التوسل المشروع والممنوع

-

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين ... أما بعد: فإن المستقرئ لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أنه بعث في قوم كانوا يغلون في حب الصالحين من الموتى غلوًّا أخرجهم من دين أبيهم إبراهيم عليه السلام. ومن المعلوم أن ملة إبراهيم عليه السلام كانت دعوة الناس إلى أن يعبدوا الله وحده. ومن المعلوم أن العبادة أنواع فمنها: الإيمان والإسلام والإحسان والصلاة والزكاة وسائر أركان الإسلام، والدعاء، والذبح، والنذر، والاستعانة، والاستعاذة، والخوف، والرجاء والرغبة، والرهبة ...

العرب من الناحية الدينية زمن مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتراضه عليهم

العرب من الناحية الدينية زمن مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتراضه عليهم:

فالجاهليون كانوا يصرفون بعض هذه الأنواع لغير الله عز وجل معتقدين أن أولئك الأولياء لهم وجاهة ومنزلة عند الله رفيعة، وأنهم يرفعون حاجاتهم إلى الله عز وجل مثال ذلكم: اللات الذي كان يدعى من دون الله عز وجل في الطائف، كان قبل موته رجلًا نافعًا للناس وخاصة الحجاج فقد كان يلت السويق - نوعًا من الطعام تحتسيه العرب - ويقدمه لهم فلما توفي صار شأنه كشأن أي رجل يعتقد الناس فيه الصلاح والخير فأسف عليه أهل زمانه فصاروا يترددون إلى ضريحه ثم أقاموا عليه بناء ثم جعلوا يتوسلون به ويطوفون بقبره ويسألونه قضاء الحاجات وتفريج الكربات، كما يطلب مثل ذلك من العزى ومناة كما قال الله عز وجل: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى} {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 19 - 23] ، وكانوا مع هذا يعلمون أن هؤلاء المدعوين لم يخلقوا شيئًا من هذا الكون وأنهم لا يملكون رزقًا ولا حياة ولا موتًا وليس لهم من الأمر شيء.

قال الله عز وجل عن المشركين: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [يونس: 31] ، أي: ما دمتم تعلمون أن الفاعل لهذا هو الله أفلا تتقون الله فتفردونه بالدعاء كما أفردتموه بالخلق.

ومن هناك ندرك أن أولئك الكفار ما كانوا يرجون من وراء أولئك الصالحين إلا أن يقربوهم من الله عز وجل ظنًّا منهم أن الله يستجيب لهؤلاء الصالحين الموتى فيقضي حاجات المستغيثين بهم، وهذا فيه غاية التنقص للإله الحق، ووجه ذلك: أن الرب تبارك وتعالى ليس كالبشر يحتاج إلى وزير أو مساعد أو غيره كما هو حال البشر لعدم إحاطتهم بكل شيء. ومن هنا ندرك من القرآن الكريم أن من دعا غير الله من الموتى وغيرهم فيما لا يقدر على تحقيقه إلا الله عز وجل فهو مشرك كافر بالله، قال الله عز وجل كاشفًا شبهتهم: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف: 194] .

وقد نص الله تعالى على أنهم لا يسمعون دعاء من دعاهم، ولو قدر فرضًا وجدلًا أنهم سمعوا فلن يستجيبوا لهم، وأنهم يوم القيامة يكفرون بفعلهم هذا وسمي فعلهم هذا، شركًا بنص الآية وهي قوله تعالى في سورة فاطر: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14] ، إذا كل من دعي من دون الله من الموتى فهو لا يسمع قال تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] ، وقال: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22] ، ولا يعلمون الغيب، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب كما في سورة الأعراف: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف: 188] ، فكيف بمن دونه صلى الله عليه وسلم من البشر يعلم الغيب، فلا يمكن أن يعلم أن فلانا جاء إلى قبره فسأله، بل إنهم لا يسألون إلا معدومًا ولا يصح أن نطلب منهم الشفاعة بجاههم عند

الله فإن الله تعالى كفر العرب لطلبهم من الموتى ذلك مع قولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] ، أي: ما ندعوهم لأن الدعاء عبادة كما سيمر بك قريبًا، ودعاؤهم للشفاعة خطأ عظيم لأنه تعالى يقول: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] ، وقوله تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] ، وهو سبحانه لا يرضى طلب الشفاعة من الموتى لأن الميت لا حياة فيه ولا قدرة له فكيف تطلب من المعدوم، فلا تطلب إلا ممن يقدر عليها وهو الله تعالى. * * *

الشفاعة حق

فالشفاعة بناء على هذا شفاعتان: (الأولى) شفاعة مثبتة: وهي خالصة وخاصة لأهل الإخلاص ولا تطلب إلا من الله، فإنه كما مر بك آنفا لا يشفع أحد لأحد إلا من بعد إذنه ورضاه تبارك وتعالى، وأن يكون راضيًا عن المشفوع له، فإذا كان المشفوع له موحدًا نفعته بإذن الله شفاعة الشافعين سواء كانت من الرسل أو النبيين أو الصديقين أو الأولياء والصالحين.

الثانية شفاعة منفية

(الثانية) شفاعة منفية: وهي التي تطلب من غير الله سبحانه وتعالى كمن يطلبها من الموتى أو الغائبين أو الجن فإنها تطلب ممن لا يقدر عليها، فالميت مر في القرآن كما مر بك أنه لا يسمع والغائب لا يعلم الغيب وهكذا الأولياء والصالحون الموتى لا يعلمون أن أحدًا جاء إلى قبورهم واستغاث أو استعان أو استشفع بهم ونحو ذلك، فعلى هذا لا يشفع للكافر والمشرك كمن يدعو غير الله أو يذبح أو ينذر لغيره تعالى. والشفاعة إنما تطلب يوم القيامة ممن يأذن الله له بها من الأنبياء والأولياء والصالحين بدليل قول الله سبحانه وتعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه: 109] ، ومن الجائز أن يطلب من الأولياء والصالحين الأحياء الدعاء كما كان الصحابة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء حينما يحتاجون إلى الغيث والنصر على الأعداء ونحو ذلك.

أيها القارئ الفطن: قال سبحانه: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [النحل: 20] ، يعني: أن أولئك الأولياء والصالحين موتى وليسوا بأحياء فهم بهذا سألوا الأموات مالا يقدرون عليه بخلاف ما إذا كان الرجل الصالح حيًا غير ميت فإنه يجوز سؤال ما يقدر عليه كأن تقول له: يا شيخ اسأل الله لي كذا وكذا أو أعني يا فلان على قضاء ديني أو حمل متاعي على دابتي ونحو ذلك: مما يقدر عليه. وبعد هذا الاستعراض الموجز لحالة الجاهليين أولئك الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر من الله تعالى، بعد هذا سؤال يطرح نفسه أو يمليه الواقع الذي يعيشه الكثير من أبناء المسلمين ألا وهو:

الفرق بين الجاهليين وبين الذين يدعون الأولياء والصالحين

ما الفرق بين أولئك الجاهليين وبين الذين يدعون الأولياء والصالحين (الموتى) أو الغائبين من أهل زماننا؟ والجواب أنه ليس هناك فرق وذلك من وجوه: أولها: أنهم لا يعتقدون أنها تملك من ملك الله شيئًا وكذلك الذين يذهبون إلى قبور الأولياء والصالحين من أهل زماننا يدعونهم يعتقدون نفس الاعتقاد في مثل الحسين بن علي، وعبد القادر الجيلاني، والسيد البدوي رحمهم الله وسائر الصالحين وغيرهم. ثانيًا: أن الجاهليين يعتقدون أن أولئك الصالحين من الموتى لهم جاه عند الله تعالى فيرفعون حوائجهم إلى الله عز وجل معتقدين أنهم يقربونهم إليه وكفرهم ربي تبارك وتعالى مع قولهم: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18] ، وقولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] ، وكذلك أهل زماننا من رواد القبور يعتقدون في السادة والأولياء نفس الاعتقاد.

والدعاء من العبادة: إذ سمى الله تبارك وتعالى الدعاء عبادة حيث قال سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60] ، ففسر تعالى الدعاء بالعبادة، بل جاء صريحا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن جرير وابن حبان والحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدعاء هو العبادة» (¬1) وروى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يدع الله عز وجل يغضب عليه» . (¬2) ¬

(¬1) حديث صحيح، انظر صحيح الجامع 3407. (¬2) رواه الإمام أحمد (2 / 324) من حديث أبي هريرة، وهو حديث حسن انظر صحيح ابن ماجه (2 / 324) .

كيفية تطبيق الصحابة التوسل المشروع تطبيقا عمليا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

كيف طبق الصحابة التوسل المشروع تطبيقًا عمليًّا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وقد فهم الصحابة هذا المعنى وأن من دعا غير الله تعالى فهو مشرك كافر وإن دعا ملكًا مقربًا أو نبيًا مرسلًا، وما كانوا يفعلون هذا حتى في أحلك الظروف، ولنضرب على ذلك مثلًا من حياة الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قحط الناس في خلافة عمر بن الخطاب فكان يطلب من العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم من الله تعالى حتى إذا كانوا في المصلى قال عمر: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا (¬1) فاسقنا ... فيسقون". (¬2) فجعل العباس يدعو وهم يؤمنون، فهؤلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعلوا ما يفعله بعض أهل زماننا اليوم من الاستغاثة أو طلب الشفاعة وهم أعرف الناس بالحلال والحرام فهم الذين صلوا خلفه وغزوا معه وحجوا معه وجلسوا في مسجده يسمعون خطبه وتأدبوا بآدابه وتعلموا منه صلى الله عليه وسلم. ¬

(¬1) أي: تتقرب إليك بدعاء عم نبينا، وهذا لا حرج فيه: لأنه حي طلب والدعاء من الحي جائز. (¬2) رواه البخاري (2 / 574 - الفتح) ، من حديث أنس.

شد الرحال إلى قبر نبي أو ولي

وكذلك لا يجوز شد الرحال إلى قبر نبي أو ولي ونحو ذلك لأن ذلك وسيلة من وسائل الشرك المفضية إليه وللوسائل أحكام الغايات لذلك نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم ذلك فقال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى» . (¬1) وهذا يعني أن السفر لا ينشأ لأجل قبر صالح أو ضريح ولي ونحوه، ونحن نحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من محبة النفس والوالد والولد والأهل والمال ونحب الصحابة ونحب الأولياء الصالحين ونوالي من والاهم ونعادي من عاداهم ونعلم أن من عادى لله وليًا فقد آذنه الله بالحرب، لكن قل لي بربك هل يقتضي حب هؤلاء ومحبتهم أن نعبدهم من دون الله ونتخذهم أندادًا لله ونتوسل بهم ونطوف بقبورهم ونقدم لهم النذور وننحر لهم القرابين. ¬

(¬1) رواه البخاري (3 / 76 - الفتح) ، ومسلم 2 / 1014، من حديث أبي هريرة.

ومن هنا ندرك أن دعاء أي مخلوق من دون الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل شرك به سبحانه وتعالى، وذلك كمن يأتون إلى قبور الأولياء والصالحين فيسألونهم حاجات شتى كشفاء مرضاهم ورد غائبهم وإنجاب عقيمهم ورد ضوالهم وإن قالوا إننا نعتقد أن كل شيء من الله سبحانه وتعالى، فهذا هو بعينه كما مر بك شرك الجاهليين الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو الشرك الأكبر.

الأدلة على أن دعاء الأولياء من دون الله تعالى شرك أكبر

ومن الأدلة على أن دعاء الأولياء من دون الله تعالى شرك أكبر: قوله تعالى: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] ، و (أحد) نكرة في سياق النهي يفيد العموم يعني لا يدعى إلا الله وحده، وأن دعاءه لغير الله شرك أكبر محبط لأعماله كلها كما قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] . والدليل على هذا أيضًا قوله تعالى في آخر سورة الأعراف: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الأعراف: 191] . والآيات بعدها إلى الآية (197) كلها نصوص صريحة في أن دعاء غير الله تعالى شرك أكبر مخرج من الملة. * * *

التوسل المشروع

التوسل المشروع وهو التوسل بذات الله تعالى كقولك: يا الله، وبأحد أسمائه كقولك: يا رحمن يا رحيم يا حي يا قيوم، أو صفاته كقولك: اللهم برحمتك أستغيث ونحو ذلك أو بدعاء الرجل الصالح الحي الموجود فتقول يا شيخ ادع الله لي ونحو ذلك، كما استسقى الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم. وتوسل بالعمل الصالح كقصة أصحاب الغار الذين أطبقت عليهم صخرة فسألوا الله تعالى بصالح أعمالهم ففرج الله عنهم وخرجوا يمشون، فلك أن تقول اللهم إني أسألك بحبي لنبيك وتوحيدي لك وطاعتي لك ولرسولك أن تمنحني كذا وكذا. أما سؤالك الله تعالى بجاه النبي والولي أو الإقسام على الله تعالى بأحد من هؤلاء فهذه بدع مفضية إلى الشرك فهي محرمة وإن كانت لا تصل إلى الشرك لأن السائل سأل الله وحده، أما سؤالك الموتى أو الغائبين مباشرة فهذا هو الشرك الأكبر.

وقد أرشد سبحانه عباده إلى أن يسألوه وحده ولا يسألوا أحدًا غيره، وقد وعد أن يجيب سائله - ولو بعد حين - قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186] . وقال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] . وأرشدنا أن لا نستعين إلا به فنحن نقول في كل ركعة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] . ومع هذا تجد الكثير ممن يصلون إذا أبطأ عليه تحقيق مطلب له من المطالب جعل يلجأ إلى القبور والأضرحة، والله تعالى قادر أن يجيبه في الحال ولكن هذا الابتلاء والامتحان للعباد فقد اقتضت حكمته تعالى فتنة العباد واختيارهم فلربما أخرت إجابة السائل على مراده ليعلم صدقه إن كان صادقًا فيثبت عند الشدائد فلا ينزلها إلا في الله فلا يسأل غيره وإن أطبقت الجبال على رأسه أو انشقت له الأرض لتبتلعه، وهذا قوي الثقة بالله تعالى قوي الاستعانة والتوكل عليه فحري به أن يجاب.

وآخر مفتون فعند الامتحان يضعف إيمانه ولا يرقي به إلى الاستعانة به تعالى فزين له الشيطان أن ينزل حاجته بالأضرحة والقبور ليخرجه من دينه ويبر به قسمه الذي أخذه على نفسه حين قال: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 83: 82] . ومصداق ذلك الابتلاء للمخلوقين قوله تعالى: {الم} {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1 - 3] ، وقال تعالى: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة: 126] . * * *

عدم الاقتداء إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم

لا نقتدي إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الفتن أن ترى أممًا وشعوبًا وأناسًا ربما يقال إنهم من أصحاب المال والجاه والسلطان أو أنهم عند الناس من أهل العلم بمظاهرهم تجدهم يفعلون ما يفعل الجهلة عند القبور، ولربما سألهم الناس عن حكم هذا العمل فيفتون الناس بأن هذا ليس الشرك المنهي عنه، فالناس يقتدون بهم في ذلك، ولكن العاقل لا يفعل هذا، لأنه يقول: ألا يسعني ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعه من السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم؟

فما دام أن الرسول لم يدع غير الله في كل حياته ولم يعرف عنه ذلك لا في السلم ولا في الحرب ولا في السراء ولا في الضراء بل الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه إذا ألمت به ملمة أو نزلت به نازلة قال لبلال: "يا بلال أرحنا بها"، (¬1) أي: بالصلاة، وفي كل صلاة نقرأ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] ، أي: لا نعبد إلا أنت ولا نستعين إلا بك وقد قال تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] . ولم يقل: لقد كان لكم في أهل زمانكم أسوة حسنة، وانظر إلى بني إسرائيل حين أطاعوا علماءهم وعبادهم في معصية الله تعالى ماذا قال الله تعالى عنهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] ، فلما سمعها عدي بن حاتم قال: يا رسول الله إنا لم نكن نعبدهم - إذ كان نصرانيًا قبل إسلامه - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "أليسوا يحلون ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال: بلى قال: فتلك عبادتهم"، (¬2) . " أخي في الله ¬

(¬1) رواه الإمام أحمد (5 / 264) ، عن رجل من أسلم (صحابي) الحديث، انظر صحيح البخاري (7892) . (¬2) رواه الترمذي (5 / 259) من حديث عدي بن حاتم وهو حديث حسن، انظر غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام رقم (6) .

ما الفرق بين رجل يقول: إن عيسى ابن الله وله شيء من الألوهية كما هو عند النصارى وبين رجل يدعو غير الله معتقدًا أنه يجيب سائله، وهذا مأخذ يأخذه النصارى على بعض من ينتسب للإسلام من أهل هذا الزمان، فهم بفعلهم محسوبون على المسلمين مع أنهم ليسو منهم لتوسلهم البدعي الشركي بالأموات والأولياء والصالحين. ويؤسفنا أن بعض النصارى ممن يقرأ عن حياة الجاهليين أجدادنا يقول هاهم رجعوا إلى وثنية آبائهم العرب، ونسوا أو تناسوا بأنهم وقعوا بأكبر حين نسبوا لله تعالى الولد، تعالى الله عن أن يلد أو يولد وقد قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] . وقال سبحانه: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا} {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 88 -92] . لما تركنا الهدى حلت بنا نقم ... وهاج للظلم والطغيان طوفان * * *

دعاء غير الله تعالى يحبط الأعمال الصالحة

دعاء غير الله تعالى يحبط الأعمال الصالحة

أيها الإخوة: لا شك أن دعاء غير الله تعالى هو الضلال بعينه قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف: 5] . واسمع ما يقال لهم عند الموت حين تتوفاهم الملائكة قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} [لأعراف: 37] . والكافر حابط عمله كما قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] . وذلك لأنه خالف أمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فمخالفة أمر الله تعالى كما مر معك في الآية السابقة ومخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، تكمن في معصيته، حيث أمر أن لا يسأل إلا الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله» . (¬1) وهو حديث صحيح، انظر صحيح الجامع، (7957) . "> والشرك لا يقبل بحال وتحبط الأعمال الصالحة من صلاة وصيام ¬

(¬1) رواه الإمام أحمد (1 / 306) من حديث ابن عباس > وهو حديث صحيح، انظر صحيح الجامع، (7957) .

وحج قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] . وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة: 72] . فيا أخي المسلم احذر من الشرك، ووسائل الشرك كالبناء على القبور مساجد أو غيرها، أو أن تقصد قبرًا يدعى من دون الله أو يذبح لصاحبه، فإن الشرك خافه أبونا إبراهيم عليه السلام على نفسه قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35] . أي جنبنا أن ندعوها من دونك يا رب، والأصنام يعلمون أنها جامدة لكنها تمثل أشخاصا صالحين من ورائها. قال الإمام إبراهيم التيمي (ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟) .

وعليك أخي المسلم أن تدعو الناس إلى ترك مثل هذه السخافات والعادات الجاهلية الشركية التي لا تختلف عما كانت عليه الجاهلية الأولى، وأن يخلصوا الدعاء لله عز وجل ويستجيبوا لبارئهم تعالى حيث قال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] . وقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186] .

من وسائل الشرك

من وسائل الشرك ولنعلم أن من وسائل الشرك الصلاة في المساجد التي فيها قبور وأن الصلاة باطلة فيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» . (¬1) ¬

(¬1) رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة.

§1/1