب إليك يحمل معه زادًا أو يتوكل؟ قال: (يحمل معه زادًا ويتوكل) (¬5). فقد أمره بالتوكل مع السبب وهو الزاد. ونقلت من خط أبي حفص البرمكي (¬6): ...................................... ¬

_ = 3 - الأخذ بالأسباب المشروعة؛ مع توكل القلب على الله تعالى، بالإعتماد عليه سبحانه في جلب المصالح ودفع المضار، واعتقاد أن الأسباب تؤثر في مسبباتها وذلك يحدث بفعل الله -عَزَّ وَجَلَّ-. وهذا هو القول الحق الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وهو المنهج الذي سار عليه سلف هذه الأمة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان. ومن خالف هذا فهو مخطى أو ضال مبتاع. انظر تفصيل المسألة وأدلتها، ومناقشة المخالفين: التوكل على الله وعلاقته بالأسباب. د. عبد الله الدميجي (ص 163 - 192). (¬1) يعني: الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، أبو عبد الله البغدادي، أحد الأئمة الأربعة المشهوربن (ت 241 هـ). (¬2) يلاحظ أن أرقام المخطوط سترقم تنازليًّا وليس تصاعديًّا كما هو المعتاد؛ لأن المخطوط قد ورد مقلوبًا في المجموع المضمن فيه. انظر ص 19. (¬3) أحمد بن محمد بن الحجاج، أبو بكر المروذي، نسبته إلى مرو الروذ من نواحي خراسان، حديث عن الإِمام أحمد، ولازمه، وكان من أجل أصحابه، وأقربهم إليه، وروى عنه مسائل كثيرة، وله تصانيف كثيرة (ت 275 هـ) ترجمته في: تاريخ بغداد (1/ 56) وطبقات الحنابلة لإبن أبي يعلى (4/ 423). (¬4) رواه: أبو بكر الخلال في كتاب الحث على التجارة (رقم 118). (¬5) رواه: المروذي في كتاب الورع (رقم 73) وعنه أبو بكر الخلال في كتاب الحث على التجارة (رقم 95). (¬6) عمر بن أحمد بن إبراهيم، قال ابن أبي يعلى: كان من الفقهاء والأعيان، والنساك والزهاد، =

سمعت أبا بكر عبد العزيز (¬1): سمعت أبا بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال (¬2) يقول: سئل أحمد عن الزاهد يكون زاهدًا ومعه مائة دينار؟ قال: (نعم. على شَريطة إذا زادتْ لم يفرح، وإذا نقصتْ لم يحزن) (¬3). والدلالة على أن حقيقته قطع التشرف، وهو أعلى المقامات؛ ما روى ابن أبي الدنيا باسناده عن المغيرة بن شعبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من استرقى واكتوى فقد برئ من التوكل" (¬4). ومعناه: برئ من حقيقة التوكل الذي هو أعلى المقامات (¬5). فإن قيل: هذا يعارضه ما تقدم من حديث عمر: "لو أنكم توكلتم على الله حق ¬

_ = ذو الفتيا الواسعة، والتصانيف الواسعة النافعة. (ت 387 هـ). له ترجمة في: طبقات الحنابلة (2/ 153) تاريخ الإسلام للذهبي (27/ 169). (¬1) عبد العزيز بن جعفر بن أحمد، تلميذ الخلال وملازمه؛ حتى لقب بغلام الخلال، مفسر محدث ثقة، من كتبه: (مختصر السنة) و (المقنع) وغيرهما (ت 363 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. ترجمته في: سير أعلام النبلاء (16/ 143)، والبداية والنهاية (11/ 278). (¬2) الخلال: من كبار علماء الحنابلة، من أهل بغداد، قال الذهبي: جامع علم أحمد ومرتبه، له كتب كثيرة؛ منها: (السنة - ط) و (الجامع لعلوم أحمد) قيل: لم يصنف في مذهب أحمد مثله. (ت 311 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. ترجمته في: تاريخ بغداد (5/ 112)، وطبقات الحنابلة (2/ 12)، والسير للذهبي (14/ 297). (¬3) ذكره: ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (2/ 14) من طريق أبي بكر الخلال. (¬4) أخرجه: ابن أبي الدنيا في كتابه التوكل (رقم 43) من طريق مجاهد عن العقار بن المغيرة بن شعبة عن أبيه. وأخرجه: أحمد في مسنده (4/ 249)، والترمذي (رقم 2055)، وابن ماجة (رقم 3489)، وابن حبان في صحيحه (13/ 452)، والحاكم (4/ 461). من طريق العقار بن المغيرة به بنحوه. وصححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم، ووافقه الذهبي في التلخيص، وصححه الألباني، كما في صحيح الجامع (رقم 6089). (¬5) هذا رأي المؤلف، ولعله أراد: برى من تحقيق كمال التوكل. والله أعلم.

توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا، وتروح بطانًا" (¬1). فشبَّه حقيقة التوكل بمن يطلب الرزق من الطير، وطلبُ الرزقِ تشرُّفٌ. قيل: تقدير الخبر: لرزقكم كما تُرزق فراخُ الطير الذين لا طلب لهم، تغدو الأمهاتُ خماصًا، وتروح بطانَا فتغذي فراخَها، ولم يرد بذلك الأمهات. ويدل عليه ما تقدم من حديث عمران: "يَدخل الجنّةَ سبعون ألفًا بغير حساب وهم: الدين لا يكتوون ... " (¬2). فبين أن أعلى مقامات التوكل إذا لم يتعلق بالأسباب، التي هي الكيُّ؛ لأنه خرج مخْرَجَ المدح بإسقاط الحساب عنهم (¬3). وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن أبي سليمان (¬4) قال: لو توكلنا على الله ما بنينا حائطًا على لَبِنتَيْنِ، ولا جعلنا على بابنا غلقًا (¬5). قال (¬6): وقال زهير البابي (¬7): .............. ¬

_ (¬1) و (¬2) تقدم تخريجه (ص 34). (¬3) يعني: فعل الأسباب مع التوكل على الله، وليس المراد محو الأسباب مطلقًا؛ فذلك قدح في العقل، ولم يأت به الشرع المطهر. (¬4) عبد الرحمن بن أحمد الداراني، الدمشقي، من الزهاد المشهورين، له أخبار في الزهد (ت 215 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. له ترجمة في: حلية الأولياء لأبي نعيم (9/ 254)، ووفيات الأعيان لإبن خلكان (1/ 276). (¬5) رواه عنه: ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل (رقم 48) وأبو نعيم في الحلية (9/ 256). وما رُوي عن أبي سليمان -رَحِمَهُ اللهُ- غريب لا يوافق عليه، فاتخاذ البيوت وغلق الأبواب لا ينافي التوكل على الله، فسيد المتوكلين - صلى الله عليه وسلم - بنى بيوتًا، وباشر ذلك بيده، وأمر بغلق الأبواب، فالخير كله في اتباع السنة، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬6) القائل ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل. (¬7) زهير بن نعيم، أبو عبد الرحمن السجستاني، البصري، أحد العباد الزهاد المتقشفين (ت بعد 200 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. له ترجمة في: تهذيب الكمال للمزي (9/ 426).

ما أقدر أن أقول توكلت على الله (¬1). وهذا منهما يدل على حقيقة التوكل (¬2). والدلالة على صحة التوكل مع التعلق بالأسباب قوله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15]. وقوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ} [الجمعة: 10]. وقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]. وهذا كله يدل على الحث على الأسباب، فلو كان ذلك قادحًا في التوكل لم يحث عليه (¬3). وكذلك قوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]. ويدل عليه ما روت عائشة رضوان الله عليها وعلى أبيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال: "أطيبُ ما أكل الرجلُ من كسبه". ورُوي: "أفضلُ ما كل الرجلُ من كسبه" (¬4). وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان داود - عليه السلام - يأكل من عمل يده" (¬5). ورُوي ¬

_ (¬1) رواه عنه: ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل (رقم 49) وأبو نعيم في الحلية (15/ 147) بلفظ: ما أعلم أنِّي توكلت على الله ساعةً قط. (¬2) كلام المؤلف هذا يدل على إقراره لكلام أبي سليمان، وقد تقدم أن كلام أبي سليمان خلاف السنة. (¬3) هذا يدل على أن المؤلف يرى أن الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله هو الصحيح الموافق للكتاب والسنة، وما ذكره هو قول أهل السنة والجماعة قاطبةً. (¬4) أخرجه: أحمد في مسنده (6/ 31)، وأبو داود (رقم 3528)، والنسائي (رقم 4451)، وابن ماجة (رقم 2137)، وصححه ابن حبان (رقم 4265)، والحاكم (رقم 2295)، والألباني في كتابه إرواء الغليل (رقم 835). (¬5) أخرجه: أبو بكر الخلال في كتاب الحث على التجارة (رقم 66) بهذا اللفظ، =

عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من طلب الدنيا حلالًا استعفافًا عن المسألة، وتعطفًا على جاره، وكدًّا على عياله؛ لقي الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر" (¬1). وروى أبو هريرة أن أعرابيًّا مرَّ بأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ما أجْلَدَهُ, لو كان في سبيل الله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن كان يَكُدُّ على والديه فهو في سبيل الله، وإن كان يَكُدُّ على عياله فهو في سبيل الله" (¬2). وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "تقول امرأتك: على من تَكِلُني ويقول ولدُك: على من تَكِلُنا؟ " (¬3). ويدل عليه ما أخبرني جدي أبو القاسم -رَحِمَهُ اللهُ- (¬4) في الإجازة بإسناده عن ¬

_ = وأخرجه البخاري (رقم 2573) بلفظ: "إن داود - عليه السلام - كان لا يأكل إلا من عمل يده". (¬1) أخرجه: ابن أبي شيبة في المصنف (4/ 467)، وعبد بن حميد في مسنده (418)، واسحاق بن راهويه في مسنده (1/ 353)، والبيهقي في الشعب (7/ 298)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 115) من حديث أبي هريرة، وقال: غريب من حديث مكحول. وضعفه العراقي في تخريج الأحياء (3/ 273)، وأعله ابن حجر في المطالب العالية (3/ 411) بالإنقطاع. كما ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (رقم 1532)، وحسنه ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 265). (¬2) أخرجه: الطبراني في الأوسط (رقم 4214) وقال: تفرد به أحمد بن يونس. وأخرجه: البيهقي في شعب الأيمان (9/ 25)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 197). (¬3) أخرجه: أحمد في مسنده (رقم 4214) وقال محققه الشيخ شعيب: إسناده صحيح على شرط الشيخين، لكن قوله: تقول امرأتك من قول أبي هريرة موقوفًا، كما أخبر هو في آخر الحديث. وأخرجه: البخاري في الأدب المفرد (1/ 78) وابن خزيمة في صحيحه (4/ 96) والبيهقي في الشعب (3/ 235)، وصححه الألباني كما في صحيح الترغيب (رقم 881). (¬4) أبو القاسم عبيد الله بن حنيفا، جد المؤلف لأمه. كدا في طبقات الحنابلة لإبن أبي يعلى (2/ 196) ولم أعثر له على ترجمة.

أنسٍ، وذكره ابن أبي الدنيا، قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أعقلها وأتوكل؟ أو أطلقها وأتوكل؟ قال: "اعقلها وتوكل" (¬1). فأثبت التوكل مع السبب، وهو عَقْلُها. ويدل عليه ما رواه أحمد في المسند بإسناده عن أبي هريرة: إنكم تقولون: أكثر أبو هريرة عن النبي، والله الموعد، إنكم تقولون: ما بال المهاجرين لا يُحَدِّثون عن رسول الله بهذه الأحاديث، وما بال الأنصار لا يحدثون بهذه الأحاديث؟ , وإن أصحابي من المهاجرين كانت تشغَلُهم صفقاتهم في الأسواق، وإن أصحابي من الأنصار كانت تشغَلُهم أرضُهم، والقيامُ عليها (¬2). وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن معاوية بن قرة (¬3) أن عمر بن الخطاب لقي ناسًا من أهل اليمن فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون. فقال: "بل أنتم المتَّكِلون؛ إنَّما المتوكل الذي يُلقي حَبَّةَ في الأرض ويتوكل على الله" (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه: ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل (رقم 11) من طريق المغيرة بن أبي قرة عن أنس وأخرجه: الترمذي (رقم 2517)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 395)، قال العراقي في تخريج الإحياء (4/ 279): رواه ابن خزيمة في التوكل، والطبراني من حديث عمرو بن أمية بإسناد حسن. وحسنه الألباني كما في صحيح سنن الترمذي (رقم 2517). (¬2) أخرجه: أحمد في مسنده (رقم 7273) والحديث متفق عليه، أخرجه البخاري (رقم 2350) ومسلم (رقم 2492). (¬3) أبو إياس المزني البصري ثقة، من فقهاء التابعين، روى عن: أبيه وابن عباس، وعنه: ابنه إياس القاضي وشعبة، وخلق (ت 113 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. له ترجمة في: مشاهير علماء الأمصار لإبن حبان (ص 92) وتهذيب التهذيب لإبن حجر (10/ 195). (¬4) أخرجه: ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل (رقم 10) والبيهقي في الشعب (2/ 81) وقال: فيه انقطاع، فمعاوية ولد سنة 37 هـ بينما توفي عمر سنة 23 هـ. قلت: له شاهد من حديث ابن عباس أنه قال: كان أهل اليمن يحجون، ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون. فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله: =

وهذا يدل على إجماعهم في التعلق بالأسباب. وقال أحمد في رواية المروذي: كان علي بن أبي طالب يعمل حتى تُدْبرَ يدُه، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعملون (¬1). وأيضا فإن الأسباب لو كانت من ضعف التوكل لتداخله شك في علمه بأن الله هو الضار النافع لا غيره، فعلم أنه بلاءٌ من الطبع (¬2). * * * ¬

_ = {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197].أخرجه البخاري في صحيحه (رقم 1451). (¬1) رواه عن الإِمام أحمد: أبو بكر الخلال عن المروذي في كتاب الحث على التجارة (رقم 106). (¬2) أي أن الإنسان مجبولٌ على فعل الأسباب، وهذا يدل على أن الأخذ بالأسباب -كما أنه قد ورد به الشرع- فهو مستقر في الفطر.

مسألة في الشح

مسألة في الشح (¬1) وهو على ضربين. أحدهما: ألَّا تسخو نفسُه بما أوتي أخوه المسلم؛ حتى يغُمَّه ذلك ويسوءه، ولهذا قال تعالى: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} [الحشر: 9]. والضرب الثاني: أن يَشُحَّ على أموال الناس، فلا تطيب نفسه بردِّ مظلمة، ولا يؤدّي أمانة، إنَّما همُّه الخيانة، وكسر الودائع؛ فروي عن ابن مسعود أنه قال: الشح أن يشح على ما في أيدي الناس (¬2). وقال بعض التابعين: رأيت عبد الرحمن بن عوف يطوف حول البيت، وهو يقول: رب قني شح نفسي. لا يزيد على ذلك، قال: فتقدمتُ إليه فقلت: ما لي لا أسمعك تدعو إلا بقول: رب قني شح نفسي. لا تزيد على ذلك؟! قال: إني ¬

_ (¬1) الشح في اللغة: البخل والحرص، وقد بين ابن منظور في لسان العرب، مادة (ش ح ح) الفرق بين الشح والبخل، فقال: قيل: الشح أشد البخل، والشحيح أبلغ في المنع من البخيل، وقيل: البخل في المال، والشح في المال وكل معروف. وقد جبلت عليه النفس البشرية قال الله تعالى: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحّ}. لكن الإسلام جاء مهذبًا للنفس، داعيًا إلى الإبتعاد عن الشح لما يترتب عليه من آثام ومساوئ. (¬2) روى ابن جرير في تفسيره (12/ 39) نحوه. وروي ذلك عن طاوس أيضًا، انظر: تفسير ابن جرير (5/ 85) والدر المنثور (8/ 157).

إن وُقيتُ شح نفسي؛ وُقيت السرقة والخيانة وكذا وكذا ... حتى عدَّد (¬1). فإذا ألزم قلبَه الغمَّ ولم يؤدِّ أمانةً، ولا ما عليه، وظلم الناس في أموالهم؛ فقد استكمل الشحَّ، وقد قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} [الحشر: 9]. وقد روى أبو حفص ابن شاهين (¬2) في كتاب المعجم بإسناده عن خالد بن زيد بن جارية الأنصاري (¬3) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "برئ من الشح من أدى الزكاة وقرى الضيف، وأعطى في النائبة" (¬4). وروى أبو بكر الخلال في كتاب الورع بإسناده عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "شر ما في الرجل شحٌّ هالِعٌ وجبنٌ خالعٌ" (¬5). ¬

_ (¬1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي (8/ 158) وعزاه إلى: ابن جرير، وابن المنذر، وابن عساكر. (¬2) عمر بن أحمد بن عثمان، من حفاظ الحديث، وأعلام الوعاظ في بغداد، له نحو ثلاثمائة مصنف، منها: السنة. قيل: نحو ألف وخمسمائة جزء، والمعجم المذكور: معجم الشيوخ. (ت 385 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. له ترجمة في: تاريخ بغداد (11/ 265) والأعلام للزركلي (5/ 40). (¬3) أدرك جماعة من الصحابة، وذكره البخاري وابن حبان في التابعين. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة لإبن حجر (1/ 406). (¬4) أخرجه: هناد في كتاب الزهد (رقم 1060) والطبراني في المعجم الكبير (4/ 188) والبيهقي في الشعب (7/ 427) وقال ابن حجر في الإصابة (1/ 456): مرسل. وضعفه الألباني، كما في ضعيف الجامع الصغير للسيوطي (3/ 5). (¬5) أخرجه: أحمد في مسنده (2/ 352) وأبو داود (2/ 15) وصححه ابن حبان (8/ 42) والعراقي في تخريجه للإحياء (3/ 312) وابن حجر في هداية الرواة (2/ 285) والألباني كما في السلسلة الصحيحة (رقم 565). وقوله: "هالع". الهلع أشد الجزع والضجر. النهاية في غريب الحديث لإبن الأثير 5/ 268. وقوله: "جبن خالع". أي: خوف شديد، كأنه يخلع فؤاده من شدة خوفه. النهاية (2/ 65).

مسألة في البخل

مسألة وأما البخل (¬1) فهو: ألا تسخو النفس بأداء الحقوق التي أوجبها الله تعالى عليه في ماله. فرُوي عن ابن مسعود قال: البخل: أن تبخل بما في يديك، ألم تسمع ربي تبارك وتعالى يقول: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 180]. وقال: {وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} [محمد: 36]. إلى قوله: {هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد: 38] (¬2). وأخبرنا أبو بكر الخلال بإسناده عن أبي سعيد: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خصلتان ¬

_ (¬1) قد يقال: ما علاقة (البخل) و (الشح) بالتوكل على الله تعالى؟ والجواب: أن البخل -وأشد منه الشح- من الأمراض النفسية الخطيرة التىِ تدفع الإنسان إلى الخوف من المستقبل، فتجد البخيل أو الشحيح كثير الفكر بما سيحدث في قادم الأيام، فيقع بسبب ذلك في المحظور الشرعي؛ من التقصير في أداء الحقوق التي أوجبها الله عليه في ماله -كما ذكر المؤلف - من زكاةٍ، ونفقةٍ على عيالِ، وإحسانِ إلى الخلق ... فالبخيل أو الشحيح ضعيف التوكل على الله تعالى؛ لأن التوكل يوجب الجود والكرم والسخاء، ويبعد النفس عن كل ما يضاد ذلك، فالمتوكل معتمد على الله مفوض أمره إليه، لا يمنعه التفكير بما يكون في مستقبل الأيام، من أداء الواجبات والإحسان إلى الخلق، لتمام علمه أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. (¬2) انظر: الدر المنثور للسيوطي (8/ 108).

لا يجتمعان في مؤمن؛ سوء الخلق، والبخل، (¬1). وذكر أبو بكر الخلال في كتاب الورع بإسناده عن حبيش بن مبشر (¬2) قال: قعدتُ مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين (¬3) والناس متوافرون؛ فأجمعوا أنهم لا يعرفون رجلًا صالحًا بخيلًا (¬4). وعن الحسن (¬5): {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]. قال: البخل (¬6). وعن بشرٍ (¬7) ....................................................................... ¬

_ (¬1) أخرجه: الترمذي (رقم 2684) وقال: حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث صدقة بن موسى. وأخرجه: أبو نعيم في الحلية (2/ 441)، والبيهقي في الشعب (7/ 423). قال الدارقطني: لا يثبت. كما في لسان الميزان لإبن حجر (2/ 78)، وقال ابن حجر في هداية الرواة (2/ 280): تفرد به صدقة بن موسى وهو ضعيف. وضعفه الألباني، كما في السلسلة الضعيفة (رقم 1119). (¬2) الثقفي، أبو عبد الله الطوسي، روى عن: أحمد وابن معين، وعنه: ابن ماجة والمروزي، ثقة، فاضل من عقلاء بغداد (ت 258 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. له ترجمة في: تاريخ بغداد (8/ 272) وتهذيب التهذيب (2/ 171). (¬3) أبو زكريا البغدادي، من أئمة الحديث، ومؤرخي رجاله، نعته الذهبي بسيد الحفاظ، وقال ابن حجر: إمام الجرح والتعديل. من كتبه: التاريخ والعلل (ت 233 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي (2/ 16) وتهذيب التهذيب (11/ 246). (¬4) ذكره: ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/ 56) في ترجمة ابن حبيش. (¬5) يعني: الإِمام الحسن بن يسار، أبو سعيد البصري، من كبار التابعين، حبر الأمة في زمانه، علمًا وفقهًا وزهدًا وفصاحةً، تتصبب الحكمة من فيه. قال أبو حامد الغزالي: كان الحسنُ أشبه الناس كلامًا بكلام الأنبياء (ت 110 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. له ترجمة في: حلية الأولياء (2/ 131) وسير أعلام النبلاء (4/ 563). (¬6) الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي (2/ 578) وعزاه إلى: عبد بن حميد والبيهقي في الشعب. (¬7) بشر بن الحارث، أبو نصر، المعروف ببشر الحافي، من كبار الصالحين، له أخبار كثيرة =

قال: البخيل لا غيبة له (¬1). * * * ¬

_ = في الزهد والورع، ثقة في الحديث (ت 227 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. له ترجمة في: صفة الصفوة لإبن الجوزي (2/ 183) ووفيات الأعيان (1/ 90). (¬1) رواه البيهقي في الشعب (7/ 442) وأورده ابن نعيم في الحلية (4/ 467).

مسألة في الجزع

مسألة في الجزع (¬1) وهو على ضربين: أحدهما: لا يَخرج به صاحبُه من الصبر؛ لكن يُنقِصُه من كمال الصبر. والثاني: ما يَخرج به صاحبُه من الصبر. أما الأول فهو على ضروب؛ منها: (1) إجماع القلب على الغم والحزن لما نزل به من مصيبة في نفسه أو غيره، ولا يظهر منه ما يكره الله تعالى، وقد روي عن سعيد بن جبير (¬2): إن الرجل ليجزع، وإنه لمتجلدٌ ما يُرى منه إلا الصبر (¬3). ومنه: ضرب آخر يزيد على ذلك: ¬

_ (¬1) الجزع في اللغة: ضد الصبر. كذا في لسان العرب لإبن منظور، فمن لم يصبر على أمرٍ فقد جزع. وقد ذكره المؤلف هنا؛ لأن الجزع ينافي التوكل على الله تعالى بالكلية، أو ينافي كماله. (¬2) أبو عبد الله الكوفي، حبشي الأصل، من أعيان التابعين، ثقة، فقيه، مفسر، قال أحمد: قتل الحجاجُ سعيدًا وما على وجه الأرض أحدٌ إلا وهو مفتقرٌ إلى علمه. (ت 95 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. ترجمته في: طبقات ابن سعد (6/ 178) وتهذيب التهذيب (4/ 11). (¬3) رواه: ابن المبارك في الزهد (رقم 111).

(2) أن يذكر للخلق ما نزل به على راحة النفس أو على استرحام الخلق له ليرقوا عليه، وليَخْلِفُوا عليه أن ذهب منه شيء، أو يُعِينُوه على أمر دنياه، ولا يذكر على التبرم والتضجر به. ومنه ضرب آخر يزيد على ذلك: (3) أن يقطعه عن كثير من أعمال البر مما ليس بواجب عليه. فهذه الأقسام من الجزع لا يحرمه الأجرَ، ولا إثم عليه فيه. الضرب الثاني من الجزع الدي يُخرجه من الصبر؛ وهو على ضربين: أحدهما: أن يحصل معه شكايةٌ واستعانةٌ. والآخر: أن يحصل معه استعانة بالمعاصي. وكلاهما لا أجر له عليه، وعليه الوزر. أما الذي يحصل معه الشكاية: فان يجمع الغمَّ على قلبه؛ فيخرجُه الغمُّ إلى أن يشكوَ إلى الناس ما نزل به على التَّبَرُّمِ والتضَجُّرِ، والإستنكارِ لما نزل به، وذلك مثل أن يقول: كان يوم أصابني هذا فيه يوم شؤمٍ، يا رب لا أريد هذا الأجر. أكنتُ أعظم الناس ذنبًا؟ وإلى كم هذا البلاء؟ وليت هذا لم يكن! وقد روي عن ابن مسعود أنه قال: لأن أَعَضَّ على جمرة حتى تبرد؛ أحب إلي من أن أقول لشيء قضاه الله: ليته لم يكن (¬1). وروي عن يعقوب - عليه الصلاة والسلام - أنه قيل له: ما قوَّس ظهرك، وأذهب نفسك؟ قال: أذهب نفسي حزني على يوسف، وقوَّس ظهري حزني على أخيه. ¬

_ (¬1) أخرجه: ابن بطة في الإبانة (2/ 150 رقم 1595) واللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة (4/ 667 رقم 1217).

فاوحى الله إليه: يا يعقوب، تفرَّغت لشكواي (¬1)؟ , والحديث: "من شكا مصيبةً نزلت به فإنما يشكو ربَّه" (¬2). الضرب الثاني: أن يستعين أو يستريح من شدة الضرِّ، أو ألم السقم، أو الجراحة، أو الضيق، أو ذهاب المال إلى معصية الله تعالى، كالرجل يُحَمُّ، أو يضرب عليه بعض جسده، أو يغتمُّ بذهاب ماله، أو ولده، فمن شدة الضجر يُزنِّي خادمَه، أو امرأته، أو ولده، أو يشتُم ويمتهنُ والديه، أو يضرب بعضَ هؤلاء ظالمًا له. يفعل ذلك من شدة الغمِّ، أو يتداوى بما لا يحل له؛ كالخمر، أو شحم الخنزير، أو لحمه، أو يظلم، أو يغصِب، أو يخونُ أمانتَه حين ذهبَ مالُه. يريد بذلك جبرَ مصيبته باختيان (¬3) ما في يديه، أو يمسك عن الإنفاق على مَنْ يجب عليه؛ كالوالدين والولد والأهل، أو يحبس حقًّا، أو يدعو بالويل، أو يشق الجيب، أو يلطم وجهه. وقد رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن ذلك، ولعن من شق الجيوب، ولطم الخدود، وخمش الوجوه (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه: ابن أبي الدنيا في كتاب الفرج بعد الشدة (رقم 46) بإسناده عن أنس مرفوعًا، وفيه رجل لم يسم. (¬2) أخرجه: البيهقي في الشعب (7/ 213) من حديث ابن مسعود مرفوعًا. وأورد نحوه الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 251) من حديث أنس مرفوعًا، وكلاهما: ضعيفٌ. انظر: الموضوعات لإبن الجوزي (3/ 366) وترتيب الموضوعات للذهبي (366) والفوائد المجموعة للشوكاني (237) وضعيف الترغيب والترهيب للألباني (رقم 1887). (¬3) الإختيان: تحرك شهوة الإنسان لتحرك الخيانة، وهو أبلغ من الخيانة لتضمنه القصد والزيادة. تاج العروس (ح ون)، والكليات لأبي البقاء 1/ 78. (¬4) جاء في الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية". أخرجه البخاري (رقم 1298) ومسلم (رقم 103).

ورُوي أن رجلًا كانت له جاريةٌ ترعى غنمًا له، فأخذ الذئبُ شاةً منها؛ فصكَّها صكَّةً، فأخبر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فقال: "أعتقها" (¬1). وأمره بذلك في مقابلة فعله. ورُوي عن مُطَرِّفٍ (¬2) أنه قال في دعائه: أعوذ بك أن أستعين بمعاصيك من ضرٍّ نزل بي (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه: مسلم (رقم 537) عن معاوية بن الحكم السلمي. (¬2) مطرف بن عبد الله الشخير، أبو عبد الله العامري البغدادي، من كبار التابعين، ثقة، له كلمات في الحكمة مأثورةٌ (ت 87 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. ترجمته في: حلية الأولياء (2/ 198) ووفيات الأعيان (2/ 97). (¬3) روى نحوه: ابن أبي الدنيا في كتابه العقوبات (رقم 88).

مسألة والخروج بالزاد أفضل من الخروج بغير زاد

مَسألةٌ والخروجُ بالزاد أفضلُ من الخروج بغير زادٍ وهذا ظاهر ما رواه المروذي عن أحمد؛ أنه سئل عن الرجل يريد سفرًا أيما أحب إليك: يحمل معه زادًا، أو يتوكل؟ قال: يحمل معه زادًا ويتوكل (¬1). وقال في رواية الحسين بن حسان (¬2) وقد سئل عن الرجل يدخل المفازة بغير زاد، فأنكر ذلك، وقال: لا. ومدَّ بها صوتَهُ (¬3). خلافًا لمن يرى ترك الإكتساب أفضل، يرى الخروج بغير زاد أفضل. والدلالة عليه أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَه قد تزودوا، وتزود أصحابُه بعده، والعلماء بعدهم عصرًا بعد عصرٍ، ولا نعرف عالمًا يقول: ترك الزاد أفضل. بل يقول أكثرهم: من قال هذا القول فهو مبتدع. وقد قال أحمد في رواية المروذي لرجل قال: إني في كفاية. فقال: الزم السوق؛ ¬

_ (¬1) تقدم (ص 38). (¬2) أحمد بن الحسين بن حسان، من أهل سر من رأى، روى عن أحمد بعض المسائل. كما في طبقات الحنابلة لإبن أبي يعلى (1/ 39) و (أحمد) سقطت من الناسخ سهوًا، والتصحيح من مصدر المؤلف وهو كتاب الحث على التجارة للخلال (رقم 88) وكذا ذكره ابن الجوزي في تلبيس ابليس (ص 368). (¬3) رواه عن أحمد: أبو بكر الخلال في كتاب الحث على التجارة (رقم 88).

تصل به الرَّحِمَ (¬1). وقال في رواية محمد بن موسى (¬2) لرجل دخل عليه ومعه ولده: أَلْزِمْهُ السوقَ، وجنبْه أقرانَه (¬3). وقال في رواية صالح (¬4) في قوم لا يعملون؛ يقولون: نحن متوكلون. قال: هؤلاء مبتدعةٌ (¬5). وقال في رواية أبي الحارث (¬6): ما أحسن الإتكالَ؛ ولكن لا ينبغي لأحد أن يقعد ولا يعمل شيئًا (¬7). ¬

_ (¬1) رواه عن أحمد: المروذي في كتاب الورع (ص 17) ومن طرقه أبو بكر الخلال في الحث على التجارة (رقم 1). (¬2) ابن مشيش، البغدادي، من كبار أصحاب الإمام أحمد، ومتقدميهم، كان يستملي للإِمام أحمد مسائل جيدةً. -رَحِمَهُ اللهُ-. له ترجمة في: تاريخ بغداد (3/ 240) وطبقات الحنابلة (1/ 323). (¬3) رواه عن أحمد: أبو بكر الخلال في كتاب الحث على التجارة (رقم 5). (¬4) صالح بن الإمام أحمد بن حنبل، أبو الفضل، نشأ بين يدي أبيه، وأخذ عنه، ثم ولي القضاء بأصبهان، وتوفي فيها. (ت 265 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. ترجمته في: شذرات الذهب (2/ 149) والأعلام (3/ 188). (¬5) رواه: الخلال في كتاب الحث على التجارة (رقم 109). (¬6) أحمد بن محمد، الصائغ، قال الخلال: روى عن الإمام أحمد مسائل كثيرة، بضعة عشر جزءًا، وجوَّد الرواية عن أبي عبد الله. انظر: طبقات الحنابلة (1/ 74) (¬7) رواه: الخلال في كتاب الحث على التجارة (رقم 113).

فصل في صفة المريد

فصل في صفة المريد (¬1) قال أبو بكر الخلال في كتاب الورع والإخلاص: أخبرنا طالب بن حرّة الأذني (¬2) قال: حضرتُ أحمدَ بن حنبل، فقال له رجل (¬3) أخبرنا أحمد بن الحسن الحلا ¬

_ (¬1) يطلق الصوفية لفظ (المريد) ويريدون به: التابع لشيخ الطريقة الصوفية، يقول الجرجاني في التعريفات (269): المريد: هو المجرد عن الإرادة. وللمريد عندهم درجات وصفات وخصائص، وشروط، سيذكر المؤلف بعضها، وتطلب الطرق الصوفية من المريد أن يتبع شيخًا معينًا، ويطيعه ويأتمر بأمره، ولا يخرج عن رأيه. وهذا ربما من أشنع ما ابتدعه أهل التصوف. ويبالغ ابن عربي (ت 638 هـ) فيلسوف التصوف الأول، والمرجع لكثير من شيوخ الطرق الصوفية إلى اليوم، فيقول في كتابه الفتوحات المكية (2/ 366): الأصل أنه كما لم يكن وجود العالم بين إلهين، ولا مكلف بين رسولين مختلفي الشرائع، ولا امرأة بين زوجين، كذلك لا يكون المريد بين شيخين؛ إذا كان مريدَ تربيةٍ. فإذا كان صحبةً بلا تربية فلا يبالي بصحبة الشيوخ كلهم؛ لأنه ليس تحت حكمهم ... والمؤلف ممن تأثر بالتصوف، فعقد هذا الفصل لبيان خصال المريد، لأنه يرى بأن المريد يجب أن يكون أكثر الناس توكلًا على الله ... ,, وقد ذكر أشياء لا يوافق عليها يأتي التنبيه عليها في موضعها. (¬2) ذكره: ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/ 179) وقال: ذكره أبو بكر الخلال: أخبرنا طالب ... إلخ. فساق كلام أحمد، ولم يزد. (¬3) سقط من المخطوطة سؤال الرجل، ولعله سأل عن علامة المريد. كما يفيده جواب الإمام أحمد.

الحري (¬1). فقال أبو عبد الله: (علامة المريد قطيعة كل خليط لا يريد ما يريد) (¬2). قوله: (قطيعة كل خليطٍ). يقطعه عن الله -عَزَّ وَجَلَّ-، لا يريد ما يريده الخليطُ، وذلك لقوله تعالى: {فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [يونس: 89]. وقال تعالى: {وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 142]. وكيف يستقيم على سنن الطريق من يتبع طريق الجاهلين. وفي الخبر عن الله تعالى: "يا موسى، كن يقظانا وأجد لنفسك أخدانًا، وكل خدن لك وصاحب لا يؤازرك على طاعتي فانبد عنك صحبته، إنَّما كان عدوًّا" (¬3). وقد ذكر أبو طالب المكي (¬4) في جملة قوت القلوب فقال (¬5): "يحتاج المريد إلى سبع خصال؛ أربعة قواعد، وثلاثة أعلام، والقواعد الأربعة: الجوع، والسهر، والصمت، والخلوة. والأعلام الثلاثة: المعرفة بالطريق، والخشية، وطاعة الدليل". أما الأربعة القواعد التي هي: الجوع، والسهر، والصمت، والخلوة؛ فهي: ¬

_ (¬1) كذا في المخطوط، وكأنه مقحم في الرواية. (¬2) ذكره: ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/ 179) عند ذكره للأذني. (¬3) أخرجه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (61/ 153) عن محمد بن نصر الحارثي، وأخرجه ابن بطة في: الشرح والأبانة على أصول السنة والديانة (رقم 172) بلفظ مقارب. (¬4) محمد بن علي بن عطية، الحارثي، نشأ واشتهر بمكة، ثم رحل إلى البصرة فاتهم بالإعتزال، وهو فقيه، واعظ، زاهد، لكن حفظ الناس عنه أقوالاً هجروه لأجلها، صنف كتبًا منها: قوت القلوب، وعلم القلوب. (ت 386 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. ترجمته في: وفيات الأعيان (1/ 491) وميزان الإعتدال للذهبي (3/ 107). (¬5) من هنا ابتدأ المؤلف بالنقل عن كتاب قوت القلوب (1/ 273 - 285 الفصل السابع والعشرون - كتاب أساس المريدين) حتى نهاية كلامه عن صفات المريد. لكنه ينقل بتصرف كثير؛ بتقديم وتأخير واختصار، وزيادة.

سجن النفس وضيقها، وضرب النفس وقيدها (¬1). أما الجوع (¬2) فإنه يُنقص دم القلب فَيَبْيَضُّ؛ وفي بياضه نوره، ويُذيب شحمَ الفؤاد وفي ذوبه رقته، ورقته مفتاح كل خير؛ لأن في القسوة مفتاح كل شر، فإذا نقص دم القلب ضاق مسلك العدو منه؛ لأن دم القلب مكانه. فإذا رقَّ القلب ضعف سلطان العدو منه؛ لأن في غِلَظِ القلب سلطانه. والفلاسفة يقولون: النفس هي كلية الدم؛ لأن الانسان إذا مات لم يفقد من جسمه إلا دمه مع روحه. والعلماء منهم قالوا: الدم هو مكان النفس. وفي الحديث المروي: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فضيقوا مجاريه بالجوع والعطش" (¬3). وعن عيسى - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: "يا معشر الحواريين ¬

_ (¬1) هذا من شطحات المتصوفة؛ لا يوافق المؤلف على إقراره لها، فلا يجوز سجن النفس، أو ضرب الجسد، أو تقييده، بقصد ترويضه أو عقابه، فليس في الإسلام دليل من الكتاب والسنة على هذا، ولما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - حبلًا ممدودًا فسأل عنه، قالوا: لزينب، تصلي فإذا كسلت تمسكت به. قال: "حلُّوه، ليصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا كسل فليقعد". متفق عليه، ونهى عن قال ما فيه تقصُّد لإتعاب النفس والتضييق عليها، كنهيه عن الوصال في الصوم، وإنكاره على من صام في السفر حتى أجهده ذلك ... وكان إذا خُير بين أمرين اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا ... وسنته مليئة بتعليم الناس التوازن والإعتدال في العبادات، والجمع بين التمتع بالمباحات في الدنيا، والعمل للآخرة. وحينئذٍ فضرب النفس أو حبسها وقيدها من البدع التي ورِثها بعضُ الصوفية من الديانات البائدة. (¬2) تجويع النفس بقصد حرمانها وتعذيبها ليس من هدي الإسلام، وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعاذ من الجوع، لكن الإسلام نهى عن الأشر والبطر والشبع حتى التخم. (¬3) متفق عليه من حديث صفية بنت حيي، أخرجه البخاري (رقم 2035) ومسلم (رقم 2175) دون قوله: "فضيقوا ... ". إلخ، وقال العجلوني في كشف الخفا (525): هذا مدرج من بعض الصوفية.

جوِّعو ابطونكم، وعطِّشوا أكبادكم، وأعْروا أجسادكم؛ لعل قلوبكم ترى الله -عَزَّ وَجَلَّ-" (¬1). وقال بعض الصحابة: أول بدعة حدثت بعد رسول الله الشبع؛ إن القوم لما شبعت بطونهم جنحت بهم شهواتهم (¬2). وعن عائشة: كان رسول الله وأصحابه يجوعون من غير عَوَزٍ (¬3). وقال ابن عمر: ما شبعتُ منذ قتل عثمان (¬4). وحديث أبي جحيفة (¬5) لما جشأ عند النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اكفف عنا جشاءك، فإن أطولكم شبعًا في الدنيا أكثركم جوعًا في الآخرة" (¬6). وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشدُّ الحجر على بطنه من الجوع (¬7). ¬

_ (¬1) أورده: أبو نعيم في الحلية، وقال العراقي في تخريج الإحياء (3/ 45): لم أجده. (¬2) رواه: ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع (رقم 22) عن عائشة. وأورده أبو نعيم في الحلية (3/ 86). (¬3) ذكره: العراقي في تخريج الأحياء (3/ 43) وعزاه إلى البيهقي في الشعب، وأشار إلى ضعفه. (¬4) روى نحوه: البيهقي في الشعب (5/ 38). (¬5) وهب بن عبد الله السوائي، من صغار الصحابة، توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يبلغ الحلم، لكن سمع منه وروى عنه. (ت 72 هـ) - رضي الله عنه -. ترجمته في: الإستيعاب لإبن عبد البر (1/ 515) والإصابة في تمييز الصحابة لإبن حجر (6/ 626). (¬6) أخرجه: ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع (رقم 4) رواه الحاكم (4/ 121) وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: فها، قال المديني: كذاب. وعمرُ، هالكٌ، ورواه: البيهقي في الشعب (رقم 5644). ورُوي نحوه من حديث ابن عمر عند الترمذي (رقم 3478) وابن ماجه (رقم 3350)، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 673): صحيح بمجموع طرقه. وقوله: جشأ. التجشؤ: تنفُّس المعدة، وهو: الصوت الخارج من الفم بسبب الشبع. (¬7) رُوي ذلك من حديث أبي بُجير، رواه البيهقي في الشعب (1461) والقضاعي في مسند الشهاب (870) وفي إسناده: معيد بن سنان الكندي، ضعفه غير واحد، وقال البخاري: منكر الحديث. انظر: ميزان الإعتدال للذهبي (2/ 143).

وقال - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة: "ما دخل فمَ أبيك طعامٌ مند ثلاث" (¬1). وقال الثوري (¬2): جُعل الخير كلُّه في بيت، وجُعل مفتاحه الجوع (¬3). وقال أبو بكر المروذي: قيل لأبي عبد الله: إن رجلًا قال: قد ذهب سمعي من الجوع. فقلت له: اصبر. فإنها أيام قلائل. فقال: ليته دام على الفقر والجوع إلى الممات. وقال: ذكرت أولئك الفتيان أصحاب الصلاة، أسال الله أن يسلمهم (¬4). وقيل لأبي عبد الله: الرجل يجد من قلبه رقةً، وهو يشبع؟ قال: ما أراه. وجعل يعظم أمر الجوع والفقر (¬5). وقال (¬6): لو كان إلي ما أكلت ولا شربت (¬7). وأما السهر فإنه ينير القلب، ويجلوه؛ فيصير القلب كأنه كوكب دري في مرآة مجلوَّة؛ فيرغب في الطاعات لمشاهدة الآخرة. ومنه حديث حارثة (¬8) لما قال: عزفتْ نفسي عن الدنيا، وكأني انظر إلى عرش ¬

_ (¬1) رواه: البيهقي في الشعب (7/ 315) وعزاه العراقي في تخريج الأحياء (3/ 46) إلى مسند الحارث بن أبي أسامة، وأشار إلى ضعفه. (¬2) سفيان بن سعيد، أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ إمام حجة، كان يلقب بأمير المؤمنين في الحديث. (ت 161 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. ترجمته في: تذكرة الحفاظ للذهبي (1/ 203) وتقريب التهذيب لإبن حجر (ص 244). (¬3) رواه: أبو نعيم في الحلية (8/ 91). (¬4) لم أجده. (¬5) ابن رجب في جامع العلوم (ص 345). (¬6) أي: الإمام أحمد. (¬7) لم أجده. (¬8) ابن مالك الخزرجي الأنصاري، صحابي، ممن شهد بدرًا. ترجمته في: الإستيعاب (1/ 92) والإصابة (1/ 597).

ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون، وإلى أهل النار يتعاوون فقال - صلى الله عليه وسلم -: "عرفت، فالزم" (¬1). ووصف النبي - صلى الله عليه وسلم - قلبَ المؤمن؛ فقال: "قلب أجرد، فيه سراج يزهر" (¬2). معناه: يجرِّده من الهوى، وسراجه الذي يزهر فيه: هو نور اليقين. وقال بعض العلماء: من سهر أربعين ليلة خالصًا كوشف لملكوت السماء (¬3). ورُوي في حديث معاذ: "ثلاث منهن المقت من الله: الضحك من غير عجب، والأكل من غير جوع، ونوم النهار من غير سهر بالليل" (¬4). وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "قالت أم سليمان بن داود لابنها: لا تكثر النوم بالليل؛ فإن كثرة النوم تترك العبد فقيرًا يوم القيامة" (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه: ابن المبارك في الزهد (رقم 106) قال ابن رجب كما في مجموع رسائله (3/ 332): روي مرسلًا وروي متصلًا عن أبي هريرة وأنس، لكن من وجوه ضعيفة. وضعفه: العراقي في تخريج الأحياء (4/ 471) وابن حجر في الإصابة (1/ 597) والألباني كما في تخريجه لكتاب الإيمان لإبن أبي شيبة (ص 114). (¬2) أخرجه: أحمد في مسنده (رقم 11146) وأبو نعيم في الحلية (4/ 428) عن: حذيفة وأبي سعيد. وصححه ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/ 17) وابن كثير في تفسيره (1/ 85) والشوكاني في تفسيره (1/ 165) وصحح الألباني وقفه على حذيفة، كما في تخريجه لكتاب الإيمان لإبن تيمية (ص 288). (¬3) ذكره: أبو نعيم في الحلية (3/ 90). (¬4) أخرجه: أحمد في الزهد (ص 183) وأبو نعيم في الحلية (1/ 237) موقوفًا على معاذ بن جبل. (¬5) رواه: ابن ماجه (رقم 1332) وابن أبي الدنيا في كتاب التهجد وقيام الليل (رقم 490) والبيهقي في الشعب (رقم 4746) من حديث جابر بن عبد الله، وضعفه: ابن القيسراني في تذكرة الحفاظ (228)، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 250)، وضعفه الألباني كما في ضعيف ابن ماجه (رقم 248).

وقيل: كان شبان متعبدون في بني إسرائيل، فكانوا اذا حضر عشاؤهم قام فيهم عالمهم فقال: يا معشر المريدين، لا تأكلوا كثيرًا، فتشربوا كثيرًا، فترقدوا كثيرًا، فتخسروا كثيرًا (¬1). واعلم أن نوم العلماء عن غلبة بعد طول السهر بالقيام (¬2). وفي الخبر: قيل: يا رسول الله، إن فلانًا يصلي بالليل ويسرق بالنهار, فقال - صلى الله عليه وسلم -: "سينهاه ما تقول" (¬3). وفي الخبر عن لقمان أنه قال لابنه: "يا بني، لا تحب الحياة إلا لسهر الليل، وظمأ الهواجر، والذكر لله، وما كان سوى ذلك فهو الخسران" (¬4). وفي الخبر: "استعينوا على قيام الليل بقائلة النهار" (¬5). وقد قال عبد الصمد بن أبي مطر (¬6): بتُّ عند أحمد بن حنبل فوضع لي صاغرةَ ¬

_ (¬1) روى نحوه: ابن أبي الدنيا في كتاب التهجد وقيام الليل (رقم 492). (¬2) كذا في المخطوط، والمؤلف نقل هذه العبارة من كتاب قوت القلوب (1/ 276) والمعنى لم يتم، وتمامه في قوت القلوب: نوم العلماء عن غلبة المنام، بعد طول السهر بالقيام؛ مكاشفةٌ لهم، وشهودٌ، وتقريبٌ لهم منه، وورود. (¬3) أخرجه: أحمد (رقم 9777) وابن حبان في صحيحه (رقم 2560) والبيهقي في الشعب (رقم 3261) كلهم من حديث أبي هريرة، وصححه الألباني كما في السلسلة الصحيحة (رقم 3482). (¬4) لم أجده. (¬5) أخرجه: الطبراني في المعجم الكبير (رقم 11625) عن ابن عباس بهذا اللفظ، وأخرجه: ابن ماجه بنحوه عن ابن عباس أيضًا. وأورده الهيثمي في المجمع (رقم 23956) وقال: في إسناده زمعة بن صالح وهو ضعيف. وضعفه الألباني. انظر: السلسلة الضعيفة (رقم 2758). (¬6) عبد الصمد بن سليمان، أبو بكر العتكي، الحافظ الفقيه، روى عن: أحمد وابن حرب، وعنه: الترمذي وابن خزيمة. له ترجمة في: طبقات الحنابلة (1/ 217) تهذيب الكمال (18/ 96).

ماء، قال: فلما أصبح وجدني لم أستعمله، فقال: صاحب حديث لا يكون له ورد بالليل! قلت: مسافرٌ. قال: وإن كنت مسافرًا؛ حج مسروقٌ فما نام إلا ساجدًا (¬1). وقال موسى بن عيسى الموصلي (¬2): ركبني دينٌ، فأتيت بشرًا، فقلت: قد ركبني دينٌ. قال: عليك بجوف الليل. ومضيت إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل؟ فقلت: ركبني دينٌ. قال: عليك بالسَّحَرِ (¬3). وأما الصمت فإنه يلقح العقل، ويعلم الورع، ويجلب التقوى. وقد قال عقبة بن عامر: يا رسول الله، فيمَ النجاة؟ فقال: "املك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك" (¬4). وأوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذًا بالصلاة والصيام وغير ذلك، ثم قال في آخر وصيته: "ألا أدلك على ما هو أملك بك من ذلك كله؟ هذا"، وأومأ بيده إلى لسانه. فقال: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما تتكلم به ألسنتنا؟ فقال: "ثكلتك أمك معاذ، وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم؟ إنك ما سكت فأنت سالمٌ، فإذا تكلمت فإنما هو لك أو عليك" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (57/ 426) وأورده ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/ 217). (¬2) ذكره: ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/ 333) وقال: نقل عن الإمام أحمد أشياء. (¬3) لم أجده. (¬4) أخرجه: أحمد (رقم 22289) والترمذي (رقم 2406) وقال: حديث حسن. وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت (رقم 2)، والبيهقي في الشعب (رقم 4930) وصححه الألباني، انظر: صحيح الجامع (رقم 1392). (¬5) أخرجه: ابن المبارك في الزهد (رقم 134) وأحمد (5/ 259) والترمذي (2/ 65) وقال: حسن صحيح. وحسنه الألباني كما في السلسلة الصحيحة (2/ 581).

وروي في الخبر: "لا يتقي العبدُ ربَّه حقَّ تُقاته حتى يَخْزِنَ من لسانه" (¬1). وفي خبرآخر: "لا يصلح العبدُ حتى يستقيمَ قلبُه، ولا يستقيم قلبُه حتى يستقيمَ لسانُه" (¬2). وكان الضحاك بن مزاحم (¬3) يقول: أدركتهم وما يتعلمون إلا الصمت والورع، وهم اليوم يتعلمون الكلام (¬4). يقول: حدثنا أبو محمد جعفر بن نصر قال: أنبأنا أبو عبد الله محمد بن حامد الرازي، قال: أنبأنا أبو عثمان الوراق -وراق أحمد بن حنبل (¬5) - قال: حدثني المحاربي (¬6) قال: قال الأوزاعي (¬7): السلامة عشرة أجزاء، سبعة منها في التغافل. ¬

_ (¬1) أخرجه: ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت (رقم 17) وعبد الله بن الإمام أحمد في زياداته على كتاب الزهد (ص 210)، وهناد في الزهد (3/ 532)، وابن أبي عاصم في كتاب الزهد (ص 27) كلهم عن أنس موقوفًا. (¬2) أخرجه: هناد في الزهد (2/ 502) وأحمد في مسنده (3/ 198) وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت (رقم 9) عن أنس، وضعفه العراقي في تخريج الإحياء (3/ 135)، وحسنه الألباني كما في السلسلة الصحيحة (6/ 822). (¬3) الهلالي، تابعي جليل، إمام في التفسير، قيل: لم يثبت سماعه من أحد من الصحابة. (ت 106 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. له ترجمة في: تهذيب الكمال (13/ 291) وسير أعلام النبلاء (4/ 598). (¬4) رواه: ابن المبارك في الزهد (رقم 11)، ووكيع في الزهد (رقم 223)، وابن أبي الدنيا في كتاب الورع (رقم 26). (¬5) لم أجد لهؤلاء الثلاثة ترجمةً. (¬6) عبد الرحمن بن محمد، أبو محمد الكوفي، (ت 195 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. تهذيب التهذيب (6/ 265). (¬7) عبد الرحمن بن عمرو، أبو عمرو، إمام أهل الشام في وقته، روى عن: ابن سيرين وعطاء، وعنه: أبو حنيفة وقتادة. (ت 157 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. ترجمته في: طبقات ابن سعد =

قال أبو عثمان: فعرضت ذلك على أحمد بن حنبل، فقال لي: يرحم الله الأوزاعي, عشرتها في التغافل (¬1). وأما الخلوة فإنها تُفَرِّغُ القلبَ من الخلق، وتَجْمع الهمَّ بأمر الخالق، وتجلب ادِّكار الآخرة، وتجدد الإهتمام بها، وتنسي ادِّكار العباد، وتواصِل ذكرَ المعبود. وروي عن ابن عباس أنه كان يقول: لولا الوسواس لم أبالِ أن أجالس الناس، وهل أفسد الناسَ إلا الناسُ؟ (¬2). وقال ابن مسعود: وددت أن بيني وبين الناس سور حديد (¬3). وقد روى الحسن بن محمد بن الحارث السجستاني (¬4) أنه قال لأبي عبد الله: التخلي أعجب إليك؟ فقال: التخلي على علم. وقال: يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم" (¬5). وقال في رواية أبي الصقر (¬6): إذا كانت الفتنة فلا بأس أن يعتزل الرجل حيث شاء، وأما ما لم تكن فتنة فالأمصار خير (¬7). ¬

_ = (7/ 185) وتذكرة الحفاظ (1/ 188). (¬1) روى نحوه: البيهقي في الشعب عن الإمام أحمد (6/ 330). (¬2) رواه: ابن أبي الدنيا في كتاب مداراة الناس (رقم 126) وفي العزلة والإنفراد (رقم 8) وفيه رجل لم يسم. (¬3) أورد نحوه: ابن الجوزي في صفة الصفوة (1/ 406). (¬4) ذكره: ابن أبي يعلى في الطبقات (1/ 139) وقال: نقل عن إمامنا أشياء. وساق ما ذكره عن الإمام أحمد. (¬5) رواه: أحمد في مسنده (2/ 42) والترمذي (رقم 2507) وابن ماجه (رقم 4032) من حديث ابن عمر، صححه الألباني كما في صحيح ابن ماجه (رقم 3273). (¬6) يحيى بن يزداد الوراق، عنده لأحمد مسائل. ذكره ابن أبي يعلى في الطبقات (1/ 409). (¬7) رواه: ابن أبي يعلى في الطبقات (1/ 409).

وقال في رواية مثنى الأنباري (¬1): وقد سئل أيما أفضل؛ رجل أكل فشبع وأكثر الصلاة والصيام، أو رجل أقلَّ الأكل فقلَّت نوافله؟ فذكر ما جاء في الفكرة: تفكُّرُ ساعةٍ خيرٌ من قيام ليلة (¬2). وقال المروذي: ذكرت لأبي عبد الله رجلًا صبورًا على الفقر، وقد اعتزل: ما كان أحوجه إلى علمٍ؟ فقال: أسَكتَ لصبره، وعُزلته عن العلم؟! (¬3). فهذا شرح الخصال الأربعة القواعد. وأما الثلاثة الأعلام (¬4): 1 - فالمعرفة بالطريق، وهي: إصابة العلم في السعي، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فإن المنبتَّ لا ظهرًا أبقى، ولا أرضًا قطع" (¬5). وحسبه قوله تعالى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} [الروم: 29]. 2 - وطاعة الدليل، وهو: معلمه ومرشده (¬6). لقوله تعالى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ ¬

_ (¬1) مثنى بن جامع الأنباري، أبو الحسن، حديث عن أحمد ونقل عنه مسائل حسانا، قيل: كان مستجاب الدعوة. انظر: طبقات الحنابلة (1/ 337). (¬2) رُوي من قول الحسن أخرجه: ابن أبي شيبة في المصنف (رقم 35223) وأخرج البيهقي في الشعب (رقم 118) نحوه من قول أبي الدرداء، وضعفه الشوكاني في الفوائد المجموعة (ص 217). (¬3) ذكره: أبو طالب المكي في قوت القلوب (2/ 261) ولم أجده في مظانه. (¬4) هكذا في النسخة المخطوطة ولم يذكر المصنف إلا اثنين ففط، وهما الأول والثالث، وغفل عن ذكر الثاني وهو الخشية. (¬5) رواه البيهقي في الشعب (رقم 3385) من حديث عائشة، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (رقم 217) وعزاه إلى البزار من حديث جابر، وقال: فيه يحيى بن المتوكل وهو كذاب. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (رقم 2022). (¬6) والمراد الطاعة بالمعروف، واتباع 5 ما كان ملتزمًا بالسنة مبتعدًا عن البدعة، وعلى المتبع أن =

مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان:15]. ولابد للمريد من خصال: (1) أولها: الصدق في الإرادة، وعلامته: إعداد العدَّة. (2) ولابد له من السبب إلى الطاعات، وعلامة ذلك هجران قرناء السوء. (3) ولابد له من المعرفة بالحال، وعلامة ذلك استكشاف آفات النفوس، واستعلام ما يفسد الأعمال، واستحضار محاسن النيات، وصحة المقاصد في الإرادات. (4) ولابد له من مجالسة عالم بالله، وعلامة ذلك إيثاره على ما سواه، وحسن القبول منه، وإلقاء السمع بالإصغاء بصحة الفهم إليه. (5) ويحتاج المريد إلى توبة نصوح، فبذلك يجد حلاوة الطاعة، ويدوم إقبال القلب على الإرادة. (6) ويحتاج المريد إلى طعمة حلال لا يذمها العلم، وعلامة ذلك أن يكون بسبب مباح يوافق فيه حكم الشرع. (7) ولابد له من قرين صالح يؤازره على حاله ويساعده على صلاح أعماله، كما جاء في الخبر: "المؤمن مرآة المؤمن" (¬1). أي: يرى به ما لا يراه لنفسه، كما يرى المرآة من وجهه ما لا يراه بعينه، ¬

_ = يحذر من التعصب والتقليد الأعمى، وأن يكون متبعًا للدليل، منقادًا إلى الحق، ملتزمًا بهدي السلف من الصحابة ومن تبعهم بإحسان. (¬1) رواه: أبو داود (رقم 4918) من حديث أبي هريرة، وسكت عنه، وحسن إسناده العراقي في تخريج الإحياء (2/ 227) وابن حجر في بلوغ المرام (رقم 451) وصححه الألباني كما في السلسلة الصحيحة (926).

وعلامة الخليل الصالح معاونته على البر والتقوى، ونهيه عن الإثم والعدوان. وقد رُوي في الخبر: "خير الإخوان الذين يقولون: تعالوا نصوم، تعالوا نصلي. وشر الإخوان الذين يقولون: تعالوا نأكل ننام" (¬1). وقال بعض أهل المعرفة: يكره للمريد أن تكون وساوسه بالجنة وذكر ما فيها من النعيم. قال: واستحب له أن تكون وساوسه ذكر الله، وخواطره وهممه؛ متعلقة بالله لا سواه؛ لأن المريد حديث عهد بتوبة، غير معتاد لطول الاستقامة والعصمة، فإذا تذكر نعيم الجنة لم آمن عليه -لضعف قلبه- أن يشتهي ميله ما يشاهد في الدنيا من اللباس والطيبات والنساء؛ لأن هذا عاجل وذلك آجل، كان أبعد له من زينة الدنيا ولذاتها. ¬

_ (¬1) لم أجده.

تعليق في الزهد والورع

تعليق ذكر أحمد في غير موضع وقد سئل عن الزهد في الدنيا فقال: قصر الأمل (¬1). والوجهُ فيه ما نقلته من خط أبي بكر عبد العزيز (¬2) في جزء ترجمته العلم، بإسناده عن عبد الله بن عمرو قال: مر بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن نصلح خصًّا لنا، فقال: "ما هذا؟ ". فقلت: خصٌّ لنا وَهَى فنحن نصلحه. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما أرى الأمر إلا أسرع من ذلك". وفي لفظ آخر: "ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك" (¬3). وبإسناده (¬4) عن أبي سعيد الخدري قال: اشترى أسامة بن زيد بن ثابت وليدة بمائة دينار إلى شهر، قال: فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ألا تعجبون من أسامة اشترى إلى شهر! إن أسامة لطويل الأمل؛ والذي نفسي بيده ما طرفت عينايَ فظننت أن شفري يلتقيان حتى أُقبض، ولا رفعت طرفي إلى السماء فظننت أنِّي واضعه حتى ¬

_ (¬1) ذكره: أبو نعيم في الحلية (4/ 242) وابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/ 291). (¬2) غلام الخلال، وقد تقدمت ترجمته (ص 39). (¬3) أخرجه: أحمد (10/ 4) وأبو داود (رقم 5236) وابن ماجه (رقم 3373) والترمذي (رقم 2335) وقال: حسن صحيح، وصححه أحمد شاكر في تخريجه لمسند أحمد. والخصُّ: بيت يعمل من الخشب والقصب، سمي بهذا لما فيه من الفُرَج والثقوب. انظر: النهاية في غريب الحديث لإبن الأثير 2/ 99 - (ح ص ص). (¬4) يعني بإسناد أبي بكر عبد العزيز، غلام الخلال، في الجزء المذكور، ولم أجده، ولذا خرجت ما يأتي من الأحاديث المنقولة عنه من مصادر السنة المتوفرة.

أُقبض، ولا لَقَمتُ لقمةً فظننتُ أنِّي أُسيغها حتى أغصَّ فيها من الموت". ثم قال: "يا بني آدم، أن كنتم تعقلون فعدُّوا أنفسكم من الموتى، والذي نفسي بيده إن ما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعجزين" (¬1). ذكر أبو عبد الله، ابن بطة (¬2) في أماليه بإسناده عن أبي ذرٍّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا إن الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا ألا تكون لما في يديك أوثق منك لما في يدي الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أتت أصبتَ بها أرغبَ منك فيها لو أنها أُبقيت لك" (¬3). وبإسناده (¬4) عن جعفر بن محمد (¬5) .................................. ¬

_ (¬1) أخرجه: أبو نعيم في الحلية (6/ 94) وقال: غريب من حديث عطاء وأبي بكر، تفرد به محمد بن حمير. وأخرجه البيهقي في الشعب (رقم 10564). وقوله: "شفريَّ": طرفيّ الجفنين، وقوله: "لا أُسيغها": لا أبتلعها بسهولة. وقوله: "أغص بها": أشرق بها، فتتوقف في الحلق. (¬2) عبيد الله بن محمد، العكبري، محدث، فقيه من كبار الحنابلة، قيل: لزم بيته أربعين سنةً، فصنف كتبًا تزيد على المائة؛ منها: الإبانة الكبر. ط، والتفرد والعزلة وغيرهما، قال الذهبي: كان صاحب حديث؛ لكنه ضعيف من قبل حفظه. (ت 387 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. ترجمته في: طبقات الحنابلة (2/ 144) والعبر في خبر من غبر للذهبي (3/ 37). (¬3) أخرجه: الترمذي (رقم 2340) وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، فيه عمرو بن واقد، منكر الحديث. وأخرجه ابن ماجه (رقم 4100) وضعفه ابن عدي في الكامل (6/ 208)، وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 179): الصحيح وقفه. وضعفه الألباني كما في ضعيف ابن ماجه (رقم 3194). (¬4) يعني: بإسناد الإمام ابن بطة، في الأمالي التي ذكرها المؤلف آنفًا، ولم أعثر عليه، وخرجت ما يأتي من الأحاديث المنقولة عنه، من مصادر السنة المتوفرة. (¬5) ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، المعروف بالصادق، أحد الأئمة الأعلام، قال الإمام أبو حنيفة: ما رأيت أفقه من جعفر. (ت 148 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. انظر: تذكرة الحفاظ (1/ 166) وتقريب التهذيب لإبن حجر (رقم 950).

عن أبيه (¬1) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "العلماء ورثة الأنبياء، وأمناء الرسل؛ ما لم يدخلوا في الدنيا". قالوا: يا رسول الله، وما دخولهم في الدنيا؟ قال: "اتباعهم السلطان، وحبهم الأغنياء. فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دمائكم، فإن الله يبطل حسناتهم" (¬2). وبإسناده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يأتي على الناس زمان يدعوفيه المؤمن للعامة، فيقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ادع لخاصة نفسك أستجبْ لك، فأما العامة فإني عليهم ساخط" (¬3). وبإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل العبادة توقع الفرج" (¬4). وبإسناده عن سهل بن سعد الساعدي قال: ما رأيت في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - مُنْخُلًا حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقيل له: فكيف كنتم تصنعون، وإنما طعامكم الشعير؟ قال: يطحن أحدُنا الشعير ثم ينسِفه فيتطاير منه ما يتطاير، ويبقى منه ما يبقى (¬5). وبإسناده عن أبي الدرداء قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل شيء ينقص إلا الشر فإنه ¬

_ (¬1) محمد بن علي، المعروف بالباقر، أبو جعفر، كان سيد بني هاشم في زمانه، روى عنه: الستة. (ت 114 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. انظر: تذكرة الحفاظ (1/ 125) وتهذيب التهذيب (9/ 311). (¬2) أورده الذهبي في تذكرة الموضوعات (1/ 25) وضعفه، وأورد السيوطي نحوه عن أنس في الجامع الصغير، وضعفه الألباني (رقم 8319) وذكره السخاوي في المقاصد الحسنة (رقم 300) عن علي، وضعفه. (¬3) رواه: أبو نعيم في الحلية (6/ 188) وقال: غريب من حديث صالح، تفرد به داود. (¬4) أخرجه: البيهقي في الشعب (رقم 1124) وأورده ابن عدي في الكامل (7/ 170) وقال: فيه قيس بن الربيع، لا بأس به. وقال القيسراني في ذخيرة الحفاظ (1/ 431): فيه حكيم بن جبير تركه شعبة. وروى ابن أبي الدنيا في كتاب الفرج بعد الشدة. (رقم 2) من حديث ابن مسعود. (¬5) أخرجه: البخاري (رقم 5413).

يزاد فيه" (¬1). وبإسناده عن أبي أمامة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن من شرار الناس منزلةً يوم القيامة رجل أذهب آخرته بدنيا غيره" (¬2). وبإسناده عن عطية السعدي قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا لما به البأس" (¬3). وبإسناده عن أبي ذر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا إن الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا ألا تكون لما في يدك أوثق منك بما في يدي الله، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أتت أصبت بها أرغب منك فيها لو أنها أُبقيت لك" (¬4). وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال: باسم الله توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فيقال له حينئذٍ: كفيت، ¬

_ (¬1) أخرجه: أحمد (رقم 27523) وأورده الهيثمي في المجمع (7/ 223) وقال: رواه أحمد والطبراني وفيه أبو بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف، ورجل لم يسم. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير (رقم 4238). (¬2) أخرجه: ابن ماجه (رقم 3966) والطيالسي في مسنده (رقم 2398) والطبراني في المعجم الكبير (رقم 7559) والبيهقي في الشعب (رقم 6938) وأبو نعيم في الحلية (6/ 65) وقال البوصيري في الزوائد: إسناده حسن. وضعفه الألباني كما في ضعيف ابن ماجه (رقم 791). (¬3) رواه: الترمذي (رقم 2451) وابن ماجه (رقم 4215) وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وضعفه: ابن رجب كما في فتح الباري شرح صحيح البخاري (1/ 15) والألباني كما في ضعيف ابن ماجه (رقم 977). (¬4) تقدم تخريجه ص 72.

ووقيت، وتنحى له الشيطان" (¬1). وبإسناده قال: كتب عاملُ إفريقية إلى عمر بن عبد العزيز، يشكو إليه الهوام والعقارب، فكتب إليه: وما على أحدكم إذا أمسى أو أصبح أن يقول: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} الآية [إبراهيم: 12]. قال زرعةُ (¬2): وهي تنفع من البراغيث (¬3). وبإسناده عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الطيرة من الشرك، ولكن الله يذهبها بالتوكل" (¬4). وبإسناده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من استرقى، واكتوى، فقد برئ من التوكل" (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه: ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل (رقم 20). وأخرجه: أبو داود (رقم 5095)، والترمذي (رقم 3426) وقال: حسن صحيح. وحسنه ابن القيم في زاد المعاد (2/ 335). وقال الألباني: صحيح على شرط الشيخين. كما في صحيح الكلم الطيب (ص 59). (¬2) ابن عبد الله الزبيدي، قال أبو حاتم: شيخ مجهول، ضعيف الحديث. وقال الذهبي: قال الأزدي: مجهول. انظر: الجرح والتعديل لأبي حاتم (3/ 606) وميزان الإعتدال للذهبي (2/ 70). (¬3) أخرجه: ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل (رقم 28)، من طريق بقية بن الوليد عن زرعة الزبيدي عن عبد الله بن كريز. وبقية كثير التدليس عن الضعفاء كما في تقريب التهذيب (رقم 737) وقد عنعن، وزرعة تقدم ذكر حاله. (¬4) تقدم تخريجه (ص 35). (¬5) أخرجه: ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل (رقم 43) من طريق العقار بن المغيرة بن شعبة عن أبيه مرفوعًا، وأخرجه: أحمد (4/ 249) والترمذي (رقم 2055) وابن ماجه (رقم 3489) وابن حبان (رقم 1408) والحاكم (4/ 415) وصححه، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني كما في صحيح الجامع (رقم 6081).

وبإسناده عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من خرج من بيته يريد سفرًا فقال حين يخرج: بسم الله، آمنت بالله، واعتصمت بالله، وتوكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. رزق خير ذلك المخرج، وصُرف عنه شره" (¬1). روى بعضهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الزاهدون في الدنيا؛ هم الفائزون في الآخرة" (¬2). أبو داود (¬3): سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا يكاد يُرى أحد أنكر من هذا الرأي إلا وفي قلبه دغل على الأمة (¬4). روى الخلال في الورع بإسناده عن عبد الله بن شقيق (¬5) قال: قالوا: يا رسول الله، إن فلانًا لا يفتر من صلاة ولا صيام. فأتاه وهو يصلي، فأخذ بعضده، فقال: "إن هذا أخذ بالعسر وترك اليسر". قالها ثلاثًا. قال: ثم نشله ثلاث نشلات، قال: ثم دفعه في صدره، قال: فخرج من باب من أبواب المسجد؛ فلم يُرَ فيه (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه: ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل (رقم 45) عن ابنٍ لعثمان عن عثمان بن عفان، وأخرجه: أحمد (1/ 65) وابن السني في عمل اليوم والليلة (491) وأورده الهيثمي في المجمع (10/ 128) وقال: أخرجه أحمد عن رجل لم يسمه عن عثمان. وضعفه الألباني كما في ضعيف الترغيب والترهيب (رقم 995). (¬2) لم أجده. (¬3) الإمام سليمان بن الأشعث، السجستاني، صاحب السنن، أحد الكتب الستة المشهورة في الحديث النبوي. (ت 275 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. ترجمته في: تاريخ بغداد (9/ 55) وشذرات المذهب (2/ 167). (¬4) ذكره ابن قدامة في تحريم النظر في كتب أهل الكلام (ص 17)، وابن رجب في جامع العلوم (2/ 95). (¬5) العقيلي، أبو عبد الرحمن البصري، تابعي ثقة. (ت 108 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. ترجمته في: تهذيب التهذيب (5/ 253). (¬6) رواه: أحمد (5/ 32) والبخاري في الأدب المفرد (341) من طريق ابن شقيق عن =

أبو بكر المروذي: قيل لأبي عبد الله: بما بلغ الذين بلغوا حتى ذُكروا؟ قال: بالصدق. قال: وإيش الصدق؟ قال: الإخلاص. قال: وإيش الإخلاص؟ قال: أن يخاف اللهَ العبدُ (¬1). وقال عبد المؤمن -يعني ابن محمد الفرعاني-: وجدت في كتاب سعيد بن الليث السمرقندي قال: جاء رجل إلى أحمد بن حنبل، فقال: بما يُذكر الصالحون؟ قال: بالصبر والرضا (¬2). وقد حدثنا أبو محمد الخلال (¬3) بإسناده حديثًا في هذا المعنى عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا بن مسعود، إن الإسلام علامةٌ، وعلامة الإسلام الإيمان، وعلامة الإيمان اليقين، وعلامة اليقين الإخلاص، وعلامة الإخلاص الورع، وعلامة الورع الزهد في الدنيا. من تمسك بالورع والزهد في الدنيا يرى كل درجة رفيعة، ومن تخلَّى منهما لقيني يوم القيامة على غير ملتي، فتمسكوا بالورع والزهد في الدنيا فبهما بعثتُ وبهما أُرسلتُ" (¬4). قال المروذي: سمعت أبا عبد الله يقول: الصبر في كتاب الله ثمانون موضعًا محمود، وموضعان مذموم: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم: 21 {أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} [ص: 6] (¬5). ¬

_ = محجن بن الأدرع مرفوعًا، وصححه الألباني كما في السلسلة الصحيحة (2/ 379). (¬1) رواه: الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (رقم 1010) وذكره ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد (ص 267). (¬2) لم أجد للفرعاني هذا ترجمةً، ولا للسمرقندي، وبحثت عن قول أحمد في مظانه فلم أجده. (¬3) الحسن بن محمد بن الحسن، البغدادي، الحافظ الثقة، خرج المسند على الصحيحين، وجمع أبوابًا وتراجم كثيرة. (ت 439 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. ترجمته في: المنتظم (8/ 132) والعبر (1/ 200). (¬4) لم أجده. (¬5) ذكره ابن القيم في بدائع الفوائد 3/ 633.

تعليق: فيما أُخذ على العلماء ألا تكتموا العلمَ. نقلت من خط أبي بكر (¬1) من كتاب العلم بإسناده عن قتادة (¬2) أنه كان يقول في هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: 187]. قال: هذا ميثاق أخذه الله على أهل الكتاب ممن علم علمًا فليعلِّمه (¬3). وبإسناده (¬4) عن أبي هريرة أنه قال: والله لولا آيتان في كتاب الله ما حدثت عنه -يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - لولا قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ ...} [البقرة: 174، 175]. إلى آخر الآيات (¬5). ذكر أبو بكر الخلال في كتاب الورع: أخبرني أحمد بن المكين الأنطاكي (¬6) أنه سمع أحمد بن حنبل قال له رجلٌ: أوصني. فقال له أحمدُ: انظر إلى أحب ما تريد أن يجاورك في قبرك؛ فاعمل به، واعلم أن الله تعالى يبعث العباد يوم القيامة على ثلاث خصال: محسنٌ ما عليه من سبيل؛ لأن الله يقول: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91]. وكافرٌ في النار؛ لأن الله يقول: {وَالَّذِينَ ¬

_ (¬1) يعني: عبد العزيز، غلام الخلال، وقد تقدمت ترجمته (39). (¬2) قتادة بن دِعامة السدوسي، أبو الخطاب، تابعي روى عن: أنس وأبي الطفيل وآخرين، وكان إمامًا في التفسير. (ت 117 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. ترجمته في: صفة الصفوة (3/ 182) وسير أعلام النبلاء (5/ 269). (¬3) رواه عنه: ابن جرير في تفسيره (3/ 543) وأورده السيوطي في الدر المنثور (2/ 402) وعزاه إلى: عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم. (¬4) يعني بإسناد أبي بكر عبد العزيز. (¬5) أخرجه: البخاري في صحيحه (2350). (¬6) ذكره: ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/ 78) وقال: ذكره الخلال فقال: عنده عن أبي عبد الله مسائل سمعتها منه. وأورد من طريقه هذه الوصية عن أحمد.

كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ} [فاطر: 36]. وأصحابُ الذنوب والخطايا، وأمرهم إلى الله، إن شاء عذَّب، وإن شاء عفا؛ لأن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (¬1) [النساء: 48، 116]. المروذي: قلت لأبي عبد الله: الرجلُ يكون مستورًا خمسين سنةً يستر نفسه، ثم ينكشف عند موته، من إيش يكون؟ قال: من حبه للدنيا. قلت لأبي عبد الله: إيش تفسير: "حب الدنيا رأس كل خطيئةٍ" (¬2)؛ قال: أن تكون الدنيا في قلبه يؤثرها على كل شيء. أنبأنا عبد الله (¬3) قال: سألت أبي: معنى حديث عبد الله (¬4): نهينا أن (¬5). قال: هاهنا وهاهنا. أخبرني محمد بن بشر (¬6) قال: سمعت يحيى بن معين يقول: حدثني حفَّار مقابرنا، قال: أعجب ما رأيت في هذه المقابر أني سمعت أنينًا من قبرٍ كأنينِ المريض، وسمعتُ مؤذنًا يؤذن وهو يجاب من قبر يقول كما يقول المؤذن. أو كما قال يحيى. ¬

_ (¬1) ذكره: المصنف في طبقات الحنابلة 1/ 69. (¬2) أخرجه: ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الدنيا (رقم 9) ومن طريقه ذكره المصنف في طبقات الحنابلة 1/ 69، أخرجه البيهقي في الشعب (7/ 338) من رواية الحسن مرسلًا. وضعفه الألباني كما في ضعيف الجامع الصغير (رقم 6428). (¬3) ابن الإمام أحمد بن حنبل، أبو عبد الرحمن، الحافظ الناقد، محدث بغداد، حديث عنه: النسائي وابن صاعد وخلقٌ، له زيادات كثيرة على كتب أبيه كالمسند والزهد وغيرهما. (ت 290 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. ترجمته في: سير أعلام النبلاء (13/ 516) وتهذيب التهذيب (5/ 141). (¬4) يعني: ابن مسعود - رضي الله عنه -. (¬5) كلمتان لم أستطع قراءتهما. (¬6) ابن مطر، أبو بكر، نقل عن أحمد مسائل، روى عنه أبو بكر الخلال وجماعة. (ت هـ 28 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. انظر: طبقات الحنابلة (1/ 286).

أخبرني محمد بن بشر قال: حدثني سلمة بن شبيب (¬1) قال: حدثني حماد الحفار قال: دخلت المقابر يوم الجمعة فما انتهيت إلى قبر إلا سمعت فيه قراءة القرآن. المروذي: قيل لأبي عبد الله: هل للورع حادٌّ؟ قال: ما أعرفه (¬2). إنما لم يحدَّه؛ لأن الورع هو: ترك الشبهة أو المباحات، وذلك أكثر من أن يحصى، فلهذا لم يحدَّه. وقد رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا لما به البأس" (¬3). أبو الصقر (¬4): قال أحمد: إذا كانت الفتنة فلا بأس أن يعتزل الرجل حيث شاء، فأما ما لم تكن فتنة فالأمصار خير. لأن ما يحصل من الفتنة من الحصر بالنفس والمال والدين؛ أكثر مما يفوته من فضيلة المقام بالأمصار من إدراك الجماعات، وتعليم القرآن والسنن؛ لأن هذه الأشياء لا تجب. إسحاق بن إبراهيم (¬5): قال أحمد: ينبغي للمؤمن أن يكون رجاؤه وخوفه واحدًا (¬6) ............................................................ ¬

_ (¬1) النيسابوري، قال الخلال: كان رفيع القدر حديث عنه شيوخ أجلة. روى عن: أحمد وغيره، وعنه: مسلم في الصحيح. طبقات الحنابلة (1/ 168) (¬2) رواه المروذي في كتاب الورع (ص 4). (¬3) تقدم تخريجه (ص 74). (¬4) ذكره أبو يعلى في طبقات الحنابلة (1/ 409). (¬5) ابن هانئ النيسابوري، أبو يعقوب، قال ابن أبي يعلى: خدم الإمام أحمد ونقل عنه مسائل كثيرة (ت 275 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. انظر: طبقات الحنابلة (1/ 108). (¬6) ذكره: ابن مفلح في الآداب الشرعية (2/ 30).

وهو قولُ الحسنِ (¬1) ذكره الخلالُ عنه، ومطرفٍ (¬2) ذكره أبو طالب المكي. إنما قال ذلك؛ لأنه إن زاد خوفه لم يؤمَن عليه القنوط من رحمة الله، وإن زاد رجاؤه لم يؤمَن عليه الإغراء بالمعاصي. وقد قال لقمان لابنه: "إن المؤمن له قلب كقلبين؛ يخاف بأحدهما، ويرجو بالآخر" (¬3). قال بعضهم: مثل الخوف من الرجاء مثل اليوم من الليلة، لما لم ينفك أحدهما عن الآخر؛ جاز أن يُعبَّر عن المدة بأحدهما فيقال: ثلاثةُ أيامٍ، وثلاثُ ليالٍ. وهما وصفان للإيمان؟ كالطير بجناحين. المروذي: سئل أبو عبد الله عن تفسير: "اعبد الله كأنك تراه". فقال: بقلبك (¬4). إنما حمله على رؤية القلب؛ لأن رؤية العين تختص بالآخرة دون الدنيا، وبالقلب يجوز في الدنيا ويقع عليه اسم الرؤية، بدليل قول ابن عباس: رأى محمد ربه بقلبه (¬5). ورُوي: رأى رسول الله ربه بفؤاده مرتين (¬6). الحسن بن علي بن الحسن (¬7): سألت أبا عبد الله عن الهمِّ؟ فقال: الهم همان؛ ¬

_ (¬1) البصري، تقدمت ترجمته (ص 48). (¬2) ابن الشخير، تقدمت ترجمته (ص 54). (¬3) رواه: ابن أبي الدنيا في كتاب حسن الظن بالله (رقم 133). (¬4) روي الحديث عن جماعة من الصحابة مرفوعًا؛ منها: ما أخرجه أحمد (رقم 6156) من حديث عبد الله بن عمرو، والطبراني في الكبير (رقم 374) والبيهقي في الشعب (رقم 10544) من حديث معاذ. (¬5) أخرجه: البخاري (رقم 284). (¬6) أخرجه: البخاري (رقم 285) من قول ابن عباس أيضًا. (¬7) أبو علي الإسكافي، قال ابن أبي يعلى: نقل عن أحمد مسائل حسان أغرب فيها على أصحابه. انظر: طبقات الحنابلة (1/ 136).

همُّ خطرات، وهمُّ إصرار (¬1). الهم على ضربين: أحدهما: الهم بالدنيا. والآخر: الهم بالآخرة. فأما الهم بالآخرة: فهو: الممدوح المرغوب فيه. وأما الهم بالدنيا: فهو على ضربين: هم خطرات؛ وهو أن يخطر بباله ولا يساكنه، فهو غير مؤاخذ به. لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عفي لأمتي عما حدثت به أنفسها" (¬2). والضرب الآخر: هم الإصرار: وهو أن يقيم عليه؛ فهو مذموم، وهو أن يديم الإهتمام بالدنيا، والإكتساب منها. وقد روى أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أعظم الناس همُّا المؤمن الدي يهم بأمر دنياه وآخرته" (¬3). وروى أنس: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت الآخرة همه؛ جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه عن الإمام أحمد: ابن أبي يعلى في الطبقات (1/ 137). (¬2) متفق عليه من حديث أبي هريرة، فأخرجه البخاري (رقم 4968) ومسلم (رقم 201) بلفظ: "إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم". (¬3) أخرجه: ابن ماجه (رقم 2143) وابن أبي الدنيا في كتاب الهم والحزن (رقم 109) وأبو نعيم في الحلية (3/ 52) وضعفه الألباني كما في ضعيف الجامع (رقم 961). (¬4) أخرجه: الترمذي (رقم 2465) وابن أبي الدنيا في ذم الدنيا (ص 353) وأورده الهيثمي =

أبو القاسم عبد السلام بن محمد المخرمي (¬1) قال أحمد بن محمد بن شيخ (¬2): حدثني أبو يوسف يعقوب بن إسحاق (¬3) قال: سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن التوكل. فقال: هو قطع الإستشراف بالإياس من الخلق. فقلت: ما الحجة؟ فقال: الخليل إبراهيم - عليه السلام - لما وضع في المنجنيق، ثم طرح إلى النار فاعترض جبريل. فقال: إبراهيم، لك حاجة؟ , فقال: أما إليك فلا. قال: فقال له: سَلْ من لك إليه حاجة؟ فقال: أحبُّ الأمرين إليه أحبُّهما إليَّ (¬4). فهذا آخر التعليقات. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وملائكتُه على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وسلم تسليمًا. ورحم الله مصنفه، وكاتبه، ومن دعا لهما (¬5). ¬

_ = في مجمع الزوائد (2/ 982) وعزاه إلى مسند الحارث، وصححه الألباني كما في صحيح الترغيب (رقم 3169). (¬1) ابن أبي موسى، البغدادي الصوفي، رحل كثيرًا ولقي الشيوخ، قال ابن الجوزي: كان ثقة حسن الأخلاق متزهدًا. (ت 364 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-. انظر: المنتظم لإبن الجوزي (7/ 79). (¬2) ابن عميرة الأسدي، ذكره ابن أبي يعلى في الطبقات (1/ 157). (¬3) ابن بختان، روى عن أحمد مسائل في الورع والسلطان، لم يروها غيره، وروى عنه: ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وجماعة، وكان أحد الصالحين الثقات. انظر: طبقات الحنابلة (1/ 415). (¬4) أورده ابن أبي يعلى في الطبقات (1/ 416) في ترجمة ابن بختان. وما ذكره من قصة إبراهيم أخرج نحوها البيهقي في الشعب (2/ 28) عن بشر الحافي. (¬5) اللهم ارحمهما، وجازهما بالإحسان إحسانًا، وبالسيئات صفحًا وغفرانًا، واقبل منهما يا رب العالمين. ومنَّ على محقق الكتاب بالمغفرة، ولوالديه والمسلمين. آمين. والحمد لله رب العالمين.

ثبت المصادر والمراجع

ثبت المصادر والمراجع 1 - الأباله عن شريعة الفرقة الناجية، عبيد الله بن محمد بن بطه العكبري، د. دار الراية، الرياض 1415. 2 - الآداب الشرعية، محمد بن مفلح المقدسي، ن: مؤسسة قرطبة، القاهرة، 1987. 3 - الأدب المفرد، محمد بن إسماعيل البخاري، ن: دار البشائر الإسلامية، بيروت، 1409، ط 3. 4 - إرواء الغليل في تخريج منار السبيل، محمد ناصر الدين الألباني، ن: المكتب الإسلامي، بيروت، 1407، ط 1. 5 - الإستيعاب في معرفة الأصحاب، يوسف ابن عبد البر، ن: دار الجيل - بيروت - 1412، ط 1. 6 - الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، ن: دار الجيل، بيروت، 1412، ط 1. 7 - الأعلام، خير الدين الزركلي، ن: دار العلم للملايين، بيروت 1410. 8 - إغاثة اللهفان، محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، ن: دار المعرفة، بيروت، 1395. 9 - الإيمان لإبن أبي شيبة، ت: ناصر الدين الألباني، ن: دار الأرقم، الكويت، 1405. 10 - البداية والنهاية، إسماعيل بن عمر بن كثير، مكتبة المعارف، بيروت. 11 - بلوغ المرام، أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، ن: دار الكتب العلمية، بيروت. 12 - تاريخ الإسلام، أحمد بن محمد الذهبي، ن: دار الكتاب العربي، بيروت، 1407. 13 - تاربخ بغداد، أحمد بن علي، أبو بكر الخطيب البغدادي، ن: دار الكتب العلمية، بيروت.

14 - تاريخ دمشق، ابن عساكر الدمشقي، ن: مؤسسة الرسالة، بيروت، 1424، ط 1. 15 - تحريم النظر في كتب أهل الكلام، موفق الدين ابن قدامة المقدسي، بيروت، 1962. 16 - تدكرة الحفاظ (أطراف، محمد بن طاهر بن القيسراني) ن: دار الصميعي، الرياض، 1415، ط 1. 17 - تذكرة الحفاظ، أحمد بن محمد الذهبي، ن: دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1. 18 - ترتيب الموضوعات، محمد بن أحمد الذهبي، ن: دار الكتب العلمية، بيروت، 1415 ط 1. 19 - التعريفات، علي بن محمد الجرجاني، ن: دار الكتاب العربي، بيروت، 1405. 20 - تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، ن: دار الفكر، بيروت، 1401. 21 - تقريب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، ن: دار الرشيد، دمشق، 1406، ط 1. 22 - تلبيس إبليس، عبد الرحمن ابن الجوزي، ن: دار الكتاب العربي، بيروت، 1405، ط 1. 23 - التهجد وقيام الليل، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، ن: مكتبة الرشد، الرياض، 1998. 24 - تهديب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ن: دار الفكر، بيروت، 1404، ط 1. 25 - تهديب الكمال، يوسف بن الزكي المزي، ت: د. بشار عواد، ن: مؤسسة الرسالة، بيروت، 1400، ط 1. 26 - التوكل على الله، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، ن: دار الأرقم، الكويت، 1404. 27 - التوكل وعلاقته بالأسباب، د. عبد الله الدميجي، ن: دار الوطن، الرياض، 1417. 28 - جامع البيان عن تأويل أي القرآن - محمد بن جرير الطبري، ن: دار الفكر، بيروت، 1405. 29 - الجامع الصحيح، محمد بن عيسى الترمذي، ن: دار إحياء التراث، بيروت. 30 - جامع العلوم والحكم، عبد الرحمن بن شهاب ابن رجب، ن: مؤسسة الرسالة، بيروت، 1413، ط 3. 31 - الجامع لأخلاق الراوي، أحمد بن علي الخطيب البغدادي، ن: مكتبة المعارف - الرياض - 1403.

32 - الجوع، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، ن: دار طيبة، الرياض، 1408. 33 - الحث على التجارة، محمد بن أحمد الخلال، ن: دار السلام، القاهرة، 1423. 34 - حسن الظن بالله، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، ن: دار طيبة، الرياض، 1408. 35 - الدر المنثور، عبد الرحمن بن الكمال السيوطي، ن: دار الفكر - بيروت - 1993. 36 - ذم الدنيا، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، ن: دار السلام، القاهرة، 1412. 37 - الزهد، أحمد بن حنبل، ن: دار الكثب العلمية، بيروت، 1398. 38 - الزهد، أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني، ن: دار الريان، القاهرة، 1408، ط 2. 39 - الزهد، عبد الله بن المبارك المروزي، ت: حبيب الرحمن الأعظمي، ن: دار الكتب العلمية، بيروت. 40 - الزهد، هناد بن السري، ت: عبد الرحمن الفريوائي، ن: دار الخلفاء، الكويت، 1406، ط 1. 41 - سلسلة الأحاديث الصحيحة، ناصر الدين الألباني، ن: المكتب الإسلامي، بيروت، 1403، ط 3. 42 - سلسلة الأحاديث الضعيفة، ناصر الدين الألباني، ن: مكتبة المعارف، الرياض، 1408، ط 2. 43 - السنن، سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني، ن: دار الفكر. 44 - السنن، عبد الرحمن بن شعيب النسائي، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، 1406، ط 2. 45 - السنن، محمد بن يزيد الفزويني، ن: دار الفكر، بيروت، وطبعة: دار الأفكار الدولية، الرياض، 1419 هـ. 46 - سير أعلام النبلاء، محمد بن أحمد الذهبي، ن: مؤسسة الرسالة، بيروت، 1413 هـ ط 9. 47 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، عبد الحي بن أحمد العكري، ن: دار الكتب العلمية، بيروت.

48 - شرح أصول اعتقاد أهل السنة، هبة الله بن الحسن اللالكائي، ن: دار طيبة، الرياض، 1402. 49 - شعب الإيمان، أحمد بن الحسين البيهقي، ت: محمد زغلول، ن: دار الكتب العلمية، بيروت، 1410، ط 1. 50 - صحيح ابن حبان، محمد بن حبان البستي، ن: مؤسسة الرسالة، بيروت، 1414 هـ ط 2. 51 - المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، ن: دار الكتب العلمية، بيروت، 1411، ط 1. 52 - صحيح ابن خزيمة، محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري، ن: المكتب الإسلامي، بيروت، 1390. 53 - صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، ن: بيت الأفكار الدولية، الرياض، 1419. 54 - صحيح الجامع الصغير، محمد ناصر الدين الألباني، ن: المكتب الإسلامي، بيروت 1410، ط 1. 55 - صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، ن: بيت الأفكار الدولية، الرياض، 1419. 56 - صفة الصفوة، عبد الرحمن ابن الجوزي، ت: د. محمد رواس، ن: دار المعرفة، بيروت، 1399، ط 2. 57 - الصمت، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، ت: نجم عبد الرحمن، ن: دار الغرب، بيروت، 1406، ط 1. 58 - ضعيف الترغيب والترهيب، للألباني، ن: مكتبة المعارف، الرياض 1410. 59 - ضعيف الجامع الصغبر، للألباني، ن: المكتب الإسلامي، بيروت، 1415، ط 1. 60 - طبقات الحنابلة، محمد بن أبي يعلى الفراء، ت: محمد حامد الفقي، ن: دار المعرفة، بيروت. 61 - الطبقات الكبرى، محمد بن سعد البصري، ن: دار صادر، بيروت. 62 - العبر في خبر من غبر، محمد بن أحمد الذهبي، ن: مطبعة حكومة الكويت، الكويت، 1948، ط 2.

63 - العقوبات، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، ن: مكتبة الرشد، الرياض، 1424. 64 - فتح الباري، عبد الرحمن بن أحمد ابن رجب الحنبلي، ن: دار طيبة، الرياض. 65 - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، محمد بن علي الشوكاني، دار الفكر، بيروت. 66 - الفرج بعد الشدة، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، ن: دار السلام، القاهرة، 1412. 67 - الفوائد المجموعة، محمد بن علي الشوكاني، ت: عبد الرحمن المعلمي، ن: المكتب الإسلامي، بيروت، 1407. 68 - قوت القلوب، أبو طالب المكي، ت: د. محمود الرضواني، ن: مكتبة دار التراث، بمصر، 1422. 69 - الكامل في ضعفاء الرجال، عبد الله بن عدي، ن: دار الفكر، بيروت، 1409، ط 3. 70 - كشف الخفاء، إسماعيل بن محمد العجلوني، ن: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1405، ط 4. 71 - لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي، ن: دار صادر، بيروت، ط 1. 72 - لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني، ن: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1406، ط 3. 73 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، علي بن أبي بكر الهيثمي، ن: دار الكتاب العربي، القاهرة، بيروت، 1407. 74 - مسند الشهاب، محمد بن سلامة القضاعي، ن: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1407، ط 2. 75 - المسند، أحمد بن حنبل، مؤسسة قرطبة - مصر، وطبعة: دار الأفكار الدولية، الرياض، 1419 هـ. 76 - المسند، سليمان بن داود الطيالسي، دار المعرفة، بيروت. 77 - مشاهير علماء الأمصار، محمد بن حبان البستي، ن: دار الكتب العلمية، بيروت، 1959 م. 78 - المصنف في الأحاديث والآثار، عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، ن: مكتبة الرشد، الرياض، 1409، ط 1.

79 - المعجم الأوسط، سليمان بن أحمد الطبراني، ن: دار الحرمين، القاهرة، 1415. 80 - المعجم الكبير - سليمان بن أحمد الطبراني، ن: مكتبة العلوم والحكم، 1404، ط 2. 81 - معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، ت: عبد السلام هارون، ن: مكتبة الخانجي، مصر، 1402 هـ. 82 - المقاصد الحسنة، محمد السخاوي، ت: محمد الخشت، ن: دار الكتاب العربي، بيروت، 1405، ط 1. 83 - المنتخب من مسند عبد بن حميد، ت: صبحي السامرائي، ن: مكتبة السنة، القاهرة، 1408، ط 1. 84 - المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، عبد الرحمن ابن الجوزي، ن: دار الكتب العلمية، بيروت، 1412، ط 1. 85 - النهاية في غريب الحديث، المبارك بن محمد بن الأثير، ن: دار الفكر، بيروت،1399، ط 2. 86 - هداية الرواة، أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، بيروت. 87 - الهم والحزن، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، ن: دار السلام، القاهرة، 1412. 88 - الورع، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، ن: الدار السلفية، الكويت، 1408. 89 - الورع، محمد بن الحجاج المروذي، ت: سمير الزهيري، ن: مكتبة المعارف، الرياض 1421. 90 - وفيات الأعيان، أحمد بن محمد بن خلكان، ت: إحسان عباس، ن: دار الثقافة، بيروت، 1968.

§1/1