التوصل إلى حقيقة التوسل

محمد نسيب الرفاعي

مقدمات

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الثالثة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول اله ومن والاه إلى ما شاء الله فهذه بحمد الله ... هي الطبعة الثالثة، من كتابي: / التوسل إلى حقيقة التوسل / أزجي به مرة ثالثة إلى المكتبة الإسلامية وثكنة الفكر الإسلامي الحي ومعسكر الكلمة المسلمة المجاهد لتدفع به جندياً جديداً .. في جملة أفواج الكتب الإسلامية المناضلة المتلاحقة إلى حلبة الصراع مع الباطل إن الباطل كان زهوقاً. ولئن كان الجندي البشري المسلم ... قد يسقط شهيداً كريماً في ميادين شرف الدفاع عن الإسلام ... فإن الجندي الكتاب المسلم ... سيظل مجاهداً دائماً في ميدان الصراع وسيبقى سيفاً ماضياً من سيوف الإسلام ويظل صامداً في خلوده لأنه أقوى من الموت بل وسيموت قبل أن ينال الكتاب المسلم من الموت مقصداً بل وسينتقل الكتاب هذا الكائن الحي المسلم المناضل من حياة الجهاد في الدنيا ... إلى نقطة الثقل في ميزان صاحبه في الآخرة ... يسجل في الميزان العدل أرقاماً تعجز الجبال الشم عن تسجيل مثل وزنها وستظل كلمات وحروف الكتاب المسلم تتلألأ بالنور الصادع الساطع في الميزان حتى يشفع ويقول: يا رب لا أدخل الجنة حتى يدخل صاحبي قبلي إليها ... أجل لن يطول الموت الكتاب المسلم المجاهد ... لأنه يحمل فكرة الرسالة الخالدة التي لا تموت .. فهو حي بها ما دامت وهي محفوظ بحفظ الله لكتابه الجليل لأنها دفقة من دفقات نوره التي لا تخبو / إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون / ولئن كنت أقدم كتبي مع من يقدمون كتبهم جنوداً إلى المكتبة الإسلامية في الدنيا لتزجي بها سيوفاً في حلبة صراع الحق مع الباطل حتى تزهقه ... فأملنا جميعاً نحن حملة الحرف المسلم ... أن تكون هذه الحروف شفيعة لنا ... لا تدخل الجنة حتى تسوقنا إليها ونسمع النداء من العلاء .. يملأ القلوب والأفئدة: طبتم فادخلوها خالدين. المؤلف

مقدمة الطبعة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الثانية الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه. أما بعد: فأحمد الله تعالى على قدره من رواج الطبعة الأولى من هذا الكتاب: / التوصل إلى حقيقة التوسل / داعياً إليه وهو أكرم مسؤول أن يقدر النفع به وأن يكون ذا أثر جليل في العقول والأفكار ... وبخاصة في الذين كانوا يجيزون التوسل إلى الله تعالى بذوات المخلوقين. هذا التوسل الممنوع الذي من أجل منعه وتحريمه أرسل الله وبعث المرسلين ليبلغوا الناس أن تعالى: لا يقبل توسلاً إليه ولا قربى إلا بما شرع جل وعلا لا بما يسول الشيطان لهم ويبتدعه من التوسل الممنوع الذي لا يزداد فاعله من الله إلا بعداً. ولعل هؤلاء ... يجدون في هذا الكتاب من الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة المستندة إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ما يقنعهم بضرورة العودة إلى ما يرضيه تعالى من التوسل والقربى ... لأنه أو ضح حجة وأقوم محجة وهذه هي: / الطبعة الثانية / من هذا الكتاب أضعها بين أيدي حضرات القراء الأعزاء من إخواني المسلمين مصححة ومزيدة ومنقحة بعد أن نفدت نسخ الطبعة الأولى نفاذاً تاماً ... واشتد الطلب عليها فأعدنا طبعها لتظل المنفعة بها جارية والفائدة عميمة والأثر بالغاً وعميقاً ولعل الله يهدي بها القلوب ويسلكها صراطاً مستقيماً ويجعلنا ممن عناهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله: [لأن يدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم] وقوله - صلى الله عليه وسلم -[ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء] وبقوله: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له.] وصلى الله على وعلى آله وصحبه أجمعين وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين. المؤلف

كلمة فضيلة الشيخ إسماعيل الأنصاري

بسم الله الرحمن الرحيم كلمة فضيلة الشيخ إسماعيل الأنصاري البحاثة في علم الحديث بالرئاسة العامة لادارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالرياض الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإن مما وقع فيه الاشتباه والإجمال من الألفاظ لفظ ((التوسل)) فإن هذا اللفظ يطلق شرعاً على التقرب إلى الله تعالى بما شرعه من الإيمان به وتوحيده وتصديق رسله وعلى بما عمله المتوسل من الأعمال الصالحة التي يحبها الله ويرضاها وعلى التوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العالي وعلى التوسل إلى الله بدعاء المتوسل به للمتوسل وشفاعته. هذا ما يعنيه لفظ التوسل شرعاً. وفي عرف من خفي عليهم ذلك من المتأخرين وهم الأكثرون! صار لفظ التوسل على غير ذلك كقول الداعي في دعائه: ((اللهم إني أسألك أو

أتوسل إليك أو أتوجه إليك بفلان أو أسألك بجاه فلان أو بحرمته أو بحقه دون أن يكون لذلك الشخص المتوسل بدعائه له ولا بغير ذلك ... كما يطلق التوسل عند أولئك المتأخرين على الإقسام على الله بالرجل الصالح أو بمن يعتقد فيه الصلاح. لهذا اعتنى بموضوع التوسل من عرفوا مدى خطورة الوضع فأوضحوا الحقيقة وفرقوا بين ما دل الكتاب والسنة عليه من التوسل وما تكلم به الصحابة وفعلوه وبين ما أحدثه المحدثون في هذا اللفظ ومعناه. غير أن الموضوع كان متفرقاً في المراجع لم يفرده أحد بكتاب فيما أعلم ... قبل شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الذي صنف فيه كتابه المشهور ((القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة)) وبين فيه بكل دقة معنى التوسل المعهود عند الصحابة. وبحث في تلك الألفاظ التي أحدثها أولئك المتأخرون في أدعيتهم وادعوا أنها من قبيل التوسل المشروع وأجاب عم تعلقوا به واعتبروه أدلة لهم. ثم بعد شيخ الإسلام ابن تيمية لم أطلع على من اعتنى بجميع كل ما يتعلق بالموضوع في كتاب خاص كما اعتنى به في عصرنا هذا رئيس جمعية الدعوة السلفية إلى الصراط المستقيم بحلب الشيخ محمد نسيب الرفاعي فقد أفرده بكتاب سماه (التوصل إلى حقيقة التوسل) بسط فيه أدلة أنواع التوسل المشروع وبين وجه الاستدلال بكل دليل منها ثم تطرق للألفاظ المتقدمة التي اشتهر عند المتأخرين إطلاق لفظ ((التوسل)) عليها دون أي صلة للمتوسل به بموضوع المتوسل وأدى لكل لفظ ما يتطلبه من البحث معتمداً على أقوال أئمة العلم كأبي حنيفة وغيره في تلك الألفاظ ثم تعرض لما استدل به أولئك المتأخرون من كتاب الله وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجاب عنه بأن الكتاب عنه بأن ما في الكتاب والأحاديث لا يدل على مقصودهم وأوضح ذلك غاية الإيضاح وناقش ما لم يصح من الأحاديث

التي تتعلق بها سنداً ومتناً وسلك الأقسام على الله ببعض الصالحين والسؤال بذواتهم: مسلك شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله في الأقسام على الله النبي - صلى الله عليه وسلم - والسؤال بذاته: ((هذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه لا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا بعد مماته لا عند قبره ولا غير قبره ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة أو موقوفة أو عمن ليس قوله بحجة)) وقوله رحمه الله في قول السائل: ((أسألك بجاه فلانت أو بحقه فإن هذا مما نقل عن بعض المتأخرين فعله ولم يكن فيه سنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بل السنة تدل على النهي عنه كما نقل ذلك عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما وصرح في موضع آخر بأن التوسل بذوات الصالحين ليس سبباً يقتضي إجابة الدعاء. هذا ونسأل الله تعالى أن يثيب الشيخ محمد نسيب الرفاعي على ما بذله من جهود في سبيل إيضاح الحق في الموضوع وأن يحفظه ويرعاه. الرياض 27/ 10/1395 إسماعيل الأنصاري

كلمة إدارة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم كلمة إدارة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أحمد الله وأثني عليه واستغفره وأتوب إليه لا إله إلا هو ولا رب لنا سواه والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد وعلى آله وصحبه. وبعد: فلقد قرأت كتاب (التوصل إلى حقيقة التوسل) للشيخ محمد نسيب الرفاعي جزاه الله خيراً فألفيته كتاباً بذوات المخلوقين وأوضح التحريم لها وأتى بما يقنع الخصم من أدلة المنع وأبطل أدلة الإثبات بأوفى بيان كما أتى بأدلة التوسل المشروع بأنواعه بما لم يسبق إليه فيما عرف ... فالكتاب يصلح مرجعاً كافياً في باب التوسل بالذوات والأموات والتعلق عليهم دون الله لاعتقاد صلاحهم وفضلهم وقدرتهم على نفع من تعلق عليهم وتسمية ذلك توسلاً وتشفعاً كما عليه المشركون والقبوريون قديماً وحديثاً. ويستحق الكتاب أن يطبع منه كميات ... وينشر في البلاد البعيدة التي تمكنت فيها رواسب الشرك الصريح وصعب علاجها وإنقاذها رجاء أن يحصل له ثمرة يانعة في إنقاذ فئام من الأمم ... مغمورين بالجهل والتقليد الأعمى للآباء والأجداد ... وصلى الله على محمد وآله وصحبه. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض

كلمة الدكتور إبراهيم جعفر سقا

بسم الله الرحمن الرحيم كلمة الدكتور إبراهيم جعفر سقا المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين الحمد لله كل شيء ومليكه وخالقه لا نعبد إلا إياه ولا نتوسل إليه إلا بما يحبه ويرضاه والصلاة والسلام على محمد وصحبه ومن والاه، وبعد: فهذا الكتاب - التوصل إلى حقيقة التوسل - للأخ المفضل والعالم السلفي العامل بعلمه والداعية الشهم الذي أوذي في الله فما وهن أو جبن .. وجمع له الناس فازداد إيماناً وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل أقول: هذا الكتاب كان استجابة للحاجة الماسة إلى رد المسلمين إلى إيمانهم الصحيح بهذا الدين الذي يحملون اسمه ويجهلون في الغالب كنهه وحقيقته. فلقد أحس المؤلف حفظه الله في حسرة بالغة وألم شديد أن علة العلل في العالم الإسلامي هجر كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والارتياح إلى البدع الضالة والعقائد الزائغة والأوضاع الفاسدة ... فقام رعاه الله بمطالبة الاعتماد على الكتاب والسنة حتى يعبد الله كما يجب ويرضى وحتى تغدو هذه الأمة المستسلمة لأهوائها المتخاذلة أمام أعداء دينها أمة فتية ملتهبة حماسة وغيرة وحنقاً على الشرك وأهله وعلى الجاهلية وعاداتها ونظمها وتقاليدها. - هذا الكتاب - باعتماده على القرآن والسنة يحدث صراعاً بين الإيمان والنفاق واليقين والشك والحق والباطل وبعدها يقوم في ناحية بعون الله ((فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى، وربطنا على قلوبهم إذا قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططاً)) ولعله مما يلفت النظر في هذا الكتاب أنه يثير في نفس قارئه المعاني الإيمانية بالأدلة الشرعية والحقائق الدينية والوقائع القرآنية والأمثلة المتضافرة بلا تمحل ولا اعتساف في مقدمة أو نتيجة ... إنه يبدأ برسم صورة سريعة للتوسل وأقسامه من حيث المشروع والممنوع وأنواع كل منها .. ثم يعرض الصورة الإيمانية

للتوسل المشروع بشكل يحس القارئ فيه بمدى الحاجة الملحة إلى الهدى الإلهي الذي انبثق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور. والخصيصة البارزة في هذا الكتاب دور أنه مع الحق حيثما دار وانتصاره للنواحي الشرعية وإهداره للجوانب الشخصية وهو لهذا لا يعد نموذجاً للبحث في التوسل فحسب .. بل نموذجاً كذلك في أبحاث الدين عامة. ولعل القارئ لم يكن ينتظر من رجل خدم الدعوة السلفية وأسسها في بلده أن يتحدث ويؤلف في التوسل وحده فلا ينسى الإلحاح على الجوانب الأخرى من العقيدة مع الاعتصام بحبل الله والثقة به مهما حزب الأمر وادلهم الخطب. وأخيراً: فإن السمة الظاهرة في هذا الكتاب كله هي معرفة كيف يكون الأمر لو أدرك المسلمون العقيدة الصحيحة بحيث خالط الإيمان بالله ورسوله شغاف قلوبهم واستعذبوا التضحية في سبيل الله وجعلوا الحياة في كل جوانبها لا تقوم إلا عليه؟. على أن هذا الكتاب في غير حاجة حقاً لتقدمة مقدم، فقد تقبله القراء بقبول حسن وحفوه بحفاوة لم يظفر به كتاب ظهر من أمثاله في هذه الأيام .. وقد كان للإخلاص العميق وابتغاء وجه الله الأثر الكبير سر نجاح الكتاب وشهرته ولا أبالغ إن قلت: إن قراءة هذا الكتاب يكاد يكون واجباً على كل مسلم يريد أن يعرف التوسل الذي يحبه الله ويرضاه. وختاماً: أسأل الله تعالى أن يجعل لنصائح صاحب الفضيلة آذاناً صاغية وقلوباً واعية وأن يجزيه عن الإسلام وأمته خير الجزاء ويجعله من أولياء دينه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ((إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)) د. إبراهيم جعفر سقا المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين في الجامعة الإسلامية

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون (¬1)) (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجلاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً) (¬2) (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً) (¬3) أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار (¬4). ¬

(¬1) آل عمران: 102 (¬2) النساء: 1، 2 (¬3) الأحزاب: 70 (¬4) أي صاحب الضلالة في النار.

أخي القارئ المسلم الكريم: أضع بين يديك كتاباً .. جهدت فيه والتزمت أن لا أقول فيه إلا الحق المؤيد بالحجج القرآنية والبراهين السنية وسيرة ومنهج السلف الصالح ولا أراني محتاجاً لتعريف السلف الصالح ... فالكل يعلم أنهم: محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام والقرون الخيرة التي شهد لأهلها بالخير ومن سار على نهجهم وتقفى خطاهم الهادية إلى يوم القيامة. وهذا الكتاب يبحث في موضوع جليل طالما تنازع فيه السلف والخلف واختلفوا فيه اختلافاً بيناً!!! ألا وهو موضوع التوسل وأعني بالتوسل التوسل إلى الله تعالى بما يحبه ويرضاه للفوز بمحبته ورضاه. على أن الطريق المؤدية إلى منتهى هذه الرغبات .. وغاية هذه الأمنيات .. قد شذ فيها الخلف عن السلف .. ! واتبعوا طرائق .. أقل ما يقال فيها: أنها على غير السبيل القويم والصراط المستقيم الموصل إلى الهدف الأسمى من الرضا والفوز فلا بدع أن تزور بهم تلك الطرائق ... عن النهج السوي فتضلهم عن الوصول إلى الغاية المنشودة. (وإن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) (¬2). بحثنا هذا ... بحث سلفي موضوعي بأسلوب علمي منهجي وعرض سهل جديد مفصل ومبوب يتسلسل بالقارئ تسلسلاً يعين على فهم الموضوع بشكل بسيط واضح وجذاب بمقارنة جلية بينة بين حجة السلف ورأي الخلف فيخرج القارئ من البحث مستطيعاً أن يعين بنفسه الطرف الذي اقتنع بحجته ويسير على الطريق الذي اختاره بعد تمحيص وتدقيق ومقارنة وتقرير ويسلك المحجة التي يدين الله بها أنها هي الحق الذي ما بعده إلا الضلال. ¬

(¬2) الأنعام: 153.

لا أدعي قط ... أنه بحث جديد أو موضوع حديث ... بل هو قديم وسحيق في آفاق القدم ... فهو موجود منذ أن اصطرع الهدى والضلال على الأرض واختلف أهل كل فيها وقد يكون هبوط الرسالات ... وابتعاث النبوات ... سبباً موجباً ليوضح فيه طرق الحق من طرق الضلال ويسلك البشرية صراطاً مستقيماً فمن أخذ به من مشكاة النبوات ومصابيح الرسالات ... فقد تجنب الغي والضلال واتبع النور الذي لا يجتمع والظلام في قلب واحد. ومن سلك فيه السبل ... افترقت به عن سبيل الله التي لا يزيغ عنها إلا هالك. وهكذا فإن بحثنا اليوم ... يسير في صراط المرسلين والنبيين أسلوباً وهدفاً وغاية تحقق فيه على نهجهم ومسيرتهم ما دعوا إلى تحقيقه منذ آدم إلى محمد عليهم أفضل الصلوات وأتم التسليمات وأبرك التحيات. إذا ... هو بحث في صميم الدعوة إلى الإسلام ... إن سلكت يا أخي فيه الحق والهدى كان القنطرة التي عليها تمر إلى جنات النعيم ... وإن سلكت فيه السبل ... أي غير طريق النبيين والمرسلين ... كان القائد والدافع إلى الهاوية التي هوى فيها من قبل ... من تنكب عن الطريق القويم وأزور عن الصراط المستقيم واختار على علم!!! خاتمة حذر منها ومن مغبتها المرسلون. فاختر يا أخي المسلم ما ينجيك ... يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. منهجي في معالجة هذا الموضوع اخترت لك يا أخي منهجاً في معالجة هذا الموضوع الهام ... بل البالغ الأهمية حرصت فيه أن يكون منهجاً واضح المعالم ووضعت لك على كل منعطف الصوى الظاهرة البينة والدلالات القائمة التي يراها كل ذي بصر وبصيرة وأشرت لك بأوضح الإشارات وأبين العلامات على كل مفترق سبيل الخير والحق والهدى من سبل الشر والباطل والضلال وما المعالم والصوى والإشارات والدلالات والعلامات إلا: تنزيل رب العالمين وهدي خير الأنبياء

والمرسلين ومنهج خير صحب ومسلك خير قرون الأولين والآخرين. بحثت لك معنى التوسل لغة وشرعاً وقسمت التوسل إلى قسمين وهما: 1 - التوسل المشروع. 2 - التوسل الممنوع وعرفت لك كلاً منهما. وقسمت أيضاً التوسل المشروع إلى ثلاثة أقسام: 1 - توسل المؤمن إلى الله تعالى بذاته وأسمائه وصفاته. 2 - توسل المؤمن إلى الله تعالى بأعماله الصالحة. 3 - توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له. ثم عرفت كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة وأثبت بالأدلة عليه من الآيات البينات ... ففسرتها وذكرت الشاهد منها ... وأكثرت الأمثلة والأدلة لتكون أوقع في النفس وأدعى إلى الاطمئنان واليقين. وكذلك ذكرت في كل قسم الأدلة الواضحة من الأحاديث الصحيحة فشرحتها وذكرت كذلك الشاهد منها ومن إيرادها والموطن المقصود منها وكيف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرها معلماً ومبلغاً وهادياً وآمرا باتباع هديها وسلوك محجتها وذلك من أدعيته وتوسلاته إلى ربه أو من أدعية وتوسلات النبيين قبله أو من سيرة الأمم السالفة المؤمنة الذين سبقونا بالإيمان وكيف كانوا يتوسلون إلى ربهم ليكون سبيله هو، وسبيل النبيين قبله وسبيل الذين سبقونا بالإيمان قدوة لنا وأسوة ونبراساً وهدى. وإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يذكرها لأصحابه إلا ليعلموا بها ويقتدوا بهديها. ثم ذكرت لك يا أخي: التوسل الممنوع وعرفته لك وذكرت حكم الشارع الحكيم فيه وفي من أخذ به وقسمته كذلك إلى أقسام ثلاثة: 1 - التوسل إلى الله تعالى بذات وشخص المتوسل به من المخلوقين. 2 - التوسل إلى الله بجاه فلان أو حقه أو حرمته أو بركته!!! 3 - الإقسام على الله تعالى بالمتوسل به ورددت كل ذلك بالدلائل الواضحات والبراهين الساطعات والحجج الدامغات من الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح - رضي الله عنهم - وبأقوال الأئمة المجتهدين

والعلماء الأعلام العاملين. ثم ذكرت أقوال المجيزين للتوسل الممنوع وما يدلون به من الحجج من القرآن والسنة (بزعمهم ... ) وذكرت دعاواهم وشبههم التي تربو على الثلاثين فكشفت عنها ونقضها واحدة إثر واحدة متناً وسنداً .. إما أنهم لم يحسنوا الاستدلال بها بأن جاءوا بها في غير مناسبتها ... وإما كونها من الأحاديث الموضوعة المكذوبة والباطلة وما لا أساس لها من الصحة!!! وأحسن ما أوردوا من حججهم الأحاديث الشديدة الضعف ... !!! التي لا يجوز إيرادها إلا في معرض عللها ليكون الناس على بينة منها فكيف إذا أوردت من أجل الاحتجاج بها ... !!!؟ وإنني لم أكن متجنياً عليهم ولا رددت شبههم لمجرد الهوى ... أو لعصبية ... لا والله ... وإنني لأبرأ إلى الله تعالى من كل ذلك ... وإنني أقسم بالله لو أن حججهم التي أدلوا بها صحيحة كلها أو جلها ... حتى ولو واحدة منها ... إذا لا تبعتها وأنا منشرح الصدر ولكن يا ليت ... وهل تنفع ليت ... ؟ ما ذنبي أنا!! إذا هم أوردوا من الأدلة ما لم يصح منها ولا دليل واحد ... ؟ أهم يأتون بالموضوعات والمكذوبات وأنا الملوم والمسؤول لم رددتها .. !!!؟ أنا ما رددتها ... إنما الذي ردّها وشهد بوضعها وكذبها وبطلانها جهابذة أعلام علم الحديث وأكابر أهل الجرح والتعديل. إنني أرى نفسي ... إنني أستحق الشكر منهم قبل غيرهم لأنني أنرت لهم الطريق ليروا الحق من الباطل والهدي من الضلال والرشاد بعد الغي ويتبعوا ما أمرهم الله أن يتبعوه ... فسلكتهم السبيل خطوةً خطوة وكلي أمل أن يعودوا إلى ما نصح لهم من الحق والحقيقة عساهم أن يكونوا من أتباع الحق ... فلعلهم كانوا مفتونين بتلك الشبهات والأباطيل ... فكشفتها لهم على حقيقتها فإذا هي الأحابيل المزأبقة التي كان يخيل إليهم أنهت تسعى .. حتى إذا جاءت عصا الحقيقة .. فابتلعت كل ما يأفكون .. فرحنا لأنهم سيسجدون

لله مؤمنين بما جاءت به الرسل .. كما آمن السحرة من قبل ... وسجدوا لله رب العالمين ونرجو الله أن يفعلوا لوجدوا الله تواباً رحيماً بل ولبدل سيئاتهم حسنات. والذي يحز في النفس أنك يا أخي تسمع منهم أنهم يؤيدون التوسل المشروع ويقولون بمشروعيته كما نقول تماماً .. ولكن يا ليتهم عندما يدعون ويتوسلون إليه تعالى أن يتوسلوا إليه بالتوسلات المشروعة ولو مرة واحدة .. !! إنني تعمدت الإصغاء إليهم وهم يجأرون بالدعاء إلى الله لعلي أسمعهم ولو مرة واحدة يقولون: اللهم إننا نتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى وبكل عمل صالح مقبول منا عندك أن تقضي حوائجنا ... فلا والله ما سمعت منهم هذا أو ما يشبه ... بل كلهم يتوسلون بأحرج الأوقات: بحق الأنبياء وجاه الأولياء وبركة الصالحين وينادونهم: بأن يدعوا الله لهم الكشف عنهم الهم والغم والحزن وهم يعلمون أن الذين ينادونهم: أموات غير أحياء وما يدرون أيان يبعثون. ليت شعري ... كيف يؤمنون معنا في صيغ التوسل المشروع ... ويوافقوننا في ذلك ويقولون لا نختلف معكم في هذا ... ثم لا يستعملونه أبداً ... مما يدل على أنهم غير صادقين في قولهم الذي قالوه: بأنهم يؤيدون التوسل المشروع!! ولو كانوا صادقين لتقربوا إلى الله ولم يرضوا عنه بديلاً ولأثبتوا من فعلهم دليلاً على صدقهم بما يقولون. ولعل هذا الموقف منهم ... كان من جملة الأسباب التي دعتني إلى تأليف هذا الكتاب ... راجيا أن أبلغ وإياهم به ما يقربنا إلى مرضاته تعالى فتنكشف الأعصبة وتنتهك الستر التي كانت تغشى الأبصار والبصائر فيظهر الحق جلياً واضحاً ونهتف جميعاً بلسان واحد: (قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً) ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ما شاء الله وسلم تسليماً كثيراً وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين. محمد نسيب الرفاعي خادم الدعوة

معنى التوسل لغة وشرعا

بسم الله الرحمن الرحيم معنى التوسل لغة وشرعاً التوسل لغة: قال الجوهري في صحاحه: ((الوسيلة: ما يتقرب به إلى الغير. والجمع: الوسيل والوسائل والتوسل واحد وسل فلان إلى ربه وسيلة وتوسل إليه بوسيلة أي تقرب إليه بعمل)). وفي القاموس: ((الوسيلة والواسلة: المنزلة عند الملك، والدرجة والقربة ووسل إلى الله توسيلاً: عمل عملاً تقرب به إلى الله كتوسل. والواسل: الواجب والراغب إلى الله تعالى)). وفي المصباح: ((وسلت إلى العمل. أسل من باب وعد رغبت وتقربت ومنه اشتقاق الوسيلة. وهي ما يتقرب به إلى الشيء. والجمع: الوسائل. والوسيل: قيل جمع وسيلة، وقيل لغة فيها، وتوسل إلى ربه بوسيلة: تقرب إليه بعمل)). وكل ما تقدم في معنى الوسيلة، قال سائر علماء اللغة وهذا ما اتفق عليه الجميع.

التوسل شرعا

التوسل شرعاً: هو التقرب إلى الله تعالى بطاعته وعبادته واتباع أنبيائه ورسله وبكل عمل يحبه الله ويرضاه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الوسيلة هي القربة وقال قتادة في تفسير القربة أي تقربوا إلى طاعة بطاعته والعمل بما يرضيه. وهكذا ... فإن كل ما أمر به الشرع من الواجبات والمستحبات فهو توسل شرعي ووسيلة شرعية. قال الله تعالى في سورة المائدة الآية / 35 /: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدا في سبيله لعلكم تفلحون) وقال جل وعلا في سورة الإسراء: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً / 56/ أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً) /57/ يتضح مما تقدم أن التوسل لغة وشرعاً ... لا يخرج عن معنى التقرب أو ما يؤول من القربى إلى الله تعالى بما يرضاه من الأعمال الصالحة. وإنك لترى يا أخي المسلم أن آية المائدة ... يحض الله فيها عباده على أن يبتغوا إليه الوسيلة أي التقرب إليه بالإيمان والتقوى والجهاد في سبيله ولهم الفلاح أي الجنة والجنة ولا شك أقصى غايات الفلاح والنجاح. وإنك لترى أيضاً في سورة الإسراء الآيتين 56 و 57 أن الله تعالى يلفت أنظار المؤمنين إلى أن عمل المشركين بالتزلف إلى الله بأشخاص المخلوقين لا يفيدهم شيئاً لأنهم لا يملكون كشف الضر عنهم ولا تحويله فدعاؤهم بالذوات أو التوسل بهم ... لا يقدم ولا يؤخر ولا يوصلهم إلى مبتغاهم لأنهم أخطأوا الطريق إلى الله. إن هاتين الآيتين في سورة الإسراء: نزلتا في نفر من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجن فأسلم الجنيون ... أما الإنس الذين كانوا يعبدونهم فلم يشعرو

ابإسلامهم ... فأخبرهم الله بوحيه المنزل على عبده ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه لا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجعون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً) فإن هؤلاء الذين يزعم المشركون أنهم يقربونهم إلى الله زلفى هم أنفسهم يخبر الله عنهم أنهم يتسابقون ويتنافسون فيما بينهم بالتقرب إلى الله تعالى بالطاعات والأعمال الصالحة ويرجون رحمته ويخشون عذابه أن ينالهم ويشفقون منه فكيف يا أيها المشركون تدعونهم لكشف الضر عنكم وتوسطونهم .. ؟ فما الذي تؤملون منهم وهم على أشد ما يكونون حاجة إلى الله تعالى. فالذي لا يملك شيئاً .. لا يعطي شيئاً. وما مثلكم في هذا العمل الذي تصنعون .. إلا كمثل مريض ذهب إلى الطبيب لكي يتطبب عنده فرأى طبيبه مريضاً يتطبب عند كبير الأطباء مثلا أو عند أي طبيب آخر .. أفلا يدفعه واقع طبيبه لأن يتطبب عند من وجد طبيبه عنده.؟! فلو أن في طبيبه نفعاً لنفع نفسه .. وما احتاج إلى طبيب سواه. إذا قال هؤلاء الذين تدعونهم يرجون رحمة الله ويخشون عذابه ويتسارعون في مرضاة الله تعالى ويتقربون إليه بأعمالهم الصالحة المرضية فلماذا لا تصنعون كما صنعوا لتبلغوا عند الله الذي بلغوا .. لأن التوسل بالعبد الصالح من غير متابعة له في الأعمال الصالحة لا يجوز أن يكون وسيلة. ثم فكروا قليلاً وانظروا .. هل هؤلاء الذين توسطونهم .. !! يوسطون أحداً إلى الله في توسلاتهم؟ أم جعلوا أعمالهم الصالحة وسيلة إليه تعالى .. ؟ لا شك أن الجواب: بل جعلوا أعمالهم الصالحة وسيلة وقربة يتقربون بها إلى الله تعالى. فما بالكم لا تقتدون بهم .. ؟ ولم لا تفعلون ما يفعلون. . ما دمتم بهم وبصلاحهم تثقون .. ؟ أمن جهة تثقون بهم وبصلاحهم ومنزلتهم عند الله .. ومن جهة أخرى تخالفون هديهم ومنهجهم .. ؟! هذا أمر يوحي بأنكم غير صادقين في محبتكم لهم ولستم واثقين من صلاحهم ولو كنتم صادقين بذلك لجعلتموهم قدوتكم

أقسام التوسل

الصالحة وأسوتكم الحسنة واتخذتم سبيلهم إلى الله سبيلاً لكم منهجهم منهجاً لكم. هذا ما قررته الآيات السابقة في هذا الموضوع ... ومن أحسن من الله قيلا؟ أقسام التوسل التوسل إطلاقاً يدخل معناه: كل توسل شرعياً كان أو بدعياً. فلأجل التفريق بينهما يجب أن نعلم أقسام التوسل حتى يكون لدينا ميزان نزن به الأشياء فنعرف غثها سمينها فإذا عرفنا ما هو التوسل الشرعي وما هو التوسل الغير شرعي وذلك بمعرفة الأدلة عندها نستطيع أن نأخذ لأنفسنا ما يحلو ونكون بعدها مسؤولين عما أخذنا .. إن الله كان خيراً فخير أو شراً فشر (فمن يعمل مثقال ذرة خير يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) (¬1) ينقسم التوسل من حيث هو إلى قسمين: 1 - : توسل مشروع. 2 - : توسل ممنوع. الكلام على التوسل المشروع تعريفه -: التوسل المشروع هو كل ندبنا الله تعالى إليه في كتابه وحثنا عليه ووضحه لنا رسوله الأمين - صلى الله عليه وسلم - أي ما كان موافقاً لما شرع الله من التقرب إليه بالطاعات والأعمال الصالحة التي يحبها الله ويرضاها ولا يحب ولا يرضى إلا الذي أمر به: 1 - : توسل المؤمن إلى الله تعالى: بذاته العلية، وبأسمائه الحسنى، وبصفاته العلى. 2 - : توسل المؤمن إلى الله تعالى بأعماله الصالحة. 3 - : توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له. ¬

(¬1) الزلزلة: 7، 8.

1 - التوسل إلى الله تعالى بذاته العلية .. وأسمائه الحسنى .. وصفاته العلى

1 - التوسل إلى الله تعالى بذاته العلية .. وأسمائه الحسنى .. وصفاته العلى

الأمثلة الدالة على التوسل إليه تعالى بذاته وأسمائه وصفاته من القرآن الكريم

التوسل إلى الله تعالى بذاته العلية .. وأسمائه الحسنى .. وصفاته العلى والأمثلة الدالة على ذلك تعريفه: هو أن تقدم بين يدي دعائك إلى ربك تعالى تمجيداً له وتعظيماً وحمداً وتقديساً في ذاته العلى. ثم تدعو بما بد لك ... ليكون هذا الحمد والتمجيد والتعظيم والتقديس للرب تعالى وسيلة إليه سبحانه لأن يتقبل دعاءك ويجيبك إلى ما دعوت وتنال مطلوبك. إن أعلى أنواع التوسل إلى الله تعالى وأقربها إجابة: التوسل إليه عز وجل بذاته العلية وأسمائه الحسنى وصفاته العلى. لأنه تمجيد وتقديس وثناء على الله تعالى وهو كما أثنى على نفسه والقرآن والسنة مكتظة صفحهما بالأمثلة على الحض على التوسلات إليه تعالى. ولأجل توضيح ذلك .. نضع صوراً عديدة من هذه الأمثلة ... ولتكون أيضاً بمثابة الأدلة على صحة التوسل الذي ندعو إليه المسلمين دون سواه ونعتبره منهجاً صحيحاً ومسلكاً مثالياً للتوسل الشرعي أمر الله تعالى به ووضحه وبينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ((الأمثلة الدالة على التوسل إليه تعالى بذاته وأسمائه وصفاته من القرآن الكريم)) إن الله تعالى دلنا دلالات واضحة وصريحة في كتابه العزيز على التوسل إليه والآيات في توضيح ذلك كثيرة ... إنما نقتطف لك يا أخي المسلم بعضاً منها على سبيل المثال وهي في نفس الوقت دليل قاطع من كتابه تعالى على توضيح مراده من كيفية التوسل إليه سبحانه ليكون سبباً يحبه الله ويرضاه لاستجابة الدعاء.

الدليل الأول: ((ولله الأسماء الحسنى))، ((الأعراف))

الدليل الأول قال الله تعالى: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون (180) الأعراف 180 هذا أمر من الله تعالى لعباده يحضهم فيه على أن يدعوه تعالى بأسمائه الحسنى ليكون دعاؤهم إليه إلى الاستجابة أقرب. أما الذين يلحدون في أسمائه أي يشركون بها فذروهم إليه فهو سيعاقبهم على ما كانوا يشركون بأسمائه. وأصل الإلحاد في اللغة: العدول عن القصد، والميل والجور والانحراف. هذا ما يدعو الله عباده المؤمنين إليه من التوسل إليه بأسمائه الحسنى. قال أبو يوسف عن أبي حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به. والدعاء المأذون فيه: المأمور به: ما استفيد من قوله تعالى: (ولله الأسماع الحسنى فادعوه بها) وقال رحمه الله: وكذا لا يصلي أحدٌ على أحدٍ إلا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وكره قوله بحق رسلك وأنبيائك وأوليائك أو بحق البيت لأنه لا حق للخلق على الخالق تعالى وذكر العلائي في التنوير عن (التتار خانية) أن أبا حنيفة قال: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به وفي جميع متون الحنفية: إن قول الداعي المتوسل بحق الأنبياء والأولياء وبحق البيت الحرام مكروه كراهة تحريم وهي كالحرام في العقوبة بالنار عند محمد اهـ ملخصاً. وهكذا فإن المنكر لذلك النقل جاهل بمذهب أبي حنيفة رحمه الله.

وقوله تعالى (وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) فيه تهديد ووعيد من الله تعالى، لمن ينحرفون عن دعاء الله بأسمائه الحسنى ويدعون غيره. ويأمر تعالى بمقاطعة الذين يلحدون بأسمائه عند التأكيد من عنادهم الباطل وعدم انقيادهم للحق فإن الله أعد لهم ما يستحقون من العذاب والنكال والعياذ بالله تعالى: إن ما تقدم من قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ... ) أمر منه سبحانه بأن نتوسل إليه بأسمائه الحسنى في جملة التوسلات المشروعة كما يكون دعاؤنا إليه أقرب للإجابة ولا شك في أن ما يصح في الأسماء يصح كذلك في الصفات لأن الأسماء مشتقة من الصفات غالباً ... ولا يعقل أن تكون أسماء وصفات لغير ذلت. إذا .. فيكون المتكلم القائل: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ... ) هو ذات الله تبارك وتعالى وتقدس. وعلى هذا تكون هذه الآية من حيث الحض على التوسل بأسماء الله الحسنى شاملة أيضاً الحض على التوسل بالصفات العلى والذات العلية لأن هذا النوع من التوسل من أعلى أنواع التوسل المشروع وأقرب أسباب الإجابة لدعاء الداعي فجلت وعزت ذاته عن ذوات المخلوقين وتعالت أسماؤه وتنزهت عن أسماء المخلوقين وتقدست صفاته وتسامت عن صفات المخلوقين. (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). هذا الرب العظيم وهذا الإله المتعال هو الذي يدعو عباده إلى التوسل إليه وإلى التقرب إلى جنابه العزيز ويرشدنا في قرآنه الكريم إلى توسلات الأنبياء والرسل وكيف كانوا يتوسلون إليه لنتخذهم قدوتنا الصالحة وأسوتنا الحسنة وما هو جلت صفاته وتقدست أسماؤه يعطينا الأمثلة لتكون لنا حافزة على الاقتداء بأنبيائه ورسله والتأسي بهديهم. على هذا الصراط المستقيم.

الدليل الثاني: ((ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن)) ((إبراهيم))

الدليل الثاني قال الله تعالى مخبراً عن عبده ونبيه ورسوله إبراهيم عليه الصلاة السلام كيف توسل إليه تعالى عندما أراد أن يتضرع إليه بالدعاء: ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء * الحمد الله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق ويعقوب إن ربي لسميع الدعاء * رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء * ربنا اغفرلي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب * ... سورة ((إبراهيم 38 - 41)) هذا نموذج من نماذج عدة من توسلات أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام. أرأيت يا أخي كيف قدم بين يدي دعائه توسلاً إلى الله تعالى ... بعلمه سبحانه الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء من مكنونات صدور خلقه ولا معلناتها أنه سبحانه وتعالى المحمود في ذاته وأفعاله وصفاته وأنه الوهاب لكل نعمة. ومن ذلك أنه تعالى أنعم على عبده ورسوله إبراهيم رغم كبر سنه وعقم زوجته أن وهبه إسماعيل وإسحاق وإنه لسميع الدعاء خلقه أينما كانوا وبأية لغة دعوا وبأي قصد أو حاجة على اختلافها فإنه يسمع جميع الأدعية ويجيب كلاً على سؤله - متى شاء -. هكذا قدم إبراهيم بين يدي دعائه هذه التوسلات: بعلم الله، ووهبه، وحمده وسمعه هذه الصفات العلى التي جعلت عن صفات المخلوقين قدمها وسيلة ثم باشر بالدعاء لربه ... (رب اجعلني وقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعائي ربنا اغفر لي ولوالدي (¬1) وللمؤمنين يوم يقوم الحساب). ¬

(¬1) قلت: كان هذا الدعاء قبل أن يتبرأ من أبيه لما تبين له عداوته لله عز وجل.

الدليل الثالث: ((قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون ... )) ((الشعراء))

فما دام إبراهيم عليه الصلاة والسلام يتوسل إلى الله تعالى بما علمه سبحانه أليس هذا حافزاً من الله تعالى إلى الاقتداء به؟ إذا فلنشعر ولنسارع بالاقتداء والتأسي لنحظى من الله بالإجابة المبتغاة من الدعاء. الدليل الثالث وإليك يا أخي مثلاً آخر من توسلات إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه عسى أن يكون لك دليلاً ونبراساً من الله بالإجابة تستضيء به. قال أفرءيتم مما كنتم تعبدون * أنتم وءآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين * الذي خلقني فهو يهدين * والذي يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين * والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين * رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين * واجعل لي لسان صدق في الأخرين * واجعلني من ورثة جنة النعيم * الشعراء 75 - 85 وهذا يا أخي دليل من سورة الشعراء / 26 / فإن الله سبحانه وتعالى يخبرنا عن عبده ورسوله إبراهيم عليه الصلاة والسلام كيف كان يجادل قومه المشركين ويدلهم على من تجب له العبادة وحده وهو الله تعالى لا شريك له ولا مثيل ولا ند. وإن هذه الآلهة التي يعبدونها هم وآباؤهم الأقدمون من قبلهم ليست آلهة ولا تستحق شيئاً من العبادة. فما أحد يستحق أن يعبد إلا رب العالمين وحده لا شريك له. ثم شرع يصف لهم هذا الإله العظيم بصفات لا تشبه أي صفة من صفات

خلقه فقال: (الذي خلقني فهو يهدين والذي يطعمني ويسقيني وإذا مرضت فهو يشفيني والذي يميتني ثم يحييني والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين). إنه - صلى الله عليه وسلم - قد وصف لهم جانباً من صفات هذا الرب الجليل الذي خلق الخلق جميعاً والذي يهدي قلوب عباده إلى الحق وينعم عليهم. فما من نعمة في الأرض ولا في السماء إلا وهو مسديها إليهم. فهو الذي يطعم ويسقي وإذا مرض عبده فهو الذي يشفيه من مرضه ويعافيه، وهو الذي يميته ويحييه ويبعث من في القبور. وهو الذي - من حلمه وكرمه وعفوه - يجعل عباده طامعين في مغفرته وعفوه. هذه الصفات الجليلة العلى هل يتصف بها آلهتهم، أم هي صماء بكماء لا تعي ولا تسمع ولا تبصر؟ إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ... هكذا كان لا يعرف قومه بصفات هذا الرب الجليل، ويلفت أنظارهم إلى أن الذين يعبدونهم من الأصنام والآلهة إنما هي عبادة باطلة إذ لا يستحق العبادة إلا الذي خلق وهدى وأطعم وسقى وأمرض وشفى وأمات وأحيا كل ذلك قاله إبراهيم بصيغة المتكلم ليثبت لقومه الكافرين بالله تعالى أنهم على ضلال وإنه على الهدى والحق ويدعوهم إلى هذا الهدى وإلى هذا الحق وإلى الإيمان بهذا الرب العظيم الجليل المتعال والاعتراف بهذه الصفات العلى والإيمان بها. وحرضهم على التوبة إليه تعالى مما فرط منهم. فقال: (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين). وكأنه يلفت أنظارهم إلى أن الله تعالى كما أنه يغفر له ويطمع بذلك يوم القيامة فكذلك إنهم إن آمنوا واتقوا فإن الله تعالى يغفر لهم ما قد سلف والإسلام يجب ما قبله. إن هذه الصفات العلى لله تعالى التي وضحها إبراهيم في توسله بها جعلها

واسطة لقبول دعائه ... فبعد أن قدم هذه التوسلات المشروعة شرع عليه الصلاة والسلام داعياً إلى الله تعالى: (رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين وأجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم). أرأيت يا أخي المسلم كيف إن إبراهيم عليه السلام قدم بين يدي دعائه توسلاً إليه تعالى ليكون سبباً في الإجابة لأن يهبه الحكم وأن يجعله من الصالحين في الدنيا والآخرة وأن يجعل له ذكراً جميلاً يقتدى به إلى الخير فتحبه كل ملة وتتولاه وأن يجعله من الذين يرثون الفردوس ويستقرون في جنات النعيم بما أسلفوا في الحياة الدنيا من العمل الصالح لوجهه تعالى. أرأيت يا أخي كيف يتوسل أبو الأنبياء إلى ربه ... ؟ من علمه ذلك؟ أشيء اخترعه من عند نفسه أم علمه إياه العليم الخبير؟ إنه والأنبياء والرسل عامة ما ينطقون عن الهوى بل الوحي يوحى إليهم من لدن عزيز حكيم. ولماذا أخبرنا الله بتوسلات إبراهيم عليه السلام ... أليس إلا لنتبع ما فعل من حق وهدى وخير ولنقتفى أثره ونترسم خطاه ... ؟ أجل .. هو كذلك ... فلنبدأ جميعاً بذلك طائعين لله فيما هدى ومتبعين أبا الأنبياء فيما اهتدى.

الدليل الرابع: ((قال الملأ الذين استكبروا ... )) ((الأعراف))

الدليل الرابع قوله تعالى حاكياً عن قوم شعيب عليه السلام: قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين ءآمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أو لو كنا كارهين * قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم بعد إذ أنجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين * ... الأعراف 88 - 89 ضاق ذرعاً قوم شعيب بشعيب عليه الصلاة والسلام ويمن آمنوا معه مما يدعوهم من الإيمان بالله تعالى وتوحيده التوحيد الخالص فهذه دوه بالنفي من بلدهم ... !! أو يعود في ملتهم .. ! وهذا شأن ((المستكبرين)) من كل قوم عندما تقوم عليهم الأدلة الدامغة والحجج البالغة من أنبيائهم أو مصلحيهم ... لا يستطيعون أن يردوا الدليل بالدليل والحجة بالحجة ... فيلجأون إلى الصنف والجور والتهديد بالقتل والنفي من الأرض ... وما إلى ذلك من العناد والمكابرة بالباطل. قال شعيب: كيف نعود في ملتكم بعد أن أنقذنا الله منها وذقنا حلاوة الإيمان ولذة اليقين وبرده؟ أنعود إلى دين نحن ندعوكم إلى هجره .. !؟ إذاً قد افترينا على الله كذباً أن أوحى إلينا بأن ندعوكم إلى عبادته، ولا يمكن

أن نعود فيها إلا إذا شاء ربنا. علق شعيب عليه السلام عودته إلى ملتهم على مشيئة الله تعالى ... وهذا تأدب بالغ من شعيب عليه الصلاة والسلام بأن رد المشيئة لله وجده مع علمه الأكيد بأن الله تعالى لن يشاء لهم العودة إلى الكفر بعد إذ هداهم إلى الإيمان وهو أعلم بما سيكون منهم بظهر الغيب. لجأ شعيب عليه السلام إلى الله بأن رد المشيئة إليه وهو يعلم من يستحق الهداية فيهديه ومن يستحق الضلالة فيضله وسع سبحانه وتعالى كل شيء علماً فالمشيئة صفة له تعالى، والعلم صفة له تبارك وتقدس وقد توسل بهما إلى الله تعالى وتوكل على الله في تثبيته على الحق الذي بعثه به إلى قومه فبعد أن توسل بر المشيئة إليه وبعلمه الذي وسع كل شيء وبالتوكل عليه والتقرب بهذا التمجيد والتعظيم رفع الدعاء إليه تعالى: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) أي لا يستطيع أحد أن يحول قلوبهم إلى الحق والإيمان والإسلام إلا هو تبارك وتعالى فإن قدر الله إيمانهم وعلم منهم ما سيختارون من الهدى ... فهذا هو المطلوب. وإن كان يعلم منهم أنهم سيظلون في عنتهم وكبريائهم على الحق فدعا أن يحكم بينهم (ربنا افتح علينا بيننا وبين قومنا بالحق) أي افتح علينا بالنصر عليهم وانتقم لنا منهم وعاملهم بما يستحقون (وأنت خير الفاتحين)، أي وأنت خير من ينصر عباده المؤمنين، على من كفر بك واستكبر عن عبادتك. وهكذا ... فإنك ترى يا أخي المسلم كيف أن شعيباً عليه الصلاة والسلام لم يدع الله إلا بعد أن توسل إليه تعالى بصفاته العُلى وخمته بها كذلك بقوله: (وأنت خير الفاتحين) فاستجاب الله دعاء نبيه ورسوله شعيب عليه الصلاة والسلام بعد أن ظل قومه على ما هم عليه من الكفر ... فأخبر سبحانه بقوله: (وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذا لخاسرون /90/فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين /90/.

فكان جزاؤهم جزاء وفاقاً فكما أنهم توعدوا شعيباً والذين آمنوا معه بالإجلاء عن بلدهم فإن الله تعالى أجلاهم جميعاً إلى حيث لا رجعة فاستأصلهم وأجلاهم إلى جهنم وبئس المصير. ولا بد للقارئ المستنير إلا أن يخاطب نفسه ويسأل: ما الفائدة من ذكر هذه الأخبار بعد أن مضى عليها آلاف السنين؟ ولكنه سيجيب نفسه بنفسه: إن الله تعالى لا يذكر في قرآنه الكريم شيئاً عبثاً وحاشاه وسبحانه من ذلك إنما ذكر هذه القصة وما ألهم عبده ورسوله شعيباً من التوسل إليه بصفاته ... حتى يعلم أمة محمد كيفية التقرب إليه عند الدعاء ليكون الدعاء مستجاباً ... فقدم لهم هذه الصور من التوسلات بتمجيده، وتعظيمه بأسمائه وصفاته والثناء عليه - وهو كما أثنى على - - حتى يعلمنا ويحضنا على أتباع أنبيائه خير خلقه فيما يتوسلون إليه حتى نعمل مثلما عملوا لنحصل على النتيجة التي نبغيها من الدعاء. وهي الاستجابة والحصول على المطلوب. فهل نحن إذا اتبعنا هذى الله وهدى أنبيائه خير ... أم إذا اتبعنا خطوات الشيطان في الزيغ والضلال خير ... ؟!! لا ... بل سنتبع ما أمرنا الله به وما هدانا إليه (قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهوائهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير (121)) البقرة.

الدليل الخامس: ((واختار موسى قومه سبعين رجلا)) ((الأعراف))

الدليل الخامس قوله تعالى: واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين * واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنآ إليك قال عذابي أصيب به من أشأء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون * ... الأعراف 155 - 156 ذهب موسى - بأمر ربه - مع سبعين رجلاً اختارهم من أخير قومه إلى ميقات كان وقته له ربه ليعتذروا إليه من عبادة بني إسرائيل العجل ويسألوه التوبة على من تركوا وراءهم من قومهم فسار بهم إلى طور سيناء ولما وصلوا قالوا لموسى عليه الصلاة السلام: اطلب لنا نسمع كلام ربنا .. فقال: أفعل. فلما دنا من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله ودنا موسى عليه الصلاة والسلام فدخل فيه وقال للقوم أدنو فدنوا حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجوداً. فلما فرغ إليه أمره وانكشف عن موسى الغمام أقبل إليهم فقالوا: (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة) فماتوا جميعاً. فقام موسى عليه الصلاة والسلام يناشد ربه ويدعوه ويرغب ويقول: (رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا). فقوله: (بما فعل السفهاء منا) يعني به السفهاء الذين عبدوا العجل لأن

هؤلاء السبعين الذين رافقوه لم يعبدوا العجل ولكنهم لم ينهوا الذين عبدوه كما قال ابن عباس وغيره: إنهم أخذتهم الرجفة لأنهم لم ينهوا قومهم عن عبادة العجل بينما الآية في سورة البقرة (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة (55)) والآية التي في سورة النساء (أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم (153)) تفيدان أن الصعق كان لقوهم: (أرنا الله جهرة) فأي السببين كان الصعق من أجله؟ الجواب: إنه وقع لكلا السببين لأنه لا أعظم من عقوبة الموت في الدنيا ثم بعثهم الله تعالى استجابة لدعاء موسى عليه الصلاة والسلام: (ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون) وقال موسى عليه الصلاة والسلام: (إن هي إلا فتنتك) أي ابتلاؤك واختبارك وامتحانك. فمن هاهنا موسى يتوسل إلى الله من أجل أن يتقبل الله دعاءه باحيائهم (إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) وهذا تمجيد لله وتعظيم له بأنه وحده هو الذي يضل من يشاء إضلاله حسب ما يستحق وهو وحده يهدي من يشاء هدايته حسب ما يستحق ولا يظلم الله أحداً فالتوسل كان بمشيئته تعالى التي هي صفة من الصفات العلى التي يتصف بها الرب جل شأنه وإنها هي الغالبة فما شاء كان ومالم يشأ لم يكن إن الحكم إلا له وإن الأمر إلا أمره له الخلق والأمر ثم توسل إليه باسمه الذي هو من الأسماء الحسنى فهو سبحانه الولي والنصير (الله ولي الذين آمنوا ... ) فقال: (أنت ولينا) ولا شك أن الله ولي الذين آمنوا ونصيرهم وناصرهم وما من ولي ولا نصير سواه. أرأيت يا أخي المسلم كيف قدم موسى بين يدي دعائه توسلاً إلى الله بصفاته العلى وأسمائه الحسنى ... ؟ فبعد أن فرغ من توسله وقرب من الله بما قدم من توسلات مقبولة عنده شرع بالدعاء: (فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين). ولو تأملت يا أخي المسلم ووفقت قليلاً عند هذه الفاء: (فـ) لو ضح لك المعنى من القصد الذي كان يقصده أي بسبب ما قدمت لك يا رب من التوسلات إليك بصفتك العظيمة واسمك الجليل .. (فاغفرلنا ... ) مما أذنب القوم من عبادة

العجل ومن (أرنا الله جهرة) و (ارحمنا) لأن رحمتك وسعت كل شيء وأنها سبقت غضبك (وأنت خير الغافرين) أي أنت خير من غفر الذنب وعفا عن الخطيئة ومن ذا الذي يغفر لنا يارب ... ؟ ومن ذا الذي يرحمنا إن لم ترحمنا يارب ... ؟ لا إله غيرك ولا رب سواك. ثم لم يكتف بذلك بل إنه لعلى علم بكرم الرب ورحمته ورأفته بعباده فاستزاد عليه الصلاة والسلام من الكريم فقال: (واكتب لنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك ... ) أي تبنا وأنبنا وإليك ورجعنا عن ما سبق من الذنوب والخطايا .. (قال عذابي أصيب من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتي يؤمنون). فيا أخي المسلم الكريم: أرأيت كيف توسل عبد الله ورسوله موسى عليه الصلاة والسلام بالصفات والأسماء ممجداً ربه ومعظماً؟ ثم عقب ذلك بالتوبة إليه تعالى مما سبق من الذنب فما كان من الله تعالى إلا أن غمرهم بمغفرته ورحمته التي وسعت كل شيء وأحياهم بعد ما أماتهم بالصعق: (ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون). هذا هو التوسل المؤدي لاستجابة الدعاء وأن موسى عليه الصلاة والسلام ليعلم قبله أنبياء ورسلاً أحباء على الله كرماء وذوي منزلة وجاء عظيم عنده فلم يتوسل بهم إليه تعالى ولا بأعمالهم ولا بجاههم .. لأنه يعلم: أن أعمالهم إنما هي لهم وليس له بأن يدل على الله بها وأنه ليعلم أن جاههم عليهم الصلاة والسلام عظيم ولا شك ... ولكنه لم يتوسل به إلى الله تعالى ... بل قدم تمجيداً لله وتعظيماً وتقديساً بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ثم قدم إليه توبة من كل ذنب. فكان ذلك التوسل مقبولاً لدى الله تعالى وتقدس فاستجاب دعاءه وعفا ورحم وغفر وأحسن في الدنيا والآخرة وهو لذلك أهل لا إله إلا هو ولا رب سواه. وإن الله تعالى لم يذكر ذلك في محكم آياته إلا ليعلم هذه الأمة ما علم رسله وأنبياءه من التوسل الذي هو أعلى وأقرب التوسلات إليه وليحث المؤمنين جميعاً على

اتباع الأنبياء والمرسلين خير خلق الله وأكرمهم على الله فاتباعهم هو الحق والحق أحق أن يتبع وما بعد الحق إلا الضلال. (ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون * أولئك الذي آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها كافرين * أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين *) الأنعام 88 - 90 أخي المسلم الكريم لقد ذكرت لك - فيما سبق - أمثلة من القرآن الكريم عن التوسل إليه تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وبينت لك بالدليل القرآني كيف أن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام يقدمون إلى ربهم تعالى وتقدس من توسلات تكون سبباً لا ستجابة الدعاء ولم يذكرها الله سبحانه وتعالى في تعالى إلا ليعلم المؤمنين كيف يتوسلون إلى ربهم تبارك وتعالى وكل ما تقدم هو توضيح لقوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) وإن صفاته تعالى لها ولا شك حكم أسمائه تعالت أسماؤه وتقدست صفاته وإنك رأيت ما من دعاء إلا وقدم صاحبه بين يدي دعائه توسلاً إليه تعالى به. وكل أملي بك يا أخي الحبيب في الله أن ترى الحق حقاً وتهرع إلى العمل به وتحب أهله وأن ترى الباطل باطلاً فتهجره ولا تلتفت إلى كثرة من يأخذون به (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) ويكفي للدلالة على الباطل وأهله ... أن الدليل الذي يستندون إليه ... أقوال مجردة عن أدلة الكتاب والسنة بل تعارضها ... ؟!!! (أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أم من يمشي سوياً على صراط مستقيم)؟ (¬1). ¬

(¬1) استشهادنا بالآية كان لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.

التوسل إلى الله تعالى بذاته العلية وأسمائه الحسنى وصفاته العلى

الأمثلة الدالة على ذلك من الأحاديث الصحيحة

الأمثلة الدالة على التوسل بالذات والأسماء والصفات من الأحاديث الصحيحة أخي: كما أنني وضعت أما عينيك أمثلة قرآنية في الحض على التوسل إليه تعالى بذاته وأسمائه وصفاته .. كذلك أضع أمام عينيك أمثلة من الأحاديث الصحيحة، التي تبثت ... أن نبيك ورسولك محمداً - صلى الله عليه وسلم - أن نبيك ورسولك محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان عندما يدعو ربه سبحانه إنما كان يقدم بين يدي دعائه توسلات إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وإنك لتعلم علم اليقين أنه - صلى الله عليه وسلم - قدوتك الحسنة وأسوتك ... والذي أمر الله أن تتأسى به وتسير على هديه: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم والآخر وذكر الله كثيراً) ... (21) الأحزاب الدليل الأول عن عبد الله بن بريدة عن أبيه [أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. فقال: ((لقد سألت الله عز وجل باسمه الأعظم))] أخرجه أبو داود والترمذي. الدليل الثاني وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -[أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالساً ورجل يصلي، ثم دعا: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد دعا باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطي))] أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي. وضعت يا أخي المسلم أمامك هذين الحديثين المتقدمين ليتضح لك منهما أن أسماء الله الحسنى هي أقرب التوسلات استجابة وأخصها بذلك اسم الله الأعظم. وقد شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للصحابي الذي دعا ... إنه دعا باسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطي. فالحديث الأول: دعا الرجل قائلاً: [اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد]. فقد توسل هذا الرجل بأسماء الله الحسنى ووافق عليها الاسم الأعظم فكان سبباً في قبول الدعاء بشهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنعم بها وأكرم من شهادة. وكذلك الحديث الثاني: فقد قال فيه الرجل: [اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان

بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم] وكل هذه الأسماء هي أسماء حسنى وقد جعل هذا الرجل دعاءه الذي مجد به رب السموات والأرض وسيلة إلى ربه تعالى حتى يتقبل دعاءه ... لا سيما وأن الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - شهد له أيضاً أنه توسل إلى الله وسأله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطي وإذا دعي به أجاب. فمن البدهي أن يرغب كل مؤمن بالدعاء إلى ربه مقدماً بين يدي دعائة وسيلة يرضى الله عنها وإن كل داع إلى الله تعالى يود من صميمه استجابه دعائه وحصوله على مطلوبه من الدعاء فلكي يحصل على هذه الأمنية .. فعليه سلوك الطرق الشرعية المؤدية إلى بلوغ أمنيته الغالية وليس من طريق شرعي أدل على شرعيته من طريق يسلكه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويختاره لنفسه ولأمته.

وهاهو يعلمنا أن نسلك هذا الطريق الذي هو أقرب الطرق إلى استجابة الدعاء فمن يسره الله تعالى إليه فيكون قد يسره الله لليسرى (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى). الليل (10)

الدليل الثالث: ((دعاء استفتاح رسول الله صلاته من الليل))

الدليل الثالث دعاء استفتاح رسول الله صلاته من الليل وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: [سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بأي شيء كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يفتح صلاته من الليل .. ؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته قال: ((اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم))] هذا دعاء - كما قالت عائشة رضي الله عنها - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله وسلم يفتتح به صلاته من الليل وإنه كما ترى ... مسبوق بتوسلات إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى ومع أنه صلوات الله عليه وسلامه مستجاب الدعوة ... ولكن مع ذلك كان لا يدعو إلا ويقرب بين يدي دعائه توسلات إليه تعالى. وما التوسل بحد ذاته إلا تمجيد وتعظيم وتقديس لذات المتوسل إليه تبارك وتعالى وتقدس فما أعظم هذا التوسل حين يفتتح به قيامه في جوف الليل: ((اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك قيما كانوا فيه تختلفون)). مجده عليه الصلاة والسلام بأنه رب جبرائيل وميكائيل واسرافيل وهم الأعيان من الملائكة وأعظمهم وأكرمهم على الله سبحانه وهم رسله إلى من يشاء من عباده رحمة أو عذاباً وأنه تعالى ربهم وخالقهم وهم عبيده لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ولا يغفلون عن عبادة ربهم طرفة عين وهم من خشيته مشفقون.

ثم يقول ممجداً ربه تعالى بأنه ((فاطر السموات والأرض)) أي خالقها بما ومن فيهما وما بينهما وموجدهما من العدم لا شريك له ولا رب غيره ولا إله سواه. ((عالم الغيب والشهادة)) أي يعلم كل شيء مما يشاهد العباد ومما يغيب عنهم ولا يخفى عليه منه شيء ولا يعلم من الغيب شيئاً أحد من خلقه ... إلا من ارتضى من رسول وأنه - صلى الله عليه وسلم - يعظم ربه بأنه عالم الغيب والشهادة، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ثم يرد في الأرض ولا في السماء. ثم يرد إليه الحكم بين العباد فيما اختلفوا فيه من الحق ويقول: أ، ت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون فأنت الحكم العدل الذي لا يجور. قدم كل هذه التوسلات إليه بتمجيده وتعظيمه وتقديسه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ثم شرع يدعو فقال - صلى الله عليه وسلم -: اهدني لما اختلف فيه من الحق بأذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، أي اهدني إلى الحق الذي اختلف فيه الناس لا يهديني إليه إلا أنت إنك تهدي من تشاء ممن يستحق الهداية إلى الحق القويم والصراط المستقيم. وهكذا فقد رد المشيئة إليه تعالى في الهداية فهو يهدي من يشاء ويضل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير. إن هذه التوسلات والدعاء الذي تلاها بالإضافة إلى أنه يقرب إلى الرب تبارك وتعالى ودعاء إليه ورغبة، فهو ولا شك تعليم لأمته حتى تقتفى أثره وحض منه - صلى الله عليه وسلم - حتى تقتدي بفعله وتهتدي بهداه وإن خير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -.

الدليل الرابع: حديث من أدعية النوم

الدليل الرابع من أدعية النوم وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - وأرضاه قال: [كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا أن نقول: ((اللهم رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته. اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأن الآخر فليس بعدك شيء وأنت الطاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر))] أخرجه أحمد ومسلم والترمذي. بأبي وأمي أنت يا رسول الله ما أعطفك على أمتك وما أحناك عليها أنت كما وصفك ربك ( ... بالمؤمنين رؤوف رحيم) - صلى الله عليه وسلم - الله عليك وعلى آلك وسلم تسليماً ما أشدك حرصاً بالخير حتى تتملى منه أمتك وما أخوفك عليها من الشر حتى ترتدع عنه نعم المعلم أنت ونعم الأب أنت بل ونعم النبي والقائد والرسول الرائد تقودها في خير سبيل إلى خير غاية وتسير بها في أقوم نهج إلى أسلم نهاية. أرأيت يا أخي المسلم كيف يعلمنا الحبيب الأعظم الأدعية الطيبة الخيرة.؟ اسمعه ... وكأنه ينطق أمامك بهذا الدعاء الكريم والتوسل العظيم بالأسماء الحسنى اسمعه وهو يقول: ((اللهم رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم)) هذا تمجيد لله باسمه رب السموات والأرض والعرش العظيم ((ربنا ورب كل شيء)) ثناء عليه بصفته الربوبية التي ربي بها العالمين بنعمته لا رب لهم سواه ((فالق الحب والنوى)) أي يشقه في الثرى فتنبت منه الزروع على اختلاف أصنافها من الحبوب والثمار على تباين أشكالها وألوانها وطعومها ومذاقها رزقاً لعباده ليعلموا أنه المنعم وحده فلزم أن يكون هو المعبود وحده فلا يعبدون إلهاً غيره ولا رباً سواه.

ثم أثنى عليه وحمده على تنزيل كتبه على عباده ليدلهم على الصراط المستقيم ويهديهم إلى العمل بما أنزل فيها من الأحكام التي لا يأتيها الباطل، فلا يزيغ عنها إلا من شاء لنفسه الهلاك واختار لنفسه الكفر ((ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)). ثم استعاذ عليه أفضل الصلاة والسلام من شر كل شيء ... فما من شيء إلا والله آخذ بناصيته فإنها كلها تحت سلطانه وقهره وهو آخذ بناصيتها ثم مجده بأنه هو الأول وليس قبل الأول شيء وأنه الآخر وليس بعد الآخر شيء وأنه الظاهر فما فوقه أحد قط ظاهر في صفاته العلى الدالة على وجود ذاته فلا ذات بلا صفات ولا صفات بلا ذات وأنه الباطن في ذاته العلية فليس دونه شيء ذاته ليست كالذوات وصفاته ليست كغيرها من الصفات فهي ذات وصفات بلا تكييف ولا تجسيم ولا تأويل ولا تمثيل ولا تعطيل ولا تشبيه. وهكذا فقد مجد ربه بذاته وأسمائه وصفاته في كل ما تقدم من توسلات. . ثم شرع بالدعاء فقال: ((اقض عنا الدين وأغننا من الفقر)). وهكذا فإن صلوات الله عليه وسلامه لم يدع قبل أن قدم بين يدي دعائه هذه التوسلات المشروعة التي علمه إياها ربه ((وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)) 3 - النجم ثم باشر بالدعاء إليه تعالى أن يقضي عنه الدين ويغنيه من الفقر وكان يأمر بذلك أمته أن تدعو بهذا الدعاء وغيره من الأدعية. . حتى يستجيب الله دعاءها. هكذا سنته - صلى الله عليه وسلم - في دعائه أي لا يدعو حتى يتوسل إلى ربه بما يرضيه فهلا نتحاض فيما بيننا على ذلك ونتوسل إليه تعالى بمثل ما توسل وندعوه تعالى بمثل ما كان يدعو؟ (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم * قل اطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين *) 31 - 32 آل عمران نعم إن كنا نحب الله فيجب أن نقدم برهانا على ذلك ودليلاً يؤيد دعوانا وإلا فتكون دعوانا بمحبة الله مجرد دعوى عارية عن الدليل خالية من البرهان

وما دليل محبتنا إلا باتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حق الاتباع وطاعته فيما أمر والانتهاء عما نهى فعندما نصدق باتباعه - صلى الله عليه وسلم - ونخلص بطاعته نكون قدمنا الدليل والبرهان .. عندها يجبنا الله تعالى ويرفعنا إلى مستوى المكانة التي وعدناها: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ... ) 110 - آل عمران إذا ... فإن محبة الله موقوفة ومرهونة باتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - فلنجهد جميعاً بالاتباع نصاً وتطبيقاً وسلوكاً ومنهجاً وحالاً وقالاً لا نبغي عن سنته حولا ولا بدلاً عليه أفضل الصلاة والسلام.

الدليل الخامس: حديث السؤال بالقرآن

الدليل الخامس السؤال بالقرآن عن عمران بن حصين - رضي الله عنه -[أنه مر على قاص يقرأ ثم يسأل: فاسترجع (¬1) ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيجيء أقوام يقرأون القرآن يسألون به الناس))] رواه أحمد والترمذي مما لا شك فيه أن القرآن كلام الله تعالى: وكلامه تعالى وتقدس صفة له سبحانه فإذا قرأ المسلم القرآن إنما يقرأ ويتلو كلام الله تعالى وتبارك ليدبر آياته ويطبقها على نفسه ثم على من يعول ويجعل القرآن بما فيه من عقائد وأحكام وأخبار مرجعه في كل شيء فيحل حلاله ويحرم حرامه فيكون حجة له لا عليه وليسأل الله به حوائجه لتقضى ولا يسأل الناس به يتعجله ولا يتأجله. هكذا الأصل في قراءة القرآن الذي أنزله الله دستوراً ومنهاجاً للعالمين فمن غير نهجه وبدل ما أنزل من أجله إلى مقاصد ومرادات تنحرف عن مراد الله سبحانه وتعالى من تنزيله فيكون قد أزور عن الصراط المستقيم والسبيل القويم إلى سبل تتفرق به عن سبيله (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون (153)) الأنعام. ¬

(¬1) أي عمران بن حصين

وقد انحرف المسلمون بالقرآن - إلا من رحم ربك - إلى مقاصد انحرفت به عن المراد الذي شاءه الله تعالى لهذه الأمة المحمدية لتكون: خير أمة أخرجت للناس. فحققوا بذلك غايات وأهداف أعدائهم الذين يهدفون إلى صرف المسلمين عن أوامر القرآن ونواهيه وحلاله وحرامه وعبره وعظاته وهكذا كان ... فجعل المسلمون قرآنهم: تمائم وتعاويذ أحجة ووصفات طيبة وقراآت على الأموات وترانيم تخرج بآياته الكريمة عن معانيها وتتعلق الأنفس بالترانيم دون المعاني فتنطلق الآهات والتأوهات لا على مجد الإسلام الضائع ولا على أحكام الكتاب المعطلة ولا على ما هم عليه من الانقياد إلى أغراض الكافر العدو اللدود بل من أثر النغمات الموسيقية التي أخضع القارئ القرآن وآياته إلى موازينها وإيقاعاتها ... ودليلنا على ذلك أننا إذا سألنا أصحاب الآهات والتأوهات عن المعاني التي عقلوها من آيات الذكر الحكيم ... لوجدناهم في غفلة عن هدي القرآن لأن النفوس منصرفة إلى الألحان عن المعاني. ويقولون: ما شاء الله!! شيخنا قارئ على السبعة!! يرددونها كالببغاء وأنهم والله لأجهل منها بالسبعة والتسعة والعشرة ... وهذا ما يسعى الكافر لتحقيقه فيصرف المسلمين عن الجهاد في سبيل الله والحكم بما أنزل الله وفهم مراد الله والعمل بمقتضاه. يقولون: نقرؤه البركة!! وياليتهم يفهمون معنى البركة نعم يجب أن نقرؤه للبركة وما هي البركة .. ؟ أليست البركة هي الزيادة والنماء؟ زيادة في العقل ونماء في الفهم والعرفان فإذا عقلنا القرآن وفهمنا مضامينه وعلمنا أحكامه ونفذناها بدقة على مراد الله حصلت البركة والزيادة والنماء في كل شيء فكان الانطلاق والانعتاق والتحرير وكان البناء والعز والدولة والسلطان فلا نكتفي أن نكتب على الأوراق ونصرح بالأشداق: أمة واحدة من المحيط إلى الخليج ... نعم لا نكتفي بذلك لأن القرآن لا يقف عند هذا المطلب التافه ... بل هو هدى ورحمة للعالمين ولسوف ترف بنوده وأعلامه

وتخفق شاراته وراياته فوق كل سهل وجبل من هذه الأرض وستستظل بها كل ذرة من ذراتها وكل نسمة من نسماتها وكل بر وبحر وفضاء حتى يقضي الله أمره وينفذ أحكامه وترسو دولة الله وحدها على الأرض. من أجل هذا نز القرآن ... ولأجل هذا شرع الله تلاوته وقراءته ليكون لجنوده في كل حرف يتلون منه عشر حسنات لا أقول (الم) حرف، بل: ألف حرف لام حرف ميم حرف أجل يكون لكل جندي من جنود القرآن ثلاثون حسنة بمجرد تلاوته (الم) فكيف إذا كان دائم التلاوة عميق الفهم غزير العلم قائماً بالحكم شاكي السلاح يده على الزناد أيداً تنطلق بندقيته وقذيفته وصاروخه لأقل بادرة تبدر من أعداء الإسلام شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً بالكيد للإسلام .. وليعتبر كل مسلم نفسه جندياً للقرآن تسيل نفسه على حد الظبى في سبيله ومن أجل خلوده وهذا أقصى ما يؤمله ويتمناه. لقد قدمت بين يدي هذا الحديث الكريم هذه المقدمة .. حتى أصل بأخي القارئ المسلم الكريم إلى أغوار ما يهدف إليه هذا الحديث، من توجيه بليغ ومقصد سام وأنني أعيده على مسامعك ... حتى تتلوه مرة ثانية بعد ما قرأت هذه المقدمة له: [من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيجيء أقوام يقرأون القرآن ويسألون به الناس]. أجل ... إذا سأل به الله تعالى يكون قد استعمله فيما أنزله الله وإذا سأل الناس به فيكون قد غير الوجهة التي أنزل من أجلها إلى وجهة أخرى وترك سبيل الله واتبع السبل ... !!؟ فتفرق به عن سبيله. فالذي يقرأ القرآن إذا عليه أن يقرأه ليفهمه ويعمل به ويستهدي بهديه ويقيم أحكامه فإذا سأل الله به متوسلاً كانت الاستجابة قريبة ومأمولة فتكون قراءة القرآن أقرب القربات وأعظم التوسلات لأن القرآن كلام الله وكلامه صفة له والتوسل إليه بصفاته العلى من أعلى أنواع التوسل المشروع اقرأ القرآن في المسلم ... واقرأه في خط النار وتوسل بما قرأت إليه تعالى أن ينصر الإيمان على الكفر والتوحيد على الشرك واقرأه

وتوسل به في أية حاجة لك مشروعة فإن الله سبحانه يستجيب دعاءك ويعطيك سؤلك وينيلك ما تتمنى في أي حاجة من حاجات الدنيا والآخرة. أما إذا سألت الناس به وتعجلت أجرك منهم ولم تتأجله من رب العالمين فقد أغضبت الله لأنك غيرت الوجهة التي من أجلها أنزل القرآن ... وفي ذلك معصية الرب فمن ساعدك على المعصية فهو شريكك فيها. أصبح القياد في يديك فإنك تستطيع أن تجعل قراءتك نوراً لك وهداية تخرجك من الظلمات إلى النور وسبيلاً صحيحاً ومنهجاً سليماً للوصول إلى رضاء الله تعالى وثوابه وعطائه في الدنيا والآخرة .. وتستطيع أن تجعل قراءتك حسرة عليك تتعجلها من الناس وتشتري بها ثمناً قليلاً في غير طاعته ... تقرأه على القبور وللأموات والله تعالى يقول: (إن هو إلا ذكر وقرأن مبين لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين) إن هذا القرآن نذير للأحياء يفهمونه ويعقلونه ويعملون به لا للأموات الذين غدوا إلى ما عملوا في الدنيا وانقطع عملهم منها بوفاتهم إلا من صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو لهم وكل ذلك من كسبهم في الحياة الدنيا. اتضح لك ما هو المقصد الكريم من قوله - صلى الله عليه وسلم -: [من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيجيء أقوام يقرأون القرآن يسألون به الناس]. وشتان بين من يسأل الله ومن يسأل به الناس وهل ما عند الناس كما عند الله وأي شيء يملكه الناس ... ؟!! ومن أين ما عند الناس ... أليس هو مما عند الله ومن ماله ورزقه ... ؟ فإذا كان ما عند الناس هو من الله فهلا سألتا به الله الذي له ملكوت كل شيء .. ورب الناس ورب ما عند الناس ... ؟ وهلا تقربنا إليه تعالى بما يحب ويرضى ولم نبع عطاء الله بعطاء الناس؟ أجل ... إن مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتعلق المسلم بربه ويرغب إليه بالدعاء

ويقدم بين يدي دعائه توسلاً مشروعاً أقرب ما يكون للاستجابة وأن يقطع المسلم كل أمل إلا منه تعالى وليرجوا ما عند الله وينقطع رجاءه مما عند الناس حق يكون حقاً عبد الله لا أعبد أحد غيره وأن يتقرب به إليه وبكلامه إلى حضرة قدسه وبسائر صفاته العلى وأسمائه الحسنى إلى جنابه تعالى وتبارك وتقدس وهل يشتري بعد الله بقرب الناس ... إلا من سفه نفسه .. !!!؟ القرآن .. وتلاوة القرآن وإمعان النظر بمعانيه وتدبره وتفهمه وتطبيقه على النفس والأهل والولد وسائر من ترعى وتعول هي القربات المقبولة المستطابة والتوسلات المطلوبة المستجابة. كيف لا، والقرآن: [كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسن ولا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم] (¬1). فإذا أنت قرأته يا أخي المسلم مستحضراً هذه النعوت الكريمة والأوصاف العظيمة علمت عظم ما تتوسل به إلى الله تعالى وأيقنت منه بالاستجابة لأنه كلام الله والكلام صفة للمتكلم والتوسل إليه تعالى بكلامه توسل بصفة من صفاته العلى وهو عمل يحبه ويرضاه بل هو أقرب القربات إليه. لا سيما وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [لكل قارئ قرآن دعوة مستجابة] أي أن من يقرأ القرآن ويتوسل به إلى الله ثم يدعو ... كانت دعوته مستجابة. وأرجو أن لا يفهم أن مجرد القراءة بدون عمل وتطبيق لما قرأ .. يمكن أن تكون دعوة مستجابة ... لا بل عليه أي على القارئ أن يعزم على تطبيق ¬

(¬1) رجح مخرج أحاديث الطحاوية: أنه من كلام علي - رضي الله عنه -.

أحكام ما قرأ بقدر استطاعته .. حتى تكون دعوته مستجابة وأما من يقرأ ويفهم ويستطيع أن يطبق ولا يطبق فقد يكون عمله هذا من أسباب عدم القبول والعياذ بالله من غضبه ونقمته. اللهم إنا نتوسل إليك بالقرآن العظيم وبما نتلوه منه وما نعمل به ونطبق من كلامك الكريم أن تهدينا إلى أحكام كتابك وأن تقوينا على الأخذ بها والحكم بمقتضاها في كل شأن من شؤون الحياة. اللهم أعنا على الإقامة دولة الإسلام من جديد وأشدد أزرنا لتحقيق هذه الغاية حتى ننصر دينك ونعلي كلمتك أو نهلك دون هذه الغاية ونسقط من أجلها شهداء ابتغاء مرضاتك ولوجهك الكريم. اللهم وفقنا للقول والعمل ولا تجعلنا نقول ولا نعمل فما تأخر المسلمون ولا سقطت بلادهم بلداً بلداً في أيدي الأعداء إلا لما اكتفوا بالقول دون العمل. (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون (2) كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون (3) إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص (4)) الصف. اللهم الهمنا القول الصحيح الذي ترضاه يا رب العالمين ووجهنا وجهة كتابك وسلكنا محجة نبيك عليه أفضل الصلاة والسلام وأعد لنا الخيرية التي وصفتنا بها أول مرة: (كنتم خير أمة أخرجت للناس ... ) وأسبل علينا الهيبة التي أسبلتها علينا يوم الجهاد الأول اللهم وحد كلمة المسلمين وردهم إلى دينك رداً جميلاً وأجمعهم تحت راية الإسلام وحكم الإسلام اللهم ثبتهم على الحق في ميادين الحق والدعوة إلى الحق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

2 - توسل المؤمن إلى الله بأعماله الصالحة

2 - توسل المؤمن إلى الله بأعماله الصالحة وأدلته من القرآن الكريم

توسل المؤمن إلى الله ... بأعماله الصالحة وأدلته من القرآن الكريم كما أن الله تعالى أرشد عباده المؤمنين إلى توسل إليه جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى .. فقد أرشدهم كذلك إلى نوع آخر من التوسل المشروع وهو: التوسل إليه بالأعمال الصالحة أي توسل المؤمن إليه عز وجل بأعماله وطاعاته المقبولة عند الله تعالى وآية القبول: أن تكون خالصة لوجهه تعالى وأن تكون طبق ما أمر فإذا جمعت الأعمال هذين الشرطين فهي مقبولة عند الله تعالى وإنك يا أخي المسلم تستطيع أن تعلم فيما إذا كانت أعمالك مقبولة أو غير مقبولة. فانظر فيها وتأملها ... أهي خالصة لوجه الله لا رياء فيها ... ولا حباً بسمعة وإطراء من قبل الناس؟ ثم أهي موافقة للأمر الذي أمره الله تعالى في كتابه وسنة نبيه لا بدعة استحسنتها ... ولا رأياً أو هوى تعلق به قلبك دونما دليل شرعي ... فإذا كانت لوجه الله، وطبق ما أمر فأبشر فإن عملك مقبول فتقدم وتوسل به إلى الله تعالى ثم ادعه بما شئت فإن الله تعالى يستجيب لك عاجلاً أو آجلاً متى شاء. وكما أنني وضعت أمام ناظريك أمثلة وأدلة من القرآن الكريم والسنة الصحيحة على التوسل إليه تعالى بأسمائه وصفاته العلى ... فكذلك سأضع أيضاً أمامك أمثلة وأدلة من القرآن والسنة على التوسل إليه تعالى بالأعمال الصالحة وسأبدأ - كما فعلت في الفصل الأول - بذكر الأدلة القرآنية على التوسل إليه جل وعلا بالأعمال الصالحة التي يفعلها المؤمن طاعة لله كما أمر ولوجهه الكريم وإن الآيات التي تدل على ذلك إن هي إلا تعليم من الله تعالى لكي نتأسى بمن عمل بهما من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومن إخواننا المؤمنين والمسلمين الذين سبقونا بالإيمان حتى نقتدي بأعمالهم ونهتدي بها لنفوز بما فازوا به من الرضوان والقبول منه تبارك وتعالى وتقدس. الأمثلة والأدلة من القرآن الكريم كثيرة جداً ... وحسبنا أن نختار لك بعض آيات نضعها أمام عينيك لتكون لك يا أخي مثالاً تحتذيه وأدلة تطمئن بها نفسك ويستيقنها فؤادك وتكون لك أبداً حجة تحتج بها في كل مضمار تتعرض فيه للنقاش في هذا السبيل وتدعو إلى الحق الذي وضح لك سناه واستبان هداه. قلت إن الأمثلة والأدلة من القرآن الكريم على التوسل إليه تعالى بالأعمال

الصالحة كثيرة ولعل أعظمها دلالة وأصدقها مثلاً على هذا النوع من التوسل المشروع هو ما أرشدنا الله تعالى إليه في سورة الفاتحة الجليلة العظيمة التي هي أم الكتاب وأم القرآن والسبع المثاني فإن هذه السورة العظيمة أجملت ما في القرآن من المعاني ... ولعل القرآن وما فيه من التوحيد والأحكام والأخبار شرح لما حوت سورة الفاتحة .. أجل إنه شرح مفصل وأكرم به وأعظم من شرح وأكرم وأعظم بالفاتحة من مقدمة جليلة شاملة داعية إلى هذا الكتاب الجليل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وها أناذا واضع أمام عينيك هذه السورة الكريمة ... فلندرسها معاً في صدد ما نحن فيه من بحث التوسل بالأعمال الصالحة ... فهي توسل إليه تعالى بالأسماء الحسنى كما هي في نفس الوقت توسل بالأعمال ... فهي شاملة لذلك كله ولكننا استشهدنا بها في هذا الفصل لأنها تتعلق في أكثر معانيها ..

بما حواه أو سيحويه هذا الفصل من توضيح للتوسل بالأعمال الصالحة فتعال يا أخي المسلم الكريم نتلوها معاً ونستطلع ما فيها من الشواهد الحقة والأدلة المقنعة وبالله المستعان وحده لا شريك له.

الدليل الأول: ((الفاتحة))

الدليل الأول الفاتحة أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين (1) الرحمان الرحيم (2) مالك يوم الدين (3) إياك نعبد وإياك نستعين (4) اهدنا الصراط المستقيم (5) صراط الذين أنعمت عليهم (6) غير المغضوب عليهم ولا الضالين (7) هذا نص هذه السورة الجليلة ويحسن بنا أن نضع - يا أخي القارئ المسلم - أمامك مختصراً لتفسيرها حتى يسهل علينا جميعاً ... بيان وجه التوسل الذي يكون بين طيات هذه السورة الكريمة. لقد اشتملت أم الكتاب - وهي سبع آيات - على حمد الله والثناء عليه وتمجيده وأفراده بالعبادة والاستعانة فلا يعبد إلا هو ولا يستعان بأحد سواه فلما تقدم الحمد والثناء والتمجيد وإفراده بالعبادة والاستعانة ناسب أن يعقب بعد ذلك ... بالسؤال والدعاء منه تعالى بالهداية إلى الصراط المستقيم. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل .. فإذا قال: (الحمد لله رب العالمين) قال الله: حمدني عبدي وإذا قال: (الرحمن الرحيم) قال الله: أثنى علي عبدي فإذا قال: (مالك يوم الدين) قال الله: مجدني عبدي، وقال مرة فوض إلي عبدي، فإذا قال:

(إياك نعبد وإياك نستعين) قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل] فقوله تعالى: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)) أي قسم سورة الفاتحة نصفين نصف له سبحانه وتعالى وهو قوله تعالى في النصف الأول: (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين) أي هذا النصف الأول هو لله تعالى وذلك لأن العبد حمد الله تعالى وأثنى عليه بحمده وحصر العبادة والاستعانة فيه وحده لا شريك له. فأما الحمد فهو خالص دون كل ما برأ من خلقه على النعم الظاهرة والباطنة فاستغرق جميع أنواع الحمد وصنوفه لله تعالى وهذا الحمد إنما هو عمل صالح من العبد فلما حمده كان حمده هذا من أجل الأعمال الصالحة وأي عمل صالح أعظم من حمد رب العالمين المالك المتصرف في كل ما خلق في جميع عوالم السماوات والأرض وما بينهما على اختلاف أجناس هذه المخلوقات وأصنافهم مما نعلم وما لا نعلم وما الله به أعلم. فلا شك أنه الحمد الذي استغرق جميع أنواع الحمد لله سبحانه ولا ريب أنه من أجل أنواع الأعمال الصالحة. ثم أثنى العبد على ربه باسميه: (الرحمن الرحيم) المشتقين من صفة الرحمة التي هي صفة له جل وعلا هذه الرحمة عامة لجميع خلقه. وإنما وصف الله نفسه بالرحمن الرحيم بعد قوله: (رب العالمين) ليكون من باب بعد الترهيب فـ (الرحمن الرحيم) فيه ترغيب جاء من بعد ( ... رب العالمين) الذي فيه ترهيب وذلك مطابق للآية: (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم) 49 - الحجر ثم مجد العبد ربه فقال: (مالك يوم الدين) أي أنه تعالى وحده المالك يوم القيامة لا يملك معه أحد ذلك اليوم كملكهم في الدنيا إذ يجوز في الدنيا أن يقول أحد ما: هذا ملكي .. هذا ما لي ... أما يوم القيامة، ليس لأحد ملك ولا مال ولما قدموا على خالقهم .. لم يقدموا عليه بأموال ولا أملاك

بل جاءوه فرادى كما خلقهم أول مرة ... والملك يومئذ لله الواحد القهار. فعندما يقول العبد: (مالك يوم الدين) إنما يمجد الله تعالى بأنه الملك والمالك وليس لأحد ملك معه. وإنك لترى يا أخي أن صبغة: (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين جاءت بصيغة الغائب ولكن لما تلاها العبد: فحمد الله وأثنى عليه ومجده فقرب منه لأن هذا الحمد والثناء والتمجيد لمما يقرب إلى الله تعالى .. فلما قرب العبد من ربه فكأنه صار أمامه تماماً فناسب أن يخاطبه بصيغة المخاطب فقال: (إياك نعبد وإياك نستعين) فإن رب العالمين ورب كل شيء والرحمن الرحيم بجميع عباده ومالك يوم القيامة وحده لا شريك له وملكيه .. يستحق أن يعبد وحده وأن يستعان به وحده. إذا هو معبود بحق فلا يملك غير هذه الصفات العلى ولا ينادي غيره بهذه الأسماء الحسنى فصاحب هذه الأسماء والصفات إله عظيم يحق أن تصمد له العبادة وحده وأن يستعان وحده في كل شيء ... فمن كانت له تلك الصفات الكاملة ... يستحق إفراده بالعبادة وحده لا شريك له. وإنك با أخي لتلاحظ في قوله: (إياك نعبد وإياك نستعين) أنه قدم العبادة على الاستعانة لأن العبادة هي الغاية وأن الاستعانة هي الوسيلة إليها فإذا لم يعن الله عبده على طاعته ولم يطلب العبد إعانته على ذلك لا تحصل منه تمام العبادة .. أي إننا إذا لم نجعل طلب الإعانة من الله وحده لا تكون العبادة خالصة له. وهكذا فإن العبد بقوله (إياك نعبد وإياك نستعين إنما حصر العبادة والاستعانة بالله وحده فـ (إياك نعبد) تبرؤ من الشرك (وإياك نستعين) تبرؤ من الحول والطول والقوة والتفويض إلى الله عز وجل. لا شك يا أخي القارئ الكريم في أنك مقتنع معي أن النصف الأول من الفاتحة هو لله تعالى خاصة .. لأنه مشتمل على الحمد له والثناء عليه والتمجيد لذاته العلية وإخلاص العبادة له واقتصار الاستعانة عليه.

أما النصف الثاني منها: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فإن هذا النصف الثاني هو للعبد ... لأنه يسأل الله فيه الهداية إلى الصراط المستقيم أي صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً غير صراط الذي غضب الله عليهم الذين عرفوا الحق ومالوا عنه إلى الباطل وهم يعلمون أنه باطل!!! وهم اليهود وكل من شابههم من الأقوام الآخرين ... الذين عرفوا الحق وأنكروه وكانوا حرباً عليه وعلى أهله وغير الضالين الذين لم يعرفوا الحق ولم يهتدوا إليه ولا فتشوا عنه بل تخطبوا في كل مهمه ... وتاهوا في كل فقر فضلوا سبيل الحق لأنهم لم يسلكوا الطريق إليه وهم النصارى .. ومن شابههم من الأقوام الذين ضلوا سواء السبيل ولم يسلكوا طريق الحق ليوصلهم إليه فظلوا في ضلالهم يعمهون وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. هذه سورة الفاتحة الجليلة وضعتها بشطريها أمام ناظريك يا أخي الحبيب في الله موجزاً تفسيرها لك تأكدت معي من أن الله تعالى أرشدنا فيها إلى التوسل إليه جل جلاله بحمده والثناء عليه وتمجيده وبإخلاص العبادة إليه والاستعانة به وحده لا شريك له فلما قدم العبد كل لربه تبارك وتعالى متوسلاً إليه بحمده والثناء عليه وتمجيده وإفراده بالعبادة ... ناسب أن يعقب بالسؤال وطلب حاجته وما حاجته إلا يهديه الصراط المستقيم فقال: (اهدنا الصراط المستقيم) إذا فإنه لم يدع قبل أن قرب عملاً صالحاً يكون له وسيلة لقبول الدعاء ... وإنه لم يدع إلا لأنه يعلم يقيناً أنه لا يهديه الصراط المستقيم إلا وحده لا شريك له ... فرفع إليه الدعاء ... موقناً بالإجابة ثم أوضح مطلبه عن نوعية هذا الصراط المستقيم الذي يحصر رغبته بالهداية إليه فقال: (صراط الذي أنعمت عليهم) من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ... الذي سبقونا بالإيمان ... ونهجوا في حياتهم المنهج القويم والصراط المستقيم الذي لا عوج فيه ولا انحراف أي (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) أي غير صراط المغضوب

عليهم الذين استحقوا الغضب من الله لانحرافهم - على علم - عن الحق الذي وضح لهم ... ولا صراط الضالين الذين تاهوا وضلوا بمتاهات بعدت بهم عن الحق ويحسبون أنهم على الهدى. أن هذا الدعاء الواضح من جميع جوانبه ... والذي هو كلام الله الذي علم به عباده المؤمنين أن يدعوه به بعد تقديم التوسلات المشروعة التي سبقته، من حمد وثناء وتمجيد وإخلاص العبادة والاستعانة له لدعاء عرف كل من يدعو به كيف الحق لأهله ... أي علم أنه لن يهديه إلى الصراط المستقيم إلا الله ولن يجنبه مزالق الزلل ومهاوي الغضب إلا الله تعالى وتقدس. فحق لهذا الداعي من ربه أن يستجيب دعاءه ويهديه إلى الصراط المستقيم وهذا الحق .. إنما هو حق أحقه الله على نفسه ... تفضلاً منه وتكريماً وامتناناً جل جلاله لا إله غيره ولا رب سواه. على أن هذه السورة الكريمة ... على فضلها وجلالتها ووضوحها ودلالتها غرب عن أذهان ((بعض الناس .. !!؟)) وما فيها من معاني التوسل إلى الله تبارك وتعالى الذي يحض هو على العمل به التوسل به إليه. وغاب عن عقولهم ما يلفت الأنظار إلى ضرورة انتفاع قارئيها منها وما تدل عليه من الخير الذي من جملته هذه التوسلات العظيمة ... المفضية إلى استجابة الدعاء فعشوا عما فيها من هذا الخير ... وعمهوا عنه ... رغم أنهم يرددونها في صلواتهم مرات عديدة .. !!! كأن المراد من قرائتها .. سرد حروفها وألفاظها فحسب دون إمعان النظر في معانيها ومعرفة ما يتضمن هذا القول الحكيم من تعيين مراد الله من هذه السورة الكريمة المباركة. تركوا ما فيها من توسلات كريمة يلجون بها إلى رحاب عفو ورحمته ومغفرته ... وتعلقوا بتوسلات غير مشروعة!!! فضلوا ... وأضلوا ... وذهبوا يحملون أوزارهم وأوزار من أضلوهم ... ولا أدري إذا كانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعاً!!!؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الدليل الثاني: ((وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت ... )) ((البقرة))

الدليل الثاني لا شك في أن من المعلوم لديك يا أخي .. أنه ليس في الفاتحة وحدها إرشاد إلى هذه التوسلات فحسب بل أن كتاب الله مليء بمثل هذه الإرشادات والأمثلة على التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة. وإليك يا أخي أدلة وأمثلة عديدة من القرآن الكريم وآياته الخالدة بما يثبت لك ذلك: قال الله تعالى في كتابه العزيز: وإذ يرف إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم (127) ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم (128) ... البقرة أمر الله تعالى عبده ورسوله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن يبني بيته في مكة فذهب إليها .. ولما وصل .. رأى ابنه إسماعيل يبري نبلاً له تحت دوحة قريبة من زمزم فلما رآه قام إليه وصنع كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ثم قال: با إسماعيل إن الله أمرني بأمر .. قال فاصنع ما أمرك ربك قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال: فإن الله أمرني أن أبني ههنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها. فعند ذلك رفعا القواعد من البيت ... فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني. حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر (¬1) فوضعه له فقام عليه ¬

(¬1) وهو الحجر الذي كان يقوم عليه إبراهيم عليه السلام في بناء الكعبة وهو نفسه مقام إبراهيم الذي قال الله فيه: ((واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى))

وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم). تعال يا أخي القارئ المسلم ولنقف قليلاً ... ونستعرض هذا العمل العظيم ... خطوة خطوة .. نر الامتثال لأمر الله في كل خطوة بارزة فيه أخلاق النبوة من الطاعة والتنفيذ .. دون أي زمن يفصل بين الأمر والطاعة 1 - تنفيذ إبراهيم عليه الصلاة والسلام أمر ربه ببناء البيت وبسفره فوراً من فلسطين إلى مكة. 2 - قول إبراهيم: يا إسماعيل: إن الله أمرني بأمر ... ولم يسمه له وجواب إسماعيل فوراً: فاصنع ما أمرك ربك دون أن يسأله عنه. 3 - قول إبراهيم: وتعنني عليه ... ؟ وجواب إسماعيل فوراً: وأعينك. 4 - مباشرتهما بالعمل: إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة. إنها النبوة الجليلة السامية تظهر واضحة جلية هكذا النبي ينفذ أمر ربه دون بحث أو سؤال عن نوع هذا الأمر .. وهكذا فإن أمر الله يجب تنفيذه فوراً .. دون السؤال عن الحكمة منه ما دام صادراً عن الحكيم العليم. هكذا كان موقف إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. بعد أن استعرضنا وإياك .. هذه المراحل الأربعة القولية والعملية لهذين النبيين والرسولين الجليلين .. فكر يا أخي بهذا العمل وشكل تنفيذه ... أتراه عملاً صالحاً أم لا ... ؟ لا ريب أنك ستجيب فوراً: أكرم وأعظم به من عمل صالح عظيم كريم جليل وكيف لا ... وهو تنفيذ أمر الله تعالى بعمارة بيته المحرم الذي جعل أفئدة من الناس تهوي إليه أجل أنه عمل صالح لا من آحاد الناس ... بل من أبي الأنبياء إبراهيم وبكره النبي الرسول إسماعيل جد خير الأنبياء محمد صلى الله عليهم أجمعين. وخليق ببناء بيت الله، العمل الصالح العظيم أن يرفعاه وسيلة صالحة طيبة إلى جانب الله تبارك وتعالى وتقدس يتقربان إليه عز وجل. با شرا به فعلاً ... ثم ابتهلا إليه عز شأنه: (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع

العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم). سألاه: أن يجعلهما مستسلمين إليه عز وجل في كل أمورهما ويجعل من ذريتهما أمة مسلمة مستسلمة له وأن يعلمهما مناسكاً وأن يتوب عليهما إنه هو التواب الرحيم. أرأيت يا أخي المسلم الكريم: كيف أن هذين النبيين الرسولين الجليلين لم يدعوا الله قبل أن يقدما له وسيلة إليه من العمل الصالح ... وهو بناء بيته العظيم. فإذا كان هذان النبيان الرسولان الجليلان لم يدعوا إلى الله عز وجل إلا قربا إليه وسيلة من عملهما الصالح ... أفر يجدر بنا ونحن الذين استجيبت فينا دعوتهما فكنا أمة مسلمة من ذريتهما أن نتخذها لنا أسوة حسنة وقدوة صالحة فيما فعلاه من تقديم إلى الله بالعمل الصالح فنسعى جاهدين أن يكون لنا دائما عمل صالح .. نتوسل به إلى الله جل جلاله كما فعلا عليهما الصلاة والسلام. ولعل ذكر قصتهما هذه في القرآن حض من الله تعالى على التأسي بهما عليهما أفضل الصلاة والسلام اللهم نحن على ملة إبراهيم اللهم فثبتنا عليها إلى أن نلقاك وأنت راض عنا يا رب العالمين. (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفياه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين). ... (130) البقرة

الدليل الثالث: ((لله ما في السموات وما في الأرض ... )) ((البقرة))

الدليل الثالث قوله تعالى: لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير (284) ءامن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل ءامن بالله وملائكته ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير (285) لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين (286) ... البقرة روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال [لما نزلت على سول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبيدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير) اشتد ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جثوا على الركب وقالوا: يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد

والصدقة وقد أنزلت هذه الآية لا نطيقها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)) فلما أقر بها القوم ونطقت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل سبحانه: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)] رواه مسلم، ولفظه: [ ... فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) قال: نعم، (ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا) قال: نعم (ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به) قال: نعم (واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين قال: نعم] وفي رواية ابن عباس: [قد فعلت] يتضح من الآيات الثلاث خواتيم سورة البقرة ... ومن حديث الإمام أحمد ولفظ مسلم: أنه شق على المسلمين أن يحاسبوا حتى على أحاديث النفس الخفية ... فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصارحوه بأنهم لا يطيقون ذلك. لنقف هنا هنيهة ... لنرى تأديب الرسول الأعظم لأمته ونصحه المحض لها .. ولننظر كيف أدبهم ... قال عليه الصلاة والسلام بأبي هو وأمي: [أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا ... ؟!!! بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. هكذا الراعي الصالح والرسول الأمين يمحض النصح والتأديب لأمته ولولا هذه النصيحة المخلصة المحضة لهلك المسلمون من قولتهم: هذه آية لا نطيقها!!! بأبي أنت وأمي يا رسول الله ... أشهد أنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة فجزاك الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

أجل علمهم - صلى الله عليه وسلم - ماذا يقولون: (سمعنا وأطعنا ... ) فلما أقر بها القوم ونطقت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ... ) هذه نتيجة لقولهم: سمعنا وأطعنا ... وهذا هو شاهدنا من هذا الحديث أي قولهم سمعنا وأطعنا ... أجل سمعوا قول الله تعالى: ( ... وإن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) ثم أطاعوا كما علمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما قولك بقوله: سمعنا وأطعنا أليس هو عملاً صالحاً ... ؟ أجل ... إنه عمل صالح وأي عمل صالح أعظم من السمع والطاعة ... ؟ وهل الدين إلا سمع وطاعة .. ؟ السمع: أي استماع الأمر من آمره عز وجل والطاعة: تنفيذ هذا الأمر بحذافيره دونما زيادة أو نقصان إذا: فالسمع والطاعة جماع العمل الصالح أو هو الدين كله ... وما الدين إلا الأوامر والنواهي والائتمار والانتهاء ... وهكذا فإنهم قدموا هذا العمل الصالح، وهو قولهم: سمعنا وأطعنا ثم عقبوا بالدعاء فقالوا: (ربنا إنك ربنا) أي نطلب المغفرة منك يا رب مما أخطأنا بقولنا: هذه آية لا نطيقها ... وإنك لترى يا أخي المسلم إنهم لم يرفعوا الدعاء إلى الله بالمغفرة وإلا قدموا بين يدي دعائهم وسيلة بالعمل الصالح وهو: (سمعنا وأطعنا) ثم رفعوا دعاءهم (غفرانك ربنا وإليك المصير). ما ظنك يا أخي برب يستغفره عبده مخلصاً تائباً منيباً مقراً بذنبه راجعاً عنه إليه أتراه يطرده من رحمته!!!؟ أم يتقبل دعاءه ويغفر ذنبه ... ؟ (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً أنه هو الغفور الرحيم) 53 - الزمر. أجل ... إنه تقبل دعاءه وغفر ذنبه. وهنا أخبر الله تعالى أنه على بما دار بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبين أصحابه الأبرار - رضي الله عنهم - من الحديث ... تعليم رسول الله لهم، تعليمه منه سمعهم وطاعتهم واستغفارهم فقال جل وعلا: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد م رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير). ثم نسخ ما أنزل

من قوله تعالى: ( .. وإن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) بقوله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت). وهذا لا شك تخفيف عن عباده فهو الذي خلقهم وهو الذي يعلم تحملهم إنما أنزل الآية الأولى اختباراً لهم ... أيقولون سمعنا وأطعنا أم يقولون: سمعنا وعصينا؟ وهو ولا شك أعلم بما سيقولون قبل إنزال الآية ... ولكنه أنزلها حتى تكون سبباً في تعليمهم ماذا يقولون ... وهكذا كان ... فعلمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أرادوا أن يرفعوا دعاء للرب تبارك وتعالى أن يقدموا بين يدي دعائهم توسلاً بالعمل الصالح ففعلوا ... فنسخ الله آية الاختبار بآية التكليف بالوسع وأنه لا يثيب أحداً إلا بما كسبه من عمل صالح ولا يعاقبه إلا بما يجترحه من العمل السيء وهذا هو الفضل والعدل. (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) ثم شرع الله تعالى يعلم عباده كيف يتضرعون إليه عز وجل فقال عز من قائل: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين). وفي هذه المناسبة الجليلة أذكرك يا أخي المسلم أن هذه الآيات هي خواتيم سورة البقرة التي عناها - صلى الله عليه وسلم - بقوله: [أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش] رواه أحمد عن أبي ذر. والخلاصة فإنه يتضح مما تقدم كيف يعلم الله ورسوله المؤمنين الدعاء وأياً من الدعاء يكون مستجاباً ... وهو الذي سبقه توسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة من السمع والطاعة والتوبة إليه سبحانه. ثم يلفت أنظارنا إلى أن الدعاء المستوفى في شروط القبول، يكون مقبولاً وأحياناً يقبل فوراً .. فما علينا نحن المسلمين لو تمسكنا بهدي الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - وتقيدنا بتعاليمهما التقيد التام طالما نعتقد أنه لا مجيب للدعاء إلا هو سبحانه ونتمسك حرفياً بما أنزل دون أن نجتهد في أمره .. ! ويؤدي بنا هذا الاجتهاد إلى نسخ أمره

بأهواء ابتدعناها من عند أنفسنا ... !!! وهي: أن نتوسل إليه بأحد مخلوقاته دون العمل الصالح بداعي أنه ليس لدينا عمل صالح ولا ندري إذا كانت أعمالنا مقبولة عند الله حتى نتوسل بها إليه ... أرأيت يا أخي كيف يدخل الشيطان هذه الشبه علينا .. ؟ وبدلاً من أن نطرد وساوس الشيطان بالكتاب والسنة نسينا الكتاب والسنة وأحللنا مكانها هذه الوساوس التي سولها لنا اللعين فأطعناه وعصينا الله ورسوله ونحن من جهلنا نحسب أننا نحسن صنعاً ... !! ألا أن الخير والحق كل الحق أن نرجع إلى الوحيين كتاب الله تعالى وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونعود إلى تعاليمهما والاكتفاء بهما ... فإذا عدنا إلى أحكامهما وقارناها بواقعنا الذي نحن فيه نتأكد تماماً كنا على الباطل ويحفزنا هذا التأكيد .. للرجوع إلى الحق بدل التمادي في الباطل وما بعد الحق إلا الضلال.

الدليل الرابع: ((هو الذي أنزل عليك الكتاب ... )) آل عمران

الدليل الرابع قوله تعالى: هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءآيات محكمات هن أم الكتاب وأهر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب (7) ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب (8) ... آل عمران يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب أي واضحات لا التباس فيها ولا غموض على أحد ومنه آيات فيها اشتباه في الدلالة على الكثير من الناس أو بعض منهم فالأصل في ذلك رد المتشابهة إلى المحكم فمن فعل ذلك اهتدى ومن عكس انعكس. هذه الآية الكريمة يعلمنا ويأمرنا فيها جل جلاله أن نؤمن بكل ما نزل إلينا منه تعالى محكماً كان أو متشابها ونقول: (آمنا به كل من عند ربنا) دون أن نؤول المتشابه تأويلاً يخرج عن مراد الله تعالى فنقع في الزيغ. إن شاهدنا من هذه الآية الكريمة قوله تعالى فيها: (آمنا به كل من عند ربنا) هكذا قول الراسخين في العلم، والناس تبع لهم في ذلك لأن الله تعالى أخبرنا أن المتشابه لا يعلمه إلا هو والراسخون في العلم يقولون (آمنا به كل من

عند ربنا) أي آمنا بالمحكم والمتشابه أنهما من عند الله أنهما من عند الله ولا شك في أن هذا الإيمان الوصف الذي ورد، أي ما علمنا منه طبقناه وما لم نعلم أو كلنا علمه إلى الله تعالى نعم أن الإيمان بذلك هو عمل صالح عظيم ندبنا إليه سبحانه وحضنا عليه وأمرنا به فالخروج عن أمر الله زيغ حذرنا الله منه أي إذا أولنا المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله بما تراه أهواؤنا يكون ذلك سبيلاً إلى الزيغ لا محالة فحتى لا نقع فيه أمرنا أن نتوسل إليه تعالى بالإيمان به وبما أنزل أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا إلى أنه لا يعلم المتشابه إلا الله (وما يذكر إلا أولوا الألباب) أي ما يتعظ بأمر الله والإيمان بما نزل وأنه جميعه حق وصدق وما يفهمه ويعقله ويتدبر معانيه على مراد الله إلا أولو العقول السليمة والمفهوم المستقيمة. فبعد أن علمنا الله تعالى التوسل إليه بإيماننا بمحكم آياته ومتشابهها أرشدنا إلى الدعاء بعد التوسل بقوله تعالى: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ليكون دعاؤنا هذا مستجاباً فقد دعوناه متوسلين إليه بإيماننا بما أنزل في كتابه الكريم أن يثبت قلوبنا على هذا الإيمان ولا يزيعها بعد إذ هداها إلى الحق إنه هو الذي يهب القلوب هدايتها ويجنبها الزيغ والضلال لا يفعل ذلك إلا هو وحده لا شريك له. إنه هو الوهاب لا إله غيره ولا رب سواه. أخي القارئ المسلم الحبيب: لا شك في أن كل داع إلى الله تعالى: يود ويرغب من صميمه أن يتقبل الله دعاءه ليحصل على ما يود ويرغب ... ولكن هل كل من يدعو يستجاب له ... ؟ فلكي يكون دعاؤه مستجاباً عليه أن يتقيد باتباع الطريقة التي يرضى الله عنها في الدعاء. وإن الداعي إلى الله تعالى على الطريقة الموافقة لإرشاده وهداه ... يحصل ولا شك على نتيجتين طيبتين. 1 - يحصل على رضاء الله عن عمله ويثيبه عليه ... لأنه أخذ بالهدى الذي دله عليه.

2 - يحصل على استجابة الدعاء فيحظى بالمطلوب الذي دعا الله من أجله. أما الذي يهجر هدى الله في الدعاء ... ويتوسل إلى الله بتوسلات ما شرعها الله ولا هدى إليها في كتابه ولا في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - يحصل على نتيجتين عكسيتين تماماً. 1 - عدم رضاء الله عنه فيما عمل ... لأنه ابتدع في دعائه طريقة ليست من هدي الله تعالى ولا من هدي رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإن عدم رضاء الله تعالى ولا من هدي رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإن عدم رضاء الله يعني غضبه ولا شك أن الغضب مفض إلى العقاب فكما أن من أطاع الله فله ثواب فكذلك من عصاه فله عقاب والعياذ بالله من عقاب الله. 2 - لا يستجاب دعاؤه ... فلا يحصل على مطلوبه الذي دعا الله تعالى للحصول عليه لأنه من أطاع الشيطان وعصى الرحمن. وعلى هذا ... فإن الله تعالى لا يتقبل عملاً إلا إذا كان راضياً عنه ومصداق ذلك قوله تعالى: (رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه) وأن العمل وإن كان صالحاً في حد ذاته ... لا يتقبله الله إلا إذا كان راضياً عنه ومن أجل ضمانة رضاء الله عنه يجب أن تكون مطابقاً لشيئين: 1 - أن يكون مطابقاً لشرع الله تعالى ومصداقه (فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم ... ). 2 - أن يكون خالصاً لوجهه تعالى لا يبتغي فيه من مخلوق شيئاً ومصداقه: (وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى).

الدليل الخامس: ((الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا)) آل عمران

الدليل الخامس قوله تعالى: الذين يقولون ربنا إننا ءامنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار (16) آل عمران يحسن بنا قبل أن نشرع بشرح الشاهد من هذه الآية الكريمة المستشهد بها في موضوعنا الذي نحن بصدده وبيان الحق من الباطل ... أن نرجع إلى ذكر الآيتين اللتين قبل هذه الآية حتى يتسنى لنا ربط الموضوع وتسهيل فهم المقصود منه على القارئ المسلم الكريم. قال تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب (14) قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد (15) الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار (16) آل عمران). يخبر تعالى عما زين للناس في هذه الدنيا من أنواع الملاذ والشهوات من النساء والبنين. فبدأ بالنساء ... لأن الفتنة بهن أشد ثم بالبنين ثم بالمال ... من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام من الإبل والبقر والغنم والحرث أي الأرض للغرس وللزراعة. ثم يخبر أن ذلك كله متاع الحياة الدنيا وزينتها الفانية الزائلة. (قل أؤنبئكم

بخير من ذلكم) أي مما في الدنيا من تلك الملاذ والشهوات التي تقدم ذكرها ... فإن الله تعالى قد أعد (للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد). أي أن الله تعالى قد أعد كل هذا النعيم الذي لا يفنى والملك الذي لا يبلى مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ... كل ذلك للمتقين (الذي يقولون ربنا إننا آمنا) أي آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره وما يستلزم هذا الإيمان من الائتمار بالمعروف والانتهاء عن المنكر. والإيمان في حد ذاته عمل صالح بل هو أساس كل عمل صالح فلا عمل صالحاً بلا إيمان فلما صدر عنك الإيمان يا أخي ... كان ولا شك عملاً صالحاً عظيماً كما أن صدور الكفر من العبد لا شك أنه عمل غير صالح. فلما تقرب المتقون إلى ربهم بقولهم: (ربنا إننا آمنا) وتوسلوا إلى الله تعالى بإيمانهم ... أصبحوا قريبين منه بما تقدم من الوسيلة الطيبة التي رفعوها إليه فناسب بعد هذا القرب منه تعالى أن يقدموا الدعاء الذي يرغبون فيه إليه فقالوا: ( ... فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار) أي بسبب ما آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وجنبنا عذاب النار الذي لا يطاق إنك على كل شيء قدير. إن هؤلاء الذين صدرت عنهم هذه التوسلات بإيمانهم وأعمالهم الصالحة شهد الله لهم بأنهم هم الصابرون على طاعتهم الصادقون في عقيدتهم وأعمالهم القانتون الخاشعون في عباداتهم المنفقون أموالهم في طاعة الله كما أمر والمشفقون على أنفسهم المستغفرون من ذنوبهم قليلة كانت أو كثيرة المتيقنون بأن الله وحده غافر الذنب وقابل التوب فاستغفروا وتابوا إليه في الأسحار وجوف الليل في أوقات تجلي الله على عباده فيغفر للمستغفرين ويتوب على التائبين. هكذا ... فإن الله تعالى أعطانا نماذج من أعمالهم وتوسلاتهم الصادقة الطيبة حتى نتأسى بها ونعمل مثلها .. فإنهم آمنوا وصبروا وصدقوا وأنفقوا وقنتوا ثم طلبوا المغفرة.

وإن الله تعالى يمتدحهم بهذه الصفات الطيبة ويهيب بنا أن نقتدي بهم. فكما أحب منهم هذه الصفات ... كذلك فإنه تعالى يحبها منا أيضاً ومن كل عبد لنحصل على ما حصلوا عليه من الرضا والمحبة الخالدات والنعيم الذي لا يبلى. فهيا يا أخي المسلم إلى هذا الميدان، ميدان الإيمان والعمل الصالح ... وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وأن صدر منك الذنب فتوسل إليه تعالى بما أسلفت من الطاعات والأعمال الصالحة الطيبة فإنه يغفر ذنبك ويقبل توبك ... لأن الذي توسلت به إليه ... إنما هو توسل شرعه لك وباب مفتوح لقبول إنابتك إليه فهيا يا أخي إلى تلك الرحاب الظليلة الوارفة وإلى روح وريحان ورب غير غضبان.

الدليل السادس: ((فلما أحس عيسى منهم الكفر)) آل عمران

الدليل السادس قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ءآمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون (52) ربنا ءامنا بما أنزلت وتبعت الرسول فاكتبا مع الشاهدين (53) آل عمران يقول تعالى: (فلما أحس عيسى) أي استشعر من بني إسرائيل التصميم على الكفر والاستمرار على الضلال. (قال من أنصاري إلى الله) أي من أنصاري في الدعوة إلى الله؟ (قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين). الحواريون: جمع حواري وهو الناصر. والحواريون هم أصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام الذين آمنوا به وعددهم اثني عشر رجلاً قالوا نحن أنصار الله كيف لا نكون أنصاره وقد آمنا به واشهد يا عيسى بأنا مسلمون ولا شك أن الإسلام هو دين الأنبياء ومن اتبعهم من لدن آدم عليه السلام إلى نبينا عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم ثم وجهوا خطابهم إلى الله سبحانه فقالوا: (ربنا آمنا بما أنزلت) أي الإنجيل وهو كتاب الله الذي نزل على عيسى عليه السلام (واتبعنا الرسول) أي المسيح عيسى بن مريم عليه السلام (فاكتبا مع الشاهدين) أي مع أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - قاله ابن عباس - رضي الله عنه - وهذا كقوله تعالى: (وجعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) شهداء على الناس أي تشهدون للأنبياء يوم القيامة أنهم بلغوا رسالات ربهم

لأقوامهم والوسط هاهنا: الخيار وقد جعل الله أمة محمد وسطاً لما خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب. روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير من أحد فيقال لنوح من يشهد لك فيقول: محمد وأمته قال: فذلك قوله: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) قال: الوسط: العدل فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم] رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه من طريق عن الأعمش ومن حديث لأحمد عن أبي سعيد الخدري: فيدعي محمد وأمته فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا قوله عز وجل: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً)] أخي القارئ المسلم الكريم: وضعت أمامك تفسيراً مقتضباً للآيتين المتقدمتين لتأخذ فكرة عامة عن معناهما ثم أشرع في توضيح الشاهد منها في بحثنا وموضوعنا الذي نحن بصدد تحقيقه: لنعد قليلاً إلى الآية: (فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا به واشهد بأنا مسلمون). إن قول الحواريين: نحن أنصار الله آمنا به) ألا ترى يا أخي في قولهم عملاً صالحاً .. ؟ أجل إنه عمل صالح. وما قولك يا أخي بنصرة الله ورسوله والإيمان بهما ... ؟ فإذا لم يكن ذلك عملاً صالحاً فأين هو العمل الصالح .. ؟ لا شك ولا ريب في أنه عمل صالح بل هو رأس العمل الصالح وأساسه أيضاً. ودليلنا قولهم لرسولهم: (واشهد بأنا مسلمون) أي واشهد على إيماننا وإسلامنا فشهادة رسولهم لهم بذلك هي شهادة حق بإيمانهم وإسلامهم وصدقهم في قولهم: (نحن أنصار الله آمنا به واشهد بأنا مسلمون) ثم توجهوا إلى ربهم سبحانه وقالوا: (ربنا آمنا بما أنزلت وتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) الذي يشهدون لعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام - في جملة ما يشهدون للأنبياء -

أنه بلغ قومه رسالة الله. وإنك لترى يا أخي ... أنهم ما دعوا الله بهذا الدعاء ... وإلا وقدموا بين يدي دعائهم توسلاً بإيمانهم بعبده ورسوله المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام وبما أنزل عليه من الإنجيل وبما اتبعوا به هذا الرسول الكريم فيما دعاهم إليه من أمر ونهي وكل ما تقدم إنما هو توسلات بأعمالهم الصالحة الخالصة لوجهه تعالى. ثم عقبوا على ذلك بدعائهم قائلين: (فاكتبنا مع الشاهدين) أي بسبب ما آمنا بك وبعبدك ورسولك المسيح عيسى بن مريم صلوات الله عليه وسلامه وبالإنجيل الذي أنزلته عليه وباتباعنا له فيما أمر ونهى ... اكتبنا مع الشاهدين. ولعلك أدركت يا أخي ... أن الأنبياء والرسل جميعاً على منهج واحد في التوسل إليه تعالى فلم يخبرنا الله أن أحداً منهم توسل إليه بأحد الأنبياء الذين سبقوهم ولا توسلوا إليه بملائكته ولا بأحد من خلقه ... بل توسلوا إليه بما شرع لهم من التوسل الذي يرضى عنه بل وأمر به عباده جميعاً. فإذا كان الأمر كذلك ... ونعلم أن الأنبياء والرسل وأعمال أصحابهم الذين اهتدوا بهديهم هي أحسن أعمال قاطبة فما علينا إلا أن نتخذ لنا من أعمالهم وسيرتهم الحسنة الطيبة نبراساً لنا وهدي نسير على أساسه في كل أمورنا ... أفلا يكفينا ما كفى أولئك المصطفين من الناس وهم خيار الخيار وصفوة الخلق. ولهذا فإن الله خصنا على ذلك ... لنقتفي آثارهم ونتعقب خطاهم ونسلك ما سلكوه من الهدي والحق والخير وإنا إن شاء الله لفاعلون.

الدليل السابع: ((وكأين من نبي قاتل معه ربيون ... )) آل عمران

الدليل السابع قوله تعالى: وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين (146) وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين (147) فئاتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين (148) ... آل عمران لقد عاتب الله بهذه الآيات من انهزم يوم أحد وتركوا القتال لما سمعوا الصائح يصيح بأن محمداً قد قتل فقال تعالى: (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير) أي وكم من نبي أصابه القتل ومعه ربيون أي جماعات فما وهنوا بعد نبيهم وما ضعفوا عن عدوهم وما استكانوا لما أصابهم في الجهاد في سبيل الله والدفاع عن دينهم وذلك الصبر (والله يحب الصابرين). لا شك أن الجهاد في سبيل الله تعالى من الأعمال الصالحة العظيمة التي تقرب صاحبها إلى الله سبحانه وإنه جل وعلا يعطينا أمثلة عن الذين كانوا يجاهدون مع أنبيائهم فقد يقتل نبيهم في سبيل الله إنما يبقى من بعده أصحابه يواصلون الجهاد فلم يضعفوا ولم يستكينوا بعد نبيهم ... بل ثبتوا وصبروا ورفعوا دعائهم إليه متوسلين بصبرهم في ساحات القتال على مناجرة الأعداء أن يغفر الله ذنوبهم ويثبت أقدامهم فلا يفرون من المعركة حتى ينصرهم الله أو يلقوه

شهداء راضياً عنهم ومثيبهم بما أعد لهم في الجنات الخالدات من الكرامة. إذا فالشاهد من هذه الآية هو ثباتهم وصبرهم في المعركة فما وهنوا ولا استكانوا بعد نبيهم وهذا كله من أعظم الطاعات والقربات إليه تعالى فتقربوا بها متوسلين إليه بها أن يغفر ذنوبهم وإسرافهم وأن يثبت أقدامهم ويهبهم النصر على القوم الكافرين فتقبل الله وسيلتهم ودعاءهم بالنصر فقال تعالى مخبراً بذلك: (فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين) أي آتاهم ثواب الدنيا وهو النصر على الأعداء الكافرين وتوريثهم ديارهم من بعدهم وإضفائه عليهم أثواب العز والمجد والسؤدد والكرامة والتمكين في الحكم ... هذا عدا عما ادخره لهم عنده سبحانه من الثواب العظيم الدائم بأحسن الطاعات ما يجزي به عباده المخلصين المحسنين لأنهم قدموا إلى الله تعالى أحسن الطاعات وهو بذل الأرواح والمهج رخيصة في سبيله ومن أجل إعلاء كلمته فكان ذلك .. جزاءاً وفاقاً قدموا عملاً حسناً ... فجوزوا عليه بثواب أحسن. هكذا يروي لنا الله سبحانه من سيرة السالفين من إخواننا الذين سبقونا بالإيمان أخباراً وعلوماً عنهم يعلمنا فيها كيف نرفع العمل الصالح إليه ونتقرب به منه ونتوسل به إلي جنابه العلي العظيم حتى إذا دعونا بالنصر وغفران الذنوب والفلاح في الدنيا والنجاح في الآخرة واستجاب لنا دعاءنا بما قدمنا إليه من وسيلة العمل الصالح. هذا ما يريده الله منا وهذا ما يأمرنا به من العمل ... أما إذا عزفنا عن هداه وعما ندبنا إليه وحضنا عليه من الجهاد والعمل الصالح فيعاقبنا بمثل ما نعانيه اليوم من الذل والهوان وذهاب القوة والاستسلام إلى الأعداء. لأننا خلدنا إلى الخمول وتركنا الجهاد في سبيله تعالى وتفرقنا طرائق قدداً كل حزب بما لديهم فرحون ... فأصابنا الوهن. ولو أننا نفذنا أوامره وأحكامه والهدي الذي أنزله علينا فحفظنا أنفسنا وذدنا عن حدودنا ودافعنا عن حياضنا ما كان للكافرين علينا من سبيل والله قد وعدنا: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) فلنصارح إذاً

أنفسنا بأننا لسنا مؤمنين حقاً!!! ولذلك فقد جازانا الله تعالى بأن جعل للكافرين علينا سبيلاً جزاءً وفاقاً ... على أن الطريق إليه تعالى ما تزال مفتوحة وسالكة واضحة ... فلنرجع إليها سالكين سبيله المستقيم هاجرين سبل غيره كيلا تتفرق بنا عن سبيله. وما سبيله إلا الرجوع إلى ما أنزل من الحق متبعين أحكام كتابه وبيان سنة نبيه عقيدة وعبادة وعملاً فهي الوسيلة الوحيدة المقبولة لاستجابة دعائنا وقصدنا عندها يحررنا من ربقة أعدائنا وينصرنا عليهم في كل ميدان لأننا قدمنا وسيلة إليه هو الذي حضنا عليها وهي العودة إلى شرعه الكامل والحكم على أساسه ... ثم لنجرب ... !! ولننظر .. أيبقينا الله أذلاء مهانين ... أم يعزنا في الدنيا ويسعدنا في الآخرة فإنه لا يذل من والاه الله ولا يعز من عاداه. أجل ... فلنجرب ... ونحن واثقين غير حيارى ولا مترددين إنه سينصرنا ويجعلنا كما كنا: (خير أمة أخرجت للناس). فهيا ... وهيا ... وحي على الفلاح ... ولمثل هذا فليعمل العاملون ... وبهذه الوسائل المقبولة فليتنافس المتنافسون.

الدليل الثامن: ((إن في خلق السموات والأرض ... )) آل عمران

الدليل الثامن قوله تعالى: إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب (190) الذين يذكرون الله قيماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار (191) ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار (192) ... آل عمران يقول تعالى: (إن في خلق السموات والأرض) أي بما فيها من الآيات العظيمة (واختلاف الليل والنهار) أي تعاقبهما وتعارضهما من طول وقصر الاعتدال. كل ذلك تقدير العزيز العليم (لآيات لأولي الألباب) أي العقول التامة الزكية المستقيمة المستقيمة التي تدرك حقائق الأشياء. ثم وصفهم بقوله تعالى: (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم) أي يذكرونه في جميع أحوالهم ... على اختلاف معاني الذكر (ويتفكرون في خلق السموات والأرض) أي يتأملون ما فيها ويفهمون الحكم الدالة على عظمة الخالق وعلمه وحكمته واختياره ورحمته ويقولون: (ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار) أي ربنا ما خلقت هذا الكون عبثاً بل بالحق والعدل وسبحانك عن العبث فأنت أجل وأعظم وأقدس من أن تفعل عبثاً أو باطلاً. فبسبب ما نزهناك ومجدناك بذاتك وأسمائك وصفاتك وأفعالك. وأنت

حقيق بكل ذلك ... جنبنا عذاب النار، واحمنا منها بفضلك وإحسانك ويسرنا بتيسيرك لما تحب وترضى عنه من الأعمال الصالحة. (ربنا انك من تدخل الجنة فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار أي لا مجير لهم منك يوم القيامة ولا محيد لهم عنك. لقد وذعت يا أخي المسلم بين يديك تفسيراً مقتضباً لهذه الآيات الكريمة لنستعين بهذا التفسير على فهم شاهدنا منها ونتدرج للحصول على ما نبتغي من صحة ما نذهب إليه من فهم التوسل المشروع وذلك بالأدلة الشرعية التي تثبت ذلك. إن أولي الألباب الزكية والعقول المستقيمة الذين يفكرون بعمق وتدبر في هذه المخلوقات العلوية والسفلية تتضح لهم آفاق جديدة من الفهم والأدلة الواضحة على إثبات وجود الخالق العظيم ويدفعهم بالحجة والبرهان إلى الإقرار عن بحث وتدقيق بعظمة الله وقدرته وسلطانه فيذكرونه بما يستحق من التوحيد والتمجيد والتعظيم في جميع أحوالهم لا يفترون عن ذلك أبداً لأنهم أينما اتجهوا وكيفهما نظروا تتجلى لهم معرفة هذا الرب العظيم في جميع صفاته وأفعاله وتتضح حقيقتها عندهم فيكون ذكرهم لله جل وعلا شاملاً كل ما في معاني التذكر من أنواع. إذ ليس الذكر مقتصراً على الشفهي فحسب ... لا ... بل هناك أنواع منوعة من الذكر ومنها الذكر الشفهي فإن من يمحص ويدقق في آيات القرآن تتضح له هذه ويرى: أن القرآن ذكر وتلاوته ذكر والصلاة ذكر والآذان ذكر والتذكر ذكر والتفكر ذكر والدعوة إلى الله تعالى ذكر والعلم ذكر وحلق العلم ذكر والذكر الشفهي بالتسبيح والتحميد والتمجيد والتكبير والتهليل ذكر أيضاً إنما يجب أن يكون موافقاً لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - من تعريف ... لا أن ندخل فيه أهواءنا وآراءنا (¬1) ... فكما أن يجب أن نصلي ونزكي ونحج ونصوم طبقاً لأوامر الله تعالى ¬

(¬1) سنفرد رسالة خاصة في تحقيق معنى أنواع الذكر وتقارن بين الذكر الشرعي والذكر البدعي الذي عليه بعض الطرق .. في زمننا هذا هدانا الله وإياهم سبل الرشاد.

دونما زيادة أو نقصان فكذلك يجب فيه التقيد بما جاء عن الله تعالى وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - من تعريف وأحكام لا يتعداها إلى ما تهوى الأنفس وانظر يا أخي ما جاء في الكتاب العزيز من وصف وتعريف للذكر: (واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول) وقوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: [ ... ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه] إلى ما هناك من الآيات العديدة والأحاديث الكثيرة في تعريف الذكر والذاكرين ... على مراد الله وما بلغ رسوله صلوات الله وسلامه عليه. إن من يذكرون الله دائماً في غدواتهم وروحاتهم في أعمالهم وراحتهم وعند نومهم واضطجاعهم وفي صلوتهم قياماً فإن لم يستطيعوا فقعوداً أو لم يستطيعوا فعلى جنوبهم ... أجل أن يذكرون ويتفكرون فيما خلق الله يفيض الاعتراف بالحق عن مشاهدة وفهم وقرب بأن الله ما خلق الخلق إلا بالحق ويتخذون من ذكرهم بكل ذلك وسيلة إلى الله تعالى في قبوله دعاءهم بأن يقيهم عذاب النار التي لا تطاق فجعلوا تذكرهم وذكرهم وصلواتهم قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم وسيلة شرعية إليه ليتقبل أعمالهم ودعاءهم وهكذا فإنهم لم يدعوا إلا وقربوا بين يدي دعائهم توسلات يحبها الله ويرضاها ... أجل ... إنهم توسلوا إلى الله تعالى بذكره سبحانه على اختلاف أنواعه ... وهو لا شك عمل صالح عظيم تقربوا إليه جل وعلا ودعوه مبتهلين: أن يدخلهم الجنة ويقيهم عذاب النار وتضرعوا إليه أن لا يخزيهم يوم القيامة بإدخالهم النار فإن من يدخلها فقد باء بالخزي العظيم وليس له من الله ولي ولا نصير اللهم علمتنا فتعلمنا وأمرتنا فأطعنا اللهم فزدنا علماً وعلمنا العلم الذي لا جهل معه وسلكنا صراطك المستقيم وجنبنا السبل حتى لا تتفرق بنا عن سبيلك القويم واجعلنا نقوم بما أو صيتنا كي نتقي غضبك ونحظى برضاك ونفوز بجنتك التي وعدت المتقين.

الدليل التاسع: ((ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان ... )) آل عمران

الدليل التاسع قوله تعالى: ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن ءامنوا بربكم فئامنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار (193) ربنا وءاتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد (194) فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم ومن بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب (195) ... آل عمران وقوله تعالى: (ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فأمنا ... ) هذه الآية الكريمة واضحة وضوحاً تاماً وظاهرة ظهوراً لاخفاء فيه ولا غموض بأن الإيمان عمل صالح عظيم بل هو رأس الأعمال الصالحة بل هو ركيزتها وأساسها المتين وكل عمل مهما كان صالحاً في ذاته وغير مرتكز على الإيمان فهو هباء منثور ولا شك أن الإيمان وسيلة مقبولة عند الله تعالى لتقبل الدعاء. ولهذا ترى أن أولي الألباب يقولون: (ربنا إننا سمعنا منادياً) أي ربنا إننا سمعنا عبدك ورسولك محمداً صلوات الله وسلامه عليه ينادي في الناس كما أمرته: (أن آمنوا بربكم) الذي خلقكم وأنشأكم فهو أحق بالعبادة ... (فآمنا) أي صدقناه وأطعنا ما أمرنا به وما دعانا إليه لأن ما جاء به إنما هو

منك وإنك أنت الذي أرسلته للناس كافة ليخرجهم من الظلمات إلى النور واتبعناه فإنه هو الصادق الأمين. قف هنا يا أخي المسلم الكريم وتأمل قوله تعالى على لسان عباده أولي الألباب (فآمنا) كم هذه اللفظة خفيفة على اللسان وكم هي ثقيلة في الميزان .. ؟ وانظر ضخامة معناها ... إنه الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره والإيمان بكل ما حوى كتاب الله دخل القلوب وملأها وتخلل شغافها واستقر بها وفاضت من هذه القلوب النابضة آثار هذا الإيمان على الجوارح فعملت بكل ما يرضي الله تعالى وطبقت كل ما أمر .. وانتهت عما يسخطه وما عنه زجر ... ثم علم أولو الألباب كم هي منزلة هذا الإيمان عند رب الأرباب فتقدموا بهذا الإيمان إليه تعالى متوسلين به عنده وكل ذلك فهمناه من هذه (الفاء) من قوله تعالى: (ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار) أي بسبب استجابتنا لنداء رسولك وإيماننا بما دعانا من الحق والخير والهدى، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وامح عنا سيئاتنا واقبضنا إليك مرحومين مغفوراً لنا وألحقنا بالصالحين الأبرار الذين بروا بما وعدوا من الاستقامة على هذا الإيمان إلى أن قبضتهم إليك وأنت راض عنهم. (وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد) وهنا واصلوا دعاءهم بأن ينيلهم ما وعدهم على لسان الرسول وألسنة الرسل من قبله ... من المغفرة والرضوان والجنة ... متأكدين وموقنين ومطمئنين إلى أنه تعالى سيبر بوعده ولا شك لأنه ليس من صفاته العلى الإخلاف بما وعد فلا أحد أوفى بعهده من الله تعالى. فما ظنك يا أخي بالله الذي سمع توسلات عباده التوسلات التي يرضى عنها وهي التي أمرهم بها ... هؤلاء العباد الطائعين المؤمنين حقاً ... أيستجيب دعاءهم أم لا ... ؟ لا شك أنك ستقول: بل سيستجيب لهم دعاءهم ولا شك. ولذا جاء قوله تعالى طبق عبده المؤمن به فقال عز من قائل: (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أثنى بعضكم من بعض فالذين

هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب) أجل .. إن الله عنده حسن الثواب لعباده المؤمنين الطائعين كيف لا وأنهم هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأهليهم وأموالهم وأوذوا أشد الإيذاء في سبيل الله وقاتلوا الكفر وأهله فمنهم من قضى نحبه في سبيله تعالى ومنهم من ينتظر وما بدلوا لا هنوا ولا تراجعوا بل ثبتوا حتى نصرهم الله تعالى. نعم كيف لا ... وهم الذين وصفهم الله بأنهم أولو الألباب الزكية والعقول المستقيمة الذين يذكرون الله في جميع أحوالهم الحياتية وبمختلف أنواع الذكر ويتفكرون في الخالق والخليقة فزادهم فهماً وإدراكاً كالحقيقة الربوبية والألوهية والأسماء والصفات والأفعال وإن هذا الخلق ما خلقه الله عبثاً ولا صدفة ولا باطلاً ولما نادى منادي الإيمان - صلى الله عليه وسلم - ودعاهم إليه أسرعوا إلى الإيمان بالله تعالى ونبيه وكتابه وبكل ما جاء فيه من الهدى والخير والحق. ثم قدموا كل ذلك توسلات إليه تعالى لتكون هذه التوسلات الحقة سبباً في قبول دعائهم واستجابته وأكد سبحانه تكفيره سيآتهم وإدخالهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً منه سبحانه والله عنده أحسن الثواب جل جلاله ولا إله غيره ولا رب سواه. فهيا أيها الأخوان المؤمنون إلى العمل الصالح نعمله لوجه الله خالصاً له ليكون لنا ذخراً ووسيلة إليه عز وجل وقربى لجنابة العظيم لا نبتغي إلا وجه ربنا ذي الجلال والإكرام. فإن دعوناه بها أجاب دعاءنا وادخلنا جنات عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

الدليل العاشر: ((ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع)) إبراهيم

الدليل العاشر قوله تعالى: ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقوموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون (37) ... إبراهيم هذا دعاء يدعو به إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعد فراغه من بناء البيت الحرام فقال: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم) أي نفذت أمرك يا رب حينما أمرتني بأن أسكن أم ولدي هاجر وابني إسماعيل في هذا الوادي غير ذي الزرع ولولا أمرك إياي ما فعلت ولما أمرتني بذلك علمت أنك ستتولاهم برعايتك وعنايتك فأطعتك وأسكنت أم ولدي وولدي متوكلاً عليك وذلك ليقيموا الصلاة مع ذراريهم التي ستكون في المستقبل منهم بتقديرك ومشيئك. فلا شك أن طاعة أوامر الله تعالى بإسكان هاجر وابنها بهذا الوادي الممحل تحت الشمس المحرقة بلا أكل ولا ماء إنما هو غاية قصوى في التوكل عليه سبحانه وتعالى حتى أنه لما وضعها في ذلك المكان وانصرف عنها ... قالت له هاجر أم ولده إلى من تتركنا يا إبراهيم؟ فلم يجبها وظل منصرفاً عنهما حتى قالت له في الثالثة: إلى من تتركنا يا إبراهيم ... آلله أمرك بهذا ... ؟ فالتفت إبراهيم عليه السلام إليها وقال: نعم ... قالت: إذاً لا يضيعنا ... وهذا كذلك توكل على الله منها واطمئنان ويقين بأنه سبحانه لا يضيعهما وهو العليم الحكيم الخبير.

إن الطاعة المطلقة والتوكل على الله من إبراهيم بإسكان ذريته بواد غير ذي زرع عند بيته المحرم ومن أجل أن يقيموا لله وحده الصلاة لا شك أنه عمل صالح عظيم منه - صلى الله عليه وسلم - هذه الطاعة وهذا التوكل وبناء البيت العظيم ... جعل كل هذا العمل الصالح وسيلة منه إليه تعالى ثم دعا الله وقال: ( ... فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون). أي بسب ما أطعتك وتوكلت عليك وبنيت بيتك الحرام اللهم فاجعل أفئدة المسلمين تهوي إليهم بالمحبة أي لذريته التي أسكنها بواد غير ذي زرع ثم إلى ذراريهم إلى يوم القيامة وارزقهم من الثمرات ليكون ذلك عوناً على طاعتهم لك. ولما كان توسل إبراهيم إلى الله توسلاً شرعياً ويحبه الله ويرضاه استجاب دعاءه كما قال عز وجل: (أم لم نمكن لهم حرماً آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء زرقاً من لدنا 57 - القصص وهذا من لطفه وكرمه ورحمته فها إن الثمرات تترى على الحرم وأهله استجابة لدعاء إبراهيم عليه السلام وتجبى إليه ثمرات كل شيء من كافة أنحاء المعمورة فاللهم أوزعنا أن نشكر نعمتك ... وهكذا فقد علمت يا أخي المسلم أن التوسل المشروع سبب في استجابة الدعاء لا سيما إذا كان صادراً عن نبي كريم بل من أبي الأنبياء عليه الصلاة والسلام فلا شك أن ذلك كان تلقياً من الله تعالى وتعليماً منه لأن كل عمل يعمله النبي إنما هو وحي من الله سبحانه. وكلنا يعلم ... أن الأنبياء هم القدوة الصالحة لمن بعدهم وعندها يذكر الله القصة تلك: في القرآن فهو حض منه تعالى لعباده المؤمنين لأن يتقفوا خطوات الأنبياء في أعمالهم وعباداتهم ولأنهم المثل الأعلى للمؤمنين والأسوة الصالحة والقدوة الحسنة في كل شأن من شؤون دينهم ودنياهم ... فإلى هذه القدوة الصالحة والأسوة الحسنة ندعو المؤمنين ليكونوا حقا كما كانوا ... ويعودوا خير أمة أخرجت للناس. على أن هذه الخيرية على الناس لم تأتهم صدفة ولا اتفاقاً ولا رمية من

غير رام ... إنما كانت هذه الخيرية لما اتخذوا من كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - نوراً يستضيئون بهما في دياجير الشك والجهل فلما آمنوا وتعلموا بدلهم الله بحال خير من حالهم التي كانوا عليها فقد تبدل شكهم بإيمان ويقين وجهلهم بمعرفة وعلم فصاروا هداة للعالمين وصاروا إلى قيادة الدنيا وأهلها في الحق والهدى والخير وتذوق أهل الأرض على أيديهم طعوماً من الطمأنينة في العقيدة والراحة في العبادة والعدل في الأحكام لأنهم يحكمون بما أنزل الله (ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون /50/) المائدة.

الدليل الحادي عشر: ((قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي)) القصص

الدليل الحادي عشر قوله تعالى: قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم (16) القصص يحسن بنا من أجل أن نفهم مراد الله من هذه الآية الكريمة أن نستعرض الآية التي قبلها ... لكي نعلم ما هو الذنب الذي ارتكبه موسى عليه الصلاة والسلام والذي اعترف لله بأنه ظلم للنفس فطلب المغفرة منه؟ قال في الآية التي سبقتها: (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين /15/). فهم من هذه الآية الكريمة أن الذنب الذي فعله موسى صلوات الله وسلامه عليه هو قتل نفساً ما قصد قتلها إنما أراد أن ينتصر للذي من شيعته على الذي من عدوه المعتدي فوكزه والوكز عادة لا يؤدي إلى القتل إنما سبق الأجل

ومات الرجل من أثر وكزة موسى نفهم أنه عليه السلام لم يكن في نيته قتل الرجل ... لكنه قتل قضاءاً وقدراً ... وعلى كل فإن القتل صدر عن موسى عليه السلام خطأ .. وفي هذا ولا شك ذنب يقتضي الاستغفار لأنه ظلم نفسه بقتل الرجل وإن لم يكن عن قصد ... (قال ربي إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم). إن اعتراف موسى عليه السلام بأنه ظلم نفسه بقتله القبطي ... أجل إن هذا الاعتراف منه عمل صالح أراد أن يتوسل به موسى إلى ربه ليغفر له ذنبه وإن كان فعله له خطأ ... فإنه - على كل - ذنب يستلزم التوبة منه ولما أراد أن تكون التوبة منه مقبولة عند الله ليحصل على المغفرة منه قدم بين يدي توبته ودعائه واستغفاره عملاً صالحاً يصلح أن يكون سبباً شرعياً عند الله لقبوا التوبة وحصول المغفرة فاعترف بذنبه بأنه ظلم نفسه بهذا العمل الذي وقع منه ولو خطأ ... فقدم هذا الاعتراف وسيلة للمغفرة ... فتقبل الله منه ... وكان اعترافه عملاً صالحاً مقبولاً ... وأهلاً عند الله لأن يغفر الله له به (فغفر له) أي قبل توسله ومن قبول الله لتوسله فهم أن الاعتراف بالذنب عمل صالح يصلح لأن يكون وسيلة إليه تعالى وقربى منه وفهم أيضاً أن التوبة عند الله ترجح على الذنب وأن الاعتراف والندم توبة إليه تعالى مقبولة. ونود أن لا نغادر هذا الفصل ... قبل أن نتوقف - ولو قليلاً - عند الآية التي قبلها .. عند قوله تعالى: (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه .. ) هذه الآية التي يستدل بها بعض الناس ... على جواز الاستغاثة بغير الله ... ولا يحسبن القارئ الكريم أننا شذذنا عن البحث عندما ننتقل من بحث التوسل إلى الاستغاثة فأقول: لالا .. إننا لم نشذ عن البحث إنما نحن في صميمه ويجب علينا معالجته في مناسبته ... أخي القارئ المسلم الحبيب: تذكر أننا عندما نقول لأحد من الذين يجوزون الاستغاثة بغير الله ... يا أخي ... إياك أن تستغيث أو تدع أحداً أمامك ...

يستغيث بغير الله فإن الاستغاثة عبادة ... ولا يجوز صرفها إلا لله تعالى فيقول يا أخي إن هذا لا يستغيث بغير الله ... إنما يتوسل به إلى الله تعالى مع أنه يستغيث فعلاً بغير الله ولكن يريد أن يصرف مفهوم الاستغاثة إلى مفهوم الوسيلة ... تهرباً من المسؤولية التي تلحق به عند استغاثته هر بغير الله ... أو سكوته عن أحد ما ... استغاث أمامه بغير الله تعالى. ولم يعلم أن هذه المغالطة!! إنما يغالط بها ربه الذي يعلم الجهر وما يخفى والسر وأخفى فغلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء إنه بهذه المحاولة أوالمغالطة يريد أن يدفع عنه الانتقاد والنصح فحسب ... وإلا فإنه يجيز بلا شك ولا ريب الاستغاثة بغير الله تعالى ... ولكنه يريد أن يتهرب من الإدانة فيختبئ وراء الوسيلة ليبرر بزعمه عمله ودليلنا على أنه يجعل الوسيلة تكأة لتبرير استغاثته بغير الله هو استدلاله بقوله تعالى: (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) ويقول: أرأيت كيف تجوز الاستغاثة بغير الله ... ؟ فهذا الاسرائيلي استغاث بموسى على القبطي فأغاثه موسى .. ولم ينبهه موسى عليه السلام إلى عدم جواز استغاثته به بل كان عليه أن لا يستغيث بموسى عليه إنما يستغيث بالله وحده ... !!! فسكوت موسى عن استغاثة الاسرائيلي ... بل واغاثته فعلاً دليل واضح على جواز الاستغاثة بغير الله ... فأقول: هذه إما مغالطة ثانية أو جهل مطبق من هذا المتفلسف الذي يدافع عن الزندقة والشرك والكفر بلا علم ولا كتاب منير. وأرجح أنه كما يقول العامة من عندنا (غشيم وشيطان) بأن واحد نحن لا يهمنا مهما كانت منزلته الإبليسية أو الغبائية ... فإنه هو الذي سيحمل وزره وأوزار من يضلهم ... إنما المهم في الأمر أن نسعى مخلصين لإظهار الحق له ولغيره ومن نشاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. ولا يمنعنا أحد عن الجهر بالحق. لا حجة للجهال الذين يحتجون باستغاثة الإسرائيلي بموسى عليه الصلاة والسلام على جواز الاستغاثة بغير الله مع علمهم بأن استغاثة الإسرائيلي بموسى عليه الصلاة والسلام هي استغاثة مخلوق بمخلوق في أمر يقدر على تنفيذه المستغاث به.

أي إغاثته من القبطي وقد فعل ... فكيف تحتجون به على جواز استغاثة مخلوق بمخلوق في أمر لا يقدر عليه إلا الله وحده كالمغفرة وجلب الرزق وتفريج الكروب وما إلى ذلك .. ؟ فشتان بين الاستغاثتين!! لأن الأولى استغاثة عادة ... ويمكن أن يفعلها أي إنسان لأن ذلك مقدوره وفي حدود طاقته ... أما الثانية أي الاستغاثة فيما لا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى فهي استغاثة عباده. فمن صرفها لغير الله تعالى فقد وجه عبادة لغيره ... وهذا والعياذ بالله .. هو الشرك الأكبر. فإذا فهم هذا .. وضح الفارق بين الاستغاثتين ولا قياس مع الفارق كما هو معلوم والله الموفق للصواب. أرأيت يا أخي كيف يخلطون - خبثاً أو غباء - بين الاستغاثتين لينصروا الباطل على الحق ... ؟ تراهم يفسرون الاستغاثة بالوسيلة ... ولا وجه في المشابهة بينهما قطعاً، وليست الاستغاثة هي الوسيلة أبداً لأن لكل معنى مستقلاً دون الآخر فالاستغاثة يتم حصولها بوجود شيئين فقط وهما: المستغيث والمستغاث به أما الوسيلة فلا تتم إلا في وجود ثلاثة أشياء: المتوسل والمتوسل به والمتوسل إليه فكيف يمكن أن نقول الاستغاثة هي الوسيلة .. ؟!! وقد علمنا الفارق بينهما .. ؟ ولكن برغم كل ذلك .. فلا يزال الخصوم - هداهم الله يتمسكون بهذا التفسير المغلوط برغم وضوح الفارق بينهما!!! فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم ج نستميح عذراً من القارئ المسلم العزيز لا ستطرادنا بالبحث ... وسيعذرنا القارئ ولا شك .. ما دمنا نحاول أن نبين واقعاً مؤلماً يعيشه قسم لا يستهان به المسلمين وأمراً باطلاً يتمسك به المغرضون .. !!؟ برغم بيان الحجة ووضوح المحجة وسطوع الحق متلألئاً كالشمس ولكن الغرض مرض والعياذ بالله تعالى. ندعوه تعالى أن يقينا وإياهم والمسلمين عامة من شره ويجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ...

الدليل الثاني عشر: ((قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا)) الأعراف

الدليل الثاني عشر قوله تعالى: قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين (23) الأعراف هذه كلمات طيبة في آية كريمة طيبة هي الكلمات التي تلقاهن آدم من ربه والتوسلات التي لقنهن الله آدم لتكون سبباً في التوبة عليه وعلى زوجه قال الله تعالى: (فتلقى آدم كلمات من ربه فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم). ... (37) البقرة روى مجاهد وسعيد بن خبير وأبو العالية والربيع بن أنس والحسن وقتادة ومحمد بن كعب القرظي وخالدان بن معدان وعطاء الخرساني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه هي: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) أي أن هذه الآية إنما هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه أي هو الذي أملاها عليه وأمره أن يدعو بها هو وزوجه حواء فكانت توسلاً منهما إليه تعالى قدر بسببها التوبة عليهما والمغفرة. وإن التوسل الظاهر في هذه الآية هو: الاعتراف بالذنب والخطيئة ... ولا شك أن الاعتراف بالذنب عمل صالح جليل وأقرأ بأنهما ظلما أنفسهما والإقرار بالذنب وظلم النفس كذلك عمل صالح جليل وندما على ما فرطا من العمل الذي كان سبباً في حرمانهما الجنة ... والندم ولا شك توبة وما دام الله هو الذي علم آدم هذه الكلمات وتلقاها منه ... دل ذلك على أن هذا التوسل هو التوسل المشروع وهو المتلقى عن الرب جل وعلا وهو الذي قدر أن يكون سبباً في للتوبة والمغفرة ومما لا شك فيه ... أن هذا ليس خاصاً بآدم فقط

إنما هو باق في عقبه ونسله المؤمنين إلى يوم القيامة. ولم يذكره الله تعالى في القرآن إلا ليحث المؤمنين أن يتوسلوا إليه بالعمل الصالح والقرآن والسنة مليتان ولا شك بالأدلة والأمثلة على ذلك. إذاً فآدم عليه السلام لم يتب الله عليه ... قبل أن توسل إليه تعالى بعمله الصالح من اعترافه وإقراره بالذنب والخطيئة وطلب المغفرة من الله (فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) أي تاب عليه وعلى زوجه أي أنه يتوب على من تاب وإليه وأناب وهذا من رحمته بعبيده. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قال آدم عليه السلام: ألم تخلقني بيدك؟ قيل له بلى. ونفخت في من روحك؟ قيل له: بلى. وكتبت علي أن أعمل هذا .. ؟ قيل له: بلى. قال أفرأيت إن تبت هل أنت راجعي إلى الجنة؟ قال: نعم. وكذا رواه العوفي وسعيد بن جبير وسعيد بن معبد ورواه الحاكم في مستدركه إلى ابن عباس. هذا ما أخبرنا الله في كتابه من توسل آدم وزوجته باعترافهما بذنبيهما وطلبهما المغفرة على الشكل الذي أمرهما الله به فكان هذا التوسل سبباً في حصول التوبة والمغفرة واستجابة الدعاء. أما ما يقوله ((المغرضون ... )) من أنه توسل وقتئذ بالرسول الأعظم محمد صلوات الله وسلامه عليه فهذا مما لم يثبت به دليل من قرآن أو سنة صحيحة بل اعتمد القائلون ذلك على أحاديث لا أساس لها من الصحة وهي موضوعة مكذوبة وأعلى ما فيها درجة الحديث الشديد الضعف (¬1). وإننا نتساءل: ما هو السر في استناد القائلين بجواز التوسل إلى الله بمخلوقاته، إلى أحاديث مكذوبة وموضوعة والشديدة الضعف وإلى آراء من سبقهم في نحلتهم تلك ... بينما نرى السلفيين لا يستندون في أقوالهم إلا على أحاديث صحيحة ومتفق عليها بين المحدثين؟ والغريب جداً أن الذين نصبوا أنفسهم خصوماً لدعوة السلف يعترفون بأن حجج خصومهم على ¬

(¬1) راجع التفاصيل في الصفحة 220 - 228 في معالجة التوسل الممنوع من هذا الكتاب.

جانب عظيم من الصحة ويشهد لها القرآن وكتب الحديث المعتمدة وفي الوقت ذاته لا يتبعونها بل يردونها ويناصبون الداعين لها شديد العداء ويعملون بخلافها وهم يعلمون أنهم لا يستندون إلا إلى الأحاديث المكذوبة والموضوعة والشديدة الضعف فلماذا هذا الموقف من دعوة الحق وأهلها .. وهم يعلمون ... !!!؟ هذا سؤال ندع الجواب عليه إلى القارئ المسلم الكريم .. [اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وحببنا فيه. وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه وكرهنا فيه].

الدليل الثالث عشر: ((وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله)) يونس

الدليل الثالث عشر قوله تعالى: وقال موسى يا قوم إن كنتم ءامنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين (84) فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين (85) ونجنا برحمتك من القوم الكافرين (86) يونس التوكل على الله عبادة عظيمة له سبحانه والتوكل عليه يجب أن يكون في كل شيء ومن توكل عليه تعالى حق التوكل لا يخيب في أي مسعى يسعاه في دنياه وآخرته ... ولكن يجب أن يكون مرافقاً للعمل والأخذ بالأسباب فإن من يتكل على الله في دخول الجنة ولا يعمل لها عقيدة وعبادة وعملاً فلن يدخلها! وكذلك في كل شأن من شؤون الدنيا والآخرة فيجب لكل عمله على أن لا نعتقد أن أعمالنا هي التي تفضي إلينا بالنجاح وحدها بل بتوفيق الله تعالى ورحمته.

فمثلاً أنا لا أربح بتجارتي ولا أوفق بزراعتي ولا أفوز في أي ربح بمجرد خبرتي وعلمي فحسب ... بل يجب أن يكون هذا موفوراً بتمامه وأتوكل على الله في الفوز بما أتمناه ولهذا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[((لا يدخل أحدكم الجنة بعمله)) قالوا ولا أنت يا رسول الله. قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته))] فلا يصبح العمل بلا توكل على الله كما لا يصح التوكل بلا عمل فعندها يكون تواكلا لا توكلاً ويتمنى صاحبه على الله الأماني دون أن يأخذ بأسباب نيل الأماني ... قدمنا هذه الكلمة بين يدي البحث لنعلم نوعية التوكل الذي يرضاه الله فهو سبحانه يحب التوكل لا التواكل وهذا ما أمر به أنبياءه أن يبلغوه عباده .. ولم يحض نبياً به ويستثنى آخراً منه بل أوصاهم جميعاً بالتوكل عليه. وهذا موسى عليه الصلاة والسلام يخبرنا الله عنه: (وقال موسى لقومه يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين) أي إن كنتم آمنتم بالله حقاً في جميع صفاته وأسمائه فيلزمكم هذا الإيمان أن تتوكلوا عليه سبحانه في كل أموركم لأن تمام صفات المؤمن المسلم أن يتوكل عليه وهو الذي يعلم ما كان وما يكون وما هو كائن منه إلى يوم القيامة فخليق بهذا الإله العظيم الذي له هذه الصفات الكاملة التامة أن تسلم أمورك إليه مع مراعاة ما أمرك به من العمل وقول موسى عليه الصلاة والسلام: (إن كنتم مسلمين) أي إن اتخذتم الإسلام ديناً ومبدأ يجب إلزاماً أن تظهر آثار إسلامكم عليكم فتسلموا أموركم إليه وتتوكلوا عليه وتطمئنوا إلى نتيجة ما يقدره الله عليكم وترضوا بذلك ظاهراً وباطناً وهذا التسليم هو أحد معاني الإسلام. فما كان من قومه المؤمنين إلا أن استجابوا: (فقالوا على الله توكلنا) فنالوا بقولهم أجرين على عملين صالحين الأجر الأول: طاعتهم لأمر نبيهم بالتوكل على الله وهذه الطاعة لنبيهم عمل صالح ولا شك والأجر الثاني: توكلهم بالفعل عليه تعالى أي تنفيذ عملية التوكل على الله ولا شك أن التوكل عليه سبحانه عبادة مباشرة لله تعالى وأنه جل وعلا أهل لذلك فرفعوا هذين العملين إلى

الله تعالى وسيلة بين يدي دعائهم إليه فلم يدعوا إلا أن قالوا (على الله توكلنا) مستحضرين المعنيين السابقين ودعوا: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) أي لا تنصرهم علينا فيظنوا أنهم إنما نصروا لأنهم على الحق ونحن على الباطل فيفتنوا بذلك ... ويفتن المؤمنون بدينهم. فانظر يا أخي المسلم أن مؤمني قوم موسى توسلوا - بأمر نبيهم عن أمر الله - بأعمالهم الصالحة التي هي طاعتهم لنبيهم وتوكلهم على ربهم وجعلوها قربات إليه بين يدي دعائهم ثم دعوا الله ألا يجعلهم فتنة لعدوهم ولا فتنة لأنفسهم ... هكذا علمهم نبيهم ورسوله عبد الله موسى عليه الصلاة والسلام الذي ما ينطق عن الهوى ... فإنه هو وسائر الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم وأذكى التحية إنما يوحى إليهم ... فلا يقولون شيئاً استقلالاً من عند أنفسهم بل إنما هو الوحي الإلهي ... يتنزل عليهم منه سبحانه وتعالى وتبارك وتقدس. فمن هذا ... نعلم أن موسى عليه الصلاة والسلام لما قال لهم: ( ... إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين) ما قاله من عند نفسه، إنما بوحي وأمر وتعليم من الله تعالى. إن قوم موسى عليه الصلاة والسلام استجابوا لأمر نبيهم فتوكلوا على الله سبحانه ودعوا متوسلين إليه تعالى باستجابة أمر نبيهم وطاعتهم له وبتوكلهم الفعلي على ربهم تبارك وتعالى أن ينصرهم على عدوهم ولا ينصر عدوهم عليهم. فما ظنك يا أخي المسلم ... ما ظنك بالله تعالى .. ؟ أتراه سبحانه يستجيب دعاءهم وينصرهم على أعدائهم ... ؟ أم أنه لا يفعل ... !!! لا بل أنه سيفعل ويستجيب ... وإنه قد استجاب ... إنه هو السميع المجيب. نعم نعم ... إنه قد استجاب دعاءهم ... ونصرهم على عدوهم نصراً عزيزاً مؤزراً وحسبهم من هذا النصر المحجل المبين ... أنه لم ينجهم من فرعون وأسره وإذلاله ومن اضطهاده لهم فحسب ... بل أغرق لهم عدوهم فرعون

بقضه وقضيضه وتاجه وصولجانه ... وكامل عدده وعدته وعدده العديد ... !!! وأعينهم تنظر ذلك ... وتشتفي صدورهم بل وكل ذرة من ذرات وجودهم بذلك المصير الذليل والخاتمة المقهورة ... مصير فرعون الظالم المسرف وخاتمة ذلك المتغطرس المتأله ... !!! وهو يغرق بكامل جيشه. فقد أذله الله وقهره وأورث الله موسى وقومه الأرض من بعده يتبوؤنها بما فيها من مخلفات وخيرات وجنات وعيون .. (فأخرجناهم من جنات وعيون (57) وكنوز ومقام كريم (58) كذلك وأوثناها بني إسرائيل (59) الشعراء) وما ذلك إلا بفضل الله ومنته وكرمه ورحمته. أرأيت يا أخي المسلم الحبيب كيف ينصر الله عباده المؤمنين ويستجيب دعاءهم لما توكلوا عليه ثم رفعوا توكلهم على ربهم وطاعتهم لرسوله وسيلة إليه تبارك وتعالى لا ستجابة دعائهم ... ؟ هذه أمثلة حية رائعة ناطقة بالحق والصدق يسوقها الله تعالى في قرآنه خاتم الكتب لا للمرور بها مر الكرام دونما عظة أو اعتبار بل للتأسي بمن كانوا قبلنا بأعمالهم الصالحة وتوسلاتهم بها إليه تعالى. فهيا أيها الأخوة المؤمنون هيا يا أهل القرآن نلتزم بما التزم به المؤمنون من قبلنا ... وهيا للعمل الصالح المرضي المقبول ... نعمله مطمئنين ونرفعه إلى الله متوسلين به إليه واثقين بالإجابة. اللهم اجعلنا بفضلك ومنك وكرمك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنك يا مولانا سميع قريب مجيب الدعاء والحمد رب العالمين.

الدليل الرابع عشر: ((إذا جاء نصر الله والفتح)) النصر

الدليل الرابع عشر قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم إذا جاء نصر الله والفتح (1) ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً (2) فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً (3) ... النصر روى البخاري عن ابن عباس: [كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه ممن قد علتم ... فدعاني ذات يوم فأدخلني معهم فما رأيت أنه قد دعاني يومئذ عليه إلا ليريهم ... فقال: ما تقولون في قول الله عز وجل: (إذا جاء نصر الله والفتح) ... ؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا وسكت بعضهم ولم يقل شيئاً فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا ... فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلمه له قال: (إذا جاء نصر الله والفتح) فذلك علامة أجلك ... (فسبح بحمد وبك واستغفره إنه كان تواباً) فقال عمر بن الخطاب: لا أعلم منها إلا ما تقول] تفرد به البخاري. روى الإمام أحمد عن ابن عباس، قال: [لما نزلت: (إذا جاء نصر الله والفتح) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((نعيت إلى نفسي)) فإنه مقبوض في تلك السنة].

على أن المعنى الذي فسره أهل بدر في مجلس عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - أجمعين كما تقدم ... هو معنى مليح صحيح وقد ثبت له شاهد من صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة وقت الضحى ثماني ركعات فقال قائلون: هي صلاة الضحى. وأجيبوا: بأنه لم يكن يواظب عليها في الحضر فكيف صلاها ذلك اليوم وقد كان مسافراً ... ؟ ولم ينو الإقامة في مكة؟! ولهذا أقام فيها قريباً من تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة ويفطر هو وجميع الجيش والصحيح أنها صلاة الفتح. قدمنا بين يدي فهمنا لمراد الله تعالى من هذه السورة الكريمة لتسهيل فهو الشاهد منها تفسيراً مختصراً يعيننا على توضيح ما نود توضيحه من الاستشهاد بهذه السورة الكريمة على التوسل بالأعمال الصالحة من التسبيح والتحميد والاستغفار استدراراً لمغفرته سبحانه وتعالى فإنه هو الغفور الرحيم والتواب الكريم لا إله غيره ولا رب سواه. كانت هذه السورة المباركة آخر سورة نزلت من القرآن الكريم وهي كما قال ابن عباس ووافقه عمر .. نعي لنفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد قرب أجله صلوات الله عليه وسلامه وأوشك أن يلتحق بالرفيق الأعلى لانتهاء مهمته في الدنيا فيهأه الله للقدوم عليه ... فالآخرة خير له من الدنيا ولسوف يعطيه ربه فيرضى لذا أمره تعالى أن يجعل خواتيم عمله مع فرائضه التي افترضها الله عليه التسبيح والتحميد والاستغفار استدراراً للتوبة والمغفرة وإن كان - صلى الله عليه وسلم - مغفوراً له سلفاً ولكن ليبقى دائماً عبداً شكوراً وفي هذا ولا شك تعليم لأمته أن تصنع مثلما يصنع ... فالمغفور له من ذنبه ما تقدم وما تأخر مكلف أن يسبح ويحمد ويستغفر ... فما أحرانا نحن بذلك. ومن يمعن النظر في هذا الأمر من طلب التحميد والتكبير والاستغفار ير إن الله ما يطلب منا ذلك إلا توسلاً بها أي بالتحميد والتسبيح والاستغفار إليه تعالى لتكون سبباً لتوبة الله على المستغفرين فلولا أن يعلموا أن الله أهل للتحميد والتسبيح والاستغفار ما فعلوا ذلك فعلمهم به دفعهم إليه فقد علموا أن الله سبحانه وتعالى أهل لكل ذلك،

وفوق ذلك فله الحمد في الأولى والآخرة وهو المستحق وحده لهذه العبادة ... فإن هذا التحميد والتسبيح والاستغفار أراده الله وسيلة يتوسل بها عبده ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن ورائه أمته لتكون سبباً مشروعاً لمغفرة الله تعالى وتوبته على عباده المؤمنين فليكثروا من ذلك فإنه عمل يحبه ويرضاه ويجب أن يرفع إليه دائماً ... وما ذلك إلا ليجزينا سبحانه بأحسن ما كنا نعمل ... تفضلاً منه وامتناناً وكرماً إنه الكريم المنان ذو الفضل والمنة والنعمة. فهيا أيها الأخوان المؤمنون المسلمون: سراعاً إلى مثل هذا العمل الصالح نعمله ونرفعه إليه تعالى متوسلين به إليه جل جلاله ليغفر لنا ويتوب علينا ويرحمنا ويعيد إلينا عزتنا وترجع إلينا دولتنا فنحكم بكتابه وبسنة سيد خلقة وأحبابه ونعود إلى ما كنا عليه هداة مهديين خير دعاة إليه في العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه ومن والاه وتبع هداه إلى ما شاء الله. لقد وضح بلا شك ... مما جاء في الصفات المتقدمة من هذا الفصل: ((توسل المؤمن إلى الله بأعماله الصالحة وأدلته من القرآن الكريم)) أن في القرآن الكريم حثا من الله تعالى لعباده على أن يتوسلوا إليه بالأعمال الصالحة التي عملوها لوجهه تعالى خالصة له لتكون سبباً لاستجابة الدعاء وبلوغ المطلوب ولو أردنا أن نستشهد بكل ما جاء في القرآن الكريم من الآيات لضاق به هذا المؤلف ولكننا أثبتنا طائفة منها كشاهد على صحة ما تذهب إليه. ولما كانت السنة الصحيحة مفسرة للقرآن فقد ورد فيها: أحاديث في الحض على التوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة التي فعلها المؤمن ... ولو أنعمنا النظر لرأينا الحض على التوسل بالأعمال الصالحة إليه ... إنما هو في الحقيقة حض على فعل الأعمال الصالحة نفسها إذ هل يمكن أن تتوسل إلى الله تعالى بأعمالك الصالحة إذا لم يكن لك عمل صالح مهما كان صغيراً؟ الجواب: كلا

لا يمكن إذاً فالمراد م الحض والحث على التوسل بالعمل الصالح إنما هو في الحقيقة كما قلنا آنفاً ... حض وحث على العمل الصالح نفسه حتى ترفعه إلى الله تعالى وسيلة إليه يحفها منه تعالى الرضا والقبول فهيا للعمل الصالح وهيا للتوسل به إليه تعالى .. وما دام المقصود وجهه سبحانه فالعمل الصالح عبادة له تعالى والتوسل به إلى الله تعالى عبادة له أيضاً تقربنا إليه سبحانه وتدنينا من رحاب مغفرته جل جلاله ولا إله غيره ولا رب سواه.

3 - توسل المؤمن إلى الله تعالى بأعماله الصالحة

توسل المؤمن إلى الله تعالى بأعماله الصالحة وأدلته من السنة الصحيحة

توسل المؤمن إلى الله تعالى بأعماله الصالحة وأدلته من السنة الصحيحة في السنة المطهرة ... أمثلة رائعة لا تحصى ... في الحض على التوسل إلى تعالى بالأعمال الصالحة لا تكفي لا ستيعابها هذه الصفحات المعدودة ولا تتسع لها هذه الورقات المحدودة ... إنما المقصود إيراد الأمثلة والأدلة ليحصل الاقتناع ونحظى بالطمأنينة. وسأحاول أن أضع بين يديك يا أخي المسلم الكريم باقة زكية من حقلها الكبير الفواح وعساني أوفق إلى تقريبها إليك وإدنائها منك لتقطف أنت وبيدك جناها العبق فتنتعش النفس بأريجها العطر ويشعر القلب بالسكينة وينبض باليقين من شذى ريحها الطيب ولن تصبر على الانفراد بالاستمتاع بها وحدك ... فستدنيها من غيرك ليتنسم عرفها أيضاً فيشعر بما شعرت به قبله ... إذ ليس التمتع بلذة فحسب ... إنما يكون تمتعاً أشهى وألذ ... عندما ترى غيرك يشاركك هذه اللذة الغامرة، ويوافقك صادقاً على ما حكمت عليه من الحكم السليم ... بصلاحيته وأحقيته ... وبخاصة .. إذا كان هذا التصديق والموافقة ... بتأثير منك. ولولا هذا ... ما انتشر العلم ولا عمت المعرفة ... ولحبس العالم علمه في صدره ومات العلم بموت العلماء ولكنها حكمة الله العلي القدير الذي جعل

في عمل الخير لذة ... وفي إذاعته ونشره لذائذ ... لا يشعر بها إلا من عاناها وكابدها بعظيم أثرها ووافر بهجتها في الروح والبدن. اللهم فلك الحمد كله على ما وهبت وأنعمت إنك أنت الحكيم العليم. جل جلالك وعز سلطانك وتبارك اسمك اللهم علمني العلم الذي لا جهل معه وسلكني بفضلك صراطك المستقيم صراط الذي أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. والسنة - كما لا يخفى - لها قوة الاستدلال كما للقرآن ... إذ السنة شرع والقرآن شرع فكما أن القرآن وحي من عند الله فكذلك السنة وحي منه تعالى إذ كان جبريل عليه السلام ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن يعلمه إياها كما يعلمه القرآن ومصداق ذلك قوله صلوات الله وسلامه عليه: [والذي نفسي بيده بعثت بالقرآن ومثله معه] أي السنة ولا شك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) 3 - النجم. وهكذا فقد ثبت لديك يا أخي ... أن القرآن والسنة يستويان في الاستدلال وما أجمل عبارة ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه: ((إعلام الموقعين)) ج1ص/39 في تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) 59 - النساء قال رحمه الله تعالى: (((يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله وأعاد الفعل - أي قوله (وأطيعوا الرسول) إعلاماً بأن طاعة الرسول تجب استقلالاً من غير عرض ما أمر به على الكتاب بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقاً سواء كان ما أمر به في الكتاب أولم يكن فيه ... فإنه - صلى الله عليه وسلم - أوتي الكتاب ومثله معه ... ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالاً بل حذف الفعل - أي وأطيعوا .. - ولم يقل وأطيعوا أولي لأمر منكم - وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول إيذاناً بأنهم يطاعون تبعاً لطاعة الرسول فمن أمر منهم بطاعة رسول الله وجبت طاعته ومن بخلاف ما جاء به الرسول فلا سمع ولا طاعة كما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: [لا طاعة لمخلوق

الدليل الأول: ((علمني دعاء أدعو به في صلاتي ... ))

في معصية الخالق] وقال: [إنما الطاعة في المعروف] اهـ. آن لي أيها الأخ الحبيب في الله أن أضع بين يديك .. ما انتقيته لك من الأحاديث الدالة على شرعية التوسل بالأعمال الصالحة، والحض عليه من الرسول صلوات الله عليه وسلامه لا سيما ... إذا كان مما توسل به هو لنفسه - بأبي هو وأمي - أو مما علمه عليه الصلاة والسلام لأمته فأحر بنا نحن المسلمين من بعده ... أن نقتدي بفعله ونمتثل أمره وهديه فنتوسل كما كان يتوسل وندعوا كما كان يدعو ونطبق تماماً ما كان يأمرنا به من الحق والخير والهدى. الدليل الأول فعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال لرسوله - صلى الله عليه وسلم -[علمني دعاء ادعو به في صلاتي. قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم))] أخرجه الإمام أحمد بن حنبل والبخاري ومسلم والترمذي. لا شك أن العلم بالذنب انه ذنب مدعاة للتذكر بأن الله أعد للمذنبين عذاباً أليماً ومن عرض نفسه للعذاب الأليم يكون قد ظلمها ظلماً كثيراً باقترافه الذنوب. فعلم ذلك ... والمعرفة به يولد في النفس شيئين: 1 - الإقلاع عن الذنب، وعدم العودة إليه. 2 - الإسراع إلى التوبة إلى الله واستغفاره تعالى من الذنب. ومن أجل أن ترفع التوبة إليه تعالى لا بد قبل هذا ... أن تعترف بالذنب الذي اقترفته بأنه ذنب يقتضي التوبة إذ لولا الاعتراف بالذنب أنه وقع منك لا تسرع إلى التوبة والاستغفار وإذا كنت تظن أن هذا الذي وقع منك ليس ذنباً ... بل قربة!!! فلا تفكر بالتوبة ولا بالاستغفار حتى ولا بالإقلاع عنه ... !! وهذا ما لفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظر أبي بكر إليه وهو الاعتراف باقتراف الذنب

وظلم النفس فقال له: [قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً .. ] وهذا تعليم منه - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر ومن وراء أبي بكر يعلم الأمة جميعاً بالاعتراف لله تعالى فيكون حتماً ندماً ... والندم توبة ولا شك. فالاعتراف بالذنب عمل صالح أيضاً ... والتوبة إلى الله من الذنب عمل صالح كذلك. فقوله - صلى الله عليه وسلم -: [قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ... ] تضمن كل هذه المعاني التي تنم عن تلك الأعمال الصالحة. وقوله: [ولا يغفر الذنوب إلا أنت] هو معرفة واعتراف أيضاً بأنه لا يوجد في الأرض ولا في السماء ولا فيما بينهما أحد يغفر الذنوب إلا الله وهذا فيه توسلان: توسل باعترافه ومعرفته اللذين هما عمل صالح ثم علمه بأنه هو وحده غافر الذنب وقابل التوب هو توسل باسمه تعالى الغفار. ولولا علمه أنه غافر الذنب وحده لا شريك له وقابل التوب وحده لا شريك له لما استغفر ولا تاب إليه فاستغفاره والتوبة إليه علم منه بأنه وحده يطلب منه ذلك لأنه وحده القادر على ذلك وهذا الإيمان والعلم كذلك عمل صالح. أرأيت يا أخي كم تجمع في قوله: [اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت ... ] من أعمال صالحة وتوحيد باسمه التواب والغفار .. ؟ فبعد أن قدم دعائه كل هذه التوسلات بالأسماء والصفات والأعمال الصالحة شرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمه بعد ذلك الدعاء: [ ... فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم] قف يا أخي قليلاً عند هذه ((الفاء)) من قوله: ((فاغفر لي)) وأمعن النظر جيداً ... واستوضح ما فيها من معان ... تر ... إن هذه الفاء وحدها حملت كل المعاني التي تقدمت من التوسلات بالأعمال الصالحة وبالأسماء والصفات أي: فيما قدمت من اعترافي بذنوبي ومعرفتي وعلمي بها وندمي على ما فرطت وبتوبتي إليك وباستغفارك وبأنك أنت الغفار التواب ... اغفر لي بمغفرة من عندك وحدك لا شريك لك، وارحمني برحمتك التي وسعت كل شيء فإنك وحدك أنت الغفور وأنت الرحيم ولا يغفر ولا يرحم إلا

أنت ... ثم عاد مختتماً دعائه بتمجيده وتعظيمه بأنه وحده هو الغفور الرحيم. هكذا يعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر ومن ورائه الأمة كيف يتوسلون إلى الله بأعمالهم الصالحة حتى يغفر ذنوبهم ويرحمهم برحمته الواسعة هذا مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تعليم أمته كيف تدعو ربها سبحانه وتعالى وكيف تتوسل إليه جل وعلا في الملمات والشدائد لتعلم علم اليقين بأنه لا ينقذها ولا يفرج كرباتها ولا يغفر ذنوبها وزلاتها إلا هو وحده لا شريك له. هذه حقيقة مسلم بها بل هي أولى الحقائق ... فلا يعذر بالجهل بها أي مسلم ويجب أن تكون من بدهيات معلوماته الدينية ... وإلا فلا يكون إلا مسلماً تقليدياً ... لا يثبت على أمر من أمور دينه الذي هو عصمة أمره والجهل ما كان في يوم من الأيام عذراً مقبولاً عند الله تعالى لأن الجهل في العقيدة يؤدي إلى الكفر وصاحبه لا يدري إلى أين يقوده جهله. فليهرع المسلمون إذن ... إليه تعالى في كل ما يلم بهم من ملمات فلا يدعوا في الشدائد إلا الله تعالى ولا يتوكلوا إلا عليه ولا يستعينوا إلا به ولا يستغيثوا بأحد غيره ولا يصرفوا أية عبادة من سائر أنواع العبادات إلا له جل جلاله وتقدست أسماؤه لأنه تبارك وتعالى هو مستحقها وحده لا شريك له ولا يتوسلوا إليه سبحانه إلا بما علمهم في كتابه وفي سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبما حضهم عليه من التوسلات التي شرعها عز وجل وبلغنا إياها عبده ورسوله وخيرته من خلقه وصفوته من عباده أبو القاسم محمد صلوات الله وسلامه عليه وتحياته ورحمت وبركاته فإذا أردنا أن ندعوا الله تعالى فلا نتوسل إلا بها ... لتكون من الأسباب المقبولة لاستجابة الدعاء إليه وبلوغ ما نتمنى منه ... من توفيق في الدنيا والآخرة ونصر على الأعداء مع ضرورة الأخذ بالأسباب التي شرعها الله وبالعمل المأمورين به ... بعد التوكل عليه تعالى في كل ما نفكر وما نعمل (وعلى الله فليتوكل المؤمنون).

الدليل الثاني: ((يا فلان إذا أويت إلى فراشك فقل ... ))

الدليل الثاني قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عنه البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [يا فلان: إذا أويت إلى فراشك فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإن مت من ليلتك مت على الفطرة وإن أصبحت أصبت خيراً] أخرجه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي. فقوله - صلى الله عليه وسلم -: [يا فلان: إذا أويت إلى فراشك فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك .. ] أي إني أسلمتك روحي التي بين جنبي وأغمض عيني وكلي بين يديك واستودعك نفسي وأنت خير مستودع فأرحمها برحمتك يا أرحم الراحمين [وجهت وجهي إليك ... ] أي وليت وجهي قبلك مسلماً أمري إليك فأنت ربي ورب العالمين [وفوضت أمري إليك] أي تبرأت من حولي وقوتي وتدبيري وأمري كله بين يديك فأنت أرحم بي مني وأعلم فأقدر لي الخير كله إنك على كل شيء قدير [وألجأت ظهري إليك] أي وإنني عذت بك أن ينالني عدوي من خلفي فإنني الجأت ظهري إليك وإلى قوتك واحتميت بك ظاهراً وباطناً وما تسليمي نفسي إليك وتوجيه وجهي

إليك وتفويض أمري إليك، وإسناد ظهري إليك إلا رغبة في ثوابك ورهبة من عقابك. [ولا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك] أي أنني مؤمن بأنك أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت المعطي وأنت المانع وأنت المهيمن وأنت الرحمن الرحيم وأنت اللطيف الخبير وأنت العفو الغفور فلا ملجأ منك إلا إليك ولا منجى منك إلا إليك ولا فرار منك إلا إليك فأنت شديد العقاب والغفور الرحيم لا إله غيرك ولا رب سواك. [آمنت بكتابك الذي أنزلت] أي أنني آمنت وصدقت بما أنزلت على عبدك ورسولك محمد من الكتاب المبين والحب المتين والصراط المستقيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد آمنت بحلاله وحرامه وبكل ما جاء فيه جملة وتفصيلاً وأنني عامل بما آمنت به صادع بالحق الذي آليت على نفسي أن أصدع به وأنشره ما استطعت إلى ذلك سبيلاً وأصبر على كل أذية تلحقني من أجل ذلك مبتغياً في كلا ما أعمل وجهك يا ذا الجلال والإكرام وأرجو منك لا من أحد سواك الثواب وأخشى منك لا من أحد غيرك أن ينزل بي أي عقاب أنت المعبود بحق السموات والأرض وحدك لا شريك لك. [وبنيك الذي أرسلت] أي آمنت وصدقت أيضاً بعبدك ورسولك محمد خير خلقك وصفوتك من عبادك آمنت بنبوته ورسالته وأنك أنت الذي أرسلته رحمة للعالمين أشهد أن طاعته من طاعتك ومحبته من محبتك وهداه من هداك ولا أتبع أحداً إلا على نور شريعته ولا أقبل حكماً إلا على هدي سنته وضياء محجته التي لا يزيغ عنها إلا هالك إنه تبيي ورسولي وقرة عيني وحبيبي أشرف الخلق وأفضل العباد عبدك ورسولك محمد اللهم أحيني على سنته وأمتني على شريعته واحشرني على ملته واسقني من حوضه تحت لوائه وتحت ظلك يوم لا ظل إلا ظلك يا رب العالمين. هذه هي معاني بل مختصر هذا الحديث الجليل هذه المعاني السامية الهادية ... يود ويرغب إليك يا أخي المسلم نبيك ورسولك وحبيبك وقرة عينك محمد أن تدعو الله تعالى بها عندما تأوي إلى فراشك وتسلم نفسك إلى

ربك تجني من ورائها الخير العميم والفضل العظيم واصغ يا أخي إلى صوته الحبيب وكأنه إلى الآن يهمس بأذنك: [فإن مت من ليلتك مت على الفطرة وإن أصبحت أصبت خيراً .. ] أي إن قدر الله وفاتك فتكون قد توفيت على الفطرة أي على الإسلام والإيمان وينتظرك من عطاء الله ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ... وإن رد الله نفسك إليك وأصبحت من الأحياء أصبت رحمة وخيراً من الله ونعمة وبركة ورضا. وضعت أمامك يا أخي شرحاً وجيزاً لهذا الحديث المتقدم ولعلك تسألني: أين يكمن الدليل في هذا الحديث على التوسل فيه إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة فأقول: ما قولك بتسليم نفسك إلى ربك وتوجيه وجهك إليه وتفويض كل ما أمرك إليه وإسناد ظهرك إليه رغبة إليه ورهبة منه وتبرئك من حولك وطولك إلى حوله وطوله وقوته ... فاعترفت أنه لا ملجأ ولا ومنجى منه إلا إليه ... أجل ... ما قولك بهذا كله أليس عملاً صالحاً تقدمه إلى الله تعالى وتتوسل به إليه؟ بأنه إذا قبض نفسك أن يقبضها على الإسلام والإيمان ويهبك الجنة بما فيها من لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ... وإن رد إليك نفسك وأصبحت معافى أصبت من الله خيراً في دينك وديناك وروحك وبدنك إنه توسل عظيم جداً بأعمالك الصالحة المخلصة لوجهه الكريم ليعطيك الجنة إن قبضك ... أو يجعلك تصيب خيراً في دينك وديناك وهذا ما يثبت أيضاً رأفة ورحمة النبي الكريم الذي يدل أمته على الخير كله ويحذرها من الشر كله (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم /128/ فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم /129/) التوبة.

الدليل الثالث: ((إذا أوى أحدكم إلى فراشه ... ))

الدليل الثالث قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عنه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [إذا رأى أحدكم إلى فراشه فليأخذ داخله إزاره فلينفض بها فراشه فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه الأيمن وليقل: سبحانك اللهم رب بك وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرسلتها فاحفظها بما حفظت به عبادك الصالحين] أخرجه البخاري ومسلم. لعل هذا الحديث توضيح لمجمل الحديث السابق فقوله - صلى الله عليه وسلم -[إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه] أي ليزيل ما يؤذيه إذا كان يوجد شيء كحية أو عقرب ونحو ذلك فيمنع نفسه منه وقوله - صلى الله عليه وسلم -: [فإذا أراد أن يضطجع على شقه الأيمن لأن الشق الأيمن أبرك ... ثم أهنأ في الاضطجاع عادة وكأن هذا يريح جوفه فلا يضغط على القلب مثلاً فيسبب بعض الأضرار الجسمية كالضيق في الصدر والنفس كما يريح المعدة من الضغط

عليها أيضاً ... وفوائد أخرى طبية ليس هنا محل ذكرها ... وقوله - صلى الله عليه وسلم -: [وليقل: سبحانك اللهم رب بك وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي -أي روحي - فاغفر لها وإن أرسلتها فاحفظها بما حفظت به عبادك الصالحين] والمعنى: أنني أنزهك يا رب وأمجدك فإنني بك وبمعونتك وتوفيقك ومددك أضع جنبي على فراشي واضطجع مسلماً روحي إليك أنت حفيظي وحفيظها فإن أمسكتها عندك وتوفيتني اللهم فاغفر لي وأنني بك أي بمعونتك ومددك أرفع جنبي عن الفراش لأنك أنت الذي أرسلت لي روحي وأرجعتها إلي بعدما أستودعتك إياها فإن أرسلتها ... فاحفظها بمثل ما حفظت به عبادك الصالحين الذين أعنتهم على أنفسهم ووفقتهم للقول والعمل الصالح. هذا هو المعنى المجمل لهذا الحديث الكريم وإن وجه الاستشهاد به هو أن المضطجع في فراشه يختتم عمله اليومي بهذا الدعاء ... ولكنه قبل أن يدعو يوصيه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقدم بين يدي دعائه توسلاً إليه تعالي بتسبيح الله عز وجل وتنزيهه واعتقاده بأنه لا يضع جنبه على الفراش إلا بعون من الله تعالى ومدد منه جل وعلا وقوة وكذلك يرفعه .. فهو لا يستطيع أن يفعل شيئاً إلا بإمداد وقوة من الله الصادق ومعونة وتوفيق منه فلا شك أن مخاطبة الله تعالى بهذا والاعتقاد الصادق والجازم بذلك إنما هو قربة إليه وتوسل مقدم بين يدي الدعاء. فبعد أن أطاع نبيه بوصيته بأن ينفض فراشه بداخل ثوبه وأن يضطجع على شقه الأيمن ودعا الله وسبحه ومجده وعظمه ... فكل ما تقدم ولا شك عمل صالح منه ولما كان المعصوم عليه الصلاة والسلام أوصاه بذلك ... فهو حتماً حق وصدق وهو جزماً عمل صالح ولا شك فقرب هذا التوسل بالأعمال الصالحة قبل الدعاء ليكون وسيلة صالحة للاستجابة ثم شرع يدعو: [إن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرسلتها فاحفظها بما حفظت به عبادك الصالحين] ولا شك أن الله ما علم نبيه هذا التوسل والدعاء ... إلا ليستجيب دعاءه ويكون توسله واسطة مقبولة لهذه الاستجابة. هذه وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته فندبهم أن يفعلوا ذلك توسلاً ودعاءً

وليس أدل على صحة عمل ما من قول يأمر به رسول الله أو عمل يقوم به قدوة وأسوة لأمته لتتأسى وتعمل بموجبه تقرباً إلى الله تعالى أملاً ورجاء المغفرة ودخول الجنة وعوذاً من النار ومن عمل يؤهل الدخول وليس أدل على صحة عمل ما من قول يأمر به رسول الله أو عمل يقوم به قدوة وأسوة لأمته لتتأسى وتعمل بموجبه تقرباً إلى الله تعالى أملاً ورجاء المغفرة ودخول الجنة وعوذاً من النار ومن عمل يؤهل الدخول إليها اللهم نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين.

الدليل الرابع: ((كان رسول الله إذا قام بتهجد ... ))

الدليل الرابع دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام يتهجد قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما يقول: [كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام يتهجد قال: ((اللهم ربنا لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن ... ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق وقولك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت)) - وفي رواية - ((وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ولا إله غيرك - وفي رواية - ((لك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن)) - وفي رواية لمسلم - ((أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن))] أخرجه البخاري ومسلم. في هذا الحديث الشريف المتفق عليه يخبرنا حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما عن دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكيف كان يتوسل بالعمل الصالح بين يدي دعائه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم إن التوسل هنا جاء مزيجاً من التوسل ... بصفات الله وبأسمائه الحسنى والعمل الصالح فتمجيد الله بأسمائه وصفاته وإن كان في حد ذاته توسلاً بالأسماء والصفات فإنه لا يخرج أيضاً ... في الوقت نفسه عن أنه عمل صالح ولا شك لأن فعل التوسل بالأسماء والصفات ... هو عمل صالح كما لا يخفى إذ يخرج عمل الإنسان عن أن يكون عملاً صالحاً أو غير صالح فالعمل الذي يكون مطابقاً لأمر الله تعالى فهو ولا شك عمل صالح وما دام الله يحضنا على التوسل بأسمائه وصفاته طبق ما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن تنفيذنا لذلك حرفياً ... لا شك في أن الطاعة لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - كما لا شك

أن طاعتهما عمل صالح ... إذن ... فرسول الذي توسل بهذا الحديث المشتمل على التوسل بأسمائه وصفاته والعمل الصالح أصاب الأجرين وكل من يتأسى في ذلك من أمته فله الأجران أيضاً أي أجر التوسل بالأسماء والصفات وأجر التوسل بالأعمال الصالحة ... وكل حديث يماثل هذا الحديث باشتماله على الوسلين الآنفين ... فله حكم هذا الحديث من حيث أن له الأجرين ... ولعل هذا التفصيل فيه فائدة نرجو الله تعالى ألا تفوت أحداً من المسلمين ولهذا قدمناه بين يدي الكلام على هذا الحديث. يفتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توسله بحمد وأنه قيم السموات والأرض أي القائمات بأمره وله الحمد ثم يقر ويؤمن بأنه تعالى هو الحق ووعده للمؤمنين بالرضا والجنة وللكافرين بالسخط والنار لا شك أنه وعد حق ولسوف يبر به الفريقين ويؤمن بأن لقاء الله لعباده يوم البعث حق وقوله الذي أنزله على أنبيائه ورسله هو حق وصدق وبأن الجنة حق في وجودها والتنعم بها وأنها مثوى المؤمنين خالدين فيها أبداً وبأن النار حق في وجودها والعذاب فيها وأنها مثوى المشركين والكافرين وأنهم خالدون فيها أبداً لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون كلما نضجت جلودهم بدلهم الله جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب وبأن النبيين حق أرسلهم الله واسطة تبليغ للناس أوامر الله ونواهيه وبأن خلقهم وبأن خاتمهم وأفضلهم وأكرمهم على الله محمداً حق جاء بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فمن اتبعه نجا ومن أعرض عنه هلك وبأن الساعة حق وأنها آتية لا ريب فيها إن هذه الإيمان بكل ما تقدم هو العقيدة الملزم بها كل مسلم ... لا شك بأنه عمل صالح. ثم قال عليه الصلاة والسلام متوسلاً بإسلامه وتسليم أموره كلها لله تعالى وبإيمانه به وتوكله عليه وإثباته إليه. وأنه لا يخاصم أحداً إلا به ولا يحتكم لأحد إلا إليه تعالى. كل هذا الإيمان بالله وحده والثناء عليه ... وكل ما تقدم من التوسل المشروع بالأعمال الصالحة جعله واسطة بينه وبين قبول دعائه ... فبعد أن قدم كل ذلك شرع عليه الصلاة والسلام بالدعاء فقال عليه أفضل الصلاة وأتم التحية: ((فاغفر

لي ما قدمت وما أخرت وقوله: وما أخرت .. - هذا خاص به - صلى الله عليه وسلم - وما أسررت وما أعلنت - وفي رواية - وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ولا إله غيرك ... فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوسل بكل ما تقدم ليستجيب الله دعاءه مع أنه مستجاب الدعوة دون أن يتوسل ... ولكنه برغم ذلك ... لا نرى له دعاء إلا وسبقه توسل إلى الله تعالى ولن يخالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل ما يأمر أمته به أو فعل ما ينهاها عنه هذا أولاً ... وثانياً فإنه يعلم بفعله أمته لتتأسى به وتقتدي ما دام قد جعله الله أسوة هذه الأمة الحسنة وقدوتها الصالحة إذا فهذا فعله - صلى الله عليه وسلم - ... وتعليمه ... فليكونا الباعث إلى اتباعه في ذلك والعمل بموجبه دون تبديل أو تحريف أو تأويل ... أو تعطيل الحكم بتأويلات لا داعي لها ولا موجب طالما فعله - صلى الله عليه وسلم - واضح المعالم لا يحتاج إلى تأويل أو تبديل. وهذه سيرته - صلى الله عليه وسلم - واضحة جلية بينة وسنته سالكة هادية غنية عن كل تأويل أو تبديل أو تعطيل والحمد لله على ذلك في الأول والختام.

الدليل الخامس: ((دعاء سيد الاستغفار))

الدليل الخامس سيد الاستغفار قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عنه شداد بن أوس الأنصاري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [سيد الاستغفار أن يقول العبد: ((اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت وأبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي. فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)). من قالها في أول النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة. ومن قالها من الليل موقناً بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة] أخرجه الإمام أحمد، والبخاري، والترمذي والنسائي. يرشدنا نبينا ومحمد عبد الله ورسوله في هذا الحديث إلى صيغة استغفار نستغفر بها الرب الجليل تبارك وتعالى وتقدس كيف لا وإن هذا الاستغفار وصفه

الذي ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيد الاستغفار أي أجوده وأحسنه وأقربه إلى الإجابة من الله جل وعلا ذلك لما حوى من أسباب الاستجابة من توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات والعمل الصالح من معاهدة الله على البقاء على العهد والوعد بإخلاص العبادة لله والعوذ به من شر النفس وصنعها والاعتراف بنعمة الله والاعتراف بالذنب والاستغفار منه إليه سبحانه وتعالى لأنه ليس من أحد في الأرض ولا في السماء يستطيع أن يغفر الذنب إلا هو سبحانه جل وعلا. بدعي أن يرشدنا نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام إلى أفضل الأعمال وإلى سيد الاستغفار وإلى معالي الأمور فهو بنا الرؤوف الرحيم (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليه بالمؤمنين رؤوف رحيم) 128 - التوبة وبشرنا عليه الصلاة والسلام بأن من قالها في أول النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة. ومن قالها في الليل موقناً بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة. بأبي وأمي أنت يا رسول الله ما تركت لنا شيئاً يقربنا من الجنة من قول وعمل إلا وأمرتنا به وما تركت لنا شيئاً يقربنا من النار من قول وعمل إلا حذرتنا منه فجزاك الله عنا وعن الإسلام والمسلمين ما أنت له أهل صلى الله عليك وعلى آلك وأصحابك ومن تبعك بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. على أن لنا - ولا شك - شاهداً من هذا الحديث فيما نسوقه من أدلة صحيحة على أحقية ما نعالجه من موضوع التوسل المشروع ... وخاصة في بحثنا هذا .. من التوسل بالعمل الصالح فإن الناظر في هذا الحديث يتأكد تماماً مشروعية التوسل بالأعمال الصالحة لا سيما وأن الرسول صلوات الله وسلامه عليه ما يذكره لنا ولا يعلمنا إياه ... إلا ليلفت أنظارنا إلى ما فيه من التعليم والإرشاد إلى التوسل الذي جاء في هذا الحديث فسنوضحه لك يا أخي المسلم ... حتى يتجلى لك الدليل واضحاً والحجة ناصعة .. بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يدعو

إلا ويقرب بين يدي دعائه عملاً صالحاً يتقرب به إلى الله تعالى ثم يدعو وإليك البيان من هذا الحديث: يقول عليه الصلاة والسلام: سيد الاستغفار أن يقول العبد أي أحسن ما يمكن أن يقول العبد مستغفراً ربه تعالى: [اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت] أي أنت ربي الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمته لا رب لي سواك ولا إله لي غيرك أي لا معبود لي من دونك وكيف يمكن أن يكون لي معبود غيرك وأنت الذي خلقتني وأنعمت علي وتعهدت خلقي إلى أن صرت رجلاً وما زلت أتقبل بنعمتك ولا أزل فكيف أعبد سواك وهل يعبد غير الذي خلق وأنعم ... ؟ [خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أي ربي الذي خلقتني من العدم وسويتني بشراً سوياً وأنا عبدك عاهدتك أن لا أعبد سواك فأنا على العهد والوعد مقيم ولا أدخر وسعاً خاقته بي إلا وأبذله في طاعتك ومرضاتك فسأفرغ كل جهدي ووسعي في تنفيذ ما أمرتني به ... وأنت المطلع على النيات والمقاصد والخفايا [أعوذ بك من شر ما صنعت] أي أعوذ بك من شر نفسي وما يوسوس لها الشيطان من سوء العمل ويزينه لها اللهم إني أعوذ بك منه لا يدفعه عني إلا أنت [أبوء بنعمتك علي] أي اعترف بنعمتك الوافرة التي لا تعد ولا تحصى فنعمتك السابغة على التي أتلمسها في نفسي في كل لحظة ونفسي ما زلت غارقاً بها [وأبوء بذنبي] أي أعود معترفاً بذنبي وما بدر مني من الخطايا بأنني أنا الذي فعلتها ولا أنسبها إلا إلى نفسي لأنني أنا الذي فعلتها واقترفت شرها فالخير كله بيديك والشر كله ليس إليك وأنا فاعله ومقترفه. كل هذا الذي مر في هذا الابتهال من توحيده تعالى بربوبيته وألوهيته وبما عمل العبد من عمل صالح من إيمانه بخالقية الله وعبودية المخلوق وإفراده لله بالعبادة وحده وإقامته على عهد ووعد العمل بأوامر الله الانتهاء عن نواهيه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً واعترافه بنعمة الله عليه واعترافه بذنوبه لديه كل هذا ... قربه توسلاً إلى الله بين يدي دعائه وابتهاله إليه ثم شرع يدعو الله تعالى قائلاً: [فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت] أي مؤمناً إيماناً جازماً بأنه لا أحد يغفر أو يعفو إلا هو فاتجه إليه وطلب المغفرة منه وأنه قد عرف الحق

لأهله فكان هذا سبباً في قبول الدعاء وإعطاء السؤل وإجابة الطلب: (غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير) (2) غافر هكذا يا أخي المسلم الكريم فقد رأيت كيف يحرص النبي على أمته توجيهاً وتعليماً وإرشاداً فيوجهها خير وجهة ويعلمها أنفع علم ويرشدها إلى أقوم طريق وأهدى سبيل - صلى الله عليه وسلم - وجزاء عنا وعن الإسلام والمسلمين ما هو أهله وسلم تسليماً كثيراً. فإذا كان حرصه - صلى الله عليه وسلم - هكذا ... أفلا نكون متبعين بذلك لهديه - صلى الله عليه وسلم - لا سيما والمردود ولا شك ... مردود خير على أنفسنا ... فما أحرانا نحن أن نوجهها بتوجيهه الكريم وننفذها بتعاليمه الهادية التي لا يأتيها الباطل ونرشدها إلى سبيله الأقوم فيقودنا إلى ما يجب الله لنا ويرضى. ولا يهمنا بعد رضاء الله سبحانه أحد ... أما سخط الناس وحنقهم وغضبهم فهذا ما تعهد الله جل وعلا أن يكفينا مؤونته ... فهو الذي سيحق الحق ويعلي كلمته وينصر دينه ويجعل كلمته هي العليا ويلين لها القلوب والأفئدة [اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك].

الدليل السادس: ((حديث الغار))

الدليل السادس حديث الغار قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عنه ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [((انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى أواهم المبيت إلى غار فدخلوا فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم. فقال رجل منهم: ((اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران كنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا فنأي بي طلب شجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناماً فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أغبق قبلهما أهلا ولا مالا فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر - زاد بعض الرواة - ((والصبية يتضاغون عند قدمي)) فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة. فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منها)) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((قال الآخر: اللهم كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي .. فأردتها عن نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني وأعطيتها عشرين ومئة دينار على أن تجلي بيني وبين نفسها ... ففعلت. حتى إذا قدرت عليها ... قالت: لا يحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه فتحرجت من الوقوع عليها ... فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرتهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب ... فثمرت أجره ... حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين ... فقال لي: يا عبد الله أد لي أجري. فقلت: كل

ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق!!! فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي؟!! فقلت إني لا أستهزئ بك. فأخذه كله ... فساقه فلم يترك منه شيئاً اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه. فانفرجت الصخرة ... فخرجوا يمشون))]. رواه البخاري ومسلم والنسائي. هذا حديث نبوي شريف متفق على صحته يرويه - صلى الله عليه وسلم - عن الأمم المؤمنة السابقة وإنك لتعلم يا أخي القارئ المسلم أن من البدهي أن الإنسان لا يتكلم بكلام ... إلا ويكون له مناسبة وإن هذه المناسبة غالباً ما تلجئ المتكلم إلى إيراد شاهد يؤيد ما ذهب من رأي ... أو يورد الشاهد أولاً ... ثم يقارن به واقعاً في مجتمعه يود معالجته فيكون إيراد الشاهد عوناً له على إدخال ما يبغيه من مفاهيم في أفكار الناس حتى يؤيدوه ويتبعوا ما جاءهم به من نصح. إذاً ... فإن إيراد الشاهد إنما هو وسيلة إيضاحية يؤيد به المتكلم فكرته التي يدعو الناس إليها ... وإن إيراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث يمكننا أن نستنتج منه أحد الغرضين الآنفي الذكر ... أي إما أنه كان يبحث مع صحابته قضية التوسل أو سألوه عنها أو أنه رغب أن يعالج هذه القضية أي قضية التوسل ... ليسلك بالمؤمنين المسلمين السبيل الصحيح طالماً أن للمسلمين قرب عهد بالشرك فقد يكونون لقرب عهدهم هذا ... ما زلوا يتوسلون توسلاً جاهلياً غير مشروع فيخطئون من حيث لا يريدون ... كالحلف باللات مثلاً فقد كان المسلمون الحديثو عهد بشرك ... كانوا يحلفون بالات - سبق لسان - دونما أي تقصد ويعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك منهم ... فكان يقول: [من حلف باللات فليقل لا إله إلا الله] أي من حلف باللات ناسياً غير متقصد فكفارة ذلك أن يعقبها حالاً بقوله: لا إله إلا الله لأن الحلف عبادة فمن حلف بالله فقد عبد الله تعالى ومن حلف بغيره فقد عبد هذا الذي حلف به ... فلزم أن يفرد الله بالعبادة وحده فيقول: لا إله إلا الله. أي لا معبود إلا الله بمعنى أنني وجهت بقولي: (واللات) عبادة لغير الله فلا يكفر ذلك ... إلا أن أتبرأ من جديد من عبادة غير

الله أي قولي: (واللات) وأجدد إيماني بأنني لا أعبد إلا الله وحده لا شريك له فأقول: لا إله إلا الله أي لا معبود لي بحق في السماء والأرض إلا الله تعالى. فهمنا مما تقدم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أورد هذا الحديث إلا لموجب اقتضى إيراده لأنه - صلى الله عليه وسلم - حريص على أمته أن تسلك الطريق المستقيمة إلى العمل الصحيح وكل تخبط في الطريق مانع من الوصول إلى الغاية المتوخاة من العمل ولا شك في أن الأمم المؤمنة السابقة هم أسوة لنا في العمل المستقيم وليس أدل على استقامة عملهم من موافقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له بل وإيراده حجة له في معالجة ما يريد أن يعالجه وليكون أيضاً وسيلة إيضاح يستعين بها على إفهامهم مراده من الشاهد الذي يورده. هناك قاعدة شرعية تقول: (شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخه شرعنا) فالتوسل إلى الله تعالى بالوسائل الشرعية هو ... من لدن آدم أول الأنبياء إلى محمد خاتمهم صلى الله عليه وعليهم أجمعين وسلم تسليماً لم يتبدل ولم يتغير لصلته الوثيقة بالتوحيد كذلك هو لم يتبدل ولم يتغير إذ من غير المعقول أن يكون مطلوب الله التوحيد من أمم ... ثم يكون مطلوبه من أمم أخرى الشرك!!! فهذا مما لن يكون أبداً (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون (52) الأنبياء وعلى هذا الأساس الركين فإن التوسل بالعمل الصالح الذي يستشهد به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواية الأمم السابقة المؤمنة ... إنما كان شرعياً من قبل الله لكافة الأمم ولم ينسخه شيء ... لا سيما وإن شرعنا - القرآن والسنة - يؤكد من جديد على تحديد التوسل المشروع بأقسامه وأنواعه الثلاثة الآنفة الذكر في الأبحاث الماضية ويحث عليه المؤمنين ويجعله سبباً شرعياً لا ستجابة الدعاء. تعمدت يا أخي القارئ المسلم الكريم أن أمهد لك في بحثي المتقدم ... . تمهيداً مسهباً ولو بعض الشيء ... كيما أتعاون وإياك على فهم مراد الله ورسوله ... هذا من جهة ... ومن جهة أخرى أن أسد المنافذ على بعض الذين يودون أن يعرقلوا مسيرة الحق ... ويغطوا نوره للحؤول دون تسربه إلى القلوب

والأفئدة ... لعلهم يرجعون إلى الحق ويحاربون معنا عدونا إبليس لعنه الله هذا العدو الذي جاهر بعدائه بني آدم وأخذ بذلك عهداً على نفسه أمام ساعة لعنه وطرده. (قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين /39/ إلا عبادك منهم المخلصين /40/ قال هذا صراط علي مستقيم /41/ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من تبعك من الغاوين /42/ وإن جهنم لموعدهم أجمعين /43/ ... الحجر وها أناذا اشرع بالكلام على هذا الحديث بحديث الغار وأحاول أن أتطلع إلى مقصد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إيراده وذكره وروايته لأصحابه ... فأقول وبالله المستعان: لعل سائلاً يسأل كيف يروي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبراً عن الأمم السابقة المؤمنة وهو لم يعاصرهم ولا رواه له من عاصرهم ما دام بينه وبينهم زمن سحيق يقدر بآلاف السنين ... ؟!!! الجواب: سؤال ... من الذي أخبر - صلى الله عليه وسلم - عن قوم عاد وثمود وإبراهيم ولوط وغيرهم وما حل بهم ... ؟ سيقولون أخبره الله تعالى في قرآنه ... فنقول: وكذلك أخبره الله تعالى في السنة ... فالقرآن وحي والسنة وحي أيضاً ... إلا أن القرآن كلام الله والسنة ليست كلامه إنما كلاهما وحيان: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) /3/النجم. إذاً فهذا الحديث ... إخبار عن الله تعالى كغيره من الأحاديث التي ترد في مواضيع شتى ... والغرض منه إخبار أمته بأخبار الأمم فتحصل بذلك العظة والأسوة ولفت أنظار أمته - صلى الله عليه وسلم - أن يفعلوا كما فعل الثلاثة ... بعد أن أووا إلى الغار وأطبقت الصخرة فسدته عليهم ... فقالوا: لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم. وقد يسأل سائل آخر: من أين علموا أنه لا ينجيهم إلا الدعاء بصالح أعمالهم؟

الجواب: إن مثل هذا القول الذي قالوه ... لا بد أن سمعوه من نبيهم في ذلك الحين ... أو من آبائهم الصالحين عن نبيهم .. لأن علمهم هذا لا يعرف إلا من مشكاة النبوة كما يفهم أن قائليه مؤمنون ... ولولا ذلك ما استشهد به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وندب أمته أن يعملوا عملهم أي يتوسلوا إلى الله تعالى بأعمالهم الصالحة إما حز بهم أمر أو حلت بهم شدة أو نزل بهم كرب. أما الأول: فقد توسل إلى الله ببره لوالديه وتفضلهما على أهله وأولاده ونفسه أما الثاني: فقد توسل إلى الله بعفته عن الحرام وعن الوقوع في الفحشاء مخافة الله. أما الثالث: فقد توسل إلى الله تعالى بأمانته واستقامته وبمعاملة أجيره كما يعامل بل وزيادة وكل فعل ذلك ابتغاء مرضاة الله تعالى لا خوفاً من العباد ولا طمعاً بإطراء منهم أو مديح ... أو جزاء. ولا شك أن أعمالهم من أرفع الأعمال الصالحة ... فهي أعمال صالحة مرضية مقبولة رفعت إلى الله وسيلة لاستجابته الدعاء بنجاتهم من كربهم العظيم ... وكان كل توسل يصدر من أحدهم يكرمه الله تعالى فوراً باستجابة الدعاء ... إلى أن أجاب الجميع وأنقذهم من الصخرة ... وأزاحها عنهم ... بسبب توسلهم الصالح المخلص ... وخرجوا جميعاً يمشون .. !! فعندما يذكر النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - مثل هذا الخبر عن الأمم السابقة ... يعلم الكل ما هو مقصده من ذكره فينشط الجميع إلى التأسي بمن ذكرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيتوسلون عند الاقتضاء كما توسل أولئك الثلاثة - رضي الله عنهم -. إذا فذكر هذا الحديث وإيراده ... إنما هو حض وتحريض منه - صلى الله عليه وسلم - على العظة والأسوة والاقتداء وهكذا قد جعل أصحابه - صلى الله عليه وسلم - من بعده وكذلك القرون الخيرة ... ثم ظهر اقرن البدعة من وراء قرن الشيطان فنسي الهدي المحمدي والمنهج المصطفوي والصراط النبوي ... فماتت السنة وقامت البدعة فاستبدلوا التوسل المشروع بالتوسل الممنوع وجعلوا المخاليق وذواتهم هدف الغرض فتوسلوا بهم إليه تعالى وزين لهم الشيطان سوء أعمالهم فرأوها حسنة ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

الدليل السابع: ((دعاء ابن مسعود)) ودعاء عراك بن مالك

الدليل السابع دليل من عمل الصحابة لا شك في أن نذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لبعض أخبار الأمم السابقة المؤمنة إنما يهدف من ذلك للعظة والتأسي. وأن الصحابة الكرام هم أول المتلقين عنه - صلى الله عليه وسلم - هذه العظات وهم أول الذين يتأثرون بها ويستفيدون من العظة ويحرصون على التأسي بمن قبلهم من الأمم المؤمنة لا سيما إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الدال والحاض على هذا التأسي. فتعود تلك العظات ليست مجرد أخبار للاطلاع فحسب ... إنما أصبحت شرعاً يقتدى به استجاباً أو وجوباً ... بحسب مكانة العظة ... أو درجة تركيز الرسول عليها وحضه على تنفيذها. ولا شك في أن الصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هم أوعية إرث النبوة الخاتمة والقلوب الواعية لهذا العلم الموروث ... وما حبسوا عن الأمة بعد نبيهم أية سنة علموها منه وكانوا في حياتهم العامة والخاصة أمثلة حية صادقة لحياة الرسول عليه أفضل الصلوات وأزكى التحية. فكانوا في حالهم وقالهم ... الهداة الصادقين الحريصين على تبليغ ما وعوه عن الرسول الكريم في كل شأن من الشؤون الدينية والدنيوية فكانوا القدوة الكاملة للأمة حملة أنفاس الرسول العطرة بالهدى والخير. وفي صدد ما نحن جادون في معالجته من بحث التوسل بالأعمال الصالحة نأتي على سبيل المثال بما كان الصحابة يفعلونه من التوسل ... .

وهذا خبر عن ابن مسعود - رضي الله عنه - نورده كنموذج من توسلاتهم التي طبقوها في حياتهم كان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول بعد صلاة الليل: (اللهم أمرتني فأطعتك ودعوتني فأجبتك وهذا سحر فاغفر لي). فالقيام في السحر والناس نيام من أجل الأعمال الصالحة قدمها ابن مسعود بين يدي دعائه ولم يدع قبل أن يتوسل بها إلى الله تعالى: (اللهم أمرتني فاطعتك ودعوتني فأجبتك وهذا سحر فاغفر لي). وفي هذا ... إشارة إلى الحديث: [ينزل ربكم إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فيقول: هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له] أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وهذا عراك بن مالك - رضي الله عنه -: (كان إذا صلى الجمعة، انصرف ... فوقف على باب المسجد فقال: اللهم إني أجبت دعوتك وصليت فريضتك وانتشرت كما أمرتني (¬1) فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين) رواه ابن أبي حاتم. وإن كلام عراك - رضي الله عنه - كما هو واضح هو توسل إلى الله تعالى بإجابة دعوة الله إلى الصلاة وهي الأذان وبصلاته فريضة الجمعة وبانتشاره من بعد الصلاة كما أمره الله تعالى وسائر المسلمين في قوله تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ... ) /10/الجمعة. كل هذه الأعمال الصالحة قدمها توسلاً إليه تعالى بين يدي دعائه ... ثم شرع يدعو فقال: فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين. وإذا كان هذا عمل توسل به ابن مسعود وعراك بن مالك رضي الله عنهما فليس سائر الصحابة دونهما توسلاً ... وعملاً وتطبيقاً لسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد كانوا جميعاً على هذا النمط من العمل والتطبيق والحرص على اتباع الرسول ¬

(¬1) وهذا دليل على أن الصحابة كانوا ينتشرون بعد صلاة الجمعة فلا يصلون ظهراً بعدها!!! كما هي حال بعض المسلمين اليوم من صلاة الظهر بعد الجمعة كأن في هذا اليوم فرضاً سادساً!!!؟ راجع رسالتنا: ((حكم الشرعية في صلاة الظهر بعد الجمعة)).

الأعظم - صلى الله عليه وسلم - وهل تلقينا السنة المطهرة إلا عن طريقهم؟ ولكن خلف بعد القرون الخيرة خلف تسلك البدعة إلى فوفهم ثم توارثت الأجيال الجاهلة ما سول الشيطان لهم بدعة ... حتى صار لهم أعوان وأنصار ... فشرعوا من الدين ما لم يأذن به الله وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً حتى أصبح التوسل الممنوع شعاراً عاماً بين المسلمين - إلا من رحم ربك - فترى الكثرة الكثيرة عامة وخاصة عند ما يتوسلون يكاد ... أن لا يخطر على بالهم التوسل إلى الله بذات الله بأسمائه وصفاته أو بالأعمال الصالحة ... وأصبحت السنة بدعة والبدعة سنة!!! فلا حول ولا قوة إلا بالله. وإذا حاولت يا أخي تذكيرهم بالحق وبالسنة المنسية غضب أكثرهم وسمع لأنفاسهم شهيق وزفير ولأضراسهم تغيظ وصرير وتكاد أعينهم ترميك بالشرر ... كل هذا ... لأنك ذكرتهم بالسنة وإحيائها ودعوتهم إلى شميم العبق وأريحها الفواح بالحق والخير والهدى. لا تيأس يا أخي ... إن الحياة جهاد وكفاح ... وإن إصرارك في الحق ورسوخك مؤثراً في النفوس فتتفتح له القلوب والأفئدة عاجلاً أو آجلاً ويعود الحق خفاق البنود في ظل ظليل من الرعاية الإلهية والعناية الربانية فإلى ذلك المستقبل المنتظر ... أسرع الخطى وكل آت قريب إن شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله عليه نتوكل وبه نستعين. وليس التوسل المشروع الذي أضاعه المسلمون هو المقصود من الجهاد فحسب لا إنما السنة النبوية في كل شيء دقيقها وجليلها صغيرها وكبيرها ... من قول: لا إله إلا الله محمد رسول الله إلى الحكم بما أنزل الله ... إلى ... إماطة الأذى عن الطريق كل هذا يدخل في حساب الجهاد في سبيل الله حتى تعود العقيدة الصحيحة والحكم الصالح والحياة الإسلامية في كل معانيها ... في البيت وفي الشارع وفي المسجد وفي المجتمعات العامة والسوق والحانوت والمتجر وكل شأن من شؤون الحياة لأن الإسلام الشامل شمل كل الحاجات أعلاها وأدناها

وقعد لها قواعد وسن لها شرائع من يوم أن نزل جبريل بـ (اقرأ باسم ربك الذي خلق) /1/ العلق إلى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) /3/المائدة. أجل ... إن المسلم من يتمثل فيه الإسلام بكامله، يأتمر يكل الأوامر وينتهي عن كل النواهي ويشعر من أعماقه أنه لو تخلى الناس عن الإسلام ما تخلى عنه ولو هجر كل الناس الدعوة إليه ما هجرها ... فيدعو إليه في نفسه وأهله وأقربائه ومجتمعه وأصدقائه ويستعين بكل وسيلة في سبيل إذاعته ونشره ولا يهولنه طول الطريق وما حوله أو على جنباته من العوائق ... وليعتمد على الله فإنه ناصره لا محالة ولو طال السبيل فلا بد واصل إلى النهاية وما النهاية إلا الوصول إلى الهدف الأسمى ... وهو عودة المسلمين إلى دينهم الحق والعودة إلى الإسلام إنما هي النجاح في كل ناحية من نواحي الحياة لأن الإسلام لم يترك شاردة ولا واردة في جميع شؤون الحياة ... إلا وطرقها وأحصاها واستقصاها .. عندما نستطيع أن نقول عن أنفسنا إننا مسلمون حقاً فتفتح لنا القلوب وتهفو الينا النفوس وتدعونا البلدان والثغور لنحل فيها الحق والعدل والهدى والخير ويهتف أهلها: أهلاً بالمنقذين. أخي المسلم ... هذا والله سيكون إذا كنت داعية مخلصاً في دعوتك للإسلام تدعو إليه لا لفتح أو تسلط أو جبروت ... إنما لتذويق القلوب الأفئدة طعم الحق والعدل وتنقذ الحيارى والتائهين وتدلهم على الصراط المستقيم. هذه مهمة في الحياة ليكون هادياً ومعلماً وداعياً إلى الحق طبق ما وصفه الله سبحانه في كتابه العزيز: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ... ) (110) آل عمران.

3 - توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له

3 - توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له وأدلته القرآنية

توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له وأدلته من القرآن الكريم

توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له وأدلته من القرآن الكريم أخي المسلم الحبيب: لقد أنهيت لك فيما تقدم من صفحات ... بحث نوعين من الأنواع الثلاثة من التوسل المشروع وهما: التوسل إلى الله تعالى بذاته وصفاته والتوسل إليه بالأعمال الصالحة وقد دللنا على مشروعية كل نوع ... بأدلة بالغة الحجة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأرجو أن تكون قد اقتنعت واستقرت الفكرة في نفسك إذ ليس بعد كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - شيء أوضح دليلاً وأبلغ حجة واسطع برهاناً ... وما بعد الحق إلا الضلال فالحمد الله الذي وفق وأعان. وها أناذا ... اشرع في بيان مشروعية النوع الثالث من التوسل، وهو توسل المؤمن لأخيه المؤمن وهو على نوعين: 1 - طلب المؤمن من أخيه المؤمن متوسلاً بدعائه إلى الله أن يقضي حاجته كأن يقول مثلاً: أدع الله لي أن يعافيني أو يقضي حاجتي وما أشبه ... 2 - دعاء المؤمن لأخيه المؤمن دونما طلب المدعو له كأن يراه مثلاً في ضيق ... فيدعو الله له أن يفرج عنه إن كان ذلك في حضور المدعو له أو كان ذلك في ظهر الغيب كالدعاء في الغيبة أو كصلاة الجنازة والدعاء عند زيارة قبور المؤمنين.

ولا فرق في أن يدعو الأعلى للأدنى أو الأدنى للأعلى فكل ذلك جائز .. ومقبول إذا يشاء ربنا ويرضى. فالمسلمون كانوا يتوسلون إلى الله تعالى بدعاء نبيهم عليه الصلاة والسلام في حياته ... في الاستسقاء وغيره ... فكان يدعو لهم فتستجاب دعوته عاجلاً أو آجلاً كما كان هو أيضاً ... يطلب من أمته جميعاً أو أفراداً ... أن يدعوا له. كالصلاة عليه من كل من يسمع الأذان من أمته فيقول مثلماً يقول المؤذن ثم يصلي ويدعو الله أن يعطيه الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود الذي وعده كما أنه صلى عليه وسلك طلب من عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يوم عمرته أن يدعو له. والقرآن والسنة ... فيهما أمثلة عديدة دالة على التوسل بدعاء المؤمن لأخيه المؤمن ... وسأجني لك يا أخي منهما باقة عطرة فواحة زكية .. لتكون على بينة من الأمر ... وعلى علم ويقين من الحق الذي أحاول إقامة الحجة على صحته في هذه الصحائف .. لتطمئن نفسك به ويتثبت به فؤادك بإذن الله تبارك وتعالى وتقدس وهاك يا أخي الأدلة مبتدئاً بأدلة القرآن الكريم.

الدليل الأول: ((وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله)) النساء

الدليل الأول قوله تعالى: وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما (64) ... النساء هذه الآية الكريمة توضح بصراحة: أن الله سبحانه وتعالى ... هو التواب الرحيم ومهما اقترف عباده من الذنوب والخطايا ... ثم رجعوا إليه وأنابوا ... فإنه يتوب عليهم ويغفر لهم ذنوبهم على أن يعزموا على عدم العودة إلى الذنب. ومن رحمته بعباده أنه يدلهم على الطريق الذي إذا سلكوه ... يوصلهم إلى عفوه ومغفرته لأن لكل شيء سبباً ففي هذه الآية يدلهم على هذه الأسباب ... فإنه تعالى يخبر في محكم آياته أنه لم يرسل إلى الناس من رسول إلا ليطاع ويستجيبوا لرسالته التي أرسلها إليهم فمن أطاع له عند الله تعالى الدرجات العلى ومن ظلم نفسه بالإعراض ... أو المعصية ... فقد فتح له باب العودة إليه تعالى إنما هذا الطريق له سبل تؤدي إليه فدلهم عليها بقوله جل وعلا: ( ... ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً). وذلك بأن يحضروا إلى الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - ويستغفروا الله في مجلسه ثم يسألوه - صلى الله عليه وسلم - أن يستغفر لهم أيضاً وهكذا ... فإن استغفارهم ربهم ثم استغفار الرسول لهم ... يكونان سبباً في توبته تعالى عليهم ورحمته بهم. فثبت أن الله تعالى أرشدهم إلى توسلين يستمطرون بهما توبة الله ورحمته. الأول: استغفارهم الله لأنفسهم في مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: سؤالهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يستغفر الله لهم فالأول كان توسلاً بالأعمال

الصالحة ... وهو استغفارهم الله الذي هو عمل صالح والثاني كان توسلاً بدعاء المؤمن لأخيه وكلا التوسلين كانا بإرشاد من الله تعالى فهل من دليل على مشروعية هذين التوسلين أدل من دلالة الله عليهما في هذه الآية ... ؟ ولما كان توسل المؤمن بدعاء أخيه المؤمن أحد نوعي هذين التوسلين هو الذي نحاول إثبات مشروعيته في هذا الفصل فقد أثبتنا ذلك من بيان أن الله تعالى هو الذي أرشد عباده إليه في جملة ما أرشدهم في هذه الآية الكريمة وحسبك من دليل ... إرشاد الله تعالى إليه وحض عباده عليه. ومما يجب التنبه إليه والتنويه عنه هو أن الذهاب إلى الرسول واستغفار الله تعالى في مجلسه ثم سؤالهم رسول الله الاستغفار لهم واستغفاره - صلى الله عليه وسلم - لهم فعلاً .. كل هذا .. إنما ولا شك في حياته - صلى الله عليه وسلم - فلا يجوز لأحد بعد وفاته أن يأتي قبره - صلى الله عليه وسلم - ويسأله أن يستغفر الله له لأن استغفاره - صلى الله عليه وسلم - قد انقطع بوفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى - بأبي هو وأمي - ولم يعد يستطيع الدعاء والاستغفار لانقطاع عمله بالوفاة. وبناءً على ذلك فإن كل من سؤال منه بالاستغفار بعد وفاته محرم وليس لأحد أن يحتج بالآية على فعل ذلك فالآية خاصة بحياته - صلى الله عليه وسلم - لأن الله تعالى يحكي عن المنافقين الذين يصدون عن الحق وعن اتباعه (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله فاستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً). إذا هذه حكاية عن واقع حال أيام الرسول - صلى الله عليه وسلم - يذكرها الله في القرآن ويرويها لنا لنتعظ بما فيها ونعمل بما نفهم منها .. ويبين لنا صحة ما إذا أردنا أن نتوسل بدعاء أحد لنا أو استغفاره الله من ذنب بدر منا أو إن نحن دعونا أو استغفرنا لغيرنا فيكون ذلك جائزاً منا أو منهم ... لا أن نذهب إلى قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أي قبر من قبور الصالحين ونسألهم أن يستغفروا لنا الله من ذنوب اقترفناها فهذا لا يجوز لأن وفاتهم حالت دون الاستغفار ودون أي عمل آخر كانوا يعملونه حال حياتهم.

الدليل الثاني: ((قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا ... )) يوسف

الدليل الثاني قال يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين (97) قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم (98) ... يوسف وهذه آية كريمة توضح أن توسل المؤمن بدعاء أخيه المؤمن له معروف عند الأمم المؤمنة قبلنا وهؤلاء أبناء يعقوب عليه السلام الذين عصوا الله تعالى في معاملة أخيهم يوسف عليه السلام ... ثم كذبهم على أبيهم بادعائهم أن الذئب أكل أخاهم ... وليس الأمر كذلك ... وبعد انكشاف الأمر شعروا بعبء التبعات فهرعوا إلى أبيهم يسألونه أن يستغفر الله لهم وهو النبي الكريم المستجاب الدعوة وقدموا دعاءه الله لهم بالمغفرة وسيلة مقبولة عند الله. ثم لننظر ما كان موقف أبيهم من طلبهم ... ؟ أكان يوافق طلبهم أم يرى أن فيه محذوراً فلا يفعل ... ؟ لأن من تأكدنا هذا. نستدل على جواز ذلك أو عدمه إننا نرى أنه وافق ووعدهم بذلك وقال: (سوف أستغفر لكم ربي ... ) ولا شك أنه وفى بوعده واستغفر لهم الله تعالى مما فعلوا بأخيهم ... وإننا نستنتج من استغفاره لهم صحة ومشروعية طلب الدعاء من الغير أي مشروعية توسل المؤمن بدعاء أخيه المؤمن له وإن ذكر هذه القصة في القرآن فيه إلفات نظر للمؤمنين أن يتأسوا بهم في طلب الدعاء من الغير وإن في ذلك لدليلاً على مشروعيته لأن العقيدة التي جاءت بها الأديان السماوية واحدة لا تتبدل ولا تتغير من لدن آدم إلى محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ولا شك أن يعقوب عليه الصلاة والسلام بر بوعده لأبنائه فاستغفر الله لهم وأن الله تعالى استجاب دعوته فغفر لبنيه خطيآتهم إنه هو الغفور الرحيم.

وهكذا ... فإنك ترى يا أخي القارئ المسلم أن من أسباب استجابة الدعاء وقبول التوبة والمغفرة توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له. وإن هذا النوع من التوسل هو ولا شك توسل مشروع وأن التوسل به في جملة التوسلات المشروعة المارة الذكر ... مجلبة لرحمة الله ومغفرته ورضوانه. فهيا يا أمة خير نبي ورسول إلى هذه التوسلات المشروعة وإحيائها بالتوسل بها دائماً والاكتفاء بها عما سواها من التوسلات غير المشروعة ... وذلك إحياء لسنة الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - التي هي المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك وهيا إلى هجر كل بدعة مستحدثة في الدين ما أنزل الله بها من سلطان فإن كل بدعة في الدين ضلالة وكل ضلالة في النار أي صاحب الضلالة في النار لأنه ابتدع وشرع من الدين ما لم يأذن به الله والعياذ بالله تعالى من الخذلان وسوء المنقلب.

الدليل الثالث: ((سيقول لك المخلفون من الأعراب ... )) الفتح

الدليل الثالث قوله تعالى: سيقول المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً أو نفعاً بل كان الله بما تعلمون خبيراً (11) الفتح يقول تعالى مخبراً رسوله - صلى الله عليه وسلم - بما يعتذر به المخلفون من الأعراب الذي اختاروا المقام في أهليهم وشغلهم وتركوا السير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعتذروا بشغلهم بذلك وسألوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يستغفر لهم وذلك قول منهم لا على سبيل الاعتقاد ... بل على وجه التقية والمصانعة. إنهم وإن كانوا مصانعين في تعللهم بانشغالهم بأموالهم وأهليهم وطلبهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يستغفر لهم ... إلا أن هذه المصانعة بطلب الاستغفار لهم تدل على أن هذا الطلب معلوم شرعيته عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا ... ما دفعهم إلى طلبه منه ولولا علمهم بشرعية ذلك ... لما اتقوا به غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وثمة دليل آخر مستنبط من هذه الحادثة ... أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعترض على طلبهم الاستغفار لهم ... فدل على شرعية هذا الطلب ... ولو كان غير شرعي لنهاهم عنه فقبوله طلبهم وعدم نهيهم عنه دليل على شرعيته ولا شك. وبذلك تثبت مشروعية التوسل إلى الله بدعاء المؤمن لأخيه المؤمن وصحة الاستدلال بهذه الآية عليه وهذا هو المطلوب والله الموفق للصواب. وقد ثبت في القرآن توسلات أخرى من هذا التوسل المشروع ... وهي توسلات قوم موسى بدعاء موسى عليه الصلاة والسلام لأن يرفع الله عنهم الرجز

الذي نزل بهم من الطوفان والجراد والضفادع والقمل والدم وما أشبه ... فقد قال الله تعالى: (ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل /134/) الأعراف. نكتفي بالإشارة إليها للمناسبة ... فهي في حد ذاتها بدعاء موسى ... ولكننا التزمنا البحث في معالجة شرعية توسل المؤمن وفيما تقدم من الاستشهادات بالآيات القرآنية كفاية ... والله الموفق. تقدم معنا قبيل صفحات ... أن توسل لأخيه المؤمن على نوعين: 1 - طلب المؤمن من أخيه المؤمن متوسلاً بدعائه إلى الله تعالى أن يقضي حاجته وهذا ما دللنا على صحته بما تقدم من الآيات القرآنية فيما بحثناه آنفاً ... ونرجو الله تعالى أن يقدر النفع للمسلمين عامة. 2 - دعاء المؤمن لأخيه المؤمن دونما طلب من المدعو له ... كأنه يراه مثلاً في ضيق ... فيدعو الله له أن يفرج عنه إن كان ذلك في حضور المدعو له أو كان ذلك في ظهر الغيب. وهذا ما سنحاول الدلالة عليه أيضاً من القرآن الكريم فإذا دل القرآن على جواز ذلك بل وحض عليه ثبتت مشروعيته فعلى المسلمين أن يزاولوا هذا النوع من التوسل المشروع في جملة أنواع التوسل المشروع المتقدم الذكر رغبة استجابة توسلاتهم ونيلهم ما يتمنون من التمنيات المشروعة.

الدليل الرابع: ((الذين يحملون العرش ومن حوله ... )) المؤمن

الدليل الرابع قوله تعالى: الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين ءامنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم (7) ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من ءابآئهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم (8) ... المؤمنون لا شك أن التوبة من الذنب تدخل التائب حضيرة القدس وينعم من بالإجابة والرحمة والمغفرة ويأمر الله ملائكته حملة العرش ومن حول العرش منهم أن يجأروا إليه تعالى متوسلين بدعائهم له أن يغفر لهذا التائب من ذنبه والراجع إلى الله نادماً على ما فرطت يداه من الخطيئة يدعون له بالمغفرة وبتثبيته على الصراط المستقيم أي على المضي في طريق الهداية ليمحو ما اقترفه من الذنوب فيبدل الله سيئآته حسنات ويتقي بذلك عذاب الجحيم لأنه لو بقي على مضيه في طرق الخطايا لكانت نهايته إلى الهلاك ودخول النار والعياذ بالله تعالى ولكنه لما تاب وأناب ورجع إلى صراط الله العزيز الحميد توسل له الملائكة أن يقيه عذاب الجحيم ثم سألوا الله له أن يدخله جنات الخلود التي وعد الله التائبين والعاملين الصالحات أن يدخلهم فيها وتأمل يا أخي كيف أن صلاح الأبناء كيف نفع الآباء والأزواج والذرية ... أجل إن صلاح الأبناء وبتوبتهم وعملهم العمل الصالح كان حافزاً للملائكة لا أن تدعوا لهم فقط بل فقد تعدى الدعاء بأسبابهم إلى الآباء والأزواج والأولاد أن يدخلهم الجنة وهذا من زيادة النعيم ومضاعفة

البهجة أن يجمع الله لهم في الجنة آباءهم وأزواجهم وذرياتهم لتقر أعينهم بأحبابهم وهذا ولا شك زيادة في النعيم. وهكذا ... فقد اتضح لك يا أخي كيف أن الملائكة تتوسل إلى الله دعائها أن يثبت التائبين ويغفر لهم ويرحمهم ويدخلهم جنات عدن مع آبائهم وأزواجهم وذرياتهم فقد ثبت بما تقدم دعاء الملائكة المؤمنين إلى الله بالمغفرة لإخوانهم التائبين المؤمنين من البشر أو المكلفين عامة وأن توسل الملائكة بدعائهم للمؤمنين دليل على مشروعية ذلك لأن الملائكة لا يعلمون ولا يفعلون شيئاً إلا وهو عمل صحيح بل إنه أمر من الله تعالى أن يفعلوا ذلك وإذا كان الله تعالى هو الذي أمرهم أن يدعوا لإخوانهم المؤمنين بظهر الغيب فهل هناك من دليل أدل على مشروعية ذلك من أمر الله لهم به ... ؟ وهكذا فقد اتضحت مشروعية دعاء المؤمن لأخيه وتوسله إلى الله بهذا الدعاء بظهر الغيب أن يغفر له ويرحمه إنني أعتقد أنه لم يبق في نفسك يا أخي أدنى شك بمشروعية ذلك فبادر يا أخي بفعل ذلك وأذعه بين إخوانك المؤمنين حتى يفعلوا ذلك أيضاً لأن الداعي لأخيه بالخير فإن ملكاً موكلاً بالدعاء له جزاء ما دعا لأخيه بالخير ويقول: [ولك بمثل] أي يدعو الملك بأن يكون لك أيضاً مثل ما دعوت لإخوانك المؤمنين من الخير والبركة والمغفرة والرحمة. والجزاء من نوع العمل.

الدليل الخامس: ((والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا ... )) الحشر

الدليل الخامس قوله تعالى: والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ذنوبنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم (10) ... الحشر ذكر الله تعالى في كتابه العزيز من يستحق الفيء وهو: كل مال أخذ من الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب أي لم يقاتلوا الأعداء بالمبارزة والمصاولة بل نزل أولئك من الرعب ... ما ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما حصل لبني النضير فأفاء الله أموالهم التي تركوها ... على رسول الله خاصة. ولهذا تصرف في فيء بني النضير كما يشاء ... قد لا يكون للكلام المتقدم علاقة في البحث الذي نعالجه ((بحث التوسل)) ولكن من أجل الوصول إلى ما نبغي ... لابد لنا أن نستعرض باختصار الآيات التي سبقت هذه الآية الكريمة التي نحن بصدد التركيز عليها لاعتبارها دليلاً على ما ذهبنا إليه من جواز التوسل بدعاء المؤمن لأخيه المؤمن ففي تلك الآيات التي تقدمت هذه الآية حدد الله فيها مستحقي الفيء فقسم المؤمنين إلى ثلاثة أقسام: 1 - المهاجرون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ابتغاء فضل الله تعالى ونصره لله ورسوله الذين صدقوا في كل وقول صدر عنهم. 2 - الأنصار وهم الأوس والخزرج الذين آمنوا بالله ورسوله وآووا رسول الله الذين هاجروا إليهم مع إخوانهم المهاجرين فقاسموهم الأموال ويؤثرونهم على أنفسهم

ولو كان بهم خصاصة فقد وقوا شح أنفسهم وأفلحوا ونجحوا. 3 - والذي جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ... هؤلاء المذكورون في هذه الآية هم المؤمنون المسلمون عامة ... والتابعون لهم أي المهاجرين والأنصار والمتبعون لآثارهم الحسنة وأوصافهم الجميلة والداعون لإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان في السر والعلانية. وهنا نقف قليلاً ... عند قوله تعالى: (يقولون ربنا اغفر لنا وإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) ولا شك أن الله تعالى عندما يذكر هؤلاء وهم المؤمنون والمسلمون الذين اتبعوا المهاجرين والأنصار في كل ما تلقوه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قولاً وعملاً وعملوا بمثل ما عملوا ... ثم يدعون لهم أن يغفر لهم أي لإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان لأنهم كانوا لهم هداة ومصابيح دلالة على الحق وبأسباب هذه الهداية كانوا مؤمنين ومسلمين فجزاء ما كانوا سبباً لذلك كان دعاؤهم لهم بالمغفرة والرحمة. إذا فهؤلاء الذين جاءوا من بعدهم يتوسلون إلى الله تعالى بالدعاء لهم بالمغفرة جزاء ما أخذوا عنهم الصلاح والهدى والخير والحق وهذا دعاء بظهر الغيب من مؤمنين لمؤمنين قبلهم أخذوا عنهم الدين والإيمان وقد يكون هؤلاء بعيدين عنهم مئات السنين ولكن الدعاء يقطع عبر القرون السحيقة حاملاً لأولئك الرحمة والمغفرة من الله تعالى جزاء ما أسلفوا وخلفوا لمن بعدهم من الدين الصحيح والإيمان الحق. وإن القرآن الكريم ليذكر صنيعهم الطيب بالرضا والتأييد ويسجل دعاءهم بالمغفرة لإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان ... ويهب بكل من تلقى من سلفه هدياً مماثلاً أن يدعو لهم دعاء مماثلاً بالمغفرة وهذا مما يدل دلالة قاطعة أن الله سبحانه وتعالى راض عن عملهم ودعائهم أيضاً سواهم على متابعة خطاهم أيضاً واتباعهم في هديهم مع سلفهم إلى أن تقوم الساعة فعمل يكون الله مؤيداً له وحاضاً عليه ... لا شك أنه يدل على مشروعيته القطعية التي لا غموض فيها.

ولعل هذا الوصف لموقف الذين جاءوا من بعدهم من بعد قرون الخير والهدى المتبعين هدي من كان قبلهم من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم ومن الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يهيب بمؤمني هذا الزمن أن يكون موقفهم موقف الذين وصفهم الله في كتابه ورضي عنهم يقولون كما قالوا: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم).

توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له وأدلته السنية

توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له وأدلته السنية

الدليل الأول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي))

توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له وأدلته من السنة الصحيحة أخي القارئ المسلم الكريم ذكرت لك آنفاً ... شرعية توسل المؤمن إلى ربه تعالى بدعاء أخيه له وذلك بأنه بأدلة من كلام الله تعالى ... وها أناذا أثبت لك ذلك أيضاً من السنة المطهرة على صاحبها أفضل الصلوات وأتم التسليم فكما أن في القرآن أمثلة وأدلة على كل أمر مشروع كذلك فإن في السنة السنية أمثلة وأدلة على ذلك وليس خافياً عليك أن السنة شارحة للقرآن فما أجمل فيه فصل فيها. وهناك أحاديث عديدة في هذا الباب إنما نقتطف لك قطوفاً دانية منها فواحة بعبق للنبوة الكريمة وتشرق منها دفقات من سنا الحق والهدى تلك هي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكلامه الشريف ومن ذلك: الدليل الأول قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عنه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة

لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة] رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. هذا الحديث الكريم يبين لك ما هو فضل من يجيب المؤذن مثلما يقول ثم يصلي عليه ثم يسأل له من الله الوسيلة وهي المنزلة الرفيعة في الجنة التي لا تنبغي إلا لرجل أو عبد من عباد الله ويأمل رسول الله أن يكون هو ذلك العبد إن فضل ومكافأة من يجيب المؤذن ثم يصلي عليه الصلاة والسلام ... أن يصلي الله عليه بها عشراً أي عشر مرات في الملإ الأعلى وإن مكافأة من يسأل له الله والوسيلة هي أن تحل له شفاعته - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة. هذا ملخص لمعنى هذا الحديث الشريف إنما الشاهد من إيراده هو قوله - صلى الله عليه وسلم -[ ... ثم سلوا الله لي الوسيلة ... ] أي: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطلب من جميع أفراد أمته أن يسألوا له الله الوسيلة التي هي المنزلة الرفيعة في الجنة وهذا دليل على صحة ما قلناه قبل صفحات: أن يجوز توسل الأعلى بدعاء الأدنى وهذا منه. فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أشرف مخلوق وأكرمهم على الله وهو أعلى أنواع المخلوقات رتبة ومنزلة عند ربه يطلب ممن دونه منزلة .. ! أن يدعوا الله له يعطيه تلك المنزلة الرفيعة السامية ومن فعل ذلك وعده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يشفع له يوم القيامة. فهذا رسول الله وأفضل خلقه وأشرفهم وأعلاهم منزلة يتوسل إلى الله تعالى بدعاء أمته له أن يعطيه الوسيلة والمقام المحمود في الجنة وكافأ من يعينه على ذلك بالدعاء ... أن تحل له شفاعته فيفوز بالجنة معه عليه أفضل الصلاة والسلام. فهل من دليل دل على مشروعية التوسل إلى الله بدعاء المؤمن لأخيه المؤمن من قول الله ورسوله؟ ومن سؤاله؟ ومن سؤاله بذاته عليه الصلاة والسلام من أفراد أمته أن يسألوا الله له أن يعطيه تلك المنزلة السامية والمقام العظيم. إنك معي يا أخي القارئ الكريم إذا قلت: إن قليلاً ما هم يتوسلون إلى الله بتلك التوسلات المشروعة! وإنك لترى غالبية الأمة بما فيها الخاصة ...

إلا من رحم ربك ... يتوسلون إلى الله بالتوسلات الممنوعة التي أمرنا بها الله تعالى، ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - فلماذا يفضلون بل يلتزمون التوسلات الممنوعة ويعزفون عن تلك التوسلات المشروعة ... ؟!! نعم لماذا لا يتوسلون بها .. وهم يعلمون أنها واسطة استجابة الدعاء ونوال المبتغى من الرضوان والرحمة والمغفرة ... ؟ أقول لماذا ... وألف ألف لماذا لا تفعلون ... ولا تأتمرون ... ؟!! وأنتم الورثة والقدوة ... ورثة نور النبوة وورثة علم المرسلين الذين لم يخلفوا درهماً ولا ديناراً بل أورثوكم العلم وحملوكم الأمانة .. أمانة تبليغه إلى الأمة ... ولكنكم لم تحملوها ... ولم تؤدوها ... !! لماذا .. ؟! لماذا إذاً أنتم الوارثون؟ ولهذا الإرث محتكرون .. ؟ وما أنتم للعلم مبلغون ... ولا للأمانة مؤدون. وعلى كل سوف نفرد لهذه المعالجة والمناقشة - بل المحاكمة - فصلاً خاصاً إن شاء الله ونكتفي الآن بهذا القدر ... لنترك المجال للراوي الكريم .. يروي لنا نص الدعاء الذي يدعونا نبينا عليه الصلاة والسلام أن نسأل به الله له أن يعطيه المنزلة الرفيعة والمقام المحمود وتعالوا يا قراءنا المسلمين الأعزاء نصغ جميعاً إلى الأئمة الأجلاء وهم يروون لنا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: [من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة (¬1) والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته حلت له شفاعتي] رواه: البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. ¬

(¬1) يفهم من هذه الجملة: (اللهم رب هذه الدعوة التامة ... ) أي الدعوة إلى الصلاة وهي الأذان أنه دعوة تامة غير ناقصة بشهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا كان دعوة تامة فما معنى هذه الزيادات التي يستحسنها (البعض ... ؟) على الأذان ... ؟ رغم التمام الذي شهد له رسول الله. فلو أنهم يعتقدون في صيغة الأذان أنها دعوة تامة لما استحسنوا الزيادة عليها. وهذا ... وما يدعونا إلى تذكيرهم بأن الذي سمى الأذان دعوة تامة هو المعصوم الذي ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى - صلى الله عليه وسلم - فهل يستغفرون الله أم يظلمون معاندين ويستحسنون ‍!!!

وهذا ترغيب بشفاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . فمن أحب أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شفيعاً له يوم القيامة فليواظب على الدعاء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الدعاء بعد كل أذان. كل هذا الترغيب حتى ينال منك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا التوسل له إلى الله أن ينيله الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة والمقام المحمود ويعطيه هذا الفضل العظيم وإنه سينيله حتماً ويعطيه بلا شك ولا ريب ذلك المقام الرفيع العظيم المحمود ولكن لا بد من السبب المشروع لنوال ذلك وهو توسل أفراد أمته جميعاً عقب كل أذان ولا شك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اختار الوقت الذي فيه الدعوة لا ترد وهو وقت إستجابة الدعاء. فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد] رواه أبو داود والترمذي واللفظ له والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما وزاد: [فادعوا] وزاد الترمذي في رواية: [قالوا: فماذا نقول يا رسول الله؟ قال: ((سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة))]. فتأمل يا أخي القارئ المسلم ... كم لتوسل المؤمن إلى الله بدعاء أخيه المؤمن له من الفضل والاستجابة وخاصة بعد الأذان وعند حضور الجهاد في سبيل الله تعالى. إذاً ... فهذا النوع من التوسل المشروع توسل عظيم مستجاب: كيف لا والرسول الأعظم يطلبه من أمته وذلك دليل على أنه من الخير العميم الذي دل أمته عليه ولم يترك خيراً يعود على أمته إلا وأمرها به ولم يترك شراً يعود أمته إلا وحذرها منه جزى الله عنا نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - ما هو أهله. الدليل الثاني وهذا هو - صلى الله عليه وسلم - يطلب من عمر - رضي الله عنه - أن يدعو له وهذا دليل آخر على شرعية التوسل بدعاء المؤمن لأخيه المؤمن وكل ذلك ولا شك تعليم لنا حتى نقتدي به - صلى الله عليه وسلم - وإليك لفظ الحديث ... عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال:

الدليل الثاني: ((استأذنت النبي (في العمرة))

[إستأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في العمرة فأذن وقال: ((لا تنسنا يا أخي من دعائك)) فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا] وفي رواية: [قال: أشركنا يا أخي في دعائك))] رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. إن كل ما يتلفظ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أمور هذا الدين الكريم إنما هو تشريع ومكلف به هو وأمته عليه الصلاة والسلام فقوله عليه السلام: [لا تنسنا يا أخي من دعائك] حرص منه - صلى الله عليه وسلم - على ما سيلقاه من إجابة دعاء عمر من الخير من الله تعالى واستكثار من هذا الخير لأن أمته ستتأسى به في ذلك فيكون له أيضاً مثل أجورهم ولا يخفى في نصل طلب الرسول ... بدعاء عمر له ما فيه من التأكيد عليه بذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: [لا تنسنا ... ] فهذا ولا شك تأكيد منه بالدعاء وتوصية بعدم النسيان ففي حرصه - صلى الله عليه وسلم - على الخير من وراء هذا الدعاء وفي ما سيؤجر به من تأسي أمته به وفي هذا التأكيد منه على عمر بأن لا ينساه من الدعاء دليل قاطع على مشروعية طلب المؤمن من أخيه أن يدعو له ويتوسل بدعائه هذا إلى الله تعالى. وهذا مصداق ما ذهبنا إليه قبل صفحات من جواز توسل الأعلى بدعاء الأدنى له ... ولا شك في أن توسل الأدنى بدعاء الأعلى جائز من باب أولى. ثم تأمل يا أخي القارئ المسلم ... مبلغ فرح عمر - رضي الله عنه - بهذا التكليف الكريم يصدر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يدعو له .. ! أجل تأمل يا أخي عمر وسروره العظيمين بهذا التكليف من قوله - رضي الله عنه -: ((كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا)) أي أن هذه الرعاية والعناية والتلطف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتخصيصه بهذا التكليف الكريم وتحميله هذه الأمانة ما يستدل لو أنه بدل بها الدنيا وما فيها أي لو أعطي ما في الدنيا جميعاً بدل هذا التكليف لما قبل عمر بذلك ... بل فضل أن يحمل أمانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدعاء له ... هذه الأمانة التي شرفه بها. وخصه بفضلها دون سائر المعتمرين ذلك العام ...

فداك أبي وأمي يا رسول الله نعم النبي أنت ونعم الرسول أنت ونعم المربي والموجه والمعلم أنت ونعم الهادي إلى سواء السبيل أنت ونعم الأب الحاني والأخ الرفيق أنت لا أحصي لك وصفاً يكافئ ما وهبك الله من الخلق الكريم أنت كما أثنى الله عليك: (وإنك لعلى خلق عظيم) وكما أنزلك عباده: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين صلى الله عليك وعلى آلك والأطهار وصحبك الأبرار وعلى من تبعك على سنتك واهتدى بنور محجتك إلى ما شاء الله وسلم تسليماً كثيراً.

الدليل الثالث: ((حديث عكاشة))

الدليل الثالث الصحابة الكرام يطلبون منه ويتوسلون بدعائه - صلى الله عليه وسلم - حديث عكاشة كما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يطلب من أصحابه وأمته أن يدعوا له أي يتوسل إلى الله بدعائهم له كذلك كان الصحابة - رضي الله عنهم - يطلبون منه أن يدعو لهم أي يتوسلون إلى الله تعالى بدعائه لهم وهناك أمثلة عديدة على ذلك ... ولكننا نقتطف منها ونختار ما ييسرنا الله تعالى إليه مبتدئين بحديث عكاشة - رضي الله عنه -. عن حصين بن عبد الرحمن (¬1) قال: [كنت عند سعيد بن جبير (¬2) فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ فقلت: أنا. ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدعت. قال: فما صنعت؟ قلت استرقيت قال: فما حملك على ذلك؟ قلت حدثنا الشعبي. قال: وما حدثكم؟ قلت: حدثنا عن بريدة عن الخصيب أنه قال: ((لا رقية إلا من عين أو حمة)) قال: ¬

(¬1) هو السلمي أبو هذيل الكوفي ثقة مات سنة 136 وله ثلاث وتسعون سنة. (¬2) هو من أجلة أصحاب ابن عباس وهو كوفي مولى لبني أسد قتل بين يدي الحجاج سنة 95 ولم يكمل الخمسين.

قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد إذ رفع سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي: هذا موسى وقومه فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب)) ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئاً وذكروا أشياء ... فخرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه فقال: ((هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون)) فقام عكاشة بن محصن فقال: أدع الله أن يجعلني منهم. قال: ((أنت منهم)) ثم قام رجل آخر فقال: أدع الله أن يجعلني منهم. فقال: ((سبقك بها عكاشة))]. وقد رواه البخاري مختصراً ومطولاً ومسلم واللفظ له والترمذي والنسائي. إن هذا الحديث مؤلف من حديثين اثنين .. الأول: عن حصين بن عبد الرحمن قال: كنت عند سعيد بن جبير فقال: [أيكم رأى الكوكب البارحة - إلى قوله - قد أحسن من انتهى إلى ما سمع]. والحديث الثاني: قوله أي سعيد بن جبير: ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: [عرضت علي الأمم ... إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - ... ((سبقك بها عكاشة))]. وفي كلا الحديثين من المسائل والفوائد في الدين من عقيدة التوحيد ما ينفع المسلمين نفعاً عظيماً وقد لا يكون هذا الكتاب موضع تفصيلهما على عظم ما تضمنت من الفوائد الجليلة فلتراجع كتب السلفية التي شرحت هذا شرحاً مفيداً مفصلاً (¬1) إنما شاهدنا مما جاء في الحديث الثاني ... هو قول عكاشة: ¬

(¬1) راجع كتاب التوحيد لشيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب طيب الله ثراه وراجع شرحيه ((قرة عيون الموحدين)) و ((فتح المجيد)) لحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله.

[ادع الله أن يجعلني منهم. قال: ((أنت منهم)) ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم قال: ((سبقك بها عكاشة)) عكاشة. نعم ... إن شاهدنا قول عكاشة: ادع الله أن يجعلني منهم قال: ((أنت منهم)) وللبخاري في رواية فقال: ((اللهم اجعله منهم)) ففيه طلب الدعاء من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي توسل عكاشة بدعاء رسول الله أن يجعله الله من السبعين ألفاً يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب فدعا له الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((اللهم أجعله منهم)) وكذلك قيام الرجل الآخر الذي قال: ادع الله أن يجعلني منهم فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - ((سبقك بها عكاشة)) سداً للباب حتى لا يتلاحق الناس بسؤال ذلك منه هذا من جهة ومن جهة أخرى كما قال القرطبي: لم يكن عند الثاني من الأحوال ما كان عند عكاشة فلذلك لم يجبه وقال: ((سبقك بها عكاشة)) وكأن الدعوة لواحد فلما سبق إليها عكاشة كانت له وهذا حسن جواب وحسن خلق منه - صلى الله عليه وسلم - فإن عكاشة هذا كان من السابقين إلى الإسلام هاجر وشهد بدراً وقاتل فيها واستشهد في قتال أهل الردة بقيادة خالد بن الوليد بيد طليحة الأسدي سنة اثنتي عشرة ثم أسلم طليحة الأسدي وجاهد الفرس يوم القادسية مع سعد بن أبي وقاص واستشهد في وقعة الجسر المشهورة. فقوله - صلى الله عليه وسلم - ((أنت منهم)) أو ((اللهم اجعله منهم)) فضيلة لعكاشة. هذه الفضيلة التي كانت سبباً في أن يكون منهم أو بدعاء رسول الله له كان منهم فعلى كلا الحالين فهم من طلب عكاشة الدعاء ... جواز التوسل بدعاء المؤمن إلى أخيه المؤمن وشرعية ذلك وهذا شيء معروف شرعيته عند الصحابة. فكثيراً ما توسل الصحابة بدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان عليه الصلاة والسلام يدعو لهم ملبياً توسلهم بدعائه وكان القصد من توسل الصحابة بدعائه توقع الاستجابة لدعائه - صلى الله عليه وسلم - فهو ولا شك مستجاب الدعوة ... فقد سأله الأعمى أن يدعو له ليرد الله عليه بصره ففعل ورد بصره وسألته المرأة التي كانت تصرع أن يدعو لها بأن لا تتكشف حين تصرع فدعا لها

أيضاً وسأله بعض الصحابة السقيا فاستسقى لهم أي دعا لهم أن يسقوا فسقوا والأمثلة كثيرة على هذا النوع من التوسل المشروع نكتفي منها بما سنورده إن شاء الله وبه المستعان.

الدليل الرابع: ((حديث توسل الأعمى بدعائه - صلى الله عليه وسلم -)

الدليل الرابع حديث توسل الأعمى بدعائه - صلى الله عليه وسلم - عن عثمان بن حنيف - رضي الله عنه -: [أن رجلاً ضريراً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ادع الله أن يعافيني فقال: ((إن شئت دعوت وإن شئت صبرت وهو خير)) قال: فادعه. فأمر أن يتوضأ وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: ((اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى. اللهم شفعه في)). فعاد وقد أبصر] وفي رواية قال ابن حنيف: [فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا كأن لم يكن به ضر] رواه النسائي والبيهقي والطبراني وقد روى الترمذي والحاكم في مستدركه زيادة جملة في آخر الحديث وهي [وشفعني فيه]. لا شك أن هذا الحديث صحيح ومشهور ... وقد ثبت فيه بلا شك ولا ريب ارتداء بصر الأعمى بدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له. إن هذا الأعمى جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلب أن يدعو الله ليعافيه من ضره. فخيره رسول - صلى الله عليه وسلم - بين الدعاء له بالشفاء وبين أن يصبر على ضره وذلك خير له عند الله تعالى ولكن الأعمى أصر على التوسل إلى الله تعالى بدعاء رسول الله له فقال: فادعه. فلما رأى النبي إصرار الأعمى على طلب الدعاء منه عندها أمره عليه صلوات الله وسلامه ... أن يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يدعو: ((اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة)). ولنقف قليلاً عند قوله: ... . وأتوجه إليك بنبيك لنرى من خلاله قوله ..

ماذا يريد ويبغي منه أيقصد ذات النبي - صلى الله عليه وسلم - أم يريد منه الدعاء إلى الله تعالى أن يعافيه .. ؟ لا شك أن الأعمى قدم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من داره من أجل شيء يحرص عليه كل حرص وهو إعادة بصره إليه وإنه أي الأعمى ليعلم علم اليقين أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا دعا له الله تعالى أن يعافيه من الضر ... تقبل الله دعاءه وأذن سبحانه بمعافاته في بصره هذا هو الدافع الوحيد الذي دفع بالأعمى للقدوم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أن دليلاً آخر يؤيد ذلك أنه لما وصل إليه - صلى الله عليه وسلم - بادره حالاً قائلاً أدع الله أن يعافيني. إذاً فقد تعين من كلام الأعمى مراده من قدومه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنه ليريد دعاء رسول الله له ... ليعافيه الله من الضر. ثم فلننظر إلى أثر هذا الطلب - أي طلب الأعمى - في نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حيث حله أو حرمته أو إمكانه أو عدمه ... فمن أجل التثبيت من ذلك فلنستعد ما أجابه به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... أجابه بقوله: ((إن شئت دعوت وإن شئت صبرت وهو خير)) أي خيره بين أمرين اثنين وتركه في ذلك إلى مشيئته فإن شاء دعا له وإن شاء صبر على الضر وهذا خير له. إذاً فهم من جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له أن توسله بطلب الدعاء إلى الله أن يعافيه طلب صحيح ولا غبار عليه وأنه أيضاً في مكنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحقيقه له أي بدعائه الله له أن يعافيه ... إنما نبهه إلى شيء خير من ذلك ... وهو صبره على ما قدر الله عليه ... لأن الله أعد للصابرين على قدره في الآخرة أجراً يفوق عودة بصره في الدنيا لكن الأعمى فضل المعافاة وعودة بصره في الدنيا - ما دام ذلك لا يطعن في دينه بشيء - على ما سيكون له في الآخرة إن صبر .. وقال: ((فادعه ... )) أي أدع الله أن يعافيني. ترى ... ما كان موقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طلب الأعمى .. ؟ وبخاصة بعد أن خيره بين الدعاء له أو الصبر على العمى ... ؟ لا سيما وبعد أن

اختار الأعمى الدعاء على الصبر ... لا شك أن المجزوم به قطعاً ... أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وعد وفى ... وقد وعد الأعمى بالدعاء ... إنما أراد أن يكون للأعمى عمل أيضاً ... وإن أنفع عمل له في هذا الوطن هو دعاؤه الله تعالى بمعافاته من ضره ... بالإضافة إلى دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له على أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يترك الأعمى يدعو بما يشاء دون أن يعلمه دعاء معيناً يدعو به ... فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ... وهذا عمل صالح يدعو بهذا الدعاء: ((اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى. اللهم شفعه في)) - وفي رواية الترمذي - ((وشفعني فيه)). هذا هو الدعاء الذي علمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأعمى فذهب وتوضأ وأحسن وضوءه ثم دعا بهذا الدعاء ... كما علمه إياه رسول الله صلوات الله وسلامه عليه. وبينما كان الأعمى يتوضأ ويحسن وضوءه ... دعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشفع له عند الله تعالى: أن يعيد له بصره كما وعده. ولعل سائلاً يسأل: من أين علمت أن رسول الله قد دعا له ... ؟ بينما الحديث خلو من هذا العلم ... ولم يقل دعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجواب. نعم أن الحديث لم يخبرنا نصاً بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد دعا له ... ولكن هذا مفهوم ولا شك من الحديث نفسه. 1 - إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد وعده بالدعاء ووعده حق وصدق. 2 - قول الأعمى في آخر الدعاء: اللهم شفعه في أي يدعو الله تعالى أن يقبل شفاعة رسول الله فيه فلولا أن يكون قد شفع فيه لما دعا الأعمى أن يتقبل شفاعته - صلى الله عليه وسلم - فلا بد إذن من أن رسول الله دعا له وشفع له عند الله تعالى أن يرد عليه بصره وإلا فأي شفاعة يدعو الأعمى أن يتقبلها الله ... وممن يتقبلها ... ؟ 3 - وفي رواية الترمذي: ((وشفعني فيه)) أي وأقبل شفاعتي بقبولك

شفاعة رسول الله في أي كمن يقول آمين عندما ينتهي الإمام من قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة. أي استجب دعاء الإمام فينا بقوله: (اهدنا الصراط المستقيم). وكذلك الأعمى يقول: شفعني في قبول شفاعة رسول الله في ... فإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يدع له فكيف يقول: شفعني في قبول الله في لأن الهاء من قوله ((وشفعني فيه)) ضمير متصل تقديره هو عائد على الرسول - صلى الله عليه وسلم -. كل هذا ... يدل دلالة قاطعة جازمة على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد دعا للأعمى وشفع فيه عند الله أن يرد إليه بصره ولا شك أن دعاء رسول الله مستجاب وقد استجاب الله له في الأعمى فرد إليه بصره وهو على كل شيء قدير. وهذا عثمان بن حنيف - رضي الله عنه - يحدثنا: ((فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا كأنه لم يكن به ضر)). هذه قصة توسل الأعمى بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ليعافيه ... ويرد إليه بصره وإنها - كما رأيت - قصة صحيحة وفيها الدليل الواضح على مشروعية التوسل إلى الله تعالى بدعاء المؤمن لأخيه المؤمن ... إن كان الأعلى للأدنى أو الأدنى للأعلى وهكذا فقد ثبت بهذا الحديث ما أردنا إثباته من مشروعية توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له وفهم أن معنى نبيك أي بدعاء نبيك. أما الرد على من يتخذ هذا الحديث حجة في إثبات مشروعية التوسل الممنوع ... !! أي التوسل إلى الله بذوات المخلوقين (¬1) فسيكون ردنا على ذلك بعد قليل ي- إن شاء الله - رداً يستند إلى قواعد علم الحديث والمناقشة العلمية بالحجة الشرعية والبرهان المؤيد بشاهدين عدلين أعظم بهما من شاهدين عدلين: كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - هذا ما نرجو أن يوفقنا الله إليه ¬

(¬1) راجع الصفحة 236 - 240 من هذا الكتاب تر الرد الموعود به إن شاء الله.

الدليل الخامس: ((استسقاء الصحابة بدعائه (حال حياته))

من نصرة الحق على الباطل والعلم على الجهل (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز). الدليل الخامس استسقاء الصحابة بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في حال حياته فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: 1 - [خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - متواضعاً متبذلاً متخشعاً مترسلاً متضرعاً فصلى ركعتين كما يصلي في العيد لم يخطب خطبتكم هذه]. رواه الخمسة وأبو عوانة وابن حبان وعن عائشة رضي الله عنها قالت: 2 - [شكا الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له بالمصلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه فخرج حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله ثم قال: ((إنكم شكوتم جدب دياركم وقد أمركم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم. ثم قال: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد. اللهم لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغاً إلى حين)). ثم رفع يديه فلم يزل يدعو حتى رئي بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب رداءه وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين فأنشأ الله تعالى سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله تعالى فلم يأت مسجده حتى بالت السيول. فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك حتى بدت نواجذه فقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير وأني عبد الله ورسوله.))] رواه الحاكم وصححه، وأبو داود وقال: هذا حديث غريب وإسناده جيد. وعن عبد الله بن زيد قال: 3 - رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استسقى لنا أطال الدعاء

وأكثر المسألة قال: ثم تحول إلى القبلة وحول رداءه فقلبه ظهراً لبطن وتحول الناس معه] أخرجه أحمد بسند قوي. وعن أنس - رضي الله عنه -: 4 - [أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فقال: يا رسول الله: هلكت الأموال وانقطعت السب (¬1) فادع الله يغيثنا فرفع رسول الله يديه، ثم قال: ((اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا)). قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة (¬2) وما بيننا وبين ((سلع)) (¬3) من بيت ولا دار فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً (¬4) ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب فاستقبله قائماً فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها عنا فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه ثم قال: ((اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب (¬5) وبطون الأودية ومنابت الشجر)) فأقلعت (¬6) وخرجنا نمشي في الشمس))] رواه البخاري ومسلم. سجلت لك يا أخي أحاديث أربعة صحيحة تثبت لك أن الصحابة طلبوا من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يستسقي لهم فماذا فعل ... ؟ لقد علمت من نص هذه الأحاديث أنه رفع يديه وسأل الله تعالى الغيث فاستجاب الله سؤله في كل طلب من مطالب الناس منه بالاستسقاء لهم ... فسقوا بإذن الله تعالى. هذه عملية الاستسقاء كما وردت في الأحاديث المتقدمة ... ومعنى ذلك أنهم توسلوا إلى الله تعالى بدعائه - صلى الله عليه وسلم - ... فدعا لهم فسقاهم الله ... فهل فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أكثر من ذلك وهل طلب أن يتوسلوا بذاته إلى الله أو بذوات الأنبياء والمرسلين قبله؟! لا ما يكون له أن يقل لهم ذلك على أن التوسل ¬

(¬1) أي من عدم وجود ما يحملونه إلى السوق. (¬2) السحاب المتفرق. (¬3) اسم جبل في المدينة (¬4) أي أسبوعاً (¬5) الآكام: مرتفعات الأرض والضراب الجبال الصغيرة. (¬6) أمسكت.

في ذلك الزمن ... كان له معناه الحقيقي فكان بدهياً عند الجميع أن معناه طلب الدعاء فإذا قالوا: توسلنا مثلاً أي طلبنا منه الدعاء. ولم يكن التوسل بالذوات من مفاهيم المسلمين إذ ذاك بل هو من البدع المحدثة. على هذا الأساس من الفهم الصحيح كان معنى التوسل عندهم والاستسقاء الذي حصل كان توسلاً بدعاء رسول الله وكان مبنياً على أساس هذا الفهم. والأحاديث المتقدمة تشهد لهذا الفهم أيضاً ... بأنه هو المتبادر إلى الأذهان بل هو المقصود وليس من معنى آخر محتمل يخالف هذا المفهوم المقرر. إذا فهم هذا ... علم أن توسل المؤمن بدعاء أخيه المؤمن له هو توسل مشروع متقبل وهو المطلوب أن يتخذه المؤمنون في جملة الوسائل المشروعة لقبول الدعاء. أما المفاهيم المخالفة التي تأبى أن تقر بهذه النتيجة وتصر على أن التوسل ليس له هذا المفهوم فحسب ... إنما يعني أيضاً التوسل بذات المتوسل به لقربه من الله لأنه عند الله مقدم وعظيم المكانة ... فمن أجل هذا يستجيب الله الدعاء!!! لا دعاء المتوسل به بل دعاء المتوسل بجاه أو بذات هذا المقرب إلى الله لمجرد قربه ومكانته كما هي حال الوزير عند الملك مثلاً!!! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً وشأن الله أجل من ذلك. وهذه المفاهيم مفاهيم جاهلية ... هذه المفاهيم الجاهلية ... ليست جديدة إنما هي مفاهيم أبي جهل وأبي لهب وأمية بن خلف بل هي أيضاً مفاهيم المشركين منذ أن كان الشرك على الأرض إنما سولها الشيطان وزينها لحزبه في كل زمان ... ليحول دون هداية رسالات السماء ...

الدليل السادس: ((حديث الاستسقاء بدعاء العباس ... ))

الدليل السادس حديث الاستسقاء بدعاء العباس - رضي الله عنه - بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثبت لك يا أخي أن الصحابة كانوا يتوسلون إلى الله بالاستسقاء بدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم وذلك من الأحاديث الواردة في البحث الماضي ... نعم ... كانوا يفعلون ذلك في حال حياته - صلى الله عليه وسلم - ولما قبض الله نبيه إليه وألحق بالرفيق الأعلى فإذا أجذب الصحابة وقحطوا استسقوا وتوسلوا بغيره من الأحياء الذين تكون فيهم مظنة التقى والورع وبخاصة إذا كانت له وشائج قربى تربطه بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. ولعلك تسأل يا أخي المسلم ولم يعدلون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى غيره من الناس ... ؟ إذ مهما كان فيه ورع وتقى وصلاح لم يكن هذا شيئاً مذكوراً بجانب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... وإليك الجواب: إن الصحابة كانوا يتوسلون بدعاء رسول الله حال حياته ولما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعد يستطيع الدعاء بسبب وفاته وإذا مات ابن آدم انقطع عمله والدعاء ولا شك فانقطع بالموت. ولهذا استسقى عمر بن الخطاب رضي الله عنه إبان خلافته بالعباس - رضي الله عنه - عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعن أنس - رضي الله عنه - قال: [إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب وقال: ((اللهم كما نتوسل بنبينا - صلى الله عليه وسلم - فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)) قال فيسقون] رواه البخاري في صحيحه. وإذاً ثبت لديك ثبوتاً قطعياً أن عمر بن الخطاب وهو أمير المؤمنين - رضي الله عنه - استسقى بالعباس بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه ولم يعترض أحد من الصحابة على عمل عمر بن الخطاب إذ ليس من المعقول أن يعترض أحد لعلم الناس جميعاً أن عملية

الاستسقاء عملية توسل بدعاء المستسقي فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي استسقوا بدعائه حالة حياته ولم يعد بالإمكان أن يدعو ... كان بدهياً وجوب التفتيش عن غيره ليستسقي لهم ... فاختار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب العباس بن عبد المطلب ... ثم علل اختياره له بقوله: ((اللهم كنا نتوسل إليك بنبينا - صلى الله عليه وسلم - فتسقينا. وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)). أجل ... إنه علل اختياره: أولاً: لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد قضى، ولم يعد يدعو. ثانياً: لأن العباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - أما الفضل والسابقة والروع فيوجد في المسلمين من هو أفضل من العباس إنما قرابته من رسول الله كانت السبب باختياره للدعاء ولم يعلم أحد من الصحابة خالف عمر أو اعترض عليه فكان ذلك إجماعاً والإجماع أحد أصول الشريعة الأربعة الذي تقوم به الحجة إذاً فاختيار عمر للعباس للاستقاء بدعائه كان عملاً صحيحاً ومشروعاً وهو من نوع توسل المؤمن بدعاء أخيه المؤمن. فبعد أن كلف عمر العباس بالاستسقاء قال: ((أدع يا عباس ... )) وهنا نترك المجال ونتخلى عن موقف الكلام في الاسترسال بهذا البحث للحافظ ابن حجر العسقلاني ((أمير المؤمنين)) في الحديث ليروي لنا في كتابه: ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) صيغة الدعاء الذي دعا به العباس - رضي الله عنه -. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه ((فتح الباري)): ((وقد بين الزبير بن بكار في [الأنساب] صفة ما دعا به العباس لما استسقى به عمر. قال: [اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك ... وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث] فأرخت كالجبال)). هذا هو دعاء العباس ... وإنك يا أخي لترى أن العباس توسل إلى الله بالاعتراف باقتراف الذنوب ثم التوبة منها وهذا من أجل الأعمال الصالحة. وكان العباس - رضي الله عنه - يدعو ... والمسلمون يؤمنون ... فلم يضعوا أيهديهم حتى أرخت السماء مطراً كالجبال بإذن الله.

هذا هو هدي السلف في الاستسقاء ... وهكذا كان المسلمون كلما قحطوا أو أجدبوا يظهرون إلى خارج مدينتهم ويستسقون بدعاء صالحيهم فقد استسقى المسلمون في عهد معاوية - رضي الله عنه - بيزيد بن الأسود. وهكذا إلى زمننا هذا يستسقون بصالحيهم أي بدعائهم كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكما فعل العباس بن عبد المطلب ويزيد بن الأسود وسواهم إلى يومنا هذا ... على أن (البعض.!!؟) قد بدل هدي السلف الصالح في الاستسقاء المنوه عنه إلى قراءة كتاب صحيح البخاري بتمامه ... فتوزع أجزاؤه على الحاضرين فيقرأ كل شخص جزء وهكذا ... زاعمين أن بقراءة حديث صحيح البخاري يكون الاستسقاء ويمطرون متجاهلين سنة الرسول الأعظم والسلف الصالح في ذلك وهي كما تقدم خروج المسلمين إلى المصلى خارج البلد حين تعلو الشمس متواضعين متبذلين متخشعين مترسلين متضرعين فيصلون ركعتين بإمامهم ثم يدعو أحد صالحيهم على النحو المتقدم الذكر ... وعندما يعودون يقلبون أرديتهم ظهراً لبطن إشارة للتبذل والخضوع لله تعالى. على أن هذا الحديث نفسه يحتج به (البعض .. ؟.) أي حديث استسقاء العباس على جواز التوسل بذوات المخلوقين كأنهم فهموا أن المسلمين أن المسلمين توسلوا إلى الله بشخص لا بدعائه وسنفرد المرد على ذلك صفحات قادمة إن شاء الله (¬1) ... فتظهر الحقيقة واضحة ويتضح أن الدعاوى المجردة لا تنفع. أما الحقائق العلمية القاطعة التي يتألق منها الحق بهياً أبلج ساطعاً وتتفتح على نوره العيون التي أغمضها الباطل ردحاً من الزمن وتستنير به القلوب التي كانت ترتقب دفق دم الحياة لتخفق به أبداً وتتخذ من الأيدي الأمينة التي قصر بها ضعف الأنصار وقلة المحبين وندرة السالكين أنصاراً وأحباباً نعم هذه الحقائق العليمة سينفذ نورها إلى كل قلب إن شاء الله فيولي الباطل مهزوماُ مرذولاً ... ويحل الحق في هذه القلوب يملأها هدى ¬

(¬1) راجع الصفحة 261 - 266 ترى الرد الموعود.

وخيراً ونعمى. نحن نرجو من إخواننا المسلمين عامة أن ينظروا إلى ما نقدمه من حجج شرعية بعين التأمل على الأقل ... ثم يدعوا الله تعالى أن يوفقهم إلى رؤية الحق أنه هو الحق بعينه ويحببهم فيه وإلى أن يروا الباطل أنه هو الباطل بذاته ويكرههم فيه ... وما أحد التجأ إلى الله بالدعاء المخلص إلا أجاب سؤله لا إله غيره ولا رب سواه. عندها نلتقي جميعاً على الحق الذي ما بعده إلا الضلال ... ونعقد الأيدي على نصرته ... والحق ليس في قضية معينة فحسب ... بل في جميع القضايا وسائر الأمور التي جاء بها هذا الدين الكريم. فإذا توافقت القلوب وتحابت الأفئدة وتجاوبت النفوس على نصرة الحق أينما كان وتضافرت الجهود على الاستماتة في هذه النصرة فإن الظفر كائن لا محالة .. والمجد عائد ولا بد والسيادة للإسلام يهتف بها في كل بلد وإنقاذ أمم الأرض يتحقق على أيدي هؤلاء الأبناء والأحفاد كما تحققت في الزمن الأول على أيدي الآباء والأجداد ... ويملأ دين الإسلام الدنيا عدلاً بعد أن ملئت جوراً وترف راية لا إله إلى الله محمد رسول الله على كل جبل وسهل وكل بر وبحر وجو إلى أن يقضي الله أمره ويهتف الجميع بأنشودة الحق: لا إله إلا الله وحده، صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهز الأحزاب وحده لا شيء قبله ولا شيء بعده.

الدليل السابع: ((دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة))

الدليل السابع عن أبي الزبير عن بن صفوان بن عبد الله بن صفوان، قال: [قدمت الشام، فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده ووجدت أم الدرداء فقالت: أتريد الحج العام ... فقلت: نعم. فقالت: ادع لنا بخير ... فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: ((دعوة المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب مستجابة. عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل: آمين ولك بمثل)) قال: فخرجت إلى السوق ... فلقيت أبا الدرداء. فقال لي مثل لك يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -] أخرجه مسلم. هذا الحديث يحثنا على أن نتوسل إلى الله تعالى لإخواننا بالدعاء ويرغبنا في الثواب الذي أعده الله لمن يدعو لأخيه بظهر الغيب فهذه أم الدرداء رضي الله عنها تقول لصفوان: أدع لنا بخير وتعني أن يدعو لهم بخير في الحج عند المشاعر ... وهذا ولا شك دعاء بظهر الغيب فالداعي في مكة والمشاعر ... والمدعو لهم في الشام ... ثم ترغبه بأن لا ينسى ... ولا يفوت الثواب عليهم ولا على نفسه بقولها: فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: ((دعوة المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب مستجابة. عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل: آمين ولك بمثل)). فهذه أم الدرداء توسلت إلى الله تعالى بدعاء صفوان في الحج ... كيما تستجاب الدعوة فتصيب خيراً عظيماً واستجابة متحققة وصفوان توسل إلى الله تعالى بدعائه لأم الدرداء بالخير حتى يدعو له الملك: ((، ولك بمثل)). فأم الدرداء توسلت بدعاء صفوان لها ... وصفوان توسل إلى الله بدعاء الملك له وكلاً التوسلين

توسل بدعاء المؤمن لأخيه. أليس في هذا الحديث حض من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على توسل المؤمن بدعاء أخيه المؤمن .. ؟ ألا يدل حض رسول الله وحثه على هذا التوسل ... على مشروعيته ... ؟ لا شك ولا ريب أن يدل على ذلك فيها يا أخي فإن دعاءك لأخيك بظهر الغيب توسل منك إلى الله سبحانه وتعالى كي يستجيب دعاءك فيه. فإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الله عليه وسلم يحضنا على الخير ... من خلال حياته مع أصحابه فما ذاك إلا من أجل أنه عمل مشروع ... ومن أجل التأسي بهم والعمل بمثل ما كانوا يعملون. وهذه أم سليم رضي الله عنها تتوسل إلى الله تعالى بدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنس وتقول: (يا رسول الله خادمك أنس أدع الله له) وهذه المرأة التي كانت تصرع وتتكشف حين صرعها. تقول: يا رسول الله: ادع الله لي فأمرها بالصبر .. وآخر الأمر سألته الدعاء لها بأن لا تنكشف عندما لا تصرع ... أنها تتوسل إلى الله تعالى بدعاء رسول الله لها ألا تتكشف حينما يقدر الله صرعها فدعا لها .. فلم تتكشف بعد ذلك. وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرشد أصحابه - رضي الله عنهم - أن يطلبوا الدعاء من ((أويس القرني)) إذا ما أدركوه ... أي أن يتوسلوا إلى الله تعالى بدعاء أويس لهم لأنه رجل - كما أخبرهم رسول الله - مستجاب الدعوة. إن الأدلة والأمثلة على ذلك ... كثيرة لا تحصى ولا تستقصى إنما قدمت لك يا أخي يالقارئ المسلم - كما ذكرت لك آنفاً - قدمت لك باقة فواحة جنيتها من حديقة عبقة بالشذى النبوي العطر مكتظة بأفانين لا تعد من الزهر الزكي الذي يضوع أريجه على الدنيا فيضمخها بعرف زكي شذي .. تنتعش به النفوس المؤمنة والأفئدة المطمئنة وترتاح له العقول السليمة والأفهام الصحيحة فتمتليء جميعاً هدى يقودها إلى الطريق القويم وسيسلك بها الصراط المستقيم إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين اللهم اجعلنا منهم وجنبنا مواطن الزلل واهدنا وأهد بنا إنك على كل شيء قدير وبالإجابة

جدير وصلى الله على محمد وعلى آله الأطهار وصحبه الأبرار والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أخي القارئ المسلم الكريم: وهكذا فإنني على نهاية بحث التوسل المشروع بأقسامه الثلاثة: 1 - توسل المؤمن إلى الله بذاته العلية وأسمائه الحسنى وصفاته العلى. 2 - توسل المؤمن إلى الله تعالى بعمله الصالح. 3 - توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له. وقد جهدت - كما رأيت - وبقدر المستطاع ... أن أقرب هذا البحث لإخواني المسلمين المؤمنين بالدلائل المشرقة والأمثلة المتلألئة بنور الوحيين الأزهرين كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأسلوب كتابي بسيط وتعابير هينة لينة ... يفهمها العالم والمتعلم والمبتدئ بطلب العلم حتى يفهمها العامة إن قرأوها .. ، أو قرئت عليهم .. مبتغياً في ذلك وجه الله في ذي الجلال والإكرام ثم لتكون واسطة لإذاعة الحق الذي بان لي هداه. وقد لا أكون أول من بحث هذا البحث فلا شك أني مسبوق إليه من أئمة الأمة الأعلام المجتهدين إنما قد يكون في تعابيرهم الراقية الفائقة وأسلوبهم الكتابي العميق وإنشائهم الرائع الرفيع ... ما لا يستطيع كل قارئ أن يغوص في هذا البحر الزخار اللآليء والجواهر فيحصل على ما يتمنى منها من الكنوز فقد عمدت إلى تقريبها وتبسيطها بأسلوب متواضع وإنشاء لين وعرض مبسط آملاً أن أكون قد قمت بهذه الخدمة على النحو المطلوب والنمط المرغوب سائلاً ربي سبحانه أن يتقبله لوجهه الكريم متوسلاً إليه بذاته العلية وبأسمائه الحسنى وصفاته العلى وبكل عمل مني صالح يرضى عنه ويجبي لسيد رسله وبإيماني بجاه سيد خلقه وبحبي لأوليائه الصالحين من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يجعله عملاً نافعاً ووسيلة مقبولة لولوج رحاب رحمته ومغفرته ورضاه. وصلى الله على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم على هداه إلى ما شاء الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

التوسل الممنوع

التوسل الممنوع:

التوسل الممنوع لعل التوسل الممنوع وتعريفه وبيانه ... هو المقصود من تأليف هذا الكتاب بل هو المراد الأكيد من ذلك إنما وددت أن أسبقه ببحث التوسل المشروع بأنواعه ... وآتي بالأدلة الساطعة والحجج الدامغة على صحته وأذكر بالشارع الحكيم به وحض المؤمنين عليه وأنه سبحانه لا يقبل توسلاً ولا زلفى إلا بما شرع ... ولا شك أن التوسل المشروع لم يسم مشروعاً إلا لأنه تشريع من الله سبحانه. ذلك لألفت أنظار إخواني المؤمنين جميعاً إلى العمل به لا لذاته فحسب ... بل لأنه مشروع مأمور به في مواضع لا تحصى وأمكنة لا تستقصى من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وعندما أبين التوسل المشروع في تلألئ حججه وسطوع براهينه وتلقيه عن الله تعالى من يوم أن تلقى آدم كلمات عليه إلى عهد محمد صلوات الله عليه وعلى الأنبياء وسلامه ... وإلى يوم القيامة أعتقد بأن لهذا البيان أثراً كبيراً في أعماق النفوس من إخواني المسلمين جميعاً فأما الذين يحلون التوسل الممنوع عندما يرون الحجج والبراهين ساطعة متألقة في جانب التوسل المشروع يعيدون النظر في حلهم للتوسل الممنوع ... لا سيما عندما يرون ((حجج القوم ... )) تنهار كوخاً فكوخاً وأعشاشاً بعد أعشاش

أمام قوة الحجج السنية المصطفوية والأدلة الهادية المحمدية فلا تلبث أن تنهار صور تلك الأكواخ والأعشاش ويمحى رسمها من مخيلاتهم ... وإذا هم أمام الحق الأزهر والهدى الأنور والنور الأبهر فيسلكون طريق الحق على سنا هذه المعالم النبوية ... تدفع بهم إلى رضوان الله تعالى وإلى رحابه الفسيحة الباهرة في ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وأما الذين يحرمون التوسل الممنوع ... فيزدادون إيماناً على إيمانهم وينشطون للدعوة إلى الحق في تثبيت وتمكن مما يطلعون عليه من البراهين والحجج القرآنية والبيانات والأدلة السنية ... بالإضافة إلى ما هم عليه من الفطر السليمة في الأساس فيزدادون تثبيتاً وتثبيتاً وتمكناً وتمكناً ... وقوة ورسوخاً ... ثم يهرعون إلى إخوانهم الجدد الذين تنورت قلوبهم بالحق الذي بان لهم واطمأنت أفئدتهم إليه ويسرع بعضهم كل يلتزم أخاه يعانقه ويقبله ويحمدون الله جميعاً على ما هداهم وفتح قلوبهم إليه وشرح صدورهم له. (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) /92/الأنبياء. هذا ... ما أؤمل أن يكون بإذن الله ... ومن أجل هذا ... كتبت هذا الكتاب ليعود الصف واحداً ويرتئب صدع جانبين من هذه الأمة الواحدة اللذين كاناً متجافيين وكاد أن ينهار بهما الصرح الذي سلمه بانيه شامخاً باذخاً في أعاليه أضواء سنته الكشافة الباهرة - صلى الله عليه وسلم -. وفي إغفاءه غفاها أهلوها بعده أمتدت إليها الأيدي السوداء ... !؟ الجانية المجرمة والأصابع الملوثة الخائنة ... ؟ فأطفأت الأنوار ... لتحجب الأعين عما تفعل تلك الأيدي والأصابع العدوة في أساس ذلك الصرح المشيد إلى أن نالت منه بعض ما تتمناه ... فانشق الصرح من فوقه تبعاً له وصار شقين ... منذرين بأن يميدا بأهلهما ... ولكن الله الذي قال في محكم كتابه: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) حفظ الله هذه الأمة بحفظ قرآنها وبتيسير معرفة الصحيح من سنة نبيها حفظها من مزالق الزلل ومواطن

تعريف التوسل الممنوع

الانهيار فلا ينحرف أحد من المؤمنين إلا ويهتف القرآن والسنة في أعماقه: إلي إليّ ... فمن شاء الله له الهداية بسماع صوت الحق عاد إلى الحضيرة ومن شاء له الضلال فلن تجد له ولياً مرشداً (فأما من أعطى واتقى /5/ وصدق بالحسنى /6/ فسنيسره لليسرى /7/ وأما من بخل واستغنى /8/ وكذب بالحسنى /9/ فسنيسره للعسرى) /10/الليل. تعريف التوسل الممنوع هو تقرب العبد إلى الله تعالى بعمل مخالف لكتابه مخانف لسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - مثاله: كالتوسل إلى الله بذوات مخلوقات في السموات أوالأرض من الملائكة والنبيين غير متابعة لهم في أعمالهم الصالحة ومن الأمكنة الفاضلة كالكعبة والمشعر الحرام والأزمنة الفاضلة كشهر رمضان والقدر وأشهر الحج والأشهر الحرم من غير إعطائها ما شرع الله فيها من العمل وما قضى فيها من الحرمة. حكم التوسل الممنوع حكم التوسل الممنوع حرام وتتراوح حرمته بحسب نوعيته وأوجهه. والحرام: أعلاه الكفر وأدناه أي عمل فيه مخالفة شرعية ويمنع فاعله. ويتراوح المنع من الاستتابة أو القتل إلى قصاص رادع للحد الذي يراه إمام المسلمين أنه مانع من مقارفة الذنب مع تعاهده بالنصح والإرشاد والإقناع بالحجة والبرهان ويكون الترهيب والترغيب فرسي رهان من المنع. فمقارفة الذنب عمداً أو خطأ سهواً أو نسياناً علماً أو جهلاً لا تغير من صفة الوقوع فيه ولا من حرمته وان اختلفت درجة عقوبته فيأخذ الذنب حقيقة صفته والمذنب نصيبه من الحكم ... إنما كل بحسبه. فسأله تعالى أن يسلكنا الصراط المستقيم الموصل إلى رحمته وجنته وثوابه ويجنبنا السبل التي تفرق بنا عن سبيله ... وأن يجعلنا جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأن يجعلنا من المهتدين أولي الألباب.

أوجه التوسل الممنوع

أوجه التوسل الممنوع إن للتوسل الممنوع عند من يستحلونه أوجهاً ثلاثة: الوجه الأول: التوسل إلى الله تعالى بذات وشخص المتوسل به. كأن يقول المتوسل: اللهم إني أتوسل إليك بفلان ... . - ولا يعني إلا ذاته وشخصه - أن تقضي حاجتي ... الوجه الثاني: التوسل إلى الله تعالى بجاه أو حقه أو حرمته أو بركته كأن يقول المتوسل: اللهم إني أتوسل إليك بجاه فلان عندك أو بحقه عليك ... أو بحرمته ... أو بركته أن تقضي حاجتي. الوجه الثالث: الإقسام على الله بالمتوسل به كأن يقول: اللهم أقسم عليك بفلان أن تقضي لي حاجتي ... وقد أجاز المستحلون للتوسل الممنوع كل هذه الأوجه الثلاثة ... والحقيقة أنها جميعاً باطلة وفاسدة ومخالفة لأصول الدين ونصوصه. وإليك البيان أخي القارئ الكريم: لا يستطيع المستحلون للتوسل بهذه الأوجه الثلاثة أن ينكروا بأنهم يستحلونها ويدعون الناس إلى التوسل بها بل ويقولون: إنها من القربات التي يتقبل الله بها الدعاء ويستجيبه. بينما نقول نحن: بأنها باطلة ومنعها الشرع ولم يأذن بها ... إذن فإنه توسل ممنوع. فلا يجوز لأحد أن يعمل به!!!؟ لا شك أننا قد تنازعنا في هذا الأمر واختلفنا فيه ولسنا أول من اختلف فقد اختلف من قبلنا فليس بدعاً أن نختلف وليس غريباً أن نتنازع ... فما دامت المفاهيم مختلفة لا بد أن يقع الاختلاف فهذا مما قدره الله بين عباده ... فكما أنه جل جلاله قدر وقوع الخلاف ... فكذلك قد قدر سبحانه الوفاق وأوصانا عز وجل إن اختلفنا أن نحتكم إلى الله ورسوله أي إلى كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقد قال عز من قائل:

الوجه الأول: توسل إلى الله بذات وشخص المتوسل به

(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً /59/) النساء. فأكرم وأنعم وأعظم بهذا الحكم العدل والطرفان المتنازعان راضيان بحكمه وإطاعته وتنفيذه (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً /65/) النساء. فما دام الخصمان راضيين بالحكم ونازلين على ما سيقرره ويحكم به ويطيعان الحكم وينفذانه فليتقدم إذن الطرفان المتنازعان أمام الحكم العدل وليدل كل منهما بحجته وبرهانه. أما نحن فقد سبق أن بينا في شرح التوسل المشروع ما ذكرناه ودللناه بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وأعمال السلف الصالح من الصحابة والقرون الخيرة على مشروعية ذلك التوسل وحض الشارع الحكيم عليه وعلى العمل به والتقرب إلى الله تعالى على أساسه ... لم نجد بين طيات الوحيين الأزهرين كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ذكراً للتوسل الممنوع الذي يدعي الخصم حله وعده مشروعاً أيضاً ... فلو كان مشروعاً حقيقة لذكره الشارع في زمرة ما ذكره وحض كذلك الناس عليه وليس معقولاً أن يهمله الله تعالى ولا يبلغه رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا يعمل به الصحابة والقرون الخيرة أًيًضلّ عنه صحابة رسول الله، ويهتدون هم إليه ... ؟ إذن فعدم وجوده لا في كتاب ولا سنة دليل على عدم مشروعيته. وإذا لم تثبت مشروعيته فهو إذن ليس مشروعاً ... وبدهيّ إذا لم يكن مشروعاً ... أن يكون ممنوعاً وحراماً. هذا دليل عام يشمل الأوجه الثلاثة للتوسل الممنوع على عدم مشروعيتها ولكننا نحب أن نضيف إلى ذلك .. أدلة على عدم مشروعية كل وجه من وجوه التوسل الممنوع ... والذي ادعوا حله ... !!! فنقول وبالله المستعان: الوجه الأول: التوسل إليه تعالى بذات وشخص المتوسل به. إن التوسل بذات وشخص المتوسل به إلى الله تعالى عمل غير شرعي لأنه

قول ابن تيمية رحمه الله

لم يأمر به الله ولا بلغه رسوله - صلى الله عليه وسلم - على أن التوسل بذات الشخص بدون متابعة للعمل الذي كان يعمله فبلغ به المنزلة الطيبة عند الله إنما هو عمل قد ذمه الله تعالى لما وصف توسل المشركين فقال حاكياً عنهم: (ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) /3/ الزمر. فالتوسل بالعبد الصالح من غير متابعة له في الأعمال الصالحة لا يجوز أن يكون وسيلة فهذا التزلف بذوات الأشخاص رده الله سبحانه ولم يقبله. وإنه تعالى قد عاب عليهم في هذه الآية أمرين اثنين: عاب عليهم عبادة الأولياء من دونه وعاب عليهم محاولتهم القربى والزلفى إليه تعالى بالأشخاص والعباد المخلوقين فكلا الأمرين في الآية عيب وذنب. وكلاهما باطل وكذب وضلال وقال تعالى: (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون) /37/ سبأ. أي إن الذين يقربون عند الله درجاتٍ ومنازل عظيمة والذين تضاعف لهم حسناتهم إنما تضاعف بأعمالهم لا بالجاهات ولا بالوساطات. قول ابن تيمية: (رحمه الله) سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجلين تناظرا فقال أحدهما: لا بد لنا من واسطة بيننا وبين الله فإنا لا نقدر أن نصل بغير ذلك: فأجاب رحمه الله: الحمد لله رب العالمين: إن أراد بذلك أنه لا بد من واسطة يبلغنا أمر الله فهذا حق. فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه وما أمر به وما نهى عنه وما أعده لأوليائه من كرامته وما وعد به أعداءه من عذابه ولا يعرفون ما يستحقه الله من أسمائه الحسنى وصفاته العليا التي تعجز العقول عن معرفتها وأمثال ذلك إلا بالرسل الذين أرسلهم الله تعالى إلى عباده فالمؤمنون بالرسل المتبعون لهم هم المهتدون الذين يقربهم لديه زلفى ويرفع درجاتهم ويكرمهم في الدنيا والآخرة وأما المخالفون للرسل فإنهم ملعونون وهم عن ربهم ضالون محجوبون.

قول أبي حنيفة رحمه الله

ثم قال: وإن أراد بالواسطة أنه لا بد من واسطة في جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يكون واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم ويسألونه ذلك ويرجعون إليه فيه فهو أعظم من الشرك الذي كفر الله به المشركين حيث اتخذوا من دون الله أولياء شفعاء يجتلبون المنافع ويدفعون بهم المضار. اهـ. قول أبي حنيفة رحمه الله: قال في الدر المختار: وفي التتار خانية معزياً للمنتقى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به والدعاء المأذون فيه المأمور به ما استفيد من قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها /180/) الأعراف. قول ابن عربي: وقال الشيخ ابن عربي شيخ الصوفية في الفتوحات المكية ج4 ص226 بولاق: (إن الله تعالى لم يترك لعبده حجة عليه بل لله الحجة البالغة فلا يتوسل إليه بغيره إنما هو طلب القرب وقد أخبرنا أنه قريب وخبره صدق). الوجه الثاني: التوسل إلى الله تعالى: بجاه فلان أو حقه أو حرمته وما أشبه. أما التوسل إلى الله تعالى: بجاه أو بحرمة المتوسل به ... فهذا عمل لم يشرعه الله ولم يبلغه رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا أمر به ولا حض عليه ولم يصل إلينا عن أحد من أصحابه - رضي الله عنهم -. وإننا نوجه سؤالاً للذين يستحلون هذا النوع من التوسل فنقول: إن هذا الذي تسألون الله بجاهه أو بحرمته عنده كيف يكون له هذا الجاه والحرمة وتلك المنزلة الطيبة عنده سبحانه؟ أليس هذا كله من طاعته لربه وتنفيذه لأوامره وتركه لنواهيه وفعله الخيرات وجهاده في سبيل الله ونشره الدعوة بين الناس وصبره على الأذى في سبيلها .. ؟ أليس كذلك ... ؟ ولولا أن يفعل هذا ... ما كان له في ذلك الجاه ولا الحرمة ولا تلك المنزلة العالية. فإذا كان الأمر كذلك ... فهل لكم من أعماله تلك أي سهم أو نصيب ... ؟ ستقولون: لا إن عمله له وليس لأحد أي نصيب منه، فأقول: هذا القول

الحق بارك الله فيكم فما دمتم تعلمون أن كل هذه المكانة والحرمة متأتية له من سعيه ومتأكدون أن سعيه له وليس لكم فيه من حق ... فكيف إذاً تتوسلون إلى الله بجاهٍ لا تملكونه وحرمة ليس لكم فيها أية علاقة ومكانة اختصه الله بها وليس لكم منها مثقال ذرة ... ؟ والله سبحانه وتعالى قرر في كتابه العزيز: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى /41/) النجم. إذاً فالذي ليس من سعيكم ليس لكم فيه من نصيب ... فتوسلكم بجاهه أو بحرمته أو منزلته مخالف لما قال سبحانه في الآية المتقدمة وليس لكم أن تفعلوا ذلك. وبناء على ما تقدم فإن كل توسل إلى الله ربما لم يشرع ... غير مقبول ومردود ... لأنه ليس مطابقاً لما أمر وشرع هذا عدا عن أن مخالفة أمر الله يترتب عليها عقاب لأن مخالفة أمر الله ذنب ولكل ذنب عقاب. فما رأيكم بعمل تعملونه ... وتظنون أنه قربى إلى الله وفي الواقع ليس هو قربى ... بل ذنب يستحق أن تتوبوا منه أو تعاقبوا عليه ... فلا أنتم منه تتوبون أو تستغفرون ولا أنتم عنه راجعون فتكررون الذنب ولا تستغفرون ويتراكم ولا تشعرون وتحسبون أنكم بعملكم هذا تحسنون صنعاً .. !!! وهكذا ... فإن الشيطان زين لكم عملكم وحسنه في نظركم فظننتموه. سناً فأطعتم الشيطان ... ! وعصيتم الرحمن!!! ولكن بعد أن وضح الحق ... هل أنتم منتهون؟ وإذا كان هناك رجال صالحون قبضهم الله إليه ومضوا إلى ما عملو من خير وصلاح ... فهم - إن شاء الله - في بحبوحة من رحمة الله ومغفرته ورحاب فسيحة من رضاه وعفوه وكرمه، فليس لأحد أن يتوسل إلى الله بصلاحهم ... لأن صلاحهم من سعيهم لا من سعي المتوسلين بهم. قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله: (ليس لأحد أن يدل على الله بصلاح سلفه فإنه ليس صلاحهم من عمله

قال شارح العقيدة الطحاوية رحمه الله

الذي يستحق به الجزاء كأهل الغار الثلاثة، فإنهم لم يتوسلوا إلى الله بصلاح سلفهم وإنما توسلوا إلى الله بأعمالهم (¬1) اهـ. ولماذا لا تعملون صالحاً كما عملوا .. وتتوسلون بأعمالكم الصالحة كما توسلوا ... فتكتب لكم في صحائفكم وتتقربون بها إلى الله وتتوسلون كما فعل السلف الصالح ممن سبقكم ... أمات سمعتم الشاعر يقول: لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يوماً على الآباء نتكل نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثلما فعلوا وقال شارح العقيدة الطحاوية: رحمه الله. (ولا مناسبة بين ذلك - أي صلاح المتوسل به - وبين استجابة الدعاء فكأن المتوسل يقول: لكون فلان من عبادك الصالحين أجب دعاي! وأي مناسبة في هذا ... وأي ملازمة؟ وإنما هذا من الاعتداء في الدعاء وقد قال تعالى: (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية أنه لا يحب المعتدين) /55/الأعراف. وهذا ... ونحوه من الأدعية المبتدعة ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن الأئمة - رضي الله عنهم - وإنما يوجد مثل هذا ... في الحروز والهياكل - أي التمائم - التي يكتب بها الجهال والطرقية والدعاء من أفضل العبادات والعبادات مبناها على السنة والاتباع لا على الهوى والابتداع). الوجه الثالث - الإقسام على الله جل وعلا بالمتوسل به الأصل في القسم أو الحلف أن يكون بالله تعالى لأنه عبادة ومعلوم أن العبادة لا يجوز أن تصرف إلا لله عز وجل ولذا فإنه لا يجوز القسم أو الحلف بغيره سبحانه وقد ثبت في الصحيحين: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت] وفي لفظ: [من حلف بغير الله فقد أشرك] رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححوه. فإذا فهم هذا ... فيتعين أن لا يجوز الحلف بمخلوق على مخلوق فكيف يجوز الحلف بالمخلوق على الخالق ... !؟ كأن يقول ¬

(¬1) راجع حديث أهل الغار في الصفحة 129 من هذا الكتاب.

مثلاً: اللهم إني أقسمت عليك بفلان أو أسألك بحق فلان أن تقضي حاجتي ... قد يتأثر المخلوق إذا أقسمت عليه بعظيم أو مكرم لديه ... فيتحول عن عزمه الذي كان عازماً على فعله ... إلى مرادك الذي أقسمت عليه بأن يلتزم به ... أما الله سبحانه فلا أحد يستطيع أن يحول مراده أو يؤثر عليه تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً (وهو يجير ولا يجار عليه) /88/ المؤمنون. أي هو السيد العظيم الذي لا أعظم منه أحد الذي له الخلق والأمر ولا معقب لحكمه الذي لا يمانع ولا يخالف وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. فمن كان هذا شأنه كيف تقسم عليه بمخلوق؟ ألا إن شاء الله أعظم من ذلك وإن الله تعالى جده وتقدست أسماؤه وجلت صفاته هو الذي يقسم به على مخلوقاته لا أن يقسم عليه بمخلوقاته. ألا ترى معي يا أخي المسلم أن الإقسام على الله بمخلوقاته ليس شركاً فحسب .. بل هو تقرب إلى الله بالشرك به ... !!! والمفروض بالتقرب ... أن يكون بشيء يرضي المتقرب منه ... ولا يفكر عاقل بأن يتقرب إلى أحد بما يكره وإن هؤلاء الذين يقسمون على الله بمخلوقات يتقربون إلى ربهم بذلك ... والله سبحانه لا يرضيه أن يشرك به عباده ... فضلاً عن أن يتقربوا إليه بهذا الشرك وما أدري إذا كان هؤلاء يدرون ما يفعلون أو لا يدرون ... !!!؟ (فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة * وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم) ثم نسأل: إذا كان الحلف عبادة ... هل المحلوف به أعظم أم المحلوف عليه أعظم ... ؟ سيقولون بل المحلوف به أعظم ... فإذا كان المحلوف به أعظم فعندما نحلف على الله بأحد خلقه من يكون هنا المحلوف عليه ... ؟!!! سيقولون: المحلوق والمحلوف عليه هو الله الخالق. فنقول: أرأيتم كيف جعلتم المخلوق أعظم عندكم من الخالق ... ؟!!! نعوذ بالله من الشرك والكفر وسوء المنقلب في الدنيا والآخرة. أرأيت يا أخي المسلم كيف يستولي الشيطان على هؤلاء فيريهم الحق باطلاً والباطل حقاً ... ؟ أرأيت يا أخي إلى أية هاوية يريد الشيطان أن يرديهم فيها.؟

قال شارح العقيدة الطحاوية

تُرى هل شعروا بهمز الشيطان ونفخه ونفثه يسري في كيانهم كما يسري السم في الجسد ... ؟ وهل سيظلون هكذا طائعين منقادين كالأنعام إلى جهنم وبئس المصير ... أسيظلون هكذا ... أم يفلتون من حبال عدوهم ويهربون إلى ربهم تائبين منيبين إليه، يذرفون دموع الندم ويرجون من الله رحمة ومغفرة ... والله إن فعلوا ... لوجدوا الله تواباً رحيماً فبادروا يا رعاكم الله إلى كنف التواب الرحيم تلقوا عفوه وكرمه ورضوانه رغم ما أسلفتم من الذنوب والآثام (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) /53/الزمر. وإن الكريم سبحانه لا يغفر ذنوبكم فحسب بل يبدلها حسنات وهذا جزاء التائبين المستغفرين المؤمنين العاملين اسمعوا قوله تعالى: (إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) /70/الفرقان. وقد ألحى العلماء باللائمة على من يقسم بالمخلوق وأقاموا النكير عليه وحذروا منه أشد التحذير لما فيه من المساس بالألوهية والعياذ بالله تعالى. قال شارح العقيدة الطحاوية: (وإن الإقسام على الله بحق فلان فذلك محذور لأن الإقسام بالمخلوق لا يجوز فكيف على الخالق؟! وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: [من حلف بغير الله فقد أشرك] ولهذا قال أبو حنيفة وصاحباه - رضي الله عنهم -: يكره أن يقول الداعي: أسألك بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام ونحو ذلك حق كره أبو حنيفة ومحمد رضي الله عنهما أن يقول الرجل: اللهم إني أسألك بمعقد العز من عرشك ولم يكرهه أبو يوسف رحمه الله لما بلغه الأثر (¬1) كما أن القول: بجاه فلان عندك أو نتوسل إليك بأنبيائك ورسلك وأوليائك ومراده أن فلاناً عندك ذو وجاهة وشرف ومنزلة فأجب دعاءنا. وهذا أيضاً محذور فإنه لو كان هذا هو التوسل الذي كان الصحابة يفعلونه في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - لفعلوه بعد موته. وإنما كانوا يتوسلون في حياته بدعائه يطلبون ¬

(¬1) قال الزيلعي في نصب الراية 4/ 273: هو حديث مرفوع موضوع.

منه أن يدعو لهم وهم يؤمنون على دعائه كما في الاستسقاء وغيره فلما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عمر - رضي الله عنه - لما خرجوا يستسقون -: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا. معناه: بدعائه الله لنا وشفاعته عنده وليس المراد أنا نقسم عليك/به/أو نسألك بجاهه عندك إذ لو كان ذلك مراداً لكان جاه النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم وأعظم من جاه العباس). اهـ ويروي ... أن داود عليه السلام قال: [اللهم إني أسألك بحق آبائي عليك فأوحى إليه: وما حق آبائك علي؟] (2). وقال أبو الحسن القدوري في شرح كتاب الكرخي: (قال بشر بن الوليد: سمعت أبا يوسف يقول: قال أبو حنيفة: ((لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به وأكره أن يقول: أسألك بمعاقد العز من عرشك. وأن يقول: بحق فلان وأنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام)) قال أبو الحسن: أما المسألة بغير الله فمنكره لأنه لا حق لغير الله عليه وإنما الحق له على خلقه) وفي قول له: (المسألة بخلقه لا تجوز: لأنه لا حق للمخلوق على الخالق فلا يجوز يعني: وفاقاً).وقال ابن بلدجي في شرح المختار: (ويكره أن يدعو الله إلا به. ولا يقول: أسألك بملائكتك أو أنبيائك أو نحو ذلك لأنه لا حق للمخلوق على خالقه). وقال نعمان خير الدين الحنفي في ((جلا العينين)) وذكر العلائي في شرح التنوير عن التتار خانية: أن أبا حنيفة قال: ((لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به)) وجميع متون الحنفية أن قول الداعي المتوسل بحق الأنبياء والأولياء وبحق البيت الحرام مكروه كراهة تحريم، وهي كالحرام في العقوبة بالنار اهـ. (2) قيل أنه ضعيف وقد رويناه بصيغة التمريض للدلالة على ضعفه وذكرناه استئناساً للمناسبة مع بيان ضعفه. وننتهي هنا من إيراد أدلتنا في إثبات عدم شرعية التوسل إلى بذوات المخلوقين الذي أطلقناه عليه: ((التوسل الممنوع)) فقد فندنا كل وجه من أوجهه

الثلاثة المتقدمة ... وأثبتنا بطلانها جميعاً وفسادها جملة وتفصيلاً لعدم مطابقتها لأحكام الكتاب والسنة ومخالفتها لهما ومجانبتها الحق وانحرافها عن الصواب. فلله وحده الحمد والشكر والثناء الحسن كما يحب ربنا ويرضى على ما ألهمنا فيه من الحجج والأدلة القرآنية والسنية الصحيحة. وإننا إذ نضع ما كتبناه بين أيدي المخالفين الذين تحجبهم (بعض الشبه!!!) عن تقريرهم النهائي فيما يرون من الأدلة الشرعية التي سقناها ... نهيب بهم أن يدلوا بأدلتهم المعاكسة التي تثبت عكس ما قلناه ... فإن كانت حججهم وأدلتهم مطابقة للقرآن والسنة الصحيحة نصاً وفهماً وتخريجاً فإننا نعدهم وعداً قاطعاً أننا نعود للحق الذي بان لنا من أدلتهم ... كما نرجو منهم إما وجدوا ذلك عندنا ... واستبان لهم الحق مما وضح من أدلتنا أن يعدونا أيضاً وعداً قاطعاً. بأن يعودوا إلى ذلك الحق ويتوبوا إلى الله تعالى ويستغفروه فلا يكون إلا الحق منصوراً ولا بد أن يكون الباطل إلا مخذولاً ومقهوراً. والحكمان العدلان الأزهران النيران ... كتاب الله وسنة رسوله بانتظار الحكم بالحق لصاحب الحق من بيننا ويعترف كل منا بهذا الحق ونعود جميعاً جبهة واحدة وصفاً متراصاً ونكون - إن شاء الله - حملة التركة المحمدية ... التي أورثناها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي] فنعيد ذلك العهد الأزهر والزمن الأنور. خير القرون إلى قيام الساعة. ولئن فاتنا نحن أبناء هذا الجيل ... صحبة نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا نحرم من صحبة أنفاسه الطاهرة التي ما تزال تفوح من بين أسطرها ... عبقاً زكياً وعرفاً شذياً وتزهر منها أضواء الحق وأنوار الخير ودفقات سنا الهدى. (أهل الحديث همو أهل النبي وإن لم يصحبوا نفسه، أنفاسه صحبوا) وهنا نتخلى عن مقام الكلام والكتابة تاركين المجال لإخواننا الذين نؤمل

بهم الرجوع إلى الحق فليدلوا بأدلتهم فقد ادعوا: أن لهم أدلة قرآنية وسنية يستندون إليها ... باتخاذهم هذا النوع من التوسل الذي دعوناه (ممنوعاً ... ) واعتباره مشروعاً ... بالنسبة لما يحفظون من الأدلة ... فلا بأس ... فلعلهم يكونون على حق فليدلوا بها (وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) /34/ سبأ. الصحابة لم يقسموا على الله بالنبي ... ولم يسألوه به .. !! قال ابن تيمية رحمه الله: ((التوسل بمعنى الإقسام على الله بذاته - صلى الله عليه وسلم - أو السؤال به ... فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه لا في حياته ولا بعد مماته لا عند قبره ولا غير قبره ولا نعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة أو عمن ليس قوله حجة)).

التوسل الممنوع: أدلة أنصاره وحججهم

التوسل الممنوع أدلة أنصاره وحججهم أهي أدلة أم شبه

قالوا ... أخطأتم جدا بإطلاقكم على التوسل بالمخلوقين

قالوا: أخطأتم جداً ... لما أطلقتم على التوسل بذوات المخلوقين أو بجاههم وحرمتهم أو بالقسم بحقهم أو بهم اسم (التوسل الممنوع) فبأي دليل منعتموه ... ؟ نحن لا نخالفكم بالتوسل المشروع فكل ما أوردتموه من حجج وأدلة نوافقكم عليه وهو صحيح إنما لا نوافقكم على منعكم وتحريمكم التوسل بذوات المخلوقين فكما أن لديكم حججاً وأدلة على التوسل المشروع فكذلك نحن لدينا حجج من القرآن والسنة على صحة ما نذهب إليه من حل ذلك التوسل وإننا مستعدون أن نورد الآيات والأحاديث التي تدعم ادعاءنا هذا ... وإليكم البيان: قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون) /35/المائدة. وقال تعالى: 1 - (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً /56/ أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً) /57/ الإسراء.

2 - وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله فاستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً) /64/النساء. وكذلك أيضاً ... لدينا من الأحاديث العديدة ما يفيد صحة توسلنا بذوات المخلوقين. وإليكم البيان. 1 - عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [ما خرج رجل من بيته إلى الصلاة فقال: ((اللهم إني أسألك بحق السائلين وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياء ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت إلا وكل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له وأقبل عز وجل عليه بوجهه حتى يفرغ من صلاته))]. رواه ابن ماجه. 2 - روى البيهقي في كتابه المسمى دلائل النبوة عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد إلا ما غفرت لي فقال الله تعالى كيف عرفت يا محمداً ولم أخلقه قال: يا رب إنك لما خلقتني رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله تعالى: صدقت يا آدم أنه لأحب الخلق إلي وإذا سألتني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك] رواه الحاكم وصححه. 3 - قصة مالك مع أبي جعفر المنصور وفيها أنه سأل مالكاً فقال: يا أيا عبد الله أأستقبل القبلة وأدعو أم استقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى يوم القيامة، بل استقبله واستشفع به. 4 - حديث فاطمة بنت أسد: [الله الذي يحيى ويميت وهي حي لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين].

5 - حديث الأعمى: عن عثمان بن حنيف - رضي الله عنه -[أن رجلاً ضريراً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أدع الله أن يعافيني فقال: إن شئت دعوت وإن شئت صبرت وهو خير قال: فادعه فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: ((اللهم إني أسألك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضي اللهم شفعه في)) فعاد وقد أبصر - وفي رواية - قال ابن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا كأن لم يكن به ضر]. 6 - حديث الرجل الذي كانت له حاجة عند عثمان بن عفان. روى الطبراني والبيهقي: [كان يختلف إلى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - رجل في زمن خلافته في حاجة ... فكان لا يلتفت ولا ينظر إليه في حاجته. فشكا ذلك لعثمان بن حنيف فقال له: إئت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضي وتذكر حاجتك فانطلق الرجل فصنع ذلك ثم أتى باب عثمان - رضي الله عنه - فجاء البواب فأخذ بيده فأدخله على عثمان - رضي الله عنه - فأجلسه معه وقال له اذكر حاجتك فذكر حاجته فقضاها ثم قال: ما كان لك من حاجة فاذكرها ثم خرج من عنده فلقي ابن حنيف فقال له جزاك الله خيراً ما كان ينظر لحاجتي حتى كلمته لي فقال ابن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره] إلى أخر الحديث المتقدم أي (حديث الأعمى). 7 - حديث [إذا سألتم الله فسلوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم] 8 - خبر [إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور] 9 - حديث استسقاء بلال بن الحرث بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. روى البيهقي وابن أبي شيبة: أن الناس أصابهم قحط في خلافة عمر - رضي الله عنه - فجاء بلال بن الحرث - رضي الله عنه - وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال يا رسول الله: استسق لأمتك فإنهم هلكوا فأتاه رسول

الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام وأخبره أنهم سيسقون. حديث الاستسقاء بالعباس: 10 - روى البخاري في صحيحه من رواية أنس بن مالك - رضي الله عنه -: [أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - وقال: اللهم كنا نتوسل إليك بنبينا - صلى الله عليه وسلم - فتسقينا وأنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. قال: فيسقون]. 11 - حديث عام الفتق: روى الدارمي في مسنده عن أبي الجوزاء قال: قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة رضي الله عنها: فقال انظروا إلى قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجعلوا منه كوة إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف ففعلوا فمطروا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق. 12 - حديث توسل الأعرابي بالرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته بثلاثة أيام وحديث العتبي روى أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن الكرخي عن علي بن محمد بن علي حدثنا محمد بن الهيثم الطائي حدثنا أبي عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: [قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة أيام فرمى نفسه على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وحثى على رأسه من ترابه وقال: يا رسول الله قلت فسمعنا قولك ووعيت من الله عز وجل ما وعينا عنك وكان فيما أنزل الله تبارك وتعالى عليك (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباُ رحيماً /64/) النساء. وقد ظلمت نفسي وجئتك لتستغفر لي فنودي من القبر أنه غفر لك]. 13 - حديث العتق: روى في الجوهر المنظم أن أعرابياً وقف على القبر الشريف وقال: اللهم إن هذا حبيبك وأنا عبدك والشيطان عدوك فإن غفرت لي سر حبيبك وفاز عبدك وغضب عدوك وإن لم تغفر لي غضب حبيبك ورضي عدوك وهلك

عبدك وأنت يا رب أكرم من أن تغضب حبيبك وترضي عدوك وتهلك عبدك. اللهم إن العرب إذا مات فيهم سيد اعتقوا على قبره وإن هذا سيد العالمين فاعتقني على قبره يا أرحم الراحمين. فقال له بعض الحاضرين: يا أخا العرب إن الله قد غفر لك بحسن هذا السؤال. 14 - أبيات الأعرابي: روى البيهقي عن أنس - رضي الله عنه - أن أعرابياً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستسقي به وأنشد أبياتاً أولها: أتيناك والعذراء يدمي لبانها ... وقد شغلت أم الصبي عن الطفل إلى أن قال: وليس لنا إلا إليك فرارنا ... وأنى فرار الخلق إلا إلى الرسل فلم ينكر عليه - صلى الله عليه وسلم - هذا البيت بل قال أنس: لما أنشد الأعرابي قام - صلى الله عليه وسلم - يجر رداءه حتى رقى المنبر فخطب ودعا لهم فلم ينزل يدعو حتى أمطرت السماء. 15 - وفي صحيح البخاري: أنه لما جاء الأعرابي وشكا للنبي - صلى الله عليه وسلم - القحط فدعا الله فانجابت السماء بالمطر - صلى الله عليه وسلم -: لو كان أبو طالب حياً لقرت عيناه. من ينشدنا قوله؟ فقال علي - رضي الله عنه -: يا رسول الله: كأنك أردت قوله: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل فتهلل وجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكر إنشاد البيت ولا قوله يستسقى الغمام بوجهه ولو كان ذلك حراماً أو شركاً لأنكره ولم يطلب إنشاده. 16 - حديث سواد بن قارب: روى الطبراني في الكبير أن سواد بن قارب - رضي الله عنه - أنشد الرسول - صلى الله عليه وسلم - قصيدته التي فيها التوسل، (يقول الدحلان): ولم ينكر الرسول عليه ومنها قوله: وأشهد أن الله لا رب غيره وأنك أدنى المرسلين وسيلة فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل وكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة ... وإنك مأمون على كل غائب إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب وإن كان فيما فيه شيب الذوائب بمغن فتيلاً عن سواد بن قارب

17 - روى النووي في الأذكار [أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يقول العبد بعد ركعتي الفجر ثلاثاً: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ومحمد - صلى الله عليه وسلم - أجرني من النار]. 18 - لولا عباد ركع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صباً. 19 - حديث السؤال بمحمد والأنبياء. يروى عن عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده [أن أبا بكر الصديق أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أتعلم القرآن ويتفلت مني فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قل اللهم إني أسألك بمحمد نبيك وإبراهيم خليلك وبموسى نبيك وعيسى روحك وكلمتك وبتوراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وفرقان محمد بكل وحي أوحيته وقضاء قضيته. 20 - حديث دعاء حفظ القرآن. ذكره موسى بن عبد الرحمن الصنعاني صاحب التفسير بإسناده عن ابن عباس مرفوعاً أنه قال: سره أن يوعيه الله حفظ القرآن وحفظ أصناف العلم فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف في صحف قوارير بعسل وزعفران وماء مطر وليشربه على الريق وليصم ثلاثة أيام وليكن إفطاره عليه ويدعو به في أداء صلواته: اللهم إني أسألك بأنك مسؤول لم يسأل مثلك ولا يسأل وأسألك بحق محمد نبيك وإبراهيم خليلك وموسى روحك وكلمتك ووجيهك ... وذكر تمام الدعاء. 21 - حديث استفتاح اليهود على المشركين بمحمد - صلى الله عليه وسلم -. يروي عن عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فكلما التقوا هزمت يهود فعاذت بهذا الدعاء: اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم فكانوا إذا دعوا بهذا الدعاء هزموا غطفان فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - كفروا به فأنزل الله تعالى: (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ... )

22 - روى الترمذي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال [سألت - صلى الله عليه وسلم - أن يشفع لي يوم القيامة فقال: ((أنا فاعل))]. 23 - مرثية صفية بنت عبد المطلب: يقول الشيخ دحلان: وكذا من أدلة التوسل مرثية صفية رضي الله عنها عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنها رثته وفاته - صلى الله عليه وسلم - بأبيات فيها قوله: ألا يا رسول الله أنت رجاؤنا ... وكنت بنا براً ولم تك جافياً ففيها النداء بعد وفاته مع قولها (وأنت رجاؤنا) وسمع تلك المرثية الصحابة - رضي الله عنهم - فلم ينكر عليها أحد قولها: يا رسول الله أنت رجاؤنا. 24 - رؤيا الترمذي: ذكر طاهر بن هاشم با علوي في كتابه المسمى ((مجمع الأحباب)) في ترجمة الإمام أبي عيسى الترمذي صاحب السنن أنه رأى في المنام رب العزة فسأله عما يحفظ عليه الإيمان حتى يتوفاه عليه قال: فقال لي: قل: إلهي بحرمة الحسن وأخيه وجده وبنيه وأمه وأبيه نجني من الغم الذي أنا فيه يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أسألك أن تحيي قلبي بنور معرفتك يا الله يا الله يا أرحم الراحمين. 25 - توسل الشافعي بآل البيت: ذكر ابن حجر المكي في كتابه المسمى: بالصواعق المحرقة لإخوان الضلال والزندقة أن الإمام الشافعي - رضي الله عنه - توسل بأهل البيت النبوي حيث قال: آل النبي ذريعتي أرجو بهم أعطي غداً ... وهم إليه وسيلتي بيدي اليمين صحيفتي 26 - توسل الشافعي بأبي حنيفة عند ضريحه: قال ابن حجر المكي في كتابه المسمى (بالخيرات الحسان) في مناقب أبي حنيفة النعمان في الفصل الخامس والعشرين أن الإمام الشافعي أيام هو ببغداد كان يتوسل بالإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - يجيء إلى ضريحه يزور فيسلم عليه ثم يتوسل إلى الله به في قضاء حاجاته.

ثم قالوا

27 - أرأيتم ... لو كان لأحدكم حاجة عند كبير من المخلوقين أما كنتم توسطون له فيها أحداً من خواصه الذين لهم دالة عليه، فيدخل عليه ويكلمه بشأنها فتقضى هذه الحاجة لديه؟ ستقولون نعم ... فنقول: وهكذا نحن نوسط إلى الله تعالى أنبياءه وأولياءه وأصفياءه لتقضى حوائجنا عنده ... فما بالكم أقمتم الدنيا وأقعدتموها ... ؟ وبعد: فها نحن قد سردنا لكم ما نعتمده من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة والحجج المنطقية في جواز التوسل بذوات المخلوقين عسى أن تقتنعوا بها ... وينتهي هذا الخلاف بيننا. والحمد الله رب العالمين. ثم قالوا: ولعلكم إذا أنعمتم النظر في أدلتنا العديدة التي أوردناها عليكم ... ترجعون عما يجول في خواطركم من تسفيه التوسل بالصالحين وتسفيه القائلين به ... بل وتكفيرهم أحياناً!! متجاهلين التدهور في الدين والأخلاق ولإقبال على المنكرات التي تقترف علناً في الشوارع والطرقات ... كأن الأمر لا يهمكم ولا يوجد منكر في نظركم إلا بحث التوسل الممنوع فأقمتم النكير عليه وعلى أهله!!؟ بينما أعداء الأمة يفرحون بهذا النزاع المستمر ويستغلونه إلى أبعد حدود الاستغلال ... أيجوز أن نفتح في صفوفنا ثغرات تمكن عدونا أن يخلص إلينا منها ... ؟ يجب أن تنتبهوا إلى هذه الأخطار وتكفوا عن طرح هذه المواضيع ... وهذا على افتراض أنكم محقون فيما تذهبون إليه فكيف بكم وأنتم لستم كذلك ... !!؟ وخاصة بعد ما اطلعتم على حججنا وبراهيننا الناطقة بثبوت صحة التوسل الذي منعتموه ... وفي هذا القدر من الكلام حول هذا الموضوع كفاية ونأمل أن تسلموا للحق الذي أطلعتم عليه وتوقنوا به. علنا نعود - إن شاء الله صفاً واحداً ونعود كما وصفنا الله في كتابه العزيز:

(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) آل عمران. هذا ... ما قاله ((القوم!!!؟)) ولكن لن نرد عليهم بأكثر من أن نرفع الأعصبة عن أعينهم ونريهم أن الذي ظنوه حججاً وأدلة ... وأدلوا بها ليثبتوا صحة مدعاهم من جواز التوسل الممنوع ليست حججاً ولا براهين ولا أدلة إنما هي الشبه لبست عليهم وسولت لهم وحسنت في أنظارهم ... فظنوها مستندات شرعية ... وسيزدادون أمام الناس هبوطاً لأنهم - مع الأسف - لم ينتقوا من الأدلة إلا التي هي عليهم وظنوها بجهلهم أنها لهم وإن سائر أدلتهم ... موضوعة ومكذوبة وأعلاها مرتبة ما هو شديد الضعف الذي لا يعذر أحد بالجهل به، ولكن هكذا يفعل التقليد بأصحابه فيرديهم الهلاك وهم لا يشعرون. وما داموا قد شاءوا لأنفسهم هذه النتيجة ... فلن نكون أرحم بهم من أنفسهم هذا من جهة بيان أخطائهم ولكن موقفنا منهم أي من حيث تعرية أدلتهم وإظهار حقيقتها إنما هو رحمة بهم حتى يعلموا أن هذه الأدلة التي زعموها أدلة!!! ليست إلا أصابع تشير إلى جهلهم لينظر الناس إليهم على حالهم المكشوفة ... فيعدلوا من أوضاعهم. وليس عيباً على المرء أن يخطئ ... إنما العيب كل العيب أن تعرف نفسك أنك مخطئاً وتستمر في خطئك ولا شك أن كل ابن آدم خطاء ولكن خير الخطائين التوابون. ولنا الثقة بالله تعالى أن يهديهم إلى الحق ... فيتخذوه مسلكاً قويماً ومنهجاً سليماً وصراطاً مستقيماً. هذا ولنبدأ بإزاحة الأسترة عن الشبه والكشف عنها وإننا لسوف نريهم في أعينهم كيف تتهافت حججهم وتتلاشى أدلتهم ... !! بل وتضمحل شبههم وتذوب نهائياً كما يذوب الملح في الماء. (بل ونقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) /81/الأنبياء. وسيبقى الحق دائماً حجة قائمة لله على عباده إلى أن يقوم الناس لرب العالمين والحمد لله أولاً وآخراً كما يحب ربنا ويرضى.

كشف الشبهات وتحقيق في صحة أدلة الخصوم

كشف الشبهات تحقيق في صحة أدلة الخصوم لقد أورد ((القوم ... )) ثلاث آيات قرآنية وسبعة وعشرين حديثاً وقولاً كأدلة على صحة وشرعية التوسل بذوات المخلوقين - زعموا - ليس المهم إيراد الآيات والأحاديث لإثبات شرعية أمر ما ... إنما المهم أن تكون هذه الآيات والأحاديث واردة في محالها وفي مناسباتها وخاصة منها الأحاديث فمن المعلوم عند أهل العلم أنه ليس كل ما يرد من الأحاديث صحيحاً ففيها الصحيح والضعيف وشديد الضعف والموضوع والمكذوب والباطل الذي لا أصل له ... وليس كل من يورد حديثاً ما ... يعلم صحته أو درجته فقد يورد أحاديث وتكون صحيحة مثلاً ولكن لا تؤيد الوجهة المستشهد بها وقد تؤيد وجهة نظره ولكنها ضعيفة أو موضوعة ... أي لا تقوم بها حجة ولا ينهض بها دليل. إذاً ... فمجرد إيراد الأحاديث لا يقدم في الموضوع ولا يؤخر فيه شيئاً ... إلا إذا كانت صحيحة في ذاتها ... وفي الاستشهاد بها عندها تصلح دليلاً وتثبت بها الحجة ... وعلى هذا الأساس سيكون النظر في الأدلة الواردة من ((القوم ... )) هذا النظر المبني على القواعد العلمية المعترف بها وعلى الأسس التي اتفق عليها أهل العلم فإن كانت مطابقة لهذه القواعد والأسس حمدنا للقوم ... صنيعهم وأضفنا معلوماتهم إلى معلوماتنا أو صححنا معلوماتنا على أساس ما صح عندهم من الأحاديث وندعو لهم بالخير لأنهم دلونا على علم جديد وخير جديد أما إذا كانت غير ذلك ... فنحن في حل منها ... ومن الاستشهاد بها. ولنبدأ أولاً بالآيات الكريمة التي أوردها. فإنه لاشك في الآيات فهي كلام الله تعالى ... ولكن هل كان استشهادهم بها صحيحاً ... وتصل أن تكون حجة لهم في الموضوع المختلفين فيه .. ؟ وها نحن أولاء نورد الآية الأولى التي استشهدوا بها على صحة التوسل بذوات المخلوقين.

أدلتهم القرآنية

أدلتهم القرآنية الدليل الأول قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون (35) المائدة يقول الله تعالى آمراً عباده المؤمنين بتقواه وهي إن قرنت بطاعته كان المراد بها الإنكفاف عن المحارم وترك المنهيات (وابتغوا إليه الوسيلة) قال ابن عباس: الوسيلة هي القربة وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه على أن الله سبحانه وتعالى يعلمنا ويوجهنا في تعيين نوعية الوسيلة والقربة إليه وهي: الإيمان به وتقواه وطاعته والجهاد في سبيله وهذا هو طريق الفلاح الموصل إليه تعالى والتمتع بالنظر إلى وجهه الكريم في فراديس جنته التي أعدها الله للمتقين فأين هنا حجة القوم في التوسل بذوات المخلوقين ... !!؟ لو أن الخلاف بيننا قائم على إثبات التوسل أو إنكاره إطلاقاً بمعنى أنهم مثلاً أصل التوسل ولكن لسنا مختلفين على هذا ... إنما اختلافنا على شرعية التوسل بذوات المخلوقين أو عدم شرعيته فهم يقولون بشرعيته ونحن نقول بعدم ذلك ... فهل هذه الآية الكريمة أثبتت شرعية التوسل بذوات المخلوقين أم أنها أثبتت شرعية التوسل بالأعمال الصالحة من الإيمان والتقوى والجهاد في سبيل الله!؟ الجواب واضح ويقوله كل من قرأ هذه الآية الكريمة ويثبت أن الله تعالى أمر

بالتوسل إليه والتقرب منه بالإيمان والتقوى والجهاد في سبيله وليس فيها للتوسل بذوات المخلوقين أي تلميح فضلاً عن التصريح ... وفي الحقيقة ... أن هذه الآية حجة لنا ... لا لهم. وقد سبق أن استشهدنا بها على شرعية التوسل بالأعمال الصالحة في أول الكتاب. ومع ذلك نكون لهم من الشاكرين إذا تفضلوا ووضعوا إصبعهم مشيرين إلى موضع الشاهد منها الذي يؤيد مدعاهم ولمننا نجزم بأنهم لا يستطيعون لأنها خالية مما يدعون ولكن لماذا احتجوا بها؟ هذا ما لا أستطيع الإجابة عليه لأنني لست مسؤولاً عنه. ولما كانت هذه الآية لا تؤيد شرعية التوسل بذوات المخلوقين ولا تمت بأية صلة إلى الموضوع لذا فقط سقط الاحتجاج بها لما سقط بها الاستشهاد يضاف إلى ذلك أن الآية تصلح حجة لخصومهم عليهم. لا حجة لهم.

الدليل الثاني: ((قل ادعوا الذين زعمتم من دونه ... ))

الدليل الثاني قوله تعالى: قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً (56) أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً (57). إن هاتين الآيتين نزلتا في نفر من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجن ... ! فأسلم الجنيون أما الإنس الذين كانوا يعبدونهم لم يعلموا بإسلامهم فأنزل الله على عبده ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - مخبراً بذلك فقال عز من قائل (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه) أي اعبدوهم ما شئتم (فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً) أي أن الشيء الذي تبغونه منهم من كشف الضر أو النفع فإنهم لا يملكونه ... بل هو من خصائص الله تعالى لا سيما وإن (أولئك الذين يدعون) أي أن الذين يعبدونهم قد أسلموا ... وإنهم يتنافسون فيما بينهم ويتسابقون في فعل الطاعات لله أيهم يكون اقرب من أخيه إلى الله بفعله هذه الطاعات ليفوز من الله بالرضى (يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً) أي أنهم يتقلبون بعبادتهم لله تعالى بين رجاء رحمته وخشية عذابه الذي يجب على الجميع أن يحذر منه أي: أيها الذين تعبدون أولئك الجن ... انظروا كيف أنهم آمنوا بالله تعالى وأنقذوا أنفسهم من الشرك ويتسابقون في مرضاته تعالى بالعمل الصالح ويتوسلون به إليه سبحانه أفلا يدفعكم حالهم التي هم عليها إلى الفهم بأن هؤلاء ليسوا آلهة تعبد ولو كانوا كما تظنون لما عبدوا غيرهم أفلا تعبدون ما يعبدون .. ؟

استعملوا عقولكم فلعلها تدلكم على الحق لأن الإله الذي كنتم تعبدونه ... أصبح يعبد غيره أفيكون هذا الذي يعبد غيره عابداً أم معبوداً ... ؟ لا بل هو عابد وليس معبوداً ... فكيف تعبدونه؟ لا سيما وإنه يرجو رحمة ربه ويخاف عذابه ويحاذر أن يقع فيه هذا هو معنى الآية فأي استشهاد لكم فيها على دعواكم؟ وأي احتجاج بها على ما تذهبون إليه من القول بجواز التوسل بذوات المخلوقين ... ؟ يا ناس إن الآية واردة في موضوع الحض على أفراد الله العبادة لله وتوحيده وأنتم في موضوع التوسل بذوات المخلوقين فأين موضوع الآية من موضوعكم .. ؟ إذاً فالآية تبحث في موضوع مستقل عن موضوعكم فكيف تشهدون بها في بحث لا يمت لبحث الآية بصلة ... ؟ لعل وجود لفظة ((الوسيلة)) دفعكم إلى الظن بأن الآية لها علاقة ببحثكم ... ؟ المجرد وجود لفظة ((الوسيلة)) يفهم أن البحثين لهما صلة ببعض أما قرأتم الآية وتفسيرها ... ؟ أما أنعمتم النظر والفهم بمعانيها ... ؟ أهكذا تستشهدون ... ؟ كان أولى بكم مراجعة الموضوع ودرسه ثم افتراض ورود بعض الإشكالات بالدلالة الشرعية. وإن رأيتم أن هذا الاحتجاج لا ينهض دليلاً لإثبات وجهة نظركم فيمكن الاستغناء عنه وهذا خير من إيراده بلا مراجعة أو درس فتكونون قد فتحتم للخصم باباً للرد عليكم وخسرتم دعواكم. وعلى كل فإن استشهادكم هذا جاء في غير محله ولا علاقة له بالموضوع الذي ترغبون إثباته فسقط استدلالكم ولم تعد هذه الآية صالحة لأن تكون مستنداً لكم على صحة دعواكم فلا أدري إذا كنتم تريدون أن تفتشوا عن دليل آخر تثبتون دعواكم من جديد ... فلا بأس وإننا لمنتظرون.

الدليل الثالث: ((وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ... ))

الدليل الثالث قوله تعالى: وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً (64) النساء يقول تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) أي فرضت طاعته على من أرسلته إليهم ولا يطيعه إلا من وفقته لذلك وقوله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك ... ) الآية ... يرشد تعالى العصاة والمذنبين والكفار والمنافقين ويحضهم أن يأتوا مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويستغفروا الله عنده ويسألوا الرسول أن يستغفر لهم فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفرلهم ولهذا قال تعالى ( ... لوجدوا الله تواباً رحيماً) هذا هو معنى الآية الكريمة ولا يخفى على القارئ المسلم الكريم أن هذا خاص في حياته - صلى الله عليه وسلم -. وهذه الملاحظة يدركها من قوله تعالى: (واستغفر لهم الرسول) وبدهي أن لا يكون الاستغفار منه - صلى الله عليه وسلم - إلا في حال حياته ... لأن الاستغفار وكل عمل للإنسان ينقطع بعد الموت لقوله - صلى الله عليه وسلم -: [إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ... صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له]. ولا شك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشمله هذا الحديث لأنه ولا ريب من بني آدم وقد قضى الله عليه الموت والتحق بالرفيق الأعلى ففهم من هذا ... أن ما جاء في هذه الآية من مجيء المذنبين إلى مجلسه واستغفارهم فيه ثم سؤالهم رسول الله أن يستغفر لهم كل هذا خاص في حال حياته ولا علاقة في هذا الحكم لأحد بعد مماته - صلى الله عليه وسلم -

لأن كل عمل من دعاء واستغفار وكلام وسمع وبصر وما يتعلق من صفات الأحياء ينقطع بالموت. وقد جد للصحابة أمور مختلفة بعده كان من الضروري أن يأتوه ويستغفروا الله عنده ثم يسألوه أن يستغفر لهم ... ولكن شيئاً من مثل هذا ... لم يحصل ألبتة لعلمهم أنه توفي ... ولم يعد باستطاعته أن يعمل شيئاً مما كان يستطيعه قبل الوفاة هذا معروف وبدهي عند كل إنسان ناهيك عن المسلمين الذين يقرأون في كتاب الله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) وقوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت) وما من أحد من المسلمين يشك في أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد توفي وإلا فمن هذا الذي نزور مسجده بالمدينة ثم نزور قبره ونسلم عليه؟ اللهم أجز عنا نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - ما هو أهله الأصل في إيراد الدليل والحجة في أي أمر ما هو إثبات صحة ذلك الأمر وإن الذين يقولون بالتوسل إلى الله بذوات المخلوقين أتوا بهذه الآية من جملة حججهم على شرعية التوسل الذين يقولون به. على أننا إذا أنعمنا النظر في معنى الآية الكريمة لا نرى فيها لا تلميحاً ولا تصريحاُ لما ذهبوا إليه. لأن قصدهم منصرف إلى إثبات شرعية التوسل بذوات المخلوقين والآية تبحث بشأن آخر وهو: إن الله يصف فيها واقع حال المنافقين في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كانوا يصدون عن متابعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا احتاجوا إليه في أمر من الأمور يأتون إليه معتذرين ويحلفون: ما أردنا بذهابنا إلى غيرك إلا مداراة ومصانعة لا اعتقاداً منا بصحة احتكامنا إلى الطاغوت وقد أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - ألا يعنفهم ويكتفي بما ادعوا من ظاهر حالهم ... ثم ينصحهم سراً بقول وكلام بليغ ... هؤلاء هم الذين نزلت في حقهم هذه الآية فقال عز من قائل: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) أي ظلموها بنفاقهم وعدم متابعتك (جاءوك) أي جاءوك تائبين من نفاقهم (واستغفروا الله) أي دللوا على توبتهم من نفاقهم بأن جاءوك واستغفروا الله في مجلسك وأمامك (واستغفر لهم الرسول) أي سألوك أن

تستغفر لهم بالإضافة إلى استغفارهم إن فعلوا ذلك عن إيمان وإخلاص (لوجدوا الله تواباً رحيماً) أي وجدوه قابلاً لتوبتهم غافراً لذنوبهم رحيماً بهم فأي علاقة لمعنى هذه الآية بما استشهدوا واحتجوا بها على صحة وجواز التوسل إلى الله تعالى بذوات المخلوقين ... ؟! أجل لا علاقة لما جاء في الآية بما أرادوا من الاحتجاج به ولذا يسقط الاحتجاج بالآية لأنهم احتجوا في غير موضع الاحتجاج وبما لا علاقة له به. فإن قالوا: وكيف لا علاقة باحتجاجنا بالآية والذي نقول به هو واقع الآية تماماً فهم استغفروا الله عنده ونحن نستغفر الله عنده هو سألوه أن يستغفر لهم ونحن نسأله أن يستغفر لنا فأي فارق بين الواقعين. فنقول وبالله المستعان أن الفاروق ظاهر وكبير جداً ولا قياس بين الواقعين وإليكم البيان: 1 - فقوله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك) فـ/لو/ كما يقول النحويون: حرف امتناع لامتناع أي امتنع المجيء والاستغفار فامتنعت التوبة والرحمة وأننا نسأل: هل جاءوا؟ هل استغفروا الله في مجلس رسول الله ... ؟ هل سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يستغفر الله لهم؟ ثم هل استغفر لهم بالفعل ... ؟ كل هذه الأسئلة لم تحدثنا الآية بأجوبة عنها بل قالت: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك) فـ/لو/ هنا لا تفيد أنهم جاءوا ... وإذا لم يجيئوا إلى رسول فكيف يستغفرون الله في مجلسه؟ فقد امتنع المجيء فامتنع الاستغفار في مجلسه - صلى الله عليه وسلم - وإذا لم يستغفروا الله في مجلسه وامتنع بعدم مجيئهم فكيف يسألون الرسول أن يستغفر لهم وإذا لم يحضروا ويستغفروا الله في مجلسه ويسألوه أن يستغفر الله لهم فكيف يستغفر الرسول لهم ... ؟ إذاً ... كل هذا قد امتنع فامتنعت التوبة من الله عليهم والرحمة منه تعالى بهم فكيف تقيسون واقعاً تفعلونه أنتم ... على شيء تتخيلون وقوعه وفي الحقيقة: إنه لم يقع بدليل الآية التي بعدها وهي قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً فإن الله تعالى ينفي

عنهم الإيمان حتى يحكموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يثبت أنهم حكموا رسول الله ... بل ثبت أنهم حكموا الطاغوت ومن يحكم الطاغوت ليس مؤمناً فقد ثبت عدم إيمانهم فكيف يأتون رسول الله ويستغفرون الله عنده إلى آخره إذا ثبت عدم مجيئهم إلى الرسول من ثبوت عدم إيمانهم .. وهكذا ثبت أنهم لم يجيئوا فكيف تقيسون مجيئكم إليه - صلى الله عليه وسلم - على عدم مجيء فبهذا تقيسون واقعاً على عدم واقع. وبرغم ما تقدم من تحليل صحيح فإننا نقول أن هذه الآية أي قوله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك تفيد أنهم لو جاءوه واستغفروا الله وسألوه رسول الله أن يستغفر لهم الله لغفر الله لهم ولرحمهم ما في ذلك شك إذاً تفيد الآية أن من فعل ذلك كان له تلك التوبة والرحمة ولكن متى ... ؟ يحصلون على ذلك ولكن إن فعلوا ذلك حال حياته فهل هو الآن حي حتى تذهبوا إليه وتكلموه أن يستغفر لكم الجواب: لا ... لأنه ميت لا يتكلم ولا يستغفر وقد انقطع عمله بموته كما أخبرنا هو - صلى الله عليه وسلم - ... إذاً كيف تقيسون حالة موته على حال حياته ... ؟ هل يستقيم قياس بينهما ... ؟ وإننا علمنا أن ذلك خاص في حياته من قوله تعالى: (واستغفر لهم الرسول) ولا يستغفر إلا إذا كان حياً ففهم أن الأمر خاص به حال حياته فما أظن أحداً يفهم من الآية ما فهمنا ولم يقل بقولكم من أحد من الصحابة ولا التابعين ولا القرون الخيرة ولا أي من العلماء الذي يسيرون على نهج النبوة. وعلى افتراض أنه بالإمكان استغفار الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته فليس في الآية ما يدل على دعواكم بجواز التوسل إلى الله بذوات المخلوقين فالآية تدل على التوسل بدعاء الرسول واستغفاره لهم لا على التوسل بذاته وشخصه - صلى الله عليه وسلم - مع العلم أن نزاعنا قائم على جواز التوسل بذوات المخلوقين أو عدم الجواز لا على استغفار الرسول لهم وجوازه أو عدم جوازه إذاً فليس في الآية حجة على شرعية التوسل بذوات المخلوقين وعلى هذا: يسقط أيضاً احتجاجكم بالآية وتبقى دعواكم بلا دليل وكل دعوى بلا دليل ساقطة ولا قيمة لها وهذا الافتراض الذي افترضناه انقطع بوفاته - صلى الله عليه وسلم - ولم يعد حكمه قائماً لانتفاء حياة الرسول

وإذا انتفت حياته انتفى دعاؤه. وما أظن هذا إلا من البدهيات التي لا يختلف فيها اثنان ومن المسلمات التي لا تحتاج إلى نقاش ولا إلى أخذ ورد. فما بالكم تتخذون من هذه الآية حجة لكم على جواز التوسل بذوات المخلوقين؟ فإن كنتم لا تزالون تقيسون مماته على حياته ... !!! فهذا كما قلنا آنفاً قياس مع الفارق للتباين الحاصل بين واقعي الحياة والموت على أن إصراركم على اعتبار مماته وحياته سيان .. !! لا يقدم ولا يؤخر من الواقع شيئاً فلا عبرة ولا قيمة لإصراركم التافة. وكل ما تقدم من بحث ... يثبت أن احتجاجكم بالآية المتقدمة لا ينهض دليلاً على ادعائكم بجواز التوسل بذوات المخلوقين بل لا علاقة به البتة ولم يثبت ادعاؤكم بل سقط لأنه لا أساس له ولا مستند له فانهار لأنه ادعاء غير شرعي بل هو ابتداع ما أنزل الله به من سلطان. ونأمل أن تتوبوا إلى الله منه إنه هو التواب الرحيم.

استشهادهم في الآيات كان في غير محله

استشهادهم في الآيات كان في غير محله تلك آيات ثلاث ... استشهدوا بها على شرعية دعواهم بجواز التوسل بذوات المخلوقين ولكنهم خسروا دعواهم لأن استشهادهم كان في غير محله أي استشهدوا بآيات لا تمت مواضيعها ومضامينها بأية صلة من قريب أو بعيد إلى موضوع جواز التوسل بذوات المخلوقين فحري بمن يستشهد بمثل هذا الاستشهاد أن تسقط دعواه ويخسرها لأنه لم يستطع أن يثبتها. على أنهم قدموا بالإضافة إلى الثلاث آيات المشار إليها اثنين وعشرين حديثاً وبيتاً واحداً من مرثية صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورؤيا للإمام الترمذي وخبرين عن الشافعي - رضي الله عنه -. وأن كل ما تقدم من أحاديث وأقوال أخرى قدموها استشهاداً واحتجاجاً بها على شرعية التوسل بذوات المخلوقين الذي سميناه بالتوسل الممنوع. على أن هذه الأحاديث التي قدموها سوف نتحقق من صحتها أو عدم ذلك على القواعد العلمية الحديثية ونرى ماذا قال فيها أهل العلم تعديلاً وتجريحاً فما كان صحيحاً أخذناه أو غير صحيح أبيناه وبينا علله ونرجو الله تعالى أن لا نبتغي إلا وجهه الحق ولو كان على أنفسنا ولا يمنعنا عن نصرة الحق أي اعتبار ومهما كان خصمنا عظيماً في نظره أو في الناس، سنواجه بالحق الذي لا يعلو ولا يعلي عليه فما من عظيم إلا والحق أعظم منه فلو كان الحق ينادي

أدلتهم الحديثية

به طفل لأيدناه ونصرناه ولو نادى بالباطل عظيم لحاربناه وخذلناه فالحق أحق أن يتبع ويؤيد وينصر. نسأل الله تعالى أن يسدد خطانا ويهبنا رشدنا وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويحببنا فيه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ويكرهنا فيه إنه سميع قريب مجيب الدعاء. أدلتهم الحديثية وها نحن أولاً نجري البحث على الأحاديث التي احتجوا بها على شرعية التوسل إلى الله بذوات المخلوقين! وننظر فيها بناء على ما قرره الثقاة الأعلام والأئمة الإثبات من جهابذة علم الحديث ... فإن أقروا صحتها نأخذ بها ونضف إلى علمنا علماً جديداً ونشكر للذين احتجوا بها حسن صنيعهم وندع الله لهم أن يجزيهم عنا كل خير ويجزل لهم الثواب بما يستحقون وفوق ما يستحقون. وإن نفى أهل العلم صحتها بما لديهم من الأدلة على ذلك ... فإنا نضيف إلى من زعموا صحتها علماً جديداً إلى علمهم بأنها غير صحيحة ولا يحتج بها ولا يستشهد فيعلمون هذا ويدعون لنا بالخير وبأن يثيبنا الله على ذلك بما نستحق وفوق ما نستحق ... وبفضله ومنه وكرمه. ونكون في نفس الوقت أذعنا على المؤمنين علماً بالأمر حتى يكونوا على بينة منه فنجنبهم بذلك أوزاراً قد يحملونها ... وأوزاراً من الناس الذين أخذوا بها اعتقاداً وعملاً قد يحملونها فوق أوزارهم لأنهم كانوا سبباً لذلك ... وهكذا ... فإن العلم الصحيح نور يستضاء به في ظلمات الجهل بل يبدد ظلماته فلا يبقى مع النور ظلمة ولامع العلم جهل ولا مع اليقين شك نسأله تعالى العون والسداد والتوفيق والرشاد إنه على كل شيء قدير.

الحديث الأول: ((اللهم بحق السائلين عليك))

الحديث الأول اللهم بحق السائلين عليك عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [ما خرج رجل من بيته إلى الصلاة فقال: ((اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي ... فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)) إلا وكل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له وأقبل الله عز وجل عليه بوجهه حتى يفرغ من صلاته]. رواه ابن ماجه الكلام على هذا الحديث إن هذا الحديث ضعيف وقد تكلم فيه أهل العلم بالحديث وحكموا عليه بالضعف لأن في سنده عطية بن سعيد العوفي. قال الذهبي: ضعيف. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ضعيفاً. وقال سالم المرادي: كان عطية يتشيع وقال ابن معين: صالح. وقال أحمد: ضعيف الحديث وبلغني أن عطية كان يأتي (الكلبي) فيأخذ عنه التفسير وكان يكنيه بأبي سعيد!!!؟ فيقول: قال أبو سعيد ... !!! يوهم أنه أبو سعيد الخدري ... ! قال النسائي: ضعيف. وقال ابن حجر: صدوق يخطئ كثيراً شيعي مدلس من الثالثة مات سنة 111. هذا هو واقع هذا الحديث وحاله ... وإن عطية هذا ... كما رأيته يا أخي شيعي مدلس ضعيف!!! وأن مثله لا يحتج بحديثه للعلل التي تأكدها فيه أهل الحديث فحديث في سنده: عطية بن سعيد العوفي هو حديث محكوم عليه بالضعف ولا يصلح أن يكون حجة وكل دعوى بصحته ... تظل دعوى مجردة عارية عن الدليل ولا يثبت به أي حكم.

وروى هذا الحديث أبو بكر السني في كتابه ((عمل اليوم والليلة)) وقال: حدثنا ابن منيع حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا علي بن ثابت الجريري عن الوازع ابن نافع العقيلي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله عن بلال مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج إلى الصلاة قال: ((بسم الله آمنت بالله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم بحق السائلين عليك وبحق مخرجي هذا ... فإني لم أخرج أشراً ولا رياء ولا سمعة خرجت ابتغاء مرضاتك واتقاء سخطك أسألك أن تعيذني من النار وتدخلني الجنة))]. هكذا رواه ((ابن السني)) عن بلال مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال النووي في الأذكار: حديث ضعيف فإن أحد رواته ((الوازع بن نافع)) وهو متفق على ضعفه وإنه منكر الحديث وقال الحافظ في شرح الأذكار بعد تخريجه من طريق ابن السني بهذا اللفظ: هذا الحديث واه. وقال الدارقطني: تفرد به الوازع وهو متفق على ضعفه وإنه منكر الحديث. قال الحافظ: والقول فيه أشد من ذلك وقال ابن معين والنسائي: ليس بثقة. وقال أبو حاتم: متروك وقال الحاكم: روى أحاديث موضوعة! وقال ابن عدي: أحاديثه كلها غير محفوظة وقال البخاري: منكر هذا الحديث وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: وهو ضعيف. وقال أيضاً وهو متروك ومجمع على ضعفه. وهكذا تبين أن الحديث من كلا الطرفين ضعيف بل شديد الضعف مما لا يحتج به لما فيه من العلل المذكورة وكان كل مراد المحتجين به أن يثبتوا فيه صحة التوسل بذوات المخلوقين من قوله: ((اللهم بحق السائلين عليك)) قال بعض أهل العلم: ((على فرض صحة الحديث فإنه لا يؤيد مدعاهم لأنه حق السائلين على الله أن يجيبهم لقوله تعالى ((ادعوني استجب لكم)) فكأنهم توسلوا إلى الله تعالى بصفة الإجابة التي هي صفة من صفات الله وهذا من أعلى درجات التوسل المشروع فإن قيل فأي فرق بين قول الداعي: بحق السائلين عليك وبين قوله: بحق نبيك أو نحو ذلك؟ فالجواب:

إن معنى قوله بحق السائلين عليك بالإجابة وأنا من جملة السائلين فأجب دعائي بخلاف قوله بحق فلان - فإن فلاناً وإن كان له حق على الله بوعده الصادق - فلا مناسبة بين ذلك وبين إجابة هذا السائل فكأنه يقول: لكون فلان من عبادك الصالحين أجب دعاي! وأي مناسبة في هذا وأي ملازمة؟ وإنما هذا من الاعتداء في الدعاء وقد قال تعالى: (ادعو ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين) /55/ الأعراف. وهذا ونحوه من الأدعية المبتدعة إذا لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن أحد من الأئمة - رضي الله عنهم -. والدعاء من أفضل العبادات والعبادات مبناها على السنة والاتباع لا على الهوى والابتداع)).اهـ إن هذا القول على وجاهته ما لنا فيه من حاجة طالما الحديث غير صحيح ... فلماذا .. نفترض صحته ... ثم نجري هذه المناقشة ... فما دام الله قد عافانا منها فلماذا نحشر أنفسنا فيها فالحديث غير صحيح ولا يحتج به وقد سقطت دعوى القوم فيه وكفى الله المؤمنين القتال. وعلى هذا فإن الحديث شديد الضعف ولا تنهض به للقوم حجة وبقيت دعواهم تحتاج إلى دليل لإثباتها فليفتشوا عن دليل آخر فإن وجدوا فعلى الرأس وإن لم يجدوا فإن الله قد فتح أبواب التوبة على مصاريعها فليلجها من يشاء. والله هو التواب الرحيم.

الحديث الثاني: ((توسل آدم بمحمد عليهما الصلاة والسلام))

الحديث الثاني توسل آدم بمحمد عليهما الصلاة والسلام روى البيهقي في كتابه المسمى ((دلائل النبوة)) عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد إلا ما غفرت لي فقال الله تعالى: يا آدم كيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب إنك لما خلقتني رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً ((لا إله إلا الله محمد رسول الله)) فعلمت إنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله تعالى صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إليّ وإذا سألتني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك] رواه الحاكم وصححه. الكلام على هذا الحديث لا شك في أن آدم عليه السلام قد اقترف الخطيئة ولا شك أن الله سبحانه وتعالى غفر له خطيئته إنما علينا أن نعلم الأسباب التي قام بها حتى غفر الله له. هذا هو البحث الذي نود أن نعالجه ونقف على حقيقته ... حتى تبين إذا تبينا فكرة ما ... تبنيناها صحيحاً له حجته وبرهانه ودليله. فمن أجل أن نحصل على نتيجة صحيحة مقطوع بها يجب أن نتبع طرقاً صحيحة للحصول على نتائج صحيحة ولما كنا نحن السلفيين نتبع منهجاً معيناً في البحث هو المنهج الذي سلكناه إياه رب العالمين وبلغنا إياه رسوله الأمين - صلى الله عليه وسلم - فسيكون نقاشاً لهذا الحديث ... على أساس ذلك المنهج القويم والصراط المستقيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً /59/) النساء.

وقال - صلى الله عليه وسلم -: [تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي] هذا هو منهجنا ومسلكنا في كل أمر إذا وقفنا منه على مفترق الطرق ... ونحن الآن ... قد تنازعنا مع القوم ... في تعيين نوع الوسيلة التي توسل بها آدم عليه الصلاة والسلام حتى غفر الله له خطيئته فالقوم ... يقولون إنه توسل إلى الله بمحمد - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في هذا الحديث الذي رمزنا إليه بـ (الحديث الثاني) والذي اتخذوه دليلاً على جواز التوسل بالمخلوقين ونحن نقول بأن الله غفر له بكلمات تلقاها من ربه فتاب عليه ... ولم تكن المغفرة بسبب توسله بمحمد - صلى الله عليه وسلم - مع العلم بأن محمداً هو أشرف الخلق إطلاقاً وعلى هذا الأساس نود أن نعمين الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه. فنقول مستعينين بالله: روى مجاهد وسعيد بن جبير وأبو العالية والربيع بن أنس والحسن وقتادة ومحمد بن كعب القرظي وخالد معدان وعطاء الخياساني أن هذه الكلمات التي تلقاها آدم من ربه هي قوله تعالى: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) /23/الأعراف. قال سفيان الثوري عن عبد العزيز بن رفيع: أخبر من سمع عن مجاهد عن عبيد بن عمير أنه قال: قال آدم: يا رب خطيئتي التي أخطأت شيء كتبته علي قبل أن تخلقني أو شيء ابتدعته من قبل نفسي؟ قال: بل شيء كتبته عليك قبل أن أخلقك. قال: فكما كتبته عليّ فاغفر لي. قال: فذلك قوله تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) وعن ابن عباس: قال آدم عليه السلام: ألم تخلقني بيدك؟ قيل له: بلى ونفخت في من روحك؟ قيل له: بلى. وكتبت علي أن أعمل هذا ... قيل له بلى: قال أفرأيت إن تبت هل أنت راجعي إلى الجنة؟ قال: نعم. وكذا رواه العوفي وسعيد بن جبير وسعيد بن معبد. ورواه الحاكم في مستدركه

إلى ابن عباس. وروى ابن أبي حاتم حديثاً مرفوعاً شبيهاً بهذا عن مجاهد. قال: الكلمات: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ربي إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين. اللهم لا إله لا أنت سبحانك وبحمدك ربي إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم). قلت كل ما تقدم يؤيده قوله تعالى: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكون من الخاسرين) ومعنى هذا ... أن آدم وحواء اعترافا بذنبيهما وجعلا هذا الاعتراف الذي هو مضمون ما علمها الله سبحانه من التوسل وهو: (الاعتراف بالذنب) ثم طلبا المغفرة متوسلين إليه تعالى بتوبتيهما إليه أن يغفر لهما ذنبيهما فتاب عليهما إنه هو التواب الرحيم. ولا عبرة لما خالف ذلك ... لأن الحجة عما ثبت عن الصحابة وعن سلف الأمة والأئمة ولا يجوز تفسير القرآن بأقوال شاذة أو موضوعة لا تثبت عند أهل العلم والحديث وأئمة التصحيح والترجيح. هذا هو اعتقادنا بأن تعالى غفر لآدم وحواه بالكلمات التي تلقاها آدم من ربه وهي: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا ... ) ودليلنا واضح جلي قرآنياً كان أو حديثياً كما تقدم ... أما احتجاجهم بالحديث المتقدم الذي رواه البيهقي عن عمر بن الخطاب ... فإنه ضعيف جداً وقيل موضوع وإليك البيان: الكلام على متن هذا الحديث: إن متن هذا الحديث أي لفظه مخالف للكتاب والسنة وذلك من وجوه. 1 - سبق أن بينا إن الإقسام على الله بمخلوقاته أمر خطير يقرب من الشرك إن لم يكن هو ذاته فالإقسام على الله بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وهو مخلوق بل وأشرف المخلوقين لا يجوز لأن الحلف بمخلوق على مخلوق حرام وإنه شرك لأنه حلف بغير الله فالحلف على الله بمخلوقاته من باب أولى أي جعلنا المخلوق بمرتبة الخالق والخالق بمرتبة المخلوق لأن المحلوف به أعظم من المحلوف عليه ولذلك كان الحلف

بالشيء دليلاً على عظمته وأنه أعظم شيء عند المحلوف عليه به ومن هنا كان الحلف بالمخلوق على الله شركاً بالله لأننا خصصنا هذه المكانة العليا بالمخلوق مع أنها هي بالخالق أولى ... ثم إن آدم عليه الصلاة والسلام نبي رسول ومعصوم من أن يشرك إن كان ذلك قبل النبوة أو بعدها فكيف يحلف آدم على الله بحق محمد - صلى الله عليه وسلم - أفيتقرب إلى الله بخطيئة أعظم من الخطيئة التي يود غفرانها أو هل يمحو الخطأ بخطأ أعظم منه ... ؟ فهذا لا يجوز لأنه معصوم منه. 2 - يقول في الحديث: [يا آدم وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال؟ يا رب إنك لما خلقتني رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً ((لا إله إلا الله محمد رسول الله)) فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق]. إن هذا الكلام مردود من وجهين اثنين: أ - هذا الحوار المزعوم بين الله وبين آدم ... كان بعد اقتراف الخطيئة ولكنه قبل أن يخطئ علمه الله الأسماء كلها ومن جملة الأسماء اسم محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلم أنه نبي ورسول وأنه خير الخلق أجمعين فكان أحرى أن يقول آدم: ربي إنك أعلمتني به أنه كذلك ... لما علمتني الأسماء كلها ... ب- لم يرد أن قوائم العرش مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله إلا في هذا الحديث الموضوع فكيف يثبت شيء غيبي بحديث موضوع. 3 - قول الحديث: [فقال الله تعالى صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي وإذا سألتني بحقه غفرت لك] سبق أن قلنا آنفاً أن القسم بغير الله شرك لقوله - صلى الله عليه وسلم -[من حلف بغير الله فقد أشرك] فكيف يعلم الله عبده آدم الشرك ويقبله منه وسيلة ويرضى عنها ليغفر له ... !!؟ وهو الذي يقول وهو أصدق القائلين: (إن تكرفوا فإن غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر /7/الزمر. فإذا كان لا يرضى الكفر لعباده فهل يرضى أن يعلمهم الكفر .. !!!؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.

4 - قول الحديث أن الله تعالى قال له: [ولولا محمد ما خلقتك]. هذا قول ننزه الله تعالى عنه وحاشاه سبحانه أن يقوله بدليل: 1 - قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). 2 - قوله تعالى: (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله أحاط بكل شيء علماً) /12/الطلاق (¬1). إن من يمعن النظر في معنى هاتين الآيتين الكريمتين يفهم منهما: أن علة الخلق وأسباب الوجود إنما من أجل عبادة الله وحده لا شريك له لا من أجل أحد من خلقه ... لا نبي مرسل ولا ملك مفضل ومن أجل أن يعلم العباد أن الله على كل شيء قدير ولا يخفى على علمه شيء في الأرض ولا في السماء. فأين ما جاء في هاتين الآيتين مما جاء في كلامهم (ولولا محمد ما خلقتك)؟ وكل كلام يخالف ما جاء في الكتاب والسنة فإنه كلام ساقط وهذا ما لا خلاف فيه إذا اتضح هذا ... علم أن من قال: هذا الحديث إنما يكذب على الله وعلى رسوله وعلى آدم. وإن من يحتج بالكذب ... ! وهل في الكذب حجة ... ؟!!! اللهم عامل الكذابين بما يستحقون. ومما يزيد الطين بلة .. !!! أنهم يريدون - رغم ذلك - أن نصدق أحاديثهم الكاذبة الباطلة ... ! أو نتخذها أساساً في عقائدنا ونترك القول ربنا!!!؟ وإذا لم نفعل .. فما أسرع ما يتهموننا بأننا لا نحب رسول الله ... .!!!؟ وكما يقول المثل (رمتني بدائها وانسلت) نحن الذين نلقى ما الله به عليم في سبيل إرجاع هذا الدين الكريم إلى منبعيه الأصليين الكتاب والسنة ونتمسك بكل ما جاء بهما يرموننا بأننا لا نحب رسول الله إذا أبينا ترهاتهم وأحاديثهم الكاذبة وهم يخالفون الكتاب وسنة من يدعون حبه ... ولا يعلمون بهما ويخترعون من الأحاديث ما يعلم كذبه من أول وهلة متناً وسنداً ... ثم يدعون أنهم يحبون الله ورسوله. نحن لا نجيبهم إلا بقوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون ¬

(¬1) لنا رسالة مطبوعة متعلقة بهذا البحث اسمها (محمد أفضل الخلق لا أول الخلق)

البحث في سند هذا الحديث

الله فاتبعوني يحببكم الله) وفي هذا بلاغ. هذا من ناحية متن الحديث والبحث في لفظه فقد أثبتنا أنه باطل مكذوب لأنه يتضارب مع أحكام الكتاب والسنة وها نحن ذا نبحث في هذا الحديث من ناحية سنده وما قال علماء الحديث فيه. البحث في سند الحديث هذا الحديث في سنده (عبد الرحمن بن زيد بن أسلم) هو ضعيف وتصحيح الحاكم له خطاً لأنه هو الذي طعن بن زيد بن أسلم في كتابه ((الضعفاء)) قال ابن تيمية رحمه الله: ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه فإن نفسه قد قال في كتابه (المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم): (عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه). وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى: وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً. ضعفه أحمد ابن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والدارقطني وغيرهم وقال أبو حاتم بن حبان كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حق كثر ذلك من روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف فاستحق الترك. انفراد الحاكم بالتصحيح لا عبرة له قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: وأما تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله فهذا مما أنكره عليه أهل العلم والمعرفة بالحديث وقالوا: إن الحاكم يصحح أحاديث وهي موضوعة مكذوبة عند أهل العلم والمعرفة بالحديث كما صحح حديث زريب بن برثملي الذي فيه ذكر (وصي المسيح) وهو كذب باتفاق أهل المعرفة كما بين ذلك البيهقي وابن الجوزي وغيرهما. وكذلك أحاديث كثيرة في مستدركه يصححها وهي عند أهل العلم بالحديث

فائدة

موضوعة ومنها ما يكون موقوفاً يرفعه ولهذا كان أهل العلم بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم وإن كان غالب ما يصححه فهو صحيح. لكن هو في المصححين بمنزلة الثقة التي يكثر غلطه وإن كان الصواب اغلب عليه وليس فيمن يصحح الحديث أضعف من تصحيحه بخلاف أبي حاتم ابن حبان البستي فإن تصحيحه فوق تصحيح الحاكم وأجل وأقدر وكذلك تصحيح الترمذي والدارقطني وابن خزيمة وابن منده وأمثالهم فيمن يصحح الحديث فإن هؤلاء وإن كان في بعض ما ينقلونه نزاع فهم أتقن في هذا الباب من الحاكم. اهـ. فائدة ... اتفق العلماء على أن الحاكم إذا انفرد في التصحيح لا قيمة لتصحيحه إلا إذا وافقه الذهبي فللذهبي على (المستدرك للحاكم) ملاحظات هامة في إعلال أحاديثه وتصحيحها. وهكذا ... فإن هذا الحديث سقط متناً وسنداً ولم يعد يصلح لإقامة الحجة به ولا يجوز أن يروي إلا للتنبيه على ما فيه من طامات. على أن الذين أوردوه حجة لهم على صحة دعواهم بجواز التوسل بذوات المخلوقين لا أدري إذا كانوا يعلمون ما فيه من طامات أو لا يعلمون فإن كانوا يعلموا ... !!! ألا إنه الضلال على علم العياذ بالله تعالى ... وان كانوا يجهلون ما فيه فكان عليهم أن يسألوا ... فلا يضلون ولا يُضلون. أما الإمعان في الضلال وهم يعلمون ... أو يجهلون ... فهذا ما أخبرنا الله به في كتابه وما أعد لأهله من العذاب الأليم. وإن هذا الحديث وما كان على مثله روايته إلا بقصد التنبيه على ما فيه من محاذير فضلاً عن روايته للاتباع والعمل وإننا نهيب بمن يحتجون به أن يطلعوا على حقيقته ويتوبوا إلى الله من روايته للاستشهاد به والعمل على أساسه لأنه أساس واه وواهن ولا يحق لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعتمد على أحاديث من نوعه فضلاً عن الاحتجاج

قصة مالك مع أبي جعفر المنصور

بها ولا ينسوا أن حجتهم سقطت لما تبين حال هذا الحديث وما فيه من طامات وعقائد فاسدة دسها بعض الذين لا يخافون الله حتى يصدوا الناس عن الصراط المستقيم. 3 - قصة مالك مع أبي جعفر المنصور وينسب إلى مالك بن أنس - رضي الله عنه - مع أبي جعفر المنصور العباسي قصة لتأييد الحديث السابق وللاحتجاج بها على جواز التوسل بذوات المخلوقين. وفيها: [أنه - أي أبو جعفر - سأل مالكاً فقال: يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة وأدعو ... أم استقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى يوم القيامة بل استقبله واستشفع به]. الكلام على متن هذه القصة إن من يتأمل متن هذه القصة يحكم عليها بالوضع والكذب على الإمام مالك ابن أنس رضي الله وعلى أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي وذلك لما يلي: 1 - قول أبي جعفر المنصور: يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة وأدعو ... أم استقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا السؤال يحتمل أسباباً ثلاثة: أ - إما أن يكون المنصور جاهلاً فيستفسر. ب- أو فاحصاً لمالك بن أنس ليسبر غور علمه. ج- أو عالماً به فلا حاجة له بالسؤال. أما أن يكون أبو جعفر المنصور جاهلاً فسأل ... فهذا مردود قطعاً لأن أبا جعفر المنصور كان من أعلم علماء عصره يدلنا على ذلك ما يروي الثقات عن أبي جعفر المنصور أنه كان من أملأ أوعية العلم ... فهما ورواية ودراية حتى إنهن لما حج واجتمع بمالك - رضي الله عنه - قال له - بمعنى -: لعلي وإياك أعلم رجال العصر وإنني قد شغلتني سياسة الناس فوطئ

للناس موطئاً تجنب فيه رخص ابن عباس وتشديدات ابن عمر). ولذا سمي كتاب مالك في الحديث (الموطأ) فأبو جعفر المنصور الذي كان على الشواهق من قمم العلم لا يمكن أن يسأل مالكاً عن سؤال هو إياه على مستوى واحد من العلم به إلا إذا كان يريد أن يسبر غور علم مالك!!!؟ وهذا أيضاً مردود لأن علم مالك معروف عند أبي جعفر المنصور وهو الذي قال له: (لعلني وإياك أعلم رجال العصر ... ) فكيف يسأله مختبراً علمه وهو على كل وقوف تام منه ... لا سيما في هذه المسألة التي يعرفها الصبيان فضلاً عن العلماء فثبت لدينا أن المنصور ما كان جاهلاً ... ولا فاحصاً لعلم مالك ... بل ثبت أنه عالم ومن كان عالماً فلا حاجة له بالسؤال. 2 - إن الثابت من مذهب مالك الذي رواه عنه الثقات من أصحابه في أفضل كتبهم أن الذي يدعو الله في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - يستقبل القبلة ولا يستقبل القبر فهذه قصة مخالفة لمذهب مالك فكيف يجيب مالك جواباً لأبي جعفر بخلاف ما هو مشهور من مذهبه ... !!؟ 3 - أما قول مالك رحمه الله: (ولم تصرف وجهك عنه وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله إلى يوم القيامة بل استقبله واستشفع به). أما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوسيلة بوم القيامة أي هو الشفيع يؤمنذ فهذا لا خلاف فيه أنه شفيع للخلائق ولكن الخلاف القائم بيننا ليس على الشفاعة يوم القيامة بل على جواز التوسل إلى الله بذوات المخلوقين في الدنيا ... فأين الارتباط بين الموضوعين ... ؟ وأما الاستشفاع به - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته فمعلوم أنه لا يصح لأن الشفاعة لا تطلب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك من وجوه. أ - لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يسمح بعد وفاته من يطلب منه الشفاعة. ب- ولو سمعها لا يستطيع أن يشفع الآن لأن الله يقول: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) وإذنه لا يصدر الكلام إلا يوم القيامة فيحد له حداً ويقول له اشفع بهؤلاء كما في حديث الشفاعة ولكن المشروع أن يقول المؤمن: اللهم شفع بي

الكلام على سند هذه القصة

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي يجعله في جملة الحد الذي يحده لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليشفع بهم. ج- هذا معلوم عند مالك - رضي الله عنه - فلا يعقل أن يقول لأبي جعفر المنصور: (بل استقبله واستشفع به). الكلام على سند القصة إن في سند هذه القصة ((محمد بن حميد)) وهو كثير المناكير ولم يسمع من مالك شيئاً بل روايته عنه منقطعة ومحمد بن حميد الرازي هذا ... تكلم فيه غير واحد من الأئمة ونسبه بعضهم إلى الكذب فقال يعقوب بن شيبة السدوسي محمد بن حميد الرازي كثير المناكير وقال البخاري: حديثه فيه نظر. وقال النسائي ليس بثقة. وقال الجوزجاني: رديء المذهب عير ثقة وقال فضلك الرازي: عندي عنه خمسون ألف حديث لا أحدث عنه بحرف وقال أبو العباس أحمد بن محمد الأزهري: سمعت إسحاق بن منصور يقول: أشهد على محمد بن حميد وعبيد بن إسحاق العطار بين يدي الله إنهما كذابان وتكلم فيه غير هؤلاء من الحفاظ وقال صالح بن محمد الحافظ: كل شيء كان يحدثنا به ابن حميد نتهمه فيه. وإن ما روي عن مالك رحمه الله ينافي قوله هذا المتقدم - أي في القصة - فقد قال رحمه الله في المبسوط: لا بأس لمن قدم من سفر أو خرج إليه أن يقف على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو له ولأبي بكر وعمر فقيل له: فإن أناساً من أهل المدينة ... لا يقدمون من سفر ولا يريدونه يفعلون في اليوم مرة أو أكثر وربما وقفوا في الجمعة أو في الأيام المرة والمرتين أو أكثر عند القبر فيسلمون ويدعون ساعة فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا .. ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده. وأما من جهة الانقطاع فيقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: قلت: وهذه الحكاية منقطعة فإن محمد بن حميد الرازي لم يدرك مالكاً لا سيما في زمن أبي جعفر المنصور فإن أبا جعفر توفي بمكة سنة 158 وتوفي

مالك سنة 179 وتوفي محمد ين حميد الرازي سنة 248 ولم يخرج من بلده حين رحل في طلب العلم إلا وهو كبير مع أبيه وهو مع ذلك ضعيف عند أكثر أهل الحديث كذبه أبو زرعة وابن وارة. وقال صالح بن محمد الأسدي. ما رأيت أحداً أجرأ على الله منه وأحذق بالكذب منه وآخر من روى الموطأ عن مالك هو أبو صعب وتوفي سنة 242 وآخر من روى عن مالك على الإطلاق هو أبو حذيفة أحمد بن إسماعيل السهمي توفي سنة 259. وفي الإسناد من لا تعرف حاله لا سيما وأن مذهب مالك يناقض هذه الحكاية فالمعروف من مذهب مالك وغيره من الأئمة وسائر السلف: أن الداعي إذا سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - استقبل القبر ودعا له أما إذا دعا لنفسه فيستقبل القبلة ويدعو. اهـ. وهكذا فإنه يستفاد من البحث المتقدم أن الوسيلة التي علمها الله لآدم هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه وهي: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) وكل ما سوى ذلك فموضوع ومكذوب.

حديث فاطمة بنت أسد

4 - حديث فاطمة بنت أسد [الله الذي يحيي ويميت وهي حي لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين]. الكلام على متن هذا الحديث لو عدنا قليلاً إلى الأبحاث التي خلت (¬1) نرى أننا أثبتنا فيها حرمة التوسل بالمخلوقين وبخاصة الإقسام على الله بهم أو بحقهم وقلنا إن كل ذلك لا يجوز قطعاً وقد أثبتنا ذلك بالأدلة الشرعية. ومعنى الأدلة الشرعية هي أحكام الكتاب والسنة ... وهل يعتقد مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي منع هذه التوسلات غير المشروعة يكون هو أول من يخالفها ... ؟ الجواب: لا ... لا يمكن هذا أن يكون ... فرسل الله لا يتضارب في كلامه فهو نبي معصوم عن الخطأ وخاصة مثل هذه الأخطاء التي نهى هو عنها (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى). ¬

(¬1) راجع الصفحة: 166.

الكلام على سند هذا الحديث

ولا شك أن هذا التقرير لا يخالفه أحد من المسلمين أي من حيث أنه لا يتضارب في أقواله البتة فإذا اتفقنا على هذا ... فكيف يمكن أن يتوسل هو بنفسه أو بحقه على الله وبحق أنبيائه وهو الذي علمنا أنه لا حق للمخلوق على الخالق فلا يمكن أن ينهانا عن شيء ثم يأتيه هو فيقول: [ ... اغفر لأمي فاطمة بنت أسد .. بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي ... ] فهذا ما لا يتصور وقوعه من الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام ومما يدل على أن هذا الحديث غير صحيح كما قد يكون مكذوباً وموضوعاً. ومما يؤكد ما ذهبنا غليه هو سند هذا الحديث الذي يشير إشارة واضحة إلى ذلك. الكلام على سند هذا الحديث إن هذا الحديث غير صحيح لأن سنده رجلاً هو (روح بن صلاح) وقد ضعفه الجمهور. وقد روى أحاديث منكرة كما صرح بذلك ابن يونس وابن عدي. إذاً ... فإن هذا الحديث ساقط الحجة متناً وسنداً وحديث هذه حاله لا تقوم به حجة على الدعوى التي يدعيها القوم بجواز التوسل إلى الله تعالى بذوات المخلوقين وإذا سقطت الحجة سقطت الدعوى وعلت حجة خصمها عليها واعتبرت هي الحجة القائمة. وبناءً على ذلك فإن دعوى القوم بالاحتجاج بهذا الحديث قد سقطت وضم هذا الحديث إلى ما ورد قبله من أحاديث واهية مثل. فالشيء كما يقولون منجذب إلى مثله وهكذا تتكردس أحاديث القوم التي جاءوا بها على صحة دعواهم وكلها - وإلى الآن -واهية، واهنة لا تقوى على الوقوف بنفسها حتى تكون أهلاً لسند غيرها وتقويته وكما يقولون: (هالك لا يحمل هالكاً ... ). ندعو لهم بالهداية والصواب والرجوع إلى مشكاة النبوة المضيئة الهادية المهدية وإلى الاقتباس بقبسها الذي لا يضل عنه إلا هالك وفقنا الله وإياهم للرجوع دائماً إلى الحق فإن الرجوع إليه فضيلة ما بعدها من فضيلة ... والخجل من الرجوع إلى الحق ... أو اعتبار ذلك من الخذلان ... فهذا ليس صحيحاً ... بل إن الإمعان في الباطل هو الخذلان أعاذنا الله منه.

حديث الأعمى

5 - حديث الأعمى عن عثمان بن حنيف - رضي الله عنه -[أن رجلاً ضريراً أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ادع الله أن يعافيني فقال: ((إن شئت دعوت وإن شئت صبرت وهو خير)) قال: فادعه. فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: ((اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضي اللهم شفعه في)) وفي رواية قال ابن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا كأن لم يكن به ضر]. قال الشيخ بشير السهسواني الهندي مؤلف كتاب ((صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان)) (في سند هذا الحديث ((أبو جعفر)) فإن كان هو عيسى ابن عيسى ماهان أبو جعفر الرازي التميمي كما ظنه الحافظ ابن حجر في التقريب فالأكثرون على ضعفه قال عنه الذهبي: صالح. ووثقه ابن معين. وقال أحمد والنسائي: ليس بالقوي وقال ابن المديني: ثقة كان يخلط وقال مرة: كان يخطئ وقال الفلاس: سيئ الحفظ. وقال ابن حبان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير. وقال أبو زرعة: يهم كثيراً. وقال الحافظ في التقريب: صدوق سيئ الحفظ. وإن كان أبو جعفر المديني فهو مجهول وإذا كان رجلاً آخر فلا بد من تعيينه) اهـ. قلت ولكن شيخ الإسلام الإمام أحمد بن تيمية رحمه الله جزم بأنه هو: أبو جعفر الخطمي وهو ثقة.

فعلى هذا يكون الحديث ولا شك صحيحاً على أن صحته ليس فيها مستمسك لمن يحتج به على جواز التوسل إلى الله تعالى بذوات المخلوقين بل هو حجة عليهم وهو من الأحاديث التي تؤيد التوسل إلى الله بدعاء المؤمن لأخيه المؤمن ... وهذا - كما علمنا من الأبحاث الفائتة (¬1) - أنه من أنواع التوسل المشروع. على أننا إذا أمعنا النظر في هذا الحديث ... تبين لنا أن الأعمى ما كان يقصد التوسل بذات الرسول - صلى الله عليه وسلم - بل بدعائه المستجاب ولولا أمل الأعمى بالشفاء بدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأت وذلك للأدلة المستخلصة من نص الحديث نفسه فمن يمعن النظر فيه يستخلص منه الأدلة الآتية: 1 - قول الأعمى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -[ادع الله أن يعافيني]. 2 - جواب الرسول - صلى الله عليه وسلم - له: ((إن شئت دعوت وإن شئت صبرت وهو خير)). 3 - إصرار الأعمى على طلب الدعاء منه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: [فادعه]. 4 - قول الأعمى في آخر دعائه الذي علمه إياه رسول الله: ((اللهم شفعه في)) 5 - وروى الترمذي في سننه والحاكم في مستدركه زيادة في الدعاء وهي قوله: ((وشفعني فيه)). 6 - وهناك دليل مستنبط من الحديث نفسه أو من واقع الأعمى ومجيئه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وإننا نود أن نعالج كل دليل ونشرحه ليتضح الحق جلياً بالحجة والبرهان فنقول وبالله المستعان: 1 - إن قول الأعمى [ادع الله أن يعافيني] فيه بيان واضح جلي لقصد الأعمى من المجيء وهو أنه ما جاء إلا من أجل أن يدعو له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشفاء من ضره. ¬

(¬1) راجع الصفحة 166 - 169 من هذا الكتاب

2 - وأن قوله - صلى الله عليه وسلم - مجيباً للأعمى: ((إن شئت دعوت وإن شئت صبرت وهو خير)) لدليل آخر على أن الأعمى ما جاء من أجل الدعاء وفيه تخيير من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له بالدعاء أو الصبر حتى إذا شاء الأعمى الدعاء دعا له ... وفي تخييره هذا وعد بالدعاء إن شاءه. 3 - وأن إصرار الأعمى على الدعاء بقوله: [فادعه] لدليل ثالث على أن مجيئه لم يكن إلا من أجل الدعاء ومن إصراره يفهم أن رسول الله دعا له لأنه وعده بذلك إذا شاء الدعاء وقد شاء بقوله [فادعه]. على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب أن يكون للأعمى كذلك مشاركة في الدعاء ... ولكنه لم يترك الأعمى أن يدعو ربه بما شاء ... بل علمه دعاء خاصاً وأمره أن يدعو الله به بالإضافة إلى دعائه - صلى الله عليه وسلم -. 4 - أن قول الأعمى في آخر الدعاء الذي علمه إياه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((اللهم شفعه في)) لدليل رابع على الدعاء والشفاعة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تسمى شفاعة ولا تكون إلا بدعاء الشافع للمشفوع له فدعاء الأعمى أن يقبل الله شفاعة رسوله فيه يدل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد دعا له فعلاً والأعمى يطلب من الله قبول دعاء رسوله - صلى الله عليه وسلم -. 5 - وان رواية الترمذي في سننه ورواية الحاكم في مستدركه زيادة جملة ((وشفعني فيه)) لدليل خامس على وقوع الدعاء من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأعمى ليعافيه الله تعالى ويرد إليه بصره. ومعنى ((وشفعني فيه)) ... أي أقبل دعائي في قبول دعائه من أجل أن ترد إلي بصري إذاً ثبت أيضاً أن لرسول الله دعاء من أجل أن يرد بصر الأعمى. 6 - وأن هناك دليلاً سادساً مستنبطاً من واقع هذا الأعمى إذ لو كان قصده التوسل بشخص الرسول أو بحقه أو بجاهه. وما إلى ذلك .. لكان يكفيه أن يبقى في بيته ويدعو الله قائلاً مثلاً اللهم رد بصري بجاه نبيك فكان يكفيه هذا دون أن يحضر ويتجشم عناء المشي وليس له من قائد يقوده

إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولما كان هذا ليس من مراده إنما يريد الدعاء منه - صلى الله عليه وسلم - فإن هذا ... يستلزم حضوره وإخبار الرسول بما حصل معه من العمى ثم سؤاله أن يدعو له ليعافيه الله لاعتقاده أن دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - مستجاب فيحصل من الدعاء على مراده من الشفاء. وهكذا فقد حضر الأعمى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطلب منه الدعاء فدعا له فاستجاب الله الدعاء من رسوله فعاد بصيراً كأنه لم يكن فيه من ضر. فإذا استجمعنا هذه الأدلة الستة .. على ثبوت دعاء رسول الله للأعمى ... توحي لنا أمراً هاماً يدور عليه مآل الحديث ونستكشف معناه بشكل واضح وهو: أن معنى: ((اللهم إني أسألك بنبيك)) أي بدعاء نبيك ولا يفهم منه التوسل بذاته - صلى الله عليه وسلم - ولا كان هذا مراد الأعمى من مجيئه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى وإن معنى التوسل المتبادر إلى أذهان الصحابة - رضي الله عنهم - في ذلك الوقت كان محصوراً فقط في طلب الدعاء من المتوسل به وليس له المعنى المتعارف عليه عند البعض في زمننا الحاضر أي التوسل بذات المتوسل به فقط كان مثل هذا التوسل ينفر منه الصحابة رضوان الله عليهم لأنه من مفاهيم الجاهلية التي من أجل وجودها بعث الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس كافة. لا سيما وإن لفظ الحديث ومآله ومفاهيم اللغة العربية وقواعدها كل ذلك يشهد للحديث أن معناه هو التوسل بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا يتبين سقوط استدلال المجوزين للتوسل بذوات المخلوقين بهذا الحديث ويثبت عدم شرعية هذا الاستدلال لأن هذا الحديث لا يعطي المعنى الذي يريدونه ألبتة ... لما بيناه من مراد الأعمى من الحضور إليه - صلى الله عليه وسلم -. إن الشبه والظنون التي يتمسك بها القوم ... في سبيل دعم دعواهم لا تغني عن الحق شيئاً ... وإن مجرد إيراد الحديث دون التأكد من صلاحه للاحتجاج هو الذي يعطي من يحتج به هذه النتيجة المعكوسة وليس المهم أن تقدم حديثاً صحيحاً فقط ... إنما يجب أن يكون هذا الحديث الصحيح له متعلق بالبحث الذي تريد أن تثبته ولكن مجرد إيرادك إياه فقط ظناً منك أن

له علاقة بما نحن مختلفون فيه ... فالظن لا يغني عن اليقين بديلاً. هذه بدهيات كنا نتمنى أن لا نلفت أنظار (القوم ... ) إليها لأنها بدهيات لا تحتاج إلى الفات نظر ... ولكننا اضطررنا لأنهم هم الذين ألجأونا إليه لما أوردوا حديثاً ليس له علاقة فيما نختلف فيه. ولو علموا أن هذا الحديث هو حجة لنا عليهم لا حجة لهم علينا لما استدلوا به على صحة دعواهم ولفتشوا عن حديث غيره ... !! ولا أدري إذا كانوا يوفقون إلى ذلك أو لا يوفقون وفقنا الله وإياهم للصواب إنه على كل شيء قدير لا إله غيره ولا رب سواه.

حديث الرجل الذي كانت له حاجة عند عثمان بن عفان

6 - حديث الرجل الذي كانت له حاجة عند عثمان بن عفان ((- رضي الله عنه -)) روى الطبراني والبيهقي: [كان رجل يختلف إلى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في زمن خلافته فكان لا يلتفت ولا ينظر إليه في حاجته فشكى ذلك لعثمان بن حنيف فقال له: إئت الميضأة فتوضأ ثم إئت المسجد فصل ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك ... لتقضي حاجتي)) وتذكر حاجتك فانطلق الرجل فصنع ذلك ... ثم أتى باب عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فجاء البواب فأخذ بيده فأدخله على عثمان - رضي الله عنه - فأجلسه معه وقال له: أذكر حاجتك فذكر حاجته فقضاها له ثم قال: مالك من حاجة فاذكرها. ثم خرج من عنده فلقي ابن حنيف قال: جزاك الله خيراً ... ما كان ينظر لحاجتي حتى كلمته لي ... فقال ابن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتاه ضرير فشكى غليه ذهاب بصره ... ] إلى آخر حديث الأعمى المتقدم ...

الكلام على متن هذا الحديث

((الكلام على متن هذا الحديث)) 1 - إن هذا الحديث تتجلى فيه الصنعة في تركيب وترتيب الأفكار الواردة فيه ... فمثلاً قوله: ((كان رجل يختلف إلى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في زمن خلافته فكان لا يلتفت ولا ينظر إليه في حاجته)) فجعل قوله: ((فكان لا يلتفت ولا ينظر إليه ((تكأة ليقفز منها إلى ما سيبني على ذلك التوسل الذي كان يخفى على عثمان بن عفان هنا بمظهر غير المبالي بحاجات المؤمنين حتى يكون عليه مؤثر فوق إرادته يجبره على قضاء حاجة الرجل ... !؟ بينما نرى من سيرة عثمان بن عفان أمير المؤمنين - رضي الله عنه - قبل المسؤولية وبعدها ذلك الرجل البار بالناس العاطف عليهم المهتم بأمورهم وكان مشهوراً برقة القلب ولين الجانب وما كان من خلقه قط أن يتساهل في مسؤليته إلى حد الإفراط كما يصفه هذا الحديث بشكل أنه لا يلتفت للرجل ولا يأبه له حتى ولا ينظر إليه ... !!!؟ ليس هذا من خلق عثمان ذي النورين ولا يعقل وقوعه منه فكيف يدخل هذا الرجل مراراً وتكراراً ويراه في مجلسه بل وأذن له مرات للدخول عليه وقد دخل مرات كذلك ... ! ويراه أمامه دون أن يسأله عن سبب دخوله عليه وعن حاجته ... وهو الذي يجلس جلساته هذه ... من أجل قضاء وحوائج الناس؟ على أن صانع هذا الحديث .. تراه يجهل خلق عثمان وما فطره الله عليه من الرقة واللين والعطف والسهر على مصالح المسلمين ولكننا نحمد الله تعالى على أمثال هؤلاء الصناع يظنون أنهم قد أحكموا وأغلقوا جميع منافذ أي انتقاد قد يرد على أحاديثهم المصنوعة ... وفي الحقيقة أنهم تركوا منافذ لا منفذاً واحداً إن الله ليمكر بهم حتى يسهل على المسلمين أن يعرفوا الحق من الباطل ويطلعوا على آثار الصنعة فيعلموا منها منافذ الضعف ويحكموا على

الحديث بالوضع أو الضعف ويجنبوا المسلمين شرور أولئك الصناع فيعرفون ضعفه من متنه فضلاً عن معرفتهم ذلك الضعف أيضاً من سنده الذي يوافق ضعف متنه أو يزيد. 2 - قلنا قبل قليل أن معنى التوسل عند الصحابة هو دعاء الشخص المتوسل به إلى الله تعالى بقضاء حاجة المتوسل من أجله لا كما يعرفه (القوم ... ) في زماننا هذا من التوسل بذات المتوسل به. فالصحابي الجليل عثمان بن حنيف كان يجهل هذا يا ترى .. ؟ الجواب: لا وألف لا ... ما كان يجهل أبداً بل إنه يعلم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك بلا شك ولا ريب بل كان يعلم أيضاً أن التوسل بذوات الأشخاص أحياءً أم أمواتاً كان من شعارات الجاهلية التي ما أتى الإسلام إلا من أجل إبطالها فصحابي جليل كعثمان بن حنيف هل يعقل أنه علم الرجل هذا الدعاء وهو يعلم جيداً أن هذا الدعاء خاص في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأن الدعاء خاص في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأن الدعاء الذي حظي به الأعمى إنما كان حال حياته ولم يعد لأحد بعده - صلى الله عليه وسلم - أن يحظى به بسبب وفاته - فداه أبي وأمي - فكيف يقول للرجل ادع بهذا الدعاء وهو يعلم أن العنصر الهام في الحصول على الاستجابة مفقود وهو دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ومن أين يأتي بدعاء رسول الله ورسول الله قد انتقل إلى الرفيق الأعلى ... ؟ هذا ما يدلنا على براءة عثمان بن حنيف - رضي الله عنه - من توصية الرجل ودلالته على دعاء الأعمى بل براءته من القصة بأجمعها. وكيف يوصي بذلك أو يدل عليه وقد طهر الله قلبه وقلوب المسلمين من شعارات الجاهلية وأنقذهم الله منها إن هذا لا يتصور من مسلم عادي يعلم أمر دينه فضلاً عن صحابي جليل كعثمان بن حنيف - رضي الله عنه - وهذا ما يجعلنا أن نجزم بعدم وقوعه منه أو صدوره عنه. 3 - لو أن دعاء الأعمى الذي علمه إياه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاء ينفع لكل زمان ومكان لما رأينا أعمى على وجه البسيطة إذاً لهرع كل أعمى إلى الدعاء به لكي يرتد بصيراً حتى ولو لم يكن مسلماً لدعا به أيضاً ليرتد بصيراً ويصبح

هذا الدعاء الدواء الشافي من العمى بل ولقضاء كل حاجة لأن الرجل الذي أوصاه عثمان بن حنيف - على زعم الرواية - بأن يدعو به لم يكن أعمى بل كان ذا حاجة غير العمى فتوسل به فقضيت حاجته وعلى هذا فإن هذا الدعاء - إذا أردنا أن نأخذ بصحة الحديث - هو قضاء لكل حاجة ... ولكن هل هو كذلك ... ؟ الجواب: لا ... فإنه لا يزال العمي كثيراً ولا يزال ذوو الحاجات محتاجين إلى قضاء حوائجهم ... دعونا يا ناس ننظر الأمور على أوجهها الصحيحة دعونا من التغالي الفارغ الذي لا يؤذي الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أمته ... قبل أي شخص آخر لأنه عمل ليس عليه أمر الرسول الذي جاء به عند ربه وهو - صلى الله عليه وسلم - يقول: [من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد] ويقول: [من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد] وإن المراد الذي يسعى (القوم ... ) لتحقيقه من وراء إيراد هذا الحديث غير الصحيح مراد ليس عليه أمر الإسلام وهو محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة أجل إن ما تقدم من الملاحظات على هذا الحديث ... يشير بوضوح إلى أن متن الحديث ترك صانعه منافذ عديدة فيه ... إلى كشف ما فيه من مآخذ تدل على أنه من المستحيل أن يكون صحيحاً أو ينهض دليلاً أو حجة على ما أراد (القوم ... ) إثباته منه بل على العكس تماماً فهو حجة لنا عليهم وليس هو حجة لهم علينا هذا من ناحية متن الحديث فضلاً عن سنده الضعيف الواهي فهو إذاً واهن واه من متنه وسنده. لقد أثبتنا لك يا أخي وهنه من حيث متنه وهاك وهنه من حيث سنده.

الكلام على سند هذا الحديث

لا يمكن أن ترى وهناً في متن حديث ما ... إلا ويدلك هذا الوهن في المتن على أنه لا بد أن يكون سنده أيضاً وهناً فوهن المتن دلالة في الغالب على وهن السند وهذا الحديث هو كما قلنا: واهي المتن والسند معاً وإليك البيان: قال أئمة الجرح والتعديل: إن في سند هذا الحديث رجلاً اسمه شبيب بن سعيد الحبطي البصري (¬1) قال عنه الذهبي في / ميزان الاعتدال /: ((صدوق يغرب ونقل عن ابن عدي أنه قال: شبيب: لعله يغلط ويهم إذا حدث من حفظه وأرجو أن لا يتعمد)) وذكر شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله في كتابه / قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة /: ((أن ابن عدي استنكر حديثين له عن ابن وهب عن شبيب هذا عن روح بن الفرج)) ومما ذكره ابن تيمية رحمه الله حول هذه الرواية قوله: ((فيها عدة علل: 1 - انفراد هذا .. - أي شبيب - عمن هو أكبر منه وأحفظ 2 - إعراض أهل السنن عنها. 3 - اضطراب لفظها 4 - وإن راويها - أي شبيب - عرف له عن روح بن الفرج أحاديث منكرة ومثل هذا يقضي حصول الريب والشك في كونها ثابتة ولا حجة فيها)). وهكذا فقد رأيت يا أخي المسلم انهيار هذا الحديث متناً وسنداً ولا أدري إذا كان (القوم ... ) قد اقتنعوا بذلك ... وإن كانت قناعتهم أو عدمها لا ترفع أو تخفض من قيمة الحديث إذ ليس الأمر موكولاً إلى قناعتهم فهناك أئمة الجرح والتعديل هم الذين يحكمون على صحة الحديث أو ضعفه أو وضعه ولا مهمة للقوم ... في هذا الأمر سوى التسليم بالحكم شاءوا أم أبوا ... والخلاصة: هذا هو الدليل السادس من أدلتهم ينهار كما انهار قبله من أدلة لهم وكما ستنهار الأدلة الباقية التي قدموها والله وحده ولي التوفيق. ¬

(¬1) راجع الصفحة /360و361 من ردنا على نقد الشيخ ناصر الألباني.

حديث: توسلوا بجاهي إن جاهي عند الله عظيم

7 - حديث توسلوا بجاهي ... [إذا سألتم الله فسلوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم] ما أعلم أحداً من الناس أحفظ لهذا الحديث من أولئك (القوم ... ) الذين يجيزون التوسل إلى الله بذوات المخلوقين ويتخذونه حجة في دعواهم ... !! في كل مناسبة أو غير مناسبة .. !!!؟ ويظنون أن ترداده على ألسنتهم شعار من شعارات العلم والفهم والدارية ... !!!؟ ويظنون أنه حديث صحيح لا شك عندهم في ذلك ولا ريب ... وهو الواقع حديث باطل لا أصل له!! وانظر - عندما تخبرهم أنه حديث باطل - كيف يهيجون ويموجون وتكثر جلبتهم ويعلو ضجيجهم صاخبين لماذا؟ لأنك قلت الحق لأنك تريد نصحهم لأنك أردت الخير بهم أضف إلى ضجيجهم وضوضائهم وهرجهم ومرجهم أنهم يرمونك بأنك تكره الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو أنك تنكر جاهه عليه أفضل الصلاة والسلام ولو بنسبة واحد من آلاف المليارات ... فإنك تكفر حتى ولا تنفعك لا إله إلا الله لأن كراهيتك ولو بهذه

النسبة الضئيلة تحبط عملك لأن محبة الرسول الكاملة من محبة الله وكراهيتك له هي كراهية لله والعياذ بالله من الكفر والخذلان وسوء المنقلب ولذلك كانت كراهيته ولو بشيء قليل جداً تخرج من الملة. هذه عقيدتنا في محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محبة أكثر من المال والأهل والولد حتى أكثر من الروح والنفس فإذا لم تحب رسول الله أكثر من محبتك لروحك ونفسك فإنك بعد لم تؤمن الإيمان الكامل فكيف إذا كرهته!!!؟ هكذا نحن بالنسبة لمحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن دليل المحبة هو الطاعة لأوامره وتنفيذها بدقة كما أمر وكذلك الطاعة له فيما نهى - صلى الله عليه وسلم - فإذا أطعته باتباع أوامره واجتناب نواهيه تكون قد أحببته فعلاً عندها يحبك الله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) إذاً فمحبة الله لك يا أخي لن تكون لك إلا باتباعك نبيه - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن ربه تعالى. فإذا فهم هذا نسأل: هل الاعتقاد بالأحاديث الباطلة والمكذوبة والموضوعة والعمل بها وإذاعتها بين الناس من محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في شيء .. ؟!! أم أن الذب عن سنته الزهراء والدفاع عنها وتنقيتها من الكذب والوضع والضعف من محبته - صلى الله عليه وسلم - .. ؟!!. لا شك في أن الدفاع عن السنة الصحيحة وتنقيتها من الدخيل عليها هو العمل الطيب الذي تتجلى فيه صدق المحبة والاتباع ... يقول المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التحيات: [((بدأ الدين غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء)) قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: هم يصلحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي))] أجل طوبى لمن يصلح ما أفسد الناس من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. تعالوا أيا القوم .. ولنكن يداً واحدة نصلح ما أفسد الناس من السنة ونرجع إلى النهج السوي ونتحرى السنة الصحيحة ونعزف عن الأحاديث المكذوبة لأن رواية الأحاديث الباطلة والمكذوبة والموضوعة إنما هو

الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي يقول: [من كذب علي يلج النار]. فتعالوا أيها القوم: هل هذا الحديث الذي أوردتموه من الأحاديث الصحيحة أم من الأحاديث الباطلة عليه - صلى الله عليه وسلم -؟ لا شك أنه من الأحاديث الباطلة المكذوبة! وهل الباطل والكذب من الإصلاح أم من الإفساد؟ تعالوا نحن جميعاً من المصلحين لا من المفسدين لتكون لنا ((طوبى)) وهي شجرة في الجنة يسير الراكب السريع في ظلها مائة سنة. ألا ترون معنا أن لنا في الأحاديث الصحيحة غنى عن الأحاديث الباطلة والمكذوبة؟ أجل عن الله سبحانه من على هذه الأمة المحمدية بأن هيأ لها رجالاً منها ينخلون رسول الله نخلاً بما من الله عليهم من العلم والفهم فعزلوا الصحيح الذي قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير الصحيح الذي افتراه عليه البعض الذين لا خلاق لهم ... فعزف الصحيح من الضعيف والمكذوب وهذا ما خص الله به الأمة دون غيرهما من الأمم. وإذا نحن قلنا عن هذا الحديث أنه مكذوب .. لا يعني أننا لا نؤمن بجاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإننا نؤمن ونعتقد ونجزم عن يقين بأن له - صلى الله عليه وسلم - جاهاً يفوق كل ذي جاه من المخلوقات في السماء أو في الأرض فإذا لم يكن لرسول الله جاه عند ربه إذاً فأي مخلوق له جاه من دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ وليس على وجه البسيطة مسلم ينكر جاه رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ولكن هل أمرنا رسول الله أن نتوسل إلى الله بجاهه .. ؟ نعم إن جاهه عظيم لكن لم يأمرنا أن نتوسل به إلى الله تعالى لأن جاهه الذي هو له - صلى الله عليه وسلم - هو نتيجة لعمله العظيم من دعوة إلى الله تعالى وصبر عليها وجهاد في سبيلها وأعمال صالحة وعبادات تفوق العدو الحصر من صلاة وصوم وحج وزكاة وفعل للخيرات إلى ما هنالك من الأعمال العظيمة التي

يعجز عنا أي إنسان كل ذلك كون له جاهاً عظيماً عند الله أي جعل منزلة تفوق منزلة أي مخلوق فإذا فهم أن الجاه نتيجة العمل والسعي علم أن سعيك هو لك أنت وسعي أخيك هو له وليس لك أوله أي نصيب من سعي الغير ومصداق هذا قوله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى) وبمجرد أن أخاك له سعي حسن هل يحق لك أن تدل على الله بسعي أخيك من غير متابعة لعمله الصالح؟ لا .. لا يجوز أن يكون وسيلة وذلك كمن يقول يدعو: اللهم أدخلني الجنة لأن أخي أو فلاناً من الصالحين فما علاقة دخولك الجنة بصلاح أخيك؟ اعمل كما عمل أخوك ثم توسل بما عملت من الصالحات أن يدخلك الله بها الجنة فهذا معقول وإلا فما ملازمة طلبك بعمل أخيك وأنت لا عمل لك ... ؟ إذاً فإن جاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسطر له في صفحاته عند الله وليس لك نصيب منه وليس لك أن تدعو به متوسلاً إلى الله القضاء حوائجك بل تابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما أمرك وأطعه في ذلك يكن لك جاه تستطيع أن تتوسل به إلى الله تعالى بما شئت من الدعاء المشروع. وإذا كنت تعني بجاهه شفاعته يوم القيامة فهذا حق ولكن متى؟ إن ذلك يوم القيامة وحتى يأذن الله له بالشفاعة أماً الآن فلا إلا أن تدعو الله وتقول: اللهم شفع بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا بأس إنما يا أخي أنا لا أفهم من قولك مثلاً: اللهم بجاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقض حاجتي ... إنك تطلب شفاعة رسول الله يوم القيامة إنما يفهم منك أنك تحب استعجال نوالك حاجتك في الدنيا فتتوسل بجاهه لتنال حاجتك إذاً فلا مطابقة بين الدعوتين. وعلى كل من يجب أن تعلم أن جاه رسول الله الذي بلغه بواسطة عمله وليس لك أن تدل على الله به لأنه ليس من سعيك ولا عملك. فإذا علمت كل ما تقدم من الشرح. فعليك أن تجزم أن رسول الله - صلى الله عليه

الكلام على هذا الحديث من ناحية سنده

وسلم - لا يقول: [إذا سألتم الله فسلوه بجاهي إن جاهي عظيم]؟ من هنا نفهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريء من هذا الحديث وهو خلاف هدي القرآن وخلاف هديه - صلى الله عليه وسلم - ولا يمكن بل من المستحيل أن يتفوه بمثل هذا الكلام الذي هو أول من نهى عنه ولا يمكن أن يأمر أمراً ثم يخالفه لا سيما مثل هذا التوسل الممنوع الذي بعث من أجل أن يمنعه ويحول بينه وبين الناس الذين كانوا يعملون به في الجاهلية. الكلام على هذا الحديث من ناحية سنده يتبين لك يا أخي المسلم أن هذا الحديث مخالف في متنه لهدي القرآن والسنة وأدركت براءة رسول الله من القول به. وها أناذا أثبت لك كذب هذا الحديث من السند فهو حديث باطل لا أصل له ولا سند له البتة. قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: هو حديث كذب موضوع من الأحاديث المشينات التي ليس لها زمام ولا خطام وقال غيره من العلماء: حديث باطل لم يروه أحد من العلم ولا هو في شيء من كتب الحديث فمن أين إذاً جاء هذا الحديث الباطل الموضوع المكذوب؟ أجل إنه جاء كغيره من الأحاديث التي وضعها الزنادقة ليصد الناس عن الحق وليحولوا بينهم وبين هدي الكتاب والسنة حتى يبلغوا من هذا الدين ما تهوى أحقادهم عليه ويصلوا إلى ما يريدون من هدمه في نفوس أهله ومعتنقيه ولكن خاب فألهم فإن الله هو الذي تولى حفظ هذا الدين الكريم ولن يمكن أعداءه منه إنما يفضح موآمراتهم ويكشف عن مخبآت نفسهم الخبيثة ويلهم علماء هذه الأمة العاملين أن يقفوا دونهم ودون مؤامراتهم وعداواتهم ويبينوا ما

انطوت عليه أكبادهم من الحقد وقلوبهم من الضغينة فيكشفوا زيف أقوالهم ويحبطوا دسائسهم وتبقى الآية خالدة الصدى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).

خبر إذا أعيتكم الأمور

8 - خبر إذا أعيتكم الأمور ... [إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور ... !!!؟] عندما تصل الأمة إلى الدرك الأسفل من الجهل والجاهلية! وتنقطع عن العلم والإيمان يصبح العلماء فيها جهالاً والجهلة العامة سوائم تنقاد طيعة لكل من يقودها كالجزار الذي يقود القطيع من الغنم أو البقر ... إلى المجزرة!!! الأعصبة على أبصارهم ولا أعصبة!!!؟ والران على بصائرهم وأفئدتهم فلا يهتدون سبيلاً يمعنون في الطرق الملتوية ويهجرون الصراط المستقيم والله أمرهم أن يهجروا السبل ويسلكوا الطريق الأقوم (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) /153/الأنعام. أجل إذا وصلت الأمة إلى هذا الحد وإلى الدرك الأسفل من المستوى الفكري والعقلي ... فإنها تنقلب مفاهيمها للأشياء وتنعكس أبصارهم فترى الليل نهاراً والنور ظلمة والحق باطلاً والباطل حقاً. وإذا دعوتها إلى ما ينشلها من وهدتها ومهاويها السحيقة المهلكة سخروا منك وأمثلهم طريقة من يبتسم ابتسامة المشفق عليك ويأتيك ناصحاً بالعدول عن طريقك القديم إلى طريق القائدة إلى السعير ويحسب المسكين أنه يحسن إليك وأنه على الحق الذي ما بعده إلا الضلال. (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً) /104/ الكهف. وأن أمة شأنها ... لا عجب إذا عبدت من دفنته وهجرت من خلقها وسواها وجعلها تمشي على اثنتين كما يمشي البشر الذين وصفهم الله (لقد خلقنا

الإنسان في أحسن تقويم /4/) التين ولكن هذا الإنسان الكفور الذي أحسن الله إليه بنعمتي الإنسانية والعقل فقد أزرى بنفسه وأهمل عقله وأنزل نفسه منزلة الخلائق التي تمشي على ... !!! وإن كان الظاهر يمشي على اثنتين!!! كما يمشي البشر فلا غرو بعد ذلك أن يجاريه ويعاقبه على تنكره للنعمة بأن يرده إلى جهنم وبئس المصير فقال عز من قائل: (ثم رددناه أسفل سافلين /5/) التين جزاء وفاقاً لأنه لم يشكر النعمة بأن أفرده بالعبادة وحده وأطاع رسله نعم ... إنه لم يشكر النعمة بل كفرها بل وكفر بربه الذي سواه فعدله في أي صورة ما شاء ركبه فطفق يلجأ بدافع من كفران النعمة إلى أهل القبور!!!؟ أهل القبور الذي شاهدهم حين ماتوا وهو الذي غسلهم وهو الذي كفنهم وهو الذي قبرهم بيده وهو يعلم أنهم ماتوا ولولا ذلك ما قبرهم ولا دفنهم ولا أهال عليهم التراب ثم شرع يخاطبهم كما يخاطب الأحياء!!!؟ ويستغيث بهم!! ويتوسل بهم إلى الله تعالى لقضاء الحوائج وغير ذلك هكذا يزين الشيطان لمن يتبعه سوء عمله ويوسوس لهم بأن هؤلاء الذين قبروهم بأيديهم بالأمس أنهم اليوم أشد شعوراً وأقوى إجابة وأسرع نجدة وأجدى وسيلة!!!؟ فيستجيبون له في كل ما يوسوس لهم ويطيعونه ويشفقون على الذين آمنوا لم لا يكفرون!!!؟ أجل هكذا يوسوس لهم إبليس وقال لهم: إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور بعد أن رآهم أطوع إليه من جنوده وبعد أن سلبهم عقولهم وإرادتهم وإنسانيتهم حتى غدوا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً ... يدعون أهل القبور أو يتوسلون بهم إليه تعالى عن دعائهم غافلون وما يدرون أيان يبعثون يدعون الميت ويتركون الحي الذي لا يموت يوسطونهم إلى الله وهم لا يسمعون ويتركون السميع العليم الذي لا يغرب عن علمه شيء في المساء ولا في الأرض وهو معهم بصفاته العلي أينما كانوا يعطونهم من الصفات ما لا يليق إلا برب العالمين الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وهم يعلمون أنهم ميتون لا يسمعون

ولا يبصرون ولا يعلمون!!!؟ (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينئبك مثل خبير /13/) فاطر. ورغم ذلك يدعونهم بأن يتوسلوا لهم عند الله!!!؟ ولماذا كل هذه العناية بوساطتهم!!!؟ رغم كلام الله تعالى وإخبارهم بأنهم لا يسمعون وما إلى ذلك نعم ولماذا كل هذا؟ الجواب: لأن إبليس قد وسوس لهم قائلاً: إذا أعيتكم الأمور! فعليكم بأصحاب القبور!!!؟ يعزفون عن ذكر الرحمن ويهرعون إلى صوت الشيطان الذي استحوذ على قلوبهم وملك عليهم مشاعرهم فاستجابوا له في كل ما يدعوهم إليه عن طريق وسوسته أو عن طريق جنده الذين يبثهم في صفوف الجهلة من شياطين الأنس والجن. وهكذا وقعوا في حبائله وشباكه وهم يحسبون أنهم على الحق فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اللهم رد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً. فما بالك يا أخي بقوم ... عزفوا عن كلام الله تعالى الذي خلقهم وسواهم إلى كلام زعموا أنه حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو حديث مفترى بإجماع العارفين بالحديث ولم يروه أحد من العلماء ولا يوجد في شيء من كتب الحديث. ولكن هل تستطيع أن تقنع القوم بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجل عن أن يقول مثل هذا الكلام المخالف لهدي القرآن الذي نزل عليه ولسنته الزهراء التي كان يشرح بها القرآن كل هذا لم ينفع أولئك القوم وظلوا على ما هم عليه إلا من شاء الله هدايتهم واستجابوا لله وللرسول إذا دعاهم لما يحييهم. (وقليل ما هم /24/) ص. (وقليل من عبادي الشكور /11/) سبأ. أفلا تكونون يا أيها (القوم ... ) من ذلك بقليل؟ فترجعون إلى ربكم وإلى ما أنزل من البينات والكتاب المنير؟ وتتبعون نبيكم ورسولكم محمداً - صلى الله عليه وسلم - فيما أمر ونهى وتجعلون سيرته الهادية المهدية نوراً لكم تستهدون به طريق الحق وتعودون إلى تعاليم النبوة فإنها المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ

عنها إلا هالك. لا تكونوا يا إخواننا من الهالكين بل كونوا من الناجين الفالحين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه هدانا الله وإياكم سواء السبيل وسلكنا وإياكم الصراط المستقيم.

حديث استسقاء بلال بن الحرث بعد وفاة الرسول

9 - حديث استسقاء بلال بن الحرث بعد وفاة الرسول روى البيهقي وابن أبي شيبة: [الناس أصابهم قحط في خلافة عمر - رضي الله عنه - فجاء بلال بن الحرث - رضي الله عنه - وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام وأخبره: أنهم سيسقون]. الكلام على هذا الحديث من ناحية متنه من أجل أن نفهم متن هذا الحديث يجب أن نتغلغل بين سطوره ونبحث بدقة وإيجابية عما حوى هذا الحديث من المعاني والمآلات ثم نزعها بميزان الشرع الذي لا يضل ولا يخل ثم نستطيع بعد ذلك ... أن نعطي فكرة صحيحة عنه فإن وافق ميزان الشرع وكان سنده صحيحاً اعتمدنا ما فيه وإلا سنستغني عنه وإن الله تعالى لم يتعبدنا إلا بما وافق كتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا الأساس نشرع في تنفيذ ما رسم الشارع الحكيم في التحقيق من الأخبار فمن أجل الوصول إلى ما ينبغي يجب أن نتحقق من الأمور التالية: 1 - تعريف الاستسقاء وكيف كان يستسقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 2 - هل يجيز الشرع مخاطبة الأموات وسؤالهم قضاء حاجات الأحياء .. ؟ 3 - هل باستطاعة الميت أن يسمع الخطاب ويجيب الداعي بما يطلبه منه؟ 4 - هل المنامات من أصول الدين وتقوم بها حجة؟ 5 - هل الرجل الذي طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته أن يستسقي لأمته هو بلال بن الحرث - رضي الله عنه - .. ؟

6 - إذا خالف الصحابي أمر الشريعة أفيتابع على مخالفته أم تتبع الشريعة .. ؟ 7 - إذا كان طالب الاستسقاء ليس بلال بن الحرث بل هو مجهول فما قيمة عمله شرعاً .. ؟ 8 - التأكد من ثبوت وقوع الحادثة من ناحية السند على الشكل المروي في المتن. أجل لا نستطيع أن نحكم على متن هذا الحديث إلا بالإجابة على هذه الأسئلة فإذا تأكدنا من مطابقة ما جاء فيه على الأحكام الشريعة حكمنا بأن المتن لا يخالف الشريعة وأن عدم المخالفة لا يعني صحة الخبر بل يجب أن ينظر في سند الحديث فإن وجد سالماً من العلل التي تخل بصحته حكمنا على الحديث بأنه صحيح متناً وسنداً وإلا رددنا متناً وسنداً ولنشرع في ذلك مستعينين بالله وحده. 1 - الاستسقاء: هو الطلب من رجل صالح حي أن يدعو الله تعالى بأن ينزل الغيث ويسقي به البلاد والعباد فيرجع الرجل الصالح يديه ويدعو الله تعالى والناس يؤمنون على دعائه أما استسقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته إذا أجدبت فإننا قد أشرنا غليه في البحث الذي شرحنا فيه التوسل المشروع بدعاء المؤمن لأخيه المؤمن (¬1) وكذلك استسقاء أمته من بعده في زمن الصحابة (¬2) فليرجع إلى ذلك من يشاء لتعلقه بالبحث. هذا هو معنى الاستسقاء وذلك صفة استسقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن هذا الحديث لا ينطبق على تعريف الاستسقاء ... فلا هذا الرجل - وإن كان بدلالاً أو غيره - طلب من رجل حي إنما طلب ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته وذلك في خلافة عمر - حسب ما جاء في الحديث - ولا أدري كيف يطلب ذلك ممن توفاه الله ثم هل هذا الذي طلب إليه أن يستسقي لأمته أجاب. وطلب ودعا الله الجواب: لا لم يكن ذلك لأنه عليه الصلاة والسلام ككل ميت قد انقطع عمله فلا يمكن لأن يدعو عملية الدعاء عمل والعمل قد انقطع ¬

(¬1) راجع الصفحة 170 - 172. (¬2) راجع الصفحة 173 - 176.

بوفاته إذاً فإنه لم يدع أي أن عملية الاستسقاء لم تتم ولم تقع لأنه نقص منها العنصر الفعال في موضوع عملية الاستسقاء وهو الدعاء فإذا أحد طلب من أحد أن يدعو له والمطلوب منه الدعاء لم يدع لسبب ما فهل يمكن أن نقول: تمت عملية الدعاء؟ 2 - إن الشرع الإسلامي الكريم لا يجيز مخاطبة الأموات والسؤال منهم قضاء الحاجات كالدعاء وغيره لأنه انقطع عملهم بوفاتهم لقوله - صلى الله عليه وسلم -: [إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له. وكيف يسألون الأموات قضاء الحاجات والحي القيوم بديع السموات والأرض لا يسألونه؟ وهو حي باق لا يموت ... ؟ 3 - إن همزة الوصل بين السائل والمجيب هي حاسة السمع التي تصل بين سؤال السائل وإجابة المجيب فإذا سأل والمسؤول لم يسمع فكيف تتم الإجابة؟ وهكذا فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انقطع سمعه بالوفاة ... فالذي يناديه لا يسمع نداءه حتى يجيبه وذلك بدليل: (إنك لا تسمع الموتى) و (وما أنت بمسمع من في القبور). 4 - أما المنامات فليست من أصول الدين حتى تقوم بها الحجة ولكن إذا رؤى الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المنام على صورته الشريفة التي خلقه الله عليها فإن ذلك المنام حق لأن الشيطان لا يتمثل بصورته فإذا كان هذا الرجل هو بلال بن الحرث الصحابي فلا شك أنه يعرف صورة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا رآه في المنام على صورته المعروفة فرؤيته حق وإذا قال له رسول الله في المنام ستسقون فإنهم سيسقون فكلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حق في اليقظة والمنام فيما وافق الشرع الذي بلغه وقد يقول له: ستسقون دون أن يستسقى به أي يطلب منه السقيا أو بالاستسقاء به - على جواز وقوعه - فإنهم سيسقون ويكن قوله هذا بشارة بالسقيا وستقع حتماً

أما ما يتعلق بسند الحديث

نقول هذا من حيث تقريره كمبدأ لا أنها حادثة واقعة فجوازها شيء ووقوعها شيء آخر. 5 - أما الرجل من هو .. ؟ فهذا ما لا يثبته إلا النقل الصحيح فالنقل الصحيح لم يثبت أن الرجل هو بلال بن الحرث إنما نقلوه أنه رجل أي رجل ما فصار الرجل مجهولاً - كما سترى ذلك بعد قليل عند البحث في سند الحديث - 6 - وعلى فرض أنه بلال بن الحرث فيكون ماذا؟ نحن لا ننظر إلى الأشخاص بعين العصمة حتى ولو كان صحابياً فالعصمة ليست إلا لنبي فالصحابي ليس معصوماً فقد يخطئ فإن أخطأ بمعنى أنه عمل عملاً ليس عليه أمر الدين فهو رد بلا شك ولا ريب وإن كان صادراً عن صحابي فالصحابي إن انفرد باجتهاد عن بقية الصحابة لا يكون حجة قط والمعلوم أن الاجتهاد لا يكون في مورد النص فكيف إذا كان هناك نص .. ؟ فانفراد الصحابي به هو خطأ من باب أولى أما إذا أجمع الصحابة على أمر كان حجة لإجماعهم عليه ولأن الإجماع أصل من أصول الدين الأربعة. 7 - أما إذا كان طالب الاستسقاء رجلاً مجهولاً فلا يحتج به من باب أولى لأن الصحابي - كما قلنا - - إذا انفرد باجتهاد دون سائر الصحابة ... ليس حجة فكيف إذا كان رجلاً مجهولاً! إذ قد لا يكون صحابياً فيكون عمله خطاً من باب أولى. 8 - أما ما يتعلق بسند الحديث فإليك البيان: 1 - قال الحافظ ابن حجر في / الفتح / (إنه جاء رجل إلى قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال كذا وكذا ... الحديث. وذلك من رواية ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي السمان عن مالك الدار وكان خازن عمر - رضي الله عنه - فاللفظ: (جاء رجل) ولم يأت اللفظ أن هذا الرجل هو أحد الصحابة. قلت: تبين أن الرجل الذي طلب السقيا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس هو بلال بن الحرث - رضي الله عنه - إنما هو مجهول فقد يكون أعرابياً أو غير ذلك إن العمل الذي نسب إلى بلال بن الحرث على فرض وقوعه منه ليس ذلك حجة ولا يقوم

دليلاً على شرعية عمله فكيف إذا أعرابياً قد لا يعرف من أمور الدين شيئاً فكيف تقوم الحجة بعمله .. ؟!! 2 - وقد روى سيف في / الفتوح / أن الذي رأى المنام هو بلال بن الحرث والحديث الصحيح ليس فيه سوى - جاء رجل - وعن سيف أن هذا الرجل هو بلال بن الحارث المزني من الصحابة. بينما - سيف - هذا هو: سيف بن عمر الضبي الأسدي ويقال: التميمي البرجمي ويقال: السعدي الكوفي. وقد ذكر هذا الرجل في (مصنف الفتوح والردة) من المجهولين وقال عباس ابن يحيى: ضعيف وقال داود: ليس بشيء وقال أبو حاتم: متروك وقال ابن حبان: متهم بالزندقة. هذا هو سند الحديث وقد رأيت يا أخي علله متناً وسنداً فهل تقوم حجة ... ؟ والجواب: أن حديثاً فيه من هو متهم بالزندقة وبالضعف وبالجهالة والترك وليس بشيء إنما هو حديث ساقطه والاحتجاج به ساقط أيضاً ودعوى القوم ساقطة أيضاً لأنهم إلى الآن لم يستطيعوا أن يأتوا بحديث القوم به الحجة.

حديث الاستسقاء بالعباس - رضي الله عنه -

10 - حديث الاستسقاء بالعباس - رضي الله عنه - روى البخاري في صحيحه من رواية أنس بن مالك - رضي الله عنه -: [أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان إذا قحطوا استسقى بالعباس ابن عبد المطلب - رضي الله عنه - وقال: اللهم كنا نتوسل إليك بنبينا - صلى الله عليه وسلم - فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. قال: فيسقون] مما لا شك فيه ولا ريب أن هذا الحديث صحيح وما ظنك بصحه حديث يريه الإمام البخاري؟ وقد سبق شرحه والكلام عليه بأنه من أقسام التوسل المشروع وهو من نوع المؤمن إلى الله بدعاء أخيه المؤمن له (¬1) عند استشهادنا به على مشروعية التوسل بدعاء المؤمن لأخيه المؤمن على أن (القوم ... ) أتوا به حجة لهم على جواز توسل المؤمن بذوات المخلوقين .. !! إذاً فاعادة البحث فيه هو من أجل التدقيق عن صحة هذا الجواز المدعى!! فإن صح هذا الجواز شرعاً فنحن من أسبق الناس إلى الأخذ به والعمل بمقتضاه وما لنا ألا نعمل به إذا كانت الشريعة الغراء تجيز ذلك .. ؟ ولكن البحث والتحقيق سيقضيان في إثبات هذا الجواز أو عدمه ف يحق لنا إذا ثبت الجواز أن نرفض الأخذ به كما لا يحق لهم إذا ثبت المنع أن يأخذوا بالمنع ويفعلوه وهم يعملون أنه ممنوع. هذا ما نحاول مخلصين جاهدين بكل طاقتنا في إثبات الجواز أو المنع والله من وراء القصد وبه المستعان وعليه الاتكال. إن الحديث هذا يجبرنا أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان كلف العباس أن يستسقي للمسلمين ويدعو الله تعالى أن يسقيهم الغيث وبين الأسباب الموجبة لتكليف العباس فقال: [اللهم كنا نتوسل إليك بنبينا - صلى الله عليه وسلم - فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ... ] إن هذا الطلب وهذا الدعاء من عمر يلفت أنظارنا إلى أمرين هامين وهما: 1 - يبين عدوله عن التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته إلى غيره. ¬

(¬1) راجع الصفحة /173/إلى/176/من هذا الكتاب.

2 - اختياره للعباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - للتوسل إلى الله تعالى بالسقيا. أجل هذان أمران هامان يوحيان غلينا بالتساؤل والبحث عن سبب عدوله عن التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عمه العباس - رضي الله عنه - ... أليس الرسول - صلى الله عليه وسلم - أفضل وأعظم عند الله من العباس ... ؟ ثم لماذا اختار العباس من دون الصحابة مع أن فيهم من هو أفضل من العباس كعمر وعثمان وعلي والمبشرين بالجنة وغيرهم ... ؟ الجواب: 1 - قبل أن نجيب عن السبب الأول يجب أن نمهد لذلك بسؤال: كيف كانت صفة توسل المسلمين بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وماذا كان يعمل رسول الله في مثل هذه المناسبة .. ؟ الجواب عن السؤال التمهيدي: عن صفة توسل المسلمين بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في الاستسقاء معلومة ومعروفة من السنة وهنا نترك المجال لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تروي لنا صفة استسقاء الصحابة بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام: قالت رضي الله عنها: [شكا الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له بالمصلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه فخرج حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله ثم قال: ((إنكم شكوتم جدب دياركم وقد أمركم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم)) ثم قال: ((الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد. اللهم لا إله إلا أنت. أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت قوة وبلاغاً إلى حين)) ثم رفع يديه فلم يزل يدعو حتى رئي بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب رداءه وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين فأنشأ الله تعالى سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله تعالى فلم يأت مسجده حتى سالت السيول فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك حتى بدت نواجذه فقال: ((أشهد أن الله على كل شيء قدير وأني عبد الله ورسوله))] رواه الحاكم وصححه أبو داود وقال: هذا حديث غريب وإسناده جيد.

ثم يحدثنا أنس - رضي الله عنه - فيقول: [إن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب فقال: يا رسول الله: هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا فرفع رسول الله يديه ثم قال: ((اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا)) قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين (سلع) من بيت ولا دار. فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً ثم دخل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب فاستقبله قائماً فقال: يا رسول الله: هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها عنا فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه ثم قال: ((اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر)) فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس] رواه البخاري ومسلم. أتيت لك يا أخي بحديثين يرويان لك صفة استسقاء المسلمين برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلمت منهما أن توسل المسلمين بالنبي عليه الصلاة والسلام في الاستسقاء هو طلب المسلمين منه - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو لم الله أن يسقيهم الغيث ثم استجابة الرسول لذلك فدعا الله أن يغيثهم بالمطر فاستجاب الله دعاء نبيه - صلى الله عليه وسلم - من فضله ومن وكرمه. إذاً فعملية الاستسقاء مؤلفة من عنصرين طلب الدعاء والدعاء بعد أن اطلعت يا أخي على صفة توسل المؤمنين بنبيهم في الاستسقاء أشرع بالإجابة عن السؤال الأول وهو: لماذا عدل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى التوسل بغيره ... ؟ الجواب: إنك يا أخي علمت قبل قليل أن عملية الاستسقاء مؤلفة من عنصرين: صلب الدعاء والدعاء فلما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد عنصر الدعاء الذي بدونه لا تتم عميلة الاستسقاء بسبب وفاته فداه أبي وأمي فكان لا بد من اختيار شخص حي يدعو للمسلمين بدلاً من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي التحق بالرفيق الأعلى.

أما الجواب على السؤال الثاني: لماذا وقع اختيار عمر بن الخطاب على العباس رضي الله عنهما مع أن في الصحابة من يفوق العباس فعلاً وسابقه وصلاحاً؟ الجواب: كان اختيار عمر للعباس رضي الله عنهما من أحل أن العباس أقرب الصحابة نسباً إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عمه كما هو معلوم ثم قال عمر للعباس: ((أدع يا عباس)) فرفع العباس يديه وقال: [اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث] فأرجت كالجبال. فتبين من دعاء العباس ما هي الأسباب الموجبة لاختياره للدعاء مندون الصحابة وهو قوله: [لمكاني من نبيك] أي لقرابته منه - صلى الله عليه وسلم -. فيا أخي المسلم: بعد أن اطلعت على كل ما تقدم ... من مواصفة عملية الاستسقاء واختيار العباس للدعاء ... نسألك هل كان قصد عمر - رضي الله عنه - من قوله [اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ... ] نعم هل كان قصده التوسل بذات المخلوق أم بدعائه؟ الجواب: بل كان قصده دعاءه لا ذاته أي لا ذات العباس إذ لو كان قصده ذات العباس لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل وأعظم وأقرب إلى الله من ذات العباس ولا ريب فثبت أن القصد كان الدعاء ولم يكن ذات الرسول مقصوداً عندما كان حياً ويستسقون به بل كان دعاؤه هو المقصود وإن قول عمر: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا - صلى الله عليه وسلم - فتسقينا. كان قصده من ذلك [دعاء نبينا] ولو كان قصده الذات لما عدل به ذات العباس بل ولقال: اللهم نتوسل إليك بنبينا ... ولم يذكر العباس البتة فقوله: وإنا نتوسل بعمه العباس دليل على قصده بدعاء عمه العباس ولو كان قصد عمر ذات العباس لكان ذات النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرب إلى الإجابة من ذات العباس إذاً: ثبت ثبوتاً قطعياً أن مراد عمر كان منصرفاً إلى دعاء العباس لا ذات العباس هذا ما لا شك فيه ولا ريب ولا اعتقد

قط .. أن منصفاً يقول غير ذلك لأن الأمر واضح وضوح الشمس. فإذا كان الأمر كذلك فما بال (القوم ... ) يوردون هذا الحديث حجة لهم على جواز التوسل بذوات المخلوقين مع أن الحجة قائمة لنا في هذا الحديث وليست لهم ولو كان مراد عمر من قوله [وإنا نتوسل بعم نبينا فاسقنا] هو ذات العباس لما كان من حاجة إلى قوله: ادع يا عباس فكان يكتفي من قوله بما قال ولما دعا العباس إذ ما من حاجة إلى دعائه إذا كان المراد ذات العباس فالعباس وجميع الصحابة فهموا من قول عمر [وإنا نتوسل بعم نبينا] أي بدعاء عم نبينا ولهذا رفع العباس يديه ثم دعا ... وإن كل ما تقدم من بحث لا يبقى في النفس أي شك أو ريب في أن مراد عمر منحصر في التوسل بدعاء العباس لا التوسل بذاته وإلا - كما قلنا آنفاً - لكان التوسل بذات النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى بالتوسل من ذات العباس. وهكذا فقد ثبت أن عمل عمر في الحديث الوارد في الحديث هو من أقسام التوسل المشروع لأنه توسل بدعاء العباس وهو نوع توسل المؤمن بدعاء أخيه المؤمن وهو من حججنا التي أوردناها قبل صفحات في مشروعية توسل المؤمن لأخيه المؤمن بدعائه له وكما هو واضح وضوح الشمس أنه لا حجة لنا لا علينا أما إيراده من قبل المخالفين على أنه حجة لهم فإن كل دعوى تحتاج إلى دليل لاثباتها. أما أن تبقى مجردة عن الدليل والبرهان بأن يكون الدليل وارداً في غير محله فهذا لا ينفعهم في شيء وتبقى دعواهم مجردة .. !!!؟ ومجرد الدعوى لا يحق حقاً ولا يبطل باطلاً. وفي هذا بلاغ لقوم يعقلون. ولو أنصفوا هداهم الله لاقتنعوا بما نورد من حجج وإننا نذكرهم بأنفسهم نعم إنهم أنفسهم لما يستسقون يخرجون إلى ظاهر المدينة ويتقدم بل ويقدمون أصلحهم ويكلفونه بالدعاء لهم أن يسقيهم الله الغيث ... فيدعو لهم فهل كانوا يقصدون التوسل بذاته أو بدعائه.؟ لا شك أنهم يقصدون التوسل بدعائه لصلاحه وتقواه وإلا لما كلفوه بالدعاء ولاكتفوا أن يقولون: اللهم إنا نتوسل إليك بذات فلان أن تسقينا ولكن لم يقولوا

ذلك ولم يفعلوا غلا التوسل بدعائه فلماذا لا تنكرون على أنفسكم ما تفعلون .. ؟!! ولماذا لا تتوسلون بذات ذلك الصالح كما تحبون أن تفهموا من الحديث الذي أوردتموه .. ؟ فإن كان الذين تدعونه من جواز التوسل بذوات المخلوقين عملاً صالحاً وباراً في نظركم فلم لا تفعلونه في استسقائكم؟ (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم؟!!) إن على من يأمر الناس بالبر أن يفعله والسلام على من اتبع الهدى.

حديث عام الفتق والكلام على متنه

11 - حديث عام الفتق!! روى الدارمي في صحيحه عن أبي الجوزاء قال: [قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة رضي الله عنها فقالت: انظروا إلى قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجعلوه منه كرة إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف ففعلوا فمطروا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق]. الكلام على متن هذا الحديث إن من يتأمل متن هذا الحديث ير الصنعة بادية عليه دونما خفاء رغم ما حاول صانعوه من إفاضة برود الصحة عليه!!! على أن الله تعالى الذي حفظ دينه يمكر بهم حتى يظنوا أنهم قد أغلقوا منافذ كل احتمال بانكشاف أمر وضع هذا الحديث وأنهم قد أحكموا مغالقة ولكن الحقيقة أنهم صاغوه بشكل جعلوه واضح الصنعة بل وكأنهم هم أنفسهم يشيرون إلى نوافذه المفتوحة التي ظنوا أنهم قد أحكموا مغالقها ... (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) نعم أقول إنهم هم الذين يشيرون إلى مواقع الضعف والوضع في هذا الحديث .. !!!؟ ولو أمعنا النظر لتبين ذلك: 1 - يتقولون على عائشة أنها قالت: [انظروا إلى قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجعلوا منه كوة إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف]. وما من مسلم إلا ويعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما توفي دفن في بيت عائشة وعائشة بقيت ساكنة فيه فكيف تقول لهم ما قالت أليس معنى هذا أنها تكلفهم

أن يهدموا سقف البيت التي تسكنه؟ فهل هذا القول تقوله عائشة فتبقى ساكنة في بيت لا سقف له .. ؟ 2 - إنها تقول فيما يزعمون: أن يجعلوا كوة من القبر إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف ففعلوا وعلى فرض أن السقف قد أنزلوه فيبقى حاجباً جسده الشريف - صلى الله عليه وسلم - وإن الكوة حسب قول عائشة يجب أن تفتح من القبر لقولها: [انظروا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجعلوا منه كوة إلى السماء] فهل نبشوا القبر حتى جعلوا منه كوة إلى السماء ... ؟ يقول الحديث: [ ... ففعلوا ... ] قولوا لي بربكم: متى كان هذا؟ من الذي تجرأ على نبش قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يجعلوا منه كوة إلى السماء متى فعلوا؟ في أي زمن وفعل ... .مثل هذا!!!! أيبقى مكتوباً فلا تذكره كتب التاريخ والسير؟!!! دلونا في أي كتاب من كتب التاريخ ذكر هذا الخبر ... 3 - إذا كان كشف قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - مجلبة لنزول المطر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان حياً كان دائماً معرضاً جسمه إلى السماء ككل الناس في غدواته وروحاته وقد قحطوا في عهده - صلى الله عليه وسلم - فلم ينزل الغيث بمجرد كون جسم رسول الله معروضاً للسماء بطبيعة الحال بل بقي القحط مستمراً حتى خرج - صلى الله عليه وسلم - بالمسلمين إلى ظاهرة المدينة فاستسقى لهم أي دعا الله لهم فسقوا فلماذا لم يغثهم الله إلا بالدعاء ... ؟ 4 - ولماذا سكتت عائشة عن هذه النصيحة فلعلهم يقولون قالتها في أول القحط ولم تسكت عنها فنقول لماذا لم يعمل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما رأى أول الأمر أن الناس كشفوا القبر فسقوا ولماذا لم يفعل هو ذلك أيضاً بل خرج بالناس إلى خارج المدينة وقال للعباس ادع فدعا واستجاب الله دعاءه فسقوا الغيث. 5 - بعد أن فتحوا كوة من قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومطروا أما امتلأت الغرفة بالماء فأين سكنت عائشة ... ؟!!

6 - لما دخل رجل أعرابي إلى المسجد والرسول قائم على المنبر يخطب الجمعة فشكا الأعرابي القحط فدعا الرسول له وهو على المنبر ثم لما عاد في الجمعة القابلة ودخل المسجد والرسول قائم يخطب على المنبر فطلب الأعرابي أن يدعو الرسول صلى لإمساك المطر عنهم بعد أن تقطعت السبل فدعا الله واستجاب الله دعوته كل ذلك وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محجوب الجسد بسقف المسجد ومع ذلك فقد أغاثهم ولم لم يخرج الرسول ويعرض نفسه للسماء إذ بمجرد ذلك كان يجب أن ترخي السماء بغيث مغيث. ولكن لم يفعل رسول الله ذلك أكان يجهل أن جسده مجلبة للغيث ... ؟ 7 - ثم لماذا لم يجعلوا القبر مكشوفاً أبداً ليكون الغيث مواصلاً عند اللزوم فلو كان فتح الكوة من القبر يوجب استدرار الغيث لما حجبوها بالقبة الخضراء إلى يومنا هذا ولجعلوا القبر مكشوفاً إلى يوم القيامة لاسيما وأن الحجاز تغلب على مناخه طبيعة الجفاف وهو أكثر الأقاليم حاجة إلى المطر. 8 - لو كان هذا الخبر صحيحاً كما يزعمون لكانت بلاد الحجاز أو المدينة على الأقل مروجاً وجنات وأنهار من كثرة الأمطار التي تنزل بسبب فتح الكوة من قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 9 - يقول الحديث: [فمطروا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق] إن الناس في حينه كانوا يملكون الإبل والغنم والبقر والخيل فلماذا تفتقت الإبل ولم تتفتق أيضاً الغنم والبقر والخيل؟ ولعله اكتفى بذكر الجزء ليعبر عن الكل وهذا جائز فمعنى ذلك أن الإبل والغنم والبقر والخيل قد تفتقت من الشحم أيضاً فإذا صح هذا فإن هذا الفتق العام يكون مأساة وكارثة لأن هذا الفتق يؤدي إلى الموت فيكون هذا الغيث غيث عذاب لا غيث رحمة فمتى كان ذلك .. ؟ وإنني لواثق تمام الوثوق أن كل ما جاء في هذا الحديث لا أساس له من الصحة وأنه لموضوع المتن ومصنوع صناعة غر لم يستطع أن يصيغه بصيغة مقبولة فمتنه يشير غليه قبل سنده بأنه واه ساقط المعنى ولما ركب

الكلام على سند هذا الحديث

صانعه له السند ما كان في سنده أحكم من صناعة متنه فركب له سنداً من أوهي الأسناد وهو يظن أنه أحكم الصنعة وسد المنافذ!!؟ بهذا الحديث وأمثاله يوفق هو وغيره إلى تحويل عقائد المسلمين وإلى ضلالات ولكن خيب الله فألهم وأطاش سهامهم فأوجد في المسلمين رجالاً ينخلون الأحاديث نخلاً وهذا من فضله على هذه الأمة المحمدية بحفظه دينه الذي ارتضى لعباده. أما هذا الحديث فقد كشف متنه كما تقدم ... أما سنده فإليك ما قال علماء علم الحديث فيه: الكلام على سند هذا الحديث ذكر هذا الحديث الشيخ دحلان في كتابه: ((الدرر السنية في الرد على الوهابية)) مستشهداً به على صحة التوسل بذوات المخلوقين وخاصة بذات النبي الكريم صلوات وسلامه عليه. ويعزي الدحلان في كتابه ما ذكره في كتابه المشار إليه إلى ما نقله عن السمهودي فقال: ((ذكر العلامة السمهودي في خلاصة الوفا: ((إن من الأدلة على صحة التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته ما رواه الدارمي في صحيحه عن أبي الجوزاء ثم ذكر الحديث)). وقد رد عليه الشيخ بشير السهسواني الهندي رحمه الله تعالى وأجزل مثوبته في كتابه المسمى صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان)) بما يلي: 1 - إطلاق الصحيح على مسند الدرامي ليس صحيحاً قال المغلطاني: (أن جماعة أطلقوا على مسند الدارمي بكونه صحيحاً فتعقبهم ابن حجر بقوله: ((إني لم أر ذلك في كلام أحد ممن يعتمد عليه كيف ولو أطلق ذلك من لا يعتد به لكان الواقع بخلافه)) 2 - قال العراقي: المرسل والمعضل والمنقطع والمقطوع فيه كثير.

3 - أن في سنده محمد بن الفضل السدوسي أبو النعمان البصري قال الحافظ في التقريب: لقبه ((عارم)) ثقة ثبت تغير في آخر عمره وقال في الخلاصة: اختلط ((عارم)) وقال أبو حاتم: من سمع منه قبل سنة /220/ فسماعه جيد. وقال البخاري: تغير عارم آخر عمره. وقال أبو داود: أن ((عارماً)) أنكر سنة /213/ ثم استحكم به الاختلاط سنة /216/ ولم يسمع منه أبو داود لتغيره. 4 - إن في سنده: سعيد بن زيد. قال الذهبي: ليس بالقوي وقال الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام. وقال في الخلاصة، قال ابن معين وقال أحمد: ليس به بأس وقال النسائي ليس بالقوي. قال الذهبي في الميزان: ضعيف. وقال السعدي: ليس بحجة يضعفون حديثه. قال أحمد ليس به بأس. وكان يحيى بن سعيد لا يستريبه. 5 - أن في سنده: عمر بن مالك المنكري قال الحافظ في التقريب صدوق له أوهام. 6 - أن في سنده أبا الجوزاء أوس بن عبد الله. قال في التقريب أوس ابن عبد الله الربعي البصري وثقوه وقال يحيى بن سعيد: قتل في الجماجم في إسناده نظر ويختلفون فيه وقال أيضاً في الكنى: أبو الجوزاء الربعي أوس تابعي مشهور قال البخاري: في إسناده نظر فقد ثبت أن الحديث ضعيف منقطع. 7 - أن الحديث موقوف فلا يصح حجة عند المحققين. 8 - يعارضه حديث عمر - رضي الله عنه -. (ذكر محمد بن إسحاق في مغازيه عن خالد بن دنيا عن أبي العالية قال: لما فتحنا ((تستر)) وجدنا في بيت مال الهرمزان سريراً عليه رجل ميت عند رأسه مصحف له فحملنا المصحف إلى عمر - رضي الله عنه - فدعا كعباً فنسخه بالعربية فأنا أول رجل قرأته مثل ما أقرأ القرآن فقلت لأبي العالية ما كان فيه؟ قال: سيرتكم وأموركم ولحون كلامكم وما هو كائن بعد ...

قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقة فلما كان بالليل دفناه وسوينا القبور كلها لنعميه عن الناس فلا ينبشونه قلت وما يرجون منه! قال: كانت السماء إذا حسبت عنهم أبرزوا السرير فيمطرون فقلت من كنتم تظنون الرجل ... ؟ قال: دانيال قلت منذكم وجدتموه مات؟ قال منذ /300/سنة (¬1) قلت: ما كان قد تغير منه شيء ... ؟ قال: إلا شعيرات من قفاه إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض ولا تأكلها السباع). فانظر ما في هذه القصة من صنع أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتعمية قبر هذا الرجل لئلا يفتتن به الناس كذا في (تبعيد الشيطان بتقريب إغاثة اللهفان) انتهى رد الشيخ بشير السهسواني. قلت: لقد رأيت يا أخي هذا الحديث وما فيه من علل سنداً ومتناً فهل ترى أن يصلح أن تنهض به الحجة لأولئك الذين يزعمون جواز التوسل بذوات المخلوقين؟ لا ... إن مثل هذا الحديث لا يستطيع أن ينهض بنفسه فضلاً عن أن تنهض به الحجة وهكذا فقد ظلت دعوى القوم ساقطة إلى الآن ولم يستطيعوا لها إثباتاً ... !!! رغم ما أتوا به من حجج على ما يزعمون لأن حججهم التي يتذرعون بها كلها واهية ضعيفة أو موضوعة والصحيح منها: هو حجة عليهم لا لهم فكيف يمكن أن تنتصر دعواهم ويبلغوا فيها مقاصدهم ... ؟!!! هيهات .. هيهات ... ¬

(¬1) دانيال النبي عليه السلام كان في سبي (نبوخذ نصر) لبني إسرائيل قبل ميلاد عيسى بـ/600/سنة وكتابه من أسفار اليهود المعرفة ... (رشيد رضا)

حديث توسل الأعرابي والكلام على متنه

12 - حديث توسل الأعمى روى أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن الكرخي عن علي بن محمد بن علي ثنا أحمد بن محمد بن الهيثم الطائي ثنا أبي عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة أيام فرمى نفسه على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وحثا على رأسه من ترابه وقال: يا رسول الله: قلت فسمعنا قولك ووعيت من الله عز وجل ما وعينا عنك وكان فيما أنزل الله تبارك وتعالى عليك: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً) وقد ظلمت نفسي وجيتك لتستغفر لي فنودي من القبر: إنه غفر لك. الكلام على متن هذا الحديث إن هذا الحديث ألغامه موجودة في متنه فضلاً عن سنده وفيه الطامات ما لا يشك فيه مسلم أنه موضوع مكذوب وذلك من وجوه: 1 - نحن نعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما توفي دفن في بيت عائشة أم المؤمنين فإذا كان أعرابي فعل ما فعل على الشكل الذي يرويه الحديث فلا بد أنه دخل بيت عائشة وكيف يدخل عليها دونما استئذان؟ لأن الحديث خلو من ذكر الاستئذان وهب أنه استأذن فكيف تمكنه عائشة رضي الله عنها من أن يفعل ما فعل من الإتماء على القبر وحثو التراب منه على رأسه.

2 - ثم إن الحديث مروي عن علي - رضي الله عنه - وهو الذي يروي يعن الأعرابي ما فعل على قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا بد أن يكون قد رآه فلو أنه سمع دون أن يراه فمعنى ذلك أنه سمع من شخص آخر رواية عنه ولكن لم يذكر هذا الشخص الذي سمع منه ما فعل الأعرابي فعدم ذكر الشخص الذي سمع منه يدل على أن علياً رأى بنفسه ما فعل لا سماعاً من غيره إذاً ثبت أن علياً رآى ما فعله الأعرابي وما يفعل على القبر فكيف لم ينهه عن ذلك؟ لأن الرواية لا تشير إلى أن علياً نهاه فعدم النهي عن فعل يفيد الإقرار فكيف يسكت علي - رضي الله عنه - عن فعل الأعرابي ولا ينهاه وهو يعلم عمِل عمَل الجاهلية فهذا لا يعقل صدوره عن علي - رضي الله عنه - ألبته لا سيما وإن أبا صادق الذي يروي الحديث عن علي لم يثبت سماعه من علي - رضي الله عنه -. 3 - ثم إن الحديث يروي عن الأعرابي أنه قال: يا رسول الله: قلت فسمعنا قولك ووعيت من الله ما وعينا عنك فيعلم من هذا أنه سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن يسمع من شخص لا بد أنه رآه واجمتع به ثم إن السماع مع الوعي عنه - صلى الله عليه وسلم - يفيد أنه سمع فوعى وهذه صفات فاهم بصير مما يدل على أن الأعرابي صحابي فذه صفته وهذا شأنه أيعقل أنه يرتمي على قبر الرسول ويحثو من التراب على رأسه وهو يعلم أن هذا من عمل الجاهلية الذي نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 4 - يقول الأعرابي: ووعيت من الله ما وعينا عنك ولكن العكس هو الصحيح فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يع من الله ما وعاه منه صحابته بل وعى منه صحابته ما وعي منه هو عن الله. ولا شك أن الفاروق ظاهر بين العبارتين ... لأن عبارة الأعرابي أن الصحابة وعوا من رسول الله ما وعوه منه قبل أن يعي رسول الله ما وعاه عن ربه وشتان بين قول الأعرابي الخاطئ وما بين القول الذي كان يجب أن يقوله عربي فصيح فضلاً عن أعرابي من أهل البادية بصرف النظر عن كونه يعرف جيداً أنه ما وعاه رسول الله عن ربه كان قبل أن يتلقاه الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقول الأعرابي

يدل على أن القرآن تلقاه الصحابة عن رسول الله قبل أن يتلقاه رسول الله عن ربه. وهذا لا يقوله مسلم فاضلاً عن صحابي عربي فصيح فاهم بصير ولعله من الدسائس التي يراد منها: أن القرآن من كلام محمد - صلى الله عليه وسلم - والعياذ بالله. 5 - ثم قال الأعرابي - فيما يرويه الحديث ... وكان فيما أنزل الله تبارك وتعالى عليك (ولو أنهم ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً) وقد ظلمت نفسي وجئتك لتستغفر لي إن هذه الآية الكريمة تتعلق فيمن يأتيه عليه الصلاة والسلام حال حياته لا بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - نعم حال حياته ليحصل للمستغفر استغفار رسول الله له ولا شك أن استغفاره - صلى الله عليه وسلم - مستجاب فتحصل للمستغفر المغفرة من الله تعالى استغفار رسول الله له أما المجيء إلى قبره - صلى الله عليه وسلم - والسؤال منه أن يستغفر للسائل فهذا محال لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد انقطع عمله بوفاته فلم يعد يتحرك أبداً فضلاً عن أن يحرك لسانه بالاستغفار أو غيره فهو على ضجعته من يوم أن دفن إلى يومنا هذا وإلي يوم القيامة. أما أن يسمع أو يتكلم أو يصدر عنه أي عمل فلا وقد انقطع عمله نهائياً كما قال هو عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليمات: [إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به وولد صالح يدعو له] ولا شك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشمله هذا الحديث لأنه من بني آدم وقد قضى الله عليه بالموت والتحق بالرفيق الأعلى. أما الحياة البرزخية فهي حياة لا يعلمها إلا الله تعالى وليس لها أية علاقة في الحياة الدنيا وليس لها بها أية صلة فهي مستقلة نؤمن بها ولا نعلم ماهيتها وإن ما بين الأحياء والأموات حاجز يمنع الاتصال فيما بينهم قطعياً وعلى هذا فيستحيل الاتصال بينهم لا ذاتاً ولا صفات والله سبحانه يقول: (ومن ورائهم برزج إلى يوم يبعثون) (¬1) والبرزخ معناه: الحاجز الذي يحول دون اتصال هؤلاء بهؤلاء لا سيما وأن الله تعالى يقول: (إنك لا تسمع الموتى) (¬2) ويقول ¬

(¬1) /100/المؤمنون (¬2) /80/ النمل

عز وجل: (وما أنت بمسمع من في القبور (¬1)) والرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد أن توفاه الله هو من الموتى ومن أهل القبور فثبت أنه لا يسمع دعاء أحد من أهل الدنيا وإن كان هو والأنبياء لا يبلون لن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء كما جاء في الصحيح ولكنهم أجساد بلا أرواح وهم أموات ولا شك فإن الموت شيء وعدم البلى شيء آخر فمن كان ميتاً لا يمكن أن يسمع أحداً من أهل الدنيا فإذا ثبت عدم السماع يثبت عدم الإجابة لأن السمع هو همزة الوصل لحصول الجواب وإذا لم يسمع طلب الاستغفار؟ ثم إذا فهم هذا فأي معنى يبقى من طلب الاستغفار؟ الجواب: لا معنى لطلب الاستغفار أبداً. وما يضير هذا المستغفر إذا توجه إلى الله وتاب من ذنوبه وطلب من الله المغفرة؟ أو اختار أحد الصالحين وكلفه أن يدعو له فلا مانع من ذلك كما طلب عمر من العباس رضي الله عنهما أن يستسقي للمسلمين بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يطلب عمر - رضي الله عنه - من رسول الله بعد وفاته أن يستسقي للمسلمين. ولو كان هذا جائز لفعله عمر - رضي الله عنه - ولكن لم يفعل ذلك لأنه يعلم أن رسول الله التحق بالرفيق الأعلى ولم يعد يستطيع الدعاء وما أشبه ذلك. ثم ما قولك يا أخي المسلم الكريم أن هذه الآية لم تنزل لهذا الغرض مطلقاً ولا علاقة به ألبتة إنما الآية نزلت في المنافقين الذين كانوا يصدون الناس من متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويتحاكمون إلى الطاغوت وإذا احتاجوا إليه في أمر من الأمور أتوا إليه معتذرين ويحلفون: ما أردنا بذهابنا إلى غيرك إلا مداراة ومصانعة لا اعتقاداً منا بصحة احتكامنا إلى الطاغوت فهؤلاء إذا جاءوا النبي واستغفروا الله من نفاقهم في مجلسه وسألوه أن يعقب على استغفارهم لأنفسهم بأن يستغفر الرسول لهم عندما يجدون الله تواباً رحيماً ولكن لم يجيئوا ولم يستغفروا ولم يستغفر لهم الرسول فيما علاقة هذا ... بواقع الأعرابي الذي جاء رسول الله بعد وفاته وطلب منه وهو ميت أن يستغفر له ... ؟! نعم لا علاقة بين الموضوعين بل ولا قياس بين الواقعين وتفارقها لاختلافهما وتفارقهما على أن واضعي هذا الحديث ما كان قصدهم إلا التغرير والإفساد والتضليل ¬

(¬1) /22/ فاطر

فلا يهمهم التوافق بين الواقعين حتى يستقيم القياس بينهما إنما المهم عندهم تشكيك المسلمين بأي ثمن كان ولكن رد الله كيدهم في نحورهم وأخسرهم وقد بحثنا هذا الموضوع قبل صفحات فليرجع إليه من يشاء. 6 - قوله في الحديث ... [فنودي من القبر إنه غفر لك ... ؟؟!!] إن من وطن نفسه على الكذب لا يهمه إن كذب على الله وعلى رسوله وعلى الناس فالكل عنده على حد سواء لاسيما إن كان مراده التضليل والتشكيك فيستحل كل حرام في سبيل الوصول إلى ما يبتغي ويريد وليس للقيم عنده أقل اعتبار ما دام أنه يسعى لتحقيق ما خططه أو ما خطط له!!؟ وعند هؤلاء قاعدة يعتمدون عليها في كل ما يفعلون ألا وهي: ((الغاية تبرر الوسيلة)) فكل وسيلة مهما كانت فهي في نظرهم مشروعة!!! إذا كانت تحقق لهم أغراضهم وتوصلهم إلى أهدافهم ومراميهم. فالزنادقة الذين امتلأت قلوبهم بصديد الحقد على الإسلام والخنق على المسلمين ما كان باستطاعتهم صدهم عن دينهم بالقوة إذ لم يكن ذلك متيسراً لهم فلجأوا إلى الدس والتغالي وبث الأباطيل والترهات بوضع الأحاديث والكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - إيهاماً وتضليلاً وتشكيكاً بدينهم الحق ولعل هذا الحديث من جملة تلك الأحاديث الموضوعة المصنوعة ففي متنه عن سنده من الطامات كشفنا ما قدرنا الله على كشفه آنفاً على أن هذه الفقرة الأخيرة منه من أخطر ما جاء فيه وهي: فنودي من القبر: إنه غفر لك!! أي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ناداه من قبره إنه غفر لك وذلك تحريضاً لكل من يقرأ هذا الحديث الموضوع من أهل الغفلة أن يصدقه ويفعل ما فعله الأعرابي لينال البشرى بمغفرة الذنب كما نالها الأعرابي فتتفشى بين أغرار المسلمين هذه الأكاذيب وعلى توالي الأيام يحتج به كحقائق لا ينازع فيها وهذا ما حصل بالفعل فقد جاء بهذا الحديث وأمثاله لا أغرار المسلمين فحسب بل وعقلائهم وخاصة أهل العلم فيهم مع الأسف الشديد اللهم إلا من رحم ربك الذين يجددون للناس في أمر دينهم ويعصهم الله

من الزلل فينصر بهم دينه ويحفظ بهم ما أنزل الله من البينات فيردون الأباطيل ويكشفون الخفايا والأعصبة والأبصار والبصائر ولا يخلو أي عصر منهم والحمد لله. إن هذه الخاتمة من هذا الحديث أراد بها واضعوه أن يدخلوا في روع المسلمين: 1 - أن رسول الله حي في قبره ويسمع كلام من يكلمه ويجيبهم بكلام مسموع من القبر. 2 - تكذيب ما جاء في القرآن الذي يثبت أن الأموات لا يسمعون ولا يجيبون. 3 - التألي على الله بأنه غفر ذنبه مع أن هذا من المغيبات التي لا يعلمها إلا الله. على أن هذه الأمور غير خافية المقاصد بل هي ظاهرة بينة ولا تنطلي إلا على الذين سلموا قيادهم للباطل وإننا نرد عليهم بما يلي: 1 - إن الله تعالى أخبرنا أن (كل نفس ذائقة الموت) وقد قال عز وجل: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) وقال عز من قائل: (إنك ميت وإنهم ميتون) كل هذا يدلنا على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات كما مات من قبله ومن بعده والذي ينقطع عن الناس بسبب الموت ينقطع عمله لأنه بشر مثلهم لا يتكلم ولا يسمع وليس من بعد وفاته فداه أبي وأمي ونفسي أي اتصال بالدنيا ولو كان من الممكن الاتصال به لكان خليفته الصديق والأئمة من بعده أولى الناس بذلك فقد حدث من الأمور الجسام ما كان يقتضي الاتصال به واستشارته إذا كان ذلك ممكناً ولكن لم يتصلوا به لعلمهم الأكيد أنه لا يمكن الاتصال به إلى يوم القيامة فكيف ينادي الأعرابي من قبره وهو ميت منقطع العمل والحواس إلى يوم يبعثون؟ 2 - لقد قرر القرآن أن الأموات لا يسمعون ولا يتكلمون وإنهم في عالم آخر ليس له أي علاقة بعالمنا هذا: (ومن ورائهم برزج إلى يوم يبعثون).

الكلام على سند هذا الحديث

3 - ما دام رسول الله لا يسمع ولا يتكلم ولا يجيب فكيف يجيب الأعرابي من القبر والقبر والبرزخ من عالم الغيب الذي يجب أن نؤمن به دون أن نراه فإن سمع منه صوت أو كلام أو بشارة صار عالم شهادة وهذا لن يكون وسيظل من عالم الغي إلى يوم القيامة فإذا انتفى هذا انتفت بالشارة بالمغفرة فلو كان في المنام لكان فيه نظر فكيف باليقظة؟!! فإنه من أكذب الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال - صلى الله عليه وسلم -[من كذب علي يلج النار] ولكن أين الخوف من الله تعالى حتى لا يكذب عليه ولا على رسوله - صلى الله عليه وسلم - اللهم نعوذ بك من الخذلان وسوء المنقلب. وهكذا ... فقد اتضح لك يا أخي المسلم ما في متن هذا الحديث من الطامات والأباطيل والترهات الكذب والافتراء مما يدلك دلالة واضحة على أن هذا الحديث موضوع ومكذوب ومصنوع هذا من جهة المتن!!! فكيف هذا الحديث موضوع ومكذوب ومصنوع هذا من جهة المتن فكيف إذا أثبت لك أيضاً أن سنده موضوع فلا شك أنك ستزداد يقيناً بعدم صلاحه للاحتجاج به وهذا ما سأحاول إثباته لك وإليك البيان: الكلام على سند هذا الحديث 1 - قال في الصارم المنكي: إن هذا خبر منكر موضوع وأثر مختلق مصنوع لا يصلح الاعتماد عليه ولا يحسن المصير إليه وإسناده ظلمات بعضها فوق بعض. 2 - الهيثم: جد أحمد بن محمد الهيثم أظنه ابن عدي الطائي فإن يكنه فهو متروك كذاب وإلا فهو مجهول وقد ولد الهيثم بن عدي بالكوفة ونشأ بها وأدرك زمان سلمة بن كهيل فيما قيل ثم انتقل إلى بغداد فسكنها. قال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: الهيثم بن عدي كوفي ليس بثقة كان يكذب وقال العجلي وأبو داود: كذاب وقال أبو حاتم الرازي والنسائي والدولاب والأزدي: متروك الحديث وقال السعدي: ساقط

قد كشف قناعه. وقال أبو زرعة: ليس بشيء. وقال البخاري: سكتوا عنه أي تركوه. وقال ابن عدي: ما أقل ماله من السند وإنما هو صاحب أخبار وأسماء ونسب وأشعار قال ابن حبان: كان من علماء الناس بالسير وأيام الناس وأخبار العرب إلا أنه روى عن الثقات أشياء كأنها موضوعات يسبق إلى القلب أنه كان يدلسها وقال أبو عبد الله الحاكم: الهيثم بن عدي الطائي حدث عن جماعة من الثقات أحاديث منكرة وقال العباس بن محمد: سمعت بعض أصحابنا يقول: قال: جارية الهيثم: كان مولاي يقوم عامة الليل يصلي فإذا أصبح جلس يكذب .. ! اهـ. 3 - أحمد بن محمد بن الهيثم عن أبيه - لا ذكر لهما في ((التقريب)) ولا ((التهذيب)) ولا ((اللسان)) فمن أحتج بهما - أي بأحمد وأبيه محمد - فعليه توثيقهما عن إمام من أئمة التوثيق. 4 - وقال محمد رشيد رضا: أبو صادق، لم يسمع من على - رضي الله عنه - أرأيت يا أخي القارئ المسلم الكريم، سند هذا الحديث ... .. ؟ وكيف تحفه الظلمات والجهالات ... والكذب والانقطاع، وما شابه!؟. إن حديثاً له هذا المتن ... .. وذاك السند البالي المهلهل ... .. لا تقوم به حجة أو دليل على صحة المدعى ... . وإنك لترى يا أخي، أن الأحاديث التى أوردها ... .. إما أنها مستشهد بها في غير ما مناسبة ... .!! أو أنها معلومة بعلل شتى ... . أقوى ما فيها ... .. الشديد الضعف! ناهيك عن المكذوب والموضوع والمدلس والمنقطع، وما لا أصل له. فيا سبحان الله ... !!! ما بال القوم .. يتمسكون بكل ذي علة من الأحاديث والآثار والأخبار ... .. ؟ ألا يعلمون أن ما يقدمونه من أدلة وبراهين على زعمهم ... .. لا يصح أن يقال أنها كذلك ... .. مادامت - كما رأيت يا أخي - من الضعف والهلهلة ... .. والعلة الكاسحة ما يوجب أن يخجل منها مقدمها، ولا يسمح لنفسه أن يرددها على شفتيه ... خشية أن تنبئ عن جهله ... . أو عن سوء نيته أو عن كليهما معاً ... .. !! وعلى كل حال .. فإن الاحتجاج بهذا الحديث ساقط ... .. لما يحوى من العلل ... .

وبقيت دعواهم دعوى مجردة ... . وكلما أتوا بما بقربها على زعمهم ... . زادوها علة وسقوطاً. وهكذا .. فإن بتكرار انهزامهم الذريع أمام حجج الحق، يزداد هذا الحق قوة وغلبة عليهم ... فإنهم إلى الآن لم يستطيعوا أن يقفوا على أرجلهم ... . حق ولو على أرجل مرتجفة متخاذلة ... بل ما يزالون قاعدين!!! بل مقعدين لا حول لهم ولا قوة على النهوض. وهذا هو حال من يتقوى بالباطل، فلا يزيده إلا ضعفاً وتخاذلاً وانهزاماً. اللهم زدنا بك قوة وثبتنا على صراطك المستقيم. وتعدد روايات هذا الحديث: لقد ورد (حديث توسل الأعرابي هذا ... ) في روايات عدة: بعضها بلا إسناد والبعض الآخر بأسانيد مظلمة!!! كما أن ألفاظها، جاءت مختلفة ومضطربة ... مع زيادة ونقصان في جميع ألفاظ متون، وفي جميع رواياته وأسانيده. مما يدل دلالة واضحة صريحة، على أن هذا الحديث في جميع رواياته مختلق موضوع، وخبر مكذوب مصنوع. وأن صنعه الكذب والوضع ظاهرة عليه وإنها بينة جلية واضحة فيه، وضوح الشمس. وها إنك يا أخي القارئ، اطلعت على الحديث في روايته الأولى لفظاً وسنداً وتعليقاً وتحقيقاً. ولا أخالك إلا مقتنعاً بالنتائج التى تترتب علي وضع مثل هذا الحديث ... ولعلك تتوق إلى تفصيل الروايات الأخرى التى ورد فيها ... على نحو ما تم تفصيله في الرواية الأولى ... .. فأهلا بك يا أخي على صعيد التحقيق والتدقيق ... .. ثم بعد ذلك، نترك لك الحكم على هذه الروايات المتعددة ... فيما إذا كانت تصلح للاحتجاج بها، في خلافنا القائم مع (القوم ... ) هدانا الله وإياهم سواء السبيل. الرواية الأولى: وهي الرواية الأولى المتقدمة عن أبى الحسن الكرخي بسنده إلى على بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وحاشاه من نسبه هذه الرواية إليه بعد أن تأكدت يا أخي من كذب نسبتها إليه - رضي الله عنه - وأرضاه.

الرواية الثانية: أما الرواية الثانية في المشهورة (بحديث العتبي) ويحسن بي يا أخي أن أثبت لك نص هذه الرواية كما وردت في كتاب (الشامل) لأبي منصور الصباغ بلا إسناد ... .!!. نص رواية حديث العتبي [كنت جالساً عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك، فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً) وقد جئتك مستغفراً لذنبي، مستشفعاً إلى ربي، ثم أنشأ يقول: يا خير من دفنت في القاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم] الكلام على متن هذه الرواية إن في متن هذه الرواية (حديث العتبي) عللا مشتركة مع الرواية الأولى - رواية أبي الحسن الكرخي، وعللا أخرى مختلفة عنها ... فما توافق منها أحلناك يا أخي على إجابتنا على مثلها فيما سبق من تحقيق الرواية الأولى فأرجع إليها إن أعوزك ذلك. وأما ما أختلف عنها وأضطرب، عالجناه وناقشناه على ضوء الشريعة المطهرة. 1 - تقول الرواية الأولى: [قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة أيام، فرمى نفسه فوق القبر وحثا على رأسه من ترابه]. بينما تقول (رواية العتبي): [كنت جالساً عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله ... .] فالعتبي هذا. قال عنه المؤرخون أنه توفى سنة / 228 / هجرية فهل يمكن أن يحضر حادثة وقعت بعدما دفن الرسول بثلاثة أيام ... .. ؟!! فهب أنه عاش مائة سنة، فيبقى بينه وبين الحادثة انقطاع مائة وعشرين سنة فهل يمكن أن يحضر

نص رواية حديث العتبي والكلام على متنه

واقعة حدثت قبل أن يخلقه الله بمائة وعشر سنين ... ؟!!. وهل تصح روايته الواقعة عنه ... .؟ وعلى كل سوف تأتى عند البحث في سند هذا الحديث، على تفصيل تام لترجمة العتبي. 2 - إن الرواية الأولى ورواية العتبي تتفقان في إيراد لفظ تلاوة الأعرابي للآية الكريمة: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لو جدوا الله تواباً رحيماً). ولقد أجبنا على استدلالهم بهذه الآية الكريمة على جواز التوسل بذوات المخلوقين من أنه في غير محله، وأنه لا قياس بين حياة الرسول وموته، فما يمكن أيفعله في حياته، قد أنقطع بسبب وفاته. فأرجع يا أخي إلى معالجة ذلك فيما ذكرناه وعالجناه في الرواية الأولى، مع العلم أن هذه الآية الكريمة نزلت في بعض المنافقين، لا من أجل التوسل بذات الرسول - صلى الله عليه وسلم -. 3 - أن رواية العتبي ليس فيها أن الأعرابي رمي نفسه فوق القبر، وحثا على رأسه من ترابه كما في الرواية الأولى. فهذا اختلاف في اللفظ واضطراب في وصف الحادثة، فلو كان العتبي حاضراً فيها لوصفها كما وصفت في الرواية الأولى فوقوع هذا الاختلاف، والاضطراب بين الروايتين علة طاعنة ومانعة من صحة الحديث والاحتجاج به. 4 - قول الأعرابي في الرواية الأولى: [وقد ظلمت نفسي وجئتك مستغفراً] وقول العتبي أن الأعرابي قال: [وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي] ولم يقل: [وقد ظلمت نفسي]. وفي الرواية الأولى يقول الأعرابي] وجئتك مستغفراً] وفي رواية العتبي [وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي]. إنهما قد ترافقا تقريباً بين العبارتين المتعلقتين بالمجئ من أجل الاستغفار. وجاءت زيادة في رواية العتبي [مستشفعاً بك إلى ربي]. وهنا يجب الوقوف عند قول الروايتين: [وجئتك مستغفراً] وفي الرواية

الأولى [وجئتك مستغفراً لذنبي] في رواية العتبي النظر عن الاختلاف والاضطراب في لفظ الروايتين .. إن خطر كبيراً يهون بجانبه خطر التوسل بذوات المخلوقين، قد ذر قرنه من قوله [وجئتك مستغفراً] أو [قد جئتك مستغفراً لذنبي] أن هذا الكلام الوارد في كلا الروايتين يوهم - إن لم نقل يؤكد - أن الأعرابي إنما جاء القبر ليستغفر الرسول من ذنبه ... ! بينما الآية التى يستشهدون بها تقول: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله) لا فاستغفروك!!! لأن استغفار الله عبادة له تعالى، فلا يجوز استغفار أحد من المخلوقين ... حتى ولو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستغفار رسول الله عبادة له والعبادة لا تليق إلا لله تعالى وحده لا شريك له , إذا فاستغفار الرسول شرك بالله تعالى. أما مراد الآية: فهو المجيء إلى مجلس الرسول - صلى الله عليه وسلم -، واشهاده على استغفارهم الله من الذنب، ثم الطلب منه - صلى الله عليه وسلم - أن يستغفر الله لهم، وليس فيها قطعاً ذكر المجيء إليه - صلى الله عليه وسلم - من أجل أن يستغفروه هو من الذنب. 5 - إن الزيادة الواردة في قول العتبي [مستشفعاً بك إلى ربك]، هذا طلب لا يجوز توجيهه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته. إذ كيف يشفع وهو منقطع العمل بسبب وفاته ... ؟ ثم كيف يشفع ولم يصدر الإذن بالشفاعة من الله تعالى ولن يصدر الإذن إلا يوم القيامة لمن يشاء الله ويرضى .. وهذه ولا شك عقائد ومعلومات بدهية لا يعذر المسلم في الجهل بها ... فضلاً عن وقوع ذلك في زمن الصحابة الذين هم خير أمة أخرجت للناس وخاصة أمام علم شامخ من أعلامهم وهو على ابن أبي طالب - رضي الله عنه - وأرضاه. 6 - قول الرواية الأولى: [فنودى من القبر ((انه قد غفر لك))] بينما يقول العتيبي في الرواية الثانية: [ثم أنصرف الأعرابي فغلبتنى عيني ... فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم فقال: ((يا عتيبى إلحق بالأعرابي فبشره أن الله قد غفر له))]. لا شك يا أخي أنك قد أدركت الفارق بين اللفظين رواية تقول: أن الرسول قد ناداه من القبر ((انه قد غفر لك)) ورواية تقول: أن الرسول أتى العتيبي في

الكلام على سند هذا الحديث

المنام وأهره أن يلحق بالأعرابي ويبشره بان الله قد غفر له. فإذا كان الرسول قد بلغه شفهياً بأن الله قد غفر له فما حاجته بتكليف العتبي أن يبشره بأنه قد غفر له ... .؟ فإما أن يكون الأعرابي سمع قول الرسول وبشارته مباشرة منه - صلى الله عليه وسلم - وأما أن يبلغها من العتبي، أما من الطرفين فيكون من التكرار الذي لا طائل تحته. وإذا كان من الممكن نداء الرسول للأعرابي وتبليغه مباشرة فلماذا يستعين بالعتبي ويأتيه بالمنام ويستلحقه بالأعرابي ليبشره ... ؟! أرأيت يا أخي هذا الاضطراب العظيم بين الروايتين مما يؤكد ولا شك أن الروايتين غير صحيحتين بالنسبة لعلل كل منهما. على أن واضع الحديث في الرواية الأولى يريد أن يوهم المسلمين إمكانية اتصال النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته بأحد من أمته، بينما هذا مستحيل وقوعه ولو أمكن لكان من الأحرى والأجدى أن يتصل بأمته - صلى الله عليه وسلم - في حوادث هامة .. لم يعرف فيها الحق أين هو .. ومع من هو ... ؟ وكم كانت تلك الوقائع المؤلمة سبباً لقتل آلاف من الصحابة. فيا سبحان الله يكلم رسول الله بعد وفاته الأعرابي .. ولا يكلم المسلمين فيما شجر بينهم من المشاكل ... ؟!!! إن مثل هذه العلل في متن الروايتين كافية للحكم على هذا الحديث بالوضع والسقوط. الكلام على سند الحديث ليس لرواية / حديث العتبي / أى سند يستأنس به للحكم بصحة الرواية أو اعتلالها .. ولكن رأينا بصيصاً من الضوء على ذلك، وهو: إنه وإن كان العقد منفرطاً إلى العتبي .. وغير معروف من رواه عنه، إنما نكتفي بالاستدلال على كذب الحديث .. أو على الأقل على علة الانقطاع فيه أن العتبي الذي يروى هذه الرواية عن الأعرابي كشاهد عيان!!! أن بينه وبين الأعرابي انقطاعاً يربو على مائتي سنة تقريباً وإليك البيان:

1 - قال زين الدين أبو بكر بن الحسين بن عمر أبى الفخر المراغي المتوفي سنة / 816 / هجرية: تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة ص 111 / في / ترجمة العتبي / قال: (أسمه محمد بن عبد الله بن عمر بن معاوية بن عمر بن عتبة أبن أبي سفيان صخر بن حرب توفي سنة ثمان وعشرين ومائتين). 2 - وقال ابن الأثير في كتابه: اللباب في تهذيب الأنساب / ج 1 ص 119: (((والعتبي وهي أيضاً نسبة إلى عتبة بن أبى سفيان صخر ابن أمية بن عبد شمس أخي معاوية بن أبي سفيان. وينسب إليه جماعة، منهم محمد بن عبد الله بن عمر بن معاوية بن عتبة بن أبي سفيان العتبي البصري يكنى أبا عبد الرحمن صاحب أخبار وآداب، حدث عن أبيه وابن عيينة وروى عنه أبو حاتم السجستانى). 3 - وقال أبن خلكان في / وفيات الأعيان / ج 1 ص 522 - 523 (أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن عمر بن معاوية بن عمر بن عتبة بن أبي سفيان صخر ابن حرب بن أمية بن عبد شمس القريشى الأموي المعروف بالعتبي للشاعر البصروى المشهور كان أديباً فاضلاً، وشاعراً مجيداً وكان يروى الأخبار وأيام العرب ... . إلى أن قال: روى عن أبيه وعن سفيان بن عيينة، ولوط بن مخنف وروى عنه أبو حاتم السجستاني وأبو الفضل الرياشى وإسحاق بن محمد النعنعي وغيرهم وقدم بغداد وحدث بها وأخذ عنه أهلها ... . إلى أن قال: وتوفى سنة ثمان وعشرين ومائتين رحمة الله تعالى. 4 - ولعل أحداً من (القوم ... ) يقول: وما يدريك أن هذا هو العتبي، المعنى بالرواية عن الأعرابي فأقول: وإنني أؤكد أنه هو نفسه الذي تزعمون أنه رأى الأعرابي صاحب القصة ودليلنا على ذلك ما حكى عنه المؤرخون وخاصة اعتراف رجل منكم ممن يجوزون التوسل بذوات المخلوقين وهو: الشيخ السبكي مؤلف كتاب / شفاء السقام / (الذي رد عليه ابن عبد الهادي في / كتابه الصارم المنكي في الرد على السبكي / قال في الصفحة / 236 / منه:

(قال السبكي في كتابه / شفاء السقام في زيارة خير الأنام / العتبي، وأسمه محمد ابن عبد الله بن عمر بن معاوية بن عمر بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب كان من افصح الناس رواية للأداب وحدث عن أبيه، وسفيان بن عيينة توفى سنة ثمان وعشرين ومائتين يكنى أبا عبد الرحمن) أهـ. كلام السبكي). وذلك طبعاً يعد أن ذكر حكاية العتبي وروايته عن الأعرابي مستدلاً بها في كتابه على جواز التوسل بذوات المخلوقين. إذا ... فالعتبي الذي تزعمون أنه صاحب الرواية عن الأعرابي .. هو نفسه المترجم في الكتب المذكورة بشهادة شيخكم السبكي في كتابه: / شفاء السقام في زيارة خير الأنام /، (وشهد شاهد من أهلها) بينما في الحقيقة أن العتبي هذا ... تأخر عن العتبي الذي يريدون إقحامه في الرواية عن الأعرابي .. بما يردي على المائتي سنة تقريباً ... فتأمل. قال ابن عبد الهادي في كتابه: / الصارم المنكي في الرد على السبكي. (وأما حكاية العتبي التى أشار إليها - أى السبكي - حكاية ذكرها بعض الفقهاء والمحدثين، وليست بصحيحه ولا ثابتة إلى العتبي ... .!! وقد رويت عن غيره بإسناد مظلم ... وهي في الجملة حكاية لا يثبت بها حكم شرعي، ولا سيما في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعاً مندوباً، لكان الصحابة والتابعون أعلم به وأعمل به من غيرهم وبالله التوفيق) أهـ. الرواية الثالثة: وقد رويت هذه القصة ... . لا عن العتبي ... إنما رويت أيضاً عن محمد بن حرب الهلالي عن الأعرابي وتارة عن محمد بن حرب الهلالي عن أبي محمد الحسن الزعفراني عن الأعرابي. والزعفراني هذا من أجلة أصحاب الشافعي وأعيانهم توفي سنة / 249 / رحمه الله فكيف يمكنه الرواية عن الأعرابي الذي تقدمه كل هذا الزمن ... !!؟ وإنك يا أخي لترى هذا الاضطراب البالغ فتارة يروون هذه القصة عن على ... . وتارة عن العتبي الذي كلفه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المنام أن يلحق بالأعرابي ويبشره

بالمغفرة وتارة أخرى يقولون أن محمد بن حرب الهلالي هو الذي رأى الأعرابي وهو الذي رأى الرسول في المنام وكلفه أن يبشر الأعرابي بالمغفرة. وطوراً يقولون بل الحسن الزعفراني هو الذي رأى الأعرابي ورأى المنام ... ثم اضطراب في اسم محمد بن حرب الهلالي فتارة يقولون هو محمد بن حرب الهلالي وتارة يذكره الزبيدى في كتابه شرح أحياء علوم الدين انه محمد بن كعب الهلالي. ثم إن الهلالي تأخر والله أعلم في الوفاة عن شيخه الزعفراني الذي توفى سنة 249 فكيف يمكنه الرواية عن الأعرابي الذي يعزون زمن قصته إلى ثلاثة أيام خلت بعد دفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... !!!؟؟. قال ابن عبد الهادي رحمه الله: (هذه الحكاية التى ذكرها السبكي، بعضهم يرويها عن العتبي بلا إسناد!!! وبعضهم يرويها عن محمد حرب الهلالي عن الأعرابي، ,بعضهم يرويها عن محمد ابن حرب عن الحسن الزعفراني عن الأعرابي. وقد ذكرها البيهقي في كتاب / شعب الإيمان / بإسناد مظلم عن محمد بن روح بن يزيد البصري حدثني أبو حرب الهلالي - ويرويها بنحو ما تقدم ... . - وقد وضع لها بعض الذابين إسناداً إلى على بن أبي طالب - رضي الله عنه - ... وفي الجملة ليست هذه الحكاية المذكورة عن الأعرابي ... مما تقوم به حجة على مطلوب المعترض، ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية، ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم وبالله التوفيق) أهـ. قلت: ولا ندرى من هو هذا الأعرابي الذي أقاموا الدنيا وأقعدوها بقصته إنهم لا يسمونه ولا في رواية من جميع رواياتهم فيمون الأعرابي أخيراً مجهولاً غير معروف. وعلى فرض صحة الروايات ... وأنها قصة واقعة فأي احتجاج ينهض من عمل هذا الأعرابي المجهول؟ ومتى كان الأعرابي يؤخذ عنهم العلم؟ اللهم إلا إذ كان الأعرابي صحابياً، فعلى الرأس فالأعرابي الصحابي نأخذ عنه ولو كان مجهول الاسم فهذا لا يضر الصحابي في شئ ... وأروني صحابياً واحداً ثبت أنه فعل

فعل ذلك الأعرابي المزعوم ثم وعلى فرض أن الحادثة واقعية ... أى حجة (للقوم ... ) على جواز ما يزعمون من التوسل بذوات المخلوقين ... إن عمل الأعرابي من أوله إلى آخره صحيحاً كان أو موضوعاً ليس فيه أى دليل على جواز التوسل بالمخلوقين وإن عمله لم يكن قط توسلاً بالرسول - صلى الله عليه وسلم -. وكل ما في الآمر أنه أتى تأولا للآية (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك ... ) ظاناً أنه يمكن أن يستغفر له الرسول بعد وفاته ... وأن يشفع له ... في الوقت الذي لما يحن بعد زمن الشفاعة، وما وقتها وزمنها إلا بعد يوم القيامة وبعد الإذن منه تعالى لمن يشاء ويرضى. وحق أن في بعض الروايات عن الأعرابي زيادة بيت على البيتين اللذين أنشدهما أمام قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ففي هذه الرواية ينشد الأعرابي ثلاثة أبيات: يا خير من دفنت في القاع أعظمه نفسى الفداء لقبر أنت ساكنه أنت النبي الذي ترجي شفاعته ... * ... فطاب من طيبهن القاع والأكم فيه العفاف وفيه الجود والكرم عند الصراط إذا ما زلت القدم * ... * وهكذا ترى يا أخي أن الأعرابي هذا يروون عنه أنه أنشد الأبيات الثلاثة وفي آخرها كما ترى: أنت النبي الذي ترجي شفاعته عند الصراط إذا ما زلت القدم فإن الأعرابي يقر بان الشفاعة لا ترجي من الرسول إلا عند الصراط وذلك يوم القيامة فكيف يطلبها في الدنيا ... .؟ هذا تناقض واضح، واضطراب في الروايات بالغ، يدل كما قلنا على عدم صحة الرواية عن الأعرابي. والحقيقة ... إنه ليس هناك أعرابي ولا غيره ولا وقعت تلك الحادثة أصلاً إنما حي موجودة في مخيلات من اخترعوها ووضعوها وكذبوا بها على الله وعلى رسوله وعلى الناس أجمعين، فإن كانوا قد تابوا إلى الله مما فعلوا .. وإلا فندعوا الله تعالى أن يعاملهم بما يستحقون من عدله جزاء ما أقترفوا من الآثام فضلوا وأضلوا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

خبر العتق والكلام على متنه

13 - خبر العتق روى في الدر المنظم أن أعرابيا ... وقف على القبر الشريف وقال: اللهم إن هذا حبيبك، وأنا عبدك، والشيطان عدوك فإن غفرت لي ... سر حبيبك، وفاز عبدك، وغضب عدوك. وإن لم تغفر لي ... غضب حبيبك، ورضي عدوك، وهلك عبدك. وأنت يا رب ... أكرم من أن تغضب حبيبك وترضي عدوك، وتهلك عبدك. اللهم: إن العرب إذا مات فيهم سيد اعتقوا على قبره، وإن هذا سيد العالمين فاعتقني على قبره، يا أرحم الراحمين. فقال بعض الحاضرين: يا أخا العرب، إن الله قد غفر لك، بحسن هذا السؤال. لعلك يا أخي ... لا تحتاج إلى كبير عناء ... . لاكتشاف ما أنطوى عليه هذا الخبر من الدس اللئيم، والمكر الخبيث، الكامن في متن هذه لرواية الموضوعة المصنوعة ... إنما مع ذلك، لا بد من الإشارة إلى ما خفى بين طياتها من الدس والمكر والخبث واللؤم. فتتعرى مكشوفة الأستار ... ويتضح لكل ذي عينين ما كان كامناً خلف تلك السجف المهتزئة ... .! التى كان يظن أصحابها أنها الحجب المتينة التى لم تنم ولا تشف. هذا الخبر ... تكاد كل جملة فيه ... تصرخ أنه مكذوب موضوع. برغم ما حرص واضعوه على تغطية بعبارات مننقة، ومذوقة مصنعة، بزخرف القول ... لإخراجه بأثواب ظنوا أنها كاسية صفيقة ... تخفى ما تحتها من الطامات والبلاوى .. فإذا لم تظهر ما وراءها من النفوس الحاقدة على الإسلام وأهله. ويرمون من وراء صنعه الكلام وزخرفته الكتابية ... إدخال هذه الطامات والأباطيل، إلى القلوب الغافلة .. فتعالج فتحها بأناة وصبر، ورويداً رويداً حتى يجدوا فيها منفذاً ينفثون فيه سمومهم من العقائد والزندقة الخبيثة الماكرة.

ولكن خاب فالهم، وأرتد كيدهم إلى نحورهم، وإن الله تعالى الذي تولى حفظ دينه سينصر كلمته، ويجعلها هي العليا .. ويجعل كلمة الذين كفروا السفلى. وإننا نرجو من إخواننا الذين أغتروا بها وتخدروا ردحها من الزمن بسمومها ... أن يصحوا الآن على ترياق الحق، ويعلموا أن ما كان يؤثر عليهم ... إنما هو كيد عدو ماكر كافر، ودس ذنديق خبيث فاجر. فيعودوا - إن شاء الله - إلى الصف المحمدي إخوة أحباء، وأشقاء كرماء، ويتأكدون أن ما كان فيهم هو من أثر كيد كائد حانق حاقد. ولنبدأ بكشف الأقنعة عن هذا الخبر ... . ليتضح لك يا أخي ... أنه لا يصلح حجة، ولا دليلاً على صحة (دعوى القوم ... ) وإليك البيان: 1 - هذا الخبر في أى زمن كان ... ؟ وهذا الأعرابي من هو ... ؟ أصحابي أم تابعي أم من هو، وما هي هويته ... .. ؟ وهؤلاء الذين استحسن أحدهم سؤال الأعرابي ... من هم ومن هذا الذي أستحسن وبشر الأعرابي بمغفرة ذنبه وتالى على الله واكتشف الغيوب ... ؟ 2 - هل في كلام الأعرابي ... أو كلام من أستحسن كلامه، وبشره بالمغفرة ما يؤيده الكتاب والسنة ... حتى تقوم الحجة ويستقيم الدليل ... ؟ هذان سؤالان ... يردان على الخاطر قبل الشروع بمناقشة أجزاء هذا الخبر ... .ولعلهما يكونان المفتاح الذي نفتح له باب الأجوبة عن كل سؤال يرد أثناء النقاش حتى تنتهك الأسترة ستراً ستراً، ويظهر من ورائها الوضاعون والكذابون. إن هذا الخبر ... والقصة الواردة فيه وأشخاصها: العرابي ومن كان معه بما فيهم ذلك الذي بشره بالمغفرة ... !!؟ مجموعة مجاهيل، وليس لهم وجود إلا في أدمغة من أخترعوا هذا الخبر ولفقوه وصنعوه. لا يهمنا معرفة أشخاص القصة، بقدر ما يهمنا ما نسجوا فيها من أفكار وما ضمنوها من العقائد الفاسدة والزندقات الماكرة، والعقائد الكافرة بكلمات منمقة وعبارات مزخرفة باسم محبة الرسول ... والتوسل بذاته، وإيهام العامة

أن تلك الكلمات المنقمة المؤلف منها دعاء الأعرابي ... كانت سبباً في المغفرة له ... !!!؟ ويحسن بنا أن ندرس ما أصطنع الكذابون على لسان الأعرابي ... من الداعئ ولنوضح ما جاء به ونكشف الأقنعة عنه ليظهر على حقيقته عارياً من كل حجاب ويتأكد الجميع ما حواه من العقائد الزائغة الكافرة. 1 - جاء في دعاء الأعرابي المصطنع: [وإن لم تغفر لي غضب حبيبك.] أى غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -!!! ولكن ممن يغضب ... .؟ أليس ممن لم يغفر للأعرابي ... ؟ ومن هو الذي لم يغفر للأعرابي ... ؟ أليس هو الله ... ؟ نعوذ بالله من الكفر ... وهل يغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حكم ربه ... .؟ وما حكم الغضب من الله وعدم الرضى بما حكم وقدر ... ؟ أليس كفرا ... فكيف ينسب يا ناس هذا الكلام لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... !!!؟ نعوذ بالله تعالى من الخذلان وسوء الخاتمة. أرأيتم كيف يريد واضعو هذا الخبر أن يصفوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... ؟ وهل هذا من صفاته وأخلاقه مع ربه الذي وصفه في القرآن الكريم: (وإنك لعلى خلق عظيم)؟ أرأيتم يا مسلمون كيف يريد هؤلاء أن يكذبوا ما جاء في القرآن من وصف الرسول الأعظم ... ؟ هذا تكذيب لله وطعن في رسوله - صلى الله عليه وسلم - والعياذ بالله تعالى. 2 - إذا كان الله مقدراً عدم المغفرة للأعرابي ... فهل إذا قال الأعرابي: [وإذا لم تغفر لي غضب حبيبك] يتفادى الله غضب حبيبه ... فيتحول فوراً من عدم المغفرة، إلى المغفرة ... !!!؟؟ تجنباً لغضب حبيبه ... !!؟ وهل يؤثر على الله أحد (والله غالب على أمره) (وهو يجير ولا يجار عليه). 3 - علم رسول الله من ربه أن أبويه في النار لأنهما ماتا مشركين، فهل غضب من حكم ربه تعالى على أبويه ... أم تبرأ منهما كما تبرأ إبراهيم من أبيه ... ؟ أجل تبرا منهما ورضي بحكم الله فيهما ... لأن الله تعالى هو الحكم العدل الذي لا يجوز. فيا سبحان الله! يرضى رسول الله بحكم الله في أبويه ... ويغضب من ربه

من أجل الأعرابي إذا لم يغفر الله له ... !!!؟ سبحانك هذا بهتان عظيم. 4 - ثم يقول الأعرابي في دعائه: [وأنت يا رب أكرم من أن تغضب حبيبك] فجعله محابياً ... !! لأن عدم المغفرة لا يكون إلا بسبب ... وذلك لفعل فعله الأعرابي وذنب قد أرتكبه ... فكان عدم المغفرة جزاء وفاقاً ... فإن تحول الله سبحانه من عدم المغفرة ... إلى المغفرة صار محاباة لرسوله يتقى بها غضبه ... وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ألا إن المحاباة خلق ذميم ... وأن أى إنسان إذا قلت له: يا محابي ... غضب منك ولو كان يعلم من نفسه فعلاً أنه محاب، لأن صفة المحاباة صفة ذم ... فكيف ينسبونها لرب العالمين ويصفونه بها ... سبحان الله الملك القدوس له الأسماء الحسنى والصفات العلى، ولا يفاضل بين أحد من عباده إلا بالتقوى ... لا من أجل نبي ولا ملك ولا أحد من خلقه. 5 - يقول الأعرابي: [إن العرب إذا مات فيهم سيد، أعتقوا على قبره. وإن هذا سيد العالمين، فأعتقني على قبره يا أرحم الراحمين] يريد واضعو هذا الخبر ... أن يدسوا على المسلمين هذا الدعاء .. فيدعوا به أملاً منهم أن يسقطوهم في هوة سحيقة من عدم معرفة حق الله عليهم وإليك البيان: إذا قال أحد الناس لشخص آخر: اقتد بفلان ... فمعنى ذلك أن فلاناً في مكانة محترمة ويكلفه أن يقتدى بأعماله التي سودته، وجعلته في تلك المكانة ... فمعنى ذلك أن المكلف بالاقتداء به دون مكانة وإلا لما حرضه على الاقتداء به ... إذن فهم أن المقتدى به أعظم وأفضل من المقتدى. وهذا مسلم به ولا شك. فتعال يا أخي ... ولنمعن في قول الأعرابي ... نر أنه يطلب من الله أن يفعل ما يفعله العرب. إذا مات فيهم سيدهم من العتق على قبره بمعنى أن يقتدى بفعل العرب ويعتق الأعرابي على قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فتعال يا أخي وأنظر ... من هو المقتدى ... ومن المقتدى به في هذا الدعاء ... ؟ أليس المقتدى هو الله ... والمقتدى بهم هم العرب ... ؟ لا أستطيع أن أزيد على هذا البيان ولا كلمة واحدة إلا أن أقول: نعوذ

باله من الكفر وسوء الخاتمة، ونعوذ به تعالى من الزندقة المبرقعة في أثواب التقى الكاذب الخداع. 6 - كما إن العرب يعتقون العبيد على قبر سيدهم تقرباً إلى الله ... فكذلك يطلب الأعرابي من ربه أن يعتقه على قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكن تقرباً لمن ... ؟ ألا إن شاء الله أعظم من أن يتقرب إلى أحد وهو الغني عن العالمين. 7 - إن المعروف من قواعد التأدب مع العظماء إذا كنت في حضرتهم لا يجوز أن تذكر أحداً بسيادة أو تعظيم من عبيدهم دونهم ... ولا شك أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - سيدنا ... ولكن لا ينبغي عندما نناجي السيد الأعظم وهو الله تعالى أن نذكر أحداً بسيادة أثناء دعائه ... ولذلك جاءت الصلوات الإبراهيمية خلوة من التسييد لأنها دعاء لله تعالى في الصلاة على عبده ورسوله محمد. فالسيادة في موقف الدعاء ... كلها لله تعالى فهو السيد الأعظم تبارك وتعالى وتقدس. وليس من التأدب مع الله دعائه أن نذكر عبده محمداً بأنه سيد العالمين وإن كان هو كذلك. 8 - الأعرابي كما تبين تكلم بكلمات طامات وأباطيل وتشكيكات ظهرت لك يا أخي بينة واضحة، وهو كما علمت مجهول الهوية بل هو شخصية موهومة أخترعها واضعوا هذا الخبر .. فلو فرضنا أن ليس في أقوال شئ يؤاخذ به عليه، وأنه معروف الهوية مثلاً ... فليس هو حجة حتى تتبع أقواله ... وليس في أقواله آية حجة على المطلوب فكيف إذا كانت أقواله من الكفر والزندقة على شئ عظيم .. ؟ 9 - لقد أثبتنا أن أقوال الأعرابي على جانب عظيم من الانحراف عن أساس ما جاء به القرآن الكريم، فلو عرضناهم بنداً بنداً وجملة جملة، وكلمة كلمة ... على القرآن والسنة ... لوجدنا فيها تجافياً كبيراً عما جاء فيهما من الحق. فإذا كان الأمر كذلك .. فأى حجة في هذا الخبر على المطلوب من أنه يجوز التوسل بذوات المخلوقين ... وهل من دليل أقوى إثباتاً وحجة على بطلان (دعوى القوم ... ) من هذا الخبر ... وأى حجة قامت به على صحة دعواهم ... . اللهم

إلا ما أنفضح من طوايا واضعية وما أنكشف من مخبآت زندقاتهم الفاجرة الكافرة. 10 - إن واضعي هذا الخبر الباطل ... لم يكتفوا بما دسوا فيه من بلايا على لسان الأعرابي المزعوم ... بل اخترعوا له شواهد زور!!؟ يشهد لدعائه بان دعاء حسن .. وكان سبباً في مغفرة الله للأعرابي! وشهود وزر آخرين ... أقروا بسكوتهم شهادة الذي تألى على الله وقال: [يا أخا العرب ... إن الله قد غفر لك بحسن هذا السؤال ... .!]. وإننا نناقش شهادة شاهد الزور في مسألتين: الأولى: من أين علم أن الله قد غفر للأعرابي ... ؟!! أَأُوحي إليه!!؟ أم أنه يتألى على الله؟ إن مغفرة الله لعبده من أمور الغيب ولا يمكن القطع بها لأحد قط إنما ترجى له من الله رجاءً ودعاء فالقطع والجزم بها على الشكل الوارد في الخبر إنما هو كذب وجرأة على الله أو ادعاء منه بأنه يعلم الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول الله ... ) الثانية: أي حسن في سؤال الأعرابي ودعائه من أوله إلى آخره ... ؟ وإنه لمليء بالكفر والزندقة كما ثبت ذلك آنفاً؟ ثم إن سكوت الحاضرين على شهادة شاهد الزور إقرار لشهادته الكاذبة الكافرة إذا كان هناك واقع لكل ما ذكر أما الحقيقة فليس هناك أعرابي ولا دعاء ولا سؤال ولا حاضرون ولا غائبون إنما هو خبر ملفق من أساسه موضوع مكذوب مصنوع مختلق وضعه الزنادقة الكفرة الفجرة وتلقفه (القوم ... ) دونما تمحيص أو تدقيق ... وذلك على عادتهم في كل ما أوردوه إلى الآن من أحاديث وآثار وأخبار بلا روية ولا فهم هدانا الله وإياهم. 11 - وعلى فرض أن الخبر واقع فليس فيه حجة على دعوى القوم ولا علاقة ولا ذكر ولا بيان لجواز صحة التوسل بذوات المخلوقين وليس له أي ذكر أو مناسبة وكل ما يدل على الخبر أن الأعرابي طلب المغفرة من الله ..

الكلام على سند هذا الخبر

وهدد إن لم يحصل عليها بغضب رسول الله والعياذ بالله فأين الدليل في هذا الخبر إن كان ملفقاً أو واقعياً على صحة ما أدعاه (القوم ... ) من جواز التوسل بذوات المخلوقين ... ؟ إنهم تبنوا هذا الخبر وحملوا وزره أملاً أن يكون لهم حجة على صحة دعواهم فلم يفلحوا بالحصول على الحجة وباءوا بحملة وتبنيه وعادوا بخفي حنين متحملين أعباء الخبر الذي لم يكن إلا عبارة عن طامات وجهالات وظلمات فوق بعض فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. الكلام على سند هذا الخبر لا كلام على سند هذا الخبر لنه لا سند له ولا زمام ولا خطام وليس له ذكر في أي من كتب الحديث فما دام هذا الخبر في هذا الدرك الأسفل من عدم وجود سند له يدل على صحته فضلاً عن متنه المكذوب والملفق وما حوى من المشاكل والأباطيل فهو حديث باطل لا وجود له إلا في أدمغة من اخترعوه ووضعوه وصنعوه ... و (صدقوه!!!؟) فكيف يصلح للاحتجاج به على ما يزعم (القوم ... ) ولكن ما العمل وهذا شأنهم وهذا سبيلهم وهذا منهجهم يتكرر دائماً وأبداً في كل حديث أو خبر يحتجون به ألا إن هذا الخبر أقل ما يقال في واضعيه أنهم زنادقة كفرة وأقل ما يقال في مصدقيه والمحتجين به أنهم سخفاء أغبياء أغرار جاهلون بله مغفلون ... وأخيراً ... أرأيت يا أخي كيف ينسخ الوضاعون بضاعتهم الكاذبة المفتراة؟ أرأيت كيف يحاولون حبكها!!! أملاً أن يغتر بها البسطاء والمغفلون ولكن الله جل جلاله وله الحمد أظهر ما كانوا يبطنون وكشف ما كانوا يضمرون من المقاصد الهدامة فسفه أحلامهم وفضح أسرارهم وأفصح عن نواياهم الخبيثة الماكرة حتى أصبحت عريانة أمام الجميع لا تخفى منها خافية عن كل ذي بصر وبصيرة.

والحمد له تعالى على ما وفقنا إليه من العمل بما أوهن كيدهم ودحض أباطيلهم فأحق الحق وأزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً والحمد لله رب العالمين.

حديث أبيات الأعرابي والكلام على متنه

14 - أبيات الأعرابي ... روى البيهقي عن أنس - رضي الله عنه -[أن أعرابياً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستسقي به ,انشد أبياتاً أولها: أتيناك والعذراء يدمى لبانها ... وقد شغلت أم الصبي عن الطفل إلى أن قال: وليس لنا إلا إليك فرارنا ... وأنى فرار الخلق إلا إلى الرسل فلم ينكر - صلى الله عليه وسلم - هذا البيت بل قال أنس: لما انشد الأعرابي قام - صلى الله عليه وسلم - يجر رداءه حتى رقى المنبر فخطب ودعا لهم فلم يزل يدعو حتى أمطرت السماء]. الكلام على متن هذا الحديث إن القوم هداهم الله من كثرة تعلقهم بهذه القصة أي بالتوسل بذات المخلوقين فإن هوساً أصابهم في التفتيش عن حجة يتعلقون بها ويتمسكون بأهدابها لعلهم يجدون فيها دليلاً ينصرهم في دعواهم لدرجة أصبحوا يؤولون مفاهيم اللغة ولا يرون بأساً في تحميلها من المعاني ملا تحتمله حتى وقعوا بمشاكل كانوا متعاقين منها فجروا على أنفسهم متاعبها ويا ليتهم في الأخير نجحوا فيما يؤملون بل على العكس زادوا خصومهم قوة على قوة لأنهم هداهم الله لا يرعوون من خيبتهم في المرة الأولى من تشبثاتهم تلك بل أعادوا الكرة ثانية وثالثة ورابعة وكان نصيبهم من الخيبة والخذلان يتكرر في كل مرة

إن المفاهيم التي أضفوها على بعض الألفاظ اتفقوا فيما بينهم أنها تعطي المعاني المعينة التي اتفقوا عليها ولكن هذه المفاهيم بقيت على معانيها اللغوية الأصيلة عند الناس التي تخالف المعاني للمفاهيم الجديدة التي اصطلحوا عليها ... ولذلك ترى الناس لا يقرونهم على مفاهيم وتبقى القضية مستعصية الحل وخذ مثلاً على ذلك ما جاء في الحديث .. 1 - يقول لفظ الحديث هذا: [أن أعرابياً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستسقي به .. ] ففهموا منا أي كلمة [يستسقي به] أي يستسقي بذاته أو بجاهه!!! وذلك حسب المفاهيم المصطلحة عندهم على أن هذه المفاهيم لم يعمموها بين الناس غنما بقي على المفاهيم الأولية ففهموا منها: أن الأعرابي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليدعو الله لهم بأن يسقيهم الغيث وإلا لبقي الأعرابي في منزلة واكتفى أن يقول - وهو في بيته -: اللهم اسقنا الغيث بجاه نبيك أو بذات نبيك ولما تجشم عناء المجيء من أهله وبيته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة ولكنه لم يفعل ذلك بل أتى إلى النبي ليدعو لهم بأن يسقيهم الله المطر والغيث وبدل على هذا القصد قول أنس - رضي الله عنه - في آخر الحديث: [فخطب ودعا لهم فلم يزل يدعو حتى أمطرت السماء] فلولا أنه طلب الدعاء منه لم يدع لهم. 2 - وكذلك فإنهم تمسكوا ببيت الأعرابي الذي انشده أمام النبي - صلى الله عليه وسلم -: [وليس لنا إلا إليك فرارنا ... وأنى فرار الخلق إلا إلى الرسل] وفهموا منه جواز الفرار إلى رسول الله في النائبات والاستغاثة به بالرسل عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام مع أن واقع الأعرابي يخالف مفاهيمهم ولو أن مفاهيمهم تلك تفضلوا وعمموها على الناس وتبنت مجامع اللغة العربية في كل بلاد العرب مفاهيمهم وأصدرت هذه المجامع اللغوية قرارات بذلك لقلنا والله لهم الحق في فهمهم الجديد ولغير الناس أيضاً مفاهيمهم طبق مفاهيم القوم الجديدة للكلمات والألفاظ وإلى الآن لم تتغير المفاهيم والناس هم على ما هم عليه من فهم صحيح للغتهم التي وسعت كلام الله تعالى والمجامع

العلمية للغة العربية لم تتخذ بعد تلك القرارات فمن أين لهم الحق بإلزامنا بمفاهيم مغلوطة خاطئة وعلى فرض أن الناس غيروا مفاهيمهم إلى من إلى مفاهيم القوم فإن الأعرابي كان وجوده قبل تغيير المفاهيم القديمة إلى مفاهيم جديدة وما كان ليدري أن لغة العرب سيطرأ على مفاهيمها هذا ((التحسن الجديد .. !!!)) وبناء على ذلك علينا أن نفهم كلامه مجرداً عن مفاهيم القوم الحديثة أي كما كان العرب يفهمون معاني الألفاظ والكلمات بحسب المدلولات العربية عهدهم. وعلى هذا الأساس نفهم كلام الأعرابي أو معنى بيته الشعري: أن الناس كانوا يقاسون القحط والجفاف والجوع حتى ذهلت أم الطفل عن طفلها. وها نحن قد قررنا إليك يا رسول الله لتدعو لنا ربك أن يسقينا الغيث فإن دعاءك ليس كدعائنا فأنت رسول الله ومستجاب الدعوة فأعنا على القحط والجوع بدعائك فدعا لهم فأمطروا ويدل على هذا الفهم البيت الذي قبله وهو: أتيناك والعذراء يدمى لبانها ... وقد شغلت أم الصبي عن الطفل أي افتتح الأعرابي شكواه بهذا البيت ثم اختتمه بالبيت الأخير: وليس لنا إلا إليك فرارنا ... وأنى فرار الخلق إلا إلى الرسل أي لا سبيل إلى نزول المطر والغيث إلا بدعائك لنا الله أن يغيثنا ويمطرنا فصعد الرسول المنبر ودعا لهم فلم يزل يدعو حتى أمطرت السماء. فأي حجة لكم بهذا الحديث على جواز التوسل بذات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقلنا آنفاً لو أن الأعرابي منصرف النية إلى التوسل بذاته - صلى الله عليه وسلم - لتوسل بذلك وهو في داره وبين أهلاه ولما أتى رسول الله من أهله إلى المدينة إنما قصده لدعائه - صلى الله عليه وسلم - وقد فعل عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم وأزكى التحية. وإن هذا أي فعل الأعرابي بتكليف الرسول أن يدعو لهم جائز ولا شك وهذا من نوع التوسل بدعاء المؤمن لأخيه المؤمن الذي نوهنا عنه سابقاً في تقسيم أنواع التوسل وأقررنا مشروعيته فليرجع إليه من شاء وعلى هذا فإن متن الحديث - إن صح سنداً - فليس فيه أية حجة لكم أو دليل على جواز ما

الكلام على سند هذا الحديث

تذهبون إليه من توسل المخلوق بذات المخلوق أو بجاهه وإن قصدكم هذا لم يمر ببال الأعرابي ولا طرأ على خاطره لأنه بعد لم تتح له الأقدار أن يبقى حياً ليطلع على (مفاهيمكم الجديدة) فهو معذور إذا لم يفهم فهمكم ولم يقصد قصدكم فتفضلوا بالعفو عن مفهوم الأعرابي وقصده والعفو من شيم الكرام. لقد بينا لك يا أخي أن متن الحديث لا يساعد القوم على اتخاذه دليلاً لهم على صحة دعواهم وهاك الآن سند هذا الحديث: الكلام على سند هذا الحديث لا شك أن متن هذا الحديث صحيح المعنى على الشكل الذي نفهمه والذي يوافق مفهوم الصحابة له ويوافق اللغة العربية وإن سياقه يدل دلالة صريحة على أن الأعرابي ما جاء يتوسل بذات أو جاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما جاء ليتوسل بدعائه إلى الله أن يغيث قومه وبلاده وقلنا أنه لو كان قصده الذات والجاه لكان يكفي أن يتوسل بهما وهو في أهله لا سيما وإن نص البيتين يفيد ذلك نعم إن هذا الحديث صحيح المعنى ولكن ليس كل حديث صحيح المعنى يكون طعام لذيذ نافع فهل يجوز أن نعزي هذا القول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنقول: قال رسول الله: العسل طعام لذيذ نافع؟!!! كلا لا يجوز ونكون قد كذبنا عليه - صلى الله عليه وسلم - وإن كان في واقعه كلاماً صحيحاً. وهكذا فقد اتضح لنا أنه ليس كل كلام صحيح يجوز أن نعزوه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا الحديث الذي نحن بصدد الكلام على سنده من هذا النوع تماماً فهو كلام صحيح المعنى ولكنه واهي السند وانظر ما قال العلماء الأعلام فيه: إن في سند هذا الحديث ... (مسلم الملائي) وهو واه جداً قال الفلاس \: متروك وقال أحمد: لا يكتب حديثه. وقال: يحيى: ليس بثقة وقال البخاري: يتكلمون فيبه. وقال يحيى أيضاً: زعموا أنه اختلط. وقال النسائي وغيره: متروك وقال الذهبي: إنه روى حديث الطائر الذي أهدته

أم أيمن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحديث الطائر موضوع عند أهل الحديث وانفرد بتصحيحه الحاكم واعترض على الحاكم أكثر أهل العلم ومن أراد المزيد فلينظر ترجمة الحاكم في النبلاء. إذاً فالحديث واهي السند لا يحتج به وإن كان متنه صحيح المعنى على الشكل الذي نفهمه أما إذا كان (القوم ... ) لا يزالون - رغم توضيحنا - يفسرونه بأنه توسل بالذات فيكونون قد جانبوا الحق وحملوا ألفاظ الحديث ما لا تحتمل هذا من جهة ثانية واهي السند كما أثبتنا ذلك آنفاً والله الموفق للصواب.

حديث الأعرابي

15 - حديث الأعرابي وفي صحيح البخاري: [أنه لما جاء الأعرابي وشكا للنبي - صلى الله عليه وسلم - القحط فدعا الله فانجابت السماء بالمطر قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لو كان أبو طالب حياً لقرت عيناه من ينشد قوله؟)) فقال علي - رضي الله عنه - يا رسول الله: كأنك أردت قوله: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى، عصمة للأرامل] فتهلل وجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكر إنشاد البيت ولا قوله يستسقى الغمام بوجهه ولو كان ذلك حراماً لأنكر ولم يطلب إنشاد البيت ولا قوله يستسقى الغمام بوجهه ولو كان ذلك حراماً لأنكر ولم يطلب إنشاده. عجيب والله أمر هؤلاء (القوم!!!) إنهم يتعمدون تحريف الأحاديث لمصلحتهم التي يزعمونها مع أن هذا العمل ليس من مصلحتهم في شيء فإن التحريف والتبديل لا ينفعان أحداً ولو نفعا في شيء لنفعا اليهود والنصارى عندما بدلوه من آيات في التوراة والإنجيل تبعاً لأهوائهم ولا أدري لماذا يلجأ القوم لمثل هذه الأعمال التي ليست من هدي هذه الأمة المحمدية. إن التحريف لا شك ولا ريب يدل على أنهم علموا الحق وبدلوه بعدما علموه وهذا من خلق اليهود الذي أجله غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذاباً أليماً. إن حديث الأعرابي الذي يعزوه الشيخ الدحلان إلى البخاري بلفظه أعلاه ليس في البخاري قطعاً بهذه الرواية!!! وهنا نترك الكلام والرد للشيخ بشير السهسواني رحمه الله وغفر له قال في كتابه: (صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان) ما يلي: ويروي الدحلان في كتابه (الدرر السنية في الرد على الوهابية):

(وفي صحيح البخاري (وذكر الحديث إلى قوله: عصمة للأرامل) وقال: فتهلل وجه الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكر إنشاد البيت ولا قوله: يستسقى الغمام ولو كان بوجهه ولو كان ذلك حراماً أو شركاً لأنكره ولم بطلب إنشاده ليس في صحيح البخاري هذه الرواية إنما ورد من حديث أنس قال: [جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هلكت المواشي وتقطعت السبل فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة ثم جاء: فقال تهدمت السبل وهلكت المواشي فادع الله يمسكها فقال: ((اللهم على الآكام والظراب والأودية ومنابت الشجر)) فانجابت عن المدينة انجياب الثوب]. وقد روى البخاري حديث أنس هذا ... من طرق وليس في واحدة منها ((قال - صلى الله عليه وسلم -: لو كان أبو طالب حياً لقرت عيناه ... الخ)) والصواب: أن راوي الحديث هو البيهقي لا البخاري وفي سنده مسلم الملائي وهو متروك الموضوع فانظر إلى تحريف الدحلان عدا عن أغلاط لغوية يجل عنها رسول الله وهو أفصح العرب وذلك من وجوه: 1 - إن كلمة (لما) لا يدخل في جوابها في مثل هذه المواضع لفظة: (الفاء) في قوله الله (فدعا الله ... ) 2 - إن لفظ (شكا) متعد بـ (إلى) لا بـ (اللام) قال الله تعالى (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) وفي رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك بن البخاري: [أن رجلاً شكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: هلك المال وجعد العيال] وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [اشتكت النار إلى ربها] متفق عليه. وعن خباب قال: [أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشكونا إليه حر الرمضاء فسلم يشكنا] رواه مسلم. وعن عائشة رضي الله عنها عن البخاري في كتاب التيمم: [فشكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] وقد جاء تعدية (شكا) بـ (إلى) في غير واحد من الأحاديث الصحيحة وقال في القاموس: شكا أمره إلى الله.

3 - إن قوله: فانجابت السماء بالمطر لا معنى له فإنه (انجابت) بمعنى انكشفت وانكشاف السماء بالمطر لا محصل له. 4 - أن الانجياب يدل على انقطاع المطر في الحديث [فانجابت عن المدينة انجياب الثوب] وانقطاع السحاب بعد دعاء السقي يدل على عدم إجابة الدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا باطل بالبداهة بدليل أن الروايات كلها دالة على أن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الواقعة قد أجيب بلا مرية. 5 - إن انقطاع السحاب قبل ظهوره محال. 6 - إن صلة الانجياب بـ/عن / كما في حديث انس لا بـ /الباء /. وبالجملة: فصدر ما عزاه إلى البخاري أعني قوله: [لما جاء الأعرابي وشكا للنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قوله بالمطر ... ] ليس في البخاري ولا البيهقي ولا في غيره من الكتب الحديثية فيما أعلم إذن إنما هو اختلاق الدحلان نفسه اهـ) أرأيت كيف يحرفون الكلم عن مواضعه أرأيت أنهم ينسبون الحديث للبخاري وهو ليس فيه؟!! فإذا كان ذلك عن جهل فلم يقولون ملا يعلمون؟ وإذ كان عن علم فلم يحرفون الكلم عن مواضعه وهم يعلمون؟ وكل ذلك يفعلونه من أجل أن يؤيدوا قولاً باطلاً تبنوه!!! ألا يعلمون أنهم إلى الله يحشرون وسيسألهم عمال كانوا يعلمون وهل أعدوا أنفسهم إلى ذلك اليوم المعلوم؟ (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون).

حديث سواد بن قارب والكلام على متنه

16 - حديث سواد بن قارب روى الطبراني في الكبير: أن سواد بن قارب - رضي الله عنه - أنشد الرسول - صلى الله عليه وسلم - قصيدته التي توسل فيها التوسل ويقول الدحلان: ولم ينكر الرسول عليه ومنها قوله: وأشهد أن الله لا رب غيره ... وأنك مأمون على كل غائب وأنك أدنى المرسلين وسيلة ... إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل ... وإن كان فيما فيه شيب الذوائب وكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعةٍ ... بمغن فتيلاً عن سواد بن قارب الكلام على متن هذا الحديث إن هذه الأبيات الأربعة التي استشهد بها الشيخ دحلان على جواز التوسل بذات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس فيها معاني التوسل الذي يعنيه وبخاصة في البيت الثاني وهو قوله: وإنك أدنى المرسلين وسيلة ... إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب تقدم معنا في أول الكتاب في تعريف الوسيلة لغة وشرعاً أن الوسيلة هي القربة إلى الملك ووسل إلى الله وسيلة وتوسل إليه بوسيلة أي تقرب إليه بعمل. ولا شك ولا ريب أن العمل الذي عمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم الأنبياء فصار بذلك أوفى المرسلين إلى الله وسيلة أي قربة ومنزلة فأي معنى من معاني التوسل بذوات المخلوقين موجود في هذا البيت ... ؟ الجواب: ليس فيه أي معنى من معاني التوسل بذوات المخلوقين إنما معناه هو ما قلناه آنفاً: إن أعمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي أعظم أعمال الأنبياء والمرسلين فصار بذلك أدناهم

وأقربهم إلى الله تعالى. كما أن الوسيلة معناها كما فسرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله: [إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا علي فمن صلى علي مرة - صلى الله عليه وسلم - الله عليه بها عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة رفيعة في الجنة ... لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو] وهذا المعنى أيضاً لا يخرج عن المعنى الأول وهي الوسيلة والقربة من الله تعالى فهل في ذلك ما يفيد جواز التوسل بذات المخلوق ... ؟ وهذا ما يقصده سواد بن قارب - رضي الله عنه - في أبياته التي يمدح بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولعل الدحلان يقصد أيضاً ما جاء في البيت الأخير: وكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة ... بمغن قتيلاً عن سواد ن قارب وكذلك ليس في البيت الأخير ما يعين الدحلان على مراده ألبته لأن سواد بن قارب يخاطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويرجوه أن يدعو الله تعالى أن يكون له شفيعاً يوم القيامة والخطاب هذا ولا شك كان في حياته - صلى الله عليه وسلم - وطلب الشفاعة منه حال حياته لا بأس به لأنه طلب لدعائه - صلى الله عليه وسلم - لأن يكون سواد في جملة من يشفعه الله بهم يوم القيامة أي يأذن له بالشفاعة فيهم فما الذي في هذا البيت من معاني التوسل بذوات المخلوقين ... ؟! اللهم إلا إذا كان الدحلان يريد أن يحمل الألفاظ ليستقيم مراده ... !! فهذا شيء آخر إنما لا يقر على ذلك فإن اللغة العربية التي خلق الله مفاهيمها ومدلولات ألفاظها لا تخضع إلى مراد الدحلان فقواعد اللغة ثابتة ومعانيها فرغ منها فلا يطمع أحد في تغييرها على ما يحب ويهوى. والخلاصة: ليس في متن هذا الحديث أي معنى من معاني التوسل المعروف عند الدحلان ومن البدهي بعد ذلك أن لا يصلح هذا الحديث حجة ولا دليلاً على مراد التوسل بذوات المخلوقين فسقطت حجة الاستدلال به على ذلك متناً أما سنداً فإليك تفصيل ذلك:

الكلام على سند هذا الحديث

الكلام على سند هذا الحديث تبين لك يا أخي القارئ المسلم الكريم: أن هذا الحديث ليس في صيغة متنه ما يفيد قيام أية حجة على صحة ما يجهد (القوم ... ) ويحاولون من إثبات جواز التوسل بذوات المخلوقين ... !!! وحتى لو صح هذا الحديث سنداً ليس في متنه حجة لهم بل هو ولا شك حجة عليهم كما أثبتنا ذلك آنفاً فكيف وإن سنده ضعيف ... !!! فقد ذكر الحافظ ابن حجر الهيثمي في كتابه ((مجمع الزوائد)) إنه حديث ضعيف كما ثبت أن كافة طرقه ورواياته التي ورد فيها ضعيفة واهية وإليك البيان: 1 - رواية البيهقي وهي عنده: فيها زياد بن زيد بن بادويه ومحمد بن نواس الكوفي. قال الذهبي: هذا حديث منكر بالمرة، ومحمد بن نواس وزياد، مجهولان لا تقبل روايتهما. وأضاف: وأخاف أن يكون موضوعاً أبي بكر بن عباس (¬1). 2 - رواية أبي يعلى: وقد رواها ابن كثير في (السير - المطولة) ص344 - 346 وقال: هذا منقطع من هذا الوجه. وقد أوضح الحافظ الذهبي في الجزء الأول من / تاريخ الإسلام الكبير / ص124 علة هذه الطريقة. فقال: أبو عبد الرحمن: اسمه عثمان بن عبد الرحمن الوقاص متفق على تركه وعلي بن منصور فيه جهالة مع أن الحديث منقطع. 3 - رواية ابن عدي: قال الذهبي: فيه سعيد، يقول: أخبرني سواد بن قارب - وبينهما انقطاع - وعباد ليس بثقة يأتي بطامات. 4 - رواية محمد بن السائب الكلبي: قال ابن كثير في / السيرة المطولة /ج1 ص348 - 349: محمد بن السائب الكلبي متهم بالكذب ورمي بالرفض كما في التقريب. 5 - رواية أبي بكر محمد بن جعفر بن سيل الخرائطي في كتابه الذي جمعه ¬

(¬1) هو أحد رجال سند الحديث.

في هواتف الجان وهي عند ابن كثير في / السيرة المطولة / ص346 وفيها الشعر ما سوى: (وكن لي شفيعاً). 6 - رواية الفضل بن عيسى القرشي: عن العلاء بن يزيد. قال السيوطي في شرح / شواهد المغني / ج2 ص255: والعلاء ابن يزيد قال المديني: كان يضع الحديث. وقال البخاري وغيره منكر الحديث. وقال أبو حيان: روى نسخة موضوعة. وأورد له الذهبي في / الميزان / عدة مناكير. 7 - رواية الحسن بن سفيان: في مسنده من طريق الحسن بن عمارة. قال السيوطي في شرح شواهد المغني ص255: والحسن بن عمارة ضعيف جداً (¬1) أرأيت يا أخي القارئ الكريم تهافت هذا الحديث وعدم صلاحه للاحتجاج به ... لا متناً ولا سنداً ... !!!؟ فبينما يريدون في إيراد متنه حجة لهم في إثبات وجهة نظرهم على صحة التوسل إلى الله بذوات المخلوقين إذا بهم بدافع من بلاهتهم واوافر من حمقهم ورعونتهم يعطون خصومهم - بإيرادهم هذا الحديث - سلاحاً صالحاً لتوجيهه ضدهم في الوقت الذي يشهرونه زاعمين نصرتهم به فالحديث لا يبحث في جواز التوسل بذوات المخلوقين لا في قليل أو كثير بل على العكس يثبت جواز توسل المؤمن بدعاء أخيه المؤمن له الذي يؤيده خصومهم ويدعون إليه. وهكذا فإن حديثهم هذا كان حجة عليهم والفضل في ذلك يعود إليهم لأنهم هم الذين أعطوا خصومهم هذا السلاح.!!! فرجعوا بذلك مأزورين غير مأجورين ولا مشكورين لأنهم لا نية لهم ولا قصد ولكنهم ضربوا سهما فعاد إليهم مخترقاً مقاتلهم. أما السند فلا أزيد يا أخي معرفة به بعد أن وضعت أما ناظريك صورة صحيحة عن مختلف طرقة ورواياته الضعيفة الواهنة ¬

(¬1) هذه التخاريج من الروايات السبعة لهذا الحديث وافانا به فضيلة الأخ الكريم الشيخ إسماعيل الأنصاري جزاه الله خيراً.

الواهية وبعد أن علمت أن رجاله مجموعة من الرجال المتهمين بالضعف الشديد والنكارة وحتى الكذب ... !!!؟ أسانيد كهذه الأسانيد الموصوفة بتلك الصفات نضع الحكم على الحديث الموصوف بها وأهليته للاحتجاج به من قبل القوم على صحة وجهة نظرهم بين يدي القارئ المسلم الكريم واثقين من حكمة العادل المنصف ...

حديث: اللهم رب جبرائيل وميكائيل والكلام على متنه

17 - حديث: اللهم رب جبرائيل وميكائيل ... روى النووي في الأذكار: [أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يقول العبد بعد ركعتي الفجر ثلاثاً: اللهم رب جبرائيل ومكائيل وإسرافيل ومحمد - صلى الله عليه وسلم - أجرني من النار]. الكلام على متن هذا الحديث هكذا يرويه الشيخ دحلان في كتابه: / الدرر السنية في الرد على الوهابية / ويعزيه بهذا اللفظ تماماً إلى النووي في كتابه / الأذكار / ويستدل الدحلان بهذا الحديث على جواز التوسل بذوات المخلوقين كما يعزي الحكم بجوار ذلك أيضاً إلى الشيخ ابن علان شارح / الأذكار / ويقول نقلاً عن ابن علان: ((خص هؤلاء بالذكر للتوسل بهم في الدعاء: وإلا فهو سبحانه رب جميع المخلوقات فافهم ذلك أنه من التوسل المشروع)) اهـ. قلت: نحن لم نر في هذا الحديث عن صح أو لم يصح - ما يشير إلى بحث التوسل إطلاقاً مشروعاً أو ممنوعاً ولا أدري كيف أستدل به الدحلان على جواز التوسل؟ بفظ الحديث يدعو إلى الدعاء لأن يجيره الله من النار ونحن ندعوا به أيضاً ليجيرنا الله من النار إنه دعاء لا بأس به وليس فيه مانع من الدعاء به فكيف يورده علينا الدحلان حجة ... ونحن متفقون على الدعاء به؟

يا ناس نحن مختلفون مع القوم في جواز التوسل إلى الله تعالى بذوات المخلوقين فأي توسل بذلك في لفظ هذا الحديث ... ؟ اللهم إلا إذا كان الدحلان يفهم من إضافة أسماء جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ومحمد صلوات الله عليهم وسلامه إلى الرب وأن هذه الإضافة تفيد التوسل بهم!!! فإذا كان الأمر كذلك فيكون فهم الدحلان فهماً جديداً وفريداً من نوعه لم يسبقه إليه أحد!!! وفريداً من نوعه لم يسبقه إليه أحد!! حتى ولا من أشد الغلاة في الدعوة إلى التوسل بذوات المخلوقين!!! ولعلك يا أخي القارئ المسلم الكريم تقول: إن الدحلان يقول إنه نقل هذا الجواز عن ابن شارح الأذكار فكيف تقول إن الدحلان لم يسبقه أحد في هذا الفهم ... ؟ فنقول وبالله المستعان: 1 - إن لفظ الحديث لا يفيد لا من قري ولا من بعيد أي معنى من معاني التوسل إنما يفيد - إن صح - بأن إضافة هذه الأسماء إلى اسم الرب سبحانه تشريف لهم وتكريم يمن قبل الله تعالى لا توسل بهم .. وهذا ولا شك معروف عند الجميع وإنه من البدهيات المسلمات عند كل مسلم أما أن لفظ هذا الحديث يفيد التوسل بهم فعلى قائلي هذا القول الدليل فإن أثبتوا قولهم بالدليل من الكتاب والسنة فعلى الرأس وإلا فكلامهم مردود عليهم. 2 - إن الله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن أنه: (رب الشعرى) و (رب العرش العظيم) و (ورب السموات والأرض) و (رب كل شيء) و (رب المشرقين ورب المغربين) فهل معنى هذا انه يجوز التوسل بكل هذه المخلوقات؟!!! الظاهر أن الجماعة الذي يقولون بجواز التوسل بكل هذه المخلوقات بدأوا يلهثون من التعب في إيراد الأدلة التي لم تفدهم في شيء حتى وصلوا إلى حد الخلط فياليتهم يستريحون قليلاً من هذا العناء ويريحون عقولهم التي

أتعبوها في الكد وراء إيراد المعاني التي لا تليق بالألفاظ التي يوردنها على صحة دعواهم أو يسلمون للحق ويرفعون أيديهم علامة الاستسلام ولئن فعلوا فسيجدون الله تواباً رحيماً ولكن ما زالوا يكدون في ميدان الباطل رغم أنهم رأوا بأم أعينهم مصارع الباطل مصرعاً مصرعا ولم يتعظوا ... 3 - أما قول الدحلان: أن النووي يروي في الأذكار: [أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يقول العبد بعد ركعتي الفجر: اللهم رب جبرائيل] الحديث فإن الدحلان يفتري على النووي فإن لفظ: [أن النبي أمر] ليس موجوداً في لفظ الحديث في الأذكار وإننا ننقل عن الأذكار هذا الحديث على الشكل الآتي: (روينا في كتاب ابن السني عن أبي المليح واسمه عامر بن أسامة عن أبيه - رضي الله عنه - أن صلى ركعتي الفجر وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى قريباً منه ركعتين خفيفتين ثم سمعه يقول وهو جالس: [((اللهم رب جبرائيل وإسرافيل وميكائيل ومحمد النبي - صلى الله عليه وسلم - أعوذ بك من النار ثلاث مرات]. هذا الذي رواه النووي في الأذكار ليس فيه [أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقول العبد بعد ركعتي الفجر: اللهم رب جبرائيل ... ] الحديث ثم ليس فيه أيضاً قوله: [اللهم أجرني من النار] إنما قال: [أعوذ بك من النار] أرأيت يا أخي كيف يبدل الدحلان ويغير من لفظ الحديث؟ وهل التبديل والتغيير من صفات الأمة المحمدية؟ إنما هو من خلق غيرها من الأمم الذي وصفهم الله سبحانه في الفاتحة: بالمغضوب عليهم والضالين. اللهم لا تجعلنا منهم ولا تجعلنا نعمل مثل أعمالهم. 4 - أما قول الدحلان: (قال العلامة ابن علان فيشرح الأذكار: خص هؤلاء بالذكر للتوسل بهم في قبول الدعاء وإلا فهو سبحانه رب جميع المخلوقات) إن هذه العبارة ليس لها ذكر أو أثر في شرح في الأذكار فهي من اختلاق الدحلان نفسه والدليل على لك أننا نضع يا أخي بين يديك عبارة ولفظ ابن علان وهو: ( ... إنما خصهم بالذكر وإن كان تعالى رب كل شيء بما تكرر في القرآن والسنة من نظائره من الإضافة إلى كل عظيم المرتبة وكبير الشأن

الكلام على سند هذا الحديث

دونما يستحقر ويستصغر فيقال: رب السموات والأرض ورب العرش العظيم ورب الملائكة ورب المشرقين ورب المغربين ونحوه مما هو وصف له بدلائل العظمة وعظمة القدرة والملك ولم يستعمل فيما يستحقر ويستصغر فلا يقال رب الحشرات وخالق القردة الخنازير وشبهها على سبيل الإفراد وغنما يقال خالق المخلوقات وحينئذ هذه في العموم) اهـ. وهكذا فإن عبارة ابن علان ليس فيها ما يدعيه على لسان الدحلان حينما قال في كتابه (الدرر السنية في الرد على الوهابية): (قال العلامة ابن علان في شرح الأذكار: خص هؤلاء بالذكر للتوسل بهم في قبول الدعاء وإلا فهو سبحانه رب جميع المخلوقات). إذاً فإن الدحلان يكذب على ابن علان وابن علان بريء مما نسبه إليه الدحلان كما كذب على النووي في تحريف لفظ الحديث وهو في نفس الوقت تحريف لقول الرسول والرسول لم يقل الذي قاله الدحلان!!! فتأمل ... أبهذه الأساليب الوضيعة الدنيئة!!! يثبتون مزاعمهم وهل هذه الأساليب تشرفهم في شيء ومتى صارت الأكاذيب والتحريفات والتبديلات حججاً وأدلة؟ اللهم إننا نخافك فقنا شر عبادك الكذابين. الكلام على سند هذا الحديث 1 - أما الحديث نفسه فقد صححه الحاكم ولكن قال ابن حجر إنه حسن وقال: وجدت له شاهداً بسند ضعيف عن عائشة في سنده من هو متروك ومن فيه مقال. قال: أبو مليح عن كان هو ابن أسامة المذكور فقد اختلف عليه في إسناده وإن كان غيره فهو مجهول. إن قول الحافظ ابن حجر: فإن كان أبو مليح هو أبو أسامة فقد اختلف عليه في إسناده فيكون الحديث مضطرباً وإن كان غيره فهو مجهول وعلى كلا التقديرين يكون الحديث ضعيفاً. 2 - إن في سنده مبشراً فإن كان هو ابن عبيد الحمصي فهو واه جداً

ضعفه الذهبي وأحمد والبخاري والحافظ ورماه أحمد بالوضع وإن كان غيره فلا بد من تعيينه وتوثيقه. 3 - إن فيه عباد بن سعد. قال عنه الذهبي لا شيء ولا عبرة لتوثيق ابن حبان له لأن توثيق ابن حبان لا يعارض قول الذهبي فيه (لا شيء) لأن ابن حبان معروف بالاحتجاج بمن لا يعرف. قال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي: (قد علم أن ابن حبان ذكر في كتابه الذي جمعه في الثقات عدداً وخلقاً عظيماً من المجهولين الذي لا يعرف هو ولا غيره أحوالهم ... وقال هو عنهم أنه لا يدري من أبناء من هم؟ وقد ذكر ابن حبان خلقاً كثيراً على هذا النمط ويجب أن توثيق ابن حبان للرجل بمجرد ذكره في هذا الكتاب من أدنى درجات التوثيق. وروي هذا الحديث من طريق أخرى عن عائشة رواه أبو ليلى وفيه عبد الله بن أبي حميد أبو الخطاب عن أبي مليح الهذلي ضعفه محمد بن المثنى والبخاري والنسائي وأحمد.

خبر لولا عباد ركع والكلام على متنه

18 - خير: لولا عباد ركع ... [لولا عباد ركع وصبية رضع وبهائم رتع لصب عليكم البلاء صباً] الكلام على متن هذا الخبر لا شك أن للعباد الركع فضلاً ولهم مقام عند الله تعالى والصبية الرضع لم يقترفوا إثماً بعد فهم برآء من ٍالسوء والبهائم الرتع إنها بهائم غير مسؤولة وليست عاقلة أما العذاب على المستحقين فلا يمنعه وجود هؤلاء فالله غالب على أمره عن شاء منع العذاب رحمة بهؤلاء أو شاء صب العذاب على الجميع بما فيهم هؤلاء أيضاً ويحاسب كل على عمله وبقدره. فلا نستطيع أن نجزم بأن وجود هؤلاء مانع لوقوع العذاب قال الله تعالى (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة /25/الأنفال) ومعنى هذا يمكن أن يوقع الله عذاباً عاماً في الأمة جمعاء ويحشر المتقين إلى جنات عرضها السموات والأرض ويساق المجرمون إلى جهنم زمراً ... وهذا مما يدل على أن هذا الخبر ليس صحيحاً على إطلاقه وعلى كل الأحوال ليس فيه معنى التوسل بالعباد الركع والصبية الرضع والبهائم الرتع إنما يدل على أن وجود هؤلاء يقد يرحم الله من أجلهم الأمة فلا ينزل عليها عذاباً وقد ... وقد ... ولكن هل يجوز أن نتوسل بهم إلى الله فهذا ما يستلزم إيراد الدليل عليه ومع ذلك فلننظر في سنده وإليك البيان: الكلام على سند هذا الخبر قال الذهبي: ضعيف وفيه مالك بن عبيدة وأبوه - عبيدة - مجهولان. والحديث إذا كان في مجهول واحد يسقط الاستدلال به لأنه يكون ضعيفاً والضعيف لا يصلح أن يكون حجة فكيف إذا كان فيه مجهولان فتكون المصبية به أعظم. لذلك فإن هذا الخبر ضعيف لا تقوم به حجة على المطلوب لا في متنه ولا في سنده والحمد لله رب العالمين.

حديث السؤال بمحمد والأنبياء والكلام على متنه

19 - حديث السؤال بمحمد والأنبياء ... يروى عن عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده أن أبا بكر الصديق أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أتعلم القرآن ويتفلت مني فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [قل: اللهم إني أسألك بمحمد نبيك وإبراهيم خليلك وبموسى نجيك وعيسى روحك وكلمتك وبتوراة موسى وانجيل عيسى وفرقان محمد وبكل وحي أوحيته وقضاء قضيته ... ] الكلام على متن هذا الحديث تأكد لنا مما علمناه من هذا الحديث وأعني بحث التوسل إطلاقاً أن التوسل ينقسم إلى قسمين: توسل مشروع حض عليه الله ورسوله وعمله الصحابة والقرون الخيرة إلى يومنا هذا وهذا مؤيد بالكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح والتوسل المشروع كما ذكرنا في أول الكتاب إما أن يكون توسلاً بأسماء الله وصفاته وذاته أو توسلاً بأعمال المتوسل الصالحة أو بتوسل المؤمن بدعاء أخيه المؤمن له ودللنا على ذلك بالنصوص العديدة من الكتاب والسنة ولما كان التوسل

الكلام على سند هذا الحديث

بذوات المخلوقين لم يحض عليه الكتاب ولا السنة ولا فعله الصحابة ولا القرون الخيرة ... إنما فعله الجاهليون فقالوا: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى /3/الزمر) فهم أن النوع من التوسل هو توسل ممنوع لن الله لم يقبل من الجاهلين قولهم ومن أجل ذلك أرسل الأنبياء والرسل ليحولوا دون هذا التوسل الذي لا يرضاه الله تعالى فكيف والحالة هذه يوصي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر بأن يتوسل بمحمد والأنبياء!؟ هذا مما لا يمكن أن يصح عنه - صلى الله عليه وسلم - ومن المستحيل أن ينهي الرسول عن شيء من جهة ثم يخالف هو نفسه ما نهى عنه ويأمر أمته أن تفعل ما حرمه الله ورسوله قال الله تعالى في كتابه العزيز حكاية عن هود عليه السلام (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه /48/) هود ولا شك أن الرسالات واحدة من حيث الدعوة فكما أن هوداً عليه السلام لا يجوز أن يخالف قومه فيما ينهاهم عنه فكذلك لا يجوز لمحمد - صلى الله عليه وسلم - أن يخالف أمته فيما ينهاهم عنه فكيف يقول لأبي بكر [قل: اللهم إني أسألك - بمحمد نبيك وإبراهيم خليلك ... ] الحديث ... هذا ولا شك مستحيل في حق - صلى الله عليه وسلم - لأنه عمل بخلاف ما نزل عليه من الوحي والله سبحانه وتعالى يقول: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين /46/) الحاقة إذاً فإن محمداً - صلى الله عليه وسلم - من المستحيل أن يقول لأبي بكر ما جاء في الحديث مما يدل على كذبه ووضعه هذا من ناحية متنه أما من ناحية سنده فإليك البيان: الكلام على سند هذا الحديث قال ابن تيمية رحمه الله: هذا الحديث ذكره روين بن معاوية العبدري في جامعه ونقله ابن الأثير في جامع الأصول ولم يعزه لا هذا ولا هذا إلى كتاب من كتب المسلمين لكنه رواه في عمل يوم ليلة كابن السني وأبي نعيم وفي مثل هذه الكتب أحاديث كثيرة موضوعة لا يجوز الاعتماد عليها في الشريعة باتفاق العلماء وقد رواه أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب فضائل الأعمال وفي هذا الكتاب أحاديث كثيرة كذب وموضوعة.

ورواه أبو موسى المديني من حديث زيد بن الحباب عن عبد الملك بن هارون ابن عنترة وقال: هذا حديث حسن مع أنه ليس بالمتصل قال أبو موسى: ورواه محرز بن هشام عن عبد الملك بن هارون عن أبيه عن جده عن الصديق - رضي الله عنه - وعبد الملك ليس بذلك القوي وكان بالري وأبوه وجده ثقتان قلت - يعني ابن تيمية: عبد الملك بن هارون بن عنترة من المعروفين بالكذب قال يحيى بن معين: كذاب. وقال السعدي: دجال كذاب. وقال أبو حاتم بن حبان: يضع الحديث وقال النسائي: متروك. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أحمد بن حنبل: ضعيف. وقال ابن عدي: له أحاديث لم يتابعه عليها أحد. وقال الدارقطني: هو وأبوه ضعيفان. وقال الحاكم في كتاب المدخل: عبد الملك بن هارون بن عنترة الشيباني روى عن أبيه أحاديث موضوعة وأخرجه أبو الفرج بن الجوزي في كتاب الموضوعات وقول الحافظ أبو موسى (هو منقطع) يريد أنه لو كان رجاله ثقات فإن إسناده منقطع. وهكذا تأكدنا من أن هذا الحديث موضوع المتن والسند ولا تقوم به حجة وتبقى القضية المختلف عليها مجرد دعوى ولم تثبت بدليل يعتمد عليه أو يحتج به رغم ما قدموا من حجج على زعمهم إنما حججهم كانت أصفاراً على الشمال ليس لها أية قيمة لأنها جميعاً كانت ولا شيء نقول هذا لا بدافع الخصومة العلمية القائمة إنما بدعم من شهادات أهل العلم المتفق على عدالتهم بين الطرفين المتخالفين كما ثبت ذلك من عرض تلك الأحاديث على ميزان الحق الذي تزان به تلك القضايا المتخاصم عليها ذلك الميزان الذي يحكم بالعدل وينطق بالحق الذي بعده إلا الضلال.

حديث دعاء حفظ القرآن والكلام على متنه

20 - حديث دعاء حفظ القرآن ذكره: موسى بن عبد الرحمن الصنعاني صاحب التفسير بإسناده عن ابن عباس مرفوعاً أنه قال: من سره أن يوعيه الله القرآن وحفظ أصناف العلم فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف أو في صحف من قوارير بعسل وزعفران وماء ومطر وليشربه على الريق وليصم ثلاثة أيام وليكن إفطاره عليه ويدعو به في أدبار صلواته: اللهم إني أسألك بأنك مسؤول لم يسأل مثلك ولا يسأل وأسألك بمحمد نبيك وإبراهيم خليلك وموسى نجيبك وعيسى روحك وكلمتك ووجيهك وذكر تمام الدعاء. الكلام على متن هذا الحديث 1 - مما هو معلوم لدى الناس أن حفظ القرآن أو حفظ أي شيء من العلوم المتنوعة وعدم تفلتها لا يكون إلا بدوام التكرار والمراجعة فالمداومة على ذلك يجعل العلوم محفوظة وتستوعبها الذاكرة فلا تتفلت منها. ولا شك أن الله تعالى جعل المداومة سبباً من أسباب عدم تفلتها وهو تعالى الذي أعان على ذلك ولولا معونة الله وإمداده ما حفظ حرف من القرآن ولا غيره. ومثل ذلك الدواء فإنه سبب الشفاء والله هو الشافي وكذلك الحفظ فالمداومة على التكرار والمراجعة كانت الحفظ والله هو الذي يمد ويعين على الحفظ وعلى هذا راجع وكرر يعنك الله على بقاء ما حفظت في ذاكرتك أما الشكل الذي ورد في هذا الحديث من كتابة هدا الدعاء في إناء نظيف بعسل وزعفران وماء ومطر وشربه على الريق والصيام ثلاثة أيام والإفطار عليه ويدعو به أي بالدعاء المذكور فهذا مما لم نجده في حديث صحيح عن المعصوم عليه الصلاة والسلام ولو صح لوجب الاعتقاد والعمل به ولكن لم يصح أما كتابة الدعاء على إناء على الشكل المتقدم هذا ما يفعله المشعوذون وكتاب الأحجبة والمسترزقون بأكل أموال الناس بالباطل وهو السحت

بعينه وإذا شئت ألا يتفلت القرآن أو أي علم سواه منك فداوم على التكرار والمراجعة ثم ادع الله تعالى مع هذه المداومة يعنك على مرادك ولا حاجة للعسل ولا للزعفران. 2 - أما الدعاء الوارد في هذا الحديث ففيه من البلايا ما يؤكد وضع هذا الحديث وكذبه ولا أدري كيف خفى ما فيه على الذين اتخذوا من هذا الحديث حجة لهم على صحة دعواهم أكانوا غافلين أم متغافلين يقول الدعاء: [اللهم إني أسألك بأنك مسؤول لم يسأل مثلك ولا يسأل] فقف يا أخي عند قوله: [ ... لم يسأل مثلك ولا يسأل] ففيه دسة خبيثة ماكرة كافرة ما وضعها إلا كافر ماكر خبيث وهي قوله: [مثلك] ولكن دغمهما في قوله: [اللهم إني أسألك بأنك أنت المسؤول لم يسأل مثلك ولا يسأل ... ] يخفيها في جملة الكلمات فتمر دون أن يشعر بها أحد ويجعل ألسنة الناس ترددها عن حسن نية فلا يفحصونها ذلك الفحص الدقيق لتظهر لهم ثم من هذا الذي هو مثل الله فلم يسأل ولا يسأل إن قصد واضع الحديث أن يجعل الناس يرددونها عن حسن ظن فيتلفظون بالكفر وهم لا يشعون ولا يستغفرون ويلقون الله على ذلك وقصد الكذاب أن يضع المثلية لله بأن لله مثيلاً ولكن لا يسألونه بل يسألون الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً (ليس كمثله شيئاً وهو السميع البصير /11/ الشورى) فدس الكذاب المثلية في الدعاء وتلقفها الغافلون ودعوا بها بل حتى احتجوا بالدعاء كدليل لهم على صحة دعواهم!!! أرأيت كيف يمكر الوضاعون والكذابون بالمغافلين وهم لا يشعرون؟ ثم مرروها على الذين يحبون أن يتوسلوا بذوات المخلوقين. 3 - أما قولهم في الدعاء: [وأسألك بمحمد نبيك وإبراهيم خليلك وموسى نجيك وعيسى روحك وكلمتك ووجيهك ... ] فإن هذه التوسلات تقصد الوضاعون لفرضين: 1 - حتى يتسنى لهم تمرير (المثلية) في الدعاء وتمشيتها بسلام.

الكلام على سند هذا الحديث

2 - ثم أعقبوها بهذه التوسلات التي يفرج بها القائلون بجواز التوسل بذوات المخلوقين فألهوهم بها عن الانتباه إلى (المثلية) التي هي مقصودهم من وضع الدعاء. 3 - (الدسة) والله أعلم ... (نصرانية) حتى يدخلوا مثلية عيسى لله تعالى وذلك ظاهر من قولهم: وعيسى روحك وكلمتك ووجيهك فلم يقولوا من روحك بل قالوا روحك حتى تتم المثلية التي دسوها. 4 - أعطوا لعيسى أوصافاً ثلاثة: روحك وكلمتك ووجيهك ليرفعوا عيسى عن مستوى المذكورين قبله الذين ذكروا بوصف واحد فتثبت الأفضلية لعيسى على من ذكروا قبله وذلك باعتراف الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي وضعوا الحديث باسمه وكذباً عليه حتى يكون إقراراً منه بأفضلية عيسى عليه وعلى سائر من ذكروا قبله. 5 - غير خاف على القارئ المسلم تلك الركاكة الإنشائية التي كتبت بها صيغة لفظ الحديث مما يحل عن مثله كاتب عربي يتذوق الأسلوب العربي الصحيح فضلاً عن أفصح من نطق بالضاد - صلى الله عليه وسلم - هذا عدا عن نواقض التوحيد الواردة في لفظ الحديث ما يدع القارئ أن يجزم جزماً قاطعاً بوضع هذا الحديث من قبل زنادقة فجرة لا يرعون لله وقاراً. هذا ما ظهر لنا من متن هذا الحديث من الطامات فكيف إذا كان سنده أيضاً لا يقل عن متنه وضعاً وكذباً وإليك البيان والبرهان. الكلام على سند هذا الحديث قال ابن تيمية رحمه الله: وموسى بن عبد الرحمن هذا من الكذابين. قال أبو أحمد بن عدي فيه: منكر الحديث وقال أبو حاتم بن حبان: دجال يضع الحديث. وضع على ابن جريح عن عطاء ابن عباس كتاباً في التفسير جمعه من كلام الكلبي

ومقاتل (¬1). وهكذا فقد تبين لك يا أخي المسلم أن هذا الحديث مكذوب المتن والسند كباقي ما سبقه من الأحاديث التي احتج بها القوم على صحة دعواهم من جواز التوسل بذوات المخلوقين كنا نتمنى أنهم أتوا ولو بحديث صحيح واحد يؤيدهم وتمنينا هذا نقوله خجلاً مما منوابه من الفشل المتصل المتواصل عن إثبات دعواهم كأنهم لا يحفظون إلا كل حديث مكذوب موضوع ولا يحتجون إلا بكل قول يكشف سوآت مقاصدهم ... ليفتضح أمرهم حتى على أنفسهم ولعلهم يخجلون فيرجعون إلى الحق فتتصافح الأيدي وتتعاهد على المضي في طريق الحق إلى أن نلقي الله وإياهم على ما يجب ويرضى. (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم /53/ الزمر). ¬

(¬1) ولهذا فإن كتاب التفسير المتداول المنسوب إلى ابن عباس ليس موثوقاً ولا يعتمد عليه لأنه مكذوب على ابن عباس.

حديث استفتاح اليهود على المشركين بمحمد والكلام على متنه

21 - حديث استفتاح اليهود على المشركين بمحمد - صلى الله عليه وسلم - يروى عن عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال [كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فكلما التقوا هزمت يهود فعاذت بهذا الدعاء: اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم فكانوا إذا دعوا بهذا الدعاء هزموا غطفان فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - كفروا به فأنزل الله تعالى: (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ... /89/) البقرة. الكلام على متن هذا الحديث هذا الحديث حديث متصدع المتن منهار من وجوه: 1 - أن هذه الآية: (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ... ) لم تنزل في يهود خيبر قط إنما نزلت في اليهود الذين هم مجاورون للمدينة من بني قينقاع وبني النضير وهذا باتفاق أهل التفسير والسير فقد روى محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن رجال من قومه قالوا: مما دعانا إلى الإسلام - مع رحمة الله وهداه - ما كنا نسمع من رجال يهود وكنا أهل شرك وأصحاب أوثان وكان أهل الكتاب عندهم علم ليس عندنا وكانت لا تزال بيننا شرور فإذا نلنا منهم ما يكرهون قالوا لنا: (قد تقارب زمان نبي يبعث الآن فنقتلكم معه قتل عاد وإرم) كثيراً ما كنا نسمع ذلك منهم فلما بعث محمد رسولاً من عند الله أجبنا حين دعانا إلى الله، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ففينا وفيهم نزلت الآيات في البقرة: (ولما جاءهم من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين /89/) البقرة.

2 - أن اليهود لم يحاربوا ((غطفان)) قط فكيف يقال نزلت في يهود خيبر وغطفان بل نزلت كما قلنا في يهود المدينة؟ فإن هذا القول من كذاب جاهل لم يحسن كيف يكذب ومما يبين ذلك أنه ذكر فيه انتصار اليهود على غطفان لما دعوا بهذا الدعاء وهذا مما لم ينقله أحد غير هذا الكذاب ولو كان هذا لكان مما تتوفر دواعي الصادقين على نقله. 3 - التوراة ولا شك أقدم من حروب اليهود والعرب فإذا كان هذا الدعاء معروفاً عندهم وله هذا الأثر في الانتصار فلماذا لم يدعوا به من أول مرة فيوفرون أرواح رجالهم وبنيهم فعدم الدعاء به وترك العرب يقتلونهم دليل على كذب الحديث. 4 - إن اليهود كانوا يعلمون من توراتهم أنه سيأتي نبي آخر الزمان وكانوا يظنون أنه سيبعث منهم واليهود من أولهم إلى آخرهم لم يسموا أحداً منهم محمداً قط فكيف يقول راوي الحديث نقلاً عن اليهود في دعائهم الذي يقولون فيه: [اللهم إننا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم ... .] ودليلنا انهم كانوا يظنون أنه سيبعث منهم قول أبو العالية وغيره: (كان اليهود إذا استنصروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - على مشركين العرب يقولون: اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوباً عندنا حتى نغلب المشركين ونقتلهم فلما بعث الله محمداً ورأوا أنه من غيرهم كفروا به حسداً للعرب وهم يعلمون أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى هذه الآيات: (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين). 5 - أن كلا الروايتين: رواية محمد بن إسحاق ورواية أبي العالية وغيره ... ليس فيها ذكر اسم محمد - صلى الله عليه وسلم - إنما ذكر نبي آخر الزمان مما يدل على أنهم لا يعرفون اسمه فكيف يذكرون اسمه صريحاً في الدعاء ... ؟ مما يدل على أن الحديث المذكور الذي فيه اسم النبي بصراحة هو موضوع لأن اليهود ما كانوا يعرفون اسمه ولا من أي القبائل هو فكيف يذكرون اسمه صريحاً في الدعاء؟ ولو علموا أن اسمه محمد لعلموا أنه من العرب ولما ظنوا أنه سيبعث منهم إذ لما بعث من العرب كفروا به حسداً منهم للعرب.

الكلام على سند هذا الحديث

6 - وعلى فرض أنهم كانوا يعلمون أنه سيبعث من العرب وهم ينتظرونه بفارغ الصبر فلما بعثه الله من العرب لماذا لم يؤمنوا به ويكونوا معه يحاربوا المشركين في صفه لينتقموا منهم ويثأروا لقتلاهم؟!!! بل سبقهم أخصامهم العرب وآمنوا به وقاتلوهم بل واستأصلوهم من جزيرة العرب إلى يومنا هذا؟ لأنهم ما كانوا يعلمون أنه سيبعث من العرب بل يظنون أنه سيبعث منهم ولكن الحديث المكذوب يقول في دعائهم اللهم إنا نسألك بحق محمد وهذا دليل على وضع الحديث. كل هذه البلايا والألغام في متنه فكيف إذا تأكدت يا أخي أنه موضوع كذلك بالنسبة إلى سنده عندها تتفجر الألغام ويصبح أثراً بعد عين وإليك البيان: الكلام على سند هذا الحديث إن هذا الحديث رواه الحاكم في مستدركه وقال: أدت الضرورة إلى إخراجه وهذا مما أنكره عليه العلماء فإن عبد الملك بن هارون من أضعف الناس وهو عند أهل العلم بالرجال متروك بل كذاب وقد تقدم ذكر حال عبد الملك بن هارون في الصفحة /309/ وقال عنه ابن تيمية: عبد الملك ابن هارون بن عنترة من المعروفين بالكذب وقال السعدي: دجال كذاب وقال أبو حاتم: يضع الحديث وقال النسائي: متروك. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أحمد بنم حنبل ضعيف. وقال ابن عدي: له أحاديث لا يتابعه عليها أحد وقال الدارقطني: هو وأبوه ضعيفان وقال الحاكم في كتاب المدخل: عبد الملك بن هارون بن عنترة الشيباني روى عن أبيه أحاديث موضوعة وأخرجه أبو الفرج بن الجوزي في كتاب الموضوعات.

هذا هو راوي الحديث وهذه شهادات علماء الرجال فيه بالإضافة إلى متنه المتصدع المنهار فهل تقوم به حجة على دعوى القوم لقد صار الكذب والوضع والاختلاق شعارات الأحاديث التي يقدمها القوم حججاً!!! على صحة دعواهم والله لا أدري ما أقول ولكن أترك تقدير النظر إليهم إلى نظر القارئ الكريم وفي هذه القدر كفاية لقوم يعقلون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

حديث ((أنا فاعل)) والكلام على متنه

22 - حديث ((أنا فاعل)) روى الترمذي عن أنس بن مالك أنه قال: [سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يشفع لي يوم القيامة فقال: ((أنا فاعل))] الحديث غير صحيح السند كما سيأتي بيانه ولكن على فرض صحته ليس للمحتج به على جواز التوسل بذوات المخلوقين أية حجة وذلك من وجوه: الكلام على متن هذا الحديث لا يدل متن هذا الحديث على صحة دعوى القوم وإن صح فهو دليل لنا إن هو من قبيل توسل العبد إلى ربه بدعاء أخيه المؤمن له ثم: 1 - قو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((أنا فاعل)) لا بد أن يكون له علم من الله بإذنه بالشفاعة لأنس وهذا كقوله لعكاشة أنت منهم ولولا أن يعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسبقاً أن عكاشة من جملة السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بلا حساب لما قال له: أنت منهم. 2 - لأن أنساً - رضي الله عنه - لما سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يشفع له يوم القيامة كان حياً والرسول - صلى الله عليه وسلم - كان حياً أيضاً وقال له ((أنا فاعل)). 3 - طلب أنس من الرسول أن يشفع له يوم القيامة يفيد أن أنساً يقصد أن يدعو له الله تعالى أن يشفعه به يوم القيامة أي يجعله في جملة الحد الذي يحده له فيشفع فيهم فإذا دعا الله له بذلك فإن دعاءه - صلى الله عليه وسلم - مستجاب فيكون أنس بذلك قد ضمن لنفسه شفاعته - صلى الله عليه وسلم - وهذا حرص من أنس على فوزه بالجنة بشفاعته - صلى الله عليه وسلم -.

الكلام على سند هذا الحديث

4 - قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((أنا فاعل)) يحتمل أن يكون قد دعا له قبل أن يطلب منه ذلك فلما طلب منه قال ((أنا فاعل)) أي أنا فاعل ذلك قبل أن تطلب مني. 5 - هل إذا طلب أحدنا الآن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يشفع له يقول له الرسول ((أنا فاعل)) كما قال لأنس ... ؟ فإن يمكن ذلك في ظنكم فما الفرق إذاً بين الحياة والموت وهل طلب أحد من الصحابة من الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته ذلك؟ حتى نتأسى بفعله ... وهكذا فقد ثبت في هذا النقاش أن عمل أنس لا غبار عليه ولا يفيد أنه توسل بذات رسول الله بل طلب إليه بأن يدعو له لأن يكون في جملة من يشفع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة فأية حجة للقوم في هذا الحديث على دعواهم؟ هذا على فرض صحة الحديث فكيف إذا كان الحديث هذا ضعيف السند؟ نعم وإنه لكذلك وإليك البيان: الكلام على سند هذا الحديث قال الترمذي بعد أن خرج هذا الحديث: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه لكن في سنده أبو الخطاب حرب بن ميمون ضعف ووثق فهو وإن وثقه بعض المحدثين لكن ضعفه آخرون منهم شيخ المحدثين البخاري وإمام جليل من أئمة هذا الفن وهو أبو زرعة وقال فيه / لين / وقال فيه الذهبي في ميزانه / صدوق يخطئ / وحسبك بذلك تضعيفاً للحديث وجرحاً له المخلوقين اللهم علمنا العلم الذي لا جهل معه.

خبر مرثية صفية عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

23 - خبر مرثية صفية عمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول الشيخ دحلان: وكذا من أدلة التوسل: مرثية صفية رضي الله عنها عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنها رثته بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - بأبيات فيها قولها: ألا يا رسول الله أنت رجاؤنا ... وكنت بنا براً ولم تك جافياً ففيها النداء بعد وفاته مع قولها [أنت رجاؤنا] وسمع تلك المرثية الصحابة - رضي الله عنهم - فلم ينكر عليها أحد قولها: يا رسول الله [أنت رجاؤنا]. الكلام على خبر هذه المرثية 1 - قيل أن هذه القصيدة ليست لصفية رضي الله عنها ولم يذكرها ابن هشام في سيرته في جملة المراثي التي قيلت في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 2 - إن في هذا البيت الذي استشهدوا فيه تحريفاً عن أصله فقد ذكر الحافظ الهيثمي في كتابه: مجمع الزوائد ج9 ص39 في باب وداعه - صلى الله عليه وسلم - قال: روى الطبراني بإسناد حسن عن عروة بن الزبير قال: قالت صفية بنت عبد المطلب ترثي رسول الله: ألا يا رسول الله أنت رجاؤنا ... وكنت بنا براً ولم تك جافياً هكذا رواية الطبراني ولكن الدحلان حرف بيت الشعر وذكره في كتابه: ((الدرر السنية في الرد على الوهابية)) حيث كتب [أنت رجاؤنا] بدلاً من [كنت رجاؤنا] ليدل هذا اللفظ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجاء في الحياة وبعد الممات فصار مصداقاً لقوله تعالى: (فبدل اللذين ظلموا منهم قولاً غير الذين قيل لهم /262/) الشعراء.

الكلام على سند هذا الخبر

وذكره الشيخ محب الدين الطبري ((ذخائر العقبى في مناقب القربى)) أي [كنت رجاؤنا] لا [أنت رجاؤنا] وهذا التحريف ظاهر لا خفاء فيه ... فلماذا يا ترى؟ ومتى كان الكذب والتحريف والتبديل حجة أو دليلاً؟ نعم إن هذه الصفات حجة ودليل من لا خلاق لهم وقول صفية الصحيح أعني غير المحرف رد صريح عليهم وذلك أنها فرقت بين الحياة والموت فقالت: [كنت رجاؤنا] تعني رضي الله عنها أنه - صلى الله عليه وسلم - يوم أن كان حياً بين أظهرهم يرجعون إليه إذا أشكلت الأمور وتعقدت ليدعو الله لهم ويبين لهم ما يحتاجون إليه من الهدى في الدين والدنيا نعم كان - صلى الله عليه وسلم - رجاءهم فيرجعون إلى الوحي المنزل عليه فيحل الأشكال وليس معنى هذا أنه كان رجاءهم في الخلق والرزق وتيسير الأمور وتفريخ الكروب وهداية القلوب. وكأن تحريفهم هذا لجأوا إليه ليثبتوا به مرادهم من جواز التوسل بذوات المخلوقين مع أن القضايا العلمية لا تثبت بالتحريف والإصرار على الباطل لأن هذا لا ينفعهم في شيء بل على العكس تماماً فإنه لا ينفعهم إلا الحق والصدق والعلم القويم والنقل السليم والأمانة في نقل الأخبار أما الباطل فلا يبقي حتى ولا على نفسه فضلاً عن أهله وذويه. وهكذا فقد تبين لك يا أخي أمتن خبرهم ذاك محرف وذلك عن عمد وتقصد وإصرار وهم يعلمون أما سنده فهو سند منقطع مرسل ولا أعني أن الخبر الذي أتوا به هم فذلك محرف موضوع أما السند المنقطع والمرسل فهو للخبر الذي ورد عن عروة ابن الزبير الذي تكون صفية بنت عبد المطلب جدته لأبيه وإليك البيان: الكلام على سند هذا الخبر هذا الخبر في سنده انقطاع بين عروة بن الزبير وبين صفية جدته لأبيه فقد ولد سنة 29 كما في التهذيب ونحوه أي بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - بتسع عشرة سنة ولما كانت مرثية صفية عقب وفاته - صلى الله عليه وسلم - فتكون ولادته بعد القصيدة بتسع عشرة

سنة وصفية رضي الله عنها ماتت سنة /20/أي قبل ولادة عروة بتسع سنين ولهذا فإن عروة لم يدرك جدته صفية وإن روايته عن أبيه مرسلة فكيف عن أم أبيه فإنها أيضاً منقطعة ومرسلة. وهكذا فإن هذا الخبر أي خبر المرثية غير المحرفة ضعيف لا تثبت به حجة وذلك على فرض عدم التحريف والتبديل أما الخبر الذي أوردوه حجة على جواز توسل العبد بذوات المخلوقين فإنه محرف المتن ومرسل السند ومنقطعه وحري بهذا الخبر المحرف المنقطع المرسل أن يكون ضعيفاً لا تثبت به حجة ولا ينهض به دليل على صحة دعوى القوم ...

رؤيا الترمذي والتحقيق فيها

24 - رؤيا الترمذي ذكر طاهر بن محمد بن هاشم با علوي في كتاب المسمى: مجمع الأحباب في ترجمة الإمام أبي عيسى الترمذي صاحب السنن أنه رأى في المنام رب العزة فسأله عما يحفظ عليه الإيمان حتى يتوفاه عليه قال: فقال لي: قل: إلهي بحرمة الحسين وأخيه وجده وبنيه وأمه وأبيه نجني من الغم الذي أنا فيه يا حي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام أسألك أن تحيي قلبي بنور معرفتك يا الله يا الله يا الله يا أرحم الراحمين. هذه الرؤيا أثبتها الدحلان في كتابه ((الدرر السنية في الرد على الوهابية)) وكأنه آلى على نفسه أن يحشر في كتابه كل خبر يراه مؤيداً لوجهة نظره دون النظر والتثبت من صحته وهذه الرؤيا من هذا النوع الذي لا زمام له ولا خطام ولو أن غيره أتى له برؤيا يحتج فيها على أمر ما ليس له فيه غرض فكان يقيم الدنيا عليه ويقعدها لوماً وتأنيبا لأنه احتج برؤيا وكان يقول له مثلاً: يا أخي ومتى كانت الرؤى حججاً وأدلة؟ ألا تعلم أن الرؤيا لا يثبت بها شيء وأن الدين لا يؤخذ عن الرؤى والمنامات فكان لا ينظر أي اعتبار ولكن عندما يرى حجة فيما يزعم في حكاية خرافية أو منام أو رؤيا فإنه يسرع إلى الأخذ بها ويجعلها حجة ودليلاً وبرهاناً؟ كما فعل هنا بهذه الرؤيا التي رآها في كتاب ما فأعجبته لأن فيها ما يؤيد مذهبه الباطل مع أن الرجل يذكر بعلم الناس وقيل أنه تولى قضاء مكة في يوم من الأيام.

ولكن يجب على الذي أنعم الله عليه بالعلم أن يشكر الله على ذلك بأن يعطي العلم حقه ومستحقه من الفهم والدراية واتباع النصوص الشرعية وعدم العدول عنها إلى خرافات وترهات فإن فعل ذلك وتمسك بالحبل المتين والعروة الوثقى يكون قد شكر الله على ما أفاء عليه من نعمة العلم والفهم أما أن يحرف أو يبدل أو يخرف ويعزف عن النصوص إلى هواه فهذا ليس شأن العلم والعلماء ولا طريق أهل الإيمان وعلى كل فإن الرجل لاقى ربه ونرجو أن يكون قد تاب إلى الله قبل الموت وأحسن العمل. ولنعد إلى النظر في هذه الرؤيا المعزوة إلى الإمام الترمذي رحمه الله. 1 - ليس لهذه الرؤيا سند متصل صحيح بالترمذي لينظر فيه. 2 - ليست الرؤى حججاً شرعية ولا أصلاً من أصول الدين لا سيما إذا كانت مخالفة لنص الكتاب والسنة. إننا نجل هذا الإمام الجليل عن الأخذ بمثل هذه الرؤيا وهو من رجال السنة العظام الناصرين لهذه السنة النبوية المطهرة فلا يعقل البتة أن ينصر مثل هذه الترهات وإن الكذابين والوضاعين يستفيدون من سيرة أمثال هؤلاء الأفذاذ وينسبون إليهم أقوالاً هم بريئون منها ولكن حتى يوهموا العامة أن ما نسب إلى مثل هؤلاء الجبال من العلم صحيح فالعامة ولا شك ليس عندهم الفقه اللازم والعقل الكامل المستنير ليفحصوا مثل هذه الأخبار الملفقة فينظروا إلى من هي معزاة فإن كان عزوها إلى عالم جليل معروف اطمأنوا إليها وأخذوها بالقبول فإذا تقادم عليها العهد فقد يأخذ بها بعض الخاصة أيضاً. وهكذا كان تسرب مثل هذه الأكاذيب إلى الناس وهذا سبيل الكذابين الوضاعين الذي لا يخافون الله. إذاً فالإمام الجليل أبو عيسى الترمذي صاحب السنن بريء من هذه الرؤيا المعزوة إليه إننا نتهم أولئك الكذابين بجريمتهم هذه ونتحداهم أن يأتوا بسند صحيح متصل إلى الإمام الترمذي. إن الله تعالى أنعم على هذه الأمة بأن تولى لها حفظ دينها وأكمله لها وأتم

عليها به النعمة ورضيه لها ديناً فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً (اليوم أكملت لكم دينكم وأتمت عليم\كم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) 3/المائدة. فلسنا محتاجين بعد هذا إلى رؤى ومنامات تنقض لنا ديننا. وعلى فرض صحة وقوع مثل هذه الرؤيا فصحة وقوعها شيء وصحة ما يترتب عليها من أحكام شيء آخر إلا إذا كانت مؤيدة لما في الكتاب والسنة من إحكام ولا تخالف أصلاً من أصول الدين هناك علماء بتفسير الأحلام يفسرون لمن رأى حلماً لماذا يرمز حلمه ما هنالك وما نحن بتفسير الأحلام بعالمين. قد يكون للشيطان دخل بمثل هذه الرؤى والمنامات فكثيراً ما يدخل الشيطان على ضعاف الأحلام والجهال بأن يتمثل لهم بأشكال مختلفة ويضلهم عن سواء السبيل ولكن الإمام الترمذي الجليل هو أجل من أن تمشي عليه أحابيل الشيطان فلا يعقل أن تدخل عليه مثل هذه المنامات وهو يعلم أنها مخالفة للشرع لأن الله تعالى لا يقبل واسطة أحد بينه وبين خلقه إلا فيما اختار من عباده من الأنبياء والرسل ليكونوا واسطة تبليغ الوحي فقط. إن هذا الدعاء الوارد في هذه الرؤيا الموضوعة تظهر عليه مسحة الصنعة ظاهرة جلية وإن صنعة السجع الظاهرة عليه هي من جملة الأسباب التي كشفت وضع الرؤيا وكذبها فإن ضرورة السجع الذي يلجأ إليها بعض الكذابين في حياكة ألفاظهم وسيلة من الوسائل للتأثير على الأسماع واستحسانها لفظاً فيؤثر هذه الاستحسان اللفظي على استحسانها معنىً وهذا غالباً ما يكون تأثيره على العامة فأما الذين نور الله أبصارهم وبصائرهم يعرفون صحتها من زيفها هم الذين يكشفون هذا الزيف فخذ مثلاً هذه الرؤيا فقد اضطر من حاك ألفاظها أن يجره السجع إلى مخالفة مراتب الأشخاص الواردة أسماؤهم في الرؤيا ... . إنه يقول: (إلهي بحرمة الحسن وأخيه وجده وبنيه وأمه وأبيه) فحتى ينتظم السجع قدم الحسن وأخاه الحسين على جدهما الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم قدم ذرية

الحسن بالمقام على أمه وأبيه ذلك لضرورة السجع. هذا عدا عن أن الله لا يأمر بشيء في المنام يكون قد حرمه في الدين مما يدل على انكشاف بواطن الوضاعين ومقاصد الكذابين ونوايا الحاقدين حتى يعرف كذبهم وحقدهم. وهكذا فقد خاب فأل هؤلاء الضالين المضلين الذين يختلقون الأكاذيب والأخبار الملفقة وإن عتبنا على أحد فلا نعتب إلا على أمثال الشيخ الدحلان كيف تدخل عليه مثل هذه التلفيقات والترهات والأباطيل لا سيما وهو عالم كبير من علماء مكة فيما مضى من الزمن فيحشو في كتابه كل غث وباطل إلا أن يكون كتابه ((الدرر السنية في الرد على الوهابية)) ملفقاً عليه أو مدسوساً وإلا فإنه لمسؤول مسؤولية كبرى أمام الله تعالى عما ورد في كتابه جملة وتفصيلاً (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب /8/آل عمران).

توسل الشافعي بآل البيت والكلام عليه

25 - توسل الشافعي بآل البيت ذكر ابن حجر الملكي في كتابه المسمى (بالصواعق المحرقة لإخوان الضلال والزندقة): أن الإمام الشافعي - رضي الله عنه - توسل بأهل البيت النبوي حيث قال: آل النبي ذريعتي ... وهم إليه وسيلتي أرجو بهم أعطي غداً ... بيدي اليمين صحيفتي الكلام على هذا الخبر من السهل جداً على كل إنسان أن يلصق أية تهمة بأي إنسان آخر ولكن المعلوم أن مجرد الإتهام بدون إثبات لا يفيد صاحبه في شيء ويبقى اتهامه مجرد دعوى والدعوى العارية عن الإثبات دعوى لا قيمة لها ويبقى المتهم بريئاً إلى أن يدان لا سيما إذا كان المتهم من أجل الناس قدراً وأكبرهم مقاماً وأعزهم منزلة وأملأهم علماً وأغزرهم معرفة بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأشدهم ورعا وتقى فليس من السهل اتهامه فضلاً عن إثبات التهمة عليه. الشافعي - رضي الله عنه - الذي كان أشد العلماء تمسكاً بالسنة ونصراً لها وحرصاً على حمايتها من البدعة لا يعقل بشكل من الأشكال أن ينسب إليه خرق للسنة لا فعلاً ولا قولاً ولا إقراراً ومع ذلك فإننا نتحدى (القوم ... ) أن يثبتوا بالنقل الصحيح أن الشافعي قال هذين البيتين من الشعر حاشاه - رضي الله عنه - من ذلك.

صحيح أن الشافعي محب جداً لآل البيت لكنه حب محدود ولا شك بالحب لا يخرج عن هدي الكتاب والسنة وهو من أحرص أهل زمانه قاطبة على ذلك وقد علمت يا أخي أن التوسل بذوات المخلوقين لم يأت به شرع بل هو شعار من شعارات الجاهلية التي يترفع ويحل عنها مقام الشافعي الكريم وإننا لمنتظرون أن يثبت القوم بالنقل الصحيح عن الشافعي - رضي الله عنه - ما عزي من قول أقل ما يقال فيه أن الافتراء المحض نعم إننا لمنتظرون ولكن هيهات هيهات وألف ألف هيهات. أما سند هذا الخبر فمعدوم ولا جود له إلا في مخيلة من اخترعوه ووضعوه واقترفوا فيه جريمة الافتراء والكذب فهو إذاً خبر باطل لا أصل له. وليس الشافعي رحمه الله ورضي عنه أول من كذب عليه بل كذب عل من هو أعظم وأجل منه فقد كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالذي يجرأ أن يكذب على سيد الخلق لا يتورع أن يكذب على الشافعي - رضي الله عنه - وأرضاه.

توسل الشافعي بأبي حنيفة والكلام على متنه

26 - توسل الشافعي بأبي حنيفة رضي الله عنهما قال ابن حجر المكي في كتابه المسمى ((الخيرات الحسان)) في مناقب أبي حنيفة النعمان في الفصل الخامس والعشرين أن الإمام الشافعي أيام هو ببغداد كان يتوسل بالإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - يجيء إلى ضريحه يزوره فيسلم عليه ثم يتوسل إلى الله به في قضاء حاجاته. الكلام على متن هذا الخبر من المعلوم أن معنى التوسل هو القربى والمتوسل عليه ولا شك أن يتحرى في توسله أن يكون هذا من النوع الموافق لعقيدة هذا المتوسل به فإذا كان الذي يريد أن يتوسل به يكره ويحرم هذا النوع من التوسل فكيف يعقل من أحد أن يقدم على عمل هو مكروه عند التوسل به؟ لأنه موقن بأن المتوسل إليه به لا يقبل قطعاً هذا التوسل لا سيما وقد منعه منعا باتاً على ألسنة رسله من لدن آدم إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان لا يجيز التوسل إلى الله بأحد من خلقه فقد ثبت عنه أنه قال: ((لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به وأكره أن يقول: أسألك بمعاقد العز من عرشك وأن يقول بحق فلان وبحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام)). ولا شك أن الشافعي - رضي الله عنه - يعلم هذا من مذهب أبي حنيفة في التوسل فكيف يتوسل به وهو يكره هذا النوع من التوسل بل ويحرمه فهل من المعقول بعد أن يعلم الشافعي من أبي حنيفة ذلك أن يتوسل به هذا غير معقول البتة بل هو إغضاب لأبي حنيفة لأنه يكرهه ويحرمه لأن الله كرهه ويحرمه ولا شك أن الشافعي وأبا حنيفة رضي الله عنهما لا يحبان إلا ما يحب الله ولا يكرهان إلا ما يكرهه الله سبحانه وتعالى فكيف يتقرب الشافعي إلى الله بالتوسل بأبي حنيفة بما يغضب الله وأبا حنيفة حاشاه - رضي الله عنه - من ذلك وهو بريء مما نسب إليه ولكن ماذا نقول للكذابين

إصرار الشيخ دحلان ... ورد الشيخ رشيد رضا عليه

والمفترين أننا نشكوهم إلى الله تعالى: اللهم عاملهم بما يستحقون. قال في ((تبعيد الشيطان)): والحكاية المنقولة عن الشافعي أنه كان يقصد الدعاء عند قبر أبي حنيفة من الكذب الظاهر. اهـ. إصرار الشيخ دحلان يقول الشيخ دحلان في كتابه ((الدرر السنية في الرد على الوهابية)): (وهؤلاء المانعون للتوسل يقولون بجواز التوسل بالأعمال الصالحة مع كونها أعراضاً فالذوات الفاضلة أولى). رد الشيخ رشيد رضا عليه فرد عليه الشيخ رشيد - رضي الله عنه - عليه الرحمة بقوله تعليقاً على كتاب: ((صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان)): إن التوسل بالأعمال الصالحة هو التقرب إلى الله تعالى بما شرعه إلى تعالى بما شرعه لعباده بالإجماع والنصوص القطعية وهو المعقول إذ هي التي تزكي نفس العامل وتجعله أهلاً لرضوان الله تعالى واستجابته لدعائه وأما ذات غيرك فلا تأثير لها في تزكيتك مهما تكن الذات فاضلة بعملها المزكي لها (قد أفلح من زكاها /9/الشمس) اهـ. قلت: لا شك ولا ريب أن العمل هو الذي يحمل الذات ولولا العمل لم يكن الذات شيئاً مذكوراً والعمل أداة معرفة في خير أو شر ... فإن كان عمله خيراً فيعرف بذلك العمل ويوصف به وإن كان عمله شراً فيعرف بذلك العمل ويوصف به وهكذا ترى أن الذات يتبع العمل لا العمل يتبع الذات. فالنبي - صلى الله عليه وسلم - والأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكذلك الصديقون والشهداء والصالحون لولا أعمالهم العظيمة التي وفقهم الله إليها ما عرفوا فبالأعمال الصالحة التي عملوها عرفت ذواتهم مكرمة قال الله تعالى (ووجدك ضالاً فهدى /6/ الضحى) وقال عز من قائل: قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم

الرد على الشبهة الأخيرة

/77/الفرقان) ففي هذا دلالة على أن العمل هو الذي جعل الذات مقربة ولا شك أن العمل لعامله وليس لغيره نصيب فيه فإذا فهم ما تقدم تبين أن العمل أفضل من العامل وهو الذي جعله فاضلاً لا أن العمل صار فاضلاً لما صدر عن ذلك الذات ولهذا فإن علياً رضي الله عنه كان يقول: [أعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال واعرف الحق تعرف أهله] * * * وبهذا تبين فساد قول الشيخ دحلان وثبت أن الأعمال الصالحة أفضل من الذات بل هي التي جعلته ذاتاً فاضلاً وبها عرف ولولا الأعمال لما كانت الذوات شيئاً مذكوراً. 27 - الرد على الشبهة الأخيرة ... أما ما أوردتموه علينا - في آخر ما زعمتموه من حجج - من أنكم توسطون إلى الله أنبياءه وأولياءه الصالحين في قضاء حوائجكم كما توسطون إلى كبير من المخلوقين أحد المقربين إليه في حوائجكم لتقضي عنده. فنقول وبالله المستعان: إن وساطة المخلوق للمخلوق جائزة فقد يكون هذا الكبير الذي ذكرتموه في شبهتكم تعتريه علل في نفسه مانعة دون قضاء حوائج الناس من جهل أو ظلم أو منفعة مادية أو معنوية يتطلع إليها أو مصالح متبادلة قائمة بينه وبين الوسيط أو أية علة أخرى تشكل حائلاً دونه قضاء مصالح الناس. فمثل هذا الكبير الذي افترضتم وجوده يحتاج ولا شك إلى وسيط مقرب لديه يتوسط لحل المشاكل المستعصية ...

ولكن لا يجوز إن صح قيام الوساطة إلى هذا الكبير للحيلولة دون علله الضارة بمصالح الناس أن يصح قيام هذه الوساطة بين الله وبين خلقه لأن القياس بين الوساطتين قياس مع الفارق إذ أن الله تعالى لا تحول بينه وبين خلقه مثل تلك العلل!!؟ تنزه الله وتقدس وتعالى عن ذلك علواً كبيراً ... ولعلكم أدركتم فساد قياسكم واقتنعتم بعدم صلاح وروده حجة لكم علينا ومع ذلك نسألكم: لو كان هذا الكبير مشهوراً لدى العام والخاص بإحقاق الحق والعدل وفاتحاً باب الدخول على مصراعيه للناس كافة فيدخل عليه من شاء ويسمع من كل أحد ظلامته ويقضي بها على الشكل الأتم الأكمل من الحق والعدل بلا أية واسطة فبالله عليكم أكنتم تحتاجون إلى واسطة للدخول عليه؟ ستقولون: لا بل ندخل عليه بلا واسطة. ثم نسألكم أيضاً: بالله عليكم أيكون هذا الذي قضى لكم حوائجكم بلا واسطة أفضل في نظركم أم ذاك الذي جعل دونه ودون مصالح الناس حجاباً فلا يقضي حوائجهم إلا بوسائط في نظركم أفضل ستقولون: بل هذا الذي يقضي حوائجنا بلا واسطة أفضل في نظرنا وفي أنظار الناس جميعاً. فنقول: يا سبحان الله لماذا لم تفترضوا الأفضل لله تعالى وأنكم لتعلمون أن الله تعالى واجب دائماً في حقه الأفضل والأمثل؟ ولكن يجب أن تعلموا علم اليقين إنكم والله لو شبهتم الخالق الأفضل لكفرتم فكيف وقد شبهتموه بأدنى ما يتصور من الحكام الظالمين الذين لا يوصلون الناس إلى حقوقهم إلا بوساطات المتوسطين وشفاعات الشافعين!!! فهل شعرتم في عملكم هذا أنكم ما قدرتم الحق قدره هدانا الله وإياكم سواء السبيل وسلكنا وإياكم صراطاً مستقيماً. والحمد لله رب العالمين

فتوى رسمية من مفتي الديار المصرية

فتوى رسمية من مفتي الديار المصرية نشرتها مجلة الإذاعة المصرية في 7/ 3/1957 سئل فضيلة الأستاذ الشيخ حسن مأمون مفتي الديار المصرية سؤالين هامين عن زيارة الأضرحة والتوسل فأجاب فضيلته بما يلي: س1 - ما حكم الشرع في زيارة الأضرحة - أضرحة الأولياء - والطواف بالمقصورة وتقبيلها والتوسل بالأولياء؟ ج1 - أود أن أذكر أولاً أن أصل الدعوة الإسلامية يقوم على التوحيد والإسلام يحارب جاهداً كل ما يقرب الإنسان من مزالق الشرك بالله. ولا شك أن التوسل بالأضرحة والموتى أحد هذه المزالق وهي رواسب جاهلية فلو نظرنا إلى ما قاله المشركون عندما نعي عليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - عبادتهم للأصنام قالوا له: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) فهي نفس التي يسوقها اليوم الداعون للتوسل بالأولياء لقضاء حاجة عند الله أو التقرب منه ومن مظاهر هذه الزيارات أفعال تتنافى مع عبادات إسلامية ثابتة فالطواف في الإسلام والتقبيل في الإسلام لم يسن إلا للحجر الأسود وحتى الحجر الأسود

قال فيه عمر وهو يقبله: (والله لولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما فعلت) فتقبيل الأعتاب أو نحاس الضريح أو أي مكان به حرام قطعاً. وتأتي بعد ذلك الشفاعة وهذه هي في الآخرة غيرها في الدنيا فالشفاعة ارتبطت في أذهاننا بما يحدث في هذه الحياة من توسط إنسان لآخر أخطأ عند رئيسه ومن بيده أمره يطلب إليه أن يغفر له هذا الخطأ وإن كان هذا المخطئ لا يستحق العفو والمغفرة غير أن الله سبحانه وتعالى قد حدد طريق الشفاعة في الآخرة فهذه الشفاعة لن تكون إلا لمن يرتضي الله أن يشفعوا ولأشخاص يستحقون هذه الشفاعة وهؤلاء أيضاً يحددهم إذن فكل هذا متعلق بإذن الله وحكمه فإذا نحن سبقنا هذا الحكم بطلب الشفاعة من أي كان فإن هذا عبث لأننا نستطيع أن نعرف من سيأذن الله لهم بالشفاعة ومن يشفع لهم. وعلى ذلك يتضح أن كل زيارة للأضرحة - غير الشرعية - والطواف حولها وتقبيل المقصورة والأعتاب والتوسل بالأولياء وطلب الشفاعة منهم كل هذا حرام قطعاً ومناف للشريعة أو فيه إشراك بالله وعلى العلماء أن ينظموا حملة جادة لتبيان هذه الحقائق فإن الكثير من العامة بل ومن الخاصة ممن لم تتح لهم المعرفة الإسلامية الصحيحة يقعون فريسة الرواسب الجاهلية التي تتنافى مع الإسلام وإذا أخذ الناس بالرفق في هذا الأمر فلا بد أنهم سوف يستجيبون للدعوة لأن الجميع حريصون ولا شك على التعرف على حقائق دينهم. س2 - هل يجوز النذر لغير الله مثل أن ينذر أحدهم نتائج ماشيته أو ريع أرضه أو مبلغاً من المال لأحد الأولياء؟ وهل يقر الإسلام هذه النذور؟ ج2 - وردت الآيات صريحة في أن النذر لا يجوز إلا لله والنذر لغير الله شرك فالنذر طاعة ولا طاعة لغير الله. حسن مأمون مفتي الديار المصرية

الخاتمة

الخاتمة بهذه الفتوى التي أفتاها الشيخ حسن مأمون مفتي الديار المصرية أختتم هذا الكتاب. هذا الكتاب الذي أوضحت فيه التوسل المشروع والتوسل الممنوع وقد ذكرت أدلة كلا الطرفين ويعلم الله أنني ما تحيزت إلا للحق وللحق وحده. لا شك أنني طرف في هذا النزاع العلمي العقائدي فإنني من مؤيدي التوسل المشروع ومن مخالفي التوسل الممنوع ومع الذين يحرمونه تحريماً باتاً ولكنني أستطيع أن أقول أنني كنت منصفاً في إيراد حجج الخصم في الرد عليها ولا شك أنني أعتقد اعتقاداً جازماً أن ما سموه حججاً وأدلة ليست كذلك البتة لأن الحجة لا يقال لها حجة إلا إذا أثبتت فكرة ما وأوضحتها وأظهرت الحق فيها أما إذا لم تستطع هذه التي يسمونها حججاً إثبات المقصود فليست بحجج ولا أدلة إنما هي شبه ظنوها حججاً وما كان الظن في يوم من الأيام يغني عن الحق شيئاً وعلى كل فإننا قد أظهرنا للجميع زيفها وزيغها وذكرنا أقوال علماء الحديث والعارفين بالرجال فيها فسقطت متوناً وأسناداً وتهافتت كورق الخريف وقد رأى القارئ المسلم الكريم بأم عينه كيف ينهار صرح شبههم لبنة لبنة إلى أن هد بنيانهم إلى القواعد إن

كان هناك قواعد وكلي أمل أن يعتبروا بهذه النهاية للباطل وكيف أنه زهق تحت ضربات الحق إن الباطل كان زهوقاً. ولعل أحداً يقول: إنك اعترفت بأنك طرف في هذا النزاع فكيف سمحت لنفسك أن تنفرد بالحكم على خصومك فحكمك في حقهم غير مقبول لأنك طرف فكيف تكون في آن واحد خصماً وحكماً فأقول: عن هذا النزاع القائم في هذا الموضوع لن تكون الأمة بأجمعها إلا أحد طرفين إلزاماً لأنه عقائدي وقد حدد الله فيه من أول الأمر أين هو الحق وما أنا إلا بذاكر فقط حكم الله تعالى وما بلغه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يمكن إلا أن أكون طرفاً وقد كنت واخترت طرف الحق والحمد لله الذي هداني لهذا وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله. وليست القضية خلافاً على أمور شخصية فلو كانت كذلك لصح فيها أن يقال: يجب أن يكون الحكم حيادياً أي ليس له مصلحة شخصية من هذا الخلاف القائم بين الطرفين المتقاضيين. ولكن الأمر ليس كذلك فهو على قضية شرعية ليس الحكم فيها سوى الله تعالى وقد حكم هو سبحانه لا أنا الذي حكمت ولا غيري من المخلوقين وأعني بذلك أن الأمر من أساسه هو الله تعالى ومن أجله أرسل من لدن آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام ولست أول من ردد حكم الله على أمثال هؤلاء الذين يجيزون التوسل بذوات المخلوقين فقد بحث هذا الأمر قبلي كثير فجمعت أنا بدوري هذه الأبحاث بأسلوب علمي ومنهجي وعرض سهل جديد ورددت بها في هذا الكتاب على من يختلف مع دعوة الحق في هذا الأمر الجليل فبسطت لهم الحجج القرآنية والأدلة السنية ولما بسطواهم ما سموه بالحجج نقضتها كذلك بحجج القرآن وأدلة السنة واستعنت كذلك على دحض شبهاتهم بأقوال علماء الحديث وعلماء رجال الحديث على ضعف ووضع وكذب وبطلان ما أوردوا من حجج على ما يزعمون ولو كان غيري مختلفاً معهم لما أتى إلا بالذي أتيت فالحياد في هذا الموضوع غير وادر البتة

بل هو مستحيل وإن وجد فإنما هو طرف ولا شك ولكن في جانبهم لأنه لا مكان له في جانبنا فإن الأمة بأجمعها دونما أي استثناء طرفان فإن هنا أو هناك ولا ثالث لهما لأن الذي هو حيادي بين قول الله ورسوله وبين من كان خلافهما فهو مع خلافهما قطعاً إذاً لا حياد هنا البتة إنما يمكن أن يكون أحد ما بين بين الطرفين أي بمعنى أنه لم يتضح له الأمر بعد ويسعى جهده لتفهم وجهة الحق حتى تبعها فمثل هذا يكون هذا الكتاب شافياً لما يجد فإذا قرأه سيخرج بنتيجة حتمية دونما ريب أي سيكون أحد الطرفين حتماً فأين هذا الحياد المزعوم؟!!! إذاً لا حياد بين الحق والباطل لأن الحياد هنا كتم للعلم والعلم أمانة وكتمانه خيانة ولا شك أن مكان الخيانة هو في ناحية الباطل ولا مكان لها في طرف الحق وهكذا فإن الحياد بين الحق والباطل إنما هو انحياز صريح إلى الباطل ولا يسمع قول من يقول أنا حيادي في هذا النزاع بل يرد قوله ويقال له: خذ مكانك مع أهل الباطل وهذا طبعاً بعد أن يعرض عليه الحق بدليله فإن بقي على حياده المزعوم أشرنا إلى مكانه في الطرف الآخر وقلنا له: خذ مكانك مع أهل الباطل. ولكن لنا الأمل الوطيد بالله تعالى ثم بكل من يقرأ هذا الكتاب أن يخرج بنتيجة إيجابية فيرى الحق حقاً ويرزق اتباعه ويرى الباطل باطلاً ويرزق اجتنابه بفضل الله منه وكرمه. فإذا كان هذا الكتاب سيخرج بقارئه إلى هذه النتيجة الطيبة فنستطيع إذاً أن نسميه الكتاب القائد والسفر الرائد فلا ينطق إلا باسمه ولا يهتدي إلا بنوره وهداه. هذا الكتاب سيكون إن شاء الله الصحة الرائدة والدعوة القائدة إلى المنطلق البناء يبني العقيدة كما أرادها الله في تبيانه وكما دعا إليها الصادق الأمين في بلاغه وبيانه حتى يعبد الله وحده كما يحب ويرضى فينطلق الأبناء من منطلق الآباء يجددون للإسلام بنيانه الذي

سيبقى إلى أبد الآخرين في حفظ رب العالمين. (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) نحن لا ندعوا إلى شيء فرضناه أو إلى أمر ابتدعناه بل ندعوا: إلى الدعوة الأولى كما نزلت على داعيها أول مرة بلا تزييف ولا تأويل ولا تعطيل. أجل ندعوا إلى الدعوة المحمدية الندية السلفية الغضة الطرية وندعوا الآذان أن تنصت للوصية التي نطق بها الصادق المصدوق قبيل التحاقه بالرفيق الأعلى: [تركتم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك] علها ترن في الآذان وتعيها القلوب. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى ما شاء الله وسلم تسليماً كثيراً (وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين).

§1/1